البيان والتحصيل

ابن رشد الجد

المقدمة

[المقدمة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم الحمد لله الكبير المتعال، العزيز المهيمن ذي العظمة والجلال، المنفرد بصفات الكمال، المنزه عما نحله أهل الزيغ والضلال، المعبود بكل مكان، والمسبح بكل لسان، في كل حين وأوان، مصرف الأزمنة والدهور، وجاعل الظلمات والنور، وباعث من في القبور يوم النشور، ليجازي المحسن بإحسانه الذي هداه إليه، ويعاقب المسيء على إساءته التي قدرها عليه، بإرادته السابقة، وحكمته البالغة، لا لنفع يصل إليه بطاعة المطيعين، ولا لضر يلحقه بعصيان العاصين، تعالى الله عن ذلك أعدل الحاكمين، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة من ماء مهين، في قرار مكين، ثم نفخ فيه من روحه وأنشأه خلقا آخر في أحسن تقويم، وهدى بفضله من شاء منهم إلى الصراط المستقيم، ووفقه لما ارتضاه من الدين القويم، الذي جعله طريقا إلى ما أعده لأوليائه من الكرامة في جنات النعيم، ورفع فيها درجات من أراد به خيرا ففقهه في الدين، وجعله مقتفيا لآثار من سلف من الأئمة المهتدين، حمدا يقتضي رضاه، ويوجب المزيد من زلفاه. وصلى الله على محمد نبي الرحمة، [والداعي إلى ربه] وهادي الأمة، وخاتم النبيين، وسيد المرسلين، ورسول رب العالمين، إلى الخلق أجمعين، الشافع في

المذنبين، [وقائد الغر المحجلين، يوم الجزاء بالدين، إلى دار المحسنين المطيعين، ومأوى الأولياء المقربين] وعلى أزواجه وذريته وأهل بيته وجميع صحبه البررة الراشدين المهديين، الذين ارتضاهم الله لصحبته، واختارهم لنصرته، فنصروه في حياته، وقاموا بإحياء الدين بعد وفاته، فبلغوا السنن والآثار، وما جاء به من تبيين مجمل القرآن، ونهجوا طرق الأحكام، والفصل بين الحلال والحرام، صلاة تشرفه [بها] ، في القيامة، وتوجب له الحظوة والكرامة، وتوصله إلى ما وعده به من الوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة، برحمته إنه منعم كريم. [قال محمد بن رشد] : أما بعد ما تقدم من حمد الله عز وجل، والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة على نبيه المصطفى، وأهل بيته المرتضى، فإن من أسباب الخير التي يسرها الله [تبارك وتعالى] من فضله، وسببها بمنه وطوله، أن دخل علي في صدر سنة ست وخمسمائة بعض الأصحاب من أهل جيان، وبعض الطلبة من أهل شلب يقرأ علي في كتاب الاستلحاق من العتبية، فمر في قراءته علي بحضرته بأول مسألة من سماع أشهب، وهي من المسائل المشكلة؛ لأنه قال فيها: سألنا مالكا أترى العمل على الحديث الذي جاء في القافة أيؤخذ بقولهم اليوم ويصدقون؟ فقال: أما فيما تلحقه من الولد فنعم، وأما بقايا [أهل] الجاهلية فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا، ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية. ووقع في بعض الكتب:

وأما بقايا [أهل] الجاهلية فلا، وأرى أن يؤخذ بقولهم، وفي بعضها: ولا يكون ذلك في ولادة الجاهلية. فأشكلت على القارئ المسألة، كما أشكلت على من سواه، وحق لها أن تشكل عليهم؛ لما ذكرناه من اختلاف الألفاظ فيها مع تقديم وتأخير وقع في سياقتها. وسألني أن أبينها عليه ففعلت وكان مما بينت عليه من أمرها أن الاختلاف الذي وقع فيها في الكتب يرجع إلى روايتين مستقيمتين، ففي الرواية الواحدة بثبت الواو في " وأرى " وثبت " إلا " في قوله: ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية [وفي الرواية الأخرى بسقط الواو من وأرى، وسقط إلا من قوله: ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية] . وبسطت له القول في ذلك وبينت عليه وجه كل رواية منهما وما يستقيم به معناهما، فسر بذلك هو ومن حضر المجلس، وقالوا: والله لقد ظهرت المسألة وارتفع الإشكال منها، وكم من مسألة عويصة في العتبية لا يفهم معناها وتحمل على غير وجهها، فلو استخرجت المسائل المشكلات منها وشرحتها وبينتها لأبقيت بذلك أثرا جميلا يبقى عليك ذكره، ويعود عليك ما بقيت الدنيا أجره. فقلت لهم: وأي المسائل هي المسائل المشكلات منها المفتقرة إلى الشرح والبيان، من الجليات غير المشكلات التي لا تفتقر إلى كلام ولا تحتاج إلى شرح وبيان؟! فقل مسألة منها وإن كانت جلية في ظاهرها، إلا وهي مفتقرة إلى التكلم على ما يخفى من باطنها. ابدأ من أول مسألة من كتاب الوضوء: سمعت مالكا قال: لا أرى لأحد أن يتوضأ بفضل وضوء النصراني، فأما بسؤره من الشراب فلا أرى بذلك بأسا. قال ابن القاسم: وقد كرهه غير مرة، وقال سحنون: إذا أمنت أن يشرب خمرا أو يأكل خنزيرا فلا بأس أن يتوضأ به، كان لضرورة أو لغير

ضرورة. فهذه مسألة جلية في ظاهرها، مفتقرة إلى التكلم على ما يخفى من باطنها؛ لأنه قال: إنه لا يتوضأ بفضل وضوء النصراني، ولم يبين فضل وضوئه ما هو؟ إذ ليس من أهل الوضوء، ولا بين العلة في الامتناع عن الوضوء منه ما هي؟ ولا هل يمتنع من الوضوء منه مع وجود غيره؟ أو على كل حال وجد غيره أو لم يجد؟ ولا ما يجب عليه إن توضأ به وصلى في الوجهين جميعا؟ ولا هل له أن ينتقل إلى التيمم إن لم يجد سواه أم لا؟ والعلة في جواز ذلك إن جاز والمنع منه إن لم يجز ما هي؟ وما يكون الحكم إن انتقل إلى التيمم على القول بأنه لا ينتقل إليه، وإن لم ينتقل إليه على القول بأنه ينتقل إليه؟ ولا بين العلة في الفرق بين سؤره وفضل وضوئه ما هي؟ ولا هل يستوي ذلك عنده على القول بأنه كره سؤره في جميع الأحوال أم لا؟ فهل هذا كله إلا مما يحتاج إلى بيانه؟ وكذلك يحتاج إلى معرفة قول سحنون في تفرقته التي فرق في سؤر النصراني بين أن يؤمن أن يكون قد أكل خنزيرا أو شرب خمرا، أو لا يؤمن ذلك، هل هي خلاف لقولي مالك جميعا؟ أو لأحدهما؟ أو تفسير لهما؟ فإذا كان الأمر على هذا أو قريب منه في أكثر المسائل، فقصد القاصد إلى التكلم على بعضها تعب وعناء بغير كبير فائدة؛ إذ قد لا يشكل على كثير من الناس ما يظنه هو مشكلا فيتكلم عليه [ويشكل عليهم ما يظنه هو جليا فيهمل التكلم عليه] . وإنما كانت تكون الفائدة التامة التي يعظم النفع بها، ويستسهل العناء فيها، أن يتكلم على جميع الديوان كله مسألة مسألة على الولاء، كي لا يشكل على [أحد من] الناس معنى في مسألة منها إلا ويجد التكلم عليها، والشفاء مما هو في نفسه منها؛ لأنه ديوان لم يعن به أحد ممن تقدم كما عنوا بالمدونة التي قد كثرت الشروح لها، على أنه كتاب

قد عول عليه الشيوخ المتقدمون من القرويين والأندلسيين، واعتقدوا أن من لم يحفظه ولا تفقه فيه كحفظه للمدونة وتفقهه فيها، بعد معرفة الأصول، وحفظه لسنن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فليس من الراسخين في العلم، ولا من المعدودين فيمن يشار إليه من أهل الفقه. فلما سمعوا ذلك من قولي تنبهوا له وشرهوا إليه وحرصوا عليه، ورغبوا إلي فيه في غير ما موطن آحادا مفترقين، وجماعة مجتمعين، فتوقفت عن ذلك مدة مخافة العجز عن بلوغ الغرض والبغية فيه بتمامه، بقاطع يحول دون إكماله. ثم إن الله تعالى شرح صدري للشروع فيه، بعد أن خلصت النية في ذلك لله عز وجل رجاء الأجر على ذلك من الله عز وجل والمثوبة، ودعوت ضارعا في التوفيق والمعونة، ورجوت أن يجازي الله على النية في تمامه إن حال قاطع دون ذلك، فشرعت فيه وبدأت بكتاب الوضوء من أول الديوان مسألة مسألة على الولاء، أذكر المسألة على نصها، ثم أشرح من ألفاظها ما يفتقر إلى شرحه، وأبين من معانيها بالبسط لها ما يحتاج إلى بيانه وبسطه، وأحصل من أقاويل العلماء فيها ما يحتاج إلى تحصيله، إذ قد تتشعب كثير من المسائل وتفترق شعبها في مواضع، وتختلف الأجوبة في بعضها لافتراق معانيها، وفي بعضها باختلاف القول فيها، فأبين موضع الوفاق منها من موضع الخلاف، وأحصل الخلاف في الموضع الذي فيه منها الخلاف، وأذكر المعاني الموجبة لاختلاف الأجوبة فيما ليس باختلاف، وأوجه منها ما يحتاج إلى توجيه بالنظر الصحيح والرد إلى الأصول والقياس عليها، فإن تكررت المسألة في موضع آخر دون زيادة عليها ذكرتها في موضعها على نصها، وأحلت على التكلم عليها في الموضع الأول؛ وإن تكررت في موضع آخر بمعنى زائد يحتاج إلى بيانه والتكلم عليه كتبتها أيضا على نصها وتكلمت على المعنى الزائد فيها وأحلت في بقية القول فيها على الموضع الذي تكلمت عليها فيه من الرسم والسماع الذي وقع الكلام فيه عليها؛ ليكون كل من أشكل عليه معنى من المعاني في أي مسألة كانت من

مسائل الكتاب طلبها في موضعها من الكتاب، فإما أن يجد التكلم عليها فيه مستوفى، وإما أن يجد الإحالة على موضعه حيث تقدم. ولما كمل كتاب الوضوء على هذه الصفة من استيعاب جميع مسائله على نصوصها، والتكلم على كل مسألة منها صغرت أو كبرت بما تفتقر إليه وتكمل به، سررت بما أبان لي من عظيم الفائدة فيه، أنه احتوى مع استيعاب شرح مسائله على شرح عامة مسائل المدونة وتحصيل كثير من أمهاتها لتعلقها بها بما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه، وعلمت أنه إن كمل شرح جميع الديوان على هذا الترتيب والنظام، لم يحتج الطالب النبيه فيه إلى شيخ يفتح عليه معنى من معانيه؛ لأني اعتمدت في كل ما تكلمت عليه، بيان كل ما تفتقر المسألة إليه، بكلام مبسوط واضح موجز يسبق إلى الفهم بأيسر تأمل وأدنى تدبر، ورجوت على ذلك المثوبة من الله عز وجل، فأجهدت نفسي في التمادي على شرح بقيته حرصا وإقبالا، فتماديت لا آوي إلى راحة متى ما تفرغت من ليل أو نهار، فكلما أكملت منه كتابا ازددت من التمادي على بقيته حرصا وإقبالا، فتماديت إلى أن أكملت رزمة الصلاة، ورزمة النكاح، ورزمة البيوع، وشرعت في رزمة الأقضية، امتحنت بتولي القضاء، وذلك في جمادى الأولى من سنة إحدى عشرة وخمسمائة، فشغلتني أمور المسلمين عما كنت بسبيله من ذلك، ولم أقدر من التفرغ إليه على أكثر من يوم واحد في الجمعة اعتزلت فيه عن الناس إلا فيما لم يكن منه بد، فما كمل لي على هذا منه في مدة تولية القضاء، وذلك أربعة أعوام غير أيام، إلا نحو أربعة كتب أو خمسة، فأيست من تمامه في بقية عمري، إلا أن يريحني الله عز وجل من ولاية القضاء، وكنت من ذلك تحت إشفاق شديد وكرب عظيم، وذكرت ذلك لأمير المسلمين [وناصر الدين] أبي الحسن علي بن يوسف

بن تاشفين - أدام الله تأييده وتوفيقه - في جملة الأعذار التي استعفيت بسببها، وغبطته بالأجر على تفريغي لتمامه، فقبل الرغبة في ذلك لرغبته فيما رغبته فيه من الثواب، وأسعف الطلبة فيه لما رجاه بأن تثقل بذلك موازينه يوم الحساب، والله يدخر له هذه الحسنة ويبوئه منها من درجات الجنة أعلى درجة برحمته، فواليت من حينئذ في إكمال الكتاب إلى أن كمل بحمد الله تعالى وعونه في مستهل شهر ربيع الآخر من سنة سبع عشرة وخمسمائة. والله أسأل المجازاة على ذلك برحمته. وقد كان بعض الأصحاب سألني أن أمهد في أول كل كتاب منه مقدمة تنبئ عليه مسائله من الكتاب والسنة، وترد إليها بالقياس عليها مع الربط لها بالتقسيم والتحصيل لمعانيها، فرأيت أن أختصر ذلك في كتب هذا الديوان، اكتفاء بما اعتمدته منه في كتب المدونة، وذلك أني جمعت جملا وافرة مما كنت أورده في كل كتاب منها على الأصحاب المجتمعين إلى المذاكرة فيها والمناظرة، وأقدمه وأمهده من معنى اسمه واشتقاق لفظه وتبيين أصله من الكتاب والسنة، وما اتفق عليه أهل العلم من ذلك أو اختلفوا فيه، ووجه بناء مسائله عليه وردها إليه، بالتقسيم لها والتحصيل لمعانيها، جريا على سنن شيخنا الفقيه أبي جعفر بن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ - وطريقته في ذلك، واقتفاء لأثره فيه، وإن كنت أكثر احتفالا منه في ذلك، لا سيما في أول كتاب الوضوء، فإني كنت أشبع القول فيه ببنائي إياه على مقدمات من الاعتقادات في أصول الديانات، وأصول الفقه في الأحكام الشرعيات، لا يسع جهلها، ولا يستقيم التفقه في حكم من أحكام الشرع قبلها، فله الفضل في التقدم والسبق، فإنه نهج الطريق وأوضح السبيل ودل عليه بما كان يعتمده من ذلك مما لم يسبقه من تقدم من شيوخه إليه، وليس ذلك بغريب، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ومبلغ حديث إلى من هو أوعى له منه، والتوفيق بيد

الله يوتيه من يشاء. ووصلت ما جمعت من ذلك ببعض ما استطرد القول فيه من أعيان مسائل وقعت في المدونة ناقصة مفترقة، فذكرتها مجموعة ملخصة مشروحة بعللها، فاجتمع من ذلك تأليف مفيد ينتهي أزيد من خمسة وعشرين جزءا، سميته بكتاب المقدمات الممهدات لبناء ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات، والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات، إلا أنه كتاب لم يتخلص بعد، فإذا تخلص بعون الله تعالى ونقل من مسودته إن شاء الله تعالى، وجمعه الطالب إلى هذا الكتاب، حصل على معرفة ما لا يسع جهله من أصول الديانات وأصول الفقه، وعرف العلم من طريقه، وأخذه من بابه وسبيله، وأحكم رد الفرع إلى أصله، واستغنى بمعرفة ذلك كله عن الشيوخ في المشكلات، وحصل في درجة من يجب تقليده في النوازل المعضلات، ودخل في زمرة العلماء الذين أثنى الله تعالى عليهم في غير ما آية من كتابه ووعدهم فيه بترفيع الدرجات. والله تعالى أسأله التوفيق برحمته.

كتاب الوضوء

[كتاب الوضوء] [الوضوء بفضل وضوء النصراني] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد كتاب الوضوء من كتاب القبلة من سماع ابن القاسم من مالك قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا قال: لا أرى لأحد أن يتوضأ بفضل وضوء النصراني، فأما بسؤره من الشراب فلا أرى بذلك بأسا. قال ابن القاسم: وقد كرهه غير مرة. قال سحنون: وإذا أمنت أن يشرب خمرا أو يأكل خنزيرا فلا بأس أن يتوضأ به، كان لضرورة أو لغير ضرورة. قال محمد بن رشد: يريد مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بفضل وضوء النصراني ما بقي من الماء الذي غسل به يديه أو سائر جسده تنظفا أو تبردا؛ لأن غسل اليد يسمى وضوءا في اللسان، إذ هو مشتق من الوضاءة والنظافة. ومنه الحديث: «الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي اللمم» ، روي ذلك عن الحسن ومثله لا يكون إلا توقيفا عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -،

وقد روي عنه نصا، وإنما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه لا يتوضأ به لأجل أنه أدخل يده فيه، وهو قوله في المدونة: لا يتوضأ بسؤر النصراني ولا بما أدخل يده فيه، يريد أنه لا يتوضأ به وجد غيره أو لم يجده، ويتيمم إن لم يجد سواه، فإن توضأ به في الوجهين أعاد في الوقت. ويحتمل أن يريد أنه لا يتوضأ به مع وجود غيره، فإن توضأ به مع وجود غيره أعاد في الوقت، وإن لم يجد غيره توضأ به على كل حال ولم يتيمم. والتأويل الأول أولى وأظهر على مذهبه في رواية ابن القاسم عنه. ووجهه: أنه حمل يده على النجاسة؛ إذ الأغلب منها أنها لا تنفك عن النجاسة لأنها تجول على جسده وفيه النجاسة، ويباشر أيضا [بها] ، سائر النجاسات التي لا يتوقى منها، فكان كأنه قد أيقن بنجاستها. ووجه التأويل الثاني أنه [لما] ، لم يوقن بنجاسة يده وجب أن لا يتوضأ به مع وجود غيره احتياطا، وأن لا ينتقل عن الوضوء المفروض عليه مع وجوده إلى التيمم إلا بيقين على الأصل في أنه لا تأثير للشك في اليقين. وإلى هذا التأويل ذهب ابن حبيب، ولم ير عليه إعادة إن توضأ به وهو يجد غيره. وأما سؤره من الشراب فمرة قال: لا بأس به، أي لا كراهية في الوضوء به إذا لم يجد غيره، بل واجب عليه أن يتوضأ به ولا يتركه ويتيمم، ولا إعادة عليه إن توضأ به وهو يجد غيره، وهو قول ابن عبد الحكم، ومرة كرهه؛ أي كره الوضوء به إن وجد سواه، فإن توضأ به وهو يجد سواه أعاد في الوقت، وإن لم يجد سواه توضأ به ولم يتيمم. وعلى مذهبه في المدونة في مساواته بينه وبين ما أدخل فيه يده لا يتوضأ به، وجد سواه أو لم يجد، ويتيمم إن لم يجد سواه، فإن توضأ به في الوجهين أعاد في الوقت، وهو قول سحنون؛ لأن في قوله إذا أمنت أن يشرب خمرا أو يأكل خنزيرا فلا بأس أن يتوضأ به كان لضرورة أو لغير ضرورة، دليلا على أنه إذا لم يأمن ذلك فلا يتوضأ به كان

فصل: إن تحققت طهارة يد وفم النصراني فهل يجوز استعمال سؤره

لضرورة أو لغير ضرورة. ويبين ذلك من مذهبه قوله في نوازله من هذا الكتاب: إنه كالكلب المخلى على القذر والنجاسة، فيتيمم ولا يتوضأ بسؤره. ووجه القول الأول أنه لما كانت النجاسة إن كان قد تناولها بفيه لا تثبت فيه ويزيل عنها منه الريق حمله على الطهارة حتى يوقن فيه بالنجاسة، ولم يحمله في القول الثاني على الطهارة ولا على النجاسة، فكره الوضوء به مع وجود سواه، ولم ير أن ينتقل عنه إلى التيمم إن لم يجد سواه، وهو على مذهبه في المدونة محمول على النجاسة مثل قول سحنون؛ لأنه لما كان لا يرع عنها صار عنده كالكلب المخلى عليها. [فصل: إن تحققت طهارة يد وفم النصراني فهل يجوز استعمال سؤره] فصل فإن تحققت طهارة يده وفمه جاز استعمال سؤره وما أدخل فيه يده وإن وجد غيره، وإن تيقنت نجاستهما لم يجز استعمال شيء من ذلك وإن لم يجد غيره، وإنما الاختلاف إذا لم يعلم طهارتهما من نجاستهما، فقيل: إنهما يحملان على الطهارة، وقيل: إنهما يحملان على النجاسة، وقيل: إنه يحمل سؤره على الطهارة، وما أدخل فيه يده على النجاسة، وقيل في سؤره: إنه يكره ولا يحمل على طهارة ولا على نجاسة. وهذا كله على مذهب ابن القاسم ورواية المصريين عن مالك في أن الماء اليسير تفسده النجاسة اليسيرة وإن لم تغير وصفا من أوصافه، وأما على رواية المدنيين عن مالك في أن الماء قل أو كثر لا تفسده النجاسة إلا أن تغير وصفا من أوصافه فسؤر النصراني وما أدخل فيه يده وإن أيقن بنجاسة يده وفمه، مكروه مع وجود غيره ابتداء مراعاة للخلاف، واجب استعماله مع عدم سواه في الطهارة والتطهير، فالذي يتحصل في سؤر النصراني وما أدخل يده فيه من الخلاف

مسألة: اغتسال الجنب في البئر هل يفسده

أنه إن توضأ به وهو يجد غيره ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا إعادة عليه لصلاته، ويعيد وضوءه لما يستقبل، والثاني: أنه يعيد وضوءه وصلاته في الوقت، والثالث: الفرق بين سؤره وما أدخل فيه يده، فيعيد صلاته في الوقت إن توضأ بما أدخل فيه يده، ولا يعيد إن توضأ بسؤره إلا وضوءه لما يستقبل. وأما إن لم يجد غيره ففي ذلك قولان: أحدهما: أنه يتوضأ به ولا يتيمم، فإن تركه وتيمم أعاد أبدا، والثاني: أنه يتيمم ويتركه، فإن توضأ به أعاد في الوقت خاصة و [قيل] لا إعادة عليه، وقيل: يعيد مما أدخل يده فيه ولا يعيد من سؤره، وبالله التوفيق. [مسألة: اغتسال الجنب في البئر هل يفسده] مسألة قال مالك في رجل نزل في بئر معين فاغتسل فيه وهو جنب: إن ذلك لا يفسده على أهله ولا أرى بمائها بأسا ولا أرى أن ينزف. قال محمد بن رشد: هذا صحيح لا اختلاف فيه في المذهب أن الماء الكثير لا ينجسه ما حل فيه من النجاسة إلا أن يغير أحد أوصافه، إلا رواية شاذة رواها ابن نافع عن مالك نحا بها مذهب أهل العراق. والدليل على ما عليه عمدة المذهب ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيها من الأقذار والنجاسات فقال: «الماء طهور ولا ينجسه شيء» ، يريد إلا ما تغير أحد أوصافه، وذلك مذكور في بعض الآثار.

مسألة: في حلول النجاسة في الماء والطعام

وإنما اختلف في جواز الاغتسال فيه ابتداء دون أن يغسل ما به من الأذى، فكرهه مالك للنهي الوارد عن الغسل في الماء الدايم، وأجازه ابن القاسم إذا كان الماء يحمل ما به من الأذى، وذلك قائم من المدونة ومنصوص عليه في رسم "البير" من هذا السماع، وفي رسم "العتق" من سماع عيسى من هذا الكتاب. وفرقوا بين حلول النجاسة المائعة في الماء الكثير الدائم وبين موت الدابة فيه استحسانا على ما يأتي في مسائلهم. ولو وقعت فيه الدابة ميتة وأخرجت من ساعتها قبل أن تطول إقامتها فيه لم يفسد ذلك الماء، وكذلك لو وقعت فيه حية فأخرجت قبل أن تموت. وقد سئل سعيد بن نمر عن فارة وقعت في قصرية شراب فقع فأخرجت حية، فقال: إنه يهراق ولا يوكل، وحكى غيره أن في سماع ابن وهب عن مالك مثله، وهو بعيد وشذوذ لا وجه له، فالله أعلم بصحته. [مسألة: في حلول النجاسة في الماء والطعام] ] وقال مالك في الماء الكثير تقع فيه القطرة من البول أو الخمر: إن ذلك لا ينجسه ولا يحرمه على من أراد أكله أو شربه أو الوضوء منه، والطعام والودك كذلك إلا أن يكون شيئا يسيرا. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن النجاسة اليسيرة لا تفسد الطعام الكثير ولا تنجسه، كما لا تفسد الماء الكثير ولا تنجسه، وهذا مما لا يقوله إلا داوود القياسي ومن شذ عن الجمهور وخالف الأصول؛ لأن

الله تعالى خلق الماء طهورا، فهو يحمل ما غلب عليه من النجاسات، بخلاف ما عداه من الأطعمة والأدم المائعات. والفرق بينهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن ماء بير بضاعة وما يلقى فيها من الأقذار والنجاسات فقال: «خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته» ، وسئل عن الفارة تقع في السمن فقال: «انزعوها وما حولها فاطرحوه وإن كان مائعا فلا تقربوه» ، وهذا ما لا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار، وإنما اختلفوا في جوازه للانتفاع به وبيعه، فمنهم من لم يجز شيئا من ذلك وهو مذهب ابن الماجشون من أصحابنا، ومنهم من أجاز جميع ذلك وهو مذهب ابن وهب من أصحابنا. ودليل رواية ابن القاسم عن مالك في رسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة" من كتاب الصلاة في مسألة الصابون، ووقعت أيضا في سماع ابن القاسم من هذا الكتاب في بعض الروايات. ودليل رواية أشهب أيضا في كتاب الضحايا من العتبية. ومنهم من أجاز الانتفاع به ولم يجز بيعه، وهو مذهب ابن القاسم وأكثر أصحاب مالك، فوجب أن لا تحمل الرواية على ظاهرها وأن تتأول على ما ذهب إليه الجمهور مما يطابق الأصول، فنقول: إن معنى قوله: والطعام والودك كذلك؛ أي أن القطرة [من الطعام] والودك إذا وقعت أيضا في الماء الكثير لم تؤثر فيه ولا أخرجته عن حكمه من التطهير كما لم تخرج القطرة من البول أو الخمر الماء الكثير عن حكمه من الطهارة والتطهير. وقوله: إلا أن يكون يسيرا معناه إلا أن يكون الماء الذي وقع فيه شيء من ذلك يسيرا يتغير من ذلك بعض أوصافه فينجس بالنجاسة وينضاف بالطعام. فهذا تأويل سائغ تصح به الرواية على الأصول وما عليه الجمهور. وقد روي أنه سئل علماء البيرة عن فارة انطحنت مع قمح في رحى الماء، فقالوا: يغربل الدقيق ويؤكل، فبلغ ذلك سعيد بن نمر من قولهم فقال: عليهم بحرز العجول، لا يؤكل على حال.

مسألة: الدواب تدرس الزرع فتبول فيه

قال محمد بن رشد: وهو الصحيح. وإنما غلط علماء البيرة في هذه المسألة من هذه الرواية بحملها على ظاهرها، والله أعلم. [مسألة: الدواب تدرس الزرع فتبول فيه] مسألة وقد سئل سحنون عن الدواب تدرس الزرع فتبول فيه، فخففه للضرورة، كالذي يكون في أرض العدو فلا يجد بدا من أن يمسك عنان فرسه وهو قصير فيبول فيصيبه بوله. قال محمد بن رشد: وإنما خفف ذلك مع الضرورة للاختلاف في نجاسته كما خفف المشي عن أرواث الدواب وأبوالها في الطرقات مع الضرورة إلى ذلك من أجل الاختلاف في نجاستها. وأما ما لا اختلاف في نجاسته فلا يخفف مع الضرورة. وقد روى سليمان بن سالم الكندي من أصحاب سحنون أنه كان يقول: إذا وقعت القملة في الدقيق ولم تخرج في الغربال لم يؤكل الخبز، وإن ماتت في شيء جامد طرحت كالفارة. وقاله غيره في البرغوث أيضا، وفرق غيره بينهما فقال: إن البرغوث كالذباب الذي يتناول الدم، وأما القملة فهي من الإنسان كدمه. قال محمد بن رشد: وهذا إغراق إذا كثر العجين؛ لأن القملة لا تنماع في جملة العجين فتنجسه، وإنما تختص بموضعها منه، فإذا تحرم اللقمة التي هي فيها، فلما لم تعرف بعينها لم يجب أن يحرم أكل اليسير منه إذا كثر، كما لو أن رجلا يعلم أن له أختا ببلدة من البلاد لا يعرف عينها، لم يحرم عليه أن يتزوج من نساء تلك البلدة، بخلاف اختلاطها بالعدد

مسألة: توضأ وصلى ثم علم أن عليه الإعادة

اليسير من النسوة، فإذا خففنا تناول شيء منه لاحتمال أن تكون القملة فيما بقي، خففنا تناول البقية أيضا لاحتمال أن تكون القملة فيما تناول والله أعلم. ومن كتاب أوله شك في طوافه [مسألة: توضأ وصلى ثم علم أن عليه الإعادة] مسألة وقال سحنون: إذا توضأ رجل بماء قد تغير مما وقع فيه تغييرا شديدا فصلى بذلك الوضوء ثم علم أن عليه الإعادة في الوقت [وبعد الوقت] ، قال: وهذه الرواية أحب إلي من رواية ابن القاسم؛ لأنه إذا غلبت عليه النجاسة خرج عن حد الماء وصار كالمصلي بغير وضوء. قال محمد بن رشد: التغير الشديد هو أن يتغير الماء عن لونه أو طعمه أو تشتد تغير رائحته وإن لم يتغير لونه ولا طعمه، والتغير الذي ليس بشديد هو أن يتبين تغيير رائحته من غير أن يشتد التغير مع أن لا يحول عن لونه ولا عن طعمه؛ لأن ابن الماجشون لا يراعي تغير الرائحة جملة، فأراه نحا إلى قوله في اشتراطه شدة التغير، وقد اشترطه مالك أيضا في آخر سماعه من هذا الكتاب، وسنتكلم عليه في موضعه إذا مررنا به إن شاء الله. وقوله: وهذه الرواية، إشارة منه إلى رواية لم يذكرها قد جرى ذكرها في المجلس كرواية علي بن زياد عن مالك في المدونة، أو ما كان في معناها مما وقع في مختصر ابن عبد الحكم وغيره. ولم يذكر أيضا رواية ابن القاسم التي استحب الرواية التي أشار إليها [عليها] فيحتمل أن يكون أراد رواية ابن القاسم

مسألة: الرجل يصلي بثوب فيه نجاسة

عن مالك الواقعة في هذا الرسم بعد هذه المسألة بمسألة، فإن كان أرادها فإنما اختار الرواية التي أشار إليها عليها - لما فيها من الإجمال والاحتمال. ويحتمل أن يكون أراد أيضا إطلاقه عنه أن من توضأ بماء نجس أعاد في الوقت؛ لأن وصفه بالنجس يقتضي تغير أحد أوصافه من النجاسة، وهو لا يقول: إنه يعيد في الوقت إلا في الماء اليسير الذي لم يتغير أحد أوصافه بما حل فيه من النجاسة. فإن كان أراد هذه الرواية فإنما اختار الرواية التي أشار إليها عليها لفسادها في الظاهر ولأنها أبين منها وأفسر؛ إذ لا يقول ابن القاسم ولا أحد من أهل العلم: إن من توضأ بماء قد غلبت عليه النجاسة وتغير منها تغيرا شديدا أنه لا يعيد أبدا، وهذا حفظنا عن شيوخنا في تأويل قول سحنون هذا وتصحيحه، والله أعلم بحقيقة الصواب في ذلك. [مسألة: الرجل يصلي بثوب فيه نجاسة] مسألة روى عيسى في كتاب القطعان عن ابن وهب في الرجل يصلي بثوب فيه نجاسة، قال: يعيد تلك الصلاة متى ما ذكرها في الوقت وبعده. قال محمد بن رشد: مثل هذا لابن وهب أيضا في سماع عبد الملك من كتاب الصلاة، ومذهبه أن رفع النجاسات من الثياب والأبدان من فرائض الصلاة، فسواء عن مذهبه صلى بثوب فيه نجاسة ناسيا أو متعمدا أو جاهلا بالنجاسة أو بوجوب رفعها في حال الصلاة أو مضطرا إلى الصلاة فيه لعدم سواه، يعيد أبدا في الوقت وغيره. وإنما يقول: إنه يعيد أبدا في الوقت وغيره إذا كانت النجاسة متفقا عليها كبول بني آدم والرجيع والاحتلام ودم الحيضة والميتة وما أشبه ذلك، كذا روى أبو الطاهر عنه، وذلك مفسد لهذه الرواية. والمشهور في المذهب قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن رفع النجاسات

مسألة: في الفارة تموت في البئر

من الثياب والأبدان سنة لا فريضة، فمن صلى بثوب نجس على مذهبهم ناسيا أو جاهلا بنجاسته أو مضطرا إلى الصلاة فيه أعاد في الوقت. واختلف في الوقت الذي يعيد فيه على ثلاثة أقوال: أحدها: الاصفرار، والثاني: الغروب، والثالث: أنه الغروب في المضطر والاصفرار فيما سواه. وإن صلى به عالما غير مضطر أو متعمدا أو جاهلا أعاد أبدا لتركه السنة عامدا. ومن أصحابنا من قال: إن رفع النجاسات عن الثياب والأبدان فرض بالذكر يسقط بالنسيان، كالكلام في الصلاة، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأنه ينتقض بالذي يصلي فيه مضطرا إلى الصلاة به؛ لأنه ذاكر ولا يعيد إلا في الوقت. وقال بعضهم: فرض مع الذكر والقدرة تحرزا من هذا الاعتراض. [مسألة: في الفارة تموت في البئر] ] وقال مالك في ثياب أصابها ماء بئر وقعت فيه فارة فماتت وتسلخت، قال: أرى أن يغسل ما أصابه من الثياب، وأما الصلاة فلا يعيد إلا ما أدرك وقته. قال محمد بن رشد: لم يبين في هذه الرواية إن كان الماء تغير من ذلك أو لم يتغير، وتأويلها يتخرج على الوجهين، فإن كان أراد أن الماء تغير من ذلك، فيحمل قوله: أرى أن يغسل ما أصابه من الثياب على الوجوب، ويحمل قوله على أن الصلاة لا يعيد منها إلا ما أدرك وقته على أنه لم يتوضأ من ذلك الماء، وإنما صلى بما أصابه ذلك الماء من الثياب؛ إذ لو توضأ من ذلك الماء وقد تغير لوجب أن يعيد الصلاة أبدا. وقد وقع ذلك من رواية ابن القاسم في هذا السماع في بعض الروايات، ونص ذلك: قال ابن القاسم عن مالك: إذا تغير لون الماء وطعمه أعاد أبدا، وهذا ما لا اختلاف فيه، وإنما

مسألة: في مس القرآن على غير طهارة

الاختلاف في تغير رائحته خاصة. وإن كان أراد أن الماء لم يتغير من ذلك، فيحمل قوله: إن الثياب تغسل من ذلك - على الاستحباب فيما لا يفسده الغسل كما قال ابن حبيب، وإعادة الصلاة من ذلك في الوقت صحيح كما قال على أصولهم، توضأ بذلك الماء أو صلى بالثياب التي أصابها ذلك الماء ولم يتوضأ به. وفرق في آخر سماع أشهب من هذا الكتاب بين أن يكون الماء فاسدا منتنا أو يكون ذلك فيه شيئا خفيفا. وسنتكلم على معنى ذلك إذا مررنا به إن شاء الله. [مسألة: في مس القرآن على غير طهارة] ] وسئل مالك عن اللوح فيه القرآن أيمس على غير وضوء؟ فقال: أما الصبيان الذين يتعلمون فلا أرى بذلك بأسا. فقيل له: فالرجل يتعلم فيه؟ قال: أرجو أن يكون خفيفا. فقيل لابن القاسم: فالمعلم يشكل ألواح الصبيان وهو على غير وضوء؟ قال: أرى ذلك خفيفا. قال محمد بن رشد: إنما خفف مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، للرجل الذي يتعلم القرآن أن يمس اللوح فيه القرآن، وخفف ذلك ابن القاسم أيضا للمعلم يشكل ألواح الصبيان؛ لأن النهي إنما ورد أن لا يمس القرآن إلا طاهر، وحقيقة لفظ القرآن إذا أطلق أن يقع على جملته، وإن كان قد يطلق ويراد به بعضه على ضرب من التجوز، فتقول: سمعت فلانا يقرأ القرآن وإن كنت لم تسمعه يقرأ منه إلا سورة واحدة أو آية واحدة فتكون صادقا في قولك. فلما كان لفظ القرآن يقع على كله وقد يقع على بعضه لم يتحقق ورود النهي

مسألة: في الوضوء بسؤر الهر

في مس بعضه على غير طهارة، فمن أجل ذلك خفف للذي يتعلم القرآن أو يشكل ألواح الصبيان أن يمس اللوح فيه القرآن على غير وضوء لما يلحقه من المشقة في أن يتوضأ كلما أحدث، ولعل ذلك يكون في الأحيان التي يثقل فيها مس الماء فيكون ذلك سببا إلى المنع من تعلمه، وهذه هي العلة في تخفيف ذلك للصبيان؛ لأنهم وإن كانوا غير متعبدين، فآباؤهم فيهم متعبدون بمنعهم مما لا يحل كشرب الخمر وأكل [لحم] الخنزير وما أشبه ذلك. ألا ترى أنه خفف لهم التضاريس يتعلمون فيها في الكتاب، وكره أن يمسوا فيها المصحف الجامع للقرآن إلا على وضوء. ومن الدليل على ما قلناه من الفرق بين جملة القرآن وبعضه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، وكتب إلى هرقل عظيم الروم: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم وأسلم يوتك الله عز وجل أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين. و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] إلى قوله: {بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52] » . ولهذا جاز للرجل أن يكتب في الكتاب الآية والآيتين على غير وضوء في سماع أشهب من كتاب الصلاة. ومن هذا الكتاب في بعض الروايات أن الرجل لا يمس اللوح إذا قرأ فيه على غير وضوء، فإن لم يكن معناه على غير التعلم فهو معارض لهذه الرواية، فتأمل ذلك تجده صحيحا، والله أعلم. [مسألة: في الوضوء بسؤر الهر] ] وسئل عن الهر يلغ في إناء رجل لوضوئه، أيتوضأ به؟ قال: نعم، وذلك يذكر.

مسألة: في سؤال الماء للوضوء

قال محمد بن رشد: قوله: وذلك يذكر، يريد يذكر في السنة قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه: «إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات» . فالهر على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك بهذا الحديث محمول على الطهارة حتى يرى في فمه نجاسة، بخلاف غيره من السباع والدجاج المخلاة، إلا في الماء الكثير لقول عمر بن الخطاب: لا تخبرنا يا صاحب الحوض، فإنا نرد على السباع وترد علينا، وإلا في الطعام فإنه لم ير في المدونة أن يطرح إلا بيقين لحرمته. [مسألة: في سؤال الماء للوضوء] ] سئل ابن القاسم عن الرجل يكون في السفر يعجز ماؤه ومع أصحابه ماء، أترى أن يسألهم لوضوئه أم يتيمم؟ قال: أما المكان الكثير الماء فلا أرى بذلك بأسا، وأما الموضع الذي يتعذر فيه، فأرجو أن يكون واسعا. قال محمد بن رشد: واجب على الرجل أن يطلب الماء لوضوئه إذا عدمه ولم يجد ممن يشتريه وهو واجد بما يشبه من الثمن على ما في المدونة ممن يليه ويظن أنه لا يمنعه ويعطيه لما قال في سماع أشهب من هذا الكتاب، وليس في قوله في هذه الرواية: فلا أرى بذلك بأسا، دليل على أن له أن يترك الطلب في المكان الكثير الماء الذي يقع في نفسه أنه لا يبخل فيه به عليه؛

مسألة: في حد التيمم في اليدين

لأن المعنى في سؤال السائل يكره له سؤال الماء من ناحية أن المسألة مكروهة، فأخبر أنه لا كراهية في السؤال في هذا الكتاب، وإذا انتفت عنه الكراهة تعلق به الوجوب لما يلزمه من الطهارة للصلاة. وقوله في آخر المسألة: وأرجو أن يكون ترك السؤال واسعا في الموضع الذي يتعذر فيه الماء يدل على أنه لا سعة له عنده في ترك السؤال في الموضع الذي يكثر فيه الماء بيان ما قلناه. وفي سماع أشهب من معنى هذه المسألة ما فيه بيان لها وبالله التوفيق. ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة [مسألة: في حد التيمم في اليدين] ] وسئل مالك عمن أفتي بأن التيمم إلى الكفين فتيمم وصلى، ثم أخبر بعد ذلك أن التيمم إلى المرفقين، ما ترى أن يصنع؟ قال: أرأيت لو صلى منذ عشرين سنة أي شيء كنت آمره به؟ ثم قال: أرى أن يعيد ما دام في الوقت. قال مالك: لقد سمعت رجلا عظيما من أهل العلم يقول إلى المنكبين، واعجبا كيف قاله! فقيل له: إنه تأول هذه الآية {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، فقال: أين هو من آية الوضوء فيأخذ بهذا ويترك هذا؟ فيا عجبا مما يقوله! قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أن مالكا، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إنما تعجب ممن يقول إلى الكفين [وجعل قوله إغراقا في الخطأ إذ من أهل العلم من يقول إلى المنكبين، فقيل له إنه قال إلى الكفين] متأولا لآية السرقة

فقال: أين هو من آية الوضوء؟ يريد أن رد الأيدي المطلقة في التيمم إلى الأيدي المقيدة في الوضوء بالمرفقين؛ إذ هو بدل منه أولى من ردها إلى الأيدي المطلقة في السرقة؛ لأن المعنى في ذلك مختلف، وذلك بين. ولا دليل في قول مالك: وأين هو من آية الوضوء؟ على أن الحكم عنده أن ترد آية التيمم إليها، إذ لو كان الحكم عنده أن ترد إليها لأوجب على من تيمم إلى الكوعين الإعادة أبدا، وإنما أراد أن حمل آية التيمم على آية الوضوء أولى من حملها على آية السرقة [وإن كان هو لا يرى حملها على واحدة منهما؛ إذ لو حملها على آية السرقة] لأمر المتيمم بالتيمم إلى الكوعين ابتداء، ولو حملها على آية الوضوء لأوجب الإعادة أبدا على من تيمم إلى الكوعين، فالآية عنده على إطلاقها غير مقيدة بآية الوضوء ولا بآية السرقة. فمن تيمم عنده إلى الكوعين أجزأه وإن كان لا يأمره بذلك ابتداء، ويرى عليه الإعادة في الوقت إن فعل مراعاة لقول من يرى آية التيمم محمولة على آية الوضوء، فيوجب التيمم إلى المرفقين على أصله في مراعاة الخلاف، ولم يراع قول من أوجب التيمم إلى المنكبين لشذوذه وبعده من النظر؛ لأن الآية إذا حملت على إطلاقها وجب أن يجزئ التيمم إلى الكوعين لوقوع اسم اليد على الكف إلى الكوع وألا يجب إلى المنكبين، وإن تناول ذلك اسم اليد عند العرب؛ لأن الأصل براءة الذمة من العبادات، فلا يجب منها شيء على أحد إلا بيقين. وقوله فيمن يتيمم إلى الكوعين إنه يعيد في الوقت، مثله في المدونة وفي سماع محمد بن خالد من هذا الكتاب. وقال أصبغ في مختصر ابن أبي زيد: والوقت في ذلك وقت الصلاة المفروضة، وقال ابن نافع ومحمد بن عبد الحكم يعيد أبدا، وقولهما على قياس القول بأن آية التيمم محمولة على آية الوضوء. ولابن لبابة في هذه المسألة اختيار

مسألة: في صفة تيمم الأقطع

غريب، وهو أن الجنب يتيمم إلى الكعبين وأن المحدث حدث الوضوء يتيمم إلى المنكبين، اتبع في ذلك ظواهر آثار جلبها فانظر ذلك وتدبره. [مسألة: في صفة تيمم الأقطع] ] وسئل مالك أيتيمم الأقطع للصلاة؟ قال: نعم، فقيل له: وكيف يتيمم؟ فقال: كيف يتوضأ، فقيل له يوضئه غيره، قال: كما يتوضأ كذلك يتيمم، فقلت له: هو مثله؟ قال: نعم، التيمم مثل الوضوء. قال محمد بن رشد: أما وجهه فلا كلام عليه في أنه يتيمم كما يتوضأ، وكذلك يداه على مذهب مالك ييمم ما بقي منهما إلى المرافق، ويسقط عنه التيمم فيهما على مذهب من يرى أن التيمم إلى الكوعين، وبالله التوفيق. [مسألة: في وضوء الجماعة من إناء واحد] ] وحدثني ابن القاسم عن مالك عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص أنه كان لهم مركن يسكب فيه الماء فيتوضأ منه أبوها وأهل البيت.

مسألة: في تدلك المغتسل

قال محمد بن رشد: المركن الإجانة التي تغسل فيها الثياب، قاله الهروي. وفائدة هذا الحديث إجازة وضوء المرأة بفضل الرجل ووضوء الرجل بفضل المرأة؛ لأنه الظاهر منه، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه لا اختلاف بينهم في ذلك. ومن الحجة لهم «قول عبد الله بن عمر في الموطأ: إن كان الرجال والنساء ليتوضئون جميعا في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وهذه مسألة لأهل العلم فيها خمسة أقوال: أحدها: قول مالك هذا وجميع أصحابه، والثاني: أنه لا يتوضأ واحد منهما بفضل صاحبه شرعا معا أو غاب أحدهما عن الوضوء، والثالث: أنه تتوضأ المرأة بفضل الرجل ولا يتوضأ الرجل بفضل المرأة، والرابع: أنه يتوضأ كل واحد منهما بفضل صاحبه إذا شرعا معا. بخلاف إذا غاب أحدهما على الوضوء، والخامس: أنه لا بأس أن يتوضأ كل واحد منهما بفضل صاحبه ما لم يكن الرجل جنبا أو المرأة حائضا أو جنبا. وقد قيل: إن عائشة هذه صحابية، وإن مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أدركها فهو بذلك من التابعين. والصحيح أنها ليست صحابية؛ لأن الكلاباذي ذكرها في التابعات ولم يذكرها ابن عبد البر في الصحابيات، فانظر ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: في تدلك المغتسل] ] قيل لسحنون: أرأيت قول مالك لا يجزئ الجنب الغسل حتى يمر يديه على جميع جسده كله ويتدلك، أرأيت لو أن رجلا بادنا لا يقدر أن يعم بيديه جميع جسده، قال فليوكل رجلا أو امرأة تجري يدهما على ما قصر عنه يد المغتسل. قيل له: فإن كان في سفر وليس معه أحد؟ قال: فليأخذ ثوبا وليبله ويمره على المواضع التي لا يبلغها بيده.

مسألة: في لباس ما لبس النصراني أو نسج

قال محمد بن رشد: المشهور من قول مالك في المدونة وغيرها أن الغسل لا يجزئ الجنب حتى يمر بيده على جميع جسده ويتدلك [قياسا على الوضوء أنه لا يجزئ فيه صب الماء دون إمرار اليد. وقد روى مروان بن محمد الطاطري الشامي عن مالك أن الجنب يجزئه الغسل وإن لم يتدلك] وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم، لما في الحديث من قوله: «ثم اغتسل وأفاض عليه الماء» ، ولم يذكر عركا ولا دلكا. وقد قال أبو الفرج: إنما قال مالك: لا يجزئ الجنب الغسل إلا أن يتدلك - مخافة أن ينبو الماء عن بعض جسده، ولو أطال البقاء في الماء حتى يوقن بوصول الماء إلى جميع جسده لأجزأه الغسل على مذهبه وإن لم يتدلك. وهذا من التأويل البعيد، والصواب أن ذلك اختلاف من قوله. فإذا لم يدرك الجنب جميع جسده فالصواب ما ذهب إليه ابن حبيب من أنه يمر يديه على كل ما أدركه من جسده ويوالي صب الماء على ما لم يدركه منه، ويجزيه غسله مراعاة للاختلاف في ذلك، ولأنه أشبه بيسر الدين، وبالله التوفيق. [مسألة: في لباس ما لبس النصراني أو نسج] ] وسئل عن الرجل يشتري من النصراني الخفين أيلبسهما؟ قال: لا، فقيل: فثوبه؟ قال: الذي يلبسه؟ قال: نعم، نعم قال: لا حتى يغسله. قيل له: فما ينسجون، فإنهم يبلون الخمر ويحركونه بأيديهم ويسقون به الثياب قبل أن تنسج وهم أهل نجاسة؟ قال: لا بأس بذلك، ولم يزل الناس يلبسونها قديما.

مسألة: في غسل النجاسة

قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة، وهو كما قال، ولا فرق في القياس بين ما نسجوا ولبسوا، وإنما هو الاتباع وقد أجاز محمد بن عبد الحكم أن يصلي فيما لبس النصراني. ووجه قوله أنه حمله على الطهارة حتى يوقن فيه بالنجاسة خلاف مذهب مالك، ومعنى ذلك عندي فيما لم يطل مغيبه عليه ولباسه إياه؛ لأنه إذا طال مغيبه عليه ولباسه إياه لم يصح أن يحمل على الطهارة؛ لأن الظن يغلب على أنه لم يسلم من النجاسة. وقد اختلف إذا أسلم هل يصلي في ثيابه التي كان يلبسها قبل أن يغسلها، فوقع لزياد بن عبد الرحمن في سماع موسى من هذا الكتاب أنه لا يغسل منها إلا ما علم فيه نجاسة. وروى أشهب عن مالك في رسم "الصلاة" الثاني من سماعه من كتاب الصلاة أنه لا يصلي فيها حتى يغسلها. وإذا أيقن بطهارتها من النجاسة فالاختلاف في وجوب غسلها يجري على اختلافهم في طهارة عرق النصراني والمخمور، وبالله التوفيق. [مسألة: في غسل النجاسة] ] وسئل عن قطيفة كان ينام عليها رجل فوجد في وسعها وزغة قد ماتت كأنه بات عليها ولم يجد فيها الدم، قال يغسلها، يريد بذلك الموضع. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما تعلق بالقطيفة من الوزغة الميتة نجس وإن لم يكن دما لأنه ميتة. وقوله: يريد بذلك الموضع صحيح؛ إذ ليس عليه أن يغسل القطيفة كلها، وإنما عليه أن يغسل الأثر الذي رأى فيها، ولا شيء عليه في سائرها إلا أن يشك فيه فينضحه والأصل في ذلك

مسألة: في الاستبراء من البول

حديث عمر بن الخطاب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " إذا وجد الاحتلام في ثوبه فغسل ما رأى ونضح ما لم ير ". [مسألة: في الاستبراء من البول] ] وسئل عما يعمل الناس عند البول من أن يبول الرجل ثم يقوم فيقعد ثم يكثر السلت، قال: ليس ذلك بصواب، وقد كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن به حرارة شديدة وإن كان ليقوم في الشيء القريب مرارا فيبول مرارا ويتوضأ ويرجع مكانه، فما رأيت أحدا كان أسرع رجوعا منه ولا أخف وضوءا، فذكر ذلك لابن هرمز، فقال: إنه فقيه، وأعجبه ذلك منه، فقال له الرجل: إني أجد الشيء يخرج مني بعدما أبول فلا تطيب نفسي، فقال: إنما ذلك من الشيطان، وكره ذلك. قال محمد بن رشد: قد تكرر هذا المعنى في رسم "الوضوء والجهاد" بأوعب من هذا، وليس فيه ما يشكل فيتكلم عليه؛ لأنه من فعل الشيطان ووسوسته التي أقدره الله عليها ومكنه منها ابتلاء لعباده؛ ليجزي المحسن بإحسانه ويعاقب المسيء بعصيانه، فهو يلبس على الناس ويفسد عليهم طاعتهم بما يلقي في نفوسهم من التقصير فيها، فالذي يومر به من اعتراه شيء من ذلك أن يضرب عنه ولا يلتفت إليه، فإن ذلك يقطعه بفضل الله ورحمته. وقد سئل ربيعة عن الرجل يمسح ذكره من البول ثم يتوضأ فيجد البلل، فقال: لا بأس به، فقد بلغ محنته وأدى فريضته.

مسألة: في قدر ما يتوضأ به من الماء

[مسألة: في قدر ما يتوضأ به من الماء] ] وقال مالك: قد رأيت عياش بن عبد الله بن معبد، وكان رجلا صالحا من أهل الفقه والفضل، يأخذ القدح فيجعل فيه قدر ثلث المد ماء بمد هشام، فيتوضأ به ويفضل منه، ثم يقوم فيصلي بالناس وهو إمام، وأعجب مالكا ذلك من فعله. قال محمد بن رشد: إنما أعجب مالكا فعله واستحبه؛ لأن السنة في الغسل والوضوء إحكام الغسل مع قلة الماء، فقد «روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ بمد وتطهر بصاع» وهو أربعة أمداد. وروي عنه أنه «توضأ بنصف المد» ، وذلك لا يقدر عليه إلا العالم السالم من وسوسة الشيطان. وإلى فعل عياش هذا أشار مالك في المدونة بقوله: وقد كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد، يريد مد هشام؛ لأن ثلث مد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسير جدا لا يمكن إحكام الوضوء به، والله أعلم وبالله التوفيق. [مسألة: في نقل المتوضئ الماء إلى أعضائه] ] وسئل مالك عن الرجل يأخذ الماء لوضوئه، فإذا حمل الماء نفض يديه من الماء، قال: لا خير فيه، وكرهه. قال محمد بن رشد: إنما قال: لا خير فيه؛ لأن الغسل إنما يكون بنقل الماء إلى العضو المغسول، فإذا نفض يديه من الماء ورفعهما إلى وجهه

مسألة: في الاكتفاء في الاستنجاء بالأحجار

مبلولتين فليس بغاسل وجهه وإنما هو ماسح، فلا يجزئه ذلك إلا فيما يمسح لا فيما يغسل. وليس في قوله: وكرهه - دليل على أنه إن فعله أجزأه؛ لأنه قد يطلق هذا اللفظ كثيرا فيما لا يجوز سواه، من ذلك قوله في المدونة: لا يتوضأ بشيء من الأنبذة ولا العسل الممزوج بالماء، والتيمم أحب إلي من ذلك، وهو الواجب الذي لا يجوز سواه، فكذلك هذا، والله أعلم وبه التوفيق. ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [مسألة: في الاكتفاء في الاستنجاء بالأحجار] [مسألة في الاكتفاء في الاستنجاء بالأحجار] وسئل مالك عن رجل استنجى بأحجار ثم توضأ ولم يستنج بالماء ثم صلى، أيعيد؟ قال مالك: لا يعيد شيئا مما صلى به، لا في وقت ولا في غيره. قال محمد بن رشد: يريد بقوله: استنجى بأحجار؛ أي بثلاثة أحجار؛ لأنه المستحب في الاستنجاء، لما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الاستطابة، فقال: أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار، فإن أنقى بحجر أو حجرين اكتفى به أو بهما» . وقيل: يمسح بتمام الثلاثة الأحجار، فإن اكتفى بالحجر أو الحجرين فلا إعادة عليه، قاله في رسم "أسلم" من سماع عيسى. وفي سماع أبي زيد: وكذلك إن اكتفى بمدرة فلا إعادة عليه، قاله في رسم "المحرم" بعد هذا من هذا السماع. زاد في المدونة: وليغسل ما هنالك بالماء لما يستقبل. وهذا كله ما لم يعد ذلك المخرج، فإن عدا المخرج بكثير أعاد

مسألة: في المسح على الحائل للضرورة

في الوقت، واختلف إن عداه إلى ما لا بد منه، فقيل: لا إعادة عليه، وقيل: يعيد في الوقت، والماء أطهر وأطيب، ومن قدر على الجمع بين الأحجار والماء فهو أولى وأحسن. وقد كان أهل قباء يفعلون ذلك، فنزلت فيهم: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] ، وقال ابن حبيب: لا نبيح اليوم الاستنجاء بالأحجار إلا لمن لم يجد الماء؛ لأنه أمر قد ترك وجرى العمل بخلافه، وبالله التوفيق. [مسألة: في المسح على الحائل للضرورة] ] قال مالك: في الرجل يشتكي أصابع يده فتنكسر أظافره فيجعل عليها علكا؛ لأن تنبت ويحسن نباتها ويتوضأ على العلك، قال: أرجو إذا كان بهذه الحال أن يكون [خفيفا وهو] في سعة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه مما تدعو إليه الضرورة، فيمسح عليها كالجبيرة. [مسألة: فيما يكره الاستنجاء به] ] وسمعت مالكا يكره أن يستنجى بالعظم والروث. قال محمد بن رشد: روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالعظم والجلد والبعرة والروثة والحممة» ، فكره من ذلك مالك في هذه

مسألة: في المسافر وصاحب الشجة يريد أحدهما إصابة أهله

الرواية العظم والروث، وخفف العظم في رواية أشهب من هذا الكتاب، والروث في المجموعة. قال ابن حبيب: واتباع النهي في تجنب ذلك كله أحب إلي. وقد اختلف إن استنجى بشيء مما نهي عن الاستنجاء به، فقيل: إنه لا إعادة عليه، وهو قول ابن حبيب، وقيل: إنه يعيد في الوقت، والوقت في ذلك وقت الصلاة المفروضة، روي ذلك عن أصبغ، وكذلك عنده من استنجى بعود أو خرق أو خزف. فوجه القول الأول: أن الاستنجاء إنما هو لعلة إزالة الأذى عن المخرجين، فإذا أزال الأذى بما عدا الأحجار ارتفع الحكم كما لو زال بالأحجار. ووجه القول الثاني: أن إزالة الأذى عن المخرجين مخصوص بالأحجار؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار» ولقوله: «من استجمر فليوتر» ، فلا يجزي فيه ما عداها إلا الماء؛ لقوله: «إنه أطهر وأطيب» . ومما أجمعوا أنه لا يجوز الاستنجاء به كل ما له حرمة من الأطعمة، وكل ما فيه رطوبة من النجاسات، فإن استنجى بشيء مما له حرمة أعاد في الوقت عند أصبغ، وإن استنجى بما فيه رطوبة من النجاسات أعاد في الوقت قولا واحدا. [مسألة: في المسافر وصاحب الشجة يريد أحدهما إصابة أهله] وسئل مالك عن الرجل تصيبه الشجة أو تنكسر يده فيربط عليها عصايب، فيريد أن يصيب أهله وهو بتلك الحال، فقال مالك: أرجو أن لا يكون بذلك بأس، ولعل ذلك يطول عليه وهو محتاج

مسألة: في غسل الجنابة يوم الجمعة هل يجزي أحدهما عن الآخر

إلى أهله، فلا أرى بذلك بأسا، ولا يشبه المسافر الذي لا يجد الماء، فإذا برأ غسل الموضع. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وإنما افترق حكم المسافر من صاحب الشجة؛ لأن صاحب الشجة يطول أمره إلى برء شجته في أغلب الأحوال، والمسافر يجد الماء عن قرب في أغلب الأحوال. ولو كان المسافر في موضع يعلم أنه لا يجد الماء إلا بعد طول لكان له أن يطأ أهله إذا أضر به طول الانتظار. وقد حكى ذلك ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وحكى فيه حديثا. ولو كان صاحب الشجة تبرأ شجته عن قريب لما كان له أن يبطأ حتى تبرأ شجته، فيمكنه غسل ذلك الموضع في غسله. وهذا بين؛ لأن الأحكام إنما تتعلق بالمعاني لا بالأسماء إلا فيما قرر الشرع أن الحكم يتعلق بها. وهذا كله في الاختيار وما يستحب له أن يفعل. وأما أن يكون على واحد منها التربص واجبا فلا. وقد روى ابن وهب عن الليث بن سعد أن للمسافر أن يطأ أهله، وإن لم يكن عنده ماء تيمم وصلى، واختاره ابن وهب وقال: الصعيد الطيب يقوم مقام الماء؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] الآية وبالله التوفيق. [مسألة: في غسل الجنابة يوم الجمعة هل يجزي أحدهما عن الآخر] ؟] وسئل مالك عن رجل قام من الليل فاحتلم فأصبح ولم يشعر، وكانت ليلة جمعة، فحضرت الصلاة فاغتسل للجمعة ثم راح وصلى، ثم علم بذلك فوجده في ثوبه، فقال: أرى

أن يغتسل الثانية ويعيد الصلاة ظهرا أربعا. فقيل له: ألا ترى غسل الجمعة يكفيه؟ قال: لا، «إنما الأعمال بالنية» . قال ابن القاسم: قال لي مالك: يجزئ غسل الجمعة عن غسل الجنابة إذا نوى به. قال ابن القاسم: ويجزيه عن غسل الجنابة من غسل الجمعة إذا كان عند الرواح. قال محمد بن رشد: قوله: إن غسل الجمعة لا يجزئ من غسل الجنابة - هو مثل ما في المدونة، وحكاه ابن حبيب أيضا عن مالك من رواية ابن القاسم وعن ابن عبد الحكم وأصبغ، وحكى خلاف ذلك عن مالك أنه يجزيه من رواية مطرف وابن الماجشون وابن نافع وأشهب وابن كنانة وابن وهب. قال: وليس غسل الجمعة كمن اغتسل تبردا، وإنما هو كمن توضأ للنافلة أو للنوم فإنه يصلي به الفريضة عند مالك وجميع أصحابه ابن القاسم وغيره. والقول الأول أظهر؛ لأن الذي اغتسل للجمعة وهو لا يعلم بالجنابة لم يقصد إلى رفع حدث الجنابة؛ إذ لم يعلم بها، وإنما اغتسل للجمعة غسل سنة لا لرفع حدث؛ إذ قد يجوز له شهود الجمعة بغير غسل، فوجب أن لا يرتفع عنه الحدث به، وليس ذلك كالذي يتوضأ للنوم؛ لأن الذي يتوضأ للنوم وإن كان الوضوء له استحبابا؛ إذ يجوز له النوم بغير وضوء، فقد قصد به إلى رفع الحدث إذا كان محدثا قد علم بحدثه. وأما الذي يتوضأ للنافلة فلا إشكال في الفرق بينه وبين الذي اغتسل للجمعة ناسيا للجنابة؛ لأن النافلة لا تجوز إلا بوضوء والجمعة تجوز بغير غسل. ووجه القول الأول ظاهر لقول النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن

: مسألة في تخليل اللحية في غسل الجنابة

اغتسل فالغسل أفضل» ووجه الدليل منه أنه قال: «ومن اغتسل فالغسل أفضل» ، فجعل الغسل الذي هو سنة يجزئ عن الوضوء الذي هو فرض، فوجب على قياس ذلك أن يجزئ عن الغسل للجنابة الذي هو فرض. وقوله: إن غسل الجمعة يجزيه عن غسل الجنابة إذا نوى به صحيح، مثل ما في الصلاة الثاني من المدونة. وقد روى أبو حامد الأسفراييني عن مالك أن الغسل لا يجزيه إذا نوى به الجنابة والجمعة جميعا، وهو بعيد شاذ. وأما قوله: " إنه يجزئ غسل الجنابة من غسل الجمعة إذا كان عند الرواح فهو صحيح؛ لأن غسل الجمعة ليس لرفع حدث، وإنما هو لما شرع لها من التنظف وقد حصل التنظف لها بالغسل للجنابة، واقتضت نية الغسل للجنابة نية الغسل للجمعة؛ لأنها أوجب منها فاستغرقتها، وقد حكى ابن حبيب أن ذلك يجزئ، وهذا أصح لما بيناه، والله أعلم وبه التوفيق. [: مسألة في تخليل اللحية في غسل الجنابة] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا مسألة في تخليل اللحية في غسل الجنابة وسئل مالك عن الجنب إذا اغتسل أيخلل لحيته؟ قال: ليس ذلك عليه، وقال أشهب عن مالك: إن عليه تخليل اللحية من الجنابة. «ويذكر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخلل أصول شعر رأسه من الجنابة» .

مسألة في البير تقع فيها الفارة فيصرف ماؤها في طعام يصنع به

قال محمد بن رشد: وجه رواية ابن القاسم عن مالك بإسقاط وجوب تخليل اللحية في الغسل من الجنابة أن الأصل كان ألا يجب تخليل شعر الرأس واللحية؛ لأنه من أصل الخلقة، فإذا كشف صار ما تحته من البواطن، وانتقل فرض الغسل إليه، فخرج من ذلك تخليل شعر الرأس بما ثبت في الحديث، من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يخلل شعر رأسه من الجنابة» ، وبقي شعر اللحية على الأصل. ووجه رواية أشهب بإيجاب تخليلها القياس على شعر الرأس، وما روي من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اغسلوا الشعر وانقوا البشر فإن تحت كل شعر جنابة» ، فعم ولم يخص، وبالله التوفيق. [مسألة في البير تقع فيها الفارة فيصرف ماؤها في طعام يصنع به] ومن كتاب أوله يسلف في المتاع والحيوان المضمون مسألة في البير تقع فيها الفارة فيصرف ماؤها في طعام يصنع به وسئل مالك عن بئر وقعت فيه فارة فبلوا بمائها قمحا فقلوه، أترى أن يؤكل؟ فقال مالك: لا يأكلون الميتة. قال محمد بن رشد: شدد مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في هذه الرواية في أكل القمح المبلول بالماء الذي ماتت فيه الفارة وجعل ذلك كالميتة، فإن كان فهم من سؤال السائل أن الماء كان قد تغير لونه أو طعمه من ذلك أو رائحته على الاختلاف في مراعاة تغير الرائحة فلا إشكال ولا اختلاف في أنه كالميتة لا يحل منه إلا ما يحل من الميتة؛ وإن كان أجاب على أنه لم يتغير من ذلك، فوجه قوله أنه حمله على النجاسة في المنع من أكله ابتداء على سبيل التوقي والتحرز من المتشابه، كما منع من الوضوء به ابتداء، وقال: إنه يتيمم ويتركه،

مسألة: في الغسل في الفضاء

وإن كان لا يراه نجسا على الحقيقة، كأنه يقول: إن توضأ به وصلى لا يعيد إلا في الوقت. وفي رسم "النذر والجنائز والذبائح" ورسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب، وفي سماع موسى بن معاوية في الخبز المعجون بمثل هذا الماء أنه لا يؤكل، وهذا وجه القول فيه. وفي غسل اللحم المطبوخ به اختلاف من رواية أشهب ورواية موسى عن ابن القاسم، وسنتكلم على ذلك إذا مررنا به إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق. [مسألة: في الغسل في الفضاء] ] وسئل مالك عن الغسل في الفضاء، فقال: لا بأس بذلك. فقيل له: يا أبا عبد الله إن فيه حديثا، فأنكر ذلك وقال تعجبا: ألا يغسل الرجل في الفضاء، ورأيته يتعجب من الحديث إنكارا له. قال محمد بن رشد: وجه إجازة مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، للرجل أن يغتسل في الفضاء إذا أمن أن يمر به أحد هو أن الشرع إنما قرر وجوب ستر العورة عن المخلوقين من بني آدم دون من سواهم من الملائكة؛ إذ لا تفارقه الحفظة الموكلون عليه منهم في حال من الأحوال. قال الله عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] ، وقال: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار: 10] {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11] {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 12] . ولهذا قال مالك تعجبا: ألا يغتسل الرجل في الفضاء؟ إذ لا فرق في حق الملائكة بين الفضاء وغيره، وأنكر الحديث لما كان مخالفا للأصول؛ لأن الحديث إذا كان مخالفا للأصول فإنكاره واجب إلا أن يرد من وجه صحيح لا مطعن فيه فيرد إليها بالتأويل الصحيح. وقد روي عن

مسألة: في حكم طهارة الأزقة والطرق

أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف» . ويكره التجرد لغير ضرورة ولا حاجة في الفضاء وغير الفضاء، ففي رسالة مالك إلى هارون: إياك والتجرد خاليا فإنه ينبغي لك أن تستحي من الله إذا خلوت، وذكر في ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثا. [مسألة: في حكم طهارة الأزقة والطرق] ] وسئل عن طين المطر والماء الذي لا يستطاع أن يتخلص من أذاه يصيب الثياب من مشي الدابة أو غيرها، قال: أرى أن يكون الناس من ذلك في سعة. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة، وزاد فيها: وإن كان فيه أبوال الدواب وأرواثها، يريد ما لم يكن غالبا أو عينا قائمة، وهو كما قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الله قد وسع على هذه الأمة ورفع عنهم الحرج في دينهم، فقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإنه لن يشاد الدين أحد إلا غلبه» ، ومثل هذا المعنى في الآثار كثير، وبالله التوفيق.

مسألة: في مسح الرأس بفضل ماء اللحية أو الذراعين

[مسألة: في مسح الرأس بفضل ماء اللحية أو الذراعين] ] وسئل مالك عمن يمسح رأسه بفضل ذراعيه، فقال: لا أحب ذلك. قيل لابن القاسم: فلو مسح بفضل ذراعيه وبفضل لحيته ثم صلى فلم يذكر حتى خرج الوقت، قال: يعيد وإن ذهب الوقت، وليس هذا بمسح. قال محمد بن رشد: أما مسح الرجل رأسه بفضل ذراعيه فلا يجوز؛ لأنه لا يمكن أن يتعلق بذراعيه من الماء ما يمكنه به المسح ويكفيه له. وليس في قول مالك: لا أحب ذلك - دليل على أنه إن فعله أجزأه؛ لأنه قد يقول لا أحب تجوزا فيما لا يجوز عنده بوجه، فقد كان العلماء يكرهون أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام فيما طريقه الاجتهاد، ويكتفون بأن يقولوا: أكره هذا ولا أحب هذا ولا بأس بهذا وما أشبه هذا من الألفاظ، فيُجتزى بذلك من قولهم ويُكتفى به. وكذلك فضل اللحية إذا لم يتعلق بها من الماء ما فيه كفاية للمسح، وعلى هذا تكلم ابن القاسم في هذه الرواية بدليل قوله: وليس هذا بمسح، وقد اختلف إذا عظمت فكان فيما يتعلق بها من الماء ما فيه كفاية للمسح وفضل بين، فأجاز ابن الماجشون لمن ذكر مسح رأسه وقد بعد عنه الماء أن يمسح بذلك البلل، ومنع مالك من ذلك في المدونة، وهذا الاختلاف جار على اختلافهم في إجازة الوضوء بالماء المستعمل عند الضرورة، فظاهر قول مالك في المدونة أن ذلك لا يجوز مثل المعلوم من قول أصبغ خلاف قول ابن القاسم، وبالله التوفيق.

مسألة في الخف يصيبه الروث

[مسألة في الخف يصيبه الروث] ومن كتاب أوله تأخير العشاء في الحرس [مسألة في الخف يصيبه الروث] وسئل عن الخفين يلبسهما الرجل فيأتي المسجد فيصيبهما الروث الرطب فيخلعهما فيصلي ثم يخرج يمشي بهما فيكثر ذلك عليه، أترى أن يمسحهما ويصلي بهما؟ [قال: إن أصابهما روث رطب فلا يصلي بهما] حتى يغسلهما أو يخلعهما. قال ابن القاسم: قد خففه مالك بعد ذلك إذا كان غالبا. قال محمد بن رشد: هذا المعنى من اختلاف قول مالك متكرر في رسم "المحرم" والرسم الذي بعده، وزاد في رسم "المحرم": وأما العذرة وبول الناس وخرو الكلاب وما أشبهها فلا يجزئ فيها إلا الغسل، وهو كله معنى ما في المدونة، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه أن النجاسات كلها لا يطهرها إلا الماء وإن زال العين بغير الماء فالحكم باق؛ لأنه خفف في أحد قوليه أن يمسح الخفين من أرواث الدواب الرطبة وأبوالها ويصلي فيها دون أن يغسل للمشقة التي تلحق الناس في خلعهما أو غسلهما لكثرة تكرر ذلك عليهم كلما أقبلوا أو أدبروا، والطرقات لا تنفك عنها ولا يمكن التوقي منها، فخص الخف بالمسح من أبوال الدواب وأرواثها الطرية لهذه العلة، كما خص المخرج بالمسح بالأحجار لتكرر الأذى عليه ومشقة غسله أبدا كلما تكرر عليه الأذى، وكما جوز لمن يكثر الترداد إلى مكة من الحطابين وغيرهم أن يدخلوها بغير إحرام، ومثل هذا كثير. وقال ابن حبيب: إن النعل والقدم

لا يجزئ فيهما المسح؛ إذ لا مؤنة في نزع النعل ولا في غسل القدم، وفي المدونة دليل ضعيف على أن النعل بمنزلة الخف يجزئ فيه المسح من أرواث الدواب وأبوالها، بخلاف الدم والعذرة. وقد أعمله أبو إسحاق التونسي على ضعفه بحكم منه على مساواته بين النعل والخف. قال: إذ قد يحتاج الرجل أن يصلي في نعليه كما يحتاج أن يصلي بخفيه، وإن غسلهما كلما احتاج إلى الصلاة بهما أفسدهما الغسل. ولما قاله أبو إسحاق وجه إذا احتاج إلى الصلاة بهما لشدة حر الأرض أو بردها، وأما إذا لم يحتج إلى ذلك فما قاله ابن حبيب أظهر؛ إذ لا مؤنة في خلعهما. وقد جاء «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلع نعليه في الصلاة فخلع الناس نعالهم فلما انصرف قال لهم: خلعتم نعالكم؟ فقالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا» . وفي هذا دليل؛ إذ خلعهما ولم يكتف بمسحهما. والخفاف الذي عندنا والشمشكات تجري مجرى النعال. وأما القدم فقياسه على الخفين في جواز مسحه لمشقة غسله كلما أراد الصلاة أولى من قياسه على النعلين، وإلى هذا ذهب أبو إسحاق فيه، وبالله التوفيق. واختلف في وجه تفرقته بين أرواث الدواب وأبوالها وبين العذرة والدم وخرو الكلاب وما أشبه ذلك، فقيل: إنما فرق بين ذلك مراعاة للاختلاف في نجاسة أرواث الدواب وأبوالها، وقيل: إنما فرق بين ذلك؛ لأن الطرقات لا تنفك من أرواث الدواب وأبوالها غالبا، وهي تنفك مما سوى ذلك من النجاسات، والأول أظهر والله أعلم وبه التوفيق.

مسألة: في وضوء الجنب إذا أراد النوم

[مسألة: في وضوء الجنب إذا أراد النوم] ] وسئل مالك عن الرجل تصيبه الجنابة نهارا وهو يريد أن يقيل، أيتوضأ وضوء الصلاة مثل الليل؟ قال: نعم، لا ينام حتى يتوضأ. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة سواء، وإنما سأله عن نوم النهار؛ لأن السنة إنما جاءت في نوم الليل. ذكر مالك في موطاه عن عبد الله بن عمر أنه قال: «ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: توضأ واغسل ذكرك ثم نم» ، فقاس مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - نوم النهار على نوم الليل في ذلك؛ إذ لا فرق بينهما في المعنى، مع أنه ظاهر قول عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنها كانت تقول: " إذا أصاب أحدكم المرأة ثم أراد أن ينام قبل أن يغتسل فلا ينم حتى يتوضأ وضوءه للصلاة " فوضوء الجنب قبل أن ينام من السنن التي الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غير خطيئة، بدليل ما روي عن عائشة، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، أنها قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربما نام وهو جنب لهيئته لا يمس

مسألة: في غسل المستيقظ من النوم يده قبل أن يدخلها في إنائه

ماء» ، وإن كان قد قال ابن حبيب: إن محمل ذلك على أنه يتيمم إذ لم يحضره الماء، وقال: إن الوضوء للجنب لازم لا يسع أحدا تركه، وما قلناه هو الظاهر والله أعلم. ومما يدل على التوسعة في ذلك أن ابن عمر كان لا يغسل رجليه في وضوئه له، وقد اختلف في معنى أمره بالوضوء فقيل: إنما أمر بذلك لعله ينشط فيغسل، وقيل: إنما أمر بذلك مخافة أن يتوفى في منامه فيكون على أدنى الطهارتين، والأول أظهر والله أعلم؛ لأن الوضوء لا يرفع حدث الجنابة. ألا ترى أن الحائض لا تؤمر بذلك إذ لا تملك تعجيل طهرها، وهذا بين، وبالله التوفيق. ومن كتاب أوله رجل كتب عليه ذكر حق [مسألة: في غسل المستيقظ من النوم يده قبل أن يدخلها في إنائه] ] وسئل عن الرجل يستيقظ من النوم فيدخل يده في إنائه، قال: لا بأس بذلك، وإنما مثله في ذلك الجرة تكون في البيت فيستيقظ أهل البيت فيغرفون منها فيدخلون أيديهم فيها فلا يكون بذلك بأس. قال محمد بن رشد: قوله لا بأس بذلك؛ أي لا بأس بالماء إن فعل ذلك ما لم يعلم بيده نجاسة. ولا ينبغي له إذا استيقظ من نومه أن يدخل

مسألة: في المسافرين ينزلون دون المنهل بموضع لا ماء فيه

يده في وضوئه قبل أن يغسلها؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» ، فإن فعل ذلك وهو موقن بطهارة يده فالماء طاهر، وإن فعله وهو موقن بنجاستها فالماء نجس على مذهب ابن القاسم يتيمم ويتركه، فإن توضأ به أعاد في الوقت مراعاة للخلاف، وإن فعله وهو لا يعلم طهارة يده من نجاستها فهي محمولة على الطهارة حتى يوقن بنجاستها، وسواء أصبح جنبا أو غير جنب على المشهور في المذهب. وقال ابن حبيب: إن كان بات جنبا أنجس ذلك الماء وهو معنى الحديث، وحكي ذلك عن الحسن البصري. فإن كان الإناء مثل المهراس والغدير الذي لا يقدر على أن يغسل يده منه إلا بإدخالها فيه أدخل يده فيه إن لم يعلم بها دنسا، ولا يأخذ الماء بفيه ليغسلها، إذ ليس ذلك من عمل الناس، قاله في آخر سماع أشهب. وأما إن كانت يده قذرة فلا يدخلها فيه حتى يغسلها، وليحتل في ذلك بأن يأخذ الماء بفيه أو بثوب أو بما يقدر عليه، قاله في سماع موسى بن معاوية الصمادحي بعد هذا من هذا الكتاب، وبالله التوفيق. [مسألة: في المسافرين ينزلون دون المنهل بموضع لا ماء فيه] ] وسئل مالك عن قوم كانوا في سفر وليس معهم ماء فأرادوا أن ينزلوا من الليل دون المنهل بثلاثة أميال خوفا إذا أتوا المنهل من الليل أن يذهب بعض متاعهم أو يسرقوا في ظلمة الليل ويتيممون

للصلاة إذا أصبحوا، فكره ذلك وقال: لا يعجبني إلا أن يرسلوا أحدا يأتيهم بماء. قال محمد بن رشد: فإن فعلوا فقد قال ابن عبد الحكم: لا إعادة عليهم، وهو ظاهر الرواية، وقال أصبغ: يعيدون في الوقت، وقال ابن القاسم: يعيدون في الوقت وبعده، وقع هذا الاختلاف في المبسوطة، والقول الأول أظهر والله أعلم؛ لأنهم فعلوا ما يجوز لهم من النزول دون المنهل بثلاثة أميال للعلة التي خافوها من ذهاب متاعهم. والدليل على جواز ذلك لهم «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أقام على التماس عقد عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حتى أصبح الناس على غير ماء» فلا وجه لمن قال من الشيوخ: إن الخوف على ذهاب المال لا يمنع من الفرض بخلاف الخوف على النفس، مع السنة الثابتة في هذا. وإذا كان لا يلزمه أن يشتري الماء لغسله ووضوئه بما لا يشبه من الثمن إذا رفعوا عليه فيه، وكان له أن ينتقل إلى التيمم ويحوط ماله من أن يشتري الماء بأكثر من ثمنه على ما قال في المدونة، فأحرى أن يكون له أن ينتقل هاهنا إلى التيمم بالنزول دون المنهل حياطة على ماله خوف السرقة عليه، مع أن طلب الماء لا يلزمه إلا بعد دخول وقت الصلاة؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الآية، وبالله التوفيق.

مسألة: المريض الذي لا يستطيع أن ينهض إلى الماء ولا يجد من يناوله إياه

[مسألة: المريض الذي لا يستطيع أن ينهض إلى الماء ولا يجد من يناوله إياه] ومن كتاب أوله الشريكين يكون لهما مال مسألة وقال مالك في تفسير هذه الآية: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ، أن ذلك في المريض الذي لا يستطيع أن ينهض إلى الماء ولا يجد من يناوله إياه، فإذا كان كذلك يتيمم كما يتيمم المسافر إذا لم يجد الماء. قال محمد بن رشد: ليس هذا نص التلاوة في الآية، وإنما ساقها على معنى من قدر فيها تقديما وتأخيرا، فأعاد شرط عدم الماء على السفر والمرض، فقال: إن المريض الذي يتيمم هو الذي لا يستطيع أن ينهض إلى الماء ولا يجد من يناوله إياه، فلم يجعل المريض الذي لا يقدر على مس الماء إن كان واجدا له من أهل التيمم، وكذلك الحاضر العادم للماء على قياس هذه الرواية ليس من أهل التيمم. ومن حمل الآية على ظاهرها ولم يقدر فيها تقديما ولا تأخيرا جعلهما جميعا من أهل التيمم، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة؛ لأن تأويل الآية على هذا: وإن كنتم مرضى لا تقدرون على مس الماء ولا تجدون من يناولكم إياه، أو على سفر غير واجدين للماء، فاكتفى بذكر المرض عن ذكر عدم الماء وعدم القدرة على مسه وبذكر السفر عن ذكر عدم الماء لما كان ذلك الأغلب من أحوالهما، وفهم ذلك من مراد الله عز وجل كما فهم من مراده عز وجل {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] أن معنى ذلك: فأفطر

مسألة: السيف يقاتل به الرجل فيكون فيه الدم هل يغسل

{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . ولما كان الحاضر واجدا للماء في أغلب الأحوال صرح في الآية بشرط عدمه، فقال: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] . والتيمم: القصد، والصعيد: وجه الأرض وهو ما صعد منه أي ارتفع، والطيب الطاهر، وبالله التوفيق. [مسألة: السيف يقاتل به الرجل فيكون فيه الدم هل يغسل] مسألة وقال مالك في السيف يقاتل به الرجل في سبيل الله فيكون فيه الدم، هل ترى أن يغسل؟ قال: ليس ذلك على الناس. قال محمد بن رشد: قال عيسى: وكذلك الذي شأنه الصيد، وهو كما قال؛ لأنه أمر قد مضى الناس على إجازته وتخفيفه. وقد كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلون بأسيافهم وفيها الدم ولا يبالون بذلك، ولو كانوا يغسلون أسيافهم في غزواتهم لصلواتهم في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعده لنقل ذلك وعرف، والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة: لبس الخاتم فيه ذكر الله أيلبس في الشمال وهو يستنجى به] مسألة قال: وسألت مالكا عن لبس الخاتم فيه ذكر الله، أيلبس في الشمال وهو يستنجى به؟ قال مالك: أرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: قوله: أرجو أن يكون خفيفا - يدل على أنه عنده مكروه وأن نزعه أحسن، وكذلك قال فيما يأتي في هذا السماع في رسم "مساجد القبائل"، وفي رسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب، ومثله لابن حبيب في الواضحة. ووجه الكراهية في ذلك بينة؛ لأن ما كتب فيه اسم الله تعالى فمن الحق أن يجعل له حرمته. وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة: إني لأعظم أن يعمد إلى دراهم فيها ذكر الله وكتابه فيعطاها نجسا، وأعظم ذلك إعظاما شديدا وكرهه. وقول ابن

مسألة المرأة ترى الدم عند وضوئها فإذا قامت ذهب ذلك عنها

القاسم في رسم "مساجد القبائل": وأنا أستنجي بخاتمي وفيه ذكر الله -ليس بحسن من فعله، ويحتمل أن يكون إنما يفعله؛ لأن الخاتم قد عض بإصبعه، فيشق عليه تحويله إلى اليد الأخرى كلما دخل الخلاء واحتاج إلى الاستنجاء فيكون إنما تسامح في ذلك لهذا المعنى، فهو أشبه بورعه وفضله، والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة المرأة ترى الدم عند وضوئها فإذا قامت ذهب ذلك عنها] مسألة وسئل عن المرأة ترى الدم عند وضوئها، فإذا قامت ذهب ذلك عنها. قال مالك: أرى ألا تترك الصلاة إلا أن ترى دما تنكره، ولتشد ذلك بشيء. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة أيضا في رسم "يوصي" من سماع عيسى، وزاد فيها من قول مالك: وليس عليها غسل، وهو تفسير لهذه الرواية. ووجه ذلك أن الدم لما كان يتكرر عليها عند كل وضوء دون سائر الأوقات لم يجعل ذلك حيضا، ورآها مستنكحة بذلك من الشيطان، فأمرها بالصلاة ولم ير عليها غسلا، كما فعل عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في المرأة التي استفتته في نحو هذا، ذكره مالك في كتاب الحج من الموطأ، عن أبي الزبير المكي، أن أبا عامر الأسلمي عبد الله بن سفيان أخبره أنه كان جالسا مع عبد الله بن عمر، فجاءته امرأة تستفتيه فقالت: إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت، حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فرجعت حتى ذهب ذلك [عني ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء فرجعت حتى ذهب ذلك عني] ، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فقال عبد الله بن عمر: إنما ذلك ركضة من الشيطان فاغتسلي ثم استتري بثوب ثم طوفي. وقد قال ابن أبي زيد: معنى ما أراد مالك أنها

مسألة: الرجل يكون في السفر فيريد الصلاة والماء قريب منه ولكن يخشى السباع

تغتسل منه وإن تمادى عند كل وضوء حتى تجاوز أيامها والاستظهار، ثم هي مستحاضة. ومالك أولى بتبيين ما أراد، وقد بينه في رسم "يوصي" من سماع عيسى على ما ذكرناه وبينا هناك وجهه ومعناه. [مسألة: الرجل يكون في السفر فيريد الصلاة والماء قريب منه ولكن يخشى السباع] مسألة وسئل مالك عن الرجل يكون في السفر فتحضره الصلاة والماء منه على ميل ونصف ميل، فيريد أن يذهب إليه وهو يتخوف عناء ذلك أو يتخوف منه أن ينفرد إما من سلابة وإما من السباع، قال: لا أرى عليه أن يذهب إليه وهو يتخوف. قال محمد بن رشد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وسواء تخوف على نفسه أو على ماله دون نفسه ليس عليه أن يذهب وهو يتخوف على شيء من ذلك على ما صححناه في مسألة رسم "كتب عليه ذكر حق" قبل هذا. ودليل هذه الرواية أنه إن لم يتخوف شيئا فعليه أن يذهب إليه على الميل والنصف ميل. وفي النوادر إن كانت عليه في ذلك مشقة فليتيمم. قال محمد بن رشد: وذلك على قدر ما يجد من الجلد والقوة، وذلك مفسر في رسم "البز" بعد هذا. وأما الميلان فهو كثير ليس عليه في سفر ولا حضر أن يعدل عن طريقه ميلين؛ لأن ذلك مما يشق، قاله سحنون في نوازله من هذا الكتاب، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يسلس بوله فلا ينقطع عنه] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية مسألة وقال مالك في الرجل يسلس بوله فلا ينقطع عنه، قال: أرى أن يتوضأ لكل صلاة، ولو كان الشتاء واشتد عليه الوضوء ثم فرق بين الصلاتين لم أر بذلك بأسا.

مسألة: الرجل يمرض فتغمز امرأته رجليه ورأسه

قال محمد بن رشد: حكى عبد الحق عن بعض البغداديين أن الذي يسلس بوله أو مذيه من إبردة، إنما يستحب له الوضوء لكل صلاة إذا كان ينقطع المذي أو البول ثم يعود. وأما إن لم ينقطع ذلك البتة فلا معنى لاستحباب الوضوء لكل صلاة، وهو معنى صحيح ينبغي أن يحمل على التفسير لجميع الروايات، فنقول: إن معنى قوله في هذه الرواية فلا ينقطع عنه؛ أي لا يكاد ينقطع، لا أنه يسيل أبدا لا ينقطع، وهذا جائز أن يسمى الشيء باسم ما قرب منه، ومنه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه» . وقد اختلف إن صلى صلاتين بوضوء واحد من غير ضرورة ولا مشقة تلحقه، فقيل: يعيد الأخرى في الوقت، وقيل: لا إعادة عليه، حكى ابن المواز القولين جميعا عن مالك في المستحاضة، وهذا مثله؛ لأنه ساوى بينهما على ظاهر قوله في المدونة، وكذلك قال ابن المواز وإن ذلك كالذي يسلس منه البول. وقد يحتمل أن يفرق بينهما للاختلاف في المستحاضة، فقد قيل: عليها الغسل لكل صلاة، وقيل: عليها أن تغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا، وللمغرب والعشاء غسلا واحدا، وللصبح غسلا واحدا. وقيل: إنها تغتسل من ظهر إلى ظهر. وذهب مالك إلى أنها تغتسل غسلا واحدا وتتوضأ لكل صلاة، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يمرض فتغمز امرأته رجليه ورأسه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يمرض فتغمز امرأته رجليه ورأسه، قال: لا ينقض ذلك وضوءها، والرجل مثل ذلك لامرأته، وإنما ينقض الوضوء ما كان من ذلك للذة. فأما الرجل تناوله امرأته الشيء أو يناولها، فتمسه أو يمسها فليس عليه شيء، وإنما الذي عليه من

مسألة: ليس على المرأة أن تقوم قبل الفجر فتنظر في طهرها

ذلك الذي هو للذة. وقال مالك في الجسة من فوق الثوب أو من تحته إذا كان على وجه اللذة فأرى عليه الوضوء. وقال سحنون: كان علي بن زياد يروي إن كانت الجسة من فوق ثوب كثيف لا يصل بجسه إلى جسدها فلا شيء عليه. وإن كان ثوبا خفيفا يصل في جسه إلى جسدها فحينئذ يكون عليه الوضوء. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن اللمس مع القصد إلى الالتذاذ يوجب الوضوء وإن لم يلتذ، وهو ظاهر ما في المدونة أيضا، ونص رواية عيسى عن ابن القاسم في رسم "أوصى" من هذا الكتاب خلاف ما في سماع أشهب، وسواء كانت الملامسة من فوق الثوب أو من تحته، إلا أن يكون الثوب كثيفا على ما في رواية علي بن زياد؛ لأنها تحمل على التفسير. وتحصيل هذه المسألة أن من التذ باللمس فلا خلاف في أن الوضوء واجب عليه سواء قصد إلى الالتذاذ به أو لم يقصد. واختلف إذا قصد الالتذاذ به فلم يلتذ على قولين، وأما إن لم يقصد الالتذاذ بذلك ولا التذ به فلا خلاف في أنه لا وضوء عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: ليس على المرأة أن تقوم قبل الفجر فتنظر في طهرها] مسألة قال مالك: ليس على المرأة أن تقوم قبل الفجر فتنظر في طهرها، وليس هذا من عمل الناس، ولم يكن للناس ذلك الزمان مصابيح. قال محمد بن رشد: كان القياس أن يجب عليها أن تنظر قبل الفجر بقدر ما يمكنها إن رأت الطهر أن تغتسل وتصلي المغرب والعشاء قبل طلوع الفجر؛ إذ لا اختلاف في أن الصلاة تتعين في آخر الوقت على من لم يصلها في سعة من الوقت، فسقط ذلك عنها في الاتساع ومن ناحية المشقة

مسألة: يخرج من منزله وهو على غير يريد منزلا آخر فتغرب عليه الشمس

التي تدركها في القيام من الليل، فخفف ذلك عنها بأن تنظر عند إرادة النوم، فإن استيقظت عند الفجر وهي طاهر فلم تدر لعل طهرها كان من الليل حملت في الصلاة على ما نامت عليه ولم يجب عليها قضاء صلاة الليل حتى توقن أنها طهرت من قبل الفجر، وأمرت في رمضان بصيام ذلك اليوم وأن تقضيه احتياطا. فيجب على المرأة أن تنظر عند النوم للعلة التي ذكرنا، وعند أوقات الصلوات، ويجب ذلك عليها في أوائلها وجوبا موسعا، ويتعين في آخرها بقدر ما يمكنها أن تغتسل وتصلي قبل خروج الوقت. والأصل في هذه المسألة قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الآية. لأنها دالة على أن التأهب لها بالغسل والوضوء لا يجب إلا عند إرادة فعلها بدخول وقتها، وهو بين، وبالله التوفيق. [مسألة: يخرج من منزله وهو على غير يريد منزلا آخر فتغرب عليه الشمس] مسألة وسئل عن رجل خرج من منزله وهو على غير وضوء وهو يريد منزلا آخر قريبا منه، وهو يرى أنه سيأتيه قبل غروب الشمس، فغربت عليه وبينه وبين الموضع الذي كان يريده ميل أو ميلان، قال: لا يصلي حتى ينتهي إلى موضعه الذي يريد فيتوضأ ويصلي. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الميل أو الميلين يأتي عليهما قبل مغيب الشفق، ولو كان لا يدرك الماء قبل مغيب الشفق لوجب عليه أن يتيمم ويصلي كما قال في المدونة، ولا اختلاف في هذه المسألة؛ لأنه مسافر وإن كان سفرا قريبا لا تقصر فيه الصلاة. وقيل: إنها جارية على الاختلاف في الحاضر العادم للماء هل هو من أهل التيمم أم لا؟ على

مسألة: الرجل يفضي بيده إلى فرجه ليس بينهما حجاب هل ينقض الوضوء

اختلافهم في آية التيمم هل تحمل على ظاهرها أو يقدر فيها تقديم وتأخير على ما تقدم القول عليه في رسم "الشريكين"؟ وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يفضي بيده إلى فرجه ليس بينهما حجاب هل ينقض الوضوء] مسألة قال سحنون: حدثني ابن القاسم عن مالك عن يزيد عن عبد المالك بن المغيرة، عن سعيد بن أبي سعيد القبري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أفضى بيده إلى فرجه ليس بينهما حجاب فقد وجب عليه الوضوء للصلاة» . قال محمد بن رشد: قد روي هذا المعنى عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، من وجوه كثيرة، وروي عن طلق بن علي أنه قال: «قدمنا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاءه رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله، هل ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ فقال: وهل هو إلا بضعة منك» . فمن أهل العلم من أوجب الوضوء من مس الذكر، ومنهم من لم يوجبه، ومنهم من فرق بين العمد والنسيان، فاستعمل الآثار الواردة في ذلك ولم يطرح منها شيئا. والأقوال الثلاثة قائمة في المذهب لمالك. روى أشهب عنه في هذا الكتاب أنه قال: من مس ذكره انتقض وضوءه، فظاهره في العمد والسهو. وروي عنه في كتاب الصلاة أنه سئل عن مس الذكر، فقال: لا أوجبه وأبى، فروجع في ذلك فقال: يعيد ما كان في الوقت وإلا فلا، فظاهره أيضا في العمد والسهو. وروى ابن وهب عنه في سماع سحنون من هذا [الكتاب] القول الثالث

مسألة: الرجل يتوضأ ولم يخلل أصابع رجليه

أنه لا إعادة عليه إلا أن يمسه عامدا. وإلى هذا يرجع ما في المدونة على تأويل بعض الناس، وقد تأول ما فيها [على الظاهر] من التفرقة بين باطن الكف وظاهره من غير اعتبار بقصد ولا وجود لذة، وهذا كله إذا مسه على غير حائل. واختلف قوله: إن مسه على حائل خفيف على قولين، أحدهما: أنه لا وضوء عليه، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه في سماع سحنون من هذا الكتاب اتباعا لظاهر هذا الحديث، والثاني: أن عليه الوضوء، وهو قوله في رواية علي بن زياد عن مالك. وأما إن كان الحائل كثيفا فلا وضوء عليه قولا واحدا، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتوضأ ولم يخلل أصابع رجليه] مسألة وسئل مالك عمن توضأ ولم يخلل أصابع رجليه، قال: يجزئ عنه. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن تخليلها أحسن، وكذلك قال ابن حبيب أن تخليلها مرغب فيه. وفي رسم "نذر سنة" بعد هذا: أنها لا تخلل، ونحوه روى ابن وهب عن مالك في المجموعة، قال: ولا خير في الجفاء والغلو، وبالله التوفيق. ومن كتاب البز [مسألة: الرجل يجنب فيدخل البير المعين يغتسل فيه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يجنب فيدخل البير المعين يغتسل فيه، قال: كنت أسمع أن ينهى أن يغتسل الجنب في الماء الدائم والمقيم. فقيل له: إن البير ربما كانت كثيرة الماء، قال: هو ماء مقيم

مسألة: المسافر يحضره وقت الصلاة وليس معه ماء والماء متنح عن الطريق

وإن كان معينا، قد قيل لأبي هريرة حين ذكر غسل اليد للوضوء، فقيل له: فأين المهراس؟ قال: أف لك، لا تعارض الحديث، يريد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاله. قال محمد بن رشد: قد مضى التكلم في أول رسم من هذا السماع على الغسل في الماء الدائم، وفي رسم "كتب عليه ذكر حق" على حكم إدخال اليد في الماء قبل غسلها: وظاهر قول أبي هريرة أنه لا يسعه أن يدخل يده في المهراس قبل أن يغسلها للحديث، ويلزمه أن يحتال لغسلها إلا أن يوقن بطهارتها خلاف ما يأتي في آخر سماع أشهب من تخفيف ذلك، فانظر ذلك وقف عليه. وبالله التوفيق. [مسألة: المسافر يحضره وقت الصلاة وليس معه ماء والماء متنح عن الطريق] مسألة وسئل مالك عن المسافر يحضره وقت الصلاة وليس معه ماء، والماء متنح عن الطريق، أترى أن يعدل إليه؟ قال: إن ذلك لمختلف، فمنهم القوي والضعيف، والأمر الذي لا يقوى عليه فهو على قدر ما يطيق، فإن لم يكن يقوى على ذلك وذلك يشق عليه فأرجوه أن يكون ذلك واسعا له إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذا المعنى في آخر رسم "الشريكين" بما أغنى عن إعادته، وبالله التوفيق.

مسألة نضح الثوب ما وجه ذلك

[مسألة نضح الثوب ما وجه ذلك] مسألة وسئل مالك عن نضح الثوب ما وجه ذلك؟ قال: تخفيف، وهو جيد. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للرجل حين سأله لعلي، قال: «اغسل ذكرك وأنثييك وانضح» . وكان عبد الله بن عمر ينضح، وهو حسن، وهو تخفيف، يريد تخفيفا لما يشك فيه. قال محمد بن رشد: هذا أصل قد تقرر في المذهب أن ما شك في نجاسته من الثياب يجزي فيه النضح. والأصل في ذلك نضح أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للنبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، الحصير الذي صلى عليه. وأن عمر بن الخطاب لما غسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام نضح ما لم ير. وأما احتجاجه في الرواية لذلك بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اغسل ذكرك وأنثييك وانضح» فليس ببين؛ لأن النضح بعد الغسل لما قد غسل ليس لشك في نجاسته، وإنما هو لرفع ما يخشى أن يكون يطرأ عليه بعد ذلك من الشك في أن يكون قد خرج منه بعد الغسل بقية من ذلك المذي، كما قال سعيد بن المسيب: إذا توضأت وفرغت فانضح بالماء، ثم قل: هو الماء. ووجه ما ذهب إليه في احتجاجه أن النضح يرفع الشك الذي قد وقع كما يرفع الشك الذي يتوقع، ويحتمل أن يكون أراد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: " وانضح " أي: انضح ما شككت فيه من ثيابك أن يكون المذي قد أصابه. فعلى هذا التأويل يصحح الاحتجاج بالحديث لوجوب نضح ما شك في نجاسته من الثياب، ويكون بينا لا إشكال فيه. وإنما أمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغسل أنثييه لما يخشى أن يكون قد أصابهما من الأذى؛ لأن المذي من شأنه أن يمتد وينفرش، ولذلك قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس على الرجل غسل أنثييه

مسألة: الرجل يدخل حوض الحمام وهو ملآن أترى ذلك يجزيه في طهوره

من المذي إلا أن يخشى أن يكون قد أصابهما منه شيء، وهو أصله أن ما شك في نجاسته من الأبدان فلا يجزئ فيه إلا الغسل بخلاف الثياب. ومن الدليل على وجوب غسل ما شك فيه من الأبدان قوله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -،: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» فأمر بغسل اليد للشك في نجاستها، وهذا بين. وفي كتاب ابن شعبان أنه ينضح ما شك فيه من الثياب والأبدان، وهو شذوذ. وذهب ابن لبابة إلى أن يغسل ما شك فيه من الثياب والأبدان، ولم ير النضح إلا مع الغسل في الموضع الذي ورد فيه الحديث. وقال: إن نضح الحصير للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن لنجس، وحكى ذلك عن ابن نافع، وهو خروج عن المذهب. ويحتمل عنده أن يكون معنى قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اغسل ذكرك وأنثييك وانضح» أي: انضح واغسل ذكرك وأنثييك؛ لأن الواو لا توجب رتبة، وتكون إرادته بالنضح الصب، فكأنه قال: صب الماء على ذكرك وأنثييك واغسلهما؛ لأن الصب قد يسمى نضحا، ومنه الحديث: «إني لأعرف مدينة ينضح البحر بناحيتها» أي: يصب، والله أعلم بمراده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يدخل حوض الحمام وهو ملآن أترى ذلك يجزيه في طهوره] مسألة وسئل مالك عن الرجل يدخل حوض الحمام وهو ملآن، أترى ذلك يجزيه في طهوره؟ قال: نعم، إن كان طاهرا فنعم، يريد بذلك الماء والرجل جميعا.

مسألة: المسح على الخفين في الحضر أيمسح عليهما

قال محمد بن رشد: قوله نعم؛ يريد أن ذلك يجزيه من غسله إذا فعل بالشرطين اللذين وصف، لا أنه يبيح ذلك ابتداء لوجهين، أحدهما: الاغتسال في الماء الدائم للحديث الوارد في ذلك على ما تقدم له في أول مسألة من هذا الرسم وفي غير ما موضع، والثاني: كراهية الاغتسال بالماء السخن من الحمام، فقد قال في سماع أشهب: والله ما دخول الحمام بصواب، فكيف يغتسل من ذلك الماء؟ وبالله التوفيق. [مسألة: المسح على الخفين في الحضر أيمسح عليهما] مسألة وسئل عن المسح على الخفين في الحضر أيمسح عليهما؟ فقال: لا، ما أفعل ذلك. ثم قال: إني لأقول اليوم مقالة ما قلتها قط في جماعة من الناس: قد أقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة عشر سنين، وأبو بكر وعمر وعثمان خلافتهم، فذلك خمس وثلاثون سنة، فلم يرهم أحد يمسحون. قال: وإنما هي [هذه] الأحاديث. قال: ولم يروا يفعلون ذلك، وكتاب الله أحق أن يتبع ويعمل به. قال محمد بن رشد: كان مالك أول زمانه يرى المسح في السفر والحضر، ثم رجع فقال: يمسح المسافر ولا يمسح المقيم، ثم قال أيضا: لا يمسح المسافر ولا المقيم. والصواب الذي عليه جمهور الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين إجازة المسح في السفر والحضر. وقد روى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسح على الخفين نحوُ أربعين من الصحابة، وروي عن الحسن البصري أنه قال: أدركت سبعين من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسحون على الخفين. وروي عنه أنه قال: أجمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أنه من لم ير المسح على الخفين يجزئه حتى يخلعهما فيغسل رجليه لم تجاوز صلاته أذنيه

ولو صلى أربعين سنة حتى يتوب. ولم يرو عن أحد من الصحابة إنكار المسح على الخفين إلا عن ابن عباس وأبي هريرة وعائشة. فأما ابن عباس فروي عنه أنه قال: «مسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الخفين» ، فسل الذين يزعمون أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد مسح على الخفين أقبل المائدة أو بعد المائدة، والله ما مسح بعد المائدة، ولأن أمسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلي من أن أمسح عليهما. وإنما قال ابن عباس: إنه لم يمسح على الخفين بعد نزول المائدة؛ لأنه لم يره مسح فظن أنه لم يمسح، ومن رأى حجة على من لم ير. فقد روي «أن جرير بن عبد الله البجلي قال: " رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على خفيه، فقالوا: بعد نزول سورة المائدة؟ فقال: إنما أسلمت بعد نزول سورة المائدة ".» وقول ابن عباس: لأن أمسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلي من أن أمسح على الخفين، يحتمل أن يكون ذلك منه اختيارا لترك المسح في خاصته؛ لأنه من قوم اختصهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دون الناس بإسباغ الوضوء على ما روي عنه أنه قال: «ما اختصنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بثلاث: إسباغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي حمارا على فرس» . ويكون المسح له وللناس باقيا عنده على حكمه قبل نزول المائدة، بدليل ما روي عنه أنه سئل عن المسح على الخفين، فقال: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة. وكذلك أبو هريرة قد روي عنه أيضا إجازة المسح. وأما عائشة فقد روي أنها سئلت عن ذلك فتوقفت وقالت: اسألوا عليا فإنه كان يسافر مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسئل فقال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا أن نمسح على أخفافنا» . والصحيح من مذهب مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، الذي عليه أصحابه إجازة المسح في السفر والحضر، فهو مذهبه في موطاه، وعليه مات. روي

مسألة: إذا لبس الخفين المقيم والمسافر وهو طاهر فليمسح عليهما

عن ابن نافع قال: دخلنا على مالك في مرضه الذي مات فيه فقلنا له: يا أبا عبد الله قد أقمت برهة من عمرك ترى المسح على الخفين وتفتي به ثم رجعت عنه، فما الذي ترى في ذلك الآن ونثبت عليه؟ فقال: يا ابن نافع، المسح على الخفين في الحضر والسفر صحيح يقين ثابت لا شك فيه، إلا أني كنت آخذ في خاصة نفسي بالطهور، فلا أرى من مسح قصر فيما يجب عليه، وأرى المسح قويا والصلاة تامة. ومثل هذا في نوازل أصبغ من قوله وروايته عن ابن وهب. [مسألة: إذا لبس الخفين المقيم والمسافر وهو طاهر فليمسح عليهما] مسألة أخبرنا سحنون عن ابن وهب أنه قال: سمعت مالكا يقول: إذا لبس الخفين المقيم والمسافر وهو طاهر فليمسح عليهما، ليس عند أهل بلادنا في هذا وقت إذا انتهى إليه لم يمسح على الخفين، ولكن ما داما عليه. قال محمد بن رشد: هذا هو المعلوم من قول مالك في المدونة وغيرها الذي عليه أصحابه أن لا توقيت في ذلك، وقد روي عن مالك التوقيت في ذلك كالذي يذهب إليه أهل العراق: ثلاثة أيام للمسافر، ويوم وليلة للمقيم، في رسالته إلى هارون الرشيد. وقد قيل: إنها لم تصح عنه، والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة: الغسل باللبن والعسل يغسل به رأسه] مسألة وسئل مالك عن الغسل باللبن والعسل يغسل به رأسه، قال: ما يعجبني ذلك، وغيره أحب إلي منه. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما في رسم "النذور والجهاد" من سماع أشهب، ونحو قول سحنون في نوازله، وفي سماع أشهب أيضا من هذا الكتاب. وقال ابن نافع فيه: لا بأس بالوضوء بالنخالة. وهذا إنما يكره من

مسألة: الرجل تبول الدابة قريبا منه فيشك أن يكون أصابه شيء من بولها

ناحية السرف والترفه والتشبه بأمر الأعاجم وما للأطعمة من الحرمة، لا لأنه حرام، فمن تركه أجر، ومن فعله لم يكن عليه إثم ولا حرج على حد المكروه؛ لأنه مما في تركه ثواب وليس في فعله عقاب. وقول ابن نافع: لا بأس بالوضوء بالنخالة؛ معناه لا إثم عليه إن فعل ذلك، فليس بخلاف لقول مالك وسحنون. وكذلك ما وقع في سماع أشهب من كتاب الحدود: لا بأس أن تمشط المرأة بالنضوح تعمله من التمر والزبيب، معناه: لا إثم عليها في ذلك؛ لأن النهي إنما جاء في الخليطين للشرب، لكنه مكروه لها من ناحية السرف، فإن تركته أجرت، وإن فعلته لم تأثم، فليس في شيء من ذلك كله تعارض ولا اختلاف، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل تبول الدابة قريبا منه فيشك أن يكون أصابه شيء من بولها] مسألة وسئل مالك عن الرجل تبول الدابة قريبا منه فيشك أن يكون أصابه شيء من بولها، فقال: إن استيقن أنه أصابه ولم يره غسل تلك الناحية، وإن شك نضح وهو يجزئ عنه. قال محمد بن رشد: وهذا على أصله الذي قد قرره في غير ما موضع أن ما شك في نجاسته من الثياب يجزئ فيه النضح، فإن لم يفعل أعاد في الوقت. واختلف إذا وجد في ثوبه احتلاما فغسل ما رأى وترك أن ينضح ما لم ير، فقال في سماع ابن أبي زيد يعيد في الوقت، وقال ابن حبيب: لا إعادة عليه؛ لأن النضح هاهنا إنما هو لتطيب النفس، وهو قول ابن نافع في تفسير ابن مزين، وبالله التوفيق. [: الفرس في مثل الغزو والأسفار يكون صاحبه يمسكه فيبول فيصيبه بول الفرس] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل [مالك] عن الفرس في مثل الغزو والأسفار يكون صاحبه يمسكه فيبول فيصيبه بول الفرس، قال: أما في أرض العدو

: الرجل يجعل الخرقة يمسح بها وجهه عند وضوئه

فإني أرجو أن يكون خفيفا إذا لم يكن له من يمسكه غيره، وأما في أرض الإسلام فليتقه ما استطاع، ودين الله يسر. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه مما لا يستطيع المسافر التوقي منه، لا سيما الغازي في أرض العدو، فهو موضع تخفيف للضرورة، كما خفف مسح الخف من الروث الرطب، وكما جوز للمرأة أن تصلي في الثوب الذي ترضع فيه إذا لم يكن لها ثوب غيره، مع أن تدرأ البول عنه جهدها. [: الرجل يجعل الخرقة يمسح بها وجهه عند وضوئه] ومن كتاب أوله مساجد القبائل وسئل مالك عن الرجل يجعل الخرقة يمسح بها وجهه عند وضوئه، قال: لا بأس بذلك، وأنا أفعل ذلك، ثم قال: وما الذين يسألون عن مثل هذا؟ فقيل: إن بعض الناس يذكرون أن بلال بن عبد الله بن عمر نهى رجلا عن ذلك، ويقولون: هو يذهب بنور الوجه، فوعظه أن يحدث بذلك أو يقبله ممن حدثه، قال: ولو قاله بلال أيؤخذ منه ذلك؟ قال محمد بن رشد: إنما أنكر مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والله أعلم، هذا الحديث ووعظ أن يحدث بذلك أو يقبله ممن حدثه لبيان بطلانه، وذلك أن نور الوجه هو بياضه، فإن كان أراد أن مسح الوضوء بالخرقة يذهب بياض الوجه في الدنيا فيسود أو تعلوه كالغبرة، فذلك ترده المشاهدة، وإن كان أراد أنه يذهب بياضه في الآخرة فيسود أيضا أو تعلوه غبرة، فذلك يرده القرآن؛ لأن الله تعالى أخبر في كتابه أن ذلك من علامات الكفار، قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106] .

مسألة: الخاتم يكون في يد الرجل أيحركه عند الوضوء

وقال: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} [عبس: 40] {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 41] {أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس: 42] وقد «روي أنه، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كانت له خرقة ينشف بها بعد الوضوء» وقع هذا الأثر في المدونة من رواية عائشة، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وقولها: «كانت له خرقة يتنشف بها عند الوضوء» يقتضي أن ذلك كان شأنه الذي يداوم عليه، فلا يعارض هذا ما روي «عن ميمونة أنها قالت: " صببت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غسلا فاغتسل به ثم أتيته بمنديل أو خرقة فلم يردها أو لم ينفض بها» ؛ إذ قد يحتمل أن يكون كره الخرقة لشيء علمه فيها، أو كره مناولتها إياه، أو أحب أن يكون هو الذي يتناولها بنفسه تواضعا لله عز وجل، ولعلها قامت بها عليه فكره قيامها؛ إذ ذلك من فعل الجبابرة، وقد قال، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار» . ومن الناس من كره ذلك في الغسل دون الوضوء اتباعا للآثار، فهي أقوال. وقد عللت الكراهية فيها بأنه أثر عبادة فكرهت إزالته كدم الشهيد، وهو من التعليل البعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: الخاتم يكون في يد الرجل أيحركه عند الوضوء] مسألة وسئل عن الخاتم يكون في يد الرجل أيحركه عند الوضوء؟ قال: لا أرى ذلك على أحد أن يحرك خاتمه. فقيل له: أيستنجي به وفيه ذكر الله؟ قال: إن ذلك عنده لخفيف، ولو نزعه لكان أحسن، وفي هذا سعة، وما كان من مضى يتحفظ هذا التحفظ في مثل هذا

ولا سئل عنه. وقال ابن القاسم: وأنا أستنجي بخاتمي وفيه ذكر الله. قال محمد بن رشد: قوله: لا أرى على أحد أن يحرك خاتمه عند الوضوء مثله في بعض الروايات لأبي زيد بن أبي آمنة في الذي يكون في إصبعه خاتم قد عض به، فهو كما قال؛ لأنه إن كان سلسا فالماء يصل إلى ما تحته ويغسله، وإن كان قد عض بإصبعه صار كالجبيرة لما أباح الشرع له من لباسه إياه، فلا ينبغي أن يدخل في هذا لهذه العلة الاختلاف الموجود في المدنية وفي بعض روايات العتبية فيمن توضأ وقد لسق بظفره أو بذراعه الشيء اليسير من العجين أو القير أو الزفت؛ لأن الأظهر من القولين تخفيف ذلك على ما قاله أبو زيد بن أبي آمنة في بعض روايات العتبية، ومحمد بن دينار في المدنية، خلاف قول ابن القاسم في المدنية، وظاهر قول أشهب في بعض روايات العتبية. وقد روي عن أبي تميم الجيشاني قال: " دخلت أنا وإخوتي على عمر بن الخطاب وعلى بعضهم خاتم فقال له عمر: كيف يتم وضوءك وهذا عليك؟ فنزعه وألقاه ". وهذا شاذ والله أعلم بصحته؛ إذ لو كان هذا واجبا لاتصل به العمل، ونقل نقل التواتر الذي لا يجهل، وبالله التوفيق. وفي البخاري عن ابن سيرين " أنه كان يغسل موضع الخاتم إذا توضأ "، وذلك من الاعتداء في الوضوء المنهي عنه ومن الغلو في الدين، قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة: 77] . وأما الاستنجاء به وفيه ذكر الله فقد مضى القول فيه في رسم "الشريكين"، وبالله التوفيق.

حكم درق البازي

[حكم درق البازي] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت قال ابن القاسم: في درق البازي قال: يعيد في الوقت إلا أن يكون الذي يصيب ذكيا، فقيل لابن القاسم: فالحمام تصيب أرواث الدواب، فقال: أحب إلي أن لو أعاد في الوقت من صلى بخروها. قال محمد بن رشد: ذكر ابن حارث في كتاب يحيى بن إسحاق من رواية أصبغ عن ابن القاسم أن درق البازي نجس، وإن كان الذي يأكل ذكيا. قال أصبغ: ولا يعجبني قوله: إذا كان الذي يأكل ذكيا وأراه طاهرا. وفي المبسوطة أيضا لمالك مثل قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه أنه نجس يعيد منه في الوقت وإن كان الذي يصيب منه ذكيا. وقد روي عن مالك أنه لا يوكل ككل ذي مخلب من الطير لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك. وعلى هذه الرواية يأتي أن درق البازي نجس وإن كان الذي يأكل ذكيا. وقوله في الحمام: يصيب أرواث الدواب أن أحب إليه أن لو أعاد في الوقت من صلى بخروها، إنما إذا علم من حالها أنها تأكل أرواث الدواب ولم يتحقق أنها أكلتها، ولو تحقق ذلك لقال: إنه يعيد في الوقت على كل حال؛ لأن خرو ما يأكل النجس عنده نجس، وبالله التوفيق. [: خرو الحمام يصيب الثوب] ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل مالك عن خرو الحمام يصيب الثوب، قال: هو عندي خفيف، وغسله أحب إلي. قال محمد بن رشد: وهذا إذا لم يعلم أنها أكلت نجاسة على ما تقدم في الرسم الذي قبل هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يكون معه الماء القليل لوضوئه أترى يسقيه عطشانا ويتيمم] مسألة وسئل مالك عن الرجل يكون معه الماء القليل لوضوئه فيمر

مسألة: نام فاحتلم وصلى الصبح فرأى في قميصه الاحتلام وهو بالسوق

به رجل] فيستقيه، أترى أن يسقيه ويتيمم؟ قال: ذلك يختلف، أما رجل يخاف أن يموت فأرى ذلك له، وإن لم يبلغ منه الأمر الخوف فلا أرى ذلك له، وقد يكون عطش خفيف، ولكن إن أصابه من ذلك أمر يخافه فأرى ذلك له. قال محمد بن رشد: خوفه على الرجل الذي يستقيه كخوفه على نفسه سواء، وقد قال في رسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب: إنه إذا كان معه من الماء قدر وضوئه فخاف العطش أنه يجوز له أن يتيمم ويبقي ماءه، وهو كما قال؛ لأن الخوف على النفس يسقط حق الله. قال الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] . [مسألة: نام فاحتلم وصلى الصبح فرأى في قميصه الاحتلام وهو بالسوق] مسألة وسئل مالك عن من نام فاحتلم وصلى الصبح فرأى في قميصه الاحتلام وهو بالسوق وذلك نهارا بعد أن طلعت الشمس، وهو يريد أن يشتري حاجة، أفترى أن يمضي لحاجته أم ينصرف فيغتسل ويصلي الصبح؟ قال: بل ينصرف ويغتسل ويصلي الصبح. قال محمد بن رشد: مثل هذا في كتاب الوضوء من المدونة سواء. والدليل على صحته قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها» ، فإن الله تبارك وتعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وقد قال في كتاب الصلاة الأول من المدونة: من ذكر صلاة قد خرج وقتها فليس له أن يتنفل قبلها، وليس الأمر في ذلك

مسألة: الفارة تأكل من الخبز أيؤكل من موضعها الذي أكلت منه

عندي بضيق؛ لما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صلى إذ نام عن الصلاة في الوادي ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح» وبالله التوفيق. [مسألة: الفارة تأكل من الخبز أيؤكل من موضعها الذي أكلت منه] مسألة وسئل مالك عن الفارة تأكل من الخبز أيؤكل من موضعها الذي أكلت منه؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة قال: وسألنا مالكا عن الخبز من سؤر الفارة، فقال: لا بأس بذلك، وهو على أصله فيها أن السباع والدجاج التي تأكل النتن إن شربت من اللبن لم يطرح إلا أن يتيقن أن في مناقرها أذى. ويروى الخبز من سؤر الفارة بفتح الخاء، يريد ما عجن بالماء الذي شربت فيه، وذلك على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك سواء، وإنما يفترق ذلك على مذهب ابن الماجشون الذي يقول إن الكلب إذا ولغ في اللبن أكل، وإذا ولغ في الماء وعجن به أو أصبح أنه لا يؤكل شيء من ذلك؛ لأنه فساد أدخله هو على نفسه بفعله، والله أعلم. [مسألة: الرجل يدخل إصبعه في فيه عند وضوئه ويدخلها في مائه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يدخل إصبعه في فيه عند وضوئه، ويدخلها في مائه، قال: لا بأس بذلك. فقيل له: فالسواك يدخله في مائه الذي يتوضأ به وقد أدخله في فيه، أيتوضأ بذلك الماء؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: إنما سأله عن ذلك لما خشي أن ينضاف الماء لما تعلق بإصبعه أو سواكه من ريقه، فرأى ذلك خفيفا؛ إذ لا يتغير الماء من

الريق إلا أن يكثر البصاق فيه. وقد استحب في رسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب غسل يده قبل أن يعيدها إلى وضوئه وهو حسن، إذ روي عن أبي الحسن القابسي أن الماء اليسير ينضاف بما حل فيه من الطاهر اليسير وإن لم يتغير به، كما تفسده النجاسة اليسيرة وإن لم يتغير بها، وهو شذوذ. مسألة وسئل مالك عن الاستنثار، أيستنثر الرجل من غير أن يضع يده على أنفه؟ فأنكر ذلك، وقال: لا أعرفه، كأنه يرى أنه يضع يده إذا أراد أن يستنثر. قال محمد بن رشد: وهو كما قال؛ لأن ذلك هو السنة، والشأن في الاستنثار الذي مضى عليه العمل وأخذه الصغير عن الكبير. ووجه ذلك أنه يضع يده على أنفه إذا استنثر يدفع ما يخرج من أنفه مع الماء الذي استنشقه من أن يسيل على فمه ولحيته، ولذلك أنكر مالك تركه، وهو موضع الإنكار، وبالله التوفيق. مسألة وسئل مالك عن المتيمم كيف يتيمم؟ قال: ضربة لوجهه، وضربة ليديه، يمر يده اليسرى على اليمنى من فوقها وباطنها، واليمنى على اليسرى مثل ذلك من فوقها وباطنها. قال محمد بن رشد: هذا هو الاختيار عند مالك في التيمم، ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، يمر اليسرى على اليمنى من فوقها وباطنها، الأصابع على ظهور الأصابع، وظهر الذراع والكف على بطن الذراع إلى أصل الكف، ثم اليمنى على اليسرى من فوقها وباطنها كذلك، إلا أنه ينتهي إلى آخر الأصابع، قاله ابن حبيب، وخالفه غيره في ذلك فقال

مسألة: الجنب أيحرك لحيته بالماء إذا اغتسل

يمسح اليمنى باليسرى إلى أطراف الأصابع، ثم اليسرى باليمنى كذلك. وما في المدونة محتمل للتأويل. والفرض عنده ضربة واحدة للوجه واليدين إلى الكفين، فإن تيمم أحد عنده إلى الكفين أعاد في الوقت، وإن تيمم بضربة واحدة لم يكن عليه إعادة. وقال ابن حبيب يعيد في الوجهين في الوقت، وقال ابن نافع ومحمد بن عبد الحكم: يعيد في الوجهين جميعا في الوقت وبعده. ويتحصل من اختلاف أهل العلم في صفة التيمم تسعة أقوال؛ لأن في حده ثلاثة أقوال، قيل: إلى الكوعين، وقيل: إلى المرفقين، وقيل: إلى المنكبين، قيل بضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين، وقيل بضربة واحدة للوجه واليدين، [وقيل بضربة واحدة للوجه واليدين] وضربة ثانية للوجه أيضا واليدين. واختيار ابن لبابة الذي قد ذكرناه في رسم "الشجرة" قول عاشر في المسألة. [مسألة: الجنب أيحرك لحيته بالماء إذا اغتسل] مسألة وسئل مالك عن الجنب أيحرك لحيته بالماء إذا اغتسل؟ قال: نعم. فقيل له: فعند الوضوء؟ قال: يحرك ظاهرها من غير أن يدخل يده فيها، وهو مثل أصابع الرجل أراد أنها لا تخلل. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في تخليل الرجلين في آخر رسم "اغتسل". وأما تخليل اللحية في الوضوء ففيها ثلاثة أقوال: أحدها قوله في هذه الرواية وفي المدونة أنها لا تخلل، وهو قول ربيعة أن تخليلها مكروه، والثاني: أن تخليلها مستحب، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، والثالث: أن تخليلها واجب، وهو قول مالك في رواية ابن وهب وابن نافع عنه حكاه ابن حارث. وقد مضى في رسم "أخذ يشرب خمرا" من توجيه الاختلاف في تخليلها في الغسل ما يدل على ذلك في الوضوء لمن فهم. وأظهر الأقوال

رجل جهل في السفر فتيمم فضرب ضربة واحدة ثم سأل عن ذلك بعد أيام

استحباب تخليلها، " فقد روي «أن عمار بن ياسر توضأ فخلل لحيته فقيل له: أتخلل لحيتك؟ فقال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخلل لحيته» وبالله التوفيق. [رجل جهل في السفر فتيمم فضرب ضربة واحدة ثم سأل عن ذلك بعد أيام] من كتاب أوله المحرم يتخذ خرقة لفرجه وسئل مالك عن رجل جهل في السفر فتيمم فضرب ضربة واحدة فيمم بها وجهه ويديه وصلى، ثم سأل عن ذلك بعد أيام، قال: أرجو أن يجزئ عنه، وغير ذلك كان أصوب. قال ابن القاسم: لا أرى عليه إعادة في الوقت ولا بعده. قال محمد بن رشد: قد مضى في الرسم الذي قبل هذا من التكلم على هذه المسألة بما فيه كفاية. [مسألة: استنجى بدرة ثم توضأ وصلى] مسألة وسئل عمن استنجى بدرة ثم توضأ وصلى. قال: صلاته تجزئه. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم "سن" بما فيه كفاية. [مسألة: الخفين وما يصيب أهل مصر في أخفافهم من الروث الرطب] مسألة وسئل مالك عن الخفين وما يصيب أهل مصر في أخفافهم من الروث الرطب أيمسحه الرجل ويصلي به؟ قال: أرجو أن يكون واسعا إن شاء الله، وما الناس كلهم سواء، من الناس من يركب،

مسألة: الطعام يوقد بأرواث الحمير أيؤكل

ومن الناس من يجعل زوجي خفاف لموضع البرد فينزع الأعلى، وأرجو أن يكون خفيفا. فقلت له: فأحب إليك أن ينزعه؟ قال: نعم، هو أحب إلي، ولا أراه ضيقا على الناس. فقيل له: فالعذرة يطأ عليها؟ قال: ليس هذا مثل الروث، والروث أسهل عندي من العذرة، ولا أرى أن يصلي بالعذرة حتى يغسلها. قال: والبول بول الناس عنده مثل العذرة وخرو الكلاب وما أشبهها لا يجزئ فيها إلا الغسل، إلا أرواث الدواب وأبوالها فإن المسح يجزئ فيها. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة قد تقدم الكلام عليها في رسم أوله "تأخير صلاة العشاء ". [مسألة: الطعام يوقد بأرواث الحمير أيؤكل] مسألة وسألته عن الطعام يوقد بأرواث الحمير أيؤكل أم لا؟ فقال لي: أما الخبز الذي ينضج فيه فلا يؤكل، وأما ما طبخ في القدر فأكله خفيف وهو يكره بدءا، وقال سحنون مثله. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما وقع في رسم "شك في طوافه" في بعض الروايات، قال: لا يوقد بعظام الميتة لا الطعام ولا الشراب، قال ابن القاسم: ولا أرى أن يوقد بها في الحمامات، قال ابن القاسم: ولا أرى بأسا أن تخلص بها الفضة من التراب إن شاء الله تعالى، ونفرد القول على هذه المسألة في موضعها. وهذا كما قال؛ لأن الخبز الذي ينضج فيه قد داخله من عين نجاسة الروث النجس وسرى فيه فنجس بذلك. وأما ما طبخ عليه في القدر فلم يصل إليه من عين النجاسة شيء ينجس به من أجل الحائل الذي بينه وبينه، وإنما يكره من أجل ما يصل إليه من دخان الروث النجس؛ لما في ذلك من الشبهة من أجل من يقول: إن الدخان نجس وإن لم يكن عندنا نجسا.

مسألة: الرجل يتوضأ يريد بذلك طهر الوضوء هل يجزئ ذلك للصلاة

[مسألة: الرجل يتوضأ يريد بذلك طهر الوضوء هل يجزئ ذلك للصلاة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يتوضأ يريد بذلك طهر الوضوء، ولا يريد بذلك صلاة، فتحضره الصلاة، أفترى أن يصلي بذلك الوضوء؟ قال: نعم إذا أراد بذلك طهرا. قال محمد بن رشد: لا إشكال أن يصلي صلاة الفريضة بهذا الوضوء؛ لأنه إذا نوى به الطهر فقد قصد به رفع الحدث، فهذا أعم ما ينوي المتوضئ بوضوئه. وإنما الكلام إذا لم يعم ويقصد رفع الحدث، وإنما توضأ لشيء يعنيه هل يصلي بذلك صلاة الفريضة أم لا؟ وهذا ينقسم على ثلاثة أقسام: أحدها: أن يتوضأ لما لا يصح فعله إلا بوضوء كمس المصحف أو الصلاة على جنازة وما أشبه ذلك، والثاني: أن يتوضأ لما يصح فعله بغير طهارة والوضوء له مشروع استحبابا كالنوم وقراءة القرآن طاهرا وما أشبهه، والثالث: أن يتوضأ لما لم يشرع له الوضوء أصلا كالدخول على السلطان وما أشبه ذلك. فالأول يصلي به باتفاق، والثاني يصلي به على اختلاف، والثالث لا يصلي به باتفاق، وبالله التوفيق. [الرجل يمشي بخفيه في مكان القشب الرطب فيصيبه من ذلك أيصلي فيه] من كتاب أوله حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان وسئل مالك عن رجل يمشي بخفيه في مكان القشب الرطب فيصيبه من ذلك، أيصلي فيه؟ قال: لا، حتى يغسله أو يخلعه. قيل له: فالحديث الذي جاء في القشب؟ قال: ذلك القشب اليابس فيما تقول. قال ابن القاسم: ثم سمعته بعد ذلك يخففه في أرواث الدواب وأبوالها إذا مسحت وإن كانت طرية. قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة في مواضع، ومضى القول فيها في رسم "تأخير العشاء" ما فيه كفاية، وبالله التوفيق.

مسألة: الرجل يمر تحت السقائف فيقع عليه ماؤها

[مسألة: الرجل يمر تحت السقائف فيقع عليه ماؤها] مسألة وسئل مالك عن الرجل يمر تحت السقائف فيقع عليه ماؤها، قال: أراه في سعة ما لم يستيقن بنجس. قال محمد بن رشد: زاد في هذه المسألة في رسم "نقدها" من سماع عيسى: فإن سألهم، فقالوا: هو طاهر، فإنه يصدقهم إلا أن يكونوا نصارى فلا أرى ذلك. وهذا كما قال: إن النصارى يحمل ما سال عليه من عندهم على النجاسة ولا يصدقون إن قالوا: إنه طاهر، بخلاف المسلمين؛ لأنهم ممن يتوقى من النجاسة ويخاف من ربه العقوبة. وقد تكررت في هذا الرسم بعينه من كتاب الصلاة، وبالله التوفيق. [مسألة: الدود يخرج من الدبر أترى فيه وضوءا] مسألة وسئل مالك عن الدود يخرج من الدبر، أترى فيه وضوءا؟ قال مالك: لا، هو عندي مثل البول الذي يفلت من صاحبه. قال ابن القاسم: يريد السلس. قال محمد بن رشد: هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أن لا وضوء عليه خرجت الدود نقية أو غير نقية، وهو المشهور في المذهب أن لا وضوء إلا فيما يخرج من السبيلين من المعتادات على العادة، والثاني: أنه لا وضوء [عليه] إلا فيما تخرج غير نقية، وهذا على قول من يرى الوضوء فيما خرج من السبيلين من المعتادات خرج على العادة أو على غير العادة، والثالث: أن عليه الوضوء وإن خرجت نقية، وهو قول ابن عبد الحكم خاصة

تخليل اللحية في الوضوء

من أصحابنا؛ لأنه يرى الوضوء مما خرج من السبيلين من المعتادات وغير المعتادات، وبالله التوفيق. من سماع أشهب وابن نافع عن مالك رواية سحنون [تخليل اللحية في الوضوء] من كتاب الجنائز وسئل مالك عن تخليل اللحية في الوضوء، قال: لا أرى ذلك عليه، يغسل وجهه ويمر يديه على لحيته. قيل له: أفيخلل لحيته من الجنابة؟ قال: نعم ويحركها، قد «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخلل أصول شعر رأسه من الجنابة» . قال محمد بن رشد: دليل هذه الرواية أن تخليل اللحية مستحب عنده؛ لأنه لما نفى وجوب تخليلها بقوله: لا أرى ذلك عليه، دل على الاستحباب؛ إذ لا يقول أحد إن تخليلها من قبيل المباح. وقد تقدم القول في تخليلها في الوضوء في آخر رسم "نذر سنة" من سماع ابن القاسم، وفي تخليلها في غسل الجنابة في رسم "أخذ يشرب خمرا" منه بما لا معنى لإعادته هاهنا وبالله التوفيق. [مسألة: تقبيل الرجل أخته أو ابنته أينقض الوضوء] مسألة وسئل عن تقبيل الرجل أخته أو ابنته أينقض الوضوء؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن القبلة من الملامسة، فإنما ينتقض الوضوء من ناحية اللذة، والنساء في ذلك على ثلاثة أحوال: من لا يوجد في تقبيلهن لذة ومنهن من لا يُبتغى في تقبيلهن لذة، ومنهن من يُبتغى في تقبيلهن اللذة. فأما اللواتي لا يوجد في تقبيلهن لذة وهن الصغيرات اللواتي لا يشتهى مثلهن فلا وضوء في تقبيلهن وإن قصد بذلك اللذة ووجدها بقلبه إلا على مذهب من يوجب الوضوء في الالتذاذ بالتذكار. وأما اللواتي

مسألة: المسافر لا يجد وفي الرفقة من معه ماء أيتيمم للصلاة ولا يسألهم

لا يبتغى في تقبيلهن لذة وهن ذوات المحارم فلا وضوء في تقبيلهن إلا مع القصد إلى الالتذاذ بذلك من الفاسق الذي لا يتقي الله؛ لأن القصد في تقبيلهن الحنان والرحمة، فالأمر محمول على ذلك حتى يقصد سواه. وأما اللواتي يبتغى بتقبيلهن اللذة وهن من سوى ذوات المحارم فيجب الوضوء في تقبيلهن مع وجود اللذة أو القصد إليها وإن لم توجد، واختلف إذا عدم الأمران على قولين، وبالله التوفيق. [مسألة: المسافر لا يجد وفي الرفقة من معه ماء أيتيمم للصلاة ولا يسألهم] مسألة وسئل عن المسافر لا يكون معه ماء وقد حضرت الصلاة وفي الرفقة من معه ماء، أترى أن يتيمم ويصلي ولا يسألهم؟ أم ترى ألا يتيمم حتى يسألهم؟ فقال: يتيمم وهو يجد ماء، لا، ولكن يسأل من يليه ومن يظن أنه يعطيه. قبل أن يتيمم، وليس عليه أن يتبع أربعين رجلا في الرفقة فيسألهم كلهم، ولكن يسأل من يليه ويرجو ذلك منه. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول في هذه المسألة في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم، ويأتي في رسم " أبي زيد " ما فيه زيادة في معناها. [مسألة: المتوضئ في الصفر والحديد] مسألة وسئل عن المتوضئ في الصفر والحديد، فقال: لا بأس بذلك، وقد أتي عبد الله بن عمر بوضوء في تور نحاس فأبى أن يتوضأ فيه، قال مالك: وأراه نحاه ناحية الفضة. قال محمد بن رشد: معنى قول مالك في هذه المسألة: لا بأس بذلك؛ أي لا بأس ولا كراهية فيه عندي، وإن كان عبد الله بن عمر قد كرهه ونحا به ناحية الفضة.

مسألة: أيتوضأ من السقاء من الميتة إذا دبغ

[مسألة: أيتوضأ من السقاء من الميتة إذا دبغ] مسألة وسئل أيتوضأ من السقاء من الميتة إذا دبغ؟ فقال: إني أرجو أن لا يكون به بأس، إن أبغض ذلك إلي الصلاة فيه. قال محمد بن رشد: قال في كتاب الجعل والإجارة من المدونة: وجه الانتفاع بها الجلوس عليها والغربلة بها، وأما الاستسقاء بها ففي نفسي منه شيء، فأنا أتقيه في خاصة نفسي ولا أحرمه على الناس. فالمشهور من قول مالك المعلوم من مذهبه أن جلد الميتة لا يطهره الدباغ، وإنما يجوز الانتفاع به في المعاني التي ذكر على حديث عائشة، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت» . وقد روي عن ابن عباس أنه قال: «مر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاة ميتة كان أعطاها مولى لميمونة زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال: أفلا انتفعتم بجلدها؟ فقالوا: يا رسول الله، إنها ميتة، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنما حرم أكلها» . وروي عنه أيضا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» وروي عن عبد الله بن الحكم قال: «قرئ علينا كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أرض جهينة وأنا غلام شاب أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» فقال ابن لبابة: يشبه أن يكون مالك أسقط حديث ابن عباس الأول؛ لأنه قد اختلف عن ابن شهاب في إسناده ومتنه، فروي عنه مرة عن ابن عباس عن ميمونة، ومرة عن ابن عباس

أن شاة لميمونة، وروي عنه «ألا دبغتم إهابها فانتفعتم به» وأسقط حديثه أيضا: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» لأنه منه، وأسقط حديث عبد الله بن حكيم؛ لأنه لم تكن له صحبة، ولأنه قد روي عنه أنه قال: أخبرنا أشياخنا أن كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى إلى جهينة، وتقلد حديث عائشة وحده. وكان شيخنا الفقيه أبو جعفر بن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لم يسقط مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - شيئا من هذه الآثار بل استعملها كلها، وجعل حديث عائشة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت» مفسرا لها كلها، فقال قوله في حديث ابن عباس الثاني: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» معناه الانتفاع به، وقوله في حديث عبد الله بن حكيم: «ألا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» معناه قبل الدباغ، وهو كلام جيد؛ إذ لا ينبغي أن يطرح شيء من الآثار مع إمكان استعمالها. وأكثر أهل العلم يقولون: إن جلد الميتة يطهره الدباغ طهارة كاملة يجوز بها بيعه والصلاة به، وهو قول ابن وهب من أصحابنا في سماع عبد الملك من كتاب الصلاة، وفي الصلاة من المدونة دليل على هذا القول، وروى أشهب مثله عن مالك في جلود الأنعام خاصة في كتاب الضحايا، قال: وسئل مالك أترى ما دبغ من جلود الدواب طاهرا؟ فقال: ألا يقال هذا في جلود الأنعام، فأما جلود ما لا يؤكل لحمه فكيف يكون جلده طاهرا إذا دبغ وهو مما لا ذكاة فيه ولا يؤكل لحمه. وقد اختلف في جلد الخنزير فقيل: إنه لا يطهر بالدباغ، وقيل: إنه يطهر به لعموم الحديث. وقد قال أهل اللغة منهم النضر بن شميل: إن الإهاب جلد الأنعام، وما سواه لا يقال له إهاب، وإنما يقال له

مسألة: أيغسل الصوف صوف الميتة قبل أن يلبس

جلد. وقال إسحاق بن راهويه: هو كما قال النضر، وقال أحمد بن حنبل: لا أعرف ما قال النضر. [مسألة: أيغسل الصوف صوف الميتة قبل أن يلبس] مسألة وسئل أيغسل الصوف صوف الميتة قبل أن يلبس؟ فقال: إن كان يعلم أنه لم يصبه أذى فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصله أنه طاهر، بدليل أخذه منها في حال الحياة. وقد قال ابن حبيب: إنه يغسل، واستحب ذلك في المدونة، ولا معنى له إن علم أنه لم يصبه أذى. وذهب الشافعي إلى أن الصوف من الميتة ميتة؛ لأنه رأى أن الروح قد حله فمات بموت الشاة. وفي إجماعهم على جواز أخذه حال الحياة مع السلامة دليل على أن الروح لم يحله. وقد قال بعض من احتج له: إن ذلك كاللبن يؤخذ من الحي ولا يؤخذ من الميت، ولم يأت بشيء؛ لأن اللبن من الميت إنما نجس من كونه في الوعاء النجس، لا أنه مات بموت الشاة. وأما القرن فقد حله الروح، ولذلك كره مالك أخذه حال الحياة أو الموت، ولم يحرمه؛ لأنه أشبه الصوف في أنه لا يؤثر فيه الموت ولا يؤلم البهيمة أخذه منها حال الحياة. [مسألة: قوله تعالى " يوم تبلى السرائر " هل الوضوء من السرائر] مسألة وسألته عن قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9] أبلغك أن الوضوء من السرائر؟ قال: نعم. الوضوء من السرائر، وقد بلغني ذلك فيما يقول الناس، فأما حديث أحدثه فلا، والصلاة من السرائر، والصيام من السرائر، إن شاء قال: قد صليت ولم يصل، ومن السرائر ما في القلوب يجزي الله به العباد.

مسألة الأقطع الرجل الواحدة أيجوز له أن يمشي بالنعل الواحدة

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن السرائر ما يسر العبد في نفسه من إيمان أو كفر أو خير أو شر أو إخلاص عبادة أو الرياء بإظهار طاعة، فيعلم الله ذلك من قلبه ويبلوه من فعله ويحاسبه على ذلك بحكمه ويصيره إلى ما شاء من جنة أو نار بعدله، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه. [مسألة الأقطع الرجل الواحدة أيجوز له أن يمشي بالنعل الواحدة] مسألة وسئل عن الأقطع الرجل الواحدة، أيجوز له أن يمشي بالنعل الواحدة؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن النهي عن المشي في النعل الواحدة إنما أريد به من كان ذا رجلين، بدليل قوله في الحديث: «لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا» ، فمن كان ذا رجل واحدة لم يتناوله النهي، والله تعالى أعلم. [مسح مقدم رأسه مثل ما صنع ابن عمر] ومن كتاب الصلاة وسئل عمن مسح مقدم رأسه مثل ما صنع ابن عمر، فقال: وما يدريك أن ابن عمر مسح مقدم رأسه، فقال: أرى أن يعيد الصلاة. قال أشهب: لا إعادة عليه، فقيل له: إذا مسح بعض رأسه ولم يعم أعاد؟ قال: نعم، أرأيت لو غسل بعض وجهه أو ذراعيه أو رجليه. قال محمد بن رشد: اختلف أهل العلم في جواز مسح بعض الرأس في الوضوء لاحتمال قول الله عز وجل: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] أن تكون الباء للتبعيض وأن تكون للإلزاق، ولما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

المرأة التي يئست من المحيض تدفق دفقة من دم أو دفقتين

«مسح بعض رأسه» . فأما مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلم يجز مسح بعض الرأس كما لم يجز في التيمم مسح بعض الوجه واليدين، وإن كان الله قد قال: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ، كما قال في الوضوء: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] . وذهب الشافعي وأبو حنيفة وجماعة من أهل العلم إلى إجازة مسح بعض الرأس لما ذكرناه، وإلى هذا ذهب أشهب في هذه الرواية. وقال محمد بن مسلمة: إن مسح ثلثي رأسه أجزأه، وقال أبو الفرج: إن مسح ثلثه أجزأه، وبالله التوفيق. [المرأة التي يئست من المحيض تدفق دفقة من دم أو دفقتين] مسألة وسئل عن المرأة التي يئست من المحيض تدفق دفقة من دم أو دفقتين، قال: يسأل النساء عن ذلك، فإن كانت مثلها تحيض فلتغتسل وتصل. قال محمد بن رشد: النساء في الحيض ينقسمن على خمسة أقسام: صغيرة لا يشبه أن تحيض، ومراهقة يشبه أن تحيض، وبالغة في سن من تحيض، ومسنة يشبه أن لا تحيض، وعجوز لا يشبه أن تحيض. ولما لم يرد في القرآن ولا في السنة حد يرجع إليه من السنين يفصل به بين المسنة التي يشبه أن لا تحيض والعجوز التي لا يشبه أن تحيض، وجب أن يرجع في ذلك إلى قول النساء كما قال، فيُسألن عنه، فإن قلن: إن هذه المرأة التي دفقت دفقة أودفقتين من دم بعد أن كانت يئست من المحيض فيما كانت

الرجل يغسل رأسه بالبيض

ظنت مثلها تحيض، فلتعد ذلك الدم حيضا وتغتسل منه إذا انقطع عنها وتصلي، وإن قلن: إن مثلها لا تحيض فلا تعد ذلك الدم حيضا ولا تترك الصلاة له ولا تغتسل منه، قاله ابن القاسم في المجموعة، وقال ابن حبيب: إنها تغتسل وليس ذلك بصحيح؛ وإن شككن فيها عدت ذلك حيضا؛ لأن ما تراه المرأة من الدم محمول على أنه حيض حتى يوقن أنه ليس بحيض من صغر أو كبر؛ لقول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] والأذى الدم الخارج من الرحم، فوجب أن يحمل على أنه حيض حتى يعلم أنه ليس بحيض، وهذا ما لا أعلم فيه خلافا، وبالله التوفيق. [الرجل يغسل رأسه بالبيض] ومن كتاب النذور والجنائز والذبائح قال مالك: وسألني رجل عمن غسل رأسه بالبيض فقلت له: ما يعجبني ذلك، ولكل شيء وجه، ما له يدع الغاسول ويغسل بالبيض؟ فقيل له: أرأيت الأرز يغسل به اليد؟ أهو مثله؟ قال: هذا أخف عندي، هذا مثل الأشنان. قال محمد بن رشد: أما الأرز بإسكان الراء، فإذا لم يكن من الطعام فغسل اليد به جائز لا وجه للكراهة فيه، وأما ما كان من الطعام فغسل اليد والرأس به مكروه، وقد مضى في آخر رسم "البز" وجه الكراهة فيه والجمع بين ما يعارض ظاهره في ذلك من الروايات. وأما الرواية فيه بتحريك الراء وتشديد الزاء فخطأ لا يستقيم الكلام عليها؛ لأنها من رفيع الطعام فلا وجه لتخفيفه على غيره من الطعام، فإن كان لشجر الأرز ثمر يؤكل عند الحاجة أو على وجه التداوي فقوله في تخفيف غسل اليد به وتشبيهه بالأشنان بين؛ لأن الكراهة في هذا إنما هي بحسب حرمة الطعام، فلا شك أن غسل اليد بدقيق الكرسنة أخف منه بدقيق القمح، وبالله التوفيق.

مسألة: الفارة تقع في بير فتتمعط فيها فيعجن بها ويطبخ اللحم

[مسألة: الفارة تقع في بير فتتمعط فيها فيعجن بها ويطبخ اللحم] مسألة وسئل عن فارة وقعت في بير فتمعطت فيها، فعجن بها وطبخ اللحم، أترى أن يؤكل؟ قال: لا يعجبني أن يؤكل. قيل له: فما يصنع به؟ قال: لو أطعمه البهائم، قال: فما غسل به من الثياب؟ قال: لو غسلت لأجزأهم. قال محمد بن رشد: قال هاهنا في الخبز الذي عجن واللحم الذي طبخ بالماء الذي ماتت فيه الفارة: إنه لا يؤكل، وقال في رسم "سلف" من سماع ابن القاسم في القمح المفلق بالماء الذي ماتت فيه الفارة: إنه لا يؤكل أيأكلون الميتة. يحتمل أن يكون تكلم في مسألة القمح على أن الماء تغير من ذلك، وفي هذه الرواية على أن الماء لم يتغير من ذلك، ومساواته هاهنا بين الخبز المعجون بذلك واللحم المطبوخ به هو نحو ما في سماع يحيى من كتاب الصيد في البيض الذي يسلق فيوجد في إحداهن فرخ أن أكلهن كلهن لا يصلح؛ لأن بعضه سقى بعضا، وخلاف لما في سماع موسى بن معاوية من هذا الكتاب أن اللحم يغسل ويؤكل. وقوله فيما غسل به من الثياب: لو غسل لأجزاهم، ليس بخلاف لما في آخر السماع من قوله: إن الثياب تنضح ولا تغسل إذا لم يكن الماء فاسدا منتنا. والفرق بين المسألتين أن الثياب هاهنا كانت غسلت بذلك الماء فعمتها النجاسة فلم يجز فيها النضح، وفي المسألة التي في آخر السماع لم تغسل الثياب من ذلك الماء، وإنما كان ذلك الماء يصيبها على ما قال فلم تعمها النجاسة، وهذا فرق بين من الكتاب بين المسألتين. [مسألة: غسل الجواري رجلي عبد الله بن عمر للصلاة] مسألة قال: وسئل عن غسل الجواري رجلي عبد الله بن عمر للصلاة، قال: نعم في رأيي، قيل له: لا تخاف أن يكون ذلك من

الرجل يكون على وضوء فيجد ريحا فيريد أن يتوضأ للصلاة ولم يمس شيئا قذرا

اللماس؟ قال: لا لعمري، وما كان ابن عمر يفعل ذلك إلا من شغل أو عذر يجده. قال محمد بن رشد: قوله في حديث ابن عمر: ويعطينه الخمرة، يريد للصلاة، دليل على ما قال مالك: إن غسلهن لرجليه إنما كان للصلاة، وإذا لم يكن القصد في مس أحد الرجلين صاحبه الالتذاذ فلا وضوء على أحد منهما، إلا أن يلتذ بذلك ويشتهي، فلو التذ عبد الله بن عمر بغسل جواريه رجليه لما صلى بذلك الوضوء؛ إذ قد علم من مذهبه أن الملامسة تنقض الوضوء في بعض الروايات إلا من شغل أو ضعف، وفي روايتها بعضها إلا من ضعف أو عذر يجده، وهي الرواية الصحيحة في المعنى. وقد حكى الطحاوي عن طائفة من أهل العلم أن الفضل في أن يلي المغتسل أو المتوضئ أو المتيمم ذلك بنفسه لنفسه، فإن ولى ذلك غيره أجزأه. وحكى عن طائفة منهم أن ذلك لا يجزئه، قال: ومنهم مالك بن أنس. والذي يظهر من مذهبه وقوله في هذه المسألة خلاف ذلك، إلا أن يفعله استنكافا عن عبادة الله تعالى واستكبارا عنها وتهاونا بها، والله أعلم وبه التوفيق. [الرجل يكون على وضوء فيجد ريحا فيريد أن يتوضأ للصلاة ولم يمس شيئا قذرا] ومن كتاب الوضوء والجهاد وسئل مالك عن الرجل يكون على وضوء فيجد ريحا فيريد أن يتوضأ للصلاة ولم يمس شيئا قذرا ولا غيره وهي طاهرة، أيغسلها قبل أن يدخلها في وضوئه؟ فقال: أحب إلي أن يغسلها قبل أن يدخلها في وضوئه، فقيل له: وإن كانت يده طاهرة؟ فقال: هو أحب إلي إلا أن يكون عهده بالماء قريبا، فقلت له: كان على وضوء فأحدث ثم أراد الوضوء، فقال: أحب إلي أن يغسلها قبل أن يدخلها في وضوئه. قال محمد بن رشد: اختلف في غسل اليد قبل إدخالها في الوضوء

إذا أيقن بطهارتها، فقيل: إن ذلك سنة من السنن التي الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غير خطيئة، وقيل: إن ذلك استحباب لا سنة، قيل: كان عهده بغسلها قريبا أو بعيدا، وهو أحد قولي مالك في هذه الرواية وقول ابن وهب في سماع عبد الملك من هذا الكتاب وقول ابن القاسم في رسم " أسلم " من سماع عيسى وفي سماع أبي زيد، وقيل: إنما ذلك إذا بعد عهده بالماء، وأما إن كان عهده بالماء قريبا فليس ذلك عليه في سنة ولا استحباب، وهو القول الثاني لمالك في هذه الرواية، وقول أشهب في سماع عبد الملك بن الحسن من هذا الكتاب. ووجه القول بأنه سنة «أن عبد الله بن زيد بن عاصم لما سأله السائل هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ، قال: نعم، فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين مرتين» ، فكان في توقيت غسلهما مرتين مرتين دليل على أن غسلهما عبادة لا لنجاسة، فثبت كون ذلك سنة في الوضوء إذا لم يأت ما يعارضها. ووجه القول بأن ذلك استحباب أن هذه السنة قد عارضها دليل حديث أبي هريرة: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» ؛ لأنه لما علق الأمر بالغسل بالشك في طهارة يده دل ذلك على أنها لا تغسل إذا أوقن بطهارتها، فالاختلاف في غسل اليد قبل إدخالها في الوضوء إذا أوقن بطهارتها هل هو سنة أو استحباب مبني على الاختلاف في القول بدليل الخطاب، وهذا بين لمن تأمل. ويلزم على القول بأنه سنة أن لا يجزئ إلا بنية. وقد اختلف إذا غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء ثم بعد غسلهما مع ذراعيه هل يجزئه ذلك أم لا؟ ففي مصنف عبد الرزاق عن عطاء أن ذلك يجزئه، وقال محمد بن عمر بن لبابة: لا يجزئه. قال محمد بن يحيى: وقول

مسألة: المتوضئ للصلاة يدخل يده إذا تمضمض في فيه فيدلك بها أسنانه ولسانه

محمد بن عمر أرجح؛ لأنه بمنزلة من صلى نافلة فلا تجزئه عن فريضة؛ إذ أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغسلهما قبل إدخالهما في الوضوء إنما هو زيادة على ما أمر الله به لا عوضا منه، وهو ظاهر، والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة: المتوضئ للصلاة يدخل يده إذا تمضمض في فيه فيدلك بها أسنانه ولسانه] مسألة قال: وسئل مالك عن المتوضئ للصلاة يدخل يده إذا تمضمض في فيه فيدلك بها أسنانه ولسانه ثم يدخلهما في الإناء قبل أن يغسلهما، فقال: لا بأس به إن شاء الله، وأرجو أن يكون واسعا، وأحب إلي أن يغسلهما، وأرجو أن يكون واسعا. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم "نذر سنة" من سماع ابن القاسم وجه استحبابه لغسل يده قبل أن يعيدها في وضوئه، فلا معنى لإعادة ذلك وذكره. [مسألة: الأذنان من الرأس وليستأنف لهما الماء] مسألة قال مالك: الأذنان من الرأس، وليستأنف لهما الماء. قال محمد بن رشد: هذا قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المدونة وغيرها: إن الأذنين من الرأس، وإنما السنة عنده في تجديد الماء لهما. والدليل على أنهما من الرأس قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث أبي عبد الله الصنابحي: «فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه» وإنما قال

مسألة: يد واحدة للمضمضة والاستنثار أيجزئ ذلك

مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من نسي مسح أذنيه حتى صلى إن صلاته تامة، وإن كان من مذهبه أن استيعاب مسح الرأس فرض؛ لأنه استخفهما ليسارتهما؛ إذ قد قيل: إنه يجزئ مسح بعض الرأس، وإذ قد قيل: إنهما ليستا من الرأس، فقد قيل: إنهما من الوجه، وقيل: إنهما سنة على حيالها ليستا من الوجه ولا من الرأس، وقيل: إن ظاهرهما من الرأس وباطنهما من الوجه. [مسألة: يد واحدة للمضمضة والاستنثار أيجزئ ذلك] مسألة وسئل مالك عن يد واحدة للمضمضة والاستنثار، أيجزئ ذلك؟ فقال: نعم يجزئه ذلك إن شاء الله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن ذلك يجزئه، إذا قدر أن يمسك من الماء بكفه ما يكفيه لذلك كله، والاختيار أن يأخذ غرفة فيمضمض بها ويستنثر، ثم يأخذ غرفة أخرى فيمضمض بها ويستنثر أيضا، ثم غرفة ثالثة فيمضمض بها ويستنثر على ظاهر الحديث، فمضمض واستنثر ثلاثا، وإن شاء مضمض ثلاثا بغرفة واحدة أو بثلاث غرفات، ثم استنثر ثلاثا بغرفة واحدة أو بثلاث غرفات، الأمر في ذلك واسع، واتباع ظاهر الحديث أولى، والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة: الاستنجاء بالعظم والحممة] مسألة وسألته عن الاستنجاء بالعظم والحممة، فقال: والله ما سمعت فيه بنهي عام، وقد سمعته هكذا. فقلت له: فلا ترى به بأسا؟ فقال: أما في علمي أنا فلا أرى به بأسا، وقد سمعت الذي يقال هكذا. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذا المعنى في رسم "سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته.

: مسألة البئر يقع فيه الهر فيموت فيه ما ينزف منها

[: مسألة البئر يقع فيه الهر فيموت فيه ما ينزف منها] مسألة قيل له: أفرأيت البئر يقع فيه الهر فيموت فيه ما ينزف منها؟ فقال: الآبار تختلف، فمنها ما ينزف كل يوم، ومنها ما يكثر ماؤها يُستقى منها كل يوم فلا ينزف وتسع البير، فأرى أن ينزع منها قدر ما يطيبها. قلت: أرأيت ما عجن به من مائها من الخبز؟ فقال لي: أما أنا فأرى أن يطرحه أو يعلفه للدواب ولا يؤكل، ولقد جاءني قوم حديثا خبزوا خبزا بماء بئر من دارهم، ثم علموا أن الماء الذي عجن به ماتت فيه دابة من هذه الدواب فأمرتهم بذلك. قيل له: أرأيت من اغتسل به وتطهر حتى صلى صلوات، قال: أما نحن فنقول يعيد ما كان في الوقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه. قال محمد بن رشد: وجه النزف من ماء البير التي ماتت فيه الدابة هو أنه يخشى أن يكون قد خرج من الدابة مع خروج نفسها شيء يكون على وجه الماء لا ينماع فيه، فلا يؤمن إذا لم ينزف من الماء شيء أن يحصل ذلك الشيء في المقدار الذي يتوضأ به الرجل. فإذا نزف من الماء شيء خرج ذلك الشيء فيما نزف وانماع بالنزف في الماء فطاب بذلك، ولهذا المعنى لم يكن لما ينزف من الماء حد، ووجب أن يكون على قدر قلة ماء البير وكثرته وعلى ما تطيب به النفس. وهذا إذا لم يتغير الماء بذلك، وأما إذا تغير منه فلا بد أن ينزف منه حتى يذهب التغير. ومعنى ما تكلم عليه في هذه الرواية أن الماء لم يتغير من ذلك، ولذلك قال فيما صلى بالوضوء الذي توضأ من ذلك الماء: إنه لا يعيد إلا في الوقت. وأما قوله في الخبز الذي عجن بذلك الماء: إنه لا يؤكل، فهو مثل ما تقدم في الرسم الذي قبل هذا وعلى طريق التوقي والتحرز من المتشابه على ما ذكرناه في رسم "يسلف" من سماع ابن القاسم، وليس بحرام بين، فقد روى محمد بن يحيى السبائي عن مالك في

مسألة: يصيب امرأته أول الليل فيغتسل ثم يضاجعها ولم تغتسل هي

المدنية أنه كره أكله إلا من حاجته إليه. وقال عيسى عن ابن القاسم: لا يحل أكله إلا إذا حلت له الميتة، وذلك الطعام بمنزلة الميتة فشدد في ذلك. [مسألة: يصيب امرأته أول الليل فيغتسل ثم يضاجعها ولم تغتسل هي] مسألة وسئل مالك عن الذي يصيب امرأته أول الليل فيقوم فيغسل ثم يرجع فيضاجعها ولم تغتسل هي، أيغسل شيئا من جلده الذي مسه جلدها؟ فقال: لا، ولكن يتوضأ إذا قام. قال محمد بن رشد: وهذا إذا التذ بمضاجعته إياها ولم يكن بجسدها أذى، وأما إن لم يلتذ بذلك ولا قصد الالتذاذ به فلا وضوء عليه باتفاق. وإن كان فيما مس جلده من جلدها أذى يخشى أن يكون قد أصاب جلده فلا بد له أن يغسل ذلك الموضع الذي يخشى أن يكون قد أصابته النجاسة التي في جسدها على المشهور في المذهب أن ما شك فيه من نجاسة البدن فحكمه أن يغسل ولا يجزئ فيه النضح. وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم "اغتسل" من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: الحائض والجنب من النساء أتخضب يدها وهي حائض أو جنب] مسألة وسئل عن الحائض والجنب من النساء أتخضب يدها وهي حائض أو جنب؟ فقال: نعم، وذلك مما كان النساء يتحرينه لئلا ينقصن خضابهن للطهر للصلاة. قال محمد بن رشد: وهذا مما لا إشكال في جوازه ولا وجه لكراهيته؛ لأن صبغ الخضاب الذي يحصل في يدها لا يمنع من رفع حدث الجنابة أو الحيض عنها بالغسل إذا اغتسلت، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لخولة بنت يسار في الموضع النجس بدم الحيض: «يكفيك الماء ولا يضرك أثره» ، فكيف بهذا؟

مسألة: الرجل يتوضأ وييبس ثيابه ثم تأتيه امرأته فتغلبه على نفسه

[مسألة: الرجل يتوضأ وييبس ثيابه ثم تأتيه امرأته فتغلبه على نفسه] مسألة وسئل عن الرجل يتوضأ وييبس ثيابه ثم تأتيه امرأته فتغلبه على نفسه حتى تقبله وهو يشتمها ويكره ذلك منها ولا يجد له لذة ولا شيئا ولا يحب ذلك منها وهو له كاره، أترى عليه الوضوء؟ قال: نعم أرى عليه الوضوء، ولقد استفتاني ابن النبل عن ذلك فأمرته بالوضوء. قيل له: فمس ساقها أو عضدها ألا ترى عليه الوضوء؟ قال: نعم إلا أن لا يجد لذلك لذة ولا شيئا والوضوء يسير. قال مالك: وقد قالت عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كنت أغرف أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء» . قال مالك: ولا خير في هذا التقزز والتنجس إنما هو من الشيطان، ولم أر أحدا كان أخف وضوءا من ربيعة. قال مالك: وكان يقال: إن الشيطان إذا يئس أن يطاع أو يعبد أتى الإنسان من هذا الوجه. قال محمد بن رشد: أما إيجابه الوضوء عليه من القبلة وإن لم يلتذ بها ولا قصد الالتذاذ بها فهو دليل ما في المدونة، وقول أصبغ في الواضحة، ولا يحمله القياس؛ لأن القبلة من الملامسة التي عناها الله بقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] . والمعنى في وجوب الوضوء بها عند من أوجبه هو وجود اللذة بها وما يخشى من أن تكون اللذة قد حركت المذي من موضعه وأخرجته إلى قناة الذكر، فإن لم يلتذ بها ولا قصد الالتذاذ بها فالأظهر أن لا وضوء عليه، وهو قول مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم في الواضحة. ووجه ما في الرواية من إيجاب الوضوء فيها وإن لم يلتذ بها

الرجل يكثر عليه المذي أيتوضأ لكل صلاة

ولا قصد الالتذاذ اتباع ظواهر الآثار التي جاءت في إيجاب الوضوء من القبلة مجملة دون تفصيل، وكأنه يعد عنده أن لا يكون التذ بها. وقوله بإثر ذلك: فمس ساقها أو عضدها أترى عليه الوضوء؟ قال: نعم إلا أن لا يجد لذلك لذة شيئا، معناه أنه مس ذلك منها لحاجة على غير شهوة ولا إرادة لذة؛ بدليل احتجاجه على ذلك بقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كنت أغرف أنا ورسول الله من إناء واحد» . وموضع الحجة في ذلك أنهما إذا كانا يغرفان من إناء واحد قد تتماس أيديهما فيتماديان على وضوئهما ولا يبتدئانه. فلو قال في جواب المسألة قال: لا إلا أن يجد لذلك لذة شيئا لكان أليق وأولى، وإن كان ذلك عند الاعتبار والتحقيق سواء. ولما ذكر قول عائشة زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كنت أغرف أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء واحد» تذكر قول من يقول في الرجل والمرأة: إنه لا يتوضأ أحدهما من فضل وضوء صاحبه، فقال: ولا خير في هذا التقزز والتنجس إنما هو من الشيطان إلى آخر قوله. وقد مضى له نحو هذا والقول عليه في رسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة" من سماع ابن القاسم. [الرجل يكثر عليه المذي أيتوضأ لكل صلاة] مسألة وسئل مالك فقيل له: أرأيت رجلا قد كثر عليه المذي فليس يفارقه منذ كذا وكذا سنة لا يفارقه، أيتوضأ لكل صلاة؟ قال: بلغني أن سعيد بن المسيب كان يقول: لو سال على فخذي ما انصرفت. فقيل لمالك: فما تقول أنت؟ قال: أرى أن يترك هذا ولا يلتفت إليه، فإن هذا من الشيطان، وأرجو أن يكون في تركه ذلك قطع [له عنه] وقد كان من مضى يأمرون إذا كثر مثل هذا أن يترك

مسألة: الرجل يمس شعر امرأته أو جاريته تلذذا

ويتهاون به ولا يلتفت إليه. قال: وكان يقال: إن الشيطان إذا يئس أن يطاع أو يعبد أتى الإنسان من هذا الوجه حتى يُلَبِّس عليه دينه. قال محمد بن رشد: هذا إنما هو إذا كثر عليه المذي ودام به من أبردة، وقد اختلف إذا كثر عليه ودام به وتكرر عليه من طول عزبة دون تذكر، فقيل: إن ذلك بمنزلة إذا كثر عليه من أبردة لا شيء عليه إلا أنه يستحب له أن يتوضأ لكل صلاة، وقيل: عليه أن يغسل ذكره ويتوضأ واجبا بمنزلة إذا وجد ذلك عند التذكار، والقولان قائمان من المدونة من اختلاف الرواية فيها. قال في الرواية الواحدة: وإن كان ذلك من طول عزبة إذا تذكر، فدل ذلك أنه إذا كثر عليه المذي من طول عزبة دون أن يتذكر فلا شيء عليه بمنزلة أن لو كان ذلك من أبردة، وقال في الرواية الأخرى: وإن كان من طول عزبة أو تذكر فدل ذلك على أنه إذا كثر عليه من طول عزبة فعليه أن يغسل ذكره ويتوضأ بمنزلة إذا وجد ذلك عند التذكار. [مسألة: الرجل يمس شعر امرأته أو جاريته تلذذا] مسألة وسئل عن الرجل يمس شعر امرأته أو جاريته تلذذا، فقال: إن مسه تلذذا فأرى أن عليه الوضوء، وإن مسه لغير ذلك استحسانا أو غيره لم أر عليه وضوءا، وما علمت أن أحدا يمس شعر امرأته تلذذا. قال محمد بن رشد: الشعر لا لذة في لمسه بمجرده، فيحتمل أن يكون أراد بقوله: إن مسه متلذذا فأرى أن عليه الوضوء إذا مسه على جسمها فيكون في مسه بمنزلة من لمس امرأته أو جاريته على ثوب متلذذا بذلك فالتذ أن عليه الوضوء باتفاق في المذهب، إلا أن يكون الثوب كثيفا. وأما إن مسه على غير جسمها فلا يجب عليه الوضوء وإن التذ بذلك واشتهى إلا على

مسألة: الثوب يكون فيه الدم فيتجفف فيه المغتسل

ما ذهب إليه ابن بكير أن التذكار مع وجود اللذة دون لمس يوجب الوضوء، فهذا وجه هذه الرواية عندي، والله أعلم. [مسألة: الثوب يكون فيه الدم فيتجفف فيه المغتسل] مسألة وسئل عن الثوب يكون فيه الدم فيتجفف فيه المغتسل، أيغسل الثوب وما أصاب جسده منه؟ فقال: ذلك يختلف، أما الدم اليسير الذي لا يخرج منه بالتجفيف شيء فلا شيء عليه فيه ولا في جسده ولا في الثوب إلا غسل موضع الدم من الثوب. وأما الدم الكثير الكثيف الذي يخاف أن يكون التجفيف فيه قد بله فأخرج منه ما أصاب جسده فإني أرى أن يغسل جسده أو ما أصاب ذلك منه. قيل له: أفيغسل الثوب؟ قال: ما أرى ذلك عليه إلا أن يكون خرج منه شيء فأصاب الثوب فيغسل ذلك الدم وما خرج منه فأصاب الثوب. قيل له: أفيعيد الصلاة؟ قال: لا أرى ذلك، قال الله عز وجل: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] . قال محمد بن رشد: قوله: وأما الدم الكثيف الذي يخاف أن يكون التجفيف فيه قد بله فأخرج منه ما أصاب جسده فإني أرى أن يغسل جسده أو ما أصاب ذلك منه، يدل على أن من شك في نجاسة جسده يغسله ولا يجزيه نضحه بخلاف الثوب، وهو دليل رواية علي بن زياد في المدونة. والدليل على أن ما شك في نجاسته من الجسد يغسل، قول النبي عليه

مسألة: الغسل من الماء الساخن من الحمام إذا أراد أن يخرج

السلام: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» ، وقوله للذي سأله لعلي: «اغسل ذكرك وأنثييك» . فأمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغسل أنثييه لما يخشى أن يكون قد أصابه من المذي لانفراشه. والدليل على أن ما شُك في نجاسته من الثياب يجزئ فيه النضح، نضح أنس بن مالك للنبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، الحصير الذي صلى عليه، ونضح عمر بن الخطاب ما لم ير في ثوبه من الاحتلام إذ غسل ما رأى منه. [مسألة: الغسل من الماء الساخن من الحمام إذا أراد أن يخرج] مسألة وسئل عن الغسل من الماء الساخن من الحمام إذا أراد أن يخرج، فقال: ما يعجبني ذلك، والغسل من البئر أحب إلي. فقيل له: إنه يكون الشتاء فيكون البرد فيغتسل لخروجه بماء الحمام السخن، فقال: والله ما دخول الحمام بصواب، فكيف يغتسل من ذلك الماء؟ قال محمد بن رشد: أما كراهية الاغتسال من الماء السخن من الحمام فلوجهين: أحدهما: أنه يسخن بالأقذار والنجاسات، والثاني: أنه تختلف فيه أيدي الناس لأخذ الماء منه، فربما تناول أخذه بيده من لا يتحفظ بدينه. وأما كراهيته لدخوله وإن دخله مستترا مع من يستتر فمخافة أن يطلع على عورته أحد بغير ظن؛ إذ لا يكاد يسلم من ذلك من دخله مع الناس لقلة تحفظهم. وأما دخوله غير مستتر أو مع من لا يستتر فلا يحل ذلك، ومن فعله فذلك جرحة فيه وقدح في شهادته. وقد سأل أصبغُ ابنَ القاسم عن دخول الحمام، فقال: أما إن وجدته خاليا أو كنت تدخل مع النفر يسترون ويتحفظون

مسألة: يكون معه الماء القليل في السفر فيخاف إن توضأ به العطش أيتيمم

لم أر بدخوله بأسا. وإن كان يدخله من لا يبالي لم أر أن تدخله وإن كنت أنت متحفظا في نفسك. قال أصبغ: وأدركت ابن وهب يدخله مع العامة، ثم ترك ذلك، ثم كان يدخله مخليا. وقعت رواية أصبغ هذه في الجامع، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون معه الماء القليل في السفر فيخاف إن توضأ به العطش أيتيمم] مسألة وسئل عن الرجل يكون معه الماء القليل في السفر فيخاف إن توضأ به العطش أيتيمم؟ قال: نعم، لا بأس بذلك، إذا علم الله ذلك من قلبه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن خوفه على نفسه الهلاك إن توضأ بالماء الذي معه يبيح له التيمم، كما لو كان الماء منه قريبا وخشي على نفسه إن ذهب إليه ليتوضأ منه لجاز له التيمم. وهذا ما لا خلاف فيه، وقد تقدم هذا المعنى في رسم "نذر سنة" من سماع ابن القاسم. [مسألة: أيطلب الماء في الرفقة قبل أن يتيمم] مسألة قيل له: أفترى أن يطلب الماء في الرفقة قبل أن يتيمم؟ فقال: أما الشيء القريب والأمر المعروف فنعم. قال محمد بن رشد: قد تكرر هذا المعنى في أول رسم من هذا السماع، ويأتي منه في سماع أبي زيد، وقد تقدم القول عليه في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم. [مسألة: الجنب يدخل يده في ماء مركن قبل أن يغسل يده ثم يغتسل ويلبس ثيابه] مسألة وسئل عن جنب أدخل يده في ماء مركن قبل أن يغسل يده، ثم اغتسل ولبس ثيابه، أترى ذلك مجزيا عنه؟ قال: نعم، مجزئ عنه لا بأس به إذا لم يكن كان بيده دنس حين أدخلها الماء.

مسألة: المتوضي للصلاة يوضئ ذراعه اليسرى أو رجله اليسرى قبل اليمنى

قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذا المعنى في رسم "كتب عليه ذكر حق" من سماع ابن القاسم، وفي رسم "البز" منه، ويأتي في هذا السماع بعد في موضعين، وفي سماع موسى بن معاوية. [مسألة: المتوضي للصلاة يوضئ ذراعه اليسرى أو رجله اليسرى قبل اليمنى] مسألة وسئل عن المتوضي للصلاة يوضئ ذراعه اليسرى أو رجله اليسرى قبل ذراعه اليمنى أو رجله اليمنى، أيجزئ ذلك أم يستأنف الوضوء؟ قال: بل أرى ذلك واسعا. قال محمد بن رشد: قوله: بل أرى ذلك واسعا؛ أي أراه في سعة مما قد فعل فلا يستأنف الوضوء؛ إذ ليس ذلك من واجباته، وإن كان لا ينبغي له أن يفعل ذلك ابتداء. وهو كما قال؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] فذكر الوجه قبل اليدين، وذكر اليدين معا، وإنما بدئ اليمين منهما على الشمال استحبابا للسنة. وقول علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود: " ما نبالي بدأنا بأيماننا أو بأيسارنا " معناه: لا نبالي بذلك مبالاة من قدم بعض أعضاء الوضوء على بعض، فلا يدل ذلك على نفي استحباب غسل اليمين قبل الشمال، وبالله التوفيق. [مسألة: لا تمسح الأرجل إنما تغسل] مسألة وسئل عن قول الله عز وجل: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] أهي أرجلَكم أو أرجلِكم؟ قال: إنما

هو الغسل وليس بالمسح، لا تمسح الأرجل إنما تغسل. قيل له: أفرأيت من مسح أيجزئه ذلك؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: أضرب مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عما سئل عنه من قراءة " وأرجلكم " إن كان بالنصب أو بالجر، وقصد إلى المعنى المراد بذلك، فقال: إنما هو الغَسْل وليس بالمسح؛ لأنه الذي ثبت عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قولا وعملا، وأجمع عليه علماء المسلمين في جميع الأمصار. وما روي في ذلك مما يتعلق به من يذهب إلى إجازة المسح من المبتدعين لا يثبت، ولو ثبت لكان مما يقضي بنسخه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «تخلف عنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرة سافرناها فأدركنا، وقد أرهقتنا صلاة العصر ونحن نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى: ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا» ومن زعم أن سقوطهما في التيمم يدل على أنهما يمسحان كالرأس؛ إذ لم يسقط فيه ما كان يغسل، ينتقض قوله بغسل البدن من الجنابة، فإنه يسقط في التيمم مع عدم الماء ويجب غسله بالماء عند وجوده. وأما قراءة من قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] ، فمن قرأها بالنصب عطفا على اليدين فهو الغسل لا كلام فيه؛ لأن الشيء يعطف على ما يليه وعلى ما قبله، وهو كثير موجود في القرآن ولسان العرب. وأما من قرأ: " وأرجلِكم " بالخفض ففي قراءته لأهل العلم أربعة أوجه: أحدها: أنها معطوفة على اليدين وإنما خفضت للجوار والاتباع، كما قالوا: جحر ضب خرب، وقد قرئ: " يرسل عليكما شواظ من نار ونحاسٍ " بالخفض، والثاني: أنهما معطوفتان على مسح الرأس وأن الغسل إنما وجب بالسنة، والثالث: أن المراد بذلك المسح على الخفين، والرابع: أن الغسل يسمى مسحا عند العرب؛ لأنها تقول: تمسحنا للصلاة، فبين النبي، عليه

مسألة: الرجل يتزوج المرأة النصرانية أيكرهها على الاغتسال من الجنابة

السلام، أن مراد الله تعالى بقوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] إمرار اليد عليه دون نقل الماء إليه، وأن مراده بأمره بغسل الرجلين إمرار اليد عليهما مع نقل الماء إليهما، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتزوج المرأة النصرانية أيكرهها على الاغتسال من الجنابة] مسألة وسئل عن الرجل يتزوج المرأة النصرانية، أله أن يكرهها على الاغتسال من الجنابة؟ فقال: لا، ما علمت ذلك له. قال: وسألته عن اغتسال النصرانية من الحيضة أيجبرها عليه زوجها؟ قال: ليس ذلك له. قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية: إن الرجل لا يجبر زوجته النصرانية على الاغتسال من الحيضة خلاف قوله في المدونة أن يجبرها على ذلك من أجل أن الحائض عنده لا توطأ إذا طهرت من الدم حتى تغتسل بالماء، والاختلاف في هذا جارٍ على اختلافهم في الكفار، هل هم مخاطبون بشرائع الإسلام أم لا؛ لأن المسلم أُمر أن لا يطأ من يجب عليها الغسل من الحيضة حتى تغتسل منها، فإذا كانت النصرانية لا يجب عليها الغسل منها على القول بأنها غير مخاطبة بذلك كانت في حكم من قد اغتسل، وجاز لزوجها وطؤها، فلم يكن له أن يجبرها على الاغتسال. وإذا كان الغسل عليها واجبا منها على القول بأنها مخاطبة بالشرائع لم يكن للزوج أن يطأها حتى تغتسل كالمسلمة سواء، فكان له أن يجبرها على الاغتسال. فإن قيل: فما فائدة إجبارها على الاغتسال والغسل لا يجزئ عنده إلا بنية والنصرانية لا تصح منها نية؟ قيل له: النية إنما تشترط في صحة الغسل للصلاة، وأما للوطء في حق الزوج فلا؛ لأنه متعبد بذلك فيها مأمور باغتسالها قبل الوطء، وما كان من

العبادات يفعلها المتعبد في غيره لم يفتقر في ذلك إلى نية، كغسل الميت وغسل الإناء سبعا من ولوغ الكلب فيه، ومن وضأ غيره فلا نية على الموضِّئ وإنما النية على الموضَّأ. وكذلك لو كانت لرجل زوجة مسلمة فأبت من الاغتسال من الحيضة لجاز له أن يطأها إذا أكرهها على الاغتسال وإن لم يكن لها فيه نية وكانت هي قد خرجت دونه في ذلك ولزمها أن تغتسل غسلا آخر للصلاة بنية؛ إذ لا يجزئها الغسل الذي أكرهت عليه إذا لم يكن لها فيه نية. وقد قيل: إنه إنما لم ير في هذه الرواية أن يجبرها على الاغتسال من أجل أن الغسل لا يجزئ إلا بنية وهي ممن لا تصح منها نية، وأنه إنما قال في المدونة: إنه يجبرها على الاغتسال مراعاة لقول من يقول: إن الغسل يجزئ بغير نية. والتأويل الأول هو الصحيح. وقد ذهب ابن بكير إلى أن الامتناع على مذهب مالك من وطء الحائض إذا طهرت من الدم إلى أن تتطهر بالماء استحبابٌ لتمضي النية خالصة للاغتسال من الحيضة دون الجنابة، بدليل رواية أشهب هذه؛ إذ أجاز له فيها وطء النصرانية إذا طهرت من الدم دون أن تغتسل بالماء، فلم ير من حقه أن يجبرها على الاغتسال، وليس ذلك بِبَيِّن؛ لأن المعنى في الرواية إنما هو ما ذكرناه من أنه أجاز له وطأها قبل أن تغتسل؛ إذ لا يجب الغسل عليها على القول بأن الكفار غير مخاطبين بالشرائع. والظاهر من مذهب مالك أن وطء المرأة إذا طهرت من الدم قبل أن تغتسل محظور لا مكروه، بدليل قول الله عز وجل: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] ؛ لأن المعنى عنده في ذلك، والله أعلم: ولا تقربوهن حتى يطهرن بالماء، فإذا تطهرن به؛ إذ قد قرئ: " ولا تقربوهن حتى يطَّهَّرن " بتشديد الطاء والهاء، وهي القراءة المختارة؛ لأن المعنى يدل [على] أن الطهر الأول هو الثاني

إما من الدم وإما بالماء، فمن حملهما جميعا على أن المراد بهما التطهر بالماء؛ إذ هو الأظهر من التفعل أن يراد به الاغتسال بالماء لم يجز وطء الحائض حتى تغتسل بالماء وهو الظاهر من مذهب مالك على ما ذكرناه، ومن حملهما جميعا على أن المراد بهما الطهر من الدم؛ إذ قد يعبر عن الطهر من الدم بالتطهر، كما يقال تكسر الحجر وتبرد الماء، أجاز الوطء إذا ارتفع الدم قبل أن تغتسل بالماء، وإلى هذا ذهب ابن بكير؛ لأن الاستحباب راجع إلى نفي الوجوب، وهو الأظهر في المعنى والقياس؛ لأن العلة في منع وطء الحائض وجود الدم بها، بدليل قول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] ، فإذا ارتفعت العلة بزوال الدم جاز الوطء. وأما قول من قال: إن معنى قول الله، عز وجل: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] أي من الدم. {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] أي بالماء، فهو بعيد؛ لأن الله أباح وطْأَهن إذا طهرن بقوله: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ثم بين الوطء الذي أباحه إذا طهرن بقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] أي على الوجه الذي أذن الله فيه، فلو كان الطهر الأول من الدم والثاني بالماء لجاز بالأول ما لم يجز بالثاني؛ لأنه أطلق الأول بقوله: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ، وقيد الثاني بقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] ، وهذا لا يصح أن يقال، ولا يستقيم في الكلام: لا تفعل كذا حتى يكون كذا فإذا كان كذا لشيء آخر فافعله، وهذا بَيِّن. وعن مالك في إجبار النصرانية على الاغتسال من الحيضة ثلاث روايات: إحداها: رواية أشهب هذه أنه لا يجبرها على الاغتسال من الحيضة ولا من الجنابة، والثانية: أنه يجبرها على الاغتسال من الحيضة ولا يجبرها على الاغتسال من الجنابة، وهو قوله في المدونة، والثالثة: أنه يجبرها على الاغتسال من الحيضة والجنابة. وقد مضى وجه الاختلاف في إجبارها على الاغتسال من الحيضة، وأما الاختلاف

مسألة: الوضوء قبل الطعام

على إجبارها على الاغتسال من الجنابة فليس على ظاهره، والمعنى في ذلك: أنه لا يجبرها على الاغتسال إذا لم يكن بجسدها أذى؛ إذ يجوز له وطؤها قبل أن تغتسل، ويجبرها على الاغتسال إذا كان بجسدها أذى من الجنابة ليباشرها طاهرة الجسم من النجاسة فلا ينجس بذلك، والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة: الوضوء قبل الطعام] مسألة وقال لنا: دعا عبد المالك بن صالح بوضوء قبل الغداء فتوضأ ثم قال: ناولوا أبا عبد الله، فقلت: لا حاجة لي به ليس من الأمر، فقال لي: أفترى أن أتركه؟ فقلت له: نعم، فما عاد إليه. قال محمد بن رشد: يريد أنه ليس من الأمر الواجب الذي يأثم من تركه بتركه، وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يدل على الترغيب فيه، من ذلك قوله: «الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم» ، وإجماعهم على أن النظافة مشروعة في الدين يدل على ذلك أيضا، وما جاء عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنه كان إذا توضأ يغسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه هو من هذا المعنى. [مسألة: الكعب الذي يجب إليه الوضوء] مسألة وسئل عن الكعب الذي يجب إليه الوضوء، فقال: هو الكعب الملتزق بالساق والمحاذي العقب، وليس بالظاهر في ظهر القدم. قال محمد بن رشد: ما قال مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في هذه الرواية أصح ما قيل في الكعب، والدليل على صحته حديث النعمان بن بشير قال: «أقبل علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم، قال فلقد رأيت الرجل

مسألة: الرجل يدنو من أهله فيصيبها ما دون الختان فينزل على ذلك منها

يلزق كعبه بكعب صاحبه» . وقد قيل: الكعب هو الظاهر في ظهر القدم، وقيل: هو الدائر بمغرز الساق، وهو مجتمع العروق في ظهر القدم. وقال محمد بن الحسن: في القدم كعب وفي الساق كعب، ففي كل رجل كعبان، والعرقوب مجمع مفصل الساق من القدم، والعقب تحت العرقوب. [مسألة: الرجل يدنو من أهله فيصيبها ما دون الختان فينزل على ذلك منها] مسألة وسألته عن الرجل يدنو من أهله فيصيبها ما دون الختان فينزل على ذلك منها، فيداخلها من مائه ولم تلتذ هي بشيء من ذلك، أعليها فيما داخلها من مائه غسل؟ فقال لي: وما يدريها أن ذلك دخلها، هي لا تعلم هذا، ولكن إن كانت التذت بذلك فعليها الغسل. فقلت له: إنها لم تلتذ بذلك ولكن ماء دخلها، أفترى عليها في ذلك غسلا؟ فقال: هي لا تعلم هذا أبدا ولا تعرفه، ولكن إن كانت التذت فلتغسل، فقلت له: أفرأيت إن كان هذا أمرا لا يُعلم فشكت أفترى تغتسل؟ فقال لي: لا، ولكن إن كانت التذت فلتغتسل. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الروايات أنها إن التذت بذلك وجب عليها الغسل، وقال في المدونة: إذا التذت يريد بذلك أنزلت. وفي الآثار التي فيها عن يزيد بن أبي حبيب وعطاء بن دينار ومشايخ من العلماء والليث بن سعد أنه إذا دخلها من مائه شيء فقد وجب عليها الغسل، فالظاهر أنها ثلاثة أقوال، والأصح منها أنه لا غسل عليها إلا أن تنزل؛ لأنها لم توطأ، فلا يجب عليها الغسل إلا بالإنزال أو مجاوزة الختان، كما لا يجب على الرجل الغسل إلا بأحد هذين الوجهين وبالله التوفيق.

مسألة: وقت الدم وهل قليله وكثيره سواء

[مسألة: وقت الدم وهل قليله وكثيره سواء] مسألة وسئل عن وقت الدم، فقال: ليس له عندنا وقت، فقيل له: فقليله وكثيره سواء؟ قال: لا، ولكن لا أجيبكم إلى هذا الضلال إذا كان مثل الدرهم، ثم قال: أرأيت إن كان الدرهم من هذه البغيلة، الدراهم تختلف، تكون وافية كلها وبعضها أكبر من بعض. قال محمد بن رشد: هذا هو المعلوم من مذهبه أنه يكره الحد في مثل هذه الأشياء التي لا أصل للحد فيها في الكتاب والسنة، وإنما يرجع فيها إلى الاجتهاد. وقد روى علي بن زياد عنه أن قدر الدرهم من الدم قليل. وذكر ابن حبيب عنه أن قدر الدرهم منه كثير وأن قدر الخنصر منه قليل. قال ابن حبيب: وقد كان عطاء وغيره من العلماء يرون أن الدرهم منه قليل، والاحتياط أحب إلي أن تعاد الصلاة من قدر الدرهم. وقالوا: إن الأصل في حد يسيره بقدر الدرهم عند من رآه الاعتبار بالمخرج؛ لأن الأحجار لا تزيل عنه النجاسة، فوجب أن يقاس عليه الدم؛ لأنه أمر غالب كما أنه أمر غالب، وبالله التوفيق. [مسألة: مس إبطه ونتفه أترى أن يغسل يده] مسألة وسئل عمن مس إبطه ونتفه أترى أن يغسل يده؟ قال: نعم، فقيل له: من نتف إبطه غسل يده؟ قال: نعم، ذلك حسن. قال محمد بن رشد: ما استحسن مالك [- رَحِمَهُ اللَّهُ - من هذا] حسن؛ لأنه مما شرع في الدين من المروءة والنظافة، وإن لم يكن ذلك واجبا كوجوب غسل النجاسة.

مسألة: أينزع الخاتم الذي فيه ذكر الله منقوش عند الاستنجاء

[مسألة: أينزع الخاتم الذي فيه ذكر الله منقوش عند الاستنجاء] مسألة وسئل أينزع الخاتم الذي فيه ذكر الله منقوش عند الاستنجاء؟ فقال: إن نزعه فحسن، وما سمعت أحدا نزع خاتمه عند الاستنجاء. قيل له: فإن استنجى وهو في يده فلا بأس به؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم "الشريكين" من سماع ابن القاسم، وتكررت في رسم "مساجد القبائل" منه، والحمد لله. [مسألة: ماء البيض إذا أصاب الثوب أترى أن يغسل] مسألة وسئل عن ماء البيض إذا أصاب الثوب أترى أن يغسل؟ فقال: لا إلا أن يكون له ريح، فقيل له: ليس له ريح، فقال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يُغسل إن كان له ريح، هو نحو ما تقدم له في غسل اليد من نتف الإبط، وقد تقدم القول فيه. [مسألة: الرجل يتوضأ للصلاة ثم يمس ذكره قبل أن يغسل قدميه] مسألة قال: وسئل مالك عن الرجل يتوضأ للصلاة ثم يمس ذكره قبل أن يغسل قدميه أينتقض وضوءه؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن مس الذكر ينقض الوضوء ناسيا كان أو متعمدا؛ إذ لم يفرق بين ذلك، وأن الإعادة واجبة عليه إن صلى بذلك الوضوء أبدا، خلاف رواية أشهب عنه في كتاب الصلاة، وخلاف ما في سماع سحنون من هذا الكتاب. وقد مضى في رسم "اغتسل على غير نية" من الكلام على هذه المسألة ما لا وجه لإعادته.

مسألة: الرجل يتوضأ ثم يطأ الموضع القذر الجاف

[مسألة: الرجل يتوضأ ثم يطأ الموضع القذر الجاف] مسألة وسئل عن الرجل يتوضأ ثم يطأ الموضع القذر الجاف، قال: لا بأس بذلك، إن الله وسع على هذه الأمة، ثم تلا: {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] . قال محمد بن رشد: معناه أنه موضع قذر لا يوقن بنجاسته، فحمله على الطهارة؛ لأن الاحتراس من مثل هذا يشق، فهو من الحرج الذي قد رفعه الله في الدين بقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ولو كان الموضع يوقن بنجاسته لوجب أن يغسل قدميه؛ لأن النجاسة تتعلق بهما، وإن كان يابسا من أجل بللهما، وهذا بَيِّن. [مسألة: الرجل يضطجع على الفراش الذي فيه الجنابة فتصيبه شدة هذا العرق] مسألة وسئل عن الرجل يضطجع على الفراش الذي فيه الجنابة فتصيبه شدة هذا العرق الذي ترى، فقال: أكرهه، أكره أن يضطجع عليه؛ ولأنه يعرق فيلتصق به، فأنا أكره ذلك، ولكن أرى أن يجعل من فوقه ثوبا ثم ينام عليه إن بدا له. قيل له: أفترى إذا اضطجع عليه فعرق أن يجزئه الوضوء؟ قال: لا، ولكن لو نظر إلى الشق الذي اضطجع عليه فغسله، فقيل: إنه يتقلب إذا كان نائما، فقال: يغسل ما يخاف أن يكون قد أصابه منه شيء. فقيل له: ألا ترى هذا بمنزلة الجنب يعرق في ثوبه؟ فقال: لا، هذا يلصق به والجنابة في الثوب هكذا يكون كثيفا، فإذا عرق فيه أصابه منه، وعرق

الجنب لا بأس به، والدابة لا بأس بعرقها، فكيف بعرق الجنب لا بأس بعرقه. قال محمد بن رشد: قوله: يغسل ما يخاف أن يكون قد أصاب منه شيء هو مثل ما تقدم له في هذا الرسم في الذي يتجفف في الثوب يكون فيه الدم الكثيف، وذلك يدل على أن ما شك في نجاسته من الأبدان أن حكمه أن يغسل ولا يجزئ فيه النضح، وقد ذكرنا الدليل على الفرق في ذلك بين الثوب والجسد في مسألة الدم المذكورة، وفي كتاب ابن شعبان: أن النضح يجزي في الجسد كالثوب وهو شاذ، وقد ذهب ابن لبابة إلى أن النضح لا يجزئ في واحد منهما، وهو خروج عن المذهب جملة، وأما قوله في عرق الجنب: إنه طاهر إذا لم يكن بجسده نجاسة، فهو كما قال؛ لأن جسمه طاهر، وإنما يغتسل عبادة لا نجاسة، فعرق بني آدم تبع للحومهم في الطهارة. وروي: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يقيل عند أم سليم، وكان كثير العرق، فاعتدت له قِطْعًا يقيل عليه، فكانت تأخذ عرقه فتجعله في قارورة، فقال: ما هذا يا أم سليم، فقالت: عرقك يا رسول الله أجعله في طيبي، فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، فدل ذلك على طهارة العرق، وكذلك عرق سائر الحيوان وألبانها تبع للحومها، فلبن الحمارة نجس، قاله يحيى بن يحيى في سماعه، وإنما قال في المدونة: لا بأس بعرق البردون والبغل والحمار من أجل أن الناس لا يقدرون على التوقي منه، وأما ما يوكل لحمه فعرقه طاهر كلبنه، إلا أن يشرب ماء نجسا، فيختلف في عرقه ولبنه وبوله على أربعة أقوال: أحدها: أن ذلك كله طاهر، وهو قول أشهب. والثاني: أن ذلك كله نجس، وهو قول سحنون. والثالث: الألبان طاهرة، والأبوال والأعراق نجسة. والرابع: الأبوال نجسة، والأعراق والألبان طاهرة. وكذلك عرق السكران ولبن المرأة التي شربت الخمر، يتخرج ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها أن اللبن والعرق نجس

مسألة: الذي يستيقظ من نومه فيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها

وهو قول سحنون، وذلك قوله في المدونة: إنما غذاء اللبن مما يأكلن، وهن يأكلن الخنزير ويشربن الخمر. والثاني: أنهما جميعا طاهران وهو قول أشهب. والثالث: اللبن طاهر، والعرق نجس. [مسألة: الذي يستيقظ من نومه فيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها] مسألة قال: وسئل عن الذي يستيقظ من نومه، فيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها، فيغسلها مرتين أو ثلاثا ناسيا ثم يذكر، أيتوضأ بذلك الماء؟ فقال: إن كان لا يعلم بيده بأسا ولا شيئا، فلا أرى بذلك بأسا أن يتوضأ به كما هو، وما كان الناس يشددون في هذه الأشياء من الوضوء والغسل، والإكثار منه كهيئة الناس اليوم ضيقوا ما لم ينبغ لهم تضييقه، وشددوا على أنفسهم في هذه الأمور، وما كذلك كان الناس، قال مالك: وقد بلغني أن عمر بن الخطاب كان إذا أكل مسح يده بباطن قدمه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الماء الذي أدخل فيه يده إذا استيقظ من نومه قبل أن يغسلها طاهر يتوضأ منه؛ لأن يده محمولة على الطهارة حتى يوقن بنجاستها على الأصل، في أن الشك لا يؤثر في اليقين، وإن كان الاختيار أن يغسلها للحديث؛ إلا أن لا يمكنه ذلك في مثل المهراس على ما يأتي في آخر هذا السماع، خلاف ظاهر قول أبي هريرة في رسم "البز" من سماع ابن القاسم، وقد مضى التكلم على هذه المسألة في رسم "كتب عليه ذكر حق" من سماع ابن القاسم. ومعنى ما ذكر عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان إذا أكل مسح يده بباطن قدمه إنما هو في مثل التمر والشيء الجاف الذي لا يتعلق بيده منه، إلا ما يذهبه أدنى المسح.

مسألة: الوضوء بالدقيق والنخالة والفول

وأما مثل اللحم واللبن، وما يكون له الدسم والودك فلا؛ لأن غسل اليد منه مما لا ينبغي تركه، وقد تمضمض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من السويق، وهو أيسر من اللحم واللبن؛ وغسل عثمان بن عفان يده من اللحم، وتمضمض منه، ذكر ذلك مالك في الموطأ، فهذا يدل على ما ذكرناه، والله أعلم. [مسألة: الوضوء بالدقيق والنخالة والفول] مسألة قال: وسئل مالك عن الوضوء بالدقيق والنخالة والفول أيتوضأ به؟ فقال: لا علم لي به، ثم قال: ولم يتوضأ به؟ إن أعياه الشيء فليتوضأ بالتراب، قال مالك: قال عمر بن الخطاب: إياكم وهذا التنعم، وأمر الأعاجم. قال العتبي: وسئل سحنون وأنا أسمع عن الوضوء بالنخالة والغسل بها، فقال: لا يجوز، فقلت له: فهل يغسل الرجل رأسه بالبيض؟ فقال لي: لا، فقلت له: فالملح؟ فقال: لا يغسل بشيء مما يوكل. وروى محمد بن خالد، عن ابن نافع: أنه لا بأس بالوضوء بالنخالة. قال محمد بن رشد: تقدم هذا المعنى في رسم "النذور والجنائز والذبائح" من هذا السماع، ومضى القول في وجه الكراهية في ذلك، وجميع ما يعارض ظاهره ذلك من الروايات في آخر رسم "البز" من سماع ابن القاسم. [مسألة: الوضوء بالماء السخن] مسألة قال: وسئل مالك عن الوضوء بالماء السخن، فقال: لا بأس به، وإنا لنفعل ذلك كثيرا، فقيل له: إنما نحوط الوضوء مما مسته النار، قال: كيف يصنع بالدهن، والله ما يدهن إلا بعد الوضوء.

مسألة: الذي يريد أن يبتدئ الوضوء أيغسل يديه أم يفرغ على يده

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الماء القراح لا يخرجه عن حكم الطهارة، وجواز تأدية الفرض به مسيس النار إياه، كما لا يخرج شيئا من الطعام مسيس النار إياه عن حكم الطهارة وجواز أكله، والأمر بالوضوء منه كان عبادة قد نسخت، وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال: «كان آخر الأمرين من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك الوضوء مما مست النار» فلا وجه للاعتبار بذلك في كراهة الوضوء بالماء السخن، وإنما يعتبر بجواز الوضوء بالماء السخن في ألا وضوء مما مست النار. وقد روي أن عبد الله بن عمر قال لأبي هريرة لما قال: إنه يتوضأ مما مست النار: ما تقول في الدهن والماء السخن يُتوضأ منه؟ قال: أنت رجل من قريش، وأنا رجل من دوس، قال: يا أبا هريرة، لعلك تلحق إلى هذه الآية {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] لا نتوضأ من شيء نأكله، وقد روي عن مجاهد أنه كره الوضوء بالماء السخن، فيحتمل أن يكون رأى ذلك من التنعم، ورأى الصبر على الوضوء بالماء البارد أعظم للأجر؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؛ إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط» ، فإن كان ذهب إلى هذا فقد أصاب، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: الذي يريد أن يبتدئ الوضوء أيغسل يديه أم يفرغ على يده] مسألة وسئل عن الذي يريد أن يبتدئ الوضوء، أيغسل يديه أحب إليك، أم يفرغ على يده؟ فقال: يفرغ على يده، قيل له: أي أحب

مسألة: الذي ينام في الثوب فيه الجنابة حتى يعرق فيه ثم يقوم أيتوضأ

إليك أن يفرغ على يديه قبل أن يغسلهما، قال: نعم، أحب إلي أن يفرغ على يده اليمنى فيغسلهما. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الاختيار في غسل اليدين قبل الوضوء أن يفرغ على يده اليمنى فيغسلهما جميعا اتباعا لظاهر الحديث، وإن أفرغ على يده اليمنى فغسلها وحدها، ثم أدخلها في الإناء، فأفرغ بها على يده اليسرى فغسلها أيضا وحدها أجزأه، ولم يكن عليه في ذلك ضيق، وفي أول سماع عيسى لابن القاسم مثل اختيار قول مالك هذا، واختلف اختيارهما هناك في تمام الوضوء هل يدخل يديه جميعا في الإناء أم يدخل الواحدة، ويفرغ بها على الثانية ويتوضأ على ما سنذكره إن شاء الله، ووقع في بعض الكتب، أم يفرغ على يديه، فقال: بل يفرغ على يديه، وهو خطأ؛ إذ لا يستقيم أن يفرغ على يديه معا، فتدبر ذلك. [مسألة: الذي ينام في الثوب فيه الجنابة حتى يعرق فيه ثم يقوم أيتوضأ] مسألة وسئل عن الذي ينام في الثوب فيه الجنابة حتى يعرق فيه، ثم يقوم أيتوضأ قط؟ فقال: بل يغتسل، أحب إليّ أن يغسل جلده، قيل له: أيغسل جلده؟ فقال: نعم، أو يغسل ذلك الموضع الذي أصابه ذلك من جسده. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المني نجس عند مالك، فإذا عرق في الثوب الذي فيه الجنابة، فابتلت النجاسة وتعلقت بجسمه وجب غسله، وقوله: أحب إلي؛ ليس على ظاهره، بل غسل ما أصابه من الجنابة واجب عنده لا يراعي في ذلك قول غيره ممن ذهب إلى أن المني طاهر، والله أعلم.

مسألة: الرجل يكون في رأسه جراح فتصيبه جنابة أيغتسل

[مسألة: الرجل يكون في رأسه جراح فتصيبه جنابة أيغتسل] مسألة وسئل عن الذي يكون في رأسه جراح فتصيبه جنابة، أيغتسل وينكب عنها الماء؟ فقال: نعم، لا بأس بذلك، فقلت له: أرأيت إذا برأ، أيغسل رأسه؟ فقال: أو في هذا شك، إنه إذا برأ غسله، نعم يغسله. قال محمد بن رشد: وهذا بَيِّن كما قال، لا إشكال فيه، إذا نكب الماء عن موضع الشجة في رأسه، فهي لمعة بقيت في رأسه من غسل الجنابة، يجب عليه إذا صح أن يغسلها كما لو نسيها سواء. [مسألة ماء خليج الإسكندرية هل يتوضأ منه ويغسل فيه الثياب] مسألة وسئل مالك فقيل له: إن خليج الإسكندرية إذا كان جرى النيل جرت فيه السفن، وكان ماؤه أبيض صافيا، فإذا ذهب النيل ركد، فتغير لونه ورائحته طيبة، والسفن تجري فيه على حالها، والماء كثير فيه، والمراحيض تصب فيها، فهو يغسل فيه الثياب، ويتوضأ منه للصلاة، فقال: إذا كانت تصب فيه هذه المراحيض، وقد تغير لونه فما أحب ذلك، وكان ابن عمر من ائتمه الناس، وكان يقول: إني أحب أن أجعل بيني وبين الحرام سترة من الحلال، قال مالك: فعليك أنت بالذي لا تشك فيه، ودع الناس عنك، ولعلهم في سعة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الماء وإن كان كثيرا صافيا تجري فيه السفن، لا ينبغي أن يتوضأ منه إذا ركد وتغير لونه، من أجل أن المراحيض تصب فيه؛ لاحتمال أن يكون تغير لونه من صب تلك المراحيض فيه، لا من ركوده وسكونه في موضعه، ولو علم أن لونه لم يتغير من صب تلك المراحيض فيه لجاز الوضوء منه، كما أنه لو علم أنه تغير من ذلك لم يحل الوضوء منه، وكان نجسا بإجماع، فإذا لم يعلم بم تغير لونه كان

مسألة: بئر وجد ماؤها منتنا فنزفت ثم ماؤها منتن على حاله

الاحتياط أن يحمل على النجاسة، بخلاف أن لو وُجد متغير اللون، ولم يُعلم لتغيره سبب من نجاسة يشبه أن يكون تغير منه، فإنه يُحمل على الطهارة، وبالله التوفيق. [مسألة: بئر وجد ماؤها منتنا فنزفت ثم ماؤها منتن على حاله] مسألة وسئل عن بئر وجد ماؤها منتنا فنزفت، ثم ماؤها منتن على حاله، فقال: إني أخاف أن تكون تسقيها قناة مرحاض، فانزفوها يومين أو ثلاثة أيام، فإن طاب ماؤها توضأتم به، وإن لم يطب لم تتوضئوا به. قال محمد بن رشد: وجه قوله أنه حمل الماء على أنه إنما أنتن من نجاسته لقنوات المراحيض التي تتخلل الدور في القرى والمدن بخلاف البئر والغدير، يجده الرجل في الصحراء قد أنتن، وهولا يدري مما أنتن، فإنه يحمل على الطهارة، وأنه إنما أنتن من ركوده وسكونه في موضعه؛ إذ لا يعلم لنجاستها سببا يشككه فيه، ولو علم أن نتن ماء البئر ليس من قناة مرحاض إلى جانبه لم يكن به بأس، وقد قاله في آخر هذا الرسم، فهو مبين لقوله هاهنا. [مسألة: الرجل يأتي المهراس بفلاة من الأرض فيريد أن يتوضأ منه] مسألة وسئل عن الرجل يأتي المهراس بفلاة من الأرض، فيريد أن يتوضأ منه، فلا يجد شيئا يأخذ به فيصب على يديه، أيدخل يده فيه؟ قال: نعم، يدخل يده فيه، وأين يجد مهراسا بفلاة من الأرض؟ ولكن

مسألة: توضأ ومسح على خفيه فلما مشى وجد في أحدهما حصاة فنزعه

لو قال غديرا، فقيل له: إن بعض الناس يقول: يأخذ بفيه الماء، فيصب به على يديه حتى يغسلهما، ثم يدخلهما في المهراس، فقال: وما عسى أن يأخذ بفيه، وإنه ليكفي من هذا أنه لم يكن من عمل الناس أن يأخذ بفيه فيصب على يديه. قال محمد بن رشد: يده محمولة على الطهارة حتى يوقن بنجاستها، ولذلك لم ير عليه أن يأخذ الماء بفيه ليغسلها، ورأى ذلك من التعمق والخلاف لما مضى عليه الناس من التخفيف وترك التشديد على أنفسهم في مثل هذه الأمور، وقد مضى هذا المعنى في الرسم قبل هذا، وفي رسم "كتب عليه ذكر حق" ورسم "البز" من سماع ابن القاسم، ولو كانت يده نجسة لكان عليه أن يحتال لغسلها قبل أن يدخلها في الماء بما يقدر عليه من أخذ الماء بفيه أو بثوب إن كان معه على ما يأتي في سماع موسى بن معاوية من هذا الكتاب. [مسألة: توضأ ومسح على خفيه فلما مشى وجد في أحدهما حصاة فنزعه] مسألة وسئل عمن توضأ ومسح على خفيه، فلما مشى وجد في أحدهما حصاة، فنزعه، فأخرجها ثم رد خفه مكانه في رجله ما ترى عليه؟ فقال: أحب إلي أن يغسل قدمه مكانه، قيل له: أيجزي عنه أن يغسل قدمه مكانه؟ قال: نعم. قيل له: إن بعض أهل العراق يقولون: إذا نزعت خفيك انتقض وضوؤك، فقال: قال الله عز وجل:

{فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: 150] ، وقال عز وجل: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [القصص: 55] . قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب قدمه، وفي بعضها قدميه في الموضعين، والذي تستقيم به المسألة على ظاهر اللفظ أن يكون الأول قدميه بالتثنية، والثاني قدمه بالإفراد، إذ يبعد أن يقول: أحب إلي أن يغسل قدمه بالإفراد؛ لأن ذلك عنده لا يجزئ دونه، ومتى لم يفعل انتقض وضوؤه، وإنما يصح أن يتعلق الاستحباب عنده بخلعهما جميعا، فلما استحب أن يخلعهما جميعا قيل له: أيجزئ عنه أن يغسل قدمه الواحدة مكانه الذي خلع الخف منه لإخراج الحصاة، قال: نعم. فإذا جاز على هذه الرواية أن يغسل الرِّجْل التي خلع منها الخف، ولا يخلع صاحبه، فأحرى إذا لبس خفين على خفين، فمسح على الأعليين، ثم نزع فردا واحدا منها أن يجزئه أن يمسح على الخف الذي تحته ولا يخلع صاحبه. وقال ابن حبيب: لا بد له من خلع صاحبه في المسألتين جميعا، ومذهب ابن القاسم الفرق بين المسألتين؛ لأن عيسى روى عنه في الخفين على الخفين إذا نزع فردا من الأعليين، وقد مسح عليهما أنه يجزئه أن يمسح على الذي تحته وحده ولا يخلع صاحبه، وروى عنه أبو زيد في الخفين على القدمين إذا مسح عليهما فانخرق أحدهما أنه ينزعهما جميعا ويغسل رجليه، فتحصل في الجملة ثلاثة أقوال، وفي كل مسألة على انفراد قولان، فقف على ذلك، وإنما قال إذا نزع خفيه وقد مسح عليهما: إنه يغسل رجليه ولا ينتقض وضوؤه خلافا لما حكي له عن بعض أهل العراق قياسا على الجبيرة إذا مسح عليها في غسله، ثم برأ أنه يغسل ذلك الموضع ولا ينتقض غسله. وفي مختصر ما ليس في المختصر لمالك من

مسألة: الوضوء من بيوت النصارى

رواية زيد بن شعيب عنه أن من مسح على خفيه، ثم نزعهما استأنف الوضوء، ووجه ذلك أنه إن غسل رجليه فقد حصل وضوؤه متفرقا عن غير ضرورة، بخلاف الجبيرة، والأول أظهر. [مسألة: الوضوء من بيوت النصارى] مسألة وسئل عن الوضوء من بيوت النصارى، فربما كانوا عبيدا للمسلمين، فقال: إني لأكره ذلك، هم أنجاس لا يتطهرون. قال محمد بن رشد: فإن فعل فلا إعادة عليه؛ لأنه أخف من سؤر النصراني الذي قد اختلف فيه قوله على ما قد تقدم القول فيه من أول سماع ابن القاسم. [مسألة: بئر ماتت فيه دابة] وسئل عن بئر ماتت فيه دابة، فكان أهلها يتوضئون منها، ويصيب ماؤها ثيابهم، فقال: إن كان ذلك الماء منتنا فاسدا، فأرى أن تغسل الثياب التي أصابها ذلك الماء، فإن كان ذلك فيه شيئا خفيفا، فأرى أن تنضح تلك الثياب نضحا ولا تغسل، فقيل له: إنما هي فارة ماتت فيها، فكان أهلها يتوضئون منها، ويصيب ماؤها ثيابهم، فقال: نعم، إذا كان ذلك الماء فاسدا جدا غسلت منه تلك الثياب، وإن كان ذلك منه شيئا خفيفا فيها، فأرى أن تنضح الثياب، فقيل له: أرأيت ما صلوا بذلك من صلاة؟ فقال: يعاد ما كان من ذلك في الوقت. قال محمد بن رشد: لا اختلاف بين أهل العلم فيما علمت أن الماء إذا أنتن واشتدت رائحته من موت الدابة فيه أنه نجس، وأن من توضأ به يعيد

مسألة: الذي يصب الماء لحماره في الشيء يشرب منه ويفضل أيتوضأ بفضله

الصلاة في الوقت وبعده، وتغسل منها الثياب، ولا يجزئ فيها النضح. فقوله في آخر المسألة: يعاد من ذلك ما كان في الوقت، لا يعود على جملة المسألة في الماء المنتن وغيره، وإنما يعود على ما اتصل به من قوله: وإذا كان ذلك منه شيئا خفيفا فيها، فأرى أن تنضح الثياب، ويحتمل أن يعود على جملة المسألة في الصلاة بالثياب التي أصابها ذلك الماء المنتن وغيره، لا في الوضوء من ذلك الماء، والتأويل الأول أظهر بظاهر الرواية، ومعنى قوله: وإن كان ذلك منه شيئا خفيفا، أي يشك في تغير رائحته لخفته، وأما لو تبين تغير رائحته لوجب أن يعيد من توضأ بذلك الماء في الوقت وغيره على مذهب مالك، خلاف ما ذهب إليه ابن الماجشون من ترك الاعتبار بالرائحة في صفة الماء، وقوله: فأرى أن تنضح الثياب، يحتمل أن يريد إن كانت ثيابا يفسدها الغسل على نحو ما ذهب إليه ابن حبيب، ويحتمل أن يكون خفف ترك غسلها، وإن كان الغسل لا يفسدها إذا لم يعفها ذلك الماء النجس، بخلاف المسألة التي تقدمت في رسم "النذور والجنائز"، والله أعلم. [مسألة: الذي يصب الماء لحماره في الشيء يشرب منه ويفضل أيتوضأ بفضله] مسألة وسئل عن الذي يصب الماء لحماره في الشيء يشرب منه ويفضل؛ أيتوضأ بفضله؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، وزاد فيها أنه وغيره سواء، قال ابن حبيب: وقد كره بعض العلماء الوضوء من سؤر الدواب التي تأكل أرواثها، ولم ير ابن القاسم بذلك بأسا، إلا أن يرى ذلك بأفواهها عند شربها، قال ابن حبيب: وأما المخلاة التي تقم المزابل، وتأكل الأقذار، فالتيمم خير من سؤرها؛ لأنه نجس.

مسألة: البئر ينتن ماؤها ثم ينزح والماء ما يزال منتنا

[مسألة: البئر ينتن ماؤها ثم ينزح والماء ما يزال منتنا] مسألة وسئل فقيل له: إن بئرا لنا قد أنتن ماؤها ونزحناه، وماؤها بعد منتن، فقال: لا أرى أن يتوضأ منه حتى يأتوا ببعض هؤلاء الذين ينظرون إلى الآبار، فإني أخاف أن يكون من قناة مرحاض إلى جانبه، قال: فقلت له: أرأيت إن لم يكن نتنه من ذلك؟ فقال: لو عُلم أن نتنه ليس من ذلك ما رأيت بأسا أن يتوضأ به. قال محمد بن رشد: هذا صحيح؛ إنه إذا علم أن نتنه ليس من ذلك، ينبغي أن يحمل على الطهارة كالغدير الذي تجده في الفلاة قد أنتن، ولا يدرى من أي شيء أنتن، وقوله هذا يبين مسألة البئر المتقدمة في هذا الرسم قبل هذا. [مسألة: الرجل يقرأ القرآن في اللوح، وهو غير متوضئ] مسألة وسئل عن الرجل يقرأ القرآن في اللوح، وهو غير متوضئ، قال: لا أرى أن يمسه. قال محمد بن رشد: معناه إذا كان يقرأ فيه على غير وجه التعلم؛ لأنه قد خففه في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم، إذا كان على وجه التعليم، وقد مضى هناك وجه تخفيفه، وحمل كلامه على أن بعضه مفسر لبعض إذا أمكن ذلك أولى من حمله على الخلاف، وبالله التوفيق. كمل سماع أشهب والحمد لله رب العالمين، والصلاة الكاملة على مولانا محمد وآله.

الرجل يدخل الحمام لغسل جنابة فيتطهر وهو ناس لجنابته

[الرجل يدخل الحمام لغسل جنابة فيتطهر وهو ناس لجنابته] كتاب الوضوء الثاني بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم من سماع عيسى من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: وسئل ابن القاسم عمن دخل الحمام لغسل جنابة، فخرج إلى الطهور فتطهر، وهو ناس لجنابته، أيجزئه؟ فقال: أرأيت من أمر أهله أن يضعوا له ماء يغتسل من الجنابة، فوضع فجاء فاغتسل، ونسي الجنابة، وذهب إلى البحر ليغسل الجنابة، فاغتسل ونسي الجنابة، أليس ذلك يجزيه في ذلك كله؟ قال محمد بن رشد: قد روي عن سحنون: أن ذلك يجزيه في النهر، ولا يجزيه في الحمام، ووجه ما ذهب إليه أن النية بعدت عنه لاشتغاله بالتحمم قبل الغسل، وكذلك لو ذهب إلى النهر ليغسل ثوبه قبل الغسل، فغسل ثوبه ثم اغتسل، لم يجزه الغسل على مذهبه، ولو لم يتحمم في الحمام لأجزأه الغسل كالنهر سواء. ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم أنه لما خرج إلى الحمام بنية أن يتحمم ثم يغتسل، لم ترتفض عنده النية، ولا ضره بعدها لبقاء حكمها على ما نواه وخرج عليه، ولو خرج إلى الحمام قاصدا للغسل من الجنابة، ثم بدا له فتحمم، ولم يجدد النية عند الغسل لما أجزأه

مسألة: في كيفية الوضوء

عندهما جميعا، فالأمر في هذا على هذه الثلاثة الأوجه: إذا خرج إلى الحمام للغسل فاغتسل ولم يتحمم أجزأه الغسل باتفاق، وإذا خرج إليه للغسل ثم بدا له فتحمم، ثم اغتسل لم يجزه الغسل باتفاق، إلا أن يجدد النية، وإذا خرج ليتحمم ثم يغتسل ففعل أجزأه الغسل عند ابن القاسم، ولم يجزئه عند سحنون، إلا أن يجدد النية عند الغسل. والأصل في جواز تقدم النية قبل أول الغسل بيسير إجماعهم على جواز تبييت الصيام من الليل قبل أول النهار؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» وكذلك يجب في الصلاة إذا تقدمت النية قبل الإحرام بيسير أن يجزئ، وقد فرق في هذا بين الغسل والصلاة بتفاريق لا تلزم، من ذلك مراعاة الخلاف في إيجاب النية في الوضوء والغسل، ومن ذلك أن الصلاة يبدأ فيها بتكبيرة الإحرام وهي فرض، والغسل والوضوء يبدأ فيهما بما ليس فرض من غسل اليد قبل إدخالها في الإناء وغير ذلك من السنن. [مسألة: في كيفية الوضوء] مسألة قال: فقلت لمالك: كيف الوضوء؟ أيدخل يديه في الإناء فيغسل وجهه؟ أم يدخل يده الواحدة فيفرغها ثم يتوضأ؟ قال: بل يدخل يديه في الإناء، قال ابن القاسم: في غسل اليد قبل أن يدخلها في الإناء فيفرغها ثم يتوضأ أحب إلي؛ لحديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه أفرغ

مسألة: الرجل يكون عليه زوجا خفاف كيف يمسح

على يده فغسل يديه ثلاثا» ، قال ابن القاسم: وإن أفرغ على يده فغسلها وحدها، ثم أدخلها في الإناء أجزأ عنه، وأحب إلي الحديث. قال محمد بن رشد: اختيار ابن القاسم هاهنا في غسل اليد قبل أن يدخلها في الإناء أن يفرغ على يده الواحدة فيغسلهما جميعا؛ اتباعا لظاهر الحديث، هو مثل ما تقدم لمالك في آخر سماع أشهب، ورأى واسعا أن يفرغ على يده فيغسلها وحدها، ثم يدخلها في الإناء فيفرغ بها على الأخرى، فيغسلها أيضا وحدها، وان كان اتباع ظاهر الحديث أحب إليه، وأما في بقية وضوئه فاختار مالك في هذه الرواية أن يدخل يديه جميعا في الإناء، فيغرف بهما لوجهه ثم لسائر أعضاء وضوئه، وظاهر قول ابن القاسم أن يفعل في سائر وضوئه كما يفعل في غسل يده ابتداء، يدخل يده الواحدة في الإناء، فيفرغ بها على الثانية، فيغسل وجهه ثم يفعل كذلك لسائر أعضاء وضوئه؛ لقوله: فيفرغها ثم يتوضأ، وهو أحسن من قول مالك؛ لأن ما يغرف من الماء بيده الواحدة يكفيه لغسل وجهه، وهو أمكن له في الوضوء من أن يغرف بيديه جميعا، ولعل الإناء الذي يتوضأ منه يصغر عن ذلك، وإنما يغرف بيديه جميعا في الغسل؛ لقوله في الحديث: «ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه» والله أعلم. [مسألة: الرجل يكون عليه زوجا خفاف كيف يمسح] مسألة وسئل عمن كان عليه زوجا خفاف، قال: يمسح على

مسألة: الرجل يتوضأ ويغسل إحدى قدميه ويلبس خفه ثم يغسل الأخرى

الأعلى، قيل له: فإن نزع الزوج الأعلى؟ قال: فليمسح على الزوج الأسفل إذا نزع الأعلى، قيل: أرأيت إن نزع فردا من الزوج الأعلى؟ قال: يمسح على الخف الأسفل من تلك الرجل وحدها، ويصلي ويجزئه، وهو قول مالك، قال ابن القاسم: فإن هو لبس الخف التي نزع، ثم أحدث بعد ذلك مسح عليها. قال محمد بن رشد: قوله فيمن كان عليه زوجا خفاف أنه يمسح على الأعلى منها، هو المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك في المدونة وغيرها، وقد حكى بعض البغداديين أن قول مالك اختلف في إجازة المسح على خف فوق خف، ووجه المنع من ذلك أن السنة إنما جاءت في المسح على الخفين على القدمين، وهو رخصة فلا يقاس عليها، ووجه الإجازة قياس الخفين على القدمين لاستوائهما في المعنى. وأما قوله إن نزع فردا من الزوج الأعلى: إنه يمسح على الخف الأسفل من تلك الرجل وحدها ويصلي، قد تقدم القول عليه والاختلاف فيه في آخر سماع أشهب، وأما قوله: فإن هو لبس الخف التي نزع ثم أحدث بعد ذلك مسح عليهما، فإنه خلاف قول سحنون في المسألة التي بعدها مثل قول مطرف فيها؛ لأنه لما نزع الخف التي مسح عليها من الرجل الواحدة انتقضت طهارته، فلما مسح على الأسفل صار قد طهر بعد أن مسح على الخف من الرجل الأخرى. [مسألة: الرجل يتوضأ ويغسل إحدى قدميه ويلبس خفه ثم يغسل الأخرى] مسألة قيل لسحنون: ما تقول في رجل توضأ فلما فرغ من وضوئه ولم يبق عليه إلا غسل رجليه غسل إحداهما ثم لبس خفه، ثم غسل الأخرى، ثم لبس خفه الأخرى، فأحدث بعد ذلك، أيكون له أن يمسح؟ قال: لا يجوز له أن يمسح، قلت: لم؟ قال: من قبل أنه أدخل

إحدى رجليه في الخف قبل استكمال الوضوء. قلت: أرأيت إن هو خلعهما قبل أن يحدث، ثم لبسهما بعد ذلك، فأحدث أيجوز له أن يمسح؟ قال: نعم إذا كان خلعهما ثم لبسهما قبل أن يحدث جاز له أن يمسح. قلت له: وكذلك لو غسل رجليه ثم لبس خفيه وقد نسي مسح رأسه ثم ذكر وقد جف وضوؤه فمسح برأسه، ثم أحدث بعد ذلك لم يكن له أن يمسح، قال: نعم، هي نظيرة ما سألت عنه، إلا أن يخلع خفيه بعد أن مسح برأسه ثم لبسهما قبل أن يحدث، فإنه يمسح. وسئل مطرف بن عبد الله عن الرجل يتوضأ فإذا فرغ من جميع وضوئه ولم يبق عليه إلا غسل رجليه غسل رجله الواحدة، ولبس خفه قبل أن يغسل الأخرى، ثم غسل رجله الأخرى بعد ذلك ولبس خفه، ثم انتقض وضوؤه أيجوز له المسح على الخفين؟ قال: نعم، جائز له ذلك، ولا بأس عليه بالمسح على خفيه؛ لأنه لبس خفيه ووضوؤه تام، لا يضره أن يغسل الرجل الواحدة فيدخلها في الخف قبل أن يغسل الأخرى، وكل ذلك واحد. قال محمد بن رشد: الاختلاف في هذه المسألة جار على اختلافهم في المتوضئ للصلاة؛ هل يطهر كل عضو من أعضائه ويرتفع الحدث عنه كلما غسله بتمام غسله، فإذا أكمل وضوءه ارتفع الحدث عنه جملة، وطهر للصلاة؟ أم لا يطهر شيء من أعضائه إلا بتمام الوضوء؟ فمن رأى أنه كلما غسل عضوا من أعضاء الوضوء طهر ذلك العضو، أجاز له أن يمسح على خفيه إذا لبسهما بعد أن غسل رجليه للوضوء، وإن كان ذلك قبل أن يستكمل وضوءه؛ لأنه قد لبسهما عنده ورجلاه طاهرتان بطهر الوضوء على ما جاء في

مسألة: الرجل يسيل عليه ماء العسكر فيسأل أهله فيقولون إنه طاهر

الحديث، وسواء أكمل وضوءه بعد ذلك أو لم يكمله، وهو قول ابن القاسم عن مالك في سماع موسى عنه في هذا الكتاب، ومن رأى أنه لا يطهر عضو من أعضاء المتوضئ إلا بتمام وضوئه لم يجز له أن يمسح على خفيه إذا لبسهما قبل استكمال طهارته؛ لأنه ما لبسهما عنده إلا ورجلاه غير طاهرتين بطهر الوضوء، وسواء أكمل وضوءه بعد ذلك أو لم يكمله، وهو قول سحنون. وجواز المسح أظهر على القول بأن كل عضو من أعضاء المتوضئ يطهر بتمام غسله؛ بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحديث: «إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض؛ خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه» الحديث، وظاهر قول مطرف أنه لو لم يكمل وضوءه لما جاز له أن يمسح، ووجه قوله أن ما غسل المتوضئ من أعضائه يحكم له أنه قد طهر بتمام غسله إن أكمل وضوءه، ولم ينتقض قبل تمامه، فهي ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يمسح على خفيه إلا أن يكون قد لبسهما بعد إكمال وضوئه. والثاني: أنه يمسح عليهما إن لبسهما بعد أن غسل رجليه للوضوء، وإن لم يتم وضوءه بعد ذلك. والثالث: أنه لا يمسح عليهما إلا أن يتم وضوءه ذلك. وقال. ابن لبابة: إن الاختلاف في هذه المسألة إنما هو من أجل أن طهارة القدمين بطهر الوضوء ليس بلازم، إذ لم يثبت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولا عن عمر بن الخطاب في القدمين أن تكونا طاهرتين بطهر الوضوء، وإنما الذي ثبت عنهما طاهرتان لا أكثر. [مسألة: الرجل يسيل عليه ماء العسكر فيسأل أهله فيقولون إنه طاهر] مسألة وسئل ابن القاسم، عن الرجل يسيل عليه ماء العسكر، فيسأل أهله فيقولون: إنه طاهر، قال: يصدقهم، إلا أن يكونوا نصارى، فلا أرى ذلك.

الرجل في حضر ومعه بئر وهو إن عالجها طلعت عليه الشمس أيتيمم

قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يصدقهم، وإن لم يعرف عدالتهم؛ لأنه محمول على الطهارة على ما مضى في رسم "حلف" من سماع ابن القاسم من قوله: أراه في سعة ما لم يستقين بنجس، فسؤالهم مستحب، وليس بواجب، ولو قالوا له لما سألهم: هو نجس؛ لوجب عليه أن يصدقهم؛ لأنهم مقرون على أنفسهم بما يلزمهم في ذلك من الحكم، فالظن يغلب على صدقهم. ولو كان محمولا على النجاسة لما وجب أن يصدقهم في أنه طاهر إلا أن يعرف عدالتهم، مثل أن يكون العسكر للنصارى فيسأل من كان قاعدا معهم من المسلمين، إذ لا يقبل الخبر حتى يعلم عدالة نقلته، كما لا تقبل شهادة الشهود حتى تعرف عدالتهم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، وقول عمر بن الخطاب: والذي نفسي بيده، لا يوسر رجل في الإسلام بغير العدول. وأما إن عرف أنهم غير عدول، فلا إشكال في أنه لا يقبل قولهم؛ لقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] الآية، وبالله التوفيق. [الرجل في حضر ومعه بئر وهو إن عالجها طلعت عليه الشمس أيتيمم] ومن كتاب أوله عبد استأذن سيده في تدبير جاريته وقال: إذا كان الرجل في حضر ومعه بئر إلا أن رشاءها بعيد، وهو إن عالجها طلعت عليه الشمس، قال: يعالجها وإن طلعت عليه الشمس، وقد قال: يتيمم ويصلي إذا خاف طلوع الشمس. قال محمد بن رشد: قوله: وقد قال: يتيمم ويصلي إذا خاف طلوع الشمس، هو على القول بأن الصبح ليس له وقت ضروري؛ وأما على القول بأن له وقت ضرورة وهو الإسفار، فإنما يعالجها ما لم يخف أن يسفر؛ لأن الذي

المستحاضة إذا جاءها أيام الدم التي كانت تحيض فيهن فرأت دما كثيرا تنكره

لا يجد الماء ينتقل إلى التيمم إذا خشي أن يفوته وقت الاختيار، والاختلاف في هذه المسألة إنما هو على اختلافهم في الحاضر العادم للماء، هل هو من أهل التيمم أم لا؟ فقوله: يعالجهما وإن طلعت الشمس على القول بأنه ليس من أهل التيمم، وقوله: يتيمم ويصلي إذا خاف طلوع الشمس على القول بأنه من أهل التيمم. وفي المدونة لمالك قول ثالث: أنه يعيد بعد الوقت إذا قدر على الماء، ويتخرج في المسألة قول رابع وهو: أن تسقط عنه الصلاة إذا طلعت الشمس عليه قبل أن يصل إلى الماء. وقد اختلف في الذي يكون معه الماء إلا أنه إن توضأ به فاته الوقت، وإن تيمم أدرك الوقت، فقيل: إنه يتوضأ به على كل حال، وإن فاته الوقت؛ لأنه واجد للماء فليس من أهل التيمم، وقيل: إن له أن يتيمم إذا خاف ذهاب الوقت، والأمر محتمل، فانظر ذلك، وبالله التوفيق. [المستحاضة إذا جاءها أيام الدم التي كانت تحيض فيهن فرأت دما كثيرا تنكره] ومن كتاب العرية وسئل ابن القاسم عن المستحاضة إذا جاءها أيام الدم التي كانت تحيض فيهن، فرأت دما كثيرا تنكره، فأقامت قدر الأيام التي كانت تحيض، ثم رجعت إلى الدم الذي كانت تصلي به، أو تكون رأت ذلك الدم يوما أو يومين، ثم رجعت إلى الدم الذي كانت تعرفه، هل ترى أن تستظهر بثلاثة أيام أم لا؟ فقال ابن القاسم: إذا رأت دما تنكره لا تشك أنه دم حيضة، فإنها تترك الصلاة، فإذا طال بها الدم الذي تستنكر استظهرت بثلاثة أيام، وإن كان عاودها دم الاستحاضة بعد أيام حيضتها صلت بغير استظهار. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنها تستظهر في الدمين جميعا، وهو

المستحاضة لم تر الدم في كل يوم إلا في وقت صلاة واحدة ثم انقطع ذلك عنها

قول ابن الماجشون وأصبغ، وقيل: إنها لا تستظهر في الدمين جميعا، قاله في كتاب ابن المواز، فوجه قوله في الرواية: إنها لا تستظهر إن عاودها دم الاستحاضة هو أنها كانت تصلي به قبل أن ترى الدم الذي استنكرته، وكانت به في حكم الطاهر وجب إذا رجعت إليه أن تكون فيه أيضا في حكم الطاهر فلا تستظهر. ووجه قول ابن الماجشون وأصبغ: إنها تستظهر وإن عاودها دم الاستحاضة أن هذا دم اتصل بدم الحيض، فوجب أن تستظهر منه كما لو لم تتقدم لها استحاضة. وأما ما في كتاب ابن المواز من أنها لا تستظهر وإن تمادى بها الدم الذي استنكرت، فلا وجه له من النظر إلا الاحتياط للصلاة؛ مراعاة لقول من لا يرى الاستظهار أصلا، ولقول مالك أيضا في كتاب ابن المواز إن المستحاضة عدتها سنة، وإن كانت تميز ما بين الدمين؛ لأن الاستحاضة ريبة. فإذا كانت الرواية مبنية على هذا من الاحتياط فيجب إذا تركت الاستظهار فصلت وصامت أن تقضي الصيام، وكذلك المعتدة على هذا القياس. وقد قيل: إنها تتمادى في الدمين جميعا إلى خمسة عشر يوما، وهو قول مطرف. [المستحاضة لم تر الدم في كل يوم إلا في وقت صلاة واحدة ثم انقطع ذلك عنها] ومن كتاب أوله يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه قلت: أرأيت إن لم تر الدم في كل يوم إلا في وقت صلاة واحدة، ثم انقطع ذلك عنها في غيرها من الصلوات، أتعد ذلك اليوم يوما تاما؟ وكيف إن رأت الدم صلاة الظهر، فتركت الصلاة، ثم رأت الطهر قبل العصر أتعيد الصلاة؟ قال ابن القاسم: إن رأته وإن كان ساعة، فإنها تعد ذلك يوما، وأما الظهر فإنها تعيدها إذا رأت الطهر نهارا.

مسألة: المرأة ترى الدم عند وضوئها

قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه أن الحيضة إذا انقطعت ولم يكن بين الدمين من الأيام ما يكون طهرا فاصلا، فإنها تلفق أيام الدم وتعد اليوم الذي رأت فيه الدم من أيام الدم، وإن لم تره إلا ساعة أو لمعة، وإنما اختلف هل تلفق أيام الطهر، فالمشهور أنها تلغيها ولا تلفقها، وقد قيل: إنها تلفقها إن كانت مثل أيام الحيض أو أكثر منها، فتكون في أيام الدم حائضا، وفي أيام الطهر طاهرا أبدا، وهو قول محمد بن مسلمة. وإن انقطع عنها وقد بقي من النهار قدر خمس ركعات قبل غروب الشمس أو أكثر صلت الظهر والعصر، وإن كان لم يبق من النهار إلا أربع ركعات فأقل صلت العصر، وسقطت عنها صلاة الظهر، واختلف إذا انقطع عنها لمقدار أربع ركعات من الليل قبل طلوع الفجر، فقيل: إنه يجب عليها صلاة المغرب والعشاء، وهو مذهب ابن القاسم، وقيل: إنه لا يجب عليها إلا صلاة العشاء الآخرة، وهو مذهب ابن الماجشون، وأما قوله: فإنها تعيدها، فإنه تجاوز في اللفظ؛ لأن حقيقة الإعادة إنما هو لما قد فعل، وهي لم تصلها بعد، وقد جاء مثل هذا في القرآن، قال الله عز وجل: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20] ، وقال الشاعر، وهو النابغة الجعدي: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا [مسألة: المرأة ترى الدم عند وضوئها] مسألة قال ابن القاسم: سألت مالكا عن المرأة ترى الدم عند وضوئها، فقال مالك: تشد وتصلي، وليس عليها غسل، ولا تترك الصلاة كما تصنع المستحاضة في أول ما يصيبها.

تفسير يتيمم بجدار

قال محمد بن رشد: يريد ولا تترك الصلاة في أول ما يصيبها كما لا تتركها المستحاضة. وقوله: وليس عليها غسل، يبين قول مالك في رسم "الشريكين" من سماع ابن القاسم، ويرد تأويل ابن أبي زيد عليه، وقد تكلمنا هناك على وجه قول مالك بما أغنى عن رده، والمعنى في هذه المسألة أنه حكم لها بحكم المستحاضة لما كان الدم يتكرر عليها عند كل وضوء؛ لأن معنى قوله: ترى الدم عند وضوئها، أي تراه عند كل وضوء، فإذا قامت ذهب ذلك عنها على ما قاله في رسم "الشريكين" من سماع ابن القاسم. ولا إشكال في أن الدم إذا تمادى بها على هذه الصفة يكون حكمها حكم المستحاضة، وحكم المستنكحة أيضا لتكرر الدم عليها في أوقات معلومة، وإنما الذي يشكل من المسألة قوله فيها ولا غسل عليها في أول ما يصيبها؛ لأن ما تراه المرأة من الدم ابتداء هو محمول على أنه حيض حتى يعلم أنه استحاضة، فقوله: إنه لا غسل عليها في أول ما يصيبها معناه إذا كان أول ما يصيبها ذلك في مدة الاستحاضة، مثل أن تكون قد رأت الدم خمسة عشر يوما، ثم جعلت تراه عند كل وضوء، فوجب ألا يجب عليها غسل عند أول ما تراه؛ لأنه استحاضة، إذ لا يمكن إضافته إلى الدم الأول، إذ قد تمادى بها خمسة عشر يوما، ولا أن تجعله حيضة ثانية؛ إذ لا فاصل بينهما من الأيام. وكذلك كل ما تكرر على هذه الصفة إلا أن ترى دما تنكره، وتميز أنه دم حيضة على ما قال في رسم "الشريكين" من سماع ابن القاسم. ومعنى ذلك إذا رأت هذا الدم الذي تنكره بعد أن مضى من الأيام ما يكون طهرا فاصلا من بعد انقضاء الخمسة عشر يوما، وهو الوقت الذي حكم فيه باستحاضتها، وبالله التوفيق. [تفسير يتيمم بجدار] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل ابن القاسم عن تفسير يتيمم بجدار، فقال:

تفسيره من ضرورة، بمنزلة المريض لا يكون عنده أحد يوضئه ولا ييممه، فيمد يده إلى الجدار بجنبه إذا كان جدارا أسود، يريد أن يكون الجدار من طوب نيء. قال محمد بن رشد: وجه هذا السؤال أنه سأله عن تفسير ما روي: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلم عليه رجل في سكة من السكك، وقد خرج من بول أو غائط، فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار فتيمم» ، فقال تفسيره من ضرورة، أي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفعل ذلك إلا من ضرورة، إذ لم يصل إلى الصعيد الطيب؛ لكونه في السكك والطرق التي لا تنفك عن النجاسات، وخشي أن يفوته الرد الذي قد أوجبه الله تعالى بقوله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] إن أخره إلى أن يجد الماء فيتوضأ، إذ لا يكون ردا إلا بالقرب، وذلك أن ذكر الله تعالى على غير طهارة كان في أول الإسلام ممنوعا ثم نسخ، فأراد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمم الجدار من ضرورة، وهي ما ذكرنا، كما يتيممه المريض من ضرورة إذا لم يكن عنده أحد يوضئه أو ييممه. وقوله إذا كان الجدار أسود، يريد أن لا يكون قد كسي بجص أو جير، فإن كان كذلك لم يجز التيمم عليه، قاله في كتاب ابن المواز، وهو صحيح، وقوله: من طوب نيء صحيح؛ لأنه إن كان آجرا مطبوخا لم يجز التيمم عليه، وقد قال ابن حبيب: إن المريض يتيمم الجدار آجرا كان أو صخرا أو حجارة أو حصبا إذا لم يجد من يناوله ترابا، ولا من ينقله إلى موضع الصعيد، وهو بعيد إلا أن يريد آجرا غير مطبوخ، والله أعلم، وبه التوفيق.

مريض لم يجد لذة النساء يلمس امرأته ولم يجد له لذة أترى عليه وضوءا

[مريض لم يجد لذة النساء يلمس امرأته ولم يجد له لذة أترى عليه وضوءا] مسألة وسئل عن مريض دنف لم يجد لذة النساء ولا انبساطا، أراد أن يجرب نفسه، فوضع يده على ذراع امرأته ينظر هل يحرك ذلك منه شيئا ولم يجد له لذة، أترى عليه وضوءا؟ قال: نعم، قد وجدها في قلبه حين وضعها لذلك. قال محمد بن رشد: وهذا ظاهر ما في المدونة أن اللمس مع القصد إلى اللذة يوجب الوضوء، وإن لم يلتذ، ووجه ذلك اتباع ظاهر القرآن في قوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] لم يشرط وجود لذة. وقوله: قد وجدها في قلبه حين وضعها لذلك؛ لا معنى له؛ لأن اللذة إذا لم تكن كائنة عن اللمس وموجودة به، فلا اعتبار بها إلا على ما ذهب إليه ابن بكير من أن وجود اللذة مع التذكار دون لمس يوجب الوضوء، ويحتمل أن يكون أراد بقوله: قد وجدها بقلبه، أي قد أرادها وقصدها حين وضعها؛ فتستقيم الرواية على هذا التأويل. وأما إن وجد اللذة بلمسه فلا اختلاف في المذهب أن الوضوء عليه واجب سواء قصدها أو لم يقصدها. وأما إن لم يجدها بلمسه ولا قصدها به، فلا وضوء عليه باتفاق، وبالله التوفيق. [المتيمم يصيب رجله بول] ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب إلى أجل قال ابن القاسم من قول مالك في المتيمم يصيب رجله بول: إنه يمسحه بالتراب، قال ابن القاسم: ويعيد الصلاة في الوقت، مثل الرجل يصلي في الثوب الدنس، ولا يجد غيره؛ أنه يعيد في الوقت إن وجد الماء، ومثل المسافر يكون متوضئا ثم يصيب رجله رجيع

يسقى النحل العسل الذي وقعت فيه ميتة

أو بول، ولا يجد ماء يغسله به أنه يمسحه بالتراب ثم يصلي، يريد أنه يعيد في الوقت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن مسح قدمه بالتراب لا يرفع حكم النجاسة عنه، وإن أزال عينها عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه، خلافا لأبي حنيفة وغيره في قوله: إن كل ما أزال العين رفع الحكم. والوقت في هذا للظهر والعصر إلى الغروب، وللمغرب والعشاء إلى طلوع الفجر، وللصبح إلى طلوع الشمس، قاله ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن المواز، وله فيه في المصلي بثوب نجس ناسيا أن الوقت في ذلك للظهر والعصر الاصفرار، وللصبح إلى الإسفار، فكأنه ذهب إلى التفرقة بين المسألتين. ويحتمل أن يكون اختلافا من القول، فتأتي في المسألة ثلاثة أقوال على ما ذكرنا في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم، ومعنى هذا في بول بني آدم الذي يتفق على نجاسته، وتنفك منه الطرق ولو أصاب رجله في مشيه بول الدواب، لم يجب عليه إعادة إذا مسحه وصله به على أحد قولي مالك في المدونة وغيرها. ولو أصاب رجله بول بني آدم وهو غير متوضئ، وليس معه من الماء إلا قدر ما يتوضأ به لغسله وتيمم على ما حكاه ابن حبيب عن جماعة من أصحاب مالك في المسافر يتوضأ، ويمسح على خفيه فتصيبهما نجاسة ولا ماء معه أنه يخلعهما ويتيمم، قال: لأنه قد أرخص في الصلاة بالتيمم ولم يرخص في الصلاة بالنجاسة، وفي ذلك نظر، فتدبره، وبالله التوفيق. [يسقى النحل العسل الذي وقعت فيه ميتة] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق قال: وقال مالك: لا بأس أن يسقى النحل العسل الذي وقعت فيه ميتة، قال ابن القاسم: ولا بأس أن يسقى البقر الإناث والغنم

الماء الذي وقعت فيه الميتة. قيل لسحنون: فهل تكون أبوال الأنعام إذا شربت من ماء غير طاهر طاهرة؟ فقال: لا وهي نجس، وقال ابن نافع: لا يسقى بالماء النجس كل ما يؤكل لحمه، ولا يسقى به البقل إلا أن يغلى بعد ذلك بماء ليس بنجس. قال محمد بن رشد: قول مالك: لا بأس أن يسقى النحل العسل الذي وقعت فيه ميتة، هو مثل ما في المدونة، يريد ويكون العسل طاهرا، وكذلك لبن الماشية التي تسقى الماء النجس، طاهر عند ابن القاسم بدليل تخصيصه الإناث في هذه الرواية بخلاف أبوالها، وسحنون يقول: إن ألبانها نجسة كأبوالها، وأشهب يرى ألبانها وأبوالها طاهرة. وقول ابن القاسم في تفرقته بين البول واللبن هو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب. وأما قول ابن نافع: لا يسقى بالماء النجس كل ما يؤكل لحمه، فيحتمل أن يكون كره ذلك من أجل الاختلاف في نجاسة ألبانها، فقد كره ذلك أيضا مالك في رواية ابن وهب عنه لهذه العلة، والله أعلم؛ إذ لا بأس بأكل لحومها، وإن شربت ماء نجسا، فقد قال ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب الضحايا في الجدي يرضع الخنزيرة: أحب إلي أن لا يذبح حتى يذهب ما في بطنه، ولو ذبح مكانه لم أر به بأسا. ويحتمل أن يكون ابن نافع كره ذلك مخافة أن يذبحه من لا يعلم قبل أن يذهب ما في جوفه من ذلك الماء النجس على ما استحب ابن القاسم من أن لا يذبح الجدي إذا رضع الخنزيرة حتى يذهب ما في جوفه من أجل نجاسته، وما يلزمه من غسله والتوقي منه. وأما قول ابن نافع: إن البقل لا يسقى بالماء النجس إلا أن يغلى بعد ذلك بماء ليس بنجس؛ فلا وجه له، إذ لو نجس بسقيه بالماء النجس لكانت ذاته نجسة، ولما طهر بتغليته بعد ذلك بماء طاهر، وبالله التوفيق.

مسألة: جس امرأته للذة ثم نسي فصلى ولم يتوضأ

[مسألة: جس امرأته للذة ثم نسي فصلى ولم يتوضأ] مسألة قال ابن القاسم: من جس امرأته للذة، ثم نسي فصلى ولم يتوضأ؛ أنه يعيد في الوقت وبعد الوقت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الملامسة عند مالك وجميع أصحابه في قول الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] ما دون الجماع، فإذا جس الرجل امرأته فالتذ؛ فقد انتقض وضوؤه عند مالك وجميع أصحابه، وإن لم يلتذ بذلك فعلى قولين، وقد مضى ذلك في رسم "أوصى"، وبالله التوفيق. [الرجل يستنجي بحجر واحد ثم يتوضأ فينسى أن يستنجي بالماء فيصلي ولم يذكر] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وسئل عن الرجل يستنجي بحجر واحد، ثم يتوضأ فينسى أن يستنجي بالماء فيصلي ولم يذكر، فقال: إن كان أنقى فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم "سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتوضأ بعد وضوئه ثم يخرج منه ريح فينتقض وضوؤه] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يتوضأ بعد وضوئه، ثم يخرج منه ريح فينتقض وضوؤه، هل ترى عليه غسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء؟ فقال: أحب إلي أن يغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في غسل اليد قبل إدخالها في الوضوء في رسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب، ولما سأله هاهنا عن غسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء، فقال: أحب إلي أن يغسل يده قبل أن

مسألة: الرجل ينسى شيئا من وضوئه فيذكر ذلك بحضرة الماء ولم يجف وضوؤه

يدخلها في الإناء، دل على أن الاختيار عنده في الوضوء أن يدخل يده الواحدة في الإناء فيفرغ بها على الأخرى ويتوضأ، ولا يدخل يديه جميعا في الإناء، فيغرف بهما لوجهه ولسائر أعضاء وضوئه مثل ظاهر قوله في أول رسم "نَقَدَهَا نَقْدَها" من هذا السماع خلاف اختيار مالك، وقد بينا ذلك هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل ينسى شيئا من وضوئه فيذكر ذلك بحضرة الماء ولم يجف وضوؤه] مسألة قال مالك: إذا نسي الرجل شيئا من وضوئه، فذكر ذلك بحضرة الماء ولم يجف وضوؤه، غسل ذلك الشيء بعينه وأعاد ما بعده، وإذا ذكر ذلك، وقد تطاول ذلك أو جف وضوؤه غسل ذلك بعينه، واستأنف ما صلى إن كان ما نسي من الوضوء من وضوء الكتاب الذي ذكر الله في كتابه. قال محمد بن رشد: قوله: إذا ذكر ذلك بحضرة الوضوء غسل ذلك الشيء بعينه وأعاد ما بعده، ولم يفرق ما بين أن يكون نسي من مسنون الوضوء أو مفروضه، يدل على أن ترتيب المفروض مع المسنون عنده سنة، كترتيب المفروض مع المفروض، خلاف قول مالك في موطاه؛ لأنه قال فيه فيمن غسل وجهه قبل أن يمضمض: إنه يمضمض ولا يعيد غسل وجهه، فجعل ترتيب المفروض مع المسنون مستحبا. وقوله في آخر المسألة: إن كان ما نسي من الوضوء من وضوء الكتاب الذي ذكره الله في كتابه، إنما يعود على قوله، واستأنف ما صلى؛ لأنه إن كان الذي نسي من مسنون الوضوء فذكر بعد أن صلى لم يكن عليه إعادة ما صلى، وإنما يفعل ما نسي لما يستقبل، وما في الموطأ أظهر، فقد قال بعض العلماء: إنما قدمت المضمضة والاستنشاق والاستنثار في أول الوضوء على غسل الوجه وسائره، لما يتضمن ذلك من اختبار طهارة الماء؛ لأنه يخبر طعمه بالمضمضة، وريحه بالاستنشاق، فإذا كان تقديم المضمضة على غسل الوجه لهذه العلة، ولم يكن ذلك عبادة

النفساء التي تمرض فلا تستطيع الغسل

لغير علة وجب إذا غسل وجهه قبل أن يمضمض، ألا يكون عليه أن يعيد غسل وجهه بعد المضمضة؛ لارتفاع العلة كما قال مالك في موطاه، والله أعلم، وبه التوفيق. [النفساء التي تمرض فلا تستطيع الغسل] ومن كتاب العشور قال وقال مالك في النفساء التي تمرض فلا تستطيع الغسل: إنها تتيمم، والتيمم لها جائز، قال: ولا بأس أن يرفع إليها التراب في طبق وهي على سرير. قال: وقال ابن القاسم في الرجل يكون على محمله بموضع ليس فيه ماء، وهو يحتاج إلى التيمم، ويريد أن يتنفل على محمله، فقال: يسأل من يناوله ترابا فيتيمم على محمله، كذلك بلغني عن مالك، وقال عيسى: وكذلك قال لي ابن وهب. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما ذهب إليه ابن بكير من أنه لا يجزئ شيء من ذلك؛ لأن العبارة إنما هي في القصد إلى الصعيد، وهو وجه الأرض، وقول مالك هو الظاهر، والدليل على صحته ما روي: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جعلت لي الأرض مسجدا، وتربتها لي طهورا» ولم يخص وجه الأرض من غيره. وما روي أيضا من: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "تيمم جدارا» ، وذلك من فعله خلاف ما ذهب إليه ابن بكير، وهذا من قول مالك على أصل مذهبه في أن الجنب يتيمم خلاف مذهب عمر بن الخطاب، وما كان يقول ابن مسعود ثم رجع عنه، وقوله أيضا على أحد قوليه في أن الحاضر من أهل التيمم، وبالله التوفيق.

الجب من ماء السماء تقع فيه الدابة فتموت فيه وقد انتفخت أو انشقت

[الجب من ماء السماء تقع فيه الدابة فتموت فيه وقد انتفخت أو انشقت] ومن كتاب النسمة وسئل ابن وهب عن الجب من ماء السماء، تقع فيه الدابة فتموت فيه وقد انتفخت أو انشقت، والماء كثير لم يتغير منه شيء إلا ما كان منه قريبا منها، فلما أخرجت وحرك الماء ذهبت الرائحة، هل يتوضأ به ويشرب منه؟ قال: إذا أخرجت الميتة من ذلك الماء، فلينزع منه حتى يذهب دسم الميتة وودكها، والرائحة واللون إن كان له لون، إذا كان الماء كثيرا على ما وصفت طاب ذلك الماء إذا فعل ذلك به. قال ابن القاسم: لا خير فيه، ولم أسمع مالكا أرخص فيه قط، وبالله التوفيق. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب هو الصحيح على أصل مذهب مالك الذي رواه المدنيون عنه في أن الماء قل أو كثر لا ينجسه ما حل فيه من النجاسة إلا أن يتغير من ذلك أحد أوصافه على ما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في بئر بضاعة، وقد روى ابن وهب، وابن أبي أوس، عن مالك في جباب تحفر بالمغرب فتسقط فيها الميتة، فيتغير لونه ووزنه، ثم يصيب الماء بعد ذلك أنه لا بأس به. وقد قال ابن القاسم في رسم "العتق " بعد هذا: إن للجنب أن يغتسل في الماء الدائم دون أن يغسل ما به من الأذى إذا كان الماء يحمل ذلك. وتفرقته بين حلول النجاسة في الماء الدائم أو موت الدابة فيه إذا حمل ذلك الماء، ولم يتغير منه استحسان ليس بقياس، والله أعلم. وقد مضى في رسم "الوضوء والجهاد" الوجه الذي به تفترق المسألتان فقف على ذلك، وبالله التوفيق.

وطئ وجاوز الختان فلم ينزل فاغتسل ثم خرج الماء الدافق

[وطئ وجاوز الختان فلم ينزل فاغتسل ثم خرج الماء الدافق] ومن كتاب أوله يدبر ماله في التجارة وسألته عمن وطئ وجاوز الختان، فلم ينزل فاغتسل ثم خرج الماء الدافق، قال: يتوضأ ولا غسل عليه. قال محمد بن رشد: قد قيل: إن عليه الغسل، فلقوله: إنه لا غسل عليه وجهان: أحدهما: أن هذا الماء قد اغتسل له؛ لأنه لم يظهر الآن إلا وقد كان فصل عن موضعه بالجماع، وصار إلى قناة الذكر؛ لأن الماء لا يخرج هكذا سلسا دون لذة قد حركته قبل من موضعه، والثاني: أن هذا ماء خرج على غير العادة، إذ لم تقترن به لذة، فأشبه من ضرب بسيف، فأمنى أو خرج من دبره دود عليه أذى، فقد قيل: إنه لا غسل ولا وضوء فيما خرج من السبيلين من المعتادات، إلا أن يخرج على العادة، ولقوله: إن عليه الغسل؛ وجه واحد، وهو أن تعتبر اللذة المتقدمة في هذا الماء فتضاف إليه، ويصير جنبا بخروجه، فيجب عليه الغسل، وليس عليه أن يعيد الصلاة؛ لأنه إنما صار جنبا بخروج الماء، والوطء قد اغتسل له، فهو فيما بين الغسلين طاهر، وقد قيل: إنه يعيد الصلاة، وله وجه على بعد، وهو ما يخشى من أن يكون فصل الماء من موضعه، وصار إلى قناة الذكر بعد أن اغتسل لمجاوزة الختان، فصار بذلك جنبا فصلى، ثم خرج بعد الذي كان فصل قبل، وبالله التوفيق. [تذكر فتحركت لذته ثم مكث بعد ذلك حتى طال وصلى ثم خرج منه الماء الدافق] مسألة قلت: أرأيت من تذكر فحرك اللذة منه، ثم مكث بعد ذلك حتى طال وصلى، ثم خرج منه الماء الدافق بعد ذلك، أعليه غسل؟ أو هل يعيد الصلاة؟ فقال: أحسن ذلك أن يغتسل. قال: قلت: أذلك أحب إليك؟ قال: ما ذلك بالقوي، ثم رجع فقال: بل يغتسل.

مسألة: جدار المرحاض يكون نديا يلصق به الرجل بثوبه

قال محمد بن رشد: في هذه المسألة أيضا قولان: أحدهما: أنه لا غسل عليه، والثاني: أن عليه الغسل. فإذا قلت: إن عليه الغسل، فهل يعيد الصلاة أم لا؟ في ذلك أيضا قولان. فوجه القول أنه لا غسل عليه أنه ماء خرج بغير لذة على غير العادة، ووجه القول أن عليه الغسل وإعادة الصلاة، وهو قول أصبغ، أن الماء لم يظهر الآن إلا وقد كان فصل عن موضعه حين اللذة، وصار في قناة الذكر فكان جنبا من حينئذ. ووجه القول: إن عليه الغسل ولا إعادة عليه للصلاة، وهو قول ابن المواز، أنه إنما صار جنبا بخروج الماء؛ لأنه خرج بلذة، وإن كانت قد تقدمت فاعتبرت حين خروج الماء. [مسألة: جدار المرحاض يكون نديا يلصق به الرجل بثوبه] مسألة وسألته عن جدار المرحاض يكون نديا يلصق به الرجل بثوبه، قال: أما إن كان نديا شبيها بالغبار فليرشه ولا شيء عليه، وإن كان بللا أو شبيها به فليغسله، وبالله التوفيق. قال محمد بن رشد: إذا كان شبيها بالغبار، فلا يوقن بتعلقه بثوبه. فلذلك قال: إنه يجزيه نضحه؛ لأن النضح طهر لما شك في نجاسته من الثياب، هذا أمر قد تقرر في المذهب على ما مضى القول عليه في رسم "البز" من سماع ابن القاسم، وإذا كان بللا أو شبيها به، فلا إشكال في وجوب غسله لتعلقه بثوبه، وبالله التوفيق. [الحامل ترى قبل نفاسها باليوم واليومين ماء أبيض ليس بصفرة ولا كدرة فيستمر بها] ومن كتاب الجواب وسئل عن الحامل ترى قبل نفاسها باليوم واليومين ماء أبيض ليس بصفرة ولا كدرة فيستمر بها، هل عليها غسل؟ وهل تترك الصلاة؟ قال ابن القاسم: لا غسل عليها، ولا تترك الصلاة، ولتمض على حالها كما كانت قبل أن ترى شيئا، وليس ذلك بشيء، وإنما

إذا خطرت اليد على الذكر من غير تعمد

هو بمنزلة البول يتوضأ منه فقط، وأول الحمل وأوسطه وآخره في ذلك سواء. قال محمد بن رشد: الأظهر في هذا أنه لا يجب فيه وضوء، وهو ظاهر ما في آخر رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب في كتاب الصلاة؛ لأنه ليس من المعتادات، وما خرج من السبيلين من غير المعتادات لا وضوء فيه عند مالك وجميع أصحابه، حاشا محمد بن عبد الحكم؛ فإنه أوجب فيه الوضوء، وخرج في ذلك عن المذهب. [إذا خطرت اليد على الذكر من غير تعمد] ومن كتاب القطعان قال ابن وهب: إذا خطرت اليد على الذكر من غير تعمد، فليس فيه عليه وضوء، قال: ومالك يقول: فيه الوضوء. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا في رواية ابن وهب عنه بإيجاب الوضوء في مس الذكر على غير تعمد هو ظاهر ما مضى في رسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب، وخلاف رواية ابن وهب عنه في سماع سحنون بعد هذا أنه لا وضوء عليه إلا أن يمسه عامدا. وقد مضى تحصيل قول مالك في هذه المسألة في رسم "اغتسل على غير نية" من سماع ابن القاسم، فتأمله هناك، وبالله التوفيق. [الذي يستنجي بالماء ويؤخر وضوءه] ومن كتاب أوله باع شاة واستثني جلدها وسئل عن الذي يستنجي بالماء ويؤخر وضوءه، قال: لا بأس بذلك، ولو خرج منه ريح بعد الاستنجاء وقبل أن يتوضأ لم يكن عليه إذا توضأ أن يستنجي مرة أخرى. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، ومثله في المدونة؛ لأن الاستنجاء إنما هو لما يتعلق بالمخرج من الأذى، والريح لا يتعلق منه بالمخرج أذى فلا استنجاء فيه، وبالله التوفيق.

اغتسال الجنب في الماء الراكد

[اغتسال الجنب في الماء الراكد] ومن كتاب العتق قال: وقال مالك في اغتسال الجنب في الماء الراكد، وقد غسل الأذى عنه، قال: قد نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الراكد، وجاء به الحديث، ولم يأت في الحديث أنه إذا غسل الأذى عنه جاز له الاغتسال فيه، وقد أدرت مالكا في الاغتسال فيه غير مرة، ورددت عليه كل ذلك، يقول: لا يغتسل الجنب في الماء الراكد وليحتل. قال ابن القاسم: وأنا لا أرى به بأسا إن كان قد غسل ما به من الأذى أن يغتسل، وإن كان الماء كثيرا يحمل ما وقع فيه، فلا أرى به بأسا، غسل ما به من الأذى أو لم يغسله. قال محمد بن رشد: حمل مالك النهي على أنه عبادة لغير علة، فلم يجز الاغتسال في الماء الدائم على حال، وحمله ابن القاسم على أنه لعلة انتجاس الماء، فإذا ارتفعت العلة عنده زال الحكم بزوال العلة، وهذا الاختلاف قائم من المدونة، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم "البز" منه، ومضى الكلام عليه أيضا، وبالله التوفيق. [رجل ترك الاستنشاق والمضمضة عامدا أو ناسيا] ومن كتاب المكاتب من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم قال يحيى: قال ابن القاسم في رجل ترك الاستنشاق والمضمضة عامدا أو ناسيا، فقال: أما الناسي فلا شيء عليه، وأما العامد فأحب إلي أن يعيد ما كان صلى في الوقت، ولا أرى ذلك واجبا عليه. قال محمد بن رشد: قوله: أما الناسي فلا شيء عليه، يريد أنه

مسألة: لبن الحمارة يصيب ثوب الرجل

لا شيء عليه في صلاته، ويفعل ذلك لما يستقبل، ولا يعيد الوضوء من أوله، وهذا ما لا خلاف فيه، وأما العامد فقال: إنه يعيد الصلاة في الوقت استحبابا، وقال ابن حبيب: صلاته تامة لا إعادة عليه لها. ويتخرج في المسألة قول ثالث: أنه يعيد أبدا بالقياس على من ترك سنة من سنن الصلاة عامدا كالجهر فيما يسر فيه، وقد قيل: إنه يستغفر الله، ولا شيء عليه، وهو قول أصبغ، وكذلك قال في هذه المسألة: إنه يستغفر الله، ولا شيء عليه على أصله، فيمن أسر فيما يجهر فيه عامدا، وقيل: إنه يعيد في الوقت، وعلى قياس هذا يأتي قول ابن القاسم في هذه المسألة، وقيل: إنه يعيد أبدا، وهو المشهور في المذهب، المعلوم من قول ابن القاسم، فليلزم على قياس هذا القول أن يعيد في هذه المسألة أيضا أبدا، ولم يتكلم في هذه الرواية، هل يستأنف الوضوء من أوله، أو يمضمض ويستنشق لما يستقبل، ولا يعيد الوضوء من أوله، وذلك يجري على اختلافهم في ترتيب المفروض مع المسنون، هل هو سنة أو استحباب؟ فمن رآه سنة فيقول: إنه يبتدئ في الوضوء من أوله، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وعلى مذهب مالك في الموطأ أنه استحباب يفعل ذلك لما يستقبل، ولا يبتدئ الوضوء من أوله، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: لبن الحمارة يصيب ثوب الرجل] مسألة وسئل يحيى بن يحيى، عن لبن الحمارة يصيب ثوب الرجل، فقال: يعيد الصلاة في الوقت في بعض الروايات، قال أبو صالح: وبعد الوقت على معنى أنه لا يوكل لحمها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن الألبان تبع للحوم في الطهارة والنجاسة، فما كان من الحيوان لا يؤكل لحمه سوى بني آدم المخصوصة لحومهم بالطهارة، فألبانهم نجسة قياسا على لبن الخنزير، وما كان منها يؤكل لحومها فألبانهم طاهرة قياسا على لبن الأنعام، وأما قول أبي صالح: يعيد بعد الوقت، فمعناه إذا صلى به عامدا على القول بأن من صلى بنجاسة

يتيمم وعليه خفاه ثم نزعهما

عامدا يعيد أبدا. وقد قال محمد بن بشير، عن مالك في لبن الحمارة: إنه لا بأس به، فيحتمل أن يريد أنه لا إعادة على من صلى به في ثوبه أو بدنه، أو أنه لا بأس بالتداوي به لمن احتاج إليه؛ مراعاة للاختلاف في أكل الحمر؛ فقد روي ذلك عن عباس وعائشة. وهذا نحو ما تقدم من قول سحنون في رسم "أوصى" من سماع عيسى، ومن كتاب الصلاة، أنه لا إعادة على من صلى ببول الفارة؛ لما روي من أن عائشة سئلت عن أكل الفأرة فتلت قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: 145] الآية، فكيف بلبن الحمارة؟ فلا تخرج على هذا التأويل هذه الرواية عن مالك عن القياس الذي ذكرناه، من أن الألبان تابعة للحوم، وبالله التوفيق. [يتيمم وعليه خفاه ثم نزعهما] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وسئل ابن القاسم عمن يتيمم وعليه خفاه ثم نزعهما، قال: لا ينتقض تيممه وهو على حاله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الرجلين تسقطان في التيمم، فلا يسقط تيمم من تيمم للوضوء وعليه خفاه بنزع خفيه، كما لا ينتقض تيمم من تيمم للجنابة وعليه ثيابه بنزع ثيابه. [مسألة: الرجل يمس ذكره ثم يصلي ولا يتوضأ] مسألة قال سحنون: واختلف قول ابن القاسم في الرجل يمس ذكره ثم يصلي ولا يتوضأ، فمرة قال: لا يعيد الصلاة في الوقت ولا غيره، ومرة قال: يعيد الصلاة في الوقت. قال سحنون: وسمعت ابن القاسم

رجلين يجدان من الماء في السفر مقدار ما يتوضأ به واحد منهما فيتشاحان عليه

سئل غير مرة عن الذي يمس ذكره ثم يصلي ولا يتوضأ، أيجب عليه لذلك إعادة الصلاة؟ فقال ابن القاسم: لا إعادة عليه للصلاة في الوقت ولا غيره، ويعيد الوضوء. قال سحنون: وقد قال لنا ابن القاسم أيضا في ذلك: إنه إن صلى ولم يتوضأ أعاد الصلاة في الوقت، ولقد قال لي غير مرة: إن إعادة الوضوء عندي ضعيف. قال سحنون: وأخبرني ابن وهب عن مالك أنه قال: لا يعيد وضوءه إلا أن يمسه عامدا. قيل: فإن مسه عامدا على غلالة خفيفة؟ قال: لا يعيد وضوءه. قيل له بقول ابن القاسم تأخذ أو بقول ابن وهب؟ قال: بقول ابن القاسم. قال محمد بن رشد: رواية سحنون هذه عن ابن القاسم ترجع إلى أن مس الذكر لا ينقض الوضوء بحال؛ لأن الإعادة في الوقت استحباب كرواية أشهب عن مالك في كتاب الصلاة خلاف ظاهر روايته عن في رسم "الوضوء والجهاد" من هذا الكتاب أنه ينقضه بكل حال، ورواية ابن وهب في الفرق بين أن يمسه عامدا أو غير عامد قول ثالث، وإلى هذا ذهب ابن حبيب فقال: إن مسه عامدا أعاد أبدا، وإن مسه ناسيا أعاد في الوقت. وقد مضى في رسم " اغتسل على غير نية" من سماع ابن القاسم القول في هذه المسألة ووجه حصول الاختلاف فيها، وبالله التوفيق. [رجلين يجدان من الماء في السفر مقدار ما يتوضأ به واحد منهما فيتشاحان عليه] مسألة وقال في رجلين يجدان من الماء في السفر مقدار ما يتوضأ به واحد منهما فيتشاحان عليه، قال: يتقاومانه. قال محمد بن رشد: وهذا صحيح؛ لأن التقاوم شراء، فإذا كان على الرجل الواجد للثمن أن يبتاع الماء لوضوئه بأكثر من قيمته ما لم يرفع عليه في الثمن كما قال في المدونة وغيرها، وجب على كل واحد منهما أن يقاوم

مسألة: الرجل يتوضأ فيمسح على الجبائر وهي في مواضع الوضوء فتسقط الجبائر

صاحبه في هذا الماء الذي قد صار بينهما بوجودهما إياه معا إذا احتاج إليه لوضوئه، فإن أسلمه أحدهما لصاحبه بغير مقاومة أو تركه له في المقاومة قبل أن يبلغ عليه القدر الذي لا يلزمه أن يشتريه به وتيمم وصلى، وجب عليه أن يعيد الصلاة أبدا، إذ لم يكن من أهل التيمم لقدرته على اشتراء الماء بما يلزمه شراء به. ولو كانا معدمين لكان لهما أن يقتسماه بينهما، أو يبيعانه فيقتسمان ثمنه ويتيممان لصلاتهما، وإن كانا متيممين لم ينتقض تيممهما إلا أن يحبا أن يتساهما عليه، فمن صار له بالسهم منهما توضأ به وانتقض تيممه إن كان متيمما، وكان عليه قيمة حظ صاحبه منه دينا، فيكون ذلك لهما. ولو كان أحدهما موسرا، والآخر معدما لكان للموسر أن يتوضأ به ويؤدي لشريكه قيمة نصيبه منه إلا أن يحتاج إلى حظه منه، فيكون أحق به ويقسم بينهما. هذا وجه قول ابن القاسم به مرة في هذه المسألة، وقوله فيها معارض لقول سحنون في آخر نوازله في الرجل يكون معه من الماء قدر ما يتوضأ به واحد فيهبه لرجلين أو ثلاثة، وهم متيممون فيسلموه لأحدهم أنه لا ينتقض إلا تيمم الذي أسلم إليه وحده؛ لأن الماء قد وجب لهم بالهبة، وصاروا فيه شركاء، كما وجب الماء في هذه المسألة للرجلين بوجوده، وصارا فيه شريكين، فوجب أن ينتقض تيمم جميعهم إن لم يتقاوموه. وذهب ابن لبابة إلى أن المقاومة لا تلزم عند ابن القاسم اللذين وجدا الماء إلا أن يتشاحا، وأنهما إن تركاها وأسلم أحدهما الماء لصاحبه جاز للذي أسلم منهما الماء لصاحبه أن يتيمم، وإن كان متيمما لم ينتقض تيممه، بدليل قول سحنون في هذه المسألة التي ذكرناها، وذلك بعيد لا يصح عندي، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: الرجل يتوضأ فيمسح على الجبائر وهي في مواضع الوضوء فتسقط الجبائر] مسألة وقال في الرجل يتوضأ فيمسح على الجبائر وهي في مواضع الوضوء، ثم يدخل في الصلاة فتسقط الجبائر، قال: يقطع ما هو فيه ويعيد الجبائر، ثم يمسح عليها، ثم يبتدئ الصلاة. وكذلك لو تيمم

مسألة: حد الوجه في الوضوء

ومسح على الجبائر، فلما صلى ركعة أو ركعتين سقطت الجبائر، قال: يعيدها ويمسح عليها، ويبتدئ الصلاة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المسح على الجبيرة ناب عن غسل ذلك الموضع أو المسح عليه في الوضوء أو التيمم، فإذا سقطت في الصلاة انتقضت طهارة ذلك الموضع، فلم يصح له التمادي على صلاته، إذ لا تصح الصلاة إلا بطهارة كاملة، ولم يجز له أيضا أن يرجع إلى صلاته، ويبني على ما مضى منها بعد أن يعيد الجبائر، ويمسح عليها، كما لا يجوز البناء في الحدث بخلاف الرعاف، وهذا ما لا أعلم فيه في المذهب اختلافا. وإنما يصح له أن يعيد الجبائر، ويمسح عليها إذا فعل ذلك بالقرب، فإن لم يفعل ذلك حتى طال الأمر استأنف الوضوء أو التيمم من أوله، وبالله التوفيق. [مسألة: حد الوجه في الوضوء] مسألة قلت لسحنون: ما حد الوجه عندك الذي إذا قصر منه المتوضئ وجبت عليه الإعادة؟ فقال لي دور الوجه كله، فقلت فاللحى الأسفل من ذلك والذقن؟ قال: نعم، فأخبرته بقول من يقول: إن الوجه بياض الوجه وليس اللحى الأسفل من الوجه، وكذلك هو من المرأة، وحجته أن مالكا قال في اللحى الأسفل موضحة، فقال لي: أخطأ من يقول هذا، وقد قال مالك: إن الأنف ليس من الوجه ولا موضحة فيه، وإنما هو عظم منفرد، ولو أن متوضئا ترك غسل أنفه وصلى وجبت عليه الإعادة، ولكان ناقصا من وضوئه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الوجه مأخوذ من المواجهة، فاللحى الأسفل والأعلى في وجوب الغسل في الوضوء سواء، وكذلك الذقن، وليس عليه أن يغسل ما تحته، وهذا ما لا أعلم فيه اختلافا.

مسألة: اللحية من الوجه

وإنما اختلف من حد الوجه في البياض الذي بين الأذن والعارض، فقيل: إنه من الوجه يغسله المتوضئ، وقيل: إنه ليس من الوجه، فلا يجب غسله على المتوضئ، وقيل: يغسله الأمرد ولا يغسله الملتحي، وهذا أضعف الأقاويل، وقيل: إن غسله سنة من سنن الوضوء، وبالله التوفيق. [مسألة: اللحية من الوجه] مسألة قلت: فقول مالك: إن اللحية من الوجه، وأرى أن يمر الماء عليها، أرأيت لو أن رجلا غسل وجهه ولم يمر الماء على لحيته، أكان عليه شيء؟ فقال لي: نعم، ذلك واجب عليه بمنزلة مسح رأسه، ومن قصر عن ذلك كانت عليه الإعادة وإن صلى. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه ليس عليه أن يغسل من لحيته إلا ما اتصل منها بوجهه، وليس عليه أن يغسل ما طال منها واسترسل، وإنه ليس عليه أيضا أن يمسح في وضوئه ما طال من شعره، وزاد على قدر رأسه، وهو ظاهر ما في سماع موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، عن مالك. ومن حجة من ذهب إلى أن اللحية ليست بوجه، وأن شعر الرأس ليس برأس، ألا ترى من طالت لحيته لا يقال: طال وجهه، وإنما يقال: طالت لحيته، وكذلك شعر الرأس، وإنما أوجب الله تعالى غسل الوجه ومسح الرأس لا سوى ذلك. والقول الأول أظهر وأشهر، وهو المعلوم من مذهب مالك وأصحابه في المدونة وغيرها. والدليل على صحته من طريق النظر والقياس أن شعر الرأس واللحية لما نبت في الرأس واللحية وجب أن يحكم له بحكمهما، وإن خرج عن قدرهما، كما أن ما نبت من الشجر في الحرم وجب أن يحكم له بحكم الحرم في أن لا يجوز قطعه، وإن طال حتى خرج من الحرم إلى الحل، وبالله التوفيق.

الزيت تقع فيه الفارة هل يجوز أن ينتفع به

[الزيت تقع فيه الفارة هل يجوز أن ينتفع به] مسألة وسئل سحنون عن الزيت تقع فيه الفارة، هل يجوز أن ينتفع به؟ قال: لا بأس، أن يستصبح به إذا تحفظ منه، وأن يدهن به مثل الحبل والعجلة. قيل له: فهل يجوز أن يعمل به صابونا يغسل به ثوبه، ولا يعمله للبيع إلا لغسل ثوبه؟ قال: نعم، إذا طهر ثوبه بماء طاهر. قال محمد بن رشد: إجازة سحنون الانتفاع بالزيت النجس هو قول مالك في رسم "البز" من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، وفي غيره من المواضع، وقول جميع أصحابه حاشا ابن الماجشون، فإنه لا يجيز الانتفاع به في وجه من وجوه المنافع، ودليله أن حكمه حكم الميتة لنجاسته. وقد روي: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أن لا يستمتع من الميتة بإهاب ولا عصب» والأول هو الصحيح؛ لأن الحديث يعارضه ما هو أصح منه، وهو حديث ابن عباس في الموطأ: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بشاة ميتة كان أعطاها مولى لميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ألا انتفعتم بجلدها، فقالوا: يا رسول الله، إنها ميتة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنما حرم أكلها» ، وفي قوله: ولا يعمله للبيع دليل على أنه لا يجيز عمله للبيع، وإن بين عند البيع، وهو المنصوص من قول مالك وأصحابه حاشا ابن وهب، وقد وقع من تعليل قول مالك في رسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة" من سماع ابن القاسم، من كتاب الصلاة، ومن هذا الكتاب في بعض الروايات، ومن سماع أشهب من كتاب الضحايا ما يدل على

أرأيت الرجل يكون في السفر ولا يجد الماء فيصيبه المطر هل يتوضأ به

إجازة عمله للبيع إذا بين بذلك عند البيع مثل قول ابن وهب، فتدبر ذلك، وبالله التوفيق. [أرأيت الرجل يكون في السفر ولا يجد الماء فيصيبه المطر هل يتوضأ به] من نوازل سئل عنها سحنون بن سعيد قلت لسحنون: أرأيت الرجل يكون في السفر ولا يجد الماء فيصيبه المطر، هل يجوز له أن ينصب يديه للمطر ويتوضأ به؟ فقال لي: نعم، فقلت له: وإن كان جنبا هل يجوز له أن يتجرد ويتطهر بالمطر؟ قال: نعم، فقلت: فإن لم يكن المطر غزيرا؟ فقال لي: إذا وقع عليه من المطر ما يبل به جلده فعليه أن يتجرد ويتطهر. قال محمد بن رشد: أما إذا نصب يديه للمطر، فحصل فيهما من ماء المطر ما يكون بنقله إلى وجهه وسائر أعضائه المغسولة غاسلا لها، ومن بلله ما يمسح به رأسه فيكون ماسحا له، فلا اختلاف في صحة وضوئه، وذهب ابن حبيب إلى أنه لا يجوز له أن يمسح بيديه على رأسه بما أصابه من الرش فقط، وكذلك على مذهبه لا يجزيه أن يغسل ذراعيه ورجليه بما أصابهما من المطر دون أن ينقل إليهما الماء بيديه من المطر، وحكاه عن ابن الماجشون، وهو دليل قول سحنون في هذه الرواية. وذلك كله جائز على مذهب ابن القاسم، رواه عيسى عنه فيما حكى الفضل. وذلك أيضا قائم في المدونة في الذي توضأ وأبقى رجليه فخاض نهرا فغسلهما فيه أن ذلك يجزيه إذا نوى به الوضوء، وإن كان لم ينقل إليهما الماء بيده. ومثله في سماع موسى بن معاوية، ومحمد بن خالد من هذا الكتاب، وقد أجمعوا أن الجنب إذا انغمس في النهر، وتدلك فيه للغسل أن ذلك يجزيه، وإن كان لم ينقل الماء بيديه إليه، ولا صبه عليه، وذلك يدل على ما اختلفوا فيه من الوضوء، وأما قوله إذا وقع عليه من المطر ما يبل به جلده، فعليه أن يتجرد ويتطهر، فمعناه إذا وقع عليه في أول وهلة من المطر ما يبل به جلده، فعليه أن يتجرد ويتطهر؛ لأنه إذا مكث للمطر تضاعف عليه البلل، وكثر الماء على جسمه فأمكنه به التدلك، والاغتسال

مسألة: الرجل تلبسه امرأته الثوب أو تنزع خفيه فيلتذ بذلك أو تلتذ به المرأة

لا يكون إلا بإفاضة الماء. ألا ترى إلى قوله في الحديث: «ثم اغتسل وأفاض عليه الماء» وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل تلبسه امرأته الثوب أو تنزع خفيه فيلتذ بذلك أو تلتذ به المرأة] مسألة قيل له: أرأيت الرجل تلبسه امرأته الثوب، أو تنزع خفيه، أو تفلي رأسه، أو تدهنه فيلتذ بذلك، أو تلتذ به المرأة؟ فقال: أما الفلي والادهان فأرى أن يتوضأ من التذ منهما واشتهى ذلك، وأما التلبيس ونزع الخف وما أشبه ذلك فلا أرى فيه وضوءا على واحد منهما، وإن التذ بذلك واشتهى، وقد يكلمها فيلتذ بذلك، وتلتذ المرأة، فلا أرى عليهما في ذلك وضوءا، وهذا مثل مسألتك في نزع الخفين والتلبيس. قال محمد بن رشد: قوله في الفلي والادهان: إن من التذ منهما بذلك واشتهى وجب عليه الوضوء صحيح؛ لأن المعنى في إيجاب الوضوء من الملامسة هو وجود اللذة بها، فإذا وجدت اللذة بها فقد وجب الوضوء بوجودها، وإن لم يقصد باللمس إليها، وهذا ما لا اختلاف فيه في المذهب. وقوله في نزع الخف والتلبيس: إنه لا وضوء فيه وإن وقعت اللذة به نحو رواية علي بن زياد، عن مالك في الجسة من فوق ثوب كثيف، أنه لا وضوء فيها، وقد مضى الكلام على هذا المعنى في رسم "اغتسل على غير نية" من سماع ابن القاسم في رسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: لم يجد ما يتوضأ به إلا بسؤر النصراني أيتوضأ به] مسألة قيل لسحنون: أرأيت إن لم يجد ما يتوضأ به إلا بسؤر

مسألة: الوضوء بالنخالة والغسل بها

النصراني، أيتوضأ به؟ قال: بل يتيمم، وهو عندي بمنزلة الدجاجة المخلاة على القذر، أو الكلب يأكل القذر والنجاسة. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوعبا في أول سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، فلا فائدة في تكراره، وبالله التوفيق. [مسألة: الوضوء بالنخالة والغسل بها] مسألة وسئل سحنون عن الوضوء بالنخالة والغسل بها، قال: لا يجوز. قيل له: فهل يغسل الرجل رأسه بالبيض؟ فقال: لا. قيل له: فبالملح؟ فقال: لا يغسل بشيء مما يؤكل. قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة لا يجوز، يريد بذلك لا يجوز جوازا مطلقا دون كراهية، لا أن ذلك حرام لا يحل، وقد مضى القول على هذه المسألة في آخر رسم "البز" من سماع ابن القاسم، وتكررت أيضا في رسم "النذور والجنائز"، ورسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب، والحمد لله. [مسألة: رجل تيمم فلبس خفيه ثم صلى ثم وجد الماء] مسألة وسئل أصبغ عن رجل تيمم، فلبس خفيه، ثم صلى، ثم وجد الماء، قال: يمسح على خفيه ولا يخلعهما؛ لأنه أدخل رجليه في خفيه وهما طاهرتان بطهر التيمم، فإن تيمم وصلى ثم لبس خفيه فوجد الماء خلع خفيه، وغسل رجليه، ولا يجزئه المسح عليهما؛ لأنه لما صلى انتقض تيممه، ولو أنه لم يلبس خفيه لم يجزه أيضا أن يصلي بذلك التيمم صلاة أخرى، فهذا يدلك على أنه أدخل رجليه

مسألة: مسافر بينه وبين الماء ميلان هل يعدل عن طريقه إلى الماء

وهما غير طاهرتين، ولا يصلي بتيمم واحد إلا صلاة واحدة. قال سحنون: لا يمسح عليهما، لبسهما قبل الصلاة أو بعد الصلاة. قال محمد بن رشد: أما على مذهب من يرى أن التيمم يرفع الحدث، وهو قول سعيد بن المسيب وابن شهاب، فالمسح جائز لبسهما قبل الصلاة أو بعد الصلاة؛ لأن التيمم عنده بدل من الوضوء، وأما على مذهب من يرى أن التيمم لا يستباح به إلا صلاة الفريضة، وهو مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة، فلا يجوز المسح عليهما لبسهما قبل الصلاة أو بعد الصلاة؛ لأن التيمم عنده استباحة للصلاة خوف ذهاب الوقت، فلا مدخل في ذلك للمسح على الخفين. وأما على قول مالك الذي يرى أن التيمم لا يرفع الحدث إلا أنه يستباح به جميع ما يمنع منه الحدث من الفريضة والنافلة ومس المصحف وسجدة التلاوة، فالأظهر على مذهبه إجازة المسح على الخفين إن لبسهما قبل الصلاة كما قال أصبغ، وهو ظاهر ما في المدونة، خلاف قول سحنون؛ لأن الصحيح أن التيمم على مذهبه بدل من الوضوء، وإن كان لا يستباح به إلا صلاة واحدة؛ لأن ذلك كان الأصل فيه، وفي الوضوء بظاهر قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الآية، فخرج من ذلك الوضوء بصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة صلوات بوضوء واحد، وبقي التيمم على الأصل، فلم يقس على الوضوء، إذ لا يقوى البدل قوة المبدل منه، وهذا بين لمن تأمله ووقف على معناه، وبالله التوفيق. [مسألة: مسافر بينه وبين الماء ميلان هل يعدل عن طريقه إلى الماء] مسألة وسئل سحنون عن مسافر بينه وبين الماء ميلان، هل يعدل عن طريقه إلى الماء؟ فقال: أهو في خوف؟ فقال السائل: لا، ولكنه يشق عليه، قال: أما الميلان فأراه كثيرا، وليس عليه أن يعدل عن طريقه. قيل له: فلو خرج عن قريته إلى قرية بعيدة منه، إلا أنه ليس

مسألة: يخرج المؤذن خارجا من المسجد يقيم الصلاة ليسمع من حوله

تقصر في مثله الصلاة، فحضرته الصلاة، هل عليه أن يعدل عن الطريق الميلين إلى الماء؟ فقال: لا، وأرى ذلك والسفر واحدا، هذا مما يشق عليه أن يعدل عن طريقه ميلين. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الميلين كثير، فليس عليه أن يعدل عن طريقه ميلين، وقد مضى في رسم أوله "الشريكين يكون لهما مال" من سماع ابن القاسم في الميل والنصف ميل مع الأمن أن عليه أن يعدل إليه إلى ذلك، وذلك للراكب أو للراجل القادر، يبين ذلك ما وقع في رسم "البز" من السماع المذكور، وبالله التوفيق. [مسألة: يخرج المؤذن خارجا من المسجد يقيم الصلاة ليسمع من حوله] مسألة قال سحنون: قال ابن القاسم: لا بأس أن يخرج المؤذن خارجا من المسجد يقيم الصلاة؛ ليسمع من حوله وقربه من الناس، وقعت هذه المسألة في بعض الروايات. قال محمد بن رشد: وجه هذا أن الإقامة لما كانت إشعارا للصلاة، جاز أن يتوخى ذلك بما ذكر، والله أعلم. [مسألة: الركوب بالمهاميز] مسألة وسئل عن الركوب بالمهاميز، فقال: لا بأس بذلك، وأراه خفيفا. قال محمد بن رشد: وهذا خفيف كما قال؛ لأن الدواب لا تملك إلا بذلك، ولا يتأتى فيها ما أذن الله به من ركوبها وتسخيرها إلا به في أغلب الأحوال.

مسألة: سافر الرجل بمهاميز هل يجوز له أن يمسح على خفيه ولا ينزع المهاميز

[مسألة: سافر الرجل بمهاميز هل يجوز له أن يمسح على خفيه ولا ينزع المهاميز] مسألة قيل له: فإذا سافر الرجل بمهاميز، هل يجوز له أن يمسح على خفيه ولا ينزع المهاميز؟ فقال: لا بأس بذلك، وأراه خفيفا. قال محمد بن رشد: وهذا كما ذكر؛ لأن المسح شأنه التخفيف، ألا ترى أنه ليس عليه أن يتبع غصون الخفين، وقد يكون ذلك أكثر مما يستره شراك المهاميز، وقد كان بعض العلماء يمسح ظهور الخفين، ولا يمسح بطونهما، ففي هذا دليل، وبالله التوفيق. [مسألة: قوما مسافرين وجدوا ماء فبدرهم إليه رجل فأخذه فتوضأ به] مسألة قلت: أرأيت لو أن قوما مسافرين وجدوا ماء فبدرهم إليه رجل، فأخذه فتوضأ به، ولم يكن في الماء إلا ما يتوضأ به رجل واحد، هل ينتقض تيمم هؤلاء الآخرين؟ فقال لي: لا؛ لأنه لم يجب لهم فيه حق، وهو لمن أخذه كالصيد. قيل: فلو أنهم حين وجدوا ذلك الماء قالوا: ليس فيه ما يكفينا فخذه يا فلان فأخذه، فقال: أرى أن تيمم هؤلاء قد انتقض. قال محمد بن رشد: قوله إذا بدرهم إليه رجل فأخذه فتوضأ به: إن تيممهم لا ينتقض؛ لأنه لم يجب لهم فيه حق، إنما ذلك إذا بدرهم إليه قبل أن يصلوا إليه؛ لأنهم لا يستحقونه إلا بالوصول إليه دون غيرهم لا برؤيته على بعد إذا وصل إليه غيرهم قبلهم، وكذلك لو غافصهم فيه أحد بفور وصولهم إليه قبل أن يمكنهم أن يتقاوموه فيما بينهم، لوجب ألا ينتقض تيممهم أيضا إذا غلبوا عليه قبل أن يمكنهم الوضوء به. وأما لو تراخوا في تقاومه بينهم حتى بدر إليه رجل فأخذه، لوجب أن ينتقض تيممهم بمنزلة إذا دفعوه لرجل باختيارهم وتركوا ما يلزمهم من أن يتقاوموه فيما بينهم، أو قالوا لرجل قبل أن

مسألة: رجل معه ماء قال لرجلين قد تيمما قد وهبته لأحدكما ولم يسم واحدا

يصلوا إليه: اذهب يا فلان فخذه، وتركوا ما يلزمهم من التدافع عليه حتى يحكم به بينهم كالصيد فيتقاوموه. وقول سحنون في هذه المسألة مثل ما مضى في سماع سحنون، وقد تكلمنا على مسألة سماع سحنون قبل هذا مما بين معنى هذه المسألة، ولسحنون في المجموعة في هذه المسألة أنه لا ينتقض إلا تيمم الذي أسلم إليه وحده، خلاف ما هاهنا، مثل ما له في آخر النوازل، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل معه ماء قال لرجلين قد تيمما قد وهبته لأحدكما ولم يسم واحدا] مسألة قيل: فلو أن رجلا معه ماء قال لرجلين قد تيمما قد وهبته لأحدكما ولم يسم واحدا، فقال: قد وجب لأحدهما وهو مجهول لا يعرف، وليس لهما رد هذه العطية؛ لأنها من البر، فإن أسلمه أحدهما لصاحبه فقد انتقض تيممه. وكذلك لو قاله لثلاثة أو لأربعة هو لأحدكم فأسلموه لواحد منهم انتقض تيممه. قيل له: فإن أعطى ذلك لجماعة جيش أو لقوم كثير فأعطوه واحدا؟ فقال: أما إذا كثروا، فأرى تيممهم تاما ولا ينتقض. قيل: فإن قال لثلاثة: هذا الماء لكم، فقال: ليس مثل الأول؛ لأن هذا قد وجب لكل واحد نصيبه بلا شك، وليس في نصيبه ما يكفيه لوضوئه، فإذا هو أعطى نصيبه لم ينتقض تيممه. قال محمد بن رشد: تأويل ابن لبابة على سحنون في هذه المسألة: أنه إن قال: قد وهبت هذا الماء لأحدكم، فسواء كانوا ثلاثة أو اثنين أو عشرة آلاف ينتقض تيممهم كلهم، وإن قال: قد وهبت هذا الماء لكم

: الرجل الطويل الشعر يمسح رأسه هل يجزيه أن يمسح أعلاه بالماء

فلا ينتقض إلا تيمم الذي أسلم إليه وحده، كانوا اثنين أو عشرة آلاف، والظاهر من قوله خلاف ذلك أنه إن كان عددهم كثيرا، فسواء قال: هذا الماء لكم، أو قال: هو لأحدكم، لا ينتقض إلا تيمم الذي أسلم إليه الماء وحده، وإن كان عددهم يسيرا كالرجلين والثلاثة ونحو ذلك فقال: هذا الماء لأحدكم انتقض تيممهم إن أسلموه لواحد منهم. وإن قال: هذا الماء لكم لم ينتقض إلا تيمم الذي أسلم إليه وحده. فأما قوله: إذا كان عددهم كثيرا فسواء قال: هذا الماء لكم، أو قال: هو لأحدكم، لا ينتقض إلا تيمم الذي أسلم إليه وحده؛ فصحيح. وأما قوله إذا كان عددهم يسيرا كالرجلين والثلاثة ونحو ذلك فقال: هذا الماء لأحدكم: إنه ينتقض تيممهم إن أسلموه لواحد منهم، فيريد أنه ينتقض تيمم من أسلمه منهم إلى صاحبه كما ينتقض تيمم من أسلم إليه. ووجه ذلك أن كل واحد منهم يخشى أن يكون هو صاحب الماء الموهوب له في غيب الأمر، فوجب أن ينتقض تيممهم جميعا على كل حال. وأما قوله: إن قال: هذا الماء لكم لم ينتقض إلا تيمم الذي أسلم إليه وحده، فهو خلاف قوله في المسألة التي قبلها، وخلاف المسألة التي مضت في سماعه لابن القاسم، ومعترض من قوله: إذ لم يوجب المقاومة عليهم؛ لكونهم فيه شركاء بالهبة، والله أعلم، وبه التوفيق. [: الرجل الطويل الشعر يمسح رأسه هل يجزيه أن يمسح أعلاه بالماء] ومن سماع موسى الصمادحي من ابن القاسم قال: سئل عبد الرحمن بن القاسم عن الرجل الطويل الشعر يمسح رأسه، هل يجزيه أن يمسح أعلاه بالماء ولا يمر يديه على جميع الشعر إلى أطراف الشعر؟ وكذلك المرأة أيضا؟ وكيف به إن اغتسل من جنابة وشعره مضفور، هل يجزيه أن يصب الماء على رأسه ويحرك شعره وأصوله؟ والمرأة كذلك؟ فقال ابن القاسم: قال مالك: يمسح رأسه فيمر يديه على مقدم رأسه إلى قفاه، ثم يعيدها من

مسألة: الذي يمسح خفيه أو على رأسه ببعض أصابعه

تحت شعره إلى مقدمها والمرأة مثله. وإن كان مضفور الرأس، فاغتسل من الجنابة، فإنه يضغثه بيديه إذا اغتسل، والمرأة مثله. قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك في هذه الرواية أن الرجل والمرأة ليس عليهما أن يمسحا على الشعر إلى أطرافه، وإنما عليهما أن يمسحا منه قدر رؤوسهما لا أكثر. وقد مضى القول على هذا في سماع سحنون، فتدبره، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يمسح خفيه أو على رأسه ببعض أصابعه] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يمسح خفيه ببعض أصابعه، أو يمسح على رأسه ببعض أصابعه دون الكف ويصلي، هل يجزيه ذلك، ولا يمسح ثانية؟ فقال ابن القاسم: إذا عم بذلك الرأس وإن مسحه بإصبع واحد أجزأه، وكذلك الخفاف. قال محمد بن رشد: يريد أن ذلك يجزيه إن فعله، ولا يؤمر بذلك ابتداء؛ لأن السنة في مسح الرأس على ما جاء في حديث عبد الله بن زيد قوله: «ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه فذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حيث رجع إلى المكان الذي بدأ منه» . [مسألة: الرجل لا يجد ما يكفيه من الماء للوضوء فغسل رجليه قبل ولبس خفيه] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل ليس معه من الماء إلا قدر ما يكفيه لوضوئه، فجهل فغسل رجليه قبل ولبس خفيه، ثم توضأ بقية وضوئه، أيجزيه ذلك؟ وكيف الأمر إن كان غسل رجليه ولبس خفيه ونام ولم يتوضأ بقية وضوئه، ثم استيقظ أيجزئه أن يمسح على

مسألة: المسافر يكون معه النبيذ ولا يوجد الماء أيتوضأ بالنبيذ أم يتيمم

خفيه أم ينزعهما ويغسل رجليه؟ قال: قال مالك: أحب إلي أن يعيد غسل رجليه بعد وضوئه، وإن لم يفعل لا أرى عليه شيئا. قال محمد بن رشد: وجه تخفيف مالك المسح على الخفين في هذه المسألة مبني على أن الترتيب في الوضوء غير واجب، وهو مذهبه في المدونة، وعلى أنه كلما غسل المتوضئ عضوا من أعضاء الوضوء ارتفع الحدث عنه بتمام غسله قبل تمام الوضوء على ظاهر حديث أبي عبد الله الصنابحي، وقد تقدم القول على هذا المعنى في رسم "نقَدها نقْدها" من سماع عيسى، وهذا على ما ذهب إليه ابن لبابة وغيره من أن المعنى في قول مالك: أحب إلي أن يعيد غسل رجليه بعد وضوئه، أي أحب إلي إذا توضأ بعد أن نام أن يغسل رجليه ولا يمسح على خفيه، وأن معنى قوله: وإن لم يفعل لم أر عليه شيئا، أي فإن لم يغسل ومسح لم أر عليه شيئا، والأظهر أنه إنما أجاب على حكم التنكيس، وسكت عن حكم المسح إذا توضأ ثانية بعد أن أحدث، فقال: أحب إلي أن يعيد غسل رجليه في آخر وضوئه، ويلغي غسلهما أولا، وإن لم يفعل ذلك لم يكن عليه شيء على أصله في أن الترتيب غير واجب في الوضوء على ما ذكرناه من مذهبه في المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: المسافر يكون معه النبيذ ولا يوجد الماء أيتوضأ بالنبيذ أم يتيمم] مسألة وسئل ابن القاسم عن المسافر يكون معه النبيذ، ولا يوجد الماء، أيتوضأ بالنبيذ أم يتيمم؟ قال ابن القاسم: قال لي مالك: لا يجزئ الوضوء بالنبيذ على حال من الأحوال، وإن لم يكن معه ماء تيمم، ولا يجزئ النبيذ من غسل جنابة ولا وضوء، ولا يغسل به شيئا، وإن كان مما يحل شربه. قال موسى: وحدثني وكيع، عن

سفيان الثوري عن رجل، عن الحسن البصري أنه قال: لا يتوضأ بالنبيذ ولا باللبن. قال محمد بن رشد: إنما وقع هذا السؤال عن الوضوء بالنبيذ؛ لما روي عن عبد الله بن مسعود: «أنه كان مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتاج إلى ماء يتوضأ به، ولم يكن معه إلا النبيذ، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ثمرة طيبة، وماء طهور، فتوضأ به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وفي حديث آخر: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأله ليلة الجن، أمعك يا ابن مسعود ماء؟ فقال: معي نبيذ في إداواتي فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اصبب علي. فتوضأ به، وقال: شراب وطهور» ، وهو حديث لا يثبته العلم بالحديث. ومما يضعفه أنه روي عن عبد الله بن مسعود من رواية علقمة: أنه قال: لم أكن مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن، ولوددت أني كنت معه. وروي عن علقمة أيضا أنه قال: «سألت ابن مسعود هل كان مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن أحد؟ فقال: لم يصحبه منا أحد، ولكن فقدناه ذات ليلة استطير أم اغتيل، فتفرقنا في الشعاب والأودية نلتمسه، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم نقول: استطير أم اغتيل، فقال: إنه أتاني داعي الجن، فذهبت أقرئهم القرآن، فأرانا آثارهم» ، وتعلق به أبو حنيفة وبعض أصحابه على ضعفه، فقالوا: إن من لم يجد في السفر إلا نبيذ التمر توضأ به، وهم مع تعلقهم بالحديث قد تركوه، إذ لم يجيزوا الوضوء بنبيذ في المصر، ولا فيما حكمه حكم المصر، ولم يكن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسافرا ولا خارجا عن حكم مكة؛ لأنه إنما خرج يريدهم وهو يتم الصلاة، ولو ثبت بهذا الأثر الوضوء بنبيذ التمر لجاز الوضوء به في السفر والحضر، ومع وجود الماء وعدمه، فلما أجمعوا أن ذلك لا يجوز خرج نبيذ

مسألة: يتيمم للنافلة يبتدئ ذلك في وقت صلاة أو قبل دخول وقت صلاة مفروضة

التمر عن حكم المياه، ولم يجز الوضوء به على حال من الأحوال، وأما الوضوء باللبن أو بالخل أو بما عدا نبيذ التمر من الأنبذة، فلا اختلاف بين أهل العلم في أن ذلك لا يجوز، وإنما ذكر ما روي عن الحسن البصري من أن الوضوء لا يجوز بالنبيذ ولا باللبن حجة على من يجيز من أهل العراق الوضوء بالنبيذ؛ لأنه إمام من أئمتهم، وبالله التوفيق. [مسألة: يتيمم للنافلة يبتدئ ذلك في وقت صلاة أو قبل دخول وقت صلاة مفروضة] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يتيمم للنافلة يبتدئ ذلك في وقت صلاة أو قبل دخول وقت صلاة مفروضة، هل يجوز ذلك له؟ فقال ابن القاسم: إذا تيمم للنافلة، ثم صلى مكانه أجزأه، وإن كان في غير وقت صلاة مكتوبة، وإن أخر الصلاة بعد التيمم يجزه ذلك التيمم. قال محمد بن رشد: وهذا صحيح على مذهب مالك؛ لأنه يستباح عنده بالتيمم جميع ما يمنع. منه الحدث، بشرط عدم الماء مع طلبه أو طلب القدرة على استعماله، فإذا أراد الرجل أن يصلي نافلة وعدم الماء أو عدم القدرة على استعماله، فطلب الماء فلم يجده، أو طلب من نفسه قدرة على استعمال الماء فلم يجدها، أجاز له أن يتيمم ويصلي ما شاء من النوافل إذا اتصلت؛ لأنها باتصالها في حكم النافلة الواحدة. فإن أخر الصلاة بعد التيمم أو جلس بعد أن صلى نافلة واشتغل ثم أراد أن يصلي نافلة أخرى وجب عليه أن يعيد التيمم، لوجوب تكرار ما هو شرط في صحة التيمم من طلب الماء أو طلب القدرة على استعماله. وهذا كله بين، والحمد لله، وبالله التوفيق.

مسألة: يجد ماء قد تغير ريحه ولا يرى فيه جيفة ولا ميتة هل يتوضأ منه

[مسألة: يجد ماء قد تغير ريحه ولا يرى فيه جيفة ولا ميتة هل يتوضأ منه] مسألة وسئل ابن القاسم، عن الرجل يجد الماء في حوض قد تغير ريحه، ولا يرى فيه جيفة ولا ميتة، هل يتوضأ منه؟ أو يكون قد نظر إلى حمار أو بغل، أو ما لا يؤكل لحمه من الدواب والسباع يشرب منه وهو ينظر، هل يتوضأ منه؟ فقال ابن القاسم: إذا لم ير فيه ميتة أو شيئا علم أن فساد الماء جاء منه، فلا بأس به. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو معنى ما في المدونة؛ لأن المياه محمولة على الطهارة؛ لقول الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] ، وقوله: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} [الأنفال: 11] ، فإذا وجد الرجل في الصحراء ماء في غدير أو حوض قد تغير ريحه، فهو محمول على أنه إنما تغير من ركوده وسكونه في موضعه، ما لم يوقن أنه تغير من نجاسة حلت فيه. ولا ينجس ذلك الماء بشرب الدواب والسباع منه، فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شرابا وطهورا» ، وذلك بخلاف البئر في المدن ينتن ماؤها فيحمل على أنه إنما أنتن من نجاسة لما يتخلل الدور من مجاري النجاسات على ما مضى في آخر سماع أشهب، وقد مضى الكلام عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: يرد الحياض وفيها الماء وهو عريان ليس عليه ثوب إلا ثوب نجس] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يرد الحياض، وفيها الماء، وهو عريان ليس عليه ثوب إلا ثوب نجس، وليس عليه ما يأخذ به الماء،

ويده قذرة، كيف يصل إلى الماء؟ وهل له أن يتيمم ولا يدخل يده في الحوض ويصلي؟ أم لا يتيمم، ويدخل يده في الحوض فيتوضأ ويغتسل؟ قال ابن القاسم: أرى أن يحتال بما قدر عليه حتى يأخذ من الماء ما يغسل به يده، إما بفيه أو بثوب إن كان معه أو بما يقدر عليه، وإن لم يقدر على حيلة، فإني لا أدري ما أقول فيها إلا أن يكون ماء كثيرا معينا، فلا بأس أن يغتسل به. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة صحيحة؛ لأن معنى قوله: ويده قذرة، أي قذرة من نجاسة، فإذا كانت يده نجسة لم يجز له أن يدخلها في الماء الذي يغتسل فيه قبل أن يغسلها؛ لأنه ينجس على نفسه الماء بذلك، إلا أن يكون ماء كثيرا معينا يحمل ذلك المقدار من النجاسة، ولا بد له أن يحتال في غسل يده قبل أن يدخلها في الماء كما قال: إما بفيه أو بثوب طاهر إن كان معه، أو ما أشبه ذلك. وإن كان الماء إذا أخذه بفيه ينضاف بما يخالطه من ريقه، فلا تطهر بذلك يده ولا يرتفع عنها حكم النجاسة على مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن عينها يزول به من يده، وإن بقي حكمها عليه في أنه لا يجوز له أن يصلي حتى يغسل يده بماء ليس بمضاف. وإذا أزال عين النجاسة من يده بذلك، لم ينجس الماء الذي أدخلها فيه، وهذا ما لا خلاف فيه. ولو لم يعلم بيده نجاسة لجاز له أن يدخلها في الماء إذا لم يمكنه صب الماء على يده، ولا يكن عليه أن يحتال لغسلها قبل على ما قال في آخر سماع أشهب، خلاف ظاهر قول أبي هريرة في رسم "البز" من سماع ابن القاسم، فإن علم بطهارة يده أدخلها فيه ولم يكن عليه أن يحتال لغسلها بما ذكره من أخذ الماء بفيه أو بثوب. وإن علم بنجاستها لكان عليه أن يحتال لذلك بما ذكره، وإن لم يعلم بها نجاسة ولا تيقن بطهارتها كان عليه أن يحتال لغسلها بما ذكره على ظاهر قول أبي هريرة، ولم يكن ذلك عليه على ما في آخر سماع أشهب، وقد مضى القول فيه، وبالله التوفيق.

مسألة: الجنب يصيبه المطر فيقف فيه وينزع ثيابه فيغتسل مما يصيبه من المطر

[مسألة: الجنب يصيبه المطر فيقف فيه وينزع ثيابه فيغتسل مما يصيبه من المطر] مسألة وسئل ابن القاسم عن الجنب يصيبه المطر، فيقف فيه وينزع ثيابه، فيغتسل مما يصيبه من المطر هل يجزيه؟ فقال ابن القاسم: إذا تدلك وأعم بذلك جسده أجزأه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الغسل يجزيه إذا وقف للمطر فوقع عليه منه قدر ما يتأتى له به الغسل، فاغتسل به وتدلك، وعم جميع جسده، وقد مضى القول في هذا المعنى وما يتعلق به مبينا في أول نوازل سحنون، وبالله التوفيق. [مسألة: النصراني يتوضأ وضوء الصلاة ثم يسلم هل يجزيه وضوؤه] مسألة وسئل ابن القاسم عن النصراني يتوضأ وضوء الصلاة، ويصيب وضوء السنة ثم يسلم، هل يجزيه وضوؤه الذي كان توضأ وهو كافر؟ وهل يكون عليه أن يغتسل إذا أسلم ولا يجزيه وضوؤه؟ وكيف به إن كان اغتسل قبل أن يسلم، ثم أسلم بعد، هل يجزيه غسله في الكفر؟ فقال مالك: لا يجزئه إلا أن ينوي بغسله الإسلام، فيغتسل وهو يريد أن يسلم، فإن ذلك يجزيه، وإذا اغتسل وأصاب السنة في الغسل، فإن ذلك لا يجزيه إذا لم ينو به الإسلام، ولا يجزيه الوضوء وإن كان نوى به؛ لأن النصراني إذا أسلم لم يجزه إلا الغسل. قال محمد بن رشد: الغسل والوضوء عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه لا يجزيان إلا بنية، والكافر لا تصح منه نية، فإن اغتسل قبل أن يعتنق الإسلام بقلبه ويظهره بلسانه لم يجزه الغسل عند مالك، وقوله في هذه الرواية: إن الغسل لا يجزيه إلا أن ينوي به الإسلام، يغتسل وهو يريد أن يسلم،

مسألة: الرجل إذا أسلم وهو نصراني هل عليه غسل ثيابه

معناه إلا أن ينوي به الإسلام وهو يعتقده بقلبه قبل أن يظهره بلسانه؛ لأنه إذا اعتقده بقلبه فهو مسلم عند الله حقيقة، إلا أنا لا نحكم له بحكم الإسلام حتى يظهره إلينا بلسانه، ويستهل به على نفسه. فقوله: وهو يريد أن يسلم، معناه: وهو يريد أن يظهره بلسانه، ويستهل على نفسه بالإسلام الذي اعتقده بقلبه، لتجري عليه في الدنيا أحكامه. ولو اخترمته المنية قبل أن يلفظ بكلمة التوحيد بعد أن اعتقدها، لكان عند الله مؤمنا، ألا ترى أن الأبكم الذي لا يتكلم يصح إيمانه؛ لأنه من أفعال القلوب، وإنما يجب على الكافر الغسل إذا أسلم إذا كان قد جامع في حال كفره أو أجنب، قاله ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب الصلاة، وهو مفسر لجميع الروايات، فإذا اغتسل نوى باغتساله الجنابة، فإن لم ينو الجنابة، واغتسل للإسلام أجزأه؛ لأنه أراد الطهر من كل ما كان فيه، وقد روى ابن وهب، عن مالك: أنه لا غسل على من أسلم، وهو بعيد في النظر؛ لأنه لو لم يكن عليه الغسل للجنابة التي كانت منه في حال الكفر لوجب أن لا يكون عليه الوضوء للحدث الذي كان منه في حال الكفر، ولكان له إذا أسلم أن يصلي بغير وضوء، إلا أن يحدث بعد إسلامه، وهذا ما لا يقوله أحد. [مسألة: الرجل إذا أسلم وهو نصراني هل عليه غسل ثيابه] مسألة قال زياد بن عبد الرحمن في الرجل إذا أسلم وهو نصراني: إنه لا يغسل من ثيابه إلا ما يعلم فيها نجاسة. قال محمد بن رشد: وفي رسم "الصلاة" من سماع أشهب، من كتاب الصلاة: أنه لا يصلي فيها حتى يغسلها، يريد وإن لم يعلم فيها نجاسة، من أجل عرقه الذي لا تنفك منه ثيابه، خلاف قول زياد إذ لم يلتفت إلى ذلك في ظاهر قوله، فالاختلاف في هذا راجع إلى الاختلاف في نجاسة عرقه. وقد مضى القول في ذلك في رسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب.

مسألة: الإناء تقع فيه قطرة بول الصبي أو دابة أو فارة أو خفاش

[مسألة: الإناء تقع فيه قطرة بول الصبي أو دابة أو فارة أو خفاش] مسألة وسئل ابن القاسم عن الإناء تقع فيه قطرة بول الصبي أو دابة أو فارة أو خفاش، أو خرو دجاج أو بول بعير أو ثور أو بردون، أو قطرة من دم أو بول هر، أو لعاب كلب، أو لعاب فرس، أو حمار، أو بغل، أو يصب الماء من الجرة، فتخرج من الماء روثة حمار أو بغل أو بردون، فقال ابن القاسم: إذا كان الماء كثيرا مثل الجرار، فوقعت فيه قطرة من دم أو بول صبي أو دابة، كان مما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل لحمه، فإن ذلك لا يفسده، وإن كان إناء قدر ما يتوضأ به فإن ذلك يفسده، وما أصاب الماء الذي يكون في الإناء من لعاب كلب أو دابة أو فرس أو حمار فإن ذلك لا يفسده، قال: وروث الدابة مثل بولها إذا كان الماء كثيرا، فوقع منه الشيء القليل أو الكثير، أو يقع في الزير، فإن ذلك لا يفسده إلا أن يكون ماء قليلا قدر ما يتوضأ به. قال محمد بن رشد: هذه الرواية مبنية على رواية المصريين عن مالك: أن الماء اليسير تفسده النجاسة اليسيرة وإن لم تغيره، وحد فيها أن اليسير الذي تفسده القطرة من الدم والبول، وإن لم تغيره هو مقدار ما يتوضأ به، وإن كان فوق ذلك كالجرار والزير لم يفسده ما وقع فيه من نجاسة قليلة أو كثيرة، يريد إلا أن يتغير من ذلك. والمعلوم من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك أن ما كان من الماء مثل الجرار أو الزير، وإن كان لا يفسد بالقطرة من الدم أو البول يفسد بما هو أكثر من ذلك، وإن لم يتغير منه، بخلاف الماء الكثير كالبير والجب والماجل، ذلك لا يفسده بما حل فيه من النجاسات قلت أو كثرت، إلا أن يتغير من ذلك، فقد قال في المدونة في الجنب يغتسل في القصرية، ولم يغسل ما به من الأذى: إن ذلك يفسد الماء، فيأتي في حد الماء

مسألة: الجب من ماء السماء تقع فيه الفارة أو الحية وما أشبه ذلك

اليسير الذي تفسده النجاسة اليسيرة، وإن لم تغيره على هذا قولان. وفرق ابن القاسم أيضا بين حلول النجاسة في الماء الكثير، وبين موت الدابة فيه على ما مضى في رسم "النسمة" ومساواة ابن القاسم في هذه الرواية بين ما يؤكل لحمه، وما لا يؤكل لحمه من الدواب في أن القطرة منه تفسد الماء اليسير ليس على أصل المذهب، إذ لم يختلف قول مالك في أن أبوال الأنعام، وأرواثها طاهرة، وكذلك كل ما يؤكل لحمه في المشهور عنه، وهو مذهبه في المدونة، فإنما راعى ابن القاسم في هذه الرواية مذهب أبي حنيفة الذي يرى أن أبوال جميع الحيوان، وأرواثها نجسة كانت تؤكل لحومها أولا تؤكل؟ وأن اليسير من ذلك ينجس الماء وإن كثر، وقوله في لعاب الكلب والدابة والفرس والحمار: إنه لا يفسد الماء، هو على ما في المدونة من أنه لا بأس بأسآرها، وقد قال مالك في الكلب يوكل صيده، فكيف يكره لعابه؟ [مسألة: الجب من ماء السماء تقع فيه الفارة أو الحية وما أشبه ذلك] مسألة وسئل ابن القاسم عن الجب من ماء السماء، تقع فيه الفارة أو الحية، وما أشبه ذلك مما لا يعيش في الماء من دواب الأرض، أو يقع فيه الروث فيوجد فيه الروث طافيا على الماء رطبا أو يابسا، فقال مالك: لا خير فيه. قال ابن القاسم: أما الروث يقع في الجب فيوجد طافيا على الماء، فلا بأس به. قال محمد بن رشد: تسهيل ابن القاسم في الروث يوجد في الجب طافيا على الماء، هو الصحيح على أصل المذهب في أن النجاسة لا تفسد الماء الكثير، إلا أن تغير أحد أوصافه، ومساواة مالك بين ذلك وبين موت الفارة أو الحية فيه في أنه لا خير في ذلك، ينحو إلى مذهب أهل العراق في أن

مسألة: وقع في الجب أو البئر من النجس ثم يعجن به العجين أو يطبخ به قدر

الماء الكثير تنجسه النجاسة اليسيرة، وقد روى علي بن زياد، عن مالك في المجموعة نحوه، فقف على ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: وقع في الجب أو البئر من النجس ثم يعجن به العجين أو يطبخ به قدر] مسألة وسئل ابن القاسم عما وقع في الجب أو البئر من النجس، ثم يعجن به العجين، أو يطبخ به قدر، أو يصنع به شيء من الطعام، ثم يعلم به، أيؤكل ذلك الطعام؟ فقال ابن القاسم: أما ما عجن به من الطعام فلا يؤكل، وأما ما طبخ به من اللحم، فإنه يغسل ويؤكل اللحم. قال موسى: وحدثني بعض أهل العلم عن ابن عباس، عن القدر يطبخ بماء أصابه نجس، فقال: يهرق المرق، ويغسل اللحم ويؤكل، قال: فهذا الحديث قوة لابن القاسم. قال محمد بن رشد: هذه رواية حائلة خارجة عن أصل المذهب؛ لأنه حكم للماء الكثير بحكم النجس بحلول النجاسة فيه، فقال: إن ما عجن بذلك الماء من الخبز لا يؤكل، وهم لم يقولوا ذلك إلا في موت الدابة فيه، لا في حلول النجاسة، ثم ناقض بقوله: إن ما طبخ من اللحم بذلك الماء يغسل ويؤكل، خلاف ما في رسم "النذور والجنائز" من سماع أشهب، وخلاف ما في سماع يحيى من كتاب الصيد في مسألة البيض يسلق، فيوجد في إحداهن فرخ. وغسل اللحم لا يصح إذا طبخ بماء نجس؛ لمخالطة النجاسة لجميع أجزائه ومداخلته إياها، وإنما يصح غسله إذا سقطت فيه النجاسة بعد طبخه، وهو الذي روي عن ابن عباس فيما رأيت، فأرى هذه الرواية عنه غلطا، والله أعلم. روي عن علي بن مسهر أنه قال: كنا عند أبي حنيفة، فأتاه عبد الله بن المبارك فقال له: ما تقول في رجل كان يطبخ قدرا، فوقع فيه طائر فمات؟ فقال أبو حنيفة لأصحابه: ما تقولون فيها؟ فرووا له عن ابن عباس أنه قال: يهرق المرق، ويؤكل اللحم بعد غسله، فقال أبو حنيفة: هكذا نقول، إلا أن

مسألة: الرجل يعلم الرجل الوضوء بالماء هل يجزيه ذلك من وضوئه للصلاة

فيه شريطة إن كان وقع فيها في حال غليانها، ألقي اللحم وأريق المرق، وإن كان قد وقع فيها في حال سكونها غسل اللحم وأكل، ولم يوكل المرق، فقال ابن المبارك: من أين قلت هذا؟ قال: لأنه إذا وقع فيها في حال غليانها، فقد وصل من اللحم إلى حيث يصل منه الخل والماء، وإذا وقع في حال سكونها ولم يمكث لم يداخل اللحم، وإذا نضج اللحم لم يقبل ولم يدخله من ذلك شيء، فقال ابن المبارك: رزير، يعني الذهب بالفارسية، وعقد بيده ثلاثين، كأنه نسب كلام أبي حنيفة إلى الذهب. قال محمد بن رشد: وكلام أبي حنيفة في هذه المسألة هو عين الفقه، فقد روي: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الفارة تموت في السمن: «إن كان جامدا فكلوه، وإن كان مائعا فلا تقربوه» ، فاللحم بمنزلة الجامد من السمن إذا وقعت فيه النجاسة بعد طبخه، يؤكل بعد أن يغسل مما تعلق به من المرق والنجس، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يعلم الرجل الوضوء بالماء هل يجزيه ذلك من وضوئه للصلاة] مسألة وسئل عن الرجل يعلم الرجل الوضوء بالماء، هل يجزيه ذلك من وضوئه للصلاة؟ أو يعلمه التيمم في موضع لا يجد فيه ماء، وقد دخل وقت ذلك الصلاة، هل يجزيه ذلك التيمم؟ فقال ابن القاسم: يجزيه الوضوء إذا نوى به للصلاة، والتيمم مثله إذا نوى به الصلاة، قال موسى بن معاوية: فإن لم ينوه لم يجزه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الوضوء والتيمم لا يجزئان إلا بنية، فإذا توضأ أو تيمم لما لا يتوضأ له، ولا يتيمم فرضا ولا نفلا لم يصل بذلك الوضوء ولا بذلك التيمم، إلا أن ينوي به طهر الصلاة، وقد مضى القول على هذا المعنى في رسم "يتخذ الخرقة لفرجه" من سماع ابن القاسم.

مسألة: يتوضأ للصلاة ثم يرتد عن الإسلام ثم يستتاب فيراجع الإسلام

[مسألة: يتوضأ للصلاة ثم يرتد عن الإسلام ثم يستتاب فيراجع الإسلام] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يتوضأ للصلاة، ثم يرتد عن الإسلام، ثم يستتاب فيراجع الإسلام، هل عليه أن يتوضأ للصلاة أم يجزيه الوضوء الأول؟ فقال ابن القاسم: أحب إلي أن يتوضأ. قال محمد بن رشد: وقال يحيى بن عمر، بل واجب عليه أن يتوضأ؛ لأن الكفر أحبط عمله. وهذا الاختلاف جار على اختلافهم في الأعمال، هل تحبط بنفس الكفر بظاهر قول الله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] أو لا تحبط إلا بشرط الوفاة على الكفر؛ لقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة: 217] ، والقولان قائمان من المدونة. فمن قال بدليل الخطاب لم ير أن تحبط الأعمال بنفس الكفر، ومن لم يقل به رأى أنها تحبط به، ولهذا تفسير، وذلك أن قول الله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] ، ظاهره أن الأعمال تحبط بنفس الشرك، وفي قوله عز وجل: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] دليل على أن من ارتد ولم يمت كافرا لم يحبط عمله، ولا كان مخلدا في النار. فأما كونه غير مخلد في النار فالإجماع على ذلك يغني عن الدليل فيه، وأما كون عمله غير محبط بالارتداد فيعارضه ظاهر قوله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] ، فمن لم يقل بدليل الخطاب من هذه الآية حمل قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] على ظاهره، فقال: إن الأعمال تحبط بنفس الارتداد، وهو قول ابن القاسم وروايته

مسألة: الذي يتوضأ وينسى غسل رجليه فيمر بنهر ويدخل فيه ويخوضه

عن مالك في كتاب النكاح الثالث من المدونة في الذي يحج حجة الإسلام، ثم يرتد، ثم يراجع الإسلام أن الحج الذي حج قبل ارتداده لا يجزيه، وكذلك قال على قياس هذا: إن ما ضيع من الفرائض قبل ارتداده لا يلزمه قضاؤه، بدليل قوله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . ومن قال بدليل الخطاب من هذه الآية، أن من ارتد ولم يمت على الكفر لم يحبط عمله، فسر به قوله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] لمعارضته له في الظاهر، فقال: معناه لئن أشركت ووافيت على الكفر ليحبطن عملك، وهو قوله في هذه الرواية؛ لأنه استحب له إذا توضأ ثم ارتد ثم راجح الإسلام، أن يعيد الوضوء، ولم ير ذلك عليه، والقول الأول أظهر أن يحمل قوله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] على ظاهره، بأنه يحبط بنفس الكفر وإن راجع الإسلام، وما في الرواية الثانية من إن مات وهو كافر حبط عمله، وخلد في النار زيادة بيان على ما في الآية الأولى، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يتوضأ وينسى غسل رجليه فيمر بنهر ويدخل فيه ويخوضه] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يتوضأ وينسى غسل رجليه، فيمر بنهر ويدخل فيه ويخوضه، هل يجزيه من غسل رجليه؟ قال: قال مالك: إذا دلك إحدى رجليه بالأخرى أجزاه. قال ابن القاسم: وإذا دلك إحدى رجليه بالأخرى، وكان يستطيع ذلك فلا بأس به. قال محمد بن رشد: ولا بد له من تجديد النية؛ لأنه لما نسي غسل رجليه وفارق وضوءه على أنه قد أكمله ارتفضت النية المتقدمة فيلزمه تجديدها، وكذلك قال في المدونة في الذي توضأ وأبقى رجليه، فخاض نهرا وغسلهما فيه: إن ذلك لا يجزيه إلا بنية؛ لأن معنى ذلك أنه أبقى رجليه ظنا منه أنه قد أكمل وضوءه. ولو أبقاهما قاصدا ليغسلهما في النهر لم يحتج في ذلك إلى تجديد النية وأجزاه غسلهما في النهر دون تجديد نية إن كان النهر

مسألة: الذي نسي أن يمسح أذنيه حتى صلى أو يمسح بعض رأسه مقدمه

قريبا، حتى لا يكون في فعله ذلك مفرقا لوضوئه، ولو كان على النهر، فلما فرغ من وضوئه أدخلهما فيه، فدلك إحداهما بالأخرى، لم يحتج في ذلك إلى تجديد نية. وستأتي المسألة في سماع محمد بن خالد. وفي إجازة دلك إحدى رجليه بالأخرى دون أن يغسلهما بيديه ما يدل على أن الأصابع لا تخلل، وقد مضى ذلك في رسم "اغتسل على غير نية" من سماع ابن القاسم. [مسألة: الذي نسي أن يمسح أذنيه حتى صلى أو يمسح بعض رأسه مقدمه] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي نسي أن يمسح أذنيه حتى صلى، أو يمسح بعض رأسه مقدمه أو مؤخره أو صدغيه ويصلي، قال: قال مالك: لا يعيد الصلاة من نسي مسح أذنيه، أو نسي المضمضة أو الاستنشاق من جنابة أو غيرها. قال ابن القاسم: وإن نسي بعض رأسه ومسح بعضه، فإنه يعيد في الوقت وبعد الوقت. قال محمد بن رشد: الأذنان عند مالك من الرأس، وإنما السنة عنده في تجديد الماء لهما، فإنما قال فيمن نسيهما في الوضوء: إنه لا إعادة عليه، مع أن استيعاب مسح جميع الرأس عنده واجب؛ مراعاة لقول من قال: إنهما ليسا من الرأس، إذ قيل أيضا: إنه لا يلزم استيعاب مسح الرأس، وقد مضى ذلك في رسم "الصلاة" من سماع أشهب. ولو ترك غسلهما في الغسل لأعاد؛ لأنهما لمعة من جسده، وأما المضمضة والاستنشاق فلا يعيد من تركهما في غسل أو وضوء؛ لأنهما سنة فيهما جميعا، وهذا كله بين، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتيمم بالتراب هل يجوز لآخرين التيمم بفضل ترابه] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يتيمم بالتراب، ثم يأتي نفر آخرون، هل لهم أن يتيمموا بفضل تراب الأول الذي تيمم به. قال ابن القاسم: لا بأس به.

مسألة: معهم ماء يكفي لطهارة رجل فيموت أحدهم هل يكون الميت أولاهم

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن التراب لا يتعلق به من أعضاء التيمم ما يخرجه عن حكم التراب كما يتعلق بالماء من أوساخ أعضاء المتوضئ، فينضاف بذلك، ويخرج به عند أصبغ عن حكم الماء المطلق إلى أن يسمى غسالة، وبالله التوفيق. [مسألة: معهم ماء يكفي لطهارة رجل فيموت أحدهم هل يكون الميت أولاهم] مسألة وسئل ابن القاسم عن النفر المسافرين يكون معهم من الماء ما يكفي رجلا منهم للغسل، فيموت رجل منهم، هل يكون الميت أولاهم بذلك الماء؟ وكيف به إن كان الماء بينهم فمات واحد منهم، وأجنب الثاني، وانتقض وضوء الثالث، من أولاهم بذلك الماء؟ وكيف ينبغي لهم أن يصنعوا؟ فقال ابن القاسم: إذا كان الماء للميت فهو أولى به، وإن كان الماء بينهم، وكان قدر ما يكفي واحدا يغتسل به، فالحي أولى به يتوضأ به، وييمم الميت. قال محمد بن رشد: قوله إذا كان الماء بينهم قدر ما يغسل به واحد منهم، فمات أحدهم، وأجنب الثاني، وانتقض وضوء الثالث، فالحي أولى به يتوضأ به، أي الحي الذي انتقض وضوؤه أولى بنصيبه منه يتوضأ به، وييمم الميت، يريد ويتيمم الحي الجنب أيضا، إذ ليس فيما بقي من الماء بعد أخذ الذي كان عليه الوضوء نصيبه منه ما يكفي واحدا منهما للغسل. ولو كان فيه ما يكفي واحدا منهما لكان الحي أولى به على ما في سماع عبد المالك من كتاب الجنائز، إذ لا يقاوم على الميت ويغرم قيمة حصة الميت لورثته إن كان الماء له ثمن. ولو كان بين رجلين وهو قدر ما يكفي أحدهما للوضوء أو الغسل لتقاوماه فيما بينهما. وأما إن كان الماء لأحدهم فصاحبه أولى به حيا كان أو ميتا.

مسألة: الذي يتوضأ في صحن المسجد وضوءا طاهرا

[مسألة: الذي يتوضأ في صحن المسجد وضوءا طاهرا] مسألة وسئل عن الذي يتوضأ في صحن المسجد وضوءا طاهرا، فقال: لا بأس بذلك، وترك ذلك أحب إلي، وسئل عنها سحنون فقال: لا يجوز ذلك. قال محمد بن رشد: لا وجه للتخفيف في ذلك، وقول سحنون أحسن؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] ، فأحب أن ترفع وتنزه عن أن يتوضأ فيها لما يسقط من غسالة أعضائه فيها من أوساخ قد تكون فيها، ولتمضمضه فيها أيضا، وقد يحتاج إلى الصلاة في ذلك الموضع، فيتأذى المصلي بالماء المهراق فيه. وقد روي: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم» ولقد كره مالك أن يتوضأ رجل في المسجد، وأن يسقط وضوءه في طست. وذكر أن هشاما فعله، فأنكر ذلك الناس عليه. [مسألة: الرجل يتوضأ على نهر فإذا فرغ من وضوئه خضخض رجليه في الماء] من سماع محمد بن خالد وسؤاله عبد الرحمن بن القاسم مسألة قال محمد بن خالد: وسألت عبد الرحمن بن القاسم عن الرجل يتوضأ على نهر، فإذا فرغ من وضوئه، ولم يبق إلا غسل رجليه خضخض رجليه في الماء، فقال: سألت مالكا عن ذلك فقال: يغسلهما بيديه ولا يجزيه ما صنع، فقلت لابن القاسم: فإن غسل

مسألة: تيمم فيمم وجهه ويديه فقط

إحداهما بالأخرى، فقال: إنه لا يقدر على ذلك، فقلت له: بلى، فقال: إن كان يقدر على ذلك، فذاك يجزيه إن شاء الله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الغسل لا يعقل في اللغة على الحقيقة إلا بصب الماء وإمرار اليد، أو ما يقوم مقام ذلك من دلك إحدى رجليه بالأخرى في داخل الماء إن كان يستطيع ذلك، وقد روي عن محمد بن خالد أنه قال: لا يجزيه حتى يغسلهما بيده، فيحتمل أن يكون رأى أن دلك إحدى رجليه بالأخرى لا يمكنه، ولعله جعل ذلك من فاعله استخفافا بوضوئه وتهاونا به إذا فعله من غير حاجة إلى ذلك ولا ضرورة، وإن ذلك ليشبه، وقد مضى في أول نوازل سحنون ما يتخرج من الخلاف في غسلهما بيديه في داخل النهر دون أن ينقل إليهما الماء، وبالله التوفيق. [مسألة: تيمم فيمم وجهه ويديه فقط] مسألة وقال ابن القاسم: من تيمم فيمم وجهه ويديه قط، فإنه يعيد ما كان في الوقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه، وكذلك قال أصبغ في الذي يتيمم إلى الكوعين: إنه يعيد في الوقت، وكذلك قال مالك. وقال ابن القاسم: فيمن تيمم بضربة واحدة لوجهه ويديه إلى المرفقين ناسيا لم يكن عليه شيء، ثم سألته عن ذلك فقال: هو كما أخبرتك، وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة، وذكر الاختلاف فيها في رسم "نذر سنة" من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [: الرجل يستنجي بالماء فإذا فرغ من ذلك قطر منه بول فمس ذكره] ومن سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب قال عبد المالك بن الحسن: سألت عبد الله بن وهب عن الرجل يستنجي بالماء، فإذا فرغ من ذلك قطر منه بول، فمس ذكره

مسألة: المبطون إذا كان لا يقدر على الوضوء

وحلبه، هل عليه أن يعيد غسل يديه بالماء قبل أن يدخلها في الإناء، أم يجزيه الذي كان حين استنجى أولا؟ فقال: نعم عليه أن يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء. ولو انتقض وضوؤه بريح يخرج منه رأيت له أن يعيد غسل يديه أيضا قبل أن يعيدهما في وضوئه، وهو قول مالك في هذا، وإنما هذا يستحب له، ويؤمر به، وليس ذلك عليه بواجب. وقال أشهب: إن كان أصاب يده نجس غسل ما أصاب يده من ذلك النجس، وإن لم يكن أصابها شيء توضأ، ولم يكن عليه غسل يديه مرة أخرى، وعهده بغسلهما قريب، وإن كان غسله إياهما كان بعيدا، فإني أرى أن يبتدئ وضوءه ويغسلهما. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة موعبا في أول رسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب، فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك. [مسألة: المبطون إذا كان لا يقدر على الوضوء] مسألة وسئل ابن وهب عن المبطون إذا كان لا يقدر على الوضوء، هل ترى بأسا أن يتيمم، فقال: نعم، لا أرى بذلك بأسا. وسألته عن المائد في البحر إذا كان لا يقدر على الوضوء، هل ترى أن يتيمم؟ قال: لا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب هذا: إن المبطون والمائد في البحر إذا لم يقدرا على الوضوء يتيممان هو مثل ما لمالك في المدونة؛ لأن ذلك مرض من الأمراض، والمريض إذا لم يقدر على مس الماء، وإن كان واجدا له يتيمم على مذهبه فيها، وهو الذي يأتي على قول من حمل آية التيمم على تلاوتها، وجعل فيها إضمارا، ولم يقدر فيها تقديما ولا تأخيرا،

رجل طبخ بانا فلما غلى الدهن وجد فيه فارة ميتة لم تنفسخ أو قد انفسخت

وأما من قدر فيها تقديما وتأخيرا، وهو قول محمد بن سلمة من أصحابنا، فلا يجيز للمريض الذي لا يقدر على مس الماء إذا كان واجدا له التيمم، ولا للحاضر العادم الماء؛ لأنه يعيد شرط عدم الماء على المرض والسفر خاصة، وإلى هذا ذهب مالك في رسم "أوله الشريكين يكون لهما مال" من هذا الكتاب، وقد ذكرنا ذلك هناك وبينا وجهه. وسواء إذا كان الماء معهما كانا لا يقدران على الوضوء لضعفهما عن تناوله بأنفسهما لمرضهما، أو لضرر الماء بهما، وأما لو كان الماء غائبا عن موضعهما فلم يجدا من ينقلهما إلى موضعه، ولا من يناولهما إياه لجاز لهما التيمم قولا واحدا؛ لأنهما عادمان للماء، والمريض العادم للماء من أهل التيمم بإجماع، حاضرا كان أو مسافرا، وبالله التوفيق. [رجل طبخ بانا فلما غلى الدهن وجد فيه فارة ميتة لم تنفسخ أو قد انفسخت] ومن سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب الزكاة والصيام قال أصبغ: سمعته يذكر أنه بلغه عن مالك في رجل طبخ بانا بالمدينة، فلما غلى الدهن وجد فيه فارة ميتة لم تنفسخ أو قد انفسخت، وهي من ماء البير حين صبه فيه، وقد طبخه بعد، قال: فأمره مالك أن يتم طبخه، ويأخذ الدهن الأول الذي عجن فيه فيطبخه بماء طيب مرتين أو ثلاثا، وقاله أصبغ: إذا كان كثيرا، وإن كان يسيرا لا كبير ضرر فيه فليطرحه. قال محمد بن رشد: قد نص في الرواية أن الفأرة وجدت في الدهن بعد أن غلي، وهي قد انفسخت أولم تنفسخ، وذلك يوجب أن يكون الدهن قد نجس بإجماع، وإن كانت الفأرة لم تمت إلا في ماء البير، فيجب على

مسألة: مقدار الفرق ثلاثة آصع

قياس قول مالك هذا أن يجوز غسل الزيت الذي تموت فيه الفأرة؛ إذ لا فرق بين صب الماء على الدهن وطبخه حتى يذهب الماء ويخلص الدهن، وصب الماء على الزيت وغسله بهرق الماء عنه حتى يخلص الزيت. ويؤيد هذا أنه قد روى ذلك عن مالك علي بن زياد، وابن نافع، وما روي عن يحيى بن عمر أنه قال: إنما خفف مالك مسألة الدهن لاختلاف الناس في ماء البير تموت فيه الفأرة، ولم يتغير ماؤها ليس بصحيح، لما تضمنه الرواية من أن الفأرة إنما خرجت من الدهن بعينه بعد أن غلت فيه لا من ماء البئر. وكذلك ما حكى ابن حبيب في الواضحة، عن ابن الماجشون أنه قال: ولو فعل ذلك فاعل بالزيت الذي تموت فيه الفأرة ما جاز؛ لأن الفأرة لم تمت في زيت البان، وإنما ماتت في ماء البير ليس بصحيح أيضا؛ لأنها وإن كانت لم تمت في زيت البان، فقد غلت فيه ميتة، فنجس بذلك بإجماع كما لو ماتت فيه. وإذا طهر الماء الدهن بصبه عليه لتخلله إياه، ووصوله إلى جميع أجزائه، وإن لم تمت الفأرة إلا في الماء الذي عجن به، فكذلك يطهر الزيت الذي ماتت فيه الفأرة إذا غسل به لتخلله إياه، ووصوله إلى جميع أجزائه، إذ لا فرق بين ذلك في المعنى والقياس، ومراعاة الاختلاف خارج عن القياس، فثبت ما ذهبنا إليه من حمل مسألة الزيت على مسألة الدهن بالقياس، وتفرقة أصبغ بين أن يكون الدهن قليلا أو كثيرا في هذه المسألة وجهها مراعاة الاختلاف الذي ذكرناه في جواز غسله، إذ لا اختلاف في نجاسته لما ذكرناه، فرأى أن يغسل الكثير لحرمة الطعام وحفظ المال، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: مقدار الفرق ثلاثة آصع] مسألة قال أصبغ: قال ابن القاسم وسفيان بن عيينة: الفرق ثلاثة آصع، وهو الذي كان يتوضأ منه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويتطهر. قال محمد بن رشد: يقال: الفرق والفرق - بتحريك الراء وإسكانها - وهو مكيل معروف. وروي عن ابن وهب أنه مكيال من خشب،

ولا اختلاف أعلمه أن في كيله ثلاثة آصع، وأن في كل صاع أربعة أمداد. وإنما اختلفوا في المد فقيل: إنه زنة رطلين؟ وقيل: إنه زنة رطل وثلث، قيل بالماء، وقيل بالوسط من الطعام. وقد رويت في هذا الباب آثار ظاهرها التعارض لاختلافها في مقدار ما كان يتوضأ به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويغتسل من الماء. منها ما روي: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل من إناء هو الفرق من الجنابة» ، ومنها ما روي عن عائشة أنها قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع» ، ومنها ما روي عن أنس بن مالك: "أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ بالمكوك، ويغتسل بخمس مكاكي» ، والذي أقول به في ذلك أن ذلك ليس باختلاف تعارض، وإنما هو اختلاف تخيير وإباحة وإعلام بالتوسعة، فكان يغتسل مرة بثلاثة آصع على ما في الحديث الأول، ومرة بصاع ونصف على ما في الحديث الثاني، ومرة بصاع على ما في الحديث الثالث، ومرة بصاع ومد إذا كان المكوك مدا على ما في حديث أنس، وأن عائشة قصدت في الحديث الثالث إلى الإعلام بأقل ما رأت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ به، ويغتسل من الماء، وقصد أنس بن مالك في حديثه أيضا إلى الإعلام بأقل ما رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ به ويغتسل من الماء، وهي كلها

المسح على الخفين في الحضر والسفر

بجملتها تقتضي أن تقليل الماء مع إحكام الغسل هو المختار في الوضوء والغسل، وأنه لا حد في ذلك من الماء يجب الاقتصار عليه. ومن الناس من ذهب إلى أنه لا اختلاف في الأحاديث في مقدار ما كان يتوضأ به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويغتسل من الماء، فصرفها كلها بالتأويل إلى حديث أنس بن مالك بأن قال: يحتمل أنه أراد بالمكوك المد، فقوله: إنه كان يتوضأ بالمكوك هو مثل ما في حديث عائشة من أنه كان يتوضأ بالمد. وقوله: إنه كان يغتسل بخمس مكاكي، يريد أنه كان يتوضأ أولا بمكوك منها، ثم يغتسل بالأربعة مكاكي، مثل ما في حديث عائشة من أنه كان يغتسل بالصاع؛ لأنه يحتمل أن تكون أرادت أنه كان يغتسل بالصاع بعد أن كان يتوضأ بالمد. وقول عائشة: «كنت أغتسل أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء هو الفرق» يحتمل أن لا يكون الفرق مملوءا من الماء، وأن يكون فيه قدر صاعين ومدين فيتوضأ، كل واحد منهما في أول غسله بمد، ثم يغتسل بأربعة أمداد وهو صاع، وما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل من إناء هو الفرق، يحتمل أن يكون كان يغتسل منه بقدر الصاع، ويفضل من الماء فيه بعد غسله منه قدر صاعين، ويحتمل أن لا يكون مملوءا من الماء، وأن يكون قدر صاع لا أكثر. والذي ذكرته أولا هو الصحيح، ولا يمتنع عندي أن يكون - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل أيضا في بعض المرات بأكثر من ثلاثة آصع، بل هو الظاهر من حديث الموطأ في صفة غسله «أنه كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبدأ فيغسل يديه، ثم يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعر رأسه، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله» ، والله أعلم. [المسح على الخفين في الحضر والسفر] من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج قال: شهدت ابن وهب في داره بالفسطاط توضأ، ومسح على

رجل جنب لا يستطيع أن يفيض الماء على جلده وهو ممن يجد ماء

خفيه، وقال لي: اشهد علي. قال أصبغ: المسح لا شك فيه هو أثبت من كل شيء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكبراء أصحابه، قال: وأنا أمسح في الحضر، وأفتي به. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب وأصبغ في إجازة المسح في الحضر كما يجوز في السفر هو الذي رجع إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومات عليه، بعد أن كان اختلف قوله فيه. وقد مضى القول في هذه المسألة بكماله في رسم "البز" من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [رجل جنب لا يستطيع أن يفيض الماء على جلده وهو ممن يجد ماء] من سماع أبي زيد من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم، عن رجل جنب لا يستطيع أن يفيض الماء على جلده، وهو ممن يجد ماء، قال: يتيمم لكل صلاة. قيل له: أرأيت إن تيمم فصلى بذلك التيمم صلوات، أترى أن يعيد الصلوات؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قوله: إن الذي يجد الماء ولا يقدر على مسه يتيمم لكل صلاة، هو قول مالك في المدونة على أصله في أن آية التيمم على تلاوتها لا تقديم فيها ولا تأخير، وقد قيل: إنه ليس من أهل التيمم، وهو قول مالك في رسم "الشريكين" من سماع ابن القاسم، ومن متأخري أصحابنا من قال: إن له أن يجمع صلاتين بتيمم واحد. وأما الذي لا يجد الماء في السفر أو لا يجد من يناوله إياه وهو مريض في الحضر، فلا اختلاف في المذهب في أنه لا يجوز له أن يجمع صلاتين بتيمم واحد، إلا ما روي عن أبي الفرج في ذاكر صلوات أنه يجوز له أن يصليها بتيمم واحد. وقوله: إنه يعيد الصلوات إن صلى بذلك التيمم صلوات، يريد ما بعد الصلاة الأولى من الصلوات، ويريد الوقت وبعده، وهو ظاهر الرواية. وقد قيل: إن كانت الصلاتان اللتان صلى بتيمم واحد مشتركتي الوقت، أعاد الثانية في الوقت، والوقت في ذلك إلى

الغروب، وقيل الوقت في ذلك وقت الصلاة المفروضة: القامة للظهر، والقامتان للعصر. وإن لم تكونا مشتركتي الوقت أعاد الثانية أبدا. وقد قيل: يعيد الثانية ما لم يطل مثل اليومين وأكثر من ذلك. وقد اختلف في المعنى الذي من أجله، لم يجز للمتيمم أن يصلي صلاتين بتيمم واحد، فقيل: إن المعنى في ذلك أن الله أوجب الوضوء لكل صلاة، أو التيمم إن لم يجد الماء بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] ، فخصصت السنة الوضوء؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صلى يوم فتح مكة صلوات بوضوء واحد» ، وبقي التيمم على الأصل. وقيل: بل المعنى في ذلك أن الله لم يبح التيمم إلا أن لا يوجد الماء، ولا يكون غير واجد له إلا إذا طلبه فلم يجده، فصار الطلب للماء شرطا من صحة التيمم للصلاة عند القيام إليها بعد دخول وقتها، وكذلك صار طلب القدرة على استعمال الماء للمريض الذي لا يقدر على مس الماء شرطا في صحة التيمم للصلاة عند القيام إليها، عند من جعله من أهل التيمم، فعلى هذا المعنى أجاز مالك في رواية أبي الفرج عنه لذاكر صلوات أن يصليها بتيمم واحد؛ لأنه جعل الصلوات المذكورة في حكم صلاة واحدة لوجوب صلاتها عليه جميعا حين يذكرها في الوقت الذي يذكرها فيه، ولم يجز ذلك في رواية غيره؛ لأنه رأى أن طلب الماء واجب عليه كلما سلم من صلاة، وأراد القيام إلى أخرى، فالطلب على هذا القول شرط من صحة التيمم لكل صلاة عند القيام إليها، وعلى رواية أبي الفرج هو شرط في صحة التيمم، لما اتصل من الصلوات المفروضات، وعلى هذا المعنى أيضا أجاز من أجاز من متأخري أصحابنا للمريض الذي لا يقدر على مس الماء أن يصلي صلاتين بتيمم واحد؛ لأنه لما كان الأغلب من حاله أنه لا يقدر على مس الماء، لم يوجب عليه طلب القدرة على استعماله، والأظهر

مسألة: قام من نومه فغسل ما أصابه من احتلام ولم يرش وصلى بذلك الثوب

أن ذلك عليه واجب، إذ قد يتحامل فيقدر، وليس لما يلزمه من التحامل على نفسه في ذلك حد لا يتجاوز، وإنما هو مصروف إلى استطاعته، وموكول إلى أمانته. وأما على المعنى الأول، فلا يتجه هذا القول ولا رواية أبي الفرج في ذاكر صلوات، والله أعلم، والقياس على المذهب فيمن صلى صلاتين بتيمم واحد أن يعيد الأخيرة أبدا، ومن قال: إنه يعيدها في الوقت، وفرق بين المشتركتين في الوقت وغير المشتركتين، فليس قوله بقياس، وإنما هو استحسان لمراعاة قول من قال من العلماء: إن التيمم يرفع الحدث كما يرفعه الوضوء، وإنه لا وضوء عليه، وإن وجد الماء ما لم يحدث، وبالله التوفيق. [مسألة: قام من نومه فغسل ما أصابه من احتلام ولم يرش وصلى بذلك الثوب] مسألة وقال فيمن قام من نومه، وقد أصابه احتلام فغسل ما أصاب منه ثوبه ولم يرش، وصلى بذلك الثوب، قال: يرش الثوب، ويعيد كل صلاة صلاها في ذلك الثوب إذا كان في وقتها، وما فات الوقت فلا إعادة عليه فيه. قال محمد بن رشد: إنما يجب عليه أن ينضح من ثوبه إذا غسل الاحتلام منه ما شك أن يكون أصابه الاحتلام منه ولم يره لا جميعه، إلا أن يكون شك في جميعه لكثرة تقلبه فيه، وجعل ذلك واجبا، فأوجب عليه الإعادة في الوقت إن لم يفعله، وهو القياس على أصولهم في أن النضح طهور لما شك فيه، وهذا قد شك فيه. وقال ابن حبيب: إن نضح ما لم ير إذا غسل ما رأى لتطيب النفس، فلا إعادة عليه إن تركه، خلاف تركه نضح ما شك فيه، وهو قول ابن نافع في تفسير ابن مزين، وقد مضى ذلك في آخر رسم "البز"، من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: توضأ ومسح على خفيه ثم صلى الظهر فلم يأت العصر حتى انخرق خفه] مسألة وقال في رجل توضأ، ومسح على خفيه، ثم صلى الظهر فلم يأت العصر حتى انخرق خفه بقدر ما لا يمسح على مثله، ثم

حضرت صلاة العصر، قال: ينزع خفيه، ويغسل رجليه ويصلي ولا يعيد الوضوء. وقال أصبغ فيمن انتقض وضوؤه، فمسح على خفيه، ثم نزع الخف الواحد غسل تلك الرجل الواحدة، وصلى ولم يخلع الأخرى، قال أبو عمرو يوسف بن عمر: فعاودته في ذلك وأنكرته، فثبت على هذا القول، وأبي الرجوع عنه. قال محمد بن رشد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وقع في بعض الكتب قال: ينزع خفه، ويغسل رجله على الإفراد، وذلك خطأ، والله أعلم، وإنما هو ينزع خفيه ويغسل رجليه، بدليل إدخال العتبي قول أصبغ عقبه؛ لأنه إنما أدخله على الخلاف لابن القاسم، إذ لا وجه له إلا ذلك، ولو لم يدخله على الخلاف لاكتفى بأن يقول: وقال أصبغ مثله. وقد تقدم لابن القاسم في رسم "نقَدها نقْدها" من سماع عيسى في الذي يلبس الخفين على الخفين، فيمسح على الأعلى منهما، ثم ينزع فردا منهما أنه يمسح على الخف الأسفل من تلك الرجل وحده ويصلي، فمذهبه الفرق في ذلك بين أن يكون الخفان على القدمين أو على خفين. وساوى مالك بينهما في آخر سماع أشهب من هذا الكتاب في الجواز، وابن حبيب في المنع، فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال، وقد بينا ذلك في سماع أشهب المذكور، في قوله في هذه الرواية: فلم يأت العصر حتى انخرق خفه، ثم حضر العصر أنه ينزع خفيه نظر؛ إذ يقتضي ظاهر قوله: إنه إن انخرق خفه بقدر ما لا يمسح عليه قبل العصر فأخر خلعهما إلى أن حضرت صلاة العصر أنه يخلعهما حينئذ، ويغسل رجليه ولا ينتقض وضوؤه، والصواب أن وضوءه ينتقض إن لم يخلعهما حين انخرق الخف خرقا لا يمكنه المسح عليه، ولم يبين في الرواية حد الخرق الذي يجوز المسح عليه من الذي لا يجوز، ولا وقع ذلك في الأمهات ما فيه شفاء وجلاء؛ لأنه قال في المدونة: إن كان كثيرا فاحشا يظهر منه القدم فلا يمسح، وإن كان يسيرا لا يظهر منه القدم فليمسح، قال في الواضحة: إن كان فاحشا لا يعد به

مسألة: المريض الذي لا يجد من يناوله الماء ولا ترابا يتيمم به

الخف خفا لتفاحش خرقه وقلة نفعه فلا يمسح، وإن لم يكن متفاحشا مسح، وإن أشكل عليه خلع. وروى ابن غانم عن مالك أنه يمسح عليه ما لم تذهب عامته، وقال في آخر الرواية: إذا كان الخرق خفيفا لم أر بالمسح عليه بأسا. وقال ابن القاسم: معنى قول مالك في الخف الذي أجاز المسح عليه هو الذي لا يدخل منه شيء. فاستفدنا من مجموع هذه الروايات أنه يمسح على الخرق اليسير، ولا يمسح على الخرق الكثير، وإذا كان ذلك كذلك بإجماع وقامت الأدلة من الكتاب والسنة على أن الثلث هو آخر حد اليسير، وأول حد الكثير، وجب أن يمسح على ما كان الخرق فيه أقل من الثلث، ولا يمسح على ما كان الثلث فأكثر، أعني ثلث القدم من الخف لا ثلث جميع الخف. وإنما يمسح على الخرق الذي يكون أقل من الثلث إذا كان ملتصقا بعضه ببعض، كالشق لا يظهر منه القدم، وأما إن اتسع الخرق وانفتح حتى يظهر منه القدم، فلا يمسح عليه إلا أن يكون يسيرا جدا ليس بفاحش، فمحصول هذا أنه إذا كان الخرق في الخف الثلث فأكثر، فلا يمسح عليه ظهرت القدم أم لم تظهر، وإن كان الخرق أقل من الثلث، فإنه يمسح عليه ما لم يتسع وينفتح حتى تظهر منه القدم، فلا يمسح عليه إلا أن يكون يسيرا كالثقب اليسير الذي لا يمكنه أن يغسل منه ما ظهر من قدمه؛ لأنه إذا ظهر من قدمه ما يمكنه غسله لم يصح له المسح من أجل أنه لا يجتمع مسح وغسل، فعلى هذا يجب أن تخرج الروايات المسطورة المشهورة. وقد روى علي بن زياد، وأبو المصعب، والوليد بن مسلم عن مالك أنه يمسح على الخفين اللذين يقطعهما المحرم أسفل من الكعبين، وقاله الأوزاعي، وزاد أنه يمر الماء على ما بدا من قدمه، وهو شذوذ، وبالله التوفيق. [مسألة: المريض الذي لا يجد من يناوله الماء ولا ترابا يتيمم به] مسألة وقال في المريض الذي لا يجد من يناوله الماء ولا ترابا يتيمم

يخرج من داخل الحمام وقد نزل الحوض النجس فتطهر بالطهور

به، ولا يستطيع شيئا، قال: يصلي ويعيد، وإن فات الوقت إذا وجد من يناوله الماء. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يصلي ثم يعيد أبدا استحسان على غير قياس؛ لأن الصلاة إذا كانت لا تجزئه بغير طهارة، فلا وجه لفعلها. والصواب قول من قال: إنه لا يصلي حتى يجد الماء فيتوضأ؛ لقول رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول» وما أشبه ذلك من الآثار المتواترة في هذا المعنى. وقد قيل: إنه إذا لم يجد الماء حتى خرج الوقت فقد سقطت عنه الصلاة، وهي رواية معن بن عيسى عن مالك. ووجه ذلك أنه إذا لم يقدر على الصلاة كان كالمغلوب عليه في حكم المغمى عليه، وبالله التوفيق. [يخرج من داخل الحمام وقد نزل الحوض النجس فتطهر بالطهور] مسألة وسئل عمن يخرج من داخل الحمام، وقد نزل الحوض النجس، فتطهر بالطهور، ويغسل يديه ثم يتوضأ منه، وليس معه إناء يغسل يده إذا توضأ قبل أن يرجعها في الطهور، فهو يرفع من الطهور إلى وجهه ثم يردهما في الطهور قبل أن يغسلهما، وقد أمرهما على وجهه، وفي وجهه ذلك الماء النجس من الماء الحار الذي يخرج منه ومثله من مواضع الوضوء، فقال: ليس بهذا بأس ورآه سهلا، وقد قال: هذا مما أجازه الناس. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ماء الحوض ليس بنجاسة محضة كالبول والدم، وإنما هو نجس بما يغلب على الظن من حصول النجاسة فيه بكثرة المنغمسين فيه، إذ يبعد أن تكون أجسام جميعهم طاهرة.

مسألة: تيمم للوضوء وقد كان أجنب وهو ناس للجنابة

ولو وقع في قدر ما يتطهر به الرجل من الماء قطرة من البول أو الدم أو الخمر، لما نجس الماء بذلك على مذهب مالك، وقد مضى بيان ذلك في سماع موسى بن معاوية وغيره، فكيف برد يديه في الطهور قبل أن يغسلهما، إذا اغتسل وفي وجهه ذلك الماء المحكوم بنجاسته، هذا مما ينبغي أن لا يبالى به، وأن يسهل فيه، وأن يستجاز إذ قد أجازه الناس، ولو نجس طهوره برد يديه فيه بعد أن مس بهما جسمه في نقل الماء إليه، وغسله لوجب أن ينجس الماء الذي نقله إليه بملاقاته إياه، فلا يطهر أبدا. وفي الإجماع على فساد هذا ما يقضي بفساد قول من قال: إن الطهور ينجس بذلك، وإن الغسل لا يجزئ به، وبالله التوفيق. [مسألة: تيمم للوضوء وقد كان أجنب وهو ناس للجنابة] مسألة قال: ومن تيمم للوضوء، وقد كان أجنب، وهو ناس للجنابة إن ذلك التيمم لا يجزئ عنه من الجنابة حتى يتيمم له ثانية، ولو تيمم للجنابة، أجزأه من تيمم الوضوء. قال محمد بن رشد: قد روي عن محمد بن مسلمة، أن من تيمم للوضوء وهو ناس للجنابة أجزأه؛ لأنه فرض ينوب عن فرض، وروى ابن وهب عن مالك في أصل سماعه، أن من فعل ذلك أعاد التيمم والصلاة في الوقت، فإن خرج الوقت لم يعد؛ لأن التيمم لهما واحد، وذلك راجع إلى قول محمد بن مسلمة؛ لأن الإعادة في الوقت استحباب. ووجه رواية أبي زيد أن التيمم للوضوء إنما يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء خاصة، والتيمم للجنابة يرفع الحدث عن جميع جسمه، وإن كان الفعل لهما واحدا، فافتراق النية فيهما يفرق بين أحكامها، كما أن من أفرد الحج أو قرنه، فالفعل فيهما جميعا واحد عند مالك، وإنما تفترق أحكامهما عنده بالنية، وأن من ضحى عن نفسه خاصة، أو أشرك في أضحيته أهل بيته، فالفعل فيهما سواء، وإنما يفترق حكمهما بافتراق النية، وما أشبه ذلك كثير. ووجه قول ابن مسلمة، ورواية ابن

مسألة: رجل توضأ فغسل وجهه ويديه ثم أحدث

وهب عن مالك أن حدث الوضوء، وحدث الجنابة، لما كانا يستويان في وجوب منعهما من الصلاة، ويستويان في صفة رفعهما بالتيمم، ناب التيمم لكل واحد منهما عن التيمم عن صاحبه؛ لأنه قصد به الطهارة للصلاة. أصل ذلك المرأة تجنب ثم تحيض، فتغتسل إذا طهرت من الحيضة للحيضة، وتنسى الجنابة أن الغسل يجزيها باتفاق، وكذلك لو اغتسلت للجنابة، ونسيت الحيضة على الصحيح من الأقوال، ورواية أبي زيد أظهر من قول ابن مسلمة، ورواية ابن وهب عن مالك، والحجة لهما أقوى. ومن قال: إن مسألة الجبيرة في المدونة تعارضها، وأنه يلزم على قياسها أن يجزئ تيمم الوضوء عن الجنابة، فليس قوله بصحيح، والفرق بين المسألتين أن التيمم للوضوء إنما هو بدل عن غسل أعضاء الوضوء خاصة، فوجب أن لا يجزئ عن تيمم الجنابة الذي هو بدل عن غسل جميع الجسم، وغسل موضع الجبيرة التي كان مسح عليها في الغسل إذا سقطت أصل في نفسه، ليس ببدل من غيره، ولا يلزم طهارة سواه، إذ قد غسل سائر جسمه، فوجب أن يجزئ غسله بنية الوضوء عن غسله بنية الجنابة، كما يجزئ غسل الجنابة عن غسل الحيضة على الصحيح من الأقوال. ولو غسل بنية الجنابة ما عليه غسله بنية الوضوء لأجزأه قولا واحدا، مثل أن تكون الجبيرة في موضع من مواضع الوضوء، فيمسح عليها في وضوئه، ثم يظن أن عليه جنابة، فيغتسل لها، وقد سقطت الجبيرة، ثم يعلم أنه لم تكن عليه جنابة، لكان على وضوئه ما لم يحدث باتفاق. والإجماع على هذه المسألة يضعف قول ابن أبي زيد في مسألة الماس لذكره في أثناء غسله، يريد وينويه في إمرار يده على مواضع الوضوء في باقي غسله، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل توضأ فغسل وجهه ويديه ثم أحدث] مسألة وسئل عن رجل توضأ فغسل وجهه ويديه ثم أحدث، قال:

مسألة: مسألة نسي الاستنجاء بالماء فذكر بعدما صلى

يعيد الوضوء من أوله، ولا يدخل يديه في الإناء حتى يفرغ عليهما الماء. قال محمد بن رشد: قد مرت هذه المسألة، ومضى الكلام عليها في غير ما موضع، ومضى الكلام عليها موعبا في رسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: مسألة نسي الاستنجاء بالماء فذكر بعدما صلى] مسألة وسئل عمن نسي الاستنجاء بالماء، فذكر بعدما صلى، قال: عليه الإعادة في الوقت. قال محمد بن رشد: يريد أنه لم يستنج بماء ولا بحجارة، وقد تعلق بمخرجه أذى، أو لم يتعلق بمخرجه أذى، وكان قد استنجى بالحجارة، لم تكن عليه إعادة على ما قال في المسألة التي تليها، أو بحجر واحد، فأنقى على ما في رسم "أسلم" من سماع عيسى، أو بمدرة على ما في رسم "المحرم" من سماع ابن القاسم، وقد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم "سُنّ منه "، وبالله التوفيق. [مسألة: استنجى بالحجارة ثم توضأ وصلى هل عليه إعادة] مسألة قال: وسألت مالكا عمن استنجى بالحجارة، ثم توضأ وصلى، هل عليه إعادة؟ فقال: لا إعادة عليه في وقت ولا غيره. وقد كان بعض الناس يقولون: إن عدا المخرج فسألت مالكا عنها، فلم يذكر عدا المخرج ولا غيره. ومن الحجة في ذلك إن قال قائل: إن من مضى إنما كانوا يبعرون، أرأيت البول أليس هو واحدا منهم ومنا، فقد جعلوه في الأمرين جميعا، إذا عدا المخرج فليس هو كذلك، قد كانوا يبعرون وإن كانوا يأكلون السمن واللبن وغيره مما يلين

مسألة: الذي يطلب الماء في رحله فلا يجد فيسأل بعض من معه في الرفقة

البطون، وقد كان عبد الله بن عمر وغيره من الناس يستنجون بالحجارة ولا يستنجون بالماء، فلم يسمع منهم في ذلك حد، ولست أرى الإعادة عليه إذا استنجى بثلاثة أحجار، ولكن لو أن رجلا نسي أن يستنجي بالحجارة حتى توضأ وصلى، أعاد ما دام في الوقت؛ لأنه إذا لم يستنج بمنزلة ما لو صلى به في جلده أو ثوبه. وكذلك بلغني عن مالك قال: لو بالغ بحجر أو بحجرين، فلا إعادة عليه أيضا. قال محمد بن رشد: حكم مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما قرب من المخرج، مما لا ينفك من وصول الأذى إليه، ولا له منه بد بحكم المخرج في أن الأحجار تجزي فيه، وذهب بعض الناس إلى أن الأحجار لا تجزي في ذلك، وهو قول عبد العزيز بن أبي حازم في المدنية، وإليه ذهب ابن حبيب في الواضحة، وأما ما بعد من المخرج مما ينفك عن وصول الأذى إليه، وله منه بد، فلا يجزي فيه إلا الماء باتفاق في المذهب، وقول مالك أظهر، والله أعلم، وقد مضى في رسم "سُنّ" من سماع ابن القاسم في هذا المعنى، والحمد لله. [مسألة: الذي يطلب الماء في رحله فلا يجد فيسأل بعض من معه في الرفقة] مسألة قال ابن القاسم في الذي يطلب الماء في رحله فلا يجد، فيسأل بعض من معه في الرفقة فيقولون: ليس عندنا ماء فيتيمم، ثم يجد عندهم الماء، قال: إن كان رفقاؤه ممن يظن أن لو علموا بالماء عندهم لم يمنعوه، فإن وجد الماء في رحله فليعد في الوقت، وإن كان يظن أن لو كان معهم ماء منعوه، فلا أرى عليه إعادة. وقد قال مالك: لو نزلوا في صحراء، وليس معهم ماء فتيمموا وصلوا، ثم وجدوا بئرا أو غديرا قريبا منهم لم يعلموا به، فإنهم يعيدون ما كان في الوقت.

مسألة: تيمم وصلى الفجر ومكث حتى طلوع الشمس أيصلي به الضحى

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن وجوده الماء عند من يقرب منه ويليه ممن كان يلزمه أن يطلبه منه، ويسأله إياه بعد أن كان سأله أو طلبه كوجوده عند نفسه، فيعيد في الوقت استحبابا، إذ إنما فعل ما افترض الله عليه من الصلاة بالتيمم بعد أن طلب الماء فلم يجده. وقال أصبغ: يعيد أبدا؛ لأنه قد انكشف أنه كان من أهل الماء، فليس جهله به مما يسقط عنه فرض الوضوء، وقول مالك هو الصحيح؛ لأنه لم يكلف علم ما غاب علمه عنه مما لا طريق له إلى معرفته، وإنما تعبد بطلب الماء إذا لم يجده، فإذا بلغ الحد الذي يلزمه في الاجتهاد في طلبه، فلم يجده وتيمم وصلى، فقد أدى فرضه على ما أمره الله به، ووجب ألا يكون عليه إعادة إلا في الوقت استحبابا، ولو ترك أن يطلب الماء عند من يليه ممن يرجو وجوده عنده، ويظن أنه لا يمنعه إياه وتيمم وصلى لوجب أن يعيد أبدا إذا وجد الماء. أصل هذه المسألة الذي تخفى عليه القبلة في المفازة أنه إن اجتهد في الاستدلال عليها ثم صلى فانكشف له أنه صلى إلى غير القبلة لم تجب عليه الإعادة إلا في الوقت استحبابا، وإن صلى تلقاء وجهه دون أن يجتهد في الاستدلال عليها أعاد أبدا؛ لأنه ترك الفرض الواجب عليه في ذلك. وقد مضى في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم في أول سماع أشهب التكلم في حد ما يلزمه من طلب الماء إذا لم يجده، وبالله التوفيق. [مسألة: تيمم وصلى الفجر ومكث حتى طلوع الشمس أيصلي به الضحى] مسألة وسئل عمن تيمم وصلى فقعد يذكر الله حتى طلعت عليه الشمس، أترى أن يركع ركوع الضحى بتيممه ذلك؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه لا يركع ركوع الضحى بتيمم صلاة الصبح؛ لأن الأصل كان ألا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة على ما مضى القول فيه في أول سماع أبي زيد، وأن لا يصلي نافلة بتيمم فريضة، وإن اتصلت بها، فإنما تصلى النافلة بتيمم الفريضة إذا اتصلت بها استحسانا

مسألة: رجلا تيمم لنافلة ثم خرج من المسجد لحاجة ثم رجع

ومراعاة لقول من يقول: إن التيمم يرفع الحدث كالوضوء بالماء، فإذا لم تتصل بها، وطال الأمد بينهما، واتسع الوقت لطلب الماء ثانية للنافلة وجب أن ينتقض التيمم على الأصل، وأن لا يراعى في ذلك الخلاف كما روعي إذا اتصلت بها؛ لكونها في اتصالها بها في معنى الصلاة الواحدة، وبالله التوفيق. [مسألة: رجلا تيمم لنافلة ثم خرج من المسجد لحاجة ثم رجع] مسألة قيل له: أرأيت لو أن رجلا تيمم لنافلة، ثم خرج من المسجد لحاجة ثم رجع، أترى أن يتنفل بتيممه ذلك؟ قال: لا، ولا يقرأ به في المصحف. قيل له: أرأيت إن تيمم لنافلة، فصلى ثم لم يزل في المسجد في حديث، ثم أراد أن يقوم يتنفل بذلك التيمم؟ قال: إن تطاول ذلك فليتيمم تيمما آخر، وإن كان شيئا خفيفا، فأرجو أن يجزيه. قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة كالقول في التي قبلها، وهو أن الأصل كان أن لا يصلي صلاتين بتيمم واحد نافلة ولا فريضة، وأن لا يجوز التيمم للصلاة عند عدم الماء إلا عند القيام إليها بظاهر قول الله عز وجل، فأجيز أن يصلي بتيمم واحد ما اتصل من النوافل، والنافلة إذا اتصلت بالفريضة استحسانا ومراعاة للخلاف؛ لكونها باتصالها في حكم الصلاة الواحدة، فإذا تباعد ما بينها سقط مراعاة الخلاف، ورجعت المسألة التي حكم الأصل، فوجب إعادة التيمم، وبالله التوفيق. [مسألة: الحائض تكتب القرآن في اللوح وتمسك اللوح فتقرأ فيه] مسألة وسئل عن الحائض تكتب القرآن في اللوح، وتمسك اللوح فتقرأ فيه، قال: لا بأس به على وجه التعليم. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم "شك في طوافه"، من سماع

مسألة: المستحاضة تترك الصلاة في الاستظهار وبعده أياما جاهلة

ابن القاسم وجه القول في هذه المسألة، والمعنى الذي من أجله وقع التخفيف فيها، فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: المستحاضة تترك الصلاة في الاستظهار وبعده أياما جاهلة] مسألة وقال في التي تستحاض، فتترك الصلاة في أيام حيضتها وفي الاستظهار، وتترك الصلاة بعد الاستظهار أياما جاهلة. قال: قال مالك: لا تعيد الصلاة للأيام التي تركت الصلاة فيها جاهلة. قال ابن القاسم: ولو أعادت كان أحب إلي، ولكن قد قال مالك: لا تعيد. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أنه لا قضاء عليها لصلاة الأيام التي تركت الصلاة فيها بعد أيام استظهارها جاهلة متأولة، وإن زادت على خمسة عشر يوما، ومثله في مختصر ما ليس في المختصر لابن شعبان، قال: ولو طال بالمستحاضة والنفساء الدم، فلم تصل النفساء ثلاثة أشهر، ولا المستحاضة شهرا لم تقضيا ما مضى إذا تأولتا في ترك الصلاة دوام ما بهما، ولتصليا من حين يستيقنان بالغسل للنفساء والوضوء للمستحاضة. وقد قيل في المستحاضة: إن كانت تركت بعد أيام أقرائها يسيرا أعادته، وإن كان كثيرا، فليس عليها قضاؤه بالواجب. ووجه هذا القول أن الحائضة لما كانت مأمورة بترك الصلاة في الحيض فتركت الصلاة بعد أيام استظهارها ظنا منها أن ما بها من الدم من الحيض الذي أمرت بترك الصلاة فيه، سقط عنها القضاء بسقوط الإثم في الترك بالتأويل، كما سقطت الكفارة عمن أفطر في رمضان من غير عذر متأولا، إذ لا يجب قضاء الصلاة إلا على من نسيها، أو نام عنها، أو تركها مفرطا فيها، وهذه ليست بمفرطة، ولا نائمة، ولا ناسية. وقد سألت شيخنا الفقيه أبا جعفر بن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن معنى رواية أبي زيد هذه، فقال معنى قول مالك فيها: لا تعيد الصلاة للأيام التي تركت الصلاة فيها جاهلة أنه أراد ما بينها وبين الخمسة عشر يوما، مراعاة لقول من

مسألة: الحياض التي تكون بالريف يغتسل فيها النصراني والجنب أيتوضأ منها

يقول: إنها لا تغتسل ولا تصلي قبل الخمسة عشر يوما، وهو أحد قوليه. وأما ما تركت الصلاة فيه بعد خمسة عشر يوما، فلا بد لها من القضاء، إذ لا اختلاف في أنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي بعد الخمسة عشر يوما، فلا تعذر في ذلك بجهل؛ لأن المتعمد والجاهل في حكم الصلاة سواء. وكذلك قال ابن حبيب في الواضحة. وقد اختلف في المرأة إذا تمادى بها الدم فاغتسلت بعد الاستظهار إلى تمام الخمسة عشر يوما، فقيل: إن حكمها حكم المستحاضة تصلي إيجابا، وتصوم ويجزيها صومها، ويطؤها زوجها، وإنها تغسل عند تمام الخمسة عشر يوما غسلا ثانيا، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، بدليل قوله في كتاب الحج الثالث منها: إنها تطوف بعد الاستظهار، إذ قال: يحبس عليها كريها أيامها المعتادة والاستظهار، خلاف ما تأول ابن أبي زيد عليه من أنها لا تطوف، ويفسخ الكراء بينها وبينه إن تمادى بها الدم أكثر من أيام الاستظهار. وقيل: إنها تغتسل بعد الاستظهار استحبابا، وتصلي احتياطا، وتصوم وتقضي الصيام، ولا يطؤها زوجها، ولا تطوف حتى تبلغ خمسة عشر يوما، فتغتسل حينئذ غسلا واجبا، وتكون من حينئذ مستحاضة، وهو دليل رواية ابن وهب عن مالك في المدونة، فرأيت أن أحتاط لها فتصلي، وليس ذلك عليها أحب إلي من أن تترك الصلاة وهي عليها، فإن تركت الصلاة ما بين الاستظهار والخمسة عشر يوما وجب عليها أن تقضيها على قياس رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة، واستحب لها ذلك على رواية ابن وهب عن مالك فيها، وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد، وقول مالك فيه لا قضاء عليها لها قول ثالث، فقف على ثلاثة أقوال منصوص عليها في هذا الموضع. [مسألة: الحياض التي تكون بالريف يغتسل فيها النصراني والجنب أيتوضأ منها] مسألة وسئل ابن القاسم عن الحياض التي تكون بالريف يغتسل فيها النصراني والجنب، أيتوضأ منها؟ قال: لا. قلت: فإن اغتسل

سؤر الكلب والخنزير من الماء الطعام

فيها جنب، أيجزيه الغسل؟ قال: لا؛ لأنه هو نجس. قيل له: فإن كان لا يغتسل فيها جنب ولا نصراني؟ قال: فلا بأس بالوضوء منها، وإن كانت الكلاب تشرب منها، وإن كانت الخنازير تشرب منها، فلا يتوضأ منها. قال محمد بن رشد: قوله في الحياض التي من شأنها أن يغتسل فيها الجنب والنصراني: إنها نجسة لا يتوضأ منها، ولا يجزي أحدا الغسل فيها صحيح، لما يغلب على الظن من حصول النجاسة الكثيرة فيه، وإن لم يتبين تغير أحد أوصافه عن ذلك. ومثل هذا في الواضحة. ولمالك في رسم "حلف ألا يبيع سلعة سماها " من سماع ابن القاسم في بعض الروايات من هذا الكتاب. وقوله: إنه لا بأس بالوضوء منها، وإن كانت الكلاب تشرب منها صحيح أيضا؛ لقول عمر بن الخطاب للذي سأله عمرو بن العاص، هل ترد حوضه السباع: لا تخبرنا يا صاحب الحوض، فإنا نرد على السباع، وترد علينا، ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شرابا وطهورا» . والكلب أيسر مؤنة من السباع، إذ قد قيل: إنه محمول على الطهارة حتى يوقن أن في فيه نجاسة، وإن أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه: إنه تعبد لا لنجاسة. وأما قوله: وإن كانت الخنازير تشرب منها فلا يتوضأ منها فهو بعيد، إذ لم يفرق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الخنزير وغيره من السباع في قوله: «لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شرابا وطهورا» ، ولا فرق عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بين ذلك أيضا في قوله لصاحب الحوض، لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع وترد علينا. ولو كان الخنزير يفترق في ذلك من سائر السباع لسألا صاحب الحوض عن ذلك، ولبينا الحكم في ذلك، والله أعلم. [سؤر الكلب والخنزير من الماء الطعام] وفي التفريع لابن الجلاب أن سؤر الكلب والخنزير من

الماء مكروه، ومن الطعام مستعمل إلا أن يكون في خطمهما نجاسة، ومعناه في كراهية سؤرهما من الماء إنما هو إذا شربا من الماء اليسير، وأما إذا شربا من الحوض والماء الكثير فلا وجه للكراهة فيه، لما ذكرناه مما جاء فيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعمر بن الخطاب في جماعة من الصحابة، وبالله التوفيق لا شريك له، وهو نعم المولى ونعم النصير. تم كتاب الوضوء الثاني بحمد الله وحسن عونه، وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى نبيه وعبده، يتلوه كتاب الصلاة الأول

كتاب الصلاة الأول

[كتاب الصلاة الأول] [معنى الخشوع في الصلاة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الصلاة الأول من سماع ابن القاسم من كتاب القبلة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول في تفسير {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] قال الإقبال عليها والخشوع فيها. قال محمد بن رشد: الخشوع في الصلاة هو التذلل لله فيها، والاستكانة والخضوع بالخوف الحاصل في قلب المصلي باستشعاره الوقوف بين يدي خالقه في صلاته ومناجاته إياه فيها، فمن قدر الأمر حق قدره، ولم يفارق الخوف قلبه، خشع في صلاته، وأقبل عليها، ولم يشغل سره بسواها، وسكنت جوارحه فيها، ولم يعبث بيده ولا التفت إلى شيء من الأشياء بعينه، وتوجهت المدحة من الله تعالى إليه على ذلك بقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] . وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبصر رجلا يصلي وهو يعبث بلحيته في صلاته، فقال: «لم يخشع هذا في صلاته، ولو خشع لخشعت جوارحه» ، ثم قال: «تفقهوا واسكنوا في صلاتكم» . وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من عمل النبوءة الاستكانة في الصلاة» وكان عبد الله بن

مسألة: الإسراع في المشي إلى الصلاة إذا أقيمت

مسعود إذا قام في صلاته كأنه ثوب ملقى. فقليل من الصلاة مع الإقبال عليها، والفكرة فيها خير من الكثير مع اشتغال القلب عنها. وروي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا وقف في صلاته رفع بصره نحو السماء، فلما نزلت: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] جعل بصره موضع سجوده» بتواضع واستشعار خوف. وليس جعل المصلي بصره في موضع سجوده بواجب عليه، والذي ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يكون بصره أمام قبلته من غير أن يلتفت إلى شيء، أو ينكس بصره، وهو إذا فعل ذلك خشع بصره، ووقع في موضع سجوده على ما جاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس بضيق عليه أن يلحظ ببصره الشيء من غير التفات إليه، فقد جاء ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبالله التوفيق. [مسألة: الإسراع في المشي إلى الصلاة إذا أقيمت] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا، وسئل عن الإسراع في المشي إلى الصلاة إذا أقيمت، قال: لا أرى بذلك بأسا، ما لم يسع أو يخب. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة» الحديث. فإذا خاف الرجل أن تفوته الصلاة أو شيء منها، فلا بأس أن يزيد في مشيه ويسرع فيه ما لم يخرج بذلك عن حد السكينة والوقار المأمور به في ذهابه إلى الصلاة، وقد فعل ذلك عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمع الإقامة

مسألة: دخل مع قوم في صلاتهم وهو يظن أنها ظهر فتبين له أنه العصر

وهو بالبقيع، فأسرع المشي إلى المسجد. وكذلك إن كان الرجل راكبا لا بأس أن يحرك دابته ليدرك الصلاة، قاله في آخر رسم "يسلف بعد هذا"، ومعناه ما لم يخرج بذلك عن حد السكينة والوقار كالماشي سواء، وبالله التوفيق. [مسألة: دخل مع قوم في صلاتهم وهو يظن أنها ظهر فتبين له أنه العصر] مسألة وسئل مالك عن رجل دخل مع قوم في صلاتهم، وهو يظن أنها ظهر، فلما ركع ركعة أو ركعتين سلم إمامهم، فتبين له أنه العصر، قال: يقطع صلاته بتسليم، ثم يستأنف الظهر ثم يصلي العصر؛ لأنه لا ينبغي أن يصلي نافلة، ولم يصل الفريضة. وإن كان الإمام سلم وقد صلى معه ركعة أو ثلاثا، فليشفع بأخرى، ثم يسلم، ثم يبتدئ صلاتيه كلتيهما. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في المذهب أنه لا يجوز للرجل أن يأتم في صلاته بمن يصلي غير تلك الصلاة؛ لأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة إمامه، وإنما الاختلاف فيمن ائتم به من يصلي تلك الصلاة بعينها على غير الصفة التي يصليها هو كالسفر والحضر، أو الظهر والجمعة، على ما سيأتي بعد هذا في هذا الرسم، وفي رسم "استأذن"، من سماع عيسى، وفي أول سماع سحنون. ولهذا قال في هذه المسألة في الذي دخل مع القوم، وهو يظن أنها ظهر ركع ركعتين، وسلم إمامهم تبين له أنها العصر، إنه يقطع صلاته بتسليم ثم يستأنف الصلاتين؛ لأنه لو أتم الصلاة معه لم تجده باتفاق، ولوجب عليه إعادتها أبدا. وقوله في آخر المسألة: وإن كان الإمام سلم، وقد صلى معه ركعة أو ثلاثا، فليشفع بأخرى خلاف قوله في أولها: إنه يقطع من الركعة والركعتين؛ لأنه لا ينبغي له أن يصلي نافلة، ولم يصل الفريضة، فهما قولان قالهما مالك في وقتين، فأخطأ المؤلف بأن جمع بينهما، فنسق القول الثاني على الأول كأنه تفسير له، فالقول الأول على ما ذهب إليه ابن حبيب من أنه من ذكر

مسألة: أقيمت صلاة الجماعة وهو في مكتوبة يصليها لنفسه في المسجد

صلاة الظهر وهو يصلي العصر، أو صلاة المغرب وهو يصلي العشاء وحده أو مع إمام أنه يقطع متى ما ذكر، كان على شفع أو على وتر، ويصلي الصلاة التي ذكر؛ لأنه في خناق من وقتها، ثم يستأنف التي كان فيها، بخلاف من ذكر صلاة قد خرج وقتها، وهو في صلاة أنه يتمها إن كان مع الإمام، ويشفع بركعة إن كان وحده، وذكر وهو في وتر. والقول الثاني على ما في المدونة في الذي يذكر الظهر، وهو مع الإمام يصلي العصر: إنه يتمادى معه ثم يعيد. وعلى ما في رسم "الصلاة" الثاني، من سماع أشهب، في الذي يذكر الظهر وهو يصلي العصر لنفسه أنه يتم ركعتين. وسيأتي الكلام عليهما في موضعها إن شاء الله. ولو علم ساعة دخل مع القوم في صلاتهم أنها العصر لتمادى مع الإمام إلى تمام ركعتين على القول الثاني، ولم يتمم معه الصلاة، إذ لا تجزيه باتفاق لاختلاف نيته ونية إمامه، بخلاف الذي يذكر الظهر وهو في العصر مع الإمام، ويقطع متى ما ذكر على القول الأول. ويحتمل على بعد في التأويل أن يريد بقوله: ثم يستأنف الظهر ثم يصلي العصر، أي يستأنفهما، ولا يتنفل قبلها نافلة يبتدئها بعد سلامه من الصلاة التي كان فيها مع الإمام، فيعود قوله لأنه لا ينبغي له أن يصلي نافلة، ولم يصل الفريضة على نافلة يبتدئها بعد سلامه من الصلاة التي كان فيها مع الإمام، وإن كان لم يتقدم لذلك ذكر، ذلك مثل قوله في المدونة: إن من ذكر صلاة نسيها فلا يتطوع قبلها، ويكون آخر المسألة مفسرا لأولها، لا اختلافا من القول، وبالله التوفيق. [مسألة: أقيمت صلاة الجماعة وهو في مكتوبة يصليها لنفسه في المسجد] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: وسئل عمن قامت عليه صلاة الجماعة وهو في مكتوبة يصليها لنفسه في المسجد، قال: إن طمع أن يفرغ منها ويدرك الصلاة مع الإمام أتمها، ثم سلم ودخل مع الإمام، وإن أيس من ذلك قطعها، ثم دخل مع الإمام فصلى، فإذا

فرغ رجع فاستأنف الصلاتين كلتيهما: التي كانت قبلها، ثم التي كانت بعدها التي كان مع الإمام فيها. قال ابن القاسم: وأحب إلي أن يتمم ركعتين إن كان قد ركع ركعة ولا يطمع أن يدرك. قال أصبغ: إلا أن يخاف الفوات من ركعة الإمام، فيقطع من ركعته بسلام. قال محمد بن رشد: قوله: إن طمع أن يفرغ منها ويدرك الصلاة مع الإمام أتمها، يريد إن طمع أن يفرغ منها قبل أن يركع الإمام الركعة الأولى من صلاته، فيدرك الصلاة كلها مع الإمام، وسواء أقيمت عليه الصلاة قبل أن يركع، أو بعد أن يركع. وهذا ما لا اختلاف فيه لوجوب الصلاة التي كان فيها عليه قبل الصلاة التي قامت عليه، بخلاف من قامت عليه الصلاة، وهو يصلي تلك الصلاة بعينها لنفسه، هذا قد قال فيه في المدونة: إنه إن لم يركع قطع، وإن كان يدرك أن يصلي ركعتين قبل أن يركع الإمام. وقوله: وإن يئس من ذلك قطعها، ظاهره إن يئس من إتمام صلاته قبل أن يركع الإمام قطع، كان قد ركع أو لم يركع، وإن كان يدرك أن يتمم ركعتين قبل أن يركع الإمام خلاف ما استحب ابن القاسم. وفي قوله: ثم دخل مع الإمام فصلى، فإذا فرغ استأنف الصلاتين نظر؛ لأنه إنما يصلي مع الإمام على أنها نافلة، إذ لا يجوز له أن يصلي العصر قبل الظهر، وقد قال في المسألة التي قبل هذه: إنه لا ينبغي له أن يصلي نافلة، ولم يصل الفريضة. ومثله في المدونة، فإنما استحب ذلك في هذه المسألة لما عليه في الخروج من المسجد بعد إقامة الصلاة من أن يعرض نفسه لسوء الظن، ولم يلتفت إلى هذا المعنى في المدونة. وقال في سماع سحنون: إنه يضع يده على أنفه ويخرج. وإذا جاز له أن يصلي مع الإمام وتكون صلاته معه نافلة، فالقياس على هذا إذا كان قد ركع أن لا يقطع إن كان يدرك أن يشفع ركعة بركعة أخرى قبل أن يركع الإمام؛ لأنه قد حصل معه ركن من عمل الصلاة، فلا ينبغي له أن يبطله؛ لقول الله عز وجل:

مسألة: صلى وفي ثوبه نجاسة علم به ثم نسيه حتى فرغ من صلاته

{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] إلا في موضع لا يجوز له التنفل فيه على ما استحب ابن القاسم، فلم يجز مالك في هذه المسألة على قياس، وبالله التوفيق. [مسألة: صلى وفي ثوبه نجاسة علم به ثم نسيه حتى فرغ من صلاته] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال فيمن صلى وفي ثوبه دم من دم الحيضة، قد علم به قبل أن يدخل في الصلاة، ثم نسيه حتى فرغ من صلاته أو لم يكن رآه، قال مالك: إن كان يسيرا لم أر عليه إعادة، وإن كان كثيرا رأيت أن يعيد الصلاة ما كان في وقتها. قال ابن القاسم: قال لي مالك: دم الحيضة وغيره سواء. قال سحنون: وروى علي بن زياد، وابن نافع، وابن الأبرش، والتونسي، عن مالك: أن دم الحيضة كالبول والرجيع والاحتلام يرجع من الصلاة من قليله وكثيره، وتعاد الصلاة من قليله وكثيره في الوقت. قال محمد بن رشد: وجه رواية ابن القاسم عن مالك في مساواته بين دم الحيضة وغيره من الدماء، أن الدم اليسير لما خفف وسومح فيه للمشقة الداخلة على الناس في التوقي منه؛ لأنه غالب، كدم البراغيث، وإذ لا ينفك الإنسان في غالب الأحوال من بثرة تكون في جسمه، وجب أن يخفف ذلك للحائض؛ لأنها لا تنفك في الغالب من أن يصيب ثوبها ذلك، وأن يخفف للرجل أيضا لحاجته أن يصلي في ثوب امرأته، ولأنه لما استخف له الدم اليسير كان حكم ما لم يخرج من بدنه حكم ما خرج من بدنه، وكذلك

مسألة: دخول الكنائس والصلاة فيها

دم الميتة على هذه الرواية، إذ لا تأثير للذكاة في تطهير الدم، فلا فرق بين دم ما ذكي ودم الميتة، كما لا فرق بينه وبين دم الحي، وبالله التوفيق. [مسألة: دخول الكنائس والصلاة فيها] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: حدثني نافع أن عمر بن الخطاب كره دخول الكنائس والصلاة فيها. قال مالك وغيره: أحب إلي لموضع وطء أقدامهم ونجسهم. قال سحنون: أحب إلي أن يعيد من صلى في كنيسة كان لضرورة أو لغير ضرورة ما كان في الوقت، وإنما هي عندي بمنزلة من صلى بثوب النصراني أنه يعيد الصلاة كان لضرورة أو غير ضرورة. قال محمد بن رشد: الظاهر من مذهب عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما وقع له هاهنا، وفي المدونة وفي رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب أنه كره دخول الكنائس والصلاة فيها لكونها بيوتا متخذة للشرك بالله والكفر به، فلا ينبغي الصلاة فيها على مذهبه، وإن بسط ثوبا طاهرا لصلاته. وأما مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنما كره الصلاة فيها لما يتقى من نجاستها، فإن صلى فيها على مذهبه دون حائل طاهر أعاد في الوقت، إلا أن يكون اضطر إلى النزول فيها، فلا يعيد صلاته إذا لم تتحقق عنده نجاستها. يبين هذا من مذهبه ما وقع في المدونة، وفي رسم "الصلاة" الثاني، من سماع أشهب. وأما سحنون فحملها على النجاسة، وحكم للمصلي فيها بحكم من صلى بثوب النصراني، فاستوت في ذلك عنده الضرورة وغير الضرورة، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، إلا أنه قال: يعيد أبدا إن صلى فيها دون حائل طاهر على أصله فيمن صلى على موضع نجس، أو بثوب نجس عامدا أو جاهلا أنه يعيد أبدا. وقول سحنون أظهر أنه لا إعادة عليه إلا في الوقت؛ إذ لم يوقن بنجاسة

مسألة: لا ينبغي للمسافر أن يقدم مقيما يتم به الصلاة

الموضع الذي صلى عليه. وهذا في الكنائس العامرة، وأما الدارسة العافية من آثار أهلها، فلا بأس بالصلاة فيها، قال ابن حبيب: ولا اختلاف أحفظه في ذلك إذا اضطر إلى النزول فيها، وأما إذا لم يضطر إلى النزول فيها، فالصلاة فيها مكروهة على ظاهر مذهب عمر بن الخطاب، ولا تجب إعادتها في وقت ولا غيره. وقد قال في هذا الحديث في رسم "اغتسل" من هذا السماع من كتاب الجامع: إنه كان يكره الصلاة في الكنائس التي فيها الصور، وفي ذلك دليل على أنه إنما كره الصلاة في الكنائس العامرة؛ لأن العامرة هي التي تكون فيها الصور، وفي أول رسم "البز" مسألة فيها معنى من هذه، سنتكلم عليه إذا مررنا به إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق. [مسألة: لا ينبغي للمسافر أن يقدم مقيما يتم به الصلاة] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: لا ينبغي لقوم سفر أن يقدموا مقيما يتم بهم الصلاة لكي يتموا الصلاة، فإن صلى بهم فصلاتهم تامة، ولكن إن قدموه لسنه أو لفضله، أو لأنه صاحب المنزل، فليصلوا بصلاته صلاة المقيم. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما يأتي في رسم "شك في طوافه"، وفي رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب، ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه الذي تأتي عليه مسائله ومسائلهم أن قصر الصلاة في السفر سنة من السنن التي الأخذ بها فضيلة، وتركها إلى غير خطيئة، فلذلك قال: إنه لا ينبغي أن يقدموا مقيما يتم بهم الصلاة؛ لأن فضيلة السنة في القصر آكد من فضيلة الجماعة، واستحب أن يقدموا ذا السن والفضل، لما في الصلاة خلفه من الرغبة، أو صاحب المنزل لما في ترك اهتمامهم به من بخسه حقه، إذ هو أحق بالإمامة في منزله منهم، وبالله التوفيق.

مسألة: مسافر مر بقوم فصلى معهم فتبين له أنهم مقيمون

[مسألة: مسافر مر بقوم فصلى معهم فتبين له أنهم مقيمون] مسألة قال مالك: فيمن مر بقوم فصلى معهم، فلما صلوا ركعتين سلم إمامهم، فتبين له أنهم مقيمون وسبقوه بركعتين، وكان يظن أنهم قوم سفر، قال: يعيد أحب إلي. قال سحنون: وذلك إذا كان الداخل مسافرا. قال محمد بن رشد: قول سحنون مفسر لقول مالك؛ لأنه لو كان مقيما لأتم صلاته، ولم يضره وجوده القوم على خلاف ما حسبهم عليه من القصر والإتمام؛ لأن الإتمام واجب عليه في الوجهين، فلا تأثير لمخالفة نيته لنية إمامه في ذلك، وقول مالك: يعيد أحب إلي، يريد في الوقت وبعده، أتم صلاته بعد صلاة الإمام أو سلم معه من الركعتين على ما اختاره ابن المواز، وقاله ابن القاسم في رسم "استأذن" من سماع عيسى. وقال ابن حبيب: إنه يتم صلاته ويعيد في الوقت، وقيل: لا إعادة عليه، وهو قول أشهب في أول سماع سحنون. ووجه قول مالك في إيجاب الإعادة عليه أبدا مخالفة نيته لنية إمامه؛ لأنه إن سلم معه من الركعتين، فقد خالفه في النية والفعل، ففسدت صلاته عنده بذلك، وإن أتم صلاته فقد خالفه في النية خاصة، وأتم صلاته على خلاف ما أحرم به. ولم يراع ابن حبيب شيئا من ذلك فقال: إنه يعيد في الوقت على أصله في المسافر إذا أتم صلاته أنه يعيد في الوقت، وإن كان صلى في جماعة ما لم تكن الجماعة في المساجد الثلاث أو جوامع الأمصار، ولا راعى أشهب شيئا من ذلك فقال: إنه لا إعادة عليه. وأما إذا دخل المسافر مع القوم وهو يظنهم حضريين، فألفاهم مسافرين سلموا من ركعتين، فقال مالك: فيما يأتي بعد هذا في هذا الرسم: إن صلاته تجزيه، وذلك خلاف أصله في هذا المسألة في مراعاة مخالفة نيته لنية إمامه، وخلاف مذهبه في المدونة؛ لأنه قال فيها في المسافر إذا أحرم بنية أربع ركعات، ثم بدا له فسلم من ركعتين: إنها لا تجزيه. وقال ابن حبيب وأشهب: إن صلاته جائزة على

أصله في ترك مراعاة مخالفة نيته لنية إمامه في الحضر والسفر، وإتمامه على خلاف ما أحرم به من ذلك. ولابن القاسم في كتاب ابن المواز أن صلاته لا تجزيه على أصل مالك في هذه المسألة، وهو اختيار ابن المواز، أن صلاته لا تجزئه في الوجهين جميعا لمخالفة نيته لنية إمامه في ذلك. وقال سحنون في هذا الرسم: إنه يعيد في الوقت. ولو دخل المسافر خلف القوم يظنهم مقيمين، فلما صلوا ركعتين سلم إمامهم، فلم يدر إن كانوا مقيمين أو مسافرين لأتم صلاة مقيمين أربعا، ثم أعاد صلاة مسافر، قاله في رسم "استأذن" من سماع عيسى، لاحتمال أن يكون الإمام مسافرا. ولو دخل خلفهم ينوي صلاتهم وهولا يعلم إن كانوا مقيمين أو مسافرين لأجزأته صلاته قولا واحدا. والحجة في ذلك ما جاء من «أن علي بن أبي طالب وأبا موسى الأشعري قدما على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع محرمين، فسألهما - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: بم أحرمتما؟ فكلاهما قال: قلت: لبيك إهلالا كإهلال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصوب فعلهما وأمرهما بما يعملان في بقية إحرامهما» . ومما يتعلق بهذه المسألة ويختلف هل يوافقها في المعنى والقياس أم لا، مسألة الرجل يأتي المسجد يوم الجمعة وهو يظنه يوم الخميس، أو يوم الخميس وهو يظنه يوم الجمعة، فقيل: إنهما متفقان في المعنى، وإن الذي يأتي يوم الخميس وهو يظنه يوم الجمعة بمنزلة المسافر يدخل خلف القوم، وهو يظنهم مسافرين فيجدهم مقيمين؛ لأنهما دخلا مع الإمام جميعا بنية ركعتين، فصليا معه أربعا، وإن الذي يأتي يوم الجمعة ويظنه يوم الخميس منزلة المسافر يدخل مع القوم، وهو يظنهم مقيمين فيجدهم مسافرين؛ لأنهما جميعا دخلا مع الإمام بنية أربع فصليا معه ركعتين، فعلى هذا يدخل في كل مسألة منهما ما في صاحبتها من الأقوال، فيتحصل في كل واحدة منهما أربعة

أقوال: أحدها: أن الصلاة جائزة في الوجهين جميعا. والثاني: أنها لا تجوز في الوجهين جميعا. والثالث: الفرق بين الوجهين، فتجوز إذا دخل بنية أربع ركعات فصلى اثنتين، ولا تجوز إذا دخل بنية ركعتين فصلى أربعا، وهو الذي يأتي على قول مالك في هذا الرسم، في مسألة الحضر والسفر. والرابع: الفرق بين الوجهين أيضا بعكس هذه التفرقة، وهو الذي يأتي على ما في المدونة، في مسألة الخميس والجمعة. وقيل: إنهما مفترقان في المعنى، وإلى هذا ذهب أشهب وابن المواز، فقال كل واحد منهما في مسألة الخميس والجمعة خلاف قوله في مسألة الحضر والسفر. رأى أشهب الصلاة جائزة في مسألة الحضر والسفر، وغير جائزة في مسألة الخميس والجمعة، ووجه الفرق بينهما في المعنى عندهما أن صلاة الجمعة والخميس لا تنتقل واحدة منهما عما هي عليه في حق الرجل بدخوله مع الإمام فيها وهو يظنه غير ذلك اليوم، فإذا صلاهما معه رأى ابن المواز أنهما تجزئانه؛ لأنه صلاهما كما وجبتا عليه، ولم يضره عنده أن يحرم بنية الجمعة ويصلي ظهرا، ولا أن يحرم بنية الظهر ويصلي جمعة، قياسا على ما قال مالك في الرجل يدخل خلف الإمام يوم الجمعة بعد أن رفع رأسه من الركوع، وهو يظنه في الركعة الأولى، فإذا هو في الثانية: إنه يقوم إذا سلم الإمام فيصلي أربعا بذلك الإحرام، ورأى أشهب أنهما لا تجزئان لإحرامه بهما على غير الصفة التي وجبت عليه. ورأى ابن القاسم في المدونة أن تجزئه نية الجمعة عن نية الظهر، ولا تجزئه نية الظهر عن نية الجمعة، قال: لأن الجمعة لا تكون إلا بنية، ووجه قوله أن الأصل هو الظهر والجمعة طارئة عليه، فلا تؤثر نية الفرع في الأصل، وتؤثر نية الأصل في الفرع؛ لأن المسافر تنتقل صلاته من القصر إلى الإتمام بدخوله خلف الإمام المقيم، علم أنه مقيم أو لم يعلم، فرأى ابن المواز أنه إذا دخل خلف المقيم وهو يظنه مسافرا فوجده مقيما، أو وهو يظنه مقيما فوجده مسافرا، فلا تجزئه صلاته مراعاة لقول من يرى أن القصر عليه واجب، وأنه إن أتم وحده أو في جماعة أعاد أبدا.

مسألة: أوتر فظن أنه لم يوتر فأوتر مرة أخرى ثم تبين له أنه قد أوتر مرتين

ورأى أشهب أن صلاته جائزة مراعاة لقول من يرى أنه مخير بين القصر والإتمام، فهذا وجه القول في هذه المسألة موعبا، وبالله التوفيق. [مسألة: أوتر فظن أنه لم يوتر فأوتر مرة أخرى ثم تبين له أنه قد أوتر مرتين] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال في من أوتر فظن أنه لم يوتر فأوتر مرة أخرى، ثم تبين له أنه قد أوتر مرتين، قال: أن يشفع وتره الآخر ويجتزئ بالأول. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لا يكون وتران في ليلة واحدة، فيشفع وتره الآخر يريد إذا كان بقرب ذلك، ويكون نافلة له، إذ يجوز لمن أحرم بوتر أن يجعله شفعا، كما يجوز لمن صلى صلاة الفريضة ركعة، ثم علم أنه قد كان صلاها أن يضيف إليها أخرى وتكون له نافلة، ولا يجوز لمن صلى ركعة من شفع أن يجعلها وترا، ولا أن يبني عليها فرضا؛ لأن نية السنة أو الفرض مقتضية لنية النفل، ولا تقتضي نية النفل نية السنة ولا الفرض، وهذا كله بين، وبالله التوفيق. [مسألة: حكم إمامة الأغلف والمعتوه] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: لا أرى أن يؤم الأغلف والمعتوه الناس. قلت لسحنون: فإن أم الأغلف والمعتوه أترى على القوم إعادة؟ قال: أما إذا أمهم أغلف فلا إعادة عليهم، وأما المعتوه فإنهم يعيدون. قال محمد بن رشد: الأغلف هو الذي لم يختن، والمعتوه الذاهب العقل. فقول سحنون مبين لقول مالك؛ لأن المعتوه لا تصح منه نية، فوجب أن يعيد أبدا من ائتم به، وأما الأغلف فلا يخرجه ترك الاختتان عن الإسلام، ولا يبلغ به مبلغ التفسيق كشارب الخمرة وقاتل النفس الذي يعيد من ائتم بهما

مسألة: يدخل مع قوم مسافرين وهو يظن أنهم مقيمون يتمون الصلاة وهو في سفر

على ما في سماع عبد الملك، إلا أن ذلك نقصان في دينه وحلمه؛ لأن الختان طهرة الإسلام وشعاره. روي عن المسيب بن رافع قال: أوحى الله إلى إبراهيم أن تطهر فتوضأ، فأوحى إليه أن تطهر فاغتسل، فأوحى إليه أن تطهر فاختتن، فصار ذلك من ملته التي أمر الله باتباعها، فلا تجوز إمامته ابتداء؛ لأن الإمامة أرفع مراتب الإسلام، فلا ينبغي أن يؤم إلا أهل الكمال، فإن لم تجب الإعادة على من ائتم به؛ لأن صلاته إذا جازت لنفسه فهي تجوز لغيره، وإنما قرن مالك بينه وبين المعتوه في ألا يؤتم بهما ابتداء، ولم يتكلم على الحكم في ذلك إذا وقع. وهذا الذي قلنا هو الذي يأتي على مذهبه. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: الأغلف لا توكل ذبيحته، ولا تقبل له صلاة، ولا تجوز له شهادة، وذلك تشديد ليس على ظاهره. وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الأغلف لا يحج حتى يختتن» ، ومعناه أنه ينبغي له أن يقدم الاختتان عن الحج، فيحج وهو كامل المرتبة، لا أن الحج قبل الاختتان لا يجزيه عن حجة الإسلام والله أعلم. وقد روي عن الحسن أنه رخص للشيخ يسلم أن لا يختتن، ولم ير بإمامته ولا شهادته ولا ذبيحته ولا حجه بأسا. وروي عن الليث بن سعد أنه قال: لا يتم إسلامه حتى يختتن، وإن بلغ ثمانين سنة، وبالله التوفيق. [مسألة: يدخل مع قوم مسافرين وهو يظن أنهم مقيمون يتمون الصلاة وهو في سفر] مسألة قال مالك فيمن يدخل مع قوم مسافرين، وهو يظن أنهم مقيمون يتمون الصلاة وهو في سفر، فيدخل يريد الإتمام معهم، فسلموا من ركعتين أجزأتا عنه. قال سحنون: لا تجزي عنه وعليه الإعادة في الوقت؛ لأن نيته كانت على الإتمام، وهذه خطأ لا أعرفها.

مسألة: صلى بقوم صلاة السفر وهو في الحضر ناسيا

قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة قبل هذا، والقول فيها موعبا، فلا معنى لرده، وبالله التوفيق. [مسألة: صلى بقوم صلاة السفر وهو في الحضر ناسيا] مسألة قال مالك فيمن صلى بقوم صلاة السفر، وهو في الحضر ناسيا، استأنف الصلاة هو ومن خلفه. قال محمد بن رشد: معنى قوله: ناسيا، أي ناسيا لكونه في حضر يرى أنه في سفر، فلذلك قال: إنه يستأنف الصلاة وهو من خلفه؛ لأنه لما أحرم بنية صلاة السفر لم يجز له أن يبني على صلاته تمام صلاة الحضر، وإذا لم يجز ذلك له وفسدت صلاته لم يجز لمن خلفه البناء أيضا على ما صلوا معه، وإن كانوا أحرموا خلفه بنية الإقامة. ولو كان أحرم بنية الإقامة، ثم نسي أنه مقيم، وظن أنه مسافر، فسلم من ركعتين لجاز له البناء ما كان قريبا، فإن سلم ومضى ولم يرجع أتموا هم صلاتهم إن كانوا أحرموا بنية الإقامة، وبالله التوفيق. [مسألة: صلى صلاة الحضر وهو في السفر ناسيا] مسألة قال: وسمعت مالكا قال: من صلى صلاة الحضر وهو في السفر ناسيا استأنف الصلاة وهو من خلفه في الوقت. قال سحنون: وبعد الوقت أبدا، وإن أتم الصلاة عامدا أو جاهلا، فلا إعادة عليه إلا في الوقت من قبل أنه متأول، فأما الناسي فإن عليه الإعادة أبدا من قبل أن ابن القاسم قال لي غير مرة: من زاد في صلاته مثل نصفها ساهيا أعاد الصلاة أبدا. قال سحنون: ولو صلى وهو ناس لسفره يرى أنه في حضر أربعا لم تكن عليه إعادة إلا في الوقت، ولا يكون أسوأ حالا من الذي يتم جاهلا أو متعمدا. قال: وجميع ما أخبرتك من جميع هذه المسألة من الجاهل والمتعمد والناسي

لسفره؛ لا إعادة عليه إلا في الوقت، فأما الذي يقوم لصلاته وهو مسافر فيسهو فيتم ساهيا، فهذا يعيد أبدا. قال محمد بن رشد: قصر الصلاة في السفر على مذهب مالك سنة، فإذا أتم المسافر الصلاة في السفر جاهلا، أو متعمدا، أو متأولا، أو ناسيا لسفره يرى أنه في حضر؛ فلا إعادة عليه إلا في الوقت على طريق الاستحباب؛ ليدرك فضل السنة. واختلف إن أحرم بنية صلاة السفر ركعتين، ثم أتم صلاته متعمدا أربعا على قولين: أحدهما: أنه يعيد في الوقت وبعده، ووجه ذلك أنه لما أحرم بنية القصر فكأنه قد التزم قول من يوجب القصر، فلم يصح له الإتمام على ذلك الإحرام، وقيل: إنه يعيد في الوقت. ووجه ذلك أن القصر لما لم يكن عليه واجبا لم يوجبه عليه التشبث بالصلاة، فعلى القول الأول: المسافر مخير بين القصر والإتمام ما لم يتشبث بالصلاة، فإذا تشبث بها لم يكن له أن يتم على خلاف ما أحرم عليه من القصر أو الإتمام، وهو الذي يأتي على ما في المدونة، وعلى القول الآخر المسافر مخير بين القصر والإتمام مطلقا، فإذا أتم صلاته، وإن كان قد أحرم بنية القصر أعاد في الوقت استحبابا ليدرك فضل السنة. وأما إن أحرم بنية صلاة السفر، ثم أتم ساهيا؛ ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يعيد في الوقت؛ لأن سهوه صادف فعلا صحيحا بمنزلة من صلى خامسة ساهيا، ثم ذكر سجدة من أول ركعة من صلاته، والقول الثاني: أنه يعيد أبدا، وهو قول سحنون هاهنا قياسا على ما روي عن ابن القاسم أن من زاد في صلاته مثل نصفها ساهيا فعليه الإعادة أبدا. والقول الثالث: أنه يسجد سجدتين بعد السلام وتجزئه صلاته، وهو الذي يأتي على ما في رسم "إن أمكنتني" من سماع عيسى، في الذي يصلي المغرب خمس ركعات ساهيا، وعلى ما في سماع أبي زيد في الذي صلى ركعتي الفجر أربعا ساهيا، وعلى ما في المدونة في الذي سها فأضاف إلى الوتر ركعة أخرى، أنه يجزئه ويسجد لسهوه، وبالله التوفيق.

مسألة: إمام سها فلم يسجد

[مسألة: إمام سها فلم يسجد] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال في إمام سها فلم يسجد، قال: أرى أن يسجد من كان خلفه إن كان سهوه يسجد له. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن السجود قد وجب عليهم، فلا يسقط عنهم بسهوه، فإن كان السجود مما تبطل الصلاة بتركه، ولم يرجع الإمام إلى السجود بالقرب بطلت صلاته وصحت صلاتهم؛ لأن كل ما لا يحمله الإمام عمن خلفه، فلا يكون سهوه عنه سهوا لهم إذا هم فعلوه، وهذا أصل، وبالله التوفيق. [مسألة: شك في صلاته فبنى على اليقين فلم يرد عليه من خلفه حتى سلم] مسألة قال مالك فيمن شك في صلاته فبنى على اليقين، فلم يرد عليه من خلفه حتى سلم، فسألهم فقالوا: قد تمت صلاتك، قال مالك: إن أيقنوا ذلك له، فلا سجود عليه، وإن لم يوقنوا سجد وسجدوا. قال مالك: وقد أصاب حين سألهم. قال ابن القاسم: وذلك رأيي، ولا يجوز هذا إلا فيمن كان معه في الصلاة. قال محمد بن رشد: هذا صحيح، والأصل في ذلك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سلم من ركعتين فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ أقبل على الناس فسألهم ورجع إلى قولهم لما دخله من الشك بقول ذي اليدين» . وقوله: إنه لا يجوز ذلك إلا فيمن كان معه في الصلاة، هو مثل ما في المدونة. ووجه ذلك أن السنة قد أحكمت إذا شك الرجل في صلاته أن يرجع إلى يقينه؛ فقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى

مسألة: مسافر حضر الجمعة فأصاب الإمام حدث فقدمه

ثلاثا أو أربعا، فليصل ركعة» الحديث، فكان الأصل بهذا الحديث إذا شك الرجل في صلاته أن يرجع إلى يقينه، لا إلى يقين من سواه، فذا كان أو إماما، فخرج من ذلك رجوع الإمام إلى يقين من خلفه بحديث ذي اليدين، وبقي ما عداه على الأصل في أن الصلاة واجبة عليه بيقين، فلا يخرج منها إلا بيقين، ولا يحصل معه يقين بقول من ليس معه في صلاة؛ لاحتمال أن يكون أخطأ فيما قاله، إذ لم يلزمه من حفظها ورعايتها ما يلزم من معه في الصلاة. وكذلك لو شك هل صلى أم لا، فأخبرته زوجته وهي ثقة أو رجل عدل أنه قد صلى، لم يرجع إلى قول واحد منهما إلا أن يكون يعتريه ذلك كثيرا، روى ذلك ابن نافع عن مالك في المجموعة، وفي التفريع لأشهب: إن شهد رجلان عدلان أنه قد أتم صلاته أجزأه، وقد خفف ذلك مالك أيضا في الطواف في رسم "شك في طوافه" من كتاب الحج، والطواف بالبيت صلاة. ووجه ذلك القياس على الحقوق، وذلك بعيد؛ لأنهما أصلان مفترقان في المعنى، وبالله التوفيق. [مسألة: مسافر حضر الجمعة فأصاب الإمام حدث فقدمه] مسألة قال ابن القاسم: في مسافر حضر الجمعة، فأصاب الإمام حدث فقدمه، قال: لا أرى أن يصلي بهم؛ لأن الجمعة ليست عليه، فإن فعل فأحب إلي أن يعيدوا الخطبة والصلاة في الوقت، فإن فات الوقت أعادوا ظهرا أربعا. قال سحنون: إذا جاء لها فأراه

من أهلها، وأراها لهم تامة، وقال أشهب مثل قول سحنون، وكذلك العبد أيضا. قال محمد بن رشد: في بعض الروايات، وكذلك العيد أيضا، أي أنه يجوز للمسافر أن يؤم القوم في صلاة العيد كما يجوز له أن يؤمهم في صلاة الجمعة، وفي بعضها، وكذلك العبد أيضا، أي أن إمامة العبد تجوز في الجمعة كما تجوز فيها إمامة المسافر، والروايتان جميعا صحيحتان في المعنى؛ لأنه يجوز عند أشهب وسحنون للمسافر والعبد أن يؤما في الجمعة والعيد. وأما ابن القاسم فلا يجوز على مذهبه وروايته عن مالك في المدونة أن يؤم المسافر ولا العبد في الجمعة ولا في العيد، ولا أن يستخلفهما الإمام فيهما بعد إحرامهما معه؛ لأن صلاة العيد لا تجب عليهما كما لا تجب عليهما الجمعة. وقد نص على ذلك في المدونة في العبد، والمسافر مقيس عليه عنده. ويجوز على مذهب ابن حبيب للعبد والمسافر أن يؤما في صلاة العيد؛ لأنها تجب عليهما عنده، ولم يجز للمسافر أن يؤم في الجمعة، وأجاز للإمام أن يستخلفه فيها بعد الإحرام، وحكى ذلك عن مطرف، وابن الماجشون. فإن أم المسافر أو العبد في الجمعة على مذهب من لا يجيز إمامتهما فيها، أعاد القوم صلاة الجمعة في الوقت، وقد اختلف فيه فقيل ما لم يدخل وقت العصر. قال أبو بكر الأبهري: فإن أدرك ركعة بسجدتيها قبل دخول وقت العصر أتمها جمعة، وإن لم يدرك ذلك أتمها ظهرا أربعا، وقيل: ما لم تصفر الشمس، وقيل: ما بقي للعصر ركعة إلى الغروب، وهو قول ابن القاسم في رسم "استأذن" من سماع عيسى. وظاهر قوله في المدونة وإن كان لا يدرك العصر إلا بعد الغروب، وقيل: ما لم تغرب الشمس، وهي رواية مطرف عن مالك، وما في بعض روايات المدونة من قوله: وإن كان لا يدرك العصر إلا بعد الغروب، وأعاد ظهرا أربعا بعد الوقت، وأعاد المسافر الصلاة

المساجد التي تكون في القرى يتخذونها للضيفان

أيضا، قيل في الوقت وبعده، وقيل في الوقت، وقيل: لا إعادة عليه. وهذا على اختلافهم في من جهر في صلاته متعمدا. وأما العبد فقيل: إنه لا إعادة عليه، وقيل: إنه يعيد أبدا، وبالله التوفيق. [المساجد التي تكون في القرى يتخذونها للضيفان] ومن كتاب أوله سلعة سماها وسئل عما يتخذ الناس في المساجد التي تكون في القرى يتخذونها للضيفان، يبيتون فيها ويأكلون فيها، قال: أرجو أن يكون خفيفا، وكره الطعام في المساجد مثل ما يصنع الناس في رمضان. ولقد أدركت ناسا في مسجدنا، وأن الرجل ليوتى بالشربة السويق، وما أكره ذلك، كأنه يعني الشربة، إلا لموضع المضمضة، ولو خرج إلى باب المسجد فشرب عليه وأكل لكان أحب إلي. قال محمد بن رشد: المساجد إنما اتخذت لعبادة الله عز وجل بالصلاة والذكر والدعاء، فينبغي أن تنزه عما سوى ذلك ما أمكن، قال الله عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] أي أمر بذلك، فمن ترفيعها أن تخلص لأعمال الآخرة، فلا يباع فيها ولا يشترى ولا تعمل فيها الصناعات، ولا توكل فيها الألوان ولا يلغط فيها، ولا ينشد فيها شعر، ولا تنشد فيها ضالة، ولا توقد فيها نار، ولا يغسل فيها شيء، ولا يرفع فيها صوت. فقد كره أهل العلم ذلك حتى في العلم. وبنى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رحبة بناحية المسجد تسمى البطيحاء، وقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا أو يرفع صوته، فليخرج إلى هذه الرحبة. وخفف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الرواية للضيفان المبيت والأكل في مساجد القرى، وأن تتخذ لذلك للضرورة إلى ذلك، بمعنى أن الباني لها للصلاة فيها يعلم أن الضيفان سيبيتون فيها لضرورتهم إلى ذلك، فصار كأنه قد بناها لذلك، وإن كان أصل

مسألة: الرجل يركع ركعتي الفجر في منزله ثم يأتي المسجد أيركعهما

بنائه لها إنما هو للصلاة فيها، لا لما سوى ذلك من مبيت الضيفان. وكذلك يجوز لمن لم يكن له منزل أن يبيت في المسجد، وكره الطعام فيه والشربة من السويق لموضع المضمضة، وأجاز شرب الماء فيه. وهذه المعاني مذكورة في مواضع من هذا الكتاب بألفاظ مختلفة، ومعان متفقة، منها ما وقع عند آخر رسم "شك بعد هذا"، وفي رسم "اغتسل على غير نية"، وفي رسم "الشجرة "، وسماع عبد المالك زونان، في كتاب السلطان، في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم، عقب كتاب ذكر الحق في المسجد ما لم يطل، وفي رسم "تأخير صلاة العشاء" منه إجازة قضاء الحق فيه ما لم يكن على وجه التجارة والصرف، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يركع ركعتي الفجر في منزله ثم يأتي المسجد أيركعهما] مسألة وسئل عن الرجل يركع ركعتي الفجر في منزله، ثم يأتي المسجد، أترى أن يركعهما؟ قال مالك: كل ذلك قد رأيت من يفعله، فأما أنا فأحب إلي أن يقعد ولا يركع. قال لي ابن القاسم: وقد قال لي قبل ذلك أحب إلي أن يركع، وكأني رأيته وجه الشأن عنده. قال سحنون: إذا ركعهما في بيته فلا يعيدهما في المسجد. قال محمد بن رشد: هذا الاختلاف إنما هو اختلاف في الاختيار، وفي أي الأمرين أفضل، وإنما وقر من أجل أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر» وقال أيضا: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس» فتعارض الحديثان في الظاهر، وكل واحد منهما يحتمل أن يكون مخصصا لعموم صاحبه، احتمالا واحدا. ألا ترى أنه لو قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا صلاة بعد الفجر سوى ركعتي الفجر، إلا لمن دخل المسجد

مسألة: قراء يجتمع الناس إليهم يقرئونهم فكل رجل منهم يقرئ النفر يفتح عليهم

لكان كلاما مستقيما، ولو قال أيضا: من دخل المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس، إلا أن يكون بعد الفجر، وقد ركع ركعتي الفجر لكان أيضا كلاما مستقيما، فلما لم يتحقق أي المعنيين أراد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقع الاختلاف المذكور. ووجه القول بأن الركوع أفضل هو أن الصلاة فعل بر، فلا يقال: إن تركها في هذا الوقت أفضل إلا أن يتحقق النهي عن ذلك؛ ووجه القول بأن ترك الركوع أفضل هو أن النهي أقوى من الأمر؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» . وأيضا فإن قوله: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس» أولى بالتخصيص في هذا الموضع، إذ قد خصص في غيره من المواضع وهي الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فيحمل هذا الموضع عليها. وهذا القول أظهر. واستحب من رأى الركوع أفضل؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس» أن يركعهما بنية الإعادة لركعتي الفجر، رغبة فيما جاء فيهما من الثواب، والله أعلم. [مسألة: قراء يجتمع الناس إليهم يقرئونهم فكل رجل منهم يقرئ النفر يفتح عليهم] مسألة وسئل عن قراء مصر الذين يجتمع الناس إليهم يقرئونهم، فكل رجل منهم يقرئ النفر يفتح عليهم. قال: ذلك حسن. قال ابن القاسم: ولا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: كان مالك يكره هذا، ولا يراه صوابا، ثم رجع فخففه، ولم ير به بأسا، وقع اختلاف قوله بعد هذا في رسم "حلف" من هذا السماع، وقال هاهنا: ذلك حسن. ووجه الكراهة فيه بين، وذلك إذا قرأ عليه

مسألة: عشور المصحف وتزيينه بالخواتم

جماعة في كرة واحدة، لا بد أن يفوته سماع ما يقرأ به بعضهم، ما دام يصغي إلى غيرهم، ويشتغل بالرد على الذي يصغي إليه، فقد يخطئ في ذلك الحين، ويظن أنه قد سمعه، وأجاز قراءته فيحمل عنه الخطأ، ويظنه مذهبا له. ووجه تخفيفه ذلك للمشقة الداخلة على المقرئ بإفراد كل واحد من القراء عليه إذا كثروا. ووجه تحسينه لذلك في هذه الرواية إنما معناه، والله أعلم، إذا كثر القراء عليه حتى لم يقدر أن يعم جميعهم مع الإفراد، فرأى جمعهم في القراءة أحسن من القطع ببعضهم، فهذا تأويل ما ذهب إليه عندي، والله أعلم. [مسألة: عشور المصحف وتزيينه بالخواتم] مسألة وسئل عن عشور المصحف، فقال: يعشر بالسواد، وأكره الحمرة، وذكر تزيين المصاحف بالخواتم فكرهه كراهية شديدة، فقيل له: فالفضة؟ قال: الفضة من ورائه، ولم ير به بأسا، ثم قال: إني لأكره لأمهات المصاحف أن تشكل، وإنما أرخص فيما يتعلم فيه الغلمان، فأما الأمهات فإني أكرهه. قال محمد بن رشد: قوله: من ورائه، أي من خارجه، يريد أنه لا بأس أن تحلى أغشيته بالفضة، ويروى من روائه أي من زينته، يريد زينة أعلاه وخارجه. وقد اختلف قوله في إجازة تحليته بالذهب، فأجاز ذلك في كتاب ابن المواز، وهو ظاهر ما في كتاب البيوع من موطاه، وكرهه في كتاب ابن عبد الحكم. ووجه كراهيته لتزيين داخله بالخواتم وتعشيره بالحمرة بين، وذلك أن القارئ فيه ينظر إلى ذلك، فيلهيه ويشغله عن اعتباره وتدبر آياته. «وقد جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نعليه شراكين جديدين، ثم نزعهما ورد فيهما الخلقين، وقال: "إني نظرت إليهما في الصلاة» ، «وصلى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في

مسألة: الصلاة يقرأ فيها في الركعة الأولى بالشمس وفي الثانية بالبلد

خميصة شامية، لها علم، فلما انصرف من الصلاد ردها إلى مهديها إليه أبي جهم، وقال: "إني نظرت إلى علمها في الصلاة، فكاد يفتنني» . وإذا كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خشي على نفسه الفتنة في صلاته، فهي على من سواه متيقنة غير مأمونة، وفي هذا بيان، ولهذا المعنى كره تزويق المسجد. وأما كراهيته لشكل أمهات المصاحف، فالمعنى في ذلك أن الشكل مما قد اختلف القراء في كثير منه، إذ لم يجئ مجيئا متواترا، فلا يحصل العلم بأي الشكلين أنزل، وقد يختلف المعنى باختلافه، فكره أن يثبت في أمهات المصاحف ما فيه اختلاف. وبالله التوفيق. [مسألة: الصلاة يقرأ فيها في الركعة الأولى بالشمس وفي الثانية بالبلد] مسألة وسئل عن الصلاة يقرأ فيها في الركعة الأولى بـ (الشمس وضحاها) ، ويقرأ بعد ذلك في الركعة الثانية: بـ (لا أقسم بهذا البلد) ، قال: لا بأس بذلك، لم يزل هذا من عمل الناس، قيل له: أفلا يقرأ على تأليفه أحب إليك؟ قال: هذا كله سواء. قال محمد بن رشد: ذهب ابن حبيب إلى أن القراءة على تأليفه أفضل، وحكى ذلك عن مالك من رواية مطرف عنه، وقال ابن الحكم، قال ابن حبيب: وأما أن يقرأ في الركعة الثانية سورة أخرى ليست بإثرها إلا أنها تحتها، فلا بأس به، وهو أجوز من أن يقرأ سورة فوقها. ولعمري إن القراءة في الركعة الثانية بما بعد السورة التي قرأ في الركعة الأولى أحسن من أن يقرأ فيها بما قبلها؛ لأنه جل أعمال الناس الذي مضوا عليه، والأمر في ذلك واسع؛ لقوله عز وجل: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] ، وبالله التوفيق.

مسألة: الصلاة في السفينة قائما أو قاعدا

[مسألة: الصلاة في السفينة قائما أو قاعدا] مسألة وسئل عن الصلاة في السفينة قائما أو قاعدا؟ قال: بل قائما، فإن لم يستطيعوا فقعودا. قيل: ويؤمهم قعودا؟ قال: نعم إذا لم يستطيعوا أن يقوموا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن القيام في الصلاة من فروضها؛ قال تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، وقال: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] ، فلا يجوز أن يصلي جالسا من يستطيع الصلاة قائما، فإذا لم يستطيعوا الصلاة في السفينة قياما، كانوا كالمرضى، وجاز أن يؤمهم الإمام قعودا وهو قاعد. [مسألة: القراءة في المسجد] مسألة وسئل عن القراءة في المسجد، فقال: لم يكن بالأمر القديم، وإنما هو شيء أحدث، ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، والقرآن حسن. قال محمد بن رشد: يريد أن التزام القراءة في المسجد بإثر صلاة من الصلوات، أو على وجه ما مخصوص حتى يصير ذلك كأنه سنة مثل ما يفعل بجامع قرطبة إثر صلاة الصبح، فرأى ذلك بدعة. وأما القراءة على غير هذا الوجه، فلا بأس بها في المسجد، ولا وجه لكراهيتها. وقد قال في آخر رسم "المحرم" بعد هذا، من هذا السماع: ما يعجبني أن يقرأ القرآن إلا في الصلاة والمساجد، لا في الأسواق والطرق. وفي هذا بيان ما قلناه، والله أعلم،

مسألة: القرى لا يكون فيها إمام إذا صلى بهم رجل منهم الجمعة أيخطب بهم

وسيأتي ما يشبه هذا المعنى في أول رسم "سُنّ" من هذا السماع، وفي رسم "لم يدرك" من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: القرى لا يكون فيها إمام إذا صلى بهم رجل منهم الجمعة أيخطب بهم] مسألة وسئل عن القرى التي لا يكون فيها إمام، إذا صلى بهم رجل منهم الجمعة، أيخطب بهم؟ قال: نعم، لا تكون الجمعة إلا بخطبة. قيل له: أيؤذن قدامه؟ قال: لا، وعندنا هاهنا - يعني المدينة - إذا لم يكن إمامنا حاضرا، فصلى بنا القاضي أو القاص الجمعة، فإنما يؤذن فوق المنارة. قال محمد بن رشد: القاص الواعظ الذي يحض الناس على الصلاة ويعلمهم الخير، والأذان بين يدي الإمام في الجمعة مكروه؛ لأنه محدث، ولذلك نهى عنه مالك، وكان لا يفعله القاضي ولا القاص، إذا غاب الإمام. وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك. وإنما كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا زالت الشمس وخرج، رقى المنبر، فإذا رآه المؤذنون، وكانوا ثلاثة قاموا فأذنوا في المدينة واحدا بعد واحد كما يؤذنون في غير الجمعة، فإذا فرغوا أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خطبته، ثم تلاه على ذلك أبو بكر وعمر، وزاد عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما كثر الناس أذانا بالزوراء عند زوال الشمس، يؤذن الناس بذلك أن الصلاة قد حضرت، وترك الأذان في المدينة بعد جلوسه على المنبر على ما كان عليه، فاستمر الأمر على ذلك إلى زمان هشام بن عبد الملك، فنقل الأذان الذي كان بالزوراء إلى المدينة، ونقل الأذان الذي في المدينة بين يديه، وأمرهم أن يؤذنوا معا، وتلاه على ذلك من بعده من الخلفاء إلى زماننا وهو بدعة. والذي كان يفعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء الراشدون بعده هو السنة، وبالله التوفيق.

مسألة: لخطيب الجمعة والعيدين والاستسقاء أن يتوكأ على عصى

[مسألة: لخطيب الجمعة والعيدين والاستسقاء أن يتوكأ على عصى] مسألة قال ابن القاسم: واستحب لكل من خطب في جمعة أو عيدين أو استسقاء أن يتوكأ على عصى. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة وغيرها، ولا يكتفى بعمود المنبر كان ممن يرقى عليه أو يخطب إلى جانبه، وهي السنة من فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خطب توكأ على عصى أو قوس، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون بعده، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ» ، وفي آخر رسم "البز" بعد هذا ما يدل أن ذلك مباح، وهو الصحيح، وبالله التوفيق. [ترك العمل يوم الجمعة] ومن كتاب أوله شك في طوافه قال مالك: كان بعض أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكرهون أن يترك يوم الجمعة العمل؛ لئلا يصنعوا فيه كما فعلت اليهود والنصارى في السبت والأحد. قال محمد بن رشد: وهذا لما روي: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر بمخالفة أهل الكتاب، وينهى عن التشبه بهم، وروي عنه أنه قال: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» ، وأنه قال: «ألحدوا ولا تشقوا، فإن اللحد لنا، والشق لأهل الكتاب» ، وأنه قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام

مسألة: الرجل يتنفل في الصلاة أيحصي الآي بيده

أهل الكتاب أكلة السحر» ، ومثل هذا كثير. [مسألة: الرجل يتنفل في الصلاة أيحصي الآي بيده] مسألة وسئل مالك عن الرجل يتنفل في الصلاة أيحصي الآي بيده؟ قال: لا بأس بذلك، ولعله يريد أن يحصي بذلك. قال محمد بن رشد: لا وجه لإحصائه ما يقرأ به في نافلته من الآيات، إلا أن يكون أوجب على نفسه قدرا ما من القراءة فيها، فيحتمل أن يكون ذلك وجه الرواية، ويدل على ذلك قوله في آخرها، ولعله يريد أن يحصي بذلك، أي يحصي ما أوجب على نفسه من ذلك، إما بنذور، وإما بالنية مع الدخول في الصلاة على مذهب أشهب، في أن من افتتح الصلاة قائما وجب عليه تمامها قائما؛ لأنه رأى أن ذلك يجب عليه بالنية مع الدخول في الصلاة، خلاف ما في سماع موسى، عن ابن القاسم أنه من أحرم بالصلاة، ونوى سورة طويلة، ثم أدركه كسل وملل أنه ليس عليه أن يتمها، وإجازته إحصاء الآي بيديه لهذا المعنى هو نحو ما يأتي في رسم طلق من إجازته، تحويل الخاتم في أصابعه عند ركوعه لسهوه، فتدبر ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يكون في الصلاة فيقعد للتشهد فيضيق به الصف أيتقدم عنه] مسألة وسئل عن الرجل يكون في الصلاة، فيقعد للتشهد، فيضيق به الصف أيتقدم عنه؟ قال: لا بأس بذلك، وقد رأيت بعض أهل العلم يفعل ذلك. قال محمد بن رشد: الخروج عن الصف في الصلاة منهي عنه، فإنما أجاز ذلك للضرورة، ولو فعله من غير عذر؛ لكان قد أساء، ولم تكن عليه

مسألة: القارئ إذا أخطأ في الصلاة أيتعوذ وهو يلقن ولا يفقه

إعادة، قاله ابن حبيب. وروى ابن وهب عن مالك: أن عليه الإعادة؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكرة لما أتى وقد حفزه النفس فركع دون الصف: «زادك الله حرصا، ولا تعد» ؛ لأنه حمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ولا تعد، أي لا تعد إلى الركوع دون الصف. وقد قيل: إن المعنى في ذلك لا تعد إلى التأخير عن الصلاة حتى تأتي، وقد حفزك النفس، وهو الأظهر إذ لم يأمره بإعادة تلك الصلاة لذلك. وقد روي عن وابصة بن معبد: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا في الصف وحده، فأمره أن يعيد الصلاة» ، وهذا لا دليل فيه، إذ قد يحتمل أن يكون إنما أمره أن يعيد لمعنى كان منه في الصلاة، لا لأنه صلى في الصف وحده. وكذلك ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا صلاة لفرد خلف الصف» ، لا دليل فيه أيضا؛ لاحتمال أن يريد لا صلاة له متكاملة، كقوله: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» ، وقوله: «لا وضوء لمن لم يسم الله» ، وما أشبه ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: القارئ إذا أخطأ في الصلاة أيتعوذ وهو يلقن ولا يفقه] مسألة وسئل مالك عن القارئ إذا أخطأ في الصلاة أيتعوذ وهو يلقن ولا يفقه، قال: أرجو أن يكون خفيفا. فقيل له: يا أبا عبد الله، فإذا

مسألة: رعف بعدما سلم الإمام

لم يستطع أن ينفذ فيها أيركع أم يقرأ سورة غيرها؟ قال: ذلك واسع. قال ابن القاسم: وأحب إلي أن يبتدئ سورة أخرى. قال محمد بن رشد: خفف مالك التعوذ للقارئ في الصلاة إذا أخطأ في قراءته؛ لأن ذلك من الشيطان، لما روي: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرض له الشيطان في صلاته فقال: أعوذ بالله منك» ، ووسع له إذا لم ينفذ فيها أن يركع، واستحب ابن القاسم أن يبتدئ سورة أخرى. ووجه استحبابه أنه لما افتتح بسورة، فقد نوى إتمامها، فاستحب له أن لا يركع حتى يقرأ قدر ما كان نوى قراءته، وبالله التوفيق. [مسألة: رعف بعدما سلم الإمام] مسألة وسئل مالك عمن رعف بعدما سلم الإمام، أترى أن يسلم ويجزئ ذلك عنه؟ قال: نعم، إذا أصابه بعد سلام الإمام، فإني أرى ذلك مجزيا عنه أن يسلم، فإن رعف قبل أن يسلم الإمام خرج فغسل الدم عنه، ثم رجع بغير تكبير، فيجلس ثم يتشهد ويسلم. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصله؛ لأن الرعاف ليس بحدث ينقض الطهارة على مذهبه، فإذا رعف بعد سلام الإمام جاز له أن يسلم، وتجزئه صلاته؛ لأنه على طهارة، وإن رعف قبل سلامه جاز له البناء عنده بعد غسل الدم، وقال: إنه يرجع بغير تكبير؛ لأنه لم يخرج من صلاته بالرعاف، وإنما يرجع إلى تمام صلاته بتكبير من خرج منها بسلام، وبالله التوفيق. [مسألة: المسافر إذا زالت الشمس أترى أن يصلي الظهر] مسألة وسئل مالك عن المسافر إذا زالت الشمس، أترى أن يصلي الظهر؟ قال: أحب إلي أن يؤخر ذلك قليلا.

مسألة: الذي يدخل في صلاة الصبح والإمام قاعد فيقعد معه أيكبر حين يقعد

قال محمد بن رشد: استحب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يؤخر ذلك قليلا لوجهين: أحدهما: أن المبادرة في أول الوقت من فعل الخوارج الذين يعتقدون أن تأخير الصلاة عن أول وقتها لا يحل، والثاني: أن يستبين دخول الوقت ويتمكن؛ لأن أول الزوال خفي لا يتبين إلا بظهور زيادة الظل، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: الذي يدخل في صلاة الصبح والإمام قاعد فيقعد معه أيكبر حين يقعد] مسألة وسئل مالك عن الذي يدخل في صلاة الصبح والإمام قاعد فيقعد معه، أترى أن يكبر حين يقعد، أم ينتظر حتى يفرغ فيركع ركعتي الفجر ثم يصلي؟ قال: أما إذا قعد معه فأرى أن يكبر. قال ابن القاسم: ويركع ركعتي الفجر إذا طلعت الشمس. قال محمد بن رشد: لابن حبيب في الواضحة أنه لا يكبر ويقعد معه، فإذا سلم قام هذا فركع ركعتي الفجر. وقول مالك أولى وأحسن؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» وإن فاتته ركعتا الفجر في وقتها، فقد أدرك فضل الجماعة بدخوله مع الإمام في آخر صلاته على ما جاء من أن من أدرك القوم جلوسا، فقد أدرك فضل الجماعة، وبالله التوفيق. [مسألة: الصلاة في البرنس] مسألة وسئل مالك عن الصلاة في البرنس، قال: هي من لباس المصلين، وكانت من لباس الناس القديم، وما أرى بها بأسا، واستحسن لباسها، وقال: هي من لباس المسافر للبرد والمطر. قال: ولقد سمعت عبد الله بن أبي بكر، وكان من عباد الناس وأهل الفضل

مسألة: الرجل يقوم عند المنبر وهو يدعو ويرفع يديه

وهو يقول: ما أدركت الناس إلا ولهم ثوبان، برنس يغدو به، وخميصة يروح بها، ولقد رأيت ناسا يلبسون البرانس، فقيل له: ما كان ألوانها؟ قال: صفر. قال محمد بن رشد: البرانس ثياب متان في شكل الغفائر عندنا، مفتوحة من أمام، تلبس على الثياب في البرد والمطر مكان الرداء، فلا تجوز الصلاة فيها وحدها إلا أن يكون تحتها قميص أو إزار وسراويل؛ لأن العورة تبدو من أمامه. وهذا في البرانس العربية، وأما البرانس الأعجمية فلا خير في لباسها في الصلاة ولا في غير الصلاة؛ لأنها من زي العجم وشكلهم. أما الخمائص فهي أكسية من صوف رقاق معلمة وغير معلمة يلتحف بها، كانت من لباس الأشراف في أرض العرب، فقوله: برنس يغدو به، يريد يلبسه على ما تحته من الثياب، وخميصة يروح بها، يعني يلتحفها على ما عليه من الثياب، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: الرجل يقوم عند المنبر وهو يدعو ويرفع يديه] مسألة قال مالك: بلغني أن أبا سلمة رأى رجلا قائما عند المنبر، وهو يدعو ويرفع يديه، فأنكر عليه وقال: لا تقلصوا تقليص اليهود. فقيل له: ما أراد بالتقليص؟ قال: رفع الصوت بالدعاء ورفع اليدين. قال محمد بن رشد: إنما كره رفع الصوت بالدعاء؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ارفقوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا» ، وقد روي أن قول الله عز وجل: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] نزلت في الدعاء. وأما رفع اليدين عند الدعاء، فإنما أنكر الكثير منه مع رفع الصوت؛ لأنه

مسألة: السدل في الصلاة

من فعل اليهود، وأما رفعهما إلى الله عز وجل عند الرغبة على وجه الاستكانة والطلب، فإنه جائز محمود من فاعله، وقد أجازه مالك في المدونة في مواضع الدعاء وفعله فيها، واستحب في صفته أن تكون ظهورهما إلى الوجه، وبطونهما إلى الأرض، وقيل في قول الله عز وجل: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] إن الرغب بكون بطون الأكف إلى السماء، والرهب بكونها إلى الأرض، وقد وقع لمالك بعد هذا في رسم "المحرم" من هذا السماع: أنه لا يعجبه رفع اليدين في الدعاء، ومعنى ذلك الإكثار منه في غير مواضع الدعاء، حتى لا يختلف قوله، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: السدل في الصلاة] مسألة وسئل عن السدل في الصلاة، وليس عليه قميص سوى إلا أن يرخيه وبطنه مكشوف، قال: لا بأس بذلك، إذا كان عليه غير ذلك. قال محمد بن رشد: صفة السدل أن يسدل طرفي ردائه بين يديه، فيكون صدره وبطنه مكشوفا، فأجاز ذلك إذا كان عليه غير ذلك، يريد - والله أعلم - إن كان عليه مع الإزار غير ذلك من ثوب يستر سائر جسده. وأجازه في المدونة وإن لم يكن عليه إلا إزار أو سراويل تستر عورته، وحكى أنه رأى عبد الله بن الحسن وغيره يفعل ذلك، ومعنى ذلك إذا غلبه الحر، إذ ليس من الاختيار أن يصلي الرجل مكشوف الصدر والبطن من غير عذر، وقد «روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي هريرة وأبي حجيفة: أنه نهى عن السدل في الصلاة» ، فكره لذلك بعض أهل العلم أن يسدل الرجل في صلاته، وإن كان عليه مع الإزار قميص، وقال: ذلك فعل اليهود، والله أعلم، وبه التوفيق.

مسألة: فضل صلاة العشاء

[مسألة: فضل صلاة العشاء] مسألة وسئل مالك: هل بلغك عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا ذكر له البادية والخروج إليها قال: فأين صلاة العشاء؟ قال: نعم، قد بلغني أن سعيد بن المسيب كان إذا ذكر له البادية والخروج إليها قال: فأين صلاة العشاء. قال محمد بن رشد: إنما كان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول ذلك إشفاقا على فوات الصلاة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخص بالذكر صلاة العشاء لما جاء من الفضل في شهودها، فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح لا يستطيعونها» أو نحو هذا. وقال عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من شهد العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة، ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة، وذلك لا يكون إلا عن توقيف، إذ لا مدخل في ذلك للقياس، ولا يقال مثله بالرأي، ولعله أراد أن أهل البادية لا يصلون العشاء والصبح في جماعة، ولا يرى لنفسه اختيارا أن يأتم بأئمتهم لجهلهم بالسنة، وبالله التوفيق. [مسألة: المراوح أيكره أن يروح بها في المساجد] مسألة وسئل مالك عن المراوح، أيكره أن يروح بها في المساجد؟ قال: نعم، إني لأكره ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قاله؛ لأن المراوح إنما اتخذها أهل الطول للترفيه والتنعم، وليس ذلك من شأن المساجد، فالإتيان إليها بالمراوح من المكروه البين. وستأتي هذه المسألة مكررة في سماع أشهب في أول رسم منه، وبالله التوفيق.

الرجل يقعد مع الإمام في الركعتين فينعس فلا ينتبه إلا لقيام الناس أيقوم أم يتشهد

[الرجل يقعد مع الإمام في الركعتين فينعس فلا ينتبه إلا لقيام الناس أيقوم أم يتشهد] مسألة وسئل مالك عن الرجل يقعد مع الإمام في الركعتين، فينعس فلا ينتبه إلا لقيام الناس، أيقوم أم يتشهد؟ قال: بل يقوم، ولا يقعد للتشهد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قاله؛ لأن التشهد قد فاته بنعاسه وذهب موضعه، ووجب عليه أن يقوم إذا قام الإمام؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا» الحديث، ولا شيء عليه في التشهد؛ لأنه مما يحمله عنه الإمام، ولا ينتقض وضوؤه بهذا المقدار من النوم؛ لأنه يسير، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتشهد وهو ملتف بساجه فيشير من تحت الساج بأصبعه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يتشهد وهو ملتف بساجه، فيشير من تحت الساج بأصبعه، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: أما الإشارة بالأصبع في التشهد فقد استحسنه في رسم "المحرم" بعد هذا، وخير فيه في رسم "نذر سنة". وقوله هاهنا: لا بأس بذلك يدل على التخفيف، وأن ما سواه أحسن، فلا يعود ذلك إلا إلى الإشارة من تحت الساج، لا إلى نفس الإشارة؛ لأنها السنة من فعل الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على ما في الموطأ من رواية ابن عمر. ولابن القاسم في تفسير ابن مزين: أنه كان لا يحركهما، وفي سماع أبي زيد عنه أنه قال: رأيت مالكا إذا

مسألة: صلاة رسول الله في منى إلى غير سترة

صلى الصبح، يدعو ويحرك أصبعه التي تلي الإبهام ملحا. ووجه تحريكها استشعار كونه مقبلا على صلاته؛ لئلا يشتغل باله بما سواها. وقد قيل فيها لهذا المعنى: إنها مدية الشيطان، ومقمعة له. ووجه مدها دون تحريك أن يتأول فاعل ذلك بها أن الله وحده لا شريك له، وبالله التوفيق. [مسألة: صلاة رسول الله في منى إلى غير سترة] مسألة قال مالك: صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في منى إلى غير سترة، ولقد كرهت بنيان مسجد عرفة، وذلك أن الرجل يأتي يمسك بعيره وما أشبه ذلك، وليس لكل الناس من يمسك إبلهم. ولقد أدركت عرفة وما بها مسجد حتى بني بعد، فقيل له: ما اتخذ الناس من البنيان بمنى، فكره ذلك وقال: ذلك مما يضيق على الناس، ولم يعجبه البنيان بها. قال محمد بن رشد: قوله: صلى رسول الله في منى إلى غير سترة، أي إلى غير سترة مبنية مسجد ولا غيره، لا أنه صلى إلى غير سترة أصلا، فإنه كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى في الصحراء تركز له الحربة، أو توضع بين يديه العنزة، فيصلي إليها. وقد بين العلة في كراهيته للبنيان بمنى، ولبنيان مسجد عرفة، ومثل ذلك كله في الحج الأول من المدونة، وقال فيها: إنما أحدث مسجدها بعد بني هاشم بعشر سنين. [مسألة: الأقناء التي تعلق في مسجد النبي] مسألة وسئل مالك عن الأقناء التي تعلق في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أكان ذلك من الأمر القديم؟ قال: نعم، قد كان على عهد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإنما كان لمكان من كان يأتي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان لموضع ضيافتهم يأكلون منه وأراه حسنا أن يعلق فيه، فقيل له:

مسألة: المرأة التي ليس لها الزوج الشابة تضع الخضاب ولبس القلادة

أفترى لو عمل ذلك في مساجد الأمصار؟ فقال: أما كل بلد فيه تمر فلا أرى بذلك بأسا. قال ابن القاسم: ولم ير مالك بأسا بأكل الرطب التي تجعل في المسجد، مثل رطب ابن عمير، وقد جعل صدقة. قال محمد بن رشد: الأقناء: العراجين من التمر، وواحدها قنو، ويجمع على أقناء وقنوان. قال الله عز وجل: {قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} [الأنعام: 99] ، وفي هذا ما يدل على أن الغرباء الذين لا يجدون مأوى يجوز لهم أن يأووا إلى المساجد، ويبيتوا فيها، ويأكلوا فيها ما أشبه التمر من الطعام الجاف كله، وقد تقدم هذا المعنى في أول الرسم الذي قبل هذا، ويأتي في غير ما موضع، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة التي ليس لها الزوج الشابة تضع الخضاب ولبس القلادة] مسألة وسئل مالك عن المرأة التي ليس لها الزوج الشابة، تضع الخضاب ولبس القلادة ولبس القرطين، قال: لا بأس بذلك. فقيل لمالك: أتصلي بغير قلادة ولا قرطين، قال: نعم، لا بأس بذلك، وإنما يفتيهن بهذا العجائز. قال محمد بن رشد: إنما وقع السؤال عن المرأة التي ليس لها الزوج الشابة، تضع الخضاب ولبس القلادة ولبس القرطين، من أجل ما روي: «أن امرأة جاءت إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تبايعه فقال لها: "ما لك لا تختضبين، ألك زوج. قالت: نعم، قال: فاختضبي؛ فإن المرأة تختضب لأمرين، إن كان لها زوج فلتختضب لزوجها، وإن لم يكن لها زوج فلتختضب لخطبها"، ثم قال: "لعن الله المذكرات من النساء، والمؤنثين من

الرجال» ، فلم يكره مالك للمرأة الشابة إذا لم يكن لها زوج أن تدع الخضاب ولبس القلادة والقرطين، وقال: لا بأس بذلك، ومعناه إذا لم تفعل ذلك قصدا منها للتشبه بالرجال. وأما إن كان لها زوج فالخضاب ولبس القلادة والقرطين مما يستحب لها بدليل الحديث، فهو مستحب في حال، ومباح في حال، ومحظور في حال. والخضاب المأمور به هو أن تخضب المرأة يديها إلى موضع السوار من ذراعيها. وروي: أن عمر بن الخطاب خطب فقال: يا معشر النساء، إذا اختضبتن فإياكن والنقش والتطريف، ولتخضب إحداكن يديها إلى هذا، وأشار إلى موضع السوار. وأما صلاتها بغير قلادة ولا قرطين، فأجاز ذلك مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولم ير فيه كراهة، وقال: لا بأس بذلك، وإنما يفتيهن بذلك العجائز، وقوله بَيِّن لا إشكال فيه؛ لأن هذه الأشياء من المعاني التي أبيح للمرأة أن تتزين بها، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] فليست مما يجب عليها في صلاة ولا غير صلاة، وأرى من كان أصل الفتوى بوجوب ذلك عليهن في الصلاة، تأول قول الله عز وجل: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] ، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الآية إنما نزلت في الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة، فلا يحتج منها على الوجوب إلا في ستر العورة خاصة، وأما حسن الهيئة في اللباس، وما كان في معناه، فإنما يستدل من الآية على استحبابه. وإنما نزع بها مالك في كراهية الصلاة في مساجد القبائل بغير أردية، وقد كره جماعة السلف للمرأة أن تصلي بغير قلادة، روي ذلك عن ابن سيرين قال: قلت: لم؟ قال: لأنه تشبه بالرجال. وروى أن أم الفضل ابنة غيلان كتبت إلى أنس بن مالك: أتصلي المرأة وليس في عنقها قلادة؟ فكتب إليها: لا تصلي

مسألة: القوم يخرجون إلى السفر فيقدمون الرجل الصالح لفضله ولحاله ويجلونه

المرأة إلا وفي عنقها قلادة، وإن لم تجد إلا سيرا. ولم يكره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن تصلي بغير قلادة ولا قرطين، وإن كانت القلادة والقرطان للمرأة من زينتها وحسن هيئتها، كما كره للرجل أن يصلي بغير رداء من أجل أن الرداء من زينته وحسن هيئته، والفرق بينهما عنده، والله أعلم أن القلادة والقرطين من الزينة التي أمر الله تعالى أن لا تبديها إلا لزوجها، أو لذي المحرم منها، وبالله التوفيق. [مسألة: القوم يخرجون إلى السفر فيقدمون الرجل الصالح لفضله ولحاله ويجلونه] مسألة وحدثنا مالك، عن عبد الرحمن بن المحبر أنه كان مع سالم بن عبد الله في بعض المناهل، فأقيمت الصلاة في المسجد، قال: فقلت له: الصلاة قد أقيمت، قال: نصلي مكاننا، ولا نصلي صلاتين صلاة السفر، وصلاة الحضر. وسئل مالك عن القوم يخرجون إلى السفر، فيشيعهم الرجل الذي له الفضل والسن، فيقدمونه لفضله ولحاله فيجلونه، فقال: أرجو أن لا يكون بذلك بأس. قال محمد بن رشد: رأى سالم بن عبد الله أن القصر أفضل من الصلاة في الجماعة، وهو مذهب مالك؛ لأنه يرى القصر أفضل من الإتمام في جماعة، فإن أتم في جماعة لا يعيد؛ لأن معه فضل الجماعة مكان ما فاته من فضل القصر، وإن أتم وحده أعاد في الوقت ليدرك فضيلة القصر. وإن قدم المسافرون مقيما لفضله لم يكن بذلك بأس عنده. وقد تقدم هذا المعنى في رسم "القبلة"، وسيأتي في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب، وبالله التوفيق.

مسألة: الرجوع على صدور القدمين في الصلاة

[مسألة: الرجوع على صدور القدمين في الصلاة] مسألة وقال مالك: ما رأيت أحدا ممن كنت أقتدي به يرجع على صدور قدميه في الصلاة. قال محمد بن رشد: يريد بين السجدتين، وهذا كما قاله؛ لأن سنة الصلاة أن يكون جلوسه بين السجدتين كهيئة جلوسه في التشهد، وقد رأى المغيرة بن حكم عبد الله بن عمر يرجع في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه، فلما انصرف ذكر ذلك لي، فقال: إنها ليست سنة الصلاة، وإنما أفعل ذلك من أجل أني أشتكي. وقال في حديث آخر إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني رجلك اليسرى. والسنة إذا أطلقت فهي سنة النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حتى تضاف إلى غيره، كما قيل سنة العُمَرَيْن - والرجوع على العقبين بين السجدتين هو الإقعاء المنهي عنه عند أهل الحديث، وعند أهل اللغة جلوس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع، وبالله التوفيق. [البدار بالصلاة في أول الوقت] مسألة ولقد بلغني أن ابن عمر كان يروح بعد الزوال ثم يسير أميالا قبل أن يصلي الظهر، فقيل له: فأي ذلك أحب إليك؟ قال مالك: مثل الذي فعل ابن عمر يؤخر ذلك، فقيل له: فالجمع بين الصلاتين في السفر؟ قال: إني لأكره ذلك. قيل له: فالنساء؟ قال: ذلك أخف عندي؛ لأن المرأة تستر وخففه فيها. وقال ما مالك: «بلغني أن عبد الله بن رواحة أقبل إلى المسجد يوم الجمعة فسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول وهو على المنبر للناس اجلسوا قال: فسمعه عبد الله بن رواحة وهو في الطريق فجلس مكانه في الطريق

لموضع ما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . فقيل له: فأحب إليك إذا جمع في أي وقت؟ قال: في وسط ذلك بين الصلاتين. قال محمد بن رشد: رواح عبد الله بن عمر، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، بعد الزوال قبل أن يصلي الظهر يدل على أنه كان يتحرى أن لا يصلي في أول الوقت حتى يتمكن ويمضي منه بعضه، وهو الذي استحب مالك هنا وفي صدر هذا الرسم؛ لأن البدار بالصلاة في أول الوقت من فعل الخوارج، وأن الذي يتحرى أول الوقت لا يأمن أن يخطئ في تحريه فيصلي قبل أول الوقت. وكراهية مالك جمع الصلاتين في السفر معناه إذا لم يجد في السير، وهو مثل قوله في المدونة، وخففه في المرأة لمشقة النزول عليها لكل صلاة مع حاجتها إلى الاستتار، مع أنه قد أجيز للرجل أيضا وإن لم يَجِدَّ به السير، وإليه ذهب ابن حبيب، وقد روي ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو الذي يدل عليه حديث معاذ بن جبل في الموطأ قوله فيه: «فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا» ؛ لأن قوله ثم خرج ثم دخل يدل على أنه كان نازلا غير ماش في سفره. وقول مالك: إنه يجمع في وسط ذلك بين الصلاتين يريد في آخر وقت الأولى وأول وقت الثانية، وهو مثل قوله في المدونة، وحديث عبد الله بن رواحة وقع في أثناء المسألة، ولا تعلق له بشيء منها، وفيه دليل على أنه يستحب لمن أتى الجمعة أن يترك الكلام في طريقه إذا علم أن الإمام في الخطبة وكان بموضع يمكن عنه أن يسمع كلام الإمام. وقد قيل: إن الإنصات لا يجب عليه حتى يدخل المسجد، وهو قول ابن الماجشون ومطرف، وقيل

مسألة: الجمع بين المغرب والعشاء إذا جمعتا في المطر

إنه يجب عليه منذ يدخل رحاب المسجد التي تصلى فيه الجمعة من ضيق المسجد، وبالله التوفيق. [مسألة: الجمع بين المغرب والعشاء إذا جمعتا في المطر] مسألة وسئل مالك عن الجمع بين المغرب والعشاء إذا جمعتا في المطر أية ساعة يجمعان؟ قال: يؤخر المغرب قليلا. فقيل: أيوتر من جمع قبل أن يغيب الشفق؟ قال: لا، أفلا يستطيع أن يوتر في بيته؟ قال محمد بن رشد: قوله: إن المغرب تؤخر قليلا في الجمع بينهما هو معنى ما في المدونة، وفي رسم "أخذ يشرب خمرا" بعد هذا، وهو المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك أن ينصرف الناس وعليهم إسفار قبل مغيب الشفق وإظلام الوقت. وقد روي عن مالك أنه يجمع بينهما عند الغروب، وهو قول محمد بن عبد الحكم، وروي ذلك عن ابن وهب وأشهب. وهذا القول يأتي على قياس القول بأن المغرب ليس لها في الاختيار إلا وقت واحد، فلما لم يجز على هذا القول تأخير المغرب بعد الغروب إلا لعذر ولا تعجيل العشاء قبل الشفق إلا لعذر أيضا، واستوى الطرفان، رأى التعجيل أولى لما للناس من الرفق في الانصراف والضوء متمكن بعد. وأما القول الأول فإنه يأتي على مراعاة قول من يرى أن المغرب وقتها في الاختيار إلى مغيب الشفق، وهو ظاهر قول مالك في موطئه، فرأى أن يكون الجمع في وسط وقت المغرب المختار ليدرك من فضيلة وقت المغرب بعضها وتكون العشاء قد عجلت عن وقتها المختار للرفق بالناس كي ينصرفوا وعليهم إسفار قبل تمكن الظلام. وقوله: إنه لا يوتر قبل أن يغيب الشفق صحيح؛ لأن الوتر من صلاة الليل، ولا ضرورة تدعو إلى تعجيله قبل مغيب الشفق، وبالله التوفيق.

مسألة: ينصرف من منى إلى مكة وهو من أهلها فتدركه الصلاة قبل وصوله مكة

[مسألة: ينصرف من منى إلى مكة وهو من أهلها فتدركه الصلاة قبل وصوله مكة] مسألة وسئل مالك عن الرجل ينصرف من منى إلى مكة وهو من أهل مكة، فتدركه الصلاة من قبل أن يصل إلى مكة، أترى يتم الصلاة؟ قال: نعم. وأهل المحصب يتمون وراءهم مثلهم، وأرى أن يحصب الناس بالمحصب حتى يصلوا العشاء. وقد حصب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال لي بعد ذلك أرى أن يصلوا ركعتين حين ينزلون بالمحصب إذا أدركهم الوقت فيما بين منى ومكة، وإن تأخروا بمنى صلوا ركعتين. قال ابن القاسم: وقوله الأول أعجب إلي أن يتموا قبل أن يأتوا المحصب. قال مالك: «حج معاوية بن أبي سفيان فصلى بمنى ركعتين، فكلمه مروان في ذلك وقال: أنت القائم بأمر عثمان، تصلي ركعتين وقد صلى عثمان أربعا، فقال: ويلك أنا صليتهما هاهنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين، قال: فلم يزل به مروان حتى صلى أربعا» . قال محمد بن رشد: أما من قدم مكة ولم ينو المقام بها أربعا حتى خرج إلى الحج فلا اختلاف في أنه يقصر بمنى وفي جميع مواطن الحج لأنه مسافر بعدُ على حاله، وإنما اختلف أهل العلم فيمن نوى الإقامة بمكة أو كان من أهلها وخرج إلى الحج، فقيل: إنه يتم لأنه ليس في سفر يقصر في مثله الصلاة، وهو مذهب أهل العراق، وقيل إنه يقصر لأنها منازل سفر وإن لم يكن سفرا يقصر في مثله الصلاة. وإلى هذا ذهب مالك، ودليله «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة، فأقام بمكة إلى يوم التروية، وذلك أربع ليال» ، ثم خرج فقصر بمنى، فلم يختلف قول مالك: إنه يقصر بمنى وعرفة، وفي جميع مواطن الحج إلا في رجوعه من منى إلى مكة بعد انقضاء حجه إذا نوى الإقامة بمكة أو كان من أهلها على ما تقدم، فكان أولا

مسألة: صلاة النوافل في البيوت

يقول: إنه يُتم؛ مراعاة لمن يرى أنه يتم؛ إذ ليس في سفر تقصر في مثله الصلاة، ثم رجع فقال: إنه يقصر حتى يأتي مكة بناء على أصله في أنه من أهل القصر دون مراعاة منه لقول غيره. وكذلك اختلف في ذلك اختيار ابن القاسم، وستأتي هذه المسألة متكررة في رسم "الشريكين" وفي رسم "المحرم " وفي بعض الروايات. وأما إتمام عثمان، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، بمنى فقد روي أن الناس لما أنكروا عليه الإتمام قال لهم: إني تأهلت بمكة، وقد سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من تأهل في بلدة فهو من أهلها» ، ولعله تأول أن رسول الله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لم يقصر بمنى إلا من أجل أن إقامته بمكة لم تكن إقامة تخرجه عن سفره، ولذلك قصر بمنى. وأما معاوية بن أبي سفيان فالوجه فيما ذكر عنه في هذه الرواية والله أعلم أنه كان مقيما بمكة فقصر بمنى؛ لأنه تأول أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصر بها، وقد كان مقيما بمكة، فلم يزل به مروان حتى صرفه عن تأويله على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان مقيما بمكة إلى أنه إنما قصر، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لأنه لم يكن مقيما بمكة إقامة تخرجه عن سفره. فالاختلاف هل كان، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، مقيما بمكة قبل خروجه إلى منى أو غير مقيم هو أصل الاختلاف في هذه المسألة، فذهب مالك إلى أنه قصر بمنى وقد كان مقيما، وذهب أهل العراق إلى أنه إنما قصر بمنى من أجل أنه لم يكن مقيما بمكة، وبالله التوفيق. [مسألة: صلاة النوافل في البيوت] مسألة وسئل عن الصلاة في النوافل في البيوت أحب إليك أم في المسجد؟ قال: أما في النهار فلم يزل من عمل الناس الصلاة في المسجد يجرون ويصلون، وأما الليل ففي البيوت. وقد كان الرسول، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يصلي الليل في بيته. وقال مالك: يستحب

للذي يصلي بالليل في منزله أن يرفع صوته بالقرآن. وكان الناس إذا أرادوا سفرا تواعدوا لقيام القرآن وبيوتهم شتى، وكانت أصواتهم تسمع بالقرآن، فأنا أستحب ذلك. قال محمد بن رشد: استحب مالك صلاة النافلة بالنهار في المسجد على صلاتها في البيت؛ لأن صلاة الرجل في بيته وبين أهله وولده وهم يتصرفون ويتحدثون ذريعة إلى اشتغال باله بأمرهم في صلاته، ولهذه العلة كان السلف يهجرون ويصلون في المسجد، فإذا أمن الرجل من هذه العلة فصلاته في بيته أفضل؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا الصلاة المكتوبة» ؛ لأنه حديث صحيح محمول على عمومه في الليل والنهار مع استواء الصلاة في الإقبال عليها وترك اشتغال البال فيها؛ وقد سئل مالك في أول الرسم بعد هذا عن الصلاة في مسجد النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، في النوافل، أفيه أحب إليك أم في البيوت؟ قال: أما الغرباء فإن فيه أحب إلي، يعني بذلك الذين لا يريدون إقامة، فدل هذا من قوله أن الصلاة بالنهار في البيوت لغير الغرباء أحب إليه من الصلاة في المسجد. ومعنى ذلك إذا أمنوا من اشتغال بالهم في بيوتهم بغير صلاتهم، وأما إذا لم يأمنوا ذلك فالصلاة في المسجد أفضل لهم، فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ركع ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء غفر له ما تقدم من ذنبه» . وإنما كانت صلاة النافلة للغرباء في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل منها لهم في بيوتهم بخلاف المقيمين؛ لأن الصلاة إنما كانت أفضل في البيوت منها في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي جميع المساجد من أجل فضل عمل السر على عمل العلانية، قال الله

مسألة: البيتوتة في المسجد

عز وجل: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] . قال النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله» ، فذكر فيهم: " من ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ومن تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ". والغرباء لا يعرفون في البلد ولا يذكرون بصلاتهم في المسجد، فلما لم تكن لصلاتهم في بيوتهم مزية من ناحية السر وجب أن تكون صلاتهم في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل لما جاء من: «أن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» . فعلى هذا تتفق الروايات ولا يكون بينها تعارض ولا اختلاف. ووجه استحباب مالك للذي يصلي الليل في بيته أن يرفع صوته بالقرآن ليشيع الأمر ويعلو ويكثر فيرتفع عنه الرياء، ويحصل بفعله الاقتداء، فيحصل له أجر من اقتدى به، وذلك من الفعل الحسن لمن صحت نيته في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: البيتوتة في المسجد] مسألة وسئل عن البيتوتة في المسجد، فقال: أما من كان له منزل؛ فإني أكره له ذلك، وأما من ليس له منزل والضيفان فلا أرى بذلك بأسا.

مسألة: المرأة إذا كان عليها الخضاب وهي طاهرة أتصلي به

قال محمد بن رشد: قد مضى هذا المعنى في هذا الرسم وفي أول الرسم الذي قبله فلا معنى لإعادة القول فيه. [مسألة: المرأة إذا كان عليها الخضاب وهي طاهرة أتصلي به] مسألة وسئل عن المرأة إذا كان عليها الخضاب وهي طاهرة أتصلي به؟ قال: غيره أحسن منه. قال ابن القاسم: وقد قال لي قبل ذلك لا بأس به وأنا لا أرى به بأسا إذا كانت على وضوء. قال محمد بن رشد: لم يبين في هذه الرواية إن كان الخضاب على يديها أو على رجليها وقد ربطت عليه بالخرق، فلذلك لم ير به بأسا، ثم رأى غيره أحسن منه، واختيار ابن القاسم أنه لا بأس به إذا كانت على وضوء، يريد أنها لو لم تكن على وضوء لم يجز لها أن تمسح على خضابها وتصلي. واختلف إذا لبست على خضابها خفين؛ وهي غير طاهرة لتقيه بذلك، فروى مطرف عن مالك أنه لا يجوز لها أن تمسح عليهما، وقد قيل: إنه يجوز المسح، وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي. وقال مالك في المدونة: لا يعجبني، فهي ثلاثة أقوال: المنع والإباحة والكراهة. وأما إذا كان الخضاب على يديها وقد ربطت عليه فلا ينبغي لها أن تصلي به حتى تنزعه قولا واحدا، يبين هذا ما يأتي في رسم "البز" أن الرجل إذا حضرته الصلاة وعليه الأصابع والمضرية؛ وهو يرمي أنه ينتعهما، وكذلك يصلي إلا أن يكون في حرب ويخاف أن يطول ذلك به لأن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، وبالله التوفيق. [مسألة: صلاة أهل مكة ووقوفهم في السقائف للظل لموضع الحر] مسألة وسئل مالك عن صلاة أهل مكة ووقوفهم في السقائف للظل لموضع الحر، قال: أرجو أن يكون خفيفا. فقيل له: فأهل المدينة ووقوفهم في الشق الأيمن من مسجدهم وتنقطع صفوفهم في الشق

مسألة: حكم أبوال الأنعام

الأيسر، قال أرجو أن يكون واسعا لموضع الشمس. ثم قال: كان رجل يحمل بطحاء ليسجد عليها، فقيل له: أفتكره ذلك؟ قال: نعم. ويسجد على ثوبه أحب إلي من أن يحمل بطحاء يضعها يسجد عليها. قال محمد بن رشد: خفف انقطاع الصفوف لضرورة الشمس؛ لأن التراص في صفوف الصلاة مستحب. وهذا نحو قوله في المدونة: إنه لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد، وهو بين أن قوله فيها لا بأس أن تقف طائفة عن يسار الإمام في الصف ولا تلصق بالطائفة التي عن يمين الإمام، معناه لا بأس بالفعل إذا وقع لا أن ذلك يجوز ابتداء من غير كراهة، والله أعلم. والبطحاء التراب، فكره وضعها في المسجد وحملها من موضع منه إلى غيره لما في ذلك من حفر المساجد وتغيير سطوحها، ورأى السجود على ثوبه أخف من ذلك، وهو كما قاله: وسيأتي في رسم "المحرم" التكلم على المصلي وحده في السقائف أو مع غيره إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق. [مسألة: حكم أبوال الأنعام] مسألة وسئل مالك عن أبوال الأنعام، قال: أبوالها خفيف قيل له: فالظبي من الأنعام؟ قال: لا، إنما الأنعام الإبل والبقر والغنم. قال الله تبارك وتعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الأنعام: 143] ، قال الظبي ليس من الأنعام ولا أرى أن يتقرب إلى الله عز وجل بشيء منها، يريد في الضحايا والعقائق وما أشبه ذلك من سنن الإسلام. قال محمد بن رشد: أما أبوال الأنعام فلم يختلف قول مالك أنها طاهرة، ووقع في سماع أشهب من كتاب الجامع أنه فرق بين أبوال الأنعام

مسألة: الرجل يسلم التسليمة الأولى قبل تسليمة الإمام الثانية

وبين أبوال ما يؤكل لحمه من غيرها. وتأول ابن لبابة أنه إنما فرق بين ذلك في إجازة التداوي بشربها لا في نجاستها، للحديث الذي جاء في إجازة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشرب أبوال الإبل للرهط الغربيين الذين قدموا على النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فاستوخموا المدينة. والمشهور من قول مالك في المدونة وغيرها المساواة بين أبوال الأنعام وبين أبوال ما يؤكل لحمه من غيرها، والذي في هذه الرواية محتمل، ودليلها إجازة الضحايا والعقائق بجميع الأنعام، وهو ظاهر ما في سماع أشهب من كتاب الضحايا خلاف ما في سماع يحيى من كتاب العقيقة لمالك أن العقيقة لا يجزئ فيها إلا الغنم. [مسألة: الرجل يسلم التسليمة الأولى قبل تسليمة الإمام الثانية] مسألة وسئل مالك عن الرجل يسمع تسليم الإمام فيسلم تسليمة واحدة ثم يسلم الرجل ثم يسمعه يسلم الأخرى، قال: أرى أن يسلم أخرى. قال محمد بن رشد: اختلف قول مالك في سلام المأموم والفذ، فكان يقول: إنهما يسلمان تسليمتين ثم يرد المأموم منهما على الإمام، ثم رجع إلى أنهما يسلمان تسليمة واحدة ثم يرد المأموم منهما على الإمام، والقولان قائمان في المدونة. وفي رسم "المحرم" بعد هذا أن المنفرد لا بأس أن يسلم تسليمتين، وأما الإمام فقال فيه: ما أدركت الأئمة إلا على تسليمة واحدة، زاد في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب، وإنما أحدث تسليمتين منذ كانت بنو هاشم. وقوله في هذه الرواية يأتي على قول مالك الثاني؛ لأنه لم ير أن يسلم تسليمة أخرى اتباعا للإمام، وهو نحو ما في رسم "نذر سنة" من أنه إذا فاته من صلاة الإمام شيء لا يقوم إلى قضائه حتى يفرغ الإمام من سلامه كله.

مسألة: السيجان الإبريسمية وقياسها حرير والملاحف التي يكون لها العلم الحرير

[مسألة: السيجان الإبريسمية وقياسها حرير والملاحف التي يكون لها العلم الحرير] مسألة وسئل عن السيجان الابريسمية وقياسها حرير، والملاحف التي يكون لها العلم الحرير قدر الأصبعين، أيلبس ذلك؟ قال: ما أحب ذلك وما يعجبني لنفسي ولا أراه حراما. قال محمد بن رشد: المحرم على الرجل لباسه هو الثوب المصمت الخالص من الحرير، وأما ما كان من ثياب الحرير مشوبا بغيره من قطن أو كتان أو صوف فليس بحرام، أجازه ابن عباس، وكرهه ابن عمر، وبكراهية لباسه أخذ مالك هذا قوله هنا وفي الحج الثاني من المدونة وفي غير ما موضع. وأجاز ابن حبيب الخز من ذلك خاصة، وكره ما سواه، اتباعا لمن استجاز لباس الخز من السلف، وليس قوله بقياس. وأما العلم الحرير فكرهه مالك أيضا وأجازه جماعة من السلف وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه أجازه. على قدر الإصبع والإصبعين والثلاثة والأربعة، وقع ذلك في مختصر ما ليس في المختصر لابن شعبان، وبالله التوفيق. [: طول السجود في النافلة في المسجد] ومن كتاب قطع الشجر مسألة قال ابن القاسم: سئل مالك عن طول السجود في النافلة في المسجد، قال أكره ذلك وأكره الشهرة. قال محمد بن رشد: وجه كراهيته لذلك ما يخشى أن يدخل على فاعل ذلك مما تفسد به نيته. وبالله التوفيق. ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل عن الزيت تقع فيه الفارة فيطبخ صابونا، أترى أن يباع

مسألة: الأكل في المسجد

وأن يغسل بذلك الصابون؟ فقال إني أكره ذلك وما يعجبني. قال: وينتصح على الناس عند غسلهم [فلا يعجبني. قال محمد بن رشد: كره في هذه الرواية بيعه ثم قال] : وينتصح على الناس عند غسلهم، فكأنه علل الكراهة بذلك. فعلى تعليله لو بين لجاز البيع. والذي يأتي على المعلوم من مذهبه في المدونة وغيرها أن البيع لا يجوز، وهو قول جميع أصحاب مالك حاشا ابن وهب. وأما غسل الثوب به فجائز على مذهبه، وهو قول سحنون نصا في سماعه من كتاب الوضوء، وقول جميع أصحاب مالك حاشا ابن الماجشون. [مسألة: الأكل في المسجد] مسألة وسئل عن الأكل في المسجد فقال: أما الشيء الخفيف مثل السويق والطعام اليسير فأرجو أن يكون خفيفا، وأما الطعام مثل الألوان واللحم فما يعجبني ذلك، فمن الناس من يشتد عليه الصيام، ليس كل الناس في الصيام سواء. أما الرجل الضعيف وما أشبهه فأرجو إذا كان الشيء الخفيف فلا بأس به. فقيل له: فرحاب المسجد؟ قال لا الرحاب من المسجد للطعام الكثير فلا يعجبني، وكره أكل الإمام الطعام في المسجد. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا في رسم "شك" وفي أول رسم "سلعة سماها " فلا معنى لإعادته. [مسألة: يضع يده في الأرض عند سجوده لمكان عنان فرسه] مسألة وسئل عن الخيل الحصن ينزل أهلها للصلاة فلا يستطيعون

مسألة: أهل أدنة وما أشبهها من المسالح أترى أن يصلوا الجمعة

أن ينضموا لموضع تحصن خيلهم فيصلون أفرادا وإمامهم أمامهم، قال: لا بأس بذلك. فقيل له: فإن الرجل ربما فزع إلى فرسه ونسي رسنه فلا يجد بدا من أن يمسك عنان فرسه ولا يستطيع أن يضع يده على الأرض، قال أرجوه أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: أما إجازته لصلاتهم متفرقين مأتمين بإمامهم من أجل تحصن خيلهم فصحيح، وأما تخفيفه ألا يضع يده في الأرض عند سجوده لمكان عنان فرسه فوجه ذلك الضرورة الداعية إليه إذا لم يجد بدا من ذلك كما قال، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السجود على سبعة آراب» ، وهذا مثل ما في آخر سماع موسى، وهو أحسن مما يأتي في رسم " اغتسل "؛ لأنه قال فيه أرجو أن يكون في سعة ولا أحب له أن يتعمد ذلك. [مسألة: أهل أدنة وما أشبهها من المسالح أترى أن يصلوا الجمعة] مسألة وسئل مالك عن أهل أدنة وما أشبهها من المسالح، أترى أن يصلوا الجمعة؟ قال: إن كانوا في قرى فأرى أن يصلوا، فإنما الجمعة على أهل القرى، فإن كانوا في قرية ولهم عدد فأرى أن يصلوا.

مسألة: حكم تزويق المساجد

قال محمد بن رشد: هذا نحو ما في رسم "أوله صلى نهارا ثلاث ركعات"، وهو معلوم من مذهب مالك أن الجمعة تجب على أهل القرى المتصلة البنيان إذا كان لهم العدد، أعني لأهل القرية دون المقيمين للرباط، ولم يحد في ذلك حدا على مذهبه في كراهية الحد في الأشياء، وحد ابن حبيب في ذلك الثلاثين، كما تجب على أهل الأمصار خلاف ما يذهب إليه أهل العراق أن الجمعة لا تجب إلا في مصر جامع. [مسألة: حكم تزويق المساجد] مسألة وحدثنا سحنون عن ابن القاسم عن مالك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل في نعليه شراكين جددين فأمر أن ينزعا وأن يرد فيهما الخلقتين اللتين كانتا فيهما فقيل له: لم يا رسول الله فقال إني نظرت إليهما في الصلاة» قال مالك: ولقد كره الناس تزويق المسجد حين جعل بالذهب والفسيفساء، وأول ذلك مما يشغل الناس في صلاتهم. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة في كراهية تزويق المسجد. ومن هذا المعنى كره تزيين المصاحف بالخواتم، وقد مضى ذلك في رسم "سلعة سماها "، وكره في أول سماع موسى أن يكتب في قبلة المسجد بالصبغ آية الكرسي أو غير ذلك من القرآن لهذه العلة. ولابن نافع وابن وهب في المبسوطة إجازة تزيين المساجد وتزويقها بالشيء الخفيف ومثل الكتاب في قبلتها، ما لم يكثر ذلك حتى يكون مما نهي عنه من زخرفة المساجد. [مسألة: كيفية صلاة الجالس] مسألة وسئل عن صلاة الجالس، فقال متربعا فإذا أراد أن يسجد

الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في النوافل

ثنى رجليه، قيل له: فالمحمل؟ قال متربع مثل الجالس، فقيل له يثني رجليه عند السجود؟ قال إن صاحب المحمل يشق عليه أن يثني رجليه، فإن لم يشق عليه فليفعل ذلك، ولكن أخشى أن يشق عليه. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة، وهو أمر لا اختلاف فيه، في المذهب أن الاختيار للمصلي جالسا في النافلة أن يكون متربعا، وأن الذي لا يقدر على القيام في صلاته يصلي متربعا. وقد روي عن عائشة، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، أنها قالت: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى متربعا» ، وما روي عن ابن مسعود أنه قال: لأن أجلس على رضفتين أحب إلي من أن أتربع في الصلاة، يحتمل أن يكون معناه على التربع في موضع الجلوس. ومن أهل العلم من ذهب إلى العاجز عن القيام في صلاته يجلس بدلا من قيامه كجلوسه في تشهده، وهو قول زفر وما ذهب إليه الجمهور، وهو القياس، أن يفرق بين القعود الذي هو بدل من القيام، وبين القعود الذي هو للتشهد. وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم غير متربع» وهذا يدل على نقصان صلاة القاعد في النافلة متربعا عن صلاته غير متربع، إلا أنه حديث ليس بالصحيح. [الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في النوافل] ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته ليرفعن أمرا وسئل مالك عن الصلاة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النوافل،

مسألة: الرجل يهلك يوم الجمعة فيتخلف عليه الرجل ينظر ما يكون من شأن الميت

أفيه أحب إليك أم في البيوت؟ قال مالك: أما الغرباء فإن فيه أحب إلي، يعني بذلك الذين لا يريدون إقامة. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم "شك" فلا فائدة في تكريره. [مسألة: الرجل يهلك يوم الجمعة فيتخلف عليه الرجل ينظر ما يكون من شأن الميت] مسألة وقال مالك في الرجل يهلك يوم الجمعة فيتخلف عليه الرجل من إخوانه ينظر في أمره مما يكون من شأن الميت، قال مالك: ما أرى بذلك بأسا أن يتخلف في أمره، ورآه سهلا. قال محمد بن رشد: شهود الجمعة فرض واجب على الرجال الأحرار البالغين، فلا يحل لأحد منهم التخلف عنها إلا من عذر أو علة، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذر ولا علة طبع الله على قلبه» . فمن العذر عند مالك ما ذكره من الاشتغال بشأن الميت، ومعناه إذا لم يكن له من يكفيه أمره وخاف عليه التغيير، وكذلك إذا كان في الموت يجود بنفسه يجوز له التخلف عنها بسببه قاله مالك بعد هذا. وقد روي أن عبد الله بن عمر استصرخ على سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يوم الجمعة وهو على الخروج إليها، فتركها وخرج إليه بالعقيق. [مسألة: النداء الذي يمنع فيه الناس البيع يوم الجمعة] مسألة وسئل مالك عن أي النداء يمنع فيه الناس البيع يوم الجمعة؟ قال النداء الذي ينادى به والإمام جالس على المنبر، فإذا أذن تلك الساعة رفعت الأسواق فلم يبع فيه عبد ولا غيره.

مسألة: التكبير أيكبر الناس أيام منى فيما بين الصلوات

قال محمد بن رشد: ستأتي هذه المسألة متكررة في رسم "نذر سنة" وفي رسم "العارية" من سماع عيسى، وهي مثل ما في المدونة وغيرها، لقول الله عز وجل: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] . قوله فلم يبع فيها عبد ولا غيره، يريد أن الأسواق يمنع أن يتبايع فيها العبيد أو غيرهم ممن لا تجب عليهم الجمعة، كما يمنع من ذلك من تجب عليه للذريعة، فإن باع فيها من لا تجب عليه الجمعة لم يفسخ بيعه. وأما في غير الأسواق فجائز للعبيد والنساء والمسافرين وأهل السجون والمرضى أن يتبايعوا فيما بينهم، فإن باع منهم من لا تجب عليه الجمعة ممن تجب عليه فسخ بيعه، كما يفسخ بيع من تجب عليه ممن لا تجب عليه ما كانت السلعة قائمة، فإن فاتت مضت بالثمن، وقيل إنها ترد إلى القيمة وقت البيع، وقيل بعد أن تحل الصلاة، وقيل إن البيع لا يفسخ وإن كانت السلعة قائمة وقد باء المتبايعان بالإثم ويتصدق البائع بالربح، وقيل ليس ذلك عليه. [مسألة: التكبير أيكبر الناس أيام منى فيما بين الصلوات] مسألة وسئل مالك عن التكبير، أيكبر الناس أيام منى فيما بين الصلوات؟ قال نعم. فقيل له: أفرأيت الناس في الآفاق، أترى أن يكبروا كذلك؟ قال إن كبروا لم أر بذلك بأسا، فأما الذين أدركت والذين أقتدي بهم فلم أرهم يكبرون إلا خلف الصلوات. علي بن زياد عن مالك في التكبير بعد الصلوات في أيام التشريق: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولم يحد فيها مالك ثلاثا إلا أنا نستحسن ثلاثا، ولو زاد أحد أو نقص من ثلاثة لم أر به بأسا.

مسألة: الجلوس يوم عرفة في المساجد في البلدان بعد العصر للدعاء

قال محمد بن رشد: مثل هذا كله في المدونة، إلا أن التحديد في رواية علي بن زياد وقع فيها من قول مالك، وهنا من قول علي بن زياد. واستحب ابن حبيب التهليل والتحميد مع التكبير، وهو أن يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، وذلك كله واسع. [مسألة: الجلوس يوم عرفة في المساجد في البلدان بعد العصر للدعاء] مسألة وسئل مالك عن الجلوس يوم عرفة في المساجد في البلدان بعد العصر للدعاء، فكره ذلك، فقيل له فإن الرجل يكون في مجلسه فيجتمع إليه الناس ويكبرون، قال ينصرف، ولو أقام في منزله كان أحب إلي. قال محمد بن رشد: كره مالك هذا وإن كان الدعاء حسنا وأفضله يوم عرفة؛ لأن الاجتماع لذلك بدعة. وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أفضل الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» ، وسيأتي هذا المعنى متكررا في رسم "صلى نهارا ". [مسألة: الذي يدرك الناس وهم يقنتون في صلاتهم الصبح وقنوتهم بعد الركوع] مسألة وسئل مالك عن الذي يدرك الناس وهم يقنتون في صلاتهم الصبح وقنوتهم بعد الركوع، فقنت معهم ثم صلى، قال: هذا لم يدرك من الصلاة شيئا وعليه القنوت، ولم يره مثل من أدرك معهم ركعة فقنت، ذلك القنوت مجزئ عنه ولا يقنت في الأخرى. قال محمد بن رشد: هذا صحيح؛ لأنه إذا لم يدرك الركوع من الركعة الثانية فلا يعتد بالقنوت كما لا يعتد بما أدرك من السجود. وأما إذا

مسألة: النفر يكونون في المسجد يقولون لرجل حسن الصوت اقرأ علينا

ركع الركوع من الركعة الثانية فلا يقنت في الركعة التي يقضي، كان الإمام ممن يقنت بعد الركوع فقنت معه أو ممن يقنت قبل الركوع فلم يدركه معه، وهذا على القول بأن الذي أدرك مع الإمام هو آخر صلاته، وأما على القول بأن ذلك أول صلاته وعلى مذهب أشهب الذي يقول إنه بان في القراءة وصفة القيام والجلوس، فعليه أن يقضي القنوت أدركه مع الإمام أو لم يدركه، والله أعلم. [مسألة: النفر يكونون في المسجد يقولون لرجل حسن الصوت اقرأ علينا] مسألة وسئل مالك عن النفر يكونون في المسجد فيخف أهل المسجد فيقولون لرجل حسن الصوت اقرأ علينا يريدون حسن صوته، فكره ذلك وقال إنما هذا يشبه الغناء. فقيل له: أفرأيت الذي قال عمر لأبي موسى: ذكرنا ربنا، قال من الأحاديث أحاديث قد سمعتها وأنا أتقيها، ووالله ما سمعت هذا قط قبل هذا المجلس، وكره القراءة بالألحان وقال هذا عندي يشبه الغناء، ولا أحب أن يعمل بذلك، وقال إنما اتخذوها يأكلون بها ويكسبون عليها. قال محمد بن رشد: إنما كره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - للقوم أن يقولوا للحسن الصوت: اقرأ علينا إذا أرادوا بذلك حسن صوته كما قال، لا إذا قالوا ذلك له استدعاء لرقة قلوبهم بسماع قراءته الحسنة، فقد روي أن رسول الله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قال: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن» ، أي ما استمع لشيء مما استمع لنبي يحسن صوته بالقرآن طلبا لرقة قلبه بذلك. وقد كان عمر بن الخطاب إذا رأى أبا موسى الأشعري قال: ذكرنا ربنا فيقرأ

عنده، وكان حسن الصوت، فلم يكن عمر ليقصد الالتذاذ بسماع صوته، وإنما استدعى رقة قلبه بسماع قراءته القرآن، وهذا لا بأس به إن صح من فاعله على هذا الوجه. وقول مالك: إن من الأحاديث أحاديث قد سمعتها وأنا أتقيها، إنما اتقى أن يكون التحدث بما روي عن عمر بن الخطاب من هذا ذريعة لاستجازة القرآن بالألحان ابتغاء سماع الأصوات الحسان والالتذاذ بذلك حتى يقصد أن يقدم الرجل للإمامة لحسن صوته لا لما سوى ذلك مما يرغب في إمامته من أجله. فقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «بادروا بالموت ستا» فذكرها أحدها بشر يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليغنيهم وإن كان أقلهم فقها، فالتحذير إنما وقع في الحديث لإيثارهم تقديم الحسن الصوت على الكثير الفقه، فلو كان رجلان مستويين في الفضل والفقه وأحدهما أحسن صوتا بالقراءة لما كان مكروها أن يقدم الأحسن صوتا بالقرآن؛ لأنها مزية زائدة محمودة خصه الله بها. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي موسى الأشعري تغبيطا له بما وهبه الله من حسن الصوت: «لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» . وأما ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» ، فقيل معناه من لم يستغن به، أي من لم ير أنه به أفضل حالا من الغني بغناه، وقيل معناه من لم يحسن صوته بالقرآن استدعاء لرقة قلبه بذلك. وقد قيل لابن أبي مليكة أحد رواة الحديث فمن لم يكن له حلق يحسنه، قال يحسنه ما استطاع. والتأويل الأول أولى؛ لأن

مسألة: الغلمان في الكتاب أيصلي بهم بعضهم ولم يحتلم

قوله في الحديث «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» يدل على أن من لم يفعل ذلك فهو مذموم، وليس من قرأ القرآن ابتغاء ثواب الله عز وجل من غير أن يحسن صوته به مذموما على فعله، وبالله التوفيق. [مسألة: الغلمان في الكتاب أيصلي بهم بعضهم ولم يحتلم] مسألة وسئل مالك عن الغلمان في الكتاب، أيصلي بهم بعضهم ولم يحتلم؟ فقال: ما زال ذلك من فعل الصبيان وخففه، فقيل له: فالنساء في قيام رمضان؟ فقال: إن النساء ليفعلن ذلك، وغير ذلك أعجب إلي أن يقدموا المحتلم أو العبد. قال محمد بن رشد: إنما خفف للغلمان أن يأتموا بالغلام، وكره ذلك للنساء في النافلة وإن كانت الصلاة للغلمان نافلة؛ لأن الغلمان غير مكلفين فلم يلزمهم انتقاء من يأتمون به، وإن كان ائتمامهم بالبالغ الذي تلزمه المحافظة على الطهارة والنية أولى بهم، والنساء مكلفات داخلات في عموم قول النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أئمتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تستشفعون» ، فمن النظر لهن أن لا يأتممن في صلاتهن النافلة بمن لم يحتلم إذ لا يأمن أن يصلي بهن بغير طهارة، إذ لا حرج عليه في ذلك. ألا ترى إلى شهادته إذا ردت من أجل أنه لا يؤمن أن يشهد بالزور إذ لا حرج عليه في ذلك. [مسألة: اشتمال الصماء في الصلاة] مسألة وسئل مالك عن الصماء كيف هي؟ قال: يشتمل الرجل ثم يلقي الثوب على منكبيه ويخرج يده اليسرى من تحت الثوب وليس عليه إزار، فقيل له: أفرأيت إن لبس هكذا وعليه إزار؟ قال لا بأس بذلك. قال ابن القاسم: ثم كرهه بعد ذلك وإن كان عليه إزار. قال

مسألة: الرجل يقرأ للناس في المسجد فيمر بسجدة فيسجد أترى أن يسجدوا

ابن القاسم: وتركه أحب إلى للحديث، ولست أراه ضيقا إن كان عليه إزار. قال محمد بن رشد: القول الأول هو القياس؛ لأن الحكم إذا ثبت لعلة وجب أن يزول الحكم بزوال العلة. ووجه القول الثاني مخافة الذرائع ولئلا يرى الجاهل الذي لا يعلم علة نهي النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، عن اشتمال الصماء ما هي، فيرى العالم يشتمل الصماء على ثوب فيشتملها على غير ثوب. [مسألة: الرجل يقرأ للناس في المسجد فيمر بسجدة فيسجد أترى أن يسجدوا] مسألة وسئل مالك عن الرجل يقعد إليه النفر إبان الصلاة فيقرأ لهم فيمر بسجدة فيسجد، أترى أن يسجدوا؟ قال لا أحب له أن يسجد ولا يسجدوا معه، وأرى أن ينهى عن ذلك، فإن أبى أن ينتهي وإلا لم يقعد إليه. فقيل له فإنهم جلسوا إليه وشأنهم القرآن فلا يسجدون إذا مروا بسجدة إذا سجد؟ فقال أما أنا فلم أكن أفعل ذلك ولا أحب لأحد أن يفعله. قال محمد بن رشد: قوله في إبان الصلاة، أي في وقت تحل فيه الصلاة. وجلوس القوم إلى الرجل الذي يقرأ القرآن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها أن يجلسوا إليه للتعليم، فهذا جائز أن يجلسوا إليه وواجب أن يسجدوا بسجوده إذا مر بسجدة فسجد فيها، واختلف إن لم يسجد فيها، فقيل إنهم يسجدون وإن لم يسجد، وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقيل إنه لا سجود عليهم إذا لم يسجد، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، ومثله في الأثر الواقع في المدونة. وقد اختلف في المقرئ الذي يقرأ عليه القرآن، فقيل إنه يسجد بسجود القارئ إذا كان بالغا في أول ما يمر بسجدة، وليس عليه السجود فيما بعد ذلك، وقيل ليس ذلك عليه بحال. والثاني أن يجلسوا

مسألة: الرجل يدخل في رمضان وقد صلى الناس ركعة من الركعتين الأوليين

إليه ليستمعوا قراءته ابتغاء الثواب في استماع القرآن، فهذا جائز أن يجلسوا إليه، ويختلف أن يجب عليهم أن يسجدوا بسجوده إذا مر بسجدة فسجد، فقال في آخر هذه الرواية إنهم لا يسجدون بسجوده، وقال ابن حبيب إنهم يسجدون بسجوده إلا أن يكون من لا يصح أن يأتم به من امرأة أو صبي. والذي في المدونة محتمل للتأويل، والأظهر منها أنهم لا يسجدون بسجوده مثل هذه الرواية. والثالث أن يجلسوا إليه ليقرأ ويسجد بهم، فهذا يكره أن يجلسوا إليه وأن يسجدوا بسجوده، وهو معنى قوله في أول هذه الرواية ونص قوله في المدونة. [مسألة: الرجل يدخل في رمضان وقد صلى الناس ركعة من الركعتين الأوليين] مسألة قال: وسئل عن الرجل يدخل في رمضان وقد صلى الناس ركعة من الركعتين الأوليين من التسليمة، كيف يصنع إذا سلم الإمام من الركعة الثانية؟ قال: لا يسلم وليدخل معهم في الركعة الثالثة بإحرامهم فإذا فرغوا من الركعة قعد فتشهد ثم سلم ثم قام معهم فأدركهم في صلاتهم، فإذا فرغ الإمام قام فصلى الركعة الأخرى وهي الرابعة. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أنه يدخل معهم لركعته الثانية التي فاتته في ركعتهم الثالثة التي ابتدءوا بها مؤتما بهم فيها، وقد نص على ذلك ابن حبيب عن ابن القاسم، وهو بعيد؛ لأنه يصير مؤتما بهم في الثالثة التي يدخل فيها معهم وهو قد أحرم قبلهم ثم يسلم من صلاته أيضا قبلهم، وهذا خلاف سنة الائتمام بالإمام في الصلاة، إلا أنه نحو ما كان من فعل أبي بكر، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إذا صلى بالناس في مرض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي، استأخر فجلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى جنبه، فكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر

مسألة: الرجل يكون مع صاحبه فيمرض مرضا شديدا أيدع الجمعة

إذا قلنا إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان الإمام في تلك الصلاة على ما يدل عليه ما وقع في البخاري من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان عن يسار أبي بكر؛ لأن أبا بكر قد عاد مؤتما به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بقية الصلاة وقد أحرم قبله فيها، فهذا نحو ظاهر هذه الرواية وما حكى ابن حبيب عن ابن القاسم. وقد قيل إن أبا بكر، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لم يخرج عن إمامته في هذه الصلاة وإنه كان الإمام فيها بالنبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وهو الصحيح في النظر. ويصح أن يتأول عليه ما في الأثر والذي في سماع أشهب مخالف لظاهر هذه الرواية، وذلك أنه قال فيها: يقضي لنفسه الركعة التي فاتته ويتوخى أن يكون قيامه موافقا لقيامهم وركوعه موافقا لركوعهم وسجوده موافقا لسجودهم من غير أن يأتم بهم فيها، وهو أحسن وأصح في المعنى والنظر. وسحنون وابن عبد الحكم يقولان: إنه يقضي لنفسه الركعة التي فاتته ويخفف فيها ثم يدخل مع الإمام، وهذا أولى ما قيل في هذه المسألة، والله أعلم. [مسألة: الرجل يكون مع صاحبه فيمرض مرضا شديدا أيدع الجمعة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يكون مع صاحبه فيمرض مرضا، شديدا، أيدع الجمعة؟ قال لا إلا أن يكون في الموت. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في أول هذا الرسم فلا وجه لإعادته. [مسألة: الذي يكون في المسجد فتقام الصلاة أيقيم الصلاة في نفسه] مسألة قال: وسئل عن الذي يكون في المسجد فتقام الصلاة، أيقيم الصلاة في نفسه، قال لا، قيل له: ففعل؟ قال: هذا مخالف. قال محمد بن رشد: قوله هذا مخالف، أي مخالف للسنة؛ لأن السنة أن يقيم المؤذن الصلاة دون الإمام والناس، بدليل ما روي أن رسول

مسألة: حكم صلاة من يمر تحت السقائف فيقع عليه ماء

الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة جاء المؤذن إلى أبي بكر الصديق فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم. وإنما الذي يجب للناس في حال الإقامة أن يدعوا لأنها ساعة الدعاء، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وقل داع ترد عليه دعوته حضرة النداء والصف في سبيل الله عز وجل» . [مسألة: حكم صلاة من يمر تحت السقائف فيقع عليه ماء] مسألة قال: وسئل مالك عن الذي يمر تحت السقائف فيقع عليه ماء، قال: أراه في سعة ما لم يستيقن بنجس. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب الوضوء، وزاد فيها من سماع عيسى منه زيادة فيها تفسير. [مسألة: يصلي في السقائف وبينه وبين الإمام والصفوف فضاء] مسألة وسئل عن الذي يصلي في السقائف وبينه وبين الإمام والصفوف فضاء مثل ما يصيب الناس في مكة من الحر، قال: أما من خاف حر الشمس ولم يقو عليه فلا أرى به بأسا، والفضل في التقدم. قال محمد بن رشد: استخف ترك تقدمه إلى الصفوف لضرورة حر الشمس، ولو فعل ذلك من غير ضرورة لجازت صلاته إن كان معه غيره باتفاق، وإن لم يكن معه غيره على اختلاف، وقد مضت العلة في ذلك في أول رسم "شك في طوافه ".

مسألة: الرجل يبطن خفيه بدم الطحال

[مسألة: الرجل يبطن خفيه بدم الطحال] مسألة وسئل مالك عن الرجل يبطن خفيه بدم الطحال، قال لا أحبه، وكره أن يبطن به الخف. قال سحنون: فإن صلى بها لم تكن عليه إعادة. قال محمد بن رشد: وهذا صحيح؛ لأن الطحال قد خرج عن أن يكون دما بقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحلت لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والحوت والجراد» ، فإنما الطحال طعام يكره أن يبطن به الخف لحرمته، كما يكره غسل اليد بشيء من الطعام. [مسألة: الرجل يكون في أرض خوف من اللصوص هل يجوز له أن يخفف صلاته] مسألة وسئل مالك عن الرجل يكون في أرض خوف من اللصوص، هل يجوز له أن يخفف صلاته؟ قال رب تخفيف لا ينقص من الصلاة، فأما أن ينقص من صلاته فلا. قال محمد بن رشد: الذي يباح له من التخفيف أن ينقص من طول القيام والركوع والسجود والجلوس، وأقل ما يجزئه من القيام قدر ما يقرأ فيه أم القرآن، ومن الركوع والسجود أن يتمكن راكعا وساجدا، ومن الجلوس مثل ذلك، فإن نقص من شيء من ذلك بطلت صلاته، وإن لم يزد على هذا القدر فترك التشهد وما سوى أم القرآن من القراءة كان قد أساء ولم تجب عليه إعادة الصلاة إن كان قد اعتدل في القيام من الركوع والرفع من السجود، وإن كان لم يعتدل في ذلك أعاد، وقيل يستغفر الله ولا يعيد، وبالله التوفيق.

مسألة: يترك الجمعة من دين عليه يخاف في ذلك غرماءه

[مسألة: يترك الجمعة من دين عليه يخاف في ذلك غرماءه] مسألة وقال مالك: لا أحب لأحد أن يترك الجمعة من دين عليه يخاف في ذلك غرماءه. قال محمد بن رشد: معناه عندي إذا خشي إن ظفر به غرماؤه أن يبيعوا عليه ماله بالغا ما بلغ وينتصفوا منه ولا يؤخروه، وهو يرجو لتغيبه أن يتسع في بيع ماله إلى القدر الذي يجوز تأخيره إليه عند بعض العلماء. وأما إن خشي أن يسجنه غرماؤه وهو عديم، فقال سحنون في كتاب ابنه: إنه لا عذر له في التخلف، وفي ذلك نظر؛ لأنه يعلم من باطن حاله ما لو تحقق لم يجب عليه سجن، لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، فهو مظلوم في الباطن محكوم عليه بحق في الظاهر. وأما إن خشي أن يعتدي عليه الحاكم فيسجنه في غير موضع سجن أو يضربه أو يخشى أن يقتل فله أن يصلي في بيته ظهرا أربعا ولا يخرج. [مسألة: الملاحف يكون فيها العلم من الحرير قدر الأصبع والأصبعين والثلاثة] مسألة وسئل عن الملاحف يكون فيها العلم من الحرير قدر الأصبع والأصبعين والثلاثة، فكره ذلك وقال: لا أحب لباسها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تقدمت والقول فيها في آخر رسم "شك"، فلا فائدة في إعادة ذلك. [مسألة: الرجل يأتي بالصبي إلى المسجد أيستحب ذلك] مسألة وسئل مالك عن الرجل يأتي بالصبي إلى المسجد، أيستحب ذلك؟ قال إن كان قد بلغ موضع الأدب وعرف ذلك ولا يعبث في

مسألة: القراء الذين يقرؤون للناس

المسجد فلا أرى بأسا، وإن كان صغيرا لا يقر فيه ويعبث فلا أحب ذلك. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة مكشوف لا يفتقر إلى بيان، إذ لا إشكال في إباحة دخول الولد إلى المساجد، قال الله عز وجل: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} [آل عمران: 37] . وفي الحديث: «أن الناس كانوا إذا رأوا أول التمر جاؤوا به إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا أخذه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا بالبركة في التمر وللعام ثم يدعو أصغر ولد يراه فيعطيه إياه» . ومحمل أمره أنه كان في المسجد. وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسمع بكاء الصبي في الصلاة فيتجوز في الصلاة مخافة أن تفتن أمه، وإلا فالكراهة في إدخالهم فيه إذا كانوا لا يقرون فيه ويعبثون؛ لأن المسجد ليس بموضع العبث واللعب، وبالله التوفيق. [مسألة: القراء الذين يقرؤون للناس] مسألة وسئل عن القراء الذين يقرؤون للناس عندنا، فكرهه وعابه وقال: ما كان يعمل هذا على عهد عمر بن الخطاب، ولا أرى هذا صوابا، ولو كان يقرأ واحد ويثبت من قرأ عليه ويفتي لم أر به بأسا، فأما أن يقرأ ذا ويقرأ ذا فلا يعجبني. قال لي ابن القاسم: ثم خففه بعد ذلك وقال: لا بأس فيه، قال ابن القاسم: وهذا رأيي.

مسألة: الإمام يقيم اليوم واليومين حتى يجتمع إليه حشمه ثم يسير أيقصر الصلاة

قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم "سلعة سماها " موفى فليس لإعادة ذلك معنى. [مسألة: الإمام يقيم اليوم واليومين حتى يجتمع إليه حشمه ثم يسير أيقصر الصلاة] مسألة وسئل مالك عن أمير المدينة وخرج على مسيرة ثلاثة أميال من المدينة وهو يريد الإقامة به حتى يتكامل ظهره فيه ويأتي أكرياؤه بإبلهم ويجتمع إليه حشمه، أترى أن يقصر الصلاة؟ قال لا؛ لأن هذا لم يخرج يريد المسير، وإنما خرج ليقيم حتى تتكامل له حوائجه، فلا يقصر إلا من أجمع على المسير. قال محمد بن رشد: قال مالك في هذه المسألة إن الإمام يتم، وقال في رسم "صلى نهارا ثلاث ركعات " بعد هذا في الذي يخرج من الفسطاط إلى بير عميرة وهو يقيم ثم اليوم واليومين مثل ما يصنع الأكرياء حتى يجتمع الناس ويفرغوا إنه يقصر الصلاة. والفرق عندي بين المسألتين أن الأمير إنما خرج ليقيم حتى يجمع حشمه ويأتي أكرياؤه قرب ذلك أو بعد، وحينئذ يسير، فوجب أن لا يقصر، إذ لم يعزم على المسير قبل أربعة أيام. ولو خرج على أن يقيم اليوم واليومين حتى يجتمع إليه حشمه ويأتي أكرياؤه ثم يسير لوجب أن يقصر كما قال في مسألة جب عميرة، إذ قد عزم على أن يسير قبل أربعة أيام. وقد كان بعض الشيوخ يفرق بينهما بأن الأمير لما كان لا يمكنه السفر إلا مع حشمه وقد لا يجتمع إليه حشمه، وجب أن يتم، ولما كان الخارج إلى جب عميرة يمكنه السفر وإن لم يجتمع الناس وجب أن يقصر، وليس هذا بصحيح، إذ المنفرد لا يمكنه السفر أيضا. ومنهم من كان يحمل المسألتين على التعارض ويرى ذلك اختلافا من القول، ويقول الأمير كان أحق بالقصر من المسافر لأنه قادر على أن يجبر حشمه على الخروج معه، ولا يقدر المسافر على إخراج الناس معه، وليس ذلك أيضا بصحيح، إذ المعنى إنما

مسألة: أيحصب الرجل أحدا يوم الجمعة إذا تكلم والإمام يخطب

هو في عزمه على التحرك من المكان الذي تقدم إليه قبل أربعة أيام، لا على قدرته على جبر من يخرجه معه، بدليل أنه لو كان قادرا على أن يجبر من يخرج معه على الخروج بعد أربعة أيام من خروجه لوجب أن يتم ولم يصح له القصر، وإنما وجب أن يقصر إذا خرج على أن يتحرك من المكان الذي تقدم إليه مع من يجتمع من الأكرياء وإن كان لا يتأتى له السفر دونهم؛ لأن الغالب من أمرهم أنهم يخرجون إلى الميعاد الذي جرت عادتهم بالخروج إليه ولا يتأخرون عنه، وكون غلبة الظن كاليقين أصل في الشرع، وبالله التوفيق. [مسألة: أيحصب الرجل أحدا يوم الجمعة إذا تكلم والإمام يخطب] مسألة قال: وقيل لمالك أيحصب الرجل أحدا يوم الجمعة إذا تكلم والإمام يخطب؟ قال لا، وليقبل على شأنه. قال محمد بن رشد: قد روى مالك في موطاه عن نافع أن عبد الله بن عمر رأى رجلين يتحدثان والإمام يخطب يوم الجمعة، فحصبهما أن اصمتا، فالأمر في ذلك واسع إن شاء الله تعالى. [مسألة: التكبير في العيدين قرب الصلاة أيكبر بالطريق وفي قعوده] مسألة وسئل مالك عن التكبير في العيدين يغدو الرجل قبل الفجر أو بالغلس قرب الصلاة، أيكبر بالطريق وفي قعوده؟ قال مالك ليس يكون التكبير إلا قرب طلوع الشمس في الإسفار البين الذي يكون عند طلوعها، فيكبر الرجل تلك الساعة وفي المصلى حتى يخرج الإمام، فقيل له: التكبير في العيدين جميعا؟ قال: نعم. قال سحنون: أخبرني علي بن زياد أنه لا تكبير إلا على من غدا بعد طلوع الشمس، وهي السنة، وقاله سعيد بن المسيب.

الرجل يكون في الصلاة فيحول خاتمه في أصابعه أصبع أصبع للركوع في سهوه

قال محمد بن رشد: الأصل في التكبير في الغدو إلى صلاة عيد الأضحى تكبير الحاج عند رمي جمرة العقبة، فهو الذي يتحرى، ولذلك قال مالك في رواية علي بن زياد عنه إنه لا تكبير إلا على من غدا بعد طلوع الشمس؛ لأنه وقت الاختيار في الرمي. ومن أهل العلم من يرى أن الرمي لا يجزئ قبل طلوع الشمس، ورأى في رواية ابن القاسم عنه التكبير إذا غدا قرب طلوع الشمس أولى من تركه، لقرب ما بين الوقتين، ولجواز الرمي في ذلك الوقت عنده، وإن كان الاختيار أن يكون بعد طلوع الشمس. والتكبير عند الغدو إلى صلاة عيد الفطر محمول على ذلك عند جميع من يرى التكبير من العلماء، وهم الجمهور، لقوله عز وجل: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] فيكبر عند مالك في العيدين إذا غدا إلى المصلى، وفي المصلى حتى يخرج الإمام. فيكبر بتكبيره وقد قيل إنه يكبر في الطريق ولا يكبر في المصلى، وإلى هذا ذهب الطحاوي لأنه حكى عن ابن عمر وأبي قتادة أنهما كانا يكبران في غدوهما إلى المصلى حتى يأتيا المصلى، وحكي عن شعبة مولى ابن عباس قال. كنت أقود ابن عباس إلى المصلى فيسمع الناس يكبرون فيقول: ما. شأن الناس أكبر الإمام؟ فأقول لا، فيقول أمجانين الناس؟ قال فيحمل إنكار ابن عباس التكبير على التكبير في المصلى حتى لا يختلف ما روي في ذلك عن الصحابة. قال: وقد روي عن إبراهيم النخعي أنه أنكر التكبير يوم الفطر وقال إنما يفعله الحواكون، قال وما رويناه عن سواه أولى. [الرجل يكون في الصلاة فيحول خاتمه في أصابعه أصبع أصبع للركوع في سهوه] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل عن الرجل يكون في الصلاة فيحول خاتمه في أصابعه أصبع أصبع للركوع في سهوه، قال لا بأس بذلك وليس عليه فيه سهو، وإنما ذلك بمنزلة الذي يحسب بأصابعه لركوعه.

مسألة: الإمام يطيل القعود في اثنتين فسبح به أصحابه فقام أترى عليه سجود سهو

قال محمد بن رشد: هذا نحو ما تقدم له في أول رسم "شك " في الذي يحصي الآي بيديه في صلاته، فأجاز ذلك وإن كان الشغل اليسير مكروها في الصلاة؛ لأنه إنما قصد به إصلاح صلاته. وقوله إنه ليس عليه فيه سهو، يريد أنه لا سجود عليه فيه صحيح لأنه لم يفعل ذلك ساهيا، ولو فعله ساهيا مثل أن ينسى أنه في صلاة، لتخرج إيجاب السجود عليه لذلك على قولين. [مسألة: الإمام يطيل القعود في اثنتين فسبح به أصحابه فقام أترى عليه سجود سهو] مسألة وسئل مالك عن الإمام إذا طول القعود في اثنتين فسبح به أصحابه فقام، أترى عليه سجود سهو؟ قال لا. قال سحنون: إن طول القعود جدا حتى يخرجها عن حدها ينبغي أن يسجد. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هو الصواب؛ لأن تقصير الجلسة الوسطى من مستحبات الصلاة لا من سننها، ولا يجب السجود إلا في نقصان السنن لا في نقصان الاستحباب. وكذلك يقول ابن القاسم أيضا: إنه لا سجود عليه إذا أطال القيام بعد الركوع أو الجلوس بين السجدتين، مثل أن يشك في شيء من صلاته فيثبت على حاله متفكرا فيما شك فيه حتى يذكر، قاله في سماع موسى، وأشعب يرى عليه في هذا السجود، بخلاف إذا كان ثبوته للتذكر في موضع شرع تطويله في الصلاة، فهو قول ثالث في المسألة أصح من قول ابن القاسم ومن قول سحنون؛ لأن ترك تطويل القيام بعد الركوع وفيما بين السجدتين من السنن لا من الاستحباب. [مسألة: الرجل يتنفل ويقول أخاف أن أكون ضيعت في حداثتي] مسألة وسئل مالك عن الرجل يتنفل ويقول: أخاف أن أكون ضيعت

مسألة: الرجل يصلي فيما بين الأسطوانتين وبينه وبين سترته قدر مصلى صفين

في حداثتي فأنا أجعل هذا قضاء لتلك إن كنت فرطت، قال ما سمعت أحدا من أهل الفضل فعل هذا، وما هو من عمل الناس. قال محمد بن رشد: وجه هذا السؤال ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإن أتمها وإلا قيل أنظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك» ، وهذا معناه والله أعلم فيمن سها عن فريضة ثم ذكرها فكان عليه أن يصليها ثم نسيها ولم يذكرها إلى أن مات، وأما من نسيها ولم يذكرها أصلا إلى أن توفي فلا يحاسب بها لقول النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ» الحديث، وأما من تركها عمدا أو نسيها ثم ذكرها فلم يصلها فلا تجزئه النافلة عنها؛ لأن الأعمال بالنيات، ولا تجزئ نافلة عن فريضة. وكذلك إذا شك في أن يكون ضيع شيئا من صلواته لا تجعل نافلته قضاء مما شك فيه، بل ينبغي له أن يصلي بنية القضاء حتي يوقن أنه قد صلى أكثر مما ضيع، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يصلي فيما بين الأسطوانتين وبينه وبين سترته قدر مصلى صفين] مسألة وسئل مالك عن الرجل يصلي فيما بين الأسطوانتين، فيكون مقعده مستقبل القبلة، فيصلي في مجلسه وبينه وبين سترته قدر مصلى صفين، قال ليس ذلك بصواب أن يصلي كذلك. قال والعلماء مختلفون، فمنهم من يقوى على أن يعظ الناس ومنهم من

مسألة: الرجل يصلي مع الإمام في رمضان الوتر فيوتر معه ثم يريد أن يصلي

لا يقوى على ذلك، وذكر ذلك في موعظة الذين يصلون إلى غير سترة أواجب هو؟ قال لا أدري ما واجب، ولكنه حسن. قال محمد بن رشد: زيادته في الجواب قال: والعلماء مختلفون إلى آخر قوله، يدل على أنه سقط من السؤال ما تفتقر إليه هذه الزيادة، وأراه قال في سؤاله كما يفعل الناس فلا ينكر العلماء عليهم. وقوله إن موعظة الذي يصلي إلى غير سترة حسن وليس بواجب صحيح؛ لأن وعظ من ترك الواجب واجب، ووعظ من ترك المستحب حسن، والصلاة إلى السترة من مستحبات الصلاة ليس من واجباتها. [مسألة: الرجل يصلي مع الإمام في رمضان الوتر فيوتر معه ثم يريد أن يصلي] مسألة وسئل مالك عن الرجل يصلي مع الإمام في رمضان الوتر فيوتر معه، فيريد أن يصلي وتره بركعة أخرى ويوتر هو بعد ذلك، قال لا، ولكن يسلم معه ويقوم فيصلي بعد ذلك لنفسه ما أحب، قال: قال لي مالك قبل ذلك: ويتأنى قليلا أعجب إلي. قال محمد بن رشد.: وجه كراهيته للداخل مع الإمام في الوتر أن يشفع وتره، يريد وقد صلى بعد العتمة أشفاعا يوترها له هذا الوتر، قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» . وإذا لم يسلم بسلامه وشفع وتره فقد خالفه في أن ائتم به في شفع وهو في وتر. وأما لو أوتر مع الإمام بعد أن صلى العتمة قبل أن يصلي نافلة لشفع وتره كما قال في المدونة: إذا أوتر معه قبل أن يصلي العتمة. ومن أهل العلم من يقول: إن الوتر لا يكون إلا في آخر ما يصلى من النوافل، وأن من صلى نافلة بعد أن أوتر انتقض وتره وأوتر مرة أخرى، ومنهم من يقول: إذا أوتر أول الليل بعد أن صلى نافلة ثم أراد أن يصلي آخر الليل يشفع وتره بركعة ثم يصلي ما شاء

مسألة: الرقيق العجم يريدون أن يطعموا ويعلموا الإسلام والصلاة

ويوتره مرة أخرى، وهذا القول مشهور في السلف ويسمونه مسألة نقض الوتر، ولهذا الاختلاف وقع هذا السؤال هاهنا. وأما استحبابه إذا سلم معه أن يتأنى قليلا قبل أن يصلي فهو مثل ماله في المدونة، ووجهه مراعاة ما روي من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر من صلى أن لا يتنفل حتى يتقدم أو يتكلم» ، وبالله التوفيق. [مسألة: الرقيق العجم يريدون أن يطعموا ويعلموا الإسلام والصلاة] مسألة وسئل مالك عن الرقيق العجم يشترون في رمضان وهم مقيمون في بلد فيريدون أن يطعموا ويعلموا الإسلام والصلاة، فيجيبوا إلى أن يصلوا كما يعلمون ويريدون الأكل فيخبرون بذلك ولا يفقهون ما يراد به منهم، أترى أن يجبروا على ذلك أم يطعموا؟ قال أرى أن يطعموا ولا يمنعوا الطعام ويرفق بهم حتى يعلموا ويعرفوا الإسلام. قال محمد بن رشد: وهذا كما قاله؛ لأنهم إذا لم يفقهوا معنى ما يراد منهم فلا معنى لتجويعهم، إذ لا فائدة لصيامهم بغير نية، ولا تصح النية إلا ممن يفقه معناها. [مسألة: حكم جعل المقصورة في المسجد] مسألة قال مالك: إن أول من جعل المقصورة مروان بن الحكم حين طعنه اليماني، قال فجعل مقصورة من طين وجعل فيها تشبيكا.

مسألة: الرجل لا يدرك من الجمعة إلا التشهد أيركع ركعتين نافلة

قال محمد بن رشد: وجه قوله الإعلام بأن المقصورة محدثة لم تكن على عهد النبي ولا عهد الخلفاء بعده، وإنما أحدثها الأمراء للخوف على أنفسهم، فاتخاذها في الجوامع مكروه، فإن كانت ممنوعة تفتح أحيانا وتغلق أحيانا فالصف الأول هو الخارج عنها اللاصق بها، وإن كانت مباحة غير ممنوعة فالصف الأول هو اللاصق بجدار القبلة في داخلها. روي عن مالك ذلك. وقوله جعل فيها تشبيكا يريد تخريما يرى منه ركوع الناس فيها وسجودهم للاقتداء بهم. [مسألة: الرجل لا يدرك من الجمعة إلا التشهد أيركع ركعتين نافلة] مسألة وسئل مالك عن الرجل لا يدرك من الجمعة إلا التشهد فيقعد مع الإمام بتكبيرة فيتشهد ثم يسلم الإمام، أيركع ركعتين نافلة؟ أو يقوم يصلي أربعا؟ قال لم يتنفل استنكارا لذلك، ثم قال بل يصلي أربعا كما هو إذا سلم الإمام. قال مالك: وأحب إلي أن يبتدئ بتكبيرة أخرى، ولو صلى بذلك التكبير أجزأ عنه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها؛ لأنه إذا أدرك الإمام في التشهد فإنه يحرم على أن يصلي أربعا؛ لأنه قد علم أن الجمعة قد فاتته، واستحبابه أن يبتدئ بتكبيرة أخرى هو مثل استحبابه في المدونة لمن دخل مع الإمام في التشهد الأخير أن يقوم بتكبير، وخلاف أصله فيمن أدرك من صلاة الإمام ركعة أو فاتته منها ركعة في غير المغرب أنه يقوم بغير تكبير. ومن الناس من ذهب إلى أن يفرق بين الموضعين، وليس بصحيح. وأما مسألة الاختلاف لو أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع فأحرم معه وهو يظن أنه في الركعة الأولى فإذا هو في الركعة الثانية، فقال مالك في كتاب ابن المواز: إنه يبني على إحرامه مع الإمام أربعا، واستحب أن يجدد إحراما آخر بعد سلام الإمام من غير أن يقطع. ويأتي على قول

مسألة: الرجل يدعو في الصلاة فيقول يا لله يا رحمان

أشهب في أول سماع سحنون على رواية ابن وهب عن مالك في الذي يرعف يوم الجمعة قبل عقد ركعة أنه لا يبني على الإحرام، بخلاف من رعف في غير الجمعة قبل عقد ركعة أنه لا يبني على إحرامه في هذه المسألة؛ لأنه أحرم بنية الجمعة ركعتين. [مسألة: الرجل يدعو في الصلاة فيقول يا لله يا رحمان] مسألة وسئل عن الرجل يدعو في الصلاة فيقول: يا لله يا رحمان، قال: يقول يا رحمان، ثم قال واللهم أبين عندي. فقيل له: يدعو بما دعت به الأنبياء؟ قال نعم، في كتاب الله تبارك وتعالى اللهم. قال محمد بن رشد: قوله واللهم أبين عندي أي أحب إلي، لا أن إجازة الدعاء بيا رحمان غير بين، إذ لا اختلاف بين المسلمين أن الرحمن اسم من أسماء الله تعالى المختصة به. [مسألة: الفرجة يراها الرجل وأمامه صف أيشقه إليها] مسألة وسئل مالك عن الفرجة يراها الرجل وأمامه صف، أيشقه إليها؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا جائز لا بأس به كما قال، لما جاء من الترغيب في سد الفرج. [مسألة: الرجل يقطع اللحم النيء فتقام الصلاة أيصلي قبل أن يغسل يديه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يقطع اللحم النيء فتقام الصلاة، أترى أن يصلي قبل أن يغسل يديه؟ قال ليغسل يديه قبل أن يصلي أحب إلي.

مسألة: أفيقرأ المسافر في الظهر بسبح والمطففين

قال محمد بن رشد: ما استحب مالك من غسل يديه قبل الصلاة من اللحم النيء كما استحبه لأن المروة - والنظافة مما شرع في الدين، وقد استحب في المدونة أن يتمضمض من اللبن [واللحم] ، ويغسل الغمد إذا أراد الصلاة، فكيف باللحم النيء. [مسألة: أفيقرأ المسافر في الظهر بسبح والمطففين] مسألة قال مالك: وقد كان ابن حزم يطيل القراءة في الظهر، فقيل له قدر كم؟ فقال: الكهف وما أشبهها، فقيل أفيقرأ المسافر بسبح وويل للمطففين، فإن الأكرياء يسرعون بهم؟ قال: لا بأس بذلك، فقيل له فإذا زلزلت وما أشبهها؟ قال هذه قصار جدا، كأنه يقول: لا. فقال أصبغ: سألت ابن القاسم عن إمام مسجد عشيرة وما أشبهه يقرأ بقل هو الله أحد وما أشبهها في صلاة الصبح، قال الصلاة تامة. قال سحنون: وقد أخبرني ابن وهب «عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ما من القرآن شيء إلا وقد سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤم بالناس به» ، فلذلك رأيت أن يجزئ. قال محمد بن رشد: التطويل في قراءة الصبح والظهر مستحب غير واجب، وهما سيان فيما يستحب فيهما من التطويل. ألا ترى أنه استخف في المدونة للمسافر في الصبح من التخفيف القدر الذي استخفه له هاهنا في الظهر. ويستحب أن تكون الركعة الأولى أطول قراءة من الثانية في الصبح والظهر، لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يطيل أول ركعة من الظهر وأول ركعة من الغداة» ، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى الاختيار في الظهر دون

الصبح أن تكون الركعتان الأوليان متساويتين في القراءة، كما أن الركعتين الآخرتين متساويتان في القراءة. ويستحب أن لا يقرأ في الصبح والظهر في مساجد الجماعات بدون طوال سور المفصل، ويقرأ في المغرب بقصارها، وفي العشاء الآخرة بوسطها. واختلف في العصر فقيل هي والمغرب سيان في قدر القراءة، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وقيل إنها والعشاء الآخرة سيان فيما يستحب فيهما من قدر القراءة. واختلف في حد المفصل فقيل إنه من الحجرات، وقيل إنه من سورة ق، وقيل إنه من سورة الرحمن، روي ذلك عن ابن مسعود، والصحيح قول من قال إنه من سورة ق؛ لأن سورة الحجرات مدنية، والمفصل مكي. روي عن ابن مسعود أنه قال: أنزل الله على رسوله المفصل بمكة فكنا حججا نقرأ ولا ينزل غيره. ومن الدليل على ذلك ما روي عن أوس بن حذيفة قال: سألت أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيف كنتم تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة سورة وثلاث عشرة سورة، وفي بعض الآثار كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحزب القرآن فذكر نحوه؛ لأن القرآن يأتي على هذا سبعة أحزاب بعدد الأيام، المفصل منها حزب من أول سورة ق؛ ولأن الستة الأحزاب تتم إذا عدت السور بسورة الحجرات، ويحتمل أن تكون سورة الرحمن في مصحف ابن مسعود بعد سورة الحجرات، فلذلك قال فيها إنها أول المفصل والله أعلم. وأما جواز صلاة من لم يقرأ في الصبح إلا بقل هو الله أحد فهو إجماع. ومن الدليل على ذلك قول الله عز وجل: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] . وقول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي

مسألة: الاعتماد في الصلاة حتى لا يحرك رجليه

خراج» . وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي استدل به فلا دليل فيه، إذ ليس فيه أنه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤم الناس في الصبح بقل هو الله أحد، فالذي يحمل عليه أنه إنما سمعه يؤم الناس بها في المغرب، والله أعلم. [مسألة: الاعتماد في الصلاة حتى لا يحرك رجليه] مسألة وسمعت مالكا يقول: إن أول من أحدث الاعتماد في الصلاة حتى لا يحرك رجليه رجل قد عرف وسمي إلا أني لا أحب أن أذكره، وقد كان مسمتا، فقيل له: أفعيب ذلك عليه؟ قال: قد قال سحنون: عيب ذلك عليه، وهذا مكروه من الفعل. قال محمد بن رشد: قال سحنون: الرجل المسمت هو عباد بن كثير، ويروى مسبئا أي يسبأ الثناء عليه، فجائز عند مالك أن يروح الرجل قدميه في الصلاة، قاله في المدونة، وإنما كره أن يقرنهما حتى لا يعتمد على أحدهما دون الآخر؛ لأن ذلك ليس من حدود الصلاة، إذ لم يأت ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن أحد من السلف والصحابة المرضيين الكرام، وكان من محدثات الأمور. وأما الاعتماد على اليدين عند القيام من الجلسة الوسطى فمرة استحبه مالك وكره تركه، ومرة استحبه وخفف تركه، ومرة خير فيه، وسيأتي القول على هذا في رسم "باع غلاما "، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يقوم الليل أو جله فيأتي إلى صلاة الصبح وهو ناعس] مسألة وسئل مالك عن الذي يقوم الليل أو جله فيأتي إلى صلاة الصبح وهو ناعس، أفيستحب ذلك له؟ فقال: أما الذي يغلبه النوم

في صلاته فلا أحبه، فقيل له: إنه يصيبه النوم والنعاس، قال: أما النعاس والكسل والتكسير فلا بأس به ما لم يصبه نوم يغلبه في ذلك. قال محمد بن رشد: أما قيام جل الليل إذا لم يوجب ذلك عليه أن يغلبه النوم في صلاة الصبح فذلك من المستحب المندوب إليه، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3] {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4] . واختلف قول مالك في قيام جميعه مع أن لا يوجب ذلك عليه أن يغلبه النوم في صلاة الصبح، فمرة أجازه لأن قيام الليل فعل بر فاستيفاء جميعه نهاية في ذلك، ومرة كرهه مخافة السآمة عليه والملل، فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» . ولما قيل له في الحولاء بنت تويت إنها لا تنام الليل كره ذلك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى عرفت الكراهية في وجهه وقال: «إن الله لا يمل حتى تملوا اكفلوا من العمل ما لكم به طاقة» . وقال، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، في الذي صام الدهر «لا صام ولا أفطر» . وقع اختلاف قوله في رسم "باع غلاما " بعد هذا. وأما إذا كان إذا قام الليل لا يصلي الصبح إلا وهو مغلوب عليه فذلك مكروه له، قام الليل أو جله قولا واحدا، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإنه إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله

القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة

يذهب يستغفر فيسب نفسه» . فيحصل بين أمرين: إما أن يصلي على هذه الحال التي قد نهي عن الصلاة فيها، أو يرقد فتفوته صلاة الصبح في جماعة. وقد قال عثمان بن عفان، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة، وذلك لا يقوله إلا عن توقيف، وبالله التوفيق. [القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة] ومن كتاب سن رسول الله قال ابن القاسم: قال مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية، فكره ذلك وأنكر أن يكون من فعل الناس. قال محمد بن رشد: إنما كرهه لأنه أمر مبتدع ليس من فعل السلف؛ ولأنهم يبتغون به الألحان وتحسين الأصوات بموافقة بعضهم بعضا وزيادة بعضهم في صوت بعض على نحو ما يفعل في الغناء، فوجه المكروه في ذلك بين والله أعلم. وقد مضى من هذا المعنى في رسم "سلعة سماها "، وتأتي المسألة متكررة في رسم "لم يدرك" من سماع عيسى. [مسألة: علم الإمام أنه لا يستطيع أن يصلي قائما] مسألة وقال مالك: إذا علم الإمام أنه لا يستطيع أن يصلي قائما فليأمر غيره يصل بالناس، وليقعد، وليس من هيئة الناس اليوم أن يصلوا جلوسا. قال مالك: لم يفعل ذلك أبو بكر ولا عمر بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما بلغنا، ولعل هذا شيء نسخ، والعمل على حديث ربيعة أن أبا بكر كان يصلي والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بصلاته. وقال مالك عن ربيعة: ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته.

قال محمد بن رشد: قوله ليس من هيئة الناس اليوم أن يصلوا جلوسا، أي ليس من هيئتهم أن يصلي المريض الجالس بالأصحاء قياما، يريد أن ذلك إنما كان من هيئة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمرتبته التي لا يشاركه فيها غيره، فكان ذلك من خواصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقوله بعد ذلك ولعل هذا شيء نسخ والعمل على حديث ربيعة إلى آخر قوله، يدل على أنه لم يرد ذلك من خواصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه كان شرعا شرعه لأمته ثم نسخه عنهم بما كان من فعله أيضا في ذلك المرض الذي توفي فيه. وقد تعارضت الآثار في ذلك فجاء في بعضها ما دل على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما خرج في مرضه وأبو بكر يصلي بالناس تأخر أبو بكر عن الإمامة وتقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى بالناس بقية صلاتهم وهو جالس والقوم خلفه قياما، وجاء في بعضها ما يدل على أن أبا بكر لم يتأخر عن الإمامة، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما صلى مؤتما بأبي بكر، فمن الناس من صحح ما دل منها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان الإمام ورأى ذلك شرعا لأمته ثم لم ينسخه عنهم ولا اختص به دونهم، فأجاز إمامة المريض جالسا بالأصحاء قياما، وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك، وفي هذا نظر، كيف أم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس في صلاة قد دخلوا فيها قبله، إلا أن يتأول أنه أحرم خلف أبي بكر ودخل في الصلاة معه، ثم حينئذ تقدم فصار هو الإمام رجع أبو بكر مأموما، فيستقيم معنى الحديث ويصح التعلق به لمن أجاز إمامة الجالس منه. ومنهم من صحح أيضا ما دل منها أنه كان الإمام إلا أنه رأى ذلك من خواصه، فلم يجز لأحد بعده إذا كان مريضا أن يؤم الأصحاء قياما، وهو قول مالك في هذه الرواية على ما قلناه. ومنهم من ذهب إلى أن ذلك كان منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاتين فكان في الصلاة الأولى هو الإمام، وائتم في الثانية بأبي بكر، فكان فعله في الصلاة الثانية ناسخا لفعله في الصلاة الأولى. وإلى هذا ينحو آخر قول مالك في هذه الرواية على ما قلناه. فعلى هذا التأويل تخلص الآثار من التعارض، فهو أولاها بالصواب، والله أعلم. فإن أَمَّ المريض جالسا بالأصحاء قياما على ما في رواية ابن القاسم عن مالك أجزأته وأعاد القوم

مسألة: يكبر الإمام إذا صعد المنبر في العيدين

أبدا، وقد قيل: إنهم لا يعيدون إلا في الوقت مراعاة لقول من يجيز ذلك ابتداء، وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك. وقد قال بعض أصحاب مالك: إن الإمام يعيد، وهو بعيد، وستأتي هذه المسألة أيضا في آخر رسم "استأذن " من سماع عيسى. وأما ما روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنه صلى وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا» فلا اختلاف بين أهل العلم أن ذلك منسوخ إلا ما جاء عن أسيد بن الحضير، وجابر بن عبد الله أنهما عملا بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، وهو شذوذ، فإن صلى المريض بالأصحاء جلوسا أعادوا في الوقت وبعده، وقد قيل: إنهم لا يعيدون إلا في الوقت، وهو بعيد لضعف الاختلاف في ذلك، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: يكبر الإمام إذا صعد المنبر في العيدين] مسألة قال مالك: من السنة أن يكبر الإمام إذا صعد المنبر في العيدين، ويكبر في الخطبة الثانية. قال محمد بن رشد: التكبير من شعار العيد. روي عن الحسن بن علي أنه قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نلبس أحسن ما نجد وأن نضحي بأسمن ما نجد: البقرة عن سبعة والجزور عن عشرة وأن نظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار» . ولم يحد مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في تكبير الإمام في الخطبة حدا، قاله في رسم "اغتسل " بعد هذا، وقال ابن حبيب: إنه يكبر في

مسألة: يصلي المريض المكتوبة على المحمل

مبتدأ الخطبة الأولى تسع تكبيرات، وفي مبتدأ الثانية سبع تكبيرات، وفي خلال كل فصل ثلاث تكبيرات، وحكي ذلك عن مطرف وابن الماجشون، قال: وقد روي عن أبي هريرة أنه يكبر في مبتدأ الخطبة خمس عشرة تكبيرة، والاقتصار على الأولى أحب إلينا. [مسألة: يصلي المريض المكتوبة على المحمل] مسألة قال: ولا يصلي المريض المكتوبة على المحمل، وإن اشتد مرضه حتى ينزل بالأرض فيصلي عليها وإن كان يومئ إيماء، ولا يصلي مكتوبة على المحمل. قال ابن عبد الحكم: إنما ذلك إذا كان المريض يقوى إذا نزل بالأرض على الصلاة جالسا وساجدا؛ لأنه لا يجوز له أن يصلي المكتوبة على المحمل إيماء وهو ممن يقوى على السجود، فإذا كان ممن إذا نزل بالأرض لم يقو على الصلاة إلا مضطجعا وإيماء فلا بأس أن يصلي على المحمل؛ لأن الحالة قد استوت به، ورواه يحيى عن ابن القاسم عن مالك. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم وظاهر روايته هذه عن مالك وما في المدونة أن المريض لا يصلي المكتوبة على المحمل أصلا وإن لم يقدر على السجود بالأرض ولا على الجلوس، ورواية يحيى عن ابن القاسم عن مالك أنه يجوز له أن يصلي على المحمل إذا لم يقدر على السجود وإن قدر على الجلوس، ومثله رواية أشهب عن مالك بعد هذا، فهي ثلاثة أقوال على ما ذكرناه، فرواية يحيى عن ابن القاسم عن مالك مخالفة لقول عبد الحكم ولرواية أشهب عن مالك، فسياقة العتبي لرواية يحيى على أنها مثل قول ابن عبد الحكم سياقة فاسدة، فتدبر ذلك وقف عليه إن شاء الله، وبه التوفيق.

مسألة: الصلاة على السرير

[مسألة: الصلاة على السرير] مسألة وقال لا بأس بالصلاة على السرير، وهو عندي مثل الفراش يكون على الأرض للمريض. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو أمر لا اختلاف فيه؛ لأن الصلاة على السرير كالصلاة في الغرف وعلى السطوح، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يكون في الصلاة فيخرج الرجل من الصف] مسألة وسئل مالك عن الرجل يكون في الصلاة فيخرج الرجل من الصف، قال إن كان إلى جنبه فإني أرى أن يشير إليه بالتسوية إذا كان ذلك شيئا يسيرا، فأما الصف يتعرج فإني أرى أن يقبل على صلاته ولا يشتغل به. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن اشتغاله بالإقبال على صلاته آكد عليه من الاشتغال بتقويم الصف إذا اعوج؛ لأن الإقبال على صلاته مما يخصه بخلاف تقويم الصف. [مسألة: حكم وضوء من ينام وهو قاعد] مسألة وسألته عن الذي ينام وهو قاعد، قال مالك: لا أرى عليه وضوءا إلا أن يتطاول ذلك، ومن الرجال من ينام في المسجد فيتطاول به النوم عامة الليل حتى يذهب ليل طويل وهو قاعد، فأما إذا كان مثل يوم الجمعة وما أشبهه فلا أرى في ذلك شيئا، فقيل له: يا أبا عبد الله ربما رأى الرؤيا في ذلك، فقال: إنما ذلك أحلام وليست برؤيا، فلا أرى في مثل هذا وضوءا. وحدث ابن القاسم عن مالك عن نافع أن ابن عمر كان ينام وهو جالس ثم يصلي

مسألة: أصابه الرعاف يوم الجمعة بعد أن صلى ركعة فغسل الدم عنه

ولا يتوضأ. قال مالك فلا أرى الوضوء إلا على من تطاول ذلك عليه، فأما الرجل ينام يوم الجمعة والإمام يخطب وما أشبهه فلا أرى عليه وضوءا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قاله؛ لأن النوم ليس بحدث فتنتقض الطهارة بقليله وكثيره، وإنما هو سبب للحدث. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العينان وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء» ، فلا يجب الوضوء إلا من النوم الذي يمكن إذا كان منه الحدث ألا يشعر به، فالقدر الذي يحكم على النائم بانتقاض وضوئه من أجله يختلف باختلاف هيئته في نومه، وهو على أربع مراتب: أقربها إلى انتقاض وضوئه فيها بالنوم الاضطجاع، ثم السجود، ثم الجلوس والركوب، ثم القيام والاحتباء. واختلف في الركوع فقيل إنه كالقيام، وقيل إنه كالسجود، واختلف أيضا في الإسناد فقيل: إنه كالجلوس وقيل: إنه كالاضطجاع. فإذا نام الرجل مضطجعا وجب عليه الوضوء بالاستثقال وإن لم يطل، وإذا نام ساجدا لم يجب عليه الوضوء إلا أن يطول، وقيل: إنه يجب عليه بالاستثقال وإن لم يطل، وإذا نام جالسا أو راكعا فلا وضوء عليه إلا أن يطول، وإذا نام قائما أو محتبيا فلا وضوء عليه وإن طال؛ لأنه لا يثبت، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة. [مسألة: أصابه الرعاف يوم الجمعة بعد أن صلى ركعة فغسل الدم عنه] مسألة قال مالك: فيمن أصابه الرعاف يوم الجمعة بعد أن صلى ركعة فغسل الدم عنه، قال: أرى أن يرجع إلى المسجد فيركع ركعة، وإن صلى في بيته ابتدأ أربعا؛ لأن الجمعة لا تصلى في البيوت. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله أرى أن يرجع إلى المسجد، أنه

مسألة: نسي صلوات كثيرة فذكرها في وقت صلاة

يرجع إلى المسجد الذي ابتدأ فيه، وهو المشهور في المذهب. ومن أصحابنا من يقول إنه يتم صلاته في أقرب المساجد إليه، وهو الذي يدل عليه تعليله بأن الجمعة لا تصلى في البيوت. وجه القول الأول أن المسجد شرط في صحة الجمعة، فإذا دخل في الجمعة في مسجد ما تعين عليه إتمام الصلاة في ذلك المسجد. ووجه القول الثاني أنه لا يتعين عليه إلا إتمام الصلاة في مسجد لا في ذلك المسجد بعينه. ويدل تعليله أيضا على أن الجمعة لو أقيمت في مسجد سوى المسجد الجامع لأجزأت خلاف ما ذهب إليه القاضي أبو الوليد من أن ذلك لا يجوز إلا أن تنتقل إليه الجمعة على التأبيد. [مسألة: نسي صلوات كثيرة فذكرها في وقت صلاة] مسألة قال ابن القاسم فيمن نسي صلوات كثيرة فذكرها في وقت صلاة، إن كانت صلاة يوم وليلة فأدنى بدأ بها ثم صلى الصلاة التي حضرته وإن فات وقتها، وإن كانت أكثر من ذلك بدأ بالصلاة التي حضرته ثم قام فقضى ما فاته. قال محمد بن رشد: جعل في هذه الرواية حد الصلوات الكثيرة الذي يبدأ بما حضر وقته عليها ست صلوات فزائدا، وروى ابن سحنون عن أبيه أن حدها خمس صلوات فزائدا، وقد قيل إن حدها أربع صلوات فزائدا على ظاهر ما في المدونة. والصواب أن حدها أكثر ما قيل في ذلك وهي الست الصلوات للاتفاق على أنها كثيرة؛ لأن ظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها» ، يقتضي بحمله على عمومه، إذ الصلاة من ألفاظ العموم، أن يبدأ بالفوائت، قلت أو كثرت ساعة يذكرها قبل ما هو في وقته، فلا يخصص من هذا العموم إلا ما يتفق على تخصيصه منه وهو الكثير، وبالله التوفيق.

الرجل يصلي في الإزار والرداء فيجد الحر فيطرح رداءه على منكبيه

[الرجل يصلي في الإزار والرداء فيجد الحر فيطرح رداءه على منكبيه] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا قال: وسئل مالك عن الرجل يصلي في الإزار والرداء فيجد الحر ويكون متربعا فيطرح رداءه على منكبيه، قال: أما النافلة فأرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: يكره للرجل أن يصلي مكشوف الظهر والصدر، فاستخف ذلك في النافلة لشدة الحر، ولو لم يفعل لكان أحسن. [مسألة: الوتر يقرأ فيه الرجل بأم القرآن وحدها ثم يركع] مسألة وسئل عن الوتر يقرأ فيه الرجل بأم القرآن وحدها ثم يركع، فإذا رفع رأسه ذكر أنه لم يقرأ فيه إلا بأم القرآن وحدها، كيف يصنع؟ قال أرى أن يمضي وتره على حاله، فقيل له: أترى عليه سجود سهو؟ قال: لا وخففه وقال: ألا ترى أن ركعتي المكتوبة اللتين تكونان في آخر الصلاة ليس يقرأ فيهما إلا بأم القرآن وحدها، فلا أرى في مثل هذا سجود سهو. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن سجود السهو إنما يجب لنقصان السنن لا لنقصان الاستحبابات، وقراءة ما عدا أم القرآن في الوتر مستحب. [مسألة: الجمع بين المغرب والعشاء في المطر] مسألة وسئل عن الجمع بين المغرب والعشاء كيف هو يكون المطر دائما لا ينقطع وليس لتعجيلها أمر يتعجلان فيه منفعة لأن المطر كما هو، قال أرى أن تجمعا، وما زال الناس يجمعون، فأرى أن تعجل العشاء قليلا عن وقتها وتؤخر المغرب إلى العشاء. قيل له فإنهم إذا

التكبير خلف الصلوات بأرض العدو

فرغوا من المغرب قام المؤذنون يؤذنون واحدا بعد واحد كأنهم يريدون أن يبطئوا بالعشاء قليلا، قال: ذلك أحسن ولا أرى به بأسا، وذلك رفق بالناس في جمع الصلاتين. فقيل له إنه ربما تجلت السماء وانقطع المطر إلا أنه يكون الطين والوحل فيجمعون، فكأنه لم ير به بأسا، قال ما زال الناس يجمعون. قال محمد بن رشد: سلم السائل قوله إن الجمع لا منفعة لهم فيه لتمادي المطر، وليس ذلك ببين، بل هم مع تمادي المطر في الجمع أعذر، والرخصة لهم فيه أكثر، للمشقة الداخلة عليهم في الذهاب والرجوع مرتين مع تمادي المطر. وظاهر هذه الرواية أنه أجاز الجمع في الطين والوحل وإن لم يكن مطر ولا ظلمة، إذ لم يشترط الظلمة، وذلك خلاف قوله في المدونة والواضحة، وخلاف ما في قرب آخر الرسم الأول من سماع أشهب، وقد مضى التكلم في وقت الجمع بينهما في رسم "شك في طوافه " فلا وجه لإعادته. [التكبير خلف الصلوات بأرض العدو] مسألة وسئل مالك عن التكبير خلف الصلوات بأرض العدو، وقال ما سمعته، إنما هو شيء أحدثه المسودة، فقيل له: فإن بعض البلدان يكبرون دبر المغرب والصبح، فقال هو ما أحدثه المسودة. قال محمد بن رشد: المسودة هم القائمون على بني أمية بدولة بني العباس، وكانت لهم ألوية سود فنسبوا إليها، وأنكر في هذه الرواية التكبير دبر الصلوات بأرض العدو، وسكت عنه في غير دبر الصلوات، وأجازه في الجهاد من المدونة، وفي سماع أشهب من كتاب الجهاد بحضرة العدو وبغير حضرتهم وسكت عن دبر الصلوات، فكل واحدة من الروايتين مبينة لصاحبتها. وحكى ابن حبيب أن أهل العلم يستحبون التكبير في العساكر

الصلاة في مثل مساجد الحرس أيصلي فيها الظهر والعصر يجمع فيها مرتين

والثغور والمرابطات دبر صلاة العشاء وصلاة الصباح تكبيرا عاليا ثلاث تكبيرات، ولم يزل ذلك من شأن الناس قديما، وسمعتهم يكرهون التطريب في ذلك وأن يتقدمهم واحد بالتكبير أو التهليل ثم يجيبه الآخرون بنحو من كلامه جما غفيرا، ولا بأس أن يخترق تكبيره، وما ذهب إليه مالك من كراهية التكبير دبر الصلوات أظهر؛ لأنه أمر محدث لم يكن في الزمن الأول، ولو كان لذكر ونقل، والله أعلم. [الصلاة في مثل مساجد الحرس أيصلي فيها الظهر والعصر يجمع فيها مرتين] ومن كتاب أوله يسلف في المتاع والحيوان وسألت مالكا عن الصلاة في مثل مساجد الحرس، أيصلي فيها الظهر والعصر يجمع فيها مرتين؟ فكره ذلك وقال: لا أحب أن تجمع في المسجد صلاة واحدة مرتين يجمع فيها بعد الصلاة. قال ابن القاسم: إذا كان المسجد يجمع فيه بعض الصلوات ولا يجمع فيه بعضها فلا تجمع فيه صلاة مرتين. قال ابن القاسم: قال لي مالك كل مسجد تجمع فيه بعض الصلوات ولا يجمع فيه بعض فلا أرى أن يجمع فيه مرتين ما يجمع فيه وما لا يجمع. قال مالك: وقد كان بالمدينة هاهنا مساجد يجمع فيها المغرب والعشاء والصبح ولا يجمع فيها الظهر والعصر. قال ابن القاسم: ولا أعلم إلا أنه كان من قوله فلم يكن يجمع فيها صلاة واحدة مرتين مما لم يكن يجمع فيه. وفي رواية أشهب وابن نافع من كتاب الصلاة قال: وسئل مالك عن مساجد بالإسكندرية يحرس فيها يصلى فيها المغرب والعشاء والصبح بالأذان والإقامة، ولا يصلى فيها الظهر والعصر، فربما شهدنا الجنازة بالنهار فصلينا فيها الظهر

مسألة: يصلي العصر ثم ينسى أنه صلى فيقوم يصلي ثم يذكر صلى

والعصر فتجمع فيها الصلاة منها مرتين، أترى ذلك واسعا؟ قال نعم لا بأس بذلك، وأما الصلوات التي تجمع فلا أرى ذلك. قال محمد بن رشد: رواية ابن القاسم في المنع من الجمع مرتين في المسجد الذي يجمع فيه بعض الصلوات التي لا تجمع فيها، تأتي على أن الجمع في مسجد واحد مرتين كره لوجهين: أحدهما: تفريق الجماعة. والثاني: لئلا يكون ذلك ذريعة لأهل البدع في اعتزالهم أهل السنة وتفرقتهم بأئمتهم؛ لأن الصلاة التي لا تجمع فيه إذا جمع فيه مرتين كل ذلك ذريعة لأهل البدع إلى ما يذهبون إليه من إظهار بدعهم وإن لم يكن في ذلك تفريق جماعة، إذ ليس لتلك الصلاة في ذلك المسجد جماعة تفرق. ورواية أشهب تأتي على أن الجمع مرتين في مسجد واحد إنما كره لعلة واحدة وهي تفريق الجماعة، فإذا لم يكن لتلك الصلاة في ذلك المسجد جماعة تفرق جاز الجمع فيه مرتين، فهذا وجه الروايتين. [مسألة: يصلي العصر ثم ينسى أنه صلى فيقوم يصلي ثم يذكر صلى] مسألة وسئل عن الرجل يصلي العصر لنفسه ثم ينسى أنه صلى فيقوم يصلي الثانية فيركع ركعتين ثم يذكر أنه قد صلى، قال: أرى أن يضم إليها أخرى، فقلت له: يا أبا عبد الله أتكون صلاة بعد العصر؟ فقال قد كان المنكدر يصلي، وقد كان عمر ينهاه عن ذلك، وقد جاء فيها بعض ما جاء، فالشيء إذا كان صاحبه لا يريد به خلاف السنة، وإنما يفعله على غير خلاف السنة رأيت أن يفعل ذلك للذي جاء فيه من الرخصة، وإنما كره من ذلك ما كان صاحبه يتعمد به خلاف الحق. قال محمد بن رشد: النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس نهي ذريعة، وإنما حقيقة الوقت

المنهي عن الصلاة فيه عند الطلوع وعند الغروب. ألا ترى أن رجلين لو كان أحدهما قد صلى العصر والثاني لم يصلها لجاز للذي لم يصل العصر أن يتنفل ولم يجز ذلك للآخر والوقت لهما جميعا وقت واحد، فإنما نهي الذي صلى العصر عن الصلاة بعد العصر حماية للوقت المنهي عن الصلاة فيه، لا لأن الصلاة فيه حرام. روي عن المقدام ابن شريح: «قلت لعائشة كيف كان يصنع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الظهر والعصر، قالت: كان يصلي الهجير ثم يصلي بعدها ركعتين. ثم كان يصلي العصر ثم يصلي بعدها ركعتين، قال فقلت: فأنا رأيت عمر يضرب رجلا رآه يصلي بعد العصر، فقالت: لقد صلاهما عمر ولقد علم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاهما، ولكن قومك أهل اليمن قوم طغام فكانوا إذا صلوا الظهر صلوا بعدها إلى العصر وإذا صلوا العصر صلوا بعدها إلى المغرب فقد أحسن» . فلما كان هذا الذي صلى ركعة من العصر ثم ذكر أنه قد صلاها في وقت ليس بوقت منهي عن الصلاة فيه لأن الصلاة فيه حرام، وجب أن يتم ركعتين ولا يبطل عمله، لقول الله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ، فهذا وجه قول مالك والله أعلم. ولو ذكر قبل أن يركع لكان الأظهر أن يقطع على قياس قوله في مسألة رسم "أوله مرض " بعد هذا، ولو ذكر قبل أن يركع من صلاة يصلي بعدها لجرى ذلك على اختلاف قول ابن القاسم وأشهب في كتاب الصيام من المدونة في الذي يظن أن عليه يوما من رمضان فيصبح صائما، ثم يعلم أنه لا شيء عليه، وبالله التوفيق.

مسألة: القرآن يكتب أسداسا وأسباعا في المصاحف

[مسألة: القرآن يكتب أسداسا وأسباعا في المصاحف] مسألة وسئل عن القرآن يكتب أسداسا وأسباعا في المصاحف، فكره ذلك كراهية شديدة وعابه وقال لا يفرق القرآن وقد جمعه الله تعالى، وهؤلاء يفرقونه، لا أرى ذلك. قال محمد بن رشد: أنزل الله تبارك وتعالى القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم أنزل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئا بعد شيء حتى كمل الدين، واجتمع القرآن جملة في الأرض كما أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، فوجب أن يحافظ على كونه مجموعا، فهذا وجه كراهية مالك لتفريقه والله أعلم. [مسألة: الصلاة في الحمام وقراءة الآية والآيتين] مسألة قال مالك: لا أرى بأسا بالصلاة في الحمام وأن يقرأ فيه بالآية والآيتين والثلاث. قال محمد بن رشد: قوله: لا أرى بأسا بالصلاة في الحمام، معناه إذا أيقن بطهارته؛ لأنه قد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «نهى عن الصلاة في سبعة مواطن، أحدها الحمام» ، ومعنى النهي عن ذلك عند مالك لما يتقى من نجاسته إذ هو موضع يتخذ للاغتسال من النجاسة وغيرها، فينبغي أن يحمل داخله على النجاسة حتى يوقن بطهارته، وخارجه حيث يخلع الناس ثيابهم على الطهارة حتى يوقن فيه بالنجاسة. ولعله تكلم في هذه الرواية على خارج الحمام، ولذلك لم يشترط أن يعلم طهارة الموضع الذي صلى فيه، وتكلم في المدونة على داخله، ولذلك اشترط طهارة الموضع فقال: إذا كان مكانه طاهرا فلا بأس به، ولم يجز أن يقرأ فيه بالآية والآيتين والثلاث، على سبيل الارتياع والتعوذ لأنه قرآن كريم، فواجب أن يجل على أن يتلى في المواضع

مسألة: يغدو يوم الجمعة إلى المسجد ليصلي الصبح فيغتسل ويريد بذلك غسل الجمعة

المكروهة، وقد كره في رسم "المحرم " للرجل أن يقرأ بقية حزبه في طريق مسيره إلى المسجد، فكيف بالتلاوة في الحمام، وبالله التوفيق. [مسألة: يغدو يوم الجمعة إلى المسجد ليصلي الصبح فيغتسل ويريد بذلك غسل الجمعة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يغدو يوم الجمعة إلى المسجد ليصلي الصبح فيغتسل ويريد بذلك غسل الجمعة فيقيم في المسجد حتى يصلي، قال مالك لا يعجبني ذلك، وكره ذلك الرواح تلك الساعة إلى الجمعة، ولم يعجبه غسل الجمعة تلك الساعة. قال محمد بن رشد: غسل الجمعة عند مالك لا يكون إلا محصلا بالرواح إليها، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل» - وقوله: «إذا جاء أحدكم الجمعة» خرج على المجيء المعروف الذي يكون ساعة الرواح على ما بينه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله: «من اغتسل ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة» الحديث، فلما اغتسل هذا الرجل في غير وقت الرواح الذي ندب رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى الرواح فيه بالحديث المذكور بإجماع لم يجزه الغسل عنده وإن كان متصلا بخروجه. وفي سماع زونان لابن وهب أنه يجوز له أن يروح إلى الجمعة بالغسل الذي اغتسله بعد الفجر، قال والفضل أن يكون غسله متصلا برواحه، ومثله في سماع أبي قرة عن مالك، وهو خلاف المشهور من قوله. [مسألة: المطر إذا كان الطين والأذى في الطريق أيصلي الرجل في منزله] مسألة وسئل مالك عن المطر إذا كان الطين والأذى في الطريق،

مسألة: الرجل يسمع مؤذن المغرب في الحرس فيحرك فرسه ليدرك الصلاة

أيصلي الرجل في منزله ويكون في سعة من ترك إتيانه إلى المسجد؟ قال: نعم أرجو أن يكون في سعة إن شاء الله تعالى. قال محمد بن رشد: هذا من نحو إجازته الجمع بين المغرب والعشاء في الطين والوحل على ما تقدم في الرسم الذي قبل هذا؛ لأن فضيلة الوقت أكثر من فضيلة الجماعة، فإذا جاز ترك فضيلة الوقت لهذه العلة جاز ترك فضيلة الجماعة لها. وقد روي عن زياد عن مالك أن صلاة الصبح في أول الوقت فذا أفضل من صلاتها في آخر الوقت في جماعة. [مسألة: الرجل يسمع مؤذن المغرب في الحرس فيحرك فرسه ليدرك الصلاة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يخرج إلى الحرس فيسمع مؤذن المغرب في الحرس فيحرك فرسه ليدرك الصلاة، قال مالك: لا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: معناه ما لم يسرع حتى يخرج بذلك عن حد السكينة المأمور بها في الإتيان إلى الصلاة، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من هذا الكتاب. [مسألة: حكم الاضطباع في الصلاة] مسألة قال مالك: الاضطباع أن يرتدي الرجل فيخرج ثوبه من تحت يده اليمنى. قال ابن القاسم: وأراه من ناحية الصماء. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال ابن القاسم؛ لأنه إذا أخرج ثوبه من تحت يده اليمنى انكشف جنبه الأيمن فبدت عورته، ولهذه العلة جاء النهي في اشتمال الصماء.

مسألة: الرجل يقعد للتشهد يوم الجمعة في نافلة فيخرج الإمام أيدعو أم يسلم

[مسألة: الرجل يقعد للتشهد يوم الجمعة في نافلة فيخرج الإمام أيدعو أم يسلم] مسألة وسئل مالك عن الرجل يقعد للتشهد يوم الجمعة في نافلة فيخرج الإمام، فأراد أن يدعو إلى أن يقوم الإمام قبل أن يسلم، قال بل يسلم ولا يدعو. قال محمد بن رشد: قد استحب مالك في رواية ابن وهب عنه إذا لم يبق من صلاته إلا السلام أن يدعو ولا يسلم مادام المؤذنون يؤذنون والإمام جالس، والقياس ما في الكتاب لما جاء من " أن خروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام ". فإذا كان خروجه يقطع الصلاة وجب أن لا يكون له أن يدعو ولا يسلم بعد خروجه، كما ليس له أن يدعو ولا يسلم بعد قيامه، وبالله التوفيق. [الرجل يجعل الخاتم في يمينه أو يجعل فيه الخيط لحاجة يريدها] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء وسئل مالك عن الرجل يجعل الخاتم في يمينه أو يجعل فيه الخيط لحاجة يريدها، قال لا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: وجه إجازة هذا أو تخفيفه واضح، وذلك أن التختم في اليسار ليس بواجب، وإنما كان هو المختار لأن الأشياء إنما تتناول باليمين، فهو يأخذ الخاتم بيمينه فيجعله في يساره، فإذا جعله في يمينه ليتذكر بذلك الحاجة فلا حرج عليه في ذلك. وأما جعله فيه الخيط فليس فيه أكثر من السماجة عند من يبصره ويراه ولا يعرف وجه مقصده بذلك ومغزاه إن شاء الله، وبه التوفيق.

مسألة: الخمر إذا اضطر إليها الرجل أيشرب

[مسألة: الخمر إذا اضطر إليها الرجل أيشرب] مسألة وسئل عن الخمر إذا اضطر إليها الرجل، أيشرب؟ قال: لا، ولن تزيده الخمر إلا شرا لقول بقطع جوفه. قيل لأصبغ: ما الفرق للمضطر بين الميتة والخمر، أرخص للمضطر في الدم وكره له شرب الخمر إذا اضطر إليها؟ فقال لأن الله ذكر تحريم الميتة فقال: حرمت عليكم الميتة الآية ثم استثنى فقال: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ} [البقرة: 173] الآية، وذكر تحريم الخمر فقال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] الآية، فلم يستثن فيها للمضطر ولا غيره. قال محمد بن رشد: كذا وقع في الرواية ما الفرق للمضطر بين الميتة والخمر أرخص للمضطر في الدم وكره له شرب الخمر، وكان الصواب في الكلام أن يكون أرخص للمضطر في الميتة وكره له شرب الخمر، إلا أنه ذكر الدم مكان الميتة لما كان حكمهما سواء عند الجميع في جميع الأحوال. ووقع في بعض الروايات: ما الفرق للمضطر بين الميتة والدم؟ وهو خطأ

لا يصح له معنى. وقد قال ابن القاسم أيضا في سماع أصبغ من كتاب الصيد: إن المضطر يشرب الدم ولا يشرب الخمر، وقال أيضا إنه يأكل الميتة ولا يقرب ضوال الإبل. واحتج ابن وهب هناك للفرق بينهما وبين الميتة والخمر بمثل حجة أصبغ هنا سواء، وليست بحجة، إلا من جهة التعلق بالظاهر، وليس مذهبنا التعلق به وترك القياس والفرق بين الدم والخمر من جهة القياس أن تحريم الدم عبادة لا لمعنى يتوقع من شربه، وتحريم الخمر لما يتوقع من شربه من وقوع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة. والفرق بين الميتة وضوال الإبل من جهة القياس أن الميتة لا ملك لأحد عليها بخلاف ضوال الإبل، فلا يكون باستباحتها عند الضرورة متعديا على أحد كما يكون إذا استباح ضوال الإبل. فإذا قلنا بالفرق بين ذلك من جهة القياس أو من جهة التعلق بالظاهر، فهل يمتنع من الخمر وضوال الإبل وإن لم يجد الميتة؟ أو هل إنما يلزمه الامتناع منهما مع وجود الميتة؟ فالظاهر من قول أصبغ أنه يمتنع منهما بكل حال، والظاهر من قول ابن وهب إنما يلزمه الامتناع منهما إذا وجد الميتة، ويأتي على ما في الموطأ لمالك من أن المضطر إذا وجد مالا لقوم وأمن أن يعد سارقا فتقطع يده كان أكل ما وجد للقوم أولى من أكل الميتة، أنه إذا وجد الميتة وضوال الإبل أكل الضوال ولم يأكل الميتة، فهي مسألة يتحصل فيها أربعة أقوال: أحدها: المساواة بينهما، والثاني: أن الأولى به إذا وجدهما أن يأكل الميتة، والثالث: أن الأولى به إذا وجدهما أن يأكل ضوال الإبل، والرابع: أن لا يقرب ضوال الإبل بحال. وتعليل قول مالك لقوله إن المضطر لا يشرب الخمر بأنها لا تزيده إلا شرا يدل على أنه لو كان له في شربها منفعة لجاز له أن يشربها، وأن لا فرق عنده بين الميتة والخمر في إباحتهما للمضطر. وقد استدل محمد بن عبد الحكم في كتاب المولدات على أن هذا مذهب مالك بهذا التعليل الذي علل به قوله، واحتج على صحته بأن من غص بلقمة فخشي على نفسه الموت ولم يجد ماء يستسيغها به إلا بالخمر أن ذلك جائز له، والظاهر من قول أصبغ أن

مسألة: لا يقصر حتى ينوي حين يخرج من منزله سفرا فيه أربعة برد

ذلك لا يجوز له كما ذكرنا، وقاله محمد بن عبد الحكم في المحرم يضطر إلى الميتة أنه يأكلها ولا يأكل الصيد، يريد إلا أن لا يجد إلا الصيد فإنه يجوز له أن يأكله على أصله في الذي يغص باللقمة أنه يستسيغها بالخمر. ولو وجد حمارا أهليا لأكله ولم يأكل الصيد للاختلاف في الحمار الأهلي، ولو وجد المضطر ميتة وخنزيرا لأكل الميتة ولم يأكل الخنزير، فهذا وجه القول في هذه المسألة مستوفى، وبالله التوفيق. [مسألة: لا يقصر حتى ينوي حين يخرج من منزله سفرا فيه أربعة برد] مسألة وسئل مالك عن الرجل يخرج من بيته إلى السوق، وبينه وبين منزله خمسة عشر ميلا، وخلف ذلك سوق آخر نحو ذلك أو أكثر، وخلف السوقين سوق آخر بينه وبينهما نحو من خمسة عشر ميلا، قرى بعضها خلف بعض، ونيته حين يخرج إن هو باع سلعته في السوق الأول رجع إلى أهله، وإلا تقدم حتى يبلغ آخر تلك الأسواق، أيقصر الصلاة أم يتم؟ قال مالك: لا يقصر على الشك وليتم الصلاة، ولا يقصر حتى ينوي حين يخرج من منزله سفرا فيه أربعة برد، وعندنا هاهنا مثل هذا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة في الذي يطلب حاجة على بردين فلم يزل يقال له هي بين يديك حتى سار مسيرة أيام وليالي، أنه يتم الصلاة في ذلك، وإنما يقصر في رجعته، وهذا ما لا أعرف فيه خلافا. [مسألة: ينصت الناس في خطبة الاستسقاء والعيدين] مسألة وقال مالك: ينصت الناس في خطبة الاستسقاء والعيدين كما ينصتون في الجمعة.

مسألة: التروح في الصلاة من الحر

قال محمد بن رشد: وهذا صحيح كما قال؛ لأنها خطب مشروعة للصلاة عنده، فوجب أن يكون حكمها حكم خطبة الجمعة في الإنصات لها. وذهب الطحاوي في خطبة العيدين إلى أنها للتعليم لا للصلاة كخطب الحج فلا يجب الاستماع إليها والإنصات لها. ودليله ما روي «عن عبد الله بن السائب قال: شهدت العيد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما صلى قال: إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يرجع فليرجع» ، وكذلك خطبة الاستسقاء إذ لا صلاة فيه على مذهبه، وبالله التوفيق. [مسألة: التروح في الصلاة من الحر] مسألة وسئل عن التروح في الصلاة من الحر، فقال: الصواب أن لا يفعل. قال ابن القاسم: يريد المكتوبة، ولا بأس به في النافلة إذا غلبه الحر. قال محمد بن رشد: الاشتغال بالتروح في الصلاة ترك للخشوع فيها، ومجاهدة النفس على الصبر على شدة الحر وترك التروح ربما أدى إلى ترك الإقبال على الصلاة، فرأى مالك ترك التروح والصبر على شدة الحر ومجاهدة النفس على ذلك في الصلاة أصوب من التروح فيها، لقول الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] ، واستخف ذلك ابن القاسم في النافلة إذ ليست بواجبة.

مسألة: الرجل يدخل المسجد الحرام أيبدأ بركعة أم بالطواف

[مسألة: الرجل يدخل المسجد الحرام أيبدأ بركعة أم بالطواف] مسألة وسئل مالك عن الرجل يدخل في المسجد الحرام، أيبدأ بركعة أم بالطواف؟ قال بل بالطواف. قال محمد بن رشد: الطواف بالبيت في المسجد الحرام كالصلاة في غيره من المساجد، ولا يتم إلا بركعتين، فإن دخله وهو لا يريد الطواف به تلك الساعة وجب عليه أن يركع ركعتين قبل أن يجلس. [مسألة: يصلي في صف آخر وقدامه صفوف منحرفة أيشق الصف إليها] مسألة وسئل عن الصف يكون خلفه الرجل في صف آخر وأمام الصف الذي قدامه صفوف منحرفة، أترى أن يشق الصف إليها؟ قال إن كان ينال ذلك برفق فلا بأس به. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب وأمام الصف الذي أمام الصف الذي قدامه، فعلى هذا أجاز له أن يشق صفين لسد الفرجة يراها في الصف المتقدم، ومع ذلك إذا كانت الفرجة أمامه، وأما إن كانت عن يمينه أو يساره فالذي يليها أولى بسدها منه، وقد قال ابن حبيب إن له أن يخرق لسدها الصفوف، وذلك لما جاء في الترغيب في سد الفرجة في الصف، روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من سد فرجة في الصف رفعه الله بها درجة في الجنة وبنى له في الجنة بيتا» . [مسألة: الإمام يكون في الصلاة فينظر إلى رجل مقبل أترى أن ينتظره] مسألة وسئل مالك عن الإمام يكون في الصلاة فينظر إلى رجل

الذي يتنخم في المسجد على الحصير ثم يدلكه برجله

مقبل، أترى أن ينتظره؟ قال لا، وكذلك لو رأى أيضا غيره أكان ينتظره؟ فنهى عن ذلك. قال محمد بن رشد: كره مالك للإمام هذا لأن حق من دخل معه في الصلاة وتحرم بها عليه في أن يفعل ما يتبعه فيه أولى من حق من قصر عن الإتيان وأبطأ فيه. ومن أهل العلم من أجاز ذلك في القدر اليسير الذي لا ضرر فيه على من معه في الصلاة، بدليل ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع صوت صبي في الصلاة فخفف» «وأنه صلى فأطال السجود فسئل عن ذلك فقال: إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته مني» . وقد حكى بعض الناس عن أبي حنيفة فيمن تنحنح به وهو يصلي فانتظر المتنحنح به أن صلاته فاسدة، قال وأخشى عليه، ومعنى ذلك أن يكون قد عمل بعض صلاته لغير الله عز وجل، فيكون بذلك كافرا، وهو بعيد، لما جاء عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما ذكرناه، والصحيح عنه الكراهية لذلك مثل قول مالك، وهو قول الشافعي أيضا. وبالله التوفيق. [الذي يتنخم في المسجد على الحصير ثم يدلكه برجله] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق وسئل عن الذي يتنخم في المسجد على الحصير ثم يدلكه برجله، فكره ذلك وقال إن القاسم بن محمد رأى رجلا يمضمض في المسجد بعد فراغه من شربه ثم مجه في الحصباء، فنهاه عن ذلك، فقال له الرجل وهو يريد أن يحاجه إنه يتنخم فيه وهو شر من الماء، قال إن ذلك مما لا بد للناس منه، ولم ير مالك بالتنخم تحت الحصير بأسا، وكره مالك تقليم الأظفار ودفن القمل وقتلها في

مسألة: رجل كبر مع الإمام فنعس أو سها حتى سجد الإمام

المسجد. وسئل مالك عن التنخم في النعلين في المسجد، فقال أما إن كان لا يصل إلى موضع حصيرة يتنخم تحتها فلا أرى بأسا، وإن كان يصل إلى الحصيرة فإني أستحسنه ولا أحب لأحد أن يتنخم في نعليه. قال محمد بن رشد: هذا كله بين. أما كراهيته أن يتنخم في الحصير ثم يدلكه برجله فلأن ذلك لا يزيل أثرها من الحصير، وفي ذلك إذاية للمصلين وإضاعة لحرمة المسجد. وأجاز أن يتنخم تحت الحصير كما أجاز أن يتنخم في الحصباء ويدفنه، فقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التفل في المسجد خطيئة وكفارته أن يواريه» . وهذا كله في المدونة. وكره تقليم الأظفار في المسجد لحرمته، وكره قتل القملة في المسجد ولم ير دفنها فيه بخلاف النخامة لنجاستها؛ ولأنه قد روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن قتل القملة في المسجد وأمر بإخراجها منه» ، وكان قتل البرغوث في المسجد أخف عنده من قتل القملة، وكره التنخم في النعلين، إلا أن لا يصل إلى الحصيرة لظهور ذلك فيهما وربما وضعهما في المسجد فيعلق به شيء من ذلك. ووقع في بعض الروايات مكان فإني أستحسنه فإني استقبحه، فيعود الاستحسان إلى التنخم تحت الحصير إن كان يصل إليها، والاستقباح إلى التنخم في النعلين إن كان يصل إلى الحصير، وهذا كله مما لا إشكال فيه. [مسألة: رجل كبر مع الإمام فنعس أو سها حتى سجد الإمام] مسألة وسئل مالك عن رجل كبر مع الإمام فنعس أو سها حتى سجد الإمام، قال: إن ظن أنه يدركه قبل أن يرفع رأسه من السجود فليركع ويسجد ويلحقه، وإلا فلا يعتد بها وليركع ركعة إذا فرغ من الصلاة.

مسألة: الإمام يدخل المسجد عند الإقامة ولم يصلى ركعتي الفجر

قال محمد بن رشد: هذه مسألة المدونة، تكررت في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب، وفي أول رسم من سماع عيسى، وفي رسم "لم يدرك منه" أكمل مما وقعت هاهنا. وتلخيص ما وقع فيها من الاختلاف أن لمالك فيها ثلاثة أقوال: أحدها أنه يركع بعد رفع الإمام رأسه ويتبعه كان ذلك في أول ركعة أو بعد أن عقد معه ركعة، والثاني أنه يلغي تلك الركعة ولا يتبع الإمام فيها كان ذلك أيضا في أول ركعة أو بعد أن عقد مع الإمام ركعة، والثالث أنه إن كان ذلك في أول ركعة ألغاها ولم يتبع الإمام فيها وإن كان ذلك بعد أن عقد معه ركعة اتبعه، واختلف قوله إلى أي حد يتبعه على القول الأول إذا عقد معه ركعة على قولين: أحدهما أنه يتبعه ما لم يرفع رأسه من سجود الركعة التي غفل عنها، والثاني أنه يتبعه ما لم يركع في الركعة التي بعدها أو ما لم يرفع رأسه من ركوعها على الاختلاف في قوله في عقد الركعة هل هو الركوع أو الرفع منه. وسواء على مذهبه غفل أو سها أو نعس أو زوحم أو اشتغل بحل إزاره أو ربطه أو ما أشبه ذلك، وسواء أيضا على مذهبه أحرم قبل أن يركع الإمام أو بعد أن ركع إذا كان لولا ما اعتراه من الغفلة وما أشبهها لأدرك معه الركعة. وأما لو كبر بعد أن ركع الإمام فلم يدرك أن يركع معه حتى رفع الإمام رأسه فقد فاتته الركعة ولا يجزيه أن يركع بعده ويتبعه قولا واحدا. وأخذ ابن وهب وأشهب بالقول الأول إذا أحرم قبل أن يركع الإمام، وبالقول الثاني إذا أحرم بعد أن ركع الإمام، ولم يفرقا بين الزحام وغيره. وأخذ ابن القاسم في الزحام بالقول الثاني، وفيما سواه من الغفلة والاشتغال بالقول الثالث. وأخذ بالقول الثاني في الاشتغال، وفيما سواه من الزحام أو السهو أو الغفلة بالقول الثالث. وأخذ محمد بن عبد الحكم في الجمعة بالقول الأول، وفيما عدا الجمعة بالقول الثالث، وبالله التوفيق. [مسألة: الإمام يدخل المسجد عند الإقامة ولم يصلى ركعتي الفجر] مسألة وسئل مالك عن إمام مسجد في عشيرته أتى إلى المسجد فلما دخل المسجد أقام المؤذن الصلاة ولم يكن ركع ركعتي

مسألة: يشرب الماء يوم الجمعة والإمام يخطب

الفجر، أترى أن يسكت المؤذن حتى يركع ركعتي الفجر أم يصلي بهم؟ قال بل يصلي بهم الصبح ولا يسكت المؤذن لهما ولا يخرج من المسجد ولا يركع فيه بعد أن دخل المسجد ولا يسكت المؤذن. قال محمد بن رشد: لم ير للإمام أن يسكت المؤذن لركعتي الفجر، إذ قيل فيهما إنهما من الرغائب وليستا من السنن، وهي رواية أشهب عن مالك، بخلاف الوتر الذي هو سنة، وقد قيل فيه إنه واجب فإن للإمام أن يسكت المؤذن حتى يوتر، وقد فعل ذلك عبادة بن الصامت. [مسألة: يشرب الماء يوم الجمعة والإمام يخطب] مسألة قال مالك: لا أحب لأحد أن يشرب الماء يوم الجمعة والإمام يخطب ولا يسقي الماء يدور به على الناس والإمام يخطب. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لما كان حال الخطبة حال الصلاة في الإنصات وجب أن يكون حالها حال الصلاة في الأكل والشرب. [مسألة: وقت الصلوات كلها] مسألة قال: مالك وقت الصلوات كلها في كتاب الله عز وجل، فأما قول الله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] ، فذلك المغرب والعشاء والصبح؛ وقوله {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] ، فعشيا العصر، وحين تظهرون الظهر؛ وقَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] صلاة الظهر {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] قال: الغسق غيبوبة الشفق واجتماع الليل وظلمته،

{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] . قال مالك: ذلك وقت صلاة الصبح. قال: والأعراب يقولون صلاة الشاهد صلاة المغرب وذلك أني تفكرت في ذلك فإذا هي لم تنقص في السفر، هي فيه بمنزلتها في الحضر لم تقصر كما قصرت الصلوات، فلذلك سميت صلاة الشاهد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إن وقت الصلوات كلها في كتاب الله، ولكنها فيه مجملة غير محدودة، فلو تركنا وظاهر القرآن لم نعرف منه أوائل الأوقات التي لا تجوز الصلاة قبلها من أواخرها التي لا يجوز تأخيرها إلى ما بعدها، ولا وقت الاختيار من وقت الضرورة، ولا وقت التوسعة من وقت الرخصة للعذر، وقد بينت السنة ذلك كله وأحكمته. فالأوقات تنقسم على خمسة أقسام: وقت اختيار وفضيلة وهو أن يصلي قبل انقضاء الوقت المستحب، وهو القامة للظهر، والقامتان للعصر، والإسفار للصبح، ومغيب الشفق للمغرب على اختلاف في ذلك، وثلث الليل أو نصفه للعشاء الآخرة؛ ووقت رخصة وتوسعة هو أن يصلي في آخر الوقت المستحب؛ ووقت رخصة للعذر وهو أن يؤخر الظهر إلى آخر وقت العصر المستحب أو يعجل العصر في أول وقت الظهر المستحب وهو أول الزوال أو بعدما يمضي منه مقدار ما يصلي فيه صلاة الظهر على اختلاف ذلك؛ ووقت تضييق من ضرورة وهو أن يؤخر الظهر والعصر إلى غروب الشمس، والصبح إلى طلوع الشمس، والمغرب والعشاء إلى طلوع الفجر؛ ووقت سنة أخذ بحظ من الفضيلة للضرورة، وهو الجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة. وقد قيل إنما سميت المغرب صلاة الشاهد من أجل النجم الظاهر عند غروب الشمس، فالشاهد النجم، وهو أظهر مما ذهب إليه مالك؛ لأن الصبح لم تقصر أيضا هي في السفر بمنزلتها في الحضر.

مسألة: قول الرجل في صلاة العشاء العتمة

[مسألة: قول الرجل في صلاة العشاء العتمة] مسألة وسئل عن قول الرجل في صلاة العشاء العتمة، قال مالك: الصواب من ذلك ما قال الله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] ، فسماها الله تعالى العشاء، فأحب للرجل أن يعلمها أهله وولده ومن يكلمه بذلك، فإن اضطر أن يكلم بها أحدا ممن يظن أنه لا يفهم عنه فإني أرجو أن يكون من ذلك في سعة. قال محمد بن رشد: وجه كراهية مالك أن تسمى العشاء الآخرة العتمة إلا عند الضرورة ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم إنما هي العشاء ولكنهم يعتمون على إبلهم» . وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا» ، فسمى العشاء في هذا الحديث العتمة، فالوجه في الجمع بين الحديثين أن الذي كانت العرب تعرفه في اسم هذه الصلاة العتمة للمعنى المذكور في الحديث الأول، فكان الأمر على ذلك إلى أن أنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 58] إلى قوله: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] ، فنهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تسميتها العتمة. وفي كتاب ابن مزين أن من قال في صلاة العشاء العتمة كتبت عليه سيئة، وبالله التوفيق.

مسألة: براءة أيقرأ فيها بسم الله الرحمن الرحيم

[مسألة: براءة أيقرأ فيها بسم الله الرحمن الرحيم] مسألة وسئل مالك عن براءة أيقرأ فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ قال مالك: تقرأ كما أنزلت وليس فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قال محمد بن رشد: في قوله تقرأ كما أنزلت وليس فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ دليل على أن غيرها من السور أنزلت وفيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ومعنى ذلك أنها أنزلت وفيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ للاستفتاح والفصل بينها وبين التي قبلها لا على أن ذلك قرآن منها، بدليل ما روي «عن ابن عباس أنه قال: كان جبريل إذا نزل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ علم أن السورة قد انقضت» ، وروي «عن أبي بن كعب أنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمر في أول كل سورة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وكانت براءة من آخر ما نزلت ولم يأمر فيها بذلك فضمت إلى الأنفال إذ كانت تشبهها» ، يريد من أجل أنها إنما نزلت بنقض العهود التي تقدمت في الأنفال، وبراءة على قوله سورتان، وكذلك هما سورتان على ما روي عن البراء أنه قال: " آخر آية نزلت يستفتونك وآخر سورة نزلت براءة " فقيل إنه إنما لم يكتب في أول براءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لأنها نزلت بالحرب والمنابذة والوعيد ونقض العهود، وبسم الله الرحمن الرحيم، إنما تكتب في السلم لا في المنابذة وفي استفتاح الخير لا في الوعيد ونقض العهود. وقيل إنها لم تكتب في أولها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إعظاما

لاسم الله في خطاب المشركين، وهذا يرده ما في كتاب الله من قصة سليمان في كتابه إلى صاحبة سبأ ويرد الأول بثبوت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في الهمزة وتبت يدا. وقد قيل إن براءة من الأنفال فلذلك لم يفصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم. روي عن عثمان بن عفان أنه قال: لما كانت قصتها شبيهة بقصتها وذهب عني أن أسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنها، وقع في قلبي أنها منها، فلذلك قرنت بينهما دون فصل ببسم الله الرحمن الرحيم، وبالله التوفيق، [والحمد لله ولا شريك له] ، تم كتاب الصلاة الأول. * * *

كتاب الصلاة الثاني

[كتاب الصلاة الثاني] [السهو قبل السلام] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا كتاب الصلاة الثاني ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما مال وقال مالك في السهو قبل السلام إن عليه إذا سجد سجدتين تشهدا آخر، وروى أشهب عن مالك أنه لا تشهد لها. قال محمد بن رشد: ابن وهب يستحب التشهد في ذلك، وذلك راجع إلى سقوط وجوبه، فوجه سقوطه ظاهر قوله في الحديث: سجد سجدتين ثم سلم ولم يذكر تشهدا ولا جلوسه بعد السجدتين من الجلوس قبلهما، إذ لم يفصل بينهما بسلام ولا ركوع، فلم يجب عليه تشهد آخر. أصل ذلك لو ظن بعد التشهد أنه في ثالثة فلما قام ذكر أنها رابعة أنه يرجع فيسلم ولا يعيد التشهد. ووجه وجوبه أن هذا جلوس بعد سجدتين فوجب فيه التشهد، أصله الجلوس الذي قبله، وأما السجدتان اللتان بعد السلام فلا اختلاف في أنه يتشهد بعدهما. [الناس ينصرفون من منى فيدركهم الوقت ويخافوا ذهابه قبل بلوغ مكة] مسألة وسئل مالك عن أهل منى إذا انصرفوا فأدركهم الوقت ولم يبلغوا الأبطح ولا مكة فيما بين منى ومكة وهم يريدون أن تكون لهم إقامة، وعن أهل مكة إذا أدركهم في ذلك الوقت، قال مالك: من

مسألة: الرجل يكبر في النافلة فتقام الصلاة

انصرف من أهل مكة من منى إلى مكة فأدركه الوقت وخاف ذهاب الوقت قبل أن يبلغ فإني أرى أن يصلي أربعا؛ لأن صلاة منى قد انقطعت ولا يكون في ميلين ولا ثلاثة ما تقصر فيه الصلاة. قال مالك: ومن أقام منهم بمنى ليخف الناس عنه ويذهب زحامهم قال: أرى أن يتم الصلاة وإن كان بمنى، وأرى أهل الآفاق ومن كان منهم يريد الإقامة بمكة أكثر من أربعة أيام فأرى أن يقتدي بأهل مكة في ذلك، ومن أقام لمثل زحام الناس ومن خاف فوات الوقت فيما بين مكة ومنى أن يصلي أربعا. قال ابن القاسم: ثم قال لي مالك ركعتين في ذلك كله. قال ابن القاسم: وقوله الأول أعجب إلي. قال أصبغ: وبه أقول إنه يقصر حتى يأتي مكة، وقال سحنون مثله. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في رسم "شك في طوافه " فلا معنى لإعادته. [مسألة: الرجل يكبر في النافلة فتقام الصلاة] مسألة قال ابن القاسم: وسئل مالك عن الرجل يكبر في النافلة فتقام الصلاة، قال: ليمض على نافلته ولا يقطعها إلا أن يخاف فوات الركعة. قال ابن القاسم: إن خاف فوات الركعة قطع بسلام، فإن لم يقطع بسلام أعاد الصلاة لأنه على إحرامه الأول، ولا يخرج من الصلاة التي كان فيها إلا بسلام، ولا يجزيه أن يحرم وينوي بذلك القطع. قال محمد بن رشد: كذا قال في المدونة في هذه المسألة، وقال فيها في الذي يحرم في الفريضة فتقام عليه الفريضة إنه يقطع، فذهب

عبد الحق إلى أن الفريضة تفترق من النافلة على مذهبه في المدونة، وأنه إنما قال فيها إنه يقطع في الفريضة بخلاف النافلة؛ لأن الفريضة إذا قطعها يعود إليها، والنافلة إذا قطعها لا يعود إليها؛ ولأن المريضة إذا تمادى عليها تحول نيته إلى نية النفل، والنافلة إذا تمادى عليها لم تحل نيته عما أحرم عليه. والصواب أن لا فرق في هذا بين النافلة والفريضة، وأن الخلاف يدخله في كل واحدة منهما من صاحبتها؛ لأن نية الفرض مقتضية لنية النفل، فلا تأثير لتحول نيته من الفرض إلى النفل في إيجاب القطع؛ ولأن الفريضة وإن كان إذا قطعها يعود إليها فإنه وإن عاد إليها فقد أبطل على نفسه ما هو فيه، وإذا أتمها نافلة لم يبطل على نفسه ما دخل فيه وحصلت له نافلة وفريضة، فاستوت مع النافلة في أن الحظ له في أن لا يقطعها. ويؤيد هذا الذي قلناه أن ابن حبيب قد قال في الفريضة إنه يتم على إحرامه ركعتين خفيفتين نافلة، ثم يدخل مع الإمام. وقد حكى الفضل أن أصحاب مالك ذهبوا إلى أنه يقطع في الفريضة ويتم في النافلة، وأن عيسى بن دينار ساوى بين الفريضة والنافلة لقول ابن حبيب، وروى أشهب عن مالك أنه يتم في الفريضة ويقطع في النافلة ضد التفرقة المذكورة، فيحصل في المسألة أربعة أقوال: هذان القولان، والثالث أنه يقطع فيهما جميعا، والرابع أنه يتم ركعتين فيهما جميعا على ما صححناه. وأما إذا أقيمت عليه الفريضة وهو في نافلة أو فريضة وقد عقد منها ركعة فإنه يتم إليها ثانية، ولا اختلاف في هذا إلا في المغرب على ما سيأتي في سماع سحنون إن شاء الله. وإنما قال إنه يقطع بسلام ولا يجزيه أن يحرم وينوي بذلك القطع لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم» ، فإذا دخل مع الإمام قبل أن يتحلل من الصلاة التي دخل فيها بسلام أو كلام بطلت عليه، وهذا بين، وبالله التوفيق.

الدبيب في الركوع إذا كان على قدر صفين أو ثلاثة

[الدبيب في الركوع إذا كان على قدر صفين أو ثلاثة] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وقال في الدبيب في الركوع إذا كان على قدر صفين أو ثلاثة فلا أرى بالركوع بأسا والدبيب فيه، وأما إذا كان بعيدا فلا أحبه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة اختلف فيها قول مالك، والذي يتحصل فيها من اختلافه ثلاثة أقوال: أحدها: رواية ابن القاسم هذه عنه أن الركوع والدبيب جائز فيما كان على قدر الصفين أو الثلاثة إذا أمكنه أن يصل إلى الصف والإمام راكع، وهو مذهبه في المدونة، فلم يترجح عنده على هذا، القول أي الأمرين أفضل إن كان الركوع دون الصف، وإدراك الركعة أو ألا يركع حتى يأخذ مقامه في الصف وإن فاتته الركعة، لما جاء في ذلك من نهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الركوع دون الصف، ومن فعل زيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود في ركوعهما دون الصف ودبيبهما راكعين إليه. والقول الثاني: أنه لا يحرم حتى يأخذ مقامه في الصف، وهي رواية أشهب عنه في رسم "الصلاة" الثاني من هذا الكتاب، فرأى على هذا القول الإحرام في الصف مع فوات الركعة أفضل من الإحرام والركوع دونه مع إدراك الركعة. والقول الثالث أنه لا يركع حتى يأخذ مقامه من الصف أو يقاربه، حكى هذا القول عنه ابن حبيب في الواضحة. وهذا القول قريب من رواية أشهب عن مالك لأنه أستخف الركوع إذا قرب من الصف وكره الدبيب إذا بعد منه. وأما إذا كان إذا ركع دون الصف لا يدرك أن يصل إلى الصف راكعا حتى يرفع الإمام رأسه فلا يجوز له عند مالك أن يركع دون الصف، وليتماد إلى الصف وإن فاتته الركعة قولا واحدا، فإن فعل أجزأته ركعته عنده وقد أساء، ولا يمشي إلى الصف إذا رفع رأسه من الركوع حتى يتم الركعة ويقوم في الثانية، قال ذلك في رسم "الأقضية" الثالث من سماع أشهب. وقال ابن القاسم في المدونة إنه يركع دون الصف ويدرك الرابعة، فرأى المحافظة على الركعة أولى من المحافظة على الصف، ورجح أبو إسحاق التونسي قول ابن القاسم، وقول

مسألة: الصور التي في الرقوم مثل الوسائد يتخذها الرجل

مالك عندي أولى بالصواب، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر لما ركع دون الصف: «زادك الله حرصا ولا تعد» ، ولما جاء عنه أنه قال: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» . وأما ركوعه على البعد من الإمام بحيث لا يمكنه أن يصل إلى الصفوف بعد قيامه من الركعة لكثرة المشي فلا ينبغي لأحد أن يفعله إلا أن تكون معه جماعة سواه، قاله مالك في رسم "الصلاة" الأول من سماع أشهب، وفرق فيه بين الجماعة الكثيرة والقليلة استحبابا، وبالله التوفيق. [مسألة: الصور التي في الرقوم مثل الوسائد يتخذها الرجل] مسألة وسئل عن الصور التي في الرقوم مثل الوسائد يتخذها الرجل قال: ترك ذلك أحب إلي، ولا أحب أن يصلي على بساط فيه صور إلا أن يضطر إلى ذلك. وقد كان ابن عمر يقول: إني لا أحب أن يجعل بيني وبين الحرام سترة من الحلال ولا أحرمه. قال محمد بن رشد: ذهب مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في كراهة اتخاذ الوسائد التي فيها الصور والصلاة على البساط الذي فيه الصور من غير تحريم إلى ما ذكره في موطئه «عن أبي طلحة الأنصاري: " إذ دخل على سهل بن حنيف فدعا إنسانا فنزع من تحته نمطا، فقال له سهل بن حنيف لم تنزعه؟ قال: لأن فيه تصاوير، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها ما قد علمت، فقال له سهل بن حنيف: ألم يقل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلا ما كان رقما في ثوب قال: بلى ولكنه أطيب لنفسي» ، واستظهر لما ذهب إليه بقول ابن عمر الذي ذكره، وهو حقيقة الورع؛ لأن الآثار لما تعارضت في الصور التي في البسط والثياب

مسألة: هل للإمام في العيدين تكبير ينتهي إليه يعني في الخطبة

صار ذلك من قبيل المشتبهات، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه وعرضه» ، الحديث. واختلف أهل العلم في هذا الباب على حسب اختلاف الآثار في ذلك، فيتحصل فيه من اختلافهم بعد إجماعهم على تحريم ما له ظل قائم كالصور المتخذة من الصفر والحديد والخشب ونحو ذلك أربعة أقوال: أحدها: إباحة ما عدا ذلك سواء كان التصوير في جدار أو في ثوب مبسوط أو منصوب؛ والثاني: تحريم جميع ذلك؛ والثالث: تحريم ما كان من الصور في الجدار والثوب المنصوب، وإباحة ما كان منها في الثوب المبسوط أو المنصوب الذي يوطأ أو يتوسد؟ والرابع تحريم ما كان منها في الجدار خاصة، وإباحة ما كان منها في الثوب المبسوط أو المنصوب، وبالله التوفيق. [مسألة: هل للإمام في العيدين تكبير ينتهي إليه يعني في الخطبة] مسألة قال مالك: ليس للإمام في العيدين تكبير ينتهي إليه، يعني في الخطبة على المنبر. قال محمد بن رشد: هذا على مذهبه المعلوم في كراهية الحد في مثل هذه الأمور، وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم "سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". [مسألة: أهل البادية يصيبهم كسوف الشمس أعليهم صلاة الكسوف] مسألة وقال مالك في أهل البادية يصيبهم كسوف الشمس، قال: إن تطوع أحد فصلى بهم صلاة الكسوف لم أر بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: يريد أهل البادية الذين لا تجب عليهم صلاة

جاء وقد فاتته الصلاة يوم الجمعة والناس قعود فكبر وجلس

الجمعة، وأما من كان منهم تجب عليه الجمعة فلا رخصة لهم في ترك الجمع في صلاة الكسوف؛ لأن صلاة الكسوف سنة لا تترك كالعيد، وكذلك قال في المدونة. [جاء وقد فاتته الصلاة يوم الجمعة والناس قعود فكبر وجلس] مسألة وقال: ومن جاء وقد فاتته الصلاة يوم الجمعة والناس قعود فكبر وجلس، قال: أرى أن يعود بتكبيرة أخرى ولا يصلي بها، فقلت له: أيسلم أم يكبر؟ قال: لا، ولكن يستأنف بتكبيرة أخرى ثم يصلي. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم "طلق" فلا وجه لإعادتها. [مسألة: الرجل يصلي في منزله المكتوبة أيصليها بزوجته وحدها] مسألة وسئل عن الرجل يصلي في منزله المكتوبة، أيصليها بزوجته وحدها؟ قال: نعم وتكون وراءه. قال محمد بن رشد: قوله للرجل أن يصلي بزوجته وحدها وأنها تكون وراءه صحيح مما أجمع عليه العلماء ولم يختلفوا فيه؛ لأن من سنة النساء في الصلاة أن يكن خلف الرجال وخلف الإمام لا في صف واحد معه ولا معهم، واحدة كانت أو اثنتين أو جماعة. وإنما الكلام في الرجل أو الرجلين إذا كانا مع الإمام، فأما إذا كان معه رجل واحد فإنه يقوم عن يمين الإمام على ما ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس وغيره، ولا خلاف في ذلك إلا ما يؤثر عن سعيد بن المسيب أنه يقوم عن يسار الإمام، وأراه تأول أن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ائتم بأبي بكر إذ خرج في مرضه الذي توفي فيه وهو يصلي بالناس، كما تأول مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فيما مضى في رسم "سن". وقد

مسألة: الرجل في رمضان يكون منزله نائيا فيأتيه الطعام فيأكله في المسجد

جاء في الحديث الصحيح: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلس عن يسار أبي بكر» ، وقع ذلك في البخاري وغيره، فجعله لما كان في مرضه الذي توفي فيه ناسخا لحديث ابن عباس وغيره. وأما إذا كان معه رجلان فالجمهور من أهل العلم على أنهما يقومان خلف الإمام على ما في حديث أنس وغيره من قوله: «فصففت أنا واليتيم من ورائه والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف» وذهب طائفة من أهل العراق إلى أن الإمام يقوم وسطهما، لما روي «أن عبد الله بن مسعود صلى بعلقمة والأسود فجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله قالا: ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا بيده وطبق فلما فرغنا قال هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وقال أبو يوسف: الإمام بالخيار، إن شاء فعل كما روى ابن مسعود، وإن شاء كما روى أنس، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل في رمضان يكون منزله نائيا فيأتيه الطعام فيأكله في المسجد] مسألة وسئل مالك عن الرجل في رمضان يكون في المسجد ويكون منزله نائيا فيأتيه من أهله الطعام فيأكله في المسجد، قال: أرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة" أكمل من هذه، ومضى التكلم على ما كان في معناه في رسم "سلعة سماها " وغيره فلا معنى لإعادته. [مسألة: الرجل تحضره الصلاة فيريد أن يصلي وعنان فرسه قصير لا يبلغ الأرض] مسألة وقال مالك في الرجل تحضره الصلاة فيريد أن يصلي وعنان فرسه قصير لا يبلغ الأرض، قال: أرجو أن يكون في سعة،

مسألة: يؤم الرجل أصحابه في السفر بغير رداء ولا عمامة

ولا أحب أن يتعود ذلك ويكون ذلك شأنه، فأما الرجل يفعله وهو لا يعمد لذلك فأرجو أن يكون في سعة ". قال محمد بن رشد: الذي مضى في رسم "الشجرة " من تخفيف ذلك إذا لم يجد منه بدا أحسن من هذا، فتأمل ذلك وقف عليه. [مسألة: يؤم الرجل أصحابه في السفر بغير رداء ولا عمامة] مسألة وقال: لا بأس أن يؤم الرجل أصحابه في السفر بغير رداء ولا عمامة. قال محمد بن رشد: قال في المدونة وأحب إلي أن يجعل على عاتقه عمامة إذا كان مسافرا أو صلى في داره. ومثل ذلك في كتاب ابن حبيب. وقد سئل عمر بن الخطاب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: " إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم، جمع عليه رجل ثيابه صلى في إزار ورداء "، الحديث. ورأى عبد الله بن عمر نافعا يصلي في خلوته في ثوب واحد فقال له: ألم أكسك ثوبين؟ قال: بلى، قال: أفكنت تخرج إلى السوق في ثوب واحد؟ قال: لا، قال: فالله أحق أن يتجمل له. [المساجد تكون بالأفنية يدخلها الكلاب ويمشى فيها ويدخلها الدجاج] ومن كتاب أوله البز وسئل مالك عن المساجد تكون بالأفنية يدخلها الكلاب ويمشى فيها ويدخلها الدجاج، أترى أن يصلى فيها؟ قال: نعم لا أرى بذلك بأسا.

مسألة: الرجل أيقرأ خلف صلواته يعني الركعتين الآخرتين بأم القرآن وحدها

قال محمد بن رشد: يريد - والله أعلم - ما لم يكثر دخول الكلاب والدجاج فيها ومشيهم فيها، بدليل قوله في أول رسم من هذا الكتاب في الكنائس وغيره أحب إلي لموضع وطء أقدامهم ونجسهم. [مسألة: الرجل أيقرأ خلف صلواته يعني الركعتين الآخرتين بأم القرآن وحدها] مسألة وسئل مالك عن الرجل أيقرأ خلف صلواته يعني الركعتين الآخرتين بأم القرآن وحدها أم يقرأ معها؟ قال: بل بأم القرآن وحدها. قال محمد بن رشد: هذا قول مالك وجميع أصحابه، وهو مذهب أهل الحجاز، وخالف في ذلك أهل العراق، فمنهم من يقول: يسبح فيهما ولا يقرأ، وروي عن علي بن أبي طالب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أنه كان لا يقرأ فيهما، ومنهم من أجاز التسبيح ورأى القراءة فيهما أفضل. [وهو مذهب أبي حنيفة، ومنهم من أجاز القراءة ورأى التسبيح فيهما أفضل] . وإلى هذا ذهب إبراهيم النخعي؟ ومنهم من قال إن شاء قرأ فيهما بأم القرآن وزاد منه ما كان في معنى الدعاء على ما روي عن أبي عبد الله الصنابحي أنه قال: سمعت أبا بكر الصديق قرأ في الركعة الثالثة من المغرب بأم القرآن وبهذه الآية: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] ، الآية، وإن شاء سبح فيهما ودعا ولم يقرأ. ولم ير مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فيهما إلا القراءة، فقال في المدونة إنه لا يعرف التسبيح فيهما، وقد قال ابن القاسم في سماع أبي زيد: لو أعلم أن أحدا لا يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر ما صليت خلفه.

مسألة: الرجل يكلم وهو في الصلاة فيشير بيده أو برأسه

[مسألة: الرجل يكلم وهو في الصلاة فيشير بيده أو برأسه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يكلم وهو في الصلاة فيشير بيده أو برأسه، قال: لا يكثر، فأما الشيء الخفيف فأرجو أن لا يكون فيه بأس، فأما أن يطول ذلك فلا يعجبني. قال محمد بن رشد: أجاز من ذلك ما خف عند الحاجة والأمر ينزل، ونجد هذا في سماع زونان عن ابن وهب لما جاء من «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رد إشارة على من سلم عليه وهو يصلي» . وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتيت عائشة زوج النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حين خسفت الشمس فإذا الناس قيام يصلون وإذا هي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها نحو السماء وقالت: سبحان الله! فقلت آية؟ فأشارت برأسها أي نعم. وكره ما كثر منه لأنه ترك للخشوع في الصلاة الذي أثنى الله تعالى على من التزمه بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] . [مسألة: التنحنح في الصلاة] مسألة قيل له: فالتنحنح في الصلاة؟ قال: هذا منكر لا خير فيه. قال محمد بن رشد: يريد إذا تنحنح ليسمع رجلا أو لينبهه في شيء كما يفعل كثير من الجهال بالإمام إذا أخطأ في القراءة في قيام رمضان، فإن فعل فقد أساء ولا شيء عليه على هذه الرواية. قال أبو بكر الأبهري: لأن التنحنح ليس له حروف هجائية تفهم، وقد «روي عن علي بن أبي طالب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أنه قال: كان لي من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مدخلان، فكنت إذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح، وروي سبح» وهو أولى لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:

مسألة: الذي يرمي عن القوس وعليه الأصابع والمضربة

«من نابه في صلاته شيء فليسبح» . ولمالك في المختصر أنه إذا تنحنح ليسمع رجلا أو نفخ في موضع سجوده فذلك كالكلام تفسد به الصلاة عليه، وسيأتي في سماع موسى لمالك نحو قوله هنا. [مسألة: الذي يرمي عن القوس وعليه الأصابع والمضربة] مسألة وسئل عن الذي يرمي عن القوس وعليه الأصابع والمضربة تحضره الصلاة، أترى أن ينزعهما؟ قال: نعم، قال عبد الله بن عمر: إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، وأرى أن ينزعهما إلا أن يكون ذلك في حرب. قال محمد بن رشد: هذه المسألة تبين مسألة الخضاب التي تقدمت في رسم "شك في طوافه " على ما ذكرناه فيه. [مسألة: الذي يقول في الصلاة إذا كبر سبحانك اللهم ربنا وبحمدك] مسألة وسئل مالك عن الذي يقول في الصلاة إذا كبر سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، قال: " قد سمعت ذلك يقال وما أرى به بأسا إن أحب أحد يقوله، فقيل له الإمام يكبر قط ويقرأ، قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا التوجيه وهو التسبيح والدعاء بعد الإحرام قبل القراءة قد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمما روي عنه أنه كان يقوله في ذلك: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين» . «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي إلى قوله وأنا أول المسلمين» ، أي وأنا أول المسلمين من القرن الذي بعثت فيهم؛ لأنه قد

مسألة: الزيت تقع فيه الفارة هل ينتفع به للمصباح

كان قبله أنبياء ومسلمون. وأنكر ذلك مالك في المدونة ولم ير عليه العمل. قال في المجموعة: ولو كان ما يذكر من ذلك حقا لعرف، قد صلى النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والخلفاء بعده والأمراء من أهل العلم فما عمل به عندنا، وأجازه في هذه الروايات واستحسنه في رواية محمد بن يحيى السبائي عنه. وقال ابن حبيب: إنه يقوله بعد الإقامة وقبل الإحرام وذلك حسن، وبالله التوفيق. [مسألة: الزيت تقع فيه الفارة هل ينتفع به للمصباح] مسألة وسئل مالك عن الزيت تقع فيه الفارة هل ينتفع به للمصباح؟ قال: نعم إن قووا على التحفظ في مسه؛ لأن أهل البيت يمسون المصباح، ويأخذون القدح والقصبة وما أشبه ذلك، فإن قووا على التحفظ منه فلا بأس به. فقيل له: فهل ينتفع به في غيره؟ قال مالك: قد قيل لي نعال يدهنونها به كأنه تجففه. قال ابن القاسم: وزعم لي غيره أنها تغسل بعد ذلك وإنما ذلك في دباغها. قال محمد بن رشد: إجازته الاستصباح بزيت الفارة صحيح على أصله الذي لم يختلف فيه قوله في المدونة وغيرها من إجازة الانتفاع بالأشياء النجسة، ودليله على ذلك قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الميتة: «ألا انتفعتم بجلدها» وتابعه على قوله جميع أصحابه إلا ابن الماجشون فإنه لم يجز الانتفاع بذلك في وجه من وجوه المنافع، لحما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمر أن لا يستمتع من الميتة بإهاب ولا عصب» . وما ذهب إليه ابن القاسم فيما حكاه عمن حكى قوله أن تخفيف مالك لدهن النعال به معناه في

مسألة: يأتي من سفر فيقيم على رأس الميل والميلين أترى أن يقصر الصلاة

الدباغ لأن الغسل يأتي عليها تفسير صحيح، وينبغي أن يحمل على التفسير أيضا لإجازته في سماع أشهب من كتاب الذبائح والصيد أن يدهن به الدلاء. وقد مضى القول في سماع أصبغ من كتاب الوضوء في إجازة غسله، وأجاز ابن وهب من أصحاب مالك بيعه، وقد مضى لمالك نحوه بدليل في أول رسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة ". [مسألة: يأتي من سفر فيقيم على رأس الميل والميلين أترى أن يقصر الصلاة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يأتي من سفر فيأتي في سعة من النهار لو أحب أن يدخل نهارا دخل، ويكره أن يدخل نهارا حتى يمسي فيقيم على رأس الميل والميلين: أترى أن يقصر الصلاة أم يتم؟ قال: بل يقصر الصلاة إلا إن كان قريبا من القرية. فقيل له: فما حد القرب؟ قال: ما نجد في ذلك حدا، وإنما يحد في مثل هذا أهل العراق. قال محمد بن رشد: قوله إلا أن يكون قريبا من القرية معناه فيتم وإن كان لم يصل إلى بيوت القرية وبساتينها، وإنما ذلك من أجل أنه أقام بذلك الموضع لما أراده من حاجته، ولو مشى لكان قد بلغ إلى الموضع الذي يلزمه أن يتم فيه. وكان القياس أن يقصر حتى يدخل بيوت القرية أو يقاربها وأن لا يعتبر إقامته فيما قرب من ذلك كما لا يعتبرها فيما بعد منه. واستحسانه أن يتم إذا كانت إقامته بالقرب من بيوت القرية كنحو استحسانه لمن أقام بمنى في رجوعه من حجه إلى مكة وهو من أهل مكة، أو ينوي الإقامة بها أن يتم على القول الذي يرى أنه يتم في طريقه من منى إلى مكة، وقد مضت هذه المسألة في رسم "شك في طوافه " ورسم "الشريكين"، فقف على ذلك. [مسألة: قيام الخطيب على المنبر في الجمعة أعلى يمينه أم على شماله] مسألة وسئل مالك عن قيام الخطيب على المنبر في الجمعة لا يطلع

المريض يكون مسكنه قريبا من المسجد فهو يتبلغ إليه ماشيا ثم يصلي جالسا

على المنبر أعلى يمينه أم على شماله؟ قال: إن جل من عندنا ليقومون على يسار المنبر، ولقد كان عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد وغيره ليقومون على يمينه، وأرى ذلك واسعا. فقيل له فالعصا؟ قال ما أدركت أحدا ممن أدركته ولا ممن كان عندنا إلا وهو لا يعيبها، وإن قائلا ليقول إن فيها لشغلا عن مس اللحية والعبث، فقيل له: أيمس الرجل لحيته في الصلاة؟ قال: نعم، إن الرجل يمس لحيته في الصلاة ولكن لا يعبث. قال محمد بن رشد: المنبر يكون على يمين المحراب فالجهة التي تليه منه هي يمينه والجهة الأخرى هي يساره، فوجه القيام على يمينه أقرب إلى المحراب وأقل في التخطي إليه إذا فرغ من الخطبة، ووجه القيام عن يساره ليعتمد بيمينه على عمود المنبر فالاختيار عندي لمن لا يمسك بيده عصى يتوكأ عليها في خطبته أن يقوم على يسار المنبر ليعتمد بيمينه على عمود، ولمن يمسك بيده عصا أن يقوم على يمينه. وظاهر هذه الرواية أن إمساك الخطيب بيده عصا مباح، والذي مضى في آخر رسم "سلعة سماها" أن ذلك مستحب هو الصحيح؛ لأنه الماضي من فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء بعده. وإنما قال إنه لا يعبث بلحيته في الصلاة لأن ذلك ترك للخشوع فيها، وقد روي ذلك عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، على ما مضى في أول من هذا السماع. [المريض يكون مسكنه قريبا من المسجد فهو يتبلغ إليه ماشيا ثم يصلي جالسا] ومن كتاب أوله باع غلاما وسئل مالك عن المريض يكون مسكنه قريبا من المسجد فهو يتبلغ إليه ماشيا ثم يصلي جالسا، قال: لا يعجبني ذلك، ولو أصابه بعد أن يأتي المسجد أمر وقد جاءه صحيحا لم أر به بأسا أن يصلي جالسا.

مسألة: الذي يكثر عليه السهو في الصلاة

قال محمد بن رشد: وهذا كما قاله؛ لأنه إذا قدر على الإتيان من مسكنه إلى المسجد وإن كان قريبا لا يضعف عن القيام في الصلاة، وإن ضعف عن طول القيام مع الإمام فيلزمه أن يقف معه ما أطاق، فإذا ضعف عن القيام جلس في بقية ركعته، ويفعل ذلك في كل ركعة؛ لأن القيام عليه فرض في كل ركعة، ولا يسقط عنه وهو قادر عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يكثر عليه السهو في الصلاة] مسألة وقال مالك في الذي يكثر عليه السهو أرى أن سجدتيه إنما تكونان بعد السلام، وذلك أنه يكثر عليه السهو، وإنما هو شيء يقوله إني أتخوف أن أكون قد سهوت ولا يستيقن، فلا أحب أن يزيد في صلاته شيئا على الشك ولعله لم يسه، ولو كان يستيقن لأمرته أن يجعلهما قبل السلام. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة في الذي يستنكح بكثرة الشك في النقصان، فلا يدري أنقص شيئا أم لم ينقص، ومثل هذا لمالك أيضا في رسم "أوصى" ورسم "إن خرجت" من سماع عيسى، يريد ولا يبني على اليقين لأنه مستنكح بكثرة السهو. وقال ابن حبيب في الواضحة: إنه يسجد قبل السلام، واختاره الفضل. وقد روي عن مالك أنه لا سجود عليه في نحو هذه المسألة، فقال الفضل: إنها هذه المسألة، وإن ذلك اختلاف من قول مالك، وذهب محمد بن المواز أنها ليست هذه المسألة وإنما قال مالك: إنه لا سجود عليه في الذي يكثر عليه السهو في الصلاة لا الشك فيه، فهذا لا بد له من إصلاح ما سها إذ لا يشك فيه، ثم لا سجود عليه بعد إصلاحه لكثرة سهوه، ويسجد عند فضل في هذه المسألة بعد إصلاح سهوه على ما يوقن به، وبالله التوفيق.

مسألة: مال محمله حتى حول رأسه إلى رأس البعير كيف يصلي

[مسألة: مال محمله حتى حول رأسه إلى رأس البعير كيف يصلي] مسألة وسئل عن الرجل مال محمله حتى حول رأسه إلى رأس البعير، فإذا أراد أن يصلي ويحول وجهه إلى دبر البعير، قال: لا أحب له أن يصلي إلا على سير البعير الذي يسير عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قاله؛ لأن قبلته التي يصلي إليها إذا صلى على بعيره وجهته التي يصير إليها، لقول الله عز وجل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] ، فإذا صلى ووجهه إلى دبر البعير فقد صلى إلى غير قبلته في تلك الحال وإن كان وجهه تلقاء الكعبة، وبالله التوفيق. [مسألة: صاحب المنزل أولى بالتقدم في الصلاة في منزله] مسألة قال مالك: لم أزل أسمع أن صاحب المنزل أولى بالتقدم في الصلاة في منزله، ولقد بلغني أن رجالا من أهل الفضل والفقه إن كانوا لينزلون بالرجل في منزله فيقدمونه فيه لأنه منزله، ولم أزل أسمع أن صاحب الدابة أولى بصدرها من الذي يردفه، ورأيته يستحسنه. قال محمد بن رشد: المعنى في كون صاحب المنزل أحق بالإمامة فيه من غيره هو أنه ليس لأحد أن يصلي في منزل غيره حتى يأذن له في الموضع الذي يصلي فيه منه، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعتبان بن مالك: «أين تحب أن أصلي فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه» . فإذا لم يكن لأحد أن يتقدم في منزل رجل إلى موضع الإمام منه إلا بإذنه وكان هو أحق بالصلاة في ذلك الموضع من غيره ثبت أنه أحق بالإمامة فيه، غير أنه يستحب له إذا كان

مسألة: النوم على الوجه وهو ساجد

في القوم أحق بالإمامة منه أن يقدمه، وكذلك صاحب الدابة هو أولى بصدر دابته إذا أباح للرجل أن يركب معه عليها، إلا أن يأذن له في ركوب مقدمها؛ لأن الذي يركب مقدمها هو الذي يملكها وهو الذي يحكم له بها لو تداعى فيها مع الذي يركب مؤخرها، فليس لأحد أن يزيله عن هذه المرتبة إلا باختياره وبالله التوفيق. [مسألة: النوم على الوجه وهو ساجد] مسألة وسئل مالك عن النوم على الوجه وهو ساجد، قال من طال ذلك منه فليتوضأ أحب إلي. قال محمد بن رشد: قد تقدم تفصيل القول في هذه المسألة وتبيين وجوهها قبل هذا في رسم "سن " فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: أناس يحيون الليل كله] مسألة فقيل له: يا أبا عبد الله، إن ناسا يحيون الليل كله، فكره ذلك كراهة شديدة وعابه وقال: إن أحدهم لا يدري ما يقرأ وينام في الصلاة، ولعله لا يصلي الصبح إلا وهو مغلوب. قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه، فأحب للرجل إذا كان يصلي من الليل فأصابه النوم أن ينام حتى يذهب عنه النوم، ولا يصلي وهو يجد ذلك. قال ابن القاسم: رجع بعد ذلك وقال لا بأس بذلك إذا قوي عليه إذا لم يضر ذلك بصلاة الصبح. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في رسم "طلق" فلا فائدة لإعادته.

مسألة: القيام في الصلاة من السجود بغير اعتماد على اليدين

[مسألة: القيام في الصلاة من السجود بغير اعتماد على اليدين] مسألة وسئل مالك عن القيام في الصلاة من السجود بغير اعتماد على اليدين، فقال: لا بأس بذلك وكرهه أيضا. قال محمد بن رشد: قال في المدونة إن شاء اعتمد وإن شاء لم يعتمد، وكان لا يكره الاعتماد. وفي رسم "الصلاة" الأول من سماع أشهب أنه كره ترك الاعتماد، فمرة أجاز مالك ترك الاعتماد وفعله ورأى ذلك سواء، وهو مذهبه في المدونة، ومرة استحب الاعتماد وخفف تركه، وهو الذي يدل عليه قوله في هذه الرواية، لا بأس بذلك، أي لا بأس بتركه، ومرة استحبه وكره تركه، وهو قوله في هذه الرواية: وكرهه أيضا، أي كره تركه. وقوله في سماع أشهب أيضا وهو أولى الأقوال بالصواب؛ لأنه قد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، ولكن يضع يديه ثم ركبتيه» فإذا أمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضع يديه بالأرض قبل ركبتيه في سجوده لئلا يشبه البعير في بروكه وجب بدليل قوله أن يضع يديه بالأرض إذا قام لئلا يشبه البعير في قيامه، وهذا بين وإلى هذا نحا بقوله في سماع أشهب ما يطيق هذا إلا الشاب الخفيف اللحم الذي يقول هاتوا من يضع جنبي، فكأنه رأى الاعتماد من السكينة في الصلاة، والله أعلم. وفي البخاري: " عن ابن عمر أنه كان إذا سجد وضع يديه قبل ركبتيه "، وحكى عنه ابن حبيب خلاف ذلك أنه كان إذا سجد أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم وجهه، وإذا رفع رفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه. قال محمد بن رشد: وقد روي عن وائل بن حجر أنه قال: " رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعل ذلك ". قال ابن حبيب: ومن تحرى هذا فحسن، ومن

القوم يتذاكرون الفقه القعود في ذلك أحب إليك أم الصلاة

لم يطقه فلا حرج، وذلك شأن لا يطيقه إلا الشاب الصحيح الجسم الخفيف اللحم كما قال مالك، والذي ذكر عنه البخاري أحسن وأقرب إلى السكينة، والله أعلم. [القوم يتذاكرون الفقه القعود في ذلك أحب إليك أم الصلاة] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك عن القوم يتذاكرون الفقه، القعود في ذلك أحب إليك أم الصلاة؟ قال: بل الصلاة، فقلت له: فما بين الظهر والعصر؟ قال: قيل لسعيد بن المسيب إن قوما يصلون ما بين الظهر والعصر، فقال سعيد: ليست هذه عبادة إنما العبادة الورع عما حرم الله والتفكير في أمر الله. قال مالك: وإنما كانت صلاة القوم بالهاجرة والليل ولم تكن هذه صلاة القوم. قال محمد بن رشد: قد روي عن مالك أن العناية بالعلم أفضل من الصلاة، وهو الذي تدل عليه الآثار. روي أن رسول الله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قال: «مثل المجاهد في سبيل الله مثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر عن صلاة ولا صيام حتى يرجع» ، وقال: «ما أعمال البر كلها في الجهاد إلا كبصقة في بحر وما أعمال البر كلها والجهاد في طلب العلم إلا كبصقة في بحر» ، ورأى في هذه الرواية أن الصلاة في الأوقات المرغب في الصلاة فيها كالهواجر وآخر الليل أفضل من الجلوس لمذاكرة العلم فكأنه ذهب إلى أن محافظة العلماء على الصلاة في هذه الأوقات وإيثارهم لذلك على الجلوس فيها لمذاكرة العلم إجماع منهم على أن ذلك أفضل، فخصص عموم الآثار الواردة في أن طلب العلم أفضل أعمال البر بهذا الإجماع فرأى

مسألة: الذي يصيبه الوعك أيجمع الصلوات كلها

الصلاة فيها أفضل ورأى فيما سواها الجلوس لمذاكرة العلم أفضل، لا سيما بين الظهر والعصر، لقول سعيد بن المسيب فيها ليست عبادة، أي ليست عبادة من العبادات المرغب فيها، لا أنها ليست عبادة أصلا، ولما جاء من أن عمر بن الخطاب كان إذا صلى الظهر جلس للناس يحدثهم بما يأتيه من أخبار الأجناد ويحدثونه عن أحاديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهو قول له وجه والله أعلم. وروي عن سحنون أنه قال: يلزم أثقلهما عليه. ووجه قوله أن الأدلة استوت عنده من ناحية السمع في الأفضل من ذلك، فرجع إلى ما يوجبه النظر مما قد قرره الشرع من أن الأجود في الأعمال يكون على قدر النصب والعناء فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يصيبه الوعك أيجمع الصلوات كلها] مسألة وسئل مالك عن الذي يصيبه الوعك، أيجمع الصلوات كلها؟ فقال: إن أصابه ذلك بعد أن تزيغ الشمس فليصل الظهر والعصر جميعا، فإن أفاق من الليل صلى المغرب والعشاء جميعا فيما بينه وبين طلوع الفجر. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة في الوعك الشديد الذي يشبه المغلوب على عقله فلا يقدر معه على الصلاة. وقوله إن أصابه ذلك بعد أن تزيغ الشمس فليصل الظهر والعصر، معناه إن كان من عادته أن يصيبه ذلك بعد أن تزيغ الشمس فليصل الظهر والعصر جميعا إذا زاغت الشمس قبل أن يصيبه مخافة أن يصيبه فلا يقدر على الصلاة. ويدل على هذا التأويل قوله في آخر المسألة: فإن أفاق من الليل صلى المغرب والعشاء جميعا فيما بينه وبين طلوع الفجر؛ لأن الذي يقدر على الصلاة مع مرضه إلا أن الجمع به أرفق لا يباح له أن يؤخر المغرب والعشاء إلى عند طلوع الفجر، ويؤمر أن يجمع بينهما عند مغيب الشفق، إلا أن هذا الذي معه عقله إن خشي مغيب الشمس ولم يصل الظهر والعصر أو طلوع الفجر ولم يصل المغرب والعشاء

مسألة: يصلي في بيته فدخلت عليه شاة فأكلت ثوبا أو عجينا أيطردها

يصلي كيفما أمكنه، ولا يترك الصلاة حتى يخرج وقتها جملة، وستأتي هذه المسألة في آخر سماع موسى وبالله التوفيق. [مسألة: يصلي في بيته فدخلت عليه شاة فأكلت ثوبا أو عجينا أيطردها] مسألة وسئل عن الذي يصلي في بيته فدخلت عليه شاة فأكلت ثوبا أو عجينا، أيطردها ينحرف إليها؟ قال مالك: إن كان في المكتوبة فلا يفعل. قال محمد بن رشد: قال هاهنا فلا يفعل، ووقع من قوله في سماع موسى بن معاوية فلا يقطع، ولا يؤدي ذلك إلى اختلاف. وإنما المعنى في ذلك أنه يتمادى على صلاته ولا يشتغل فيها بطرد الشاة عن ثوبه أو عجينه إن كان طردها يسيرا لا تفسد عليه به صلاته، ولا يقطع أيضا صلاته لطردها على ذلك إن كان في طردها عنه شغل كثير تفسد عليه به صلاته. ولم يفرق مالك في هاتين المسألتين بين أن. يكون الذي يخشى عليه من فساد ثوبه أو عجينه ما له بال وقدر وقيمة أو ما لا بال له ولا قدر لقيمته. وإلى الفرق بين ذلك ذهب ابن القاسم في سماع موسى عنه فقال في الرجل يخطف رداؤه وهو يصلي إنه لا بأس أن يقطع ويذهب في طلب ردائه ثم يستأنف صلاته. وقال في الذي يخاف على الشيء من متاع البيت أن ينفسد مثل زقاق الزيت والخل يخاف عليها أن تنشق ما دل على أنه يسعه أن يسويها ويصلحها ويتمادى على صلاته، خلاف ما ذهب إليه مالك من كراهة الاشتغال في صلاته بنحو هذا، وهو أظهر عندي من قول مالك؛ لأنه إن ترك ذلك الشيء يفسد وله قدر وقيمة كثيرة وتمادى في صلاته ولم يشتغل بإصلاحه دخل عليه من اشتغال باله بتلفه وفساده ما هو أشد عليه من اشتغاله بتلافيه وإصلاحه ورفع الفساد عنه، مع ما في ذلك من إضاعة المال الذي قد نهى عنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

مسألة: القرية والثغر يكون فيه قوم يرابطون ستة أشهر أو أكثر أيجمعون الجمعة

[مسألة: القرية والثغر يكون فيه قوم يرابطون ستة أشهر أو أكثر أيجمعون الجمعة] مسألة وسئل مالك عن القرية والثغر يكون فيه قوم يرابطون ستة أشهر أو أكثر، أيجمعون الجمعة؟ قال: إن كانت قرية فيها بيوت متصلة وسوق فإني أرى لهم جمعة، وإن لم يكونوا كذلك فلا أرى لهم جمعة. قال محمد بن رشد: يريد إن كان للقرية التي يقيم فيها المرابطون بيوت متصلة لها عدد وسوق دون القوم المرابطين بها، وجبت عليهم الجمعة، وأما إن لم يبلغوا العدد المشترط في وجوب الجمعة إلا بمن فيها من المرابطين فلا تجمع فيها الجمعة. واختلف قول مالك في اشتراط السوق في ذلك، فمرة ذكره ومرة تركه، فليس بشرط في ذلك على أصل مذهبه. وقد مضى نحو هذا في رسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة ". [مسألة: الذي يقيم الصلاة لنفسه ثم يسمع الإقامة في بعض المساجد] مسألة وسئل مالك عن الذي يقيم الصلاة لنفسه ثم يسمع الإقامة في بعض المساجد، أترى أن يقطع ويخرج لفضل الجماعة؟ قال لا أرى ذلك إن دخل في الصلاة المكتوبة أن يخرج إلى جماعة، وليتم على صلاته. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة أنه لا يقطع ويتمادى على صلاته. والوجه في ذلك أنه لما دخل في الصلاة وجب عليه إتمامها ولم ينبغ له أن يقطعها إلا لعذر، لقول الله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ، ولا عذر له في الخروج لفضل الجماعة، إذ ليس إتيانها بواجب عليه، فلا ينبغي له ترك واجب لما ليس بواجب، وبالله التوفيق.

خرج من الفسطاط وهو مقيم ثم اليوم واليومين أيتم الصلاة أم يقصر

[خرج من الفسطاط وهو مقيم ثم اليوم واليومين أيتم الصلاة أم يقصر] مسألة وسئل عمن خرج من الفسطاط إلى بئر عميرة وهو مقيم ثم اليوم واليومين، مثل ما يصنع الأكرياء حتى يجتمع الناس ويفرغوا، أيتم الصلاة أم يقصر؟ قال: بل يقصر. قال محمد بن رشد: قد تكلمنا على هذه المسألة عندما تكلمنا على المسألة الواقعة قرب آخر رسم "حلف "، وذكرنا هناك الفرق الصحيح عندنا بين المسألتين فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: جمعتان في مدينة واحدة في يوم واحد] مسألة وسئل مالك عن إمام بلد نزل منها في أقصى المدينة فصلى بمكانه الجمعة واستخلف خليفة على القصبة يصلي بهم، فكان يجمع بمن حضره ويصلي خليفته بأهل المدينة فتكون جمعتان في مدينة واحدة في يوم واحد، قال مالك: لا أرى الجمعة إلا لأهل القصبة؛ لأنه ترك الجمعة في موضعها. قال محمد بن رشد: الظاهر من قول مالك هاهنا أن الجمعة إنما تكون لأهل القصبة وأنه لا جمعة للإمام ولمن صلى معه في أقصى المدينة، وأن عليهم الإعادة ظهرا أربعا. وهذا المعنى هنا أبين مما هو في المدونة، وإن كان ظاهرا فيها؛ لأنه لا يكون عنده على هذه الرواية جمعتان في مصر واحد. وقد روى ابن وهب وابن أبي أويس عن مالك أن صلاتهما جميعا جائزة. وسئل عن ذلك لشك من شك في جواز صلاة من لم يصل مع الإمام، فقال صلاتهم جائزة. قال ابن وهب: ولم يشكوا في جمع الجمعة في موضعين، وإنما شكوا أن تكون الجمعة مع الإمام أوجب منها مع خليفته. وقد قال يحيى بن عمر ومحمد بن عبد الحكم. أما الأمصار العظام مثل مصر

مسألة: القوم يبرزون من مكة إلى ذي طوى أيقصرون بها

وبغداد فلا بأس أن يجمعوا في مسجدين للضرورة، وقد فعل ذلك والناس متوافرون فلم ينكروه. [مسألة: القوم يبرزون من مكة إلى ذي طوى أيقصرون بها] مسألة وسئل عن القوم يبرزون من مكة إلى ذي طوى يريدون المسير، أيقصرون بها؟ قال لا أرى ذلك، ولكن أرى لهم أن يتموا حتى يسيروا. قال محمد بن رشد: مثل هذا في كتاب الحج الثالث من المدونة، وزاد لأن ذا طوى عندي من مكة، فذكر العلة في ذلك وبان بذلك أن ذلك ليس بمعارض لمسألة جب عميرة التي تقدمت في هذا الرسم. [مسألة: يكونون في المسجد يوم عرفة فيكبرون ويدعون أيدخل معهم] مسألة وسئل عن القوم يكونون في المسجد يوم عرفة فيكبرون فيه ويدعون حتى لا يجد بدا من كان فيه إلا أن يدخل معهم، قال: أرى له أن يخرج حتى إذا حضر الوقت رجع فصلى. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا المعنى في رسم "حلف بطلاق امرأته "، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مساجد القبائل يصلى فيها بغير أردية] ومن كتاب أوله مساجد القبائل قال: وسئل مالك عن مساجد القبائل يصلى فيها بغير أردية، فكرهه وقال: قال الله تبارك وتعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] .

مسألة: الرجل ينام بعد المغرب وبعد الصبح

قال محمد بن رشد: قد استدل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما ذهب إليه من كراهة ترك الرداء في الصلاة في المساجد بالآية التي تلاها. وهو دليل ظاهر؛ لأن الرداء من الزينة، فكان الاختيار أن لا يترك في مسجد من المساجد تعلقا بالعموم والظاهر، وإن كانت الآية إنما نزلت في الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة، فالفرض من اللباس ما يستر العورة منه، قال الله عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} [الأعراف: 26] ، والاختيار منه في الصلاة في المساجد بلوغ الزينة المباحة، قال عز وجل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] الآية وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل ينام بعد المغرب وبعد الصبح] مسألة وسئل مالك عن الرجل ينام بعد المغرب، قال ذلك يكره، قيل له فالنوم بعد الصبح؟ قال ما أعلم حراما. قال الإمام: إنما كره النوم بعد المغرب؛ لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي برزة الأسلمي أنه نهى «عن النوم قبل صلاة العشاء وعن الحديث بعدها» . والمعنى في النهي عن النوم قبل صلاة العشاء مخافة أن يغلب النائم النوم فتفوته صلاتها في الجماعة أوفي وقتها المختار، وفي النهي عن الحديث بعدها إراحة الكتاب لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أخبر أن القلم مرتفع عن النيام، وكره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السمر إلا لمصل أو مسافر. وقال مجاهد: لا يجوز السمر بعد العشاء إلا لمصل أو مسافر أو مذاكر. ووجه السؤال عن النوم بعد

مسألة: الرجل يركع فيرفع رأسه فلا يعتدل قائما حتى يهوي إلى السجود

الصبح ما روي عن عبيد بن عمير أن عبد الله بن الزبير قال: يا عبيد أما علمت أن الأرض عجت إلى ربها عز وجل من نومة العلماء بالضحى مخافة الغفلة عليهم، وما روي عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الصبحة تمنع بعض الرزق» ، وهو حديث يضعفه أهل الإسناد، فلم يصح عند مالك شيء من ذلك، ولذلك قال ما أعلم حراما. وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقول: النوم ثلاثة، فنوم خرق، ونوم خلق، ونوم حمق، فأما نومة خرق فنومة الضحى يقضي الناس حوائجهم وهو نائم، وأما نومة خلق فنومة القائلة، وأما نومة حمق فنومة حين تحضر الصلوات وقد كره بعض الناس النوم بعد العصر لما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه» . وقد عارض ذلك ما روت أسماء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسل عليا في حاجة بعد أن صلى الظهر بالصهباء فرجع وقد صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العصر فوضع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غابت الشمس فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اللهم إن عبدك عليا احتبس بنفسه على نبيه فرد عليه شرفها قالت أسماء فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض ثم قام علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فتوضأ وصلى العصر ثم غابت الشمس» . وهذا من أجل علامات النبوءة، وفيه الرتبة الجليلة لعلي بن أبي طالب، فتحفظ هذا الحديث واجب، فمن اجتنب النوم في هذه الأوقات لما جاء فيها مما يتقى منها فما أخطا، والله أعلم. [مسألة: الرجل يركع فيرفع رأسه فلا يعتدل قائما حتى يهوي إلى السجود] مسألة وسئل مالك عن الرجل يركع فيرفع رأسه فلا يعتدل قائما حتى

مسألة: قوم في السفر وفيهم الفقيه وذو السن والقارئ من يؤمهم

يهوي إلى السجود، أترى أن يعيد تلك الركعة؟ قال: لا، ولكن لا يعود. قال ابن القاسم: وهو رأيي. قال المؤلف: مثل هذا في رسم "التفسير" من سماع عيسى، فالاعتدال في الفصل بين أركان الصلاة على هذا من سنن الصلاة لا من فرائضها، ومن أصحابنا المتأخرين من ذهب إلى أن ذلك من فرائضها، وإن لم يعتدل قائما في رفعه من الركوع ولا جالسا في رفعه من السجود أعاد الصلاة، ودليله ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود» وأنه قال: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه إذا رفع رأسه من الركوع والسجود» . وهذا ليس بدليل قاطع لاحتمال أن يريد لا صلاة له متكاملة الأجر ولا تجزئ الإجزاء الذي هو أعلى مراتب الإجزاء. واستدل أيضا بما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للذي صلى ولم يتم الركوع والسجود: «ارجع فصل فإنك لم تصل» مرة وثانية. وهذا أيضا محتمل أن يكون إنما أمره أن يعيد ليعلمه سنة الصلاة، لا لأن الصلاة كانت فاسدة لا تجزئه، ويكون معنى قوله فإنك لم تصل، أي لم تصل الصلاة على السنة والهيئة التي ينبغي أن تصلى عليها. وسيأتي في الرسم المذكور من سماع عيسى القول فيمن خر من ركعته ساهيا ولم يرفع رأسه أصلا إن شاء الله. [مسألة: قوم في السفر وفيهم الفقيه وذو السن والقارئ من يؤمهم] مسألة وسئل عن القوم يكونون في السفر، من ترى أن يؤمهم وفيهم

الفقيه وذو السن والقارئ؟ قال: الفقيه في رأيي أرى أن يؤمهم، وإن لذي السن حقا. فقيل له أفرأيت الرجل يؤم عمه وهو أصغر منه؟ قال: العم والد فلا أرى أن يؤمه وإن كان العم أصغر منه. قال ابن القاسم إلا أن يقدمه. قال سحنون: وذلك إذا كان العم في العلم والفضل مثل ابن الأخ. قال محمد بن رشد: قوله إن الفقيه أولى بالإمامة من القارئ صحيح؛ لأنه أعلم بأحكام الصلاة وما تفسد به مما لا تفسد منه، وهو مذهبه في المدونة؛ لأنه قال فيها: يؤم القوم أعلمهم إذا كانت له الحال الحسنة. قيل له فأقرؤهم؟ قال: قد يقرأ من لا ترضي حاله. هذا معنى قوله، ومعنى ما روي «يؤم القوم أقرؤهم» إن أقرأهم في ذلك الوقت كان أفقههم لأنهم كانوا يقرؤون القرآن بأحكامه من حلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه. وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يؤم القوم أقرؤهم» ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا. فإذا اجتمع الفقيه وصاحب الحديث والمقرئ والعابد وذو السن فالفقيه أولى بالإمامة، ثم المحدث، ثم المقرئ الماهر، ثم العابد، ثم ذو السن. وإنما كان الفقيه أولى بالإمامة من المحدث وإن كان أفضل منه لأنه أعلم بأحكام الصلاة منه. وإنما كان المحدث أولى بالإمامة من المقرئ وإن كان أفضل منه أيضا لأنه أعلم بسنن الصلاة منه. وإنما كان المقرئ الماهر بالقراءة إذا كانت له الحال الحسنة أولى بالإمامة من العابد لأن القراءة مضمنة بالصلاة وليست العبادة مضمنة بها. وإنما كان العابد أولى بالإمامة من ذي السن لزيادة فضله عليه لكثرة قرباته. وإنما كان

مسألة: العروس يدخل بأهله في ليلة الجمعة أيتخلف عن الجمعة

ذو السن أحق بالإمامة ممن دونه في السن لأن أعماله تزيد بزيادة سنه فهي زيادة في الفضل، فلو كان الأحدث سنا أقدم إسلاما لكان أولى بالإمامة منه إذ لا فضيلة في مجرد السن. ألا ترى إلى ما في الحديث من تقديم الأقدم هجرة على الأقدم سنا. والإمامة تستوجب أيضا بأربعة أشياء سوى ما ذكرنا، وهي الأبوة، والعمومة، والإمارة، واستحقاق موضع الصلاة. فالأب يؤم ابنه إذا كانت له الحال الحسنة وإن كان أدنى مرتبة منه في العلم والفضل، وكذلك العم أيضا يؤم ابن أخيه، قال في الرواية وإن كان دونه في السن، فإذا جعله أحق منه بالإمامة وإن كان دونه في السن مع أن الزيادة في السن زيادة في الفضل فليلزم على قياس قوله أن يكون أحق منه بالإمامة وإن كان دونه في الفضل والعلم إذا كانت له الحال الحسنة، خلاف قول سحنون. ويلزم على قياس قول سحنون أن يكون الابن أحق بإمامة أبيه وإن كانت له الحال الحسنة إذا كان الابن أظهر حالا منه في المعرفة أو الصلاح، وذلك بعيد لحق الأب على ابنه. وأما الأمير وصاحب المنزل فلا كلام في أنهما أحق بالإمامة إذا كانت لهما الحال الحسنة وإن كان غيرهما أعلى مرتبة منهما في العلم والفضل. [مسألة: العروس يدخل بأهله في ليلة الجمعة أيتخلف عن الجمعة] مسألة وسئل عن العروس يدخل بأهله في ليلة الجمعة، أيتخلف عن الجمعة؟ قال لا، ولا عن الظهر والعصر لا يتخلف عنهما ويخرج إليهما. ثم قال إذا كان من ينظر إليه يفتي بالجهالة جرت في الناس. قال سحنون: وقد قال بعض الناس لا يخرج لأنه حق لها من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال مالك: ما يعجبني للعروس ترك الصلاة كلها.

قال محمد بن رشد: قول مالك إن العروس ليس له أن يتخلف عن الجمعة، ولا عن الصلاة في الجماعة هو الحق الذي لا وجه لسواه، إذ لا حق للزوجة عليه في منعه من شهود الجمعة والجماعة، ولا له بالمقام عندها عذر في التخلف عنهما، وإنما معنى قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «للبكر سبع وللثيب ثلاث» أن يكون معها ويبيت عندها دون سائر أزواجه إن كانت له أزواج سواها، وليس عليه أن يلزم المقام عندها ليله ونهاره فلا يخرج إلى الصلاة ولا يتصرف فيما يحتاج إليه من حوائج دنياه، ولا لها ذلك عليه إن سألته إياه، وإنما الذي لها من الحق أن يقيم عندها المدة التي وقتها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها دون غيرها من نسائه. قيل عليه وعلى سائر أزواجه، وقيل بل على سائر أزواجه لا عليه. وعلى هذا الاختلاف يختلف أيضا إن لم تكن له زوجة سواها، هل لها عليه حق في المقام معها والمبيت عندها المدة التي وقتها لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما جاء في الحديث أم لا؟ فعلى القول بأن ذلك حق لها عليه وعلى سائر أزواجه يكون ذلك لها، وعلى القول بأن ذلك حق لها على أزواجه لا عليه لا يكون ذلك لها، إذ الحق لها إنما هو على أزواجه إن كانت له أزواج لا عليه. وقد قيل إن ذلك إنما هو حق له على سائر أزواجه لا حق لها، والأول أظهر. وظاهر ما حكى سحنون عن بعض الناس أن لها من الحق عليه أن لا يخرج إلى جمعة ولا إلى غيرها، وهي جهالة ظاهرة كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغلطة غير خافية. وقول مالك ما يعجبني للعروس ترك الصلاة كلها، معناه عندي ما يعجبني أن يخفف للعروس ترك الصلاة كلها في الجماعة مع الناس في المسجد، وإنما الذي يعجبني أن يخفف له ترك بعضها للاشتغال بزوجه والجري إلى تأنيسها واستمالتها، وهذا فيما عدا الجمعة التي شهودها عليه فرض، وبالله التوفيق.

النبر في القرآن في الصلاة

[النبر في القرآن في الصلاة] مسألة وسئل مالك عن النبر في القرآن في الصلاة، قال إني لأكرهه وما يعجبني ذلك. قال محمد بن رشد: يريد بالنبر إظهار الهمزة في كل موضع على الأصل، فكره ذلك في الصلاة، واستحب فيها التسهيل على رواية ورش، لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم تكن من لغته الهمزة. روي: " أنه «أتي بأسير يرعد فقال أدفوه "، يريد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أدفئوه من الدفء، " فذهبوا به فقتلوه فوداه» رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عنده ". ولو أراد قتله لقال: دافوه ودَافُّوا ودَافُّوا عليه بالتثقيل. ولهذا المعنى كان العمل جاريا بقرطبة قديما أن لا يقرأ الإمام في الصلاة بالجامع إلا برواية ورش، وإنما تغير ذلك وتركت المحافظة عليه مند زمن قريب. ويحتمل أن يريد بالنبر في القرآن في الصلاة الترجيع الذي يحدث في الصوت معه نبر في غير موضع النبر ويحتمل أن يريد التحقيق الكثير في الهمزات إلى ما سوى ذلك مما يأخذ بعض المقرئين القرأة عليهم من الترقيق والتغليظ والروم والشم وإخفاء الحركة وإخراج جميع الحروف من حقيقة مخارجها، ولا يتأتى ذلك إلا بالعناء وتقطيع بعض الحروف؛ لأن الاشتغال بذلك في الصلاة يشغل عن تدبره وتفهم حكمه والاعتبار بعبره.

مسألة: أيهم أوجب أركعتا الفجر أم الوتر

[مسألة: أيهم أوجب أركعتا الفجر أم الوتر] مسألة وسئل مالك أيهم أوجب، أركعتا الفجر أم الوتر؟ قال بل الوتر بكثير. قال مالك: إن ابن عمر لم يكن يركع ركعتي الفجر في السفر. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في سماع أبي زيد، ومثل ما يقوم في المدونة أن ركعتي الفجر سنة خلاف ما في رسم "الصلاة" الأول من سماع أشهب، وخلاف ما لأصبغ في سماع عيسى من كتاب المحاربين أنهما ليستا بسنة. وأصل هذا الاختلاف اختلافهم في المعنى الذي من أجله تسمى النافلة سنة، إن كان لكونها مقدرة لا يزاد عليها ولا ينقص منها، أو لكون الاجتماع لها والجماعة فيها مشروعين لها وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يقرأ مع الإمام فيما أسر فيفرغ من السورة التي ابتدأها] مسألة وسئل مالك عن الرجل يقرأ مع الإمام فيما أسر فيفرغ من السورة التي ابتدأها فيقرأ معه بغيرها إذا ختمها، وربما قرأ بالسورتين والثلاث قبل أن يفرغ الإمام، قال نعم يقرأ بذلك. قال ابن القاسم: يعني أن يقرأ إذا فرغ من السورة غيرها ولا يقيم ساكتا. قال محمد بن رشد: هو مخير إن شاء قرأ كما قال، وإن شاء سكت، وإن شاء دعا، الأمر في ذلك كله واسع. [مسألة: الرجل إذا فاتته ركعتان أهي أول صلاته أم آخرها] مسألة وسئل مالك عن الرجل إذا فاتته ركعتان، أهي أول صلاته أم آخرها؟ فقال هي آخر صلاته، ويقضي ما فاته بأم القرآن وسورة.

مسألة: يدخلان المسجد وتقام الصلاة فيحرم الإمام وهما يتحدثان

قال محمد بن رشد: ستأتي هذه المسألة في رسم "الجواب "، واختلاف قول مالك فيها، وسنتكلم عليها هناك إن شاء الله. [مسألة: يدخلان المسجد وتقام الصلاة فيحرم الإمام وهما يتحدثان] مسألة وسئل مالك عن الرجلين يدخلان المسجد وهما في مؤخر المسجد وتقام الصلاة وهما في مؤخر المسجد مقبلان إلى الإمام، فيحرم الإمام وهما يتحدثان، قال أرى أن يتركا الكلام إذا أحرم الإمام. قال أبو الوليد: وهذا كما قال؛ لأن تحدثهما والإمام في الصلاة وهما في المسجد مقبلان إلى الصلاة من المكروه البين؛ لأنه لهو عما يقصدانه من الصلاة وإعراض عنه، وبالله التوفيق. [صلى الظهر ثم جاء إلى المسجد فوجد الناس قعودا في آخر صلاتهم] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت وسئل مالك عن رجل صلى في بيته الظهر ثم جاء إلى المسجد فوجد الناس قعودا في آخر صلاتهم وظن أن عليهم ركعتين، فكبر ثم قعد فسلم الإمام، قال: يسلم وينصرف ولا أرى عليه شيئا. قال ابن القاسم: وقد سمعته يقول لو ركع ركعتين يريد بذلك إذا كانت صلاة يصلي بعدها، وإن انصرف ولم يفعل فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: إنما خفف له القطع إذا لم يعقد ركعة من أجل أنه لم يدخل على نية النافلة، وإنما دخل على نية الفريضة، فلم يلزمه ما لم ينو. وقد مضى في رسم "سلف " ما يشبه هذا المعنى.

مسألة: نسي التشهد حتى سلم الإمام وهو معه

[مسألة: نسي التشهد حتى سلم الإمام وهو معه] مسألة قال مالك من نسي التشهد حتى " سلم الإمام وهو معه، قال يتشهد ويسلم ولا يدعو بعد التشهد. قال محمد بن رشد: يريد ولا سجود سهو عليه؛ لأنه قد تشهد قبل سلامه وإن كان بعد سلام الإمام؛ لأنه لا يخرج من الصلاة بسلام الإمام حتى يسلم هو، وبالله التوفيق. [: قول الناس: سبحان ربي العظيم وبحمده في التشهد] ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل عن قول الناس: سبحان ربي العظيم وبحمده في التشهد، قال: قد كتب إلي الأمير في ذلك فأجبته أني لا أعرف هذا. فقيل له فلا تراه؟ قال: لا. فقيل له فإذا أمكن سجوده وركوعه فقد تم؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا مثل قوله في المدونة إنه لا يوقت في ذلك تسبيحا، وإنه إذا أمكن يديه من ركبتيه في ركوعه وجبهته من الأرض في سجوده فقد تم ركوعه وسجوده، وكان يقول: إلى هذا تمام الركوع والسجود. وقوله: لا أعرف هذا، معناه لا أعرفه من واجبات الصلاة، وكذلك قوله إنه لا يراه، معناه لا يراه من حد السجود الذي لا يجزئ دونه لا أنه يرى تركه أحسن من فعله؛ لأن التسبيح في سجود الصلاة من السنن التي يستحب العمل بها عند الجميع. وقد روي «أنه لما نزلت في سورة الواقعة: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت:

مسألة: قيام الرجل بعد فراغه من الصلاة يدعو قائما

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قال: اجعلوها في سجودكم» . وروي عنه أنه قال: «من ركع فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه. ومن سجد وقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه» . قال ابن حبيب: يريد أن ذلك أدنى التخفيف الذي ينبغي في الركوع والسجود. وقد روي عن يحيى وعيسى بن دينار أنهما قالا: من صلى الفريضة فركع وسجد ولم يذكر الله تعالى في ذلك أعاد صلاته في الوقت وبعده، وهذا على طريق الاستحسان لا على طريق الوجوب، والله أعلم. [مسألة: قيام الرجل بعد فراغه من الصلاة يدعو قائما] مسألة وسئل مالك عن قيام الرجل بعد فراغه من الصلاة يدعو قائما، قال: ليس هذا بصواب ولا أحب لأحد أن يفعله. وسئل أيضا عن الدعاء عند خاتمة القرآن، فقال: لا أرى أن يدعو ولا نعلمه من عمل الناس. وسئل عن الرجل ينصرف هو وأصحاب له فيقفون يدعون فأمر بهم، أترى أن أقف معهم؟ قال لا ولا أحب لهذا الذي يفعل هذا أن يفعله ولا يقف يدعو. قال محمد بن رشد: الدعاء حسن، ولكنه إنما كره ابتداع القيام له عند تمام القرآن وقيام الرجل مع أصحابه لذلك عند انصرافهم من صلاتهم واجتماعهم لذلك عند خاتمة القرآن، كنحو ما يفعل بعض الأئمة عندنا من الخطبة على الناس عند الختمة في رمضان والدعاء فيها وتأمين الناس على

مسألة: تنقيض الأصابع في المسجد

دعائه، وهي كلها بدع محدثات لم يكن عليها السلف، «وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» . وهذا من نحو ما مضى في رسم "حلف بطلاق امرأته "، ورسم "صلى نهارا ثلاث ركعات "، من كراهيته للاجتماع للدعاء يوم عرفة بعد العصر في المساجد، فرحم الله مالكا فما كان أتبعه للسنة وأكرهه لمخالفة السلف. [مسألة: تنقيض الأصابع في المسجد] مسألة وسئل مالك عن تنقيض الأصابع في المسجد، قال: ما يعجبني ذلك في المسجد ولا في غير المسجد. قال محمد بن رشد: وقع في المدونة كراهية ذلك في الصلاة خاصة، ولم يتكلم على ما سوى الصلاة، وكرهه مالك هاهنا في الصلاة وفي المسجد وفي غير المسجد؛ لأنه من فعل الفتيان وضعفة الناس الذين ليسوا على سمت حسن، وكرهه ابن القاسم في المسجد دون غيره من المواضع؛ لأنه من العبث الذي ينبغي أن لا يفعل في المساجد، وبالله التوفيق. [مسألة: تشبيك الأصابع في المسجد] مسألة وسئل عن تشبيك الأصابع في المسجد أسمعت فيه شيئا؟ قال: إنهم لا يذكرون شيئا ولا أعلم به بأسا. وأخبرنا محمد بن خالد عن عبد الله بن نافع قال: جلس داوود بن قيس إلى مالك ومالك مشبك بين أصابعه، فأومأ داوود إلى يدي مالك ليطلقهما وقال ما هذا؟ فقال له مالك: إنما يكره هذا في الصلاة.

مسألة: الرجل يتنفل في الصلاة أيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم

قال محمد بن رشد: قد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النهي عن تشبيك الأصابع في الخروج إلى المسجد للصلاة وفي المسجد وفي الصلاة. روي عن أبي أمامة قال: لقيت كعب بن عجرة وأنا أريد الجمعة وقد شبكت بين أصابعي، ففرق بينها وقال: «إنا نهينا أن يشبك أحدنا بين أصابعه في الصلاة» ، فقلت: إني لست في صلاة، فقال: ألست قد توضأت وأنت تريد الجمعة، قال قلت: بلى، قال فأنت في صلاة. وروي عنه أنه قال: «سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إذا توضأ أحدكم وخرج يريد المسجد فهو في صلاة ما لم يشبك بين أصابعه» . وروي عنه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: يا كعب بن عجرة إذا توضأت فأحسنت الوضوء ثم خرجت إلى الصلاة فلا تشبك بين أصابعك فإنك في صلاة» . ولم يصح عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - من هذا كله إلا النهي عن تشبيك الأصابع في الصلاة خاصة، فأخذ بذلك ولم ير بما سواه بأسا. وإلى هذا ذهب البخاري في كتابه، فإنه بوب باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، وأدخل حديث أبي موسى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه» ، وحديث أبي هريرة: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سلم من ركعتين فقام إلى خشبة معروضة في المسجد واتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على يده اليسرى وشبك بين أصابعه» وذكر تمام الحديث. فأما حديث أبي موسى فلا حجة فيه لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما فعله للمعنى الذي ذكره على التمثيل والبيان، وأما حديث أبي هريرة فالحجة لمالك فيه قائمة، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتنفل في الصلاة أيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم] مسألة وسئل عن الرجل يتنفل في الصلاة أيقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أو يقرأ الحمد لله رب العالمين؟ قال: يقول الحمد لله رب

العالمين ويقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في السورة في كل سورة إذا أراد أن يتابع سورا بعضها فوق بعض، فأما في المكتوبة فلا يفعل، وليبدأ بالحمد لله رب العالمين، ولا يقول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قال محمد بن رشد: لم يختلف قول مالك أنه لا يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في الفريضة لا في أول الحمد ولا في أول السورة التي بعدها؛ لأنها ليست عنده آية من الحمد، وإنما تثبت في المصحف في أولها للاستفتاح لا لأنها منها كسائر السور، فبسم الله الرحمن الرحيم ليس من القرآن عند مالك إلا في سورة النمل فإنه فيها بعض آية. وذهب الشافعي إلى أن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية من الحمد فأوجب قراءتها في الصلاة في أول الحمد. ومن أهل العلم من استحب قراءتها في الفريضة في أول الحمد، وهو مذهب محمد بن مسلمة من أصحاب مالك. ومنهم من استحب قراءتها في الفريضة في أول الحمد سرا، فيتحصل في ذلك أربعة أقوال: أحدهما إيجاب قراءتها، وهو مذهب الشافعي ومن تبعه؛ والثاني كراهة قراءتها، وهو من مذهب مالك، والثالث استحباب قراءتها، وهو مذهب محمد بن مسلمة؛ والرابع الإسرار بقراءتها. فوجه كراهة قراءتها لئلا يظنها الجاهل من الحمد فيراها واجبة؛ ولأن ترك قراءتها هو المروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء بعده. وروي عنهم أنهم كانوا يفتتحون القراءة في الصلاة بالحمد لله رب العالمين. ووجه استحباب قراءتها مراعاة قول من يراها آية من الحمد فتكون الصلاة مجزية تامة بإجماع. ووجه من رأى الإسرار بها مخافة أن يظن أنها من الحمد وأن قراءتها واجبة. وأما قراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في النافلة فلمالك في ذلك في الحمد قولان: أحدها أنه لا يقرأ فيها، والثاني أنه يقرؤه فيها. والقولان قائمان من هذه الرواية. وله في ذلك فيما عدا الحمد من السور ثلاثة أقوال: أحدها أنه يقرؤه في كل سورة، وهو قوله في هذه الرواية.

مسألة: الرجل تفوته الركعة مع الإمام متى يقوم

والثاني: لا يقرؤه في شيء منها إلا أن يكون رجلا يقرأ القرآن عرضا يريد بذلك عرضه في صلاته، وهو رواية أشهب عنه في رسم "الصلاة" الثاني. والثالث: أنه مخير إن شاء قرأه وإن شاء تركه، وهو قوله في المدونة. [مسألة: الرجل تفوته الركعة مع الإمام متى يقوم] مسألة وسئل عن الرجل تفوته الركعة مع الإمام متى يقوم إذا سلم واحدة أو ينتظر حتى يسلم تسليمتين؟ قال إن كان ممن يسلم تسليمتين انتظره حتى يفرغ من سلامه كله ثم يقوم. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم آخر رسم "شك في طوافه " نحو هذه المسألة والقول عليه بما بين معنى هذه، وبالله التوفيق. [مسألة: البيع يوم الجمعة] مسألة وسئل مالك عن البيع يوم الجمعة، هل يمنع الناس من ذلك؟ قال: لا أنكره، فقلت له فإذا أذن المؤذن؟ قال: نعم أرى أن يمنعوا. قيل له فأي الأذان هو؟ قال: الذي يكون عند قعود الإمام، ويمنع من ذلك كل من تجب عليه الجمعة ومن لا تجب عليه. قال محمد بن رشد: السنة في الآذان يوم الجمعة أن يكون بعد قعود الإمام على المنبر، وقوله إن الأذان الذي يكون عند قعود الإمام على المنبر هو الآذان الذي يعتبر به في منع الناس من البيع، إنما يعني أنه إذا أحدث الإمام قبل ذلك أذانا مثل الأذان الذي زاده عثمان، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، في الزوراء عند أول الزوال على ما ذكرناه في آخر رسم "سلعة سماها" لم يعتبر به في ذلك، وقد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في أول رسم "حلف بطلاق امرأته " فلا معنى لإعادته.

مسألة: الرجل يدخل يوم الجمعة والإمام يخطب أيجلس أم يتم صلاته

[مسألة: الرجل يدخل يوم الجمعة والإمام يخطب أيجلس أم يتم صلاته] مسألة وسئل عن الرجل يدخل يوم الجمعة فيكبر قبل أن يخرج الإمام فيخرج الإمام ولم يركع ويؤذن المؤذنون، أيجلس أم يتم صلاته؟ قال بل يتم ركعتين، وإنما يجلس من لم يحرم حتى يقعد الإمام. قلت لسحنون: فلو أني دخلت المسجد والإمام جالس والمؤذنون أمامه يؤذنون فأحرمت ساهيا أو غافلا أو كنت جالسا فلم أفرغ من ركعتي حتى فرغ المؤذنون وقام الإمام يخطب، وذكرت له أنها نزلت بي، أترى أن أمضي في صلاتي؟ فقال لي نعم، وإنما يكره ذلك ابتداء، فإذا فعله أحد مضى ولم يقطع. قال العتبي: وجدتها لابن وهب رواية عن مالك. قال محمد بن رشد: أما من أحرم يوم الجمعة فإنه يتمادى على نافلته حتى يتمها، كان قد ركع أم لم يركع، لما جاء في ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما تعلق به من قال أن من جاء والإمام يخطب إنه يركع قبل أن يجلس، وقد قالوا فيمن أحرم في صلاته بالتيميم ثم طلع رجل معه ماء أنه يتمادى على صلاته ولا يقطعها، وكيف بهذا؟ وأما من دخل المسجد والإمام جالس على المنبر والمؤذنون يؤذنون فأحرم جاهلا أو غافلا فإنه يتمادى ولا يقطع على قول سحنون ورواية ابن وهب عن مالك وإن لم يفرغ حتى قام الإمام إلى الخطبة. وقد قيل إنه يقطع، وهو قول ابن شعبان في مختصر ما ليس في المختصر. وكذلك لو دخل المسجد والإمام يخطب فأحرم لتمادى على قول ابن وهب عن مالك وسحنون، ولقطع على قول ابن شعبان، إذ لا فرق بين أن يحرم والإمام يخطب أو وهو جالس على المنبر والمؤذنون يؤذنون، لما جاء من أن خروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام. وذلك لا يكون من قائله

مسألة: الغدو إلى العيدين أية ساعة هي

رأيا، وهذا عندي في الذي يدخل المسجد تلك الساعة فيحرم، وأما لو أحرم بالصلاة تلك الساعة من كان جالسا في المسجد لوجب أن يقطع قولا واحدا، إذ لا اختلاف في أنه لا يجوز أن يركع تلك الساعة، بخلاف الذي يدخل المسجد تلك الساعة، إذ قد قيل إنه يركع قبل أن يجلس لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» ، ولما جاء أنه أمر سليكا الغطفاني وهو جالس على المنبر أن يركع ركعتين ثم قال: «إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين يتجوز فيهما» ، وبالله التوفيق. [مسألة: الغدو إلى العيدين أية ساعة هي] مسألة وسئل مالك عن الغدو إلى العيدين أية ساعة هي؟ قال: إذا طلعت الشمس، ثم قال بعد ذلك هو العمل الذي عليه أهل الفقه عندنا. فقيل له: فمتى يكبر؟ قال إذا طلعت الشمس وغدا، فقيل له أفيجهر بالتكبير أم يسره؟ قال: أمر بين ذلك، ويكبر في العيدين جميعا في الفطر والأضحى. قال محمد بن رشد: هذا هو الوقت المختار في الغدو إلى العيد، فإن غدا قبل طلوع الشمس لم يكبر إلا أن يكون قرب طلوع الشمس أو الإسفار البين. وقال علي بن زياد عن مالك إنه لا تكبير إلا على من غدا

مسألة: إشارة الرجل بأصبعه في الصلاة

بعد طلوع الشمس، وقع ذلك في آخر رسم " حلف بطلاق امرأته " وقد تكلمنا هناك على حكم التكبير ووجهه وما الأصل فيه ومكان الاختلاف منه. [مسألة: إشارة الرجل بأصبعه في الصلاة] مسألة وسئل عن إشارة الرجل بأصبعه في الصلاة، قال ليشر إن شاء ولا بأس في التشهد إذا وضع يديه على ركبتيه. قال محمد بن رشد: معنى الكلام يشير إن شاء في التشهد ولا بأس به، فظاهره التخيير من غير استحسان منه لفعله على تركه، وقد استحسن ذلك في رسم "المحرم" بعد هذا، وهو الصواب؛ لأنها السنة من فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما في الموطأ عنه من رواية عبد الله بن عمر. وقد مضت هذه المسألة والتكلم عليها في رسم "شك في طوافه" قبل هذا. وفي الكلام تقديم وتأخير، وتقديره: وسئل عن إشارة الرجل بأصبعه في الصلاة في التشهد وإذا وضع يديه على ركبتيه، قال ليشر إن شاء ولا بأس به، وبالله التوفيق. [مسألة: الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أي مواضعه أحب] مسألة وسئل مالك عن الصلاة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي مواضعه أحب إليك؟ قال: أما النافلة فمصلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال ابن القاسم: وهو العمود المخلق، وأما الفريضة فيقدم إلى أول الصف أحب إلي. قال محمد بن رشد: استحب مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، صلاة النافلة في مصلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للتبرك بموضع صلاته، ورأى للصلاة في ذلك الموضع فضلا على سائر المسجد. ومن الدليل على ذلك «أن عتبان بن مالك قال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا رسول الله، إنها تكون الظلمة والسيل والمطر وأنا رجل

مسألة: صلاة الجمعة في مجالس حوانيت عمرو بن العاص

ضرير البصر فصل يا رسول الله -[صلى الله عليك وسلم]- في بيتي مكانا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أين تحب أن أصلي، فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . فإذا كان ذلك الموضع من بيته بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه صلاة واحدة أفضل من سائر بيته، وجب أن يكون الموضع الذي كان يواظب على الصلاة فيه في مسجده أفضل من سائر المسجد بكثير. وإنما قال: إنه يتقدم في الفريضة إلى أول الصفوف وهو الصف الأول؛ لأن فضل الصف الأول معلوم بالنص عليه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهو أولى مما علم فضله بالدليل. ولمالك في رسم "التسليف في الحيوان المضمون" من هذا السماع من كتاب الجامع أن العمود المخلق ليس هو قبلة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكنه كان أقرب العمد إلى مصلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، خلاف قول ابن القاسم أن العمود المخلق هو مصلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وبالله التوفيق. [مسألة: صلاة الجمعة في مجالس حوانيت عمرو بن العاص] مسألة وسئل مالك عن صلاة الجمعة في مجالس حوانيت عمرو بن العاص ووصفت له، قال: لا بأس بذلك وأراها مثل أفنية المسجد إذا كان إنما يصلى فيها من ضيق المسجد بالناس فلا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: يريد مصاطب الحوانيت التي لا تأخذها الغلق الشارعة إلى الطرق المتصلة بأفنية المسجد، فحكم لها بحكم أفنية المسجد ولم ير بالصلاة فيها بأسا إذا ضاق المسجد، ولم يعط فيها جوابا بينا إذا صلى فيها والمسجد واسع من غير ضرورة. والأظهر في ذلك من مذهبه هنا وفي المدونة أنه قد أساء وصلاته جائزة، وهي رواية ابن أبي أويس عنه. وقال

قراءة سورة الإخلاص مرارا في ركعة واحدة

سحنون: يعيد ظهرا أربعا. ووجه قول مالك أن الصلاة لما كانت في هذه المواضع جائزة لمن ضاق عنه المسجد وجب أن تجوز صلاة من صلى فيها وإن لم يضق عنه المسجد، أصل ذلك من صلى في الصف الثاني وهو يجد سعة للدخول في الصف الأول. ووجه قول سحنون أن المسجد من شرائط صحة الجمعة، فإذا صلى خارجا منه وهو قادر على الصلاة فيه وجب أن لا تجزئه صلاته، أصل ذلك من صلى مكشوف العورة وهو قادر على سترها. [قراءة سورة الإخلاص مرارا في ركعة واحدة] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسألته عن قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] مرارا في ركعة واحدة فكره ذلك وقال: هذا من محدثات الأمور التي أحدثوا. قال محمد بن رشد: كره مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، للذي يحفظ القرآن أن يكرر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] في ركعة واحدة مرارا لئلا يعتقد آخر أن أجر من قرأ القرآن كله كأجر من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثلاث مرات تأويلا لما روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنها تعدل ثلث القرآن» ، إذ ليس ذلك معنى الحديث عند العلماء، ولو كان ذلك معناه عندهم لاقتصروا على قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] في الصلوات بدلا من قراءه السور الطوال، ولكرروها في الركعة الواحدة من فرائضهم ونوافلهم، ولا قتصروا على قراءتها دون سائر القرآن في تلاوتهم، فلما لم يفعلوا شيئا من ذلك وأجمعوا أن من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] في ركعة واحدة لا يساوي في الأجر من أحيا الليل وقام فيه بالقرآن كله. قال مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إن تكريرها في ركعة واحدة من محدثات الأمور ورأى ذلك بدعة، وهو كما قال، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولا دليل على أن تكريرها في ركعة واحدة أفضل من قراءة سورة طويلة تزيد في القدر على قدر ما يجتمع من تكريرها المرات التي كررها فيها، فيما ثبت من حديث أبي سعيد الخدري أنه سمع رجلا يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] يرددها فلما أصبح غدا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن» ، إذ قد يحتمل أنه إنما كان يرددها لأنه لا يحفظ سواها، ولم يقل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن ذلك من فعله أفضل من قراءة السور الطوال، وإنما علم أنها تعدل ثلث القرآن من أجل أن الرجل كان يتقالها على ما جاء في الحديث، والله أعلم. وقد اختلف العلماء في قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنها تعدل ثلث القرآن» اختلافا كثيرا لا يرتفع بشيء منه على الحديث الإشكال ولا يتخلص عن أن يكون فيه اعتراض وكلام. وقد حكى ابن عبد البر في الاستذكار عن إسحاق بن منصور أنه قال: قلت لأحمد بن حنبل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إنها تعدل ثلث القرآن ما وجهه؟ فلم يقم لي فيه على أمر بين، قال: وقال لي إسحاق بن راهويه: معناه أن الله لما فضل كلامه على سائر الكلام جعل لبعضه أيضا فضلا في الثواب لمن قرأه أضعاف غيره منه تحريضا منه على تعليمه لا أن من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن كله، هذا لا يستقيم ولو قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مائتي مرة. قال ابن عبد البر: هذان عالمان بالسنن وإمامان في السنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسألة، والذي عليه أهل العلم والسنة الكف عن الجدال والمناظرة فيما سبيله الاعتقاد بالأفئدة والإيمان بما تشابه من القرآن والتسليم له وبما جاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نحو هذا الحديث وشبهه في أحاديث الصفات. قال محمد بن رشد: وقد قال بعض المتأخرين إن المعنى في ذلك أن تضعيف الأجر في قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ينتهي إلى أن يكون مثل أجر قراءة ثلث القرآن غير مضاعف، وهذا أشبه ما رأيت في ذلك من التأويلات، إلا أنه بعيد من ظاهر الحديث؛ لأنه إذا لم يعدل أجر قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مضاعفا لأجر قراءة ثلث القرآن مضاعفا أو أجر قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]

الرجل يدخل المسجد النبوي بأي شيء يبدأ

غير مضاعف لأجر قراءة ثلث القرآن غير مضاعف فليست بعدل له على الحقيقة. والذي أقول به أن المعنى في ذلك، والله أعلم، أن الله تفضل على من قرأ جميع القرآن بأن كتب له من الأجر في قراءة ماعدا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مثلي ما كتب له في قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، لا أن من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وحدها يكون له من الأجر مثل من قرأ ثلث القرآن، ولا أن من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثلاث مرات يكون له من الأجر مثل من قرأ القرآن كله. فالأجر الذي يحصل لقارئ القرآن كله مع {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] يقع منه ثلثه لقل هو الله أحد وثلثاه لسائر القرآن على هذا التأويل. مثال ذلك الصلاة الأجر الذي يحصل للمصلي في جملة صلاته يقع منه لنيته أكثر ما يقع منه لتكبيره وقراءته وقيامه وركوعه وسجوده وتشهده وسلامه، وإن كان التعب والعناء في ذلك كله أكثر من التعب والعناء في النية. والدليل على ذلك قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نية المؤمن خير من عمله» ؛ لأن العمل لا ينتفع به إذا لم تقارنه نية، فإذا قارنته نية كان جل الأجر لها على معنى ما جاء في الحديث. وكذلك سائر أعمال الطاعات، فصح تأويل ما جاء في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] على ما ذكرناه والله أعلم بمراد نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [الرجل يدخل المسجد النبوي بأي شيء يبدأ] مسألة وسئل عن الرجل يدخل مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة بأي شيء يبدأ؟ بالسلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم بركعتين؟ قال: بل بركعتين، وكل ذلك واسع. قال ابن القاسم: وأحب إلي أن يركع. قال محمد بن رشد: وجه توسعة مالك البداية بالسلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل الركعتين قوله في الحديث قبل أن يجلس، فإذا سلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم

مسألة: الأصبع إذا لم يجد سواكا أيجزئه من السواك

ركع الركعتين قبل أن يجلس فقد امتثل أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الركوع قبل الجلوس ولم يخالفه. ووجه اختيار ابن القاسم للبداية بالركوع قبل السلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله في الحديث: «إذا دخل فليركع» والفاء في اللسان تدل على أن الثاني عقب الأول بلا مهلة، فكان الاختيار إذا دخل أن يصل دخوله بركوعه، وأن لا يجعل بينهما فاصلة من الاشتغال بشيء من الأشياء. [مسألة: الأصبع إذا لم يجد سواكا أيجزئه من السواك] مسألة وسئل مالك عن الأصبع إذا لم يجد سواكا، أيجزئه من السواك؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رغب في السواك فقال: «عليكم بالسواك» ولم يخص سواكا من غير سواك، فكان الاختيار أن يستاك بسواك لأنه أحلى للأسنان وأطهر للفم، فإن لم يجد سواكا قام الأصبع مقامه لكونه مستاكا به ممتثلا للأمر لأنه عموم إذ لم يخص به سواكا من أصبع ولا غيره، والله أعلم. ويتصل بهذه المسألة في بعض الروايات مسألة الحاج من أهل مكة في إفاضته من منى إلى مكة، وقد مضت في رسم "الشريكين "، وفي رسم "شك في طوافه "، والكلام عليها مستوفى هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: رفع اليدين في الدعاء وفي الصلاة عند التكبير] مسألة وسئل مالك عن رفع اليدين في الدعاء، قال ما يعجبني ذلك، فقيل له: فرفع اليدين في الصلاة عند التكبير؟ فقال لقد ذكر عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يفعل ذلك إذا كبر وإذا رفع رأسه من

الركوع وإذا ركع، وما هو بالأمر العام، كأنه لم يره من العمل المعمول به. فقيل له: فالإشارة بالأصبع في الصلاة؟ قال ذلك حسن، ثم قال على أثر ذلك حجة لتضعيف رفع اليدين في الصلاة: إنه قد كان في أول الإسلام أنه من رقد قبل أن يطعم لم يطعم من الليل شيئا، فأنزل الله عز وجل: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فأكلوا بعد ذلك. قال محمد بن رشد: كره مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رفع اليدين في الدعاء، وظاهره خلاف لما في المدونة؛ لأنه أجاز فيها رفع اليدين في الدعاء في مواضع الدعاء كالاستسقاء وعرفة والمشعر الحرام والمقامين عند الجمرتين على ما في كتاب الصلاة الأول منها، خلاف لما في الحج الأول من أنه يرفع يديه في المقامين عند الجمرتين. ويحتمل أن تتأول هذه الرواية على أنه أراد الدعاء في غير مواطن الدعاء، فلا يكون خلافا لما في المدونة، وهو الأولى، وقد ذكرنا هذا المعنى في رسم "شك في طوافه ". وأما رفع اليدين عند الإحرام في الصلاة فالمشهور عن مالك أن اليدين ترفع في ذلك، وقد وقع في الحج الأول من المدونة في بعض الروايات أن رفع اليدين في ذلك عنده ضعيف، ووقع له في سماع أبي زيد من هذا الكتاب إنكار الرفع في ذلك، وإلى هذا ينحو قوله في هذه الرواية؛ لأنه احتج فيها بما دل على أن الرفع أمر قد ترك ونسخ العمل به كما نسخ تحريم الأكل برمضان بالليل بعد النوم. والصحيح في المذهب إيجاب الرفع في ذلك بالسنة، فهو الذي تواترت به الآثار وأخذ به جماعة فقهاء الأمصار. وروى ابن وهب وعلي، واللفظ لعلي، أنه سئل

مسألة: الرجل يصلي لنفسه أيسلم اثنتين

عن المرأة أعليها رفع يديها إذا افتتحت الصلاة مثل الرجل؟ فقال ما بلغني أن ذلك عليها وأراه يجزئها أن ترفع أدنى من الرجال. وأما رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، فمرة كرهه مالك، وهو مذهبه في المدونة ودليل هذه الرواية وما وقع في رسم "الصلاة" الأول من سماع أشهب من حكاية فعل مالك؛ ومرة استحسنه ورأى تركه واسعا، وهو قول مالك في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب. وروى مثله عنه محمد بن يحيى السبائي؛ ومرة قال إنه يرفع ولم يذكر في ترك ذلك سعة، وهو قوله في رواية ابن وهب عنه؟ ومرة خير بين الأمرين. والأظهر ترك الرفع في ذلك؛ لأن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر كانا لا يرفعان أيديهما في ذلك، وهما رويا الرفع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فلم يكونا ليتركا بعد النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ما رويا عنه إلا وقد قامت عندهما الحجة بتركه. وقد روي أيضا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرفع عند القيام من الجلسة الوسطى وعند السجود والرفع منه، وذهب إلى ذلك بعض العلماء، ولم يأخذ مالك بذلك ولا اختلف قوله فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يصلي لنفسه أيسلم اثنتين] مسألة وسئل عن الرجل يصلي لنفسه، أيسلم اثنتين؟ قال: لا بأس بذلك، إذا فصل بالسلام الأول أن يسلم بعد ذلك عن يساره، فقيل له: فالإمام؟ فقال ما أدركت الأئمة إلا على تسليمة واحدة، فقيل له: تلقاء وجهه؟ قال يتيامن قليلا عن يمينه. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في آخر رسم "شك في طوافه "، ومضى طرف من ذلك في الرسم الذي قبل هذا، فقف على ذلك. [مسألة: عما يعمل الناس به من الدعاء حين يدخلون المسجد وحين يخرجون] مسألة وسئل عما يعمل الناس به من الدعاء حين يدخلون المسجد

مسألة: الرجل يصلي في المحمل يعيا في تربعه فيمد رجله يستريح

وحين يخرجون ووقوفهم عند ذلك، قال هذا من البدع وأنكره إنكارا شديدا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في صدر الرسم الذي قبل هذا، ونحو ما مضى في رسم "حلف بطلاق امرأته "، ورسم "صلى نهارا ثلاث ركعات "، في كراهة الاجتماع للدعاء في المساجد يوم عرفة بعد العصر. [مسألة: الرجل يصلي في المحمل يعيا في تربعه فيمد رجله يستريح] مسألة وسئل مالك عن الرجل يصلي في المحمل يعيا في تربعه فيمد رجله يستريح في ذلك، قال: أرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: وجه التخفيف في ذلك بين لأنها صلاة تطوع، وقد جاء أن له أن يصليها مضطجعا مع القدرة على القيام، روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر صلاة القاعد» ، فإذا جاز له أن يصلي مضطجعا اتسع له أن يمد رجله للاستراحة، والله أعلم. [مسألة: الرجل يستتر بالبعير في الصلاة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يستتر بالبعير قال: لا بأس بذلك، فقيل له: فالخيل والحمير؟ قال لا؛ لأن الخيل والحمير أبوالها وأرواثها نجس، وأن أبوال الإبل والبقر والغنم وأرواثها ليس بالنجس، كأنه لا يرى بالسترة بالبقرة [والشاة] في معنى قوله مع الإبل بأسا.

مسألة: الرجل يصلي في سقائف مكة من الشمس وبينه وبين الناس فرج

قال محمد بن رشد: قد بين في الرواية وجه منعه من أن يستتر بالخيل والبغال والحمير، ولو استتر بشيء من ذلك لكان له سترة تدفع الحرج عمن يمر أمامه وكان هو قد أساء، ولم تجب عليه إعادة؛ لأنه بمنزلة من صلى وأمامه جدار مرحاض أو كافر أو جنب وما أشبه ذلك. [مسألة: الرجل يصلي في سقائف مكة من الشمس وبينه وبين الناس فرج] مسألة وسئل مالك عن الرجل يصلي في سقائف مكة من الشمس وبينه وبين الناس فرج، قال أرجو أن يكون ذلك واسعا، وليس كل الناس سواء، وحر مكة شديد، ولقد وضع عمر بن الخطاب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثوبه فسجد عليه من شدة الحر، فقيل له: فإن كان رجل يطيق أن يصلي في الشمس ويحمل ذلك أترى أن يتقدم؟ قال نعم. قال محمد بن رشد: خفف مالك للرجل أن يصلي وحده في السقائف ويترك التقدم إلى الفرج التي في صفوف الناس لموضع الضرورة، ولو فعل ذلك من غير ضرورة لكان قد أساء وصلاته تامة على المشهور من قول مالك. وقد روى ابن وهب عن مالك أن من صلى خلف الصف وحده أعاد أبدا، وذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم، لما جاء في ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما قد ذكرناه في أول رسم "شك في طوافه ". ولو كان معه في السقائف غيره ولم يكن منفردا فيها وحده لكانت صلاته جائزة بإجماع. وكلما كثر عدد القوم الذين يكونون معه في السقائف كانت الكراهة له في الصلاة معهم وترك التقدم إلى الفرج التي في الصفوف أخف. وقد روى أشهب عن مالك في رسم "الصلاة" الأول أنه سئل عمن دخل من باب المسجد فوجد الناس ركوعا وعند باب المسجد ناس يصلون ركوعا وبين يديه الفرج أيركع مع هؤلاء عند باب المسجد أم يتقدم إلى الفرج؟ قال: أرى أن يركع مع هؤلاء عند باب المسجد فيدرك الركعة، إلا أن يكونوا قليلا فلا أرى أن يركع معهم،

مسألة: صلاة الليل أثلاث عشرة ركعة أم إحدى عشرة ركعة

ويتقدم إلى الفرج أحب إلي. وأما إذا كانوا كثيرا فإني أرى أن يركع معهم. ففي هذا دليل على ما قلناه وبالله التوفيق. [مسألة: صلاة الليل أثلاث عشرة ركعة أم إحدى عشرة ركعة] مسألة وسئل مالك عن حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة الليل أي ذلك أحب إليك أثلاث عشرة ركعة، أم إحدى عشرة ركعة؟ قال: كل ذلك قد جاء، وأكثر ذلك أعجب إلي لمن قوي عليه. قال محمد بن رشد: هذا ما لا إشكال فيه أن الكثير من الصلاة أفضل من القليل منها مع استوائها في التطويل، وإنما اختلف أهل العلم في الأفضل من طول القيام أو كثرة الركوع والسجود مع استواء مدة الصلاة، فمن أهل العلم من ذهب إلى أن كثرة الركوع والسجود أفضل، لما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ركع ركعة وسجد سجدة رفعه الله بها درجة وحط بها عنه خطيئة» ، ومنهم من ذهب إلى أن طول القيام أفضل، لما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل أي الصلوات أفضل؟ قال: طول القنوت» ، وفي بعض الآثار: «طول القيام» . وهذا القول أظهر، إذ ليس في الحديث الأول ما يعارض هذا الحديث، ويحتمل أن يكون ما يعطي الله عز وجل للمصلي بطول القيام أفضل مما ذكره في الحديث الأول أنه يعطيه بالركوع والسجود. وكذلك ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أن العبد إذا قام فصلى أتي بذنوبه فجعلت على رأسه

مسألة: الرجل يسافر بعد أن يصبح يوم العيدين قبل أن يصلي

وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه» ، لا دليل فيه أيضا على أن كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام؛ إذ قد يحتمل أن يكون ما يعطي الله عز وجل بطول القيام في الصلاة أكثر من ذلك كله. [مسألة: الرجل يسافر بعد أن يصبح يوم العيدين قبل أن يصلي] مسألة وسئل مالك عن الرجل يسافر بعد أن يصبح يوم العيدين قبل أن يصلي، قال: لا يعجبني ذلك إلا أن يكون له عذر، فقيل له: فما العذر؟ فقال: غير شيء واحد. قال محمد بن رشد: معنى ما تكلم عليه أنه سافر بعد الفجر قبل طلوع الشمس، فكره ذلك له إلا من عذر إذ لم يجب عليه الخروج لشهود العيد بعد. ولو طلعت الشمس وحلت الصلاة لما جاز له أن يخرج لسفره، ويدع الخروج لشهود صلاة العيد كالجمعة، فكره له السفر قبل زوال الشمس، ويحرم عليه إذا زالت الشمس وحلت الصلاة؛ لقول الله عز وجل: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ، والله أعلم. [مسألة: يبقى عليه حزبه من الليل أيقرأه في مسيره إلى المسجد لصلاة الصبح] مسألة وسئل مالك عن الرجل يبقى عليه حزبه من الليل فيخرج لصلاة الصبح وقد بقي عليه حزبه، أفترى أن يقرأ في مسيره إلى المسجد؟ قال: ما أدركت أحدا ممن أقتدي به يفعل ذلك، وما يعجبني ذلك. وقال: يقرأ في السوق وما أشبهه ما يعجبني أن يقرأ

مسألة: الرجل يسافر يوم الجمعة بعد أن يصبح

القرآن إلا في الصلاة والمساجد، قال الله تبارك وتعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وثبت على ذلك. قال محمد بن رشد: كره مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في هذه الرواية قراءة القرآن في الأسواق والطرق لوجوه ثلاثة: أحدها: تنزيه للقرآن وتعظيم له من أن يقرأه وهو ماش في الطرق والأسواق لما قد يكون فيها من الأقذار والنجاسات. والثاني: أنه إذا قرأه على هذه الأحوال لم يتدبره حق التدبر. والثالث: لما خشي أن يدخله في ذلك مما يفسد نيته، وهو الذي يدل عليه استدلاله بقول الله عز وجل: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] . وحكى ابن حبيب عنه من رواية مطرف إجازة ذلك، وقال: وقد بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن والِيَيْنِ ومعلمين، فلما قدما اليمن تفرقا في المنزل ثم التقيا، فقال معاذ لأبي موسى الأشعري كيف تقرأ القرآن اليوم؟ -قال مالك: وأحسبهما كانا قد اشتغلا بتعليم الناس الإسلام والقرآن- فقال أبو موسى: أما أنا فأتفوقه تفوقا ماشيا وراكبا وقاعدا وعلى كل حال. قال معاذ أما أنا فأنام أول الليل وأقوم آخره وأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. ويدل على جواز هذا أيضا ما وقع في الموطأ عن عمر بن الخطاب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أنه كان في قوم وهم يقرؤون القرآن فذهب بحاجته ثم رجع وهو يقرأ القرآن " - الحديث. وقد مضى طرف من هذا المعنى في رسم "تسلف". [مسألة: الرجل يسافر يوم الجمعة بعد أن يصبح] مسألة وسئل مالك عن الرجل يسافر يوم الجمعة بعد أن يصبح، قال: ما يعجبني ذلك إلا من عذر.

مسألة: المسافر أيصلي بالسيف والقوس على عاتقه

قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذا المعنى فوق هذا قبل هذه المسألة، وسيأتي أيضا في آخر سماع موسى بقية القول فيها إن شاء الله تعالى. [مسألة: المسافر أيصلي بالسيف والقوس على عاتقه] مسألة وسئل مالك عن المسافر أيصلي بالسيف والقوس على عاتقه؟ قال: إن أعجب إلي أن يجعل على عاتقه عمامة، فالقوس لا يشبه السيف. قال ابن القاسم: وأحب إلي أن لو جعل صاحب السيف على عاتقه عمامة، وما ذلك بضيق، ولا يصلي بالقوس. قال محمد بن رشد: استحب مالك للمسافر إذا صلى بالسيف والقوس أن يجعل على عاتقه عمامة. ويستفاد من قوله فالقوس لا يشبه عندي السيف أنه أجاز له أن يصلي بالسيف وخفف له أيضا أن يصلي بالقوس، وكره له ابن القاسم أن يصلي بالقوس، فوافق مالكا على إجازته له الصلاة بالسيف مع الاستحباب أن يجعل على عاتقه عمامة، وخالفه في تخفيفه له الصلاة بالقوس؛ وأجاز له ابن حبيب الصلاة بهما جميعا، ولم ير عليه بأسا في أن يجعل على عاتقه عمامة، فكأنه رأى له تقلد السيف وتنكب القوس عن الرداء. وهذا كله في السفر والجهاد والثغور ومواضع الرباط، وأما في الحضر فيكره له الصلاة بالسيف والقوس. قال ابن حبيب: إلا أن يكون في ذلك عزيمة من السلطان لأمر ينوب فلا بأس أن يصلي بسيفه أو متنكبا قوسه، وليطرح على السيف عطافا أو رداء أو ساجا أو عمامة، وبالله التوفيق. [مسألة: يصلي العشاء في منزله ويوتر ثم يسمع الإقامة في قبيلته أترى أن يعيدها] مسألة وسئل مالك عن الرجل يصلي في منزله صلاة العشاء ويوتر ثم يسمع الإقامة في قبيلته، أترى أن يعيدها؟ قال: لا، قال ابن القاسم: يريد إذا أوتر وإن صلى وحده فلا يعيد في جماعة.

قال محمد بن رشد: قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن صلى العشاء وحده ثم أوتر: إنه لا يعيد في جماعة صحيح على أصله فيمن أعاد صلاته في جماعة أنه لا يدري أيتهما صلاته على ما روي أن عبد الله بن عمر قال للذي سأله عن ذلك: أو أنت تجعلها؟ إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء؛ لأنه إذا كانت صلاته هي الآخرة التي صلى في جماعة بطل وتره لحصوله في غير وقته. وقد قيل إنهما جميعا له صلاتان فريضتان، وعلى هذا تأتي رواية علي بن زياد عن مالك في أن من أعاد صلاة المغرب في جماعة فذكر وهو يتشهد مع الإمام، أنه لا يشفعها برابعة وعليه أن يعيدها ثالثة، وهو الذي يدل عليه تعليل قوله للمنع عن إعادة صلاة المغرب في جماعة: إنه إذا أعادها كانت شفعا إلا إذا كانتا جميعا فريضتين له. وأما إذا كانت فريضته هي الواحدة منهما والثانية نافلة فلا تكون شفعا. ووجه التعليل للمنع من إعادة صلاة المغرب في جماعة على أصله في أن الواحدة هي صلاته أن يقول: إنه لا يعيدها في جماعة؛ لأن النافلة لا تصلى ثلاثا، ويلزم قياس القول بأنهما له صلاتان فريضتان أن يجوز لمن صلى وحده أن يؤم قوما في تلك الصلاة، وهذا ما لا يقوله مالك ولا أحد من أصحابه. وقد تأول ما روي أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم يذهب فيؤم قومه في تلك الصلاة على هذا. وذهب أهل العراق إلى أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نُسخ، فلم يجيزوا لمن صلى وحده أن يعيد في جماعة إلا على أنها له نافلة، إذا كانت تجوز أن يصلي بعدها نافلة. وقد اختلف إذا صلى العشاء وأوتر ثم أعاد في جماعة هل يعيد الوتر أو لا؟ فقال سحنون: إنه يعيد الوتر، وقال يحيى بن عمر إنه لا يعيده. وجه قول سحنون أنه لما احتمل أن تكون صلاته هي الآخرة وقد بطل وتره أمر أن يعيده احتياطا. ووجه قول يحيى بن عمر أنه لما احتمل أن تكون صلاته هي الأولى فلا يبطل وتره لم ير أن يعيده على الأصل في أنه لا تأثير للشك في اليقين، ولئلا يكون قد أوتر مرتين في ليلة واحدة، وقد جاء

يخطب يوم الجمعة فإذا قضى خطبته قدم رجلا فصلى بالناس

النهي عن ذلك، روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا وتران في ليلة» ، وبالله التوفيق. [يخطب يوم الجمعة فإذا قضى خطبته قدم رجلا فصلى بالناس] سماع أشهب وابن نافع عن مالك رواية سحنون من كتاب الصلاة الأول وسئل مالك عن الذي يخطب يوم الجمعة فإذا قضى خطبته قدم رجلا فصلى بالناس، أيجوز ذلك له؟ فقال: نعم، لو خطب ثم أصابه مرض أو حدث أو رعاف ثم قدم غيره فصلى بالناس لم أر بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الركعتين إنما حطت من صلاة الظهر لأجل الخطبة، فصارت الخطبة والصلاة كشيء واحد. فإذا أصاب الإمام حدث يمنعه من التمادي على الخطبة أو من الصلاة بعد أن أكمل الخطبة، كان له أن يستخلف على ما بقي من الخطبة وعلى الصلاة، أو على الصلاة إن كان قد أكمل الخطبة، كما يجوز له إذا ضعف عن الخطبة وقوي على الصلاة أن يقدم من يخطب بالناس ويصلي هو بهم، لما ذكرناه من أن الخطبة والصلاة كشيء واحد، فلا يجوز لمن تشبث بالإمامة في شيء من ذلك أن يخرج عن الإمامة إلا من عذر. [مسألة: هل لي أن أتكلم يوم الجمعة بغير الخطبة] مسألة قال أشهب: وقال لنا رأيت زفر بن عاصم في الليل من ليلة الجمعة يرسل إلي هل لي أن أتكلم يوم الجمعة بغير الخطبة؟ فقلت له أما الشيء اليسير من الكلام الحسن مثل أن تنهى عن الشيء أو تأمر به فلا بأس بذلك، ثم قال لنا: قد كان عمر بن عبد العزيز

يخطب يوم الجمعة فيقول: لولا أن أُنْعِش سنة أو آمر بحق ما أحببت أن أعيش فَوَاقا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في " المدونة " من أن للإمام أن يتكلم يوم الجمعة، وهو على المنبر بغير الخطبة، ولا يكون بذلك لاغيا، قال فيها: وكذلك لا يكون لاغيا من رد على الإمام إذا كلمه وهو يخطب، وهو أمر لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب. والحجة في إجازة ذلك ما روي عن أبى الزاهرية عن عبد الله بن بشر قال: «جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اجلس، فقد آذيت وآنيت» ، قال أبو الزاهرية: وكنا نتحدث حتى يخرج الإمام، وما روي عن جابر بن عبد الله قال: «جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر، فقعد قبل أن يصلي، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أركعت ركعتين؟ "قال: لا، قال: "قم فاركعهما".» وهذا نص في جواز تكلم الإمام على المنبر يوم الجمعة بغير الخطبة، وفي جواز الرد عليه لمن كلمه، وتأول أصحابنا أنه إنما أمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالركوع في ذلك الوقت ليرى الناس حاجته فيتصدقون عليه، بدليل ما روي عن أبي سعيد الخدري «أن رجلا دخل المسجد ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر، فناداه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما زال يقول: " ادن" حتى دنا، فأمره فركع ركعتين قبل أن يجلس وعليه خرقة خلق، ثم صنع مثل ذلك في الثانية، فأمره بمثل ذلك ثم صنع مثل ذلك في الجمعة الثالثة، فأمره بمثل ذلك وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " تصدقوا، فألقوا الثياب، فأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذ ثوبين..» الحديث. وذهب أهل العراق إلى أنه لا يجوز للإمام أن يتكلم في خطبة بغير الخطبة ولا

مسألة: الإمام يخطب من أمر كتاب يقرؤه ليس أمر الجمعة أينصت من سمعه

لأحد ممن كلمه أن يرد عليه، وقالوا: يحتمل أن يكون- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطع خطبته ليعلم الناس كيف يفعلون إذا دخلوا المسجد ثم استأنفها، لا أنه تكلم فيها ثم تمادى عليها، وهذا بعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: الإمام يخطب من أمر كتاب يقرؤه ليس أمر الجمعة أينصت من سمعه] مسألة وسئل عن الإمام يخطب من أمر كتاب يقرؤه ليس من أمر الجمعة ولا الصلاة، أينصت من سمعه؟ قال: ليس ذلك عليهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الإنصات إنما يجب في الخطبة المتضمنة بالصلاة؛ لاتصالها بها وكونها بمعناها في تحريم الكلام فيها، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قال لصاحبه أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغى» . فالخطب ثلاث: خطبة يجب الاستماع إليها والإنصات لها باتفاق وهي خطبة الجمعة؛ إذ لا اختلاف فيها أنها للصلاة، وخطبة لا يجب الاستماع إليها ولا الإنصات لها باتفاق وهي خطب الحج، وهن ثلاث: أولها قبل يوم التروية بيوم بمكة، والثانية خطبة عرفة يوم عرفة بعرفة قبل الظهر، والثالثة ثاني يوم النحر بمنى بعد الظهر؛ إذ لا اختلاف في أنها للتعليم لا للصلاة، وخطبة يختلف في وجوب الاستماع إليها والإنصات لها وهي خطبة العيدين والاستسقاء على اختلافهم هل هي للصلاة أم لا، وقد مضى ذلك في رسم "أخذ يشرب خمرا" من سماع ابن القاسم. [تحذير المأموم الإمام بالكلام في الصلاة قبل السلام] مسألة قال: وقد قيل هل بلغك أن ربيعة صلى خلف رجل من قريش مرة فسها سهوا يكون سجوده قبل السلام، فأطال الجلوس عند

مسألة: الذي يصلي إلى جنب الإنسان ليستتر بشقه

انقضاء صلاته، فخشي ربيعة أن يسلم ثم يسجد سجدتي السهو، فقال له: إن السجدتين قبل السلام، فقال: هذا ما سمعته ولا ينبغي، ولو سمعته ما تحدثت به، أيتكلم المرء وهو يصلي؟ قال محمد بن رشد: إنكار مالك لهذا الذي حكي له عن ربيعة من تحذير المأموم الإمام بالكلام في الصلاة قبل السلام عن السهو قبل أن يسهو مخافة أن يسهو -صحيح على أصله في أن السلام من فرائض الصلاة، وأنه لا يتحلل منها إلا به، وأن الكلام فيها قبله يبطلها إلا فيما تدعو إليه الضرورة من إصلاح الصلاة إذا لم يفهم عنه الإمام بالإشارة والتسبيح ولم يجد من ذلك بدا، على حديث ذي اليدين، وإن صح ذلك عنه فيخرج على قول أهل العراق في أن السلام من الصلاة ليس من فرائضها، وأن المصلي إذا جلس في آخر صلاته مقدار التشهد فقد تمت صلاته وإن لم يسلم، والله أعلم. [مسألة: الذي يصلي إلى جنب الإنسان ليستتر بشقه] مسألة وسئل عن الذي يصلي إلى جنب الإنسان ليستتر بشقه، فقال: إنما يصلي الناس إلى ظهره، فأما إلى جنبه فلا أرى ذلك، أرأيت لو صلى وهو مقابله، فهذا مثله إذا التفت استقبله بوجهه، فلا أرى ذلك. قال المؤلف: لما كان لا يجوز للمصلي أن يصلي إلى وجه الرجل مستقبلا له في صلاته لما يدخل عليه بذلك من الشغل عن صلاته، كان الذي يصلي إلى جنب الإنسان قريبا في المعنى؛ لأنه لا يأمن أن يلتفت فيستقبله بوجهه فيدخل عليه بذلك شغلا من صلاته، وذلك بين من تعليله في الرواية؛ ولهذا المعنى كرهت الصلاة إلى المتحلقين؛ وذلك أنه لا بد أن يستقبله بعضهم بوجهه فيشغله عن صلاته، وبالله التوفيق.

مسألة: ينكسر بهم المركب فيتعلقون بالألواح والأرجل كيف يصلوا

[مسألة: ينكسر بهم المركب فيتعلقون بالألواح والأرجل كيف يصلوا] مسألة وسئل عن القوم ينكسر بهم المركب فيتعلق بعضهم بالألواح وبعضهم بالأرجل، فتحضرهم الصلاة وهم على ذلك، أترى أن يصلوا إيماء برؤوسهم؟ فقال: نعم يصلون إيماء برؤوسهم. قلت: أرأيت إن خرجوا أيعيدون الصلاة؟ قال: أرأيت إن خرجوا في وقت؟ فقال: إن خرجوا في وقت فليصلوا. قال الإمام القاضي: قوله: إنهم يصلون إيماء برؤوسهم إذا لم يقدروا إلا على ذلك صحيح، والأصل في ذلك قول الله -عز وجل-: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] . وقوله: " إنهم يعيدون إن خرجوا في الوقت "هو مثل قوله في " المدونة " في الخائف من السباع أو اللصوص يصلي على دابته: إنه يعيد في الوقت بخلاف العدو، والإعادة في ذلك كله في الوقت إنما هو استحباب؛ ليدرك فضيلة الوقت بالصلاة ساجدا وقائما، فإن تركوا الإعادة في الوقت حتى خرج الوقت لم يعيدوا بعد الوقت، وقيل: إنهم يعيدون بعد الوقت لتركهم الإعادة في الوقت، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وفي سماع أبي زيد عن ابن القاسم من هذا الكتاب دليل عليه، ولو ترك الذين ينكسر بهم المركب ونحوهم الصلاة إيماء لوجب عليهم أن يصلوا إذا قدروا على الصلاة وإن ذهب الوقت بإجماع. وهذا إذا كانوا على وضوء، وأما إذا لم يكونوا على وضوء فاختلف في ذلك على أربعة أقوال: أحدها أنهم يصلون إيماء على حالتهم ولا يعيدون، والثاني أنهم يصلون ويعيدون، والثالث أنهم لا يصلون حتى يقدروا على الوضوء، والرابع أنهم لا يصلون ولا يعيدون. واختلف إن لم يقدروا على الصلاة أصلا بإيماء ولا غيره حتى خرج الوقت، فقيل: إن

مسألة: يقرأ في صلاة العشاء في ركعة منها سرا أترى عليه سجود السهو

الصلاة تسقط عنهم، وهي رواية معن بن عيسى عن مالك في الذين يكتفهم العدو فلا يقدرون على الصلاة، وقيل: إنها لا تسقط عنهم وعليهم أن يصلوا بعد الوقت، وهو قوله في " المدونة " في الذين ينهدم عليهم البيت، وبالله التوفيق. [مسألة: يقرأ في صلاة العشاء في ركعة منها سرا أترى عليه سجود السهو] مسألة وسئل عن الذي يقرأ في صلاة العشاء في ركعة منها سرا ثم ذكر فيعيد القراءة جهرا، أترى عليه سجود السهو؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: لم ير عليه سجود السهو في زيادة القرآن في الصلاة سهوا، وهو أصل مختلف فيه، فله مثل هذا في الصلاة الأول من " المدونة " في الذي يسهو عن قراءة أم القرآن حتى يقرأ السورة ثم يرجع فيقرأ أم القرآن والسورة، وفي الذي يقرأ في الركعتين الآخرتين بأم القرآن وسورة، وفي رسم "إن أمكنتني" من سماع عيسى من هذا الكتاب في الذي يشك في قراءة أم القرآن بعد أن قرأ السورة، فرجع فقرأ أم القرآن والسورة، وخلافه أنه يسجد للسهو في رسم "إن خرجت" من سماع عيسى في الذي يسهو فيسر بقراءة أم القرآن، ثم يذكر بعد فراغه من قراءتها فيعيد قراءتها في الصلاة الثاني من " المدونة " والحج الأول منها في الذي ينسى التكبير في صلاة العيدين حتى يقرأ أنه يرجع فيكبر ثم يقرأ، ومن الناس من ذهب إلى أن يفرق بين مسألة العيدين هذين وبين الذي سها عن قراءة أم القرآن حتى قرأ السورة فرجع فقرأ أم القرآن والسورة -بأنه قدم في مسألة العيدين قرآنا على تكبير، وفي المسألة الثانية قرآنا على قرآن، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الأمر عائد في المسألتين إلى زيادة قرآن، فهو اختلاف من القول كما قلنا، وبالله التوفيق. [مسألة: التهجير يوم الجمعة] مسألة قال: وسئل عن التهجير يوم الجمعة فقال: نعم يهجر يوم

الجمعة بقدر، قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] ، وقال: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] . وقد كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يغدون إلى الجمعة هكذا، وأنا أكره هذا الغدو هكذا حتى إن المرء ليُعرف به، وأنا أخاف على هذا الذي يغدو للرواح أن يدخله شيء وأن يحب أن يعرف بذلك وأن يقال فيه، فأنا أكره هذا ولا أحبه، ولكن رواحا بقدر. وقد سمعت إنسانا يسأل ربيعة الأول يقول: لأن أُلْقَى في طريق المسجد أحب إلي من أن أُلْقَى في طريق السوق، فقيل لمالك: فما تقول أنت في هذا؟ قال: هذا ما لا يجد أحد منه بدا، قيل له: أفترى أن يروح قبل الزوال؟ قال: نعم في رأيي، قيل له: أيهجر بالرواح إلى الصلاة يوم الجمعة؟ فقال: نعم في ذلك سعة. قال الإمام: كره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - الغدو بالرواح إلى الجمعة من أول النهار؛ لأنه لم يكن ذلك من العمل المعمول به على ما ذكره من أن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا لا يغدون هكذا إلى الجمعة، فاستدل بذلك على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يرد بالخمس ساعات في قوله: «من اغتسل ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة» ، ساعات النهار المعلومة من أوله على ما ذهب إليه جماعة منهم الشافعي، وإنما عنى بذلك ساعة الرواح، وهي الساعة التي تتصل بزوال الشمس ووقت

مسألة: تفوته مع الإمام ركعة فيجلس الإمام للتشهد أيتشهد معه وهي له واحدة

خروج الإمام، فهي التي تنقسم على خمس ساعات، فيكون الرائح في الساعة الأولى منها كالمهدي بدنة، والرائح في الساعة الثانية منها كالمهدي بقرة، والرائح في الساعة الثالثة منها كالمهدي كبشا أقرن، والرائح في الساعة الرابعة منها كالمهدي دجاجة، والرائح في الخامسة منها المتصلة بزوال الشمس وخروج الإمام كالمهدي بيضة، ولما لم تكن هذه الساعة المنقسمة على خمس ساعات محدودة بجزء معلوم من النهار قبل الزوال فيعلم حدها حقيقة، وجب أن يرجع في قدرها إلى ما اتصل به العمل وأخذه الخلف عن السلف؛ فلذلك قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنه يهجر بقدر، أي: يتحرى قدر تهجير السلف، فلا ينقص منه ولا يزيد عليه أيضا، فيغدو إلى الجمعة من أول النهار؛ لأنه إذا فعل ذلك شذ عنهم، فصار كأنه فهم من معنى الحديث ما لم يفهموه، أو رغب من الفضيلة ما لم يرغبوه، ولم يأمن أن يحب أن يعرف لذلك ويذكر به، فتدخل عليه بذلك داخلة تفسد عليه نيته، وسيأتي القول على ما يخشى من خواطر النفس في رسم "العقول" من آخر هذا السماع إن شاء الله. ووجه استدلال مالك لما ذهب إليه من أن التهجير إلى الجمعة ينبغي أن يكون بقدر؛ لقول الله- عز وجل-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] أنه حمل قَوْله تَعَالَى: بِقَدَرِ على عموم ما يقتضيه اللفظ من القدر الذي هو المشيئة والإرادة، والقدر الذي هو التقدير والتحديد، فدخل تحت عموم ذلك جميع مقدرات الشريعة، وأما استدلاله على ذلك بقوله تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] ، فلا إشكال فيه؛ لأن المعنى {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] ، أي: حد له حدا، فوجب أن يمتثل إذا ثبت بما يجب ثبوته به من نص أو دليل، وبالله التوفيق. [مسألة: تفوته مع الإمام ركعة فيجلس الإمام للتشهد أيتشهد معه وهي له واحدة] مسألة وسئل مالك عمن تفوته مع الإمام ركعة، فإذا صلى معه ركعة جلس الإمام فتشهد، أيتشهد معه وهي له واحدة؟ فقال: نعم يتشهد.

مسألة: الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله شكرا

قال محمد بن رشد: وجه قوله أنه لما جلس بجلوس الإمام وإن لم يكن ذلك له موضع جلوس لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه» وجب أن يتشهد لتشهده. وبهذه المسألة احتج ابن الماجشون لما ذهب إليه من أنه يقوم إذا سلم الإمام بتكبير، فقال: إنه لما جلس بجلوس الإمام صار ذلك له موضع جلوس، فوجب أن يتشهد وأن يقوم إذا سلم الإمام بتكبير، وهذا لا يلزم ابن القاسم؛ لأنه لم يتشهد من أجل أن ذلك صار موضع جلوس له، وإنما تشهد لما لزمه من اتباع الإمام في الجلوس لما لم يستطع مخالفته، فإذا سلم الإمام وجب أن يرجع إلى حكم صلاته فلا يكبر؛ إذ قد كبر حين رفع رأسه من السجدة التي كان يلزمه أن يقوم بها، فلا يزيد تكبيرة ثانية بسبب جلوسه مع الإمام في غير موضع جلوس له، وهذا بين، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله شكرا] مسألة قال: وسئل عن الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله شكرا، فقال: لا يفعل، ليس مما مضى من أمر الناس، قيل له: إن أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما يذكرون سجد يوم اليمامة شكرا الله، أفسمعت ذلك؟ قال: ما سمعت ذلك، وأنا أرى أن قد كذبوا على أبي بكر، وهذا من الضلال أن يسمع المرء الشيء فيقول: هذا شيء لم نسمع له خلافا، فقيل له: إنما نسألك لنعلم رأيك فنرد ذلك به، فقال: نأتيك بشيء آخر أيضا لم نسمعه مني، قد فتح على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى المسلمين بعده، أفسمعت أن أحدا منهم فعل مثل هذا، إذا جاءك مثل هذا مما قد كان في الناس وجرى على أيديهم

لا يسمع عنهم فيه شيء فعليك بذلك، فإنه لو كان لذكر؛ لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم، فهل سمعت أن أحدا منهم سجد؟ فهذا إجماع، إذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه. قال محمد بن رشد: نهى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن سجود الشكر في هذه الرواية مثل ما له في " المدونة " من كراهة ذلك، والوجه في ذلك أنه لم يره مما شرع في الدين فرضا ولا نفلا، إذ لم يأمر بذلك النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولا فعله، ولا أجمع المسلمون على اختيار فعله، والشرائع لا تثبت إلا من أحد هذه الوجوه، واستدلاله على أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن ذلك لو كان لنقل، صحيح؛ إذ لا يصح أن تتوفر دواعي المسلمين على ترك نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمروا بالتبليغ. وهذا أيضا من الأصول، وعليه يأتي إسقاط الزكاة من الخضر والبقول مع وجوب الزكاة فيها بعموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» ؛لأنا أنزلنا ترك نقل أخذ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزكاة منها كالسنة القائمة في أن لا زكاة فيها، وكذلك ننزل ترك نقل السجود عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشكر كالسنة القائمة في أن لا سجود فيها، وقد أباح السجود فيها الشافعي ومحمد بن الحسن، واحتج لهما من نصر قولهما بما قص الله تعالى علينا من سجود داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] وهذا لا دليل فيه؛ إذ ليست سجدة شكر، وإنما هي سجدة توبة، ولا يصح قياس سجدة الشكر على سجدة التوبة إلا بعد التسليم لإباحة سجدة التوبة، ونحن لا نسلم ذلك، بل نقول: إن شرعنا مخالف لشرع داود في إباحة السجدة

مسألة: الدمل يتفقى بالرجل وهو في الصلاة أفينصرف أم يقيم على صلاته

عند التوبة من الذنب بمثل الدليل الذي استدللنا به في المنع من سجود الشكر، وبالله التوفيق. [مسألة: الدمل يتفقى بالرجل وهو في الصلاة أفينصرف أم يقيم على صلاته] مسألة وسئل عن الدمل يتفقى بالرجل وهو في الصلاة، أفينصرف أم يقيم على صلاته؟ قال: ذلك مختلف إن كان انفجارا يسيرا فليصل كما هو، وإن كان انفجارا كثيرا فلينصرف. قال محمد بن رشد: إنما فرق بين اليسير والكثير؛ لأن اليسير من الدم معفو عنه؛ لقول الله -عز وجل-: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] ؛ لأن التوقي من الدم اليسير عسير؛ إذ لا ينفك منه، وحد اليسير في ذلك قدر ما يفتله الراعف من دم الرعاف ويتمادى في صلاته، والكثير ما زاد على ذلك، فإذا انصرف قطع ولم يبن بخلاف الرعاف؛ لأن البناء في الرعاف سنة تتبع، ولا يقاس عليها لمخالفتها القياس. [مسألة: وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة] مسألة وسألته عن وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة المكتوبة يضع اليمنى على كوع اليسرى وهو قائم في الصلاة المكتوبة أو النافلة، قال: لا أرى بذلك بأسا في النافلة والمكتوبة. قال محمد بن رشد: قول: لا أرى بذلك بأسا، يدل على جواز فعل ذلك في الفريضة والنافلة من غير تفصيل، وذهب في رواية ابن القاسم عنه في " المدونة " إلى أن ترك ذلك أفضل من فعله؛ لأنه قال فيها: لا أعرف ذلك في الفريضة وكان يكرهه، ولكن في النوافل قال: إذا طال القيام فلا بأس

مسألة: الصبي المراهق أيؤم الناس في الصلوات

بذلك يعين به نفسه، وسقط، وكان يكرهه في بعض الروايات، فالظاهر من مذهبه فيها مع سقوطه أن تركه أفضل؛ لأن معنى قوله: لا أعرف ذلك في الفريضة، أي: لا أعرفه فيها من سننها ولا من مستحباتها، وفي قوله: إنه لا بأس بذلك في النافلة إذا طال القيام ليعين به نفسه، دليل على أن فيه عنده بأسا إذا لم يطل القيام، وفي الفريضة وإن طال القيام، وأما مع ثبوته، وكان يكرهه فالأمر في ذلك أبين؛ لأن حد المكروه ما في تركه أجر وليس في فعله وزر، وذهب في رواية مطرف وابن الماجشون عنه في " الواضحة " إلى أن فعل ذلك أفضل من تركه، وهو الأظهر لما جاء في ذلك من أن الناس كانوا يؤمرون به في الزمان الأول، وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك جائز في المكتوبة والنافلة لا يكره فعله ولا يستحب تركه، وهو قوله في هذه الرواية، وقول أشهب في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع. والثاني: أن ذلك مكروه يستحب تركه في الفريضة والنافلة إلا إذا طال القيام في النافلة فيكون فعل ذلك فيها جائزا غير مكروه ولا مستحب، وهو قول مالك في " المدونة " وفي رسم "شك في طوافه" من كتاب الجامع. والثالث: أن ذلك مستحب فعله في الفريضة والنافلة مكروه تركه فيها، وهو قوله في رواية مطرف وابن الماجشون عنه في " الواضحة ". وقد قيل في قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] : إن المراد بذلك وضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى في الصلاة تحت النحر، وقد تأول أن قول مالك لم يختلف في أن ذلك من هيئة الصلاة التي تستحسن فيها، وأنه إنما كرهه ولم يأمر به استحسانا مخافة أن يعد ذلك من واجبات الصلاة. والأظهر أنه اختلاف من القول، والله أعلم. [مسألة: الصبي المراهق أيؤم الناس في الصلوات] مسألة وسئل عن الصبي المراهق أيؤم الناس في الصلوات؟ فقال

مسألة: المسافر يصلي على دابته تستقبله الشمس في وجهه فيعرض عنها

لي: أما الصلوات المكتوبات التي هي الصلوات فلا، وأما في النوافل فالصبيان يؤمون الناس فيها. قيل: أفيقدمون في رمضان؟ فقال: نعم لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: أجاز في هذه الرواية أن يؤم الصبي في النافلة وقيام رمضان، وهو استحسان على غير قياس، مراعاة لقول من يرى صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة إمامه، فيجيز إمامة الصبي في الفريضة والنافلة، وللرجل أن يصلي الفريضة خلف من يصلي نافلة. والقياس على مذهبه في أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة إمامه قوله في " المدونة " أن لا يؤم الصبي في النافلة. وما وقع من كراهة ذلك له في رسم "حلف" من سماع ابن القاسم؛ لأن نافلته وإن وافقت صلاة الصبي في كونها نافلة له على مذهب من يرى أنه مندوب إلى فعل الطاعات، فلا يأمن أن يصلي به على غير وضوء أو بغير نية؛ إذ لا حرج عليه في ذلك؛ لكونه غير مكلف، وبالله التوفيق. [مسألة: المسافر يصلي على دابته تستقبله الشمس في وجهه فيعرض عنها] مسألة وسئل عن المسافر يصلي على دابته تستقبله الشمس في وجهه، فيعرض بوجهه هكذا عنها، أيتنفل كذلك؟ فقال: أرجو أن لا يكون به بأس، سمعت الجواب ولم أفهم ما سئل عنه حتى سألت فأخبرني عنه بذلك بعضهم. قال محمد بن رشد: هذا خفيف كما قال: إنه لم يقصد بفعله الالتفات في صلاته، وإنما فعله للضرورة. [مسألة: المرأة تخمر رأسها في الصلاة ونحرها مكشوف] مسألة وسئل عن المرأة تخمر رأسها في الصلاة ونحرها مكشوف، فقال: النحر موضع الخمار فلا أرى أن تفعل ذلك، وما زال يأخذ

مسألة: المرأة تلد فلا ترى دما هل تصلي

بقلبي أن القميص أوفق للمرأة وهو يزر. قال: ومن لباس النساء الدروع، وأنا أكره لباسهن القراقل وأظنه من لباس القبط، والدروع أحب إلي، فقلت له: أفتكره لباس القراقل في الصلاة وغيرها؟ فقال: أما أنا فأكره لباس القراقل، قال: ولم يكن من لباسهن، وقد كان يقال: من شر النساء المشبهة بالرجال. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن النحر مما يلزم المرأة أن تستره في الصلاة، وإنه موضع الخمار، يدل على ذلك قول الله -عز وجل-: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] ، وقال تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ، والذي ظهر منها عند أهل العلم بالتأويل هو الوجه والكفان، فلا يجوز أن يبدو منها في الصلاة إلا ذلك. [مسألة: المرأة تلد فلا ترى دما هل تصلي] مسألة وسئل عن المرأة تلد فلا ترى دما، فإنك قد قلت لي فيها قولا منذ سنين، فقال له: وما قلت لك؟ فقال له: قلت لي: إنها تصلي، ولكني إنما شككت في الغسل، فقال له: أوفي هذا شك؟ إنها تغتسل، لا يأتي من الغسل إلا خير. قال محمد بن رشد: قوله: فلا ترى دما، أي: لا ترى دما كثيرا على عادة النساء عند النفاس؛ لأن خروج المولود دون شيء من دم خرق للعادة، فإذا انقطع الدم ولو من ساعته اغتسلت وصلت؛ لأن دم النفاس لا حد لأقله عند مالك وجميع أصحابه وجمهور أهل العلم، خلافا لأبي يوسف في قوله إن حده خمسة عشر يوما فرقا بينه وبين أكثر الحيض، والغسل عليها واجب،

مسألة: الرجل يخرج من المسجد وفي يده الحصباء قد نسيها أو في نعله

وذلك بين في الرواية من قوله: "أوفي هذا شك؟ إنها تغتسل"، وليس في قوله: " لا يأتي من الاغتسال إلا خير" دليل على تخفيف وجوب الغسل، ومعناه عندي: لا يأتي من تعجيل الاغتسال وترك تأخيره إلى حد أقل دم النفاس عند من حد له حدا إلا خير، ولعله تكلم على خروج المولود نقيا من الدم إن وجد ذلك؛ ولذلك قال: " إنه لا يأتي من الاغتسال إلا خير" ويحتمل أن يكون مذهب من حد لأقل دم النفاس حدا ألا يعتبر بما دونه، فتصلي دون غسل وتعيد صلاة تلك الأيام، وهذا أشبه أن يكون مذهبهم؛ لأنه يبعد أن يكون من قول أحد أن تترك المرأة الصلاة وهي طاهرة لا دم بها، والله -عز وجل -يقول: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] ، فإن كان هذا مذهبهم احتمل أن يكون أشار إليه مالك بقوله: " لا يأتي من الاغتسال إلا خير"، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: الرجل يخرج من المسجد وفي يده الحصباء قد نسيها أو في نعله] مسألة وسئل عن الرجل يخرج من المسجد وفي يده الحصباء قد نسيها أو في نعله، أيرده إلى المسجد؟ فقال: إن رده فحسن، وما أرى عليه ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: " إن ذلك حسن وليس بواجب"؛ لأنه أمر غالب لا ضرر فيه على المسجد، فلم يلزم رده، كما أن ما يبقى بين أسنان الصائم من الطعام إذا ابتلعه في النهار مع الريق لم يجب عليه قضاء؛ لأنه أمر غالب، وقال ابن الماجشون: وإن كان متعمدا؛ لأنه ابتدأ أخذه في وقت يجوز له، وهو بعيد. [مسألة: التغليس بصلاة الصبح] مسألة قال: وسئل مالك عن التغليس بصلاة الصبح أحب إليك أم

الإسفار؟ قال: بل التغليس أحب إلي من الإسفار، وقد غلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها. قال محمد بن رشد: قوله: وقد غلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها لفظ وقع على غير تحصيل؛ لأن قول القائل: فعل فلان كذا، لا يدل على أكثر من مرة واحدة، وليس في تغليس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصلاة الصبح مرة واحدة دليل على أن ذلك أفضل أوقاتها، كما أنه ليس في إسفاره بها مرة واحدة دليل على أن ذلك أفضل أوقاتها، وإنما يدل على أن التغليس بها أفضل مداومة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك، فكان الصواب أن يقول: وقد كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغلس بها، وهو الذي أراد بحديث عائشة: «إن كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات» ، الحديث، لكنه تجاوز في اللفظ لنفسه بفهم السائل، وهي حجة ظاهرة على أهل العراق في قولهم: إن الإسفار بها أفضل؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أسفروا بالصبح، فكلما أسفرتم بها فهو أعظم للأجر» أو كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومعنى ذلك عندنا الحض على التأخير إلى أن يتضح إسفار الفجر، فلا يرتاب في طلوعه حتى يتفق قوله وفعله؛ لأنه يبعد في القلوب أن يداوم على الإغلاس الذي هو أشق، ويترك الإسفار الذي هو أخف مع كونه أعظم أجرا. فقد قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «ما خير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه» ، فكيف إذا كان أعظم أجرا! هذا ما لا يصح لمسلم أن يقوله، وكذلك سائر الصلوات أول أوقاتها أفضل من آخرها عند مالك، وقد تأول بعض الشيوخ

مسألة: صلى الصبح بعد طلوع الشمس أيصلى ركعتي الفجر

عليه في إنكاره لحديث يحيى بن سعيد في " المدونة " أن أول الوقت وأوسطه وآخره في الفضل سواء، وهو تأويل لا يصح إلا فيما عدا صلاة الصبح؛ لنصه في هذه الرواية أن التغليس بها أفضل من الإسفار، وفيما عدا صلاة المغرب إذ قد قيل: ليس لها إلا وقت واحد، فحصل الإجماع على القول بالمبادرة بها في أول وقتها، وقد روي أن عمر بن عبد العزيز أخر صلاة المغرب إلى أن طلع نجم أو نجمان فأعتق رقبة أو رقبتين، وبالله التوفيق. [مسألة: صلى الصبح بعد طلوع الشمس أيصلى ركعتي الفجر] مسألة وسئل عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين صلى الصبح بعد اطلاع الشمس، أصلى ركعتي الفجر؟ قال: ما سمعت. قال محمد بن رشد: قد روي في بعض الآثار أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاهما، وفي ذلك دليل على أن الصلاة المنسية وإن كان وقتها حين يذكرها فليس بوقت مضيق لا يجوز تأخيرها عنه بحال، كغروب الشمس للعصر أو طلوعها للصبح، ألا ترى أنهم قالوا فيمن ذكر صلاة قد خرج وقتها وهو مع الإمام في صلاة أنه يتمادى معه ولا يقطع، وكذلك المنفرد عند ابن حبيب لا يقطع وإن لم يركع؛ إذ لا يستدرك بالقطع ما قد فاته من وقت التي ذكرها، وما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الركعتين قبل الصبح، احتج الشافعي لما ذهب إليه أن من ذكر صلاة وهو في وقت صلاة يبدأ بالتي حضر وقتها ولم يثبت ذلك عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: ما سمعت، ولو ثبت لاحتمل أن يفرق بين المسألتين بأن ركعتي الفجر تفوت إن بدأ بالصبح؛ إذ لا تصلى بعد صلاة الصبح، ولا تفوت الصلاة التي حضرها وقتها بالبداية بالفائتة؛ لأنه تصلى بعدها ولو خرج وقتها.

مسألة: القوم يأتون بالمراوح في المسجد يتروحون بها

[مسألة: القوم يأتون بالمراوح في المسجد يتروحون بها] مسألة وسئل عن القوم يأتون بالمراوح في المسجد يتروحون بها، فقال: لا أحب ذلك ولا أستحسنه. قال محمد بن رشد: وجه الكراهية في ذلك بين؛ لأن المراوح اتخذت للترفه، والمساجد وضعت للتعبد، فلا ينبغي أن يعدل بالمساجد عما وضعت له. وقد تقدمت هذه المسألة في رسم "شك" من سماع ابن القاسم. [مسألة: ركعتي الفجر والوتر أسنة] مسألة وسئل عن ركعتي الفجر والوتر أسنة؟ فقال: أما الوتر فسنة، وأما ركعتا الفجر فيستحب العمل بهما. قال محمد بن رشد: أما الوتر فلا اختلاف عندنا في أنه سنة، وذهب أهل العراق إلى أنه واجب، وأما ركعتا الفجر فقيل: إنهما من الرغائب، وهو قول مالك في رواية أشهب هذه عنه، وقول أصبغ في كتاب المحاربين والمرتدين، وقيل: إنهما من السنن وقد مضت هذه المسألة والتكلم عليها في رسم "القبائل" من سماع ابن القاسم. [مسألة: يدخل مع الناس في قيام رمضان وقد سبقوه بركعة] مسألة قال: وسألته عن الذي يدخل مع الناس في قيام رمضان وقد سبقوه بركعة، فيركع معهم ركعة، ثم يجلسون فيسلمون، فقال: لا يسلم هو معهم ويقوم معهم، فإذا ركعوا -الثالثة لهم وهي له الثانية- جلس وقاموا هم، فيسلم لنفسه من الاثنتين، ثم اتبعهم حتى يفرغ من صلاته وما أسرع ذلك، ويتوخى أن يكون ركوعه موافقا لركوعهم، فقلت له: لا يسلم في جلوسه معهم في الثانية لهم وهي له واحدة،

مسألة: صلى الظهر في بيته ثم أتى المسجد فوجد الناس جلوسا

فإذا أتم لنفسه اثنتين جلس وهم قيام فسلم لنفسه ثم لحقهم، فقال: نعم. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول عليها في رسم "حلف بطلاق امرأته" من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة القول فيها. [مسألة: صلى الظهر في بيته ثم أتى المسجد فوجد الناس جلوسا] مسألة وسئل عمن صلى الظهر في بيته، ثم أتى المسجد فوجد الناس جلوسا في آخر صلاتهم، ما يصنع؟ فقال: لا يدخل معهم في صلاتهم ويقيم على صلاته التي صلى في بيته. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن السنة إنما جاءت فيمن صلى وحده أن يعيد في جماعة، فإذا لم يدرك من صلاة الجماعة ركعة ودخل معهم، فحكمه حكم المنفرد إذا لم يدرك من الصلاة ما يدخل به في حكم الإمام، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل ينسى الاستنجاء بالماء حتى يصلي] مسألة وسئل عن الرجل ينسى الاستنجاء بالماء حتى يصلي، قال: أرجو أن لا تكون عليه إعادة. قال محمد بن رشد: يريد وقد استنجى بالحجارة أو لم يتعلق بمخرجه شيء من الأذى، وأما لو ترك الاستنجاء بالحجارة والماء وقد تعلق بمخرجه شيء من الأذى لكان عليه أن يعيد في الوقت، وقد مضى هذا المعنى في سماع أبي زيد من كتاب الوضوء، وحيث ما تكررت المسألة من الكتاب المذكور. وفي قوله: أرجو أن لا تكون عليه إعادة نظر؛ لأنه إذا لم يتعلق بمخرجه أذى فلا وجه لتعلق ترك الإعادة بالرجاء، وإن كان قد تعلق به أذى ولم يستنج بالأحجار فلا وجه لتخفيف ترك الإعادة، فإن كان تكلم

مسألة: الإمام يؤم الناس فإذا فرغ من صلاته تنفل في مكانه

على هذا فلعله أراد ألا تكون عليه إعادة في الوقت وبعده، ويحتمل أن يكون تكلم على أنه استنجى بالحجارة فقال: أحب إلي أن لا تكون عليه إعادة من أجل أن الماء أطهر وأطيب، وقد قال ابن حبيب: إن الاستنجاء لا يباح اليوم إلا من ضرورة؛ لأنه أمر قد ترك وجرى العمل بخلافه. [مسألة: الإمام يؤم الناس فإذا فرغ من صلاته تنفل في مكانه] مسألة قال: وسألته عن الإمام يؤم الناس فإذا فرغ من صلاته تنفل في مكانه، فقال: قد رأيت الناس يتنحون، وأرى ذلك واسعا أن يصلي في مقامه أو يتنحى شيئا، أرى في ذلك سعة، قيل: أرأيت الإمام إذا سلم أيجلس مكانه أم يقوم؟ فقال: بل يقوم، فقيل: أيركع مكانه أم يتنحى؟ قال: ذلك واسع، إن شاء ركع مكانه وإن شاء تنحى شيئا. قال محمد بن رشد: وسع مالك للإمام في هذه الرواية أن يركع في مكانه وأن ينحرف عنه شيئا ولا يقوم، وذلك كله خلاف ما في " المدونة "؛ لأنه كره في الصلاة الأول منها للإمام أن يتنفل في موضعه، وقال: على ذلك أدركت الناس.؟ وكره في الصلاة الثاني منها أن يثبت في موضعه وإن انحرف عنه، وقال: فليقم ولا يقعد إلا أن يكون إماما في السفر أو في فنائه ليس بإمام جماعة، فإن شاء تنحى وإن شاء أقام، وكره ذلك لوجهين أحدهما: مخالفة السلف، والثاني: ما يخشى في ذلك من التخليط على من خلفه؛ إذ قد يظن من يراه جالسا أنه لم يسلم بعد من صلاته، ومن رآه قائما متنفلا أنه إنما قام لإتمام شيء شك فيه من صلاته، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: القريب من المسجد يجمع بين الصلاتين للمطر مثل البعيد] مسألة قال: وسئل عن القوم يكون بعضهم قريب المنزل من المسجد إذا خرج منه دخل إلى المسجد من ساعته، وإذا خرج من المسجد

مسألة: خرج ليصلي في المسجد النبوي فلقي الناس منصرفين من الصلاة

إلى منزله مثل ذلك يدخل منزله مكانه، ومنهم البعيد المنزل من المسجد، أترى أن يجمعوا بين الصلاتين كلهم في المطر؟ فقال: ما رأيت الناس إذا جمعوا إلا القريب والبعيد فيهم سواء يجمعون، قيل: ماذا؟ فقال: إذا جمعوا جمع القريب منهم والبعيد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الجمع إذا جاز من أجل المشقة التي تدخل على من بعد دخل معهم من قرب؛ إذ لا يصح لهم أن ينفردوا دونهم فيصلوا كل صلاة في وقتها جماعة؛ لما في ذلك من تفريق الجماعة، ولا أن يتركوا الصلاة في جماعة؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» . [مسألة: خرج ليصلي في المسجد النبوي فلقي الناس منصرفين من الصلاة] مسألة قال: وسئل عمن خرج إلى مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريد الصلاة فيه، فلقي الناس منصرفين من الصلاة قبل أن ينتهي إلى المسجد، فأراد أن يجمع مع القوم الصلاة، أفذلك أحب إليك أم يمضي إلى مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيصلي فيه وحده؛ لما جاء فيه من الحديث أن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، فقال: بل يصلي في المسجد. قال محمد بن رشد: قوله: بل يصلي في المسجد، يريد بل يذهب إليه فيصلي فيه منفردا ولا يصلي دونه في جماعة، وذلك مثل قوله في " المدونة "؛ لأنه رأى الصلاة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منفردا أفضل من الصلاة خارجا عنه في جماعة؛ لما جاء من الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام. وفي بعض الروايات: بل يصلي في

مسألة: دخل المسجد فوجد الناس ركوعا أيركع معهم أم يتقدم إلى الفرج

الجماعة، يريد خارج المسجد ولا يذهب إلى المسجد؛ إذ قد فاتته الصلاة فيه في جماعة، فرأى في هذه الرواية الصلاة في الجماعة أفضل من الصلاة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذا، خلاف ما في " المدونة ". ووجه ذلك أنه حمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد» على أنه أراد بذلك الصلاة في الجماعة، فكأنه قال: صلاة في مسجدي هذا في جماعة خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، بدليل أن المساجد إنما اتخذت لإقامة الصلوات المكتوبات فيها بالجماعة، فخرج الحديث على ذلك، ولم تدخل فيه صلاة الفذ كما لم تدخل فيه صلاة النافلة، ويكون على هذا معنى قوله: «أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة» ، يريد بذلك إلا المكتوبة في الجماعة، وذهب ابن لبابة إلى أن ذلك ليس باختلاف من القول، قال: لأنه تكلم في " المدونة " على من دخل المسجد، وفي هذه الرواية على من لم يدخله، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الصلاة إن كانت في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذا أفضل من الصلاة خارجا عنه في جماعة، فالأولى به أن يمضي إليه رغبة في الفضيلة، وإن كانت الصلاة في الجماعة أفضل من الصلاة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذا فالأولى به إذا فاتته الجماعة فيه أن يخرج منه ويصلي في جماعة رغبة في الفضيلة أيضا، وهذا بين. ووقع في النسخ: بل يصلي في المسجد بالجماعة، وذلك خطأ في الرواية لا وجه له، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: دخل المسجد فوجد الناس ركوعا أيركع معهم أم يتقدم إلى الفرج] مسألة وسئل عمن دخل من باب المسجد فوجد الناس ركوعا، وعند باب المسجد ناسا يصلون ركوعا وبين يديه الفرج، أيركع مع هؤلاء الذين عند باب المسجد أم يتقدم إلى الفرج؟ قال: بل أرى أن

مسألة: الغسل للعيدين قبل الفجر

يركع مع هؤلاء الذين عند باب المسجد فيدرك الركعة إلا أن يكونوا قليلا، فلا أرى أن يركع معهم ويتقدم إلى الفرج أحب إلي، وأما إذا كانوا كثيرا فأرى أن يركع معهم. قال محمد بن رشد: تفرقته بين أن يكونوا قليلا أو كثيرا استحسان، ولو ركع معهم وهم عدد يسير لصحت صلاته باتفاق، وإنما الخلاف إذا لم يكن معه أحد سواه. وقد مضى هذا المعنى مستوفى في رسم "شك في طوافه" ورسم "اغتسل على غير نية" من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: الغسل للعيدين قبل الفجر] مسألة قيل: أرأيت الغسل للعيدين قبل الفجر؟ قال: أرجو أن يكون ذلك واسعا. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في آخر هذا الرسم وفي رسم "صلاة العيدين"، وزاد فيها: من الناس من يغدو قبل الفجر، فالمعنى فيها أنه خفف لمن غدا بعد الفجر أن يغتسل قبل الفجر ولم ير من شرط صحة الغسل للعيدين أن يتصل بالغدو لها؛ لكونه مستحبا فيها غير مسنون، وفي " المدونة " من رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك أنه إن رجع إلى منزله بعد صلاة الصبح، فلا يجزيه ذلك الغسل قياسا على غسل الجمعة. [مسألة: المسجد الذي ذكر الله تعالى أنه أسس على التقوى] مسألة وقال: المسجد الذي ذكر الله تعالى أنه: {أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ} [التوبة: 108] ، هو مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا، ثم قال: أين كان يقوم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أليس في

هذا ويأتونه أولئك من هناك؟ وقال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] ، فإنما هو مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد قال عمر بن الخطاب: «لولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو سمعته، يريد أن يقدم القبلة، وقال عمر ذلك بيده هكذا ما قدمتها» ، ثم قدمها عمر موضع المقصورة الآن، فلما كان عثمان قدمها إلى موضعها التي هي الآن به، ثم لم تحول بعد. قال محمد بن رشد: هذا الذي ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أن المسجد الذي ذكر الله تعالى أنه أسس على التقوى هو مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، روي عن أبي سعيد الخدري «أن رجلا من بني خدرة ورجلا من بني عمرو بن عوف امتريا في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال العوفي: هو مسجدنا بقباء، وقال الخدري: هو مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخرجا فأتيا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألاه عن ذلك، فقال: "هو هذا المسجد» مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي ذلك خير كثير، وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه مسجد قباء مسجد سعد بن خيثمة، واستدلوا على ذلك ببنيان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياه، روي عن عائشة أنها قالت: «أول من حمل حجرا لقبلة مسجد قباء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم حمل أبو بكر آخر، ثم حمل عمر آخر، ثم حمل عثمان آخر، فقلت: يا رسول الله ألا ترى هؤلاء يتبعونك؟ فقال: أما إنهم أمراء الخلافة بعدي» . وهذا لا دليل فيه؛ لأنه بنى مسجده أيضا، فلم يختص بنيان مسجد قباء برسول الله- عَلَيْهِ السَّلَامُ - دون مسجده، واستدلوا أيضا بقول الله تعالى:

مسألة: الاعتماد على اليدين في القيام من الصلاة

{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] ، يريد الأنصار بما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لما نزلت: "يا معشر الأنصار، إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم، قالوا: نتوضأ للصلاة، ونغتسل من الجنابة، ونستنجي بالماء» ، وفي بعض الآثار: «ونستنجي بالأحجار ثم بالماء، فقال: هو ذاك فعليكموه» . وهذا لا دليل فيه أيضا؛ لأن أولئك الرجال قد كانوا في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه كان معمورا بالمهاجرين والأنصار ومن سواهم من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فصح ما ذهب إليه مالك من أن المسجد الذي ذكر الله تعالى أنه أسس على التقوى هو مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ما سواه من المساجد، واستدلال مالك لمذهبه بقول عمر لم يستجز نقض أسسه وتبديل قبلته إلا بما سمع من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك ورآه قد أراد أن يفعله، وبالله التوفيق. [مسألة: الاعتماد على اليدين في القيام من الصلاة] مسألة قال: وسألته عن الاعتماد على اليدين في القيام من الصلاة، فقال لي: لا بأس بذلك وكيف يصنع غير هذا؟ فقلت له: ربما قام الرجل ولا يعتمد، فقال: هذا مصارع يقول: هاتوا من يضع جنبي، ما يطيق هذا إلا الشباب الخفيف اللحم، فقلت: فالاعتماد أحب إليك؟ قال: ذلك صلاة الناس، وأما ذلك الوثوب فلا أدري ما هو. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم "باع غلاما" من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته.

مسألة: دخول النصارى المسجد النبوي

[مسألة: دخول النصارى المسجد النبوي] مسألة وقيل لمالك: قلت في هؤلاء النصارى الذين يبنون في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو أنهم أمروا أن لا يدخلوا المسجد إلا من الباب الذي يلي موضع عملهم، ولا يخترقون المسجد، ولا يدخلون منه ما لا عمل لهم فيه، فقال له مالك: نعما، قلت: ولو أنهم حيزوا من عمله إلى موضع واحد، ثم دخلوا مما يليه لنعما. قلت: وإنه لينبغي أن ينظر في قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيف يكشفون سقفه، فقيل له: يجعل عليه خيش، فقال: وما يعجبني الخيش وإنه لينبغي أن ينظر في أمره. قال محمد بن رشد: لم ينكر مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنيان النصارى في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستحث أن يحازوا إلى موضع منه وأن يدخلوا مما يليه ولا يخترقوا ما لا عمل لهم فيه، وإنما خفف ذلك ووسع فيه وإن كان مذهبه أن يمنعوا من دخول المساجد؛ لقول الله -عز وجل-: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] ، الآية، وقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» وهم أنجاس لا يتطهرون، مراعاة لاختلاف أهل العلم في ذلك، إذ منهم من أباح أن يدخلوا جميع المساجد إلا المسجد الحرام؛ لقول الله -عز وجل-: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] ، ولما جاء في الصحيح من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث خيلا قبل نجد، فأسروا ثمامة بن أثال، فربطه بسارية من سواري المسجد» ومنهم من أباح أن يدخلوا جميع

مسألة: يكون لهم مسجد يصلون فيه فيريد رجل أن يبني قريبا منه مسجدا

المساجد والمسجد الحرام وقال: إن معنى الآية ما أمر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مناديه أن ينادي به في مواسم الحج من أن لا يحج بعد العام مشرك بدليل توقيت ذلك العام، إذ لا يختص دخول البيت بوقت دون وقت. والفرق عند هؤلاء بين النصراني والجنب- والله أعلم- هو أن النصراني غير متعبد عندهم بشرائع الإسلام. وكره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يكشف سقف قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورأى من صونه أن يكون مغطى، ولم ير أن يكتفى في ذلك بالخيش، فكأنه ذهب إلى أن يغطى كتغطية البيوت المسكونة، ولقد أخبرني من أثق به أنه اليوم مكشوف الأعلى لا سقف له تحت سقف المسجد، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون لهم مسجد يصلون فيه فيريد رجل أن يبني قريبا منه مسجدا] مسألة وسئل عن العشيرة يكون لهم مسجد يصلون فيه، فيريد رجل أن يبني قريبا منه مسجدا، أيكون ذلك له؟ فقال: لا خير في الضرار ثم لا سيما في المساجد خاصة، فأما مسجد بني لخير وصلاح فلا بأس به، وأما ضرار فلا خير فيه، قال الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} [التوبة: 107] لا خير في الضرار في شيء من الأشياء، وإنما القول أبدا في الآخر من المسجدين. وسئل سحنون عن القرية يكون فيها مسجد، فيريد قوم آخرون أن يبنوا فيها مسجدا آخر هل لهم ذلك؟ فقال: إن كانت القرية تحتمل مسجدين لكثرة أهلها ويكون فيها من يعمر المسجدين جميعا الأول والآخر فلا بأس به، وإن كان أهلها قليلا يخاف أن يعطل المسجد الأول فلا يوجد فيها من يعمره فليس لهم ذلك، وهؤلاء قوم يريدون أن يبنوا على وجه الضرر.

مسألة: المسجد يجعل فيه المنار فإذا صعد المؤذن فيها عاين ما في الدور

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن من بنى مسجدا بقرب مسجد آخر ليضار به أهل المسجد الأول ويفرق به جماعتهم فهو من أعظم الضرر؛ لأن الإضرار فيما يتعلق بالدين أشد منه فيما يتعلق بالنفس والمال، لا سيما في المسجد المتخذ للصلاة التي هي عماد الدين، وقد أنزل الله تعالى في ذلك ما أنزل من قوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} [التوبة: 107] ، إلى قوله: {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110] ، وقوله: إنما القول أبدا في الآخر من المسجدين صحيح؛ لأنه هو الذي يجب أن ينظر فيه، فإن ثبت على بانيه أنه قصد الإضرار وتفريق الجماعة لا وجها من وجوه البر وجب أن يحرق ويهدم ويترك مطرحا للزبول، كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمسجد الضرار، وإن ثبت أن إقراره مضر بأهل المسجد الأول ولم يثبت على بانيه أنه قصد إلى ذلك وادعى أنه أراد به القربة، لم يهدم وترك معطلا لا يصلى فيه إلا أن يحتاج إلى الصلاة فيه بأن يكثر أهل الموضع أو ينهدم المسجد الأول، وبالله التوفيق. [مسألة: المسجد يجعل فيه المنار فإذا صعد المؤذن فيها عاين ما في الدور] مسألة قيل لسحنون: فالمسجد يجعل فيه المنار، فإذا صعد المؤذن فيها عاين ما في الدور التي تجاور المسجد، فيريد أهل الدور منع المؤذنين من الصعود فيها، وربما كانت بعض الدور على البعد من المسجد يكون بينهم الفناء الواسع والسكة الواسعة، قال: يمنع من الصعود فيها والرقي عليها؛ لأن هذا من الضرر، وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضرار. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصل مذهب مالك في أن الاطلاع من الضرر البين الذي يجب القضاء بقطعه، وكذلك يجب عندي

مسألة: المساجد التي تكون بالمدينة أيجمع فيها بين الصلاتين في الليلة المطيرة

على مذهب من يرى من أصحاب مالك أن من أحدث في ملكه إطلاعا على جاره لا يقضى عليه بسده، ويقال لجاره: استر على نفسك في ملكك. والفرق بين الموضعين على مذهبهم أن المنار ليس بملك للمؤذن، وإنما يصعد فيه ابتغاء الخير والثواب، والاطلاع على حرم الناس محظور، ولا يحل الدخول في نافلة من الخير بمعصية، وسواء كانت الدور على القرب أو البعد إلا أن يكون البعد الكثير الذي لا يستبين معه الأشخاص والهيئات ولا الذكران من الإناث، فلا يعتبر الاطلاع معه، وقد كان بعض الشيوخ يستدل على هذا بقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «إن كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس» . [مسألة: المساجد التي تكون بالمدينة أيجمع فيها بين الصلاتين في الليلة المطيرة] مسألة وسئل عن المساجد التي تكون بالمدينة، أيجمع فيها بين الصلاتين في الليلة المطيرة؟ قال: لا أدري ما فيه، فأما مسجدنا هذا فنجمع فيه بين الصلاتين، فقيل له: إن عندنا بمصر وبرقة مساجد سوى المسجد الجامع تجمع فيه الصلوات، فتكون الليلة المطيرة فيجمع فيها بين الصلاتين، فقال: أرجو أن لا يكون بذلك بأس، وليس مساجد المدينة كهيئة مساجد الأمصار. قال محمد بن رشد: ضعف الجمع بالمدينة فيما سوى مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المساجد، ولم يرها في الجمع كمساجد سائر الأمصار. ووجه الفرق في ذلك بين مساجد المدينة ومساجد الأمصار أن لمسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة فضل متيقن معلوم على سائر المساجد بالمدينة، وليس للمسجد

مسألة: أحرم بالصلاة خلف الإمام فكبر ورفع يديه حذو صدره

الجامع في سائر الأمصار فضل على سائر المساجد بها. ووجه ثان وهو الاتباع، إذ لم يرو أنه جمع في المدينة في الزمن الأول إلا في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتضعيفه في هذه الرواية للجمع فيما سوى مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينحو إلى رواية زياد عنه وهي قوله: وأظن أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء؛ لأن المسجد لم يكن يحبس مطرا ولم يكن حول المسجد عمارة، فلو ترك الناس الجمع اليوم لم أره خطأ. [مسألة: أحرم بالصلاة خلف الإمام فكبر ورفع يديه حذو صدره] مسألة قال: ورأيت مالكا أحرم بالصلاة خلف الإمام، فكبر ورفع يديه حذو صدره ولم يبلغ بهما منكبيه، فلما هوى راكعا كبر ولم يرفع يديه، فلما رفع رأسه من الركوع لم يرفع يديه، لم أره يرفع يديه إلا في تكبيرة الإحرام وحدها، فإني رأيته يرفع يديه فيها حذو صدره لا تبلغ حذو منكبيه، ورأيته إذا نهض من السجدة الأخرى من الركعة الأولى ومن الركعة الثانية نهض كما هو قائما ولم يجلس ثم ينهض، فإذا سلم الإمام فقضى سلامه سلم مالك عن يمينه، فقال: السلام عليكم، ثم سلم عن يساره، فقال: السلام عليكم، ثم رد على الإمام وقال: السلام عليكم، سلامه عن يمينه وعن يساره وعلى الإمام سلام واحد، يقول: السلام عليكم، ثلاثا، إلا أنه بدأ عن يمينه ثم عن يساره ثم على الإمام. قال محمد بن رشد: رفع مالك يديه في افتتاح الصلاة نحو صدره لا يبلغ بهما منكبيه هو نحو قوله في " المدونة ": إنه يرفعهما في ذلك شيئا خفيفا، وله في " المختصر " أنه يرفعهما حذو منكبيه مثل ما في حديث ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومثله في كتاب ابن شعبان، قال ابن وهب: صليت مع مالك في بيته فرأيته يرفع يديه في أول ركعة، وكان إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع

رفع يديه حذو منكبيه، وكان يقول: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين"، وقال: أكره أن أحمل الجاهل على ذلك فيقول: إنه من فرض الصلاة، وقد مضى القول في رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه في رسم "يتخذ الخرقة لفرجه"، من سماع ابن القاسم. وأما نهوضه من السجود إلى القيام دون أن يرجع إلى الجلوس في الركعة الأولى والثالثة، فهو معلوم من مذهبه وعليه العلماء، وذهب الشافعي إلى أنه يرجع إلى الجلوس على ما روي عن مالك بن الحويرث أنه قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا» ، والذي عليه الجمهور هو الصحيح؛ لأن ذلك قد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واتصل به العمل، فدل على أنه كان آخر الأمرين من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويحتمل أن يكون - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما فعل في صلاته ما حكاه عنه مالك بن الحويرث لعلة كانت به حينئذ؛ لأنه إنما أقام عنده أياما ثم رجع إلى أهله، لا لأن ذلك من سنة الصلاة. والنظر يوجب أيضا أن لا يكون من سننها؛ إذ لو كان من سننها لكان له تكبير كالتكبير عند سائر أركان الصلاة. وأما تسليمه عن يمينه وعن يساره ثم على الإمام فهو كان الأول من قوليه، فقد قال ابن القاسم في " المدونة ": إنه كان يأخذ بذلك ثم تركه، وقد مضى هذا المعنى في آخر رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم مستوفى، وأما قوله: يقول السلام عليكم، فهو مثل قوله في " المدونة ": إنه لا يجزئ من السلام من الصلاة إلا السلام عليكم، ووقع هاهنا في بعض الروايات يقول: سلام عليكم سلام عليكم، بغير الألف واللام، وذلك خلاف لما في " المدونة ". وهذا الخلاف إنما هو في السلام الذي يتحلل به من

مسألة: صلاة العشاء في آخر وقتها وترك الحديث بعدها

الصلاة، وأما في الرد على الإمام فهو خفيف؛ إذ قد وسع في الثاني من صلاة " المدونة " أن يقول فيه: عليك السلام، وبالله التوفيق. [مسألة: صلاة العشاء في آخر وقتها وترك الحديث بعدها] مسألة وقال له اليربوعي: كان سعيد بن المسيب يقول: لأن أنام على العشاء أحب إلي من أن أتحدث بعدها، فقال مالك: أصاب ونعما قال. قال الإمام: يريد أن ينام عنها إلى آخر وقتها، لا أن ينام عنها حتى يخرج وقتها جملة، فرأى صلاة العشاء في آخر وقتها وترك الحديث بعدها أحب إليه من صلاتها في أول وقتها والتحدث بعدها، وذلك صواب؛ لأن تحدثه محصي عليه منه ما يكتبه صاحب اليمين ومنه ما يكتبه صاحب الشمال، فالتوقي مما يخشى أن يدخل عليه في ذلك من الإثم آكد عليه من الرغبة في زيادة فضيلة أول الوقت. [مسألة: إمام سها في الركعة الثالثة فجلس فيها] مسألة وسئل عن إمام سها في الركعة الثالثة فجلس فيها، فرأى من ساعته بحضرة ذلك منه مَنْ خلفه قياما فنهض قائما مكانه، أيسجد سجدتي السهو إذا قضى صلاته؟ فقال: نعم، في رأيي عليه سجدتا السهو إذا كان قد اطمأن جالسا، ثم علم بقيامهم خلفه فقام. زعم يحيى بن سعيد أن أنس بن مالك صلى بهم في سفر، فنأى للقيام في الركعتين، فسبح به قبل أن يعتدل قائما، فجلس فسجد سجدتي السهو، فقيل لمالك: قبل السلام أم بعده؟ فقال: لم يذكر

ذلك يحيى، وأنا أراها بعد السلام، قيل: والذي سألتك عنه من أنه لما ذهب ليجلس في الثالثة رأى من خلفه، قد قاموا فقام، فقال: نعم يسجد في ذلك سجدتين بعد السلام، وذلك يختلف عندي، أما الرجل الذي جلس مجمعا على الجلوس ذلك أراد، فهذا الذي أرى عليه سجدتي السهو، وأما الرجل الشاك الذي إنما يتذكر في جلوسه يريد أن ينظر إلى ما يصنع الناس، فلا أرى على هذا سهوا. قال محمد بن رشد: أوجب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - سجود السهو على من اطمأن جالسا ساهيا في الركعة الأولى أو الثالثة، ولم يراع قول من يرى ذلك من سنة الصلاة؛ لضعف الاختلاف في ذلك عنده، وقد بينا قبل هذا وجهه، وقال: الجلوس في موضع القيام على القيام في موضع الجلوس، فأوجب في ذلك السجود على ما حكي عن أنس بن مالك، وإن كان قبل أن يعتدل قائما؛ لأن السهو في قيامه وإن لم يعتدل قائما أكثر من السهو في جلوسه إذا لم يطمئن جالسا، مع ما في ذلك من الاختلاف. وقد اختلف فيمن قام في ركعتين من صلاة رباعية على قولين: أحدهما أنه يرجع ما لم يعتدل قائما وإن فارق الأرض على ما فعله أنس، ومثله في آخر هذا الرسم، وقاله ابن حبيب، والثاني قول ابن القاسم: إنه يرجع ما لم يفارق الأرض، ولا اختلاف أنه لا يرجع إذا اعتدل قائما، وإنما يختلف فيما يجب عليه إن رجع جاهلا، فقيل: إنه يعيد الصلاة، وهو قول عيسى بن دينار ومحمد بن عبد الحكم، حكى ذلك عنهما ابن الجلاب في مختصره، وهو قول ابن سحنون أيضا في " النوادر "، وقيل: إنه يسجد سجدتي السهو بعد السلام، وهو قول مالك في آخر هذا الرسم، وقيل: إنه يسجد قبل السلام؛ لأنه زاد الجلوس بعد أن نقصه، فاجتمع عليه نقصان وزيادة، وهو قول أشهب وعلي بن زياد، وقد روي عن مالك من رواية ابن وهب وابن أبي أويس أنه راعى الاختلاف في ذلك، أعني في الذي جلس في وتر من صلاته ساهيا،

مسألة: الرجل يتقدم قوما في الصلاة فيقول لهم قبل أن يتقدمهم أتأذنون

فلم يوجب فيه سجود السهو إلا أن يكون جلوسه قدر ما يتشهد فيه، وتابعه على ذلك ابن أبي حازم، وقاله ابن كنانة وابن القاسم في " المدنية ". وأما الإمام الذي جلس شاكا غير مجمع على الجلوس إلا لينظر ما يصنع الناس، فبين أنه لا يسجد لما في أصل المسألة من الاختلاف. [مسألة: الرجل يتقدم قوما في الصلاة فيقول لهم قبل أن يتقدمهم أتأذنون] مسألة وسئل عن الرجل يتقدم قوما في الصلاة فيقول لهم قبل أن يتقدمهم: أتأذنون؟ فقال: لا أرى بذلك بأسا، فقيل له: وذلك أحب إليك أن يستأذنهم؟ فقال: إن خاف أن يكون منهم من يكرهه أن يؤمهم فليستأذنهم، ربما تقدم المرء القوم ومنهم من يكره ذلك. قال محمد بن رشد: قوله في استئذان الرجل القوم في إمامتهم: لا أرى بذلك بأسا، يدل على أنه خفف ذلك، فكأنه رأى ترك الاستئذان أحسن إلا أن يخاف أن يكون منهم من يكرهه، وفي ذلك من قوله نظر؛ إذ قد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يحل لرجل أن يؤم قوما إلا بإذنهم» . ووجه ما ذهب إليه مالك، والله أعلم، أن الرجل إذا كان مع القوم، فحضرت الصلاة وهو أحقهم بالإمامة، وعلم أنهم مقرون له بالتقدم والفضل، رأى سكوتهم على تقدمه بهم إذنا منهم له في ذلك، واستحسن أن لا يفصح باستئذانهم في ذلك؛ لما فيه من إفصاحهم بتقديمه وتفضيله، فيصير متعرضا لثنائهم عليه، إلا أن يخاف أن يكون منهم من يكرهه، فلا يكتفي بسكوتهم حتى يصر حواله بالإذن في ذلك. وأما من قد حصل إماما في مسجد أو في موضع بتقديم أهله إياه، فطرأت عليه جماعة يخشى أن يكون فيها من يكره إمامته، فليس عليه أن يستأذنهم؛ لأن أهل ذلك المسجد أو الموضع أحق بالتقديم منهم، وإن علم أن جماعته أو أكثرها أو ذا النهى والفضل منها كارهون لإمامته وجب عليه أن

مسألة: يؤم القوم في الظهر أيدعو بعد فراغه من التشهد الأول

يتأخر عن الإمامة بهم؛ لما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «خمسة لا تجاوز صلاتهم آذانهم» ، فذكر فيهم الذي يؤم قوما وهم له كارهون. وقد روي أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: "لأن أقرب فتضرب عنقي إلا أن تتغير نفسي أحب إلي من أن أؤم قوما وهم لي كارهون". وأما إن لم يكره إمامته من جماعته إلا النفر اليسير، فيستحب له التأخر عن التقدم بهم من غير إيجاب، وبالله التوفيق. [مسألة: يؤم القوم في الظهر أيدعو بعد فراغه من التشهد الأول] مسألة وسألته عن الرجل يؤم القوم في الظهر، أيدعو بعد فراغه من التشهد في الركعتين الأوليين بما بدا له؟ فقال لي: نعم. قال الشارح: يريد أن ذلك جائز لا كراهة فيه ما لم يطل؛ لأن تقصير الجلسة الأولى من مستحبات الصلاة، ولا يكره الدعاء فيها إلا في ثلاثة مواطن، وهي القيام قبل القراءة، والجلوس قبل التشهد، والركوع، وبالله التوفيق. [مسألة: إمام الحرس إذا أقيمت الصلاة تقدمهم وعليه جبة وسيف] مسألة قال: وسئل عن القوم يكونون في الحرس لهم إمام يؤمهم في الصلوات، فإذا أقيمت الصلاة تقدمهم وعليه جبة وسيف مرتدي به لا رداء عليه، فقال: ما يعجبني ذلك، ولكن يجعل على عاتقيه عمامة، فقيل له: إنا رأينا ابن عجلان يأتي المسجد إلى الصلاة متقلدا سيفا مرتديا فوق ذلك بعمامة لم أر أحدا منهم فعله غيره، فقال عيسى: أن يكون أفقه من غيره.

مسألة: مساجد يصلى فيها بعض الصلوات بالأذان والإقامة

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في آخر رسم "المحرم يتخذ الخرقة " من سماع ابن القاسم مجردا، فأغنى ذلك عن إعادته ها هنا. [مسألة: مساجد يصلى فيها بعض الصلوات بالأذان والإقامة] مسألة قال: وسئل عن مساجد بالإسكندرية يحرس فيها، يصلى فيها المغرب والعشاء والصبح بالأذان والإقامة، ولا يصلى فيها الظهر ولا العصر، وربما شهدنا الجنازة بالنهار، فصلينا فيها الظهر والعصر، فتجمع فيها الصلاة منها مرتين، أفترى ذلك؟ قال: نعم لا بأس بذلك، وأما الصلوات التي تجمع فيها فلا أرى ذلك فيها. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة واختلاف قول مالك فيها والتوجيه له في رسم "يسلف في حيوان مضمون" من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل قرأ في ركعة من الصبح بأم القرآن فقط وأسر بها] مسألة قال: وسئل عن رجل قرأ في ركعة من الصبح بأم القرآن فقط وأسر بها، أترى عليه إعادة الصلاة؟ فقال: لا أرى عليه إعادة، وأرى ذلك مجزيا عنه ولا سجود سهو عليه، فقيل له: إذا قرأ بأم القرآن فقط سرا فيما يجهر فيه بالقراءة لم تر عليه سجود السهو؟ قال: نعم ولا إعادة عليه، وأرى ذلك مجزئا عنه. قال الإمام: قوله: إنه لا سجود عليه في ترك الجهر ولا في إسقاط السورة خلاف ما في " المدونة "؛ لأنه أوجب السجود فيها في كل واحد منهما. والذي في " المدونة " هو المشهور. ووجه هذا أنه رأى الجهر في الصلاة وقراءة ما عدا أم القرآن فيها من مستحبات الصلاة لا من سننها، وقد روى أشهب

مسألة: شهود النساء الصلوات إلى المساجد

عن مالك أيضا فيمن أسر فيما يجهر فيه أنه يسجد بعد السلام. ووجه هذا أن السجود لما ضعف عنده في ذلك رأى أن يكون بعد السلام لئلا يدخل في نفس صلاته ما ليس منها، وكذلك يقول أشهب فيمن ترك التكبير في الصلاة أو سمع الله لمن حمده: إنه يسجد بعد السلام؛ لأن السجود في ذلك غير لازم، وإن سجد قبل السلام لم تفسد عنده صلاته، بخلاف من سجد عنده قبل السلام لإسقاط القنوت أو التسبيح، وقد كان يحيى بن يحيى يقول: من التزم القنوت في صلاته سجد إذا سها عنه، وأما من جهر فيما يسر فيه من صلاته ناسيا، فلا اختلاف أحفظه في المذهب في أنه يسجد بعد السلام. وقد يقال في الفرق بين الموضعين إن فعل ما تركه سنة أشد من ترك ما فعله سنة؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، وإذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم» ، وبالله التوفيق. [مسألة: شهود النساء الصلوات إلى المساجد] مسألة قال: وسئل عن شهود النساء الصلوات إلى المساجد، فقال: ذلك يختلف في المرأة المتجالة والشابة، فالمتجالة تخرج إلى المسجد ولا تكثر التردد، والمرأة الشابة تخرج إلى المسجد المرة بعد المرة، وكذلك هي في الجنائز. وذلك يختلف من العجوز والشابة، وإنما تخرج الشابة في جنائز أهلها وقرابتها. قال الإمام: أما النساء المتجالات فلا اختلاف في جواز خروجهن إلى المساجد والجنائز والعيدين والاستسقاء وشبه ذلك، وأما النساء الشواب فلا يخرجن إلى الاستسقاء والعيدين ولا إلى المساجد إلا في الفرط، ولا إلى الجنائز إلا في جنائز أهلهن وقرابتهن. هذا الذي يأتي على هذه الرواية وعلى

ما في " المدونة "، فيجب على الإمام في مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يمنع النساء الشواب من الخروج إلى العيدين والاستسقاء، ولا يمنعهن من الخروج إلى المساجد؛ لجواز خروجهن إليها في الفرط، فهذا دليل قوله في " المدونة ". وفي تفسير ابن مزين أن المرأة الشابة إذا استأذنت على زوجها في الخروج إلى المسجد لم يقض لها عليه بالخروج، وكان له أن يؤدبها ويمسكها، وليس ذلك بخلاف لما في " المدونة "؛ لأن معنى ما في " المدونة " إنما هو في المنع العام. وأما المرأة الشابة في خاصتها فيكره لها الإكثار من الخروج إلى المسجد، فتؤمر ألا تخرج إليه إلا في الفرط بإذن زوجها إن كان لها زوج، فقد كانت عاتكة بنت زيد بن عمر بن نفيل تستأذن عمر بن الخطاب في الخروج إلى المسجد وهو زوجها، فيسكت، فتقول: والله لأخرجن إلا أن تمنعني فلا يمنعها ولا تخرج إلا تفلة، فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمسن طيبا» . ووجه قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "إن النساء الشواب لا يمنعن من الخروج إلى المساجد" عموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» . ووجه كراهيته لهن الإكثار من الخروج ما خشي على الرجال من الفتنة بهن، فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» . ووجه قوله إنهن يمنعن من الخروج إلى العيدين والاستسقاء، مع ما جاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خروج العواتق وذوات الخدور إلى العيدين- ما أحدثنه من الخروج على غير الصفة التي أذن لهن بالخروج عليها، وهي أن يكن تفلات غير متطيبات ولا يبدين لشيء من

مسألة: المصلي في المحمل أين يضع يديه

زينتهن. وقد قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لو أدرك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد كما مُنِعَهُ نساء بني إسرائيل. وتلخيص هذا الباب على تحقيق القول فيه عندي أن النساء أربع: عجوز قد انقطعت حاجة الرجال منها، فهي كالرجل في ذلك، ومتجالة لم تنقطع حاجة الرجال منها بالجملة، فهي تخرج إلى المسجد ولا تكثر التردد كما قال في الرواية، وشابة من الشواب، فهذه تخرج إلى المسجد في الفرط وفي جنائز أهلها وقرابتها، وشابة فاذة في الشباب والثخانة، فهذه الاختيار لها ألا تخرج أصلا، وبالله التوفيق. [مسألة: المصلي في المحمل أين يضع يديه] مسألة وسئل عن المصلي في المحمل أين يضع يديه؟ فقال: على ركبتيه أو فخذيه، فقيل له: فالمصلي على الدابة؟ فقال مثل ذلك. قال محمد بن رشد: يريد أنه يضع يديه على ركبتيه أو فخذيه إذا ركع أو إذا تشهد، وأما في سائر صلاته فلا حد في أن تكون يداه على ركبتيه، يدل على ذلك قوله في " المدونة ": فإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه عن ركبتيه، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: جمع المغرب والعشاء في رمضان في الليلة الممطرة] مسألة قال: وسئل عن جمع المغرب والعشاء في رمضان في الليلة الممطرة وقد ذهب المطر وبقي الطين والظلمة، أيجمع بينهما؟ فقال: نعم، فقيل له: إنهم لا ينصرفون حتى يقنتوا، فقال: إذا كانوا لا ينصرفون فأحب إلي أن لا يجمعوا بينهما، فقيل له: أرأيت إن جمعوا بينهما ثم قنتوا؟ قال: هم من ذلك في سعة. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: وبقي الطين والظلمة أن الجمع

لا يكون إذا لم يكن مطر إلا باجتماع الطين والظلمة، وهو مثل ما في " المدونة " خلاف ظاهر ما في رسم "أخذ يشرب خمرا"، من سماع ابن القاسم أنه يجمع في الطين والوحل وإن لم يكن مطر ولا ظلمة، وقوله: "إنهم لا يجمعون إذا كانوا لا ينصرفون حتى يقنتوا" صحيح؛ لأن الجمع إنما هو رخصة وتخفيف لمشقة الرجوع في الظلام بعد مغيب الشفق، وقوله: إنهم إن جمعوا ثم قنتوا كانوا من ذلك في سعة يقتضي أن لا إعادة عليهم للعشاء بعد مغيب الشفق. وقال ابن لبابة: إن هذا خلاف لقول عيسى وأصبغ والعتبي وابن مزين في الذي يخاف أن يغلب على عقله، فيجمع بين الصلاتين في أول الوقت أنه يعيد الآخرة منهما في وقتها إن لم يغلب عليه حتى دخل؛ لأن الجمع في هذه المسألة إنما رخص لهم فيه لعلة الافتراق، وهم لم يفترقوا حتى غاب الشفق، فكان يلزم على قول هؤلاء أن يعيدوا العشاء الآخرة؛ إذ قد ارتفعت العلة التي من أجلها أبيح لهم تعجيلها كالذي يخاف أن يغلب على عقله فيسلم مما خاف، وليس قوله عندي بصحيح، والفرق بين المسألتين أن الذي خشي أن يغلب على عقله فصلى قبل دخول الوقت المستحب يؤمر أن يعيد ليدرك ما نقصه من فضيلة الوقت المستحب، والذين جمعوا ثم قنتوا لا يؤمرون بالإعادة؛ لأنهم صلوا في جماعة، فمعهم فضل الجماعة مكان فضل الوقت المستحب، وهذا مثل قول مالك في المسافر يتم الصلاة: إنه يعيد في الوقت إن كان أتم وحده؛ ليدرك فضيلة القصر، ولا يعيد إن كان أتم في جماعة؛ لأن معه فضل الجماعة مكان ما فاته من فضل القصر؛ ولهذا قال مالك في " المدونة " في الرجل يصلي في بيته المغرب في الليلة المطيرة ثم يأتي المسجد والناس يجمعون وقد صلوا المغرب ولم يصلوا العشاء: إنه لا بأس أن يصلي معهم، وقد روي عن ابن القاسم أنه إن صلى معهم أعاد في الوقت وغيره، فقول ابن القاسم في هذه المسألة هو الذي يخالف قول مالك في الرواية لا قول عيسى ومن تابعه في المسألة التي حكى ابن لبابة. ووجه قول ابن القاسم أنه رأى فضيلة الوقت آكد من فضيلة الجماعة فأمره بالإعادة في الوقت

مسألة: يقوم من التشهد أيعتمد على يديه

وبعد الوقت لما لم يعد في الوقت على أحد قوليه في أن من وجب عليه أن يعيد في الوقت فلم يفعل، أعاد بعد الوقت، فهذا تحقيق القول في هذه المسألة. [مسألة: يقوم من التشهد أيعتمد على يديه] مسألة وسئل عن الذي يقوم من التشهد أيعتمد على يديه؟ فقال: ما أبالي أي ذلك فعل، ولقد كان الأمر القديم أن يعتمد على اليدين للقيام في الصلاة. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في هذا الرسم، ومضى القول فيها مُوعَبًا في رسم "باع غلاما" من سماع ابن القاسم. [مسألة: لم يجهر إمام الصبح بالقراءة ففتحوا عليه فلم يجهر] مسألة وسئل عن قوم صلوا خلف إمام الصبح، فلم يجهر بالقراءة، ففتحوا عليه فلم يجهر حتى فرغ، فقيل له ما قرأت فقال: بلى في نفسي، فقال مالك: ما أراه قرأ وإنكم تفتحون عليه لا يقرأ، هذا جاهل جدا، فأرى أن تعيدوا أنتم الصلاة، وما أراه قرأ وإنما الذي قلت لكم تعيدوا الصلاة ما كنتم في الوقت، فإذا ذهب الوقت فلا أرى عليكم إعادة. قال محمد بن رشد: وجه هذه الرواية أن مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - اتهم الإمام بترك القراءة ولم يحقق ذلك عليه لقوله: بل في نفسي، أي: سرا؛ لأن القراءة في النفس دون تحريك اللسان ليست بقراءة. فلو حقق عليه أنه ترك القراءة جملة أو أنه لم يحرك بها لسانه لأوجب عليه وعليهم الإعادة في الوقت وبعده على أصل مذهبه في أن من لم يقرأ في صلاته أعادها أبدا، ولما فتحوا عليه فلم يقرأ حمل عليه أنه ترك الجهر جاهلا متعمدا فقال: هذا جاهل،

مسألة: نسي في ركعة صلاها سجدة فلم يذكرها إلا وهو راكع في الثانية

وأمرهم بالإعادة في الوقت مراعاة للاختلاف، إذ قد قيل: إن صلاة القوم غير مرتبطة بصلاته، وإنها لا تفسد عليهم بفسادها عليه، وقيل أيضا: إن من أسر فيما يجهر فيه من صلاته جاهلا متعمدا لا إعادة عليه، وقيل: يعيد في الوقت وبعده، ومن مذهبه مراعاة الخلاف، وفي كتاب ابن المواز أنهم يعيدون مطلقا، فظاهره في الوقت وبعده، ولم يتكلم مالك على ما يجب على الإمام في خاصته؛ لأنه صرف الأمر فيه إليه ودينه فيه ليعيد الصلاة أبدا إن كان لم يقرأ أصلا، وإن كان قرأ وأسر القراءة جهلا فعلى الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك من أن لا إعادة عليه أو الإعادة في الوقت، أو في الوقت وبعده، وهو موجود في المذهب، من ذلك ما وقع في رسم "حمل صبيا"، من سماع عيسى من هذا الكتاب، فتدبر ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: نسي في ركعة صلاها سجدة فلم يذكرها إلا وهو راكع في الثانية] مسألة وسألته عمن نسي في ركعة صلاها سجدة فلم يذكرها إلا وهو راكع في الثانية، أيخر كما هو ساجدا للسجدة التي نسي؟ أم يرفع رأسه من الركوع، فيمضي في صلاته ويلغي الركعة التي نسي منها السجدة؟ فقال: إن اطمأن راكعا قبل أن يذكر وإن لم يرفع رأسه منها فأرى أن يلغي الركعة التي نسي منها السجدة ويتم صلاته، فيرفع رأسه من الركعة ثم يسجد ويبني على صلاته وقد ألغى الركعة التي نسي منها السجدة، وإن لم يكن اطمأن راكعا حتى ذكر أنه نسي سجدة من الركعة التي قبل هذه، فإني أرى أن يخر ساجدا كما هو قاضيا للسجدة التي نسي من ركعته، ويعتد بها ولا يرفع رأسه من الركعة، فإذا قضى السجدة قام مكانه للركعة الثانية فاستأنفها من أولها بالقراءة والركوع.

قال محمد بن رشد: اختلف قول مالك في عقد الركعة التي تحول بين المصلي وبين إصلاح الركعة التي قبلها، فقال في هذه الرواية: إن ذلك التمكن في الركوع وإن لم يرفع رأسه منه، وقال في رواية ابن القاسم عنه في " المدونة ": إن ذلك لا يكون إلا في الرفع من الركوع. وقد حكى ابن القاسم عنه فيها القولين جميعا أيضا في الذي يقوم في النافلة إلى ثالثة ساهيا فلا يذكر إلا وهو راكع، وهذا الاختلاف مبني على الرفع من الركوع هل هو فرض من تمام الركوع أو سنة والركوع قد تم بالتمكن فيه؟ على ما يأتي من الاختلاف في ذلك في رسم "التفسير" من سماع عيسى، ومن المسائل ما يكون فيه التمكن في الركوع عقدا للركعة باتفاق، وذلك مثل أن ينسى السورة التي مع أم القرآن أو يقدمها على أم القرآن، أو يقدم القراءة على التكبير في العيدين، أو يسلم من ركعتين ساهيا، أو يدخل في نافلة، فلا يذكر شيئا من ذلك إلا وهو راكع. ومن المسائل أيضا ما لا يكون فيه عقد الركعة إلا تمامها بسجدتيها، وذلك مثل أن يذكر صلاة وهو في صلاة، أو تقام عليه الصلاة وهو في صلاة، على مذهب من يفرق في ذلك بين أن يكون قد ركع أو لم يركع، ومثل أن ينسى القراءة جملة في الركعة الأولى على مذهب من لا يقول بالإلغاء، فإنه إن ذكر قبل أن يتم ركعة بسجدتيها قطع، وإن ذكر بعد أن كمل ركعة بسجدتيها أضاف إليها ثانية وخرج عن نافلة، وأتم أربعا وسجد قبل السلام وأعاد، واختلف إن ترك القراءة في الركعة الثالثة، فقيل إنه يرجع إلى الجلوس وسلم من ركعتين ما لم يركع، وقيل ما لم يرفع رأسه من الركوع، وقيل: ما لم يتم الثالثة بسجدتيها. فإن ركع على القول الواحد، أو رفع على القول الثاني، أو أتم الركعة بسجدتيها على القول الثالث، تمادى إلى رابعة وسجد قبل السلام وأعاد الصلاة، ومثل أن يرعف على مذهبه في " المدونة " فإنه يلغي تلك الركعة ما لم تتم بسجدتيها، وبالله التوفيق.

مسألة: يصلي العشاء ثم يصلي بعدها ركعات أيوتر بواحدة أم يصلي اثنتين قبلها

[مسألة: يصلي العشاء ثم يصلي بعدها ركعات أيوتر بواحدة أم يصلي اثنتين قبلها] مسألة قيل له: أرأيت الذي يصلي العشاء ثم يصلي بعدها ركعات، ثم يجلس، ثم يبدو له بعد ذلك أن يوتر، أيوتر بواحدة أم يصلي اثنتين قبلها؟ فقال: أرجو أن يكون له سعة في أن يوتر بواحدة ولا يصلي قبلها إذا كان قد ركع بعد العشاء. قيل له: وإنما الوتر واحدة يفصل بينها وبين الاثنين بسلام؟ فقال: نعم، وأنا كذلك أفعل. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يوتر بواحدة وإن طال ما بين الركعتين والواحدة إذا كان ذلك في الليل قبل الفجر، صحيح على مذهبه أن السنة عنده أن يفصل بين الوتر وما قبله من الشفع بسلام، وهو خلاف ما في آخر رسم "لم يدرك" من سماع عيسى، وخلاف ما في " المدونة " من أنه يركع ركعتين قبل أن يوتر إذا كان الأمر قد طال. ووجه هذا القول مراعاة قول من يرى الوتر ثلاثا تباعا بغير سلام. وأما لو كان ذلك بعد الفجر وقد ركع بعد العشاء لأوتر بركعة واحدة على ما في أول رسم "أسلم" من سماع عيسى قولا واحدا؛ لما جاء من أنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر، وبالله التوفيق. [مسألة: أرض طين وحضرت الصلاة على ذلك أيصلي أحدنا قائما إيماء] مسألة قال: وسئل فقيل له: إنا نسافر بمصر وهي أرض طين، فربما غشينا المطر في السفر فتصير الأرض طينا، فتحضر الصلاة على ذلك، أفترى أن يصلي أحدنا قائما إيماء برأسه، فإنه إن جلس في الطين فملأ ثيابه، فقال: لا، لا يصلي قائما، ولكن يجلس فيصلي جالسا، ويسجد على الطين على قدر طاقته. فقلت له: على قدر طاقته، فقال لي: نعم على قدر طاقته. قال محمد بن رشد: هذا قول ابن عبد الحكم من أصحاب مالك؛ إنه

مسألة: غسل العيدين أقبل الفجر أم بعده

يسجد ويجلس على الطين والخضخاص من الماء الذي لا يغمره ويمنعه من السجود فيه والجلوس إلا إحراز ثيابه، فإن صلى إيماء على مذهبهما أعاد في الوقت وبعده. وحكى ابن حبيب عن مالك ومن لقي من أصحابه أنه يصلي إيماء كالمريض الذي لا يقدر على السجود ولا على الجلوس، إلا أنه استحب أن يؤخر إلى آخر الوقت رجاء أن يتخلص إلى موضع يمكنه فيه الصلاة، يريد إلى آخر الوقت المستحب، ثم إن تخلص إلى موضع يمكنه فيه الصلاة في بقية الوقت أعاد، وهذا على مذهبه في التيمم. والذي أقول به في هذه المسألة على ما في " المدونة " في الذي لا يجد الماء لوضوئه إلا بثمن أنه إن كان الرجل واسع المال والثياب التي عليه ليست لها تلك القيمة أو لا يفسدها الطين، ولا ضرر عليه في جسمه في الصلاة فيه، لم يجز له أن يصلي إيماء، وإن كان بخلاف ذلك جاز له الإيماء؛ لأنه في الموضعين جميعا انتقال عن فرض وجب عليه لحياطة ماله. ولا اختلاف أحفظه في الراعف يتمادى به الرعاف ويخشى إن ركع أو سجد أن تتلطخ ثيابه بالدم أنه يصلي إيماء، ولا يبعد دخول الاختلاف في ذلك على القول بأن رفع النجاسة من الثياب والأبدان ليست بفريضة؛ لأن الركوع والسجود فرض، فلا يترك فرض لما ليس بفرض. وقد روى زياد عن مالك مثل ما حكى عنه ابن حبيب، وبالله التوفيق. [مسألة: غسل العيدين أقبل الفجر أم بعده] مسألة وسئل عن غسل العيدين أقبل الفجر أم بعده؟ فقال ذلك واسع، من الناس من يغدو قبل الفجر. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في هذا الرسم، وقد مضى القول في توجيهها فلا وجه لإعادته.

مسألة: يغتسل للعيدين وينوي بذلك الجمعة

[مسألة: يغتسل للعيدين وينوي بذلك الجمعة] مسألة قيل له: أرأيت الذي يغتسل للعيدين وينوي بذلك الجمعة، أيجزئه؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: قد روى أبو قرة عن مالك أنه يجزئه، قاله ابن وهب في سماع زونان من هذا الكتاب، والأول هو الصحيح؛ لأنه هو الذي يوجبه ظاهر الحديث قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل» ولأن الغسل إنما شرع في الجمعة للتنظف من التفل ورائحة العرق، فإذا بعد الغسل ذهب معناه الذي شرع من أجله، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يخرج إلى ضيعة له منه على ليلتين أيقصر الصلاة] مسألة وسئل عن الرجل يخرج إلى ضيعة له منه على ليلتين، أيقصر الصلاة؟ قال: نعم يقصر الصلاة، وأبين ذلك البرد والأميال والفراسخ على كم ضيعته منه من ميل أو فرسخ، فقيل: على خمسة عشر فرسخا وذلك خمسة وأربعون ميلا، فقال: نعم أرى أن يقصر الصلاة إلى مسيرة ذلك، الصلاة تقصر في مسيرة أربعة برد، وذلك ثمانية وأربعون ميلا، وهذا منه قريب، فأرى أن يقصر الصلاة إلى مسيرة ذلك. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب مكان على ليلتين على ثلاثين، وهو خطأ بما دل عليه الكلام، والأصل عند مالك في أن الصلاة تقصر في ثمانية وأربعين ميلا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة

أم قوما في العصر فاعتدل من الركعتين قائما فحاولوا إجلاسه فأبى

إلا مع ذي محرم منها» ؛ لأنه قصد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ذكر أقل ما يكون سفرا، وكانت الثمانية والأربعون ميلا هو المقدار الذي يسار في اليوم والليلة على السير المعتاد. ولما كان هذا المقدار مأخوذا بالاجتهاد دون توقيت حكم لما قرب منه بحكمه، فإن قصر في أقل من خمسة وأربعين ميلا إلى ستة وثلاثين، أعاد في الوقت، وإن قصر فيما دون ستة وثلاثين ميلا أعاد في الوقت وبعده، والميل ألفا ذراع، وهي ألف باع، قيل: بباع الفرس، وقيل: بباع الجمل. والثمانية والأربعون ميلا هي أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخا؛ لأن البريد ثلاثة فراسخ، وهي اثنا عشر ميلا، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل عشر غلاء والغلوة مائتا ذراع، وهي مائة باع، وقد قيل: إن الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع، وبالله التوفيق. [أم قوما في العصر فاعتدل من الركعتين قائما فحاولوا إجلاسه فأبى] مسألة وسئل عمن أم قوما في العصر فقام من الركعتين فاعتدل قائما، فأخذوا بثوبه من ورائه يجلسونه، فأبى أن يجلس؛ لأنه اعتدل قائما، فأشار إليهم أن قوموا، فلم يزالوا يجبرونه من ورائه حتى جلس، متى يسجد سجدتي السهو؟ فقال: أرى أن يسجدهما قبل السلام، فقيل له: أرأيت إن كان سجدهما قبل السلام؟ فقال: لا أرى عليه شيئا، قد سجدهما.

قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أنه يجب عليه أن يرجع إلى الجلوس ما لم يعتدل، وقد مضى التكلم على هذا في هذا الرسم، وفيما يجب عليه إن رجع جاهلا أو متعمدا، وسيأتي القول في رسم "العتق" من سماع عيسى فيمن وجب عليه سجود السهو بعد السلام فسجد قبله أو قبله فسجد بعده ناسيا أو متعمدا إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق. تم كتاب الصلاة الثاني

كتاب الصلاة الثالث

[كتاب الصلاة الثالث] [مسألة: أنستسقي في العام المرتين والثلاث] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كتاب الصلاة الثالث صلاة الاستسقاء من سماع أشهب مسألة وسئل عن أهل برقة فقيل له: إن أهلها يشربون من ماء الأمطار، إذا كانت سال لهم واد يشربون منه، وكانت أمطارنا تكثر فيزرع عليها، فيسيل بها وادينا فنشرب منه، حتى كان عندك حديثا قل علينا المطر، فنمطر ما يزرع عليه الزرع الكثير ولا يسيل وادينا، أفترى أن نستسقي؟ فقال: نعم استسقوا، ما بأس بذلك لا بأس به، فقيل له: إنه قيل: إنما الاستسقاء إذا لم يكن مطر وأنتم قد سقيتم وزرعتم عليه زرعا كثيرا؟ فقال: ما قالوا شيئا ولا بأس بذلك. قال: وسئل أنستسقي في العام المرتين والثلاث؟ فقال: ما في هذا حد ينتهى إليه وما بذلك بأس، فاستسقوا ما بدا لكم، قيل له: أيحول الناس أرديتهم في الاستسقاء إذا حول الإمام رداءه؟ قال: نعم إن ذلك لحسن. قال: وسئل عن الاستسقاء بعد المغرب والصبح، فقال: لا بأس به، وقد كان يفعل هاهنا وما هو من الأمر القديم.

مسألة: التكبير في الأذان

قال محمد بن رشد: قوله في أهل برقة: يستسقون إذا لم يسل واديهم الذي يشربون منه وإن كانوا قد مطررا ما زرعوا عليه الزرع الكثير، إنما يريد بذلك الدعاء لا البروز إلى المصلى على سنة الاستسقاء؛ لأن ذلك إنما يكون عند الحاجة الشديدة إلى الغيث حيث فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد روى أبو المصعب عن مالك أن البروز إلى الاستسقاء لا يكون إلا عند الحطمة الشديدة، فإذا كان ذلك وبرز الناس إلى الاستسقاء فتأخر السقيا والوه كما قال مالك، ولا حد في ذلك؛ لأن الدعاء عبادة، والله يحب من عباده أن يتضرعوا إليه عندما ينزل بهم كما أمرهم حيث يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] ، وقد أثنى الله -عز وجل- على الداعين إليه فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] ، وذم من قصر في ذلك فقال: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] ، وكذلك قوله أيضا في الاستسقاء بعد المغرب والصبح إنما يريد به الدعاء لا البروز إلى المصلى؛ لأن السنة في ذلك لا تكون إلا في الضحى. [مسألة: التكبير في الأذان] مسألة قال: وسأله ابن كنانة عن التكبير في الأذان أهو مثل الإقامة الله أكبر الله أكبر مرتين؟ أم الله أكبر الله أكبر أربع مرات؟ فقال: لا، هو مثله في الإقامة، اكتب إليه: هو مثل ما يؤذن الناس عندنا اليوم. قال المؤلف: اختلف أهل العلم من الأذان في موضعين: أحدهما: التكبير في أوله هل هو مثنى أو مربع، والثاني: الترجيع في الشهادة، فذهب أهل العراق إلى أن التكبير في أول الأذان مربع على ما روي عن أبي محذورة

مسألة: التثويب في رمضان وغيره

أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه الأذان تسع عشرة كلمة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ... » الحديث إلى تمام الأذان، وإلى أنه لا ترجيع في الشهادة؛ إذ لم يذكره في حديث عبد الله بن زيد في الأذان. قالوا: فلما لم يذكره فيه احتمل عندنا أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أمر به أبا محذورة؛ لأنه لم يمد به صوته أولا على ما أراد، وذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -إلى أن التكبير في الأذان مثنى وإلى الترجيع في الشهادة، والحجة له مع أن ذلك قد روي عن أبي محذورة، فكان ما فيه من الترجيع زيادة على غيره من الأحاديث اتصال العمل به بالمدينة منذ وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما اتصل به العمل من الأخبار فهو أولى مما لم يتصل به عمل منها؛ لأن ذلك يقتضي أنه هو الناسخ لها، والله أعلم. [مسألة: التثويب في رمضان وغيره] مسألة قال: وسئل عن التثويب في رمضان وغيره، فقال: ليس ذلك بصواب، وقد كان بعض أمراء المدينة أراد أن يصنع ذلك حتى نهي عنه فتركه. قال محمد بن رشد: التثويب الذي أنكره مالك وقال: إنه ليس بصواب، وحكى ابن حبيب وغيره عنه أنه قال فيه: إنه ضلال -هو ما أحدثه الناس بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أن المؤذن كان إذا أذن فأبطأ الناس قال: بين الأذان والإقامة قد قامت الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح. روي عن مجاهد أنه قال: دخلت مع عبد الله بن عمر مسجدا وقد أذن، ونحن نريد أن نصلي فيه، فثوب المؤذن، فخرج عبد الله بن عمر من المسجد وقال: اخرج بنا من عند هذا المبتدع، ولم يصل فيه، وذلك بين من قوله في رواية ابن وهب عنه في " المجموعة "، وهو نحو مما كان يفعل عندنا بجامع قرطبة من أن يعود المؤذن بعد أذانه قبل الفجر النداء عند الفجر بقوله: حي على الصلاة حي

مسألة: كم الوقت الذي يجب فيه النزول إلى الجمعة والعيدين

على الفلاح ثم ترك. وقيل: إنه إنما عنى بذلك قول المؤذن في أذانه حي على خير العمل؛ لأنها كلمة زادها في الأذان من خالف السنة من الشيعة. وروي أن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يقول ذلك في أذانه بعد حي على الفلاح. قال ابن حبيب: وهو خاص، ومن أحب أن يقوله فلا حرج، ولا يحمل عليه العامة. والأول هو التأويل الصحيح، يشهد له ما وقع في " المجموعة " وأن التثويب في اللغة هو الرجوع إلى الشيء، يقال: ثاب إلي عقلي، أي: رجع، وثوب الداعي: إذا كرر النداء، ومنه قيل للإقامة تثويب؛ لأنها بعد الأذان. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون» . وقد يقع التثويب على قول المؤذن في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم، روي عن بلال أنه قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تثويب في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر» . وليس هذا التثويب الذي كرهه أهل العلم؛ لأنه من السنة في الأذان، وبالله التوفيق. [مسألة: كم الوقت الذي يجب فيه النزول إلى الجمعة والعيدين] ومن كتاب الصلاة الأول مسألة قال أشهب: قيل لمالك: كم الوقت الذي يجب فيه النزول إلى الجمعة والعيدين؟ فقال: أرى أن الذي يجب فيه النزول إلى الجمعة فرسخ، وهو ثلاثة أميال فما دونها. وإنما أخذنا ذلك من قبل أن أهل العالية كانوا ينزلون يوم الجمعة إلى الجمعة على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العالية، وأقصى العالية على ثلاثة أميال،

ولم يعلم أن من وراءهم نزلوا ولا لزمهم ذلك. قيل له: وكذلك النزول إلى العيدين؟ قال: نعم وأرى الذي يجب في النزول إلى العيدين ثلاثة أميال فدون ذلك، ولقد رأيت ناسا من ولد عمر بن الخطاب ينزلون للعيدين من ذي الحليفة، وما ذلك على الناس، وليس العيدان كالجمعة؛ لأن العيدين إنما يكونان في الزمان والجمعة تكون في كل سبعة أيام. قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية: " إن النزول يجب إلى الجمعة وإلى العيدين من ثلاثة أميال" فدون خلاف قوله في " المدونة ": إنها إن كانت زيادة يسيرة فأرى ذلك عليه، والذي في " المدونة " أولى؛ إذ ليس الحد في ذلك بنص، وإنما أخذ بالاجتهاد والتأويل من فعل أهل العالية. وقد روى علي بن زياد عن مالك أنه إنما ينزل إليها من ثلاثة أميال؛ لأنه منتهى صوت المؤذن، وهذا لمن كان خارج المصر؛ لقوله عز وجل: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] . وأما من كان في المصر الكبير فتجب عليه الجمعة، وإن كان بين منزله والجامع ستة أميال، وكذلك روى ابن أبي أويس وابن وهب عن مالك. والثلاثة الأميال تعتبر على ظاهر رواية علي بن زياد عن مالك من موضع المؤذن، وقيل: إنها تعتبر من طرف المدينة حيث يقصر الخارج ويتم الداخل، وهو قول محمد بن عبد الحكم. وقد روي عن رجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أهل قباء أنه قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نشهد الجمعة من قباء» . وروي عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الجمعة على من آواه الليل إلى أهله» إلا أنه حديث لا يصح، قد

مسألة: ما يعلق في أعناق النساء من القرآن وهن حيض

ذكره أحمد بن الحسن لأحمد بن حنبل فقال له: استغفر ربك استغفر ربك. والخليقة بالقاف وهي خليقتان: خليقة آل عمر، وخليقة آل المنكدر، وبالله التوفيق. [مسألة: ما يعلق في أعناق النساء من القرآن وهن حيض] مسألة قال: وسئل عما يعلق في أعناق النساء من القرآن وهن حيض، فقال: ليس بذلك بأس إذا جعل في كن في قصبة حديد أو جلد يخرز عليه، وكذلك الصبيان فلا أرى بذلك بأسا. قلت: أرأيت إن علق عليها هكذا ليس عليه شيء يكنه، فقال: ما رأيت من يفعل ذلك، وليس يفعل هذا، قيل له: أفرأيت الحبلى يكتب لها الكتاب تعلقه؟ قال: أرجو أن لا يكون بذلك بأس إذا كان ذلك من القرآن وذكر الله شيئا معروفا، وأما ما لا يدرى ما هو والكتاب العبراني وما لا يعرف فإني أكرهه، قيل له: أفترى أن يعقد في الخيط سبع عقد؟ فكرهه. قال الإمام: إنما استخف ما يعلق في أعناق الصبيان والحيض من النساء من القرآن مع أن السنة قد أحكمت أن لا يمس القرآن إلا طاهر إكراما له من أجل أن ذلك شيء يسير منه. وقد مضى وجه الفرق بين جملته وبعضه في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم من كتاب الوضوء، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك. وإنما شرط في إجازة ذلك أن يكون في كن من قصبة حديد وشبه ذلك؛ صيانة له أن تصيبه نجاسة أو أذى؛ لأن لذلك عنده تأثيرا في جواز مسه على غير طهارة؛ لأنه لا يجوز لغير الطاهر حمل المصحف بعلاقته ولا على وسادة، وكره أن يعلق على الحبلى الكتاب بما لا يدرى، وبالعبراني الذي لا يعرف ما هو؛ لأن الاستشفاء إنما يكون بكلام

الله تعالي وبأسمائه الحسنى وبما يعرف من ذكره جل جلاله وتقدست أسماؤه. وأما العقد في الخيط فكرهه؛ لأن الرقى إنما تكون بذكر الله لا بما أمر الله بالاستعاذة منه من فعل السواحر اللائي ينفثن على العقد يرقيها، قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] . وفي جواز تعليق هذه الأحراز والتمائم على أعناق الصبيان والمرضى والحبالى والخيل والبهائم إذا كانت بكتاب الله تعالى وما هو معروف من ذكره وأسمائه، للاستشفاء بها من المرض، أو في حال الصحة لدفع ما يتوقع من العين والمرض- بين أهل العلم اختلاف، فظاهر قول مالك في هذه الرواية إجازة ذلك، وروي عنه أنه قال: لا بأس بذلك للمرضى، وكرهه مخافة العين وما يتقى من المرض للأصحاء. وأما التمائم بغير ذكر الله تعالى وبالكتاب العبراني وما لا يعرف ما هو فلا يجيزه بحال، لا لمريض ولا صحيح؛ لما جاء في الحديث من أن «من تعلق شيئا وكل إليه» ، «ومن علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له» ؛ ولما رواه في موطاه من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث في بعض أسفاره رسولا والناس في مقيلهم: لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وبر أو قلادة إلا قطعت» . ومن أهل العلم من كره التمائم ولم يجز شيئا منها بحال ولا على حال؛ لما جاء من هذه الآثار، ومنهم من أجازها في المرض ومنعها في حال الصحة لما يتقى منه، أو من العين على ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: "ما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة".

مسألة: صلى خلف رجل فلما قضى صلاته وجد منه ريح نبيذ

وقول مالك في هذه الرواية أولى الأقوال بالصواب من جهة النظر؛ إذ يبعد إجازة تعليق تميمة لا ذكر لله فيها في حال من الأحوال، ولا وجه من طريق النظر للتفرقة فيما كان منها بذكر الله بين الصحة والمرض إلا اتباع قول عائشة في ذلك، إذ لا تقوله رأيا، والله أعلم. وقوله الثاني أتبع للأثر؛ لاستعمال الآثار كلها بحمل النهي على ما ليس فيه ذكر الله تعالى، وقول عائشة على ما كان منها بذكر الله، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: صلى خلف رجل فلما قضى صلاته وجد منه ريح نبيذ] مسألة وسئل عمن صلى خلف رجل، فلما قضى صلاته وجد منه ريح نبيذ، فقال: إن كان لم يستنكر شيئا من عقله ولا صلاته فلا أرى أن يعيد، لعله نبيذ لا بأس به. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان لم يستنكر شيئا من عقله ولا صلاته فلا أرى أن يعيد، يدل على أنه لو استنكر شيئا من ذلك لوجبت عليه إعادة الصلاة، وذلك صحيح؛ لأن السكران لا تجوز صلاته لنفسه، إذ لا تصح منه نية؛ لذهاب عقله، فلا تجوز صلاته لغيره، فمن صلى خلفه أعاد، قاله مالك في " المدونة ". وفي هذا الرسم متصلا بهذه المسألة في بعض الروايات يعيد في الوقت وبعده، قاله سحنون وأصبغ، وفي قوله: لعله نبيذ لا بأس به دليل على أنه لو تيقن أنه نبيذ مسكر لوجبت عليه الإعادة وإن لم يكن سكر منه، وهذا صحيح على أصل مذهبه في أن ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام كالخمر، يجب فيه الحد وإن لم يبلغ به حد السكر، وتسقط به شهادته، ويجب على من ائتم به إعادة صلاته كمن أتم بشارب الخمر على ما قال ابن وهب في سماع عبد الملك أو بفاسق معلن بالفسق من أجل أنه لا يؤتمن على ما لا تصح الصلاة إلا به من الوضوء والنية وشبه ذلك، ولا يراعى في ذلك مذهب أهل العراق فيعذر أحد به؛ لبعده عن الصواب ومخالفته لما صح وثبت من الآثار، وبعده في النظر والاعتبار.

مسألة: أيصلي بعد المغرب في الليلة المطيرة التي يجمع فيها بعد المغرب نافلة

[مسألة: أيصلي بعد المغرب في الليلة المطيرة التي يجمع فيها بعد المغرب نافلة] مسألة وسئل: أحب إليك أن تصلي بعد المغرب في الليلة المطيرة التي يجمع فيها بين الصلاتين بعد المغرب نافلة؟ أم تثبت كما أنت حتى تصلي العشاء؟ قال: بل أثبت كما أنا ولا أتنفل حتى أصلي العشاء. وإنما جمع بين المغرب والعشاء للرفق بالناس، ولئلا ينقلبوا ثم يرجعوا إلى العشاء. قال محمد بن رشد: الوجه فيما اختاره مالك من ترك التنفل بعد المغرب إذا جمع بين الصلاتين هو أنه لو أبيح ذلك للناس لكثر ذلك من فعلهم، فكان سببا لتأخير صلاة العشاء ذريعة إلى ألا ينصرفوا إلا بعد الظلام، وإنما أريد بالجمع الرفق بالناس لينصرفوا وعليهم إسفار. وهذا من نحو المنع من التنفل في المسجد بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يقرأ القرآن في اللوح وهو غير متوضئ] مسألة وسئل عن الرجل يقرأ القرآن في اللوح وهو غير متوضئ، فقال: لا أرى أن يمسه. قال محمد بن رشد: معناه إذا كان يقرأ فيه على غير وجه التعليم؛ لأنه قد خففه في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم من كتاب الوضوء إذا كان على وجه التعليم، ومضى هناك القول على وجه تخفيفه، وحمل كلامه على أن بعضه مفسر لبعض أولى من حمله على الخلاف ما أمكن ذلك، وبالله التوفيق.

مسألة: تفوته ركعة من صلاة الظهر فيقوم لقضائها قبل سلام الإمام

[مسألة: تفوته ركعة من صلاة الظهر فيقوم لقضائها قبل سلام الإمام] ومن كتاب الأقضية الثالث مسألة قال: وسئل مالك عن الرجل تفوته ركعة من صلاة الظهر مع الإمام، فيصلي معه ثلاث ركعات، فإذا جلس الإمام في الرابعة قام فقضى تلك الركعة قبل أن يسلم، جهل ذلك، قال مالك: أرى أن لا يعتد بتلك الركعة، ثم ليجلس مع الإمام حتى يسلم، فإذا سلم قام فقضى تلك الركعة وسجد سجدتين بعد السلام. قال محمد بن رشد: قوله: جهل ذلك، يريد أنه جهل أن الإمام لم يسلم وظن أنه قد سلم؛ لأنه جهل أن القضاء لا يكون إلا بعد سلام الإمام. ولو جهل ذلك فصلى الركعة قبل سلام الإمام جهلا لأفسد صلاته. وفي " المبسوطة " لابن نافع أنه يعتد بها ويجزيه، وهو نحو ما لابن القاسم في رسم "باع شاة" من سماع عيسى، وذلك شذوذ، وإنما الاختلاف المشهور فيمن صلى في حكم الإمام إذا لم يدرك في صلاته شيئا، ذكر ذلك ابن المواز في كتابه، فتدبر ذلك. وقوله: "سجد سجدتين بعد السلام " خلاف ما في " المدونة " وخلاف المشهور في المذهب من أن كل سهو يكون من المأموم في حكم صلاة الإمام يحمله عنه الإمام، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يدخل المسجد فيجد الإمام في الركعة أيركع دون الصف] مسألة وسئل عن الرجل يدخل المسجد فيجد الإمام في الركعة، وهو منه على مثل ما يجوز للرجل أن يركع فيه مع الإمام من البعد، فيركع مع الإمام ويريد أن يمشي إلى أن يصل إلى الصفوف، قال: لا يمشي حتى يفرغ من سجود تلك الركعة، ولا يمشي فيما بين الركوع والسجود، ولا يجعل بينه عمل.

مسألة: الصلاة خلف الإباضية والواصلية

قال الإمام: قوله: وهو منه على مثل ما يجوز للرجل أن يركع فيه مع الإمام من البعد، أي: وهو منه على مثل ما يجوز للرجل أن يركع فيه معه من البعد، فيدب راكعا إلى الصف، فمعنى المسألة أنه إذا كان على هذا الحد من البعد فركع دون الصف، وعجل الإمام بالرفع قبل أن يصل إلى الصف، أنه لا يمشي حتى يفرغ من سجود تلك الركعة. وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في أول رسم "اغتسل " من سماع ابن القاسم، فقف على ذلك وتدبره، وبالله التوفيق. [مسألة: الصلاة خلف الإباضية والواصلية] ومن كتاب الصلاة الثاني مسألة قال: وسئل عن الصلاة خلف الإباضية والواصلية، فقال: ما أحبه، فقيل له: فالسكنى معهم في بلادهم؟ فقال: ترك ذلك أحب إلي. قال محمد بن رشد: الإباضية والواصلية فرقتان من فرق الخوارج الذين أعلم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخروجهم على المسلمين ومروقهم من الدين. وقوله في الصلاة خلفهم: لا أحبه، يدل على أنه لا يرى الإعادة على من صلى خلفهم، وهو قول سحنون وكبار أصحاب مالك، وقيل: إنه يعيد في الوقت، وهو قول ابن القاسم في " المدونة "، وقيل: إنه يعيد في الوقت وبعده، وهو قول محمد بن عبد الحكم، وقاله ابن حبيب، إلا في الوالي أو خليفته على الصلاة؛ لما في ترك الصلاة خلفهم من الخروج عليهم وما يخشى في ذلك من سفك الدماء. وقد تأول بعض الشيوخ ما في " المدونة " لمالك على عكس تفرقة ابن حبيب؛ لقوله: وأرى إن كنت تتقيه وتخافه على نفسك أن تصلي معه وتعيد ظهرا أربعا، والتفرقة بين ذلك استحسان، وكذلك الإعادة في الوقت، فالخلاف في

مسألة: الطويل الشعر يعتم على شعره بعمامة ثم يصلي بها

ذلك على وجه القياس راجع إلى قولين: إيجاب الإعادة أبدا على القول بأنهم يكفرون بمآل قولهم، وإسقاط الإعادة جملة على القول بأنهم لا يكفرون بمآل قولهم، وهذا فيما كان من الأهواء والبدع محتملا للوجهين؛ إذ منها ما هو كفر صريح فلا يصح أن يختلف في أن الإعادة على من صلى خلفهم، ومنها ما هو هوى خفيف لا يؤول بمعتقده إلى الكفر، فلا يصح أن يختلف في أن الإعادة غير واجبة على من صلى خلفهم، هذا وجه القول في هذه المسألة، وإن كانت الروايات إنما جاءت في ذلك مجملة، وكره السكنى معهم في بلادهم؛ لوجوه ثلاثة: أحدها: مخافة أن ينزل عليهم من الله سخط فيصيبه معهم، والثاني: مخافة أن يظن أنه معهم فيعرض نفسه لسوء الظن به، والثالث: مخافة أن يسمع كلامهم فيدخل عليه شك في اعتقاده لشبههم. [مسألة: الطويل الشعر يعتم على شعره بعمامة ثم يصلي بها] مسألة وسئل عن الطويل الشعر يعتم على شعره بعمامة ثم يصلي بها، فقال: أما أن يكتفه فإنه يكره، وأما أن يستدفئ فلا بأس به. قال المؤلف: إنما كره أن يكتف شعره في الصلاة لما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يصلي الرجل وشعره معقوص» ، ولقول ابن مسعود: إن الشعر يسجد معه وله بكل شعرة أجر، وذلك لا يكون رأيا، وهو مثل ما في " المدونة "، وبالله التوفيق. [مسألة: الركاب في السفينة لا يقدرون على الركوع والسجود] مسألة وسئل عن الركاب في السفينة لا يقدرون على الركوع والسجود إلا أن يركع أحدهم على ظهر صاحبه ويسجد، فقال

مسألة: الجماعة إذا كانت بموضع فلا يجوز لها أن تفترق طائفتين

لم يركبونها؟ فقيل: إلى الحج والعمرة، فقال: ما أرى أن يركبوها لحج أو عمرة، أيركب حيث لا يصلي! ويل لمن ترك الصلاة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن السجود من فرائض الصلاة، فإذا علم أنه لا يقدر في السفينة على السجود إلا على ظهر صاحبه، فلا ينبغي له ركوبها في حج ولا عمرة؛ لأنه لا يدخل على نافلة من الخير لمعصية، فإن فعل وصلى فيها وسجد على ظهر أخيه أعاد أبدا على قوله؛ لأنه قد جعل ذلك كتركه للصلاة، وهو يأتي على مذهب ابن القاسم في " المدونة " في الذي يقدح الماء من عينيه فيصلي إيماء أنه يعيد أبدا. وقال أشهب: لا إعادة عليه، وكذلك يقول في الذي لا يقدر في الزحام على سجود إلا على ظهر أخيه: إنه لا يعيد إلا في الوقت. ووجه ذلك أن الفرض عنده قد انتقل إلى الإيماء من أجل الزحام، فكان كالمريض الذي لا يستطيع السجود، فرفع إلى جبهته شيئا أومأ إليه فسجد عليه أن ذلك يجزيه، وهو عند مالك بخلاف المريض يعيد أبدا إن لم يسجد إلا على ظهر أخيه أو إيماء، فإن كان مع الإمام فلم يقدر على السجود إلا إيماء أو على ظهر أخيه حتى قام الإمام، سجد ما لم يعقد الإمام عليه الركعة التي تليها، وإن كان ذلك في الركعة الأخيرة سجد ما لم يسلم أو ما لم يطل الأمر بعد سلامه على الاختلاف في سلام الإمام هل هو كعقد ركعة أم لا. [مسألة: الجماعة إذا كانت بموضع فلا يجوز لها أن تفترق طائفتين] مسألة وسئل عن القوم يكونون في السفينة فينزل بعضهم ويبقى بعضهم، فيقيم الذين بقوا في السفينة الصلاة، ثم يجيء الذين كانوا نزلوا، أيجمعون تلك الصلاة في السفينة؟ فقال برأسه: لا، فروجع فيها فقال: إنما سأل الجمع مرتين فيها، ثم قال برأسه لا. قال محمد بن رشد: وهذا بين؛ لأن الجماعة إذا كانت بموضع

مسألة: حكم التبسم في الصلاة

فلا يجوز لها أن تفترق طائفتين، فتصلي كل طائفة منها بإمام على حدة؛ لقول الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 107] . ألا ترى أن الله -تبارك وتعالى- لم يبح ذلك للغزاة مع شدة الخوف، وشرع لهم أن يجتمعوا على إمام واحد، وكذلك أهل السفينة لا يجوز لهم أن يفترقوا على طائفتين في الصلاة، فلما كان ذلك لا يجوز لهم كره للذين نزلوا إذا جاؤوا أن يجمعوا الصلاة لأنفسهم إذا كان الذين بقوا قد جمعوا تلك الصلاة؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى ما لا يجوز من تفرقة الجماعة، لا سيما إن كان الذين بقوا إنما جمع بهم إمام راتب لهم، وأجاز في " المدونة " أن يصلي الذين فوق سقف السفينة بإمام والذين تحته بإمام آخر؛ لأنهما موضعان، فليس ذلك بخلاف لهذه الرواية، والله أعلم. [مسألة: حكم التبسم في الصلاة] مسألة وسئل عمن تبسم في الصلاة، فقال: يسجد سجدتي السهو، فقلت له: أقبل السلام أم بعده؟ فقال لي: قبل السلام. قال محمد بن رشد: أوجب في هذه الرواية سجود السهو قبل السلام في التبسم، ولم يفرق بين أن يكون متعمدا أو جاهلا أو مغلوبا أو ناسيا يرى أنه في غير صلاة، ووجه ذلك أنه أسقط الخشوع فهو في النسيان أظهر فيما عداه، فيحتمل أن يكون ذلك وجه ما أراد على ما في " المدونة "، وفي رسم "البراءة" من سماع عيسى لا سجود عليه ناسيا كان أو متعمدا. وقد نص على ذلك في سماع عيسى فقال: لو كان عليه سجود السهو إذا نسي لكان عليه إعادة الصلاة إذا تعمد، وهو الصواب؛ إذ لا سجود على من التفت في صلاته أو عبث فيها بيده أو سوى الحصباء بنعله، أو فعل ما أشبه ذلك مما يفعله في الصلاة ترك الخشوع فيها ناسيا كان أو متعمدا باتفاق، وسيأتي التكلم

مسألة: دخل مع الإمام في صلاته فسها لكثرة الناس عن الركوع مع الإمام

على حكم القهقهة في الصلاة في رسم "استأذن" ورسم "البراءة" من سماع عيسى إن شاء الله، وبه التوفيق. [مسألة: دخل مع الإمام في صلاته فسها لكثرة الناس عن الركوع مع الإمام] مسألة وسئل عمن دخل مع الإمام في صلاته فسها لكثرة الناس عن الركوع مع الإمام، وربما كان ذلك يوم الجمعة، فسها عن الركوع حتى رفع الإمام رأسه من الركعة، فيعلم بذلك بعد أن يرفع الناس رؤوسهم، أيعتد بها؟ فقال: إن أدركه وهو ساجد فليعتد بها، وإن لم يدركه حتى رفع رأسه من السجود فأحب إلي أن يقضي الركعة. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم "كتب عليه حق" من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته ها هنا، وتأتي متكررة في رسم "نقدها"، ورسم "لم يدرك" من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: الصلاة في المسجد الجامع في الرداء والسراويل] مسألة قال: وسئل عن الصلاة في المسجد الجامع في الرداء والسراويل، فقال: لا والله إن الصلاة في السراويل لقبيحة، فقيل له: أرأيت لو توشح الرداء فصلى فيه؟ فقال: ما السراويل من لباس الناس، وكره ذلك، قال: وإنما يصنع ذلك ضعفة الناس، وليست السراويلات من ثياب الناس التي يظهرون إلا أن تكون تحت القميص. قال: ولقد كنت ألبسه فما كنت ألبسه إلا بعد القميص، إن الحياء من الإيمان. قال القاضي: هذا كما قال، إن تردي الرداء وتوشحه على السراويل دون قميص مما يستقبح من الهيئة في اللباس، ولا يفعله إلا ضعفة الناس؛ لأن السراويل تصف ولا تستر كما يستر الإزار الذي يعطف بعضه على بعض،

مسألة: العجمي يصلي ولا يعرف القرآن

فلا ينبغي لأحد أن يصلي في المسجد الجامع في الرداء والسراويل دون قميص، تردى الرداء أو توشحه، وإن كان توشحه أخف لكونه أستر؛ لأن التجمل في الصلاة بحسن هيئة اللباس مشروع، قال الله- عز وجل-: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] . وروي عن مالك أنه قال في تفسير ذلك: معناه لتأخذوا لباسكم عند كل صلاة، قيل له: أفمن ذلك مساجد البيوت؟ قال: نعم. وقد سئل عمر بن الخطاب عن الصلاة في ثوب واحد، فقال: "إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم جمع رجل عليه ثيابه"، الحديث. وقال عبد الله بن عمر لنافع مولاه، وقد رآه يصلي في ثوب واحد: إذا صليت فخذ عليك ثوبا آخر، فإن الله أحق من تجملت له. هذا هو المختار المستحب عند أهل العلم كلهم، ولو صلى في ثوب واحد إزارا كان أو قميصا أو سراويل لأجزأته صلاته، وروي عن أشهب أن من صلى في السراويل وحدها وهو يجد الثياب، يعيد في الوقت، قال: وكذلك من أذن في السراويل وحدها أعاد أذانه ما لم يصل، فإن صلى لم يعد، وكان كمن صلى بغير أذان. [مسألة: العجمي يصلي ولا يعرف القرآن] مسألة قال: وسئل عن العجمي يصلي ولا يعرف القرآن، قال: ينبغي أن يتعلم، فأما أن يصلي ولا يعرف فهو يصلي ولا يعرف. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن العجمي الذي لا يعرف القرآن- أي: لا يحفظ شيئا منه- ينبغي له أن يتعلم ما يصلي به ولا يتوانى في ذلك؛ لأن القرآن من فروض الصلاة، وينبغي له أن لا يصلي وحده ما لم يتعلم ما يصلي به، فإن صلى وحده بغير قراءة وهو يجد من يأتم به ممن

يحسن القرآن أي: يحفظه، لم تجزه صلاته وأعادها، قاله ابن المواز. وإن ائتم به أحد أعاد الصلاة، قاله ابن القاسم في " المدونة ". وكتاب ابن المواز في الذي لا يحسن القرآن أي: لا يحفظ شيئا منه ولا يعرفه، قال ابن المواز: ويعيد هو أيضا؛ لتركه الائتمام به. وقد اختلف في الذي يحسن القرآن، أي: يحفظه ولا يحسن قراءته ويلحنه على أربعة أقوال: أحدها أن الصلاة خلفه لا تجوز، وإن لم يلحن في أم القرآن إذا كان يلحن في سواها، قاله بعض المتأخرين تأويلا على ما لابن القاسم في " المدونة " في الذي لا يحسن القرآن؛ لأنه حمله على الذي لا يحسن القراءة، وقال: إن لم يفرق فيها بين أم القرآن وغيرها، وهو بعيد في التأويل غير صحيح في النظر، والثاني: أن الصلاة خلفه جائزة إن كان لا يلحن في أم القرآن، ولا تجوز إن كان يلحن في أم القرآن، والثالث: أن الصلاة لا تجوز خلفه إن كان لحنه لحنا يتغير به المعنى، مثل أن يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] بكسر الكاف، و {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] برفع التاء، وما أشبه ذلك، وتجوز إن كان لحنه لحنا لا يتغير به المعنى، مثل أن يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] بكسر الدال من الحمد ورفع الهاء من الله، وما أشبه ذلك، وهذا قول ابن القصار وعبد الوهاب، والرابع: أن الصلاة خلفه مكروهة ابتداء، فإن وقعت لم تجب إعادتها، وهذا هو الصحيح من الأقوال؛ لأن القارئ لا يقصد ما يقتضيه اللحن، بل يعتقد بقراءته ما يعتقد بها من لا يلحن فيها، وإلى هذا ذهب ابن حبيب. ومن الحجة له ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل المسجد يوما، فمر بالموالي وهم يقرؤون ويلحنون فقال: نعم ما قرأتم، ومر بالعرب وهم يقرؤون ولا يلحنون فقال: هكذا أنزل» . وأما الألكن الذي لا تتبين قراءته والألثغ الذي لا يتأتى له النطق ببعض الحروف، والأعجمي الذي لا يفرق بين الطاء والضاد والسين والصاد وما أشبه ذلك، فلا اختلاف في أنه لا إعادة على من ائتم بهم، وإن كان الائتمام بهم مكروها إلا ألا يوجد من

مسألة: النفر يكونون بموضع ليس عليهم إمام يجمعون الجمعة

يرضى به سواهم. وسيأتي في آخر سماع موسى القول في صلاة الذي لا يحسن القرآن مستوفى، وبالله التوفيق. [مسألة: النفر يكونون بموضع ليس عليهم إمام يجمعون الجمعة] مسألة وسئل عن النفر يكونون بموضع ليس عليهم إمام، يجمعون الجمعة؟ فقال: إن لم يكونوا أهل عمود جمعوا، إنما يكون الجمع على أهل القرى. فقيل له: فإن لم يؤمر عليهم؟ فقال: إي والله وإن لم يؤمر عليهم ربما صلى أبو المثنى الجمعة بالناس بغير أمر الإمام، يمرض الإمام أو يموت أو تصيبه علة. قال محمد بن رشد: قوله: وإن لم يكونوا أهل عمود جمعوا، ظاهره خلاف ما في أول رسم من سماع عيسى أن الخصوص والمحال إذا كانت مساكن لأهلها كمساكن القرى في اجتماعها، لم يحل لهم أن يتركوا الجمعة، وعلى ذلك كان يحملها الشيوخ عندنا، ويحتمل أن يكون أراد بأهل العمود في الرواية الذين ينتجعون الكلأ ولا يستقرون بموضع، فتتفق الروايات ولا يكون بينها تعارض. والأظهر أن ذلك اختلاف من القول، وأن لا جمعة على أهل العمود؛ لأن الأصل أن الظهر أربع، فلا ينتقل عن ذلك إلا بيقين وهو المصر؛ لأنه المتفق عليه؛ لأنه أصل ما أقيمت الجمعة فيه، فوجب أن لا يجمع إلا في المصر أو فيما يشبه المصر من القرى التي فيها الأسواق والمساجد؛ إذ قد اشترط ذلك مالك في بعض الروايات عنه. وأما الوالي فليس من شرائط إقامة الجمعة عند مالك، وقد روي عن يحيى بن عمر أنه قال: الذي أجمع عليه مالك وأصحابه أن الجمعة لا تقام إلا بثلاثة: المصر، والجماعة، والإمام الذي تخاف مخالفته، وهو قول عمرو بن العاص، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، روي أن قوما أتوه فسألوه أن يأذن لهم في الجمعة، فقال: هيهات، لا يقيم الجمعة إلا من أخذ بالذنوب وأقام الحدود وأعطى الحقوق. وفي

مسألة: الصلاة بعد الجمعة في المسجد

" المبسوط " لمحمد بن مسلمة أنه لا يصليها إلا سلطان أو مأمور أو رجل مجمع عليه، وهو قريب من ذلك كله خلاف المعلوم من مذهب مالك في " المدونة " وغيرها، وبالله التوفيق. [مسألة: الصلاة بعد الجمعة في المسجد] مسألة وسئل عن الصلاة بعد الجمعة في المسجد أمكروه؟ فقال: أما الناس فلا، وأما الأئمة فينصرفون ولا يصلون فيه، وقد كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأئمة ينصرفون إذا فرغوا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب الصلاة الثاني من " المدونة " في الإمام أنه لا ينبغي له أن يركع في المسجد يوم الجمعة على إثر صلاة الجمعة، وخلاف قوله فيه في الناس؛ لأنه استحب لهم فيه أن لا يركعوا، ورأى ذلك لهم واسعا إن ركعوا، وخلاف قوله في الصلاة الأول منها؛ لأنه كره لهم فيه أن يركعوا ولى يوسع في ذلك. فتحصل في ركوع الناس يوم الجمعة في المسجد لمالك ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا كراهة في الركوع ولا استحباب في الجلوس، فإن جلس لم يؤجر، وإن ركع كان له أجر صلاته كاملا، كما لو صلى في غير ذلك الوقت من الأوقات التي لا تكره فيها الصلاة، وهو الذي يأتي على هذه الرواية، والثاني أن الجلوس مستحب والركوع واسع، فإن جلس ولم يصل أجر على جلوسه، وإن صلى أجر على صلاته، والله أعلم أيهما أعظم أجرا، وهو الذي يأتي على قول مالك في الصلاة الثاني من " المدونة "، والثالث أن الركوع مكروه والجلوس مستحب، فإن جلس ولم يصل أجر، وإن صلى لم يأثم، وهذا الذي يأتي على ما في الصلاة الأول من " المدونة "، فالجلوس على هذا القول أولى من الصلاة، والصلاة على القول الأول أولى من الجلوس. وإنما جاء هذا الاختلاف لما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا

مسألة: أوتر بالناس في رمضان أيسلم بين الاثنتين والواحدة

صلى الجمعة لم يركع في المسجد حتى ينصرف فيركع في بيته ركعتين» فاحتمل أن يكون هذا من فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصا للأئمة، واحتمل أن يكون عاما لجميع الناس، بدليل ما روي أن ابن عمر رأى رجلا يصلي ركعتين بعد الجمعة، فدفعه وقال: أتصلي الجمعة أربعا؟! وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من كان مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا» ، فاستحب بعض العلماء أن يصلي بعد الجمعة أربعا وكره أن يصلي بعدها ركعتين؛ ليجمع بين الحديثين، والله أعلم بالصواب. [مسألة: أوتر بالناس في رمضان أيسلم بين الاثنتين والواحدة] مسألة وسئل عمن أوتر بالناس في رمضان، فقال: لو كنت صانعه لم أسلم بين الاثنتين والواحدة؛ لأن بعض الناس قد قالوا: يوتر بثلاث، وإنه ليقال: إن معاذا القارئ كان يوتر بثلاث يفصل بين الاثنتين والواحدة. قال محمد بن رشد: كذا وقعت الرواية: لو كنت صانعه لم أسلم بين الاثنتين والواحدة، وحكاها ابن حبيب: لو كنت صانعه سلمت بين الاثنتين والواحدة، على ما يوجبه مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والصحيح في الرواية: لم أسلم بين الاثنتين والواحدة، بدليل اعتلاله لذلك بقول الذين قالوا: إنه يوتر بثلاث، فأراد أنه لو أوتر بثلاث لا يفصل بينهن لما خالف فعله في ترك الفصل؛ إذ من الناس من يقول ذلك. وهذا نحو قول ابن القاسم في رسم

مسألة: مس الذكر أتعاد منه الصلاة

"لم يدرك" من سماع عيسى في الذي يدرك الإمام في آخر ركعة من الوتر، وهو ممن لا يسلم أنه يضيف إليها ركعتين بغير سلام، ونحو قوله في " الواضحة " فيمن فاتته الركعة الأولى من شفع الوتر، والإمام ممن لا يفصل بين الشفع والوتر أنه لا يسلم مع الإمام إذا سلم من الوتر، ويقوم إلى الثالثة دون سلام لئلا، يخالف فعل الإمام في ترك الفصل بالسلام وإن كان قد فارقه في الوتر، إذ لم يدخل معه في أول الشفع خلافا لابن مطرف وابن الماجشون في قولهما: إنه يسلم مع الإمام إذا كان الإمام ممن يفصل أو لا يفصل؛ إذ قد فارقه ولم يدخل معه من أول الشفع. وقد اختلف الناس في الوتر، فقيل: إنه ركعة واحدة، وقيل: إنه ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام، وقيل: إنه ثلاث ركعات يسلم في الاثنتين منهن وفي آخرهن. وذهب مالك إلى أن ركعة واحدة عقب شفع أدناه ركعتان على ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية ابن عمر قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» ، وبالله التوفيق. [مسألة: مس الذكر أتعاد منه الصلاة] مسألة وسئل عن مس الذكر أتعاد منه الصلاة؟ فقال: لا أوجبه، وأبى، فروجع فيه فقال: يعيد ما كان في الوقت وإلا فلا. قال سحنون: لا أرى على من مس ذكره وصلى إعادة، لا في وقت ولا في غيره، ولقد قال لي ابن القاسم غير مرة: إن إعادة الوضوء عندي من مس الذكر ضعيف. قال محمد بن رشد: هذا كله من رواية أشهب عن مالك، وقول سحنون وروايته عن ابن القاسم يرجع إلى أن مس الذكر لا ينقض الوضوء

مسألة: وقت الدم

بحال، خلاف ظاهر ما في رسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب من كتاب الوضوء. ورواية ابن وهب عن مالك في سماع سحنون منه في الفرق بين أن يمسه عامدا أو غير عامد قول ثالث، وإليه ذهب ابن حبيب. وقد مضت هذه المسألة موعبة في رسم "اغتسل على غير نية" من سماع ابن القاسم من كتاب الوضوء، فقف على ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: وقت الدم] مسألة قال: وسئل عن وقت الدم، فقال: ليس له عندنا وقت، فقيل له: فقليله وكثيره سواء؟ فقال: لا، ولكن لا أجيبكم إلى هذا الضلال، إذا كان مثل الدرهم، ثم قال: أرأيت إن كان الدرهم من هذه البغيلة، الدراهم تختلف تكون وافية كلها وبعضها أكبر من بعض. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في هذا السماع من كتاب الوضوء، ومضى القول عليها هناك بما أغنى عن إعادته. [مسألة: الإمام يكبر في العيدين على المنبر] مسألة وسئل عن الإمام يكبر في العيدين على المنبر، أيكبر الناس بتكبيره؟ فقال: نعم، فقيل: أفينصتون كما ينصتون يوم الجمعة؟ فقال: نعم. قال محمد بن رشد: قوله: إنهم يكبرون بتكبير الإمام، يريد سرا في أنفسهم، وذلك حسن وليس بواجب، قال ذلك في الحج الأول من " المدونة "، وهو مفسر لما هاهنا. وقد مضى القول في وجوب الإنصات في خطبة

مسألة: من لم يسمع قراءة الإمام للفاتحة أيقول آمين

العيدين، وما في ذلك من الاختلاف في أول هذا السماع وفي رسم "تأخير صلاة العشاء" من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: من لم يسمع قراءة الإمام للفاتحة أيقول آمين] مسألة قال ابن نافع عن مالك: ليس على من لم يسمع قراءة الإمام أن يقول آمين إذا قال الإمام: ولا الضالين. قال محمد بن رشد: قوله: ليس ذلك عليه، يدل على أن له أن يقوله وإن لم يكن ذلك عليه، بأن يتحرى الوقت كما يتحرى المريض الذي ترمى عنه الجمار وقت الرمي عنه فيكبر. وذهب محمد بن عبدوس إلى أن ذلك عليه، وذهب يحيى بن عمر إلى أنه لا ينبغي له أن يفعل ذلك، فهي ثلاثة أقوال، أظهرها قول يحيى؛ لأن المصلي ممنوع من الكلام، والتأمين كلام أبيح للمصلي أن يقوله في موضعه، فإذا تحرى قد يضعه في غير موضعه. [مسألة: أدرك الإمام يوم الجمعة ساجدا فلم يسجد معه في الركعة الآخرة] مسألة قال: وسئل عمن أدرك الإمام يوم الجمعة ساجدا فلم يسجد معه في الركعة الآخرة، أيقيم الصلاة لنفسه؟ قال: نعم، لا يجزيه إقامة الناس. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه لم يحرم مع الإمام، ولو أحرم معه لبنى على إحرامه وأجزأته إقامة الناس، ولم يصح له أن يقيم إلا أن يقطع الصلاة ثم يستأنفها، ولو فعل ذلك في هذه المسألة لأخطأ؛ إذ لا اختلاف في أنه لا يصح له أن يبني فيها على إحرامه، بخلاف الذي قد يجد الإمام ساجدا في الركعة الثانية، فيحرم معه وهو يظن أنه في الركعة الأولى، وقد مضى القول على هذا في رسم " طلق بن حبيب " من سماع ابن القاسم.

مسألة: يقول في دعائه يا سيدي

[مسألة: يقول في دعائه يا سيدي] مسألة وسئل عن الذي يقول في دعائه: يا سيدي، فكرهه وقال: أحب إلي أن يدعو بما في القرآن وبما دعت به الأنبياء: يا رب، وكره الدعاء بـ"يا حنان". قال محمد بن أحمد بن رشد: إنما كره الدعاء بذلك للاختلاف الحاصل بين أهل السنة من أيمة المتكلمين في جواز تسمية الله تعالى بسيد وحنان وما أشبه ذلك من الأسماء التي فيها مدح وتعظيم لله تعالى، ولم تأت في القرآن ولا في السنن المتواترة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أجمعت الأمة على جواز تسميته بها؛ إذ منهم من لم يجز أن يسمى الله إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو أسماه به رسوله أو أجمعت الأمة على جواز تسميته به، ومنهم من أجاز تسميته بكل اسم لله فيه مدح وتعظيم ما لم تجمع الأمة على أنه لا يجوز أن يسمى الله تعالى به، كعاقل وفهيم ودار وما أشبه ذلك. وأما الدعاء بـ"يا منان" فلا كراهة فيه؛ لأنه من أسماء الله تعالى القائمة من القرآن، قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11] . [مسألة: تأخير الصلاة بسبب غسل الثياب] مسألة قال: وقيل لعمر بن عبد العزيز: أخرت الصلاة شيئا، فقال: إن ثيابي غسلت. قال محمد بن رشد: يحتمل إن لم يكن له غير تلك الثياب لزهده في الدنيا وتقلله منها فلذلك أخر الصلاة شيئا بسبب غسلها، أو لعله ترك أخذ سواها مع سعة الوقت تواضعا لله؛ ليقتدى به في ذلك ائتساء بعمر بن الخطاب

مسألة: المستحاضة ينقطع عنها الدم في غير أيام حيضتها

إذ جعل يغسل الاحتلام من ثوبه حتى أسفر، فقال له عمرو بن العاص: أصبحت ومعنا ثياب فدع ثوبك يغسل، فقال: واعجبا لك يا ابن العاص! إن كنت تجد ثيابا أفكل الناس يجد ثيابا، والله لو فعلتها لكانت سنة، بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر. فقد كان أتبع الناس لسيرته وهديه في جميع الأحوال، وأيا ما كانت فهي منقبة جليلة وفضيلة عظيمة لا تستغرب منه، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [مسألة: المستحاضة ينقطع عنها الدم في غير أيام حيضتها] مسألة وسئل عن المستحاضة ينقطع عنها الدم في غير أيام حيضتها، فقال: إذا انقطع عنها الدم اغتسلت وصلت. قال: وسألته عن المستحاضة تصلي صلاتين بوضوء واحد، أتعيد الصلاة؟ فقال: لا، قلت له: في الوقت ولا في غير الوقت؟ قال: لا تعيد في الوقت. قلت: أفيتوضأ لكل صلاة؟ فقال: ذلك أحب إلي، ولا أدري أواجب ذلك عليها أم لا. قال محمد بن رشد: قوله: إذا انقطع عنها الدم، يريد دم الاستحاضة الذي كانت تصلي به. وقوله: اغتسلت وصلت، يريد اغتسلت استحبابا وصلت كما كانت تصلي قبل انقطاعه، وذلك معلوم من مذهبه ومذهب جميع أصحابه. وسواء كان انقطاعه في غير أيام حيضتها أو في أيام حيضتها، إذ لا فرق بين الموضعين، فمالك لا يرى على المستحاضة غسلا إلا في أول أمرها بعد الاستظهار أو بلوغ الخمسة عشر يوما، ويستحب لها الوضوء لكل صلاة، فإن صلت صلاتين بوضوء واحد لم تعد، وقيل: إنها تعيد الآخرة في الوقت، حكى القولين ابن المواز عن مالك. ومن أهل العلم من يوجب عليها الغسل لكل صلاة، ومنهم من يوجبه من طهر إلى طهر، ومنهم من يوجب عليها أن تغسل للظهر والعصر غسلا واحدا، وللمغرب والعشاء غسلا واحدا، على ما جاء في ذلك من الآثار، وبالله التوفيق.

مسألة: المرأة تخرج من البحر عريانة أتصلي قائمة

[مسألة: المرأة تخرج من البحر عريانة أتصلي قائمة] مسألة وسئل عن المرأة تخرج من البحر عريانة، أتصلي قائمة؟ قال: نعم في رأي، إلا أن يراها أحد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنها مأمورة بالصلاة قائمة مستقبلة القبلة، وقد سقط عنها بعدم الثياب ما يختص بالصلاة من فرض ستر العورة عن عيون من سوى الآدميين، فوجب أن تصلي قائمة إلا أن يراها أحد، كما لها أن تغتسل في الفضاء قائمة إلا أن يراها أحد. [مسألة: يتعمد إسقاط آية من قراءته في الصلاة] مسألة وذكر يحيى بن سعيد «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة ترك في قراءته آية، فلما انصرف قال للناس: ما أنكرتم من قراءتي شيئا؟ فقيل: نعم، فكأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد أن يجرب حفظ الناس» قال مالك: «وكان أسيد بن الحضير وهو أحد النقباء يصلي فاضطرب فرسه اضطرابا شديدا، فنظر ما يزعرها فلم ير شيئا، فرفع رأسه إلى السماء فرأى شيئا يظله، فذكر ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: تلك الملائكة استمعت لقراءتك. » قال محمد بن رشد: قوله: فكأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد أن يجرب حفظ الناس، هو تأويل من الراوي ليس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعلى القول بتصحيحه يجوز للرجل أن يتعمد إسقاط آية من قراءته في الصلاة، فعلى هذا لا ينبغي أن يفتى في الصلاة من أسقط في قراءته شيئا من القرآن أو خرج من سورة إلى سورة، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، خلاف ما جاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من «قوله

مسألة: يكون له ثوب واحد أترى أن يعقد طرفيه إذا صلى لئلا يسقط عنه

لأبي بن كعب حين أسقط آية من سورة الفرقان: " ما منعك أن تفتح علي؟ قال: خشيت أنها نسخت، قال: فإنها لم تنسخ» . وفيه أيضا دليل على صحة ما ذهب إليه مالك من أن الذي يقرأ السجدة وهو على غير وضوء أو في غير وقت صلاة يختصرها، والصواب أن يختصر جملة الآية لا موضع ذكر السجود خاصة، على ما حكى عبد الحق عن بعض شيوخه؛ لأنه إذا فعل ذلك لم يتسق الكلام وتغير معناه، وقصة أسيد بن الحضير هذه وقعت هاهنا مختصرة، وهي في المصنفات بكمالها، من ذلك قوله فيها: «فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فعرجت إلى السماء حتى لم أرها. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم"، ثم قال: "لقد أوتيت يا أسيد من مزامير آل داود» ، يعني حسن الصوت، وهذه كرامة عظيمة لأسيد بن الحضير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا أنها وما كان مثلها على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنما هي ببركة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهي معدودة من آياته ومن جملة معجزاته. وفي القصة التحريض على تفريغ البال لاستماع القراءة؛ ولذلك أدخلها مالك عقب حديث يحيى بن سعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون له ثوب واحد أترى أن يعقد طرفيه إذا صلى لئلا يسقط عنه] مسألة وسئل عن الذي يكون له ثوب واحد، أترى أن يعقد طرفيه إذا صلى لئلا يسقط عنه؟ قال: لا بأس بذلك إذا لم يكن له غيره ولم يكن محرما، فإذا كان محرما فلا يفعل، وإن كان له ثوب غيره فأحب إلي أن يأخذ ثوبا آخر أوسع منه، وأحب إلي أن يتزر ويتردى إذا وجد، وكل من لم يجد فيجزئ عنه ما وجده.

يريد أن المصلي بالمدينة يستقبل من البيت الميزاب

قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن السنة في الصلاة في الثوب الواحد إذا لم يكن قميصا أن يخالف بين طرفيه على عاتقيه، فإن شاء رد طرفيه بين يديه، وإن شاء تركهما على عاتقيه، فإن لم يثبت لقصره إلا أن يعقده عقده، إلا أن يكون محرما فلا يعقده، وليتزر به؛ لأن العقد للمحرم مكروه، وإن قصر عن أن يعقده على قفاه فليتزر به، ولا شيء عليه في صلاته مكشوف الظهر والبطن إذا لم يجد، فإن صلى كذلك وهو يجد فقد أساء ولا إعادة عليه، وقيل: يعيد في الوقت. وقد مضى ذلك في صدر هذا الرسم والاختيار إذا وجد ألا يصلي في أقل من ثوبين وإن لم يكن في جماعة الناس. [يريد أن المصلي بالمدينة يستقبل من البيت الميزاب] مسألة وقال: يقال: إن قبلة المسجد مسجد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبالة الميزاب. قال محمد بن رشد: يريد أن المصلي بالمدينة يستقبل من البيت الميزاب؛ لأنه هو الذي يتفق، فليس في هذا معنى يشكل. [مسألة: آكل الثوم أيكره له المشي في السوق] مسألة قال: ولقد سألت مالكا عن آكل الثوم أيكره له المشي في السوق؟ فقال: ما سمعت ذلك إلا في المسجد، فقلت له: أرأيت من يأكل البصل والكراث أيكره له من دخول المسجد ما يكره من الثوم؟ فقال: لم أسمع ذلك إلا في الثوم، وما أحب له أن يؤذي الناس. قال المؤلف: في قوله: ما سمعت ذلك إلا في المسجد، دليل على أنه لا حرج عنده على آكل الثوم في المشي في الأسواق، وإن كره له ذلك في

مسألة: ينسى الظهر ثم يذكرها وهو في العصر مأموما

مكارم الأخلاق. والوجه في ذلك أن النهي إنما ورد في المسجد، وله حرمة يختص بها دون الأسواق؛ لقول الله- عز وجل-: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] ، ولما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أن تنظف وتطيب، فلم يصح قياس الأسواق عليه في منع آكل الثوم من دخوله، وأما قياس الكراث والبصل على الثوم في منع آكلها من دخول المسجد فصحيح إن كانت تؤذي رائحتها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد نص على أن العلة في الثوم هي الإذاية، فوجب أن يعتبر بها حيثما وجدت، وذلك بين من مذهب ابن القاسم في رسم "أوصى" من سماع عيسى. وعلى هذا يجب أن يحمل قول مالك؛ لأن قوله: وما أحب له أن يؤذي الناس، تجاوز في اللفظ، ومراده به ما يجوز له أن يؤذي الناس؛ لأن ترك إذاية الناس من الواجب لا من المستحب، وبالله التوفيق. [مسألة: ينسى الظهر ثم يذكرها وهو في العصر مأموما] مسألة قال: وسألته عن الذي ينسى الظهر ثم يذكرها وهو في العصر، يصلي لنفسه ليس مع الإمام؟ فقال: يتم ركعتين ثم ينصرف فيصلي الظهر ثم يصلي العصر. قيل له: وإن كان إنما أحرم في العصر قط؟ فقال: نعم يتم ركعتين. قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية: إنه يتم ركعتين ولا يقطع، ركع أو لم يركع، وكذلك لو ذكر صلاة قد خرج وقتها وهو في صلاة مكتوبة لأتم أيضا ركعتين ركع أو لم يركع. وفي " المدونة " أنه يقطع ما لم يركع، وسواء على مذهبه فيها ذكر وهو في العصر صلاة الظهر من يومه أو صلاة قد خرج وقتها. وقد قيل: أنه يقطع أيضا في المسألتين جميعا ركع أو لم يركع، قاله مالك في أحد قوليه في " المدونة " في النافلة، ولا فرق بين النافلة والفريضة في القياس. وقد قيل: إن الفريضة في هذا بخلاف النافلة، فيقطع في النافلة ركع

أو لم يركع، ولا يقطع في النافلة ركع أو لم يركع، وقد قيل: إنه إن كان معه ركعة أتم ركعتين، وإن كان لم يركع شيئا أو ركع ثلاث ركعات قطع، وهو اختيار ابن القاسم في " المدونة ". وفرق ابن حبيب بين أن يذكر الظهر في العصر أو المغرب في العشاء، وبين أن يذكر صلاة قد خرج وقتها وهو في صلاة، فقال: إنه إن ذكر الظهر في العصر أو المغرب في العشاء قطع، ركع أو لم يركع، كان مع الإمام أو وحده، وإن ذكر صلاة قد خرج وقتها وهو في صلاة تمادى إن كان مع الإمام، وإن كان وحده أتم ركعتين ركع أو لم يركع. وقد قيل: إنه إن كان في خناق من الوقت قطع ما لم يركع، وإن يكن في خناق منه تمادى وإن لم يركع، فيتحصل في المسألة من الاختلاف سبعة أقوال. وهو كله اختلاف اختيار؛ إذ لا يتعلق بمن فعل شيئا من ذلك حكم عند من رأى خلافه إلا انتقاص الفضيلة. وقد قيل: إنه يخرج من قطع عند من رآى أن يتم ركعتين؛ لقول الله -عز وجل-: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ، ويخرج من أتم ركعتين عند من رأى أن يقطع؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها» ، فإن الله- عز وجل- يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ، فصار من أخر الصلاة المنسية عن وقت ذكرها فيه بالتمادي على التي ذكرها فيها آثما، والأول أظهر أنه لا يأثم بدليل «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى ركعتي الفجر يوم الوادي بعد أن طلعت الشمس قبل أن يصلي الصبح» . وعلى هذا الاختلاف يأتي اختلافهم فيمن ذكر صلاة، وهو في صلاة فتمادى عليها حتى أتمها، أو ذكرها فبدأ بالتي حضر وقتها قبلها، هل يعيد أبدا أو في الوقت؟ وأما من فرق بين أن يذكر الصلاة وهو في صلاة أو قبل أن يدخل فيها، فوجهه اتباع ظاهر ما جاء

مسألة: يتنفل فيتعيا بالقرآن أفيقف فيفكر أو ينصرف يسلم وينظر

من أن من ذكر صلاة وهو في صلاة فسدت عليه الصلاة، وهو حديث مروي، وبالله التوفيق. [مسألة: يتنفل فيتعيا بالقرآن أفيقف فيفكر أو ينصرف يسلم وينظر] مسألة وسئل عن الذي يتنفل فيتعيا بالقرآن، أفيقف فيفكر أو ينصرف يسلم وينظر؟ قال: يتفكر تفكرا خفيفا يتذكر ولا يسلم. ولكن يخطرف ذلك أو يستفتح بسورة أخرى. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن القرآن كله حسن سواء، فما قرأ منه كفى وأجزأ، قال الله- عز وجل-: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] ، فإذا تعايا في قراءته تذكر يسيرا؛ لأن التذكر الكثير يخرجه عن الإقبال على صلاته، فإن ذكر وإلا خطرف أو استفتح بسورة، إذ ليس موالاة القراءة بواجب، فقد جاء أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسقط آية من قراءته ليجرب حفظ الناس وإن شاء ركع وسجد، ولا يسلم لينظر؛ إذ لا ينبغي لأحد أن يقطع صلاته إلا من ضرورة، قال الله- عز وجل-: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] . ولو كان المصحف إلى جنبه ونظر فيه وتمادى على صلاته لكان قد أساء ولم يكن عليه شيء، وجائز للذي لا يحفظ القرآن أن يصلي في المصحف، والفرق بين الموضعين أن الذي يشك في الحرف إذا نظره في المصحف احتاج إلى فتش موضعه، فكان ذلك شغلا في صلاته، والذي يصلي في المصحف يفتحه قبل أن يدخل في الصلاة، ويجعل أمامه الموضع الذي يريد أن يقرأه في صلاته، فينظر من غير أن يشتغل بشيء إلا بتحويل الورقة التي أكمل قراءتها، وذلك يسير.

مسألة: الذي يركع فيتطأطأ جدا

[مسألة: الذي يركع فيتطأطأ جدا] مسألة وسئل عن الذي يركع فيتطأطأ جدا، فقال: ما ذلك بحسن، وأحسن الركوع اعتدال الظهر، لا يرفع رأسه جدا ولا يخفضه جدا وينصب قدميه أحسن. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، فقد جاء أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان إذا ركع لو وضع على ظهره ماء لاستقر» . [مسألة: دخول الكنائس للصلاة والأكل فيها] مسألة قال: سمعت نافعا يذكر أن عمر بن الخطاب صنع له طعام بالشام في كنيسة، فأبى أن يجيب إليه وكره دخول الكنائس وقال: لا أرى أن يصلى في الكنائس. قال: وسئل عن الصلاة في الكنائس، فقال: لا أحب أن يصلى فيها إذا وجد غيرها، هي نجس، قد دعي عمر بن الخطاب إلى طعام بالشام في كنيسة فلم يأته وقال: أرى أن لا تدخل هذه الكنائس التي فيها الصور. قال محمد بن رشد: قد مضى القول مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم في هذه المسألة، فتأمله هناك. [صلى إلى غير القبلة متعمدا أو جاهلا بوجوب استقبال القبلة] مسألة قال يحيى بن سعيد: سمعت ابن المسيب يقول: حولت القبلة بعد بدر بشهرين، قال ابن المسيب: إنهم صلوا إلى بيت

المقدس ستة عشر شهرا، ثم حولت القبلة بعد بدر بشهرين، قال: قال مالك: ذكر لي عبد الله بن دينار «عن عبد الله بن عمر أن الناس بينما هم قيام في الصلاة إلى بيت المقدس، فجاءهم آت فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أنزل عليه أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، فاستداروا إلى القبلة» . قال محمد بن رشد: وقع هاهنا بعد بدر بشهرين، وفي " الموطأ ": قبل بدر بشهرين، فيحتمل أن يريد بما هاهنا بدرا الأولى وبما في " الموطأ " بدرا الثانية؛ لأنه كان بينهما نحو أربعة أشهر، تحولت القبلة بعد الأولى بشهرين وقبل الثانية بنحو شهرين. وقد قيل: إن ما في " الموطأ " هو الصواب، والذي وقع هاهنا غلط؛ لأن بدرا إذا أطلقت دون وصف فالمراد بها الثانية المشهورة المذكورة في القرآن، وقول ابن المسيب: إنهم صلوا إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، صحيح، لا اختلاف في أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى إلى بيت المقدس منذ قدم المدينة حتى حولت القبلة، وإنما اختلفت الآثار في صلاته بمكة قبل قدومه المدينة، فروي أنها كانت إلى مكة وهو دليل قول سعيد بن المسيب هذا، وروي أنها كانت إلى بيت المقدس، وقيل: إنه كان يصلي إلى بيت المقدس ومكة بين يديه، فكانت صلاته إليهما جميعا، وفي استدارتهم إلى القبلة في صلاتهم معنى يجب الوقوف عليه، وذلك أن أهل العلم بالأصول اختلفوا في الحكم إذا نسخ، فقيل: إنه يكون منسوخا بورود الناسخ جملة، وقيل: إنه لا يكون منسوخا عند من لم يعلم ورود الناسخ إلا بوصول العلم إليه، فيلزم على القول بأنه منسوخ بنفس ورود الناسخ جملة أن يستدير في صلاته إلى القبلة من علم فيها أنه إلى غير القبلة على ما فعل الصحابة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بقباء، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه. وقول مالك:

مسألة: رفع المصلي صوته بالقراءة في المسجد

إنه يقطع ويبتدئ بخلاف ما فعل الصحابة يدل على أنه لم ير الحكم منسوخا عنهم إلا بوصول العلم إليهم، إلا أن يفرق بين الموضعين، فإنهم وإن كان الحكم منسوخا عنهم بنفس ورود النسخ قبل دخولهم في الصلاة، فلم يكن منهم تقصير، بخلاف الذي اجتهد في القبلة فبان له بعد الدخول في الصلاة أنه على غير القبلة، وقد اختلف فيمن صلى إلى غير القبلة مستدبرا لها، أو مشرقا أو مغربا عنها، ناسيا أو مجتهدا، فلم يعلم حتى فرغ من الصلاة، فالمشهور في المذهب أنه يعيد في الوقت من أجل أنه يرجع إلى اجتهاد من غير يقين، وقيل: إنه يعيد في الوقت وبعده، وهو قول المغيرة وابن سحنون، كالذي يجتهد فيصلي قبل الوقت، وكالأسير يجتهد فيصوم شعبان، وقاله الشافعي إذا استدبر القبلة. وذكر عن أبي الحسن القابسي أن الناسي يعيد أبدا بخلاف المجتهد. وأما من صلى إلى غير القبلة متعمدا أو جاهلا بوجوب استقبال القبلة، فلا اختلاف في وجوب الإعادة عليه أبدا، وكذلك من صلى بمكة إلى غير الكعبة وإن لم يكن مشاهدا لها فهو كالمشاهد لها في وجوب الإعادة عليه أبدا، من أجل أنه يرجع إلى يقين يقطع عليه، إذ يمكنه أن يصعد على موضع يرى الكعبة منه فيعلم بذلك حقيقة القبلة في بيته. واختلف فيمن صلى بمكة إلى الحجر، فقيل: لا تجزئه صلاته؛ لأنه لا يقطع أنه من البيت، وقيل: تجزئه صلاته؛ لتظاهر الأخبار أنه من البيت، وذلك في مقدار ستة أذرع منه؛ لأن ما زاد على ذلك ليس من البيت، وإنما زيد فيه لئلا يكون مركنا فيؤذي الطائفين، وبالله التوفيق. [مسألة: رفع المصلي صوته بالقراءة في المسجد] مسألة [في رفع المصلي صوته بالقراءة في المسجد] قال مالك: وكان عمر بن عبد العزيز يخرج في الليل- أراه

في آخره، وكان حسن الصوت -يصلي، فقرأ، فقال سعيد بن المسيب لبرد: اطرد هذا القارئ عني فقد آذاني، فسكت برد، فقال: ويحك يا برد! اطرد هذا القارئ عني فقد آذاني، فقال له برد: إن المسجد ليس لنا، إنما هو للناس، فسمع ذلك عمر فأخذ نعليه ثم تنحى. قال محمد بن رشد: الأصل في هذا ما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج على الناس وهم يصلون في المسجد وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن» . فلا يجوز لمن تنفل في المسجد وإلى جنبه من يصلي أن يرفع صوته بالقراءة؛ لأنه يخلط عليه صلاته، وفي ذلك إذاية له، وكذلك من فاته من صلاة الإمام ما يجهر فيه بالقراءة فلا يجوز له أن يفرط في الجهر إذا كان إلى جنبه من يعمل مثل عمله لئلا يخلط عليه صلاته فيؤذيه بذلك. ومن حق من أوذي أن ينهى من آذاه عن إذايته؛ فلذلك أمر سعيد بن المسيب بردا بما أمره به من طرد القارئ عنه، يريد من جواره لا من المسجد جملة، ولم يهبه لمكانه من الخلافة؛ لجزالته وقوته في الحق وقلة مبالاته بالأيمة، ولا أنف عمر بن عبد العزيز من قوله؛ لتواضعه وخيره وفضله وانقياده للحق، وأخذ نعليه وتنحى عنه. وقد استدل بعض الشيوخ بهذه الحكاية على أن الأصوات من الضرر الذي يجب الحكم على الجار بقطعه على جاره، كالحدادين والكمادين والندافين وشبه ذلك، وليس بدليل بين؛ لأن ما يفعله الرجل في داره من ذلك فيتأذى به جاره، بخلاف ما يفعله في المسجد من رفع صوته بالقراءة لتساوي الناس في الحق فيه، ولو صلى رجل في داره فرفع صوته بالقراءة لما وجب لجاره أن يمنعه من ذلك، والرواية منصوصة عن مالك في أنه ليس

مسألة: ينسى تكبيرة الإحرام وهو إمام فيذكر بعدما قرأ صدرا من قراءته

للرجل أن يمنع جاره الحداد من ضرب الحديد في داره وإن أضر به سماعه، فكيف بهذا؟ والله أعلم. [مسألة: ينسى تكبيرة الإحرام وهو إمام فيذكر بعدما قرأ صدرا من قراءته] مسألة وسئل مالك عن الذي ينسى تكبيرة الإحرام وهو إمام، فيذكر بعدما قرأ صدرا من قراءته، فقال: يبتدئ تكبيرة الإحرام، قلت له: أترى أن يؤذن من خلفه؟ قال: نعم، يقول لهم: إني لم أكن ذكرت تكبيرة الإحرام، فهذا حين دخولي في الصلاة، فادخلوا معي، ثم يقول: الله أكبر، فإن كانوا هم قد كبروا، فإن ذلك لا يجزئهم. قال محمد بن رشد: قوله: يبتدئ تكبيرة الإحرام، يريد بغير سلام، ولا اختلاف في هذا، بخلاف ما لو لم يذكر إلا بعد ركعة. وقوله: إنه يؤذن من خلفه، صواب؛ لأن تكبيرهم قبله لا يجزئهم، إلا أنه يختلف، هل يقطعون بسلام؟ أو يكبرون ولا يقطعون؟ فقيل: إنهم بمنزلة من لم يكبر يكبرون ولا يسلمون، وهو مذهبه في " المدونة "، وقيل: إنهم يسلمون ويكبرون، ولو لم يؤذنهم فتمادوا معه لأعادوا الصلاة على مذهب مالك. ولو علموا ذلك بعد ركعة وقد كبروا للركوع لكان الاختيار أن يتمادوا مع الإمام ويعيدون، بمنزلة من نسي تكبيرة الإحرام وهو مع الإمام فذكر بعد أن ركع وقد كبر للركوع، وإن شاءوا قطعوا بسلام وأحرموا، وكانوا كالداخلين في الصلاة معه يقضون ركعة بعد سلامه، ولا يجزئهم أن يحرموا بغير سلام. [مسألة: صلاة الخسوف إذا رفع رأسه من الركعة الأولى أيقرأ بأم القرآن] مسألة وسئل مالك عن صلاة الخسوف والكسوف] إذا رفع رأسه من الركعة الأولى أيقرأ بأم القرآن في الركعة الثانية؟ قال: نعم.

مسألة: المصلي لنفسه في المكتوبة يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في" المدونة " أنه يقرأ أم القرآن في الأربع ركعات، وعبد العزيز بن أبي سلمة لا يرى أن يقرأ أم القرآن إلا في الركعة الأولى والثانية، وهو القياس؛ لأن القراءة الثانية من الركعة الأولى؛ إذ لم يفصل بينهما سجود، ألا ترى أن من أدرك الركوع الثاني مع الإمام حمل عنه الإمام القراءتين جميعا وإن كان بينهما ركوع؛ لأنهما في حكم القراءة الواحدة. وقول مالك استحسان، وبالله التوفيق. [مسألة: المصلي لنفسه في المكتوبة يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم] مسألة وسئل عن المصلي لنفسه في المكتوبة، فقال: لا يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. [قلت له: أرأيت الذي يقرأ لنفسه في النافلة بعد المغرب ركعتين أو غيرها من الصلوات، فقال: لا يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] إلا أن يكون رجلا يقرأ القرآن عرضا، يعني بذلك عرضه. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم "نذر سنة" من سماع ابن القاسم مستوفى، فلا وجه لإعادته هنا. [مسألة: الصلاة خلف من استؤجر لقيام رمضان يقوم بالناس] مسألة وسئل عن الصلاة خلف من استؤجر لقيام رمضان يقوم بالناس، فقال: أرجو أن لا يكون بذلك بأس، إن كان بأس فعليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا بأس بالصلاة خلف من استؤجر لقيام رمضان؛ لأن الإجارة ليست عليه حرام، فتكون جرحة فيه تقدح في إمامته، وإنما هي له مكروهة، فتركها أفضل، ولا تكره إمامة من فعل ما تركه أفضل، كما لا تكره إمامة من ترك ما فعله أفضل من النوافل، ولم يحقق الكراهية في هذه الرواية، إذ قال فيها: إن كان بأس فعليه، وخففها

مسألة: الإمام إذا قال سمع الله لمن حمده أيرفع يديه

في غير ما كتاب من " المدونة "، ورأى ذلك في المكتوبة أشد لحرمتها ووجوبها عليه، فلم يبح الإجارة فيها على الإطلاق، إلا أن يكون في حيز التبع مما ينضاف إليها من الأذان والقيام على المسجد لعمارته. وقد روى علي بن زياد عن مالك أنه لا بأس أن يأخذ الرجل الإجارة على صلاة الفريضة؛ لأنه يلزمه أن يصليها لنفسه، ولا يأخذ ذلك في النافلة، حكى هذه الرواية بكر القاضي، ووجهها أن صلاة الفريضة لما كانت تلزمه علم أنه لم يعط الأجرة على ما يلزمه، وإنما أعطيها على ما لا يلزمه من أن يصليها في مسجدهم حيث يأتمون به، ولما كانت صلاة النافلة لا تلزمه خشي أن يكون إنما صلى بسبب الأجرة، ولولاها لم يصل، فكرهها لذلك. ووجه ما في " المدونة " من أن ذلك في الفريضة أشد هو أن الصلاة الفريضة، وإن كانت لا تلزمه في مسجد بعينه، فيلزمه من مراعاة أوقاتها وحدودها ما يخشى أن يكون لولا الأجرة لقصر في بعضها، والنافلة لا تلزمه أصلا، فكانت الإجارة عليها أخف؛ لأن الإجارة على ما لا يلزم الأجير فعله جائزة، وإن كان في ذلك قربة، أصل ذلك الأذان وبناء المساجد، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: الإمام إذا قال سمع الله لمن حمده أيرفع يديه] مسألة وسئل عن الإمام إذا قال: سمع الله لمن حمده، أيرفع يديه؟ قال: نعم، يرفع يديه ويرفع من وراءه أيديهم إذا قالوا: سمع الله لمن حمده، قيل: أيرفع يديه إذا قال: سمع الله لمن حمده أم يرجئ ذلك حتى يقول: ربنا ولك الحمد؟ فقال: إذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وكذلك يفعل من وراءه، وليس رفع الأيدي بلازم، وفي ذلك سعة. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها موعبا في رسم "المحرم يتخذ الخرقة لفرجه"، من سماع ابن القاسم، ومضى منه شيء في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك.

مسألة: صلى بالناس فقرأ قل هو الله أحد الله الصمد فقال رجل كذلك الله

[مسألة: صلى بالناس فقرأ قل هو الله أحد الله الصمد فقال رجل كذلك الله] مسألة قال: وسئل مالك عن إمام صلى بقوم فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] ، فقال رجل من ورائه: كذلك الله، أيعيد الصلاة؟ قال: لا. قال أبو الوليد محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إقرار لله بالتوحيد وبما عليه من صفات التنزيه، ولا يفسد الصلاة إلا ما كان من كلام الناس بغير ذكر الله، وسيأتي هذا المعنى قرب آخر هذا الرسم وفي سماع موسى بن معاوية، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل ذرعه القيء في المسجد النبوي يوم الجمعة] مسألة وسئل مالك عن رجل ذرعه القيء في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الجمعة، فقاء قيئا كثيرا ليس فيه طعام، إنما هو ماء، أترى أن ينصرف من ذلك؟ فقال: لا والله أعلم، ما أرى أن ينصرف إن كان ليس إلا ماء، وأرى أن يأمر من ينزع ذلك من المسجد. قلت له: أرأيت من كان يصلي وهو أمامه أينصرف عنه؟ قال: ما ذلك عليه. قال محمد بن رشد: قوله أترى أن ينصرف من ذلك، يريد أترى أن ينصرف عن صلاته ويقطعها لما أصابه فيها من ذلك؛ لأن معنى المسألة أن ذلك أصابه في الصلاة، فلم ير أن ذلك يقطع عليه صلاته إن كان ماء، ويقطعها إن كان طعاما، هذا الذي يدل عليه قوله، وهو له في " المجموعة " نصا من رواية ابن القاسم عنه، فأفسد الصلاة بما لا يفسد به

مسألة: الصلاة على البسط

الصيام. والمشهور أن من ذرعه القيء لا تفسد صلاته كما لا يفسد صيامه، بخلاف الذي يستقيء طائعا، وهو قول ابن القاسم في أول رسم "استأذن" من سماع عيسى. واختلف قوله إن رده [بعد وصوله في فساد صلاته وصيامه، يريد إن رده ناسيا أو مغلوبا، وأما إن رده طائعا غير ناس فلا اختلاف في أن ذلك يفسد صومه وصلاته. وقد قيل: إن المغلوب أعذر من الناسي في فساد صومه وصلاته، ولا يوجب ذلك الوضوء وإن كان نجسا بتغيره عن حال الطعام إلى حال الرجيع أو ما يقاربه، إذ لا يوجب الوضوء على مذهب مالك إلا ما خرج من السبيلين من المعتاد على العادة باتفاق، أو على غير العادة باختلاف. وقوله: أرى أن يأمر من ينزع ذلك من المسجد، يريد على التنزيه للمسجد مما يستقذر لا على أن ذلك واجب، إذ ليس بنجس. وقد حكى مالك في " موطأه " أنه رأى ربيعة يقلس في المسجد مرارا وهو في المسجد، فلو كان القلس نجسا لما قلس في المسجد، فإذا لم يكن نجسا وهو ماء قد تغير عن حال الماء إلى أن صارت فيه حموضة، فكذلك يجب أن لا يكون القيء نجسا، وإن تغير عن حال الطعام، ما لم يكن تغيرا شديدا يشبه الرجيع أو يقاربه، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: الصلاة على البسط] مسألة وسئل عن الصلاة على البسط، فقال: ما يعجبني، ولو صلى لم أر عليه شيئا، ويصلي على غيرها أحب إلي، وما البسط إلا مثل الثياب الأكسية والسيجان، ولكن يصلي على الحصر والتراب والخشب. قيل فالصلاة على ثياب الكتان؟ فقال: ثياب الكتان مثل الكرسف، وكره الصلاة عليها.

مسألة: الصلاة فوق السطوح التي ليست بمحظورة أيجعل بين يديه سترة

قال محمد بن رشد: الاختيار أن يصلي على الأرض دون حائل؛ لأن ذلك من التواضع الذي هو الشأن في الصلاة. وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال. «يا رباح عفر وجهك في التراب» ، ولأنه العمل القديم؛ لأن مسجد مكة والمدينة كانا محصبين غير مفروشين، فالصلاة على حائل مكروهة إلا أن يكون الحائل مما يشاكل الأرض ولا يقصد به الترفه والكبر، كحصر الحلفاء والبردي والدوم وشبه ذلك مما تنبته الأرض بطبعها. وقد أجاز محمد بن مسلمة الصلاة على ثياب الكتان والقطن؛ لأنهما مما تنبته الأرض. والأظهر ما ذهب إليه مالك؛ لأن الأرض لا تنبتهما بطبعها؛ ولأن ذلك مما فيه الترفه. وإذا كانت العلة في هذا القصد إلى التواضع وترك ما فيه الترفه، فالصلاة مكروهة على حصر السيجان وما أشبهها مما يشترى بالأثمان العظام ويقصد به الكبر والترفه والزينة والجمال، والله أعلم. [مسألة: الصلاة فوق السطوح التي ليست بمحظورة أيجعل بين يديه سترة] مسألة وسألته عن الصلاة فوق السطوح التي ليست بمحظورة، أيجعل بين يديه سترة أم يصلي ولا يجعلها؟ فقال: يجعل سترة أحب إلي، فإن لم يقدر فأراه واسعا، وكذلك الصلاة في الصحاري إلى سترة، فإن لم يجد صلى إلى غير سترة. قلت له: ولا يجعل خطا؟ قال: لا يجعل خطا، وأرى ذلك واسعا. قلت له: فأدنى الذي يستر المصلي في صلاته؟ فقال: مثل مؤخرة الرحل في الطول على غلظ الرمح في الغلظ. قيل له: فعصا الحمار؟ فقال: ما أرى ذلك. قال محمد بن رشد: في هذه الرواية السترة من هيئة الصلاة وشأنها وسنتها، فكره الصلاة دون سترة، وإن كان بمكان يأمن أن يمر فيه أحد بين

يديه. وعلى ما في " المدونة " إنما أمر المصلي بالسترة؛ لتكون سترة له ممن يمر بين يديه، [فإذا صلى بمكان يأمن أن يمر أحد بين يديه] جاز أن يصلي إلى غير سترة. وكذلك إن صلى على سطح غير محظور أرفع من قامة الإنسان جاز أن يصلي إلى غير سترة وإن مر الناس أمامه دون السطح. وقوله: لا يجعل خطا وأرى ذلك واسعا، [أي أرى واسعا أن] يصلي إلى غير سترة إذ لم يجد سترة، لا أنه رأى الخط إذا لم يجد سترة ووسع في تركه؛ لأن الخط عنده باطل لا يراه، وجد السترة أو لم يجدها. وقد روي أن أمة بالمدينة نظرت إلى ابن جريج وقد خط خطا يصلي إليه، فقالت: واعجبا لهذا الشيخ وجهله بالسنة! فأشار إليها أن قفي، فلما قضى صلاته قال: ما رأيت من جهلي؟ قالت: لأنك تخط خطا تصلي إليه، وقد حدثتني مولاتي عن أمها عن أم سلمة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الخط باطل، وإن العبد إذا كبر تكبيرة الإحرام سدت ما بين السماء والأرض» ، فسألها تقفوه إلى مولاتها ففعلت، فحدثته بذلك فقال لها: تبيعينها مني أعتقها، فإنه ينبغي أن يحفظ من روى شيئا من العلم، قالت: ذلك إليها، فعرض ذلك عليها فقالت: لا حاجة لي بذلك؛ لأن مولاتي قد حدثتني عن أمها عن أم سلمة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا اتقى العبد ربه ونصح مواليه فله أجران» فلا أحب أن أنقص أجرا، ولو كان هذا لقد كانت مولاتي عرضت ذلك علي على أن تعطيني من مالها بالعقيق ما يكفيني. وقوله في قدر السترة في الطول والغلظ هو مثل ما في " المدونة "، ولم ير أن يجتزئ في ذلك بقدر عصا الحمار في

مسألة: يقعد يقعد للناس يحدثهم بعد الظهر في المسجد

الغلظ، وهو المنغاس، وكذلك لم ير في " المدونة " أن يجتزئ بالسوط لرقته؛ لأنه لا يثبت إذا أقيم، وقال ابن حبيب: لا بأس أن تكون السترة دون مؤخرة الرحل في الطول أو دون جلة الرمح في الغلظ، وقد كانت العنزة التي كانت تركز لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دون الرمح في الغلظ. وإنما يكره من ذلك ما كان رقيقا جدا، قال: ولا يكون السوط سترة لرقته إلا أن لا يوجد غيره، وبالله التوفيق. [مسألة: يقعد يقعد للناس يحدثهم بعد الظهر في المسجد] مسألة قال: وكان عمر بن الخطاب يقعد بعد الظهر في المسجد. قال محمد بن رشد: يريد: يقعد للناس يحدثهم بما يأتيه من أخبار الأجناد، ويحدثونه عن أحاديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال ذلك مالك في سماع ابن القاسم من الجامع عندما ذكر الصلاة بين الظهر والعصر، ففي هذا جواز التحدث في المسجد في الأمر المباح دون لغط ولا رفع صوت، وأن مذاكرة العلم في هذا الوقت أفضل من الصلاة. وقد مضى القول في هذا في رسم "صلى نهارا" من سماع ابن القاسم. ويحتمل أن يريد أنه كان يقعد فيه للحكم بين الناس والنظر في أمور المسلمين. وقد جاء في بعض الآثار عنه أنه بلغه أن أبا موسى الأشعري يقضي بالعراق في دار سكناه، فبعث إليه رسولا من المدينة وأمره أن يضرمها عليه نارا، فذهب الرسول إلى أن دخل العراق، فوافى أبا موسى في الدار يقضي، فنزل عن بعيره وأوقد النار في بابها، فأخبروا أبا موسى بذلك، فخرج فزعا، فقال له: ما بالك؟ فقال: أمرني أمير المؤمنين أن أضرمها عليك نارا لالتزامك القضاء فيها، ثم انصرف الرسول من فوره ذلك، فلم يعد أبو موسى إلى القضاء في داره. فلا ينبغي للقاضي أن يقضي إلا في المسجد؛ لأن ذلك أقرب إلى التواضع وليصل الناس إليه، فإن ضمته ضرورة إلى القضاء في داره فتح بابه ولم يحجب عنه أحدا، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: حكم تارك الصلاة] مسألة قال: وسألته عمن ترك الصلاة، قال: يقال له: صل، وإلا ضربت عنقه.

مسألة: الإمام يتعمد أن يقرأ بسورة فيها سجدة

قال محمد بن رشد: يريد أنه تضرب عنقه إن أبى أن يصلي حتى خرج الوقت مغيب الشمس للظهر والعصر أو طلوعها للصبح، أو طلوع الفجر للمغرب والعشاء. وهذا ما لا اختلاف فيه في المذهب، وإنما الاختلاف هل يقتل على ذنب أو على كفر، فمن أهل العلم من رآه بترك الصلاة كافرا يقتل على الكفر، فلا يرثه ورثته على ظاهر ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» ، «ومن ترك الصلاة فقد حبط عمله» ، «ومن ترك الصلاة حشر مع هامان وقارون» ، وقوله: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فذلك المسلم له ذمة الله، ومن أبى فهو كافر وعليه الجزية» ، وقوله لمحجن: «ما منعك أن تصلي معنا ألست برجل مسلم؟» . وقول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. وما أشبه ذلك من الآثار. وليس نفس ترك الصلاة كفرا على الحقيقة، وإنما هو دليل على الكفر، فمن رآه بترك الصلاة كافرا حكم له بحكم الكفر ولم يصدقه في قوله: إني مؤمن، إذا أبى أن يصلي، فهذا وجه تكفير تارك الصلاة، وهو بين قائم من قول أصبغ في سماع عيسى من كتاب المحاربين والمرتدين لمن تأمله، وأما من جحد فرض الصلاة فهو كافر بإجماع، يستتاب ثلاثا، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وبالله التوفيق. [مسألة: الإمام يتعمد أن يقرأ بسورة فيها سجدة] مسألة قلت له: سمعتك تكره للإمام أن يقرأ بسورة فيها سجدة مخافة اختلاط ذلك على من وراءه، أرأيت إن كان من خلفه قليلا

مسألة: المصلي يهوي إلى السجود، فإذا أراد أن يسجد ذكر أنه لم يركع

لا يخاف أن يخلط عليهم؟ فقال: لا أرى بذلك بأسا، وإن ناسا ليفعلون ذلك. قال محمد بن رشد: معناه: فيما يجهر فيه، وكرهه في " المدونة " بكل حال؛ إذ لا يأمن أن يخلط على بعضهم وإن كانوا قليلا. وكره ذلك ابن القاسم للفذ وحكى أنه هو الذي رأى مالكا ينحو إليه، وذلك لما يخشى أن يدخل على نفسه بذلك من السهو، والله أعلم؛ إذ قد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يقرأ يوم الجمعة بسورة السجدة فسجد فيها، وبسورة "هل أتى على الإنسان» وبالله التوفيق. [مسألة: المصلي يهوي إلى السجود، فإذا أراد أن يسجد ذكر أنه لم يركع] مسألة وسألته عن المصلي يهوي إلى السجود، فإذا أراد أن يسجد ذكر أنه لم يركع، قال: يرجع قائما فيركع مكانه ويسجد، ولو أنه قرأ قبل أن يركع كان أحب إلي، ثم يركع ويسجد، فإذا قضى الصلاة سجد سجدتي السهو بعد السلام. قال محمد بن رشد: وكذلك لو ذكر ذلك بعد أن سجد يرجع قائما فيركع ويلغي ما سجد، ولو ذكر وهو قائم في الثانية لركع وكانت له أولى صلاته، وسجد في جميع ذلك بعد السلام. ولا اختلاف أحفظه في هذه المسألة، وإنما الاختلاف فيمن كان مع الإمام فترك الركوع معه بسهو أو غفلة أو نسيان أو زحام أو اشتغال حتى سجد الإمام، وقد مضى القول في ذلك محددا في رسم "كتب عليه ذكر حق" من سماع ابن القاسم، وتأتي المسألة متكررة في أول سماع عيسى في رسم "لم يدرك منه". [مسألة: تشبيك الأصابع في المسجد] مسألة وسئل عن تشبيك الأصابع في المسجد أيكره ذلك؟ فقال:

مسألة: يأتي والإمام راكع فيركع معه ولا يدري أستمكن من الركوع أم لا

لا، فقال له أبو المثنى: أخبرني من رأى عبد الله بن هرمز محتبئا قد شبك بين أصابعه، فقال مالك: إن ناسا ليصنعون ذلك. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم "أوله نذر سنة " من سماع ابن القاسم مجردا، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا. [مسألة: يأتي والإمام راكع فيركع معه ولا يدري أستمكن من الركوع أم لا] مسألة وسئل عن الذي يأتي والإمام راكع فيركع معه، ولا يدري أركع فاستمكن من الركوع قبل أن يرفع رأسه أم لا، أيعتد بها؟ فقال: لا يعتد بها، وأحب إلي إن كان مثل هذا وخاف أن لا يدري أركع معه أم سبقه بالركوع أن يدع الركوع معه؛ لئلا يخلط على نفسه فلا يدري أهي من صلاته أم لا. ومن الأئمة أئمة يمكنون الناس حتى يركعوا، ومن الأئمة أئمة يعجلون فلا يستمكن معهم. قال محمد بن رشد: قوله: لا يعتد بها، معناه أنه يلغيها ويقضيها بعد سلام الإمام ويسجد بعد السلام، فجعله كمن شك في ركعة وهو مع الإمام، ولم يراع قول من قال إن الركعة تجزئه وإن شك في تمكنه فيها مع الإمام، أو لعله راعاه وأخذ بالإلغاء كمن ترك قراءة أم القرآن في ركعة. وقال ابن القاسم في رسم "جاع " من سماع عيسى: إنه يسلم مع الإمام ويعيد الصلاة ولا يأتي بركعة مخافة أن تكون خامسة، إذ قد قيل: الركعة مجزئة عنه وإن شك في تمكنه فيها مع الإمام، وهو قول مالك في مختصر ما ليس بالمختصر لابن شعبان، قال: لا أحب أن يركع معه إذا خاف أن لا يدرك الركعة مخافة أن يخلط على نفسه، فإذا ركع وشك فلا أرى أن يعيد تلك الركعة، وذكر عن مجاهد أنه كان يقول: إذا وضعت كفيك على ركبتيك فقد أدركت الصلاة. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال كمن ترك قراءة الحمد في ركعة: أحدها: أنه

مسألة: صلى بسورة فخنقته العبرة فسكت فتركها وقرأ بأخرى

يعتد بالركعة وتجزئه صلاته، والثاني: أنه لا يعتد بها ويلغيها ويقضيها، والثالث: أنه يعتد بها ثم يعيد الصلاة احتياطا، وبالله التوفيق. [مسألة: صلى بسورة فخنقته العبرة فسكت فتركها وقرأ بأخرى] مسألة قال: وقال لي مالك: قرأ عمر بن عبد العزيز: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] حتى انتهى إلى {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] ، فخنقته العبرة فسكت، ثم عاد فقرأ حتى بلغها فخنقته العبرة فسكت، فلما رأى ذلك تركها وقرأ: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1] . قال محمد بن رشد: هذا من فعل عمر بن عبد العزيز نهاية الخوف لله تعالى، ومن بلغ هذا الحد فهو من أهل الجنة بفضل الله تعالى، قال الله -عز وجل-: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] . وقد روى الصلت عن ابن القاسم أنه لا يطلق على من حلف بالطلاق أن عمر بن عبد العزيز من أهل الجنة. وسئل مالك عن ذلك فتوقف وقال: عمر بن عبد العزيز إمام هدى -أو قال: رجل صالح- وفضائله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أكثر من أن تحصى. وقول ابن القاسم بالصواب أولى؛ لأن الأمة قد أجمعت على الثناء عليه والشهادة عليه بالخير، وهي معصومة. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «-: "لن تجتمع أمتي على ضلالة» ، وقال: «أنتم شهداء الله في الأرض، فمن أثنيتم عليه بخير وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه بشر وجبت له النار» ، وبالله التوفيق.

مسألة: يسبق الإمام بالسجود ثم يسجد الإمام وهو ساجد

[مسألة: يسبق الإمام بالسجود ثم يسجد الإمام وهو ساجد] مسألة وسألته عن الذي يسبق الإمام بالسجود ثم يسجد الإمام وهو ساجد، أيثبت الرجل على سجوده [أم يرفع رأسه ثم يسجد حتى يكون سجوده بعد سجود الإمام؟ فقال: بل يثبت على سجوده كما هو] إذا أدركه الإمام بسجوده وهو ساجد. قال محمد بن رشد: وكذلك الذي يسبق الإمام بالركوع يرفع ما لم يركع الإمام، فإن ركع الإمام ثبت على ركوعه ولم يرفع رأسه حتى يكون ركوعه بعد ركوع الإمام. ولا كلام في هذين الوجهين، وإنما الكلام إذا سبق الإمام بالرفع من الركوع أو السجود، فحكى ابن حبيب أن ذلك بمنزلة الذي يسبق الإمام بالسجود أو الركوع، يرجع راكعا أو ساجدا حتى يكون رفعه مع الإمام، إلا أن يلحقه الإمام قبل أن يرجع، فليثبت معه بحاله ولا يعود إلى الركوع ولا إلى السجود، وهو محمول عند من أدركنا من الشيوخ على أنه مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد رأيت له نحوه في " النوادر " من رواية ابن القاسم. وقد روي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود أنهما قالا: "إذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجد، فإذا رفع الإمام رأسه فليمكث قدر ما رفع قبله"، بدليل ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «لا تبادروني إلى الركوع والسجود، فإني قد بدنت، وإني مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت، ومهما أسبقكم به إذا سجدت تدركوني به إذا رفعت» ، ومن قوله: «إن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم فتلك بتلك» ؛ لأن ذلك يدل على وجوب قضاء ما سبقه به الإمام من الركوع والسجود حتى يستوفي قدر

مسألة: حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمامة بنت زينب في الصلاة

ركوع الإمام وسجوده. فإذا وجب على من رفع من ركوعه أو سجوده قبل الإمام فرجع إلى الركوع أو السجود أن يثبت راكعا أو ساجدا بعده قدر ما رفع قبله؛ ليستوفي قدر ركوع الإمام أو سجوده على ما روي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، وعلى ما دل عليه ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجب على من رفع من ركوعه أو سجوده قبل الإمام فلحقه الإمام قبل أن يرجع إليهما حتى يقضي ما فاته منهما. وقد حكى ابن سحنون أنه رأى أباه سحنونا يفعل ذلك. فإن قال قائل: إذا لزمه أن يرجع إلى الركوع والسجود ليستوفي ما فاته منهما، فيلزمه أيضا في الذي يسبق الإمام بسجوده ثم يسجد الإمام وهو ساجد أن يرجع إلى القيام ليستوفي ما فاته منه. قيل له: لا يلزم ذلك. والفرق بين الموضعين أن الركوع والسجود شرع فيهما التطويل، فانبغى أن يقضي ما فاته منهما، والقيام بعد الركوع لم يشرع فيه التطويل، فلم يجب أن يقضي ما فاته منه، وكذلك الجلوس بين السجدتين، ولا يلزمنا على هذا القيام قبل الركوع، إذ قد شرع فيه التطويل؛ لأنه موضع مخصوص بالإجماع، والله أعلم. [مسألة: حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمامة بنت زينب في الصلاة] مسألة قال: وسألته عن حمل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رقبته يحملها إذا قام ويضعها إذا سجد، أذلك جائز للناس اليوم على حب الولد أو الضرورة؟ فقال: ذلك جائز على حال الضرورة إلى ذلك، فأما من يجد من يكفيه ذلك فلا أرى ذلك ولا أرى ذلك على حب الرجل ولده. قال محمد بن رشد: حمل مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هذا على أنه إنما فعله لحاجة وضرورة، فأجاز ذلك عند الضرورة، ولم يجز ذلك لغير الضرورة ولا على حب الرجل ولده. فإن فعل

مسألة: الرجل يدخل المسجد يصلي والصبي أمامه في الصف

ولم يشغله عن صلاته فلا إعادة عليه، قاله ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية، وينبغي أن يحمل على التفسير؛ لقول مالك: وليس في الأحاديث ما يدل على أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك من ضرورة، وظاهرها العموم. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن ذلك كان في أول الإسلام، وحين كان يجوز في الصلاة الكلام، ثم نسخ ذلك كما نسخ الكلام، فروي «عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، فأمرنا بالسكوت والقنوت والخشوع والإقبال على الصلاة وترك الاشتغال بغيرها من فعل ومن قول» . وقد مضى العمل في الصدر الأول وما بعده على ترك مثل هذه الأفعال في الصلاة، فدل على أنهم علموا النسخ فيها؛ إذ لا يجمعون على خلاف ما فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بعد ثبوت نسخ ذلك عندهم، والله أعلم. [مسألة: الرجل يدخل المسجد يصلي والصبي أمامه في الصف] مسألة وسئل عن الرجل يدخل المسجد يصلي والصبي أمامه في الصف وهو ممن لا يتحفظ في الوضوء، فقال: أرجو أن يكون ذلك واسعا. قال محمد بن رشد: قوله: أرجو أن يكون ذلك واسعا يدل على أن الاختيار عنده أن يتنحى عنه حتى لا يكون في قبلته، وسيأتي بيان هذا في رسم "الجواب" من سماع عيسى. [مسألة: المسافرين ينزلون بالقرية فيحبسهم الرجل فيقدموه ليتم بهم الصلاة] مسألة وسئل عن المسافرين ينزلون بالقرية، فيحبسهم الرجل من أهل القرية، فيريدون أن يقدموه ليتم بهم الصلاة. فقال: لا أحبه،

مسألة: يأتي المسجد المرتفع المعلق والصلاة قائمة أيصلي تحته بصلاته

أحب إلي أن يقدموا رجلا منهم ليقصر بهم. قال: وبلغني أن سالم بن عبد الله كان يسافر، فيقال له إذا نزل القرية: هذا أمير القرية وهذه الصلاة وهذه الجمعة، فلا يأتيه. قلت له: ولم ترك ذلك يا أبا عبد الله؟ فقال: أرى ذلك أنه يجب أن يصلي صلاة المسافر ويكون على حاله، ما كان ألزم الناس لما أدركوا عليه أوليتهم وما ذلك بسواء. أما إذا نزل المسافرون برجل في غنمه أو قريته، فأرادوا أن يجمعوا معه فأرى ذلك ولا أرى به بأسا؛ لأنه أحق بمنزله ومسجده، وكان ابن عمر يصلي بمنى مع الإمام أربعا، فإذا صلى وحده صلى ركعتين. ولقد كان منزله واسعا لو شاء صلى وحده، فما أرى بذلك بأسا. قال: وصاحب المنزل أولى بالصلاة بهم، فقلت: وإن كان عبدا؟ قال: نعم وإن كان عبدا. وقد كان عبد لعائشة يؤمها في الصلاة وعندها ناس يصلي بها وبهم. قلت له: أيؤم العبد في رمضان؟ قال: أما في مساجد الجماعات فلا، وأما في أهله فلا بأس بذلك. قال الإمام أبو الوليد: قد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم وفي رسم "شك في طوافه" منه القول في تقديم المسافرين للمقيم ليتم بهم الصلاة، وفي رسم "باع غلاما منه " الوجه في كون صاحب المنزل أولى بالإمامة فيه، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: يأتي المسجد المرتفع المعلق والصلاة قائمة أيصلي تحته بصلاته] مسألة وسئل عن الذي يأتي المسجد المرتفع المعلق على العمد والصلاة قائمة فلا يجد فيه موضعا، أيجزئه أن يصلي تحته بصلاته؟ فقال: ما يعجبني أن يصلي أمامه، ولكن لو صلى في الفضاء من

ورائه. فقلت له: أرأيت القوم يكونون في السفينة فتضيق عنهم فيكون بعضهم فوقها وبعضهم فيها، فقال: ليس السفينة مثل هذا ولا بأس بذلك، صاحب السفينة في البحر لا يجد بدا من ذلك. قيل له: فأين أحب إليك أن يكون الإمام؟ فقال: لا أدري أي ذلك أصوب؟ أرأيت لو لم تضق السفينة أين كان يكون الإمام؟ قيل: أرأيت إذا كان القوم تضيق عليهم السفينة حتى لا يقدروا أن يصلوا إلا جلوسا، أيصلون؟ قال: إن كانوا لا يقدرون على البر ولا على الصلاة قياما فأرى ذلك لهم. قال محمد بن رشد: مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإمام إذا صلى بقوم في موضع مرتفع جاز للرجل أن يصلي بصلاته في موضع أخفض منه، إلا أن يكون أمام الإمام، فإنه يكره ذلك له ابتداء، فإن فعل أجزأته صلاته. هذا معنى قوله في " المدونة "، وهو نص قوله في هذه الرواية في المسجد المرتفع المعلق على العمد. وأجاز في السفينة إذا صلى الإمام فوقها بمن معه أن يصلي من فيها بصلاتهم وإن كانوا أمام الإمام؛ إذ لا يجدون من ذلك بدا كما قال؛ لأنه موضع ضرورة. وكذلك على مذهبه إذا صلى الإمام بقوم في موضع منخفض جاز للرجل أن يصلي صلاتهم في مكان أرفع منه؛ لأنه لم يكره في " المدونة " الصلاة على قيقعان وأبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد الحرام إلا من أجل بعدهما عن الإمام مع ارتفاعهما، لا من أجل ارتفاعهما خاصة، إلا أن يكون الموضع الذي صلى عليه ظهر المسجد والإمام مع جماعته داخل المسجد، فاختلف في ذلك قول مالك في " المدونة " أجازه مرة وكرهه أخرى، بخلاف الجمعة؛ إذ لم يختلف قوله في أن الجمعة لا يصليها أحد فوق ظهر المسجد، فإن فعل أعاد في الوقت وبعده، قاله ابن القاسم في " المدونة "، ومالك في " المبسوطة "، وقيل: لا إعادة عليه، وهو قول أشهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ في " المدنية "، وقال ابن الماجشون: جائز للمؤذن أن

يشد جبهته بالأرض حتى يؤثر فيها السجود فيبدو ذلك للناس

يصلي الجمعة فوق ظهر المسجد؛ لأنه موضع أذانه، وظهر السفينة هو موضع الركوب، فإن ضاقت السفينة عن أهلها فكان بعضهم فوقها وبعضهم أسفلها صلى الذين فوق بإمام، والذي أسفل بإمام، قاله في " المدونة "؛ لأنهما موضعان، فإن لم يكن لهم إلا إمام واحد فالاختيار أن يكون فوق حيث معظم الناس، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية: أرأيت لو لم تضق السفينة أين كان يكون الإمام؟ بخلاف المسجد إذا كان له طبقتان لا يجوز أن يصلي في كل طبقة إمام، ويصلي الإمام بالجماعة في إحدى الطبقتين، فإن لم تحمل الطبقة الواحدة الجماعة فالاختيار أن يصلي الإمام أسفل، ويصلي فوق من الناس من ضاقت عنهم الطبقة، فإن صلى الإمام فوق وصلى أسفل من الناس من ضاقت عليهم الطبقة العليا جاز، ولا ينبغي أن يكون الإمام وحده دون الجماعة في موضع أرفع منهم ولا أخفض إلا أن يكون ذلك يسيرا، فإن فعل بقصد إلي ذلك لتكبره عليهم أو تكبرهم عليه أعادوا في الوقت وبعده؛ لأنهم عابثون. وإن صلى الإمام في مكان أرفع ممن خلفه من غير قصد إلى ذلك، مثل أن يكون الإمام فوق سقف السفينة والقوم تحته فيصلون على حالهم فقد أساؤوا، وصلاتهم تامة. وكذلك لو افتتح الرجل صلاته في موضع مرتفع فأتى قوم فائتموا به. واختلف إذا كان الإمام أسفل والقوم فوق السقف، فقال في " المدونة ": لا بأس بذلك. وعلى ما في سماع موسى بن معاوية لا ينبغي ذلك؛ لأنه قال: إذا كان الإمام أرفع ممن خلفه، أو كان من خلفه أرفع منه فلا بأس به إذا تقارب ذلك فساوى بين الوجهين. [يشد جبهته بالأرض حتى يؤثر فيها السجود فيبدو ذلك للناس] مسألة وقد رأى سعد بن أبي وقاص رجلا بين عينيه سجدة، فدعاه فقال: منذ متى أسلمت؟ فقال: منذ كذا وكذا، فقال له سعد: فأنا قد أسلمت منذ كذا وكذا، فهل ترى بين عيني شيئا؟ قال محمد بن رشد: كره له سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يشد جبهته

مسألة: أذان الصبي وإقامته وإمامته للبالغين

بالأرض حتى يؤثر فيها السجود فيبدو ذلك للناس؛ إذ ليس ذلك المراد بقول الله -عز وجل-: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] ، وإنما هو ما يعتريهم من الصفرة والنحول بكثرة العبادة أو سهر الليل، وقيل: إن ذلك في الآخرة لا في الدنيا، ولعله اتهمه أن يكون قصد بذلك ليعرف به؛ فلذلك وبخه بما قرره عليه في الرواية، والله أعلم. وقد روي أن عمر بن عبد العزيز استعمل عروة بن عياض على مكة، فاستعداه عليه رجل ذكر أنه سجنه في حق، فلم يخرجه من السجن حتى باع ماله منه بثلاثة آلاف وقد كان أعطاه به ستة آلاف، فأبى أن يبيعه منه واستحلفه بالطلاق ألا يخاصمه في ذلك أبدأ، فنظر عمر إلى عروة ونكت بالخيزران بين عينيه في سجدته ثم قال: هذه غرتني منك -لسجدته- ولولا أني أخاف أن تكون سنة من بعدي لأمرت بموضع السجود فقور، ثم قال للرجل: اذهب فقد رددت عليك مالك ولا حنث عليك. وبالله التوفيق. [مسألة: أذان الصبي وإقامته وإمامته للبالغين] مسألة وسئل: أيكره من أذان الصبي وإقامته ما يكره من إمامته؟ فقال: نعم، لا يؤذن الصبي ولا يقيم إلا أن يكون مع نساء أو في الموضع الذي لا يوجد غيره، يغيب الرجل فيؤذن لهم ويقيم كذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المؤذن معلم بالأوقات، مؤتمن على مراعاتها، مصدق قوله فيها؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن» فلا يصح أن يؤتمن ويصدق إلا من تعلم أمانته وتجوز شهادته، وبالله التوفيق.

مسألة: يسهو فيتكلم وهو جالس قبل السلام

[مسألة: يسهو فيتكلم وهو جالس قبل السلام] مسألة وسئل عن الذي يسهو فيتكلم وهو جالس قبل السلام، قال: يسجد سجدتين. قيل: أرأيت إن أحدث قبل السلام؟ قال: يعيد الصلاة. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على المذهب لا يخرج من الصلاة إلا بالسلام؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحريم الصلاة التكبير، وتحليلها السلام» فسواء على المذهب تكلم أو أحدث بعد التشهد قبل السلام أو في أثناء صلاته. وأهل العراق يقولون: إذا جلس في آخر صلاته مقدار التشهد فقد خرج من الصلاة وإن لم يسلم، ويتعلقون بما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته» . فعلى قولهم لا يضره الحدث ولا الكلام بعد الجلوس وقبل السلام. وقد راعى ابن القاسم قولهم في رسم "يدير ماله " من سماع عيسى فقال: إن الإمام إذا أحدث بعد التشهد، فتمادى حتى سلم بهم متعمدا أن صلاتهم مجزئة، يريد: وتبطل عليه هو. [يصلي المرء جالسا أو متوكئا على عصا] مسألة قال لي: رأيت صفوان بن سليم يصلي وهو متوكئ على عصا، قد جعل على رأسها عصائب من خرق يمسك عليها يديه جميعا، فيجعل إحدى يديه على الأخرى يجعلها أمام وجهه، فقلت لمالك: أفترى ذلك في النافلة؟ فقال: لا بأس بذلك في النافلة

مسألة: الرجل الضعيف أترى أن يصلي قائما بالسورة القصيرة

والمكتوبة إذا كان من ضعف. قلت له: فأحب إليك أن يصلي المرء جالسا أو متوكئا على عصا؟ فقال: إن قدر أن يتوكأ على عصا فأحب إلي أن يصلي متوكئا من أن يجلس في المكتوبة والنافلة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا لم يقدر على أن يستقل قائما إلا أن يعتمد على شيء فقد سقط عنه فرض القيام، وجاز له أن يصلي جالسا في المكتوبة، وإن كان أحب إليه أن يصلى قائما متوكئا؛ لأنه لما سقط عنه فرض القيام صار له نافلة وفضيلة كما هو في النافلة. [مسألة: الرجل الضعيف أترى أن يصلي قائما بالسورة القصيرة] مسألة قيل له: أرأيت الرجل الضعيف أترى أن يصلي قائما بالسورة القصيرة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، أو أحب إليك أن يصلي جالسا ويقرأ من السور الطوال في الصبح والظهر؟ قال: أحب إلي أن يصلي قائما. قال محمد بن رشد: قوله: أحب إلي أن يصلي قائما، لفظ فيه تجاوز وليس على ظاهره، بل الواجب عليه أن يصلي قائما] ولو لم يقدر منه إلا على قدر ما يقع فيه أم القرآن لم تجزئه صلاته جالسا؛ لأن القيام عليه فرض، والتطويل مستحب، فلا يسقط الفرض عنه بضعفه عن الاستحباب، وهذا بين، والله أعلم. [مسألة: المريض لا يجد من يعطيه الماء ولا يقدر على أخذه] مسألة وسألته عن المريض لا يجد من يعطيه الماء ولا يقدر على أخذه، فقال: يتيمم ويصلي، قلت له: وترى أن يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها؟ قال: لا، بل إلى وسط الوقت.

مسألة: الرجل يدخل المسجد والإمام ساجد

وسألته عن أبي لؤلؤة حين طعن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طعنه وهو في الصلاة أو قبل؟ فقال: قبل أن يدخل في الصلاة. قال محمد بن رشد: قوله: إن المريض الذي لا يجد من يعطيه الماء ولا يقدر على أخذه يتيمم ويصلي، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنه غير واجد للماء ولا قادر عليه، والله -عز وجل- يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] . وإنما اختلفوا في المريض الذي لا يقدر على مس الماء لمرضه وهو واجد له، فمن حمل الآية على ظاهرها ولم يقدر فيها تقديما ولا تأخيرا رآه من أهل التيمم، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في " المدونة "، ومن قدر فيها تقديما وتأخيرا لم يره من أهل التيمم؛ لأنه يعيد شرط عدم الماء على المرض والسفر، وهو قول مالك في أول رسم "الشريكين" من سماع ابن القاسم من كتاب الوضوء، وقد مضى القول عليه هناك. وقوله: إنه يؤخر إلى وسط، القول هو مثل ما في " المدونة "، ويريد به وسط الوقت المختار. والوجه في ذلك أن فضيلة الماء أفضل من فضيلة أول الوقت، فهو يؤخر الصلاة عن أول وقتها رجاء أن يجد الماء الذي هو أفضل، فإن لم يجده إلى وسط الوقت [المختار] أمر أن يتيمم ليدرك فضيلة ما بقي من الوقت مخافة أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت فلا يجد الماء، فتفوته الفضيلتان جميعا. وذهب ابن حبيب إلى أنه يؤخر إلى آخر الوقت المستحب ثم يتيمم ويصلي، فإن وجد الماء في بقية من الوقت أعاد. وقول مالك أظهر؛ لما ذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يدخل المسجد والإمام ساجد] مسألة وسئل عن الرجل يدخل المسجد والإمام ساجد، فقال:

مسألة: يقرأ في نفسه في الصلاة لا يسمع أحدا

الصواب أن يسجد ولا يعتد بذلك من صلاته، قيل له: أرأيت الذي إذا رآهم سجودا أرفق في المشي حتى يسبقوه بتلك السجدة؟ فقال: ما أرى أن يفعل. قيل: أرأيت إذا جاء وهو ساجد فكبر ثم سجد معه إذا قام، أيبتدئ بتكبيرة الإحرام أم تكفيه تلك التكبيرة؟ فقال: تكفيه تلك التكبيرة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يسجد السجدة التي أدركها مع الإمام ولا يعتد بها، هو مثل ما في " المدونة " وغيرها، ولا اختلاف فيه، وإنما أوجب عليه أن يسجدها مع الإمام؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون واتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا» وهو مدرك لها مع الإمام فوجب أن يصليها، وإنما وجب أن يلغيها ولا يعتد بها ويقضيها لأن الركوع والسجود كشيء واحد، فإذا وجب أن يقضي الركوع الذي لم يدرك وجب أن يقضي السجود المتصل به؛ لقول عبد الله بن عمر: إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة، فهو مدرك للسجدة في وجوب اتباع الإمام فيها، وفي حكم من لم يدركها في وجوب قضائها بعد سلام الإمام. وقوله: إنه يكتفي بتلك التكبيرة التي كبر حين دخل مع الإمام، ولا يكبر إذا قام خلاف ما في " المدونة " من أنه إذا أدرك الإمام في التشهد الآخر قام بتكبير، إلا أنه صحيح على قياس ما أصله فيها من أنه إذا جلس مع الإمام في موضع ليس له موضع جلوس قام بغير تكبير، فهو تناقض من قوله في " المدونة "، وقد فرق بين المسألتين بتفاريق لا تسلم من الاعتراض، وبالله التوفيق. [مسألة: يقرأ في نفسه في الصلاة لا يسمع أحدا] مسألة وسئل عن الذي يقرأ في نفسه في الصلاة لا يسمع أحدا

مسألة: يجد الإمام راكعا قبل أن يصل إلى الصف

ولا نفسه، ولا يحرك به لسانا، قال: ليست هذه قراءة، وإنما القراءة ما حرك به اللسان. ولا بأس أن يرفع المرء صوته بالقراءة إذا كان وحده وكان في بيته، ولعل ذلك يكون أنشط له وأقوى له على ذلك. وقد كان الناس بالمدينة يرفعون أصواتهم بالقراءة من جوف الليل، حتى إن القوم يريدون السفر فيقولون: موعدكم الساعة التي يقوم فيها القرآن. قال محمد بن رشد: أما قراءة الرجل في نفسه ولم يحرك بها لسانه ليست بقراءة، صحيح؛ لأن القراءة إنما هي النطق باللسان، وعليها تقع المجازاة. والدليل على ذلك قول الله -عز وجل-: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] ، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تجاوز الله لأمتي عفا حدثت به أنفسها مما لم ينطق به لسان أو تعمل به يد» ، فكما لا يؤاخذ الإنسان بما حدثت به نفسه من الشر ولا يضره، فكذلك لا يجازى على ما حدث به نفسه من القراءة أو الخير المجازاة التي يجازى بها على تحريك اللسان بالقراءة وفعل الخير. وأجاز للذي يصلي من الليل أن يرفع صوته بالقراءة، وإن كان في ذلك إظهار لعمله؛ لما في ذلك من العون له على الصلاة والنشاط عليها؛ لقوله: لا بأس بذلك، واستحب ذلك له في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم، وقد مضى القول هنالك في وجه ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يجد الإمام راكعا قبل أن يصل إلى الصف] مسألة وسئل عن الذي يجد الإمام راكعا، قال: أحب إلي ألا يركع

مسألة: متى يكبر في عيد الفطر

حتى يصل إلى الصف، قيل: أرأيت الذي يدخل وقد أحرم الإمام، أيحرم أم يمشي فيصل الصف؟ قال: بل يؤخر ذلك حتى يصل الصف ثم يكبر؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، وهذا يمشي. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم "اغتسل على غير نية" من سماع ابن القاسم مستوفى، فلا وجه لإعادته. [مسألة: متى يكبر في عيد الفطر] مسألة قال: وسألته متى يكبر في عيد الفطر؟ قال: يكبر حين يغدو إلى المصلى إلى أن يرقى الإمام المنبر وإلى أن يسكت الإمام عن التكبير. قال: وينزل إلى العيدين من مثل ما ينزل به للجمعة ثلاثة أميال. قال محمد بن رشد: قد مضى في آخر رسم "حلف بطلاق امرأته" من سماع ابن القاسم القول في التكبير في العيدين، وفي رسم "صلاة الاستسقاء " من هذا السماع القول في حد النزول إليها وإلى الجمعة، فأغنى ذلك عن إعادتها هنا. [مسألة: كان خلف الإمام فقال: سبحان الله بكرة وأصيلا] مسألة وسئل عمن كان خلف الإمام فقال: سبحان الله بكرة وأصيلا، فقال: لا أحب أن يفعل ذلك ولا أرى عليه إعادة الصلاة. قال القاضي أبو الوليد: هذا من التسبيح الحسن، فإنما كرهه - والله أعلم- إذا قاله والإمام يسمع كالجواب لما سمعه من قراءته، كنحو ما مضى في هذا الرسم من قول القائل في صلاته إذا قرأ الإمام:

مسألة: امرأة انقطع عنها الحيض سنين ثم رأت صفرة أترى أن تدع الصلاة

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] : كذلك الله، وما أشبه ذلك. وسيأتي في سماع ابن معاوية نحو هذا المعنى. [مسألة: امرأة انقطع عنها الحيض سنين ثم رأت صفرة أترى أن تدع الصلاة] مسألة وسألته عن امرأة انقطع عنها الحيض سنين ثم رأت صفرة، أترى أن تدع الصلاة؟ فقال: يسأل النساء عن ذلك وتصف لهن شأنها، فإن قلن: إن النساء يرين مثل هذا من الحيضة فلتدع الصلاة. قال المؤلف: الصفرة من الدم، فإن رأته وهي في سن من تحيض من النساء أمسكت عن الصلاة، ولما لم يكن في ذلك حد يرجع إليه في القرآن والسنة، وجب أن يرجع فيه إلى العادة؛ ولذلك قال: إنه يسأل عنه النساء، وهذا معنى ما في " المدونة " وغيرها، وبالله التوفيق. [مسألة: الصبي إذا أثغر أيؤمر بالصلاة] مسألة وسئل عن الصبي إذا أثغر فقال: إذا أثغر الصبي: أمر بالصلاة وأدب عليها ولا يضرب بعض الضرب. قال محمد بن رشد: ولا يضرب بعض الضرب، معناه: ولا يضرب بعض الضرب الذي يضربه كثير من الناس فيتعدى في الضرب، يريد: أنه لا يضرب إلا ضربا خفيفا. ووقع في بعض الكتب مكان ولا يضرب وإلا ضرب، وهو خطأ لا معنى له. قوله إنه يؤدب على الصلاة إذا أثغر خلاف ظاهر ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «إذا بلغ الصبيان سبع سنين فمروهم بالصلاة وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم عليها وفرقوا بينهم في

مسألة: الحامل ترى الماء الأبيض على حملها

المضاجع» وفي رسم "الجواب" من سماع عيسى أنه يفرق بينهم في المضاجع إذا أثغروا وهو خلاف ظاهر ما في الحديث أيضا والله أعلم. [مسألة: الحامل ترى الماء الأبيض على حملها] مسألة وسألته عن: الحامل ترى الماء الأبيض على حملها، فقال: ليس ذلك بشيء وأرى أن تصلي به. قال محمد بن رشد: قوله ليس ذلك بشيء يدل على أنه لم ير عليها غسلا ولا وضوءا، وهو الصواب، خلاف قول ابن القاسم في رسم "الجواب من سماع" عيسى من كتاب الوضوء: إن عليها الوضوء. وقد مضى القول على ذلك هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: التسليمة الواحدة في الصلاة] مسألة وسئل عن: التسليمة الواحدة في الصلاة، فقال: على ذلك كان الأمر، ما كانت الأئمة ولا غيرهم يسلمون إلا واحدة، وإنما أحدث تسليمتان منذ كانت بنو هاشم. قال المؤلف: قد مضى القول في هذه المسألة في آخر رسم "شك في طوافه " من سماع ابن القاسم، ومضى من معناها في رسم "نذر سنة" ورسم "المحرم" منه. [مسألة: رفع الصوت في المساجد] مسألة قال: وقد قال عمر بن الخطاب: إن مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت. قال محمد بن رشد: ليس في قوله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت - دليل على أن ذلك جائز في غيره من المساجد؛ لأن

مسألة: يقرأ بالناس في رمضان أيكره له أن يسر بالاستعاذة أو يجهر بها

معنى قوله إن مسجدنا هذا الذي أحضره لا يرفع فيه الصوت؛ لأني أمنع من ذلك، يريد: وكذلك ينبغي لكل وال أن يفعل بمسجد موضعه. والأصل في ذلك ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم وبيعكم وسل سيوفكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم» ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك فإن المساجد لم تبن لهذا» ، فرفع الصوت في المسجد مكروه حتى في العلم. قال ابن حبيب: ولقد كنت أرى بالمدينة رسول أميرها يقف بابن الماجشون في مجلسه إذا استعلى كلامه وكلام أهل مجلسه في العلم، يقول: يا أبا مروان اخفض من صوتك وأمر جلساءك يخفضوا أصواتهم. [مسألة: يقرأ بالناس في رمضان أيكره له أن يسر بالاستعاذة أو يجهر بها] مسألة قال: وسألته عن الذي يقرأ بالناس في رمضان، أيكره له أن يسر بالاستعاذة أو يجهر بها؟ فقال: أما في نفسه فليستعذ إن شاء، وأنا أكره له أن يجهر بذلك ولا أجيزه، وأنا أحب له أن يستفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] . ووصف الذين يقولون أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98] ، إن الله هو السميع العليم، فعابه وكرهه

مسألة: المريض يكون في المحمل فلو نزل يصلي للأرض كيف يصلي

ونهى عنه، فقيل له: إنما يحتج بقول الله عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] ، قال: أفرأيت قوله {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98] ، إن الله هو السميع العليم. قلت له: أفتجيز له أن يستعيذ من الشيطان الرجيم؟ قال: لا، ولكن هو أيسر. قال محمد بن رشد: كراهة الجهر بالاستعاذة في قيام رمضان خلاف قوله في " المدونة ". ووجه هذا: أن الاستعاذة لما لم تكن من القرآن كره أن يجهر بها في قيامه كما يجهر بقراءة القرآن فيه، وأجاز أن يستعيذ في نفسه لقول الله عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] ، ولم ير ذلك واجبا عليه؛ لأن الأمر بذلك عنده على الندب لا على الوجوب. ووجه ما في " المدونة ": الاتباع، وبذلك علل قوله فيها، ولم يزل القراء يتعوذون. وأما استحبابه له أن يستفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ، ولا يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقد مضى ما في رسم "نذر سنة" من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: المريض يكون في المحمل فلو نزل يصلي للأرض كيف يصلي] مسألة وسألته: عن المريض يكون في المحمل فلو نزل يصلي المكتوبة في الأرض صلى إيماء، أيجزئ عنه أن يصلي على المحمل؟ قال: أرجو أن يجزئ عنه ذلك، ولكن يوقف له البعير موجها إلى القبلة، وأحب إلي أن ينزل فيصلي بالأرض. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما في رسم "سُنّ " من سماع ابن القاسم مثل قول ابن عبد الحكم فيه، ورواية يحيى فيه أيضا عن ابن القاسم

مسألة: يأتي إلى الجمعة والإمام في التشهد فيكبر ويسلم الإمام أيكبر أخرى

قول ثالث. وقد مضى بيان ذلك كله في سماع ابن القاسم المذكور، وبالله التوفيق. [مسألة: يأتي إلى الجمعة والإمام في التشهد فيكبر ويسلم الإمام أيكبر أخرى] مسألة وسئل: عن الذي يأتي إلى الجمعة والإمام جالس فيكبر ويجلس ويسلم الإمام فيقوم، أيكبر تكبيرة أخرى أم تكفيه التكبيرة الأولى؟ قال: تكفيه الأولى ولا إقامة عليه ويصلي أربعا. قال محمد بن رشد: استحب في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم أن يبتدئ بتكبيرة أخرى، وقد مضى القول هناك على ذلك فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أهل القرى الذين لا جمعة عليهم أيصلون العيدين] ومن كتاب صلاة العيدين مسألة قال: وسئل عن أهل القرى الذين لا جمعة عليهم، أيصلون العيدين؟ فقال: ما رأيت أن يصلي العيدين إلا من يصلي الجمعة. قال محمد بن رشد: لم ير في هذه الرواية أن يصلي العيدين بجماعة وخطبة من لا تجب عليهم الجمعة، وقال في أول رسم من سماع عيسى: إنه لا بأس أن يجتمعوا ويصلوا صلاة العيدين بغير خطبة، وإن خطب فحسن، خلاف هذه الرواية. وفي " المدونة " في هذه المسألة اختلاف في الرواية. وأما إذا كانوا ممن تجب عليهم الجمعة فلا اختلاف في أنهم يصلون صلاة العيدين على وجهها بخطبة، وبالله التوفيق. [مسألة: غسل العيدين أقبل الفجر أم بعده] مسألة وسئل: عن غسل العيدين أقبل الفجر أم بعده؟ فقال: ذلك واسع، من الناس من يغدو قبل الفجر.

مسألة: المصلي لله ثم يقع في نفسه أنه يجب أن يعلم ويحب أن يلفى

قال محمد بن رشد: قد مرت هذه المسألة في صدر رسم الصلاة الأول وفي آخره من هذا السماع، ومضى القول عليها في رسم "الصدر" المذكور بما أغنى عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: المصلي لله ثم يقع في نفسه أنه يجب أن يعلم ويحب أن يلفى] ومن كتاب العقول مسألة قال: وقال مالك: سمعت ربيعة يسأل عن المصلي لله ثم يقع في نفسه أنه يجب أن يعلم ويحب أن يلفى في طريق المسجد ويكره أن يلفى في طريق غيره، فلا أدري ما أجابه به ربيعة، غير أني أقول: إذا كان أصل ذلك وأوله لله فلا أرى به بأسا، وإن المرء يحب أن يكون صالحا، وإن هذا ليكون من الشيطان يتصدق فيقول له إنك لتحب أن يعلم ليمنعه من ذلك. قلت له: فإذا كان أصل ذلك لله لم تر به بأسا؟ فقال: إي والله ما أرى بذلك بأسا، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما شجرة لا يسقط ورقها شتاء ولا صيفا"، قال عبد الله بن عمر: فوقع في قلبي أنها النخلة فأردت أن أقولها» فقال له عمر: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا، فأي شيء هذا إلا هذا، وإنما هذا أمر يكون في القلب لا يملك، قال الله تبارك وتعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: 39] ، وقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84] . قال محمد بن رشد: وقع في هذه الرواية أنه لم يدر بما أجابه به ربيعة، وقد وقع في سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات أنه أنكر ذلك من

مسألة: يحرم مع الإمام ثم يسهو فيركع ويسجد والآخر ساه أو مشتغل أو غافل

سؤال السائل ولم يعجبه أن يحب أحد أن يرى في شيء من أعمال الخير والبر. والذي ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أنه لا بأس بذلك إذا كان أصل ذلك وأوله لله تعالى هو الصحيح إن شاء الله تعالى. روي «عن معاذ بن جبل أنه قال: يا رسول الله ليس من بني سلمة إلا مقاتل فمنهم من القتال طبيعته، ومنهم من يقاتل رياء، ومنهم من يقاتل احتسابا، فأي ذلك الشهيد من أهل الجنة؟ فقال: "يا معاذ بن جبل من قاتل على شيء من هذه الخصال أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا فقتل فهو شهيد من أهل الجنة» . وهذا نص في موضع الخلاف. [مسألة: يحرم مع الإمام ثم يسهو فيركع ويسجد والآخر ساه أو مشتغل أو غافل] سماع عيسى بن دينار من كتاب أوله نقدها نقدها مسألة قال عيسى: سئل مالك عن الذي يحرم مع الإمام ثم يسهو فيركع ويسجد والآخر ساه أو مشتغل أو غافل، وذلك في الركعة الأولى أو غيرها، أيتبعه؟ قال ابن القاسم: قال لي مالك: في هذه أقاويل ثلاثة: أحدها: أنه قال يتبعه ما لم يرفع من الركعة التي نهض إليها، والثاني: أنه يتبعه ما لم يرفع رأسه من سجود الركعة التي غفل عنها، والثالث: إن كان في الركعة الأولى فلا يتبعه رأسا، وإن كان في غيرها اتبعه إن طمع أن يدركه في السجود، وإن لم يطمع فلا يتبعه، وليس فيها قول أبين من هذا. قال: ثم سألته عن الرجل يصلي مع الإمام فيزحم أو يغفل ينعس عن الركوع مع الإمام حتى

مسألة: صلاة أهل البادية العيدين بجماعة يجتمعون لذلك

يرفع الإمام رأسه من ركعته، قال ابن القاسم: إن كان في أول ركعة دخل مع الإمام في سجوده ولم يركع بعده ويتبعه كما وصفت ويكون كالداخل، والزحام والغفلة والنعسة في هذا سواء. قال ابن وهب وأشهب مثله. قال ابن القاسم: وإذا عقد مع الإمام الركعة الأولى وتمت له بسجدتيها ثم عرض له في الركعة الثانية فإنه يركع ويتبعه ما رجا أن يدركه في سجوده، إلا في الزحام فإنه في الأولى والثانية والرابعة سواء، ويعمل في الثانية كما يعمل في الأولى. قال ابن وهب وأشهب: الغفلة والنعسة والزحام كل ذلك سواء، يركع ويتبعه ما طمع أن يدركه في سجوده. قال ابن القاسم: ولو اشتغل رجل بحل إزاره أو ربطه حتى سبقه الإمام بالركعة، وذلك فيما بعد الأولى، فأنا أرى أن يتبعه ما طمع أن يدركه في سجوده. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول في تحصيلها في رسم "كتب عليه" ذكر حق من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة القول فيها هاهنا. ومضت أيضا في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب، وستأتي متكررة أيضا في رسم "لم يدرك" بعد هذا. [مسألة: صلاة أهل البادية العيدين بجماعة يجتمعون لذلك] مسألة وقال في صلاة أهل البادية العيدين بجماعة يجتمعون لذلك بحيث لا تجب الجمعة: إنه لا بأس بذلك، إن شاءوا فعلوا، يصلي بهم رجل منهم ركعتين ويكبر تكبيرة الفطر والأضحى وإن لم يخطب، وإن خطب فحسن، ولا أرى الخطبة في مثل هذا إلا في المدائن والقرى التي تجب فيها الجمعة، وإن كانت قرية وبيوت متصلة يجوز أن يجمع فيها الجمعة فلا يصلون العيدين إلا بخطبة،

مسألة: قرية يجمع في مثلها الجمعة وحولها المنازل فاتتهم الجمعة

وإن لم يكونوا يجمعون. ولا ينبغي لهؤلاء أن يتركوا الجمعة كان عليهم وال أو لم يكن، أمرهم الوالي بذلك أو لم يأمرهم، فإن لله حقوقا في أرضه لا تترك لشيء، الجمعة من ذلك. قال: والخصوص والمحال إذا كانت مساكنهم كمساكن القرى في اجتماعها وكان لهم عدد لم يحل لهم أن يتركوا الجمعة، وليخطب بهم رجل منهم، ويصلي ركعتين كان عليهم وال أولم يكن. قال محمد بن رشد: قوله في الذي لا جمعة عليهم إن لهم أن يصلوا صلاة العيدين على سنتها بالإمام والخطبة خلاف ما تقدم في رسم "العيدين" من سماع أشهب، وقد ذكرنا ذلك هنالك. وأما قوله في الذين يجب عليهم الجمعة إنهم لا يتركونها كان عليهم وال أو لم يكن فهو مثل ما في " المدونة "، وهو المعلوم في المذهب وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في أول رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب. وأما قوله في الخصوص والمحال إذا كانت مساكنهم كمساكن القرى في اجتماعها إنهم يجمعون الجمعة، فهو خلاف ما مضى في الرسم المذكور من سماع أشهب، وقد مضى القول على ذلك هنالك، وبالله التوفيق. [مسألة: قرية يجمع في مثلها الجمعة وحولها المنازل فاتتهم الجمعة] مسألة قيل لأصبغ: ما تقول في قرية يجمع في مثلها الجمعة وحولها المنازل على مسيرة ميلين أو ثلاثة فاتتهم الجمعة، فكيف يصلون؟ قال: يصلون أفرادا ولا يجمعون الظهر لأنهم أهل الجمعة. قلت: فإن صلوا جماعة ظهرا؟ قال: بئس ما صنعوا ولا أرى عليهم إعادة. قلت: فإن كان ذلك في المصر مثل الفسطاط وغيرها؟ قال: هو مثله يصلون أفذاذا، فإذا جمعوا الظهر فبئس ما صنعوا ولا أرى عليهم إعادة، ولا أحب ذلك لهم، فإن فعلوا فلا إعادة عليهم.

قال المؤلف: قوله في الذين تجب عليهم الجمعة إنهم لا يجمعون إذا فاتتهم الجمعة ويصلون أفذاذا - هو المشهور في المذهب. وقوله: لا إعادة عليهم إن جمعوا - صحيح؛ لأن منعهم من الجمع ليس بالقوي، وذلك أنهم إذا منعوا من الجمع ليحافظوا على الجمعة؛ لأنهم إذا علموا أنه يفوتهم بفواتها فضل الجمعة والجماعة لم يتهاونوا بها. وقيل: إنهم إنما منعوا من الجمع لئلا يكون ذلك ذريعة لأهل البدع، وهذه العلة أظهر، فإذا جمعوا وجب أن لا يعيدوا على كل واحدة من العلتين. وقد روي عن مالك: أنهم يجمعون، وهو قول ابن نافع وأشهب في المجموعة، فلم يراع على هذه الرواية واحدة من العلتين. وكذلك من تخلف عن الجمعة لغير عذر غالب - المشهور أنهم لا يجمعون، إلا أنه اختلف إن جمعوا، فروى يحيى عن ابن القاسم في رسم "أول عبد أشتريه" فهو حر من هذا الكتاب: أنهم يعيدون، وقال ابن القاسم في المجموعة: إنهم لا يعيدون، وقاله أصبغ في المتخلفين من غير عذر، وهو الأظهر، إذ قد قيل: إنهم يجمعون؛ لأنهم وإن كانوا تعدوا في ترك الجمعة فلا يحرموا فضل الجماعة. والاختلاف في الإعادة على من جمع في الموضع الذي يقوى فيه ترك الجمع، وهو أن يتخلفوا عن الجمعة لغير عذر أو لعذر غالب - مبني على اختلافهم فيمن وجب عليه أن يصلي فَذًّا فصلى بإمام، فعلى هذا لا يعيد الإمام. والمشهور في الْمَرْضَى والمسجونين أنهم يجمعون لأنهم مغلوبون على ترك الجمعة. وقد روى ابن القاسم: أنهم لا يجمعون، وهو غير المعروف من قوله. ووجهه: أنهم وإن كانوا غلبوا على ترك الجمعة فيمنعون من الجمع من ناحية الذريعة. واختلف ابن القاسم وابن وهب في المتخلفين عن الجمعة لعذر يجيز لهم التخلف عنها مع القدرة على شهودها. وسيأتي هذا في رسم "باع شاة" من هذا السماع. واختلافهما في ذلك على الاختلاف في علة منع من فاتته الجمعة من الجمع هل هي من أجل الذريعة أو ليحافظوا على الجمعة، وبالله التوفيق.

مسألة: فاتته الجماعة وكان على الإمام سهو قبل السلام فسجد معه ثم قام وسها

[مسألة: فاتته الجماعة وكان على الإمام سهو قبل السلام فسجد معه ثم قام وسها] مسألة وسئل: عمن فاتته صلاة الإمام وقد كان على الإمام سهو يكون سجوده قبل السلام فسجد معه ثم قام وقضى بعده فدخل عليه سهو يكون زيادة في الصلاة أو نقصانا، قال: يسجد أيضا. قلت: أرأيت إن كان سجود الإمام بعد السلام فلم يسجد معه وقام يقضي فدخل عليه سهو يكون نقصانا متى يسجد؟ قال: قبل السلام ويجزيه من سهو الإمام، وإن كان أيضا بعد السلام فسجدتان بعد السلام تجزيانه. قال ابن القاسم: ولو كان سجد مع الإمام قبل السلام فدخل عليه هو أيضا فيما يقضي نقصانٌ فإنه يسجد أيضا قبل السلام. قال الإمام: اختلف في الذي يدخل مع الإمام في آخر صلاته ولم يدرك منها شيئا وعلى الإمام سجود السهو، فقيل: إنه يسجد معه إن كان السجود قبل السلام ولا يسجد معه إن كان السجود بعد السلام، وهي رواية زياد عن مالك وظاهر هذه الرواية، لقوله فيها فسجد معه في السجود قبل السلام، ولم يسجد معه في السجود بعد السلام. وأراه قول مالك بدليل عطف قول ابن القاسم عليه في المسألة نفسها. وقيل: إنه لا يسجد معه، كان السجود قبل السلام أو بعده، وهو قول ابن القاسم في " المدونة " وظاهر قوله هاهنا؛ لأن قوله ولو كان سجد مع الإمام قبل السلام يدل على أنه أراد لو فعل ذلك وهو ليس له أن يفعله، والله أعلم، وقيل: إنه يسجد معه بعد السلام، فأحرى أن يسجد معه قبل السلام، وإن كان لم يفعله إلا إذا أدرك بعض صلاته وهو عنده سواء. وجه القول الأول: أنه قد دخل مع الإمام فلا يخالفه فيما فعل قبل السلام، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به

مسألة: الرجل يحرم للنافلة ثم تقام فريضة

فلا تختلفوا عليه» . ووجه القول الثاني ما ذكر في " المدونة " من أنه لم يدرك من الصلاة شيئا فلا يلزمه من سهو الإمام شيء. ووجه القول الثالث أن السجدتين وإن كانتا بعد السلام فهي من تمام صلاة الإمام، وقد دخل معه فيها فوجب ألا يخالفه في شيء منها. وقوله إنه يسجد لسهوه فيما يقضي من صلاته زيادة كان أو نقصانا صحيح لا اختلاف فيه. [مسألة: الرجل يحرم للنافلة ثم تقام فريضة] مسألة وسئل عن الرجل يحرم للنافلة ثم تقام فريضة كيف يصنع؟ أيسلم قاعدا أو قائما؟ قال: بل قائم، قال عيسى: أحب إلي أن يصلي ركعتين إذا رجا أن يفرغ قبل أن يركع الإمام الركعة الأولى، وإن لم يرج ذلك فليسلم على أي حال أحب. قال القاضي: اختلف فيمن أحرم في نافلة أو فريضة فأقيمت عليه تلك الفريضة قبل أن يركع على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يقطع في الفريضة والنافلة وإن كان يطمع أن يتم ركعتين قبل أن يركع الإمام، وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية في النافلة، ونص ما في " المدونة " في الفريضة. والثاني: أنه يتمادى إلى ركعتين إن رجا أن يتممهما قبل أن يركع الإمام في الفريضة أيضا والنافلة، وهو قول مالك في " المدونة "، وقول عيسى بن دينار هنا في النافلة، وقول ابن حبيب وأشهب، ورواية ابن وهب عن مالك في الفريضة. والثالث: الفرق بين الفريضة والنافلة، فيتمادى في النافلة ويقطع في الفريضة، وهذا القول يتأول على أنه مذهب مالك في " المدونة ". وحكى الفضل أنه مذهب أصحاب مالك. ولم يختلفوا إذا أقيمت عليه الصلاة وقد عقد ركعة من الفريضة والنافلة أنه يتمادى إلى تمام ركعتين ولا يقطع، وهذا

مسألة: الذي يقلس طعاما في الصلاة

فيما عدا المغرب. وأما إذا أقيمت عليه صلاة المغرب فإن كان لم يركع قطع قولا واحدا، وإن كان قد ركع، فقيل: إنه يقطع، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في " المدونة "، وقيل: إنه يتم الثانية وتكون له نافلة ويدخل مع الإمام، وهي رواية سحنون عن ابن القاسم، وقول ابن حبيب في الواضحة. وإن كان قد صلى ركعتين، فقيل: إنه يتم الثالثة ويخرج من المسجد، وهو قول ابن القاسم في بعض روايات " المدونة "، وقول ابن حبيب في الواضحة. وقيل: إنه يسلم ويدخل مع الإمام، وهي رواية سحنون عن ابن القاسم. وإن كان قد أتم الثالثة سلم وخرج من المسجد قولا واحدا، وكذلك إن عقدها بالركوع أو الرفع منه على الاختلاف في ذلك. قال في سماع سحنون: ويضع يده على أنفه. فما في " المدونة " مطرد على أنه وقت لا تصلى فيه نافلة، وما في سماع سحنون مطرد أيضا على أنه وقت تصلى فيه نافلة، وقول ابن حبيب في الواضحة متناقض؛ لأنه قال: إن كان قد صلى ركعة أضاف إليها أخرى، وإن كان قد صلى ركعتين أتم الثالثة وخرج من المسجد، فجعل الوقت مرة يصلح للنافلة ومرة لا يصلح لها، والله أعلم. ومن كتاب أوله استأذن سيده [مسألة: الذي يقلس طعاما في الصلاة] مسألة وسئل: عن الذي يقلس طعاما في الصلاة فيلقيه أو يرده، قال: يتمادى في الصلاة ولا شيء عليه. وقال أيضا: إن كان بلغ مبلغا لو شاء أن يطرحه طرحه فازدرده فأحب إلي أن يقضي يوما مكانه، والصلاة مثله. قال محمد بن رشد: قوله في أحد قوليه في الذي يرد القيء بعد فصوله أنه لا شيء عليه في صلاته وصيامه، معناه إذا رده ناسيا أو مغلوبا، وأما إن رده عامدا وهو قادر على طرحه فلا ينبغي أن يختلف في فساد صومه

مسألة: الإمام يحدث بعد التشهد الآخر أو يرعف

وصلاته. وقد روى ابن نافع عن مالك أنه قال في القلس يظهر على لسان الرجل فيبتلعه: بئس ما صنع، وكان ينبغي أن يطرحه، ولكن لا قضاء عليه إن ابتلعه. وهو بعيد؛ لأن ظاهره العمد. وأما إن ذرعه القيء أو القلس فلم يرده فلا شيء عليه في صلاته ولا صيامه على هذه الرواية، وهو المشهور. وقد مضى في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب ما فيه، دليل على أن ذلك يقطع صلاته في القيء بخلاف القلس، وبالله التوفيق. [مسألة: الإمام يحدث بعد التشهد الآخر أو يرعف] مسألة وسئل: عن الإمام يحدث بعد التشهد الآخر أو يرعف، قال: يقدم من يسلم بالقوم. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في معنى هذه المسألة ووجه السؤال عنها في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ينسى الظهر فلما صلى العصر من يومه ذلك وسلم منها ذكر الظهر] مسألة وسألته: عن الذي ينسى الظهر فلما صلى العصر من يومه ذلك وسلم منها ذكر الظهر ولم يعد العصر جهل أو نسي فذكر أو انتبه لذلك بعد الوقت، قال: إن كان خرج وقتها فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: قوله جهل يريد جهل أنه مأمور بإعادة الصلاة في الوقت. وكذلك لو جهل أنه في الوقت مثل أن يكون ذكر الظهر قبل الغروب وقد كان صلى العصر فلما صلى الظهر الذي ذكر ظن أن الشمس قد غربت فلم يصل العصر، ثم انكشف أنه لو صلاها لأدرك منها ركعة قبل الغروب. وقد قال في رسم "أسلم بعد هذا" في الذي جهل الوقت وظن أنه قد كان خرج، أن عليه القضاء بعد خروج الوقت، فهو اختلاف من قوله في الوجوه الثلاثة، إذ لا فرق بينهن، فمرة رأى أنه لا إعادة عليه فيهن بعد خروج

مسألة: أمة صلت ركعة من المكتوبة ثم أتاها العتق ورأسها مكشوف

الوقت، وهو المشهور من قوله الذي يشهد النظر بصحته؛ لأن الإعادة في الوقت إنما هي استحباب ليدرك فضيلة الترتيب فيه، فإذا خرج الوقت لم يعد بعد الوقت كما لا يعيد بإجماع إذا لم يفرغ من الصلاة التي نسي حتى خرج الوقت؛ ومرة رأى أن الإعادة واجبة عليه بعد الوقت، إذ قد كانت وجبت عليه في الوقت، وإلى هذا ذهب ابن حبيب في هذا الأصل وحكاه عن ابن الماجشون عن مالك. [مسألة: أمة صلت ركعة من المكتوبة ثم أتاها العتق ورأسها مكشوف] مسألة وسئل: عن أمة صلت ركعة من المكتوبة ثم أتاها العتق ورأسها مكشوف فوجدت من يعطيها خمارا فأبت أن تأخذه أو جهلت وهي قادرة أن تأخذه فلم تأخذه، أو لم تجد من يناولها خمارا، أتعيد في شيء من ذلك في الوقت أم لا؟ أو عريان صلى ركعة ثم أتى رجل بثوب ففعل مثل ما فعلته الأمة أيعيد الصلاة أم لا؟ قال ابن القاسم: أما إذا لم تجد من يعطيها فلا إعادة عليها، وأما إذا قدرت عليه فلم تأخذه أو أعطيته فلم تأخذه فإنها تعيد ما كانت في الوقت؛ والعريان كذلك إذا كان يقدر على ثوب. قال أصبغ: وأنا أرى قول ابن القاسم في التي سبق لها العتق قبل دخولها في الصلاة، فأما التي أعتقت وهي في الصلاة فتمادت وهي تجد سترة فلا إعادة عليها في وقت ولا غيره؛ لأنها عقدت الصلاة بما يجوز لها وهي من أهل الكشف، فهي على ما دخلت به فيها تمضي عليه ويجزي عنها، بمنزلة المتيمم يعقد الصلاة بالتيمم ثم يطلع عليه الماء وهو في صلاته فيمضي على صلاته، وهو أشد من الأمة. وإنما استحسن لها الاستتار عند ذلك إذا وجدته استحسانا؛ لأنه ليس عليها مضرة في تناوله ولا قطع صلاة، وليس بواجب عليها، ولا يعجبني

قول ابن القاسم هذا. قال أصبغ: ومثل الذي يسبق لها العتق قبل الدخول في الصلاة مثل الذي يكون في رحله الماء فلا يعلم به، فيقوم ويتيمم ويصلي أنه يعيد، فكذلك هذه إذا كانت دخلت في الصلاة وهي حرة وهي تجد سترا أنها تعيد في الوقت. وأنا أقول في الذكي صلى وفي رحله الماء إنه يعيد أبدا لأنه كان من أهل الماء، فليس جهله الماء أو غفلته أو نسيانه بالذي يخرجه مما وجب عليه. قيل لسحنون في الأمة يعتقها سيدها وهي في الصلاة وهي مكشوفة الرأس، فقال: أرى أن تقطع وتبتدئ الصلاة، وكذلك لو أن عريانا ابتدأ الصلاة فلما كان في بعض الصلاة وجد ثوبا: إنه يبتدئ ولا يبني. قال محمد بن رشد: تأول أصبغ عن ابن القاسم أنه إنما تكلم على التي سبق لها العتق قبل الصلاة، إذ بعد عنده أن يوجب الاستتار على التي أعتقت في الصلاة، وليس ذلك بصحيح، إذ قد نص في رواية موسى عنه على أن الاستتار يجب عليها في بقية صلاتها إذا أعتقت في الصلاة، فلا فرق على مذهب ابن القاسم بين أن تعتق في الصلاة أو يأتيها الخبر فيها بأنها قد أعتقت قبل دخولها فيها. ويتحصل في المسألة أربعة أقوال: أحدها: أنها إن استترت في بقية الصلاة أو لم تقدر على الاستتار فيها أجزأتها صلاتها. وإن قدرت على الاستتار فلم تفعله أعادت في الوقت، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، فالاستتار عليها في بقية الصلاة على هذا القول، واجب مع القدرة عليه، ساقط مع عدمها. والقول الثاني: أنها إن استترت في بقية صلاتها أجزأتها، وإن لم تفعل أعادت في الوقت، كانت قادرة على ذلك أو لم تكن، وهو قول ابن القاسم في رواية موسى عنه، فالاستتار على هذا القول في بقية الصلاة واجب عليها بكل حال، فإن قدرت عليه فعلته، وإن لم تقدر عليه خرجت عن نافلة وابتدأت الصلاة. والقول الثالث: أن الصلاة لا تجزئها وإن

مسألة: مسافر دخل في صلاة قوم يظنهم مسافرين فتبين أنهم مقيمون

استترت في بقيتها وتبتدئ، فإن لم تفعل أعادت في الوقت، وهو قول سحنون. ووجهه: أنه قد حصل جزء من صلاتها بغير قناع بعد عتقها أو بعد وصول العلم إليها بذلك. والقول الرابع: الفرق بين أن تعتق في الصلاة أو يأتيها الخبر بعتقها بعد أن دخلت فيها، فإن عتقت فيها لم يجب عليها الاستتار في بقيتها إلا استحسانا إن قدرت عليه، فإن لم تفعل فلا إعادة عليها، وإن أتاها الخبر بعتقها بعد أن دخلت في الصلاة لم يجزها وإن استترت في بقيتها، فتقطع وتبتدئ، فإن لم تفعل أعادت في الوقت، وهو قول أصبغ هنا، فحكم لها أصبغ بحكم الحرة من يوم أعتقت، ولم يحكم لها ابن القاسم إلا من حين وصول الخبر بذلك إليها. وهذا على اختلافهم في الحكم المنسوخ هل يكون منسوخا على المتعبد به بنفس ورود الناسخ أو بوصول العلم إليه بذلك، وقول ابن القاسم في العريان يجد ثوبا في الصلاة فيأبى أن يأخذه أو يجهل ذلك: إنه يعيد في الوقت، يأتي على القول بأن ستر العورة في الصلاة من سننها لا من فرائضها، كالقناع للمرأة الحرة. وأما على القول إنه من فرائضها فتعيد أبدا كالمريض يفتتح الصلاة جالسا ثم يصح في بقيتها فيتمها جالسا، ولا يقطع إذا وجد ثوبا في الصلاة قياسا على مسألة المريض، خلاف ما ذهب إليه سحنون، وبالله التوفيق. [مسألة: مسافر دخل في صلاة قوم يظنهم مسافرين فتبين أنهم مقيمون] مسألة وسئل: عن مسافر دخل في صلاة قوم وهو يظنهم مسافرين فصلى معهم ركعتين ثم تبين له أنهم مقيمون سبقوه بركعتين، فقال: يسلم ويصلي صلاته صلاة مسافر. قلت له: ولو مر بقوم فدخل في صلاتهم فصلى معهم ركعتين ثم سلموا فلم يدر أمقيمين كانوا أم مسافرين؟ قال: يتم صلاة مقيمين أربعا، ثم يقوم فيصلي صلاة مسافر. قلت: فما فرق بينهما؟ لأي شيء قطع في الأولى ولم تأمره أن يقطع في هذه؟ قال: لأنه نوى بالأولى ركعتين.

مسألة: دخل في صلاة الجمعة وقد فاتته ركعة ولم يدر أخطب الإمام أم لا

قال محمد بن رشد: قوله لأنه نوى بالأولى ركعتين - يبين أنه دخل في الثانية معهم وهو يظنهم مقيمين، وذلك بين، إذ لو دخل معهم وهو يظنهم مسافرين لسلم بسلامهم على أصله ثم أعاد. وقد تقدمت هذه المسألة والقول فيها موعبا في آخر رسم من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: دخل في صلاة الجمعة وقد فاتته ركعة ولم يدر أخطب الإمام أم لا] مسألة قيل لسحنون: فلو أن رجلا دخل في صلاة الإمام يوم الجمعة وقد سبقه بركعة ولم يدر أخطب الإمام أم لا، فلما سلم الإمام وانفض الناس عنه فلم يجد من يخبره إن كان اختطب الإمام أم لا، فقال: يصلي ركعة ثم يسلم، فإن كانت جمعة أجزأت عنه، وإن لم يجد من يخبره أنها جمعة صلاها ظهرا أربعا احتياطا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه دخل مع الإمام وهو يرى أنها جمعة، فوجب أن يأتي بركعة رجاء أن تكون له جمعة، ثم يعيد مخافة أن لا يكون الإمام خطب فلا تصح له جمعة. ولو دخل معه وهو يظنه يصلي الظهر ثم يشك في أن يكون في الجمعة وقد اختطب لوجب على قياس المسألة التي قبلها أن يتم على الركعة التي صلى مع الإمام أربعا، ثم يعيد ثانية مخافة أن يكون الإمام مصليا للجمعة، وبالله التوفيق. [مسألة: القوم يصلي بهم الجمعة عبد] مسألة وسألته: عن القوم يصلي بهم الجمعة عبد، قال: إن ذكروا في الوقت أعادوا الجمعة ركعتين بخطبة، وإن لم يذكروا ذلك حتى يخرجوا من الوقت أعادوا ظهرا أربعا. قلت: فما وقتها؟ قال: النهار كله إلى قدر ما تصلي به الجمعة ركعتين ومن العصر ركعة.

مسألة: ركع ركعتين من صلاة الظهر فذكر أنه سها عن سجدة من الأولى

قال الإمام: قد مضت هذه المسألة والقول فيها موعبا في آخر رسم من سماع ابن القاسم فقف عليه هناك. [مسألة: ركع ركعتين من صلاة الظهر فذكر أنه سها عن سجدة من الأولى] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل ركع ركعتين من صلاة الظهر فذكر أنه سها عن سجدة من الركعة الأولى، أيمضي في صلاته ويقضي صلاة الركعة التي نسي منها سجدة في آخر صلاته أو يقضيها في الموضع الذي يذكرها فيه وإن كان ذكره إياها وهو قائم في الثانية، أو ما ترى؟ قال: إن ذكرها في الركعة الثانية في تشهده فإنه يركع ركعة بسجدتيها يقرأ فيها بأم القرآن وسورة معها، ثم يقعد ويتشهد ويجعلها ثانية ويلغي الأولى ويسجد بعد السلام؛ لأن من نسي سجدة من ركعة فلم يذكرها حتى رفع رأسه من الركعة التي بعدها ألغى تلك الركعة التي نسي منها السجدة وصلى ركعة مكانها، وإن ذكرها في الثالثة بعدما رفع رأسه من الركوع جعلها ثانية وسجد سجدتين قبل السلام. وقد كان مالك يقول فيها بعد السلام، إلا أنه لما ترك السجدة الأولى ولم يقعد في الثالثة التي هي له ثانية وقضى بعد الفراغ ركعة بسجدتيها كان قد اجتمع عليه سهوان زيادة ونقصان، والنقصان أولى بالسجود، وهو وجه ما استحسناه وتكلمنا فيه. قال محمد بن رشد: هذه المسألة صحيحة مبنية على المشهور في المذهب من أن ما بطل على الفذ وعلى الإمام ومن معه من ركعة بإسقاط السجود أو الركوع منها أو قراءة الحمد على مذهب من يقول بالإلغاء حتى فاته إصلاحها، يلغيها ويبني على ما صح له، ولا يقضي الركعة التي بطلت عليه

مسألة: لا ينبغي لأحد أن يؤم الناس قاعدا

بعينها بعد تمام صلاته، خلافا لقول ابن وهب في رسم "القطعان" من هذا السماع أنه يقضي ما بطل عليه بعد تمام صلاته ولا يبني. وقوله فلم يذكرها حتى رفع رأسه من الركعة التي بعدها ألغى تلك الركعة، هو مثل ما في " المدونة " من أن عقد الركعة رفع الرأس من الركوع. وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم "الصلاة" الأول من سماع أشهب. وقول ابن القاسم إنه إذا لم يذكر السجدة من الأولى حتى قام من الثانية: إن سجوده قبل السلام هو الأظهر لتغليب حكم النقصان عند اجتماع الزيادة والنقصان، وما حكي عن مالك من أنه قد كان يقول فيها بعد السلام، ضعفه ابن لبابة، وقال: لعل مالكا إنما قال ذلك فيمن ذكر وهو جالس في الرابعة سجدة لا يدري من أي ركعة، فخر إلى سجدة ثم أتى بركعة؛ لأنه على يقين من الزيادة وشك من النقصان، فاشتبه ذلك على ابن القاسم. وابن القاسم أعلم بما حكى عن مالك وأجل من أن يحمل عليه الغلط، فهو اختلاف من قوله، وإن كان تغليب حكم النقصان هو المشهور عنه فمرة غلب الزيادة ومرة غلب النقصان، إذ من أهل العلم من يرى السجود في السهو كله بعد السلام، كان زيادة أو نقصانا، ومنهم من يراه كله قبل السلام كان زيادة أو نقصانا. وقد وقع له في " المدونة " في الذي يصلي النافلة خمسا دون سلام ساهيا يسجد بعد السلام، وهو مثل ما حكي عنه في هذه الرواية؛ لأنه نقص السلام وزاد الركعة. وقول ابن القاسم في آخر المسألة: وقضى بعد الفراغ ركعة بسجدتيها، لفظ ليس على ظاهره؛ لأنه بان وليس بقاض، فتدبر ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: لا ينبغي لأحد أن يؤم الناس قاعدا] مسألة قال: وقال مالك: لا ينبغي لأحد أن يؤم الناس قاعدا. قال: ومن نزل به شيء وهو إمام قائم حتى لا يستطيع أن يصلي بهم إلا قاعدا، فليستخلف غيره يصلي بالقوم ويرجع هو إلى الصف فيصلي بصلاة الإمام مع القوم. قال مطرف وابن الماجشون: إن صلى بهم

مسألة: قهقه الإمام متعمدا

قاعدا أجزأته صلاته، وعليهم الإعادة أبدا، اختلف فيها قول مالك، وروى موسى بن معاوية عن ابن القاسم في المرضى والمقاعد أنه لا بأس أن يؤمهم رجل منهم قاعدا. وذكر سحنون في روايته أنه لا يجوز لأحد أن يؤم قاعدا بعد ما كان من فعل النبي عليه السلام، ومن أم قاعدا أجزأته وأعاد القوم. قال محمد بن أحمد: قد مضى القول فيما جاء في إمامة المريض الجالس بالأصحاء قياما، وما في ذلك من الاختلاف في رسم "سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" من سماع ابن القاسم موعبا، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا. وأما إمامة المريض جالسا بالمرضى الذين لا يقدرون على القيام جلوسا فلا خلاف عندي في جواز ذلك. وما في رواية سحنون من قوله إنه لا يجوز لأحد أن يؤم قاعدا، معناه بالأصحاء قياما، بدليل استشهاده بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريد ما روي: من أنه ائتم بأبي بكر في مرضه ولم يكن هو الإمام، وساقها ابن أبي زيد في النوادر سياقة تدل على أنها في إمامة المريض بالمرضى، وذلك وهم، والله أعلم. [مسألة: قهقه الإمام متعمدا] مسألة قال ابن القاسم: إذا قهقه الإمام متعمدا أعاد الصلاة وأعادوا، وإن كان مغلوبا قدم غيره فأتم بهم ويتم هو الصلاة معهم، ثم يعيد إذا فرغوا في بعض الروايات ويعيدون. قال محمد بن رشد: قوله وإن كان مغلوبا قدم غيره، يدل على أنه إن لم يكن مغلوبا لم يصح له التقديم ويقطع ويقطعون ويستأنفون الصلاة. فمعنى قوله إذا قهقه الإمام متعمدا أعاد الصلاة وأعادوا، أي قطع وقطعوا واستأنفوا الصلاة من أولها. ويريد بقوله متعمدا أي متعمدا لفعلها قادرا على الإمساك عنها. ولا اختلاف في هذا أنه قد أبطل صلاته وصلاة من خلفه إن

كان إماما فيقطع ولا يتمادى عليها، فذا كان أو إماما أو مأموما. وروي عن يحيى بن عمر أنه قال: قوله وإن كان مغلوبا لا يعجبني إلى آخره، ولا وجه لإنكاره؛ لأن قوله يقدم غيره ويتم معهم صحيح على قول ابن القاسم وروايته عن مالك في " المدونة " وفى رسم "البراءة" بعد هذا في أن المأموم يتمادى مع الإمام ولا يقطع، فإذا لم يقطع المأموم لأجل فضل الجماعة التي قد دخل فيها فالإمام بمنزلته؛ لأنه يحوط من فضل الجماعة ما يحوطه هو والقوم الذين وراءه بذلك أولى وأحرى. والأظهر أنه لا إعادة عليهم، وهو ظاهر ما في الواضحة لمالك من رواية مطرف عنه. وأما هو فيعيد على أصله في " المدونة "، وقوله في المأموم: وذهب الفضل إلى أنه إذا قدم من يتم بهم الصلاة يقطع هو ويدخل معهم؛ لأن الصلاة قد فسدت عليه لضحكه فيها، فهو بخلاف الذي يعرض له في صلاته ما يقعده، هذا يتم صلاته مع الذي يستخلفه؛ لأنه لم يستخلف لفساد دخل عليه في صلاته، وإنما استخلف لإصلاح صلاة القوم، وهذا لا يلزم، إذ لا يقطع بفساد صلاته، ولذلك يؤمر المأموم بالتمادي عليها. وكذلك الناسي كالمغلوب يقدم إن كان إماما ويتمادى مع الإمام إن كان مأموما، قاله ابن حبيب في الواضحة، وروايته عن مالك في رسم "البراءة" من هذا السماع؛ لأنه ساوى فيه بين المتعمد والناسي في أنهما يتماديان مع الإمام إن كانا مأمومين، يريد بالمتعمد الذي يتعمد النظر في صلاته أو الاستماع إلى ما يضحكه فيغلبه الضحك فيها. وأما الذي يضحك مختارا للضحك ولو شاء أن يمسك لأمسك فلا اختلاف في أنه قد أبطل على نفسه صلاته؛ لأن الضحك أشد في إبطال الصلاة من الكلام، لما فيه من اللهو وقلة الوقار ومفارقة الخشوع، ولذلك لم يعذر فيه بالغلبة ولا بالنسيان عند ابن القاسم، خلافا لسحنون في قوله: إن الضحك ناسيا بمنزلة الكلام ناسيا. ولابن المواز أيضا: إذا صح نسيانه مثل أن ينسى أنه في صلاة، فإذا

القاعد لا يومئ بالسجود إلا من علة

أبطلها الكلام متعمدا باتفاق، فأحرى أن تبطلها القهقهة تعمدا. وقد قال إسماعيل القاضي: إن الكلام في قطع الصلاة أبين من الضحك، ألا ترى أن التبسم لا يقطعها وإنما تقطعها القهقهة؛ لأنه يصير فيها ما يشبه حروف الكلام، والأول أبين في أن القهقهة أبين في قطع الصلاة من الكلام، والله أعلم. وقال ابن كنانة: يستخلف الإمام إذا ضحك في صلاته متعمدا ويقطع ويدخل مع القوم ويقضي إذا سلم مستخلفه ما بقي من صلاته، فإن كان يريد أنه تعمد النظر إلى ما يضحكه فغلبه الضحك فهو الذي ذهب إليه الفضل، وإن كان يريد أنه تعمد الضحك ولم يغلب عليه فهو شذوذ، وبالله التوفيق. [القاعد لا يومئ بالسجود إلا من علة] ومن كتاب العرية قال: ولا يومئ القاعد بالسجود إلا من علة، فإن أومأ في النوافل من غير علة أجزأ عنه. قال عيسى: لا يومئ من غير علة ولا عذر في نافلة ولا مكتوبة. قال محمد بن أحمد: قوله إن القاعد لا يومئ بالسجود إلا من علة، يريد في الفريضة، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن السجود فرض كالقيام، فلا يسقط عنه إلا بعدم القدرة عليه. وإنما قال: إن له أن يومئ في النوافل من غير علة لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد» . ومعلوم أنه من صلى نائما فإنه يومئ بالركوع والسجود. فإذا جاز أن يترك القعود والسجود مع القدرة عليهما جاز أن يترك السجود دون القعود. وأما قول عيسى إنه لا يومئ في النافلة من غير عذر ولا علة بناء على ترك الأخذ بالحديث مثل قول مالك في " المدونة ": إنه لا يصلي مضطجعا إلا

مسألة: النكاح يعقد بعد قعود الإمام يوم الجمعة

مريض، فلا يجوز ترك الجلوس ولا السجود إلا من علة، ويحتمل أن يكون لا يجيز الإيماء بالسجود مع القدرة عليه إلا لمن صلى مضطجعا؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من صلى قاعدا فله نصف أجر صلاة القائم» ، فكان معناه عند أهل العلم جميعا: من صلى قاعدا وساجدا، إذ لم يعلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أحدا من سلف الأمة ترك السجود في صلاة النافلة مع القدرة عليه كما ترك القيام فيها مع القدرة عليه. وإذا لم تكن صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم إلا مع السجود، فلا تكون صلاة القائم مثل نصف صلاة القاعد إلا مع عدم القدرة على السجود، والله أعلم. [مسألة: النكاح يعقد بعد قعود الإمام يوم الجمعة] مسألة وسألته: عن النكاح يعقد بعد قعود الإمام يوم الجمعة، أيفسخ؟ قال: لا، هو جائز دخل أو لم يدخل، النكاح والصدقة والهبة جائزة نافذة في تلك الساعة إلا البيع. قال أصبغ: فإن اشترى سلعة بعد قعود الإمام على المنبر فباعها بربح لم يجز له أن يأكل ذلك الربح، ويتصدق به أحب إلي، وهو قول ابن القاسم. قال أصبغ: ولا يعجبني قوله في النكاح وأرى أن يفسخ، وهو عندي بيع من البيوع. قال القاضي: وجه قول ابن القاسم إن العلة في فسخ البيع لما كانت مطابقة للنهي لم يفسخ النكاح إذ لم تتعد إليه العلة، ووجه قول أصبغ: قياس النكاح على البيع في الفسخ بالمعنى الجامع بينهما، كما يقاس عليه في المنع ويفسخ عند أصبغ ولو فات بالدخول، ويكون لها الصداق المسمى، حكاه ابن مزين عنه. وهذا على القول بأن البيع إذا فات مضى بالثمن ولم يرد إلى القيمة. وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم "حلف بطلاق امرأته" من سماع ابن القاسم. وقوله: لم يجز له أن يأكل ذلك الربح - لفظ

رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم دخل عليه حدث فخرج وقدم رجلا

ليس على ظاهره ويقضي عليه آخر الكلام، قوله: وأحب إلي أن يتصدق به؛ لأن الربح له حلال على قياس المذهب في انعقاد البيع وانتقال الملك به إليه وكون الضمان منه إن تلفت السلعة. فلو قال: وأحب إلي أن يدفع الربح إلى البائع إن وجده أو يتصدق به عنه إن لم يجده؛ لكان وجه القول والله أعلم، وبه التوفيق. [رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم دخل عليه حدث فخرج وقدم رجلا] ومن كتاب أوله يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسألته: عن رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم دخل عليه حدث فخرج وقدم رجلا فتوضأ ثم انصرف فأخرج الذي قدم وتقدم، هل تجزئ عنهم صلاتهم؟ قال: قد جاء الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه جاء وأبو بكر يصلي بالناس فسبح الناس بأبي بكر فتأخر وتقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - فأنا أرى أن يصلي بهم بقية صلاتهم، ثم يجلسون حتى يتم هو لنفسه ثم يسلم ويسلمون. قلت: فلو كان ذكر قبح ما صنع بعد أن صلى ركعة؟ قال: يخرج ويقدم الذي أخرج. قلت: فإن لم يجده؟ قال: فليقدم غيره ممن أدرك الصلاة كلها. قلت: أرأيت أنه لو أخرج هذا ودخل ابتدأ لنفسه صلاة نفسه ولم يتبع صلاة الإمام إن كان قد سبقه الناس بركعة لم يجلس هو حتى صلى لنفسه ركعتين ثم جلس، أترى صلاتهم تجزئهم أم لا؟ قال: أرى أن لا إعادة عليهم، اتبعوه أم لم يتبعوه.

مسألة: لا يصلح للحائض أن تمسك المريض للصلاة ولا ترقده

قال القاضي: الحديث الذي أشار إليه ابن القاسم هو حديث يوم بني عمرو بن عوف إذ ذهب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصلح بينهم، فجاء وأبو بكر يصلي للناس فأشار إليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يمكث مكانه فلم يفعل برا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستأخر فتقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معناه: أنه تقدم أمام الناس فصلى أمام الناس فصلى مؤتما بأبي بكر لا إماما بالناس، ولو صح أنه تقدم فصلى بالناس ما بقي من صلاتهم لكان ذلك خاصا له أو منسوخا من فعله بما فعله في مرضه، إذ جاء وأبو بكر يصلي فصلى إلى جنبه مؤتما به على الصحيح من التأويلات في الحديث، وإنما أجاز ابن القاسم صلاتهم إذا صلى لهم بقيتها؛ لأنه ابتدأها بهم فراعى مذهب أهل العراق في إجازة البناء في الحدث. وأما لو لم يبتدئ بهم الصلاة فجاء وهم يصلون فأخرج الإمام وتقدم فصلى بهم بقية صلاتهم لبطلت صلاتهم أجمعين باتفاق، أما هم فمن أجل أنهم أحرموا قبل إمامهم، وأما هو فمن أجل أنه ابتدأ صلاته من وسطها. والصحيح على المذهب أن صلاتهم باطلة؛ لأنه بالحدث يخرج عن الصلاة، فإذا توضأ وانصرف فأخرج الذي قدم وتقدم هو صار مبتدئا لصلاته من وسطها، وصاروا هم مؤتمين به وقد أحرموا قبله، وذلك مبطل لصلاتهم إلا على مذهب من يرى صلاة القوم غير مرتبطة بصلاة الإمام. وهذا إذا كان حين انصرف أحرم بعد أن أخرج الذي كان قدم على ظاهر الرواية الذي هو كالمنصوص فيها. ولو تأول متأول أنه لما انصرف أحرم خلف الإمام الذي قدمه ثم أخرجه بعد ذلك عن الإمامة وتقدم هو موضعه لصح جواب ابن القاسم على تأويله، وإن كان تأويلا بعيدا عن الظاهر. وكذلك لو حمل ما في الحديث من استيخار أبي بكر وتقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أنه إنما تقدم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكانه بعد أن أحرم وراءه ودخل معه في الصلاة لصح بذلك معنى الحديث واستقام بناء المذهب عليه. [مسألة: لا يصلح للحائض أن تمسك المريض للصلاة ولا ترقده] مسألة قال ابن القاسم: لا يصلح للحائض أن تمسك المريض للصلاة ولا ترقده، فإن فعلت أعاد في الوقت.

مسألة: الغريق يصلي عريانا ثم يجد ثوبا وهو في الوقت

قال محمد بن رشد: إنما هذا من أجل أن ثياب الحائض في الأغلب غير طاهرة ولو أيقن بطهارة ثيابها لم تجب عليه إعادة. [مسألة: الغريق يصلي عريانا ثم يجد ثوبا وهو في الوقت] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الغرق يصلي عريانا ثم يجد ثوبا وهو في الوقت، هل يعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد الصلاة. قال المؤلف: هذا صحيح؛ لأن الفرض في ستر العورة في الصلاة قد سقط عنه لعدم القدرة عليه في الوقت الذي صلاها فيه، إذ هو وقت الوجوب على الصحيح من الأقوال. هذا إذا قلنا إن ستر العورة من فرائض الصلاة. وأما على القول بأنها فرض في الجملة لا تختص بالصلاة فلا إشكال في أنه لا إعادة عليه أصلا. [مسألة: الرجل يعرض له المرض فيصلي قاعدا ثم يذهب ذلك عنه] مسألة وسئل: عن الرجل يعرض له المرض فيصلي قاعدا ثم يذهب ذلك عنه وهو في الوقت، هل يعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد الصلاة. قال محمد بن رشد: الكلام في هذه المسألة كالكلام في التي قبلها لما سقط عنه فرض القيام بعدم قدرته عليه في الوقت الذي صلاها فيه وهو مأمور بالصلاة فيه أجزأته ولم تكن عليه إعادة، وبالله التوفيق. [مسألة: تفوته ركعة من صلاة العيد فيجد الإمام قائما في الركعة الثانية يقرأ] مسألة قال ابن القاسم في الذي تفوته ركعة من صلاة العيد فيجد الإمام قائما في الركعة الثانية يقرأ، قال: يكبر تكبيرات، وقال ابن وهب: لا يكبر إلا تكبيرة واحدة. قال محمد بن رشد: وجه قول ابن القاسم أن التكبير لما كان مما لا يحمله عنه الإمام وجب أن يفعله ما لم يفته وقته بركوع الإمام، ووجه قول

نسي صلاتين ظهرا وعصرا إحداهما للسبت والأخرى للأحد ولا يدري

ابن وهب أن وقته قد فاته لما فاته لما يلزمه من استماع قراءة الإمام، لقوله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] ، وهو الأظهر، والله أعلم، وبه التوفيق. [نسي صلاتين ظهرا وعصرا إحداهما للسبت والأخرى للأحد ولا يدري] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل: عمن نسي صلاتين ظهرا وعصرا إحداهما للسبت والأخرى للأحد ولا يدري الظهر للسبت والعصر للأحد أو الظهر للأحد والعصر للسبت، قال: أما أنا فأقول وهو رأيي: أن يصلي أربع صلوات ظهرا للسبت ثم عصرا للأحد ثم عصرا للسبت ثم ظهرا للأحد. قال ابن رشد: وإن شاء صلى الظهر والعصر للسبت ثم الظهر والعصر للأحد، فقد قال ذلك ابن حبيب، وهو صحيح أيضا؛ لأن ذلك يأتي على شكه، وهذا يأتي على مذهب من يعتبر تعيين الأيام المنسيات فيها الصلوات، ولا يعتبر ترتيب الصلوات الفائتات، وهو مذهبه في " المدونة " أنه لا يعتبر الترتيب في الصلوات الفائتات، خلاف ما يأتي في رسم "بع ولا نقصان عليك"، وعلى مذهب من يعتبر الوجهين جميعا؛ لأن اعتبار الترتيب داخل تحت اعتبار التعيين. وأما على مذهب من لا يعتبر الترتيب ولا التعيين فيصلي ظهرا وعصرا لا أكثر. وأما على مذهب من يعتبر الترتيب دون التعيين فيصلي ظهرا وعصرا ثم ظهرا وعصرا. ولو نسي ظهرا وعصرا إحداهما للسبت والأخرى للأحد لا يدري أيتهما للسبت ولا أيتهما للأحد، ولا إن كانت السبت قبل الأحد أو الأحد قبل السبت من جمعة أخرى لتخرج ذلك على أربعة أقوال: أحدها: أن لا يعتبر التعيين ولا الترتيب فيصلي ظهرا أو عصرا لا أكثر، والثاني: أن يعتبر التعيين والترتيب جميعا فيصلي ظهرا وعصرا للسبت ثم

مسألة: إمام نسي القراءة في ركعتين

ظهرا وعصرا للأحد، [ثم ظهرا وعصرا للسبت] ، وإن بدأ بالأحد ختم به، والثالث: أن يعتبر التعيين دون الترتيب فيصلي ظهرا وعصرا للسبت وظهرا وعصرا للأحد، والرابع: أن يعتبر الترتيب دون التعيين، فيصلي ظهرا ثم عصرا ثم ظهرا، أو عصرا ثم ظهرا ثم عصرا، ثم يختم بالذي بدأ به، وهذا كله بين، وبالله التوفيق. [مسألة: إمام نسي القراءة في ركعتين] مسألة وقال في إمام نسي القراءة في ركعتين: إنه يعيد ويعيدون متى ذكروا في الوقت وغير الوقت، وإن ذكر في صلاة قطع وابتدأ. قال المؤلف: لم يختلف قول مالك في أن من لم يقرأ في ركعتين أعاد أبدا. وقوله: وإذا ذكر وهو في صلاة قطع وابتدأ، يريد: بسلام، وظاهره على أي حال كان. وحكم الفذ حكم الإمام في الإعادة والقطع. واختلف قول مالك إذا ترك القراءة في ركعة واحدة، فقال مرة: يسجد لسهوه قبل السلام، ولا يعيد. وقال مرة: يسجد له ويعيد، وقال مرة: يلغي الركعة ويسجد بعد السلام. قيل: كانت الصلاة من أي الصلوات كانت، وقيل: إنما هذا إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية، وأما إن كانت صلاة هي ركعتان فلم يختلف قوله إنه يعيد الصلاة. والقول الأول هو ظاهر " المدونة "، واختلف اختيار ابن القاسم، فمرة أخذ بالإلغاء، ومرة أخذ بالإعادة. فعلى القول بالإعادة إن ذكر أنه لم يقرأ قبل أن يركع استأنف القراءة وسجد بعد السلام، وإن ذكر ذلك بعد أن ركع وقبل أن يرفع فقيل إنه يقطع، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وقيل: إنه ينصرف إلى القيام فيقرأ ويركع ويسجد بعد السلام، وهو قوله في سماع سحنون. وهذا على الاختلاف في عقد الركعة هل هو بالركوع أو بالرفع منه. وإن ذكر بعد أن رفع رأسه من الركوع قبل أن يسجد قطع، وإن

مسألة: يدرك ركعة مع الإمام ويقوم هو للقضاء ثم يذكر أنه نسي سجدة

ذكر بعد أن سجد فمرة قال: يقطع، وهو قوله في سماع أبي زيد، ومرة قال: يتم ركعتين، وهو قوله في كتاب ابن المواز. وإن ذكر وهو واقف في الثانية رجع إلى الجلوس وسلم. وإن ذكر بعد أن صلى الثلاثة أتم الرابعة وسجد قبل السلام وأعاد الصلاة، وعلى القول بالإلغاء إن ذكر أنه لم يقرأ قبل أن يتم الركعة بسجدتيها ألغى ما مضى فيها واستأنف القراءة من أولها، وإن ذكر وهو واقف في الركعة الثانية جعلها الأولى وألغى الأولى التي لم يقرأ فيها. وكذلك إن ذكر وهو قائم في الثالثة أنه لم يقرأ في الأولى جعلها ثانية وقرأ فيها بالحمد وسورة، وجلس وتشهد وسجد بعد السلام. وإن ذكر ذلك بعد أن ركع في الثالثة، وإن لم يرفع رأسه من الركوع تمادى وجعلها ثانية وجلس وتشهد وسجد قبل السلام. وكذلك إن ذكر ذلك بعد أن قام من الثالثة وهو واقف في الرابعة جعلها ثالثة وسجد قبل السلام. وأخذ أشهب وابن عبد الحكم وأصبغ بالإعادة في الركعة الواحدة وبالإلغاء في الركعتين والثلاث، إذ لم يختلف قول مالك في أن من ترك القراءة في ركعتين فما زاد: إنه يعيد. [مسألة: يدرك ركعة مع الإمام ويقوم هو للقضاء ثم يذكر أنه نسي سجدة] مسألة وقال في الذي يدرك ركعة مع الإمام من الجمعة أو الظهر فيسلم الإمام ويقوم هو للقضاء ثم يذكر قبل أن يركع أنه نسي سجدة من الركعة التي مع الإمام: إنه يخر فيسجد سجدة ثم يبني على تلك الركعة، فإن كانت جمعة أجزأت عنه، وإن كانت ظهرا فمثل ذلك. قال محمد بن رشد: هذا على القول بأن سلام الإمام لا يحول بينه وبين إصلاح الركعة التي أدرك معه بالسجدة التي نسي منها. وستأتي المسألة متكررة والخلاف فيها في رسم "أسلم بعد هذا"، وبالله التوفيق.

مسألة: امرأة طهرت عند غروب الشمس كيف تصلي الظهر والعصر

[مسألة: امرأة طهرت عند غروب الشمس كيف تصلي الظهر والعصر] مسألة وسئل: عن امرأة طهرت عند غروب الشمس فقدرت خمس ركعات فبدأت بالظهر فلما صلت ركعة غابت الشمس، قال: تضيف إليها أخرى وتكون نافلة ثم تسلم ثم تصلي العصر. قيل: فلو صلت ثلاث ركعات؟ قال: تضيف إليها أخرى وتصلي العصر. قال القاضي: هذه مسألة صحيحة لا إشكال فيها، والأصل فيها قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» ، فجعله مدركا للصلاة بإدراك ركعة منها قبل الغروب، فلا تكون المرأة إذا طهرت في آخر النهار مدركة للصلاتين جميعا إلا إذا طهرت لمقدار خمس ركعات فأكثر، فلما غابت الشمس لهذه المرأة التي قدرت أن عليها الظهر والعصر، وهي في الظهر قبل تمامها، تبين لها أن الظهر ساقط عنها، وأن صلاة العصر واجبة عليها إذ كان الوقت لها لا للظهر، فصارت بمنزلة من ذكر صلاة قد خرج وقتها وهي في نافلة تصليها، فيدخل فيها من الخلاف ما فيها، فقيل: إنها تقطع بكل حال، وقيل: إنها لا تقطع حتى تتم ركعتين أو أربعا إن كانت صلت ثلاثا، وقيل: إنها تتم ركعتين إن كانت قد صلت ركعة وتقطع إن كانت لم تصل ركعة أو كانت قد صلت ثلاث ركعات، وهو اختيار ابن القاسم في " المدونة "، وقيل: إنها تقطع إن كانت لم تصل ركعة وتتم ركعتين إن كانت صلت واحدة، وأربعا إن كانت صلت ثلاثا، وهو قوله في هذه الرواية، وهو أحسن الأقوال؛ لأنها إن كانت قد صلت ركعة أو ثلاثا كان الاختيار لها أن لا تقطع حتى تخرج عن نافلة؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ، فإن كانت لم تصل ركعة كان الاختيار لها أن تقطع لوجوب صلاة العصر

مسألة: صلى مع الإمام فرفع رأسه من السجدة الأولى فرأى الناس في الثانية

عليها بذكرها، وهي ليس معها من صلاتها عمل تام يبطل عليها بالقطع. ولو علمت وهي تصلي الظهر قبل أن تغيب الشمس أنها إن أكملت الظهر غابت الشمس لوجب أن تقطع على أي حال كانت وتصلي العصر، ولا اختلاف في هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: صلى مع الإمام فرفع رأسه من السجدة الأولى فرأى الناس في الثانية] مسألة وقال فيمن صلى مع الإمام فرفع رأسه من السجدة الأولى، فرأى الناس سجودا في الثانية فظن أنهم في الأولى كلهم، فرجع إلى السجدة الأولى ليرفع منها برفعهم فرفعوا وقاموا، قال: ينبغي له أن يسجد سجدة يخر ساجدا ويعتد بها، يعني ما بينه وبين أن يركع الإمام في الثانية. قيل له: فإن لم يفعل حتى سلم الإمام؟ قال: يعيد الصلاة إن طال ذلك بعد سلام الإمام، وإن ذكر ذلك بحضرة ذلك صلى ركعة بسجدتيها وسجد بعد السلام. قال محمد بن رشد: قوله إنه يسجد التي ترك من الركعة الأولى ما بينه وبين أن يركع الإمام في الثانية هو مثل ما مضى في رسم "استأذن" وفي غير ما موضع، وكذلك إن ترك السجدة من غير الأولى يسجدها ما لم يعقد الإمام الركعة التي تليها، إما بالركوع وإما بالرفع منه على ما مضى من اختلاف قول مالك في ذلك، ولا اختلاف في هذا، وإنما الاختلاف إذا تركها من الركعة الآخرة، فقيل: إنه يسجدها ما لم يسلم الإمام، فإن سلم الإمام وكان بالقرب صلى ركعة وسجد بعد السلام، وإن طال ابتدأ الصلاة، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية. وقيل: إنه يسجد السجدة بعد سلام الإمام ما كان بالقرب، فإن طال بعد سلامه ابتدأ الصلاة، وهو على ما مضى من قوله في هذا الرسم، وبالله التوفيق.

مسألة: صلى بقوم المغرب فسلم من ركعتين فسبح به فقام فاستأنف الصلاة واتبعوه

[مسألة: صلى بقوم المغرب فسلم من ركعتين فسبح به فقام فاستأنف الصلاة واتبعوه] مسألة وسئل: عمن صلى بقوم المغرب فسلم من ركعتين فسبح به فقام فاستأنف الصلاة واتبعوه، فقال: أما هو فقد تمت صلاته، وأما من خلفه فيعيدون في الوقت وغيره إن كانوا لم يسلموا. قال المؤلف: ظاهر قوله: أما هو فقد تمت صلاته، يوجب أن سلامه على طريق السهو قد أخرجه عن الصلاة. وقد روي عن ابن أبي زيد أنه قال: إنما يصح هذا إذا سلم عامدا أو تعمد القطع بعد سلامه ساهيا، فذهب ابن أبي زيد في قوله هذا إلى أن سلامه على طريق السهو لم يخرجه من صلاته مثل ما يأتي في رسم "أسلم بعد هذا"، فلهذا قال: إنما يصح أن تكون صلاته قد تمت إن كان سلم عامدا، يريد بعد سلامه ساهيا، أو تعمد القطع بعد سلامه ساهيا، وإلى أن السلام على طريق السهو لا يُخرج المصلي عن صلاته ذهب ابن المواز، وحكاه عن مالك، وعليه بنى مسائله فقال فيمن دخل مع الإمام في التشهد الآخر فلما سلم الإمام وقام هو يقضي صلاته رجع الإمام فقال: إني كنت أسقطت سجدة من صلاتي، إنه ينظر، فإن ركع الركعة الأولى من قضائه في حد لو رجع الإمام لصح له الرجوع إلى إصلاح صلاته ألغى تلك الركعة؛ لأنه صلاها في حكم الإمام، وإن كان لم يركع في الركعة الأولى من قضائه إلا بعد أن فات الإمام الرجوع إلى إصلاح صلاته صحت له الركعة وسجد قبل السلام؛ لأنه قرأ الحمد في حكم الإمام، فكأنه أسقطها. فالسلام من الصلاة ينقسم على قسمين: أحدهما: أن يسلم ساهيا غير قاصد إلى السلام والتحلل به من الصلاة، والثاني: أن يسلم قاصدا إلى السلام والتحلل به من الصلاة. فأما إذا كان ساهيا غير قاصد إلى السلام والتحلل من الصلاة فلا يخلو من أن يكون ذلك في غير موضع السلام أو في موضع السلام، فهو سهو دخل عليه يسجد له بعد السلام، وإن كان ذلك في موضع السلام أجزأه ذلك من السلام وتحلل به من الصلاة إلا أن يقصد به

مسألة: ترك التكبير كله من الصلاة سوى تكبيرة الإحرام

التحلل من الصلاة، مثل أن ينسى السلام الأول ويسلم من على يمينه أو يرد على الإمام، فلا يجزئه على مذهب مالك، ويجزئه على ما ذهب إليه سعيد بن المسيب وابن شهاب من أن تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام. وأما إن سلم قاصدا إلى السلام والتحلل من الصلاة فلا يخلو من أن يكون ذلك وهو يعلم أن الصلاة لم تتم، أو هو يظن أن الصلاة قد تمت؛ فأما إن كان ذلك وهو يعلم أن الصلاة لم تتم فذلك يقطعها عليه ويخرجه عنها، وإن كان ذلك وهو يظن أن الصلاة قد تمت فكان ذلك كما ظن خرج من الصلاة بالسلام، وإن تم ذلك على ما ظن وتبين أنه قد سها فيما كان يظن وأنه لم يكمل صلاته، فهنا هو الاختلاف المذكور في خروجه عن الصلاة بالسلام، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، والله أعلم. [مسألة: ترك التكبير كله من الصلاة سوى تكبيرة الإحرام] مسألة وقيل فيمن ترك التكبير كله من الصلاة سوى تكبيرة الإحرام: إنه إن لم يسجد السجدتين في ذلك قبل السلام أعاد الصلاة، وإن ترك الجلوس أيضا في اثنتين فلم يسجد أعاد الصلاة لذلك؛ لأن هذا نقصان. ولو أسر القراءة في الصلاة كلها لم ير أن يعيد لذلك الصلاة إن لم يسجد وإن تطاول؛ لأنه قد قرأ. قال المؤلف: سجود السهو يجب في السنن المؤكدات في الصلاة، وهي ثمان: قراءة ما سوى أم القرآن، والجهر في موضع الجهر، والإسرار في موضع الإسرار، والتكبير سوى تكبيرة الإحرام، والتحميد، والتشهد الأول، والجلوس له، والتشهد الآخر، فإن ترك من هذه السنن ثلاث سنن فأكثر سجد لها قبل السلام، فإن لم يسجد قبل فبعد، فإن لم يسجد بعد حتى طال أعاد الصلاة وإن ترك منها أقل من ثلاث ولم يسجد قبل ولا بعد حتى طال فلا إعادة عليه. فهذا حكم هذه السنن المذكورات ما عدا التكبير سوى تكبيرة الإحرام، فإنه اختلف فيه، فقيل: إنه كله سنة واحدة، وقيل: إن كل تكبيرة سنة

مسألة: يأتي عليه السهو فلا يدري أسها أم لا

سنة. فمن قال: إنه كله سنة واحدة لم ير سجود السهو في تكبيرة واحدة منه، ولا أوجب الإعادة على من تركه كله فلم يسجد له حتى طال، وهي رواية أبي زيد عن ابن القاسم، ومن قال: إن كل تكبيرة منه سنة أوجب السجود في التكبيرة الواحدة وفي التكبيرتين، والإعادة على من ترك منه ثلاث تكبيرات فأكثر فلم يسجد حتى طال، وهو قوله في هذه الرواية وأحد قوليه في " المدونة ". وقوله: إن ترك الجلوس في اثنتين فلم يسجد أعاد الصلاة صحيح على ما أصلناه؛ لأنه يجتمع في تركه له ثلاث سنن، وهي الجلوس والتشهد وتكبيرة القيام. وقوله: لأن هذا نقصان، يريد لأن هذا نقصان كثير. وقوله: لو أسر القراءة في الصلاة كلها لم أر أن يعيد - صحيح أيضا على ما أصلناه من أنه سنة واحدة، وبالله التوفيق. [مسألة: يأتي عليه السهو فلا يدري أسها أم لا] مسألة وقال مالك فيمن يأتي عليه السهو فلا يدري أسها أم لا، قال: يسجد سجدتين بعد السلام. قال المؤلف: معنى يأتي عليه السهو - يكثر عليه الشك، فلا يدري أسها أم لا، وهو المستنكح بكثرة الشك في السهو. وسيأتي له مثل هذا في رسم "إن خرجت"، وقد مضى له مثله والقول عليه في رسم "باع غلاما" من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: من أكل الثوم فلا يقرب المسجد رأسا] مسألة قال مالك: من أكل الثوم فلا يقرب المسجد رأسا. قال ابن القاسم: والكراث والبصل إن كان يؤذي ويظهر فهو مثل الثوم ولا يقرب المسجد أيضا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم

مسألة: صلى ببول الفارة

" الصلاة" الثاني من سماع أشهب، فلا معنى لإعادة القول في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: صلى ببول الفارة] مسألة قال: ومن صلى ببول الفارة فإنه يعيد ما كان في الوقت. قال سحنون: لا إعادة عليه. وسئلت عائشة، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، عن أكل الفارة فتلت هذه الآية: {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] ... الآية، كأنها رأت إجازته. قال محمد بن أحمد بن رشد: قول ابن القاسم هو القياس على المذهب؛ لأن الفارة من ذي الناب من السباع، وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل كل ذي ناب من السباع. والأبوال تابعة للحوم، فوجب أن يكون بولها نجسا؛ إذ لا يؤكل لحمها، وأن يعيد في الوقت من صلى ببولها. وقول سحنون استحسان مراعاة لقول عائشة، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، في إجازة أكلها لظاهر الآية التي تلتها؛ إذ ليست الإعادة من النجاسات المتفق عليها واجبة، والقول بالمنع من أكلها ونجاسة بولها أظهر؛ لأن السنة مبينة للقرآن. روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإنه ليس كذلك، لا يحل ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي» ، وفي رواية أخرى: «ألا وإن ما حرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو مثل ما حرم الله» ، وبالله التوفيق. كمل كتاب الصلاة الثالث بحمد الله.

نجز الجزء الأول من كتاب البيان والتحصيل للإمام ابن رشد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من عمل ثمانية عشر جزءا يتلوه أول الثاني: كتاب الصلاة الرابع.

كتاب الصلاة الرابع

[كتاب الصلاة الرابع] [مسألة: افتتح الصلاة المكتوبة فلما صلى ركعتين شك في أن يكون على وضوء] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. كتاب الصلاة الرابع من سماع عيسى من كتاب أوله بع ولا نقصان عليك. مسألة: وسئل ابن القاسم عمن افتتح الصلاة المكتوبة، فلما صلى ركعتين شك في أن يكون على وضوء فتمادى في صلاته - وهو على شكه ذلك، فلما فرغ من صلاته، استيقن أنه كان على وضوء. قال: صلاته مجزئة عنه، إلا أن يكون نواها نافلة حين شك.

مسألة: طهارة السيف من الدم

قال محمد بن رشد: إنما قال: إن صلاته تامة- وإن تمادى على شكه، إلا أن يكون نواها نافلة؛ لأنه لما دخل في الصلاة بطهارة متيقنة، لم يؤثر عنده فيها الشك الطارئ عليه بعد دخوله في الصلاة، والأصل في ذلك، ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الشيطان يفسو بين أليتي أحدكم، فإذا كان يصلي فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» . وليس هذا بخلاف لقوله في المدونة: من أيقن بالوضوء وشك في الحدث انتقض وضوؤه؛ لأن الشك طرأ عليه في هذه المسألة بعد دخوله في الصلاة، فوجب ألا ينصرف عليها إلا بيقين- كما جاء في الحديث، ومسألة المدونة طرأ عليه الشك في طهارته قبل الدخول في الصلاة، فوجب ألا يدخل فيها إلا بطهارة متيقنة- وهو فرق بَيِّن. وقد روى سحنون عن أشهب في أول سماعه خلاف هذا في هذه المسألة أن صلاته باطلة، وهذا أظهر لما بيناه. [مسألة: طهارة السيف من الدم] مسألة قال: وقال مالك يمسح السيف من الدم ويصلي به. قلت:

مسألة: نسي صلاتين واحدة في السفر وأخرى في الحضر

فلو صلى به ولم يمسحه، هل كنت تراه يعيد الصلاة ما دام في الوقت؟ قال: لا. قال: عيسى بن دينار يريد إذا كان في الجهاد أو الصيد الذي يكون عيشه. قال محمد بن رشد: أجاز أن يمسح السيف من الدم ويصلي به وإن لم يغسله؛ لأن اليسير من الدم معفو عنه، فإذا مسحه من السيف لم يبق فيه منه إلا أقل مما جوز للراعف أن يفتله بين أصابعه ويمضي في صلاته، ولم ير عليه إعادة إن صلى به ولم يمسحه، لما مضى عليه عمل السلف من استجازة مثل هذا، وترك التعمق فيه- على ما يأتي في رسم "حبل الحبلة" من السماع؛ ولأن ذلك يكثر ويشق على المجاهد، والذي يكون عيشه الصيد، وقول عيسى تفسير وبيان إن شاء الله. [مسألة: نسي صلاتين واحدة في السفر وأخرى في الحضر] مسألة وقال في رجل نسي صلاتين: ظهرا وعصرا، واحدة في السفر وأخرى في الحضر، لا يدري أيتهما نسي في الحضر، ولا أيتهما نسي في السفر، ولا أيتهما قبل صاحبتها؟ قال: يصلي ثلاث صلوات، إن شاء صلى الظهر والعصر للحضر مرة، وصلاهما للسفر مرتين، وإن شاء صلى للسفر مرة، وللحضر مرتين، قلت له: كيف يصنع؟ قال: إن أراد أن يصليهما للحضر مرتين بدأ فصلى الظهر والعصر للحضر، ثم صلى أيضا الظهر والعصر للسفر، ثم صلى الظهر والعصر للحضر، فإن كانت صلاة الحضر قبل صلاة السفر، فقد صلاهما كما وجبتا عليه، وإن كانت صلاة السفر قبل صلاة

الحضر، فقد صلاها قبلها حين صلى بعدها الظهر (والعصر للحضر) ، وكذلك العمل فيها أيضا لو بدأ بصلاة السفر قبل صلاة الحضر لصلاها مرتين. قال محمد بن رشد: قوله في المسألة يصلي ثلاث صلوات يريد ثلاث صلوات في كل صلاة، فهي ست صلوات. وقوله: إنه يصليهما حضريتين وسفريتين صحيح؛ لأن صلاة الحضر لا تجزئ عن صلاة السفر إذا خرج وقتها، كما لا تجزئ صلاة السفر عن صلاة الحضر إذا خرج وقتها، فلما لم يدر كيف وجبتا عليه، وجب عليه أن يصليهما للحضر وللسفر حتى يأتي على شكه، ويوقن أنه قد صلاهما كما وجبتا عليه. وأما قوله: إنه يعيدهما بعد ذلك للسفر إن كان بدأ بالسفر، وللحضر إن كان بدأ بالحضر من أجل الرتبة؛ إذ لا يدري هل كان السفر قبل الحضر، أو الحضر قبل السفر، فهو على خلاف أصله في المدونة؛ إذ لا يلزم أن يراعى الترتيب في الفوائت على أصله فيها؛ لأنه قال فيها: إن من ذكر صلاة فتعمد فصلى الصلاة التي هو في وقتها- وهو ذاكر لها، أنه لا يعيدها إلا في الوقت، فإذا كان لا يلزمه أن يعيدها إلا في الوقت- وهو يوقن أنه قد قدمها قبل الأولى، فأحرى أن لا يعيد هذه إلا في الوقت؛ إذ ليس على يقين من أنه قدّمها قبل الأولى- والوقت قد خرج بتمام الصلاة؛ لأن الصلاة الفائتة إذا صلاها فقد خرج وقتها؛ لأنه كأنه قد وضعها في وقتها، وهذا بيّن- وبالله التوفيق.

مسألة: صلى فقرأ سجدة فركع بها

[مسألة: صلى فقرأ سجدة فركع بها] ومن كتاب لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس مسألة وقال: من صلى فقرأ سجدة فركع بها، أنه إن كان تعمد الركوع بها، أجزأته تلك الركعة وقرأها إذا قام في أخرى وسجد. قال: والمكتوبة والنافلة في ذلك سواء، إلا أني لا أحب للإمام أن يخلط على الناس بسجدته أن يقرأ سجدة في المكتوبة. قال: وإن أراد أن يهوي ليسجدها فنسي فركع، فإنه إن ذكر وهو راكع خر من ركعته فسجدها ثم اعتدل فقرأ وركع، وإن لم يذكر حتى فرغ من ركعته، ألغى تلك الركعة. وقال: لا أحب لأحد أن يتعمد الركوع بسجدة، فإن فعل أجزأ عنه. قال أشهب عن مالك: إنه يعتد بها وإن ركعها ساهيًا للسجدة ولا يلغيها. قال محمد بن رشد: قوله فيمن قرأ سجدة فركع بها (إنه) إن كان تعمد الركوع بها أجزأته تلك الركعة، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنه ركع بنية الركوع الواجب عليه، وترك السجود الذي ليس بواجب عليه. وأما قوله: إنه يقرأها إذا قام في الأخرى ويسجد في المكتوبة والنافلة، فهذا موضع اختلف فيه، فقال ابن حبيب: إنه لا يقرأها إذا قام في المكتوبة ولا في النافلة؛ لأن الركعة التي ركعها لصلاته تجزئه من السجدة، وعلى مذهبه في المدونة: لا يجزئه ركوعه للصلاة عن السجدة، فهو بمنزلة من ترك سجود السجدة

مسألة: المسافر يدخل يوم الجمعة حاضرته

يقرأها في الركعة الثانية في النافلة دون الفريضة. وقوله: إلا أني لا أحب للإمام الذي يخاف أن يخلط على الناس بسجدته، أن يقرأ سجدة في المكتوبة، هو مثل ما مضى، ومضى القول فيه في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب- خلاف ما في المدونة. وأما قوله: إنه إن أراد أن يهوي ليسجدها فنسي فركع، أنه إن ذكرها- وهو راكع يخر من ركعته فيسجدها، ثم يعتدل- قائما فيقرأ ويركع؛ فصحيح على مذهبه في الاعتبار باختلاف نيته في الصلاة، إلا أنه يسجد لسهوه بعد السلام- إن كان قد أطال الركوع قبل أن يذكر - قاله ابن حبيب، وكذلك قوله: إنه إن لم يذكر حتى فرغ من ركعته، أنه يلغيها، صحيح أيضا على مذهبه في الاعتبار باختلاف نيته في الصلاة، وهو قوله في رسم "السلم" بعد هذا: إن من حالت نيته في صلاته إلى نافلة تبطل عليه صلاته- إن طال ذلك، وإذا ألغاها من أجل أنه لم ينو بها الفريضة ونوى بها النافلة، فيأتي بركعة مكانها ويسجد بعد السلام. وقول أشهب عن مالك: إنه يعتد بها وإن ركعها ساهيا للسجدة ولا يلغيها؛ صحيح أيضا على أصل أشهب في سماع سحنون أن من حالت نيته في صلاته إلى نافلة، فصلاته صحيحة لا تبطل عليه- وإن طال ذلك، وليس تحول النية بشيء، وذلك ينحو إلى قول ابن المسيب وابن شهاب في أن تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام، فتدبر ذلك، فإنه أصل واحد. [مسألة: المسافر يدخل يوم الجمعة حاضرته] مسألة وقال في المسافر يدخل يوم الجمعة حاضرته، وقد صلى الظهر في السفر، فأتى المسجد فوجد الناس في الجمعة، فدخل معهم، فأحدث الإمام فقدمه فصلى بالناس، قال: أرى صلاتهم مجزئة عنهم؛ لأن كل

من دخل حاضرته قبل أن يصلي الإمام، فعليه أن يحضر الجمعة، وإن فاتته ولم يحضرها أو قد كان في الحضر حين صلى الإمام الجمعة، فعليه أن يعيدها ظهرا أربعا، وإن كان قد صلاها في السفر اثنتين حتى يجعل صلاته بعد صلاة الإمام. قال محمد بن رشد: رأى صلاته التي صلى في السفر منتقضة إذا دخل حاضرته قبل أن يصلي الإمام الجمعة، ولذلك قال: إن صلاتهم مجزئة عنهم إذا صلاها بهم، ونحو هذا في سماع عبد الملك بن الحسن، وقد اختلف في هذا وفي المريض يصلي الظهر يوم الجمعة بعد الزوال قبل صلاة الإمام، ثم يصح في وقت لو مضى إلى الجمعة لأدركها أو ركعة منها، وفي العبد يصلي الظهر أيضا ثم يعتق في وقت لو مضى إلى الجمعة لأدركها أو ركعة منها، وفي الذي يصلي الظهر ناسيا أو على ألا يأتي الجمعة أو هو يظن أن الجمعة قد صليت في وقت لو مضى إلى الجمعة لأدركها أيضا، أو ركعة منها، فقيل: إن الجمعة عليهم كلهم واجبة، وإن فاتتهم أعادوا ظهرا أربعا؛ لأن الصلاة الأولى قد بطلت، وهو الذي يأتي على هذه الرواية، وقيل: إن الأولى هي صلاتهم ويؤمرون بإتيان الجمعة، فإن لم يفعلوا، فلا شيء عليهم، وهو قول ابن نافع، وقيل: إن العبد والمريض والمسافر الذي صلى في السفر لا يلزمه الإتيان إلى الجمعة، بخلاف الذي يصلي الظهر سهوا أو على ألا يصلي الجمعة، أو وهو يظن أن الجمعة قد صُلِّيت، وهذا الذي يأتي على مذهب سحنون، وأشهب، وقال سحنون- على أصله: ليس على المسافر إذا دخل من سفره أن يصلي الجمعة، إلا أن تكون صلاته الظهر على ثلاثة أميال من وطنه. وقال أشهب - على أصله

مسألة: ظن الرجل أنه نقص من صلاته فسجد سجدة أو سجدتين

أيضا: إنه إن كان صلى الظهر في سفره في جماعة، فلا ينبغي له أن يأتي الجمعة، كما لا ينبغي له في غير الجمعة إذا صلى في سفره صلاة من الصلوات في جماعة، أن يعيد تلك الصلاة في الحضر في جماعة. [مسألة: ظن الرجل أنه نقص من صلاته فسجد سجدة أو سجدتين] مسألة قال ابن القاسم: إذا ظن الرجل أنه نقص من صلاته فسجد سجدة أو سجدتين، ثم ذكر أنه لم ينقص شيئا، فإنه إن ذكر ذلك ولم يسجد إلا سجدة لم يسجد إليها الأخرى، وسجد سجدتين بعد السلام؛ وإن ذكر وقد سجد سجدتين كذلك أيضا، يسجد سجدتين بعد السلام؛ قيل له: فلو كان ظن أنه زاد فسجد سجدة أو سجدتين، ثم علم أنه لم ينقص من صلاته لسهوه بعد السلام، ثم ذكر أنه لم يزد؛ قال: يقطع ولا يسجد إليها أخرى. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا إشكال فيها ولا كلام- على ما في المدونة وغيرها؛ لأنه إذا ظن أنه قد نقص من صلاته فسجد قبل السلام سجدة أو سجدتين، ثم علم أنه لم ينقص من صلاته شيئا، فقد حصل بسجوده للسهو سهو زيادة يسجد له بعد السلام؛ وإذا ظن أنه قد زاد فسجد سجدة واحدة بعد السلام ثم ذكر أنه لم يزد شيئا، وجب ألا يسجد إليها سجدة أخرى؛ إذ السجود إنما شرع للسهو، وهذا لم يسه- وبالله التوفيق. [مسألة: يكون في الزحام يوم الجمعة فلا يقدر أن يركع مع الإمام] مسألة وسألته عن الرجل يكون في الزحام يوم الجمعة فلا يقدر أن يركع مع الإمام هل يركع ويتبعه؟ قال: إذا لم يركع معه فلا يجزئه أن

يركع بعده، قلت: فالرجل يغفل أو ينعس فلا ينتبه حتى يعتدل الإمام من ركعته، قال: اختلف قول مالك في ذلك، فمرة كان يقول: يلغي تلك الركعة، ومرة كان يقول: إذا كانت من أول صلاته ألغاها، ومرة كان يقول: يركع ويتبعه، فإن لحقه في السجود، أجزأت عنه؛ فإن لم يلحقه في السجود ألغاها. قلت: فأي شيء تأخذ به أنت؟ قال: أما في الزحام إذا لم يستطع أن يركع مع الإمام، فإنه يلغي تلك الركعة ولا يركع ويتبعه- كانت أول ركعة أو غيرها هو سواء، ولكن يتبعه في السجود ويلغي تلك الركعة ويصلي ركعة مكانها، فإن فاتته الأولى والثانية، قضى ما فاته بعد سلام الإمام، ولو ركع الركعة الأولى مع الإمام فلم يستطع أن يركع الثانية من الزحام، لم يركع ويتبع الإمام- وإن طمع أن يدركه في سجوده وألغى تلك الركعة التي لم يركعها مع الإمام، وصلاها إذا سلم الإمام، والزحام مخالف للغفلة والنعسة إذا لم ينتبه حتى يستقل الإمام من الركعة أو لم ينتبه لركوع الإمام حتى يستقل الإمام، فهذا الذي نعس أو غفل وقد ركع مع الإمام أول ركعة، صلى معه وركع واتبعه ما طمع أن يدركه في سجوده، وإن لم يطمع فلا يتبعه، وإن لم يركع بعد أول ركعة ودخل عليه من الغفلة فيها مما ذكرت، كان أمره وأمر الذي في الزحام سواء في جميع صلاته- إذا لم يركع معه الركعة الأولى. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل الاختلاف في هذه المسألة في رسم "كتب عليه ذكر حق" من سماع ابن القاسم، وتكررت أيضا في رسم

مسألة: المسافر يؤم بمسافرين فيصلي بهم ركعة ثم يبدو له في المقام

الصلاة الثاني من سماع أشهب، وفي أول رسم من هذا السماع، ووجه قوله: إنه يتبع الإمام بالركوع في الركعة الأولى والثانية، (ما ثبت من أمر) رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمن دخل مع الإمام أن يتبعه في صلاته، من ذلك قوله: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا» - الحديث. والفاء تقتضي التعقيب، وتوجب أن الثاني بعد الأول، والقياس أيضا على ما أجمعوا عليه (حق اتباعه) في السجود إذا فاته السجود معه بغفلة أو ما أشبه ذلك، ووجه قوله إنه لا يتبعه في الأولى ولا في الثانية، ظاهر قول عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة: من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، ومن فاتته الركعة فقد فاتته السجدة. إذ لم يفرقوا بين الأولى والثانية، ووجه تفرقته بين الأولى والثانية، أن الركوع ركن من أركان الصلاة كالسجود، فإذا فاته مع الإمام لم يكن له أن يفعله بعده، إلا أن يكون قد تقدمه ركوع أصل ذلك السجود. [مسألة: المسافر يؤم بمسافرين فيصلي بهم ركعة ثم يبدو له في المقام] مسألة وسئل عن المسافر يؤم بمسافرين فيصلي بهم ركعة ثم يبدو له في المقام، قال يخرج فيقدم رجلا يتم بهم ويقطع هو صلاته. قلت: وإن كان خلفه مقيمون ومسافرون كيف يصنع المسافرون؟ قال: إن قدم الخارج مسافرا صلى صلاة مسافر يسلم من ركعتين (بالمسافرين، ثم أتم المقيمون لأنفسهم. وإن قدم مقيما أضاف إلى

التي صلى الخارج- ركعة، ثم أشار إليهم كلهم المسافرين والمقيمين: أن اجلسوا، ويتم هو لنفسه، فإذا سلم، سلم المسافرون بسلامه، ثم يتم المقيمون بعد سلام الإمام. قال عيسى: وأحب إلي أن (ينتقض) بهم صلاتهم إذا تحولت نية الإمام. قال محمد بن رشد: اختلف في المسافر ينوي الإقامة في صلاته على ثلاثة أقوال: أحدها- وهو مذهبه في المدونة -أن تحول نيته مفسد لصلاته، فهو كمن ذكر صلاة في صلاة، (يخرج عن نافلة أو يقطع) على الاختلاف في ذلك، ويصلي صلاة مقيم، فعلى هذا القول يأتي جوابه في هذه المسألة: أن الإمام يقطع ويخرج. وقوله: إنه يقدم رجلا يتم بهم الصلاة على أحد قوليه في الإمام يذكر صلاة وهو في صلاة، أنه يستخلف ويقطع ولا يقطعون، واختيار عيسى في هذه أن يقطعوا، خلاف اختياره في الإمام يذكر صلاة وهو في صلاة، فيحتمل أن يكون ذلك اختلافا من قوله، والأظهر أنه فرق بين المسألتين، لقوة الاختلاف في هذه، (فيكون الإمام على قول من رأى) أنه يتمادى على صلاته وتجزئه إذا قطع، قد أفسد صلاته متعمدا، فوجب أن يفسد عليهم؛ والقول الثاني، وهو اختيار بعض المتأخرين- أنه لا تأثير لتحول نيته في إفساد صلاته، فيتمادى عليها وتجزئه، كالمتيمم (يدخل) في الصلاة (ثم يطلع عليه) رجل معه ماء، أنه يتمادى ولا يقطع. والقول الثالث رواه ابن الماجشون عن مالك واختاره ابن حبيب، أنه إن كان لم يركع، أتم على إحرامه أربعا، وإن كان قد ركع أتم صلاته صلاة سفر، كما ابتدأها وأجزأته،

مسألة: المسافر يدخل في صلاة قوم وهو يظنهم مسافرين

وهو استحسان على غير قياس؛ لأنه راعى تحول نيته في حال دون حال؛ وقال: إنه يتم أربعا- وهو قد أحرم بنية ركعتين. وفي ذلك اختلاف قد مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم. وقوله: إن قدم مقيما- إلى آخر قوله- صحيح؛ لأنه، إنما استخلفه على الركعة التي بقيت من صلاته، فإذا صلاها بهم وقام إلى إتمام صلاته، لم يصح للمقيمين أن يأتموا به فيها؛ لأن السنة أن يصلوا أفرادا، فإن ائتموا به، جرى الأمر في وجوب الإعادة عليهم على الاختلاف فيمن وجب عليه أن يصلي فذا، فصلى في جماعة على ما يأتي في رسم "إن خرجت بعد هذا"، وفي سماع سحنون، وفي سماع موسى بن معاوية - بعد هذا إن شاء الله تعالى. [مسألة: المسافر يدخل في صلاة قوم وهو يظنهم مسافرين] مسألة وسئل ابن القاسم عن المسافر يدخل في صلاة قوم وهو يظنهم مسافرين فلما صلى تبين له أنهم مقيمون، قال: أحب إلي أن يعيد. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها- مجودا في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته. [مسألة: جمع الصلاتين في الخوف] مسألة قال ابن القاسم: لا تجمع الصلاتان في الخوف؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] . قال ابن القاسم بعد ذلك ولم أسمع أحدا جمع، ولو جمعوا لم أر به بأسا. قال محمد بن رشد: يريد جمعهم بين الصلاتين في الخوف على سنة صلاة الخوف - إذا كانوا نازلين بموضع، وخافوا هجوم العدو عليهم فيه، فلم ير ذلك في القول الأول؛ إذ لم يذكر الله فيه إلا بفرقة الجماعة طائفتين على إمام واحد، ولم ير مالك للمسافرين الجمع إلا إذا جد بهم السير، وهؤلاء

مسألة: دراسة القرآن بعد صلاة الصبح في المسجد

نازلون غير سائرين، وخفف ذلك في القول الثاني لما جاء من السعة في الجمع لاشتراك الوقتين، فقد روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بين الصلاتين في غير خوف ولا سفر. (قال ابن عباس راوي) - الحديث: إنما فعل ذلك لئلا يحرج أمته» - وبالله التوفيق. [مسألة: دراسة القرآن بعد صلاة الصبح في المسجد] مسألة وسئل عن دراسة القرآن بعد صلاة الصبح في المسجد يجتمع عليه نفر فيقرؤون في سورة واحدة، فقال: كرهها مالك ونهى عنها ورآها بدعة. قال محمد بن رشد: قد مضت كراهية مالك لذلك في أول رسم "سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " من سماع ابن القاسم، والقول فيها هناك بما يغني عن رده. [مسألة: يدخل المسجد في رمضان فيدرك الإمام في آخر ركعة الوتر] مسألة قال: وسألته عن الرجل يدخل المسجد في رمضان فيدرك الإمام في آخر ركعة الوتر- وقد صلى معه بعد العشاء نافلة. قال: إذا سلم أضاف إليها أخرى وسلم، ثم أوتر بواحدة- إذا كان الإمام ممن يسلم، وإن كان ممن لا يسلم أضاف إليها اثنتين بغير سلام. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يجتزئ بالنافلة التي صلى بعد العشاء، (لبعد ما بينها وبين الوتر) الذي صلى مع الإمام، ليس على قياس مذهب

مسألة: يصلي المغرب في بيته ثم يأتي المسجد فيجد الناس في الصلاة

مالك، ووجهه مراعاة قول من يرى أن الوتر ثلاث لا يفصل بينهن بسلام، والذي تقدم لمالك في رسم "الصلاة" الأول من سماع أشهب والصحيح على قياس مذهبه. وقوله: وإن كان الإمام ممن لا يسلم أضاف إليها اثنتين بغير سلام، هو نحو قول مالك في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب: لو كنت صانعه لم أسلم بين الاثنتين والواحدة، وقد مضى القول على ذلك هناك. [مسألة: يصلي المغرب في بيته ثم يأتي المسجد فيجد الناس في الصلاة] مسألة قال ابن القاسم في الذي يصلي المغرب في بيته ثم يأتي المسجد فيجد الناس في الصلاة فينسى فيدخل معهم، قال: إن ذكر قبل أن يركع رجع، وإن ذكر بعد أن صلى ركعة، فإن قطع كان أحب إلي، وإن صلى الثانية ثم قطع، رجوت أن يكون خفيفا، وإن لم يذكر إلا بعد ثلاث ركعات، أضاف إليها ركعة وسلم وخرج. وقال سحنون: وقد روى علي بن زياد أنه لا يشفعها برابعة، وعليه أن يعيدها ثالثة. قال محمد بن رشد: هذه المسألة في رواية أبي صالح، واستحباب القطع فيها إذا ذكر بعد ركعة، هو الذي يأتي على ما في المدونة، وقد ذكرنا الاختلاف في مسألة المدونة في آخر رسم "نقدها" من هذا السماع. وقوله: إنه إن ذكر بعد ثلاث ركعات، أضاف إليها رابعة، صحيح على القول بأن من أعاد في جماعة، فالأولى هي صلاته، وهذا القول هو الذي يصح في هذه المسألة- على مذهب مالك؛ إذ لا يرى لمن صلى المغرب أن يعيدها في جماعة، ورواية علي بن زياد تأتي على (أن) من أعاد في جماعة، فهما جميعا له صلاتان فريضتان، وقد مضى هذا المعنى في آخر رسم "المحرم" من سماع ابن القاسم - وبالله التوفيق.

مسألة: صلى المغرب والعشاء من الحاج قبل أن يأتي مزدلفة من غير عذر

[مسألة: صلى المغرب والعشاء من الحاج قبل أن يأتي مزدلفة من غير عذر] ومن كتاب سلف دينارا في ثوب مسألة وقال فيمن صلى المغرب والعشاء من الحاج قبل أن يأتي مزدلفة من غير عذر، أعادهما بالمزدلفة؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الصلاة أمامك» . قال محمد بن رشد: قوله من غير عذر- يريد من غير عذر يمنعه من أن يسير بسير الناس؛ لأنه من لم يكن عنده عذر يمنعه من أن يسير بسير الناس، فلا يصلي حتى يغيب الشفق ويصل إلى المزدلفة، فإن صلى قبل أن يصل إلى المزدلفة أو قبل أن يغيب الشفق، أعاد؛ ومن كان له عذر يمنعه من أن يسير بسير الناس ممن وقف مع الناس، فإنه يجمع الصلاتين إذا غاب الشفق قبل أن يصل إلى المزدلفة، ومن أتى متفاوتا ولم يقف مع الناس، فإنه يصلي كل صلاة لوقتها. [مسألة: عزل الوالي يوم الجمعة] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار مسألة قال ابن القاسم: إذا عزل الوالي يوم الجمعة، وجاء وال آخر فتمادى المعزول فصلى الجمعة بالناس- وهو يعلم بعزله، قال: أرى أن يعيدوا وإن ذهب الوقت، وإن أذن له الوالي القادم فصلى بهم،

فصلاتهم جائزة- إذا كان أذن له قبل الصلاة، وإن كان أذن له بعد الصلاة، فإن عليهم الإعادة؛ فإن جاء الوالي- وقد خطب هذا، قال: أرى أن يخطب خطبة أخرى ولا يصلي بهم بخطبة غيره، فإن أذن له بالصلاة وقد خطب هذا، قال: أرى أن يبتدئ الخطبة- ثانية. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مبنية على معنى ما في المدونة من أن الوالي الأول معزول عن الصلاة بوصول الوالي الثاني إليه وإعلامه بعزله. فإن صلى الوالي الأول قبل أن يقدم الوالي الثاني ويعلمه بالعزل، صحت الصلاة، (وإن قدم وقد خطب ولم يصل، لم يجز له أن يصلي بالناس بخطبة الأول؛ لأنه خطب وهو أمير، ولا يصح أن يخطب أمير ويصلي أمير غيره، كما لا يصح أن يقدم أميران أحدهما على الخطبة والثاني على الصلاة، ولو قدم بعد أن صلى بالناس ركعة، لأتم بهم الركعة الثانية وسلم، وأعادوا الخطبة والصلاة- قاله في كتاب ابن المواز. وذهب مطرف وابن الماجشون إلى أنه يجوز له أن يصلي بالناس بخطبة الأمير الأول، وحجته ما جاء من أن أبا عبيدة قدم- وخالد بن الوليد يخطب، فأمره أبو عبيدة أن يتم بهم الخطبة، وهذا لا حجة فيه؛ لأنه لما أمره بإتمام الخطبة، حصل مستخلفا له على ذلك وأجزأه من الخطبة ما بقي منها؛ إذ ليست مؤقتة لا يجوز ترك شيء منها، ولو استأنفها من أولها لكان أحسن، وهذا الذي قلناه من أنه إن صلى الوالي الأول قبل أن يقدم الثاني ويعلمه بعزله، صحت الصلاة) ولم تجب إعادتها- وإن كان الوقت قائما- بين من الرواية، بدليل قوله فيها: وهو يعلم بعزله، وهو ينبئ عن فساد ما حكاه عبد الحق عن بعض شيوخه عن المذهب من أن الوالي

مسألة: جس امرأته للذة ثم نسي فصلى يتوضأ

الثاني إذا قدم بعد أن صلى الأول- والوقت قائم- أنه يعيد الجمعة ولا يعتد بها، كما لا يعتد بالخطبة إذا قدم قبل الصلاة؛ وقد بينا وجه فساد اعتداده بالخطبة إذا قدم قبل الصلاة. وقوله في الرواية: إن صلاة الأول بهم جائزة- بإذن الثاني- إذا كان أذن له قبل الصلاة، معناه قبل الخطبة (والصلاة) ، وهذا كله بين، فتدبره. [مسألة: جس امرأته للذة ثم نسي فصلى يتوضأ] مسألة قال: ومن جس امرأته للذة، ثم نسي فصلى- ولم يتوضأ، أنه يعيد في الوقت وبعد الوقت. قال محمد بن رشد: معناه أنه جسها للذة فالتذ، وأما لو جسها للذة فلم يلتذ، (لما انبغى) أن تجب عليه الإعادة إلا في الوقت؛ لأن كل من عمل في وضوئه أو صلاته، بما اختلف أهل العلم (فيه) ، فلا إعادة عليه إلا في الوقت، وقد اختلف قول مالك في إيجاب الوضوء على من مس امرأته للذة فلم يلتذ، وأما من مسها للذة فالتذ، فلا اختلاف في المذهب أن الوضوء عليه واجب، فلذلك قال: إنه يعيد أبدا، ولم يراع مذهب أهل العراق. وما روي عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس، من أن الملامسة للذة لا تنقض الوضوء، لحملهما الملامسة التي عنى الله بقوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] على الجماع دون ما سواه، احتياطا للصلاة- والله أعلم.

مسألة: خطب يوم الجمعة ففرغ من الخطبة وأحرم بالصلاة فذكر صلاة نسيه

[مسألة: خطب يوم الجمعة ففرغ من الخطبة وأحرم بالصلاة فذكر صلاة نسيه] مسألة وسئل عن إمام خطب يوم الجمعة ففرغ من الخطبة وأحرم بالصلاة، فذكر صلاة نسيها، فقال: يتحول إليهم ويكلمهم حتى يتم صلاته، قيل له: فيبتدئ الخطبة، قال: أحب إلي أن يبتدئ الخطبة، قيل له: فإن ذكر ذلك بعد أن فرغ من الصلاة، أو بعد أن صلى منها ركعة؛ قال: إذا لم يذكر حتى فرغ من صلاته، فصلاتهم مجزئة عنهم، وإن ذكر بعد ركعة، قدم رجلا بنى على تلك الركعة، قال: وكذلك في كل صلاة ذكر فيها الإمام صلاة نسيها- وقد ركع، فإن تلك الركعة التي صلى بهم- وهو ناس للصلاة- مجزئة عنهم، ويبني عليها الذي يقدم. قال عيسى: وقد كان قال لي تنفسخ صلاتهم، ثم رجع إلى هذا؛ وهذا قول ابن دينار، وابن كنانة: إن ما صلى بهم- وهو ناس- فذلك مجزئ عنهم، وبه يأخذ عيسى. قال محمد بن رشد: قوله الأول: إن صلاتهم تنتقض، ويقطع ويقطعون، ولا يستخلف، هو قول مالك في المدونة، ووجه مراعاة قول من يقول إن صلاته لا تفسد بذكر الصلاة المنسية فيها، فيتمادى عليها وتصح (له) ولهم ويصلي هو وحده الصلاة التي نسي، وقد نحا ابن القاسم في سماع سحنون عنه- إلى هذا القول، فلم ير عليه الإعادة إن تمادى على صلاته إلا في الوقت؛ فلما كان على قول هذا القائل (إنه) إذا قطع قد

مسألة: أدرك من الجمعة ركعة فلما سلم الإمام قام فقضى الركعة

أفسد على نفسه صلاته (متعمدا) من غير عذر، وجب أن يفسد عليهم، ولا يصح له الاستخلاف؛ وقد قيل: إنه يستخلف- ركع أولم يركع، وهو ظاهر ما (وقع) في رسم "أوصى"- في بعض الروايات؛ ووجه ذلك القياس على ما اتفقوا عليه من جواز الاستخلاف في الأحداث، وقد قيل في الفرق بين المسألتين: إن الأصل كان إذا فسدت الصلاة على الإمام، أن تفسد على من خلفه، لارتباط صلاتهم بصلاته؛ فخرج من ذلك الاستخلاف في الأحداث بالسنة والإجماع، وبقي ما عدا ذلك على الأصل، واستحسن هذا الفرق بعض الناس، وطعن على الأول بما لا يلزم، فهو الأظهر- عندي، وظاهر ما رجع إليه في هذه الرواية، أنه إن ذكر قبل أن يركع قطع وقطعوا، وإن ذكر بعد أن يركع، قدم من يتمم بهم- وهو استحسان؛ وفي المسألة قول رابع لابن كنانة في المبسوطة: أنه إن ذكر قبل أن يركع قطع وقطعوا، وإن ذكر بعد أن ركع تمادى بهم وأجزأتهم، وأعاد هو الصلاة- وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: أدرك من الجمعة ركعة فلما سلم الإمام قام فقضى الركعة] مسألة وسئل عمن أدرك من الجمعة ركعة، فلما سلم الإمام قام فقضى الركعة، ثم جلس فتشهد فذكر أنه نسي سجدة لا يدري أمن الركعة التي أدرك مع الإمام أم من التي قضى؟ قال: يسجد سجدة ثم يقوم فيصلي ركعة بسجدتيها، ثم يتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو بعد السلام، ثم يقوم فيصليها ظهرا أربعا؛ لأنه لا يدري لعله نسي السجدة من الأولى فتنتقض جمعته، ولا ينبغي له أن ينصرف من ذلك إلا على شفع؛ قال عيسى: أرى أن يسجد سجدة ويتشهد ثم يسلم، ويسجد بعد السلام، ثم يعيد ظهرا أربعا. قال محمد بن رشد: لما ذكر سجدة لا يدري إن كانت من التي قضى بعد سلام الإمام، أو من التي صلى مع الإمام والركعة لا تتم إلا بسجدتيها،

مسألة: كثر السهو على الرجل ولزمه ذلك فلا يدري أسها أم لا

كان قد تيقن أنه لم يصح له إلا ركعة واحدة لا يدري إن كانت التي صلى مع الإمام، أو التي قضى بعد سلامه، فإن كانت السجدة من التي صلى مع الإمام، فقد صحت له التي صلى بعد سلامه، فوجب أن يضيف إليها ركعة ويخرج عن نافلة، ويصلي الظهر أربعا، وإن كانت من التي صلى بعد سلامه، فقد صحت له التي صلى مع الإمام، ووجب عليه أن يسجد سجدة يصلح بها الركعة التي قضى، وتتم له الجمعة، فلما لم يدر (أي الأمرين عليه) ، جمعهما جميعا عليه، ليكون على يقين أنه قد أتى بما عليه، فهذا وجه قول ابن القاسم؛ وأما قول عيسى إنه يسجد سجدة، ويتشهد ويسلم، ويسجد بعد السلام، ثم يصلي ظهرا أربعا؛ فهو اختيار ابن المواز، ووجهه الاحتياط للجمعة؛ لأنه إن كان ترك السجدة من الركعة التي قضى بعد سلام الإمام، فسجد سجدة ثم أتى بركعة ليخرج عن شفع، فقد أفسد على نفسه الجمعة، فيعمل على أنه ترك السجدة من الركعة التي صلى بعد سلام الإمام، رجاء أن تصح له الجمعة، ثم يصلي ظهرا أربعا- مخافة أن تكون السجدة من التي صلى مع الإمام؛ لأن المحافظة على الجمعة آكد عليه من المحافظة على أن يخرج عن شفع، وأشهب يقول: إنه يأتي بركعة ولا يسجد؛ إذ لا يتحقق أن السجدة من الركعة التي قضى بعد سلام الإمام، ثم يعيد ظهرا أربعا على أصله فيمن ذكر سجدة لا يدري في أي ركعة، أنه يأتي بركعة ولا يخر إلى سجدة؛ إذ لا بد له من الإتيان بركعة وليس على يقين من إصلاح الركعة الأخيرة؛ وقول ابن القاسم أظهر ألا يترك هذه الركعة على شك من تمامها- وهو يقدر على إصلاحها. [مسألة: كثر السهو على الرجل ولزمه ذلك فلا يدري أسها أم لا] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك إذا كثر السهو على الرجل ولزمه ذلك، فلا يدري أسها أم لا؟ قال مالك: يسجد سجدتي السهو بعد السلام.

مسألة: سها في صلاته ثم نسي سهوه فلا يدري قبل السلام هو أو بعد السلام

قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم "أوصى" من هذا السماع، ومضت أيضا- والكلام عليها في رسم "باع غلاما" من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته هنا. [مسألة: سها في صلاته ثم نسي سهوه فلا يدري قبل السلام هو أو بعد السلام] مسألة وسئل عن رجل سها في صلاته ثم نسي سهوه فلا يدري قبل السلام هو أو بعد السلام، قال: يسجد قبل السلام. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يسجد قبل السلام؛ لأنه غلب حكم النقصان على حكم الزيادة عند الشك فيها، كما غلبه عليه عند اجتماعهما، لكونه أحق بالمراعاة على المشهور من قوله، وقد مضى القول في ذلك في رسم "استأذن سيده" من هذا السماع. [مسألة: يسهو فيسر بقراءة أم القرآن فيما يعلن فيه] مسألة وسئل عن الذي يسهو فيسر بقراءة أم القرآن فيما يعلن فيه، فيذكر بعد فراغه من قراءتها؛ قال: أحب إلي أن يعود لقراءتها فيقرأ ويعلن ويسجد سجدتي السهو بعد السلام. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما يأتي في رسم "إن أمكنتني" من هذا السماع، وخلاف ما مضى في الرسم الأول من سماع أشهب، والقولان قائمان من المدونة، وقد مضى القول على ذلك في الرسم الأول من سماع أشهب. [مسألة: مسافر أم مقيمين ومسافرين فصلى بهم ركعة ثم أحدث] مسألة وسألت ابن القاسم عن مسافر أم مقيمين ومسافرين، فصلى بهم ركعة، ثم أحدث فقدم رجلا مقيما فأتم بهم ساهيا، أو صلى بهم

مسألة: أجمع المسافر إقامة أربعة أيام

مسافر ركعتين ثم سلم فقال: أتموا لأنفسكم فجهلوا، فقدموا رجلا مقيما فأتم بهم؛ فقال: أما في المسألة الأولى فإن المسافرين الذين أتموا مع المقيم يعيدون الصلاة ما كانوا في الوقت؛ وأما المقيمون ففي كلا الوجهين صلاتهم مجزئة، ولو أعادوا لرأيته حسنا. قال محمد بن رشد: قوله إن المسافرين الذين أتموا مع المقيم يعيدون في الوقت، هو خلاف ما يأتي في سماع سحنون، وخلاف ما تقدم في أول رسم من سماع ابن القاسم؛ لأنهم أتموا بعد أن أحرموا على القصر، وقد مضى هناك القول في تحصيل الخلاف في إتمام المسافر، فلا معنى لإعادته، وإنما استحب للمقيمين الإعادة في كلا الوجهين؛ لأنهم صلوا بإمام ما وجب عليهم أن يصلوه- فذا؛ وسيأتي نحو هذا أيضا في سماع سحنون، وفي سماع موسى بن معاوية؛ وقد اختلف في ذلك، فقال ابن القاسم: إذا صلى- فذا ما يجب عليه فذا، فلا إعادة عليه. وقال أشهب، وعبد الله بن عبد الحكم: يعيدون، وهو مذهب أصبغ، إلا أنه قال: إن أحدث الإمام في تشهده فخرج ولم يستخلف، فسلموا لأنفسهم من غير أن يستخلفوا، فصلاتهم مجزئة عنهم- إذا لم يبق إلا التسليم، فوافق ابن القاسم ههنا؛ قال (محمد) بن رشد: ولهو إذا صلى مع الإمام ما يجب عليه أن يصلي- فذا، أشد- والله أعلم. [مسألة: أجمع المسافر إقامة أربعة أيام] مسألة قال ابن القاسم: إذا أجمع المسافر إقامة أربعة أيام، فإنه يصلي صلاة مقيم لا يحسب اليوم الذي يدخل فيه، ولكن إن كان نوى إقامة أربعة أيام وأربع ليال مستقبلة سوى اليوم الذي دخل فيه أتم

الصلاة، وإن كان دخل أول النهار، فإني أحب إلي أن يحسب ذلك اليوم. قال محمد بن رشد: الأصل في تحديد أربعة أيام في هذا، ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدم مكة صبيحة رابعه من ذي الحجة، قال: لا يقيمن مهاجر بمكة بعد قضاء نسكه فوق ثلاث» ؛ فدل على أن ما فوق ثلاث في حيز الإقامة؛ إذ لم يبح ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمهاجر الذي لا تصح له الإقامة بمكة، وإنما قال ابن القاسم: إنه يلغى اليوم الذي دخل فيه، إلا أن يكون دخل أول النهار، لما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدم مكة صبيحة رابعه من ذي الحجة، ثم خرج يوم التروية، وذلك أحد وعشرون صلاة، أو اثنان وعشرون صلاة» ، فقصر بمنى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد أن أقام بمكة. وإلى هذا ذهب مالك في أن أهل مكة يقصرون- بمنى والله تعالى أعلم؛ وذهب ابن الماجشون وسحنون، إلى أنه إذا نوى إقامة عشرين صلاة من وقت دخوله إلى حين خروجه أتم، وقد اختلف في ذلك اختلافا كثيرا من يوم وليلة - وهو مذهب ربيعة - إلى تسعة عشر يوما وهو مذهب ابن عباس، روي عنه أنه قال: «أقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسعة عشر يوما يقصر، فإن زدنا أتممنا» .

مسألة: ينسى الوتر أو ينام عنه فلا يذكر إلا بعد طلوع الفجر

[مسألة: ينسى الوتر أو ينام عنه فلا يذكر إلا بعد طلوع الفجر] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار مسألة وسئل عن الذي ينسى الوتر أو ينام عنه فلا يذكر إلا بعد طلوع الفجر، قال: إن كان ركع بعد أن صلى العشاء أوتر بواحدة، وإن كان لم يركع شفع الوتر بركعتين. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يوتر بواحدة- إن كان قد ركع بعد أن صلى العشاء، لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر» ، فليس ذلك بخلاف لما مضى في رسم "لم يدرك" من هذا السماع؛ لأنها مسألة أخرى، وإنما الخلاف فيما بين مسألة (رسم) لم يدرك، ومسألة أخرى أول رسم من سماع أشهب، وقد بينا وجه ذلك هناك. [مسألة: يصلي ركعتين من مكتوبة فينسى فيسلم ثم يدخل في نافلة] مسألة وسألته عن الذي يصلي ركعتين من مكتوبة فينسى فيسلم ثم يدخل في نافلة، ثم يذكر ذلك؛ فقال: إن كان طال ذلك استأنف الصلاة، وإن كان ركع استأنف أيضا- طال أو لم يطل، سواء خرج من الركعتين بسلام، أو خرج بغير سلام، فإن كان ذلك منه قريبا حين قام، بنى وسجد. قال محمد بن رشد: قوله إنه يستأنف الصلاة، إن طال أو ركع وبنى إن كان ذلك منه قريبا وسجد، مبني على أن ما صلى بنية النافلة لا يعتد به من صلاته، فإن كان قريبا، ألغى ما عمل، واستأنفه وسجد بعد السلام- كما قال

مسألة: يدرك ركعة من صلاة الجمعة فينسى فيها سجدة

في رسم "لم يدرك"- إذا ركع بالسجدة ساهيا، وإن طال ذلك استأنف الصلاة وجعل الركوع مع ما تقدم من القراءة بنية النافلة- طولا؛ ولو ركع بنية النافلة بعد أن قرأ بنية الفريضة، لوجب أن يلغي الركعة ويستأنفها، ويسجد بعد السلام على قياس قوله في هذه الرواية؛ وما قاله في الذي أراد أن يسجد السجدة فركع بها ساهيا، وقد قيل: إنه إن ركع ولم يطل القراءة، ألغى الركعة واستأنفها وسجد بعد السلام، ولم يستأنف الصلاة، وهو قول مطرف، وابن الماجشون، وابن وهب، وابن عبد الحكم، وروايتهم عن مالك؛ فسواء على هذا خرج من الركعتين بسلام، أو بغير سلام- كما قال؛ وإنما يفترق ذلك على مذهب من يرى أن تحول النية في الصلاة لا تأثير له في إفسادها، وهو قول أشهب في سماع سحنون، وروايته عن مالك، فيعتد على هذا القول بما صلى بنية النافلة- إن كان خرج من الركعتين بسلام أو بغير سلام - على القول بأن السلام على طريق السهو لا يخرج المصلي عن صلاته، ولا يعتد بذلك- إن كان خرج من الركعتين بسلام على القول بأن السلام على طريق السهو يخرج به عن صلاته، فإن لم يطل ذلك رجع إلى صلاته وسجد بعد السلام، وإن طال، استأنف صلاته من أولها. [مسألة: يدرك ركعة من صلاة الجمعة فينسى فيها سجدة] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يدرك ركعة من صلاة الجمعة فينسى فيها سجدة فلا يذكرها إلا وهو قائم في إتمام الأخرى، أو بعد أن ركع؛ فقال: إن ذكر قبل أن يركع ألغى ما صلى مع الإمام؛ لأنه كهيئة من لم يستطع أن يسجد من زحام الناس حتى سلم الإمام وصلى ظهرا أربعا، وإن ذكر بعد أن صلى الركعة، أضاف إليها ثلاثة- وكانت له ظهرا؛ وروى أصبغ عن ابن القاسم مثله، وقال

من رأيه: لا يعجبني، وأرى أن يسجدها يتم بها الركعة، ثم يتم الجمعة على سنتها بركعة أخرى، ثم يبتدئ الصلاة أربعا للاختلاف؛ وإن جعلها ظهرا أو طرح الجمعة، رأيتها مجزئة، ولم أر عليه الإعادة؛ وقال في كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده أنه يخر فيسجد سجدة، ثم يبني على تلك الركعة إن كانت جمعة، وأجزأت عنه، وإن كانت ظهرا، فمثل ذلك. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة ههنا مستوعبة بما فيها من الاختلاف، وقوله في القول الأول لأنه كهيئة من لم يستطع أن يسجد من زحام الناس حتى سلم الإمام، ليس بحجة؛ لأنها هي المسألة بعينها؛ إذ لا فرق بين أن يزحم أو ينسى؛ لأنه مغلوب على ترك السجود في الوجهين، فالمطالبة بالحجة باقية، فقال له: ولم لم يسجد بعد سلام الإمام الذي زحم عن السجود مع الإمام؟ والحجة له أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» ، «ومن أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة» . والسجدتان من تمام الركعة، (والذي سجد بعد سلام الإمام، لم تتم له الركعة إلا بالإمام، والحجة لقوله الثاني- وهو قول أشهب - قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك الركعة، فقد أدرك السجدة» ، «ومن

مسألة: يصلي في بيته ثم يأتي المسجد فيصلي مع الناس فيذكر أنه غير متوضئ

أدرك ليلة عرفة، فقد أدرك الحج» إذ قد حصل اليقين أنه ليس معنى ذلك أنه يكون مدركا للسجدة بنفس إدراك الركعة) دون أن يفعل السجدة، ولا مدركا للحج بنفس إدراك ليلة عرفة دون أن يفعل بقيته؛ للإجماع على ذلك، ولا أنه أراد أنه يكون مدركا لذلك بفعله مع الإمام؛ (إذ ليس للإخبار بذلك فائدة، فلم يبق إلا أنه يكون مدركا بذلك بفعله بعد الإمام) ، وقول أصبغ استحسان واحتياط للصلاة من أجل هذا الخلاف. ويتخرج في المسألة قول رابع وهو ألا تصح له الجمعة لفوات السجدة مع الإمام، ولا يبني أربعا على ذلك الإحرام؛ لأنه نوى به ركعتين على ما مضى من الاختلاف في أول رسم من سماع ابن القاسم في مسألة المسافر يدخل مع القوم وهو يظنهم مسافرين فيجدهم حضريين. [مسألة: يصلي في بيته ثم يأتي المسجد فيصلي مع الناس فيذكر أنه غير متوضئ] مسألة وسئل عن الرجل يصلي في بيته، ثم يأتي المسجد فيجد الناس في تلك الصلاة فيصلي معهم، فيذكر عند فراغه أن التي صلى في البيت صلاها على غير وضوء، ولم يعمد صلاح تلك بهذه التي صلى مع الإمام، فقال: صلاته التي صلى على الظهر مجزئة عنه، وليس عليه إعادة.

مسألة: دخل من نافلة في مكتوبة بغير سلام

قال محمد بن رشد: مثل هذا في سماع سحنون لابن القاسم، وزاد فيه: أن مالكا قاله؛ وفيه لأشهب أن صلاته باطلة، وعليه الإعادة؛ فوجه قول ابن القاسم وروايته عن مالك، أنه لم يدخل مع الإمام بنية النافلة، وإنما دخل معه بنية الإعادة لصلاته، وإن كان قد صلاها فوجب أن يجزيه إن بطلت الأولى، وأن تجزئه الأولى إن بطلت هذه؛ لأنه صلاهما جميعا بنية الفرض، كالمتوضئ يغسل وجهه مرتين أو ثلاثا، فإن ذكر أنه لم يعم في بعضها، أجزأه ما عم به منها؛ ويؤيد هذا قول عبد الله بن عمر للذي سأله أيتهما يجعل صلاته؟ أو أنت تجعلها، إنما ذلك (إلى) الله. وقد قيل: إنهما جميعا صلاتان له فريضتان، وهو الذي يدل عليه قول مالك؛ لأنه لا يعيد المغرب في جماعة؛ لأنه إذا أعادها كانت شفعا، ووجه قول أشهب، أنه جعل الأولى صلاته؛ إذ إنما دخل مع الإمام لفضل الجماعة، مع ما قد جاء عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنها له نافلة، وليس قوله بجار على المذهب؛ إذ لو كانت الأولى هي صلاته على كل حال، والثانية نافلة؛ لما جاز لمن صلى الصبح أو العصر وحده أن يعيدهما في جماعة؛ إذ لا (يتنفل) بعدهما، وقد قيل: إنه إذا أعاد في جماعة ودخل فيها فقد بطلت الأولى، وحصلت هذه صلاته؛ فإن بطلت عليه لزمه إعادتها، وقيل: إنها لا تبطل عليه الأولى حتى يعقد من الثانية ركعة أو أكثر، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: دخل من نافلة في مكتوبة بغير سلام] مسألة قال: وقال مالك من دخل من نافلة في مكتوبة بغير سلام، قطع تلك المكتوبة متى ما ذكر واستأنفها؛ وإن ذكر أنه (قد) سلم منها ولم يتم النافلة، مضى على مكتوبته ولا شيء عليه في نقصان النافلة.

مسألة: نسي صلاة فذكرها قبل غروب الشمس

قال محمد بن رشد: قوله قطع تلك المكتوبة متى ما ذكر، يريد أنه لا يتمادى عليها على أنها مكتوبة؛ إذ قد فسدت عليه ولا تجزئه باتفاق، ويخرج عن نافلة؛ فإن كان على وتر أتم شفعا. وقوله: وإن ذكر أنه قد سلم منها ولم يتم النافلة، مضى إلى آخر قوله؛ يدل على أن السلام على السهو يخرج المصلي به عن صلاته، مثل ما مضى له في رسم "أوصى"، وقد مضى هناك من القول في ذلك ما فيه شفاء. [مسألة: نسي صلاة فذكرها قبل غروب الشمس] مسألة قال: وقال مالك: لو أن رجلا نسي صلاة فذكرها قبل غروب الشمس، صلى الصلاة التي نسي وأعاد الظهر والعصر- إن طمع أن يصليهما جميعا، أو طمع أن يصلي الظهر وركعة من العصر؛ فإن لم يطمع إلا بصلاة واحدة بعد التي نسي قبل غروب الشمس، صلى التي نسي وصلى العصر، قال: ولو كان يرى ويظن أنه لا يقدر إلا على صلاة واحدة بعد التي نسي فصلى التي نسي وصلى العصر، فلما فرغ من صلاتهما تبين أن عليه نهارا قدر ما لو صلى حين ابتدأ الصلاة أولا، أدرك التي نسي والظهر والعصر، أو الظهر وركعة من العصر؛ قال مالك: إذا تبين له مثل ما وصفت من بعد فراغه من الصلاة، صلى الظهر ثم أعاد العصر وإن غربت الشمس؛ لأنه قد كان وجب صلاتهما عليه (حين كان عليه) من النهار مثل ما ذكرت، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر» .

مسألة: صلى بقوم فأسر فيما يجهر فيه

قال محمد بن رشد: قوله ثم أعاد العصر وإن غربت الشمس، خلاف ما مضى في رسم "أسلم"، وقد بينا وجه ذلك هناك. وقوله: لأنه قد كان وجب صلاتهما عليه، يريد في الوقت، وهو أصل ابن حبيب أن من وجب عليه أن يعيد في الوقت فلم يفعل، أعاد أبدا وبالله التوفيق. [مسألة: صلى بقوم فأسر فيما يجهر فيه] ومن كتاب أوله حمل صبيا مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم فأسر فيما يجهر فيه، فكلم ثم مضى على صلاته وهو يشار إليه، ويعلم الناس أنه قد علم، فتمادى على إسراره ذلك حتى فرغ، فلما فرغ قال: كنت ناسيا، (أو قال: كنت عامدا لذلك، هل عليهم الإعادة؟ . قال ابن القاسم: إن قال: كنت ناسيا) ، سجد وسجدوا سجدتي السهو، وإن كان عامدا، أعاد وأعادوا. قال عيسى: يعيدون في الوقت وبعده، قال أصبغ فيمن أسر فيما يجهر فيه، أو جهر فيما يسر فيه- عامدا، لا إعادة عليه، وليستغفر الله ولا يعود. قال محمد بن رشد: قوله: إن قال: كنت ناسيا سجد وسجدوا- يريد إذا لم يسجد قبل السلام على المشهور في المذهب، وقد مضى ما في ذلك من الخلاف- قرب آخر أول رسم من سماع أشهب، وإن قال: كنت عامدا أعاد وأعادوا- يريد في الوقت وبعده على ما فسر به عيسى، وقد مضى ما في ذلك

مسألة: قرأ في صلاته بأم القرآن وحدها في الأربع ركعات

من الخلاف أيضا في الرسم المذكور من سماع أشهب، ومن لم يوجب السجدة في ترك الجهر سهوا، (ولا) الإعادة في تركه عمدا، فهو عنده من مستحبات الصلاة، لا من سننها. [مسألة: قرأ في صلاته بأم القرآن وحدها في الأربع ركعات] ومن كتاب العشور مسألة وسألته عمن قرأ في صلاته بأم القرآن- وحدها في الأربع ركعات جميعا- ساهيا، فقال: يسجد سجدتي السهو قبل السلام. قلت: فإن نسيهما حتى طال ذلك ثم ذكر، قال: أرجو ألا يكون عليه شيء؛ قال عيسى: يعيد- جاهلا كان أو عامدا أبدا. قال محمد بن رشد: (هذا على ما في المدونة، وعلى المشهور في المذهب، أن قراءة السورة مع أم القرآن من سنن الصلاة؛ فإن ترك ذلك سهوا سجد، وإن تركه عمدا أعاد أبدا من أجل التهاون بالصلاة؛ خلاف ما في آخر الرسم الأول من سماع أشهب، فقف على ذلك. [مسألة: تفوته بعض صلاة الإمام وعلى الإمام سهو] مسألة قال: وسألته عن الذي تفوته بعض صلاة الإمام- وعلى الإمام سهو يسجد له- بعد السلام، فيجهل فيسجد معه، ثم يقدم فيصلي ما فاته به الإمام؛ أيسجدهما بعد فراغه؟ فقال: نعم، هو أحب إلي أن يكون عليه ويسجدهما متى ما علم. قال عيسى: أحب إلي أن يعيد أبدا- جاهلا كان أو عامدا. قال محمد بن رشد: قول عيسى إنه يعيد أبدا- إن كان

مسألة: سمع شيئا فظن أنه الإمام فسلم ثم سجد سجدتين ثم سمع سلام الإمام

جاهلا أو متعمدا، هو القياس على أصل المذهب؛ لأنه أدخل في صلاته ما ليس منها- متعمدا أو جاهلا، فأفسدها بذلك، (وعذره) ابن القاسم بالجهل، فحكم له بحكم النسيان، مراعاة لقول من توجب عليه السجود مع الإمام، وهو قول سفيان الثوري في المدونة. [مسألة: سمع شيئا فظن أنه الإمام فسلم ثم سجد سجدتين ثم سمع سلام الإمام] مسألة قيل لأصبغ: ما تقول في إمام صلى بقوم فسها في صلاته سهوا يكون سجوده بعد السلام، فلما كان في التشهد الآخر، سمع أحدهم شيئا، فظن أنه قد سلم الإمام فسلم، ثم سجد سجدتين، ثم سمع سلام الإمام بعده، فسلم أيضا، وسجد الإمام وسجد معه؟ قال: يعيد الصلاة- إذا كان قد سلم قبل سلامه وسجد. قال محمد بن رشد: قوله يعيد الصلاة- إذا كان قد سلم قبل سلامه وسجد، صحيح على القول بأن السلام على طريق السهو يخرج المصلي عن صلاته، فلما كان يخرج به عن صلاته؛ أبطل سجوده بعده عليه الرجوع إليها، وأوجب عليه استئنافها، وذلك مثل قوله في المدونة فيمن سلم من ركعتين- ساهيا، ثم أكل أو شرب ولم يطل ذلك: إنه يبتدئ ولا يبني. وأما على القول بأن السلام على السهو لا يخرج به المصلي عن صلاته، فيجب أن يحمل الإمام عنه السجود الذي يسجد بعد أن سلم قبل أن يسلم الإمام؛ لأنه في حكمه، فيرجع إلى صلاته بغير تكبير، ويسلم بسلامه ولا سجود عليه؛ لأن سهوه في داخل صلاة الإمام، ويجب على هذا القول في مسألة المدونة أن يبني على صلاته ويسجد بعد السلام، كما لو أكل أو شرب في

مسألة: نسى سجدتي السهو اللتين بعد السلام حتى تطاول

أثناء صلاته دون أن يسلم ولم يطل ذلك؛ وقد روى علي بن زياد عن مالك في المجموعة- على قياس هذا القول- في إمام سلم من اثنتين - ساهيا- وسجد لسهو عليه، ثم ذكر أنه يتم صلاته ويعيد سجود السهو. قال سحنون: وكذلك لو كان قبل السلام لأعادهما، وهذا يبين ما ذكرناه، فمن ظن أن الإمام قد سلم فسلم قبل سلامه وعلم قبل أن يسلم، فإنه يرجع إلى صلاته بلا تكبير على القول بأن السلام على طريق السهو لا يخرج به عن الصلاة، وبتكبير - على القول بأنه يخرج به عن الصلاة، وأما إن لم يعلم حتى سلم الإمام، فيسلم بعد سلامه وتجزئه صلاته- على القول بأن السلام على طريق السهو لا يخرج به عن الصلاة، وتبطل صلاته على القول بأن السلام على طريق السهو يخرج به عن صلاته؛ إذ لا يصح أن يرجع إلى صلاته في حكم الإمام بعد خروج الإمام عنها، فهذا وجه القول في هذه المسألة وتحصيله- وبالله التوفيق. [مسألة: نسى سجدتي السهو اللتين بعد السلام حتى تطاول] مسألة وسألته عن الذي ينسى سجدتي السهو اللتين بعد السلام حتى تطاول، ثم يذكر فيريد السجود لهما بإحرام؛ قال: لا. قلت: أيهوي ساجدا وهو قائم أم يقعد ويسجد؟ قال: بل يقعد ويسجد، رجع ابن القاسم وقال: لا يرجع إليهما إلا بإحرام. قال محمد بن رشد: وجه قوله الأول، أنهما سجدتان منفصلتان عن الصلاة بالسلام، فلا يحرم في البعد، كما لا يحرم في القرب؛ إذ لم يوجب البعد انفصالا عن الصلاة لم يكن قبل. ووجه القول الثاني، أن السلام لم يوجب

مسألة: الصلاة بالكيمخت

انفصالا باتا من الصلاة بإجماع، وإنما اختلف هل أوجب انفصالا غير بات أو لم يوجبه؟ ألا ترى أنه لو ذكر منها شيئا بقرب سلامه، لجاز له أن يرجع إليه، قيل: بإحرام على القول بأنه أوجب انفصالا (غير بات، وقيل بغير إحرام؛ بدليل ما روي من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر ألا يتنفل أحد بعد الصلاة حتى يقوم أو يتكلم» . ولهذا قال مالك في المدونة فيمن أوتر في المسجد ثم أراد أن يتنفل، أنه يترك قليلا ثم يقوم فيتنفل ما بدا له، وإذا طال الأمر بعد السلام فقد انفصل عن الصلاة انفصالا) باتا لا يجوز له الرجوع إلى شيء يذكره منها بإجماع، وهذا فرق بين الموضعين؛ لأنه إذا أيقن على أنه لم يخرج بالسلام عن الصلاة- خروجا باتا، وجب إذا سلم على أن يسجد ألا يجب عليه أن يحرم، وإذا طال الأمر بعد سلامه، وجب أن يحرم لسجوده؛ إذ قد انفصل عن الصلاة انفصالا باتا، وقد قيل في الفرق بينهما: إن الأصل كان أن يحرم لهما في القرب والبعد؛ لأنفصالهما عن الصلاة، فخرج القرب عن ذلك بالإجماع، وبقي البعد على أصله، وليس بفرق صحيح، لما ذكرناه من أنه إذا سلم على أن يسجد وجب (ألا يجب) عليه أن يحرم- وبالله التوفيق. [مسألة: الصلاة بالكيمخت] ومن كتاب حبل حبلة مسألة قال عيسى: قال أبو محمد المخزومي: وسألت مالكا عن

الصلاة بالكيمخت فغضب علي وقال: ما هذا التعمق؟ قد كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلون بأسيافهم- وفيها الدم، فلم يزدني على هذا، قال ابن القاسم: ما يعجبني. وروى سحنون عن علي بن زياد، عن مالك، أنه سئل عن الكيمخت، فقال: ما زال الناس يصلون بالسيوف- وفيها الكيمخت، وما يتقون شيئا. وأخبرني موسى بن معاوية الصمادحي، عن جرير، عن عبيدة، عن إبراهيم، قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجعلون الكيمخت في سيوفهم، ويقولون دباغة طهره. قال محمد بن رشد: الكيمخت: جلد الحمار، وقيل: إنه جلد الفرس، والحمار والفرس لا يؤكلان عند مالك، فلا تعمل الذكاة في لحومهما، ولا يطهر الدباغ جلودهما للصلاة بهما وعليهما؛ واختلف قوله في جلد الميتة مما يؤكل لحمه، فالمشهور عنه أن الدباغ لا يطهر إلا للانتفاع به دون الصلاة عليه، وروى أشهب عنه في كتاب الضحايا ما ظاهره أن الدباغ يطهر، وهو قول ابن وهب في سماع عبد الملك، ومن أهل العلم من يرى أن الدباغ يطهر كل جلد حتى جلد الخنزير، ولعموم قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» . ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه لا يطهر إلا جلود الأنعام؛ إذ قد قيل: إنه لا يتسمى إهابا في اللغة إلا جلد الأنعام، وأما سائر جلود الحيوان فإنما يقال له جلد ولا يقال له إهاب؛ فالصلاة بالكيمخت على أصل مذهب مالك لا يجوز، إلا أنه استخفه للخلاف فيه، واستجازة السلف له، ورأي المنع له والتشديد فيه من التعمق الذي لا ينبغي. وكرهه ابن القاسم للخلاف فيه من غير تحريم، فقال: ما يعجبني. وقد مضى في سماع أشهب من كتاب الوضوء وجه استعمال الآثار الواردة عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في هذا الباب.

مسألة: المسافر ينوي إقامة أربعة أيام فيقصر الصلاة

[مسألة: المسافر ينوي إقامة أربعة أيام فيقصر الصلاة] مسألة قال ابن القاسم في المسافر ينوي إقامة أربعة أيام فيقصر الصلاة، قال: عليه الإعادة في الوقت وبعده. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم "إن خرجت ما في هذا التحديد من الخلاف"، إلا أنه ضعف عند ابن القاسم فلم يراعه، ولذلك أوجب الإعادة أبدا على من قصر وقد نوى إقامة أربعة أيام. [مسألة: أدرك أول صلاة الإمام وقعد في التشهد الآخر شك في الركعة الأولى] ومن كتاب جاع فباع امرأته (مسألة) وسئل عن الذي يدرك أول صلاة الإمام، فإذا صلى بعد الصلاة وقعد في التشهد الآخر أو قبل ذلك، شك في الركعة الأولى أن يكون ركع معه. قال: لا يصلي مكانها ركعة، ولكن يسلم مع الإمام فيصليها ثانية، يبتدئ الصلاة خوفا أن يكون قد ركعها فيزيد في الصلاة مع الإمام خامسة. قال محمد بن رشد: وجه هذا القول مراعاة قول من يقول إن الركعة تجزئه، وإن شك في تمكنه فيها مع الإمام فيعمل على أنها تجزئه، ثم يعيد الصلاة احتياطا؛ كمن ترك قراءة أم القرآن في ركعة من صلاته- على القول بالإعادة، وذلك خلاف ما تقدم في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب، وقد مضى هناك من القول في ذلك ما فيه كفاية، وبالله سبحانه التوفيق. [مسألة: دخل مع إمام في أول صلاته لم يركع الإمام شيئا حتى أحدث فأخذ بيده فقدمه] مسألة وقال في مسافر دخل مع إمام مقيم في أول صلاته، فلم يركع الإمام شيئا حتى أحدث، فأخذ بيده فقدمه ولم يصل معه شيئا، إلا

أنه قد أحرم، قال: يصلي بهم أربعا، قال: وكذلك لو لم يكن مع الإمام المقيم غيره ثم دخل عليه حدث فخرج، كان عليه أن يصلي أربعا- وحده؛ لأنه قد أحرم معه ووجبت عليه صلاة المقيم؛ وقال: أنظر إذا دخل المسافر مع المقيم في صلاته وبقي على الإمام المقيم شيء من صلاته- وإن ركعة، ثم دخل على الإمام حدث، فإن المسافر الذي دخل معه قد وجبت عليه صلاة الحضر- وإن كان لم يركع معه شيئا؛ لأن الركعة التي بقيت على الإمام قد أدركها، فهو لا بد له من أربع قدمه الإمام الخارج أو قدم غيره، وإن لم يبق على الإمام شيء، وإنما أدركه في الجلوس الآخر، فإنه يصلي ركعتين لأنه لم يدرك معه شيئا. قال محمد بن رشد: الأصل في هذه المسألة، قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» - يريد أدرك حكمها، فلا اختلاف أحفظه في أن المسافر إذا أدرك ركعة من صلاة الحاضر فصلاها معه، أنه قد أدرك حكم صلاته، ووجب عليه الإتمام؛ وأما إذا دخل معه- وقد بقيت عليه ركعة من صلاته فأكثر، فأحدث الإمام وخرج قبل أن يصلي معه شيئا، فجعله ابن القاسم في حكم المدرك لما بقي على الإمام من صلاته- وإن لم يصله معه على ظاهر قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من الصلاة» ؛ إذ لم يقل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلاها معه وأوجب عليه الإتمام، وأن يصلي بالقوم أربعا- إن استخلفه الإمام، وهو مذهب أشهب وغيره من أصحاب مالك، حاشا ابن وهب، فإنه ذهب إلى أنه لا يكون مدركا للركعة، ولا يلزمه حكم صلاة الإمام، إلا إذا صلى معه

مسألة: نسوا ظهرا من يوم واحد فاجتمعوا فذكروا فأرادوا أن يجمعوها

ركعة من صلاته فأكثر؛ وتأول الحديث على ذلك فقال: إنه إن أحدث المقيم قبل أن يصلي المسافر خلفه ركعة، لم يصح له الإتمام، وبقي على سنته في القصر، ولم يجز للإمام أن يستخلفه؛ فإن فعل وصلى بهم، أفسد على نفسه وعليهم. - يريد على ما قد قيل في المسافر يحرم بنية السفر ثم يتم- متعمدا، أنه يعيد في الوقت وبعده. وأما قوله: وكذلك لو لم يكن مع الإمام المقيم غيره ثم دخل عليه حدث فخرج، كان عليه أن يصلي أربعا، ظاهره أنه يبني على إحرامه مع الإمام، والصواب أن يقطع ويبتدئ؛ لأن من ابتدأ صلاته في جماعة فلا ينبغي أن يتم وحده، فإن لم يقطع وبنى على إحرامه، أجزأته صلاته عند ابن القاسم؛ ولأصبغ في نوازل سحنون، أنه لا يجوز له أن يبني، ويقطع ويبتدئ؛ وقد مضى في رسم "إن خرجت"- ذكر الاختلاف في ذلك، فقف عليه وتدبره. [مسألة: نسوا ظهرا من يوم واحد فاجتمعوا فذكروا فأرادوا أن يجمعوها] مسألة قال ابن القاسم: بلغني أن القوم؛ إذا نسوا ظهرا من يوم واحد، فاجتمعوا فذكروا، فأرادوا أن يجمعوها، أن ذلك لهم، قال ابن القاسم: وأنا أستحسنه وآخذ به؛ وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رقد عن صلاة هو وأصحابه حتى طلعت الشمس عليهم، فصلاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بأصحابه) جماعة جمعها بهم. فالساهي عنها بمنزلة النائم، قال ابن القاسم: ولو كانت ظهرهم من أيام مفترقة لم يجز لهم أن يجمعوا، وإنما يجمعونها إذا نسوها من يوم واحد. قال عيسى: ولا إعادة على الإمام. قال محمد بن رشد: قوله: ولو كانت ظهرهم من أيام مفترقة

مسألة: سها عن سجدة من الركعة الأولى فذكرها في الثانية أو الثالثة

(لم يجز لهم أن يجمعوا، معناه من أيام مفترقة) يعلمونها بأعيانها؛ وهذا على القول بأن من ذكر صلاة- لا يدري إن كانت من السبت، أو من الأحد؟ أنه يجب عليه أن يصلي صلاتين: صلاة للسبت، وصلاة للأحد، وأما على مذهب من لا يراعي التعيين، ويقول: إنما عليه أن يصلي صلاة واحدة ينوي به اليوم الذي تركها فيه، كان الظهر أو العصر، وهو مذهب سحنون، فيجوز لهم أن يصلوا جماعة وإن كانت ظهرهم من أيام مفترقة. [مسألة: سها عن سجدة من الركعة الأولى فذكرها في الثانية أو الثالثة] ومن كتاب النسمة (مسألة) قال: وسألت ابن القاسم وابن وهب عمن سها عن سجدة من الركعة الأولى، فذكرها في الثانية أو الثالثة- وهو مع الإمام، فقالا: إن ذكر وهو قائم مع الإمام في الثانية قبل أن يركع، فليهو ساجدا ثم ينهض إلى الإمام؛ وإن ذكرها حين ركع الإمام فليمض مع الإمام، وإن ذكرها أيضا بعد أن رفع الإمام رأسه، أو في الثالثة. فليصل مع الإمام أيضا، ويتبعه فيما بقي، فإذا سلم الإمام فليقض ركعة بسجدتيها ثم يسلم. قال محمد بن رشد: قوله وإن ذكرها حين ركع الإمام فليمض مع الإمام، وان ذكرها أيضا بعد أن رفع الإمام رأسه؛- معناه إن خشي إن سجد

مسألة: إمام أحدث بعد التشهد فتمادى حتى سلم

ألا يدرك الإمام - في الركوع؛ وأما لو علم أنه يدرك أن يسجد ويدرك الإمام راكعا، لجاز له أن يسجد ويتبع الإمام على القول بأن عقد الركعة رفع الرأس من الركوع، وهو المعلوم من مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك خلاف رواية أشهب عنه؛ ولو رجا وظن أنه يدرك أن يسجد ويدرك الإمام راكعا فسجد ورفع الإمام رأسه قبل أن يرفع (هو) رأسه من سجوده، لبطلت عليه الركعة الأولى والثانية. وقوله: فإذا سلم فليقض ركعة بسجدتيها ثم يسلم- يريد ويقرأ فيها بالحمد وسورة؛ لأنها ركعة قضاء، ويسجد لسهوه بعد السلام- وبالله التوفيق. [مسألة: إمام أحدث بعد التشهد فتمادى حتى سلم] ومن كتاب أوله يدير ماله مسألة قال: وسألته عن إمام أحدث بعد التشهد، فتمادى حتى سلم بالقوم- متعمدا، قال: أرى أن تجزي من خلفه صلاتهم، قال عيسى: يعيد ويعيدون. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، أن الإمام إذا أحدث فتمادى بالقوم - متعمدا، أو جاهلا، أو مستحييا؛ فقد أفسد عليهم الصلاة، ووجبت عليهم إعادتها في الوقت وبعده - خلافا لأشهب، ومحمد بن عبد الحكم - في قوليهما: إن صلاتهم جائزة،

مسألة: المسافر يكون إماما فيصلي ركعة ثم ينوي الإقامة

ولا إعادة عليهم لها، من أجل أنه ليس له أن يوجب عليهم بقوله صلاة قد سقطت عنهم بأدائهم لها على الوجه الذي أمروا به، وحصل هو ضامنا لها بقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الإمام ضامن» . لا من أجل أن صلاتهم غير مرتبطة بصلاته، لا اختلاف في المذهب في أن صلاة القوم مرتبطة بصلاة إمامهم، وإنما قال ابن القاسم في الإمام إذا أحدث بعد التشهد فتمادى بالقوم حتى سلم بهم عامدا، أنه لا إعادة عليهم لصلاتهم، مراعاة لقول أبي حنيفة في أن الرجل إذا جلس في آخر صلاته مقدار التشهد فقد تمت صلاته وخرج منها- وإن لم يسلم، وقول عيسى بن دينار هو القياس على المذهب في أن السلام من فرائض الصلاة، وأنه لا يتحلل منها إلا به. [مسألة: المسافر يكون إماما فيصلي ركعة ثم ينوي الإقامة] مسألة وسألته عن المسافر يكون إماما فيصلي ركعة ثم ينوي الإقامة. قال: يقدم غيره ويخرج. قلت له: فهل يتم لنفسه بركعة أخرى ويجعلها نافلة بمنزلة ما لو كان وحده؟ قال: لا. ويدخل معهم ويقضي باقي الصلاة وتجزئه. قال عيسى بن دينار: وأرى أن يبتدئوا الصلاة هو وهم، قال: قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يقطع ولا يضيف إليها ركعة، بخلاف المنفرد لما جاء عن النبي عن ذلك بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أصلاتان معا؟!» وقد مضى التكلم على هذه المسألة في رسم "لم يدرك"- مستوفى، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا.

مسألة: يقهقه في الصلاة وهو وحده أو مع إمام ناسيا أو عامدا

[مسألة: يقهقه في الصلاة وهو وحده أو مع إمام ناسيا أو عامدا] ومن كتاب البراءة مسألة وسئل عن الذي يقهقه في الصلاة- وهو وحده أو مع إمام ناسيا، أو عامدا، أو يبتسم - وهو وحده، أو مع إمام- عامدا أو ناسيا، قال: أما المتبسم وحده أو وراء الإمام، فلا شيء عليه فيه؛ لأنه لو كان عليه سجود السهو في التبسم فيما نسي، لكان عليه إذا تعمد ذلك- إعادة الصلاة، وأما إذا قهقه فإني لم أسمع مالكا يفرق بين نسيانه ولا تعمده، ولو كان عمده يفترق من نسيانه، لفرقه كما فرق الكلام، وأرى أن يعيد منه- ناسيا كان أو عامدا؛ فإن كان مع إمام مضى وأعاد إذا سلم، وكذلك قال لي مالك؛ وإن كان وحده، قطع واستأنف الإقامة والإحرام. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يقطع ولا يضيف إليها ركعة، بخلاف المنفرد قد مضى القول في التبسم في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب، وفي القهقهة في رسم "استأذن من هذا السماع"- مستوعبا مستوفى، فليس لإعادة شيء من ذلك هنا معنى. [مسألة: تفوته بعض صلاة الإمام ويدرك بعضها ما أدرك أهو أول صلاته أم آخرها] ومن كتاب الجواب مسألة قال: وسألت مالكا عن الذي تفوته بعض صلاة الإمام، ويدرك بعضها، أرأيت ما أدرك أهو أول صلاته، أم آخرها؟ قال: بل آخرها. قال سحنون: بل أولها- وهو الذي لم يعرف خلافه، وهو

قول مالك؛ هكذا أخبرني (به) غير واحد، ويقضي الذي فاته على ما فاته سواء. قال محمد بن رشد: قد قيل في اختلاف قول مالك هذا: إنه اختلاف في عبارة، لا في معنى حكم شيء من الصلاة؛ إذ لم يختلف قول مالك في صفة ما يفعله من فاته بعض صلاة الإمام باختلاف قوليه هذين، فهو على كليهما بان في صفة القيام والجلوس، قاض في القراءة؛ فيحسن أن يعبر عما أدرك الرجل مع الإمام بأنه أول صلاته، من أجل أنه بان على ذلك، لما بقي عليه منها في صفة القيام والجلوس؛ ويحسن أن يعبر عنه بأنه آخر صلاته، من أجل أنه قاض لما فاته منها على صفة ما فاته في القراءة؛ ووجه ما اختاره سحنون من قولي مالك أن الذي أدرك مع الإمام هو أول صلاته، هو أنه بذلك ابتدأها، وفيه أو مع تكبيرة الإحرام، وذلك لا يكون إلا في أولها؛ إذ لا يصح أن يبدأ أحد صلاته من نصفها؛ وقد قال، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وما فاتكم فأتموا» . والتمام لا يكون إلا آخرا لا أولا، ووجه القول الآخر اتباع ظواهر قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فما أدركتم فصلوا» . ومعلوم أن الذي أدرك من صلاة الإمام هو آخرها، فوجب بحق هذا الظاهر، أن يكون ذلك هو آخر صلاته أيضا، وقيل: إن اختلاف قول مالك هذا اختلاف فيما يفعله من فاته شيء من صلاته من قضاء أو بناء، فعلى قوله إن الذي أدرك مع الإمام هو آخر صلاته، يكون قاضيا في القراءة والجهر، وفي صفة القيام والجلوس، كمذهب أبي حنيفة، فيأتي إذا أدرك ركعة من صلاة رباعية بالركعة الأولى أولا فيقرأ فيها بالجهر وسورة ويقوم، ثم يأتي بالركعة الثانية فيقرأ فيها أيضا بالحمد وسورة ويجلس، ثم يأتي بالركعة الثالثة فيقرأ فيها بالحمد وحدها

فيجلس ويتشهد (ويسلم) ؛ لأنها آخر صلاته، وعلى قوله إن الذي أدرك مع الإمام هو أول صلاته، يكون بانيا في القراءة، والجهر، وفي صفة القيام والجلوس، كمذهب الشافعي، فيأتي إذا أدرك ركعة من صلاة رباعية بالركعة الثانية يقرأ فيها بالحمد وسورة ويجلس؛ ثم يأتي بالركعة الثالثة يقرأ فيها بالحمد وحدها ويقوم، ثم يأتي بالركعة الرابعة يقرأ فيها بالحمد وحدها ويجلس ويتشهد ويسلم، وهذا التأويل على مالك غير صحيح؛ إذ لا يوجد ذلك له، ولا يعرف من مذهبه؛ والتأويل الأول مرغوب عنه؛ إذ لا فائدة في الاختلاف في الألفاظ- إذا لم يختلف باختلافها شيء من الأحكام، ولا يعد ذلك اختلاف قول، والذي أقول به في اختلاف قول مالك، إنه اختلاف يؤدي إلى اختلاف في كثير من المعاني والأحكام، مع أن قوله لم يختلف في أن من فاته شيء من صلاته مع الإمام، يكون بانيا في صفة القيام والجلوس، وقاضيا في القراءة، والأصل في ذلك عنده اتباع ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» . والإتمام هو البناء، فوجب عنده بحق هذا الظاهر أن يبني على ما أدرك ما فاته، ومعلوم أن الذي فاته يقرأ فيه بالحمد وسورة، فعلى قوله إن الذي أدرك مع الإمام هو أول صلاته، يكون ذلك للإمام آخر الصلاة، وله هو أول الصلاة، ولا يضره اختلاف نيته ونية إمامه في أعيان الركعات- على ما يأتي في رسم "باع شاة"، وإن أدرك معه ركعة من الصبح قنت في الركعة التي يقضي؛ لأنها ثانيته، وإذا أدرك ركعتين يكبر إذا قام؛ لأن ذلك وسط صلاته، وإذا سجد مع الإمام قبل السلام لسهو كان عليه فدخل عليه هو فيما يقضي لنفسه سهو، سجد له أيضا، وإن كان سهو الإمام بعد السلام أضاف سهوه إلى سهو الإمام فسجد قبل السلام- إن كان سهوه سهوا يكون

مسألة: المجنون الذي لا يعرف الوضوء والغسل يكون أمام الرجل في الصف

سجوده قبل السلام، وعلى قوله إن الذي أدرك مع الإمام هو آخر صلاته، لا يقنت في الركعة التي يقضي في الصبح، ويقوم إذا أدرك ركعتين بغير تكبير؛ وإذا سجد مع الإمام لسهو، كان عليه قبل السلام فدخل عليه فيما يقضي سهو لم يسجد له؛ وإن كان سهوه بعد السلام لم يضف سهوه إلى سهو الإمام؛ وأما على مذهب أشهب من أصحاب مالك الذي يقول إن من أدرك بعض صلاة الإمام، يبني على ما أدرك منها في صفة القيام والجلوس، وفي القراءة، فإن أدرك من صلاته ركعتين بنى عليهما ركعتين بأم القرآن- وحدها، كمذهب الشافعي، فلا إشكال على مذهبه- أن ما أدرك الرجل مع الإمام فهو أول صلاته. [مسألة: المجنون الذي لا يعرف الوضوء والغسل يكون أمام الرجل في الصف] مسألة وسئل عن المجنون المطبق الذي يعرف أنه لا يتوضأ ولا يغتسل من جنابة، يكون أمام الرجل في الصف في الصلاة، وكيف إن صلى وراءه- وهو أمامه- عامدا أو ناسيا، هل يعيد الصلاة؟ أو الصبي الصغير، أو المرأة- على مثل ذلك؟ قال ابن القاسم: المجنون الذي ذكرت، والصبي والمرأة في هذا بمنزلة واحدة، ولا أحب له أن يفعل ذلك؛ ولا يصلي- وهو أمامه، وليتنح عن ذلك أو ينحيهم أو يتقدم عنهم؛ وقد بلغني أن أبا سلمة بن عبد الأسد، كان في الصلاة وكان أمامه رجل مأبون في دبره، فقدم رجلا إلى جنبه ليكون أمامه في مكانه فلم يتقدم الرجل؛ لأنه لم ير خللا ولا فرجة، ولم يأبه لما أراد؛ فلما فرغ من صلاته، عزله في التقدم حين قدمه فلم يتقدم، فكأنه اعتذر بنحو ما أخبرتك؛ فقال أبو سلمه بن عبد الأسد: ألم تر إلى فلان المأبون في دبره أمامنا؟ إنما قدمتك لذلك، وهو أبو سلمة بن عبد الأسد الذي كان زوج أم سلمة زوج النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قال ابن القاسم: فإن فات ذلك وصلى حذاءهم، أوهم

مسألة: متى يفرق بين الصبيان في المضاجع

أمامه، لم أر عليه إعادة الصلاة- عامدا كان أو ناسيا أو جاهلا، لا في وقت ولا في غيره- في كل ما سمينا؛ لأنه بمنزلة الرجل يصلي إلى جدار مرحاض أمامه، وقد قيل فيه لاشيء عليه، وكذلك الكافر مثل المجنون، والصبي، والمرأة، في ذلك سواء. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما مضى في رسم "الصلاة " لثاني من سماع أشهب، وليس فيه معنى يشكل فنتكلم عليه؛ إذ قد قدر الشرع تعظيم شأن القبلة، فمن الاختيار للمصلي أن ينزه قبلته في الصلاة عن كل شيء مكروه، ولم يكن قوله في الرجل إنه مأبون في دبره غيبة فيه؛ لأن المقول له كان عالما بما قاله له من ذلك القائل، فلم يتنقصه بقوله ولا اغتابه عنده به- وبالله التوفيق. [مسألة: متى يفرق بين الصبيان في المضاجع] مسألة وسألته متى يفرق بين الصبيان في المضاجع؟ فقال ابن القاسم: إذا أثغروا، من نحو التفرقة في البيع، قال عيسى: وحدثني ابن وهب أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا بلغ الصبيان سبع سنين، فمروهم بالصلاة، وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم عليها، وفرقوا بينهم في المضاجع» . قال عيسى: وبه آخذ. قال محمد بن رشد: قوله إنه يفرق بينهم في المضاجع- إذا أثغروا، خلاف ظاهر الحديث، وكذلك ما في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب، من

مسألة: شك في قراءة أم القرآن حتى هم أن يركع وقبل أن يرفع

أنهم يضربون على الصلاة- إذا أثغروا؛ هو أيضا خلاف ظاهر الحديث، ولا رأي لأحد مع الحديث، فاتباع ظاهره في المعنيين على ما ذهب إليه عيسى - هو الصواب، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: شك في قراءة أم القرآن حتى هم أن يركع وقبل أن يرفع] ومن كتاب أوله إن أمكنتني من حلق رأسك مسألة قال: ومن شك في قراءة أم القرآن حتى هم أن يركع وقبل أن يرفع- وقد قرأ السورة التي معها، فإنه يرجع ويقرأ أم القرآن، والسورة التي معها، وليس عليه سجود. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما مضى في رسم "إن خرجت"، ومثل ما في الرسم الأول من سماع أشهب، والقولان قائمان من المدونة، وقد مضى القول في ذلك على مسألة سماع أشهب المذكور، فقف عليه. [مسألة: صلي بالناس فيجلس في ثالثة أو يقوم إلى خامسة فيسبح به فلا يرجع] مسألة وسئل عن الإمام يصلي بالناس فيجلس في ثالثة، أو يقوم إلى خامسة، فيسبح به فلا يرجع، فيكلمه إنسان ممن يصلي خلفه؛ قال: قد أحسن وتتم صلاته. قلت: وكذلك لو سأل الإمام أتمت صلاته أم لا؟ قال: نعم، كذلك أيضا يتم على ما صلى. قال: وينبغي للإمام إذا سبح به، أن يجيبهم إذا كان في شك، ولا يدري في ثلاث هو أو في أربع، فليقم إلى أربع، إلا أن يسبح به قد تممت صلاتك فيرجع.

مسألة: صلى المغرب خمس ركعات ساهيا

قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، أن الكلام في الصلاة فيما تدعو إليه الضرورة من إصلاح الصلاة- إذا لم يفهم بالتسبيح، ولا بالإشارة، جائز، لا يبطل الصلاة على ما جاء عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث ذي اليدين. وذهب ابن كنانة، وابن نافع، وأكثر أصحاب مالك - إلى أن ذلك منسوخ لا يجوز لأحد بعد النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وأخذ سحنون بالحديث في موضعه ولم يقس عليه سائر المواضع. وقوله وكذلك لو سأل الإمام أتمت صلاته، قال: نعم، كذلك أيضا ظاهره قبل السلام وهو بعيد؛ إذ لا ضرورة بالإمام إلى السؤال قبل السلام: هل أكمل صلاته أم لا؟ لأن الواجب عليه إذا شك أن يبني على اليقين، إلا أن يسبح به فيرجع؛ فإن سألهم قبل أن يسلم، أو سلم على شك، فقد أفسد الصلاة، وإن سلم على يقين ثم شك، جاز له أن يسألهم، فينبغي أن يعدل بالكلام عن ظاهره، ويقال: معناه إذا شك في إتمام صلاته بعد أن سلم على يقين؛ وذلك بخلاف الذي استخلف ساعة دخوله- ولا علم له بما صلى الإمام، فإنه يجوز له السؤال إذا لم يفهم بالإشارة على ما في سماع موسى بن معاوية؛ إذ ليس عنده أصل يقين يبني عليه. وقوله: إنه ينبغي للإمام أن يجيب من خلفه إذا سبحوا به- وكان في شك- صحيح، وقد مضى من معناه في أول رسم من سماع ابن القاسم. [مسألة: صلى المغرب خمس ركعات ساهيا] مسألة وسئل عن رجل صلى المغرب خمس ركعات- ساهيا، قال: يسجد سجدتي السهو بعد السلام. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما وقع في أول رسم من سماع ابن

مسألة: أدرك الإمام جالسا في التشهد في الصلاة فأحرم ثم جلس فلما سلم الإمام سها

القاسم من رواية سحنون عن ابن القاسم، أن من زاد في صلاته مثل نصفها، أعاد الصلاة أبدا؛ وهو مثل ما في المدونة فيمن شفع وتره ساهيا. وما في سماع أبي زيد فيمن صلى ركعتي الفجر أربعا من استحباب إعادتها، يقوم منه قول ثالث- وهو الإعادة في الوقت؛ والقول الأول أظهر من جهة القياس - وهو أن الزيادة في الصلاة لما كان يستوي القليل والكثير منها في العمد، وجب أن يستويا في السهو، ووجه القول الثاني، أن الاقتصار في الصلوات على ما وقت فيها من عدد الركعات فرض، والفروض لا تسقط بالنسيان، فكان الأصل أن تبطل صلاة من زاد في صلاته ركعة فأكثر من أي الصلوات كانت، فخرج من ذلك من زاد ركعة في صلاة هي أربع ركعات، بحديث ابن مسعود إذ صلى النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الظهر خمسا» وبقي ما زاد على ذلك على الأصل- وبالله التوفيق. [مسألة: أدرك الإمام جالسا في التشهد في الصلاة فأحرم ثم جلس فلما سلم الإمام سها] مسألة وقال في رجل أدرك الإمام جالسا في التشهد في الصلاة، فأحرم ثم جلس، فلما سلم الإمام، سها فسلم معه ثم قام فبنى، قال: عليه سجدتا السهو بعد السلام؛ لأن السلام زيادة. قال محمد بن رشد: وهذا- كما قال؛ لأنه زيادة خارجة عن حكم الإمام، فوجب السجود له- على مذهب مالك بعد السلام. [مسألة: ركع فرفع رأسه من الركوع فلم يعتدل حتى خر ساجدا] ومن كتاب التفسير مسألة قال ابن القاسم من ركع فرفع رأسه من الركوع فلم يعتدل

حتى خر ساجدا، فليستغفر الله ولا يعد؛ ومن خر من ركعته ساجدا، فلا يعتد بتلك الركعة، ومن رفع رأسه من السجود فلم يعتدل- جالسا حتى سجد الأخرى، فليستغفر الله ولا يعد؛ وأحب إلي للذي خر من الركعة- ساجدا قبل أن يرفع رأسه، أن يتمادى في صلاته ويعتد بها، ثم يعيد الصلاة، قال سحنون: روى علي بن زياد عن مالك، أنه لا إعادة عليه. قال محمد بن رشد: قوله فيمن رفع رأسه من الركوع أو السجود فلم يعتدل قائما، أنه يستغفر الله ولا يعد؛ يدل على أن الاعتدال في الرفع منها، عنده من سنن الصلاة، لا من فرائضها، ولا من فضائلها؛ إذ لو كان عنده من فرائضها لما أجزأه الاستغفار، ولو كان من فضائلها، لما لزمه الاستغفار، ويجب على هذا القول إن لم يعتدل قائما في الرفع من الركوع، وجالسا في الرفع من السجود- ساهيا، أن يسجد لسهوه، وروى ابن القاسم عن مالك في المبسوطة، أنه لا سجود عليه، ولا إعادة- وحده كان أو مع الإمام، عامدا كان أو ساهيا، وهذا- عندي - على القول بأنه لا سجود على من نسي تكبيرة واحدة؛ إذ يبعد أن يسهو عن ذلك في جميع صلاته؛ وذهب ابن عبد البر إلى أن ذلك من فرائض الصلاة، وعاب قول من لم يجب في ذلك الإعادة، لقول النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود» ؛ ولقوله للذي رآه يصلي ولا يعتدل في ركوعه وسجوده-: «ارجع فصل، فإنك لم تصل» . قال: وإنما اختلف الناس الطمأنينة بعد

مسألة: نسي صلاة يوم لا يدري أفي السفر نسيها أو في الحضر

الاعتدال. والصحيح أن ذلك سنة لا فريضة على ما دلت عليه هذه الرواية، والآثار التي احتج بها ليست على ظاهرها، بدليل ما في سائرها. وأما الرفع من الركوع فاختلف هل هو فرض لا يتم الركوع إلا به، أو سنة؟ وعلى هذا الاختلاف يأتي اختلاف قول مالك في عقد الركعة: هل هو الركوع، أو الرفع منه، فعلى القول بأنه سنة- إن خر من ركعته- ساهيا، سجد قبل السلام، وإن كان متعمدا، استغفر الله ولم تكن عليه إعادة، وهي رواية علي بن زياد عن مالك؛ وعلى القول بأنه فرض من تمام الركوع- إن كان متعمدا، أفسد الصلاة، وإن كان ناسيا، رجع إلى الركعة محدودبا- قاله ابن المواز، وأجزأته صلاته، وسجد لسهوه بعد السلام، إلا أن يكون مع الإمام فيحمل ذلك عنه، وإن بعد ذلك وفاته الرجوع إليها، ألغاها وأتى بها وسجد لسهوه إلا أن يكون أيضا مع الإمام يحمل عنه السهو؛ وقول ابن القاسم: إنه لا يعتد بتلك الركعة ظاهر قوله ناسيا كان أو متعمدا، واستحبابه أن يتمادى ويعيد في الوجهين، وجهه مراعاة الاختلاف، كمن ترك أم القرآن من ركعة، فمرة قال بالإلغاء، ومرة قال بالإعادة، وأما الرفع من السجود، فلا اختلاف أنه فرض؛ إذ لا يتم السجود إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، والله- سبحانه وتعالى أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: نسي صلاة يوم لا يدري أفي السفر نسيها أو في الحضر] ومن كتاب القطعان مسألة وسألت ابن القاسم عمن نسي صلاة يوم لا يدري أفي السفر نسيها أو في الحضر؟ قال: يعيد صلاة يوم للسفر، ثم يعيد صلاة يوم للحضر، ولا يعيد الصبح، ولا المغرب للحضر.

مسألة: أهل منى هل يقصرون إذا أرادوا الإفاضة أو أهل عرفة

قال محمد بن رشد: قوله: إنه يعيد صلاة يوم للسفر، ثم يعيدها للحضر، صحيح- كما قال؛ لأن من ذكر صلاة السفر في الحضر وقد خرج وقتها يصليها سفرية- كما كانت عليه، لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها، فليصلها- كما كان يصليها في وقتها.» فإذا لم يدر إن كانت الصلاة التي ذكرها- وقد خرج وقتها- سفرية أو حضرية، وجب أن يصليها سفرية وحضرية، حتى يوقن أنه قد أتى بما عليه. وأما قوله: إنه لا يعيد الصبح ولا المغرب للحضر، معناه إذا لم يعين الأيام، وأما لو عينها مثل أن يقول: لا أدري إن كنت نسيت صلاة يوم السبت في السفر، أو صلاة يوم الأحد في الحضر، لوجب أن يعيد المغرب والصبح ليوم الأحد- على مذهب ابن القاسم، وقد مضى ذلك في أول رسم "أوصى" من هذا السماع. [مسألة: أهل منى هل يقصرون إذا أرادوا الإفاضة أو أهل عرفة] مسألة وسئل ابن القاسم عن أهل منى هل يقصرون إذا أرادوا الإفاضة، أو أهل عرفة؟ فقال: أما أهل عرفة فيقصرون ولا يقصر أهل منى، قال ابن القاسم: وكل من كان بمنى يقصر، فإذا أفاض قصر، وكل من كان بمنى يتم، فإذا أفاض أتم. قال محمد بن رشد: قوله في الحاج من أهل منى إنهم لا يقصرون في إفاضتهم من منى إلى مكة صحيح، لقرب ما بين منى ومكة. وقوله في أهل عرفة: إنهم يقصرون في إفاضتهم من منى إلى مكة صحيح أيضا، على قياس قوله: إنهم يقصرون بمنى؛ لأنهم إذا كانوا يقصرون بمنى، فهم على ذلك يرجعون إلى وطنهم بعرفة. وفي قوله: إنهم يقصرون بمنى نظر؛ لأنه إنما قال: إنهم

مسألة: هل يؤذن المؤذن المؤذن يوم عرفة والإمام على المنبر يخطب

يقصرون بها قياسا على تقصير الحاج من أهل مكة بها، وذلك إنما فيه الاتباع لرسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تقصيره بها، ولا يتعدى بالسنة موضعها- إذا لم تكن موافقة للأصول، لا سيما وقد قيل: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن مقيما بمكة، ولذلك قصر بمنى، وإلى ذلك ذهب أهل العراق، فلم يجيزوا للحاج من أهل مكة التقصير بمنى وعرفة، وقد مضى هذا في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم. وقول ابن القاسم: وكل من كان بمنى يقصر، فإذا أفاض قصر، مثل قوله أولا أما أهل عرفة فيقصرون؛ لأن أهل عرفة يقصرون عنده بمنى - على ما تقدم؛ ووقع في بعض الروايات: وكل من كان بعرفة يقصر، فإذا أفاض قصر- وهو غلط؛ لأن قوله يتناقض بذلك، من أجل أن أهل منى يقصرون بعرفة، وهو قد قال: إنهم يتمون إذا أفاضوا. [مسألة: هل يؤذن المؤذن المؤذن يوم عرفة والإمام على المنبر يخطب] مسألة فقلت له: هل يؤذن المؤذن، يوم عرفة - والإمام على المنبر يخطب؟ - قال: قال مالك: ذلك واسع، قال عيسى: وقال لي ابن وهب: تلك السنة. قال محمد بن رشد: قول مالك في أذان المؤذن- والإمام على المنبر يخطب: إن ذلك واسع، يدل على أن الاختيار عنده ألا يؤذن إلا بعد فراغه من الخطبة- كما قال في آخر كتاب الصلاة الثاني من المدونة؛ إذ لا يوسع إلا فيما غيره أحسن منه. فقول ابن وهب تلك السنة، خلاف لقول مالك، إن لا يصح أن يكون الاختيار عنده خلاف السنة، ولو ثبتت السنة عند مالك، لما اختار خلافها، وإن كان ذلك أظهر في المعنى، من أجل أن أذان المؤذن- والإمام يخطب، ترك منه لما أمر به من استماع الخطبة، والإصغاء إليها، وقد

مسألة: نسي صلاة يوم الجمعة فلم يذكر حتى صلى الجمعة

قال في كتاب الحج الأول من المدونة: إن ذلك واسع، إن شاء أذن- والإمام يخطب، وإن شاء بعد فراغ الإمام من الخطبة. والوجه في ذلك، أنه لما لم يقطع بثبوت السنة، وكان الأذان بعد تمام الخطبة أولى من جهة النظر والمعنى، خير بين الوجهين فرارا من أن يحض على خلاف ما قد روي عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أو يترك ما يوجبه النظر إلى ما لم يثبت عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وهذا منه- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بنهاية في التوقي. وفي الواضحة: أنه يؤذن في جلوس الإمام بين خطبتيه على ما (حكي) من سيرة الحج فيما كتب به القاسم، وسالم - إلى أمير الحج في زمن يزيد بن عبد الملك، وقد روي عن ابن الماجشون أن المؤذن يؤذن بعد صدر من خطبته. [مسألة: نسي صلاة يوم الجمعة فلم يذكر حتى صلى الجمعة] مسألة قال ابن القاسم فيمن نسي صلاة يوم الجمعة فلم يذكر حتى صلى الجمعة، قال: يصلي الصبح، ثم يصلي الجمعة أربعا. قال محمد بن رشد: والوقت في ذلك، النهار كله، قال ذلك ابن المواز؛ وقال أشهب وسحنون والليث بن سعد وغيرهم: أن السلام من الجمعة خروج وقتها، ولو ذكر صلاة الصبح- وهو في الجمعة مع الإمام، لخرج إن أيقن أنه يدرك من الجمعة ركعة بعد صلاة الصبح، وإن لم يوقن ذلك تمادى مع الإمام وأعاد ظهرا أربعا على مذهب ابن القاسم، خلافا لأشهب، ومن قال بمثل قوله: إن السلام من الجمعة خروج وقتها. وجه قول ابن القاسم، أن الجمعة لما كانت بدلا من الظهر، ووقت الظهر قائم بعد، وجب أن يعيد الجمعة ظهرا أربعا، لتعذر إقامتها جمعة؛ ووجه قول أشهب ومن قال بمثل قوله، أنه لما تعذر إقامتها جمعة كما كان صلاها، سقطت عنه الإعادة؛ إذ ليست بواجبة؛ ألا ترى أنها لا تجب بعد خروج الوقت، وستأتي المسألة متكررة في سماع سحنون.

مسألة: صلى بقوم فأصابه حدث فأخذ بيد رجل فقدمه

[مسألة: صلى بقوم فأصابه حدث فأخذ بيد رجل فقدمه] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم فأصابه حدث، فأخذ بيد رجل فقدمه، فجهل الذي قدم، فقال للذي خلفه: كيف أصنع أبني أم أستأنف؟ فقالوا: بلى ابن، قال ابن القاسم: عليه وعليهم الإعادة. (قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الكلام جوز من إصلاح الصلاة فيما تدعو إليه الضرورة، لا يوجد من ذلك بد، والجهل ليس بعذر يجيز له التكلم في صلاته، فهو كمتعمد الكلام. [مسألة: نسي سجدة من أول ركعة فذكرها في تشهد الرابعة] مسألة وسئل ابن القاسم عمن نسي سجدة من أول ركعة، فذكرها في تشهد الرابعة، قال: يقوم فيقضي ركعة يقرأ فيها بأم القرآن فقط، ويسجد قبل السلام؛ لأنه نقصان وزيادة. قال ابن وهب: يقضي ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، ويسجد بعد السلام؛ لأنه زيادة فقط. قال عيسى: وقول ابن القاسم أعجب إلي) . قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة في المنفرد، وهو عند ابن القاسم بأن يخالف المأموم على المشهور في المذهب، وعلى هذا يأتي جوابه في هذه المسألة؛ لأن الركعة الأولى التي أسقط منها السجدة تبطل إذ لم يصلحها قبل أن يعقد بعدها ركعة، فتصير الثانية له أولى، وهو قد جلس فيها فزاد الجلوس في غير موضعه، وزاد أيضا عمل الركعة التي أسقط منها السجدة، وتصير الثالثة له ثانية، وهو لم يقرأ فيها إلا بالحمد- وحدها، وقام ولم يجلس فأسقط منها السورة والجلوس، وتصير الرابعة له ثالثة، فيأتي بالركعة الرابعة بأم

مسألة: القوم تفوتهم الجمعة ويريدون أن يجمعوا

القرآن فقط، ويسجد قبل السلام؛ لأنه نقصان وزيادة. وقوله في المدونة فيمن أسقط السجود من الركعة الأولى، والركوع من الركعة الثانية: إنه لا يجزيه أن يجعل سجود الركعة الثانية للركعة الأولى؛ لأنه لم ينوه لها، وإنما نواه للركعة الثالثة، معارض لأصله في هذه المسألة، ومعنى قول ابن وهب أنه عنده قاض كالمأموم فتبطل عنده عليه الركعة الأولى، وتبقى الثانية على حالها ثانية، والثالثة ثالثة، والرابعة رابعة؛ ويقوم فيقضي الأولى التي بطلت عليه بترك السجود فيها، فيكون على هذا قد زاد عمل الركعة الأولى التي أسقط منها السجدة. فهذا تفسير قول ابن وهب ومعناه، فجميع أصحاب مالك على أن الفذ بانٍ إلا ابن وهب؛ وجميعهم على أن المأموم قاضٍ، إلا أشهب - وبالله التوفيق. [مسألة: القوم تفوتهم الجمعة ويريدون أن يجمعوا] ومن كتاب أوله باع شاة مسألة وسألت ابن القاسم عن القوم تفوتهم الجمعة ويريدون أن يجمعوا، قال ابن القاسم: كنت مع ابن وهب بالإسكندرية - وكنا في بيت فلم نحضر الجمعة لأمر خفناه، ومعنا ناس كانوا جاءونا، فأردنا أن نصلي، فقال ابن وهب: نجمع، فقلت أنا: لا، فألح ابن وهب فجمع بالقوم، وخرجت أنا عنهم؛ فقدمنا على مالك، فسألناه عن ذلك، فقال: لا تجمعوا، ولا يجمع الصلاة من فاتته الجمعة، إلا أهل الحبس، والمسافرين، والمرضى، فأما غير ذلك فلا. قال محمد بن رشد: كان تخلفهم عن الجمعة لمكان البيعة، وكانت قامت في ذلك اليوم؛ وقع ذلك في المبسوطة، فحملهم ابن القاسم محمل من فاتتهم الجمعة، لقدرتهم على شهودها؛ وحملهم ابن وهب محمل المسافرين

مسألة: أحدث فقدم رجلا لم يدرك معه تلك الركعة فسجد بهم

الذين لا تجب عليهم الجمعة، لما لهم من العذر في التخلف عنها؛ فهذا وجه قوليهما، وقد مضى في رسم "نقدها" من هذا السماع- تحصيل القول في هذه المسألة، ونزيد ذلك ههنا بيانا بأن نقول: إن المصلين الجمعة ظهرا أربعا، حيث تجب الجمعة- أربع طوائف: طائفة لا تجب عليهم الجمعة وهم المرضى، والمسافرون، وأهل السجون؛ فهؤلاء يجمعون، إلا على رواية شاذة جاءت عن ابن القاسم - أنهم لا يجمعون ويصلون أفذاذا، فإن جمعوا على هذه الرواية، لم يعيدوا، وطائفة تخلفت عن شهود الجمعة لعذر يبيح لهم التخلف عنها، فهؤلاء اختلف هل يجمعون أم لا- على ما جاء في هذه الرواية من الخلاف بين ابن القاسم، وابن وهب، فإن جمعوا على قول ابن وهب، لم يعيدوا على قول ابن القاسم؛ وطائفة فاتتهم الجمعة، فهؤلاء المشهور أنهم لا يجمعون، وقد قيل إنهم يجمعون، وروي ذلك عن مالك وبعض أصحابه، فإن جمعوا لم يعيدوا، وطائفة تخلفت عن الجمعة لغير عذر، فهؤلاء لا يجمعون، واختلف إن جمعوا، فقيل: إنهم يعيدون، وقيل: إنهم لا يعيدون- على ما مضى في رسم "نقدها". [مسألة: أحدث فقدم رجلا لم يدرك معه تلك الركعة فسجد بهم] مسألة وسألته عن الرجل يؤم الناس، فلما استقل من الركعة، أحدث فقدم رجلا لم يدرك معه تلك الركعة فسجد بهم، هل تجزئهم تلك الركعة؟ وعن الإمام يحدث- وهو راكع- كيف يخرج؟ وكيف يصنع؟ قال ابن القاسم: لا تجزئهم الركعة، ولا يعتدون بها؛ لأنه لم يعتد هو بها، ولا ينبغي لهم أن يتبعوه، فإن فعلوا، فسدت صلاتهم جميعا؛ لأني لا آمرهم أن يقعدوا بعد أربع ركعات؛ لأن

تلك الركعة لم تجز عنهم حين سجد بهم من لا يجزئ عنه سجوده؛ ولا آمرهم أن يصلوا خامسة، فيكونوا قد صلوا خامسة عامدين، فأحب إلي أن يستأنفوا صلاتهم- إن فعلوا، وإن علم، رأيت له أن يتأخر ويقدم من أدرك ركعة فيسجد بهم. وقال في الإمام يحدث - وهو راكع-: إنه يرفع رأسه ويقدم رجلا يدب راكعا فيرفع بهم ويسجد. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا تجزئهم الركعة ولا الصلاة أيضا- إن سجد بهم السجدتين اللتين بقيتا عليهم من الركعة التي فاتته، هو قول أشهب أيضا، وقد قيل إنه تجزئهم، حكى ابن المواز القولين جميعا؛ فأما القول الأول فقد بين في الرواية وجهه، وهو أنه لما كان هو لا يعتد بها من صلاته، وجب ألا يتبعوه فيها، وأن تبطل صلاتهم إن اتبعوه فيها؛ لأنهم زادوا فيها ما ليس منها، وإن قعدوا ولم يتبعوه في السجود، بطلت عليهم الركعة؛ فلهذا رأى أن يتأخر ويقدم من أدرك الركعة فيسجد بهم، فتصح لهم الركعة والصلاة، ووجه القول الثاني، أنه لما كان لا بد لهم من سجود سجدتي تلك الركعة، استخلف عليهم الإمام، أو لم يستخلف، لم يضرهم أن يعتدوا به في السجود، وكانوا في سجودهم معه كسجودهم- أفرادا، وإذا أنزلنا سجودهم معه كسجودهم أفرادا، فإنما يجزئهم سجود تلك الركعة على القول بأن ما فعل في حكم الإمام يعتد به على ما ذكرته من قول ابن نافع في رسم "الأقضية الثالث" من سماع أشهب؛ لأنهم في حكم المستخلف، وهو شذوذ في المذهب؛ وقوله في الذي يحدث- راكعا- أنه يرفع رأسه ويقدم رجلا يدب راكعا، فيرفع بهم ويسجد، صحيح؛ ولو قدم رجلا قد أحرم معه قبل أن يركع، لوجب أن يركع ويرفع بهم، وجب عليهم أن يرجعوا معه إلى الركوع، حتى يرفعوا برفعه، فإن لم يفعلوا أجزأتهم صلاتهم لأنهم بمنزلة من رفع قبل إمامه.

مسألة: يصلي فيركع بهم ويسجد سجدة ويسهو فلا يسجد غيرها

[مسألة: يصلي فيركع بهم ويسجد سجدة ويسهو فلا يسجد غيرها] مسألة (قال) : وسألته عن الإمام يصلي فيركع بهم ويسجد سجدة، ويسهو فلا يسجد غيرها، فينهض قائما وينهض معه بعض من يصلي معه- عالمين بأنه قد سها عن سجدة، فاتبعوه- اقتداء به، أو ساهون بسهوه، أو سجد بعضهم حين علموا أنه قد ترك سجدة ثم اتبعوه، ثم ذكر الإمام قبل أن يركع فسجدها، هل ترى لمن كان قد سجدها أن يعيدها ثانية مع الإمام، أم يعتدوا هم بسجدتهم التي سجدوا قبل الإمام، أو لم يذكر الإمام حتى ركع، هل ترى للذين سجدوها أن يعتدوا بها؟ قال ابن القاسم: أما الذين سجدوا لأنفسهم، فإنه إن رجع الإمام إلى السجدة قبل أن يركع، فإنهم لا يسجدون معه- ثانية، وسجدتهم الأولى تجزئهم؛ وإن لم يرجع الإمام إلى السجدة وسها عنها حتى يركع، فإن الذين سجدوا يتبعونه في صلاته حتى يتموا أربعا بتلك الركعة التي سها منها الإمام السجدة، فإذا أتموا أربعا، قعدوا وقام الإمام ومن سها معه فصلوا ركعة بسجدتين يؤمهم فيها الإمام، فإذا فرغ وسلم الإمام سلموا بسلامه، ثم سجد الإمام، ويسجد معه من سجد السجدة ومن لم يسجدها. قال ابن القاسم: وأحب إلي أن لو أعادوا الصلاة الذين سجدوا السجدة بعد سلام الإمام، وهو أحب إلي من أن آمرهم أن يسجدوا معه ثالثة، فيزيدوا في صلاتهم متعمدين، أو أن يقوموا معه ولا يسجدوا فيقطعوا ركعتهم ويصلوا معه- خامسة من غير سهو؛ فالذي أرى أن يمضوا على صلاتهم على سنتها، ثم يعيدوا بعد فراغ

الإمام- احتياطا، وأما الذين اتبعوه- عامدين، فصلاتهم منتقضة على كل حال- رجع الإمام من قبل أن يركع، أولم يرجع. قال أصبغ: ولا أدري ما هذا ولا يعجبني. وإن رجع الإمام قبل الركعة ورجعوا معه، فأرجو أن تجزئهم وإلا فلا. قال أصبغ: وهذا فقه هذه المسألة. قال محمد بن رشد: هذه المسألة تنقسم على وجهين: أحدهما أن يسهو الإمام عن السجدة- وحده، والثاني أن يسهو عنها هو وبعض من خلفه، فأما إذا سها عنه هو وحده، فلا يخلو من خلفه من حالين: أحدهما أن يسجدوا لأنفسهم، والثاني أن يتبعوه على ترك السجدة- عالمين بسهوه، فأما إن سجدوا لأنفسهم ولم يرجع الإمام إلى السجدة حتى فاته الرجوع إليها بعقد الركعة التي يعدها، فركعة القوم صحيحة باتفاق، ويقضي الإمام تلك الركعة بعينها التي أسقط منها السجدة في آخر صلاته- وهم جلوس، ثم يسلم بهم ويسجد بعد السلام؛ واختلف إن ذكر الإمام قبل أن يركع، فرجع إلى السجود، هل يسجدون معه ثانية أم لا- على قولين، وأما إن اتبعوه على ترك السجود- عالمين بسهوه، فصلاتهم فاسدة باتفاق؛ وأما الوجه الثاني- وهو أن يسهو عنها هو وبعض من خلفه- وهي مسألة الكتاب، فلا يخلو من لم يسه عنها بسهو الإمام من حالين أيضا: أحدهما أن يسجدوا لأنفسهم، والثاني أن يتبعوه على ترك السجود- عالمين بسهوه؛ فأما أن يسجدوا لأنفسهم ولم يرجع الإمام إلى السجود حتى فاته الرجوع إليه بعقد الركعة التي بعدها، ففي ذلك ثلاثة أقوال، أحدها: قول ابن القاسم في هذه الرواية أن السجود يجزئهم وتصح لهم الركعة ويلغيها الإمام ومن سها معه، فإذا أكمل ثلاث ركعات، قام ومن سها معه إلى الرابعة، وقعدوا حتى يسلم فيسلموا بسلامه، ويسجد بهم جميعا سجدتي السهو بعد السلام؛ - وهو أضعف الأقوال، لاعتدادهم بالسجدة، وهم إنما فعلوها في حكم الإمام، ولمخالفتهم إياه بالنية في أعيان الركعات؛ لأن

مسألة: عليه سجود السهو بعد السلام فيسهو فيسجد قبل السلام

صلاتهم تبقى على نيتها وتصير للإمام ومن سها معه الركعة الثانية أولى، والثالثة ثانية، والرابعة ثالثة؛ ولهذا المعنى قال ابن القاسم في الرواية: وأحب إلي أن لو أعادوا الصلاة، وإنما يسجد الإمام بهم بعد السلام- كما قال- إن كان ذكر بعد أن ركع في الثانية؛ لأنه يجعلها أولى، ويأتي بالثانية بالحمد وسورة، ويجلس فيها فيكون سهوه زيادة كله؛ وأما إن لم يذكر حتى صلى الثالثة أو رفع من ركوعها، فإنه يسجد قبل السلام- على ما اختاره من قول مالك في اجتماع الزيادة والنقصان؛ لأنه يجعلها ثانية، وقد قرأ فيها بأم القرآن- وحدها، وقام ولم يجلس، فأسقط السورة والجلوس منها، فاجتمع عليه في سهوه زيادة ونقصان. واختلف أيضا في هذا الوجه- إن ذكر الإمام قبل أن يركع فرجع إلى السجدة، هل يسجدون معه ثانية، أم لا؟ على قولين، والقول الثاني: أن صلاتهم فاسدة للمعنى الذي ذكرناه من مخالفة نيتهم لنية إمامهم في أعيان الركعات- وهو قول أصبغ، والقول الثالث: أن السجود لا يجزئهم وتبطل عليهم الركعة، كما بطلت على الإمام ومن معه، ويتبعونه في صلاته كلها وتجزئهم؛ حكى هذا القول محمد بن المواز في كتابه. وأما إن اتبعوه على ترك السجدة- عالمين بسهوه، فقال في الرواية: إن صلاتهم منتقضة، ويتخرج على ما في كتاب محمد: أن تبطل عليهم الركعة، كما بطلت على الإمام ومن معه، ولا تنتقض عليهم الصلاة؛ لأن السجدة إذا كان على مذهبه لا يجزيهم فعلها، فلا يضرهم تركها- وبالله التوفيق. [مسألة: عليه سجود السهو بعد السلام فيسهو فيسجد قبل السلام] ومن كتاب العتق مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يكون عليه سجود السهو بعد السلام، فيسهو فيسجد قبل السلام؛ قال: يعيدهما بعد السلام، وإنما هذا سهو دخل عليه.

مسألة: يأتي المصلى يوم عيد وقد سبقه الإمام بالتكبير

قال محمد بن رشد: جعل في هذه الرواية سجوده قبل السلام سهوا فيما وجب عليه فيه السجود بعد السلام سهوا، دخل عليه قي صلاته فأوجب عليه إعادة السجود بعد السلام، ولم يراع ما في أصل المسألة من الاختلاف، فيلزم على هذا- لو كان جاهلا أو متعمدا- أن يعيد الصلاة؛ وقد روى ذلك أبو زيد عن أشهب، حكى ذلك ابن المواز، وهو خلاف ما في المدونة، وفي آخر الرسم الأول من سماع أشهب؛ فعلى ما في المدونة وفي السماع المذكور لا إعادة عليه للسجود بعد السلام إذا سجد قبل السلام- ناسيا كان أو متعمدا، مراعاة للاختلاف، وقد نص في كتاب محمد بن المواز على ذلك فقال: لا إعادة عليه للسجود بعد السلام- ساهيا كان أو متعمدا، وذهب ابن لبابة إلى أن يفرق بين الناسي والمتعمد في الذي يجب عليه السجود بعد السلام فيسجد قبله، فيجعل رواية عيسى هذه مفسرة لما في المدونة، وإنما هي خلاف لها بما بان مما ذكرته من كتاب محمد ابن المواز - وبالله التوفيق. [مسألة: يأتي المصلى يوم عيد وقد سبقه الإمام بالتكبير] مسألة وقال في رجل يأتي المصلى يوم عيد- وقد سبقه الإمام بالتكبير، قال: إن أدركه قائما، دخل معه في الصلاة وكبر سبعا؛ وإن وجده راكعا، كبر تكبيرة واحدة ودخل معه في الركوع- ولا شيء عليه، وإن أدركه في الركعة الثانية، أو بعد أن رفع رأسه من (الركعة) الأولى، قضى بعد تسليم الإمام ركعة بسجدتيها، فكبر فيها سبعا، فإن وجده جالسا في آخر صلاته، أحرم ودخل معه، فإذا سلم الإمام قام فقضى الركعتين، يكبر في الأولى سبعا، وفي

الثانية خمسا. قال عيسى: وقد قال ابن القاسم في غير هذا الموضع: إنه يكبر في الأولى ما بقي عليه من التكبير- وذلك ست تكبيرات. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم "يوصي لمكاتبه"، وجه قول ابن القاسم فيمن دخل مع الإمام في العيد- وهو يقرأ، أنه يكبر التكبير الذي فاته معه؛ ووجه قول ابن وهب هناك، أنه لا يكبر بعده- إذا فاته التكبير معه؛ وقوله- ههنا فيمن فاتته الركعة الأولى من صلاة العيد: إنه يكبر إذا قام لقضائها سبعا، هو مثل ما في الحج الأول من المدونة؛ وخلاف أصله في الصلاة الأول منها فيمن جلس مع الإمام في غير موضع جلوس له، أنه يقوم بلا تكبير؛ ومثل قوله فيه فيمن أدرك الإمام جالسا في آخر صلاته، أنه يقوم بتكبير؛ لأنها إنما هي سبع تكبيرات بتكبيرة الإحرام، وهو قد كبر تكبيرة الإحرام، فإذا لم يكبر للقيام على الأصل المذكور، وجب أن يكبر ما بقي من التكبير، وذلك ست تكبيرات على ما قال في القول الثاني- وهو قوله في كتاب الصلاة الثاني من المدونة. وإذا كبر للقيام على قوله في الذي أدرك الإمام- جالسا في آخر صلاته، وجب أن يكبر سبع تكبيرات، واحدة للقيام والست التي بقيت، وهو مذهب ابن الماجشون أنه يقوم بتكبير على كل حال؛ وقد ذهب بعض الناس إلى أن قوله فيمن أدرك الإمام جالسا في آخر صلاته، أنه يقوم بتكبير، ليس بخلاف لأصله في تفرقته بين أن يجلس مع الإمام في موضع جلوس (أو في غير موضع جلوس) ، لكنه استحب لما كان في أول الصلاة أن تتصل قراءته بتكبير، وهذا يضعف بقوله فيمن أدرك الإمام جالسا في صلاة العيد من أنه يكبر سبعا وخمسا؛ لأن الواحدة من السبع هي

مسألة: الغلام يحتلم بعد العصر

للقيام، وقد كان معه من بقيه التكبير ما يتصل له به القراءة في أول الصلاة، وهذا كله بين- والله الموفق. [مسألة: الغلام يحتلم بعد العصر] مسألة وقال ابن القاسم في الغلام يحتلم بعد العصر، قال: أرى أن يصلي الظهر والعصر- وإن كان قد صلاهما. قال محمد بن رشد: وهذا صحيح؛ لأنه إذا احتلم- وقد بقي من النهار ما يدرك (أن يصلي) فيه بعد فراغه من غسله- الصلاة الواحدة، وركعة واحدة من الأخرى؛ وجب عليه أن يصليهما جميعا، لقول رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر» - الحديث- وإن كان قد صلاهما قبل أن يحتلم؛ لأنهما كانتا له قبل الاحتلام نفلا، ولا تجزئ نافلة عن فريضة- وبالله التوفيق. [مسألة: الإمام يضعف عن الخطبة يوم الجمعة] من سماع يحيى (بن يحيى) من عبد الرحمن بن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى: قال ابن القاسم في الإمام يضعف عن الخطبة يوم الجمعة: أنه لا ينبغي له أن يصلي بالناس إن اختطب بهم غيره،

مسألة: يدخل في أول صلاة الإمام يوم الجمعة وينسى التكبير للإحرام في الركعة الأولى

وليأمر الذي يوكله بالاختطاب أن يصلي بالناس، وليصل الإمام وراءه خيرا له من أن يدع الجمعة، والأعياد مثل ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الخطبة متضمنة بالصلاة، فكانت هي والصلاة كالصلاة وحدها- في أنه لا يجوز أن يفرق على إمامين بالقصد إلى ذلك، فإن حدث للإمام ما يخرجه عن الصلاة- وقد صلى بعضها- جاز له أن يستخلف على بقيتها، فكذلك إذا حدث له ما يمنعه من الصلاة بعد أن خطب، جاز له أن يستخلف على الصلاة؛ وهذا كله بين لا إشكال فيه، وقد مضى ما دل على هذا المعنى في رسم "إن خرجت"- قبل هذا. وقوله: وليصل الإمام وراءه خيرا له من أن يدع الجمعة، كلام ليس على ظاهره، بل هو الواجب عليه أن يصلي وراءه الجمعة، ولا سعة له في التخلف عن ذلك- وبالله التوفيق. [مسألة: يدخل في أول صلاة الإمام يوم الجمعة وينسى التكبير للإحرام في الركعة الأولى] (ومن كتاب الصلاة) مسألة وسئل عن الرجل يدخل في أول صلاة الإمام يوم الجمعة وينسى التكبير للإحرام في الركعة الأولى: أيجزئه أن يكبر في الثانية ويجعلها أول صلاته؟ قال: ذلك مجزئ عنه في الجمعة خاصة، لئلا تفوته، ولا يجزئ ذلك في غيرها. قال محمد بن رشد: قوله في السؤال أيجزئه، وقوله في الجواب ذلك مجزئ عنه، لفظ غير محرر، وصوابه: أيجوز له، قال: ذلك يجوز له، ولا يجوز له ذلك في غيرها- وهو الذي أراد؛ لأن ذلك إن فعله يجزئه في الجمعة وغيرها،

مسألة: يركع ويسجد وهو مغلق اليدين

ويجوز له في الجمعة، ولا يجوز له في غيرها؛ لأن الاختيار له في غير الجمعة أن يتمادى مع الإمام على صلاته - رجاء أن تجزئه على قول من يرى تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام، (ثم يعيد مخافة أن لا تجزئه على قول من لا يرى تكبيرة الركوع تجزئ من تكبيرة الإحرام) ، والاختيار له في الجمعة، أن يقطع ويحرم في الثانية، فتكون له جمعة باتفاق. وقد وقع في أصل السماع من كتاب الصلاة أيضا، وقال في الرجل يذكر في صلاة الجمعة بعد ركعة، أنه لم يحرم- وقد كبر للركوع: إن ذلك التكبير يجزئه- ولا شيء عليه، نواه للإحرام أو لم ينوه، وذلك بعيد؛ لأنه إذا أجزأه في الجمعة، كان أحرى أن يجزئه في غيرها، وليس ذلك موجودا لمالك، وإنما هو قول سعيد بن المسيب، وابن شهاب. [مسألة: يركع ويسجد وهو مغلق اليدين] مسألة وسألته عن الرجل يركع ويسجد وهو مغلق اليدين، قابضا أصابعه كلها) : صنع ذلك من عذر لشيء في يديه، أو متعمدا من غير عذر؛ قال: يستغفر الله ولا يعد، وليس عليه استئناف في وقت ولا غيره، صنع ذلك من عذر أو غير عذر. قال محمد بن رشد: قوله يستغفر الله ولا يعد يريد إذا فعل ذلك متعمدا من غير عذر؛ وأما إذا فعله من عذر فلا استغفار عليه في ذلك؛ إذ لم يأت بما يكره له ويستغفر منه، وإيجاب الاستغفار في ذلك عليه، يدل على أنه عنده من سنن الصلاة، لا من فضائلها؛ فيتخرج في ترك ذلك متعمدا من غير عذر- قولان، وبالله تعالى التوفيق.

مسألة: المرأة تصلي العصر وتنسى الظهر ثم تحيض

[مسألة: المرأة تصلي العصر وتنسى الظهر ثم تحيض] ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع مسألة وسئل عن المرأة تصلي العصر وتنسى الظهر، ثم تحيض وعليها من النهار ما تصلي فيه صلاة واحدة، فقال: سواء عليها؛ إذا حاضت ولم يبق من النهار إلا ما كانت تصلي فيه صلاة واحدة وهي ناسية للظهر قبل ذلك، صلت العصر أولم تصلها، فليس عليها أن تعيد إلا الظهر وذلك أنها لو نسيتهما جميعا، فحاضت ولم يبق من النهار إلا قدر ما تصلي فيه صلاة واحدة، فإنما عليها إذا طهرت إعادة الظهر التي (قد) كان (فرط) وقتها، وتكون إعادة صلاة العصر عنها موضوعة؛ لأنها حاضت في وقتها؛ كما أنها لو حاضت وقد بقي من النهار ما تصلي فيه الظهر والعصر، لم يكن عليها إذا طهرت أن تعيد شيئا، وإنما تعد الوقت الآخر؛ إذا لم يبق من النهار إلا قدر ما كانت تصلي صلاة واحدة لآخر الصلاتين، ولا تعد ذلك الوقت للظهر، بل قد فرط وقت الظهر وبقي وقت العصر، فما فرط قبل أن تحيض، فعليها إعادته إذا طهرت، وما بقي وقته قبل أن تحيض فليس عليها أن تعيد إذا طهرت، كما لو بقي وقتهما جميعا قبل أن تحيض، لم يكن عليها إعادة واحدة منهما- بعد أن

تطهر؛ ألا ترى أنها لو صلت الظهر ونسيت العصر وحاضت- وعليها من النهار وقت صلاة واحدة، لم تعد العصر؛ إذا طهرت، وقد قال في سماع عيسى: ليس عليها إعادة الظهر لأنها لما صلت العصر ونسيت الظهر وحاضت وبقي عليها من النهار بقية، جعل وقت ما حاضت فيه الظهر، وقاسها ابن القاسم بالرجل ينسى الظهر في السفر ويصلي العصر، فيدخل الحضر وعليه بقية من النهار، ففيما يتوضأ غربت الشمس، أن عليه الظهر أربعا؛ قال ابن القاسم: ومن قال خلاف هذا، فقد أخطأ. قال محمد بن رشد: عبر ابن القاسم في هذه المسألة عن القضاء بالإعادة، حيثما وقع منها، وذلك تجوز في العبارة؛ لأن الإعادة إنما تستعمل فيما قد فعل، وأما ما لم يفعل حتى خرج وقته من الصلوات، فإنما يقال فيه قضاء لا إعادة؛ فذلك تجوز في العبارة- كما قلناه. وقوله في سماع عيسى: وقاسها ابن القاسم بالرجل ينسى الظهر في السفر إلى آخر قوله، ليس بوجه القياس؛ لأن حقيقة القياس أن يرد ما اختلف فيه إلى ما اتفق عليه عند الجميع، أو مع المنازع؛ ومسألة المسافر التي قاس عليها مسألة الحائض ليست بمتفق عليها فتجعل أصلا لها، وإنما هي نظيرة لها، فيدخلها من الخلاف ما دخلها؛ وكذلك مسألة الحاضر يسافر لمقدار ركعتين فأقل، وقد صلى العصر ولم يصل الظهر؛ ومسألة الذي يصلي العصر بثوب طاهر، والظهر بثوب نجس، ثم يعلم ذلك قبل الغروب بمقدار أربع ركعات، فأقل؛ هذه الأربع مسائل الاختلاف فيها واحد، قيل: إن الوقت فيها كلها وقت للعصر، صليت أولم تصل؛ قال: هذا من ذهب إلى أن العصر تختص بأربع ركعات قبل الغروب، لا يشاركها فيها الظهر، وهي رواية عيسى هذه عن ابن القاسم،

فلا تسقط على هذا القول عن الحائض صلاة الظهر؛ إذ قد خرج وقتها قبل أن تحيض؛ وتسقط إعادتها عن الذي صلاها بثوب نجس؛ إذ قد خرج وقتها قبل أن يعلم؛ ويصليها المسافر سفرية إذ قد خرج وقتها قبل أن يدخل؛ ويصليها الحاضر حضرية؛ إذ قد خرج وقتها قبل أن يخرج؛ وقيل: إن الوقت فيها كلها وقت للظهر التي لم تصل، قال: هذا من ذهب إلى أن الظهر يشارك العصر في الوقت إلى الغروب، وهي رواية عيسى هذه، ورواية أصبغ في سماعه، فعلى هذا القول لا تصليها الحائض؛ لأنها حاضت في وقتها، ويعيدها الذي صلاها بثوب نجس؛ لأنه قد علم في وقتها، ويصليها المسافر حضرية؛ لأنه قد دخل في وقتها؛ والحاضر سفرية؛ لأنه قد خرج في وقتها؛ فهذا هو أصل الاختلاف في هذه المسألة، فوجه القول باختصاص العصر بالوقت دون الظهر، قوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر» . فأضاف الوقت إلى العصر دون الظهر، ووجه القول باشتراك الظهر معها فيه، إجماعهم على أنه يصلي الظهر في ذلك الوقت من آخره إليه. وأخذ ابن حبيب برواية يحيى أن الوقت وقت للعصر في مسألة الحاضر يخرج خاصة؛ لأن الصلاة تجب على هذا حضرية، وبرواية عيسى وأصبغ: أن الوقت وقت للظهر في سائر المسائل، لوجوب الصلاة على ذلك والإتمام احتياطا للصلاة على غير قياس؛ وكذلك اختلف قول ابن القاسم في المرأة تطهر لمقدار صلاة واحدة، فتذكر أن عليها صلاة منسية، فمرة جعل الوقت الذي طهرت فيه للصلاة المنسية بصلاتها فيه، ويسقط عنها الأخرى؛ ومرة جعل الوقت للصلاة التي طهرت في وقتها فتصلي الصلاة المنسية، ثم تصلي الصلاة التي طهرت في وقتها- وإن خرج الوقت. واختار أصبغ القول الأول، وذكره من قول مالك؛ ووجهه أن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

مسألة: الجنب يجز شعره ثم يصلي وفي ثوبه بعضه

وسلم- قال: «إذا نام أحدكم عن الصلاة» - الحديث، فجعل وقت الصلاة المنسية وقت ذكرها. واختار ابن المواز القول الثاني، وقال: إن القول الأول مخالف لأصل قول مالك في موطئه في المسافر يخرج في سفره لمقدار ركعتين من النهار- وهو ناس للظهر والعصر، إنه يصلي الظهر أربعا، والعصر ركعتين. إذ ينبغي على القول الأول أن يجعل الوقت للظهر فيصليها ركعتين، ويصلي العصر أربعا؛ وهذا مما لم يقل به مالك، ولا أحد من أصحابه؛ ووجهه قوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر» . بدليل حمله على عمومه - وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [مسألة: الجنب يجز شعره ثم يصلي وفي ثوبه بعضه] ومن كتاب المكاتب مسألة قال: وسألته عن الجنب يجز شعره ثم يصلي- وفي ثوبه بعضه، قال: ليس عليه أن يعيد في وقت ولا غيره، إلا أن يكون في الشعر بعينه نجس أصابه، وقد يصلي الرجل على بساط شعر ميتة فلا يكون عليه شيء. قال محمد بن رشد: هذا استدلال مقلوب؛ لأنه بنى الأصل على فرعه، وذلك لا يصح إلا بعد تسليمه والقول بصحته؛ إذ لا اختلاف بين أحد من أهل العلم في جواز أخذ الشعر من الحي وأنه طاهر، لقوله عز وجل:

مسألة: القريب العهد بالإسلام يصلي المغرب أياما أربعا أربعا

{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} [النحل: 80]- الآية. وإنما اختلفوا في جواز أخذه من الميت؛ إذ من أهل العلم من رآه نجسا (يموت) بموت الميتة؛ إذ قد حله الروح عنده؛ والدليل على أنه طاهر، وأن الروح لم يحله، جواز أخذه من الحي، فهذا هو القياس الصحيح؛ ووجه التنظير بين المسألتين، أن الشعر كما لا ينجس بالموت، لا ينجس بالجنابة. [مسألة: القريب العهد بالإسلام يصلي المغرب أياما أربعا أربعا] مسألة وقال في الجاهل من مسالمة أهل الذمة، أو القريب العهد بالإسلام من غيرهم: يصلي المغرب أياما أربعا، أربعا؛ إنه يعيد تلك الصلوات كلها في الوقت، علم بقبيح ما صنع، أو بعد ذهاب الوقت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الجاهل لا يعذر بجهله في الصلاة، فهو كالمتعمد العالم، وهو أصل من الأصول في المذهب. [مسألة: المريض أيجوز له أن يصلي المكتوبة على المحمل] مسألة وسألته عن المريض أيجوز له أن يصلي المكتوبة على المحمل، فقال: سمعت مالكا يقول: لا يجوز ذلك- حتى لا يستطيع الصلاة قاعدا؛ فإذا كان على كل حال لا يستطيع أن يصلي إلا إيماء مستلقيا أو مضطجعا، جازت صلاته على المحمل ويحبس له المحمل، ويستقبل به القبلة، كما كان يصنع به لو كان نازلا بالأرض.

مسألة: المسافر يريد مسيرة أربعة برد فإذا صار عشرين ميلا أجمع إقامة أربع ليال

قال محمد بن رشد: هذه الرواية عن مالك خلاف رواية ابن القاسم عنه في رسم "سن": أنه لا يجوز له أن يصلي المكتوبة على المحمل- أصلا، وخلاف رواية أشهب عنه في آخر رسم "الصلاة" الثاني، أنه يجوز له أن يصلي المكتوبة على المحمل- إذا لم يقدر على السجود- وإن قدر على الجلوس، فهي ثلاثة أقوال، وقد مضى بيان ذلك في رسم "سن" المذكور. [مسألة: المسافر يريد مسيرة أربعة برد فإذا صار عشرين ميلا أجمع إقامة أربع ليال] مسألة قال: وسألته عن المسافر يريد مسيرة أربعة برد، فإذا صار عشرين ميلا، أجمع إقامة أربع ليال، فأتم الصلاة، ثم يخرج ماضيا إلى تمام سفره، أيقصر الصلاة أم لا؟ فقال: كل من أجمع إقامة أربع ليال فأتم الصلاة ثم خرج لإتمام سفره، فإنه لا يقصر الصلاة، إلا أن يكون فيما بقي من سفره مسيرة أربعة برد فصاعدا، وهذا يعد بإقامته الأربع ليال التي وجب بهن عليه الإتمام، كمبتدئ السفر من أوله؛ قلت لسحنون: فلو نواه أن يسير يوما ويقيم أربعة أيام، قال: يقصر كلما سار، ويتم كلما أقام؛ وإنما ينظر إلى نيته في منتهى سفره، فإذا كان ما يقصر في مثله الصلاة، فعليه الإقصار في مسيره والإتمام في مقامه إذا نوى مقام أربعة أيام. قال محمد بن رشد: لا فرق بين المسألتين، فقول سحنون خلاف لقول ابن القاسم: ينظر إلى ما بقي من سفره بعد الإقامة في المسألتين جميعا، فلا يقصر فيهما إلا إن كان بقي من سفره ما تقصر في مثله الصلاة، وسحنون ينظر إلى نيته في ابتداء سفره، فإن كان ذلك ما يجب فيه قصر الصلاة، قصر في مسيرة ذلك، وإن تخلله إقامة أربعة أيام، نوى الإقامة من أول سفره أو لم ينوها- وبالله التوفيق.

مسألة: الرجل يرى في ثوب الإمام نجاسة

[مسألة: الرجل يرى في ثوب الإمام نجاسة] مسألة قال: وسألته عن الرجل يرى في ثوب الإمام نجاسة، ما ترى له أن يصنع؟ فقال: إن أطاق أن يريه إياه فليفعل، وإن لم يطق ذلك فصلى معه وقد رآه أو علم به، فليعد صلاته في الوقت، وغيره أحب إلي، وإن لم يعد إلا في الوقت أجزأه؛ قال: وإنما رأيت أن يعيد بعد ذهاب الوقت؛ لأن كل من تعمد الصلاة بثوب نجس، فالإعادة عليه واجبة في الوقت وبعده؛ فهذا قد صلى، وهو يعلم أن الإمام قد صلى بثوب نجس؛ قلت له: أكنت تحب أن ينصرف إذا لم يقدر على أن يعلم الإمام بما في ثوبه، أو ترى أن يعلم الناس ويسمعهم، وكيف إن علم أن الإمام غير متوضئ، فماذا يجب، أيجب عليه أن يعلم الناس، أم الإمام دونهم؟ أم ينصرف ولا يصلي بصلاته؟ قال سحنون: إذا كانت بينه وبين الإمام صفوف، فلا أرى بأسا- أن يكلم الإمام ويخبر بأن في ثوبه نجاسة، ثم يبتدئ الصلاة. قال محمد بن رشد: قوله في الذي رأى في ثوب الإمام نجاسة - إن أطاق أن يريه ذلك فليفعل، يريد فيخرج الإمام ويستخلف، ويتمادى هو مع المستخلف على صلاته، إلا أن يكون عمل من الصلاة معه عملا بعد أن رآه وقبل أن يريه إياه، فيكون قد أفسد على نفسه صلاته بذلك، فيقطع ويبتدئ- قاله يحيى بن يحيى؛ وهو صحيح على ما قال: إذا لم يطق أن يريه إياه فصلى معه، إنه يعيد في الوقت، وبعده أحب إلي؛ وإنما قال: وإن لم يعد

إلا في الوقت أجزأه، مراعاة لقول من يرى أن صلاة المأمومين غير مرتبطة بصلاة إمامهم، مع ما في أصل المسألة من الاختلاف؛ إذ قد قيل في رفع النجاسات من الثياب والأبدان أنه فرض، وهو قول ابن وهب؛ فعلى قوله يعيد من صلى بثوب نجس عامدا أو جاهلا أو ناسيا أبدا؛ وقيل: إنه سنة- وهو المشهور في المذهب، فعلى هذا يعيد من صلى بثوب نجس في الوقت إن كان ناسيا، أولم يجد غيره، وإن صلى به متعمدا أو جاهلا- وهو يجد ثوبا طاهرا، أعاد أبدا، لتركه السنة عامدا مستخفا بصلاته، أو جاهلا فلا يعذر بجهله، ومن الناس من يعبر عن رفع النجاسات من الثياب والأبدان- على هذا- بأنه فرض بالذكر مع القدرة، يسقط بالنسيان، أو عدم القدرة، وليست بعبارة مخلصة. وقد روى البرقي عن أشهب أن من صلى بثوب نجس عامدا، فلا إعادة عليه إلا في الوقت، وهو ظاهر قوله في المدونة فيمن مسح مواضع المحاجم ولم يغسلها، أنه يعيد في الوقت، - إذ لم يفرق في ذلك بين النسيان والعمد، وعلى ذلك حملها أبو عمران فقال: ناسيا كان أو عامدا، للاختلاف في المسح؛ إذ قد روي عن الحسن وغيره، أنه قال: ليس عليه غسل موضع المحاجم. وقد قال ابن أبي زيد: معناه ناسيا؛ وجعل ذلك ابن حبيب أخف من الدم الذي يفتله الراعف ويتمادى على صلاته، (وحكم الذي يعلم في الصلاة- أن الإمام غير متوضئ، حكم الذي يرى في ثوب الإمام نجاسة- ولا يقدر على أن يريه إياه، لبعد ما بينه وبينه؛ يعلم الإمام بذلك، ويستأنف الصلاة عند سحنون؛ وسكت ابن القاسم عن الجواب في هذا الذي يأتي على مذهبه في ذلك أن يكلمه ويبني على صلاته) - على أصله في إجازة الكلام فيما تدعو إليه الضرورة من إصلاح الصلاة على حديث ذي اليدين؛ وقد قيل: إنه إن قدر أن يفهم الإمام أنه على غير وضوء، وأن في ثوبه نجاسة، بأن يتلو

مسألة: يختم القرآن وهو في نافلة ثم يريد أن يبتدئ القرآن من سورة البقرة

آية الوضوء، أو أول المدثر، فعل ذلك وتمادى على صلاته مع مستخلف الإمام، وهو قول الأوزاعي؛ وقد قيل: إنه لا يمنع الرجل أن يرى الإمام النجاسة في ثوبه بعدما بينه وبينه، وله أن يخرق الصفوف إليه، ثم يرجع إلى الصف، ولا يستدبر القبلة في رجوعه إلى الصف، قاله يحيى بن يحيى، وهو خلاف ظاهر قول سحنون. [مسألة: يختم القرآن وهو في نافلة ثم يريد أن يبتدئ القرآن من سورة البقرة] مسألة وسألته عن الرجل يختم القرآن وهو في نافلة قد استفتح الركعة التي ختم فيها بأم القرآن، ثم يريد أن يبتدئ القرآن من سورة البقرة؛ أيجب عليه أن يفتتح بأم القرآن أيضا لابتدائه القرآن من أوله؟ أم يجزئه أن يفتتح البقرة ويدع أم القرآن؟ قال: يفتتح البقرة- ولا جناح عليه في ترك أم القرآن؛ لأنه لا يقرأ أم القرآن في ركعة مرتين. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال- لأن السنة أن يقرأ أم القرآن في كل ركعة مرة، كما قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي علمه الصلاة. [مسألة: يمنعهم شدة المطر من شهود الجمعة أيجمعون الظهر بمكانهم] ومن كتاب أول عبد أشتريه فهو حر مسألة قال: وسئل عن القوم يمنعهم شدة المطر من شهود الجمعة، أيجمعون الظهر بمكانهم الذي هم فيه؟ فقال: إن جاء من

مسألة: الإمام يرى في ثوبه دما تعاد الصلاة من مثله

ذلك أمر غالب يعذرون به، جاز لهم أن يجمعوا كما جوز مالك للمرضى والمحبوسين، لما تبين من عذرهم؛ وإن كان مطرا لا يمنعهم من شهود الجمعة، فإن جمعوا أعادوا الصلاة- إذا تركوا شهود الجمعة لغير عذر غالب. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مجودا في أول رسم من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة القول في ذلك. [مسألة: الإمام يرى في ثوبه دما تعاد الصلاة من مثله] مسألة وسألته عن الإمام يرى في ثوبه دما تعاد الصلاة من مثله، أيجزئه أن ينزعه ويعلم الناس ويبتدئ صلاته؟ أم يخرج ويستخلف مكانه؟ فقال: بل يخرج فينزع ثوبه ويغسله- إن أحب، ثم يرجع فيدخل مع الناس فيما أدرك، ويدخل عند خروجه- رجلا فيبني الداخل على صلاة الإمام؛ لأن ما مضى منها مجزئ عمن خلفه، ومنتقض عليه هو؛ فلذلك لزمه الخروج؛ لأنه لو ابتدأ من خلفه يبني، لاختلط عليهم ما هم فيه. قال محمد بن رشد: قوله في الإمام يرى في ثوبه نجاسة، أنه ينصرف ويستخلف من يتم بالقوم بقية صلاتهم، هو المشهور المعلوم في المذهب؛

والأصل في ذلك ما روي «أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى في ثوبه دما في الصلاة فانصرف» ، فإذا وجب عليه أن ينصرف لما في ثوبه من النجاسة، وجب عليه أن يستخلف كما إذا ذكر أنه على غير وضوء وأحدث؛ وقد قال ابن القصار: إن من رأى نجاسة في ثوبه- وهو في الصلاة وعليه ما تجزئه به الصلاة سواه، أنه يخلعه ويتمادى على صلاته، كما فعل النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في النعل الذي علم في الصلاة أن فيه نجاسة؛ وقد فرق بعض الناس بين الثوب والنعل، بأن النجاسة في أسفل النعل، فأشبه أن لو بسط عليها ثوبا أو جلدا، وهي تفرقة ضعيفة، والصواب أن ذلك تعارض بين الآثار؛ ولذلك اختلف أهل العلم في طهارة الثوب والبقعة، هل هو من فرائض الصلاة، أو من سننها- وبالله التوفيق.

مسألة: يدخل المكتوبة فيصلي ركعتين ثم يشك في أنه بقي عليه مسح رأسه

[مسألة: يدخل المكتوبة فيصلي ركعتين ثم يشك في أنه بقي عليه مسح رأسه] من سماع سحنون وسؤاله أشهب وابن القاسم مسألة قال سحنون: وسئل أشهب عن الرجل يدخل المكتوبة فيصلي ركعتين، ثم يشك في أنه بقي عليه مسح رأسه، ثم يتم بقية صلاته، ثم يذكر بعد ذلك أنه قد أتم وضوءه، قال: صلاته باطل. قال محمد بن رشد: هذا خلاف قول ابن القاسم في أول رسم "بع" من سماع عيسى، وقد مضى هناك وجه قوله، ووجه قول أشهب هذا أن الصلاة واجبة عليه بطهارة، فلا يصح الدخول فيها، ولا التمادي عليها، إلا بطهارة متيقنة غير مشكوك فيها. [مسألة: يأتي إلى القوم وهم في الصلاة فيدخل معهم فيها وقد صلاها في البيت] مسألة قيل لأشهب فالرجل يأتي إلى القوم وهم في الصلاة فيدخل معهم فيها- وهو عند نفسه قد صلاها في البيت، فإذا فرغ من الصلاة مع الإمام، ذكر أنه لم يكن صلاها في البيت؛ قال: صلاته باطل، وعليه الإعادة. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما يأتي بعد هذا في هذا السماع من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وخلاف ما مضى أيضا في رسم "أسلم" من

مسألة: يدخل يوم الجمعة وهو يرى أنه يوم الخميس

سماع عيسى، وقد مضى هناك من توجيه القولين ما أغنى عن إعادته ههنا. [مسألة: يدخل يوم الجمعة وهو يرى أنه يوم الخميس] مسألة قال أشهب في الذي يدخل يوم الجمعة- وهو يرى أنه يوم الخميس، أو يدخل يوم الخميس- وهو يرى أنه يوم الجمعة: أرى عليه الإعادة في الأمرين جميعا، قيل له: فإن كان مسافرا دخل مع قوم- وهو يظنهم مسافرين، فأصابهم حضريين، أو وهو يظن أنهم حضريون فأصابهم مسافرين؛ قال: صلاته في الأمرين جميعا مجزئة عنهم. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة موعبا في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته. [مسألة: يدخل في الظهر فتتحول نيته وهو يظن أنه في نافلة] مسألة قيل لأشهب في الذي يدخل في الظهر فتتحول نيته- وهو يظن أنه في نافلة، فيصلي ركعتين ويسلم، ثم يذكر بحضرة ذلك؛ قال: يبني، وصلاته تامة، وليس تحول النية بشيء؛ قال سحنون: قال لي يوسف بن عمرو: قلت له فإن تحولت نيته وظن أنه في عصر حتى صلى ركعتين؟ قال: صلاته مجزئة وليس تحول النية بشيء، وقال سحنون مثله.

مسألة: الحائض تطهر فتغتسل وقد بقي عليها من النهار ما تصلي فيه ثلاث ركعات

قال محمد بن رشد: لم يراع أشهب تحول النية في الصلاة وهو على روايته عن مالك في الذي ركع بالسجدة- ساهيا في رسم "لم يدرك" من سماع عيسى خلاف قول ابن القاسم فيه وفي رسم أسلم بعده، وقد مضى في الرسمين من الكلام في ذلك ما فيه كفاية لمن تدبره ووقف عليه. [مسألة: الحائض تطهر فتغتسل وقد بقي عليها من النهار ما تصلي فيه ثلاث ركعات] مسألة وسألت أشهب عن الحائض تطهر فتغتسل وقد بقي عليها من النهار ما تصلي فيه ثلاث ركعات، ثم تعلم قبل أن تصلي أن الماء غير طاهر، فإن اغتسلت ذهب النهار. قال: آمرها أن تصلي بهذا الغسل في الوقت، أحب إلي من أن تغتسل بماء طاهر فتصلي وقد ذهب الوقت؛ لأن الصلاة في الوقت في الثوب غير الطاهر خير من الصلاة بعد الوقت بثوب طاهر؛ قيل له: فإن طهرت وقد بقي عليها من النهار قدر ما تصلي فيه خمس ركعات عند نفسها، فصلت الظهر ثم غابت الشمس؛ قال: أخطأت في التقدير، وإنما كان عليها أن تصلي العصر، فعليها أن تعيد العصر أربع ركعات، قيل لأشهب: فإن ظنت أنه إنما بقي عليها أربع ركعات، فبدأت بالعصر ففرغت وقد بقي عليها من النهار قدر ما تصلي فيه ركعة؛ قال: تصلي الظهر وليس عليها إعادة العصر؛ لأن الظهر والعصر كانتا عليها جميعا؛ وإنما ذلك بمنزلة من صلى العصر، ونسي الظهر ثم ذكر قبل مغيب الشمس بقدر ما يصلي ركعة أو أربع ركعات قبل غروب الشمس، فليس عليه إعادة العصر، ولو بقي عليه من النهار قدر خمس ركعات، صلى الظهر

وأعاد العصر، فكذلك مسألة الحائض قيل لأشهب: فإن نسي الصبح، ثم ذكر قبل مغيب الشمس بقدر ما يصلي ركعة ولم يكن صلى العصر ابتدأ بالعصر، قال: يبدأ بالصبح- وإن غربت الشمس، وهو قول مالك. قال محمد بن رشد: قوله في الحائض التي تطهر فتغتسل بماء غير طاهر- وقد بقي من الوقت ما تصلي فيه ثلاث ركعات، أنها تصلي بهذا الغسل؛ لأن الوقت يفوتها- إن لم تصل حتى تعيد الغسل بماء طاهر معناه أن الماء الذي تطهرت به لم يتغير أحد أوصافه بما حل فيه من النجاسة، فهو ماء مختلف في طهارته، لا تجب الإعادة على من تطهر به إلا في الوقت استحبابا فهو ماء تصح به الصلاة، ولو لم تصل به واغتسلت بماء طاهر، فذهب الوقت، لوجب على قياس قوله- أن تصلي بعد ذهاب الوقت؛ لأن الصلاة قد كانت وجبت عليها قي الوقت بذلك الغسل، خلاف قول ابن القاسم في رسم "كتاب السهو" من سماع أصبغ فيها وفي المغمى عليه، وإن علما قبل أن يصليا، أعادا الغسل والوضوء، وعملا على ما بقي لهما بعد فراغهما، ولم ينظر إلى الوقت الأول، إلا أن تحمل رواية أصبغ على أن ذلك الماء قد تغير أحد أوصافه بالنجاسة، والأظهر أنه إنما تكلم على الماء الذي لم تغيره النجاسة، فحكم له بحكم الماء الذي غيرته النجاسة، وذلك على قياس قوله في المدونة أنه يتيمم ولا يتوضأ به؛ فهو خلاف لقول أشهب هذا، وقياسه مسألة الحائض تظن أنه إنما بقي من الوقت أربع ركعات بعد ظهرها، فتصلي العصر ويبقى من الوقت ركعة على الذي يصلي العصر- وهو ناس للظهر، ثم يذكر ولم يبق بينه وبين المغرب إلا مقدار ما يصلي فيه الظهر، أنه لا إعادة عليه للعصر، صحيح، والمعنى الجامع بينهما، أن كل واحد منهما صلى العصر- وهو يظن أن الظهر غير

واجبة عليه- وإن افترق موجب ظنهما؛ لأن الحائض ظنت أنها لم يجب عليها باعتقادها أنها طهرت بعد وقتها، والآخر ظن أنه لم يجب عليه اعتقاد أنه قد كان صلاها؛ ولمالك في كتاب ابن المواز في مسألة الحائض: أنها تعيد العصر بعد الغروب. قال محمد بن المواز: وذلك عندنا- إذا علمت بالركعة قبل أن تسلم من العصر، فأما لو لم تعلم إلا بعد أن سلمت، فلا شيء عليها، إلا الظهر- وحدها فلم ير بين المسألتين فرقا؛ ويحتمل أن يفرق بينهما على مذهب من يرى أن الظهر تختص بأربع ركعات بعد الزوال، لا يشاركها فيها العصر؛ لأن ظهرها آخر الوقت أول الوقت لها، كزوال الشمس لسائر الناس، بخلاف الذي يؤخر الصلاة عن أول وقتها، فلما صلت العصر في الوقت المختص بالظهر على هذا القول، صارت كمن صلى الصلاة قبل وقتها، يجب عليه إعادتها أبدا، وهذا بين- والله أعلم؛ وأما قوله في الذي نسي الصبح فذكر قبل الغروب بمقدار ركعة، أنه يبدأ بالصبح، وإن فات وقت العصر، فذلك ما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب أن ترتيب الصلوات اليسيرة الفوائت مع ما هو في وقته واجب وجوب السنن؛ فإن بدأ بالعصر- جاهلا أو متعمدا، فقيل: لا إعادة عليه بعد خروج الوقت، وقيل: إنه يعيد لترك السنة- عامدا، وقيل: إنه إن بدأ بالعصر- وهو ذاكر للصبح- فلا إعادة عليه إلا في الوقت، وإن ذكر الصبح بعد أن دخل في العصر، أعادها أبدا، للحديث الذي جاء- وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ذكر صلاة في صلاة، فسدت هذه عليه» - وهو مذهبه في المدونة.

مسألة: دخل المسجد فوجد الإمام ساجدا في آخر صلاته فأحدث الإمام فقدمه

[مسألة: دخل المسجد فوجد الإمام ساجدا في آخر صلاته فأحدث الإمام فقدمه] مسألة وقال أشهب في رجل دخل المسجد فوجد الإمام ساجدا في آخر صلاته، فأحدث الإمام، فقدمه فصلى بهم السجدة التي بقيت عليهم، ثم تشهد بهم وقام يتم لنفسه صلاته، فلما أتم ما عليه سلم بالقوم، أن صلاة القوم الذين وراءه فاسدة؛ لأنه صلى بهم سجدة لا يعتد بها، ولا يبنى عليها. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والاختلاف فيها، وتوجيهه في رسم "باع شاة" من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته ههنا. [مسألة: أتي المسجد فوجد الإمام قد سبقه بركعة فأحدث الإمام فقدمه] مسألة قال سحنون: سئل ابن القاسم عن رجل أتي المسجد فوجد الإمام قد سبقه بركعة، فأحدث الإمام فقدمه، فلما قام يقضي لنفسه، قام رجل فائتم به في تلك الركعة؛ لأنه بقيت عليه كما بقيت على الإمام، قال: أرى صلاته مجزئة تامة، ثم رجع فقال: أحب إلي أن يعيد الصلاة. قال محمد بن رشد: إنما اختلف قوله في وجوب الإعادة من أجل أنه صلى بإمام ما وجب عليه أن يصلي- فذا، وقد مضى ذكر ذلك والاختلاف فيه في رسم "لم يدرك"، ورسم إن خرجت من سماع عيسى، ويأتي في سماع موسى بن معاوية أيضا.

مسألة: يصلي في بيته ثم أتي المسجد فدخل معهم فصلى ركعة ثم انتقض وضوؤه

[مسألة: يصلي في بيته ثم أتي المسجد فدخل معهم فصلى ركعة ثم انتقض وضوؤه] مسألة قلت له: فالرجل يصلي في بيته ثم يأتي المسجد فيجد تلك الصلاة قد قامت، فدخل معهم للحديث، فصلى ركعة ثم انتقض وضوؤه، قال: لا إعادة عليه. وكذلك لو دخل على غير وضوء لا إعادة عليه، وكذلك قال لي مالك؛ قال: وإذا صلى في بيته صلاة على غير طهر- وهو لا يدري، ثم توضأ فوجد الناس يصلونها، فدخل معهم للحديث، رأيتها مجزئة، وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: قوله في المسألة الثانية إن صلاته مجزئة، خلاف ما تقدم لأشهب في أول هذا السماع، وقد مضى في رسم "أسلم" من سماع عيسى ذكر الخلاف في المسألتين جميعا، وتوجيه ذلك، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يكون عليه صلوات كثيرة فيذكر قبل صلاة الظهر] مسألة قال سحنون: قال ابن القاسم في الذي يكون عليه صلوات كثيرة- عشر صلوات، أو نحو ذلك، أو أكثر، فيذكر قبل صلاة الظهر؛ قال: إن كان يقدر أن يصلي ما ذكر قبل أن تغيب الشمس وتفوت الظهر والعصر، وذلك أن الناس مختلفون، منهم من يقوى ومنهم من لا يقوى؛ فليصل ما ذكر ثم ليصل الظهر والعصر، وإن كان لا يقدر ويخاف فوات ذلك، فليبدأ بالظهر فليصلها، ثم ليصل العصر، فإن فرغ وبقي عليه نهارا، أعاد الظهر والعصر؛ لأنه أساء التقدير، وإن كانت الصلوات يسيرة مثل

مسألة: ذكر صلوات يسيرة يخاف ذهاب وقتها

الصلاتين، والثلاث، ونحو ذلك، وما قل؛ فليبدأ بما ذكر- وإن ذهب وقت الصلوات التي هو فيها. قال محمد بن رشد: لا اختلاف فيمن ذكر صلوات كثيرة، أنه يبدأ بما هو في وقته من الصلوات قبلها، إلا أن يدرك بعد أن يصليها- ما هو في وقته من الصلوات؛ إلا أنه اختلف في حد الوقت في ذلك، فمال ابن حبيب: إنه يبدأ بالفوائت- ما لم يفته وقت الاختيار فيما هو في وقته. وقال ابن القاسم في مختصر يحيى بن عمر: ما لم تصفر الشمس، وقال في هذه الرواية ما لم تغب الشمس، وكذلك لا اختلاف أيضا في الصلوات اليسيرة، أنه يبدأ بها- وإن فاته وقت ما هو في وقته من الصلوات؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها، فليصلها كما كان يصليها في وقتها» . ولا اختلاف في ست صلوات فأكثر، إنها كثير، ولا في ثلاث صلوات فأقل، إنها يسير؛ واختلف في الأربع والخمس، فقيل: إن ذلك كثير- وهو ظاهر ما في المدونة، وقيل: إن ذلك يسير- وهو قول ابن القاسم في آخر رسم "سن" من سماعه، وهو أظهر الأقوال، وقد مضى هناك وجهه؛ وقيل: إن الأربع يسير، والخمس كثير- وهو قول سحنون، وظاهر هذه الرواية- وبالله التوفيق. [مسألة: ذكر صلوات يسيرة يخاف ذهاب وقتها] مسألة قلت له: أرأيت إن ذكر صلوات يسيرة: صلاة، أو ثلاث صلوات في صلاة، يخاف ذهاب وقتها، فتعمد فصلى الصلاة التي هو فيها وترك القضاء، ثم أخذ يقضي فلم يفرغ حتى خرج وقت الصلاة

مسألة: يصلي بالطائفة الأولى في الخوف ركعة من المغرب فيدخل رجل في الثانية

التي ذكر هؤلاء الصلوات فيها، قال: لا يعيد وقد تمت المكتوبة. قال محمد بن رشد: إذ قد قال: (إنه) لا يعيدها بعد خروج الوقت، وإن ذكر الصلوات اليسيرة فيها فأحرى ألا يعيدها بعد خروج الوقت إذا ذكر الصلوات اليسيرة قبل ابتدائه بها، وقد قيل: إنه يعيدها أبدا في الوجهين جميعا، وقد فرق بينهما وهو مذهبه في المدونة، وقد تقدم ذلك في هذا السماع. [مسألة: يصلي بالطائفة الأولى في الخوف ركعة من المغرب فيدخل رجل في الثانية] مسألة وسئل ابن القاسم عن الإمام في صلاة الخوف يصلي بالطائفة الأولى ركعة من المغرب، ثم يدخل رجل في الركعة الثانية، قال: إذا صلى الإمام الركعة الثانية وقام فوقف، أتم القوم صلاتهم، ولا ينبغي للداخل أن يقضي- والإمام لم يفرغ؛ لأن الطائفة الأولى، إنما تتم صلاتها ولا تقضي. قال محمد بن رشد: قال: إنه لا يقضي- والإمام لم يفرغ، ولم يبين ماذا يصنع، وقد اختلف في ذلك فقيل: إنه يصلي لنفسه الثالثة كما تفعل الطائفة الأولى التي هو منها، ثم يقف عن قضاء الركعة التي فاتته حتى يسلم الإمام، وإلى هذا ذهب ابن لبابة، وهو معنى ما ذهب إليه في الرواية؛ وقيل: إنه لا يصلي شيئا فيثبت جالسا حتى يسلم الإمام، وهذا يأتي على مذهب من يرى أنه يبدأ بالقضاء قبل البناء، والقضاء لا يكون قبل سلام الإمام؛ فإذا سلم الإمام على هذا القول، قام فقضى الركعة الأولى التي فاتته بأم القرآن

مسألة: يجعل الثوب على النار لمكان القمل

وسورة، فتتم له ركعتان ويبني عليهما الثالثة، وقد قيل: إنه يصلي ركعتين قبل سلام الإمام- وهو أحد قولي سحنون؛ ووجهه أنه من الطائفة الأولى، فكما يصلي الثالثة قبل سلام الإمام؛ لأنه في حكم من خرج من صلاته، فكذلك يقضي الأولى قبل سلامه، وهذا القول أظهر من جهة القياس، وقيل: إنه يقف مع الإمام ولا يصلي شيئا حتى تأتي الطائفة الثانية، فيصلي معهم ويقضي الركعة الأولى بعد سلام الإمام. وهذا القول أضعف الأقوال، لدخوله مع الطائفة الثانية- وهو من أهل الطائفة الأولى، فيصير قد صلى الركعة الثالثة بإمام- وهو إنما وجب عليه أن يصليها- فذا، وقد مضى الاختلاف في ذلك في رسم "إن خرجت" من سماع عيسى. [مسألة: يجعل الثوب على النار لمكان القمل] مسألة قال سحنون: أكره أن يجعل الثوب على النار لمكان القمل، قال: ولا بأس به على الشمس، وخفف المهاميز تهمز به الدواب. قال محمد بن رشد: إنما كره أن يجعل الثوب على النار لمكان القمل، لما جاء من النهي عن المثلة، وعن أن يعذب بعذاب الله، ولما روي أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة» . وخفف المهاميز يهمز بها الدواب من أجل أنه لا يتأتى منها في أغلب الأحوال- مما أذن الله به من تسخيرها، والانتفاع بها إلا بذلك، وقد مضى هذا لسحنون أيضا في نوازله من كتاب الوضوء.

مسألة: يصلي المغرب في المسجد ويظن أن الناس قد صلوا ثم تقام الصلاة

[مسألة: يصلي المغرب في المسجد ويظن أن الناس قد صلوا ثم تقام الصلاة] مسألة قلت: فالرجل يصلي المغرب في المسجد- ويظن أن الناس قد صلوا، فيصلي ركعة، ثم تقام الصلاة، أو ركعتين ثم تقام الصلاة، أو يقوم في الثالثة ويمكن يديه من ركبتيه، إلا أنه لم يرفع رأسه ثم تقام الصلاة؛ قال: أما إذا صلى ركعة ثم أقيمت الصلاة، فإنه يضيف أخرى ويسلم ويدخل مع القوم؛ وإن كان قد صلى ركعتين ثم أقيمت الصلاة، سلم ودخل مع القوم؛ وإن أقيمت وقد أمكن يديه من ركبتيه في الثالثة ولم يرفع رأسه، رفع رأسه وتشهد فخرج من المسجد ووضع يده على أنفه. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول في هذه المسألة في آخر رسم "نقدها" من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته. [مسألة: قراءة الظهر والعصر التي يسر فيها إن حرك لسانه ولم يسمع أذنيه] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن قراءة الظهر والعصر التي يسر فيها إن حرك لسانه ولم يسمع أذنيه، قال: يجزئه، ولو أسمع شيئا، لكان أحب إلي. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا حرك لسانه بالقراءة، فقد قرأ، وإسماعه نفسه أرفع مرتبة في قراءة السر من ألا يسمع نفسه؛ فلذلك استحب أن يسمع نفسه، كما يستحب فيما شرع فيه الجهر أن يرفع صوته؛ ولا يكتفي بأقل مما يقع عليه اسم جهر، وسيأتي في سماع موسى بن معاوية مسألة من نحو معنى هذه- إن شاء الله.

مسألة: النصراني يسلم فيتوضأ ويصلي ولا يغتسل يجهل ذلك

[مسألة: النصراني يسلم فيتوضأ ويصلي ولا يغتسل يجهل ذلك] مسألة وسألت ابن القاسم عن النصراني يسلم فيتوضأ ويصلي ولا يغتسل- يجهل ذلك. قال: يعيد الصلاة- وإن خرج الوقت- إذا كان قد جامع، أو أجنب؛ قلت له: فإن تيمم ولم يجد الماء، أيجزئه التيمم- إذا لم ينو الجنابة؟ قال: يجزئه؛ لأنه إنما تيمم للإسلام. - يريد بذلك الطهر، فهو يجزئه، وكذلك إذا اغتسل ولم ينو الجنابة؛ لأنه نوى بالغسل الإسلام، فقد أراد الطهر من كل ما كان فيه. قال محمد بن رشد: في قوله إذا كان قد جامع أو أجنب، دليل بين ظاهر على أنه لو لم يجامع ولا أجنب، لما وجب عليه غسل إذا أسلم، وإن كان رجلا قد تجاوز سن البلوغ، وهو صحيح في المعنى، مفسر لجميع الروايات في المدونة وغيرها؛ وقد روى ابن وهب عن مالك أنه لا غسل على النصراني إذا أسلم، وهو بعيد في المعنى، خارج عن الأصول والقياس، وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في سماع موسى بن معاوية من كتاب الوضوء. [مسألة: يحرم مع الإمام إحراما واحدا معا] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يحرم مع الإمام إحراما واحدا معا، أترى أن يجزئه عنه؟ قال: أرى أن يجزئه عنه، ولو أحرم بعده، كان أجزأ وأصوب.

مسألة: يجعل في بيته محرابا حنيته مثل حنية المسجد

قال محمد بن رشد: قوله إذا أحرم مع الإمام معا أنه يجزئه، هو مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة، وقول ابن عبد الحكم؛ وقد قيل: إنه لا يجزئه، وهو قول مالك في المجموعة، وقول أصبغ، وإليه ذهب ابن حبيب - وهو الأظهر، لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا» - الحديث. إذ الفاء توجب التعقيب، فإذا لم يتقدمه الإمام بالابتداء بالتكبير للإحرام، فلم يأتم به؛ وهذا الاختلاف إنما هو إذا ابتدأ تكبيرة الإحرام معه معا، فأتمها معه أو بعده؛ وأما إن ابتدأ بها قبله فلا تجزئه، وإن أتمها قبله قولا واحدا؛ وإن ابتدأ بها بعده فأتمها معه أو بعده، أجزأه قولا واحدا؛ والاختيار ألا يحرم المأموم إلا بعد أن يسكت الإمام- قاله مالك، فإن أحرم معه معا، كان الاختيار له أن يعيد الإحرام، فإن لم يفعل، دخل في الاختلاف المذكور، وحكم السلام في ذلك على المذهب حكم الإحرام، يجري على التفصيل الذي ذكرناه؛ لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تحريم الصلاة التكبير، وتحليلها التسليم» . فكما لا يجوز أن يحرم بالصلاة قبل إمامه، فكذلك لا يجوز أن يتحلل منها قبله، خلافا لمن لا يوجب السلام من أهل العراق. [مسألة: يجعل في بيته محرابا حنيته مثل حنية المسجد] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يجعل في بيته محرابا حنيته مثل حنية المسجد، قال: ليس بالمحراب في المساجد ولا في البيت بأس. قال محمد بن رشد: أما جواز الفعل، فلا إشكال فيه، ولا وجه للسؤال عنه؛ وإنما موضع السؤال إذا فعل ذلك، هل يتحرم المحراب بحرمة

مسألة: يتبخر بلحوم السباع

المسجد، ويرتفع ملكه عنه أم لا؟ إذ من أهل العراق من ذهب إلى أنه من بنى في داره مسجدا، وخلى بين الناس وبينه حتى صلوا فيه صلاة واحدة، أنه يتحرم بذلك بحرمة المسجد، ويرتفع ملكه عنه؛ واحتج على من ذهب إلى أنه لا يتحرم بحرمة المسجد إذا كان في دار يغلق بابها عليه، ويحول بين الناس وبينه في حال ما، - بما روي أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر بالمساجد أن تبنى في الدور وتطيب» ، أو كما قال. وهذا لا حجة فيه، لاحتمال أن يكون أراد خلال الدور، لا داخلها؛ لأن الدور المجتمعة لقوم تسمى دارا، قال تعالى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ} [هود: 65] . ومنه الحديث: «خير دور الأنصار دار بني النجار، ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار بلحرث، ثم دار بني ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير» . قال: هذا بعض من تكلم على معنى الحديث، والذي أقول به على ظاهره: أن من بنى مسجدا في داره أو محرابا للصلاة، فإنه يتحرم بحرمة المسجد في أن ينزه بما تنزه عنه المساجد، دون أن يرتفع ملكه عنه، ما لم يخرجه من غلق داره- وبالله التوفيق. [مسألة: يتبخر بلحوم السباع] مسألة قال ابن القاسم: لا بأس أن يتبخر بلحوم السباع إذا كانت ذكية، وإن كانت ميتة، فلم يكن يعلق دخانها بالثياب، كما يعلق الدخان دخان عظام الميتة، فلا بأس به، وأرجو أن يكون خفيفا، وإن كان يعلق بالثياب، فلا يعجبني.

مسألة: المسافر يؤم المسافرين والمقيمين فيصلي بهم ركعة فيحدث

قال محمد بن رشد: حكم دخان لحوم الميتة حكم رمادها؛ لأنه جسمها استحال إلى الدخان بالنار، كما استحال به إلى الرماد؛ والاختلاف في طهارة ذلك، جار على الاختلاف في طهارة جلد الميتة المدبوغ؛ لأنه استحال بالدباغ عن صفة الميت الذي يتغير بالبقاء إلى صفة المتاع الذي لا يتغير به؛ ولذلك كره أن يتبخر بها إذا كان دخانها يعلق بالثياب؛ لأنه جسم الميتة المستحيل بالنار، والأظهر فيه من طريق القياس الطهارة؛ لأن الجسم الواحد تتغير أحكامه بتغيير صفاته، ألا ترى أن العصير طاهر، فإذا تغير إلى صفة الخمر، حرم ونجس؛ ثم إذا تغير إلى صفة الخل، حل وطهر؟ وهذا بين، وأما إجازته التبخير بلحوم السباع- إذا كانت ذكية، فهو مثل ما في المدونة من إجازة ذكاتها لجلودها. وفي ذلك اختلاف، وقد قال في سماع أشهب من كتاب الضحايا: إن الذكاة لا تعمل إلا فيما يؤكل لحمه. [مسألة: المسافر يؤم المسافرين والمقيمين فيصلي بهم ركعة فيحدث] مسألة وسئل ابن القاسم عن المسافر يؤم المسافرين والمقيمين، فيصلي بهم ركعة، فيحدث فيقدم مقيما فيتمادى بهم ويصلي أربعا، قال: صلاة الإمام تامة، ومن خلفه من المقيمين والمسافرين يعيدون في الوقت وبعده؛ لأنه لا يكون في صلاة واحدة إمامان، وإنما ينبغي للإمام المقيم، أن يتم الصلاة صلاة المسافر، ويقضي ما بقي عليه، ولا يكون فيه إماما. قال محمد بن رشد: تعليله لإيجاب الإعادة أبدا على المقيمين والمسافرين جميعا، بأنه لا يكون في صلاة واحدة إمامان ليس ببين، وإنما العلة في إيجاب الإعادة على المسافرين أبدا، أنهم أتموا على خلاف ما أحرموا عليه من نية التقصير، وقد مضى في رسم "إن خرجت" من سماع عيسى، أنه

مسألة: مسافرا صلى بمقيمين ومسافرين فتعمد الصلاة بهم أربعا

لا إعادة عليهم إلا في الوقت، ومضى تحصيل الاختلاف في إتمام المسافر في أول سماع ابن القاسم؛ والعلة في إيجاب الإعادة أبدا على المقيمين، أنهم صلوا بإمام ما وجب عليهم أن يصلوه- فذا، وقد مضى الكلام على هذا المعنى (في رسم "لم يدرك") وفي رسم "إن خرجت" من سماع عيسى، ويأتي أيضا في سماع موسى بن معاوية - وبالله التوفيق. [مسألة: مسافرا صلى بمقيمين ومسافرين فتعمد الصلاة بهم أربعا] مسألة قلت لابن القاسم: فلو أن مسافرا صلى بمقيمين ومسافرين فتعمد الصلاة بهم أربعا، وتمادى معه المقيمون، قال: يعيد الإمام في الوقت، والمسافرون الذين خلفه- إن كانوا تعمدوا بتعمده، ونووا ذلك من أول، كانوا مثله؛ وإن كانوا نووا في أول ما عليهم ركعتين، فلما تمادى الإمام تمادوا معه، فأرى عليهم الإعادة في الوقت وبعده- وإن كانوا سهوا فتمادوا معه؛ وأما المقيمون فصلاتهم فاسدة، وعليهم الإعادة في الوقت وبعده؛ لأنه إن كان ساهيا فإنما عليه سجود سهو، ولا يجوز لهم أن يجتزئوا في الفريضة لهم بنافلة (الأول) وإن كان غير ساه، فقد تعمد فسادها عليهم؛ لأن ذلك لا يجزئه في الوقت. قال محمد بن رشد: أما قوله في المسافرين إنهم إن كانوا تعمدوا بتعمده ونووا ذلك من أول، كانوا مثله؛ فصحيح لا اختلاف فيه. وأما قوله وإن كانوا نووا في أول ما عليهم ركعتين، فلما تمادى الإمام تمادوا معه، فأرى عليهم الإعادة في الوقت وبعده؛ فهو مثل ما تقدم له في المسألة التي قبل هذه؛ لأنه أتم على إحرامه بنية القصر. وأما قوله: وإن كانوا سهوا فتمادوا معه، فيحتمل أن يكون الكلام

مسألة: يصلي مع الإمام في رمضان إشفاعا ثم ينقلب ويرجع فيجد الإمام في الوتر

لا جواب له؛ ويحتمل أن يكون جوابه جواب المسألة التي قبلها لعطفها عليها، وهو أن عليهم الإعادة في الوقت وبعده، فإن كان الكلام لا جواب له، فالجواب فيه على تعليل قوله في إيجاب الإعادة على المقيمين أبدا بأنه إن كان ساهيا، فإنما عليه سجود سهو أن يسجدوا لسهوهم وتجزئهم صلاتهم، وإن كان جوابه جواب المسألة التي عطفها عليها، أن عليهم الإعادة في الوقت وبعده، فقد تناقض قوله في المسألة، وقال بخلاف تعليله فيها، والقولان معلومان لابن القاسم فيمن زاد في صلاته مثل نصفها- ساهيا، وقد مضى توجيهها جميعا في رسم "إن أمكنتني" من سماع عيسى. وقوله: ولا يجوز لهم أن يجتزئوا في الفريضة بنافلة الإمام، يريد بما صلى على طريق السهو، صحيح على أصله في أن من صلى خامسة سهوا، ثم ذكر سجدة من أول صلاته، أنه يأتي بركعة ولا يعتد بما صلى على السهو، وعلى ما ذهب إليه ابن نافع، وابن الماجشون، وسحنون، واختاره ابن المواز، أنه يعتد بما صلى على السهو، ينبغي أن يعتد المقيمون بالركعتين اللتين صلاهما بهم المسافر- ساهيا، وهو منصوص لابن كنانة. وأما قوله: وإن كان غير ساه، فقد تعمد فسادها عليهم؛ لأن ذلك لا يجزئه في الوقت، فهو تعليل غير صحيح؛ لأنه إذا لم يجب على الإمام الإعادة بما تعمد من فسادها إلا في الوقت، فأحرى ألا يجب ذلك عليهم، إلا في الوقت، وهو قول مالك في رسم "الصلاة" الأول من سماع أشهب في بعض الروايات: أنهم يعيدون في الوقت كالإمام، وإنما العلة في أنهم يعيدون في الوقت وبعده، أنهم صلوا بإمام ما يجب عليهم أن يصلوه- فذا، وقد قيل: إنه لا إعادة عليهم في الوقت ولا غيره على الاختلاف في هذا الأصل، وقد مضى ذلك في المسألة التي قبل هذه. [مسألة: يصلي مع الإمام في رمضان إشفاعا ثم ينقلب ويرجع فيجد الإمام في الوتر] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يصلي العتمة مع الإمام

مسألة: الإمام يصلي من صلاة الخوف ركعة ثم ينكشف الخوف

في رمضان، ويصلي معه إشفاعا ثم ينقلب، ثم يرجع ويجد الإمام في ركعة الوتر، فيقول: قد ركعت، والوتر إنما هي واحدة، فأنا أدخل معه وأحتسب بها فيجزئني فيدخل، قال: لا أحب له أن يعتد بها، وأحب إلي أن يشفعها بركعة ثم يوتر؛ قلت له: فإن فعل، قال: فإن فعل، فالوتر ليست بواجبة. قال محمد بن رشد: قد مضى لابن القاسم مثل هذا في رسم "لم يدرك" من سماع عيسى، وزاد فيه أن الإمام إن كان ممن لا يسلم، أضاف إليها ركعتين بغير سلام، ومضى في آخر الرسم الأول من سماع أشهب خلافه، فتدبر الكلام على ذلك في الموضعين، فقد مضى فيهما مستوعبا. [مسألة: الإمام يصلي من صلاة الخوف ركعة ثم ينكشف الخوف] مسألة قال ابن القاسم في الإمام يصلي من صلاة الخوف ركعة، ثم ينكشف الخوف، قال: يتم الصلاة بمن معه ويصلي بالأخرى إمام آخر، ولا أحب لهم أن يصلوا مع هذا الإمام الذي ابتدأ صلاة الخوف، ثم سألته بعد ذلك فقال: لا أرى بأسا أن يصلوا معه الركعة الثانية، وهو أحب إلي - وترك قوله الأول فيها. قال محمد بن رشد: لا معنى لما كره من ذلك، والقول الذي رجع إليه هو الصواب؛ لأن الطائفة الثانية في دخولهم مع الإمام في الركعة الثانية إذا انكشف الخوف، كمن فاته بعض صلاة الإمام في غير خوف، وإنما الذي لا يجوز أن يصلي رجل من الطائفة الأولى الركعة الثانية مع الإمام إذا صلاها بالطائفة الثانية مع تمادي الخوف، فإن فعل ذلك، جرى على الاختلاف فيمن صلى بإمام ما وجب عليه أن يصليه- فذا، فاشتبهت عليه المسألتان- والله أعلم. [مسألة: الإمام سها عن القراءة حتى ركع] مسألة وسألت ابن القاسم عن مثل الذي أصاب إمام الإسكندرية من

مسألة: يعطس وهو يبول أو وهو على حاجته أيحمد الله

سهوه عن القراءة حتى ركع، أرأيت لو اطمأن راكعا، أكنت ترى أن يمضي كما يمضي الذي ينهض من اثنتين فيعتدل قائما؟ قال: لا أرى ذلك مثله، وأرى له أن ينصرف فيقوم ثم يركع ويسجد لسهوه بعد السلام. قال محمد بن رشد: لابن القاسم في كتاب ابن المواز أنه يقطع، وقال أصبغ: إنه يتمادى ويعيد، وقد مضى القول على هذه المسألة مجودا في رسم "أوصى أن ينفق" من سماع عيسى، فقف عليه هناك- وبالله التوفيق. [مسألة: يعطس وهو يبول أو وهو على حاجته أيحمد الله] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يعطس وهو يبول، أو وهو على حاجته، أيحمد الله؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن عباس أنه قال: يكره أن يذكر الله على حالتين على خلائه وهو يواقع أهله؛ والدليل لقول ابن القاسم من جهة الأثر، ما روي من أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان إذا دخل الخلاء، قال: أعوذ بك من الخبث والخبائث» . وما روي عن عائشة أنها قالت: «كان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكر الله في كل أحيانه» . ومن طريق النظر، أن ذكر الله يصعد إلى الله، فلا يتعلق به من دناءة الموضع شيء. قال الله عز وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] . - فلا ينبغي أن يمتنع من ذكر الله على حال من الأحوال، إلا

مسألة: نسي صلاة ولم يذكرها حتى صلى الجمعة مع الإمام

بنص ليس فيه احتمال، ومن ذهب إلى ما روي عن ابن عباس، تأول ما روي من أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان إذا دخل الخلاء، قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» . - على أن معنى ذلك، كان إذا أراد أن يدخل الخلاء، وأظن ذلك يوجد في بعض الآثار، وإن ثبت ذلك، فأكثر ما فيه ارتفاع النص في جواز ذكر الله على تلك الحال، لا المنع من ذلك؛ وإذا لم يثبت الحظر والمنع في ذلك، وجب أن يكون مطلقا على الأصل في جواز الذكر عموما، وما روي من «أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر عليه رجل- وهو يبول فسلم عليه، فقال: إذا رأيتني على هذه الحال، فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت لم أرد عليك» ، لا دليل فيه على أن ذكر الله لا يجوز على تلك الحال؛ إذ قد يحتمل أن يكون- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك رد السلام على من سلم عليه في تلك الحال- بعد أن نهاه عن ذلك- أدبا منه (له) على مخالفته نهيه؛ لكونه على تلك الحال، أو لكونه على غير طهارة على ما كان عليه في أول الإسلام من أنه لا يذكر الله إلا على طهارة، حتى نسخ ذلك- على ما روي بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6]- الآية. [مسألة: نسي صلاة ولم يذكرها حتى صلى الجمعة مع الإمام] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل نسي صلاة الصبح- ولم يذكرها حتى صلى الجمعة مع الإمام، قال: يصلي الصبح ويعيد الجمعة ظهرا أربعا. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها - موعبا - في رسم "القطعان" من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته.

مسألة: يصلي بالماء الذي ولغ فيه الكلب

[مسألة: يصلي بالماء الذي ولغ فيه الكلب] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك كل ما كان من الصلاة لا تعاد بعد أن تصلى، يكره للمرء أن يصلي به فصلى وجهل، لم يؤمر بالإعادة في الوقت؛ فهو إذا ذكره وهو في الصلاة، لم تفسد عليه صلاته، ومضى عليه مثل أن يصلي الرجل بالماء الذي ولغ فيه الكلب، أو يصلي بالدم القليل، أو ما أشبه هذا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المكروه ما تركه أفضل، ولا إثم فيه ولا حرج؛ فإذا افتتح الصلاة بشيء من ذلك جهلا ثم علم به بعد دخوله فيها، لم ينبغ له أن يقطعها، لقوله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] . [مسألة: يقول في تكبيرة الإحرام الله أعظم الله أعز] مسألة وسئل سحنون عن الذي يقول في تكبيرة الإحرام الله أعظم، الله أعز، الله أجل؛ قال: صلاته فاسدة، ويعيد في الوقت وبعده، لا يجزئ من تكبيرة الإحرام إلا الله أكبر، ولا من السلام إلا السلام عليكم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو أمر متفق عليه في مذهب مالك: أنه لا يجزئ في الإحرام إلا الله أكبر؛ لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تحريم الصلاة التكبير» ؛ ولقوله «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر

فكبروا» . ولفظ التكبير إذا أطلق لا يقع على ما سوى الله أكبر مع الإجماع على العمل بذلك، دون خلاف يؤثر فيه منذ زمن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلى اليوم؛ فلا يجزئ الإحرام بغير لفظ التكبير، ولا بالتكبير على خلاف صفة الله أكبر؛ خلافا لأبي حنيفة في الوجهين، وللشافعي في قوله: إنه يجوز في الإحرام الله أكبر، فخالفا الإجماع المنعقد قبلهما- إلى غير قياس صحيح، أما أبو حنيفة فساوى في الإحرام بين التكبير، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، ومعانيها مفترقة؛ ألا ترى أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من سبح دبر كل صلاة- ثلاثا وثلاثين، وكبر ثلاثا وثلاثين، وحمد ثلاثا وثلاثين، وختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، غفرت ذنوبه- ولو كانت مثل زبد البحر» . فلو كانت معانيها متفقة، لقال من سبح دبر كل صلاة، أو كبر، أو هلل، أو حمد، مائة، غفرت ذنوبه- ولو كانت مثل زبد البحر. وأما الشافعي فساوى في التكبير بين الله أكبر، والله الأكبر، وأجاز الإحرام بكل واحد منهما، ولم يجز فيه الله الكبير، فجمع بين الله أكبر، والله الأكبر- وإن كانت معانيها مفترقة؛ لأن الله أكبر أبلغ في المدح من قولك: الله الأكبر؛ لأنه أجل في القصد إلى الوصف بأنه أكبر من غيره؛ لأن الله أكبر جملة تامة- ابتداء وخبر مفيدة بأن الله أكبر مما سواه، لا يحتمل الكلام غير ذلك؛ والله الأكبر، يحتمل أن يريد قائله به الله هو الأكبر، فيكون قد قصد بكلامه إلى الإخبار بأن الله أكبر مما سواه، كقوله الله أكبر- سواء؛ ويحتمل ألا يريد به ذلك، فيجعل الأكبر صفة الله، ويضمر الخبر فيكون إنما قصد إلى استشعار الخبر الذي أضمره، لا إلى أن الله أكبر من غيره؛ وإن كانت الصفة دالة على ذلك، مثل أن يريد الله الأكبر هو الذي هداني إلى الإسلام، ووفقني لفعل الصلاة؛ وليس ما يقتضيه الكلام مما لم يقصد إليه كمثل ما قصد إليه؛ ووجه

مسألة: صلى بالطائفة الثانية في الخوف فلما جلس ذكر سجدة نسيها

ما ذهب إليه الشافعي أن بناء الله الأكبر كبناء الله أكبر- سواء، إلا أن الألف واللام زيدت للتعظيم، فكان ذلك بخلاف الله أكبر، لاختلاف البناء والمعنى جميعا؛ لأن الله أكبر، أبلغ في المدح من الله الكبير، وهذا كله بين. وقوله: إنه لا يجزئ من السلام إلا السلام عليكم، هو مثل ما في المدونة، وقد وقع في أول رسم من سماع أشهب في بعض الروايات: يقول سلام عليكم، سلام عليكم- دون معرف بالألف واللام، وذلك خلاف لقول سحنون هذا، ولما في المدونة. [مسألة: صلى بالطائفة الثانية في الخوف فلما جلس ذكر سجدة نسيها] مسألة قال سحنون: سألت ابن القاسم عن الإمام في صلاة الخوف؛ إذا صلى بالطائفة الأولى ركعة، ثم ثبت قائما وأتم القوم ومضوا، ثم أتت الطائفة الثانية فصلى بهم ركعة، فلما جلس ذكر سجدة نسيها لا يدري من الأولى أو من الثانية؟ قال: يسجد سجدة وتسجد معه الطائفة الثانية، ثم يقوم ويثبت قائما، وتصلي الطائفة التي معه بقية الركعة الثانية تمام صلاتهم- وحدانا، لا يؤمهم أحد، ويسجدوا بعد السلام، وتأتى الطائفة الأخرى فيصلي بهم الإمام هذه الركعة (التي احتاط بها، ثم يقعد ويسلم، ويسجد للسهو، وتقوم الطائفة الأولى فتتم ركعتها لأنفسها، فإن كانت السجدة التي نسي الإمام من الركعة الأولى، فقد كانت صلاتهم باطلة، وهذه التي صلوا مع الإمام، هي أول صلاتهم، وهي فريضة؛ وإن كانت سجدة من الركعة)

الثانية التي كان فيها الإمام قاعدا، فقد كانت صلاتهم تامة، وهذه التي صلوا مع الإمام نافلة. قال محمد بن رشد: قوله وتسجد معه الطائفة الثانية، معناه إن شكت بشك الإمام، فتصح لها الركعة وتصير هي الطائفة الأولى، لاحتمال أن تكون السجدة من الركعة الأولى، فتكون قد بطلت، وصارت الثانية هي الأولى، وقد قيل إنهم يعيدون، لاحتمال أن تكون السجدة من الركعة الثانية، فتصح صلاة الأولين بصحة الركعة الأولى، ويكون هؤلاء هم الطائفة الثانية- على حالهم- وقد سلموا قبل إمامهم، وهو قول ابن عبدوس، ولو أيقنوا بسلامة الركعة التي صلوا معه، لما سجدوا معه سجدة التحري- على ما لابن القاسم في رسم "باع شاة" من سماع عيسى، ولا وجبت عليهم إعادة باتفاق، لتحققهم أنهم قد صاروا هم الطائفة الأولى؛ وذلك إن كانت الطائفة الأولى تشك في السجدة بشك الإمام، أو توقن بإسقاطها، وأما إن كانت لا تشك في أنها سجدت سجدتين فصلاتهم تامة، ويقضي الإمام تلك الركعة- وحده- قبل أن تقوم الطائفة الثانية التي معه لقضاء ركعتهم، ثم يسلم بهم - وبالله التوفيق. تم كتاب الصلاة الرابع بحمد الله وحسن عونه

كتاب الصلاة الخامس

[كتاب الصلاة الخامس] [مسألة: الكتابة في القبلة بالصبغ شبه آية الكرسي أو نحوها] كتاب الصلاة الخامس من سماع موسى بن معاوية الصمادحي من ابن القاسم مسألة قال موسى بن معاوية الصمادحي: سئل ابن القاسم عن المساجد هل يكره الكتاب فيها في القبلة بالصبغ شبه آية الكرسي أو نحوها من قوارع القرآن: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، والمعوذات، ونحوها؟ قال ابن القاسم: كان مالك يكره أن يكتب في القبلة في المسجد شيء من القرآن، أو التزاويق، ويقول: إن ذلك يشغل المصلي؛ قال: ولقد كره مالك أن يكتب القرآن في القراطيس، فكيف في الجدران؟

مسألة: ينزل الماء في عينيه فيريد أن يقدحهما

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من كراهية تزويق المسجد، والعلة في ذلك ما يخشى على المصلين من أن يلهيهم ذلك في صلاتهم؛ وقد مضى بيان هذا المعنى من الحديث في رسم "سلعة سماها"، ورسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة " من سماع ابن القاسم، ومضى في رسم "سلف في حيوان" منه؛ وجه كراهية مالك لكتابة القرآن في القراطيس أسداسا وأسباعا، فكتاب شيء من القرآن في قبلة المسجد، مكروه عند مالك لوجهين، وقد خفف ذلك ابن نافع، وابن وهب في المبسوطة، وقول مالك أولى وأصح في المعنى. [مسألة: ينزل الماء في عينيه فيريد أن يقدحهما] مسألة قال: أخبرنا موسى بن معاوية الصمادحي، وسحنون، قالا: أخبرنا علي بن زياد أنه سأل مالكا عن الذي ينزل الماء في عينيه، فيريد أن يقدحهما، فيخبره الطبيب أنه إن قدحهما استلقى على ظهره ثلاثة أيام لا يقوم ولا يقعد؛ ما ترى أن يصنع؟ قال مالك: بل يقولون أربعين يوما، لا أدري ما هذا؟ وأبى أن يجيب فيه. قال محمد بن رشد: قد أجاب في المدونة بأن ذلك مكروه، لا خير فيه. قال ابن القاسم - بعد هذا- (في هذا) السماع: فإن فعل، قام فصلى- وإن ذهبت عيناه. قال في المدونة: فإن لم يفعل وصلى إيماء أعاد أبدا في الوقت وبعده. وهذا على قياس قول مالك في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب في الذي يركب السفينة وهو لا يقدر على السجود فيها إلا على ظهر

مسألة: يصلي على العذرة اليابسة

أخيه؛ لأن الأصل في ذلك واحد، فلم يعذره بالزحام ولا بالمرض الذي أصابه من قدح عينيه؛ لأنه هو الذي أدخل ذلك على نفسه باختياره، ولو شاء لم يفعل، وقد روى ابن وهب عن مالك أنه يجوز له أن يقدح عينيه ويصلي على قدر طاقته من الإيماء، وتجزئه صلاته؛ وهو قول جابر بن زيد من تابعي أصحاب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد هذا في هذا السماع، ووجه ذلك القياس على ما أجمعوا عليه من أن للرجل أن يسافر- وإن علم أنه يعدم الماء في سفره فينتقل إلى التيمم، فكما يجوز له أن يسافر وإن أوجب ذلك عليه الانتقال من الوضوء إلى التيمم، فكذلك يجوز له أن يقدح عينيه وإن أوجب ذلك عليه الانتقال من الركوع والسجود إلى الإيماء. والفرق بين الموضعين على القول الأول، هو أن التيمم بدل من الوضوء عند عدم الماء بنص القرآن، وليس الإيماء ببدل من الركوع والسجود؛ لأنه إذا أومأ فيهما فقد أتى ببعض الانحطاط إليهما، وترك تمامهما دون أن يأتي لما ترك من تمامها ببدل؛ فماله بدل إذا عجز عنه وجب عليه بدله، وما ليس له بدل- إذا عجز عنه سقط وبرئت منه ذمته؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . فجاز فيما له بدل أن يفعل ما يضطره إلى البدل، وعلى هذا أجاز مالك لصاحب الحقن الشديد أن يفطر، ويتداوى إذا ألجأ إلى ذلك- وإن كان قادرا على الصيام وترك التداوي دون مرض يصيبه في ذلك- والله أعلم؛ ولم يجز فيما لا بدل له أن يفعل ما يضطره إلى ترك الفرض جملة، فهذا وجه القول الأول. [مسألة: يصلي على العذرة اليابسة] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يصلي على العذرة اليابسة أو الدم اليابس أو المكان القذر، مثل المزابل ونحوها - ولا يشعر، ثم يعلم

مسألة: يصلي فيخطف رداؤه عنه

بعد. قال مالك: يعيدها ما كان في الوقت. قال: وما يصيب الأرض من ذلك مثل ما يصيب الثوب. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب: أن من صلى بثوب نجس، أو على موضع نجس- وهو لا يعلم أعاد في الوقت، والوقت في ذلك إلى اصفرار الشمس؛ قال ابن المواز: فإن صلى به أو عليه- وهو لا يقدر على غيره- مضطرا إلى ذلك، أعاد إلى الغروب، وقد روي عن مالك أنه يعيد إلى الغروب في المسألتين جميعا، ومعنى ذلك أن يدرك الصلاة كلها قبل الغروب، وأما إذا لم يدرك قبل الغروب إلا بعضها، فقد فاته في هذه المسألة وقتها- والله أعلم. وأما إذا كان جاهلا أو متعمدا من غير ضرورة، فإنه يعيد أبدا، بدليل هذه الرواية، وهو المشهور في المذهب، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم "المكاتب" من سماع يحيى، فقف على ذلك هناك، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: يصلي فيخطف رداؤه عنه] مسألة قال: وسئل عن الرجل يصلي فيخطف رداؤه عنه، هل له أن يخرج ويقطع الصلاة ويطلب خاطفه، أم لا يقطع ويصلي ويدع رداءه يذهب؟ وعن الرجل يخاف على الشيء من متاع البيت السرق والحرق والفساد، مثل قلة الزيت، أو الماء، أو الخل، تقلب فيهراق ما فيها، هل يسعه أن يسويها ويرجع في صلاته؟ ومثل ذلك زقاق الزيت، أو الخل، ونحوه، يخاف عليها أن تنشق أو تنفسخ، أو يفسدها شيء- وهو يصلي، هل يصلح الزقاق ويربطها ويرجع في صلاته؛ أو يقطع صلاته ويستأنف؟ فقال ابن القاسم: إذا

مسألة: سؤر الهرة

خطف ثوبه في الصلاة، فلا بأس أن يقطع ويذهب في طلب الذي أخذه، ويستأنف إذا رجع؛ وأما مالك فكان يكره نحوه، وذلك أني سألته عن الذي يكون في الصلاة فيرى الشاة تأكل الثوب، أو العجين؛ فقال: إن كان في فريضة، فلا يقطع؛ وأما الرجل يصلي وفي البيت قلة أو شيء يخاف عليه أن يهراق، فإن سألت مالكا عن الرجل يقرأ فيتعايا في قراءته، فيأخذ المصحف ينظر فيه - وهو بين يديه- فكرهه، فهذا مثله. قال محمد بن رشد: قد تقدم الكلام على هذه المسألة في رسم "صلى نهارا ثلاث ركعات" من سماع ابن القاسم مجودا، فلا معنى لإعادته. [مسألة: سؤر الهرة] مسألة قال الصمادحي: وحدثني عبد العزيز الدراوردي، «عن داود بن صالح، عن أمه قالت: بعثتني مولاتي بهريسة إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فجئت وهي تصلي- فأشارت إلي أن أضعها، فجاءت هرة فأكلت منها، فلما قضت الصلاة قالت لنسوة عندها كلن، قال: فأكلن واتقين موضع الهرة؛ فقالت: كلن فإني سمعت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم» . قال محمد بن رشد: زاد بعض الرواة في الحديث أنها قالت: «وقد رأيت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ بفضلها، وأنها دورتها ثم أكلت من حيث أكلت الهرة» . وهذا من فعل عائشة في أكلها من الموضع الذي

مسألة: صلى بقوم فمرت به حية أو عقرب

أكلت منه الهرة، وأمرتهن بذلك، لما سمعته من النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مثل فعل أبي قتادة في حديث الموطأ: " إذ أصغى لها الإناء حتى شربت، ثم توضأ بسؤرها ". وإلى هذا ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه في أن سؤر الهرة طاهر، إلا أن يوقن أنه كان في فيها أذى؛ خلافا لما ذهب إليه أبو حنيفة وغيره من أنه نجس، لما روي عن أبي هريرة من أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر، أن يغسل مرة أو مرتين» ، وهو حديث يوقفه بعض الرواة على أبي هريرة، ولم ير ذلك من ذهب إلى نصرة مذهب أبي حنيفة علة فيه، وضعف حديث أم داوود، لكونها غير معروفة عند أهل العلم بالحديث؛ وقال في حديث أبي قتادة: إنه ليس فيه طهارة سؤر الهرة إلا من فعل أبي قتادة؛ إذ قد يحتمل أن يكون أراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها ليست بنجس في كونها في البيوت ومماستها الثياب. قال محمد بن رشد: أبو قتادة ألحن بمراد النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممن بعده، ويحمل ما روي عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله أعلم. [مسألة: صلى بقوم فمرت به حية أو عقرب] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم فمرت به حية، أو عقرب، فيقتلهما أو يرمي طيرا بحجر فيقتله، أو يأخذ قوسا فيرمي به صيدا فيقتله- عامدا غير ناس؛ قال ابن القاسم: خلائه كان مالك قتل الحية والعقرب في الصلاة. قال ابن القاسم: فإن فعل ولم يكن في ذلك شغل عن الصلاة، فلا شيء عليه؛ وكذلك قتل الحية، والطير- يرميه- لا شيء عليه في ذلك، وقد أساء في رميه الطير، ولا يفسد ذلك صلاته إلا أن يطول ذلك، فإن رماه بحجر يتناوله من الأرض، فلا شيء عليه- ما لم يطل ذلك.

قال محمد بن رشد: قد روي عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - من رواية أبي هريرة «أنه أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب» . وهو حديث حسن من جهة الإسناد، والمعنى في ذلك عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا أراداه. وكذلك قال في أول سماع عبد الملك - بعد هذا- إنه لا يقتلهما إلا أن يريداه، فإذا أراداه، جاز له أن يقتلهما ويتمادى على صلاته، إلا أن يطول ذلك ويكثر الشغل به، فيبتدئ صلاته، وأما إذا لم يريداه، فلا ينبغي له- عنده- أن يشتغل بقتلهما في صلاته، فإن فعل فقد أساء، ويبني على صلاته، إلا أن يطول ذلك فيبتدئ، ومن أهل العلم من أجاز له أن يقتلهما- وإن لم يريداه على ظاهر الحديث، وذلك فيما أمر بقتله من الحيات وهن ذوات الطفيتين، والأبتر، وما سوى حيات المدينة، وعمار البيوت من غيرهن- على الاختلاف في النهي عن قتل عوامر البيوت؛ هل ذلك خاص بالمدينة، أو عام فيها وفي سواها؟ فأما ما سوى الحية والعقرب: من صيد، أو طير، أو ذرة، أو نملة، أو بعوضة، أو قملة؛ فلا اختلاف في أن قتل شيء من ذلك في الصلاة مكروه لا ينبغي، فإن فعل، لم تبطل صلاته إلا بما كان من ذلك فيه شغل كثير، وقال في الرواية إنه إن أخذ القوس فرمى به الصيد، أو تناول الحجر من الأرض، فرمى به الطير، لم تفسد صلاته- إذا لم يطل، وذلك إذا كان جالسا- والحجر أو القوس إلى جنبه، فتناولهما ورمى بهما، وأما لو كان قائما، فتناول الحجر، أو القوس من الأرض، ورمى بهما، لكان بذلك

مسألة: أفلت منه فرس فاتبعه حتى أخذه ورجع إلى مصلاه

مبطلا لصلاته، وما مضى في رسم "صلى نهارا ثلاث ركعات" من تفسير المسألة المتقدمة قبل هذا، هو من هذا المعنى، فقف عليه وتدبره. [مسألة: أفلت منه فرس فاتبعه حتى أخذه ورجع إلى مصلاه] مسألة وحدثنا المسيب بن شريك، عن زياد بن أبي زياد، «عن الأزرق بن قيس، قال: كنا بشاطئ مهران، فجاء رجل على فرس له فنزل عنه يصلي، فأفلت منه فاتبعه حتى أخذه ورجع إلى مصلاه، فقال بعضنا: ما أهون على هذا صلاته، فسمع الرجل، فجاء فوقف بنا، فقال: قد سمعت قائلكم، سمعت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إذا انفلتت دابة أحدكم- وهو يصلي- فليتبعها حتى يأخذها ويرجع إلى صلاته، لا يشتد عليه طلبها» . قال محمد بن رشد: الرجل المذكور في الحديث، هو أبو برزة الأسلمي، وليس فيه بيان قدر ما اتبع فرسه إليه في قلة ذلك من كثرته، ولا إن كان رجع إلى مصلاه، فابتدأ صلاته من أولها أو بنى عليها، فإن كان أراد أنه رجع إلى مصلاه، فبنى على صلاته، فيحمل أمره على (أن) اتباعه إياه لم يكثر، إنما مشى إليه قليلا عن يمينه، أو عن يساره، أو أمامه، وإن كان أراد أنه قطع صلاته فاتبع فرسه حتى أخذه، ثم رجع إلى مصلاه فابتدأ صلاته؛ فالمعنى في ذلك أنه بعد عنه، أو صار خلفه، فاحتاج أن يستدبر القبلة إليه، وهذا هو قول مالك في المدونة أنه يقطع ويبتدئ- إن بعدت عنه دابته- قداما، أو يمينا أو شمالا، أو صارت خلفه، وهذا إذا كان في سعة من الوقت، وأما

مسألة: أغلق الباب وهو في الصلاة

إذا كان في خناق (منه) فإنه يتمادى على صلاته- وإن ذهبت دابته، ما لم يكن في مفازة، ويخاف على نفسه إن ترك دابته حتى يصلي- على ما قالوا في الحاج يقبل إلى عرفة قرب الفجر- ولم يصل المغرب والعشاء؛ وهو إن مضى إلى عرفة وترك الصلاة أدرك الوقوف، وإن صلاهما فاته الوقوف والحج في ذلك العام، أنه يبدأ بالصلاة- وإن فاته الحج؛ لأنه قد يلزمه من النفقة والمؤنة في الحج- عاما قابلا أكثر من قيمة الدابة أضعافا، وهذا على القول بأن الحج على التراخي، وأما على القول بأنه على الفور، فهما فرضان قد تزاحما في وقت واحد، فالبداية بالوقوف أولى؛ لأن تأخير الصلاة التي يقضيها بالقرب، أولى من تأخير الحج الذي لا يقضيه إلى عام آخر، ولعل المنية تخترمه دون ذلك، - وبالله التوفيق. [مسألة: أغلق الباب وهو في الصلاة] مسألة وحدثني عن المسيب بن شريك، قال: حدثني محمد بن عبيد الله، عن عطاء، عن عائشة، قالت: «أتت هدية- والنبي (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) يصلي، وأنا نائمة، فكسلت أن أقوم فأفتح الباب، فمضى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى فتح الباب، ورجع إلى مصلاه؛ ثم خرج صاحب الهدية، فكسلت أن أقوم فأغلق الباب، فمضى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أغلق الباب ورجع إلى مصلاه» . - قال الصمادحي: وكانت نافلة.

مسألة: صلى بمن معه ركعة فكلمه إنسان في حاجة وكلمه الإمام مجيبا له غير ساه

قال محمد بن رشد: قول الصمادحي إنها كانت نافلة صحيح، بدليل أن الفريضة إنما كان يصليها في المسجد بالناس لا في بيته، والمعنى في ذلك- والله أعلم- أن الباب كان في قبلته، وكان قريبا من مصلاه، فتقدم إليه في فتحه وغلقه، ثم رجع القهقرى إلى مصلاه في صلاته - دون أن يستدبر القبلة، وهذا جائز أن يفعل في النافلة، وفي الفريضة أيضا- إذا دعت إلى ذلك ضرورة، كالمسألة التي قبل هذه، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [مسألة: صلى بمن معه ركعة فكلمه إنسان في حاجة وكلمه الإمام مجيبا له غير ساه] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بمن معه ركعة، فكلمه إنسان في حاجة، وكلمه الإمام مجيبا له غير ساه؛ هل تفسد صلاته وصلاة من خلفه؟ فقال ابن القاسم: يعيد ويعيدون، وكل ما تعمده الإمام مثل أن يحدث فينهض بهم في صلاتهم- عامدا، أو يكون جنبا فيتعمد الصلاة بهم، فإنه يعيد ويعيدون. قال محمد بن رشد: هذا معلوم من مذهب مالك وأصحابه، أن الإمام إذا قطع صلاته- متعمدا، أو أحدث فيها متعمدا، أو تمادى فيها بعد حدثه متعمدا، أنهم بمنزلته فيما يجب عليه من الإعادة في الوقت وبعده، حاشا أشهب، وابن عبد الحكم، فإنهما ذهبا إلى أن الإمام إذا صلى بالقوم على غير وضوء- متعمدا، أو أحدث فتمادى بهم متعمدا- وهم لا يعلمون أنه لا إعادة عليهم، وقد مضى في رسم "يدير ماله" من سماع عيسى وجه قول أشهب، وابن عبد الحكم، وتفرقة ابن القاسم بين أن يحدث الإمام في أثناء صلاته، أو بعد التشهد الآخر، فيتمادى بهم- متعمدا حتى يسلم بهم؛ فقف على ذلك هناك. [مسألة: صلى بقوم فنعس] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم فنعس في بعض صلاة النهار، حتى استثقل نوما، فلم يستيقظ حتى سبح به القوم، هل

مسألة: الأمة تدخل في الصلاة وهي أمة ثم يدركها العتق وهي في الصلاة

تنتقض صلاته وصلاة من خلفه، أم تنتقض صلاته- وحده؟ وهل يكون عليه وضوء النوم- وهو قائم؟ فقال ابن القاسم: هذا كله قريب، وليس عليه شيء- وإن طال ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن النوم ليس بحدث في نفسه، وإنما هو سبب للحدث، فلا ينتقض الوضوء منه، إلا ما يخشى إن كان منه حدث ألا يشعر به؛ والإمام إذا نام في صلاته فلا يبلغ هذا الحد دون أن يسبح به القوم، ولم يبين في الرواية على أي حال كان نومه؛ فإن كان في الركوع، أو السجود، فجوابه على القول بأن النوم في تينك الحالتين لا ينقض الوضوء إلا أن يطول، وقد مضى القول في تفصيل أحوال النائم في حال نومه في رسم "سن" من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الأمة تدخل في الصلاة وهي أمة ثم يدركها العتق وهي في الصلاة] مسألة وسئل ابن القاسم عن الأمة تدخل في الصلاة- وهي أمة، ثم يدركها العتق- وهي في الصلاة، وليس عليها خمار ولا مقنعة، وليس عندها ولا قربها ثوب، أتمضي في الصلاة؟ أم تقطع وتستأنف؟ قال ابن القاسم: إذا كان قربها ثوب فأخذته فاستترت به، رجوت أن يجزئها، وأحب إلي- إن كانت صلت ركعة، أن تضيف إليها ركعة أخرى وتجعلها نافلة، وتبتدئ الصلاة؛ وكذلك لو لم يكن عندها ثوب إن أعتقت- وهي قد صلت ركعة، أضافت إليها أخرى وابتدأت الصلاة؛ وكذلك قال مالك فيما يشبهه في المسافر يصلي بعض

مسألة: إمام صلى بثوب واحد فلما ركع سقط الثوب

الصلاة، ثم ينوي الإقامة؛ قال مالك: أحب إلي أن يعيد، فكذلك مسألتك؛ لأنها دخلت نيتان. وسئل ابن القاسم عن المسافرة تصلي في ثوب وخمار أو مقنعة، فيطرح الريح خمارها أو مقنعتها عن رأسها، فتبعدها عنها، فإن اتبعتها انحرفت عن القبلة؛ أتمضي في صلاتها، أم تقطع؟ قال ابن القاسم: أما إذا كانت قريبا تتناوله فلا بأس به، وأما إذا تباعد ذلك، فإنها تسلم وتستأنف. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في رسم "استأذن" من سماع عيسى في الأمة تعتق في الصلاة، أو يأتيها الخبر بالعتق فيها- وهي مكشوفة الرأس، مستوعبا مستوفى، فلا وجه لإعادة القول في ذلك- هنا- مرة أخرى، وقد مضى أيضا في رسم "لم يدرك" منه تحصيل الاختلاف في المسافر ينوي الإقامة بعد أن دخل في الصلاة، فتأمله هناك؛ وأما مسألة المسافرة تدخل في الصلاة بقناع فيطرح الريح خمارها عنها، فهي مسألة صحيحة لا يدخلها من الاختلاف ما يدخل المسألتين المذكورتين، وإنما ساقها حجة لقوله في هذه الرواية: وكذلك حق ما جعل أصلا لما اختلف فيه أن يكون متفقا عليه. [مسألة: إمام صلى بثوب واحد فلما ركع سقط الثوب] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بثوب واحد- متوشحا به، فلما ركع سقط الثوب عن عاتقه إلى الأرض، وانكشف فرجه ودبره، فذهب ليأخذه ويتوشح به، فلم يقدر حتى رفع من الركعة، وعجل بالرفع قبل أن يتمها؛ ما ترى في صلاته وصلاة من خلفه؟

وكيف الأمر في الركعة الناقصة هل تجزئه أم يعيدها؟ وكيف ينبغي أن يصنع حين رفع، أيرجع أم يعيد الركعة؟ وهل يضره سقوط الثوب عنه حين انكشف؟ فقال ابن القاسم: إذا أخذ ثوبه ساعتئذ، وإن رفع من الركعة قبل أن يأخذ ثوبه، فلا شيء عليه- إذا تقارب ذلك ولم يتباعد؛ قال سحنون: فإن نظر القوم إلى فرجه- منكشفا، أعاد الصلاة كل من نظر إليه- منكشفا، ولا شيء على من لم ينظر إليه. قال محمد بن رشد: أجاز ابن القاسم صلاته ولم ير عليه شيئا- وإن انكشف فرجه ودبره فيها بسقوط ثوبه عنه- إذا أخذه بالقرب، وإن كان بعد أن رفع من الركعة قبل أن يتمها. - أي قبل أن يتمكن في ركوعها، ولو لم يأخذه بالقرب، لأعاد في الوقت على أصله في رسم "استأذن" من سماع عيسى، من أن ستر العورة من سنن الصلاة، لا من فرائضها؛ وسيأتي على القول بأن ذلك من فرائضها، أن يخرج ويستخلف من يتم بالقوم (صلاتهم) فإن لم يفعل وتمادى بهم، وإن استتر بالقرب فصلاته وصلاتهم فاسدة، وهو قول سحنون في كتاب ابنه، خلاف قوله ههنا، ولا شيء على من لم ينظر إليه. وأما قوله إنه يعيد كل من نظر إليه منكشفا، فمعناه إذا تعمد النظر إليه؛ لأنه بذلك مرتكب للمحظور في صلاته، ولأن من نظر إليه على غير تعمد، فهو بمنزلة من لم ينظر؛ إذ لا إثم عليه في ذلك ولا حرج، ويلزم على قوله أن تبطل صلاة من عصى الله في صلاته بوجه من وجوه العصيان، خلاف ما ذهب إليه أبو إسحاق التونسي من أنه لا تبطل صلاته بذلك، وقال: أرأيت لو سرق دراهم لرجل في صلاته، أو غصبه ثوبا فيها - وبالله التوفيق.

مسألة: صلى بقوم فمر به إنسان فأخبره بخبر يسره فحمد الله تعالى لذلك عامدا

[مسألة: صلى بقوم فمر به إنسان فأخبره بخبر يسره فحمد الله تعالى لذلك عامدا] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل صلى بقوم فمر به إنسان فأخبره بخبر يسره، فحمد الله تعالى لذلك عامدا، هل تفسد صلاته؟ أو يمر به إنسان فيخبره بمصيبة فيتوجع، أو يخبره ببعض ما يسوؤه فيقول: الحمد لله على كل حال، أو يسره حين سمعه فيقول: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، قال ابن القاسم: لا يعجبني، فإن فعل رأيت صلاته تامة؛ لأن مالكا قال: إذا عطس الرجل في الصلاة، يحمد الله ويخفيه في نفسه، وكان أحب إلى مالك ترك ذلك في الصلاة؛ فإن فعل لم تفسد صلاته، وكذلك الذي سألت عنه إن حمد الله لشيء أخبر به، أو استرجع لشيء أخبر به، فلا يعجبني، فإن فعل، رأيت صلاته تامة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المصلي ينبغي له أن يقبل على صلاته ولا يشتغل بما سواها من الإصغاء إلى من يخبره بما يسره فيحمد الله، أو يسوؤه فيتوجع؛ فإن فعل لم تبطل صلاته؛ لأن ذلك من ذكر الله؛ وقد رفع أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يديه في صلاته، وحمد الله على ما أمره به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أن يمكث في موضعه، إلا أن هذا قد أساء؛ إذ أصغى في صلاته إلى استماع ما يسره من أمور الدنيا، فحمد الله على ذلك، وترك ما هو آكد عليه من ذلك- وهو الإقبال على صلاته، وقد مضى ما يشبه هذا المعنى في موضعين من رسم "الصلاة" الثاني في نحو وسطه وقرب آخره- وبالله التوفيق.

مسألة: صلى فدخل عليه داره رجل فصاح به فسبح به

[مسألة: صلى فدخل عليه داره رجل فصاح به فسبح به] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل صلى فدخل عليه داره رجل فصاح به، فسبح به، فقال: سبحان الله- يريد بذلك أن يخبر صاحبه أنه يصلي، هل يفسد ذلك صلاته؟ قال ابن القاسم: التنحنح عند مالك شديد فكرهه، وأما التسبيح فلا بأس به- وإن تعمد بالتسبيح ليعلم صاحبه مكانه. قال محمد بن رشد: أجاز التسبيح في الصلاة لما ينوبه فيها- وإن كان ذلك فيما لا يتعلق بإصلاحها، مثل ما في المدونة - سواء؛ ودليله قول النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «من نابه شيء في صلاته فليسبح» ؛ لأنه كلام قائم مستقل بنفسه، فيحمل على عمومه فيما يتعلق بإصلاح الصلاة، وفيما لا يتعلق بإصلاحها، ولا يقصر على ما يتعلق بإصلاحها- وإن كان الكلام خرج على ذلك السبب؛ وقد قيل: إنه يقصر على سببه، والأول أصح القولين في النظر. وقد اختلف فيما عدا التسبيح من ذكر الله، وقراءة القرآن- إذا رفع بذلك صوته لإنباه رجل، فلم ير ذلك أشهب كالكلام، ورآه ابن القاسم كالكلام، فأفسد به الصلاة؛ وانظر في تكبير المكبر في الجوامع، هل: يدخله هذا الاختلاف أم لا؟ والأظهر أنه لا يدخله؛ لأنه مما يختص بإصلاح الصلاة، ويشهد له حديث صلاة الناس بصلاة أبي بكر خلف النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرضه؛ وأما إنكاره للتنحنح في الصلاة، فهو مثل ما مضى له في رسم "البز" من سماع ابن القاسم، وقد تقدم القول على ذلك هناك.

مسألة: امرأة صلت في صف من صفوف الرجال

[مسألة: امرأة صلت في صف من صفوف الرجال] مسألة وسئل ابن القاسم عن امرأة صلت في صف من صفوف الرجال: عن يمينها رجل، وعن يسارها رجل، ومن ورائها رجل؛ هل تفسد صلاة هؤلاء الثلاثة؟ فقال ابن القاسم: لا تفسد صلاتهم. قال موسى بن معاوية: وسئل ابن القاسم عن إمام صلى- وخلفه رجال ونساء، فدخل قوم آخرون فلم يجدوا سعة إلى صفوف الرجال من كثرة النساء، فصلوا من وراء النساء، هل تفسد صلاتهم؟ قال ابن القاسم: قال مالك: لا تفسد صلاتهم- وإن كان النساء بين أيديهم، وصلاتهم تامة؛ وسئل ابن القاسم عن إمام صلى برجل ونساء، فقام الرجل عن يمين صاحبه، والنساء من خلفهما، فأحدث الإمام فقدم صاحبه، هل يصلي بالنساء اللائي خلفه؟ وكيف به إن خرج ولم يستخلف صاحبه، ونوى صاحبه أن يصلي لنفسه ويصلي بمن معه من النساء؟ قال ابن القاسم: يصلي المستخلف بالنساء، وإن خرج الإمام ولم يستخلف، فإن صلاة الباقي تجزئ من خلفه من النساء- إذا نوى أن يكون إمامهن. وسئل ابن القاسم عن إمام صلى خلفه نساء، وعن يمينه نساء، وعن يساره نساء، وبين يديه نساء، يصلين بصلاته، ويأتممن به، - وهو ينوي إمامتهن، والصلاة بهن؛ هل تفسد صلاته وصلاة من معه؟ أم تجزئهم صلاتهم؟ قال ابن القاسم: قد أساء- وصلاة الإمام تامة، وصلاة النساء تامة- إذا أردن أن يأتممن به، أو نوى هو في نفسه أن يؤمهن- وهو قول مالك. قال محمد بن رشد: المسألة كلها صحيحة بينة في المعنى، غير مفتقرة إلى كلام مثل ما في المدونة - نصا، ومعنى الاشتراط في إمامة الرجل

مسألة: قرأ سورة طويلة ونواها في نفسه ثم كسل فترك القراءة وركع وسجد

بالنساء- إذا نوى أن يكون إمامهن، فإن ذلك خلاف لما في المدونة من قوله إذا صلى الرجل لنفسه فأتى رجل فائتم به، فصلاته جائزة - نوى أن يؤم به أو لم ينو؛ ودليله حديث «ابن عباس إذ بات مع النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند خالته ميمونة، فلما قام رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الليل يصلي، قام إلى جانبه دون أن يستأذنه حتى يعلم أنه قد نوى أن يؤمه» . ووجه القول الأول، أن الإمام يصلي لنفسه ولمن يأتم به، فيحمل عنهم القراءة، وما سوى الإحرام، والركوع، والسجود، والجلوس الآخر والسلام؛ واعتقاد نية الفريضة بما ألزمه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ضمان صلاتهم بقوله: «الإمام ضامن» . فإذا لم ينو الإمامة بهم، لم تنتظم صلاته بصلاتهم، ولا حمل عنهم شيئا منها، ففسدت بذلك عليهم؛ فالقول الأول أتبع للأثر، وهذا أظهر من جهة النظر؛ وقد رأيت لأبي حنيفة - فيما أظن- أن ائتمام الرجل بالرجل دون أن ينوي أن يؤمه جائز، بخلاف ائتمام النساء به دون أن ينوي أن يؤمهن - وهو بعيد؛ ولعله ذهب - إن صح ذلك عنه - إلى أن الأصل الذي يعضده القياس، كان لا يصح الائتمام بمن لا يعتقد الإمامة، فخرج من ذلك ائتمام الرجل بمن لا ينوي الإمام، لحديث ابن عباس؛ وبقي النساء على الأصل في أنهن لا يجوز لهن أن يأتممن من لا ينوي الإمامة- وبالله التوفيق. [مسألة: قرأ سورة طويلة ونواها في نفسه ثم كسل فترك القراءة وركع وسجد] مسألة وسئل عمن قرأ في صلاته سورة طويلة ونواها في نفسه، فأدركه كسل وملالة، فترك القراءة وركع وسجد؛ أتجزئه صلاته؟ قال ابن القاسم: ليس عليه شيء.

مسألة: صلى ركعتين وجلس يتشهد فعرض له شك فيما مضى من صلاته

قال محمد بن رشد: لم يوجب عليه إتمام السورة التي ابتدأها ونوى قراءتها؛ إذ لم يوجب ذلك على نفسه بالنذر؛ وهو على أصله فيمن افتتح الصلاة النافلة- قائما على أن يتمها قائما، أن له أن يتمها جالسا مع القدرة على القيام، خلاف ما ذهب إليه أشهب من أنه يلزمه أن يتمها- قائما، كما افتتحها قائما؛ وقول ابن القاسم أظهر: إنه إنما يلزمه إتمامها لا أكثر، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: صلى ركعتين وجلس يتشهد فعرض له شك فيما مضى من صلاته] مسألة وسئل ابن القاسم عمن صلى ركعتين وجلس يتشهد فعرض له شك فيما مضى من صلاته فجعل يتذكر ساعة بعد التشهد، ثم ذكر أنه قد أصاب الصلاة، ولم ينقص ولم يزد؛ هل يكون عليه أن يسجد لسهوه؛ لأنه قعد بعد التشهد ساعة يتذكر؟ ومتى يكون سجوده قبل السلام أو بعده؟ قال ابن القاسم: ليس عليه شيء- وإن طال الجلوس، ولا يسجد لسهوه. وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم ركعة فلما سجد لها، شك في سجوده حين سجد واحدة، فوقف يتذكر وينظر إن كان سجد لركعته سجدتين أم واحدة، فطال فكره، ثم سبح به القوم، فذكر أنه لم يسجد إلا واحدة، فسجد الثانية ومضى في صلاته حتى فرغ، هل عليه سجود السهو؟ ومتى يسجد قبل السلام أو بعده؟ وكيف به إن شك - وهو راكع فيما مضى له من صلاته- (فلم يدر) أمضى له ركعة أو ركعتان؟ فثبت راكعا يتذكر

مسألة: مؤذن مسجد أذن قبل زوال الشمس

حتى طال ذلك، ثم ذكر بعد ساعة أنه لم يمض إلا ركعة؛ هل يكون عليه في مثل هذا سجود للذي عرض له- إذا وقف لشك عرض له في صلاته وهو قائم أو ساجد؟ أو عرض له بعدما ركع، فوقف يتذكر قبل أن يخر ساجدا؟ أو نحو هذا من الشك؟ ومتى يكون سجوده؟ قال ابن القاسم: الذي يُعلم من قول مالك، أنه لا يكون عليه شيء، كان ذلك منه ساجدا أو راكعا أو قائما أو قاعدا، في التشهد هذا كله سواء؛ لأنه لم يعمل عملا يكون زيادة ولا نقصانا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، وما فيها من الاختلاف وتوجيهه في أول رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم، فأغنى ذلك عن إعادته- وبالله التوفيق. [مسألة: مؤذن مسجد أذن قبل زوال الشمس] مسألة وسئل ابن القاسم عن مؤذن مسجد أذن قبل زوال الشمس، أو قبل وقت العصر أو قبل غروب الشمس، أو قبل غيوب الشفق، ثم علم بذلك قبل أن تُقام الصلاة؛ هل عليه أن يعيد الأذان ثم يقيم؟ وكيف بهم إن صلوا بلا أذان ولا إقامة؟ قال ابن القاسم: يعيد الأذان إن علم قبل الصلاة، فإن صلى لم يعد. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه لا يؤذن لصلاة من الصلوات قبل وقتها، إلا الصبح فإنه ينادى لها قبل: وقتها عند مالك، وأكثر أهل العلم؛ قيل في السدس الآخر من الليل، وقيل: في النصف الثاني منه- إذا خرج وقت العشاء الآخر؛ لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» - الحديث. فإذا نودي لما عدا الصبح

مسألة: المؤذن يرعف حتى يكثر ذلك عليه وهو يؤذن

قبل الوقت، وجب أن يعاد الأذان ما لم يصل؛ لوجهين، أحدهما: أن الأذان الأول لم يجز، والثاني أن يعلم أهل الدور أن الأذان الأول كان قبل الوقت، فيعيد الصلاة من كان صلى منهم؛ فقد روي أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام، فرجع فنادى، ألا إن العبد نام، ليعلموا أنهم في ليل بعد، حتى يقوم من شاء القيام، ولا يمسك عما يمسك عنه الصوام، ولا يلزم أن يعاد الأذان بعد الصلاة لهذه العلة، مخافة أن يقبل الناس إلى الصلاة- وقد صليت فيعنوا لغير فائدة. [مسألة: المؤذن يرعف حتى يكثر ذلك عليه وهو يؤذن] مسألة وسئل ابن القاسم عن المؤذن يرعف حتى يكثر ذلك عليه وهو يؤذن، هل يقطع أذانه ويذهب فيغسل الدم ويرجع فيبني على ما مضى من أذانه أم يستأنف الأذان؟ وهل يجوز لأهل المسجد أن يقدموا رجلا غيره؟ وهل على المقدم أن يبتدئ الأذان من أوله؟ أم يبني على الأذان الأول؟ وهل للمؤذن أن يؤذن- وهو جنب؟ قال ابن القاسم: إن مضى على أذانه في رعافه ذلك حتى فرغ، أجزأه، ولا يجوز له أن يقطع أذانه، فإن قطع أذانه فغسل الدم عنه، ثم رجع، استأنف الأذان، ولا يشبه هذا الذي يرعف في الصلاة، فيبني إذا غسل الدم، قال: ويجوز لأهل المسجد أن يقدموا رجلا- إذا قطع المؤذن الأذان ليغسل رعافه ويبتدئ المقدم الأذان، قال: ولا بأس أن يؤذن- وهو على غير وضوء، ولا يؤذن وهو جنب. قال محمد بن رشد: الفرق بين الأذان والصلاة في أن الراعف في

الأذان يتمادى على أذانه أو يقطع ولا يبني، أن الأذان لما لم يكن من شرط صحته (الطهارة من النجاسة، جاز للراعف أن يتمادى عليه مع رعافه، بخلاف الصلاة؛ ولما لم يجب على من ابتدأه أن يتمه، وكان له أن يقطعه بخلاف الصلاة التي يجب على من أحرم بها أن لا يقطعها؛ وجب إذا لم يقدر على التمادي على أذانه مع رعافه أن يقطع، بخلاف الصلاة؛ ولما كان من شرط صحته) أن يكون متواليا وألا يفرق، لم يجز لمن أذن بعض أذانه أن يستخلف على بقيته؛ لأن ذلك أشد من تفرقته؛ ووجب إذا قطع المؤذن الأذان من أجل رعافه، أن يستأنف رجل آخر الأذان من أوله، ولا يبني على أذان الراعف؛ وأن يستأنف هو الأذان من أوله- إذا غسل الدم عنه، ولا يبني على ما مضى من أذانه، وتفرقته في الأذان بين أن يكون المؤذن جنبا، أو على غير وضوء، استحسان على غير قياس؛ والذي يوجبه القياس ألا فرق بينهما، فيجوز جنبا وعلى غير وضوء، أو لا يجوز لا جنبا ولا على غير وضوء؛ فوجه الجواز فيهما- وهو قول سحنون، ورواية أبي الفرج عن مالك؛ إذا كانت المئذنة في غير المسجد للجنب، هو أن الأذان ذكر لله تعالى، وذكر الله عز وجل يجوز للجنب، كما يجوز للذي هو على غير وضوء. ووجه المنع فيهما- وهو مذهب الشافعي - ما روي أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يؤذن إلا متوضئ» ، - رواه أبو هريرة عن النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقال به. والجنب بذلك أحرى، والاختيار عند مالك ألا يؤذن الرجل جنبا ولا على غير وضوء، وما روي عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إن صح - فمعناه أن ذلك

مسألة: المؤذن يقيم الصلاة فيرعف

كان في أول الإسلام حين كان ذكر الله ممنوعا إلا على طهارة، ثم نسخ والله أعلم، وإن كان أبو هريرة راوي الحديث متأخر الإسلام، فالمعنى فيه أنه لم يسمعه من النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بعد إسلامه، وإنما أخذه عمن تقدم إسلامه من أصحابه. [مسألة: المؤذن يقيم الصلاة فيرعف] مسألة وسئل ابن القاسم عن المؤذن يقيم الصلاة فيرعف أو يدخل عليه ما يقطع وضوءه، أيقطع الإقامة أو يتمها؟ وكيف (به) إن خرج وقطعها؟ هل يستأنف القوم رجلا غيره يقيم لهم الصلاة يبتدئها من أولها، أو يقيم من حيث انتهت إقامة الأول؟ قال ابن القاسم: أرى أن يقطع الإقامة ولا يمضي فيها، ويستأنف رجل آخر بهم الإقامة؛ لأن مالكا قال: لا بأس أن يصلى بإقامة من لم يؤذن. قال محمد بن رشد: قال فيمن رعف في الإقامة أنه يقطع، بخلاف الأذان؛ والفرق بينهما- مع أنه يؤذن على (غير) وضوء، ولا يقيم إلا على وضوء- أن الإقامة متصلة بالصلاة، فلو تمادى عليها، لترك الصلاة لغسل الدم، فكان تركه الإقامة لذلك أولى من تركه الصلاة له؛ والأذان بائن عن الصلاة، فهو يقدر أن يتمادى على أذانه، ثم يخرج لغسل الدم، ويرجع إلى الصلاة، وأما قوله: إنه يستأنف رجل آخر بهم الإقامة فصحيح؛ لأنه إذا لم يجز في الأذان أن يبني الثاني على ما مضى من أذان الأول، للعلة التي ذكرناها قبل هذا، فالإقامة أحرى ألا يجوز ذلك فيها؛ وأما الصلاة بإقامة من لم يؤذن، فقد تعارضت الآثار في ذلك، فروي عن عبد الله بن الحارث الصدائي أنه قال: «أتيت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما كان أوان الصبح، أمرني فأذنت، ثم قام إلى الصلاة، فجاء بلال ليقيم، فقال رسول الله- صلى الله

مسألة: مسجد بين قوم تنازعوا فيه واقتسموه بينهم أيجزئ أن يكون مؤذنهم واحدا

عليه وسلم: إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم» . وروي أن عبد الله بن زيد حين أري الأذان، «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا فأذن، ثم أمر عبد الله فأقام» ؛ فأخذ مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالذي يوجبه النظر من ذلك؛ لما تعارضت فيه الآثار، وذلك أن الأذان والإقامة من أسباب الصلاة، فلما جاز أن يقيم الصلاة غير الإمام، جاز أن يقيمها غير الذي أذن؛ إذ هي إلى الصلاة أقرب منها إلى الأذان، وثبت أنهما شيئان يجوز أن يفعل أحدهما غير الذي فعل الآخر، بخلاف الأذان، فإنه لا يجوز لرجلين أن يفعل كل واحد منهما بعضه. [مسألة: مسجد بين قوم تنازعوا فيه واقتسموه بينهم أيجزئ أن يكون مؤذنهم واحدا] مسألة وسئل ابن القاسم عن مسجد بين قوم، فتنازعوا فيه واقتسموه بينهم، وضربوا وسطه حائطا، أيجزئ أن يكون مؤذنهم واحدا؟ وإمامهم واحدا؟ قال ابن القاسم: ليس لهم أن يقتسموه؛ لأنه شيء سبلوه لله - وإن كانوا بنوه جميعا، وقال أشهب مثله؛ ولا يجزئهم مؤذن واحدا، (ولا إمام واحد) . قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه ليس لهم أن يقتسموه؛ لأن ملكهم قد ارتفع عنه حين سبلوه؛ فإن فعلوا، فله حكم المسجدين في الأذان؛ والإمام حين فصلوا بينهما بحاجز، يبين به كل واحد منهما عن صاحبه، وإن كان ذلك لا يجوز لهم - وبالله التوفيق.

مسألة: إمام صلى على شرف وأصحابه تحته في وطاء

[مسألة: إمام صلى على شَرَف وأصحابه تحته في وطاء] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام صلى على شَرَف وأصحابه تحته في وطاء، أو يصلي على كدية وهم خلفه على الأرض؟ أو يصلي في الأرض وأصحابه على مصطبة؟ أو يصلي على مصطبة - وهم تحته على الأرض؟ قال ابن القاسم: إذا تقارب ذلك فلا بأس به. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أنه ساوى بين أن يكون الإمام أرفع موضعا ممن خلفه، أو من خلفه أرفع موضعا منه، وذلك خلاف ما في المدونة؟ وقد مضت هذه المسألة موعبة بتحصيل ما فيها من الاختلاف، وتوجيهه في رسم "الصلاة" الثاني - من سماع أشهب. [مسألة: إمام صلى بمن معه ركعة فأصابه نضح بول] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بمن معه ركعة فأصابه نضح بول، أو نجس قطر عليه؛ هل يقطع ذلك صلاته وصلاة من خلفه؟ أم لا يقطع صلاته، إلا أن يكون شيئا كثيرا؟ قال ابن القاسم: إذا أصابه قطر من نجس، فإنه يستخلف، بمنزلة ما لو أحدث، ولا يقطع ذلك صلاته، وإن نزع ثوبه ذلك إن كان عليه غيره، أجزأه وأحب إلي أن يستخلف بمنزلة ما لو أحدث. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يستخلف ولا يقطع ذلك صلاته، ليس بصحيح، والصواب: لا يقطع ذلك صلاتهم، وأما هو فتنتقض صلاته بمنزلة ما لو أحدث كما قال، ولو لم يقطع ذلك صلاته لتمادى - ولم يستخلف، وإنما يستخلف ولا يقطع صلاته التي يمرض فيها مرضا لا يقدر معه على القيام فيستخلف؛ إذ لا تجوز إمامة الجالس، ويتم هو وراء المستخلف - جالسا؛

والذي قطر عليه نجس في الصلاة، لا يخلو من ثلاثة أحوال، أحدها: لا يكون عليه ولا معه ثوب سواه، تجزئه (به) الصلاة، والثاني: ألا يكون عليه ثوب سواه، ويكون معه ثوب سواه؛ والثالث: أن يكون عليه ثوب سواه، تجزئه الصلاة به، فإذا لم يكن عليه ولا معه ثوب سواه، فإنه يتمادى على صلاته، ويعيد في الوقت إن وجد ثوبا غيره، أو ماء يغسله به؛ وإذا لم يكن عليه ثوب غيره - وكان معه ثوب غيره، فإنه يخرج ويستخلف، (وإن كان وحده قطع، وابتدأ صلاته بالثوب الطاهر الذي معه، وأما إن كان عليه ثوب سواه، تجزيه به الصلاة، فالقياس أن يخرج ويستخلف) ، وإن كان وحده قطع؛ لأنه قد حصل حامل نجاسة. وقال في الرواية: إن ذلك أحب إليه، وإن نزعه أجزأه؛ وإنما قال ذلك - والله أعلم - لحديث ابن مسعود في طرح عقبة بن أبي معيط على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة وهو يصلي - سلا الجزور، وغسل فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذلك عنه، وتماديه على صلاته؛ وقد روي أنه إنما طرح عليه الفرث بدمه، وآيا ما كان، فلا حجة فيه؛ لأن ذلك كان في أول الإسلام، حيث كانت ذبائح المشركين حلالا؛ والسلا: وعاء الولد، فهو كلحم الناقة المذكاة، وكذلك الفرث طاهر؛ لأن أرواث ما يؤكل لحمه طاهر؛ ولعل الذي كان فيه من الدم يسير. وأما من علم أن في ثوبه نجاسة - وهو يصلي، فإنه يقطع في المشهور في المذهب؛ وقد قيل

مسألة: صلى بقوم فنام

إنه ينزعه ويتمادى على صلاته، وقد مضى ذلك في رسم "أول عبد ابتاعه فهو حر" من سماع يحيى، فقف على ذلك. [مسألة: صلى بقوم فنام] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم فنام في صلاته، فلم يستيقظ حتى احتلم في نومه؛ هل يُفسد ذلك صلاة من خلفه؟ وكيف ينبغي له أن يصنع فيما أصابه في صلاتهم؟ أيقدم رجلا يُتِم بهم بقية صلاتهم؟ قال ابن القاسم: لا تفسد صلاتهم، ويقدم رجلا يصلي بهم بقية صلاتهم، بمنزلة ما لو أحدث في صلاته، ولا تفسد صلاة القوم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الاحتلام حدث غلب عليه بالنوم، فكان كالحدث الذي يغلبه سواء. [مسألة: مؤذن مسجد يؤذن فيه ويصلي بمن جاءه من بعداء الناس] مسألة وسئل ابن القاسم عن مؤذن مسجد يؤذن فيه ويصلي بمن جاءه من بعداء الناس، فأذن وأقام الصلاة، ولم يأته أحد حتى صلى ركعة، ثم جاء نفر فدخلوا معه في بقية الصلاة، فأحدث قبل أن يركع الثانية، فقدم رجلا من النفر الذين سبقهم بركعة، فصلى بهم بقية صلاة الإمام الذي قدمه؛ كيف يصنع: أيشير إليهم أن امكثوا ويتنحى عن المحراب، فيقوم فيقضي ركعته التي سبقه بها الإمام، ثم يسلم كما كان يصنع الإمام لو لم يحدث؟ أو يقوموا - إذا أقام فيقضوا - أفذاذا - ولا يسلم؟ وكيف الأمر إن كان سها الإمام سهوا قبل أن

يدخلوا عليه سهوا يكون سجوده قبل السلام؟ قال: قال مالك يتم بقية صلاة الإمام، ثم يشير إليهم أن امكثوا، ثم يقوم - وهو في مكانه ذلك لا يتحول، فيقضي تلك الركعة، ثم يجلس فيتشهد ويسلم، ويقوموا فيقضوا تلك الركعة؛ وإن دخلوا معه في الثانية فأحدث قبل أن يركع فقدم رجلا منهم، أجزأ عنهم أن يصلي بهم، وعليه أن يقضي ما كان على الإمام من سهو قبل أن يدخلوا معه؛ فإن كان سجودا يكون قبل السلام، فإذا قضى الركعة، سجد بهم وسجدوا معه؛ وإن كان بعد السلام، فإذا قضى الركعة وسلم، سجدهما ولا يسجد معه الآخرون حتى يقضوا الركعة؛ فإذا قضوا الركعة سجدوهما. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة؛ لأن الإمام إذا استخلف بعد أن صلى ركعة مَن فاتته تلك الركعة معه، فإنما استخلفه على ما بقي من صلاته، فإذا صلى بالقوم بقية صلاة الإمام الذي استخلفه؛ قام فقضى الركعة التي فاتته من صلاة الإمام - وهم جلوس، فإذا سلم، قاموا فقضوا لأنفسهم ما فاتهم؛ لأن من فاته شيء من صلاة الإمام، لا يقضي إلا بعد سلامه، وقد حصل المستخلف مكانه، فلا يقضون إلا بعد سلامه أيضا. وقوله: وإن دخلوا معه في الثانية فأحدث قبل أن يركع، فقدم رجلا منهم أجزأ عنهم أن يصلي بهم؛ (تكرير في المسألة لا معنى له، ولا فائدة فيه. وقوله) : وعليه أن يقضي ما كان على الإمام من سهو قبل أن يدخلوا معه صحيح؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة؛» لأن المعنى في ذلك، أنه أدرك حكمها، ووجب عليه ما وجب على الإمام فيها من

مسألة: مسافر صلى بمسافرين ركعة واحدة فجاءه مقيم فصلى خلفه

سهو أو إتمام - إن كان مسافرا والإمام مقيم، أو قصر إن كانت جمعة. وأما قوله: فإن كان سجودا يكون قبل السلام، فإذا قضى الركعة سجد بهم، فهو خلاف ما في سماع أصبغ بعد هذا أنه يسجد بهم - إذا انقضت صلاة الإمام الذي استخلفه قبل أن يقوم لتمام ما بقي عليه، ولكلا القولين وجه من النظر. [مسألة: مسافر صلى بمسافرين ركعة واحدة فجاءه مقيم فصلى خلفه] مسألة وسئل ابن القاسم عن مسافر صلى بمسافرين ركعة واحدة فجاءه مقيم فصلى خلفه - وهو يعلم بسفره، فصلى معه ركعة، ثم جاء مقيم آخر فصلى الركعة الثانية، فأحدث الإمام المسافر في التشهد، فقدم أحد الرجلين الذي سبقه بركعة؛ كيف يصنع في صلاته؟ قال ابن القاسم: يتم هذا المستخلف بقية صلاة الإمام المسافر، ثم يشير إليهم فيمكثوا، ثم يقوم فيقضي الركعة التي سبقه بها الإمام المسافر، والركعتين الآخرتين؟ لأنه مقيم، ثم يسلم المسافرون ويقوم المقيمون فيتمون. قال محمد بن رشد: كذا وقع في أكثر الكتب، وسئل ابن القاسم عن مسافر صلى بمسافرين ركعة واحدة، وفي بعض الكتب: وسئل ابن القاسم عن مسافر صلى وحده، فجاءه مقيم؛ وليس شيء من ذلك بصواب، والصواب: وسئل عن مسافر صلى بمسافرين فجاءه مقيم؟ وعلى هذا تستقيم المسألة. وقوله فيها: ثم يقوم فيقضي الركعة التي سبقه بها الإمام المسافر، والركعتين الآخرتين؛ لأنه مقيم، هو على قياس قوله في المسألة التي تقدمت قبل هذه، ولم يبين صفة العمل في ذلك؛ والذي يأتي على مذهبه: أن يبدأ بالبناء قبل القضاء؛ لأن الركعة التي فاتته من صلاة الإمام الذي استخلفه قضاء، والركعتين الآخرتين بناء، فيقوم أولا فيأتي بالثالثة فيقرأ فيها بالحمد وحدها ويجلس؛ لأنها ثانية

مسألة: أقام الصلاة وصلى ركعة مع رجل واحد ثم جاء رجل فصلى به ركعة

بنائه؛ ثم يأتي بالرابعة فيقرأ فيها أيضا بالحمد وحدها ويقوم؛ لأنها ثالثة بنائه - قاله ابن حبيب. وقال ابن المواز: بل يجلس فيها؛ لأنه لا يقام إلى القضاء إلا من جلوس، فتأتي صلاته على مذهبه - جلوسا كلها، ثم يأتي بالركعة الأولى التي فاتته فيقضيها بالحمد وسورة - كما فاتته، وعلى مذهب سحنون يبدأ بالقضاء قبل البناء، فقف على ذلك وتدبره. [مسألة: أقام الصلاة وصلى ركعة مع رجل واحد ثم جاء رجل فصلى به ركعة] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام مسجد أقام الصلاة وصلى ركعة مع رجل واحد، ثم جاء رجل آخر فصلى به ركعة مع الأول، ثم جاء ثالث فصلى به الثالثة؟ ثم قام في الرابعة فدخل معه فيها رجل رابع، فأحدث الإمام فيها فقدم الرابع - وهو آخرهم؛ كيف يصنع ويصنعون في صلاتهم؟ قال: قال مالك يتم هذا المستخلف بقية صلاة الإمام، ثم يقوم فيقضي ما عليه - وهم قعود، ثم يسلم ويسلم من أتم الصلاة، ويقوم من فاته بعض الصلاة فيتم ما بقي عليه. قال محمد بن رشد: قوله فيتم ما بقي عليه - يريد فيقضي ما بقي عليه، وهي مسألة صحيحة بينة في المعنى على قياس ما تقدم في المسألتين اللتين قبلها، فلا معنى لإعادة القول فيها. [مسألة: أحدث فقدم رجلا قد دخل في الصلاة قبل حدث الإمام] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام أحدث فقدم رجلا قد دخل في الصلاة قبل حدث الإمام - وهو جاهل بما مضى للقوم وللإمام، كيف يصنع المقدَم؟ أيمضي على صلاة نفسه، ويصلي لنفسه حتى يسبح به القوم - إن خالف صلاتهم، ويشيروا إليه بما بقي من صلاة

مسألة: أحدث فقدم رجلا أميا لا يحسن القراءة

إمامهم؟ أم يسعه أن يشير إليهم ويشيروا إليه - إن لم يفهم بالتسبيح؟ وهل يسعه إن لم يفطن بالإشارة ويفهم بها أن يكلم ويكلموه، ولا يقطع ذلك صلاته؟ قال ابن القاسم: يشير إليهم حتى يفهم ما ذهب من الصلاة، فإن لم يفهم بالإشارة ومضى حتى يسبح به فلا بأس، وإن لم يجد بدا إلا أن يتكلم فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على المعلوم من مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة وغيرها: أن الكلام فيما تدعو إليه الضرورة من إصلاح الصلاة جائز، لا يُبطل الصلاة على حديث ذي اليدين، خلاف ما ذهب إليه ابن كنانة، وسحنون، وجماعة من أهل العلم سواهما. [مسألة: أحدث فقدم رجلا أميا لا يحسن القراءة] مسألة وسئل عن رجل أحدث فقدم رجلا أميا لا يحسن القراءة، كيف يصنع أيتأخر ويقدم غيره؟ أم يمضي بالقوم في صلاة الذي استخلفه: يسبح، ويهلل، ويحمد الله، ويكبر؟ وكيف إن كان صلى بهم بغير قراءة حتى فرغ، هل تكون عليهم إعادة الصلاة؟ قال ابن القاسم: يتأخر ويقدم غيره ممن يحسن القراءة، فيصلي بهم؛ وإن لم يفعل ولم يقدم غيره، أعادوا الصلاة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إن كان في القوم من لا يحسن القرآن فلا يصلح له أن يصلي بهم، ويلزمه أن يخرج ويقدم غيره ممن يحسن القراءة؛ فإن لم يفعل وصلى بهم، أعادوا أبدا، وأعاد هو أيضا؛ لأنه كان

يقدر أن يصلي خلف من يحسن القرآن - وهو قول سحنون، وابن المواز. وقال أشهب في مدونته: لا إعادة عليه هو، قال: ولا أحب له أن يصلي فذا - وهو يجد من يأتم به ممن يحسن القرآن؛ وعلى قول سحنون وابن المواز لا يجوز له أن يصلي فذا وهو يجد من يأتم به، فإن لم يفعل أعاد؛ وأما إن لم يكن في القوم من يحسن القرآن فإنه يتمادى بهم وتجزئهم صلاتهم. قال محمد بن سحنون: وفرضه أن يذكر الله في موضع القراءة. وقال أبو محمد عبد الوهاب: ليس يلزمه على طريق الوجوب تسبيح، ولا تحميد، ويستحب له أن يقف وقوفا ما، فإن لم يفعل وركع أجزأه. وقال محمد بن مسلمة يستحب له أن يقف قدر قراءة أم القرآن وسورة، وقد قيل: لا يلزمه الوقوف؛ لأن الوقوف إنما هو للقراءة، فإذا سقط عنه فرض القراءة، لم يلزمه الوقوف لغير فائدة - يريد قائل هذا القول أنه لا يلزمه أن يقف قدر ما كان يلزمه من القراءة، ولا بد أن يلزمه من الوقوف في أول ركعة قدر ما يوقع فيه تكبيرة الإحرام، وفيما سواها أقل ما يقع عليه اسم قيام - والله أعلم. ومن قال: إنه يلزمه ذكر الله وتسبيحه، وتهليله، مكان القراءة، ذهب إلى ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للأعرابي لما أمره بإعادة الصلاة: «إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله» . وحجة من قال: إن ذلك لا يلزمه، أن هذه الزيادة لم يخرجها أصحاب الصحيح، وقد سقط عنه فرض القراءة لعجزه عنها، فلا يلزم بدلا منها إلا بيقين، ويلزمه ألا يفرط

مسألة: صلى برجل وامرأتين فأحدث الإمام

في التعليم، فإن فرط فيه لزمه أن يعيد من الصلوات ما صلى - فذا بعد القدر الذي كان يتعلم فيه، وقد مضى في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب - تمام القول في هذه المسألة. [مسألة: صلى برجل وامرأتين فأحدث الإمام] مسألة قال ابن القاسم في إمام صلى برجل وامرأتين فأحدث الإمام، فخرج ولم يقدم صاحبه، ونوى صاحبه أن يؤم نفسه والمرأتين، حتى صلى بقية الصلاة؛ هل تكون صلاتهم مجزئة ولا تفسد عليهم؟ قال ابن القاسم: نعم لا بأس به، وتجزئهم صلاتهم - وإن لم يستخلفه إذا نوى أن يكون إمامهم. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في هذا السماع من اشتراطه في صحة صلاتهم - أن ينوي أن يكون إمامهم، وقد مضى القول في ذلك، فلا معنى لإعادته - وبالله التوفيق. [مسألة: الإمام إذا أحدث راكعا أو ساجدا أو قاعدا] مسألة وسئل ابن القاسم عن الإمام إذا أحدث - راكعا، أو ساجدا، أو قاعدا، فتأخر، كيف ينبغي له أن يتأخر وهو ساجد أو راكع؟ وكيف يتقدم المستخلف؟ قال ابن القاسم: إن كان قاعدا تقدم قاعدا، وإن كان قائما تقدم قائما. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا إشكال فيها، وقد مضت فيها في رسم "باع شاة" من سماع عيسى - زيادة بيان لها.

مسألة: قام يصلي ما بقي من صلاته وهو أمي لا يحسن أن يقرأ كيف يقضي صلاته

[مسألة: قام يصلي ما بقي من صلاته وهو أمي لا يحسن أن يقرأ كيف يقضي صلاته] مسألة وسئل ابن القاسم عمن أدرك ركعة من صلاة الإمام، فلما سلم الإمام، قام يصلي ما بقي من صلاته - وهو أمي لا يحسن (أن) يقرأ - كيف يقضي صلاته؟ قال ابن القاسم: أحب إلي أن يصلي الذي لا يحسن القراءة في جماعة، ولا يصلي وحده - إذا قدر، ولا يدع أن يتعلم ما يقرأ به في صلاته؛ فإن صلى كما ذكرت ولا يحسن فأدرك ركعة، قضى ما بقي كيف تهيأ له، وليس في ذلك قدر معلوم. قال محمد بن رشد: قد تقدم فوق هذا - الكلام على هذه المسألة، فلا معنى لإعادته - وبالله التوفيق. [مسألة: أدركوا من صلاة الإمام ركعتين فلما سلم قاموا فقدموا رجلا منهم] مسألة وسئل ابن القاسم عن قوم أدركوا من صلاة الإمام ركعتين، فلما سلم قاموا فقدموا رجلا منهم، فأمهم في الركعتين الباقيتين من صلاتهم، هل تجزئهم صلاتهم؟ قال ابن القاسم: أحب إلي أن يعيدوا في الوقت وبعد الوقت. وسئل ابن القاسم عن إمام مسافر صلى بمسافرين ومقيمين، فلما سلم الإمام، قدم المقيمون رجلين منهم إمامين، كل إمام بطائفة منهم، فأتما بهم الصلاة؟ هل تجزئهم صلاتهم، أم تفسد على الطائفتين جميعا صلاتهم؟ قال ابن القاسم: يعيدون في الوقت أحب إلي وبعد الوقت. قال محمد بن رشد: في كتاب ابن المواز في المسألة الثانية: أنهم يعيدون في الوقت وبعده، لخلاف سنة المسلمين، ولخلافهم سنة عمر، وقاله أصبغ؛ وقد تقدمت هذه المسألة، ووجه الاختلاف فيها في سماع سحنون، وفي رسم

مسألة: يصلي وفي فيه الدرهم أو في أذنه درهم

"لم يدرك"، ورسم " إن خرجت " من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك - وبالله التوفيق [مسألة: يصلي وفي فيه الدرهم أو في أذنه درهم] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يصلي وفي فيه الدرهم، أو في أذنه درهم، أو على رأسه خرقة، مثل المنديل - وليست بعمامة، أو يصلي في سراويل وليس عليه غيره، أو يصلي في سراويل وعمامة يلقيها على كتفه، أو سراويل وإزار يرتدي به - ولا يتوشح، أو يصلي مشمر الكمين، محتزما بخيط أو حبل، كما كان يعمل، هل تجزئه صلاته؟ أم يعيد ما كان في الوقت؟ وما حد الوقت الذي يعيد فيه الصلاة؟ قال ابن القاسم: إذا كان الدرهم في أذنه فلا بأس به، وأما في فيه فإني أكرهه. قال: وقال مالك: وأما الخرقة والوقاية على رأسه، فلا بأس بالصلاة بذلك - إذا كان طاهرا ما لم يتعمد أن يكفت به شعره من غبار أو غير ذلك؟ وكذلك الذي يصلي مشمر الكمن لا بأس به إذا لم يتعمد بذلك حين يدخل في الصلاة؛ وأما أن يكون الرجل في عمل مشمر الكمن بحضرة الصلاة، فلا بأس به؛ وكان مالك يكره

الصلاة في السراويل وحده، إلا ألا يجد غيره، ويقول إذا كان معه إزار توشح به ولم يرتد. قال محمد بن رشد: هذه المسائل كلها بينة المعنى، أما تخفيف ابن القاسم لصلاته بالدرهم يكون في أذنه، فلأن ذلك مما لا يشغله فيها؛ وأما كراهيته لكونه في فيه، فلما في ذلك من اشتغاله به عند قراءته عما يلزمه من الإقبال على صلاته؛ وأما تخفيف مالك لصلاته بالخرقة والوقاية يجعلها على رأسه، فإنما معناه إذا احتاج إلى ذلك ليستدفئ به، أو نحو ذلك، إذ ليس ذلك من الهيئة المستعملة إلا في الخلوة دون الجماعة، وشرط ألا يقصد أن يكفت بذلك شعره من غبار أو غيره، لما جاء من النهي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أن يصلي الرجل - وشعره معقوص. وأجاز أن يصلي الرجل مشمر الكمين - إذا حضرت الصلاة - وهو على تلك الحال، لعمل كان فيه، فيشمر من أجله لما (قد) يشق عليه في بعض الأحايين من مفارقة شمرته، وتحسين هيئته لصلاته، وكره أن يصلي الرجل في السراويل وحده، إلا ألا يجد غيره، لكونه مكشوف البطن والظهر؛ وقد قال عز وجل: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] . وقال عمر بن الخطاب: " جمع رجل عليه ثيابه صلى في إزار ورداء في قميص ورداء " - الحديث. فحسن الهيئة في اللباس مشروع في الصلاة؛ لأن المصلي يناجي ربه، ويقف بين يدي خالقه؛ فيجب عليه أن يتأهب لذلك، ويتجمل له بتحسين هيئته في لباسه، فإن الله جميل يحب الجمال. وإذا كان الرجل يلتزم ذلك في المجتمعات، وعند الكبراء من الناس، فما بالك بالوقوف بين يدي الله رب الناس.

مسألة: المرأة تصلي ورأسها مكشوف ليس عليه خمار ولا مقنعة

[مسألة: المرأة تصلي ورأسها مكشوف ليس عليه خمار ولا مقنعة] مسألة وسئل ابن القاسم عن المرأة تصلي ورأسها مكشوف ليس عليه خمار ولا مقنعة، أو صلت في درع رقيق يصف جسدها، هل تعيد الصلاة متى ما ذكرت؟ أو صلت في ثوب واحد وهو صفيق؟ أو صلت وعليها ثوب وخمار رقيق يبين قرطيها، وعنقها، ونحرها، وبعض رأسها؟ أو صلت في ملحفة متوشحة بها، قد غطت رأسها واستترت بها، هل يجزئها؟ أم تعيد في الوقت؟ وما حد الوقت الذي تعيد فيه؟ قال ابن القاسم: إذا صلت وليس عليها خمار، أو صلت وعليها ثوب رقيق يصف، أو نحو ذلك مما تعاد فيه الصلاة، فإنها تعيد ما كانت في الوقت؛ والوقت للظهر والعصر إلى اصفرار الشمس، وكذلك قال مالك؛ وأما التي تصلي في ثوب واحد ملتحفة به، فإن كانت تستتر به - كما لو كان عليها درع وخمار، ويستر كل شيء منها بلا اشتغال منها بشيء من ذلك تمسكه بيديها، فلا بأس به؛ فأما إن كانت تمسكه بيديها، فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: ساوى بين أن تصلي المرأة بغير خمار، أو تصلي - وعليها خمار رقيق يصف - فيما تؤمر به من الإعادة، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها» - الحديث. لأنهن إذا لبسن ما يصفهن ولا يسترهن، فهن كاسيات في الفعل والاسم، عاريات في الحكم والمعنى؟ وقال: إنها تعيد إلى اصفرار

مسألة: المريض الذي لا يستطيع القراءة ولا التكبير

الشمس، لكون الإعادة عليها مستحبة غير واجبة؛ فأشبهت عنده النافلة، ولذلك لم ير أن يصلى في وقت لا يصلى فيه نافلة، وقد قيل إنها تعيد إلى الغروب. وهذه إحدى المسائل الأربعة التي قد اختلف فيها: فقيل إنها تعيد إلى الغروب، وقيل إلى الاصفرار، والثانية المصلي بنجاسة ولا يعلم، والثالثة المصلي إلى غير القبلة، والرابعة ذاكر صلوات كثيرة قبل أن يصلي الظهر والعصر، فإنه يبدأ بالظهر والعصر، إلا أن يكون إن بدأ بالفوائت التي ذكر، يدرك الظهر والعصر قبل اصفرار الشمس؛ وقيل في هذه قبل ذهاب الوقت المستحب - قاله ابن حبيب، وقد مضى ذلك في سماع سحنون. [مسألة: المريض الذي لا يستطيع القراءة ولا التكبير] مسألة وسئل ابن القاسم عن المريض الذي لا يستطيع القراءة ولا التكبير - وهو يعرف الصلاة، أيجزئه أن ينوي التكبير ويومئ في الركوع والسجود بغير قراءة - وتجزئه صلاته؟ قال ابن القاسم: يحرك لسانه بالتكبير والقراءة على قدر ما يطيق، وتجزئه الصلاة ولا يجزئه أن ينوي التكبير والقراءة إذا لم يحرك بذلك لسانه. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة في الذي لا يستطيع القراءة ولا التكبير من أجل مرضه بإسماع نفسه في موضع السر، ورفع صوته في موضع الجهر - ألا يجهر، ومشقة تلحقه في ذلك، وأما لو كان لا يستطيع أن يحرك لسانه بالتكبير والقراءة، لأجزأته صلاته دون أن يحرك لسانه بشيء من ذلك؛ لأن عدم القدرة على الفروض، مسقط لوجوبها بإجماع؛ قال الله تعالى:

مسألة: نزل الماء في عينيه ويؤمر أن يستلقي على ظهره أياما

{لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 233] ، وقد مضت في سماع سحنون مسألة من هذا المعنى. [مسألة: نزل الماء في عينيه ويؤمر أن يستلقي على ظهره أياما] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي ينزل الماء في عينيه ويؤمر أن يستلقي على ظهره أياما، أيصلي مستلقيا على ظهره، أم يقعد ويومئ برأسه؟ قال ابن القاسم: لا يفعل ولا يقدحهما، فإن فعل وجهل، قام فصلى - وإن ذهبت عيناه، كذلك قال مالك. قال موسى بن معاوية الصمادحي: حدثني هشيم بن خالد عن الربيع، عن رجل، عن جابر بن زيد، أنه قال: لا بأس أن يقدح الرجل عينيه، ويصلي على قفاه ويومئ إيماء. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في أول السماع والكلام عليها - موعبا فلا معنى لرده. [مسألة: نفر من المرضى مجتمعين في بيت أيجمعون الصلاة في مرضهم] مسألة وسئل ابن القاسم عن نفر من المرضى مجتمعين في بيت، أيجمعون الصلاة في مرضهم، ويؤمهم رجل منهم؟ وهل يجوز لهم

مسألة: صلاة المحموم الذي به الحمى

ذلك ولا يستطيعون القيام ويجمعون (قعودا) ؟ أو كيف بهم إن كانوا قعودا - وإمامهم مضطجع لا يقوى على القعود؟ وكيف إن كانوا مضطجعين كلهم، أيجمعون الصلاة؟ قال ابن القاسم: إذا كانوا قعودا لا يستطيعون القيام، فلا بأس أن يؤمهم رجل منهم - وهو قاعد بين أيديهم في القبلة، فأما إذا لم يستطيعوا القعود - وكان إمامهم لا يستطيع الجلوس - فلا أعرف هذا ولا إمامة فيه. قال محمد بن رشد: لا اختلاف أعرفه في جواز إمامة المريض الذي لا يستطيع القيام - جالسا - بالمرضى الذين لا يستطيعون القيام - جلوسا، وما وقع في رسم "استأذن" من سماع عيسى لابن القاسم من رواية سحنون عنه - متصلا برواية موسى هذه، من أنه لا يجوز لأحد أن يؤم قاعدا بعد ما كان من فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إنما معناه في إمامة المريض الجالس بالأصحاء - قياما، فليس بخلاف لرواية موسى، وقد تقدم ذلك هناك؛ وأما إمامة المضطجع المريض بالمضطجعين المرضى، فمنع من ذلك في الرواية، والقياس أن ذلك جائز - إذا اشتدت حالهم، إلا أن يريد أنهم لا يمكنهم الاقتداء به؛ لأنهم لا يفهمون فعله، لأجل اضطجاعه؛ فيكون لذلك وجه، فإن فعل، أجزأته صلاته، وأعاد القوم - قاله يحيى بن عمر، وهو مبين لقول ابن القاسم - والله أعلم. [مسألة: صلاة المحموم الذي به الحمى] مسألة وسئل ابن القاسم عن المحموم الذي به الحمى والنافض، يأخذه ذلك غبا، فيدخل عليه الحين الذي قد عرف أنها تأخذه فيه، فيريد أن يصلي صلاة ذلك الحين قبل أن تأخذه الحمى

مسألة: السفر يوم الجمعة بعد الصلاة

أو النافض، فتشغله عن الصلاة. قال ابن القاسم: لا يقدم الصلاة قبل وقتها، فإن دخل الوقت وزالت الشمس، فلا بأس أن يجمع الظهر والعصر - وهو قول مالك؛ قال: وإن دخل وقت الصلاة والحمى عليه، فأراد أن يؤخرها حتى تنقلع عنه؛ قال: إن طمع أن تنقلع عنه - وهو في الوقت - أخرها، وإلا صلاها ولم يؤخرها، وصلاها كيف استطاع. قال محمد بن رشد: قوله: إن دخل عليه وقت الصلاة والحمى عليه، فأراد أن يؤخرها حتى تنقلع عنه، أن ذلك له إن طمع أن تنقلع عنه - وهو في الوقت، قيل يريد الوقت المستحب: القامة للظهر، والقامتين للعصر، ومغيب الشفق للمغرب، وانتصاف الليل للعشاء الآخر. وقيل يريد أنه يؤخر الظهر والعصر إلى آخر وقت العصر المستحب - وهو القامتان، ويؤخر المغرب والعشاء إلى آخر وقت العشاء المستحب - وهو نصف الليل - وهو الأظهر، وقد وقع في رسم "صلى نهارا ثلاث ركعات" من سماع ابن القاسم، ما ظاهره أن له أن يؤخر المغرب والعشاء من أجل مرضه، فيصليهما جميعا فيما بينه وبين طلوع الفجر - وهو بعيد؛ إلا أن يكون معناه في الوعك الشديد الذي يشبه المغلوب على عقله، فلا يقدر معه على الصلاة؛ وقد ذكرنا ذلك هناك، فهذا ما يحتاج إلى بيانه من هذه المسألة، وسائرها صحيح لا إشكال فيه ولا اختلاف. [مسألة: السفر يوم الجمعة بعد الصلاة] مسألة قال موسى بن معاوية: حدثنا محمد بن عبد الحكم، عن حيوة بن شريح، عن السكن بن أبي كريمة، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من

خرج يوم الجمعة من دار مقامه، دعت عليه الملائكة ألا يصحب في سفره، ولا تقضى حوائجه» . وحدثني عبد الله بن رجاء المكي، عن صدقة بن زيد، عن سعيد بن المسيب، قال: السفر يوم الجمعة بعد الصلاة. قال محمد بن رشد: ما روي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - من دعاء الملائكة على من خرج من دار مقامه يوم الجمعة، ليس على ظاهره، إذ لا يجب ترك السفر يوم الجمعة، إلا في الوقت الذي أمر الله بالسعي فيه إليها - حيث يقول: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] ؛ لأنه أباح في الآية البيع إلى وقت وجوب السعي، والسفر من أسباب البيع، وقد روى ابن وهب وابن نافع، وابن أبي أويس (عن مالك) أنه قال: لا بأس بالسفر يوم الجمعة ما لم تحضر الجمعة ويفيء الفيء. قال في رواية ابن أبي أويس: وأحب إلي لمن طلع عليه الفجر يوم الجمعة في أهله، ألا يبرح حتى يصلي الجمعة، ومثله في رسم "المحرم" من سماع ابن القاسم، فيحتمل أن يكون معنى الحديث من خرج يوم الجمعة من دار مقامه بعد حضور الجمعة، أو قبل ذلك - رغبة عن شهودها، ومعنى قول سعيد بن المسيب السفر يوم الجمعة بعد الصلاة، أي هو الذي يستحب له ويؤمر به، ومعناه في السفر المباح غير المندوب إليه؛ روي عن ابن عباس قال: «بعث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عبد الله بن رواحة في سرية، فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه؟ فقال: أتخلف فأصلي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ألحقهم، فلما

مسألة: تصلي الفريضة ومعها ولدها تمسكه في الركوع والسجود ولا تضعه في الأرض

صلى مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال له: ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ فقال: أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم، فقال: لو أنفقت ما في الأرض، ما أدركت فضل غدوتهم» . [مسألة: تصلي الفريضة ومعها ولدها تمسكه في الركوع والسجود ولا تضعه في الأرض] مسألة وسئل ابن القاسم عن المرأة تصلي الفريضة - ومعها ولدها - تمسكه في الركوع والسجود، ولا تضعه في الأرض - حتى تفرغ، هل تعيد تلك الصلاة؟ فقال ابن القاسم: ما أحب لها أن تفعل، فإن فعلت ولم يشغلها عن الصلاة - فلا إعادة عليها. قال محمد بن رشد: قوله: ما أحب لها أن تفعل ذلك، معناه على حب ولديها من غير ضرورة - إلى ذلك. وأما إذا اضطرت إلى ذلك ولم تجد من يكفيها، وأمكن ألا يشغلها عن صلاتها مع ألا تضعه بالأرض في ركوعها وسجودها، فذلك لها جائز أن تفعله - على ظاهر ما قاله مالك في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب، لما جاء في ذلك من الأحاديث، وقد مضى هناك القول فيه، فقف عليه وتدبره. [مسألة: صلي ومعه الكيس الكبير وجعله تحت إبطه] مسألة وسئل عن الذي يصلي ومعه الكيس الكبير الذي لا يقدر على أن يصره في كمه، ولا يستطيع أن يصلي به حتى يجعله تحت إبطه

مسألة: إمام مسافر صلى بمسافرين ومقيمين ثم سلم فقدم المقيمون رجلا منهم

(من ثقله) - وهو يخاف عليه إن وضعه في الأرض أن يخطف؛ هل يصلي به - وهو لا يستطيع أن يضع يده على ركبته، ولا يضع يده في الأرض، هل تجزئه صلاته؟ قال ابن القاسم: إذا اضطر إلى ذلك، وخاف عليه فلا إعادة عليه؛ وأما إذا لم يخف عليه وصنع ذلك حتى لا يستطيع أن يضع يده على ركبته، فأرى أن يعيد؛ لأن مالكا قال في الذي يصلي وعنان فرسه في يده، لا يضع يده على ركبته - إذا خاف على دابته، فلا إعادة عليه. قال محمد بن رشد: (وقع) قول مالك هذا الذي احتج به في رسم " الشجرة " من سماع ابن القاسم، وهو أصح في المعنى؛ مما في رسم "اغتسل" منه، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السجود على سبعة آراب» ؛ لأن ذلك إن لم يقتض إيجاب السجود على السبعة الآراب، فهو يقتضي أن ذلك من سنة السجود، والسنة لا يرخص في تركها إلا من ضرورة - وبالله التوفيق. [مسألة: إمام مسافر صلى بمسافرين ومقيمين ثم سلم فقدم المقيمون رجلا منهم] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام مسافر صلى بمسافرين ومقيمين ثم سلم، فقدم المقيمون رجلا منهم، فأتم بهم الركعتين - ولم يصلوا

مسألة: يصلي في بيته العصر ثم يأتي إلى المسجد فيجد القوم لم يصلوا هل يتنفل

فرادى؛ هل يفسد (ذلك) صلاتهم؟ قال ابن القاسم: يعيدون في الوقت، وبعد الوقت أحب إلي. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة فيما مضى من هذا السماع، ونبهنا على ما مضى فيها من الكلام في مواضعه - والحمد لله. [مسألة: يصلي في بيته العصر ثم يأتي إلى المسجد فيجد القوم لم يصلوا هل يتنفل] من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم (مسألة) قال محمد بن خالد: سألت عبد الرحمن بن القاسم عن الذي يصلي في بيته العصر، ثم يأتي إلى المسجد فيجد القوم لم يصلوا؛ هل يتنفل؟ قال: إن أحب أن ينتظر الصلاة فلا يتنفل، وإن أحب أن ينصرف فلينصرف ولا ينتظر الصلاة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس» ، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وهذا في النوافل عند مالك، وإنما يعيد العصر في جماعة بعد أن صلاها - وحده بنية الفريضة، ولا يدري أيتهما صلاته؟ ومن

مسألة: يصلي فيمر بين يديه حية أو عقرب هل يقتلهما

جعل الأولى صلاته، والثانية نافلة لا يجيز له إعادة العصر، ولا الصبح في جماعة، إذ لا نافلة بعدهما. [مسألة: يصلي فيمر بين يديه حية أو عقرب هل يقتلهما] من سماع عبد الملك بن الحسن وسؤال ابن القاسم وأشهب مسألة قال عبد الملك بن الحسن: سئل ابن القاسم - وأنا أسمع - عن الرجل يصلي فيمر بين يديه حية، أو عقرب، هل يقتلهما؟ قال: قال مالك لا يقتلهما إلا أن يريداه. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في صدر سماع موسى، والكلام عليه، فلا معنى لإعادته. [مسألة: صلى بالناس العصر فلما سلم ذكر أنه لم يكن صلى الظهر] مسألة (قال) وسألته عن إمام صلى بالناس العصر، فلما سلم ذكر أنه لم يكن صلى الظهر، قال يجزئ عن القوم صلاتهم، ويعيد الإمام الظهر ثم العصر، وإن ذكر ذلك، وقد صلى ركعة أو ركعتين، قدم رجلا غيره. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم "إن خرجت"، والكلام عليها، فلا معنى لإعادته.

مسألة: يسجد في آخر الأعراف ثم يبتدئ بالأنفال

[مسألة: يسجد في آخر الأعراف ثم يبتدئ بالأنفال] مسألة قال: وسألت عبد الله بن وهب عن الرجل يسجد في آخر الأعراف ثم يبتدئ قراءة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] ؛ هل يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم أولا؟ قال نعم، يقرؤها ولا يتركها فيها ولا في غيرها من السور، وهو قول مالك؛ وذلك في النوافل، وقيام رمضان، وما أشبهه؛ قال أشهب: لا أرى ذلك عليه. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب وروايته عن مالك في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في النوافل، هو مثل ما في رسم "نذر سنة" من سماع ابن القاسم، وقد مضى هناك تحصيل القول في هذه المسألة، فلا معنى لإعادته؛ وقول أشهب هنا: لا أرى ذلك عليه، يقتضي التخيير في ذلك، فهو مثل ما في المدونة. [مسألة: الرجل أيصلي بالثوب الحرير] مسألة قال وسألت أشهب عن الرجل أيصلي بالثوب الحرير؟ قال لا، قلت له: فإن صلى به؟ قال إن كان عليه ثوب يواريه غيره، فلا إعادة عليه. قال محمد بن رشد: قوله: فلا إعادة عليه يريد لا في الوقت ولا في غيره، ولو لم يكن عليه ثوب غيره، لأعاد على مذهبه في الوقت وغيره. وإلى هذا ذهب ابن حبيب، قال: لأنه شبيه بالعريان حين لم يكن عليه في صلاته إلا ما حرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. - وهو قول عيسى بن دينار.

مسألة: شارب الخمر هل تجوز الصلاة خلفه

وقال سحنون: لو صلى بثوب حرير، وعليه أربعون قطيعة، لأعاد في الوقت، وهو مذهب ابن القاسم؛ وفي كتاب ابن الصابوني: مثله لأشهب، ويأتي بعد هذا في هذا السماع - لابن وهب، وابن الماجشون؛ أنه لا إعادة عليه في وقت ولا غيره، وسواء على مذهبهم كلهم فعل ذلك متعمدا وله ثوب غيره، (أو لم يكن له ثوب غيره) ؛ فجعل ابن القاسم تجنب لباس الحرير للرجال في الصلاة من سنن الصلاة، كتجنب النجاسة فيها، لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عنهما جميعا؛ لأن الصلاة عنده بالثوب الحرير، أخف من الصلاة بالثوب النجس - على قوله وروايته عن مالك في المدونة في الذي له ثوب حرير، وثوب نجس، أنه يصلي بالحرير، ويعيد في الوقت؟ خلافا لأصبغ في قوله: إنه يصلي بالنجس، ويعيد في الوقت، فإن صلى بالحرير لم يعد؛ ولم ير ابن وهب، وابن الماجشون، تجنب لباس الحرير مما يختص بالصلاة، فيكون من سننها أو من فرائضها، فلذلك قالا: إنه لا إعادة على من صلى بثوب حرير، لا في الوقت ولا في غيره؛ وقد قيل في الذي لا يكون له إلا ثوب حرير، إنه يصلي عريانا ولا يصلي بالثوب الحرير؛ روى ذلك أصبغ عن ابن القاسم، وذهب إليه أحمد بن خالد. [مسألة: شارب الخمر هل تجوز الصلاة خلفه] مسألة وسئل ابن وهب عن شارب الخمر، هل تجوز الصلاة خلفه؟ فقال: لا، فإن صلاها رجل خلفه، أعاده في الوقت وبعد الوقت؛

مسألة: اغتسل الرجل يوم الجمعة بعد الفجر إذا نوى غسل الجمعة أن يروح به

قيل له فالذي يعصر الخمر، أيصلي الرجل خلفه؟ قال لا يصلي خلفه، فإن فعل فلا إعادة عليه. قال محمد بن رشد: إنما أوجب الإعادة في الوقت وبعده على من صلى خلف شارب الخمر؛ لأن شارب الخمر فاسق لا تقبل شهادته، والفاسق الذي لا تقبل شهادته لا يؤتمن على ما يجب تقليده فيه من إحضار النية والطهارة، والتوقي من النجاسة، وشبه ذلك؛ مما هو موكول إلى أمانته، ولا أمانة له؛ وقد قيل فيمن ائتم بفاسق إن صلاته جائزة، ويعيد في الوقت استحبابا. وقال أبو بكر الأبهري: إن كان فاسقا بتأويل، أعاد من صلى خلفه في الوقت، وإن كان فاسقا بإجماع، كمن ترك الطهارة عمدا، أو زنى، أو سرق، أو شرب خمرا، أعاد من صلى خلفه أبدا. وقال بعض المتأخرين: إن كان فسقه فيما لا تعلق به بالصلاة - كالزنى، والقتل، والغصب، أعاد في الوقت؛ وإن كان فيما له تعلق بالصلاة، كالطهارة، أو يخل بشيء من فرائض الصلاة مثل أن يفعله - وهو سكران - فيعيد أبدا في الوقت وبعده؛ وجعل عصر الخمر من الذنوب التي لا يخرج بها إلى الفسق، ولا تسقط أمانته، وعلى هذا تجوز شهادته، وهو ظاهر ما في كتاب الرجم من المدونة، إلا أنه يعيد، إلا أن يعذر في ذلك بجهل. [مسألة: اغتسل الرجل يوم الجمعة بعد الفجر إذا نوى غسل الجمعة أن يروح به] مسألة قال عبد الله بن وهب: لا بأس إذا اغتسل الرجل يوم الجمعة بعد الفجر - إذا نوى غسل الجمعة - أن يروح به، قال والفضل أن يكون غسله متصلا بالرواح. قال محمد بن رشد: هذا خلاف المشهور في المذهب من أن غسل

مسألة: إشارة الرجل في الصلاة ببلى ونعم

الجمعة لا يكون إلا متصلا بالرواح، لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل» . - فشرط الغسل بالإتيان إلى الجمعة. ومن طريق المعنى أن الغسل إنما شرع في الجمعة للتنظف لها، وإزالة التفل والرائحة التي تكون من العرق، فيتأذى بذلك الناس؛ فإذا اغتسل أول النهار ذهب المعنى الذي كان لأجله الغسل، لا سيما في شدة الحر، وقد روى أبو قرة عن مالك أن غسل الجمعة يجزئ في الفجر وهو شذوذ في المذهب. [مسألة: إشارة الرجل في الصلاة ببلى ونعم] مسألة قال ابن وهب لا بأس أن يشير الرجل في الصلاة ببلى، ونعم. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، والأصل في جواز ذلك ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى قباء فسمعت به الأنصار؟ فجاءوا يسلمون عليه - وهو يصلي، فرد عليهم إشارة بيده» . فكأن مالكا لا يرى بأسا أن يرد الرجل إلى الرجل جوابا بالإشارة في الصلاة، وأن يرد إشارة على من سلم عليه ولم يكن يكره شيئا من ذلك؛ وقد روى عنه زياد أنه كره أن يسلم على المصلي، وأن يرد المصلي على من سلم عليه - إشارة بيد، أو برأس، أو بشيء، والحجة لهذه الرواية ما روي في «أن ابن مسعود سلم على النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وهو يصلي، فلم يرد عليه» . والأظهر من

مسألة: تفسير قوله عليه الصلاة والسلام إذا دبغ الإهاب فقد طهر

القولين عند تعارض الأثر من وجوب رد السلام؟ إشارة لقوله عز وجل: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] . وأما إشارة الرجل إلى الرجل في الصلاة ببعض حوائجه فالأولى والأحسن أن يقبل على صلاته ولا يشتغل بشيء من ذلك، إلا أن يكون تركه لذلك سببا لتمادي اشتغال باله في صلاته، فيكون فعله لذلك أولى. [مسألة: تفسير قوله عليه الصلاة والسلام إذا دبغ الإهاب فقد طهر] مسألة قال وسألته عن تفسير قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» ، قال بلغني أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «ذكاة كل أديم دباغه» . فلا بأس أن يصلي الرجل بجلود الميتة إذا دبغت، ولا بأس أن يصلي عليها ويبيعها. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم أنه إنما يطهر للانتفاع به، دون الصلاة عليه وبيعه، وقد مضى القول في هذه المسألة مجودا في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الوضوء، فمن أحب الوقوف عليه، تأمله هناك. [مسألة: المؤذن هل هو في سعة من أذانه في أن يؤذن في أي حين شاء] مسألة قال وسألته عن المؤذن هل هو في سعة من أذانه في أن يؤذن في أي حين شاء من نصف الليل - إلى آخره؟ قال لا يؤذن المؤذن إلا سحرا. قلت وما السحر عندك؟ قال السدس الآخر.

مسألة: صلى في بيته الظهر يوم الجمعة لعلة كانت به ثم أتي المسجد

قال محمد بن رشد: الأصل في جواز الأذان لصلاة الصبح قبل دخول وقتها عند مالك، وجميع أصحابه، بخلاف سائر الصلوات؛ قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» . فقيل إن الأذان لها جائز من الليل إذا خرج وقت العشاء، وهو شطر الليل - على ظاهر الحديث: (قوله «إن بلالا ينادي بليل» . ووجه اختياره في الرواية ألا يكون الأذان لها إلا في السحر قرب الفجر، ما جاء في بعض الآثار عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت ولم يكن بينهما إلا مقدار ما ينزل هذا ويصعد هذا. [مسألة: صلى في بيته الظهر يوم الجمعة لعلة كانت به ثم أتي المسجد] مسألة وسئل وأنا أسمع عن رجل صلى في بيته الظهر يوم الجمعة لعلة كانت به، ثم أتي المسجد فوجد الناس في صلاتهم؛ أو وجد الإمام يختطب، أو وجد الناس قد فرغوا من صلاتهم، فقال: إذا صلى في بيته الظهر يوم الجمعة، والإمام يختطب، فإنه يصلي الجمعة، فإن أتى المسجد وقد فرغ الإمام من الصلاة؛ اجتزأ بالصلاة التي صلى في بيته، إلا أن يعلم أن صلاته كانت قبل الزوال؛ وإن انتقض وضوؤه - وهو مع الإمام في صلاته - خرج فتوضأ وصلى ظهرا أربعا. قال محمد بن رشد: سأله عمن صلى الظهر يوم الجمعة في بيته لعلة كانت به، يريد من مرض، أو شبه ذلك مما يمنعه من شهود الجمعة، ثم ذهبت

العلة فأتى المسجد، فأجابه عمن صلى في بيته الظهر يوم الجمعة ولم يذكر لعلة، ثم أتي المسجد؛ فدل ذلك على استواء المسألتين عنده، وأن العلة إن ذهبت في المسألة الأولى؛ فأتى المسجد، فأدرك من صلاة الجمعة ركعة أو أكثر أو ذهب في وقت لو أتى المسجد لأدرك من الصلاة ركعة أو أكثر، بطلت صلاته التي صلى في بيته، ووجب عليه أن يعيد صلاته ظهرا أربعا؛ وأن يصلي مع الإمام - إن جاء، فإن لم يفعل، أو انتقض وضوؤه فيها، وجب عليه أن يعيد صلاته ظهرا أربعا، وأن صلاته وإن وقعت في المسألة الثانية، وقد صلاها على ألا يأتي الجمعة، أو وهو يظن أن الجمعة قد صليت في وقت لو أتى الجمعة لأدركها، أو ركعة منها، فهي باطل، وعليه إعادتها إن لم يأت الجمعة، وأن يصليها مع الإمام إن أتى؛ فإن لم يفعل أو انتقض وضوؤه فيها، أعاد الظهر أربعا. وقد روى ابن وهب عن مالك فيمن ظن أن الصلاة يوم الجمعة قد صليت، فصلاها في بيته ظهرا أربعا ثم مر بالمسجد فوجد الناس لم يصلوا، فجهل فمضى لحاجته ولم يصل معهم، أرجو أن تجزئ عنه صلاته. فعلى هذه الرواية لا تبطل صلاته التي صلى في بيته في المسألتين جميعا - أتى إلى المسجد أولم يأت، وإنما يؤمر أن يصلي مع الإمام إن أتي إلي المسجد -استحبابا؛ - لأنه إذا قال إن صلاته التي صلي في بيته، وهو يظن أن الجمعة قد صليت في وقت لو أتى إلى الجمعة لأدركها أو ركعة منها لا تبطل، فأحرى ألا تبطل إذا صلاها في بيته لعلة كانت به من مرض أو شبهه؛ وقد مضت هذه المسألة، وتحصيل الاختلاف فيها في رسم "لم يدرك" من سماع عيسى؛ وأما إذا صلى في بيته قبل صلاة الإمام في قوت لو مضى إلى الجمعة لم يدركها ولا ركعة منها، فلا تبطل صلاته باتفاق، بمنزلة إذا صلاها بعد صلاة الإمام؛ كما أن المحصر بعدو إذا انكشف عنه الوقت في وقت لا يدرك فيه الحج - وإن كانت أيام الحج لم تنقض، فهو محصور كما لو كانت أيام الحج قد انقضت، على ما في كتاب الحج الثاني من المدونة، وهذا كله بين.

مسألة: القوم في المركب فيصلون جلوسا وهم يقدرون على الصلاة قياما

[مسألة: القوم في المركب فيصلون جلوسا وهم يقدرون على الصلاة قياما] مسألة وسئل - وأنا أسمع - عن القوم في المركب فيصلون جلوسا - وهم يقدرون على الصلاة قياما، قال يعيدون في الوقت وبعد الوقت. وإن لم يقدروا أن يصلوا قياما، فلا بأس أن يؤمهم إمامهم وهم جلوس. قال محمد بن رشد: هذا صحيح لا إشكال فيه؛ لأن القيام فرض في الصلاة، قال الله عز وجل: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] . فمن تركه مع القدرة عليه، فلا صلاة له. [مسألة: نسي صلاة فذكرها بعد شهر فصلاها] مسألة وسئل عمن نسي صلاة فذكرها بعد شهر فصلاها، ثم تبين له بعدما صلى أن في ثوبه نجاسة، فقال ابن وهب يعيدها. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب هذا صحيح على أصله في أن رفع النجاسة من الثياب والأبدان من فروض الصلاة، خلاف مذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك؛ لأن الصلاة الفائتة بتمامها يخرج وقتها. [مسألة: يصلي بثوب حرير متعمدا لذلك وهو يجد غيره] مسألة وسئل عن الذي يصلي بثوب حرير - متعمدا لذلك - وهو يجد غيره، أنه لا إعادة عليه في وقت ولا غيره، وقاله ابن الماجشون. قال محمد بن رشد: قد تقدم في هذا السماع - القول في هذه المسألة، فلا معنى لإعادته.

مسألة: يوقد في مساجد يصلى فيها نار

[مسألة: يوقد في مساجد يصلى فيها نار] مسألة قال: وسألته عن مسجدنا - وهو المسجد الذي تصلى فيه الجمعة - إذا كان شهر رمضان، أمر الوالي أن يصنع طعاما في ناحية منه للمساكين والأيتام يفطرون عليه، والنار التي توقد فيه هي في ناحية منه، إلا أنه في داخل المسجد، أترى للإمام أن ينهى عن مثل هذا، ويأمر بإخراجه من المسجد؟ قال سبحان الله! وهل يكون هذا في المساجد؟ فقلت نعم، هذا عندنا ظاهر، فتعاظم ذلك، وقال لا ينبغي أن يوقد في مساجد يصلى فيها نار، وأرى أن ينهى عن ذلك أشد النهي؛ قلت له فماء يكون عندنا طاهرا في المسجد، فإذا كان أيام الطين والمطر، غسل الناس فيه أرجلهم، إلا أنه لا يتوضأ فيه؛ أترى أن يمنع مثل هذا؟ فقال نعم أشد المنع، ولا يكون مثل هذا في المساجد. قال محمد بن رشد: قد مضى من القول في هذا المعنى، ما فيه كفاية في أول رسم "سلعة سماها" من سماع ابن القاسم. [مسألة: الجنائز هل ينادى بها في المساجد] مسألة قلت له: فالجنائز هل ينادى بها في المساجد؟ قال لا ينادى بها في المساجد، ولا ينادى بها إلا على أبواب المساجد. قال محمد بن رشد: كره في رسم "حلف" من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز، أن ينادى بالجنائز على أبواب المساجد، وأن يصاح خلفه: استغفروا له يغفر الله لكم؛ والوجه في ذلك أنه رآه من ناحية النعي المنهي عنه.

مسألة: إمامة الأقطع والأشل

[مسألة: إمامة الأقطع والأشل] مسألة قال ابن وهب لا يؤم الأقطع وإن حسنت حاله، ولا الأشل إذا كان لا يقدر على أن يضع يده على الأرض. قال محمد بن رشد: قد روى ابن نافع عن مالك، أنه لا بأس بإمامة الخصي والأقطع وكل ذي عيب في جسده في الجمعة والأعياد وغيرها - إذا كانوا لذلك أهلا، وإنما العيوب في الأديان لا في الأبدان؛ وإلى هذا ذهب ابن الماجشون في الواضحة، ووجه قول ابن وهب، أن الأقطع والأشل يعجز كل واحد منهما عما يحاوله من الطهارة والتنظف من النجاسة، عن أن يكون في ذلك بمنزلة الصحيح، والصلاة أولى ما احتيط لها؛ مع أن الأقطع إن تاب وحسنت حاله، وكان القطع كفارة له يؤذي بذلك أيضا، كذلك الزاني، فتكره إمامته أيضا من هذا الوجه الآخر، ووجه أخر أيضا يختص بالأشل - وهو الذي يأتي على تعليل ابن وهب فيه - إذا كان لا يقدر أن يضع يده بالأرض، وهو «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال السجود على سبعة آراب» . وقال عبد الله بن عمر اليدان يسجدان كما يسجد الوجه، فإذا لم يقدر الرجل أن يضع يده بالأرض لشلل بها، وجب ألا تجوز إمامته؛ كما إذا لم يقدر أن يضع جبهته بالأرض لضرر بها. واعتل ابن الفخار للمنع من جواز إمامة الأقطع والأشل، بأنهما ناقصا الفضيلة، وأن ذلك يسري إلى المأمومين ويتعدى إليهم، لارتباط صلاتهم بصلاته. [مسألة: الإمام يكون ممن يسلم اثنتين فقام رجل بعد أن يسلم واحدة] مسألة وسئل عن الإمام يكون ممن يسلم اثنتين، فقام رجل بعد أن يسلم واحدة، فقال لا إعادة عليه وبئس ما صنع.

يشتري العلج والعلجة هل يجب عليه ختانهما وتعليمهما القرآن

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن السلام الأول هو الفرض الذي يتحلل به من الصلاة، والثاني سنة؛ فإذا قام الرجل بعد سلامه الأول، فصلاته تامة؛ وقد مضى نحو هذا في رسم "شك في طوافه"، ورسم "نذر سنة" من سماع ابن القاسم. [يشتري العلج والعلجة هل يجب عليه ختانهما وتعليمهما القرآن] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب الجامع قال أصبغ: سمعت ابن القاسم - وسئل عن الرجل يشتري العلج والعلجة من العجم - فيريد إمساكهما، هل يجب عليه خفض العلجة، وختان العلج، وتعليمهما القرآن، وعدد الصلوات؛ قال: على الرجل أن يختن من عبيده، ويخفض من إمائه ما يجمع على إمساكه، وأن يعلمهم من القرآن السورتين والثلاث، فمن كان منهم أعجميا لا يفصح أمر من يعلمه وقوت الصلوات وعدد الركعات، ويوقفه على الركوع والسجود، وعلى التوحيد والإحرام بالصلاة والتسليم منها، والوضوء؟ قال أصبغ وعليه

أن يدخله في الإسلام إذا ملكه، إذا كان من غير أهل الكتاب، من المجوس، والزنج، والسودان، والصقالبة، والبربر، وما أشبههم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن على الرجل أن يختن من عبيده، ويخفض من إمائه ما يجمع على إمساكه؛ لأنهم حوله وملك يمينه؛ فيلزمه من ختان ذكورهم، ما يلزمه من ختان ذكور ولده؛ لأن الختان طهور الإسلام وشعاره، فهو سنة واجبة، ويستحب له من خفاض إناثهم ما يستحب له من خفاض إناث ولده؛ لأن الخفاض في النساء مكرمة، وليس بسنة واجبة، روت أم عطية أن امرأة كانت تختن، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أشمي ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند البعل» . وعليه - (كما قال) - أن يعلمهم الوضوء، والصلاة، ويوقفهم على حدودها، ويعلمهم من القرآن ما يحتاجون إليه في صلاتهم. قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]- الآية. وقول أصبغ: وعليه أن يدخله في الإسلام، إذا ملكه - يريد صغارا، كانوا أو كبارا، فهو ظاهر قوله ههنا، وفي نوازله من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، مثل رواية ابن نافع عن مالك في المدونة، خلاف ما في سماع ابن القاسم، وسماع يحيى من كتاب التجارة إلى أرض

الحرب، فإنه فرق في السماعين بين الصغار والكبار، فلا اختلاف في الصغار من غير أهل الكتاب أنهم يجبرون على الإسلام، ولا يتركون على الكفر - إذا عقلوا؛ واختلف في حكمهم قبل أن يعقلوا على أربعة أقوال: أحدها أنه يحكم له بحكم سيده من الإسلام بملكه إياه، وهو قول ابن دينار، ورواية معن بن عيسى عن مالك. والثاني أنه يحكم له بحكم الإسلام إذا نوى به سيده الإسلام، (وهو قول ابن وهب. والثالث: أنه لا يحكم له بحكم الإسلام) حتى يرتفع عن حدثان الملك شيئا، ويزييه سيده بزي الإسلام، ويشرعه بشرائعه، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. والرابع أنه لا يحكم له بحكم الإسلام حتى يعقله ويجيب إليه، وهو المشهور من مذهب ابن القاسم. وقد قيل إنه لا يحكم له بحكم الإسلام - وإن عقله وأجاب إليه - ما لم يبلغ، وهو مذهب سحنون، ومثله لابن القاسم في النكاح الثالث من المدونة. واختلف في الكبار على القول بأنهم يجبرون على الإسلام في حكمهم قبل أن يجبروا عليه، فقيل إنه يحكم لهم بحكم سيدهم من الإسلام بملكه إياهم، وهو قول مالك في كتاب النذور من المدونة في الأعجمي إنه يجزئ في الرقاب الواجبة إذا لم يجد غيره، وإن كان من صلى وصام أحب إليه. وقيل إنه لا يحكم له بحكم الإسلام حتى يجيب إليه، وهو قول سحنون في مسألة كتاب النذور المذكورة، وذلك إذا كان قد أجاب إلى الإسلام؛ وهذا كله فيما سبي أو اشتري من رقيق أهل الحرب، وأما ما اشتري من أهل الذمة من

النصراني يسلم والمغمى عليه يفيق والحائض تطهر قبل غروب الشمس أو طلوع الفجر

المجوس، فإنهم لا يجبرون على الإسلام - على ما بينه أصبغ في نوازله من كتاب التجارة إلى أرض الحرب. [النصراني يسلم والمغمى عليه يفيق والحائض تطهر قبل غروب الشمس أو طلوع الفجر] ومن كتاب السهو قال ابن القاسم: قال مالك في النصراني يسلم، والمغمى عليه يفيق، والحائض تطهر - قبل غروب الشمس، أو طلوع الفجر -: إنهم إن كانوا يدركون خمس ركعات من النهار، أو أربع ركعات من الليل قبل طلوع الفجر، صلوا الصلاتين جميعا: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء؛ لأن المغرب ثلاث ركعات، وركعة من العشاء، فوجبت كلها؛ وصلاة النهار للظهر أربع ركعات، ومن صلاة العصر ركعة، فوجبت كلها، قال وإن لم يدركوا من صلاة النهار إلا أربع ركعات فأدنى، ومن صلاة الليل إلا ثلاث ركعات فأدنى، قضوا العصر وحدها، أو العشاء وحدها؛ لأن ذلك وقت لها، وقد خرج وقت ما كان قبلها. قال ابن القاسم: وإنما تنظر الحائض إلى ما بقي من الوقت بعد فراغها من غسلها وجهازها، وليس حين ترى الطهر - إذا لم تكن في ذلك مفرطة ولا متوانية، والنصراني يسلم ينظر إلى الوقت ساعة يسلم، فيقضي ما عليه، وليس بعد فراغه من غسله أو وضوئه؛ لأن مالكا قال في النصراني يسلم في رمضان في يوم وقد مضى بعضه، أنه يكف عن الأكل بقية يومه، ويقضي يوما مكانه؛ فالصلاة في الإعادة أوكد وأحرى أن يكون عليه ما أسلم في وقته، قياسا على قول مالك في الصيام أن يقضي يومأ مكانه، فالصلاة أولى بالقضاء، قلت

فالمغمى عليه، أينظر إلى ما بقي من الوقت ساعة يفيق، أو إلى فراغه من وضوئه؟ فقال ينظر إلى ما بقي بعد فراغه من وضوئه، وذلك الشأن والقياس فيه، وفي النصراني؛ إلا أني أستحسن في النصراني ما قلت لك، للذي أخبرتك من قول مالك في الصيام؛ فقال ابن القاسم: ولو أحدثت الحائض بعد فراغها من غسلها، والمغمى عليه بعد فراغه من وضوئه، أو بعد دخولهما في الصلاة، فلم يفرغا من الوضوء ثانية حتى غابت الشمس؛ كان عليهما القضاء؛ لأنها صلاة قد وجبت كليهما، وليس نقض الوضوء بالذي يسقطها، ولو فرغا من وضوئهما الثاني وقد بقي من النهار شيء، لم ينظر إلى ما بقي ساعتئذ، ولكن إلى ما قد وجب عليهما في أول، فيقضيانه على كل حال، ولا يعملان على ما بقي من النهار بعد الوضوء الثاني؛ ولو كانا اغتسلا أو توضآ بماء غير طاهر وصليا، ثم علما بعد غروب الشمس، فلا إعادة عليهما؛ فإن علما قبل أن يصليا، أعادا الغسل والوضوء، وعملا على ما بقي لهما بعد فراغهما، ولم ينظرا إلى الوقت الأول، وهذه المسألة مخالفة للتي قبلها. قال محمد بن رشد: أما النهار، فلا اختلاف في أن مقدار أربع ركعات منه قبل الغروب وقت للعصر خاصة، وأما الليل فاختلف في مقدار أربع ركعات منه قبل الفجر، فقيل أنه وقت للمغرب والعشاء؛ لأنه إذا بدأ بالمغرب بقيت ركعة للعشاء، وهو مذهب ابن القاسم؛ وقيل إنه وقت للعشاء خاصة؛ لأنه مقدار ما يصلي فيه؟ فليس على الحائض إذا طهرت لمقدار أربع ركعات، أن تصلي إلا العشاء خاصة، روي هذا القول عن ابن الماجشون وهو القياس، وقول ابن القاسم استحسان؛ وعكس هذه المسألة المسافرة تطهر لمقدار ثلاث ركعات قبل الفجر، وسيأتي الكلام عليها في سماع أبي زيد؛

ولا اختلاف في الحائض تطهر أنها إنما تنظر إلى ما يبقى من الوقت بعد كمال غسلها؛ لأنها غير مخاطبة بالصلاة في حال حيضها، فلما كانت غير مخاطبة بها في حال حيضها، وكانت لا تملك الطهر عنها، وكانت الطهارة بالماء من شرطها، وجب ألا يجب إلا بعد كمالها، وكذلك القياس في المغمى عليه؛ لأنه غير مخاطب بالصلاة في حال إغمائه وهو لا يملك الإفاقة منه؛ وذهب مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، إلى أنه إنما ينظر إلى ما بقي عليه من الوقت ساعة يفيق؛ ووجه هذا القول، مراعاة قول من يرى الإغماء كالنوم في أنه لا يسقط الصلاة؛ وأما النصراني يسلم؛ فالقياس فيه أن ينظر إلى ما بقي عليه من الوقت ساعة يسلم؛ لأنا إن قلنا أنه غير مخاطب بالصلاة حتى يسلم، فلا عذر له في تأخير الإسلام إلى الوقت الذي أسلم فيه، إذ قد كان قادرا عليه قبل، بخلاف الحائض، والمغمى عليه؛ فقول ابن القاسم في الرواية، إن القياس في النصراني أن يكون كالحائض والمغمى عليه، ليس بصحيح، لما ذكرناه. وقد قال أصبغ أنه كالحائض، والمغمى عليه إنما ينظر إلى ما بقي عليه من الوقت بعد فراغه من غسله؛ وذلك على قياس القول بأنه غير مخاطب بالصلاة حتى يسلم من غير أن يراعي ما فرقنا به بينه وبين الحائض والمغمى عليه، من قدرته على الإسلام قبل؛ وتفرقته في الحائض بين أن تحدث بعد الغسل أو تغتسل بماء نجس ليس ببين؛ لأنهما جميعا لم يكن منهما تفريط في التأخير، فإما أن تعذر في المسألتين جميعا، فتعمل فيهما على ما بقي من الوقت، بعد الوضوء وبعد الغسل الثاني - على ما روى أبو زيد عن ابن القاسم في كتاب ابن المواز؛ وإما ألا تعذر فيهما جميعا فتعمل فيهما على ما كان بقي من الوقت أولا، ولم يبين في الرواية إن كان الماء الذي اغتسلت به أولا قد تغير من النجاسة أو لم يتغير، فإن كان تكلم فيها على أن الماء لم يكن تغير، فهو خلاف ما مضى من قول أشهب في سماع سحنون، وقد تكلمنا هناك على ذلك، وذكرنا وجه الاختلاف فيه.

مسألة: الطاهرة تنسى الصلاة أو تفرط فيها ثم تحيض

[مسألة: الطاهرة تنسى الصلاة أو تفرط فيها ثم تحيض] مسألة قال مالك: والطاهر تنسى الصلاة، أو تفرط فيها، ثم تحيض، أنها إن حاضت في وقت، فلا قضاء عليها فيما حاضت في وقته؛ وما خرج وقته قبل أن تحيض، كان عليها قضاؤه بعد أن تطهر. قال ابن القاسم وتفسير ذلك، أنها إن نسيت الظهر والعصر أو فرطت فيهما، ثم حاضت لمقدار خمس ركعات قبل الغروب، فلا قضاء عليها لهما، وإن كان لمقدار أربع ركعات فأدق، قضت الظهر؛ لأن وقتها قد خرج، ولا قضاء عليها للعصر؛ لأن هذا الوقت لها؛ وإن كانت إنما نسيت العصر وحدها، ثم حاضت قبل الغروب لقدر ركعة أو أكثر، فمثل ذلك لا قضاء عليها لها؟ وإن كانت نسيت الظهر وصلت العصر، ثم حاضت لقدر ركعة أو أكثر، فلا قضاء عليها للظهر؛ لأن هذا وقت لها حين كانت قد صلت العصر، وإنما يكون وقت الظهر خارجا، ويكون آخر النهار وقت العصر، إذا نسيتهما جميعا، فأما إذا كانت قد صلت العصر، فالنهار كله وقت الظهر الذي نسيت؛ فمتى حاضت قبل الغروب، فقد حاضت في وقت ذلك؛ وكذلك هي في صلاة الليل على ما وصفت لك في نسيان الصلاتين، أو إحداهما؛ قال مالك إن كان لقدر أربع ركعات أو أكثر، فهو وقت لهما، وإن كان لقدر ثلاث ركعات أو أدني، فهو وقت للعشاء. قال مالك: والمسافر ينسى الصلاة في سفره، ثم يدخل في يومه، أو ينسى في حضره ثم يخرج من يومه: إنه إن كان دخل في وقت صلى صلاة حضر؛ وإن خرج في وقت صلى صلاة سفر. قال ابن القاسم: وتفسير ذلك، أنه إن نسي الظهر والعصر جميعا في سفره، ثم دخل من يومه، فإنه إن دخل لقدر خمس ركعات؛ صلاهما جميعا صلاة حضر، وإن لم يدخل إلا لقدر أربع ركعات فأدق، صلى الظهر صلاة سفر؟ لأن وقتها قد خرج

قبل دخوله، وصلى العصر صلاة حضر؛ لأنه قد دخل في وقتها. وإن كان إنما نسي الظهر في سفره فصلى العصر ثم دخل من يومه، فأي ساعة دخل قبل الغروب لقدر ركعة أو أكثر، فهو وقت للظهر؛ لأنه قد صلى العصر والوقت الذي دخل فيه وقت للصلاة التي نسيها فقضاها فليصلها صلاة حضر، وإن كان في النهار فضل عنها لقدر ركعة، أعاد العصر؛ لأنه في وقتها، وإلا فلا إعادة عليه لها؛ وكذلك هو في الخروج على مثل ذلك في الوقت إن نسيهما جميعا، ثم سافر لمقدار ثلاث ركعات صلاهما صلاة سفر: ركعتين، ركعتين، وإن كان لقدر ركعتين أو أقل، صلى الظهر صلاة حضر؛ لأنه قد خرج وقتها قبل خروجه، وصلى العصر صلاة سفر؛ لأنه مسافر في وقتها، وإن كان إنما نسي الظهر وصلى العصر ثم سافر من يومه، فإن سافر لقدر ركعة فصاعدا، فهو وقت الظهر التي نسيها، فإنما يصليها صلاة سفر، ولا إعادة عليه للعصر، إلا أن يبقى عليه من الوقت قدر ركعة فصاعدا، فيعيد العصر ويعيدها صلاة سفر ركعتين؛ وكذلك هو في صلاة الليل على ما وصفت لك في الدخول والخروج سواء، وفي نسيان الصلاتين جميعا أو إحداهما، إلا أن صلاة الليل كما قد علمت المغرب ثلاثا، والعشاء أربعا، فعلى ذلك كله فقس واعرف ما يجب عليك من ذلك، وما لا يجب، وما تكون العشاء فيه صلاة حضر، أو سفر، قال ولو نسي الظهر في سفره وصلى العصر فدخل من يومه قبل الغروب لقدر ركعة أو أكثر، فانتقض وضوؤه، أو دخل غير متوضئ، أو دخل جنبا، فلم يفرغ من غسله، ولا وضوئه حتى

: سهو الإمام

غربت الشمس، فعليه قضاؤها صلاة حضر أربعا، مثل الذي كان وجب عليه حين الدخول؛ وإنما ينظر في مثل هذا إلى الدخول، فما وجب عليه ساعتئذ، قضاه على كل حال، وكذلك هو أيضا في الخروج على مثل ذلك سواء. قال محمد بن رشد: قوله إذا حاضت لمقدار أربع ركعات من الليل قبل الفجر ولم تكن صلت المغرب والعشاء، إنه وقت لهما جميعا، فليس عليها أن تصليهما، هو على قياس قول ابن القاسم في المسألة التي قبل هذه. وقد ذكرنا أن ابن الماجشون يرى الوقت لصلاة العشاء خاصة؛ لأنه قدر ما تصلي فيه، فعلى قوله يسقط عنها صلاة العشاء في هذه المسألة؛ لأنها حاضت في وقتها، ويكون عليها أن تصلي المغرب؛ لأنه خرج وقتها قبل أن تحيض، وهو القياس، وقول ابن القاسم استحسان؛ وأما قوله إذا صلت العصر ونسيت الظهر ثم حاضت لقدر ركعة فأكثر، فلا قضاء عليها للظهر؛ وإذا صلى المسافر العصر ونسي الظهر ثم دخل قبل الغروب لقدر ركعة أو أكثر فهو وقت للظهر، يصليها صلاة حضر؟ وإذا صلى المقيم العصر ونسي الظهر ثم سافر من يومه لمقدار ركعة فصاعدا، فهو وقت للظهر يصليها صلاة سفر، فهو خلاف رواية يحيى عن ابن القاسم في رسم "يشتري الدور والمزارع" من سماعه، مثل ما وقع له هناك من رواية عيسى عنه، وقد مضى من القول في ذلك هناك ما لا مزيد عليه، وبالله التوفيق. [: سهو الإمام] في سهو الإمام قال: وقال مالك من أدرك من صلاة الإمام ركعة بسجدتيها فصاعدا، فما دخل على الإمام من سهو وجب عليه - زيادة كان سهوه، أو نقصانا، قبل دخوله مع الإمام كان أو بعده؛ لأن من أدرك

من الصلاة ركعة فقد أدركها، فهو بمنزلة من دخل معه في أول صلاته. قال ابن القاسم وما وجب على الإمام من سجود السهو، وجب على من خلفه؛ لأنهم له تبع، وإنما جعل الإمام ليؤتم به؛ قال مالك وإن كان سجود الإمام نقصانا، سجد معه هذا الداخل قبل السلام، ثم لا سجود عليه بعد ذلك؛ وإن كان سجود الإمام زيادة، فلا يسجد معه؛ قال ابن القاسم وقد اختلف قول مالك في أن يقوم إذا سلم الإمام لقضاء ما عليه أو ينتظر حتى يفرغ الإمام من سجوده، مرة كان يقول هذا، ومرة كان يقول هذا، وأحب إلي أن يجلس وينتظر حتى يفرغ الإمام؛ لأن قيامه وانفراده بالقيام، والإمام ساجد سماجة وشهرة. قال ابن القاسم وقال مالك فإذا فرغ من قضاء ما عليه سجد لنفسه بعد السلام، كما كان وجب على الإمام. قال ابن القاسم وإن دخل عليه فيما يقضي لنفسه سهو، فإن كان نقصانا سجد قبل السلام لسهوه وسهو الإمام جميعا؛ لأنه نقصان وزيادة اجتمعا، فالسجدتان لهما قبل السلام؛ وإن كان سهوه لنفسه أيضا زيادة، فسجدتان بعد السلام يجمعان له سهوه وسهو الإمام. قال: وإن كان سهو الإمام قبل السلام، فيسجد معه، ثم دخل عليه فيما يقضي لنفسه سهو، سجد له أيضا إن كان قبل السلام، فقيل وإن كان بعد فبعد على سنته؛ قال ابن القاسم وقد سمعت أن مالكا أمره أن يسجد إذا سها فيما يقضي لنفسه وليس

(في) تبيان أن سجود الإمام كان قبل أو بعد، وهو - عندي سواء؟ ولو لم آمره أن يسجد فيما يقضي لنفسه إذا كان قد سجد مع الإمام في النقصان، لم آمره أن يسجد في الزيادة؛ وذلك الذي لا شك فيه، وهو عندي سواء، وهو على ما فسرت لك؛ قال وإن أحدث الإمام فقدمه، فإن كان سهو الإمام نقصانا فليسجد بهم إذا انقضت صلاة الإمام الذي استخلفه قبل أن ينهض لقضاء ما عليه، كما كان الأول يفعل؛ ثم يشير إليهم بعد ذلك للجلوس ويقوم لتمام ما بقي عليه، فإن دخل عليه في ذلك سهو، فليسجد فيه لنفسه، إن كان قبل فقبل، وإن كان بعد فبعد، ولا يسجدون معه في شيء من ذلك؛ لأن صلاتهم قد انقضت ولم يبق لهم إلا سلامه، فليس عليهم من سهوه ذلك شيء، وإن سها في بقية صلاة الإمام الأول، فإنه يسجد سجود الإمام الأول قبل السلام، ويجزئه من ذلك كله، كان سهوه في ذلك زيادة أو نقصانا؟ فسجود الإمام يجمع ذلك كله، فإنما يسجد بالقوم سجود من استخلفه، وليس هو إذا كان مستخلفا بمنزلته فيما يفعل لنفسه - إذا انفرد وكان وحده. قال: وإن كان سهو الإمام زيادة فقدمه، فلا يسجد حتى يتم بقية صلاته، ويسلم ويسجد بهم؛ فإن دخل عليه سهو، فسواء كان في بقية صلاة الأول، أو فيما يقضي لنفسه من بقية صلاته؛ وسواء كان زيادة أو نقصانا، فإنما يسجد بعد السلام سجود الإمام الذي استخلفه، ويجمع له ذلك كله ويسجدون معه؛ لأنه إن كان سهوه إنما هو في بقية صلاة الإمام

الأول، فهي لهم صلاة يجب عليهم مثل ما وجب عليه فيها، وإن كان سهوه إنما هو فيما يقضي لنفسه، فإنما يسجدون معه بسجود الإمام، وإنما يعمل في ذلك عمل من استخلفه. قال محمد بن رشد: هذه المسألة تشتمل على مسائل، وقوله في أولها إن من أدرك من صلاة الإمام ركعة، وجب عليه ما وجب على الإمام من سهو قبل أن يدخل معه في الصلاة، بمنزلة من دخل معه في أول صلاته؛ صحيح لا اختلاف فيه أحفظه، والأصل في ذلك قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» . لأن المعنى في ذلك عند أهل العلم فقد أدرك حكم الصلاة، خرج مخرج قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] يريد واسأل أهل القرية. فإذا أدرك الرجل ركعة من صلاة الإمام، كان حكمه في صلاته حكم صلاة الإمام في القصر - إن كانت جمعة، أو الإتمام إن كان الإمام مقيما، وهو مسافر، وفيما يجب من سجود السهو على الإمام، ولا يكون حكمه حكم الإمام إن كان الإمام مسافرا وهو مقيم؛ لأن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بأهل مكة ركعتين، ثم قال: أتموا صلاتكم يا أهل مكة، فإنا قوم سفر» . فخصص هذا الحديث عموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة» . وقوله بعد ذلك وما وجب على الإمام من سجود السهو، وجب على من خلفه؛ لأنهم له تبع، «وإنما الإمام ليؤتم به» ؛ صحيح؛ لأن سجود السهو إنما يجب فيما يحمله الإمام عمن خلفه، وما يحمله الإمام عمن خلفه فسهوه عنه سهو لهم - وإن فعلوه؛ وقول مالك وإن كان سجود الإمام نقصانا، سجد معه هذا الداخل قبل السلام، ثم لا سجود عليه بعد ذلك؛ هو المعلوم في المذهب، وقد حكى ابن عبدوس عن غير ابن القاسم، أنه لا يسجد سجدتي السهو إلا بعد قضاء ما عليه بقرب سلامه؛ وهذا على

قياس القول بأن ما أدرك مع الإمام، هو أول صلاته، إذ لا يكون السجود للسهو في وسط الصلاة؛ والقول الأول على قياس القول بأن ما أدرك مع الإمام، هو آخر صلاته مع ما جاء في الأمر من اتباع الإمام، والنهي عن أن يختلف عليه؟ وما حكي بعد ذلك من اختلاف قول مالك في أن يقوم إذا سلم الإمام لقضاء ما عليه، أو ينتظر حتى يفرغ الإمام، هو خلاف ماله في المدونة؛ لأنه خيره فيها بين أن يقوم أو يقعد حتى يفرغ الإمام من سجوده، فهي ثلاثة أقوال لمالك، وثلاثة أقوال أيضا لابن قاسم؛ لأن اختياره ههنا خلاف اختياره في المدونة؛ وحكى ابن حبيب عنه أنه وسع له في القيام لقضاء ما فاته أو القعود حتى يفرغ الإمام من سجوده، فوجه قوله إنه يقعد حتى يفرغ الإمام من سجوده، اتباع ظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه» . لأن من ذلك أن يصلي هو ما فاته، والإمام يسجد لسهوه، وهذا معنى قوله في الرواية؛ لأن انفراده بالقيام - والإمام ساجد - سماجة وشهرة؛ ووجه قوله إنه يقوم لقضاء ما فاته مع الإمام ولا ينتظره، ما علل به اختياره في المدونة؛ ووجه التوسعة في ذلك والتخيير فيه، أن الدلائل لما استوت عنده في الأمرين خير بينهما، إذ قد قيل أن الناظر إذا استوت عنده دلائل الحظر والإباحة، كان له أن يأخذ بأيهما شاء. وقوله إنه، إن دخل عليه سهو فيما يقضي لنفسه، فإنه يسجد له إن كان قبل فقبل، وإن كان بعد فبعد، كان سجود الإمام قبل السلام، سجد معه أو بعد السلام فلم يسجد، صحيح؛ لأنه إن كان قد سجد مع الإمام قبل السلام، فيسجد فيما يدخل عليه من سهو فيما يقضي على سنة السجود في الزيادة بعد السلام. وفي النقصان قبل السلام. وإن كان لم يسجد مع الإمام؛ لأن سجوده كان بعد السلام، فيضيف سهوه إلى سهو الإمام؟ فإن كان زيادة، سجد بعد السلام لأن السهو كله زيادة؛ وإن كان نقصانا سجد قبل السلام، لاجتماع الزيادة والنقصان. وخالف ابن الماجشون هذا الأصل كله فقال: إنه إذا سجد مع

مسألة: لم يدرك مع الإمام إلا التشهد وعلى الإمام سهو

الإمام للسهو قبل السلام، فلا سجود عليه فيما يدخل عليه من سهو فيما يقضي لنفسه، وهذا على قياس القول بأن ما أدرك مع الإمام فهو آخر صلاته، وإلى هذا يرجع قوله في الواضحة بأنه لا يسجد للسهو في الصلاة - وإن كثر إلا مرة واحدة. وقال أيضا على قياس قوله: إنه إن كان سجود الإمام بعد السلام، فإنما يسجد بعد قضاء ما فاته بعد السلام، لسجود الإمام على كل حال، وإن دخل عليه فيما يقضي لنفسه سهو يكون سجوده قبل السلام. وقوله: إن سهو الإمام إن كان نقصانا فأحدث فقدمه، أنه يسجد بهم إذا انقضت صلاة الإمام الذي استخلفه قبل أن ينهض لقضاء ما عليه، كما كان الأول يفعل؛ هو خلاف ما تقدم في سماع موسى بن معاوية، وخلاف قول أشهب أيضا، ولكلا القولين وجه من النظر. وأما قوله إن سجوده يكون قبل السلام وإن دخل عليه في بقية صلاة الإمام سهو زيادة أو نقصان، فصحيح لا اختلاف فيه، وإنما الاختلاف إذا قدمه وعليه سجود بعد السلام، فقال في الرواية إنه يسجد بعد السلام لسجود الإمام الذي استخلفه، وإن سها في بقية صلاة الإمام، أو فيما يقضي لنفسه سهوا يكون نقصانا. وقال ابن حبيب إنه إن سها في بقية صلاة الإمام سهوا يكون سجوده قبل السلام، سجد قبل السلام لسهوه وسهو الإمام؛ بخلاف إذا كان السهو فيما يقضي لنفسه، فإنه يسجد بعد السلام سجود الإمام الذي استخلفه، وفي كتاب ابن عبدوس عن غير ابن القاسم، أنه إن سهل في بقية صلاة الإمام، أو فيما يقضي لنفسه سهوا يكون سجوده قبل السلام، سجد قبل السلام لسهوه وسهو الإمام، فهي ثلاثة أقوال، أظهرها تفرقة ابن حبيب، والله أعلم. [مسألة: لم يدرك مع الإمام إلا التشهد وعلى الإمام سهو] مسألة قلت أرأيت من لم يدرك مع الإمام إلا التشهد، وعلى الإمام

مسألة: صلى نافلة فسها عن السلام فيها حتى تطاول ذلك

سهو يكون قبل السلام أو بعده؟ قال لا يسجد معه لا قبل ولا بعد؛ لأنه لم يدرك من الصلاة شيئا؛ والحديث «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» . وهو لم يدرك شيئا حتى يجب عليه ما يجب على الإمام، ومما يبين (لك) ذلك، لو أن مسافرا دخل مع حضري في الصلاة قد علم أنه حضري، فلم يدرك من صلاته شيئا إلا التشهد أو السجود الآخر، فإنما يصلي صلاة سفر، وليس عليه أن يصلي صلاة حضر، ولا يحل له أن يصليها، وكذلك هذا. قال محمد بن رشد: قوله ولا يحل له أن يصليها، لفظ ليس على ظاهره في مذهب مالك، إذ ليس القصر على مذهبه فرضا، ألا ترى أنه لا إعادة عليه عنده - إن أتم في جماعة، ولا يعيد أيضا إن أتم وحده إلا في الوقت؟ ووقع في بعض الروايات: ولا ينبغي له، وهو أصح، وقد تقدم في آخر رسم "نقدها" من سماع عيسى، الاختلاف فيمن أدرك التشهد من صلاة الإمام، وعليه سجود السهو قبل السلام أو بعده، وتوجيه ذلك كله، فلا وجه لإعادته. [مسألة: صلى نافلة فسها عن السلام فيها حتى تطاول ذلك] مسألة وسئل عمن صلى نافلة فسها عن السلام فيها حتى تطاول ذلك، أو يحدث، أو تباعد، عليه السجود؛ فقال أحب إلي أن يعيد احتياطا؛ ولاختلاف الناس في ذلك، فأرى أن يسجد متى ما ذكر، ولا يحدث سلاما قبل ذلك؛ لأن طول حديثه وتباعده تسليم، حتى لو دخل في مكتوبة بعد ذلك لم يضره، ولم ينقضها ذلك عليه.

مسألة: صلى بقوم ركعتين فلما قام في الثالثة أحدث

قال محمد بن رشد: يريد بقوله، ولاختلاف الناس في ذلك، قول من يقول من أهل العراق وغيرهم: أن التشهد والسلام ليس بواجب في الفريضة، فاستخف لذلك في النافلة أن يصلحها بسجود السهو - إذا طال، أو أحدث، واستحب أن يعيد النافلة احتياطا؛ كما استحب لمن أفطر ناسيا في صيام التطوع، أن يقضي، وعلى أصل المذهب لا قضاء على من أفسد نافلته غير متعمد، وقد مضى ذكر (هذا) الاختلاف في رسم "الصلاة" الثاني من سماع أشهب. [مسألة: صلى بقوم ركعتين فلما قام في الثالثة أحدث] مسألة وسئل سحنون عن إمام صلى بقوم ركعتين، فلما قام في الثالثة أحدث، فقدم رجلا دخل ساعتئذ - وقد أدرك الإحرام، فصلى بهم بقية صلاة الإمام المستخلف، ثم رجع إليه الإمام الأول، وهو في التشهد من أربعة، فقال له أنه بقيت علي سجدة من أحد الركعتين الأوليين، لا أدري أمن الثانية أم من الأولى؛ قال سحنون: يقوم الإمام ومن معه فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وحدها؛ لأنها ركعة بناء، ثم يقوم هو ويقعد القوم فيأتي لنفسه بركعة بسجدتيها، يقرأ فيها بأم القرآن وسورة؛ لأنها ركعة قضاء لنفسه، وليست بناء، ويسجد سجدتي السهو قبل السلام من قبل أن الإمام الأول لما ترك السجود من إحدى ركعتيه، فقد بطلت؛ فإن كانت من الأولى بطلت وصارت الثانية هي الأولى، وإن كانت من الثانية، فقد بطلت الثانية وصحت الأولى؛ وصار المستخلف إنما استخلف على ثانية الإمام الأول - وهي الأولى، وقد قرأ فيها بأم القرآن فقط، وقام فيها، وقد كان عليه أن يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، ويجلس، فدخل النقص من ههنا،

وصارت الرابعة الثالثة؛ وعليه أن يأتي برابعة الإمام وهي ركعة البناء، فلذلك أمر أن يقرأ فيها بأم القرآن، ثم يأتي لنفسه بركعة القضاء وهي الأولى التي سبقه بها الإمام الأول؛ قال وإن كان القوم على يقين قعدوا وقام الإمام فصلى ما بقي عليه. قال محمد بن رشد: المسألة كلها صحيحة على أصولهم في أن الإمام إذا ذكر في آخر صلاته سجدة من أولها هو ومن معه أنه يلغي تلك الركعة ويبني على ما معه كالمنفرد، بخلاف إذا أسقط السجدة هو وحده، فمعنى ذلك ما تكلم عليه فيها إذا أسقط الإمام السجدة ومن معه، أو بعضهم، أو شك فيها هو ومن معه أو بعضهم. وقوله في آخرها: وإن كان القوم على يقين - يريد على يقين من أنهم لم يسقطوا شيئا - قعدوا وقام الإمام فصلى ما بقي عليه، يريد أنه يقضي الركعتين اللتين فاتتاه بأم القرآن وسورة؛ لأن الإمام إذا كان إنما أسقط السجدة وحده دون من خلفه، فإنما عليه قضاء تلك الركعة وحده دون من خلفه، وبالله التوفيق. تم سماع أصبغ بن الفرج بحمد الله وحسن عونه * * *

قوم ربطهم اللصوص أياما لا يصلون ثم يرسلون

[قوم ربطهم اللصوص أياما لا يصلون ثم يرسلون] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن قوم ربطهم اللصوص أياما لا يصلون ثم يرسلون، قال: يقضون تلك الصلوات كلها؛ وينبغي لهم أن يصلوا الصلاة إذا حضر وقتها إيماء إذا لم يقدروا على غير ذلك، ثم يعيدوا إذا أرسلوا - ما أرسلوا في وقته، فإن لم يفعلوا، فعليهم القضاء، قضاء تلك الصلوات. قال محمد بن رشد: قوله: إنهم إذا لم يصلوا أياما ثم أرسلوا أنهم يقضون تلك الصلوات، صحيح؛ لأنهم لما ربطهم اللصوص فلم يقدروا من أجل ربطهم على الركوع والسجود، انتقل فرضهم إلى الإيماء، فلما تركوا ذلك، كان كمن ترك صلاته - متعمدا حتى خرج الوقت - أنه يجب عليه أن يصليها بعد خروج الوقت ولا اختلاف عندي في هذا الوجه، وهو مثل قوله في المدونة في الذين تحت الهدم، فإن صلوا إيماء، فلا إعادة عليهم إلا في الوقت استحبابا. وقوله: فإن لم يفعلوا فعليهم قضاء تلك الصلوات، يحتمل أن يريد فإن لم يصلوا إيماء، فعليهم قضاء تلك الصلوات أبدا، فإن كان أراد ذلك، فهو صحيح على ما قلناه؛ ويحتمل أن يكون أراد فإن لم يعيدوا في الوقت إذا صلوا إيماء فعليهم القضاء بعد الوقت؛ فإن كان أراد ذلك، فهو على أحد قولي ابن القاسم فيمن أمر بالإعادة في الوقت، فلم يفعل حتى خرج الوقت؛ وقد مضى ذلك في رسم "استأذن" من سماع عيسى، وفي غيره من المواضع؛ وقد روى

مسألة: رجل حضرته الصلاة وهو في سفر وليس معه إلا ثوبان

معن بن عيسى عن مالك في الأسرى يكتفهم العدو أياما لا يصلون، قال لا صلاة عليهم إذا تركوا إلا ما أدركوا وقته، وقاله ابن نافع في الذين تحت الهدم، ورواه أشهب عن مالك؛ ومعنى ذلك - عندي في الذين لا يقدرون على الصلاة أصلا بإيماء ولا غيره، أو في الذين ليسوا على طهارة ولا يقدرون عليها بوضوء ولا تيمم؛ لأن الاختلاف إنما يصح في هؤلاء، فعلى ظاهر ما في المدونة أتجب عليهم الإعادة، إذ لم يفرق فيها بين أن يقدروا على الإيماء أو لا يقدروا؛ ولا بين أن يكونوا على طهارة، أو لا يكونوا؛ وعلى قول ابن نافع ورواية أشهب ومعن بن عيسى عن مالك، لا إعادة عليهم. وفي سماع أبي زيد من كتاب الوضوء في المريض الذي لا يقدر على الوضوء، ولا على التيمم أنه يصلي على حاله، ويعيد إذا قدر على الوضوء أو التيمم، وقد تكلمنا هناك على وجه ذلك. [مسألة: رجل حضرته الصلاة وهو في سفر وليس معه إلا ثوبان] مسألة قال ابن القاسم في رجل حضرته الصلاة وهو في سفر وليس معه إلا ثوبان، أصابت أحدهما نجاسة لا يدري أيهما هو؟ قال: يصلي في أحدهما، ثم يعيد في الآخر - مكانه؛ وقد بلغني عن مالك، أنه قال: يصلي في واحد منهما، ويعيد ما كان في الوقت - إن وجد ثوبا - كما قال في الثوب؛ ولست أرى أنا ذلك، يصلي في أحدهما ثم يعيد في الآخر - مكانه، ثم لا إعادة عليه في وقت ولا غيره - وإن وجد غيرهما. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم استحسان؛ لأنه إذا صلى بأحد الثوبين ثم أعاد في الآخر - مكانه؛ فقد تيقن أن إحدى صلاتيه قد خلصت بثوب طاهر - وفيه نظر؛ لأنه إذا صلى في أحدهما على أن يعيد في الآخر،

مسألة: دخل في صلاة العيدين والإمام يقرأ

فلم يعزم في صلاته فيه على أنها فرضه، إذ صلاها بنية الإعادة، فحصلت النية غير مخلصة فيها للفرض؛ وكذلك إذا أعادها في الآخر، لم تخلص النية في إعادته للفرض؛ لأنه إنما نوى أنها صلاته - إن كان هذا الثوب هو الثوب الطاهر. وقول مالك أصح وأظهر من جهة النظر والقياس؛ لأنه يصلي في أحدهما على أنه فرضه فتجزئه صلاته؛ إذ لو لم يكن له غيره فصلى به - وهو عالم بنجاسة لأجزأته صلاته، ثم إن وجد في الوقت ثوبا طاهرا يوقن بطهارته، أعاد استحبابا. [مسألة: دخل في صلاة العيدين والإمام يقرأ] مسألة قال ابن القاسم فيمن دخل في صلاة العيدين - والإمام يقرأ، قال يكبر سبعا، قيل فوجده راكعا؟ قال يكبر واحدة ويركع معه. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم "يوصي لمكاتبه" من سماع عيسى مثل هذا لابن القاسم، وخلافه لابن وهب؛ وتكلمنا هناك على توجيه القولين جميعا، فأغنى ذلك عن إعادته (هنا) . [مسألة: إمام صلى صلاة الخوف تقدم بطائفة فصلى بهم ركعة ثم ذهب العدو وأمنوا] مسألة قال ابن القاسم في إمام صلى صلاة الخوف، تقدم بطائفة فصلى بهم ركعة، ثم ذهب العدو وأمنوا، قال: يتم بالطائفة التي معه ركعتين، ويقدم الطائفة الأخرى رجلا يؤمهم ويصلي بهم ركعتين. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في سماع سحنون، وزاد فيها زيادة اختلف فيها قوله؟ فبينا الوجه في ذلك بما أغنى عن إعادته (هنا) .

مسألة: لا يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر الصلاة خلفه

[مسألة: لا يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر الصلاة خلفه] مسألة قال ابن القاسم لو كنت أعلم أن أحدا لا يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر ما صليت خلفه. قال محمد بن رشد: القراءة فيهما على مذهب مالك واجبة، ولذلك لم ير ابن القاسم الصلاة خلف من لا يقرأ فيهما، وقد مضى في رسم "البز" من سماع ابن القاسم ذكر الاختلاف في ذلك. [مسألة: لم يقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن ثم ذكر وهو في الركعتين] مسألة قال ابن القاسم من لم يقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن، ثم ذكر وهو في الركعتين؛ قال: يسلم ويبتدئ الصلاة، قيل له فلم يقرأ في ركعة واحدة؟ قال: يسلم ويبتدئ. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول في هذه المسألة - موعبا في جميع وجوهها في رسم "أوصى أن ينفق على أمهات أولاده" من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك (هنا) . [مسألة: مسافرة طهرت وقد بقي عليها من الليل قدر ما تصلي ثلاث ركعات] مسألة قال ابن القاسم في مسافرة طهرت وقد بقي عليها من الليل قدر ما تصلي ثلاث ركعات، قال: تصلي العشاء وليس عليها في المغرب شيء، وقال أشهب مثله؛ قال أصبغ: هذه آخر مسألة سألت عنها ابن القاسم، قال: وذلك أن ابن عبد الحكم نازعني فيها فقال: تعيد الصلاتين جميعا، وقلت أنا لا تعيد إلا العشاء الآخرة، فصحبت

ابن القاسم - وكان خارجا إلى الحج إلى جب عميرة، فسألته عنها وأخبرته بقولي، وبقول ابن عبد الحكم؛ فقال لي يا أصبغ أصبت، وأخطأ ابن عبد الحكم. وسئل عنها سحنون وأخبر بقول أصبغ، وابن عبد الحكم، فرأى ما روى أصبغ عن ابن القاسم - غلطا؛ وقول أصبغ (خطأ) ، ورأى قول ابن عبد الحكم صوابا: أن عليها الصلاتين جميعا؛ لأنها طهرت في وقت منهما جميعا، وذلك أن ركعتين للعشاء الآخرة، وركعة للمغرب، وكذلك لو حاضت قبل الفجر لثلاث ركعات - وقد نسيت المغرب والعشاء، لم يكن عليها من الصلاتين شيء؛ لأنها حاضت في وقتهما؛ ألا ترى أن آخر الوقت لآخر الصلوات، فالركعات من آخر الوقت للعشاء، وركعة قبلها للمغرب، فهو وقت لهما جميعا، فقس على هذا ما ورد عليك - إن شاء الله تعالى. قال محمد بن رشد: قول ابن عبد الحكم وسحنون، هو الصحيح الذي يوجبه القياس والنظر؛ لأنها قد طهرت في وقت منهما جميعا؛ لأن الوقت إنما يقدر لآخر الصلوات؛ وهي إذا صلت العشاء - وحدها، بقيت ركعة من وقت صلاة المغرب تذهب هدرا، إذ لم تصلها؛ وليس استغراق صلاة المغرب الذي يجب أن تبدأ بها للرتبة لوقت العشاء، بالذي يمنع أن تبدأ بالمغرب - وإن صلت العشاء بعد الفجر كما أن الحائض إذا طهرت لمقدار ركعة أو أربع قبل غروب الشمس - وعليها صلاة قد فرطت فيها، أو نسيتها قبل حيضتها؛ أنها تبدأ بالصلاة التي فرطت فيها أو نسيتها على الصحيح من الأقوال، ثم تصلي العصر

مسألة: مسافر مر بقوم ممن لا تجب عليهم الجمعة فصلى بهم الجمعة

بعد الغروب؛ وقد مضى القول في ذلك في رسم "يشتري الدور والمزارع" من سماع يحيى، فتدبر ذلك، تجده صحيحا - إن شاء الله تعالى. [مسألة: مسافر مر بقوم ممن لا تجب عليهم الجمعة فصلى بهم الجمعة] مسألة وسئل ابن القاسم عن إمام مسافر مر بقوم ممن لا تجب عليهم الجمعة، فصلى بهم الجمعة؛ قال يصلون على أثرها ركعتين، ولا يعيد الإمام الصلاة. قال محمد بن رشد: قوله يصلون على إثرها ركعتين، يريد أنهم يتمون صلاتهم إذا سلم الإمام، وتجزئ الإمام الصلاة ومن معه من المسافرين، وتكون لهم صلاة سفر لا جمعة؛ وهذا مثل قول مالك في موطئه، ومثل قول ابن نافع في بعض روايات المدونة؛ خلاف رواية ابن القاسم عنه فيها: أنهم يعيدون كلهم الصلاة أهل القرية والإمام (ومن) معه من المسافرين؛ وإنما لم تجز الإمام والمسافرين، وتكون لهم صلاة سفر ويبني عليها أهل القرية المقيمون؛ لأنه جهر فيها متعمدا، ففسدت عليه وعليهم؛ هذا وجه رواية ابن القاسم، ووجه رواية أبي زيد، وما في الموطأ، وقول ابن نافع؛ أنه عذر الإمام بالجهل في التأويل؛ ولمالك في المبسوط من رواية ابن نافع عنه، أنهم يعيدون كلهم في الوقت، فهي ثلاثة أقوال فيمن جهر في غير موضع الجهر من صلاته - متعمدا بتأويل. [مسألة: صلى بثوب حرير في كمه] مسألة وسألت ابن القاسم عمن صلى بثوب حرير في كمه، قال: أرجو أن يكون خفيفا، ولم ير عليه إعادة، ولم يره من ناحية اللبس. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحرير ليس بنجس، فيكون إذا صلى به في كمه حامل نجاسة، وإنما نهى عن لباسه من ناحية الترف،

مسألة: أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة فأصابه رعاف

والتشبه في لباسه بالكفار؛ فلا إثم عليه في صلاته به في كمه، ولا كراهة إلا من جهة اشتغال باله بحفظه في صلاته، ولذلك قال أرجو أن يكون خفيفا. [مسألة: أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة فأصابه رعاف] مسألة قال ابن القاسم فيمن أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة فأصابه رعاف، فخرج فغسل الدم عنه، ثم رجع إلى المسجد فبنى فيه فسها في الركعة الثانية عن قراءة أم القرآن؛ قال ابن القاسم: يسجد سجدتي السهو ويسلم، ثم يقوم ويصلي الظهر أربعا، وكذلك في الصبح. قال محمد بن رشد: مثل هذا في كتاب الوضوء من المدونة، وهو أحد أقوال مالك في الصلاة منها؛ والقول الثاني أنه لا إعادة عليه، والقول الثالث أنه يلغي تلك الركعة؛ وقد قيل إن هذا الاختلاف إنما هو فيما عدا الصبح، والجمعة، وصلاة السفر؛ والأول هو أظهر ما في المدونة، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم " أوصى" من سماع عيسى. [مسألة: حكم ركعتي الفجر] مسألة وسئل عن ركعتي الفجر أسنة هي؟ فقال لي: نعم. قلت له: فالقنوت في الصبح، فقال لي: ركعتا الفجر أبين؛ ورأيت معنى قوله إن القنوت ليس بسنة. قال محمد بن رشد: قوله في ركعتي الفجر إنهما سنة، هو دليل ما في المدونة، ومثل ما في رسم "القبائل" من سماع ابن القاسم، خلاف ما في رسم "الصلاة" الأول من سماع أشهب؛ وفي سماع عيسى من كتاب المحاربين والمرتدين لأصبغ، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك، وتوجيهه في رسم "القبائل"

مسألة: يصلي وقلنسوة حرير على رأسه

المذكور. وقوله: أن القنوت ليس بسنة، هو مذهبه في المدونة؛ لأنه لم ير على من نسيه سجود سهو، فإن سجد لم تفسد صلاته، بخلاف من ترك التسبيح فسجد لذلك؛ وقال أشهب من سجد قبل السلام لترك القنوت أو التسبيح، أعاد صلاته؛ وقد روى زياد عن مالك أن من ألزم نفسه القنوت فنسيه فليسجد. [مسألة: يصلي وقلنسوة حرير على رأسه] مسألة وسئل عن الرجل يصلي وقلنسوة حرير على رأسه، قال: لا يفعل؛ قلت: فالتكة؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لباس كله؛ ألا ترى لو أن رجلا حلف ألا يلبس الخز، أو الحرير، فلبس منه قلنسوة، كان لباسا، وكان حانثا، وهذا بين. [مسألة: يصلي ركعتي الفجر فيقوم في الثالثة] مسألة وسئل عن الرجل يصلي ركعتي الفجر، فيقوم في الثالثة؛ قال: يرجع فيقعد. قلت: فإن لم يفعل حتى مضى وصلى أربعا وسجد سجدتي السهو، قال: يعيد الركعتين أحب إلي. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم "إن أمكنتني" من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: يقرأ صدرا من الحمد لله ثم يصيبه حدث فيقدم رجلا] مسألة وسئل عن الذي يقرأ صدرا من الحمد لله، ثم يصيبه حدث فيقدم رجلا، قال لي: يقرأ من حيث انتهى الإمام.

مسألة: الإشارة بالأصبع في تشهد الصلاة

قال محمد بن رشد: هذا قول ابن نافع، وابن دينار، وغيرهما من أصحاب مالك. وقد روى محمد بن يحيى السبائي عن مالك، أنه قال: ذلك واسع أن يقرأ من حيث انتهى الإمام، أو يبدأ السورة، وأحب إلي أن يبدأ بها، والأول أظهر: أن الاختيار أن يقرأ من حيث انتهى الإمام؛ لأنه خليفته على الصلاة يحل محله فيها، فكما يبني على ما مضى من ركوعه وسجوده، فكذلك يبني على ما مضى من قراءته - وبالله التوفيق. [مسألة: الإشارة بالأصبع في تشهد الصلاة] مسألة قال ابن القاسم: رأيت مالكا إذا صلى الصبح يدعو ويحرك أصبعه التي تلي الإبهام - ملحا، وإذا أراد أن يدعو رفع يديه شيئا قليلا يجعل ظاهرهما مما يلي الوجه - أرانيه ابن القاسم. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في الإشارة بالأصبع في تشهد الصلاة، وفي رفع اليدين عند الدعاء - في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم - موعبا مستوفى، فلا وجه لإعادته هنا. [مسألة: صلى فنسي التكبير كله إلا تكبيرة الإحرام] مسألة وقال فيمن صلى فنسي التكبير كله إلا تكبيرة الإحرام، قال يسجد سجدتي السهو، وأنكر الإعادة.

مسألة: أراد أن يقرأ في الصبح تبارك فقرأ والسماء والطارق

قال محمد بن رشد: وهذه مسألة قد مضى القول فيها - موعبا في رسم "أوصى" من سماع عيسى، فأغنى عن إعادته. [مسألة: أراد أن يقرأ في الصبح تبارك فقرأ والسماء والطارق] مسألة وقال ابن القاسم فيمن أراد أن يقرأ في الصبح تبارك، فقرأ والسماء والطارق، قال: يتمها ويقرأ سورة أخرى طويلة؛ قيل له إمام وغيره؟ قال سواء. ثم قال: كان ابن عمر يقرأ الثلاث سور. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] . فلم يحد في ذلك حدا، فجائز للرجل أن يقرأ مع أم القرآن في الركعتين الأوليين من صلاته بما تيسر من القرآن - بعض سورة كان أو عددا من السور؛ وإن كان الاختيار أن يقرأ في كل ركعة بسورة تامة؛ لأنه المرئي من فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والذي استمر عليه العمل بعده. [مسألة: تيمم للصبح وصلى ثم قعد يذكر الله إلى طلوع الشمس] مسألة وقال ابن القاسم من تيمم للصبح وصلى، ثم قعد يذكر الله إلى طلوع الشمس، لا يصل به نافلة؛ لأن الوقت قد ذهب وطال.

مسألة: يرفع يديه في التكبير للصلاة

قال محمد بن رشد: إنما قال ذلك؛ لأن الأصل كان ألا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة - على ما مضى القول فيه في (أول) سماع أبي زيد من كتاب الوضوء، وألا تصلى نافلة بتيمم فريضة وإن اتصلت بها؛ فإنما تصلى النافلة بتيمم الفريضة - إذا اتصلت بها - استحسانا، ومراعاة لقول من يقول: إن التيمم يرفع الحدث كالوضوء بالماء؛ فإذا لم يتصل بها وطال الأمر بينهما، واتسع الوقت لطلب الماء ثانية للنافلة، وجب أن ينتقض التيمم على الأصل، وألا يراعى في ذلك الخلاف، كما روعي إذا اتصلت بها، لكونها في اتصالها بها في معنى الصلاة الواحدة؛ وقد مضت هذه المسألة متكررة في سماع أبي زيد من كتاب الوضوء - والحمد لله. [مسألة: يرفع يديه في التكبير للصلاة] مسألة قال ابن القاسم: رأيت مالكا لا يرفع يديه في التكبير للصلاة، ولا أراه ترك ذلك، إلا أنه رأى أن ذلك من تعظيم الله وإجلاله؛ قال ولقد سألنا مالكا عن ذلك، فقال: ولم يرفع يديه؟ أيدرك تبارك وتعالى؟ ! فأنكر مالك رفع اليدين على الجنازة وفي الصلوات. قال محمد بن رشد: قد أنكر على مالك إنكاره لرفع اليدين في الصلاة، للآثار المتواترة في ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمر ابن لبابة بطرح هذه الرواية، وقال ما قالت الإباضية بأكثر من هذا؛ - يريد دفع السنن بالقياس والرأي، وقد وقع في بعض الروايات من كتاب الحج الأول من المدونة - تضعيف رفع اليدين في الإحرام وغيره، ونحا في رسم أوله "يتخذ

مسألة: صلى بثوب واحد ركعة فسقط الثوب عنه حتى بدت سوءة الرجل

الخرقة لفرجه" من سماع ابن القاسم - إلى أن ذلك منسوخ، وقد مضى التكلم على ذلك هناك. [مسألة: صلى بثوب واحد ركعة فسقط الثوب عنه حتى بدت سوءة الرجل] مسألة وسئل عن رجل صلى بثوب واحد ركعة، فسقط الثوب عنه حتى بدت سوءة الرجل؛ قال: يستتر - ولاشيء عليه. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في صدر سماع موسى، فلا وجه لإعادته. [مسألة: قصر في ستة وثلاثين ميلا أيعيد الصلاة في الوقت] مسألة وسئل عمن قصر في ستة وثلاثين ميلا، أيعيد الصلاة في الوقت؟ قال: لا إعادة عليه. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة قد مضى القول عليها في آخر أول رسم من سماع أشهب، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. [مسألة: في نوافل رمضان يسلم الإمام من ركعتين ويسهو الرجل عن السلام] مسألة وسئل عن الرجل يصلي خلف الإمام في نوافل رمضان، فسلم الإمام من ركعتين ويسهو الرجل عن السلام حتى يقوم معه في الثالثة، فيذكر - وهو قائم - قال لي: يجلس ويسلم، ثم يسجد سجدتي السهو، ثم يدرك الإمام؟ قلت: فإن ذكر - وهو راكع، قال لي يمضي معه ويسجد سجدتي السهو؛ قال: ورأيته يخففه ألا يكون عليه شيء. قال محمد بن رشد: أما إذا ذكر - وهو قائم قبل أن يركع،

مسألة: يوتر بالمعوذات أيقرأ إذا استفتح بسم الله الرحمن الرحيم بين السورتين

فلا اختلاف في أنه يرجع إلى الجلوس ويسلم ويسجد لسهوه؛ وأما إذا لم يذكر ذلك إلا وهو راكع، فقال ههنا: إنه يمضي معه ويسجد سجدتي السهو، - يريد قبل السلام لإسقاط السلام، وقيل أنه يرجع إلى الجلوس ما لم يرفع رأسه من الركوع فيسلم ويسجد لسهوه بعد السلام، ثم يدخل مع الإمام، وهذا الاختلاف جار على الاختلاف في عقد الركعة، هل هو الركوع؟ أو الرفع منه؟ والقولان قائمان من المدونة. [مسألة: يوتر بالمعوذات أيقرأ إذا استفتح بسم الله الرحمن الرحيم بين السورتين] مسألة (قال) وسألت ابن القاسم عن الذي يوتر بالمعوذات، أيقرأ إذا استفتح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بين السورتين؟ قال ترك ذلك أحب إلي. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة وتحصيل ما وقع فيها من الاختلاف في رسم "سنة" من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته هنا وبالله التوفيق. [صلاة الكسوف هل تصلى في المسجد الجامع في سقفه أوفي صحنه] مسائل نوازل سئل عنها سحنون بن سعيد وسئل عن صلاة الكسوف: هل تصلى في المسجد الجامع في سقفه أوفي صحنه، أو خارج من بيوت القرية؟ قال: تصلى صلاة الكسوف في المسجد، وكذلك صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الكسوف في المسجد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن السنة في البروز، إنما هي في العيدين والاستسقاء.

مسألة: صلاة المقيم الذي نوى السفر ودخل خلف الذي نوى الإقامة وهو يظنه مسافرا

[مسألة: صلاة المقيم الذي نوى السفر ودخل خلف الذي نوى الإقامة وهو يظنه مسافرا] مسألة وقال في رجل خرج في سفر فخرج معه رجلان فشيعاه، فحضرت الصلاة فتقدم المسافر فصلى بهما ونوى الإقامة في صلاته، ونوى أحد الرجلين السفر؛ قال: صلاتهم كلهم تامة، وليس يكون السفر بالنية، وإنما يكون بالعمل. قال محمد بن رشد: قوله: ليس يكون السفر بالنية صحيح؛ لأن من نوى السفر لا يقصر الصلاة بمجرد نيته، حتى يخرج من بيوت قريته، أو يتحرك من موضعه - إن كان خارجا عن القرية، بخلاف من نوى الإقامة - وهو في السفر، فإنه يتم بمجرد نيته، فصلاة المسافر الذي نوى الإقامة تامة بإجماع، وأما صلاة المقيم الذي نوى السفر ودخل خلف الذي نوى الإقامة وهو يظنه مسافرا، فرأى سحنون صلاته تامة أيضا؛ ويدخل ذلك من الاختلاف ما يدخل في الذي يدخل خلف الإمام يوم الخميس وهو يظنه يوم الجمعة، وقد مضى القول في ذلك - موعبا في أول سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: أم قوما فصلى بهم ركعتين ثم أحدث فقدم رجلا] مسألة وقال في رجل أم قوما فصلى بهم ركعتين، ثم أحدث فقدم رجلا، فقال المقدم: إني شككت في سجدتين (من) الركعة الثانية، ولا أدري أسجدتهما أم لا؟ والقوم شاكون بشكه، أو بعضهم يتيقن أنهما من الركعة الثانية، وبعضهم يقول سجدة واحدة من الأولى، وسجدة من الركعة الثانية. قال: يسجدهما الثاني فتتم له ركعة ويسجد معه من كان شك بشكه؛ وأما من أيقن أنهما

مسألة: أم قوما فتعايا في قراءته

من الأولى فلا يسجدهما، وتسجدهما الطائفة التي زعمت أن إحداهما من الأولى، والأخرى من الثانية مع الإمام الداخل، فتتم له ركعة، وتبطل عليه الأولى، ثم يبني عليها الإمام؛ فإذا فرغ الإمام، سلم وقامت الطائفة التي زعمت أنهما من الأولى، فتأتي بركعة. قال محمد بن رشد: المسألة كلها صحيحة، إلا قوله وتسجدهما الطائفة التي زعمت أن إحداهما من الأولى، والأخرى من الثانية، فليس بصحيح؟ إنما ينبغي أن يسجدوا معه منهما الواحدة، ثم يقضوا ركعة بعد سلام الإمام، كما تفعل الطائفة التي زعمت أنها من الأولى - وبالله التوفيق. [مسألة: أم قوما فتعايا في قراءته] مسألة قيل لسحنون: أرأيت رجلا أم قوما فتعايا في قراءته، ففتح عليه رجل فلم يهتد الإمام لما فتح عليه، فتقدم الفاتح إلى الإمام فوقف معه في موضعه، فقرأ بهم حتى فرغ من السورة - والإمام قائم في القبلة منصت حتى ركع بهم الركعة التي بقيت عليهم، ثم سلم بهم الأول الفاتح عليه ومن خلفه بصلاة الإمام الأول؛ فقال: ما أرى صلاتهم كلهم الفاتح على الإمام، وغير الفاتح إلا فاسدة. قال محمد بن رشد: وهذا بين - كما قال؛ لأنهم ائتموا بمأموم في حكم الإمام، ففسدت صلاتهم أجمعين. [مسألة: نسي خمس صلوات مختلفات من خمسة أيام] مسألة وسئل عمن نسي خمس صلوات مختلفات من خمسة أيام، لا يدري أي الصلوات هي؟ قال سحنون: يصلي صلاة خمسة أيام.

مسألة: صلى مع الإمام يوم الجمعة ركعة ثم رعف

قال محمد بن رشد: هذا على القول المشهور في المذهب من اعتبار التعيين في الأيام، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم "أوصى أن ينفق على أمهات أولاده" من سماع عيسى، فمن أحب الوقوف عليه تأمله - هناك - وبالله التوفيق. [مسألة: صلى مع الإمام يوم الجمعة ركعة ثم رعف] مسألة وسئل سحنون عن رجل صلى مع الإمام يوم الجمعة ركعة ثم رعف فخرج يغسل الدم عنه، فلما غسل الدم عنه، حال بينه وبين الانصراف إلى المسجد واد أو أمر غالب؛ قال: يضيف إليها ركعة أخرى ثم يقوم فيصلي ظهرا أربعا. قال محمد بن رشد: وهذا - كما قال؛ لأن من شرط الجمعة أن تكون في المسجد، فإذا لم يقدر على الرجوع إليه، بطلت الجمعة، وخرج عن نافلة، وصلى ظهرا أربعا، وقد مضى في رسم "سن" من سماع ابن القاسم - ما فيه بيان لهذه المسألة، فقف على ذلك. [مسألة: صلي مع الإمام فيسجد قبله ويركع قبله] مسألة قيل لسحنون أرأيت الرجل يصلي مع الإمام فيسجد قبله، ويركع قبله في صلاته كلها؛ قال: صلاته تامة - وقد أخطأ - ولا إعادة عليه ولا يعد. قال محمد بن رشد: وهذا إذا سجد قبله وركع قبله فأدركه الإمام بسجوده وركوعه - وهو راكع وساجد، فرفع برفعه من الركوع والسجود، أو رفع قبله، وأما إن ركع ورفع - والإمام واقف قبل أن يركع، وسجد ورفع من السجود أيضا قبل أن يسجد الإمام؛ ثم لم يرجع مع الإمام في ركوعه وسجوده، وفعل ذلك في صلاته كلها، فلا صلاة له؛ واختلف إن فعل ذلك في ركعة واحدة، أو سجدة واحدة، فقيل تجزئه الركعة وقيل لا تجزئه وقد بطلت

مسألة: رجل في جواره مسجد فتجاوزه إلى غيره

عليه، فيأتي بها بعد سلام الإمام، فإن لم يفعل بطلت صلاته؛ وقد مضى في رسم "باع شاة" من سماع عيسى ما يدل على هذا الاختلاف، فتدبر ذلك - وبالله التوفيق. [مسألة: رجل في جواره مسجد فتجاوزه إلى غيره] مسألة وسئل عن رجل في جواره مسجد فتجاوزه إلى غيره، قال: إن كان إلى المسجد الجامع، فلا بأس به، وإن كان إلى غير ذلك، لم أر أن يجاوزه إلى غيره، إلا أن يكون إمامه غير عدل. قال محمد بن رشد: قد روي عن مالك مثل هذا، وهو يدل على ما ذهب إليه ابن حبيب: أن الصلاة في المسجد الجامع بخمسة وسبعين صلاة، فهي أفضل من الصلاة في سائر المساجد والجماعات؛ خلاف ما ذهب إليه غيره من استواء الفضيلة في جميع المساجد، والجوامع، والجماعات؛ على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا، أو سبعة وعشرين جزءا» . ولم يخص جماعة من جماعة، ولا مسجدا من مسجد، وبالله التوفيق. [مسألة: الطحال هل يجوز للخراز أن يبطن به الخف] مسألة قلت لسحنون: أرأيت الطحال هل يجوز للخراز أن يبطن به الخف؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: الطحال حكمه حكم اللحم، لا حكم الدم؛ روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أحلت لنا ميتتان، ودمان: الحوت والجراد، والطحال والكبد.» فهو وإن جاز

مسألة: الإمام يسر في الجمعة عامدا أو جاهلا

للخراز أن يبطن به من أجل أنه طاهر ليس بنجس، إذ ليس بدم، فهو يكره من ناحية أن له حرمة الطعام، وقد مضى هذا من قول مالك في رسم "حلف" من سماع ابن القاسم - وبالله التوفيق. [مسألة: الإمام يسر في الجمعة عامدا أو جاهلا] مسألة وقال في الإمام يسر في الجمعة عامدا أو جاهلا فعليه الإعادة في قول علي بن زياد، وأما قول مالك فلا يعيد، وإن كان ناسيا - سجد. قال محمد بن رشد: قد اختلف قول مالك في إيجاب الإعادة على من ترك الجهر في صلاته - متعمدا، وفي إيجاب السجود على من سها عن ذلك؟ وقد مضى ذكر ذلك في أول رسم من سماع أشهب في رسم "حمل صبيا" من سماع عيسى، فمن لم ير في ذلك السجود في السهو ولا الإعادة في العمد، جعله من مستحبات الصلاة لا من سننها - وبالله التوفيق. [مسألة: العراة يكون معهم ثوب واحد] مسألة قال ابن القاسم في العراة يكون معهم ثوب واحد، إنهم يصلون به أفذاذا واحدا، واحدا، ولا يجمع بهم إمامهم ليلا كان أو نهارا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ستر العورة في الصلاة واجب على الأعيان، فرض من فرائضها، أو سنة من سننها - على الاختلاف في ذلك؛ والصلاة في الجماعة سنة على الكفاية، فترك الجماعة في الصلاة أولى من ترك ستر العورة فيها، وإن كان الثوب لأحدهم - ولم يكن فيه فضل عما يستر

مسألة: الأنعام إذا شربت من ماء غير طاهر هل تكون ألبانها طاهرة

به عورته، لم يجبر على أن يعرى منه ويعطيهم إياه ليصلوا به؛ وأما إن كان فيه فضل عما يستر به عورته، فالواجب يجبر على ذلك؛ لأن المواساة إذا كانت تلزم في باب المعيشة، فهي في باب الدين ألزم - إن شاء تعالى، وبه سبحانه التوفيق. [مسألة: الأنعام إذا شربت من ماء غير طاهر هل تكون ألبانها طاهرة] مسألة قيل لسحنون: أرأيت الأنعام إذا شربت من ماء غير طاهر، هل تكون ألبانها طاهرة؟ قال: لا - وهي نجسة. قال العتبي هي طاهرة، وهي بمنزلة النحل إذا أطعمت العسل الذي ماتت فيه فأرة. قال محمد بن رشد: قول سحنون شذوذ في المذهب، إلا أن في كتاب الرضاع من المدونة ما ينحو إليه، وهو قوله في المراضع النصرانيات؛ وإنما غذاء اللبن مما يأكلن، وهن يأكلن الخنزير، ويشربن الخمر. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة قرب آخر رسم "الوضوء والجهاد"، من سماع أشهب من كتاب الوضوء. [مسألة: أم أحدهما صاحبه ثم يحدث الإمام منهما فيستخلف صاحبه] مسألة قال أبو زيد: وسئل أصبغ عن رجلين أم أحدهما صاحبه ثم يحدث الإمام منهما، فيستخلف صاحبه؛ قال أصبغ: لا يجوز له أن يبني على الصلاة؛ لأنه ليس معه آخر، فيكون خليفة على نفسه، لا يجوز له، ويقطع ويبتدئ ولا يجوز أن يبني، استخلفه أو لم يستخلفه.

مسألة: الإمام يصلي بقوم صلاة كسوف فتنجلي الشمس وهو في الصلاة

قال محمد بن رشد: إنما لم يجز له أن يبني، وقال: إنه يقطع ويبتدئ؛ لأنه ابتدأ في جماعة، فلم يجز له أن يتم وحده - على أصله فيمن وجب عليه أن يصلي في جماعة فصلى - فذًّا، أن صلاته لا تجزئه؛ وقد مضى هذا المعنى في رسم "جاع"، ورسم إن خرجت من سماع عيسى، فقف على ذلك وتدبره، وبالله التوفيق. [مسألة: الإمام يصلي بقوم صلاة كسوف فتنجلي الشمس وهو في الصلاة] مسألة وسئل أصبغ عن الإمام يصلي بقوم صلاة كسوف، فتنجلي الشمس - وهو في الصلاة، وقد عقد ركعة ولم يسجد، قال أصبغ: يقضي صلاته على سنتها حتى يفرغ منها، ولا ينصرف منها إلا على شفع. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأنها صلاة، فإذا دخل فيها لم يصح له أن يقطعها من غير عذر حتى يتمها على سنتها - قياسا على سائر الصلوات؛ خلافا لمن شذ فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما ركع ركعتين في ركعة لينظر إذا رفع هل انجلت الشمس أم لا؟ وهذا التأويل يبطل بأنه إنما صلى في المسجد، لا في الصحراء، وبالله التوفيق. [مسألة: صلى المغرب بقوم في الخوف فصلى بكل طائفة منهم ركعة وأتم القوم لأنفسهم] مسألة قال أصبغ في إمام صلى بقوم صلاة المغرب في الخوف، فجهل فصلى فجعل القوم ثلاث طوائف، فصلى بكل طائفة منهم ركعة، وأتم القوم لأنفسهم؛ أرى صلاة الإمام، والأوسطين، والآخرين، تامة؛ وأرى صلاة الأولين فاسدة، وذلك أنهم قضوا ركعتين تامتين في غير موضع قضاء؛ لأن السنة كانت أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين،

مسألة: تيمم فصلى بتيممه المغرب والعشاء والصبح

ثم يتمون لأنفسهم؛ فلما صلى بهم ركعة، ثم صلوا هم بقية صلاتهم دونه؛ كانوا قد صلوا ركعة واحدة من صلاة الإمام بلا إمام، فلذلك فسدت صلاتهم، وأجزأت الآخرين والأوسطين؛ لأن الأوسطين كأنهم دخلوا في صلاة الأولين، فأدركوا من صلاتهم ركعة، فصلوا معهم، ثم قضوا لأنفسهم؛ وأما الآخرون فصلى بهم ركعة - كما كان ينبغي (له) أن يفعل. قلت: فلو كانت صلاته هذه ظهرا، أو خوفا في حضر - فجهل الإمام فجعل القوم أربع طوائف، وصلى بكل طائفة ركعة، قال أصبغ: تجزئ الإمام الصلاة، والطائفة الثانية، والرابعة، وتفسد صلاة الطائفة الأولى والثالثة - على هذا المثال الذي فسرت لك. قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف، وابن الماجشون أيضا؛ وقال سحنون في كتاب ابنه: تفسد الصلاة عليه وعليهم أجمين؛ لأنه ترك سنة الصلاة وقام في غير موضع قيام؛ وينبغي أن تفسد صلاة الطائفة الثانية إن كانوا أتموا صلاتهم قبل سلام الإمام - على مذهب من يرى أن الركعة الأولى التي هي قضاء، لا يصلونها إلا بعد سلام الإمام، وهو قول ابن القاسم، وأحد قولي سحنون، وقد مضى القول على ذلك - موعبا في سماع سحنون، فقف عليه - وبالله التوفيق. [مسألة: تيمم فصلى بتيممه المغرب والعشاء والصبح] مسألة وقال في رجل تيمم فصلى بتيممه المغرب والعشاء والصبح

والظهر، أنه يعيد الصبح والظهر، ولا إعادة عليه للمغرب ولا للعشاء؛ وإن صلى الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء بتيمم واحد، أعاد الظهر والعصر والمغرب والعشاء؛ وإن كان تيممه للركعتين - ولم يكن تيمم للمكتوبة، أعاد الخمس صلوات كلها أبدا؛ وإن تيمم فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، أعاد المغرب والعشاء أبدا؛ فإن تيمم وصلى الظهر والعصر، ثم ذكر وهو في وقت صلاة العصر - أعاد العصر، ووقتها إلى أن يكون ظلك مثليه، ووقت العشاء الآخرة إلى نصف الليل في التيمم، وهذا قول أصبغ، وقد قيل فيها إلى أن يغيب الشفق، وهو قول أبي ضمرة. قال محمد بن رشد: قد اختلف فيمن صلى صلاتين بتيمم واحد على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يعيد الثانية أبدا، وقيل إنه لا يعيدها إلا في الوقت؛ وقيل إن كانتا مشتركتي الوقت، أعاد الثانية في الوقت؛ وإن لم تكونا مشتركتين، أعاد الثانية - أبدا؛ (وقيل ما لم يطل قبل اليومين والثلاثة، وهو قول لا حظ له في النظر؛ واختلف أيضا في الوقت الذي يعيد الثانية من المشتركتين في الوقت، فقيل: ما لم تغب الشمس، وقيل ما لم يذهب وقتها المستحب، وهو وقت العصر ونصف الليل للعشاء الآخرة) وهو قوله في هذه الرواية. وأما قول أبي ضمرة إن الوقت في ذلك إلى أن يغيب الشفق، فمعناه البياض لا الحمرة؛ لأن ذهاب الحمرة، هو أول وقتها المستحب؛ فيحتمل أن يكون أراد أن مغيب البياض هو آخر وقتها المستحب، لا معنى لقوله غير هذا؛ وقد ذكرنا في أول سماع أبي زيد من كتاب الوضوء المعنى الذي من أجله لم يجز للمتيمم أن

يصلي صلاتين بتيمم واحد؛ وبينا وجهه بيانا شافيا، فمن أحب الوقوف عليه تأمله - هناك - وبالله التوفيق. تم كتاب الصلاة الخامس بحمد الله، وبتمامه تم كتاب الصلاة * * *

كتاب الجنائز

[كتاب الجنائز] [مسألة: نزع الأردية في الجنائز] كتاب الجنائز من سماع ابن القاسم من كتاب الرطب باليابس مسألة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم؛ قال: سئل مالك عن نزع الأردية في الجنائز؛ قال: بئس العمل. قال محمد بن رشد: معنى هذا أن ينحسر الرجل في جنازة أبيه أو أخيه فيتبعه حاسرا بغير رداء - قاله سحنون في نوازله من هذا الكتاب في بعض الروايات، وإنما كرهه مالك؛ لأنه من ناحية النعي المنهي عنه من فعل الجاهلية، لما فيه من إبداء الحزن والجزع للولي على ميته، ومن هذا المعنى ما يفعل

مسألة: يحمل الرجل الجنازة وينصرف ولا يصلي

عندنا من تبيض الولي على وليه، فهو مكروه من الفعل، لا يفعله إلا مخطئ. وقد استخف ابن حبيب أن ينحسر الرجل في جنازة من يختص به كأبيه الذي يحمل سريره على كاهله، وشبهه من قرابته؛ أو كالرجل الفاضل، أو العالم الذي يختص به ويعنى بأمره؟ وذلك خفيف - كما قال - إذا كان إنما يفعله من أجل حمله وما يتكلفه من التصرف في أمره، فقد فعله عبد الله بن عون في جنازة محمد بن سيرين، ومصعب بن الزبير - وهو أمير في جنازة الأحنف بن قيس؟ وحمل سعد بن أبي وقاص سرير عبد الرحمن بن عوف على كاهله، وفعله عمر بأسيد بن الحضير، وعثمان بأمه، وعبد الله بن عمر بأبي هريرة - وبالله التوفيق. [مسألة: يحمل الرجل الجنازة وينصرف ولا يصلي] ومن كتاب القبلة مسألة قال ابن القاسم وسمعت مالكا يقول: من شهد جنازة فإني لا أرى أن ينصرف حتى يصلي عليها، إلا لحاجة أو علة. قال محمد بن رشد: هذا مثل قوله - بعد هذا في رسم "شك في طوافه": ليس هذا من الفعل أن يحمل رجل ولا يصلي. وقال في آخر سماع أشهب: لا بأس أن يحمل الرجل الجنازة وينصرف ولا يصلي، وذلك اختلاف من قوله: كره في سماع ابن القاسم لمن شهد جنازة أن ينصرف حتى يصلي عليها، ولم ير بذلك بأسا في سماع أشهب، والأصل في هذا الاختلاف اختلافهم في تخريج ما تعارض ظاهره من حديث النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في ثواب المصلي على الجنازة وتأويله، وذلك أنه روي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «من جاء جنازة فتبعها من أهلها حتى يصلي عليها، فله

قيراط، وإن مضى معها حتى تدفن فله قيراطان مثل أحد» . وروي عنه أيضا أنه قال: «من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان» . فذهب بعض الناس إلى أن الحديث الأول مبين للحديث الثاني؛ لأن راويه حفظ من ذكر اتباع الجنازة من أهلها، ما أغفله راوي الحديث الثاني؟ وذهب آخرون إلى أن المعنى في ذلك، أن الله كان كان تفضل بقيراط من الأجر لمن اتبع الجنازة من أهلها وصلى عليها، ثم تفضل بعد ذلك بالزيادة في الثواب فجعل في الصلاة على الجنازة خاصة قيراطا كاملا من الأجر، فمن ذهب إلى التأويل الأول، رأى أن الذي يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتصحيح الأثرين، أن القيراط من الثواب إنما يستحق باتباع الجنازة من أهلها، والصلاة عليها، يقع من ذلك لاتباعها من عند أهلها ما الله به أعلم، وللصلاة عليها ما الله به أعلم أيضا، ويجيء على مذهبه أنه لا ينبغي لمن شهد جنازة أن ينصرف دون أن يصلي عليها لئلا يبطل عمله في اتباعها، إذ جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثواب ذلك مضمنا بالصلاة، فصار معها كشيء واحد، من شرع فيه لم ينبغ له أن يتركه حتى يتمه، لقول الله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]- فهذا وجه ما في هذا السماع من الكراهية لمن شهد جنازة أن ينصرف دون أن يصلي عليها، ومن ذهب إلى التأويل الآخر، رأى أن اتباع الجنازة ليس بمرتبط بالصلاة عليها، إذ قد تفضل الله لمن صلى عليها بقيراط كامل من الأجر، ولمن اتبعها من أهلها بما هو أعلم به من الأجر، ويجيء على مذهبه: أن لمن اتبع الجنازة من أهلها، أن ينصرف دون أن يصلي عليها

مسألة: الغسل على من غسل ميتا

لانفصال اتباع الجنازة عنده عن الصلاة عليها، وبينونة كل واحد منهما عن صاحبه بحظه من الأجر؟ كما أن لمن صلى عليها أن ينصرف دون أن يشاهد دفنها، أو يصلي على غيرها؛ لانفصال الدفن عن الصلاة ببينونة كل واحد منهما عن صاحبه بحظه من الأجر، كما تنفصل الجنازة عن غيرها؛ فهذا وجه رواية أشهب عن مالك في أن لمن اتبع الجنازة أن ينصرف دون أن يصلي عليها، وهذا إذا كان ممن لا يقتدى به، وأمن من أن يظن به اعتقاد سوء في نفسه، أوفي الميت؟ ويشهد لهذا القول ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من اتبع جنازة وحملها ثلاث مرار، فقد قضى ما عليه من حقها» . وهو حديث غريب ذكره الترمذي في مصنفه. [مسألة: الغسل على من غسل ميتا] مسألة قال مالك: أرى على من غسل ميتا أن يغتسل، قال ابن القاسم ولم أره يأخذ بحديث أسماء بنت عميس، ويقول: لم أدرك الناس إلا على الغسل. قال ابن القاسم وهو أحب ما سمعت فيه إلي. قال سحنون حدثني أنس بن عياض، عن محمد بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من غسل ميتا فليغتسل» .

قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية إيجاب الغسل على من غسل ميتا - للحديث المذكور، ولمالك في المختصر أن ذلك مستحب وليس بواجب، وقول ابن القاسم: وهو أحب ما سمعت فيه إلي - حمله ابن أبي زيد وغيره على أنه استحب الغسل، مثل قول مالك في المختصر. والظاهر عندي منه أنه إنما استحب القول بإيجاب الغسل، فهو مثل روايته عن مالك، وقد قيل إنه لا غسل عليه، وهو قول مالك في الواضحة، وعليه الجمهور؛ وهو الذي يوجبه النظر والقياس على الأصول؛ لأن غسل الميت ليس بحدث ينقض الطهارة مثل الجنابة؛ بدليل إجماعهم على أنه لا غسل على من غسل ما سوى الميت من الأشياء الطاهرة، أو النجسة؛ فمن أوجب الغسل جعل أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به عبادة لا لعلة، وحمله على مقتضاه من الوجوب، ومن استحبه ولم يوجبه، جعل أمر النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - به لعلة؛ واختلفوا ما هي؟ فمنهم من قال إنه إنما أمره بالغسل ليبالغ في غسل الميت؛ لأنه إذا غسل الميت - موطنا على الغسل، لم يبال بما ينتضح عليه منه، فكان سببا لمبالغته في غسله؛ ومنهم من قال ليس معنى أمره بالغسل، أن يغسل جميع جسده كغسل الجنابة؛ وإنما معناه أن يغسل ما باشره به، أو انتضح عليه منه؛ لأنه ينجس بالموت، وإلى هذا ذهب ابن شعبان، فقال: لا يدخل الميت في المسجد؛ لأنه ميتة، وإليه ذهب محمد بن عبد الحكم في قوله: أنه ينجس الثوب الذي يجفف به الميت بعد غسله، خلاف قول سحنون في نوازله من بعض روايات العتبية؛ وهو دليل قول ابن القاسم في كتاب الرضاع من المدونة أن لبن المرأة الميتة الذي في ضرعها ينجس بموتها، لنجاسة الوعاء، فلا يحل شربه. والصحيح أن الميت من بني آدم ليس بنجس، بخلاف سائر الحيوان التي

لها دم سائل؛ لأن عدم الروح من الحيوان ليس بعلة في النجاسة، إذ قد يعدم الروح بالذكاة فيما يؤكل من دواب البر، وبالموت في دواب البحر، فلا ينجس بذلك، فلما لم يكن عدم الروح من الحيوان علة في النجاسة، وجب ألا ينجس بالموت إلا ما يموت مما يحل أكله بذكاة، وهي الميتات؛ لأن الله تعالى سماها رجسا فقال: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ} [الأنعام: 145] الآية - إلى قوله سبحانه: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] . والميت من بني آدم لا يسمى ميتة، فليس برجس ولا نجس، ولا حرم أكله لنجاسة، إذ ليس بنجس، وإنما حرم إكراما له؟ ألا ترى أنه لما لم يسم ميتة، لم يجز للمضطر أن يأكله بإباحة الله تعالى له أكل الميتة - على الصحيح من الأقوال، هذا من طريق النظرة وأما من طريق الأثر، فقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن المؤمن لا ينجس» . وقال ابن عباس في البخاري: لا ينجس المسلم حيا ولا ميتا. وقال سعد بن أبي وقاص: لو كان نجسا ما مسسته. وسئلت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هل يغتسل من غسل ميتا؟ فقالت: أو أنجاس موتاكم؟ ولو كان نجسا ما أدخله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسجد، وفي هذا كفاية. ومنهم من قال: إنما أمر أن يغتسل - توقيا لما عسى أن يصيبه من أذى الميت، إذ يخاف ألا يكون طاهرا من النجاسة، لا أن ذاته نجسة، وقد يحتمل أن يتأول في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من غسل ميتا فليغتسل» ، ما يتأول لا قوله: «ومن حمله فليتوضأ» . فيكون المعنى في ذلك أن يغتسل لاغتساله - إن كان غير طاهر، لئلا يغسله - وهو جنب، ومما يدل أن الاغتسال من غسل الميت

مسألة: يغسل الجنب الميت

مستحب غير واجب، حديث أسماء بنت عميس، إذ لو كان الغسل عليها واجبا، لما سقط عنها لشدة البرد، ولوجب أن تتيمم - إن خشيت على نفسها الموت - الله أعلم. [مسألة: يغسل الجنب الميت] مسألة قال مالك: لا أحب للجنب أن يغسل الميت حتى يغتسل؛ لأن أمره يسير، ولا بأس بالحائض أن تغسل الميت. قال محمد بن رشد: قد روى ابن نافع عن مالك أنه لا بأس أن يغسل الجنب الميت، وهو قول محمد بن عبد الحكم، وظاهر قول ابن القاسم في كتاب ابن عبدوس؛ والأظهر في ذلك الكراهة، لما جاء من أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب، ولأنه يملك طهره؛ وقد يحتمل أن يدل على المنع، من ذلك قوله، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من غسل ميتا فليغتسل» - على ما ذكرناه قبل هذا مما يحتمله تأويل الحديث؛ فإن غسله وهو جنب، نقص أجره، ولم يأثم على القول بكراهية ذلك؛ لأن حد المكروه ما تركه أفضل - والله أعلم، وبه التوفيق. [الشهداء تكون عليهم المناطق وقلانس محشوة قزا هل يدفنوا بها] ومن كتاب أوله حلف ألا يبيع سلعة وسئل عن الشهداء تكون عليهم المناطق وقلانس محشوة قزا، أترى أن يدفنوا بها؟ قال: ما علمت أنه ينزع منهم شيء. قال ابن القاسم ولا بأس أن يدفنوا في الخفين إذا أصيب - وهما عليه. وقال ابن نافع لا ينزع عنه فروه ولا خفاه. قال مطرف

مسألة: رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء

لا تنزع عنه منطقته، إلا أن يكون لها خطب، قال: وأما إن كان الذي فيها من الفضة يسيرا، فلا تنزع عنه؛ ولا ينزع خاتمه إلا أن تكون فضة لها خطب وبال. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: لا بأس أن يدفنوا في الخفين إذا أصيب وهما عليه، يدل على أن نزعهما جائز، وكذلك المناطق والخواتم على قياس قوله؛ فهو خلاف قول مالك وابن نافع ومطرف؛ لأنهم ذهبوا إلى ألا ينزع عنهم شيء مما هو في معنى اللباس - وإن لم يكن من الثياب قياسا على الثياب حاشا دروع الحديد؛ لأنها من السلاح؛ وذهب ابن القاسم إلى أنه ينزع عنهم ما عدا الثياب، تعلقا بظاهر قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: زملوهم بثيابهم، فهذا وجه أقوالهم - والله تعالى أعلم. [مسألة: رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء] ومن كتاب أوله شك في طوافة مسألة وسئل مالك: عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء، فأراد أن يحمل لموضع الأجر ولا يصلي؛ قال: ليس هذا من العمل أن يحمل رجل ولا يصلي، ولم يعجبه ذلك، وقال: ليس هذا من عمل الناس أن يحملوا على غير وضوء. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم "القبلة" وجه الكراهية في أن يحمل ولا يصلي، وإنما كره له أن يحمل على غير وضوء، من أجل أنه لا يصلي، ولو علم أنه يجد في موضع الجنازة ماء يتوضأ به، لم يكره أن يحمل على غير وضوء، وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من غسل ميتا

مسألة: تعزية المسلم يهلك أبوه وهو كافر

فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ» . ومعنى قوله عندهم من حمله فليتوضأ أي ليتوضأ إذا أراد أن يحمله كي يصلي عليه إذا حمله، لا أن حمله ينقض طهارة من كان متوضئا. [مسألة: تعزية المسلم يهلك أبوه وهو كافر] مسألة وسئل مالك عن الرجل المسلم يهلك أبوه وهو كافر، افترى أن يعزيه به فيقول: آجرك الله في أبيك؟ قال لا يعجبني أن يعزيه به، لقول الله تعالى في كتابه العزيز {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] . فلم يكن لهم أن يرثوهم وقد أسلموا حتى يهاجروا، ومنعهم الله الميراث - وقد أسلموا حتى يهاجروا. قال محمد بن رشد: ما ذهب إليه مالك في هذه الرواية من أن المسلم لا يعزى بأبيه الكافر، ليس ببين؛ لأن التعزية بالميت تجمع ثلاثة أشياء: أحدها تهوين المصيبة على المعزى وتسليته منها، وتحضيضه على التزام الصبر، واحتساب الأجر، والرضى بقدر الله، والتسليم لأمره. والثاني الدعاء له بأن يعوضه الله من مصابه جزيل الثواب، ويحسن له العقبى والمئاب. والثالث الدعاء للميت والترحم عليه، والاستغفار له، فليس تحظير الدعاء للميت الكافر، والترحم عليه، والاستغفار له، لقوله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: 113]- الآية - بالذي يمنع من تعزية ابنه المسلم بمصابه به، إذ لا مصيبة على الرجل أعظم من أن يموت أبوه الذي كان يحن عليه، وينفعه في دنياه - كافرا، فلا يجتمع به في أخراه، فتهون عليه مصيبته، ويسليه منها، ويعزيه فيها بمن مات للأنبياء الأبرار - عليهم

السلام - من القرابة، والآباء الكفار؛ ويحضه على الرضى بقدر الله، ويدعو له في جزيل الثواب إلى الله؟ إذ لا يمنع أن يؤجر المسلم بموت أبيه الكافر، إذا شكر الله، وسلم لأمره، ورضي بقضائه وقدره، فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يزال المسلم يصاب في أهله وولده وحامته، حتى يلقى الله - وليست له خطيئة» . ولم يفرق بين مسلم وكافر، وهل يشك أحد في أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجر بموت عمه أبي طالب، لما وجد عليه من الحزن والإشفاق؛ وقد روي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن للرجل أن يعزي جاره الكافر بموت أبيه الكافر، لذمام الجوار، فيقول له - إذا مر به: بلغني الذي كان من مصابك بأبيك، ألحقه الله بكبار أهل دينه، وخيار ذوي ملته. وقال سحنون إنه يقول له: أخلف الله لك المصيبة، وجزاك أفضل ما جازى به أحدا من أهل دينه. فالمسلم بالتعزية أولى، وهو بذلك أحق وأحرى. والآية التي احتج بها مالك لما ذهب إليه من ترك التعزية بالكافر، منسوخة؟ قال عكرمة: أقام الناس برهة لا يرث المهاجر في الأعرابي، ولا الأعرابي المهاجر؟ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72]- الآية، حتى نزلت {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6] . فاحتج بالمنسوخ كما احتج لما اختاره من الإطعام في كفارة الفطر في رمضان بقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184]- الآية، وهي منسوخة؟ وذلك إنما يجوز على القول بأن الأمر إذا نسخ وجوبه، جاز أن يحتج به على الجواز، وفي ذلك بين أهل العلم اختلاف، واعتلاله بامتناع الميراث ضعيف، إذ قد يعزى الحر بالعبد - وهما لا يتوارثان، ولو استدل على ما ذهب إليه من أن

مسألة: المرأة تعتق الرجل فيموت المعتق ثم ولدها وأخوها أحق بالصلاة عليه

المسلم لا يعزى بالكافر، بقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] . وبقوله عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [المجادلة: 22]- الآية، لكان أظهر وإن لم يكن ذلك دليلا قاطعا، للمعاني التي ذكرناها، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تعتق الرجل فيموت المعتق ثم ولدها وأخوها أحق بالصلاة عليه] مسألة وسئل مالك عن المرأة تعتق الرجل فيموت المعتق - ثم ولدها وأخوها، من ترى أحق بالصلاة عليه؟ قال ابنها، ما لأخيها وما له؟ ابنها أحق بميراثه، والصلاة عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ابن المرأة أقرب إليها من أخيها - وإن لم يكن من قومها عند مالك، خلاف مذهب الشافعي. [الرجل يبتاع الوصيف الصغير من سبي الروم] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل عن الرجل يبتاع الوصيف الصغير من سبي الروم - وقد أراد به سيده الإسلام، فيقيم في يديه أياما ثم يموت، أترى أن يصلى عليه؟ قال إن لم يسلم، فلا يصلى عليه. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم وروايته هذه عن مالك، أن الصغير من سبي أهل الكتاب، لا يجبر على الإسلام، ولا يحكم له بحكمه حتى

يجيب إليه؛ وقيل إنه يجبر على الإسلام - وإن كان معه أبواه، وهو قول الأوزاعي، والثوري، وظاهر رواية ابن نافع عن مالك في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة، واختيار أبي عبيد؟ قال: لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه؟ وقيل إنه يجبر على الإسلام، إلا أن يكون سبي معه أبوه، كانا في ملك واحد أو لم يكونا؛ ولا يلتفت في ذلك إلى أمه، وهو قول المدنين وروايتهم عن مالك، ورواية معن بن عيسى عن مالك في آخر سماع موسى بن معاوية. وقيل إنه يجبر على الإسلام، إلا أن يكون معه أحد أبويه فيكون تبعا له، ما لم يفرق بينهما الإملاك، وهو قول ابن الماجشون في ديوانه؛ فيتحصل في ذلك ستة أقوال - سنذكر بيانها في سماع محمد بن خالد من كتاب المرتدين والمحاربين إذا وصلنا إليه - إن شاء الله، واختلف إن مات قبل أن يجبر على الإسلام في الموضع الذي يجبر فيه، فقيل إنه يحكم له بالإسلام لملك سيده إياه، وهو قول ابن دينار، ورواية معن بن عيسى عن مالك؛ وقيل إنه لا يحكم له بالإسلام حتى ينويه له سيده، وهو قول ابن وهب؛ وقيل إنه لا يحكم له بالإسلام حتى يرتفع عن حداثة الملك شيئا، ويزييه سيده بزي الإسلام، ويشرعه بشرائعه، وهو قول ابن حبيب، وقيل إنه لا يحكم له بالإسلام حتى يجيب إليه ويعقل الإجابة ببلوغه حد الإثغار أو نحو ذلك، وقيل إنه لا يحكم له بحكم الإسلام حتى يجيب إليه بعد البلوغ، وهو مذهب سحنون؛ وأما الصغير من سبي المجوس، فلا اختلاف في أنه يجبر على الإسلام، إلا أن يكون معه أبواه، أو أحدهما في ملك واحد، أو أملاك متفرقة؛ فعلى ما تقدم من الاختلاف في الصغير من سبي أهل الكتاب وإن مات قبل أن يجبر، فعلى ما تقدم من الاختلاف أيضا؛ واختلف في الكبير من سبي المجوس، هل يجبر على الإسلام أم لا - على قولين، ولم يختلف في الكبير من سبي أهل الكتاب، أنه لا يجبر على

مسألة: التكبير لصلاة الجنائز

الإسلام؛ ومذهب ابن حبيب فيما ولد للنصراني في ملك المسلمين، مثل قول ابن القاسم إنه لا يجبر على الإسلام، بخلاف السبي؛ وذهب أبو المصعب إلى أنه لا يجبر في السبي، ويجبر فيما ولد في ملك المسلمين، عكس تفرقة ابن حبيب، فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة، وقد مضى بعضه في أول سماع أصبغ من كتاب الصلاة؛ والذي يشهد له قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه» - الحديث - أن يحكم للصغير من أولاد المشركين كيفما كان، ما لم تكن له ذمة، ولم يكن معه أبواه - بحكم الإسلام. [مسألة: التكبير لصلاة الجنائز] مسألة وسئل مالك عن التكبير لصلاة الجنائز فيمن يكبر خمس تكبيرات، أترى أن يكبر معه، أم يقطع ذلك؟ قال بل يقطع ذلك أحب إلي إذا كبر أربعا، ولا يتبعه في الخامسة. قال محمد بن رشد: إنما استحسن أن يقطع، ولم يقل إنه يكبر معه الخامسة - مراعاة للخلاف، كما قال في الإمام يرى في سجود السهو خلاف ما يرى من خلفه؛ لأن الإجماع قد انعقد بين الصحابة في خلافة عمر بن الخطاب على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز، فارتفع الخلاف؛ روي أن الناس كانوا يختلفون في التكبير في الجنازة، فلما ولي عمر ورأى اختلاف الناس في ذلك، شق عليه ذلك، فجمع أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال لهم: إنكم معاشر أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متى تختلفون، يختلف من بعدكم؟ ومتى تجتمعون على أمر، يجتمع الناس عليه، فانظروا أمرا تجتمعون عليه؟ فكأنما أيقظهم، فقالوا نعم ما رأيت يا أمير المؤمنين، فتراجعوا الأمر بينهم، فأجمع أمرهم على أربع تكبيرات - عدد ركعات أطول الصلوات،

مسألة: الجنازة إذا وضعت لتدفن أينتظر الناس فراغها أم ينصرفون

فهذا أولى ما قيل في ذلك، وقد فرق بين الموضعين بأن السجود فعل يظهر مخالفة الإمام فيه، والتكبير قول لا يظهر مخالفة الإمام فيه، وبأن الاختلاف في سجود السهو، ليس في نفسه كالتكبيرة الخامسة في الجنازة، وإنما هو في موضع إيقاعه، وقال أشهب، وابن الماجشون - عن مالك، إنه لا يقطع ويسكت، فإذا كبر الإمام الخامسة سلم بسلامه، وهذا على اختلافهم في المسافر يصلي بالمسافرين، فيتم الصلاة، فقيل إنهم يسلمون لأنفسهم وينصرفون، وقيل إنهم يقدمون منهم من يسلم بهم، وقيل إنهم ينتظرون الإمام حتى يسلم فيسلموا بسلامه، وسيأتي في آخر نوازل أصبغ الاختلاف في: هل يكبر معه الخامسة من فاتته بعض تكبيرة، وبالله التوفيق. [مسألة: الجنازة إذا وضعت لتدفن أينتظر الناس فراغها أم ينصرفون] ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته مسألة وسئل مالك عن الجنازة إذا وضعت لتدفن، أينتظر الناس فراغها؟ أم ينصرفون؟ قال إن الناس ليفعلون ذلك اليوم، وما كان من أمر الناس في القديم؛ وقيل له أترى ذلك واسعا لمن أقام أو انصرف؟ فقال نعم، أرى ذلك واسعا. قال محمد بن رشد: وهذا واسع كما قال؛ لأن الدفن عبادة مبتدأة منفصلة عن الصلاة، مختصة بما لها من الأجر، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شهد الجنازة حتى يصلي، فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن، كان له قيراطان» . فقوله «ومن شهد حتى تدفن فله قيراطان» ، يدل على أن ذلك ترغيب؛ وقال زيد بن ثابت: إذا صليت، فقد قضيت الذي عليك؛ وقال حميد ما علمنا على الجنازة إذنا، ولكن من صلى ثم رجع، فله قيراط؟ فلا يلزم

مسألة: الجنائز يؤذن بها على أبواب المساجد

من صلى على جنازة، أن يشاهد دفنها؛ ولا يدخل في ذلك من الاختلاف، ما دخل في من حمل جنازة، هل له أن ينصرف دون أن يصلي عليها، وقد مضى بيان ذلك في رسم "القبلة" قبل هذا. [مسألة: الجنائز يؤذن بها على أبواب المساجد] مسألة وسئل مالك عن الجنائز يؤذن بها على أبواب المساجد، فكره ذلك وكره أن يصاح خلفه: استغفروا له، يغفر الله لكم. وابتدأ ما هو فيه بالكراهية. قال ابن القاسم وسألت مالكا عن الجنازة يؤذن بها في المسجد يصاح بها، قال لا خير فيه - وكرهه، وقال لا أرى بأسا أن يدار في الحلق يؤذن الناس بها، ولا يرفع بذلك صوته. قال محمد بن رشد: أما النداء بالجنازة في داخل المسجد فلا ينبغي، ولا يجوز باتفاق، لكراهة رفع الصوت في المسجد، فقد كره ذلك حتى في العلم، وأما النداء بها على أبواب المساجد، فكرهه مالك ههنا ورآه من النعي المنهي عنه، روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «إياكم والنعي، فإن النعي من عمل الجاهلية» ، والنعي عندهم أن ينادى في الناس: ألا إن فلانا قد مات، فاشهدوا جنازته، واستخفه ابن وهب في سماع عبد الملك من هذا الكتاب، ومن كتاب الصلاة؛ وقول مالك: وأما الإذن

مسألة: النصراني يموت هل لابنه وهو رجل من المسلمين أن يقوم في أمره

بها، والإعلام من غير نداء، فذلك جائز بإجماع، وقد «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المرأة التي توفيت فدفنت ليلا: أفلا آذنتموني بها» . وقد روي عن حذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدا، إني أخاف أن يكون نعيا، وقد سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن النعي» . [مسألة: النصراني يموت هل لابنه وهو رجل من المسلمين أن يقوم في أمره] مسألة وسئل مالك عن النصراني يموت أترى لابنه وهو رجل من المسلمين أن يقوم في أمره، ويتبعه إلى قبره من غير شهود له؟ قال ما أرى أن يقوم في أمره ولا يتبعه إلى قبره، قد ذهب الحق الذي كان يلزمه من أمره إذا انقضت حياته، إلا أن يخاف أن يضيع، قال ابن القاسم هذا أثبت ما سمعت من قول مالك وبه آخذ. قال محمد بن رشد: قد حكى ابن حبيب عن مالك، أنه قال: لا بأس أن يقوم بأمره كله، ثم يسلمه إلى أهل دينه ولا يتبعه، إلا أن يخاف عليه الضيعة، فيتقدم إلى قبره، ولا يلي إدخاله فيه، إلا ألا يجد من يكفيه ذلك؛ ولهذا قال ابن القاسم في روايته عنه: إنها أثبت ما سمع منه، فاختار من قوله ألا يقوم في شيء من أمره، إلا ألا يجد من يكفيه ذلك، وإتباعه إلى قبره إن خشي عليه الضيعة، يكون معتزلا عن الحاملين له من أهل دينه - على ما حكى عنه ابن حبيب، مخافة أن ينزل بهم سخط من الله، فيصيبه معهم. [التسليم على الجنازة] ومن كتاب أوله سن رسول الله، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ابن القاسم في التسليم على الجنازة يسلم الإمام واحدة

مسألة: اتخاذ المساجد على القبور

ويسمع من يليه، ومن وراءه يسلمون واحدة في أنفسهم، وإن أسمعوا من يليهم لم أر بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، فالإمام يسمع من يليه سلامه؛ لأنهم يقتدون به فيسلمون بسلامه، ومن خلفه يسلم في نفسه، وليس عليه أن يسمع من يليه، إذ لا يقتدي بسلامه، وإنما يسلم ليتحلل من صلاته، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تحريم الصلاة التكبير، وتحليلها التسليم» . والصلاة على الجنائز صلاة، فهي داخلة في عموم لفظ الصلاة، وفي سماع ابن غانم في بعض الروايات، أنه يرد على الإمام من سلم عليه - قياسا على الصلاة الفريضة وهو تفسير لسائر الروايات. [مسألة: اتخاذ المساجد على القبور] مسألة قال ابن القاسم في اتخاذ المساجد على القبور، قال إنما يكره من ذلك هذه المساجد التي تبنى عليها؛ فلو أن مقبرة عفت فبنى قوم عليها مسجدا فاجتمعوا للصلاة فيه، لم أر بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في هذا السماع، والرسم بعينه من كتاب الحبس، وهي مسألة صحيحة؛ فوجه كراهية اتخاذ المساجد على القبور ليصلي فيها من أجل القبور، ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج» .

مسألة: يجعل على القبر بلاطة ويكتب فيها

وقوله، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد - يحذر ما صنعوا -» . وقوله: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . وأما بناء المسجد للصلاة فيه على المقبرة العافية، فلا كراهة فيه - كما قال؛ لأن المقبرة والمسجد حبسان على المسلمين لصلاتهم، ودفن موتاهم؛ فإذا عفت المقبرة - ولم يمكن التدافن فيها، أو استغنوا عن التدافن فيها، واحتيج إلى أن تتخذ مسجدا يصلى فيه، فلا بأس بذلك؛ لأن ما كان لله، فلا بأس أن يستعان ببعض ذلك في بعض على ما النفع فيه أكثر، والناس إليه أحوج؛ وذلك إذا عفت لكراهية درس القبور الجدد المسنمة على ما قال في أول سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية، وفي الواضحة وغيرها، فقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لأن يمشي أحدكم على الرضف خير له من أن يمشي على قبر أخيه» ، وقال: «إن الميت ليؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته» . [مسألة: يجعل على القبر بلاطة ويكتب فيها] مسألة وكره ابن القاسم أن يجعل على القبر بلاطة ويكتب فيها، ولم ير بأسا بالحجر، والعود، والخشبة، ما لم يكتب في ذلك ما يعرف به الرجل قبر وليه. قال محمد بن رشد: كره مالك البناء على القبر، وأن يجعل عليه

مسألة: النساء يخرجن إلى الجنائز على الرحائل ومشاة

البلاطة المكتوبة؛ لأن ذلك من البدع التي أحدثها أهل الطول - إرادة الفخر والمباهاة والسمعة، فذلك مما لا اختلاف في كراهته. [مسألة: النساء يخرجن إلى الجنائز على الرحائل ومشاة] ومن كتاب البز مسألة وسئل مالك عن النساء يخرجن إلى الجنائز على الرحائل، ومشاة؟ قال قد كان النساء يخرجن فيما مضى من الزمان، ولقد كانت أسماء بنت أبي بكر تخرج تقود فرس الزبير - وهي حامل مثقل، حتى عوتبت في ذلك؛ فقيل له أفترى بخروجهن بأسا؟ فقال ما أرى بأسا، إلا أن يكون أمرا يستنكر. قال محمد بن رشد: أجاز مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إتباع النساء الجنائز، وخروجهن فيها؛ واحتج في ذلك بالعمل الماضي؛ لأنه عنده أقوى من أخبار الآحاد العدول، إلا أن يأتي من ذلك ما يستنكر فيمنع، وقد قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " لو أدرك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد، كما منعه نساء بني إسرائيل ". وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شهد جنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان» . فدخل في عموم ذلك الرجال والنساء، وما روي من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعن زوارات القبور» ، معناه - عند

مسألة: الصبي يسبى صغيرا ومن نية صاحبه أن يجعله يسلم

أهل العلم - أن ذلك كان قبل أن يرخص في ذلك، فلما رخص فيه، دخل في الرخصة النساء مع الرجال، وقد قالت أم عطية: «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» . فقيل إنما نهين عن ذلك لقلة صبرهن، وكثرة جزعهن. وقيل إنما نهين عن ذلك من باب الصون والستر، فالنساء في شهودها ثلاث: متجالة، وشابة، ورائعة بدرة جسيمة ضخمة: فالمتجالة تخرج في جنازة الأجنبي والقريب، والشابة تخرج في جنازة أبيها وأخيها ومن أشبههما من قرابتها، والمرأة الرائعة البدرة الضخمة، يكره لها الخروج أصلا، والتصرف بكل حال، هذا هو المشهور، وقد ذكر ابن حبيب أن خروج النساء في الجنائز مكروه بكل حال: في أهل الخاصة، وذوي القرابة، وغيرهم؛ وينبغي للإمام أن يمنع من ذلك. [مسألة: الصبي يسبى صغيرا ومن نية صاحبه أن يجعله يسلم] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق مسألة وسئل مالك عن الصبي يسبى صغيرا، ومن نية صاحبه أن يجعله يسلم، فلا يقيم إلا يوما أو يومين حتى يموت؛ أترى أن يصلى عليه؟ قال: إن كان أمر بالإسلام فأجاب إليه فليصل عليه، وإلا فلا يصلى عليه. قال محمد بن رشد: قد مضى القول ما هذه المسألة مجودا موعبا في رسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة"، فلا معنى لإعادته.

مسألة: جنازة رجل وجنازة امرأة تحضران جميعا من ترى يصلي عليهما

[مسألة: جنازة رجل وجنازة امرأة تحضران جميعا من ترى يصلي عليهما] ومن كتاب الشريكين مسألة قال مالك في الجنازتين تحضران جميعا جنازة رجل، وجنازة امرأة، من ترى يصلي عليهما: أولياء المرأة، أو أولياء الرجل؟ قال مالك: ليس ينظر في ذلك إلى أولياء المرأة، ولا إلى أولياء الرجل، ولكن ينظر إلى أهل الفضل منهم والسن، فيقدم عليهما؛ وقد كان الناس فيما مضى يودون أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلون على جنائزهم - رجاء بركة دعائهم. قال محمد بن رشد: ذهب ابن الماجشون إلى أن أولياء الرجل، أحق من أولياء المرأة، قال: وقد قدم حسين بن علي - عبد الله بن عمر للصلاة على جنازة أخته أم كلثوم، وابنها زيد بن عمر بن الخطاب أخي عبد الله بن عمر حين كان عبد الله بن عمر أحق بالصلاة على أخيه من حسين بالصلاة على أخته؛ وهذا لا حجة فيه - عندي، إذ قد يحتمل أنه إنما قدمه لسنه، ولإقراره بفضله، لا من أجل أنه أحق بالصلاة على أخيه منه على أخته، وقدم ابنها إلى الإمام في الصلاة عليهما، ولم يورث واحدا منهما من صاحبه؛ لأنه لم يدر أيهما مات قبل صاحبه، فكانت فيهما ثلاث سنن على ما قال ابن الماجشون. [مسألة: التيمم للجنازة] ومن كتاب اغتسل على غير نية مسألة وسئل عن التيمم للجنازة، فقال: إن كان بعيدا جدا، بحيث يجوز له التيمم للصلاة يتيمم - يريد في السفر. قال محمد بن رشد: هذا قول مالك في سماع أشهب، وفي المدونة

مسألة: هل صلى صهيب على عمر بن الخطاب

والواضحة، وغيرهما: لم يختلف في ذلك قوله، وأجاز التيمم في الحضر لها خوف فواتها - جماعة من علماء المدينة وغيرهم، منهم: ابن شهاب، ويحيى بن سعيد، والليث؛ وأخذ به ابن وهب من أصحابه، وقد اختلف قول مالك في الحاضر هل يصلي الفريضة بالتيمم أم لا - على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه يصليها به وتجزئه. والثاني أنه يصليها به ويعيدها. والثالث: أنه لا يصليها حتى يجد الماء فيتوضأ ويصلي، وقد قيل إنه إن لم يجد الماء حتى خرج الوقت، سقطت عنه الصلاة، ومن مذهب مالك أن المتيمم يصلي النافلة بالتيمم، ويستبيح به جميع ما يستباح بالوضوء، فيجي على قوله: أن الحاضر من أهل التيمم، وأنه يصلي ولا يعيد - بناء على مذهبه المذكور أن له أن يتيمم لصلاة الجنازة، والعيدين. [مسألة: هل صلى صهيب على عمر بن الخطاب] مسألة وسئل مالك: هل صلى صهيب على عمر بن الخطاب؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: حقق ههنا أن صهيبا صلى عليه، وقال في سماع أشهب لم أسمع ذلك، ولكني أظنه، لقوله يصلي بكم صهيب. وهو ظن كاليقين؛ لأنه يبعد في القلوب أن يستخلفه عمر على الصلاة أيام الشورى، فيصلي عليه غيره، وهم لم يجتمعوا بعد على إمام، وهو صهيب بن سنان الرومي، يعرف بالرومي وهو من العرب؛ لأنه أصابه سباء - وهو صغير، فصار أعجمي اللسان، صحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يوحى إليه، ثم أسلم معه بمكة هو وعمار بن ياسر في يوم واحد، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، فهو من المهاجرين الأولين؟ وروي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحب صهيبا حب الوالدة ولدها» - والله الموفق. [صلاة النوافل والجلوس في المساجد أفضل أم شهود الجنائز] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت وسألت مالكا فقلت له: أي شيء أعجب إليك: القعود في

المسجد أم شهود الجنائز؟ فقال: بل القعود في المسجد أعجب إلي، إلا أن يكون حق من جوار، أو قرابة، أو أحد ترجى بركة شهوده - يريد به في فضله فيحضره. قال ابن القاسم: وذلك في جميع المساجد. قال محمد بن رشد: ذهب سعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم، إلى أن صلاة النوافل والجلوس في المساجد، أفضل من شهود الجنائز - جملة من غير تفصيل، فمات علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، فانقلع الناس لجنازته من المسجد، إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم يقم من مجلسه، فقيل له ألا تشهد هذا الرجل الصالح من البيت الصالح؟ قال: لأن أصلي ركعتين، أحب إلي من أن أشهد هذا الرجل الصالح، من البيت الصالح؛ وخرج سليمان بن يسار فصلى عليه واتبعه، وكان يقول شهود الجنائز أفضل من صلاة التطوع جملة أيضا من غير تفصيل، وتفصيل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو عين الفقه، إذ إنما يرغب في الصلاة على من يعرف بالخير، وترجى بركة شهوده؛ فمن كان بهذه الصفة، أو كان له حق من جوار، أو قرابة، فشهوده أفضل من صلاة التطوع - كما قال مالك، لما تعين من حق الجوار، والقرابة؛ ولما جاء من الفضل في شهود الجنازة، فقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أفضل ما يعمل امرؤ في يومه شهود الجنازة» . ولأن مراتب الصلوات في الفضل على قدر مراتبها في الوجوب، فأفضل الصلوات صلاة الفريضة، ثم صلاة الوتر، إذ قد قيل إنه واجب؛ ثم الصلاة على الجنائز لأنها فرض على الكفاية، ثم ما كان من الصلاة سنة، ثم ما كان منها فضيلة، ثم ما كان منها نافلة.

مسألة: الأعجمي يقال له صل فيصلي ثم يموت هل يصلى عليه

[مسألة: الأعجمي يقال له صل فيصلي ثم يموت هل يصلى عليه] مسألة قال ابن القاسم: سئل مالك عن الأعجمي يقال له صل فيصلي ثم يموت، هل يصلى عليه؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن من صلى فقد أسلم، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله؛ ومن أبى فهو كافر، وعليه الجزية» . وقد مضى في رسم "القبلة" ما فيه بيان لهذه المسألة، وبالله التوفيق. [مات وعليه دين يحيط بماله] ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا وقال مالك: من مات وعليه دين يحيط بماله، فإن الكفن مبدأ على الدين؛ قال مالك: ومن كان له رهن في يدي رجل، ثم مات - ولا مال له غير ذلك، فلا يكفن منه، والمرتهن أحق به من الكفن. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في هذا السماع من كتاب المديان والتفليس، وهي مسألة صحيحة؛ أما قوله إن الكفن مبدأ على الدين، فالأصل في ذلك ما ثبت من أن «مصعب بن عمير قتل يوم أحد، فلم يترك إلا نمرة كانوا إذا غطوا بها رأسه، بدت رجلاه، وإذا غطوا بها رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه من الإدخر» . وما ثبت أيضا من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بدفن قتلى أحد بثيابهم من غير أن يعتبر ما يبقى لورثتهم، أو لدين - إن كان عليهم، وهذا أمر لا أعلم فيه اختلافا، إلا ما يروى عن

مسألة: الإمام يصلي على الجنازة فيتابع بين التكبير ويدع الدعاء

سعيد بن المسيب في أحد قوليه: إن الكفن من الثلث؟ والصحيح ما عليه الجماعة: أنه من رأس المال. وأما قوله إنه لا يكفن من الرهن، والمرتهن أحق فهو كما قال ولا اختلاف فيه؛ لأن حق المرتهن قد تعين في عين الرهن، وما تعين من الحقوق في أعيان الأشياء من التركة، فهو مبدأ على ما ثبت منها في الذمة، كأم الولد، وزكاة تمر الحائط الذي أزهى قبل موت المتوفى، والرهن، وما استحق من الأصول والعروض ببينة تشهد على عينه، والله ولي التوفيق. [مسألة: الإمام يصلي على الجنازة فيتابع بين التكبير ويدع الدعاء] من سماع زياد عن مالك مسألة قال: وقال مالك في الإمام يصلي على الجنازة فيتابع بين التكبير ويدع الدعاء، أترى ذلك يجزئه؟ قال: أرى أن تعاد الصلاة عليه، كالذي يترك القراءة في الصلاة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن القصد في الصلاة على الميت الدعاء له، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أخلصوه بالدعاء» . ولذلك سميت صلاة لما فيها من الدعاء، فإذا لم يدع للميت فلم يصل عليه.

مسألة: أهل الميت هل يبعث إليهم بالطعام

[مسألة: أهل الميت هل يبعث إليهم بالطعام] من سماع أشهب وابن نافع عن مالك - رواية سحنون من كتاب الجنائز الأول مسألة قال أشهب: وسئل مالك عن أهل الميت هل يبعث إليهم بالطعام؟ فقال إني أكره المناحة، فإن كان هذا ليس منها فليبعث. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن إرسال الطعام إلى أهل الميت لاشتغالهم بميتهم إذا لم يكونوا اجتمعوا لمناحة، من الفعل الحسن المرغب فيه المندوب إليه، روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأهله لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب: «اصنعوا لآل جعفر طعاما، وابعثوا به إليه، فقد جاء ما يشغلهم عنه» ، وبالله التوفيق. [مسألة: تفضيل علي رضي الله عنه لعمر على عثمان] مسألة وأخبرني جعفر بن محمد، عن أبيه، أنه قال لما وضع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وسجي عليه، قال له علي: ما على الغبراء، ولا تحت الخضراء، أحد أحب إلي أن ألقى الله بكتابه منك! قال محمد بن رشد: في هذا تفضيل علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لعمر على عثمان، وهو الذي عليه أهل السنة، والحق أن أفضل الصحابة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وقد روي هذا عن مالك، وروي عنه أيضا الوقوف عن تفضيل بعضهم على بعض. وروي عنه أيضا تفضيل أبي بكر على عمر، ثم الوقوف عن المفاضلة بين علي وعثمان، والأول هو الذي يعتمد عليه من مذهبه - والله أعلم.

مسألة: صلاة من في المسجد على الجنازة بصلاة الإمام عليها بخارج المسجد

[مسألة: صلاة من في المسجد على الجنازة بصلاة الإمام عليها بخارج المسجد] مسألة قال وسمعته يحدث عن أبي النضر، «أن رسول الله - صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد» . قال محمد بن رشد: ثبت هذا عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ وروي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى في المسجد على جنازة، فلاشيء له» . فاختلف أهل العلم لما تعارض من هذين الحديثين في الصلاة على الجنازة في المسجد، وفي صلاة من في المسجد على الجنازة بصلاة الإمام عليها بخارج المسجد؛ فمنهم من أجاز ذلك وضعف حديث أبي هريرة، وقال معنى قوله فلا شيء له - أي فلا شيء عليه، مثل قوله عز وجل: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أي عليها. ورأى العمل على ما جاء في سهيل بن بيضاء، واستدل على ذلك بإنكار عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - على من أنكر عليها ما أمرت به من إدخال سعد بن أبي وقاص في المسجد؛ وهو مذهب الشافعي، وأحمد بن حنبل؛ ومنهم من كره ذلك، ورأى ما جاء في سهيل بن بيضاء، أمرا قد ترك وجرى العمل بخلافه؛ وأن حديث أبي هريرة ناسخ له؛ لأنه متأخر عنه، واستدل على ذلك بإنكار الناس - وهم صحابة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عائشة ما أمرت به من أن يمر عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد، إذ كانت الصلاة على الجنازة في المسجد أمرا قد ترك، وجرى العمل بخلافه - بعد أن كان يفعل؛ لما علموه مما هو أولى منه، ولم تعلم بذلك عائشة، وظنت أنهم إنما كانوا تركوا

مسألة: المشي أمام الجنازة للرجال والنساء

ذلك، ولهم أن يفعلوه، لا لأنهم علموا أن غيره أولى منه؛ وهذا معنى قول مالك في المدونة: لا توضع الجنازة في المسجد، وإن وضعت قرب المسجد لم يصل عليها من في داخل المسجد، إلا أن يضيق خارج المسجد بأهله؛ وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه. ومنهم من كره أن يصلى على الجنازة في المسجد، وأجاز إذا وضعت خارج المسجد أن تمتد الصفوف بالناس في المسجد، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وعزاه إلى مالك، وقال: هو من رأيه، ولو صلى عليها في المسجد ما كان ضيقا، وفي صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سهل بن بيضاء في المسجد، دليل على أن الميت ليس بنجس، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم من الحجة على ذلك ما فيه كفاية، فإذا كان ليس بنجس، وإنما يكره إدخاله في المسجد - إذا لم يدفن فيه، مخافة أن ينفجر منه شيء فيه، فلا فرق في كراهية الصلاة عليه في المسجد بين أن يكون فيه أو خارجا منه، وهو مذهب مالك في المدونة، وظاهر قوله في الحديث: «من صلى على جنازة في المسجد، فلا شيء له» إذ لم يفرق فيه بين أن تكون الجنازة في المسجد، أو خارجا عنه؛ وإذا قلنا إن ذلك مكروه، فإن فعله لم يأثم ولم يؤجر، وإن لم يفعله أجر؛ لأن حد المكروه ما تركه أفضل من فعله؛ وهو الذي يدل عليه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من صلى على جنازة في المسجد، فلا شيء له» . [مسألة: المشي أمام الجنازة للرجال والنساء] مسألة وسئل عن المشي أمام الجنازة للرجال والنساء، أهم في ذلك سواء؟ فقال: لا أرى أن يكون النساء في ذلك بمنزلة الرجال، أيكون النساء مع الرجال بين أيديهم؟ فقال له: إن النساء لا يكن بين أيدي الرجال، ولكن خلفهم أمام الجنازة؛ فقال: أليس الرجال يحملون

مسألة: الحمالة عن الميت الذي لم يترك مالا

الجنازة - والنساء أمامها، لا أرى ذلك، وأرى أن يمشين خلفه، والعمل على ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن النساء يمشين خلف الجنازة؛ لأنهن عورة، فلا يكن بين أيدي الرجال، وإنما اختلف أهل العلم في الرجال، فقيل: إن الأفضل أن يمشوا أمام الجنازة، وقيل: إن الأفضل أن يمشوا خلفها، وقيل: إنهم مخيرون في ذلك، ولا فضل لأحد الوجهين على الآخر؛ وقيل: إنهم يمشون خلف الجنازة إلا أن يكون ثم نساء فيمشون أمامها؛ لئلا يختلط الرجال بالنساء، وتوجيه قول كل قائل وما تعلق به يطول، وهو موجود في مظانه، فلا معنى لذكره. [مسألة: الحمالة عن الميت الذي لم يترك مالا] مسألة قال: وحدثني أبو النضر، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ههنا من بني فلان؟ فلم يجبه أحد، ثم قالها، فلم يجبه أحد، ثم قالها، فلم يجبه أحد، فقام رجل فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما منعك أن تجيب؟ فقال: خشيت أن يكون نزل فينا من الله قرآن. فقال: لم أكن لأدعو أحدا منكم إلا إلى خير، ولكن صاحبكم حبس لدين عليه دون الجنة» . قال محمد بن رشد: هذا كان في أول الإسلام - والله أعلم، بدليل ما روي عن أبي هريرة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه دين، فيقول: هل ترك لدينه من فضل؟ فإن حدث أنه ترك وفاء، صلى عليه، وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم، فلما فتح

الله الفتوح، قام فقال: أنا أوفى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المسلمين وترك دينا، فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته» . وإنما أخبر النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قوم المتوفى بحبس ميتهم دون الجنة بما عليه من الدين، رجاء أن يؤدوه عنه، أو يتحملوا به؟ بدليل حديث جابر بن عبد الله، «أن رجلا مات وعليه دين فلم يصل عليه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حتى قال: أبو اليسر، أو غيره، هو إلي؛ فصل عليه يا رسول الله، فجاءه من الغد يتقاضاه، فقال: إنما كان أمس، ثم أتاه من بعد الغد فأعطاه؛ فقال النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الآن بردت عليه جلده» . وهذا حديث فيه ستة أوجه من الفقه: أحدها جواز الحمالة عن الميت الذي لم يترك مالا، خلافا لأبي حنيفة في قوله: إن الحمالة باطل؛ إذ لو لم تجز الحمالة لما صلى عليه النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ والثاني أنه إذا أدى الدين عن الميت، لم يكن له الرجوع في مال إن طرأ له، إذ لو انتقل الدين إلى الحميل الذي أداه ولم يسقط عن الذي كان عليه، لما بردت جلده بالأداء عنه. والثالث: أن الكفالة لازمة للحميل بغير قبول المكفول له، خلافا لأبي حنيفة في ذلك. والرابع: جواز الكفالة بغير إذن المكفول عنه. والخامس: وجوب أخذ المكفول له بها الكفيل. والسادس: أن ذمة المكفول عنه لا تبرأ بوجوب الكفالة على الكفيل حتى يؤدي عنه، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الآن بردت عليه جلده» . فإذا لم تبرأ ذمته بالكفالة من الدين، كان للذي له الدين أن يتبع بدينه من شاء منهما على أحد قولي مالك، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة. وقيل: إنه ليس له أن يتبع الكفيل، إلا في عدم الذي عليه الدين، وهو أحد قولي مالك، واختيار ابن

مسألة: منع النساء في جنائزهن من شق الثياب

القاسم، والصحيح في القياس والنظر؛ لأنه إن قضى للمكفول له على الكفيل، قضى في الحين للكفيل على المكفول عنه، فالقضاء للمكفول له على المكفول عنه أولى وأقل عناء، فلا معنى لتبرئة الكفيل بالاتباع مع حضورهما واستوائهما في الملأ واللدد، وبالله التوفيق. [مسألة: منع النساء في جنائزهن من شق الثياب] مسألة وقيل له: أتحب أن لو منع النساء في جنائزهن من شق الثياب، وضرب الوجه، وأشباه ذلك؟ فقال: نعم، هذا من عمل الجاهلية. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إنه من عمل الجاهلية، فينبغي للإمام أن يغير ذلك ويمنع منه؛ قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس منا من شق الجيوب، وضرب الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية» . وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعهن الناس: النياحة، والطعن في الأحساب، والعدوى؛ أجرب بعير فأجرب مائة بعير، من أجرب البعير الأول؟ والأنواء: مطرنا بنوء كذا وكذا» - ذكره الترمذي. [مسألة: مولى لامرأة توفي فقام ابن المولاة فقال لابن عم له تقدم فصل عليها] مسألة وسئل عن مولى لامرأة توفي، فقام ابن المولاة فقال لابن عم له: تقدم فصل عليها، فقال ابن أخي مولاة المتوفى: هو مولى عمي وأنا أولى ممن أمرت، وأنت صبي ممن لا أمر لك؛ فقال مالك: ما أراه إلا كما قال ابن أخي المولاة، يكون ذلك له.

قراءة القرآن عند رأس الميت

قال محمد بن رشد: إنما هذا من أجل أنه صبي، ولو كان رجلا لكان ابن عمه الذي قدم أحق من ابن أخي مولاة المتوفى؛ لأنه حقه له أن يجعله إلى من شاء، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وحكاه عن ابن الماجشون، وأصبغ، وقال ابن عبد الحكم: إذا أبى أن يصلي فالذي بإثره أحق، وليس له أن يجعل ذلك إلى من هو أبعد منه؛ وساق ابن حارث هذه الرواية على أنها مثل قول ابن عبد الحكم، فلم يلتفت إلى قوله فيها: وأنت صبي ممن لا أمر لك، وذلك إغفال منه، فقف على ذلك. [قراءة القرآن عند رأس الميت] ومن كتاب الجنائز والصيد والذبائح قال أشهب: وسئل مالك عن قراءة القرآن عند رأس الميت بـ {يس} [يس: 1] . فقال: ما سمعت بهذا، وما هو من عمل الناس؛ قيل له: أفرأيت الإجمار عند رأسه - وهو في الموت يجود بنفسه؟ فقال أيضا: ما سمعت شيئا من هذا، وما هذا من عمل الناس. قال محمد بن رشد: استحب ابن حبيب الإجمار عند الميت إذا احتضر، وأن يقرأ عند رأسه بياسين؟ وحكي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «من قرأ ياسين أو قرئت عند رأسه - وهو في سكرات الموت، بعث الله ملكا إلى ملك الموت: أن هوّن على عبدي الموت» . قال: وإنما كره مالك أن يفعل ذلك - استنانا.

مسألة: حضرته الجنازة وليس على وضوء ويخاف إن توضأ فوتها أيتيمم لها

[مسألة: حضرته الجنازة وليس على وضوء ويخاف إن توضأ فوتها أيتيمم لها] مسألة قال: وسئل عمن حضرته الجنازة وليس على وضوء، ويخاف إن توضأ - فوتها، أيتيمم لها؟ فقال: لا. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم " اغتسل على غير نية "، فلا وجه لإعادته. [مسألة: تفوته الجنازة فيأتي بعدما توارى أترى أن يكبر عليه أم يدعو] مسألة وسئل عن الذي تفوته الجنازة فيأتي بعدما توارى، أترى أن يكبر عليه أم يدعو؟ قال: يدعو ما أحسن أن يدعو. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة: أنه لا يصلى على من قد صلي عليه - وإن لم يدفن، وقيل: إنه يصلى عليه ما لم يدفن. روي أن الزبير بن هشام بن عروة توفي بالعقيق، فصلى عليه أبوه، ثم بعث به إلى المدينة، فأمر أن يصلى عليه بالبقيع ويدفن، وقد فعل ذلك أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلين على سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف؛ وقيل: إنه يصلى على قبره - وإن دفن، كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمسكينة التي دفنت ليلا، ولم يؤذن بها. وقد حكى ابن القصار عن مالك إجازة ذلك - ما لم يطل ذلك، وأقصى ما قيل فيه الشهر، وهو شذوذ في المذهب؛ فقد قال في المدونة: ليس على هذا الحديث العمل، وسيأتي في رسم "النسخة" من سماع عيسى، القول في الصلاة على قبر من دفن ولم يصل عليه. [مسألة: ما تكفن فيه الجارية] مسألة وسئل عما تكفن فيه الجارية، فقال: ما سمعت قط بأحد

سئل عن مثل هذا: ما تكفن فيه الجارية، وما يكفن فيه الغلام، والكفن واسع، فما كفن فيه فهو واسع، وليس على الناس في هذا ضيق؛ «كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أثواب بيض» ، «وكفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشهداء يوم أحد اثنين في ثوب» ، وكفن ابن عمر ابنا له في خمسة أثواب، وكفن أبو بكر في ثوب فيه مشق، فلو كان هذا ضيقا كان شيئا واحدا، فليس على الناس في هذا ضيق. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إن الكفن لا حد فيه يجب الاقتصار عليه، فلا يزاد فيه ولا ينقص، وإنما يتكلم على الاستحباب، فمما يستحب فيه الوتر، إلا أن الاثنين عندهم أفضل من الواحد، والثلاثة أفضل من الأربعة، فأدنى الكفن في الاستحباب ثلاثة، وأعلاه في الاستحباب خمسة أثواب. قال ابن حبيب: والخمسة للمرأة ألزم، وقد فرق في الاستحباب بين المرأة والرجل والجارية والغلام، فقال ابن شعبان: إن أدناه للمرأة خمسة أثواب، وأعلاه سبعة أثواب؛ وقال بعضهم: يكفن الصبي - ما لم يطعم في ثوب، فإذا طعم ففي ثلاثة أثواب، والجارية إلى أن تحيض في ثلاثة أثواب، فإذا حاضت ففي خمسة أثواب؛ ومما يستحب في الكفن البياض، وتستحب الحبرة لمن وجد لذلك سعة، لما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفن في ثلاثة أثواب أحدها حبرة» ، ويكفن في صماته في مثل

مسألة: الصلاة على المنفوس في المنزل

ما كان يلزمه في الجمع والأعياد في حياته، ويقضى بذلك عند اختلاف الورثة فيه، وإنما «كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشهداء يوم أحد اثنين في ثوب واحد» من ضرورة، ومعناه فيمن عراه العدو؛ لأن السنة أن يدفنوا في ثيابهم - والله أعلم. [مسألة: الصلاة على المنفوس في المنزل] مسألة وسئل: أيصلى على المنفوس في المنزل، ثم يرسل به فيدفن؟ فقال: يصلى عليه في المنزل؟ فقيل: نعم، فقال: ما علمت ذلك. قال محمد بن رشد: استفهامه عن ذلك، وإنكاره أن يكون علم أن ذلك يفعل؛ يدل على أنه كره ذلك من العمل، ووجه الكراهية في ذلك بين. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شهد جنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن اتبعها حتى تدفن فله قيراطان» ، ولم يفرق بين صغير وكبير. [مسألة: الرجل يموت ويترك ابنا له قد راهق الحلم] مسألة وسئل عن الرجل يموت ويترك ابنا له قد راهق الحلم، أيصلي ابنه عليه؟ فقال: بل يصلي عليه غيره أحب. قال محمد بن رشد: المراهق: هو الذي قد أنبت وبلغ من السن ما يشبه أن يكون قد احتلم، ولم يبلغ أقصى سن الاحتلام؛ فهذا إن أقر أنه لم يحتلم، لم يمكن من الصلاة على أبيه؛ لأن من لم يحتلم، ولا بلغ أقصى سن الاحتلام، فليس بمكلف ولا مؤاخذ بذنب، ولا مثاب على طاعة. وقد قيل: إنه يثاب على طاعاته، وإن قال: إنه قد احتلم، فهو الذي قال مالك فيه الرواية يصلي عليه غيره أحب إلي، مخافة ألا يكون صادقا فيما ذكره من

مسألة: أوصت ابنها أن يكفنها في ثلاثة أثواب كانت تلبسها في حياتها

احتلامه، فهذا معنى هذه الرواية - والله أعلم؛ لأن اختلاف قول مالك فيمن وجب عليه حد، أو طلق وقد أنبت، إنما يرجع إلى تصديقه فيما يذكر من أنه لم يحتلم، وقد تأول عليه غير ذلك - وليس بصحيح. [مسألة: أوصت ابنها أن يكفنها في ثلاثة أثواب كانت تلبسها في حياتها] مسألة وسئل عن امرأة أوصت ابنها أن يكفنها في ثلاثة أثواب كانت تلبسها في حياتها، فأراد ابنها أن يشتري لها جددا مكانها فيكفنها فيها، فقال: لا، أحب إلي أن يفعل ما أمرته به أمه. قال محمد بن رشد: قوله: أحب إلي أن يفعل ما أمرته به أمه، كلام ليس على ظاهره، بل هو الواجب عليه، وذلك إذا كانت إنما أوصت ابنها أن يكفنها في ثلاثة أثواب بأعيانها تبركا بها لحلها، أو لأنها حجت فيها، أو كانت تشاهد الصلوات بها، أو ما أشبه ذلك مما تريد به وجه البر؛ لأن من أوصى بما فيه قربة، فواجب أن تنفذ وصيته، قال عز وجل: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] . وأما إن كانت إنما أوصت بذلك حيطة عليه، وقصدا إلى توفير مالها عليه، لا لغرض لها في أعيان الأثواب؛ فله أن يبدلها بغيرها - وإن لم يتحقق غرضها في وصيتها، فالاختيار له ألا يخالف أمرها - والله أعلم. [مسألة: جارية غارت على سيدها فشربت نورة فقتلت نفسها] مسألة وسئل عن جارية غارت على سيدها فشربت نورة، فقتلت نفسها، أيصلى عليها؟ قال: نعم يصلى عليها. قيل له: فإن رجلا عندنا ذبح نفسه، أيصلى عليه؟ فقال: ولم ذبح نفسه؟ فقال: كان ابن

معاوية قد عذبه عذابا شديدا، ثم قيل له: غدا يفعل بك كذا وكذا، فخافه، فأخذ سكينا فذبح بها نفسه؛ أفترى أن يصلى عليه؟ فقال: نعم، وما سمعت أن أحدا ممن يصلي القبلة ينهى عن الصلاة عليه؛ ولقد قال عمر للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين مات ذلك المنافق، لا تصل عليه يا رسول الله، فأبى النبي ذلك، وصلى عليه، وفيه فيما بلغني نزلت هذه الآية: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] . نزلت بعدما صلى عليه، قال مالك: أفترون أن النفاق من حين ذهب من أولئك، ذهب من الناس؟ قال محمد بن رشد: قوله في التي قتلت نفسها: إنه يصلى عليها، معناه أنها لا تترك بغير صلاة؛ لأنها ممن ترغب في الصلاة عليها؛ فقد قال ابن وهب في المعروف بشرب الخمر والشر: ما حاجتك إلى شهوده؟ دعه يصلي عليه أهله ومن أحب؛ وإنما وقع هذا السؤال لما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده في نار جهنم، يجاء بها في بطنه في نار جهنم - خالدا مخلدا فيها أبدا» . وأنه قال في التردي والسم مثل ذلك، فذهب جماعة من السلف إلى إنفاذ الوعيد عليه، والأكثر منهم يراه في المشيئة، لقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]- الآية. وما في الحديث من تخليد في النار، ليس على ظاهره، ومعناه أنه خالد فيها مخلد أبدا - حتى يخرج منها بالشفاعة مع سائر المذنبين؛ لأن القتل لا يحبط إيمانه، ولا يبطل أعماله، فلا بد من مجازاته على ذلك، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] . وهذا قول أهل السنة والحق، وقد روي عن جابر بن سمرة

مسألة: أتى جنازة فوجدهم قد سبقوه ببعض التكبير عليها

«أن رجلا نحر نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . فتعلق بذلك من ذهب إلى أنه لا يصلى على من قتل نفسه، منهم: الأوزاعي، وابن شهاب، ولا حجة لهم في ذلك؛ إذ لم ينه عن الصلاة عليه، وإنما ترك هو الصلاة عليه، إذ كان من سنته ألا يصلي على المذمومين، ويصلي عليهم غيره، كالقاتل والمديان، وشبههما، أدبا لهم وزجرا عن مثل فعلهم؛ وقال أحمد بن حنبل: لا يصلي الإمام على من قتل نفسه، ويصلي عليه الناس؛ وحكم قاتل النفس في ذلك، حكم من قتل نفسه. وقوله في الرواية: وما سمعت أن أحدا ممن يصلي القبلة ينهى عن الصلاة عليه. يروى: ينهى، وينهي، والصواب ينهى على لفظ ما لم يسم فاعله؛ وهذا يدل على أن قوله في القدرية والإباضية: لا يصلى عليهم، إنما معناه أن الصلاة تترك عليهم أدبا لهم، إذ لا يرغب في الصلاة عليهم، لا لأنهم يتركون بغير صلاة أصلا، وقد بين ذلك في كتاب ابن شعبان، فقد قال فيه: إنه لا يصلى عليهم ولا على من يذكر بالفسق والشر، وإنما يرغب في الصلاة على من يذكر فيه خير، ومما يدل على صحة رواية من روى ينهى على لفظ ما لم يسم فاعله، ما احتج به مالك من قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته على عبد الله بن أبي سلول المنافق، وما أنزل الله من النهي عن الصلاة عليهم، إذ هم كفار معدودون في غير أهل القبلة؛ لأن صلاتهم إليها بغير نية ولا اعتقاد. [مسألة: أتى جنازة فوجدهم قد سبقوه ببعض التكبير عليها] مسألة قال: وسئل مالك عمن أتى جنازة فوجدهم قد سبقوه ببعض التكبير عليها، أيكبر مكانه؟ أم ينتظر حتى يكبر الإمام فيكبر بتكبيره ثم يقضي ما فاته؟ فقال: بل يكبر تكبيرة واحدة حين يجيء سرا، ثم يقف عما سبقوه به من التكبير بعد التكبيرة الواحدة التي يكبرها حين يقف سرا، تم يترك التكبير حتى يكبر الإمام، فيكبر بتكبيره، ثم يقضي

ما بقي عليه من الأربع تكبيرات - بعد فراغ الإمام، ولا يكبر مما فاته مع الإمام شيئا إذا جاء فوقف مع، إلا تكبيرة واحدة، ثم يقف عما بقي حتى يكبر الإمام فيكبر معه، فإذا فرغ الإمام صلى بقدر ما بقي عليه من التكبير، وإنما يكبر مع الإمام التكبيرة الأولى؛ لأن ذلك بمنزلة الصلاة المكتوبة يفوت الرجل منها ركوع ركعة أو ركعتين، ففي ذلك تكبيرة، فإن جاء لم يكبر مما سبقوه به إلا تكبيرة الإحرام قط، ولم يقض ما سبقوه به من التكبير فيما مضى من الركوع، وقد كبر التكبيرة الأولى معهم حين وقف معهم في الصلاة؛ فهذا هكذا في الجنازة إذا فاته من تكبيرها تكبيرتان أو ثلاث، ثم جاء كبر من ذلك تكبيرة واحدة، وأمسك عما بقي حتى يقضيه بعد فراغ الإمام. قال محمد بن رشد: قياسه في هذه الرواية، ما فاته مع الإمام من التكبير على الجنازة على ما فاته من تكبير الصلاة، لا يستقيم؛ لأن تكبير الصلاة لا يجب منه إلا تكبيرة واحدة، وهي تكبيرة الإحرام، وهي لا تفوته بفواتها، مع الإمام، بل يكبرها متى ما جاء - وإن لم يدرك الإمام إلا في آخر الصلاة؛ وسائر التكبير سنة وفضيلة، فلا يجب على الرجل مع الإمام قضاء ما فاته منه، وإنما يجب عليه قضاء ما فاته من الركعات؛ ألا ترى أنه لو قضى ما فاته مع الإمام من الركعات، ونسي التكبير فيهن؛ لأجزأته صلاته ولم يكن عليه إلا سجود السهو، والأربع تكبيرات في صلاة الجنائز متساوية في الوجوب، كتساوي ركعات الصلاة في الوجوب، ويجب على من فاته منها شيء مع الإمام

مسألة: فاتته الصلاة على جنازة فصلى عليها في القبر

أن يقضيه، كما يجب عليه أن يقضي ما فاته معه من ركعات الصلاة؛ فإنما الصحيح أن يقاس ما فاته مع الإمام من التكبير، على الجنازة، على ما فاته معه من ركعات الصلاة على ما ذهب إليه في المدونة، إلا أن جوابه في هذه الرواية أصح من جوابه في المدونة، وأجرى على أصله فيها؛ لأنه إذا نزل التكبيرة في صلاة الجنازة، منزلة الركعة في الصلاة في وجوب القضاء، وكان له أن يكبر مع الإمام معا، والأحسن أن يكبر بعده؛ فلا ينبغي أن يفوته التكبير بتكبير الإمام، حتى يكبر الإمام التكبيرة التي بعدها؛ فإذا جاء وقد كبر الإمام تكبيرتين، فإنما فاتته الأولى، ولم تفته الثانية فيكبرها، ويدعو إن أدرك أن يدعو - إلى أن يكبر الإمام التكبيرة الثالثة، فيكبرها معه أو بعده وهو أحسن؛ وإن جاء وقد كبر ثلاث تكبيرات، فإنما فاتته الأولى والثانية ولم تفته الثالثة، فيكبرها ثم يدعو - إن أدرك أن يدعو - إلى أن يكبر الإمام الرابعة فيكبر بتكبيره، ويقضي تكبيرتين بعد سلامه؛ وإن جاء بعد أن كبر التكبيرة الأولى قبل أن يكبر الثانية فلم تفته بعد التكبيرة التي كبر الإمام، فيكبرها ويدعو - إن أدرك أن يدعو - إلى أن يكبر الإمام التكبيرة الثانية، فيكبر بتكبيره، إذ لا يفوته التكبير بأخذه في الدعاء، ولا بتمامه منه؛ إذ لو وجب ذلك لوجب أن يفوته بأقل ما يجزئ منه في كل ركعة، وهو أن يقول: اللهم اغفر له، ولوجب إذا لم يكبر مع الإمام معا وتراخى في ذلك حتى يقول الإمام: اللهم اغفر له، أن يكون قد فاته التكبير، وهذا ما لا يصح أن يقال. فجواب مالك في هذه الرواية أصح من قياسه؛ لأنه جار على أصله في المدونة، وهو أصل صحيح، وجوابه فيها، أعني في المدونة، ليس بصحيح. [مسألة: فاتته الصلاة على جنازة فصلى عليها في القبر] مسألة وسئل عمن فاتته الصلاة على جنازة فسار معها حتى (إذا)

مسألة: شق النساء ثيابهن على الميت

وضعت على قبرها، استقبل القبلة فصلى عليها، فقال: لا يفعل، وكرهه. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في (أول) الرسم فلا وجه لإعادته. [مسألة: شق النساء ثيابهن على الميت] مسألة وسئل عن شق النساء ثيابهن على الميت، فقال: بئس ما صنع، من صنع هذا؟ قيل له: ويحترمن ويصحن بالحرب والويل، فقد غاظنا ذلك، فقال: وأنا والله ليغيظني وأكرهه ولا أراه حسنا؛ ولكن هذا أمر لا يقدر أن يغيره أحد إلا السلطان؛ قال مالك: «وكانت زينب تقول لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لست كأحد من نسائك؛ لأن الله زوجنيك» قال مالك: قال الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] . قال محمد بن رشد: وهذه المسألة، قد مضت - والقول عليها في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادته؛ وأما ما ذكر من قول زينب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فلا تعلق له بالمسألة، وإنما ذكره مالك لسبب جرى في المجلس، فذكرت الحكاية وقيدت عنه دون السبب - والله أعلم. [مسألة: جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعوا] مسألة (قال) : وسألته عن جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعوا كيف

يصلى عليهما؟ فقال لي: يجعل الرجال مما يلي الإمام، ويجعل النساء من ورائهم مما يلي قبلة؛ قلت له: كيف يفعل بهم؟ فقال لي: إن كانا رجلين وامرأتين، جعل الرجلان مما يلي الإمام سطرا واحدا، لا يجعل سرير أحدهما من وراء سرير صاحبه، ولكن يجعل بلصقه سطرا واحدا عرضا - هكذا - وخط بيده في الأرض من نحو يساره حتى ذهب بهما إلى يمينه، ويجعل المرأتان من ورائهما (كذلك) ؛ فإن كثروا، جعلوا صفين سطرين، أو أكثر من ذلك - على هذه الصفة؛ فقال له ابن كنانة: أرأيت إن كانا رجلين قط كيف يصلي عليهما؟ أيجعلان سطرا واحدا؟ أم يجعل أحدهما أمام صاحبه إلى القبلة؟ قال: بل يجعل أحدهما أمام صاحبه إلى القبلة، والآخر من ورائه أحب إلي؛ وإني لأرى ذلك واسعا كله - إن جعلا سطرا، أو جعل أحدهما أمام صاحبه؛ فقيل له: فأيهما ترى أن يجعل مما يلي الإمام، فإن أحدهما أفضل وأشرف؟ قال: أرى ذلك إلى الاجتهاد، قيل له: أرأيت إن كثرت جنائز الرجال كيف يصلي عليهم الإمام الذي يصلي عليهم؟ قال: يجعل أحدهم بين يديه - معترضا، ثم يجعل الآخرين معه عن يمينه وشماله - سطرا هو وسطهم؛ ثم يصلي عليهم ولا يجعل أحدهم مما يلي الإمام؛ والآخر من ورائه، ثم الآخر من ورائه. قال محمد بن رشد: أما إذا كثرت جنائز الرجال، أو النساء، أو الرجال والنساء؛ فإنهم يجعلون سطرين، سطرين، أو أكثر من ذلك -

كما قال قولا واحدا؛ فإن كانت الأسطر وترا وهو الاختيار أن يكون قام الإمام في وسط الأوسط منها، وإن كانت شفعا قام فيما بين رجلي الذي عن يمينه، ورأس الذي على يساره، ويكون الأفضل منهم الذي على يمينه، ثم الذي يليه في الفضل الذي على شماله، ثم الذي يليه في الفضل الذي يلي الذي على يمينه، ثم الذي يليه في الفضل الذي يلي الذي على شماله؛ ثم ينتقل إلى الصف الذي أمامه على هذا الترتيب، ثم إلى الذي بعده على هذا - أبدا؟ وأما إذا قل عدد الجنائز فكانوا اثنين، أو ثلاثة، أو نحو ذلك؛ قال ابن حبيب: إلى ما دون العشرين، فكان مالك - أول زمانه - يرى الأحسن أن يجعل واحد أمام واحد إلى القبلة وهي رواية ابن كنانة عنه في هذه الرواية، ثم رأى ذلك كله واسعا: أن يجعلوا سطرا واحدا من الشرق إلى الغرب، أو يجعل واحد أمام واحد إلى القبلة، ولم يفضل إحدى الصورتين على الأخرى؛ وهذا الاختلاف قائم من المدونة، ويقدم إلى الإمام الذكور على - الخناثى المشكلين صغارا كانوا أو كبارا، أحرارا كانوا أو عبيدا؟ والخناثى المشكلون على النساء صغارا كانوا أو كبارا، أحرارا كانوا أو عبيدا؟ ويقدم الأحرار على العبيد - صغارا كانوا أو كبارا، فتنتهي المراتب على هذا إلى اثنتي عشرة مرتبة، أعلاها الرجال الأحرار، ثم الصبيان الأحرار، ثم الخناثى المشكلون الأحرار الكبار، ثم الخناثى المشكلون الأحرار الصغار؟ ثم العبيد الكبار، ثم العبيد الصغار، ثم العبيد الكبار الخناثى المشكلون، ثم العبيد الصغار الخناثى المشكلون، ثم النساء الأحرار، ثم الصبايا الأحرار، ثم النساء الإماء، ثم الصبايا الإماء، ويقدم من أهل كل مرتبة من هذه المراتب الأفضل، فالأفضل، ثم الأسن، فالأسن، وهذا الترتيب متفق عليه، إلا في تقديم الحر الصغير على العبد الكبير، فقد قيل: إنه يقدم العبد الكبير عليه؛ لأنه يؤم ولا يؤم الحر الصغير، وهو ظاهر ما في آخر سماع موسى بن معاوية لابن القاسم، وقول

مسألة: صلاة عمر بن الخطاب على صهيب

مالك في المبسوطة، خلاف قوله في الواضحة، وخلاف قول أبي حازم، وخلاف ما حكى الفضل أن العتبي ذكره عن ابن القاسم. [مسألة: صلاة عمر بن الخطاب على صهيب] مسألة قال: وقلت له: أبلغك أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صلى عليه صهيب؟ قال: لم أسمع ذلك، ولكني أظن ذلك لقول عمر بن الخطاب: يصلي بكم صهيب - ثلاثا، وهو ظني أن صهيبا صلى عليه، وذلك لقوله: يصلي بكم صهيب. قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا والقول فيه في رسم "الشريكين" من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: تعظيم الموت بالسكينة والكآبة عند حضور الجنازة] مسألة قال: وقال أسيد ابن الحضير: لو كنت في حالي كلها مثلي (في ثلاث) - إذا ذكر النبي، وإذا قرأت سورة البقرة، وإذا شهدت جنازة؛ ما شهدت جنازة قط فحدثت نفسي إلا بما تقول، أو ما يقال لها حتى انصرف. قال محمد بن رشد: هذا مما كان عليه السلف الصالح تعظيم الموت بالسكينة والكآبة - عند حضور الجنازة، حتى لقد كان الرجل يلقى الخاص من إخوانه في الجنازة له عنده عهد، فما يزيده على التسليم، ثم يعرض عنه، كأن له عليه موجدة، اشتغالا بما هو فيه من شأن الميت، فإذا خرج من الجنازة سأله عن حاله ولاطفه، وكان منه أحسن ما كان يعهد، فيكره الضحك في الجنازة، والاشتغال فيها بالحديث والخوض في شيء من أمور الدنيا.

مسألة: المرأة تموت بفلاة من الأرض ومعها ابنها هل يغسلها

[مسألة: المرأة تموت بفلاة من الأرض ومعها ابنها هل يغسلها] مسألة (قال) : وسئل عن المرأة تموت بفلاة من الأرض ومعها ابنها أيغسلها؟ فقال: ما أحب أن يبلغ ذلك منها؛ قيل له: أفيؤممها؟ فقال: أو يصب الماء عليها من وراء الثوب، أحب إلي من أن يؤممها. قال محمد بن رشد: اختلف في غسل الرجل ذوات محارمه إذا لم يكن ثم نساء يغسلنها على أربعة أقوال؛ أحدها: أنه لا يغسلها ويؤممها وهو قول أشهب. والثاني: أنه يصب الماء عليها صبا ولا يباشر جسدها بيده من فوق الثوب ولا من تحته، وهو قول مالك في رواية أشهب هذه. والثالثة: أنه يغسلها من فوق الثوب، فلا يفضي بيده إلى جسدها، وهو قول مالك في المدونة. والرابع: قول ابن حبيب: إنه يغسلها - وعليها ثوب يصب الماء فيما بينها وبينه، لئلا يلصق بجسدها فيصف بابتلاله عورتها، وظاهره أنه يفضي بيده في غسله إياها إلى جسدها، ومعنى ذلك - عندي - فيما (عدا ما) بين السرة إلى الركبة، فإنه لا يفضي بيده إلى ذلك منها دون أن يجعل عليه خرقة، إلا أن يضطر إلى ذلك - كما يفعله الرجل بفرج الرجل، إذا غسله؛ إذ لا يختلف في أن الفخذ والسرة من المرأة عورة، ولا يحل أن ينظر إليه من عدا المرأة ممن لا يحل له الفرج باتفاق؛ وتنظر إليه المرأة على القول بأن الفخذ ليس بعورة، وكذلك يختلف أيضا في غسل المرأة ذوي محارمها من الرجال - إذا لم يكن ثم رجال يغسلونه؛ فقال أشهب: إنها تؤممه ولا تغسله. وقال في المدونة: إنها تغسله، ولم يشترط من فوق الثوب، وقال ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية: أنها تغسله من فوق الثوب، كما قال في المدونة في غسل الرجل ذات محرمه، والأظهر ألا يغسل الرجل ذوات محارمه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في

مسألة: النصراني يموت وله ابن مسلم أيغسله ويكفنه

أمه استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة - وأن يغسلنه؛ لأن المرأة في نظرها إلى ذوي محارمها من الرجال، كالرجل في نظره إلى الرجل، فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة. [مسألة: النصراني يموت وله ابن مسلم أيغسله ويكفنه] مسألة وسئل: عن النصراني يموت وله ابن مسلم، أيغسله ويكفنه ويشهد جنازته؟ فقال: يغسله إلى النار، أهل دينه أولى بذلك، وما يعجبني أن يفعل ذلك؟ قيل له: فيمشي معه؟ قال: يمشي معه - يقول: لا يضيع. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الروايات يقول: لا يضيع، وفي بعضها يقول: لا يصنع، والروايتان صحيحتان، إن لم يخش عليه الضيعة فلا يمشي معه، وإن خشي عليه الضيعة مشى معه - معتزلا عن الحاملين له من أهل دينه، وقد مضى تمام القول في هذه المسألة في رسم "حلف بطلاق امرأته" من سماع ابن القاسم. [مسألة: أيحمل الرجل الجنازة وينصرف ولا يصلي عليها] مسألة (قال) : وسألته أيحمل الرجل الجنازة وينصرف ولا يصلي عليها؟ فقال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم "القبلة"، ورسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم - موعبا فلا وجه لإعادته.

مسألة: الذي يصلي على الجنازة أيرفع يديه مع كل تكبيرة

[مسألة: الذي يصلي على الجنازة أيرفع يديه مع كل تكبيرة] مسألة وسئل: عن الذي يصلي على الجنازة أيرفع يديه مع كل تكبيرة؟ فقال: ما سمعت في هذا بشيء لازم للناس، وذلك حسن واسع كله أن يرفع يديه مع كل تكبيرة، وأن يرفع يديه في التكبيرة الأولى. قال محمد بن رشد: قوله: ما سمعت في هذا بشيء لازم للناس، صحيح لا اختلاف بين أهل العلم في أن رفع اليدين في الصلاة على الجنائز ليس بواجب، وإنما يتكلم في هذا على ما يستحب منه؛ ففي المدونة: أنه يرفع يديه في التكبيرة الأولى خاصة، وفي أصل الأسدية: أنه لا يرفع يديه لا في أول تكبيرة ولا فيما بعدها. وفي رواية ابن وهب عن مالك في المدونة: أنه يرفع في الأولى وفيما بعدها، واستحب في هذه الرواية أنه يرفع في الأولى، وخيره فيما بعد الأولى، إن شاء رفع، وإن شاء لم يرفع، كل ذلك حسن واسع؛ فوجه قوله: إنه يرفع في الأولى - خاصة، القياس على المشهور عنه في الصلاة أنه لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام، ووجه قوله: إنه يرفع في التكبيرات كلها، أنه قاس سائر التكبيرات على التكبير الأول، لاستوائهما في الوجوب؛ وما في أصل الأسدية أنه لا يرفع في الأولى ولا فيما بعدها، هو على ما في بعض روايات المدونة من كتاب الحج الأول من تضعيف رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، وعلى ما في سماع أبي زيد من كتاب الصلاة من إنكاره لذلك؛ وقد مضى التكلم على ذلك كله في سماع أبي زيد المذكور، وفي رسم "يتخذ الخرقة لفرجه" من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة أيضا. [مسألة: الرجل الجنب يقتل شهيدا في المعترك هل يغسل ويصلى عليه] مسألة قلت لأشهب: أرأيت الرجل الجنب يقتل شهيدا في المعترك،

هل يغسل ويصلى عليه؟ فقال: لا يغسل ولا يصلى عليه، وإن كان جنبا قد ترك غسل من قد اجتمعت الأمة على غسله من موتى المسلمين، وكذلك يترك غسل الجنب إذا كان شهيدا، وقال ابن الماجشون مثل قول أشهب. قال محمد بن رشد: وهذا كما قالا؛ لأن غسل الجنابة من العبادات المتوجهة على الأحياء عند القيام إلى الصلاة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6]- الآية - إلى قوله سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] . فإذا مات الميت ارتفعت عنه العبادات من الصلاة والغسل لها وغير ذلك، وغسل الميت إنما هي عبادة للأحياء تعبدوا (بها) فيه؛ فهي واجبة عليهم على الكفاية بإجماع، قيل: وجوب السنن، وقيل: وجوب الفرائض؛ ووجه احتجاج أشهب، هو أنه يقول: لما سقط وجوب غسل الميت بالشهادة، وقد كان واجبه وإن لم تكن به جناية، وجب أن يسقط بها - وإن كان جنبا، إذ لا تأثير للجنابة فيما كان يلزم من غسله - لولا الشهادة، وهو احتجاج صحيح من جهة القياس والنظر، وقد جاء بذلك الأثر، ذكر أهل العلم بالسير، أن حنظلة بن أبي عامر الراهب، كان قد ألم بأهله في حين خروجه إلى أحد، ثم هجم عليه من الخروج في النفير، ما أنساه الغسل وأعجله عنه؛ فلما قتل شهيدا، أخبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن الملائكة غسلته؟ وروي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأل امرأته ما كان شأنه؟ فقالت: إنه كان جنبا وغسلت أحد شقي رأسه، فلما سمع الصيحة خرج فقتل؛ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لقد رأيت الملائكة تغسله» ، فسمي حنظلة الغسيل - وكان من الأوس؛ روي أنها افتخرت على الخزرج - وكانا يتنافسان، فقالت الأوس:

الميت يغسل بالعشي فلا يكفن إلا من الغد

منا غسيل الملائكة، ومنا من حمته الدبر: عاصم بن ثابت بن (أبي) الأفلح، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، ومنا من اهتز العرش لموته: سعد بن معاذ، فقال الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القران على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زيد بن ثابت، وأبو زيد، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب - يريدون ولم يقرأه كله أحد منكم، إذ قد قرأه كله جماعة من غير الأنصار؛ منهم عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيرهم. [الميت يغسل بالعشي فلا يكفن إلا من الغد] من سماع عيسى بن دينار من عبد الرحمن بن القاسم من كتاب العرية قال: وسئل عن الميت يغسل بالعشي فلا يكفن إلا من الغد، أترى ذلك الغسل يجزئه؟ قال: نعم، أرجو أن يجزئه. قال محمد بن رشد: الاختيار أن يكون غسل الميت عند ما يحمل، فإن أخر حمله بعد غسله، أو بات، لم يعد غسله، وإن خرج منه شيء

مسألة: المرأة تموت ولا مال لها من يكفنها

غسل مخرجه، وموضعه من الثوب فقط، حكاه ابن حبيب عن أصبغ وغيره، وأما إن خرج منه شيء في حال الغسل، فقد قال بعض العلماء: إن خرج منه شيء بعد أن غسل ثلاثا، غسل خمسا، فإن خرج منه شيء، غسل سبعا؛ فإذا بلغ السبع، لم يزد على ذلك، وذلك مستحب غير واجب عنده - وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تموت ولا مال لها من يكفنها] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك مسألة وقال في المرأة تموت ولا مال لها، على من ترى كفنها - وثم أبوها وزوجها؟ فقال: أما إن كانت بكرا فعلى أبيها، وإن كانت متزوجة - وقد دخل بها زوجها فليس ذلك على أبيها، ولا على زوجها، إلا أن يطوعا بذلك؛ ولو كان لها - ولد، كان ذلك عليه. قال محمد بن رشد: اختلف في وجوب كفن الزوجة على الزوج على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يجب على الزوج مليئة كانت أو معدمة، وهي رواية عيسى هذه، والثاني: أنه يجب عليه مليئة كانت أو معدمة، وهو قول ابن الماجشون. والثالث: أنه يجب إن كانت معدمة، ولا يجب عليه إن كانت مليئة، وهو قول مالك في رواية ابن الماجشون عنه، فوجه القول الأول: أن النفقة إنما كانت واجبة عليه بحق المعاوضة والاستمتاع، وذلك ينقطع بالوفاة، ووجه القول الثاني، أن الكفن تابع للنفقة؛ لأن ذلك من توابع الحياة، وأما القول الثالث: فهو استحسان ليس على حقيقة القياس، وكذلك اختلف في وجوب كفن الابن الصغير، أو الزمن الذي لا مال له على الأب؛ وفي وجوب كفن الأب المعدم على الابن، فقيل: إن ذلك عليهما كالنفقة؛ لأنه من توابع الحياة، وهو رواية عيسى هذه، وقول ابن الماجشون، وروايته عن مالك؛ وقيل: إن ذلك لا يجب عليهما، إذ ليست النفقة في ذلك ثابتة؛ لأن نفقة الأب تحدث، ونفقة الابن تزول، وهو قول سحنون؛ وقيل: إنه يجب على الأب كفن ابنه الصغير، ولا يجب على الابن كفن أبيه، وهو أحد قولي سحنون، ولا اختلاف في وجوب كفن العبد على سيده.

مسألة: هل تكفن المرأة في الثياب المصبوغة

[مسألة: هل تكفن المرأة في الثياب المصبوغة] مسألة وسألته هل تكفن المرأة في الثياب المصبوغة؟ قال: نعم، وتكفن في الورس، والزعفران، وغير ذلك من الألوان، إلا أن مالكا كره المعصفر، إلا ألا يجد غيره. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة؛ لأنه (إذا) كره المعصفر للمرأة لم فهو للرجل أكره؛ لأنه من الزينة؛ وأجازه مالك في رواية علي بن زياد عنه للرجل والمرأة، وأجازه ابن حبيب للمرأة دون الرجل، وأما الورس والزعفران، فهو جائز للرجل والمرأة؛ لأنه من الطيب، وليس من الزينة، - قاله ابن حبيب في الرجل إذا غسل وإن لم يخرج منه لونه - وبالله التوفيق. [مسألة: يؤتى بجنازتيهما والواحد أحسن حالا والآخر أسن أيهما يقرب إلى الإمام] ومن كتاب لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس مسألة وسئل: عن الرجلين يؤتى بجنازتيهما، والواحد أحسن حالا والآخر أسن، أيهما يقرب إلى الإمام؟ قال: الأحسن حالا، وقال سحنون مثله. قال محمد بن رشد: هذا مما لا اختلاف فيه أحفظه، أن الأحسن حالا يقدم على الأسن، وإنما يقدم الأسن على من هو أدنى منه سنا إذا

مسألة: معنى قول عمر عند موته ولا تجعلوا علي حجرا

استوت حالتهما في الفضل، والأعلم يقدم على الأفضل، وهذا من ناحية التقديم للإمامة - وبالله التوفيق. [مسألة: معنى قول عمر عند موته ولا تجعلوا علي حجرا] ومن كتاب العشور مسألة وسئل ابن القاسم: عن قول عمر عند موته: ولا تجعلوا علي حجرا؟ قال: ما أظن معناه إلا من فوق على وجه ما يبنى على القبر بالحجارة. وقد سألت مالكا عن القبر يُجعل عليه الحجارة يرصص بها عليه بالطين؟ وكره ذلك، وقال: لا خير فيه، وقال: لا يُجَيَّر ولا يُبنى عليه بطوب ولا بحجارة. قال محمد بن رشد: البناء على القبر على وجهين؛ أحدهما: البناء على نفس القبر، والثاني: البناء حواليه؛ فأما البناء على نفس القبر، فمكروه بكل حال؛ وأما البناء حواليه، فيكره ذلك في المقبرة من ناحية التضييق فيها على الناس، ولا بأس به في الأملاك - وبالله التوفيق. [مسألة: ميت دفن فسهوا عن الصلاة عليه] ومن كتاب النسمة مسألة وسئل ابن وهب: عن ميت دفن فسهوا عن الصلاة عليه، ولم يذكروا إلا بعد ما أرادوا الانصراف عنه؛ قال: قد سمعت من يقول في هذا: إنه لا ينبش، ولكن يصف على قبره حتى يصلى عليه، ويكبر عليه أربع تكبيرات بإمام؛ فإن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأل عن مسكينة سوداء كانت تقوم على المسجد، فقيل له: يا رسول الله، توفيت البارحة ودفناها، فكرهنا أن نُخرجك ليلا؛ قال: فانطلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمن معه حتى وقف على قبرها،

مسألة: قال لها ختنها أسلمي يا فلانة حتى نغسلك

فصلى عليها وكبر أربع تكبيرات» . قال عيسى: أرى أن ينبش إذا كان بحضرة ذلك - ويصلى عليه، وإن فات صلى على قبره، قال ابن القاسم - مثله. قال محمد بن رشد: اختلف فيمن دفن ولم يصل عليه: فقيل: إنه يُخرج ويُصلى عليه ما لم يفت، فإن فات صُلِّي على قبره، وهو قول ابن القاسم، وابن وهب؛ وقيل: إنه يُخرج ما لم يفت، فإن فات (ترك ولم يصل) على قبره؛ لئلا يكون ذريعة إلى الصلاة على القبور، وهو قول أشهب، وسحنون، ومثله في المبسوط لمالك؛ واختلف بماذا يكون الفوت على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يكون بأن يُهَال عليه التراب بعد نصب اللبن، أو دون اللبن، وهو قول أشهب. والثاني: أنه يكون بالفراغ من الدفن، وهو قول ابن وهب - ههنا. والثالث: أنه يكون بأن يُخشى عليه التغيير، وهو قول سحنون، وقول عيسى، وروايته عن ابن القاسم - هنا؛ وإنما يصلى على القبر عند من رأى ذلك - ما لم يطل ذلك حتى يذهب الميت بفناء أو غيره، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يصلى على قبر بعد ثلاث، قال: لأنه يصير بعد ثلاث إلى حد لا يُصلى عليه، وقد لا يتغير الميت إلى أبعد من هذه المدة، مع أنه قد روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على قبر بعد ثلاث» . [مسألة: قال لها ختنها أسلمي يا فلانة حتى نغسلك] مسألة وسئل ابن القاسم: عن امرأة نصرانية قال لها ختنها: أسلمي يا فلانة حتى نغسلك، ونصلي عليك. فقالت: نعم، وأمرت

مسألة: الميت ينبش أيغسل ويكفن

بغسل ثيابها، وقالت: كيف أقول؟ قال: قلت لها قولي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته؛ فقالت: كل هذا ثم ماتت، فدفنت في قبور النصارى؛ فقال ابن القاسم: اذهب فانبشها، ثم اغسلوها وصلوا عليها، إلا أن تكون قد تغيرت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الكفار يعذبون في قبورهم، وهي تتأذى من أجل ذلك لمجاورتهم؛ فواجب أن تنبش وتحول إلى مقابر المسلمين، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: الميت ينبش أيغسل ويكفن] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب أوله يشتري الدور والمزارع وسألته: عن الميت ينبش، أيغسل ويكفن؟ قال: لا يعاد غسله، ولكن يكفن ويدفن، قلت: أواجب على أهله أن يكفنوه، أم يستحسن ذلك؟ وإن ترك لم تر به بأسا؟ قال: بل واجب عليهم أن يكفنوه. قلت: أفمن رأس المال بمنزلة الكفن الأول؟ قال: نعم، قلت: وإن كان عليه دين يحيط بماله، بدئ أيضا كما يبدئ الكفن الأول، قال: نعم، قلت: أفيصلى عليه الثانية؟ قال: الصلاة الأولى تجزئه. وسئل سحنون: عن رجل مات وكفنه أهله، فدفن وقسم ماله، ثم وجد الميت فوق الأرض منبوشا، ليس عليه أكفانه؛ هل يكون على

ورثته أن يكفنوه مرة أخرى من رأس المال؟ أو من الثلث إن كان الميت أوصى بثلث ماله؟ فقال: ليس على أهله أن يكفنوه - مرة أخرى، إلا أن يتطوعوا، ويدفن من غير كفن، ولا يكفن من ثلث ولا غيره؛ لأنه قد كُفن وصلي عليه على سنة الإسلام. قال محمد بن رشد: ذهب بعض أهل النظر إلى أن قول سحنون مبين لقول ابن القاسم؛ لأنه تكلم على أن المال قد قسم، وتكلم ابن القاسم على أنه لم يقسم، وذلك بعيد من جهة اللفظ والمعنى، أما بُعْده من جهة اللفظ، فهو أن القسمة ذُكرت في السؤال - ولم يعلل بها في الجواب، وإنما علل بأنه قد كفن وصلي عليه على سنة الإسلام، وأما بعده من جهة المعنى، فهو أن الحقوق الطارئة على الشركة لا يُسقطها قسمة المال، فهو اختلاف من القول. فعلى مذهب ابن القاسم، على الورثة أن يكفنوه من بقية المال - قسم أو لم يقسم، وذلك بيِّن من قوله: إنه بمنزلة الكفن الأول، يبدأ على الدين؛ وعلى مذهب سحنون لا يلزم الورثة أن يكفنوه - ثانية مما بقي من التركة، قسمت أو لم تقسم. ووجه القول الأول: أن الكفن في ضمان الورثة - وإن دفن الميت به؛ إذ ليس ممن يقبض لنفسه، ولا يجوز لها، وعلى الورثة أن يشتروه بماله من الكفن قبل الدفن وبعده - إذا عري؛ إذ ليست حرمته بعد الدفن بأدنى من حرمته قبله، فهو بمنزلة ما لو استحق من عليه بعد أن دفن؛ أو بمنزلة ما لو سرق من عليه، أو اختلس قبل الدفن. ووجه القول الثاني: أنه بالدفن يخرج من ضمان الورثة، ويحصل الميت في حكم القابض له بإدخاله به في قبره - وإن كان ممن لا يصح منه القبض؛ لأنه بيته؛ ألا ترى من سرق منه يقطع، وأن الوصي إذا جهّز اليتيمة من مالها وأورده بيت بنائها، يبرأ من الضمان، وتحصل اليتيمة قابضة لذلك، وإن كانت ممن لا يصح منها القبض؛ إذ ذلك أكثر المقدور عليه - وبالله التوفيق.

مسألة: هل يصلى على المنبوذ إذا مات قبل أن يعرف الصلاة

[مسألة: هل يصلى على المنبوذ إذا مات قبل أن يعرف الصلاة] ومن كتاب المكاتب مسألة وسألته: هل يصلى على المنبوذ إذا مات قبل أن يعرف الصلاة، وفي البلد الذي طرح فيه يهود، ونصارى؟ قال: نعم. يصلى عليه، ولا تترك الصلاة عليه، لما في بلده من اليهود والنصارى؛ لأن السنة ألحقته بأحرار المسلمين في تمام عقله على قاتله - وهو حر لا سبيل لأحد عليه؛ قال: وترك أخذه أحب إليّ، إلا أن يخشى عليه الهلاك إن ترك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه على دين من التقطه من المسلمين، زاد ابن حبيب - وإن وجد في كنيسة، وإن كان عليه زي النصارى - إذا كان في جماعة المسلمين، وهو معنى ما في كتاب تضمين الصناع من المدونة، قال: وذلك بخلاف الكبير يوجد ميتا، أو الغريب يموت ولا يُعلم أنه كان مسلما؟ فإنه لا يصلى عليه - وإن كان مختونا؛ لأن النصارى قد يختتنون. وفي سماع عبد الملك عن ابن وهب: أنه يصلى عليه إن كان مختونا - وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: الكفن أيجعل فيه عمامة أو قميص] ومن كتاب الأقضية مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الكفن أيُجعل فيه عمامة، أو قميص؟ أو هل يؤزر الميت؟ فقال: أحب ما كفن فيه الميت إلينا ثلاثة أثواب بيض، وكذلك كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يجعل فيه قميص، ولا عمامة، ولا يؤزر، ولكن يدرج فيهن

مسألة: ماذا أعددت لبيت الوحدة

إدراجا؛ قلت له: فالمرأة أتُدْرَج دَرْج الرجال؟ فقال: أحب إلي أن تؤزر وتخمر، وذلك سواء، ثلاثة أثواب تدرج فيهن لمن وجد لذلك سعة. قال محمد بن رشد: هكذا وقعت هذه الرواية هنا لابن القاسم. والمعروف من مذهبه وروايته عن مالك في المدونة، وغيرهما: أن من شأن الميت أن يعمم؛ وقد وقع في العشرة في الكتاب الذي أوله يغتصب الأرض براحا؛ قال يحيى: وسألت ابن نافع عن الكفن - المسألة إلى آخرها على نصها - والله أعلم - أنها من قول ابن نافع، لا من قول ابن القاسم - وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: ماذا أعددت لبيت الوحدة] من سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم قال موسى بن معاوية: حدثنا جرير، عن مسعر، قال: كان يقال: إذا أدخل الميت القبر، قال له القبر: ماذا أعددت لبيت الوحدة، وبيت الوحشة، وبيت الدود؟ قال موسى: وحدثنا وكيع، عن مالك بن مغول، عن عبيد الله بن عمير الليثي، عن أبيه، قال: إن القبر ليبكي، ويقول: أنا بيت الدود، وبيت الوحشة، وبيت الوحدة. قال محمد بن رشد: هذا على المجاز لا على الحقيقة، أي: لو كان القبر ممن يصح منه البكاء والكلام، لبكى وقال هذا القول؛ وهذا مثل قوله عز وجل: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] ، والجدار لا تصح منه الإرادة، ومثل قول عنترة:

مسألة: المرأة ذات الشعر تغسل، كيف يصنع بشعرها

وشكا إليّ بعبرة وتحمحم يعني فرسه. ومثل قول الحارثي: يريد الرمح صدر أبي براء ... ويرغب عن دماء بني عقيل ومثل قول غيره: وعظتْك أحداث صُمْت ... ونعتْك أزمنة خُفْت وأرتك قبرك في القبو ... ر وأنت حي لم تمت وتكلمت عن أوجه تبلى ... وعن صور سبت وهذا كثير في كلام العرب وأشعارهم. [مسألة: المرأة ذات الشعر تغسل، كيف يصنع بشعرها] مسألة قال موسى: وسئل ابن القاسم: عن المرأة ذات الشعر تغسل، كيف يصنع بشعرها، أيظفر؟ أم يفتل؟ أم يرسل؟ وهل يجدل بين الأكفان؟ أم يعقص ويرفع مثل ما ترفعه الحية بالخمار؟ وكيف صفة غسلها وكفنها؟ وكيف يصنع بخمارها وشعرها وأكفانها؟ قال ابن القاسم: لم يكن للميت في غسله حد عند مالك، إلا أنه يغسل

مسألة: الرجل يموت هل تغسله أمته أو مدبرته أو مكاتبته

وينقى؛ وأما الشعر فليفعلوا فيه كيف شاءوا؛ وأما الظفر فلا أعرفه. قال محمد بن رشد: وهذا كما حكى ابن القاسم عن مالك: أنه لا حد عنده في غسل الميت - يريد في عدد الغسلات، وإنما الحد في ذلك عنده الإنقاء، ويستحب فيه الوتر، وأدناه ثلاث؛ قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ابنته: «اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن» ... " الحديث. كما أنه لا توقيت عنده في الوضوء، وإنما الحد فيه الإسباغ، ولأعداد مستحبة؟ وقوله في الظفر: إنه لا يعرفه - يريد: أنه لا يعرفه من الأمر الواجب، وهو - إن شاء الله - حسن من الفعل، روي عن أم عطية، قالت: «توفيت ابنة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما غسلناها ضفرنا شعرها، فجعلناه ثلاث ضفائر: ناصيتها، وقرنيها، ثم ألقيناها من خلفها» . وقد روي عن بكر بن عبد الله المزني: أنه سأل أعلم بيت من قريش بالغسل عن صفة الغسل، فقالوا: نصنع بالميت ما نصنع بالعروس، غير أنه لا يخلق ولا ينور - والله تعالى أعلم. [مسألة: الرجل يموت هل تغسله أمته أو مدبرته أو مكاتبته] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يموت، هل تغسله أمته؟ أو مدبرته؟ أو مكاتبته؟ فقال ابن القاسم: لا أرى بأسا أن تغسله أمته، أو مدبرته، كل من كان يحل له، مثل المرأة، قال لي مالك في المرأة تغسل زوجها، وأما المكاتبة فلا. قال محمد بن رشد: وهذا - كما قال - إنه جائز أن يغسل الرجل

مسألة: الرجل المسلم يموت وليس معه من يغسله

أمته، أو مدبرته، كما يجوز ذلك لامرأته؛ لأنهن حلائله؛ وهذا إذا أذن في ذلك أولياؤه. وأما إذا لم يأذنوا في ذلك، وأرادوا أن يلوه بأنفسهم، فذلك لهم في الأمة والمدبرة قولا واحدا؛ إذ لا حق لهما في ذلك معهم؛ وأما الزوجة فهم أحق بذلك منها، لا يقضى لها عليهم بغسله، وقد قيل: إنه يقضى لها عليهم بغسله، وأما الرجل فإنه يقضى له بغسل زوجته الحرة والأمة، وقيل: لا يقضى له بغسل زوجته - إذا كانت أمة، وأهل العراق لا يجيزون للرجل غسل زوجته - لانقطاع ما بينهما بالموت، ولا يجيزون للمرأة غسل زوجها - إذا انقضت عدتها منه بوضع حمل إن كان بها، وهو بعيد؛ إذ لو انقطع ما بينهما بالموت، كما ينقطع بالطلاق البائن، لما توارثا، ويكره مالك للرجل أن يغسل زوجته إذا تزوج أختها، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل المسلم يموت وليس معه من يغسله] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل المسلم يموت وليس معه من يغسله إلا أمه، أو أخته، أو امرأته، أو من ذوات المحارم؛ وليس معهن رجل إلا مشرك؛ وهل يغسل الرجل أمه، أو أخته، أو ذات رحم محرم منه؟ فقال ابن القاسم: يغسله ذوات محارمه من النساء من فوق الثوب: أمه أو ابنته أو أخته، وأما المرأة فإنها تستر عورة أبيها، وأخيها؛ والمرأة تغسل زوجها، والزوج يغسل امرأته في الحضر والسفر، وهو قياس قول مالك؛ وأما الحضر والإقامة فهو قول مالك، قال: تغسل المرأة زوجها، والزوج يغسل امرأته.

مسألة: إمام جنازة صلى عليها وهو جنب لم يشعر بجنابته حتى دفنت

قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم " الجنائز والصيد والذبائح" من سماع أشهب - تحصيل القول في غسل ذوي المحارم بعضهم بعضا، ومضى في المسألة التي قبل هذه القول في غسل أحد الزوجين صاحبه، فلا فائدة في إعادته. [مسألة: إمام جنازة صلى عليها وهو جنب لم يشعر بجنابته حتى دفنت] مسألة وسئل: عن إمام جنازة صلى عليها وهو جنب لم يشعر بجنابته حتى دفنت، وكيف إن علموا قبل أن تدفن بجنابته بعد دخولها اللحد؟ أترد للصلاة عليها؟ قال ابن القاسم: أرى صلاتهم جائزة ولا تعاد، ألا ترى أن المكتوبة لو أن رجلا صلى بهم جنبا ناسيا، ثم سلم فعلم، أجزأت عنهم صلاتهم؛ فكذلك الجنازة إذا صلي عليها، أجزأت عنهم صلاتهم عليها. قال محمد بن رشد: قياسه صلاة الجنازة في هذا على صلاة الفريضة صحيح، لا إشكال في صحته، فيدخل في صلاة الجنائز من الخلاف ما في صلاة الفريضة؛ لأن أهل العراق يقولون: إنها تبطل على المأمومين، كما بطلت على الإمام، وهو القياس على القول بأن صلاة المأمومين مرتبطة بصلاة الإمام؛ وحجة مالك حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذ صلى الصبح بالناس - جنبا، فأعاد ولم يأمر الناس بالإعادة؛ وله وجه من النظر مع الاتباع، وهو أن الإمام إذا صلى بالناس جنبا، أو على غير وضوء - ولم يعلم بذلك، فقد سقط الفرض عنه وعنهم؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان» ... " الحديث. فإن ذكر بعد ذلك، وجبت عليه الإعادة دونهم؛ لأنهم صلوا بطهارة؛ إذ ليس سهو الإمام عن الطهارة سهوا لهم عنها،

مسألة: إمام جنازة صلى على جنازة متوضئا ورجل خلفه على غير وضوء

فيجب عليهم الإعادة، وإنما يكون سهو الإمام سهوا لمن خلفه، أو إن لم يكن منهم سهو إذا سها عما يحمله عنهم، كالقراءة، فلهذا وجبت الإعادة على المأمومين إذا سها الإمام عن القراءة وإن قرءوا هم، فإذا صلى الإمام بقوم على غير طهارة - وهو لا يعلم ثم علم، أعاد ولم يعيدوا؛ لأن الصلاة فرض على الأعيان. وإذا صلى على الجنازة - وهو على غير طهارة ثم علم، جازت الصلاة، ولم تجب إعادتها عليه ولا عليهم، أما هم فمن قِبَل أنهم صلوا على طهارة، وأما هو فمن قبل أن الفرض قد سقط عنه بصحة صلاتهم؛ لأنها من فروض الكفاية، ولو صلى عليها هو وَهْم على غير طهارة ثم علموا، لوجب أن تعاد الصلاة عليها. [مسألة: إمام جنازة صلى على جنازة متوضئا ورجل خلفه على غير وضوء] مسألة وسئل ابن القاسم: عن إمام جنازة صلى على جنازة متوضئا - ورجل خلفه على غير وضوء، ثم ذكر قبل دفنها، أو بعدما دفنها. قال ابن القاسم: ليس عليه شيء، فصلاته مجزئة عنه. قال محمد بن رشد: أما قوله ليس عليه شيء، فصحيح بيِّن؛ إذ لا يصلى على من قد صلي عليه، وقد مضى ذلك في رسم "الجنائز والصيد والذبائح" من سماع أشهب، وأما قوله فصلاته مجزئة عنه، فمعناه أنه ليس عليه إعادتها؛ إذ لا يصلى على من قد صلي عليه، وأن له أجر صلاته إذ لم يعلم بكونه على غير وضوء؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان، وعما استكرهوا عليه» ؛ لأن صلاة الجنازة على غير وضوء تصح، فهو في صلاته على الجنازة بغير وضوء، كمن أوتر بغير وضوء فلم

مسألة: إمام جنازة قهقه في صلاته

يعلم حتى صلى الصبح، فيقال: إنه يجزئه وتره، بمعنى أنه ليس عليه قضاؤه، وبالله التوفيق. [مسألة: إمام جنازة قهقه في صلاته] مسألة وسئل: عن إمام جنازة قهقه في صلاته، هل عليه وعلى من خلفه إعادة الصلاة، وكيف به إن أحدث وليها؟ هل يجوز له أن يستخلف على ما بقي من الصلاة، أم يعيدون الصلاة؟ أم يمكثوا قياما حتى يذهب وليها - إن كان هو الإمام فيتوضأ ويرجع فيصلي بإعادة الصلاة؟ وكيف إن رعف فذهب يتوضأ، أله أن يستخلف من يتم بهم بقية صلاتهم؟ وكيف إن ذهب ولم يستخلف: كيف يصنع الناس، أيقدمون رجلا منهم؟ أم لا يحدثون شيئا حتى يرجع الولي أو الإمام؟ وكيف إن لم يكن لها ولي ولا إمام جماعة؟ قال ابن القاسم: لا نبالي كان لها وليا أو لم يكن لها وليا إن أحدث أو رعف، فينبغي أن يقدم رجلا ليتم بهم بقية الصلاة؛ وإن لم يقدم أحدا وانصرف وجهل ذلك، تقدم رجل فأتم بهم بقية صلاتهم؛ وأما الذي قهقه، فإنهم يقطعون جميعا ويبتدئون الصلاة من أولها؛ لأن الإمام قطعها، وكذلك لو أحدث متعمدا ابتدءوا الصلاة عليها. قال محمد بن رشد: وهذا صحيح على ما قاله؛ لأن الصلاة على الجنائز صلاة، فيقطعها ما يقطع الصلاة؛ ويجب على الإمام من الاستخلاف فيها ما يجب عليه من الاستخلاف في الصلاة. [مسألة: قوم جهلوا القبلة فصلوا على جنازتهم] مسألة وسئل ابن القاسم: عن قوم جهلوا القبلة فصلوا على جنازتهم

مسألة: القوم ينسون الصلاة على الجنازة فلا يذكرون حتى تدفن

إلى غير القبلة، ثم علموا بذلك قبل دفنها، أو بعد دفنها؛ أيعيدون الصلاة عليها؟ قال ابن القاسم: إن دفنوها فلا شيء عليهم، وإن لم يدفنوها، فإني أستحسن أن يصلى عليها، ولست أرى ذلك عليهم بواجب. قال محمد بن رشد: أشهب يرى إعادة الصلاة عليها ما لم تدفن، وسحنون لا يرى ذلك. واستحباب ابن القاسم أن تُعاد الصلاة عليها ما لم تدفن - راجع إلى إسقاط وجوب الإعادة، مثل قول سحنون، فوجه إعادة الصلاة عليها ما لم تدفن، أن من صلى إلى غير القبلة إنما يعيد في الوقت، فجعل حضور الجنازة كحضور الوقت، ودفنها كفواته. ووجه قول من لم ير الإعادة: أن إعادة الصلاة في الوقت إنما هي لإدراك فضيلة الوقت، فلما لم يكن للصلاة على الجنازة وقت معين، كان السلام منها كخروج وقتها، كما قال ابن القاسم فيمن طاف بثوب نجس، فعلم بذلك بعد إكمال الطواف أنه لا إعادة عليه، كمن صلى بثوب نجس فلم يعلم حتى خرج الوقت؛ وقيل: تعاد الصلاة عليها - وإن دفنت، ما لم ينقض النهار - إن كان صلي عليها نهارا، أو الليل - إن كان صلي عليها ليلا، وهو قول ابن نافع؛ فجعل بقية النهار أو الليل لها كالوقت القائم للصلاة المفروضة، فإن ترك الإعادة عليها حتى تدفن على قول من يرى أنها تعاد، تخرج ذلك على قولين: أحدهما: أن الصلاة قد مضت فلا تعاد، والثاني: أن إعادتها قد وجبت، فيصلى عليها في قبرها؛ أو تُخرج ما لم يخش عليه التغير، كمن دفن دون أن يصلى عليه. [مسألة: القوم ينسون الصلاة على الجنازة فلا يذكرون حتى تدفن] مسألة وسئل: عن القوم ينسون الصلاة على الجنازة فلا يذكرون حتى تدفن، أتنبش، أم يصلى عليها في قبرها؟ ويؤمهم وليها في الصلاة؟ قال ابن القاسم: إن كان عندما دفنوها، فأرى أن تُخرج ويُصلى عليها؛

مسألة: إمام جنازة صلى عليها فذكر بعدما دخل في الصلاة أن عليه صلاة نسيها

وإن خافوا من ذلك تغييرا، صلوا عليها في قبرها. وسئل ابن القاسم: عن الميت يجهل القوم الصلاة عليه، فيدفنونه ولم يصلوا عليه ولم يغسل، فيأتي قوم من المسلمين فيخبرون بذلك ساعتئذ؟ قال ابن القاسم: إن كان بحدثان أمره لم يتغير، ولم يخافوا عليه أن يكون قد دخله غير في قرب ذلك وحدثانه عندما دفنوه؛ رأيت أن يخرج ويغسل ويصلى عليه، وإن خافوا أن يكون قد تغير، رأيت أن يصلوا على قبره ويتركوه. قال محمد بن رشد: ترك الغسل، والصلاة على الميت أو الغسل دون الصلاة، أو الصلاة دون الغسل - جهالة أو نسيانا، سواء في وجوب الحكم في ذلك؛ لأن الصلاة لا تجزئ دون غسل، فترك الغسل كترك الصلاة؛ وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم "النسمة " من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: إمام جنازة صلى عليها فذكر بعدما دخل في الصلاة أن عليه صلاة نسيها] مسألة وسئل ابن القاسم: عن إمام جنازة صلى عليها، فذكر بعدما دخل في الصلاة أن عليه صلاة نسيها؛ كيف يصنع؟ أيمضي في الصلاة ولا يعيدها - وتجزئ الذين معه؟ أو يقطع ويقضي ما نسي ثم يصلي على الجنازة؟ وهل تحبس الجنازة عليه - إن كان إمام المصر، أو ولي الميت، أو ممن يبصر السنة إن كان مع جهال لا يبصرون السنة، حتى يصلي ما نسي ثم يعود فيصلي على الجنازة؟ وكيف الأمر فيها إن خيف على الجنازة الفساد؟ قال ابن القاسم: يمضي في الصلاة على الجنازة ولا يقطع.

مسألة: يقتله الإمام في المحاربة والحرابة أيصلي عليه الإمام ويغسل

قال محمد بن رشد: إنما قال إنه يمضي في الصلاة ولا يقطع، بخلاف الإمام يذكر صلاة نسيها، أنه يقطع ويقطعون، أو يقطع ويستخلف من يتم بهم الصلاة - على اختلاف قوله في ذلك؛ لأن الترتيب فيما قل من الصلوات لازم، ولا ترتيب فيما بين صلاة الفريضة والصلاة على الجنازة، ومثل قول ابن القاسم هذا حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون، وأصبغ، ولم يذكر في ذلك اختلافا، ولا فرق بين أن يكون في خناق من وقت الصلاة التي نسيها، أو لا يكون في خناق من وقتها، وذلك خلاف لأصله، والذي يأتي فيها على أصله، أن يخرج ويستخلف إذا كان في خناق من وقت الصلاة التي ذكرها. [مسألة: يقتله الإمام في المحاربة والحرابة أيصلي عليه الإمام ويغسل] مسألة وسئل ابن القاسم: عمن أقيد منه في قصاص، أيصلي عليه الإمام؟ وعن الذي يقتله الإمام في المحاربة والحرابة، أيصلي عليه الإمام ويغسل؟ وكيف به إن رأى الإمام صلبه، أيقتله ويغسله ويصلي عليه، أم لا؟ وكيف الأمر فيه في القتل والصلب، أيصلب حيا ثم يقتل ويصلى عليه مصلوبا؟ أم لا يصلى عليه على حال؟ قال ابن القاسم: أما كل من قتل بالسيف أو قودا، وما قتل به من خنق أو غيره، فإنه يغسل ويصلى عليه، وأما الصلب فإنا سألنا مالكا عنه، فقال: ما سمعت فيه بشيء، وما علمت أنه كان من عمل من مضى. قال مالك: ولقد صلب عبد الملك بن مروان الحارث الذي تنبأ وطعنه هو بيده، قال ابن القاسم: ولم يصلبه إلا حيا، قال مالك: وأرى اجتهاد الإمام يسعه في ذلك على المحارب إذا أراد أن يقتله ويصلبه، أو يصلبه حيا، وسعة ذلك على أشنع ذلك، يريد على قدر جرمه. قال ابن القاسم: فإن قتل قبل أن يصلب، رأيت أن يصلى عليه ثم يصلب؛ وأما الذي يصلب حيا فإني لم أسمع فيه بشيء، قيل لسحنون: فإذا

صلبه الإمام حيا وقتله في خشبته، كيف يصلى عليه، قال: ينزل ويكفن ويصلي عليه أهله؟ قلت: ولا يعاد في الخشبة لما يريد الإمام من شنعة ذلك من فعله، ونكالا لغيره، فقال: لا أرى ذلك، وفيما فعل به ما يجزئ، وأرى إذا صلي عليه أن يدفن؛ وقول مالك يجزئه من هذا كله يصلي على كل من قتله الإمام. قال محمد بن رشد: سأله عن صلاة الإمام على الذي يقتله في قود، أو على حرابة؛ فلم يجبه على ذلك، ومذهبه وروايته عن مالك: أنه لا يصلي عليه، ويصلي عليه أهله والناس؛ قيل: على سبيل الردع والزجر، كما يكره له ولمن سواه من أهل الفضل - الصلاة على أهل الكبائر والشر. وقيل: إنما لم يصل عليه الإمام من أجل أنه منتقم لله بقتله، فلا يكون شافعا إليه بالصلاة عليه؛ والتأويل الأول صحيح في المعنى، إلا أنه لا يسعد قوله لتفرقته فيه بين القتل وغيره، وهذا أسعد به، إلا أن فيه نظرا، إذ لا يمنع أن ينتقم لله منه بما شرعه من القتل في الدنيا، ويشفع له في ألا يعاقبه في الدار الأخرى؛ وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على الجهنية المرجومة. وذهب إلى ذلك محمد بن عبد الحكم. وقال ابن نافع: يصلي الإمام على من قتله في قصاص، أو حد من الحدود، وليس لترك صلاة الإمام عليه وجه، ولا فرق بينه وبين غيره، ويحتمل أن يفرق على قول محمد بن عبد الحكم بين المرجوم والمقتول في حرابة أو قود، فإن الرجم كفارة للزنا بإجماع، وليس القتل في القود والحرابة بكفارة للذنب، بدليل قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] . ولا اختلاف في أن المقتول في حد أو قود يصلي

مسألة: عن أناس ثاروا على خارجي فظفر وقاتل أولئك الذين ثاروا عليه

عليه الناس، إذ لا يخرج بما اجترمه مما أوجب عليه القتل عن الإسلام، لا سيما وقد قيل: إن القتل كفارة به؛ وأما المصلوب، فقيل: إنه يقتل ثم يصلب، وهو قول أشهب. وقيل: إن يصلب حيا ثم يقتل في الخشبة، وهو قول ابن الماجشون. وجعل ابن القاسم الإمام مخيرا في ذلك باجتهاده على قدر ما رأى من جرمه. وقول ابن الماجشون أظهر؛ لأن الله إنما خير في صفة قتله، ولو كان إنما خير في صلبه بعد قتله، لقال: أن يقتلوا ثم يصلبوا. فإذا قتل قبل أن يصلب، صلى عليه قبل أن يصلب. وأما إذا صلب حيا، فقيل: إنه لا يصلى عليه. وقيل: إنه يصف خلف الخشبة ويصلى عليه؛ اختلف في ذلك قول ابن الماجشون، وقيل: إنه ينزل عن الخشبة ويصلى عليه ويدفن، ولا يعاد في الخشبة؛ وقيل: بل يعاد فيها ليذعر بذلك أهل الفساد، اختلف في ذلك قول سحنون - وبالله التوفيق. [مسألة: عن أناس ثاروا على خارجي فظفر وقاتل أولئك الذين ثاروا عليه] مسألة وسئل ابن القاسم: عن أناس ثاروا على خارجي، فظفر وقاتل أولئك الذين ثاروا عليه، فقتل بعض أصحابه وقتل من أولئك الذين ثاروا عليه وليس فيهم من يرى أنه أراد بصيرة ولا دينا أكثر من طلب الدنيا؛ أيصنع بقتلاهم ما يصنع بالشهداء؟ أم يغسلون ويصلى عليهم؟ أم ليس على من لم يهو هواهم ولم يشهد معهم - أن يغسلهم، ولا يصلي عليهم؟ وأنهم يقتتلون بين أحياء المسلمين، فيكون بين الفئتين قتلى؛ هل يجب غسلهم ودفنهم على أصحاب

كل قرية؛ أم على من سمع ذلك أو رآهم من أهل ذلك المحوز أن يذهبوا فيغسلوهم ويصلوا عليهم؟ أم يصنع بهم ما يصنع بالشهداء؟ قال ابن القاسم: ليس هؤلاء مثل الشهداء، ويغسلون جميعا الظالم والمظلوم، ويصلى عليهم؛ وأما دفنهم، فإني أرى ذلك من الحق أن يدفنوا جميعا ولا يتركوا؛ لأنهم من المسلمين، يغسلون ويصلى عليهم ويدفنون؛ وأرى للسلطان أن يواريهم ولا يكره أحدا على ذلك. وقد سئل مالك عن النصراني يموت مع المسلمين، فقال: يحفر ويوارى للذمة، فكيف للمسلمين. وسئل ابن القاسم: عن طائفتين من الخوارج مثل الحرورية، والقدرية، ونحوهم، يقتتلون فيقتل من الفريقين قتلى، هل يجب على من بقي من الطائفتين دفن قتلاهم، والصلاة عليهم، وهل يدفنون بدمائهم كالشهداء، أو كيف بهم إن تركوهم ولم يدفنوهم؟ هل يجب على من كان قريبا منهم دفنهم، والصلاة عليهم؟ قال ابن القاسم: يغسلون ويصلى عليهم، وعلى من كان قريبا منهم أن يواريهم ويغسلهم ويصلي عليهم، وليس بواجب، ولكني أستحسنه. وسئل ابن القاسم: عن الطائفتين من المسلمين يقتتلان، فيقتل بينهما قتلى، أيصلى عليهم أم لا؟ وهل يدفنون بدمائهم، أم يغسلون؟ وكيف إن كانت إحداهما باغية والأخرى عادلة؟ قال: وجه ما سمعنا من مالك أنه يغسل جميع المسلمين، ويصلي عليهم - كان ظالما أو مظلوما؛ لأنه سمعته يقول في

مسألة: تغطية القبر بالثوب على المرأة

الذي يقتل نفسه، إنه يغسل ويصلى عليه، وإثمه على نفسه؛ وليس أحد في الظلم أظلم ممن قتل نفسه، وكل القتلى عند مالك يغسلون ويصلى عليهم، إلا الشهيد في سبيل الله، الذي يموت في المعركة، فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، ويدفن بثيابه ولا تجرد له؛ قال مالك: وما علمت أنه ينزع منه شيء. قال محمد بن رشد: هذه المسائل كلها صحاح بينة في المعنى والحجة، فلا إشكال فيها، ولا اختلاف في المذهب في شيء منها؛ إلا أنه قد اختلف التأويل على مالك في قوله في أهل الأهواء والبدع، إنهم لا ينكحون ولا ينكح إليهم ولا يسلم عليهم، ولا يصلى خلفهم، ولا يشهد جنائزهم، فقيل: إن ذلك على وجه التأديب لهم، والكراهة لمخالطتهم، وقيل: إن ذلك لأنهم عنده كفار، بدليل قوله في سماع ابن القاسم من كتاب المحاربين والمرتدين على ما آية أشد على أهل الأهواء وأهل البدع، من هذه الآية: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] ... الآية. قال: فأي آية أبين من هذه؟ ورأيته يتأولها في أهل الأهواء، والتأويل الأول أولى؛ وقد مضى من قوله في رسم "الجنائز والصيد"، ما سمعت أن أحدا ممن يصلي القبلة ينهى عن الصلاة عليه، ومضى من كلامنا في هذا المعنى في رسم "الصلاة" الثاني، من سماع أشهب من كتاب الصلاة - ما فيه شفاء. [مسألة: تغطية القبر بالثوب على المرأة] مسألة وسئل ابن القاسم: عن تغطية القبر بالثوب على المرأة حين

تدفن، أواجب ذلك على الناس؟ ومن أولى من يفعل ذلك؟ ومن أولى من يدخل القبر لدفن المرأة في قرابتها؟ وكيف إن لم يكن لها قرابة؟ قال ابن القاسم: زوجها أولى الناس بها من أبيها وولدها؛ وأما الثوب فأراه حسنا أن يعمل به؛ لأنه ستر لها ألا يرى منها شيء من خلفها، فإن لم يكن قرابة من ذوي محرم، كان أهل الفضل - عندي - وأهل الصلاح أفضل في دخولها. قال محمد بن رشد: أما استحسانه لستر قبر المرأة بالثوب عند الدفن فبين في المعنى، وأما قوله: إن أولى الناس بإدخالها في قبرها زوجها، فإنه صحيح على أصله في أن له أن يغسلها، وأنه أحق بذلك من قرابتها من النساء، وخالف في ذلك أهل العراق، وتعلقوا بما روي عن أنس بن مالك قال: «ماتت إحدى بنات النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يدخل القبر أحد قارف أهله الليلة» ؛ فلم يدخل زوجها، ولا حجة لهم في ذلك؛ لأن المعنى فيه أنه هو الذي كانت المقارفة بينه وبين أهله تلك الليلة، فعلم ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكره أن يدخل قبرها؛ وأن يواجهه بذلك، إذ كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يواجه أحدا بما يكره، وإنما كان يقول ذلك تعريضا لأخلاقه الكريمة، فامتنع زوجها عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من الدخول في قبرها، لما سمعه من قوله، وفهمه من إرادته - وبالله التوفيق.

مسألة: الميت يحرف على القبلة فيوضع على شقه الأيسر ثم يعلم بذلك قوم يعرفون السنة

[مسألة: الميت يحرف على القبلة فيوضع على شقه الأيسر ثم يعلم بذلك قوم يعرفون السنة] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الميت يحرف على القبلة فيوضع على شقه الأيسر، ثم يعلم بذلك قوم يعرفون السنة ساعتئذ؛ كيف الأمر فيه؟ قال ابن القاسم: إن كانوا لم يواروه بحدثان ذلك، وألقوا عليه شيئا يسيرا، فأرى أن يحول ويوجه إلى القبلة؛ وإن كانوا دفنوه وفرغوا من دفنه، فليترك ولا ينبش. قال محمد بن رشد: إنما يوجه الميت في لحده إلى القبلة؛ لأنها أشرف الجهات، إذ رضيها الله تعالى قبلة لعباده في صلواتهم، وليس ذلك بواجب فرضا، لقول الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] . ولذلك لم ير ابن القاسم - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ينبش الميت إذا كانوا قد فرغوا من دفنه، لما في ذلك من كشفه لمعنى غير واجب. [مسألة: يسبق الجنازة إلى المصلى أيجلس حتى يؤتى بها] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الذي يسبق الجنازة إلى المصلى، أيجلس حتى يؤتى بها، أم يقوم؟ وكيف إن سبقها الرجل إلى القبر، أيجلس قبل أن توضع على الأرض أم لا؟ فقال: قال مالك: يجلس ولا بأس به في هذا كله. قال محمد بن رشد: روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى توضع أو تخلفكم» . وروي عنه - صلى

مسألة: اللوح واللبن والقصب توضع على اللحد

الله عليه وسلم - «إذ مر عليه بجنازة فقام، فقيل: إنه يهودي، فقال: أليس ميتا؟ أو أليس نفسا؟» وروي عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد» . فكان القيام للجنائز مأمورا به في ثلاثة مواضع: أحدها: من كان جالسا فمرت به أن يقوم حتى يخلفه. والثاني: من اتبع جنازة ألا يجلس حتى توضع. والثالث: من سبق الجنازة إلى المقبرة فقعد ينتظرها، أن يقوم إذا رآها حتى توضع؛ ثم نسخ ذلك كله بما روي من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقوم في الجنائز، ثم جلس، وأمرهم بالجلوس» . وروي أنه فعل ذلك مرة، وكان يتشبه بأهل الكتاب، فلما نهى انتهى. وأما القيام على الجنازة حتى تدفن فلا بأس به، وليس ذلك مما نسخ؛ روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام على قبر حتى دفن. وقد قيل: إنه منسوخ وليس ذلك بصحيح. روي أن علي بن أبي طالب قام على قبر المكفف، فقيل له: ألا تجلس يا أمير المؤمنين؟ فقال: قليل لأخينا قيامنا على قبره، وهو الذي روى النسخ؛ فدل ذلك على أنه لم يدخل فيه عنده القيام على القبر - عند الدفن وبعده - والله أعلم. وذهب ابن حبيب إلى أنه إنما نسخ من القيام في الجنائز الوجوب فيمن جلس في سعة، ومن قام فمأجور، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: اللوح واللبن والقصب توضع على اللحد] مسألة وسئل ابن القاسم: عن اللوح واللبن والقصب توضع على اللحد، ويجعل الرجل في تابوت من خشب، ويدفن فيه أو يبنى عليه الآجر؛ فقال ابن القاسم: أما التابوت فأكرهه، ولا يعجبني أن يدفن

مسألة: قبة النعش التي تصنع للنساء

فيه أحد، وأما اللبن فهي السنة والشأن، وأما الألواح فلا أرى ذلك إلا ألا يوجد لبن ولا آجر. قال محمد بن رشد: في بعض الروايات ولا ثرى - مكان - ولا آجر، والصواب: ولا آجر؛ لأن الأفضل فيما يجعل على الميت في قبره اللبن، ثم الألواح، ثم القراميد، ثم الآجر، ثم الحجارة، ثم القصب، ثم سن التراب، وسن التراب خير من التابوت، قال ذلك ابن حبيب. وقد روي عن ابن القاسم وأشهب: أنه لا بأس أن يجعل على اللحد اللبن، أو القصب، أو اللوح، وذلك خفيف. وروي عن سحنون أنه قال: ما سمعت حدا كره اللوح إلا ابن القاسم. [مسألة: قبة النعش التي تصنع للنساء] مسألة وسئل ابن القاسم: عن قبة النعش التي تصنع للنساء، أواجب ذلك لكل امرأة بلغت المحيض أم لا؟ وكيف المرأة التي تموت في السفر، هل تستر بقبة كما يصنع أهل الحضر؟ أم كيف يصنع بها إذا وضعت على سريرها؟ وكم حد طول قبة النعش الذي لا يجوز أن يرفع فوقه؟ قال ابن القاسم: قد فعله عمر بن الخطاب. وأخبرني مالك: أن أول من فعل به ذلك زينب زوج النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. فقال عمر للتي فعلته بها: سترتها سترك الله. فقد استحسنه عمر، فأرى ألا يترك في سفر ولا حضر،

مسألة: نفر من المسلمين وفيهم مشرك وقع عليه بيت فهلكوا كيف يغسلون

وهو يقدر على ذلك؟ وأما حد طوله فليس فيه حد إلا ما وارى، وأكره ما أحدث الناس فيه من المباهاة والفخر من طول ذلك، حتى صار عندهم زينة من الزينة، فأنا أكره ذلك. قال محمد بن رشد: ليس في هذه المسألة معنى يشكل، فيحتاج إلى التكلم عليه، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: نفر من المسلمين وفيهم مشرك وقع عليه بيت فهلكوا كيف يغسلون] مسألة وسئل ابن القاسم: عن نفر من المسلمين - وفيهم رجل مشرك - وقع عليهم بيت فهلكوا، أيغسلون جميعا ويصلى عليهم؟ فقال ابن القاسم: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأرى أن يغسلوا ويصلى عليهم، وتكون نيتهم في الصلاة على المسلمين منهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها، وإنما الاختلاف إذا كان نفر من المشركين وفيهم رجل مسلم لا يعرف بعينه، فقال أشهب: إنه لا يصلى عليهم؛ وقال سحنون: إنهم يغسلون ويصلى عليهم، وتكون نيتهم في الصلاة على المسلم منهم، ولا تترك حرمة مسلم تضيع، هكذا وقع هذا الاختلاف في سماع ابن غانم من بعض الروايات. [مسألة: الميت يوجد بفلاة من الأرض ولا يدرى أمسلم هو أو كافر] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الميت يوجد بفلاة من الأرض، ولا يدرى أمسلم هو أو كافر؟ أيغسل ويكفن ويصلى عليه؟ أو الميت يوجد أحد شقيه بلا رأس، أو يوجد أحد شقيه برأسه؟ فقال ابن القاسم: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن يوارى ولا يصلى عليه،

مسألة: يصلون على الجنازة فيضعون الرأس موضع الرجلين

ويوارى بلا غسل؟ وكذلك لو وجد في مدينة من المدائن ميت في زقاق، ولا يدرى أمسلم هو أو كافر. قال محمد بن رشد: وإن كان مختونا، إذ قد علم أن اليهود يختنون أولادهم، وقال ابن حبيب: وإن لم يدر إن كان مسلما أو نصرانيا. فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، وإن كان مختونا، إذ من النصارى من يختتن. وقال ابن وهب في سماع عبد الملك: أنه يجر يده على ذكره، فإن كان مختونا غسله وصلى عليه، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: يصلون على الجنازة فيضعون الرأس موضع الرجلين] مسألة وسئل ابن القاسم: عن القوم يصلون على الجنازة فيضعون الرأس موضع الرجلين، ثم يعلمون بذلك قبل دفنها، أيعيدون الصلاة عليها؟ قال ابن القاسم: ما أرى ذلك، وصلاتهم مجزئة عنهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه قد صلى عليه وهو أمامه إلى القبلة، فالأمر في ذلك واسع، وكذلك لو أخطأ في ترتيب الجنائز للصلاة عليها، فقدم النساء على الرجال والصغار على الكبار، لمضت الصلاة، ولم تجب إعادتها، وإن علم بذلك بالقرب قبل الدفن. [مسألة: أدركوا إمام جنازة حين سلم أتحبس لهم الجنازة] مسألة وسئل ابن القاسم: عن قوم أدركوا إمام جنازة حين سلم، أتحبس لهم الجنازة حتى يصلوا عليها فرادى، أم لا تحبس إذا كان قد صلي عليها؟ قال ابن القاسم: لا تحبس ولا تعاد الصلاة عليها.

مسألة: الميت لا يوجد له رأس أو يوجد جسده تام أيغسل ويصلى عليه

قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم "الجنائز والصيد والذبائح" في موضعين، ومضى الكلام عليها في الموضع الأول منهما، فلا وجه لإعادته هنا. [مسألة: الميت لا يوجد له رأس أو يوجد جسده تام أيغسل ويصلى عليه] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الميت لا يوجد له رأس، أو يوجد جسده تام، أيغسل ويصلى عليه؟ أو الميت يوجد أحد شقيه بلا رأس، أو يوجد أحد شقيه برأسه، أو يوجد صدره برأسه، أو توجد فخذاه من السرة إلى أسفل، أو يوجد يد أو رجل بائنة من الجسد؟ أيصلى عليه على هذه الصفة؟ وهل يجب دفن شيء من ذلك على من وجده؟ وكيف إن وجد رأسه منفردا من الجسد ولم يوجد غيره؟ أو وجد أعضاؤه متفرقة بغير رأس؟ أو وجد الرأس؟ أيجمعها ويصلي عليها؟ فقال ابن القاسم: قال لي مالك: لا يصلى على يد ولا فخذ، ويصلى على الجسد - وإن لم يكن فيه رأس - فقلنا لمالك: فما حد ذلك؟ فقال: إذا وجد جله أو أكثره، صلي عليه. وأما يد، أو رأس، أو فخذ، فإني أرى أن يدفن ولا يصلى عليه. وأما ما ذكرت إذا وجد متقطعا، فإنه ينظر إلى ما وجد من ذلك، فإن كان هو جله أو كله، فلا يبالى كان متقطعا أو مجتمعا، فإنه يغسل ويصلى عليه؛ وإن كان ذلك يسيرا حتى يكون مثل الرجل

أو اليد أو الرأس لم يصل عليه، ولا يغسل؛ لأني لا أرى أن يغسل إلا ما كان منه يصلى عليه، وإن كان يسيرا لم يصل عليه. وإن وجد متشدخا لا يستطاع أن يغسل، صب عليه الماء صبا، وكذلك صاحب الجدري وما أشبهه من القروح التي إذا مس سلخ، فإنه يصب عليه الماء ويترفق به، وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: هذا مثل قوله في المدونة: إنه لا يصلى على يد، ولا على رجل، ولا على رأس، ولا يصلى إلا على جل الجسد. قال هاهنا: وجد مجتمعا أو متفرقا. وقال في كتاب ابن حبيب: إذا وجد مجتمعا؛ والمعنى في ذلك عند مالك: أنه لا يصلى على غائب، فإذا وجد بعض الميت وغاب بعضه، جعل القليل تبعا للجل مما غاب أو حضر، ولم يجعل الأقل تبعا للأكثر حتى يكون الأكثر هو الجل، وإن أدى ذلك إلى أن لا يصلى عليه أصلا؛ إذ قد يوجد منه أكثر من النصف ودون الجل فلا يصلى عليه، ثم إن وجدت بقيته لم يصل عليها - كما قال أشهب: إنه إذا وجد أحد شقيه برأسه لم يصل عليه، والأظهر أن يجعل الأقل منه تبعا للأكثر فيصلى عليه؛ لأنه إذا صلي عليه وهو أكثر من النصف، فقد أمر أن يصلى على الباقي منه - إذا وجد، وأن يصلى على النصف أيضا إذا وجد؛ لأنه إن لم يصل عليه - وكان من وجد النصف الثاني لم يصل عليه أيضا، بقي الميت بلا صلاة؛ فلأن يصلى عليه مرتين، أولى من أن لا يصلى عليه؛ إلا أنهم لم يعتبروا شيئا من ذلك إلا بقاءه بلا صلاة، ولا الصلاة عليه مرتين، فقد روي عن ابن الماجشون: أنه يصلى على الرأس؛ لأن فيه أكثر الديات، فإذا كان عنده يصلى على الرأس، ويصلى على البدن دون رأس، فلم تبق الصلاة عليه مرتين. فإنما العلة عند مالك وأصحابه

في هذه المسألة - ما ذكرناه من أن الصلاة لا تجوز على غائب لا ما سوى ذلك، واستخفوا إذا غاب منه اليسير، الثلث فدون، إلا ما كان من قول ابن الماجشون: إنه إذا وجد الرأس يصلى عليه؛ لأن فيه أكثر الديات، فمن علل مذهب مالك في أنه لا يصلى إلا على جل الجسد بإبقاء الصلاة عليه مرتين، أو بقائه دون صلاة فقد أخطأ؛ وعبد العزيز بن أبي سلمة يرى أن يصلى على ما وجد منه من يد أو رجل، وإن لم يوجد منه شيء وعلم أنه قد مات غريقا، أو أكلته السباع، صلي عليه أيضا عنده، وحجته صلاة النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - على النجاشي بالمدينة - وهو ميت بأرض الحبشة، وإلى هذا ذهب ابن حبيب. واحتج من نصر قول مالك بما روي عن عمران بن حصين، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه". قال: ونحن نرى أن الجنازة قد أتت، قال: فصففنا فصلينا عليه، وإنما مات بالحبشة فصلى عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دخل المدينة» . قال: فإذا كان الله قد حمله إلى المدينة بلطيف قدرته - حتى وضعه بين يديه بالمصلى فصلى عليه، بطل تعلق عبد العزيز بن أبي سلمة بالحديث، وفي خروج النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلى المصلى للصلاة عليه، دليل على أنه كان بها؛ إذ لو كان بمكانه بأرض الحبشة، لم يكن لخروجه إلى المصلى للصلاة عليه معنى. واحتج أيضا بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصل عليه بعد دفنه - مع ما في الصلاة عليه من عظيم الأجر، والحجة الأولى أظهر، إذ قد قيل: إنما لم يصل على النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بعد ذلك، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يتخذ قبره مسجدا، وقد نهى عن ذلك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

مسألة: الصغير مع أبويه لم يكره على الإسلام

[مسألة: الصغير مع أبويه لم يكره على الإسلام] مسألة قال معن بن عيسى: وقال مالك: إذا كان الصغير مع أبويه لم يكره على الإسلام، وإن كان وحده أمر بالإسلام. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مجودا في رسم " الشجرة تطعم بطنين في السنة" من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: الرجال والنساء والصبيان إذا اجتمعوا في قبر واحد من ضرورة] مسألة قال موسى بن معاوية: وسئل ابن القاسم: عن الرجال والنساء والصبيان إذا اجتمعوا في قبر واحد من ضرورة، فقال: يكون الرجال من داخل مما يلي القبلة، والصبيان من خلفهم، والنساء من ورائهم؛ فقلت: فكيف يكونون في الصلاة؟ فقال: يكون الرجال مما يلي الإمام، والصبيان إذا كانوا ذكورا إليهم، ثم النساء مما يلي القبلة، وسواء كان الرجال عبيدا أو أحرارا يجعلون أبدا مما يلي الإمام، والنساء إلى القبلة. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن العبد الكبير يقدم إلى الإمام، ثم الحر الصغير من ورائه، وقد مضى من تحصيل القول في هذه المسألة في رسم "الجنائز والصيد " من سماع أشهب، ما لا مزيد عليه، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: المرأة تتوفى في سفر مع رجال ولا امرأة معهم فتيممها أتدفن في ثيابها] من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم مسألة قال محمد بن خالد: سألت عبد الرحمن بن القاسم: عن المرأة تتوفى في سفر مع رجال - ولا امرأة معهم فتيممها، أتدفن في ثيابها؟ فقال ابن القاسم: يفعل في ذلك أفضل ما يقدر عليه؛ قال ابن

مسألة: تكون له امرأة نصرانية فتلد منه ثم يغيب عنها فيموت ولده منها في غيبته

القاسم: إن ناسا من أهل المغرب سألوا مالكا عن المرأة تخرج معهم حاجة - وليس معها ذو محرم فتسألهم أن يحملوها على الدابة، كيف ترى في ذلك؟ فكان من قوله لهم وما أمرهم به أن يتطأطأ لها الذي يريد أن يحملها، حتى تستوي عليه ثم تركب، وهذا حين لم يقدر على أفضل من ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وأحسن ما يقدر عليه في هذا أن تلف كما هي في ثيابها في ثوب تدرج فيه وتدفن، والله تعالى أعلم. [مسألة: تكون له امرأة نصرانية فتلد منه ثم يغيب عنها فيموت ولده منها في غيبته] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل تكون له امرأة نصرانية فتلد منه، ثم يغيب عنها فيموت ولده منها في غيبته، فيدفن ولده أولياء أمه مع أهل دينهم، ثم يعلم بذلك من يومهم أو من الغد؛ أفترى أن ينبش فيحول إلى مقبرة المسلمين؟ قال ابن القاسم: إن كان بحضرة ذلك، ولم يخف أن يكون قد تغير، فلا أرى بأسا أن يخرج، ثم يدفن في مقبرة المسلمين؛ وإن خيف عليه التغيير، فلا أرى أن يحرك. قال محمد بن رشد: قوله فلا أرى بذلك بأسا - يدل على أن ذلك جائز غير لازم، والذي مضى في رسم "النسمة" من سماع عيسى أبين وأوضح؛ لأنه إذا لم يكن في نبشه بأس، فتحويله إلى مقبرة المسلمين لازم. [مسألة: الرجل يقتل ثم يصلب متى يصلى عليه] مسألة قال: وأخبرني ابن القاسم في الرجل يقتل ثم يصلب، أنه يصلى عليه قبل أن يصلب، وأما الذي يصلب حيا ثم يقتل، فإني لم أسمع

مسألة: رجلين نزلا في قرية فسقط عليهما البيت فلم يدر من المسلم من اليهودي

فيه شيئا. قال سحنون: ينزل عن الخشبة ويصلى عليه، ثم يرد فيها ليذعر أهل الفساد. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في سماع موسى، فلا وجه لإعادته - وبالله التوفيق. [مسألة: رجلين نزلا في قرية فسقط عليهما البيت فلم يدر من المسلم من اليهودي] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون قيل لسحنون: فلو أن رجلين نزلا في قرية أحدهما مسلم، والآخر يهودي، قد عرف ذلك، ولأحدهما مال، والآخر لا مال له، فسقط عليهما البيت فلم يدر من المسلم من اليهودي؟ كيف يصنع بغسلهما والصلاة عليهما؟ قال: يغسلان جميعا ويصلى عليهما، وتكون النية عليهما على من كان منهما مسلما. قيل له: فالكفن كيف يكفنان جميعا - وأحدهما كان معروفا أنه كان ذا مال، والآخر لا مال له، إلا أنهما لما ماتا لم يعرف صاحب المال من الذي لا مال له؟ فقال: يكون الكفن من المال الذي كان معهما. قيل له: فبقية المال أيكون موقوفا عند السلطان؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قوله: إنهما يغسلان جميعا - بين، لا سيما على قوله: إن النفر من المشركين إذا كان معهم رجل مسلم فماتوا ولم يعلم المسلم منهم، أنهم يغسلون جميعا، ويصلى عليهم، ولا تترك حرمة مسلم، هكذا يصنع وقد

مسألة: صاحب الصلاة إذا فوض الصلاة إليه الأمير

مضى ذلك في سماع موسى بن معاوية، وإذا كفنا جميعا من المال الذي وجد معهما، وأوقفت بقيته عند السلطان، فاستحقه ورثة أحدهما دون صاحبه، جبر عليه ما كفن به الآخر من بيت مال المسلمين؛ لأنه لو علم أنه لا مال له، لكان الواجب أن يكفن من بيت المال، وإن ادعاه ورثتهما جميعا ولم يأت أحدهما ببينة، حلفا واقتسما البقية بينهما، ولم يكن لأحدهما رجوع على صاحبه. [مسألة: صاحب الصلاة إذا فوض الصلاة إليه الأمير] مسألة قال سحنون: صاحب الصلاة إذا فوض الصلاة إليه الأمير، أو صاحب الشرطة، أو القاضي، من كان صاحب الصلاة؟ والمنبر منهم، فهو أولى بالصلاة على الجنازة من الأولياء؛ قال: وإن لم تكن الصلاة إلى القاضي، فهو كغيره من الناس، وإن صاحب المنبر أمير الجند؛ وصاحب شرطة إذا كان موكلا بالخطبة والصلاة، أولى من الأولياء، وليس للقاضي في هذا عمل، إلا أن تكون الصلاة إليه؛ قيل: فوكيل أمير الجند على الخطبة والصلاة - إذا غاب الأمير - إن لم يعرف الخطبة مثل وكيله بالناس وليس إليه شرطة، ولا ضرب الجند، ولا شيء من الصلاة؛ قال: لا أرى لهذا في الصلاة على الجنائز شيئا. قال محمد بن رشد: في هذا الكلام التباس، ومذهبه أنه لا يكون

أحق من الأولياء بالصلاة على ميتهم إلا الأمير، أو قاضيه، أو صاحب شرطة، أو مؤمره على الجند - إذا كانت الخطبة والصلاة إلى كل واحد منهم، فإن انفرد أحدهم بالخطبة والصلاة - دون أن يكون إليه حكم بقضاء، أو شرطة أو إمارة على الجند، أو انفرد بالحكم بالقضاء، أو الشرطة، أو الإمارة على الجند، دون أن تكون إليه الخطبة والصلاة، لم يكن له في الصلاة على الجنازة حق؛ وكل من كان إليهم الحكم بوجه من الوجوه والصلاة، فوكيله عليهما جميعا بمنزلته في أنه أحق من الأولياء بالصلاة على الجنازة، وأما إن كان وكله على الحكم دون الصلاة، أو على الصلاة والخطبة دون الحكم، فلا حق له في الصلاة على الجنازة، وهذا مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك، في المدونة. وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم: أن ذلك لكل من كانت إليه الخطبة والصلاة - يريد: وإن لم يكن إليه حكم، ولا يوجد ذلك لابن القاسم نصا، وظاهر ما في سماع ابن الحسن عن ابن وهب أن القاضي أحق بالصلاة على الجنازة من الأولياء، وإن لم تكن الصلاة إليه. وقال مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ: ليس لواحد من هؤلاء في الصلاة على الجنازة حق سوى الأمير المؤمر الذي تؤدى إليه الطاعة، فهي أربعة أقوال؛ ولا اختلاف في أنه لا حق في الصلاة على الجنائز لمن انفرد بالصلاة دون الخطبة والقضاء، أو بالحكم - دون القضاء، والخطبة، والصلاة، فهذا تحصيل هذه المسألة؛ وأولى الأولياء بالصلاة على الميت الابن، وابن الابن، وإن سفل، ثم الأب، ثم الأخ، ثم ابن الأخ، وإن سفل، ثم الجد، ثم العم، ثم ابن العم، وإن سفل، ثم أب الجد، ثم بنوه، على هذا الترتيب؛ كولاية النكاح، وميراث الولاء؛ فإن استووا في القعد والقرب من الميت، فأعلمهم أولا، ثم أفضلهم، ثم

مسألة: أوصى عند موته أن يكفن في ثوب واحد، فزاد ورثته في كفنه ثوبين

أسنهم، فإن استووا في العلم والفضل والسن، فأحسنهم خلقا؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة القائم بالليل الظامئ بالهواجر» . فإن استووا في ذلك وتشاحوا في الصلاة عليه، أقرع بينهم. وقيل: يقدم أحسنهم خلقا، فإن أراد الأحق بالصلاة أن يقدم أجنبيا من الناس، أو بعيدا من الأولياء على من هو أقرب منه، فقد مضى في آخر أول رسم من سماع أشهب - الخلاف في ذلك. وأما إن أوصى الميت إلى أحد بالصلاة عليه، فهو أحق من الأولياء، ومن الوالي إن حضر، قاله ابن حبيب. وحكاه عن مالك. وروى ابن غانم عن مالك: أنه أحق من الولي. وحكى عنه سحنون في نوازله: أنه أحق منه، إلا أن يعلم أن بينه وبينه عداوة، وإنما أراد بذلك نقصه، فلا تجوز وصيته بذلك، وقع في سماع ابن غانم ونوازل سحنون في بعض الروايات. [مسألة: أوصى عند موته أن يكفن في ثوب واحد، فزاد ورثته في كفنه ثوبين] مسألة وسئل سحنون: عن رجل أوصى عند موته أن يكفن في ثوب واحد، فزاد ورثته في كفنه ثوبين، فقال بعض الورثة: لا نرضى، ونحن نرد هذه الزيادة؛ فقال: إن كان في مال الميت محمل لمثل كفنه الذي كفن فيه، فلا أرى عليهم ضمانا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لا يلزم أن ينفذ من الوصايا إلا ما فيه قربة وبر، ولا قربة ولا فضيلة في أن يكفن الرجل في ثوب واحد، بل المستحب ألا يكفن في أقل من ثلاثة أثواب، كما كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي كتاب ابن شعبان: أنه إذا أوصى بشيء يسير في كفنه وحنوطه لم يكن

مسألة: الجنازة يحضرها الولي والقاضي

لبعض الورثة الزيادة فيه بغير ممالاة من جميعهم، وذلك عندي إذا أوصى بشيء يسير في قيمة الأكفان، دون أن ينقص من العدد في الثلاثة الأثواب؛ لأن الرخص في الكفن مستحب، والمغالاة فيه مكروهة؛ لأنه للمهلة كما قال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ولسحنون في كتاب ابنه: أنه إذا أوصى بسرف في كفنه، أو الحفر له، جعل في ثلثه الزائد على القصد، وهو بعيد لوجهين: أحدهما: أنه لم يرد بذلك الثلث، والثاني: أن ذلك مكروه لا طاعة فيه، ولا ينفصل من وصية الميت، إلا ما فيه طاعة. وقيل: إنه يرجع ميراثا، وهو قول مالك وابن القاسم وأشهب. وهو الصواب على ما ذكرناه من أنه لا ينفذ من وصية الميت إلا ما كان فيه طاعة. [مسألة: الجنازة يحضرها الولي والقاضي] من سماع عبد الملك بن الحسن وسؤاله ابن وهب مسألة قال عبد الملك بن الحسن: سألت ابن وهب: عن الجنازة يحضرها الولي، والقاضي؛ هل يستحب للولي أن يقدم القاضي؟ أم تراه في سعة من ترك تقديمه؟ فقال: إذا حضر القاضي جنازة لم ينبغ لولي الميت أن يتقدم، والقاضي أولى وأحق؛ قيل له: فصاحب الشرطة، أهو عندك مثل القاضي في مثل هذا؟ قال: لا. قيل له: فالقرشي الذي له الحال والصلاح يحضر الجنازة، وولي الميت حاضر، أهو عندك بمنزلة القاضي؟ فقال: إذا كان على مثل ما وصفت من حاله، وممن ترجى بركة دعائه، فإني استحب لوليه أن يقدمه.

مسألة: يمر بفلاة من الأرض فيجد رجلا ميتا لا يدري أمسلما أو نصرانيا

قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن وهب هذا، أن القاضي أحق بالصلاة على الجنازة من وليها - وإن لم تكن الصلاة والخطبة إليه، خلاف ما تقدم في نوازل سحنون، وقد تقدم هناك تحصيل القول في ذلك؛ وأما استحسانه لولي الميت أن يقدم القرشي الذي له الصلاة والفضل، فذلك حسن من الفعل؛ لأنه شفيع للميت، فينبغي أن يتوخى فيمن يتقدم للصلاة عليه من يرجى أن يشفع فيه. [مسألة: يمر بفلاة من الأرض فيجد رجلا ميتا لا يدري أمسلما أو نصرانيا] مسألة وسئل: عن الرجل يمر بفلاة من الأرض، فيجد رجلا ميتا لا يدري أمسلما أو نصرانيا؟ ما العمل فيه؟ قال ابن وهب: إذا لم يعلم، جر يده على ذكره من فوق الثوب، فإن كان مختونا، غسله وصلى عليه ودفنه، وإن لم يكن مختونا واراه. قال محمد بن رشد: وقال ابن حبيب: إنه يواريه ولا يغسله ولا يصلي عليه - وإن كان مختونا، إذ من النصارى من يختتن؛ ولو لم يعلم أن كان مسلما، أو كافرا، لواراه بلا غسل، قاله في سماع موسى بن معاوية. ولا اختلاف في هذا أعلمه، إذ قد علم أن اليهود يختتنون. [مسألة: الميت إذا حضرته الوفاة هل يستقبل به القبلة] مسألة وسئل ابن وهب: عن الميت إذا حضرته الوفاة، هل يستقبل به القبلة؟ فقال: نعم يستقبل به القبلة، فقيل له: فكيف يستقبل به القبلة؟ فقال: يجعل على شقه الأيمن - إن قدر على ذلك، كما يصنع به في اللحد، وإن لم يقدر على ذلك، جعل مستلقيا على قفاه - ورجلاه مما يلي القبلة.

مسألة: الرجلين يكونان في السفر فيجنب أحدهما ويموت الآخر

قال محمد بن رشد: اختلف في التوجيه: فروي عن مالك أنه مستحب، وهو الذي عليه الجمهور؛ وروى علي بن زياد عن مالك، أنه قال في التوجيه: ما هو من الأمر القديم، وذلك نحو ما روي عن سعيد بن المسيب أنه أنكر ذلك على من فعله به في مرضه؛ وتأول ابن حبيب أنه إنما كره ذلك لاستعجالهم به قبل أن ينزل به أسباب الموت؛ والأظهر أنه كرهه بكل حال. والذي يدل أنه غير مشروع، أن ذلك لم يرو أنه فعل بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا بأحد من الصحابة المتقدمين الكرام، ولو كان ذلك، لنقل وذكر - والله أعلم. وإلى هذا نحا مالك في رواية علي بن زياد، لقوله ما هو بالأمر القديم. وأما صفته عند مالك، وجميع أصحابه، فعلى جنبه الأيمن، كما يجعل في لحده، وكما يصلي المريض الذي لا يقدر على الجلوس عندهم. واختلف الذين قالوا في المريض الذي لا يقدر على الجلوس، أنه يصلي على ظهره - ورجلاه إلى القبلة في التوجيه، فمنهم من قاسه على الصلاة، ومنهم من قاسه على جعله في قبره؛ لأن المعاينة سبب من أسباب الموت. فقياس التوجيه فيها على حال الموت، أولى من قياسه على الصلاة، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة. [مسألة: الرجلين يكونان في السفر فيجنب أحدهما ويموت الآخر] مسألة وسئل: عن الرجلين يكونان في السفر، فيجنب أحدهما، ويموت الآخر - وليس معهما من الماء إلا ما يتطهر به واحد، قال: فالحي أولى بالماء من الميت، قيل: أيتيمم الميت؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: إنما كان الحي أولى بالماء من الميت، من أجل أن الميت لا يقاومه إياه، وإذا اغتسل الحي بالماء، كان عليه قيمة نصيب الميت منه لورثته - إن كانت له قيمة؛ وانظر لو أراد ورثته أن يقاوموه إياه، هل يكون ذلك لهم أم لا؟ وقد مضى في سماع سحنون، وموسى بن معاوية، من كتاب الوضوء، ما يوضح هذه المسألة ويبين معناه، فقف على ذلك هناك - وبالله التوفيق.

مسألة: الجنائز هل ينادى بها في المساجد

[مسألة: الجنائز هل ينادى بها في المساجد] مسألة قلت: فالجنائز هل ينادى بها في المساجد؟ قال: لا ينادى بها إلا على أبواب المساجد. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما تقدم في رسم "حلف" من سماع ابن القاسم، وقد مضى هناك القول على ذلك بأوعب ما فيه، وبالله التوفيق. تم سماع عبد الملك بن الحسن بحمد الله. [لفرق بين الروح والنفس] البيان والتحصيل من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب القضاء العاشر قال أصبغ: سمعت عبد الرحيم بن خالد يقول: بلغني أن الروح له جسد، ويدان، ورجلان، وعينان، ورأس، يسل من الجسد سلا. قال محمد بن رشد: ذكر هذه الرواية عن عبد الرحيم بن خالد، أن الروح له جسد ويدان ورجلان وعينان ورأس، يسل من الجسد سلا. وحكى ابن حبيب عنه: أن النفس هي التي لها جسد ويدان وعينان ورأس تسل من الجسد سلا، وأن الروح هو النفس المتردد في الإنسان، ففرق عبد الرحيم بن خالد - فيما حكى ابن حبيب عنه - بين الروح والنفس، وسمى نفسا ما سماه في هذه الرواية روحا - وهو الجسد المجسد الذي

يحيا الجسم بكونه فيه، ويموت بإخراجه منه - وهو الصواب - أن النفس والروح اسمان لشيء واحد؛ وهو الذي يحيا به الجسم، وإن كان كل واحد منهما قد يقع بانفراده على مسميات لا يقع عليها الآخر، فيقع النفس على ذات الشيء وحقيقته؛ وعلى الدم، وعلى الحياة الموجودة بالإنسان، ويقع الروح على الملك، وعلى القرآن، وعلى النفس المتردد في الإنسان، وعلى الحياة الموجودة فيه وفي غيره من الحيوان، فإذا عبر بالنفس والروح عن شيء واحد، فالمراد به ما يحيا به الجسم، ويتوفاه ملك الموت، فيدفعه إلى ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب؛ وهو النسمة التي قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها: «إنما نسمة المؤمن طائر، يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه» . فالنفس، والروح، والنسمة، شيء واحد؛ وقد يسمى الإنسان نسمة اتساعا ومجازا. والدليل على أن النفس والروح شيء واحد: أن الله - تبارك وتعالى - قال: {يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] . وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إذ نام عن الصلاة في الوادي، حتى طلعت الشمس: «إن الله قبض أرواحنا، ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا» . فسمى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - روحا ما سماه الله نفسا، وهذا بين، وإنما قلنا إنه هو الذي يحيا به الجسم، ولم نقل إنه الحياة الموجودة به؛ لأن الحياة الموجودة به معنى من المعاني، والمعاني لا تقوم بأنفسها، ولا يصح عليها ما وصف الله به الأنفس والأرواح في كتابه، وعلى لسان نبيه من القبض والإخراج والرجوع والطمأنينة والصعود والتنعيم والتعذيب. فمعنى قولنا: الذي يحيا به الجسم، أي: ما أجرى الله العادة بأن الجسم يحييه بكونه فيه،

مسألة: ولد المسلم يولد مخبولا أو يصيبه الخبل قبل أن يبلغ العمل

ويميته بإخراجه منه؛ لأن ما يحيا به الجسم وجوبا لإعادة هي الحياة، ولا تكون إلا معنى؛ لأن الجواهر والأجسام لا توجب الأحكام في الأجسام، فإذا قلنا: إن النفس والروح شيء واحد، وإنه هو الذي أخبر الله تعالى أنه يتوفاه عند الموت وعند النوم بقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} [الزمر: 42] . فقد قال بعض المتقدمين: إن قبضه في حال النوم - هو أن يقبض وله حبل ممدود إلى الجسم كشعاع الشمس، فإذا حرك الجسم رجع إليه الروح أسرع من طرف العين. والأظهر - عندي - في ذلك أن قبضه في حال الوفاة هو بإخراجه من الجسم، وقبضه في النوم، ليس بإخراج له من الجسد، وإنما معناه منعه من الميز والحس والإدراك، وقبضه عن ذلك، كما يقال: قبض فلان عبده، وقبض السلطان وزيره؛ إذا منعه مما كان مطلقا عليه - قبل، وإن لم يزله عن مكانه في الحقيقة، فالقبض على هذا، والتوفي في الوفاة حقيقة، وفي النوم مجاز، والله أعلم بحقيقة الصواب في ذلك كله، قال الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] ... الآية، وبالله التوفيق. [مسألة: ولد المسلم يولد مخبولا أو يصيبه الخبل قبل أن يبلغ العمل] مسألة قال أصبغ: وسألت ابن القاسم: عن ولد المسلم يولد مخبولا، أو يصيبه الخبل قبل أن يبلغ العمل؛ قال: ما سمعت فيهم شيئا، إلا أن الله تبارك وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] ،

مسألة: هلك فلم يكن له كفن فطلب له في الناس فجمع له عشرون درهما وعليه دين

فأرجو أن يجعلوا معهم، فأما من احتلم وجرى عليه القلم، ثم أصيب بعد ذلك، فإني سمعت بعض أهل العلم والفضل يقول: إنه يطبع على عمله بمنزلة من مات. قال محمد بن رشد: الذي يولد مخبولا أو يصيبه الخبل قبل أن يبلغ العمل، فهو بمنزلة من مات صغيرا من أولاد المسلمين، إذ لم يلحق بالمكلفين، فهو مولود على الفطرة، وصائر بفضل الله ورحمته إلى الجنة، وما رجاه ابن القاسم بتأويل الآية من أن يلحقوا بآبائهم. فروي عن النبي، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، روي عن ابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في جنته، وإن لم يبلغها في العمل، لتقر بهم عينه". ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: 21] » ... الآية. وأما من أصابه الخبل بعد أن احتلم، وجرى عليه القلم، فما حكي أنه سمعه من بعض أهل العلم فيه من أنه يطبع على عمله بمنزلة من مات - صحيح في المعنى؛ لارتفاع القلم عنه بالخبل، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة» فذكر فيهم: «المجنون حتى يفيق» . [مسألة: هلك فلم يكن له كفن فطلب له في الناس فجمع له عشرون درهما وعليه دين] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: عن مالك في رجل هلك فلم يكن له كفن، فطلب له في الناس فجمع له عشرون درهما،

أهل الحرب يغيرون على بعض ثغور الإسلام فيقتلون رجالا هل هم شهداء

فكفنه رجل من عنده، وبقيت الدراهم، فأراد غرماؤه أخذها، أو ورثته؛ قال: ليس هي لغرمائه ولا لورثته، وترد إلى أهلها. وقاله ابن القاسم، إلا أن يشاء ويسلموها لورثته، وأحب إلي لأصحابها أن يفعلوا. وفي سماع أبي زيد مثله عن ابن القاسم. قال محمد بن رشد: قوله إن العشرين درهما ترد إلى أهلها، هو مثل ما في كتاب المكاتب من المدونة - في المكاتب: إذا أعين في كتابته، ففضلت عنده فضلة مما أعين به، أنه يرد ذلك على الذي أعانوه أو يستحلهم منه - إذا كان ذلك منهم على وجه الفكاك لرقبته، ولم يكن صدقة عليه منهم، ومعارض لما في سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات في السائل يقف بالباب فيأمر له بدرهم فيجده قد انصرف: أنه يتصدق به ولا يسترجعه؛ فيأتي على قياس هذا في مسألة الكفن أن يجعل العشرين درهما أصحابها في كفن غيره، ولا يسترجعونها لأنفسهم مالا من مالهم، واستحب ذلك في سماع ابن القاسم من كتاب العارية في مسألة السائل، ولم يوجبه؛ فكذلك مسألة الكفن يستحب لأصحابها أن يجعلوا العشرين درهما في كفن مثله من غير إيجاب؛ وأما استحبابه لأصحابها أن يسلموها للورثة، ففيه نظر؛ لأنهم لم يقصدوا بذلك الصدقة على الورثة، والله أعلم وبه التوفيق. [أهل الحرب يغيرون على بعض ثغور الإسلام فيقتلون رجالا هل هم شهداء] ومن كتاب المجالس وسئل أصبغ: عن أهل الحرب يغيرون على بعض ثغور الإسلام، فيقتلون الرجال في منازلهم في غير معترك، ولا مجتمع، ولا ملاقاة؛ ما حالهم عندك، أحال الشهداء؟ أم كيف يصنع بهم؟ فقال لي: سمعت ابن القاسم يقول في هؤلاء: إنهم يغسلون ويصلى

عليهم، ويقول: لا يدفن بدمه وثيابه، وتترك الصلاة عليه، إلا من قتل في معترك ومزاحفة، فأما من قتله أهل الحرب في غير معترك، ولا مزاحفة، فلا. قال أصبغ: فسألت عن ذلك ابن وهب، فقال لي: هم شهداء حيث ما نالهم العدو بالقتل، في معترك أو مزاحفة؛ وهو رأي على ما قال ابن وهب، وهو كان أعلم بهذا وشبهه مما يشاكل الآثار والسنة من جميع أصحابنا. قيل لأصبغ: فسواء عندك ناصبوهم بالسلاح حين غشوهم في منازلهم، أو قتلوهم معافصة نياما، أو غافلين. قال أصبغ: نعم ذلك سواء، وهم شهداء، يصنع بهم ما يصنع بالشهداء. قيل: أرأيت إن قتلوا امرأة بالغة، أو صبية صغيرة، أهم عندك مثل الرجال البالغين؟ وبأي قتلة قتلوا فهم بتلك الحال، يصنع بهم ما يصنع بالشهداء في ترك غسلهم، والصلاة عليهم، وقتلوا بسلاح، أو بغير سلاح؟ قال: نعم، هم عندي سواء في جميع ما ذكرت. قال محمد بن رشد: المنصوص في المدونة مثل قول ابن وهب، وفيها دليل على مثل قول ابن القاسم. وجه قول ابن القاسم أن قتلى أحد الذين أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم، إنما قتلوا في المعترك. ووجه قول ابن وهب: أنه لما كان الذين قتلهم العدو في غير

الميت هل يكفن في الحرير

المعترك لهم حكم المقتولين في المعترك في الشهادة، وجب أن يكون لهم حكمهم فيما سوى ذلك، مما يختص به المقتول في المعترك. [الميت هل يكفن في الحرير] ومن مسائل نوازل سئل عنها أصبغ وسئل أصبغ: عن الميت هل يكفن في الحرير؟ وعن لباس الملحم للرجال؟ وكيف بالقلنسية منه؟ قال أصبغ: لا يكفن الميت في حرير لا رجل ولا امرأة، إلا أن يضطروا إلى ذلك بموضع لا يوجد غيره؛ ولا يجوز لباس الملحم للرجال، لا قميص، ولا ساج، ولا قلنسوة، لا بما قل منه ولا بما كثر؛ لأنه لباس كله؛ ولو أن رجلا حلف ألا يلبس الحرير، أو الخز، فلبس منه قلنسوة، كان لباسا، وكان حانثا. قال محمد بن رشد: الملحم الثوب الخالص من الحرير، وسمي ملحما؛ لأنه ألحم فيه الحرير في الحرير، بخلاف الخز؛ لأنه ألحم فيه الخز في الحرير. وقوله "إنه لا يكفن في الحرير الرجال ولا النساء" هو مثل ما في المدونة من كراهيته الحرير والخز والمعصفر في أكفان الرجال والنساء. وإنما كره الحرير في أكفان النساء - وإن كان من لباسهن في حال الحياة؛ لأنه من الزينة، فجاز في الحياة دون الموت كالحلي؛ ولأنه قد قيل: إنه حرام على الرجال والنساء، وممن ذهب إلى ذلك عبد الله بن الزبير، تعلقا بعموم قول النبي - عليه

مسألة: الشهيد إذا عراه العدو أيكفن

الصلاة والسلام -: «إنما يلبس الحرير من لا خلاق له في الآخرة» . وروي عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خطب، فقال: يا أيها الناس، لا تلبسوا نساءكم الحرير، فإني سمعت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة» . قال ابن الزبير: وأنا أقول: من لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23] . وليس تأويل ابن الزبير كما تأول؛ لأنه قد روي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة، ولو دخل الجنة يلبسه أهل الجنة ولا يلبسه هو» . وأجاز ابن حبيب أن يكفن في الحرير والخز والمعصفر النساء دون الرجال؛ لأن ذلك من لباسهن في الحياة، وقد وسع في سماع ابن وهب في ذلك للرجال؛ لأن العبادة قد ارتفعت عنهم، فأشبهوا الصبيان، وفي ذلك بعد؛ لأن العبادة - وإن كانت قد ارتفعت عنهم، فأولياؤهم متعبدون فيهم، فلا ينبغي لهم أن يقلبوهم إلى ربهم بعد وفاتهم، بما حرم عليهم لباسه في حياتهم؛ فهي ثلاثة أقوال، القياس منها قول ابن حبيب، وقول مالك استحسان، وما في سماع ابن وهب توسعة بعيدة. [مسألة: الشهيد إذا عراه العدو أيكفن] مسألة وسئل: عن الشهيد إذا عراه العدو، أيكفن؟ فقال: نعم، أرى ذلك حسنا؛ قيل: فإن استشهد وعليه ثيابه - وفيها ما يجزئه - فأراد

مسألة: العلة في ترك الصلاة على الشهيد

أولياؤه أن يزيدوه كفنا على ثيابه، فقال: ما أرى به بأسا يفعلون - إن شاءوا. قال محمد بن رشد: قوله في تكفين من عراه العدو من الشهداء أن ذلك حسن، لفظ فيه تجاوز وتسامح، بل ذلك لازم لا رخصة في تركه. ومما يدل على ذلك: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفن الشهداء يوم أحد اثنين في ثوب، فلو كان ترك تكفينهم واسعا، لما جمع منهم اثنين في ثوب، ولكفن من وجد ما يكفنه فيه وترك من لم يجد - والله أعلم؛ وأما الزيادة على ثيابه - إذا كان فيها ما يجزئه، فلا بأس به كما قال، إذ إنما الكراهية في أن ينزع عنهم ثيابهم، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زملوهم بثيابهم» . [مسألة: العلة في ترك الصلاة على الشهيد] مسألة قيل: من أي وجه تركت الصلاة على الشهيد؟ فقال: هي السنة، من فعل رسول الله، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال محمد بن رشد: وإن كانت هي السنة، فلا يمتنع أن تعلل السنن إذا وجد لها علة، والعلة في ترك الصلاة على الشهيد، أن الصلاة على الميت شفاعة له، ولا يشفع إلا للمذنبين؛ والشهداء قد غفرت ذنوبهم، وصاروا إلى كرامة الله ورحمته وجنته أجمعين، فارتفعت حالهم عن أن يصلى عليهم، كما يصلى على سائر موتى المسلمين - والحمد لله رب العالمين؛ ولهذا لم يصل على النبي، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وإنما كان الناس يدخلون عليه أفواجا فيدعون وينصرفون. وقد روي عن ابن وهب: أنه قال: كيف يصلى على

مسألة: الرجل يأتي إلى الرجل في كفن يبتاعه

حي؟ وهذا اعتلال فيه نظر، إذ لا شك في أنهم قد ماتوا وخرجوا من الدنيا، وصاروا في عداد الموتى ووجب أن تنكح نساؤهم، وتقسم أموالهم، فليس كون أرواحهم حية عند الله، بمانع من الصلاة عليهم، كما لا يمنع ذلك من الصلاة على سائر المؤمنين، وإن كانت لحياتهم مزية بأنهم عند ربهم يرزقون، ويأكلون في الجنة وينعمون، وعند النفخ في الصور لا يفزعون، ولا يخمدون، ولا يصعقون. وأبو حنيفة يرى أن يصلى على الشهيد، ومن حجته ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى يوم أحد على حمزة، وقد سئل مالك عن ذلك، فقال: ما سمعت، وأما غسله فلا اختلاف أحفظه في أنه لا يغسل. [مسألة: الرجل يأتي إلى الرجل في كفن يبتاعه] مسألة وسئل أصبغ: عن الرجل يأتي إلى الرجل في كفن يبتاعه منه، فيقول له: إن الرجل لم يمت بعد، فأخذه منه بثمن قد سماه، واشترط المبتاع على البائع - إن مات، وإلا رددته؛ قال: لا يجوز، قيل له: فإن فات، قال: فلصاحب الكفن القيمة؛ قيل: فإن كانت القيمة أقل، قال: لم يكن له إلا القيمة؛ قيل له: فإن كانت أكثر، قال: فله الأكثر، إلا أن يشاء أن يمضيه له بذلك الذي واجبه عليه، قيل: فإن الثياب أخذت لنصراني، أترى إن ردت الثياب أن يطهرها؟ قال: أراه خفيفا، وما أرى أن تغسل إلا أن تلبس. قال محمد بن رشد: قوله إن البيع على هذا الشرط لا يجوز صحيح، وقوله فإن فات فلصاحب الكفن القيمة - بالغة ما بلغت، كانت أقل من الثمن أو أكثر، معناه: إن فات بأن كفن فيه الميت ومضى، وأما إن فات قبل موته،

مسألة: أدرك الإمام على الجنازة وهو ممن يكبر خمسا ففاتته تكبيرتان

فمصيبته من ربه، إلا أن يتلف بيد المبتاع، ولا يعلم تلفه إلا بقوله، فيلزمه فيه القيمة؛ لأنه إنما هو كرجل اشترى سلعة من رجل بثمن معلوم، إن مات فلان من مرضه، فهو عقد فاسد، يجب أن يفسخ، وترد السلعة إلى بائعها؛ فإن تلفت قبل موت فلان، فمصيبتها من البائع - وإن كانت بيد المبتاع، إلا ألا يعلم تلفها إلا بقوله، فتلزمه فيها القيمة، وإن تلفت أو فاتت بعد موت فلان، بما تفوت به البيوع الفاسدة، صحح البيع فيها بالقيمة، بالغة ما بلغت؛ فهذا وجه القول في هذه المسألة، وليست من بيوع الثنيا، فيكون للمبتاع فيها أن يسقط الشرط، ويلتزم البيع، كما يكون له ذلك في بيوع الثنيا، لما للبائع في هذا الشرط من الحق، إذ لم ينعقد به البيع إلا بموت فلان. وقوله إن الثياب إن كانت أخذت للنصراني وردت، فلا تغسل إلا أن تلبس، صحيح على ما في المدونة من الفرق بين ما نسج النصارى، أو لبسوا - وبالله التوفيق. [مسألة: أدرك الإمام على الجنازة وهو ممن يكبر خمسا ففاتته تكبيرتان] مسألة قال أصبغ، في رجل أدرك الإمام على الجنازة وهو ممن يكبر خمسا، ففاتته تكبيرتان، قال أصبغ: يكبر معه الثلاثة ويحتسب بالخامسة؛ فإذا سلم الإمام، كبر واحدة، فصارت له أربعا، ولا يكبر الخامسة؟ قال سحنون: وقال أشهب: لا آمر أن يكبر هذا الذي فاته بعض التكبير مع الإمام الخامسة، فإن كبرها معه لم تجزه، ورأيت إذا سلم الإمام أن يقضي ما فاته من التكبير. قال محمد بن رشد: قول أشهب هو القياس على مذهب مالك؛ لأن التكبيرة الخامسة إذا كانت عنده زائدة في الصلاة، لا يراعى قوله فيها إنه

لا يتبع الإمام فيها إذا لم يفته من التكبير معه شيء، كما قال في رسم " الشجرة " من سماع ابن القاسم؛ فلا يصح أن يكبرها معه، ويعتد بها مما فاته؛ لأن أرفع أحوالها أن يحكم لها بحكم النافلة؛ ومن مذهبه أنه لا يجوز لمن يصلي فريضة أن يأتم بمن يصلي نافلة، فكيف بمن يصلي ما يكره له أن يصليه؟ وفي الواضحة لمالك من رواية ابن الماجشون عنه مثل قول أشهب - وهو قول مطرف؛ وأما قول أصبغ فهو استحسان على غير قياس، مراعاة لقول من يرى أن صلاة المأموم ليست مرتبطة بصلاة الإمام في الفرائض، فاستخف ذلك في صلاة الجنائز؛ إذ (ليست بفرض) عليه، وإنما هي له نافلة، إذ قد صحت الصلاة على الميت بصلاة الإمام ومن معه سواء، وبالله تعالى التوفيق، والصلاة على محمد وآله. تم كتاب الجنائز بحمد الله وحسن عونه الجميل

كتاب الصيام والاعتكاف

[كتاب الصيام والاعتكاف] [مسألة: المعتكفة تحيض فتخرج إلى منزلها فيطلقها زوجها قبل أن ترجع إلى المسجد] من سماع عبد الرحمن بن القاسم من مالك من كتاب أوله سلعة سماها قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في المعتكفة تحيض فتخرج إلى منزلها، فيطلقها زوجها قبل أن ترجع إلى المسجد، أين تعتد؟ قال: إنما هو بمنزلة ما لو طلقها في المسجد، فإذا طلقها في المسجد لم ينبغ لها أن تخرج من المسجد حتى تتم اعتكافها؛ فهذه ينبغي لها أن ترجع إلى المسجد حتى تتم اعتكافها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المعتكفة إذا حاضت في اعتكافها فخرجت إلى منزلها، لا ينتقض اعتكافها، فتكون إذا طهرت مبتدئة لاعتكاف، بل هي باقية في حرمة الاعتكاف الذي دخلت فيه، قيل في حرمته كله، وهو قول سحنون، وقيل في حرمته من جهة لذي الرجال خاصة، وهي رواية أبي زيد عن ابن القاسم، فإذا طهرت، رجعت إلى تمامه، فوجب أن

مسألة: ينذر صيام يوم الخميس فيمر يوم الخميس وهو غير ذاكر له

يكون حكم طلاق زوجها إياها بعد أن دخلت في الاعتكاف في حال الطهر أو الحيض، سواء فيما يلزمها من التمادي على اعتكافها الذي قد سبق وجوب العدة عليها؛ لأن الاعتكاف إذا سبق العدة، لم تخرج منه حتى ينقضي اعتكافها، كما أن العدة إذا سبقت الاعتكاف، لم تخرج منها إلى الاعتكاف حتى تنقضي عدتها، وإن كان اعتكافا واجبا عليها في أيام بأعيانها، قد كانت نذرت اعتكافها - قاله بعض شيوخ القرويين، وهو صحيح، فقف عليه، وإذا طهرت في بعض يومها فرجعت إلى المسجد، فلا تمسك عن الأكل بقية يومها، ولا تعتد به في اعتكافها، إلا أن تطهر قبل الفجر، فتنوي صيام ذلك اليوم، وتدخل معتكفها - حينئذ، وهي رواية ابن وهب عن مالك؛ وقيل: إنها لا تعتد بذلك اليوم إلا أن تطهر قبل الغروب، وتدخل معتكفها حينئذ في الوقت الذي يبتدئ المعتكف فيه باعتكافه، وهو قول سحنون. وقد قيل: إنها إذا طهرت في بعض النهار، لا ترجع إلى المسجد بقية يومها، قياسا على قول ابن القاسم في الذي يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فيمرض فيها ثم يصح فيغشاه العيد قبل أن يتم اعتكافه، إنه يخرج إلى العيد، ولا يرجع ذلك اليوم من أجل أنه غير صائم، فتدبر ذلك. [مسألة: ينذر صيام يوم الخميس فيمر يوم الخميس وهو غير ذاكر له] مسألة وسئل: عن الذي ينذر صيام يوم الخميس، فيمر يوم الخميس - وهو غير ذاكر له، فإذا كان يوم الجمعة، أصبح صائما - وهو يرى أنه يوم الخميس، أترى أن يجزئه من قضاء صيام يوم الخميس الذي جعله عليه؟ قال: نعم، إني أرجو أن يجزئه - إن شاء الله - من صيامه؛ وإني لأكره للرجل أن يجعل على نفسه الشيء، هكذا يصومه حتى كأنه فريضة، ولكن يصوم ولا يجعل على نفسه شيئا؛ فإن شاء صام، وإن شاء أفطر.

مسألة: نذر صياما بمكة أو ببلد من البلدان رجا فيه الفضل

قال محمد بن رشد: قوله في الذي أصبح يوم الجمعة صائما يرى أنه الخميس الذي كان نذر صيامه، أنه يجزئه من قضائه صحيح؛ لأن صوم يوم الخميس واجب عليه كوجوب قضائه، فناب في النية فرض عن فرض، وذلك مثل قولهم في الأسير يخطئ في الشهور، فيصوم شوالا - وهو يرى أنه رمضان، فلا اختلاف بينهم في أنه يجزئه؛ وستأتي متكررة في رسم "سلف"، ورسم "جاع" من سماع عيسى، وكراهيته أن ينذر على نفسه صيام يوم بوقته أبدا، هو مثل ما في المدونة، وإنما كره ذلك لمشقة تكرره، وقد يسهو عنه، أو لعله يفرط فيه مع طول المدة فيأثم، والله أعلم. [مسألة: نذر صياما بمكة أو ببلد من البلدان رجا فيه الفضل] مسألة وسئل مالك: عمن نذر صياما بمكة، أو بالمدينة، أو بعسقلان، أو بالإسكندرية، أو ببلد من البلدان، رجا فيه الفضل؟ قال: قال مالك: من نذر صياما في مثل المدينة، ومكة، وساحل من السواحل ترجى بركة الصيام فيه، فإني أرى ذلك عليه، ومن نذر في غير ذلك مثل العراق، وما أشبهه، فلا أرى أن يأتيه. قال ابن القاسم: ومعنى قوله: إنه يصوم ذلك الصيام بمكانه الذي هو فيه. قال محمد بن رشد: فهذا مثل ما في المدونة، والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه» . فمن نذر أن يصوم في موضع يتقرب إلى الله بالصيام فيه، لزمه الخروج إليه؛ ومن نذر أن يصوم في موضع لا قربة لله في الصيام فيه، صام بموضعه ولم يخرج إلى ذلك الموضع؛ إذ ليس لله في ذلك طاعة، وهذا ما لا اختلاف فيه - وبالله التوفيق.

مسألة: عن المعتكف يرقع ثوبه في المسجد ويكتب المصاحف

[مسألة: عن المعتكف يرقع ثوبه في المسجد ويكتب المصاحف] ومن كتاب أوله شك في طوافه مسألة وسئل مالك: عن المعتكف يرقع ثوبه في المسجد، ويكتب المصاحف؛ قال: ليس هذا من شأن المعتكف، ليرقع قبل أن يدخل، ويكتب المصاحف إن أحب؛ ورأيته يرى أن وجه من يريد الاعتكاف أن يكون في مؤخر المسجد ورحابه. قال محمد بن رشد: قوله ليرقع قبل أن يدخل، ويكتب المصاحف إن أحب؛ معناه ليرقع ويكتب المصاحف قبل أن يدخل إن أحب، وهذا على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، الذي يرى أن الاعتكاف يختص من أعمال البر بذكر الله تعالى، وقراءة القرآن والصلاة. وأما على مذهب ابن وهب الذي يبيح للمعتكف جميع أعمال البر المختصة بالآخرة، فيجيز له مدارسة العلم، وعيادة المرضى في موضع معتكفه، والصلاة على الجنائز - إذا انتهى إليه زحام الناس الذين يصلون عليها، فيجوز له أن يكتب المصاحف للثواب، لا ليتمولها، ولا على أجرة يأخذها؛ إلا ليقرأ فيها، وينتفع بها من احتاج إليها، وأما ترقيعه ثوبه فمكروه، ولا ينتقض به اعتكافه إذا كان شيئا خفيفا. [مسألة: الاعتكاف يوما أو يومين] مسألة وسئل مالك: عن الاعتكاف يوما أو يومين، قال: ما عرفت هذا من اعتكاف الناس؛ قال ابن القاسم: قد سئل عنه قبل ذلك فلم ير به بأسا، وأنا لست أرى بأسا؛ لأن الحديث قد جاء أدنى الاعتكاف يوم وليلة.

مسألة: المعتكف يخرج ليلة الفطر من اعتكافه هل عليه إعاد

قال محمد بن رشد: اختلف قول مالك في أدنى الاعتكاف: فمرة قال أدناه يوم وليلة، ومرة قال أدناه عشرة أيام؛ وهو اختلاف في أدنى ما يستحب للرجل أن يعتكفه، إذ لا يقول أحد إن من نذر أن يعتكف ما دون عشرة أيام، يلزمه اعتكاف عشرة أيام على القول بأن أدنى الاعتكاف عشرة أيام، فبان بذلك ما قلناه؛ ويتصور الاختلاف في وجه آخر أيضا - وهو أن من نذر اعتكافا مبهما غير محدود، ودخل فيه ولم ينو شيئا، يلزمه يوم وليلة على القول بأن أدنى الاعتكاف يوم وليلة، أو عشرة أيام على القول بأن أدنى الاعتكاف عشرة أيام. وقال ابن حبيب: أدنى الاعتكاف في الاستحباب يوم وليلة، وأعلاه في الاستحباب عشرة أيام، فجعل أعلاه في الاستحباب عشرة أيام على القول بأن أدناه يوم وليلة. ولم يتكلم في أعلاه في الاستحباب، على القول بأن أدناه عشرة أيام؛ والذي يصح أن يقال على هذا القول في أعلاه: إنه شهر كامل، ولا يستحب لأحد أن يعتكف أكثر من شهر، بل يكره ذلك له مخافة ألا يفي بشروطه. وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: "إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» . [مسألة: المعتكف يخرج ليلة الفطر من اعتكافه هل عليه إعاد] مسألة وسئل مالك: عن المعتكف يخرج ليلة الفطر من اعتكافه، أترى عليه إعادة؟ قال: لا. قال سحنون: لا أقول ما قال، وأرى ذلك يفسد اعتكافه؛ لأن ذلك سنة مجتمع عليها ألا يخرج وأن

يبيت في معتكفه حتى يصبح. وقال عبد الملك بن الماجشون بقول سحنون: إن ذلك يفسد اعتكافه، قال: وإن أصاب أهلا، أو فعل ما ينقض اعتكافه في ليلة الفطر، كان ذلك ناقضا لاعتكافه؛ لأنها من اعتكافه، له فيها ما للمعتكف، وعليه ما عليه؛ وقاسها ابن الماجشون بركعتي الطواف، وقال: هو من بابه وجدت الطواف ينقضي بالركعتين، ووجدته إن انتقض وضوؤه في الركعتين أو قبلهما، انتقض طوافه، وقد يرى أنهما ليستا من أشواطه السبعة، كما أن ليلة الفطر ليست من ليالي صومه، والاعتكاف لا يكون إلا بصومه. قال محمد بن رشد: قد احتج ابن الماجشون لقوله، وقول مالك أظهر، ووجهه: أن ليلة الفطر ليست من العشر الأواخر، فلو أن رجلا حلف ألا يكلم فلانا في العشر الأواخر، فكلمه بعد غروب الشمس من ليلة الفطر لم يحنث؛ فكذلك من نوى اعتكاف العشر الأواخر، ودخل فيها أو نذرها، لما يلزمه المقام ليلة الفطر في اعتكافه بموجب نذره، وإنما يؤمر بذلك اتباعا لفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فإن لم يفعل فقد قضى ما لزمه من الاعتكاف، وقصر في ترك السنة؛ إذ ليس في مقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الفطر في معتكفه، ما يدل على أن الليلة من العشر، ولا أن لها حكم العشر، إذ قد زاد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كثير من الشرائع زيادات، فكانت سننا فيها، ولم يكن لها حكمها في الوجوب؛ من ذلك سنن الوضوء، ورفع اليدين في الإحرام، والركعتان عند الإهلال؛ وقد اشترى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جابر بن عبد الله جملا فقضاه الثمن وزاده زيادة، فلم يكن على من اشترى شيئا، أن يزيد البائع عند القضاء؛ وإن زاد لم يكن للزيادة حكم الثمن المزيد عليه في جميع أحواله، وفي دون هذا كفاية، ولما كانت زيادة الليلة في الاعتكاف تختص باعتكاف العشر الأواخر دون ما سواه من الاعتكاف، ضعف قياس ذلك على ركعتي الطواف، لكونهما أصلا في كل

مسألة: النقص من قيام رمضان

طواف، لا يختص بطواف دون طواف؛ وقد ذهب ابن لبابة إلى أن على كل معتكف أن يزيد في اعتكافه ليلة يخرج في صبيحتها من اعتكافه على ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري من قوله فيه: «وهي الليلة التي يخرج في صبيحتها من اعتكافه» وهو شذوذ من القول، لا متابع له عليه من الفقهاء؛ لأن أكثر الرواة يقولون في الحديث «وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه» - وبالله التوفيق. [مسألة: النقص من قيام رمضان] مسألة وسمعت مالكا - وذكر أن جعفر بن سليمان أرسل إليه يسأله أن ينقص من قيام رمضان، قال: فنهيته عن ذلك؛ فقيل له: أفتكره ذلك؟ قال: نعم - وقد قام الناس هذا القيام، فقيل له: فكم القيام عندكم؟ قال: تسعة وثلاثون ركعة بالوتر. قال محمد بن رشد: لما كان قيام رمضان مرغبا فيه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» . وكان للجمع فيه أصل للسنة، وكان العمل قد استمر فيه على هذا العدد من يوم الحرة إلى زمنه، وذلك أن عمر بن الخطاب كان أمر أبي بن كعب، وتميما الداري، أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، فكانا يطيلان القيام، حتى لقد

مسألة: صيام العبد بغير إذن سيده

كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا في فروع الفجر؛ فشكوا ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمرهما أن يزيدا في عدد الركوع، وينقصا من طول القيام؛ فكانا يقومان بالناس بثلاث وعشرين ركعة، وكان القارئ يقرأ بسورة البقرة في ثمان ركعات؛ فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة، رأى الناس أنه قد خفف، فكان الأمر على ذلك إلى يوم الحرة، ثم شكوا ذلك لما اشتد عليهم، فنقصوا من طول القيام، وزادوا في عدد الركوع، حتى أتموا تسعا وثلاثين ركعة بالوتر، ومضى الأمر على ذلك من يوم الحرة، وأمر عمر بن عبد العزيز أن يقوموا بذلك، وأن يقرءوا في كل ركعة بعشر آيات، فكره مالك أن ينقص من ذلك، إذ لا ينبغي أن يحمل الناس على انتقاص الخير، وإنما ينبغي أن يرغبوا في الازدياد فيه، ويحملوا على ذلك إن أمكن، وكان بالناس عليه طاقة، وإليه نشاط، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: صيام العبد بغير إذن سيده] ومن كتاب الشجرة مسألة وسئل: عن صيام العبد بغير إذن سيده، قال: لا بأس بذلك، إلا أن يكون مضرا بسيده. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العبد مكلف، مثاب على طاعته، فليس لسيده أن يمنعه مما يثاب عليه، ولا يضر به؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» ، فإذا لم يكن لسيده أن يمنعه، لم يكن عليه أن يستأذنه. وكذلك خادم الخدمة، بخلاف الزوجة، والسرية، وأم الولد، إلا أن يكون غائبا أو مسنا لا ينبسط للنساء، فلا إذن عليهن؛ وذلك

مسألة: المؤذن يعتكف أيؤذن فوق المنار

في صيام التطوع، وما أوجبوه على أنفسهم من نذر، أو كفارة يمين، أو ظهار، أو فدية أداء، أو جزاء صيد في الإحرام، أو الحرم، وقد قيل: إنه إذا أذن له في النكاح، كان له أن يصوم في الظهار، وإن كان ذلك مضرا بسيده، كما إذا أذن له في الإحرام، فأصاب خطأ ما أوجب عليه الصيام، والأول أظهر؛ لأنه وإن أذن له في النكاح، فهو أدخل على نفسه الظهار، فهو بمنزلة إذا أذن له في الإحرام فأصاب عمدا ما أوجب عليه الصيام. وأما قضاء رمضان، فلا إذن عليهم فيه، وإذا أذن لهم في صيام التطوع، لم يكن له أن يرجع في الإذن؛ وإذا صاموا بإذنه، فلا يجوز لهم الفطر إلى الليل، وبالله التوفيق. [مسألة: المؤذن يعتكف أيؤذن فوق المنار] ومن كتاب أوله حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان مسألة وسئل مالك: عن المؤذن يعتكف، أيؤذن فوق المنار؟ قال عيسى به وضعفه؛ وقال: وما رأيت مؤذنا يعتكف، وكأنه كره الأذان له؛ وقال ابن القاسم: وقد سمعته يكرهه غير مرة، ويجيزه. وجل رأيه فيما أعلم - الكراهية؛ وقوله: في الكراهية أحب إلي. قال محمد بن رشد: القولان في المدونة، والكراهة أجرى على أصله في أن الاعتكاف يختص من أعمال البر بذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن. وقد مضى ذلك في رسم "شك في طوافه". [مسألة: المعتكف ينصرف إلى منزله لأخذ طعامه] ومن كتاب طلق بن حبيب مسألة وسئل عن المعتكف: ينصرف إلى منزله لأخذ طعامه، قال: لا يعجبني ذلك. قيل له: أيغتسل في موضعه للجمعة الذي يخرج فيه

مسألة: ينظر إلى أهله في رمضان على غير تعمد فيخرج منه المذي

لحاجته، قال: لا بأس بذلك؛ ولغير الجمعة - إن أحب ذلك - تَبَرُّدًا أو غير ذلك، فلا بأس عليه في الغسل؛ ولقد كان رجال من أهل الفضل يغتسلون في كل يوم لرواحهم، منهم: عامر بن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، كانوا يغتسلون كل يوم. قال محمد بن رشد: كراهيته للمعتكف أن ينصرف إلى منزله لأخذ طعامه، معناه: إذا كان له من يكفيه ذلك؛ وأما إذا لم يكن له من يكفيه ذلك، فلا يكره له ذلك؛ لأنه مضطر إليه، لكنه يكره له أن يدخل في الاعتكاف - إذا لم يكن له من يكفيه ذلك - على أحد قولي مالك في المدونة، فاختلاف قوله فيها إنما يعود إلى الدخول في الاعتكاف إذا لم يكن له من يكفيه الخروج عن طعامه، فمرة أجاز ذلك له، ومرة كرهه له، ورأى ترك الاعتكاف خيرا له. وأما إذا دخل فيه، فلا اختلاف في أن له أن يخرج عن طعامه - إذا لم يجد من يسوقه إليه؛ لأنه مضطر إلى ذلك، ولا يقطع اعتكافه؛ لأنه قد لزمه. وأما خروجه للغسل إلى الموضع الذي يخرج فيه لحاجة الإنسان، فذلك جائز، إذ لا يصح له فعله في المسجد، وهو مما له أن يفعله تبردا - وإن لم يكن واجبا عليه؛ لأن ذلك يعينه على ما هو فيه، ولأنه من النظافة المشروعة في الدين - وبالله التوفيق. [مسألة: ينظر إلى أهله في رمضان على غير تعمد فيخرج منه المذي] مسألة وسئل: عن الذي ينظر إلى أهله في رمضان على غير تعمد منه، فيخرج منه المذي، ماذا ترى عليه؟ قال: أرى أن يقضي يوما مكانه، ولقد كان رجل من أصحابنا من أهل الفضل إذا دخل رمضان، لا يدخل بيته حتى يمسي، خوفا على نفسه من أهله. قال ابن القاسم:

وسمعت مالكا قال: ليس على من قبل امرأته في رمضان قضاء، إلا أن يكون أنعظ ووجد اللذة، فعليه القضاء - وإن لم يمذ إذا كان ذلك حرك منه اللذة التي وجدها؛ وإن أمذى فعليه القضاء؛ قال عيسى: قال ابن القاسم: إذا قبل فلا شيء عليه، أنعظ أو لم ينعظ ما لم يمذ، وإذا باشر فأنعظ فعليه القضاء، أمذى أو لم يمذ؛ أنكر سحنون قول ابن القاسم هذا - ولم يره شيئا. قال محمد بن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة: أنه إن نظر قاصدا إلى التلذذ بالنظر، أو تذكر - قاصدا إلى التلذذ بذلك؛ أو لمس، أو قبل، أو باشر فسلم، فلا شيء عليه؛ وإن أنعظ ولم يمذ، ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن عليه القضاء - وهي رواية ابن القاسم. والثاني: أنه لا شيء عليه، وهي رواية أشهب عن مالك في المدونة. والثالث: الفرق بين ما بين المباشرة، وما دونها من قبلة، أو لمس، فإن أنعظ من مباشرة فعليه القضاء، وإن أنعظ فيما دونها فلا قضاء عليه، وهو قول ابن القاسم الذي أنكره سحنون؛ وإن أمذى فعليه القضاء. وإن أنزل، ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن عليه القضاء والكفارة - وهو قول مالك في المدونة في القبلة، والملامسة، والمباشرة؛ والنظر، والتذكر للذة، محمولان على ذلك. والثاني: أن عليه القضاء، ولا كفارة عليه، إلا أن يتابع حتى ينزل، وهو قول أشهب، وأصح الأقوال؛ لأن الكفارة لا تجب إلا على من قصد انتهاك حرمة الصوم، وهذا لم يفعل إلا ما وسع له فيه، فغلبه الإنزال. والثالث: الفرق بين اللمس، والقبلة، والمباشرة، وبين النظر، والتذكر، فإن لمس أو قبل، أو باشر فأنزل، فعليه القضاء والكفارة، وإن لم يتابع ذلك؛ وإن نظر وتذكر فأنزل، فعليه القضاء ولا كفارة عليه؛ إلا أن

الصائم إذا باشر فأنعظ فحرك منه اللذة

يتابع ذلك حتى ينزل، وهذا القول هو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة. وأما إن نظر على غير قصد، أو تذكر، فأمذى دون أن يتابع النظر، أو التذكر، ففي ذلك قولان: أحدهما: أن عليه القضاء - وهو قول مالك في هذه الرواية في النظر، والتذكر محمول عليه. والثاني: أنه لا قضاء عليه، إلا أن يتابع ذلك حتى ينزل. وهذا القول رواه ابن القاسم عن مالك في غير المستخرجة في التذكر، والنظر محمول عليه، إذ لا فرق بينهما، وهذا القول أظهر؛ لأن المذي لا يجب به القضاء على أي وجه كان عند الشافعي، وأبي حنيفة، وأكثر أهل العلم. والمتأخرون من البغداديين يقولون: إن القضاء على من قبل وأمذى في مذهب مالك، إنما هو استحباب، فقف على ذلك. [الصائم إذا باشر فأنعظ فحرك منه اللذة] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مالك: ولا أحب للصائم أن يباشر، وإن لم يحرك ذلك منه شيئا، ولا يقبل؟ قال ابن القاسم: قال لي مالك في الصائم: إذا باشر فأنعظ، فحرك منه اللذة؟ رأيت عليه القضاء، وإن لم يمذ، قال ابن القاسم: وذلك رأي. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في التي قبلها، فلا معنى لإعادته. [المسافر يقيم في المنهل يوما أو ما أشبه ذلك] ومن كتاب الشريكين قال مالك في المسافر يقيم في المنهل يوما، أو ما أشبه ذلك؛ قال مالك: يجوز له أن يفطر، ما كان يجوز له أن يقصر.

مسألة: الفطر لمن أصبح صائما متطوعا

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، فهو مما لا اختلاف فيه، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 184] ... الآية، إلا أن مالكا يستحب له الصيام، ويكره له الفطر؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] . [مسألة: الفطر لمن أصبح صائما متطوعا] مسألة قال: وبلغني أن رجلا له شرف صنع صنيعا، فدعا فيمن دعا حسين بن رستم الأيلي - وكان صائما، وأنه لما خف الناس من عنده، قال له: ألا ندعو لك بطعام؟ قال: إني صائم، فجعل يده عليه - ويديره على الفطر، ويقول: إنك ستصوم يوما آخر مكانه؛ فقال له حسين: إني بَيَّت الصيام، وإني أكره أن أخالف الله ما وعدته؛ وقال: يقال «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ، فإنك لن تجد فَقْد شيء تكرهه لله. قال محمد بن رشد: إنما قال ما قال، فأبى أن يجيبه إلى ما أراده عليه من الفطر؛ لأنه رأى ذلك من المشبهات التي قال فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه وعرضه» ، لاختلاف أهل العلم في جواز الفطر لمن أصبح صائما متطوعا، ولما جاء في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مما يدل على جوازه والمنع له؛ من ذلك: أنه قال: «إذا

دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل» . وروي: «فإن شاء فليأكل، وإن كان صائما فليصل» ، أي: ليدع. وروي: «وإن كان صائما فلا يأكل» . وروي عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «لا تصوم امرأة - وزوجها شاهد - يوما من غير شهر رمضان، إلا بإذنه» . وهذا يدل على أن الفطر لا يجوز لها، ولا يجوز لزوجها أن يفطرها. وروي: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان عند أم هانئ فأتي بشراب فشرب منه، ثم ناول أم هانئ فشربت، ثم قالت: يا رسول الله، إني كنت صائمة، ولكني كرهت أن أرد سؤرك، فقال لها: "أكنت تقضين شيئا؟ " قالت: لا. قال: "فلا يضرك إن كان تطوعا» . فهذا يدل على جواز الفطر لمن أصبح صائما. وقد جاء: «أن عائشة وحفصة أهدى لهما طعاما فأفطرتا عليه، فدخل عليهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته بذلك حفصة، فقال لهما رسول الله: "اقضيا مكانه يوما آخر» . فاحتمل أن يكون ذلك على الوجوب، وأن يكون على الندب؛ وكان ابن عباس يجيز الفطر لمن أصبح صائما متطوعا. وكان عبد الله بن عمر يجيزه ويشدد في ذلك، فيقول: ذلك الذي يلعب بصومه. وإلى قوله ذهب مالك فقال: إنه لا يفطر، فإن أفطر لغير عذر فعليه القضاء؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة وحفصة: «اقضيا مكانه يوما آخر» . وقد قال

أكل الطعام في المسجد للمعتكف

مطرف: إن حلف عليه أحد بالعتق، أو الطلاق - أن يفطر، فليحنثه ولا يفطر، إلا أن يرى لذلك وجها؛ وإن حلف هو، فليكفر ولا يفطر، وإن عزم عليه أبواه أو أحدهما في الفطر، فليطعهما وإن لم يحلفا عليه إذا كان ذلك رقة منهما عليه، لإدامة صومه، وبالله التوفيق. [أكل الطعام في المسجد للمعتكف] ومن كتاب أوله اغتسل عن غير نية وسألته: عن الرجل في رمضان يكون في المسجد ويكون بمنزله نائما، فيأتيه الطعام من أهله فيأكله في المسجد، وقال: أرجو أن يكون خفيفا؛ وقال: لا أحب لأحد أن يتسوك في المسجد من أجل ما يخرج من فيه من السواك، فيلقيه في المسجد، ولا أحب لأحد أن يتمضمض في المسجد. قال محمد بن رشد: معنى ما استخف من أكل الطعام في المسجد، هو في الطعام الجاف، وأما الألوان، فقد كره في غير ما موضع أن يؤتى بها إلى المساجد فتؤكل بها، من ذلك ما وقع في رسم "سلعة سماها" من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة وغيره، وأما التمضمض في المسجد وإلقاء ما يخرج من فيه من السواك فيه، فمكروهه بين، مذكور في كتاب الصلاة وغيره. [مسألة: أكل في رمضان ناسيا] مسألة قال: إني لأستحب أن يقضي من أكل ناسيا في تطوع، وما أراه عليه بواجب، مثل من أكل في رمضان، وإني لأستحب ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إن ذلك مستحب وليس بواجب؛ لأن من أهل العلم من يجيز الفطر في صيام التطوع - عامدا، ومنهم

مسألة: لم يأتهم خبر هلال الفطر إلا بعدما زالت الشمس

من يكرهه ولا يرى عليه قضاء - إن فعله - وهو مذهب الشافعي، ومنهم من لا يوجب القضاء على من أكل في رمضان ناسيا، لحديث أبي هريرة: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أكل أو شرب في صومه ناسيا، فليتم صومه، فإن الله أطعمه وسقاه» وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وجماعة من أهل العلم سواهما. وروي عن أبي حنيفة أنه قال: لولا قول الناس، لقلت: إنه يقضي، يريد: لولا طعن الناس لمخالفة الحديث، والله أعلم. وقد راعى ابن القاسم هذا القول في الذي يحلف بالطلاق، أو غيره، أن يصوم غدا فيصبح صائما، ثم يأكل ناسيا، فقال: إنه لا حنث عليه في رسم "سلف من" سماع عيسى من هذا الكتاب، ومن كتاب الأيمان بالطلاق، وفي سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق. [مسألة: لم يأتهم خبر هلال الفطر إلا بعدما زالت الشمس] مسألة وقال، فيمن لم يأتهم خبر هلال الفطر، إلا بعدما زالت الشمس: فلا أرى عليهم صلاة من الغدوة لا يخرجون إلى المصلى، وليس عليهم ذلك. وأنكر الخروج في غير يوم الفطر إنكارا شديدا، وقال: من أخطأ يوم الجمعة، أيجعله يوم السبت؟ استنكارا للخروج في غير يوم الفطر. قال محمد بن رشد: قد روي أن الهلال خفي على الناس في آخر ليلة من شهر رمضان في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأصبحوا صياما، فشهد عند النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بعد زوال الشمس أنهم رأوا الهلال الليلة الماضية، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالفطر، فأفطروا تلك الساعة، وخرج بهم من الغد، فصلى بهم صلاة العيد، وذهب إلى هذا قوم، منهم: أبو يوسف. وأكثر رواة الحديث لا يذكرون فيه

المسافر في البحر يريد أن يفطر

الصلاة، وإنما قالوا: أمرهم أن يفطروا من يومهم، ثم ليخرجوا لعيدهم من الغد، أو إلى مصلاهم من الغد، فإن صح الحديث فيحتمل أن يكون أمرهم بالخروج، لترى كثرتهم، فيتناهى ذلك إلى عدوهم، فيعظم أمرهم عندهم لا للصلاة؛ ولم يصح عند مالك الحديث، ولا رأى الخروج، ولا الصلاة. وحجته على ذلك بالجمعة حجة صحيحة؛ لأنها لما كانت كالجمعة في أنه لا تقضى بعد خروج وقتها في ذلك النهار، وجب أن يكون مثلها في أنها لا تقضى في يوم آخر. [المسافر في البحر يريد أن يفطر] ومن كتاب أوله باع غلاما وسئل مالك: عن المسافر في البحر يريد أن يفطر؟ قال مالك: ذلك له. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن المسافر في البحر والبر سواء في جواز الفطر، ووجوب القصر؛ لقوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] ، وهذا ما لا اختلاف فيه أحفظه. [نذرت أن تصوم بنية شهر فاشتد عليها الحر وهي ترضع] ومن كتاب صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك: عن المرأة نذرت أن تصوم بنية شهر، فاشتد عليها الحر وهي ترضع، قال: تفطر وتطعم وتصوم بعد ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: أنها تفطر وتطعم؛ لأن حكم نذر الصيام المعين في الوجوب، كحكم صوم شهر رمضان، إلا في وجوب الكفارة على من أفطر فيه متعمدا. وقد روي عن مالك: أن عليها القضاء، ولا إطعام

مسألة: عليه نذر صيام هل له أن يتطوع قبل الفراغ منه

عليها؛ ومن أهل العلم من يرى عليها الإطعام دون القضاء. قال بذلك من رأى قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ... الآية - محكمة في الموضع، والحامل، والشيخ. ولها على المشهور من مذهب مالك في الفطر ثلاثة أحوال: حال لا يجوز لها فيها الفطر والإطعام، وهي إذا قدرت على الصيام ولم يجهدها الإرضاع. وحال يجوز لها فيها الفطر والإطعام، وهي إذا أجهدها الإرضاع ولم تخف على ولدها، إما بأنه يبقى لها من اللبن إن لم تفطر ما ترمقه به، وإما لأنها تقدر على أن تستأجر له من ترضعه من ماله، أو من مال الأب، أو مالها، إذا كان يقبل غيرها. وحال يجب عليها الفطر والإطعام، وهي إذا خافت على ولدها، إما بأنه لا يقبل غيرها، وإما بأنها لا تقدر على أن تسترضع له بحال؛ فهي قوله "اشتد عليها الحر" أي: اشتد عليها فأجهدها بسبب الإرضاع، ولو لم يجهدها الإرضاع فأفطرت، لكانت بمنزلة غير المرضع، تكفر إن كانت في رمضان كفارة المتعمد، وتقضي، وإن كانت في نذر أيام بأعيانها أتمت وقضت، ولم يجب عليها كفارة ولا إطعام. [مسألة: عليه نذر صيام هل له أن يتطوع قبل الفراغ منه] مسألة قال سحنون: قال ابن القاسم: وسئل مالك: عن رجل عليه نذر صيام، هل له أن يتطوع قبل الفراغ منه؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن النذر المبهم يتخرج على قولين: أحدهما: أنه على الفور، والثاني: أنه على التراخي؛ فأما على القول بأنه على الفور، فلا يجوز له أن يتطوع بالصيام قبله؛ لأن ذلك اليوم مستحق عليه

مسألة: الرجل يعتكف فيمرض أبوه أو أمه هل يخرج

صومه في النذر، إلا أن يكون يوما مرغبا في صيامه، كيوم عاشوراء، وشبهه، فيخرج جواز صومه قبل النذر، على ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلى إذ نام عن صلاة الصبح في الوادي حتى طلعت الشمس ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح» . وأما على القول بأنه على التراخي كقضاء رمضان الذي قد وسع فيه إلى شعبان، فلا ينبغي له أن يتطوع بالصيام قبله، لوجهين: أحدهما: أن صيام التطوع لا يفوته، فهو إن بدأ به فاته فضل بتعجيل النذر. والثاني: مخافة أن يموت قبل أن يقضي النذر، فلا يتقبل منه التطوع، على ما جاء عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا تقبل من أحد نافلة - وعليه فريضة - حتى يؤديها؛ إلا أن يكون يوم مرغب في صيامه، كيوم عاشوراء. فالاختيار على قياس هذا القول: أن يصومه تطوعا قبل النذر؛ لأنه إن صامه للنذر، فاته فضل اليوم. وقيل: إن الاختيار أن يصومه للنذر؛ لأنه إن صامه تطوعا، فاته فضل تعجيل النذر، ولم يأمن أن يموت قبل أن يصوم النذر، فلا يتقبل منه الطوع على ما جاء عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وعلى هذا الاختلاف يأتي اختلافهم في: هل يصوم يوم عاشوراء من عليه صيام قضاء رمضان؟ على ما يأتي في رسم "المحرم" بعد هذا. [مسألة: الرجل يعتكف فيمرض أبوه أو أمه هل يخرج] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يعتكف فيمرض أبوه أو أمه، هل يخرج؟ قال: نعم، يخرج إليهما ويبتدئ اعتكافه، ورواها في كتاب إن خرجت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الخروج إليهما من برهما، وبرهما فرض بنص القرآن، فهو آكد عليه مما دخل فيه من الاعتكاف،

مسألة: صيام الأيام الغر

لأن الاعتكاف يقضيه، وما فاته من بر أبويه لا يستدركه ولا يقضيه؛ وذلك بخلاف الخروج إلى جنازتهما، لا يخرج من اعتكافه إلى جنازتهما - قاله مالك في موطئه، إذ ليس في ترك شهود جنازتهما عقوق لهما. [مسألة: صيام الأيام الغر] ومن كتاب مساجد القبائل مسألة وسئل مالك: عن صيام الغر الثلاثة الأيام: ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، قال: ليس هذا ببلدنا، وإني أكره أن يتعمد صيامها، قال: والأيام كلها لله. قال محمد بن رشد: قد روي فيها وفي الأيام البيض: أول يوم من الشهر، ويوم عشرة، ويوم عشرين - أنها صيام الدهر. وقد روي عن مالك: أنه كان يصوم الأيام البيض. وقد كتب إلى هارون الرشيد في رسالته، يحضه على صيام الأيام الغر - ويذكر الحديث فيها؛ فإنما كره في هذه الرواية صيامها، ولم يحض عليها مخافة أن يكثر العمل بذلك؛ لكثرة إسراع الناس إلى الأخذ بقوله، فيحسب ذلك من لا علم له من الواجبات. [يعتكف في قريته في مسجد لا يجمع فيه وهو ينتاب الفسطاط] ومن كتاب مرض وله أم ولد فحاضت وقال فيمن كان منزله على أميال - وحضر شهر رمضان، فأراد أن يعتكف في قريته في مسجد لا يجمع فيه، وهو ينتاب الفسطاط

مسألة: المعتكفة إذا طلقت أو مات عنها زوجها

يصلي فيه الجمعة؛ قال مالك: يعتكف في قريته، أحب إلي من صلاته الجمعة بالفسطاط. قال محمد بن رشد: رأى الاعتكاف له أفضل من صلاة الجمعة بالفسطاط، لما كان ممن لا يجب عليه الإتيان إلى الجمعة لبعد منزله من الفسطاط، وهذا على مذهبه في أن الاعتكاف لا يختص بالمسجد الذي تجمع فيها الصلوات، لعموم قوله عز وجل: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ} [البقرة: 187] ... الآية. فإذا كان ممن لا يلزمه الإتيان إلى الجمعة، أو ممن لا تجب عليه الجمعة، أو كان اعتكافه أياما يسيرة لا تدركه فيها الجمعة، جاز له أن يعتكف في غير المسجد الذي تجمع فيه الجمعة، فإن مرض في تلك الأيام ثم صح فغشيته الجمعة قبل أن يفرغ من اعتكافه، خرج إلى الجمعة - ولم ينتقض اعتكافه - قاله ابن الماجشون، ورواه ابن الجهم عن مالك؛ قيل: لأنه دخل بما يجوز له، بخلاف ما لو دخل لاعتكاف أيام تأخذه فيها الجمعة، هذا يخرج إلى الجمعة ويبتدئ اعتكافه، قاله ابن الماجشون أيضا. قيل: لأنه دخل بما لا يجوز له، وقد قيل: إن ذلك اختلاف من القول؛ ولا فرق بين أن يدخل بما يجوز له، أو بما لا يجوز له؛ وأما الاعتكاف في مساجد البيوت، فلا يصح عند مالك لرجل ولا امرأة، خلاف قول أبي حنيفة في أن المرأة تعتكف في مسجد بيتها، وبالله التوفيق. [مسألة: المعتكفة إذا طلقت أو مات عنها زوجها] مسألة وسئل: عن المعتكفة إذا طلقت أو مات عنها زوجها، أترى أن تخرج؟ قال: لا تخرج بعدما دخلت الاعتكاف، لا من وفاة، ولا من طلاق؛ وكذلك المرأة المحرمة. قال محمد بن رشد: يريد بقوله: وكذلك المرأة المحرمة، أن المحرمة إذا طلقت أو مات عنها زوجها في الطريق، تنفذ لوجهها ولا ترجع إلى بيتها،

الصيام قبل الاستسقاء

لتعتد فيه؛ والمسألتان في المدونة، الأولى في كتاب الاعتكاف، والثانية في كتاب طلاق السنة؛ والوجه في ذلك أنها قد دخلت في عمل بر لزمها إتمامه، فلم يجز لها إبطاله؛ لقوله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ، ولقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ، وهذا ما لا اختلاف فيه، كما أنه إذا سبق الطلاق أو الموت - الاعتكاف والإحرام، لم يصح لها أن تحرم، ولا أن تعتكف، حتى تنقضي العدة؛ لأنها قد لزمتها، فليس لها أن تنقضها، وبالله التوفيق. [الصيام قبل الاستسقاء] ومن كتاب نذر سنة وسئل مالك: عن الصيام قبل الاستسقاء أمما يعمل به؟ قال: ما سمعت إنكارا على من عمله. قال محمد بن رشد: الصيام قبل الاستسقاء مما لم يأت به أثر عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، ولا عن الخلفاء الراشدين المهديين بعده، وإنما هو أمر أحدثه بعض الأمراء، فاستحسنه كثير من العلماء؛ فعله موسى بن نصير بإفريقية حين رجع من الأندلس، فاستحسنه الجذامي وغيره من علماء المدينة؛ وإلى هذا ذهب ابن حبيب، قال: استحب للإمام أن يأمر الناس قبل بروزه بهم إلى المصلى، أن يصبحوا صياما يومهم ذلك؛ ولو أمرهم أن يصوموا ثلاثة أيام - آخرها اليوم الذي فيه يبرزون، كان أحب إلي، والمعلوم من مذهب مالك إنكار هذه الأمور المحدثات كلها، من ذلك أنه كره في سماع ابن القاسم القراءة في المسجد، والاجتماع يوم عرفة بعد العصر في المساجد للدعاء، والدعاء عند خاتمة القرآن، فيحتمل ما في هذه الرواية من قوله ما سمعت إنكارا على من

مسألة: صوم عاشوراء قبل قضاء رمضان

عمله، أن يكون انتهى كلام مالك إلى قوله ما سمعت، أي: ما سمعت أن ذلك يفعل، ويكون إنكارا على من عمله من قول ابن القاسم. أخبر أن مالكا أراد بقوله ما سمعت - الإنكار على من عمله، فيكون ذلك مطابقا لمذهبه المعلوم، ويحتمل أن يكون الكلام كله من قول مالك، فيقتضي جواز ذلك عنده؛ إذ قد نفى أن يكون سمع الإنكار على من عمله، والأول من التأويلين أولى - والله تعالى أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: صوم عاشوراء قبل قضاء رمضان] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه مسألة وسئل مالك: عن الرجل يكون عليه قضاء رمضان، أيصوم يوم عاشوراء قبل قضاء رمضان؟ قال: ما يعجبني ذلك، وعسى به أن يكون خفيفا؟ قيل له: أفيصومه في قضاء رمضان؟ قال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: قوله ما يعجبني، وعسى به أن يكون خفيفا، معناه: أني أكره ذلك كراهية خفيفة، وكراهيته له أن يصومه تطوعا، يقتضي أن المستحب عنده أن يصومه في قضاء ما عليه من رمضان؛ وقوله بعد ذلك: لا بأس أن يصومه في قضاء رمضان - مخالف لذلك، إذ لا يقال في الشيء المستحب فعله: لا بأس أن يفعل، وإنما يقال ذلك في المباح الذي فعله وتركه سواء؛ وفي سماع ابن وهب، قيل له: أفيصومه في قضاء رمضان؟ قال: لا. معناه: لا ينبغي له أن يفعل ويصومه تطوعا أحسن؛ فهذه ثلاثة أقوال: أحدها: أن الاختيار أن يصام لقضاء رمضان، والثاني: أن الاختيار أن يصام تطوعا ويؤخر قضاء رمضان، والثالث: أن الأمرين سواء، يفعل الفاعل أيهما شاء، وهذا الاختلاف إنما يتصور على القول بأن قضاء رمضان على التراخي، بدليل قول

عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: إن كان ليكون علي الصيام من رمضان، فما أستطيع أن أصومه حتى يأتي شعبان، للشغل برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ لو كان القضاء على الفور، لما منعها من ذلك الشغل، والواجب على التراخي تعجيله أفضل، فلما كان إن صام يوم عاشوراء تطوعا، وأخر القضاء، أحرز فضل اليوم، وفاته تعجيل القضاء، وإن صامه للقضاء، أحرز تعجيل القضاء، وفاته فضل صوم النهار؛ وقع الاختلاف، فوجه القول بأن صومه تطوعا أحسن، هو أن فضيلة صومه قد وردت الآثار عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بنصها، وقدرها، وفضيلة تعجيل القضاء إنما علمت بالنظر والقياس، فذلك فيها معدوم، وأيضا فقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس قبل صلاة الصبح، وقضى الصلاة على الفور، فكيف بقضاء الصيام الذي هو على التراخي، ووجه القول بأن صيامه للقضاء أحسن، هو أنه إن صامه تطوعا لم يأمن أن تخترمه المنية قبل القضاء، فلا يقبل منه التطوع على ظاهر ما جاء عن أبي بكر الصديق، من أنه لا يقبل من أحد نافلة، وعليه فريضة حتى يؤديها؛ ووجه القول في تخيير الفاعل فيما شاء من ذلك، هو أن الدلائل استوت عنده، واستواؤها دليل على التخيير، وهذا نحو قوله في الإبل إذا زادت على العشرين ومائة - واحدة، جعل الساعي مخيرا لما استوت عنده الأدلة في مقدار الزيادة المذكورة في الحديث، إن كان المراد بها ما كانت من قليل أو كثير أو زيادة بغير الفرض، ظاهر ما في كتاب الصيام من المدونة: أن قضاء رمضان على الفور؛ لأنه قال فيمن أفطر في رمضان في سفر أو مرض ثم قدم فأقام شهرا، أو صح شهرا ثم مات، وأوصى أن يطعم عنه؛ أن ذلك يكون في ثلثه مبدأ. وكذلك على مذهبه

مسألة: جعلت على نفسها يوما سمته من الجمعة ما عاشت ثم نذرت بعد ذلك صيام

فيما لو مرض شعبان كله بعد أن صح شهرا، لوجب عليه الإطعام؛ فعلى هذا لا يجوز له أن يصوم يوم عاشوراء إذا كان عليه قضاء رمضان، فيأتي في المسألة أربعة أقوال. [مسألة: جعلت على نفسها يوما سمته من الجمعة ما عاشت ثم نذرت بعد ذلك صيام] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق مسألة وسئل: عن امرأة جعلت على نفسها يوما سمته من الجمعة ما عاشت، ثم نذرت بعد ذلك صيام سنة لأمر شكرت فيه؛ أترى عليها قضاء ذلك اليوم الذي كانت نذرته قبل نذر السنة إذا هي قضت السنة؟ قال: لا أرى عليها قضاء ذلك اليوم. قال محمد بن رشد: معناه: أن السنة التي نذرت سنة بعينها، فلا تقضي اليوم الذي صامته بالنذر الواجب عليها، ولا رمضان الذي صامته لفرضها، ومثل هذا في المدونة أنها لا تقضي رمضان، ولا يوم الفطر، ولا أيام الذبح، وقال فيها أيضا فيمن نذر صيام ذي الحجة، أن عليها أن تقضي أيام الذبح، فحكي عبد الحق عن بعض شيوخه، أن هذا الخلاف لا يدخل في شهر رمضان؛ لأنه قد صامه؛ وحكي عن غيره أنه يدخل في ذلك، وأن ذلك موجود لمالك في كتاب أبي بكر الأبهري، فعلى هذا يدخل الخلاف أيضا في هذه المسألة، ويكون عليها قضاء اليوم الذي صامته لنذرها، إذ لا فرق بين ما صامته لنذرها، وبين ما صامته لفرضها، وأما لو كانت السنة التي نذرت لأمر شكرت فيه سنة بغير عينها، لكان عليها أن تصوم سنة كاملة، سواء أيام نذرها، وأيام صومها لفرضها - قولا واحدا، وبالله تعالى التوفيق.

دعوة الوليمة حكم إجابتها

[دعوة الوليمة حكم إجابتها] من سماع أشهب، وابن نافع، عن مالك، رواية سحنون من كتاب الطلاق الثاني قال أشهب: وسمعته يسأل: عن الرجل يصنع لأهل المسجد يوم الفطر من رمضان طعاما، فيدعوهم إليه، أترى عليهم إجابته بمنزلة طعام الوليمة؟ قال مالك: ما أرى ذلك، وإني لأكره مثل هذا لأهل المسجد أن يجيبوا إلى من دعاهم هكذا، وهم يزرون عليه ويغمصون، وما أرى ذلك لهم، وإني لأكرهه وما يعجبني ذلك لهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الدعوات إلى الأطعمة على قصد ما عليها بها، فمنها ما لا ينبغي أن يجاب إليها، كهذه وشبهها مما يقصد بها قصدا مذموما من تطاول، وامتنان، وابتغاء محمدة، وشكر، وما أشبه ذلك؛ ومنها ما يجب على المدعو إليها إجابة الداعي إليها، ولا يجوز التخلف عنها إلا لعذر، وهي دعوة الوليمة التي أمر رسول الله، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها، وحض عليها، وأوجب إجابة الداعي إليها، ومنها ما يجوز إجابة الداعي إليها ولا حرج في التخلف عنها، وهو ما سوى دعوة الوليمة من الدعوات التي تصنع على جري العاديات، دون مقصد مذموم؛ كدعوة العقيقة، والنقيعة، والوكيرة، والخرس، والإعذار، وما أشبه ذلك. ومنها ما يستحب الإجابة إليها، وهي المأدبة التي يفعلها الرجل للخاص من إخوانه وجيرانه، على

رأى الناس الهلال في نصف النهار

حسن العشرة، وإرادة التودد والألفة؛ ومنها ما تحرم الإجابة إليها، وهو ما يفعل الرجل لمن يحرم عليه قبول هديته، كأحد الخصمين، والقاضي، وشبه ذلك. [رأى الناس الهلال في نصف النهار] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب العرية قال عيسى بن دينار: سألت ابن القاسم: عن قوم صاموا شهر رمضان صاموا ثلاثين يوما، فلما كان في تسعة وعشرين كان غيم، فلما أصبحوا تمام ثلاثين، رأى الناس الهلال في نصف النهار، أو عند الزوال، هل ترى على من أفطر تلك الساعة شيئا؟ وكان صيامهم قبل ذلك في غيم أيضا؟ قال ابن القاسم: لا يجوز لأحد أن يفطر حتى الليل، فإنما الهلال لليلة القابلة، فمن أفطر فإنما عليه القضاء؛ لأنه إنما أفطر على تأويل. قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك وجميع أصحابه، أن الهلال إذا رئي قبل الزوال أو بعده، أنه لليلة القادمة، إلا ابن وهب فذكر عنه ابن مزين في تفسيره للموطأ، أنه إذا رئي قبل الزوال، فهو لليلة الماضية، وإن رئي بعد الزوال فهو لليلة القادمة، وأخذ بذلك عيسى بن دينار، وإليه ذهب ابن حبيب، وحكاه - مفسرا عن عمر بن الخطاب؛ وقال ابن الجهم: إن ذلك لا يصح عن عمر، والذي رواه عنه رجل مجهول، وليس في رواية مالك عنه للزوال ذكر، ولا فرق بين ذلك؛ وهو قول ابن مسعود، وابن عمر، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم من الصحابة، والتابعين، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. [مسألة: مرض فقال لله علي إن شفاني أن أصوم خمسة أيام فلم يصمها] مسألة وسئل: عن رجل مرض في سفر، فقال: لله علي إن شفاني من

قال لله علي صيام هذه السنة وهو في سنة ست وثمانين وقد مضى نصفها

مرضي أن أصوم في أهلي خمسة أيام، فقدم أهله فلم يصمها، نسي أو غفل، فذكر وهو في سفر. قال: يصومها وهي مجزئة عنه، وليس في صيامها في أهله قربة إلى الله، فليصمها حيث شاء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه» . وقد مضى مثله في أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [قال لله علي صيام هذه السنة وهو في سنة ست وثمانين وقد مضى نصفها] (ومن كتاب أوله: بع ولا نقصان عليك) قال ابن القاسم: من قال لله علي صيام هذه السنة - وهو في سنة ست وثمانين، وقد مضى نصفها؛ قال: عليه صيام اثني عشر شهرا. قال محمد بن رشد: إلا أن يكون أراد ما بقي من السنة فتكون له نيته؛ قال ذلك مالك في سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، فإن لم تكن له نية، فقوله محمول على اثني عشر شهرا يستقبلهن من يوم حلف بعد اليوم الذي هو فيه على مذهب ابن القاسم، ولا يقضيه ولا يعده على مذهب أشهب؛ لأنه يقضيه فيصوم على مذهب ابن القاسم ما بقي من ذلك الشهر من الأيام، ثم أحد عشر شهرا على المشهور، ثم يكمل على الأيام التي صام من الشهر الأول تمام تسعة وعشرين يوما، ويكمل عليها على مذهب أشهب ثلاثين يوما؛ لأنه يقضي اليوم الذي حلف فيه على قوله فيمن نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم نهارا، أنه يقضيه، وبالله التوفيق.

مسألة: الأسير يكون في أرض الحرب فلا يعرف الشهور، فيتحرى فيصوم رمضان

[مسألة: الأسير يكون في أرض الحرب فلا يعرف الشهور، فيتحرى فيصوم رمضان] ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس مسألة قال: وسألته: عن الأسير يكون في أرض الحرب فلا يعرف الشهور، فيتحرى فيصوم رمضان ثم يخرج إلى أرض المسلمين - وقد صام على التحري سنين، قال: يعيد كل رمضان صامه، إذ لم يدر قبل رمضان صام أو بعده. قال محمد بن رشد: إذا صام على التحري ثم خرج فلا يخلو أمره من أحد أربعة أحوال: إما أن يعلم أنه صامه قبله، وإما أن يعلم أنه صامه بعده، وإما أن يعلم أنه أصابه بتحريه، وإما أن يبقى على شكه، فأما إن علم أنه صامه قبله، فلا يجزئه باتفاق؛ وأما إن علم أنه صام بعده، فيجزئه باتفاق، وأما إن علم أنه أصابه بتحريه، فلا يجزئه على مذهب ابن القاسم، ويجزئه على مذهب أشهب، وسحنون. وأما إن بقي على شكه، فلا يجزئه على مذهب ابن القاسم، ويجزئه على مذهب ابن الماجشون، وسحنون، ولابن كنانة في المدنية: أنه يستحب أن يقضي، إذا علم أنه صام بعده. قال ابن الماجشون: ولو انكشف له أنه صام ثلاثة أعوام - شعبان، شعبان، فليعد الشهر الأول، ثم كل شعبان قضاء عن كل رمضان. يريد بقوله: فليعد الشهر الأول، أن يلغي الشعبان الأول، فلا يجزئه، وليس يعني أن يعيد رمضان الأول؛ لأنه عنه وقع شعبان الثاني، والشعبان الثالث قضاء عن الرمضان الثاني، ويبقى عليه الرمضان الثالث فيقضيه. وقال فضل: قول ابن الماجشون خطأ، وعليه قضاء الرماضين الثلاثة. وقول فضل صحيح لا يجزئه ما صامه عن رمضان بعينه عن رمضان غيره، كما لا يجزئه ما صلى عن يوم بعينه عن يوم غيره. وقد قال ابن

ينذر صيام الإثنين فيصبح يوم الإثنين وهو يظنه يوم الأحد

القاسم في المدونة فيمن صام رمضان قضاء عن غيره: إنه يجزئه، وعليه القضاء على إحدى الروايتين عنه فيها، فعلى هذه الرواية يأتي قول ابن الماجشون، وقول فضل على الرواية الأخرى، وعلى القول بأنه لا يجزئ عن واحد منهما، وهذا أصح القولين - والله أعلم. [ينذر صيام الإثنين فيصبح يوم الإثنين وهو يظنه يوم الأحد] ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب وقال في الذي ينذر صيام الإثنين فيصبح يوم الإثنين - وهو يظنه يوم الأحد، فيدعو بالطعام، فيخبر أنه يوم الإثنين؛ أنه يتم صيامه ولا شيء عليه إذا كان قد بيت صيامه قبل ذلك، إذا أمر به ونواه - وإن كان قبل ذلك بأيام؛ قال: وإن أصبح يوم الثلاثاء صائما - وهو يظنه يوم الإثنين الذي نذر فهو مجزئ عنه. قال محمد بن رشد: قال فيمن نذر صيام يوم بعينه من الجمعة: إن النية لصيامه تجزئه قبل ذلك بأيام، ومثله في رسم "جاع " بعد هذا، ولمالك في مختصر ابن عبد الحكم - وهو قول أشهب، فجعلوا النية مجزئة عن ذلك اليوم كلما تكرر، وقد روي عن ابن القاسم أن ذلك لا يجوز وهو الصواب الذي يأتي على مذهب مالك في المدونة؛ لأن ظاهر قوله فيها في المرأة تحيض في رمضان ثم تطهر، أن الصيام لا يجزئها إلا أن تجدد النية، ولا تجتزئ بالنية الأولى من أجل الفطر الذي يخلل الصيامين، وقال ابن القاسم فيها: إنها تجتزئ بالنية الأولى، ولم يختلف قول ابن القاسم في ذلك، كما اختلف في مسألة ناذر يوم بعينه يوم الجمعة؛ فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا بد من تجديد النية في المسألتين جميعا وهو مذهب مالك في المدونة، لكن النية الأولى إذا كانت

لا تجزئ في مسألة الحائض، والأيام التي أفطرتها لا يصح لها صومها؛ كان أحرى أن تجزئ النية الأولى في مسألة ناذر يوم في الجمعة، لصحة صوم الأيام التي أفطرتها في اليومين. والثاني: أن النية الأولى تجزئ في المسألتين جميعا، وهي رواية عيسى هذه، وقول مالك في المختصر، وقول أشهب؛ لأن النية الأولى إذا كانت تجزئ في مسألة ناذر يوم من الجمعة، كان أحرى أن تجزئ في مسألة الحائض، للعلة التي قدمنا ذكرها؛ والثالث: أنها تجزئ في مسألة الحائض؛ لأن أيام الحيض لما كانت لا يصح صومها، أشبهت الليل، فصار صومها كالمتصل، ولا تجزئ في مسألة ناذر يوم الجمعة، لتحلل الفطر بين الصيامين، وهو أحد قولي ابن القاسم. والصحيح من هذه الأقوال: أنه لا بد من تجديد النية في المسألتين، إذ لو أجزأت النية الأولى في الصيام الثاني ولم تراع ما بينهما من الفطر، لوجب ألا يحتاج في أول رمضان إلى نية، لتقدم النية في صيامه قبل دخوله، وهذا لا يقوله أحد غير ابن الماجشون، قد نحا إليه بقوله: إن أهل البلد إذا عمهم العلم برؤية الهلال، أو بالشهادة فيه عند القاضي، صح صيام من لم يعلم بذلك منهم متى أصبح، وأجزأه ما لم يأكل ولم يشرب، وكذلك لو تخلل صيام شهر رمضان فطر لمرض أو سفر، لم يحتج إلى تجديد النية عند صحته، أو قدومه من سفره، على قياس رواية عيسى هذه في ناذر يوم من الجمعة بعينه، وهو بعيد، والذي يوجبه النظر أنه لا بد من تجديد النية في ذلك، وأن إيقاعها قبل غروب الشمس من ليلة الصوم لا يصح، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل» . فيصح إيقاعها في جميع الليل إلى الفجر، وقد قيل: إن إيقاعها مع الفجر معا لا يصح، والأول أصح، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] . وإذ قد مضى تحصيل

مسألة: يحلف بالله أو بالطلاق أو غيره أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل ناسيا

القول في حكم النية في الصيام الذي يتخلله فطر - يريد بتخلله فطر نهاري. فالصيام الذي لا يتخلله فطر، ينقسم قسمين: أحدهما: ما يجب متابعته بنص أو نذر، والثاني: ما لا يجب متابعته، فأما ما تجب متابعته كشهر رمضان، وشهري الظهار والنذر المتتابع، وشبه ذلك، بنية واحدة عند أوله تجزئ في المشهور في المذهب، إذ لا يتخلل ذلك فطر في زمن يصح فيه صوم، فكان كاليوم الواحد. وقد حكى محمد بن عبد الحكيم عن مالك: وجوب التبييت في كل ليلة، وهو شذوذ. وأما ما كان من الصيام يجوز تفريقه كقضاء رمضان، وصيامه في السفر، وصيام كفارة اليمين، وفدية الأذى، فاختلف إذا نوى متابعة ذلك، هل تجزئه نية واحدة في أوله؟ أو يلزمه تجديد النية لكل يوم، لجواز الفطر على قولين، الأظهر منهما أن تجزئه نية واحدة في أوله، يكون حكمها باقيا، وإن زال عينها، ما لم يقطعها بنية الفطر عامدا. وأما ما لم ينو متابعته من ذلك، فلا اختلاف في أن عليه تجديد النية لكل يوم، وقد مضى التكلم على المسألة الثانية في أول سماع ابن القاسم، وسيأتي أيضا في رسم "جاع". [مسألة: يحلف بالله أو بالطلاق أو غيره أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل ناسيا] مسألة وقال في الذي يحلف بالله، أو بالطلاق، أو غيره، أن يصوم غدا، فيصبح صائما ثم يأكل ناسيا: إنه لا شيء عليه. قال محمد بن رشد: إنما قال إنه لا شيء عليه إذا أكل ناسيا، أي: لا حنث عليه؛ بخلاف ما لو أصبح مفطرا ناسيا ليمينه، مراعاة للخلاف في وجوب القضاء على من أفطر في التطوع - متعمدا، أو في رمضان ناسيا، لما جاء في ذلك، وقد مضى ذلك في رسم "اغتسل على غير نية" من سماع ابن القاسم، وقد تكررت هذه المسألة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الأيمان بالطلاق - ومضى من كلامنا عليها هناك ما فيه زيادة بيان.

مسألة: إفطار صاحب الخوى الشديد

[مسألة: إفطار صاحب الخوى الشديد] مسألة وقال في الأرعن يصيبه الضربان من الخوى: أهو مرض من الأمراض إن جاءه من ذلك ما يحتاج معه إلى الفطر في رمضان؟ فذلك له، وهو مرض من الأمراض. وأرخص مالك لصاحب الخوى الشديد أن يفطر، ويتداوى إذا ألجئ إلى ذلك. قال محمد بن رشد: قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فللمريض أن يفطر وإن كان قادرا على الصوم - إذا أجهده الصوم باتفاق، أو كان لا يجهده، إلا أنه يخشى أن يزيده في مرضه - على اختلاف، فصاحب الضربان يجهده الصيام، وصاحب الخوى يخشى أن يزيده في مرضه تأخير العلاج إلى الفطر، فلذلك قال فيه: إنه رخصة - والله تعالى أعلم. [مسألة: أصبح في الحضر صائما في رمضان ثم بدا له أن يسافر] مسألة قال ابن القاسم: ولو أن رجلا أصبح في الحضر صائما في رمضان، ثم بدا له أن يسافر، فتأول أنه له الفطر، فأكل قبل أن يخرج، ثم خرج فسافر، لم أر عليه إلا قضاء يوم؛ لأنه متأول. قال محمد بن رشد: هذه مسألة اختلف فيها على أربعة أقوال:

مسألة: احتجم في رمضان فتأول أن له الفطر فأكل

أحدها: أن عليه القضاء والكفارة، سافر أو لم يسافر. والثاني: أن عليه القضاء ولا كفارة عليه، سافر أو لم يسافر. والثالث: الفرق بين أن يسافر أو لا يسافر، والرابع: أنه إن أكل قبل أن يأخذ في أهبة السفر كفر، سافر أو لم يسافر، وإن أكل بعد أن أخذ في أهبة السفر، كفر إن لم يخرج. وأظهر الأقوال: ألا كفارة عليه بحال؛ لأن الكفارة إنما هي تكفير للذنوب، ومن تأول فلم يذنب، وإنما أخطأ، والله تعالى قد تجاوز لأمة نبيه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عن الخطأ والنسيان، وعما استكرهوا عليه. ووجه قول من أوجب عليه الكفارة في شيء من ذلك، هو أنه لا يعذره بالجهل إذ كان ذلك عنده من الأمور البينة التي لا يسع أحدا جهلها، فإذا لم يتعلم وكان يلزمه أن يتوقف حتى يسأل، فإذا لم يفعل فإقدامه عليها قبل أن يسأل، يوجب عليه الكفارة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] . ولابن القاسم في المجموعة: أن من أراد سفرا فحبسه مطر فأفطر، فإنه يكفر؛ لأنه من التأويل البعيد. [مسألة: احتجم في رمضان فتأول أن له الفطر فأكل] مسألة قال ابن القاسم: من احتجم في رمضان، فتأول أن له الفطر فأكل؛ فليس عليه إلا قضاء ذلك اليوم. قال محمد بن رشد: أوجب عليه ابن حبيب في الواضحة الكفارة، ورآه من التأويل البعيد، وهذا من معنى ما تقدم القول فيه - وبالله تعالى التوفيق. [جعل عليه صيام يوم الخميس والإثنين فأصبح يوم الخميس وهو يظنه الأربعاء] ومن كتاب جاع فباع امرأته قال: وقال مالك: من جعل عليه صيام يوم الخميس والإثنين،

مسألة: كان في أرض العدو فعمي عليه رمضان وكان عليه صيام شهر نذره

فأصبح يوم الخميس - وهو يظنه الأربعاء، فلم يأكل حتى علم، قال مالك: يصوم ولا شيء عليه، ويكفيه إيجابه على نفسه أولا في نيته؟ قال: ولو أصبح يوم الأربعاء صائما وهو يراه الخميس ثم علم بذلك، فإن عليه أن يتمم ذلك اليوم ويصوم الخميس؛ قيل لمالك: فلو جاوز يوم الخميس، فلما كان يوم الجمعة أصبح صائما وهو يراه يوم الخميس، قال: يجزئه من يوم الخميس. قال محمد بن رشد: هذه ثلاث مسائل قد مضى القول على المسألة الأولى منها في رسم "سلف" قبل هذا، وعلى المسألة الثانية في أول رسم من سماع ابن القاسم، وإيجاب ابن القاسم عليه في المسألة الثانية أن يتمم ذلك اليوم يدل على أنه إن أفطره وجب عليه القضاء خلاف قول أشهب في المدونة. [مسألة: كان في أرض العدو فعمي عليه رمضان وكان عليه صيام شهر نذره] مسألة وقال مالك: فيمن كان في أرض العدو فعمي عليه رمضان، وكان عليه صيام شهر نذره، فصام رمضان لنذره - وهو لا يراه رمضان، ثم تبين له؛ قال: لا يجزئه لرمضان ولا لنذره. قال محمد بن رشد: أما قوله لا يجزئه لرمضان فبين؛ لأنه لم ينو به رمضان، ولا تكون الأعمال إلا بالنيات. وأما قوله ولا لنذره، فيدخل ذلك الخلاف من مسألة الذي صام رمضان قضاء عن غيره، وسيأتي القول عليها في أول سماع يحيى، وبالله التوفيق. [مسألة: جعل على نفسه صيام الخميس فأصبح مفطرا وهو يراه الأربعاء] مسألة وسئل: عن الذي يجعل على نفسه صيام يوم الخميس فأصبح

يصوم رمضان فينوي به قضاء رمضان قد كان أفطره

يوم الخميس مفطرا - وهو يراه الأربعاء، فأكل وشرب، ثم تبين له أنه الخميس، أيكف عن الطعام في بقيه يومه؟ قال: نعم، يكف عن الطعام في بقية يومه، وعليه القضاء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على أصولهم في أن حكم صيام النذر المعين في الوجوب، كحكم صيام رمضان، إلا في وجوب الكفارة على من أفطر متعمدا، وبالله التوفيق. [يصوم رمضان فينوي به قضاء رمضان قد كان أفطره] من سماع يحيى بن يحيى من عبد الرحمن بن القاسم من كتاب الصلاة قال يحيى: قال ابن القاسم، في الرجل يصوم رمضان فينوي به قضاء رمضان قد كان أفطره في سفر، أو مرض، قال: لا يجزئ عليه لشهر رمضان عامه ذلك، ولا للذي نوى صيامه قضاء عنه. وعليه أن يبتدئ قضاء الشهر الذي أفسد صومه بما نوى، وقضاء الأول الذي كان أفطره في مرض أو في سفر؛ لأنه أفسد الآخر حين نواه قضاء لما كان عليه من الصوم، ولم يجز عنه في القضاء؛ لأن رمضان لا يكون قضاء عن غيره. قال محمد بن رشد: هذا هو قول مالك في رواية أشهب، وعلي بن زياد عنه، وقول أشهب وسحنون وابن حبيب، واختيار أحمد بن خالد وابن المواز: أنه لا يجزئه عن واحد منهما؛ لأن رمضان صومه مستحق لعينه، فلا يصح أن يقضى فيه غيره، ولأنه نوى به قضاء غيره، فلا يجزئه عن فرضه، وزاد ابن المواز أنه يكفر عن الأول بمد لكل يوم، ويكفر عن هذا بكفارة العمد عن كل

مسألة: صام يوما متطوعا ثم أفطر من غير عذر

يوم، إلا أن يعذر بجهل؛ وقال أشهب: إنه لا كفارة عليه؛ لأنه قد صامه ولم يفطره - وإن كان لا يجزئه صيامه، وأما كفارة المفرط في الأولى، فيجب عليه إن كان صحيحا مقيما ففرط حتى دخل عليه هذا الرمضان؛ ووقع لابن القاسم في المدونة أنه يجزئه، وعليه قضاء رمضان الآخر - بفتح الخاء - على أنه يجزئه عن هذا الرمضان، ولا يجزئه عن القضاء، وهو الذي يدل عليه لفظه واحتجاجه، إلا أنه بعيد في المعنى أن يجزئه عنه - وهو لم ينوه بصيامه، وروي الآخر بكسر الخاء على أنه يجزئه عن القضاء، ولا يجزئه عن هذا الرمضان؛ وهو أشبه في المعنى؛ لأنه نوى به القضاء، ولم ينو به هذا الرمضان، إلا أنه بعيد مما يدل عليه لفظه، والصحيح الذي يوجبه النظر ما تقدم: ألا يجزئه عن واحد منهما. ولقد روي عن ابن القاسم فيمن صام رمضان في سفر قضاء عن غيره، أنه لا يجزئه، فكيف بمن صامه عنه في حضر، ورأى غيره أنه يجزئه إن فعل - وإن كان ذلك يكره له - وهو القياس؛ لأن له فطره؛ ولو نواه عنهما جميعا، لوجب أن يجزئه عن هذا الرمضان، ولا يجزئه عن القضاء؛ لأنه صامه عما وجب عليه أن يصومه له، فلا يفسد نيته ما زاد فيها مما لا يجوز له من نية القضاء، وهو قول ابن حبيب في الواضحة؛ وقد روي عن أشهب: أنه لا يجزئه عن واحد منهما. وأما إذا خلط النيتين في الحج والنذر، فقال مالك: إنه يجزئه عن النذر. وقال المخزومي: إنه يجزئه عن الفرض. واختلافهما جار على الاختلاف في الحج: هل هو على الفور، أو على التراخي؟ ولم يقل أحد فيما علمت أنه لا يجزئ عن واحد منهما، وهذا يقضي بصحة قول ابن حبيب: إنه إذا صام رمضان ينوي به صيامه وقضاء غيره، أجزأه عن الفرض، ولم يجزه عن القضاء، خلاف قول أشهب. [مسألة: صام يوما متطوعا ثم أفطر من غير عذر] مسألة وقال: إذا صام الرجل يوما متطوعا ثم أفطر من غير عذر، كان عليه قضاؤه. ثم إن أفطر أيضا يوم القضاء من غير عذر، كان عليه

قضاء يومين، يقضي يوما لليوم الأول الذي كان ابتدأ صيامه، ويوما لليوم الثاني الذي كان يصومه للقضاء؛ قال: فأما الذي يفطر في رمضان من مرض، أو سفر، ثم يقضي صيامه، فيفطر يوما من أيام القضاء بعدما أصبح صائما للقضاء، فإنما عليه أن يقضي يوما مكانه؛ ثم إن أفطر في قضاء القضاء، كان عليه مكانه صيام يومين؛ قال: وأما الحج فمجمع على الذي يفسد حجة بإصابة النساء ثم يحج قابلا ويهدي مكان ما أفسد من حجه أنه إن أفسد الحجة الثانية بإصابة النساء، كان عليه أن يقضي حجتين مستقبلتين، ويهدي هديين لكل حجة أفسدها. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: أنه فرق بين قضاء التطوع وقضاء رمضان، وبين قضاء رمضان وقضاء قضائه؛ فأوجب في فطر قضاء التطوع يومين، وفي فطر قضاء رمضان يوما واحدا، وفي قضاء قضائه يومين فجعل قضاء قضاء رمضان كقضاء التطوع، بخلاف قضاء رمضان، ولا يصح أن يحمل الكلام على ظاهره في هذا، إذ لا فرق في المعنى، والقياس بين قضاء رمضان وقضاء التطوع، ولا بين قضاء قضاء رمضان، وقضاء قضاء التطوع. فمعنى قوله في الذي يفطر يوما من أيام قضاء رمضان، إنما عليه أن يقضي يوما مكانه، يريد لفطره يوم القضاء، مع أن عليه يوما آخر لرمضان سكت عنه للعلم بوجوبه عليه، فالمفطر على هذه الرواية متعمدا في قضاء رمضان، كالمفطر متعمدا في قضاء التطوع، يجب عليه يومان هاهنا، ويومان هاهنا؛ يوم لفطره في القضاء، واليوم الذي كان وجب عليه - لإفطاره في رمضان، أو لإفطاره متعمدا في التطوع، ثم إن أفطر بعد ذلك متعمدا في قضاء القضاء، كان عليه صيام ثلاثة أيام، اليوم الذي كان ترتب في ذمته بالفطر في رمضان، أو بالفطر

تأخير قضاء رمضان

متعمدا في صيام التطوع؛ ويوم لفطره في القضاء متعمدا، ويوم لفطره في قضاء القضاء متعمدا، وقد روى عن ابن القاسم: أنه ليس عليه في ذلك كله إلا يوم واحد، وهو اليوم الذي وجب عليه لفطره في رمضان، أو لفطره في صيام التطوع - معتمدا، ولا شيء عليه لفطره متعمدا في القضاء، ولا في قضاء القضاء - قاله في سماع عيسى من كتاب الحج، وإليه ذهب أصبغ، وضعف قول من أوجب القضاء في القضاء أو في قضاء القضاء، ورأى ذلك في الحج استحسانا، ورأى قول ابن القاسم وروايته عن مالك في ذلك وهما وخطأ، وقع ذلك في بعض روايات المستخرجة، ووجه القول الأول، أنه لما دخل في القضاء، أو في قضاء القضاء، لزمه إتمامه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] . فوجب عليه إن أفطره متعمدا قضاؤه؛ ووجه القول الثاني أنه لم يجب عليه إتمامه إلا على الوجه الذي دخل فيه من القضاء، فإن أفطره متعمدا، لم يجب عليه إلا القضاء الذي كان عليه؛ فعلى القول الأول لو دخل في القضاء ثم علم أنه ليس عليه شيء يجب عليه إتمام صيامه، وهو قول ابن القاسم في المدونة؛ وعلى القول الثاني لا يجب عليه إتمامه، وهو قول أشهب في المدونة أيضا. [تأخير قضاء رمضان] من سماع سحنون من عبد الرحمن بن القاسم قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سئل مالك: عن الذي يكون عليه صيام رمضان، وصيام تمتع، ويحضره رمضان آخر، قال: إن كان يقدر على أن يصوم صيام التمتع ورمضان قبل أن يدخل الآخر، بدأ بالتمتع، وإن لم يطمع بذلك، بدأ برمضان، ثم قضى التمتع. قال محمد بن رشد: هذه مسألة المدونة، وإنما قال إنه يبدأ بالتمتع إذا اتسع الوقت له وللقضاء؛ لأن الاختيار ألا يفارق بين الثلاثة الأيام والسبعة

مسألة: الحج يفسده صاحبه فيحج حجة أخرى قضاء منها فيفسدها أيضا

بصيام، لقوله عز وجل: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] ... الآية. وفي تأخير قضاء رمضان إلى الرمضان الذي بعده سعة، لقول عائشة: إن كان ليكون علي الصيام من رمضان، فما أستطيع أن أصومه حتى يأتي شعبان. وأما إذا ضاق الوقت عن أحدهما، فالبداية بقضاء رمضان أوجب؛ لأنه قد تعين في هذا الوقت، ألا ترى أنه إن أخره عنه، وجب عليه الإطعام. [مسألة: الحج يفسده صاحبه فيحج حجة أخرى قضاء منها فيفسدها أيضا] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: من كان عليه قضاء صيام يوم، فصامه فأكل فيه - متعمدا، كان عليه قضاؤهما. قال ابن القاسم: وكذلك الحج يفسده صاحبه، فيحج حجة أخرى قضاء منها فيفسدها أيضا - إن عليه حجتين: واحدة للأولى، وأخرى للأخرى، وهذا بين. قال ابن وهب: ليس عليه إلا حجة واحدة، وهديان: هدي لكل حجة أفسدها. قال محمد بن رشد: أوجب في هذه الرواية القضاء في القضاء، ولم يفرق بين أن يكون القضاء الذي أفطره - متعمدا من رمضان، أو من تطوع، إذ لا فرق بينهما على ما بيناه في سماع يحيى؛ وساوى بين الحج والصيام، وفرق بينهما على الرواية الثانية في سماع عيسى من كتاب الحج، إذ لم يختلف قوله في الحج، كما اختلف في الصيام؛ وقد قال في سماع يحيى: إن الحج مجتمع عليه - يريد من قول مالك وابن القاسم، إذ قد خالف فيه ابن وهب. ووجه الفرق بينهما: أن الله قد نص على وجوب إتمام الحج والعمرة بقوله عز وجل: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] . ولم ينص على وجوب إتمام الصيام، وإنما أوجب بالقياس - وبالله التوفيق.

مسألة: نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه أبوه أبدا

[مسألة: نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه أبوه أبدا] مسألة وسئل: عن الرجل يقول: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان، مثل أبيه أو أخيه، فيأتي أبوه أو أخوه فينسى اليوم الذي قدم فيه؟ قال: أرى أن يصوم آخر أيام الجمعة - وهو يوم الجمعة؛ لأن أول الجمعة السبت. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة: أنه نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه أبوه أبدا، فلهذا جعله أن يصوم آخر أيام الجمعة - يريد أبدا، ليكون في معنى القاضي، وقد قيل: إنه يصوم الدهر. وقيل: إنه يصوم أي يوم شاء من الجمعة أبدا؟ اختلف في ذلك قول سحنون، وصيام الدهر هو القياس؛ ليأتي على شكه، كمن شك في صلاة من يوم لا يدري أي صلاة هي - أن عليه أن يصلي خمس صلوات، فصيام آخر يوم من الجمعة رخصة، لما جاء من كراهة بعض العلماء صيام الدهر، لما جاء في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - من قوله: «لا صام ولا أفطر من صام الدهر» . يريد: ما أفطر إذ لم يأكل، ولا صام إذ لم يؤجر. وأما لو نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه خاصة، لم يجب عليه قضاؤه، إذ قد مضى اليوم الذي نذره، أو قد جاز له الفطر - إن كان قد قدم نهارا، على ما في المدونة. وقال أشهب: يقضيه، ويقضيه على مذهبه، ومذهب ابن القاسم - إن كان يقدم

مسألة: صام رمضان كله من أوله إلى آخره وهو جنب لم يغتسل فيه

ليلا - أي يوم شاء؛ ولا وجه لتأخيره إلى آخر أيام الجمعة، ولا اختلاف في هذا، فتدبره. [مسألة: صام رمضان كله من أوله إلى آخره وهو جنب لم يغتسل فيه] مسألة قيل لسحنون: أرأيت من صام رمضان كله من أوله إلى آخره، وهو جنب لم يغتسل فيه، هل يجزئه صيامه؟ قال لي: نعم يجزئه صيامه، وإن كان عامدا لم آمره أن يعيد - وقد أخطأ، وظلم نفسه - والله أعلم، وأما الصلاة فلا بد من الإعادة لها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، والأصل فيه ما ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصبح جنبا، ثم يصوم ذلك اليوم - وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: نذر أن يصوم الدهر كله فأفطر يوما] مسألة وسئل سحنون: عمن نذر أن يصوم الدهر كله، فأفطر يوما؛ قال سحنون: إن أفطره ناسيا، أو من عذر، فلا شيء عليه؛ وإن أفطره من غير عذر، فعليه الكفارة، قيل: وما الكفارة؟ قال: إطعام مد، أخبرنيه أبو زيد عن ابن القاسم. قال محمد بن رشد: لسحنون في كتاب ابنه: أن عليه إطعام ستين مسكينا، ووجه هذا: أنه لما أفطر متعمدا ما لا يجد له قضاء، أشبه الفطر في رمضان متعمدا في أنه لا يجد له قضاء؛ إذ قد جاء أنه لا يقضيه بصيام الدهر - وإن صامه. ووجه القول الأول: القياس على كفارة التفريط؛ لأنها كفارة وجبت للفطر - متعمدا في موضع لا يجوز فيه الفطر، وهذا أفطر متعمدا في موضع

الرجل يبيت الصيام في السفر ثم يفطر

لا يجوز فيه الفطر، واختلف فيمن نذر صيام الدهر، فلزمه صيام ظهار، أو كفارة يمين، قال ابن حبيب: يصوم ذلك ولا شيء عليه. وقال سحنون: يصوم ويطعم عن كل يوم مدا. ومثل قول ابن حبيب في سماع أصبغ من قوله وروايته عن ابن القاسم في رسم "الجامع في بعض الروايات " - وبالله التوفيق. [الرجل يبيت الصيام في السفر ثم يفطر] من سماع موسى من ابن القاسم قال موسى بن معاوية: قال ابن القاسم: سألت مالكا غير مرة عن الرجل يبيت الصيام في السفر، ثم يفطر بالطعام؛ وفي بعض سؤالي إياه أقول له: ويرى المسافر أن الفطر له واسع، فيفطر على ذلك؛ قال مالك: أرى عليه الكفارة. وكذلك أن لو وطئ، قال ابن القاسم: والوطء لا يكون أشد من الطعام في شيء من رمضان، وسمعت الليث يرى ذلك أيضا، ويقول: عليه الكفارة في المسافر يبيت الصيام ثم يفطر. قال محمد بن رشد: هذا يبين مذهب مالك في المدونة أن عليه القضاء والكفارة - وإن كان متأولا، وفي المدنية لمالك: أنه لا كفارة عليه - وإن كان متعمدا من غير عذر، مثل قول ابن كنانة والمخزومي في المدونة، وأشهب يرى عليه الكفارة، إلا أن يكون متأولا؛ وهذا هو أظهر الأقوال، لحديث النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أنه خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر فأفطر الناس» ... الحديث.

مسألة: التبييت في كل ليلة في صيام رمضان للمسافر

[مسألة: التبييت في كل ليلة في صيام رمضان للمسافر] مسألة قال: ولا يجزئه الصيام في السفر إلا أن يبيته في صيام رمضان. قال محمد بن رشد: معناه أنه لا يجزئه الصيام في السفر في رمضان، إلا أن يبيته في كل ليلة - ولو نوى أن يتابع الصيام في سفره؛ وأما إذا لم ينو متابعة الصيام، فلا اختلاف في أنه لا بد له من التبييت في كل ليلة، وفي المبسوطة لمالك: لا تبييت على من شأنه سرد الصيام، ومثله في الواضحة. وقال أبو بكر الأبهري، ومحمد بن الجهم: هذا استحسان. والقياس أن عليه التبييت في كل ليلة لجواز الفطر له، فما في المبسوطة لمالك، خلاف قول مالك في هذه الرواية، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم "تسلف" من سماع عيسى - وبالله التوفيق. [كانت في فيه نواة أو حصاة يعبث بها فنزلت في حلقه حال صيامه] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب الزكاة والصيام قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول، فيمن كانت في فيه نواة أو حصاة يعبث بها، فنزلت في حلقه: إنه لا قضاء عليه في صيام النافلة، وفي الذباب يدخل الحلق وينزل إلى الجوف ولا يستطيع رده، فلا قضاء عليه لا في النافلة ولا في الفريضة؛ وليس ذلك بمنزلة النواة يعبث بها يقضي في النواة في الفريضة، وعليه الكفارة مع القضاء، وليس هذا بتأويل أحد يسقط به الكفارة، وهذا تأويل خطأ، وقاله أصبغ؛ وذلك إذا عبث بها وتهاون حتى يبتلعها، فهو بمنزلة المتعمد، والمتعمد عليه في تعمده هذا - القضاء والكفارة؛ وذلك أن للنواة غذاء، وكذلك الطين في هذا؛ وأما الحصاة فإن كان في فريضة

- وكان ساهيا - فلا شيء عليه؛ لأن الحصاة ليس يصير لها غذاء، لا تذبل في الجوف كذبول النواة، وهي بمنزلة الدينار والدرهم يبتلعهما ساهيا، فلا شيء عليه؛ وإن تعمد شيئا من ذلك، كان عليه القضاء في الفريضة للتهاون، وعظم حرمة الفريضة وحقها - احتياطا عليه؛ وكذلك اللوزة الصحيحة، والجوزة، والفستقة بقشرها، تجري مجرى الحصاة والدينار، والدرهم. قال محمد بن رشد: قوله في النواة يعبث بها فتنزل في حلقه، أنه لا قضاء عليه في صيام النافلة - معارض لقوله: إن عبث بها فنزلت في حلقه في الفريضة كانت عليه الكفارة مع القضاء، وإن كان ساهيا فعليه القضاء، فكان يجب على قوله في الفريضة، أن يجب عليه القضاء في النافلة، وعلى قوله في النافلة ألا يجب عليه في الفريضة - الكفارة في العمد، ولا القضاء في السهو، وهذا كله خلاف أصل ابن الماجشون في الواضحة، إذ لم يفرق في شيء من هذا بين ما له غذاء مما ليس له غذاء، وقال: لم يؤخذ هذا من جهة الغذاء، وإنما أخذ من أن حلق الصائم مما لا تجاوزه شيء، فإن كان ناسيا في شيء من ذلك كله، كان عليه القضاء، وإن كان عامدا، كان عليه القضاء والكفارة؛ وقال: على هذا الأصل في الذباب يبذر في الحلق، أن عليه القضاء. ثم خالف أصله هذا، فقال: فيما بقي بين أسنانه من بقية طعامه كحبة التينة، وفلقة الجريدة، فابتلعه في نهاره - ناسيا، أو متعمدا، فلا شيء عليه؛ لأنه ابتدأ أخذ ذلك في وقت يجوز له، وكذلك قال في النخامة: إنه لا شيء عليه في ابتلاعه إياها - ساهيا كان، أو متعمدا - بعد فصولها، أو قبل فصولها، وقال: إن كل ما وجب فيه في الفريضة القضاء والكفارة، وجب فيه في النافلة القضاء، وما لم يجب في الفريضة إلا القضاء، فلا يجب فيه في النافلة قضاء، ولم يلزم ابن القاسم هذا الأصل، فقال في النواة يعبث بها فتنزل في حلقه: إنه لا قضاء عليه في النافلة، وعليه في الفريضة القضاء والكفارة، وقال: إن من استقاء - طائعا، فعليه القضاء في الفريضة والنافلة، ووافق ابن القاسم فيما روى عنه أصبغ في بعض روايات

مسألة: أتعب الصائم الحر أو العطش في رمضان

العتبية في النخامة أنه لا شيء عليه في ابتلاعه إياها عامدا. وقال ابن نافع: عليه القضاء وهو يفطره. [مسألة: أتعب الصائم الحر أو العطش في رمضان] مسألة قال أصبغ: قال ابن القاسم: وإن أتعب الصائم الحر، أو العطش في رمضان، فأرجو أن يكون في سعة من الفطر، إذا كان قد بلغ ذلك منه، ولم يقو؛ وقاله أصبغ في سفر كان، أو في حضر - إذا بلغ منه المجهود والخوف على نفسه الموت أو المرض. قال محمد بن رشد: أما إذا خاف على نفسه الموت مما بلغه، فلا اختلاف في جواز الفطر له، واختلف إذا خاف المرض، فقيل له أن يفطر، وقيل: ليس له أن يفطر لما يخاف من المرض، ولعله لا ينزل به؛ واختلف إذا أفطر، فقال سحنون: يأكل بقية يومه؛ لأنه قد جاز له الفطر، ورواه داود بن سعيد عن مالك، وقال ابن حبيب: لا يفطر إلا بقدر ما يرد به رمقه، ويمسك؛ فإن أفطر بعد ذلك فلا شيء عليه؛ لأنه قد دخل في حد المريض - وبالله التوفيق. [مسألة: يصيبه الضربان من الخوى هل يفطر رمضان] مسألة قال ابن القاسم في الذي يصيبه الضربان من الخوى، فهو مرض من الأمراض إذا جاءه من ذلك ما يحتاج معه إلى الفطر في رمضان، فذلك له؛ لأنه مرض من الأمراض. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم "سلف" من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة القول فيها، وبالله التوفيق.

النصرانية تحت المسلم أيفطرها في صومها الذي تصومه مع أهل دينه

[النصرانية تحت المسلم أيفطرها في صومها الذي تصومه مع أهل دينه] ومن كتاب الجامع قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل عن النصرانية تحت المسلم: أيفطرها في صومها الذي تصومه مع أهل دينها؟ قال: لا أرى أن يكرهها على ما عليه أهل دينها وملتها، يعني شرائعها، ولا على أكل ما يجتنبون في صيامهم، أو ما يجتنبون أكله رأسا، ليس ذلك له في القضاء؛ قال أصبغ: ولا عليه منعها إياه كرها، ولا له، وقد قال الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] ، وقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] حتى بلغ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] . قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، أنه ليس له أن يمنعها مما تتشرع به، واختلف: هل له أن يمنعها من شرب الخمر، وأكل الخنزير، والذهاب إلى كنيستها، فقال في المدونة: ليس له أن يمنعها من ذلك، وقال في كتاب ابن المواز: له أن يمنعها من أكل الخنزير، وشرب الخمر؛ لأن ذلك ليس من دينها، وله أن يمنعها من الكنيسة إلا في الفرط. [المعتكفة تحيض فتخرج إلى منزلها حتى تطهر] من سماع أبي زيد من ابن القاسم قال أبو زيد بن أبي الغمر: أخبرني ابن القاسم، قال في المعتكفة تحيض فتخرج إلى منزلها حتى تطهر؛ قال: تخرج في حيضتها إلى السوق، وفي حوائجها، وتصنع ما أرادت إلا لذة الرجال: القبلة، أو الجسة، لا تجتنب شيئا إلا اللذة. قال محمد بن رشد: أنكر سحنون هذه، وقال: هي في حرمة الاعتكاف، إلا أنها تمتنع من المسجد، فلا تصنع إلا ما يصنعه المعتكف، وقد مضى هذا في أول سماع ابن القاسم، وما يتعلق به، وبالله التوفيق.

مسألة: استقاء في نافلة وهو صائم

[مسألة: استقاء في نافلة وهو صائم] مسألة وقال في رجل استقاء في نافلة - وهو صائم، قال: أحب إلي أن يقضي ذلك؛ لأن الحديث جاء: «من استقاء فعليه القضاء» ، وهو عندي في الفريضة والنافلة سواء. قال محمد بن رشد: هذا خلاف أصل ابن الماجشون الذي ذكرناه في سماع أصبغ، وقد حكى ابن لبابة عن ابن القاسم من رواية محمد بن خالد - مثل أصل ابن الماجشون، فقف على ذلك. [مسألة: جعل في نفسه إن كشف الله عني صيام شوال فلم يصح إلا في النصف من شوال] مسألة وسئل: عن رجل جعل في نفسه إن كشف الله عني - صيام شوال، فلم يصح إلا في النصف من شوال؟ قال: يصوم النصف الذي صح فيه من شوال، وليس عليه أن يتمه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما مضى قد جاز له فطره، وهو مثل ما في المدونة. [مسألة: تسحر في رمضان في الفجر فظن أن ذلك اليوم لا يجزئ عنه صيامه فأكل متأولا] مسألة وسئل: عن رجل تسحر في رمضان في الفجر، فظن أن ذلك اليوم لا يجزئ عنه صيامه، فأكل متأولا؛ قال: يقضي يوما مكانه، ولا كفارة عليه؛ قال: وكذلك من قدم من سفر قبل الفجر، فظن أن ذلك اليوم لا يجزئ عنه صيامه فأكل فيه؛ فرأيت في

مسألة: الذي يرى هلال شوال وحده

معنى قوله كأنه لا يرى على من تأول شيئا - وهو فيه مخطئ إلا القضاء فقط، ولا يرى عليه كفارة. قال محمد بن رشد: هذا كله بين مثل ما في المدونة، فلا معنى للقول فيه. [مسألة: الذي يرى هلال شوال وحده] مسألة وقال في الذي يرى هلال شوال وحده، هل يجوز له أن يفطر؟ أو يرى هلال رمضان وحده، هل يصوم ذلك اليوم؟ قال: أما إذا رأى هلال رمضان وحده، فإنه يصوم، ولا ينبغي له إلا ذلك، وأما إذا رأى هلال شوال، فإنه لا يجوز له أن يفطر إلا باجتماع من الناس، إلا أن يكون وحده في سفر، وفي غير جماعة من الناس، مثل المسافر يكون في مفازة، فإنه يصوم برؤية الهلال، ويفطر برؤيته؛ إلا أن يغمى عليه هلال شوال، فيعد ثلاثين يوما من يوم رأى هلال رمضان، ثم يفطر. قال محمد بن رشد: أما إذا رأى هلال رمضان وحده، فلا خلاف في أنه يجب عليه أن يصوم، فإن أفطر عالما بوجوب الصيام عليه غير متأول، فعليه القضاء والكفارة، وكذلك إن رأى هلال ذي الحجة وحده يجب عليه أن يقف وحده دون الناس، ويجزئه ذلك من حجه - قاله بعض المتأخرين، وهو صحيح. وأما إذا رأى هلال شوال وحده دون الناس - وهو في جماعة، فقال: إنه لا يجوز له أن يفطر إلا باجتماع من الناس، والفطر له فيما بينه وبين الله جائز، بل هو الواجب عليه، لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن

المعتكف أيؤم الناس

صيام ذلك اليوم، لكنه حظره عليه لما فيه من تعريض نفسه للتهمة، وعقوبة السلطان، ومثل هذا في المدونة والموطأ وغيرهما من الدواوين، وأبينه قول أصبغ في سماعه من كتاب طلاق السنة، واستحب ابن حبيب أن ينوي الفطر ولا يظهر إفطاره، والصحيح أن هذا هو الواجب عليه أن يفعله - وإن كان ذلك مخالفا للروايات؛ لأن الصوم من أفعال القلوب، فلا يجوز له أن يعتقد الصوم - وهو يعلم أنه عليه حرام. [المعتكف أيؤم الناس] ومن مسائل نوازل سئل عنها مطرف وسئل مطرف: عن المعتكف أيؤم الناس؟ قال: لا بأس بذلك، وقد رأيت الحسن بن زيد اعتكف عندنا في المسجد، وكان يؤمنا، وهو إذ ذاك أمير المدينة، فلم أر أحدا أنكر ذلك عليه، وما أرى به بأسا، وقد اعتكف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يسمع أنه أمر أحدا يؤمهم، ومحمل أمره عندنا على أنه هو الذي كان يؤمهم - وهو على اعتكافه - كما هو. قال محمد بن رشد: قوله صحيح؛ لأن الإمامة للمعتكف بالناس في مسجد معتكفه، ليس فيها شغل عن اعتكافه، واستدلاله على أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الذي كان يؤم الناس في اعتكافه - على حاله - التي كان عليها، فإنه لو استخلف على الصلاة غيره، لنقل ذلك وعلم، استدلال واضح؛ لأن هذا مما يعلم توفر الدواعي على نقله، فلو كان، لنقل. [مسألة: المعتكف يقبل امرأته] مسألة وسئل مطرف: عن المعتكف يقبل امرأته، والمتظاهر، ما الذي

ترى فيهما؟ قال: أرى أن قد أفسدا ما هما فيه، فأما المتظاهر فأرى أن يبتدئ صيامه، وأما المعتكف فأرى أن يبتدئ اعتكافه، قلت له: في القبلة فقط، فقال: نعم في القبلة، وكذلك لو جساهما بأيديهما، كان ذلك مما يفسد عليهما ما هما فيه، قلت له: فالحاج أو الصائم إذا قبلا؟ فقال: أما الصائم فلا شيء عليه، إلا أن يمذي، وأما الحاج فحجه تام مجزئ عنه، إلا أن عليه الهدي لمكان ما قبل. قال محمد بن رشد: أما المعتكف فلا اختلاف أحفظه في المذهب في أن القبلة والمباشرة تبطل اعتكافه. وأما المتظاهر فلأصبغ في نوازله من كتاب الظهار: أنه إن قبل في شهري صيامه استغفر الله تعالى، وتمادى على صيامه. وهذا أحد قولي سحنون، قال: لأن المعتكف ممنوع من كل امرأة، والمتظاهر ليس بممنوع إلا من امرأته التي ظاهر منها، ومن أهل العلم في غير المذهب من يبيح للمتظاهر من امرأته التي ظاهر منها، ما دون الجماع قبل الكفارة، كما أن منهم أيضا من لا يبطل الاعتكاف بما دونه. ويحمل قَوْله تَعَالَى في الآيتين جميعا: آية الظهار، وآية الاعتكاف - على الجماع، لا على ما دونه. وأما الصائم فلا يبطل صيامه ما دون الجماع، إلا أن ينعظ أو يمذي على اختلاف، أو ينزل باتفاق، وقد مضى تحصيل ذلك في رسم "طلق" من سماع ابن القاسم، وأما الحاج فلا يبطل حجه بما دون الجماع، إلا أن ينزل، غير أن عليه في ذلك كله الهدي - وبالله التوفيق. تم كتاب الصيام والاعتكاف بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه

كتاب زكاة الذهب والورق

[كتاب زكاة الذهب والورق] [كانت له عشرة دنانير فحال عليها الحول ثم اشترى بها بعد ذلك مائتي درهم]

من سماع أبي القاسم من مالك من كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل مالك: عن رجل كانت له عشرة دنانير فحال عليها الحول ثم اشترى بها بعد ذلك مائتي درهم، أترى أن يزكيها؟ قال: نعم، أرى أن يزكيها. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما في المدونة، وعلى المشهور في المذهب أن الأرباع مزكاة على أصول الأموال، فهذه المائتا درهم على هذا، كأنها لم تزل في يديه من يوم ملك الأصل الذي اشتراها به وهو العشرة دنانير، وقد قيل: إن الأرباح فوائد، وقيل: إنه إن اشترى بأكثر مما بيده لم يزك من الربح على الأصل إلا ما ينوبه، وقيل: إنما يزكى منه على الأصل ما ينوبه إذا كان قد نقد، فإن لم ينقد كان الربح فائدة، فيتحصل في ذلك أربعة أقوال: أحدها: أن الربح مزكى على الأصل - وإن اشترى بأكثر مما بيده. وإن لم ينقد، وهو نص قول مالك في رسم "استأذن" من سماع عيسى. والقول الثاني: أن الربح فائدة - وإن اشترى بما في يده ونقده، وهذا القول يقوم مما رواه أشهب، وابن عبد الحكم - عن مالك في رجل له عشرون دينارا حال عليها الحول، ولم يزكها فاشترى بها سلعة، ثم باعها بعد الحول بأشهر بثلاثين دينارا؛ أنه يزكي العشرين ويكون حولها في يوم كان حال عليها الحول، ولا زكاة عليه في الربح حتى يحول عليه الحول من يوم ربحه، فجعل الربح فائدة - وإن كان قد نقد العشرين التي كان الربح فيها؛ فعلى هذا القول لا يلزم الرجل الذي كانت له عشرة دنانير، فحال عليها الحول، ثم اشترى بها بعد ذلك مائتي درهم - أن يزكي المائتي درهم حتى يحول عليها - حول آخر من يوم ربحها، وصارت بيده. والقول الثالث: أنه إن اشترى بأكثر مما بيده، لم يزك من الربح إلا ما ينوب

ما بيده منه، وهو قول مالك في رواية زياد عنه، مثال ذلك: أن يكون له عشرة دنانير فيحول عليها الحول، فيشتري بعد حلوله سلعة بعشرين دينارا فينقد العشرة أو لا ينقدها، ثم يبيعها بثلاثمائة درهم، أنه يزكي مائتي درهم - مائة للأصل، ومائة من الربح؛ وهو ما ناب الأصل الذي كان عنده منه؛ ويستقبل بالمائة الثانية من الربح - وهو ما ناب العشرة التي زادها في الثمن على ما كان بيده حولا من يوم صارت بيده. والقول الرابع: أنه لا يزكي من الربح ما ناب الزائد على الأصل، ولا ما ناب الأصل منه أيضا، إلا أن ينقده، فإن لم ينقد لم يزكه حتى يستقبل حولا، وهو قول مالك في رسم "الزكاة" من سماع أشهب. قال: ويكون حوله من يوم ربحه وصار له، واختار محمد هاهنا أن يكون حول الربح من يوم اشترى وأدان؛ وحكي أن مالكا رجع إلى هذا: أن يحسب حول الربح من يوم أدان الأصل؛ ووجه القول بأن الأرباح فوائد يستقبل بها الحول، قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول» ، فعم ولم يخص ربحا من غيره، ووجه القول بأنها مزكاة على الأصول قياسا على غذاء الغنم؛ لأنهما نماءان من المال، مما يشق حفظ أحوالهما لمجيئهما شيئا بعد شيء، فوجب أن يستوي حكمهما في تزكيتهما على الأصل، وأما التفرقة بين أن ينقد أو لا ينقد، وبين أن يشتري بما بيده أو بأكثر منه؛ فإنما هو استحسان، إذ لا يخرج شيء من ذلك عن القولين المتقدمين - والله أعلم.

وجبت عليه في رجب زكاة عشرين فلم يزكها وعمل بها

[وجبت عليه في رجب زكاة عشرين فلم يزكها وعمل بها] ومن كتاب أوله يسلف في المتاع والحيوان وقال: في الرجل يكون عنده عشرون دينارا ويحول عليها الحول وهي عشرون فلا يزكيها ويشتري بها متاعا، فيبيعه بعد شهر أو نحوه بثلاثين دينارا، كم يزكي: العشرين، أم الثلاثين؟ قال: بل أرى أن يزكي العشرين ولا شيء عليه في الربح، وذلك أن العشرين لو تلفت لزمه زكاة عشرين؛ قال ابن القاسم: ويستقبل بالعشرة، والعشرين، حولا من يوم وجبت الزكاة في العشرين، وتفسير ذلك: أن لو وجبت عليه في رجب زكاة عشرين، فلم يزكها وعمل بها، ثم أدى عنها في المحرم - وهي ثلاثون، زكاها كلها في رجب. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على الأصول، لقوله فيها: إنه يستقبل بالعشرة والعشرين حولا من يوم وجبت الزكاة في العشرين، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في المسألة التي قبلها، وإنما قال: إنه يزكي العشرين حين البيع؛ لأن زكاتها قد تقررت في ذمته، ووجبت عليه دينا بحلول الحول، وهو في عمله في المال بعد الحول على حول مستأنف، وقول ابن القاسم: ويستقبل بالعشرة والعشرين حولا من يوم وجبت الزكاة في العشرين وهم، وإنما يستقبل الحول بما بقي من الثلاثين بعد إخراج زكاة العشرين منها، وسواء على مذهبه كان له عرض يفي بما أخرج من زكاة العشرين، أو لم يكن، خلافا لقول أشهب في المدونة، وقد روى ابن وهب عن مالك أنه يزكي الثلاثين كلها حين باع المتاع، قيل له: فإن باع بأقل من عشرين، فسكت - وهو وهم؛ لأنه يأتي على أن حوله قد انتقل إلى حين باع المتاع بالثلاثين، ويلزمه على هذا إن باع بأقل من عشرين، أن تسقط عنه الزكاة؛ ألا ترى أنه سكت لما لزمه ما لزمه من الحجة، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.

تقسيم سهم المؤلفة

[تقسيم سهم المؤلفة] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا وسئل مالك: عن سهم المؤلفة، أترى أن يقسم على سهمان الصدقة؟ قال محمد بن رشد: يريد بالاجتهاد لا بالسواء، وإن رأى أن يجعله في صنف واحد، كان ذلك له، إذ الزكاة على مذهبه إنما توضع في الأصناف المذكورين في الآية - بالاجتهاد، ويتبع في ذلك الحاجة في كل عام، ولا يقسم بينهم أثمان على السواء؛ هذا مذهبه الذي لم يختلف فيه قوله، ولا خالفه فيه أحد من أصحابه، وقيل: يجعل نصف ذلك السهم لعمار المساجد، ونصفه على سائر الأصناف السبعة. والمؤلفة قلوبهم قوم من صناديد مضر، كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعطيهم من الزكاة يتألفهم على الإسلام - ليسلم بإسلامهم من وراءهم، منهم: أبو سفيان بن حرب، واختلف في الوقت الذي بدئ فيه بائتلافهم، فقيل: قبل أن يسلموا لكي يسلموا، وقيل: بعدما أسلموا كي يحبب إليهم الإيمان، فكانوا على ذلك إلى صدر من خلافة أبي بكر، وقيل: إلى صدر من خلافة عمر، ثم قال لأبي سفيان: قد أعز الله الإسلام، وأغنى عنك وعن ضربائك، إنما أنت رجل من المسلمين. وقطع ذلك عنهم؛ واختلف هل يعود ذلك السهم إن احتيج إليه، أم لا يعود؛ فرأى مالك أنه لا يعود، وهو مذهب أهل الكوفة، وقد قيل: إنه يعود إن احتيج إليه، ورأى ذلك الإمام، وهو قول ابن شهاب، وعمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب الشافعي.

السنة الثابتة عن النبي عليه السلام في الصدقة

[السنة الثابتة عن النبي عليه السلام في الصدقة] ومن كتاب الرطب باليابس قال ابن القاسم: سمعت مالكا يذكر أن عاملا لعمر بن عبد العزيز كتب إليه: إن الناس قد أسرعوا في أداء الزكاة ورغبوا في ذلك لموضع عدلك. وأنه قد اجتمعت عندي زكاة كثيرة، فكأن عمر كره ذلك من كتابه لمدحه، فكتب إليه: ما وجدوني وإياك على ما رجوا وظنوا، فاقسمها. قال ابن القاسم: وقال عمر: وأي رأي لي فيها حين كتب. قال محمد بن رشد: في هذا فضل عمر بن عبد العزيز، وقوله: وأي رأي لي فيها - يريد: أنه لا رأي لأحد في ذلك مع السنة الثابتة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الصدقة: أن تؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء. [يشتري الحلي فيريد أن يحبسه حتى يصدقه امرأته فيحول عليه الحول وهو عنده] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء وسئل مالك: عن رجل يشتري الحلي فيريد أن يحبسه حتى يصدقه امرأته، فيحول عليه الحول، وهو عنده؟ - أترى أن يزكيه؟ فقال: نعم. قال محمد بن رشد: لأشهب في كتاب ابن المواز والواضحة، ولأصبغ في الواضحة، أنه لا زكاة عليه، وقول مالك أظهر؛ لأن الحلي من الذهب والفضة تجب في عينه الزكاة بظاهر ما في القرآن، والسنن، والآثار، فلا تسقط منه الزكاة إلا بحبسه للانتفاع بلبسه في الحال، قياسا على الثياب التي تلبس، والعروض التي تقتنى؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس

مسألة: له أربعون درهما أو رأس، أو رأسان أيعطى من الصدقة

على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة» . وإسقاط أشهب وأصبغ عنه الزكاة بما نواه فيه ضعيف، إذ قد يبدو له، وقد قال مالك في الذي يقدم مكة ليسكنها إنه ليس كأهل مكة؛ لأنه إنما قدم ليسكنها ولعله أن يبدو له. [مسألة: له أربعون درهما أو رأس، أو رأسان أيعطى من الصدقة] مسألة وسئل: عن رجل له أربعون درهما، أو رأس، أو رأسان، أيعطى من الصدقة؟ فقال مالك: إذا كان كثير العيال، فأراه أهلا أن يعطاها في حاله وكثرة عياله. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، وإنما وقع السؤال عن الأربعين درهما لما في حديث الأسدي من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سأل منكم وله أوقية أو عدلها، فقد سأل إلحافا» . وقد روي عن سهل بن الحنظلية أنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من سأل الناس عن ظهر غنى، فإنما يستكثر من جمر جهنم" فقلت: يا رسول الله، وما ظهر غنى؟ قال: "أن يعلم أن عند أهله ما يغديهم أو ما يعشيهم» . وروي عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله، عليه

السلام: «لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه، إلا جاءت شيئا أو كدوحا أو خدوشا في وجهه يوم القيامة". قيل: يا رسول الله وما غناه؟ قال: "خمسون درهما، أو حسابها من الذهب» . وروي عن رجل من قرينة أنه أتى النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يسأله، فسمعه يقول: «من سأل الناس وله خمس أواقي سأل إلحافا» . فأولى هذه المقادير التي رويت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الصدقة تحرم بوجودها - بالاستعمال، ما في حديث المزني بدليل أمر رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - معاذ بن جبل إذ بعثه على الصدقة - أن يأخذها من أغنيائهم فيضعها في فقرائهم، فالفقير من توضع فيه، والغني من تؤخذ منه، وهو من ملك المقدار الذي في حديث المزني، ويحتمل أن يكون - كأن الله عز وجل أولا قد حرم على لسان رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصدقة على من عنده قوت يومه، ثم نسخ ذلك تخفيفا عن عباده، فحرمها على من عنده أوقية من فضة، ثم نسخ ذلك تخفيفا عنهم، فحرمها على من يملك خمسين درهما، ثم نسخ ذلك تخفيفا عنهم، فحرمها على من يملك خمس أواقي، فكان حمل هذه الأحاديث على هذا، أولى من حملها على التعارض؛ فمن ملك من الذهب أو الفضة ما تجب فيه الزكاة؛ أو عدل ذلك سوى ما يحتاج إلى سكناه أو استخدامه، لم تحل له الزكاة - وإن كثر عياله، ومن تملك أقل من ذلك، لم تحرم عليه الصدقة - وإن لم يكن له عيال، إلا أن غيره ممن هو أحوج منه أحق وأولى؛ وقد قال المغيرة: إنه لا يعطى الفقير من الصدقة ما تجب فيه الصدقة، ولا يعطى من له الخادم والمسكن من الزكاة - إذا كان في ذلك

أخرج زكاة ماله فسرق منه المال وبقيت الزكاة

فضل يبلغ ما تجب فيه الزكاة، وقوله ظاهر بين المعنى على ما ذكرناه. [أخرج زكاة ماله فسرق منه المال وبقيت الزكاة] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية قال: وسئل مالك: عن رجل أخرج زكاة ماله فسرق منه المال، وبقيت الزكاة، قال: أرى أن يخرجها ولا يحبسها. قال محمد بن رشد: يريد: وإن سرق منه المال بالقرب في الموضع الذي لو تلف قبل أن يخرج منه الزكاة، لم يلزمه ضمان الزكاة، والوجه في ذلك: أنه رأى إخراج الزكاة عند محلها قسمة صحيحة بينه وبين المساكين؛ فوجب أن يكون ضمان المال منه دونهم، كما يكون ضمان الزكاة المخرجة منهم دونه، إلا أن يمسكها بعد إخراجها فيلزمه ضمانها بالتعدي منه في حبسها، وأما لو سرق منه المال على بعد من إخراجه الزكاة، لم يشكل أن عليه إخراج الزكاة. [ابتاع سيفا فيه حلية تجب في مثلها الزكاة فيحول عليها عنده الحول] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من الكتاب الذي فيه الحج والوصايا والزكاة رواية سحنون بن سعيد عنهما وسألته: عمن ابتاع سيفا فيه حلية تجب في مثلها الزكاة، فيحول عليها عنده الحول؛ قال: ليس فيه زكاة - وإن أقام عنده سنة. قلت له: إنه يشتريه للتجارة، قال: ليس عليه فيه زكاة؛ قلت له: ربما

مسألة: زكاة الذهب إذا كان مقطوعا

كان في السيف الفضة الكثيرة، فيكون النصل فيها تبعا لما فيه من الحلية حتى يشترى بالدنانير - وهو جل ذلك، ومن أجله اشتري؛ فقال: لا أرى فيه زكاة حتى يباع، ثم فيه زكاة واحدة، وهو - عندي - مثل الرأس يشتريه الرجل لتجارة. قال محمد بن رشد: معناه أنه غير مدير، ولو كان مديرا لقومه في كل عام وزكاه على مذهبه؛ وهذا على أصله في رواية أشهب عنه أن الحلي المربوطة بالحجارة كالعرض سواء، يقومه المدير، ويزكيه غير المدير - إذا باعه كان الذهب تبعا للحجارة أو غير تبع، وأما على رواية ابن القاسم عنه فيزكي ما فيه من الفضة تحريا في كل عام، ويقوم النصل وإن كان غير مدير، زكي في كل عام ما فيه من الفضة تحريا، ولا زكاة عليه في النصل حتى يبيع؛ فإذا باع فض الثمن على قيمة النصل، وقيمة الحلى - مصوغا، فزكي ما ناب النصل من ذلك؛ وقد تئول على مذهبه أنه لا يفض الثمن ويزكي ما زاد على ما زكي - تحريا، وسواء كان الحلي تبعا للنصل، أو غير تبع، وقد روى ابن القاسم عنه إن كان الحلي تبعا للنصل - كرواية أشهب. [مسألة: زكاة الذهب إذا كان مقطوعا] مسألة وسئل: عن رجل يكون له خمسة عشر دينارا، ونقرة فيها خمسة دنانير، فيشح على أن يعطي نصف دينار، ويأبى إلا أن يعطي ربع العشر من الخمسة عشر، وربع العشر من النقرة التي فيها خمسة دنانير، قال: ذلك له. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إذ لا يلزم أن يخرج عن النقرة مسكوكا؛ لأن ذلك أكثر مما عليه، فإن شاء قطع من النقرة ربع عشرها، وإن شاء أخرج من غيرها مثلها، مثل وزن ربع عشرها، وأما الذهب فإن كان مقطوعا

مسألة: تجارة الحلي ونقار الذهب والفضة

مجموعا، أخرج منه، وإن كانت مثاقيل قائمة، لم يكن له أن يقطع منها ما وجب عليه من زكاتها، وأخرج صرف ذلك دراهم، وهذا كله بين. [مسألة: تجارة الحلي ونقار الذهب والفضة] مسألة فقلت له: أرأيت الذي تجارته الحلي ونقار الذهب، والفضة، قال: يؤدي زكاة ذلك كل عام ربع عشره، فيخرج ذلك منه - إن شاء، أو من غيره؛ وذلك لأن فيما مضى لم تكن دنانير، إنما كانت الذهب والفضة، وكانت فيها الزكاة، ثم ضربت بعد ذلك، فكان مثل ذلك، سواء كان ذلك مصروفا أو لم يكن ففيه الزكاة كل عام مثل العين. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إن له أن يخرج الزكاة ذلك منه - إن شاء أو من غيره، إذ لا كراهية في قطع النقرة والحلي، بخلاف الدنانير القائمة، وبالله التوفيق. [مسألة: يزكي الذهب في كل عام تحريا وتقوم الحجارة إن كان مديرا] مسألة قيل له: أرأيت إن كان ذلك مربوطا بالحجارة؟ قال: ليس فيه زكاة حتى يبيعه ثم يزكيه مثل البز، إذا باعه زكاه. قلت له: أرأيت إذا كان الذهب جل حلي ذلك، أو أكثره؛ فقال: لا أبالي لا يزكي ذلك حتى يبيعه، وقاله أشهب.

مسألة: يؤدي زكاة ماله قبل حلولها قبل أن يحول على ماله الحول

قال محمد بن رشد: معناه أنه غير مدير، ولو كان مديرا لقومه في كل عام - على ما هو عليه - كالعرض في هذه الرواية - رواية أشهب، خلاف رواية ابن القاسم عنه: أنه يزكي الذهب في كل عام - تحريا، وتقوم الحجارة إن كان مديرا، وإن لم يكن مديرا لم يكن عليه في الحجارة شيء حتى يبيع وإن بعد أعوام، فيزكي ما زاد الثمن على ما زكي - تحريا، أو نقص على ما تقدم، وسواء كان الحلي تبعا للحجارة، أو غير تبع، لم يختلف قول مالك في رواية ابن القاسم عنه، كما اختلف في السيف والمصحف إذا كانت الحلية تبعا للنصل، أو للمصحف - على ما مضى فوق هذا. [مسألة: يؤدي زكاة ماله قبل حلولها قبل أن يحول على ماله الحول] [مانع الزكاة هل تؤخذ منه قهرا] مسألة وسئل: عن رجل يؤدي زكاة ماله قبل حلولها قبل أن يحول على ماله الحول، أترى عليه إعادة الزكاة؟ قال: نعم، أرى ذلك عليه، أرأيت الذي يصلي الظهر قبل زوال الشمس، أو الصبح قبل إطلاع الفجر، أليس يعيد؟ فهذا مثله. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية، أنها لا تجزيه إذا أخرجها قبل محلها - وإن كان ذلك قريبا؛ وعلى هذا حمل ابن نافع قول مالك، فقال: معناه أنها لا تجزئه إلا بعد محلها، فإن أداها قبل محلها لم تجزه، قال ابن نافع: وهو رأيي: أنها لا تجزئه قبل محلها بيوم واحد، ولا ساعة، وهو ضامن لها حتى يخرجها بعد محلها، وقد قيل: إنها تجزيه إن كان قريبا. واختلف في حد القرب على أربعة أقوال: أحدها: أنه اليوم واليومان ونحو ذلك، وهو قول ابن المواز. والثاني: أنه العشر الأيام ونحوها، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. والثالث: أنه الشهر ونحوه، وهو رواية عيسى عن ابن القاسم. والرابع: أنه

يبتاع الجارية للبيع فتعجبه فيبدو له فيحبسها للوطء ثم يبدو له بعد مدة فيبيعها

الشهران ونحوهما، وقع ذلك في المبسوطة، والأظهر أنها تجزيه إذا أخرجها قبل المحل بيسير؛ لأن الحول توسعة، فليس كالصلاة التي وقتها محدود لا يجوز أن تعجل قبله، ولا تؤخر بعده، ولو كانت الزكاة كالصلاة في هذا، لوجب أن يعرف الساعة التي أفاد فيها المال ليخرج الزكاة عندها، وفي هذا تضييق، وقد ساق سحنون رواية أشهب هذه في المدونة على هذا، فقال: إن الذي أداها قبل أن يتقارب، إنما ذلك بمنزلة الذي يصلي الظهر قبل الزوال. ومن الكتاب الذي فيه قراض ومساقاة وكراء الأرض، وشفعة، وعقول، وزكاة، وذكر المفقود قال مالك: وزعموا أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن رجلا منع زكاة ماله، فكتب إليه عمر أن دعوه فتركوه فندم الرجل، فأداها فقبلها منه عمر. قال محمد بن رشد: معنى هذا، أنه منع زكاته لسوء رأيه في عمر، لا شحا بها؛ فلما لم يتهمه عمر في إمساكها عن أهلها، كتب أن يترك فترك؛ فندم الرجل في اعتقاده في عمر، ورأى أن دفعها إليه واجب لعدالته، فأداها فقبلها منه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولو اتهمه في إمساكها بخلا بها، لما تركها عنده، ولأمر أن تؤخذ منه شاء أو أبى، وقد قيل: إنه كتب أن لا تؤخذ منه زكاة مع المسلمين - توبيخا له حتى يستبرأ أمره، فإن سمح بها وأداها، وإلا أخذت منه كرها؛ وإلى هذا التأويل ذهب ابن حبيب، والأول أظهر وأشبهه بعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [يبتاع الجارية للبيع فتعجبه فيبدو له فيحبسها للوطء ثم يبدو له بعد مدة فيبيعها] ومن كتاب الزكاة وسئل مالك: عن رجل يبتاع الجارية فيريد البيع فتعجبه فيبدو

مسألة: يبتاع الجارية يختدمها فتقيم عنده سنين تخدمه ثم يبيعها أيزكي ثمنها

له أن يحبسها يطؤها فتقيم عنده ثلاث سنين، ثم يبدو له فيبيعها، أيزكي ثمنها حين يبيعها؟ قال: نعم، يزكي ثمنها حين بيعها؛ قيل له: إنه حين أمسكها، أمسكها لا يريد بيعها؛ فقال: أرى أن يزكي ثمنها - إذا باعها. قال محمد بن رشد: اتفق ابن القاسم وأشهب في الذي يرث السلعة، أو يشتريها للقنية، أنها لا ترجع إلى التجارة لنيته، واختلفا إذا اشتراها للتجارة ثم نوى بها القنية، فقال أشهب: أنها لا ترجع بنيته إلى القنية؛ ورواه عن مالك، وقال ابن القاسم: إنها ترجع بنيته إلى القنية، ورواه أيضا عن مالك؛ لأن الأصل القنية، فترجع السلعة إلى الأصل بالنية، ولا ترجع عن الأصل بالنية، وذهب أشهب إلى أنهما أصلان، فلا ترجع السلعة من أحدهما إلى الآخر بالنية؛ ورواه عن مالك بقوله في الذي يبتاع الجارية للبيع فتعجبه فيبدو له فيحبسها للوطء، ثم يبدو له بعد مدة فيبيعها؛ أنه يزكي ثمنها حتى يبيعها هو على أصله الذي رواه أشهب عنه في أن ما كان من العروض للتجارة، لا يرجع إلى القنية بالنية، وعلى قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن ما كان أصله للتجارة يرجع إلى القنية بالنية، يستقبل بثمن الجارية حولا من يوم قبضه - وبالله التوفيق. [مسألة: يبتاع الجارية يختدمها فتقيم عنده سنين تخدمه ثم يبيعها أيزكي ثمنها] مسألة قال: وسئل: عن الذي يبتاع الجارية يختدمها فتقيم عنده سنين تخدمه، ثم يبيعها، أيزكي ثمنها؟ فقال: نعم، ثم أطرق شيئا ثم التفت إلى السائل، فقال: إن الذي سألت عنه يختلف من الناس من يشتري الولائد يخدمنه، ثم يبيع، فهذا الذي أرى عليه

الزكاة إذا باع؛ فأما الذي يشتري الخادم للخدمة ليس يرصد فيها بيعا ولا يهم به ولا يريده؛ فلا أرى عليه زكاة حتى يحول على الثمن الحول. قال محمد بن رشد: ما فسر مالك في آخر المسألة يقضي على أن جوابه في أولها إنما هو في الذي يشتري الجارية لتخدمه، وفي نفسه إن وجد ثمنا باعها، وأما الذي يشتري الجارية لتخدمه لا يريد بيعها ولا يهم به، فلا اختلاف في أنه لا زكاة عليه في ثمنها - إن باعها حتى يحول عليه الحول، وقوله هذا جار على أصله في رواية أشهب عنه أن ما اشتري للتجارة لا يرجع بالنية إلى القنية، كما لا يرجع ما ورث أو اشتري للقنية إلى التجارة بالنية؛ وذلك أنه لما كانت القنية والتجارة عنده أصلين لا يرجع أحدهما إلى صاحبه - بالنية، فاشترى الجارية للوجهين جميعا، غلب التجارة احتياطا للزكاة كالبينتين إذا أوجبت إحداهما حكما، ونفته الأخرى، أنه يؤخذ بالموجبة للحكم دون النافية له؛ وكما قال مالك فيمن له أهل بمكة، وأهل ببعض الآفاق، إنه متمتع يجب عليه الهدي؛ وهي رواية ابن غانم عن مالك، واختيار سحنون، وعلى مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، إذا اشترى للوجهين جميعا، يغلب القنية؛ فلا تجب عليه الزكاة - إذا باع حتى يستقبل بالثمن حولا على أصله في أن ما اشتراه للتجارة، يرجع إلى القنية بالنية؛ لأنها هي الأصل؛ وقد روى ذلك ابن وهب أيضا عن مالك، واختلف قول مالك في رواية ابن القاسم عنه فيما اشترى للغلة بالكراء من المساكين، أو العبيد، أو الثياب، لا لسكنى ولا استخدام، ولا لباس، فمرة قال: عليه الزكاة - إذا باع، ومرة قال: لا زكاة عليه حتى يستقبل بالثمن حولا، ولسحنون في نوازله مثل ذلك في مسألة السفينة - وبالله التوفيق.

مسألة: يقطع من ماله قطعة قبل أن يحول عليها الحول

[مسألة: يقطع من ماله قطعة قبل أن يحول عليها الحول] مسألة وسئل: عن الذي يقطع من ماله قطعة قبل أن يحول عليها الحول، فيبعث بها إلى مصر يبتاع بها طعاما يريد أكله، لا يريد بيعا؛ فيحول عليه الحول قبل أن يشتري بها، قال: أرى فيه الزكاة؛ فقيل: إنه قد بعث بها وخرجت من يده بيعا، فقال: ما أرى الزكاة إلا عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العين في عينه الزكاة وليس مما يقتنى للانتفاع بعينه، فلا تأثير لما نواه من صرفه إلى قوته في إسقاط الزكاة منه، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي مضى في رسم "تأخير صلاة العشاء" من سماع ابن القاسم في الذي يشتري الحلي فيريد أن يحبسه حتى يصدقه امرأة يتزوجها؛ لأن الحلي يصلح اقتناؤه للانتفاع بعينه، بخلاف العين. وقال ابن نافع في المجموعة: وإن جاءه الطعام وهو كثير لا ينفقه في مثل خمس سنين وشبه ذلك، فإنه إذا باع الحول ما يجاوز قوت مثله، زكى ثمنه، وقوله صحيح؛ ووجهه أنه إذا كان الطعام كثيرا، فقد علم أنه لم يشتره كله لقوته، وإنما أراد أن يتقوت ببعضه ويبيع بعضه؛ فإذا باع بعد الحول ما تجاوز قوت مثله أي من الأعوام، إذ من الناس من يتقوت لعام واحد، ومنهم من يتقوت لعامين، ومنهم من يتقوت للأعوام، وذلك على قدر اليسار والجدة، وما يتمكن من شراء الطعام، ويخاف من غلائه؛ وإنما ذكر الخمس سنين؛ لأنه يبعد عنده أن يتقوت أحد إلى خمس سنين، ولعل الطعام في ذلك البلد يسرع إليه الفساد قبل خمس سنين، فيعلم أنه لم يشتر جملته للقوت - والله أعلم.

مسألة: يكون له المال فيزكيه فيشتري به سلعة بنقد فيبيعها قبل أن ينقد فيها فربح

[مسألة: يكون له المال فيزكيه فيشتري به سلعة بنقد فيبيعها قبل أن ينقد فيها فربح] مسألة وسئل: عن الرجل كانت عنده مائة دينار، ستة أشهر، ثم اشترى بها برا فلم ينقدها حتى أربحه إنسان في البر ثلاثين دينارا، فباعه إياه وأخذ الثلاثين فجعلها مع المائة، فأقام بذلك ستة أشهر أخرى، فتمت السنة على المائة دينار؛ أيزكي الثلاثين مع المائة دينار التي قد حال عليها الحول؟ قال: لا، ولكن يزكي المائة إذا كان قد حال حولها، ولا يزكي الثلاثين حتى يحول عليها الحول من يوم ربحها وصارت له، وقد قال مالك من رواية ابن القاسم عن مالك من كتاب أوله شك في طوافه. قال ابن القاسم: سئل مالك: عن الرجل يكون له المال فيزكيه فيشتري به سلعة بنقد، فيبيعها قبل أن ينقد فيها فربح، أترى أن يزكي ذلك الربح مع ماله إذا حال عليه الحول؟ قال: نعم، وكذلك التجار الذين يشترون ويبيعون ولا ينقدون ثمنا؛ هؤلاء الذين يحضرون السوق، فهؤلاء إذا حال عليهم الحول، زكوا ما بأيديهم؛ قال مالك: وجل الناس ليس لهم نقد. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، وتحصيل ما فيها من الاختلاف في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [يقدم زكاة ماله قبل محلها] من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وقال ابن القاسم: في الذي يقدم زكاة ماله قبل محلها، قال: لا يعجبني، إلا أن يكون الشيء القريب، وأرى الشهر

دفن الرجل بضاعة له فضل عنه موضعها فلم يجدها سنين ثم وجدها زكاتها

قريبا على زحف وكره، ولم أره يرى عليه إعادتها في إخراجه إياها قبل محلها بشهر. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة، وما فيها من الاختلاف في أول رسم من سماع أشهب، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [دفن الرجل بضاعة له فضل عنه موضعها فلم يجدها سنين ثم وجدها زكاتها] ومن كتاب أوله استأذن سيده قال: وقال مالك: إذا دفن الرجل بضاعة له، فضل عنه موضعها، فلم يجدها سنين، ثم وجدها، فإنه يزكيها لكل سنة مضت، وقال سحنون مثله. وإذا وجد لقطة له سقطت منه، فوجدها بعد سنين، فليس عليه إلا زكاة واحدة؛ قال سحنون: اللقطة بمنزلة المال المدفون - إذا كان الملتقط حبسها ولم يحركها، زكاها ربها لكل سنة غابت عنه اللقطة؛ لأنه لم يكن ضمارا، وإنما الضمار المال المحبوس عن صاحبه الذي يكون على الذي حبسه ضمانه، ألا ترى أن اللقطة لو تلفت في يد الذي التقطها، لم يكن عليه ضمانها، وإنما الضمار المال الذي يغتصبه صاحبه، فيكون في يد الغاصب في ضمانه حين غصبه، فعلى الغاصب فيه الزكاة، ولا يكون على سيده فيه الزكاة للسنين كلها، إلا سنة واحدة؛ وإن كان الملتقط تسلفها لنفسه حتى يصير في ضمانه، فحكمها حكم الدين - زكاة واحدة لما مضى من السنين؛ قال: قلت لأشهب: فهل يقبل قول الملتقط أو المستودع إن كان تسلفها ويضمنها، أم لا؟ فقال: نعم، يسأل عن ذلك، فما قال قبل قوله، وكان ذلك في أمانته؛ فإن قال كنت تسلفتها، لم يجب على صاحبها إلا زكاة واحدة، وإن قال حبستها

وكانت عندي موقوفة، كانت على حال ما أعلمتك، يزكيها لكل سنة مضت. قال محمد بن رشد: فرق مالك في هذه الرواية بين المال المدفون يضل عن صاحبه موضعه، فيجده بعد سنين؛ وبين اللقطة ترجع إلى ربها بعد سنين، فأوجب الزكاة في المال المدفون لجميع السنين، ولم يوجبها في اللقطة إلا لعام واحد؛ ورد سحنون مسألة اللقطة إلى مسألة المال المدفون، فأوجب الزكاة فيها لما مضى من السنين، ورد مالك في رواية علي بن زياد عنه في المجموعة - المال المدفون إلى اللقطة، فلم يوجب الزكاة فيهما جميعا إلا لعام واحد، وهو أصح الأقوال في النظر؛ لأن الزكاة إنما وجبت في المال العين - وإن لم يحركه صاحبه ولا طلب النماء فيه، لقدرته على ذلك، وهو هاهنا غير قادر على تحريكه وتنميته في المسألتين جميعا، فوجب أن تسقط عنه الزكاة فيهما، ولقد روى ابن نافع عن مالك على طرد هذه العلة - أن الوديعة لا زكاة على صاحبها فيها حتى يقبضها فيزكيها لعام واحد، إذ لا قدرة له على تنميتها إلا بعد قبضها - وهو إغراق، إلا أن يكون معنى ذلك أن المودع غائب عنه، فيكون لذلك وجه؛ فهذه الرواية تدل على أن عدم القدرة على تنمية المال، علة صحيحة في إسقاط الزكاة عنه. ووجه قول مالك في تفرقته بين المال المدفون واللقطة، أنه هو عرض المال بدفنه إياه لخفاء موضعه عليه، بخلاف اللقطة؛ قال ذلك ابن حبيب، وليس بفرق بين؛ لأنه مغلوب بالنسيان على الجهل بموضع المال المدفون، كما هو مغلوب على الجهل بموضع اللقطة، ووجه مساواة سحنون بينهما في وجوب الزكاة فيهما، هو ما اعتل به من استوائهما في الضمان منه فيهما، وعدم القدرة على التنمية هي العلة الصحيحة التي تشهد لها الأصول، وقال ابن المواز: إن دفنها في بيته فلم يجدها ثم وجدها حيث دفنها، فعليه زكاتها لما مضى من الأعوام؛ وإن دفنها في صحراء، فغاب عنه موضعها، فليس عليه فيها إلا زكاة واحدة - إذا وجدها، وهو قول له وجه،

مسألة: قال هذه مائة دينار اتجر فيها ولك ربحها وليس عليك فيها ضمان زكاتها

لأنه إذا دفنها في بيته، فهو قادر عليها باجتهاده في الكشف عنها؛ وقال ابن حبيب: في اللقطة إذا وجدها بعد أن كان يئس منها، استقبل بها حولا على أصله في المال المغصوب - إذا رد عليه، أنه يستقبل بها حولا كالفائدة، وقول سحنون: إن الملتقط إذا حبس اللقطة - ولم يحركها، زكاها ربها لما مضى من الأعوام، ولم يكن عليه هو فيها زكاة، معناه على مذهبه؛ ورواية ابن القاسم، وابن وهب عن مالك - إذا حبسها ليردها على صاحبها، أو ليتصدق بها عنه، لا ليأكلها؛ فإن حبسها ليأكلها، فليزكها لحول من يوم نوى ذلك فيها؛ ولابن القاسم في المجموعة: أنه لا زكاة عليه فيها إذا حبسها لنفسه ليأكلها بعد أن عرفها سنة - للحديث. ما لم يحركها، فإن حركها، فمن يومئذ تدخل في ضمانه. قال محمد بن رشد: فإذا دخلت في ضمانه لحبسه إياها لنفسه، أو بتحريكها - على الاختلاف المذكور، سقطت عن ربها فيها الزكاة - قولا واحدا. [مسألة: قال هذه مائة دينار اتجر فيها ولك ربحها وليس عليك فيها ضمان زكاتها] مسألة قال: وإذا قال رجل لرجل: هذه مائة دينار اتجر فيها - ولك ربحها، وليس عليك فيها ضمان، فليس على الذي في يديه ولا على الذي هي له زكاتها حتى يقبضها؛ فيزكيها زكاة واحدة لسنة، إلا أن يكون صاحبها ممن يدير، فيزكيها مع ماله إذا علم أنها على حالها. قال سحنون: أراها كالسلف وعليه ضمانها، بمنزلة الرجل يحبس المال على الرجل فينقص منه، إنه ضامن. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في هذه المسألة أنه لا ضمان عليه،

مسألة: عليه مائة دينار سلفا وليس له منها وفاء فأقامت بيده ستة أشهر

لأن رب المال قد صرح بإسقاط الضمان عنه، وإنما قال سحنون: إنه ضامن بمنزلة الرجل يحبس المال على الرجل - إذا قال له اعمل به قراضا - ولك الربح كله، خلاف ظاهر قول ابن القاسم في كتاب القراض من المدونة. فوهم العتبي في سياقه قول سحنون على هذه المسألة، وقول ابن القاسم: إنه لا زكاة فيها على الذي هو في يده صحيح؛ لأنها ليست له، ولا هي في ضمانه؛ فسواء كان له بها وفاء، أو لم يكن، بخلاف السلف. قال ابن حبيب: فإن ربح فيها عشرين دينارا، استقبل بها حولا، وهو صحيح أيضا؛ لأنها فائدة، إذ لا أصل له يزكيها عليه، فلا اختلاف في أنه يستقبل بها حولا. وأما قوله: إنه لا زكاة على صاحبه فيها، فوجهه: أنه لما أوجب ربحها لغيره لم يقدر أن يحركها لنفسه، فأشبه ذلك اللقطة التي سقطت عنه زكاتها، لعدم قدرته على تحريكها، وطلب النماء فيها؛ ويأتي على قول سحنون في مسألة اللقطة أن زكاتها عليه؛ لأن ضمانها منه؛ ومثله في المختصر لابن شعبان؛ قال: ومن دفع إلى رجل مالا يأكل ربحه، فالزكاة على ربه. [مسألة: عليه مائة دينار سلفا وليس له منها وفاء فأقامت بيده ستة أشهر] مسألة وسئل: عن الرجل عليه مائة دينار - سلفا وليس له منها وفاء. فأقامت بيده ستة أشهر لا وفاء له منها، ثم أتته فائدة مائة دينار عند الستة أشهر، هل يزكي المائة التي كانت عنده سلفا - إذا تمت السنة من حين كانت عنده سلفا، أم يستقبل بها سنة من حين كان له بها وفاء، قال: بل يستقبل بها سنة من حين كان له منها وفاء، ولا يحسب في حولها بشيء مما مضى مما لم يكن له منها وفاء. قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك في المدونة؛ لأنه قال فيها: إن

مسألة: يكون عنده المال سلفا وعنده منه وفاء فيتصدق له عليه قبل الحول أو بعده

الذهب السلف إذا وهبت للذي هي عليه بعد حلول الحول، وليس له بها وفاء استقبل بها حولا، إذ لا فرق بين أن يوهب له الذهب بعد أن حال عليه عنده الحول، أو يستفيد بعد حلول الحول فائدة يكون فيها وفاء بها؛ وقد روي عن ابن القاسم أن الزكاة تجب عليه فيها إذا حال عليها الحول، وإن لم يتم للفائدة عنه حول، وعلى هذا يأتي جوابه في مسألة رسم "العرية"، وحكاه ابن المواز عن أشهب، وأصحاب ابن القاسم: أصبغ، وغيره، وقال به، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة: أن عليه الزكاة في الذهب إذا وهبت له بعد الحول - وإن لم يكن له وفاء بها، والقول الأول هو الصواب: أنه لا زكاة في المائة السلف حتى يتم للوفاء بها عنده حولا كاملا؛ لأن ما مضى من المدة قبل أن يستفيد الفائدة التي يجعلها وفاء بما عليه من السلف، لم يكن فيها مال لاستغراق الدين ما بيده من المال؛ فإذا زكاه قبل أن يحول على الفائدة الحول، فقد زكاه قبل أن يحول عليه الحول؛ لأنه لم يكن له مال إلا من يوم ملك الفائدة. [مسألة: يكون عنده المال سلفا وعنده منه وفاء فيتصدق له عليه قبل الحول أو بعده] مسألة وسألته: عن الرجل يكون عنده المال سلفا، وعنده منه وفاء، فيتصدق له عليه قبل الحول أو بعده، قال: يزكيه حين يحول عليه الحول؛ لأنه مال من ماله، ولأنه لو لم يتصدق به عليه زكاه. قال محمد بن رشد: هذا صحيح بين، وهو في المدونة لسحنون - بيانا لقول مالك، إذ لا اختلاف في ذلك. [مسألة: له عشرون دينارا يزكيها كل حول فحال حولها ولم يبق عنده منها إلا عشرة] مسألة وسئل: عن رجل كانت له عشرون دينارا يزكيها كل حول، فحال عليها حول ولم يبق عنده منها إلا عشرة دنانير، فلما كان

له مائتا دينار وحولهما مختلف وعليه مائة دينار دينا

بعد الحول بأشهر، أسلف عشرين دينارا، فضم العشرين دينارا إلى العشرة، فاتجر فيها حتى صار له من الفضل ما تجب فيه الزكاة - إذا ضمه إلى العشرة؛ فقال: إذا كان قد حال على العشرة الحول، حتى ما صار له من الفضل في الثلاثين: العشرين السلف، والعشرة ما تجب فيه الزكاة إذا ضم إلى العشرة، أخرج العشرين السلف، ثم زكى العشرة وجميع الفضل: فضل العشرين السلف، وفضل العشرة؛ وذلك أني سمعت مالكا - وسئل عن رجل كانت له ثمانون دينارا، فاشترى سلعة بمائتي دينار ونقد فيها الثمانين دينار، أو لم ينقدها حتى مر حول الثمانين؛ فقال: إذا حال حول الثمانين، ضم فضل المائتي إلى الثمانين، فزكاها لا يبالي حال الحول على السلعة من يوم اشتراها، ولم يحل إذا حال عليها حول الثمانين؛ ومثله لو أن رجلا كانت له عشرة دنانير قد حال عليها الحول، فاشترى سلعة بمائة دينار بدين، ونقد فيها العشرة، فإنه يزكيها متى ما صار في فضلها ما يجب فيه الزكاة. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة وتحصيل ما فيها من الاختلاف مجودا في أول مسألة من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادة شيء من ذلك. وقوله في آخر المسألة: فإنه يزكيها متى ما صار في فضلها ما تجب فيه الزكاة - يريد: متى ما صار في فضلها ما تجب فيه الزكاة مع العشرة التي كانت له، وبالله التوفيق. [له مائتا دينار وحولهما مختلف وعليه مائة دينار دينا] ومن كتاب العرية وسئل: عن الرجل يكون له مائتا دينار - وحولهما مختلف، وعليه مائة دينار دينا، فيحول حول إحدى مائتيه قبل حلول حول الأخرى،

أيجعل دينه في هذه التي حال حولها، وينتظر بالأخرى؛ فإذا حال حولها زكاها، أم يزكي هذه التي حال حولها أولا ويجعل دينه في التي لم يحل حولها؛ (قال: يزكي هذه التي حال حولها أولا، ويجعل دينه في التي لم يحل حولها) ؛ وذلك أني سمعت مالكا يقول في رجل كانت له مائة دينار ناضّة في يديه، ومائة دينار دينا، وعليه مائة دينار، فحال الحول على التي في يديه، فقال: يزكيها ويجعل دينه في المائة الدين، فمسألتك أبين من هذا - إذا كانت على مالئ. قال محمد بن رشد: قوله إنه يزكي هذه التي حال حولها ويجعل دينه في التي لم يحل حولها، خلاف ما مضى في الرسم الذي قبل هذا أيضا في الذي عليه مائة دينار سلفا، فأقام ستة أشهر لا وفاء له بها، ثم أفاد مائة فأقام ستة أشهر، أنه لا يزكي المائة التي بيده قد حال عليها الحول، حتى يحول على الفائدة الحول، إذ لم يقل فيها إنه يجعل الدين الذي عليه من السلف في هذه الفائدة التي لم يحل عليها الحول، ويزكي المائة التي بيده وقد حال عليها الحول، كما قال في هذه، وهو مثل قول أشهب وأصبغ، واختيار ابن المواز، ومثل قول غير ابن القاسم في المدونة، ويلزم على قياس هذا القول إذا حل حول المائة الثانية التي جعل دينه فيها، أن يزكيها ويجعل دينه في الأولى التي كان زكاها؛ لأن الثانية تصير كالأولى بحلول الحول عليها، والأولى تصير كالثانية، إذ لم يحل حولها بعد؛ من أجل أن حولها من يوم كان زكاها، فكما زكى أولا الأولى بحلول حولها، وجعل الدين في الثانية التي لم يحل حولها، فكذلك يزكي أيضا الثانية بحلول حولها، ويجعله دينه في الأولى التي لم يحل حولها بعد، من أجل أن حولها من يوم زكاها؛ ثم إذا حل حول الأولى زكاها أيضا، وجعل دينه في الثانية، ثم إذا حل حول الثانية زكاها وجعل دينه في الأولى؛ فلا يزال على هذا

القول يزكي كل مائة منها متى ما حال حولها، ويجعل دينه في الأخرى التي لم يحل حولها؛ إلا أن تكون الزكاة قد نقصتها ولم ينجبر النقصان بربح ربحه فيها، فيجعل من دينه فيها بقدر ما بقي منها، ويجعل بقية دينه في التي حال حولها، ويزكي بقيتها؛ بيان هذا، أنه إذا جعل دينه في الثانية التي لم يحل حولها، وزكى الأولى التي حال حولها، رجعت إلى سبعة وتسعين ونصف، فإذا حال حول المائة الثانية، جعل من دينه سبعة وتسعين ونصفا في السبعة وتسعين ونصف التي بقيت من الأولى، وجعل بقية دينه - وذلك ديناران ونصف في هذه الثانية التي حال حولها، وزكى بقيتها - وذلك سبعة وتسعون ونصف؛ هكذا أبدا كلما حل حول المائة الواحدة، جعل من دينه في الثانية عدد ما بقي منها، وجعل بقية الدين في التي حال حولها، وزكى بقيتها، هكذا أبدا، وسواء كان مديرا أو لم يكن؛ لأن المدير يزكي كل مال لحوله - كما يزكيه غير المدير، ولا يصح له من أجل الإدارة إذا كان له مالان مختلفان في أحوالهما، أن يزكيهما جميعا على حول أحدهما بتأخير الذي حل حوله، أو بتعجيل الذي لم يحل حوله. وقد حكى ابن لبابة عن العتبي أنه قال: وهذا إذا لم يكن مديرا، وأما إن كان مديرا فلا زكاة عليه في المائة الثانية التي جعل فيها دينه إذا حل حولها؛ وذكر أنه سأل عنها ابن المزين، فقال: له عليه فيه الزكاة، وقال له: وسواء كان مديرا أو غير مدير، فقال له: وما دخول المدير هاهنا وغير المدير يا بليد؛ فأعلم العتبي بقوله، فقال له: أخطأ. قال ابن لبابة: وهو كما قال العتبي - قول ابن مزين فيها باطل. قال محمد بن رشد: والصحيح ما قال ابن مزين: أنه قال: لا يفترق في هذا المدير من غير المدير، للعلة التي ذكرناها من أنهما يستويان في تزكية كل مال على حوله، وإنما يفترق المدير من غير المدير في مسألة سماع أبي زيد، وسيأتي الكلام عليها في موضعها - إن شاء الله تعالى؛ وهذا القول إذن يؤدي إلى ألا يسقط الدين زكاة العين؛ لأنه إذا زكى كل مائة منها لحولها كلما حل،

زكاة المستفاد أثناء الحول

وجعل الدين في التي لم يحل حولها أبدا، فلم يكن للدين تأثير في إسقاط الزكاة؛ فالقول الآخر - وهو قول ابن القاسم في الرسم الذي قبل هذا أصح أن يجعل دينه في المائة التي حال حولها، فلا يزكيها حتى يحول حول المائة الثانية، فيصير حولهما واحدا ومالا واحدا يجعل الدين فيه ويزكي ما بقي منه؛ وأما مسألة مالك التي احتج بها ابن القاسم في الذي بيده مائة قد حال عليها الحول وعليه مائة، وله دين مائة؛ أنه يجعل الدين الذي عليه في الدين الذي له، ويزكي المائة التي بيده؛ فلا حجة له فيها، إذ قد يحتمل أن يكون تكلم مالك على أن الدين الذي له قد حال عليه الحول، فهو لو قبضه اليوم أو باعه بعرض، ثم باع العرض بعين، لوجبت فيه الزكاة، فوجب أن يجعل دينه فيه، ويزكي ما بيده؛ وأما إن كان الدين الذي له لم يحل عليه الحول، فهي ومسألة ابن القاسم سواء في المعنى، ويدخلها الخلاف، فعلى ما في هذا الرسم بجعل الدين الذي عليه في الدين الذي له، وإن كان لم يحل عليه الحول، ويزكي ما بيده؛ وعلى ما في الرسم الذي قبله: لا زكاة عليه فيما في يده حتى يحول على الدين الذي له الحول، فيجعل الدين الذي عليه فيه ويزكي ما بيده، والله الموفق. [زكاة المستفاد أثناء الحول] ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل: عمن كانت بيده عشرة دنانير عشرة أشهر، ثم أفاد عشرة أخرى، فاشترى بهما جميعا سلعة، فباع تلك السلعة بعد حول العشرة الأولى بما يجب في كل واحدة منهما الزكاة بربحها؛ قال: يزكي العشرة الأولى بربحها، ويستقبل بالعشرة الفائدة وربحها - الحول من يوم استفادها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على المشهور من أن أرباح

مسألة: تسلف عرضا فاتجر فيه حولا وفضل له ما تجب فيه الزكاة

الأموال مزكاة على أصول الأموال، وقد مضى تحصيل ما في ذلك من الاختلاف في أول سماع ابن القاسم. [مسألة: تسلف عرضا فاتجر فيه حولا وفضل له ما تجب فيه الزكاة] مسألة وقال: فيمن تسلف عرضا فاتجر فيه حولا، ثم رد ما استسلف من ذلك وفضل له ما تجب فيه الزكاة، أنه يزكي هذه الفضلة، وإن كان عنده أيضا من العروض وفاء لما كان استسلف، زكى ذلك أيضا وجعله بمنزلة من استسلف مائة دينار فاتجر فيها، واشترى عرضا بدنانير فاتجر في ذلك حولا ثم باع بعد الحول. قال محمد بن رشد: قوله واشترى عرضا بدنانير فاتجر في ذلك حولا، ثم باع بعد الحول، يريد اشترى عرضا بدنانير دينا في ذمته، فاتجر في ذلك حولا، ثم باع بعد الحول، فأدى الثمن وبقي له الربح، وذلك كله صحيح على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على أموال الأصول، إلا أن حول الربح الذي تسلف العرض واتجر فيه، محسوب من يوم اتجر في العرض، لا من يوم استسلفه، من أجل أن العرض لا زكاة في عينه، وحول الربح الذي تسلف الدنانير واتجر فيها، محسوب من يوم تسلف الدنانير؛ لأنه لا ضامن لها بالسلف، وفي عينها الزكاة، وحول ربح الذي اشترى العرض فاتجر فيه، محسوب من يوم اشتراه - إن كان اشتراه للتجارة، وإن كان اشتراه للقنية، ثم بدا له فاتجر فيه، فهو محسوب من يوم باعه، وقيل: من يوم نض ثمنه في يده، والله الموفق للصواب. [مسألة: الصدقة على آل محمد] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الحديث «لا تحل الصدقة لآل محمد» ،

فقال: إنما ذلك في الزكاة، وليس في التطوع؛ قلت له: فمواليهم؟ قال: لا أراهم من ذلك، ولا أرى بأسا أن يُعْطَوْا من الزكاة؛ فاحتججت عليه بالحديث الذي جاء «مولى القوم منهم» . فقال: قد جاء حديث آخر: «ابن أخت القوم منهم» - يضعف بذلك حديث الموالي؛ قال أصبغ: وإنما تفسير «مولى القوم منهم» يريد في الحرمة منه بهم، والبر منهم به، كما يفسر الحديث: «أنت ومالك لأبيك» - يريد في الطواعية والبر، لا في الإلزام، ولا في القضاء؛ قال أصبغ: وآل محمد عشيرته الأقربون: آل عبد المطلب، وآل هاشم، وآل عبد مناف، وآل قصي، وآل غالب. قال عيسى: قلت لابن القاسم: فلو أن رجلا فرق زكاة ماله، ألا يعطيهم منها وهم محتاجون؟ قال: لا يعطيهم. قلت: فإن فعل، أتجزئ عنه؟ قال: لا تجزئ عنه. قال ابن القاسم: إنما ذلك في بني هاشم أنفسهم. قال أصبغ: وقد «جاء عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، نادى بأعلى صوته: يا آل قصي، يا آل غالب، يا فاطمة بنت رسول الله، يا صفية عمة رسول الله، اعملوا لما عند الله، فإني لا أملك لكم من الله شيئا» . فتبين بمناداته إياهم، أنهم عشيرته الأقربون؛ وقد اختلف الناس في سهم ذوي القربى من الفيء. والغنيمة: من هم؟ فمن الناس من قال: محمد وقرابته - خاصة، ومنهم من قال: قريش كلها قربى. وقد بلغني عن ابن عباس أنه سئل عن ذلك،

فقال: نحن هم - يعني آل محمد - وقد أبى ذلك علينا قومنا؛ قال أصبغ: الذي وجدت عليه معاني العلم والآثار، أنهم آل محمد خاصة. قال محمد بن رشد: آل محمد - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - الذين لا تحل لهم الصدقة هم ذوو القربى الذين جعل الله لهم سهما في الفيء، وخمس الغنيمة؛ لأن الله حرم عليهم الصدقة على لسان نبيه، ونزههم عنها إكراما لهم؛ لأنها أوساخ الناس يغسلونها عنهم، وعوضهم من ذلك فيما جعل لهم من الحق في الفيء، وخمس الغنيمة، وقد اختلف في تمييزهم وتعيينهم، وفيما لهم من الحق في خمس الغنيمة وفي الفيء، وفيما يحل لهم من الصدقة، ويحرم عليهم منها؛ وهل يدخل مواليهم مدخلهم في ذلك أم لا؟ وهل حكمهم في ذلك بعد النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كحكمهم في حياته أم لا؟ اختلافا كثيرا قد أفردنا الكلام فيه، وتحصيله وتلخيصه، وما تعلق به المختلفون في ذلك مسألة حاوية لجميع ذلك؛ فمن تأملها وقف عليها بشفاء من العلم بذلك، ووقف على الحقيقة فيه. وقول ابن عباس نحن هم - يعني أن بني هاشم هم ذوو القربى - دون سائر قريش، يبين ذلك ما روي عنه من أنه قال: وقد أبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها قربى. وقال ابن حبيب: معنى قوله أبى ذلك علينا قومنا أي أبوا أن يكون لنا فيه جزء معلوم، وهو تأويل بعيد، يرده ما روي عنه من قوله، وقد أبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها قربى.

يتسلف مائة دينار وليس له مال غيرها فيشتري سلعة فيربح فيها ما تجب فيه الزكاة

[يتسلف مائة دينار وليس له مال غيرها فيشتري سلعة فيربح فيها ما تجب فيه الزكاة] ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس قال: وقال مالك: في الذي يتسلف مائة دينار - وليس له مال غيرها، فيشتري سلعة فيربح فيها، ما تجب فيه الزكاة؟ فقال: إذا باع السلعة قضى المائة وزكى ما بقي - إن كان ما تجب فيه الزكاة؛ إذا كان قد حال على المائة الحول. قال محمد بن رشد: قوله إذا كان قد حال على المائة الحول - يريد من يوم تسلفها، وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في الرسم الذي قبل هذا، وبالله التوفيق. [له عشرة دنانير فيحول عليها الحول عنده ثم يفيد خمسة دنانير فيضمها إلى العشرة] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار قال عيسى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل تكون له عشرة دنانير، فيحول عليها الحول عنده، ثم يفيد خمسة دنانير فيضمها إلى العشرة، فيشتري بها سلعة فيبيعها بعشرين دينارا؛ قال: ليس عليه فيها زكاة، ويستقبل بالخمسة والعشرة وربحهما حولا من يوم أفاد الخمسة، إلا أن يتجر في العشرة قبل حلول الخمسة، فيزكيها ساعة يتم ما تجب فيه الزكاة؛ قلت له: فإن باعها بثلاثين دينارا؟ قال: يزكي العشرة وربحها، ويدع الخمسة وربحها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها. قال محمد بن رشد: هذه المسألة صحيحة بينة المعنى، لا إشكال فيها، مبنية على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على أحوال أصول

يفيد عشرين دينارا فتمكث عنده ستة أشهر ثم يفيد عشرين أخرى زكاتها

الأموال، وعلى أصولهم في أن الفوائد التي لا تجب فيها الزكاة إلا بجمعها، تضاف الأولى منها للآخرة، فتُزَكَّى على قرب الآخرة - وبالله التوفيق. [يفيد عشرين دينارا فتمكث عنده ستة أشهر ثم يفيد عشرين أخرى زكاتها] ومن كتاب الثمرة وقال: سألت ابن القاسم عن الرجل يفيد عشرين دينارا، فتمكث عنده ستة أشهر، ثم يفيد عشرين أخرى؛ قال: يزكي كل عشرين لحولها. قلت: فإن انكسرت العشرون الأولى عن الزكاة، قال: إن كانت العشرون الأخرى على حالها كما كانت، زكى الأولى عند حولها كما كان يزكيها، ويزكي العشرين الأخرى على حولها - كما هي. قلت: فإن نقصت العشرون الأخرى عن الزكاة، إلا أنه إذا ضم ما بقي من العشرين الأولى - إلى ما بقي من العشرين الآخرة، وجبت فيها الزكاة؛ قال: أنظره أبدا إذا حل حول الأولى، فانظر، فإن كان فيضا بقي منها، وبقي من الآخرة ما لو جمع وجبت فيه الزكاة، فزكى ما بقي من كل عشرين على حولها أبدا، حتى ينكسرا جميعا عن الزكاة. قلت: فإن صار ما بقي منهما ما لو ضم بعضه إلى بعض، لم تجب فيه الزكاة؛ قال: فلا زكاة في شيء منهما. قلت: فإن اتجر فيما بقي من الأولى فصارت بربحها ما إذا

ضممته إلى ما بقي من الآخرة كانت فيه الزكاة؛ قال: فإذا صارت كذلك زكاها مكانه، وكان حولها من يوم صارت بربحها ما إذا ضممته إلى ما بقي من الآخرة وجبت فيه الزكاة، وكانت الآخرة على حولها. قلت: فإن لم تزد شيئا - وكانت على حالها حتى حال حول الآخرة، قال: إذا كانتا جميعا حين يحول حول الآخرة ما لا - تجب فيما بقي منهما الزكاة فضمهما، فمتى صارتا بربحهما ما تجب فيه الزكاة، فزكهما، ثم اجعل حولهما جميعا حولا واحدا من يومئذ. قلت: فإن كان حل حول الأولى، فنظرنا فيما بقي منهما، وفيما بقي من العشرين الآخرة، فإذا ليس فيهما زكاة إن ضمتا، فتركنا الزكاة، فمضى لها بعد حلول حولها خمسة أشهر - ولم يحل حول الآخرة، بقي لها شهر فصارت قبل حلول حولها بشهر ما يجب فيه الزكاة بربحها - إذا ضممتها إلى ما بقي من الأولى؛ قال: إذا صارت كذلك، فزد ما بقي من العشرين الأولى مكانك، واترك الأخرى إلى حلول حولها، ويكون حلول ما بقي من العشرين الأولى من يوم صار ما بقي من العشرين الآخرة وربحها، ما إذا ضممته إلى ما بقي من العشرين الأولى وجبت فيه الزكاة؛ قال: وكذلك قال مالك في هذا كله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بيّنة في المعنى، مفسرة لما وقع في المدونة فيها من الألفاظ الملتبسة، والأصل فيها أن الفوائد المفترقة إذا كان في الأولى ما يجب فيه الزكاة، فلا يضاف بعضها إلى بعض، وتزكى كل

فائدة على حولها - حتى ترجع كلها إلى ما لا زكاة فيه؛ مثال ذلك أن يفيد الرجل ما لا تجب فيه الزكاة، ثم يفيد بعد ذلك بأشهر ما تجب فيه الزكاة، أو لا تجب فيه الزكاة؛ فإنه يزكي كل مال على حوله أبدا، ولا يضيف أحدهما إلى الآخر حتى يرجعا إلى ما لا زكاة فيه (إذا جمعا) فإذا رجعا جميعا إلى ما لا زكاة فيه، وتماديا جميعا ناقصان عما تجب فيه الزكاة، حتى يمر بهما الحولان جميعا - وهما على نقصانهما؛ صارا مالا واحدا، وسقطت منهما الزكاة؛ إلا أن يرجعا بالربح فيهما، أو في أحدهما إلى ما تجب فيه الزكاة، فيزكيهما حين بلغا بالربح ما تجب فيه الزكاة، ويكون حولهما واحدا من حينئذ، وإن زكاهما على حوليهما - ما شاء الله، ثم رجعا بعد أن زكى أحدهما إلى ما لا تجب فيه الزكاة، ثم رجعا جميعا إلى ما تجب فيه الزكاة بالربح فيهما، أو في أحدهما قبل أن يأتي حول المال الثاني، بقيا جميعا على حوليهما المتقدمين بأعيانهما يزكي كل مال منهما على حوله بربحه - إن كان الربح فيهما جميعا، وقد خلطهما، أو لم يخلطهما، (غير أنه إن لم يخلطهما) زكى كل واحد منهما بربحه الذي ربحه فيه، وإن كان قد خلطهما، نضّ الربح عليهما، فزكى مع كل واحد منهما نوبته من الربح، وإن كان الربح في أحدهما، زكاه بربحه، وزكى الآخر بغير ربح؛ وإن زكاهما على حوليهما - ما شاء الله، ثم رجعا إلى ما لا زكاة فيه إذا جمعا، فأتى حول أحدهما وهما ناقصان عما تجب فيه الزكاة، فترك تزكيتهما، ثم لما كان بعد ذلك بأشهر قبل أن يأتي حول المال الآخر، رجعا بالربح فيهما، أو في أحدهما - إلى ما تجب فيه الزكاة، فإنه يزكي حينئذ المال الذي لم يزكه عند حوله بربحه - إن كان الربح فيه، أو بما ينوبه من الربح إن كان الربح فيهما - جميعا - وقد خلطهما، ولو أتى حول المال الآخر - وقد رجعا إلى ما لا زكاة فيه فلم يزكهما؛ إذ لا زكاة فيهما، فلما كان بعد ذلك بأشهر، رجعا إلى ما فيه الزكاة بالربح فيهما أو في أحدهما، لا ينقل أيضا حول هذا المال الآخر إلى حين الربح؛ فهذا بيان هذه

عليه مائة دينار وله مائة ثم أفاد فائدة من عرض أو عين قبل الحول أو بعد الحول

المسألة إذا تمادى النقص بالمالين عما تجب فيه الزكاة حتى يمر بهما الحولان - وهما ناقصان عما تجب فيه الزكاة، رجعا مالا واحدا، وبطل ما كان قبل ذلك من حوليهما؛ وإذا رجعا جميعا إلى ما لا تجب فيه الزكاة بعد أن زكي أحدهما، ثم رجعا إلى ما تجب فيه الزكاة بالربح فيهما، أو في أحدهما قبل أن يأتي حول المال الثاني، بقيا على حوليهما المتقدمين بأعيانهما؛ وإذا أتى حول أحدهما - وهما ناقصان عما تجب فيه الزكاة، فلما كان بعد ذلك بأشهر قبل أن يأتي حول المال الآخر، رجعا إلى ما فيه الزكاة، انتقل حول هذا المال إلى حين الربح وبقي المال الآخر على حوله؛ ولو أتى حول المال الآخر - وقد نقصا عما فيه الزكاة، ثم رجعا بعد ذلك بأشهر إلى ما فيه الزكاة؛ انتقل حول هذا المال الثاني أيضا إلى حين بلغا بالربح جميعا ما تجب فيه الزكاة، فهي أربعة وجوه، وجه ينتقض فيه حولاهما جميعا ويرجعان إلى حول واحد، ووجه واحد ينتقل فيه حولاهما جميعا، ويبقيان على حولين أيضا، ووجه ينتقل فيه حول أحدهما ويبقى الآخر على حوله، ووجه يرجعان فيه بالربح على حوليهما المتقدمين بأعيانهما، وبالله التوفيق. [عليه مائة دينار وله مائة ثم أفاد فائدة من عرض أو عين قبل الحول أو بعد الحول] ومن كتاب العتق قال ابن القاسم: من كانت عليه مائة دينار - وله مائة، ثم أفاد فائدة من عرض، أو عين - قبل الحول، أو بعد الحول؛ فإنه لا زكاة عليه فيما بقي في يديه من الناض حتى يحول عليه الحول من يوم أفاد الفائدة. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم "استأذن"، فلا معنى، لإعادته.

مسألة: عنده مائة دينار وعليه دين مائة فحال عليه الحول

[مسألة: عنده مائة دينار وعليه دين مائة فحال عليه الحول] مسألة قلت: أرأيت إن كانت عنده مائة دينار) وعليه دين مائة فحال عليه الحول، قال: لا زكاة عليه؛ لأنه ليس له مال فضل عن دينه؛ فسقطت الزكاة عنه. قلت: فإنه لما مضى شهر استفاد مائة فقضى بها دينه، قال: لا زكاة عليه في هذه المائة الباقية حتى يحول عليها الحول مرة أخرى؛ لأن الحول الأول مر وليس من أهل الزكاة، فإن تجر بها فربح مكانه عشرين دينارا، قلنا له: أد الزكاة، فإنما سقطت عنك في هذه المائة يوم حل الحول؛ لأنك كنت من غير أهلها، فلما ربحت هذه العشرين، قلنا: هذه العشرين قد حال عليها الحول؛ لأنه حال على الأصل؛ فأما الأصل، فلا زكاة فيه؛ لأنها قد سقطت عنه حين مر حوله، فلا زكاة فيه حتى يحول الحول؛ وأما هذا الربح، فما يسقط (عنه) الزكاة وقد حال عليه الحول، ولا دين اليوم على صاحبه يسقط عنه الزكاة، وقد بلغ ما تجب فيه الزكاة؛ فأرى أن تؤخذ الزكاة من الربح، ولا تؤخذ من المائة، ثم تجعل المائة على حولها الأول، والربح على حوله يوم زكي؛ لأنه إنما وجبت الزكاة فيه يوم ربح. قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة: إنه إذا كان عنده مائة دينار فحال عليه الحول - وعليه دين مائة، أنه لا زكاة عليه - صحيح لا اختلاف

مسألة: اشترى الدار للتجارة ثم استغل الدار ثم باعها بعد أن مضى الحول

في أن الدين يسقط زكاة العين؛ لقول عثمان بن عفان هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين، فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم، فتؤدون منها الزكاة، وأما قوله بعد ذلك: إنه إن استفاد مائة بعد الحول بشهر، فقضى بها دينه، فلا زكاة عليه في المائة التي بيده حتى يحول عليها الحول مرة أخرى، فقد مضى مثله في رسم "استأذن"، وذكرنا هنالك ما فيه من الخلاف، وأما قوله: إنه إن تجر فيها فربح مكانه عشرين دينارا، زكاها، وكان حولها من يوم زكاها، فصحيح على أن الأرباح مزكاة على الأصول، وقد مضى معنى هذه المسألة والقول فيها في رسم "أوصى". [مسألة: اشترى الدار للتجارة ثم استغل الدار ثم باعها بعد أن مضى الحول] مسألة قال ابن القاسم: إذا اشترى الرجل الدار للتجارة أو النخل، ثم استغل الدار، وأثمرت النخل عنده، ثم باعهما جميعا - بعد أن مضى الحول، قال: ينظر إلى الغلة، فيستقبل بها حولا من يوم أخذها، وينظر إلى ثمن الدار، فيزكيه مكانه؛ وكذلك النخل إذا أثمرت وحل بيعها، ثم باع الأصل والتمر، فإن الزكاة عليه تمرا، وينظر إلى ثمن النخل والتمر، فينظر كم ثمن التمر من ثمن النخل؛ فإذا عرفته فاستقبل بثمن التمر حولا، وتزكي ثمن الأصل الساعة، ولو كانت دارا للتجارة وفيها غلة خمسون دينارا، فباع الدار وغلتها بألف إردب؛ فإنه لا زكاة عليه في القمح، ويعرف حصة الغلة من القمح من حصة أصل الدار؛ فإذا باع القمح، نظر إلى ما يصير من القمح للغلة فيستقبل بثمنه حولا من يوم باعه، وما كان ثمنا للدار زكاه

مكانه؛ فإن لم يكن ما تجب فيه الزكاة، جعل حولها واحدا واستقبل بها سنة. قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة في الذي اشترى الدار للتجارة فاستغلها، ثم باعهما جميعا بعد أن مضى الحول، معناه أن الغلة طعام أو عروض، فباع الدار بعد أن مضى الحول وما قبض من المكتري في كراء العام الماضي من الطعام، أو العروض، أو ما وجب له على المكتري من ذلك بثمن واحد؛ فإنه يفض الثمن - إذا قبضه على الدار، وعلى الطعام، أو العروض، فما وجب من ذلك للدار زكاه مكانه؛ لأنها كانت للتجارة؛ وما وجب من ذلك الطعام أو العروض استقبل به حولا؛ لأن الغلة فائدة وهي عروض أو طعام، فلا تجب فيه الزكاة، إلا بعد أن يحول الحول على ثمنها من يوم قبضه؛ ولو كانت الغلة دنانير لم يجز له أن يبيعها مع الدار بدنانير؛ لأنه ذهب وعرض بذهب، وقد بين هذا بقوله بعد ذلك، ولو كانت دارا للتجارة - وفيها غلة خمسون دينارا، فباع الدار وغلتها بألف إردب، وهذا ما لا اختلاف فيه إذا كانت الغلة قد وجبت للبائع على المكتري بمضي المدة، أنه لا يجوز بيعها مع الدار بالذهب - إن كانت السلعة ذهبا، ولا بالورق على مذهب ابن القاسم، إلا أن يكون الثمن نقدا، ويكون ذلك أقل من صرف دينار؛ وإنما الخلاف إذا باع الدار وما وجب له على المكتري من الكراء الذي عاقده عليه، لما يأتي من المدة، فكان شيخنا الفقيه ابن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجيز ذلك، ويعتل بأن الكراء لم يجب للبائع بعد، إذ قد تتهدم الدار فيبطل الكراء على المكتري، وإنما يسكن المكتري الدار بعد عقد البيع فيها على ملك المبتاع، فكأن البائع باع منه الدار وتبرأ إليه من العقد الذي قد لزمه فيها للمكتري، فرضي به، وكان يستدل لما كان يذهب إليه من ذلك بمسائل، منها أول مسألة من سماع سحنون: أن الكراء المقبوض لما يأتي من المدة إذا حل عليه الحول لا يلزم أن يزكي منه، إلا ما يجب منه لما مضى من المدة، وكان غيره من الشيوخ يخالفونه في ذلك، ولا يجيزون البيع ويساوون بين ما يجب لما مضى من المدة، ولما يأتي منها؛ وقول

مسألة: أهل الأهواء هل يعطون من الزكاة إذا كانوا محاويج

ابن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصح في المعنى، وأظهر في الحجة؛ إلا أن الرواية عن ابن القاسم منصوصة في الدمياطية: أن ذلك لا يجوز، بخلاف ما كان يذهب إليه؛ وقوله في أول المسألة ينظر إلى الغلة فيستقبل بها حولا - يريد ينظر إلى ما يجب للغلة من الثمن فيستقبل به حولا؛ لأنه إنما تكلم على أنه باع الغلة والدار صفقة واحدة، فوجب أن يفض الثمن على ذلك، لافتراقهما في حكم الزكاة؛ إذ الدار للتجارة، والغلة فائدة، وكذلك لو كانت الدار للقنية، فباعها مع ما هو للتجارة، قد حال عليها الحول، لفض الثمن، فاستقبل بما ينوب الدار منه حولا، وزكى ما ينوب الذي هو للتجارة؛ مثال ذلك أن يكون للرجل بقعة من فائدة، فيبنيها للتجارة، ثم يبيعها مبنية؛ فإنه يزكي من ذلك ما ناب البناء - إذا كان الحول قد حال على المال الذي بناها به، ويستقبل بما ناب البقعة حولا، وقد روي ذلك عن المغيرة - وهو صحيح. [مسألة: أهل الأهواء هل يعطون من الزكاة إذا كانوا محاويج] مسألة وسئل ابن القاسم: عن أهل الأهواء هل يعطون من الزكاة إذا كانوا محاويج، فقال: إن نزلت بهم حاجة، فأرى أن يعطوا من الزكاة - وهم من المسلمين يرثون ويورثون. قال محمد بن رشد: يريد الهواء الخفيف الذي يبدع صاحبه ولا يكفر، كتفضيل علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على سائر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أجمعين، وما أشبه ذلك، وأما الأهواء المضلة كالخوارج، والقدرية، وشبههم، فمن كفرهم بمآل قولهم، قال: لم يجز أن يعطوا من الزكاة؛ ومن لم يكفرهم بمآل قولهم، أجاز أن يعطوا منها إذا نزلت بهم حاجة - وهو الأظهر، لقوله - عليه الصلاة والسلام: «وتتمارى - في الفوق» ، ومن البدع ما لا يختلف أنه كفر، كمن يقول من الروافض إن علي بن أبي طالب كان

مسألة: عنده مائة دينار وعليه مائة دينار وعنده مائتا شاة قيمتها مائة دينار

النبي، ولكن جبريل أخطأ في الرسالة، وكمن يقول منهم: إن الرسل تترى، وأنه لا يزال في كل أمة رسولان، أحدهما ناطق، والثاني صامت؛ فكان محمد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ناطقا، وعلي صامتا، وأن الأئمة أنبياء يعلمون ما كان وما يكون - إلى يوم القيامة؛ فهؤلاء ومن أشبههم لا يعطون من الزكاة بإجماع؛ لأنهم كفار، وقد قال ابن حبيب: لا يعطى تارك الصلاة من الزكاة شيئا، وهذا على أصله بأن تارك الصلاة كافر على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من ترك الصلاة فقد كفر» - وإن تركها مفرطا فيها، أو متهاونا بها - وهو بعيد، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: عنده مائة دينار وعليه مائة دينار وعنده مائتا شاة قيمتها مائة دينار] مسألة قال: أرأيت الرجل يكون عنده مائة دينار، وعليه مائة دينار - وعنده مائتا شاة قيمتها مائة دينار، قال: يزكيها؛ لأن الغنم وفاء لدينه، والدنانير فضل؛ ولو لم يكن معها المائة دينار، وكانت الغنم وحدها، لم يكن دينه بالذي يسقط عنه الزكاة من رقابها. قلت: فلم يزكي الغنم - وهي وفاء بالدين، قال: لأنها لا تشبه الدنانير، وهي لو كانت وحدها لم يكن معها المائة دينار لم يكن دينه بالذي يسقط الزكاة من رقابها، ولو لم تكن الغنم وكانت المائة وحدها؛ لم يكن عليه فيها زكاة الغنم، والحوائط والزرع كله لا يمنع صاحب الدين من زكاته. قال محمد بن رشد: سأله لم لا يسقط الدين زكاة الغنم، ويسقط زكاة العين؟

مسألة: عليه دينا لا يرتجى قضاؤه لو باعه الساعة بعرض باعه بنصف ثمنه هل عليه زكاة

فلم يجبه بأكثر من أن قال: (إن) الغنم لا تشبه الدنانير، وليس ذلك بجواب مقنع، ولا فرق بين، إذ لم يبين المعنى الذي أزال الشبه بينهما؛ والفرق بينهما أن الدين يمنع من تنمية العين، إذ لصاحب الدين أن يقوم بدينه فيحجر على المديان التصرف في ماله، والغنم والزرع والحوائط لا يمنع التحجير على المديان فيها بالدين من نمائها؛ لأنها نامية بأنفسها، وأيضا فإن الله تبارك وتعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]- الآية، فكان هذا عاما فيمن عليه دين، وفيمن لم يكن عليه دين؛ لأن المال مال الذي هو له - وإن كان عليه دين، فخصص من ذلك العين بإجماع الصحابة؛ لأن عثمان بن عفان كان يصيح في الناس: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تحصل أموالكم، فتؤدون منها الزكاة بحضرتهم من غير نكير منهم لذلك، وبقي سائر الأموال من الماشية والحرث على الأصل في وجوب أخذ الزكاة منها، كان على صاحبها دين، أو لم يكن، فهذان وجهان بينان في وجوب إسقاط الدين زكاة العين دون زكاة الحرث والماشية، والحمد لله. [مسألة: عليه دينا لا يرتجى قضاؤه لو باعه الساعة بعرض باعه بنصف ثمنه هل عليه زكاة] مسألة قلت: أرأيت لو كان دينا لا يرتجى قضاؤه، وهو لو باعه الساعة بعرض، باعه بنصف ثمنه، أو ثلث ثمنه، هل يحسب ذلك أم لا يحسب؟ قال: إن كان يجزيه ذلك، حسب ذلك الذي يجده وتمام الدين فيما في يديه، وزكى ما بقي إن كان بقي ما تجب فيه الزكاة، قال سحنون: يزكي قيمة الدين ولا يزكي عدده - إذا كان صاحبه موسرا، وابن القاسم يقول: يزكي عدده.

استحق له معدن في أرضه للإمام فيه أمر زكاته

قال محمد بن رشد: هذا في المدير الذي يلزمه أن يزكي ماله من الديون، وقوله: إن الدين الذي لا يرتجى إذا كانت له قيمة يحسب تلك القيمة، ينبغي أن يحمل على التفسير لما في المدونة، فيكون قوله فيها إنه لا يزكي الدين الذي لا يرتجى، معناه إذا لم تكن له قيمة، وقد اختلف إذا كان الذي عليه الدين موسرا، هل يزكي عدده أو قيمته؟ على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه يزيد عدده حالا كان أو مؤجلا، وهو ظاهر قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في كتاب ابن المواز، وظاهر قول ابن القاسم ههنا؛ والثاني: أنه يزكي قيمته لا عدده، وهو قول سحنون، وظاهر ما في المدونة، قال محمد بن المواز: وهو القياس، غير أني ما علمت أحدا من أصحاب مالك يقوله. والثالث: أنه إن كان حالا زكي عدده، وإن كان مؤجلا زكي قيمته، ومن الناس من يجعل هذا القول مفسرا لقول ابن القاسم ههنا، ولما في المدونة، وكتاب ابن المواز، والأظهر أنه قول ثالث في المسألة، والله الموفق. [استحق له معدن في أرضه للإمام فيه أمر زكاته] من سماع يحيى بن يحيي من ابن القاسم من كتاب أوله يشتري الدور والمزارع قال يحيى: قال ابن القاسم: في رجل استحق له معدن في أرضه للإمام فيه أمر؟ فقال: الأمر كله إليه في جميع المعادن كان في أرض رجل خاصة، أو في أرض أهل الذمة من العنوة أو في أرض موات ليست المعادن لأحد إلا بقطيعة الإمام، وليست لمن أقطعها الإمام، إلا على (حال) ما وصفت لك من الانتفاع بنيلها ما عمل، ثم إن خرج فترك العمل أو مات عنها، أقطعها الإمام من شاء، قال يحيى: قلت لابن القاسم: أفيجوز للإمام إن طال عمله

فيها؛ فلم يتركها، ولم يمت عنها، أن يزيل منها غيره فيخرجه ويقطعها سواه، أو إن ترك العمل، ثم نبذه زمانا فطلبها غيره من الإمام، أن ينزعها ويقطعها غيره ممن يعمل؟ قال سحنون: إنما ذلك في المعادن التي في الأرض التي لا تملك بمنزلة الموات، فأما الرجل تكون له الأرض يملكها فيظهر فيها معدن، فهو له يمنعه ويعمل فيه، ولا يجوز له بيعه؛ لأنه غرر لا يدري ما فيه، ولا كم يدوم له، أو ما يجد فيه مما لا يجد، وكذلك برك الحيتان تكون في أرضه، فهو يمنعها ويحميها ممن يريد أن يصيد فيها؛ وليس لأحد الدخول في أرضه وماله؛ قال يحيى: قلت لابن القاسم: فمعادن أرض الصلح أللإمام فيها أمر؟ فقال: أما ما كانوا على دينهم، فلهم صلحهم والوفاء بعهدهم؛ فإن أسلم الذي المعدن في يديه وأرضه رجع أمره إلى الإمام، ولم يكن لصاحب الأرض منه شيء. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم أن المعادن ليست تبعا للأرض، وأمرها إلى الأمام يقطعها لمن يعمل فيها لا على سبيل تمليك أصلها كانت في أرض مملوكة أو غير مملوكة، إلا أن تكون في أرض قوم قد صالحوا عليها، فهم أملك بأرضهم، فإن أسلموا رجع أمرها إلى الإمام؛ هذا قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن أهل الصلح إذا أسلموا على أرضهم رجع ما كان فيها من المعادن إلى الأمام، وليس يلتئم على أصله: أن يرجع إلى الإمام من معادن أهل الصلح، إلا ما ظهر في أرضهم منها بعد إسلامهم؛ وأما ما ظهر فيها قبل إسلامهم، فالواجب على أصله أن يكون لهم؛ لأنهم (قد) أسلموا عليها، ومثل ذلك حكى ابن المواز عن مالك، وقد ظن بعض أهل النظر أن

قول مالك في كتاب ابن المواز في أهل الصلح إذا أسلموا على أرضهم، وفيها معادن، أنها لهم مخالف لمذهب ابن القاسم مثل قول سحنون، وليس ذلك بصحيح، بل قول مالك هو الصحيح على أصل ابن القاسم في مالك الأرض لا يملك بملكها ما كان فيها من مجهول لم يعلم به كالمعدن وشبهه، خلاف مذهب سحنون في أنه يملك بملكها ما كان فيها من مجهول - لم يعلم به، وعلى هذا الأصل ذهب في المعادن إلى أنها إن كانت في أرض مملوكة، فهي لصاحب الأرض، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. وجه القول الأول أن الذهب والفضة التي في المعادن التي في جوف الأرض، أقدم من ملك المالكين لها، فلم يحصل ذلك ملكا لهم بملك الأرض، إذ هو الظاهر من قوله عز وجل: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف: 128] ، إذ لم يقل إن الأرض لله يورثها وما فيها (من يشاء من عباده) ، فوجب بحق هذا الظاهر، أن يكون ما في جوف الأرض من ذهب أو ورق في المعادن فيئا لجميع المسلمين، بمنزلة ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب؛ ووجه القول الثاني أنه لما كان الذهب والفضة نابتين في الأرض كانا لصاحب الأرض بمنزلة ما نبت فيها من الحشيش والشجر. والقول الأول أظهر؛ لأن الحشيش والشجر حادثان بعد الملك، فهما بخلاف الذهب والفضة في المعادن، وأما الحيتان المتولدة في برك أرض الرجل، فقد قيل: أنها لصاحب الأرض؛ لأنها تولدت في أرضه، وهو قول سحنون، وقيل: إنها لمن صادها من المسلمين؛ لأنه غيث ساقه الله لم يملك صاحب الأرض أصله، وروي عن أشهب أنه قال: إن كان صاحب الأرض وضع في البرك الحيتان، فتوالدت فيها فهي له، وإلا فهي لمن صادها من المسلمين، ولكل وجه؛ وسأله في الرواية هل للإمام أن يزيل منها الذي أقطعه إياها إذا طال عمله فيها ولم يتركها، ولا مات عنها، أو تركها ويقطعها غيره أم لا؟ فلم يجبه في ذلك، وقد

يكري داره خمس سنين بمائة دينار فيتعجلها

روى أشهب عن مالك أن ذلك له، وهو ظاهر في الوجهين جميعا؛ لأنه إذا طال عمله فيها، فقد انتفع بما أقطع ولم يستحق المعدن بالإقطاع ملكا، ولا العمل فيه حياته، لا أن يقطعه إياه حياته، فله أن يقطعه غيره، وإذا ترك العمل فيه ونبذه، فقد ترك حقه، فللإمام أن يقطعه غيره. وأما إذا مات، فقال في كتاب الشركة من المدونة: إن للإمام أن يقطعه لمن شاء، ولم يبين إن كان قد أدرك النيل أو لم يدركه، وقال سحنون: إن كان قد أدرك النيل فليس للإمام أن يقطعه إلا لورثته، وقال أشهب: وإن مات قبل أن يدرك النيل، فورثته أحق به، وهو القياس؛ لأنه إذا قطع لغير ورثته وقد عمل فيه، ذهب عناؤه وعمله باطلا، كان قد أدرك النيل، أو لم يدركه، إلا أن يكون قد أدرك النيل، قدر له مدة لو شاء الإمام أن يقطعه لغيره قبل أن يموت، كان ذلك له، فيكون له أن يقطعه لغير ورثته، هذا هو النظر في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [يكري داره خمس سنين بمائة دينار فيتعجلها] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسئل ابن القاسم عن الرجل يكري داره خمس سنين بمائة دينار، فيتعجلها، فيحول الحول عليه - وهي عنده، وليس له مال غير الدار؟ قال: يزكيها لأنه كان ضامنا لها، وهي مال من ماله بمنزلة الدين يكون عليه ينظر إلى ما صار له من الكراء فيما سكن، فان كان عشرة دنانير، نظر إلى قيمة الدار، فإن كان قيمتها تسعين زكى المائة كلها؛ لأن في قيمة الدار وفاء مما عليه من التسعين؛ وإن كان قيمتها ثلاثين زكى الأربعين؛ لأنه إنما وجب له عشرة والتسعون دينا عليه، فهو يخاف على الدار أن تنهدم فيبطل الكراء فيما بقي ويرجع عليه بالتسعين؛ فإنما قومناها بعد السنة لتعرف قيمتها، وليجعل الدين فيها، ولا يكون عليه فيما بقي شيء؛ لأنه دين عليه،

ولكن ينظر فكل ما سكن أخذ بقدره فزكاه، وإن كان دينارا واحدا؛ لأنه قد حال عليه الحول عنده، وهو من أصل مال قد حال عليه الحول، وذلك أنه كلما وجب له من السكنى شيء حسب عليه؛ لأنه قد كان قبض الكراء كله، وحال عليه من حين قبضه حول، وصار بمنزلة العشرة الأولى التي وجبت له بمضي السنة، وأوقفت الدار في عشرين، فكلما سكن شيئا حسب له من يوم قبضه، فزكاه على ذلك وهو وجه ما سمعت. قال محمد بن رشد: جواب ابن القاسم في هذه المسألة مبني على القول بأن الرجل إذا كان له مال وعليه دين مثله، فوهب له الدين بعد حلول الحول على المال الذي بيده، أو أفاد مالا فيه وفاء به؛ إنه يزكي ما بيده من المال، ولا يستقبل به حولا ثانيا من يوم وهب له الدين، أو أفاد ما فيه وفاء به؛ وهو قول غير ابن القاسم في المدونة، خلال قول مالك فيها، وأحد قولي ابن القاسم على ما تقدم من اختلاف في قوله في ذلك في سماع عيسى؛ لأنه قال: إنه يزكي من المائة التي قبض مقدمة في كراء داره خمسة أعوام، إذا حال عليها الحول؛ ما يجب منها للعام الماضي مع قيمة الدار، وما يجب منها للعام الماضي قد كان عليه دينا، وإنما سقط عنه الدين فيه بالسكنى شيئا بعد شيء، وسقوط الدين عنه فيه بالسكنى كهبته له سواء، فأوجب عليه فيه الزكاة بحلول الحول، ولم يأمره باستئناف حول من يوم سقط عنه فيه الدين شيئا بعد شيء. ، ويأتي على قياس القول الثاني، وهو الذي في المدونة لمالك، ألا يزكي شيئا من ذلك حتى يحول عليه الحول بعد سقوط الدين عنه بالسكنى، ووجه العمل في ذلك، أن يؤخر حتى يمضي من العام الثاني ماله قدر، فيزكي ما ينوب قدر ذلك من العام الأول؛ لأنه هو الذي حال عليه الحول بعد سقوط الدين عنه، ثم إذا

مضى بعد ذلك أيضا ماله قدر، زكى ما ينوب ذلك كذلك أبدا حتى ينقضي العام الثاني، فيزكي بانقضائه ما بقي من واجب العام الأول، وأما تزكيته منها قدر قيمة الدار عند حلول الحول عليها عنده، فلا اختلاف في ذلك؛ لأن الدار وفاء بالدين، وملكها له قديم، وكذلك يدخل هذا الخلاف أيضا فيما يجب عليه من الباقي، فقال في الرواية على أصله فيها: إنه يزكي منه بقدر ما سكن شيئا شيئا، وعلى ما في المدونة لمالك لا يزكي منه بقدر ما سكن حتى يحول عليه الحول من يوم سكنه. ومعنى قوله: وأوقفت الدار في عشرين، أن هذا الباقي الذي يزكي منه بقدر ما يسكن، إنما هو ما بعد قيمة الدار، وبعد العشرين التي تجب العام الماضي؛ لأنه قال: إن الكراء كان خمس سنين بمائة دينار، ويلزم على قياس القول الآخر - وهو بنى عليه جوابه في الرواية إذا زكى من المائة التي قبض ما يجب لما مضى مما حال عليه الحول، أن يجعل ما بقي من ذلك أيضا فيما عليه من الدين، فيزكي قدره من المائة، كما يجعل في ذلك قيمة الدار، ويزكي قدره منها لأنه إذا أخرج زكاته، صار الباقي منه بعد إخراج الزكاة كما أفاده مكانه، فيجعل الدين فيه على هذا القول، ويزكي قدر ذلك مكانه من غير أن يستقبل بذلك حولا من حينئذ - كما قال ابن المواز؛ على قياس هذا القول فيمن آجر نفسه ثلاث سنين بستين دينارا، وقبضها ومضت سنة ولا عروض له، أنه يزكي تسعة وثلاثين دينارا ونصف دينار؛ لأنه يخرج أولا زكاة عشرين دينارا نصف دينار، ثم يجعل ما بقي منها وذلك تسعة عشر دينارا ونصف دينار - فيما عليه من الدين، ويزكي قدر ذلك مما قبض، وعلى ما في المدونة لمالك لا يزكي بمضي السنة ما يجب لها من الإجارة؛ لأن الحول لم يحل على جميع ذلك منذ وجبت له بسقوط الدين عنه فيها؛ وقد قيل في الذي أكرى داره خمس سنين بمائة وقبضها: إنه يجب عليه أن يزكي جميعها إذا حال عليها الحول عنده؛ لأن

مسألة: يبعث بمال إلى إفريقية فتحضره زكاته أيقومه

الدور مأمونة، وما يطرأ عليها من الهدم نادر، فلا يعتبر به، وهو ظاهر قوله في أول المسألة: يزكيها؛ لأنه كان ضامنا لها وهي مال من ماله، خلاف ما ذكر بعد ذلك من التفسير، فيتحصل في المسألة على هذا أربعة أقوال، أحدها: أنه يزكي إذا حال الحول على المائة بيده المائة كلها، وهو هذا القول، والقول الثاني: أنه يزكي منها قدر قيمة الدار، وما يجب من الكراء للعام الماضي، فكلما سكن بعد ذلك المكتري شيئا زكى مما بقي قدر ذلك، وهو قوله في هذه الرواية. والقول الثالث: أنه يزكي منها قدر قيمة الدار، وما يجب منها للعام، وما يبقى من ذلك بعد الزكاة، فكلما سكن المكتري بعد ذلك شيئا، زكى مما بقي قدر ذلك، وهذا القول يأتي على ما بنى عليه جوابه في الرواية، وعلى ما ذكرناه عن محمد بن المواز في مسألة الإجارة. والقول الرابع: أنه يزكي منها قيمة الدار، ولا يزكي مما وجب للعام الماضي، ولا مما يسكن بعد ذلك، إلا ما حال عليه الحول من ذلك بعد السكنى؛ وهذا القول يأتي على مذهب مالك في المدونة على ما ذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: يبعث بمال إلى إفريقية فتحضره زكاته أيقومه] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يبعث بمال إلى إفريقية فتحضره زكاته، أيقومه؟ قال: إن علم ذلك وتبين كم هو، أو قدر على أن يتوخى قدر ذلك، فعل، وإن أخر ذلك حتى يقدم عليه، زكاه لما مضى له. قال محمد بن رشد: وهذا في المدير الذي يبعث من ماله بضاعة، فإذا جاء شهر زكاته قومه وزكاه مع ما يزكي من ماله - إن علم قدره، أو قدر أن يتوخاه، وإن لم يعلم ذلك أخر زكاته حتى يقدم عليه، فزكاه لما مضى له من الأعوام على ما يخبره به الذي هو بيده، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه؛ لأنه ماله ضمانه منه وربحه له، فلا تسقط عنه زكاته لمغيبه عنه. [مسألة: النصاب من الورق] مسألة وسئل سحنون: عن رجل له مائتا درهم ليست كيلا بالأندلس،

مسألة: حلت عليه الزكاة وهو ممن يدير ماله في التجار

وهي تجوز عندهم مجاز الكيل، قال: لا يكون عليه فيه الزكاة، إلا أن ينقص من الكيل نقصانا يسيرا. قال محمد بن رشد: لا اختلاف بين أهل العلم في أن النصاب من الورق خمس أواق، وهي مائتا درهم كيلا تجيء بوزن زماننا مائتي درهم وثمانين درهما، فإن نقصت من ذلك نقصانا بينا تتفق عليه الموازين، لم تجب فيها الزكاة، إلا أن يجرى عددا، وهي تجوز بجواز الوازنة فتجب فيها الزكاة. وإن كان النقصان كثيرا، وهو ظاهر ما في الموطأ؛ وقيل: إن الزكاة لا تجب فيه، وإن كان النقصان يسيرا، وإلى هذا ذهب ابن لبابة، وقيل: إن كان النقصان يسيرا، وجبت فيها الزكاة، وإن كان كثيرا، لم تجب فيها الزكاة، وهو قول سحنون هذا؛ وأما إن كانت لا تجوز بجواز الكيل، فلا تجب فيها الزكاة، وإن كان النقصان يسيرا قولا واحدا، فهذا تحصيل الخلاف في هذه المسألة. [مسألة: حلت عليه الزكاة وهو ممن يدير ماله في التجار] مسألة وسئل: عن رجل حلت عليه الزكاة وهو ممن يدير ماله في التجارة، فأتى شهره الذي يقوم فيه، هل يجب عليه أن يبيع عروضه بالغا ما بلغ؟ قال: عليه أن يبيع كما يبيع الناس لحاجتهم، ويؤدي زكاة ماله؛ قيل له: فإن لم يبع من العروض حتى تلفت بعدما حال عليه الحول، هل يكون ضامنا للزكاة؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن للرجل أن يتقصى في سلعته للبيع، ويجتهد في تسويقها ليؤدي منها الزكاة دون تفريط ولا تأخير، وليس يلزمه

مسألة: زكاة ما ورثوه من الناض لكل سنة

أن يبيعها من حينه بما يعطى فيها من قليل أو كثير؛ لأن ذلك من إضاعة المال، فإن فرط في بيعها حتى تلفت، لزمه ضمان الزكاة؛ وإن تلفت قبل أن يفرط، لم يلزمه ضمان ما تلف، وزكى الباقي إن كان ما يجب فيه الزكاة. وقيل: إنه تلزمه الزكاة، وإن لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة؛ لأن المساكين نزلوا معه بحلول الحول منزلة الشركاء، فما تلف فمنه ومنهم، وما بقي فبينه وبينهم، وبالله التوفيق. [مسألة: زكاة ما ورثوه من الناض لكل سنة] مسألة قال سحنون: في الذي يموت ويترك مالا وولدا صغارا أو كبارا، إن الزكاة على الصغار والكبار لكل سنة من يوم ورثوه - وإن لم يقسم المال، ولا يكون مثل الدين على الرجل، فيقيم عنده سنين، أنه لا يكون عليه إلا زكاة واحدة حتى يقبضه؛ لأن الذي كان في يديه الدين كان ضامنا، ولم يكن رب الدين ضامنا له حتى يقبضه، وإن الميراث، إنما هو في ضمان أهل الميراث من حين ورثوه إن تلف، ومصيبته منهم. فلذلك كان عليهم زكاته كل سنة من حين ورثوه إلى يوم يصير إليهم؛ لأنه لم يزل ملكا لهم من حين ورثوه، وإن لم يكونوا قبضوه. قال محمد بن رشد: هذا مذهب سحنون: أن على الورثة زكاة ما ورثوه من الناض لكل سنة من حين ورثوه، وإن لم يقبضوه ولا علموا به صغارا كانوا أو كبارا، أو صغارا وكبارا، وهو قول المغيرة؛ ووجه ذلك كونه في ضمانهم من يوم ورثوه، وذهب ابن القاسم إلى أنه لا زكاة عليهم فيه حتى يقبضوه ويستقبلوا به حولا من يوم قبضوه، وإن علموا به صغارا كانوا أو كبارا أو صغارا وكبارا، ووجه ذلك أن تنميته لا تصح لهم إلا بعد قبضه، وهي المعنى

مسألة: المفقود يوقف ماله ويحبس عليه هل تؤدى منه الزكاة

المقصود بالحول؛ وقد فرق بين أن يعلموا أو لا يعلموا على وجهين، أحدهما: أنهم إن لم يعلموا استقبلوا به حولا بعد القبض، وإن علموا ولم يقدروا على التخلص إليه، زكوه لسنة واحدة؛ وإن علموا وكانوا قادرين على التخلص إليه، زكوه لما مضى من الأعوام، وهذا قول مطرف؛ والثاني: أنهم إن لم يعلموا زكوه لسنة واحدة، وإن علموا زكوه لما مضى من الأعوام، روي هذا عن مالك. واختلف في قبض الوكيل والوصي والسلطان، فلم يراع ابن القاسم قبض السلطان، ولا قبض الوصي - إذا كان الورثة كبارا أو صغارا أو صغارا وكبارا؛ وإنما رأى قبضه قبضا للصغار إذا كان المال مقسوما، وجعل قبض الوكيل كقبضه؛ وجعل ابن حبيب قبض السلطان والوكيل كقبضه لنفسه، ورأى قبض الوصي قبضا للصغار - مقسوما كان المال أو غير مقسوم، وقد روى أصبغ عن ابن القاسم: أن الوكيل إذا قبض المال وأقام في يديه سنين فليس عليه فيه إلا زكاة عام واحد، فهذا تلخيص الاختلاف في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: المفقود يوقف ماله ويحبس عليه هل تؤدى منه الزكاة] مسألة وسئل: عن المفقود يوقف ماله ويحبس عليه، هل تؤدى منه الزكاة، فقال: لا تؤدى منه الزكاة؛ لأني لا أدري لعل عليه من الدين أكثر من ماله، أو قال: لعله يلحقه من الدين أكثر من ماله. قال محمد بن رشد: قد اعتل ابن القاسم لقوله: بعله صحيحة، وهي المخافة أن يكون عليه دين لأن الدين يسقط زكاة العين، وله علة أخرى أيضا وهي أنا لا ندري لعله قد مات، فلا يدرى على ملك من يزكيه من الورثة. [مسألة: السفينة هل يقومها ويخرج زكاة قيمتها] مسألة وعن الرجل يكون ممن يدير ماله في التجارة، وتكون له سفينة

مسألة: يتصدق على رجل بألف درهم وعزلها المتصدق

اشتراها يكريها إلى مصر وإلى الأندلس، هل يقومها في كل سنة، ويخرج زكاة قيمتها، فقال: لا يكون عليه أن يقومها. قال محمد بن رشد: لو اشتراها للتجارة لقومها، وإنما لم يقومها من أجل أنه اشتراها للكراءة، وقد اختلف قول مالك في هذا المعنى على ما قد ذكرناه في رسم " الزكاة" من سماع أشهب. [مسألة: يتصدق على رجل بألف درهم وعزلها المتصدق] مسألة وسئل سحنون: عن الرجل يتصدق على رجل بألف درهم، وعزلها المتصدق، فأقامت سنين، فلم يقبلها المتصدق عليه، أو قبلها؛ قال: إن قبلها استقبل بها حولا، وسقط زكاة ما مضى من السنين، وإن لم يقبلها رجعت إلى صاحبها، وأدى عنها زكاة ما مضى من السنين. قال محمد بن رشد: في النوادر لابن القاسم من رواية سحنون عنه: (أنه) إن قبلها المتصدق عليه، استقبل بها حولا ولم تسقط منه الزكاة، ووجه قول سحنون: (أنه لما تصدق المتصدق بالدنانير، وللمتصدق عليه أن لا يقبلها، صارت الصدقة موقوفة على قبوله؛ فإن قبل، خرجت عن ملك المتصدق يوم تصدق بها، فلم تجب عليه زكاتها؛ كمن باع سلعة رجل بغير إذنه، فأجاز، ووجه قول ابن القاسم) : أن المتصدق عليه لما كان له أن يقبل أو يرد بما أوجب له المتصدق على نفسه، وكان إن قبل وجبت له الصدقة بالقبول، وجب ألا تخرج من ملك المتصدق إلا بالقبول، فكان عليه زكاتها كالمملكة أو المخيرة تختاران الطلاق، أنه يقع عليهما يوم القضاء، لا يوم التخيير والتمليك؛ وهو أن القولين جاريان على اختلافهم في مشتري السلعة

مسألة: وجد ركازا في أرض عنوة لمن يكون هذا الركاز

بالخيار - إذا اختار البيع، هل تجب له السلعة يوم اشتراها، أو يوم اختار؟ فقد قال في كتاب الشفعة من المدونة في الذي اشترى شقصا بخيار، ثم بيع الشقص الآخر من الدار بيع بت، أنه إن اختار الشراء، كانت الشفعة في الشقص المبيع بالبت، فأوجب له الشراء بالعقد، وعلى هذا يأتي قول سحنون: إنه إن قبل الصدقة، سقطت عن المتصدق فيها الزكاة؛ وقد روي عن ابن القاسم: أن الشفعة لمشتري البت إن اختار مشتري الخيار، فجعل البيع إنما وجب له بالاختيار لا بالبيع، فقيل: هذا يأتي على قول ابن القاسم: إنه إن قبل المتصدق عليه الصدقة، لم يسقط عن المتصدق زكاتها، ولو كانت هذه الصدقة مما له غلة، لكانت الغلة على قول ابن القاسم للمتصدق إلى يوم القبول - وإن قبل، وعلى قول سحنون يكون للمتصدق عليه - إن قبل، وبالله التوفيق. [مسألة: وجد ركازا في أرض عنوة لمن يكون هذا الركاز] مسألة قيل لسحنون: ما تقول في رجل وجد ركازا في أرض عنوة، ولم يبق من الذين افتتحوها أحد، ولا من أولادهم، ولا من نسلهم؛ لمن يكون هذا الركاز؟ فقال: يجعل مثل اللقطة، قيل: فيصنع به ماذا؟ قال: يتصدق به على المساكين؛ لأن الذين غنموه لا يعرفون؛ قيل له: فإن كانت أرضا لا تعرف إن كانت مغنومة أو صلحا؟ فقال: يكون لمن أصابه. قال محمد بن رشد: قوله: ولم يبق من الذين افتتحوها أحد، ولا من أولادهم ولا من نسلهم، معناه ولم يبق منهم أحد يعرف بعينه، ويدل على ذلك قوله في آخر المسألة: لأن الذين غنموه لا يعرفون، ولو كانوا قد بادوا وذهبوا، ولم يبق

منهم أحد، لما لزم أن يكون حكم ذلك حكم اللقطة في صرفه إلى الصدقة؛ وإنما الذي كان يجب فيه أن يجعل في بيت مال المسلمين كميراث من مات ولا وارث له؛ لأن هذا الركاز قد وجب للغانمين، فإذا علم أنهم قد ماتوا أو لم يبق منهم أحد، ولا من نسلهم، وجب أن يجعل في بيت مال المسلمين؛ وأما قوله: إذا لم يعرف إن كانت الأرض مغنومة أو صلحا، أنه يكون لمن أصابه فإنما قال: ذلك مراعاة للخلاف، إذ أكثر أهل العلم، يقولون: إنه لمن وجده، سواء كانت الأرض حرة عربية، أو صلحية أو عنوية، وهو قول ابن نافع، وقول مطرف، وابن الماجشون، وروايتهما عن مالك؛ وكان القياس في ذلك على القول بأن الركاز الموجود في أرض العنوة يكون للغانمين لتلك الأرض، وأن الركاز الموجود في أرض الصلح يكون للذين صولحوا على تلك الأرض من أهل الذمة؛ أن يكون حكمه حكم اللقطة يتصدق به على المساكين، إذ لا يعلم لمن هو منهم؛ كما لو أن رجلا وجد لقطة لا يعلم إن كانت لذمي أو مسلم، لوجب أن يتصدق بها على المساكين - إذا يئس من أن يعلم صاحبها بعينه والركاز الذي يخرج خمسه، ويكون لواجده أربعة أخماس حيث ما وجدوا في الأرض الحرة العربية التي ليست بصلحية ولا عنوية على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، هو دفن الجاهلية، وأما المال الإسلامي فليس بركاز، وإنما هو كنز؛ لأن الكنز هو المال المجموع الذي لا تؤدى منه الزكاة مدفونا كان أو غير مدفون، وحكمه حكم اللقطة بإجماع من أهل العلم، وقد اختلف فيمن وجد ركازا في أرض غيره من الأرض الحرة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، أو الحرة وغير الحرة على مذهب غيره، هل يكون للواجد، أو لصاحب الأرض، فذهب ابن حبيب إلى أنه لصاحب الأرض، ورواه عن ابن زياد عن مالك، وحكى الفضل عن ابن القاسم وأشهب أنه للواجد، وكان القياس أن يكون على مذهب ابن حبيب لواجده؛ لأنه لا يراه

له على رجل مال حال عليه الحول فأخذ منه جزءا لا يجب في مثله الزكاة

تبعا للأرض إذا كانت عنوة أو صلحا؛ وعلى مذهب ابن القاسم وأشهب: أن تكون لرب الأرض؛ لأنهما يريانه تبعا للأرض - إذا كانت عنوة أو صلحا، وبالله التوفيق. [له على رجل مال حال عليه الحول فأخذ منه جزءا لا يجب في مثله الزكاة] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب الزكاة والصيام قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم - وسئل: عن رجل له على رجل مائتا درهم قد حال عليها الحول، فأخذ منها دنانير لا تجب في مثلها الزكاة، أو كانت له عليه عشرون دينارا، فأخذ منه صرف دراهم لا تجب في مثلها الزكاة، أعليه أن يزكي ذلك، قال: ليس عليه زكاة، إلا أن يأخذ مكان الذهب من الدراهم ما تجب فيه الزكاة، أو مكان الدراهم من الذهب ما تجب فيه الزكاة، فيزكي ذلك؛ فأما ما لم تجب فيما يأخذ الزكاة فلا زكاة عليه؛ ولو كان ذلك عليه، لكان عليه أن يزكيها عند الحول - ولم يقبضها. قال: ولو كان وهبها له، أو تصدق بها عليه، أو أخذ بها منه عرضا، لم يكن عليه فيها زكاة، وقاله أصبغ، وقال أشبه شيء به، والحجة فيه وعنه أخذ العرض، أنه لا يزكي عنها مكانه، ولا تقوم العروض، ولا يزكي ثمن العروض إذا باعه حتى يحول على ثمنه الحول، وفيه ما تجب في مثله الزكاة؛ قال أصبغ: قيل لابن القاسم: أرأيت إن كانت دراهمه عليه أقل من مائتي درهم، أو دنانيره أقل من عشرين دينارا، فأخذ في الدنانير من الدراهم مائتي درهم، وفي الدراهم من الدنانير عشرين دينارا، قال: أرى عليه الزكاة في الوجهين جميعا - كانا من

مسألة: استودع وديعة فأسلفها رجلا فأقامت سنين

بيع أو سلف قرض؛ فهو سواء يزكي إذا أخذ مائتي درهم، أو عشرين دينارا، إذا كانت السلعة في أصل البيع كانت لتجارة. وقال أصبغ: وإنما هو رجل أفاد عشرة دنانير، فأقامت عنده حولا، ثم اشترى بها مائتي درهم فليزك؛ لأن فضلها منها، وقد أقرضت بفضلها أو أفاد مائة درهم فأقامت عنده حولا، ثم صرفها بعشرين دينارا، فعليه فيها الزكاة مكانه، بمنزلة من أفاد عشرة دنانير، فاشترى بها سلعة فنمت بفضلها إلى ما تجب فيه الزكاة، ففيها الزكاة. قال محمد بن رشد: أما المسألة الأولى، وهي الرجل يكون له من الدنانير أو الدراهم دينا على رجل ما تجب فيه الزكاة فيحول عليه الحول، ثم يأخذ منه بذلك ما لا تجب فيه الزكاة من (الدنانير أو الدراهم، أو ما لا تجب فيه الزكاة من) العروض؛ أنه لا زكاة عليه في الدنانير ولا في الدراهم، ولا في العروض، حتى يبيعها ويستقبل بثمنها حولا، معناه إن كان أخذها للقنية فلا اختلاف في ذلك في المذهب، وابن شهاب يرى عليه زكاة الدين إذا حال عليه الحول، وإن لم يقبضه؛ وروي ذلك عن ابن عمر، ولذلك قال أشهب: إنه إن زكاه قبل أن يقبضه أجزأه؛ فعلى قولهما لا تسقط عنه الزكاة في ذلك - وإن أخذ فيه أقل مما تجب فيه الزكاة أو عروضا؛ وأما المسألة الثانية إذا كان له عليه أقل مما تجب فيه الزكاة، وقد حال عليه الحول فأخذ منه ما تجب فيه الزكاة، فقوله فيها: أن عليه الزكاة، هو على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على أحوال أصول الأموال، وقد ذكرنا في أول مسألة من سماع ابن القاسم ما في ذلك من الاختلاف في المذهب موعبا - وبالله التوفيق. [مسألة: استودع وديعة فأسلفها رجلا فأقامت سنين] مسألة قال ابن القاسم: فيمن استودع وديعة فأسلفها رجلا، فأقامت سنين، أنه يزكيها إذا قبضها؛ لأنه كان ضامنا لها فصارت دينا له،

مسألة: أكرى داره ثلاث سنين جملة بمائة دينار كيف يزكي

وقاله أصبغ، وقال: يزكيها لسنة واحدة وهو بمجرى سبيل الديون التي له. قال محمد بن رشد: أما المودع الذي أقرضها، فيزكيها لسنة واحدة إذا قبضها إن كان له بها وفاء، قد حل عليه الحول باتفاق، أو لم يحل عليه على ما تقدم من الاختلاف في رسم "استأذن" من سماع عيسى؛ وأما الذي أقرض إياها، فيزكيها لكل سنة عنده - إن كان له بها وفاء؛ وأما صاحبها المودع، فيزكيها إذا قبضها زكاة واحدة لجميع السنين التي كانت عند المقرض - كان له بها وفاء أو لم يكن؛ لأنها ماله، وما أقامت بيد المودع قبل أن يقرضها فعليه زكاتها لكل سنة، إلا على رواية ابن نافع عن مالك التي ذكرناها في رسم "استأذن"، وهو شذوذ في المذهب، وبالله التوفيق. [مسألة: أكرى داره ثلاث سنين جملة بمائة دينار كيف يزكي] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عمن أكرى داره ثلاث سنين جملة بمائة دينار في كل سنة، فحلت أول سنة، فلم يقبضها ولا الثانية؛ ثم قبض ثلاثمائة بعد الثلاث سنين، كيف يزكي؟ قال: يستقبل بها حولا كلها من يوم قبضها، وليس في ذلك اختلاف من قول مالك بمنزلة ما لو باع سلعة بثمن حال، فاستأخر حتى قبضه بعد سنة، فإنما يستقبل به من يوم يأخذه حولا، أو بمنزلة الدين ورثه من أبيه على رجل فأخره قبله أرفقه به حتى مضت ثلاث سنين؛ فإنما يستقبل به من يوم يأخذه حولا، ثم قال لي في الأولى: إلا أن يكون فعل ذلك هربا من الزكاة، قال أصبغ: ليس استثناؤه هذا بعلم ولا شيء سوى فعله ها هنا هربا من الزكاة أو غير هرب، أو متعمدا أو غير متعمد، وقادرا على أخذه أو غير قادر، هي والثانية سواء، وليس عليه في ذلك

مسألة: يدفع إلى الرجل المال قراضا فيقيم في يديه سنين ثم يرجع إليه

زكاة، وإنما يستقبل بذلك كله حولا من يوم يقبضه، ولا يعبأ بما مضى قبل ذلك من الأحوال ولا غيرها، أو بما يقبض منه لما تجب فيه الزكاة إن قبضه مقطعا؛ قال أصبغ: وليس في هذا كلام ولا اختلاف. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هو القياس: ألا فرق بين الأولى، وهي التي باع سلعة بثمن حال، فاستأخر حتى قبضه بعد سنة، وبين الثانية وهي التي ورث الدين عن أبيه على رجل فأخره به (في) أن لا زكاة عليه فيهما - وإن فعل ذلك هربا من الزكاة؛ لاستوائهما في أن الزكاة لا تجب عليه فيهما إلا بعد سنة من يوم القبض، ووجه قول ابن القاسم في تفرقته بينهما: أن الدين في المسألة الأولى من بيع باعه، وقد قال ابن الماجشون والمغيرة: إن العروض المقتناة إذا بيعت بثمن مؤجل، فاقتضى بعد حول، زكى مكانه كدين التجارة؛ وقال ابن شهاب، وعبد الله بن عمر: في إحدى الروايتين عنه أن الدين يزكى، وإن لم يقبض؛ ومن فعل هربا من الزكاة ما يجب عليه به الزكاة في قول قائل، فهو بخلاف من فعل هربا ما يسقط عنه الزكاة باتفاق، وهذا أصل يعتمد عليه؛ ألا ترى أن من كانت له دنانير تجب فيها الزكاة، فاشترى بها عرضا لا غرض له فيه إلا الهروب من الزكاة لم يجب عليه شيء بإجماع؛ وأما المسألة الأولى وهي التي أكرى داره ثلاث سنين جملة بمائة دينار في كل سنة، فلا اختلاف فيها من قول مالك - كما قال - وإن فعل ذلك هربا من الزكاة؛ لأن الكراء غلة، فهو بخلاف ثمن السلعة في المسألة التي بعدها، وبالله التوفيق. [مسألة: يدفع إلى الرجل المال قراضا فيقيم في يديه سنين ثم يرجع إليه] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: سألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل المال قراضا فيقيم في يديه سنين، ثم يرجع إليه، قال:

يزكيه لما مضى من السنين؛ قال ابن القاسم: وإنما أراد بذلك إذا كان المقارض يدير المال في تلك السنين، على ذلك حملناه، وهو الذي أراد، فأما إذا كان لا يدار، فزكاة سنة واحدة إذا رجع إليه، وإن كان العامل لا يدير، ورب المال ممن يدير، زكاه للسنين كلها. قال أصبغ: قلت لابن القاسم: وكيف ذلك: أبعد أن يرجع إليه؟ أم في كل سنة يقومه مع ما يدير ويقوم؟ فقال: بل في كل سنة يقومه مع ما يدير، ويقوم من ماله هو أحب ما فيه إلي - إن كان عينا موقوفا بحاله بيد العامل زكاه ربه كل سنة على عدده؛ أو إن كان في سلعة قومها كلها إذا جاء شهر زكاته، فزكى بقدر رأس المال وحصته من الفضل؛ وإن كان المقارض عنه غائبا ببلد غيبة لا يدرى كيف حالته فيها، ولا ما حدث عليه، ولا حال ما في يديه، فلا زكاة عليه حتى يعلم ذلك، أو يرجع إليه؛ فإذا رجع إليه زكاه للسنين الماضية على قيمة السلع في تلك السنين - إن كان في سلع، رأيته بمنزلة الرجل الذي يجهز إلى بعض البلدان، ويجيء شهر زكاته ولا يدري حال ماله ذلك، فلا زكاة عليه حتى يرجع إليه علم ذلك؛ فإذا جاءه ذلك زكاه للسنين الماضية التي كان الجهاز فيها غائبا، وقاله أصبغ، وقال: هذا فقه هذه المسألة مجتمع. قال محمد بن رشد: قول مالك في أول المسألة: إن القراض إذا رجع إلى ربه بعد أعوام، يزكيه لما مضى من السنين إن كان على ما فسر ابن القاسم - يريد أن يزكي لكل سنة قيمة المتاع فيها، كانت قيمته في كل سنة أقل من قيمته في السنة التي قبلها أو أكثر - على ظاهر قوله: يزكيه لما مضى من السنين، وهو ظاهر ما في القراض من المدونة، وقد قيل: إنه إذا زاد في كل سنة يزكيه على

ما هو عليه من الزيادة، وإذا نقص يزكيه للأعوام الماضية على ما رجع إليه من النقصان، وأنه هو الذي يأتي على ما في سماع أبي زيد من كتاب القراض، ومثل ما في كتاب القراض من المدونة، وعلى ظاهر هذه الرواية، ورواية عيسى عن ابن القاسم من كتاب القراض من أن مال القراض لا يزكى - وإن كان حاضرا - إلا بعد المفاصلة؛ لأن العلة في أنه لا يزكى إلا بعد المفاصلة مخافة النقصان، إذ لو كان لا يسقط عنه زكاة ما نقص، لم يكن لتأخير إخراج الزكاة إلى حين المفاصلة معنى، فعلى هذا إن كان المال في أول سنة ثلاثمائة، وفي السنة الثانية مائتان، وفي الثالثة مائة، يزكي مائة، مائة لكل سنة، وقد جاء لابن حبيب في هذا (المعنى) اضطراب، ومن قوله أيضا: إن رب المال إذا كان يدير، والعامل لا يدير - وهو حاضر معه، أو غائب عنه، وهو يعلم ما في يده؛ فإنه يقوم كل سنة ما بيد العامل، فيزكي جميعه: رأس المال وجميع الربح، بخلاف رواية أصبغ هذه أنه يزكي رأس المال، وحصته من الربح، ويخرج زكاة ذلك من ماله، لا من مال القراض على قولهما جميعا؛ وأما إذا كان العامل مديرا فلا اختلاف في أنه يزكي رأس المال، وجميع الربح من مال القراض، ولا في أنه لا يزكيه حتى يرجع إليه فيزكيه للأعوام الماضية، وقول ابن القاسم في رواية أصبغ هذه: وإن كان العامل لا يدير، ورب المال يدير، زكاه للسنين كلها ظاهره وإن كان الذي بيد العامل الأكثر، إذ لم يفرق بين ذلك، خلاف قول عيسى بن دينار الواقع في سماع أبي زيد، وأما إن كانا غير مديرين، فلا زكاة عليه فيما بيد العامل حتى يرجع إليه فيزكيه زكاة واحدة، وبالله التوفيق.

مسألة: زكاة الدار المعدة للتجارة

[مسألة: زكاة الدار المعدة للتجارة] مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول فيمن اشترى دارا للتجارة، فلما حل الحول باع النقض بمائة والمصاريع، ثم باع الدار بعد ذلك بمائة دينار، إنه يزكي جميع ذلك كله؛ قال أصبغ: يزكي الأول حين باع ولا ينتظر به، ويزكي الثاني حين يبيع، ويكون حول كل (مال) من يوم يزكيه للمستقبل؛ قال ابن القاسم: وليس النقض والمصاريع بفائدة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن النقض والمصاريع ليس بغلة من الدار، فتكون فائدة، وإنما هي بعضها؛ فذلك كمن اشترى سلعتين للتجارة فباع إحداهما بمائة دينار بعد الحول، ثم باع بعد ذلك الأخرى بمائة أخرى، فقول أصبغ تفسير لقول ابن القاسم وتتميم له. [له على رجل مائة دينار فدخل عليها الحول] مسألة وسئل: عن رجل له على رجل مائة دينار، فدخل عليها الحول، ولرجل آخر على صاحب المائة مائة دينار - وقد حال عليها الحول، فأحاله على الذي له عليه المائة، أعلى المحيل بها فيها زكاة؟ قال: نعم، يزكيها. قال أصبغ: لأنه كقبضها لو قبضها من صاحبها، قيل لابن القاسم أفعلى المحتال فيها زكاة؟ قال: نعم. قال أصبغ: لأنه كقبضه إياها من صاحبها، وهو دين قد حال؛ ولا يبالي إذا قبضها ممن قبضها، وهو أقوى من الآخر، وأبين في الزكاة - وإن لم يكن عند واحد منهما وفاء فيها.

قال محمد بن رشد: قوله: وإن لم يكن عند واحد منهما وفاء بها، مطروح في بعض الروايات، وطرحه صواب؛ لأنه خطأ من أجل أن المحيل له مائة، وعليه مائة فلا زكاة عليه في المائة التي له قبضها من التي عليه، أو أحال بها عليه الذي له عليه المائة، إلا أن يكون له وفاء بالمائة التي عليه؛ وأما المحتال، فالمائة التي استحال بها دين له على المحيل يجب عليه زكاته إذا قبضه منه، أومن المحال عليه؛ ولا يشترط أن يكون له وفاء بها، إذ ليست بدين عليه، وإنما هي دين له؛ ويجب على المحيل زكاة المائة التي له - إذا أحال بها بنفس الإحالة - وإن لم يقبضها المحتال بها؛ لأن المائة التي عليه تسقط عنه بنفس الإحالة، فيصير قابضا لها؛ فكأنه بذلك قد قبضها من الذي كانت له عليه. وتأول ابن لبابة على أصبغ أن الزكاة لا تجب عليه بنفس الإحالة حتى يقبضها المحتال بها، لقوله: لأنه كقبضها لو قبضها من صاحبها؛ فحمله على الخلاف؛ لقول ابن القاسم وهو تأويل فاسد، إذ لا وجه لمراعاة قبض المحتال فيما يجب على المحيل من الزكاة، وإنما يراعى قبضه فيما يجب عليه هو في خاصة نفسه؛ ومعنى قول أصبغ: لأنه كقبضها، يريد؛ لأن الإحالة كقبضها لو قبضها من صاحبها؛ لأنه يصير بها قابضا من نفسه، وهذا كله بين. قال محمد بن المواز: وعلى المحتال عليه زكاتها أيضا - إن حال عليها الحول عنده من يوم تسلفها، أو صارت عليه - إن كان له وفاء بها وهو صحيح، فيجب على المحيل زكاة المائة بنفس الإحالة - إن كان له بها وفاء، ويجب على المحال زكاة المائة إذا قبضها، لا بنفس الإحالة على كل حال، إذ لا دين عليه، ولو كان للمحال عليه على المحال مائة قد حال عليها الحول أيضا، فقاصه بها، لوجب على كل واحد منهم زكاتها للمحيل بنفس الإحالة، والمحال عليه بالمقاصة إن كان لكل واحد منهم وفاء بها؛ لأن كل واحد منهم له مائة وعليه مائة، فوجب

مسألة: بعث بعشرة دنانير إلى مكة ليشترى له بها كسوة لعياله فحلت زكاته

أن يزكي المائة التي له إذا قبضها، أو صارت إليه بحوالة، أو مقاصة - وله وفاء بالمائة التي عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: بعث بعشرة دنانير إلى مكة ليشترى له بها كسوة لعياله فحلت زكاته] مسألة وسئل: عن رجل بعث بعشرة دنانير إلى مكة ليشترى له بها كسوة لعياله، فحلت زكاته وحل حولها - قبل أن يشترى بها؛ أعليه زكاتها؟ قال: نعم يزكيها. قال أصبغ: وذلك إذا لم يكن أشهد عليها لمن أمر أن يشتري له بها، فإن أشهد، خرجت من ماله؛ لأنه لو مات قبل رجوعها، كانت ثابتة لمن أشهد له، فلا زكاة فيها؛ قال: وسألناه عن رجل حال الحول على ماشيته، فلم يأته الساعي فعزل لعياله ضحايا وقسمها، ونحو هذا، ثم جاءه الساعي يوم النحر قبل الذبح؛ قال: إن كان أشهد عليها، فلا زكاة عليه فيها، وإن كان لم يشهد ففيها الزكاة، أنظر أبدا ما كان لو مات كانت ثابتة لمن جعلها له، فلا زكاة عليه فيها، وكل ما لو مات لم يكن لمن جعلها له فهي مال من ماله، فيها الزكاة. قال أصبغ: فالأول مثل هذا - وهما سواء وقال أبو زيد: عن ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: وجه تفرقة ابن القاسم بين المسألتين ظاهر، وقوله في المسألة الأولى أصح من قول أصبغ؛ لأن تفرقة زكاة العين إلى صاحبه فهو مصدق فيما (يذكره مما) يسقط عنه الزكاة فيها؛ لأنها موكولة إلى أمانته؛ فإن قال: إن الدنانير التي بعث بها ليشتري بها كسوة لعياله كان قد بتلها

يتسلف مالا فيشتري به سلعة وذلك قبل حلول حوله بشهرين

لها، لم يكن عليه فيها زكاة: أشهد، أو لم يشهد؛ لأن ذلك فيما بينه وبين الله. وإن قال: إنه لم ينو تبتيلها وجبت عليه زكاتها؛ لأنها باقية على ملكه - وإن بعث بها ليشتري بها ثوبا لامرأته؛ لأن ذلك -من ناحية العدة، فله أن يرجع فيها ما لم يوجبها على نفسه بالإشهاد، وأما مسألة الغنم، فللساعي ألا يصدقه فيما يدعيه فيها مما يسقط زكاتها الواجبة عليه فيها، لحلول الحول، وقد اختلف إذا ادعى بعد الحول أنه كان تصدق بها قبل الحول على ما في أول سماع ابن القاسم من كتاب زكاة الماشية. [يتسلف مالا فيشتري به سلعة وذلك قبل حلول حوله بشهرين] مسائل نوازل سئل عنها أصبغ قيل لأصبغ: ما تقول في الرجل يتسلف مالا فيشتري به سلعة، وذلك قبل حلول حوله بشهرين أو ما أشبهه، أو لا يشتري به سلعة فيحول عليه الحول؛ أيزكيه - إن كان ناضا، أو (يقوم) ما اشترى به من السلع، فيزكيها مع ما يزكي من ماله؟ قال أصبغ: هو كسائر ماله - إن كان له وفاء بدينه زكاه مع ماله إذا خلطه بماله، وجرت فيه التجارة قبل الحول؛ زكاه عند الحول - إن كان له وفاء غيره - إذا لم يدر، فإن كان يدير قوم عرضه مع ماله - إن كان له وفاء أيضا بدينه - وإن اشترى به، ولم ينض عند الحول. قال محمد بن رشد: هذه مسألة مخالفة لأصولهم؛ لأن الذي تسلف كالفائدة، فلا زكاة عليه فيه حتى يحول عليه الحول من يوم تسلف وله به وفاء؛ ولا اختلاف بينهم في هذا، وإنما اختلفوا إذا حال عليه الحول، وله به وفاء لم يحل عليه الحول؛ هل يزكيه الآن، أو حتى يحول الحول على الوفاء الذي له به على ما مضى من الاختلاف في ذلك في رسم "استأذن" وغيره من سماع عيسى، وكأنه

مسألة: المقارض يعمل بالمال وله مال لا تجب فيه الزكاة

تأول أنه لما تسلف السلف على ما بيده، كان كأنه منه، وذلك فاسد؛ وقد تأول بعض الناس أن الشراء هو الذي كان قبل حلول حوله بشهرين، أو ما أشبه ذلك وأن السلف قد كان من أول الحول، وهو تأويل بعيد لا تستقيم به المسألة، لقوله: زكاه مع ماله إذا خلطه بماله وجرت فيه التجارة قبل الحول، إذ لو كان السلف من أول الحول لوجبت عليه فيه الزكاة بحلول الحول إذا كان له به وفاء خلطه بماله وجرت فيه التجارة أو لم يخلطه به ولا جرت فيه التجارة. [مسألة: المقارض يعمل بالمال وله مال لا تجب فيه الزكاة] مسألة قيل لأصبغ: أرأيت المقارض يعمل بالمال سنة فيفاصل صاحبه ويقبض حصته من الربح - وله مال لا تجب فيه الزكاة، وقد حال عليه الحول، إلا أنه إذا جمع إلى ما ربح في القراض صار به ما يجب في مثله الزكاة، هل يضمه إلى ربح هذا القراض، فيزكيه معه؟ قال: لا يكون له أن يضمه إلى فائدة إن كانت عنده لم يجب فيها شيء، ولهذه يستدل على المساقي يصير في حصته من التمر وسقان، ويجد من نخله ثلاثة أوسق، أن عليه أن يزكي ما صار له، فهذه وتلك سواء على العامل أن يزكي ما صار له واجب، فلما كان ذلك عليه لم يضف إلى غيره، وكان هذا بزكاته وسنته، وهذا بزكاته وسنته. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة لأصبغ في نوازله من كتاب القراض أيضا بزيادة ألفاظ فيها بيان، ومراده في الموضعين أن المقارض لا يضم ما له من مال قد حال عليه الحول ولا يبلغ ما تجب فيه الزكاة ـ إلى ما ربح في القراض فيزكيه مكانه - إن كان يبلغ بإضافته إليه ما تجب فيه الزكاة - وإن كان قد زكى الربح، ولكنه يضيفه إليه ويستقبل به حولا، كما أن المساقي إذا

مسألة: أعتق من زكاة ماله عن المسلمين رقبة لا تجوز في الرقاب أعليه بدلها

صار له من التمر في حصته وسقان، وجد من نخل له ثلاثة أوسق، لا يضيف الثلاثة الأوسق إلى الوسقين فيزكيها، وإنما يزكي الوسقين خاصة - إذا كان لصاحب الحائط ما إذا أضافه إلى الوسقين وجبت فيه الزكاة؛ وهذا ما لا أعلم فيه نص خلاف؛ لأن الربح إنما يزكيه العامل في القراض على ملك رب المال، وكذلك حظه من تمر الحائط في المساقاة، إنما يزكيه على ملك رب الحائط؛ ألا ترى أنه يزكي حظه من الربح، وحظه من تمر المساقاة - وإن كان لا يبلغ ذلك ما تجب فيه الزكاة؛ فوجب ألا يضيف إلى ذلك ما يزكيه على ملكه، وأن يكون يفرق هذا على سنته، وهذا على سنته؛ وقوله: فهذه وتلك سواء على العامل أن يزكي ما صار له واجب، أي عليه أن يزكي ما صار له من الثمن في المساقاة بإضافته إلى ما صار لصاحب الحائط، فلما كان عليه أن يزكي ذلك، وإن كان لا يبلغ ما تجب فيه الزكاة، لم يضف إلى ذلك الثلاثة الأوسق، ولا كان عليه فيها زكاة، وكان هذا على سنته، وهذا على سنته. [مسألة: أعتق من زكاة ماله عن المسلمين رقبة لا تجوز في الرقاب أعليه بدلها] مسألة قيل لأصبغ: فلو أعتق رجل من زكاة ماله عن المسلمين رقبة لا تجوز في الرقاب، أعليه بدلها؟ قال: نعم عليه بدلها من أجل أن الإمام لو كان هو المعتق، لم يكن ليعتق عن المسلمين كافرا ولا ذميا؛ وإنما يعتق عنهم من يستعاض بولائه من ثمنه، ويكون رغبة وثروة وزيادة؛ قيل له: فلو اشترى مدبرا أو مكاتبا فأعتقه، أيجزئ أم لا - وهو الآن لا يرده إلى ما كان عليه، وقد بطل ما كان فيه وصار عتيقا، وصار ولاؤه للمسلمين؟ قال أصبغ: أما قول مالك الأول حين كان يقول: يرد ذلك ولا يجوز، فهو لا يجزئه، وأما قوله الذي رجع إليه حين قال ذلك جائز، ويمضي العتق، فهو يجزئه؛ لأن ذلك العيب الذي كان

مسألة: له دار فباع الطعام كله بثلاثين دينارا أكان يضع عنه ذلك الزكاة

يكره قد زايله وخرج منه، ولكن أحب إلي أن لو أبدله من غير وجوب. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: أنه لا يجوز للرجل أن يعتق من زكاته إلا رقبة تجوز في الرقاب؛ لأن اللفظ في ذلك سواء في القرآن، ولا يجوز للرجل أن يعتق في شيء من ذلك مكاتبه ولا مدبره ولا أم ولده؛ فأما إن اشترى مكاتبا أو مدبرا لغيره، فأعتقه؛ فذلك جار على ما ذكر من اختلاف قول مالك، وسواء عندي اشتراه - وهو يظنه عبدا، فدلس له بذلك البائع، أو اشتراه وهو يعلم أنه مكاتب أو مدبر، يدخل في ذلك الاختلاف المذكور إذا اشتراه من زكاة ماله فأعتقه، وأما إذا اشتراه في رقبة واجبة عليه فأعتقه، فإن كان عالما فلا ينبغي أن يجزيه؛ لأن ذلك بمنزلة شرائه إياه بشرط العتق، وإن كان لم يعلم، وإنما دلس له بذلك البائع، جرى ذلك على الاختلاف المذكور، يبين ذلك ما وقع من الاختلاف في ذلك في سماع أصبغ من كتاب الوصايا، ومن كتاب العتق، فقف على ذلك وتدبره؛ وما وقع في رسم "صلى نهارا ثلاث ركعات" من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات من إجازة شراء المدبر ابتداء في الزكاة، يحتمل أن يكون معناه أن المدبر كان بيع في موضع يجوز بيعه (فيه) - والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: له دار فباع الطعام كله بثلاثين دينارا أكان يضع عنه ذلك الزكاة] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن رجل ابتاع طعاما بمائة

دينار وحمله إلى بلد بثلاثين دينارا، فلزمه الكراء فباع (منه) بثلاثين دينارا للكراء، وحبس ما بقي؛ قال: عليه أن يزكي تلك الثلاثين دينارا، وأن ما باع من الطعام بمنزلة أن لو كان له دار، فباع الطعام كله بثلاثين دينارا في دين عليه لكراء أو غيره؛ أكان يضع عنه ذلك الزكاة؟ فأرى الزكاة عليه؛ لأن ما بقي من طعامه فيه وفاء لدينه، بمنزلة الدار؛ فإذا باع الطعام، لم يكن عليه زكاة في الثلاثين دينارا التي كانت عرضا لديه؛ وما باع به أكثر من ذلك، زكاه مع الثلاثين التي زكاها أولا التي قضى - وإن كان الذي يفضل عن الثلاثين أقل مما فيه الزكاة؛ لأنها من الأولى. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يزكي الثلاثين دينارا التي باع للكراء، ويجعل الدين الذي عليه للكراء فيما بقي من الطعام، صحيح؛ لا خلاف فيه؛ لأن الطعام قد حال عليه الحول، فلا يدخل في ذلك من الخلاف ما يدخل في الذي عليه مائة دينار (دين، وله) مائتان حل حول إحداهما، ولم يحل حول الأخرى؛ ولا يكون له أن يجعل الدين الذي كان عليه للكراء فيما باع من الطعام، فلا يزكيه كما يكون له أن يجعل المائة التي عليه في المائة التي حال حولها، فلا يزكيها على الصحيح من القولين في ذلك؛ وأما قوله: فإذا باع الطعام لم تكن عليه الزكاة في الثلاثين دينارا التي كانت عوضا لدينه، فيتخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: هذه أنه لا يزكي الثلاثين دينارا التي كانت وفاء للدين الذي كان للكراء عليه، حتى يحول الحول عليها من يوم سقط دين الكراء

مسألة: أخرج زكاة ماله فسقطت منه ثم وجدها وقد أعدم وعليه دين

عنها؛ وهذا يأتي على ما في رسم "استأذن" من سماع عيسى في الذي يفيد فائدة، وعليه دين يستغرق ما بيده، (أنه لا يزكي ما بيده) حتى يحول الحول على الفائدة من يوم أفادها؛ وعلى ما في المدونة لمالك فيمن كان بيده مال وعليه دين مثله، فوهب له بعد أن حال الحول على ما بيده، أنه لا زكاة عليه فيها بيده حتى يحول عليه الحول من يوم سقط الدين عنه، والقول الثاني: أنه يزكي جميع ثمن ما بقي من الطعام بعد ما باع منه الدين ساعة بيعه قرب ذلك أو بعد، لسقوط الدين عنه، وهذا يأتي على قول غير ابن القاسم في المدونة، وعلى ما يلزم ابن القاسم على أصله في مسألة رسم "العرية" من زكاة المائة الثانية إذا حل عليها الحول، وجعله الدين في المائة التي كان زكاها، وهذا تفسير معنى قول ابن أبي زيد في النوادر عقب هذه المسألة، وهذا على قول من قال في المائتين حولهما مختلف، وعليه مائة يزكي مائة واحدة؛ ولو كان له عروض سوى الطعام تفي بالثلاثين دينارا، لزكى جميع ثمن الطعام قولا واحدا، ولو كان مديرا لقوم جميع الطعام إذا حال عليه الحول، فأسقط منه الثلاثين التي عليه للكراء، وزكى الباقي - إن لم يبعه، ولم يكن في ذلك كلام، ولا اختلاف؛ فهذه المسألة يفترق فيها حكم المدير من غير المدير؛ لأن غير المدير يزكي الثلاثين مرتين على ما ذكرناه من أحد القولين، وأما مسألة رسم "العرية" من سماع عيسى، فمن قال: إن حكم المدير يختلف فيها من غير المدير فقد أخطأ - وبالله التوفيق. [مسألة: أخرج زكاة ماله فسقطت منه ثم وجدها وقد أعدم وعليه دين] مسألة وقال: في رجل أخرج زكاة ماله، فسقطت منه، ثم وجدها وقد أعدم وعليه دين؛ قال: لا يكون لأهل الدين فيها شيء. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال أنه ليس لأهل الدين فيها شيء،

يدير بعض ماله ولا يدير بعضه كيف يزكيه

لأنها للمساكين؛ إلا أن يكون قد أداها إليهم لما تلفت، فتكون إذا وجدها لأهل دينه - وبالله التوفيق. [يدير بعض ماله ولا يدير بعضه كيف يزكيه] من مسائل سئل عنها عيسى بن دينار قال عيسى بن دينار في الذي يدير بعض ماله، ولا يدير بعضه، ولكن يشتري به السلعة فتربص بها النفاق، ولا يشتري به شيئا، وقد أخرج من ماله صدرا سواه يديره، قال: إن كان الذي يدير هو الأقل، والآخر الأكثر، فليزك الذي يدير على الإدارة، والآخر على غير الإدارة؛ وإن كان الذي يدير هو الأكثر والآخر الأقل، فليزكه كله على الإدارة؛ وسئل أصبغ، فقيل له: الرجل يدير صدرا من ماله النصف أو الثلثين، وسائر ماله بحاله لا يحركه، أو لعله أن يشتري به الأنواع من التجارة، يرتصد بها الأسواق في أيامها، أو يكون له المال فيسلف رجلا نصفه، ويتجر بنصفه على حال الإدارة؛ فيقيم الدين على حاله، هل يزكيه كله زكاة الإدارة؟ قال أصبغ: إن كان حين شغل ما شغل للإدارة، إنما (أبقى) الباقي عنده لمثل ذلك إن رأى ذلك، فليزكه زكاة الإدارة، وإن كان حين شغل ما شغل على عزم أن الباقي لا يدخله في الإدارة أبدا ولا حاجة له بذلك، ولا نواه، فليزك الذي شغل على الإدارة والآخر على سنته. قال محمد بن رشد: في الواضحة لمطرف وابن الماجشون: إن المالين كانا متناصفين، زكي كل مال منهما على جهته، وإن كان أحدهما أكثر فللأقل

حكم الأكثر، وقد تأول ابن لبابة ما في المدونة على أنهما يزكيان جميعا على الإدارة - كان الذي يدار هو الأقل أو الأكثر، وهو ظاهر ما مضى في سماع أصبغ قبل هذا؛ فهذه أربعة أقوال، والقياس أن يزكي كل مال على سنته، كانا متناصفين أو أحدهما تبعا لصاحبه؛ لأن الأصل في عروض التجارة ألا زكاة فيها حتى تباع، إذ لا زكاة إلا في الحرث، والعين، والماشية، فلما كان الذي يدير ماله، لا يقدر على أن يحفظ أحواله، أمر أن يجعل لنفسه شهرا من السنة، فيقوم فيه ما عنده من العروض ويضيفه إلى ما بيده من المال، فيزكي جميع ذلك؛ فإذا كان للرجل مالان يدير أحدهما ولا يدير الآخر، وجب أن يزكي الذي لا يدير على سنة التجارة، لكونه قادرا على حفظ أحواله، والذي يدير على سنة الإدارة، لكونه غير قادر على حفظ أحواله، وقول عيسى بن دينار إنه إذا كان الذي يدير هو الأكثر، زكاه كله على الإدارة، استحسان واحتياط للمساكين على غير قياس؛ لأنه إذا زكى (ما لا يدار - وإن قل - على سنة الإدارة، فجعل مخرجا لزكاة العرض قبل بيعه، ولزكاة الدين قبل قبضه، وقد قال ابن القاسم في المدونة: أما من فعل ذلك لم يجزه، وكان كمن أدى زكاة ماله قبل أن يحول عليه الحول، وظاهر معنى المدونة وسماع أصبغ من أنه يزكي) المالين جميعا على الإدارة - وإن كان الذي يدار هو الأقل - إغراق في الاستحسان، وقول أصبغ قريب منه في الاستحسان؛ لأنه يزكيهما جميعا في مذهبه على الإدارة - وإن كان الذي يدار هو الأقل، إلا أن يكون ما أبقى منه ولم يدخله في الإدارة، أبقاه على عزم أنه لا يدخله في الإدارة، وأما قول مطرف وابن الماجشون: إن الأقل تبع الأكثر، فهو كلام خرج على غير تدبير ولا تحصيل، إذ لا يستقيم أن يزكي ما يدار على غير الإدارة، كما يستقيم أن يزكي ما لا يدار على الإدارة؛ لأن الذي يدير يبيع ويشتري، وغير المدير يزكي - إذا باع، إلا أن يكون معناه في الذي

يبيع العروض بالعروض، ولا ينض له ما تجب فيه الزكاة؛ وفي قول عيسى بن دينار لفظ فيه نظر، وهو قوله أولا يشتري به شيئا؛ لأن العين ما لم يشتري به شيئا، فحكمه حكم المدار في أنه تجب زكاته في كل عام؛ ومثله قول أصبغ وسائر ماله بحاله لا يحركه، فتدبر ذلك، وقف عليه، وبالله التوفيق. * * *

كتاب زكاة الماشية

[كتاب زكاة الماشية] [تصدق على ابن له بغنم فحازها هل يضمها إلى غنمه في الزكاة] من سماع ابن القاسم من كتاب أوله شك في طوافه وسئل عن رجل تصدق على ابن له بغنم فحازها له ووسمها وجعلها في غنمه، فهي إن ضمها مع غنمه كان فيها شاتان، وإن أفردها لم يكن فيها إلا شاة واحدة، أترى أن يضمها مع غنمه؟ قال: لا أرى أن يضمها معها؛ قال: قلت: أرأيت لو ضمها - وقال للمصدق إذا جاءه: ليس لي منها إلا كذا وكذا، وسائرها تصدقت به على ولدي؛ أفترى للساعي أن يقبل قوله ويصدقه، قال: نعم، يصدقه إذا كانت على صدقته بينة. قال سحنون: لم يصدقه إذا قال

إن كانت على صدقته بينة - ولم يكن في كتابه، وإنما هو في رواية عيسى. قال محمد بن رشد: معنى قوله: يصدقه إذا كانت على صدقته بينة، أنه يصدق على تعيين الغنم المتصدق بها - إذا شهدت له بينة على الصدقة، ولم تعينها، وظاهر قول سحنون أنه مصدق، وإن لم تكن له بينة أصلا، وهو استحسان في الزكاة على غير قياس في الحقوق؛ لأنه قد أقر أن الغنم كانت له وادعى من صدقته بها على ابنه ما يسقط عنه الزكاة في غنمه، واختلف في تصديقه: فقيل بيمين، وقيل بغير يمين، وقيل: إن كان متهما أحلف، وإلا لم يحلف، وقد تؤول أن ذلك ليس باختلاف، وأن القول الثالث يبين القولين الأولين، فيرجع الأمر إلى ألا يحلف إلا المتهم، وهذا التأويل صحيح فيمن ظهر له مال - وادعى ما يسقط الزكاة عنه فيه؛ وأما من لم يظهر له مال - وادعى عليه الساعي أنه غيب ماله، فإن كان ممن لا يتهم، لم يحلف باتفاق؛ وإن كان ممن يتهم، فقيل: إنه يحلف، وقيل: إنه لا يحلف - وهي رواية ابن أبي أويس عن مالك؛ والدليل على وجوب تحليف من اتهم في زكاته - وإن كانت الزكاة من حقوق الله التي تعد عبادة؛ ما روي «عن ابن عباس في قَوْله تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] . قال: كانت المرأة - إذا أتت النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لتسلم، حلفها بالله عز وجل ما خرجت من بغض زوجها؛ وبالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت، إلا حبا لله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

مسألة: الأسنان المحدودة للأخذ في الزكوات

وسلم-» . ولو ادعى أنه تصدق بها على ابنه بعد أن حال عليها الحول قبل أن يأتيه الساعي، كان للساعي ألا يصدقه، ويأخذ منه الزكاة، إلا أن يقيم على ذلك بينة على ما في سماع أصبغ قولا واحدا. [مسألة: الأسنان المحدودة للأخذ في الزكوات] مسألة قال مالك: حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث رجلا مصدقا، فأتى إلى رجل، فإذا عليه بنت مخاض، فقال: والله ما كنت أول من أعطى ما لا يحلب ولا يركب، فأعطى كبيرة، فأبى أن يأخذها، وقال لم أؤمر بذلك، فأقبل الرجل مع الذي بعثه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فذكر للنبي الذي عرض عليه، فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأخذها منه، قال: ودعا له النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالبركة في إبله؛ قال: فنمت وكثرت» قال: فإنه ليعرف فيها دعوة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى اليوم. قال محمد بن رشد: في هذا الحديث أن الأسنان المحدودة للأخذ في الزكوات، ليست بحد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، كعدد ركعات الصلوات؛ وإنما هي حد في أن لا يؤخذ من أحد فوقها إلا برضاه، وهذا ما لا خلاف فيه - وبالله التوفيق. [مسألة: لا يرد عليه الساعي لبعده من موضع مياه الناس] ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته قال: وسئل عمن لا يرد عليه الساعي لبعده من موضع مياه الناس التي يجمعون عليها مواشيهم للسعاة، فهم لا يجلبون على

الساعي، والساعي لا يأتيهم؛ قال: أرى عليهم أن يجلبوا إلى المدينة ما عليهم من الزكاة، فقيل له: إنها ضعاف، ويخاف عليها أن تنكسر، وليس مثلها يجلب؛ وإن انكسر منها شيء، تكلفت مرة أخرى؛ قال: لابد من جلبها، أو يصطلحون على قيمتها؛ قلت: أرأيت إن جلبوها، فقال الساعي: ليس فيها وفاء؛ قال: لا ينظر إلى قوله، وينظر في ذلك؛ فإن كان ما جلبت فيها وفاء، وهي مما تجوز في الصدقات، أخذت منك، قال: إنه يعتل علي ويقول: إن السن قد يكون واحدا، وبينهما في القيمة دنانير. قال: إذا جلبت ما يجوز في الصدقة - وفيه وفاء قبل منك، ولم ير بالقيمة في مثل هذا أن يشتري صدقته بقيمتها بأسا. قال محمد بن رشد: إنما وجب عليهم أن يجلبوا إلى المدينة ما عليهم من الزكاة، لبعدهم بمواشيهم عن موضع مياه الناس التي يجتمعون عليها بمواشيهم إلى حيث لا تمر إليه السعاة؛ لأن السنة أن يخرج السعاة إلى حيث يجتمع الناس بمواشيهم على مياههم، ولا يلزمهم أن يتبعوا من بعد بماشيته، كما لا يلزم صاحب الماشية، أن يسوق صدقته إلى الساعي - وهو جالس ببلده؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، فوجب بظاهر قوله عز وجل أن تؤخذ الزكاة من المال، حيث هو إلا أن يبعد به، فيجب عليه أن يسوق زكاته إلى السعاة، أو يصطلح معهم على القيمة - كما قال، وخفف أخذ القيمة في ذلك، لما يخاف من انكسارها في جلبها؛ لأن إعطاء القيمة فيها شراء منه لها، ومالك يكره للرجل شراء صدقته - اتباعا لابن عمر في كراهية ذلك؛ ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه. » وقد روي إجازة ذلك عن عمر بن الخطاب،

مسألة: الساعي يأخذ من قوم ظلما هل لهم أن يحسبوا في صدقاتهم

وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وجماعة من السلف. والوجه في إجازة ذلك، قصر الحديث على صدقة التطوع؛ لأنه خرج عليه، وذلك «أن عمر بن الخطاب كان حمل على فرس في سبيل الله، أراد أن يبتاعه من الذي كان عنده برخص، إذ كان قد أضاعه، فسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فقال له: لا تشتره - وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته، كالكلب يعود في قيئه» . وأيضا فإن الصدقة التي أعطى فيها القيمة، لم تتعين بعد للمساكين، ولا وصلت إليهم، فاشتراها منهم؛ وإنما اشتراها من الناظر لهم فيها، فهذا وجه تخفيف ذلك - والله أعلم. [مسألة: الساعي يأخذ من قوم ظلما هل لهم أن يحسبوا في صدقاتهم] مسألة قال: وسئل مالك عن الساعي يخرج - قبل إبان خروجه، فيأخذ من قوم ظلما، أترى أن يحسبوا في صدقاتهم؟ قال: لا - وهو ظلم ظلموا به، وعليهم الصدقة إذا حل الحول. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وفي رسم "الجواب" من سماع عيسى؛ وقد روى ابن وهب وابن أبي أويس عن مالك مثله، ورويا عنه أيضا أنه قال: تجزئه، وتلا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42] ؛ والقول الأول هو القياس؛ لأن الزكاة لا تجب إلا بمرور الحول، فإذا أخذها قبل الحول فهي مظلمة لا تسقط الزكاة الواجبة عليه بمرور الحول، وقد روى زياد، وابن نافع، عن مالك أنه سئل عن رجل أخذت منه زكاة مال لم تجب فيه الزكاة، أيجوز أن يجعله زكاة مال قد وجبت فيه الزكاة؟ قال: لا أرى ذلك، وهذا مثل الذي تؤخذ منه الزكاة قبل الحول، ووجه القول الثاني مراعاة قول من يقول: إن الزكاة تجب في المال ساعة يستفاد قبل أن يحول عليه الحول) ولو أخذت منه زكاة زرع لم يبد صلاحه، لوجب ألا يجزئه باتفاق؛ إذ لا خلاف في أن الزرع لا تجب زكاته حتى يبدو صلاحه، وقد روى زياد، وابن نافع، عن

السعاة ينزلون بالرجل الموسر فيبيتون عنده ومن شأنه أن يصدق أهل تلك القرية

مالك أن من أخذت منه زكاة زرعه قبل حصاده - والزرع قائم في سنبله، فإن ذلك تجزئ عنه - إذا لم يتطوع بها من نفسه، ومعنى ذلك - والله أعلم - إذا أخذها منه بعد أن أفرك قبل أن ييبس في المكان المختلف في وجوب الزكاة فيه - وبالله التوفيق. [السعاة ينزلون بالرجل الموسر فيبيتون عنده ومن شأنه أن يصدق أهل تلك القرية] ومن كتاب طلق ابن حبيب وسئل مالك: عن السعاة ينزلون بالرجل الموسر، فيبيتون عنده - ومن شأنه أن يصدق أهل تلك القرية، وهو ممن يريد أن يصدق ماشيته معهم، فيضيفه ويذبح له، ولعله أن يستعير منه الدابة لبعض أصحابهم إلى قرية أخرى؛ قال: ما يعجبني ذلك، وإن فيه لوجها آخر خوفا من أن يرى (من) يقتدى به يفعل ذلك، ولعله أن يصح منه، فيقول قائل: قد كان فلان يفعل ذلك، فيجر ذلك إلى ما لا يحل ولا ينبغي، والدين مثل ذلك يستضيف الرجل أهل دينه، وأنا أكره ذلك؛ وقد كان بعض من أخبر عنه يكون عليه الدين، فإذا جاءوه أجازهم وهو لا يقضيهم دينهم، فهذا كله مكروه؛ قال ابن القاسم: حسبته ابن شهاب. قال محمد بن رشد: الأصل فيما كره مالك للسعاة من هذا، ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمل ابن اللتبية أحد الأزد - على صدقات بني سليم، فلما جاء وحاسبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي؛ فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ألا جلست في بيت أبيك وأمك - حتى تأتيك هديتك، إن كنت صادقا، ثم قام في الناس - خطيبا - فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما

بعد؛ فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما (ولاني) الله عز وجل، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي؛ أفلا جلس في بيت أبيه وأمه - حتى تأتيه هديته، والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه، إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته - إن كان بعيرا له رغاء؛ أو بقرة له خوار، أو شاة تيعر» - الحديث، فمبين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا الحديث وغيره، أن ما أعطي الساعي - بسبب سعايته - عليه حرام، فلا يحل له أن يستضيف من يسعى عليه، ولا يأكل له شيئا، وأما إذا نزل بالرجل الموسر الذي من عادته وشأنه أن يضيف كل من نزل به، فأضافه وذبح له، ورأى أنه لم يفعل ذلك به بسبب سعايته، وإنما فعله على عادته مع سواه، فذلك مما يكره له - مخافة أن يكون قد زاد في قراه على عادته بسبب سعايته؛ ولئلا يقتدي به غيره أيضا، فيكون ذلك ذريعة إلى استجازة ذلك ممن لا يصح منه ذلك الفعل؛ وكذلك هدية المديان جارية على هذا السبيل، لا يحل لمن عليه دين من بيع أو سلف، أن يهدي لمن له عليه الدين هدية، ولا أن يطعمه طعاما - رجاء أن يؤخره بدينه؛ ولا يحل لمن له عليه الدين أن يقبل ذلك منه - إذا علم ذلك من غرضه، وجائز لمن عليه الدين أن يفعل ذلك - إذا لم يقصد ذلك، ولا أراده وصحت نيته فيه، كما كان يفعل ابن شهاب؛ ويكره للذي له الدين أن يقبل ذلك منه، وأن يحقق صحة نيته في ذلك - إذا كان ممن يقتدى به، لئلا يكون ذريعة لاستجازة ذلك حيث لا يجوز؛ وهذا وجه رد عمر بن الخطاب هدية أبي بن كعب، إذ أسلفه فأهدى له هدية، إذ قد تحقق أن أبي بن كعب لم يهد له لمكان ما أسلفه ليوسع عليه في السلف، إذ ليس ممن يتهم في ذلك، وبالله التوفيق.

استضافة السعاة

[استضافة السعاة] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال مالك: لا أحب للسعاة أن ينزلوا بأحد فيستضيفونهم يأكلون طعامهم، ولكن يأكلون من أرزاقهم، قيل له: فيشرب الماء؟ قال: إن ذلك لخفيف. قال محمد بن رشد: قوله: لا أحب للسعاة إذا نزلوا، لفظ فيه تجاوز، والمراد به لا ينبغي ذلك ولا يجوز، وقوله: في شرب الماء: إنه خفيف، يدل على أن أكل الطعام ثقيل فهو يبين أن لفظة لا أحب ليست على ظاهرها، وقد تقدم في الرسم الذي قبل هذا ما يبين هذا، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [سوق الناس إلى المصدق] ومن كتاب أوله كتب على رجل ذكر حق وسئل مالك: عن سوق الناس إلى المصدق، فقال: لم يزل الناس يجتمعون على مياههم؛ فأما أن يساق عليهم من المكان البعيد، فلا أرى ذلك أن يشق عليهم ولا يضيق عليهم في السوق. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم "حلف بطلاق امرأته" ما يبين معنى هذه المسألة - والله الموفق. [مسألة: المصدق يمر بالماشية فيحصيها فيجدها لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة] مسألة وقال مالك في المصدق يمر بالماشية، فيحصيها فيجدها لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة، فيرجع إليها بعد ذلك فيجدها قد بلغت بأولادها

النصاب من المال ما هو

ما تجب فيه الصدقة؛ قال: لا ينبغي له أن يأخذ منها صدقة، ولا يأخذ منها شيئا؛ لأنه لا ينبغي للمصدق أن يرجع فيها، ولا يمر بها، ولا بما مر به من الماشية، ولا يمر على الماشية في العام الواحد إلا مرة واحدة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن حول الماشية إنما هو مرور الساعي بها بعد حلول الحول عليها، فلو كان يرجع إليها بعد أن مر بها في ذلك العام، لم يكن لذلك حد، ولا انضبط لها حول، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه وبالله التوفيق. [النصاب من المال ما هو] من سماع أشهب وابن نافع عن مالك من كتاب الوصايا الذي فيه الحج والزكاة قال سحنون: قال أشهب، وابن نافع: سئل مالك عن النصاب من المال ما هو؟ فقال: خمس من الإبل، أو ثلاثون من البقر، أو أربعون شاة من الغنم. قال محمد بن رشد: وهذا - كما قال: إن النصاب من المال هو أقل ما تجب فيه الزكاة، وإنما سمي نصابا - والله أعلم - لأنه الغاية التي ليس فيما دونها زكاة، والعلم المنصوب لوجوب الزكاة، والحد المحدود لذلك؛ من قول الله عز وجل: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43] ، أي إلى غاية أو علم منصوب لهم يسرعون، ويحتمل أن يكون سمي نصابا؛ لأن المال إذا بلغ هذا المقدار، وجب أن ينصب لأخذ الزكاة سعاة يبعثون لذلك، ويحتمل أن يكون مأخوذا من النصيب؛ لأن المساكين لا يستحقون في المال نصيبا فيما دون هذه المقادير، والله أعلم.

مسألة: حزرات أموال الناس هل توخذ في الزكاة

[مسألة: حزرات أموال الناس هل توخذ في الزكاة] مسألة وسألته عن قول عمر بن الخطاب: إياكم وحزرات الناس، ما الحزرات؟ قال: ضنائن الأموال في الصدقات من المواشي، والإبل، وغيرها، يقول: اتركوا الضنائن لا تأخذوها من أهلها تفتنونهم في ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا بين كما قال؛ لأن حزرات أموال) الناس، هي التي يحزر صاحب المال أنها خيار ماله. [مسألة: زكاة سائمة الغنم إذا بلغت أربعين] مسألة وسألته عن قول عمر بن الخطاب: وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين فقال: هو مثل قول الله تبارك وتعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10] يقول فيه يرعون. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال في السائمة من الغنم وغيرها من المواشي - هي الراعية منها، ولا دليل في قوله: وفي سائمة الغنم الزكاة: على أنه لا زكاة في غير السائمة عند من يقول بدليل الخطاب؛ لأن المعنى في ذلك عندهم، أن الحديث خرج على سؤال سائل، هل في سائمة الغنم الزكاة؛ فقال: وفي سائمة الغنم الزكاة، فكان مقصورا على سببه، وانتفى بذلك أن يكون فيه دليل على أنه لا زكاة في المعلوفة، وبالله التوفيق. [مسألة: عنده خمس ذود ستة أشهر فباع منها ثلاثة واشترى أخرى وحال عليه الحول] مسألة وسألته: عمن كان عنده خمس ذود ستة أشهر من السنة، فباع

منها ثلاثة ذود، فأقام بذلك شهرين آخرين، ثم ابتاع ثلاثة ذود - مكانها؛ فحال عليه الحول وعنده خمس ذود، وجاءه الساعي على ذلك، أترى عليه الصدقة، فقال: كانت خمسا فأقامت في يديه ستة أشهر، ثم باع منها ثلاثا أو أربعا، أو باعها كلها، ثم أقام شهرين، ثم ابتاع مكانها، وحال عليها الحول، وجاءه الساعي؛ فلا أرى في ذلك زكاة، فقيل له: أفلا ترى فيها زكاة؟ فقال: لا في رأيي، فقلت له: رأيتها فائدة شراء، قال: هو الذي سمعت. قال محمد بن رشد: لم يقل في هذه المسألة إنه اشترى الثلاث ذود بالثمن الذي باع به الثلاث ذود الأولى، فإذا لم يشترها به، فلا اختلاف في أنها فائدة تضيف إليها الذودين وتستقبل بالجميع حولا، (وإنما) يختلف إذا اشترى الثانية بثمن الأولى، أو أخذها من ثمنها على ثلاثة أقوال، أحدها: أنها فائدة في الوجهين جميعا - وهو مذهب ابن القاسم، قال ابن المواز: وكذلك لو باعها ثم استقال منها، لكانت فائدة؛ لأن الإقالة بيع حادث. والثاني: أنه يزكي الثانية على حول الأولى في الوجهين - وهو قول ابن الماجشون في كتاب ابن المواز. والثالث: أنه يزكي الثانية على حول الأولى - إذا أخذها من الذي باع منه بالثمن، ويستقبل بها حولا إذا اشتراها بالثمن من غيره؛ وهذا القول ظاهر ما حكاه ابن حبيب في الواضحة لمالك من رواية مطرف، وابن وهب، وعن أصحاب مالك إلا ابن القاسم؛ واختلف قول ابن القاسم إذا استهلكت له ماشية فأخذ في قيمتها ماشية من صنفها، فمرة جعل ذلك

مسألة: بعث السعاة في كل سنة

كالبيع تكون فائدة؛ ومرة قال: يزكيها على حول الأولى وهذا إذا كانت الغنم قائمة، لم تذهب أعيانها بما أحدثه الغاصب فيها؛ ولو ذهبت أعيانها، لاستقبل بها حولا كالبيع على مذهبه؛ ولو كانت الغنم قائمة، لم تفت بوجه من وجوه الفوت، لزكاها على حول الأولى كالمبادلة سواء، قاله بعض شيوخ القرويين، وهو بين صحيح - والله أعلم. [مسألة: بعث السعاة في كل سنة] مسألة قال: وسألته أترى أن يبعث السعاة في كل سنة لا يؤخرون في الجدب والخصب؟ قال: أما في السنة الجدبة، فلا أرى أن يبعث السعاة حتى يذهب الجدب، وأما في غير ذلك، فأرى أن يبعثوا في كل سنة ولا يؤخروا، وأما في السنة المجدبة الشديدة الجدب، فلا أرى ذلك حتى يحيا الناس ويذهب الجدب؛ قيل (له) : أيترك ذلك لهم يرتفقون بألبانهم؟ قال: (لا) ، ليس ذلك نظرا لهم، ولكن نظرا للمسلمين؛ لأن السعاة يأتون يومئذ إلى ما إن باعوه هنالك لم يوجد له ثمن، وإن جلب، لم ينجلب؛ وإن أعطاه إنسانا، لم يكن في ذلك ما ينفعه عجفا؛ فإنما ينظر في ذلك للمسلمين، ليس لأهل المواشي، قلت له: فإذا كانت السنة المقبلة، وأحيا الناس، أرسل السعاة فأخذوا منهم لعامين، فقال لي: نعم، وإنما يصدقون ما يجدون في أيديهم، قال لي: ولو أنهم أرسلوا اليوم السعاة، رأيت ذلك قد

مسألة: تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده

أمطر الناس، وأعشبت الأرض، وعاشت المواشي، وذلك في شهر بيع الأول - وكانوا في جدب، فكان ذلك في أول ما أمطروه، فنرى أن يرسل السعاة حينئذ. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما في سماع أصبغ عن ابن شهاب، أو مالك، أو عنهما - جميعا - أن الصدقة تؤخذ في الخصب والجدب، ولا يؤخذ أحدها ولا يضمونها، وليس في هذا سنة قائمة، ولا أثر يتبع؛ وإنما هو النظر والاجتهاد في تغليب أحد الضررين؛ فقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «إذا اجتمع ضرران بقي الأصغر للأكبر» ففي أخذ الصدقة في الجدب ضرر على المساكين، وفي تركها عند أرباب المواشي ضرر عليهم، ورواية أصبغ أظهر - والله أعلم. [مسألة: تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده] مسألة قال: وسألته عمن تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده، قال: إذا حال عليها الحول أخرج زكاتها - وإن لم يبعها، ليس المواشي مثل العروض، وإن باعها قبل أن يحول عليها الحول، وقد حال على ثمنها من يوم زكاه، زكى ثمنها يوم بيع. قال محمد بن رشد: هذه المسألة في بعض الروايات، وهو مثل ما في المدونة وغيرها، وإنما كانت المواشي بخلاف العروض؛ لأن زكاة الماشية في أعيانها، فهي أملك بها من زكاة التجارة في العروض - وبالله التوفيق.

الشنق من الإبل ما يؤخذ في صدقتها

[الشنق من الإبل ما يؤخذ في صدقتها] ومن كتاب الزكاة قال: وسألته عن الشنق من الإبل، ما يؤخذ في صدقتها: أضأن أم معز؟ فقال لي: إن كان من أهل الضأن، أخذ منه الضأن، وإن كان من أهل المعز، أخذ منه المعز قلت له: أذلك فيمن يكون عنده، أم في اختلاف البلدان؟ فقال لي: بل في البلدان، أن النجد أهل الضأن، فلا يؤخذ منهم إلا الضأن، وهذه الناحية الأخرى أهل الشام أهل المعز، فلا يؤخذ منهم إلا المعز قال: فقلت له: وما الشنق؟ فقال لي: الشنق من الإبل ما لا يؤدى فيه إلا الغنم أربع وعشرون بعيرا فدون ذلك، فإذا كانت خمسة وعشرين، فليست بشنق. قال محمد بن رشد: لمالك في كتاب ابن سحنون، أن ذلك يؤخذ مما تيسر على رب الإبل، ولا يكلف ما ليس عنده، وقال ابن حبيب: وإن كان من أهل الصنفين، أخذ المصدق من أيهما شاء، ورواية أشهب أشبه بظاهر الحديث؛ لأن لفظ الغنم في الحديث عموم، فيحمل على غنم البلد، كانت عنده أو عند غيره، ولا يقصر على ما عنده إلا بدليل، وما في كتاب ابن سحنون، وابن حبيب، تيسير على رب الإبل، إذ ليس في الحديث بيان برفع القدر، وشأن الزكاة التخفيف، وروي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: «إذا خرصتم

مسألة: قدما المدينة من البصرة بإبل لهما أيسألهما الساعي عن الصدقة

فخذوا ودعو الثلث، فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع» . وكان محمد بن مسلمة لا يساق إليه شاة فيها وفاء من حقه إلا قبلها، ويأتي في سماع أبي زيد القول في الشنق. [مسألة: قدما المدينة من البصرة بإبل لهما أيسألهما الساعي عن الصدقة] مسألة قال: وسألته عن رجلين قدما المدينة من البصرة بإبل لهما، وأحدهما من بني أسد، والأخر من طيء، فسألهما صاحب الصدقة: هل صدقتما إبلكما هذه، وأين كنتما تصدقان؟ فقالا: أما مسكننا وأهلونا وذرارينا فبالبصرة، وأما صدقتنا - وأين كنا نصدق - فإنا والله ما أدينا صدقة قط لا ههنا ولا بالبصرة؛ ومازال هذا وجهنا نكري من البصرة إلى المدينة، أترى أن يصدقا بالمدينة؟ فقال: وما بالهما يصدقان بالمدينة - إن كانا أهل العراق، به إقامتهما وقرارهما وأهلوهما؛ إنما صدقتهما إلى العراق، وأوى أن يسأل أهل عمله عنهما؛ فإن كانا إنما كانت صدقتهما بالمدينة - وهما كاذبان فيما قالا، صدقهما - وإن كان مسكنهما بالعراق؛ وإنما كانا يصدقان بها؛ أو غيبت عنهما بأمر؛ فلا أرى أن يأخذ منهما الصدقة، وإنما صدقتهما بالعراق؛ إما أن تكون قد أخذت منهما بها الصدقة، وإما أن سوف تؤخذ منهما، إما صدقتهما بالعراق - إن كانا من أهلها وبها أهلوهما وقرارهما وأوطانهما.

مسألة: زكى غنما له فأقامت عنده ستة أشهر ثم اشترى بها إبلا

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الشأن أن تؤخذ الصدقة من أغنياء كل موضع، فترد على فقرائهم، ولا ينقل عنهم إلى غيرهم، إلا أن يرى الإمام ذلك لحاجة نزلت ببعض البلاد، فلأمير كل إقليم قبض صدقات أهل إقليمه، دون من سواه من الأمراء، وقد سئل سحنون عن رجل له أربعون شاة في أربعة أقاليم، وفي كل إقليم أمير، عشرة بالأندلس، وعشرة بأفريقية، وعشرة بمصر، وعشرة بالعراق، قال: إن كان الولاة عدولا فليخبرهم بذلك، فيأخذ منه كل أمير ربع شاة يأتي بشاة يكون الإمام شريكا له بربعها، هكذا يفعل في كل إقليم، وإن أخذ منه كل أمير قيمة ربع شاة، أجزأه؛ وإن لم يكونوا عدولا، فليخرج هو ما يلزمه - كما أعلمتك، وكذلك إن كان له خمسة أوسق مفترقة - كما ذكرنا، فليعط كل أمير زكاته في بلده؛ وإن لم يكونوا عدولا، أخرج هو ما يلزمه عن جميع ذلك. [مسألة: زكى غنما له فأقامت عنده ستة أشهر ثم اشترى بها إبلا] مسألة وسئل عن رجل زكى غنما له، فأقامت عنده ستة أشهر، ثم اشترى بها إبلا؛ متى تجب الزكاة في الإبل، فقال: حتى يحول الحول عليها من يوم زكى الغنم الذي ابتاعها، فقال له: من يوم زكى الغنم؟ فقال: نعم في رأي. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما في المدونة، ومثل ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وأصحابه إلا ابن القاسم؛ وجه قول ابن القاسم أن شراء الماشية بالماشية المخالفة لها، كشرائها بالدنانير والدراهم في وجوب استئناف الحول بها، ووجه القول الآخر، أن الدنانير إذا كانت تزكى على حول الماشية من أجل أن الماشية في عينها الزكاة، فأحرى أن تزكى الماشية على حول الماشية المخالفة لها؛ لأن الماشية إلى الماشية أقرب من الدنانير

فضل معاوية وعدله

إلى الماشية، وأشبه بها، فلكلا القولين وجه، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن قياس المثمون على المثمون أولى من قياسه على الثمن - وبالله التوفيق. [فضل معاوية وعدله] ومن كتاب الحج والوصايا والزكاة قال مالك: سمعت ربيعة يقول: قدم على معاوية رجل من أهل المدينة، فجعل يسأله عن أهل المدينة، ثم سأله عن أصحاب الصدقات، فأخبره، فقال له معاوية أتدري لم أسأل عن المصدقين؟ فقال الرجل: تسأل عن رعيتك وعما لك، فقال لا، إنما أسألك؛ لأن الأعراب قوم جفاة، إن لم يأتهم من يعلمهم ويعدل فيهم ويرفق بهم، هلكوا. قال محمد بن رشد: ليس في هذا أكثر من فضل معاوية وعدله، ويكفي من الدليل على ذلك، أنه كان أميرا لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على الشام أربعة أعوام، ولعثمان بعده مدة خلافته - اثنتي عشرة سنة، واجتمع الناس عليه حين بايعه الحسن، فكان خليفة عشرين سنة، «وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه - وكان يكتب له الوحي -: اللهم علم معاوية الكتاب، والحساب، وقه العذاب» وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: لرجل إبل فسيرها في سفر فحال عليها الحول وهي في سفرها] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله استأذن سيده قال عيسى: وقال ابن القاسم: إذا كان لرجل إبل فسيرها في سفر، فحال عليها الحول - وهي في سفرها، فليس عليه صدقتها حتى تقدم، فإن ماتت فلا صدقة عليه فيها.

مسألة: النفر يكونون خلطاء بأربعين شاة فيأتي الساعي فيأخذ منها شاة

قال محمد بن رشد: إنما لم تجب عليه صدقتها، من أجل أنه لا يدري ما حدث عليها من تلف أو عطب، ولا يلزمه أيضا أن يخرج زكاتها إلا منها - وهو لا يقدر على ذلك مع مغيبها عنه، وقوله: فإن ماتت فلا صدقة عليه فيها - يريد وإن علم أنها ماتت بعد حلول الحول عليها، إذ لم يفرط وليس عليه أن يخرج زكاتها إلا منها - وإن كانت زكاتها من غيرها. [مسألة: النفر يكونون خلطاء بأربعين شاة فيأتي الساعي فيأخذ منها شاة] مسألة وسئل: عن النفر يكونون خلطاء بأربعين شاة، يكونون أربعة نفر، لكل واحد منهم عشرة، عشرة، أو يكون لكل واحد منهم أكثر من ذلك، أو أقل، إلا أن عدد الغنم أربعون شاة، فيأتي الساعي فيأخذ منها شاة؛ قال: يترادونها على عدد ما لكل واحد منهم. قلت: فلو أخذ منها شاتين، قال: إن كانت أخذت من غنم واحد، كانت الواحدة مظلمة وقعت عليه، ويترادون الشاة الواحدة بينهم على قدر غنمهم؛ وإن أخذ شاتين من غنم رجلين، كانت نصف شاة كل واحد منهما مظلمة وقعت عليه، ويترادون الواحدة بينهم إن كانت أربعين شاة؛ والنفر أربعة، لكل واحد منهم عشرة، عشرة، فإن أخذ شاتين من رجلين، كان نصف شاة كل واحد منهما مظلمة وقعت عليه، ورجعا على صاحبيهما بربعي شاة فاقتسماها. قال محمد بن رشد: أما إذا أخذ منها شاة واحدة، فإنهم يترادونها على عدد غنمهم؛ فإن كانوا أربعة خلطاء لكل واحد منهم عشرة، فأخذ من أحدهم شاة قيمتها أربعة دراهم؛ رجع الذي أخذت الشاة من غنمه على كل واحد من خلطائه بدرهم، درهم، ولا كلام في هذا الوجه، وأما إن كان أخذ منها شاتين من غنم واحد، فقال: إن الشاة الواحدة تكون مظلمة ويترادون الشاة

الأخرى بينهم، وهذا بين - إن كانت الشاتان مستويتين في القيمة؛ وأما إن لم يستويا في القيمة، فيكون نصف كل شاة منهما مظلمة، ويترادون النصفين الآخرين؛ مثال ذلك أن تكون قيمة إحدى الشاتين دينارين، وقيمة الثانية أربعة دنانير، فتكون المصيبة منه في نصفهما جميعا، وذلك ثلاثة دنانير، ويترادون الثلاثة الدنانير الأخرى بينهم؛ فيجب على كل واحد منهم منها ثلاثة أرباع دينار، فيرجع الذي أخذت الشاتان من غنمه على كل واحد من خلطائه بثلاثة أرباع دينار؛ وأما إذا أخذت الشاتان من غنم رجلين، فقال في هذه الرواية: إن نصف شاة كل واحد منهما مظلمة وقعت عليه، ويرجعان على صاحبيهما بربعي شاة فيقتسمانهما، وقال في سماع يحيى: إن قيمة الشاتين تجمعان ثم يكون نصف قيمتها على الأربعة، يقسم بينهم على مالهم من العدد في الغنم، وذلك اختلاف من القول يتبين بالتنزيل، مثال ذلك أن يأخذ من غنم أحدهما شاة قيمتها أربعة دراهم، ويأخذ من غنم الآخر شاة قيمتها درهمان، فيؤخذ على هذه الرواية من اللذين لم يؤخذ من غنمهما شيء ثلاثة أرباع درهم، فيدفع من ذلك درهم وربع درهم - إلى الذي أخذت منه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم، ويدفع الربع درهم الباقي إلى الذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها درهمان، ووجه العمل في ذلك، أن يقال للذي أخذت منه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم: الدرهمان من الأربعة دراهم مظلمة لا رجوع لك فيها، وإنما يجب التراد في الدرهمين الباقيين؛ ويقال للذي أخذت منه الشاة التي قيمتها درهمان: الدرهم الواحد من الدرهمين مظلمة عليك، لا رجوع لك فيه، وإنما يجب التراد في الدرهم الباقي، فيجمع ما يجب فيه التراد، وذلك ثلاثة دراهم، فيقسم على جميعهم بالسواء، إن كان لكل واحد منهم عشرة، فيجب على كل واحد منهم من ذلك ثلاثة أرباع درهم؛ فيقال للذي أخذت الشاة من غنمه التي قيمتها أربعة دراهم: قد وجب عليك ثلاثة أرباع درهم في التراد، وأنت قد أديت مما

يجب فيه التراد درهمين، فيبقى لك درهم وربع درهم؛ ويقال للذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها درهمان: قد وجب عليك ثلاثة أرباع درهم في التراد، وأنت قد أديت مما يجب فيه التراد درهما واحدا، فبقي لك ربع درهم، فيؤخذ من الذين لم يؤخذ من غنمهما شيء ثلاثة أرباع درهم من كل واحد، فيدفع من ذلك درهم وربع للذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم، ويدفع الربع درهم الباقي إلى الذي أخذ من غنمه الشاة التي قيمتها درهمان، فيعتدلون فيما وجب التراد بينهم؛ ويؤخذ على ما في سماع يحيى من اللذين لم يؤخذ من غنمهما شيء، ثلاثة أرباع درهم، ومن الذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها: درهمان، ربع درهم، فيدفع جميع ذلك، وهو درهم وثلاثة أرباع درهم إلى الذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم فيعتدلون فيما وجب فيه التراد بينهم؛ ووجه العمل في ذلك، أن تجمع قيمة الشاتين وذلك ستة دراهم فيكون النصف من ذلك، وهو ثلاثة دراهم مظلمة، درهم ونصف من كل واحد لا رجوع له به، والنصف الثاني وهو ثلاثة دراهم يجب التراد فيه، فيجب من ذلك على كل واحد منهم ثلاثة أرباع درهم، فيقال للذي أدى الشاة التي قيمتها أربعة دراهم، عليك من الأربعة دراهم درهم ونصف مظلمة، لا رجوع لك به على أحد، ويجب عليك مما يجب فيه التراد ثلاثة أرباع درهم (الباقي لك من حقك درهم وثلاثة أرباع درهم، ويقال للذي أدى الشاة التي قيمتها درهمان، عليك من الدرهمين درهم ونصف مظلمة، لا رجوع لك بهما على أحد، ويجب عليك مما يجب فيه التراد ثلاثة أرباع درهم) فيبقى عليك ربع درهم يؤخذ منه ويدفع إلى الذي أخذت منه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم مع ما يؤخذ من الذين لم يؤخذ من غنمهما شيء، وذلك درهم ونصف ثلاثة أرباع من كل واحد، فيستوفي جميع حقه، ويعتدلون فيما يجب فيه التراجع بينهم - وبالله التوفيق.

مسألة: له أربعون شاة وللآخر ثلاثون فأخذت شاة من الأربعين أو من الثلاثين كيف الزكاة

[مسألة: له أربعون شاة وللآخر ثلاثون فأخذت شاة من الأربعين أو من الثلاثين كيف الزكاة] مسألة قلت: فلو كان لواحد أربعون شاة، وللآخر ثلاثون، فأخذت شاة من غنم صاحب الأربعين، أو من غنم صاحب الثلاثين؛ قال: إن أخذها من غنم صاحب الثلاثين، رجع فأخذها من غنم صاحب الأربعين، ولم يكن على صاحب الثلاثين شيء؛ وإن كان أخذها من غنم صاحب الأربعين، لم يكن على صاحب الثلاثين شيء؛ لأن الواحدة وجبت عليه، والأخرى مظلمة وقعت عليه؛ وإن كانتا أخذتا من غنم صاحب الثلاثين، رجع على صاحب الأربعين بالشاة التي كانت وجبت عليه في غنمه، وكانت الأخرى من صاحب الثلاثين؛ لأنها مظلمة وقعت عليه. قال محمد بن رشد: قوله في الشاتين: أنهما إن أخذتا من غنم صاحب الثلاثين، رجع على صاحب الأربعين بالشاة الواحدة، وكانت الأخرى منه؛ لأنها مظلمة وقعت عليه - بين إن كانت الشاتان معتدلتين، وإن لم تكونا معتدلتين، فإنما يجب عليه أن يرجع بنصف قيمتها جميعا؛ ولو كانت إحداهما تحب في الزكاة، والأخرى لا تجوز فيها، أو لا تجب، لرجع عليه بقيمتها التي تجب في الزكاة؛ ولو كانتا جميعا مما لا يجوز في الزكاة، لم يكن له رجوع بشيء منهما، وبقيت الزكاة على صاحب الأربعين، وسائر المسألة صحيحة بينة على ما في المدونة وغيرها. [مسألة: له عشرون ومائة وللآخر ثلاثون فأتى الساعي فأخذ شاة من غنم صاحب الثلاثين] مسألة قلت: فلو كانت لواحدٍ عشرون ومائة، وللآخر ثلاثون، فأتى الساعي فأخذ شاة من غنم صاحب الثلاثين، قال: يرجع ويأخذها من (غنم) صاحب العشرين ومائة، وليس عليه شيء؛ قلت فإن

زكاة الخليطين إذا كان الراعي واحدا

أخذ الساعي شاتين من غنم صاحب الثلاثين أو من غنم صاحب العشرين ومائة، فقال لا تبالي، من غنم من أخذت منهما، يترادانهما بينهما على عدد غنمهما؛ لأن كل ما اختلف فيه الناس، فالأمر إذا وقع بينهم، حملوا على ما وقع عليه الأمر؛ لأن الناس قد قالوا: إنه إذا كان العدد ما يجب فيه الزكاة، أخذت منهما الزكاة، وهما الخليطان لا تبالي أكان في غنم كل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة، أو لم يكن، ففي خمسين ومائة على قولهم شاتان. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه إن أخذ الساعي منها شاتين، فالواحدة على صاحب العشرين ومائة؛ لأنها واجبة عليه، ويترادان الأخرى التي أخذت بسبب خلطتهما، وهو قول ابن وهب، وابن عبد الحكم؛ ويأتي على أصل مذهب مالك في أن الرجلين لا يكونان خليطين، حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة دون مراعاة قول من يراهما خليطين - وإن لم تبلغ ماشية كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة؛ لأنه قال: إن الشاة الواحدة تكون على صاحب العشرين ومائة؛ لأنها واجبة عليه، والشاة الثانية تكون بينهما على عدد غنمهما؛ لأنها إنما أخذت عنهما عداء على القول بأن من أغرم غرماء على متاع لغيره، أنه على صاحب المتاع وبالله التوفيق. [زكاة الخليطين إذا كان الراعي واحدا] ومن كتاب التفسير قلت لابن القاسم: ما قول مالك في الخليطين إذا كان الراعي واحدا، والفحل واحدا، والمراح واحدا، والدلو واحدا، فالرجلان خليطان، أرأيت إن افترقا في بعض هذا الذي وصفه مالك، أتراهما

خليطين؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال في القوم يفترقون في المراح، والحلاب، فهم خلطاء؛ ولم يرد في الحديث ألا يفترقوا في شيء من هذا. قال ابن القاسم: هم خلطاء إذا اجتمعوا في جله - وإن افترقوا في الوجه الواحد منه - كما فسر لي مالك، لا يكونون خلطاء إلا أن يجتمعوا في جل ذلك. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات، وهي مثل ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف في ذلك في المذهب، والمخالف في هذا، الشافعي، فيقول: إنهما لا يكونان خليطين حتى يشتركا في المراح، والمسرح، والفحل، والدلو، ولا يراهما أيضا خليطين حتى يتخالطا من أول السنة؛ ويقول: إنهما خليطان وإن لم يكن لواحد منهما نصاب، وحجته الحديث: «ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة؛ وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» ، وأبو حنيفة لا يرى الخلطة ولا يقول بها على حال من الأحوال، ويقول معنى ما في الحديث من قوله «لا يفرق بين مجتمع» هو أن يكون للرجل مائة وعشرون شاة، فيفرقها الساعي أربعين، أربعين ليأخذ منها ثلاث شياه؛ فنهي عن ذلك، «ولا يجمع بين مفترق» هو أن يكون لرجلين أربعون شاة، عشرون، عشرون، فنهى الساعي أن يجمعهما ليأخذ منهما شاة، ومعنى ما فيه من قوله: «وما كان من خليطين، فإنهما يترادان بينهما بالسوية» هو مثل أن يكون الغنم بين الرجلين مشتركة على الثلث والثلثين، فيجب عليهما في ذلك شاتان: شاة على كل واحد منهما، فيأخذها من جملة الغنم قبل القسمة، إذ ليس عليه انتظار القسمة؛ فيكون إذا فعل ذلك، قد أخذ من حصة الذي له الثلثان: شاة وثلثا، ومن حصة الذي له الثلث ثلثي شاة، فوجب أن يترادا ذلك فيما بينهما حتى يستويا فيما يجب عليهما؛ فقول مالك وسط بين قول الشافعي، وأبو حنيفة، استحسان.

يهرب بغنمه ثلاث سنين زكاته

[يهرب بغنمه ثلاث سنين زكاته] ومن كتاب العرية وسئل: عن الرجل يهرب - بغنمه ثلاث سنين - وهي فيها: أربعون، أربعون في كل سنة، ثم يأتيه الساعي في السنة الثالثة فيجدها ألفا، قد أفادها في تلك السنة؛ قال: يبدأ بما وجب عليه قبل، فيأخذ شاة للأربعين التي كانت عنده ثلاث سنين، ثم يأخذ تسعة لهذه السنة؛ قلت: وكيف وقد قلت: لو أن رجلا عنده ثلاث مائة شاة - ثلاث سنين - هاربا بها، ثم جاء في السنة الرابعة، فلم يجد عنده إلا أربعين شاة؛ أنه يأخذ تسع شياه لثلاث سنين، ويأخذ شاة لهذه السنة من الأربعين، فكيف لا تكسر التسع شياه الأربعين، حتى لا يؤدى منها شيء كما كسرت الشاة المائة من الألف؛ قال: لأنه لو لم يكن عنده في الثلاث سنين إلا ستون ومائتان، كانت عليه ثلاث شياه لكل سنة، وهذه الأربعون التي وجد في يديه كأنها كانت عنده ثلاث سنين، فلا تكسر بعضها بعضا، وأنه إذا كانت في السنتين أربعين، أربعين، ثم وجدها ألفا؛ فإنه يبدأ بالشاة التي وجبت عليه فيأخذها، فإذا أخذها فقد انكسرت عليه المائة من الألف عن الصدقة، ثم يأخذ تسعة، تسعة، وإنما يبدأ - أبدا - بالأول، فالأول، الذي وجب عليه فيأخذه، ثم يزكي ما بعد ذلك على حال ما وجب عليه. قال محمد بن رشد: كذا وقع في الأم: ثم يأتيه الساعي في السنة الثالثة، وفي الأصل في السنة الرابعة - وهو الصواب؛ لأنه إذا غاب عنه ثلاث سنين لهروبه، فإنما يأتيه في الرابعة؛ وقد اختلف قول ابن القاسم في الذي يهرب بماشيته عن الساعي، فيجده بعد أعوام، فمرة قال: إنه يبدأ فيأخذ مما

وجد بيده ما يجب لذلك العام، ثم يأخذ منه زكاة ما مضى من الأعوام على ما يثبت أنه كان عنده في كل عام منها، أو على الأكثر مما كان بيده يوم هرب، أو يوم وجد، إذ قد يهرب وشاؤه أربعون، ثم يجده بعد أعوام - وشاؤه ألف شاة، فيقول: إنما أفدتها منذ عام، وقد يهرب أيضا وشاؤه ألف شاة، ثم يجده بعد أعوام وشاؤه أربعون شاة؛ فيقول: إن الألف شاة تلفت في العام الذي هربت فيه - ولم يكن عندي فيما بعد ذلك من الأعوام إلا أربعون، أربعون في كل عام، فلا يكسر على هذا القول ما يأخذ منه زكاة غيره من الأعوام؛ روى ذلك عنه أصبغ، وقال به، وهو قول ابن الماجشون، وسحنون في المختصر، واختيار ابن المواز، ومرة قال: إنه يبدأ بالعام الأول، فيأخذ منه ما وجب عليه فيه، فيكون كأنه أخذ منه حينئذ زكاة ما بقي للعام الذي بعده، فلا يأخذ منه للعام الذي وجده فيه إلا زكاة ما بقى بيده بعد ما أخذ منه؛ وهو قوله في رواية عيسى هذه، وقول سحنون في آخر سماعه بعد هذا، فعلى قوله في هذه الرواية، لا يأخذ منه التسع شياه عن التسع مائة شاة، إلا أن يكون قد أفاد الألف قبل توبته بعام؛ لأن الشاة إذا أخذها عن أول سنة من الأربعين التي هرب بها، يرجع إلى أقل من نصاب، فلا يجب عليه زكاة ما أفاد إليها حتى يحول عليه الحول من يوم أفاده، ولو لم يعلم متى أفاد الألف، لم يصدق في أنه أفادها في هذا العام، ويأخذ منه شاة للعام الذي هرب فيه، وتسع شياه، تسع شياه، لكل عام من الأعوام التي بعده؛ ويلزم على قياس قوله في هذه الرواية في الذي هرب وشاؤه ثلاثمائة، ثلاث سنين، ثم جاء في السنة الرابعة فلم يجد عنده إلا أربعين، ألا يأخذ من الأربعين لهذه السنة شيئا؛ لأن الذي أخذ للأعوام الماضية يكسرها، كما كسرت التسع شياه المائة من الألف؛ وكذلك قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وتفرقته بين المسألتين ها هنا لا وجه له في القياس، ولاحظ له في النظر - وبالله التوفيق.

انتظار مجيء الساعي في الحول

[انتظار مجيء الساعي في الحول] ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس وقال في رجل كانت عنده خمس ذود فضل منها بعير أو شرد، فأتاه الساعي وليس عنده إلا أربع ذود، قال: لا زكاة عليه فيها، فإن وجده، صدقها حين يجده. قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: ويكون حولها من يومئذ، ولا ينتظر مجيء الساعي في الحول الثاني، وقال ابن المواز غير ذلك أحب إلي أن ينظر، فإن كان صاحبه أيس منه، فليجعل السنة من يوم يجده؛ وإن كان منه على رجاء، فليزكه مع الأربعة للحول الأول، كزكاة الفطر عن العبد الآبق، وفي ذلك كله نظر، ولا يصح فيه على وجه القياس والنظر، إلا أن ينظر؛ فإن لم يكن آيسا منه، زكى حين يجده، ولم ينتقل حوله عما كان عليه، وعلى هذا ينبغي أن تحمل الرواية، ولا تفسر بما لابن القاسم في كتاب ابن المواز؛ ولو انتقل الحول إلى حين إخراجه الزكاة، لا نبغي على أصولهم ألا يزكي حتى يأتي الساعي من العام الثالث، وإن كان آيسا منه، كان وجوده كالفائدة يستقبل حولا من حينئذ، ولا يزكي حتى يمر به الساعي من بعد حلول الحول؛ وهذه المسألة متكررة في سماع أبي زيد بعد هذا، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [يزكي غنمه ثم يخلطها مع آخر] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وسئل: عن الرجل يزكي غنمه فتلبث ستة أشهر بعد زكاتها، ثم يخلطها مع رجل، فيأتيهم الساعي في شهره ذلك الذي

مسألة: يفر بماشيته من الساعي

خلط فيه غنمه - وقد وجبت على صاحبه الزكاة في غنمه؛ فقال: يزكي غنم صاحبه - وليس على هذا زكاة حتى يحول على صاحبه الحول من يوم يزكي، إلا أن يخرج غنمه منها قبل ذلك؛ وذلك بمنزلة الرجل يفيد الغنم أو يشتريها، فتلبث في يده ستة أشهر، ثم يأتيه الساعي فليس له أن يزكيها حتى يأتيه من سنة قابل. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: أن الرجلين لا يكونان خليطين ويزكيان زكاة الخلطة، حتى يكون الحول قد حال على ماشية كل واحد منهما؛ ولو زكاهما زكاة الخلطة، وأحدهما لم يحل على ماشيته الحول، لكان ما أخذ زائدا منهما بسبب الخلطة مظلمة على من أخذت من غنمه، ولم يترادا ذلك بينهما؛ إذ لا اختلاف في ذلك، بخلاف إذا زكاهما زكاة الخلطة، وماشية أحدهما أقل من نصاب؛ مثال ذلك أن تكون الماشية التي قد حال عليها الحول مائة، والتي لم يحل عليها الحول خمسين، فيأخذ الساعي منها شاتين، فإنه إن أخذهما من غنم صاحب المائة، لم يكن على صاحب الخمسين شيء؛ لأن الواحدة واجبة عليه، والثانية مظلمة وقعت عليه؛ إلا على القول بأن من أغرم غرماء على مال غيره، فله أن يرجع به على صاحب المال؛ وإن أخذهما من غنم صاحب الخمسين، رجع بالواحدة على صاحب المائة، وكانت الثانية مظلمة وقعت عليه، وإن أخذ واحدة من غنم صاحب المائة، وواحدة من غنم صاحب الخمسين، لم يكن لصاحب الخمسين على صاحب المائة رجوع بالشاة التي أخذت منه؛ لأنها مظلمة وقعت عليه. [مسألة: يفر بماشيته من الساعي] مسألة وسئل: عن الرجل يفر بماشيته من الساعي - وهي أربعون شاة، فيغيب عنه الساعي سنين، ثم يأتيه - وهي أربعون لم تزد على الأربعين في السنين الفارطة، قال: ليس عليه إلا شاة واحدة لجميع

يذبح الصدقة ويجزئها على المساكين

السنين، وإنما يؤخذ من الفار كل سنة ما وجب عليه - وجدت عنده غنم، أو لم توجد - هو ضامن لما وجب عليه في ماله، وليس هو كمن لم يفر، إلا أن الساعي لم يأته، فذلك إذا جاءه ولم يجد في يده شيئا من الماشية، أو وجد في يده ما لا زكاة فيه، فليس عليه لما مضى من السنين التي لم يأته فيها الساعي شيء. قال محمد بن رشد: هذا على ما مضى له في رسم "العرية": أن الساعي يبدأ فيأخذ شاة لأول سنة، ثم لا يأخذ منها شيئا؛ لأنها ترجع إلى ما لا يجب فيه الزكاة؛ وعلى قوله الثاني - وهو قول ابن الماجشون، وأحد قولي سحنون - يبدأ بهذه السنة فيأخذ لها شاة، ثم يأخذ منه شاة شاة للأعوام الماضية؛ لأنه كان ضامنا لها، وقد مضى هذا في رسم "العرية"؛ وأشهب يقول: إذا فر بغنمه سنين، ثم وجده الساعي - وقد زادت غنمه، أنه يأخذ منه لكل عام من الأعوام الماضية على ما يجد بيده، ولا يكون أحسن حالا من الذي يغيب عنه الساعي؛ وإذا وجده الساعي وقد نقصت غنمه، فهو ضامن - كما قال ابن القاسم - والله أعلمه. [يذبح الصدقة ويجزئها على المساكين] ومن كتاب الجواب وسألته: عن الرجل تجب عليه) البقرة في صدقة بقره، أو الشاة في صدقة غنمه، فيريد أن يذبحها ويجزئها على المساكين، قال ابن القاسم لا يعجبني، ولا ينبغي له أن يفعل ذلك؛ ولكن يخرجها كما هي حية، فيدفعها بحالها، فإن ذبحها وجزأها وأخرجها مذبوحة، لم تجزه وأبدلها.

مسألة: الساعي يقف على الرجل في زكاة زرعه أو صدقة ماشيته

قال محمد بن رشد: مثل ما حكى ابن حبيب عن ابن القاسم أيضا: أنها لا تجزئه، وروى البرقي عن أشهب: أنها تجزئه، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن قيمتها مذبوحة - إن كانت أقل من قيمتها - حية، فقد أخرج أقل قيمة مما عليه؛ وإن كانت مثل قيمتها حية، فهو بمنزلة من أخرج عن العين عرضا لا يجزئه عند ابن القاسم، ويجزئه عند غيره؛ وكذلك أيضا لو كانت قيمتها مذبوحة أقل من قيمتها حية، فأخرج تمام القيمة، لا يجزئه ذلك على مذهب ابن القاسم، ويجزئه على مذهب غيره. [مسألة: الساعي يقف على الرجل في زكاة زرعه أو صدقة ماشيته] مسألة وسألته عن الساعي أو العامل يقف على الرجل في زكاة زرعه، أو صدقة ماشيته، فيقاطعه منها بالدراهم طوعا أو كرها؛ هل يجتزئ بذلك، ويعتد بها إن وضع بقية ذلك في وجهها؟ أو هل للرجل أن يشتري صدقته من العامل بعد أن يدفعها إليه؟ قال ابن القاسم: نعم يجتزئ بها، ويعتد بذلك إذا كان العمال والسعاة يضعون ما يأخذون من الصدقة مواضعها، ولا أحب لأحد أن يشتري صدقته، وإن كان بعد أن يقبضها العامل، وإن فعل لم أر بذلك بأسا، ولا أرى عليه شيئا إذا كانوا يضعون الصدقات مواضعها، كما أعلمتك؛ فأما الوالي الجائر الذي لا يضعها مواضعها، فلا يجتزئ عن صاحبها دفعها إليه - طائعا، أو كارها، قاطعه عليها، أو لم يقاطعه، اشتراها منه بعد وصولها إليه، أو لم يشترها، فلا يجزئه على حال، ولا يعتد بها؛ وسألته عن الصدقات والعشور هل يصح الاشتراء منها؟ قال ابن القاسم: إن كانوا يضعون أثمانها مواضعها، فلا بأس بالاشتراء منهم، وإلا فلا يحل؛ قال أصبغ: وقد كان يقول قبل ذلك فيما أعلم إذا أخذت

كرها في محلها، أجزأت، ولا أعلمه إلا قاله في المكوس، قال (أصبغ: وقد سمعت) ابن وهب: يقول: تجزئه إذا أخذها كرها، وهو رأي إذا حلت ووجبت في المكوس والسعاة. قال محمد بن رشد: قوله في المدونة، وأحد قوليه ههنا، وقول ابن وهب، وأصبغ، أن ما يأخذ الولاة من الناس من الصدقات، تجزئ عنهم - وإن كانوا لا يعدلون فيها، ويضعونها غير مواضعها، أصح من قوله الآخر - ههنا: إنها لا تجزئ عنهم، إلا أن يضعوها مواضعها؛ لأن دفعها إليهم واجب لما في منعها من الخروج عليهم المؤدي إلى الهرج والفساد، فإذا وجب أن يدفع إليهم، وجب أن يجزئ عنهم، وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «أما والله لولا أن الله تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] الآية، ما تركتها عليكم جزية تؤخذون بها من بعدي، ولكن أدوها إليهم، فلكم برها وعليهم إثمها - قالها ثلاث مرات» . وأما دفع القيمة إليهم في ذلك، فمكروه لوجهين؛ أحدهما: لما في ذلك من معنى الرجوع في الصدقة، والثاني: لئلا تكون القيمة أقل مما عليه، فيكون قد بخس المساكين حقوقهم. وأما شراء الرجل صدقته من العامل بعد أن يدفعها إليه، فهو أخف في الكراهية؛ لأن ذلك إنما يكره لوجه واحد، وهو ما في ذلك من معنى الرجوع في الصدقة، وليس بحقيقة الرجوع فيها، إلا إذا اشتراها من المساكين الذين دفعها إليهم؛ مع أن الحديث إنما ورد في صدقة التطوع،

يأتيهم الساعي فيجد لأربعة نفر أربعين شاة فيأخذ منها شاتين

فإذا أكرهه الإمام على أخذ القيمة منه، لم يكن عليه في ذلك بأس؛ وأما شراؤه من العامل صدقات غيره، فذلك جائز إن كانوا يضعون ذلك في مواضعه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة - فذكر فيهم: أو رجل اشتراها بماله» . وأما إذا كانوا لا يضعون ذلك مواضعه، فقد قيل: إن الشراء منهم سائغ؛ لأن البيع لهم جائز، وإنما يقع عداؤهم على الأثمان، - قاله ابن حبيب في الوالي يعزل العمال الظلمة فيرهقهم ويعذبهم في غرم يغرمهم لنفسه، أو ليرده إلى أهله، فيلجئهم ذلك إلى بيع أمتعتهم ورقيقهم، والصحيح ما ههنا، أن ذلك لا يحل ولا يجوز؛ لأنه بيع عداء؛ إذ الواجب أن يقسم على المساكين على ما هي عليه، ولا تباع إلا على وجه نظر، مثل أن يحتاج الإمام أن ينقل الزكوات من بلد إلى بلد لحاجة نزلت بأهل ذلك البلد، فيخاف أن يذهب الكراء ببعضها، فيرى أن تباع ويشتري في ذلك البلد بالثمن مثله فيقسم؛ أو يقسم الثمن فيه فيسد للمساكين مسده، فإذا باع الزكوات ليستأثر بها، أو ليتعدى فيها، فهو كمن تعدى على سلعة رجل فباعها، فلا يحل لأحد شراؤها. [يأتيهم الساعي فيجد لأربعة نفر أربعين شاة فيأخذ منها شاتين] من سماع يحيى بن يحيى من كتاب أوله يشتري الدور والمزارع قال يحيى: قال ابن القاسم في القوم يأتيهم الساعي فيجد لأربعة نفر أربعين شاة، لكل واحد منهم عشرة، عشرة، فيأخذ منها شاتين، أنهم يكونون كالخلطاء في الشاة الواحدة، وتكون مصيبة الشاة الأخرى على صاحبي الشاتين؛ لأنها مظلمة دخلت عليهما بغير سبب

ما يكون للعامل على الصدقة

الغنم، ومظلمة الشاة الأخرى دخلت عليهم أجمعين للشبهة التي تأول المصدق؛ إذ وجدها مجتمعة، فرأى أن فيها شاة إذ هي أربعون، وتعدى في الأخرى فغصبها ربها، فلما لم يعرف التي أخذ للصدقة من التي تعدى على ربها فيها، فقبضها إياه، فإن قيمة الشاتين تجمعان، ثم تكون نصف قيمتهما على الأربعة نفر، تقسم على ما لهم من العدد في الغنم، كالخليطين اللذين يترادان، ثم يكون نصف قيمتهما بين صاحبي الشاتين، على كل واحد منهما نصف ذلك، وهو ربع جميع قيمة الشاتين. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم "استأذن" من سماع عيسى تفسير هذه المسألة، وتبيين موضع الخلاف بين السماعين، فلا معنى لإعادته. [ما يكون للعامل على الصدقة] من سماع سحنون بن سعيد وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: سألت ابن القاسم عن وجه ما يكون للعامل على الصدقة، قال: إن ذلك يختلف، ربما بعد المسعى، وقل ما فيه، فيجتهد له ويعطى، وإنما هو بمنزلة الأجير، فيعطى على قدر عناه وشخوصه، وليس في ذلك حد، فإذا كان مثل ما وصفنا، فربما كان له سهمان وثلاثة، وربما قرب المسعى، وكثر ما فيه، فيعطى أيضا على قدر ذلك، فربما لم يصر له إلا ربع سهم، أو أقل، أو أكثر؛

قلت له: فيولاها عبد لأنه أجير، قال: لا، الإجارة منها، ولا يجوز أن يليها إلا من كان يجوز له أن يأخذ منها، ثم قال أيولاها نصراني؟ قلت له: فما معنى قول مالك: أعطى طاووس نفقة، وأعطى معاذ بن جبل نفقة؛ قال: هو وجه ما كانوا يعملون عليه، وكانوا يعانون به ويعطون، وإنما ذلك أن يولى الرجل وليست له قوة، فيعان من بيت المال ويجهز، وآخر له قوة، فيخرج بمال نفسه؛ قلت له: فهذا الذي أعين؟ قال: يحط من العطية على قدر ما نابه من العطاء، وعلى ما وصفنا؛ قلت له: فإن كان العامل عليها مديان، أيأخذ منها مثل ما يأخذ الغارمون، قال: لا، إلا أن يعطيه السلطان منها على وجه الاجتهاد. قال محمد بن رشد: قوله: إن العامل على الصدقة يعطى منها على قدر عنائه في عمالته، هو مذهب مالك، (وقول) عامة العلماء؛ لأن الله تبارك وتعالى لما قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية، دل ذلك من قوله: إن الصدقات التي هي الزكوات مقصورة على الأصناف التي ذكر، لا تخرج عنهم، إلى غيرهم؛ ولم يدل ذلك من قوله على وجوب قسمتها عليهم بالسوية، فيؤثر بذلك أهل الحاجة منهم، وتنتقل بانتقالها؛ ومن أهل العلم من يرى أنها تقسم عليهم بالسواء على ظاهر قَوْله تَعَالَى، فيعطي العامل عليها الثمن، وقيل: السبع؛ لأن سهم المؤلفة قد بطل، وقد قال بعض العلماء: إن تولى الإمام قسمة الزكاة، قسمها على سبعة أصناف، لا يجزئه إلا ذلك، وإن

قسم الرجل زكاته، كان عليه أن يضعها في ستة أصناف؛ لأن سهم العاملين يبطل بقسمته هو إياها؛ والصحيح ما ذهب إليه مالك، وعامة العلماء: أنها توضع في الأصناف المذكورين، ويؤثر بذلك أهل الحاجة منهم. وقوله: إن العبد لا يولى على الصدقة صحيح؛ لأن العمالة عليها في قبضها من أهلها، ووضعها في أهلها، ولاية كالحكم؛ فلا يصح من العبد، لما لسيده عليه من الحجر، مع نقصان مرتبته؛ وقول مالك: لا يجوز أن يليها إلا من كان يجوز له أن يأخذ منها، يستفاد منه أنه لا يجوز أن يولاها أحد من بني هاشم؛ لأن الصدقة لا تحل لهم، خلافا لأبي حنيفة في قوله: إن الهاشمي يجوز أن يولى على الصدقة؛ لأن الذي يأخذ منها، إنما يأخذه بعمالته، كالغني الذي لا تحل له الصدقة، وهو يأخذ منها بعمالته، وقد خالفه أبو يوسف، وقال بقولنا وهو الصواب؛ لأن الهاشمي لما لم يكن له في الصدقة حق بفقره، كان أحرى ألا يكون له فيها حق بعمالته؛ ومن سواه لما كان له فيها حق بفقره، لم يمتنع أن يكون له فيها حق بعمالته، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة - فذكر فيهم: أو لعامل عليها» . فلما قال: إنها لا تحل لغني إلا بالعمالة، دل أنها تحل له إذا كان فقيرا دون عمالة؛ فخرج من ذلك الهاشمي بالإجماع على أنه لا تحل له إذا كان فقيرا دون عمالة، وقد أجاز أحمد بن نصر أن يستعمل عليها العبد، والنصراني - قياسا على الغني - وهو بعيد، وإنما قال: إن العامل على الزكاة إذا كان مديانا لا يأخذ منها كما يأخذ الغارمون، من أجل أنه هو الذي يقسمها، فلا يحكم لنفسه، وجائز للإمام أن يعطيه من أجل دينه - سوى ما يجب له بعمالته - على مذهبه في أن الزكاة موضوعة في الأصناف بالاجتهاد، لا مقسومة عليهم بالسوية.

مسألة: المحتاج يجد اللقطة

[مسألة: المحتاج يجد اللقطة] مسألة قلت له: فالرجل المحتاج يجد اللقطة: الدينار، أو النصف دينار، أو نحوه - وهو محتاج؛ أترى أن يأكله، قال: لا أحب ذلك له، فإن أكله، غرمه إن جاء ربه؛ فأما أنا، فلا آمره بذلك. قال محمد بن رشد: مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اللقطة لا يجوز لواجدها أكلها بعد التعريف؛ لأن معنى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: عنده فشأنك بها أي: أنه مخير فيها بين أن يزيد في تعريفها، ويمسكها على صاحبها؛ وبين أن يتصدق بها ويخير صاحبها - إذا جاء في أن ينزل على أجرها، أو يغرمه إياها؛ فلم ير له مالك أن يأكلها وينزل نفسه منزلة المساكين - إن كان مسكينا، إذ له أن يتصدق بها على المساكين؛ لأنه إذا فعل ذلك، كان هو الحاكم لنفسه، فلم ير ذلك له، وأوجب عليه الغرم؛ لأنه لو تصدق بها لغرمها، ولم ينزله في سقوط الغرم عنه منزلة غيره من المساكين - لو تصدق بها عليهم؛ لأنه حكم لنفسه بإسقاط الضمان عنها، فلم يجز ذلك له؛ وقوله في هذه المسألة، نحو قوله في المسألة المتقدمة: إن العامل على الصدقة - إذا كان مديانا، لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة، كما يأخذ الغارمون؛ ونحو ما في رسم "البز" من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع، والوكالات، في الذي يبعث معه بمال ليعطي منه كل منقطع به، فانقطع به هو فأخذ منه، أن عليه أن يبين ذلك لصاحبه، إذ ليس ما يحكم به بين الناس، كما يحكم به بينه وبين الناس، وقد اختلف في واجد اللقطة: هل له أن يأكلها بعد التعريف - على أربعة أقوال؛ أحدها: هذا أنه ليس له أن يأكلها - وإن كان محتاجا إليها، والثاني: أن له أن يأكلها - وإن كان غنيا؛ ويغرمها لصاحبها - وهو مذهب الشافعي. والثالث:

مسألة: الهرب عن الساعي بالغنم

أنه ليس له أن يأكلها، إلا أن يكون محتاجا إليها - وهو قول أبي حنيفة. والرابع: أنه ليس له أن يأكلها، إلا أن يكون له وفاء بها. [مسألة: الهرب عن الساعي بالغنم] مسألة قال سحنون: لو أن رجلا له أربعون شاة، أو عشرون دينارا، فأقامت في يده سنين كثيرة - هاربا عن الساعي بالغنم، وشحا عن إعطاء الزكاة في الدنانير، (أنه) إن كانت له عروض، ضمن الزكاة في الدنانير لجميع السنين، وذلك أن الزكاة صارت عليه دينا؛ فأنت تنظر: فإن كان له مال سوى هذه الدنانير، ضمن الزكاة لجميع السنين، وإن لم يكن له مال سوى هذه الدنانير يضمن فيها الزكاة، لم يكن عليه إلا زكاة واحدة لجميع السنين؛ قال: وأما الغنم فليس عليه إلا شاة واحدة لجميع السنين كلها - كان له مال غيرها، أو لم يكن؛ لأنه بمنزلة ما لو أن رجلا وجبت عليه الزكاة في غنمه - وعليه دين، زكاها ولم يمنعه الدين من الزكاة. قال محمد بن رشد: أما مسألة الدنانير، فإن لم تكن له عروض تفيء بما عليه من الزكاة للأعوام الماضية، فليس عليه إلا زكاة سنة واحدة، واختلف إن كانت له عروض تفيء بما عليه من الزكاة للأعوام الماضية، فقيل: إنه يزكي للأعوام الماضية، ويجعل دين الزكاة في عروضه، وهو قول سحنون هذا؛ وقول أشهب في المدونة، خلاف ظاهر قول ابن القاسم فيها، ونص قوله في سماع سحنون من كتاب زكاة العين في بعض الروايات، وجه قول ابن القاسم: إن الزكاة لما كانت متعينة في عين المال، وجب أن تؤخذ من عينه لأول سنة، فإذا أخذت فكأنها قد أخذت حين وجبت، فلا يزكي للعام الذي بعده إلا ما بقي -

الرجل تقيم عنده أربعون شاة مدة متى يزكيها

إن كان ما بقي تجب فيه الزكاة، وإن كانت له عروض، ووجه قول أشهب، وسحنون، أن الزكاة، وإن كانت متعينة في المال، فقد ترتبت في الذمة بتأخيرها عن وقتها، فأشبهت سائر الديون، ووجب أن تجعل في العروض، وتزكى لجميع السنين، وأما مسألة الغنم، فسواء كانت له عروض، أو لم تكن له عروض، إذ لا يسقط الدين زكاة الماشية؛ قيل: إنه يبدأ بالعام الأول فيزكي زكاة واحدة، وهو قول سحنون هذا، وقول ابن القاسم في رسم "العرية"، ورسم أسلم من سماع عيسى، وقيل: إنه يبدأ بالعام الآخر، ثم يؤخذ منه زكاة ما مضى من الأعوام؛ لأنه كان ضامنا لها، وهو قول ابن الماجشون، وقول أصبغ، وروايته عن ابن القاسم، وقول سحنون في المختصر - وبالله التوفيق. [الرجل تقيم عنده أربعون شاة مدة متى يزكيها] من سماع أبي زيد من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن الرجل تقيم عنده أربعون شاة ستة أشهر، ثم يبيعها بعشرين دينارا، فتقيم العشرون دينارا أشهرا، ثم يبتاع بها أربعين شاة، متى يزكيها؟ قال: يستقبل بها حولا من يوم اشتراها. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة، وتحصيل القول فيها في أول رسم من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته. [مسألة: عنده أربعون شاة حال عليها الحول ولم يأته المصدق] مسألة وقال في رجل كانت عنده أربعون شاة، حال عليها الحول - ولم يأته المصدق، ثم باعها بعد الحول؛ هل عليه زكاة فيما باعها به؟ قال: إن كان باعها بعشرين دينارا، كان عليه نصف دينار ساعتئذ؛ وإن باعها بأقل من عشرين دينارا، فلا زكاة عليه فيها.

مسألة: غاب عنه الساعي سنين

قال محمد بن رشد: هذا على أحد قولي مالك في المدونة، وغيرها، أنه يزكي الدنانير على حول الماشية المقتناة؛ لأنها لما كانت في عينها الزكاة، كانت بخلاف العروض المقتناة. والقول الثاني: أنه يستقبل بالثمن حولا من يوم قبضه، ولو كانت الغنم أقل مما تجب فيه الزكاة أو باعها بأقل مما تجب فيه الزكاة، لكان الثمن فائدة من يوم قبضه قولا واحدا. [مسألة: غاب عنه الساعي سنين] مسألة وسئل: عمن غاب عنه الساعي سنين، فلما حضرته الوفاة، أوصى أن تؤدى زكاة ماشيته لتلك السنين، وأوصى بوصايا؛ أتبدأ، أم يحاص بها الوصايا؟ قال: بل يحاص بها الوصايا. قال محمد بن رشد: وهذا (على) أصولهم في أن حول الماشية بمجيء الساعي، وأن من غاب عنه الساعي سنين، ثم هلكت ماشيته قبل أن يأتيه، فلا شيء عليه، فلما أوصى بما لم يجب عليه، كان ذلك كسائر وصاياه - وبالله التوفيق. [مسألة: زكاة الخليطين في الإبل] مسألة وسئل: عن الخليطين في الإبل تجب عليهما ابنة مخاض، فتؤخذ من إبل أحدهما، فيريد شريكه أن يعطيه الذي يجب عليه في إبله من الغنم، ويأبى ذلك، قال ذلك له أن يرجع عليه ببقية البكرة، فيتحاصان فيها على عدد إبلهما. قال محمد بن رشد: قوله: فيتحاصان فيها - يريد في البكرة، فيرجع عليه ببقيتها - أي بما يجب عليه منها، وهذا صحيح؛ لأنه إنما يرجع عليه بما

مسألة: على السعاة أن يأتوا أصحاب المواشي على مائهم

غرم عنه، وهو الذي يصير على غنمه من قيمة البكرة، وقد قيل: إنه يرجع عليه بالمثل، فيأتي ببكرة فيشاركه فيها وهو القياس. [مسألة: على السعاة أن يأتوا أصحاب المواشي على مائهم] مسألة قال ابن القاسم: على السعاة أن يأتوا أصحاب المواشي على مائهم مكانا يسقون ماشيتهم، ولا ينبغي لهم أن يقعدوا في قرية ويرسلوا تجلب عليهم المواشي. قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا المعنى في رسم "حلف" من سماع ابن القاسم، فلا فائدة لإعادته. [مسألة: له خمس ذود فضل منها بعير أو شرد فأتاه الساعي] مسألة وقال ابن القاسم في رجل له خمس ذود فضل منها بعير، أو شرد، فأتاه الساعي - وليس عنده إلا أربع ذود؛ قال: لا زكاة عليه فيها، فإن وجده صدقها حين يجده، ولا ينتظر به الحول - وإن وجده بعد السنة بثلاثة أشهر. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في رسم "لم يدرك" من سماع عيسى. والذود ثلاثة، وأربعة، وخمسة - إلى سبعة؛ وما فوق السبعة: شنق - إلى أربع وعشرين؛ وما فوق ذلك إبل، ولا ينقص الذود، ولا يكون الذود واحدا، كما لا ينقص من عدد النفر، ولا يكون النفر واحدا، والنفر من ثلاثة إلى سبعة، وفوق السبعة إلى العشرة رهط، وفوق ذلك إلى الأربعين عصبة؛ وفوق ذلك إلى المائة فأكثر، أمة، وقال ابن مزين: أقل الذود واحد، هذا قول ابن حبيب - أعني قوله: إن الذود ثلاثة، وأربعة، وخمسة

الساعي يأتي الرجل فيجد ماشيته عجافا كلها

إلى سبعة، وما فوق السبعة شنق، وهو خلاف قول مالك في رسم "الزكاة" من سماع أشهب: أن الشنق من الإبل، ما لا يؤدى فيه إلا الغنم؛ فعلى رواية أشهب عن مالك: الخمس شنق - إلى أربعة وعشرين، ولا يقال: شنق لما دون الخمسة، ولا لما فوق الأربعة والعشرين؛ وهو الصحيح في المعنى؛ لأن ذلك إنما سمي شنقا؛ لأن الساعي يكلف رب الإبل أن يأتيه بما ليس عنده ويشد عليه في ذلك، وإن شنق - عليه - مأخوذ من شناق البعير الذي يشنق به ويضغط، ويحمل على غير اختياره، وبالله تعالى التوفيق. [الساعي يأتي الرجل فيجد ماشيته عجافا كلها] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب الزكاة والصيام قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: سأل عثمان بن الحكم مالكا عن الساعي يأتي الرجل فيجد ماشيته عجافا كلها، قال: يأخذ منها - وإن كانت عجافا؛ قال سحنون: وهو قول المخزومي. قال محمد بن رشد: زاد في كتاب ابن المواز من قول مالك في هذه الرواية قال: ولو كانت ذوات عوار كلها وتيوسا، فليأت بغيرها؛ قال محمد: وكذلك العجاف فليشتر له ما يعطيه. وقول محمد خلاف لقول مالك؛ لأن قول مالك: ولو كانت ذوات عوار كلها وتيوسا، فليأت بغيرها، يدل على أن العجاف يأخذ منها، ولا يأتي بغيرها، وقد وقع لمحمد في موضع آخر أنه قال: معنى قول مالك: يأخذ منها - وإن كانت عجافا، أنه يزكيها لا يدعها، ولكن لا يأخذ عجافا، وما يدل (عليه) قوله أولى - من تأويل غيره - والله أعلم، والقياس أن يأخذ منها - عجافا كانت، أو ذوات عوار، فيتحصل في

مسألة: لا يؤخر الساعي الصدقة عند أهلها

المسألة ثلاثة أقوال، قولان وتفرقة، وكذلك الصغار، القياس أن يأخذ منها - إذا كانت كلها صغارا؛ وقد ذهب بعض من تعلق بظواهر الروايات، أن الخلاف لا يدخل في الصغار، وليس ذلك - عندي بصحيح. [مسألة: لا يؤخر الساعي الصدقة عند أهلها] مسألة وأخبرني ابن وهب عن ابن شهاب، أو مالك، أو جميعا، قال: لا يؤخر الساعي الصدقة عند أهلها - وإن كانت عجافا، ولكن يأخذ في الخصب والجدب ولا يؤخر أخذها ولا يضمنوها. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب، فلا وجه لإعادته. [مسألة: له نصاب ماشية فأفاد إليها غنما أخرى] مسألة وقال بعض المصريين: لو أن رجلا كان له نصاب ماشية، والنصاب ما تجب فيه الزكاة من الغنم؛ فأفاد إليها غنما أخرى، فلما حل حول الغنم الأولى، لم يكن في الغنم الأولى ما تجب فيه الزكاة، نقصت عن حالها بموت أو بأكل أو بغير ذلك؛ وفيما بقي منها ما إن ضمه إلى ما أفاد إليها، وجبت فيها الزكاة؛ أنه لا زكاة عليه في شيء من غنمه حتى يحول عليها حول الآخرة، فيزكيها عند ذلك؛ قال: وكذلك لو أن رجلا كانت عنده ثلاثون شاة، فأفاد إليها غنما أخرى، فلما حل حول الغنم الأولى، كانت الزكاة تجب فيها توالدت، فبلغت ما تجب الزكاة في مثلها؛ فإنه يزكيها، ويزكي معها ما أفاد إليها، ويكون حولها من يوم زكاها، وأصل هذا أنك تنظر إلى الغنم

الأولى فإذا حال حولها، فإن كانت الزكاة تجب فيها، فهي توجب الزكاة فيما أفاد إليها، وإذا حل حولها والزكاة لا تجب فيها، فهي تسقط الزكاة عن غيرها مما أفاد إليها، وإن كان لرجل نصاب ماشية، فأفاد إليها غنما، فهو يزكي ما أفاد إليها على حول نصاب الذي عنده - إذا حل عليها الحول وهي على حالها، لم تنقص عما تجب الزكاة في مثله؛ فإن نقصت فرجعت إلى ما لا زكاة فيه، ثم توالدت فرجعت إلى ما تجب فيه الزكاة - محل حولها، وهي مما تجب الزكاة فيها، فتزكيها على حولها - كما كنت تزكيها لو لم تنقص، وزك معها ما أفدت إليها، وإن حال حولها - وهي على نقصانها - فلا شيء عليك فيها، ولا فيما أفدت إليها، وزكها كلها على حول الآخرة - إلى أن ترجع الغنم الأولى إلى حالها الأول، أو تبلغ ما تجب في مثلها الزكاة، فتزكيها عند ذلك، وتزكي معها ما أفدت إليها، ويكون حولها من يوم زكيت، إلا أن تكون ممن يأتيك الساعي فتؤخر زكاتك إلى مجيئه؛ لأن حولك مجيء الساعي وحلوله عليك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها بينهم، وإنما وجب أن تزكى الفائدة على حول النصاب في الماشية، بخلاف العين، لعلة افتراق الحول من أجل أن الساعي لا يخرج إلا مرة واحدة، ويزكيها على حول النصاب - وإن كان في بلد لا يخرج فيه السعاة - قاله بعض شيوخ القرويين،

مسألة: زكاة خليط الإبل

ونسبه إلى المستخرجة - وهو قائم من آخر هذه المسألة، فقيل إن العلة في ذلك مخافة أن يخرج السعاة، إذ لا يأمن ذلك، فلا يمكن أن تبقى أحواله على ما رتبها. [مسألة: زكاة خليط الإبل] مسألة وقال بعض المصريين: لو أن رجلا كانت له ثلاثون من الإبل ولثلاثة نفر ثلاثون، لكل واحد منهم عشرة، عشرة، وكان خليطا، لكل واحد منهم بعشرة من إبله، فجاءهم الساعي، فإنه يحسب على الذي له العشرة الثلاثين كلها التي هي لصاحبه؛ لأنه يجمعها على صاحبه فيأخذ من صاحب العشرة ما يصير على عشرته - إذا جمعت كلها، وتفسير ذلك أن الساعي يبدأ بأحد الثلاثة نفر، فيقول له: إن لك عشرة من الإبل، ولفلان صاحبك معك عشرة أخرى، هو لك خليط بها، فهذه عشرون، وله عند فلان وفلان عشرون، فهذه أربعون، فلابد من أن أجمعها عليك كلها فأعرف ما يصير عليك يا صاحب العشرة - إذا جمعتها فأخذه منك، فأربعون من الإبل فيها ابنة لبون، وعليك يا صاحب العشرة من ابنة اللبون التي تجب في إبلكما الربع، ثم يرجع إلى الثاني والثالث، فيفعل بهما مثل ما فعل بالأول، ويأخذ من كل واحد ربع قيمة ابنة اللبون التي وجبت عليهم، ثم يرجع إلى صاحب الثلاثين، فيقول: إن لك ثلاثين من الإبل، ولأصحابك ثلاثين أخرى، وأنت لهم بإبلك خليط، فلا بد من أن أحسب عليك ما لأصحابك، فأعرف ما يصير عليك - إذا جمعتها عليك كلها وأخذه منك، فجميع إبلكم إذا جمعتها ستون،

وفيها حقة طروقة الفحل، فعليك يا صاحب الثلاثين نصفها فهاتها، فيأخذ ذلك منه ويستوفي الساعي صدقته كلها؛ قال: وإنما يأخذ قيمة النصف الذي وجب عليه دنانير، أو دراهم، قال: وكذلك لو أن رجلا كانت له خمسة عشر من الإبل، ولثلاثة نفر خمسة عشر، لكل واحد منهم خمسة، خمسة؛ فكان خليطا، لكل واحد منهم بخمسة، فإن الساعي يبدأ بأحدهم فيقول له: إن لك خمسة، ولصاحبك معك خمسة، فهذه عشرة، وله مع فلان خمسة، ومع فلان خمسة، فهذه عشرون؛ ولا بد لي من أن أجمعها عليكم؛ لأنه لك بها كلها خليط، وأعرف ما يجب عليك فيها، وما يصير عليك يا صاحب الخمسة، فالذي يجب في عشرين من الإبل أربع شياه، والذي يصير على صاحب الخمسة شاة يأخذها منه، ثم يرجع إلى الثاني، والثالث، فيفعل بهما مثل ذلك، ثم يرجع إلى صاحب الخمسة عشر فيقول له: إن لك خمسة عشر، ولأصحابك مثلها؛ فهذه ثلاثون، وأنت لهم خليط بإبلك، ولا بد من أن أجمعها عليك فأعرف ما يصير فيها إذا جمعتها، ثم آخذ منك ما يصير على إبلك؛ فالذي يجب في ثلاثين من الإبل بنت مخاض، والذي يصير على الخمسة عشر نصفها، فيأخذ منه نصف قيمة ابنة مخاض التي وجبت عليهم - إذا جمعت إبلهم، ثم يذهب عنهم؛ قال: ومجرى الغنم، والبقر، مجرى الإبل؛ والعمل في ذلك كالعمل في الإبل سواء الأمر فيه كما وصفت لك، فافهم هذا واعرفه، فإنه باب حسن.

(قال محمد بن رشد) : معنى هذه المسألة أن الذي له ثلاثون من الإبل هو خليط، لكل واحد من خلطائه بعشرة، عشرة، وليس بعض خلطائه خليطا لبعض، وهي مسألة حسنة - كما قال جارية على ما في المدونة في الذي له أربعون من الغنم مع خليط له أربعون، ولخليطه أربعون أخرى ليس له فيها خليط: أن الذي ليس له إلا أربعون يكون خليطا لصاحبه بجميع غنمه، فيأخذ المصدق منهم شاة يكون ثلثها على رب الأربعين، وثلثاها على رب الثمانين، وقد قيل في مسألة المدونة: إنه يكون كل واحد منهما خليطا لصاحبه بما خالطه به لا أكثر فيأخذ الساعي منهما عن الثمانين التي هما فيها خليطان - شاة، ويأخذ من صاحب الثمانين عن الأربعين التي لا خليط له فيها - نصف شاة؛ لأنه يضيفها إلى الأربعين التي قد زكاها مع خليطه، فيكون عليهما - على هذا القول شاة ونصف شاة، وهو مذهب ابن الماجشون، وسحنون، ويأتي على هذا القول في مسألة الإبل، أن الساعي يقول لواحد من أصحاب العشرة، ولصاحب الثلاثين: أنتما خليطان بعشرين، عشرة لكل واحد منكما، فعليكما أربع شياه، فيأخذها منهما شاتين من كل واحد منهما، ثم يفعل بالثاني منهم، وبصاحب الثلاثين - مثل ذلك، ثم بالثالث، وبصاحب الثلاثين - أيضا - مثل ذلك، فيكون قد أخذ منهم جميعا فيما وجب عليهم - اثنتي عشرة شاة، ستة من صاحب الثلاثين، واثنتين، اثنتين، من أصحاب العشرة، وقيل في مسألة المدونة أيضا: إن الذي ليس له إلا أربعون، يكون خليطا للذي (خالطه بما) خالطه به لا أكثر، ويكون الذي خالطه خليطا له بجميع

غنمه، فيأخذ الساعي من الذي له أربعون نصف شاة؛ لأنه يقول له: لك أربعون، ولخليطك معك أربعون، فجميع ذلك ثمانون، وفيها شاة عليك نصفها، ويأخذ من الذي له ثمانون ثلثي شاة؛ لأنه يقول له: لك ثمانون، ولخليطك أربعون، فجميعها مائة وعشرون - وفيها شاة، عليك ثلثاها، فيكون عليهما على هذا القول شاة وسدس شاة، ويأتي على هذا القول في مسألة الإبل - أن الساعي يقول لواحد من أصحاب العشرة أن لك عشرة من الإبل، وأنت بها خليط لعشرة من الإبل، فجميعها عشرون، وفيها أربع شياة، فعليك منها شاتان تأخذها منه؛ ثم تفعل بالثاني والثالث مثل ذلك، ثم يقول لصاحب الثلاثين: إن لك ثلاثين - وأنت بها خليط لخلطائك بثلاثين، فجميعها ستون؛ وفيها حقة طروقة الفحل، فعليك نصفها، فهاتها فيأخذ منه نصف قيمتها، وقد قيل: إنه يأتي بها فيكون شريكا معه فيها؛ وقد قيل في مسألة الإبل إنهم كلهم خلطاء الخليط وخليط الخليط، فيأخذ منهم حقة طروقة الفحل؛ لأن الجميع ستون، فتكون بينهم على عدد ما لكل واحد منهم من الإبل، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وحكاه عن ابن الماجشون، وقاله بناء على رواية مطرف عن مالك في مسألة قال فيها بمثل جوابه فيها، ولم يتكلم في المدونة على خليط الخليط، وإنما تكلم على الخليط - إذا كانت له غنم لم يخالط بها؛ فاحتمل أن يكون مذهبه فيها في خليط الخليط - على ما في العتبية عن بعض المصريين، واحتمل أن يكون على ما ذهب إليه ابن حبيب، والأول هو الذي حفظناه عن الشيوخ؛ وعلى قياس ما ذكرناه يجري القول في المسألة الثانية - وهي التي يكون له خمسة عشر من الإبل، وهو بكل خمسة منها خليط لرجل بخمسة على حدة؛ ففي مسألة المدونة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنهما خليطان بجميع الغنم، والثاني: أنهما لا يكونان خليطين إلا بما يخالطان به منها، والثالث: أن صاحب الأربعين يزكي على ما خالط به، وصاحب الثمانين يزكي على أنه خليط بجميع غنمه؛ وفي مسألة العتبية أربعة أقوال، الثلاثة منها على قياس الثلاثة الأقوال في مسألة المدونة - إذا لم يزك غنم خليط الخليط - على الخلطة، والقول الرابع: تزكية جميعهم على الخلطة، وقد مضى بيان ذلك كله وتفسيره، وتبين الأربعة الأقوال

بمسألة يتنزلها - وهي أن يكون لرجل ستون شاة، ثلاثون منها مع خليط بثلاثين، والثلاثون الأخرى مع خليط آخر بثلاثين - أيضا؛ فجميع الغنم على هذا مائة وعشرون، يأخذ منها المصدق شاة واحدة على القول بأنها تزكى كلها على الخلطة، ويأخذ منها شاتين على القول: بأنه يزكي كل واحد منهما مع الذي خالطه بما خالطه به، وذلك أنه يقول لصاحب الستين ولخليطه: - أنتما خليطان بستين، فيأخذ منهما شاة بينهما، ثم يقول لصاحب الستين أيضا، ولخليطه الآخر: أنتما خليطان بستين، فيأخذ منهما شاة أيضا بينهما، ويأخذ منهما شاة ونصفا على القول بأنه يزكي كل واحد من الخليطين على أنه خليط بما خالط به لا أكثر، وأنه يزكي الذي خالطهما جميعا على الخلطة في الجميع؛ وذلك أنه يقول لأحد الخليطين لك ثلاثون من الغنم، (ولخليطك ثلاثون، فجميعها ستون؛ وفيها شاة، فعليك نصفها، فيأخذ منه نصف شاة، ويقول لصاحبه مثل ذلك، فيأخذ منه نصف شاة أيضا، ثم يرجع إلى صاحب الستين فيقول له: لك ستون، وأنت خليط لخليطيك بستين، فجميعها مائة وعشرون، وفيها شاة، فعليك نصفها، فيأخذ منه نصف شاة، فيستوفي صدقته، ويأخذ منها شاة وسدسا - على القول بأن يزكي كل واحد من الخليطين على أنه خليط للذي خالطه بجميع غنمه، وإن لم يخالطه إلا ببعضها، وأنه يزكي الذي خالطهما جميعا على الخلطة في الجميع، وذلك أن يقول لأحد الخليطين: لك ثلاثون من الغنم) ، ولخليطك ستون، فجميعها تسعون، وفيها شاة عليك ثلثها، فيأخذ منه ثلث شاة، ويقول لصاحبه مثل ذلك، فيأخذ منه ثلث شاة أيضا، ثم يرجع إلى صاحب الستين، فيقول له: لك ستون، وأنت خليط لخليطيك بستين، فجميعها مائة وعشرون وفيها شاة، فعليك نصفها فيأخذ منه نصف شاة. فهذه أربعة أقوال بينة في مسألة واحدة، وهذا التنزيل على مذهب من لا يراعي النصاب في الخلطة، ومالك يراعيه في الانتهاء دون الابتداء؛ ولو كانت لرجل عشرون من الإبل خالط بكل عشرة منها خليطا بعشرة - على

حدة، لوجب للساعي فيها على القول الأول بنت لبون، يأخذها من جميعهم، ويترادون فيها على عدد إبلهم، ويجب له فيها على القول الثاني ثمان شياه: أربع شياه على صاحب العشرين، وشاتان، شاتان - على كل واحد من صاحبي العشرة، وذلك أنه يقول لصاحب العشرين، ولأحد خليطيه: أنتما خليطان بعشرين عشرة، عشرة، لكل واحد منكما، فعليكما أربع شياه: شاتان على كل واحد منكما، ثم يقول لصاحب العشرين أيضا، ولخليطه الآخر: أنتما خليطان بعشرين: عشرة، عشرة لكل واحد منكما، فعليكما أربع شياه: شاتان، شاتان، على كل واحد منكما؛ ويجب له فيها على القول الثالث نصف ابنة مخاض، وأربع شياه؛ وذلك أنه يقول لصاحب العشرين: لك عشرون من الإبل، ولخليطيك عشرون، فجميعها أربعون، وفيها ابنة لبون، وعليك نصفها، فيأخذ منه نصف ابنة لبون، ثم يقول لأحد الخليطين - صاحب العشرة: لك عشرة من الإبل، ولخليطك عشرة من الإبل، فجميعها عشرون، وفيها أربع شياه، عليك منها شاتان، فيأخذ منه شاتين، ويفعل بصاحبه مثل ذلك، فيستوفي حقه نصف ابنة لبون، وأربع شياه، ويجب له فيها على القول الرابع ثلثا ابنة لبون مخاض ونصف ابنة لبون، وذلك أنه يقول لأحد الخليطين صاحب العشرة: لك عشرة من الإبل، ولخليطك عشرون، فجميعها ثلاثون، وفيها ابنة مخاض، فعليك ثلثها، فيأخذ منه ثلث ابنة مخاض، ويفعل بصاحبه مثل ذلك، فيأخذ منه ثلث بنت مخاض أيضا؛ ثم يرجع إلى صاحب العشرين فيقول له: إن لك عشرين من الإبل، ولخليطيك عشرون: عشرة، عشرة، فجميعها أربعون، وفيها ابنة لبون، عليك منها نصفها، يأخذ ذلك منه ويستوفي جميع حقه؛ وهذه أيضا أربعة أقوال بينة في هذه المسألة على

مذهب مالك في الابتداء والانتهاء، فقس عليها سواها تصب - (إن شاء الله) - وبالله تعالى التوفيق. * * *

كتاب زكاة الحبوب والفطر

[كتاب زكاة الحبوب والفطر] [زكاة الحنطة] من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب القبلة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم، قال: سمعت مالكا قال في زرع الحنطة وما أشبهه مما فيه الزكاة، يبيعه صاحبه بعد أن ييبس ويستحصد، وهو قائم قبل أن يحصده: فلا بأس أن يأمن المبتاع عليه - إذا فرغ وكاله، أخبره بما وجد فيه، فأخرج البائع زكاة ذلك، قال ابن القاسم: فإن باعه من نصراني فأحب إلي أن يتحفظ من ذلك حتى يعلم ما خرج منه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الزرع إذا أفرك واستغنى عن

الماء، فقد وجبت فيه الزكاة على صاحبه؛ وكذلك الثمرة إذا أزهت، فإذا باع شيئا من ذلك بعد وجوب الزكاة فيه، فالزكاة واجبة عليه حتى يؤديها، وله أن يأمن المبتاع في مبلغ ما رفع فيه - إن كان مأمونا، وإن لم يكن مأمونا، أو كان ذميا، فعليه أن يتوخى قدر ذلك ويزيد ليسلم؛ قاله ابن المواز، وهو صحيح؛ كمن عليه صلوات ضيعها لا يعرف مبلغها، فإنه لا يصلي حتى لا يشك أنه قد قضى أكثر مما عليه، وقد اختلف إن أعدم البائع قبل أن يؤدي الزكاة، ووجد المصدق الطعام بيد المشتري، فقال ابن القاسم: يأخذ الزكاة منه ويرجع المبتاع على البائع بقدر ذلك من الثمن، وقال غيره: لا سبيل له على المشتري، ويتبع البائع - وهو الأظهر؛ لأن البيع كان له جائزا بظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تبيعوا الحب في سنبله حتى يبيض في أكمامه» «ونهيه عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها؛» وقد قال محمد بن المواز: قول ابن القاسم أحب إلي؛ لأن البائع باع ما لم يكن له أن يبيعه - وهو بعيد، إذ لو كان البائع باع ما لم يكن له أن يبيعه، لوجب أن تؤخذ الزكاة من المشتري - وإن كان قد أكل الطعام مليا، كان البائع أو معدما - على حكم الاستحقاق؛ أو أن يكون البيع فاسدا - على تأويل في المذهب، وهو مذهب الشافعي: أنه إذا باع من الثمار ما تجب فيه الزكاة بعد الزهو، فالبيع فاسد، إلا أن يبيع تسعة أعشارها ونصف عشرها إن كان نضجا، فقول ابن القاسم استحسان على غير قياس، وكان ينبغي إذا أخذت الزكاة من الطعام على هذا - أن يرجع المشتري على البائع بالمثل؛ لأن المكيلة وجبت على البائع، فكأن المبتاع أداها عنه، لا بقدر ذلك من الثمن على حكم الاستحقاق، إذ ليس ذلك باستحقاق، وإذا رجع عليه بقدر ذلك من الثمن - على ما قاله ابن القاسم، فيرجع عليه أيضا بقدر ذلك من النفقة التي أنفقها في عمله؛ لأن العمل كان على البائع فلا يخسره المبتاع، وبالله التوفيق. مسألة قال مالك: ليس على أهل الحوائط أن يحملوا ما عليهم من صدقات ثمارهم، إنما يؤخذ ذلك منهم في حوائطهم.

صاحب الزرع أن يحسب كل ما أكل منه قبل الزكاة

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103]- الآية، فوجب أن تؤخذ الزكاة من المال بموضعه الذي هو فيه، ولا يلزم أصحاب الأموال حمل زكواتهم إلى من يأخذها منهم، إذ لم يؤمروا بذلك، كالجزية التي قال الله فيها: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29]- الآية، وقد مضى القول في هذا المعنى في سماع ابن القاسم من كتاب زكاة الماشية، ويأتي أيضا في أول سماع أشهب من هذا الكتاب. [صاحب الزرع أن يحسب كل ما أكل منه قبل الزكاة] ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما المال قال: وقال مالك فيما أكل الناس من زرعهم، وما يستأجرون به، مثل القتة التي يعطى منها حمل الجمل بقته قال مالك: أرى أن يحسبوا كل ما أكلوا واستحملوا به، فيحسب عليهم في العشور - إذا أخذ منهم؛ وأما ما أكلت منه الدواب والبقر إذا كانت في الدرس، فلا أرى فيه شيئا.

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الزرع إذا أفرك فقد وجبت فيه الزكاة: العشر، أو نصف العشر - حبا مصفى تكون النفقة في ذلك من ماله، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر، وفيما سقي بالنضح - نصف العشر. فعلى صاحب الزرع أن يحسب كل ما أكل منه، أو أعلفه، أو استأجر به في عمله، لوجوب ذلك عليه في ماله، قال ابن المواز: وكذلك ما تصدق به، إلا أن يكون ذلك كله تافها يسيرا لا قدر له؛ وقد قيل: إنه ليس عليه أن يحصي ما أكل منه أو تصدق به - وهو فريك، أو قبل أن ييبس، لقوله عز وجل: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وهو مذهب الليث بن سعد. وأما ما أكل منه بعد يبسه، أو أعلفه، فلا اختلاف في أنه يجب عليه أن يحصيه، واختلف فيما تصدق به بعد اليبس - إن كانت الصدقة على المساكين، إذ قد قيل في قوله عز وجل: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] : أنه أن يعطي منه المساكين ما تيسر عند حصاده من غير الزكاة - سوى الزكاة - ندبا، وقيل: فرضا واجبا - مع فرض الزكاة، وقيل: نسخه فرض الزكاة: قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» فمن جعله ندبا، أو فرضا واجبا - مع الزكاة، فليس عليه أن يحصيه، ومن رآه منسوخا بالزكاة، أو قال: إن المراد به الزكاة - وهو مذهب مالك، أوجب عليه أن يحصيه - كما قال ابن المواز، ولا يجوز له أن يحسبه من زكاته - إذا نوى به صدقة التطوع، وكذلك لو أعطاه - ولا نية له في تطوع، ولا زكاة، وقد اختلف

حب القرطم هل فيه زكاة أم لا

إذا أخذت منه الزكاة كرها - على قولين؛ أحدهما: أنه تجزئه من الزكاة؛ لأن الزكاة متعينة في المال، فإذا أخذها منه من إليه أخذها، أجزأت عنه، كما تجزئ عن الصبي، والمجنون؛ والثاني: أنها لا تجزئه، إذ لا نية له، والأول أظهر؛ لأن النية في ذلك موجودة من المأمور بأخذها، وأما ما أكلت منه الدواب والبقر، في حين الدرس، فليس عليه أن يحصي شيئا من ذلك؛ لأنه أمر غالب بمنزلة ما لو أكلته الوحوش، أو ذهب بأمر من السماء، وبالله تعالى التوفيق. [حب القرطم هل فيه زكاة أم لا] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية قال مالك: في حب القرطم الصدقة، سحنون أحب إلي ألا تكون فيه الصدقة، وهو قول مالك؛ وقد كان ابن القاسم يرى فيه الصدقة من زيته، ولا يعجبني ذلك. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم خلاف قولي مالك جميعا؛ لأن الظاهر من قول مالك في حب القرطم الصدقة، - أن الصدقة تؤخذ منه حبا، فتحصيل الاختلاف في ذلك، أن فيه قولين؛ أحدهما: أن الزكاة لا تجب فيه، والثاني: أنها تجب فيه، قيل في حبه - وهو ظاهر أحد قولي مالك، وقيل في زيته - وهو قول ابن القاسم، وقول مالك في الرسم الذي بعد هذا، والأظهر أن الزكاة لا تجب فيه؛ لأنه ليس من الحبوب التي تدخر للاقتيات بها، ولا من الثمار، فالقول بأن الزكاة تؤخذ من زيته إغراق، ومن أوجب الزكاة فيه قاسه على الزيتون، وما أنفق الناس على الزيتون في قياسه على ثمار النخيل، والأعناب؛ لأن الشافعي لا يرى فيه الزكاة - وهو مذهب ابن وهب من أصحابنا، فالشافعي لا يرى الزكاة في شيء من الثمار، إلا في ثمار النخيل والأعناب؛ ومالك يراها في ثمار النخيل، والأعناب، والزيتون، وابن حبيب يراها في جميع الثمار الثابتة - كان مما يدخر أو مما لا يدخر، بظاهر قوله عز وجل:

زيت القرطم هل فيه زكاة أم لا

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ} [الأنعام: 141]- إلى قوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]- بعد أن ذكر الرمان فيما ذكر، وأبو حنيفة يراها في كل ما أنبتت الأرض مما يؤكل، بظاهر قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر - وبالله التوفيق. [زيت القرطم هل فيه زكاة أم لا] ومن كتاب أوله تسلف في المتاع والحيوان وقال مالك: أرى في زيت القرطم زكاة إذا كان يعصر منه مثل ما ذكرتم، قال ابن القاسم: قال مالك: وليس في (حب) بزر الكتان ولا في زيته شيء. قال محمد بن رشد: أما الزكاة في القرطم، فقد مضى القول فيه في الرسم الذي قبل هذا، وقول مالك في هذا الرسم، مثل قول ابن القاسم في الرسم الذي قبله؛ وأما حب بزر الكتان، فلم يختلف قول مالك في أن الزكاة لا تجب فيه، ولأصبغ في كتاب ابن المواز، أن الزكاة فيه، ولا فرق في القياس بين بزر الكتان، وحب القرطم؛ لأن الزكاة إنما وجبت فيهما عند من أوجبها فيهما، من أجل ما يعصر منهما من الزيت - قياسا على الزيتون؛ وإنما فرق مالك في أحد قوليه بينهما؛ لأنه رأى الناس يعصرون الزيت الكثير من القرطم، ويتخذونه لذلك، ولا يفعلون ذلك في بزر الكتان - والله أعلم. [مسألة: دفع زكاة الفطر أيدفع إليه منها] مسألة وسئل مالك: عمن دفع زكاة الفطر، أيدفع إليه منها؟ فأنكر

مسألة: الحمص والفول الذي يبيعه أصحابه أخضر كيف تخرج زكاته

ذلك وقال: كيف تدفع إلى من دفع؟ لا أرى ذلك، ثم رجع عنها بعد ذلك، فقال في نعم: إني لأستحب ذلك - إذا كان محتاجا. قال محمد بن رشد: زكاة الفطر إنما هي زكاة الرقاب، ليست بزكاة الأموال، فهي تجب على من لا مال له إذا كان عنده فضل عن قوت يومه، وفيه ما يؤديها منه - قاله ابن حبيب؛ وقال غيره: إلا أن يضر ذلك به، ويؤدي إلى جوعه، وجوع عياله، ومن ليس له إلا هذا المقدار، فهو من الفقراء الذين تحل لهم الزكاة، فلهذا وقع الاختلاف في هذه المسألة، فوجه قول مالك الأول، هذا ممن تجب عليه زكاة الفطر، فلا يأخذها قياسا على سائر الزكوات؛ ووجه القول الثاني أنه مسكين، فجاز أن يأخذ صدقة الفطر - قياسا على سائر المساكين - وإن كان هو ممن دفعها؛ وإذا جاز دفعها إليه، فهو أولى من غيره بما تبين من فضله؛ إذ دفع الزكاة مع مسكنته وحاجته، قال الله عز وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9]- الآية، فهذا وجه استحسان قول مالك لذلك، وهذا إذا دفعها إليه الذي تجمع عنده، ويلي تفرقتها، وكذلك يصلح إن يقرأ كيف يدفع على ما لم يسم فاعله، وأما أن دفعها إليه المسكين الذي دفعها هو إليه، فذلك مكروه - إن كانت هي بعينها، من أجل الرجوع في الصدقة، فمن أوجبها على من له فضل عن قوت يومه، قدرها لم يجز لمن يجب عليه أن يأخذها، لم يجز أن يعطي زكاة الفطر لمن عنده قوت يومه؛ ولا أن يعطي لمسكين واحد أكثر من صاع، إلا أن يكون ذا عيال، وهو قول أبي مصعب: إنه لا يعطاها من أخذها، ولا يعطى فقير أكثر من زكاة إنسان. [مسألة: الحمص والفول الذي يبيعه أصحابه أخضر كيف تخرج زكاته] مسألة وقال مالك في الحمص والفول الذي يبيعه أصحابه أخضر:

مسألة: سقى نصف سنته بالعيون ثم انقطعت عنه فسقى بقية عامه بالنضح

أرى أن يتحروا ذلك كما هو يابس، ثم يؤدون حمصا وفولا يابسا؛ قال مالك: وهو عندي وجه الصواب. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الزكاة قد وجبت في ذلك بالإفراك، والاستغناء عن الماء، فبيع ذلك أخضر بمنزلة بيع الحائط من النخل أو الكرم إذا أزهى، أنه ينبغي له إذا لم يدر كم بلغ ما فيه من التمر، أو الزبيب، أن يتحرى ذلك؛ وقد مضى في أول رسم من هذا السماع، مثل هذا المعنى، ولمالك في كتاب ابن المواز في الفول والحمص: أنه إن أدى من ثمنه، فلا بأس به، ولم يقل ذلك في النخل والكرم، والفرق بينهما على هذا القول، أن تمر النخل والكرم، إنما يشتريه المشتري لييبسه، فهو ينقص في ثمنه لذلك؛ والحمص والفول إنما يشتريهما المشتري للأكل إذا اخضر، لا للتيبيس، فلا ينقص في الثمن من أجل التيبيس الذي يجب على البائع شيئا، فإذا أعطى المساكين من الثمن، فلم يبخسهم شيئا، وبالله التوفيق. [مسألة: سقى نصف سنته بالعيون ثم انقطعت عنه فسقى بقية عامه بالنضح] مسألة وقال مالك في رجل كانت له نخل أو زرع أو كرم، مما يزكى، فسقى نصف سنته بالعيون، ثم انقطعت عنه، فسقى بقية عامه بالنضح، أو بالسواقي؛ قال مالك: أرى أن يخرج نصف زكاته عشورا، والنصف الآخر نصف العشر، قال ابن القاسم: قال لي مالك: أما ما كان مثل هذا، فعلى هذا يعمل فيه، وأما ما كان على غير هذا، فالذي به تم - وهو أكثر، فعليه أن يزكي به إن كان بالنضح فنصف العشر، وإن كان بالعين فعليه العشر، قال سحنون عن علي بن زياد، عن مالك مثله.

ليس طعامهم إلا التين أيؤدون منه الزكاة في الفطرة

قال محمد بن رشد: إرادته (أنه) إن كان ما سقي بالعين مثل ما سقي بالنضح، أو زاد أحدهما على صاحبه شيئا يسيرا، فليخرج نصف زكاته عشرا، ونصفها نصف عشر؛ وإن كان أحدهما قليلا، والآخر كثيرا: الثلثين أو أكثر، فليخرج على الأكثر كان هو الأول أو الآخر؛ لأن به تم، كذا هو مفسر لمالك، وابن القاسم، وابن الماجشون - في غير هذا الموضع، فعليه يحمل ما في الرواية؛ لأن في لفظها بعض الإشكال، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [ليس طعامهم إلا التين أيؤدون منه الزكاة في الفطرة] ومن كتاب أوله حلف ليرفعن أمرا (إلى السلطان) وسئل مالك عن قوم وليس طعامهم إلا التين، أيؤدون منه الزكاة في الفطرة، قال لا يؤدون منه الزكاة. قال محمد بن رشد: هذا يبين أن ما في المدونة من كراهية إخراج التين في الفطرة لمالك، معناه: وإن كان ذلك عيشهم، وهو مثل قول أشهب فيها إن إخراجها من القطنية لا يجزئ - وإن كان ذلك عيشهم، خلاف رواية أبي زيد عن ابن القاسم: أنها تجزئ إن كان ذلك عيشهم، وقد روي عن ابن القاسم مثل قول أشهب؛ ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، أن زكاة الفطر، تخرج من غالب عيش البلد من تسعة أشياء، وهي: القمح، والشعير، والسلت، والتمر، والأقط، والزبيب، والأرز، والذرة، والدخن؛ فإن كان عيشه وعيش عياله غير الصنف الذي هو غالب عيش البلد من هذه الأصناف، أخرج من الذي هو غالب عيش البلد، كان الذي يتقوت (هو)

دفع القيمة في زكاة الفطر

به أرفع، أو أدنى، إلا أن يعجز عن أن يخرج أفضل مما يتقوت به، وذهب محمد بن المواز إلى أنه إنما يخرج مما يتقوت (هو) به، كان أفضل مما يتقوت به أهل البلد، أو أدنى، إلا أن يكون الذي يتقوت به هو أدنى بخلا ولوما، فيلزمه أن يخرج مما يتقوت به أهل البلدة وزاد ابن حبيب على هذه التسعة الأشياء - العلس، وله في مراعاة ما يتقوت به هو وأهل بلده - تفصيل يطول جلبه، من أحب الوقوف عليه تأمله في موضعه، وقد قيل: إنها لا تخرج إلا من ستة أشياء، وهي: القمح، والشعير، والسلت، والتمر، والأقط، والزبيب - وهو قول أشهب، وقيل: إنها لا تخرج إلا من خمسة أشياء، وهي: القمح، والشعير، والتمر، والزيت، والأقط - وهو قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه في العشرة، وقاله ابن الماجشون؛ إلا أنه جعل السلت مكان الزبيب، وذهب أهل الظاهر إلى أنها لا تخرج إلا من التمر، والشعيرة، وذكر وجه كل قول من هذه الأقوال، وما يتعلق به قائله، يطول، فتركت ذلك اختصارا، وبالله التوفيق. [دفع القيمة في زكاة الفطر] ومن كتاب أوله يتخذ الخرقة لفرجه وسئل عن الرجل لا يكون عنده قمح يوم الفطر، فيريد أن يدفع ثمنه إلى المساكين يشترونه لأنفسهم، ويرى أن ذلك أعجل؛ قال: لا يفعل ذلك، وليس كذلك قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ومن رواية عيسى قال ابن القاسم: ولو فعل لم أر به بأسا. قال محمد بن رشد: رواية عيسى هذه عن ابن القاسم، خلاف لرواية أبي زيد عنه بعد هذا؛ وقد قيل: إنها ليس بمخالفة لها، وإنما خفف ذلك

يحمل الطعام إلى أهل مكة هل يؤخذ منه نصف العشر مثل المدينة

في رواية عيسى هذه؛ لقوله: يشترونه لأنفسهم، فإنما دفع الثمن إليهم على ذلك - والله أعلم، وبه التوفيق. [يحمل الطعام إلى أهل مكة هل يؤخذ منه نصف العشر مثل المدينة] من سماع أشهب، وابن نافع من مالك من كتاب أوله وصايا ثم حج ثم زكاة قال أشهب، وابن نافع: سئل مالك: عمن يحمل الطعام إلى أهل مكة، أترى أن يؤخذ منه نصف العشر مثل المدينة؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: زاد مالك في كتاب ابن سحنون، والمجموعة: وكذلك من بأعراضهما من القرى، ليكثر حملهم لذلك، فأما في القطنية فيؤخذ منهم العشر، وذكر ابن سحنون في كتابه من رواية ابن نافع يؤخذ من أهل الذمة من الزيت، والطعام، العشر إن تجروا في بلاد المسلمين إلى المدينة، ومكة، وغيرهما، وإنما أخذ منهم عمر نصف العشر في الحنطة، والزيت، ليكثر الحمل إلى المدينة، وقد أغنى الله المدينة، وغيرها، فيؤخذ منهم اليوم العشر من الزيت، والطعام، وقال ابن نافع: لا يؤخذ منهم بهذين البلدين، إلا نصف العشر، كما فعل عمر، وإن استغنوا اليوم عن ذلك، مثل ما في العتبية، وهو الأظهر؛ لأنهم وإن استغنوا عن ذلك، ففيه رفق لهم على كل حال، وقد فعله عمر فلا يترك، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ» وبالله التوفيق. [مسألة: يخرص عليه نخله فيجد في تمره أكثر مما خرص عليه] مسألة وسئل مالك: عن الذي يخرص عليه نخله فيجد في تمره أكثر مما خرص عليه، قال: أرى أن يؤدي فضل ذلك؛ قلت: أرأيت إن وجد أقل مما خرص عليه؟ قال: إن ترك فلا يعطهم، ولو أطاعوني، لأمرتهم ألا يأخذوا منه شيئا.

مسألة: أيكلف الناس أن يحملوا زكاة ثمارهم إلى من يلي أخذها

قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن يؤدي فضل ذلك - يريد واجبا عليه، وهو أصح ما في المدونة، لأنه قال فيها: أحب إلي أن يؤدي؛ لأن نهاية خرص الخارص، أن يجعل في القوة كحكم الحاكم، وقد أجمعوا أن الحاكم إذا حكم بما لم يختلف فيه أنه خطأ، تنقض قضيته؛ وهذا الاختلاف إنما هو إذا خرصه عالم (في زمن العدل) وأما إذا خرصه جاهل، أو عالم في زمن الجور، فلا يلتفت إلى ذلك، ويعمل صاحب المال على ما وجد، فقول أشهب: إن كان في زمن العدل عمل على ما خرص - زاد أو نقص، وإن كان في زمن الجور، عمل على ما وجد - زاد أيضا أو نقص -؛ مفسر لما في المدونة، وكذلك ما روي عن مالك من أنه إن خرصه عالم، عمل على ما خرص؛ وإن خرصه جاهل، عمل على ما وجد مفسر أيضا لما في المدونة، وقد كان بعض الناس يحمل الروايات على ظاهرها فيجعلها أربعة أقوال، وهو تأويل خطأ - والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: أيكلف الناس أن يحملوا زكاة ثمارهم إلى من يلي أخذها] مسألة وسئل: أيكلف الناس أن يحملوا زكاة ثمارهم إلى من يلي أخذها؟ قال: ولكن يأخذونها يأتونه في حائطه، ولا يكلفون حمل ذلك إليهم؛ كذلك أهل الزرع يؤتون في مواضعهم، ولا يكلفون حمل ذلك إليهم، وكذلك أصحاب المواشي لا يكلفون المشقة، ولا جلبها إليهم، ولكن يؤتون في مجامعهم.

مسألة: تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده

قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي سماع ابن القاسم أيضا من كتاب زكاة الماشية، فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده] مسألة قال: وسألته عمن تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده، قال: إذا حال عليها الحول عنده، أخرج زكاتها، وإن لم يبعها؛ ليس المواشي مثل العروض (وإن باعها) قبل أن يحول عليها الحول - وقد حال على ثمنها الحول من يوم زكاه، زكى ثمنها يوم يبيع. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مثل ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف فيها، وذلك أن الغنم في أعيانها الزكاة، فإذا حال عليها الحول عنده - وهي ما تجب فيه الزكاة، أخذت منها زكاة السائمة، كان اشتراها للتجارة أو للقنية، فإن باعها قبل أن يحول عليها الحول، رجع في زكاتها إلى زكاة العين، فزكى الثمن إن كان قد حال عليه الحول، وهو ما تجب فيه الزكاة، إن كان اشتراها للتجارة. واختلف قول مالك إن كان اشتراها للقنية، فمرة قال: إنه يستقل بالثمن حولا من يوم قبضه، ومرة قال: إنه يزكيه على حول الغنم من يوم ابتاعها للقنية، والقولان في المدونة. [مسألة: الذي يقسم الصدقة يصدق المسكين فيما يدعي من المسكنة والحاجة] مسألة وقال مالك: زعم لي يزيد بن رومان، أن عمر بن الخطاب خرج يوما إلى خيبر، وأنه يوما لقائل تحت شجرة يستظل بها، إذ جاءته امرأة من العرب - وهو نائم فدنت منه فمست قدمه فنبه، فقال: ما لك؟

ما حاجتك يا أمة الله؟ فقالت: توسمت فيك الخير، وأن أمير المؤمنين بعث إلينا عام الأول - محمد بن مسلمة ساعيا، وأمره أن يأخذ من أغنيائنا ويرد على فقرائنا؛ فجاءنا فلم يعطنا شيئا، وأنا امرأة مؤتمة؛ وقد بلغني أن عمر باعثه إلينا العام، فأحب أن تمشي معي إليه توصيه وتكلمه لي، عسى إن قدم علينا أن يعطيني، فقال عمر: يا يرقا اذهب فادع إلي محمد بن مسلمة، فقالت: إني لم أرد هذا؛ إنما أردت أن تذهب معي إليه، فقال: إن لم يأتنا جئناه؛ فأتاه يرقا، فقال له: يدعوك أمير المؤمنين، فاستنكر ذلك وقال: ما شأنه؟ فقال: ما أدري، إلا أني رأيت امرأة، قال محمد: هي إحداهن؛ فلما جاءه، قال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين - ورحمة الله، فلما سمعت ذلك المرأة، استحيت وجمعت عليها ثيابها؛ فقال له عمر: هل تدري كيف كنا وأنتم قبل الإسلام؟ فقال: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين، فقال: إنا كنا أكلة رأس والعرب أعداؤنا من (كل) ناحية، فقال: يا أمير المؤمنين لا تعجل علي، قال: بعثتك مصدقا على هؤلاء، وأمرتك أن تأخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم، فلم تعط هذه المرأة شيئا، فقال: يا أمير المؤمنين، أما أن أكون تعمدت تركها، فما كان ذلك؛ ولكن عسى أن أكون أخطأتها، أو لم تأتنا، قال: إن بعثتك العام إليهم، فأعطها للعام الأول، وللعام الثاني، ثم قال عمر: الحقي بخيبر، آمر لك.

مسألة: حمل من أهل الذمة الطعام من تيماء ووادي القرى إلى المدينة أعليهم عشور

قال محمد بن رشد: في هذا الحديث أن الذي يقسم الصدقة يصدق المسكين فيما يدعي من المسكنة والحاجة: إذا رأى عليه هيئة ذلك، ولا يكلف البينة؛ لأن عمر بن الخطاب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، صدق المرأة فيما ادعت من الحاجة، وأمر محمد بن مسلمة أن يعطيها لقولها، دون أن يكلفها بينة، وكذلك قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رسم "البز" من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع، والوكالات. [مسألة: حمل من أهل الذمة الطعام من تيماء ووادي القرى إلى المدينة أعليهم عشور] مسألة وسئل: عمن حمل من أهل الذمة الطعام من تيماء، ووادي القرى إلى المدينة، أعليهم عشور؟ فقال: أما أهل تيماء، فأرى ذلك عليهم، وأما أهل وادي القرى، فلا؛ لأني أخاف أن يكون من المدينة وهي قريبة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن أهل الذمة إنما يلزمهم العشر فيما اتجروا به إذا خرجوا من أفق إلى أفق: من الحجاز إلى اليمن، أو من الشام إلى العراق، وما أشبه ذلك، فرأيتها خارجة من الحجاز، فأوجب على من قدم منها بطعام إلى المدينة العشر - يريد فيما عدا الحنطة والزيت؛ لأنه قد قال في أول الرسم: إنه لا يؤخذ منهم بمكة والمدينة من الطعام إلا نصف العشر، وقد مضى ما في ذلك من الاختلاف هنالك، وشك في وادي القرى لقربها، وخشي أن يكون من الحجاز، فلم ير أن يؤخذ منهم العشر بالمدينة؛ والأندلس كلها أفق واحد، فلا يؤخذ من الذمي، إذا خرج تاجرا من أعلاها إلى أسفلها شيء، وبالله التوفيق. [مسألة: رد الصدقة المأخوذة من الأغنياء على الفقراء] مسألة قال: وسمعت أن «رجلا جاء فقال: هذا ابن عبد المطلب المرتفق؟

الجلجلان والأرز أمن القطنية هما

فقالوا: نعم، فسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أشياء، فكان فيما سأله عنه أن قال: أنشدتك الله، آلله أمرك أن تأخذ من أغنيائنا صدقة فتردها على فقرائنا؟ فقال: نعم» . قال محمد بن رشد: يريد بقوله: المرتفق، أنه كان متكئا على مرفقه بين أصحابه، فأشار إليه بقوله هذا، وفي الحديث إيجاب رد الصدقة المأخوذة من الأغنياء على الفقراء، فهو أصل لما أمر به عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، محمد بن مسلمة في المرأة التي شكت إليه أنه لم يعطها شيئا، ولذلك ساقه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فصوابه أن يكون متصلا به. [الجلجلان والأرز أمن القطنية هما] ومن كتاب الزكاة قال: وسئل عن الجلجلان والأرز، أمن القطنية هما؟ فقال: ليس من القطنية، القطنية: الجلبان، واللوبيا، والحمص، والكرسنة، وما أشبه ذلك، يطحنه أهل الشام ويأكلونه، فهذه القطنية، والجلجلان على حدة، والأرز على حدة. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب أن الجلجلان، والأرز، ليسا من القطنية، وأنهما صنفان لا يضافان إلى غيرهما، ولا يضاف بعضهما إلى بعض، وكذلك الذرة، والدخن؛ وقد روي عن مالك أن الأرز، والجلجلان، من القطنية، روى ذلك عنه زياد، وأما الكرسنة، فذهب ابن حبيب إلى أنها صنف على حدة، وقال ابن وهب: لا زكاة فيها، واختار ذلك يحيى بن يحيى - وهو الأظهر؛ لأنها علف وليست بطعام؛ ولم يختلف في القطنية

مسألة: الوسق كم هو

أنها صنف واحد في الزكاة، وإن كان قد اختلف فيما هو قطنية مما ليس قطنية، فإذا اجتمع من جميعها ما تجب فيه الزكاة، أخذ من كل صنف بحسابه، واختلف قول مالك فيها في البيوع على ثلاثة أقوال، فمرة جعلها صنفا واحدا، ومرة جعلها أصنافا متفرقة، ومرة جعل ما تقاربت منفعته منها صنفا واحدا، وما تباعدت أصنافا مفترقة. [مسألة: الوسق كم هو] مسألة قال: وسألته عن الوسق كم هو؟ فقال: ستون صاعا بصاع النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فخمسة أوسق ثلاثمائة صاع بصاع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فإذا كان التمر، أو الحنطة، ثلاثمائة صاع بصاع النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وجبت فيه الزكاة، فما زاد على ذلك، أخذت منه الزكاة بحساب ذلك. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه أن الوسق ستون صاعا، وأن الخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع، وكذلك لا يختلف أيضا أن الصاع أربعة أمداد بمد النبي، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ واختلف في قدر المد بالوزن، فقيل: زنته رطل وثلث، وهو المشهور في المذهب؛ قيل بالماء، وقيل: بالوسط من البر، وقيل: رطل ونصف، وقيل: رطلان، وهو مذهب أهل العراق؛ واختلف في قدره بالكيل من المد الهشامي، فقيل: إنه ثلاثة أخماس مد هشام، وهو الذي في المدونة من أن مد هشام مدان إلا ثلث بمد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقيل: إنه نصف مد هشام، وهو تأويل البغداديين على مالك أنه رأى الإطعام في الظهار مدين بمد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حملا على فدية الأذى المقيدة في السنة؛ لأنهما جميعا مطلقتان في القرآن، قالوا: ولذلك قال فيه: يطعم بمد هشام؛ لأنه مدان بمد النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ واختلف أيضا في قدر مدنا الجاري عندنا بقرطبة من مد النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فقيل: إن (قدره) قدره سواء، وأن كيلنا أربعة أمداد بمد

مسألة: الأوقية كم هي

النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فهو صاع؛ فالوسق خمسة أقفزة، والنصاب خمسة وعشرون قفيزا، وقيل: إن في كيلنا ثلاثة أمداد وثلث بمد النبي، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فيأتي النصاب على هذا ثلاثون قفيزا، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وقيل: إن في كيلنا ثلاثة أمداد ونصف بمد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فيأتي النصاب على هذا ثمانية وعشرين قفيزا وأربعة أسباع قفيز، وقيل: إن في كيلنا أربعة أمداد إلا ثلثا بمد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فيأتي النصاب على هذا سبعة وعشرين قفيزا وثلاثة أجزاء من أحد عشر في القفيز، وما قدمته أولا من أن النصاب خمسة وعشرون قفيزا بالكيل القرطبي، هو أولى الأقاويل وأحوط في الزكاة، وبالله التوفيق. [مسألة: الأوقية كم هي] مسألة قلت: أفرأيت، الأوقية كم هي؟ فقال لي: الأوقية من الفضة أربعون درهما، قلت له: أفرأيت الأوقية من الذهب، أمعروفة لها شيء معلوم؟ قال لي: لا. قال محمد بن رشد: قوله: إن الأوقية من الفضة أربعون درهما، يريد من الوزن القديم المعروف بالكيل، وهو يزيد على وزن زماننا بخمسيه، فالدرهم الكيل بوزننا درهم وخمسا درهم؛ فيدخل في مائة درهم كيل من وزن زماننا مائة درهم وأربعون درهما، ولذلك سميت دراهمنا دخل أربعين، فالنصاب بوزننا من الدراهم مائتا درهم وثمانون درهما، خمسة وثلاثون دينارا دراهم؛ فمن ملك من الفضة أو الدراهم أقل من ذلك، لم تجب عليه زكاة، هذا الذي عليه العلماء، وذهب ابن حبيب إلى أنه يزكي أهل كل بلد على وزنهم وهو بعيد خارج عن أقوال العلماء؛ وأما سؤاله عن الأوقية من الذهب هل هي معروفة لها شيء معلوم، أم لا؟ فالمعنى في ذلك هل يسمى قدر

مسألة: زكاة ما يأخذ الأجراء من الزيتون

ما من الذهب أوقية، كما يسمى قدر أربعين درهما كيلا من الفضة أوقية أم لا؟ فأخبر أن الأوقية إنما هي تسمية لقدر ما من الفضة، لا لقدر ما من الذهب؛ وأما قدر ما يجب من الذهب في الزكاة لأوقية من الفضة فمعروف، وذلك أربعة مثاقيل؛ لأن الدينار في الزكاة بعشرة دراهم سنة ماضية، ومثقال الذهب اثنان وسبعون حبة، أربعة وعشرون قيراطا، كل قيراط من ثلاث حبات؛ روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الدينار أربعة وعشرون قيراطا، والقيراط ثلاث حبات الشعير، فلم تختلف الأوزان في ذلك، كما اختلفت في الدراهم؟ وقد كانت الدراهم مختلفة الوزن، درهم من ثمانية دوانق، ودرهم من أربعة دوانق إلى زمن عبد الملك بن مروان، فاتفق رأي الفقهاء على أن جعلوا الدرهم من ستة دوانق، فكانت العشرة دراهم منها تزن سبعة مثاقيل، وسموا ذلك الوزن كيلا، فكانت الأوقية منها أربعين درهما، واستقام النصاب في الفضة على أنه مائتا درهم، فلم تزل الدراهم ينقص وزنها بعد ذلك إلى أن جعل الدرهم وزن نصف مثقال، فكانت العشرة دراهم كيلا أربعة عشر درهما؛ والأوقية ستة وخمسون درهما، والخمس الأواقي المائتا درهم مائتا درهم وثمانون درهما؛ فهذا وجه القول في الأوزان، وقد وقع في تفسير ابن مزين لعيسى بن دينار أن الذهب والفضة في الزكاة كيل في كل ذلك، وهو غلط؛ لأن ذلك يوجب ألا تجب الزكاة في أقل من ثمانية وعشرين مثقالا، وذلك خلاف الإجماع. [مسألة: زكاة ما يأخذ الأجراء من الزيتون] مسألة (وسئل) فقيل له: فالرجل يستأجر الأجراء على زيتونه يلتقطونه على أن لهم الثلث وله الثلثان، على من ترى زكاة الثلث

مسألة: الكرم إذا كان يتزبب فأراد أن يجعل منها ربا

الذي يأخذه الأجراء في التقاطهم إياه، فقال: أرى (زكاة) ذلك على رب الزيتون الذي استأجرهم، يؤخذ ذلك منه زيتا. قال محمد بن رشد: قوله: إن زكاة ما يأخذ الأجراء من الزيتون على رب الزيتون صحيح؛ لأن التقاط الزيتون كحصاد الزرع، وجداد التمر، وذلك على رب المال، فلا اختلاف في ذلك عند من يوجب الزكاة في الزيتون، وأما قوله: يؤخذ ذلك منه زيتا، فهو على قوله إن عصر الزيتون على ربه، وخالفه في ذلك كثير من أصحابه، منهم: ابن كنانة، ومحمد بن مسلمة، ومحمد بن عبد الحكم، فقالوا: تؤخذ الزكاة منه حبا. وقال محمد بن عبد الحكم: والله ما اجتمع الناس على حبه، فكيف على زيته؟ وهو قول الشافعي ببغداد: إن الزكاة تؤخذ من حبه - وبالله التوفيق. [مسألة: الكرم إذا كان يتزبب فأراد أن يجعل منها ربا] مسألة وسئل: عن القوم تكون لهم الكرمات، ولو خرصت وجب في مثلها الزكاة، فلا يزبب منها إلا اليسير، ويعمل بقيتها ربا، فقال: أرى أن تخرص، فقيل له: إنه لا يعمل (منها) زبيب إلا شيء يسير ويجعل سائرها ربا، فقال: أرى أن يزبب قدر زكاتها، ثم يجعلون بقيتها ما بدا لهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الكرم إذا كان يتزبب، فأراد أن يجعل منها ربا، فعليه أن يزبب منه قدر زكاته، أو يأتي بذلك زبيبا من غيره؛ لأن الزبيب هو الذي تجب عليه فيه، ولو كان لا يتزبب فعمل منه ربا، لم يلزمه

مسألة: الكرم يخرص فيكون فيه ما يجب فيه الزكاة ثم يفسد

أن يخرج من الرب زكاته، إلا أن يشاء ويعطي عشر قيمته عنبا، ولو أعطى العنب أجزأه، وينبغي أن يفعل من ذلك الذي هو خير للمساكين. [مسألة: الكرم يخرص فيكون فيه ما يجب فيه الزكاة ثم يفسد] مسألة قيل له: أرأيت الكرم يخرص فيكون فيه ما يجب فيه الزكاة، ثم يفسد؛ فقال: إذا فسد، فلا زكاة فيه؛ قيل له: إنه إذا فسد بيع، فقال: أرى أن يؤدي زكاته من ثمنه الذي باعه به. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا فسد فسادا لا منفعة فيه ولا ثمن له، فلا زكاة فيه، وإن فسد فسادا لطفت به ثمرته ولم تذهب فباعه، فعليه أن يؤدي زكاته من ثمنه الذي باعه به، ومعنى ذلك عندي إذا كان الفساد الذي حدث به يمنع من تيبيسه، وإنما يباع ممن يأكله عنبا؛ وأما لو كان مما ييبس مع فساده ويباع على ذلك، لوجب أن يؤدي خرص ما يخرج منه زبيبا على حاله من الفساد، ولو ذهب الفساد ببعض الثمرة، فلم يبق منه ما تجب فيه الزكاة، فلا زكاة عليه. [مسألة: يغيب عن أهله أيؤدي زكاة الفطر بموضعه الذي هو به] مسألة وسئل: عن الرجل يغيب عن أهله، أيؤدي زكاة الفطر بموضعه الذي هو به؟ فقال: أما عن نفسه، فأرى أن يؤدي عنها زكاة الفطر - ههنا؛ لأنه لا يدري أيؤدى عنه أم لا؟ قيل له: أفيؤدي عن عياله؟ قال: تشتد عليه النفقة، فأما أهله فأرى له أن يؤخرهم، فلعلهم أن يكونوا قد أدوا عن أنفسهم؛ فأما هو فأرى أن يؤدي عن نفسه؛ لأنه لا يدري لعل أهله لا يؤدون عنه. قال محمد بن رشد: معنى هذا إذا كان قد ترك عند أهله مالا يؤدون

مسألة: مقدار زكاة الفطر

منه الزكاة، ولم يأمرهم بذلك، فهو إذا لم يدر ما يفعلون، يؤدي عن نفسه، ولا يؤدي عنهم؛ لأن الأقرب أن يؤدوا عن أنفسهم ولا يؤدوا عنه، ولو أمرهم أن يؤدوا عنه الزكاة في مغيبه، لم يكن عليه أن يؤدي عن نفسه في مغيبه؛ ولو لم يترك عندهم ما يؤدون منه الزكاة، لزمه أن يؤدي بموضعه عنه وعنهم؛ لأن الزكاة عليه فهذا الوجه في هذه المسألة. [مسألة: مقدار زكاة الفطر] مسألة وسئل مالك فقيل له: إن بعض الناس يقول في زكاة الفطر مدان، قال: القول ما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت له الأحاديث الذي تذكر عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مدين من الحنطة في زكاة الفطر، فأنكرها، وقال عقيل - وتبسم، وقال: إذا كان الشيء من أمر دينك، فعليك أبدا في أمره بالثقة، وأنه لن ينجيك أن تقول: سمعت، وقد كان يقال: كفى بالمرء كذبا - أن يحدث بكل ما سمع. قال محمد بن رشد: معنى قول مالك: القول ما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أي لا حجة إلا في قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا أن عنده من قول رسول الله: «الأمر بصاع من بر في زكاة الفطر» . ومن الدليل على ذلك، أنه استدل على أنه لا يجزئ من القمح إلا ما يجزئ من غيره - أن ما ذكر في الحديث بعضه أعلى من بعض، والكيل متفق، قال: فكذلك الحنطة - وإن كانت أفضل، هذا معنى قوله في كتاب ابن المواز: فلما ذكرت له الأحاديث أنكرها، والحديث الذي أنكره وتبسم تضعيفا لروايته، هو ما رواه عقيل بن خالد، وغيره،

عن هشام بن عروة (عن أبيه) «عن أسماء؛ قالت: كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مدين من حنطة، أو صاعا من تمر» . وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه، قال: قال لي النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أدوا صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير، أو نصف صاع من بر، أو قال: قمح، عن كل إنسان: صغير، أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، غني أو فقير» . فهذه الآثار وما أشبهها، احتج من ذهب إلى أنه يجزئ مدان من قمح في زكاة الفطر، واعتلوا في حديث أبي سعيد الخدري «كنا نخرج زكاة الفطر - صاعا من طعام، أو صاعا من شعير» - الحديث - بأن بعض الرواة لا يذكر فيه الطعام، وبعضهم يسقط، أو فيقول صاعا من طعام، صاعا من شعير - تفسيرا للطعام؛ قالوا: وإن صح فيه ذكر الطعام، فيحتمل أن يكون أدوا صاعا من قمح - والمفروض عليهم منه مدان. واستدلوا لصحة تأويلهم بما روي عن أبي سعيد الخدري أنه يجزئ

الترمس هل من أصناف الزكاة

مدان في زكاة الفطر. وقد روي عن «عبد الله بن عمر أنه قال: أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصدقة الفطر عن كل صغير، وكبير، حر، وعبد، صاعا من شعير، أو صاعا من تمر» قال: فعدله الناس بمدين من الحنطة؛ وفي بعض الآثار من حديث أبي سعيد الخدري: فلما كثر الطعام في زمن معاوية جعلوه مدين من حنطة، ولم يلتفت مالك إلى شيء من هذا ولا رآه. وقد روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال لما قال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صاعا من تمر أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط. فقال له رجل: أو مدين من قمح، فقال أبو سعيد لا، تلك قيمة معاوية، لا أقبلها، ولا آخذ بها، وبالله التوفيق. [الترمس هل من أصناف الزكاة] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب بع ولا نقصان عليك قال عيسى: قال ابن القاسم: الترمس من القطنية تزكى معها. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، أن الترمس من القطنية يضاف إليها في الزكاة.

يحمل طعام العشور من البلد الذي أخذ فيه وإن كان فيه مساكين إلى بلد آخر

[يحمل طعام العشور من البلد الذي أخذ فيه وإن كان فيه مساكين إلى بلد آخر] ومن كتاب العشور وسئل مالك: عن الإمام يستشير فيذكر له أن ناحية من عمله كثيرة العشور، قليلة المساكين، وناحية أخرى قليلة العشور، كثيرة المساكين، فهل له أن يتكارى ببعض ذلك العشر حتى يحمله إلى الناحية الكثيرة المساكين، القليلة العشر، فكره ذلك؛ قال ابن القاسم: ولا أرى أن يتكارى عليه من الفيء، ولكن يبيعه ويشتري بثمنه طعاما بالموضع الذي يريد قسمته (به) ؛ وذلك إلى اجتهاده بعد المشورة. وقال ابن القاسم أيضا في غير هذا الكتاب، ورواه عن مالك أرى أن يتكارى عليه من الفيء أو يبيعه. قال محمد بن رشد: أجاز أن يحمل طعام العشور من البلد الذي أخذ فيه - وإن كان فيه مساكين - إلى بلد آخر - إذا كان المساكين فيه أكثر، خلاف ظاهر قول سحنون في نوازله بعد هذا، وكره أن يتكارى عليه في حمله منه، وقال ابن القاسم: أنه يبيعه ويشتري بثمنه طعاما بالموضع الذي يريد قسمته به، ولا يتكارى عليه من الفيء، إلا أن يؤدي إلى ذلك اجتهاده بعد المشورة، وهو معنى ما رواه عن مالك أنه يتكارى عليه من الفيء أو يبيعه؛ لأن التخيير في ذلك إنما هو بالاجتهاد، والاجتهاد في ذلك هو أن ينظر إلى ما ينتقصه من الطعام في بيعه هنا، واشترائه هناك؛ وإلى ما يتكارى به عليه، فإن كان يتكارى عليه بأكثر باعه، وإن كان يتكارى عليه بأقل، اكترى عليه، وإذا جاز أن يبيعه هنا ويشتري به هناك أقل منه، فما الذي يمنع إذا لم يكن ثم من الفيء ما يتكارى به عليه من أن يكتري عليه منه - إذا رأى ذلك أرشد من بيعه، وقد أجاز ذلك ابن حبيب، ورواه مطرف، وابن وهب عن مالك؛ والوجه في جوازه بين، وذلك أن الله تعالى جعل للعاملين على الزكوات سهما منها، فإذا جاز أن يأخذ العامل على الزكاة من الزكاة بعمالته عليها، جاز أن يأخذ منها من يوصلها

العبد يكون شريكا لسيده في الزرع فلا يدفعان إلا خمسة أوسق هل يكون فيه زكاة

إلى المساكين الذين تفرق عليهم؛ لأن ذلك من وجه العمل عليها، ولأن الله تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]- الآية، فإذا كان الواجب على الإمام أن يأخذ منهم الصدقة في مواضعهم، ولم يجب على أرباب الأموال حملها إلى موضع المساكين، جاز للإمام أن يكتري على حملها منها - وإن كان عنده من الفيء ما يكتري عليه به، وأما إن لم يكن عنده فيء يكتري منه عليها، فلا اختلاف في جواز الاكتراء على حملها منها - إن كان ذلك أرشد من بيعها، وشراء غيرها في الموضع الذي تفرق فيه، فالاختلاف إنما يعود إلى كراهية الكراء عليها منها مع وجود الفيء، فكره ذلك مالك في قوله الأول، ورأى الكراء عليها من الفيء أحسن؛ وأجاز ذلك ابن القاسم ولم يكرهه؛ لأن قوله ولا أرى أن يتكارى عليه من الفيء، معناه لا أرى ذلك واجبا عليه، لا أن ذلك لا يجوز له أن يفعله؛ هذا ما لا يجوز أن يقال؛ لأن الفيء يجوز لمن تحل له الصدقة؛ وسيأتي هذا المعنى في رسم "نقدها" من سماع عيسى من كتاب النذور، وقد ذكر ابن عبدوس عن مالك من رواية ابن القاسم، وابن وهب، أنه لا يعطى من الفطرة من يحرسها، وهو نحو قول مالك هنا في كراهية الكراء على طعام العشور منه، فتدبر ذلك وقف عليه، وبالله التوفيق. [العبد يكون شريكا لسيده في الزرع فلا يدفعان إلا خمسة أوسق هل يكون فيه زكاة] ومن كتاب الجواب وسألته: عن العبد يكون شريكا لسيده في الزرع، فلا يدفعان إلا خمسة أوسق، هل يكون فيه زكاة، أو يكون خليطا له في الغنم، لكل واحد منهما عشرون شاة، هل عليهما صدقة، قال ابن القاسم: قال مالك: ليس عليهما ولا على واحد منهما في ذلك قليل ولا كثير، لا في الزرع، ولا في الغنم؛ قال ابن القاسم وهذا مما لا شك فيه ولا كلام، واحذر من يقول غير هذا أو يرويه، فإن ذلك ضلال. قال محمد بن رشد: من يقول إن العبد لا يملك، وأن مال العبد

باع أرضا فيها زرع لم يطب فاشترط المشتري الزكاة على البائع

لسيده، يوجب الزكاة عليه في الزرع والغنم، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة؛ وفي المدنية - لابن كنانة نحوه، قال يخرج الزكاة من جميع ذلك، ثم يصنع هو مع عبده ما أحب. [باع أرضا فيها زرع لم يطب فاشترط المشتري الزكاة على البائع] ومن كتاب العرية قال ابن القاسم: في رجل باع أرضا وفيها زرع لم يطب، فاشترط المشتري الزكاة على البائع قبل أن يطيب الزرع، أو يكون قد طاب؛ قال: قال مالك: هو على المشتري ولا يجوز أن يشترط الزكاة على البائع قبل أن يطيب الزرع، فإذا طاب فهي على البائع، إلا أن يشترطها على المشتري. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، أما إذا اشترى الأرض وفيها الزرع لم يطب فاشترطه، فالبيع جائز، والزكاة عليه؛ فإن اشترط الزكاة على البائع، فسد البيع؛ لأنه اشترط عليه مجهولا لا يعلم قدره ولا مبلغه؛ وأما إذا طاب الزرع فاشترى الأرض بزرعها، فالزكاة على البائع، فإن اشترطها البائع على المشتري، فذلك أجوز للبيع، إذ قد قيل: إنه إذا باع جميع الزرع ولم يشترط جزء الزكاة - فسد البيع؛ لأنه باع ما ليس له - وهو مذهب الشافعي، وقد مضى ذلك في أول سماع ابن القاسم. [نخل بيع وفيه خمسة أوسق وقد وجبت الزكاة فيها على البائع فأصابتها جائحة] ومن سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى: وسئل ابن القاسم عن ثمر نخل بيع وفيه خمسة أوسق، وقد وجبت الزكاة فيها على البائع، فأصابتها جائحة تنقصها من الخمسة الأوسق التي كانت الزكاة إنما وجبت على البائع من

أكل من حائطه بلحا أومن زرعه قبل أن يفرك الزكاة فيه

أجلها؛ أتوضع الزكاة عن رب الثمرة للجائحة التي نقصتها مما يجب الزكاة في مثله؟ فقال: إن بلغ ما أصاب الثمرة من الجائحة الثلث فأكثر حتى يلزم البائع أن يضع ذلك عن المشتري، سقطت عنه الزكاة بذلك؛ لأن الثمرة قد صارت في البيع إلى ما لا يجب فيه الزكاة؛ وإن كان ما أصاب الثمرة من الجائحة أقل من الثلث، لم يوضع ذلك عن المشتري، ولم تسقط الزكاة عن البائع؛ لأنه قد باع خمسة أوسق تجب فيها الزكاة، ثم لم يرد من الثمن شيئا للجائحة، فإذا لم يسقط ثمن الجائحة عنه، فالزكاة واجبة عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما أجيح من الثمرة إذا لم يبلغ ذلك الثلث، فالمصيبة فيه من المبتاع؛ لأنه تلف على ملكه بعد وجوب الزكاة على البائع، وما أجيح منها فبلغ الثلث، فإنما تلف على ملك البائع، فالمصيبة منه، فوجب أن يعتبر ذلك في النصاب، وهذا على مذهب من يجيز البيع ويرى الحكم بالجائحة، وهو قول مالك، وجميع أصحابه؛ وأما على مذهب من يجيز البيع، ولا يرى الحكم بالجائحة، فالزكاة واجبة على البائع - وإن أذهبت الجائحة الثمرة كلها، وأما على مذهب من لا يجيز البيع، فالجائحة وإن قلت: تسقط الزكاة إذا صارت الثمرة بها إلى أقل مما تجب فيه الزكاة، ويفسخ البيع، وهو مذهب الشافعي - وبالله تعالى التوفيق. [أكل من حائطه بلحا أومن زرعه قبل أن يفرك الزكاة فيه] ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع وسئل: عن الرجل يأكل من حائطه بلحا، ثم يأتي الخارص، أيحسب على نفسه فيما يخرص عليه ما أكل بلحا، فقال: ليس ذلك عليه، وليس هو مثل الفريك يأكله من زرعه، ولا مثل الفول يأكله أخضر، أو الحمص، وما أشبه ذلك.

قال محمد بن رشد: أما ما أكل من حائطه بلحا، أومن زرعه قبل أن يفرك؛ فلا اختلاف في أنه لا يحسبه، لأن الزكاة لم تجب عليه (بعد) فيه؛ إذ لا تجب الزكاة في الزرع حتى يفرك، ولا في الحائط حتى يزهى؛ واختلف فيما أكل من ذلك كله أخضر بعد وجوب الزكاة فيه بالإزهاء في الثمار، أو بالإفراك في الحبوب، على ثلاثة أقوال؛ أحدها: قول مالك: إنه يجب عليه أن يحصي ذلك كله (ويخرج زكاته، والثاني: أنه ليس عليه أن يحصي ذلك) ولا يخرج زكاته، وهو قول الليث بن سعد، ومذهب الشافعي، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] . والثالث: أنه يجب عليه ذلك في الحبوب، ولا يجب ذلك عليه في الثمار، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا خرصتم فخذوا ودعوا، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع» وهو قول ابن حبيب إن الخراص يتركون لأصحاب الحوائط قدر ما يأكلون أخضر ويعطون، وقد روي مثل ذلك عن مالك؛ وهذا إنما يصيح على القول بأن الزكاة لا تجب في الثمار إلا بالجذاذ، وهو قول محمد بن مسلمة؛ وفائدة الخرص على هذا - إنما هو مخافة أن يكتم منها شيء بعد اليبس، أو بعد الجذاذ، فإن خشي ذلك في الزرع، فقد قال ابن عبد الحكم: يوكل الإمام من يتحفظ بذلك؛ قيل: إنه يخرص إن وجد من يحسن خرصه، وهو أحسن - والله أعلم. والمغيرة يرى الزكاة تجب في الثمار بالخرص، ففي (حد) وجوب الزكاة في الثمار ثلاثة أقوال؛ أحدها: المشهور في المذهب أنها تجب بالطياب، والثاني: أنها تجب بالجذاذ، وهو قول محمد بن مسلمة، والثالث: أنها تجب بالخرص - وهو قول المغيرة - جعل الخرص فيها كالساعي في المواشي، فإن مات صاحب الثمرة قبل أن يخرص، خرصت على الورثة إن كان في حظ كل واحد منهم ما تجب فيه الزكاة.

مسألة: وقت بيع الزرع

[مسألة: وقت بيع الزرع] مسألة وسئل: عن الرجل يبيع الزرع - وقد أفرك، والفول - وقد امتلأ حبه وهو أخضر، أو الحمص، أو العدس، أو ما أشبه ذلك، فيتركه مشتريه حتى ييبس ويحصده، أيجوز بيعه؟ فقال: إن علم به قبل أن ييبس، فسخ البيع، وإن لم يعلم به إلا بعد أن ييبس، مضى البيع ولا يفسخ، وليس هو مثل أن يشتري الثمرة قبل أن تزهي؛ لأن النهي جاء في بيع الثمرة قبل أن تزهي من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ واختلف العلماء في وقت بيع الزرع، فقال بعضهم: إذا أفرك، وقال بعضهم: حتى ييبس، فأنا أجيز البيع - إذا فات باليبس، لما جاء فيه من الاختلاف، وأرده - إذا علم به قبل اليبس. قال محمد بن رشد: قد قيل: إن العقد فيه فوت، وقيل: إن القبض فيه فوت، وقيل: إنه لا يفوت بالقبض حتى يفوت بعده - وهو ظاهر ما في السلم الأول من المدونة، فهي أربعة أقوال، وهذا إذا اشتراه على أن يتركه حتى ييبس، وكان ذلك العرف فيه؛ وأما إن لم يشترط تركه، ولا كان العرف ذلك؛ فالبيع فيه جائز - وإن تركه مشتريه حتى ييبس، وقد قيل: إن بيع الفول أخضر يشترط أن يتركه المبتاع حتى ييبس جائز، والقولان قائمان من كتاب الجوائح في المدونة، وأما بيع الحب إذا أفرك على أن يترك حتى ييبس، فلا اختلاف في المذهب في أن ذلك لا يجوز ابتداء؛ وإنما يختلف في الحكم فيه - إذا وقع، والشافعي لا يجيز بيعه - وإن يبس - حتى يصفى؛ لأنه عنده غرر، ولو بيع قبل أن يفرك - لفسخ - وإن فات بعد القبض - وبالله التوفيق. [يعطي الرجل نصف ثمرة حائطه قبل أن تطيب] من سماع سحنون من ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل نصف ثمرة حائطه قبل أن تطيب، قال: الزكاة في الحائط، ثم

يقتسمان ما بقي، والسقي عليهما، قلت له: فإن كان أعطى النصف للمساكين، قال: إن السقي على رب الحائط. قال محمد بن رشد: قوله الزكاة في الحائط - يريد إن كان في حظ كل واحد منهما من ثمرته ما تجب فيه الزكاة، أو كان له ثمر من حائط آخر ما إذا أضافه إليه، وجبت فيه الزكاة؛ لأن الثمرة الموهوبة قبل الطياب لمعينين، مزكاة على ملك الموهوب لهم عند ابن القاسم، وهو قوله في المدونة، وغيرها؛ وقد قيل: إنها مزكاة على ملك الواهب، وهو مذهب سحنون؛ فصرفنا هذه الرواية بالتأويل إلى المعلوم من مذهب ابن القاسم - وإن كان ظاهرها مثل قول سحنون، وكذلك العرية على المعينين كالصدقة يزكيان على ملك المتصدق، والمعري؛ وقيل: إنهما يزكيان على ملك المتصدق عليه والمعرَى؛ وقيل: إن العرية تزكى على ملك المعرَى، (والصدقة على ملك المتصدق عليه؛ وقيل: إن زكاة العرية تؤخذ من مال المعرى، لا من ثمرة المعرى؛ ففي العرية - على هذا قولان؛ أحدهما: أنها على المعرى في ماله، والثاني: أنها لا تجب إلا في ثمرة العرية؛ فإذا قلت: إنها تجب في ثمرة العرية، فهل تؤخذ منها على ملك المعرى) أو على ملك المعري؛ في ذلك قولان، فهذا تحصيل القول في هذا، وأما إن كان أعطى النصف للمساكين، فلا اختلاف في أنه يزكى على مالك المعطي، ولا في أن الزكاة تجب فيه إن بلغ جميع ثمر الحائط ما تجب فيه الزكاة أو كان لرب الحائط ثمر سواه - إذا أضافه إليه، وجبت فيه الزكاة.

نقل الزكاة عن فقراء الموضع الذي أخذت فيه إلى غيره

[نقل الزكاة عن فقراء الموضع الذي أخذت فيه إلى غيره] نوازل سئل عنها سحنون قيل لسحنون: أرأيت القوم يكونون في الحضر ومزارعهم من الحاضرة على البريد، أو النصف بريد أيقسم المصدق صدقة زرعهم ومواشيهم في تلك القرى؟ أم على أهل الحاضرة؟ فقال: إن كانت تلك القرى مسكونة وفيها فقراء، فهم أولى بها من غيرهم، قيل له: فما أخذ العامل على أربعة أميال، أو ثلاثة؟ فقال: يقسم على فقرائهم، ولا ينقل إلى المدينة. قال محمد بن رشد: ظاهر هذا، أنه لا ينبغي أن تنقل الزكاة عن فقراء الموضع الذي أُخذت فيه إلى غيره، وإن كان الفقراء في غير ذلك الموضع أكثر، خلاف ما مضى في رسم "العشور" من سماع عيسى. [مسألة: وجبت عليه زكاة ماله فأخرجها فوضعها في غير قريته] مسألة وسئل سحنون: عن رجل وجبت عليه زكاة ماله، فأخرجها فوضعها في غير قريته - وفي قريته فقراء، هل تجزئه زكاة؟ قال: لا تجزئه. قال محمد بن رشد: يريد أنها لا تجزئه في الاختيار والاستحسان، لا أنه يجب عليه إعادتها فرضا، بدليل قوله في المسألة التي قبلها وفي المسألة التي بعدها؛ وكذلك تأول عليه قوله محمد بن اللباد، وغيره، وقد روى علي بن زياد، وابن نافع، عن مالك أن من زرع من أهل الحاضرة على عشرة أميال، فلا بأس أن يحمل من زكاته إلى ضعفاء عنده بالحاضرة، ومثله في كتاب ابن سحنون، وقال مالك في كتاب ابن المواز في الذي يبعث من زكاته إلى العراق، أن ذلك واسع، وأحب إلي أن يؤثر من عنده من أهل الحاجة - إن كانت الحاجة عندهم.

مسألة: زرع في أرض قريته ثم يحمل زرعه إلى قرية يسكنها غير التي زرع فيها

[مسألة: زرع في أرض قريته ثم يحمل زرعه إلى قرية يسكنها غير التي زرع فيها] مسألة وسئل سحنون: عن رجل زرع في أرض قريته ثم يحمل زرعه إلى قرية يسكنها غير التي زرع فيها، وكل ذلك في إقليم واحد، أو في إقليمين، إلى من يدفع زكاته، قال: أحب إلي أن يدفع زكاة كل زرع إلى فقراء أهل كل موضع ينبت فيه الزرع، إلا أن يكون بين الموضعين قريب، فتجمع الزكاة في موضعه؛ لأنه ملك واحد. قال محمد بن رشد: هذه المسألة من قول سحنون، تبين قوله في المسألة التي قبلها؛ لأن الزكاة ليست لمساكين بأعيانهم، فتضمن إن دفعت إلى غيرهم؛ وإنما هو الاختيار والاستحسان في دفعها إلى أولى الناس بها بالاجتهاد - وإن كانت هذه أخف من تلك؛ لأنه إنما فرق زكاته في موضع سكناه بخلاف تلك، وبالله التوفيق. [زكاة الفطر عن خادمين من رقيق امرأته] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب الزكاة والصيام قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: يؤدي الرجل زكاة الفطر عن خادمين من رقيق امرأته - إذا كان لها شرف وغناء، وإلا فواحدة. قال أصبغ: ذلك عندي حسن، كما أن عليه أن ينفق على خادمين لها - إذا كانت بذلك الموضع من القدر والغناء، والشرف، والتوسط فيه؛ لأن مثل هذه لا تكتفي بخدمتها وأمورها - الخادم الواحدة، فإنما ذلك على الأقدار والحالات، ولو ارتفع قدرها جدا مثل

مسألة: الرجل من زرعه ويعطي ويعلف فرسه أيحسبه في زكاة عشوره

ابنة السلطان العظيم، والقدر الكبير، ومثل بنت الملك، نحو الهاشميات، رأيت أن يزاد في عدد الخدم لبيتها وخدمتها وخدمة ما يقوم مثله من الخدم بخدمتها في بيتها، وشأن نفسها من الأربع والخمس، ويلزم الزوج نفقتهم وزكاتهم. قال محمد بن رشد: نحو هذا لمالك في مختصر ابن شعبان، وفي المبسوط، والمبسوطة، وفي العشرة ليحيى عن ابن القاسم، أنه ليس على الزوج أن ينفق من خدم زوجته على أكثر من خادم واحدة، ولا يؤدي صدقة الفطر إلا عن التي ينفق عليها، ولو ارتفع قدرها ما عسى أن يرتفع ليس عليه أكثر من ذلك، وهو ظاهر ما في المدونة. [مسألة: الرجل من زرعه ويعطي ويعلف فرسه أيحسبه في زكاة عشوره] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: يأكل الرجل من زرعه، ويعطي ويعلف فرسه ودوابه، ويحسب ذلك في زكاة عشوره، يتحراه ويحتاط فيه، وقاله أصبغ؛ هو عليه ولو قدر قتة قرط أو ربطة يحسبها، ويخرج عنه العشر. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم "يشتري الدور والمزارع" من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الاشقالية التي تكون بالأندلس هل فيها زكاة] مسألة قال ابن القاسم: وسئل عن الاشقالية التي تكون بالأندلس - ووصفت له، فقال: فيها الزكاة، وقال: لا تجمع إلى القمح، ولا إلى الشعير، وهي صنف وحدها. قال أصبغ: وسمعت ابن وهب وزيادا فقيه الأندلس يسأله عنها ويصفها له، فرأى فيها أيضا الزكاة، قال أصبغ: وذلك رأيي، وهو يزرع بالأندلس تكون في أكمام كالزرع،

يكون عليه زكاة حب فيخرج عينا

وتكون علوفة البقر، وربما احتيج إليها طعاما - إذا أجهدوا، وهي حبة مستطيلة مصوفة في طول الشعير - وليس على خلقته؛ وهي إلى خلقة السلت، وإلى القمح في خلقه أقرب، وليس من القمح، ولا الشعير، وهو صنف كالذرة وغيرها من حبوب الزكاة. قال محمد بن رشد: قول أصبغ في الاشقالية: إنها ليست من القمح ولا الشعير، وإنها صنف كالذرة وغيرها، هو مثل قول ابن القاسم: إنها لا تضم إلى القمح، ولا إلى الشعير، خلاف ما حكى عنه ابن حبيب، وعن جميع أصحاب مالك - إلا ابن القاسم من أنها تضم إلى القمح، والشعير، والسلت، وقال الشافعي - في العلس: إن خرج من أكمامه اعتبر فيه خمسة أوسق، وإن لم يخرج من أكمامه، فإذا بلغ عشرة أوسق، أخذت صدقته؛ لأنه حينئذ يكون خمسة أوسق، ولا يضم إلى غيره من الحبوب على أصله من أنه لا يضم من الحبوب إلى غيره ما انفرد باسم دونه، وخالفه في الخلقة، والطعم؛ وتجب الزكاة عند مالك في جميع الحبوب، والقطاني التي تدخر للاقتيات؛ وقول الشافعي نحوه، قال: ما كان منها يدخر ويقتات مأكولا، أو خبزا، أو سويقا، أو طحينا؛ وقال الليث: كل ما يختبز، فيه الصدقة؛ وقال الأوزاعي مرة مثل قول مالك، ومرة لا تجب الزكاة من الحبوب إلا في القمح، والشعير، والسلت - والله أعلم بالصواب. [يكون عليه زكاة حب فيخرج عينا] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: وقال ابن القاسم: في الرجل يكون عليه زكاة حب فيخرج عينا، قال: أرجو أن تجزئ عنه؛ قيل له: فرجل

وجب عليه عين فأخرج حبا؟ قال: يعيد، قيل له: فإن أخرج في زكاة الفطر عينا؟ قال: يعيد، قيل له: فإن أخرج في زكاة الفطر عدسا، أو حمصا - وذلك عيش أهل تلك البلدة؟ قال: هذا لا يكون، ولو كان ذلك عيشهم، رجوت أن يجزئ عنهم. قال محمد بن رشد: وجه تفرقة ابن القاسم بين أن يخرج عن العين حبا، أو عن الحب عينا؛ هو أن العين أعم نفعا؛ لأنه يقدر أن يشتري به ما شاء من جميع الأشياء، والحب قد يتعذر عليه أن يشتري به شيئا آخر حتى يبيعه بعين فيُعْنَى من ذلك ولعله يبخس فيه، وقال ابن حبيب: إنه لا يجزيه في الوجهين - جميعا، إلا أن يجب عليه عين فيخرج حبا - إرادة الرفق بالمساكين عند حاجة الناس إلى الطعام - إذا كان عزيزا غير موجود، وقال ابن أبي حازم، وابن دينار، وابن وهب، وأصبغ: لا أحب له أن يفعل ذلك أبدا، فإن فعل وكان فيه وفاء لما كان وجب - أي ذلك كان - أجزاه، وهذا القول أظهر الأقوال؛ ووجه الكراهية في أن يخرج خلاف ما كان عليه، وإن كان فيه وفاء بما عليه، ما في ذلك من معنى الرجوع في الصدقة؛ لأنه قد اشترى الصدقة التي كانت عليه بما دفع فيها، وليس ذلك بحقيقة الرجوع فيها، إذ لم يدفعها بعد، وأيضا فإن الحديث إنما جاء في صدقة التطوع، وقد روي إجازة ذلك عن جماعة من السلف، منهم: عمر بن الخطاب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعمر بن عبد العزيز، وأبو الزناد، ووجه تفرقة ابن القاسم بين أن يُخرج العين عن الحب، أو عن زكاة الفطر هو أن زكاة الفطر قد جاءت السنة بتسمية ما يخرج منه، فلا يتعدى ما جاءت به السنة في ذلك، وقد مضى في رسم "حلف" من سماع ابن القاسم - القول فيما تؤدى منه زكاة الفطر، فلا معنى لإعادته.

مسألة: النصراني يسلم والعبد يعتق وقد أزهى ثمره متى تجب عليهم الزكاة

[مسألة: النصراني يسلم والعبد يعتق وقد أزهى ثمره متى تجب عليهم الزكاة] مسألة وسئل عن نصراني أسلم، أو عبد أعتق، أو مكاتب أدى كتابته وقد أزهى ثمره، أو استحصد زرعه، متى تجب عليهم الزكاة؟ قال ابن القاسم: إذا أسلم النصراني، أو أعتق العبد، أو أدى المكاتب كتابته قبل حلول بيع الثمار فعليهم الزكاة، وإن كان بعد حلول بيع الثمار، فلا زكاة عليهم فيه، وهو بمنزلة الورثة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن النصراني، والعبد، ليسا من أهل الزكاة، فلا زكاة عليهما، إلا أن تبلغ الثمرة أو الزرع - حد وجوب الزكاة فيهما - وهما من أهل الزكاة؛ وهذا ما لا اختلاف فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: الاشقالية هل تجمع في الزكاة مع القمح والشعير] ومن كتاب المدنيين مسألة وسئل ابن كنانة عن الاشقالية - وفسر له أمرها ومنفعتها - هل تجمع في الزكاة مع القمح والشعير، أو هل فيهما زكاة؟ فقال: نعم، هذا صنف من الحنطة، يقال له العلس يكون باليمن - وهو يجمع مع الحنطة في الزكاة، وفيها الزكاة؛ قال ابن القاسم: فيها الزكاة، ولا تجمع إلى القمح، ولا إلى الشعير. قال محمد بن رشد: قد روي عن مطرف أنه لا زكاة فيها، وقد مضى بقية القول في هذا في سماع أصبغ، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

كتاب الجهاد الأول

[كتاب الجهاد الأول] [ما غنمه المسلمون من متاع العدو فلم تكن له قيمة] من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون بن سعيد من كتاب أوله حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها قال سحنون: أخبرني ابن القاسم، قال: سمعت مالكا يقول في القوم يكونون في الغزو (فيغنمون الغنائم) ، فيلقون أشياء مثل القصعة، وأشباه ذلك، لا يبتغونها ويسلمونها، فيأخذها الرجل، أترى أن تكون له؟ قال إذا أسلموها فارتحلوا عنها، فأراها له ولا أرى فيها خمسا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما غنمه المسلمون من متاع العدو فلم تكن له قيمة، ولا وجد له ثمن لزهادة الناس فيه، وعجز الإمام عن حمله فلم يقبله، ولا ضمه إلى غنائم المسلمين؛ فالواجب أن يخلى بين الناس وبينه لمن أخذه على غير قسم دون سائر الجيش، ولا يكون فيه خمس؛

لأن الوجه فيه - إن لم يأخذه أحد، أن يحرق ولا يترك للعدو ينتفعون به؛ فلما كان هذا هو الوجه فيه، وجب أن يكون لمن أخذه وانصرف إلى بلده حلالا، ولا يكون عليه أن يتمخى من شيء منه، والأصل في هذا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في ضالة الغنم: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» . هذا فيما تقرر الملك عليه، فكيف بما لم يتقرر عليه الملك للمسلمين، لكونه بعدُ في حوزة المشركين، وكذلك إن أخذ ذلك أحد فحازه، ثم عجز عن حمله فألقاه وتركه، كان لمن أخذه بعده فاحتمله، ولا اختلاف في هذا - أعلمه، وإنما اختلفوا فيمن صار إليه شيء من غنائم المسلمين باشتراء أو قسم، فضعف عن حمله وتركه على وجه اليأس منه في حوزة العدو، فوجده أحد من الناس فأخذه واحتمله، فقيل هو كالأول يكون لمن أخذه واحتمله - وإن كان مما له ثمن من السبي والمتاع، وهو قول ابن حبيب؛ وقيل إنه للأول - وعليه أجر الحمل والمؤنة، وهو قول أصبغ، وسحنون؛ وجه القول الأول أن الأول لم يملكه ملكا تاما فأشبه ما أخذه مما أسلم وترك من غنائم المسلمين بغير شراء ولا قسم؛ ووجه القول الثاني: أن الأول لما كان قد اشتراه أو صار له في سهمه، كان لمن وجده فاحتمله - حكم الشاة الضالة يجدها الرجل في الفيفاء فيقدم بها إلى الأحياء، أن ربها بها أولى؛ وأما إن كان ترك ذلك في حوزة الإسلام، فهو للذي تركه، وعليه مؤونة حمله قولا واحدا؛ قال ابن حبيب: فإن كان في ذلك شيخ أو عجوز فهم أحرار؛ لأن تركه مثل أولئك، إنما هو على وجه التخلية لهم والتحرير، وأما ما كان من متاع العدو يقبله الإمام ولا يضعف عن حمله، وله

مسألة: القوم يخرجون إلى الغزو ومعهم بفضل أموال يشترون من الغنائم

ثمن وإن قل، فأخذه غلول، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أدوا الخياط والمخيط، فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة» . [مسألة: القوم يخرجون إلى الغزو ومعهم بفضل أموال يشترون من الغنائم] مسألة وسئل مالك عن القوم يخرجون إلى الغزو ويخرجون معهم بفضل أموال يشترون من الغنائم إذا سبوا الجواري والخرثى، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قوله لا بأس بذلك أمر جائز للرجل إذا خرج للجهاد أن يخرج معه بفضل مال ليشتري به من مغانم المسلمين ما يرجو الربح فيه، ولا ينقص ذلك من أجر جهاده، ولا يقدح في نيته، يريد إذا كان أصل خروجه لله، ولم يكن أصل خروجه ابتغاء التجارة، كما لا يقدح في نيته ما يرجوه من الغنيمة، وقد قال الله عز وجل {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52] . يريد الشهادة أو الغنيمة. وقد أباح الله تعالى التجارة في الحج بقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] . يريد في مواسم الحج، وقد قرئ ذلك؛ وكذلك الجهاد، بل هو فيه أجوز، لما في ذلك من النفع لأهل الجيش؛ لأن الشأن أن تقسم الغنائم في بلد الحرب قبل القفول، كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والخلفاء بعده، فما كان منها ما لا ينقسم، باعه الإمام

مسألة: يعطي الذهب في سبيل الله فتفضل الفضلة أيردها إلى أهلها

وقسم ثمنه، فلو لم يكن مع أحد من أهل الجيش فضل مال، لما أمكنه أن يقسم ما لا ينقسم، إلا بعد الخروج إلى قاعدة يكون فيها الأسواق، ويمكن فيها البيع؛ وفي ذلك ضرر على الجيوش لما لهم من الرفق في تفرقهم من طريقهم إلى بلادهم، وترك رجوعهم إلى بلد واحد؛ ولهذا المعنى قال ابن حبيب: إنه لا ينبغي للإمام أن يبيع شيئا من متاع الغنيمة الذي لا ينقسم، إلا بالنقد إلا أن يرى في ذلك ضررا على الناس فيبيع ويكتب على المبتاعين الأثمان حتى يخرجوا، ثم يتقضاها منهم ويقسمها بين الناس قبل أن يتفرقوا. [مسألة: يعطي الذهب في سبيل الله فتفضل الفضلة أيردها إلى أهلها] مسألة وسئل مالك عن الرجل يعطي الذهب في سبيل الله، أو في حج يحج به فتفضل الفضلة؛ أيردها إلى أهلها؟ أم كيف يصنع؟ قال: أرى أن يعطي أهل سبيل الله، فقيل له: ولا ترى أن يردها؟ قال: لعله لا يجد صاحبها، وأحب إلي أن يجعلها في سبيل الله يعطيها غيره. وقال في الحج: يردها إلى أهلها. قال محمد بن رشد: مذهب مالك أن من أعطى رجلا شيئا في السبيل - عينا كان أو عرضا، فأمره محمول على أنه قد بتل ذلك في السبيل، فلا ينفق المعطى شيئا منه إلا في سبيل الغزو منذ يخرج إلى أن يبلغ رأس مغزاه، واختلف هل ينفق منه في فعله حتى يرجع إلى أهله، فأجاز ذلك له ابن حبيب، ومنع منه مالك في رواية أشهب عنه في رسم "الوضوء والجهاد "، ولا يستحق منه ما فضل بعد الغزو ملك، ولا يرجع ذلك إلى معطيه ملكا أيضا، ويجعله في السبيل - إن رده إليه، واستحب في هذه الرواية ألا يرد الفضلة إلى صاحبها مخافة ألا يجده، وأن يجعلها هو في السبيل. وقال في رسم "الوضوء والجهاد" من سماع أشهب ذلك واسع إن رد الفضلة إلى صاحبها، أو جعلها هو في السبيل، ونحوه في رسم "طلق" بعد هذا، وإن قال معطي الشيء في السبيل أنه لم يبتله في

السبيل، وأراد أن يأخذ الفضلة نوى في ذلك، وكان القول قوله على ما في رسم حديث طلق بعد هذا من هذا السماع، وكذلك إن قال: أردت أن يكون للمعطى ما فضل من ذلك بعد غزوه - ملكا يضع به ما شاء، نوى من زكاة أيضا، وكان من بمنزلة أن لو نص على ذلك فقال له: افعل به ما شئت إذا بلغت غزوك؛ وهو كذلك على ما يأتي في رسم "باع غلاما" من هذا (السماع) أيضا، فمذهب مالك في هذه المسألة على ما ذكر في موطئه عن عبد الله بن عمر، أنه كان إذا أعطى شيئا في سبيل الله، يقول لصاحبه إذا بلغت وادي القرى، فشأنك به، خلاف ما ذكر فيه عن سعيد بن المسيب من أنه كان يقول إذا أعطى الرجل الشيء في الغزو فبلغ به رأس مغزاته فهو له؛ وقول عبد الله بن عمر الذي ذهب إليه مالك أظهر من قول سعيد بن المسيب؛ لأن ظاهر اللفظ التبتيل في السبيل، فينبغي أن يحمل على ذلك حتى ينص المعطي على خلاف ذلك، أو يدعي أنه نواه، وقد روي عن سحنون كان من أعطى شيئا في السبيل يستحقه المعطى ملكا ببلوغه رأس مغزاه - على قول سعيد بن المسيب؛ وحكى الفضل أنه مذهب مالك وأصحابه، وليس ذلك - عندي بصحيح؛ ومكحول يرى أنه يستحقه بالأدراب، وتأول فضل أن ذلك هو مذهب ابن عمر في الموطأ، وهو تأويل بعيد، وقد روي عن سحنون أنه إن أعطيه لينفقه في السبيل - على نفسه، رد الفضل على صاحبه؛ وإذا أعطيه لينفقه في السبيل - وليس على نفسه، يرد ما بقي في السبيل ولم يرده على صاحبه، واختلف إن كان الذي أعطى في السبيل فرسا أو سلاحا، فقيل: إنه محمول على التحبيس حتى ينص على التبتيل، حكى ذلك سحنون عن ابن القاسم عن مالك، وقيل: إنه محمول على التبتيل حتى ينص على التحبيس، وهو

مسألة: يهلك فيوصي بالمال في سبيل الله كيف يقسم

ظاهر ما يأتي في رسم طلق، وفي رسم "باع غلاما"، ورسم "صلى نهارا"، وأما من أعطى رجلا شيئا في حج، فما فضل على الحج، راجع إلى المعطى ملكا؛ والفرق عند مالك بين المسألتين: أن السبيل لا نهاية له، فحمل على التبتيل، والحج له نهاية ينقضي إليها، فحمل على ذلك، ولم يحمل على التبتيل؛ فعلى قياس هذا لو أعطاه الذهب في غزوة بعينها، لوجب أن يرجع إليه ما فضل له عنها؛ ويأتي على قياس قول سعيد بن المسيب إن من أعطى رجلا ذهبا في حج يحج به، فما فضل عن الحج هو للمعطى، لا يرجع إلى المعطي؛ لأنه إذا قال ذلك في السبيل الذي لا نهاية له، فأحرى أن يقوله في الحج الذي له نهاية. [مسألة: يهلك فيوصي بالمال في سبيل الله كيف يقسم] مسألة وسئل مالك عن الرجل يهلك بالفسطاط، أو بقرية من القرى، فيوصي بالمال في سبيل الله، أترى أن يُبعث به إلى الثغور والرباط فيقسم، أم يعطى إن وجد أحدا بموضعه ممن يغزو؟ قال: أرى أن يعطى إن وجد أحدا ممن يغزو، فقلت له: إنه يقول إني أخاف أن يموت الذي يعطى قبل أن يبلغ غزوه، قال: وما ذلك عليه أن يقول أخاف أن يموت. قال محمد بن رشد: إنما استحب أن يعطى ذلك بالبلد - إن وجد من يغزو منهم ولا يبعث به إلى الثغور - مخافة أن يبعث به إلى هناك، فيضيع على ما قاله بعد هذا في رسم " طلق "، وقد خير بين ذلك في رسم "الوصايا" من سماع أشهب من كتاب الوصايا، قال ابن المواز: وإنما يعطيه لمن قد عزم لا لمن لا يخرج إلا بما يعطى، وقوله يحمل على التفسير لقول مالك؛ لأن من لم يعزم على الخروج إذا أعطي على أن يخرج لعله يأخذ المال فلا يخرج. [مسألة: ذبح الغزاة في أرض العدو من الجزر في جلودها هل يطرح في المقاسم] مسألة وسئل مالك عما ذبح الغزاة في أرض العدو من الجزر في

الرباط أو الغارات في أرض العدو أيهما أعجب

جلودها، أترى أن تطرح في المقاسم؟ أم يأخذها الذين يذبحونها؟ قال: أرى إن كان لها ثمن أن تطرح في المقاسم، وإن لم يكن لها ثمن، لم أر به بأسا أن يأخذوها. قال محمد بن رشد: قوله إن الذين يذبحونها يأخذون الجلود إذا لم يكن لها ثمن. يريد - وإن لم يحتاجوا إليها على معنى ما تقدم في أول مسألة من هذا الرسم، وقد مضى بيان ذلك، وأما إن كان لها ثمن فلا يجوز لهم أخذها إذا لم يحتاجوا إليها؛ لأن ذلك من الغلول وتُطرح في المقاسم؛ واختلف إن احتاجوا إليها لشد قتب بعير أو نعل، أو شبه ذلك؛ فقال ابن نافع: لا يأخذونها إذا كان لها ثمن - وإن احتاجوا إليها. وروى ابن القاسم عن مالك في المدنية أنه لا بأس أن يأخذوها إذا احتاجوا إليها - وإن كان لها ثمن؛ ومثله في الواضحة، وهو ظاهر ما في المدونة وبالله التوفيق. [الرباط أو الغارات في أرض العدو أيهما أعجب] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك أي ذلك أعجب إليك: الرباط أو الغارات في أرض العدو؟ قال: أما الغارات، فلا أدري كأنه كرهها؛ وأما السير في أرض العدو على الإصابة - يعني إصابة السنة فإنه أعجب إليّ. قلت له يا أبا عبد الله إن عندنا مدائن على البحر، وإنها قد ضيعت من الغزو وفيها جماعة حشو من نساء وصبيان، ويخاف

عليهم؛ أفرباطها أعجب إليك؟ أم الدخول في أرض الروم؟ قال: ما زالت الولاة يضيعون مثل هذا، وما يدفع الله أكثر، وما في هذا حد، وما زال الله يدفع وما في هذا حد، إلا على ما يرى من ذلك. قال محمد بن رشد: قوله إن السير في أرض العدو على إصابة السنة أعجب إلي من الرباط، وهو مثل ما روي عن ابن وهب أنه قال: سمعت مالكا يقول: الغزو على الصواب، أحب إلي من الرباط؛ والرباط أعجب إلي من الغزو على غير الصواب؛ ولا إشكال في أن الرباط أفضل من الغزو على غير الصواب، فقد قال معاذ بن جبل: الغزو غزوان: فغزو تنفق فيه الكريمة وتياسر فيه الشريك، ويطاع فيه ذو الأمر، ويجتنب فيه الفساد؛ فذلك الغزو خير كله؛ وغزو لا تنفق فيه الكريمة، ولا تياسر فيه الشريك، ولا يطاع فيه ذو الأمر، ولا يجتنب فيه الفساد، فذلك الغزو لا يرجع صاحبه كفافا، وإنما الكلام في الغزو على الصواب، فجعله مالك في هذه الرواية أفضل من الرباط. وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال: فرض الجهاد لسفك دماء المشركين، والرباط لحقن دماء المسلمين، فحقن دماء المسلمين أحب إلي من سفك دماء المشركين؛ ولا ينبغي أن يحمل هذا على أنه اختلاف من القول، إذ لا يصح أن يقال إن أحدهما أفضل من صاحبه على الإطلاق، وإنما ذلك على قدر ما يرى وينزل، فيحمل قول ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أن ذلك عند شدة الخوف على الثغور، وخوف هجوم العدو عليها، وما روي عن مالك من أن الجهاد أفضل عند قلة الخوف على الثغور، والأمن من هجوم العدو عليها، وذلك بين من قول مالك في هذه الرواية، لما ذكر له تضيع المدائن التي على البحر، والخوف على (من فيها) من النساء والصبيان؛ قال: ما في هذا حد، إلا على ما يرى من ذلك؛ ومن قوله في رسم "صلى نهارا ثلاث ركعات" بعد هذا: أن

مسألة: الإبرة أهي من الغلول

جهاد المصيصة أعجب إلي من الرباط، إلا إذا خيف على موضع الرباط، ولم يكن فيه غناء، وقد قيل: إن قول ابن عمر حين دخل الجهاد ما دخل، والتأويل الأول أولى - والله أعلم، وإنما كره مالك الغارات في الرواية استثقالا لاسمها لا لمعناها إذا كانت على وجهها، وهذا نحو من «قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما سئل عن العقيقة: لا أحب العقوق» كراهية الاسم. وقال: «من ولد له ولد، فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل» . [مسألة: الإبرة أهي من الغلول] مسألة وسئل مالك عن الإبرة أهي من الغلول؟ فقال إن كان ينتفع بها، فلا أرى ذلك - يعني لا بأس بالانتفاع بها، كما ينتفع بالجلود للنعل والخف وما أشبهه يرفع به ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: أن الإبرة إذا أخذها للانتفاع بها - ولم يأخذها مغتالا لها، فليست من الغلول، وليس عليه إذا قضى حاجته بها أن يردها في المغانم، إذ لا قيمة لها ولا يقبلها منه صاحب المغانم؛ وقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أدوا الخياط والمخيط» . كلام خرج منه على التحذير من قليل الغلول وكثيره، إلا أن هذا القدر على الحقيقة يلزم أداؤه ورده إلى الغنيمة، وقد قال مالك في رسم "كتاب الغزو" من سماع أشهب في الذي يأتي بالكبة من الخيط يشتريها بدانق فيطرحها في المقاسم، هذا شيء يراءون به،

مسألة: يحمل رمحه وسلاحه في الغزو ومعه من يحمله له

وما هذا التضييق على الناس؟ فهو يبين ما قلناه في معنى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أدوا الخياط والمخيط» . من أنه كلام خرج على التقليل، كقوله في الأمة إذا زنت في الثالثة بيعوها ولو بضفير. وكقوله: «من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة، بنى الله له بيتا في الجنة» . ومثل هذا كثير. [مسألة: يحمل رمحه وسلاحه في الغزو ومعه من يحمله له] مسألة وسئل مالك عن الرجل يحمل رمحه وسلاحه في الغزو ومعه من يحمله له، فقال: لا بأس بذلك، فقيل له ويحمله غلامه فقال لا بأس بذلك، ولعله يكون ذلك خيرا له؛ وأقوى له إن احتيج إلى قتاله ألا يتعب نفسه، فما أرى بذلك بأسا، وأراه حسنا يحمله غلامه ويحمله عنه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن ذلك جائز لإكراهه فيه، بل هو حسن من الفعل؟ لما فيه من إبقاء قوته لوقت لقاء العدو، وقد أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس بالفطر في رمضان في سفره عام الفتح، وقال: تقووا لعدوكم. فالتقوي للعدو بكل ما يقدر عليه مرغب فيه ومندوب إليه، وبالله التوفيق.

مسألة: أموال الرهبان في أرض العدو

[مسألة: أموال الرهبان في أرض العدو] مسألة وسئل مالك عن أموال الرهبان في أرض العدو، قال: يترك لهم من ذلك ما يصلحهم، والبقرتان تكفيان الرجل؛ ولو قبل قوله لادعى الشيء الكثير، ولكني أرى أن يترك لهم ما يصلحهم. قال محمد بن رشد: معنى هذه الرواية، أن الرهبان إذا وجدت عندهم الأموال، وادعوا أنها لهم ولم يعرف صدق قولهم، لم يصدقوا، وترك لهم من ذلك ما يصلحهم؛ والبقرتان تكفيان الرجل، وذلك بين من قوله ولو قبل قوله لادعى الشيء الكثير؟ وأما إذا علم أنها أموالهم فلا يؤخذ لهم منها شيء - وإن كثرت على ظاهر ما يأتي في رسم "اغتسل" بعد هذا، وهو نص رواية ابن نافع عن مالك؛ فليس شيء من ذلك باختلاف من قول مالك في العتبية أو سحنون، ويذهب إلى أنه لا يترك للراهب من ماله إلا ما يستر عورته من الكسوة ويعيش له الأيام من الطعام؛ قال: وكذلك يترك للشيخ الكبير مثل ما يترك للراهب، وهو نحو قول مالك في المدونة؛ وقد كان بعض أهل النظر يقول معنى هذه الرواية أنه لا يترك لهم من أموالهم وإن علم أنها أموالهم، إلا ما يصلحهم: البقرتان للرجل وشبه ذلك نحو قول سحنون، وما في المدونة خلاف ما في رسم "اغتسل" من أنه لا يؤخذ لهم من أموالهم شيء، ومنهم من كان يقول معنى ما في رسم "اغتسل" أن ذلك يسير بقدر ما يصلحهم، نحو قول سحنون، وقول مالك في المدونة، وما في هذه الرواية فلا يأتي في المسألة على هذا التأويل اختلاف، والصواب ما بدأنا به أن ذلك ليس اختلاف من قول مالك في العتبية، وإنما الخلاف قول سحنون وما في المدونة والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: لبس الحرير للجنود] مسألة قال: وسئل مالك عن رجال بالإسكندرية يتهيأون يوم

مسألة: يغل في أرض العدو ثم يتوب

العيد بالسلاح ويلبسون عليها ثيابا من حرير ليتهيبوا بها العدو. قال مالك: ما يعجبني لبس الحرير، ولم ير ابن القاسم بأسا أن يتخذ منه راية في أرض العدو. قال محمد بن رشد: أما اتخاذ الراية فلا اختلاف في جواز ذلك، وأما لباسه عند القتال، فقد أجازه جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول ابن الماجشون، وروايته عن مالك؛ لما عندهم في ذلك من المباهاة بالإسلام، والإرهاب على العدو، ولما يقي عند القتال من النبل وغيره من السلاح؛ أو هو قول محمد بن عبد الحكيم، وحكاه ابن شعبان عن مالك من رواية عيسى عن ابن القاسم عنه من أنه قال «من قتل عصفورة فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتلها، قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال: " تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فترمي بها» . ولهذا قال أبو بكر الصديق، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليزيد بن أبي سفيان إذ شيعه إلى الجهاد: " ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة " (48) وما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نهيه عن المثلة، وبالله التوفيق. [مسألة: يغل في أرض العدو ثم يتوب] مسألة (قال) : وسئل مالك عن الرجل يغل في أرض العدو، ثم يتوب

يدفع المال إلى من يغزو به

ويرد ما غل؛ أترى أن يعاقب؟ قال: ما سمعت فيه بشيء، ولو فعل ذلك به لكان لذلك أهلا؛ قال ابن القاسم: إذا جاء تائبا، لم أر عليه أدبا؛ قال كالمرتد والراجع عن شهادة شهد بها. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة- عندي- إذا تاب قبل القسم، ورد ما غل في المغانم، فحينئذ يسقط عنه الأدب، عند ابن القاسم وسحنون، كالمرتد والراجع عن شهادة شهد بها عند الحاكم قبل الحكم؛ وقول مالك لو فعل به ذلك لكان له أهلا، هو مثل ما في كتاب السرقة من المدونة في الشاهد يرجع عن شهادة شهد بها قبل الحكم، ويدعي الوهم والتشبيه، ولا يتبين صدق قوله؛ وأما لو تاب بعد القسم وافتراق الجيش، لما سقط عنه الأدب عند جميعهم على قولهم في الشاهد يرجع عن شهادته بعد الحكم بها؛ لأن افتراق الجيش مي معنى نفوذ الحكم، بل هو أشد! إذ قد يقدر أن يغرم للمحكوم عليه ما أتلف عليه بشهادة، ولا يقدر أن يوصل إلى الجيش بعد افتراقه ما وجب لكل واحد منهم من المال الذي غل؛ قال مالك في كتاب ابن المواز: ولو ظهر عليه قبل أن يتوب أدب وتصدق به إن افترق الجيش، وإن لم يفترق رد في المغانم؛ وقال الليث إن لم يعرف الجيش جعل خمسه في بيت المال وتصدق بما بقي، وقال عبد المالك وأصبغ وسهمه فيه قائم كيف كان. [يدفع المال إلى من يغزو به] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل عن الرجل يجعل المال في سبيل الله بالمدينة، فيجد من يخرج؛ أفأحب إليك أن يعطى قوم يخرجون من ههنا، أم يبعث

مسألة: يعطيه الفرس ليتقو به في سبيل الله فيغزو عليه ثم يموت فيطلبه صاحبه

به إلى المصيصة فيعطى؟ ثم قال: أحب إلي إن وجد من يثق به ههنا أن يدفع إليه ذلك، ولا يؤخره إلى المصيصة، ولعله يبعث به إلى هناك فيضيع. قال محمد بن رشد: يبين في هذه المسألة وجه استحبابه في أن يدفع المال إلى من يغزو به من هنا، ولا يبعث به إلى المصيصة، فذلك مفسر لقوله في أول رسم من هذا السماع. [مسألة: يعطيه الفرس ليتقو به في سبيل الله فيغزو عليه ثم يموت فيطلبه صاحبه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يعطي الرجل الفرس فيقول له تقو به في سبيل الله، فيغزو عليه، ثم يموت، فيطلبه الرجل؟ فقال: كيف يأخذه وقد مات الذي أعطيه؟ قيل له إن صاحبه يقول إنما أعطيته ليتقوى به في سبيل الله ولم أبتله؟ قال مالك: ذلك له هو أعطاه وهو أعلم بنيته؛ وسئل مالك عن الرجل يعطي الشيء في سبيل الله فيغزو فيه وتفضل منه الفضلة، أتراها له؟ قال: بل أرى أن يردها إلى صاحبها، أو يجعلها حيث جعل ذلك؛ فقيل له: فالرجل يغزو وينفق على أهله، فقال يعطى الشيء في سبيل الله، ثم يشتري به الدجاج والقمح ويقعد يأكله؛ ما أرى ذلك له، ولقد كان ههنا رجال من أهل الفضل والخير يعطون الشيء في سبيل الله فلا يقبلون. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هاتين المسألتين مستوفى في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادته، وفي قوله في آخر المسألة ولقد كان ههنا رجال من أهل الفضل والخير يعطون الشيء في سبيل الله فلا

مسألة: يريد أن يخرج إلي المصيصة يجاهد بها وعليه دين

يقبلون، دليل على أنه قد كان منهم من يقبل ذلك؛ وهذا في أهل الغناء، منهم: من كره ذلك ورأى الغزو بماله أعظم لثوابه، ومنهم من لم ير بأسا أن يقبل ما أعطي من غير مسألة؛ فإن احتاج إليه أنفقه، وإن استغنى عنه فرقه في السبيل؛ وأما الضعيف الفقير فقبول ما أعطي من غير مسألة أفضل بإجماع، لما في ذلك من إعلاء كلمة الله بالقوة على الجهاد في سبيل الله. [مسألة: يريد أن يخرج إلي المصيصة يجاهد بها وعليه دين] مسألة وسأل رجل مالكا فقال له: إن علي ألفا وستمائة درهم لناس (شتى، في أقطار الأرض، منهم من قد مات، وله ورثة، ومنهم من هو حي، ومنهم من قد مات - ولا أعرف له ورثة؛ والذي لهم علي يختلف، منهم من له المائة درهم، والخمسون، والألف، وأقل من ذلك وأكثر؛ وهم في بلدان شتى، وقد عجزت عنه، وطلبت فيه نحوا من ثلاثين سنة) . فلم أقو على أدائها، ولم أرزق شيئا، فأحببت أن أخرج إلى المصيصة فأجاهد بها، فإن يدركني بها موت، فأحب المواضع إلي؛ وإن أرزق بها شيئا قضيت بها ديني؟ قال مالك: ما أرى بأسا، وأمره أن يفعل ذلك، وأن يخرج إليها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الذي عليه الدين، إذا كان عديما، فله أن يغزو بغير إذن الذي له عليه الدين؛ إذ لا منفعة للذي له عليه الدين في تركه الغزو، وقد يرزق في الغزو ما يودي به الدين عن نفسه، ففي الغزو منفعة له ولصاحب الدين، وأما من عليه دين وهو مليء فلا يجوز له أن يغزو بغير إذن صاحب الدين، إلا أن يكون الدين الذي عليه لم يحل بعد، فيوكل من يقضيه عنه عند حلوله، قاله سحنون في كتاب ابنه، وحكى

يقول له اشتر هذا الفرس وأحملك عليه فلا يدري ما يبلغ من الثمن

ابن حبيب في الواضحة عن مالك، أنه كان يوسع لمن عليه دين أن يغزو إذا خلف وفاء من دينه، أو أذن له غرماؤه بالخروج، وإن لم يدع وفاء من دينه، فظاهر قوله أنه ليس عليه أن يستأذن غريمه، إلا إذا لم يدع وفاء وهو بعيد. [يقول له اشتر هذا الفرس وأحملك عليه فلا يدري ما يبلغ من الثمن] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ابن القاسم: وكره مالك أن يقول الرجل للرجل اشتر هذا الفرس وأحملك عليه، فلا يدري ما يبلغ من الثمن حتى يوقت له ثمنا، قال سحنون أراه جائزا وليس له معنى. قال محمد بن رشد: هذه مسألة تكلم عليها ابن لبابة في منتخبه فقال: فيها الكراهة لمالك، والتعليل بجهل مبلغ الثمن لابن القاسم، وتعليل ابن القاسم ليس بشيء؛ لأن من وكل رجلا أن يشتري له سلعة بعينها، أو مسماة بغير عينها، ولم يسم له ما يشتريها به، فاشتراها له بما يشبه من الثمن لزمه، وكراهة مالك صحيحة بينة على مذهبهم؛ لأنه استأجره على ابتياع الفرس بحمله عليه، فإن كان بتله له، فقد أوجبه له في أجرته قبل أن يملكه، ولا يجوز لأحد أن يبيع ما ليس في ملكه، ولا أن يستأجر به، وإن كان لم يبتله له وإنما أعطاه ركوبه، دخله مع ذلك أيضا الغرر، إذ لا أمد للركوب؛ هذا معنى قول ابن لبابة دون لفظه، وليس قوله - عندي - بصحيح؛ بل لا وجه للكراهة إلا ما عللت به من الجهل بمبلغ الثمن، وهي كراهة ضعيفة؛ ولذلك أجاز سحنون المسألة ولم ير لكراهيتها معنى، وبيان هذا أن الفرس لم يأمر الرجل أن يشتريه له، - أعني الأمر إذا لم يقل له اشتر لي هذا الفرس وأحملك عليه، وإنما قال: اشتر هذا الفرس وأحملك عليه، فإنما أمره أن يشتريه للسبيل ويحمله عليه، فهو بنفس الشراء يجب للسبيل

مسألة: فرس اعتل على صاحبه بأرض العدو

ويكون المشتري أحق بركوبه في السبيل من غيره، وإن كان بتله له، فلم يأمره أيضا أن يشتريه له، وإنما أمره أن يشتريه لنفسه؛ فهو بنفس الشراء يجب للمشتري كالآمر؛ فإن سمي له الثمن، لم يكن لكراهة ذلك وجه؛ لأنه بمنزلة من قال لرجل اشتر لنفسك فرس فلان بعشرة مثاقيل والثمن علي؛ وإذا لم يسم له الثمن، دخلته الكراهية، إذ لا يدري المأمور بما رضي الآمر أن يشتريه به، ولعله سيقول له إذا اشتراه لم أرد أن يشتريه بهذا الثمن؛ وقد كنت قادرا على أن تشتريه بأقل مما اشتريته به، فتعديت علي وقصدت إلى الإضرار؛ فيقع في ذلك بينهما خصومات، فهذا وجه الكراهية في ذلك عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [مسألة: فرس اعتل على صاحبه بأرض العدو] مسألة وسئل مالك عن فرس اعتل على صاحبه بأرض العدو، قال مالك: يعقره ولا يتركه واثقا ذبحه. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم "حلف بطلاق امرأته" قبل هذا، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [يعطى الفرس في سبيل الله أو السلاح هل يقبله] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا قال: وسئل مالك عن الرجل يعطى الفرس في سبيل الله، أو السلاح؛ أترى أن يقبله؟ قال: إن كان غنيا عنه، فلا أرى له ذلك؛ وإن كان محتاجا إليه، فلا أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: قد تقدم في رسم طلق ذكر اختلاف أهل العلم في الأفضل في ذلك للغني على أن ينفقه إن احتاج، وإلا جعله في السبيل، وأما المحتاج، فالاختيار له قبول ما أعطي في السبيل من غير مسألة قولا واحدا.

ينتقل إلى الساحل وفيها دار قد جعلت في سبيل الله أيسكنها أم لا

[ينتقل إلى الساحل وفيها دار قد جعلت في سبيل الله أيسكنها أم لا] ومن كتاب أوله سلف في المتاع والحيوان المضمون قال: وسئل مالك عن الرجل ينتقل إلى الساحل وفيها دار قد جعلت في سبيل الله، أترى أن يسكنها؟ قال مالك: إن كان غنيا عنها، فأحب إلي أن يسكن غيرها؟ وإن كان سكنها، لم أر بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن الاختيار للغني ألا يسكنها، فإن سكنها لم يكن عليه في ذلك حرج؛ وهذا إذا كان فيها فضل عن سكنى المحتاجين من أهل السبيل، وقد مضى في الرسم الذي قبل هذا ما يدل على أن الاختلاف لا يدخل في هذا. [مسألة: المال يجعل في سبيل الله أيعطى منه المرضى] مسألة وقال مالك: في المال يجعل في سبيل الله، أيعطى منه المرضى؟ قال: نعم - في رأيي، ويستأذن صاحبه في ذلك؛ فقيل له يا أبا عبد الله، إنها وصية؟ فقال: الله أعلم وكأني رأيته يريد أن يخففه، ولم يبين لنا فيه شيئا، قال ابن القاسم: ولا أرى بذلك بأسا، إلا أن يكون المريض قد أيئس منه، أو يكون به ضرر، مثل المفلوج، والأعمى، وما أشبهه الذي لا قتال عنده؛ فلا أرى أن يعطوا ذلك؛ وسئل مالك عن الرجل يعطى المال في سبيل الله يفرقه، فيكون في الثغر غلمان قد راهقوا الحلم، ورموا عن القسي - ولم يحتلموا وقد راهقوا؛ أترى أن يعطوا منه شيئا؟ قال: لا - وغيرهم أحب إلي، قال ابن القاسم: فقيل له فلو قاتلوا أترى

مسألة: أبقت منه جاريته فأخذها المشركون ثم باعوها من رجل من المسلمين

أن يسهم لهم؟ فقال: نعم - إذا بلغوا مبلغ القتال وقاتلوا، ولا يعطوا من المال الذي يجعل في سبيل الله حتى يحتلموا. قال محمد بن رشد: أما المريض الذي ترجى إفاقته، فلا اختلاف في أنه يسهم له ويعطى من المال الذي يجعل في السبيل؛ وأما المريض الذي قد يئس منه والمفلوج، وشبههما؛ فلا اختلاف في أنه لا يسهم لهم إلا أن يصيبهم ذلك بعد وجوب السهم لهم، ولا يعطون من المال الذي يجعل في السبيل؛ وأما الأعمى فلا يعطى من المال الذي يجعل في السبيل. واختلف هل يسهم له أم لا؟ فروى محمد بن سحنون عن أبيه أنه يسهم له، والذي تدل عليه الرواية أنه لا يسهم له؛ وكذلك المقعد، والمرأة، والصبي - إذا بلغا مبلغ القتال وقاتلا، لا يعطوا من المال الذي يجعل في السبيل شيئا؛ واختلف هل يسهم لهم، فروى محمد بن سحنون عن أبيه في المقعد أنه يسهم له؛ لأنه يقاتل راكبا؛ وقال ابن حبيب في الصبي المراهق، والمرأة - إذا قاتلا أنه يسهم لهما، مثل ما قال ههنا في الصبي الذي قد بلغ مبلغ القتال وقاتل، خلاف ما في المدونة فيهما جميعا؛ وأما المقطوع إحدى الرجلين، أو المقطوع اليد اليسرى، فإنه يسهم لهما ولا يعطيان من المال الذي يجعل في السبيل شيئا. [مسألة: أبقت منه جاريته فأخذها المشركون ثم باعوها من رجل من المسلمين] مسألة وسئل مالك عن رجل يكون في أرض المشركين، فأبقت منه جاريته فأخذها المشركون، ثم باعوها من رجل من المسلمين - والمشتري يعرف أنها للرجل؛ قال: قال مالك: إن عرفها فليردها إلى صاحبها، قال ابن القاسم، يريد بالثمن وهو رأيي؛ قال ابن

القاسم: وهو مصدق في الثمن، إلا أن يأتي بأمر يستنكر حتى يستدل على كذبه حيث لا يشك في كذبه، فيأخذها بالقيمة؛ لأن مالكا قال: ما أبق من المسلمين إلى العدو من رقيق المسلمين، فهو مثل ما أسر؟ وإذا وقعت فيه المقاسمة، فلا شيء لصاحبه، إلا أن يشاء أن يفتديه بالثمن الذي بيع به. قال محمد بن رشد: قول مالك إن صاحب الجارية أحق بها بالثمن الذي اشتريت به، أو وقعت به في المقاسم؛ إن شاء أن يأخذها بذلك، وسواء أبقت إليهم، أو غلبوا عليها؛ هو قول مالك في المدونة وغيرها، ولا اختلاف في ذلك في المذهب؛ وقول ابن القاسم إنه مصدق في الثمن إلا أن يأتي بأمر يستنكر حتى يستدل على كذبه حيث لا يشك في كذبه، فيأخذها بالقيمة؟ مبين لقول مالك، إلا أنه قول مجمل إذ لم يبين فيه هل يصدق بيمين أو بغير يمين، وتفسير ذلك أنه إن ادعى من الثمن ما يشبه، فهو مصدق دون يمين؟ وإن ادعى ما لا يشبه صدق بيمين، وإن ادعى ما يستنكر حتى لا يشك في كذبه، أخذها ربها بالقيمة - يريد قيمتها يوم اشتراها في الموضع الذي اشتراها فيه من بلد العدو - إن عرفت قيمتها بذلك الموضع، وإن جهلت قيمتها بذلك الموضع، ففي أقرب المواضع إلى ذلك الموضع الذي تعرف قيمتها به دون يمين أيضا؛ وهذا إن لم يدع صاحبها معرفة ما اشتراها به المشتري، وأما إن ادعى معرفة ذلك فتداعيا فيه واختلفا، فالقول قول المشتري مع يمينه - إن أتى بما يشبه؛ فإن أتى بما لا يشبه، كان القول قول صاحبها - إن أتى بما يشبه؛ فإن أتى أيضا بما لا يشبه، حلفا جميعا وأخذها بالقيمة على ما ذكرناه من الموضع الذي تقوم فيه؛ وإن نكل أحدهما وحلف الآخر، كان القول قول الحالف منهما، وإن أتى بما لا يشبه لأن صاحبه قد أمكنه من دعواه بنكوله؛ وهذا التفصيل الذي ذكرناه في هذه المسألة مبني على اختلاف الشفيع والمشتري في ثمن الشقص الذي فيه الشفعة، فهو قائم

مسألة: يعطى الشيء في السبيل مثل الفرس يحمل عليه

من مسألة الشفعة في المدونة، ومن سماع أشهب من كتاب الشفعة؛ لأن العلة في كون القول قول المشتري في المسألتين جميعا، كون الشيء المدعى فيه بيده؛ فقف على ذلك، وسيأتي في آخر رسم "الجواب" من سماع عيسى في اختلاف الفادي والمفدي في الفدية ما فيه بيان لهذا - والله الموفق. [مسألة: يعطى الشيء في السبيل مثل الفرس يحمل عليه] ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما المال وسألت مالكا عن الرجل يعطى الشيء في السبيل، مثل الفرس يحمل عليه، " أو الدنانير يعطاها " قال مالك: أما الوالي، فإني لا أرى بذلك بأسا. قال ابن القاسم: يعني الخلفاء، وأما غيرهم فلا يجوز الأخذ منه؛ وأما الناس بعضهم لبعض، فإن كان غنيا فلا أحب ذلك (له) وتركه أحب إلي. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في تفسير قول مالك صحيح؛ لأن الخلفاء إليهم الاجتهاد في إعطاء مال الله وقسمته، فجائز لمن أعطوه شيئا في السبيل أن يقبله، وأما من دونهم من العمال، فلا يجوز لأحد أن يأخذ منهم شيئا؛ لأنهم مضروب على أيديهم، وكذلك الولاة، إلا أن يكون الخليفة قد فوض إليهم النظر في قسمة المال وإعطائه، فينزلون في ذلك منزلته، ويجوز الأخذ منهم؛ وقد مضى في رسم طلق بن حبيب، ورسم أخذ يشرب خمرا الكلام في إعطاء الناس بعضهم بعضا المال في السبيل، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

من تجهز للغزو إذا بدا له أن يقيم أيدفع جهازه إلى غيره

[من تجهز للغزو إذا بدا له أن يقيم أيدفع جهازه إلى غيره] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وسئل مالك عن الذي يتجهز للغزو إذا بدا له أن يقيم، أيدفع جهازه إلى غيره؟ قال: إني لأحب ذلك. قال محمد بن رشد: استحب ذلك له ولم يوجبه عليه؛ لأنه نوى أن ينفقه في سبيل الله، فكره له أن يرجع فيما نوى - ولم ينذر نفقته في السبيل، فيكون ذلك عليه واجبا بالنذر؛ ولو بدا له أن يؤخر خروجه إلى غزوة أخرى، لأمر أن يرفع جهازه حتى يغزو به؛ إلا أن يخشى عليه الفساد، فيبيعه ويرفع ثمنه حتى يغزو به؛ إلا أن يكون موسرا يجد مثل جهازه إذا أراد الغزو فيفعل بجهازه ما أحب؛ - قاله مالك في موطئه في الذي يريد الغزو فيمنعه أبواه أو أحدهما، وهذا مثله سواء، وبالله التوفيق. [مسألة: أموال الرهبان وعبيدهم وزروعهم يمر بهم الجيش] مسألة وسألته عن أموال الرهبان وعبيدهم وزروعهم يمر بهم الجيش، فقال: لا أرى إذا علموا أنها للرهبان، أن يمسوا منه شيئا ولا يهيجوه. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم أوله "الشجرة تطعم بطنين في السنة "، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الجاسوس من المسلمين يؤخذ وقد كاتب الروم] ومن كتاب البز وسئل مالك عن الجاسوس من المسلمين يؤخذ وقد كاتب الروم وأخبرهم خبر المسلمين، ماذا ترى فيه؟ قال: ما سمعت فيه

مسألة: أعطى سوارين في سبيل الله في الحضر فأراد أن يبيعهما قبل أن يخرج

شيئا، وأرى فيه اجتهاد الإمام. قال ابن القاسم: أرى أن تضرب عنقه، وهذا مما لا تعرف له توبة. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم صحيح؛ لأن الجاسوس أضر على المسلمين من المحارب، وأشد فسادا في الأرض منه؛ وقد قال الله تعالى في المحارب: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33]- الآية. فللجاسوس حكم المحارب إلا أنه لا تقبل له توبة باستخفافه بما كان عليه، كالزنديق، وشاهد الزور؛ ولا يخير الإمام فيه من عقوبات المحارب، إلا في القتل والصلب لأن القطع أو النفي لا يرفعان فساده في الأرض وعاديته على المسلمين عنهم؛ وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول مالك: أرى فيه اجتهاد الإمام (أي) بين أن يقتله أو يصلبه؛ ومما يدل على وجوب القتل عليه، أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما قال في حاطب بن أبي بلتعة، إذ كتب إلي أهل مكة يخبرهم بقصد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إليهم، فأوحى الله تعالى بذلك إليه: دعني أضرب عنقه، فإنه قد خان الله ورسوله، ولم ينكر عليه النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قوله، ولا قال له إن ذلك لا يجب في ذلك الفعل؛ وإنما أخبر أنه لا يجب على حاطب، لكونه من أهل بدر، مع قبوله لعذره والذي اعتذر به لعلمه بصدقه في ذلك من جهة الوحي؛ فذلك خصوص له، لا يشاركه فيه غيره، ولا يقاس عليه. [مسألة: أعطى سوارين في سبيل الله في الحضر فأراد أن يبيعهما قبل أن يخرج] مسألة وسئل مالك عن رجل أعطى سوارين في سبيل الله في

مسألة: قسمة الأرض التي أخذت عنوة

الحضر، فأراد أن يبيعهما قبل أن يخرج، وقبل أن يبلغ رأس مغزاه، يتقوى بثمنهما في سبيل الله؛ فقال: لا بأس بذلك، وإنما ذلك بمنزلة ما لو أعطى من الدنانير والدراهم ما يتقوى بها ويتكارى ويأكل منها؛ فقيل له أفيخلف لأهله منها نفقة، قال لا آمره أن يتخلف من ذلك عندهم شيئا. قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة في مواضع، ومضى القول عليها موعبا في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: قسمة الأرض التي أخذت عنوة] مسألة قال مالك: بلغني أن بلالا كلم عمر بن الخطاب في هذا المال بالشام في قسمه - وكان من أشد الناس عليه كلاما، فزعم من ذكر أن عمر دعا عليهم؛ فقال: اللهم اكفنيهم. قال مالك: فبلغني أنه ما حال الحول عليهم - وواحد منهم حي؛ قال ابن القاسم: وإنما كان بلال وأصحابه سألوا عمر أن يقسم لهم الأرض التي أخذت عنوة بين الناس، فأبى ذلك عليهم عمر، قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك - أنه قال: ليس من الشأن قسم الأرض، ولكن تترك بحالها؛ وكل ما افتتح بعد عمر من العنوة، فالشأن فيه أن يترك كما فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قال سحنون: وحدثني ابن القاسم عن ابن كنانة، أنه كان يقول ذلك، قال سحنون: وأخبرني به ابن نافع عن مالك.

قال محمد بن رشد: ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمس أرض خيبر وقسمها بين الموجفين عليها بالسواء، وأن عمر بن الخطاب أبقى سواد العراق، ومصر، وما ظهر عليه من الشام؛ ليكون ذلك في أعطية المقاتلة، وأرزاق المسلمين ومنافعهم؛ فقيل إنه استطاب أنفس المفتتحين لها، فمن شح بترك حقه منها، أعطاه فيه الثمن؛ فعلى هذا لا يخرج فعله عما فعله النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في أرض خيبر، وإلى هذا ذهب بعض أهل العراق؛ وقال إن أقر فيها أهلها لعمارتها كانت ملكا لهم، بدليل ما روي أن عمر وضع الخراج على بياضها وسوادها؛ إذ لو كانت للمسلمين، لكان وضع الخراج على سوادها، بيعا للتمر قبل أن يخلق، وقيل إنه أبقاها بغير شيء أعطى الموجفين عليها، وأنه تأول في ذلك قوله عز وجل في آية الحشر: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10]- الآية. وإلى هذا ذهب مالك وجميع أصحابه، خلافا للشافعي في قوله إنها تقسم كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أرض خيبر؛ وقد اختلف على هذا في آية الفيء هذه، وآية الغنيمة التي في سورة الأنفال، فقيل إنهما محكمتان على سبيل التخيير في أرض العنوة بين أن تقسم على ما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أرض خيبر - مبينا لآية الأنفال - أنها على عمومها، وبين أن تبقى كما أبقاها عمر بدليل آية الحشر؛ وإلى هذا ذهب أبو عبيد - وهو قول أكثر الكوفيين أن الإمام مخير بين أن يقسمها - كما فعل الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في أرض خيبر، وبين أن يبقيها كما فعل عمر في سواد العراق؛ وقيل إن آية الحشر ناسخة لآية الأنفال؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين بفعله في أرض خيبر - أنها على عمومها في جميع الغنائم من الأرض وغيرها، وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضي؛ وقيل إن آية الحشر مخصصة لآية الأنفال ومفسرة لها، ومبينة أن المراد بها ما عدا الأرض من الغنائم،

وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما قسم أرض خيبر؛ لأن الله وعد بها أهل بيعة الرضوان، فقال: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح: 20] . فهي مخصوصة بهذا الحكم دون سائر الأرضين المغنومة؛ وإذا أبقى الإمام أرض العنوة، وأقر فيها أهلها - لعمارتها، ضربت عليهم الجزية على ما فعل عمر في السواد، ووضع عليهم الخراج في البياض بقدر اجتهاد الإمام، وهو وجه قول مالك في المدونة لا علم لي بجزية الأرض، فأرى أن يجتهد الإمام في ذلك ومن حضره إن لم يجد علما يشفيه - أي إن لم يثبت عنده مقدار ما وضع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عليها من الخراج؛ لأنه إنما توقف في مقدار ذلك؛ وقيل إنه إنما توقف: هل عليها خراج أم لا خراج عليها، وتترك لهم فيستعينون بها على أداء الجزية دون خراج، وقيل إنه إنما توقف فيما يوضع عليها من الخراج: هل يسلك به مسلك الفيء أم مسلك الصدقة، قال ذلك الداودي، وحكي عن ابن القاسم أنه قال: والذي ينحو إليه مالك أن يسلك به مسلك الفيء، وهذا التأويل أبعد التأويلات - عندي؛ وذهب ابن لبابة إلى أن جزية الأرض توضع فيما أوقف الأرض له الإمام، فقال: إنما توقف مالك فيما يصنع بها إذا لم يدر لماذا أوقفها الإمام، ولا إن كانت افتتحت عنوة بقتال، أو عنوة بغير قتال؛ واختار هو إذا جهل ذلك أن يحمل على أنها افتتحت عنوة بقتال، فيكون أربعة أخماس ذلك لورثة من افتتحه - إن عرفوا، وإلا كان سبيل ذلك كله سبيل الخمس، والله الموفق.

يعطي الرجل الفرس في السبيل فيهلك الذي دفع إليه قبل أن يخرج

[يعطي الرجل الفرس في السبيل فيهلك الذي دفع إليه قبل أن يخرج] ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا وسئل مالك عن الرجل يعطي الرجل الفرس في السبيل، فيهلك الذي دفع إليه قبل أن يخرج، فيقول ورثته نحن نغزو عليه ونأخذه؛ قال: لا أرى ذلك لهم، وأرى أن يأخذه صاحبه وينفذه في الوجه الذي جعله فيه في الغزو؛ ولو أنه أعطاه دنانير ثم هلك قبل أن يخرج، رأيتها بتلك المنزلة، يأخذها الذي أعطاها وينفذها في سبيل الله. قال محمد بن رشد: وإذا قال صاحبه لم أبتله في السبيل، وإنما أردت عين الرجل، وأراد أن يأخذه؛ كان ذلك له على ما مضى في رسم طلق، وإن لم تكن له نية، مضى في السبيل؛ وفي ذلك اختلاف لسحنون في كتاب ابنه فيمن أوصى لفلان بمال في السبيل، فمات فلان قبل أن يأخذه، أنه يرجع ميراثا للورثة؛ وقال مالك، والأوزاعي، ومكحول، إن الورثة يضعونه في السبيل، وهو الذي يأتي على هذه الرواية. [مسألة: حمل على فرس في سبيل الله الانتفاع بشيء منه] مسألة قال: من حمل على فرس في سبيل الله، فلا أرى له أن ينتفع بشيء من ثمنه في غير سبيل الله؛ إلا أن يقال له شأنك به، فافعل به ما أردت، وقال مالك في الدنانير تدفع إلى الرجل في سبيل الله، فيستنفق منها في غزوة ثم يفضل معه منها فضلة؛ قال:

الرباط وجهاد المصيصة أي ذلك أعجب

لا أحب له أن ينفقها إلا في غزوه، ولكني أحب أن يردها إلى صاحبها ويجعلها في سبيل الله - إذا هو رجع؛ ولا أرى له أن ينفقها في غزوه، إلا في سبيل الغزو ولا يضعها في غير ذلك - يعني لا يشتري بها - وإن كان في الغزو - إلا ما يجعل في الغزو، ولا يشتري به لامرأته أو بناته شيئا، ولا يضعها في غير ذلك؛ فذكر له حديث ابن المسيب وغيره، فلم ير ذلك، وقال: هذا الذي أرى؛ قال: وأرى لو أن رجلا دفع إلى رجل فرسا، أو ذهبا في سبيل الله، فيقول اصنع بها ما شئت هو لك؛ قال: إن كان قال له ذلك، فأراه لصاحبه مالا من ماله، يعمل به في غزوه إذا هو بلغه ما يعمل به في ماله؛ وإن كان وصى، قال: له ذلك، لم أر أن قول الوصي في ذلك جائز أن يصرفه في غير سبيل الله؛ قال سحنون: جيدة صحيحة. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في مواضع، ومضى القول عليها موعبا في أول رسم، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [الرباط وجهاد المصيصة أي ذلك أعجب] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسألت مالكا عن الرباط وجهاد المصيصة: أي ذلك أعجب إليك؟ فقال: المصيصة، إلا أن يكون ما عندكم

مسألة: النفقة يعطاها الرجل في سبيل الله فيفضل معه فضلة فيريد أن يخرج

أخوف؛ فإذا كان كذلك، اثر الرجل ناحيته؛ فإن كان فيه غنما، فالمصيصة أحب إلي، ولا أرى أن يقاتلوا إلا أن يدعوا ورأيته يكره التبييت. قال محمد بن رشد: روي في الرباط فضل كثير، وقد قيل إنه أفضل من الجهاد؛ وقد مضى القول في ذلك في رسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة "، فلا معنى لإعادته. وقوله رأيته يكره التبييت - يريد قبل أن يتقدم إليهم بالدعوة؛ وأجاز التبييت محمد بن المواز، واحتج بقصة كعب بن الأشرف - يريد أن ذلك جائز فيمن قد بلغته الدعوة، إن التبييت تابع لها، فهو لا يجوز حين تجب الدعوة، ويكره حيث تستحب الدعوة، ويجوز حيث لا تجب الدعوة، وقد قيل إن ذلك اختلاف من القول - حيث لا تجب الدعوة، فمرة أجازه، ومرة كرهه، لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا جاء قوما بليل لم يغز حتى يصبح، وذلك لوجهين: أحدهما مخافة أن يصيبوا الولدان والنساء. والثاني: مخافة أن يؤتى عليهم في ذلك لجهلهم بالبلد - والله أعلم، وسيأتي القول في الدعوة قبل القتال في أول نوازل أصبغ من هذا الكتاب. [مسألة: النفقة يعطاها الرجل في سبيل الله فيفضل معه فضلة فيريد أن يخرج] مسألة وسئل مالك عن النفقة يعطاها الرجل في سبيل الله، فيفضل معه فضلة فيريد أن يخرج، قال مالك: ليردها إلى من دفعها إليه إن شاء، أو يفرقها في سبيل الله؛ قال مالك: ومن أعطي شيئا في الحج للنفقة، فليرد ما فضل من دفعها إليه؛ إلا أن يكون استؤجر استئجارا، فيكون له ما فضل؛ ومن أعطي شيئا يقسمه في سبيل الله، فليقسمه كما أعطي، فإن لم يجد فليرده. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة متكررة في مواضع، وقد مضى القول عليها - موعبا في أول رسم من هذا السماع، فلا وجه لإعادته.

مسألة: يغزو أرض العدو فيصنع سرجا ويصنع نشابا فيرمي ببعضها ويبقى بعض

[مسألة: يغزو أرض العدو فيصنع سرجا ويصنع نشابا فيرمي ببعضها ويبقى بعض] مسألة وسئل مالك عن الرجل يغزو أرض العدو فيصنع سرجا ويصنع نشابا، فيرمي ببعضها ويبقى بعض؛ قال مالك: ذلك يسير، ما أرى أن يرد منها شيئا في المقاسم، مثل السرج والنشاب وما أشبهه. قال محمد بن رشد: قوله ذلك يسير ما أرى أن يرد منها شيئا في المقاسم، يدل على أن الكثير عنده بخلاف ذلك؛ وقد اختلف فيه إذا كان كثيرا على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه له بيعه ويخرج به ولا شيء عليه فيه، والثاني: أنه يأخذ إجارة ما عمل فيه والباقي يصير فيئا، وهذان القولان في المدونة. والثالث أن جميعه فيء ولا أجرة له في عمله، وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون؛ وأما اليسير فلا اختلاف في أنه له ولا شيء عليه فيه، وهذا الاختلاف إنما هو فيما عمل مما لا ثمن له، أو مما له ثمن على مذهب من يرى أن للرجل أن يأخذ من أرض العدو ما لم يجزه إلى بيوتهم من أشيائهم المباحة، وإن كان له في أرض العدو ثمن مثل المسن والدواء، من الشجر، والطير التي للاصطياد - إذا صادها، وهو قول ابن وهب، وابن عبد الحكم؛ وأما على مذهب من يرى أنه ليس له أن يأخذ شيئا من ذلك - إذا كان له ثمن، وأن ما صاده للأكل، حكمه حكم طعام الغنيمة - إن باع منه شيئا، جعل الثمن في المقاسم، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وعزاه إلى مالك وأصحابه، وقول ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى

مسألة: مات فرسه أيركب فرسا من خيل العدو ويقاتل عليه

بعد هذا، فيتخرج الحكم أن من عمل من ذلك شيئا على قولين، أحدهما: أنه يرد في المقاسم ولا أجرة له، والثاني: أن يكون له فيه إجارة مثله، والباقي فيئا. [مسألة: مات فرسه أيركب فرسا من خيل العدو ويقاتل عليه] مسألة قيل له: يا أبا عبد الله، أرأيت لو مات فرسه، أيركب فرسا من خيل العدو، ويقاتل عليه ويقفل عليه؟ قال: نعم، أرى أن يقاتل عليه ويقفل عليه، فإذا بلغ بلاد المسلمين، رده في المقاسم. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا، مثل قول ابن القاسم في المدونة، خلاف رواية ابن وهب، وعلي بن زياد عنه - في أنه لا ينتفع بدابة، ولا بسلاح، ولا بثوب، ولو جاز ذلك، لجاز أن يأخذ دنانير فيشتري بها. قال ابن رشد: وهذا الاختلاف إنما هو فيما عدا الانتفاع بالخيل والسلاح في معمعة الحرب، إذ لا اختلاف في جواز الانتفاع بها في معمعة الحرب؛ وإنما اختلفوا هل له أن يمسكها بعد الحرب حتى ينقضي القتال، ويقفل على الخيل أم لا؟ وقد روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ دابة من المغنم فيركبها حتى إذا أنقصها ردها في المغانم، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من

مسألة: يعطى الفرس في سبيل الله أيبيعه

المغنم، حتى إذا أخلقه رده في المغانم» . فمن حمل الحديث على عمومه، منع من ذلك إلا في معمعة الحرب، ومن تأوله فقال: معناه إذا فعل ذلك على وجه الخيانة، أو على غير حاجة إلى ذلك إلا ليقي ماله؟ أجاز الانتفاع بذلك على كل حال - إذا احتاج - قياسا على ما أجمعوا عليه من إجازة أكل الطعام واستهلاكه، لحاجة المسلمين إلى ذلك. [مسألة: يعطى الفرس في سبيل الله أيبيعه] مسألة وسئل مالك عن الذي يعطى الفرس في سبيل الله، أيبيعه؟ قال: نعم إذا كان يريد أن يشتري بثمنه غيره، أو يتكارى بثمنه في سبيل الله؛ فأما أن يبيعه ويأكل ثمنه في أهله، فلا أرى أن يبيعه وهو في غير رباط. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في رسم "باع غلاما"، وفي رسم طلق، وقد قيل إنه محمول على التحبيس حتى ينص أنه أراد بذلك التبتيل، وقد ذكرنا ذلك في أول رسم من هذا السماع. [مسألة: أهل المصيصة لا يقاتلوا حتى يؤذنوا ولا يغار عليهم] مسألة وسئل مالك عن أهل المصيصة إذا أغاروا في أرض الروم، فأتوا حصنا لهم، أترى أن يغيروا حتى يؤذنوا؟ قال مالك: لا أحب لهم أن يغيروا حتى يؤذنوا. فقيل له: فإن الدعوة قد بلغتهم، قال مالك: وإن كان، فإني أرى أن لا يقاتلوا حتى يؤذنوا ولا يغار عليهم. قال محمد بن رشد: قوله لا أحب لهم أن يقاتلوا حتى يؤذنوا،

مسألة: اللينة ماهيتها وهل يجوز قطعها

ولا يغار عليهم - يريد حتى يؤذنوا، أي حتى يعلموا أنهم إنما يقاتلونهم على الدين، لا على الغلبة - وإن كانت دعوة الإسلام قد بلغتهم؛ إذ قد يجهلون ما يقاتلون عليه، فاستحب إذا دخلوا أرض الروم فأتوا حصنا لهم، أن يمسكوا عن الغارة عليهم حتى يدعوهم إلى الإسلام؛ وذلك حسن، لا سيما إن طمعوا أن يجيبوهم إليه، ويدخلوا فيه، وإنما استحب ذلك ولم يوجبه، لاحتمال أن يكونوا قد علموا أيضا على ما يقاتلون، والاستحباب يرجع إلى نفي الوجوب، وهو أحد قولي مالك في المدونة؛ وقد قال يحيى بن سعيد: فيها إن ذلك من الحق عليهم، وسيأتي في أول نوازل أصبغ بيان هذه المسألة - إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق. [مسألة: اللينة ماهيتها وهل يجوز قطعها] مسألة قال مالك في قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: 5]- الآية. قال: اللينة ما سوى العجوة من الثمار من الألوان. قال محمد بن رشد: قد قيل في اللينة إنها لون من النخل، روي ذلك عن ابن عباس، وقال مجاهد: اللينة النخل كلها: العجوة وغيرها. ويشهد بصحة قول مالك، ما روي عن ابن عباس وغيره: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقطع نخل بني النضير إلا العجوة، وذلك لأنها كانت قوتهم الذي يعتمدون عليه، وهي التي جاء الحديث في فضيلتها: قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العجوة من الجنة» ، وثمرها يغذو ما لا يغذو غيره - والله أعلم، فشق ذلك عليهم وقالوا: أنتم تزعمون أنكم تكرهون الفساد وهذا من الفساد، دعوا النخل لمن غلب، فأنزل الله تعالى الآية بتصويب فعل

مسألة: أوصى بسلاحه في سبيل الله أيعطاه أهل الديوان

النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأن ما أمر به كان عن إذنه عز وجل، وقيل إنهم لما قطعوا بعضا، وتركوا بعضا، سألوا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هل لهم أجر فيما قطعوا، أو عليهم وزر - فيما تركوا؟ فأنزل الله الآية، فهي دالة على إباحة القطع، وعلى ألا حرج في الترك؛ وتوقف مالك في المدونة في الأفضل من ذلك، وتأول الآية على أنه لا بأس بالقطع؛ والأظهر أن القطع أفضل من الترك، لما في ذلك من إذلال العدو، وإصغارهم ونكايتهم، وقد قال عز وجل: {وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120] . إلا أن يكون بلدا يرجى أن يصير للمسلمين، فيكون التوقف عن القطع والتحريق والتخريب أفضل، بدليل نهي أبي بكر أمراء جيوشه إلى الشام عن ذلك، لما علم أن المسلمين يفتتحونها بقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحديث المشهور: ويفتح الشام، فيأتي قوم فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم - لو كانوا يعلمون. وبحضه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصلاة في بيت المقدس، وبشد المطايا إليها. وما أشبه ذلك من الآثار الدالة على ذلك، وإنما نهى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قطع العجوة؛ لأنها من ثمار الجنة على ما روي عنه - والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: أوصى بسلاحه في سبيل الله أيعطاه أهل الديوان] مسألة وسئل مالك عن رجل أوصى بسلاحه في سبيل الله، أيعطاه

مسألة: متى فتحت مصر

أهل الديوان؟ قال مالك: لست أحب أن يعطاه أهل الغناء، ولكن يعطاه أهل الحاجة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن أهل الحاجة أحق وأولى؛ لأنهم إن لم يعطوا لم يقدروا على الخروج، ففي جعل المال فيهم قوة على الجهاد، واستظهارا على العدو بكثرة العدد. [مسألة: متى فتحت مصر] مسألة قال مالك: فتحت مصر سنة عشرين. قال محمد بن رشد: اختلف في مصر فقيل إنها افتتحت عنوة، وقال الليث: نحن أعلم ببلدنا، إنما أخذت صلحا، أخبرني بذلك جوهرتا البلدين - يريد ابن حبيب، وعبيد الله بن أبي جعفر. - يعني أن الصلح وقع على أن تكون الأرض للمسلمين - كما فعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ببعض أرض الحجاز، لا على أنها تركت لأهلها؛ لأن ذلك لا يبيح الدخول فيها، وقد اختلف في السبب الذي دخل به الليث فيها، فقيل بالاشتراك وقيل بالاكتراء، وقيل بالانقطاع، وإنكار الليث أن تكون أخذت عنوة يدل على أن مذهبه في أرض العنوة، أن تخمس وتقسم، وقيل إنها فتحت صلحا ثم نقضوا، فأخذها عمرو بن العاص عنوة، وبالله التوفيق. [يبتاع الفرس فيحمل عليه في سبيل الله ثم يجد به عيبا] ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل مالك: عن الرجل يبتاع الفرس فيحمل عليه في سبيل الله، ثم يجد به عيبا؛ أترى أن يرجع بقيمة العيب على الذي باعه منه؟ قال: إن كان قد مضى وخرج به، فأرى ذلك له؛ وأما إذا كان

مسألة: يأخذ مسن الشيء من أرض العدو

حاضرا - وكان بيده، فإني أرى أن يرده على الذي ابتاعه منه، ويبدل غيره بموضع ما أنفذه فيه. قال محمد بن رشد: إنما كان له أن يرده بالعيب إن كان لم يخرج به الذي حمل عليه - وإن كان قد أنفذه في السبيل، من أجل أنه لم يتعين للحمول عليه في عينه حق بالحملان، ولا فات بتحبيس عينه في السبيل، لجواز بيعه وإنفاق ثمنه في السبيل - على ما مضى في هذا الرسم وغيره؛ فأشبه ذلك من اشترى دارا فتصدق بها على المساكين، ثم وجد بها عيبا قبل أن تباع ليفرق ثمنها على المساكين؛ إن ذلك ليس بفوت، وترد بالعيب، ويتصدق بالثمن على المساكين، وعلى القول بأنه محمول على التحبيس، يكون ذلك فوتا، ويرجع بقيمة العيب فيجعله في فرس حبيس، أوفي السبيل - على اختلاف في هذا الأصل، قد مضى في سماع أصبغ من كتاب الضحايا. [مسألة: يأخذ مسن الشيء من أرض العدو] مسألة وسئل مالك عن الرجل يأخذ مسن الشيء من أرض العدو، مثل الحجر والرخام والمسن والدواء، من الشجر، والعصا؛ قال: أما العصا والدواء، فلا أرى به بأسا، وأما الرخام والمسن ففيه شك؛ لأنه لم ينل ذلك الموضع إلا بجماعة الجيش فلا أحبه. قال محمد بن رشد: قد قيل إنه لا يجوز له أن يأخذ شيئا من ذلك - إذا كان له ثمن، وقيل إنه يجوز له أن يأخذه وإن كان له ثمن؛ لأنه مما لم يملكه العدو، ولا حازوه إلى بيوتهم - على ما مضى في رسم "صلى نهارا ثلاث ركعات"، وتفرقة مالك ههنا بين ما أنبتته الأرض وما لم تنبته، على ما فسر به قول مالك ابن القاسم في المبسوطة قول ثالث، ولا يعضده أصل، وأما ما لا ثمن له من ذلك كله، فلا بأس بأخذه قولا واحدا.

مسألة: توافقوا في الغزو أن يتخارجوا النفقة من عندهم فيأكلون معا

[مسألة: توافقوا في الغزو أن يتخارجوا النفقة من عندهم فيأكلون معا] مسألة وسئل مالك عن القوم يغزون في سبيل الله ويرابطون، فيعطى رجل ذهبا في سبيل الله ثم ينزلون جميعا، وربما كانوا جماعة فيخرجون خراجا، ويخرج معهم الذي أعطى والذي أعطي؛ أترى على الذي أعطى شيئا فيما يأكل من أجل الذي أعطي في سبيل الله؟ قال: لا بأس بهذا، وليس هذا مما يتقي؛ وقد قال الرسول، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في لحم بريرة: هو لها صدقة، وهو منها إلينا هدية. وهذا لا بأس به وهو خفيف. قال محمد بن رشد: استخف إذا توافق في الغزو الذي أعطى والذي أعطي - أن يتخارجوا النفقة من عندهم، فيأكلون معا، ولم ير ذلك مما يتقى - إذا لم يقصد المعطي أن يأكل أكثر مما أخرج؛ وإنما فعلوا ذلك لما لهم فيه من الرفق، وعلى العادة الحسنة في حسن المعاشرة بين الرفقاء في الأسفار؛ فحجته بحديث بريرة ليست ببينة؛ لأن من أعطى شيئا في سبيل الله، فلا يجوز له أن يرجع فيه ولا في شيء منه بوجه من الوجوه: من شراء، أو عطية، أو هبة، أو صدقة؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعمر بن الخطاب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذ أراد شراء الفرس الذي كان حمل عليه في سبيل الله، لما أضاعه صاحبه، وأراد بيعه: لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن «الذي يعود في صدقته، كالكلب يعود في قيئه» . وإنما الحجة في جواز ذلك، قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ} [البقرة: 220]- الآية.

الجوار بمكة بعد الحج

فأباح للوصي خلط نفقته بنفقة يتيمه - إذا قصد بذلك رفق يتيمه، لا الارتفاق بماله، فكذلك هذه المسألة - سواء، وعلى هذا يأتي قول ابن القاسم في رسم "يدير ماله" من سماع عيسى من كتاب النذور - إن من حلف ألا يأكل من طعام رجل، فاصطحبا في سفر، واشتريا طعاما فأكلاه؛ أنه لا حنث عليه - إن لم يأكل أكثر من نصيبه، وبالله التوفيق. [الجوار بمكة بعد الحج] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل مالك عن الحج: القفل أحب إليك أم الجوار؟ قال: ما كان الناس إلا على الحج والقفل، ورأيته يرى أن ذلك أعجب إليه، فقلت له: والغزو يا أبا عبد الله؟ فإن ناسا يقولون ذلك، فلم يره مثله، قال: وقد كانت الشام حين افتتحت - وكانت بحال حرب، فأقام فيها غير واحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، منهم أبو أيوب، ومعاذ، وبلال، وأبو عبيدة. قال محمد بن رشد: كره الجوار بمكة بعد الحج، واستحب القفل إثر تمام الحج، بخلاف الغزو - اتباعا للسلف، ولذلك وجه من طريق المعنى، قد ذكرته في رسم "صلى نهارا" من سماع ابن القاسم من كتاب الحج، فاختصرت ذكره ههنا اكتفاء بذكره هناك. [مسألة: لإمام الجيش ألا يعجل على أصحابه وأن يكون في وسطهم] مسألة قال مالك: ينبغي لإمام الجيش ألا يعجل على أصحابه، وأن يكون في وسطهم، ويبعث سراياه ليلا يقطع بالناس، وهو يستحب أن يكون في آخرهم، ويقدم الناس، وقد كان عمر بن الخطاب إذا

مسألة: الرجل من الأندلس يريد أن يلحق بالمصيصة وله أهل بالأندلس

كان في السفر، كان في آخر الناس حتى يقدم المعتل بعيره والضعيف؛ وهذا مما ينبغي لإمام الجيش أن يفعله: أن يكون في آخر الناس، وأن يقدمهم ويرفق بهم، ولا يعجلهم؛ كأنه يقول إذا فعل ذلك، فإن فيه هلاك بعضهم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، ليس فيه ما يشكل، ومن الحجة في ذلك، قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، «إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم الكبير، والسقيم، والضعيف؛ وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء» . وقد روي عنه أنه قال المضعف أمير القوم، لما يلزمهم من الوقوف عليه إذا وقف، والتأخير بسببه إذا تأخر، والسير بسيره إذا سار، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل من الأندلس يريد أن يلحق بالمصيصة وله أهل بالأندلس] مسألة وسئل مالك عن الرجل من أهل الأندلس، أراد أن يلحق بالمصيصة والسواحل - وله ولد وأهل بالأندلس؛ أترى له في ذلك سعة؟ قال: نعم، ثم قال: أيخشى عليهم الضيعة؟ قال: نعم، فكأنه لم يعجبه ذلك حين خاف الضيعة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن قيامه على أهله وولده وترك إضاعتهم - واجب عليه، بخلاف الغزو والرباط، ولا ينبغي لأحد أن يضيع فرضا واجبا عليه لما هو مندوب إليه.

مسألة: الغزو في البحر

[مسألة: الغزو في البحر] مسألة قال سحنون: أردت غزوا في البحر، فسألت عن ذلك ابن القاسم فنهاني. قال محمد بن رشد: إنما نهاه - والله أعلم - لأنه علم أنهم كانوا لا يغزون فيه على الصواب، ولا يحافظون فيه على الصلاة في أوقاتها؛ فخشي عليه إن غزا معهم، ألا يقدر على محافظة ما يضيعون، ولا على السلامة مما يصنعون؛ لأن الغزو في البحر إذا كان على السنة وإصابة الحق، فهو من أفضل أعمال البر، بدليل حديث «أنس بن مالك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نام عند أم حرام، ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة» ، أو مثل الملوك على الأسرة، وأنه دعا لها أن يجعلها منهم بسؤالها إياه ذلك؛ وهذا بين، والله الموفق. [هل يرضخ للنساء والصبيان من الغنيمة] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول «لما انهزم أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين، قبضت أم سليم امرأة أبي طلحة الأنصاري على عنان بغلة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم قالت يا رسول الله مر هؤلاء الذين انهزموا أن تضرب رقابهم، فقال لها رسول الله: أوخيرا من ذلك يا أم سليم؛ فقيل له أفأسهم لها ولمن

كان يخرج مع رسول الله من النساء في مغازيه لدواء الجرحى، أو لغير ذلك؟ فقال: ما علمت أنه أسهم لامرأة في شيء من مغازيه» . قال محمد بن رشد: قوله أو خير من ذلك يا أم سليم - يريد الدعاء إلى الله عز وجل بإنجاز ما وعده به من النصر؛ وكذلك فعل: رفع يديه إلى الله يدعو يقول: اللهم إني أنشدك ما وعدتني ونادى أصحابه وقبض قبضة من الحصى، فحصب بها وجوه المشركين ونواحيهم كلها، وقال: شاهت الوجوه، فأقبل إليه أصحابه سراعا يبتدرون، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآن حمي الوطيس فهزم الله أعداءه من كل ناحية، حصبهم فيها رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأتبعهم المسلمون يقتلونهم، وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم، وإبلهم. وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]- الآية، وقال عز وجل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25]- إلى قوله: {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة: 26] . وأما قوله ما علمت أنه أسهم لامرأة في شيء من مغازيه، فهو مما لا اختلاف فيه: أنه لا يسهم للنساء، ولا للصبيان، ولا للعبيد؛ وإنما اختلف هل يرضخ لهم من الغنيمة على غير وجه قسم، فلم ير ذلك مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذهب ابن حبيب إلى أن ذلك مما يستحب للإمام أن يفعله.

مسألة: الأنصار وإيثار المهاجرين عليهم

[مسألة: الأنصار وإيثار المهاجرين عليهم] مسألة قال: وسمعت مالكا يقول حدثني يحيى بن سعيد، عن «أنس بن مالك، أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دعا الأنصار فأراد أن يقطع لهم بالبحرين، فقالوا: لا يا رسول الله، حتى نقطع لإخواننا من المهاجرين، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه ستصيبكم أثرة من بعدي، فاصبروا حتى تلقوني. » قال محمد بن رشد: مصداق هذا الحديث في كتاب الله حيث يقول في ثنائه على الأنصار {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9]- الآية. نزلت في الذي ضافه منهم ضيف، فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه، فقال لامرأته نومي الصبية وأطفئي السراج، فجعل يري ضيفه أنه يأكل معه ولا يأكل. [مسألة: حلف في أمر قد سلف لو كان كذا وكذا لفعلت كذا وكذا مما يمكنه فعله] مسألة قال: وسمعت مالكا يقول: لما نزلت هذه الآية: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 66]- الآية. فقال أبو بكر والذي بعثك بالحق إن كنت لفاعلا.

مسألة: المبادرة بالأعمال قبل حلول الآجال

قال محمد بن رشد: لا شك أن أبا بكر من القليل الذي استثنى الله تعالى في الآية، فلا أحد أحق بهذه الصفة منه، ويمينه على ذلك برة؛ وفي هذا حجة لرواية ابن الماجشون عن مالك فيمن حلف في أمر قد سلف: لو كان كذا وكذا، لفعلت كذا وكذا - مما يمكنه فعله لا حنث عليه، خلافا لقول أصبغ أنه حانث؛ لأنه لا يدري هل كان يفعل أو لا يفعل. [مسألة: المبادرة بالأعمال قبل حلول الآجال] مسألة قال مالك: بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مثلي ومثلكم، مثل قوم بعثوا طليعة إلى عدوهم، فأراد أن يرجع إليهم، فأعجله ما رأى منهم أن يرجع إليهم فألاح إليهم، أتيتم، أتيتم» . قال محمد بن رشد: هذا مثل ضربه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقرب قيام الساعة، والحض على المبادرة بالأعمال قبل حلول الآجال، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بعثت أنا والساعة كهاتين» . «ولما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، ناداهم فقال: اعملوا إلى ما عند الله، فإني لا أملك لكم من الله شيئا، وقال إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» . [مسألة: خصاء الخيل] مسألة وقال مالك: في الفرس إذا كلب وامتنع، فلا أرى بخصاه بأسا - إذا كان على هذا الوجه.

الرهبان في ديارات ليس في صوامع أيسبون

قال محمد بن رشد: قد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النهي عن خصاء الخيل، ومعنى ذلك عند مالك إذا فعله لغير ضرورة، بدليل هذه الرواية، وبالله التوفيق. [الرهبان في ديارات ليس في صوامع أيسبون] ومن سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب الجهاد قال أشهب: سمعت مالكا وسئل عن الرهبان، فقيل إنهم يعتزلون في ديارات ليس في صوامع، أيسبون؟ قال: لا أرى أن يهاجوا، فقيل له وسواء عليك الرهبان في الديارات، أو أصحاب الصوامع؟ قال هاه يقول الله سبحانه وتعالى: {قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} [المائدة: 82]- الآية. ولم ير أن يهاجوا، فقيل له فالرهبان من النساء؟ قال النساء عندنا - والله - أحق ألا يهجن. قال محمد بن رشد: إنما سأله عن الرهبان إذا اعتزلوا في الديارات، ولم يعتزلوا في الصوامع؛ لما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نهيه عن قتل أصحاب الصوامع، روي عن ابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا بعث جيوشه، قال: «اخرجوا بسم الله، تقاتلون من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع» . فرأى مالك لرهبان الديارات حكم رهبان الصوامع، لاستوائهم في العلة التي من أجلها

نهى عن قتلهم - وهي اعتزالهم لأهل دينهم، وترك معونتهم لهم بقتال أو رأي؛ واستدل أيضا بظاهر قوله عز وجل، {قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} [المائدة: 82] . إذ لم يخص لترهبهم موضعا من موضع، وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه نهى عن قتال الرهبان، ولم ينه عن قتلهم لخير عندهم، بل هم أبعد من الله، لاستبصارهم في كفرهم، وإنما نهى عن قتلهم، لاعتزالهم أهل دينهم، وترك معرنتهم لهم بيد أو رأي؛ مع أنه ظاهر قوله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29]- الآية؛ لأن المقاتلة مفاعلة من الفريقين، ودليل قول الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في المرأة التي وقف عليها وهي مقتولة، فقال «هاه ما كانت هذه تقاتل» . إذ يدل ذلك من قوله على أنه إنما يقتل من أهل الكفر من يقاتل، وكما لا يقتل الرهبان (فلا يسبون - رجالا كانوا أو نساء، - وهو ظاهر هذه الرواية، وقد قيل في الرهبان) من النساء أنهن يسبين - ذكره ابن سحنون؛ ووجه قول مالك، إن الرهبان من النساء تبع لرجالهم في ألا يسبوا، كما أن النساء من غير الرهبان تبع لرجالهم في أنهم يسبون، ووجه قول سحنون إن النساء لما كن بمنزلة سواء في أنهن لا جزية عليهن ولا يقتلن، رواهب كن أو غير رواهب. وجب أن يكن بمنزلة سواء في أنهن يسبين رواهب كن أو غير رواهب، وكما لا يقتل الرهبان ولا يسبون، فلا تضرب عليهم الجزية؛ لأن الجزية إنما هي ثمن لتأمينهم، وحقن دمائهم؟ وقد اختلف فيمن ترهب من أهل الذمة بعد أن وضعت عليه الجزية، فقيل إنها توضع عنه، وهو قول ابن القاسم، وظاهر قول مالك وسفيان الثوري وأبي حنيفة في الواضحة؛ وقال مطرف وابن الماجشون عن مالك أيضا أنها

مسألة: افتداء من أسر

لا توضع عنه. وقد روي عن مالك أن الرهبان يقتلون؛ لأن فيهم التدبير والبغض للدين، فهم أنكأ من غيرهم، وكذلك الشيخ الكبير الذي لا يدع الجيوش والسرايا، وقع ذلك في بعض روايات المدونة. [مسألة: افتداء من أسر] مسألة وسئل مالك، أواجب على المسلمين افتداء من أسر منهم؟ قال: نعم، أليس واجب عليهم أن يقاتلوا حتى يستنقذوهم؟ قال: بلى. قال: فكيف لا يفتدونهم بأموالهم؟ قال: قال عمر بن الخطاب: ما أحب أن افتتح حصنا من حصونهم بقتل رجل من المسلمين. قال محمد بن رشد: معنى قول مالك هذا، أن ذلك واجب على الجملة، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فكوا العاني» . لأنه أمر فهو محمول على الوجوب، بدليل ما احتج به مالك في الرواية، فواجب على الإمام أن يفك أسارى المسلمين من بيت مالهم، فما قصر عنه بيت المال، تعين على جميع المسلمين في أموالهم - على مقاديرها، ويكون هو كأحدهم - إن كان له مال، فلا يلزم أحدا في خاصة نفسه من فك أسرى المسلمين، إلا ما يتعين عليه في ماله على هذا الترتيب؛ فإذا ضيع الإمام والمسلمون ما يجب عليهم من هذا، فواجب على كل من كان له مال من الأسارى، أن يفك نفسه من ماله؛ إذ لا يحل له أن يبقي نفسه أسيرا في دار الكفر، ويمسك ماله، وهذا وجه قول مالك، وأكثر العلماء يقولون إن من فك أسيرا بغير أمره وله مال، أن

مسألة: الإمام مخير في الأسارى

له أن يرجع عليه بما فداه به، وقد قيل لا يرجع عليه بشيء، روي ذلك عن ابن سيرين، والحكم، وغيرهما، واحتج بعض من ذهب إلى هذا بأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «فكوا العاني» . فإنما يجب ذلك على المسلمين، فلا يعود ذلك على الأسير - وهو قول له وجه إذا حملنا قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فكوا العاني» ، على عمومه فيمن له مال وفيمن ليس له مال؛ لأن الأول أظهر، ويحتمل أن يكون معنى الحديث فيمن لا مال له، فلا يلزم أحد أن يفتك من له مال، ولا يلزم الإمام ذلك أيضا من بيت مال المسلمين، إلا أن يرى ذلك على وجه النظر كالجائزة يجيزها لمن له مال؛ وأما من فدى أسيرا لا مال له بغير أمره، فالصحيح الذي يوجبه النظر والقياس، أنه ليس له أن يتبعه بما فداه به؛ لأن ذلك إنما يتعين على الإمام وجميع المسلمين، وظاهر الروايات خلاف ذلك وهو بعيد. [مسألة: الإمام مخير في الأسارى] مسألة قال: وسئل مالك عن قول عمر بن الخطاب لا يجلب إلينا من هؤلاء العلوج أحد مرت عليه المواسى؛ ما تراه أراد بذلك؟ فقال: أراد بذلك ألا يستحيوا. قال محمد بن رشد: مذهب مالك أن الإمام مخير في الأسارى على وجه الاجتهاد بين خمسة أشياء: إما أن يقتل، وإما أن يأسر ويستعبد، وإما أن يعتق، وإما أن يأخذ فيه الفداء، وإما أن يعقد عليه الذمة ويضرب عليه الجزية؛ لأنه استعمل الآيات الواردة في ذلك في القران، وفسر بعضها ببعض، ولم ير فيها ناسخا ولا منسوخا؛ فإن كان الأسير من أهل النجدة

والفروسية والنكاية للمسلمين، قتله ولم يستحيه، وإن لم يكن على هذه الصفة وامتدت عليه غائلته وله قيمة استرقه للمسلمين، أو قبل فيه الفداء، إن بذل فيه أكثر من قيمته، وإن لم تكن له قيمة ولا فيه محمل لأداء الجزية، كالزمنى أعتقه؛ وإن لم تكن له قيمة وفيه محمل لأداء الجزية، عقد له الذمة، وضرب عليه الجزية، واختلف قوله - إذا لم يتعرف حاله: هل هو من أهل النجدة والفروسية، أو له غائلة، أم لا؟ فمرة قال: إنه لا يقتل إلا أن يكون معروفا بالنجدة والفروسية، أو تعرف له غائلة، ومرة قال: إنه يقتل ويحمل إن لم يكن معروفا بالنجدة والفروسية على أن له غائلة؟ وهو الذي ذهب إليه عمر بن الخطاب في هذا الحديث، وإن رأى الإمام باجتهاده مخالفة ما وصفناه من وجوه الاجتهاد، كان ذلك له، مثل أن يبذل الفارس المعروف بالنجدة والفروسية في نفسه المال الواسع الكثير، فيرى الإمام أخذه أولى من قتله، لاستعانته بذلك على جهاد المشركين، وما أشبه ذلك من وجوه الاجتهاد؛ فهذا تحصيل القول في حكم الأسارى على مذهب مالك. ومن أهل العلم من قال: إن الأسير يقتل على كل حال، لقوله عز وجل: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ} [الأنفال: 57]- الآية، ومنهم من ذهب إلى أنه لا يجوز قتل الأسير - صبرا، لقوله عز وجل: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] . والصحيح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قتل وأسر، فوقع فعله موقع البيان لما في القرآن؛ لأن قَوْله تَعَالَى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57]- الآية، معناه قبل الإثخان. وقوله عز وجل: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4]- الآية، ليس على

مسألة: بأرض الروم أشجارا تبلغ إذا حملت إلى أرض العرب ثمنا كثيرا حكم جلبها

الإلزام، وإنما معناه إباحة شد الوثائق وترك القتل بعد الإثخان؛ بدليل قوله، عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67] . وقد حكى الداودي أن أكثر أصحاب مالك يكرهون فداء الأسرى بالمال، ويقولون: إنما كان ذلك ببدر؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم أنه سيظهر عليهم، وإنما يتفق على جواز فدائهم بأسرى المسلمين. [مسألة: بأرض الروم أشجارا تبلغ إذا حملت إلى أرض العرب ثمنا كثيرا حكم جلبها] مسألة قال: وقيل (له) إنه يقال إن بأرض الروم أشجارا تبلغ إذا حملت إلى أرض العرب ثمنا كثيرا، وشأنها هنالك خفيف، وحملها يسير، قال: ما أرى بهذا بأسا، وإن أخذه للبيع وإن جاء بذلك العود وتلك الشجرة إلى صاحب المقاسم، لم يقبله ولم يقسم على الجيش. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: أنه إذا لم يكن لها ثمن في بلاد العرب، ولا قبلها صاحب المقاسم؛ فله أن يأخذها، ولا اختلاف في ذلك أعلمه؛ وقد مضى بيان هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم نذر سنة يصومها منه.

مسألة: يحمل على الجيش من العدو وحده

[مسألة: يحمل على الجيش من العدو وحده] مسألة قال: وسئل مالك. عن رجل من المسلمين يحمل على الجيش من العدو وحده، قال: قال الله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66]- الآية. فجعل كل رجل برجلين بعد أن كان كل رجل بعشرة، فأخاف هذا يلقي بيده إلى التهلكة وليس ذلك بسواء أن يكون الرجل في الجيش الكثيف فيحمل وحده على الجيش، وأن يكون الرجل قد خلفه أصحابه بأرض الروم أحاطوه فتركوه بين ظهراني الروم، فهو يخاف الأسر فيستقتل فيحمل عليهم، فهذا - عندي - خفيف، والأول عندي في كثف وقوة، وليس إلى ذلك بمضطر، يختلف أن يكون الرجل يحمل احتسابا بنفسه على الله، كما قال عمر بن الخطاب " الشهيد من احتسب نفسه على الله، أو يكون يريد بذلك السمعة والشجاعة. قال محمد بن رشد: أما إذا فعل ذلك إرادة السمعة والشجاعة، فلا إشكال ولا اختلاف في أن ذلك من الفعل المكروه؛ وأما إن اضطر إلى ذلك بإحاطة العدو به، ففعله مخافة الأسر، فلا اختلاف في أن ذلك من الفعل الجائز، إن شاء أن يستأسر، وإن يشاء أن يحمل على العدو ويحتسب نفسه على الله، وأما إذا كان في صف المسلمين وأراد أن يحمل على الجيش من العدو وحده محتسبا بنفسه على الله، ليقوي بذلك نفوس المسلمين

ويلقي به الرعب في قلوب المشركين؛ فمن أهل العلم من كرهه ورآه مما نهى الله عنه من الإلقاء إلى التهلكة، لقوله عز وجل: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] . وممن روي ذلك عنه عمرو بن العاص، ومنهم من أجازه واستحبه لمن كانت به قوة عليه - وهو الصحيح، وروي أن جعفر بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين لاحمه القتل يوم مؤتة، اقتحم عن فرس (له) شقراء ثم عرقبها وقاتل حتى قتل، فلم ينكر ذلك عليه من كان معه من بقية الأمراء وسائر الصحابة، ولا أنكره النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عليه، إذ لا شك في تناهي علم ذلك إليه، ولا نهى المسلمون عن مثل ذلك؛ فدل على أن ذلك من أجل الأعمال، وأن الثواب عليه أعظم الثواب؛ وروي أن رجلا خرج من صف المسلمين بالقسطنطينية، فحمل على الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إليهم، فصاح الناس به سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة! فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أيها الناس، إنكم لتتأولون هذه الآية على غير تأويلها، إنما أنزلت فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز الله دينه، وكثر ناصروه، قلنا فيما بيننا سرا من رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن أموالنا قد ضاعت، فلو قمنا فيها فأصلحنا منها ما ضاع، فأنزل الله عز وجل في كتابه - يرد علينا ما هممنا به - فقال: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] فكانت التهلكة الإقامة التي كنا هممنا بها، فأمرنا بالغزو، فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله عز وجل. والقولان قائمان من الرواية: قوله فيها - فهذا عندي خفيف، والأول عندي في كثف وقوة ليس

مسألة: هل للوالي أن يحابي أحدا من أهل الصلاح

إلى ذلك بمضطر، يدل على الكراهة، وقوله يختلف أن يكون الرجل يحمل احتسابا بنفسه على الله، كما قال عمر بن الخطاب إلى آخر قوله، يدل على الجواز، وهو قول القاسم بن مخيمرة، وبالله التوفيق، والحمد لله كما يجب لجلاله. [مسألة: هل للوالي أن يحابي أحدا من أهل الصلاح] ومن كتاب الغزو مسألة قال أشهب: سئل مالك عن البعوث المكروهة تقطع على الناس إلى المغرب ومثلها، فيتجاعلون فيها، فيغرم المتخلفون للخارجين، ويكون للوالي الهوى في بعضهم من أهل الصلاح والفضل، فيرفعهم فيجعلهم في رفعة، لئلا يكون عليهم غرم من المتخلفين الجاعلين لمن خرج؛ فقال: ما أدري ما هذا: يخرجهم من الغرم ويغرم غيرهم، ما له لا يعطيهم من ماله - وكأنه كرهه: قيل له: إن الوالي يكون له رفع على كل حال لا بد له منهم يرفعهم، فإن احتاج إليهم استعان بهم - إن بدا له، فإذا وقع البعث المكروه الذي يكون فيه الغرم، جاء الرجل منهم الذي له الصلاح والفضل، فطلب الرفع في رفع الوالي لأن ينجو من الغرم؛ فقال مالك ليس هذا بالذي سأل عنه الرجل، وأرى هذا شيئا قد

مسألة: يأكل في أرض الإسلام فضلة ما يخرج به من طعام العدو

جعل إلى السلطان، فهو أحق من الأول؛ فقيل له: لا ترى بهذا بأسا؟ فقال هذا أخف. قال محمد بن رشد: يريد بالبعوث المكروهة المخوفة التي يكره الخروج إليها لخوفها، فيكثر الغرم على الجاعلين فيها من أهل الديوان للخارجين إليها منهم؛ لأن المجاعلة إنما تجوز لأهل الديوان فيما بينهم، فكره مالك للوالي أن يحابي أحدا من أهل الصلاح، بأن يجعله في أهل رفعة الذين يمسكهم مع نفسه لحاجته إليهم، ولا يتركهم يخرجون في ذلك البعث ليسقط بذلك عنهم ما كان يلزمهم من الغرم مع المتخلفين الجاعلين للخارجين؛ وخفف له إذا لم يقصد إلى محاباة أحد، ولم يكن له بد من أن يمسك مع نفسه بعضهم لحاجته إليهم، وأن يجيب من سأله من أهل الصلاح أن يجعله منهم إلى ما سأله من ذلك، وذلك مكروه للسائل، فإذا قصد الوالي إلى محاباة أحد بهذا الفعل دون أن يسأله ذلك، كانت الكراهة في حيزه دون الرجل، وإذا سئل ذلك ففعله، كان الأمر أخف عليه منه على الرجل السائل، فهذا معنى قول مالك عندي في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: يأكل في أرض الإسلام فضلة ما يخرج به من طعام العدو] مسألة وسئل مالك عن الذي يصيب القربة أو العسل في أرض الروم - وربما لت بالعسل جريرته، أينصرف إلى بلاده يأكله؟ قال: لا بأس بذلك إذا كان يسيرا. قال محمد بن رشد: وهذا صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها

مسألة: الغازي يجد الغرارة يحتاج إليها يجعل فيها متاعه

من أن للرجل أن يأكل في أرض الإسلام فضلة ما يخرج به من طعام العدو إذا كان يسيرا. [مسألة: الغازي يجد الغرارة يحتاج إليها يجعل فيها متاعه] مسألة فقيل له: أفرأيت الغازي يجد الغرارة يحتاج إليها يجعل فيها متاعه، والجلد يحتذيه، والشيح لدواء البطن، فقال: ما أرى به بأسا أن يأخذه، وهذا تضييق على الناس، وما كل الناس يكون معه في الغزو ما يكفيه مما يحتاج إليه؛ قيل له فإن أحدهم أتى بكبة الخيط فيشتريها بدانق، فيطرحها في المقاسم، قال هذا شيء يراؤون به، وما هذا التضييق على الناس؟ ! قال محمد بن رشد: أما ما لم يكن له من هذا كله ثمن، فله أن يأخذه - احتاج إليه أو لم يحتج إليه، وأما ما كان له من ذلك ثمن، فله أن يأخذه إن احتاج إليه على ما في المدونة، خلاف قول ابن نافع، وقد مضى بيان هذا كله في أول رسم من سماع ابن القاسم، وهذا إذا كان الشيح مما قد حازه الروم في بيوتهم؛ وأما إن كان من نبات الأرض المباح الذي لم يحوزوه إلى بيوتهم؛ فقد مضى القول فيه في رسم "نذر سنة" من سماع ابن القاسم.

مسألة: الوالي يخرج بالخيل للقتال فيأتيه الرجل يستعيره فرسا يقاتل عليه

[مسألة: الوالي يخرج بالخيل للقتال فيأتيه الرجل يستعيره فرسا يقاتل عليه] مسألة وسئل مالك عن الوالي يخرج معه بالخيل في أرض العدو فيأتيه الرجل فيستعيره فرسا من خيله يقاتل عليه، فيعيره فيقاتل عليه؛ لمن ترى سهما الفرس؟ فقال سهمه للذي استعاره، أرى ذلك له. قال محمد بن رشد: وكذلك لو اشتراه، أو اكتراه، أو تعدى عليه أو وجده عابرا عند حومة القتال فقاتل عليه، لكان سهماه إليه؛ وكذلك لو أعاره ذلك (على أن) يكون سهما الفرس بينهما، أو على أن يكونا لصاحب الفرس، إلا أنه يكون عليه فيه أجرة مثله، ولو لم يكن للرجل إلا فرس واحد فتعدى عليه رجل فركبه، وقاتل عليه - وصاحبه حاضر، أو وجده عند القتال - وهو عاثر، لكان سهماه لصاحبه، بخلاف الاشتراء والعارية والكراء، وبخلاف التعدي إذا لم يكن صاحبه حاضرا، وهذا على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في أن السهم إنما يستحق بالقتال لا بالإيجاف، وأما على مذهب ابن الماجشون الذي يرى أن السهم يستحق بالإيجاف، فلا يكون للذي قاتل على الفرس سهمانه في شيء من هذه الوجوه، إلا أن يوجف عليه أو يصير بيده بحدثان الإيجاف وقبل مشاهدة القتال، حتى يتمكن في كينونته له وفي يده.

مسألة: يغزو بفرسين أيسهم لهما جميعا

[مسألة: يغزو بفرسين أيسهم لهما جميعا] مسألة وسئل فقيل له: أفرأيت الذي يغزو بفرسين، أيسهم لهما جميعا؟ فقال: لا يسهم إلا لفرس واحد. قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك وأصحابه في المدونة وغيرها، وقد جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسهم لفرسين، ولا يسهم لأكثر من ذلك. وذهب إلى ذلك غير واحد من العلماء، وعمل به عمر بن عبد العزيز في خلافته، وأخذ به ابن وهب من أصحاب مالك. [مسألة: استؤجرأعوان يكونون في المراكب قذافين أيقسم لهم] مسألة وسئل مالك فقيل له: إنا إذا أردنا الغزو استؤجر لنا أعوان يكونون في المراكب قذافين، وغير ذلك من الأعمال من رفع الصواري، ووضعها، وإمساك الحبال والأرجل، وما يحتاج إليه المركب، يكون ذلك لهم شيئا لازما لذلك استؤجروا؛ فإذا قدموا أرض الروم، كان منهم المسلم والمولد الحر، ترك منهم من كان كذلك، فشهدوا القتال، وأبلوا بلاء عظيما، فلا يقسم

لهم؛ أفترى أن يقسم لهم؟ فقال: وأين هذا؟ فقيل في البحر، فقال: يتخذون مثل هذا في الصوائف؟ فقيل نعم، يستأجرون فعلة لتسوية الطريق، وقطع الشجر، وإصلاح المواضع التي فيها ضرر على المسلمين: يوسعون ضيقها، ويرفعون حجارتها عن الطريق، وغير ذلك مما يحتاج إليه؛ يستأجرونهم رصدة ذلك وعدة، ثم يشهدون القتال مع الناس فيقاتلون؛ أفيعطى هؤلاء شيئا؟ فقيل لا؛ فقال: فهؤلاء مثلهم - وكأنه لم ير لهم شيئا؛ قيل له إن ابن معيوف كان يحلف الرجل يخرج مع عمه أو مولاه يخدمه وينفعه، فيحلفه على أنه لم يخرج لخدمته، فإن لم يحلف لم يسهم له؛ فقال: بئس ما صنع ابن معيوف، وفي الغزو أيمان؟ وإن الرجل ليخرج مع أبيه أو مع مولاه في الغزو يعينه ويكفيه، فبئس ما صنع. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما في المدونة، والواضحة، من أن الأجير يسهم له إذا شهد القتال وقاتل؛ وفي كتاب محمد بن المواز أنه يسهم له إذا شهد القتال - وإن لم يقاتل؛ وأما إذا لم يشهد القتال، فلا اختلاف في أنه لا يسهم له؛ قال محمد عن أبيه: والذي يكرى للغزو لا سهم له إلا أن يقاتل؛ وكذلك مكتري الدواب في الغزو مثل الأجير، قال سحنون: ويحط عن الأجير من أجرته بقدر ما اشتغل عن خدمة الذي استأجره؛ ومن أهل النظر من ذهب إلى أن رواية أشهب هذه، ليست بمخالفة لما في المدونة، وغيرها؛ وقال: معنى هذه الرواية في الإجارة العامة، ومعنى ما في المدونة

رفع الأصوات بالتكبير على السواحل أو في الرباط

وغيرها في الإجارة الخاصة، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الإجارة العامة هي أقرب أن يكون له فيها السهم - إذا قاتل من الإجارة الخاصة، فإذا لم يوجب له السهم في الإجارة العامة، فأحرى ألا يوجبها له الإجازة الخاصة - والله أعلم؛ وإنما أنكر على ابن معيوف تحليف الرجل خرج مع ابن عمه أو مولاه، أنه لم يخرج لخدمته، إذ لم يره كالأجير؛ وكان الحكم فيه عنده أن يسهم له قاتل أو لم يقاتل؟ وأما من ادعي عليه أنه أجير فأنكر، فلا يبعد عليه اليمين - إن لم يقاتل على ما في المدونة، وإن قاتل على هذه الرواية، وبالله التوفيق. [رفع الأصوات بالتكبير على السواحل أو في الرباط] ومن كتاب الأقضية وسئل مالك عن رفع الأصوات بالتكبير على السواحل، أو في الرباط بحضرة العدو، أو بغير حضرتهم؛ هل ينكره، أو يسمع الرجل نفسه؟ فقال: أما بحضرة العدو فلا بأس، وذلك حسن؛ وأما بغير حضرتهم على السواحل فلا بأس بذلك أيضا، إلا أن يكون رفع صوته يؤذي الناس، لا يستطع أحد أن يقرأ ولا يصلي، فلا أرى ذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب الجهاد من المدونة، وزاد فيه أنه أنكر التطريب؛ وأنكر ابن حبيب أن يتقدمهم واحد بالتكبير، أو التهليل، ثم يجيبه الآخرون بنحو من كلامه جما غفيرا، وأجاز أن يحزن تكبيره وأنكر في رسم "أحد يشرب خمرا" من كتاب الصلاة - التكبير دبر الصلوات بأرض العدو، وسكت عن التكبير في غير دبر الصلوات؛ فذلك كله مفسر بعضه لبعض، ليس فيه اختلاف من قول مالك؛ وما حكى ابن حبيب من

مسألة: أسلم من المشركين بعد إساره أيمنعه ذلك من القتل

استحباب التكبير ثلاثا دبر صلاة العشاء والصبح، في الثغور والمرابطات والعساكر، خلاف لمذهب مالك - ومذهبه أظهر؛ لأنه أمر محدث لم يكن في الزمن الأول، ولو كان، لنقل وذكر - والله أعلم. [مسألة: أسلم من المشركين بعد إساره أيمنعه ذلك من القتل] مسألة وسئل مالك عمن أسلم من المشركين بعد إساره، أيمنعه ذلك من القتل؟ قال: نعم في رأيي. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» . أي والله يحاسبهم عما قي نفوسهم إن كانوا أظهروا للإسلام وهم لا يعتقدونه بقلوبهم. وقد روي «أن المقداد قال لرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ بشجرة فقال: أسلمت لله؛ أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها، فقال رسول الله: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك - قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» . وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لأسامة لما قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله - ظنا منه أنه قالها تعوذا، «فكيف يصنع بلا إله إلا الله» ، وأعاد ذلك عليه حتى تمنى أنه أسلم ذلك اليوم، وبطل ما كان قبل ذلك من عمله، وبالله تعالى التوفيق، لا إله إلا هو.

يغزون أرض الروم فيقتلون من أبقارهم بالسيوف فتعرقب ثم تذبح فتقطع بالسيف

[يغزون أرض الروم فيقتلون من أبقارهم بالسيوف فتعرقب ثم تذبح فتقطع بالسيف] ومن كتاب الجنائز والذبائح والنذور قال: وسئل مالك عن القوم يغزون أرض الروم فيقتلون من أبقارهم بالسيوف، فتعرقب ثم تذبح فتقطع بالسيف؛ فقال: ما هذا بحسن، ولا أحب أكله. قال محمد بن رشد: يحتمل أن يكون معنى هذه الرواية أنها عرقبت ثم ذبحت قبل أن تنفذ مقاتلها بالسيوف، فيكون وجه كراهيته لأكلها قطعهم إياها بالسيوف بعد ذبحها على سبيل الانتهاب للحمها، - لما جاء في النهبة، وقد مضى القول فيها في رسم "سن" من سماع ابن القاسم من كتاب العقيقة؛ ويحتمل أن يكون معناها إنما ذبحت بعد إنفاذ مقاتلها بالسيوف لامتناعها، فيكون قوله: ما هذا بحسن، ولا أحب أكله، ليس على ظاهره في التخفيف؛ لأن المعلوم من مذهبه أن الإنسي لا يذكى بما يذكى به الصيد - وإن امتنع، ولا يؤكل إلا أن يذبح أو ينحر، كان له أصل في التوحش أو لم يكن؛ خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أن البقر الإنسية وما أشبهها مما له أصل في التوحش - إذا ندت وامتنعت؛ كان سبيلها سبيل الصيد في ذكائها؛ بخلاف الإبل وما أشبهها مما الأصل له في التوحش، ومن أهل العلم من جعل سبيلها سبيل الصيد - وإن لم يكن لها أصل في التوحش؛ وحكى ذلك البخاري عن ابن مسعود، وابن عباس، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وعائشة؛ وبوب باب ما ند من البهائم، فهو بمنزلة الوحش، وأدخل حديث «رافع بن خديج - وفيه قال: وأصبنا نهب إبل وغنم، فند منها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء، فافعلوا به هكذا» . وهذا لا حجة فيه، لاحتمال أن

مسألة: يغيرون في أرض الروم فيوافون قدورهم على النار مملوءة لحما أتؤكل

يكون السهم حبسه دون أن ينفذ مقاتله فذكي، وكذلك ما حكى ابن حبيب من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إذا استوحشت الإنسية أو امتنعت، فإنه يحلها ما يحل الوحشية، يحتمل أن يريد بذلك الإنسية من الوحش، فتتخرج الأحاديث على مذهب مالك. [مسألة: يغيرون في أرض الروم فيوافون قدورهم على النار مملوءة لحما أتؤكل] مسألة وسئل عن الجيش يغيرون في أرض الروم، فيوافون قدورهم على النار مملوءة لحما، أتؤكل؟ فقال: وما يمنعه أن يأكل؟ قال محمد بن رشد: وهذا كما قال أن آكل ذلك له حلال، لقول الله عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] . إلا أن يدع رجل في خاصة نفسه، مخافة ألا تكون قدورهم طاهرة - على ما مضى في أول سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح والصيد. [السرية كم هي] ومن كتاب الوضوء والجهاد وسئل مالك عن السرية كم هي؟ قال: وما يقال فيها؟ فقيل: يقال خير السرايا أربع مائة. قال: قد بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا عبيدة على سرية فيهم ثلاثمائة، وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبعث الرجل والرجلين على سرية، أفكانت سرايا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعمائة؟

مسألة: خيبر افتتحت عنوة أم بقتال

قال محمد بن رشد: قد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة، إلا أن تفترق كلمتهم» . ولهذا وقع سؤال مالك عن خير السرايا، فأنكر سؤال السائل؛ إذ لم يعرف الحديث، قد روي، فإذا اتفق أن تكون السرية أربعمائة، والجيش أربعة آلاف، كان الخير لهم مرجوا والنصر لهم مأمولا أكثر من غيرهم - وإن زاد عددهم - إن شاء الله. [مسألة: خيبر افتتحت عنوة أم بقتال] مسألة وقال مالك: لما غزا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر غشيها في برد شديد، فقال أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنا لا نستطيع القتال، فقال لهم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لم؟ فقالوا البرد والجوع والعري، فقال الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اللهم افتح عليهم اليوم أكثرها طعاما وودكا» ، ففتح الله عليهم خيبر. قلت لمالك: أفرأيت خيبر افتتحت عنوة أم بقتال؟ فقال: افتتحت بقتال شيء يسير منها. قلت: فخمست؟ قال: نعم خمست، إلا ما كان منها عنوة أو صلحا، فإن ذلك لم يخمس وهو يسير. قلت له: العنوة والقتال أليس بواحد؟ فقال لي: إنما أردت الصلح، وقد سمعت ابن شهاب يقول: افتتحت عنوة منها بقتال،

وإنما أردت الصلح، وقد قال ابن شهاب: عنوة وقتال، ولست أدري ما أراد بذلك، وقال مالك: قسمت خيبر ثمانية عشر سهما على ألف وثمانمائة رجل، لكل رأس سهمه؛ لعمر بن الخطاب سهمه، ولبلال سهمه، ولفلان سهمه - حتى سمى رجالا، قال مالك: وصدقات رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كانت من أموال بني النضير - ولم تخمس؛ لأنها كانت صافية، وخمس رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قريظة؛ لأنها كانت بقتال، وقال مالك: أجلى عمر أو النبي أهل خيبر، وأما أهل فدك، فصولحوا على النصف لهم، والنصف للمسلمين، فلما كان عمر بن الخطاب أجلاهم منها، وأقام لهم النصف الذي كان لهم، فأعطاهم به حبالا وأقتابا؛ وما فضل لهم أعطاهم به ذهبا، اشترى ذلك عمر بن الخطاب منهم؛ فقال المسلمون: اشتراه عمر لنفسه، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فخطب الناس وأخبرهم بالذي بلغه، وقال: بأي شيء اشتراه ابن الخطاب، أبمال أبيه وأمه؟ إنما اشتراه من بيت مال المسلمين؛ فقيل له أفرسول الله صالح أهل فدك؟ قال: نعم، وعمر بن الخطاب الذي أجلاهم.

قال محمد بن رشد: إنما قال رسول الله عليه السلام في خيبر «اللهم افتح عليهم اليوم أكثرها طعاما وودكا» ؛ لأنه كان لخيبر حصون كثيرة، ففتح الله عليهم ذلك اليوم بدعاء النبي عليه السلام خيبر نفسها، ولا شك أنها كانت أكثرها طعاما وودكا، وقد قيل في حصن الصعب بن معاذ إنه لم يكن في حصون خيبر أكثر طعاما وودكا منه، وكانت خيبر نفسها أكثر طعاما وودكا منه؛ بدليل الحديث المذكور - والله أعلم - وقول مالك في خيبر إنها افتتحت بقتال شيء يسير منها - يريد إنما قوتل اليسير من حصونها، وأكثرها غلبهم عليها المسلمون دون مناصبة لقتال، فخمس جميع ذلك؛ إذ كان مما أوجف عليه بالخيل والركاب - وإن لم يكن في بعضها قتال، وإنما كان عنوة بغير قتال، وقوله إلا ما كان منها عنوة أو صلحا، فإن ذلك لم يخمس وهو يسير. معناه: إلا ما كان منها عنوة وصلحا؛ لأن أو قد تكون بمعنى الواو، قال تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24]- " يريد آثما ولا كفورا. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث الجهاد - مع ما نال من أجر أو غنيمة. يريد من أجر وغنيمة؛ لأن الغنيمة لا تحبط الأجر، فالمراد بقوله إلا ما كان منها عنوة أو صلحا. أي إلا ما اجتمع فيه الأمران جميعا؛ لأنهم لما خافوا الغلبة وأيقنوا بها، أرسلوا إلى النبي عليه السلام في أن يصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، ويخلوا له الأموال، ففعل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان ذلك في حصنين من حصونهم الوطيح، والسلاليم، فكان لهذين الحصنين حكم ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب - على ما ذهب إليه مالك، وابن شهاب؛ فلم تخمس، ولا كان لأحد فيها مع رسول الله عليه السلام شيء، فقطع منها لأزواجه على ما قال في آخر السماع، وكذلك الكتيبة قيل فيها، إنها كانت صلحا صافية لرسول الله،

- عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كبني النضير، وفدك، التي قال فيها الله: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6]- الآية. وذهب ابن إسحاق إلى أن خيبر كانت عنوة كلها. وإلى هذا ذهب ابن عبد البر، فقال: الصحيح ما قاله ابن إسحاق، وأن رسول الله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خمَّس أرض خيبر كلها، وقسمها بين من شهد الغزاة وهم أهل الحديبية؛ لأن أرض ذينك الحصنين مما غلب عليه المسلمون كسائر أرض خيبر، وإنما كان الصلح في الرجال والذرية والعيال. ومعنى قول ابن شهاب عنوة وقتال يريد صلحا لجؤوا إليه لما خافوا الغلبة والأسر في ذينك الحصنين، وقتالا فيما سواهما؛ أو ما له حكم القتال مما أوجف عليه بالخيل والركاب، ولم يكن فيه صلح ولا قتال. فهذا معنى قول ابن شهاب على ما يعرف من مذهبه في أن بعض خيبر افتتحت بصلح، فما أوجف عليه بالخيل والركاب، فاستفتح بغير قتال، مثل أن يفر عنه أهله قبل وصولهم إليهم، أو ينزلوا إليهم ويستأسروا في أيديهم، أو يصالحوهم على جزء من أموالهم وأراضيهم، أو على ذهب يعطونهم على أن ينصرفوا عنهم، فذلك كله بمنزلة ما استفتحوه وغنموه بقتالهم، يخمس ويقسم الباقي بينهم على حكم الغنيمة، وما جلى عنه أهله مخافة أن يغزوا أو أرسلوا فصالحوا مخافة ذلك، فهي فيء لا تخمس، ويكون له كله حكم الخمس، وذهب ابن لبابة

إلى أن العنوة على وجهين، فما كان منها بقتال يخمس وتكون الأربعة الأخماس بين الموجفين، وما كان منها بغير قتال، فهو كالصلح يكون فيئا ولا يخمس، وقال: إن ذلك معنى ما في المدونة، وتبينه رواية أشهب هذه؛ وتؤول أن معنى قوله فيها افتتحت خيبر بقتال شيء يسير منها، أن القتال كان يسيرا، والإصابة كثيرة؛ وقال: إن الذي دل عليه قول مالك، وابن شهاب فيها، أنه افتتح أكثرها عنوة بقتال، وهو الذي خمسه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقسمه، وافتتح بقيتها - وهو اليسير منها بعضه عنوة بغير قتال، وبعضه صلحا، فلم يخمس وكان صافيا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقوله فيما ذهب إليه من تفصيل العنوة بعيد من الصواب. وقول مالك قسمت خيبر ثمانية عشر سهما، يريد إلا ما كان منها صلحا على سبيل العنوة بغير قتال، فلم يخمس ولا قسم على ما تقدم من قوله، وعلى ما يأتي له في آخر السماع؛ وقد مضى في رسم "البز" من سماع ابن القاسم، القول في وجه قسم رسول الله عليه السلام أرض خيبر على مذهب مالك، وما ذكر من الاختلاف في ذلك، وقول مالك: إن صدقات رسول الله عليه السلام كانت [من أموال بني النضير، ولم تخمس؛ لأنها] صافية، يبين أن ما وقع في المدونة من أنه قسم النضير بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار، معناه ما بقي بعد صدقاته منها، وإنما خص بذلك المهاجرين دون الأنصار، حاشا سهل بن حنيف، وأبا دجانة، والحارث بن الصمة؛ لأنه كان شرط على الأنصار في بيعة العقبة أن يواسوا من يأتيهم من المهاجرين، فكانوا يكفونهم المئونة، ويقاسمونهم في الثمر، فلما جلى بنو قينقاع وبنو النضير، قال لهم رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:

مسألة: رهنه أبوه في أيدي العدو ثم مات أبوه

«إن شئتم بقيتم على ما كنتم عليه وقسمت لكم، وإن شئتم رجعت إليكم أموالكم وقسمت لهم دونكم، فاختاروا ذلك. ففعله رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» ، والشك في قوله أجلى عمر أو النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أهل خيبر، إنما هو ممن دون مالك من الرواة - والله أعلم؛ لأنه قد علم أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أقرهم لعمارة الأرض، وأن عمر بن الخطاب هو الذي أجلاهم في خلافته، لما صح عنده أن النبي عليه السلام قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» . فأخذ المسلمون سهامهم فتصرفوا فيها تصرف المالكين، وجزيرة العرب مكة والمدينة واليمن - قاله مالك. [مسألة: رهنه أبوه في أيدي العدو ثم مات أبوه] مسألة قال: وسئل مالك عن رجل من المسلمين رهنه أبوه في أيدي العدو، ثم مات أبوه، فخرج رجل من المسلمين إلى أرض العدو فافتكه وجاء به؛ على من ترى ما افتكه به الرجل، أعلى الغلام في حصته من مال أبيه؟ أم من جملة مال أبيه؛ لأنه هو الذي رهنه؟ فقال: لو افتداه السلطان أيترك رجل من المسلمين في أرض العدو؟ قال محمد بن رشد: قوله لو افتداه السلطان يريد من بيت مال المسلمين صحيح؛ لأنه هو الذي يجب في جميع من أسر من المسلمين، وقد مضى القول على هذا المعنى في أول رسم من السماع، فإن لم يفعل السلطان ذلك، ولا تطوع به أحد من المسلمين؛ فالواجب أن يكون ما افتكه

مسألة: السرية تخرج في أرض الروم مغيرة فهلكت دابة أحدهم

به من رأس مال أبيه الذي رهنه، فإن لم يف ماله بذلك، كان ما بقي في مال الابن المفدى - إن كان له مال - اتبع به دينا في ذمته على ظاهر الروايات، والذي يوجبه النظر ألا يتبع بشيء من ذلك، وهذا إذا كان الأب أسيرا فرهن ابنه مكانه، وأما إن كان رهنه في تجارة أخذها، فلا يلزم السلطان (أن يفتكه) إن كان في تركته وفاء بذلك؛ قال سحنون: وإن كان رهنه في مصلحة المسلمين، وما ينزل بينهم وبين العدو، ثم التاث الأمر، فعلى الإمام فداؤه واجب. [مسألة: السرية تخرج في أرض الروم مغيرة فهلكت دابة أحدهم] مسألة وسئل مالك عن السرية تخرج في أرض الروم مغيرة. وهم إذا هلكت دابة أحدهم لم يعطفوا عليه ولم يتخلفوا له؛ وقالوا له غيض حتى يرجع العسكر، فيدعونه في أرض الروم، وتوجهوا؛ فإن ظفر به الروم أخذوه؟ أفيعجبك أن يدخل معهم - وهم هكذا؟ فقال: إذا كان هكذا، فما يعجبني ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الغرر في ذلك بين، والهلاك فيه أغلب؛ ولا ينبغي للرجل أن يغرر بنفسه، ولا أن يدخل في السرية، إلا إلى موضع تكون فيه النجاة عنده أغلب، والله تعالى أعلم. [مسألة: الإقامة بأرض العدو والانقطاع إليها] مسألة وسئل عن الإقامة بأرض العدو والانقطاع إليها، أذلك أفضل، أم الإقبال والإدبار؟ فقال: ذلك حسن واسع.

مسألة: البقر من بقر الروم لا يقدر المسلمون على أخذها إلا بالعقر والطعن

قال محمد بن رشد: إنما لم يفضل أحد الوجهين على الآخر، من أجل أنه لا نص في ذلك؛ والفضائل لا تدرك بالقياس، وإنما هي عطايا من الله على قدر نية العبد؛ «قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في عثمان بن مظعون إن الله قد أوقع أجره على قدر» نيته. وقال: «نية المؤمن خير من عمله» . [مسألة: البقر من بقر الروم لا يقدر المسلمون على أخذها إلا بالعقر والطعن] مسألة قال: وسئل مالك عن البقر من بقر الروم، لا يقدر المسلمون على أخذها إلا بالعقر والطعن؛ فإذا عقرت ذبحت بعد ذلك، فقال: إنسية؟ فقيل نعم بقر الروم؛ فقال: لا أرى ذلك، هؤلاء قوم يطلبون الخير في الغزو وهم يفعلون هذا، فقيل له: إن لم يفعلوا بها هذا لم يقدروا عليها؛ فقال: أرأيت البدنة إذا لم يقدروا على نحرها - وكانت هكذا، أيعقرها ثم ينحرها؟ هذه الأباطيل! قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم "الجنائز، والذبائح، والنذور "، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الجيش يصاح فيهم بأرض الروم السلاح] مسألة قال: وسئل مالك عن الجيش يصاح فيهم بأرض الروم: السلاح، فيأخذ الرجل عليه سلاحه، ثم يتوجه فيلقى جيشهم، أترى بأسا أن ينحاز راجعا - إلى أصحابه؟ فقال لا أرى بذلك بأسا.

مسألة: تحريق بيوت الروم وأشجارهم

قال محمد بن رشد: وهذا بين - كما قال إنه إنما انحاز إلى فيئته، وقد قال عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] . [مسألة: تحريق بيوت الروم وأشجارهم] مسألة وسئل عن تحريق بيوت الروم وأشجارهم، فقال: لا أرى بذلك بأسا، قد قطع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النخيل، قيل له فترى أن يقتل خنازيرهم؟ فقال: نعم تقتل. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في رسم "صلى نهارا" من سماع ابن القاسم ما في تحريق بيوت الروم وتخليهم، فلا معنى لإعادة ذلك؛ وأما خنازيرهم، فلا إشكال في أن الواجب فيها أن تقتل. [مسألة: الرجل يشتري الجارية في مقاسم الروم] مسألة وسئل مالك عن الرجل يشتري الجارية في مقاسم الروم، فإذا انصرف بها وجد معها الحلي؛ فقال: لا أرى بما كان من هذا يسيرا بأسا من القرطين وأشباهها، فأما ما كان منها كثيرا له بال، فلا أرى ذلك؛ فقيل له: إنهم أيضا ربما باعوا بأرض

الروم الكبب والخيوط، وما أشبه ذلك - بالدرهم ونحوه؛ فإذا انصرف الرجل إلى بلده، فاحتاج إلى - تلك الخيوط، ففتحها وجد فيها الصليب من الذهب، يكون فيه سبعون مثقالا، فقال: أرجو ألا يكون بذلك بأس، كيف يصنع به وقد تفرقوا وصار إلى بلده، وهؤلاء ههنا بالشام لا يدري ما يصنع به. قال محمد بن رشد: قوله فيما يجد من الحلي مع الجارية التي اشترى في المقاسم، فأما ما كان منه كثيرا له بال - فلا أرى ذلك - يريد وإن كان يشبه أن يكون من هيئتها ولباسها، خلاف ظاهر ما في رسم "إن خرجت" من سماع عيسى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وهذا هو الصحيح؛ إذ إنما يصح أن يكون للمشتري ما يكون من هيئتها ولباسها - وإن كان كثيرا، إذا كان ذلك عليها حين البيع فعلمه البائع، وأما ما أخفته عنه فلم يعلم به فهو له، يبين هذا ما في أول سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وقوله فإذا انصرف بها - يريد إلى رحله لا إلى بلده، بدليل قوله في مسألة الصليب بعدها، أرجو ألا يكون بذلك بأس إذا رجع إلى بلده، ووجه قوله أرجو ألا يكون بذلك بأس، هو أنه لما لم يمكنه قسمة ذلك عن الجيش لافتراقه، وكان قد حصل عنده بأمر جائز، لا عن غلول؛ صار حكمه حكم اللقطة بعد التعريف واليأس من وجود صاحبها - في جواز أكلها لملتقطها،

مسألة: لأهل الإسكندرية المقام بها إذ هي محرس يخشى العدو فيها

لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شأنك بها. لأن مالكا إنما كره له أكلها بعد التعريف، (مخافة أن يأتي صاحبها فيجده عديما لا شيء له، ولو علم أنه لا يجد صاحبها أبدا، لما كره) له أكلها، وافتراق الجيش في هذه المسألة كاليأس من وجود صاحب اللقطة، وهذا في الأربعة الأخماس الواجبة للجيش؛ وأما الخمس، فواجب عليه أن يضعه في موضع الخمس، ولو كان قد غل السبعين مثقالا ثم تاب بعد افتراق الجيش، لوجب عليه أن يتصدق بها، ولما جاز له أكل شيء منها على ما مضى في رسم "حلف بطلاق امرأته" من سماع ابن القاسم. [مسألة: لأهل الإسكندرية المقام بها إذ هي محرس يخشى العدو فيها] مسألة قال: وسئل مالك فقيل له: أترى علينا بأسا في تخليفنا أهلنا بالإسكندرية وإقامتنا عندكم، ولم ندرك الإسكندرية نزل بها عدو قط، وإنهم ليخافون، فقال: أنتم تخبروني أن ما ثم ضائع، وأنه مخوف، وإن أهلها قليل، وإن محارسها خالية، فأرى لو لحقتم بها، فإني أرجو لهم في ذلك خيرا، تكونون مع أهليكم ومن ورائهم، ومن وراء المسلمين أيضا. فقيل له: أتخاف علينا مأثما في مقامنا عن أهلنا، وتخليفنا إياهم هناك - وهم على

مسألة: يعطى الشيء يقسمه في سبيل الله على المجاهدين وهو أحدهم أيأخذ منه

ما وصفت لك؟ فقال: أما مأثم، فلا أدري ما المأثم؟ ولكني أرى في ذلك خيرا، وأنتم أعلم بقدر خوفكم عليها، والخوف الذي هم فيه، وإني لا أرى حسنا أن يكون الرجل في مثل هذا عند أهله، ويكون من وراء المسلمين؛ ولا أدري ما المأثم في تركهم، ولكن ذلك أحب إلي. قال محمد بن رشد: رأى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأهل الإسكندرية المقام بها، إذ هي محرس يخشى العدو فيها، أفضل لهم من الإقامة عنده لتعلم العلم، ولم ير ذلك فرضا عليهم فيأثمون بتركه؛ فقال: لا أدري ما المأثم؟ ولكن أرى في ذلك خيرا؛ وإذ رأى ذلك لهم أفضل من الإقامة على تعلم العلم، فهو عنده أفضل لهم من الجهاد؛ لأن تعلم العلم أفضل من الجهاد - على ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وذلك لما اختص بهم من حفظ محارسهم التي هي بلادهم، بخلاف الرباط، إذ من قوله " إن الغزو على إصابة السنة أفضل من الإقامة " - على ما مضى في رسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة" من سماع ابن القاسم. [مسألة: يعطى الشيء يقسمه في سبيل الله على المجاهدين وهو أحدهم أيأخذ منه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يعطى الشيء من المال يقسمه في سبيل الله على المجاهدين وهو أحدهم، أيأخذ منه لنفسه شيئا؟ فقال: أحب إلي أن يعلم رب المال إذا كان من المجاهدين؛

قال: وسئل مالك عمن أعطي ثلاثين دينارا أو أربعين دينارا، فقيل له: خذ هذه فاقسمها في سبيل الله، فإن احتجت إلى شيء منها فخذه؛ فخرج بها فيحتاج منها إلى دينار يقضي به دينا عليه، فيأخذه فيقضيه رب الدين، وإنما يعطي الناس منها نصفا نصفا، قال: إن كان الذي أعطاه إياها أراد هذا، فلا بأس عليه في ذلك؛ فقيل له: أما هو فقال إن احتجت إلى شيء منها فخذه، وكان عليه دينار، فأخذه منها فقضاه؛ قال: إني أخاف أن يكون عليه لآخر ثلاثون دينارا، فإن كان صاحب الدنانير أراد هذا فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: استحب مالك لمن أعطي مالا يقسمه على صنف من الناس - وهو منهم، ولم يقل له معطيه إن احتجت إلى شيء منه فخذه - وكان عليه دينار فأخذه منها - ألا يأخذ لنفسه منه شيئا، إلا أن يعلمه بذلك، فإن أخذ ولم يعلمه، أعلمه بذلك، - قاله في سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات؛ فإن استأذنه في الأخذ - ولم يأذن له لم يجز له أن يأخذ، وإن أعلمه بما يأخذ فلم يمضه له، وجب عليه غرمه؛ لأنه أعلم بما أراد بماله؛ وإن لم يستأذنه في الأخذ ولا أعلمه بما أخذ حتى فات إعلامه، تخرج ذلك على قولين، أحدهما: (أنه) لا شيء عليه فيما أخذ؛ لأنه من ذلك الصنف؛ فهو يدخل مدخلهم بالمعنى، وهو مذهب مالك؛ لأنه إنما استحب له استئذانه وإعلامه ولم يوجب ذلك عليه. والثاني:

مسألة: أعطي شيئا في سبيل الله فقضى رباطه وقد بقي معه منه فضل

أنه يجب عليه إخراج ما أخذ حتى يضعه في الصنف الذي أمره أن يضعه فيهم، وهذا جار على اختلاف أهل الأصول في الأمر بالشرع، هل يدخل في الأمر أم لا يدخل فيه؟ لأنه يأتي على مذهب من رأى أنه يدخل فيه الأمر؛ لأنه من جنس المأمورين المشروع لهم الشرع أن يأخذ منهم المقاسم؛ لأنه من جنس المقسوم عليهم، وكان صاحب المال أعلم قاسمه الذي دفعه إليه أنه قد أوجبه لذلك الصنف، فدخل مدخلهم فيه؛ وأما إذا قال له إن احتجت إلى شيء منه فخذه، فجائز له أن يأخذ منه مثل ما يعطي غيره بالمعروف دون أن يحابي نفسه، ولا يجوز له أن يأخذ منه لنفسه أكثر مما يعطي غيره، إلا أن يعلم أن صاحب الدنانير يرضى بذلك ويريده. [مسألة: أعطي شيئا في سبيل الله فقضى رباطه وقد بقي معه منه فضل] مسألة قال: وسئل مالك فقيل له: إني ربما أعطيت الدراهم لأقسمها في سبيل الله، فأجد الرجل قد قضى رباطه وهو يريد الانصراف إلى أهله، فلا يجد ما يتحمل به؛ أفترى أن أعطيه منها؟ فقال: إنما أعطيتها لتجعلها في سبيل الله، وهذا منقلب ليس في سبيل الله، فأحب إلي أن تعطيها غيره. قال: وسألته عمن أعطي شيئا في سبيل الله فقضى رباطه، وأراد الانصراف إلى أهله، وقد بقي معه منه فضل؛ أينصرف به فيأكله في انصرافه أم في أهله؟ فقال: ما يعجبني ذلك، وأرى أن يعطيه غيره من أهل السبيل، أم يرده إلى الذي أعطاه إياه. قلت: فأيهما أحب إليك " أيعطي بقية ذلك رجلا من أهل

مسألة: يخرجون في أرض الروم مع الجيش فيحتاجون إلى العلف لدوابهم

سبيل الله؟ أم يرده إلى الذي أعطاه إياه؟ قال لي: كل ذلك واسع. قال محمد بن رشد: أما في بلده بعد انصرافه، فلا يجوز له أن يأكل منه شيئا باتفاق، واختلف هل يأكل منه في انصرافه أم لا؟ وقد مضت هذه المسألة في مواضع من سماع ابن القاسم، والقول عليها موعبا في أول رسم منه، فلا وجه لإعادة شيء منه، وبالله التوفيق. [مسألة: يخرجون في أرض الروم مع الجيش فيحتاجون إلى العلف لدوابهم] مسألة قال: وسئل مالك عن القوم يخرجون في أرض الروم مع الجيش، فيحتاجون إلى العلف لدوابهم، فتخرج الجماعة إلى هذه القرية، وهذه الجماعة إلى هذه القرية الأخرى - يتعلفون لدوابهم، فربما غشيهم العدو فيما هنالك - إذا رأوا غرتهم وقلتهم، فقتلوهم أو أسروهم، أو نجوا منهم؟ فقال لهم: لا أرى ذلك لكم أن تغروا بأنفسكم فتخرجوا في غير كثف تخرجون في قلة؛ فإذا فعلتم، فلا تبيعوا من ذلك شيئا، فقيل له: ما يفعل؟ قال: قد بلغني ذلك عندكم، فلا أرى (لكم) أن تبيعوا منه شيئا، فقيل له: إنه ربما تعلفنا ولا نستأذن الإمام، وربما يخرج علينا، فإن تركنا دوابنا هلكت، قال: أرى إذا استطعتم استئذان الإمام أن تستأذنوه، ولكن الناس أكثر من ذلك، فلا أرى أن تغرروا بأنفسكم فتعتلفون في غير عدة ولا كثرة، لا أرى ذلك. وسئل مالك عن العدو ينزل بساحل من سواحل المسلمين، أيقاتلهم المسلمون بغير استئمار الوالي؟

مسألة: افتتاح فدك

فقال: أرى إن كان الوالي قريبا منهم - أن يستأذنوه في قتالهم قبل أن يقاتلوهم، وإن كان بعيدا لم يتركوهم حتى يقعوا بهم، فقيل له: بل الوالي بعيد منهم، فقال: كيف يصنعون أيدعونهم حتى يقعوا بهم، أرى أن يقاتلوهم. قال محمد بن رشد: وهذا كله كما قال إنه لا ينبغي لهم أن يغرروا بأنفسهم في تعليفهم، وأن الاختيار لهم أن يستأذنوا الإمام في ذلك إن استطاعوا، ويلزمهم ذلك إذا كان الوالي عدلا على ما قاله ابن وهب في سماع زونان، وإنه لا يجوز لهم أن يبيعوا شيئا من ذلك؛ لأن سنة الطعام في أرض الحرب أن يؤكل ويعلف ولا يباع، فإن بيع شيء منه صار مغنما، وأن قتال العدو بغير إذن الإمام لا يجوز، إلا أن يدهمهم فلا يمكنهم استئذانه. [مسألة: افتتاح فدك] مسألة قال. وسألته عن افتتاح فدك، فقال: افتتحت عنوة بغير قتال على النصف لرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والنصف لهم؛ فلم يكن لمن دخلها مع رسول الله فيها شيء، ولم يكن فيها خمس؛ لأنها افتتحت عنوة بغير قتال. قال: ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، فلم يكن فيها خمس ولم يكن لأحد دخلها مع رسول الله عليه السلام فيها شيء؛ فهي اليوم قائمة ليس لأحد فيها شيء، ولم يكن فيها خمس، وافتتحت خيبر، فمنها ما افتتح عنوة بغير قتال، ومنها ما افتتح بقتال؛ فأما ما افتتح عنوة بغير قتال، فلم

قالوا له تؤمننا وإلا قتلناك فأمنهم

يكن فيها خمس، ولم يكن لأحد ممن دخلها مع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيها شيء، قطع رسول الله لأزواجه منها؛ وأما ما افتتح منها بقتال، فخمسه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقسم ما بقي على الذين افتتحوها، كانوا ألفا وثمانمائة، فقسم ذلك رسول الله على ثمانية عشر سهما، كل مائة رجل لهم سهم؛ فإنما يكون الخمس فيما غنمه المسلمون بقتال؛ لأنه أوجف عليهم بالخيل والركاب؛ وأما ما افتتح عنوة بغير قتال، فليس لأحد ممن افتتح ذلك فيه شيء، ولا خمس فيه؛ لأنه لم يوجف عليه بالخيل والركاب. قال مالك: والعنوة من الصلح يطيعون لهم بغير قتال فيفتتح ذلك بغير قتال، ولا إيجاف خيل ولا ركاب. قال محمد بن رشد: كان فدك مما أفاء الله على رسوله بما نصره به من الرعب، وخصه به، فلم يكن لأحد معه فيه شيء، كبني النضير، وبني قينقاع؛ قال عز وجل: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] . وما افتتح بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عنوة، فهو للذين افتتحوه بالإيجاف عليه، وفيه الخمس وإن لم يكن بقتال وما جلى عنه أهله من العدو فتركوه بغير إيجاف ولا قتال، فهو كله فيء حكمه حكم الخمس، وقد مضى القول في افتتاح خيبر في أول هذا الرسم، فلا معنى لإعادته. [قالوا له تؤمننا وإلا قتلناك فأمنهم] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده قال عيسى بن دينار: قال ابن القاسم: لا أمان مع

مسألة: الهدية تأتي الإمام في أرض العدو من العدو

السيف - إذا قالوا له تؤمننا؛ وإلا قتلناك؛ فأمنهم على ذلك، فلا أمان لهم، ويقتلون؛ فإذا خلوه ثم قالوا تؤمننا فأمنهم، فهو أمان بمنزلة ما لو قالوا له نخليك على أن تؤمننا، قيل له: إن كان يخاف إن لم يفعل أن يقتلوه، قال: وما يدريه - أو يحملوك إلى موضع آخر ويذهبوا به؛ وفي المسألة: ولو شاؤوا أن ينفذوا نفذوا، وفي بعضها بعدما أشرف عليهم المسلمون، ليس هذا كله بأمان، إلا أن يخلوه ولا يشترطوا عليه شيئا. قال محمد بن رشد: اضطرب قوله في الرواية إذا قالوا له نخليك على أن تؤمننا، فقال: في أولها إن ذلك أمان بمنزلة إذا أمنهم بعد أن خلوه. وقال في آخرها ليس ذلك بأمان، إلا أن يخلوه ولا يشترطوا عليه شيئا، وهو نص قول ابن حبيب في الواضحة، واختلف إذا أمنهم وهو أسير دون أن يخلوه، فقال: في سماع أصبغ بعد هذا إن أمانه جائز - إن كان آمنا على نفسه، وقوله في ذلك مقبول، قال ابن المواز: فإن اختلف قوله في ذلك أخذ بقوله الأول، وقال سحنون: لا يجوز أمانه ولا يصدق أنه كان آمنا على نفسه، وهذا من الضرر على المسلمين، وما يقدر الأسير إذا طلب منه الأمان إلا أن يؤمنهم، ولا اختلاف في جواز أمانه بعد أن خلوه، ولا في أن أمانه لا يجوز - إذا قالوا له تؤمننا وإلا قتلناك. [مسألة: الهدية تأتي الإمام في أرض العدو من العدو] مسألة وقال في الهدية تأتي الإمام في أرض العدو من العدو، أتكون له خاصة أم للجيش؟ قال: لا أرى هذا يأتيه إلا على وجه

الخوف، فأراه لجماعة الجيش، إلا أن يعلم أن ذلك إنما هو من قبل قرابة أو مكافأة كوفئ بها؛ فأراها له خاصة - إذا كان كذلك؛ ومثل الرومي يسلم فيولى فيدخل فيهدي (له) القرابة وما أشبه ذلك، قيل له: فالرجل من الجيش تأتيه الهدية، قال: هذا له خاصة لا شك فيه؛ ومثل أن يحلوا بحصن فيعطيه بعض أقاربه المال - وهو من الجيش، فهو له خاص. قال محمد بن رشد: قال في الهدية تأتي الإمام في أرض العدو إنها لجماعة الجيش، إلا أن يعلم أن ذلك من قبل قرابة أو مكافأة - ولم يفرق بين أن تأتيه من الطاغية، أو من رجل من الحربيين، وذلك يفترق، أما إذا أتته من الطاغية، فلا اختلاف في أنها لا تكون له، واختلف هل تكون غنيمة للجيش، أو فيئا لجميع المسلمين؛ فقال: ههنا إنها تكون للجيش - يريد غنيمة لهم، وتخمس، وقيل إنها تكون فيئا لجميع المسلمين لا خمس فيها كالجزية، وهذا يأتي على ما حكى ابن حبيب فيما أخذه والي الجيش صلحا من بعض الحصون التي نزل عليها، وأما ما أتته من رجل من الحربيين، فقد روي عن أشهب أنها تكون له إذا كان الحربي لا يخاف منه، واختلف إذا أتت الأمير الهدية من الطاغية أو غيره من العدو قبل أن يدرب في بلاد العدو، فحكى الداودي في كتاب الأموال أنها تكون له، والصحيح المشهور المعلوم أنها تكون فيئا لجميع المسلمين، وأن الأمير في ذلك بخلاف النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما قبل من هدايا عظماء الكفار، ككسرى، والمقوقس صاحب مصر، وملك ذي يزن، والنجاشي، وغيرهم؛ لأن الله اختصه في أموال الحرب بخاصة، خالف فيها بينه وبين غيره من أمته، بما نصره به من الرعب، فقال:

{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} [الحشر: 6]- إلى قوله سبحانه: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [الحشر: 6] . من ذلك أموال بني النضير - كانت صافية لرسول الله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، ويجعل ما بقي في الخيل والكراع؛ فكذلك هداياهم إنما كانت تأتيه إجلالا له لحرمته وهيبة النبوءة، وما خصه الله به من الرعب لا لهيبة السلطان؛ إذ لو زال عنه السلطان، لما نقصت حرمته وهيبته، لما خصه الله به من النبوة والكرامة والمنزلة الرفيعة، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - وجميع الرسل؛ وقد روي أن عياض بن حمار - وكان حرمي رسول الله - أهدى له هدية فردها، وقال: إنا لا نقبل رفد المشركين. فقيل: إنما رد على عياض بن حمار هديته، وقبل من غيره من الكفار؛ لأن عياض بن حمار كان من المشركين الذين لا يؤمنون بالبعث، فهم في العرب كالمجوس في العجم، لا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم. وغيره ممن قبل الهدية منهم، كانوا أهل كتاب، وقد قال الله فيهم: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ} [العنكبوت: 46]- الآية. فكان قبول هديتهم أحسن من ردها، وقيل كان ذلك قبل أن ينزل الوحي عليه بقوله عز وجل: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ} [الحشر: 6]- الآية - والله أعلم. وأما الرجل من الجيش تأتيه الهدية في أرض الحرب من بعض قرابته وما أشبه ذلك، فلا اختلاف - أعلمه - في أنها له.

مسألة: يغزو أرض العدو فيشهد القتال فيغنموا وهو حي ثم يموت فيغنموا بعده

[مسألة: يغزو أرض العدو فيشهد القتال فيغنموا وهو حي ثم يموت فيغنموا بعده] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يغزو أرض العدو فيشهد القتال فيغنموا وهو حي، ثم يموت فيغنموا بعده مغانم وفتوحا؛ أيقسم له فيما غنم بعد موته مع ما غنم قبل موته؟ قال: إن ذلك الشيء دائما متتابعا في ذلك الفوز فتحوا حصنا، ثم مات ففتحوا آخر بعده، أو قاتلوا قبل أن ينقطع ذلك؛ قسم له في ذلك، فإن كانوا رجعوا قافلين وما أشبه ذلك ثم غنموا بعد ذلك، فلا يقسم له إلا فيما شهد. قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها أربعة أقوال في المذهب، لكل قول منها وجه؛ أحدها قول ابن الماجشون: إن الرجل من الجيش يستحق سهمه من كل ما غنم الجيش إلى حين قفوله إذا مات بالأدراب - وإن لم يكن في حياته لقاء عدو. والثاني: أنه لا يستحق ذلك بالأدراب إلا أن يكون في حياته لقاء عدو فشاهد القتال، وهو قول ابن القاسم في رسم "الكبش" (من سماع يحيى) بعد هذا. والثالث: أنه لا يستحق بمشاهدة القتال - إذا مات بعده إلا ما غنم، أو افتتح بقرب ذلك، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى هذه. والرابع: أنه لا يستحق بمشاهدة القتال إذا مات بعده إلا ما غنم وافتتح بذلك القتال خاصة، ومثل أن يكون حصن تحت سور فأخذ ربض ثم مات فتخطى بعده إلى ربض آخر، وأما ما ابتدئ قتاله من الحصون بعد موته، فلا سهم له فيه - وإن كان قريبا.

مسألة: الفرس يوجد في المغنم موسوما في فخذه

[مسألة: الفرس يوجد في المغنم موسوما في فخذه] مسألة وسئل أصبغ بن الفرج عن الفرس يوجد في المغنم موسوما في فخذه: حبس في سبيل الله، قال: أرى ألا يجعل فيئا، وأن يكون في سبيل الله حبسا؟ قال سحنون مثله وكذلك لو كان في فخذه لله؛ ولم يكن فيه حبس؛ كان حبسا إذا علم أنه من خيل الإسلام ولم يشك فيه، وكان بمنزلة فرس لم يقع في المقاسم حتى أتى صاحبه أو عرف صاحبه، فإنه يرد إليه لأن المسلمين كلهم فيه أشراك. قال محمد بن رشد: لسحنون في كتاب ابنه أن ذلك لا يمنعه من القسم؛ لأن الرجل قد يرشم في فخذ دابته: حبس في سبيل الله ليمنعه ممن يريده منه، قال: ولو باع رجل فرسه وفي فخذه: حبس في سبيل الله، لكان ذلك له - إن علم أنه لم يرد به التحبيس في السبيل، وهو القياس إذ لا يجب الحكم بالرشم لو وجد في يد رجل فرس مرشوم بالحبس لم يصح إخراجه من يده بذلك؛ كذلك إذا وجد في المغنم؛ لأن أهل الجيش قد استحقوه بالغنيمة، فلا يخرج من أيديهم إلا بما تستحق به الحقوق، والقول الأول استحسان - مراعاة لقول من يقول إن العدو لا يملكون على المسلمين ما حازوه من أموالهم، وأن صاحب المال أحق بماله بغير ثمن، قسم أولم يقسم؛ لأن الواجب على هذا القول ألا يقسم في الغنيمة

الرجل يحمل على الفرس في سبيل الله ولا يذكر ثغرا ولا مغزى

ما علم أنه من أموال المسلمين، وأن يوقف لهم - إن لم يعلموه، كما يفعل فيما يوجد بأيدي اللصوص، فيأخذه من ادعاه بالشبهة - وإن لم تكن له بينة؛ واختلف قول الأوزاعي أيضا في هذه المسألة، فمرة قال إنه يقسم كالسيف يوجد فيه مكتوب حبس في السبيل، ومرة قال: إنه يحمل عليه في السبيل ولا يقسم، بخلاف السيف ولا فرق في القياس بين السيف والفرس، وبالله التوفيق. [الرجل يحمل على الفرس في سبيل الله ولا يذكر ثغرا ولا مغزى] ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب قال ابن القاسم: قال مالك: في الرجل يحمل على الفرس في سبيل الله - ولا يذكر ثغرا ولا مغزى، قال يجعل حيث ما كان أنكى للعدو مثل المصيصة ونحوها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه يعلم أنه إنما قصد التقرب إلى الله تعالى بفعله، والتقرب إليه إنما يكون على قدر الثواب؛ فوجب إذا لم يسم موضعا أن يجعل في أهم الثغور وأخوفها وأكثرها نكاية للعدو؛ لأن الأجر في الجهاد، إنما هو على قدر النكاية في العدو، والإرهاب عليه، والنيل منه، قال عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60]- الآية. وقال تعالى: {وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120] .

مسألة: الكلب يوجد في أرض العدو وهو ثمن دنانير كثيرة أيدخل في المغانم

[مسألة: الكلب يوجد في أرض العدو وهو ثمن دنانير كثيرة أيدخل في المغانم] مسألة قلت لابن القاسم: فالكلب يوجد في أرض العدو - وهو ثمن دنانير كثيرة أيدخل في المغانم؟ قال: نعم يدخل في المغانم، وكذلك الظباء، وما أشبهه يصاد في أرض العدو؛ وقال إنه يدخل في غنائم المسلمين. قال محمد بن رشد: روي «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن ثمن الكلب» . فحمله مالك على عمومه في جميع الكلاب - ما أذن في اتخاذه منها وما لم يؤذن، واستحسن ابن القاسم ههنا، وفي رسم "المكاتب" من سماع يحيى - أن يجعل الكلب المأذون في اتخاذه في المغانم، ويقسم في المقاسم مراعاة لقول من يجيز بيعه، ويخصصه من عموم الحديث؛ وهو مذهب جماعة من العلماء، وسحنون من أصحابنا، وجاء ذلك مفسرا في بعض الأحاديث، فروي «أن الرسول عليه السلام نهى عن ثمن السنور، والكلب، إلا كلب الصيد» . ووجه استحسان ابن القاسم لبيع الكلب المأذون في اتخاذه في المغانم، هو أن الله تعالى لما أباح لنا ما غنم من أموال الكفار

أبق عبده إلى أرض الحرب ثم خرج برقيق استألفهم

بقول الله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41]- الآية. وكان الكلب المأذون في اتخاذه من أموالهم، وجب ألا يخرج من الغنيمة بلفظ محتمل، ورواية معن بن عيسى عن مالك في آخر رسم "المكاتب" من سماع يحيى، أنه لا يدخل في المقاسم، هو القياس على مذهبه. [أبق عبده إلى أرض الحرب ثم خرج برقيق استألفهم] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار قال: وسئل ابن القاسم عن رجل أبق عبده إلى أرض الحرب، ثم خرج برقيق استألفهم؟ لمن تكون تلك الرقيق؟ أو هل فيها خمس؟ قال: الرقيق لسيد العبد ولا خمس فيهم، وكذلك لو استألفهم رجل فخرج بهم، كانوا له ولا خمس فيهم؛ قال عيسى: إنما هذا إذا استألفهم على أن يكونوا عبيدا له، وأما إذا استألفهم على أن يكونوا أحرارا، فذلك عهد ولا يكونون له. قال محمد بن رشد: قول عيسى تفسير لقول ابن القاسم، وقوله إنه لا خمس فيهم صحيح؛ لأن الخمس لا يكون إلا فيما غنم وأوجف عليه بالخيل والركاب. وأما قوله إن الرقيق لسيد العبد، فمعناه أن له انتزاعهم منه؛ لأن العبد ماله له حتى ينتزعه منه سيده على مذهب مالك في أن العبد يملك. [يلحق بأرض الشرك فيتنصر فيصيب دماء المسلمين وأموالهم] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وسألته عن رجل من المسلمين يلحق بأرض الشرك فيتنصر فيصيب دماء المسلمين وأموالهم، ثم يؤخذ أسيرا فيشهد بالتوحيد

ويجيب إلى الإسلام، فقال إن كان ما أصاب من ذلك أصابه وهو على ارتداده ثم أجاب إلى الإسلام حين أخذ، هدر عنه القتل وما أصاب من ذلك؛ وإن كان على الإسلام يوم أصاب ذلك، أقيد منه، وكذلك روى سحنون عن ابن القاسم في كتابه. وقال يحيى سألت عنها ابن القاسم فقال لي على الإمام أن يقتله ولا يستبقيه، ولا يجعل أمره إلى أولياء الذي قتل من المسلمين؛ لأن أمره كأمر المحارب الخارج على المسلمين بالسلاح، وهو يقتل ولا يستتاب كاستتابة المرتد في دار المسلمين، ولا يجوز لأولياء المقتول الدفع عنه. قال محمد بن رشد: رواية يحيى عن ابن القاسم هذه، ليست بخلاف لرواية عيسى التي قبلها؛ لأنه إنما تكلم في رواية عيسى على أنه أسلم - إذا أخذ بعد أن حارب في بلد الحرب؛ وتكلم في رواية يحيى على أنه لم يسلم، فهي مسألة أخرى، فوهم العتبي في سياقته إياها عليها، وقوله فيها: وسألته عنها وهي ليست هي، ولا اختلاف في أنه إذا لحق بدار الشرك فتنصر وأصاب الدماء والأموال، ثم أخذ فأسلم، أنه يهدر عنه جميع ما أصاب كالحربي - إذا أسلم سواء؛ وهذا إذا صح ارتداده بكونه على بصيرة منه في الكفر، وأنه لم يفعل ذلك مجونا وفسقا؛ ولو ارتد وأصاب الدماء والأموال في بلد الإسلام، ثم أسلم لهدرت عنه حقوق الله، هي: الربى، والسرقة، وحد الحرابة، وأخذ بحقوق الناس من الأموال والدماء، والجراح - على مذهب ابن القاسم، وحكى ابن حبيب عن أصبغ واختاره، هو أن الردة لا تسقط عنه الطلاق، ولا الحدود من الزنا، والسرقة، وشرب الخمر؛ لأنه يتهم أن يرتد في الظاهر ليسقط ذلك عن نفسه؟ واختلف قول ابن القاسم: هل ينظر إلى

مسألة: يحمله على الفرس في سبيل الله على إن سلم فهو رد عليه فيصاب الفرس

حاله في الجراح والقتل يوم الجناية، أو يوم الحكم - على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه ينظر إلى حاله في جميع ذلك يوم الجناية. والثاني أنه ينظر إلى حاله في جميع ذلك يوم الحكم. والثالث أنه ينظر إلى حاله في القود يوم الجناية، وفي الدية يوم الحكم. ولا اختلاف أيضا في أنه إذا لحق بدار الشرك فتنصر وأصاب الدماء والأموال بخروجه عن المسلمين، ثم أخذ على ارتداده؛ أنه يقتل ولا يستتاب كما يستتاب المرتد في دار الإسلام - إذا لم يحارب؛ لأنه إذا حارب في بلد الإسلام، فأخذ على ارتداد، يقتل أيضا لحرابته ولا يستتاب، ولا يجوز لأولياء من قتل العفو عنه، فلا يفترق حكم ما أصاب المرتد في بلد الحرب، أو في بلد الإسلام - إذا لم يسلم، وإنما يفترق ذلك - إذا أسلم على ما قد ذكرناه. وقوله: وإن كان على الإسلام يوم أصاب ذلك، أقيد منه؛ - معناه إن كان أصاب ذلك - وهو على الإسلام - قبل أن يرتد؛ لأن الارتداد يسقط عنه حكم الحرابة إذا أسلم، ويقاد منه لمن قتل. [مسألة: يحمله على الفرس في سبيل الله على إن سلم فهو رد عليه فيصاب الفرس] مسألة وسألته عن الرجل يحمل الرجل عن الفرس في سبيل الله على إن سلم فهو رد عليه، فيصاب ذلك الفرس فيجعل أمير الجيش الخلف لمن أصيب له فرس، لمن يكون ذلك الخلف؟ فقال لسيد الفرس، ليس للمحمول عليه منه شيء. قال محمد بن رشد: وهذا بين كما قال؛ لأن الإمام إنما قصد أن يجبر على من تلف له فرس - فرسه، لا أن يعطي فرسا لمن أصيب تحته فرس لغيره.

الأسارى من المسلمين يصيبهم العدو في البحر

[الأسارى من المسلمين يصيبهم العدو في البحر] ومن كتاب حبل حبلة قال عيسى: قلت لابن القاسم: فالأسارى من المسلمين يصيبهم العدو في البحر، فيوثقونهم ويوجهون بهم إلى بلادهم، فيثب عليهم الأسارى، فيقتلون بعضهم؛ ويأسرون بعضهم، ويصيبون متاعهم ومركبهم؛ هل ترى للإمام فيه خمس؟ فقال: إن كان يسار بهم في البحر إلى أرضهم ولم يصلوا بعد إلى أرضهم؛ فأراهم بعد في حربهم، وأرى فيما أصابوا الخمس؛ وإن كانوا قد وصلوا بهم إلى بلادهم، ثم خلصوا منهم على ما ذكرت؛ فأرى ما أصابوا لهم، وليس للسلطان فيه خمس. قال محمد بن رشد: الوجه في هذا أنهم إن فعلوا ذلك قبل أن يستحكم أسرهم، فهم بعدُ في حربهم، يكون فيما أصاب منهم الخمس، وإن فعلوا ذلك بعد أن يستحكم أسرهم، فما أصابوا لهم، ولا خمس عليهم فيه، وإنما يستحكم أسرهم - إذا ساروا بهم إلى موضع يأمنون فيه لحوق مراكب المسلمين بهم، فمعنى الرواية: إذا علم أنهم لا يأمنون إلا بالوصول إلى أرضهم؛ لكثرة مراكب المسلمين عليهم. ولو أمنوا قبل الوصول إلى أرضهم، لكان لهم بالوصول إلى موضع الأمن حكم الوصول إلى أرضهم - والله أعلم، يبين هذا الذي قلناه - مسألة آخر سماع سحنون من هذا الكتاب في حد الموضع الذي يجعل فيه تجار الحربيين إذا أخذوا في انصرافهم - وبالله التوفيق.

مسألة: الأسير يكون مخلى بأرض الحرب أيخذ من المتاع شيئا

[مسألة: الأسير يكون مخلى بأرض الحرب أيخذ من المتاع شيئا] مسألة قلت: فالأسير يكون مخلى بأرض الحرب، هل يجوز له أن يعدو على بعض متاع الذي هو في يديه أو غيره، فيهرب ولم يخله بعهد؟ قال: الذي كنا نحفظ من قول من يرضى - وأنا أشك أن يكون مالكا - أنه إن كان أرسل على أمان لم يحل له أن يهرب، ولا أن يأخذ من أموالهم شيئا، وإن أرسلوه على غير أمان بمنزلة ما يملكون من الرقيق قوة عليه لا يخافونه، فليقتل وليأخذ ما شاء؛ وما خرج به من ذلك فهو له، وليس للسلطان فيه خمس؛ لأنه لم يوجف عليه، وهذا الذي سمعت - وهو رأيي. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في سماع أصبغ بعد هذا، وفي الواضحة لمطرف وابن الماجشون، وروايتهما عن مالك أن له أن يهرب بنفسه وإن أطلقوه على وجه الائتمان له والطمأنينة إليه، ما لم يأخذوا على ذلك عهده، وفي المبسوطة للمخزومي، وابن الماجشون، أن له أن يهرب، وأن يأخذ من أموالهم ما قدر عليه، ويقتل إن قدر - وإن ائتمنوه ووثقوا به واستحلفوه؛ فهو في فسحة من ذلك كله، ولا حنث عليه في يمينه؛ لأن أصل أمره الإكراه؛ فهي ثلاثة أقوال، أصحها في النظر قول ابن الماجشون، ومطرف، وروايتهما عن مالك في الواضحة: أنهم إن ائتمنوه على أن لا يهرب ولا يقتل، ولا يأخذ من أموالهم شيئا، فله أن يهرب بنفسه، وليس له أن يقتل، ولا يأخذ من أموالهم شيئا؛ لأن المقام عليه ببلد الكفر حرام، فلا ينبغي له أن يفي بما وعدهم به من ذلك؛ بخلاف القتل، وأخذ المال؛ لأن ذلك جائز له وليس بواجب عليه، فوجب عليه الوفاء به؛ وأما قوله: إن ما خرج به من

يغنمون الرقيق هل يشترى منهم وهم لم يؤدوا خمسها

المال فهو له، ولا خمس عليه فيه، فهو مثل ما تقدم في المسألة التي قبل هذه، وهو المشهور في المذهب؛ وقال ابن المواز: إن عليه الخمس فيما خرج به إن كان خرج للإصابة، فأسر ببلد الحرب؛ لأنه لم يصل هو إلا بالإيجاف، بخلاف إذا أسر من بلاد المسلمين. وقوله بعيد على أنه إنما ساقه في كتابه على جهة التفسير للمذهب. [يغنمون الرقيق هل يشترى منهم وهم لم يؤدوا خمسها] ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته وسألته عن القوم يغنمون الرقيق، هل يشترى منهم - وهم لم يؤدوا خمسها. قال: لا يشترى منهم إذا لم يؤدوا خمسها. قلت: فإن كانوا قوما صالحين يظن بهم أنهم لا يحبسون خمسها. قال: لا يشترى منهم إلا أن يعلموا أنهم يؤدون خمسها. قال محمد بن رشد: أما إذا كانوا قوما صالحين لا يظن بهم أن يحبسوا خمسها، فلا وجه للمنع من الشراء منهم، وأما إذا لم يعلم حالهم فترك الشراء منهم، هو وجه التورع؛ وأما إذا علم أنهم يبيعون ولا يؤدون الخمس، فاختلف في جواز الشراء منهم؟ روى يحيى بن عمر عن أبي المصعب أنه يشترى منهم وتوطأ الأمة، وإنما الخمس على الذي يبيع، وعلى هذا يأتي ما قاله ابن حبيب في الوالي يعزل الظلمة العمال، فيرهقهم ويعذبهم في غرم يغرمهم لنفسه، أو ليرده على أهله؟ فيلجئهم

يأتي أرض المسلمين بغير أمان فيؤخذ في أرض الإسلام

ذلك إلى بيع أمتعتهم ورقيقهم، أن الشراء منهم جائز، وقيل: إن الشراء منهم لا يجوز - إذا علم أنهم يبيعون - ولا يؤدون الخمس؛ لأنه بيع عداء، وهو قول سحنون، وعلى قياس هذا يأتي قول ابن القاسم في رسم "الجواب" من سماع عيسى من كتاب زكاة الماشية: إن الصدقات والعشور لا يحل الاشتراء منها - إن كانوا لا يضعون أثمانها في مواضعها، وهذا الاختلاف عندي إنما ينبغي أن يكون إذا كانت الرقيق لا تنقسم أخماسا، فكان الواجب أن تباع ليخرج الخمس من أثمانها؛ وأما إذا كانت تنقسم أخماسا فلم يخرجوا منها الخمس، وباعوها ليستأثروا بها، فهم كمن تعدى على سلعة لغيره فباعها، فلا يجوز لمن علم ذلك شراؤها. [يأتي أرض المسلمين بغير أمان فيؤخذ في أرض الإسلام] ومن كتاب الجواب وسألته عن الرجل من العدو يأتي أرض المسلمين بغير أمان، فيؤخذ في أرض الإسلام، أو قبل أن يصل إلى أرض الإسلام، فيقول جنحت إلى الإسلام، هل يقبل ذلك منه - وهم ربما تلصصوا الواحد والاثنان؛ قال ابن القاسم: أما الذي يؤخذ قبل أن يدخل أرض الإسلام، فهو الذي لا يشك فيه أن يقبل منه، أو يرد إلى مأمنه؛ وكذلك قال مالك فيه، وكذلك إن قال: جئت أطلب الفداء على مثل ذلك سواء؛ وأما الذي يؤخذ في أرض الإسلام، فهو على مثل ذلك سواء أيضا عندي - إذا كان أخذه بحدثان سفره وقدومه، وبأثر ذلك وفي فوره ووجهه؛ فأما أن يطول زمانه وإقامته بين أظهر المسلمين لا يعلم به، فإذا ظهر عليه، قال: جنحت إلى الإسلام، أو جئت أطلب الفداء، أو ما أشبه ذلك؛

فلا أرى أن يقبل ذلك منه، وأراه رقيقا يرى الإمام فيه رأيه بالاجتهاد، وليس هو لمن أخذه؛ ولا أرى أن يقتل إلا أن يعلم أنه أتى جاسوسا يتجسس عورات المسلمين ليطلع عليها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها اختلاف كثير، وتحصيله مخلصا مقربا: أن فيها ثلاثة أقوال، أحدها: أنه لا يقبل قولهم فيما ادعوا من أنهم جنحوا إلى الإسلام، أو جاؤوا يطلبون الفداء أو التجارة - بعد أن يؤخذوا إذا لم يظهروه قبل أن يؤخذوا، ويكونون فيئا للمسلمين؛ يرى فيهم الإمام رأيه: إن شاء قتل، وإن شاء استرق؛ وسواء أخذوا في بلد الإسلام، أو قبل أن يصلوا إلى بلد الإسلام؛ وسواء كانوا من أهل بلد عودوا الاختلاف إلى بلاد المسلمين المثل ما ادعوا، أو لم يعودوا - وهو قول أشهب في الواضحة وغيرها. والثاني أنه يقبل قولهم أو يردوا إلى مأمنهم، أن يتبين كذبهم فيما ادعوا، مثل أن يقولوا نحن تجار أردنا التجارة - وليس معهم أسباب التجر، ومعهم السلاح؛ قيل إذا أخذوا قبل أن يصلوا إلى بلاد المسلمين؛ وأما إن أخذوا في بلاد المسلمين، فهم فيء للمسلمين، وهو قول يحيى بن سعيد في المدونة، وظاهر قول مالك فيها، وقول سحنون، وقيل إن أخذوا في بلاد المسلمين - إذا كان أخذهم بحدثان قدومهم، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية. وقيل وإن أخذوا بعد أن طال مقامهم في بلاد المسلمين، إلا أن يتبين كذبهم، وهو ظاهر قول ابن القاسم في أول رسم "الصلاة" من سماع يحيى. والقول الثالث أنهم إن كانوا من

مسألة: الطير والحيتان تصاد في أرض العدو وتباع هل يجعل أثمانها في المقاسم

أهل بلد قد عودوا الاختلاف لما ادعوه من الفداء، أو التجارة، أو الاستئمان، قبل قولهم، أو ردوا إلى مأمنهم، وإلا فهم فيء للمسلمين، وإلى هذا ذهب ابن حبيب في الواضحة، وعزاه إلى مالك من رواية المدنيين والمصريين، وهو قول ربيعة في المدونة، وسحنون في سماعه بعد هذا، وعيسى في تفسير ابن مزين، وإليه نحا ابن القاسم فيه، وأما إن أظهروا ما ادعوا قبل أن يؤخذوا، وقبل أن يصلوا إلى بلاد المسلمين، فلا اختلاف في أنهم لا يسترقون، ويقبل منهم ما ادعوا، أو يردوا إلى مأمنهم. [مسألة: الطير والحيتان تصاد في أرض العدو وتباع هل يجعل أثمانها في المقاسم] مسألة وسألته عن الطير والحيتان تصاد في أرض العدو، وتباع، هل يجعل أثمانها في المقاسم، أم هي لمن أصابها؟ قال ابن القاسم: بل تدفع في المقاسم لا شك فيه، ولا يحل غيره، وإن أراد أن يخرج بالطير حيا، فإن كانت من الطير التي لها الأثمان للاصطياد، وما أشبه ذلك، لم يخرج بها، وردها في المقاسم، وإن كانت طيرا للأكل وأراد أن يتزود منها أو من الحيتان ما يبلغه، فلا بأس بذلك؛ فإن فضلت معه فضلة منها بعد رجوعه، باعها وتصدق بثمنها؛ إلا أن يكون ذلك الشيء يسيرا تافها لا قدر له، فلا أرى عليه بيعه، ولا بأس عليه في أكله في أهله. قال محمد بن رشد: حكم ابن القاسم في هذه الرواية لما صاد الرجل في بلاد الحرب من الحيتان والطير - بحكم طعام العدو الذي قد حازوه وملكوه، فكذلك على هذه الرواية ما كان له ثمن من أشيائهم المباحة،

مسألة: أهل الذمة إذا نقضوا العهد ومنعوا الجزية وخرجوا من غير عذر

حكمه حكم ما حازوه إلى بيوتهم من أموالهم، وقد مضى القول في هذه المسألة - مجودا - في رسم "صلى نهارا"، ورسم نذر من سماع ابن القاسم، وفي غيره من المواضع أيضا. [مسألة: أهل الذمة إذا نقضوا العهد ومنعوا الجزية وخرجوا من غير عذر] مسألة وسألته عن القوم من أهل الذمة ينزع رجالهم ويحاربون، فيظفر بهم؛ هل يستحل بذلك ذراريهم ونساؤهم ومن يزعم من ضعفاء رجالهم أنه استكره، ومن يرى أنه مغلوب على أمره ولا يملك من أمره شيئا - دخلوا أرض الحرب، أو لم يدخلوا؟ قال ابن القاسم: إن كان الإمام عدلا قوتلوا أو قتلوا، واستحلت نساؤهم وذراريهم وأولادهم المراهقون، والأبكار تبع لهم يستحلون ويسبون، وهم من النساء والذرية؛ وأما من يرى أنه مغلوب على أمره، وأنه لم يعن مثل الضعيف والشيخ الكبير الزمن؛ فلا أرى أن يستحلوا، ولا يقتلوا، ولا يسترقوا على حال. قال وإن نقضوا وقاتلوا وظهر على الذرية قبل أن يظهر عليهم، استحلوا أيضا وسبوا، وكانوا كسبيل ما فسرت لك؛ وذلك إذا كان الإمام عدلا لم ينقموا منه شيئا، وإن نقضوا وخرجوا إلى دار الحرب، وبقيت الذرية بين أظهر المسلمين؛ لم تستحل الذرية، ولم يكن إلى الذرية سبيل بوجه من الوجوه؛ وإن تحملوا الذرية معهم، وظفر بهم قبل أن يصلوا إلى دار الحرب؛ فهم كلهم فيء بحال ما فسرت لك - إذا كانوا قد نقضوا وامتنعوا، وكان الإمام عدلا - كما أخبرتك، وإن كان الإمام غير عدل ونقموا شيئا يعرف ما قاموا به، لم يقاتلوا ولم يقتلوا؛ قال مالك: وإلى من يردونهم إلى من يستحل نساءهم وبناتهم، فإن ظهر عليهم في تلك الحال، لم يسترقوا ولم يستحلوا، ولاشيء من

نسائهم ولا ذريتهم، وتركوا على حالهم، وذمتهم؟ وإن تحملوا إلى أرض الحرب بذريتهم ثم ظهر عليهم، لم يستحل منهم شيء من الأشياء - كما فسرت لك - إذا كان الإمام غير عدل؛ إلا أن يعينوا على المسلمين بعد دخولهم إلى العدو، أو يقاتلوا مع العدو فيستحلون بفعلهم ذلك، ويسن بهم وبذراريهم عند ذلك سنة أهل الحرب؛ لأنهم قد صاروا حينئذ حربا وعدوا. قال محمد بن رشد: اتفق أصحاب مالك على اتباع قول مالك في أن أهل الذمة إذا نقضوا العهد، ومنعوا الجزية، وخرجوا من غير عذر، أنهم يصيرون حربا وعدوا، يسبون ويقتلون، إلا أشهب في المدونة، فإنه قال لا يعود الحر إلى الرق، وما اتفق عليه مالك وأصحابه أصح في النظر من قول أشهب؛ لأن الحرية لمن تثبت لهم بعتاقة من رق متقدم، فلا ينقض، وإنما تركوا على حالهم من الحرية التي كانوا عليها آمنين على أنفسهم ودمائهم بين أظهر المسلمين، بما بذلوه من الجزية عن يد وهم صاغرون مساناة ما بذلوها، لقول الله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29]- الآية. فإذا منعوا الجزية لم يصح لهم العوض، وكان للمسلمين الرجوع فيه. وذلك أيضا كالصلح ينعقد بين أهل الحرب وبين المسلمين على شروط، فإذا لم يفوا بها، انتقض الصلح بقول الله عز وجل: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: 10]- الآية. وكمن اكترى دارا

مسألة: الكبير والكبيرة من المسلمين يصيبهما العدو ثم يصيبهما المسلمون

مشاهرة، فإذا منع الكراء، أخرج من الدار؛ وقد احتج لذلك ابن الماجشون في كتاب ابن المواز بأن قال: وكذلك فعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في سبي قريظة وغيرهم، وقاله محمد، ولا حجة في ذلك - عندي؛ لأن الذي كان بين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبين قريظة وغيرهم من اليهود، إنما كانت مهادنة ومعاهدة - وهم في بلادهم؛ ولم يكونوا كأهل الذمة الذين غلبوا، فأقروا تحت ملكة المسلمين على أداء الجزية، ومما يدل على هذا أن ابن القاسم لم يحتج به في المدونة، وإنما قال فيها قد مضت في ذلك السنة من الماضين؛ فذكر قتال عمرو بن العاص - الإسكندرية - ثانية، فلو كانت عنده في ذلك سنة عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، لذكرها - والله أعلم؛ وفرق في الرواية بين النساء والذرية، وبين الشيوخ والزمنى، وساوى بين ذلك ابن الماجشون، وأصبغ، وجعلا نقض كبارهم نقضا عليهم، أن صلحهم صلح عليهم، واختاره ابن حبيب، ولا ينبغي أن يختلف فيهم، إذا علم أنهم مغلوبون مكرهون غير راضين، لقوله عز وجل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . ويحمل الخلاف على أنه إذا جهل أمرهم وادعوا الإكراه والغلبة على ما يحملون، فلا يستباحون على مذهب ابن القاسم إلا بيقين، ولا يمتنع من سبيهم وقتلهم على ما ذهب إليه ابن حبيب إلا بيقين - والله أعلم. [مسألة: الكبير والكبيرة من المسلمين يصيبهما العدو ثم يصيبهما المسلمون] مسألة وسألته عن الكبير والكبيرة من المسلمين يصيبهما العدو، ثم

يصيبهما المسلمون، ولا يدعيان شيئا حتى تجرى عليهما المقاسم، ويتداولهما المشترون؛ ثم يثبت أمرهما ويظهر ويعرف؛ وهل الكبير والصغير في هذا سواء؟ قال ابن القاسم: لا أرى عليهما غرم شيء من أثمانهما، وهما بمنزلة الصغير في ذلك - إذا كان ممن يجهل مثل هذا، ولا يعلمان بأنهما لا يسترقان، ويظنان أن ذلك عليهما، ويعذران في ذلك، فإن كانا ممن لا يعذران في ذلك وسكتا على علم، وتعمدا ذلك؟ رأيت عليهما غرم أثمانهما؛ وإن كانت الجارية قد وطئت في ذلك، لم أر عليها شيئا - إذا عذرت بنحو ما أخبرتك من الجهالة والتأويل والنسيان؛ وقد قال في سماع يحيى بن يحيى من كتاب يشترى الدور والمزارع، ليس اشتراؤه إياهما في الأسر بمنزلة اشترائه إياهما في المغانم؛ لأنهما في أرض العدو في رق استنقذهما منه، وهما حين صارا بأيدي المسلمين فقد خرجا من ذلك الرق، وصارا إلى الحرية التي كانا عليها؛ قال يحيى: قلت لابن القاسم فما ترى في حق المشتري إن كان أخذهما في سهامه، أو اشتراهما في المقاسم؟ قال: أراها مصيبة دخلت عليه، إلا أن يدرك ذلك قبل القسم فيسقط عنه الثمن. قال محمد بن رشد: لا اختلاف إذا عذرا بجهل أنه لا شيء عليهما، وإنما اختلف قول ابن القاسم إذا لم يعذرا بجهل وسكتا - وهما يعلمان أن الاسترقاق لا يلزمهما، فأوجب عليهما في رواية عيسى عنه غرم أثمانهما للمشتري إن فات القسم، ولم يكن له على من يرجع، ولم يوجب ذلك له عليهما في رواية يحيى، وهو قول سحنون، واختيار ابن المواز،

قال: وذلك بخلاف العروض أو الرقيق، أو الحيوان، أو غيره مما قسم في المغنم، أو بيع فيه، فلا يأخذه صاحبه إلا بالثمن الحر والحرة - إن بيعا في المغنم يخرجان حرين، ولا يتبعان بشيء، وسواء كانا مسلمين أو ذميين؛ قال: ولم يقل أحد من أصحابنا إنه يرجع عليهما - إلا أشهب، وقد قاله ابن القاسم في رواية عيسى هذه، وهو قوله أيضا في رسم "لم يدرك" من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق في الرجل والمرأة يقران بالمملكة، فيباعان فتوطأ المرأة فتلد - وقد مات بائعها أو فلس - أن أثمانها تكون للمشتري دينا عليهما؛ وهذا الاختلاف جار على مجرد الغرور بالقول: هل يلزم به غرم أو لا، وعلى رواية عيسى هذه التزم الموثقون أن يكتبوا في عهد الرقيق - إذا كان العبد أو الأمة: قد بلغا إقرارهما بالرق لبائعهما، ليكون للمشتري اتباعهما بأثمانهما - إن استحقا بحرية، وثبت عليهما العلم بذلك، والبائع ميت أو عديم - وهو ضعيف؛ لأن السكوت عند ابن القاسم في رواية عيسى عنه في هذه المسألة كالإقرار، يجب به للمشتري الرجوع، وعلى رواية يحيى وقول سحنون وما اختاره ابن المواز، وحكي أنه إجماع من أصحاب مالك - إلا أشهب، لا فائدة في كتابه، إذ لا يوجب شيئا؛ وقد قال ابن حبيب إن الغلام إذا استحق حرية والبائع غائب، أنه يرفع مع المشتري إلى موضع البائع، ليأخذ رأس ماله منه، كما لو استحق برق؛ ومعنى ذلك إذا علم بحريته وغر من نفسه، وكذلك قال ابن كنانة، وأما إن كان الرق قد جرى عليه من الصغر - ولم يعلم بحريته، فلا يجب أن يرفع معه؛ وحكى ابن عبدوس عن ابن القاسم في الجارية أنها لا ترفع معه، وإنما يكتب له السلطان بصفتها، معناه وإن غرت من نفسها، فالاختلاف في هذا، إنما هو إذا غرت من نفسها على قياس الاختلاف في وجوب اتباعها بالثمن، إذا كان البائع ميتا، أو عديما، والله أعلم.

مسألة: يفدي الرجل المسلم من العدو فإذا بلغا بلاد المسلمين اختلفا في الفدية

[مسألة: يفدي الرجل المسلم من العدو فإذا بلغا بلاد المسلمين اختلفا في الفدية] مسألة وسألت عن الرجل يفدي الرجل المسلم من العدو، فإذا بلغا بلاد المسلمين، اختلفا في الفدية: يدعي المفدي أكثر مما يقول المفدى، قال ابن القاسم: القول قول المفدى فيما أقر به من ذلك، قليلا كان أو كثيرا، كان يشبه فداء مثله أو لا يشبهه؛ لأن مالكا قال: لو أنكر أن يكون فداه أصلا وقد خرجا من بلاد العدو، كان القول قوله، إلا أن يكون للآخر بينة أنه فداه؛ قال ابن القاسم: ولو ادعى كل واحد منهما أنه الذي فدى صاحبه - وقد خرجا جميعا من بلاد الحرب، ولا يدرى علم بذلك، فإنهما يحلفان جميعا، ويتتاركان، ولا يكون لواحد منهما على صاحبه شيء؛ لأن كل واحد منهما مدع على صاحبه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: إذا اختلف الفادي والمفدى في مبلغ الفدية: إن القول قول المفدى، أشبه قوله، أو لم يشبه، ليس على أصولهم في مراعاة دعوى الاشتباه في التداعي، لاتفاقهما على أنه فداه، فذلك بخلاف إذا ادعى أحدهما على صاحبه أنه فداه فأنكر، والذي يأتي على أصولهم إذا اختلفا في مبلغ الفدية، أن يكون القول قول المفدى - إذا أتى بما يشبه؛ فإن أتى بما لا يشبه، كان القول قول الفادي - إن أتى بما يشبه، فإن أتى بما لا يشبه أيضا، حلفا جميعا، وكان للفادي ما يفدي به مثله من ذلك المكان؛ وكذلك إن نكلا جميعا، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان له ما حلف عليه وإن لم يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه من ذلك بنكوله، وقال سحنون: القول قول الفادي - إذا كان الأسير بيده. ولابن

أبي حازم في المدنية مثله، وزاد: إلا أن يدعي ما لا يفدى به مثله في ذلك المكان فيكون له ما يفدى به مثله في ذلك المكان، وفي ذلك من قولهما نظر، إذ ليس الأسير بمال فيكون إذا كان بيده شاهدا له على ما يدعي كالرهن، فإذا لم يكن شاهدا له على ما يدعي، ولا كان في كونه بيده دليل على قلة الفدية من كثرتها، وجب أن يكون القول قول المفدى - فيما يقر به من الفدية - إذا أشبه على ما قلناه، وإنما كان ينتفع الفادي بكون الأسير في يده - لو أنكر أن يكون فداه؛ لأن كونه في يده، دليل على أنه فداه، وليس بدليل على ما يدعي أنه فداه به، وهذا كله بين، فلا يصح في المسألة إلا ما ذكرناه، وقد روي عن الأوزاعي أنه قال القول قول الفادي، وهو يعيد أيضا ما كان بيده أو لم يكن؛ إلا أن يكون معناه إذا أشبه قوله، ولم يشبه قول المفدى، والله سبحانه وتعالى أعلم، وبه التوفيق، لا رب غيره، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

كتاب الجهاد الثاني

[كتاب الجهاد الثاني] [مسألة نفر من أهل الذمة يغزون مَن يليهم من العدو أترى أن يخمس ما يصيبون] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليما كتاب الجهاد الثاني من سماع يحيى بن يحيى من كتاب الكسب مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن نفر من أهل الذمة من ثغرنا من النصارى يغزون مَن يليهم من العدو مع غير المسلمين فيغنمون، أترى أن يخمس ما يصيبون؟ فقال: لا أحب للإمام أن يأذن لهم بالغزو. قلت: لِمَ كرهت ذلك، وهم لا يغزون معنا في عساكرنا؟ فقال: لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمشرك: «ارجع فلن نستعين بمشرك» ، وغزو هؤلاء من العون، وإن لم يكونوا مع المؤمنين في عسكرهم.

قلت: فإن وقع الأمر فماذا ترى؟ قال: لا أرى عليهم خمسا. قلت: فإن قسم بينهم حَكَمُ المسلمين أيقسم على سنة الإسلام؟ قال: نعم، إذا حكَّموه ورضوا به فليقسم بينهم بقَسْم الإسلام، وإن لم يحكِّموه فأمرهم إلى أساقفتهم وأهل دينهم، يقسمون بينهم على سنتهم. قال محمد بن رشد: لا يجوز عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه، للإمام أن يستعين بالكفار على قتال الكفار، ولا أن يأذن لهم في الغزو مع المسلمين ولا منفردين أيضا؛ لأنه وجه من العون؛ ولأنهم يستبيحون فيه ما لا يجوز في الغزو على ما قاله أصبغ في نوازله؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لن أستعين بمشرك» ، ولما روي من «أن الأنصار قالوا يوم أحد: ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا حاجة لنا فيهم» . وفي قول ابن القاسم في هذه الرواية: لا أحب للإمام أن يأذن لهم بالغزو، دليل على أنهم إن لم يستأذنوه لم يجب عليه أن يمنعهم، وعلى هذا يحمل غزو صفوان بن أمية رسول الله حنينا والطائف، خلاف قول أصبغ في نوازله: إنهم يُمنعون من ذلك أشد المنع. وقد حكى أبو الفرج عن مالك: أنه لا بأس على الإمام أن يستعين بالمشركين في قتال المشركين إذا احتاج إلى ذلك، وهو دليل قوله للأنصار: لا حاجة لنا فيهم. وقد روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنه بلغه جمع أبي سفيان

مسألة حكم الإسهام في الغنيمة لمن لم يسمع كلام الأمير

ليخرج إليه يوم أحد، استعان يهود النضير فقال لهم: "إنا وأنتم أهل كتاب، وإن لأهل الكتاب النصر على أهل الكتاب، فإما قاتلتم معنا، وإما أعرتمونا سلاحا» ، فإن غزوا بإذن الإمام أو بغير إذن الإمام منفردين تُركت لهم غنيمتهم ولم تُخمس، وإن غزوا مع المسلمين في عسكرهم لم يكن لهم في الغنيمة نصيب، إلا أن يكونوا متكافئين، أو هم الغالبون، فتقسم بينهم وبين المسلمين قبل أن تخمس، ثم يخمس سهم المسلمين خاصة. وأهل الكتاب وغيرهم عند مالك في هذا سواء، وحكى الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه أنه أجاز الاستعانة بأهل الكتاب دون من سواهم من المشركين عبدة الأوثان والمجوس، وصحّح الآثار على ذلك، قال: وإنما لم يستعن رسول الله بحلفاء الأنصار من يهود للحلف الذي كان بينهم وبين عبد الله بن أبي المنافق؛ لأنهم خرجوا بذلك من حكم أهل الكتاب، وهو من التأويل البعيد؛ ولا بأس بأن يُستعار السلاح من الكفار كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأجاز ابن حبيب أن يقوي الإمام من سالمه من أهل الحرب على من لم يسالمه منهم بالقوة والسلاح، وأن يسايروه بحداء عسكر المسلمين ما لم يكونوا في داخله وسبيل أهله. [مسألة حكم الإسهام في الغنيمة لمن لم يسمع كلام الأمير] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن أمير سرية خرج بأصحابه حتى إذا دنا من أرض العدو عرض لهم نهر، فقال لأصحابه: اعبروا النهر لعل الله أن يغنمنا، فكره ذلك بعضهم وقالوا: لا تغرر بنا، فإن إجازة هذا النهر شديد الخطر، وذكروا له بعض ما اعتذروا له، وأشاروا إليه ألا يجوزوه، وأطاعه بعضهم، فأجاز بهم

وتخلف العصاة، فمضى بمن أطاعه، فغنم غنائم كثيرة، وسلم هو وأصحابه، فلما رجعوا وجدوا المتخلفين عنهم بمكانهم لم يبرحوا، أترى لهم في الغنيمة حقا؟ وإن أنكروا أن يكونوا تخلفوا عنه، أيجوز شهادة من زعم أنه أجاز مع الإمام؟ أو هل يقبل قول الإمام على من تخلف، ولمن زعم أنه أجاز معه؟ فقال: إن أقروا بالتخلف أو شهد به عليهم رجلان ممن تخلف، أو ممن ليس منهم، ولا من الذين دخلوا مع الإمام، فلا قسم لهم، ولا حق في الغنيمة للذين غابوا على الذين أصابوها راضين بالتخلف عنهم؟ وإن لم يشهد عليهم بالتخلف، وأنكروا أن يكونوا تخلفوا إلا بعض الداخلين أو قول الإمام، فالقول قولهم، ولا يقبل عليهم قول الإمام إلا ببينة تشهد من غير الداخلين؛ لأن كل من دخل فهو إذا شهد عليهم جارٌّ إلى نفسه، والإمام كأحدهم. وقال ابن وهب مثله. قال محمد بن رشد: لم يبين في الرواية إن كانت إجازة النفر على ما ذكره من كره إجازتهم من الغرر وشدة الخطر أم لا، فإن لم يكن على ذلك، وكان قولهم اعتلالا على جوازه، فلا إشكال، ولا اختلاف في أنه لا حق ولا نصيب لمن تخلف عن إجازته فيما غنمه من أجازه؛ لأنهم قد رضوا بترك حقوقهم فيما غنموه؛ إذ لا عذر لهم في ترك إجازته. وأما إن كانت إجازة النهر على ما ذكروه من الغرر، وشدة الخطر والمهلكة، فظاهر الرواية أيضا أنه لا حق لمن تخلف عن الإجازة فيما غنمه من جازه، ولسحنون في كتاب ابنه: أنهم يدخلون معه فيما غنموه؛ لأن لهم عذرا في التخلف عن

مسألة: حصرهم العدو فخرج نفر منهم فقاتلوا العدو فأصابوا خيلا وأسلابا

إجازته. وقد أخطأ الذين جازوه، والذي ينبغي عندي على أصولهم أن ينظر في ذلك، فإن رئي أن لمن أجاز النهر في وصول من لم يجزه معهم إليه، ووقوفهم بمكانهم إلى حين انصرافهم بغنيمتهم إليهم وجهُ منفعة، مثل أن يكون بالنهر من الغرب من بلد العدو، بحيث يمكن أن يكون العدو قد بلغه جمعهم، وكثرة عددهم، فيظنوا أنهم أجازوا النهر بجمعهم، فيكون لهم الدخول فيما غنموه؛ إذ لعل ما ظنه العدو من جوازهم هو الذي فتّ في أعضادهم، فكان ذلك عونا للغانمين على غنيمتهم؛ وإن رئي أنهم لم يكن في وصولهم معهم إلى النهر، ووقوفهم عليه وجه منفعة لم يكن لهم دخول معهم في غنيمتهم. ولا اختلاف في أنه لا يجوز شهادة من جاز مع الإمام بالتخلف على من أنكره؛ لأنه يجر بشهادته إلى نفسه ما يجب لهم من سهم المشهود عليهم، إلا أن يكون الذي يجب لهم من ذلك يسيرا، فيجري ذلك على الاختلاف في جواز شهادة العدل إذا شهد لغيره شهادة يجر بها إلى نفسه ما لا يُتهم على مثله لنزارته، فقد أجازها مالك في سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق. وأما شهادة الإمام فقال ابن القاسم في هذه الرواية: إنها لا تُقبل على المتخلفين إلا ببينة؛ لأنه كأحد الحائزين في الجر إلى نفسه بشهادته، ولسحنون في كتاب ابنه أن قول الإمام مقبول على من تخلف إذا كان عدلا من غير طريق الشهادة، وقوله بعيد؛ لأنه إن حكم هو عليهم بألا حق لهم في الغنيمة كان حاكما بعلمه جارًّا بذلك لنفسه، وإن رفع الأمر إلى غيره من الحكام، فشهد عنده بعلمه استوى هو وغيره في الشهادة، ووجب أن تبطل بما تبطل به شهادة من سواه، ووجهه أنه أجاز قوله في ذلك على قياس مذهبه في أن للقاضي أن يقضي بعلمه فيما أقر به عنده الخصم في مجلس قضائه. [مسألة: حصرَهم العدو فخرج نفر منهم فقاتلوا العدو فأصابوا خيلا وأسلابا] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن أهل حصن من

مسألة: ناس من العدو أعطاهم الإمام عهدا أيوفى لهم بالعهد

المسلمين حصرَهم العدو، فخرج نفر من أهل الحصن فقاتلوا العدو الذين حصروهم، فأظفرهم الله بقتل رجال منهم، فأصابوا خيلهم وأسلابهم، وأسروا بعضهم، أيقسم ما أصابوا بينهم وبين جميع أهل الحصن، أو يكون لمن خرج متعرضا للقتال أو لمن قاتل دون لمن خرج ممن لم يقاتل؟ فقال: بل يقسم بين جميع من خرج قاتل أو لم يقاتل، وبين جميع أهل الحصن بعد إخراج الخمس. قلت: أيقسم لخيل من لم يخرج وخيل من خرج راجلا وخلى فرسه في الحصن؟ قال: نعم، إذا كانوا بموضع رباط، وضعوا فيه رصدة للعدو ولذلك سكنوا، ولو كانوا على غير ذلك لم يكن لهم شيء. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال؛ لأن الحكم في الغنيمة أن تقسم بعد إخراج الخمس بين جميع الغانمين الرجال الأحرار البالغين، من قاتل منهم ومن لم يقاتل؛ لكون من لم يقاتل منهم ردءا لمن قاتل وعونا لهم على الغنيمة؛ لأن نفوسهم تقوى بوقوفهم، وتزيد في جرأتهم على العدو، والعدو يرهبهم، فربما كانوا هم السبب لانهزامهم. فكذلك الذين في الحصن بهم قويت نفوس من خرج لكونهم ردءا لهم، ولعل العدو إنما انهزموا بسببهم. وهذا يبين ما ذهب إليه في المسألة التي قبل هذه، وستأتي هذه المسألة بعد هذا الرسم كاملة أكمل من هذه، وبالله التوفيق. [مسألة: ناس من العدو أعطاهم الإمام عهدا أيوفى لهم بالعهد] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن ناس من العدو كانوا خرجوا إلى رجل كان في الثغر من أهل الخلاف للإمام، وكان يلي مدينة من الثغر قد غلب عليها، فأعطاهم عهدا فأمنوا بذلك عنده؛ إذ كان فيما أحدث من الخلاف والاستعانة بالعدو على من أراده من

مسألة: ذميون هربوا إلى أرض العدو فأسرهم المسلمون فخمسوا وقسموا

المسلمين، فقلت: أيوفى لهم بالعهد الذي كان أعطاهم، أم يستحلون؛ لأنهم خرجوا إليه وقبلوا عهده، وقد علموا خلافه للإمام؟ فقال: لا تحل دماؤهم ولا ذراريهم ولا أموالهم لأحد؛ لأن عهده عهد، وهو رجل من المسلمين يعقد لهم أمانا على جميع المسلمين، ولكن يقال لهم: إن عهده لا يمضيه الوالي فارجعوا إلى مكانكم، فإذا ردوا إلى أرضهم عادوا إلى حالهم الأول، فكانوا من أهل الحرب ما هم، فقلت: فإن اختاروا الإقامة على الجزية أترى للإمام أن يقرهم؟ قال: نعم، لا أحب له ردهم إذا رضوا بالجزية. قال محمد بن أحمد: قوله: إنهم يحرمون على المسلمين بالعهد إن أعطاهم المخالف على الإمام صحيح؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يجير على المسلم أدناهم» وذلك ما لم يغيروا بعد معاهدته إياهم على المسلمين أمرا بينه وبينهم وأمسكوا، فإن أغاروا على المسلمين لمخالفة الإمام انتقض العهد الذي أعطاهم، ووجب أن يقاتلوا ويستحلوا، قاله أصبغ في نوازله بعد هذا، وهو مفسر لقول ابن القاسم هذا. [مسألة: ذميون هربوا إلى أرض العدو فأسرهم المسلمون فخمسوا وقسموا] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن ناس من أهل الذمة هربوا إلى أرض العدو ليلا، فأدركتهم خيل المسلمين، وقد دخلوا أرض الحرب فخمسوا وقسموا، ثم ادعوا إنما كان هروبهم خوفا من البيع والظلم، وكانوا مجاورين لقوم من العرب أهل استطالة وظلم

وقهر لمن جاورهم من أهل الجزية ومن مثلهم هرب وخيف، غير أنه لا يعرف ما ادعوا مما خافوا، وهل أريد بهم سوء أم لا؟ فقال: إن عرف التصديق في ناحية ما شكوا مما خافوا؛ لسوء الذين خافوا وقدرتهم على من أرادوا ظلمه أخرجهم كرها، أو يكونوا في يده لجورهم واستحلالهم للتعدي على من جاورهم، فلا أرى أن يباعوا ولا يستحلفوا، وليصدقوا للذي عرف من ظلم الذين خافوا على أنفسهم، وليردوا إلى جزيتهم إن كان الذي أتى بهم إليه يقوى على دفع الظلم عنهم، والوفاء بالعهد لهم، وإن لم يأمن عليهم ظلم الذين هربوا خوفا منهم، أو ظلم غيرهم من أشباههم، فليخل سبيلهم ليسيروا حيث أحبوا إلى أرض عدو وغيرها، قال أصبغ: وإن أشكل أمرهم فكذلك أيضا لا يستحلوا حتى يتبين أنهم نقضوا العهد على غير شيء من تحت إمام عدل. قال محمد بن أحمد: قول أصبغ تفسير لمذهب ابن القاسم؛ لأن الذمة قد انعقدت لهم، فلا تنقض إلا بيقين، والمسألة كلها صحيحة على مذهب مالك وأصحابه حاشى أشهب، في أن أهل الذمة إذا خرجوا ومنعوا الجزية، ونقضوا العهد من غير ظلم يركبون به أنهم يصيرون حربا وعدوا، ويجوز سبيهم واسترقاقهم، وقد مضى القول على هذأ في رسم الجواب، من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته.

مسألة: عبد أبق إلى أرض العدو ثم رجع طوعا ومعه أموال وعبيد

[مسألة: عبد أبق إلى أرض العدو ثم رجع طوعا ومعه أموال وعبيد] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن عبد لرجل من المسلمين أبق إلى أرض العدو، ثم رجع طوعا ومعه أموال وعبيد، وقد أصاب ذلك في أرض العدو، أترى أن يخمس ما خرج به؟ فقال: ليس ذلك عليه، وليس فيما خرج به العبد الآبق خمس، وهو كله له، ولسيده إن أراد أخذه منه. قلت: أرأيت إن أنكر العبيد أن يكونوا غالب لهم خارجا بهم على حال العبودية، فقالوا: نحن قوم أحرار حبب إلينا أرض العرب، وذكر لنا عدلهم، وحسن حالهم، فتبعناه مصطحبين بأمن حتى نوصل إليكم، لا سبيل له علينا؟ قال: القول قولهم، وعلى الإمام أن يفي لهم بعهد العبد إن كان أعطاهم عهدا، أو يردهم إلى مأمنهم، وإن خرجوا بلا عهد فأمرهم إلى الوالي يرى فيهم رأيه، قال أصبغ مثله قال: ولا يقبل قول العبد إلا أن يعلم أنه أخرجهم كرها، أو يكونوا في يديه يحوزهم، قال: قلت: أرأيت إن كانوا في يد العبد في وثاق حتى تبين أنهم في يديه؟ قال: أراهم عبيدا إذا تبين أنهم في ملكه، وأنه لهم قاهر، وعليهم قادر، قلت: فإن ادعوا أنه إنما أوثقهم في دار الإسلام حين خافوا على أنفسهم؟ فقال: إن استدل على تصديق ما قالوا بسبب ظاهر مثل أن يعينه على وثاقهم غيره، أو يتبين أنه إنما قهرهم بعد خروجهم معه، فالقول قولهم، وإن لم يعرفوا عند

خروجهم إلا في ملكه ووثاقه، فهم له عبيد، وإن قالوا: قهرنا في الطريق، ونقض العهد؛ فإنهم لا يصدقون لجماعتهم ووحدته، وقدرتهم على الامتناع منه. قال محمد بن رشد: قوله: إن ما خرج به العبد الآبق له ولسيده إن أراد أخذه منه، ولا خمس عليه فيه، مثل ما تقدم في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، ولا خلاف في ذلك؛ إذ لا يكون الخمس إلا فيما تعمد الخروج لإصابته، فأوجف عليه بالخيل والركاب، وإن كانوا عبيدا وخرجوا معه على أن يكونوا أحرارا، فعلى الإمام أن يفي لهم بعهد العبد، أو يردهم إلى مأمنهم، ولا يجوز قتلهم ولا استرقاقهم؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يجير على المسلمين أدناهم» . وقوله: إنهم إن خرجوا معه بلا عهد، فأمرهم إلى الإمام يرى فيهم رأيه، ظاهره وإن عثر عليهم بفور قدومهم خلاف ما يأتي في هذا الرسم بعد هذا، وخلاف ما مضى في رسم الجواب، من سماع عيسى، وقد مضى هناك تحصيل الخلاف في هذه المسألة، فلا معنى لإعادته، وأما إذا ادعى العبد أنهم خرجوا معه على أن يكونوا له عبيدا، أو أنه سرقهم أو غنمهم، وأنكروا ذلك، وقالوا: خرجنا معه على أن نكون أحرارا، فالقول قولهم إلا أن يكونوا في وثاقه كما قال، ومثل ذلك في سماع سحنون، ولا اختلاف في ذلك؛ لأن العبد مدع عليهم، إلا أن يكونوا في وثاقه، وقد أحكمت السنة أن: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر. وقد اختلف إن كان أسيرا، فأطلقه على أن يأتيه بهم فأتاه بهم، وزعم أنه سرقهم أو غنمهم، وادعوا أنهم خرجوا معه على أن يكونوا أحرارا، هل يكون خروجه على أن يأتي بهم شبهة توجب أن يكون القول قوله أم لا؟ على قولين: أحدهما: ما في سماع أصبغ أراه لأشهب أن القول قول الذي أتى بهم، وخروجه عنهم شبهة توجب أن يكون

مسألة: عبد خرج متلصصا في بعض قرى العدو فأصاب غنائم أتخمس أم لا

القول قوله، وقال ابن المواز: القول قولهم، ولم ير ذلك شبهة للعبد، وهو القياس، والأول هو اختيار أحمد بن ميسر، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد خرج متلصصا في بعض قرى العدو فأصاب غنائم أتخمس أم لا] مسألة قيل له: فالعبد يخرج متلصصا في بعض قرى العدو، فيصيب غنائم، أتخمس أم لا؟ فقال: تخمس، ويكون فضل ذلك له، فما فرق بين العبد المتلصص والعبد الآبق إذا رأيت أن الخمس فيما أصاب العبد المتلصص، ولا خمس فيما خرج به الآبق؟ فقال: إنما الخمس فيما تعمد الخروج لإصابته، فأوجف عليه بالخيل والركاب، والعبد الآبق ليس للإصابة خرج، ولا للقتال تعرض، فلذلك لم أر فيما خرج به خمسا. قلت: فإن خرج حر وعبد متلصصين فغنما؟ قال: يخمس ما أصابا، ثم يقسم ما بقي بينهما. قلت: ولم يقسم ما أصاب العبد والحر بينهما، وأنت لا تجعل للعبد في الغزو من المغانم شيئا؟ قال: لا أرى حال التلصص والغزو واحدا. قلت: فالذمي يخرج متلصصا مع الحر المسلم فيغنمان؟ قال: أرى أن يقسم بينهما ما أصابا، فيخمس حظ المسلم، ولا خمس في حظ النصراني.

قلت: ولم جعلت ما أصابا بينهما، وأنت لا تقسم للنصراني إذا غزا مع المسلم؟ قال: هذا مثل الأول؛ لأن المسلمين لا يستعينون بالعبيد والنصارى في عساكرهم، وهذا إنما خرج على وجه التلصص وحده، أرأيت لو كان نصرانيا وحده، أكان يؤخذ ما في يديه؟ قال سحنون في العبد المسلم والحر يخرجان جميعا إلى أرض العدو متلصصين مثل ما قال ابن القاسم في الذمي والحر المسلم: يكون ما أصاب العبد والحر بينهما نصفين، فما صار للحر فعليه فيه الخمس، ولا خمس على العبد في سهمه، مثل قول ابن القاسم في الذمي. قال محمد بن رشد: لأصبغ في نوازله بعد هذا في هذا الكتاب: أنه لا خمس على العبد فيما غنم كالنصراني، مثل قول سحنون، خلاف قول ابن القاسم، ووجه قول ابن القاسم: أن العبد إذا لم يكن في جملة عسكر المسلمين كالحر، في أن له ما غنم وجب أن يكون مثله في أن عليه فيه الخمس كأنه مؤمن، والله تعالى يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41] ، إلى قوله: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ} [الأنفال: 41] ، ووجه قول سحنون وأصبغ: أن الخطاب في الآية إنما هو للأحرار دون العبيد، بدليل إجماعهم أنهم لا حق لهم مع الأحرار في الغنيمة إذا غزوا معهم في عسكرهم، فوجب أن يكونوا كالنصارى في أن لا خمس عليهم فيما غنموه إذا لم يغزوا في جملة عسكر المسلمين؛ لخروجهم من الآية، وإنما لم يكن للعبيد والنصارى في الغنيمة حق مع الأحرار المسلمين إذا غزوا معهم في عسكرهم من أجل أنهم في حيز التبع لهم، فإذا

مسألة: خيل المسلمين تقاتل العدو قتالا متفاوتا أيتساوون في العطاء

لم يكونوا في حيز التبع لهم كان لهم حق في الغنيمة، وكذلك إذا خرج العبد أو النصراني مع الرجل أو الرجلين أو الثلاثة أو الأربعة كان لكل واحد منهما سهمه من الغنيمة. [مسألة: خيل المسلمين تقاتل العدو قتالا متفاوتا أيتساوون في العطاء] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن العدو يغيرون على ناحية من ثغر المسلمين، فيطلبهم خيل المسلمين، والطلب متفاوت على قدر الطاقة، فأدركهم بعض من طلب، والناس في آثارهم متساربون، فقاتلهم الأولون، فأظفرهم الله فقتلوا وأسروا وأصابوا ما كان معهم، أترى أن يقسموا على من حضر القتال، أم يكون ما أصابوا لجميع من خرج في الطلب، أم لأهل القرى التي خرج هؤلاء منها؟ قال: إن كان خرجوا من مسالح منصوبة للرباط، أهلها مقيمون للذب عن جميع من وراءهم من الإسلام، قسم ما أصابوا بين أهل تلك المسالح الخارج والمقيم من قاتل أو لم يقاتل، أو خرج أو لم يخرج، قال: وكذلك إن كانوا من أهل حصن في رأس الثغر، قال: وإن كانت قرا إنما فيها أهلها الذين يسكنون فيها بعيالهم، وإنما فجأهم أمر فركبوا في طلب الذين أغاروا عليم قسم ما أصابوا بين كل من طلب، أدرك القتال أو لم يدركه، حضره أو غاب عنه إذا تبين أنهم ممن خرج طالبا بالبت واليقين، وليس لمن لم يخرج في الطلب من أهل تلك القرى شيء، والخمس في جميع ذلك واجب. قال محمد بن أحمد: هذه مسألة صحيحة حسنة، ذكرها ابن سحنون

مسألة: قوم من أهل الذمة هربوا إلى العدو طائعين ثم أصيبوا بعد ذلك

لأبيه فأعجبته، وقد تقدمت في أول هذا الرسم والقول فيها، وإن كانت هذه أكمل بالمعنى بينها جميعا سواء، وبالله التوفيق. [مسألة: قوم من أهل الذمة هربوا إلى العدو طائعين ثم أصيبوا بعد ذلك] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن قوم من أهل الذمة كانوا في أرض مدينة المسلمين، فلما نزل بهم العدو مع رجل من المسلمين قادهم إليها، هربوا إلى العدو طائعين، ثم أصيبوا بعد ذلك، أيستحلوا أم لا؟ فقال: إن هربوا من ظلم كان يرتكب منهم؛ لم يحل لهم شيء من نسائهم ولا دمائهم ولا أموالهم، وإن هربوا من غير أن يتعدى عليهم، ولم يخافوا ذلك من ناحية أحد معروف بالظلم، فإنهم وإن أصيبوا، وقد لحقوا بأرض العدو، وفارقوا دار الإسلام فقد حلوا، قلت: فإن أصيبوا عند الذي أخرج العدو على أهل الإسلام فماذا ترى في أمرهم إن قالوا: إنما ارتحلنا إلى ناحية من دار الإسلام، ولم نخرج إلى دار العدو، ولا إلى العدو، وإنما خرجنا إلى هذا الرجل، وهو رجل من المسلمين، وإن كان قد أحدث خلافا؟ فقال: لا أرى لأحد أن يستحلهم ما كانوا في دار الإسلام، وإن كان نزوعهم إلى مثل ما وصفته، فإن لهم في ذلك عذرا وشبهة يحرم بها دماؤهم وأموالهم. قال محمد بن أحمد: إنما لم ير أن يستباحوا حتى يلحقوا بأرض العدو، ويفارقوا دار الإسلام، وإن كانوا قد صاروا مع العدو، من أجل الرجل الذي قاد العدو، فرأى في ذلك شبهة، ولولا ذلك لكان حصولهم مع العدو الذي هربوا إليه كوصولهم إلى العدو، ولا يستباحون إذا خرجوا إلى غير

مسألة: ناس من أهل الذمة كانوا من أهل مدينة للمسلمين وكانوا يتجسسون للعدو

عدو يريدون بلد العدو فأدركوا قبل أن يصلوا إلا أن يقاتلوا ويمتنعوا على ما قال في رسم الجواب، من سماع عيسى، فلا خلاف بين هذه الرواية وما في رسم الجواب من سماع عيسى المذكور، ولا فيما بين ذلك وبين ما في آخر سماع يحيى، وإنما هي زيادات يفسر بعضها بعضا، وبالله التوفيق. [مسألة: ناس من أهل الذمة كانوا من أهل مدينة للمسلمين وكانوا يتجسسون للعدو] مسألة قال يحيى: سألت ابن القاسم عن ناس من أهل الذمة نصارى ويهود، كانوا من أهل مدينة للمسلمين غلب عليها العدو، فأقاموا بها بعدما غلب عليها العدو، فشكا أهل مدينة للمسلمين تليهم أنهم يتجسسون للعدو، ويكونون لهم عيونا، وإذا أغار المسلمون على أهل تلك المدينة فطلبهم العدو طلب معهم أولئك النصارى الذين كانوا أهل ذمة المسلمين، فاستنقذوا ما أدركوا، وقتلوا إن قدروا، فإذا أصاب المسلمون منهم أحدا قالوا: إنا نؤمن بالذي نصنع، ونقهر عليه، فنحن نخاف إن لم أفعل أن نقتل، ولا يعرف ما يدعون من القهرة والتخويف بالقتل على ما يصنعون إلا بقولهم، قلت: أفترى أن يستحل قتلهم إذا ظفر بهم، وقد علم أنهم ركبوا من المسلمين الذي وصفت لك من شكية أهل الحصن الذين جاوروهم؟ فقال: أرى أن يقتل فيهم من علم أنه قتل، وأما من لم يعلم أنه قتل غير أنه يرى في الطلب للمسلمين، واستنقاذ ما غنموا وما أشبه هذا، فلا يستحل قتله، ولكن أرى أن يحبسوا ويطال

مسألة: أعلاج من العدو خرجوا إلينا بغير عهد ثم ادعوا السكنى

حبسهم، قلت: أرأيت إن أقاموا مع العدو بعد الأجل الذي أجل إليهم في الرحيل إلى أرض الإسلام، فأغاروا مع من يغير من العدو فسبوا وأضروا بالمسلمين، فزعموا أنهم منعوا من الرحيل، وأمروا بالغارة على المسلمين، ولا يعرف الذي ادعوا إلا بقولهم، أيستحلوا أم لا؟ قال محمد بن رشد: هؤلاء أهل ذمة لم يتبين نقضهم للعهد؛ لكونهم بمكانهم، فهم فيما يفعلون من طلبهم مع العدو واستنقاذهم ما أدركوا، وقتلهم إن قدروا بمنزلة من حارب من أهل الذمة، يحكم عليه بحكم المحارب من المسلمين، إلا أن لهم شبهة فيما يدعون من الإكراه على ذلك، وخوف القتل إن لم يفعلوا، فيسقط عنهم حكم الحرابة، فهذا عندي معنى الرواية، وقوله فيها أرى أن يقتل من علم أنه قتل معناه يقتل قصاصا به، ويكون لأولياء المقتول العفو عنه على حكم النصراني يقتل المسلم على غير حرابة، ورأى أن يطال حبسهم اجتهادا، إذا لم يثبت ما ادعوه من الإكراه، ولو ثبت ذلك لم يجب على من يقتل منهم شيء، وهذا هو الحكم فيهم أيضا إذا فعلوا ذلك بعد الأجل الذي أجل لهم، وادعوا أنهم منعوا من الرحيل، وأكرهوا على الغارة؛ لاحتمال صدقهم فيما يدعون. [مسألة: أعلاج من العدو خرجوا إلينا بغير عهد ثم ادعوا السكنى] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن أعلاج من العدو، خرجوا إلى أرض الإسلام بغير عهد، فلما أخذوا في دار الإسلام، أو أخذوا في مفازة بين المسلمين والعدو مقبلين إلى دار الإسلام مرتحلين،

ليسوا على حال الحرب، ولا بحال من يتقنص فرصة يصيبها، فزعموا أنهم إنما أرادوا السكنى في أرض الإسلام، يكونون على حال الأحرار، ولا يغرمون جزية؛ ماذا يجوز للإمام أن يقرهم عليه؟ فقال: أما بيعهم فلا يحل للإمام ولا قتلهم، ولكنه يفرض عليهم غرم الجزية، فإن قبلوا أقرهم، وإن كرهوا ردهم إلى مأمنهم ولم يستحلوا، قال: وإن كانوا حين خرجوا دعوا إلى الجزية، فقد لزم السلطان أن يقرهم على ذلك، وليس له أن يقول لهم: لا أقبل منكم إلا أن أبيعكم إن أجبت، أو أردكم إلى مأمنكم، قال: وإنما يكون الإمام محتكما في أمر من أخذ من العدو بغير عهد يرى فيهم رأيه، إذ أخذ منهم قوم انكسرت سفينتهم واضطروا إلى موضع، فصاروا فيه كالأسرى، فأخذهم المسلمون بغير عهد، وقد تبين أنهم لم يتعمدوا الخروج إلى دار الإسلام، ولكنهم ألجئوا وصاروا بأيدي من ألجئوا إليه كالأسرى في أيدي المسلمين، فأولئك إن رأى الإمام بيعهم باعهم أو يضعهم في أي منافع العامة رأى في اجتهاده لهم أي الأمور رأى فيهم مما ينظر به للعامة، فذلك إليه، قلت: أيجوز له قتلهم إن رأى ذلك؟ قال: لا أحب له قتلهم، وقد سألت مالكا عن الأسارى أيقتلون؟ قال: لا، إلا أن يخاف منهم أحد فيقتل، فإن كان في هؤلاء من يخاف مثل الرجل من العدو المشهور بالنجدة والفروسية ونحو ذلك فرأى أن يقتله، فذلك له. قال محمد بن رشد: قال في هذه المسألة: إنهم يصدقون فيما ادعوا إذا أخذوا في دار الإسلام، ولم يفرق بين قرب ولا بعد، فظاهره مثل ظاهر ما في أول رسم الصلاة بعد هذا، خلاف ظاهر ما مضى في هذا الرسم، من أن أمرهم إلى الإمام، وخلاف ما مضى في رسم الجواب، من سماع عيسى من التفرقة بين القرب والبعد، وقد مضى هناك تحصيل الخلاف في هذه المسألة

مسألة: الرجل يقتل في المعترك ولم يقاتل أيقسم له

فلا معنى لإعادته لك، وقوله في الأسير: إنه لا يقتل إلا أن يكون الفارس المعروف بالنجدة والفروسية خلاف ما يأتي في آخر الرسم الذي ذكره بعد هذا، من أنه يقتل بعد الإسار المرأة والغلام إذا قاتلا ولا يتركان لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتال النساء والصبيان؛ لأنهما قد استوجبا القتل بقتالهما، وقد مضى القول في وجه هذا الاختلاف، وتحصيل مذهب مالك في حكم الأسير، وما الواجب في أمره في أول رسم من سماع أشهب مجودا، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الرجل يقتل في المعترك ولم يقاتل أيقسم له] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقتل في المعترك في أرض العدو أو يخرج فيموت بعد أيام، أو يمرض فيموت بعد شهود القتال، ولا يكون فيمن شهد القتال، غير أنه كان في الجيش فمات بعد المعترك؛ أيقسم له أم لا؟ فقال: يقسم له في كل ما سألت عنه، قيل له: أرأيت إن لم يكونوا غنموا إلا بعد قتله أو موته أيقسم له؟ قال: نعم، قيل له: وإن لقي الجيش بعد موته أو قتله جيوشا، فقاتلوهم فقتلهم الله، فغنم المسلمون ما كان معهم، وافتتحوا حصنا بعد موته، أو قتله أيقسم له من جميع ذلك، أم لا يقسم له إلا ما غنموا قبل قتله أو موته؟ قال: بل يقسم له مما غنموا قبل قتله أو موته، ومما غنموا بعد ذلك كانت غنيمتهم من أسلاب أهل جيش قتلوهم بعد قتله أو بعد موته، أو من حصن فتح أوجفت عليه الخيل مما يصيب سرايا العسكر، أو على أي حال نالوا الغنيمة، فسهمه يجري في جميع ذلك، قيل له: أرأيت إن مات قبل القتال، فلقي الجيش العدو

مسألة: الأسير من المسلمين يهرب من العدو بأموال أصابها أتخمس

بعد موته أو قتله، ولم يكن في حياته لقاء عدو، غير أنه قد أدرب مع الناس ثم مات أيقسم له؟ قال مالك: لا يقسم له. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أنه إذا شهد القتال ثم قتل أو مات، كان له سهمه من كل غنيمة تكون بعد ذلك إلى قفول الجيش، قربت أو بعدت، وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذه المسألة في أول رسم، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: الأسير من المسلمين يهرب من العدو بأموال أصابها أتخمس] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الأسير من المسلمين يخرج من أرض العدو هاربا منهم، فيخرج بأموال أصابها لهم، أيخمس ما خرج به أم لا؟ فقال: لا خمس فيها عليه، وإنما يخمس ما يوجف عليه بالخيل والركاب، قلت: أرأيت إن خرج برقيق فادعى راتن - كذا - منها أنه حر مسلم فاستخبر، فإذا هو فصيح ينتسب إلى قوم، ويخبر بنعت منازلهم، ويزعم أنه سبي صغيرا، فسئل القوم وفيهم عدول، فيزعمون أن الذي ذكر حق، غير أنهم لا يدرون أهو الذي أصيب يوم يصف أم لا؟ فقال: هو له مملوك حتى يقيم البينة على ما ادعى من جنسه بعينه من عدول المسلمين، أو يثبت له أنه كان معروفا بالإسلام في أرض الشرك، فلا يجوز لأحد أن يسترقه بإخراجه من أرضه، ولا بشيء يصيبه. قال محمد بن أحمد: هذا صحيح كما قال؛ لأن ما خرج به الآبق من الرقيق على أن يكونوا عبيدا باستيلافه إياهم، أو كان قد سرقهم وغنمهم، فقد صح أنه ملكهم، فلا يصدق من ادعى منهم الحرية من الأصل إلا ببينة تثبت له دعواه.

مسألة: الآبق من عبيد المسلمين يلحق بأرض العدو ثم يأتي فيتعلق به صاحبه

[مسألة: الآبق من عبيد المسلمين يلحق بأرض العدو ثم يأتي فيتعلق به صاحبه] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الآبق من عبيد المسلمين، لحق بأرض العدو، ثم إن أهل تلك البلدة أرادوا مصالحة العدو، فقدم منهم ناس بعهد لما طلبوا من الصلح، وقدم معهم العبد الآبق فتعلق به صاحبه، هل له إلى أخذه سبيل، وهو يحتج والذين قدم معهم أنهم إنما خرجوا بعهد؟ وكيف إن لم يخرج الآبق مع الرسل غير أنه أقام بأرض العدو حتى صالحوا، ولم يستثن الإمام رد إباق، ولم يستثنوا شيئا، أترى أن يؤخذ مما في أيديهم من آبق وأسير؟ فقال: أما الآبق الذي خرج مع الرسل، فلا سبيل إلى حبسه، وأرى أن يرد ليوفي لهم بعهدهم، وأما كل من صالح من العدو على هدنة أو أداء جزية، فلهم كل ما في أيديهم مما حازوه قبل ذلك من أموال المسلمين، وما أصابوا من أحرار هم أسارى، لا ينبغي للإمام أن يقضيهم شيئا من ذلك، ولا ينزعه منهم إلا أن يفادوا عن طيب أنفس منهم، وسواء ما حازوا بالسبي والغلبة، وما نزع إليهم من إباق عبيدنا، هم أحق بهم للوفاء بالعهد لهم، إذا لم يستثن ذلك عليهم حين صالحوا. قال محمد بن أحمد: مساواته في هذه المسألة بين من صالح من الحربيين على هدنة أو أداء جزية في أنه لا ينتزع منهم ما في أيديهم من أسارى المسلمين الأحرار إلا أن يفادوا عن طيب أنفس منهم بعيد جدا لا يصح، وهي من المسائل التي وقعت على غير تحصيل؛ لأن هذا إنما يصح فيمن صالح منهم على هدنة، لا فيمن صالح منهم على أداء جزية؛ لأن من صالح منهم على هدنة فليسوا بأهل ذمة؛ لأنهم بائنون بدارهم

مسألة: الذميون لو سرقوا أموالا فكتموا ذلك حتى حاربوا وذلك في أيديهم أيؤخذ منهم

لا تجري أحكامنا عليهم، ومن صالح منهم على أداء الجزية، فهم أهل ذمة تجري أحكامنا عليهم، وأهل الذمة يباع عليهم من أسلم من رقيقهم، ولا يتركون تحت ملكتهم بعد إسلامهم، فكيف بأحرار المسلمين؟ فالصحيح فيهم ما في سماع سحنون أنهم يعطون قيمتهم من بيت مال المسلمين ويخرجون أحرارا، وإنما يستوي منهم من صالح على هدنة، وعلى أداء الجزية في الأموال والرقيق الذين ليسوا بمسلمين، وأما الآبق الذي خرج مع الرسل فلا سبيل لصاحبه إليه، إلا أن يشتريه منهم برضاهم، وسواء على مذهب ابن القاسم كان مسلما أو كافرا؛ لأن الرسل مؤمنون، ومذهبه أن المستأمنين كتجار الحربيين وغيرهم ممن دخل بأمان، لا يباع عليهم العبيد المسلمون، ولا ينزع منهم أسارى المسلمين من الرجال والنساء، ويكون لهم الرجوع بهم إلى بلادهم، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أنهم في حكم أهل الذمة يباع عليهم من أسلم من رقيقهم، ويعطون قيمة أسارى المسلمين، ولا يمكنون من الرجوع، وحكى أن ذلك إجماع من قول مالك وأصحابه إلا ابن القاسم، وسنزيد هذه المسألة بيانا في سماع سحنون، إن شاء الله. [مسألة: الذميون لو سرقوا أموالا فكتموا ذلك حتى حاربوا وذلك في أيديهم أيؤخذ منهم] مسألة قلت: أرأيت أهل ذمتنا لو سرقوا أموالا لنا وعبيدا، فكتموا ذلك كما تكتم السرقات، وأخفوها حتى حاربوا وذلك في أيديهم، ثم صالحوا على أن رجعوا إلى حالهم من غير غرم الجزية التي كانت عليهم، أيؤخذ منهم ما كانوا سرقوا قبل المحاربة وقبل الصلح الذي استحدثوا؟ قال: لا أرى إلا أن يوفى لهم بالعهد، ولا ينزع منهم شيء مما حاربوا عليه ثم صالحوا، وهو في أيديهم. قلت: أفترى إذا اطلعنا على السرقات المتقادمة في أيديهم

مسألة: العلج من العدو يخرج إلى دار الإسلام بلا عهد فيوجد عند أقاربه

وهم يوم سرقوها أهل ذمة لنا أن يخيرهم الإمام بين أن يردوها طوعا، أو يردوهم إلى حالهم من الحرب ثم يقاتلهم إن أبوا مردها. قال: نعم، أرى ذلك للإمام إلا أن يشترطوها في صلحهم، ولا أرى ما في أيديهم من السرقات التي وصفت بمنزلة ما حازوا في أوان حربهم فهو لهم، ولا خيار للإمام في نقض صلحهم من أجلها، كما يجوز له ذلك في هؤلاء. قال محمد بن رشد: قد اختلف في تجار الحربيين إذا نزلوا بأمان، فسرقوا أموال المسلمين وعبيدهم وأحرارهم، ثم رجعوا إلى بلادهم، فنزلوا ثانية على أمان، وذلك في أيديهم، أيوخذ لهم أو يترك لهم؟ وقع اختلاف قوله في ذلك، في رسم يدير ماله، من سماع عيسى، من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، واختلاف قوله داخل في هذه المسألة، إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى، وأصح القولين أن يؤخذ ذلك منهم ولا يترك لهم، لا سيما في مسألة أهل الذمة إذا حاربوا، ثم رجعوا إلى غرم الجزية والدخول في الذمة لوجهين؛ أحدهما: أنهم يتهمون على أنهم قصدوا إلى أن يحاربوا، ثم يرجعوا ليكون لهم ما أخذوا، والثاني: مراعاة قول من يقول: إن ذمتهم لا تنتقض، وإن جزيتهم لا تبطل، والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: العلج من العدو يخرج إلى دار الإسلام بلا عهد فيوجد عند أقاربه] ومن كتاب الصلاة مسألة وسألته عن العلج من العدو يخرج إلى دار الإسلام بلا عهد

مسألة: العلج من العدو يخرج بأمان إلينا فيستودع الرجل من المسلمين مالا

فيوجد عند أقاربه، فيقول: أردت أن أكون من أهل الجزية أوديها إلى المسلمين، وأقيم ببلدهم، أو يقول: جئت زائرا لقرابتي. فقال: لا أرى للإمام أن يسترقه ولا يبيعه. قلت: فالذي قدر عليه، وأخذه عند قرابته ما ترى له فيه حقا؟ قال: لا حق له فيه، ولكن إن رأى الإمام أن يقره على غرم الجزية، فذلك له إن قبل العلج، وإن كره غرمها كان على الإمام رده إلى مأمنه، ولا يستحل دمه ولا رقه. قال محمد بن أحمد: لم يفرق في هذه الرواية بين أن يوجد عند أقاربه بالقرب أو بالبعد، فالظاهر منها أن ذلك عنده سواء، خلاف ما مضى في رسم الجواب، من سماع عيسى، وقد مضى هناك تحصيل القول في هذه المسألة، فلا معنى لإعادته. [مسألة: العلج من العدو يخرج بأمان إلينا فيستودع الرجل من المسلمين مالا] مسألة وقال ابن القاسم في العلج من العدو يخرج بأمان إلى أرض الإسلام، فيستودع الرجل من المسلمين مالا، ثم يرجع إلى أرضه فيصيبه المسلمون بعد، فيباع في المغانم: إن ذلك المال المستودع يكون فيئا للمسلمين بإصابتهم العلج، وببيعهم إياه؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من باع عبدا له مال، فالمال للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع» . قال: وإن أسر ثم قتل، فالمال الوديعة أيضا فيء للمسلمين؛

مسألة: أسير استودع ماله فقتل في المعركة ولم يؤسر

لأن رقبته قد صارت في ملكهم، فما كان بأيدي المسلمين من ماله المستودع فهو كما أصابوا معه من ماله. قال: وإن قتل في المعركة بلا أسر، أو مات في أرضه رد المال المستودع إلى ورثته حيت كانوا؛ لأنه اؤتمن عليه، ثم لم يملك المسلمون رقبة العلج بعد ذلك، فأحق الناس بماله إذا لم يصر رقا للمسلمين من ورث ذلك عنه. قال محمد بن رشد: قوله: إن الأسير إذا بيع في المقاسم أو مات أو قتل بعد الأسر، يكون المال الذي كان له في بلد الإسلام مستودعا للمسلمين، معناه يكون غنيمة للجيش، يخمس وتجري فيه السهام، وكذلك قال ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن ابن الماجشون وأصبغ، وعزاه إلى ابن القاسم، وذلك بين في المعنى، قائم من قوله في الكتاب: فهو كما أصابوا معه من ماله، وحمل فضل قول ابن القاسم على ظاهره من أنه يكون فيئا لجميع المسلمين ولا يخمس، وهو بعيد في المعنى، وإن كان عليه دين فغرماؤه أحق به من الجيش، بخلاف ما غنم معه. [مسألة: أسير استودع ماله فقتل في المعركة ولم يؤسر] مسألة قال ابن القاسم: في سماع عيسى وأصبغ من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وسيأتي القول على ذلك هناك إن شاء الله تعالى، وأما إذا قتل في المعركة ولم يؤسر، فجعله ابن القاسم بمنزلة إذا مات بأرضه يرد المال المستودع إلى ورثته، وقال ابن حبيب: إنه يكون فيئا لجميع المسلمين، وعزاه إلى ابن القاسم، ولا يخمس، ولكلا القولين وجه من النظر، وبالله التوفيق.

قال: ولا بأس أن ترمى الحصون بالمجانيق حصون العدو، وإن كان فيهم نساء وصبيان. قلت: أيحرقون عليهم إذا اعتصموا بالغيران والقلاع التي لا تنال إلا بالتحريق، أو يدخن عليهم حتى يغموا، فيستأسروا، وربما مات بعضهم غما؟ فقال: والتدخين عليهم مكروه، ولا يصح أن يقاتلوا به. قلت: فكيف يصلح لنا أن نقاتلهم في السفن برمي النفط؟ قال محمد بن أحمد: قوله: لا بأس أن يرمي الحصون - حصون العدو - بالمجانيق، وإن كان فيهم نساء وصبيان هو دليل ما في المدونة والحجة في إجازته، ما روي: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمى أهل الطائف بالمجانيق، فقالوا: يا رسول الله، إن فيها النساء والصبيان، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هم من آبائهم» ، وكراهيته التدخين عليهم والتحريق، إذا اعتصموا بالغيران والقلاع، معناه إذا كان معهم النساء والصبيان، بدليل عطفه السؤال على مسألة النساء والصبيان، فذلك مثل ما في المدونة سواء، وقوله: فكيف يصلح لنا أن نقاتلهم في السفن برمي النفط؟ معناه إذا كان فيهم النساء والصبيان، بدليل عطفه إياها على مسألة النساء والصبيان، فلم يجبه على الفرق في ذلك بين الحصون والسفن، والفرق بينهما الضرورة إلى ذلك في السفن؛ لأنهم إن لم يرموهم بالنار رموهم به، فأحرقوهم ولا يقدرون على ذلك في الحصون، وفيما يجوز من ذلك كله مما لا يجوز اختلاف كثير في المذهب، تحصيله أن الحصون إذا لم يكن فيها إلا المقاتلة، فأجاز في المدونة أن يرموا بالنار، ومنع من ذلك

مسألة: المرأة والغلام الذي لم يحتلم من العدو يقاتلان مع العدو ثم يوسران

سحنون، وقد روى ذلك عن مالك، من رواية محمد بن معاوية الحضرمي، ولا خلاف فيما سوى ذلك من تغريقهم بالماء، ورميهم بالمجانيق وما أشبه ذلك، وأما إن كان فيهم مع المقاتلة النساء والصبيان، ففي ذلك أربعة أقوال؛ أحدها: أنه يجوز أن يرموا بالنار، ويغرقوا بالماء، ويرموا بالمجانيق، وهو قول أصبغ فيما حكاه عنه ابن مزين. والثاني: أنه لا يجوز أن يفعل بهم شيء من ذلك كله، وهو قول ابن القاسم، فيما حكاه عنه الفضل. والثالث: أنه يجوز أن يرموا بالمجانيق، ويغرقوا بالماء، ولا يجوز أن يرموا بالنار، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. والرابع: أنه يجوز أن يرموا بالمجانيق، ولا يجوز أن يغرقوا ولا يحرقوا، وهو مذهب مالك في المدونة، وأما إذا كان فيه مع المقاتلة أسارى المسلمين، فلا يرموا بالنار ولا يغرقوا بالماء، واختلف في قطعه عنهم، ورميهم بالمجانيق، فقيل: ذلك جائز، وهو قول ابن القاسم وأشهب في سماع سحنون، وقيل: لا يجوز، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن مالك وأصحابه المدنيين والمصريين، وأما السفن فإن لم يكن فيها أسارى المسلمين جاز أن يرموا بالنار للعلة المتقدمة، وإن كان فيها النساء والصبيان قولا واحدا، وإن كان فيها أسارى المسلمين، فقيل: إن ذلك جائز، وهو قول أشهب في سماع سحنون، وقيل: لا يجوز، وهو قول ابن القاسم فيه، والله الموفق. [مسألة: المرأة والغلام الذي لم يحتلم من العدو يقاتلان مع العدو ثم يوسران] مسألة وقال في المرأة والغلام الذي لم يحتلم من العدو يقاتلان مع العدو، ثم يوسران إن قتلهما بعد الإيسار حلال جائز، كما كان يحل ذلك منهما في حال القتال والمكابرة قبل الأسر ولا يتركان؛ «لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتل النساء والصبيان» ؛ لأنهما قد استوجبا القتل بقتالهما. قال محمد بن أحمد: يريد بقوله: لا يتركان؛ لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أي لا يترك قتلهما تحرجا، إذ لا تؤمن غائلتهما؛ لأن قتلهما واجب، وإن أمنت

مسألة: العدو يرسل رجلا إلى المسلمين للهدنة فإذا هو ممن نزع إليهم من المسلمين

غائلتهما، وذلك بين من قوله في أول المسألة إن قتلهما حلال جائز، وهذا خلاف ما مضى في الرسم الذي قبل هذا من أن الأسير لا يقتل إلا أن يكون من أهل النجدة والفروسية، والاختلاف في هذه عائد إلى ما هو محمول عليه، فمرة حمله على أن له غائلة حتى يتحقق أنه لا غائلة له، ومرة حمله على أنه لا غائلة له حتى يتحقق أن له غائلة، وكذلك أيضا إن جهل حال الأسير، هل هو من أهل النجدة والفروسية، أو ليس من أهلها، يجري على هذا الاختلاف، وقد مضى في أول رسم من سماع أشهب تحصيل القول في حكم الأسير على مذهب مالك، فلا معنى لإعادته. [مسألة: العدو يرسل رجلا إلى المسلمين للهدنة فإذا هو ممن نزع إليهم من المسلمين] ومن كتاب المكاتب مسألة قال: وسألته عن العدو يرسلون رجلا إلى المسلمين للهدنة، فإذا هو ممن نزع إليهم من المسلمين، وارتد في دارهم، أيستتاب أم يرد إليهم؟ قال: إن كان أمن فليرد إليهم، وليوف له بالعهد، وإن كان جاء بغير أمان، ولا عهد، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل، حاله حال المرتد في دار الإسلام. قلت: أرأيت إن كان أبواه مسلمين أصابهما العدو، فولد في دار الشرك فتنصر، وترك دين أبويه وظفر به؟ قال: لا يستتاب ولكن حاله حال السبي والأسر إن أذن الإمام في قتله قتلوه، وإن استحيي فهو فيء للمسلمين الذين أصابوه. قلت: وليس حاله حال الذي يولد في دار الإسلام؟ قال: لا، قلت: فالذي يولد في دار الإسلام، ثم يصاب صغيرا مع أبويه أو دونهما، فتنصر أيستتاب إذا أصيب؟

قال: لا يقتل ولكن يجبر على الإسلام بالضرب والتهديد والغلظة والشدة من الإمام عليه، ويكون حرا لا يسترق ولا يكون فيئا للذين أصابوه، وذلك أنه ولد في دار الإسلام فأصابه العدو أو خرج به أبواه، فهو من أبناء المسلمين الأحرار. قال محمد بن أحمد: اختلف إذا أمن الرجل على أنه حربي، فانكشف على أنه مرتد أو عبد لمسلم أو ذمي، فقيل: له الأمان، ولا يستتاب إن كان مرتدا، ولا يرد إلى سيده إن كان عبدا، وهو قول ابن القاسم، هذا واحد قولي أشهب، وقيل: لا أمان له، وإن اشترط أن لي الأمان وإن كنت مرتدا أو عبدا، وإلى هذا ذهب ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وأشهب، وقيل: لا أمان له إلا أن يشترط، روي ذلك عن ابن القاسم، وهو دليل قول الأوزاعي وسحنون، ومن يرى أن المحارب من المسلمين إذا امتنع فأمن على أن ينزل أن له الأمان، وما ذهب إليه ابن حبيب أظهر الأقوال؛ لأنه إن لم يشترط فلا يكون له الأمان، إذ قد انكشف من حاله خلاف ما أمن عليه، وإن اشترط فالشرط إنما هو إبطال حد الله فيه إن كان مرتدا، وإبطال حق صاحبه فيه إن كان عبدا، وذلك مما لا يجوز. وأما قوله: إن كان أبواه مسلمين أصابهما العدو، فولد في أرض الشرك فتنصر، وترك دين أبويه وأخذ بغير عهد؛ أنه لا يستتاب، وحاله حال الأسير إن رأى الإمام أن يقتله قتله، وإن رأى أن يبقيه كان فيئا لمن أصابه، فالوجه فيه أنه حكم له بحكم الدار في الكفر لا بحكم أبويه في الإسلام، فغلب حكم الدار على حكمهما الذي هو أن يكون الولد مثلهما بإسلامهما، وجعل الدار له بمثابة أن لو كان أبواه كافرين في أنهما «يهودانه أو ينصرانه» ، كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المشهور

المعروف، وهذا على أصله في المدونة فيمن أسلم في بلد الحرب، فغزا المسلمون تلك الدار فأصابوا فيها ماله وولده؛ أنهم فيء؛ لأنه حكم له بحكم الدار في الكفر، ولم يرهم مسلمين بإسلام أبيهم خلاف قول بعض الرواة فيها، ومذهب سحنون: أن ماله تبع له في الإسلام، فعلى قول بعض الرواة فيها ومذهب سحنون يكون حال الولد في هذه المسألة حال المرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل إذا كان أبواه مسلمين، وإن ولد في دار الكفر، وسواء على ظاهر قول ابن القاسم، هذا بقي أبواه معه في بلد الحرب أو لم يبقيا، خلاف ما حمل عليه أبو إسحاق التونسي قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، من أن معناه: إذا خرج بعد إسلامه، فسبي المال والولد بعد خروجه، إلا أن يفرق بين المسألتين بكون الأبوين مسبيين في هذه المسألة، فإذا لم يفرق بذلك بين المسألتين تحصل فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يحكم للولد بحكم الدار. والثاني: أنه يحكم له بحكم الأب. والثالث: الفرق بين أن يكون الأب مقيما مع ولده ببلد الحرب أو لا يكون. ولا إشكال فيما اكتسب الأسير في بلد الحرب، وهو فيه على وجه الملك لا على وجه الحرية، أنه لا تراعى يده عليه. وقوله بعد ذلك في الذي يولد في دار الإسلام: ثم يصاب صغيرا مع أبويه أو دونهما، أنه لا يستتاب، فيقتل إن أبى الإسلام، وأنه يكون حرا لا يسترق استحسان على غير قياس، إذ لم يحكم له بحكم الإسلام بولادته في بلد الإسلام، فيقول: إنه يستتاب فإن تاب، وإلا قتل كما قال: إنه يكون حرا لا يسترق، ولا يحكم له بحكم دار الكفر التي نشأ فيها، فيقول: إنه يسترق، وكما قال: إنه لا يقتل إذا أبى الإسلام، والوجه فيما ذهب إليه أنه رأى ولادته في بلد الإسلام شبهة تمنع من استرقاقه، ونشأته في دار الكفر من صغره على الكفر شبهة توجب ألا يقتل إن أبى الإسلام، وما كان ينبغي أن يختلف إذا أصيب

مسألة: العبد يشترى من المقاسم فزعم أن له فداء يرغب في مثله فيرهن سيده ابنه

صغيرا لا يعقل ابن سنة ونحوها دون أبويه، فنشأ على الكفر في أنه يكون فيئا، ولا يجبر على الإسلام، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يشترى من المقاسم فزعم أن له فداء يرغب في مثله فيرهن سيده ابنه] مسألة وسألته عن العبد يشترى من المقاسم، فزعم أن له فداء يرغب في مثله، فيرهن سيده ابنه أو ابنته، ثم يطلقه ليأتي بالفداء، فيحتبس ويقيم ببلده؛ أيسترق الولد؟ قال: إن كان الولد كبيرا قد بلغ الحلم، فإنه يسترق ويستخدم إن خاتر أبوه بسيده. قلت له: أيبيعه كما كان يجوز له بيع الأب؟ قال: نعم، إذا تبين خبر الأب، ونقض ما ترك عليه من العهد للرجوع بالفداء. قال: وإن كان الولد صغيرا لم يبلغ الحلم، رأيت أن يطلقه إذا تبين ختر أبيه بالعهد، والترك للوفاء مما يطلق عليه. قلت: فالابنة عندك بمنزلة الابن سواء؟ قال: نعم، إذا بلغت المحيض وعرفت ما يراد بها، فأمرها وأمر الابن واحد. قلت: أرأيت إن مات في أرضه بالطريق أو قتل، فعلم أنه لم يختر سيده، أو حبس عن الرجوع حتى يتبين عذره ما يحل للسيد من الولد المرتهن؟

مسألة: رجل يأسره العدو يسبون معه امرأته وأمته أيجوز له وطء الأمة والمرأة

قال: إذا ثبت براءته، حرم على السيد استرقاق ولد المرتهن، ولزمه إطلاقه، ورده إلى مأمنه. قال محمد بن أحمد: أجاز في المدونة اشتراء أولاد الحرب من آبائهم إذا لم يكن بيننا وبينهم هدنة، وإذا جاز اشتراؤهم منهم جاز ارتهانهم منهم، وبيعهم فيما رهنوهم فيه على ما يأتي في سماع أصبغ عن أشهب، ولم يجز في هذه المسألة لسيد العبد بيع ابنه الذي رهنه إياه إذا خاتر به، وترك الرجوع لفدائه، فالفرق بين المسألتين أن الحربي حاكم على ولده في بلده، فجاز له اشتراؤه منه إذا باعه، وارتهانه منه إذا رهنه، وبيعه فيما رهنه به، والعبد الأسير لا حكم له على ولده الباقي في دار الحرب، فإذا رهنه عند سيده برضاه وهو صغير من غير أن يسترقه أو يأذن له في ذلك مالك أمرهم ووالي بلدهم، ثم لم يرجع لفدائه، لم يجز لسيده أن يبيعه إذا لم يرض بذلك، ولا علم قدر ما أدخل فيه نفسه لصغره بخلاف الكبير، وقد ذهب كثير من أهل النظر إلى أن هذه المسألة معارضة لما في المدونة، ولما في سماع أصبغ عن أشهب، والصحيح ألا تعارض في ذلك على ما بيناه من حكم الفرق في ذلك. [مسألة: رجل يأسره العدو يسبون معه امرأته وأمته أيجوز له وطء الأمة والمرأة] مسألة قال: وسألته عن الرجل يأسره العدو يسبون معه امرأته وأمته، أيجوز له وطء الأمة والمرأة؟ قال: إن أمن أن يطاهما الذي أصابهما من العدو، وأيقن بالبراءة من ذلك، فلا جناح عليه في وطئهما على التحليل، غير أني أكره ذلك لما أخاف من بقاء ذريته في أرض الحرب، وما أرجو له من السلامة. قيل له: أفترى وطء الأمة والمرأة في ذلك سواء؟

مسألة: الأسير أيقسم له

فقال: كأني أرى الذي سباهم من العدو قد ملك الأمة ملكا، لو أسلم لم تنتزع منه، والحرة ليست كذلك، فلو ترك الأمة لكان أحب إلي. قال محمد بن أحمد: أما الحرة فالأمر في وطئها على ما قال باتفاق، وأما الأمة فيتخرج جواز وطئها إذا أيقن بالبراءة على مذهب من قال: إن أهل الحرب لا يملكون على المسلم ماله، وأنه أحق به إذا غنم منهم قبل القسم وبعده بغير ثمن، وتحريمه إن أيقن بالبراءة على مذهب من يرى أنهم يملكون عليه ماله، فيكون إن غنم منهم غنيمة للجيش لا سبيل لصاحبه إليه، وإن أدركه قبل القسم، وكراهيته على مذهب مالك في أنه أحق بماله إن أدركه قبل القسم بغير ثمن، وأنه إذا لم يعلم صاحبه بعينه، وإن علم أنه للمسلمين. [مسألة: الأسير أيقسم له] مسألة قال: وسألته عن الأسير أيقسم له؟ قال: نعم، إذا كان الإيسار بعد القتال. قلت: ولفرسه إن أصيب معه، أو عقر تحته، أو خلفه عند أصحابه؟ فقال: في ذلك كله: يقسم له ولفرسه إذا شهد القتال. قال محمد بن أحمد: قد مضى تحصل القول في هذه المسألة في أول رسم، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

مسألة: الكلب يصيبه الرجل في أرض العدو أيجوز للإمام بيعه

[مسألة: الكلب يصيبه الرجل في أرض العدو أيجوز للإمام بيعه] مسألة قال: وسألته عن الكلب يصيبه الرجل في أرض العدو، أيجوز للإمام بيعه إذا كان له ثمن؟ قال: نعم، ولا يجوز لأحد يصيبه أن يحبسه دون الإمام، ولا أرى بأسا أن يباع في المغانم، وروى معن بن عيسى عن مالك أنه قال في كلاب العدو الصائلة وغيرها: إنها لمن أخذها، وليس عليه أن يأتي بها إلى صاحب المقاسم. قال محمد بن أحمد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها، في رسم سلف دينارا في ثوب إلى أجل، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: للفرس سهمين وللرجل سهما] ومن كتاب الأقضية مسألة قال يحيى: وسألت ابن نافع عما جاء من سهمان الفرس، إذ جعل له سهمان، وللرجل سهم، أيرفع ذلك إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم لا؟ فقال: حدثني عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض للفرس سهمين، وللرجل سهما» ، قال: وحدثني أيضا عن عبد الله بن عمر بن حفص، عن رجل أخبره قال: غزا أبي على عهد عمر بن الخطاب غزاة

مسألة: ذميون استألفوا عبيدا للمسلمين وجمعوا أموالهم وذراريهم فأسروا

بهارلد، فأصابوا غنائم كثيرة، قال: فأخبرني أنه قسم له ولفرسه ثلاثة وثلاثين ألفا، وقسم للراجل من الغزاة يومئذ أحد عشر ألفا. قال ابن نافع: بذلك مضت السنة. محمد بن أحمد: هذا أمر متفق عليه في المذهب، وقال ابن سحنون: ما علمت من علماء الأمة من قال: إن للفرس سهما وللفارس سهما غير أبي حنيفة، وقد خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وما أرى أن يدخل هذا في الاختلاف. [مسألة: ذميون استألفوا عبيدا للمسلمين وجمعوا أموالهم وذراريهم فأسروا] ومن كتاب أوله أول عبد أبتاعه فهو حر مسألة قال: وسألته عن ناس من أهل الذمة استألفوا عبيدا للمسلمين، وجمعوا أموالهم وذراريهم، أو الأموال بغير ذراري، أو خرجوا بأبدانهم مع العبيد الذين استألفوهم، أو بغير عبيد، فركبوا البحر، فبينما هم يسحلون برية الإسلام ليمكنهم طيب الريح، أو لعلهم أرادوا إلى مينا ليقلعوا منها ذاهبين، إذ شعر بهم المسلمون فأسروهم، أيحل دماؤهم وأموالهم بركوبهم البحر، وخروجهم من دار الإسلام بغير علم الإمام أو علم أحد من المسلمين؟ قال: لا أرى لأحد أن يستحلهم ولا أموالهم؛ لأن لهم في ركوب البحر عذرا بأن يقولوا: أردنا أن ننتجع ناحية للمير أو لرفق

مسألة: غزوا بعض جزائر الروم وكان لهم رسول أيشركهم فيما أصابوا

يذكرون نزوعهم إليه، قلت: فإن لججوا في البحر حتى ينقطع عنهم ما اعتذروا به من مسايرة الساحل؟ قال: ولا أرى أن يحلوا بذلك. قلت له: فيما تراهم يستحلون به؟ قال: إذا لحقوا بدار الحرب، وصاروا في منعتهم. قلت: أرأيت إن امتنعوا في الساحل حين أراد المسلمون إنزالهم، وأنكروا عليهم ركوبهم، فدفعوا وامتنعوا حتى أسروا وصنعوا مثل ذلك في لجج البحر. قال محمد بن أحمد: ما لم يجاوب عليه في هذه المسألة قد تقدم جوابه فيه في رسم الجواب، من سماع عيسى، ومضت المسألة هناك، وفي رسم الكبش من هذا السماع، باختلاف ألفاظ وزيادات في بعضها تبين غيرها، ومضى القول على ذلك كله، فلا معنى لإعادته. [مسألة: غزوا بعض جزائر الروم وكان لهم رسول أيشركهم فيما أصابوا] مسألة وسألته: عن أهل مركب غزوا في البحر بعض جزائر الروم، فلما نزلوا ببعض مياههم أرسلوا رجلا منهم إلى ناحية من الجزيرة ليخبر لهم ما فيها من مراكب المسلمين، فأبطأ الرسول عنهم فأقلعوا إلى موضع فأصابوا فيه غنائم، أيشركهم الرسول فيما أصابوا مما غاب عنه، وقد كان الرسول حين أتى الموضع الذي أرسل إليه وجد مراكب المسلمين فدخلها؟

قال: إن كان الرسول ذهب إلى ما أمر به، وجاء فوجد أصحابه قد ذهبوا عنه فسهمانه فيما أصابوا واجب، وإن كان قعد عنهم تاركا لهم مستقلا عنهم إلى الذي أقام عندهم، فلا حق له فيما غنم أصحابه الذين تركهم. محمد بن أحمد: هذا بين على ما قال؛ لأن الرسول إنما أرسلوه فيما يخصهم من أمر عدوهم، فإذا لم ينتقل عنهم إلى غيرهم وذهب لما أمر به، فقدم عليهم بعد أن غنموا، فسهمانه في ذلك واجب؛ لأنه كان معينا لهم في مغيبه عنهم، وكذلك لو أرسلوه قبل خروجهم فيما يخصهم من أمر عدوهم على أن يلحقهم فلم يدركهم إلا بعد أن غنموا، لوجب أن يكون له سهمه معهم في ذلك، وإنما اختلف أهل العلم من هذا المعنى في المدد يقدم على العسكر بأرض الحرب بعد الغنيمة، فذهب مالك والشافعي إلى أنه لا حق لهم في الغنيمة، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنهم يشركونهم في الغنيمة؛ لأنهم ما كانوا ببلد الحرب لا يأمنون أن يطرأ عليهم من العدو من ينتزع الغنيمة منهم، والحجة لمالك ما روي عن أبي هريرة قال: «بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبان بن سفيان على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان وأصحابه على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر بعدما افتتحت، وسألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقسم لهم، فلم يقسم لهم شيئا» . واعتل من احتج لأبي حنيفة بأن قال: يحتمل

مسألة: رجل من المسلمين تخلف عنهم ثم أغار عليهم وأخافهم وسبى وقتل

أن يكون النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لم يقسم لهم؛ لأنهم لم يقدموا عليه إلا وخيبر قد صارت دارا للمسلمين فاستغنى عن معونتهم. قال: ويحتمل أيضا أن يكون لم يقسم لهم؛ لأن خيبر كان لأهل الحديبية بوعد الله إياهم إياها في سورة الفتح: روي عن أبي هريرة أنه قال: «ما شهدت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مغنما إلا قسم لي إلا خيبر؛ فإنها كانت لأهل الحديبية خاصة» . قال: وفي ترك إنكار رسول الله عليهم سؤالهم دليل على أنهم لم يسألوا محالا، والله أعلم. [مسألة: رجل من المسلمين تخلف عنهم ثم أغار عليهم وأخافهم وسبى وقتل] مسألة وسألته عمن تخلف من أهل برشلونة من المسلمين، عن الارتحال عنهم بعد السنة التي أجلت لهم يوم فتحت في ارتحالهم،

فأغار على المسلمين وأخافهم، وسبى وقتل ولم يقتل، غير أنه قد أصاب الأموال، أيحل دمه وماله أو استرقاقه إن أسر، وإنما إقامته على الإسلام تعوذا مما يخاف من القتل إن ظفر به؟ فقال: ما أراه إلا بمنزلة المحارب الذي يتلصص في دار الإسلام من المسلمين، وذلك أنه مقيم على دين الإسلام، فإن أصيب فأمره إلى الإمام يحكم فيه بمثل ما يحكم به في أهل الفساد والحرابة، وأما ماله فلا أراه يحل لأحد أصابه، قال: وإن كان ما يصنع مما يكره عليه ويؤمر به، فلا يستطيع عصيان من يأمره خوفا على دمه، فلا أراه حاربا، ولا أرى عليه إن أخذ قتلا ولا عقوبة إذ تبين أنه يخاف ويؤمر به. قال محمد بن أحمد: قوله: إنهم في غاراتهم على المسلمين بمنزلة المحاربين، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن المسلم إذا حارب، فسواء كانت حرابته في بلد الإسلام أو في بلد الكفر الحكم فيه سواء، وأما قوله في ماله: إنه لا يحل لأحد أصابه، فهو خلاف ظاهر قول مالك في المدونة في الذي يسلم في بلد الحرب ثم يغزو المسلمين تلك الدار، فيصيبون أهله وماله وولده، أن ذلك كله فيء إذ لم يفرق فيها بين أن يكون غنم الجيش ماله وولد قبل خروجه أو بعد خروجه، وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أن معنى قوله: إذا كانت غنيمة ماله وولده بعد خروجه، فحمل قول مالك على الوجه الذي تكلم عليه ابن القاسم إذا كانت الغنيمة بعد خروجه، وقد مضى في أول رسم المكاتب ما يدل على أنه لا يمتنع أن يدخل الخلاف في ذلك، ويحكم للمال والولد بحكم الدار في السبي والدين وإن كان مقيما به، ولم يخرج بعد منه،

مسألة: رجل أسره العدو ثم غنمه المسلمون فيشتريه رجل ثم يتبين أنه حر

وأما قوله: لا أرى عليه إن أخذ قتلا، ولا عقوبة إذا تبين أنه مخالف ويؤمر به، فمعناه لا يقتل بالحرابة؛ لأن الإكراه يسقط عنه حكمها لا أنه يسقط القتل عنه قودا بمن قتل، ولو ادعوا الإكراه ولم يثبت وأشبه دعواهم، ولم يتبين كذبهم؛ لوجب أيضا أن يسقط عنهم حكم الحرابة بالشبهة، ويؤخذون بحقوق الناس من الدم والمال، ويطال سجنهم أدبا لهم على قياس ما قال في رسم الكبش في أهل الذمة. [مسألة: رجل أسره العدو ثم غنمه المسلمون فيشتريه رجل ثم يتبين أنه حر] ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع مسألة وسألته عن الرجل من سفلة الناس يأسره العدو أو الذمي، ثم يغنمهم المسلمون فيشتريهما رجل في المقاسم أو يأخذهما في سهمانه، ثم يتبين له أنهما حران؟ فقال له: لا أرى له عليهما سبيلا؛ لأنهما حران ساعة أصابهما المسلمون، قلت: أفلا يتبعهما بالذي اشتراهما به؟ أرأيت لو كان اشتراهما في أرض العدو وهما أسيران، أما كان يتبعهما بما اشتراهما به؟ فقال: بلى، وليس اشتراؤه إياهما في الأسر بمنزلة اشترائهما في المغانم؛ لأنهما في أرض العدو في رق استنقذهما منه، وهما حين صارا بأيدي المسلمين فقد خرجا من ذلك الرق، وصارا إلى الحرية التي كانا عليها، قلت: فما ترى في حق المشتري إن كان أحدهما في سهمانه أو اشتراهما في المقاسم؟

الحصن يرمى بالنار والمنجنيقات ومعهم الصبيان

فقال: أراهما مصيبة دخلت عليه، إلا أن يدرك قبل المقاسم، فيسقط ذلك الثمن عنه. قلت: فإن فات ذلك أينبغي للإمام أن يخلف له من الخمس أو من بيت المال؟ فقال: نعم، ذلك حسن. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول عليها مستوفى قرب آخر سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [الحصن يرمى بالنار والمنجنيقات ومعهم الصبيان] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الحصن يرمى بالنار والمنجنيقات ومعهم الصبيان، قال المنجنيقات فذلك وجه الشأن فيه، وإن كان معهم الصبيان، وأما النار فلا أحب ذلك، وليس هو مثل المراكب؛ لأن المراكب ذلك هم بدءونا به، وقاتلونا بالنار، فمن ثم جاز لنا أن نقاتلهم بالنار. قال محمد بن أحمد: هذه المسألة قد مضى القول عليها محصلا مستوفى في رسم الصلاة، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وكان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكره أن يقاتل العدو بالنبل المسموم والسلاح المسموم، قال: لم يبلغني أن رسول الله قاتل أحدا بشيء من السم. [مسألة: رمي على مركب المسلمين نار فخافوا النار فهل يلقوا بأنفسهم في الماء] مسألة قلت: فإن رمي على مركب المسلمين نار، فخافوا النار، أترى لهم سعة في أن يلقوا بأنفسهم في الماء فيموتوا؟ قال: نعم، كذلك قال مالك.

مسألة: عقر غنم وبقر أعداء المسلمين

قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة لمالك أجاز الفرار من موت إلى موت أيسر منه، ولم ير ذلك عونا على قتل نفسه، واختلف فيه قول ربيعة، فمرة قال: لا يحل ذلك، ومرة أجازه، والصواب إن شاء الله أن ترك ذلك أفضل، وفعله جائز لا إثم على فاعله فيه؛ لأنه إذا أيقن بالهلاك ولم يشك فيه، فلم يعن على قتل نفسه، وإنما سعى في التخفيف عنها، والله تعالى أسأل في العافية. [مسألة: عقر غنم وبقر أعداء المسلمين] مسألة قال: وقال مالك: تعقر غنمهم وبقرهم إن لم يحتاجوا إلى ذلك، وكل ما قدروا على أن يهلكوهم به. قال محمد بن أحمد: يريد أنها تعقر بالإجهاز عليها، وتحرق بعد ذلك إن خشي أن ينتفع العدو بها بعد عقرها، وذلك أفضل من تركها لهم يبغون بها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120] ، وإنما نهى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يزيد بن أبي سفيان بقوله: ولا تعقرن شاة أو بعيرا إلا لمأكلة، لما علمه من ضعف العدو ورجائه من سرعة تصيير ذلك للمسلمين. [مسألة: رسل من الروم أسلم بعضهم فقام عليهم أصحابهم وأرادوا ردهم معهم] مسألة قال: وقال ابن القاسم: أرسل ملك الروم للخليفة رسلا من الروم، فأسلم بعضهم، فقام عليهم أصحابهم، وأرادوا ردهم معهم، فقال مالك: ذلك لهم أن يردوا معهم إلى بلادهم. قال ابن القاسم: وكذلك فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أبي جندل.

مسألة: كتب العدو إلى المسلمين إن تهبونا ما أخذنا نجيبكم إلى الإسلام أو الجزية

قال محمد بن أحمد: ذهب ابن حبيب إلى أن الرسول إذا أسلم يقبل إسلامه إلا أن يشترطوا ذلك، فهي ثلاثة أقوال، والحجة لمالك في أنه يرد إليهم بعد إسلامه إن لم يشترطوا ذلك؛ ما روي «عن أبي رافع قال: أقبلت بكتاب من قريش إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما رأيته ألقي في قلبي حب الإسلام، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم، فقال رسول الله: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إليهم، فإن كان في قلبك بعد أن ترجع إليهم الذي في قلبك الآن فارجع. قال: فرجعت إليهم، ثم أقبلت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وأما ما احتج به ابن القاسم من فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أبي جندل، فلا حجة فيه؛ لأنه إنما رده إليهم بالشرط الذي كان بينه وبينهم أن يرد إليهم من جاءه مسلما من عندهم، وقد قيل: إن ذلك منسوخ؛ بقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58] الآية، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، والله أعلم، في ترك إعمال الشرط، وقال في حديث أبي رافع: إنما رده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه لم يكن أسلم بعد، وإنما حبب إليه الإسلام، فأحب المقام عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فهذا تأويل الحديث، وإنما فيه أن الرسول إذا رفض ما أرسل فيه وأحب المقام بلا إسلام؛ لم يجز للإمام أن يمكنه من ذلك. [مسألة: كتب العدو إلى المسلمين إن تهبونا ما أخذنا نجيبكم إلى الإسلام أو الجزية] مسألة وسئل ابن القاسم عن قوم من العدو غلبوا على مدينة من مدائن المسلمين، وعلى رجالهم ونسائهم ثم يكتبون إلى المسلمين، أو خرج إليهم المسلمون، فأرسلوا إليهم إن تهبونا ما أخذنا من أموالكم ورجالكم ونجيبكم إلى الإسلام، أو نعطيكم الجزية،

خرجوا إليهم، أو كتبوا هم إلى المسلمين، قال: أما الذي أرى الآن، فإني أرى أن ينظر المسلمين، فإن كانوا يقووا عليهم لم أر أن يجيبوهم في شيء من الأحرار والمماليك، وأما الأموال فإني أرجو أن يكون ذلك سهلا إذا لم يطمعوا أن ينالوهم إلا بقتل من المسلمين، وإن علم أنهم لا يقووا عليهم رأيت ذلك للمسلمين، وكانوا بمنزلة الروم أن لو أرسلوا إلينا يطلبون الإسلام، وفي أيديهم أسارى من المسلمين أجبناهم، وكانوا لهم مماليك، فهؤلاء مثلهم إذا لم يطمع بهم، وأما إذا أجابوا إلى الإسلام، وهؤلاء في أيديهم عتقوا عليهم، وإن لم يسلموا فصالحوا على الجزية لم تؤخذ منهم الأموال، ورأيت أن يباع العبيد المسلمون عليهم بمنزلة من أسلم من مماليكهم، وأما الأحرار الذين في أيديهم، فإني أرى أن يدفع إليهم قيمتهم، ويخرجوا أحرارا من بيت مال المسلمين. قال محمد بن أحمد: لا اختلاف في أن أهل الحرب إذا أسلموا وفي أيديهم أسارى من المسلمين الأحرار يطلقونهم؛ إذ لا يحل لهم أن يتملكوهم، فقوله في هذه الرواية: إنه ينظر للمسلمين، فإن كانوا يقوون عليهم لم أر أن يجيبوهم للإسلام في شيء من الأحرار والمماليك على أن يعطوا قيمة الأحرار، ويكون لهم المماليك، وإن علم أنهم لا يقوون عليهم رأيت للمسلمين أن يجيبوهم إلى ذلك، وقوله بمنزلة أن لو أرسلوا إلينا يطلبون الإسلام، وفي أيديهم أسارى من المسلمين، يريد أسارى من العبيد المسلمين، يقول: فكما يكون لهم إذا أسلموا ما كان في أيديهم من العبيد المسلمين أسارى، فكذلك يكون لهم إذا أجبناهم إلى الإسلام قيمة ما في أيديهم من أسارى المسلمين الأحرار، ويجوز لنا أن نجيبهم إلى الإسلام على ذلك إذا

مسألة: عبد يسبيه العدو ثم يقع في سهمان رجل ثم يبيعه ثم يأتي سيده

لم نقو على غلبتهم عليهم، وقوله: إذا أجابوا إلى الإسلام وهؤلاء في أيديهم عتقوا عليهم يريد إذا أطلقوا من أيديهم ولم يمكنوا من استرقاقهم؛ لأنهم يعتقون عليهم، فيكون لهم ولاؤهم، وقوله: وإن لم يسلموا وصالحوا على الجزية لم يؤخذ منهم الأموال، ورأيت أن يباع العبيد المسلمون عليهم إلى آخر قوله؛ صحيح لا اختلاف فيه أيضا، يقضي على ما مضى في سماع يحيى، مما وقع فيه على غير تحصيل على ما ذكرناه، ولا اختلاف أيضا في أنهم إذا صالحوا على هدنة لا يؤخذ ما في أيديهم من أسارى المسلمين ولا رقيقهم ولا أموالهم، وإنما اختلف إذا استأمنوا فدخلوا بأمان فيما أسلم من رقيقهم، وفيما الفيء في أيديهم من أسارى المسلمين ورقيقهم المسلمين، فحكم لهم ابن حبيب في ذلك كله بحكم أهل الذمة، وحكى أنه إجماع من مالك وأصحابه إلا ابن القاسم، وذهب ابن القاسم إلى أنه لا ينتزع منهم شيء من ذلك، ولا يحال بينهم وبين وطء ولا رجوع بهم إلى بلادهم، إلى أن يفادى منهم أو يبتاع برضاهم وطيبة أنفسهم كالمصالحين على الهدنة، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد يسبيه العدو ثم يقع في سهمان رجل ثم يبيعه ثم يأتي سيده] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن العبد يسبيه العدو، ثم يقع في سهمان رجل، ثم يبيعه ثم يتداوله رجال ثم يأتي سيده، قال: إن أحب أن يأخذ العبد بما وقع به في المقاسم أخذه، وليس له أن يأخذه بأي ثمن شاء، وإنما له أن يأخذه بما أخذ به في المقاسم، وليس هو مثل الشقص يباع من الدار فيتداوله رجال، ثم يأتي الشفيع فيأخذ بأي الأثمان شاء، من قبل أن الشفيع لو باع شريكه من رجل فأجاز، ثم باع الذي أجاز له، رجع بشفعته فأخذوا الذي سبي عنده، ثم وقع في سهمان رجل لو جاء به الذي وقع في سهمانه ثم باعه ذلك الرجل؛ لم يرجع على العبد أبدا، فمن ثم يقال له: إن أحببت أن تأخذ العبد

مسألة: عبد تداوله رجال فسباه العدو ثم سبي فوقع في سهمان رجل فأتى ساداته

فخذه بما وقع في المقاسم، وليس لك غير ذلك، وكان للشفيع أن يأخذ بأي الأثمان شاء. قال محمد بن أحمد: قوله: إنه يأخذ العبد إذا تداولته الأملاك بالثمن الذي وقع به في المقاسم خلاف قوله في المدونة في الذي يشتري العبد في بلاد الحرب، ثم يقدم به فيبيعه، أنه ليس لصاحبه إلا ما بين الثمنين؛ إذ لا فرق بين المسألتين، وخلاف ما يأتي على قول غيره فيها أيضا من أنه يأخذه من المشتري الثاني، بالذي اشتراه به، وقد روي عن ابن القاسم أنه يأخذه بأي ثمن شاء، وهو قول ابن الماجشون وأحد قولي سحنون، فهي أربعة أقوال، وجه قول ابن القاسم في المدونة أن له ما بين الثمنين، وليس له أن يأخذ العبد هو أن البيع فوت لشبهة ملك العدو إياه؛ إذ قد قيل لصاحبه إليه، وإن أدركه قبل القسم فله ما استفضل فيه المبتاع، إذا كان له أن يأخذه بالثمن، ووجه قول غيره في المدونة أنه يأخذه من المشتري الثاني بالثمن الذي اشتراه به هو أنه لا حجة للمبتاع الثاني إذا أعطاه جميع الثمن الذي وزن فيه كما لم يكن للذي اشتراه من المقاسم في ذلك حجة، ووجه قوله في هذه الرواية أنه يأخذه بالثمن الأول، هو أن ذلك حق وجب له لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي وجد بعيره في المغنم، وقد كان أصابه العدو: «وإن وجدته قد قسم فأنت أحق به بالثمن إن أردته» ، فلا يسقط حقه في ذلك بيع المشتري إياه، ولا تداول الأملاك فيه، ووجه القول الرابع أنه يأخذه بأي ثمن شاء، قياس ذلك على الشفعة إذا تداولت الأملاك الشقص. [مسألة: عبد تداوله رجال فسباه العدو ثم سبي فوقع في سهمان رجل فأتى ساداته] مسألة قلت: فإن تداوله رجال ثم سباه العدو ثانية، ثم سبي فوقع في سهمان رجل، فأتى ساداته كلهم، قال: ما لهم وله؟ إنما الكلام للذي

سبي من يديه أخيرا من اشتراه أو سيده الأول، إلا أن الذي اشتراه أخيرا أحق به أن يأخذه بعد أن يدفع إلى الذي هو في يديه ما وقع به في المقاسم أو يتركه، فإن تركه فسيده الأول بالخيار إن شاء أن يأخذه بما وقع به في القسم الثاني، وليس له أن يأخذ بما وقع به في القسم الأول؛ لأنه مالك ثان أملك به من الأول. قال محمد بن أحمد: وقع في أكثر الكتب مكان فإن تركه فسيده الأول بالخيار إن شاء، فإن أخذه فسيده الأول بالخيار، وكذلك نقله أبو إسحاق التونسي، ووجهه بأن قال: إن أراد أن ما فداه به ملغى لو جنى عبده جناية، فافتداه بها أو يأخذه ربه بما كان أخرج هذا فيه في القسم الذي قبل هذا، فلهذا وجه، وهذا لا يصح بوجه، ولا يستقيم على ما نص عليه في المسألة، فهذا غلط في الرواية لا شك فيه، والصواب فإن تركه، وعلى هذا فتستقيم المسألة؛ لأنه جعل الحق في أخذه بما وقع به في المقسم الثاني للسيدين جميعا، إلا أنه بدأ الثاني بالأخذ، فإن أخذ بطل حق الأول، ولم يكن له شيء، وإن ترك ولم يأخذ أخذ الأول، وهذا بين ولا إشكال فيه، وقد قيل: إن الأول هو المبدأ بافتكاكه، واختلف على هذا القول بماذا يفتكه؟ فقال: إنه يفتكه بالأكثر، فإن كان الأكثر هو ما أخذ به المقتسم الثاني بطل حق الأول، وإن كان الأقل كان للأول ما فضل، وهذا قول سحنون في نوازله من كتاب الجنايات، وقيل: إنه يفتكه بالثمنين جميعا، وهو قول محمد بن المواز، وكذلك إذا جنى العبد جناية، ثم سبي فوقع في المقاسم، يفتكه سيده على مذهب سحنون بالأكثر،

مسألة: مسلم معه علج من العدو يقول المسلم أسرته أو اشتريته وهو ينكر

وعلى مذهب ابن المواز بالأمرين جميعا، وقيل: إنه الذي يأتي على مذهب ابن القاسم في المدونة، فإن ترك السيد الأول افتكاكه بالأكثر من الثمنين أو بهما جميعا على ما ذكرناه من الاختلاف في ذلك، كان للسيد الثاني أن يفتكه بما وقع به في المقسم الثاني. [مسألة: مسلم معه علج من العدو يقول المسلم أسرته أو اشتريته وهو ينكر] مسألة وقال ابن القاسم في الرجل المسلم يخرج من أرض العدو، ومعه علج من أعلاج العدو، فيقول المسلم: أسرته أو اشتريته، ويقول العلج: بل خرجت معه رغبة في دار الإسلام: إن القول قول العلج، وعلى المسلم البينة فيما ادعى، وإلا فهو حر. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» ، إلا أن يكون العلج في وثاقه، فيصرف مع يمينه، قاله سحنون وابن حبيب، ومضى مثل ذلك، والقول فيه في رسم الكبش، من سماع يحيى، ويأتي في سماع أصبغ: أن القول قول الذي أتى به إن كان أسيرا في يد رجل، فأطلقه سيده على أن يأتي به. [مسألة: نصرانيين خرجا من أرض العدو فادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه عبده] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن رجلين نصرانيين خرجا من أرض العدو، فادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه عبده، فقال: لا شيء لواحد منهما على صاحبه إلا أن يأتي ببينة على ما ادعى، وإلا فهما حران جميعا.

مسألة: رمي الأعداء بالنار

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، وقد مضى ما يشبهها، والقول فيها مستوفى في آخر سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: رمي الأعداء بالنار] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن المراكب من الروم يغيرون على بعض المسلمين، ثم يدركهم المسلمون فيقاتلونهم الروم بالنار، أفترى للمسلمين أن يرموهم بالنار، أم يكفوا لمكان من معهم من المسلمين؟ فقال ابن القاسم: لا أرى أن يرموهم بالنار؛ لما معهم من المسلمين خوفا أن يقتلوا مسلما، قال أشهب: نعم، أرى أن يرموهم بالنار، وكيف لا يرمون وهم يرموننا بها، قال سحنون: قلت لابن القاسم: فإذا حاصر المسلمون الحصن وفيه المسلمون مع الروم، أيقطع عنهم المير والماء ويرمون بالمنجنيقات؟ قال: نعم، قال أشهب مثله: لا بأس بذلك. قال محمد بن أحمد: هذه مسألة قد مضى القول فيها موعبا في رسم الصلاة، من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: حربيا استأمن فدخل بلاد المسلمين فوجد كنزا] مسألة قال: وسألت أشهب عن العبد الحربي يدخل بلاد المسلمين فيسلم، أو يدخل بأمان فيقيم على كفره، ثم يقدم سيده على أثره فيسلم أو يثبت على كفره، قال: لا سبيل له إلى العبد، قلت لأشهب: فلو أن حربيا استأمن فدخل بلاد المسلمين، فوجد كنزا، قال: هو له بعد إخراج الخمس منه، وقال سحنون: قال أشهب في الحربي

يستأمن ويدخل بلاد المسلمين فيسلم أو يقيم على دينه، ثم يستأمن عبد له، فيدخل بلاد المسلمين، قال: إن أسلم بيع على سيده، ودفع إليه ثمنه، وإن لم يسلم فهو لسيده. قال محمد بن أحمد: قوله: إذا تقدم خروج العبد قبل سيده، أنه لا سبيل لسيده إليه صحيح؛ لأن العبد بنفس خروجه مسلما كان أو كافرا على مذهب مالك وجميع أصحابه لا ولاء لأحد عليه؛ لأن المعنى فيما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعتق يوم الطائف من خرج إليه من عبيد الطائف أنه عتقهم بخروجهم لا باستئناف العتق لهم بعد خروجهم، وفي كتاب محمد أنه خرج ساداتهم قبل إسلام العبيد رجع إليهم ولاؤهم، وإن خرجوا وقد أسلم العبيد لم يرجع إليهم ولاؤهم، قال أبو إسحاق التونسي: وليس هذا بينا؛ لأنهم إنما عتقوا بنفس خروجهم، فإن كان عتقهم لأنهم غنموا أنفسهم، فيجب ألا يرجع ولاؤهم إلى ساداتهم بحال، وإن كان إنما وقع العتق على السادة، فيجب أن يرجع إليهم الولاء، وإن قدموا بعد إسلام العبيد؛ لأنهم عتقوا عليهم، وهم كفار، والعبيد كفار، ووجه ما في كتاب ابن المواز: أن العتق إنما يقع على السادة حين خروجهم، أعني خروج السادة، وذلك مراعاة لمذهب أبي حنيفة في أنه لا يكون حرا لخروجه، إلا إذا خرج مسلما، وأما إذا خرج كافرا فهو غنيمة لجميع المسلمين بإحراز دار الإسلام إياه على قول أبي حنيفة، أو لمن سبق إلى أخذه، وهو قول صاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن، قالا مرة بعد إخراج الخمس منه لأهله، وقالا مرة لا خمس فيه، وأما إذا تقدم خروج السيد مستأمنا قبل عبده، فقوله: إنه يكون لسيده ويباع عليه إن أسلم، هو على قول بعض الرواة في كتاب النكاح الثالث من المدونة، خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في الجهاد منه؛ إذ حكما بحكم الدار لمال

مسألة: النشاب والملال في أرض الروم يصيد الحيتان والطير فيبيعه

الحربي، وأسقطا ملكه عنه إذا أسلم، وخرج أو لم يخرج على ما تقدم بيانه في رسم المكاتب من سماع يحيى، والذي يأتي على هذا أنه حر بنفس خروجه، خرج قبل سيده أو بعده، وقوله في المستأمن يجد الكنز في بلاد المسلمين: إنه له بعد إخراج الخمس منه، ظاهره حيث ما وجده من بلاد المسلمين مثل قول ابن نافع، وأما على مذهب ابن القاسم، فلا يكون له بعد إخراج الخمس منه إلا إذا وجده في أرض حرة لم تفتتح بصلح ولا عنوة. [مسألة: النشاب والملال في أرض الروم يصيد الحيتان والطير فيبيعه] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يعمل النشاب والملال والسروج والمحمل في أرض الروم، ويصيد الحيتان والطير فيبيعه، قال: أرى ثمنه فيئا، قلت: ولا يكون له أجرة مثله؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة وتحصيل القول فيها موعبا، في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يبيع الطعام في بلاد الروم ممن يأكله ثم يعلم بذلك] مسألة قلت له: فالرجل يبيع الطعام في بلاد الروم ممن يأكله، ثم يعلم بذلك بعدما خرج والمال في يده ما ترى أن يصنع به؟ قال: يرد في المقاسم، ولا يرد على المشتري، قلت له: فالوالي إن رأى أن يبيع الطعام من الناس في بلاد الحرب لحاجتهم إليه في بلاد المسلمين، وهم مستغنون في بلاد الحرب قال: لا أرى بذلك بأسا.

مسألة: تجار الروم إذا نزلوا برقيق فصالحناهم على عشر ما معهم من الرقيق فأسلم الرقيق

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الطعام غنيمة من أموال الكفار، إلا أنه أبيح للناس أكله في بلد الحرب لحاجتهم إليه، فإن باع أحد منهم شيئا، أو استغنى الناس عنه فباعه الإمام، صار غنيمة لأهل الجيش بعد إخراج الخمس كسائر أموال الكفار. [مسألة: تجار الروم إذا نزلوا برقيق فصالحناهم على عشر ما معهم من الرقيق فأسلم الرقيق] مسألة وسئل ابن القاسم عن تجار الروم إذا نزلوا برقيق، فصالحناهم على عشر ما معهم من الرقيق، فأسلم الرقيق، أو صالحناهم على الدنانير فأسلم الرقيق، ثم أرادوا الرجوع بمن معهم من الرقيق بعدما أسلموا، قال: يؤخذ منهم ما صالحوا عليه، ويرجعون بالرقيق وإن أسلموا. قال محمد بن أحمد: هذا مثل ما في سماع سحنون، من كتاب التجارة إلى أرض الحرب سواء، وكذلك لو قدموا بعبيد لهم مسلمين؛ لكان لهم الرجوع بهم إن شاءوا، قال في سماع أبي زيد بعد هذا: ويقدم إليهم في ذلك ألا يعودوا، وهذا على أصل ابن القاسم في أن المستأمن في بلد المسلمين من الحربيين لا ينتزع منهم أسارى المسلمين ولا عبيدهم المسلمين، ولا يباع عليهم من أسلم من رقيقهم، ويرجعون بذلك كله إن شاءوا، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب، وحكى أنه إجماع من مالك وأصحابه إلا ابن القاسم، وفي المدنية لابن نافع، ولمالك من رواية داوود بن سعيد عنه مثل قول ابن القاسم، وقد مضت هذه المسألة محصلة في صدر هذا السماع.

مسألة: مراكب لقوا مراكب في البحر فقاتلوهم فسأل العدو الأمان

[مسألة: مراكب لقوا مراكب في البحر فقاتلوهم فسأل العدو الأمان] مسألة وسئل سحنون عن مراكب لقوا مراكب في البحر، فقاتلوهم فوقع بينهم جراحات وقتال، فسأل العدو المسلمين الأمان فأعطوهم فاستساروا في أيدي المسلمين، فقدموا بهم برية الإسلام، فهل ترى إلى مثلهم سبيلا؟ فإن كان لا سبيل إلى قتلهم، فهل يباعوا أم هل يخلى سبيلهم؟ وكيف ترى في أموالهم إن خلي سبيلهم، أترد عليهم أم لا؟ قال سحنون: إن كانوا إذ سألوا الأمان أمنوا على أن يكونوا ملكا أو ذمة، فالشرط لهم، ولا سبيل إلى القتل، فإن لم يكن شرط إلا أمان مسجل، فلا سبيل إلى قتلهم، ولا إلى استرقاقهم، وأرى أن يردوا إلى مأمنهم، إلا أن يرضوا بالمقام على الجزية أو يسلموا. قال محمد بن أحمد: وهذا صحيح على ما قال؛ لأن الأمان إذا وقع مسجلا وجب أن يحمل على عمومه في كل شيء من حقن دمائهم وترك استرقاقهم وأخذ أموالهم، إلا أن يستثنى من ذلك شيء في الأمان، فيصح للمسلمين بوقوع البيان، وبالله التوفيق. [مسألة: مكاتبا لحق بأرض الروم ثم قدم علينا منهم رجل معاهد ومعه المكاتب] مسألة وقال: لو أن مكاتبا أو مدبرا لحق بأرض الروم، ثم قدم علينا منهم رجل معاهد ومعه المكاتب أو المدبر، إن المكاتب تكون كتابته له، فإذا كان حرا كان ولاؤه لسيده، وإن عجز كان له رقيقا، وأما المدبر فتكون له خدمته، فإن مات سيده فحمله الثلث عتق، وإن لم يحمله عتق منه ما حمل الثلث، وكان ما بقي للمعاهد رقيقا.

مسألة: حصن مسلمين ارتدوا عن الإسلام فهل يقاتلون

قال محمد بن أحمد: وجه قول سحنون هذا أنه لما كان من عرس من الحربيين على أن يكون ذمة، ويؤدي الجزية، أنه لا يؤخذ منه ما أبقى بيده من أموال المسلمين ورقيقهم، وجب أن يكون للمعاهد على ذلك في المدبر والمكاتب، ما كان لسيدهما فيهما من بقية الرق، ولا يمكن من استرقاقهما، إذ لو عوهد وبيده حر لم يمكن من استرقاقه يعطى قيمته، ولا يؤخذ منه بغير شيء على ما مضى لابن القاسم في صدر السماع، فكان القياس على هذا أن يعطى من بيت المال قيمة ما فيهما من الحرية أن لو كان ذلك رقيقا وجاز بيعه على الرجاء والخوف بأن يقال: كم يساوي هذا المكاتب على أنه إن أدى كتابته إلى سيده كان مملوكا للمشتري؟ وكم يساوي هذا المدبر على أن تكون خدمته لسيده، فإن مات فحمله الثلث أو حمل بعضه كان ما حمل منه رقا للمشتري؟ وإن رأى الإمام أن يعطيه قيمتهما، ويعجل لهما العتق أو تطوع أحد بذلك لزم ذلك، وعلى ما وقع آخر رسم الكبش، من سماع يحيى، يمكن المعاهد من استرقاق المدبر والمكاتب، إلا أنا قد ذكرنا أنها رواية شاذة خطأ، خارجة عن الأصول، وقعت على غير تحصيل. [مسألة: حصن مسلمين ارتدوا عن الإسلام فهل يقاتلون] مسألة قال سحنون: قال ابن القاسم في حصن مسلمين ارتدوا عن الإسلام، فإنهم يقاتلون ويقتلون ولا تسبى ذراريهم وأموالهم فيئا للمسلمين، قال سحنون قال أشهب: أهل الذمة وأهل الإسلام في هذا سواء، لا تسبى ذراريهم ولا أموالهم، ولا يعادون إلى الرق، ويقرون على جزيتهم كما كانوا.

قال محمد بن أحمد: قول ابن القاسم، ولا تسبى ذراريهم وأموالهم فيئا للمسلمين، يريد أن نسلهم وذراريهم لا يسبون، وأن أموالهم لا تكون فيئا وغنيمة للجيش الذين قاتلوهم كأموال الحربيين؛ لأن حكم أموالهم على مذهبه في قوله: إن ذراريهم لا يسبون حكم مال المرتد إذا قتل على ردته، يكون لجماعة المسلمين على حكم الفيء، وقد وقع في بعض الكتب: ولا تسبى ذراريهم، وأما أموالهم فهي فيء للمسلمين، وهو الصحيح، وفيه بيان ما تأولنا عليه قول ابن القاسم بنصب فيئا على الحال، وإلى هذا ذهب عامة العلماء وأئمة السلف، وهو قول ابن الماجشون وربيعة فيما حكى عنهما ابن حبيب، وقال أصبغ: تسبى ذراريهم ونساؤهم، وتقسم أموالهم ويقتل كبارهم على حكم الناقضين من أهل الذمة؛ لأنهم جماعة، وإنما يكون الارتداد في الواحد وشبهه. وهذا هو الذي خالفت فيه سيرة عمر بن الخطاب سيرة أبي بكر الصديق، في الذين ارتدوا من العرب بعد وفاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سار فيهم أبو بكر بسيرة الناقضين، فقتل الكبار، وسبى النساء والصغار، وجرت فيهم المقاسم وفي أموالهم، فلما ولي عمر بعده نقض ذلك، وسار فيهم سيرة المرتدين رد نساءهم وصبيانهم إلى عشائرهم وإلى الحرية، وأخرجهم من الرق والسبي، وحملهم محمل ذرية المرتدين أنهم على الإسلام إلا من أباه منهم بعد بلوغه، وما أباه أحد منهم على عمر ولا قبل ذلك، بل أقر كلهم بالإسلام ساعة سبوا، حكى هذا ابن حبيب، وفي قوله: إنه رد نساءهم وصبيانهم إلى عشائرهم، وأخرجهم من الرق بيان أن الذي قضى فيهم أبو بكر بالسبي هم الذين نقض فيهم عمر القضية، وذلك خلاف ما قالوا من أن القاضي لا يرد ما قضى به غيره قبله باجتهاده فتدبر ذلك، وقول أشهب: إن أهل الإسلام في هذا سواء، لا تسبى ذراريهم ولا أموالهم، ولا يعادون إلى الرق، ويقرون على الحرية، مثل ما له في المدونة وغيرها، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ مساواة

مسألة: ثمار بين عمران الإسلام والشرك هل يحل للمسلمين الأكل منها

أشهب بينهم في تحريم سبيهم، ومساواة أصبغ في إيجاب ذلك، وتفرقة ابن القاسم بين ذلك، وهو القول الصحيح من جهة النظر؛ لأن المرتدين أحرار من أصولهم، والمعاهدين لم تتم حريتهم بالمعاهدة، وإنما كانت عصمة لهم من القتل والسبي، فإذا نقضوها رجعوا إلى الأصل، فحل دماؤهم وسباهم، وقد مضى بيان القول في هذا في رسم الجواب، من سماع عيسى. [مسألة: ثمار بين عمران الإسلام والشرك هل يحل للمسلمين الأكل منها] مسألة وسئل سحنون وذكرت له ثمار تكون في مفاز الأندلس بين عمران الإسلام وعمران الشرك، كانت لأهل الإسلام، وتركوها وصارت خارجة عن ملكهم بأرض مفازة، وصار العدو لسيد أبقاؤه عليها ولأهل الإسلام، وكلهم فيها سواء في الخوف، فمر بها جيوش المسلمين وسراياهم وصوابقهم، هل يحل لهم الأكل من تلك الثمار؟ قال: أما الجيوش الغالبة العظيمة التي شأنها القهر والغلبة، فلا أرى لهم الأكل منها؛ لأنه يصير لتلك الثمرة ثمن، وأما السرية والنفر اليسير الذي شأنهم التحلل، فلا أرى بأسا إن أكلوا منها، وهي عندي بمنزلة الضالة يجدها الرجل في الفلاة نائية عن القرى، فإنه في سعة من أكلها؛ لأنه قد جاء الحديث فيها، فقال: «هي لك، أو لأخيك، أو للذئب» . وأما العسكر الكبير فإنما الثمرة بينهم بمنزلة الشاة الضالة، توجد بقرب العمران وموضع الأمان، فلا تحل لمن وجدها.

مسألة: الروم إذا نزلوا بأمان فباعوا واشتروا ثم ركبوا البحر متى يحلون

قال محمد بن أحمد: قول سحنون هذا صحيح، وتفرقته بين العسكر العظيم والسرية الصغيرة ظاهرة، واحتجاجه بالحديث بين، وذلك إذا كان أهل تلك الثمار لم يبيدوا، وأمكن أن يعرفوا؛ لأن الواجب على الإمام إذا كان الأمر على هذا، ومر بجيشه على تلك الثمار أن يأمر ببيعها في العسكر، وتوقف أثمانها لأربابها وينشر بها، وكذلك يجب على كل من أخذ منها شيئا أن يبيعه ويمسك ثمنه، ويعرف به ليوصله إلى صاحبه، وأما إن كان الأمر قد طال وباد أهل تلك الثمار، وأيس من أن يعرفوا، أو يعرف أحد ممن تصيرت إليه بالوراثة، فالثمرة لأهل الجيش الكبير في حكم اللقطة إذا لم يوجد صاحبها بعد التعريف، يجري الأمر في جواز أكلها على الاختلاف بين أهل العلم في جواز أكل اللقطة بعد التعريف؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها» ، فمالك يكره له أكلها، وإن كان محتاجا إليها، ويرى الصدقة له بها أفضل، ومن أهل العلم من يبيح له أكلها وإن كان غنيا، ومنهم من لا يبيح له أكلها إلا إذا كان فقيرا، وقد مضى في رسم الوضوء والجهاد، من سماع أشهب، من قول مالك ما يدل على أن أكل ذلك أخف من أكل اللقطة بعد التعريف، وقد بينا هناك الوجه في ذلك. [مسألة: الروم إذا نزلوا بأمان فباعوا واشتروا ثم ركبوا البحر متى يحلون] مسألة وسئل سحنون عن الروم أو غيرهم إذا نزلوا بأمان فباعوا واشتروا، ثم ركبوا البحر راجعين متى يحلون، وإلى أي موضع من

البحر يحلون فيه؟ قال: لا يحلون أبدا حتى يصيروا من البحر إلى الموضع الذي يأمنون فيه من عدوهم، ويذهب عنهم الخوف، فإذا صاروا إلى تلك حلوا، فقال له بعض أهل الغزو والمعرفة بالبحر: إنهم اليوم لا يأمنون حتى يقعوا بلادهم، ويخرجوا من البحر؛ لأن مراكب المسلمين قد كثرت عليهم، فقال لهم: فلا يحلون إلا في الموضع الذي يأمنون فيه، وهو الخروج من البحر إن كان الأمر كما وصفت، وقد قال الله: {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] قلت له: فهو حلال إذا جاءنا ما لم يعط الأمان، وإن قرب من مرسانا أو بعد، فقال: أما من عرف بالتجارة من المسلمين، فلا يحل إذا أخذ، وهو مقبل إلى الأمان فيما قرب من المرسى ولا فيما بعد، لا يحل أبدا إلا أن يؤخذ في بلده، أو يؤخد وهو يريد إلى غير المسلمين، وأما قوم لم يعرفوا بالتجارة فهم حلال. قال محمد بن رشد: قوله في تجار الحربيين إذا ركبوا البحر راجعين: وإنهم يحلون إذا صاروا من البحر إلى موضع الأمن، وإن لم يصلوا بعد إلى بلادهم، ينبغي أن يحمل على التفسير لما في المدونة في هذه المسألة؛ إذ لم يفرق فيها هذه التفرقة، ولمسألة حبل حبلة، من سماع عيسى، ويحمل عليها ما أشبهها من المسائل، من ذلك إذا غنم العدو في بلاد المسلمين شيئا من أموال المسلمين، ثم غنمه المسلمون منهم قبل أن يصلوا به إلى بلادهم، هل يقسم إذا لم يعرف صاحبه أم لا؟ وهل يأخذه صاحبه إن قسم بغير ثمن

مسألة: أخذ المسلمون يهودا مقبلين من بلاد الإفرنج فادعوا الذمة لصاحب الأندلس

أم لا؟ فقد كان يختلف في ذلك عندنا، وهذه المسألة أصل ذلك، وأما من قدم بلاد الإسلام بغير أمان، فزعم لَمَّا أُخِذَ فيما قرب أو بعد أنه أتى للتجارة أو طالبا لأمان، أو راغبا في فدية أسير، أو ما أشبه ذلك مما تقتضيه هذه المسألة، فقد مضى القول فيها محصلا مستوفى موعبا في أول رسم الجواب، من سماع عيسى، فأغنى ذلك عن إعادته. [مسألة: أخذ المسلمون يهودا مقبلين من بلاد الإفرنج فادعوا الذمة لصاحب الأندلس] مسألة قلت له: فلو أخذوا في البحر مركبا فيها يهود مقبلون من بلاد الإفرنج أو غيرها من بلاد الشرك، فلما أخذوا قالوا: نحن ذمة لصاحب الأندلس، وإليه نؤدي الجزية، قال: يُكلفوا البينة على ما ادعوا من ذلك، فإن بينوا ذلك لم يعرض لهم، وإلا كانوا فيئا، قلت: فإذا ثبت أنهم ذمة لصاحب الأندلس، وادعوا على الذين أخذوهم أنهم أخذوا منهم أموالا، قال: إن كان الذين أخذوهم قوما أمناء صالحين مأمونين، فلا يمين عليهم، وإن كانوا ناسا غير مأمونين استُحلفوا. قال محمد بن أحمد: إنما قال: إنهم يكونون فيئا إن لم يبينوا ما ادعوا، من أجل أنهم ادعوا ما لا يشبه؛ لوجودهم مقبلين من بلاد الإفرنج؛ إذ لا ينبغي أن تؤخذ الجزية إلا ممن هو في بلاد المسلمين، أو حيث يمكن أن تجرى عليهم أحكامهم على ما قال ابن وهب في سماع زونان بعد هذا؛ لقول الله عز وجل: {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ، ولو ادعوا ما يشبه، وضعفوا عن إثبات ذلك؛ لوجب أن لا يستباحوا إلا بيقين، وأن يوقفوا وما وجد معهم حتى يكتب في خبرهم إلى حيث يتحقق به صدقهم من كذبهم، فيعمل على ذلك، وإنما قال:

: القوم يواقعون العدو هل لأحد منهم أن يبارز بغير إذن الإمام

إنه لا يحلف الذين أخذوهم إن ادعوا عليهم أنهم أخذوا لهم مالا، إلا أن يكونوا غير مأمونين؛ لأنهم ادعوا عليهم التعدي في الأخذ، فهو باب يجوز إليهم، بخلاف ما لو ادعوا عليهم مالا من معاملة. [: القوم يواقعون العدو هل لأحد منهم أن يبارز بغير إذن الإمام] من سماع عبد المالك بن الحسن من ابن وهب قال عبد المالك بن الحسن: سئل عبد الله بن وهب عن القوم يواقعون العدو، هل لأحد منهم أن يبارز بغير إذن الإمام؟ فقال: إن كان الإمام عدلا لم يجز له أن يبارز إلا بإذنه، وإن كان غير عدل فليبارز وليقاتل بغير إذنه، قلت له: والمبارزة والقتال عندك واحد؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الإمام إذا كان غير عدل، لم يلزم استئذانه في مبارزة ولا قتال؛ إذ قد ينهاه عن عدة قد ثبتت له على غير وجه نظر يعضده؛ لكونه غير عدل في أموره، فتلزمه طاعته، فإنما يفترق العدل وغير العدل في الاستئذان لا في طاعة إذا أمر بشيء أو نهى عنه؛ لأن الطاعة للإمام من فرائض الغزو، فواجب على الرجل طاعة الإمام فيما أحب أو كره، وإن كان غير عدل، ما لم يأمره بمعصية، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية» ، فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة؛ قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا الله، وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع، فاسمعوا وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله» ، وقد قيل في قول الله عز

مسألة: يحاصرون حصنا من حصون العدو فيدعوهم العدو إلى أخذ الجزية

وجل: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] : إنهم أمراء المزايا، وقد مضى طرف من هذا المعنى في أول سماع أشهب. [مسألة: يحاصرون حصنا من حصون العدو فيدعوهم العدو إلى أخذ الجزية] مسألة وسئل ابن وهب عن القوم يحاصرون حصنا من حصون العدو، فيدعوهم العدو إلى أخذ الجزية منهم، هل ترى للمسلمين أن يقاتلوهم إذا دعوهم إلى أخذ الجزية؟ فقال: إذا كان ذلك العدو الذين دعوا إلى الجزية هم بموضع لا يصل المسلمون إليه إلا بخوف شديد على أنفسهم، فإني أرى أن يقول لهم المسلمون: الحقوا بدار الإسلام تؤدوا الجزية، فإن أبوا قوتلوا، وإن كانوا بموضع يقدر المسلمون على الاختلاف إليهم، ولا يخافون على أنفسهم كفوا عن قتالهم، وأخذوا الجزية منهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنهم إذا كانوا بموضع لا يصل المسلمون إليهم إلا بخوف على أنفسهم لم يأمنوا إن انصرفوا عنهم أن ينكثوا عليهم، ويكون ما سألوه مكيدة منهم، وأيضا فإن من شرط الجزية أن تؤدى بذل وصغار، كما قال عز وجل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ، وإن كانوا بائنين بدارهم لا يصل المسلمون إليهم إلا بخوف شديد على أنفسهم، لم يلزم قبول الجزية منهم، وهم على هذه الحال إذا لم يبذلوها على ما شرطه الله عليهم فيها، وبالله التوفيق.

مسألة: الغزاة لا يقاتلون على الخيل لاستغنائهم عنها أيقسم لها

[مسألة: الغزاة لا يقاتلون على الخيل لاستغنائهم عنها أيقسم لها] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب الجهاد مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن الغزاة يقتلون رجلا، فلا يقاتلون على الخيل لاستغنائهم عنها، وخيلهم في رحالهم أيقسم لها؟ قال: نعم، يقسم لها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهذا مما لا اختلاف فيه؛ لأنه كما يقسم لمن شهد القتال، وإن لم يقاتل فكذلك يقسم لفرس من شهد بفرسه، وإن لم يقاتل عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: فيما أحرز العدو من متاع المسلمين ثم جاءوا به بأمان يبيعونه أيحل اشتراؤه] مسألة وقال: عن مالك فيما أحرز العدو من متاع المسلمين ثم جاءوا به بأمان يبيعونه، ولا يعرف له أهل، أو يعرف؛ أيحل اشتراؤه؟ قال مالك: أحب إلي ألا يبتاعه أهل الإسلام. قال محمد بن رشد: ابن المواز لا يرى بأسا أن يشتريه أهل الإسلام، فإذا عرفه صاحبه كان له أخذه بالثمن إن شاء، قال: واشتراء العبد المسلم من العدو إذا باعه الحربي أفضل من تركه، فنحى مالك في قوله منحى الورع مراعاة لقول من لا يراعي ملك العدو، ويراهم فيما غنموا من أموال المسلمين كاللصوص، فيوجب لمن وجد متاعه بيد من اشتراه من العدو، صار له في مقسم أن يأخذه بغير ثمن، ورأى محمد شراء المتاع خيرا لصاحبه من أن يتركه فيرجع به الحربي إلى بلده، وقول مالك أحسن؛ إذ قد يكون في رجوع الحربي به إلى بلده خير لصاحبه؛ إذ قد يغنمه المسلمون بعد

مسألة: الرجل يركب البحر غازيا فيشتري بأرض الروم متاعا من المقاسم

فيدركه قبل القسم، فيأخذه من غير ثمن، وأما العبد المسلم فلا شك أن شراءه أولا أفضل من ترك الحربي يرجع به إلى بلده، وكذلك الجارية، ولا يحل له إذا علم صاحبها بعينه أن يطأها حتى يعرضها عليه، وإن لم يعلمه بعينه، ويعلم أنها للمسلمين، فيكره له وطأها، هذا ظاهر ما في المدونة، وهو صحيح على أصولهم. وقول محمد بن المواز: إن شراء العبد المسلم إذا باعه الحربي أفضل من تركه صحيح على مذهب ابن القاسم في أن له الرجوع به إلى بلده إن شاء، وأما على مذهب أصحاب مالك سواه، فيباع عليه شاء أو أبى، ولا يترك والرجوع به إلى بلده، وقد تقدم ذلك في غير ما موضع، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يركب البحر غازيا فيشتري بأرض الروم متاعا من المقاسم] مسألة قال: وسمعت ابن القاسم، وسئل عن الرجل يركب البحر غازيا، فيشتري بأرض الروم متاعا من المقاسم أو غيرها للتجارة، ويحمله في السفن التي هو فيها بغير إذن الوالي، قال: لا أرى ذلك ولا أرى للوالي أن يأذن به لبعض الناس في حمل ما يضر بأصحابه ويتعب السفن. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا الذي قاله بين لا إشكال فيه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار» . [مسألة: يفرق بين الجدة وولد ابنها وولد ابنتها في البيع] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: يفرق بين الجدة وولد ابنها وولد ابنتها في البيع في المملكة وفي السباء.

مسألة: الأسير إذا خلوه في بلادهم على وجه المملكة والقهر فهرب

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه؛ لأن النهي عن التفرقة إنما جاء في الأم والولد خاصة، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا توله والدة على ولدها» ، وقال: «لا يفرق بين الوالدة وولدها» ، وقال: «من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» وإنما الاختلاف في حدها، وهل هو من حقها، أو من حق الولد على ما سيأتي القول عليه في رسم الشريكين، في سماع ابن القاسم، من كتاب التجارة، إلى أرض الحرب. [مسألة: الأسير إذا خلوه في بلادهم على وجه المملكة والقهر فهرب] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الأسير إذا خلوه في بلادهم على وجه المملكة والقهر فهرب: فله أخذ ما قدر عليه من أموالهم، وليقتل ما قدر عليه منهم، وليهرب إن استطاع، وليستق من نسائهم وذراريهم ما استطاع، قال: وأما إذا كان عندهم في وثاق فخلوه على وجه الائتمان ألا يبرح ولا يحدث شيئا فلا، ولا يقتل منهم أحدا ولا يخونه، قال أصبغ: ولا يهرب، وهو كالعهد، ولا ينقض العهد، ولا يحبس به، وسواء كان حين سايره على هذه السيرة في وثاق أو غير وثاق. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم حبل حبلة، من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته.

مسألة: يكونون في ثغر من وراء عورة المسلمين هل يخرجون سراياهم لغرة يطمعون بها

[مسألة: يكونون في ثغر من وراء عورة المسلمين هل يخرجون سراياهم لغرة يطمعون بها] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل عن أناس يكونون في ثغر من وراء عورة المسلمين، هل يخرجون سراياهم لغرة يطمعون بها من عدوهم بغير إذن الإمام، والإمام منهم على أيام؟ قال: إن كانت تلك الغرة بينة قد تبينت لهم منهم، ولم يخافوا أن يلجئوا بأنفسهم، فلا أرى بأسا، وإن كانوا يخافون أن يلقوا ما لا قوة لهم به، أو يطلبون فيدركون، فلا أحب ذلك لهم. قال محمد بن رشد: إنما جاز لهم أن يخرجوا سراياهم لغرة قد تبينت بغير إذن الإمام؛ لكونه غائبا عنهم على مسيرة أيام، ولو كان حاضرا معهم لم يجز لهم أن يخرجوها بغير إذنه إذا كان عدلا على ما مضى من قول ابن وهب في سماع زونان، وقد مضى طرف من هذا المعنى في آخر سماع أشهب. [مسألة: يعطى الفرس أو البرذون في سبيل الله هل يحرث على البرذون] مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن الرجل يعطى الفرس أو البرذون في سبيل الله، هل يحرث على البرذون ويسافر عليهما في قضاء دين أو لحاجة؟ قال: أما يحرث عليه بمرابطة الذي هو به الشيء الخفيف الذي هو له منفعة في قوته، ولا يضر به، وما أشبه ذلك، فلا أرى به بأسا، وأما أن ينزيه لغيره أو لنفسه، أو يسافر عليه في حوائجه، فلا يعجبني ذلك، إلا أن يكون مل له مالا من ماله،

مسألة: أصابوا أعلاجا ثم أدركهم ما أدركهم فخافوا فأرادوا أن يقتلوهم

فيصنع به ما شاء، وإلا فلا يتقوى بشيء من أمره ولا بثمنه، إلا في سبيل الله. قال محمد بن رشد: لسحنون في كتاب ابنه: أنه لا يحرث عليه لنفسه ولا للفرس، وإنما يأخذه من يضمن مؤنته، ولو جاز أن يحرث لقوته جاز أن يكريه ممن يقضي عليه حوائجه لقوته، وقال: لا يركب الفرس إلا لمصلحته، وأما في حوائج نفسه فلا، وإنما يركب في السفر الذي حبس فيه، قال: فإن أعطاه المحبس عليه في ثغر آخر ضمن، وقاله الأوزاعي، وتخفيف ابن القاسم أن يحرث عليه الشيء اليسير الذي لا يضر به لقوته بموضع مرابطة أحسن من تشديد سحنون في ذلك إن شاء الله؛ لأن ذلك عون له على مقامه بموضع مرابطه، فهو من سبيل الجهاد والعون عليه إن شاء الله، وقد مضى في أول رسم، من سماع ابن القاسم، من حكم من أعطى شيئا في السبيل ما يبين هذه المسألة. [مسألة: أصابوا أعلاجا ثم أدركهم ما أدركهم فخافوا فأرادوا أن يقتلوهم] مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب يسأل عن سريه ساروا، فأصابوا أعلاجا، ثم أدركهم ما أدركهم، فخافوا أن يعينوا عليهم، فأرادوا أن يضربوا أعناقهم، فقال: إن كان استحيوهم فليس لهم إلى قتلهم سبيل إلا أن يقاتلوهم حتى يتبين لهم منهم فيقتلونهم، وإن كانوا لم يكونوا استحيوهم ضربوا أعناقهم إن شاءوا، قيل له: وما الاستحياء هاهنا؟ فقال: إن كانوا تركوهم رقيقا للمسلمين، وفيئا لهم، فأما إن كانوا تركوهم على أن يأتوا بهم الإمام، فيكون مخيرا إن شاء قتل وإن شاء استحيا كما يصنع، ضربوا أعناقهم إن خافوهم، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا صحيح على أصولهم، فلا وجه للقول فيه.

مسألة: عدو يخرج على المسلمين فيهزمهم الله هل فيما أصابه المسلمون الخمس

[مسألة: عدو يخرج على المسلمين فيهزمهم الله هل فيما أصابه المسلمون الخمس] مسألة وسئل عن خيل العدو يخرجون على المسلمين في بلاد الإسلام، فيهزمهم الله على غير قتال، فتشتت أمورهم، فينهزمون، هل فيما أصابه المسلمون منهم الخمس؟ أو هل هم فيء؟ أو لكل إنسان منهم ما أصاب؟ فقال: هذا لا يكون، ولو كان يكون، لكان مما قد أوجف عليه بالخيل والركاب، فكان فيه الخمس، وكان مقسوما بين الذين ولوا الإيجاف عليهم والقتال لهم. قال محمد بن رشد: أبعد أن يكون ما سأله عنهم من انهزامهم دون هازم لهم، أو خارج إليهم، أو موافق لهم؟ فلم يعطه فيه جوابا بينا، وما هو ما سأله عنه إلا في الممكن مثل أن يموت رئيسهم، فتشتت أمورهم، ويتراءى لهم على البعد سواد، فيظنون ذلك عسكرا لمسلمين، فيفرون على وجوههم، ويتفرقون ويختفون في الشعاري؛ لظنهم أنهم يتبعون ويستأسرون لمن لقيهم من المسلمين، أو مروا به من قراهم، ويتركون أمتعتهم ورحائلهم ودوابهم، فهذا لو كان لوجب أن يكون ما أصابه المسلمون منهم فيئا لجميعهم، حكمه حكم الخمس، ولو نزلوا على بعض ثغور المسلمين، فتداعى عليهم المسلمون فانهزموا على غير قتال ولا لقاء، فأصابوا غنائمهم؛ لخمست وكان سائرها لأهل المكان الذي كان منهم التداعي في النفير إليهم؛ لأنهم منهم رعبوا فانهزموا فهو إيجافهم، قاله ابن حبيب في الواضحة، وهو صحيح يؤيد ما قلنا.

مسألة: نفر أقبلوا وعليهم سلاحهم فزعموا أنهم جنحوا إلى السلم والإسلام

[مسألة: نفر أقبلوا وعليهم سلاحهم فزعموا أنهم جنحوا إلى السلم والإسلام] مسألة وسئل عن ثلاثة نفر أقبلوا على خيولهم، وعليهم سلاحهم حتى دخلوا قرية في آخر عمران المسلمين، فزعموا أنهم جنحوا إلى السلم والإسلام، أو قالوا: أردنا الجزية أيقبل قولهم؟ قال: إن لم يظفر بهم حتى أظهروا ما ذكرت إن ادعوا إسلاما، أو أرادوا أن يكونوا ذوي عهد. قال محمد بن رشد: المسئول في هذه المسألة أشهب، وقوله فيها معلوم من مذهبه في الواضحة وغيرها أن قولهم: لا يقبل منهم إذا لم يظهروه قبل أن يؤخذوا، قال في الواضحة: والمسلم كان أحق بالتصديق إذا أخذ سكرانا أو زانيا، فقال: تزوجت أو أكرهت على الشرب، فلا يقبل منه، ويقام عليه الحد، قال: فكذلك هؤلاء إذا لم يظهروا ذلك قبل أن يؤخذوا لم يقبل منهم، ويكون الوالي فيهم بالخيار إن شاء قتل، وإن شاء استحيا، واسترق للمسلمين إلا أن يسلموا، فيكونوا عبيدا للمسلمين ولا يقتلون، قال عبد الملك: وهو من أحسن ما سمعت فيه، وقد سألت عنه غير واحد، فقالوه واستحسنوه، وقد مضى تحصيل الخلاف في هذه المسألة مجودا في رسم الجواب، من سماع عيسى، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا. [مسألة: الأسير من أهل الحرب يستأذن سيده المسلم أن يخليه على أن يأتيه بابن نفسه] مسألة وسئل عن الأسير من أهل الحرب يستأذن سيده المسلم أن يخليه على أن يأتيه بابن نفسه وبامرأته وبأبي نفسه على ذلك

مسألة: إمام الجيش هل يسهم له من الفيء

فداؤه، فيفعل فيأتي بهم، فيزعمون أنهم خرجوا معه بعهد، ويقول الآخر: بل سرقتهم أو غنمتهم ما ترى في ذلك؟ فقال: يقبل في ذلك قول الذي جاء بهم، ولا يقبل قولهم فيه. قال محمد بن رشد: المسئول في هذه المسألة أشهب بدليل عطفها على ما قبلها، والله أعلم، وإنما قال: إن القول في ذلك قول الذي جاء بهم من أجل أنه خرج من عند سيده، على أن يأتي بهم، فجعل ذلك شبهته توجب أن يكون القول قوله، وإلى هذا ذهب أحمد بن ميسر، ونص على العلة فقال: لأنه سبق له أمان قبلهم، وقال ابن المواز: القول قولهم، ولم يراع ما أطلقه سيده عليه، ولو أتى بهم دون سبب متقدم؛ لكان القول قولهم باتفاق، إلا أن يكونوا في وثاقه على ما مضى في رسم الكبش، من سماع يحيى، وفي سماع سحنون، وبالله التوفيق. [مسألة: إمام الجيش هل يسهم له من الفيء] مسألة وسئل عن إمام الجيش، هل يسهم له من الفيء كسهمان الناس، أو هل له رأس الفيء أو الخمس شيء أم لا؟ فقال: إنما والي الجيش كرجل منهم، له مثل الذي لهم، وعليه مثل الذي عليهم. قال محمد بن أحمد: لا حق للإمام من رأس الغنيمة عند مالك وجل أهل العلم، وما جاء من أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان له شيء يصطفيه من رأس الغنيمة فرس أو عبيد أو أمة أو بعير، على حسب حال الغنيمة، خصوص له أجمع العلماء على ذلك، إلا أبا ثور؛ حكي عنه ما يخالف هذا الإجماع، فقال: الآثار

مسألة: العبد من أهل الحرب يخرج بامرأته وولدها وملكه للمسلم

في الصفي ثابتة، ولا أعلم شيئا نسخها فيؤخذ الصفي، ويجري مجرى سهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وكذلك لا حق له عنده في الخمس إلا الاجتهاد في قسمته بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما لي مما أفاء الله عليكم، ولا مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم» ، ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الخمس مقسوم على الخمسة الأصناف المذكورين في الآية بالسواء، وأن سهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد وفاته للخليفة بعده، وأن سهم قرابته لقرابة الخليفة بعده، وفي هذا أثر مرفوع إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «إذا أطعم الله نبيا طعمة فهي للخليفة بعده» . [مسألة: العبد من أهل الحرب يخرج بامرأته وولدها وملكه للمسلم] مسألة وسئل أيضا عن العبد من أهل الحرب يخرج بامرأته وولدها وملكه للمسلم، فيقول العبد خرجوا معي بعهد، وينكر ذلك سيده والعبد معروف بالسبي والتلصص في أرض العدو، قال: القول قول العبد في ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يجير على المسلمين أدناهم» .

مسألة: شد رجل من السرية فأسره العدو فلما أحسوا طلبوا من الأسير الأمان

[مسألة: شد رجل من السرية فأسره العدو فلما أحسوا طلبوا من الأسير الأمان] مسألة وسئل عن سرية خرجت، فشد منها رجل فأسره العدو فذهبوا به فطلبتهم الخيل، فلما أحسوا طلبوا من الأسير الذي في أيديهم الأمان فأمنهم وأدركتهم الخيل، هل يجوز لهم أمان المسلم على تلك الحال أم لا؟ قال: إن كان أمنهم وهو آمن على نفسه فذلك جائز، وإن كان خائفا فليس ذلك بجائز، وقول الأسير في ذلك مقبول. قال محمد بن رشد: زاد ابن المواز في هذه المسألة، وإن اختلف قوله أخذ بقوله الأول، وقال سحنون: لا يجوز أمانه، ولا يصدق أنه كان غير خائف، إذ لا يقدر إذا طلبوا منه الأمان إلا أن يؤمنهم، واختلف أيضا إذا أطلقوه على أن يؤمنهم بشرط، ولم يختلف في أن أمانه جائز إذا أمنهم بعد أن أطلقوه، وهو آمن على نفسه، ولا في أن أمانه لا يجوز إذا قالوا له: تؤمننا وإلا قتلناك، هذا تحصيل هذه المسألة، وقد مضى ذلك في أول سماع عيسى. [مسألة: أبقت منه علجة فأصابها بعد ذلك بسنين فوجد معها أولادا] مسألة وعن رجل أبقت منه علجة، فأصابها بعد ذلك بسنين، فوجد معها أولادا، فزعم أن أولادها منه، قال: أولادها منه إن كانوا في بطن، وإن كانوا ليس في بطن ألحق به البطن الأول منهم إلا أن يدعي استبراء قبل إباقتها، فيكون ذلك له. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ إذ لا اختلاف فيمن ادعى ولد امرأة، فزعم أنها كانت له زوجة أو ملك يمين، أن قوله مقبول، ويلحق به نسبه إلا أن يتبين كذبه بأن تكون قد ولدته لأكثر مما تلده النساء من يوم باعها

مسألة: فرس حبس أبدله صاحبه بفرس حبس فأصيب بأحدهما عيب

إن كانت أمة، أو طلقها إن كانت حرة، فإذا أبقت من الرجل العلجة بعد أن وطئها، وقبل أن يستبرئها، فوجد معها أولادا لا يعلم متى وضعتهم فادعاهم، وجب أن يلحقوا به إلا أن يكونوا ليسوا بني بطن، فلا يلحق به إلا البطن الأول، لتبين كذبه في البطن الثاني؛ إذ لا يمكن أن يكون ولدان من وطء واحد، ويكون بين وضعهما ستة أشهر فأكثر، إلا أن يدعي استبراء قبل إباقتها، فلا يصدق ولا يلحق به الولد. وقوله في الرواية، فيكون ذلك له ليس بوجه الكلام، وإنما كان من حقه أن يقول: فلا يصدق ولا يلحق به الولد، ولو علم أنها وضعتهم لما يلحق به الأنساب، لوجب أن يلحقوا به، وإن لم يدعهم إذا ادعت أنهم منه، إلا أن يدعي استبراء قبل إباقتها، فيكون ذلك له، ولا يلحق به الولد إلا أن تكون وطئت في بلد الحرب، فإن كانت قد وطئت في بلد الحرب على وجه الملك لم يلحق به الولد إذا أنكره وأقر بالوطء، ولم يدع الاستبراء إلا بالقافة، ولو كانت إنما وطئت في بلد الحرب على وجه الزنا ما لحق به الولد بغير قافة؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» ، وكذلك يلزم على قياس قول من يقول: من أبق منه عبده إلى بلد الحرب، أن صاحبه يأخذه ممن اشتراه من الحربي، أو صار له في المغانم بغير ثمن، ولو علم أنها وضعته لما لا يلحق به الأنساب منه لما ألحقوا وإن ادعاهم. [مسألة: فرس حبس أبدله صاحبه بفرس حبس فأصيب بأحدهما عيب] مسألة وسئل عن فرس حبس أبدله صاحبه بفرس حبس، فأصيب بأحدهما عيب، هل ترى له أن يرده لما وجد به من العيب ويأخذ فرسه؟ قال: نعم، وبئس ما صنعا حين تبادلا، ولو لم يجد به عيبا

ثم أراد أحدهما أن يرده، رأيت ذلك له إلا أن يكونا تبايعا ذلك من عصاص أو حطم، أو ضعف عن الجهاد، فيجوز ولو كان ذلك في أحدهما والآخر سليم، رأيت أن يرد السليم منهما إلى صاحبه. قال محمد بن رشد: أما قوله: إذا تبادلا بالفرسين الحبيسين، فوجد بأحدهما عيب فصحيح لا اختلاف فيه، إذ لا يصح أن يلزم العيب من لم يرض به في المبادلة، كما لا يصح في المبايعة، قال ابن أبي زيد: ولو وجد بأحدهما عيب، وأصيب الآخر لرد المعيب، وأخذ قيمة فرسه الفائت، وحكاه عن ابن القاسم من كتاب ابن المواز، وهو بعيد لا وجه له، إلا أن يكونا تبايعا ذلك من عصاص أو حطم أو ضعف عن الجهاد؛ لأن من اشترى فرسا حبيسا فتلف عنده كان له أن يرجع بالثمن، ولو لم يكن عليه ضمان، كمن اشترى عبدا فمات عنده ثم استحق بحرية. وأما قوله: إن لمن أراد منهما الرد أن يرد، وإن لم يجد عيبا، فإنه كلام فيه نظر؛ لأنه إذا لم ير المبادلة بينهما جايزة إلا أن يكونا تبايعا ذلك من عصاص أو حطم أو ضعف عن الجهاد، وكما قال، فكان يلزم على قوله أن يقول: إن الترداد لازم لهما؛ لفساد المبادلة بينهما، والأظهر أنها جائزة، وأنه لا رد لأحدهما إلا أن يجد عيبا على ما في المدونة من إجازة المبادلة في طعام العدو ببلد الحرب، إذ لا فرق بين المسألتين؛ لأن الطعام لا يملك أخذه في بلد الحرب، وإنما له الانتفاع بأكله في بلد الحرب، فهو كالفرس الحبيس الذي لا يملك، وإنما للذي هو بيده الانتفاع بركوبه في السبيل، فهذه الرواية تأتي على ما روي عن مالك من أن المبادلة في ذلك كالمبايعة لا تجوز. وأما قوله: ولو كان ذلك في أحدهما،

مسألة: الحر المسلم يشترى في أرض العدو بأضعاف الثمن

والآخر سليم، رأيت أن يرد السليم منهما إلى صاحبه، يريد ويرد المعيب أيضا، إلا أن يفوتا فتكون فيه القيمة على حكم البيع الفاسد؛ إذ لا يختلف في فساد البيع، إذا كان أحدهما سليما لا يجوز بيعه، والآخر منتقصا لا يصلح للجهاد يجوز بيعه، فإن كانا منتقصين جازت المبادلة فيهما باتفاق إلا على مذهب من لا يجيز بيع الفرس الحبيس، وإن انتقص ولم ينتفع به في الجهاد، وإن كان أحدهما منتقصا لم تجز المبادلة فيهما باتفاق، وإن كانا جميعا متناقصين، فعلى ما ذكرناه من الاختلاف. [مسألة: الحر المسلم يشترى في أرض العدو بأضعاف الثمن] مسألة وسئل عن الحر المسلم يشترى في أرض العدو بأضعاف الثمن، قال: يأخذه به أي يتبعه بكل ما اشتراه به قليلا أو كثيرا على ما أحب أو كره، وهو حر ولا يرق نفسه. قال محمد بن رشد: قد مضى في أول رسم من سماع أشهب القول في هذه المسألة، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: حكم شراء أولاد أهل الحرب منهم] مسألة وسمعته وسئل عن علج دخل بأمان في فداء امرأته، ففداها بسبعين دينارا من صاحبها، وأرهنه ابنا له كان معه حتى يأتي بها، فذهب فلم يأت ما سبيل ذلك الابن؟ قال: يستأنى به، فإن جاء وإلا بيع عليه رقيقا، واستوفى ماله فإن فضل فضلٌ حبسه لصاحبه حتى يأتي. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على ما في المدونة من أنه يجوز لنا أن نشتري من أهل الحرب أولادهم إذا باعوهم منا، ولم يكن بيننا وبينهم هدنة، وذهب كثير من أهل النظر إلى أن مسألة رسم المكاتب من سماع

مسألة: علج من العدو أسر فبلغ الإمام بالصياح عليه ثم رأى الإمام قتله

يحيى معارضة لهذه المسألة، ولما في المدونة، والصواب ألا تعارض على ما مضى القول فيه هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: علج من العدو أسر فبلغ الإمام بالصياح عليه ثم رأى الإمام قتله] مسألة وسئل عن علج من العدو أسر، فبلغ الإمام بالصياح عليه، فبلغ أحد عشر دينارا، ثم رأى الإمام قتله فأراد أن يقتله، قال ذلك له يقتله. قال أصبغ: بل أرى إن كان إنما صاح على بيعه تجربة، ليعرف ما يبلغ فيرى رأيه، فذلك له كما قال، وإلا فلا. قال محمد بن رشد: قول أصبغ صحيح، ينبغي أن يحمل على التفسير؛ لقول القاسم؛ لأن الأمان شديد، فإذا أمر الإمام بالصياح على الأسير لبيعه ويقسم ثمنه عازما على ذلك، فقد استرقه للمسلمين وحرم قتله. [مسألة: السرية تبعث في أرض العدو فيجعل لها ثلث ما أصابت] مسألة قال أصبغ: وسألت ابن القاسم، وسئل عن السرية تبعث في أرض العدو، فيجعل لها ثلث ما أصابت أو ربعه أو جزء منه، فكره ذلك، ونهى عنه، وقاله أصبغ: ولا أرى للوالي أن يفعل ذلك بالناس، فيفسد نياتهم في الجهاد، ويرغبون في الإصابة، ويخرج منهم من لا يريد إلا الدنيا وطلبها، فهذا فساد عظيم يصنع بالناس، يقتتلوا في طلب الدنيا والتماسها وغير الجهاد في سبيل الله، ولا أرى لمن خرج معهم في مثل هذا أن يأخذ منهم شيئا مما جعل، ولا يخرج

في سريتهم، ولا أرى بالخروج معهم بأسا لمن لا يريد أن يأخذ من ذلك شيئا إذا صحت نيته، ولم يخرجه إلا حب الجهاد والرغبة فيه، وقد بلغني عمن بلغه أن بعض أهل العلم والفضل قد خرج معهم، ولا أرى ما يأخذون حراما، ولا أرى بخروج السرايا افتداء على غير هذا، ولا ببعثة السرايا وانتشارها سرا وعلانية بأسا، ولم تزل السرايا من أمر الجهاد وسيرته وقوته، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يرد على المسلمين أقصاهم» ، فالسرايا من ذلك تصير وتصيب وترد على الجيش والعسكر وعنهم، ولا أرى أن تكون السرايا إلا كتيفة وتقاوة وشجاعة وإن قلوا، فقد يكون الرجل خيرا من كثيبة، وخيرا من عدد، وخيرا من مائة، ما لم يبعثوا القلة على الجماعة الحصون، وما أشبهه من الجموع، ولا ينبغي أن تكون السرية غدرا، ولا إلى الموضع غرة ولا غررا، قال: ووهن السرية وهن العسكر وغررها غرر العسكر. قال محمد بن رشد: هذا معلوم من مذهب مالك في المدونة وغيرها أنه لا يجوز للإمام أن ينفل قبل القتال، لئلا يرغب الناس في المال، فتفسد نيتهم في الجهاد، فإن وقع ذلك مضى للاختلاف الواقع في ذلك والآثار المروية فيه، من ذلك ما روي: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمرو بن العاص: «هل لك أن أبعثك في جيش، فيسلمك الله، ويغنمك، وأرغب لك في المال رغبة صالحة» ، وما روي من أنه «كان ينفل السرايا في البدأة الثلث، وفي الرجعة الربع» ، «وأنه نفل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البدأة الربع وحين نفل الثلث» . وذهب إليه جماعة من

مسألة: الرجل من أهل الإسلام يسبى أعلى المسلمين أن يفتدوه

العلماء، وقال أكثرهم: لا يزيد على الثلث؛ لأنه أكثر ما روي، ومنهم من ذهب إلى أنه إنما ينفل الربع أو الثلث بعد الخمس، ومنهم من ذهب إلى أن له أن ينفل السرية كلما غنمت، وأما مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فلا يجيز النفل قبل القتال، ولا يراه بعد القتال إلا من الخمس؛ لأن قسمة الخمس عنده مصروفة إلى اجتهاد الإمام، والأربعة الأخماس للغانمين، فلا يجيز للإمام أن يعطي أحدا منها فوق سهمه. ومن أهل العلم من قال: إن النفل لا يكون إلا من خمس الخمس، ذهب إلى هذا من رأى أن الخمس يقسم بالسواء بين الخمسة الأصناف المذكورة في الآية، ومنهم من أجاز للإمام أن ينفل من رأس الغنيمة قبل الخمس على ما قد ذكرنا من مذهب من أجاز للإمام أن ينفل السرية كلما غنمت، ومنهم من قال: لا ينفل من الخمس، وإنما ينفل من الأربعة الأخماس بعد إخراج الخمس على ما قد ذكرناه في حكم تنفيل السرية أيضا، وما ذكره من كراهة التغرير للسرية صحيح، ينبغي للإمام ألا يأذن في ذلك ويمنع منه، قال سحنون في كتاب ابنه: وأصحابنا يرون في سرية تخرج في قلة وغرر بغير إذن الإمام، أن للإمام منعهم الغنيمة أدبا لهم، قال سحنون: فأما جماعة لا يخاف عليهم، فلا يحرمون الغنيمة، وإن لم يستأذنوه، يريد وإن أخطئوا. [مسألة: الرجل من أهل الإسلام يسبى أعلى المسلمين أن يفتدوه] مسألة قال أشهب: سئل مالك عن الرجل من أهل الإسلام يسبى؛ أعلى المسلمين أن يفتدوه بكل ما يقدرون عليه؟ قال مالك: نعم، إن لم يقدروا على افتدائه إلا بكل ما يملكون فذلك عليهم.

مسألة: الروم يطلبون من المسلمين في المفاداة الخمر والخيل والسلاح

قال محمد بن رشد: قد مضت هذه الرواية لأشهب في أول سماعه، والقول عليها هناك، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الروم يطلبون من المسلمين في المفاداة الخمر والخيل والسلاح] مسألة قال أشهب: في الروم يطلبون من المسلمين في المفاداة الخمر والخيل والسلاح، قال: أما الخيل والسلاح فلا بأس، وأما الخمر فلا يصلح؛ لأنه لا ينبغي لأحد أن يدخل في نافلة من الخير بمعصية. قال محمد بن رشد: ظاهر قول أشهب هذا أنه أجاز أن يفدى الأسير بالخيل والسلاح، وإن كثر ذلك، إذا لم يقدر إلا على ذلك، وهو نص قول سحنون خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب، من أنه إنما يجوز ذلك ما لم يكن الخيل والسلاح أمرا كثيرا، يكون لهم به القوة الظاهرة. وأجاز سحنون أيضا أن يفدى منهم بالخمر والخنزير والميتة، قال: ويأمر الإمام أهل الذمة أن يدفعوا ذلك إليهم، ويحاسبهم بقيمته في الجزية، فإن أبوا لم يجبروا على ذلك، ولم يكن بأس بابتياع ذلك لهم، وهذه ضرورة، وقد روي عن ابن القاسم أن المفاداة بالخمر أحق منها بالخيل والسلاح، وهو كما قال؛ إذ لا ضرر فيه على المسلمين في المفاداة منهم بالخمر، وعليهم الضرر في المفاداة منهم بالخيل، وقول أشهب في تفرقته بين الخيل والسلاح وبين الخمر؛ لأنه لا ينبغي لأحد أن يدخل في نافلة من الخير بمعصية ليس بصحيح؛ لأن بيع الخيل والسلاح منهم معصية كما أن بيع الخمر منهم معصية، فإذا جاز أن يعطوا الخيل والسلاح في فداء مسلم لحرمة المسلم كان أجوز يعطوا فيه الخمر لحرمة المسلم؛ إذ لا ضرر في ذلك على المسلمين

دعي إلى الإسلام أو الجزية غير مرة فأبى فجوهد وجاهدوا وحاربوا وسبوا

والدخول في نافلة من الخير بمعصية إنما هو مثل أن يسرق مال أحد أو يغصبه، فيفدي به أسيرا، أو يفعل به خيرا، وما أشبه ذلك، وسواء على مذهب ابن القاسم كان الأسير في بلد الحرب، أو قدم به بأمان إلى بلد المسلمين؛ إذ له على مذهبه أن يرجع به إلى بلده إن شاء خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أنه لا يمكن من الرجوع به إلى بلده، ويؤخذ منه بالقيمة شاء أو أبى، وقد تقدم في سماع يحيى وسحنون ما دل على هذا المعنى، ومن فدى مسلما بخمر أو خنزير أو ميتة، فلا رجوع له عليه بشيء، إلا أن يكون المعطي ذميا، فليرجع عليه بقيمة الخمر والخنزير والميتة إن كانت مما يملكونها، قاله سحنون في كتاب ابنه، ومعناه إذا فداه بذلك من عنده، وأما إن ابتاعه ليفديه به، فإنه يرجع عليه بالثمن الذي اشتراه به، والله تعالى هو الموفق لا رب غيره. [دعي إلى الإسلام أو الجزية غير مرة فأبى فجوهد وجاهدوا وحاربوا وسبوا] ومن مسائل نوازل سئل عنها أصبغ قيل لأصبغ: أرأيت من قد دعي إلى الإسلام أو الجزية غير مرة فأبى، فجوهد وجاهدوا وحاربوا وسبوا، أيدعى هؤلاء أبدا؟ قال أصبغ: أما الجيوش الظاهرة الغالبة والصائلة، فإني أرى الدعوة عليهم، ولا أرى لهم أن يقاتلوا قوما، ولا حصنا إلا بدعوة؛ لأن هؤلاء لم يخرجوا بطلب غرة، ولا انتهاز فرصة، وإنما خرجوا قاهرين ظاهرين لتخريب العامر، وللإدخال في الإسلام وما أشبه هذا، وأما السرايا وما أشبهها التي تطلب الغرر، وانتهاز الفرصة، فلا أرى على هؤلاء في مثل من وصفت دعوة ولو دعي مثل هؤلاء؛ لكان إنذارا على أنفسهم وتجليبا عليهم. قال: وهذا أحب ما سمعت إلي، مع ما جاء من الاختلاف في الدعوة، قد قال جل الناس: إنها قد بلغت العالم

جميعا. قال أصبغ: وقد بلغني أن عمر بن عبد العزيز كتب ألا تقاتلوهم حتى تدعوهم؛ فإنا إنما نقاتلوهم على الدين، وإنما تخيل إليهم وإلى كثير منا، أنا إنما نقاتلوهم على الغلبة، فلا تقاتلوهم حتى تبينوا لهم. قال محمد بن رشد: الكفار في حكم دعائهم إلى الإسلام قبل القتال على ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكونوا ممن لم يبلغه أمر النبوة والإسلام. والثاني: أن يكونوا قد بلغه أمر النبوة والإسلام، إلا أنهم يجهلون أنهم إنما يقاتلون ليدخلوا في الإسلام، أو يؤدوا الجزية، ويظنون أنهم يقاتلون ليغلبوا ويسترقوا لا لما سوى ذلك. والثالث: أن يكونوا يعلمون أنهم إنما يقاتلون على الإسلام؛ ليدخلوا فيه أو يؤدوا الجزية. والدعوة في القسم الأول والثاني واجبة قبل القتال في الجيوش، إلا أن الحكم يفترق فيهما، إن قوتلوا قبل، بين أن يدعوا ويسبوا، فلا يمضي ذلك في أهل القسم الأول، ويمضي في أهل القسم الثاني. وقد قال جل أهل العلم: إن دعوة الإسلام قد بلغت جميع العالم، فعلى هذا يسقط القسم الأول، وهي في القسم الثالث غير واجبة على السرايا، لا يلزم أن يتقدم إليهم قبل بعث السرايا إليهم؛ لعلمهم بما يتقدم به إليهم. وذلك جائز للإمام أن يفعله إن شاء، وأما أمير السرية إذا دخل، فلا يجوز له الدعوة ولا يحل؛ لأن في ذلك تجليبا للعدو على نفسه وإهلاكا لها، واختلف في وجوبها على الجيوش والصوائف، فأوجبها أصبغ في هذه الرواية، ظاهر قوله، وإن لم يرجوا أن يستجيبوا لهم إذا دعوهم، وقد قيل: إنه إنما يجب عليهم أن يدعوهم إذا رجوا أن يجيبوهم إذا دعوهم، أو أيقنوا

مسألة: عبدا من المغنم أبق ولحق بدار الحرب ثم غنم أيكون غنيمة مبتدأة

بذلك، وهو قول يحيى بن سعيد في المدونة: ولعمري إنه للحق على المسلمين ألا ينزلوا بأحد من العدو في الحصون ممن يطمعون بهم، ويرجون أن يستجيب لهم إلا دعوه. وقد قيل: إنه إنما يجب عليهم إذا أيقنوا أنهم إن دعوهم أجابوهم لخوفهم من تغلب المسلمين عليهم، وأما إن لم يوقنوا بذلك ورجوه استحبت لهم الدعوة، وإن علموا أنهم لا يجيبونهم جازت لهم ولم تستحب، والذي يأتي على مذهب مالك أنها غير واجبة، وإن أيقنوا بإجابتهم، وهو قول سحنون في كتاب ابنه؛ لأنه أنكر التفرقة وقال: إن وجبت فعلى الجميع، وإن لم تجب سقطت في الوجهين يريد أن تسقط في هذا القسم عن الجيوش كما تسقط عن السرايا، وأنها تجب في القسم الأول والثاني، أو في القسم الثاني إن سقط القسم الأول على السرايا كما يجب على الجيوش والصوائف، وأما إن شك في بلوغ الدعوة إليهم فمن بعد عن الدرب محمولون على أن الدعوة لم تبلغهم لم يختلف في ذلك قول مالك، واختلف قوله فيمن قرب من الدروب في المدونة، فمرة حملهم على أن الدعوة لم تبلغهم، فأوجب دعاءهم قبل القتال، ومرة حملهم على أن الدعوة قد بلغتهم، فلم يوجب دعاءهم قبل القتال، فهذا وجه اختلاف قول مالك في المدونة، والله أعلم، وإذا سقطت الدعوة، ووجب القتال لم يؤذنوا، واستعمل في حربهم ما أمكن من المكر والخديعة، فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحرب خدعة» . [مسألة: عبدا من المغنم أبق ولحق بدار الحرب ثم غنم أيكون غنيمة مبتدأة] مسألة قيل لأصبغ: فلو أن عبدا من المغنم أبق ولحق بدار الحرب ثم غنم، أيكون غنيمة مبتدأة أم يرد إلى الغنيمة الأولى؟ قال: بل يرد إلى الغنيمة الأولى الذين كانوا غنموه، ولا يكون فيه إلا خمس واحد، ولا يكون لهؤلاء الذين غنموه آخرا قليل ولا كثير، إلا أن يكون إباقه

مسألة: أهل الذمة يخرجون غزاة إلى أرض الحرب متسررين متلصصين

بحدثان الآخذ وفوره قبل استحكام الغنيمة، فيكون كما لم يوسر مثل الذي ينفلت من الآخذ، ومن الرباط وينسل، ويختفي في سوقه وما أشبه ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العبد إذا استحكمت غنيمته، فقد وجب لغانميه بعد تخميسه، فإذا أبق ثم غنمه آخرون، فهم أحق به إن أدركوه قبل القسم بغير ثمن وبعده بالثمن إن شاءوا أن يأخذوه. [مسألة: أهل الذمة يخرجون غزاة إلى أرض الحرب متسررين متلصصين] مسألة وسئل أصبغ عن أهل الذمة يخرجون غزاة إلى أرض الحرب متسررين متلصصين، ليس معهم أحد من أهل الإسلام، أو لعل معهم النفر إلا أنهم الغالب على السرية والأكثر، أترى أن يتركوا وذلك، أو يخرج منهم الواحد والاثنان والثلاثة، متلصصين متسررين، هل الواحد عندك والكثير سواء؟ فقال: أرى أن يمنعوا من ذلك منعا شديدا ويزجروا عنه، وذلك لوجهين؛ أما أحدهما: فمن أجل أن الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لن أستعين بمشرك» ، والوجه الآخر: أنهم يعملون بعمل الشرك، فيستحلون ما نهي عنه من قتل النساء، والصبيان، والغلول، وغير وجه واحد، ولا يجاهد عدو الله إلا بسنة وإصابة ودعوة، وإن أهل ذمة المسلمين بمنزلتهم؛ لأن منعهم وتركهم إليهم، فإن كانوا قد غزوا وأصابوا تقدم إليهم ونهوا عن العودة، وتركت غنيمتهم بأيديهم، ولا يؤخذ منهم شيء إلا أن يكون معهم مسلم فيخمس سهمانه وحده، والقليل والكثير سواء إذا انفردوا، هكذا يمنعون أشد المنع. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في أول سماع يحيى، فلا معنى لإعادته.

مسألة: العبيد يجتمعون فيسرون وهم مسلمون فيصيبون العمل والسنة في الغزو

[مسألة: العبيد يجتمعون فيسرون وهم مسلمون فيصيبون العمل والسنة في الغزو] مسألة قيل لأصبغ: فالعبيد يجتمعون فيسرون كنحو هؤلاء، وهم مسلمون فيصيبون العمل والسنة في الغزو والإصابة، وقد أذن لهم أربابهم فقال: هؤلاء مثلهم أرى أن يمنعوا أيضا، وليس من وجه أنهم لا يصيبون، ولكن من وجه أنهم لا حق لهم في الفيء، ولا خمس في غنيمتهم، فإن وقع وغنموا رأيت أن يترك ذلك لهم، ولا يخمسوا ويتقدم إليهم إلا يعودوا ويمنعوا أشد المنع. قال محمد بن رشد: ابن القاسم يرى في غنيمتهم الخمس، وقد مضى ذلك من قوله في سماع يحيى، فعلى قوله لا يمنعون من الغزو منفردين؛ لأن الخطاب في قول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41] الآية، وإن كان متوجها إلى الأحرار والعبيد تبع لهم إذا كانوا في جملتهم، فهو يراهم بمنزلتهم، إذا انفردوا قياسا عليهم في أن الخمس عليهم والأربعة الأخماس لهم، فكذلك يجب أن يكونوا بمنزلتهم في أن لا يمنعوا من الغزو، وبالله التوفيق. [مسألة: غشيهم العدو فبادروا إلى دوابهم فأخذ كل واحد منهم دابة صاحبه] مسألة وسئل أصبغ عن أناس من المسلمين كانوا في كمين ناحية العدو، فغشيهم العدو، فبادروا إلى دوابهم، فأخذ كل واحد منهم دابة صاحبه على العمد ممن أخذ أو أخطأ، فأصيب بعض الدواب وسلم بعضها، وكيف إن أصيب خيارها كيف الأمر فيه؟ قال: أراه ضامنا عمدا كان أو خطأ؛ لأنها أصيبت تحته.

مسألة: ينزع من جماعة المسلمين فيصالح العدو الذين يلونه ويستمد بهم على المسلمين

قال محمد بن رشد: لمالك في رسم يتخذ الخرقة من سماع ابن القاسم، من كتاب الجنايات نحو هذه المسألة، فإنه يعذر بالخوف في بلد الحرب في السفر، ويسقط عنه الضمان، وقال سحنون هناك: إنه ضامن مثل قول أصبغ هاهنا، وهو الأظهر على أصولهم في أن الأموال تضمن في العمد والخطأ، ونهاية ما في هذا أن يجعل بالخوف في حكم المغلوب عليه كالمكره، ومن قولهم: إن من أتلف مال غيره مكرها لا يعذر بالإكراه، ويجب عليه الغرم. [مسألة: ينزع من جماعة المسلمين فيصالح العدو الذين يلونه ويستمد بهم على المسلمين] مسألة وسئل أصبغ عن الوالي ينزع من جماعة المسلمين، وهو في حصن من حصون المسلمين، فيصالح العدو الذين يلونه، ويستمد بهم على المسلمين، فهل يحرمون بذلك الصلح على الإسلام. قال: أما ما لم يغيروا بعد معاهدته إياهم وأمسكوا فلا أرى أن يستحلوا، وأما إذا عابوا وأعاروا لهواء ما بينه وبينهم، فقاتلوا المسلمين بهذا الوجه فأرى أن يقاتلوا، وأن يستحلوا فأرى أمرهم حينئذ أن يكونوا كاللصوص هم وهو ويكونون ناقضين؛ لأن هذه ليست معاهدة، إنما المعاهدة الإمساك، فإن لم يمسكوا قوتلوا. قال محمد بن رشد: مثل هذا لأصبغ في الثامن من الثمانية حرفا بحرف، وهو مفسر لقول ابن القاسم في سماع يحيى. [مسألة: دخل أرض الحرب بسويق له بلا لتات فلته بإدام من المغانم] مسألة قيل لأصبغ: فلو أن رجلا دخل أرض الحرب بسويق له بلا لتات، فلته بإدام من المغانم أو ثوبا، فصبغه بصبغ من المغانم، ثم

مسألة: النصراني يشتري النصراني ثم يخرج العبد إلى أرض العدو فيسلم

خرج به، ما ترى في ذلك؟ قال أصبغ: إن كان الذي زاد فيه اللت والصبغ الزيادة التافهة اليسيرة، فلا أرى عليه تمخيا منه بمنزلة لو خرج بالإدام نفسه والصبغ، وإن كان زاد فيه زيادة ذات بال، وقد كان شريكا بقيمة ثوبه أو سويقه بلا صباغ ولا لت، وتمخى من سائر ذلك. قال محمد بن أحمد: وهذا بين كما قال؛ لأن الصباغ واللتات عين قائمة في جميع الأحكام من المرابحة والعيوب والاستحقاق والسرقة وغير ذلك، فوجب أن يكون في هذه المسألة كذلك إلا أن في مساواته في اليسير بين الصبغ والإدام نظرا؛ لأن له أن يخرج من الإدام يسيرا، وليس له أن يخرج من الصبغ بماله ثمن وإن قل؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شراك وشراكان من نار» ، فالصواب أن عليه أن يتمخى الصبغ من قليله وكثيره. [مسألة: النصراني يشتري النصراني ثم يخرج العبد إلى أرض العدو فيسلم] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم مسألة قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن النصراني يشتري النصراني، ثم يخرج العبد إلى أرض العدو فيسلم ثمة، ثم يأسره المسلمون، قال: هو حر، ولا يقع في المقاسم.

مسألة: يجد الغنيمة في أرض العدو فيتركها ولا يأخذها

قال محمد بن رشد: هذه مسألة خارجة عن أصل المذهب في أن أهل الذمة وأهل الإسلام سواء فيما حازه أهل الحرب من أموالهم، بسبي منهم أو إباق من العبيد إليهم، ثم سباه المسلمون بعد ذلك أنهم أحق به إن أدركوه قبل القسم بغير ثمن، وإن لم يدركوه حتى قسم كان لهم أن يأخذوه بالثمن الذي وقع به في المقاسم إن شاءوا، والذي يأتي فيها علم المذهب أنه لا يكون إذا سبي حرا، ويكون سيده أحق به قبل القسم بغير ثمن وبعده بالثمن إن شاء، ويباع عليه لإسلامه؛ لأن إسلام عبد الذمي لا يسقط ملك سيده عنه بإجماع، وكذلك إباقه إلى بلد الحرب لا يسقط ملك سيده عنه على المذهب، فوجب أن يكون له إذا سبي أسلم أو لم يسلم، ويباع عليه إن أسلم، وإنما يصح جوابه فيها على مذهب من يقول: إن أهل الحرب يملكون على المسلمين، وأهل الذمة ما صار إليهم من أموالهم، فلا يكون لهم إليها سبيل وإن أدركوا قبل القسم، ولا يكون العبد حرا إذا أسلم في بلد الحرب فسباه المسلمون، أو خرج إليهم مسلما إلا إذا كان سيده حربيا كعبيد أهل الطائف الذين أسلموا أو خرجوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأعتقهم بخروجهم إليه، وإنما كان يصح جوابه لو خرج النصراني بالنصراني الذي اشترى إلى بلد الحرب ناقضا للعهد، فأسلم العبد في بلد الحرب، ثم غنمه المسلمون، ولو قدم السيد الحربي قبله بأمان فأسلم أو لم يسلم، ثم سبى العبد بعد ذلك، لتخرج على الاختلاف الواقع في المدونة وغيرها في تغليب حكم الدار، وقد ذكرنا ذلك في أول رسم المكاتب، من سماع سحنون، وفي سماع سحنون، ويأتي أيضا في رسم الجواب، من سماع عيسى، من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وبالله التوفيق. [مسألة: يجد الغنيمة في أرض العدو فيتركها ولا يأخذها] مسألة وعن الرجل يجد الغنيمة في أرض العدو فيتركها ولا يأخذها

مسألة: سبى رومي جارية ممن بيننا وبينه هدنة هل يجوز شرائها ووطئها

كراهية أن تتعب ذاته بحملها إلى العسكر. فقال: أراه في سعة من ذلك، ولا يلزمه حملها إلا أن يكون. شيئا نفيسا من متاع أو جوهر، فلا أرى أن يتركه. قال محمد بن رشد: أوجب عليه فيما كان شيئا نفيسا من متاع أو جوهر لا مؤنة عليه في حمله، إلى الذي تجمع عنده الغنائم في العسكر أن يحمله ولا يتركه يضيع، بخلاف اللقطة التي اختلف في الأفضل من أخذها، أو تركها على ثلاثة أقوال: أحدها: أن تركها أفضل رجاء أن يرجع صاحبها فيجدها. والثاني: أن أخذها أفضل مخافة أن يتركها فيجدها من يذهب بها ولا يعرفها. والثالث: الفرق بين اليسير والكثير، والأول مذهب أبي عمران، والأخيران لمالك؛ لأن اللقطة إن أخذها لزمه تعريفها، وربما لم يجد صاحبها، وإن تركها ربما رجع عنها صاحبها فوجدها حيث سقطت منه، وهذا إن تركه ضاع، وإن أخذه لم يلزمه؛ لأنه يبرأ بدفعه إلى صاحب الغنائم، فهو كمن وجد لقطة يعلم صاحبها، ويوقن أنه إن تركها، ولم يأخذها؛ ضاعت، وبالله التوفيق. [مسألة: سبى رومي جارية ممن بيننا وبينه هدنة هل يجوز شرائها ووطئها] مسألة قال ابن القاسم: لو أن روميا أهدى إلي ابنته، لم يكن به بأس أن أطأها أو غير ابنته، ولو سبى رومي جارية ممن بيننا وبينه هدنة مثل النوبة وما أشبههم؛ لم ينبغ أن أشتريها ولا أطأها. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في التجارة إلى أرض الحرب من المدونة سواء، ومثل ما قد مضى لأشهب في سماع أصبغ، في جواز الارتهان، وليس ما مضى في سماع يحيى، بخلاف لشيء من ذلك على ما بيناه فيه.

مسألة: خرجوا إلى العدو فلما التقوا دفع علج منهم إلى رجل من المسلمين دنانير

[مسألة: خرجوا إلى العدو فلما التقوا دفع علج منهم إلى رجل من المسلمين دنانير] مسألة وعن قوم خرجوا إلى العدو، فلما التقوا دفع علج منهم إلى رجل من المسلمين دنانير، قال: هو أحق بها، قيل له: وإن دفعها إلى وال؟ قال: أما الوالي فلا أدري كأنه يراها فيئا للمسلمين. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول رسم من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يدخل أرض الإسلام ومعه رقيق مسلم أيباعون عليه فيعطى أثمانهم] مسألة وعن الرجل من الروم يدخل أرض الإسلام بصلح في تجارة أو غير ذلك، فيدخل معه رقيقا له مسلمين، أيباعون عليه فيعطى أثمانهم، أم يعتقون، أم يقرون بيده يخرج بهم إلى أرضه، أم كيف يفعل بهم؟ قال: لا يتركون وذلك، ويمنعون من ذلك أشد المنع، يتقدم إليهم في النهي عن ذلك، فإن عادوا عوقبوا. قال محمد بن أحمد: قد مضى في سماع سحنون أن لهم أن يرجعوا بهم إن شاءوا، ومثله في سماع سحنون من كتاب التجارة إلى أرض الحرب أيضا، وهو المعلوم من مذهب ابن القاسم، وقد مضى القول عليه في موضعين من سماع سحنون، وفي سماع من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، من قول ابن القاسم ما يعارض المعلوم من مذهبه في ذلك، وسنبين ذلك إذا مررنا به إن شاء الله. [مسألة: اشترى امرأة من السبي فحملت منه ثم جاء أهلها يريدون لها الفداء] مسألة قال ابن القاسم في رجل اشترى المرأة من السبي، أسرت فحملت منه، ثم جاء أهلها يريدون لها الفداء، أترى للسيد أن يفعل؟

مسألة: الأسير هل يجوز قضاؤه في ماله إذا قامت على قوله البينة

قال: لا، قيل له: فلو أعتقها؟ قال: فلا أرى بأسا أن يدفعها في الفداء بعد أن يستبرئ رحمها من مائه. قيل له: فلو كانت قد ولدت منه؟ قال: نعم. قال محمد بن أحمد: أما إذا كانت حاملا منه، فلا إشكال في أنه لا يجوز أن يدفعها في فداء مسلم، ولا في مال يأخذه؛ لأن ولده منها في بلد الحرب يتنصر، أو ينصر إن فعل ذلك، وأما إذا أعتقها أو ولدها، فإنما يجوز أن يدفعها في فداء مسلم لا في مال يأخذه برضاهما على أن لا يسترقا، قال ذلك ابن أبي زيد قياسا على قول سحنون في إجازة دفع الذمي برضاه في فداء مسلم على ألا يسترق، وبالله التوفيق. [مسألة: الأسير هل يجوز قضاؤه في ماله إذا قامت على قوله البينة] مسألة وسئل ابن القاسم عن الأسير، هل يجوز قضاؤه في ماله إذا قامت على قوله البينة، أم لا يكون ذلك إلا في ثلث ماله، كيف الأمر في ذلك؟ قال: قال مالك: يجوز صدقته وعتق من رأس المال، قال مالك: وتجوز وصيته في ثلثه إذا قامت على ذلك بينة، وإنما تجوز صدقته وعتقه في المرض إذا قامت على ذلك بينة. قال محمد بن رشد: إنما تجوز صدقته وعتقه من رأس ماله، إذا كان قد طال مكثه عندهم، وأمن من القتل، وأما إن كان ذلك في فور أسره وبقرب ذلك، فهو من الثلث كالذي يحبس للقتل، قاله ابن حبيب في الواضحة، وهو صحيح مفسر لقول ابن القاسم، وبالله التوفيق، حسبي الله ونعم الوكيل. تم كتاب الجهاد بحمد الله وحسن عونه، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

كتاب النذور الأول

[كتاب النذور الأول] [مسألة: المملوك يتقاضى من غريم سيده بدون إذنه ليقضي دينا عليه] من سماع ابن القاسم من كتاب الرطب باليابس مسألة أخبرنا ابن عمر قال: أخبرنا محمد التابعي قال: أخبرنا سحنون قال: أخبرنا ابن القاسم قال: سئل مالك عن مملوك لرجل حلف لغريم له، ليقضينه حقه إلى عشرة أيام، فلما مضت تسعة أيام ولم يقضه حقه خاف الحنث، فعمد إلى غريم لسيده فتقاضى منه بغير إذن سيده، فقضى غريمه، فلما علم السيد بعد أنكر ذلك، فأخذ من الغريم ما قضاه الغلام بغير إذن سيده، هل تراه حانثا؟ قال: أراه حانثا، وكذلك لو سرقها فقضاه إياها كان حانثا، قيل له: يا أبا عبد الله، أرأيت لو أجاز السيد بعد العشرة أيام؟ قال مالك: ما أرى من أمر بين، قال ابن القاسم في هذا أراه حانثا حين لم يجزه له قبل أن يقضي الأجل لأنه لو شاء أن يأخذ ما أعطاه عبده من ماله أخذه، فإنما وقع القضاء بعد الأجل. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة لا يخلو الأمر فيها من وجهين؛ أحدهما: أن يعلم السيد بذلك قبل العشرة الأيام. والثاني: أن لا يعلم بذلك إلا

بعد العشرة الأيام، فأما إذا علم بذلك قبل العشرة الأيام، فإن أجاز ذلك بر العبد، وإن لم يجز وأخذ ديناره حنث العبد، إلا أن يقضي غريمه ثانية قبل العشرة الأيام، ولا اختلاف في هذا الوجه. وأما إذا لم يعلم بذلك إلا بعد العشرة الأيام، ففي ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: قول ابن القاسم هاهنا: أن العبد حانث، أجاز السيد الأمر أو لم يجزه، وأخذ ديناره إن لم يجزه، انتقض القضاء، فكأنه لم يكن، وإن أجازه فكان القضاء إنما وقع يوم الإجازة إذ كان له ألا يجيزه، وهو ظاهر ما في المدونة إذا استحق مستحق ما قضى، إذ لم يفرق فيها بين أن يأخذ المستحق ما استحق أو لا يأخذ، وظاهر ما في نوازل سحنون في مسألة السوار، وعلى قياس هذا يأتي قول أشهب في العبد يباع بيعا فاسدا قبل يوم الفطر، فيمضي يوم الفطر وهو بيد المشتري لم يفت أن الفطرة فيه على البائع، وإن فات بعد يوم الفطر، فلزمت المشتري فيه القيمة ولم يرد إليه. والثاني: قول ابن كنانة: إنه إن أجاز السيد القضاء بر العبد في يمينه، وإن لم يجز وأخذ ديناره حنث؛ لأنه إن رد وأخذ ديناره انتقض القضاء، وإن أجازه فكأنه لم يزل جائزا من يوم وقوعه على أصولهم فيمن اغتصب عبدا فباعه وأعتقه المشتري، ثم استحقه سيده أنه إن أجاز البيع نفذ عتق المشتري فيه؛ لأن البيع كأنه لم يزل جائزا من يوم وقوعه، وإن لم يجزه وأخذ عبده انتقض العتق، ولهذا المعنى توقف مالك في الإجازة فقال: ما أرى من أمر بين، وعلى قياس هذا يأتي قول ابن الماجشون في العبد يباع قبل يوم الفطر بيعا فاسدا، فيمضي يوم الفطر، وهو بيد المشتري لم يفت أنه إن نقض البيع فيه ففطرته على البائع، وإن لم ينقض لفواته عند المشتري، وإن بعد يوم الفطر ففطرته على المشتري. والقول الثالث: أنه لا حنث على العبد أجاز السيد القضاء أو لم يجزه وأخذ ديناره؛ لأن الأجل ما مضى، إلا وقد اقتضى الغريم حقه

مسألة: حلف أن لا ينفع فلانا بشيء هل يأخذ من صدقته

وذلك في ضمانه، ولو تلف كانت مصيبته منه، فوجب أن يبر العبد بذلك، وإن لم يجز السيد ذلك وأخذ ديناره، وهو قول أشهب في سماع أصبغ بعد هذا في الذي عليه لرجل طعام من ابتياع إلى أجل فيحلف ليقضينه إياه قبل الأجل، فيقضيه طعاما ابتاعه قبل أن يستوفيه، فلا يعلم ذلك إلا بعد الأجل أن القضاء يفسخ ويبر الحالف بيمينه بذلك القضاء الفاسد، وإن نقض لكون المحلوف عليه ضامنا لما قبض، وعلى قياس هذا يأتي قول ابن القاسم في مسألة العبد يباع فاسدا، فيمضي يوم الفطر، وهو عند المشتري أن فطرته عليه؛ لأن ضمانه منه، ونفقته عليه، وإن رده على البائع بعد يوم الفطر. وقول ابن القاسم أولى الأقوال بالصواب؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا قامت البينة على الدينار بعينه عند الغريم أنه هو الذي سرقه العبد أو اقتضاه من غريم سيده فقضاه إياه على القول بأن الدينار يتعين، وأما إذا لم تقم عليه بينة، أو قامت عليه بينة على القول بأن الدينار لا يتعين، وهو قول أشهب وأحد قولي ابن القاسم في المدونة، فلا يكون للسيد على غريم العبد سبيل، ويرجع على عبده بالدينار، وإن كان وكيلا له على الاقتضاء أو على غريمه إن كان العبد متعديا في الاقتضاء، ويبر العبد في يمينه، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف أن لا ينفع فلانا بشيء هل يأخذ من صدقته] مسألة وسئل مالك عن رجل حلف أن لا ينفع فلانا بشيء، والذي حلف وصي لرجل قد أوصى أن يقسم على المساكين أوسقا من ماله لفلان وفلان، والذي حلف عليه أن لا ينفعه منهم، هل ترى أن يجري تلك الصدقة على يديه، كالذي أوصى به صاحبه، فيكون هذا

قد انتفع بذلك مما جرى على يد الحالف الذي حلف ألا ينفعه؟ قال: ذلك إلى نيته، وإن كان إنما نوى ألا ينفعه بشيء هو له بعينه، أو يعطيه إياه، ولعله أن يكون قد كانت تكون إليه أشياء غير واحدة من صنائع المعروف، فإن كانت هذه نيته، فليس عليه بأس أن يدفع إليه دينا له قبله أو ميراثا أو وصية، أو ما كان مما لا يكون من مال الحالف، قال ابن القاسم: وإن لم تكن له نية، فلا يجري عليه شيئا، وهو وجه ما سمعت من مالك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه عم جميع الوجوه والمنافع كانت من ماله أو من مال غيره بحلفه ألا ينفعه بشيء، فوجب أن يحنث بإجراء تلك الصدقة عليه؛ لأنها داخلة تحت عموم لفظه، إلا أن تكون له نية في أنه إنما أراد ألا ينفعه بما له، فتكون له نيته التي نوى، ويصدق فيها، وإن لم تكن كانت إليه منه قبل ذلك صنيعة من صنائع المعروف، إذ لم يجعل ذلك شرطا في قبول نيته، وإنما قال: ولعله أن يكون قد كانت إليه منه شيئا من صنائع المعروف، فيكون ذلك بينا في قبول نيته، وهذا إذا كانت يمينه التي حلف بها مما لا يقضى عليه بها، وأما إن كانت يمينه التي حلف بها بعتق أو طلاق وما أشبه ذلك مما يقضى به عليه، فلا ينوى، ويحكم عليه بالعتق أو الطلاق إلا أن يكون قد كانت إليه منه قبل ذلك أشياء من صنائع المعروف، فينوى فيما ادعاه مع يمينه هذا الذي يأتي في هذا على أصولهم، إذ من قولهم: إن من ادعى نية مخالفة لظاهر لفظه فيما يحكم به عليه لا يصدق فيها إلا بسبب يدل على صدق قوله.

مسألة: حلف ألا يدخل بيتا بليل فدخل بعد الفجر

وقال مالك فيمن سيم بسلعة له، فأعطي بها عشرة، فقال: والله ما قامت علي بعشرة، وقد قامت عليه بدون العشرة، فلا ينبغي إلا أن يكون ينوي الكراء والمؤنة، فذلك له مخرج وإن لم يسمه. قال محمد بن رشد: الأصل في معرفة ما يحتاج فيه من ذلك إلى النية مما لا يحتاج فيه إلى النية أن ما كان في السلعة عينا قائمة يحسب في المرابحة، ويحسب له ربح كالصبغ والكمد والفتل، وما أشبه ذلك، فهذا لا يحنث إن قامت عليه السلعة دون أن يحسب هذه الأشياء بدون العشرة إذا كانت قد قامت عليه بها بفوق العشرة، وإن لم تكن له نية، وأما ما سوى ذلك مما يحسب في أصل الثمن، ولا يحسب له ربح، أو لا يحسب رأسا فهو حانث، إلا أن ينويه، ولو كانت يمينه بغير الله مما يقضى به عليه؛ لوجب على أصولهم ألا ينوى إلا فيما يحسب ولا يحسب له ربح، إلا فيما لا يحسب رأسا كنفقة نفسه، وكراء ركوبه، وما أشبه ذلك. [مسألة: حلف ألا يدخل بيتا بليل فدخل بعد الفجر] مسألة قال مالك: من حلف ألا يدخل بيتا بليل، فدخل بعد الفجر لم يحنث، وإن كان قد قال نهارا فقد حنث. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن النهار في الشرع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» ، فبين بذلك أن طلوع الفجر آخر الليل وأول النهار، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

مسألة: حكم ما أوجب العبد على نفسه من النذر والحدود

«إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، فقد أفطر الصائم» ، فبين بذلك أيضا أن غروب الشمس آخر النهار وأول الليل، فوجب أن لا يحنث من حلف ألا يدخل بيتا بليل إذا دخله بعد الفجر، وألا يحنث من حلف ألا يدخل بيتا بنهار إذا دخله بعد غروب الشمس، ولولا وجوب اتباع ما أحكمه الشرع من هذا؛ لوجب أن يحنث الذي يحلف ألا يدخل بيتا بليل إذا دخله بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، كما يحنث إذا دخله بعد غروب الشمس وقبل مغيب الشفق؛ لأن الذي يوجبه النظر أن يكون النهار من طلوع الشمس إلى غروبها، والليل من غروبها إلى طلوعها، إلا أن ينوي ألا يدخله في ظلام الليل، أو يكون ليمينه بساط يدل على ذلك، فيحنث إن دخله بعد الفجر أو قبل مغيب الشفق على معنى مما لأصبغ في نوازله، من كتاب الأيمان بالطلاق، في الذي يحلف: لتدخلن عليه امرأته ليلة الجمعة، فدخلت عليه بعد الفجر من تلك الليلة، أنه لا حنث عليه إن كانت عادة الناس في تلك البلدة إدخال النساء على أزواجهن بعد طلوع الفجر، وبالله التوفيق. [مسألة: حكم ما أوجب العبد على نفسه من النذر والحدود] مسألة وقال مالك في العبد يجعل على نفسه الشيء في سبيل الله، ثم يجيء العلم أنه حر حين جعل ذلك على نفسه أن ذلك عليه، وكذلك الحدود. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما أوجب العبد على نفسه من النذر والحدود يجب أن يلزمه، ولا يسقط عنه منها شيء يظنه أنها لا تجب

مسألة: قال لشيء من ماله دابة أو عبد أهديك

عليه؛ لأنه لم يعتق، كما يجب على الحر البالغ ما أوجب على نفسه من ذلك، ولا يسقط عنه شيء منه، يظنه أنها لا تجب عليه؛ لأنه لم يبلغ، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لشيء من ماله دابة أو عبد أهديك] مسألة وقال مالك: من قال لشيء من ماله دابة أو عبد أهديك، فهو مخير في قيمته أو ثمنه ما بلغ يجعله في هدي. قال محمد بن رشد: قال في المدونة فيمن أهدى عبده: إنه يخرج بثمنه هدايا، فذهب بعض أهل النظر إلى أن ذلك خلاف لهذه الرواية، إذ لم يقل: إنه يخرج بثمنه أو بقيمته هدايا كما قال في هذه الرواية، وخلاف لما في رسم البز، من سماع ابن القاسم، من كتاب الصدقات والهبات، في المرأة التي جعلت خلخالين لها في سبيل الله إن شفاها الله من مرض، أنه كره لها أن تحبسهما وتخرج قيمتهما. وقال سحنون: إنما كره من أجل الرجوع في الصدقة؛ وليس ذلك عندي على ما ذهب إليه، بل هذه الرواية مفسرة لما في المدونة، وما في رسم البز من كتاب الصدقات والهبات، مسألة أخرى فلا اختلاف في شيء من ذلك، فإذا أهدى الرجل ما أهدى من الإبل والبقر أو الغنم، أو جعل في سبيل الله ما ينتفع بعينه فيه من الخيل والسلاح، فلا اختلاف في أنه لا يجوز له أن يمسكه، ويخرج قيمته؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعمر بن الخطاب في الفرس كان حمل عليه في سبيل الله، ثم أراد ابتياعه: «لا تشتره، ولا تعد في صدقتك» ؛ لأن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه، وإذا أهدى ما لا يمكن أن يهدى من ثوب أو عبد، فجائز أن يمسكه ويخرج قيمته إذا لم يتعين في عينه حق الله، وإنما يجب على من أهداه إخراج العوض عنه، وإذا جعل في السبيل ما لا ينتفع فيه بعينه، ولا بد من بيعه؛ لينفق ثمنه في السبيل كالخلخالين وشبههما، فيكره له إخراج قيمة ذلك وإمساكه من

مسألة: حلف ألا يقضي الحق الذي عليه حتى يسجنه فيه الطالب

ناحية الرجوع في الصدقة؛ لإمكان إخراجه بعينه في السبيل، وليس ذلك بحرام، إذ لا ينتفع بالذي أعطيه في السبيل بعينه، فعلى هذه الثلاثة الأقسام ينقسم هذا الباب. [مسألة: حلف ألا يقضي الحق الذي عليه حتى يسجنه فيه الطالب] ومن كتاب أوله سلعة سماها مسألة وعن رجل كان له على رجل حق فمطله بذلك، فقال الذي عليه الحق: عليه عتق ما يملك إن قضاه حتى يسجن له ثم يسجن، يريد بذلك أياما، وحلف الآخر بالعتق إن أنظره إلا أن ينظره السلطان، فارتفع إلى السلطان، فضرب له الأجل أياما، فلما كان في آخر الأجل تغيب عنه، فقال له عمه: أنا أقضيك حقك عنه، أفترى عليه شيئا؟ قال: ما أرى بذلك بأسا أن يقتضي من عمه، وقال: ليس عليه حنث، وإن علم بقضاء العلم عنه غير أن اليمين عليه في قضائه عنه كما كانت لصاحب الحق لا يقضيه حتى يسجن أياما كمن حلف وإلا حنث. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة؛ لأن الأيمان إنما هي على المعاني فيها والمقاصد بها، فالذي حلف ألا ينظر غريمه حتى يأخذ حقه منه لا شيء عليه إن قبضه من غيره؛ لأنه إنما أراد ألا ينظره حتى يصل إليه حقه، والذي حلف ألا يقضي الحق الذي عليه حتى يسجنه فيه الطالب تلزمه اليمين لمن قضاه عنه؛ لتحول الحق الذي حلف ألا يقضيه حتى يسجن فيه إليه، ولا يحنث بعلمه بقضاء الحق عنه؛ إذ ليس له أن يمنعه من ذلك، وقال: إنه لا يقضي الحق الذي عليه لعمه الذي قضاه عنه حتى يسجن له فيه أياما ظاهره في مرة واحدة، وإنما رأى أنه يبر بذلك؛ لأنه قال في السؤال يريد بذلك

مسألة: حلف ألا يعين بطعام ولا بزيت

أياما، وروي عن ابن القاسم في غير العتبية أنه قال: أحب إلي أن يقيم في كل مرة يوما وليلة، ثم يطلق، ثم يستعدى عليه فيسجن كذلك حتى يسجن ثلاث مرات، ولا معنى لهذا الاستحباب؛ لأنه إن كان أتى مستفتيا فله نيته، وإن كان مشهودا عليه ومخاصما، فيتخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: وهو الأصح منهما أنه يبر حتى يسجن ثلاث مرات يقيم في كل منها يوما وليلة فأكثر. والثاني: أنه يبر ويسجن مرة واحدة إذا أقام فيه أياما، والأصل في هذا اختلافهم في الذي يقول: إذا حملت امرأتي فهي طالق وهي حامل، هل التمادي في الحمل كابتداء حمل وتطلق عليه أم لا تطلق عليه إلا إذا حملت حملا آخر، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يعين بطعام ولا بزيت] مسألة وسئل مالك عن رجل حلف ألا يعين بطعام ولا بزيت، فكان زيت مقتته أترى أن يعين به؟ فقال: لا أرى ذلك. قال محمد بن رشد: يعني بمقتت مطيب، يريد بأشجار الأرض، لا بصريح الطيب، ومثله لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المجموعة، وقال غيره فيها: إن نوى الزيت خاصة لم أبلغ به الحنث؛ لأني أكره بعضه ببعض متفاضلا، كما أكره التفاضل في السرح والزنيق، ولم ير مالك ما يقتت بأشجار الأرض يخرج من صنفه، وإنما يخرج ذلك إذا طيب بصريح الطيب كالمسك والعود وشبهه، وقول غير مالك في المجموعة: إن نوى الزيت خاصة لم أبلغ به الحنث لا معنى له؛ لأن اللفظ أقوى من النية، وهو قد لفظ بالزيت، فالجواب

مسألة: حلف بعشرين نذرا إن قبل لأبيه هبة أبدا وأبوه الذي يمونه

فيه أنه يحنث بالزيت المطيب ما لم يخرجه ما فيه من الطيب عن صنفه، حتى يجوز فيه التفاضل إلى أجل إلا أن ينوي الزيت الخالص، فلا يحنث بالمطيب على حال إذا أتى مستفتيا، والله أعلم. [مسألة: حلف بعشرين نذرا إن قبل لأبيه هبة أبدا وأبوه الذي يمونه] مسألة وسئل عمن حلف بعشرين نذرا إن قبل لأبيه هبة أبدا، وأبوه الذي يمونه قال: هل جعل لذلك مخرجا من صيام أو حج؟ قال: لم يجعل لذلك مخرجا من صيام ولا حج، إنما كانت مسجلة، قال: يكفر عشرين يمينا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما يمونه به هبة له، فقبوله منه ذلك بعد يمينه قبول لهبته، إلا أن ينوي سوى ما يمونه به، أو يكون ليمينه بساط يدل على ذلك، فلا يحنث في استمرار مؤنته إياه، وقوله له: إنه يكفر عشرين يمينا إذا حنث، ولم يسم لنذره مخرجا، صحيح على ما في المدونة وغيرها أن من نذر نذرا، ولم يجعل له مخرجا، فكفارته كفارة يمين، وقد روي ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، من رواية عقبة بن عامر الجهني، ولم يختلف فيمن قال: علي نذر ثلاثة أو أربعة إن فعلت كذا، ولا نية له، فحنث أن عليه ثلاث كفارات أو أربعا، واختلف إذا قال: علي ثلاثة أيمان أو أربعة إن فعلت كذا وكذا، فحنث فقيل: عليه ثلاث كفارات أو أربع، وقيل: عليه كفارة واحدة، إلا أن ينوي ثلاث كفارات أو أربعا، حكاه ابن أبي زيد، عن ابن المواز. [مسألة: حلف في بيع طعام ألا يزيد في عامه هذا على ثلاثة أرادب] مسألة وسئل عن رجل حلف في بيع طعام ألا يزيد في عامه هذا على ثلاثة أرادب وويبتين بدينار، فبعث إليه أخ له بذهب يبيعه به

مسألة: دخل على امرأته فوجد عندها قرابة لها فعاقبها فحلفت بالمشي إلى بيت الله

طعاما بعشرين دينارا، فكتب إليه أني قد بعتك بثمانية عشر دينارا، ثلاثة أرادب وويبتين لكل دينار، وبدينارين حمص وجلبان بأكثر مما يكون به سعرهما، يكون قد جعل الدينار له دينارين أو ثلاثة في رخصه، قال: أراه قد حنث. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا رخص له فيما باعه إياه من الحمص والجلبان مع الطعام في صفقة واحدة، فقد رخص له في الطعام، وزاد له في سعره على ثلاثة أرادب وويبتين فحنث، والله الموفق. [مسألة: دخل على امرأته فوجد عندها قرابة لها فعاقبها فحلفت بالمشي إلى بيت الله] مسألة وسئل عن رجل دخل على امرأته فوجد عندها قرابة لها، فعاقبها في ذلك، وغضبت فحلفت بالمشي إلى بيت الله إن دخل عليها منهم أحد، فمات أو طلقها أترى لها أن تدخلهم عليها، فقال: أرى أن تنوى، فإن كانت إنما أرادت بذلك ألا تدخلهم وهي عنده، لم أر عليها شيئا، وقيل له: أرأيت إن لم تحضرها نية، قال: فأحب إلي أن تأخذ بالاحتياط، وألا تدخلهم عليها. قال محمد بن رشد: إذا لم يكن لها نية، فالواجب أن ينظر إلى ما قرن يمينها من عتاب زوجها إياها، فإن كان إنما عاتبها لعصيانها إياه في أن تدخلهم بيتها، وهو يكرههم ويشنأهم، فلا حنث عليها بعد موته أو طلاقه، وإن كان إنما عاقبها لما كره لها من مخالطتها إياهم فهي حانثة إن أدخلتهم عليها بعد موته أو طلاقه، وإن لم يتحقق أحد الوجهين كان الاستحباب أن تأخذ بالاحتياط كما قال مالك.

مسألة: يسأل عن الأمر فيقول علي صدقة أو مشي وهو كاذب

[مسألة: يسأل عن الأمر فيقول علي صدقة أو مشي وهو كاذب] مسألة وسئل عن الرجل يسأل عن الأمر فيقول: علي صدقة أو مشي، وهو كاذب، إنما أراد بذلك أن يمنعه، فقال: لا شيء عليه، إنما يكون ذلك عليه في العتق والطلاق، يعني إذا قامت على ذلك بينة. قال محمد بن رشد: هذا بين كما قال: إن ما لا يحكم به عليه، فهو موكول إلى أمانته، وحسابه على الله، يوم تبلى السرائر. [مسألة: حلف لامرأته أنت علي حرام إن أنفقت عليك حتى تستأذني علي] مسألة وسئل عن رجل حلف لامرأته: أنت علي حرام إن أنفقت عليك حتى تستأذني علي، وقالت الأخرى: مالي في المساكين صدقة إن استأذنت عليك، فكيف ترى؟ قال: هو كما قالا، واليمين عليهما، فإن شاءت أن تقيم تنفق على نفسها فعلت، قيل له: فإن استأذنت قال: أرى أن تخرج ثلث مالها فتتصدق به، فقيل له: أفترى على زوجها بأسا إن هي استأذنت أن ينفق عليها أكثر من قوتها؟ قال: لا بأس بذلك، إلا أن يكون نوى ذلك حين حلف ألا ينفق عليها أكثر من قوتها، وإن لم تكن له نية، فلا أرى ذلك عليه إذا استأذنت عليه وأنفق عليها، إنما أراد ألا ينفق، ولم يرد ألا يفضل، فلا أرى عليه شيئا إلا أن يكون نوى ذلك. محمد بن أحمد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما حلف على الإنفاق، ولم يحلف على الإفضال؛ إذ ليس مما يستأذن عليه فيه، فإذا استأذنت عليه في الإنفاق، لم يكن عليه شيء في الإفضال.

مسألة: يكون بينه وبين الرجل الدار فيحلف ألا يبيعه صفقة ثم يريد بيعه

[مسألة: يكون بينه وبين الرجل الدار فيحلف ألا يبيعه صفقة ثم يريد بيعه] مسألة وسئل عن الرجل يكون بينه وبين الرجل الدار، فيحلف بيمين غليظة ألا يبيعه صفقة، ثم يريد بيعه بعد ذلك، فيقول: إني إذا بعت أخذ صاحبي بالشفعة، فهل ترى عليه حنثا؟ قال: أرى أنه لا يبيعه ممن يظن أنه إنما يشتريه له أو من ناحيته. فقال: لا، ليس هو منه بسبيل إلا رجل يشتري لنفسه أخذ ذلك أو ترك، إلا أنه يقول الحالف: علي في يميني شيء إن أخذ، فقال: لا شيء عليه، وذلك أن تباعة بيعه على الذي يأخذ منه، ولو أراد أن يجعل تباعته على شريكه الأول وكتابة عهدة شرائه عليه، لم يكن ذلك له، فلا أرى عليه شيئا في يمينه. قال محمد بن رشد: هذا بين أنه إذا لم يكن الذي باع منه وكيل شريكه المحلوف عليه، أو من هو بسببه وناحيته كالصديق، والملاطف وشبهه ممن هو في عياله أنه لا حنث عليه؛ لأنه لم يره في المدونة حانثا، وإن اشترى للمحلوف عليه، فكيف إذا اشترى لنفسه فأخذه ذلك منه المحلوف عليه بالشفعة، فإن كان وكيله أو من سببه، فباع منه ولم يعلم بذلك، فنص في المدونة في الوكيل على أنه إذا لم يعلم أنه له وكيل، فلا حنث عليه، وكذلك قال أشهب فيمن هو بسببه أنه إذا باع ولم يعلم أنه من سببه، فلا حنث عليه، روى ذلك عن مالك. وقد تأول بعض الناس على ما في المدونة أنه حانث، وإن لم يعلم أنه من سببه، بخلاف الوكيل وهو بعيد؛ إذ لا فرق في ذلك بين الوكيل وبين من هو بسببه، والله أعلم، وعلى تعليله في هذه المسألة بالتباعة أن يحنث إن اشترى للمحلوف عليه لا لنفسه، وإن لم يكن من سببه؛

مسألة: جعلت لزوجها عند موته أن مالها في سبيل الله وأن عليها عشرة نذور

لأن تباعته تكون عليه، فكيف إذا كان من سببه ولم يعلم بذلك؟ وابن حبيب يقول في الوكيل ومن هو بسببه: إنه حانث، وإن لم يعلم أنه وكيل ولا أنه من سببه، ولا يرى أنه يكون من سببه إلا من يقوم بأمره من وكيل أو قريب، وأما من لا يقوم له بأمر وإن كان صديقا أو جارا، فهو عنده كالأجنبي، وقوله: إن تباعة الشفيع على المشتري، وليس له أن يجعلها على البائع هو المعلوم في المذهب، وقد وقع في كتاب الشفعة من المدونة لفظ يدل على أنه مخير في أن يجعل عهدته على من شاء منهما، والأول هو الصحيح في المذهب، وسواء كان المشتري قبض أو لم يقبض، قال أبو حنيفة: إن قبض الشقص من يد المشتري فعهدته عليه، وإن قبضه من يد البائع فعهدته عليه، وقال ابن أبي ليلى: العهدة على البائع بكل حال، والله الموفق. [مسألة: جعلت لزوجها عند موته أن مالها في سبيل الله وأن عليها عشرة نذور] مسألة وسئل عن امرأة جعلت لزوجها عند موته أن مالها في سبيل الله، وأن عليها عشرة نذور، قال ابن القاسم: ولا أعلم إلا أن في المسألة وعليها عهد الله إن تزوجت ووكلها بولده، وقد كان سألها ذلك في وصيته أن عليها ذلك، وأنه أعطاها خلافته على ولده منها بذلك على أن لا تتزوج حتى يبلغ ولده، وأنها تزوجت الجارية، وبقي الغلام وهو صغير، قال: أرى عليها الوفاء بالعهد الذي جعلت من ذلك، ولا أعلم لها كفارة، فإن الله يقول: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34] ، وإنما جعلت ذلك له بالذي أعطاها، فقيل له فإن هي تزوجت أترى خلافتها من ولدها تنفسخ؟ قال: نعم؛ لأنها تركت الذي أعطاها، وإنما

مسألة: قال كل مملوك لي حر إن أخبرت به أحدا واستثنى في نفسه إلا فلانا

استحلفها للذي أعطته، فقيل له: فإن هي فعلت فما كفارتها؟ فقال: لا أعلم لها كفارة، وأرى إن توفي بالذي عاهدته عليه، وكأنه قال هو عهد. قال محمد بن رشد: قوله: إنها تنفسخ خلافتها على ولدها إن تزوجت صحيح؛ لأنه إنما استخلفها على ولدها ألا تتزوج، فذلك بمنزلة قوله في وصيته: إن تزوجت فلا وصية لها، ولو استخلفها على ولدها بغير شرط، وقال في وصيته: إن تزوجت فانزعوا الولد منها فتزوجت، قال مالك: إن عزلتهم في مكان عندها مع نفقة وخادم فهي أولى بهم، وإلا نزعوا منها. قال محمد بن المواز: لأن الميت لم يقل: إن تزوجت فلا وصية لها، وإنما قال: إن تزوجت فانزعوا الولد منها، وقوله: إنه لا كفارة لها في العهد الذي عاهدته عليه صحيح، ومثله في كتاب ابن المواز والواضحة؛ أن العهد إذا لم يخرج مخرج اليمين، وإنما خرج مخرج المعاهدة والمعاقدة، مثل أن يقول الرجل للرجل: لك علي عهد لله أن أنصحك، وألا أخونك، وألا أفعل كذا وكذا، فهو أعظم من أن يكون فيه كفارة، فيلزمها إذا تزوجت أن تتوب إلى الله، وتستغفره وتتقرب إليه بما استطاعت من الخير، وتكفر عشرة أيمان؛ لقوله: وعليها عشرة نذور، وتجعل ثلث مالها في السبيل لما أوجبته على نفسها من أن مالها في سبيل الله، وبالله التوفيق. [مسألة: قال كل مملوك لي حر إن أخبرت به أحدا واستثنى في نفسه إلا فلانا] ومن كتاب أوله شك في طوافه مسألة وسئل عن رجل سأل رجلا أمرا يخبره قال: فاحلف لي أنك لا تخبره أحدا ولتكتمنه، قال: كل مملوك لي حر إن أخبرت به أحدا

واستثنى في نفسه إلا فلانا، قال: لا أرى ذلك له، ولا أرى الثنيا إلا ما حرك به لسانه، فأما استثناؤه في نفسه، فلا أرى ذلك له ثنيا، وسئل مالك عن هذا فقال: إذا حرك به لسانه فله ثنياه، فقيل لابن القاسم: وإن لم يعلم المحلوف له، قال: نعم، وليس عليه أن يعلمه، وسئل عنها سحنون فأنكرها، وقال: ليست له ثنيا وإن حرك لسانه؛ لأن اليمين للذي استحلفه. قال محمد بن رشد: قوله في الاستثناء بإلا لا أرى الثنيا إلا ما حرك به لسانه، هو المشهور في المذهب أنه لا بد فيه من تحريك اللسان، وقد روى أشهب عن مالك بعد هذا في رسم الجنائز والنذور: أن النية تجزئ في ذلك، وقاله ابن حبيب في الذي يحلف بالحلال عليه حرام، ويستثني في نفسه إلا امرأته، وقول ابن القاسم: إن استثناءه ينفعه إذا حرك به لسانه، وإن لم يعلم المحلوف له، وليس عليه أن يعلمه نص منه في أن اليمين على نية الحالف لا على نية المحلوف له، وذلك خلاف رواية عيسى عنه في رسم حمل صبيا من سماعه، من كتاب الأيمان بالطلاق، وخلاف قول سحنون هاهنا، ومثل ما لمالك في رسم البز، من سماع ابن القاسم، من كتاب الأيمان بالطلاق، ولابن وهب في سماع زونان وعيسى من الكتاب المذكور، وقد اختلف في هذا اختلافا كثيرا، فقيل: إن اليمين على نية الحالف، وقيل: إنها على نية المحلوف له، وقيل: إن كان مستحلفا فاليمين على نية المحلوف له، وإن كان متطوعا فاليمين على نية الحالف، وهو قول ابن الماجشون وسحنون، وقيل بعكس هذه التفرقة، وهو دليل ما في سماع عيسى، عن ابن القاسم، في رسم أوصى، من هذا الكتاب، ونص رواية يحيى، عن ابن القاسم في الأيمان بالطلاق، وقيل: إنما يفترق أن يكون مستحلفا أو متطوعا باليمين فيما يقضى به

مسألة: حلف بالله لأفعلن كذا وكذا فقيل له إنك ستحنث فقال لا والله لا أحنث

عليه، وأما فيما لا يقضى به عليه فلا يفترق ذلك، وتكون النية نية الحالف، وهو قول ابن القاسم في أول سماع أصبغ بعد هذا، وقيل: إن ذلك لا يفترق أيضا، وتكون النية في الوجهين نية المحلوف له، وهو قول أصبغ في سماعه المذكور، وهذا ما لم يقتطع بيمينه حقا لغيره، فإن اقتطع بها حقا لغيره فلا تنفعه في ذلك نية إن نواها بإجماع، وهو آثم، عاص لله عز وجل، داخل تحت الوعيد، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من اقتطع حق امرئ مسلم، حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النار» الحديث. [مسألة: حلف بالله لأفعلن كذا وكذا فقيل له إنك ستحنث فقال لا والله لا أحنث] مسألة وسئل مالك عن رجل حلف بالله: لأفعلن كذا وكذا، فقيل له: إنك ستحنث، فقال: لا والله لا أحنث فما ترى عليه؟ فقال: عليه كفارتان. قال محمد بن رشد: يريد عليه كفارتان إن حنث، كفارة لحنثه في يمينه ليفعلن، وكفارة ثانية لحنثه أيضا في يمينه، والله لا أحنث، وقد قيل: ليس عليه إلا كفارة واحدة، وهو قول ابن القاسم في المبسوطة، قال: لأن الكلام في ذلك في معنى واحد وجه القول الأول أن يمينه الثانية لما كانت على غير لفظ اليمين الأول، لم تحمل أنه أراد بها التأكيد لها، وحملت على أنه أراد يمينا أخرى يوجبها على نفسه كالنذر إن حنث، كأنه قال: علي كفارة أخرى إن حنثت لما قيل له: إنك ستحنث، ويجب عليك الكفارة، ووجه القول الثاني أن اليمين الثانية لما كانت بغير لفظ اليمين الأولى وفي معناها، حملت على أنه أراد بها غيرها، وقد قال في المدونة: إذا نوى باليمين الثانية غير الأولى، فعليه

مسألة: باع سلعة فحلف ألا يضع من ثمنها شيئا فأوفاه المشتري ثمنها

يمين واحدة، حتى يريد إيجاب الكفارتين على نفسه كالنذور، والأصل براءة الذمة، فلا توجب عليه كفارة ثانية إلا بيقين. [مسألة: باع سلعة فحلف ألا يضع من ثمنها شيئا فأوفاه المشتري ثمنها] ومن كتاب أوله ليرفعن أمرا مسألة وسئل مالك عن رجل باع سلعة، فحلف ألا يضع من ثمنها شيئا، فأوفاه المشتري ثمنها، ثم قال له بعد ذلك: هب لي ما شئت، فقال مالك: إن كانت عليه يمينه غليظة، فلا يفعل ولا يهب شيئا، وإن كانت يمينا يكفرها، فليفعل وليكفر. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما رد إليه في المجلس من الثمن الذي قبضه منه، فكأنه لم يقبضه منه؛ إذ لم ينتفع به، والحالف ألا يضع من حقه شيئا، إنما مقصوده قبض جميع حقه، ليبين به وينتفع به، فوجب أن يحنث على أصولهم في أن الأيمان يراعى فيها قصد الحالف بها، لا مجرد لفظه، وسيأتي له نحو هذا في رسم الجنائز، من سماع أشهب، في الذي يحلف ألا يضع في بيع سلعته من كذا وكذا، فيبيع بما حلف عليه، ثم يضع له من الثمن في المجلس؛ إذ لا فرق بين المسألتين عنده، ولو رد إليه من الثمن شيئا أو وضعه عنه في غير المجلس بنية حدثت له في هبته، وأتى مستفتيا لنوي، ولم يكن عليه حنث على أصولهم، ولو كانت يمينه بعتق أو ما يقضى به عليه لم يصدق إلا بعد اليومين أو الثلاثة مع يمينه، قاله مالك في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، من كتاب العتق، وهو على أصله في المدونة في مسألة الصرف من كتاب الصرف، ومسألة القراض من كتاب القراض، وغير ما مسألة من الحكم بالذرائع، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار فنام ليلة من ذلك قبل أن يوتر

[مسألة: حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار فنام ليلة من ذلك قبل أن يوتر] مسألة وسئل مالك عن رجل حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار، فنام ليلة من ذلك قبل أن يوتر، أترى عليه في ليلة أخرى إن نامها شيئا، أم قد أجزأ عنه الأمر الأول؟ قال: ذلك إلى ما نوى، وهو أعلم بما أراد به من ذلك، وما رأيت أحدا يفعل هذا الوجه ليس الوتر أعني، ولكن ما يوجب على نفسه في غير هذا من هذه الأشياء، إلا أن عليه في كل ما فعل ما حلف عليه، وما يريد أحد في مثل هذه الأشياء مرة واحدة، إلا أن ينويه. قال محمد بن رشد: هذه الرواية مخالفة لما في المدونة، من ذلك مسألة من حلف ألا يكلم رجلا عشرة أيام، فكلمه فحنث، ثم كلمه مرة أخرى بعد أن كفر أو قبل أن يكفر، أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة، ومخالفة أيضا لجميع روايات العتبية، من ذلك أول مسألة من سماع أشهب، في الذي يحلف إن أبق غلامه ليضربنه، ومن ذلك أول مسألة من رسم من باع غلاما، من سماع ابن القاسم، من كتاب طلاق السنة، وأول مسألة من رسم شك، من سماع ابن القاسم، من كتاب الأيمان بالطلاق، في الذي يحلف إن خرجت امرأته إلى بيت أهلها أن يضربها، فخرجت فضربها؛ أنه ليس عليه أن يضربها مرة أخرى، إلا أن ينوي ذلك، ومسألة في سماع أبي زيد، من هذا الكتاب المذكور، وهذا الاختلاف جار على اختلاف الأصوليين في الأمر المقيد بصفة هل يقضي تكراره بتكرار الصفة أم لا؟ فمسألة الوتر على القول بوجوب تكراره بتكرار الصفة؛ لأنه أوجب عليه صدقة دينار لكل ليلة نام فيها قبل أن يوتر، إلا أن ينوي مرة واحدة، وكذلك ما يوجب على نفسه من هذه الأشياء، ومسايل

مسألة: حلف على جاريته بعتق ما يملك في عود كان في يده ليكسرنه

المدونة والعتبية على القول بأن الأمر لا يجب تكراره بتكرار الصفة؛ لأنه لم يوجب عليه ما حلف به كلما تكرر الفعل الذي جعله شرطا فيما حلف به، إلا أن ينوي ذلك. [مسألة: حلف على جاريته بعتق ما يملك في عود كان في يده ليكسرنه] ومن كتاب طلق ابن حبيب مسألة وسئل عن رجل حلف على جارية له بعتق ما يملك في عود كان في يده ليكسرنه على رأسها، فكسر العود ثم ضربها حتى انفلق، قال: أرى أن قد وقع عليه الحنث، ولا أراه بر. قال محمد بن أحمد: هذا بين كما قال؛ لأن الذي فعل ليس هو المعنى الذي حلف عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يساكن رجلا فسافر معه] مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يساكن رجلا، فسافر معه، قال: أرى أن ينويه ما أراد، وإن جل ما يحلف الناس فيه لما يدخل بين الناس في العيال والولد، وما السفر من السكنى، ولكن أرى أن ينوى ما أراد، قال عيسى: قلت لابن القاسم: فإن لم تكن له نية؟ قال: فلا شيء عليه، إلا أن يكون نوى شيئا. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما في المدونة، في الذي يحلف ألا يساكن رجلا، فزاره أن الزيارة ليست سكنى، وينظر إلى وجه يمينه،

مسألة: حلف بالمشي إلى الكعبة ليقضين فلانا ثم هلك الذي حلف عليه

فإن كان لما يدخل بين العيال والصبيان فهذا حق، وإن كان أراد التنحي عنه فهو أشد، فكذلك هذه المسألة، لا حنث عليه إلا أن يكون أراد مجانبته والتنحي عنه، وهو معنى بين. [مسألة: حلف بالمشي إلى الكعبة ليقضين فلانا ثم هلك الذي حلف عليه] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسألة وسئل عن رجل حلف بالمشي إلى الكعبة ليقضين فلانا، ثم هلك الذي حلف عليه، قال مالك: إن كان إنما حلف على وجه القضاء، فلا أرى عليه شيئا، قال ابن القاسم: ورأيت معنى قول مالك: إن كان أراد أن يوصله إليه وبتله في يديه، وتلك نيته، فهو حانث إذا كان قد أقام بعد اليمين ما لو شاء أن يوصله إليه أوصله إليه، قال ابن القاسم: وذلك رأيي. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال: إن كان إنما حلف على وجه القضاء، فلا حنث بموت المحلوف عليه؛ لأنه يبر بقضاء الورثة، وإن أراد أن يحنث نفسه، ويمشي إلى البيت، كان ذلك له؛ لأن يمينه على حنث، وإن كان أراد أن يوصله إليه وبتله في يديه، فهو حانث كما قال إذا كان قد أقام بعد اليمين، ما لو شاء أن يوصله إليه أوصله، فإن أراد أن يحنث نفسه هاهنا، ويمشي إلى بيت الله كان ذلك على مذهب ابن القاسم، ولم يكن ذلك عند ابن المواز؛ لأن موت المحلوف عليه عنده كالأجل؛ فلا يجزئه المشي إلا بعد موته، فإن لم تكن نية، فلا يحنث بموت المحلوف عليه، ويحمل يمينه على وجه القضاء حتى يريد أن يوصله إليه، وبتله في يديه، هذا مذهب مالك

مسألة: حلف ألا يضع من ثمن خادم باعها شيئا وأنه باعها بالثمن الذي حلف عليه

في المدونة وغيرها؛ لأن مقصد الحالف بيمينه أداء ما عليه من الدين لا منفعة صاحب الدين بدفع دينه إليه، فيحمل يمينه على ذلك حتى يريد سواه، وفي رسم من سماع ابن القاسم، من كتاب العتق ما ظاهره أنه محمول على أن يوصله إليه وبتله في يديه، إذا لم تكن له نية، وقد قيل في الحالف: أن يفعل فعلا، ولم ينو تعجيل ما حلف عليه ولا تأخيره أنه على التعجيل، ويحنث إن أخر فعل ذلك الفعل، فلا يفترق على هذا القول إذا حلف ليقضين فلانا الحكم بين أن يحلف على وجه القضاء أو يريد بيمينه أن بتله في يديه، وهذان القولان جاريان على الاختلاف في الأمر، هل يقتضي الفور أم لا؟ وسنزيد هذه المسألة بيانا في رسم سن، من سماع ابن القاسم، من كتاب العتق. [مسألة: حلف ألا يضع من ثمن خادم باعها شيئا وأنه باعها بالثمن الذي حلف عليه] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا مسألة قال: وسئل عن رجل حلف ألا يضع من ثمن خادم باعها شيئا، وأنه باعها بالثمن الذي حلف عليه، ثم إن المبتاع ندم، فسأل البائع أن يقيله، قال: لا خير في ذلك، رب إقالة هي خير من وضيعة، فلا يعجبني ذلك، قال ابن القاسم: فإن أقاله فكانت قيمتها أقل من الثمن حنث. قال محمد بن رشد: هذه مثل مسألة المدونة سواء في الذي يحلف ليقضين فلانا حقه، فيشتري به منه سلعة، فقال مالك فيها: إن كانت السلعة تسوى حقه ذلك، فلا حنث عليه، مثل قول ابن القاسم هنا وهناك، ثم كرهه بعد ذلك هناك، مثل قوله هاهنا، وقال: إن كانت السلعة تسوى ذلك، فلم لا يعطيه

دنانيره، خلاف قول ابن القاسم، فلا اختلاف في أنه حانث إذا أقاله، وقيمتها أقل من الثمن، قال ابن أبي حازم في المدنية، إلا أن يكون حلف ألا يضع له، وهو ينوي الإقالة، فإن نوى أن يقيل، ولا يضع، فلا شيء عليه. قال عيسى: قال ابن القاسم: لا تنفعه النية إلا أن يتكلم بها حين حلف، وقول ابن القاسم: إن النية لا تنفعه في ذلك، إلا أن يتكلم بها؛ صحيح على ما قاله ابن المواز، في أن الاستثناء بإن وبإلا لا بد فيه من تحريك اللسان باتفاق؛ لأن النية هاهنا ليست بنية، وإنما هي استثناء بإلا أن، كأنه قال: والله لا أضع عنك من ثمنها شيئا، إلا أن أقيلك منها، وقول ابن أبي حازم خلاف لما حكى ابن المواز أنه اتفاق، وقد ذهب الناس ممن لم ينعم النظر إلى أن قول مالك في المدونة في الذي يحلف ألا يفارق غريمه، فيفر منه، أنه حانث إلا أن يكون نوى إلا يفارقه مثل ما يقول الرجل: لا أخلي سبيلك إلا أن تفر، فلا شيء عليه، مخالف لما قاله ابن المواز في أن الاستثناء بإلا أن لا بد فيه من تحريك اللسان باتفاق، ولم يقل مالك: إنه إن نوى ألا يفر غريمه، فلا شيء عليه، وإنما قال: إن نوى ألا يفارقه، فهو في المعنى مثل أن يقول بلسانه: لا أخلي سبيلك إلا أن تفر، فلا يكون عليه شيء، وقوله بين؛ لأن المفارقة مفاعلة منهما جميعا، فإذا نوى هو بقوله لا أفارق غريمي لا أفارقه أنا في خاصتي، لم يكن عليه شيء إن فر عنه غريمه؛ لأنه يحصل بما نواه كالقائل: لا أفارق غريمي إلا أن يفر عني، ولو حلف ألا يفارق غريمه، ونوى إلا أن يبدو له، أو إلا أن يرى خيرا من ذلك، وما أشبه ذلك؛ لم ينتفع بذلك على مذهب مالك، وما قاله ابن المواز، واختلف إذا حلفه أن لا يضع عنه فأنظره؛ ففي أول رسم الأقضية الثالث، من سماع أشهب، من كتاب الأيمان بالطلاق، ما يقوم منه أنه لا حنث عليه، وروى ابن وهب، عن مالك أنه حانث وقال: رب نظرة خير من وضيعة، وحكى عنه ابن حبيب مثل ذلك، ولو حلف ألا ينظره فوضع عنه لم يحنث، ولا أعلم في ذلك خلافا.

مسألة: حلف ألا ينقص جارية له من خمسين ثم باعها لرجل بخمسين وأوجبها

[مسألة: حلف ألا ينقص جارية له من خمسين ثم باعها لرجل بخمسين وأوجبها] مسألة وسئل عن رجل حلف ألا ينقص جارية له من خمسين، وأنه باعها من رجل بخمسين، وأوجبها له، فقال له رجل عند ذلك: إن استقالك بائعك فأقله، فأنا آخذها منك بأحد وخمسين، أفترى أن يقيله؟ قال: لا، رب إقالة خير من وضيعة، كأنه يرى أن إقالتها ثمن، حتى كأنه قد نقص من الخمسين فيما أظن به قاله. قال محمد بن رشد: ساوى بين هذه المسألة والتي قبلها في الإقالة؛ إذ لا فرق عنده في الوضيعة بين أن يحلف ألا يضع من الثمن شيئا بعد أن باع وبين أن يحلف ألا يضع في بيع سلعة من كذا وكذا، فيبيع بما حلف عليه، ثم يضع من ذلك، وقد ذكرنا هذا المعنى في رسم حلف ليرفعن أمرا، وفرق ابن حبيب في الإقالة بين المسألتين، فقال: إن من حلف ألا ينقص سلعة من ثمن سماه فباعها بذلك الثمن، ثم أقال المبتاع منها، لا حنث عليه، غير أنه إن كان أقاله بحضرة البيع، فاليمين عليه بحالها، وإن لم يقله بحضرة البيع، فقد خرج من يمينه، وليبعها بعد بما شاء، وقال فيمن حلف ألا يضع من ثمن سلعة باعها، فأقال منها ما قال ابن القاسم: إنه إن كانت السلعة تساوي الثمن، فلا حنث عليه، وحكى ابن عبدوس عن غير ابن القاسم أنه إذا أقاله بحضرة البيع نظر، فإن كان بيعه صحيحا لأمد السنة فيه، فقد خرج من يمينه، وليبعها بعد بما شاء، وسيأتي أيضا بيانه في رسم الجنائز، من سماع أشهب. [مسألة: باع بيعا فحلف البائع ألا يقيل ولا يضع ثم إن المشتري وجد في بيعه جرادا] ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان مسألة وسئل مالك عن رجل باع بيعا، فحلف البائع ألا يقيل

مسألة: حلف على آخر لينتقلن من داره فانتقل ثم بدا له أن يرده إليها

ولا يضع، ثم إن المشتري وجد في بيعه جرادا، وذلك فيما أرى تمرا باعه، فقال له المشتري: أنا أخرجك من يمينك، أنا أعطيك دينارا، واقبل مني الطعام، فكره ذلك وقال: لا أقبله إلا بأمر السلطان يخاصمه، فإن رده كان مخرجا ليمينه، وإن ألزمه صبر على ذلك. قال محمد بن أحمد: هذا كما قال؛ لأنه حلف ألا يقيله، ولا يضع عنه، فإذا أخذ منه طعامه ودينارا، فقد أقاله بزيادة دينار، فوجب أن يحنث إذ لم يستثن إلا بزيادة، ولعل أيضا قيمة الطعام الذي أخذ مع الدينار أقل من الثمن الذي كان له عليه، فيكون قد وضع عنه، فيحنث بالوجهين جميعا، فإن رده السلطان عليه بالعيب لم يحنث؛ إذ ليس الرد بالعيب من معنى ما حلف عليه من الإقالة والوضيعة في شيء؛ إذ لا يجب الحكم عليه بالإقالة ولا بالوضيعة، ولو اطلع المبتاع على عيب، فسأل البائع أن يضع عنه من الثمن شيئا بسبب العيب أو يرده عليه ويعطيه ثمنه، فحلف البائع ألا يفعل شيئا من ذلك، فحكم عليه بأحد الوجهين يحنث على ما في آخر سماع أشهب، من كتاب الأيمان بالطلاق، فيمن حلف ألا يفعل فعلا، فقضى به عليه السلطان، وعلى ما يقوم من كتاب التخيير والتمليك من المدونة، خلاف قول ابن الماجشون في الواضحة. [مسألة: حلف على آخر لينتقلن من داره فانتقل ثم بدا له أن يرده إليها] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء مسألة وسئل مالك عمن حلف على آخر: لينتقلن من داره، فانتقل ثم بدا له أن يرده إليها، قال: منذ كم انتقلت؟ قال: منذ خمسة عشر يوما، قال: زد على ذلك، قال ابن القاسم: لا أرى عليه إن رجع بعد خمسة عشر ليلة شيئا، وأحب إلي أن يبلغ الشهر ونحوه، إلا أن يكون أراد ألا يساكنه، فإن كانت تلك نيته، فلا يساكنه أبدا.

قال محمد بن أحمد: استحب ابن القاسم ألا ينتقل حتى يبلغ الشهر، ليكون ذلك أبرأ من الحنث؛ لأن الشهر قد جعل حدا في وجوه كثيرة من العلم، من ذلك الزكاة لا يقدم قبل محلها بشهر، والمعتق إلى أجل ينتزع ماله قبل حلول أجله بشهر، والذي يحلف أن يطيل هجران رجل يبر بشهر، ونحو ذلك كثير، ولم ير عليه حنث إن رجع بعد خمسة عشر يوما، وكذلك لو رجع بعد أن أقام أكثر من يوم وليلة؛ لم يحكم عليه بالحنث، فقد قال ابن المواز في ذلك، في الذي يحلف أن يخرج من المدينة: إن القياس فيه ألا يلزمه أن يخرج إلا إلى مكان لا يلزمه أن يأتي منه إلى الجمعة، فيقيم فيه ما قل أو كثر، وما قيل فيه سوى هذا فهو استحسان، وسنتكلم على هذه المسألة، إذا مررنا بها في رسم الطلاق الأول، من سماع أشهب، من كتاب الأيمان بالطلاق، إن شاء الله، وسيأتي في آخر رسم منه إذا حلف الرجل: لينتقلن عن جاره على ما هو محمول القول في ذلك، إن شاء الله، واختلف إذا أبى المحلوف عليه بالانتقال من الانتقال، وكان ممن ليس للحالف أن يجبره على الانتقال على قولين؛ أحدهما: أنه يضرب له من الأجل بقدر ما يرى أن الحالف أراده بيمينه، فإن انتقل إلى ذلك الأجل وإلا حنث الحالف، واختلف إن كانت اليمين بالطلاق، هل للحالف أن يطأ في التلوم؟ فإن كان أجل التلوم من أربعة أشهر دخل على الحالف الإيلاء على القول بأنه لا يطأ. والقول الثاني: أنه كالحالف على فعل نفسه، يؤمر المحلوف عليه بالانتقال، ولا يجبر على ذلك، ولا يضرب له في ذلك أجل، ولا يحنث الحالف إلا بموت المحلوف عليه، فإن كانت يمينه بالطلاق، لم يكن له أن يطأ وضرب له أجل الإيلاء إن طلبت امرأته ذلك.

مسألة: حلف لا يشتري لامرأته شيئا فاشترى لنفسه فتسأله امرأته أن يوليها شيئا

[مسألة: حلف لا يشتري لامرأته شيئا فاشترى لنفسه فتسأله امرأته أن يوليها شيئا] مسألة وسئل عن الرجل يحلف ألا يشتري لامرأته شيئا، فيشتري لنفسه أو لبنته شيئا، ثم تسأله امرأته أن يوليها شيئا مما اشترى لنفسه أو لبنته، قال: لا أحب له أن يفعل، ولكن يوكل غيره يشتري لها. قال محمد بن أحمد: قال مالك في هذه الرواية: لا أحب له أن يفعل، يريد أنه يحنث إن فعل، وكان بحضرة ذلك، وهو نحو ما لمالك في رسم سلف، من سماع ابن القاسم هناك: إن كان عند مواجبة البيع وبحضرته حنث؛ لأن التباعة على البائع، وفي التفسير ليحيى: إذا صح ذلك منهما فلا حنث عليه، وإن عملا على وجه الدلسة فهو حانث وإن ربح عليها؛ لأن الربح يكون مع الدلسة أجرة للزوج، ويكون إنما اشترى لها، وتحصيل الاختلاف في هذا عندي أنهما إن عملا على ذلك فهو حانث، وإن ولاها بربح بعد افتراقهما، وإن لم يعملا على ذلك، واشترى لنفسه أو لابنته شراء صحيحا، ثم ولاها ذلك بربح، وإن كان ذلك عند مواجبة البيع أو بعد افتراقهما بربح أو بغير ربح، فلا حنث عليه. واختلف إن اشترى لنفسه شراء صحيحا، ثم ولاها ذلك بالثمن دون ربح عند مواجبة البيع على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه حانث وإن كانت التباعة على الزوج المولى، وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية، وفي رسم سلف، من سماع عيسى. والثاني: أنه لا حنث عليه، وإن كانت التباعة على البائع، وهو ظاهر ما في التفسير ليحيى. والثالث: أنه حانث على القول بأن التباعة على البائع، وغير حانث على القول بأن التباعة على الزوج المولي، وهو الذي ذهب إليه ابن القاسم في رسم سلف، من سماع عيسى. وقد اختلف قول مالك في التباعة، فقال في موطئه: إن التباعة على المولي، وقال في رسم سلف، من سماع عيسى: إن التباعة على البائع، واختلف في ذلك أيضا

مسألة: حلفت في عبد لها ألا تبيعه ولا تهبه فأرادت أن تتصدق به

قول ابن القاسم، فقال في رسم السلم، من سماع عيسى، من كتاب السلم والآجال: إن التباعة على البائع، وقال في رسم أسلم، من سماع عيسى، من كتاب العيوب: إن التباعة على المولي، وهذا إذا أتى الزوج مستفتيا، أو كانت يمينه مما لا يحكم به عليه، وأما إن كان مشهودا عليه ومخاصما، فلا يحكم عليه بالحنث إن كانت التولية بربح أو بعد الافتراق، وإن كانت قبل الافتراق بغير ربح، فعلى الثلاثة الأقوال المذكورة، ولا يمين عليه في مجرد دعوى التباعة، حيث لا يجب عليه الحكم بالحنث، هذا الذي يأتي على أصولهم في هذا، والله أعلم. [مسألة: حلفت في عبد لها ألا تبيعه ولا تهبه فأرادت أن تتصدق به] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية مسألة عن امرأة حلفت في عبد لها ألا تبيعه ولا تهبه، فأرادت أن تتصدق به على ولدها، فقال: لا يعجبني ذلك، وأرى هذا على نحو الهبة. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال، وهو بين؛ لأن الهبة تعتصر، والصدقة لا تعتصر، فإذا حنث بالهبة فالصدقة أحرى أن يحنث بها، ولا تنوى في ذلك إن ادعت نية، وكانت يمينها مما يحكم به عليها، ولو حلفت ألا تتصدق به فوهبته لابنها، وهو ممن لها أن تعتصر منه، فادعت أنها إنما حلفت على الصدقة من أجل أنها لا تعتصر، لوجب أن تنوى في ذلك. [مسألة: يبيع الجارية فيحلف ألا يضع من ثمنها شيئا فيجدها المبتاع معيبة] مسألة وسئل عن الرجل يبيع الجارية، فيحلف ألا يضع من ثمنها شيئا، فتمكث عنده، ثم يجد بها الذي ابتاعها عيبا، فيردها منه، فيضع له السلطان، فقال: ما أرى على صاحبها حنثا؛ لأنه لم يحلف على ذلك.

مسألة: حلف ألا تواكله امرأته في صحفة واحدة فجاءته برطب في طبق فأكلت

قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما حلف ألا يضع عن المبتاع من حقه الواجب له عليه شيئا، وذلك ما لا يصح أن يحكم به عليه، فوضيعة السلطان عنه لمكان العيب إنما هو حكم له بإسقاط ما لا يلزمه، وذلك ما لم يحلف عليه البائع، ولو سأله المبتاع ذلك، فحلف عليه فرفعه المبتاع إلى الحكم، فحكم عليه به يجري ذلك على الاختلاف الذي ذكرناه في رسم تسلف في المبتاع والحيوان، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا تواكله امرأته في صحفة واحدة فجاءته برطب في طبق فأكلت] ومن كتاب البز مسألة وسئل مالك عن رجل حلف ألا تواكله امرأته في صحفة واحدة شهرا، فجاءته برطب في طبق، فإذا فيه بضعة لحم، فقال لها: ما هذه البضعة؟ قالت: إن الخادم وضعتها، والمرأة لا تأكل معه، وكان الرجل يأكل في طبق رطبا، وهي لا تأكل معه، فتناولت المرأة البضعة لتأكلها، فأخذها من يدها، فقال: قد حلفت ألا تأكل معي في صحفة، ثم أمسكها في يده، ووامر نفسه ثم قال: إنما قلت: في صحفة فناولها إياها فأكلتها، قال مالك: أخاف عليه الحنث، وكان طلاقه إياها واحدة، فأمره أن يطلقها واحدة ثم يرتجعها، قال: فقلت له: الطبق والصحفة واحد؟ من حلف ألا يأكل في صحفة، فأكل في طبق حنث؟ قال: نعم، وهو واحد. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على الأصل في أن الأيمان إنما ينظر فيها إلى معانيها، لا إلى مجرد ألفاظها كما يقول أهل العراق؛ لأن الحالف ألا تواكله امرأته في صحفة إنما معناه ألا تواكله في إناء واحد،

فخرجت يمينه على الصحفة؛ لأن الصحاف هي التي يأكل الناس فيها في غالب الأمر، لا لأنه قصد الصحفة دون غيرها من الآنية والظروف، فوجب أن لا يعتبر بتسمية الصحفة لهذه العلة، ولو اعتبر لوجب ألا يحنث إذا أكلت معه في جفنة أو في برمة، أو في صحفة صغيرة، وهذا ما لا يمكن أن يقال بوجه؛ لكونها في معنى الصحفة سواء، فلو سمي - على هذا القياس الذي أصلناه وهو صحيح - ما لا يوكل فيه في غالب الأمر، لوجب أن يراعى تسميته، ولا يحنث إذا واكلته في غيرها؛ لما يظهر من قصده إلى الحلف على ما سمي دون سواه، فإذا حلف ألا يأكل مع امرأته في طبق لم يحنث إذا أكلت معه في صحفة، وكذلك لو سمى الطبق مما لم تجر العادة أن يوكل فيه إلا نادرا، ولو حلف ألا يأكل معها فاكهة في طبق، فأكل معها فاكهة في غير طبق صحفة أو غيرها من الآنية لحنث؛ لأن الفاكهة لما كانت لا توكل في غالب الأمر إلا في الأطباق علم أن يمينه إنما خرجت على الطبق لذلك؛ لأنه قصد إلى الطبق دون ما سواه من الآنية والظروف، وهذا أصل يطرد. من ذلك قولهم: من حلف ألا يأكل خبزا، فأكل كعكا أنه يحنث، ومن حلف ألا يأكل كعكا، فأكل خبزا أنه لا يحنث، ومن حلف ألا يدخل على فلان بيتا، فدخل عليه الحمام أو السجن حنث، ومن حلف ألا يدخل على فلان حماما ولا سجنا، فدخل عليه بيتا ليس لحمام ولا سجن لم يحنث، ومثل هذا كثير، وقوله في المسألة: فأمره أن يطلقها واحدة، كلام ليس على ظاهره من أنه أمره أن يستحدث لها طلاقا، وإنما معناه أنه أمره أن يعد ما قد وقع عليه من الحنث بأكلها البضعة من الطبق طلقة واحدة ثم يرجعها، ولو استحدث لها طلاقا على ظاهر لفظه؛ لكانت طلقة أخرى سوى الطلقة التي حنث بها، وهذا بين لا إشكال فيه.

مسألة: حلف لا يشتري من رجل سلعة فاشترى منه رجل سلعة فأشركه فيها

[مسألة: حلف لا يشتري من رجل سلعة فاشترى منه رجل سلعة فأشركه فيها] مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يبتاع من رجل سلعة، فاشترى منه رجل سلعة، فأراد أن يشرك ذلك الرجل فيما اشترى، قال: لا يعجبني ذلك، قيل له: أيشتري منه غلامه؟ قال: لا أرى ذلك له. قال محمد بن أحمد: إنما قال في الذي حلف أن لا يشتري من رجل سلعة، فاشترى منه رجل سلعة، فأشركه فيها لا يعجبه ذلك؛ لأن عهدته تكون عليه، فضارع عهدة من حلف ألا يشتري من فلان سلعة، فوكل غيره فاشتراها له منه أنه حانث، ولم يكن عنده بمنزلة ذلك سواه، ولذلك قال: لا يعجبني ولم يقل: لا يجوز؛ لأنه من حلف ألا يشتري سلعة من فلان فأمر غيره فاشتراها له منه هو حانث على كل حال، إلا أن يكون نوى ألا يلي هو الشراء منه بنفسه، فبينوا في ذلك أنه إن أتى مستفتيا، أو كانت يمينه مما لا يقضى عليه بها، أو في شراء غلامه منه تفصيل، أما إن كان الغلام يعمل بمال سيده، فاشترى منه بأمره، فلا إشكال في أنه حانث بمنزلة الذي يحلف ألا يشتري السلعة من رجل، فوكل غيره على أن يشتريها له منه، ولم يتكلم في الكتاب على هذا الوجه، وإنما تكلم إذا اشترى منه بغير أمره، وهو يعمل أيضا بمال سيده؛ لأن معنى قوله: أفيشتري منه غلامه بغير إذنه يريد بغير علمه، فقال: لا أرى ذلك له يريد أنه يحنث إن فعل؛ لأن الشراء يجب له، والعهدة تكون على المحلوف عليه، فذلك بمنزلة المسألة التي قال فيها: لا يعجبني، وأما إن كان العبد يعمل بمال نفسه، فيتخرج ذلك على الاختلاف في الذي يحلف ألا يركب دابة لغيره، فيركب دابة عبده، والقولان في النذور في المدونة.

مسألة: طلب منه مالا فحلف بالمشي إلى الكعبة إن كان معه إلا عشرة

[مسألة: طلب منه مالا فحلف بالمشي إلى الكعبة إن كان معه إلا عشرة] مسألة وسئل مالك عن رجل جاءه أخ له يستسلفه خمسة عشر دينارا، فحلف بالمشي إلى الكعبة، إن كان معه إلا عشرة، ففتح كمه فلم يجد إلا تسعة دنانير، قال مالك: لا أرى عليه حنثا، قال ابن القاسم: ولو كان معه أحد عشر دينارا حنث، وإنما سقط عنه الحنث حين لم يجد معه إلا تسعة؛ لأنه حلف على أنه ليس معه أكثر من عشرة، فلذلك لم يكن عليه شيء. قال محمد بن أحمد: هذا بيِّن لا إشكال فيه ولا اختلاف؛ لأن معنى يمينه أنه ليس معه أكثر من عشرة إذ طلب منه المستسلف خمسة عشر دينارا، وإلى ذلك قصد بيمينه، لا إلى أن معه عشرة. [مسألة: قال بعيراي هذان بعد سنة في سبيل الله فأقاما في يديه ثم هلك الرجل] مسألة وسئل مالك عن رجل قال: بعيراي هذان بعد سنة في سبيل الله، فأقاما في يديه ثم هلك الرجل قبل السنة، أتراهما من رأس المال أم من الثلث؟ قال: ما علمت أن هذا يُفعل، فإن جعل شيئا في سبيل الله فلينفذه، قيل له: أفلا تراه مثل الذي يعتق إلى سنة؟ قال: لا، قد يدبر العبد، وليس في الإبل تدبير، فكأنه يقول: ليس هذا بشيء. قال محمد بن أحمد: قوله: إنه إن هلك الرجل قبل السنة بطل ذلك، ولم يكن في رأس مال ولا ثلث، صحيح على أصولهم؛ لأنه صدقة في الصحة لم تُحَزْ عنه حتى مات، فوجب أن تبطل، وكذلك لو أتت السنة وهو مريض، فمات من مرضه ذلك على مذهب ابن القاسم، وقد قيل فيما أحسب إن ذلك يكون من الثلث، وإن أتت السنة وهو حي صحيح نفذا في

مسألة: قضي عليه بيمين فأراد أن يفتدي منها

السبيل، واختلف هل يحكم عليه بذلك إن أبى أن ينفذه على الاختلاف في الذي يتصدق على المساكين، فيأبى أن ينفذ ذلك، والقولان في المدونة على اختلاف الرواية في ذلك، وليس له أن يبيعهما ولا يفوتهما قبل السنة، واختُلف هل يحكم عليه بذلك أم لا على الاختلاف المذكور، ولو قال: بعيراي هذان بعد سنة صدقة على فلان؛ لحُكم عليه ألا يبيعهما قبل السنة، وأن يسلمهما إليه بعد السنة إن أتت، وهو صحيح قولا واحدا على ما قاله ابن القاسم، في رسم الجواب، من سماع عيسى، من كتاب الصدقات والهبات، فقوله في آخر المسألة، فكأنه يقول: ليس هذا بشيء يريد أنه يبطل إن مات قبل السنة، إلا أن قوله: لا يوجب حكما، ويبطل في كل حال؛ لأن الحكم فيه يجري على ما قلناه، وبالله التوفيق. [مسألة: قضي عليه بيمين فأراد أن يفتدي منها] ومن كتاب أوله باع غلاما مسألة وسئل مالك عن ابني عم وقع بينهما ميراث فتشاجرا، فحلف أحدهما بيمين غليظة إنْ دفع إليه شيئا حتى يقضي به عليه السلطان فاختصما، فقضي على الحالف باليمين، وأراد أن يفتدي من اليمين، ويدفع إليه في ذلك حقا، فكره ذلك، وقال: لا يدفع إليه شيئا، ويحلف إن كان بارا، فقيل له: لو أن رجلا قضي عليه بيمين، فأراد أن يفتدي منها، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن أحمد: قوله: إنه لا يفتدي من اليمين بثمن يدفعه إليه صحيح؛ لأنه قد حلف ألا يدفع إليه شيئا، إلا بقضاء سلطان، والسلطان لم يقض عليه إلا باليمين، لا بما افتدى به منها، وقوله: ويحلف إن كان بارا

مسألة: الصبي هل يلزمه بعد بلوغه ما نذره على نفسه قبل بلوغه

صحيح أيضا؛ لأنه إن نكل على اليمين فحلف ابن عمه، وأخذ ما ادعى حنث هو في يمينه، فإن كان غير بار لم يحل له أن يحلف، ويحلف ابن عمه ويأخذ ما ادعى، ويحنث هو في يمينه؛ إذ كان إنما حلف وهو عالم بصحة دعواه، ليقتطع حقه، فإن اجترأ على الله، وحلف بر في يمينه وأثم في اقتطاع حق ابن عمه بيمينه الفاجرة، كمن حلف أن يسرق أو يزني أو يشرب خمرا، وكذلك إن لم يعلم إن كان ما يدعي ابن عمه حقا أو باطلا؛ إذ لا يجوز له أن يحلف على غير يقين، وقد وقع في أول رسم البراءة، من سماع عيسى، من كتاب الأيمان بالطلاق لفظ، قال فيه بعض الناس: إنه يدل على أن له أن يحلف فيما لا يوقن به، وهو بعيد، فالصواب أن يتأول على ما تأولناه عليه هناك، فلا يدل على أنه يجوز له أن يحلف على ما شك فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: الصبي هل يلزمه بعد بلوغه ما نذره على نفسه قبل بلوغه] مسألة قال مالك: كان حلف عبد الله بن أبي حنيفة في الجرو القتاء بعد أن احتلم. قال محمد بن أحمد: قوله صحيح؛ لأنه لو كان لم يحتلم لما لزمه النذر؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع القلم عن ثلاث» فذكر فيهم الصبي حتى يحتلم، ولا اختلاف أعلمه في أن الصبي لا يلزمه بعد بلوغه ما نذره على نفسه قبل بلوغه، إلا أنه يستحب له الوفاء به، وقد قال ابن كنانة: إن الصغير إذا حلف به قبل بلوغه لزمه إذا حنث فيه بعد بلوغه، ومن أهل العلم من ذهب إلى أن المشرك إذا نذر في حال الكفر يلزمه الوفاء به بعد الإسلام؛ لما

مسألة: حلفت على أختها ألا تشهد لها محيا ولا مماتا فماتت ابنة أختها

روي من أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام، فقال له النبي: فِ بنذرك» ، وهو عندنا وعند أكثر أهل العلم على أن ذلك على الندب لا على الوجوب، ومما يدل على ذلك أيضا أن " فِ " لا تُستعمل إلا فيما ليس بواجب، يقال: وفى بالوعد، وأوفى بالحق والنذر، فيلزم على قول من أوجب على الكافر الوفاء بالنذر بعد إسلامه أن يوجب على الصغير الوفاء بالنذر بعد بلوغه، بل هو أحق أن يجب عليه على مذهبه؛ لأن الصغير وإن كان لا تُكتب عليه السيئات، فتُكتب له الحسنات على الصحيح من الأقوال، والكافر لا تكتب له الحسنات وتكتب عليه السيئات، وبالله التوفيق. [مسألة: حلفت على أختها ألا تشهد لها محيا ولا مماتا فماتت ابنة أختها] مسألة وسئل عن امرأة حلفت على أختها ألا تشهد لها محيا ولا مماتا، فماتت ابنة أختها، فأرادت أن تنتظرها عند باب المسجد فتصلي عليها، وقد كانت حلفت بالمشي إلى الكعبة، فكره ذلك لها. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا صلت عليها، فقد شهدت جنازتها، فوجب أن تحنث، وإن كانت لم تشهدها ولا عَزَّتْهَا ولا قامت معها في شيء من أمرها؛ لأن الحنث يقع بأقل الوجوه، وقوله: فكره ذلك لها، معناه الوجوب، وأنها إن فعلت حنثت، والله أعلم. [مسألة: قال لشريكه هذه الدنانير صدقة على المساكين إن كان لك عندي شيء] مسألة وسئل عن رجل كان له شريك فحاسبه ثم لقيه، فقال له: قد بقي عندك كذا وكذا، وكان مع شريكه دنانير في يده، فقال عند ذلك: هذه الدنانير صدقة على المساكين، إن كان لك عندي شيء.

مسألة: قال لغريمه إن لم تقض صدرا من حقي يوم كذا فعلي المشي إلى بيت الله

ثم ذهب إلى منزله فنظر إلى كتب عنده، فإذا هو ما قال شريكه حق، قال: أرى أن يتصدق بالدنانير، ولا ينفعه إن كان حلف، وهو يرى أنه إنما حلف على حق، وإنما ينفعه ذلك في الحلف بالله، فأما الصدقة والعتق والمشي، فلا ينفعه ذلك، وليس اللغو في الصدقة والمشي، إنما اللغو في الحلف بالله، لا يكون إلا في اليمين بالله أو بشيء من صفاته وأسمائه، أو في نذر لا يسمى له. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، وحكمه في المذهب في أن اللغو مخرج؛ لأن الله لم يذكره إلا في اليمين التي أوجب فيها الكفارة، فقال تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] الآية، ويجيء على مذهب من أوجب كفارة اليمين بالله في الحلف بالمشي والصدقة، وما أشبه ذلك مما فيه قربة وطاعة، أن يكون اللغو في ذلك. [مسألة: قال لغريمه إن لم تقض صدرا من حقي يوم كذا فَعَلَيّ المشي إلى بيت الله] مسألة وسئل مالك عن رجل كان له على رجل حق، فقال لغريمه: إن لم تقض صدرا من حقي يوم كذا وكذا، فَعَلَيّ المشي إلى بيت الله إن لم ألزمك بحقي كله، قال مالك: أرى الصدر الثلثين، ولو أن رجلا قال: النصف؛ لكان قولا، ولكن الثلثان أحب إليّ إلا أن يكون حين حلف قد أجمع على أمر شيء من أمره، فهو على ما أجمع.

مسألة: قال علي نذر ألا أكلم فلانا

قال محمد بن أحمد: لابن نافع في المبسوطة أنه إذا قال: جل، فذلك أكثر من الثلثين، وإذا قال صدرا فذلك الثلث فما فوقه، وهو في القياس أظهر؛ لأن صدور الأشياء هي الجمل من أوائلها، فالصدر ثم النصف ثم الجل، والله أعلم. [مسألة: قال علي نذر ألا أكلم فلانا] ومن كتاب أوله صلي نهارا ثلاث ركعات مسألة وسئل مالك عن رجل قال علي نذر ألا أكلم فلانا قال: ليكلمه ولا أرى عليه، إنما ذلك مثل ما يقول عليّ نذر أن أكلمه أو أحمل هذا الحجر فلا شيء عليه، إنما كان نذره في كلامه. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال: إن من قال علي نذر أن أكلم فلانا أو لا أكلمه إنه لا شيء عليه كلمه أو لم يكلمه إذ لا طاعة لله في كلامه ولا في ترك كلامه، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» ، فالنذور تنقسم على أربعة أقسام، نذر في طاعة يلزم الوفاء به، ونذر في معصية يحرم الوفاء به، ونذر في مكروه يكره الوفاء به، ونذر في مباح يباح الوفاء به وترك الوفاء به، وسواء كان ذلك كله في فعل أو في ترك فعل، ولا كفارة عند مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ - على من لم يف بما نذر؛ إما لأنه معصية لا يجوز له الوفاء به وإما لأنه عجز عن الوفاء به، ومن أهل العلم من أوجب في ذلك الكفارة لما روي من أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين» ، وإنما تجب الكفارة عند مالك في اليمين بالنذر، مثل أن يقول: علي نذر إن فعلت كذا وكذا أو إن لم أفعل كذا وكذا، كان ذلك للذي حلف على فعله مما يجوز له

مسألة: له عند امرأته ذهب فأسلفته أخا لها فعلم الزوج بذلك فحلف ليأخذن حقه

فعله أو مما لا يجوز، وكان الذي حلف على تركه مما يجوز له تركه أو مما لا يجوز؛ غير أنه إن كان ذلك مما لا يجوز أُمِرَ بالحنث والكفارة، فإن اجترأ وبر سقطت عنه الكفارة. [مسألة: له عند امرأته ذهب فأسلفته أخا لها فعلم الزوج بذلك فحلف ليأخذن حقه] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت مسألة وسئل مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن رجل كان له عند امرأته ذهب فأسلفت منه أخا لها فعلم الزوج بذلك فحلف ألا يخرج حتى يأخذ حقه منه أو يقضي به عليه سلطان، فقالت امرأته: أنا التي أسلفته وأنا له ضامنة، وقد كان يريد سفرا. قال: لا يخرج حتى يأخذها ولا يقبل ضمانها إلا أن يؤخره السلطان إذا رأى السلطان ذلك. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال؛ لأن الزوج مخير له أن يأخذ بماله من شاء منهما، إن شاء زوجته التي تعدت على ذهبه فأسلفته، وإن شاء أخاها الذي أسلفته إياه؛ فإن أخذ بذهبه الزوجة كان لها أن تتبع أخاها بذلك، وإن أخذ به أخ الزوجة سقطت التباعة عن الزوجة، فإذا حلف ألا يخرج حتى يأخذ حقه من أخي الزوجة إلا أن يؤخره السلطان فليس له أن يترك اتباعه ويرجع عن امرأته، فإن فعل ذلك حنث بما حلف به، وفي قوله: "إلا أن يؤخره السلطان إن رأى ذلك" دليلٌ على أن للسلطان أن يؤخر الغريم بما حلّ عليه من الديون على ما يراه من موجب للنظر في ذلك، ومثله في أول رسم ابن القاسم من كتاب المكاتب، وبذلك جرت الفتيا عندنا بقرطبة، خلاف ما كان يحكم به في غيرها أن الغريم إذا حل أجل ما عليه من دين لم يؤخر ساعة ولا حينا وبيعت عليه عروضه بالغة ما بلغت إن لم يكن له ناضّ يؤدي منه ما عليه، وهو خلاف ظواهر الروايات عن مالك وأصحابه، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث

[مسألة: حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث] مسألة قال مالك: من حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث، فإنه يمشي من حيث حلف وكانت يمين صاحبه ألا يفعل كذا وكذا حتى ينتقل من منزله وكان صاحب خيمة، قال مالك: ولا أحب أن يحولها إلى مكان قريب حتى ينتقل نقلة يعرف أنها نقلة من ذلك الموضع إلى غيره ثم يفعل ما حلف عليه إن أراد إن كان إنما أراد بذلك مخرجا من يمينه. قال محمد بن أحمد: تكررت هذه المسألة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الحج، وقوله فيها هنا وهناك: إنه يمشي إذا حنث من حيث حلف لا من حيث حنث يأتي على ما في كتاب ابن المواز العتق الأول من المدونة في الذي يقول: إن كلمت فلانا فكل مملوك أملكه من الصقالبة فهو حر فيشتري بعد يمينه وقبل أن يكلمه صقالبة ثم يكلمه إنهم يعتقون عليه خلاف ما في سماع عبد المالك من كتاب الأيمان بالطلاق الذي يقول: إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها بمصر طالق فتزوج ثم كلمه أنه لا شيء عليه في التي تزوج قبل يمينه، وإنما يلزمه الحنث فيما تزوج بعد كلامه، ولم ير إذ كانت يمينه ألا يفعل كذا وكذا حتى ينتقل من منزله أن اليمين تنحل عنه حتى يكون له أن يفعل ما حلف عليه وإلا لحنث إلا بانتقال من ذلك الموضع إلى غيره من المواضع، وخشي إن حولها إلى مكان قريب ألا يكون ذلك انتقالا تنحل عنه اليمين، فقال: ولا أحب أن يحولها إلى مكان قريب حتى ينتقل نقلة تعرف، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف في رقيق لابنه ألا يبيعهم بثمن سماه وللحالف أب

[مسألة: حلف في رقيق لابنه ألا يبيعهم بثمن سماه وللحالف أب] ومن كتاب المحرم يتخذ خرقة مسألة وسئل مالك عن رجل حلف في رقيق لابنه ألا يبيعهم بثمن سماه وللحالف أب فقال له: أنا أبيعهم ليس هم لك فقال له: أسفيه هو؟ يريد الحالف فقالوا: لا فقال: لا أرى أن يبيعهم. قال محمد بن أحمد: في قوله: لا أرى أن يبيعهم إذا لم يكن سفيها دليل على أن له يبيعهم إذا كان سفيها فجعله في حكم الوصي على ولد ابنه ما دام ابنه سفيها فيلزم على هذا أن يكون وصي الأب وصيا على ولد الولد الذين إلى نظره بإيصاء الأب وهو نحو ما في مختصر ابن شعبان عن مالك أن للوصي أن يزوج بنات يتيمه بعد بلوغهن، فإن رضي الأب بذلك قبل أن يبلغن فلا يلتفت إلى رضاه لسقوط ولايته فهن كاليتامى، قال ابن وهب في أصل سماع أصبغ: والرفع إلى السلطان أحسن، وليس من ذلك ما في كتاب ابن المواز أن المولى عليه إذا قتل وله ولد أصاغر أن وصي الأب أولى من عمومة الصبي، بالدم، وقد كان بعض شيوخه لا يرى وصي الأب وصيا على صغار الولد الموصى بهم، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف أن يحمل الشيء على عنقه إلى بيت الله فلا يقدر] مسألة وسئل مالك عن الرجل يحلف أن يحمل الشيء على عنقه إلى بيت الله فيكون ممن لا يقدر على المشي فيركب أترى عليه هديين أم هديا واحدا؟ قال: يهدي هديا واحدا وليس هذا من الأمور

مسألة: المرأة المولى عليها تحلف بصدقة ما تملك على المساكين

التي مضت فيها سنة ولا أمر، قيل له: فهدي واحد يجزئ عنه؟ قال: نعم. قال محمد بن أحمد: أوجب مالك على الحالف في هذه المسألة الهدي لركوبه ولم يوجب عليه شيئا لما وضع عن نفسه من حمله الشيء على عنقه فلو مشى ولم يركب لم يجب عليه شيء على هذه الرواية خلافا لما في المدونة في الذي يقول: أنا أحمل هذا العمود أو هذه الطنفسة أو ما أشبه ذلك إلى بيت الله أنه يحج ماشيا ويهدي لموضع ما وضع على نفسه من المشقة في حملان تلك الأشياء إلا أن يفرق بين النذر واليمين مراعاة لقول من لا يرى الشيء واجبا باليمين، والأظهر أن ذلك اختلاق من القول، وألا يكون على الذي قدر أن يحمل الشيء على عنقه إلى بيت الله إلا المشي راجلا كما قال في الذي نذر أن يمشي إلى بيت الله حافيا أنه ينتعل، وإن أهدى فحسن، وإن لم يهد فلا شيء عليه، وهو خفيف إذ لا طاعة لله في حفائه ولا في حمله الشيء على عنقه، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» ، فوجب أن يسقط عنه ما قدّره على نفسه مما لا طاعة لله فيه ولا يلزمه في ذلك شيء ولو لزمه في ذلك شيء لكان الواجب في ذلك كفارة يمين لما جاء في ذلك عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأخذ به جماعة من العلماء على ما قد ذكرناه في رسم "صلى نهارا ثلاث ركعات" قبل هذا. [مسألة: المرأة المولى عليها تحلف بصدقة ما تملك على المساكين] مسألة وسئل مالك عن المرأة المولى عليها تحلف بصدقة ما تملك

على المساكين أو بأنها تحمل ابن عم لها إلى بيت الله إن تزوجته فقدر لها أن تزوجته. فقال: أرى أن تمشي إلى بيت الله، قال: إنها لا تستطيع أن تمشي، قال: فلتركب ولتهد قال: إنها صرورة، قال: فلتدخل بعمرة إن أحبت وتمشي بعد حجتها عن نفسها قال: أيجزيها أن تدخل بعمرة في مشيها فتحج لنفسها؟ قال: نعم، قال: أفترى عليها هديين؟ قال: نعم إن اعتمرت في أشهر الحج، فعليها هدي لتمتعها وهدي لما ركبت، وهديان في هذا يجزيان عنها. فقيل له: أفتأكل منهما جميعا؟ فقال: نعم، وأرى عليها صدقة ثلث مالها، قال سحنون: هذا خطأ وما ينفعها الولاية إذا كانت تنفق مالها؟ فليس هو كما قال. قال محمد بن أحمد: حمل مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ - حلف المرأة بحمل ابن عمها إلى بيت الله على أنها أرادت حمله على عنقها فأوجب عليها إذا حنثت المشي إلى بيت الله والهدي إن لم تستطع المشي فركبت، وذلك خلاف لما في المدونة في موضعين. أحدهما حمل يمينها على أنها أرادت حمله على عنقها؛ لأنه قال في المدونة فيمن قال أنا أحمل فلانا إلى بيت الله: أنه يحج راكبا ويحج معه بالرجل إلا أن ينوي حمله على عنقه، والموضع الثاني قوله: أنها تمشي إلى بيت الله وتهدي إن لم تستطع المشي فركبت على ما قاله في المسألة التي قبلها؛ لأنه قال في المدونة: إن أراد حمله على عنقه حج ماشيا وأهدى يريد لما وضع عن نفسه من حملانه على عنقه، فعلى قوله فيها: يهدي إن لم يستطع المشي فركب هديين، هديا لركوبه وهديا لما وضع من المشقة في نفسه، وقوله: إنها إن كانت صرورة كان لها أن تدخل بعمرة وتحج بعد ذلك لنفسها وتهدي لتمتعها إن كانت عمرتها في أشهر الحج صحيح مثل ما في المدونة وغيرها لا اختلاف في ذلك، وقوله وأرى عليها صدقة ثلث مالها معناه إذا ملكت أمرها وصار مالها إليها، وكان ذلك هو المال الذي كان

مسألة: حلفت لزوجها ألا تتزوج بعشرة نذر إلا أن يغلبها أمر لا تملكه فطلقت

لها يوم حلفت فإن كان قد زاد لم يكن عليها أن تتصدق بثلث مالها الزائد، وإن كان قد نقص لم يكن عليها أن تتصدق إلا بثلث الباقي، وأما ما وجب عليها من الهدي لتمتعها ومشيها؛ فإن كان الولي منعها من مالها ولم تصم فعليها إذا ملكت أمر نفسها أن تهدي من مالها كان ذلك المال أو غيره، وفي آخر أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح أنه لا يلزمها في مالها صدقة ولا شيء بسبب الولاية مثل قول سحنون هنا، وهو أظهر؛ لأنه إنما حجر عليها نظرًا لها، فلو كان يلزمها إذا رشدت ما فعلت في حال الولاية لما أغنت عنها شيئا، بخلاف العبد والزوجة ذات الزوج والغريم الذي يقع التحجير عليهم لحق غيرهم، وهذا الاختلاف في المولى عليها إنما هو إذا لم يرد الولي فعلها حتى ملكت أمر نفسها وصار مالها بيدها، وبالله التوفيق لا رب غيره. [مسألة: حلفت لزوجها ألا تتزوج بعشرة نُذُرٍ إلا أن يغلبها أمر لا تملكه فطلقت] ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة مسألة وسئل عن امرأة حلفت لزوجها ألا تتزوج بعشرة نُذُرٍ إلا أن يغلبها أمر لا تملكه فطلقها زوجها فاحتاجت وأرادت التزويج، فقال لها: هل جعلت لذلك مخرجا من حج أو عمرة أو عتق أو صيام؟ قالت: لا، ولكن كان مني مُسْجَلَة، قال: فأطعمي مائة مساكين بالمد الأصغر لكل مسكين مد، فإن لم تقدري فصومي ثلاثين يوما. قال محمد بن أحمد: قولها إلا أن يغلبها أمر لا تملكه معناه إلا أن تشتهي الرجال أو تخاف على نفسها العنت، وعلى هذا حمل مالك استثناءها؛ ولذلك لم ير الحاجة مما يسقط عنها اليمين، وقوله: إنها تطعم مائة مسكين إن

مسألة: أبق له غلام فأخذه فحلف له إن عدت لأضربنك فعاد فأبق فلم يضربه

كانت لم تجعل لما نذرت مخرجا صحيح على أصولهم في أن من نذر نذرا، ولم يجعل له مخرجا فكفارته كفارة يمين، وبالله التوفيق. [مسألة: أبق له غلام فأخذه فحلف له إن عدت لأضربنك فعاد فأبق فلم يضربه] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الأقضية مسألة قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك عمن أبق له غلام فأخذه فحلف له إن عدت لأضربنك، فعاد فأبق فلم يضربه ثم عاد فأبق له فضربه أتراه خرج عن يمينه؟ قال: لا أراه وقّت وقتا وأرى ذلك قد أخرجه عن يمينه إذا ضربه الضرب الذي حلف عليه ضربا لا عذابا ولا دون. قال محمد بن أحمد: هذا خلاف ما مضى في رسم حلف ليرفعن أمرا من سماع ابن القاسم في مسألة الوتر، وقد مضى القول على ذلك هناك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لله علي إن جاءني الله بأبي يوم كذا وكذا أن أتصدق أو أعتق] ومن كتاب الأقضية مسألة وسئل عن الرجل يقول: لله علي إن جاءني الله بأبي يوم كذا وكذا أن أتصدق أو أعتق أو أصوم أو أصلي، قال: لا بأس بذلك، قال عز وجل: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] ، {قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: 35] آل عمران، 35.

مسألة: ابتاع من رجل سلعة ثم سأله أن يضع عنه عشرة دنانير

قال محمد بن أحمد: أجاز مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أن يقول الرجل: لله علي أن أفعل كذا وكذا من الخير ولم ير به بأسا، وقد كره جماعة من أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم النذر، لما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن النذر، وقال: " إنه لا يغني شيئا " ولكن يستخرج به من البخيل» ولما روي عنه أيضا من رواية أبي هريرة أنه قال: «لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا. وإنما يستخرج به من البخيل» ويحتمل أن يكون النهي لم يصح به عند مالك ويحتمل أن يكون معنى النذر المنهي عنه في الحديث تعجيل ما يجب تعجيله أو تأخير ما يجب تأخيره مما لا عمل للنذر فيه إذ لا يغني من القدر شيئا كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فالنذر على مذهب مالك ينقسم ثلاثة أقسام: نذر مستحب وهو النذر المطلق الذي يوجبه الرجل على نفسه شكرا لله على ما كان ومضى. ونذر جائر وهو النذر المقيد بشرط يأتي. ونذر مكروه وهو المؤقت الذي يتكرر مع مرور الأيام فقد كرهه في المدونة لشدته مخافة التفريط في الوفاء به، والله أعلم. [مسألة: ابتاع من رجل سلعة ثم سأله أن يضع عنه عشرة دنانير] مسألة وسئل عمن ابتاع من رجل سلعة ثم سأله أن يضع عنه عشرة دنانير فقال له البائع: الله يعلم أني لا أضع لك أله مخرج؟ فقال:

مسألة: حلف وقال إن شاء الله ينوي به الاستثناء

نعم لو كفر عن يمينه، قيل له: لو كفر عن يمينه؟! قال: نعم يطعم عشرة مساكين. قال محمد بن أحمد: ظاهر قول البائع الإخبار عن الله تعالى بأنه يعلم أنه لا يضع له وهو قول علمه عز وجل بألا يعلم إذ لا يدري هل يضع عنه أم لا يضع فإن كان سبق في علم الله تعالى أنه يضع عنه فهو عالم أنه يضع عنه وإن كان سبق في علمه أنه لا يضع عنه فهو عالم أنه لا يضع عنه، إلا أنه لما قصد البائع بما قاله من هذا الامتناع من الوضيعة احتمل عنده أن يكون قصد بذلك اليمين بأن يجعل يعلم صفة لله بمعنى عالم، فتكون إرادته الله العالم أقسم به أني لا أضع لك، فأمره بالكفارة احتياطا إن لم يضع عنه، فإن كان أراد اليمين وقعت الكفارة في موضعها، وإن كان أراد الإخبار ولم يرد اليمين رجا أن تكون الكفارة تكفر عنه الإثم في أن قال على الله ما لا يعلم هذا وجه هذه الرواية عنده، والله أعلم. وقد روي عن سحنون فيمن قال علم الله إن فعلت كذا فقال: إن أراد العلم فهو كالحالف بصفة من صفات الله تعالى، وإن لم يرد العلم فلا شيء عليه، يريد بذلك أنه أراد فعلم العلم، فكأنه قال: وعلم الله، وقد يحذف واو القسم، وإن لم يرد العلم فقوله إخبار لا يلزمه به شيء وهو يريد ما قلناه، والله أعلم. [مسألة: حلف وقال إن شاء الله ينوي به الاستثناء] مسألة قال أشهب: وسئل مالك عن قول ابن عمر: من حلف فقال إن شاء الله فقد استثنى، فقال: إنا لنقول غير هذا نقول إذا حلف وقال: إن شاء الله ينوي به الاستثناء فذلك له ولا حنث عليه، وإن

مسألة: كان عليه مشي إلى بيت الله فمشى حتى انتهى إلى مكة وقد فاته الحج

كان إنما قال إن شاء الله لهجا بذلك مثل قول الله عز وجل: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] ، ومثل قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] ، فليس ذلك باستثناء ولا يغني عنه ذلك شيئا. قال محمد بن أحمد: قول مالك: إن قول الرجل إذا حلف وقال إن شاء الله لا يكون استثناء إلا أن ينوي به الاستثناء ويقصد به إلى حل اليمين صحيح ليس مما يختلف فيه، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما الأعمال بالنيات» ولا يمكن أن يقول ابن عمر، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، خلاف ذلك، فقول مالك: إنا لنقول غير ذلك معناه إنا لنقول ما هو أفسر من قوله وأبين من كلامه لما جاء من إجماله، والله أعلم. [مسألة: كان عليه مشي إلى بيت الله فمشى حتى انتهى إلى مكة وقد فاته الحج] ومن كتاب الحج مسألة وسئل مالك عن رجل كان عليه مشي إلى بيت الله فمشى في حج حتى انتهى إلى مكة وقد فاته الحج فطاف بالبيت وركع ركعتين وسعى بين الصفا والمروة فصار حجه عمرة فحل أقد انقضى مشيه؟ . فقال: نعم قد انقضى مشيه وعليه حج قابل، قلت له: أرأيت إذا حج قابلا أعليه أن يمشي من مكة إلى منى حتى يقضي حجه؟ قال: ليس عليه ذلك، قيل له: إنه قد كان مشى في حج ففاته الحج، فقال:

قد كان مشى في حج وليس ذلك عليه فإذا فاته الحج فقد صار عمرة وقضى مشيه ولا شيء عليه فيما يستقبل. قال محمد بن أحمد: هذا مثل قوله في المدونة إنه إذا كان عليه مشي فجعله في حج ففاته الحج أنه يحمل العمرة ويجزيه المشي ويحج عاما قابلا راكبا، وليس عليه أن يمشي بقية مناسك الحج التي فاتته بخلاف إذا نذر المشي في حج، هذا عليه إذا فاته الحج فحل بعمرة ثم حج عاما قابلا راكبا أن يمشي بقية مناسك الحج التي فاتته. وقال فضل: القياس أن يكون عليه إذا رجع أن يمشي ما بقي عليه من المناسك إذا جعل مشيه في حج ففاته الحج وإن كان لم ينذره في حج، وقوله عندي صحيح إذ لا اختلاف في وجوب مشي المناسك عليه إذا جعل مشيه في حج وإن كان لم ينذره في حج، فإذا وجب عليه أن يمشي جميع مناسك الحج لجعله مشيه فيه وجب إذا فاتته أن يقضيها ماشيا، كما لو أن نذر. وقد قال بعض أهل النظر: إن القياس على أصل ابن القاسم في الحج الثالث من المدونة ألا يجزئ شيء لأنه متحلل بعمل العمرة وليست عنده بعمرة صحيحة. قال: لحلف فيه قول ابن القاسم يريد في المدونة لأنه قد نص فيها أن الذي يصير إلى العمرة وتحلل بعمرة على ما قاله مالك في هذه الرواية من أن حجه بصير قال بما في الذي يجامع بعد أن فاته الحج أن لا عمرة عليه وكان القياس على قوله أن يصير عمرة أن يكون عليه قضاء العمرة إذا وطئ بعد أن فاته الحج. وقال أيضا في الذي

مسألة: حلف بالمشي من الأندلس إلى مكة

يتعدى الميقات فأحرم بالحج بعدما تعداه ثم فاته الحج أنه لا دم عليه لتعديه الميقات وكان القياس أيضا على قوله إن حجه يصير عمرة أن يكون عليه الدم لترك الميقات كمن جاوز الميقات ثم أحرم بعمرة وإلى هذه المسألة من لحج الثالث أشار بعض أهل النظر والله أعلم. ووجه ما ذهب إليه أنه لما كان ما ترك من الإحرام من الميقات لا يعتبر فيه فيلزمه فيه الهدي إذ قد فاته الحج الذي أحرم به فذلك لا يجزيه المشي الذي مشى في إحرامه بالحج إذ قد فاته الحج، والله أعلم. [مسألة: حلف بالمشي من الأندلس إلى مكة] مسألة وسئل مالك عمن حلف بالمشي من الأندلس أترى له سعة في ركوب البحر؟ قال: نعم كيف يصنع إلا ذلك لا بد له منه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن الذي يحلف بالمشي إلى مكة إنما تقع يمينه على مشي ما يمكن مشيه من الطريق الناجد كمن نذر صوم سنة بعينها أو صلاة يوم بعينه إنما يصح نذره على ما يصح صيامه من الأيام وصلاته من الأزمان وليس عليه أن يحلق في طريقه حتى يقل ركوبه للبحر، بل لا يسوغ له ذلك لأنه يتعب نفسه فيما لا طاعة فيه ولا قربة، إذا لو نذر رجل بالمدينة أن يمشي إلى مكة على الشام أو على العراق أو من الأندلس على غانة وشبهها لم يلزمه ذلك ولا ساغ له، ولو أن رجلا أراد أن يحلق في طريقه إلى المسجد لتكثر خطاه لما جاء من الثواب في ذلك لكان مخطئا في فعله وبالله التوفيق. [مسألة: حلف الناسي] مسألة وسألت امرأة فقالت: إن ابني استخبأني دراهم، ثم إنه سألها مني فرددتها عليه فأخذها ثم رد علي منها خمسة دراهم فخبأتها في

خماري فلما كان بعد ذلك طرحت الخمار عني وأقبلت على عمل بيتي، فجاءني ابني فقال: هات الدراهم الخمسة التي استخبأتك، فقالت له: ما استخبأتني شيئا إلا التي رددت عليك، فقال: بل رددت علي الدنانير والدراهم ثم استخبأتك بعد ذلك خمسة دراهم، فقالت: لا والله، فقال: انظري إن كنت خبأتها في الفراش أو الخصفة، فقلت: علي المشي إلى مكة إن كنت خبأتها في فراش أو خصفة أو شيء، ثم ذهبت أطلب فوجدتها في خماري كما جعلتها فذكرتها، فما ترى علي؟ فقال لها: أليس إنما حلفت ناسية لإعطائه إياك؟ قالت: بلى، فقال: فامش إلى بيت الله، فإن كنت لا تقدرين فامش واهدي، وليس عليك عجلة حتى تجدي وتقوي على ذلك، وأرجو ألا يكون عليك بأس إن شاء الله أبشري، قال لنا: وما هدي مثل هذه؟ قال: أرى هديها شاة، ثم قال: كان يقال: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ، لئن دخلت هذه السوداء الجنة فما ضرها سوادها، خافت يمينها هذا الخوف وأخرى أهيأ منها لا تخاف خوفها. قال محمد بن أحمد: قال لها أليس إنما حلفت ناسية لإعطائه إياك، فقالت: بلى، من أجل ما رأى بها من الفزع لأنها أتت وهي ترعد على ما ذكر في هذه الحكاية في غير هذا الموضع مخافة أن تكون قد وقعت من الإثم والحرج فيما لا مخلص لها منه، ويدل على ذلك قوله خافت يمينها هذا

مسألة: طلقها فحلفت بالعتق ألا تقبل منه منفعة فكسا جاريتها

الخوف فلم يكن عليها في يمينها إثم ولا كفارة لأنها كانت لغوا إذ حلفت بالله تعالى ناسية لإعطائها إياها الخمسة الدراهم، ووجب عليها المشي إلى بيت الله إذ لا يكون اللغو في المشي ولا فيما سوى اليمين بالله تعالى. وقوله: فإن كنت لا تقدرين فاركبي واهدي، معناه فاركبي إذا عجزت عن المشي بعد أن تمشي ما قدرت عليه واهدي، ولم يأمرها أن ترجع ثانية فيحتمل أن يكون رأى من حالها أنها لا تقدر أن تمشي الطريق كله في مرتين، ولذلك لم يأمرها بالرجوع ثانية إذ لم يختلف قوله فيما علمت أن الحالف بالمشي يلزمه الرجوع ثانية لمشي ما عجز عنه فركبه، ويرى عليه الهدي مع ذلك لتفريق المشي، وأهل المدينة سواه يرون عليه الرجوع ثانية دون الهدي، وأهل مكة يرون عليه الهدي دون الرجوع، ومن أهل العلم من لم يوجب عليه الهدي ولا الرجوع، وقد روي ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقوله: وليس عليك عجلة حتى تجدي وتقوي، تخفيف منه عليها لما رأى بها من الضعف على القول بأن الأمر لا يقتضي الفور فإن الحج على التراخي، ولتخفيفه عنها في هذا. قال لها: وأرجو أن لا يكون عليك بأس، وقال لها: أبشري لما رجاه لها من النجاة والخير لشدة ما رآه بها من الخوف، وبالله التوفيق. [مسألة: طلقها فحلفت بالعتق ألا تقبل منه منفعة فكسا جاريتها] ومن كتاب العتق مسألة وسئل عن امرأة طلقها زوجها فحلفت بالعتق ألا تقبل منه منفعة فندم وخدمته جاريتها وقامت عليه، فلما أراد الخروج

كسا جارية لها ثوبا وأعطاها دريهمات، فقال: لا أرى أن تقبل ذلك وأرى أن ترده عليه لأن تلك الكسوة. هي تنتفع بها تكف عنها كسوة خادمها، وتلك الدريهمات تنتفع بها خادمها وتقوى بها على عملها فلا أرى لها أن تقبل ذلك وأرى أن ترده عليه فإن كان غائبا فلتبعث به إليه، وإن هلك الرجل قبل أن تبعث به إليه ولم تقبله فلا شيء عليها، فإن كان ذلك أمرا قد فات وقبلته فأرى أن تدين في ذلك، فإن قالت: لم أرد هذا، وليس هذا الذي أردت ولم أرد خادمي ولا عبدي رأيت أن تنوى فتحلف على نيتها ولا حنث عليها إلا أن تكون انتفعت بذلك، فإن كانت انتفعت بشيء منه قليلا أو كثيرا فقد حنثت، ورأيت ذلك لازما لها لأنها حلفت ألا تقبل منه منفعة فقد انتفعت وإن كان الذي نالت منه الوليدة إنما هو طعام أكلته رأيت ذلك خفيفا. قال محمد بن أحمد: المسألة صحيحة على أصولهم لا كلام فيها إلا قوله في آخرها وإن كان الذي نالت منه الوليدة إنما هو طعام أكلته رأيت ذلك خفيفا، فمعناه في الطعام اليسير الذي لا ينحط به عنها من مؤنة نفقة خادمها شيء؟ وكذلك قال مالك في أول سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، وهو مفسر لهذا والله أعلم. وإيجابه اليمين عليها إن قبلت ما وهبه إياها لخادمها وادعت أنها لم ترد خادمها صحيح؛ لأنها نية محتملة لا يشهد بصحتها شاهد من ظاهر حال أو دليل لفظ أو عرف مقصد وما أشبه ذلك فتسقط عنها اليمين من أجل ذلك ولا هي أيضا مخالفة لظاهر لفظ اليمين فلا تصدق فيها بيمين ولا بغير يمين؛ لأن ما يدعي الحالف من النية فيما

مسألة: كان مع أخ له في منزله وكانت له شاة فحلف بالمشي إلى مكة ليبيعنها

يحكم به عليه إذا لم يأت مستفتيا لا يخرج عن هذه الثلاثة الأقسام، وأما إذا أتى مستفتيا أو كانت يمينه مما لا يحكم بها عليه فينوي فيما نواه دون يمين وإن كانت نيته التي نواها مخالفة لظاهر لفظه وبالله التوفيق. [مسألة: كان مع أخ له في منزله وكانت له شاة فحلف بالمشي إلى مكة ليبيعنها] ومن كتاب الأقضية مسألة وسئل مالك عن رجل كان مع أخ له في منزله وكانت له شاة فحلف بالمشي إلى مكة ليبيعنها وليخرجنها عنه، فباعها وأخرجها عنه ثم باعها المبتاع من آخر والآخر من آخر ثم أراد أن يبيعها بثمن وكس فأراد صاحبها الأول أن يشتريها فخاف أن يدخل على أخيه في يمينه شيء، وألا يكون خرج من يمينه، فقال: لا يشتريها. نعم يدخل عليه يمينه شيء وخاف إن اشتراها ألا يكون أخوه خرج من يمينه. قال محمد بن رشد: حمل يمينه على أخيه أن يبيع الشاة ويخرجها عنه على أنه إنما أراد ألا تكون معه في داره خلاف ما لفظ به، فرأى عليه الحنث إن ردها بعد أن باعها وأخرجها وتداولتها الأملاك. وقال في رسم تأخير العشاء من سماع ابن القاسم في الذي يحلف على رجل لينتقلن من داره فانتقل أنه لا حنث عليه إن رده إليها بعد أن انتقل عنها إلا أن يكون أراد ألا يساكنه فحمل يمينه على الانتقال الذي لفظ به حتى يريد ترك المساكنة وذلك تعارض بين في الظاهر، وبينهما من جهة المعنى فرق ظاهر، وهو أن يكون الرجل مع الحالف في داره لفظا يختص به وهو السكنى، فلما عدل

مسألة: حلف ألا يأخذ لفلان مالا فمات المحلوف عليه

الحالف إلى الانتقال حملت يمينه إذا لم تكن نية على ما لفظ به من الانتقال لاحتمال أن يكون أراد معاقبته بذلك، وليس لكون الشاة معه في داره لفظ يختص به، فلما لم يكن لذلك لفظ يختص به فعدل عنه إلى ما لفظ به حملت يمينه على أنه إنما أراد ألا تكون الشاة معه في داره إذ لا غرض يظهر في بيعها وإخراجها من داره إلا ذلك والله أعلم. [مسألة: حلف ألا يأخذ لفلان مالا فمات المحلوف عليه] مسألة ومن حلف ألا يدخل على فلان بيتا حياته فدخل عليه ميتا حنث، ولو حلف ألا يأخذ لفلان مالا فمات المحلوف عليه فأخذ الحالف من تركته مالا فإنه لا حنث عليه إلا أن يكون الميت المحلوف عليه أوصى بوصية أو كان عليه دين فإنه حانث بذلك. قال سحنون: وكذلك حلف ألا يأكل من طعام رجل فمات المحلوف عليه فأكل الحالف من المال قبل أن يجمع ويقسم، فإن كان عليه دين أو أوصى بوصايا فإنه حانث وذلك أن المال للميت إذا كان عليه دين وعنه يقضى، وليس للورثة مراثا إلا بعد قضاء الدين، وكذلك إذا كانت وصايا ولم يكن عليه دين فهو شريك للورثة بوصاياه في الثلث، فإن أكل من ذلك شيئا حنث، وقد قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، فإنما يكون للورثة ما بعد الدين قاله أصبغ.

قال محمد بن أحمد: قوله فيمن حلف ألا يدخل على فلان بيتا حياته فدخل عليه ميتا إنه يحنث هو مثل ما لأصبغ في نوازله بعد هذا في من حلف ألا يدخل بيت فلان ما عاش. وقال سحنون: لا حنث عليه، وجه القول الأول أن قول الحالف حياته أو ما عاش لا يحمل على أنه أراد بذلك أجلا وقته ليمينه؛ لأن الظاهر من إرادته أنه أراد ألا يدخل عليه أبدا، فعبر عن ذلك بحياته أو ما عاش لأن ذلك هو الغاية التي يقصد بها الناس التأبيد في عرف كلامهم، من ذلك قول الرجل: لا أدخل هذه الدار حياتي أو ما عشت أو لا آكل من هذا الطعام حياتي أو ما عشت ولا أكلم فلانا حياته أو ما عاش إذا أراد أنه لا يفعل شيئا من ذلك كله أبدا، ووجه قول سحنون اتباع ظاهر اللفظ دون مراعاة المعنى، فقول مالك أولى بالصواب، ولو قال الرجل: لا أدخل على فلان بيتا أبدا فدخل عليه ميتا حنث إلا أن يريد حياته قولا واحدا على ما في أول رسم الطلاق الأول من سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، وما في سماع أبي زيد منه، وقوله فيمن حلف ألا يأخذ لفلان مالا فمات فأخذ من تركته أنه حانث إن كان أوصى بوصية أو كان عليه دين. قال ابن القاسم في المجموعة وإن لم يكن الدين محيطا به وقد قيل: إنه لا حنث عليه وإن أحاط الدين بتركته، وقاله أشهب وهو الأظهر؛ لأن الميت إذا مات فقد ارتفع ملكه من ماله ووجب لمن يجب له منه أخذه من ورثته وأهل وصاياه وغرمائه إن كان عليه دين، وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يكن للحالف نية ولا كان ليمينه بساط فإن كانت يمين الحالف كراهية للمال لخبث أصله فهو حانث على كل حال كان على الميت دين وله وصية أو لم يكن، وإن كان كراهية لمنه عليه فلا حنث عليه على حال كان على الميت دين أيضا وكانت له وصية أو لم يكن.

مسألة: حلف على صديق له بعتق رقبة إن كلمه حتى يمنع امرأته النفقة

[مسألة: حلف على صديق له بعتق رقبة إن كلمه حتى يمنع امرأته النفقة] مسألة وقال أشهب: سئل مالك عن رجل حلف على صديق له بعتق رقبة إن كلمه حتى يمنع امرأته النفقة فلا ينفق عليها ما دخلت عليها فلانة وكف عن كلامه فكان الرجل يلقاه ويسلم عليه فلا يرد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مخافة أن يحنث، فلما أكثر عليه من ذلك عمد إلى أخ له فقال: تعلم أني حلفت على فلان ألا أكلمه حتى يكف عن النفقة على امرأته فلا ينفق عليها ما دخلت عليها فلانة وأنه يلقاني فيسلم علي وإني أخاف أن أرد عليه فأحنث، فقال له الرجل: أنا أكفيكه، ثم إن الرجل زوج المرأة لقي الحالف فسلم عليه فرد عليه فخاف أن يكون قد حنث فذهب إلى ذلك الرجل الذي كان استعان به. فقال له: تعلم أن فلانا لقيني فسلم علي فرددت عليه، إني أخاف أن أكون قد حنثت، فقال له الرجل: لم يحنثك الله قد لقيته قبل أن يلقاك ويسلم عليك فذكرت له ما ذكرت لي فقال لي: إني كنت قد منعتها النفقة قبل ذلك وأنا مجمع على ألا أنفق عليها فيما أستقبل، قال مالك: وما يدريه أن هذا الرجل قد صدقه لعله قد كذبه، أحب إلي أن يعتق رقبة، فقال له السائل: لا والله ولكنه قد صدقه، فقال له مالك: من يضمن له ذلك أنت؟ أحب إلي أن يعتق رقبة لأنه لا يدري لعله قد كذبه والناس يهونون على الناس في مثل هذا من القول فأحب أن يعتق رقبة. قال محمد بن أحمد: استحب له أن يعتق رقبة لأنه لا يدري هل

مسألة: قالت له زوجته إيذن لي فحلف ألا يأذن لها حتى يقدم فتأخر أيأذن لها

صدقه الرجل أو كذبه، فدل ذلك من قوله أنه لو استيقن أنه صدقه لم يكن لاستحبابه له العتق وجه، ففي ذلك من قوله. نظر؛ لأنه وإن صدق هو فيما أخبر به عن الرجل فقد يكون الذي أخبره قد كذب فيما أخبره به عن نفسه من أنه قد منع امرأته النفقة وأجمع على ألا ينفق عليها فيما يستقبل، فالاختيار له أن يعتق رقبة إلا أن يستيقن أن الرجل قد منع امرأته النفقة قبل أن رد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والذي يستيقن به ذلك شهادة رجلين عدلين بذلك. قال سحنون في كتاب ابنه في نحو هذه المسألة وفي أول رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب الشهادات في نحو هذه المسألة إنه لا يقبل في ذلك شهادة أربع نسوة، وهو دليل ما في رسم العرية من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب، ولو أخبره مخبر عدل قبل أن يكلمه أنه قد منع امرأته النفقة لجاز له أن يكلمه ولا يكون عليه شيء من طريق قبول خبر الواحد لا من طريق الشهادة، فاعرف الفرق في ذلك بين أن يكون الإخبار قبل أن يكلمه، أو بعد أن كلمه؛ لأنه قبل أن يكلمه بمعنى الإخبار وبعد أن كلمه بمعنى الشهادة وبالله التوفيق. [مسألة: قالت له زوجته إيذن لي فحلف ألا يأذن لها حتى يقدم فتأخر أيأذن لها] ومن كتاب الجنائز والذبائح والنذور مسألة قال أشهب: وسئل مالك عمن تجهز يريد العمرة حتى إذا حضر مسيره، قالت له امرأته: إيذن لي إلى المخارج التي كنت أخرجها، فحلف ألا يأذن لها حتى يقدم، فبلغه شدة الحر ومرض رقيق كان يريد المسير بهم فأراد المقام بهم حتى يبرد الزمان ويبرأ رقيقه أله أن يأذن لها؟ فقال: إن كان نوى ألا يأذن لها في غيبته لأنه لا واعظ لها ولا معاتب وخاف كثرة الخروج فهو أخف. قال محمد بن أحمد: يريد أنه إن نوى ذلك فهو أخف وله أن يأذن لها

مسألة: اليمين والنذور في الغضب

إن لم تخرج للعلة التي ذكر ولا يكون عليه شيء، وإن لم يكن نوى ذلك فليس له أن يأذن لها إلى مقدار ما كان يرجع إليه من عمرته لو خرج إليها ولم يعقه عن ذلك عائق، فإن أذن لها حنث، وفي سماع أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق في الذي يحلف بالطلاق ألا تدخل امرأته موضعا سماه حتى يقدم من سفر الحج كان أو غيره ثم يبدو له ألا يخرج إن اليمين عليه إلى مقدار رجعته من سفره ولا ينوى في ذلك، فالظاهر أن ذلك خلاف رواية أشهب لأنه لم ينوه، ونواه في رواية أشهب، وعلى الخلاف كان الشيوخ يحملون الروايتين. وليس ذلك بصحيح، والفرق بين المسألتين أن يمين الحالف في رواية أشهب خرجت على سؤال امرأته إياه أن يأذن لها في الخروج في غيبته إلى المخارج التي كانت تخرجها وكان بساط اليمين شاهدا لما ادعاه من أنه أراد ألا يأذن لها في غيبته فوجب أن يصدق في ذلك لا سيما وهو مستفت إذ لم يأذن لها بعد، وإنما سأل هل يحنث إذا أذن لها، ولعل يمينه أيضا مما لا يقضى به عليه، ورواية أصبغ خرجت يمين الحالف فيها ابتداء على غير سبب فلم يصدق فيما ادعى من النية إذ هي مخالفة لظاهر لفظه ولا دليل عليها من بساط ولا غيره، فوجب أن لا يصدق في ذلك لأن يمينه بالطلاق وهو مما يقضي به عليه ولم يأت مستفتيا، وأما لو كانت اليمين مما لا يقضى به عليه أو أتى مستفتيا لنوي على كل حال باتفاق وإن كانت النية التي يدعي مخالفة لظاهر لفظه وبالله التوفيق. [مسألة: اليمين والنذور في الغضب] مسألة وسألته عن اليمين والنذور في الغضب. فقال: تلزم صاحبها. قال محمد بن أحمد: لا اختلاف في المذهب في أن النذور واليمين بالطلاق لازمان في الغضب كما يلزم فيه جميع الحدود من القتل والقذف وغير ذلك إذ ليس الغاضب بمجنون فالقلم عنه غير مرفوع، وما روي من أن

مسألة: حلف في جارية له بمشي إلى بيت الله ألا يبيعها بثلاثمائة دينار

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين» ليس بصحيح من جهة الإسناد ولا من جهة المتن أيضا؛ لأنه إن كان في حكم المجنون فلا ينبغي أن تلزمه كفارة، وإن كان في حكم الصحيح فينبغي أن يلزمه النذر الذي سماه بعينه إن لم تكن معصية، وقد تأول بعض من ذهب إلى أن من نذر معصية فكفارته كفارة يمين إلى أن معنى لا نذر في غضب أي في غضب الله يريد في معصيته، وهو تأويل بعيد، وما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا طلاق ولا إعتاق في إغلاق» معناه عندنا في إكراه؛ لأن الإغلاق هو الإطباق من أغلقت الباب فكأن المكره قصر عن الفعل وأغلق عليه حتى فعله، وقول من قال: إن الإغلاق الغضب لا يصح؛ لأن الطلاق أكثر ما يكون في الغضب، وإلى ذلك نحا البخاري لأنه بوب باب الطلاق في الإغلاق والكره واستشهد بقوله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -،: «إنما الأعمال بالنيات» وبقول ابن عباس: الطلاق عن وطر، والعتاق ما أريد به وجه الله تعالى. [مسألة: حلف في جارية له بمشي إلى بيت الله ألا يبيعها بثلاثمائة دينار] مسألة قال: وسألته عمن حلف في جارية له بمشي إلى بيت الله ألا يبيعها بثلاثمائة دينار حتى يزاد فباعها بثلاثمائة دينار فسأله ابن عم له بعد أن انتقد الثمن أن يهب له خمسة عشر دينارا بعد أن فرغا من البيع ولم يكن ذلك على شرط ولا موعد، فوهبها له فأعطاها ابن عمه المشتري، فخاف أن يكون قد حنث فقال مالك: والله إني لأخاف ذلك قد علم أنه إنما يعطيه إياها.

مسألة: يحلف ويستثني فيقول علمي

قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال لأن ما رد إليه من الثمن في المجلس فكأنه لم يبع به ولا قبضه فوجب أن يحنث؛ إذ لا فرق بين أن يردها هو عليه أو يعطيها لمن يعلم أنه يردها عليه وقد مضى بيان هذا في رسم حلف ليرفعن أمرا، ورسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم ولو لم يعلم أنه يعطيه إياها وظن أنه إنما استوهبه إياها لا ليردها عليه لما كان بذلك حنث ولا يصدق في ذلك إن كانت يمينه مما يقضى عليه به إلا أن يأتي مستفتيا لأن ظاهر الأمر خلاف ما يدعيه. [مسألة: يحلف ويستثني فيقول علمي] مسألة وسئل عن الحالف يحلف ويستثني فيقول علمي، فقال: ذلك له إن شاء الله ما أوجدها إن كان صادقا أن ذلك علمه. قال محمد بن أحمد: استثناء الرجل علمه إنما يتصور في الماضي فلا يوجب حكمه إلا فيما يكون فيه اللغو من الأيمان لأن من حلف بالله ما دخل فلان أمس الدار وذلك يقينه وعلمه، ثم انكشف أنه قد كان دخلها فلا شيء عليه لأن يمينه لغو. ولو قال: علي المشي إلى بيت الله ما دخل فلان أمس الدار وذلك يقينه وعلمه ثم انكشف له أنه قد كان دخلها وجب عليه المشي إلا أن يكون قد استثنى في يمينه فقال: علي المشي إلى بيت الله ما دخل فلان أمس الدار في علمي فينفعه عليه استثناؤه ولا يكون عليه مشي إن انكشف له أنه قد كان دخلها أمس، وقد وقعت من هذا مسألة في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق وهذا من الاستثناء الذي يكون بغير حرف الاستثناء في شرط

مسألة: يحلف بالمشي إلى بيت الله ثلاثين حجة إن بات مع أمه

اتصاله بالكلام وتحريك اللسان وهو أن يقيد عموم لفظ يمينه بصفة لأن تقييد اللفظ العام بالصفة يخرج منه ما ليس على تلك الصفة فهو بمنزلة أن يستثنيه بإلا أو بسائر حروف الاستثناء، مثال ذلك أن يحلف فيقول: والله لأعطين أخوال فلان درهما درهما فإن لم يعمهم بالإعطاء حنث إلا أن يستثني بعضهم بتقييد صفة مثل أن يقول متصلا بيمينه قبل أن يسكت الصغار ويحرك بذلك لسانه فينفعه استثناؤه ولا يكون عليه أن يعطي الكبار، بمنزلة أن يقول متصلا بيمينه قبل أن يسكت إلا الكبار؛ لأن تقييد لفظ الأحوال بالصغار يخرج منهم الكبار وعلى هذا فقس ما شابهه من هذا النوع وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بالمشي إلى بيت الله ثلاثين حجة إن بات مع أمه] مسألة وسئل عمن يحلف بالمشي إلى بيت الله ثلاثين حجة إن بات مع أمه في قاعة الدار سنة، فقال: أحب إلي ألا يبيت معها في قاعة الدار سنة فما أقرب ذلك، قيل له: إن يبت معها في السطح من بيتها وإنما قال في قاعة الدار؟ قال: يسأل عما أراد. قال محمد بن أحمد: قوله: أحب إلي ألا يبيت معها في قاعة الدار سنة معناه أحب إلي أن لا يبيت معها في قاعة الدار سنة فيبر من أن يبيت معها فيها فيحنث ويجب عليه المشي فلا يمشي إذ لا يتعلق الاستحباب إلا في المشي إذا حنث، وقال في ذلك: أحب إلي وإن كان واجبا عنده إذ ليس بمتفق على وجوبه وقوله: يسأل عما أراد إن بات معها في سطح بيتها صحيح؛ إذ قد يريد التنحي عن المبيت معها ومجانبة ذلك وإنما قال في قاعة الدار لأن عادته كانت أن يبيت معها فيها فخرجت يمينه على ذلك من غير قصد إليه، وقد يريد ألا يبيت معها في قاعة الدار لمعنى أصابه فيها مما يختص بها من حر أو برد أو ما أشبه ذلك، فإن أراد مجانبة المبيت معها فهو حانث حيثما بات معها، وإن أراد ألا يبيت معها في قاعة الدار فلا شيء عليه إن بات معها بغير

مسألة: حلفت لزوج ابنتها لئن أنت لم تفعل إلى الليل لا أدخل لك بيتا سنة

قاعتها، وإن لم تكن له نية فله أن يبيت معها في غير قاعة الدار؛ لأن الأيمان إذا عريت عن النيات وعما يدل عليها من بساط أو عرف تحمل على مقتضى ألفاظها. [مسألة: حلفت لزوج ابنتها لئن أنت لم تفعل إلى الليل لا أدخل لك بيتا سنة] مسألة قال: وسئل عن امرأة بعثت إلى زوج ابنتها أن ابعث إلي ابنتي، وحلفت لئن أنت لم تفعل إلى الليل لا أدخل لك بيتا سنة، فذهب الرسول ولم يجده فغاب حتى الليل ثم جاء فأخبر وقال: لم أعلم، ولو جاءني الرسول لم أمنعها فأطرق فيها ثم قال: ذهبت فوجدته قد مات، ذهب إلى السوق قد سافر قد ذهب إلى العقيق، كنت أرى في مثل هذا أن تدين، يقول: لم أرد أن أجده قد مات إنما أردت التغليظ عليه لئلا يمنعني، ولم أرد أن أجده قد سافر وغاب، ومثل ذلك أن يرسل الرجل إلى أخ له إن لم تأتني الآن فعلي كذا وكذا، فيجده الرسول قد مات أو غاب أو سجن. قال محمد بن رشد: إذا كانت نيتها ذلك فهو بين أن لا شيء عليها، وإن لم تكن لها نية فيمينها محمولة على ذلك أيضا؛ لأنه المعنى المفهوم من قصدها بيمينها فلا شيء عليها إلا أن تكون أرادت ألا تدخل له بيتا إن لم يرسل إليها ابنتها ذلك اليوم إلى الليل وصل إليه رسولها بذلك أو لم يصل وجد أو لم يوجد وبالله التوفيق. [مسألة: حلف على رجل إن أدخلت فلانا بيتك لا أدخل لك بيتا سنة] مسألة قال مالك: وسئل عن رجل حلف على رجل إن أدخلت فلانا

مسألة: قال لامرأته أعاهد الله عهدا لا أخيس به ألا تدخلي بيت أمك

بيتك لا أدخل لك بيتا سنة وحلف بالحرية، ثم إن الحالف أراد أن يدخل الرجل منزله الذي كان حلف عليه ألا يدخله، وأبى الذي حلف عليه أن يدخله، فقال: إذا أدخله رأيته قد حنث إلا أن يكون استثنى إلا برضاي، فإن أدخله ولم يكن استثنى إلا برضاي فقد حنث. قال محمد بن رشد: هذا بين أنه يحنث إن أدخله المحلوف عليه برضى الحالف لأنه أبهم يمينه فعمت رضاه وسخطه، فوجب أن يحنث إن أدخله برضاه إلا أن يكون استثنى فقال: إلا برضاي متصلا يمينه محركا بذلك لسانه على المشهور في المذهب، أو يكون كان أراد أن أدخله بيته بغير رضاه ونوى ذلك بنية عقد عليها يمينه، فينفعه ذلك وتكون له نيته ولا يحنث أيضا إن أدخله برضاه وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أعاهد الله عهدا لا أخيس به ألا تدخلي بيت أمك] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته: أعاهد الله عهدا لا أخيس به ألا تدخلي بيت أمك أو أهلك ثم أراد أن يأذن لها بذلك، فقال: يكفر كفارة يمين يطعم عشرة مساكين ويزيد أحب إلي على ذلك يتقرب إلى الله تعالى، «وقال أبو لبابة حين أصاب الذنب لرسول الله: " أجاورك وأنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله "، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يجزيك من ذلك الثلث» . وقال تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] الآية. وقال على إثر هذا: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] .

قال محمد بن أحمد: قول الرجل أعاهد الله ألا أفعل كذا يمين كفارتها كفارة اليمين، له أن يحنث ويكفر إن شاء، كقوله: علي عهد الله لا أفعل كذا سواء عند مالك، ولم ير ما زاده في اليمين بالعهد من قوله عهدا مما لا أخيس به مما يخرج به اليمين عن حكم اليمين إلى حكم العهد الذي يخرج مخرج المعاقدة والمعاهدة فلا يكون له مخرج إلا الوفاء به، ويكون أعظم من أن يكون فيه كفارة وأن يأذن لها ويكفر كفارة يمين، واستحب أن يزيد على ذلك تقربا لله لحلفه على منع أهله من دخول بيت أمها وأهلها لما في ذلك من قطع ما أمر الله بوصله من صلة الرحم حيث يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] يريد أن تقطعوها على ما جاء في تفسير الآية، فرأى ذلك ذنبا، واستحب له الصدقة من أجله لما جاء فيها من أنها تكفر الذنوب، واستدل على استحباب الصدقة لها زيادة على الكفارة بما ذكره من حديث أبي لبابة حين أصاب الذنب إلى سائر ما ذكره في الرواية، ومما وكد الإثم عليه عنده في حلفه على امرأته ألا تدخل بيت أمها وأهلها استلحاحه على منعها من ذلك أبدا بقوله عهدا لا أخيس عليه به لأن معنى لا أخيس به لا أرجع فيه بأن آذن لها وأكفر على ما ندب إليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليفعل الذي هو خير وليكفر عن يمينه» ، ومما يدل على أنه أثم في يمينه ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من استلحح على امرأته فهو أعظم إثما» يريد من غيره من الحالفين على ما سوى ذلك والله أعلم، وقد روى ابن أبي جعفر عن ابن القاسم في هذا رواية شاذة خارجة عن الأصول. قال: سئل ابن القاسم عمن قال علي عهد الله عهدا لا أخيس به إن أذنت لامرأتي، قال: ليس في هذا كفارة، قيل له: هذا أعظم لأنه قال: لا أخيس

مسألة: حلف أحدهما بمشي إلى بيت الله إن بنى معه في منزله لبنة على لبنة

به قال برأسه نعم. وإنما قلنا فيها: إنها خارجة عن الأصول لأنه يلزم على قوله فيها أن هذه اليمين أعظم من أن تكون فيها كفارة إلا أن للحالف بها أن يحنث نفسه فيها بالإذن لامرأته، وذلك باطل لا سيما إن كان حلف ألا يأذن لها فيما يلزمه الإذن لها فيه، ويكون في الإصرار على الامتناع من ذلك عاصيا أو قاطعا الرحم. وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من حلف على قطيعة رحم أو معصية فحنث فذلك كفارة» ، يريد والله أعلم كفارة من الذنب، وعليه كفارة يمين، وإنما العهد الذي يكون أعظم من أن يكون فيه كفارة ما خرج مخرج المعاهدة على ما يسأل الرجل إياه فيقول لك: عهد الله أن أفعل لك ما سألتني إياه، فهذا الذي لا يحل إلا الوفاء بما عاهد الله لصاحبه عليه، وهذا بين كله، والحمد لله. [مسألة: حلف أحدهما بمشي إلى بيت الله إن بنى معه في منزله لبنة على لبنة] مسألة قال: وسئل عن رجلين كان بينهما منزل فوقع فيه شيء فحلف أحدهما بمشي إلى بيت الله إن بنى معه فيه لبنة على لبنة، أترى من ذلك إن بنى الجدار بينهما في القسم. فقال ذلك إلى نيته إن كان أراد إلا جدار القسم فذلك له وإن لم يكن أراد شيئا فهذا بنيان ويخرجه من يمينه أن يمشي إلى بيت الله. قال أشهب: لا يجوز ذلك إلا أن يكون تكلم بلسانه في استثنائه. قال محمد بن رشد: قول أشهب إن الاستثناء بإلا لا بد فيه من تحريك اللسان هو المشهور في المذهب، وكذلك سائر حروف الاستثناء،

مسألة: جعل على نفسه طعام مساكين فأراد أن يطعم كل مسكين خمس ثمرات

وقد مضى ذلك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، وأما الاستثناء، بإن وبإلا أن، فحكى ابن المواز أنه لا بد من تحريك اللسان فيه باتفاق، وقد مضى القول في ذلك في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم أيضا، وإن دعا المحلوف عليه الحالف إلى أن يبني معه جدارا بينهما لم يلزمه ذلك إلا أن يشترطاه في قسمتهما، ويقال له: استر على نفسك في حظك، وإن اشترطاه لزمهما، وأخذ من حظ كل واحد منهما نصف بنائه، وكانت النفقة بينهما بنصفين إلى أن يبلغ حد السترة إن لم يشترطا في ذلك حدا، وسواء كانت أنصباؤهما متفقة أو مختلفة، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي في أجرة القسام أن كانت تكون على قدر الانصباء أو على عدد الرؤوس. [مسألة: جعل على نفسه طعام مساكين فأراد أن يطعم كل مسكين خمس ثمرات] مسألة وسئل عمن جعل على نفسه طعام مساكين، فأراد أن يطعم كل مسكين خمس ثمرات. فقال: ما هذا وجه إطعام المساكين إلا أن يكون نوى ذلك فأرى ذلك له وإن لم يكن نوى شيئا فأرى أن يطعم كل مسكين مدا بالمد الأصغر. قال عز وجل: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] وليس فيه تسمية كم يطعم كل مسكين؟ فكان هذا لكل مسكين فأرى أن يطعم كل مسكين مدا بالمد الأصغر. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا ينبغي أن يبر بإطعام خمس ثمرات لكل مسكين إذ ليس وجه ما حلف عليه إلا ما يرد جوعه إن كان جائعا، فلا يبر بأقل مما يعينه على الغداء أو العشاء، وليس قياس ما يبر فيه في اليمين على كفارة اليمين بواجب عند مالك، وإنما ذلك استحسان منه،

مسألة: الحلف على ما لا يملك

والله أعلم لأن الله تعالى قد وصف قدر الإطعام فيها بقوله: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] فلذلك كان مدا لكل مسكين، ألا ترى أن ما كان من الإطعام لم يوصف قدره في القرآن لم يجز فيه مد واحد كفدية الأداء فوجب أن يقاس ما يبر به في اليمين على ما في القرآن لكان الأولى أن يقاس على فدية الأداء التي سماها الله في القرآن صدقة، ولم يصف قدرها فيه فلا يبر بأقل من مدين لكل مسكين، فالصحيح أنه إذا لم يكن للحالف نية أن يبر بما يرد به جوع المسكين غداء أو عشاء كما قلناه؛ لأنه أقل ما يقع به الانتفاع للآكل، وسيأتي في سماع سحنون ما يبر به من حلف بصدقة ولم تكن له نية، وهو يبين ما ذهبنا إليه إذ لم يرد ذلك إلى ما في القرآن، وبالله التوفيق. [مسألة: الحلف على ما لا يملك] مسألة وكان ابن مسعود يشير إلى الشيء فيقول: ما أحب أن أقسم لا لمحمد هذا لأن البلاء موكل بالقول. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن القلوب بيد الله هو مالكها ومقلبها، وقد «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيرا ما يحلف لا ومقلب القلوب» فالحالف على ذلك حالف على ما لا يملك متجرئ على الله في يمينه على ما يملك دونه فلا يأمن بأن يعاقبه الله بأن يريه عجزه عما حلف مما لا يملكه. [مسألة: حكم الحلف بالله] مسألة وكان عيسى ابن مريم يقول: يا بني إسرائيل إن موسى كان ينهاكم أن تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون، ألا وإني أنهاكم أن تحلفوا بالله كاذبين أو صادقين.

مسألة: نذرت لتسيرن إلى مسجد الرسول فماتت قبل أن تقضي ذلك

قال محمد بن أحمد: ظاهر قول عيسى ابن مريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أن شرعه مخالف لشرع موسى، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قبله في إباحة الحلف بالله على الصدق ومخالف لشرعنا أيضا لأن الله تعالى أمر نبيه، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالحلف باسمه تعالى في غير ما آية من كتابه، فقال: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] ، وقال: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] ، وقال: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] . «وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيرا ما يحلف: لا والذي نفسي بيده» ، «ولا ومقلب القلوب» ، ولا وجه لكراهة ذلك لأن القصد إلى الحلف بالشيء تعظيم له، فلا شك أن في ذكر الله تعالى على وجه التعظيم له أجر عظيم، ويحتمل أن يكون عيسى ابن مريم، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إنما كره لهم اليمين بالله صادقين مخافة أن يكثر فيهم فيكون ذريعة إلى حلفهم بالله على ما لم يقولوه يقينا أو يواقعوا الحنث كثيرا ويقصروا في الكفارة فيواقعوا الإثم من أجل ذلك لا من أجل اليمين، وبالله التوفيق. [مسألة: نذرت لتسيرن إلى مسجد الرسول فماتت قبل أن تقضي ذلك] مسألة وسئل عن امرأة نذرت لتسيرن إلى مسجد الرسول فماتت قبل أن تقضي ذلك هل يقضي ذلك عنها أحد؟ قال: لا يصلي أحد عن أحد، قيل له: ما ترى؟ قال: ما مسيرة ذلك إلى المدينة؟ قال: خمس ليال، قال: فأرى أن تتصدقوا عنها وما زادوا في الصدقة فهو خير، قالوا له: فكم؟ فقال: إني أريد أن أقدر كراها وزادها مقبلة ومدبرة، ولقدومها مثله فيتصدق بذلك عنها. قال محمد بن أحمد: ولا يلزم ورثها ذلك إلا أن توصي بذلك، أو بأن يقضى عنها الواجب عليها في نذرها، وكذلك لو كان نذرها بالمشي إلى مكة

مسألة: حلف وهو بالريف ألا يكلمه حتى يرجع من مكة فرجع فلقيه بالفسطاط

فأوصت أن يقضى عنها الواجب عليها في ذلك، لوجب أن يخرج عنها من ثلث ما لها قدر الكراء والنفقة إلى مكة لا غير ذلك، يجعل في هدايا؛ لأن الهدايا لمكة أفضل من الصدقة، قاله في سماع سحنون من كتاب الحج، وقد مضى في رسم حلف ليرفعن أمرا من سماع ابن القاسم منه القول فيما إذا أوصت أن يمشي عنها فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف وهو بالريف ألا يكلمه حتى يرجع من مكة فرجع فلقيه بالفسطاط] من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها مسألة قال عيسى: وقال ابن القاسم في أخوين يسكنان الريف فأراد أحدهما الخروج إلى مكة فحلف الآخر وهما بالريف ألا يكلمه حتى يرجع من مكة، فرجع فلقيه هاهنا بالفسطاط فأراد أن يكلمه، قال: لا يكلمه حتى يرجع إلى الريف، وقال: أرأيت لو لقيه بالجحفة أكان يكلمه؟ . قال محمد بن أحمد: في كتاب ابن المواز: إن كلمه بالفسطاط فلا شيء عليه إلا أن يكون نوى موضعه، وقول ابن القاسم هو الذي يوجبه النظر والقياس؛ لأن مقتضى يمينه ألا يكلمه حتى يرجع إلى المكان الذي كان معه فيه حين حلف، وما في كتاب محمد بن المواز استحسان يقرب ما بين الموضعين كنحو ما في سماع أبي زيد في الذي يقول: إن قضى الله عني مائة دينار فعلي صيام ثلاثة أشهر، فقضاها الله عنه إلا دينارا ونصفا فصام الثلاثة الأشهر، ثم قضى الله عنه الدينار والنصف أن صيامه يجزيه على ضعف، ولو حلف وهو معه بمكة ألا يكلمه حتى يرجع من حجه فكلمه بعد رجوعه من مكة بالطريق قبل أن يصل إلى بلده ولا نية له يجزي في ذلك على

مسألة: رجل قال مالي هدي

الاختلاف في المتمتع لا يجد الهدي فيصوم السبعة الأيام التي قال الله فيها: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] في الطريق قبل أن يصل إلى بلده، وقد ذكرنا ذلك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الحج. [مسألة: رجل قال مالي هدي] مسألة وقال في رجل قال: مالي هدي، قال: يهدي ثلثه وتكون النفقة عليه وكل شيء حتى يبلغه من غير الثلث، وذلك أني سمعت مالكا، وسئل عن الذي يجب عليه صدقة ماله وهو بموضع ليس فيه مساكين، فقال: يحمله إلى المساكين ويكري من عنده حتى يبلغه، فمسألتك مثل هذه، وقال: من قال: إبلي هدي قال: يكون عليه أن يبلغها ولا يبيع منها شيئا. قال محمد بن رشد: قوله في الذي قال مالي هدي إن النفقة على الثلث الذي يلزمه إهداؤه منه يكون من غير الثلث صحيح في القياس والنظر، ولا إذ لو سمى الثلث فقال: ثلث مالي هدي لوجب عليه أن يهدي جميع ثلث ماله ينفق عليه من غيره؛ لأنه أوجبه هديا، والهدي لا يكون إلا بالغ الكعبة كما قال تعالى، فكذلك إذا لم يسم الثلث وقال: جميع مالي، وأما إذا قال: عبدي هذا أو إبلي هدي فالأمر في أنه يجب عليه أن يبلغها ولا يبيع منها شيئا واضح بين لا إشكال فيه، وقال في الذي يجب عليه صدقة ماله وهو في موضع ليس فيه مساكين أنه يحمله إلى المساكين ويكري عليه من عنده حتى يبلغه، ولم يبين إن كانت صدقة أوجبها على نفسه مثل أن يقول: لله علي أن أتصدق بهذا الطعام أو صدقة زكاة ماله، فأما إن كانت صدقة أوجبها على نفسه فبين أن عليه أن يوصلها إلى المساكين من ماله؛ لأن ذلك مقتضى

مسألة: قال لرجل امرأته طالق إن كلمه إلى الصدر

نذره، كمن قال: إبلي هدي أن عليه أن يوصلها إلى الكعبة، وأما إن كانت صدقة زكاة ماله فلا يلزمه ذلك، وإنما يؤمر به استحبابا لأن الله قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] فالواجب أن تؤخذ منهم الزكاة في مواضعهم ولا يكلفون حملها، فإذا لم يأخذها منهم الإمام ولا بعث فيها إليهم جاز لهم من الكراء عليها منها ما يجوز للإمام، وقد مضى في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب زكاة الحبوب ما فيه بيان هذا. [مسألة: قال لرجل امرأته طالق إن كلمه إلى الصدر] مسألة قال: وسئل عن رجل قال لرجل امرأته طالق إن كلمه إلى الصدر أي الصدرين فكلمه، قال: آخر الصدرين، فإن كلمه في الصدر الأول فلا شيء عليه، الصدر الأول لمن تعجل في يومين، قيل له: فإن قال: إن لم أكلم فلانا في الصدر فامرأته طالق. قال: يكلمه في الصدر الأول، فإن لم يفعل حتى الصدر الآخر فلا شيء عليه. قال محمد بن أحمد: ساوى بين الصدرين في وجوب البر والحنث لأن الله خير بينهما فجعلهما بمنزلة سواء، وفرق بينهما فيما يأمره به من البر والحنث ابتداء لأن ذلك أنزه لنفسه وأبلغ في علم البراءة من يمينه، والله أعلم. [مسألة: حلف ألا يأكل طعام رجل فتسلف منه قمحا فأكله] مسألة وعن رجل حلف ألا يأكل طعام رجل فتسلف منه قمحا فأكله، قال: أرى أن ينوى، فإن كان أراد وجه ما يمن به عليه يهبه له

مسألة: حلف لرجل ليقضينه حقه إلى أجل إلا أن يؤخره رسوله

أو يصله به ولم يرد وجه أن يبتاع أو يتسلف فلا شيء عليه، وإن لم تحضره نية في الابتياع والسلف فهو حانث. قال محمد بن رشد: قوله: إن لم تكن له نية في الابتياع والسلف فهو حانث في السلف يدل أنه حانث أيضا في البيع عنده إن لم تكن له نية فيه، وذلك بين إذ لا فرق بين البيع والسلف في انتقال الملك إليه بكل واحد منهما، فإذا لم تكن له نية أصلا وجب أن يحنث بكل واحد منها، كما لو كانت يمينه لرداءة مكسبه وأما إذا كانت يمينه لمنة عليه فلا حنث عليه في الاشتراء إذا لم يحابه، ويحنث في السلف. وقال يحيى بن عمر: أخاف عليه فيه، وحنثه به بين، ألا أن تكون يمينه خرجت منه على منة مما سواه من الهبة والصدقة وإطعام الطعام، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لرجل ليقضينه حقه إلى أجل إلا أن يؤخره رسوله] مسألة وقال ابن القاسم في رجل حلف لرجل ليقضينه حقه إلى أجل إلا أن يؤخره رسوله أو يؤخره، فلما حل الأجل أبى صاحب الحق أن يؤخره فأخره رسوله، قال: إذا أخره رسوله فلا حنث عليه. قال محمد بن رشد: حكى يحيى أن أبا زيد روى عن ابن القاسم أنه لا يجوز تأخير رسوله إذا أبى صاحب الحق أن يؤخره. قال يحيى في الرواية الأولى على أن الحالف ينتفع بتأخير الرسول في ألا يجب عليه الحنث إذا لم يقضه حتى حل الأجل، ولم يقل إن تأخيره إياه يلزم صاحب الحق إذا أبى أن يؤخره إذ لا يصح أن يقال ذلك؛ لأنه معروف يصنعه في مال صاحب المال وهو كاره له، وتكلم في الرواية الثانية على أن تأخيره إياه لا يجوز عليه

مسألة: حلف الإنسان في الشيء الواحد يردد فيه الأيمان يمينا بعد يمين

ولا يلزمه، ولم يقل إن الحالف يحنث إذا لم يقضه حتى حل الأجل إذا كان قد أخره؛ إذ يبعد أن يقال ذلك؛ لأنه قد استثنى في يمينه تأخير رسوله، ولم يشترط أن يكون ذلك برضاه، فهو يحمل على عمومه إلا أن يقر على نفسه أنه أراد أن يؤخره رسوله برضاه فيلزمه ذلك ويحنث إن لم يقضه حتى حل الأجل إلا أن يؤخره هو أو رسوله برضاه وهذا بين، والله أعلم. [مسألة: حلف الإنسان في الشيء الواحد يردد فيه الأيمان يمينا بعد يمين] ومن كتاب العرية مسألة قال سفيان بن عيينة التوكيد والله، ثم والله ثم والله. قال محمد بن أحمد: هذا قول مالك وجميع أصحابه إن التوكيد حلف الإنسان في الشيء الواحد يردد فيه الأيمان يمينا بعد يمين، وكفارته كفارة واحدة مثل كفارة اليمين، وما روى مالك عن ابن عمر في الموطأ من أنه كان يقول من حلف بيمين يؤكدها ثم حنث فعليه عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين، ومن حلف بيمين فلم يؤكدها ثم حنث فعليه لكل مسكين مد من حنطة، وهو استحسان منه دون إيجاب، بدليل قوله فيه إنه يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين مد من حنطة لكل مسكين، وكان يعتق إذا وكد اليمين ولا اختلاف في ذلك؛ لأن الله خير الحالف في تكفير يمينه بين الإطعام والكسوة والعتق ولم يخص تأكيدا من غيره وقوله عز وجل: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] معناه في المعاهدة في الواجب، يقول أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا عهدكم بعد تأكيدها {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا} [النحل: 91] بما التزمتم من دينه والسمع والطاعة لنبيه، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

مسألة: قال كل شيء له حر إن وضعت ابنته عن زوجها شيئا من مهرها

[مسألة: قال كل شيء له حر إن وضعت ابنته عن زوجها شيئا من مهرها] مسألة وقال في رجل استأذنته ابنته في أن تضع عن زوجها مهرها، فقال لها: كل شيء له حر وامرأته طالق وماله صدقة وعليه المشي إلى بيت الله إن وضعته عنه إن حضرت لك فرحا أو حزنا، فقالت له: والله لقد تصدقت به عليه منذ سنين، وشهد أربع نسوة على الصدقة بذلك عليه منذ سنتين، قال: ما أرى عليه حنثا إلا أن يكون أراد إن كانت وضعت ذلك عنه، وإن كان لم يرد إلا فيما يستقبل فما أرى عليه شيئا إذا استيقن أنها وضعت ذلك عنه قبل يمينه. قال محمد بن أحمد: وإن لم تكن له نية في مضي أو استقبال فلا حنث عليه لأن يمينه على الاستقبال الذي حلف عليه حتى يريد غيره، ومثله في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب العتق، وقوله في آخر المسألة فما أرى عليه شيئا إذا استيقن أنها وضعت ذلك قبل يمينه وهو قد قال: إن الصدقة قد شهد عليها أربع نسوة منذ سنتين يدل على أن الاستقبال في ذلك لا يكون بشهادة النساء. وقد حكى محمد بن سحنون أن هذه الرواية ذكرت لأبيه فسر بها، وقال: لا يستيقن ذلك بالنساء ولكن بشاهدي عدل، وقد مضى هذا المعنى في رسم الأقضية من سماع أشهب، والله تعالى هو الموفق. [مسألة: هل يكسى الصغار أو يطعمون من الكفارات] ومن كتاب أوصى لمكاتبه مسألة قال: وسألته هل يكسى الصغار أو يطعمون من الكفارات، قال مالك: نعم يكسون ويطعمون في الكفارات، ولكن إنما

يطعمون ويكسون مثل ما يطعم الكبار ومثل ما يكسون، إن أطعمهم أعطاهم من الطعام مثل ما يعطي الكبار، وإن كان إنما يصنع لهم طعاما يغذيهم ويعشيهم فلا يجوز له أن يغذي ويعشي إلا الكبار، قلت له: فإن غذى وعشى هل له أن يعطي الصغار من الخبز واللحم وما يطعمهم مثل ما يطعمهم بقدر ما يأكل كل رجل منهم كبير فيعطي الصغير قدره، قال: نعم، وأما الكسوة فإنه إن كسا الصبيان الصغار فإنه لا يجوز له أن يعطيهم أقمصة صغارا ولكن يعطي كل صغير منهم قميصا كبيرا مثل ما يعطي الكبير، فإن كسا الجواري الصغار كسا كل واحدة منهن درعا وخمارا كبيرا، مثل كسوة الكبيرة، والكفارة واحدة لا ينقص منها للصغير ولا يزاد فيها للكبير. قال محمد بن أحمد: قوله إن أطعم الصغار أعطاهم من الخبز واللحم قدر ما يأكل الكبار معناه إذا كانوا قد بلغوا أن يأكلوا الطعام، قاله ابن القاسم عن مالك في كتاب الظهار من المدونة، وابن المواز أيضا، وليس إطعامهم اللحم بواجب، ويجزئ ما دونه من أدم البيت، وقوله إن كسا الصغار فإنه لا يجوز له أن يكسوهم أقمصة صغارا هو نحو قول محمد بن المواز من رأيه، خلاف ما حكي عن ابن القاسم من أنه لم يكن يعجبه كسوة الأصاغر بحال، وكان يقول: من أمر بالصلاة منهم فله أن يكسوه قميصا مما يجزئه، ومعنى ذلك إذا لم يقصد إليهم لصغرهم كي تخف عنه الكفارة، وإنما تحرى الصواب وقصد الحاجة فكان فيمن علم منهم صغير قد أمر بالصلاة فيراه أحق من غيره لشدة مسكنته فيكسوه على هذه الرواية قميصا مما يجزئه، ولعله أن يكون في كبر ثيابه وطول قامته وإن كان قريب الاثغار تقرب كسوته من كسوة الكبار. قال ابن حبيب: إنه إن كسا الصبايا الصغيرات اللواتي لا صلاة عليهن كساهن درعا بغير خمار، ومثله حكى ابن المواز في كسوة الصغار عن

مسألة: حلف لينتقلن وانتقل وترك من السقط ما لا حاجة له به

أشهب، ومعناه ذلك على ما فسرنا به مذهب ابن القاسم في كتاب ابن المواز في كسوة الصغار، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لينتقلن وانتقل وترك من السقط ما لا حاجة له به] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده مسألة قال: وسمعته يقول في رجل حلف لينتقلن وانتقل وترك من السقط ما لا حاجة له به مثل الوتد والمسمار والخشبة وما أشبه ذلك فتركه، قال: لا شيء عليه. قال محمد بن أحمد: أما إذا تركه رافضا له على ألا يعود إليه فلا اختلاف في أنه لا حنث عليه بتركه واختلف إن تركه ناسيا ففي كتاب ابن المواز أنه لا حنث عليه، وما في سماع عبد المالك بن وهب أنه يحنث بتركه ناسيا، وإما إذا تركه على أن يعود إليه فيأخذه فإنه حانث إلا على مذهب أشهب الذي يقول إنه لا يحنث بترك متاعه كله إذا انتقل بأهله وولده لأنه إذا انتقل بأهله وولده فليس بمساكن وإن بقي متاعه، وقول ابن القاسم أظهر لأنه لا يسمي من خرج من الدار بأهله وولده وترك فيها متاعه منتقلا عنها وإنما يسمى خارجا عنها بأهله وولده، والله أعلم. [مسألة: استخان رجلا وهو معه في سفر فقال احلف لي أنك لم تخني] مسألة وسألته عن الرجل استخان رجلا وهو معه في سفر، فقال: احلف لي أنك لم تخني فحلف له أنه ما خانه منذ صحبه وهو يريد منذ صحبه في سفره هذا ولم يحرك به لسانه وقد كان صحبه في أسفار قبل ذلك وخانه فيها فقال: ما أرى عليه إذا كان لذلك سبب مثل أن يقول: إنما استخانه في سفره ذلك، يقول: خنتني في هذا القمح وهذا الشيء فاستحلفه ولم يكن هو ابتداء باليمين متطوعا من عنده من غير أن يسأله ذلك، فإنه إن ثبتت خيانته التي خانه في غير

سفره ذلك وعلى يمينه بينة فادعى هذه النية كان ذلك له ولا يطلق عليه القاضي إذا كان الأمر على ما وصفت من سببه ووجهه وأراها نية وليست ثنيا إذا قال هذا، قال أصبغ: وذلك رأيي كله. قال محمد بن أحمد: قوله ما أرى عليه شيئا إذا كان لذلك سبب مثل أن يكون إنما استخانه في سفره ذلك يريد ما أرى عليه حنثا بما حلف به من الطلاق لأنه مصدق فيما ادعاه من النية على أصولهم وإنما وجب أن يصدق في النية مع يمينه على ذلك، وإن كانت مخالفة لظاهر لفظه لأجل البساط الذي خرجت عليه يمينه وهو استخانته إياه في ذلك السفر ولو حلف بالطلاق ابتداء على غير بساط أنه ما خانه منذ صحبه فلما شهد عليه أنه قد خانه في غير هذا السفر ادعى أنه نوى منذ صحبه في سفره هذا لم يصدق، كمن حلف أنه ما كلم فلانا بالطلاق فلما شهد عليه أنه كلمه أمس، قال: إنما نويت أني ما كلمته اليوم، أو حلف ألا يكلم فلانا بالطلاق فكلمه بعد ذلك، وقال: نويت اليوم أو شهرا أنه لا ينوى في شيء من ذلك ولا يصدق فيما ادعاه وهذا ما لا اختلاف فيه في المذهب، وقوله: لم يكن هو ابتداء باليمين متطوعا من عنده من غير أن يسأله ذلك يدل على أنه لو تطوع له باليمين لم ينو وإن كانت يمينه خرجت على سبب استخانته إياه، ولزمه الطلاق على نية المحلوف له، وذلك يأتي في مثل قول أصبغ في سماعه بعد هذا، ومثل ما في سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق أن اليمين على نية المحلوف له إن كان الحالف متطوعا باليمين وعلى نية الحالف إن كان مستحلفا خلاف قول ابن الماجشون وسحنون، وقد مضى تحصيل الخلاف في هذه المسألة في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، ومعنى قوله وأراها نية وليست ثنيا أنه لو كانت ثنيا لم ينفعه إلا أن يحرك لسانه على المشهور في المذهب، وقد مضى ذلك في رسم الجنائز من سماع أشهب وفي رسم شك من سماع ابن القاسم وغيره.

مسألة: حلف على أمر ألا يفعله إلا أن يقضي الله عز وجل غير ذلك

[مسألة: حلف على أمر ألا يفعله إلا أن يقضي الله عز وجل غير ذلك] مسألة وقال فيمن حلف على أمر ألا يفعله إلا أن يقضي الله عز وجل غير ذلك: هذا ليس ثنيا أو يريد الله غير ذلك كذلك أيضا ليس ثنيا. قال عيسى: هو في اليمين بالله ثنيا وهو مثل قوله إن شاء الله. وقوله: إلا أن يريني الله غير ذلك ثنيا. قال محمد بن أحمد: قال عيسى بن دينار: إن الاستثناء في اليمين بالله بإلا أن يقضي الله أو يريد الله استثناء مثل إلا أن يشاء الله وهو الذي يوجبه القياس والنظر الصحيح لأن قضاء الله ومشيئته وقدره هي إرادته فلا فرق بين الاستثناء بقدر الله وقضائه ومشيئته وإرادته، وجه قول ابن القاسم أن الحالف بالله ألا يفعل فعلا أو ليفعلنه قد علم أنه لا يفعله ولا يترك فعله إلا بقضاء إلا وقدره وإرادته ومشيئته فعلى ذلك انعقدت يمينه، وهي نيته وإرادته إذا كان من أهل السنة، فكان الأصل إذا وجبت عليه الكفارة بالحنث ولم ينفعه ما نواه من ذلك كله ألا ينفعه الاستثناء بشيء منه وأن يكون لغوا إذ لا زيادة فيه على ما نواه وعقد عليه فخرت من ذلك الاستثناء بمشيئة الله بالسنة والإجماع وبقي ما سواه على الأصل في ألا يسقط الكفارة الواجبة بالحنث، والله تعالى الموفق. وقول عيسى في قوله إلا أن يريني غير ذلك ثنيا صحيح إذ لا فرق بين ذلك وبين أن يقول إلا أن أرى غير ذلك وهو قول ابن القاسم، وفرق أصبغ بينهما في كتاب ابن المواز فلم ير قوله إلا أن يريني الله غير ذلك أنه ثنيا وليس قوله بشيء ولا وجه له. [مسألة: حلف ألا يأكل لحما فأكل مرق لحم] مسألة وسئل عمن حلف ألا يأكل لحما فأكل مرق لحم، قال: إني أخاف أن يحنث. قال محمد بن أحمد: الحنث في ذلك بين لأن المرق قد أماع فيه

مسألة: قال أنت طالق إن اشتريت لك ثلاثة أشهر لحما ولا حيتانا ولم ينو شيئا

الشحم وذبل فيه اللحم وتهرى فأكل مرق اللحم أكل اللحم، قال ابن المواز: فلا نية له في ذلك إن ادعاها يريد مع قيام البينة فيما يحكم به عليه، وقال ابن حبيب: إن أراد اللحم ما كان لحما فله نيته وكذلك يقول ابن القاسم في الشحم من اللحم والنبيذ من التمر والزبيب والعصير من العنب والخبز من القمح، هذه الخمسة الأشياء يحنث عنده فيها سواء حلف ألا يأكلها أولا يأكل منها وما عداها من الأشياء إذا حلف ألا يأكله فأكل ما يخرج منه فلا حنث عليه إلا أن يحلف ألا يأكل منه كالجبن من اللبن والسمن من الزبد والبسر من الطلع والتمر من الرطب والرطب من البسر، وقد روي عن ابن القاسم أنه أخرج القمح من هذه الخمسة الأشياء إلى حكم ما عداها، وألحق ابن وهب بالخمسة الأشياء غيرها كالسمن من الزبد والتمر من الرطب ولم ير أشهب البسر من الطلع لبعد ما بينهما، فمن حلف عنده ألا يأكل هذا الطلع أو من هذا الطلع فلا شيء عليه في أكله بسرا. [مسألة: قال أنت طالق إن اشتريت لك ثلاثة أشهر لحما ولا حيتانا ولم ينو شيئا] مسألة وقال في رجل اشترى لأهله حيتانا فسخطتها وكان بينهما في ذلك كلام فقال لها: أنت طالق إن اشتريت لك ثلاثة أشهر عشاء لحما ولا حيتانا ولم ينو شيئا فحلف خرجت يمينه هكذا ألا نية له في شيء فأراد أن يشتري لها لحما أو حيتانا في الغداء: إنه لا بأس بذلك ولا شيء عليه في ذلك إذا لم تكن له نية ولا يكون فيما اشترى فضل عن الغداء، ولو أنه غدى رجلا عنده قدم طعامه إليه فحلف بطلاق امرأته إن غداه أبدا ولا نية له لم يكن عليه شيء إن عشاه، وإنما مثل ذلك مثل رجل آذاه جار له في داره فقال: امرأته طالق إن جاورتك أو ساكنتك في هذه الدار أبدا فأراد أن يساكنه أو يجاوره في غيرها فلا بأس بذلك إذا لم يكن أراد أن لا يساكنه ولا يجاوره

أبدا، فإن لم تكن له نية وكانت يمينه مسجلة لا نية فيها فلا بأس بذلك ولا شيء عليه، وكذلك لو حلف ألا يساكنه بمصر أبدا فساكنه بغيرها مثل ذلك سواء، أو حلف لينقلنه من داره لإيذاء آذاه به وشتمه فنقله منها ثم أراد بعد أن طال ذلك أن يرده فلا بأس إذا لم تكن له نية، فكذلك الذي حلف ألا يشتري عشاء لحم ولا حيتان فاشتراه في الغداء فلا شيء عليه إلا أن يكون أراد ألا يشتري تلك الأشهر التي حلف فيها، فإن لم يكن أراد ذلك فلا شيء عليه وإنما هو أحد وجهين إن كان أراد شيئا قلنا له تجنب ما أردت وإن لم يكن أراد شيئا ولا نواه فلا شيء عليه إلا فيما حلف، وكذلك لو كساها قرقل كتان فسخطته، فقال لها: أنت طالق إن كسوتك قرقل كتان سنة فكساها قرقل خز ولا نية عليه فلا شيء عليه، قال: ولا بأس في المسألة الأولى أن يشتري لها عشاء غير اللحم والحيتان كأنه يقول: إلا أن يكون أراد ترك العشاء. قال محمد بن أحمد: قوله في الذي حلف ألا يشتري لامرأته ثلاثة أشهر لحما ولا حيتانا لما سخطت الحيتان التي كان اشتراها لها أن لا بأس أن يشتري لها لحما أو حيتانا للغداء إذا لم يكن فيها فضل عن الغداء للعشاء، وأنه لا بأس أن يشتري لها عشاء غير اللحم والحيتان إذا لم تكن له نية، صحيح على أصولهم لأن يمينه لما خرجت على كراهتها للحيتان التي اشتراها لها ولم تخرج على كراهية التوسع في الإنفاق عليها وجب ألا يحنث فيما عدا ما لفظ به وحلف عليه من شراء اللحم والحيتان للغداء والعشاء أو شراء ما عداهما للعشاء إلا أن يكون نوى ذلك، وكذلك قوله في الذي غدى رجلا ثم حلف ألا يغديه أبدا ولا نية له أنه لا شيء عليه إن عشاه صحيح أيضا؛ لأن يمينه لما لم تخرج على كراهية كذا لمؤن الإنفاق عليه ولعله

مسألة: حلف فقال لعمر الله وأيم الله

إنما حلف ألا يغديه لما رأى من تقصيره في الأكل ورجا أن يكون أكله في العشاء أكثر وجب ألا يحنث إلا فيما حلف عليه من الغداء وألا يحنث إن عشاه إلا أن ينوي ذلك، وكذلك قوله أيضا في الذي حلف ألا يجاور الرجل أو يساكنه في دار عينها أنه لا بأس أن يجاوره أو يساكنه في غيرها إذا لم يكن أراد ألا يساكنه أو يجاوره أبدا صحيح أيضا؛ لأن يمينه لما كانت بسبب إذايته في الدار ولم يكن لما يدخل بين العيال والصبيان في السكنى وجب ألا يحنث إلا بالسكنى معه في الدار التي عينها وألا يحنث بالسكنى معه في غيرها إلا أن يكون نوى ذلك وأراده بيمينه، وكذلك القول في الذي حلف ألا يساكن رجلا بمصر فساكنه في غير مصر، والقول في الذي حلف لينقلن رجلا من داره لأذى أذاه به وشتمه فنقله عنها ثم رده إليها إذ هما من شرح المسائل التي بينا وجه صحة قوله فيها. وكذلك قوله أيضا في الذي حلف ألا يكسو امرأته قرقل كتان سنة لما سخطت قرقل كتان كان كساها إياه، فكساها قرقل خز أنه لا حنث عليه صحيح أيضا لأن مخرج يمينه على ألا يكسوها ما تكره لباسه، فلو كساها في السنة قرقل غير الكتاب وهو أدنى من الكتان لحنث إلا أن يكون نوى أن يكسوها ما هو أدنى من قرقل الكتان، ولو أعطاها في هذه المسألة من الدراهم لكسوتها ما تشتري به أرفع من قرقل كتان فاشترت به لنفسها ثوبا لم يحنث، فليست هذه المسألة مخالفة لمسألة المدونة في الذي يحلف ألا يكسو امرأته فأعطاها دراهم فاشترت بها ثوبا أنه حانث لأنه إذا أعطاها دنانير فقد كساها وهو قد حلف ألا يكسوها ولم تكن ليمينه بساط تحمل عليه كهذه. [مسألة: حلف فقال لعمر الله وأيم الله] مسألة وقال في الذي يحلف يقول لعمر الله وأيم الله: إني أخاف أن

يكون يمينا. قال أصبغ: هي يمين إذا حلف بذلك ليفعلن أو لا يفعل فحنث. قال محمد بن أحمد: أما ايم الله. فلا إشكال في أنها يمين؛ لأن ايمن الله وايم الله وم الله كلها لغات للعرب في القسم. فمن النحاة من ذهب إلى أنه بدل من حرف القسم كما أبدلوا الواو والتاء من الباء ومنهم من ذهب إلى أن الأصل فيها عندهم ايمن الله جمع يمين، ثم حذفوا على عادتهم في الحذف ما كثر استعماله فقالوا ايم الله لا فعلت أو لأفعلن كما قالوا يمين الله لا فعلت أو لأفعلن. قال الشاعر: فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ومنهم من ذهب إلى أن ألف ايمن ألف وصل وإنما فتحت لدخولها على اسم غير متمكن واشتقاقه من اليمن والبركة، وأما لعمر الله ففي القول بأنها يمين نظر؛ لأن الأيمان التي تكون أيمانا ويجب فيها كفارة اليمين بالله عز وجل باسم من أسمائه وبصفة من صفات ذاته كعلمه وقدرته وإرادته وحياته وما أشبه ذلك من صفاته، والعمر هو العمر وليس ذلك بصفة لله تعالى إذ لا يوصف بأنه ذو عمر بإجماع من الأمة. فوجه قوله في لعمر الله إنها يمين هو أن الحالف بذلك محمول على أنه أراد بعمر الله بقاء الله تعالى، فكان ذلك يمينا على قولهم فيمن لفظ بكلمة ليست من حروف الطلاق فأراد بها الطلاق وأنه طلاق. وقد قال في المدونة في الذي يقول لا مرحبا يريد بذلك الإيلاء أنه مول، فجعل قوله لا مرحبا بمنزلة قوله: والله لا أطأ امرأتي إذا أراد به ذلك، على أنه قد ذهب بعض الناس إلى أن معنى هذه مسألة المدونة إذا قال والله لا مرحبا وأراد بـ لا مرحبا لا أطأ امرأتي، وأما إن قال: لا مرحبا وأراد بذلك والله لا أطأ امرأتي فلا يكون موليا إذ لا يعبر عن اسم الله تعالى بما ليس له باسم، والأمر محتمل على ما قلناه وإنما لم يحقق ابن القاسم أن ذلك يمين. وقال: أخاف أن يكون يمينا لاختلاف أهل العلم في القدم والبقاء

مسألة: يحلف بالقرآن أو بالكتاب أو بالمصحف أو بما أنزل الله

فمنهم من أوجبهما صفتين لله تعالى ومنهم من نفى ذلك وقال: إنه باق لنفسه قديم لنفسه لا لمعنى موجودية، وأن معنى القديم الذي لا أول لوجوده ومعنى الباقي المستمر الوجود، والذي عليه الأكثر والمحققون إثبات البقاء صفة لله ونفي أن يكون القدم صفة لله، فكأن ابن القاسم ذهب إلى قول من نفى أن يكون البقاء صفة لله، وقال: أخشى أن يكون يمينا إذ من أهل العلم من يثبته صفة لله تعالى، وذهب أصبغ إلى قول من أثبته صفة لله فحقق القول بأن ذلك يمين وهو مثل ما في المدونة لابن القاسم. [مسألة: يحلف بالقرآن أو بالكتاب أو بالمصحف أو بما أنزل الله] مسألة وقال في الذي يحلف بالقرآن أو بالكتاب أو بالمصحف أو بما أنزل الله أفترى ذلك كله يمينا واحدة؟ فقال: أحسن ما سمعت والذي تكلمنا فيه أن يكون يمينا يمينا كل ما سمي من ذلك، قال سحنون عن علي بن زياد عن مالك في قوله لا والقرآن لا والمصحف ليست بيمين ولا كفارة فيه على من حلف به فحنث. قال محمد بن أحمد: في كتاب ابن المواز عن عطاء مثل رواية علي بن زياد في غير كتاب ابن المواز أن الناقل عن عطاء شك فقال: سئل عن اليمين بالكعبة أو بكتاب الله، قال بعض أهل النظر: وهذا أشبه أن يكون شكا عن الناقل عن عطاء. وقال أبو محمد ابن أبي زيد في رواية علي بن زياد عن مالك يحتمل إن صحت الرواية أن يريد جسم المصحف دون المفهوم منه، والله أعلم، والذي كان يمضي لنا فيها عند من أدركنا من الشيوخ أنها رواية ضعيفة شاذة خارجة عن الأصول مضاهية لقول أهل القدر القائلين بخلق القرآن لأنه قد جمع فيها بين القرآن والمصحف، فإن تأول في المصحف ما قال ابن أبي زيد بقي القرآن لا وجه له من التأويل، وهو الذي أقول به إن له وجها صحيحا من التأويل يصح عليه وهو أن القرآن قد يطلق على كلام الله

القديم الذي هو صفة من صفات ذاته المتلو في المحارب المكتوب في المصاحف، قال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 77] {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 78]- الآية، وقد يطلق أيضا على ما هو مخلوق، من ذلك أنه يطلق بإجماع على المصاحف من أجل أنه مكتوب ومفهوم فيها، والدليل على ذلك ما في كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن حزم من أن «لا يمس القرآن إلا طاهر» يريد المصحف بإجماع لاستحالة مس ما ليس بمخلوق، «ونهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو» ويريد المصحف أيضا بإجماع لاستحالة السفر بما ليس بمخلوق، وقد يطلق أيضا على القراءة المخلوقة المتعبد بها لأنها مصدر قرأت قراءة وقرآنا، قال عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] أي قراءته. وقال الشاعر: ضجوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وقد يطلق أيضا على السور المجموعة المؤلفة المختلفة في الطول والقصر من قولهم قريت الماء في الحوض إذا جمعته، فإذا حلف الرجل بالقرآن وأراد به كلام الله تعالى القديم فلا اختلاف بين أحد من أهل السنة في أن ذلك يمين يجب فيها كفارة اليمين، وإذا حلف بالقرآن ولم يرد به كلام الله وأراد به ما لا اختلاف في جواز إطلاقه عليه مما هو مخلوق كالمصحف دون المكتوب فيه والقراءة دون المفهوم منها أو السور المجموعة المؤلفة

المختلفة بالطول والقصر دون المفهوم منها من الأمر والنهي والوعد والوعيد والاستخبار والخبر فلا اختلاف بين أحد من الأمة في أن ذلك ليس بيمين، وإذا حلف به ولم تكن نية فحمله مالك في رواية ابن القاسم عنه وهو المشهور عنه على كلام الله القديم فرآه يمينا أوجب فيها كفارة اليمين، وحمله في رواية علي بن زياد عنه على ما جاز إطلاقه عليه مما سوى كلام الله تعالى، فلم ير ذلك يمينا ولا أوجب فيه كفارة يمين وهذا على القول بأن القرآن اسم لغوي من قولهم قريت الماء في الحوض إذا جمعته فيه، فقد يطلق على نفس كلام الله تعالى، فلم ير ذلك يمينا ولا أوجب فيه كفارة يمين، كلام الله تعالى، ويطلق على ما هو أصل موضوعه في اللغة، والقول الأول أظهر؛ إذ قد بان أن القرآن اسم ديني لكلام الله القديم يقع عليه حقيقة ولا يقع على ما سواه إلا مجازا، والعدول بالكلام عن الحقيقة إلى المجاز لا يجوز إلا بدليل، ووجه القول الثاني إن القران لما كان يجوز أن يطلق على كلام الله القديم الذي ليس بمخلوق وعلى ما سواه مما هو مخلوق على ما ذكرناه وجب أن يحمل إذا لم يعلم المراد به على ما يصح إطلاقه عليه مما هو مخلوق لأن الأصل براءة الذمة فلا توجب فيها الكفارة إلا بيقين وكذلك الذي يحلف بالمصحف ولا نية له حمله ابن القاسم وهو المعلوم من مذهب مالك على المكتوب في المصحف المفهوم منه فرأى ذلك يمينا أوجب فيها الكفارة، وحمله مالك في رواية علي ابن زياد عنه على نفس المصحف دون المكتوب فيه المفهوم عنه فلم ير ذلك يمينا ولا أوجب فيه كفارة، والقول الأول أظهر أيضا لأن الحلف بنفس المصحف دون المكتوب فيه المفهوم عنه لا يجوز لقول النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» ، فحمل يمين الحالف على ما يجوز له الحلف به أولى من حملها على ما لا يجوز له الحلف به، وقول ابن القاسم أحسن ما سمع وتكلم فيه في الذي يحلف. بالقرآن أو بالكتاب أو بالمصحف أن يكون يمينا، كل ما سمي من ذلك ظاهره أنه إذا جمعها في يمين واحدة فقال: وحق

مسألة: حلف فقال علي عهد الله وغليظ ميثاقه إن فعلت كذا وكذا ففعله

القرآن والكتاب والمصحف لا فعلت كذا وكذا أو لأفعلن فحنث أن عليه ثلاث كفارات لاختلاف التسميات وإن كان المحلوف به واحدا وهو كلام الله تعالى القديم، وهو خلاف قول سحنون في نوازله من حلف بالتوراة والإنجيل في كلمة واحدة أن عليه كفارة واحدة، ويلزم على ظاهر قول ابن القاسم هذا أن يلزم الرجل إذا قال والله والرحمن والسميع والعليم لا فعلت كذا فحنث أربع كفارات لاختلاف التسميات أيضا وإن كان المحلوف به واحدا وهو الله عز وجل، وليس في المدونة في هذا بيان، وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أنه لا يجب في ذلك إلا كفارة واحدة؛ لأن المحلوف به واحد قال: وكذلك الصفات إذا كان معناها واحدا مثل العظمة والجلال والكبرياء، وأما إن كانت معانيها مختلفة كالقدرة والعلم والإرادة فعليه إذا جمعها في يمين واحدة كفارة لكل ما سمي منها؛ لأن كل واحدة منها تفيد معنى في الموصوف بخلاف معنى الآخر، وليس بين الصفات المختلفة المعاني والأسماء المشتقة منها فرق بين لأن اسم المشتق من الصفة يفيد معناها فإذا وجبت في الحلف بعلم الله وقدرته وإرادته في يمين واحدة ثلاث كفارات من أجل أن كل صفة تفيد في الموصوف صفة تخالف الصفة الأخرى وجب أيضا في الحلف بالعالم والقادر والمريد في يمين واحد ثلاث كفارات من أجل أن كل اسم منها يفيد في المحلوف به صفة تخالف ما يفيده الاسم الآخر من الصفة، فإن قال قائل: إن العالم هو المريد وهو القادر وليس العلم هو الإرادة ولا الإرادة هي القدرة. قيل: وإن لم يكن العلم هو الإرادة ولا الإرادة هي القدرة فليس هي غيرها إلا في المحدث لا في القديم، فليس من أوجب في العلم والإرادة كفارتين من أجل أن العلم ليس هو الإرادة بأظهر قول ممن لم يوجب فيهما إلا كفارة واحدة من أجل أن العلم ليس هو غير الإرادة، والله أعلم. [مسألة: حلف فقال علي عهد الله وغليظ ميثاقه إن فعلت كذا وكذا ففعله] مسألة وقال فيمن حلف فقال: علي عهد الله وغليظ ميثاقه وكفالته

وأشد ما اتخذ أحد على أحد أن فعلت كذا وكذا ففعله، فإن كان لم يرد العتاق ولا الطلاق وعزله عن ذلك فليكفر ثلاث كفارات ولا شيء عليه، في قوله عهد الله كفارة وقوله وغليظ ميثاقه كفارة وقوله أشد ما اتخذ أحد على أحد كفارة وإن لم تكن له نية حين حلف فليكفر كفارتين في قوله عهد الله وغليظ ميثاقه ويعتق رقيقه ويطلق نساءه ويمشي إلى بيت الله ويتصدق بثلث ماله لقوله وأشد ما اتخذ أحد على أحد. قال محمد بن رشد: إنما أوجب عليه كفارتين في قوله عهد الله وغليظ ميثاقه؛ لأن ذلك كنذر أوجبه على نفسه مثل أن يقول علي كذا وكذا يمينا أو كذا وكذا نذرا، ولو أقسم بها في يمين واحدة، فقال: وعهد الله وغليظ ميثاقه لا فعلت كذا وكذا لما وجب عليه إن حنث إلا كفارة واحدة لرجوعهما جميعا إلى معنى واحد وهو كلام الله تعالى إلا على ظاهر ما مضى من قول ابن القاسم في المسألة التي قبل هذه في الذي يحلف بالقرآن والكتاب والمصحف في يمين واحدة، وإنما لم يوجب في قوله وكفالته كفارة ثالثة؛ لأنه حمل يمينه على أنه أتى بكفالته مخفوضة عطفا على ميثاقه فلم يوجب على نفسه إلا شيئين، أحدهما عهد الله والثاني غليظ ميثاقه وكفالته، ولو حمل عليه أنه أتى بها مرفوعة مقطوعة معطوفة على العهد والميثاق لأوجب عليه فيها كفارة ثالثة؛ لأنه بذلك يكون موجبا لها على نفسه كالعهد وغليظ الميثاق، فليس ذلك بخلاف لما في المدونة على ما ذهب إليه بعض الناس، وإيجابه عليه في أشد ما اتخذ أحد على أحد الطلاق والعتاق والمشي والصدقة بثلث ماله صحيح وله وجهان من النظر، أحدهما أن أشد ما يتوثق به الرجل من الرجل فيما يريده منه يختلف باختلاف أحوال الناس فرب رجل قادر على المشي ولا عبيد له ولا مال وله زوجة يشق عليه فراقها فيكون أشد ما يتخذ عليه في التوثق منه فراقها، ورب رجل قادر على المشي لا زوجة له وقال

سوى عبيده فيكون أشد ما يتخذ عليه في التوثق منه عتق عبيده، ورب رجل قادر على المشي ولا زوجة له ولا عبيد وله مال فيكون أشد ما يتخذ عليه في التوثق منه الصدقة بماله، ورب رجل لا عبيد له ولا زوجة ولا مال ويشق عليه المشي فيكون أشد ما يتخذ عليه في التوثق منه المشي، فلما كان كل واحد من هذه الأشياء قد يكون أشد ما يتوثق به من الرجل ولم تكن له نية في أحدها وجب أن تجب عليه كلها، كمن حلف ولم يدر بما حلف به إن كان بعتق عبيده أو بطلاق نسائه أو بصدقة ماله أو بمشي إلى بيت الله. والوجه الثاني أن يمينه محمولة على أنه أراد بها أشد ما جرت به عادة الناس به من التوثق، وهو ما كان الناس يؤخذون به من الأيمان في البيعات وقد كانوا يؤخذون فيها بذلك فوجب أن يلزمه ويجب عليه، وعلى هذا كان من أدركنا من الشيوخ ومن لم ندركه منهم فيما بلغنا عنهم يحملون يمين الحالف بالأيمان اللازمة فيوجبون على الحانث فيها الطلاق ثلاثا وعتق رقيقة ذكورهم وإناثهم والصدقة بثلث ماله والمشي إلى مكة في حج أو عمرة وكفارة يمين وإيجاب ذلك كله في ذلك صحيح لأن الأيمان لفظ يعم جميع الأيمان فإذا قال الرجل: الأيمان لي لازمة إن فعلت كذا أو إن لم أفعله لم يكن بد من أحد وجهين، إما أن يحمل يمينه على نوع من الأيمان أرادها بعهد يعلم أن يمينه خرجت عليه وهو ما كان الناس يؤخذون به من الأيمان في البيعات وإما أن يحمل على جميع الأيمان لاستغراق لفظ يمينه جميع الجنس فتلزمه جميع الأيمان اللازمة ما كان الشيوخ يلزمونه منها وما كانوا لا يلزمونه. وقد كان بعض الشيوخ يلزمه في ذلك أيضا كفارة ظهار فلا وجه لمن أسقط عن الحالف بهذه اليمين شيئا مما كان الشيوخ يلزمونه فيها ولا لمن جعل الطلاق فيها طلقة بائنة ولا طلقة رجعية ولا لمن لم يوجب عليه في ذلك إلا كفارة يمين قياسا على قول ابن وهب في سماع عبد المالك بن الحسن فيمن قال:

مسألة: يقول امرأته طالق البتة إن دخل دار فلان ولا كلم فلانا فكلمه بعد شهر

علي عهد الله وأشد ما اتخذ أحد على أحد أن عليه في العهد كفارة يمين وليس عليه في أشد ما أخذ أحد على أحد إلا كفارة يمين؛ لأن لفظ أشد ما اتخذ أحد على أحد لفظ إفراد فحمله ابن القاسم في هذه الرواية على توثق واحد بأيمان البيعة التي كانوا يؤخذون بها لأنه المفهوم عنده من ذلك، وحمله ابن وهب في رواية زونان عنه على يمين واحد ورآها اليمين بالله تعالى لأنها أعظم الأيمان قدرا وأشدها على من تهاون بها وأثم فيها، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار» ، وجاء في الحديث في اليمين الغموس إنها من الكبائر وأنها تذر الديار بلاقع، فرأى شدتها في الكذب فيها والمخادعة بها وترك تعظيمها لا فيما يلزم الحنث فيها من الكفارة فهذا وجه قول ابن وهب، والله أعلم. [مسألة: يقول امرأته طالق البتة إن دخل دار فلان ولا كلم فلانا فكلمه بعد شهر] مسألة قال ابن القاسم: ولا تكون الثنيا إلا ما حرك به لسانه والنية تنفعه وإن لم يحرك به لسانه ومثل ذلك في النية أن يقول امرأته طالق البتة إن دخل دار فلان ولا كلم فلانا فكلمه بعد شهر وقال: إنما نويت شهرا، قال مالك: إن كانت عليه بينة فرق بينه وبينها، وإن أتى مستقيما وذكر أنه إنما نوى شهرا دين وكان القول قوله، والثنيا أن يقول: إن كنت صحبت اليوم قرشيا ويستثني في نفسه إلا فلانا وإن كنت أكلت اليوم طعاما ويستثني في نفسه إلا لحما فامرأته طالق فهذا لا ينفعه إلا أن يحرك به لسانه فإن لم يحرك به لسانه وإنما هي ثنيا في نفسه حنث فما ورد عليك من هذه الأشياء بعضه على هذين الوجهين. قال محمد بن رشد: تفرقته في النية والثنيا في اليمين صحيحة لأن النية هي أن يريد الرجل بيمينه ما يحتمله كلامه وإن كان مخالفا لظاهره فإذا عقد يمينه على ما نواه صحت له نيته وإن لم يحرك بها لسانه على ما ذكر،

وهذا ما لا خلاف فيه، وأما الثنيا فهو ما يستدركه الرجل بالاستثناء بعد أن فرطت منه اليمين دون نية وذلك على وجهين، أحدهما استثناء يخرج من الجملة بعد ما اقتضاه اللفظ العام والعدد المسمى في جميع الأحوال. والثاني استثناء يخرج به جميع الجملة في بعض الأحوال، فأما الاستثناء الذي يخرج به بعض ما اقتضاه اللفظ العام أو العدد المسمى في جميع الأحوال فهو الاستثناء بإلا وسائر حروف الاستثناء، مثاله أن تقول: والله لأعطين القرشيين إلا فلانا ثلاثة دراهم إلا درهما فأخرجت من القرشيين فلانا بالاستثناء وأخرجت من الثلاثة دراهم درهما بالاستثناء فهذا القسم من الاستثناء المشهور فيه في المذهب أن النية فيه لا تنفع وأنه لا بد فيه من تحريك اللسان كما قال في هذه الرواية، وقد مضى في آخر سماع أشهب لمالك خلافه، وجه القول الأول القياس على ما أجمعوا عليه في الاستثناء بمشيئة الله أنه لا بد فيه من تحريك اللسان، ووجه القول الثاني أن حقيقة الكلام إنما هو المعنى القائم بالقلب وتحريك اللسان عبارة عنه كالرمز والإشارة والكتابة فإذا استثنى في نفسه وجب أن ينفعه استثناؤه وإن لم يحرك به لسانه، وعلى هذا تأتي رواية أشهب عن مالك في كتاب الأيمان بالطلاق وإن من أجمع في نفسه على أنه قد طلق امرأته فقد لزمه الطلاق، والأصل في ذلك إجماعهم على أن من اعتقد الإيمان بقلبه فهو مؤمن عند الله وإن لم يلفظ بكلمة التوحيد وأن من اعتمد الكفر بقلبه فهو كافر عند الله وإن لم يلفظ بكلمة الكفر، وأما الاستثناء الذي يخرج به جميع الجملة في بعض الأحوال فهو الاستثناء بإن وبإلا أن، مثاله أن يقول: والله لأعطين القرشيين ثلاثة دراهم إن كان كذا وإلا أن يكون كذا فهذا لا بد فيه من تحريك اللسان قولا واحدا؛ لأنه في معنى الاستثناء بأن شاء الله وبإلا أن يشاء الله، ومن أهل العلم من شذ فأجاز الاستثناء في القلب بمشيئة الله وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن عباس من إجازة الاستثناء بعد عام أنه أظهر بعد عام من الاستثناء ما كان اعتقده حين اليمين منه؛ إذ لا اختلاف بين أحد من أهل العلم في أن الاستثناء لا بد أن يكون موصولا

مسألة: قال مالي لوجه الله

باليمين، بل قد قال ابن المواز: إنه لا بد أن ينويه قبل آخر حرف من اليمين يريد من الكلام الذي به تمت اليمين، هذا معنى قوله الذي يجب أن يحمل عليه كلامه، وقد قيل: إن الاستثناء من العدد لا بد أن يعقد عليه يمينه كالنية، ولا يجوز له أن يستدركه وإن أوصله بيمينه أو قبل آخر حرف من كلامه، مثال ذلك أن يقول: امرأتي طالق ثلاثا إلا واحدة والقولان قائمان من المدونة بالمعنى، وذلك أنه قال في كتاب الأيمان بالطلاق منها في الذي يقول لامرأته قبل أن يدخل بها أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق إنها ثلاث تطليقات إلا أن يريد بتكرار الطلاق إسماعها، وقال في كتاب الظهار منها في الذي يقول لامرأته أنت طالق البتة وأنت علي كظهر أمي إنه لا يلزمه فيها الظهار إن تزوجها بعد زوج وذلك اختلاف من القول فعلى ما في كتاب الظهار لا يلزم الذي قال لزوجته قبل أن يدخل بها أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق إلا طلقة واحدة، وعلى ما في كتاب الأيمان بالطلاق يلزم الذي قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر أمي الظهار إن تزوجها بعد زوج، فإذا قال الرجل: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة كان له استثناؤه، على ما في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة إذا وصله بيمينه وإن لم يعقد يمينه عليه، وعلى ما في كتاب الظهار لا يكون له استثناؤه ولا ينفعه فيه إلا أن ينويه من أول ويعقد عليه يمينه، والقول الأول أظهر؛ لأن الطلاق لا يقع على المطلق في الصحيح من الأقوال بنفس تمام اللفظ حتى يسكت بعده سكوتا يستقر به الأمر وعلى هذا تأتي مسألة الأيمان بالطلاق التي ذكرناها من المدونة فقف على ذلك كله وتدرب، وبالله التوفيق. [مسألة: قال مالي لوجه الله] مسألة وسئل عمن قال: مالي لوجه الله، قال: يخرج ثلثه، قال أصبغ: ويجعله في الصدقة دون ما سواها من سبل الخير فهو مخرج النذر به كما لو قال في عبده هو لوجه الله كان مخرج العتق، وكما لو قال

مسألة: باع من رجلين سلعة إلى أجل واتخذ عليهما صاحب الحق يمينا إلى أجل

في ماله هو لسبيل الله أو في سبيل الله كان مخرجه الغزو والجهاد خاصة دون سائر السبل. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال لأن ما أنفق الرجل من ماله رجاء ثواب الله ولوجه الله، إلا أن سبيل الله قد تعرف بالجهاد دون سائر السبل فإذا جعل الرجل شيئا من ماله في سبيل الله كان مخرجه الجهاد وإذا قال فيه لله ولوجه الله كان مخرجه الصدقة إلا أن يكون له وجه يختص به فيحمل عليه، كالعتق في العبد والهدي فيما يهدى بمكة، وبالله التوفيق. [مسألة: باع من رجلين سلعة إلى أجل واتخذ عليهما صاحب الحق يمينا إلى أجل] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك مسألة وسئل عن رجل باع من رجلين سلعة إلى أجل واتخذ عليهما صاحب الحق يمينا إلى أجل أن يقضياه فحل الأجل فقضاه أحدهما جميع الحق بغير أمر صاحبه، قال: هو حانث إلا أن يكونوا حملاء بعضهم عن بعض، قلت: فإن كان شريكه فيها شريك عقد فقال: الشريك والأجنبي سواء في هذا هو حانث إن لم يأمره ولم يتحمل بعضهم عن بعض، والشريك والأجنبي في ذلك سواء، ولو أن رجلا حلف بطلاق امرأته أن يوفي حقه إلى أجل فغاب عند الأجل فقضاه عنه رجل لم يأمره كان حانثا. قال محمد بن رشد: إذا اشترى الرجلان من رجل سلعة بثمن إلى أجل وحلفا أن يؤدياه إليه إلى الأجل فإن لم يكن أحدهما حميلا بصاحبه فيبر كل واحد منهما بأن يقضي عن نفسه ما يجب له من الثمن ولا يبر بما يقضي عنه صاحبه إلا أن يأمره بذلك إذ ليس بوكيل له على أن يقضي عنه، وإن كان كل واحد منهما حميلا بصاحبه فيبر كل واحد منهما بأن يقضي عن نفسه

مسألة: خطب ابنته وهي بكر فقال عليه المشي إلى بيت الله إن زوجها إياه

ما يجب عليه من الثمن وبأن يقضي ذلك عنه صاحبه؛ لأن الحمالة تقتضي أن يكون كل واحد منهما وكيلا عن صاحبه على أن يقضي عنه ما تحمل به عنه وإن كان كل واحد منهما حميلا بصاحبه ولصاحب الحق أن يأخذ من شاء منهم بحقه فلا يبر واحد منهم إلا بأن يقضي جميع الحق لأنه مطلوب به كالشريكين المتفاوضين يشتريان السلعة بثمن إلى أجل ويحلفان أن يؤديا إلى البائع حقه إلى أجل فعلى هذه الوجوه الثلاثة تفترق أحكام البر والحنث في هذه المسألة وشريك العقد الذي قال فيه إنه والأجنبي سواء معناه أن يتعاقد الرجلان على أن يشتريا السلعة بدين على أن يكونا شريكين فيها لا يريد بذلك عقد المفاوضة لأن المتفاوضين لا يبر واحد منهما إلا بأداء جميع الحق على ما ذكرناه لأنه حميل له، وقوله إن من حلف ليقضين رجلا حقه لا يبر بأن يقضيه عنه رجل بغير أمره صحيح وكذلك لو كان وكيله على البيع والتقاضي والقيام بحوائجه، قاله ابن القاسم في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق فلا يبر الحالف على القضاء إلا بأن يقضي هو الحق عن نفسه أو يقضيه عنه رجل بأمره أو وكيل مفوض إليه في جميع الأشياء أو مجعول إليه فيها جعل القضاء، وبالله التوفيق. [مسألة: خطب ابنته وهي بكر فقال عليه المشي إلى بيت الله إن زوجها إياه] ومن كتاب لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس مسألة وقال في رجل خطب إليه رجل ابنته وهي بكر، فقال: عليه المشي إلى بيت الله وهو يحملها إلى بيت الله إن زوجها إياه، فقال له هؤلاء لأي شيء لا تزوج فلانا، فقال: علي فيه يمين وليتك أخرجتني من يميني فزوجه المولي بعلمه وأعرس ودخل بها، قال: النكاح ثابت، وعليه المشي. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال لأنه إذا زوجه هؤلاء بعلمه فكأنه

هو الذي زوجه لأن يد الوكيل كيد موكله فمن حلف ليضربن عبده فضربه غيره بر إلا أن ينوي أن يضربه هو بيده، ومن حلف ألا يضرب عبده فضربه غيره بأمره حنث إلا أن يكون نوى ألا يضربه بيده، قال عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] فجعل طاعة رسوله طاعة له حقيقة، وعلى هذا يضاف فعل المأمور إلى الآمر فيقال ضرب السلطان وقطع وقتل وكتب وإن لم يفعل شيئا من ذلك بيده وإنما فعله أعوانه بأمره، وقد أضاف الله عز وجل أعوان ملك الموت إلى ملك الموت: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة: 11] ، وأعوانه هم الذين يلون قبض الأرواح بإذنه ثم يلي هو قبضها منهم فيرفع روح المؤمن إلى ملائكة الرحمة وروح الكافر إلى ملائكة العذاب على ما روي في تأويل قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] ، الآية بلفظ الجماعة وهذا كله بين والحمد لله كثيرا. " تم النذور الأول "

كتاب النذور الثاني

[كتاب النذور الثاني] [مسألة: حلف ألا يكلم فلانا فأشار إليه بالسلام أو غيره] من سماع عيسي من كتاب أوله سلف دينارا مسألة وقال في رجل حلف ألا يكلم فلانا فأشار إليه بالسلام أو غيره، فقال: ما أرى الإشارة كلاما وأحب إلي ترك ذلك وكأنه لا يرى عليه حنثا إن فعل. قال محمد بن أحمد: مثل هذا في المجموعة لابن القاسم وهو ظاهر ما في كتاب الإيلاء من المدونة وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، وقال ابن الماجشون إنه حانث واحتج بقوله عز وجل: {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] . فجعل الرمز كلاما لأنه استثناه من الكلام وليس ذلك بحجة قاطعة لاحتمال أن يكون الاستثناء في الآية منفصلا غير متصل مقدرا بلكن، مثل قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] ، ومثل قوله: {طه - مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1 - 2] {إِلا تَذْكِرَةً} [طه: 3] ومثل هذا كثير، ومثل قول ابن الماجشون لأصبغ في سماعه

مسألة: حلف في دابة ألا يبيعها حتى تأكل الربيع فأكلته يوما أو يومين

بعد هذا من هذا الكتاب، وجه القول الأول أن الكلام عند الناس فيما يعرفون إنما هو الإفهام بالنطق واللسان، فيحمل يمين الحالف على ذلك إذا عرت من نية أو بساط يدل على ما سواه، ووجه القول الثاني أن حقيقة الكلام والقول هو المعنى القائم في النفس، قال عز وجل: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} [المجادلة: 8] ، الآية، وقال عز وجل: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ} [الملك: 13] ، الآية، فإذا أفهم الرجل الرجل ما في نفسه بلفظ أو إشارة فقد كلمه حقيقة لأنه أفهمه ما في نفسه من كلامه بداية دون واسطة من رسول أو كتاب والقول الأول أظهر لأن التكليم وإن كان يقع على ما سوى الإفهام باللسان فقد يعرف بالإفهام بالنطق باللسان دون ما سواه فوجب أن يحمل الكلام على ذلك وألا يحنث الحالف على ترك تكليم الرجل بما سواه إلا أن ينويه، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف في دابة ألا يبيعها حتى تأكل الربيع فأكلته يوما أو يومين] مسألة وسئل عن رجل حلف في دابة ألا يبيعها حتى تأكل الربيع فأكلته يوما أو يومين. قال: إن كان نوى شيئا فهو ما نوى وإن لم تكن له نية فإذا أكلته يوما أو يومين فقد بر ولا شيء عليه. قيل له: أرأيت إن كان أراد وجه السمن فلم تسمن ألذلك حد؟ قال: إلى ما يسمن في مثله. قال محمد بن أحمد: قال إنه إذا لم تكن له نية فأكلته يوما أو يومين فقد بر، وإن أراد السمن في ذلك ما يسمن إلى مثله، وسكت عن البساط فلم يقل إن كان ليمينه بساط يدل على السمن حملت يمينه عليه فالظاهر من قوله أنه لم يراعه مثل ما في سماع سحنون لمالك وابن القاسم، والمشهور في المذهب مراعاته وأن يحمل يمينه عليه وإن لم يكن نواه كما لو نواه، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف ألا يشرب الخمر بعينها فشرب الطلا

[مسألة: حلف ألا يشرب الخمر بعينها فشرب الطلا] مسألة وقال في رجل حلف ألا يشرب الخمر بعينها فشرب الطلا أنه إن كان لم يبلغ حدا يسكر وكان كثيره يسكر فهو حانث؛ لأن الطلا أبدا خمر حتى يطبخ طبخا لا يسكر، وأما غيرها من الأشربة مثل النبيذ والاسكركة - كذا - فهو حانث إذا شرب منها شيئا يسكر إلا أن ينوي الخمر بعينها، فإن كانت تلك نيته وأتى مستفتيا فلا أرى عليه شيئا، وإن شهد عليه وقد شرب رأيت أن لا ينوى. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصل مذهب مالك في أن كل ما أسكر كثيره من الأنبذة والأشربة فهو خمر، فالحالف على ألا يشرب الخمر بعينها حالف عنده ألا يشرب مسكرا من جميع الأشربة لأن كل مسكر فهو عنده خمر بعينه، وقوله: إلا أن ينوي الخمر بعينها فتكون له نيته إذا لم تكن عليه بينة وأتى مستفتيا معناه إلا أن ينوي الخمر بعينها عند أهل العراق والذين يقولون: إنما الخمر من العنب خاصة أو من العنب والتمر خاصة أو من التمر والعنب ونقيع الزبيب خاصة على اختلاف بينهم في ذلك، وفي رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود ورسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق أنه ينوى في ذلك مع قيام البينة عليه مراعاة لقول من يقول إن الخمر من هذه الأشياء، وذهب محمد بن المواز أنه لا ينوى وإن أتى مستفتيا، قال: ولو نفعته النية لنفعه قوله الخمر بعينها؛ لأن القول أقوى من النية وإلى هذا ذهب ابن حبيب فقال: إنه لا نية له في أن يقول إنما أردت العنب وحكاه عن مالك أيضا ابن أبي جعفر الذعاطي عن ابن القاسم عن مالك، وذلك خارج عن أصولهم فيمن حلف ألا يكلم فلانا فقال: أردت شهرا أو حلف ألا يلبس ثوبا فقال: أردت ثوب وشي أنه ينوى في ذلك إن أتى مستفتيا.

مسألة: حلف ألا يشتري لامرأته شيئا فاشترى لنفسه شيئا فسألته امرأته أن يوليها إياه

[مسألة: حلف ألا يشتري لامرأته شيئا فاشترى لنفسه شيئا فسألته امرأته أن يوليها إياه] مسألة وقال فيمن حلف ألا يشتري لامرأته شيئا فاشترى لنفسه شيئا فسألته امرأته أن يوليها إياه، فقال: سمعت مالكا يستثقل أن يوليها، قال ابن القاسم: فإن فعل لم أر عليه حنثا لأن التولية هاهنا بيع إلا أن يكون ذلك عند مواجبة البيع وبحضرة البيع الأول فأراه حانثا لأن تباعته هاهنا على البائع الأول وكونه حينئذ اشترى لها، وكذلك سمعت مالكا يقول في التباعة. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته هنا. [مسألة: حلف ألا يكلم رجلا إلا ناسيا فكلمه وهو لا يعرفه غير ناس] مسألة قال: ومن حلف ألا يكلم رجلا إلا ناسيا فكلمه وهو لا يعرفه غير ناس فهو حانث، ومن حلف بطلاق امرأته البتة إن كلم فلانا إلا أن لا يعرفه فكلمه وهو يعرفه ناسيا ليمينه حنث. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال لأن يمين الرجل ألا يكلم رجلا ظاهره العموم في الزمان والمكان والعمد والنسيان والمعرفة بالمحلوف عليه والجهل به، فوجب أن يحمل يمينه على ما يقتضيه عموم لفظه ولا مخرج من ذلك إلا ما استثناه من النسيان أو الجهل خاصة. [مسألة: يحلف للرجل ليرضينه من حقه إما أن يحيله وإما أن يرهنه] مسألة قال ابن القاسم في الرجل يحلف للرجل ليرضينه من حقه إما أن يحيله وإما أن يرهنه أو يقضيه بعضه أو يعطيه به حميلا فذلك له مخرج حقه كله، وأما إن أنظره فليس ذلك رضى، إنما يصير

مسألة: يحلف أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل ناسيا

صاحب الحق هو أرضى الحالف ولم يرض الحالف صاحب الحق ليس من يحلف على الرضى يريد أن ينظره ولم يتعلق به لينظره وأراه حانثا إذا أنظره. قال محمد بن أحمد: إنما يبر بالحوالة والحمالة والرهن وقضائه إياه بعض الحق بشرطين أحدهما أن يرضى بذلك الذي له الحق، والثاني أن يكون المحال عليه مليا أو الحميل فيه ثقة للمتحمل له والرهن فيه كفاف بجميع الحق أو بالثلث فما فوقه والذي قضاه من الحق الثلث فما فوقه، فإن عدم الشرطان جميعا حنث الحالف، وإن عدم الأول ووجد الثاني حنث الحالف إلا أن يدعي أنه نوى ذلك وأراده فينوى فيه إن أتى مستفتيا، وإن وجد الشرط الأول وعدم الثاني فلا يبر الحالف إلا على مذهب من يرى أنه يبر إذا أنظره صاحب الحق وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه وأحد قولي ابن القاسم، حكى ابن حبيب أن قوله اختلف في ذلك لا أنه إذا أحاله على مفلس أو أعطاه حميلا لا ثقة له فيه، وإن قضاه من حقه ما لا بال له أو رهنه رهنا لا قدر له فصاحب الحق هو الذي أرضى الحالف هذا الذي يأتي في هذه المسألة على أصولهم، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل ناسيا] مسألة وقال في الذي يحلف بالله أو بالطلاق أو غيره أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل ناسيا لا شيء عليه. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في هذا السماع من كتاب الصيام وفي سماع عيسى وأبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق ورأيت لابن دحون فيها أنها مسألة حائلة والحنث يلزمه فيها على أصولهم فيمن حلف ألا يفعل شيئا ففعله ناسيا أو حلف أن يفعل شيئا فنسي فعله حتى فات وليس ذلك على ما قال بل هي مسألة صحيحة لأن الأكل ناسيا لا يخرج الحالف عن أن يكون

مسألة: رجل قال علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به

صائما ولا يبطل به أجر صيامه، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا قضاء على من أكل في رمضان ناسيا، وروي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للذي سأله عن ذلك: أتم صومك ولا شيء عليك الله أطعمك وسقاك» ، فأكله ناسيا في ذلك اليوم بخلاف ما لو أصبح ناسيا مفطرا، هذا يلزمه الحنث على أصولهم، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل قال علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول لدار يسكنها فامرأتي طالق مسألة وسئل عن رجل قال: علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به، قال: عليه كفارة يمين. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال لأن من نذر نذرا لم يجعل له مخرجا فكفارته كفارة يمين، روي ذلك عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، من رواية عقبة بن عامر الجهني فالوفاء به هو كفارة يمين كما لو جعل له مخرجا كان ما سماه هو الوفاء به وهذا بين، وبالله التوفيق. [مسألة: حلفت بثلاثين نذرا مشيا إلى بيت الله فحنثت] مسألة وسئل عن امرأة حلفت بثلاثين نذرا مشيا إلى بيت الله فحنثت، فأرادت أن تخرج تمشي وأراد زوجها حبسها، قال ابن القاسم: ليس لها أن تخرج ولزوجها أن يمنعها من ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه إذا كان من حقه أن يمنعها من الخروج متطوعة كان له أن يمنعها من الخروج إذا نذرت ذلك لأنها متعدية عليه في أن نذرت ما ليس لها أن تفعله إلا بإذنه لتسقط بذلك حقه في منعها، والدليل على أن من حقه أن يمنعها، قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ؛ إذ لو لم يكن ذلك من حقه لما ندبه إلى فعله ولقال: ليس لكم

مسألة: حلف على كراء له في منزله ألا يكريه له إلا بثمانية دنانير

أن تمنعوا إماء الله مساجد الله، ألا ترى أنك تقول لا تؤدب ابنك على ما جناه إذ له أن يؤدبه على جنايته، ولا تقول لا تؤدب أباك على جنايته إذ ليس له أن يؤدبه على ذلك وإنما تقول: ليس لك أن تؤدب أباك على جنايته وهذا بين. [مسألة: حلف على كراء له في منزله ألا يكريه له إلا بثمانية دنانير] مسألة وسئل عن رجل حلف على كراء له في منزله ألا يكريه له إلا بثمانية دنانير، فأراد أن يكريه نصف ذلك بأربعة دنانير هل ترى عليه حنثا، قال: لا حنث عليه، قيل له: فإن أكراه النصف بأدنى من أربعة دنانير قال: يحنث. قال محمد بن أحمد: لا اختلاف في أنه لا حنث عليه إذا أكراه النصف بأربعة دنانير فأكثر، وأنه يحنث إذا أكراه النصف ابتداء بأقل من أربعة دنانير وإنما اختلف إذا أكرى النصف الثاني بتمام الثمانية وهو أقل من أربعة، فقال ابن القاسم في سماع أصبغ بعد هذا إنه حانث وفي الواضحة أنه لا حنث عليه وهو الأصح في النظر؛ لأنه قد استوفى في الكل ما حلف عليه. [مسألة: كان له عليه دينار فأراد أن يقضيه دراهم فحلف عليه ألا يأخذ منه دراهم] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل كان له على رجل دينار فأراد أن يقضيه دراهم فحلف عليه ألا يأخذ منه دراهم فأحال رجلا بالدينار فتقاضى منه فيه دراهم هل عليه حنث؟ قال: لا حنث عليه. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما حلف ألا يأخذ منه دراهم فوجب ألا يكون عليه فيه حنث إذا أخذ غيره فيه دراهم من المحال عليه، ولو حلف ألا يأخذ في ديناره دراهم ولم يقل منه لوجب أن يحنث إن أخذ فيه دراهم من المحال عليه أو غيره؛ لأن يمين الحالف محمولة على مقتضى لفظه إذا عريت من نية تخالف اللفظ، وقد قيل: إنما تحمل على

مسألة: يحلف ألا يبيع سلعته إلا بثمانية عشر دينارا بحبتين حبتين

مقتضى اللفظ إذا عريت عن النية وعن البساط، وقد مضى هذا المعنى في رسم سلف قبل هذا وفي غيره من المواضع، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف ألا يبيع سلعته إلا بثمانية عشر دينارا بحبتين حبتين] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار مسألة قال: وسئل عن الرجل يحلف ألا يبيع سلعته إلا بثمانية عشر دينارا بحبتين حبتين فيبيعها بتسعة عشر دينارا بخروبة خروبة وهي أكثر في الوزن إذا جمعت مما حلف عليه، فقال: إن كان إنما حلف على الزيادة فلا شيء عليه وإن كان إنما حلف على الدنانير بأعيانها ألا يأخذها إلا بحبتين حبتين فهو حانث وإن لم تكن له نية فهو حانث. قال محمد بن أحمد: معنى قوله بحبتين حبتين أي ينقصان حبتين حبتين من كل دينار، وكذلك معنى قوله بخروبة خروبة أي ينقصان خروبة خروبة من كل دينار والخروبة ثلاث حبات، ولا شك أن تسعة عشر دينارا ينقص كل دينار منها خروبة أكثر في الوزن من ثمانية عشر دينارا ينقص كل دينار منها حبتان، فإن كان ألا أرد بيع سلعته بأقل مما حلف عليه فلا حنث عليه لأنه إنما باع بأكثر، وإن كان أراد بيع سلعته بمثاقيل لا ينقص كل مثقال منها أكثر من حبتين فهو حانث لأنه قد باع بغير ما حلف عليه، وإن لم تكن له نية فهو حانث أيضا؛ لأن يمين الحالف إذا لم تكن له نية محمولة على مقتضى لفظه، وقيل: إذا لم تكن له نية ولا كان ليمينه بساط، وقد مضى هذا المعنى في رسم سلف وغيره.

مسألة: حلف ألا يسلف أحدا شيئا فاشترى سلعة فوجد بها عيبا فأراد ردها

[مسألة: حلف ألا يسلف أحدا شيئا فاشترى سلعة فوجد بها عيبا فأراد ردها] مسألة وسئل عمن حلف ألا يسلف أحدا شيئا فاشترى سلعة فوجد بها عيبا فأراد ردها فقال له البائع: أخرني بالثمن وأنا أقبل سلعتي، فقال له: لا يفعل فإن فعل حنث. قال محمد بن أحمد: قول ابن القاسم إنه يحنث إن أخره بالثمن على أن يقبل منه السلعة ويصدقه فيما يدعي من العيب فيسقط عنه بذلك ما يلزمه من الإثبات أو اليمين صحيح على أصله في أن ذلك جائز لأنه قد وجب له رد السلعة وأخذ الثمن معجلا فتأخيره به معروف منه صنعه به، فوجب أن يحنث بذلك لأنه في معنى السلف سواء، وإن كان ذلك لا يسمى سلفا وإنما يسمى إنظارا، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة أو بكل يوم مثله صدقة» على ما روي عنه من ذلك ولم يقل من السلف معسرا إذ لا يسمى سلفا إلا ما دفع عن ظهر يد، فلو ادعى الحالف أنه أراد بيمينه ألا يسلف أحدا سلفا عن ظهر يد لوجب أن ينوي وإن حضرته بينة فيما يقضى به عليه، ويأتي في هذه المسألة على القول بأنه لا يجوز أن يؤخره بالثمن على أن يقبل منه السلعة أنه لا يحنث بذلك إن فعله؛ لأنه ليس بسلف عن ظهر يد ولا في معنى السلف إذ لم يؤخره بالثمن إرادة الرفق به وإنما أخره عنه لما أسقط عنه مما كان يلزمه إياه بالحكم من إثبات العيب أو اليمين، فأشبه المبايعة وخرج عن حكم السلف، وهذا على ما في رسم البدع من سماع أشهب من كتاب المديان وعلى ما يدل عليه قول مالك في كتاب الصلح من المدونة خلاف قول ابن القاسم فيه، وهو أظهر لأن إثبات العيب أو اليمين ليس بلازم له في باطن الأمر وتكليف البائع إياه ذلك لا يحل له إن كان عالما بصدق ما يدعي، وسيأتي في رسم من باع شاة مسألة من حلف ألا يسلف رجلا فأنظره بحق كان له عليه.

مسألة: حضرته الوفاة فأوصى إلى ابنه أن يحج عنه لنذر كان عليه وابنه صرورة

[مسألة: حضرته الوفاة فأوصى إلى ابنه أن يحج عنه لنذر كان عليه وابنه صرورة] مسألة وسئل عن رجل حضرته الوفاة فأوصى إلى ابنه أن يمشي عنه لنذر كان عليه وابنه صرورة، فخرج ماشيا عن أبيه وهو ينوي بحجه حجة الإسلام وحجة نذر أبيه، فقال: قال مالك: الحجة جائزة عنه لحجة الإسلام، وليس المشي عن أبيه بشيء لأنه لا يمشي أحد عن أحد. قال محمد بن أحمد: قد مضى القول في هذه المسألة في كتاب الحج في رسم تسلف، وفي رسم باع غلاما، ورسم ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع ابن القاسم، وفي سماع سحنون منه أيضا، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك لاكتفاء من أراد الوقوف عليه بما هنالك إن شاء الله وبه التوفيق. [مسألة: يحلف على غريم له أن لا يؤخره فيريد أن يتحول بالحق على غيره] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يحلف على غريم له أن لا يؤخره فيريد أن يتحول بالحق على غيره من أهل الملا قال: إن فعل فهو حانث. قال محمد بن أحمد: حنثه في هذه المسألة بما ظهر إليه من معنى أنه أراد أن لا يؤخره وأن يأخذ حقه منه فحنثه بالإحالة إن لم يأخذ حقه منه ولو حمل يمينه على ما يقضيه لفظه كما فعل في أول مسألة من هذا الرسم وفي آخر مسألة من الرسم الذي قبله لما حنثه إذ لم يؤخره إلا أن ينوي أن يأخذ حقه منه فذلك العارض من قوله فقف عليه وبالله التوفيق. [مسألة: قال عليه المشي إلى بيت الله إن لم يصنع له شيئا فصنعه له آخر] مسألة وسئل عن رجل جاء إلى صناع ليصنع له شيئا في بيته فقال الصناع: إني لأستحيي أن آخذ في هذا شيئا، فقال الذي جاء: عليه

مسألة: قال علي المشي إلى بيت الله إن قاصصتك بالعبد الذي لي عندك

المشي إلى بيت الله إن لم يعطه، فجاء إلى منزله فإذا بصناع آخر يصنع ذلك الشيء أو أدخله هو بعد أن جاء وانصرف هذا المحلوف، قال: إن كان هو الذي أبى أن يعمل ورجع من غير أن يرده عن ذلك العمل فلا حنث عليه، وإن كان الذي جاء به هو رده ولم يتركه يعمل فليعطه وإلا حنث، قال ابن القاسم: إن كانت له نية في الذي أدخل مثل أن يقول: إنما أردت إن لم يكن له عمل فكانت تلك نيته فلا أرى عليه شيئا، وإن لم تكن له نية رأيته حانثا إن لم يعطه. قال محمد بن أحمد: المعنى في هذه المسألة بيّن؛ لأن وجه يمينه أن يعطيه إن مضى وعمل، فإذا أبى أن يعمل لم يكن له عليه حنث إن لم يعطه، وإذا منعه هو من العمل وجب أن يعطيه وإلا حنث؛ لأنه كان يعمل لولا منعه هو إياه عن العمل، فكأنه قد عمل؛ إذ هو مغلوب على ترك العمل إلا أن يكون أراد ألا يعطيه إن لم يكن له عمل، وإن منعه هو عن العمل فتكون له نيته ولا يكون عليه حنث إذا منعه عن العمل ولم يعطه، هذا معنى قوله وهو صحيح إن شاء الله. [مسألة: قال علي المشي إلى بيت الله إن قاصصتك بالعبد الذي لي عندك] ومن كتاب العشور مسألة وقال في رجل اشترى عبدا من رجل بعشرة دنانير ووجب البيع بينهما وللمشتري على البائع دينار فدفع إليه المشتري تسعة دنانير، وقال: لي عليك دينار فهذه عشرة دنانير، فقال البائع: علي المشي إلى بيت الله إن قاصصتك به، وقال الآخر: هو حر في العبد إن أخذته منك إلا مقاصة، قال ابن القاسم: إن اختصما حنث

أحدهما وقضي عليه وهو البائع الذي عليه المشي إلى الكعبة، وإن تتاركا البيع جميعا برضى منهما وإن لم يختصما فلا حنث على واحد منهما. قال محمد بن أحمد: قد اختلف فيمن حلف ألا يفعل فعلا فقضى عليه السلطان به، فقيل: إنه يحنث وهو قول مالك في آخر سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق ودليل ما في كتاب التخير والتمليك من المدونة وقول ابن القاسم في الواضحة وعليه يأتي قوله في هذه المسألة، وقال ابن الماجشون: لا حنث عليه إلا أن يريد ولا بسلطان أو يحلف بحضرة السلطان فيتبين أنه أراد مغالبته، وأما قوله: إنه يقضي على البائع بالمقاصة فهو على المشهور في المذهب من وجوب الحكم بها، وقد روى زياد عن مالك أنه لا يحكم بها ومثله في كتاب الصرف من المدونة خلاف ما في كتاب النكاح الثاني والسلم الثاني والوكالات منها، وقد اختلف على القول بوجوب المقاصة إذا اشترى منه على ألا يقاصه، فقيل: الشرط باطل ويحكم عليه بالمقاصة وهو قول مالك في سماع أشهب من كتاب المديان، وقيل: الشرط عامل وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المدنية، وقد تأولت مسألة كتاب الصرف من المدونة على هذا لأن الصرف لما كان على المتاجرة فكأنها شرطا ترك المقاصة، وتعليله يرد هذا التأويل فيها، وقيل: إن البيع فاسد إذا كان الذين حالا؛ لأنه إذا شرط ترك المقاصة فكأنه شرط أن يؤخره بالدين فيدخله البيع والسلف، روي ذلك عن ابن القاسم وقال أصبغ: هو خفيف إذا لم يضرب للدين أجلا ولم يشترط أن يقضيه ذلك اليوم، وبالله التوفيق.

مسألة: قال الحلال عليه حرام إن غبت عن دار القاضي حتى أعطيك حقك

[مسألة: قال الحلال عليه حرام إن غبت عن دار القاضي حتى أعطيك حقك] ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته مسألة وسئل عن رجل تعلق به غريمه فلط به وسأله حميلا أن يوافيه دار القاضي فقال الحلال عليه حرام إن غبت عن دار القاضي حتى أعطيك حقك أو يفصل بيننا القاضي، قال: فاختلف أبدا كل يوم إلى دار القاضي في حين يختلف الناس إلا أن توفيه حقه فلا يكون عليك شيء، قال: فإن وضع عني؟ قال: إن وضع عنك حنث، قيل له: فإن غاب الذي له الحق؟ قال: احضر أنت، فإن غاب ليس عليك شيء. قال محمد بن أحمد: قوله في الذي يحلف ألا يغيب عن دار القاضي إنه ليس عليه ألا يغيب عن دار القاضي أبدا وإنما عليه ألا يغيب عنه في حين اختلاف الناس إليه، نحوه في سماع أصبغ، وهو صحيح؛ لأن الأيمان إنما تحمل على ما يُعرف من مقاصد الناس بها ولا تحمل على مقتضى ألفاظها إذا تبين أن المقصد خلافها، فقد يكون المقصد متيقنا معلوما فلا يختلف في وجوب الاعتبار به كنحو هذه المسألة؛ إذ قد علم أن الحالف لم يرد أن يلازم دار القاضي ليلا ونهارا؛ إذ قد علم أنه لا بد له من مفارقته لما لا بد له من حاجة الإنسان والوضوء والصلاة فيحمل يمينه على أنه إنما أراد ألا يفارق دار القاضي في الأحايين التي يقضي فيها بين الناس وينتفع المحلوف له بموافاته إياه فيها، ومثل هذا أن يذكر رجل بقلة الجماع فيحلف إذا بلغه ذلك أنه لا ينزل عن بطن امرأته وما أشبه ذلك كثير، والأصل فيه قائم من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قال عز وجل: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15]

مسألة: حلف من أهل البادية لا يجاور رجلا أسماه

وقال: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64] ، وقال: {إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87] ، فهم من هذا كله ضد ظاهر لفظه، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه» يفهم من ذلك وصفه بكثرة وقوع الضرب منه، وقد يكون المقصد مظنونا فيختلف في وجوب الاعتبار به، كمن حلف ألا يأكل بيضا فأكل بيض السمك أو حلف ألا يدخل بيتا فدخل المسجد وما أشبه ذلك، وأما قوله: إن وضع عنه حنث فصحيح على ما في المدونة وغيرها من أن من حلف ليقضين حقه لا تخرجه الهبة والصدقة من يمينه، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف من أهل البادية لا يجاور رجلا أسماه] ومن كتاب النسمة مسألة وسئل عن رجل حلف من أهل البادية لا يجاور رجلا أسماه، فكم ترى له أن يتباعد عنه حتى لا يكون له جارا؟ قال: يخرج من تلك البادية إلى بادية أخرى إلا أن يكون نوى شيئا فيحمل بما أنواه، قال ابن القاسم: يذهب عنه في مثل ما يكون من تباعد أهل البادية حتى لا يكونا جارين. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال إنه إذا لم يكن له نية فيبعد عنه إلى أن يفارق المعنى الذي حلف من أجله، فإن كان معه في قرية واحدة خرج عنه إلى قرية أخرى، وإن لم يكن معه في قرية واحدة أبعد عنه إلى حيث لا يجتمع معه في مسقى ولا محطب ولا مسرح، وكذلك إن حلف

مسألة: قال لرجل والله لا أكلمك غدا والله لا أكلمك بعد غد

الرجل ألا يجاور رجلا وهو معه ساكن في ربض واحد انتقل عنه إلى ربض آخر حيث لا يجتمعان للصلاة في مسجد واحد، وإن لم يكن معه في ربض واحد ولا حيث يجمعهما مسجد واحد فلا يبر إلا بالخروج عن المدينة كلها؛ لأن أهل المدينة الواحدة متجاورون. قال عز وجل: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب: 60] ، إلى قوله: {لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا} [الأحزاب: 60] . [مسألة: قال لرجل والله لا أكلمك غدا والله لا أكلمك بعد غد] مسألة وقال ابن القاسم في رجل قال لرجل: والله لا أكلمك غدا والله لا أكلمك بعد غد، قال: عليه كفارتان إن كلمه غدا وبعد غد، وإن كلمه غدا وكف عنه بعد غد فكفارة واحدة، وإن كف عنه غدا وكلمه بعد غد فكفارة واحدة. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال لأن تكليمه في غد غير تكليمه في بعد غد فهو كالحالف على فعلين مختلفين بيمين على كل واحد منهما يجب عليه في فعلهما جميعا كفارتان، وفي فعل أحدهما دون الآخر كفارة، بخلاف إذا جمعهما جميعا في يمين واحدة وهذا ما لا أعرف فيه اختلافا. [مسألة: قال والله لا أبيعك ثوبي ثم قال لآخر والله لا أبيعكما فباعهما جميعا] مسألة وقال مالك: إذا قال رجل لرجل: والله لا أبيعك ثوبي أنت ثم قال لآخر: والله لا أبيعكما فباعهما جميعا فقال مالك: عليه كفارة إن باع أحدهما وإن باعهما جميعا كفارتان. قال محمد بن أحمد: هذه مسألة صحيحة وقياسها قياس الذي قبلها لأنه أفرد أحد الرجلين باليمين عليه أن لا يبيع منه، ثم جمعه مع غيره في يمين أخرى فصار حالفا على أحدهما ألا يبيع منه بيمين واحدة وعلى الثاني

: حلف ليقضين غريمه حقه إلى شهر إلا أن يؤخره فأراد أن يؤخره

ألا يبيع منه بيمينين، فإن باعهما جميعا وجب كفارتان إذ ليس في اليمين المؤكدة إلا كفارة واحدة، وكذلك إن باع أحدهما لم يجب عليه إلا كفارة واحدة كان الذي حلف عليه يمينا واحدة أو الذي حلف عليه يمينين إذ لا يجب في اليمين المؤكدة بتكرار اليمين إلا كفارة واحدة وبالله التوفيق. [: حلف ليقضين غريمه حقه إلى شهر إلا أن يؤخره فأراد أن يؤخره] ومن كتاب الرهون وعن رجل حلف ليقضين غريمه حقه إلى شهر إلا أن يؤخره، فأراد أن يؤخره، قال: إن أراد أن يؤخره فليشهد على ذلك لئلا ينازع بعد ذلك فيقول لم أؤخره ولا يجد على ذلك بينة أنه أخره. قال محمد بن أحمد: إنما يجب عليه أن يشهد إذا كانت يمينه بطلاق أو عتاق أو ما أشبه ذلك مما يقضى به عليه؛ لأنه إن لم يشهد على تأخيره إياه فحل الشهر ولم يقضه قضي عليه بالعتق أو الطلاق ولم يصدق فيما يدعيه من تأخيره إياه، ولو كانت بما لا يقضى به عليه لم يحتج إلى إشهاد لأن ذلك فيما بينه وبين الله فهو موكول إلى أمانته. [مسألة: يمين المتطوع لغيره باليمين دون أن يستحلفه] مسألة وعن رجلين ابني رجل اسم أحدهما عبد الله بن عمر والآخر سعيد بن عمر، فسأل عبد الله بن عمر رجلا يطلب له إلى بعض الناس حاجة واستكتمه عبد الله بن عمر ذلك ففعل، فعلم به رجل آخر وقال: أطلبت لابن عمر إلى فلان؟ فقال: امرأته طالق البتة إن كنت طلبت لابن عمر إلى فلان، يريد بقوله ذلك سعيد بن عمر وقد كان طلب لعبد الله بن عمر، فجاء الرجل مستفتيا يستهل بذلك وعليه شهود شهدوا عليه أنك أخبرتنا أنك مشيت مع ابن عمر قبل أن تحلف في حاجته، فقال الرجل: إنما مشيت مع ابن عمر في

حاجة أريد بذلك عبد الله بن عمر ومعه مشيت، وإنما كانت يميني بالطلاق أني لم أمش مع ابن عمر أريد بذلك سعيد بن عمر، فقال أرى أن يدين في ذلك ويجعل إلى نيته، وأرجو ألا يكون هذا بالحنث وأراه بمنزلة رجل من الناس ليس بأخيه ليس بابني رجل واحد هذا رجل من العرب فواطأ اسمه اسم هذا الرجل واسم أبيه، وذلك الذي نوى حين حلف وخرجت يمينه على علم منه بما حلف عليه فإني أرى أن يدين في ذلك ويستحلف كانت عليه بينة أو لم تكن. قال محمد بن أحمد: قوله كانت عليه بينة أو لم تكن معناه إذا طلب باليمين فأقر بها إذ لا تأثير للبينة عليه مع الإقرار، ولو أنكر أن يكون حلف فلما قامت عليه البينة باليمين ادعى النية لم يصدق فيها ولم يقبل منه يمين، ولو أتى مستفتيا غير مطلوب لصدق فيما زعم أنه نواه دون يمين، وقال ابن القاسم في المجموعة وكتاب ابن المواز: لا يعجبني قول مالك في هذه ألا يحنث وقد سمعت من مالك فيما يشبهه أنه حانث، وإن كان قاله فلعله قد رجع عنه، قال ابن ميسر: الأول أجود وهذا الاختلاف على اختلافهم في يمين المتطوع لغيره باليمين دون أن يستحلفه هل يكون على نيته أو على نية المحلوف له، فالأكثر على أنها على نية الحالف، وهو قوله في هذه الرواية، وقد قيل: إنها على نية المحلوف له وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى قبل هذا وفي سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق، وقول أصبغ في سماعه بعد هذا، وعلى هذا يأتي ما لابن القاسم في المجموعة وكتاب ابن المواز في هذه المسألة، وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذا المعنى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق.

مسألة: استفتح المحلوف عليه في صلاة ففتح عليه الحالف

[مسألة: استفتح المحلوف عليه في صلاة ففتح عليه الحالف] ومن كتاب الثمرة مسألة قال ابن القاسم: إذا استفتح المحلوف عليه في صلاة ففتح عليه الحالف فهو حانث، قال ابن وهب: فتح عليه أو رد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الصلاة فهو حانث لأن الرد ليس من الصلاة وقد كان عبد العزيز يذكر ذلك. قال محمد بن أحمد: لا اختلاف في أن الحالف يحنث إذا فتح على المحلوف عليه كان معه في صلاة أو لم يكن لأن فتحه عليه ليس من سنة الصلاة وقد نفعه بذلك فهو معنى ما حلف عليه، ولا في أنه لا يحنث بالتسلمة الأولى التي يخرج بها من الصلاة كان إماما والمحلوف عليه وراءه أو مأموما والمحلوف عليه عن يمينه لأن ذلك من الصلاة فليس من معنى ما حلف عليه. واختلف في رد السلام على الإمام أو على من على يساره، فقال في المدونة: إنه لا يحنث، وقال ابن وهب وعبد العزيز: إنه يحنث، ومثله في كتاب ابن المواز، وكذلك اختلف أيضا هل يحنث الإمام بالتسلمة الثانية إذا كان ممن يسلم التسلمتين والمحلوف عليه عن يساره، ففي كتاب ابن المواز أنه يحنث، وقال ابن ميسر: إنه لا يحنث، وكذلك إذا كان مأموما فسلم على يساره تسليمة ثانية من غير رد والمحلوف عليه عن يساره، والاختلاف في هذا كله على ما ذكرناه في رسم جاع من الاختلاف في مراعاة المقصد إذا خالف اللفظ وكان مظنونا غير متيقن وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يبيع رجلا ثوبا أبدا وهو يريد قطع معاملته لنفسه] ومن كتاب أوله يدير ماله مسألة قال في من حلف ألا يبيع رجلا ثوبا أبدا وهو يريد قطع معاملته لنفسه وقطع المنفعة عنه وإرفاقه وينوي إن جاءه ليشتري

مسألة: اشترى سلعة بدنانير إلى أجل وحلف ليقضيه إياها إليه فوجد بالسلعة عيبا

لغيره منه فباع منه ابن للحالف صغير في حجره، قال: إن كان هذا الابن قد باع واشترى إلا أنه يستشير أباه كما يستشير غيره وكما استشير أنا وأنت فلا شيء عليه وإن كان لا يشتري ولا يبيع إلا بأبيه ولا ينفذ له بيع ولا شراء إلا بأبيه فهو حانث إن أجاز بيعه، وقال لي ابن وهب مثله وقال أشهب مثله. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال لأنه إذا أطلقه على البيع والشراء صار في ذلك كالمالك لأمر نفسه ولم يكن له أن يرد شيئا من بيوعاته وأشريته فوجب ألا يحنث بما باع منه بغير أمره ولا علمه إذ لا سبيل له إلى تعقب ذلك ولا رده وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى سلعة بدنانير إلى أجل وحلف ليقضيه إياها إليه فوجد بالسلعة عيبا] مسألة وسئل عن رجل اشترى سلعة بدنانير إلى أجل وحلف ليقضيه إياها إليه، فوجد بالسلعة عيبا فأراد ردها، قال: يقضيه الثمن ثم يخاصمه، قال أصبغ: ولو خاصمه قبل أن يقضيه حتى يرد عليه بغير شيء ويسقط موضع القضاء كان حانثا ثم إن رجع بعد ذلك يعطيه الثمن قبل الأجل لم ينتفع بذلك أيضا وقد وجب عليه الحنث، وسألت ابن وهب عن ذلك فقال لي مثله وأحب إلي أن يقضيه ثم يخاصم. قال محمد بن أحمد: تكررت هذه المسألة في هذا السماع من كتاب الأيمان بالطلاق في رسم إن خرجت وفي رسم إن أمكنتني ووجوب الحنث عليه إن لم يقضه الثمن بين إن كانت السلعة قايمة لأنه مخير بين أن يرد السلعة أو يدفع جميع الثمن، فإن لم يدفعه حنث، وأما إن فاتت السلعة ووجب له الرجوع بقيمة العيب فيستحب له أن يدفع إليه جميع الثمن ثم يقوم عليه فيأخذ منه قيمة العيب، فإن لم يفعل يحنث لأن العيب قد كشف أنه

مسألة: حلف رجل في عبده ألا يبيعه فرهنه فباعه السلطان عليه

لم يكن عليه جميع الثمن الذي حلف بدفعه، وقد قيل: إنه يحنث إن لم يدفع له جميع الثمن، والأول أظهر، والقولان في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى مع كتاب الأيمان بالطلاق، ولو لم يكن عليه يمين فظهر من السلعة علي عيب قبل أن ينقد الثمن فطلب البائع أن ينقده جميع الثمن ثم يخاصمه فيما يدعيه من العيب وأبى هو أن يدفعه إليه حتى يحاكمه فيه لم يكن ذلك له إلا أن يكون شيئا ينقضي من ساعته، قاله ابن مزين. [مسألة: حلف رجل في عبده ألا يبيعه فرهنه فباعه السلطان عليه] مسألة قال ابن القاسم: إذا حلف رجل في عبده ألا يبيعه فرهنه فباعه السلطان عليه في ذلك الرهن حين لم يكن له مال غيره فإنه لا حنث عليه وإن اشتراه يوما ما فلا شيء عليه فيه. قال محمد بن رشد: لم يبين في الرواية بم كانت يمين الحالف عليه؟ فقال يحيى بن عمر: إنما قال إنه لا حنث عليه لأن يمينه إنما كانت بحرية عبده فوقع الحنث ولا مال له غيره فكان الدين أولى من العتق، وهو تأويل جيد تصح به المسألة إذا قلنا: إن الحنث يقع عليه ببيع السلطان إليه، وهو المعلوم من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، فيكون معنى قوله في الرواية لا حنث عليه أي لا يعتق عليه بالحنث من أجل الدين، ويكون معنى قوله: وإن اشتراه يوما ما فلا شيء عليه أي لا يعتق عليه إن اشتراه بالحنث المتقدم؛ لأن الدين قد رده لا أن اليمين تنحل عنه بل ترجع عليه باشترائه إياه، فإن باعه عتق عليه على ما في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب العتق في الذي يحلف بعتق رقيقه ألا يكلم فلانا فيحنث فيرد الغرماء عتقه فيباعون في الدين ثم يشتريهم بعد ذلك أن اليمين ترجع عليه ويعتقون إن كلم فلانا، ويحتمل أن يكون معنى قوله: إن اشتراه يوما ما فلا شيء عليه أن اليمين تنحل عنه فلا يكون عليه شيء إن باعه بعد ذلك خلاف ما في سماع عيسى من كتاب العتق؛ لأن لذلك وجها وهو أنه قد يحنث ببيع السلطان

مسألة: حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا فوهبه له

فوجب أن يعتبر بحنثه وإن كان العتق قد رده الدين فلا يحنث مرتين على ما قالوا في من حلف ألا يفعل فعلا ففعله مرة فحنث أنه لا يحنث بفعله مرة أخرى، ورجوع اليمين عليه أظهر لأن العتق إذا رد فكان الحنث لم يقع إذ لم يلزمه به حكم على ما قالوا في من حلف بعتق عبده ألا يفعل فباع العبد ثم فعل ذلك الفعل ثم اشتراه ففعله ثانية إن العتق يلزمه إذ لم يلزمه بالفعل الأول والعبد في غير ملكه شيء، ولو كانت يمينه ألا يبيع عبده من غير عتقه فرهنه فباعه السلطان عليه في ذلك الرهن لجرى وجوب حنثه على الاختلاف في من حلف ألا يفعل فعلا فقضى عليه السلطان به، وقد مضى ذلك في رسم العشور وغيره، فإذا حنث على القول بتحنيثه لم ترجع عليه اليمين إلا في مسألة الوتد في رسم حلف من سماع ابن القاسم، وإذا لم يحنث على القول بأنه لا يحنث رجعت عليه اليمين إلا على القول بأن الملك الثاني كعبد آخر، وإن من حلف ألا يفعل فعلا بعتق عبده فباعه ثم اشتريه ففعل ذلك الفعل لم يكن عليه شيء، وإلى هذا ذهب ابن بكير، جعل رجوع العبد إليه بعد البيع كرجوع الزوجة بعد الثلاث. وقال الشافعي: لا ترجع عليه اليمين في العبد بعد الشراء ولا في الزوجة بعد النكاح واحدة طلقها أو ثلاثا. [مسألة: حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا فوهبه له] مسألة قال عيسى: قال ابن القاسم: لو أن رجلا حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا فوهبه له قال: إن كان أراد ألا ينفعه فهو حانث وإن لم يكن أراد ألا ينفعه فالهبة غير العارية فلا أرى عليه شيئا. قال محمد بن أحمد: وكذلك لو حلف ألا يعيره عارية فوهب له هبة ولو حلف ألا يهب له هبة فأعاره عارية لحنث إلا أن تكون له نية، قاله في المدونة، وذلك كله صحيح، والفرق بين المسألتين أن العارية هبة لأنها هبة لمنافع الشيء المعار، وليست الهبة عارية إذ لا ترجع إلى الواهب فإذا حلف الرجل ألا يعير رجلا ثوبا فوهبه له لم يكن عليه حنث إذ ليست الهبة عارية إلا

مسألة: حلف ألا يأكل من طعام فلان فاشتريا طعاما فأكلاه جميعا

أن يكون نوى ألا ينفعه فيحنث بكل وجه من وجوه المنافع وإن لم تكن عارية، وإذا حلف ألا يهبه هبة فأعاره عارية حنث؛ لأن المعير واهب لمنافع الشيء الذي أعاره، وهو قد عم بحلفه ألا يهبه هبة جميع الهبات الرقاب والمنافع، فوجب أن يحمل يمينه على عمومها إلا أن تكون له نية بأن يقول: إنما أردت هبة الرقاب ولم أرد هبة المنافع فينوى في ذلك وإن حضرته بينة فيما يقضى به عليه بخلاف من حلف ألا يهب لرجل ثوبا فوهبه ثوب كتان وقال: إنما أردت ثوب خز أو حرير؛ لأن لهبة المنافع اسما يختص بها كالعارية والإسكان والإمناح والإرفاق وشبه ذلك، ولو حلف ألا يهبه ثوبا فأعاره إياه عارية لم يحنث، فحلف الرجل ألا يهب الرجل ثوبا بخلاف حلفه ألا يهبه هبة، وحلفه ألا يعيره ثوبا مثل حلفه ألا يعيره عارية سواء، فقف على ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يأكل من طعام فلان فاشتريا طعاما فأكلاه جميعا] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل حلف ألا يأكل من طعام فلان فاصطحبا في سفر فاشتريا طعاما فأكلاه جميعا، قال: إن كان لم يأكل أكثر من نصيبه وإنما أكل نصيبه فما دونه فما أرى عليه شيئا، وقد سمعت عن مالك شيئا وهو رأيي لو ترك ذلك، وما أحب ذلك له بدءا، قلت له: أرأيت أن قدما سفرتيهما أو طعاميهما من غير اشتراء فأكلا جميعا من الطعامين فكان ذلك كفافا، قال: هذا لا يعجبني وأخاف أن يحنث، قال أصبغ: لا يحنث وإنما هو كالاشتراء كأنه اشترى منه ما أكل بما أكل فإذا كان مثلا فدون لم يكن أكثر حتى يكون له الفضل عليه فلا حنث عليه إن شاء الله. قال محمد بن أحمد: أما إذا اشريا طعاما فأكلاه جميعا فلا إشكال في أنه لا حنث على الحالف إذا لم يأكل أكثر من نصفه، والأصل في ذلك

مسألة: حلف ليقضين فلانا حقه في انسلاخ الهلال

قوله عز وجل: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] فأباح للوصي خلط نفقته بنفقة يتيمه إذا قصد بذلك الرفق بيتيمه ولم يرد بذلك الارتفاق لماله، فإذا لم يكن بهذا الفعل آكلا لمال يتيمه فلا يكون به آكلا لمال المحلوف عليه، وأما إذا قدما سفرتيهما أو طعاميهما من غير اشتراء فأكلا جميعا منهما فجعل ذلك أصبغ كالاشتراء، ولم يرج ذلك حنثا إذا لم يأكل الحالف أكثر من نصيبه، ولم يعجب ذلك مالكا وخشي عليه الحنث، ووجه ذلك الاشتراء يفتقر إلى رضى المتبايعين فلعل المحلوف عليه لا يسلم له ما أكل من طعامه بما أكل هو من طعامه إلا على سبيل الإفضال عليه وإن كان أقل قيمة منه إذ لا يلزمه أن يبيع طعامه إلا بما شاء من قليل الثمن وكثيره، وهذا إذا كانت يمينه على وجه المن ولم يكن لخبث أصل طعام الرجل ورداءة مكسبه، وقد مضى هذا المعنى في رسم نقدها نقدها من سماع عيسى، وقد مضى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد نحو هذا المعنى وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ليقضين فلانا حقه في انسلاخ الهلال] ومن كتاب البراءة مسألة قال ابن القاسم في من حلف ليقضين فلانا حقه في انسلاخ الهلال قال: إذا غابت الشمس ولم يقضه فهو حانث، فإن قال إلى انسلاخ الهلال، فمثل ذلك يحنث إذا غابت الشمس ولم يقضه، وإذا قال لانسلاخ الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى استهلال الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى رؤية الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى رمضان فهو

حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال آخر رمضان فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال في انقضاء رمضان فهو حانث إذا غربت الشمس، قال: والانقضاء مثل الانسلاخ فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى دخول الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس وإذا قال عند آخر الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس وإذا قال إلى أخر الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى ذهاب الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى رأس الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال في ذهاب الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال في رمضان وهو في رمضان فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى حلول رمضان فهو حانث إذا غربت الشمس من آخر يوم من شعبان، وإذا قال وهو في شوال في حلول وإذا حل وحين يحل وفي مجيء ولمجيء يوم وليلة وإذا قال إلى مجيء فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال حين ينقضي فله يوم وليلة أرجو ذلك، وإذا قال حين يسهل مثل ذلك أيضا، وإذا قال حين يذهب فله يوم وليلة، وإذا قال إذا استهل فله يوم وليلة وفي رؤية الهلال فله يوم وليلة، وإذا قال عند رؤية الهلال له يوم وليلة، وإذا رئي الهلال له يوم وليلة، وإذا قال انقضى الهلال له يوم وليلة، ولرؤية الهلال له يوم وليلة، وإذا قال عند انقضاء رمضان له يوم وليلة، وإذا قال إذا دخل هلال رمضان فله يوم وليلة، وإذا قال إذا حل الهلال له يوم وليلة، وإذا قال إذا جاء الهلال له يوم وليلة، وإذا قال عند دخول الهلال له يوم وليلة، وإذا قال إذا جاء الهلال له يوم وليلة وإذا دخل الهلال له يوم وليلة، وإذا قال حين يجيء الهلال له

يوم وليلة، وإذا قال: عند الهلال له يوم وليلة، وعند رأس الهلال له يوم وليلة، وإذا جاء رأس الهلال له يوم وليلة، وإذا قال إذا ذهب الهلال فله يوم وليلة، وإذا قال عند ذهاب الهلال فله يوم وليلة، وإذا قال في استهلال الهلال له يوم وليلة، وإذا قال عند استهلال الهلال ولاستهلال الهلال له يوم وليلة. قال محمد بن رشد: هذه ألفاظ كلها وهي نحو خمسين مسألة إنما يختلف ما يختلف منها ويتفق ما يتفق منها بحسب موضوعها في اللسان بما أتى فيه منها بإلي التي هي للغاية فهو حانث فيها بغروب الشمس سواء سمى معها ما هو من آخر شعبان أو من أول رمضان، وأما ما لم يأت فيه بإلى فينظر فيه فما كان منها يقتضي كون القضاء قبل تمام شعبان فهو حانث بغروب الشمس، وما كان منها يقتضي كون القضاء بعد تمام شعبان فله يوم وليلة من أول رمضان، فمنها ألفاظ بينة ومنها ألفاظ مشكلة محتملة يظهر فيها اضطراب من قول ابن القاسم، من ذلك تفرقته بين أن يقول ويتخرج على حمله على الاستقبال والحال جميعا ثلاثة أقوال، أحدها أنه يلزمه إخراج ثلث جميع ما يملك وجميع ما يفيد إلى ذلك الأجل، والثاني أنه يلزمه ثلث جميع ما يملك ويفيد إلى ذلك الأجل، والثالث أنه يلزمه ثلث ماله الساعة ولا شيء عليه فيما يفيده إلى ذلك الأجل، وذلك خمسة أقوال على ما قلناه، وهذا كله في اليمين، وأما إذا نذر الرجل أن يتصدق بجميع ما يفيده أبدا فيلزمه أن يتصدق بثلث ذلك قولا واحدا، وإن نذر أن يتصدق بجميع ما يفيده إلى أجل كذا أو في بلد كذا فيلزمه إخراج جميع ذلك قولا واحدا لقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، وقوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] ، وقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة: 75]

مسألة: حلف ألا يكلم رجلا فكتب إليه ذلك الرجل الذي حلف عليه ألا يكلمه

الآية إلى قوله: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77] . وقَوْله تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] ، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ، الحديث، وإن كان لم ينص في المدونة وغيرها على التفرقة في هذا بين النذر واليمين، فالوجه في ذلك عندي أن تحمل هذه المسائل على اليمين دون النذر، وإنما يستوي النذر واليمين عند مالك وعامة أصحابه في صدقة الرجل بجميع ما يملك من المال «لقوله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لأبي لبابة وقد نذر أن ينخلع من جميع ماله: يجزيك من ذلك الثلث» ، والله الموفق. [مسألة: حلف ألا يكلم رجلا فكتب إليه ذلك الرجل الذي حلف عليه ألا يكلمه] ومن كتاب القطعان مسألة وسئل عمن حلف ألا يكلم رجلا فكتب إليه ذلك الرجل الذي حلف عليه ألا يكلمه، فقال ابن القاسم: هو حانث إن قرأ كتابه وإنما ذلك بمنزلة ما لو أن الحالف نفسه هو الذي كتب إليه. قال محمد بن رشد: مثل هذا في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق، وحكى ابن المواز عن أشهب وعن ابن القاسم من رواية أبي زيد أيضا أنه لا يحنث الحالف بقراءة كتاب المحلوف عليه واختاره وزعم أنه أنكر جماعة من أصحاب ابن القاسم قول ابن القاسم بإيجاب الحنث عليه، وكذلك هو قول بعيد؛ لأن معنى تكليم الرجل إفهامه ما في نفسه، وليس في

مسألة: حلف ألا يأكل جبنا فأكل لبنا

قراءة الحالف كتاب المحلوف عليه إفهام له شيئا مما في نفسه من كلامه وإنما فهمه لما في نفس المحلوف عليه من الكلام فذلك بمنزلة ما لو كلمه المحلوف عليه ولم يراجعه عليه ووجه تحنيثه هو أن الحالف ألا يكلم رجلا قد أراد قطيعته، وقراءته لكتابه من باب الصلة له وفي ذلك بعد. [مسألة: حلف ألا يأكل جبنا فأكل لبنا] مسألة قال ابن القاسم: وليس الجبن من اللبن ولا اللبن من الجبن ولا السمن من الزبد ولا الزبد من السمن، كل هذا مفترق على حدة فمن حلف ألا يأكل جبنا فأكل لبنا فلا شيء عليه، ومن حلف ألا يأكل لبنا فأكل جبنا فلا شيء عليه، ومن حلف ألا يأكل زبدا فأكل سمنا فلا شيء عليه، ومن حلف ألا يأكل سمنا فأكل زبدا فلا شيء عليه، ومن حلف ألا يأكل لبنا فلا بأس أن يأكل الجبن والزبد والحالوم والسمن. قال محمد بن رشد: هذا صحيح، ومذهب ابن القاسم أنه إذا حلف ألا يأكل شيئا سماه عينه أو لم يعينه فأكل شيئا مما يخرج منه لم يحنث إلا أن يكون قال منه فيحنث إن كان شيئا مما يخرج منه ما عدا خمسة أشياء الشحم من اللحم، والنبيذ من التمر، والزبيب والعصير من العنب، والخبز من القمح والمفرق من اللحم فإنه يحنث بها عينها أو لم يعينها، قال منه أو لم يقل منه، وأما إذا حلف ألا يأكل شيئا فأكل ما خرج منه ذلك الشيء فلا شيء عليه عينه أو لم يعينه. قال منه أو لم يقل منه، وقد مضى هذا المعنى في رسم أوصى وبعض ما في ذلك من الخلاف.

مسألة: حلف ألا يأكل لبنا فأصاب لبن الضان وقال إنما أردت لبن المعز

[مسألة: حلف ألا يأكل لبنا فأصاب لبن الضان وقال إنما أردت لبن المعز] مسألة ومن حلف ألا يأكل لبنا فأصاب لبن الضان وقال: إنما أردت لبن المعز، أو أكل لبن المعز وقال: إنما أردت لبن الضان، أو أكل لبن البقر أو لبن الإبل وقال: إنما أردت لبن الغنم فإن كانت عليه بينة لزمه الحنث وإن جاء مستفتيا دين في ذلك، ومن حلف ألا يأكل سمنا فأكل سمن البقر وقال: إنما أردت سمن الغنم فمثل ذلك أيضا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم فمن ادعي نية مخالفة لظاهر لفظه أنه لا يصدق فيما يقضى به عليه إلا أن يأتي مستفتيا فلا خلاف في ذلك، ونظائرها في الأمهات أكثر من أن تحصى بعد أو يبلغها حصر. [مسألة: حلف ألا يبيع سلعة فاغتصبها رجل منه فوجدها قد فاتت عنده] مسألة وسئل عن رجل يحلف ألا يبيع سلعة فاغتصبها رجل منه فوجدها قد فاتت عنده بنجاء أو نقصان، قال: إن فاتته عنده بنجاء فأخذ لها ثمنا فقد حنث، وإن فاتت بنقصان فكان ذلك النقصان فاحشا يكون الثلث فأكثر فأخذ لها ثمنا فليس عليه شيء، وإن كان الشيء التافه فأخذ لها ثمنا فقد حنث، قلت: فإن كانت قد فاتت بنقصان فكان ذلك نقصانا فاحشا يكون أكثر من الثلث فأخذ من الغاصب سلعة مثل سلعته فأراد بيعها؟ قال: ليس عليه شيء لأنه إنما كانت وجبت له عليه دنانير، وقال في كتاب المكاتب من سماع يحيى وعيسى وسئل عن رجل حلف في سرج له ألا يبيعه فعدا عليه عاد فانتزعه منه غصبا فأراد الحالف أن يأخذ له ثمنا أو عوض سرجه، قال: إن كان السرج قائما لم يفت فأخذ له ثمنا أو عوضا

فهو حانث، وإن كان السرج قد فات فأخذ له قيمة أو سرجا فلا حنث عليه، وقال في كتاب باع شاة، قال عيسى: سألت ابن القاسم عن الرجل يحلف بحرية عبده ألا يبيعه فيغتصبه منه إنسان فينتقص عنده فهل له أن يأخذ قيمته؟ قال: إن كان الذي نقصه منه أمرا جاءه من الله فأخذ قيمته فقد حنث لأنه كان مخيرا على الغاصب إما أن يأخذه بعيبه ولا شيء عليه في العيب، وبين أن يسلمه ويأخذ قيمته، فلما أسلمه وأخذ قيمته كان بايعا له، ولو أصابه غيره بأخذ له إنشاء أو لم يأخذ له فأسلمه كان حانثا إذا رضي بالقيمة من غاصبه ولو أنه أخذه وأخذ ما أخذ الغاصب في جرحه أو اتبع الجارح بما جنى على عبده لم يكن عليه شيء. قال محمد بن رشد: الذي يتحصل من هذه الرواية ثلاثة أقوال، أحدها أنه لا يحنث بأخذ القيمة منه إذا فاتت عنده فواتا توجب له تضمين القيمة إياه يسيرا كان النقصان أو كثيرا بأي وجه كان وهو الذي في كتاب المكاتب، والثاني أنه يحنث بأخذ القيمة منه فيها وإن فاتت ووجب له تضمين القيمة إياه يسيرا كان النقصان أو كثيرا بأي وجه كان، وهو الذي في كتاب باع شاة، والثالث أنه يحنث بأخذ القيمة فيها منه إن كان النقصان يسيرا، ولا يحنث إن كان النقصان كثيرا أكثر من الثلث، وجه القول الأول إن ذلك ليس بيعا لأن البيع إنما يكون برضى المتبائعين والغاصب مجبور على أخذ القيمة منه، ووجه القول الثاني أن ذلك بيع من أجل أنه مخير بين أن يأخذ سلعته ويضمنه ما نقص يسيرا كان النقصان أو كثيرا وبين أن يسلمها إليه ويأخذ منه قيمته، فأشبه من حلف ألا يبيع سلعة فباعها على أنه فيها بالخيار أنه يحنث إن أمضاها له وإن كان المبتاع مجبورا على أداء الثمن فيها للعقد المتقدم، والقول الثالث لا يخرج عن القولين، فهو استحسان على غير حقيقة القياس، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف ألا يستسلف من رجل شيئا وللحالف للمحلوف عليه حق

[مسألة: حلف ألا يستسلف من رجل شيئا وللحالف للمحلوف عليه حق] ومن كتاب أوله باع شاة مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يستسلف، من رجل شيئا وكان على الحالف للمحلوف عليه حق، فسأله أن يؤخره، قال: إن سأله أن يؤخره فأخره حنث قلت: فرجل حلف ألا يسلف رجلا شيئا وكان له عليه حق فسأله أن يؤخره فأخره حنث؟ قلت: أفيتوانى في تقاضيه منه من غير تأخير؟ قال: لا. قال محمد بن أحمد: إنما وجب أن يحنث الحالف ألا يستسلف بالانتظار والحالف ألا يسلف بالإنظار لأن ذلك في معنى السلف وإن لم يسم ذلك سلفا والحكم للمعاني دون الأسماء فلو ادعى كل واحد منهما أنه أراد السلف ولم يرد الإنظار لوجب أن ينوى على أصولهم وإن كانت على يمينه بينة، وقد مضى ذلك في رسم أسلم وأما إذا توانى في تقاضيه من غير تأخير فالصواب أنه لا يحنث إن فعل وإن كان لا ينبغي له أن يفعل ليكون ذلك أبر له وأبرأ من الحنث إذ لم يقع منه سلف ولا ما هو في معناه من الإنظار، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لينتقلن] مسألة وقال مالك: من حلف لينتقلن فلينتقل بكل شيء له، وليقم شهرا ثم ليرجع إن شاء، ولو قال: امرأتي طالق البتة لانتقلن عنك فإنه يطلب ويرتاد لنفسه منزلا ولكن لا يطأ حتى ينتقل. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم وجه استحسانه للمنتقل أن يقيم شهرا قبل رجوعه، ومضى في رسم أوصى من هذا السماع القول في انتقاله بجميع متاعه فلا معنى لإعادة ذلك، وأما قوله إنه إن حلف بالطلاق فلا يطأ حتى ينتقل فهو قوله في

مسألة: حلف ألا يسأل رجلا شيئا فأعطاه ذلك الرجل شيئا

المدونة وغيرها؛ لأنه على حنث فإن رفعت امرأته أمرها وطلبته بالوطء ضرب له أجل الإيلاء من يوم ترفعه، فإن بر بالانتقال وإلا طلق عليه بالإيلاء وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يسأل رجلا شيئا فأعطاه ذلك الرجل شيئا] ومن كتاب العتق مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يسأل رجلا شيئا فأعطاه ذلك الرجل شيئا، قال: لا حنث عليه إن لم يسأله إلا أن يكون نوى ألا يأخذ منه شيئا. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال، والأصل في ذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المسألة وأباح للرجل قبول ما أعطي من غير مسألة، فلم يكن ما أباح من جنس ما نهى عنه، وفي هذه المسألة زيادة في سماع أصبغ سيأتي القول عليها في موضعها إن شاء الله تعالى. [مسألة: حلف ألا يجاور رجلا فمرض المحلوف عليه فأتاه عائدا] من سماع يحيى من ابن القاسم - رَحِمَهُ اللَّهُ - من كتاب الصبرة مسألة قال يحيى: وسئل عن رجل حلف ألا يجاور رجلا فيرتحل عنه ثم يمرض المحلوف عليه فيأتيه الحالف عائدا فيقيم عنده أياما أو يأتيه زائرا فيقيم أياما، قال: لا حنث عليه في إقامته اليومين والثلاثة ونحو ذلك، قيل له: فإن كانت إقامته عنده ومعه أهله أترى في إقامته اليومين والثلاثة مع أهله وعياله بأسا وقد ارتحل عنه رحيلا بائنا؟ قال محمد بن رشد: من حلف ألا يسكن رجلا ولا يجاوره ولا نية له في مجانبته والتنحي عنه فلا يحنث بالزيارة ما لم تطل؛ إذ ليست بسكنى على ما في المدونة وغيرها، واختلف إن طالت فقيل: إنه لا يحنث إذا لم يكن على

مسألة يحلف إن فعل كذا فماله صدقة على المساكين بأيمان مختلفة فيحنث

وجه السكنى، وهو قول أشهب في كتاب ابن المواز وأحد قولي أصبغ، وقيل: إنه يحنث إذا طالت لأنه يكون بها في معنى المساكن وإن لم يكن مساكنا، وهذا على ما ذكرناه في رسم جاع من سماع عيسى من اختلافهم في مراعاة المقصد المظنون إذا خالف ما يقتضيه اللفظ المظنون به، واختلف في حد الطول الذي يكون به الزائر في معنى المساكن على قولين، أحدهما أنه ما زاد على الثلاثة الأيام ونحوها وإن كان معه في حاضرة واحدة، وهو ظاهر هذه الرواية ولم يجب إن كان معه أهله وولده في هذه الأيام، والظاهر أنه لا يحنث أيضا إلا أن يكون أصل يمينه لما يدخل بين النساء والصبيان، والثاني أن الطول في ذلك أن يكثر الزيارة بالنهار أو يبيت في غير مرض إلا أن يشخص إليه من بلد آخر فلا بأس أن يقيم اليوم واليومين والثلاثة على غير مرض وهو قول ابن القاسم وروايته عن ملك في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وأصحابه، والاختلاف في هذا راجع إلى العرف والعادة في الزيارة فيحنث عند جميعهم إذا أقام أكثر مما جرت العادة بإقامته في الزيارة، وإنما اختلفوا لأن كل واحد منهم أجاب بما غلب على ظنه من العرف في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة يحلف إن فعل كذا فماله صدقة على المساكين بأيمان مختلفة فيحنث] ومن كتاب الصلاة مسألة قال يحيى: وسئل ابن القاسم عن الرجل يحلف إن فعل كذا وكذا فماله صدقة على المساكين يحلف بأيمان مختلفة في أيام مفترقة أو غير مفترقة فيحنث في إحدى الأيمان اليوم وفي يمين أخرى غدا، وفي يمين ثالثة بعد الغد، يحنث في أيمان كثيرة على هذا النحو، أيلزمه أن يتصدق بثلث ماله لأول حنثه ثم بثلث ما بقي للحنث الثاني ثم بثلث ما بقي للحنث الثالث؟ يكون على هذا يلزمه في كل حنث إخراج ثلث ما بقي أم لا يلزمه إلا إخراج ثلث ماله مرة

واحدة وإن حنث في جميع أيمانه؟ فقال: إن كانت أيمانه في كلمة واحدة أو كلام مختلف وأيمان شتى وأزمان متباعدة ذلك كله سواء لا يلزمه من ذلك إلا إخراج ثلث ماله مرة واحدة حنث في جميع أيمانه أم لم يحنث إلا في يمين واحدة إلا أن يكون حنث فأخرج ثلث ماله ثم حلف بعد ذلك وحنث فهو الذي يجب عليه أن يخرج ثلث ما بيده كلما حنث على هذه الحال، فأما ما وكد من الأيمان أو أكثر من الحنث قبل أن يخرج ثلث ماله لحنثه وإن كان ذلك في أمور كثيرة مختلفة فليس عليه إلا ما على من لم يحنث إلا يمينا واحدة في أمر واحد، ثم إذا حنث في إحدى الأيمان فأخر ثلث ماله ثم حنث في بقية الأيمان التي كان عقد قبل أن يخرج ثلث ماله فلا شيء عليه في جميع تلك الأيمان حنث فيها قبل إخراج الثلث أو بعده، قلت: أرأيت إن حلف وماله ألف دينار فأنفقه إلا مائة دينار ثم حنث؟ قال: ليس عليه أن يخرج إلا ثلث المائه الدينار، قيل له: فإن حلف وماله ألف دينار فلم يحنث حتى أدارها فصارت ألفي دينار ودخلت عليه فوائد؟ قال: ليس عليه أن يخرج إلا ثلث ما كان بيده يوم حلف، كذلك قال لي مالك. قلت: أرأيت ما استنفق بعد ما حنث من المال الذي كان بيده يوم حلف؟ قال: أحب إلي أن يخرج ثلث جميع ما كان بيده يوم حنث مما كان يملك يوم حلف، ولا أرى ذلك عليه واجبا. قال محمد بن رشد: قوله في من حلف بصدقة ماله مرات على أشياء شتى إنه ليس عليه إذا حنث في أيمانه كلها إلا ثلث ماله مرة واحدة فإن حنث فيها كلها قبل أن يخرج ثلث ماله أخرج ثلثه مرة واحدة وإن حنث في بعضها فأخرج ثلث ماله في بقيتها فليس عليه شيء صحيح؛ لأن عقد اليمين

لا يوجب عليه الصدقة بثلث ماله وإنما يوجب ذلك عليه الحنث فإذا حلف بصدقة ماله على شيء ألا يفعله ثم حلف قبل أن يحنث بصدقة ماله ثانية على شيء آخر ألا يفعله فحنث في اليمين فليس عليه فيهما إلا ثلث ماله مرة واحدة سواء حنث فيهما جميعا قبل أن يخرج الثلث أو حنث في أحدهما فأخرج الثلث ثم حنث في الآخر بعد ذلك؛ لأنه إنما هو حالف في اليمين بشيء واحد وهو ثلث ماله، فإن كان قد أخرجه إن حنث في اليمين الأولى فلم يبده ما يحنث به في اليمين الثانية، وإن كان لم يخرجه فهو الذي يجب عليه إخراجه بمنزلة من قال: إن فعلت كذا وكذا فعبدي فلان حر فليس عليه أكثر من حرية عبده حنث في اليمينين أو في أحدهما، وقد وقع في سماع أبي زيد بعد هذا ما لابن القاسم، وأما لابن كنانة على ما يحتمله ذلك من التأويل أن عليه إخراج ثلث ماله لليمين الأول ثم ثلث ما بقي لليمين الثانية ثم ثلث ما بقي لليمين الثالثة، وهو بعيد بدليل ما ذكرناه، وإنما يجب عليه في القياس إخراج ثلث ماله لليمين الأولى وثلث ما بقي لليمين الثانية وثلث ما بقي لليمين الثالثة إذا حلف وحنث ثم حلف وحنث ثم حلف وحنث لأنه إذا حنث فقد وجب عليه إخراج ثلث ماله فإذا حلف بصدقة ماله بعد وجوب ذلك عليه فإنما تقع يمينه بصدقة ما بقي من ماله فيجب عليه إخراج ثلثه إذا حنث لا يدخل بعض ذلك في بعض خلاف ما تدل عليه هذه الرواية وخلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وبعض أصحابه من أنه لا يجب عليه إلا ثلث واحد للأيمان كلها، وذلك استحسان على غير قياس مراعاة للاختلاف في أصل اليمين، وأما إذا حلف وحنث فأخرج ثلث ماله ثم حلف بعد ذلك وحنث فلا اختلاف في أن عليه إخراج ثلث ما بقي بيده بعد ما أخرج لليمين الأولى، ولا اختلاف في أنه إذا حلف بصدقة ماله ثم حنث وقد نقص المال أنه لا يجب عليه أن يتصدق إلا بما بقي بيده يوم حنث، واختلف إذا حنث وقد زاد المال بتجارة أو بولادة رقيق كانوا فيه، فقال في الرواية: إنه ليس عليه أن يخرج ثلث النماء، ومثله في الواضحة وغيرها لابن

مسألة: يحلف على رجل ألا يؤمنه فقدم مكانا يقدر فيه ذلك الرجل السلطان عليه

القاسم، وهو صحيح؛ لأنه على بر، وقد قال ابن القاسم في الذي يحلف بعتق رقيقه ألا يفعل فعلا فيولد لهم أولاد إن القياس ألا يدخل أولادهم في اليمين لأنه علي بر، وإن كان قد قال مالك إنهم يدخلون في اليمين، وفي المبسوطة لابن دينار أن ربح المال يدخل في الصدقة ولا يدخل أولاد الرقيق في اليمين بعتقهم، ولو قال في ذلك بالعكس لكان أشبه من أجل الاختلاف في اليمين بصدقة المال، وأما ما استنفق بعد ما حنث مما كان بيده يوم حلف فالقياس أن عليه أن يخرج ثلث ذلك، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم في المبسوطة وقول ابن حبيب في الواضحة، وقول ابن المواز، قال: لأنه كالزكاة يجب عليه ما أنفق، وإسقاط ذلك عنه في الرواية استحسان مراعاة للاختلاف في اليمين، وأما ما تلف من المال بعد الحنث فقال في الهبات من المدونة لا شيء عليه فيه فرط أو لم يفرط، ومثله في الواضحة وفي المبسوطة من رواية أصبغ عن ابن القاسم، وله فيها أيضا ما يدل على أن عليه أن يخرج ثلث ما تلف إذا فرط، وهذا الذي يوجبه النظر قياسا على المال يفرط في إخراج الزكاة منه بعد الحول حتى يتلف فالقول الأول استحسان على غير قياس، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف على رجل ألا يؤمنه فقدم مكانا يقدر فيه ذلك الرجل السلطان عليه] ومن كتاب المكاتب مسألة وسألته عن رجل من ذوي السلطان يحلف على رجل ألا يؤمنه فقدم ذلك الرجل مكانا يقدر فيه ذلك الرجل السلطان عليه ويناله من عقوبته ما أحب فتجافى عنه وتركه غير مؤمن ولا معاقب أترى أن قد حنث؟ قال: نعم أراه حانثا إذا كان أمره على ما وصفت، قلت: أرأيت إن كان المحلوف عليه مختفيا يعلم السلطان بمكانه فتركه على خوف أذلك عندك بمنزلة ما لو كان ظاهرا كالآمن وهو غير مؤمن؟ فقال: أما إذا علم بمكانه وكان قادرا عليه فتركه فقد حنث،

مسألة: يأبق عبده فيحلف إن أظفره الله ليعاقبنه فيظفر فيؤخر عقوبته

قلت: أرأيت إن كان يريد أن يعاقبه ليبر في يمينه أيضره سكوته عنه أياما بعد علمه بمكانه؟ قال: نعم أراه حانثا إلا أن يكون تركه تركا يسيرا اليوم ونحوه وهو يروي في أخذه وعقوبته. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه حمل يمينه ألا يؤمنه على ما ظهر إليه من أنه أراد ليعاقبه فحنثه بتأخير عقوبته، فالاختلاف في هذه المسألة في موضعين: أحدهما حمل يمينه على المقصد المظنون دون ما يقتضيه اللفظ المظنون به، وقد مضى ذكر ذلك في مواضع منها رسم جاع من سماع عيسى، والموضع الثاني أنه حمل يمينه ليفعلن على التعجيل حتى يريد التأخير فحنثه بتأخير العقوبة، وذلك نحو ما في سماع أبي زيد من كتاب العتق في الذي يقول: إن لم يصنع لنا فجاريتي حرة، ومثل ما في المدونة من رواية ابن القاسم عن مالك في الذي يحلف لينتقلن أنه لا يقيم طرفة عين وليخرج ساعة حلف وإن كان في جوف الليل إلا أن تكون له نية، خلاف المشهور من أنه على التأخير حتى يريد التعجيل، من ذلك قولهم في من حلف بطلاق امرأته ليفعلن فعلا أنه لا يطأ امرأته حتى يفعل ويضرب له أجل الإيلاء إن طلبت امرأته الوطء، وقوله في المسألة التي بعد هذا وقد نص على اختلاف قول مالك في المبسوطة، وهو على اختلافهم في الأمر هل يقتضي الفور أم لا. وقد ذكرنا ذلك أيضا في رسم سن من سماع ابن القاسم، وقول ابن القاسم في هذه المسألة على قياس قول مالك في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق في الذي يقول: كل مملوك له حر إن عفوت عنك إلا أن يعفو عنك السلطان فقف على ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يأبق عبده فيحلف إن أظفره الله ليعاقبنه فيظفر فيؤخر عقوبته] مسألة وسألته عن الرجل يأبق عبده فيحلف إن أظفره الله ليعاقبنه فيظفر فيؤخر عقوبته، قال: لا يكون حانثا إلا أن يموت الحالف قبل

مسألة: قال علي نذر أن أعتق عبدي فلانا

أن يعاقبه فيكون حنثه في ثلث ماله، قلت: أرأيت إن فرط في العقوبة وهو قادر عليها حتى يأبق ثانية أتراه حانثا؟ قال محمد بن أحمد: لم يحمل يمينه في هذه المسألة على التعجيل، فقوله فيها خلاف قوله في المسألة التي قبلها، وسكت عن وجوب الحنث عليه إن فرط في عقوبته حتى يأبق ثانية، والذي يأتي على قياس قوله في أول المسألة أنه لا يحنث إلا أن يموت الحالف قبل أن يقدر عليه فيكون حنثه في ثلث ماله، وكذلك قال محمد فيها إنه لا حنث عليه، والعمل في ذلك إن مات الميت وأوصى بوصايا مال أن يخرج من ثلث مال الميت سوى العبد الآبق فيعطى من ذلك لأهل الوصايا بقية ثلث مال الميت مع العبد الآبق ويوقف الباقي، فإن وجد العبد الآبق أو علم أنه كان حيا حين مات الحالف نفذت له الحرية ورد ما وقف إلى الورثة وإن لم يوجد ولا علمت حياته حين مات الحالف وأيس من علم ذلك كان ما وفق لأهل الوصايا، مثال ذلك أن يترك الميت ثلاثين دينارا ويوصي لرجل بعشرة دنانير وقيمة الآبق عشرة دنانير فيخرج ثلث الثلاثين عشرة دنانير فيدفع منها للموصى له بالعشرة دنانير ثلاثة دنانير وثلث دينار؛ لأن الورثة تقول له لعل الآبق حي فلا يحنث لك إلا ثلاثة وثلث دينار؛ لأن جميع المال يكون أربعين يبدأ العبد في ثلثها بعشرة لأن العتق مبدأ على الوصية فلا يجب لك إلا البقية، وبالله التوفيق. [مسألة: قال علي نذر أن أعتق عبدي فلانا] مسألة قال: وسألته عن الرجل يقول: علي نذر أن أعتق عبدي فلانا ماذا عليه؟ فقال: أحب له الوفاء بما جعل لله عليه من التقرب بعتق رقبة عبده، ولا أرى ذلك لازما له كالحنث فيه وإنما هو رجل نذر ليفعلن خيرا فليوف بنذره.

مسألة: حلف بالمشي إلى بيت الله

قال محمد بن أحمد: قوله أحب الوفاء بما جعل لله عليه من ذلك ليس على ظاهره من أن ذلك يستحب له أن يفعله فإن فعله أجر وأن لم يفعله لم يأثم، فهو تجاوز في العبارة لأن من نذر ما لله فيه طاعة فالإيفاء به عليه واجب، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» . وقولي: ولا أرى ذلك لازما له كالحنث معناه ولا أرى أن يحكم به عليه كما يحكم عليه بالحنث؛ لأن ذلك ليس بلازم له فيما بينه وبين خالقه كالحنث بل هو واجب عليه وألزم له فيما بينه وبين خالقه من الحنث؛ إذ لم يختلف أهل العلم في وجوب ما لله فيه طاعة بالنذر، واختلفوا في وجوب ذلك باليمين، وأشهب يرى أن يحكم بالعتق على من نذره على نفسه، وهو أظهر ووجه قول ابن القاسم أن الحكم عليه بالعتق لا وفاء له به؛ لأن الأعمال بالنيات فتركه عسى أن يفي أولا من أن يفوت عليه الوفاء فيحصل في إثم لا مخرج له منه، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالمشي إلى بيت الله] ومن سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم مسألة قال: وسئل ابن القاسم عن الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله يمشي ذراعا ويحفر ذراعا، قال: يمشي ولا هدي عليه في الحفر، ولا يحفر. قال محمد بن أحمد: أما المشي فلا اختلاف في وجوبه عليه بالنذر لأنه طاعة لله، وقوله: إن الحفر لا هدي فيه عليه صحيح على ما مضى في رسم المحرم من سماع ابن القاسم، وفي ذلك اختلاف قد ذكرناه هناك فلا معنى لإعادته.

مسألة: قال لرجل والله لا أكلمك يوما وذلك في الضحى أو نصف النهار

[مسألة: قال لرجل والله لا أكلمك يوما وذلك في الضحى أو نصف النهار] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول للرجل: والله لا أكلمك يوما وذلك في الضحى أو نصف النهار، قال: يكف عن كلامه بقية يومه وليلته إلى مثل تلك الساعة، قلت: وكذلك لو قال له في الليل والله لا أكلمك ليلة قال: يكف عن كلامه بقية ليلته ويومه من غد إلى ذلك الحين من ليلة غد حين حلف. قال محمد بن أحمد: اليوم يقع على واحد من جنسه تقول يوم وأيام والليلة كذلك أيضا تقع على واحد من جنسها تقول ليلة وليال فالليلة تختص بالزمان الذي يكون من غروب الشمس إلى طلوعها أو إلى طلوع الفجر على ما مضى فيه في رسم القبلة من سماع ابن القاسم، واليوم يختص بالزمن الذي يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أو من طلوعها إلى غروبها على ما مضى القول أيضا في ذلك في رسم القبلة، ومن قال: إن اليوم يقع علي الزمن الذي يكون من طلوع الشمس إلى طلوعها أو من غروبها إلى غروبها يرثه قول الله عز وجل: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7] . فإذا حلف الرجل ألا يكلم رجلا يوما وهو في بعض النهار وجب ألا يكلمه حتى يستكمل يوما كاملا من حين حلف، وذلك لا يكون إلا بأن يمسك عن كلامه من حين يمينه إلى ذلك الحين من يوم آخر؛ لأن اليوم يتعين من حين يمينه، ولو حلف ألا يكلمه أياما لوجب أن يمسك عن كلامه عدد الأيام التي حلف عليها إلى ذلك الحين من اليوم الذي حلف فيه على قياس هذا القول، وقد قيل: إنه يلغي بقية ذلك اليوم، اختلف قول مالك في ذلك، وقع اختلاف قوله في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة، وإذا حلف الرجل ألا يكلم ليلة وهو في بعض الليل فعلى قياس ذلك أيضا، ولو حلف وهو في النهار ألا يكلم فلانا ليلة أو كذا وكذا ليلة وهو في

مسألة: قالت مالي في المساكين صدقة إن دخلت دار أخي فأرادت الدخول

الليل ألا يكلم فلانا يوما أو كذا وكذا يوما لم يكن عليه أن يمسك عن كلامه بقية يومه ولا بقية ليلته واستأنف حساب ما حلف عليه من الليالي بعد انقضاء يومه وما حلف عليه من الأيام بعد انقضاء ليلته ولسحنون في كتاب ابنه أنه إذا حلف ألا يكلمه ليلة فذلك على بقية ليلته، وإذا حلف ألا يكلمه يوما فلا بد أن يكون الليل والنهار، فجعل قوله ليلة بمنزلة قوله هذه الليلة فلم يلزمه الإمساك عن تكليمه إلا بقية ذلك اليوم إلى الغروب، فقوله إنه لا بد أن يكون في ذلك الليل والنهار إنما يخرج على قول من قال: إن اليوم يقع على الليل والنهار من الطلوع إلى الطلوع أو من الغروب إلى الغروب، أو من أي وقت كان إلى مثل ذلك الوقت من يوم آخر، وقد بينا أن القرآن يرد هذا القول، والنهار يقع على الجنس الذي يكون فيه الضياء من الزمان، والليل يقع على الجنس الذي يكون فيه الظلام من الزمان، فإذا حلف الرجل ألا يكلم رجلا نهارا فلا يكلمه أبدا نهارا إلا أن يريد هذا النهار، وإذا حلف ألا يكلمه ليلا فلا يكلمه أبدا ليلا إلا أن يريد هذه الليلة، وبالله التوفيق. [مسألة: قالت مالي في المساكين صدقة إن دخلت دار أخي فأرادت الدخول] مسألة وسئل سحنون عن امرأة قالت: مالي في المساكين صدقة إن دخلت دار أخي فأرادت الدخول وتخرج ثلث مالها في المساكين، فمنعها الزوج من الصدقة، قال: لا أرى أن تمنع من الثلث وقد لزمها ذلك إن حنثت وليس له أن يحول بينها وبين الثلث ولو كانت حلفت بأكثر من الثلث لم يكن عليها شيء إذا كره الزوج ذلك لها. قال أصبغ بن الفرج: لا شيء عليها في ثلثها ولا غير ذلك إذا منعها الزوج من ذلك خلاف ما يلزمها إخراج ثلث مالها. قال محمد بن أحمد: هذه المسألة مبنية على اختلافهم إذا قصدت المرأة بصدقة ثلث مالها الإضرار بزوجها هل له أن يرد ذلك أم لا؟ فقول سحنون في هذه المسألة على روايته عن ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب

مسألة: حلف بالتوراة والإنجيل في كلمة واحدة

الصدقات والهبات قوله هناك، وقول أصبغ على قول مالك في سماع أشهب من كتاب الأقضية وقول ابن القاسم في رواية يحيى، واختلف إذا تصدقت بأكثر من الثلث، فقال ابن القاسم ورواه عن مالك: يرد الزوج الجميع، وقال ابن الماجشون: ليس له أن يرد إلا ما زاد على الثلث ورواه عن مالك وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة قال ابن الماجشون: وإنما يكون له أن يرد الجميع في العتق من أجل أنه لا يبغض وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالتوراة والإنجيل في كلمة واحدة] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون مسألة لله علي صيام، قيل لسحنون: أرأيت من حلف بالتوراة والإنجيل في كلمة واحدة عليه كفارات أو كفارة واحدة؟ قال: عليه كفارة واحدة. قال محمد بن أحمد: قد تقدم القول في هذه المسألة موعبا في رسم أوصى من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [مسألة: قال لله علي الصيام] مسألة وقال في رجل قال: لله علي الصيام ولم يقل غير هذا أو قال صدقة ولم يقل غير هذا، قال: يصوم ما شاء ويتصدق بالدرهم والنصف والربع، قيل له: فالفلس والفلسان قال: ما زاد فهو أحسن. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال من أجل أن كل ما يتصدق به مما يكون للمتصدق عليه فيه وجه منفعة وإن قل فاسم الصدقة متناول له، فوجب إذا لم يكن للحالف نية ولا بساط أن يحمل يمينه عليه ولا عرف ولا مقصد تصرف يمينه إليه أن يبر بذلك، وقد مضى من القول في سماع أشهب نحو هذا وبالله التوفيق.

مسألة: حلف ألا يشتري أكثر من عشرة شياه فاشترى ثلاثين مع ثلاثة نفر

[مسألة: حلف ألا يشتري أكثر من عشرة شياه فاشترى ثلاثين مع ثلاثة نفر] مسألة وفي رجل حلف ألا يشتري أكثر من عشرة شياه فاشترى ثلاثين شاة مع ثلاثة نفر لكل واحد ثلثها، قال مرة يحنث ومرة لا يحنث إذا قاسم شريكه، فإن صار له في ثلثه أكثر من عشر شياه حنث، وإن صار له عشرة فأدنى لم يحنث. قال محمد بن أحمد: هذا إنما يصح على القول بأن القسمة تمييز حق؛ لأنه انكشف بها أنه لم يزل مالكا من يوم اشترى إلا لما صار له الآن في القسمة، فوجب أن يحنث إذا كان الذي صار له في القسمة أكثر من عشرة شياه، وأما على القول بأنها بيع من البيوع فلا حنث إلا أن يصير له في القسمة أكثر من خمس عشرة شاة لأنه إذا صار له بها خمس عشرة شاة فإنما اشترى من شريكه ثلثها وذلك عشرة بثلث الخمس عشرة التي صارت لشريكه فلا يحنث إلا أن يكون الذي صار له بالقسمة أكثر من خمس عشرة لأنه حينئذ يكون قد اشترى من شريكيه أكثر من عشر شياه وهذا بين إذا تدبرت. [مسألة: باع مالا وحلف ألا يقيل صاحبه ولا يضع عنه فأمره السلطان بردها] من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم مسألة قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن رجل باع مالا لي أو سلعة ما كانت؟ وحلف ألا يقيل صاحبه ولا يضع عنه فقضى عليه السلطان بردها، قال: لا حنث عليه وليس هذا مما حلف عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة وقد مضى القول فيها في رسم يسلف من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

مسألة: حلف ألا يأكل ديكا فأكل دجاجة

[مسألة: حلف ألا يأكل ديكا فأكل دجاجة] ومن سماع عبد المالك بن الحسن وسؤاله ابن القاسم مسألة قال عبد المالك: قال ابن القاسم: من حلف ألا يأكل دجاجا فأكل ديكا حنث، ومن حلف ألا يأكل دجاجة فأكل ديكا فلا حنث عليه لأن الديكة دجاج في كلام الناس واسم الدجاج لجميع الذكور منها والإناث ومن حلف ألا يأكل ديكا فأكل دجاجة لم يحنث ومن حلف ألا يركب فرسا فركب برذونا حنث ومن حلف ألا يركب برذونا فركب فرسا لم يحنث. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن يمين الحالف إذا عريت عن نية أو بساط أو مقصد يخالف لفظه حملت على ما يقتضيه اللفظ في اللسان، والدجاج لا يتسمى ديكا، فإذا حلف ألا يأكل ديكا أو ديكة فلا يحنث بأكل الدجاج والدجاج يقع على الذكور والإناث فمن حلف ألا يأكل دجاجا فأكل ديكا حنث لأن لفظه اقتضاه، وكذلك البرذون تسمى فرسا والفرس لا تسمى برذونا فوجب أن يحنث من حلف ألا يركب فرسا فركب برذونا وألا يحنث من حلف ألا يركب برذونا فركب فرسا وبالله التوفيق. [مسألة: قال: علي عهد الله وأشد ما حمل أحد على أحد] مسألة قال: وسألت ابن وهب عمن قال: علي عهد الله وأشد ما حمل أحد على أحد، قال عليه في العهد كفارة يمين، وليس في أشد ما حمل أحد على أحد إلا كفارة يمين. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم أوصى من سماع عيسى فأغنى ذلك عن إعادته.

مسألة: حلف ألا يطأ امرأته فوطئها وهي حائض

[مسألة: حلف ألا يطأ امرأته فوطئها وهي حائض] مسألة وسئل عمن حلف ألا يطأ امرأته فوطئها وهي حائض، فقال: هو حانث قلت: فإن حلف أن يطأها فوطئها وهي حائض؟ قال: هو حانث إلا أن يكون نوى ذلك. قال محمد بن أحمد: أما الذي حلف ألا يطأ امرأته فوطئها وهي حائض فلا إشكال في أنه حانث ولا اختلاف لأنه إذا لم تكن له نية في ألا يطأها وهي طاهر وجب أن يحنث لأنا إن حملنا يمينه على المجانبة حنث، وإن حملناها على مقتضى لفظه حنث ولا يصح أن يحمل يمينه على أنه أراد ترك نوع الوطء دون غيره إذ قد عم جميعها لفظ النفي، وأما الذي حلف ألا يطأها فوطئها وهي حائض، فقال في الرواية: إنه حانث ويدخل في ذلك اختلاف بالمعنى؛ لأن الوطء المعروف هو الوطء في حال الطهر، فالظاهر من أمر الحالف أنه قصد إلى ذلك لا إلى الوطء في حال الحيض فإن غلب الظن بذلك، وحملت يمينه عليه لم نحنثه، وإن لم نغلب الظن بذلك وحملنا يمينه على مقتضى لفظه حنثناه؛ لأن الوطء في حال الحيض وطء، والواطئ فيه واطئ حقيقة وقد مضى من هذا النحو مسائل كثيرة منها مسألة الذي حلف أن يأكل الطعام فأكله بعد الفساد في رسم إن كلمتني من سماع عيسى، فالاختلاف فيها داخل في هذه لاستوائهما في المعنى. [مسألة: حلف لينتقلن من منزله فترك شيئا في بيته] مسألة وسئل عن رجل حلف لينتقلن من منزله فترك شيئا في بيته مثل الزم والوتد والفخار، قال ابن وهب: إن كان تركه وهو لا يريد الانصراف فيه فلا حنث عليه وإن كان نسيه فأراه حانثا. قال محمد بن أحمد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم أوصى من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

مسألة: حلف لرجل في حق بالمشي إلى بيت الله فحنث فقال نويت المسجد

[مسألة: حلف لرجل في حق بالمشي إلى بيت الله فحنث فقال نويت المسجد] من سماع أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم من كتاب النذور مسألة قال أصبغ: قلت لابن القاسم: أرأيت إن حلف رجل لرجل في حق بالمشي إلى بيت الله فحنث فقال: إنما نويت المسجد أينفعه ذلك أم يفترق ابتدأه باليمين أم لم يبتدئ، قال: أرى ذلك ينفعه وأرى ذلك إلى نيته وما أراد ابتدأه باليمين أم لم يبتدئه ولا شيء عليه وليس يفترق ذلك، قال: قلت: فكيف أفرق في حلفه له بالطلاق أو الحلال عليه حرام؟ فقال: تلك حقوق كان يقضى فيها إن ظهرت، وهذا هنا مما ليس يقضى فيه إن ظهر ولا يلزمه فلذلك تركه ونيته، قال أصبغ: ليس يفترق إلا في الأحكام، فأما في الحنث فيما بينه وبين الله فأراه عليه وأراه لازما له ولا تنفعه نيته إذا كان في حق أو وثيقة فيما أحلفه أو حلف له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى من تحصيل القول فيها في رسم شك من سماع ابن القاسم ما يغني عن إعادته هاهنا وبالله التوفيق. [مسألة: له على رجل حق فحلف المطلوب إن بات الليلة لك على شيء] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل له على رجل حق فحلف المطلوب إن بات الليلة لك على شيء ما حد المبيت؟ قال: قدر نوم الناس ما يؤخر له صلاة العشاء وذلك ثلث الليل الأول، قال أصبغ: لا أرى ذلك وإنما الإيمان بمعاني أمور الناس وما يعرف، فأراه إن كان حلف نهارا قال: غروب الشمس ودخول الليل، وإن كان حلف عشيا فإلى انقطاع الرجل وهو والناس إلى بيوتهم، هذا

مسألة: قال الرجل وحق الله

الذي ترى أنه يراد، وليس أن يبيت معه حتى يعطيه في ثلث الليل قبل نومه إن شاء الله تعالى. قال محمد بن رشد: أما قول أصبغ فبين على مراعاة المقصد وترك الاعتبار بمقتضى اللفظ؛ لأنه حنثه بتجاوز القدر الذي جرت عادة الناس بالقضاء فيه؛ لأنه حمل يمينه على ذلك، وأما قول ابن القاسم فبناه على الاعتبار بمقتضى اللفظ وترك مراعاة المقصد، وفيه نظر إذ جعل المقام إلى ثلث الليل مبينا لحنثه فحنثه إن لم يقضه فيما بينه وبينه، فالصواب أنه لا حنث إن قضاه قبل نصف الليل إذ لا يكون الرجل بائتا في المكان إلا إذا أقام فيه أكثر من نصف الليل، وهذا متعارف عند الناس، ألا ترى أنك إذا لقيت رجلا قبل نصف الليل حسن أن تسأله أين تبيت، وإذا لقيته بعد نصف الليل حسن أن تسأله أين بات، وهذا قائم من قول مالك في المدونة إنه لا دم على من بات في غير منى ليالي منى إلا أن يبيت ليلة كاملة أو جلها؛ لأن الدم إنما يجب في المبيت عن منى، لا في الإقامة عنها بعض ليلة، بدليل ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن المبيت في غير منى ليالي منى» ، وأنه كان يزور البيت في كل ليلة من ليالي منى فلم يجعل مالك الرجل بايتا عن منى إلا إذا أقام في غيرها جل الليلة وهو أكثر من نصفه وبالله التوفيق. [مسألة: قال الرجل وحق الله] مسألة قال أصبغ: وقال ابن القاسم وإذا قال الرجل: وحق الله ولا وحق الله يمين مثل لعمر الله، كفارته كفارة اليمين بالله. قال محمد بن أحمد: إنما مثل ابن القاسم القسم، بـ وحق الله بالقسم بـ " لعمر الله " لأنه حمله في الوجهين على أنه قسم بصفة من صفات الله تعالى، ذلك مفهوم عنده من قصد الحالف وإرادته نحو الله قدرته وعظمته وجلاله وعمر الله بقاؤه، وحقق هاهنا أن لعمر الله يمين، ولم يحقق ذلك في رسم أوصى من سماع عيسى وقد مضى القول على ذلك هناك.

مسألة: يحلف للرجل في حق له وثيقة بالحلال عليه حرام ليدفعنه إلى أجل فحنث

[مسألة: يحلف للرجل في حق له وثيقة بالحلال عليه حرام ليدفعنه إلى أجل فحنث] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الذي يحلف للرجل في حق له وثيقة بالحلال عليه حرام ليدفعنه إلى أجل فحنث وعلى يمينه بينة ويزعم أنه حاشى امرأته فقال لي هذا أمر قد اختلف فيه ورددني فيه غير مرة، ثم قال: قد بلغني عن مالك فيها شيء وأنه حنثه، قال أصبغ: وقال ابن القاسم: وقد كلمت فيها غير واحد من أهل المدينة ابن أبي حازم وغيره، فلم يروا عليه شيئا ورأوا أن ذلك له، قال: وهذا رأي أرى ذلك له، قلت: وإن كانت عليه بيمينه بينة، قال: نعم وإن كانت عليه بينة بيمينه، قال أصبغ: وله قول غير هذا وقد فسرته لك. قال محمد بن رشد: قول القائل الحلال علي حرام لفظ عام يدخل تحته الزوجة في القياس على أصولهم إذا ادعى محاشاتها وقد حضرته بينة أن لا ينوي لادعائه نية مخالفة لظاهر لفظه، كمن حلف ألا يكلم فلانا ثم قال: نويت شهرا أو لا يشتري ثوبا ثم قال: نويت رسيا، وتنويته مع حضور البينة له استحسان مراعاة لاختلاف أهل العلم في أصل اليمين؛ إذ منهم من لا يوجب فيها إلا كفارة يمين إلى ما سوى ذلك من الأقاويل المختلفة، وأما إذا لم تحضره بينة وادعى المحاشاة ففي ذلك أربعة أقوال على قياس المذهب، أحدها أن يمينه على نيته فله ما ادعاه من المحاشاة ولا تطلق عليه، والثاني أن يمينه على نية المحلوف له فلا ينفعه ما ادعى من المحاشاة وتطلق عليه، والثالث الفرق بين أن يكون مستحلفا أو متطوعا باليمين فلا ينوى إذا كان مستحلفا وينوى إذا كان متطوعا باليمين، والرابع القول بعكس هذه التفرقة، وقد مضى ذلك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم وعلى مراعاة الخلاف في اليمين تكون له نيته على كل حال ولا تطلق عليه، وأما إذا حلف

مسألة: صناع أوذي فحلف ألا يعمل لأحد من أهل تلك القرية إلا لفلان وفلان

الرجل على نفسه ولم يحلف لغيره فلا اختلاف في أن له نيته إذا أتى مستفتيا وبالله التوفيق. [مسألة: صناع أوذي فحلف ألا يعمل لأحد من أهل تلك القرية إلا لفلان وفلان] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل صناع وقع في قرية فكان يعمل فيها لأهلها فأوذي فحلف ألا يعمل لأحد من أهل تلك القرية إلا لفلان وفلان لأقوام سماهم بأعيانهم فأراد بعض أولئك النفر الذين استثنى في يمينه أن يستأجره لنفسه بأجرة ثابتة له في رقبة المستأجر سنة ثم يجعله يعمل له ذلك العمل في حانوت فما دخل كان للمستأجر، فقال: إن كان إنما هو أجير يعمل بيده للذي استأجره لا يأخذ ولا يعطي ولا يلي معاملة الناس والأخذ والإعطاء فلا بأس ولا شيء عليه، وإن كان إنما استأجره ثم يطلقه في حانوته يكون بيده وصاحب المعاملة فيه والأخذ والإعطاء وهو حانث إن فعل لأن الضمان في ذلك يقع عليه لمن عامله ودفع إليه وذلك الذي كره في مخرج يمينه أنه إنما كره معاملة الناس والضمان، فأراه حانثا إن فعل، وقاله أصبغ إلا أن يكون إنما كره أيضا الصنعة ووجه قطعها وقطع منفعتها فيه عنه وتوليها له وجريها على يده ونحو ذلك فلا يجوز له ذلك على حال. قال محمد بن رشد: قول أصبغ مفسر لقول ابن القاسم ويمينه محمولة بساطها على أنه إنما كره معاملة الناس والأخذ والإعطاء فيجوز له أن يعمل أعمال أهل القرية لأولئك النفر الذين استثنى إذا كانوا هم الذين يلون المعاملة والأخذ والإعطاء إلا أن يكون كره الصنعة وجريها على يده فلا يجوز له أن يعمل لهم عملا وإن كان النفر الذين استثنى هم الذين يلون المعاملة والأخذ والإعطاء دونه وإنما يكون له أن يعمل لهم ما يخصهم من أعمالهم.

مسألة: حلف ألا يساكن أخاه وهما في دار واحدة

[مسألة: حلف ألا يساكن أخاه وهما في دار واحدة] مسألة قال ابن القاسم: لا يجوز للذي يحلف ألا يساكن أخاه وهما في دار واحدة أن يبنيا جدارا بينهما ويمكث معه. قال محمد بن رشد: يريد ويحنث إن فعل، خلاف قوله في المدونة إنه لا بأس بذلك ولا حنث عليه إن فعل، قال في العشرة: إذا لم يكن بينهما خوخة ولا شيء يحصل منه عيال أحدهما إلى الآخر وينال به الحاجة من غير خروج إلى باب، قال ابن حبيب: ولا أحب الجدار من الجريد ولم يعجب ذلك مالكا فيها أعني في المدونة وكرهه، ولا يختلف في أن ذلك يجوز له إذا كانت يمينه لما يقع بين النساء والصبيان ولا في أن ذلك لا يجوز له إن كان إنما كره جواره وأراد التنحي عنه، وإنما الاختلاف إذا لم تكن له نية ولا كان ليمينه بساط فحمله في أحد قوليه على كراهة التنحي وكراهة الجوار توقيا من الحنث، وحمله على القول الثاني ما يقتضيه لفظه من المساكنة فلم يحنثه؛ لأن الجدار يقطع المساكنة بينهما وهو القياس، ولو عين الدار فحلف ألا يساكنه في هذه الدار لما بر بأن يبنيا بينهما فيها جدارا والله أعلم. [مسألة: حلف لرجل ليوافينه من يوم كذا بموضع كذا فأتى الحالف فلم يجده] مسألة قال: وسئل عن رجل حلف لرجل ليوافينه من يوم سماه بموضع كذا وكذا فيأتي الحالف ذلك الموضع في ذلك اليوم فلا يجده، قال: إذا أتى الموضع الذي حلف أن يوافيه في اليوم الذي سمي فلم يجده فلا شيء عليه، قال أصبغ: وذلك إذا ظل يومه كله به ولم يأته ولم يكن بينهما وقت لحين من النهار من ذلك اليوم فيأتي له وينقضي ولم يأته، فأما أن يأتي متى أحب ويمسح ذلك مسحا ويذهب حين لا يجبره عند مجيئه فهو حانث وليس هذا مجيئا ولا موافاة.

مسألة: حلف ألا يحضر عرسه فصنع له بعد العرس طعاما ودعاه

قال محمد بن أحمد: ليس الأمر على ظاهر قول ابن القاسم من أنه يبر بأن يأتي ذلك الموضع مرة واحدة وإن لم يجده ولا على ظاهر أصبغ من أنه لا يبر إذا لم يجده إلا بأن لا يفارق الموضع يومه كله، والذي يبر به على قولهما جميعا إذا لم يجده أن يتكرر على الموضع في الأوقات التي يرجو وجوده فيها يبين ذلك ما وقع في رسم جاع من سماع عيسى وقد مضى الكلام على ذلك هنالك والمسألة متكررة في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق حاشى قول أصبغ. [مسألة: حلف ألا يحضر عرسه فصنع له بعد العرس طعاما ودعاه] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عمن حلف ألا يحضر عرس بعض إخوانه فأعرس وفرغ من عرسه وصنيعه فصنع بعد ذلك طعاما فدعاه أيجيبه كان بحدثان ذلك أو بغير حدثانه؟ فقال: إن كان إنما صنع ذلك الطعام له لمكان العرس وبسببه ومن أجله فلا يدخله، وإن كان إنما صنع طعاما هكذا وليس لذلك فلا بأس به، قلت: أرأيت إن كان إنما صنع ذلك الطعام له لمكان ما لم يحضر من عرسه، قال: فلا يفعل لا يدخل، قال أصبغ: ولا يدخله إذا صنع بحرارة العرس، وإن صنعه زعم لغير ذلك لما يخالط الناس من الشك في ذلك واستجسارة الناس مثل ذلك وتأويلهم فيهم والتهمة للصانع في ذلك فإن فعل حنث. قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال: إن الحالف ألا يحضر عرس رجل لا يجوز له أن يحضر طعاما صنعه له مكان العرس لمغيبه عنه لأن معنى ما حلف عليه ترك صلته في عرسه وإدخال الغم عليه بمغيبه عنه وإظهار الكراهة لنكاحه بذلك، فوجب أن يحنث إن شهد شيئا من توابع العرس إن طعاما صنعه له عوض العرس إلا أن يكون إنما حلف ألا يشاهد عرسه كراهة

مسألة: حلف على رجل ألا يسأله حاجة فتعرض له من غير سؤال

الزحام لا كراهة لصلته ولا لنكاحه، فلا يحنث بإجابته إلى طعام صنعه له لمكان ما لم يحضر من عرسه إذا لم يكن فيه زحام على أصولهم، وما قاله ابن القاسم في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق. [مسألة: حلف على رجل ألا يسأله حاجة فتعرض له من غير سؤال] مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عمن حلف على رجل ألا يسأله حاجة أبدا فاحتاج إلى ما في يديه فلزم الجلوس معه بتعرضه أن يصله من غير أن يسأله، فقال: إن تعرضه بالكلام مثل أن يكلم غيره وهو يريده فأراه حانثا، والتعريض بهذا مثل مسألة ما لو حلف ألا يكلمه فكلم غيره وهو يسمع وهو يريده، وقاله أصبغ وإن تعرضه فذكر الحاجة وصرح بها وذكرها عن نفسه أنه محتاج ولم يكلم بذلك أحدا لا هو ولا غيره إلا ذكر حاجة نفسه عن نفسه وما بلغت منه ونحو ذلك، فأراه تعريضا يحنث به لأنه كلام وتعريض بكلام، قال أصبغ: فقلت لابن القاسم: فإن تعرض بالجلوس فقط لا يتعرضه بشيء من الكلام ولا الفعل إلا الجلوس وحده، ولم يكن يجالسه، قال: لا أحب له أن يفعل ذلك فإن فعل لم أر عليه شيئا ولا أحب له أن يفعل يعني ويكف ولا يعود، وقال أصبغ مثله إن سلم من فنون ذلك والحركة فيه على الأوجه كلها، كالذي يحلف ألا يكلم امرأته فيجلس معها ويأخذها ويطأها أو التطاول فيه وله، أو المطاولة عليه حتى يستدل المطلوب بذلك على إرادته وحاجته فهو حانث. قال محمد بن أحمد: قوله إن التعريض بالسؤال سؤال يحنث الحالف به صحيح؛ إذ قد يكون من التعريض ما هو أبلغ في السؤال من التصريح به

مسألة: حلف ألا يأكل في المسجد من ماله شيئا فأكل منه شيئا خارجه

ولذلك يجب الحد في التعريض بالقذف، وسواء كان تعريضه بأن يذكر له حاجته وما بلغت منه، أو يذكر ذلك لغيره وهو يريد إسماعه؛ لأن من حلف ألا يكلم رجلا فكلم غيره يريد إسماعه فسمعه حنث باتفاق، وإنما يختلف إذا أراد إسماعه ولم يسمعه، ولم ير ابن القاسم أنه يحنث بالتعريض بالجلوس، وهو على أصله في من حلف ألا يكلم رجلا فأشار إليه بكلام فهمه عنه أنه لا حنث عليه فهم المحلوف عليه من طول جلوسه وحركته حاجته أو لم يفهم، وفي تفرقة أصبغ بين ذلك نظر؛ لأن الجلوس وحده إذا لم يكن يجالسه قبل تعريض بالمسألة، بدليل قوله عز وجل: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] لأن المعتر هو الزائر الذي يعتريك ولا يسألك، فيجب أن يحنث الحالف به إذا أراد به التعريض وإن لم يكن معه زيادة عليه ولا فهم ذلك عنه المعرض له على القول بأن الإشارة كالكلام لأنه يفهم منه التعريض بالمسألة وإن لم تكن معه إشارة كما يفهم بالإشارة. [مسألة: حلف ألا يأكل في المسجد من ماله شيئا فأكل منه شيئا خارجه] مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن رجل حلف ألا يأكل في المسجد من ماله شيئا، قال: فكنت أفطر في المسجد مع أصحابه من طعامهم فخرجت ليلة من المسجد إلى خارج الباب فناولني إنسان قرصا فدخلت المسجد فأكلته، وقيل لأشهب: إنها نازلة، فقال: ما أبالي أنازلة أم واقعة لا حنث عليه، فقيل له: أولا نراها قد صارت في ملكه ومالا من ماله حين أعطيها؟ فقال وهو أيضا إذ دعي في المسجد يأكل معهم فإذا رفع اللقمة إلى فيه فقد صارت مالا من ماله، لا يرى هذا كله مالا من ماله في وجه ما حلف عليه.

مسألة: حلف ألا يبيع سلعة بمائه دينار حتى يزداد فازداد دينارا

قال محمد بن رشد: الجواب صحيح والانفصال مما اعترض به عليه القائل عليه غير صحيح، ووجه الجواب أن يمين الحالف إنما يحمل على ما يملك يوم اليمين لا على ما يستفيد بعد ذلك لأن الذي يقول: مالي على المساكين صدقة إن فعلت كذا وكذا فأفاد مالا ثم فعله الاختلاف فيه في أنه لا يلزمه أن يتصدق إلا بثلث ما كان يملكه يوم اليمين إلا أن يقول: مالي يوم أفعل كذا وكذا على المساكين صدقة إن فعلته، أو يريد ذلك، فكذلك هذه المسألة لا يدخل ما أعطي بعد اليمين فيما حلف عليه إلا أن ينص على ذلك أو يريده ولو نص على ذلك أو أراده لحنث إن أكل في المسجد القرص الذي أعطي على بابه؛ لأنه قد صار مالا من ماله قبل أن يأكله، ولو شاء لم يأكله وذهب به إلى بيته أو صنع به ما شاء، ولو أراد إذا دعاه أصحابه ليأكل معهم كلما قطع لقمة ورفعها إلى فيه أن يجعلها في كمه ويذهب إلى بيته أو يعطيها لغيره لم يكن ذلك له إذا لم يأذن له فيه أصحابه، فبان الفرق بين الموضوعين وبطل الانفصال من الاعتراض كما قلناه. [مسألة: حلف ألا يبيع سلعة بمائه دينار حتى يزداد فازداد دينارا] مسألة وسئل عمن حلف ألا يبيع سلعة بمائه دينار حتى يزداد فازداد دينارا حسبته قال: فلا شيء عليه وذلك يبريه. قال محمد بن أحمد: وقعت هذه المسألة في أول نوازل أصبغ أكمل مما وقعت هنا فأرجأ الكلام فيها إلى أن نمر بها هناك. [مسألة: حلف ألا يدخل بلدة وفلان عليها فمر بقرية من عملها مجتازا إلى بلد آخر] مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يدخل بلدة وفلان عليها وال، فاحتاج أن يمر بقرية من عملها مجتازا إلى بلد آخر بينها وبين المدينة الأخرى اليوم واليومان ولا يدخل المدينة، قال: إذا يحنث.

مسألة: حلف ألا يأكل من عمل امرأته شيئا ثم طلب منها شربة حريرة من ماله

قال محمد بن رشد: وكذلك لو كان بينهما وبين المدينة أكثر من ذلك، ولا اختلاف في ذلك إذ قد صرح بأن يمينه ألا يدخل البلدة إنما هو من أجل أن فلانا عليها وال فلا يدخل شيئا من عملها قرب أو بعد من أجل ولايته عليها، واختلف إذا حلف ألا يدخل بلدة ولم يذكر لذلك علة ولا كانت نية، فقيل: إن يمينه محمولة على عملها حتى يريد الحاضرة بعينها، وقيل: إن يمينه محمولة على الحاضرة بعينها حتى يريد عملها، والأول قول ابن كنانة، والثاني قول ابن القاسم، واختلف في حد عملها إذا نواه أو لم تكن له نية على القول بأن يمينه محمولة عليه، فقيل: عملها وإن بعد وهو قول ابن كنانة، وقيل: أقصاه ما يقصر فيه الصلاة، وهو قول ابن القاسم، واختلف أيضا في حد الحاضرة إذا نواها أو لم تكن له نية على القول بأن يمينه محمولة عليه، فقيل: حدها أقصى ما تقصر فيه الصلاة أربعة برد وهو قول ابن كنانة، وقيل: حدها ما يجب منه الإتيان للجمعة وهو قول مالك وابن القاسم وأحد قولي أصبغ واختيار ابن المواز، وقيل: حدها ما يقصر فيه الخارج ويتم فيه الداخل وهو أحد قولي أصبغ. [مسألة: حلف ألا يأكل من عمل امرأته شيئا ثم طلب منها شربة حريرة من ماله] مسألة وسئل عن رجل عاتبته امرأته فقالت: نأكل من غزلي وعمل يدي وكسبي فحلف ألا يأكل من عملها شيئا ثم دخل عليها يوما فدعا بشربة حريرة من ماله ودعا بعسل كان له في التابوت فأخطأت المرأة، فجاءت بزيت كان لها من عمل يدها أو دهن اشترته لرايتها فصبته فيه فشربه، فقال: إن كان زيتا فهو حانث وإن كان دهنا فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: إنما لم يحنثه في الدهن من أجل أن الدهن لما كان مما ليس أن يتخذ للأكل حمل يمينه على ما يتخذ؛ إذ رأى أن ذلك هو

مسألة: حلف ليقضيه طعاما له عليه فأحاله به قبل أن يقضيه ومضى الأجل

مقصده بها ويحنث به على القول إنه لا يراعي المقصد المظنون ويحمل يمينه على ما يقضيه اللفظ المظنون به، وقد مضى ذلك في سماع عبد المالك وفي مواضع من سماع عيسى وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ليقضيه طعاما له عليه فأحاله به قبل أن يقضيه ومضى الأجل] مسألة وسئل أشهب عن رجل حلف لرجل ليقضيه طعاما له عليه إلى أجل من ابتياع فابتاع طعاما فأحاله به قبل أن يقضيه ومضى الأجل، فقال: إن كان المحال قد قبضه قبل الأجل فالحالف بار في يمينه، وقاله أصبغ في اليمين، وينفسخ البيع بعد بينهما وقد بر إن شاء الله تعالى. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها موعبا في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: حلف ألا يبيع سلعتين له إلا بعشرة فباع إحداهما بعشرة والأخرى بخمسة] مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يبيع سلعتين له إلا بعشرة دنانير فباع إحداهما بعشرة ثم باع الأخرى بخمسة، فقال: إن كان الذي يصيب قيمتها من العشرة التي كان عليها فلا شيء عليه، وإنما ينظر إلى ما يصيبها من العشرة في القيمة فإن كان يصيبها في القيمة ستة فباع بها أو سبعة فلا شيء عليه، وإن كان يصيبها خمسة فباع بستة فلا حنث عليه، وإن باع بأربعة فهو حانث إذ باع ذلك بأقل مما يصيبها في القيمة من العشرة فهو حانث، قلت له: فإن باع الأولى بأقل مما يصيبها من العشرة في القيمة ثم باع الثانية بتمام القيمة أو أكثر قال: هو حانث ساعتئذ، قال أصبغ: مثل هذا الآخر وهو القول فيها والصواب.

مسألة: له على رجل مال فجحده ثم ظفر له بمال فأراد أن يأخذ منه مقدار حقه

قال محمد بن رشد: قوله في آخر المسألة فهو حانث ساعتئذ معناه ساعة بيع السلعة الأولى، وقد مضت هذه المسألة وتحصيل القول وما فيها من الاختلاف في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وسيأتي في نوازل أصبغ بعد هذا القول في الذي يحلف ألا يبيع سلعته إلا بثمن سماه مع سلعة أخرى صفقة واحدة؛ لأنها وقعت هناك وفي سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق حايله عن غير تحصيل. [مسألة: له على رجل مال فجحده ثم ظفر له بمال فأراد أن يأخذ منه مقدار حقه] مسألة وسئل عن رجل كان له على رجل مال فجحده ثم ظفر له بمال فأراد أن يأخذ منه مقدار ما له عنده ويرد ما بقي فإن استحلفوه عليه أيحلف؟ قال: لا أرى أن يحلف كاذبا إلا أن يقبلوا منه أن يحلف ما لك عندي شيء فإن من الناس من لا يقبل هذا إلا أن يحلف عليها، فإن قبلوه منه فليحلف ما لك عندي شيء إن شاء الله. قال محمد بن أحمد: ظاهر قوله أنه أباح له الأخذ ولم ير له أن يحلف أنه ما أخذ منه شيئا لأنه يكون في يمينه بذلك كاذبا، فأما إباحته له الأخذ فإن كان أشهب وهو الظاهر من أجل أن المسألة معطوفة على التي قبلها والتي قبلها معطوفة على قوله فهو منصوص من قوله في المبسوطة، وهو قول ابن وهب أيضا وروايته عن مالك وقول ابن الماجشون، وزاد: بل أرى له إعمال الحيلة حتى يأخذ منه مثل ما أخذ له وإن كان ابن القاسم فذاك خلاف قوله وروايته عن مالك في المدونة وغيرها أنه لا يأخذ للحديث الذي جاء: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» ، والأول أظهر؛ لأن من أخذ

مسألة: حلف ألا يبتدئ رجلا فصالح امرأته فابتدأه ثم راجع امرأته فابتدأه

حقه فليس بخائن، فمعنى قوله «لا تخن من خانك» أي لا تأخذ أكثر من حقك فتكون قد خنت من خانك، بدليل أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هنداً أن تأخذ من مال زوجها حقها الواجب لها ولولدها قبله بالمعروف إذا مسك عنها، فقال: «خذي يا هند ما يكفيك وولدك بالمعروف» ، فعلى هذا يتخرج الحديثان ولا يحملان على التعارض، وقوله: لا أرى أن يحلف كاذبا معناه عندي لا أرى أن يحلف كاذبا في ظاهر يمينه مع أن ينوي يصح له بها الحلف، فإن فعل لم يكن آثما إذ لم يقتطع بيمينه حقا للمحلوف، وقد مضى الاختلاف في هل تكون له نية أم لا في رسم شك من سماع ابن القاسم؟ وأما إن كذب دون نية ينويها فذلك لا يحل ولا يجوز لأنها يمين غموس وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يبتدئ رجلا فصالح امرأته فابتدأه ثم راجع امرأته فابتدأه] مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يبتدئ رجلا فصالح امرأته فابتدأه ثم راجع امرأته فابتدأه، قال: لا شيء عليه. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه حلف بطلاق امرأته ألا يبتدئه فالذي يأتي فيها على مذهب مالك أن اليمين ترجع عليه إذا راجعها ويحنث إن ابتدأه بعد مراجعته إياها؛ لأنه حالف بجميع الملك فلا تسقط عنه اليمين إلا أن يطلقها ثلاثا، وقد قال ابن زيد في النوادر: قوله فابتدأه فلا شيء عليه ليس على أصولنا، وقد سقط في بعض الكتب وأراه غلطا، وقوله صحيح إنما يأتي على مذهب الشافعي الذي يقول: اليمين لا ترجع في العبد بعد الشراء ولا في الزوجة بعد النكاح واحدة طلقها أو ثلاثا، وقد مضى هذا المعنى في رسم يدير من سماع عيسى وبالله التوفيق. [مسألة: حلف في السلعة لا يبيعها بمائة دينار حتى يزاد] من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ مسألة وسئل أصبغ عن الرجل يحلف في السلعة لا يبيعها بمائة دينار

حتى يزاد، كم ترى تبرئه يمينه فيها؟ وكم الزيادة التي يخرج بها من الحنث؟ قال: الدينار في المائة تبرية يمين، وأرى النصف دينار في الخمسين تبرية يمين، وهو قول ابن القاسم لي، قلت: والعشرون الدينار هل ترى خمس دينار فيها تبرية يمين على حساب الدينار في المائة؟ قال: لا أرى ذلك لأن الدينار إذا جزيته على المائة لم يصب منه العشرين الدينار أو الثلاثين الدينار أو ما أشبهها إلا الأمر اليسير الذي لا بال له ولا قدر، وإذا اجتمع النصف الدينار في الخمسين ونحوها والنصف والدينار في المائة كان له قدر وموقع وبال إلا أن يكون للحالف نية فيما أراد من الزيادة فيما حلف فله ما نوى، فإن لم تكن له نية فأرى هذا يبريه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: لأن الأيمان إنما تحمل على ما يقتضيه لفظ الحالف إذا لم يكن له نية ولا ظهر له مقصد إرادة وقد علم بالعرف والعادة أن الحالف إذا حلف ألا يبيع سلعته بكذا حتى يزاد على ذلك، أنه إنما أراد زيادة لها قدر على حال الثمن فليس من حلف ألا يبيع سلعته بألف مثقال حتى يزاد كمن حلف ألا يبيع سلعته بعشرة دنانير حتى يزاد إذ يعلم أن المثقال الواحد وما يقرب منه لا قدر له عند الألف مثقال، وأن ربع دينار ونحوه له قدر عند العشرة دنانير، والحد في ذلك ليس فيه أن يرجع إليه ولا قياس يبنى عليه، وإنما هو الاجتهاد على غير قياس، وطريقة غلبة الظن بمقدار ما قصده الحالف من الزيادة ليمينه، ولذلك وقع الاختلاف بينهم في ذلك، فاستحب ابن الماجشون في الواضحة ألا يبر في المائة الدينار إلا بالثلاثة دنانير ونحوها، وإلى نحو هذا ذهب سحنون فلم ير زيادة دينار في المائة بتبرية يمين، وذكر له قول بعض الناس أن ربع دينار في المائة تبرية يمين؛ لأن القطع يجب فيه فأنكره؛ إذ لا وجه للاعتبار بالقطع في ذلك لمخالفة معناه معنى اليمين، ومحمد بن عبد الحكم أنه يبر بأقل من ذلك،

مسألة: له سلعة قيمتها ثمانون فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار

وقوله مبني على الاعتبار بما يقتضيه اللفظ دون مراعاة المقصد، وهو في هذه المسألة بعيد لظهور المقصد فيها ونيته بما يخالف للفظ، وأشهب يرى خمس دينار في العشرين دينارا تبرية على حساب الدينار في المائة دينار. [مسألة: له سلعة قيمتها ثمانون فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار] مسألة قلت: فإن باع هذه السلعة التي حلف فيها مع سلعة أخرى فأراد أن يضع من ثمن هذه السلعة الأخرى شيئا بعد أن استقصى في السلعة التي حلف فيها تبرية يمينه، قال: إن وضع من هذه السلعة التي أدخل مع التي حلف فيها من ثمنها الذي يراه أهل البصر أقصى ثمنها فهو حانث. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر لأن السلعتين إذا بيعتا في صفقة واحدة وسمي لكل واحدة منهما ثمن فالتسمية غير معتبرة، والواجب أن يفض جميع الثمن الذي بيعتا عليه على قيمة السلعتين فإن رفع للسلعة التي حلف فيها من جميع الثمن ما حلف عليه فأكثر بر وإن وقع عليها أقل مما حلف عليها حنث فقد لا يضع من قيمة السلعة التي ضم إليها فباعها معها صفقة واحدة شيئا فيحنث، وذلك مثل أن يكون له سلعة قيمتها ثمانون فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار مع سلعة أخرى قيمتها مائة دينار على أن ثمن كل سلعة منها مائة دينار لأن المائتي دينار تفض على قيمة السلعتين فيجب منها للسلعة المحلوف عليها أقل من مائة دينار وهو قد حلف ألا يبيعها بأقل من مائة، وقد يضع من قيمة السلعة التي ضم إليها فباعها صفقة واحدة شيئا فلا يحنث، وذلك مثل أن يكون له سلعة قيمتها مائة دينار وعشرة دنانير فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار مع سلعة أخرى قيمتها مائة دينار وعشرة دنانير على أن ثمن كل سلعة منها مائة دينار لأن المائتي دينار تفض على قيمة السلعتين فيجب للسلعة المحلوف

مسألة: حلف ألا يجامع رجلا تحت سقف بيت فأدخله الإمام الحبس كارها

عليها مائة دينار كما حلف، وكذلك يكون الحكم أيضا في هذه المسألة في البر والحنث على القول باعتبار التسمية لأن البيع لا يجوز على هذا القول، وهو قول مالك في الدمياطية وفي سماع ابن القاسم من كتاب كراء الدور في بعض روايات العتبية، إلا أن يكون سمي لكل سلعة من الثمن ما يقع لها منه على قدر قيمتها من قيمه صاحبتها، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يجامع رجلا تحت سقف بيت فأدخله الإمام الحبس كارها] مسألة وقال في رجل حلف ألا يجامع رجلا تحت سقف بيت فأدخله الإمام الحبس كارها، قال: هو حانث وقد جامعه تحت سقف بيت إلا أن يكون له نية ألا يدخل طائعا. قال محمد بن رشد: وهذا إذا سجنه الإمام في حق، وحكى الإمام ابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ أنه لا حنث عليه إذا سجن والمحلوف عليه في السجن مسجونا أو غير مسجون ولا إذا سجن فدخل عليه المحلوف عليه في السجن أيضا مسجونا أو غير مسجون، وهذا الاختلاف على اختلافهم فيمن حلف ألا يفعل فعلا فقضى به عليه السلطان، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك من رسم تسلف من سماع ابن القاسم، وأما إذا سجن مظلوما في غير حق فلا حنث عليه، قاله ابن المواز، وهو صحيح لأنه مكره بمنزلة من حلف ألا يفعل فعلا فأكره على فعله، ولا اختلاف في ذلك، وإنما اختلف فيما إذا حلف ليفعلن فعلا فمنع من فعله وحيل بينه وبينه، فالمشهور أنه حانث إلا أن يكون نوى إلا أن يغلب، وقال ابن كنانة: لا حنث عليه، وأما إذا دخل الحالف السجن باختياره غير مسجون والمحلوف عليه فيه مسجونا أو غير مسجون أو دخل عليه فيه مسجونا أيضا أو غير مسجون فلا اختلاف في أنه حانث، ولو جامعه في المسجد لم يحنث، قال مالك: لأنه ليس على هذا حلف، ولو جامعه في الحمام حنث، قال في كتاب ابن المواز: لأنه لو شاء لم يدخله، وليس هذا التعليل ببين؛ لأن له مندوحة عن دخول المسجد أيضا

مسألة: حلف ألا يجيز جاريته البحر هو ولا ابنه فباعها ممن أجازها

إلى غيره من المساجد، ولا فرق بين الحمام والمسجد في هذا على تعليل مالك، ولا على التعليل الذي في كتاب محمد، فإما أن يحنث فيهما دون مراعاة المقصد، وإما أن لا يحنث فيهما جميعا على اعتبار ما يقتضيه اللفظ دون مراعاة المقصد، وقد مضى في رسم جاع من سماع عيسى وفي غيره من المواضع بيان هذا. [مسألة: حلف ألا يجيز جاريته البحر هو ولا ابنه فباعها ممن أجازها] مسألة وقال في رجل اشترى جارية من رجل، فقال: إني أخاف أن تجيز بها البحر أنت أو ابنك فحلف ألا يجيزها البحر هو ولا ابنه، فباعها ممن أجازها، فقال البائع: إنما أردت ألا يجاز، قال أصبغ: ممن يجيزها فهو حانث أو باعها مبهما ولم يحذر إجازتها فأراه حانثا فأما إن كان باعها ممن لا يجيزها فأجازها الذي اشتراها فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: إنما حنث المشتري الذي حلف للبائع ألا يجيز الجارية البحر هو ولا ابنه ببيعه إياها، ممن أجازها إذا لم يشترط على مشتريها منه ألا يجيزها؛ لأنه جعل يمينه على نية البائع المحلوف له وهو قد قال: إنما أردت الإيجاز فكان كأنه قد حلف ألا يجيزها البحر هو ولا ابنه ولا أحد بإباحة ذلك له، فإذا باعها ولم يشترط على المشتري ألا يجيزها فأجازها فقد أباح له إجازتها ووجب عليه الحنث، وإذا باعها شرط على المشتري لا يجيزها فأجازها لم يحنث إذ لم يبح ذلك له، وقد اختلف في البيع على هذا الشرط فقيل: إنه بيع فاسد يجبر المتبايعان على فسخه ما كان قائما ويكون فيه القيمة بالغة ما بلغت إن فات، وقيل: إنه يفسخ ما دام البائع متمسكا بشرطه فإن ترك الشرط جاز البيع وإن فات كان فيه الأكثر من القيمة أو الثمن، وقيل:

مسألة: حلف بصدقة سلعة إن نقصها من ثمن سماه فباعها بأقل

إنه إذا فات على هذا القول كان للبائع قدر ما نقص من الثمن بسبب الشرط، وذلك ما بين القيمتين من الثمن، ولا تأثير للاختلاف الواقع في حكم هذا البيع فيما ذكرناه من أن البائع يبر في يمينه به. [مسألة: حلف بصدقة سلعة إن نقصها من ثمن سماه فباعها بأقل] مسألة وقال في الرجل يحلف بصدقة سلعة إن نقصها من ثمن سماه فباعها بأقل، قال أصبغ: هو حانث ويمضي البيع عليه ويكون عليه أن يتصدق بالثمن الذي باعها به إلا أن يكون حابى فيكون عليه أن يتصدق بقيمتها، فإن كانت السلعة من مال قراض، قال: فعليه أن يتصدق بما يصيبه منها، قال: وكذلك لو أن رجلا تصدق بسلعة بينه وبين رجل تصدق بها كلها، فليس عليه إلا ما كان له فيها وليس لشريكه أن يمضي عليه نصيبه ويأخذ منه قيمته، ولكن إن شاء أن يمضي على نفسه فهو أعلم. قال محمد بن رشد: أما الذي حلف بصدقة سلعة ألا يبيعها إلا بكذا فباعها بأقل فلا اختلاف في المذهب أن الأمر على ما قال من أنه يكون عليه أن يتصدق بأكثر من قيمتها أو الثمن الذي باعها به، يريد ولا يجبر على ذلك بالحكم وإنما لم يجبر على ذلك بالحكم لاختلاف أهل العلم في وجوب ذلك عليه من وجهين. أحدهما لزوم اليمين بالصدقة. والثاني الرجوع في الصدقة ما لم يقبض، وأما إن كانت السلعة من مال قراض فقد قيل: إن المقارض الحالف له أن يتصدق بما يصيبه منها إذ لا يتقرر فيها حق إلا بعد نضوض رأس المال إلى صاحبه لجواز أن يخسر فيما يستقبل فيكون عليه أن يجبر رأس المال مما يجب له من ربح هذه السلعة، والقولان قائمان من كتاب القراض من المدونة، وأما الذي تصدق بسلعة بينه وبين رجل فالاختلاف إنما هو في حصة شريكه، فقيل: إنه يلزمه فيها القيمة إذا رضي شريكه أن يضمنها له بالقيمة ويكون جميع السلعة للمتصدق بها عليه،

مسألة: حلف ليتزوجن إلى أيام

والقولان في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الهبات والصدقات، وأما حصة المتصدق منها فيلزمه فيها الصدقة إلا أن يكون له مع شريكه فيها شركة مع غيرها مما يقسم معها قسما واحدا؛ ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنها تقسم، فإن صارت السلعة المتصدَق بها للمتصدق في سهمه كانت للمتصدق عليه، وإن صارت لشريكه لم يكن له شيء، وهو قول ابن القاسم على أن القسمة تمييز حق، والثاني أنه ليس للمتصدَق عليه إلا حصة المتصدق من السلعة، فإن صارت لشريكه كان له من حظ المتصدق من غيرها قدر ذلك، وهو قول ابن الماجشون على قياس القول بأن القسمة بيع من البيوع، والثالث أنه إن صارت السلعة للمتصدق كانت للمتصدق عليه وإن صارت لشريكه كان له من حظ المتصدق من غيرها قدر غيرها وهو قول مطرف، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ليتزوجن إلى أيام] مسألة وقال في من حلف ليتزوجن إلى أيام، قال أصبغ: الأيام ثلاثة، فإن لم يتزوج حنث إلا أن يكون له نية في أكثر من ذلك، والذي يحلف ألا يتزوج أياما مثله وهو أشد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن أقل الجمع ثلاثة في عرف الكلام، وقد قيل: إنه كذلك في موضع اللسان، فوجب أن يحمل بمنزلة الحالف على ذلك، ولا يراعى فيها قول من ذهب إلى أنه في موضوع اللسان اثنان، وإن كان ذلك هو مذهب مالك في أن الاثنين من الإخوة يحجبان الأم من الثلث إلى السدس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وقوله: والذي يحلف ألا يتزوج أياما مثله يريد أنه يبر بالثلاثة الأيام كما يحنث الأول بالثلاثة الأيام، وإنما قال فيه وهو أشد؛ لأنه كلما ترك النكاح كان أبين في البر، وهذا بيّن، والله أعلم.

مسألة: يحلف لا يجلس على بساط فمشى عليه

[مسألة: يحلف لا يجلس على بساط فمشى عليه] مسألة وقال في الذي يحلف لا يجلس على بساط فمشى عليه، قال: هو حانث إذا كان إنما أراد اجتنابه أو الانتفاع بالجلوس عليه إلا أن يكون له نية أو سبب. قال محمد بن رشد: كذا وقع في بعض الكتب أو الانتفاع بالجلوس عليه وليس بصحيح؛ لأنه إذا أراد ألا ينتفع بالجلوس عليه فلا حنث عليه بالمشي عليه في بعضها والانتفاع بالجلوس عليه بإسقاط الألف وهو الصحيح، فإذا أراد اجتنابه فهو حانث بالمشي عليه على أي حال كان، وإذا أراد اجتناب الانتفاع به فهو حانث بالمشي عليه في الموضع الذي يبسط للانتفاع به، وإذا أراد اجتناب الانتفاع بالجلوس عليه إن كان ليمينه سبب يدل على ذلك فلا حنث عليه بالمشي عليه على أي حال كان وإن لم تكن له نية، فقال في الرواية: إنه يحنث بالمشي عليه. وتحمل يمينه على الاجتناب، والذي يأتي على أصولهم إذا لم تكن له نية ولا كان ليمينه سبب أن تحمل يمينه على مقتضى لفظه فلا يحنث بالمشي، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يأكل في كل يوم إلا خمس قرص فعملت امرأته قرصا أكبر] مسألة وسئل عن رجل حلف من أهل الريف ألا يأكل في كل يوم إلا خمس قرص، فعملت امرأته القرص أكبر مما كانت ولم تزد على خمس قرص في العدد قال: إن أكل حنث إذا زاد على القدر الذي كان قبل أن يحلف لأنه إنما أراد ذلك القدر بعينه، فإن زاد على ذلك القدر فهو حانث إن أكل القرص كلها. قال محمد بن أحمد: المعنى في أن الحالف أراد ألا يأكل أكثر من قدر الخمس قرص ولا أكثر من عدتها، فلا اختلاف في وجوب حمل يمينه

مسألة: حلف ألا يأكل خبزا وإداما فأكل خبزا وملحا

على ذلك ولو ادعى أنه أراد عدد القرص لا قدرها لم ينو في ذلك إلا أن يأتي مستفتيا، ولو قال قائل: إنه لا ينوي في الفتوى أيضا لبعد النية في ذلك لكان قولا، فقد قيل في الذي يحلف ألا يشرب الخمر فيقول: إنما أردت خمر العنب إنه لا ينوي في قضاء ولا فتيا، وقد مضى ذلك في رسم تسلف من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يأكل خبزا وإداما فأكل خبزا وملحا] مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب في من حلف ألا يأكل خبزا وإداما فأكل خبزا وملحا، قال: هو حانث وسواء كان الملح محضا أو مطيبا. قال محمد بن رشد: لم يره في الواضحة إداما يحنث به؛ قال: وإنما يحنث بكل ما يثبت معرفته عند الناس إنه إدام كان مما يطبخ به كالسمن والزيت والودك أو مما لا يطبخ به كالزيتون والجبن والحلوم وشبه ذلك، وإن ابن حبيب تكلم على ما يُعرف بالأندلس من أن الملح الحريش أو المطيب لا يأتدم الناس به، وتكلم أشهب على ما يعرف بمصر وغيرها من بلاد المشرق، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه لا يكون إداما إلا ما يطبخ فيه، حتى قالا: إن الشواء واللحم ليس بإدام، واستدلوا بقوله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «نعم الإدام الخل» ، وبقوله: «اتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة» وهذا بعيد، فقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اللحم سيد إدام الدنيا والآخرة» ، وذهب محمد بن الحسن إلى أن كل ما يؤكل الخبز به ويستطاب فهو إدام، واستدل بما روي من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ كسرة من خبز من شعير فوضع عليها تمرة، فقال: هذه إدام هذه» ، فأكلها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقوله صحيح على القول بأن الحالف إن لم تكن له نية يحنث بما يقتضيه لفظه ولا يراعى مقصده، فوجب إذا حلف الرجل ألا يأكل خبزا وإداما فأكل خبزا بشيء مما يستطاب به

مسألة: حلف ألا يأخذ من فلان درهما أبدا فأخذ منه قميصا وفيه درهم

الخبز أن يكون حانثا؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التمرة، ولأن العرب تقول للزوجين أدم الله بينكما يريدون بذلك الألفة والمحبة، فدل ذلك أن كل ما يطيب به الخبز فيؤكل به يسمى إداما لقوله وإن لم ينطلق عليه اسم إدام على انفراده، وهذا أصل مختلف فيه في المذهب، أعني مراعاة المقصد، وقد مضى ذلك في غير ما موضع، فإذا حلف الرجل ألا يأكل إداما لم يحنث بأكل التمر والتين والعنب، وما أشبه ذلك؛ إذ لا ينطلق عليه اسم إدام، ومن حلف ألا يأكل خبزا بإدام فأكل خبزا بتمر أو تين أو عنب أو ما أشبه ذلك جرى ذلك على الاختلاف في مراعاة المقصد، والأشهر في المذهب مراعاته، وألا يكون الحالف حانثا بذلك، وقد اختلف في الذي يحلف ألا يأكل خبزا وإداما أو خبزا وزيتا ولا نية له هل هو محمول على أنه أراد ألا يجمع بينهما فلا حنث بأكل أحدهما وهو ظاهر. قول أشهب هذا، وقيل: إنه محمول على أنه أراد ألا يأكلهما جميعا فيحنث بأكل أحدهما كمن حلف ألا يفعل فعلين ففعل أحدهما، وهذا على الاختلاف أيضا في مراعاة المقصد، فلم يراعه في هذه المسألة في المدونة. [مسألة: حلف ألا يأخذ من فلان درهما أبدا فأخذ منه قميصا وفيه درهم] مسألة قال أصبغ في من حلف ألا يأخذ من فلان درهما أبدا فأخذ منه قميصا وفيه درهم وهو لا يعلم به، ثم علم بالدرهم فرده على صاحبه، قال: ليس عليه شيء. قال محمد بن رشد: لابن القاسم في المبسوط: إنه حانث إلا أن تكون له نية، وهو على أصله في المدونة فيمن حلف أنه لا مال له وله قدر ورثه لم يعلم به، وقال ابن كنانة فيها مثل قول أصبغ فيما لا يسترفع في مثله الدرهم، ويأتي على مسألة السرقة في المدونة الفرق بين ما يسترفع فيه الدرهم أو لا يسترفع، في ثلاثة أقوال، أحدهما أنه لا يحنث على القول

مسألة: حلف ألا يدخل بيت فلان ما عاش فمات فلان هل يدخل بيته وهو ميت

بمراعاة المقصد، والثاني أنه يحنث على القول بالاعتبار باللفظ دون مراعاة المقصد، والتفرقة استحسان، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يدخل بيت فلان ما عاش فمات فلان هل يدخل بيته وهو ميت] مسألة ومن حلف ألا يدخل بيت فلان ما عاش، فمات المحلوف عليه فأراد أن يدخل بيته وهو ميت قبل أن يُدفن، قال: لا يدخل عليه حتى يدفن، فإن دخل قبل أن يدفن حنث، وكذلك لو قال: لا أدخل بيت فلان حتى يموت، إنه إن دخل قبل أن يدفن وإن كان قد مات فهو حانث. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم الأقضية من سماع أشهب مستوفًى فليس لإعادة شيء من ذلك هنا معنى. [مسألة: حلف ليقضين غريمه في الصيف] مسألة ومن حلف ليقضين غريمه في الصيف فإذا انقضى آب وهو أُغُشْت فهو حانث ومن حلف ليقضين غريمه في الشتاء فإذا انقضى شباط وهو فبراير ولم يقضه فقد حنث، ومن حلف ليقضين غريمه في الربيع فإذا انقضى أيار وهو مايه ولم يقضه فقد حنث، ومن حلف ليقضين غريمه في الخريف فإذا انقضى تشرين الآخر وهو نونبر ولم يقضه فقد حنث، ومن حلف ليقضين غريمه إلى الحصاد فإنه يقضى عليه في وسط الحصاد وعظمه، ولا يحنث إلا بانقضاء الحصاد كله، وكذلك إلى القطاف والجداد وإلى الصدر وإلى العطا وما أشبهه. قال محمد بن رشد: قال عز وجل: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الحجر: 16] فبروج السماء بإجماع من العلماء اثنا عشر برجا، وهي الحمل والثور

والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت تقطعها الشمس كلها في، اثني عشر شهرا من شهور السريانيين وشهور العجم، وهي سنة كاملة يناير وفبراير ومارس وإبريل ومايه ويونيه ويوليه وأغشت وستنبر وأكتوبر ونونبر ودجنبر، وهذه السنة هي السنة الشمسية، وتنقسم على أربعة فصول: ربيع وخريف وشتاء وصيف، كل فصل من ثلاثة أشهر فيتلو الربيع الصيف ويتلو الصيف الخريف ويتلو الخريف الشتاء، واختلف في حد هذه الفصول، فذهب أصبغ وحكى ابن حبيب مثله في الواضحة عن ابن الماجشون وعن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه أن أول فصل الربيع أول شهر مارس وأخره آخر شهر ماي، ثم يتلوه سائر فصول السنة ثلاثة أشهر ثلاثة أشهر، وذهب ابن حبيب في رأي وقع له ذلك في الزكاة إلى أن أول فصل الربيع من نصف فبراير إلى نصف ماي، ثلاثة أشهر تتمة شهر فبراير وشهر مارس وإبريل ونصف ماي، ثم يتلوه سائر فصول السنة على هذا الترتيب تمام الشهر والشهران بعده ونصف الشهر، وهو أعدل من القول الأول؛ لأن فصل زمان الربيع والخريف هو الزمان الذي يعتدل فيه الزمان ويستوي فيه الليل والنهار، وفصل زمان الصيف هو الفصل الذي يتناهى فيه طول النهار، وفصل الشتاء هو الذي يتناهى فيه قصر النهار، واعتدال الليل والنهار يكون إذا حلت الشمس بأول برج الحمل، وذلك في نصف شهر مارس، ثم يأخذ النهار في الزيادة، فقول من جعل أول فصل الربيع قبل الاعتدال بشهر وآخره بعد الاعتدال بشهرين أعدل من قول من جعل أوله قبل الاعتدال بنصف شهر وآخره بعد الاعتدال بشهرين ونصف، وكان القياس أن يكون أوله قبل الاعتدال بشهر ونصف وآخرها بعد الاعتدال بشهر ونصف، فيكون فصل الربيع على هذا أول فبراير وآخره إبريل، إلا أن هذا لم يقولوه، فكأنهم ذهبوا إلى مراعاة تقارب كل فصل من الفصول في الحر والبرد لا إلى تقارب كل فصل منها في الطول والقصر ومراعاة تقارب كل فصل منها في الطول والقصر أولى وأظهر، والله أعلم.

مسألة: قال لله علي نذر شرب الخمر

وأما قوله في من حلف ليقضين غريمه إلى الحصاد فإنه يقضى عليه في وسط الحصاد وعظمه ولا يحنث إلا بانقضاء آخره، فمثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وابن القاسم وغيره من أصحاب مالك، وحكي أنه قول مالك أيضا، وفيه نظر؛ لأن إلى غاية، فكان القياس في الذي حلف ليقضين رجلا حقه إلى الحصاد أن يحنث إن لم يقضه فيما بينه وبين أول عظمه كما يقضى عليه إذا بايعه إلى الحصاد بالقضاء في عظمه، وإنما يصح ألا يحنث إلا بانقضاء الحصاد وأن يقضى عليه في وسطه إذا حلف ليقضين رجلا حقه في الحصاد، وهذا بين، وكذلك من بايع رجلا إلى شهر كذا ولم يقل أول شهر كذا، أو قال محل أجله شهر كذا فإنه يقضى عليه بالحق في نصف الشهر على هذا القياس، وقد كان ابن لبابة يذهب إلى أن من بايع رجلا وقال محل أجله شهر كذا فالبيع فاسد؛ لأنه أجل مجهول، وتابعه على ذلك غيره من أهل عصره، والرواية عن مالك مسطورة بخلاف ذلك في رسم شك في طوافه من سماع عن ابن القاسم من كتاب الديات. [مسألة: قال لله علي نذر شرب الخمر] مسألة وقال ابن القاسم في النذور: إنما هي خمسة وجوه، إذا قال: لله علي نذر شرب الخمر أو قال: لله علي أن أشرب الخمر، أو قال: لله علي نذر أن أشرب الخمر فليس عليه في ذلك كله شيء فعله أو لم يفعله، وإن قال: لله علي نذر إن شربت الخمر فشربها فليكفر، وإذا قال: لله علي نذر إن لم أشرب الخمر قيل له: لا تشربها وكفر، فإن فعل واجترأ علي الله تعالى في شربها فلا كفارة عليه، وإنما الذي يقول لله علي نذر إن شربت الخمر أو إن كلمت أبي أو فلانا بمنزلة الذي يقول: والله لا فعلت كذا وكذا ثم يحنث، قال: والنذور

مسألة: حلف لغريمه ليبعثن بحقه مع فلان يوم كذا أو لأبعثن بحقك يوم كذا

في الأب والأجنبي سواء إن قال: إن كلمت أبي أو أجنبيا فهو واحد يكفر إذا حنث. قال محمد بن رشد: جوابه في الوجوه التي ذكرها صحيح، وتقسيمه لها إلى خمسة وجوه ليس بكلام محصل؛ لأن ذلك إنما يرجع إلى وجهين نذر ويمين بنذر، والنذر على وجهين نذر أن يفعل ونذر ألا يفعل واليمين على وجهين يمين بنذر ألا يفعل ونذر بيمين ليفعلن، فإذا نذر أن يفعل فعلا أو ألا يفعله وجب ذلك عليه إن كان طاعة، وحرم عليه إن كان معصية، وكان مخيرا فيه إن لم يكن طاعة ولا معصية، وقد مضى القول على هذا في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم، وإذا حلف بالنذر وقال: علي نذر إن فعلت كذا وكذا أو لأفعلنه فحكمه حكم اليمين بالله ولا اختلاف في ذلك. [مسألة: حلف لغريمه ليبعثن بحقه مع فلان يوم كذا أو لأبعثن بحقك يوم كذا] مسألة وعن رجل حلف لغريمه ليبعثن بحقه مع فلان يوم كذا وكذا أو لأبعثن بحقك يوم كذا وكذا فذلك سواء، إن لم يصل إليه الحق يوم حلف ليبعثن به يوم كذا وكذا فهو حانث. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه لا يبر إلا بوصول الحق إليه ذلك اليوم لا ببعثه إليه فيه لأن ذلك هو مقصد الحالف، وإذا كان المقصد ظاهرا حملت اليمين عليه في المشهور في المذهب إن خالف ذلك ما يقتضيه اللفظ، وقد مضى هذا المعنى فوق هذا وفي غير ما موضع. [مسألة: حلف أن فلانا في هذا البيت وأن في كم فلان دينارا ولم يكن يعلم] مسألة وعن رجل حلف أن فلانا في هذا البيت وأن في كم فلان دينارا ولم يكن يعلم، فجاء الأمر على ذلك، قال: سمعت ابن القاسم يقول في مثل هذا لا حنث عليه إذا صادف ذلك كما قال،

مسألة: جاره يؤذيه فأعطاه دنانير على أن يرتحل من جواره فمات

وهو بمنزلة الذي يحلف لمطيرن غدا فلا يوبه له حتى يكون ذلك فلا حنث عليه، وقد سمعت ابن القاسم يقول في رجل حلف في قيد رجل عنده أو غيره أن فيه كذا وكذا رطلا، ولا يدري ما فيه فتوزن فيوجد ذلك أو أكثر أنه لا حنث عليه، وإنما هو رجل غرر فوجد كما غرر. قال محمد بن رشد: أما إذا حلف على ذلك عن تجربة فانكشف الأمر على ما حلف عليه فلا اختلاف في أنه لا حنث عليه، واختلف إن كانت يمينه على ادعاء علم غيب أو مصحح على الشك دون سبب من تجربة أو توسم شيء ظنه فقيل: إنه يحنث وإن وجد الأمر على ما قال، وهو قول المغيرة المخزومي رأيت ذلك له في بعض احتجاجاته على أبي يوسف في مجالس مناظرته له، وهو قول عيسى بن دينار من رأيه، ودليل رواية أبي زيد عن ابن القاسم في كتاب الأيمان بالطلاق، وقيل: إنه لا حنث عليه إن لم يطلق عليه حتى انكشف أن الأمر على ما حلف عليه، وهي رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الأيمان بالطلاق والصحيح في النظر؛ لأنه إنما أوجب على نفسه الطلاق بشرط وجود الأمر بخلاف ما قال، فإذا لم يطلق عليه حتى بان الأمر على ما قال وجب ألا يطلق عليه؛ إذ لا يصح أن يوجب على أحد طلاق ولا عتق ولا شيء لم يوجبه على نفسه، ولو كانت يمينه بالله عز وجل لما سقط عنه الإثم في جرأته على الله في الحلف باسمه على غير يقين بانكشاف الأمر على ما حلف عليه. [مسألة: جاره يؤذيه فأعطاه دنانير على أن يرتحل من جواره فمات] مسألة وسمعته وسئل عن الرجل يكون له الجار يؤذيه كما يقول فيعطيه دنانير على أن يرتحل من جواره فيموت قبل الرحلة، هل

مسألة: حلف ألا يبيع رجلا ثوبا أبدا فأراد أن يبيع مقارضا له

ترى له الدنانير؟ قال أصبغ: أرى إن كان طول جدا، وقد أمكنته الرحلة التي تراد منه وجاوز إقامتها بالرحلة فأرى أن ترد ما لم يكن المعطي قد علم ذلك فأمسك عن انتظاره ورضي، وإن كان الأمر لم يكن كله حتى مات فهي له. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما أعطاه الدنانير على أن يرتحل عنه، فإن ترك الرحلة وقد أمكنته حتى مات كان للمعطي أن يرجع في دنانيره؛ لأن الذي أعطى دنانيره عليه لم يتم له، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون على شروطهم» ، إلا أن يكون قد علم ولم ينكر فيكون ذلك منه رضى بإسقاط شرطه، وذلك مثل ما لو أعطى رجل رجلا دنانير على أن يعتق عبده فلم يفعل حتى مات العبد، وهو على قياس قول ابن القاسم وروايته عن مالك في الذي يبيع العبد من الرجل على أن يعتقه فيؤخر ذلك حتى يموت العبد، وقد علم البائع أو لم يعلم، وقع ذلك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع العيوب، وفي رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ منه. [مسألة: حلف ألا يبيع رجلا ثوبا أبدا فأراد أن يبيع مقارضا له] من سماع ابن أبي زيد من ابن القاسم مسألة قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن رجل حلف ألا يبيع رجلا ثوبا أبدا فأراد أن يبيع مقارضا له فكرهه، وقال: ما يعجبني. قال محمد بن رشد: إن كانت يمينه؛ لأنه أراد ألا ينفعه أو لأنه كره ماله فلا امتراء في أن الحنث عليه واجب، وإن لم تكن نية فالقياس ألا حنث؛ لأنه لم يبع منه شيئا إلا أنه كره له من أجل أن العهدة لما كانت تكون عليه أشبه بيعه، وستأتي المسألة مكررة في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق. [مسألة: حلف ليقضينه حقه إلى شهر فدفع إليه نصف الحق ورهنه الباقي] مسألة وقال في رجل حلف لغريم له ليقضينه حقه إلى شهر أو رهنا

مسألة: حلف ألا يأكل هذا الطعام حتى يأكل فلان فأكلا جميعا معا

بحقه فدفع إليه نصف الحق ورهنه رهنا بالنصف الباقي، قال: لا شيء عليه، ولو قال: لأقضينك حقك وأرهنك داري فقضاه نصف الحق ورهنه نصف الدار في الباقي فإنه يحنث. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة بعينها في هذا السماع من كتاب الأيمان بالطلاق، وهي مسألة صحيحة ليس فيها كلام؛ لأن من حلف أن يرهن رجلا رهنا بحق له عليه يبر بالقضاء باتفاق؛ إذ هو أبلغ من الرهن، فإذا حلف الرجل أن يقضي غريمه حقه أو يرهنه رهنا وجب أن يبر إذا قضاه نصف الحق ورهنه بالنصف الباقي رهنا؛ لأن ذلك أبلغ من أن يرهنه بالجميع رهنا ولا يقضيه منه شيئا، وأما الذي حلف أن يقضيه حقه أو يرهنه داره فلا يبر إلا بأحد الوجهين، وإن قضاه نصف الحق لم يبر إلا أن يرهنه بما بقي من حقه جميع الدار وهذا بيِّن. [مسألة: حلف ألا يأكل هذا الطعام حتى يأكل فلان فأكلا جميعا معا] مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يأكل هذا الطعام حتى يأكل فلان فأكلا جميعا معا، قال: هو حانث إلا أن يكون أراد بقوله حتى يأكل فلان أي حتى يأكل معي، قيل: فإن قال لا أشتري ميمونا حتى أشتري مباركا؟ قال: هو حانث إلا أن يكون نوى حتى يشتريهما جميعا، قيل: فإن قال: لا أنكح فلانة حتى أنكح فلانة لامرأة أخرى فنكحهما جميعا معا؟ قال لي: هو مثله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الأظهر من اللفظ ألا يفعل شيئا من ذلك إلا بعد الفعل الآخر، فوجب أن يحمل يمينه على ذلك إلا أن تكون له نية أن يفعله معه فينوي في ذلك، وإن كانت على يمينه بينة فيما يقضى به عليه؛ لاحتمال اللفظ ذلك.

مسألة: سلف في طعام وحلف له البائع ليوفينه إلى أجل سماه بساحل الفسطاط

[مسألة: سلف في طعام وحلف له البائع ليوفينه إلى أجل سماه بساحل الفسطاط] مسألة وسئل عن رجل سلف في طعام وحلف له البائع ليوفينه إلى أجل سماه بساحل الفسطاط، قال ابن القاسم: إن أوفاه بالموضع كان حانثًا. قال محمد بن رشد: وهو كما قال إنه حانث؛ إذ لم يوفه إياه في الموضع الذي حلف ليوفينه فيه. [مسألة: قال لله علي إن رزقني الله ثلاثة دنانير أن أصوم ثلاثة أيام] مسألة وسئل عن رجل قال: لله علي إن رزقني الله ثلاثة دنانير أن أصوم ثلاثة أيام فرزقه الله دينارين فصام ثلاثة أيام، فرزقه الله الدينار الثالث بعد أن صام، قال: يبتدئ صيام الثلاثة الأيام. وسئل عن رجل قال: لله علي إن قضى الله عني مائة دينار كان تحمل بها لرجل عن أخ له، فله علي صيام ثلاثة أشهر فقضاها الله عنه إلا دينارا ونصفا، فصام الثلاثة الأشهر ثم قضى الله الدينار والنصف بعد، أترى أن يجزيه صيامه؟ قال: أرجو أن يجزئ عنه، وأفتى به ورأيته عنده ضعيفا، وقد سأله هل له نية؟ فقال: ما نويت شيئا وهكذا كانت يميني. قال محمد بن رشد: القياس أنه لا يجزيه؛ لأنه صامه قبل أن يجب عليه إذ لا يجب عليه إلا بقضاء الجميع إلا أنه رجا أن يجزئه؛ لأنه إنما نذر لله ما نذر من أجل ثقل الدين عليه، فإذا لم يبق عليه منه إلا اليسير الذي لا يثقل عليه فقد بلغ الله أمله وحصل له غرضه، وفي أول سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات ما يقوم منه أنه يلزمه أن يصوم من الصيام الذي نذره. بقدر ما أدى الله عنه من الدين، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال.

مسألة: رجل حلف ألا يتعشى فشرب ماء

[مسألة: رجل حلف ألا يتعشى فشرب ماء] مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يتعشى فشرب ماء، قال: لا شيء عليه إذا شرب ماء، قيل له: فشرب نبيذا؟ قيل له: أيشرب سويقا؟ قال: يحنث، قيل له: أيتسحر؟ قال: لا شيء عليه. قال محمد بن رشد: إنما حنثه بالسويق ولم يحنثه بالنبيذ؛ لأن النبيذ شراب وليس ينطلق عليه اسم طعام، والسويق طعام وليس ينطلق عليه اسم شراب، وإن شُرِبَ، وكفى من الحجة في ذلك ما جاء في الحديث من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا في سفره إلى خيبر بالصهباء بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق» ، والعَشاء إنما تقع على الطعام لا على الشراب، وإنما يحنث بالسحور؛ لأن السحور إنما ليس بعشاء، وإنما هو بدل من الغداء، وقد سماه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداء، فروي عنه أنه قال للمقدام بن معدي: «عليك بهذا السحور فإنه هو الغداء المبارك» ، فوجب ألا يحنث من حلف ألا يتعشى إذا تسحر كما لا يحنث إذا تغدى. [مسألة: قال مالي في سبيل الله إن دخلت هذه الدار أو كلمت فلانا فحنث] مسألة وقال في رجل قال: مالي في سبيل الله إن دخلت هذه الدار، ثم قال مالي في سبيل الله إن كلمت فلانا، ثم قال مالي في سبيل الله إن فعلت أبدا أجرا فحنث في كل ما حلف به، أترى أن يجزئه من ماله الثلث؟ قال: هذا رأي ابن كنانة ولست أقوله وأنا أرى أن يخرج

مسألة: قال لابنه أنت بدنة

ثلث ماله في سبيل الله، ثم يخرج ثلث ما بقي بعد ذلك فيجعله أيضا في سبيل الله، ثم يخرج ثلث ما بقي بعد ذلك فيجعله في سبيل الله. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن ابن القاسم حكى عن ابن كنانة أنه يجزئه ثلث واحد، وأنه لا يرى هو ذلك، ولا يقول به ويوجب عليه إخراج ثلث ماله لليمين الأولى وثلث ما بقي لليمين الثانية، وثلث ما بقي لليمين الثالثة، وذلك خلاف المعلوم من مذهبه في سماع يحيى المتقدم، وفي غير ذلك من الدواوين، وخلاف الأصول أيضا على ما ذكرناه، وبيانه في رسم الصلاة من سماع يحيى المذكور، فيحتمل أن يكون انتهى جواب ابن القاسم إلى قوله قال هو رأي؛ ووصل العتبي بجوابه قول ابن كنانة، فقال ابن كنانة ولست أقوله، فيكون معناه قال ابن كنانة: ولست أقوله - يعني قول ابن القاسم - إنه يجزئه ثلث واحد، وأنا أرى أن يخرج ثلث ماله إلى آخر قوله، وهو تأويل ممكن محتمل، والله أعلم. [مسألة: قال لابنه أنت بدنة] مسألة وقال في من قال لابنه: أنت بدنة، قال: لا شيء عليه إلا أن يكون نوى الهدي. قال محمد بن رشد: قوله في ابنه هو بدنة بمنزلة قوله: أنحره، فقوله: لا شيء عليه إلا أن يكون نوى الهدي، هو أحد أقوال مالك في المدونة، والذي يتحصل من أقواله فيها أنه إن أراد الهدي أو سمى النحر فعليه الهدي قولا واحدا، وإن لم تكن له نية ولا سمى المنحر فمرة رأى عليه كفارة يمين، ومرة لم ير عليه شيئا، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية. [مسألة: قال لله علي ألا أصوم غدا ولله علي ألا أكلم فلانا] مسألة وإذا قال: لله علي ألا أصوم غدا، ولله علي ألا أكلم فلانا، ولله

مسألة: قال رجل لله علي نذر عتق رقبة لأصومن غدا

علي ألا أدخل المسجد، أنه يدخل المسجد ويصوم غدا ويكلم فلانا ولا شيء عليه إلا أن يقول: لله علي نذر إن صمت غدا، ولله علي نذر إن كلمت فلانا، ولله علي نذر إن دخلت المسجد، إن فعل شيئا من هذه الوجوه فعليه في ذلك كله كفارة. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في آخر نوازل أصبغ في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: قال رجل لله علي نذر عتق رقبة لأصومن غدا] مسألة قال: ولو قال رجل لله علي نذر عتق رقبة لأصومن غدا، قال: هو مخير إن شاء صام غدا ولا عتق عليه، وإن شاء أعتق رقبة ولم يصم غدا. قال محمد بن رشد: قوله هو مخير إن شاء صام غدا ولا عتق عليه وإن شاء أعتق رقبة ولم يصم غدا ليس بصحيح؛ لأنه حلف بعتق رقبة أن يصوم غدا فيمينه على بر؛ لأنه يحنث بمضي غد، ولا يجوز لمن كانت يمينه على بر بطلاق أو مشي أو عتق أو ظهار أو صيام، أو ما سوى ذلك مما عدا اليمين بالله أن يطلق ولا أن يمشي ولا أن يعتق ولا أن يكفر عن ظهار ولا أن يصوم قبل أن يحنث، فإن فعل شيئا من ذلك قبل أن يحنث لم يجزه، ولزمه أن يفعله مرة أخرى إذا حنث، وقد وقع في كتاب الظهار من المدونة لمالك في من آلى من امرأته بعتق رقبة بغير عينها فأعتق رقبة قبل أن يحنث أن ذلك يجزئه وسقط عنه الإيلاء، وهي رواية شاذة خارجة عن الأصول، وعليها يأتي قول ابن القاسم في هذه المسألة. [مسألة: اختلس كتابا فقال صاحبه والله لا تقرؤه وقال الذي اختلسه والله لأقرأنه] مسألة وسئل عن رجل اختلس من رجل كتابا، فقال صاحب الكتاب: والله لا تقرؤه، وقال الذي اختلسه: والله لأقرأنه فتجابذا الكتاب فصار

مسألة: طلق امرأته واتخذ عليها إن تزوجت بعده فمالها للمساكين صدقة

في يد صاحبه نصفه وفي يد الذي اختلسه نصفه فقرأ ذلك النصف، فقال: أحب إليّ أن يكفرا جميعا؛ قيل له: سواء قرأ نصفه أو قرأه كله؟ قال: لا، إذا قرأه كله لم يكن عليه شيء. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها من أن من حلف ألا يفعل فعلا يحنث بفعل بعضه، ومن حلف أن يفعل فعلا لا يبر إلا بفعل جميعه؛ لأن الحالف ألا يفعل فعلا حالف ألا يفعل شيئا فوجب أن يحنث إن فعل بعضه، والحالف أن يفعل فعلا حالف أن يفعل جميعه فوجب ألا يبر بفعل بعضه، وإنما افترق البر من الحنث من أجل أن لفظ الحالف اقتضى ذلك فحمله على عمومه في الوجهين، وإلى هذا يرجع قول من يعلل بأن يقول الحنث يدخل بأقل الوجوه، والبر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وإنما قال: أحب إليّ أن يكفرا جميعا ولم يوجب ذلك عليهما جميعا من أجل أن الحالف أن يقرأه لم يتقرر بعد حنثه إذا حلف يقدر على النصف الآخر فيقرأه فيبر، ولو فات النصف الثاني فواتا لا يمكنه قراءته أصلا لوجبت عليه الكفارة كما وجبت على صاحبه. [مسألة: طلق امرأته واتخذ عليها إن تزوجت بعده فمالها للمساكين صدقة] مسألة وقال في رجل طلق امرأته واتخذ عليها إن تزوجت بعده فمالها للمساكين صدقة، فقال: قد ظلم حين فعل، فإن تزوجت كان ثلث مالها في المساكين، قال ابن القاسم: إن كانت حلفت على ضرورة فليس عليها شيء في يمينها، وهي بمنزلة التي تعطيه مالها على ضرورة ثم يعلم بذلك فهي ترجع عليه ثم أخذ منها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا طلقها على أن مالها في

مسألة: حلف ألا يعين أخاه في حاجة فمرض فأراد أن يعوده

المساكين صدقة إن تزوجت لا يلزمها اليمين إذا كانت إنما حلفت عن ضرورة لأن إكراه الرجل امرأته إكراه، ويمين المكره لازمة له. [مسألة: حلف ألا يعين أخاه في حاجة فمرض فأراد أن يعوده] مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يعين أخاه في حاجة فمرض فأراد أن يعوده أو دعاه إلى طعام في منزله أيجيبه؟ قال: لا أرى بذلك كله بأسا إلا أن يكون أراد اعتزاله له. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن عيادته إياه وإجابته إلى طعامه ليس من العون له في حاجة بسبيل، فإذا لم ينو اعتزاله بيمينه فلا حنث عليه. [مسألة: قال أثمانهن صدقة إن وطئت منهن واحدة وهو يريد أثمان ثياب الجواري] مسألة وقال في رجل عاتبته امرأته في جوار له يطؤهن فوضع يده على ثياب لهن فجمعها فقال أثمانهن صدقة إن وطئت منهن واحدة وهو يريد أثمان الثياب يلغز لها ذلك؛ قال: لا أرى عليه بأسا وأرى ذلك ينفعه ولكن إن فعل فليتصدق بتلك الثياب التي وضع يده عليها وحدها إلا أن يكون نوى كل ثيابهن. قال محمد بن رشد: اليمين في هذه المسألة على نية الحالف وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم شك من سماع ابن القاسم وفي سماع أصبغ ما يغني عن إعادته. [مسألة: حلف ليقضينه دينارا إلى أجل فخاف الحنث فجاءه فاستسلف منه دينارا] مسألة وقال في من حلف ليقضين عبد الله دينارا إلى أجل فلما خاف الحنث جاء إلى عبد لعبد الله وهو وكيله والقائم بأمره فاستسلف منه دينارا فقضى عبد عبد الله، فقال: لا يبر؛ قيل له: يقول قد قضيت غلام

مسألة: مر بناقة على زقاق فحبقت عليه فقال أنت بدنة إن لم تمري فحبقت فلم تمر

عبد الله الدينار قبل الأجل وقد زعم ذلك العبد؛ قال: لا ينفعه ذلك إلا ببينة أنه قد قضى العبد الدينار قبل الأجل الذي حلف عليه ليقضينه إلى ذلك الأجل. قال محمد بن رشد: قوله إن الحالف لا يبر بعد القضاء بين لأنه إنما قضاه ماله الذي أخذه من عبده فكأنه لم يقضه شيئا، وأما ادعاؤه بعد الأجل أنه قد قضى الغلام قبل الأجل فهو بمنزلة ما لو ادعى بعد الأجل أنه قد قضى المحلوف عليه قبل الأجل فصدقه المحلوف فيدخل في ذلك من الاختلاف ما دخل في هذه، فقيل إنه يبر بتصديقه وهو أحد قولي سحنون وقوله إن يحلف مع شهادته إن كان مأمونا ويبر في اليمين، وقيل: إن كان صاحب الحق مأمونا، وقد روي عن مالك أنه يحلف لتسقط عنه اليمين ويكون عليه الحق بغير يمين إن كان صاحب الحق منكرا للاقتضاء. [مسألة: مر بناقة على زقاق فحبقت عليه فقال أنت بدنة إن لم تمري فحبقت فلم تمر] مسألة وقال في رجل مر بناقة على زقاق فحبقت عليه، فقال أنت بدنة إن لم تمري فحبقت فلم تمر، فقال: ما أرى إلا أن يخرجها. قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب أن أعرابيا سأل مالكا عن ناقة له نفرت فانصرفت، فقال لها: تقدمي وإلا فأنت بدنة، فقال له: أردت زجرها بذلك لكي تمضي؟ فقال: نعم، قال: لا شيء عليك، قال: رشدت يا ابن أنس، وذكرها ابن المواز عنه في كتابه، فقال فيها: إنه حانث كرواية أبي زيد. قال محمد بن رشد: أما إيجاب إخراجها فالوجه في ذلك أنه رآها يمينا بخروجها مخرج اليمين، فأوجب عليه إخراجها على أصل المذهب في أن اليمين بما لله فيه طاعة كالنذر يلزم، ووجه ما حكى ابن حبيب عن مالك أنه لم ير ذلك يمينا لأن الرجل إنما يحلف على ما يملك أو على من يعقل، وصرف ذلك إلى معنى النذر فلم يوجب عليه إخراجها إذ لم تكن له نية في

مسألة: حلف ألا يشهد له ولا عليه فكتب كتابا وشهد على نفسه فيه

ذلك وإنما قصد زجرها لا القربة إلى الله تعالى بإخراجها هديا وهو الأظهر لقول النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «إنما الأعمال بالنيات» . [مسألة: حلف ألا يشهد له ولا عليه فكتب كتابا وشهد على نفسه فيه] مسألة وقال في رجل حلف ألا يشهد لي ولا علي فبعته سلعة إلى أجل وكتبت كتابا وشهد على نفسه في الكتاب، كتب شهادته بيده على نفسه قال: يحنث. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن شهادة الرجل على نفسه شهادة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] الآية. [مسألة: قال لغلام لأبيه في حياة أبيه يوم أملكك فأنت حر فهلك الأب وملكه] مسألة وقال في من قال لغلام لأبيه في حياة أبيه يوم أملكك فأنت حر، فهلك الأب وملكه، قال: إن كان يوم قال ذلك سفيها فلا أرى عليه عتقا، وإن كان يومئذ حليما فإني أرى أن يعتق عليه، قال: وإن قال: أنت عتيق في مالي ولم يقل يوم أملكك أو يوم أكسبك فليس بشيء لا عتق عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب أن من حلف بعتق ما يملك قبل أن يملكه، أو أوجبه على نفسه بشرط ملكه له فخص ولم يعم أن ذلك لازم له، والأصل في وجوب ذلك عليه قوله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 75] إلى قوله: {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77] . لأنه إذا لزمه ذلك في الصدقة كان ذلك في

العتق أولى أن يلزمه، وإما إذا قال لعبد أبيه أنت حر أو حر في مالي ولم يقل يوم أملكك ولا نوى ذلك فلا شيء عليه لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم» ، تم كتاب النذر بحمد لله.

: كتاب الصيد والذبائح

[: كتاب الصيد والذبائح] [مسألة: بهيمة وقعت في ماء فذبحها صاحبها ورأسها في جوف الماء] كتاب الصيد والذبائح من سماع عبد الرحمن بن القاسم من كتاب القبلة مسألة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول في بهيمة وقعت في ماء فلم يستطع صاحبها أن يذبحها إلا ورأسها في جوف الماء، فقال: إن وصل إلى مذبحها وهي حية فلا أرى بذلك بأسا وإن رأسها في جوف الماء إذا اضطر إلى ذلك. قال محمد بن رشد: قوله إذا اضطر إلى ذلك شرط فيه نظر، إذ لا فرق في هذه المسألة في إعمال الذكاة بين أن يضطر إلى تذكيتها على تلك الحال أو لا يضطر إلى ذلك، وإنما تفترق الضرورة من غير الضرورة في إباحة الفعل ابتداء فيكره له أن يفعل ذلك من غير ضرورة مراعة لقول من يقول إن تذكيتها في حرف لا تجوز على حال، وهو قول ابن نافع في المبسوطة، قال: إن رفع رأسها على الماء فذبحها ثم تركها فهي حلال، وإن لم يرفع رأسها وذكاها تحت الماء فلا ذكاة فيها، ووجه ذلك أنه لا يدري إن كانت ماتت من ذبحه أو من الغم في الماء لاشتراك الأمرين جميعا فيها، كما قال مالك في المدونة في الصائد يذكي الصيد والكلاب تنهشه وهو يقدر على أن يتخلصه منها لا يؤكل مخافة أن يكون إنما مات من نهشها، وقال ابن القاسم: إنه يؤكل إن كان ذكاه وهو يستيقن أن حياته فيه مجتمعة، فقول مالك في المدونة خلاف قوله في هذه المسألة ومثل قول ابن نافع فيها، وقول ابن القاسم في المدونة

مسألة: بهيمة طرحت جنينا حيا فذكي وهو يركض

مثل قول مالك في هذه المسألة خلاف قول ابن نافع فيها، ولو ذكى الصائد الصيد والكلاب تنهشه وهو لا يقدر على أن يتخلصه منها لأكل باتفاق، فهذه المسألة يفترق فيها الضرورة من غير الضرورة في إعمال التذكية لا مسألة الذبح في الماء، فقف على ذلك واعلمه فإن المعنى في ذلك بين، وهو أن الصيد يؤكل إذا قتلته الكلاب قبل أن يدركه الصائد بخلاف إذا مات في الماء قبل أن يدركه، ولو قتله في جوف الماء بما يقتل به الصيد لم يؤكل لأنه قد صار أسيره، قاله ابن حبيب جعل النهر كالحفرة بخلاف الغيضة والغار، وبالله التوفيق. [مسألة: بهيمة طرحت جنينا حيا فذكي وهو يركض] مسألة قال مالك في بهيمة طرحت جنينا حيا فذكي وهو يركض، قال: ما أحب أن يؤكل قال، قال مالك وكذلك الذي لم يتم خلقه. قال محمد بن رشد: قوله لا أحب ليس على ظاهره، ومراده بذلك لا يحل فتجوز في اللفظ وهو بين من إرادته بدليل تمثيله إياه بالذي لم يتم خلقه، ولا يجوز تذكيته إلا أن يعلم أنه لو أرجئ عاش، وأما إن علم أنه لو ترك لم يعش أو شك في ذلك فلا يصح تذكيته. [مسألة: ذبيحة السكران] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالك يقول في ذبيحة السكران الذي لا يعقل والمجنون الذي لا يعقل: إنها لا تؤكل إذا كانا لا يعقلان. قال محمد بن رشد: وأما السكران الذي لا يعقل أصلا فهو كالمجنون المطبق الذي لا يعقل فلا تؤكل ذبيحته بإجماع؛ لأن من شرط التذكية النية وهو القصد إلى الذكاة، وذلك لا يصح ممن لا يعقل له أصلا،

مسألة: حكم أكل جبن المجوس

وأما السكران الذي يخطئ ويصيب فلا ينبغي لأحد أن يأكل ذبيحته لأنه لا يدري هل صحت منه النية في الذبح أم لا؛ ولا يصدق في ذلك لأنه ممن لا تجوز شهادته ولا يقبل قوله، ولو أتى مستفتيا في خاصة نفسه يزعم أنه عرف ما صنع وقصد الذكاة بذلك لوجب أن ينوي في خاصة نفسه ويباح له أكل ذبيحته وإن كان في تلك الحال ممن يقع عليه اسم سكران، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] . والخطاب لا يتوجه إلا لمن يعقل، فدلت الآية أن السكران قد يعقل وهذا بين. [مسألة: حكم أكل جبن المجوس] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول:، وأما السمن والزيت فلا أرى به بأسا إذا كانت آنيتهم لا بأس بها، فإن كان في آنيتهم بعض ذلك فلا أرى أن يؤكل، وإن شككت في آنيتهم وكانوا يأكلون الميتة فلا أحب ذلك. قال محمد بن رشد: أما جبن المجوس فبين أنه لا خير فيه لأنه إنما يجعلون فيه من أنافيح ذبائحهم التي لا تحل لنا، فقوله أكره ذلك لفظ فيه تجاوز، وقد روي أن أبا موسى الأشعري، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، كتب إلى عمر بن الخطاب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يذكر أن المجوس لما رأوا المسلمين لا يشترون جبنهم وإنما يشترون جبن أهل الكتاب عمدوا فصلبوا على الجبن كما يصلب أهل الكتاب ليشترى من جبنهم، فكتب إليه عمر، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ما تبين لكم أنه من صنعتهم فلا تأكلوه، وما لم يتبين لكم فكلوه، ولا تحرموا على أنفسكم ما أحل الله لكم، قال ابن حبيب: وقد تورع عمر بن الخطاب وابن

مسألة: ما ذبح أهل الكتاب لأعيادهم وكنائسهم

مسعود وابن عباس في خاصة أنفسهم عن أكل الجبن إلا ما أيقنوا أنه من جبن المسلمين وأهل الكتاب خيفة أن يكون من جبن المجوس، ولم يفتوا الناس به ولا منعوهم من أكله، فمن أخذ بذلك في البلد الذي فيه المجوس مع أهل الكتاب فحسن، وأما السمن والزيت فكما قال لا يجب أن يمتنع من أكله إلا أن يعلم بنجاسة آنيتهم فإن شككت في نجاستها فالتورع أفضل. [مسألة: ما ذبح أهل الكتاب لأعيادهم وكنائسهم] مسألة وقال مالك: ما ذبح أهل الكتاب لأعيادهم وكنائسهم وأعدوه فلا أحب أكله، ولست أراه حراما. قال ابن القاسم: ولا يعجبني أكله. قال عيسى: لا أرى به بأسا، وابن وهب مثله. سحنون: كل ما ذبحوا لأعيادهم فلا يحل أكله، وما ذبحوا لأنفسهم فلا بأس به. قال محمد بن رشد: كره مالك ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم لأنه رآه مضاهيا لقوله عز وجل: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، ولم يحرمه إذ لم ير الآية متناولة له وإنما مضاهية له؛ لأن الآية عنده معناها ما ذبحوا لآلهتهم مما لا يأكلون، ورأى سحنون الآية متناولة له فحرمه، وأجازه من أجازه لأنه من طعامهم الذي يأكلونه، وقد قال عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، وقد مضى هذا المعنى في سماع عبد المالك من كتاب الضحايا فقف على ذلك وبالله التوفيق.

مسألة: الحوت يؤخذ حيا أيقطع قبل أن يموت

[مسألة: الحوت يؤخذ حيا أيقطع قبل أن يموت] ومن كتاب أوله سلعة سماها مسألة قال: وسئل مالك عن الحوت يؤخذ حيا أيقطع قبل أن يموت؟ قال: لا بأس فيه لأنه لا ذكاة فيه، وأنه لو وجد ميتا أكل، فلا بأس بأن يقطع قبل أن يموت، وأن يلقى في النار وهو حي فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قد كره هذا في رسم الجنائز والصيد من سماع أشهب كراهية شديدة. وظاهر هذه الرواية الإباحة والوجه في ذلك أن الحوت لما كان لا يحتاج إلى تذكية وكان للرجل أن يقتله بأي نوع من أنواع القتل في الماء، وأن يقطعه فيه إن شاء كان له أن يفعل ذلك به بعد خروجه من الماء، والوجه في كراهية ذلك أن الحوت مذكى، فالحياة التي فيه بعد صيده بمثابة الحياة التي تبقى في الذبيحة بعد ذبحها فيكره في كل واحد منهما ما يكره في الآخر. [مسألة: حكم أكل جبن الروم الذي يوجد في بيوتهم] مسألة وسئل مالك عن جبن الروم الذي يوجد في بيوتهم، قال: ما أحب أن أحرم حلالا، وأما أن يكرهه رجل في خاصة نفسه فلا بأس بذلك، وأما أن أحرمه على الناس فلا أدري

مسألة: البازي يضطرب على الشيء يراه ولا يراه صاحبه فيرسله صاحبه

ما حقيقته، قد قيل: إنهم يجعلون فيه أنفحة الخنزير وهم نصارى؛ وما أحب أن أحرم حلالا، وأما أن يتقيه رجل في خاصة نفسه فلا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: كره للرجل في خاصة نفسه من أجل ما قيل له إنهم يجعلون فيه من أنفحة الخنزير، ولو لم يسمع ذلك لم يكن عليه أن يبحث عن ذلك؛ لأن الله قد أباح لنا أكل طعامهم بقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] . فأكل طعامهم جائز ما لم يوقن فيه بنجاسة، فإن خشي ذلك الرجل لشيء سمعه استحب له أن يتركه، ويبين هذا ما ذكرناه قبل هذا عن عمر بن الخطاب، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وابن عباس وابن مسعود من تورعهم في خاصة أنفسهم عن أكل الجبن مخافة أن يكون من جبن المجوس. [مسألة: البازي يضطرب على الشيء يراه ولا يراه صاحبه فيرسله صاحبه] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن البازي يكون في يد صاحبه فيضطرب على الشيء يراه ولا يراه صاحبه فيرسله صاحبه فربما أخذ صيدا وربما أخذ الحية وما أشبهها مما ليست بصيد، قال: إذا كان إنما اضطرب على غير صيد فأرسله وهو لا يرى شيئا فأخذ صيدا فقتله فلا أحب له أن يأكله، ولعله أن يضطرب على صيد ويأخذ صيدا غيره إلا أن يستيقن أن اضطرابه إنما كان على الصيد الذي أخذ، مثل أن يكون يراه غيره ولا يراه هو، والطيرة يأخذها ولا يطير حولها شيء، ومثل هذا مما يستيقن فلا بأس بأكله.

مسألة: الحوت يشترى فيوجد في بطنه حوت أخرى

قال محمد بن أحمد: معنى هذه المسألة أنه أرسل البازي ينوي صيد ما اضطرب عليه، وذلك بين من قوله: ولعله أن يضطرب على صيد ويأخذ صيدا غيره، ولو كان لما اضطرب أرسله ينوي ما صاد كان الذي اضطرب عليه أو غيره لأكل ما صاد على معنى ما في المدونة في الذي يرسل كلبه على الجماعة من الصيد وينوي، إن كان وراءها جماعة أخرى لم يرها فيأخذ ما لم ير أنه يأكله، ويبين هذا التأويل أيضا قول مالك في كتاب ابن المواز، قال: ومن رأى كلبه يحد النظر وكالملتفت يمينا وشمالا فأرسله على صيد لم يره، فليأكل ما أخذ وهو كإرساله في الغياض والغيران لا يدري ما فيها عرف أن فيها صيدا أو لم يعرف، ومن الناس من حمل هذه الرواية على الخلاف لما في المدونة مثل قول أشهب إنه لا يصح له أن ينوي في إرساله ما لم يره من الصيد، ومثل قول سحنون في رسم لم يدرك من سماع عيسى أنه إذا أرسل كلبه في الحجر والغامصة ينوي اصطياد ما فيهما وهو لا يدري أفيهما شيء أم لا، فأصاب فيهما صيدا أنه لا يؤكل، والتأويل الأول أظهر والله أعلم. [مسألة: الحوت يشترى فيوجد في بطنه حوت أخرى] ومن كتاب أوله شك في طوافه مسألة وسئل مالك عن الحوت يشترى فيوجد في بطنه حوت أخرى، أترى أن يؤكل؟ قال: نعم، لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصل مذهب مالك في جواز أكل ما وجد من الحوت ميتا طافيا على الماء وغير طاف عليه قد حسر عنه

مسألة: بيع الجزرة من النصراني وهو يعلم أنه يريدها لذبح أعيادهم في كنائسهم

الماء على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هو الطهور ماؤه والحل ميتته» . ولم يفرق بين ما صيد أو وجد ميتا، من أهل العلم من يقول: إنه لا يؤكل الطافي من الحوت، ومنهم من يقول: لا يؤكل إلا ما صيد حيا. فعلى قول هؤلاء لا يجوز أكل الحوت يوجد في بطن الحوت. [مسألة: بيع الجزرة من النصراني وهو يعلم أنه يريدها لذبح أعيادهم في كنائسهم] مسألة وسئل مالك عن بيع الجزرة من النصراني وهو يعلم أنه يريدها لذبح أعيادهم في كنائسهم، فكره ذلك، فقيل له: أيكرون الدواب والسفن إلى أعيادهم، قال: يجتنبه أحب إلي. وسئل ابن القاسم عن الكراء منهم، فقال: ما أعلم حراما وتركه أحب إلي. قال محمد بن رشد: وهذا كما قالا إن ذلك مكروه وليس بحرام لأن الشرع أباح البيع والاشتراء منهم والتجارة معهم وإقرارهم ذمة للمسلمين على ما يتشرعون به في دينهم من الإقامة لأعيادهم، إلا أنه يكره للمسلم أن يكون عونا لهم على ذلك، فرأى مالك هذا على هذه الرواية من العون لهم على أعيادهم فكرهه. وقد روي عنه إجارة ذلك، وهو على القول بأنهم غير مخاطبين بالشرائع أولا يكون قد أعانهم على معصية إلا على القول بأنهم مخاطبون بالشرائع، وقع اختلاف قوله في ذلك في سماع سحنون من كتاب السلطان، فإن وقع البيع والكراء منهم على هذا مضى ولم يفسخ، وإن كان ازداد في ثمن الجزرة أو كراء الدابة بسبب أعيادهم شيئا على القيمة أرى أن يتصدق بالزائد على القول بأن ذلك مكروه استحبابا، والله أعلم.

مسألة: يرمي الصيد بسهم مسموم، فيدرك ذكاته أترى أن يؤكل

[مسألة: يرمي الصيد بسهم مسموم، فيدرك ذكاته أترى أن يؤكل] مسألة وسئل مالك عن الذي يرمي الصيد بسهم مسموم، فيدرك ذكاته أترى أن يؤكل؟ قال: لا أرى أن يؤكل وإن ذكي. قيل له: إن السم يجتمع في بضعة واحدة ويقطع، قال: لا أرى ذلك، ونهى عنه وقال: أخاف أن يكون السم قتله وأخاف على من يأكله الموت منه ونهى عنه. قال محمد بن رشد: أما إذا لم ينفذ السهم بالسم مقتله ولم يدرك ذكاته فلا يؤكل باتفاق، واختلف إن أدركت ذكاته، فقال في الرواية: إنه لا يؤكل، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة، قال: لأنه ساعة يمس السم الدم جرى به إلى قتله. وقال سحنون: إنه يؤكل وهو أظهر؛ لأنه قد ذكي وحياته فيه مجتمعة قبل أن ينفذ مقاتله، وأما إذا أنفذ السهم بالسم مقاتله، فقال ابن حبيب: إنه لا يؤكل لأن السم قد شاركه في إنفاذ مقتله ويدخل في ذلك الاختلاف بالمعنى من مسألة الذبح في الماء على ما ذكرناه في أول رسم من السماع وبالله التوفيق. [مسألة: حيتان في برك يقل ماؤها فيطرح فيها السيكران فيسكرها ذلك فتؤخذ] مسألة وسئل مالك عن حيتان في برك يقل ماؤها فيطرح فيها السيكران فيسكرها ذلك فتؤخذ أفترى أن تؤكل؟ قال: ما يعجبني ذلك، ثم قال: أفيخاف على الذين يأكلونها؟ فقيل له: لا، قد جرب

مسألة: شراء قديد الروم

ذلك وإنه لا يضر ذلك، قال: ما يعجبني ذلك وكرهه، وقال: هذا من عمل العجم. قال محمد بن أحمد: إنما كره أكلها من ناحية الخوف على من يأكلها وكأنه لم ير التجربة تصح في ذلك قد يضر بعض الناس ولا يضر آخرين لا من ناحية أن ذلك مما يؤثر في ذكاة الحيتان لأنها لا تحتاج إلى ذكاة، وقد قال في رسم الصيد والجنائز: إنه لا بأس بأكل ما مات منها بالسيكران أو السكر فأخذ باليد، وهو مفسر لهذه الرواية في جواز أكلها إلا أنه لا يجوز بيعها إلا بعد أن يبين بذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: شراء قديد الروم] ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته مسألة قال مالك: لا أحب شراء قديد الروم ولا جبنهم الذي ينزلون به من بلادهم مثل أهل طربلس. قال محمد بن أحمد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها. [مسألة: يكون بينه وبين اليهودي شرك في شاة فيقول له اليهودي دعني أذبحها] مسألة قال: وسئل مالك عن الرجل يكون بينه وبين اليهودي أو النصراني شرك في شاة، فيقول له اليهودي: دعني أذبحها فإنا لا نأكل ذبائحكم، قال مالك: لا أحب له أن يمكنه من ذلك، فقيل له: فإنا لا نأكل ذبائحهم التي ذبحوا لأنفسهم، قال: إنما نأكل

مسألة: متردية اندق عنقها أو انكسر ظهرها أو خربت فأتيت وهي تتنفس فذكيت

ما ذبحوا لأنفسهم، وأما إنا نعطيهم شيئا أو يكون معهم شرك فتمكنهم فلا أحب للمسلم أن يفعل ذلك ولا ينبغي للمسلم أن يستأجرهم ولا يقارضهم ولا يأتمنهم. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في سماع أشهب من كتاب الضحايا فلا معنى لإعادته وسيأتي هذا المعنى أيضا في سماع أشهب وفي سماع يحيى وبالله التوفيق. [مسألة: متردية اندق عنقها أو انكسر ظهرها أو خربت فأتيت وهي تتنفس فذكيت] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق مسألة قال مالك: وكل متردية اندق عنقها أو انكسر ظهرها أو خربت فأتيت وهي تتنفس فذكيت، قال مالك: ما أدرك من متردية اندق عنقها وإن كان مثلها لا يعيش أو ضربت، وإن تركت لم تعش فذكيت فهي توكل لأن بعضها مجتمع إلى بعض، وأما كل شيء خرق جوفه حتى انتثر أمعاؤها وأحشاؤها أو أكل معاؤها فلا أرى أن تذكى ولا توكل، قال مالك في المندقة العنق وما أشبهها: وإن كان مثلها لا يعيش لو ترك فذكي فهو ذكي وتوكل إلا أن ينقطع نخاعها فذكى، قال: ولم يجز بيعه. وقد روي عن مالك ما يدل على جواز بيعه من ذلك ما وقع في رسم الشجرة من سماع ابن

مسألة: كيفية نحر البدن

القاسم من كتاب الصلاة في مسألة الصابون وما في سماع أشهب أيضا من هذا الكتاب على ما سنذكره إن شاء الله إذا مررنا به. [مسألة: كيفية نحر البدن] ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا مسألة قال مالك: تنحر البدن قياما أحب إلي، وكأني رأيته يراه وجه الأمر فيها، قال: والبقر والغنم تذبح وتضجع، قال: ويلي الرجل نحر بدنته وذبح ضحيته بيده أحب إلي، ويقول: بسم الله، الله أكبر، وإن أحب قال ربنا تقبل منا، وكره أن يقول اللهم منك وإليك وعابه وشدد الكراهية فيه، وقال إذا أعق: اللهم منك وإليك؛ وإذا تصدق قال: اللهم منك وإليك، فكره ذلك ولم يره من العمل ولم يستحسنه. قال محمد بن رشد: هذا كله مثل ما في المدونة وإنما استحب أن تنحر البدن قياما، وقال: إنه وجه الأمر فيها كما قال في الحج الثالث من المدونة إنه الشأن اتباعا لظاهر قوله عز وجل: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] ، أي سقطت إلى الأرض، ولم ير ابن القاسم في المدونة أن تنحر معقولة إن امتنعت ولم يحفظ عن مالك هل تنحر معقولة أم تكون مصفوقة، وقوله عز وجل: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] . أي مصطفة لا يدل على كونها معقولة، فلذلك لم يستحب ابن القاسم أن تعقل إذا لم تمتنع، وقد قرئ فاذكروا اسم الله عليها صوافن أي على ثلاث قوائم معقولة إحدى يديها، واستحب ذلك بعض العلماء، وقد قرئ صوافي أي صافية خالصة لله

تعالى، واستحب أن يلي الرجل نحر هديه وذبح ضحيته بيده تواضعا لله وتأسيا برسول الله في ذلك، فإن ذبح له غيره بأمره أجزأه عند مالك، قال ابن عبد الحكم في مختصره: وقد قيل لا يجزيه والأول أحب إلينا، وأما إن ذبحها له نصراني أو يهودي فلا يجزيه إلا عند أشهب، وقد مضى دليل قوله في سماع أشهب من كتاب الضحايا، واستحب في صفة التسمية على الذبيحة أن يقول بسم الله والله أكبر لأنه الذي مضى عليه أمر الناس، قال ابن حبيب في الواضحة: فإن قال: باسم الله والله أكبر وحده اكتفاه بذلك، وكذلك لو قال: لا إله إلا الله أو سبحان الله أو لا حول ولا قوة إلا بالله لاكتفي بذلك؛ لأنه إنما أمر أن يسمي الله، فكيف ما ذكره فقد سماه. وأجاز أن يقول بعد التسمية صلى الله على رسول الله، وكره أن يقول معها محمد رسول الله، وظاهر المدونة أنه كره الأمرين جميعا وما في الواضحة أبين؛ لأن الصلاة على النبي دعاء له فلا وجه لكراهيته، بخلاف ذكر اسمه بغير دعاء ذلك مكروه؛ لأن الذبح إنما هو لله تعالى وحده فلا يذكر هناك إلا اسم الله تعالى وحده كما أمر حيث يقول: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] . وتسمية الله سنة في الذكاة وليست شرطا في صحتها؛ لأن معنى قوله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ، أي لا تأكلوا الميتة التي لم يقصد إلى ذكاتها لأنها فسق، ومعنى قوله عز وجل: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 118] . كلوا مما قصد إلى ذكاته، فكنى عز وجل عن التذكية بذكر اسمه كما كنى عن رمي الجمار

مسألة: الحبالة يضعها الرجل للصيد فلمن يكون الصيد إذا وقع فيها

بذكره حيث يقول: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ومن الدليل على أن مراده عز وجل بما لم يذكر اسم الله عليه ما لم يقصد إلى ذبحه قوله عز وجل: {وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . وبين بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] . إلى قوله: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] . فبين بتسمية هذه الأشياء التي حرمها الله في هذه الآية بقوله فسقا أنها هي التي نهى عن أكلها لأنها فسق بقوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] . فمن ترك التسمية ناسيا أكلت ذبيحته، وأجاز ابن حبيب أن يقول مع التسمية على الضحية: اللهم منك وبك ولك، أي منك الرزق وبك الهدي ولك النسك، وحكاه عن علي بن أبي طالب وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهو قول سحنون، وكره ذلك مالك في هذه الرواية وشدد الكراهية في ذلك، وقال في المدونة: إن ذلك بدعة، فالمعنى في ذلك والله أعلم أنه إنما كره التزام ذلك على وجه كونه مشروعا في ذبح النسك كالتسمية، فمن قاله على غير هذا الوجه في الفرط لم يكن عليه إثم ولا حرج، وأوجر في ذلك إن شاء الله. [مسألة: الحبالة يضعها الرجل للصيد فلمن يكون الصيد إذا وقع فيها] مسألة وسئل مالك عمن وضع جبحا للعسل في الجبل فدخل فيه ذباب النحل فأطعم فيه، أتراه له دون الناس؟ فقال: إنما ذلك

مسألة: جبن الحبشة وهم مشركون

عندي بمنزلة الحبالة يضعها الرجل للصيد فهو لمن وضع حبالته إذا وقع فيها، بذلك الجبح ما كان فيه من عسل فهو لمن جعله مثل الحبالة التي وصفت لك. قال محمد بن أحمد: قال العتبي: إنما ذلكم لمن جعلها بعيدا من العمران حيث لا ينتهي إليه سرح النحل، وأما إن جعلها في موضع ينتهي إليه سرح النحل فلا يحل له ذلك، ولو أن السلطان علم بذلك لكان عليه أن يؤدبه، وقوله صحيح مفسر لقول مالك؛ لأن النحل إذا صارت في الأجباح كانت كحمام الأبراج لا يجوز لأحد أن يصيد حمام الأبراج، وسنزيد هذه المسألة بيانا في نوازل سحنون إن شاء الله. [مسألة: جبن الحبشة وهم مشركون] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات مسألة وسئل مالك عن جبن الحبشة وهم مشركون، قال: أخاف أن يجعلوا فيه ميتة فأنا أكرهه. قال محمد بن أحمد: في بعض الروايات وسئل عن سمن الحبشة وهو الصحيح في الرواية والله أعلم لأن المشركين ليسوا بأهل كتاب وإنما هم عبدة أوثان، فذبائحهم محرمة علينا كذبائح المجوس، فالامتناع من أكل جبنهم واجب لأنهم يجعلون فيه من أنفحة ذبائحهم وهي ميتة لا تحل، وأما سمنهم فكرهه مالك مخافة أن يكون الإناء الذي هو فيه قد جعلوا فيه ميتة، وقد مضى في أول رسم من هذا السماع ما يدل على هذا، وبالله التوفيق.

مسألة: الديكة المذبوحة من أقفيتها

[مسألة: الديكة المذبوحة من أقفيتها] ومن سماع أشهب وابن نافع مسألة قال سحنون: سمعت أشهب وعبد الله بن نافع يقولان: سمعنا المسور بن عبد المالك المخزومي يحدث مالكا أن أبا الحويرث حدثه أن محمد بن جبير بن مطعم أمر بثلاثة ديكة له أن تسمن حتى إذا امتلأن شحما أمر غلاما له أن يذبحها فذبحها من أقفيتها فلما نظر إليها محمد بن جبير بن مطعم، قال: لأظنه قد حرمها، فقلت له: كلا، فخرجت معه إلى سعيد بن المسيب حتى سأله عن أكلها، فقال له ابن المسيب: لا تؤكل فليس ذلك بذكاة، كل أنسية ذبحت من غير مذبحها فلا تؤكل، ولكن لو كانت وحشية أكلت، فقيل لمالك: أترى ما قال سعيد بن المسيب أن هذه الديكة المذبوحة من أقفيتها لا تؤكل؟ قال: نعم، إذا ذبحت من أقفيتها فلا تؤكل، وأرى أن تطرح، وأما لو ذهب يذبح فأخطأ فانحرف شيئا لم أر بأكلها بأسا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها أن من ذبح من القفا لم تؤكل ذبيحته، والمعنى في ذلك بين؛ لأن من ذبح من القفا فقد قطع النخاع وهو المخ الذي في عظم الرقبة قبل أن يصل إلى موضع الذبح، فيكون بفعله قد قتل البهيمة بقطعه نخاعها إذ هو مقتل من مقاتلها قبل أن يذبحها في موضع ذكاتها، وقول سعيد بن المسيب ولو كانت وحشية أكلت

مسألة: ذبح ذبيحة على سفينة فجرت في الماء فماتت فيه

فذلك كلام فيه نظر؛ لأن الوحشية إذا ملكت لا تذكى إلا بما تذكى به الأنسية من الذكاة في موضع الذكاة على وجه الذكاة، فمراده والله أعلم إذا فعل ذلك لها في حال الاصطياد لها وهو غير قادر عليها وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: ذبح ذبيحة على سفينة فجرت في الماء فماتت فيه] ومن كتاب الجنائز والصيد مسألة وسئل عمن ذبح ذبيحة على سفينة فجرت في الماء فماتت فيه، فقال: لا يأكلها إلا إن كان قد تم ذبحه، فقيل له: إنا نخاف أن يكون قتلها الغم في الماء وإن كان قد تم ذبحه فلا بأس بها. قال محمد بن رشد: هذا نص ما في المدونة إذا أكمل ذبحها قبل أن تسقط في الماء فأكلها جائز، وهو مما لا اختلاف فيه، بخلاف إذا ذبحها في جوف الماء، وقد مضى القول على هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: ذبيحة النصراني] مسألة قيل لمالك: فالرعاء يكونون عندنا نصارى فيأتي أحدهم بالشاة قد ذبحها، فقال: أرجو ألا يكون به بأس، قال: وقال لي ابن أبي حازم في ذلك ما كان في يدك ملكه فلا تولهم ذبحه، وأما ما ذبحوا هم لأنفسهم فكله، وما وليتهم ذبحه فلا بأس بأكله وبئس ما صنعت. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم حلف بطلاق

مسألة: النفخ في اللحم عند السلخ

امرأته من سماع ابن القاسم، ومضت أيضا والقول عليها في سماع أشهب من كتاب الضحايا فلا معنى لإعادته. [مسألة: النفخ في اللحم عند السلخ] مسألة وسمعت مالكا يقول: أرى أن يؤدب الجزارون الذين ينفخون اللحم وأن يمنعوا من ذلك. قال محمد بن رشد: يريد النفخ الذي يفعلون بعد السلخ ليظهر اللحم سمينا، وأما النفخ عند السلخ فلا بأس به لأن فيه منفعة إذ لا يتأتى السلخ إلا به ففيه صلاح، وأما الذي يفعلون بعد السلخ فيكره لوجهين، أحدهما: إن ذلك غش إذ يوهم الجاهل بفعلهم فيظن أن ذلك الامتلاء من سمانة اللحم. والثاني: إن ذلك يغير طعم اللحم، وكذلك قال مالك في سماع ابن القاسم من كتاب السلطان وبالله التوفيق. [مسألة: كيفية ذبح الحمام والطير] مسألة وسئل مالك عمن يذبح الحمام والطير هكذا وأشار بيده وهو قائم يذبحها، قال: ما أراه بمستقيم هذا على وجه الاستخفاف، فقيل له: إن الصائد ربما فعل ذلك، فقال: إلا أنه غير فقيه ولا مفلح، فقيل له: فيؤكل، قال: نعم، إذا أحسن ذبحنا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال مالك إن ذلك لا يفعله إلا المتهاون بالذبح المستخف بما يلزمه من الاستثبات في الذكاة والتمكن فيها وأخلق بفاعل ذلك ألا يحافظ على ما يلزمه من التسمية واستقبال القبلة وفاعل ذلك غير فقيه ولا مفلح كما قال مالك. [مسألة: حد الشفرة قبل الذبح] مسألة وقال مالك: مر عمر بن الخطاب على رجل قد أضجع شاة

مسألة: سرق شاة فذبحها أتؤكل

وهو يحد شفرته فعلاه بالدرة، فقال له: علام تعذب الروح؟ هلا حددت شفرتك قبل. قال محمد بن رشد: هذا مروي عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، روي عنه من رواية ابن مسعود أنه مر برجل قد صرع شاة وجعل يديها من وراء قرنها ثم جعل رجله على عنقها، فقال: هلم الشفرة، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فهلا تركتها قائمة ولم تعذبها حتى تحضر شفرتك ثم تضعها وضعا لينا رفيقا ثم تذبحها» ، وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمر بحد الشفار وأن يوارى بها عن البهائم، وقال: «إذا ذبح أحدكم فليجهز» ، هذا من سنة الذبح ومما ينبغي للذابح أن يتوخاه، وقد روي عن ربيعة أنه كره أن يذبح الشاة وأخرى تنظر، وخفف ذلك مالك واحتج بالبدن التي تنحر مصفوفة بعضها إلى جنب بعض واختار ابن حبيب قول ربيعة، ورأى صف البدن عند نحرها من سنتها، قال: وليس ذلك في الذبائح. [مسألة: سرق شاة فذبحها أتؤكل] مسألة وسئل مالك عمن سرق شاة فذبحها أتؤكل؟ قال: نعم تؤكل، ولا يشك في هذا أحد يعرف الذبح، وإنما حرم عليه السرقة. قال محمد بن رشد: هذا أمر متفق عليه في المذهب ولا خلاف فيه أيضا بين فقهاء الأمصار، وقد روي عن عكرمة أنه قال: لا تؤكل ذبيحة السارق والغاصب، وهو قول إسحاق وداود بن علي، والحجة عليهم لفقهاء الأمصار ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الشاة التي أخبر لما ألاك منها أكلة: إنها ذبحت بغير إذن صاحبها أطعموها الأسرى» وإذ لو لم تكن ذكية لما أطعمها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدا فأخبرت المرأة التي كانت دعت رسول الله إلى الطعام

أنها شاة بعث به إليه أهل أخيها بغير إذنه، فمن دخل داره سارق فذبح له شاة ووجدها مذبوحة فإن كان بلدا فيه مجوس مع المسلمين وأهل الكتاب فلا يأكلها مخافة أن يكون ذبحها مجوسي، وإن كان ليس فيه إلا المسلمون وأهل الكتاب فلا بأس بأكلها، قال ذلك ابن حبيب في الواضحة، وليس ترك أكلها إذا كان في البلد مجوس بلازم في وجه الحكم، وإنما هو على سبيل التورع على ما مضى عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود في أول رسم من سماع ابن القاسم، ويؤيد هذا ما روي عن ناس من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم «سألوا رسول الله، فقالوا: أغارب يأتوننا بحيتان مشروحة والجبن والسمن ما ندري ما كنه إسلامهم؟ قال: " انظروا ما حرم الله عليكم فأمسكوا عنه، وما سكت عنه فإنه عفا لكم عنه، وما كان ربك نسيا، واذكروا اسم الله عز وجل» ، وروي عن ابن عباس أنه قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا فأنزل الله عز وجل نبيه وأنزل كتابه وأحل له حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، ثم تلا: {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ} [الأنعام: 145] ، الآية. وإلى هذا ذهب ابن بكير، فقال: لا حرام إلا ما ذكر تحريمه في هذه الآية، وما سواه من الخيل والبغال والحمير وذوي الناب من السباع مكروه وليس بحرام، إذ لا جائز أن تنسخ السنة القرآن، وقد اختلف الذين ذهبوا إلى تحريم ما عدا ما ذكر تحريمه في الآية من الدواب أو ذوي الناب من السباع أو ذوي المخلب من الطير بسنة أو إجماع أو دليل خطاب، كاستدلال مالك على أن الدواب لا تؤكل بأن الله إنما ذكرها للركوب والزينة في تأويل الآية على أقوال، أحدها: أن ذلك نسخ لبعض ما اقتضت

مسألة: ذبيحة الخصي

الآية من التحليل، قال بذلك من ذهب إلى جواز نسخ القرآن بالسنة. والثاني: أن ذلك ليس بنسخ لأن ما عدا ما ذكر تحريمه فيها عموم يحتمل الخصوص، فيخصص بما يخصص به العموم من أخبار الآحاد والقياس والإجماع. والثالث: ما ذهب إليه الشافعي من أن الآية لا تتناول بظاهرها تحليل جميع ما عدا ما ذكر تحريمه فيها؛ لأن معناها عنده قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه مما يأكلونه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير، وقد كانوا لا يأكلون أشياء تقذرا، منها السباع التي تعدو وتفترس والعقبان والرخم والنسور والخنافيس وشبهها، قال: فلم تدل الآية على تحليل شيء من ذلك، ودخلت هذه الأشياء في معنى الخبائث التي ذكر الله، وقوله: وإنما حرمت عليه السرقة استدلال صحيح. يقول: لو كان السارق لا تؤكل ذبيحته إذا ذبح متاع غيره لوجب أن لا تؤكل ذبيحته إذا ذبح متاع نفسه، كالمحرم لما لم تؤكل ذبيحته إذا ذبح صيد غيره لم تؤكل ذبيحته إذا ذبح صيد نفسه. [مسألة: ذبيحة الخصي] مسألة وسئل عن ذبيحة الخصي، فقال: أحب إلي ألا يذبح، فإن ذبح أكلت. قيل له: فذبيحة العبد؟ قال: هو يؤم الناس في النافلة وفي السفر، فأما صلاة الجماعات في المساجد فلا. قيل: أرأيت إن أم خصي قوما أيعيدون الصلاة حين علموا؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: كره ذبح الخصي ولم يكره ذبح العبد وكلاهما لا يكون إماما راتبا ولا تجب الإعادة على من صلى خلفه، فالفرق بينهما أن الخصاء أمر ثابت فنحا به ناحية التأنيث، والعبودية ليست بثابتة قد يعتق العبد، وإنما لم يجز أن يكون إماما راتبا من أجل حق السيد في أن يصرفه في

مسألة: ينخع الرجل ذبيحته بشفرة أو بغيرها

حوائجه ويمنعه من ملازمة المسجد للصلاة بالناس فيه، ولا يذبح الصبي ضحيته، والأظهر أن لا تذبح المرأة ضحيتها إلا من ضرورة بدليل ما جاءني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر عن أزواجه في الحج ولم يرو أنهن نحرن بأنفسهن، وتجوز ذبيحة الجنب والحائض والأغلف والمسخوط في دينه وإن كان الأولى في ذلك الكمال في الطهارة والدين، فقد كان الناس يبتغون لذبائحهم أهل الفضل والإصابة على ما مضى في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم، فستة لا تجوز ذبائحهم، وستة تكره ذبائحهم، وستة يختلف في جواز ذبائحهم، فأما الذين لا تجوز ذبائحهم فالصغير الذي لا يعقل والمجنون في حال جنونه، والسكران الذي لا يعقل، والمجوسي، والمرتد، والزنديق وأما الذين تكره ذبائحهم فالصغير الذي يعقل والمرأة والخنثى والخصي والأغلف والفاسق، وأما الذين يختلف في جواز ذبائحهم فتارك الصلاة والسكران الذي يخطئ ويصيب والبدعي الذي يختلف في تكفيره، والعربي النصراني والنصراني يذبح للمسلم بأمره، والعجمي يجيب إلى الإسلام قبل البلوغ، هذا كله على مذهب مالك وفي خارجه ما يخرج عن هذا التقسيم، من ذلك ما روي عن سعيد بن المسيب أن المجوسي تؤكل ذبيحته، وعن ابن عباس الأغلف لا تؤكل ذبيحته، وقد ذكرنا ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة. [مسألة: ينخع الرجل ذبيحته بشفرة أو بغيرها] مسألة وقال: سمعت أهل العلم يكرهون أن ينخع الرجل ذبيحته بشفرة أو بغيرها.

مسألة: الذبيحة يخرج من بطنها جنين ميت

قال محمد بن رشد: يريد قبل أن تزهق نفسها، وذلك مثل ما في المدونة وغيرها ولا اختلاف في كراهية ذلك. [مسألة: الذبيحة يخرج من بطنها جنين ميت] مسألة وسئل مالك عن الذبيحة يخرج من بطنها جنين ميت أيؤكل؟ قال: نعم إذا كان قد نبت شعره، قال: أيمر على حلقه السكين؟ قال: نعم حتى يخرج الدم. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه في المذهب لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذكاة الجنين في ذكاة أمه» ، وقد مضى القول على ذلك في آخر رسم أبي زيد من كتاب الضحايا فلا معنى لإعادته. [مسألة: المنخنقة أتذبح وهي في خناقها أم حتى تطلق من خناقها] مسألة وسئل مالك عن المنخنقة أتذبح وهي في خناقها أم حتى تطلق من خناقها؟ قال: لا والله، لكن تذبح إذا كانت أهلا للذبح، قيل: وما حد ذلك؟ قال: تكون تتنفس وعينها تطرف. قال محمد بن رشد: يريد والله لا ينبغي أن تذبح وهي في خناقها ولكن تذبح بعد أن تطلق من خناقها إذا كانت أهلا للذبح وذلك أن تكون تتنفس وعينها تطرف، يريد وإن لم تكن مرجوة الحياة على قوله بعد هذا وما مضى له في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم خلاف ما مضى في سماع أشهب من كتاب الضحايا وقد مضى القول هناك على وجه الاختلاف، ولم يجب في هذه الرواية هل تؤكل إن ذبح في خناقها مع أن

مسألة: شرب أبوال الإبل

تكون تتنفس وعينها تطرف على قياس قوله إنها تؤكل إذا ذكيت بعد أن تطلق من خناقها، ويتخرج ذلك على قولين أحدهما: كالذي يرمي الصيد بسهم مسموم فينفذ مقاتله أو يذبح في جوف الماء حسبما مضى القول في أول سماع ابن القاسم في رسم شك في طوافه منه. [مسألة: شرب أبوال الإبل] مسألة وسئل مالك أيشرب أبوال الإبل في الدواء؟ قال: لا بأس بذلك، قال: لا بأس بشرب أبوال الأنعام والإبل والبقر والغنم، قيل له: فأبوال الأتن؛ قال: لا خير فيه، قيل له: فأبوال الناس، قال: لا خير فيه، قيل له: فالشاة تحلب فتبول في اللبن، قال: أرجو ألا يكون به بأس. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه لا بأس بشرب أبوال الأنعام في الدواء، والدليل على ذلك ما جاء في «الرهط العرنيين الذين قدموا على النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فاستوخموا المدينة فأمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يخرجوا في لقاحه فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا حتى إذا صحوا وسمنوا قتلوا الراعي واستاقوا الدود» ، الحديث، وقال مالك في المشهور عنه: أبوال سائر ما يؤكل لحمه في الطهارة على أبوال الأنعام، وروى أشهب عنه في جامع المستخرجة أنه فرق بين أبوال الأنعام وبين أبوال سائر ما يؤكل لحمه من الحيوان، وذهب ابن لبابة إلى أنه إنما فرق بين ذلك في إجازة التداوي بشربها لا في طهارتها على ما ذكرناه في آخر رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، وقاس أبوال ما لا يؤكل لحمه على أبوال بني آدم في النجاسة، فأبوال الأتن نجسة إذ لا يؤكل لحومها فلا يجوز التداوي بشربها، وما اختلف

مسألة: تذكية الشاة يعدو عليها الذئب فتدرك وهي تركض

في جواز أكله اختلف في نجاسة بوله حملا على ذلك، وذهب أبو حنيفة إلى أن الأبوال تابعة للدماء في النجاسة لا للحوم، فرأى أبوال الأنعام وغيرها نجسة فأبعد في القياس وخالف الأثر، وأما الألبان فهي تابعة للحوم في الطهارة فما كان من الحيوان لا يؤكل لحمه سوى بني آدم المخصوصة لحومهم بالطهارة فألبانهم نجسة، فألبان الأتن نجسة، وقد قال يحيى بن يحيى في سماعه من كتاب الوضوء أن من أصاب ثوبه لبن حمارة فصلى به يعيد في الوقت كمن صلى بثوب نجس، إلا أنه جوز التداوي بها مراعاة للاختلاف في جواز أكل لحومها حكى ذلك ابن حبيب عن مالك وسعيد بن المسيب والقاسم وعطاء، وروي إباحة التداوي بها عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإلى إجازة ذلك ذهب ابن المواز أيضا. [مسألة: تذكية الشاة يعدو عليها الذئب فتدرك وهي تركض] مسألة وسئل مالك عن الشاة يعدو عليها الذئب فتدرك وهي تركض، قال: أترى أن تذكى؟ قال: أما إن بعج بطنها أو أصاب مذبحها فلا أرى ذلك، ولا أرى أن تؤكل إذا كانت في سبيل المذبوحة فإن الشاة تذبح وهي تركض، فقيل له: أرأيت إذا كان لو خيط بطنها عاشت؟ فقال: لو كان هذا يكون كان، ولكن لا أظنه يكون، فقيل له: فإذا أصابها ما لا تعيش منه لم تذك؟ قال: نعم إذا كان جوفها أو مذبحها. قال محمد بن رشد: قوله إنها لا تذكى ولا تؤكل إذا كانت في سبيل المذبوحة يريد بقوله إذا كانت في سبيل المذبوحة إذا يئس من حياتها وإن لم يصب مقتلها؛ لأن بعج البطن ليس بمقتل عند جميعهم إذا سلم المصير

مسألة: الحيتان تصطاد فيغمس رأسها في الطين لتموت

ولم ينثر الحشوة، فقول مالك هذا مثل قوله بعد هذا ومثل ما في سماع أشهب أيضا من كتاب الضحايا خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وفي رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وفي قوله في آخر هذه المسألة إذا كان جوفها أو مذبحها إشكال، والمعنى في ذلك أنه رأى أن إصابته إياها إذا كان في جوفها أو مذبحها يصح أن يتحقق به أنها لا تعيش منه وإن لم يبلغ بذلك لها مقتلا، وما سوى الجوف والمذبح لا يصح أن يتحقق به ذلك؛ ففي هذا دليل أنه لو أشكل أمرها هل تعيش أو لا تعيش مما أصابها به لذكيت وأكلت خلاف قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم في الواضحة؛ فيتحصل في المنخنقة وأخواتها إذا سلمت مقاتلها ثلاثة أقوال، أحدها: أنها تذكى وتؤكل علم أنها لا تعيش من ذلك أو أشكل أمرها كالمريضة سواء، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك على القول بأن الاستثناء في الآية متصل، والثاني: أنها لا تؤكل ولا تذكى علم أنها لا تعيش أو أشكل أمرها بخلاف المريضة، وهو قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم على القول بأن الاستثناء في الآية منفصل، والثالث: الفرق بين أن يعلم أنها لا تعيش أو يشكل أمرها وهو الذي يقوم من هذه الرواية، وهو أيضا على القول بأن الاستثناء في الآية منفصل لأنه لم يجز التذكية في التي قيس منها بهذه الأسباب وجعلها بخلاف التي يئس منها بالمرض، وحمل التي أشكل أمرها محمل التي رجيت حياتها فأجاز تذكيتها خلاف مذهب ابن الماجشون وابن عبد الحكم في حملهما إياها محمل التي يئس منها وبالله التوفيق. [مسألة: الحيتان تصطاد فيغمس رأسها في الطين لتموت] مسألة وسئل عن الحيتان تصطاد فيغمس رأسها في الطين لتموت فكرهه ولم يره سديدا.

مسألة: حكم العتيرة

قال محمد بن رشد: هذا نحو قوله بعد هذا في طرح الحوت في النار حيا قبل أن يموت، وهو خلاف ما مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وقد مضى هنالك توجيه القولين فلا معنى لإعادته. [مسألة: حكم العتيرة] مسألة وقال مالك: العتيرة شاة كانت تذبح في رجب يتبررون بها كانت في الجاهلية، وقد كانت في الإسلام ولكن ليس الناس عليها. قال محمد بن رشد: قول مالك إن العتيرة هي الرجبية الشاة التي كانت تذبح في الجاهلية في رجب على سبيل التبرر، وإنها قد كانت في الإسلام يريد معمولا بها كالضحايا مروي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، روي عنه قال بعرفة: «يا أيها الناس إن على كل بيت في كل عام أضحاة وعتيرية، وهل تدرون ما العتيرية؟ "، قال الراوي للحديث مخنف بن سليم: فلا أدري ما كان من ردهم عليه، قال: هي التي يقول الناس الرجبية» ، وقوله: ولكن ليس الناس عليها يريد أنها نسخت بما روي عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، من قوله: «لا فرع ولا عتيرة» والفرع هو أنهم كانوا يذبحون في الجاهلية أول ولد تلده الناقة أو الشاة فيأكلون ويطعمون، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه لما سئل

عنه: «أن تدعه حتى يكون زخرفا خير لك من أن تنحره فيحق لحمه بوبره فتكفأ إناك منه وتوله ناقتك» . يقول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خير له أن يتركه حتى يشتد ولا يذبحه صغيرا فيختلط لحمه بوبره، فتحزن ناقته وينقطع لبنها بذبح ولدها صغيرا فيكفأ إناه إذا لم يكن لها لبن، وقد اختلف في قوله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا فرع ولا عتيرة» ، فقيل: إن ذلك نهي عنها فلا بر في فعلها، وقيل: إن ذلك إنما هو نسخ للوجوب وفعل ذلك بر لمن شاء أن يفعله، واحتج من ذهب إلى هذا بما روي عن الحارث بن عمر السهمي أنه لقي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع، قال: «فقلت يا رسول الله العتائر والفرائع؟ قال: من شاء أفرع ومن شاء لم يفرع، ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر» ، وبما روي عن لقيط بن عامر من حديث وكيع أنه سأل النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قال: «إنا كنا نذبح في رجب ذبائح فنطعم من جاءنا، فقال النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا بأس» ، قال وكيع: لا أتركها أبدا. قال محمد بن أحمد: العتيرة هي الرجبية، وقال الشافعي كقول مالك إن العتيرة هي الرجبية، والفرع شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم بأن يذبح الرجل منهم بكر ناقته أو شاته ولا يعدوه رجاء البركة فيما يأتي بعده، ويرد قول محمد بن الحسن قوله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لا فرع ولا عتيرة.

مسألة: قوله تعالى وما أكل السبع إلا ما ذكيتم

[مسألة: قوله تعالى وما أكل السبع إلا ما ذكيتم] مسألة قال: وسئل مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] الآية، فقال: من ذلك ما يؤكل ومنه ما لا يؤكل، إذا سقطت فأصابها شيء فشق جوفها فلا أرى أن تؤكل، وإذا ضرب وسطها فانقطعت بأي شيء تذكى أرأسها ما أرى أن تؤكل، قيل: أفرأيت قوله تبارك وتعالى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} [المائدة: 3] الآية فقال: مما فيه ذكاة. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب فشق حشوتها مكان فشق جوفها، والجواب صحيح على الروايتين جميعا؛ لأنه إذا شق حشوتها فلا تذكى ولا تؤكل باتفاق إلا على دليل رواية أبي زيد عن ابن القاسم في كتاب الديات؛ لأن ذلك مثل، وإذا شق جوفها ولم يشق حشوتها فلا تذكى ولا تؤكل على مذهبه في رواية أشهب عنه، وقد مضى القول على ذلك في المسألة التي قبل هذه المسألة. [مسألة: فأرة ماتت في جرة زيت فيها خمس مائة رطل فباعه صاحبه] مسألة وسئل مالك عن فأرة ماتت في جرة زيت فيها خمس مائة رطل فباعه صاحبه من رجل واشترط عليه أنه يبيعه إياه يدهن به الدلاء وصلاة الزرانيق والقنوات ولا يبيع منه شيئا، وإن كان لا يجوز بيعه فأخبرنا ندركه من قريب، فقال: لا والله ما أرى أن يباع ولا يؤكل ثمنه، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها» ، قيل له: إن المشتري يقول أنا اشتريته بما اشترطت ولست أريد أكله، فمر أنت البائع بما بدا لك، فقال

لا والله ما حرم على البائع فلا يحل للمبتاع، ثم قال مالك بعد أن ذهب السائل: ولقد ندمت بأن لا أكون قد سألته بكم باعه، فإن هؤلاء يوفون بما يشترطون، فإن كان هذا إنما اشتراه لما ذكره فإنما يشتريه بأقل من نصف ثمنه، ولكن هم يقولون مثل هذا ويشترونه بأقصى ثمنه أو قريب منه ثم يبيعونه ولا يوفون بما يشترطون. قال محمد بن رشد: قوله في آخر المسألة فإن هؤلاء لا يوفون بما يشترطون ولكنهم يقولون ذلك ثم يشترونه بأقصى ثمنه أو قريب منه ولا يوفون بما يشترطون يدل على أنه إنما لم يجز بيعه على الشرط مخافة ألا يفي المشتري بما شرط عليه من ذلك، ولو أمن من ذلك لأجازه فلما لم يأمن من ذلك لم يفسخ بيعه حماية للذرائع، لا لأن بيعه حرام لذاته كالخمر والخنزير والميتة، فعلى هذا لو باعه ممن يعلم ثقته ويأمن من أن يغش به لجاز له البيع وساغ له الثمن ولم يحرم عليه، وهذا قول ابن وهب وجماعة من السلف، ودليل ما في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة في مسألة الصابون. وقد روي عن أبي موسى الأشعري أنه أجاز بيعه من غير المسلمين، والمشهور عن مالك المعلوم من مذهبه في المدونة وغيرها أن بيعه لا يجوز، وقد جعله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم قبل هذا كالميتة في أن بيعه لا يجوز، والأظهر في القياس أن بيعه جائز ممن لا يغش به إذا بين؛ لأن تنجسه بسقوط النجاسة فيه لا يسقط ملكه عنه ولا يذهب جملة المنافع منه ولا يجوز أن يتلف عليه، فجائز له أن يبيعه ممن يصرفه فيما كان له هو أن يصرفه فيه، وهذا في الزيت على مذهب من لا يجيز غسله،

مسألة: أكل ما عدا السمك من دواب البحر

وأما على مذهب من يجيز غسله، وقد روي ذلك عن مالك على ما قد ذكرناه في سماع أصبغ من كتاب فسبيله في البيع سبيل الثوب النجس. [مسألة: أكل ما عدا السمك من دواب البحر] مسألة وسئل مالك عن اللبس الذي يقال له ترس الماء ربما أخذ ميتا وهو إذا أخذ حيا أقام أياما حتى يذبح أتراه من صيد البحر؟ فقال: ما أراه إلا من صيد البحر، إذا كان لا بأس على المحرم في صيده، فما بأسه يؤكل ميتا؟ وما أرى ذبحهم إياه إلا يستعجلون بذلك موته، قال عز وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] الآية، فما أراه إلا من صيد البحر، وما أرى من ذبحه إلا يستطيل حياته، ومن الطير فيما بلغني من يطيل المكث في الماء ويعيش فيه وهو من صيد البر، قيل له: أرأيت إذا أخذ حيا أترى بأسا أن يذبح؟ قال: ما أرى بذلك بأسا إلا أن يكون ذلك يشكل أمره على الناس، فقلت: لقد شكك الناس فيه لما رأوا من ذبحه، فقال لي: هو كذلك، قيل له: إنه تطول حياته فأحب إليك أن يذبح أم يقتل؟ قال: ما أكره الذبح إلا لما يدخل على الناس فيه من الشك فإذا لم يكن ذلك فلا بأس بذبحه. قال محمد بن رشد: اختلف أهل العلم في أكل ما عدا السمك من دواب البحر، فذهب مالك إلى أنها كالسمك في جواز أكلها بغير ذكاة وجدت طافية أو سلم على الماء أو حسر عنها الماء فماتت أو أخذت حية وإن

كانت تعيش في البر فلا يحتاج فيها عنده إلى ذكاة الضفدع ودرس الماء وغيره إلا أنه كره خنزير الماء، وقال: أنتم تقولون خنزير، وقال الليث بن سعد: لا يؤكل خنزير الماء ولا إنسان الماء، ومن أهل العلم من فرق بينهما وبين السمك فلم يجز أكلها على حال، ومنهم من لم يجز أكلها إلا بذكاة، ومنهم من أوجب الذكاة فيما كان منها يعيش في البر، وهو قول ابن دينار من أصحاب مالك في المدينة لا أرى أن تؤكل ترس الماء إلا بذكاة لأنه يكون في البر والبحر، وقد بلغني أنه لا يكون بيضه إلا في البر، فإذا كان يعيش في البر والبحر فلا يؤكل حتى يذكى. وقال عيسى عن ابن القاسم: كل ما كان مستقره ومأواه الماء فهو يؤكل بغير ذكاة وإن كان يرعى في البر وما كان مأواه ومستقره في البر فلا يؤكل بغير ذكاة وإن كان يعيش في الماء، فهذه الرواية عن ابن القاسم تفسر مذهب مالك واعتبار مالك في جواز أكل كل ما يعيش في البر من دواب البحر بغير ذكاة، بأن المحرم يصيده صحيح؛ لأنه إنما جاز له صيده من أجل أنه مذكى لا يحتاج إلى تذكية. فمن قال: لا يؤكل إلا بذكاة وأجاز للمحرم صيده فقد تناقض، واتفق أهل العلم كلهم في جواز أكل سمك البحر، وهو كل ما له سفتق من الحوت إلا الطافي منه فإن منهم من لم يجز أكله، وقد روي عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، من رواية جابر أنه قال: «ما ألقى البحر أو حسر عنه فكلوه وما طفا فلا تأكلوه» . ولم يصح عن مالك هذا الحديث فأجاز أكل الطافي وغيره، وقد سأل عبد الرحمن بن أبي هريرة عبد الله بن عمر عما لفظ به البحر فنهاه عن أكله ثم انقلب فدعا بالمصحف فقرأ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] .

مسألة: عما صاد المجوسي من الجراد

فأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي هريرة أنه لا بأس بأكله، وتأول من لم يجز أكله بأن طعام البحر ملحه لا ما لفظه أو مات فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: عما صاد المجوسي من الجراد] مسألة قال: وسألته عما صاد المجوسي من الجراد، فقال لي: لا خير فيه إلا إن ابتاعه منه مسلم حيا، فأما ما قطعوا رأسه أو جاءوا به مقتولا فلا خير فيه ولا يؤكل فقلت له: فما قطعوا رأسه أو عملوه قبل أن يأتوا به فلا بأس به؟ فقال لي: نعم. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصل مذهبه وقول الجمهور إنه من صيد البر يحتاج إلى التذكية وفدية المحرم إذا قتله، وعلى مذهب من جعله من صيد البحر وأجاز للمحرم أخذه وأكله يجوز أكله إذا صاده المجوسي، وهو قول عروة بن الزبير وروي ذلك عن ابن عباس، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو مذهب كعب الأحبار على ما في الموطأ عنه من أنه أفتى أصحابه المحرمين أن يأخذوه ويأكلوه، فقال عمر بن الخطاب: ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟ قال: إنه من صيد البحر، فقال له: وما يدريك؟ قال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن هي إلا نثرة حوت تنثره في كل عام مرتين. [مسألة: الذبح بالقصبة والعظم] مسألة قال: وسألته عن الذبح بالقصبة والعظم، فقال لي: ليس بالذبح بالقصبة والعظم بأس إذا اضطررت إليه فلم تجد حديدا، قال الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25] .

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها أنه لا بأس بالذبح بما عدا الحديد إذا لم يجد حديدا ولا بأس بأكل ما ذبح بغير الحديد وإن كان واجدا للحديد إذا أنهر الدم بذلك كله، والأصل في جواز ذلك ما روي أن «جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما لها بسلع فأصيبت شاة منها فذكتها بحجر فسئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " لا بأس بها فكلوها» ، وما روي عن عدي بن حاتم قال: «قلت يا رسول الله أرسل كلبي فيأخذ الصيد فلا يكون معي ما أذكيه به إلا المدوة والعصا، فقال: أنهر الدم بما شئت واذكر اسم الله إلا العظم والسن» . فإن أهل العلم اختلفوا في جواز الذبح بهما لما روي عن رافع بن خديج أنه قال: يا رسول الله إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى، قال: «ما أنهر الذم وذكرت اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر، فسأخبرك أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة» على ثلاثة أقوال: أحدها: جواز الذبح بهما منزوعين كانا أو مركبين، والثاني: أن الذبح لا يجوز بهما منزوعين كانا أو متركبين، والثالث: أن الذبح يجوز بهما إذا كانا منزوعين ولا يجوز إن كانا مركبين، وإلى هذا ذهب ابن حبيب وهو الصحيح من الأقوال من جهة المعنى واستعمال الآثار، أما المعنى فهو ما قال ابن حبيب من أن الذبح بهما إذا كانا مركبين إنما هو خنق ونهش وليس بذبح، وإذا كانا منزوعين وعظما حتى أمكن إنهار الدم بهما فهما كسواهما مما ينهر الدم وإن لم يكونا ذكيين، وأما وجه استعمال الآثار على ذلك فهو أن قول النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، في حديث عدي ابن حاتم أنهر الدم بما شئت لفظ عام في جواز الذبح بكل شيء يحتمل الخصوص، ونهيه في حديث رافع بن خديج

مسألة: أكل ما مات أو سكر من الحيتان بالسيكران

على أن الذبح بالسن وكذا العظم خاص، والخاص يقضي على العام فيحمل على البيان له والتخصيص لما قابله منه، إلا أنه لما احتمل أن يريد النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنهيه في حديث رافع بن خديج عن الذبح بالسن والظفر - السن والظفر المنزوعين - وأن يريد بهما المركبين لم يصح أن يخصص من ذلك إلا ما يتحقق أنه أراده منهما وهما المركبان؛ لأنه إذا كان أراد بذلك المنزوعين فقد أراد المركبين لأنهما أولى بالنهي من المنزوعين وإن كان أراد المركبين فلم يرد المنزوعين فتحققنا بهذا أنه أراد المركبين لا محالة وشككنا في المنزوعين، فوجب أن لا يخص من اللفظ العام إلا ما يتحققه لا ما يشك فيه فخصصا منه المركبين وبقي المنزوعان على أصل الإباحة بالأمر العام وهذا أبين. [مسألة: أكل ما مات أو سكر من الحيتان بالسيكران] مسألة فقيل له: إن عندنا بالأندلس أنهارا وبركا ماؤها يكثر ثم يقل فتبقى فيها الحيتان لا مخلص له، فيعمد إلى شجرة يقال لها السيكران فنطرحها في ذلك النهر فتأكلها الحيتان فتموت ومنها ما يسكر فنأخذها بالأيدي، أيؤكل ما مات من ذلك وما سكر؟ قال: لا بأس بذلك، ثم قال: لعل من أكل منها يسكر؟ فقيل له: لا، فقال: لا بأس بذلك وفيها أيضا من يموت بغير شيء فلا بأس بأكله. قال محمد بن أحمد: إجازته في هذه الرواية لأكل ما مات أو سكر من الحيتان بالسيكران يبين أن كراهيته لذلك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم إنما هو للخوف على من يأكلها لا من أجل أن ذلك يؤثر في ذكاتها إذ لا يحتاج إلى ذكاته وقد ذكرنا هذا هنالك. [مسألة: إذا كان الشتاء قلة اللحوم فلا يكاد يوجد إلا في مجزرة يهودي أفيشترى منه] مسألة وسئل مالك فقيل له: إن بالأندلس إذا كان الشتاء قلة اللحوم

مسألة: اللبن الذي ماتت فيه خنفساء أترى بأكله بأسا

فلا يكاد يوجد إلا في مجزرة يهودي أفيشترى منه؟ قال: أما أنا فلا أحب أن أفعل ذلك ولا أن يتخذ اليهودي إماما. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه لا ينبغي للمسلم أن يشتري اللحم في مجزرة يهودي وهو يجد من ذلك مندوحة، فقد كانوا يبتغون لذبائحهم أهل الفضل والإصابة فكيف باليهودي والنصراني والكتابيين. [مسألة: اللبن الذي ماتت فيه خنفساء أترى بأكله بأسا] مسألة وسئل مالك عن لبن ماتت فيه خنفساء، أترى بأكله بأسا؟ قال: لا بأس بأكله إنما الخنفساء في هذا بمنزلة الذباب يموت في الطعام، وهذا الخشاش مثل هذه الأشياء التي لا دم لها فلا بأس بما مات فيه أن يؤكل أو يشرب، قيل له: أرأيت إن باع ما ماتت فيه هذه الخنفساء أترى أن يبين ذلك للمشتري؟ قال: نعم، إني لأرى ذلك إذا باعه أن يبين ما مات فيه لما يكره الناس من هذه الأشياء التي تموت فيها الدواب، فأرى إذا باع ذلك أن يبين ما سقط فيه من هذه الأشياء ولا أرى بأكله بأسا، والعقرب مثل ذلك لا بأس بأكل ما مات فيه. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها من أن كل ما لا لحم له ولا دما سائلا من الخشاش فلا يفسد ما وقع فيه ومات من طعام أو شراب، والأصل في ذلك ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا وقع الذباب

مسألة: الجراد إذا طرح في النار وهو حي

في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم يطرحه فإن في أحد جناحيه سما وفي الآخر شفاء وأنه يقدم السم ويؤخر الشفاء» وفي بعض الآثار فليملغه ومعلوم أنه لضعفه قد يموت إذا غمس في الشراب من ساعته ويلزم على قياس هذا أن يؤكل بغير ذكاة، وهو قول عبد الوهاب في التلقين إن حكم هذه الأشياء التي لا لحم لها ولا دم سائلا حكم دواب البحر لا تنجس في أنفسها ولا تنجس ما مات فيها خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أنه لا يؤكل شيء من ذلك إذا احتيج إليه حتى يذكى بما يذكى به الجراد مثل الحية والعقرب وبنات وردان والذر والنمل والسوس والحلم والدود والبعوض والذباب وما أشبهه ذلك، وفي تذكية الجراد اختلاف، وإنما أوجب على البائع أن يبين ذلك للمشتري لما قد يكره ذلك بعض الناس تقززا لا لنجاسة، قال مالك في كتاب ابن المواز: وكذلك طافي الحوت، فإن لم يبين كان للمشتري الرد وذلك في طافي الحوت أبين إذ من أهل العلم من لا يجيز أكله على ما مضى فوق هذا في هذا الرسم. [مسألة: الجراد إذا طرح في النار وهو حي] مسألة وسئل مالك عن الجراد إذا طرح في النار وهو حي، قال: ما أرى بذلك بأسا تلك ذكاة، وأحب إلي أن يقطع رأسه، وأرجو ألا يكون به بأس وإن لم يقطع رأسه؛ لأن الجراد يطير وهو يكبر

ويصغر فإن قطف رؤوسها كلها واحدا واحدا طال ذلك، فلا أرى بأسا أن تؤخذ فتطرح في المرعف حيا وإن لم تنزع رؤوسها. قال محمد بن رشد: اختلف في الجراد، فقيل: إنه لا يحتاج فيه إلى ذكاة ويجوز أكل ما وجد منه ميتا، وقيل: إنه لا بد فيه من الذكاة وذكاتها أن يفعل بها ما تموت به معجلا باتفاق كقطع رؤوسها أو نقرها بالإبر أو الشوك أو طرحها في النار أو الماء الحار وما أشبه ذلك، أو أن يفعل ما تموت به وإن لم يكن معجلا على اختلاف كقطع أرجلها وأجنحتها وإلقائها في الماء البارد وما أشبه ذلك؛ لأن سحنون وغيره لا يرى فيها ذكاة، وقد قيل: إن أخذها ذكاة وتوكل إن ماتت بعد أخذها بغير شيء فعل بها، وهو قول ابن حبيب من أصحاب مالك، وحكي ذلك عن بعض أصحاب النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وجه القول الأول ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أحلت لنا ميتتان ودمان الحوت والجراد والكبد والطحال» ، واختلف في تعليل جواز أكلها ميتة بغير ذكاة، فقيل: إن العلة في ذلك أنها من صيد البحر على ما روي عن كعب الأحبار أنها نثرة حوت ينثرها في كل عام مرتين، فأجاز للمحرم أخذها وأكلها، وقيل: إن العلة في ذلك لا لحم لها ولا دم سائل، فمن علل بالعلة الأولى أوجب الذكاة فيما لا لحم له ولا دما سائلا من الحيوان لتحريم الله عز وجل الميتة، وهو مذهب ابن حبيب، ومن علل بالعلة الثانية لم يوجب الذكاة في شيء من الحيوان الذي لا لحم له ولا دم سائل؛ لأنه يدخل في حكم الجراد المذكور في الحديث كما يدخل دواب البحر في حكم الحوت المذكور فيه، وهو قول عبد الوهاب في التلقين، ووجه القول الثاني: أن الله تعالى لما حرم الميتة لقوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] فعم

مسألة: الحوت أيطرح في النار حيا

ولم يخص حيوانا من غيره ووجب أن يخص من ذلك ما قد أجمع أهل العلم على تخصيصه من ذلك وهو ما يصيده المحرم من صيد البحر. [مسألة: الحوت أيطرح في النار حيا] مسألة وسألته: عن الحوت أيطرح في النار حيا؟ فقال: ما أكره كراهية شديدة وهو إن تركه قليلا مات. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما تقدم في هذا الرسم خلاف ما مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وقد مضى هناك توجيه القولين، فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: الذكاة في الحلق واللبة] مسألة قال مالك: وأمر عمر بن الخطاب مناديا ينادي ألا إن النحر في اللبة والحلق. قال محمد بن رشد: أراد ألا إن الذكاة في الحلق واللبة فعبر عن الذكاة بالنحر؛ لأنه جل عملهم في ذلك اليوم يوم النحر من أجل أنه جل عمل الناس، وإن كان قد يذبح فيه ما يذبح كما ينحر فيه ما ينحر، وإنما نادى بهذا على الناس في الموسم يوم النحر بمنى حين نحرهم لهداياهم لئلا يتعدى أحد منهم اللبة في نحره ما ينحر مما ينحر والحلق في ذبحه ما يذبح مما يذبح وعرف مراده به ولم يرد، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أن يخير في النحر بين أن يكون في الحلق أو اللبة؛ لأن النحر لا يكون في موضع الذبح كما أن الذبح لا يكون في موضع النحر، ألا ترى لو أن أحدا نحر شاة في مذبحها لم تؤكل باتفاق؛ لأن الذكاة لا تكون إلا بقطع الأوداج والحلقوم، والنحر لا يأتي على ذلك

مسألة: ذبح ذبيحة فأخطأ بالغلصمة أن تكون بالرأس

فهو ما نحر ولا ذبح، وقد حمل بعض المتأخرين من المؤلفين قول عمر على التخيير بين اللبة والتحليق في النحر، فقال: وظاهر المذهب أنه حيث ما طعن بين اللبة والمذبح أجزأ إذا كان في الودج، واحتج بقول عمر هذا، وبقول مالك في المدونة: ما بين اللبة والمذبح مذبح ومنحر فإن ذبح فجائز، وإن نحر فجائز، وإلى هذا ذهب ابن لبابة في المنتخب، وهذا لا يصح، أما قول عمر، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقد ذكرنا وجهه، وأما قول مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فلم يرد أن ما بين اللبة والمذبح هو موضع للنحر والذبح مع القدرة على ذبح ما يذبح في نحره، ونحر ما ينحر في لبته، وإنما معنى قوله: إنه أجاز النحر والذبح فيما بين اللبة والمذبح إذا لم يصل إلى المذبح، ولا إلى المنحر لسقوط البهيمة في البئر مراعاة لقول من أجاز نحرها، حيث ما أمكن من جنب أو غيره عند الضرورة، لا أنه يرى ذلك موضعا للذبح والنحر من غير ضرورة، وهذا بين من مراده في المدونة إذا تأمل، ولو كان المذبح من البعير موضعا لنحره لكان الذبح هو المختار فيه لأنه أجهز، وهذا خلاف ما أجمعوا عليه من أن الإبل تنحر ولا تذبح، وإنما اختلفوا هل تؤكل إذا ذبحت أم لا تؤكل وهذا كله بين. [مسألة: ذبح ذبيحة فأخطأ بالغلصمة أن تكون بالرأس] مسألة وعن عيسى بن الوليد عن أبي زيد بن عبد الرحمن ابن أبي الغمر عن ابن القاسم عن مالك في من ذبح ذبيحة فأخطأ بالغلصمة أن تكون بالرأس: أن تلك الذبيحة لا تؤكل حتى تكون الغلصمة في الرأس. قال سحنون وأصبغ وأشهب مثله. وقال ابن وهب: لا بأس بأكلها، وقال محمد بن عبد الحكم: لا خير في أكله.

مسألة: النمس وصيده

قال محمد بن رشد: الغلصمة هي آخر الحلقوم، فإذا ألقاها إلى الجسد في الذبح فلم يقطع من الحلقوم شيئا فالاختلاف في هذه المسألة على اختلافهم في قطع الحلقوم هل هو شرط في صحة الذكاة أم لا؟ فقول مالك في هذه المسألة: إنها لا تؤكل هو على قوله في كتاب الذبائح من المدونة إنها لا تؤكل الذبيحة إلا بقطع الأوداج والحلقوم جميعا، وقد روي عن مالك ما ظاهره: أن قطع الحلقوم ليس بشرط في صحة الذكاة، من ذلك قوله في كتاب الصيد: إذا أدرك الصائد الصيد وقد فرى الكلب أو البازي أوداجه، قال: هذا قد فرغ من ذكاته، وقوله في المبسوط في من ذبح ذبيحة فقطع أوداجها، ثم سقطت في ماء أنه لا بأس بأكلها، وهو ظاهر قول ابن عباس في الموطأ ما فرى الأوداج فكلوه، وقد روي ذلك عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، من رواية أبي أمامة الباهلي، وهو ظاهر ما في الصحيحين عنه من قوله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما أنهر الدم فكلوه» ؛ لأنه وإن كان ورد فيما تصح به الذكاة فهو يقتضي موضع الذكاة، فعلى هذا تؤكل الذبيحة، وإن كان العقدة في الجسد، وإلى هذا ذهب أبو المصعب وأنكر قول من قال: إنها لا تؤكل، وقال: هذه دار الهجرة وفيها المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان لم يذكروا عقدة ولا غيرها، أفكانوا لا يعرفون الذبح؟ وعلى القول الأول لا تؤكل إلا أن تصير منها في الرأس حلقة مستديرة كالخاتم، وإن قطع بعضها وبقي سائرها في الجسد لم تؤكل على القول الأول أيضا، هذا كله على ما لابن القاسم وابن كنانة في المدونة: أنه إن قطع الودجين ونصف الحلقوم أجزأه، وقال سحنون: لا تؤكل، وبالله التوفيق. [مسألة: النمس وصيده] مسألة قال ابن نافع: سئل مالك: عن النمس وصيده، فقال: لا أعرف هذا، فوصف له أمره وصيده، فقال: إن أكل من صيده فلا خير

مسألة: أكل ما بات من الصيد

فيه، قال ابن القاسم: لا أدري ما يأكل؟ الكلاب والبزاة تأكل قبل أن تدرك، ولكن إن كان نفعه وألا فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذه المسألة وقعت في بعض الروايات من كتب المدنيين لابن نافع في الكتاب الذي أوله السارق الذي يدخل البيت، والذي قاله ابن القاسم صحيح، إذ ليس من شرط تعليم الجوارح على مذهب مالك إلا أن يقفه الزجر والإشلاء، وأما أن يترك الأكل فلا، وقال ابن حبيب: إنما ذلك في الكلاب، وأما في الجوارح فتعليمها أن تدعى فتجيب، وأما أن تزجر فتزدجر فليس ذلك فيها، ولا يمكن ذلك منها، وليس ذلك بخلاف لما في المدونة؛ لأنه إنما شرط ذلك فيها إن كان يمكن ذلك منها، وتكلم ابن حبيب على ما يعرف من أن ذلك لا يمكن فيها، وليس قول مالك في النمس مخالفا لأصله في أنه لا يعتبر بأكل الكلب من صيده إذا قفه الزجر والاشلاء، ووجهه أنه لما وصف له من حاله أنه لا يقفه الزجر والاشلاء جعله بترك الأكل من صيده إن كان يمكن أن يقفه ذلك أيضا، فقال: إن أكل من صيده فلا يؤكل، كما أن الطيور التي لا تقفه الزجر يكتفى من تعليمها بأن تدعى فتجيب، وقال ابن حبيب في النمس: إنه ليس يقفه شيئا، فلا يؤكل صيده إلا أن يدرك ذكاته وبالله التوفيق. [مسألة: أكل ما بات من الصيد] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها مسألة قال عيسى: قال ابن القاسم: وسئل عن الاصماء والانماء

مسألة: يرسل كلبه فيعينه عليه كلب آخر

فقال: الاصماء ما لم يبت والانماء ما بات، يعني من الصيد. قال محمد بن رشد: روي عن ابن عباس أنه قال: ما أصميت فكل، وما أنميت فلا تأكل، وأظنه مرفوعا إلى النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «نهى عن أكل ما بات من الصيد» ، وأنه قال: «لا أدري لعل هوام الأرض قتلته أو أعانت على حتفه» ، واختلف أهل العلم في هذا، فمنهم من حمل النهي على عمومه، ولم يجز أكل ما بات من الصيد، إلا أن تدرك ذكاته، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، ومنهم من قال: معنى النهي إذا لم ينفذ الكلب أو البازي مقاتل الصيد، وأما إذا أدركه من الغد قد مات وسهمه في مقاتله أو قد أنفذتها كلابه فلا بأس بأكله؛ لأنه قد أمن مما خافه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أن يكون قد أعان على قتله بعض هوام الليل، وهذا قول ابن الماجشون، وأشهب، وابن عبد الحكم، ومنهم من فرق بين السهم والكلب، فقال: يأكله إذا وجده من الغد ميتا وسهمه في مقاتله، ولا يأكله إذا وجد الكلب قد أنفذ مقاتله، إذ لا يؤمن أن ذلك من فعل الكلب، وهذا قول أصبغ وهو أظهر الأقوال، وهذه الثلاثة الأقوال إنما هي مع إنفاذ المقاتل، وأما إذا وجده من الغد ميتا غير منفوذ المقاتل، فلا اختلاف في أنه لا يؤكل وبالله التوفيق. [مسألة: يرسل كلبه فيعينه عليه كلب آخر] من كتاب العرية مسألة وسألته: عن الرجل يرسل كلبه، فيعينه عليه كلب آخر معلم أو غير معلم، فقال: لا يؤكل ذلك الصيد كان معلما أو غير معلم إلا أن يكون الكلب الذي أعانه معلما وقد أرسله صاحبه على الصيد بعينه إذا نوياه جميعا فقتله كلباهما فهو حلال لا بأس بأكله.

مسألة: يضرب فخذي الصيد بالسيف فيطيرهما هل يحل أكلهما

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مبينة لما في المدونة؛ لأنه قال فيها: من أرسل كلبه على صيد فأعانه عليه كلب غير معلم لم يؤكل، وهو لا يؤكل أيضا، وإن كان الكلب الذي أعانه عليه معلما إلا أن يكون صاحبه قد أرسله أيضا عليه بعينه كما قال في هذه الرواية إلا أن يعلم أن كلبه الذي أرسله هو الذي أنفذ مقاتل الصيد، فإنه يأكله وبالله التوفيق. [مسألة: يضرب فخذي الصيد بالسيف فيطيرهما هل يحل أكلهما] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك مسألة وسئل ابن القاسم: عن الذي يضرب فخذي الصيد بالسيف، فيطيرهما هل يحل أكلهما، فقال: كل ضربة ضرب بها من الورك إلى الرأس فجعله جزأين فجميعه حلال، فأما إذا ضربه، فأبان فخذيه ولم يجز له باثنين ولم تبلغ ضربته إلى الجوف، فلا يحل ما أبان منه، وغيره ذكي طيب. قال محمد بن رشد: لا اختلاف أنه لا يؤكل ما أبان منه إذا أبان فخذيه ولم يجز له باثنين، ولا اختلاف في أنه يؤكل الجميع إذا أبانه بنصفين، وبلغت ضربته إلى الجوف، وليس في الرواية بيان إذا أبان وركيه مع فخذيه فجعله جزأين ولم يقسمه بنصفين، ولا بلغت ضربته إلى الجوف، وقد اختلف في ذلك، ففي كتاب ابن المواز عن ربيعة ومالك أنه لا يؤكل ما أبان منه، وقال ابن حبيب: إنه لا يؤكل إلا أن يكون العجر كله في الجزء الأسفل؛ لأنك قد قطعت من جوفه فكأنك قد قطعت وسطه، والصواب: أنه إذا أبان فخذيه مع وركيه فجعله جزأين، وإن كان العجز كله أو بعضه في الجزء الأسفل أن يؤكل الجميع؛ لأنه لا يمكن أن يتعيش، فهذا هو الأصل لا مراعاة النصف

مسألة: أصاب الصيد بسلاحه فأطار رجله فمات

ولا الجوف، ألا ترى لو قطع نصف رأسه لأكل الجميع، إذ لا يمكن أن يعيش وقد قطع نصف رأسه؛ لأن ذلك مقتل، ولو أبان خطمه لم يؤكل الخطم إذ ليس بمقتل، وإن كان لا يمكن أن يعيش إذ إنما يموت جوعا، إذ لا يمكن أن يرعى ولو صب في حلقه ما يتغذى به لا يمكن أن يعيش. [مسألة: أصاب الصيد بسلاحه فأطار رجله فمات] مسألة قال ابن القاسم: إذا أصبت الصيد بسلاحك فأطرت رجله أو خسقت في لحمه، ثم فاتك بنفسه فمات فأكله حلال، وإن لم تدرك ذكاته. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها، وهو مما لا اختلاف فيه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] الآية. [مسألة: الرجل يأتي إلى الغار فيدخل كلبه فيه هل يحل أكل ما قتل] ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس مسألة وسألته: عن الرجل يأتي إلى الغار، فيدخل كلبه فيه وهو لا يدري أفيه شيء أم لا؟ وهو ينوي ما فيه هل يحل أكل ما قتل؟ قال: سألنا مالكا عن ذلك، فقال: ما قتل فهو حلال، قال سحنون في الذي يرسل كلبه في الجحر وهو لا يدري أفيه شيء أم لا، وينوي إن كان فيه شيء أرسله عليه فأصاب فيه صيدا فقتله، فقال: لا يحل أكله، وكذا لو أن رجلا أرسل كلبه في غايضة ولا يرى شيئا ونيته إن كان فيها شيء صاده، فأصاب صيدا أنه لا يؤكل.

مسألة: يسرح كلبه على صيد بعينه فتتبعه صيود فيجد كلبه قد قتل صيدا

قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم على أصله في المدونة خلاف قول سحنون، وقد مضى القول على هذا في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم. [مسألة: يسرح كلبه على صيد بعينه فتتبعه صيود فيجد كلبه قد قتل صيدا] مسألة قلت لابن القاسم: فالرجل يسرح كلبه على صيد بعينه فتتبعه صيود، فتند كلها فيتوارى عنه فيجد كلبه قد قتل صيدا قال: لا يحل أكله حتى يعرفه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال صحيح على ما في المدونة وغيرها: أنه لا يأكل ما قتله كلبه إلا أن ينويه أو يدرك ذكاته سواء رآه أو لم يره على مذهب ابن القاسم خلاف قول سحنون في المسألة التي قبل هذه وبالله التوفيق. [مسألة: يسد في خليج بحر للصيد] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار مسألة قال ابن القاسم: ليس لأحد أن يسد في خليج بحر، ولا واد، أن يسد سد الصيد أن يمنع الناس من الصيد فيه، وهو والناس والصيد فيه سواء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن النهر لجميع المسلمين، فليس أحد أحق فيه بالصيد من أحد، وإن كان يليه بأرضه من جانبيه، ولا له أن يسد فيه سدا للصيد، ولا أن يعمل فيه منصبا للصيد ينفرد فيه دون غيره، فإن فعل كان أحق بالصيد فيه حتى يأخذ قدر حاجته، ثم يشترك جميع الناس معه

مسألة: خلص الصيد من الكلب فبدر إلى شفرة فمات الصيد ولم يخرجها

فيه، قال ذلك مطرف، وابن الماجشون في الواضحة، وذلك عندي بعد أن يستغل منه قدر نفقته فيه وبالله التوفيق. . [مسألة: خلص الصيد من الكلب فبدر إلى شفرة فمات الصيد ولم يخرجها] ومن كتاب التمرة مسألة قال ابن القاسم، وابن وهب: إذا خلص الرجل الصيد من الكلب فبدر إلى شفرة فبينما يخرجها وهي في حزامه مات الصيد، فلا بأس بأكله قال ابن القاسم: وهذا إذا كانت الشفرة معه، وأما إن كانت في خرج فمات فلا تؤكل. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، والمعنى في ذلك بين؛ لأن الشفرة إذا كانت معه في حزامه ولم يفرط وصار ذلك بمنزلة ما لو لم يدركها حتى قتلها الكلب، وأما إن لم تكن الشفرة معه، وكانت في خرجه أو مع رجل ينتظره حتى يلحق أو ما أشبه ذلك مما يكون فيه بعد فلا يؤكل؛ لأنه عسى لو كانت الشفرة معه لأدرك ذكاته، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل ينصب الحبالة للصيد فيصطاد بها القوم هل لصاحب الحبالة شيء] ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل ينصب الحبالة للصيد، أو الفخ أو يعمل الحفرة ليقع فيها الصيد، فيخرج قوم فيطردون الصيد إلى ذلك المنصب فيه هل ترى لصاحب الحفرة أو الفخ أو الحبالة شيئا من الصيد؟ قال: نعم أرى أن يكون شريكا معهم في ذلك الصيد

بقدر ما يرى له، قال أصبغ: أراه للذي طرد الصيد إلى الحبالة أو الحفرة واضطره إليها، وإلى الوقوع فيها، وعليه قيمة ما انتفع بالحبالة أو الحفرة، وإنما مثل الحبالة مثل ما لو تعدى على قوس رجل فرمى به صيدا فصاده أو خرج بأكلبه أو بزاته متعديا فصاد بها فالصيد له، وعليه قيمة ما انتفع به من قوسه ونبله وكلابه وبزاته، قال عيسى: قلت لابن القاسم: فلو لم يكونوا طردوا الصيد إلى ذلك المنصب، ولا أرادوه إلا أنهم طردوا صيدا، فاتبعوه حتى وقع فيه فقال: إن كان الصيد قد انقطع من الذين طردوه وهم منهم حيث شاء فسقط في ذلك المنصب فهو لصاحب المنصب دون الذين طردوه، وإن كانوا قد أعيوه، وأشرفوا منه على الرجاء والأخذ وكان كالشيء الذي قد حازوه لقدرتهم عليه حتى أسقطوه، فوقع في ذلك المنصب فهو للذين طردوه دون صاحب المنصب وليس لصاحب المنصب فيه قليل ولا كثير إذا كان على ما وصفت لك، وقال أصبغ مثله، قلت له: من حفر حفرة للصيد أو نصب حباله أو فخاخه، فوقع فيه الصيد فهو له، وإن وجد غيره قد وقع فيه الصيد لم يكن له أن يأخذه؟ قال: نعم ذلك له دون جميع الناس، وليس للذي وجده فيه قليل ولا كثير. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة على معنى ما في المدونة في مسألة الصيد يطرده القوم حتى يدخل دار رجل وهم على بعد منه أو قرب، فيأخذه فيه، وعلى ما حكى ابن حبيب في الواضحة، ولا إشكال على مذهبه إذا طردوه إلى المنصب وقصدوا إيقاعه فيه فوقع فيه

وهو متبوعون له على قرب منه أو بعد ما لم ينقطع عنهم أنهم فيه شركاء بقدر ما يرى له ولهم، وكذلك لا إشكال على مذهبه إذا كانوا على بعد منه ويئس من أخذه فمشى باختياره، وقد انقطع عنهم حتى وقع فيه أنه لصاحبه ولا حق لهم فيه، وكذلك لا إشكال على مذهبه لو طردوا صيدا ليأخذوه وهم لا يريدون إيقاعه في المنصب، فلما أعيوه وأشرفوا على أخذه، وكان كالشيء الذي قد ملكوه وحازوه لقدرتهم عليه وقع في المنصب دون أن يقصدوا إيقاعه فيه أنه لهم، ولا شيء لصاحب المنصب فيه، وانظر لو كانوا إنما طردوه وأعيوه وأكلوه وهم لا يريدون إيقاعه في المنصب فلما أشرفوا على أخذه قصدوا إيقاعه في المنصب ليخف عنهم في أخذه بعض النصب، فلم يقع في ذلك من قوله في هذه الرواية ولا في الواضحة بيان، والذي ينبغي في ذلك على مذهبهم أن يكون لهم، ويكون عليهم لصاحب المنصب قيمة انتفاعهم بمنصبه، وكذلك ينبغي أن يكون الجواب لو طردوا صيدا إلى دار رجل فأخذوه فيه، وقد حكى عبد الحق في ذلك عن شيوخه قولين؛ أحدهما: أنه لا- حق لصاحب الدار في ذلك إذ لم يتخذ الدار للصيد، والثاني: أن يكون معهم شريكا فيه كالمنصب سواء وكلا القولين عندي بعيد، والذي قلته أشبه وأولى، ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم في هذه المسألة أنه لما كان المنصب هو الذي أمسك الصيد على الطارد حتى أخذه صار معاونا له على الصيد ومشاركا له فيه، فوجب أن يكون بينه وبين صاحب المنصب كما لو تعدى رجل على عبد رجل فخرج به وصاد معه صيدا أنه يكون بينهما، ووجه قول أصبغ أنه جعل المنصب والحبالة كقوس الرجل أو كفرسه يتعدى عليه الرجل فيصطاد به عند الجميع أو كبازه وكلبه على مذهبه، ولو قيل: إن الصيد يكون لصاحب المنصب، ويكون عليه للذين طردوا الصيد إليه أجرة مثلهم إلا أن يشاء

مسألة: طير يصاد بالخمر يوضع لها الحياض فتأتي فتشرب فتسكر

أن يسلم الصيد إليهم قياسا على قول ابن القاسم في الذي يتعدى على كلب رجل أو بازه فيصيد به صيدا لكان قولا وبالله التوفيق. [مسألة: طير يصاد بالخمر يوضع لها الحياض فتأتي فتشرب فتسكر] ومن كتاب العتق مسألة وقال ابن القاسم في طير يصاد بالخمر يوضع لها الحياض، فتأتي فتشرب فتسكر، قال: لا بأس بأكلها وقد بلغني عن ابن القاسم بن محمد أنه قال في جدي رضع لبن الخنزيرة: لا بأس بأكله، ولا أرى أيضا بأكله بأسا، ولا بأكل الطير الذي يأكل الجيفة قبل حدثان ذلك أو بعد حدثانه، قال: نعم ذلك سواء لا بأس به، قال: وحدثني عن مالك عن ابن عمر أن ناقة له سقيت خمرا أو شحم خنزير فكره ركوبها. قال محمد بن رشد: كراهية ابن عمر لركوب الناقة التي سقيت الخمر أو لحم الخنزير نهاية في التوقي ومبالغة في الورع، والأمر في ذلك خفيف، ووجه ما خافه من ذلك والله أعلم أن يصيبه شيء من عرقها أو بولها؛ لأن ذلك ينجس بنجاسة ما سقيت إياه من ذلك، وكذلك يستحب أن لا يذبح شيئا مما أكل النجس حتى يذهب ما في جوفه منها، وقد مضى القول على بقية المسألة في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الضحايا. [مسألة: امرأة ترضع جديا بلبنها هل يؤكل] مسألة قيل لسحنون: فالمرأة ترضع جديا بلبنها هل يؤكل؟ قال: نعم، قيل لسحنون: فأكل الخطاطيف هل يكره؟ قال: أما أنا فلا، وقد

مسألة: الكلب يصيد ما أرسل عليه فيتوارى به فيوجد على صيده قد قتله

أخبرني علي بن زياد عن مالك أنه كان يكره أكلها، وكان ابن القاسم لا يكره أكلها. قال محمد بن رشد: قد مضت هاتان المسألتان والقول فيهما في نوازل سحنون من كتاب الضحايا، فلا معنى لإعادته وهي ساقطة أيضا في بعض الروايات. [مسألة: الكلب يصيد ما أرسل عليه فيتوارى به فيوجد على صيده قد قتله] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصلاة مسألة قال يحيى: قال ابن القاسم في الكلب يصيد ما أرسل عليه فيتوارى به فيوجد على صيده قد قتله: أنه لم ير منه قريبا صيدا فشككه في أن يكون غير الذي أرسله عليه فأكله حلال، وإن خفت أن يكون وقع غير الذي أرسلته عليه، فلا تأكله، قال: وكذلك الذي تقتله برميك إذا توارى عنك إن عرفت سهمك ورمحك بعينه فكله، وإن لم تجده فيه فخفت أن يكون غير صيدك الذي رميت، فلا تأكله بالشك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى؛ لأن هذا صيد وجده مقتولا، فلا يجوز له أن يأكله حتى يعلم أنه هو الذي رماه أو أرسل كلبه عليه.

مسألة: النصراني يخرج في طلب صيد مع المسلمين فيسبق إليه فيذكيه

[مسألة: النصراني يخرج في طلب صيد مع المسلمين فيسبق إليه فيذكيه] ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حر مسألة قال: وسألته عن النصراني يخرج في طلب صيد مع المسلمين فيسبق إليه فيذكيه أتراه بمنزلة ما يتعمده به المسلم من ذبيحته، أم تراه من طعام النصراني الذي يحل لنا أكله؟ فقال: أما إذا كان بادر إلى ذبحه خوفا من فواته وعلى حال الضرورة، فهو حلال لمن أكله، وإن كان الذي معه من المسلمين قد تمكنوا بذبحه فقدموه بذلك وبدءوه بالذبح فلا أحب أكله. قال محمد بن رشد: ها هنا في ذبحه النصراني بتقديم المسلم إياه لذلك لا أحب أن يؤكل، وقد مضى من قول ابن أبي حازم في سماع أشهب لا بأس بأكله وبئس ما صنعت، وقد روى ابن أبي أويس عن مالك أنه قال: إنما يحل لنا أن نأكل ما ذبحوا لأنفسهم، وأما ما نوليهم ذبحه فلا، فظاهر هذا تحريم أكله إلا أن يتأول أنه أراد إنما يحل لنا أن نأكل دون كراهية ما ذبحوا لأنفسهم، وأما ما نوليهم ذبحه فلا يحل لنا أن نأكله إلا بكراهية، وقد مضى وجه الكراهية في ذلك في سماع أشهب من كتاب الضحايا ومضت المسألة أيضا في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب. [مسألة: يرمي الصيد قريبا من الحرم فيصيبه بسهمه إصابة لم تبلغ مقاتله] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب مسألة قال سحنون: سئل أشهب: عن الذي يرمي الصيد قريبا

مسألة: تعدى على باز رجل فاصطاد به صيدا

من الحرم فيصيبه بسهمه إصابة لم تبلغ مقاتله، ثم يتحامل فيدخل الحرم ثم يموت في الحرم أيؤكل؟ قال:. نعم. قال محمد بن رشد: فهذا كما قال إنه يؤكل ولا جزاء عليه فيه؛ لأنه فعل ما يجوز له من إصابته في الحل وبالله التوفيق. [مسألة: تعدى على باز رجل فاصطاد به صيدا] من نوازل سئل عنها سحنون بن سعيد مسألة وسئل: عن الذي يتعدى على فرس رجل فيركبه فيعقر عليه صيدا لمن يكون هذا الصيد؟ فقال: الصيد لمن صاده ولرب الفرس أجر مثله، قيل له: فإن تعدى على باز رجل فاصطاد به صيدا، فقال: هو للذي صاده ولرب الباز أجر بازه. قال محمد بن رشد: هذا مذهب أصبغ خلاف مذهب ابن القاسم في تفرقته بين الفرس والبازي، وستأتي هذه المسألة في سماع أصبغ بكمالها، والقول عليها إن شاء الله. [مسألة: الذبيحة يقطع منها شيء قبل أن تزهق نفسها] مسألة وسئل سحنون: عن الصيد يعقره الناس في المغازي، فيقطعونه قبل أن يموت، وقد أنفذت الرماح مقاتله، قال: لا ينبغي لأحد أن يفعله ولا أحرمه. قال محمد بن رشد: أما قطعه قبل أن يموت على سبيل الاقتسام له من غير انتهاب، فذلك مكروه كما يكره أن تنخع الذبيحة أو يقطع منها شيء قبل أن تزهق نفسها من غير أن يحرم ما قطع منها بعد كمال ذكاتها، وأما اقتطاعها على سبيل الانتهاب، فذلك حرام؛ لأن من صاده فيه شركاء بالسوية

مسألة: شاة غرقت فغطس عليها صاحبها بسكين فذكاها في داخل الماء

فلا يحل لأحد منهم أن يأخذ أكثر من حقه منه إلا برضا شركائه، وقد جاء أن النهبة حرام، وذلك فيما لم يأذن فيه صاحبه والله أعلم وسيأتي هذا المعنى في رسم سن من كتاب العقيقة وبالله التوفيق. [مسألة: شاة غرقت فغطس عليها صاحبها بسكين فذكاها في داخل الماء] مسألة وسئل سحنون: عن شاة أو بقرة وقعت في ماء فغرقت فغطس عليها صاحبها بسكين فذكاها في داخل الماء وهو يعرف أنها حية مجتمعة الحياة وهو يذبح، قال: لا بأس بأكلها. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في أول سماع ابن القاسم من هذا الكتاب فلا معنى لإعادته. [مسألة: فرخ نحل يضرب في شجرة ثم يخرج فرخ لرجل آخر فيضرب عليه] مسألة وسئل سحنون: عن النحل يفرخ فيخرج الفرخ يضرب في شجرة، ثم يخرج فرخ لرجل آخر فيضرب عليه، قال: هو للأول، ولو ضرب فرخ في بيت نحل لرجل آخر، قال: فهو كذلك أيضا هو لصاحب العامر. قال محمد بن رشد: قال أبو إسحاق التونسي في هذه المسألة: لعله أراد أن الفرخين دخلا في جبح الأول، وأما لو دخلا في جبح الثاني لكان له ولو بقيا في الشجرة، فعاشا فيها وأفرخا لوجب أن يكونا وما أحدثا من عسل بينهما؛ لأن أحدهما لا مزية له على الآخر، وكلام أبي إسحاق التونسي تفسير، وله تفسير وذلك إنما يصح أن يكون الفرخان جميعا لمن دخلا في جبحه إذا لم يعلم ذلك بحدثانه حتى فات إخراج الفرخ من الجبح وقسمه

مسألة: يسقط بعير أو شاة في بئر فلا يستطاع نحر البعير ولا ذبح الشاة

بينهما؛ لأن حكم النحل في هذا حكم الأبرجة إذا دخلت حمام برج في برج آخر، فإن استُطيع ردها إلى برجها وإلا فهي لمن ثبتت في برجه، فكذلك فرخ النحل إذا لم يستطع أن يرد فرخ كل واحد منهما إلى صاحبه، فهو لمن ثبت في جبحه. [مسألة: يسقط بعير أو شاة في بئر فلا يستطاع نحر البعير ولا ذبح الشاة] مسألة قال سحنون: قال عبد العزيز بن أبي سلمة: يؤكل ما أصله الذبح بالنحر، ويؤكل ما أصله النحر بالذبح، وإن لم تكن ضرورة. قال محمد بن رشد: هذا خلاف قول مالك في أنه لا يؤكل ما أصله النحر بالذبح، ولا ما أصله الذبح بالنحر إلا من ضرورة، والضرورة مثل أن يسقط بعير أو شاة في بئر، فلا يستطاع نحر البعير ولا ذبح الشاة، وقد قيل: إن عدم ما ينحر به ضرورة تجيز ذبحه، وإن عدم ما يذبح به ضرورة تجيز نحره، وقد قيل: إن الحبل في ذلك ضرورة، وذهب ابن بكير: أنه إن ذبح ما ينحر أكل، وإن نحر ما يذبح لم يؤكل، وأما البقر التي جاء فيها الذبح والنحر فالاختيار فيها عند مالك أن تذبح لقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] ، فإن نحرت من غير ضرورة أكلت، ولا اختلاف في هذا أحفظه. [مسألة: وجد أحدهم عشا فقال هو لي أنا رأيته قبلكم فبادره إليه رجل فأخذه] مسألة قلت: أرأيت لو أن قوما كانوا سائرين في طريق، فوجد أحدهم عشا، فقال: هذا العش لي أنا رأيته قبلكم، فلا تأخذوه، فبادره إليه رجل فأخذه، فقال: هو لمن أخذه وليس قوله: هو لي قبض منه له ولا حيازة، قلت: فلو وجدوه كلهم فبادرهم إليه أحدهم فأخذه؟ قال:

مسألة: يجتمعون فيخرجون للصيد ويشتركون في كل ما يصيبون

هو لمن أخذه، قلت: فلو وجدوه كلهم فأراده كل واحد منهم لنفسه وتدافعوا عليه ولم يترك بعضهم بعضا يصل إليه؟ قال: إذا أقضي به بينهم خوفا أن يقتتلوا عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها، وهي أصل لما يختلف فيه من النفر المتيممين يجدون من الماء في الصحراء قدر ما يتوضأ به واحد منهم يسلمونه لأحدهم ليتوضأ به هل ينتقض تيمم جميعهم أو ينتقض تيمم الذي أسلم إليه وحده؟ وقد مضت هذه المسألة، والقول فيها مستوفا في سماع سحنون ونوازله من كتاب الوضوء، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يجتمعون فيخرجون للصيد ويشتركون في كل ما يصيبون] من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم مسألة قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن القوم يجتمعون فيخرجون للصيد، ويشتركون في كل ما يصيبون من ذلك الصيد على أن يكون بينهم شرعا سواء، فقال ابن القاسم: إذا كانوا لا يفترقون فيه وكانوا يتعاونون عليه فلا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب الشركة من المدونة من أن شركة الأعمال بالأبدان لا تجوز إلا أن يكونا في موضع آخر ويتعاونان، والمعنى في ذلك بين؛ لأنهما إذا لم يتعاونا كان غررا؛ لأن كل واحد منهما يصير قد باع من صاحبه نصف ما صاد بنصف ما صاد هو، قال في المدونة: ولو اشتركا على أن ما صادا ببازيهما أو بكلبيهما فذلك بينهما بنصفين لم يجز إلا أن يتعاون الكلبان والبازيان أو يكونا بينهما، وقد قيل: إن الشركة جائزة،

مسألة: تعدى على كلب رجل فاصطاد به

وإن لم يتعاون البازيان والكلبان إذا تعاونا هما؛ لأن عملهما أكثر من عمل الكلبين والبازيين. [مسألة: تعدى على كلب رجل فاصطاد به] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب الزكاة والصيام مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في من تعدى على كلب رجل فاصطاد به: إن الصيد لصاحب الكلب إلا أنه بالخيار إن شاء دفع إلى المعتدي أجر مثله في عنائه وصيده وأخذ الصيد، وإن شاء أسلم الصيد، وإنما كان الصيد لصاحب الكلب؛ لأن كلبه هو الذي أخذه وصاده بمنزلة عبد الرجل يتعدى عليه الرجل فيبعثه يصيد له الحيتان، فما صاد فهو لسيده؛ لأن عبده الذي صاد، وضمان العبد والكلب إن عطبا من الرجل الذي صاد بالكلب وتعدى على العبد، والبازي مثل ذلك، ولكن لو تعدى على فرس رجل فصاد عليه لكان الصيد للرجل المتعدي؛ لأنه هو الصائد، وليس الفرس الصائد، وكان عليه في اصطياده أجرة مثله، قال أصبغ: بئس ما قال في الكلب، وليس الكلب كالعبد، العبد عامل بيديه مستغن بذاته، والكلب لا يصيد إلا بالإشلاء والزجر والتعليم والتوجيه، ولا يفعل ذلك إلا بصاحبه، والرجل ها هنا الصائد، فالصيد له، وعليه أجرة الكلب لصاحبه كالدابة يعمل عليها أو الجمل وما أشبه ذلك، قال سحنون: الكلب والفرس سواء، والصيد للصائد ويعطى صاحب الكلب والفرس أجرة كلبه وفرسه. قال محمد بن رشد: لا يختلفون في الذي يتعدى على فرس الرجل

مسألة: شرب الدم والخمر للمضطر

أو قوسه أو نبله فذلك أن الصيد للمتعدي وعليه أجر المثيل في الفرس والقوس والنبل، ولا يختلفون أيضا في الذي يتعدى على العبد، فيبعثه يصيد له أن الصيد لصاحب العبد، واختلفوا في الذي يتعدى على كلب رجل أو بازه فيصيد به فحمله أصبغ وسحنون محمل الذي يتعدى على فرس رجل أو قوسه للعلة التي ذكر أصبغ من أن الكلب والباز لا يصيدان بذاتهما دون مرسل ومحرض فجعلا جل العمل للصائد المتعدي، وحمله ابن القاسم محمل الذي يتعدى على العبد فيرسله يصيد له، وقوله أظهر من قولهما؛ لأن جل العمل إنما هو للكلب والباز؛ لأنهما هما اتبعا الصيد وهما أخذاه، وإنما للمتعدي في ذلك الإرسال والإشلاء خاصة، فوجب أن يكون صاحب الكلب والباز أحق بالصيد؛ لأن له في صيده شيئين الإتباع والأخذ، وليس للمتعدي فيه إلا التحريض على ذلك على ما تأول من مذهب ابن القاسم في المزارعة الفاسدة أن الزرع يكون فيها لمن أخرج شيئين أرضا وبذرا، أو أرضا وعملا، أو بذرا وعملا، لمن أخرج شيئا واحدا أرضا أو عملا أو بذرا، وقد مضى في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى اختلافهم في من طرد صيدا إلى فخ رجل فأوقعه فيه وأخذه، وتوجيه قول ابن القاسم: أنهما فيه شريكان خلاف قول أصبغ وسحنون: أنه للطارد وعليه قيمة ما انتفع فيه من فخ الرجل، ومن الدليل على صحة قوله في ذلك أيضا أنهما لو اشتركا في الصيد على أن يعمل أحدهما المنصب ويطرد الآخر الصيد إليه لكانت شركة صحيحة. [مسألة: شرب الدم والخمر للمضطر] مسألة قال أصبغ: قال ابن القاسم: يشرب المضطر الدم ولا يشرب الخمر، قال ابن القاسم في الميتة وضوال الإبل يأكل الميتة

مسألة: الدابة التي لا يؤكل لحمها يطول بها المرض أو تعيى على صاحبها

ولا يقرب ضوال الإبل، وقال لي ابن وهب مثل ذلك كله، وقال: الحجة في ضوال الإبل أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عنها، وقد أرخص الله في الميتة والدم ولحم الخنزير للمضطر، ولم يرخص في الخمر، فذلك كله أحل من الخمر. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تكلمنا عليها كلاما شافيا في رسم تأخير صلاة العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك. [مسألة: الدابة التي لا يؤكل لحمها يطول بها المرض أو تعيى على صاحبها] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الدابة التي لا يؤكل لحمها يطول بها المرض أو تعيى على صاحبها في أرض لا علف فيها، وما أشبهه أفيذبحها أفضل؟ قال: بل يدعها ولا يذبحها، قال ابن القاسم: ولو كانت لرجل دابة مريضة زمنة قد يئس من المنتفع بها على كل وجه ولا يريد علفها لم أر بأسا بذبحها وذبح هذه أحب إلي من تركها. قال محمد بن أحمد: قال في الدابة التي يطول بها المرض أو تعيا على صاحبها في أرض لا علف فيها: أنه يدعها ولا يذبحها رجاء أن يجدها من يقوم عليها حتى تصح ويعلفها حتى تستريح، وقد اختلف إن وجدها صاحبها قد صحت عند الذي قام عليها هل يكون أحق بها أم لا؟ فروى ابن القاسم عن مالك في سماعه من كتاب اللقطة: أنه يكون أحق بها بعد أن يدفع إلى الذي قام عليها ما أنفق عليها، وقد قيل: إنها لمن قام عليها حتى حييت كمن أحيا أرضا مواتا، ولا سبيل لصاحبها إليها إلا أن يكون أسلمها في ماء ومرعى، وقال الليث بن سعد وغيره: صاحبها أحق بها بعد يمينه أنه كان على الرجوع فيها، واستحب في الزمنة التي قد يئس من المنتفع بها على كل حال

مسألة: رجل طبخ بإناء فلما غلى الدهن وجد فيه فأرة ميتة

أن يذبحها؛ لأن في ذلك إراحتها، وقد قيل: إنها تعقر ولا تذبح لئلا يشكك ذلك الناس في جواز أكلها، وهو الذي يأتي على قوله في سماع أشهب في الدابة التي تحيا بعد خروجها من البحر، وعلى ما في سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد في الدابة التي تقف على صاحبها في أرض العدو، وقد قيل: إنها لا تعقر ولا تذبح ولا يصنع بها شيء من ذلك لنهي النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، عن المثلة، وقول أبي بكر الصديق: ولا يعقرون شاة أو بعيرا إلا لمأكلة، وهو قول ابن وهب وما ها هنا من إجازة ذبحها فهو على ما في كتاب الجهاد من المدونة. [مسألة: رجل طبخ بإناء فلما غلى الدهن وجد فيه فأرة ميتة] مسألة قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال في رجل طبخ بإناء في المدينة، فلما غلى الدهن وجد فيه فأرة ميتة لم تنفسخ أو قد انفسخت وهي من ماء البئر حين صبه فيه، وقد عجنه به وطبخه بعد، فأمر مالك أن يتم طبخه ويأخذ الدهن الأعلى الذي عجن به فيطبخه بماء طيب. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة ها هنا في بعض الروايات، وهي في هذا السماع من كتاب الوضوء ثابتة في كل رواية، وزاد في القليل أنه يهراق، وقد مضى القول عليها هناك مستوفى فلا معنى لإعادته. [مسألة: دخل الصيد في ولجة لا يستطيع الخلاص منها فغشيه الكلب] مسألة قلت لأصبغ: فلو خرجت طالبا فأثرت صيدا فأرسلت كلابي عليه فبينما هي طالبة إذ وقع في حفرة لا يستطيع الخروج منها ولا الخلاص، أو دخل في ولجة لا يستطيع الخلاص منها، فغشيه

مسألة: يرسل بازه على فراخ الطير في شاهقة الجبل فيصيدها

الكلب فيها فدخل عليه فقتله أيطيب لي أكله؟ فقال: أما ما كان مثل ما وصفت، وكل موضع لا يستطيع الخلاص منه ولا النجاة أدركه الكلب فيه فقتله، فإنه لا يؤكل؛ لأنه قد صار أسيرا لك، وهو مثل ما أنك لو أخذته وأثبته وأمكنك ذبحه، ثم أرسلت عليه كلبك فقتله فإنك لا تأكله وهي ميتة؛ لأنه قد صار في ذلك كالأنسية لا تؤكل إلا ذبحا أو نحرا، قلت له: فلو أدركه الكلب في غايضة فقتله فيها، أو دخل غارا فدخل عليه فيه فقتله أيطيب لي أكله؟ قال: نعم، هو طيب وهو خلاف الأول؛ لأن هذا يجوز له فعله ابتداء؛ لأنه إذا جاء إلى الغار ولا يستطيع الدخول فيه، وإلى الغايضة جاز له أن يرسل فيها كلابه تطلب الصيد فيها ويشليها ويحضها فما قتلت فيهما من شيء جاز له أكله وهكذا يبتغى الصيد. قال محمد بن رشد: أجاز في هذه الرواية أن يرسل كلبه في الغار والغايضة يطلب الصيد فيهما، ويأكل ما قتل، ومثل هذا في كتاب محمد بن المواز، وقد روي عن ابن القاسم أنه أجاز ذلك في الغار، ولم يجزه في الغايضة مخافة أن يكون دخل في الغايضة بعد أن أرسل كلبه فيها ما كان خارجا عنها مما لم ينوه؛ لأنه إنما نوى ما كان في الغايضة ولا يخشى مثل هذا في الغار، وقد مضى لسحنون في رسم لم يدرك من سماع عيسى أن ذلك لا يجوز في الغار ولا في الغايضة؛ لأن مذهبه أنه لا يصح له أن ينوي من الصيد إلا ما رأى، وهو أحد قولي أشهب فهي ثلاثة أقوال. [مسألة: يرسل بازه على فراخ الطير في شاهقة الجبل فيصيدها] مسألة قلت لأصبغ: فالوكر يكون في شاهقة جبل أو على شجرة

مسألة: بقرة أزلقت ولدها

يكون فيها فراخ الطير فيرسل بازه عليها، فيصيدها أيأكلها أم لا؟ فقال: أما إن كانت بموضع عال مثل ما وصفت مما لم يوصل إلى الرقي عليها، ولا يوجد سبيل إلى صرعها ولا إنزالها على حال أو لعله يطاق ذلك إلا أنه يخاف في ذلك العطب والعنت، فإني لا أرى بأسا أن يرسل عليها بازه ويأكلها وإن قتلها، وهو مثل الغائضة والغار الذي لا ينال ما فيها إلا بمثل هذا، قال: وأما إن كانت بموضع قريب ينال بالطلوع إليها أو بأن يصرع بالرمح أو نحو ذلك، أو الاحتيال إليها فيقع إلى الأرض فيؤخذ فمثل هذا إن أرسل بازه عليها، فقتلها لم يأكلها وهذه لا تؤكل إلا بذكاة وهذه مأسورة مملوكة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها ولا إشكال ولا موضع للكلام، وبالله التوفيق. [مسألة: بقرة أزلقت ولدها] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم مسألة قال أبو زيد: قال ابن القاسم في بقرة أزلقت ولدها إنه ينظر، فإن كان مثل ذلك يحيى ويعيش لم يكن بأكله بأس، وإن كان مثله لا يعيش لم يؤكل وإن ذكي، وإن شك في أمره فقالوا: مثله يعيش ومثله لا يعيش، لم يؤكل وإن ذكي. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا أعرف فيها نص خلاف، والفرق بين الجنين الذي أزلقته البهيمة وبين المريضة في جواز تذكيتها، وإن علم أنها لا تعيش إذا تحققت حياتها عند الذبح بوجود علامات الحياة فيها بعد الذبح، هو أن المريضة قد علمت حياتها بطول مدة إقامها حية إلى أن ذبحت، والجنين الذي أزلقته البهيمة لم يتحقق حياته؛ لأن حياته في بطن أمه

مسألة: رمى صيدا فأصاب مقاتله ثم والى عليه بالرمي بعد حتى قتله

لا يعتبر بها؛ لأنه كعضو من أعضائها بدليل كون ذكاته في ذكاتها، وقد قال ابن حبيب: إنما لم يذك إذا شك هل يعيش أم لا خيفة أن يكون الذي سبق إليه من إزلاق أمه هو الذي ألقاه في الموت، وليس ذلك بعلة صحيحة إذا لو اعتبرت حياته في بطن أمه فكان إنما لم يذك إذا شك هل يعيش أم لا مخافة أن يكون إزلاق أمه هو الذي ألقاه في الموت لوجب أن يكون حكمه حكم المنخنقة وأخواتها في جواز تذكيته وإن علم أنه لا يعيش على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وهو بين، وبالله التوفيق. [مسألة: رمى صيدا فأصاب مقاتله ثم والى عليه بالرمي بعد حتى قتله] مسألة وعن رجل رمى صيدا فأصاب مقاتله، ثم والى عليه بالرمي بعد حتى قتله ولو شاء أن يذكيه ذكاه، قال: يأكله. قال محمد بن رشد: وهذا بين؛ لأنه قد فرغ من ذكاته بإنفاذ مقاتله، فهو بمنزلة من ذبح ذبيحة، ثم نخعها أو قطعها أو بقر بطنها قبل أن تزهق نفسها فلا يحرم شيء من ذلك عليه أكلها، وبالله التوفيق. [مسألة: شاة أدركها أمر الله فوجدت وهي تضطرب فيدرك ذكاتها] مسألة وقال ابن كنانة وابن القاسم في شاة أدركها أمر الله، فوجدت وهي تضطرب فيدرك ذكاتها فيذكيها ولم يخرج من الدم شيء، قال: إذا ذبحها وهي تضطرب فلا يضره، وإن لم يخرج من الدم شيء. قال محمد بن رشد: يريد بقوله: تضطرب تتحرك تحركا يعلم به حياتها، وأدنى ذلك أن تطرف بعينها أو تحرك ذنبها أو تركض برجلها أو يوجد منها ما يقوم مقام التحريك مما يعلم به حياتها، وهو استفاضة نفسها في حلقها، وأما إن لم يكن اضطرابها إلا إرتعاشا وارتعادا أو شبه ذلك من مد يد أو رجل أو قبضة، فلا يلتفت إلى ذلك ولا يعد لها به حياة، وكذلك لو لم يكن

مسألة: رمى صيدا فأصاب مقاتله وأدركه وقد افترسه سبع وسهمه في مقاتله

منها إلا سيلان الدم خاصة لم يحكم لها به بالحياة ولم تؤكل، وهذا كله مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم في المريضة إذا وجدت العلامات المذكورة التي يستدل بها على حياتها بعد ذبحها، واختلفوا إذا لم توجد بعد الذبح، ووجدت في حال الذبح وإجراء الشفرة على الحلق، فظاهر قول ابن حبيب في الواضحة أنها تؤكل، ووقع في موطأ ابن وهب عن مالك: أنها كانت قبل أن تذبح تعرف حياتها ويجري نفسها، فلا بأس بها، ظاهره وإن لم يوجد شيء من العلامات في حال الذبح ولا بعده وهو بعيد، وأما الصحيحة التي لا مرض فيها، فلا اختلاف بينهم أنها تؤكل وإن لم يتحرك منها شيء بعد ذبحها إذا سال دمها، ولو لم يسل دمها لجرى جواز أكلها على الاختلاف في المنخنقة وأخواتها إذا بلغ بها ما أصابها مبلغا يعلم أنها لا تعيش منه دون أن يصيب ذلك لها مقتلا؛ لأنه إذا لم يجر دمها يعلم بذلك أنها لو تركت لم تعش إذ لا يكون ذلك إلا من انقطاع بعضها من بعض، وقد مضى الاختلاف في ذلك أعني في المنخنقة وأخواتها في سماع أشهب من هذا الكتاب ومن كتاب الضحايا، وقد اختلف في ذلك أيضا أصحاب النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال أبو هريرة: لا بأس بها، وقال زيد بن ثابت: إن الميتة لتتحرك ونهى عن أكلها، ذكر ذلك عنه مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في موطأه؛ لأنها إنما كانت شاة تردت على ما جاء مبينا في غير الموطأ والأظهر قول من قال: إنها تؤكل قياسا على ما أجمعوا عليه في المريضة. [مسألة: رمى صيدا فأصاب مقاتله وأدركه وقد افترسه سبع وسهمه في مقاتله] مسألة وفيمن رمى صيدا، فأصاب مقاتله وأدركه وقد افترسه سبع وسهمه في مقاتله، أو وقع في بئر أو تردى من جبل، قال: إذا علم أنه قد أصاب مقاتله، فلا بأس بأكله، وإن لم يعلم أنه أصاب مقاتله فلا يقربه إلا أن يذكيه.

قال محمد بن رشد: هذا بين إن كان ما أصابه بعد إنفاذ المقاتل فلا يضره إذ قد فرغ من ذكاته، وهو مثل من ذبح ذبيحة، فسقطت في ماء فماتت فيه أو تردت من جبل أنها تؤكل، قال: ذلك في المدونة وفي سماع أشهب وفي غير ما موضع، وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

: كتاب الضحايا والعقيقة

[: كتاب الضحايا والعقيقة] [مسألة: يضحي بالضحية بينه وبين اليتيم في حجره] من سماع ابن القاسم من مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية سحنون من كتاب القبلة مسألة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول: لا ينبغي لأحد أن يضحي بالضحية بينه وبين اليتيم في حجره. قال محمد بن رشد: يريد أنه لا يجعل بعض ثمنها من ماله وبعضه من مال يتيمه فيشاركه فيها، ولا يدخله أيضا في أضحيته، وإن اشتراها من ماله، وكان في عيال إلا أن يكون من قرابته فيكون حينئذ من أهل بيته، وهذا مثل ما في المدونة وغيرها أنه لا يشترك في الضحايا، وقد روى ابن وهب عن مالك إجازة الاشتراك في الهدي التطوع، فيلزم ذلك في الضحية على القول: بأنها غير واجبة، وتحصيل الاختلاف في هذه المسألة أن فيها قولين؛ أحدهما: أن الاشتراك فيها جائز. والثاني: أن ذلك لا يجوز، فإذا قلت: إن الاشتراك فيها جائز ففي صفته ثلاثة أقوال؛ أحدها: جواز الاشتراك في الشاة والبقرة والبدنة، وإن كانوا أكثر من سبعة أنفس. والثاني: أنه يشترك في البدنة والبقرة سبعة أنفس فدون. والثالث: أنه يشترك في البدنة عشرة أنفس وفي البقرة سبعة نفس، وإذا قلت: إن الاشتراك فيها لا يجوز، ففي ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يجوز لأحد أن يدخل في أضحيته غيره. والثاني: أن له أن يذبح أضحيته عنه وعن أهل بيته وهو مذهب مالك. والثالث: أن له أن يذبحها عنه وعمن سواه وإن كانوا أهل أبيات شتى وأهل بيت الرجل الذي يجوز له أن يدخلهم

مسألة: الضحية إن شح عليها أهل الميراث

في أضحيته على مذهب مالك أزواجه ومن في عياله من ذوي رحمه كانوا ممن يلزمه نفقتهم أو ممن لا يلزمه نفقتهم غير أن من كان منهم ممن تلزمه نفقته لزمه أن يضحي عنه إن لم يدخلهم في أضحيته حاشى الزوجة، وقد قيل: إنه يلزمه أن يضحي عنها إن لم يدخلها في أضحيته، وهو قول ابن دينار، ومن كان منهم لا يلزمه نفقته لم يلزمه أن يضحي عنه إن لم يدخله في أضحيته ولزمه هو أن يضحي عن نفسه إن كان له مال، وأما من في عياله من الأجنبيين، فلا يجوز له أن يدخلهم في أضحيته. [مسألة: الضحية إن شح عليها أهل الميراث] مسألة قال مالك في الضحية: إن شح عليها أهل الميراث باعوها وذلك قبل أن يضحى بها، وإذا مات وقد ذبحها كانت لأهله يأكلونها ولم تبع، وهو قول مالك، وإن كان قد أفرز منها شيئا لأحد من أهله، فهي له إذا أشهد عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إن لأهل الميراث أن يبيعوا الضحية إذ مات عنها الميت قبل أن يذبحها صحيح؛ لأنها لا تجب إلا بالذبح خلاف الهدي الذي يجب بالتقليد والإشعار، وقوله: إذا مات وقد ذبحها أنها تكون لأهله يأكلونها يريد لأهل بيته يأكلونها على ما كانوا يأكلونها لو لم يمت ورثة كانوا أو غير ورثة، وهو أظهر مما يأتي في رسم سن من هذا السماع، وفي رسم العتق من سماع عيسى من أن الورثة إنما يقسمونها بينهم على الميراث؛ لأن الورثة إنما يقسمون على الميراث ما تكون فيه الوصية والذين قال الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] . وقوله: إذا مات وقد أفرز شيئا منها لأهله كان له إذا أشهد عليه صحيح؛ لأن ذلك كالهبة لا تصح مع التنازع إلا بالبينة.

مسألة: جز الضحية بعد أن تسمى قبل أن يذبحها

[مسألة: جز الضحية بعد أن تسمى قبل أن يذبحها] مسألة قال: وسمعت مالكا قال: لا تجز الضحية بعد أن تسمى قبل أن يذبحها؛ لأن ذلك ينقص من ثمنها، ولكن إذا ذبحت فيجزها إن شاء لنفسه، فإنما هي بمنزلة اللحم، قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: فإن جزها، ثم ذبحها لم يعد لغيرها وبئس ما صنع ولينتفع بصوفها ولا يبعه، قال سحنون: ولو باع الصوف لم أر بأسا أن يأكل ثمنه إذا كان جزه قبل الذبح، فإن جزه بعد الذبح فلا يأكله. قال محمد بن رشد: الضحية عند مالك لا تجب أضحية وتصير نسكا إلا بالذبح، وإن اشتراها ليضحي بها وسماها أضحية، فلا يجب عليه بذلك ذبحها، وله أن يبدلها بخير منها، فكراهيته لها أن يجز صوفها من نحو كراهيته له أن يبدلها بدونها، ويستفضل من الثمن، وذلك بين من قوله: لأن ذلك ينقص من ثمنها، وقوله: إن جزها فلينتفع بصوفها ولا يبعه، يريد أنه يؤمر بذلك استحبابا كما يؤمر أن يتصدق بما استفضل من ثمنها إذا باعها واشترى غيرها؛ لأن ذلك عليه واجب، وإنما يستحب له ذلك لئلا يرجع عما نوى من الخير، قال إسماعيل القاضي: ولو اشترى الرجل أضحية، فقال: قد أوجبتها أضحية لوجب عليه ذبحها ولم يكن له بيعها، قال غيره: وتكون بذلك كما أشعر وقلد من الهدي في جميع الأمور إن تعدى عليه أحد فذبحه أجزأ عن صاحبه، وإن أصابه عيب لم يضره، وهو بعيد؛ لأنه يلزم عليه إن مات قبل أن يذبحه أن يجزيه ولا يكون عليه أن يعيد بأضحية أخرى على القول: بأن الضحية غير واجبة، وأما التسمية من غير إيجاب فلا يحرم عليه بيعها ولا بدلها، فقول سحنون: ولو باع الصوف لم أر بأسا بأكل ثمنه يريد أنه لا حرج عليه في ذلك إن فعل، فهو تفسير لقول مالك والله أعلم.

مسألة: تلقي السلع

[مسألة: تلقي السلع] ومن كتاب أوله حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها مسألة وسئل مالك: عن الرجل يخرج يوم الأضحى إلى مثل الاصطبل وهو نحو من ميل ليشتري ضحايا، وهو موضع يجتمع فيه الغنم والناس يخرجون إلى السوق ليشتروا منها، قال: ما يعجبني ذلك، وقد «نهى عن تلقي السلع» ، فلا أرى أن يشتري حتى يهبط إلى السوق، والضحايا أفضل ما احتيط فيها؛ لأنه يتقرب إلى الله بذلك فلا أرى ذلك. قال محمد بن رشد: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تلقي السلع حتى يهبط بها إلى السوق» ، فلا يجوز للرجل أن يخرج من الحاضرة إلى الجلائب التي تساق إليها، فيشتري منها ضحايا ولا ما يأكل ولا التجارة، وكذلك إن مرت به على بابه في الحاضرة، فلا يجوز له أن يشتري منها شيئا حتى يهبط بها إلى الأسواق، إذ لا مؤنة عليه في النهوض إلى السوق لقربه، وأما إن مرت به على قريته على أميال من الحاضرة، فيجوز له أن يشتري منها ما يحتاج إليه لا لتجارة لمشقة النهوض عليه إلى الحاضرة، يبين هذا ما وقع بعد هذا في رسم تأخير صلاة العشاء، وفي رسم أوله عبد استأذن سيده من سماع عيسى، فإن ضحى بما اشترى في التلقي فروي عن عيسى بن دينار أنه قال: عليه البدل في أيام النحر ولا يبيع لحم الأولى، وهذا عندي على الاستحباب ليس على الوجوب؛ لأنه إنما ضحى بما دخل في ضمانه بالابتياع على قول من لا يوجب فسخ البيع، وعلى قول من يوجب فسخه لمطابقته النهي؛ لأنه بالذبح يمضي بالثمن أو يلزمه فيه القيمة يوم القبض، فإنما ضحى بما قد ملكه قبل الذبح ملكا صحيحا أو بشبهة ارتفعت بالذبح، ووجه استحسان البدل مراعاة قول من يقول: إن البيع الفاسد كلا بيع، ولا ينتقل به ملك البائع وتكون المصيبة منه إن

مسألة: يشتري الضحية ثم يبدو له أن يعطيها أمه

تلفت ببينة، فيكون على هذا القول كأنه قد تعدى على كبش رجل فضحى به، وفي ذلك اختلاف من القول سيأتي القول عليه في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده من سماع عيسى وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري الضحية ثم يبدو له أن يعطيها أمه] ومن كتاب أوله شك في طوافه مسألة وسئل مالك: عن الرجل يشتري الضحية، ثم يبدو له أن يعطيها أمه، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: يريد ويشتري هو لنفسه غيرها مثلها أو أفضل فيضحي بها ضحت أمه بالتي أعطاها أو لم تضح بها، ولو اشترى شاتين ليضحي بهما، ثم بدا له أن يعطي أمه إحداهما، فإن كان أعطاها إياها لتضحي بها، فذلك جائز ولا شيء عليه إذ لم تخرج الشاة عن كونها متقربا بها كمن اشترى شاة ليضحي بها، ثم بدا له أن يشرك فيها أهل بيته عنه وعنهم، وأما إن كان أعطاها إياها لتملكها ولا تضحي بها، فلا يجوز له ذلك إلا أن يشتري ضحية فيضحي بها مثلها أو أفضل منها. [مسألة: مكان ذبح أضحية الإمام] مسألة وسئل مالك: عن الإمام أترى أن يأتي بأضحيته إلى المصلى فيذبحها فيه؟ قال: نعم أرى ذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في الصلاة الثاني من المدونة وهو مما يستحب للإمام أن يفعله ليقتدي الناس به، فيذبحوا بعد ذبحه لما جاء من «أن أبا بردة بن دينار ذبح أضحيته قبل أن يذبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره أن يعود بأضحية أخرى» ، الحديث، فإن لم يفعل ذلك الإمام وجب على الناس أن يؤخروا ذبح ضحاياهم إلى قدر ما يبلغ الإمام فيذبح عند وصوله، وليس لهم انتظاره إن تراخى في الذبح بعد وصوله لغير عذر، فإن أخر الذبح لعذر من

مسألة: ضحي بمكسورة القرن

اشتغال بقتال العدو أو غيره انتظروه ما لم يذهب وقت الصلاة بزوال الشمس، وقال أبو المصعب: إذا لم يخرج الإمام أضحية إلى المصلى، فليس على الناس أن ينتظروه حتى يرجع إلى منزله، ومن ذبح بعد القدر الذي كان يذبح فيه بالمصلى فأضحيته في ذلك جائزة، والمراعى في ذلك الإمام الذي يصلي صلاة العيد بالناس إذا كان مستخلفا على ذلك، ومن أهل العلم من يرى أن من ذبح قبل ذبح الإمام فأضحيته جائزة إذا ذبح بعد الصلاة، وهو مذهب أبي حنيفة، وحجتهم ما جاء من «أن عويمر بن الأشقر ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى، وأنه ذكر ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمره أن يعود بأضحية أخرى» ، وما روي من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد» ، ومن طريق النظر أنه لما كان الإمام وغيره سواء في الذبح قبل الصلاة لا يجزي وجب أن يكون هو وغيره سواء في الذبح بعد الصلاة جائز، قالوا: ومما يدل أن الذبح مرتبط بالصلاة لا بنحر الإمام أن الإمام لو لم يضح لم يسقط عنهم الذبح، وأما أهل البوادي الذين لا يصلون صلاة العيد، فينحرون صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه، فإن تحروا فأخطأوا أجزاهم، قاله ابن القاسم، ورواه عن مالك، وإن لم يتحروا وذبحوا قبل أن يذبح الإمام أعادوا، قاله أشهب، ورواه عن مالك، وقال ربيعة: يجزيهم ما لم يذبحوا قبل طلوع الشمس. [مسألة: ضحي بمكسورة القرن] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة مسألة وسئل مالك: عن الرجل يضحي بالمكسورة القرن، قال: لا بأس بذلك إنما هي مثل الجلما إلا أن يكون يدمي، فلا يعجبني ذلك، قال: وما يحتاج إلى القرن؟ فأما الأذن، فإني أكرهه، فقيل له: والتي قد سقطت أسنانها، فقال: أما ما كان من ذلك من الكبر والهرم

مسألة: يهلك وعنده لحم من لحوم الأضاحي

مثل أن يسقط من الكبر وحفاء الأسنان، فلا أرى بذلك بأسا، وأما لو لم يكن بها كبر وسقط أسنانها لكان ذلك عيبا فلا أرى أن يضحى بها. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز أن يضحى بالمكسورة القرن إذا كان يدمى؛ لأنه رأى ذلك مرضا من الأمراض، وفي الحديث والمريضة البين مرضها، ولأشهب في كتاب ابن المواز أنه إن ضحى بها أجزأته، وإن كان يدمي فلم ير ذلك من المرض البين ورآه خفيفا، وقد قيل: إنه يضحى بها، وإن كانت لا تدمى إذا كان القرن الداخل مكسورا لما روي عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، من أنه «نهى أن يضحى بالأعصب القرن والأذن» ، وهو قول النخعي وإليه نهى ابن حبيب، وذهب ابن حبيب أيضا إلى التي ذهبت أسنانها من الكبر لا يجوز أن يضحى بها كالتي كسرت أسنانها بخلاف التي سقطت أسنانها من إثغار، فالتي كسرت أسنانها لا يجوز باتفاق، والتي سقطت أسنانها من إثغار تجزئ باتفاق، والتي ذهبت أسنانها من الكبر تجزئ على اختلاف، فقف على ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: يهلك وعنده لحم من لحوم الأضاحي] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسألة وسئل مالك: عن الرجل يهلك وعنده لحم من لحوم الأضاحي، قال: لا تباع؛ لأنه نسكه وإن كان عليه دين لأنه نسك، ولكني أرى أن يقتسمه ورثته ومعنى قوله: كراهية البيع. قال محمد بن رشد: قوله: إن الورثة يقتسمونه خلاف ما تقدم في أول السماع، ولم يقل: كيف يقسمونه بأن كان على الميراث كما قال في رسم العتق من سماع عيسى، أو على قدر ما يأكلون على ظاهر ما في الواضحة لابن حبيب، والأظهر إذا خص الورثة له وأنزلهم فيه منزلة الميت ألا يقتسموه

مسألة: النصرانية ظئرا للرجل تأتيه يوم النحر لتأخذ فروة أضحية ابنها

على الميراث وأن يقتسموه على قدر ما يأكلون فيكونون كأنهم لم يقتسموه إذ قيل: إن القسمة بيع من البيوع. . [مسألة: النصرانية ظئرا للرجل تأتيه يوم النحر لتأخذ فروة أضحية ابنها] مسألة وسئل مالك: عن النصرانية تكون الظئر للرجل فيضحي فتأتيه يوم النحر فتريد أن تأخذ فروة أضحية ابنها، قال: لا بأس بذلك أن توهب لها الفروة وتطعم من اللحم، قال ابن القاسم رجع مالك، فقال: لا خير فيه، والأول أحب قوليه إلي. قال محمد بن رشد: اختلاف قول مالك هذا إنما معناه إذا لم تكن في عياله، فأعطيت من اللحم ما تذهب به على ما يأتي في رسم اغتسل، فأما لو كانت في عياله أو غشيتهم وهم يأكلون لم يكن بأس أن تطعم منه دون خلاف، وهذا يرد تأويل ابن حبيب إذ لم يجعل ذلك اختلافا من قول مالك، وقال: معناه إنه كره البعثة إليهم إذا لم يكونوا في عياله وأجاز أن يطعموا منه إذا كانوا في عياله. [مسألة: يجلب الغنم فيمر بها في بعض النواحي هل للرجل أن يشتري منها ضحايا] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس مسألة وسئل مالك: عن الرجل يجلب الغنم فيمر بها في بعض نواحي الفسطاط أترى للرجل أن يشتري منها ضحايا أو حاجة إن كانت له؟ قال: إنه ليكره أن يشتري حتى يهبط بها إلى السوق، فقيل: أفرأيت إن مر بها على قرية من الفسطاط على ستة أميال؟ فقال: أما ما يحتاج إليه من ضحايا أو غير ذلك مما يحتاج إليه، فلا أرى بذلك بأسا وأما ما يريد به تجارة فلا يفعل

مسألة: الأضحية الشاة الهرمة

قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم حلف فلا معنى لإعادته. [مسألة: الأضحية الشاة الهرمة] مسألة وسئل مالك: عن الشاة الهرمة أيضحى بها؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: يريد ما لم يكن هرما بينا، قاله أصبغ أو ما لم تسقط أسنانها من الهرم فيجري ذلك على الاختلاف الذي تقدم في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة. [مسألة: يشتري الضحايا يسميها ثم يريد أن يبدل ضحيته لغيره] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق مسألة وسئل مالك: عن الرجل يشتري الضحايا له أو لغيره يسميها ثم يريد أن يبدل ضحيته لغيره، ويذبح عنه ما سمى لغيره، قال: أرى إن أبدلها بخير منها فما أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: أما ذبحه عن نفسه ما كان سمي لغيره أفضل من التي سمى لنفسه، فلا بأس بذلك، وأما ذبحه عن غيره ما كان سمى لنفسه، وهي أدنى من التي كان سمى له فذلك مكروه؛ لأنه قد وعده أن يذبح عنه سمينا فيكره له أن يذبح عنه أدنى مما كان وعده به، فالاختيار له إذا ذبح عن نفسه ما كان سمى لغيره أن يشتري لغيره مثله أو أفضل وهذا بين. [مسألة: إعطاء أهل الذمة من الضحايا] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية مسألة وسئل مالك: عن أهل الإسلام أيهدون من ضحاياهم لأهل

مسألة: البدنة والبقرة تجزئ في التطوع عن السبعة في الضحايا

الذمة من جيرانهم؟ فقال: لا بأس بذلك، ورجع عنه بعد ذلك، وقال: لا خير فيه غير مرة. [مسألة: البدنة والبقرة تجزئ في التطوع عن السبعة في الضحايا] ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا مسألة قال: وقال مالك: أرى البدنة والبقرة تجزئ في التطوع عن السبعة في الضحايا أو أكثر من ذلك، كل واحد منهما، والكبش يذبحه الرجل عن أهل البيت، وأحب ذلك إلي إذا كان موسرا أن يذبح كل إنسان منهم شاة شاة يريد بذلك الضحايا، ولا يشترك في شيء من البدن تطوعا ولا غيره في الهدي، وإن كان أهل بيت واحد. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من استحبابه أن يذبح عن كل نفس شاة شاة، وروى حديث ابن عمر أنه لم يكن يضحي عما في البطن إذ فيه دليل على أنه كان يضحي عن المولود إذا ولد أحب إليه من حديث أبي أيوب الأنصاري «كان الرجل يضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته، ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة» . [مسألة: توسم الغنم في وجوهها] مسألة قال مالك: أكره أن توسم الغنم في وجوهها، ولا أرى بآذانها بأسا أن توسم، وذلك أن الشعر والصوف يغشي جسدها كله فيغيب السمت، وأما البقر والإبل فتوسم في غير ذلك من جسدها؛ لأنها ليست في أوبارها وأشعارها مثل الضان والمعز. قال محمد بن رشد: إنما كره أن توسم الغنم في وجوهها لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المثلة، ولم يكن سبيل إلى أن توسم في أجسادها من أجل أن

مسألة: الضحية أيطعم منها النصراني

الشعر يغشاها، فيغيب السمت أجاز أن توسم في آذانها للحاجة إلى سمتها، والمعنى في هذا بين. [مسألة: الضحية أيطعم منها النصراني] ومن كتاب أوله مساجد القبائل مسألة وسئل مالك: عن الضحية أيطعم منها النصراني؟ قال: غيره أحب إلي منه، قال ابن القاسم: ما يعجبني. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في رسم سن وفي رسم اغتسل فلا معنى لإعادته. [مسألة: أهل منى هل عليهم أضاحي] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات مسألة قال مالك: ليس على أهل منى أضاحي من حج منهم، وإن كان من أهلها ولم يحج فعليه، وحدثني عن عبد الله بن أبي بكر كان لأبيه غنم كثيرة بمنى، فما كان يضحي منها بشيء. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها: أن الحاج سنتهم الهدايا دون الضحايا كانوا من أهل منى أو غيرهم، وأن سائر الناس سنتهم الضحايا دون الهدايا كانوا من أهل منى أو غيرهم؛ لأن الله ذكر الهدايا في الحج، وأهدى رسول الله في الحج، وضحى في غير الحج، فصار ذلك منهاج الإسلام وشرعته، وفي المبسوطة لابن كنانة أنه لا يضحي أحد بمنى ظاهره، وإن لم يكن من الحاج وهو شذوذ، وروي عن عائشة أنها كانت لا تنكر على من ضحى ممن حج ولا على من لم يضح.

مسألة: أفضل الضحايا

[مسألة: أفضل الضحايا] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت مسألة قال مالك: في الضحايا الضأن أعجب إلي من المعز، والمعز أعجب إلي من البقر، وإناث الضأن أعجب إلي من فحول الضأن المعز. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في المذهب أن الغنم في الضحايا أفضل من الإبل والبقر، بخلاف الهدايا، وظاهر هذه الرواية أن البقر أفضل من الإبل، فأفضل الضحايا فحول الضأن، ثم خصيانها، ثم إناثها ثم فحول المعز، ثم خصيانها ثم إناثها ثم ذكور البقر، ثم إناثها ثم ذكور الإبل ثم إناثها، وقال ابن شعبان: بعد إناث المعز ذكور الإبل، ثم إناثها ثم ذكور البقر ثم إناثها، وجه قول مالك أن المقصود في الضحايا طيب اللحم لا كثرته؛ لأنه لأهل البيت فالأفضل فيها الأطيب لحما، وإن كانت أقل، كما أن الضأن أفضل من البقر؛ لأنها أطيب لحما، وإن كانت أقل منها، فكذلك البقر أفضل من الإبل؛ لأنها أطيب لحما وإن كانت أقل منها ووجهه كما ذهب إليه ابن شعبان: أن الغنم إنما كانت أفضل في الضحايا من أجل أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما ضحى بالغنم اتباعا لملة إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ فدى الله تعالى ابنه، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بكبش فضحى به مكان ابنه، وقال تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] ، فإذا لم يضح بالغنم المرغب في التضحية بها للتأسي بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبيه خليل الرحمن فالإبل أفضل من البقر؛ لأنها أعلى ثمنا وأكثر لحما، وقد «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي رقاب أفضل؟ فقال: أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها» ، والشافعي يذهب إلى أن الضحايا كالهدايا الإبل، ثم البقر ثم الغنم ومن حجته الحديث من اغتسل، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، الحديث إلى قوله: «فكأنما قرب كبشا أقرن» ، وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن يريد الهدي، وكذلك في بعض الآثار «من اغتسل ثم راح في الساعة الأولى، فكأنما أهدى بدنة» فسقطت حجته

مسألة: يهب لجاريته جلد أضحيته أترى أن تبيعه

بالحديث، وقال أشهب في ديوانه: الضحية بالغنم أحب إلي بالأمصار وبالإبل والبقر أحب إلي بمنى، ولا ضحية على الحاج بمنى، وبالله التوفيق. [مسألة: يهب لجاريته جلد أضحيته أترى أن تبيعه] ومن كتاب نذر سنة مسألة وسئل مالك: عن الرجل يهب لجاريته جلد أضحيته أترى أن تبيعه؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز لها أن تبيعه؛ لأنها أمته وله انتزاع مالها والتحجير عليها فيه، فإذا باعته فكأنه هو البائع له، ولو وهب الجلد لمسكين لجاز للمسكين أن يبيعه لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة» ، الحديث، ولقوله في اللحم الذي تصدق به على بريرة «هو عليها صدقة ولنا هدية» . [مسألة: تغالي الناس في الضحايا] من سماع أشهب وابن نافع من مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - من كتاب الجنائز والذبائح والنذور مسألة قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن تغالي الناس في الضحايا، قال: إني أكرهه، وخير الهدي هدي محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأصحابه ليشتر كما يشتري الناس وإن غلت، وربما غلت الأشياء فتنوولت على ذلك، وأما الذي يجد بعشرة دراهم فيذهب فيشتري بمائة درهم، فأنا أكرهه، هذا يدخل على الناس مشقة إذا كان هكذا. قال محمد بن رشد: هذا مكروه كما قال؛ لأن العمل به يدخل على الناس ضررا في أموالهم وفسادا في نياتهم وأعمالهم؛ لأن ذلك يتراقى في الناس حتى يفعلوه مباهاة وسمعة لا ابتغاء قربه، وقد قال أبو أيوب الأنصاري:

مسألة: الكباش تطول أذنابها فيقطع الراعي قدرا منها ليخف أفيجتنب في الضحايا

«كان الرجل يضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهله، ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة» وذلك في ذلك الزمان، فكيف به الآن؟ [مسألة: الكباش تطول أذنابها فيقطع الراعي قدرا منها ليخف أفيجتنب في الضحايا] مسألة وسئل مالك: عن الكباش تطول أذنابها حتى تسحبها فيقطع الراعي منها قدر قبضة ليخف أفيجتنب في الضحايا؟ قال: نعم أرى أن يجتنب إذا وجد غيرها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الكاملة الخلق التي لم يقطع من ذنبها شيء أفضل؛ لأنها توضع في يوم القيامة في ميزانه بكمال خلقها ووفاء شعرها، وروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة في قونه أي كتاب حسناته بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الذم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع في الأرض فطيبوا بها نفسا» ، وهي تجزئ إلا أن تكون بتراء، وهي التي قطع من ذنبها النصف أو الثلث، قاله ابن حبيب، وهو قول ابن وهب، ولم يحد فيه في المدونة نصفا من ثلث، وقال ابن المواز: النصف كثير من غير أن يحد فيه حدا، فظاهر قوله: إن الثلث عنده يسير فيأتي في الثلث قولان؛ لأنه آخر حد اليسير وأول حد الكثير، والربع يسير باتفاق، والنصف كثير باتفاق، والأذن كالذنب فيما يستحب منه مما لا يستحب، وأما اليابسة الأطبا، فإن بقي بعضها فإنها تجزي قاله ابن المواز. [مسألة: الضحية في السفر] مسألة قال: وسألته عن الضحية في السفر فقال: أحب إلي أن

يضحي إذا قدر على ذلك، والضحية في السفر والحضر سواء، إلا أن المسافر عسى به أن يشتغل ولا يقدر على الإقامة في التماس الضحايا، قال مالك: بلغني أن رجلا سافر فأدركه الأضحى في السفر، فمر على راع وهو يرعى على رأس جبل، فقال: يا راعي، أتبيع مني شاة صحيحة أضحي بها؟ قال: نعم، قال: أنزلها فاتركها فاشتراها منه، ثم قال له: اذبحها عني فذبحها الراعي، وقال: اللهم تقبل مني، فقال له ذلك الرجل: ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل، ثم سار وتركها. قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب عن أصبغ أنه قال: إن ما في هذا الحديث أن ابن عمر ضحى في السفر، وأما المبالغة فيما فعل الراعي على طريق الفقه، فالأجزى وتجزي عن الراعي، ويضمن قيمتها له، ويضحي بغيرها كمن تعدى على أضحية رجل، فذبحها عن نفسه، وتابعه الفضل على تأويله فقال: بل لا يجزئ عن واحد منهما على أصله المتقدم، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الراعي لم يتعد على ابن عمر في ذبح أضحيته، وإنما ذبحها بأمره فهو حاضر مستنيب له في ذلك، فوجب أن تكون النية في ذلك نيته لا نية الراعي، كمن أمر رجلا أن يوضئه فوضأه النية في ذلك نية الآمر الموضإ لا نية المأمور الموضئ، ألا ترى أنه لو نوى فيها لابن عمر خلاف نيته من ذبحه إياها له على أنها شاة لحم لم يؤثر ذلك في نيته، وإنما قوله فيما ذبح لغيره وبأمره: اللهم تقبل مني بمنزلة قوله: اللهم تقبل مني صلاة فلان وصيامه، فذلك لغو ودعاء غير مقبول، على أنه يحتمل أن يكون الراعي أراد: اللهم تقبل مني عملي في ذبحي الذبيحة عنه ومعونتي إياه على نسكه ولا تحرمني الأجر في ذلك، ولعله ظن بعمله أن الأجر في ذلك له لا لابن عمر، إذ تولى ذبحها هو

مسألة: يأتي إلى الراعي بفلاة من الأرض ليشتري منه الشاة

عنه وفهم ذلك منه ابن عمر، ولذلك قال له: ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل، ولو رأى ابن عمر أنها لا تجزيه لما قال للراعي: ضح بغيرها، وهذا كله بين وفيه دليل لقول أشهب في النصراني واليهودي: يذبح أضحية رجل بأمره أنها تجزيه، وبئس ما صنع. [مسألة: يأتي إلى الراعي بفلاة من الأرض ليشتري منه الشاة] مسألة وسئل مالك: عن الذي يأتي إلى الراعي بفلاة من الأرض ليشتري منه الشاة، فقال: ذلك مختلف من الرعاة، ربما كان الراعي صاحب الغنم، فأما الغلام الرغد الأسود الأعجمي الذي ليس مثله يؤتمن، فأحب إلي ألا يشتري منه شيئا، وأما العبد الفصيح الذي مثله يبيع لا مثله يقول لي فيها أو أمرني أهلي أن أبيع، فأرجو أن يكون ذلك واسعا، وهذا البيع فرصة. قال محمد بن رشد: يريد أنه إن كان العبد في هيئته ممن يشبه أن يؤتمن على البيع صدقا اشترى منه، وإن كان ممن لا يشبه ذلك منه لم يصدقه ولم يشتر منه، وفي سماع أشهب من كتاب المديان والتفليس ما ظاهره أنه لا يشتري منه إلا بإذن أهله ولا يصدقه في قوله إذا لم يكن ممن يبيع ويشتري، ويحتمل أن يفسر ما ها هنا، فإن حمل على ظاهره فذلك على التورع لا على ما يلزم، ويجوز بدليل فعل ابن عمر في المسألة التي قبل هذه. [مسألة: المنهوش يوصف له أن يشق بطن شاة حية فيدخل رجله في كرشها] مسألة وسئل مالك: عن المنهوش يوصف له أن يشق بطن شاة حية فيدخل رجله في كرشها، فقال: ما يعجبني، ولو فعل ما أقول له فذبحها، ثم يشق جوفها وهي تركض فيدخل رجله في كرشها وهي

مسألة: الشاة انكسرت ثم جبرت أتجزي للضحية

حية تركض، قال: إنه يقال: إن هذا أبلغ، قال: ما يعجبني هذا وما هو بالبين، قيل له: أيصلح أن يذبحها ثم يشق بطنها وهي حية تركض؟ فقال: يقول: إنه على وجه الدواء، وكأنه يكرهه. قال محمد بن رشد: لم يجز مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - شق بطن الشاة وهي حية للتداوي بذلك، وخشي أن يكون ذلك من العيث الذي قد حرمته الشريعة، وروي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مثل عصفورة فما فوقها عيثا بغير حقها يسأله الله عز وجل عن مثلها، قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: يذبحها ولا يأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي بها» ، ولهذا قال أبو بكر، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ليزيد بن أبي سفيان إذ شيعه في الغزو: ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة وخفف شق جوفها بعد ذبحها قبل أن تزهق نفسها، وإن كان ذلك عنده مكروها لضرورة التداوي، فقوله: ما يعجبني لفظ ليس على ظاهره؛ لأنه يقتضي الكراهة دون الحظر، والحظر في فعل ذلك أبين، وقوله: وما هو بالبين يريد وما شق جوفها بعد ذبحها للتداوي بذلك بين فكيف بشقها قبل ذبحها. [مسألة: الشاة انكسرت ثم جبرت أتجزي للضحية] مسألة وسألته عن الشاة انكسرت، ثم جبرت أتجزي للضحية؟ قال: نعم، إن كانت قد صحت حتى لا ينقص ذلك من ثمنها ولا من صحتها ولا من مشيها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنها إذا صحت ولم يصبها من ذلك نقص، فكأنها لم يكن بها قبل كسر، وإن بريت وبها عتل أو عرج نظر إلى قدره، فإن كان يسيرا أجزأت، وإن كان كثيرا لم تجز لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والعرجاء البين عرجها» .

مسألة: اليتيم يكون له ثلاثون دينارا أيضحي عنه وليه

[مسألة: اليتيم يكون له ثلاثون دينارا أيضحي عنه وليه] مسألة وسمعت مالكا وسئل عن اليتيم يكون له ثلاثون دينارا أيضحي عنه وليه بالشاة بنصف دينار ونحوه؟ قال: نعم، ورزقه على الله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن اليتيم وغيره من الأحرار في الضحية سواء، فيلزم الوصي أن يضحي عنه من ماله إلا أن يكون ماله يسيرا وثمن الضحية كثيرا فيخشى عليه الحاجة إن ضحى عنه، ورأى الضحية بنصف دينار من ثلاثين دينارا مما يلزم الوصي أن يفعله ويصدق في ذلك كما يصدق في تزكية ماله وفي النفقة عليه إذا كان في عياله، وإن كانوا إخوة ومالهم في يده مشتركا بينهم ضحى عن كل واحد منهم شاة شاة، ولم يجز أن يضحي عنهم من مالهم المشترك بينهم شاة واحدة، ويجوز له أن يضحي عنهم كلهم بشاة واحدة من ماله إن كانوا في بيت واحد، ولا يجوز له أن يدخلهم في أضحيته إن كانوا في عياله إلا أن يكونوا من قرابته. [مسألة: الأكل من ذبيحة اليهودي وأكل اليهودي من ذبيحة المسلمين] مسألة وسئل مالك قيل له: إن اليهودي يذبح لنفسه فيطعمك من ذبيحته، فإذا ذبحت أنت شاة لنفسك لم يأكل منها، ويقول: إن أردت أن آكل فهات حتى أذبحها أنا، أفترى أن يمكنه منها؟ قال: لا والله ما أرى ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله إنما أباح لنا أكل ما ذبحوا لأنفسهم بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] ، فأما أن نوليهم ذبح شيء نملكه من أجل أنهم لا يأكلون ذبائحنا، فإن هذا مما لا ينبغي للمسلم أن يفعله؛ لأنا إذا كنا نحن نأكل

مسألة: هل يضحى أو يعق بشيء من الوحش

ذبائحهم فهم أحق بأكل ذبائحنا، فإذا أرادوا أن يوجبوا لأنفسهم في دينهم مزية علينا في ديننا بترك أكل ذبائحنا. فمن الحق علينا ألا نمكنهم من ذبح ما نملكه ولا ننعمهم بذلك عينا؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وكذلك لو كانت الشاة بين مسلم ونصراني لم ينبغ للمسلم أن يمكنه من ذبحها، قال ذلك مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح والصيد والذي ينبغي له أن يفعل أن يقاومه إياها، ولا يمكنه من ذبحها كما لا يمكنه هو من ذبحها، فإن فعل أكلت وبئس ما صنع. قال ذلك ابن أبي حازم في سماع أشهب من كتاب الذبائح، وقال في سماع يحيى منه لا أحب أن تؤكل، وقد روي عن مالك ما يدل على أنها لا تؤكل وسنذكر ذلك هناك. [مسألة: هل يضحى أو يعق بشيء من الوحش] مسألة وسألته هل يضحى أو يعق بشيء من الوحش، فقال لي: لا، ليس يتقرب إلى الله بشيء من الوحش ولا الطير، ولا يتقرب إلى الله في هذا إلا بالأنعام، قال عز وجل: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 143] الآية، وقال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [الحج: 28] . . {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] . ولا يتقرب إلى الله في شيء من هذا إلا بالأنعام. قال محمد بن رشد: أما الوحش فلا اختلاف في أنه لا يتقرب إلى الله بشيء منها ولا ينسك به في هدي ولا ضحية ولا عقيقة ولا فيما سوى ذلك من الأشياء، وظاهر قوله في هذه الرواية إجازة العقيقة بالإبل والبقر، ومثل ذلك لمالك في كتاب ابن حبيب، وفي سماع سحنون من كتاب العقيقة

مسألة: أيضحي الرجل عن أمهات أولاده

لمالك: أن السنة في العقيقة الغنم فلا يجزي فيها الإبل، ومثل ذلك في كتاب ابن المواز، والأظهر أنه يجوز فيها الإبل والبقر، وإن كان الأفضل فيها الغنم قياسا على الضحايا؛ لأن حكمها حكمها، وفي وقت ذبحها من النهار وفي جواز الأكل منها وتحريم بيع لحمها وجلدها، ويحمل ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الشاة فيها دون البدنة والبقرة على أنه إنما ذكره تيسيرا على أمته. [مسألة: أيضحي الرجل عن أمهات أولاده] مسألة وسألته: أيضحي الرجل عن أمهات أولاده؟ قال لي: إن شاء، قلت: هل هو من ذلك في سعة؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن الضحايا من العبادات المتوجهة إلى الأموال، فليست تجب إلا على من يملك ماله ملكا لا تحجير لأحد عليه فيه بحق الحجر، وهم الأحرار، وحكم أم الولد حكم العبيد في تحجير السيد عليها في مالها وفيما سوى ذلك من جل أحوالها إذ الحرية فيها تبع لرقها. [مسألة: الذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ولا يشق الأمعاء] مسألة وسألته: عن الذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ولا يشق الأمعاء؟ قال: إذا شق بطنها فلا أرى أن تؤكل. قال محمد بن رشد: إذا لم يشق الأمعاء فليس شق البطن بمقتل إلا أن ينثر الحشوة، فقوله في هذه المسألة: لا أرى أن تؤكل إذا شق بطنها يريد، وإن ذكيت وهي قائمة الحياة هو مثل قوله في سماع أشهب من كتاب الذبائح، والصيد خلاف قوله في المدونة في المدقوقة العنق إنها تذكى وتؤكل، وإن كان مثلها لا يعيش، وخلاف قوله أيضا في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح والصيد في المتردية، والقولان فيها كلها جاريان

مسألة: الضحية والعقيقة أيطعم منها أحد من النصارى أو غيرهم

على اختلافهم في قول الله عز وجل: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] . هل هو استثناء متصل أو منفصل؟ فمن رآه استثناء منفصلا أجاز الذكاة منها كلها، وإن كانت قد بلغت مما أصابها مبلغا يعلم أنها لا تعيش منه ما لم تكن قد أنفذت مقاتلها، وهي خمس متفق عليها، وهي قطع الأوداج، وخرق المصيرة، وانتثار الحشوة، وانتثار الدماغ، وقطع النخاع، وهو انقطاع للمخ الذي يكون في عظام الرقبة والصلب، واختلف في اندقاق العنق من غير أن يقطع النخاع، فلم يره ابن القاسم مقتلا، وفي خرق الأوداج من غير أن تقطع، فلم يره ابن عبد الحكم مقتلا، ومن رآه استثناء منفصلا لم يجز الذكاة في شيء منها إذا علم أنها لا تعيش مما أصابها، وإن لم ينفذ ذلك لها مقتلا وهو قول مالك في هذه الرواية، وأما إذا أصاب شيء من ذلك مقاتلها، فلا تذكى ولا تؤكل، وإن كانت الحياة فيها بعد قائمة إلا على قياس رواية أبي زيد عن ابن القاسم في كتاب الديات في الذي ينفذ مقاتل رجل، ثم يجهز عليه آخر أن الآخر يقتل به دون الأول، وهو شذوذ من القول، وبالله التوفيق. [مسألة: الضحية والعقيقة أيطعم منها أحد من النصارى أو غيرهم] مسألة وسألته: عن الضحية والعقيقة أيطعم منها أحد من النصارى أو غيرهم ممن على غير الإسلام؟ فقال: ما سمعت ذلك، وأحب إلي ألا يطعم واحد منهم شيئا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم سن من سماع ابن القاسم. [مسألة: دبغ جلود الدواب] مسألة وسئل مالك: قيل له: أترى ما دبغ من جلود الدواب طاهر؟ قال: إنما يقال هذا في جلود الأنعام، فأما جلود ما لا يؤكل لحمه فكيف يكون جلده طاهرا إذا دبغ وهو مما لا ذكاة فيه ولا يؤكل

لحمه، وقد كان ابن عمر يقول: إني لأحب أن أجعل بيني وبين الحرام سترة من الحلال، ولا أحرمه. قال محمد بن رشد: في ظاهر جواب مالك في هذه المسألة تناقض؛ لأن قوله فيه إنما يقال: هذا في جلود الأنعام يدل على أن جلود ما سوى الأنعام لا يطهرها الدباغ، وقوله فيه فأما جلود ما لا يؤكل لحمه، فكيف يكون جلده طاهرا إذا دبغ وهو مما لا ذكاة فيه يدل على أن جلود جميع ما يؤكل لحمه من الأنعام وغيرها يطهرها الدباغ ويقتضي كلامه أن جميع ما لا يؤكل لحمه من الدواب والسباع لا تعمل الذكاة في جلودها، ولا يطهرها الدباغ خلاف مذهبه في المدونة في جلود السباع؛ لأنه أجاز فيها تذكيتها لأجل جلودها، وقال في الصلاة: الأول منها لا بأس بالصلاة عليها إذا ذكيت مراعاة للاختلاف في أكل لحومها، كما راعى ذلك أيضا في السلم الثالث منها في جواز بيعها باللحم فكرهه، وإطلاقه الطهارة في هذه الرواية في جلود الأنعام أو في جلود كل ما يؤكل لحمه على ما ذكرناه من الاضطراب بالدباغ، يقتضي الطهارة الكاملة له صلاة وغيرها خلاف المشهور عنه في المدونة وغيرها من أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ إلا للمنافع دون الصلاة، فيتحصل فيما يطهر بالدباغ من جلود الميتات؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» ، خمسة أقوال؛ أحدها: أنه لا يطهر به إلا جلود الأنعام خاصة، وهو الذي يدل عليه قول مالك في هذه الرواية، إنما يقال ذلك في جلود الأنعام، ووجه هذا القول، إن أهل اللغة قد قالوا منهم النضر بن شميل وغيره: إن الإهاب إنما هو جلد الأنعم، وما عداه فإنما يقال له جلد، ولا يقال له إهاب. والثاني: إنه يطهر به جلود الأنعام وجلود جميع ما يؤكل لحمه من الوحش وهو دليل قول مالك أيضا في هذه الرواية ما بيناه. والثالث: إنه يطهر جميع الجلود إلا جلود الدواب وجلود الخنزير، وهو الذي يأتي على مذهب مالك في المدونة أنه قال فيها: إنه يصلي بجلود السباع إذا ذكيت ولا يصلي بجلد الحمار، وإن

مسألة: الضحية إذا ذبحت فوجد جوفها فاسدا كله أيجزيه

ذكي، ووقف في الكيمخت، وما يعمل فيه الذكاة على مذهبه يطهره الدباغ. والرابع: إنه يطهر جميع الجلود كان مما يؤكل وتعمل فيه الذكاة أو مما لا يؤكل ولا تعمل فيه الذكاة حاشا جلد الخنزير، وهذا قول جل أهل العلم منهم الشافعي وأبو حنيفة وهو مذهب ابن وهب من أصحاب مالك وقع قوله في سماع عبد المالك من كتاب الصلاة وفي رسم حبل حبلة من سماع عيسى منه عن إبراهيم النخعي، قال: كان أصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يجعلون الكيمخت في سيوفهم ويقولون: دباغه طهوره. والخامس: إنه يطهر جميع الجلود وجلد الخنزير، وهو قول سحنون ومحمد بن عبد الحكم ومذهب داود بن علي من أهل الظاهر لعموم قول النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «إذا دبغ الإهاب فقد طهر؛» لأنهم يرون أن الإهاب اسم لكل جلد، وقد قال أحمد: لا أعرف قول النضر بن شميل، وجل أهل العلم يرون طهارة الدباغ للجلود طهارة كاملة للصلاة والبيع وغير ذلك حاشى المشهور من قول مالك على ما ذكرنا، وذهب ابن حبيب إلى أن الذكاة لا تعمل في جلود السباع العادية ولا في جلود البغال والحمير ويطهرها الدباغ للانتفاع بها خاصة، وتعمل في جلد الفرس وفي جلود السباع التي لا تعدو ولا تفترس، وقد مضى في سماع أشهب من كتاب الوضوء وجه استعمال الآثار الواردة عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، في هذا الباب على المشهور من مذهب مالك فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك. [مسألة: الضحية إذا ذبحت فوجد جوفها فاسدا كله أيجزيه] مسألة وسئل مالك: عن الضحية إذا ذبحت فوجد جوفها فاسدا كله أيجزيه؟ فقال: إن المريضة من الضحايا لا تجوز، فإن لم تكن مريضة فهي مجزية لا بأس بها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا علم بعد الذبح أنها مريضة بما وجد من فساد جوفها لم يجز لقول النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «والمريضة

مسألة: سلف في ضحايا يأتي بها للأضحى

البين مرضها» ، وإن كانت لا يجب له أن يردها على البائع بذلك؛ لأنه مما يستوي البائع والمشتري في الجهل بمعرفته إلا أن يشبه أن يكون فساد جوفها من ضربة فيجب على البائع اليمين ما علم بذلك، ولا يبيع من لحمها شيئا؛ لأنه ذبحها على أنها نسك، قال ذلك مالك في الواضحة، وقد قيل: إن بيعها لا يحرم عليه إذ لا يضحي بالمعيبة وبالله التوفيق. [مسألة: سلف في ضحايا يأتي بها للأضحى] ومن كتاب الأقضية مسألة وسئل مالك: عمن سلف في ضحايا يأتي بها للأضحى، فلا يأتي بها البائع إلا بعد ذلك، فيقول المشتري: إنما أردتها ضحايا وقد ذهب ذلك الإبان، فقال مالك: هو مثل الذي يبتاع الغطاء للشتاء فيأتيه بها في الصيف، والقمح لإبان يغلو فيه فيأتيه بعد ذلك، فأرى عليه أن يقبله، قلت: أرأيت الذي يتكارى للحج فيأتيه بعد إبان الحج أيكون مثله؟ فقال: ما الحج من هذا فيما أرى ولا مثله. قال محمد بن رشد: الفرق بين مسألة السلم في الأضاحي يأتيه المسلم إليه بها بعد الأضحى وبين الذي يتكارى للحج فيأتيه الكري بعد إبان الحج أن الذي تسلف في الأضاحي على أن يأتيه المسلم إليه في الأضحى إنما تسلف أن يأتيه في الأضحى رجاء نفاقها في ذلك الوقت وليس على يقين من ذلك إذ قد تكون الكباش في غير الأضحى أنفق منها في الأضحى فيتم غرضه المبتغى، وإن لم تكن أنفق فلها قيمة وفيها منفعة على كل حال، والحج لا ينتقل عن وقته، فإذا لم يأته الكري إلا بعد إبانه فقد علم فوات غرضه، وأنه لا منفعة له في السير في غير إبان الحج، فوجب أن ينفسخ الكراء بينهما، وفي مسألة الضحايا اختلاف، قد قيل: إنه إذا أتاه بها بعد الأضحى

مسألة: سرق رجل رأس أضحية رجل

بعد اليوم واليومين لزمه، وإن أتاه بها بعد الأيام الكثيرة لم يجبر على أخذها، روى ذلك مطرف عن مالك، وذلك جار على الاختلاف في السلم ينعقد على تعجيل رأس المال فيتأخر النقد إلى حلول الأجل بهروب من المسلم وهو عرض على ما في المدونة أو عين على ما حكى ابن حبيب في الواضحة، فعلى ما في المدونة من أن السلم جائز لازم للمسلم إليه ولا خيار له فيه يأتي قوله في هذه الرواية أن المسلم يلزمه أخذ الضحايا وإن لم يأته بها إلا بعد الأضحى بكثير، وعلى ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن القاسم وهو قول ابن وهب من أن المسلم إليه باختيار إذا هرب له المسلم برأس المال حتى حل الأجل يكون المسلم إليه بالخيار في مسألة الضحايا إذا لم يأته بها إلا بعد الأضحى بكثير، وهي رواية مطرف عن مالك، وفي إلزامه بالقرب دون البعد نظر لكساد اللحم قرب أيام النحر لكثرته بأيدي الناس من ضحاياهم. [مسألة: سرق رجل رأس أضحية رجل] ومن كتاب المدلس من سماع عيسى بن دينار من كتاب أوله نقدها نقدها مسألة قال عيسى: قول ابن القاسم في رؤوس الضحايا يخطأ بها في الأفران، يذهب برأس أضحية هذا إلى هذا فيأكلان ذلك، ثم يعلم ذلك، قال: يتحللان ولا شيء عليهم، وإن طلب كل واحد منهما قيمة الذي له أو فضل الذي له على الذي لصاحبه فلا شيء له، وإنه إن سرق رجل رأس أضحية رجل أنه ما أحرى أن يضمن في السرقة، وما هو بالقوي عندي وأحب إلي أن يتركها ولا يأخذها يريد القيمة ألا يأخذها، كأنه رأى أنه قد باع بعض أضحيته إذا أخذ لها

ثمنا، قال عيسى: أحب إلي أن يأخذ الثمن من السارق ويتصدق به. قال محمد بن رشد: فرق ابن القاسم في رؤوس الضحايا بين الاختلاط والسرقة، فقال: لا شيء على الذي أكل أفضل من متاعه للذي أكل متاعه في الفضل، وكذلك على قوله لو أخطأ فأكل رأس غيره، ولم يأكل له أحد شيئا لم يكن عليه شيء في الذي أكل على سبيل الخطأ إذ لا فرق في القياس بين الكل والفضل، وقال في السرقة: أن يضمن السارق في السرقة، وإن كان الأحب إليه ألا يفعل، وذلك استحسان إذ لا فرق في وجه القياس بين الخطأ والعمد لوجوب ضمان الأموال بها جميعا وجوبا واحدا، فوجب أن يضمن في الوجهين أيضا على القول: بأن أخذ القيمة فيما استهلك ليس ببيع وألا يضمن في الوجهين أيضا على القول: بأن أخذ القيمة فيما استهلك بيع، وإذا أخذ القيمة على القول بأن ذلك ليس ببيع فله أن يتمولها ويفعل ما شاء؛ لأن الحرمة إنما كانت في عين لحم الأضحية لا في القيمة المأخوذة عنه، وكذلك قال ابن حبيب في الواضحة إن له أن يأخذ القيمة ويصنع بها ما شاء إذ ليس ذلك ببيع كمن حلف ألا يبيع سلعة له فاستهلكها له رجل أن له أن يضمنه قيمتها ولا يحنث قال ذلك في رأس الأضحية يسرق أو جلدها يضيع عند الرقاق، ومثله في كتاب ابن المواز لمالك، قال: وإذا اختلطت الرؤوس في الفران كرهت لك أن تأكل متاع غيرك ولعل غيرك لا يأكل متاعك، أو متاعه خير من متاعك، قال: ولو اختلطت برؤوس الفران كان خفيفا؛ لأنه ضامن كما يضمن لحم الأضاحي بالتعدي والزرع الذي لم يبد صلاحه، وقول عيسى بن دينار أحب إلي أن يأخذ الثمن من السارق ويتصدق به قول ثالث في المسألة لا وجه له؛ لأن أخذ القيمة من السارق إن لم يكن بيعا له فلا وجه لاستحباب التصدق بها، وإن كان بيعا له فلا يجوز ذلك وأن يتصدق بها ألا ترى أنه لا يجوز للرجل أن يبيع جلد أضحيته ولا شيئا منها ليتصدق بالثمن وأصل

مسألة: الغنم تجلب إلى الحاضرة ويقدمون بها إلى المدينة فيشتريها الجزارون منهم

ما يقاس عليه هذه المسألة ويبين به صحة ما ذكرناه فيها مسألة الجناية على أم الولد، وذلك أن بيعها لا يجوز ويجوز الاستمتاع بها، كما أن لحوم الضحايا لا يجوز بيعها ويجوز أكلها والاستمتاع بجلودها، واختلف فيها إن قتلت، فقيل: إنه لا قيمة على قاتلها إذ لا يجوز بيعها، ولأنه إنما أتلف على سيدها متعة، وهو قول سحنون، وقيل: إن عليه قيمتها وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، ولم يقل أحد إنه يأخذ القيمة ويتصدق بها، ولا فرق في ذلك بين العمد والخطأ، فوجب أن ترد مسألة الضحايا إلى ذلك، وإنما كره مالك في كتاب محمد بن المواز للرجل إذا اختلطت رؤوس الضحايا في الأفران أن يأكل متاع غيره ولم يحرم ذلك؛ لأن حكم ذلك حكم لقطة مالا يبقى من الطعام حيث لا يوجد له ثمن إذ لا يجوز بيعه فأكله جائز إذا لم يعلم صاحبه، وخشي عليه الفساد؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الشاة: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» . والتصدق بذلك أفضل، بخلاف الخبز واللحم من غير الأضاحي يختلط في الفران فلا يعلم الرجل لمن هذا الذي سيق إليه ولا عند من صار متاعه، فإنه يجب عليه أن يبيعه ويوقف ثمنه على حكم اللقطة. [مسألة: الغنم تجلب إلى الحاضرة ويقدمون بها إلى المدينة فيشتريها الجزارون منهم] ومن كتاب أوله عبد استأذن سيده في تدبير جاريته مسألة قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن الغنم تجلب إلى الحاضرة فإذا كانت على الميلين أو الثلاثة تركها أصحابها في المرعى ويقدمون إلى المدينة فخرجوا بالجزارين فاشتروها منهم، فقال: لا خير فيه وهذا من تلقي السلع، قلت له: فإن عندنا في الأضحى يوما يؤتى بالغنم فيمر بها في المدينة إلى موقفها الذي توقف فيه فتمر

مسألة: يشترون الضحايا قبل يوم النحر بيوم فيخرج بها الراعي فتختلط

بباب الرجل فيريد أن يبتاع أضحيته، فقال: لا يفعل حتى تنهي إلى موقفها، وقال: الضحايا وما يتقرب به إلى الله أحق ما احتيط فيه. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم حلف من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته. [مسألة: يشترون الضحايا قبل يوم النحر بيوم فيخرج بها الراعي فتختلط] ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده مسألة قال ابن القاسم في القوم يشترون الضحايا قبل يوم النحر بيوم فيخرج بها الراعي بأفنيتهم ويخلطونها ويأخذ الرجل منهم الكبش وهو يراه كبشه فيذبحه ويضحي به، ثم يتبين له أنه غير كبشه، وأنه لغيره، قال: أرى أن يعود فيذبح كبشه الذي كان سمى لنفسه ويخير صاحب الكبش المذبوح فإن شاء أخذ لحم كبشه ولم يكن له غير ذلك، وإن شاء أخذ قيمته يوم ذبحه، فقلت له: أرأيت إذا أخذ من الذي ذبحه قيمة كبشه هل ترى للذي ذبح الكبش وغرم قيمته أن يبيع ذلك اللحم؟ قال: لا أرى له أن يبيعه وليأكله إن شاء أو يتصدق به وأكره أن يبيعه. قال محمد بن أحمد: وإن أخذ صاحب الكبش اللحم ولم يضمنه القيمة كان له أن يبيعه ويصنع به ما شاء؛ لأنه لم يذبحه هو على الضحية به، وقد قيل: إنه يجزيه الضحية إذا أغرمه رب الكبش القيمة، وفرق ابن حبيب بين أن يضمنه القيمة واللحم قائم، أو بعد فواته، وقد مضى بيان هذا كله في آخر أول رسم من سماع أشهب من كتاب الحج فلا معنى لإعادته.

مسألة: ضلت منه أضحية فوجدها بعد أيام الذبح وقد ضحى بأخرى

[مسألة: ضلت منه أضحية فوجدها بعد أيام الذبح وقد ضحى بأخرى] مسألة قلت: أرأيت إن ضلت منه أضحية فوجدها بعد أيام الذبح وقد ضحى بأخرى أو لم يضح هل له أن يبيعها؟ قال مالك: نعم يصنع بها ما شاء بعد أن ضحاها في أيام النحر، قال ابن القاسم: ولو أصابها في أيام النحر وقد كان ضحى ببدلها لم يكن عليه أن يذبحها؛ لأن له أن يبدلها بخير منها. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما في المدونة وغيرها من أن الضحية لا تجب إلا بالذبح، فإذا وجدها وقد مضى ضحى ببدلها أو بعد أيام الذبح لم يجب عليه فيه شيء، إذ لا يضحي أحد في غير أيام النحر، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم ما فيه بيان هذا. [مسألة: يخرج قبل يوم النحر فيشتري الكبش فينفلت منه] مسألة قلت: فالرجل يخرج قبل يوم النحر بيوم إلى سوق الغنم، وقد كثر الناس الجلائب فيشتري الكبش يضحي به فيدفعه إلى غلامه فينفلت فيدخل بعض تلك الأدواد فلا يعرفه صاحب الدود ولا مشتريه، قال: يكون مشتريه شريكا لصاحب الدود فإن كانت غنمه مائة أعطى جزءا من مائة جزء، وجزء، قلت: أرأيت إن كان مشتريه يريد أن يتعجل أخذ شاة لحاجته؟ قال: يكون ذلك له ويعطى شاة من وسط الغنم بالقيمة ولا يعطى من أدناها ولا من أعلاها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة المعنى على معنى ما في كتاب بيع الغرر من المدونة في الذي اشترى العدل بالبرنامج على أن فيه خمسين ثوبا فوجد فيه أحدا وخمسين ثوبا، والاختلاف في هذا هنا كالاختلاف في

تلك هناك سواء؛ لأنه قال فيها: إن المبتاع يرد جزءا من أحد وخمسين جزءا من الثياب، يريد يكون البائع شريكا له بذلك في جميع الثياب كما قال ها هنا: إن صاحب الكبش يكون شريكا لصاحب الدود بجزء من مائة جزء وجزء، إن كانت غنمه مائة، فإن أراد القسمة على هذا القول ضربا بالسهام على الغنم وعلى الثياب، فإن خرج السهم على كبش من الكباش وقيمته أكثر من جزء مائة جزء وجزء كان لصاحب الكبش منه من مائة جزء وجزء، وكانت بقيته لصاحب الدود يكون شريكا له فيه بذلك، وإن خرج السهم على ثوب من الثياب وقيمته أكثر من جزء واحد وخمسين جزءا كان للبائع منه بجزء من أحد وخمسين جزءا وكانت بقيته للمشتري يكون شريكا له فيه بذلك، وإن ضرب بالسهام على الغنم والثياب، فخرج السهم على كبش من الكباش وقيمته أقل من جزء من مائة جزء وجزء كان لصاحب الكبش، وضربا ثانية على الكباش فما خرج عليه السهم منها كانا فيه شريكين صاحب الكبش بما بقي من جزئه وصاحب الدود ببقيته وكذلك إن خرج السهم على ثوب من الثياب وقيمته أقل من جزء من أحد وخمسين جزءا كان للبائع، وأعيد السهم ثانية فما وقع عليه من الثياب كانا فيه شريكين أيضا البائع بما له من جزئه والمبتاع ببقيته، ثم قال بعد ذلك خلاف هذا الجواب: إنهما إن أرادا الاقتسام يعطى صاحب الكبش شاة من وسط الغنم بالقيمة أي بجزء من مائة جزء وجزء، فإن لم يكن في الغنم كبش يكون قيمته جزءا من مائة جزء وجزء من جميع الغنم إلا كبشا واحدا، أخذه ولم يكن له غيره، وإن وجد فيها كباشا يكون قيمة كل واحد منها جزءا من مائة جزء وجزء، ضربا عليها بالسهام، فكان لصاحب الكبش منها الذي يقع عليه السهم إلا أن يتفقا على أن يأخذ أحدها من غير قرعة فيجوز ذلك، كما قال في المدونة أيضا في مسألة الثياب، خلاف جوابه الأول أنه يرد ثوبا كأنه عيب وجده فيه يريد أنه يعطيه من الثياب ثوبا قيمته جزء من أحد وخمسين جزءا من الثياب، فإن لم يكن في الثياب ثوب تكون قيمته جزءا من واحد وخمسين جزءا من جميع الثياب إلا ثوبا واحدا أخذه البائع

ولم يكن له غيره، وإن وجد فيها عددا من الثياب قيمة كل واحد منها جزء من أحد وخمسين جزءا ضربا عليها بالسهام فكان للبائع منها الذي يقع عليه السهم، إلا أن يأخذ أحدها دون قرعة، فهذا تفسير هذه المسألة ومسألة المدونة، والقول الأول فيهما جميعا أظهر أنهما يكونان شريكين في الغنم والثياب ويضربان عليها بالسهم إذا أرادا القسمة، ولا يكون لصاحب الدود أن يعطي لصاحب الكبش كبشا من وسطها، بالقيمة التي هي جزء من مائة جزء وجزء إلا أن يخرجه له السهم ولا للمبتاع أن يرد على البائع ثوبا تكون قيمته جزءا من أحد وخمسين جزءا إلا أن يخرجه له السهم، وهو اختيار ابن القاسم في المدونة، وكذلك يختلف في هاتين المسألتين اختلافا واحدا إن تلف من الثياب أو الغنم شيء أو استحق قبل القسمة، فقيل: إن ما تلف أو استحق منها وما بقي بينهما على التجزئة المذكورة وحكم الشركة الثابتة الصحيحة، وهو مذهب مالك المشهور عنه، وقوله الأول في هاتين المسألتين، وقيل: إن ما تلف أو استحق لا يكون منهما إذ لم تتقرر الشركة بينهما بعد؛ لأنها شركة يوجبها الحكم فلا تنعقد بينهما إلا بعد التقويم والرضي بالبقاء على حكم الشركة، ويبقى التداعي بينهما في الباقي، فإن كان الذي تلف من الغنم كبشا واحدا كان لصاحب الدود تسعة وتسعون كبشا ونصف كبش، ولصاحب الكبش نصف كبش، ويقتسمان الغنم على هذه التجزئة فيكون منها لصاحب الكبش نصف جزء من مائة جزء ولصاحب الدود تسعة وتسعون جزءا ونصف جزء، وهو مذهب ابن القاسم، وهذه الشركة التي يوجبها الحكم إذا وقعت فيما فيه الشبهة لا يجب بها الشفعة إلا فيما بيع بعد التقويم والرضي بالبقاء على حكم الشركة على مذهب ابن القاسم الذي لا يرى المصيبة فيما تلف قبل ذلك بينهما. ومثال ذلك أن يشتري الرجل من أرض قربه قد عرفها ووقف عليها مبدراحد دون أن يعين موضعا أو يشترط أن يختار أو يوهب له منها مبدراحد أيضا ثم يباع بعد ذلك جزء من القرية على الإشاعة قبل أن تكسو الأرض فيعرف مبلغ الأمد المشتراة أو الموهوبة فيتراضيان على البقاء على حكم

مسألة: شاة ذبحها يهودي فوجدها لا تحل له هل ترى أكلها للمسلمين حلالا

الشركة فيجب له الشفعة على قول مالك الأول في هذه المسألة وفي مسألة بيع البرنامج المذكور واختيار ابن القاسم فيها ولا يجب على قول مالك الثاني فيهما ولا على قول ابن القاسم الذي ذكرناه. [مسألة: شاة ذبحها يهودي فوجدها لا تحل له هل ترى أكلها للمسلمين حلالا] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول فأنت طالق مسألة وسئل ابن القاسم: عن شاة ذبحها يهودي فوجدها لا تحل له هل ترى أكلها للمسلمين حلالا؟ قال: قال مالك: إني لأكرهه وما هو عندي بحرام، قيل له: فالشحم؟ قال: والشحم مثلها أو أكره منه، قال ابن القاسم: وأنا ليس يعجبني أكله ولا أراه حراما، قال ابن نافع: ولا بأس به وليس عندنا فيه كراهية، وإنما بمنزلة طعامهم ونهى ابن كنانة عن أكلها. قال محمد بن رشد: لابن القاسم في المدونة أنه لا يؤكل، مثل قول ابن كنانة، فهي ثلاثة أقوال، الإجازة والكراهة والمنع، ترجع إلى قولين الإجازة والمنع؛ لأن الكراهة من قبيل الإجازة، وفرق أشهب وغيره بين الشحم وما حرموه على أنفسهم مما ليس محرما عليهم في التورية، والأصل في هذا الاختلاف اختلافهم في تأويل قوله عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] . هل المراد بذلك ذبائحهم أو ما يأكلون، فمن ذهب إلى أن المراد بذلك ذبائحهم أجاز أكل شحومهم؛ لأنها من ذبائحهم ومحال أن تقع الذكاة على بعض الشاة دون بعض، وأجاز أيضا أكل ما ذبحوه ليأكلوه مما وجدوه فاسدا فلم يأكلوه؛ لأنه من ذبائحهم، ويؤيد هذا التأويل ما روي من إباحة رسول الله شحوم يهود على ما جاء من «أن رجلا وجد في بعض حصون خيبر عند افتتاحها جرابا مملوا شحما فبصر به صاحب المغانم فنازعه فيه،

فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خل بينه وبين جرابه يذهب به إلى أصحابه» ، ومن ذهب إلى أن المراد من ذلك ما يأكلون لم يجز أكل شحومهم؛ لأن الله حرمها عليهم في التورية على ما أخبر به القرآن، فليست مما يأكلون، واختلفوا فيما حرموه على أنفسهم مما ذبحوه فوجدوه فاسدا هل يحمل محمل الشحوم التي حرمها الله عليهم، أم لا، فشحومهم يجوز أكلها على التأويل الأول باتفاق، ولا يجوز على التأويل الثاني باتفاق، وما ذبحوه مما وجدوه فاسدا فلم يأكلوه فيجوز أكله على التأويل الأول باتفاق وعلى التأويل الثاني باختلاف، فهذا معنى قول مالك في المدونة: والشحم مثله أو أكره؛ لأن من مذهبه مراعاة الخلاف فكلما ضعف الاختلاف في إجازته قويت فيه الكراهية، فعلى هذا الذي ذكرناه لا يحل لنا أكل ما ذبحوه من كل ذي ظفر إذ لم يقصدوا إلى ذكاته من أجل أنهم لا يأكلونه فهو كالميتة، هذا نص قول ابن حبيب في الواضحة، ولا أعرف في هذا نص اختلاف إلا ما وقع لأشهب في المبسوطة، وهو محتمل للتأويل، وذهب ابن لبابة إلى خلاف هذا الأصل كله، فقال: كل ما كان حلا لنا ومن طعامنا فهو حل لهم ومن طعامهم؛ لأن الله أحل لهم طعامنا كما أحل لنا طعامهم، فقال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] . فجائز لنا أن نأكل من طعامهم كل ما يجوز لنا أكله، من الشحوم والمذبوح والمنحور وغير ذلك، كان مما حرمه الله عليهم في التورية أو حرمه إسرائيل عن نفسه من قبل أن تنزل التورية، أو حرموه هم على أنفسهم؛ لأن ما حل لنا حل لهم، وما حرم علينا حرم عليهم لوجوب الإسلام عليهم، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] . وبطل ما هم عليه من البقاء على شرائعهم، قال: وكما لا نستبيح من طعامهم ما يأكلونه إذا كنا نحن لا نأكله، فكذلك نستبيح من طعامهم ما لا يأكلونه إذا كنا نحن نأكله، وقد يحرمون على أنفسهم ما ذبحوه

أو اصطادوه يوم السبت من الحيتان ولا يحرم علينا من ذلك شيء؛ لأنه طعامهم وإن لم يأكلوه، هذا معنى قوله دون لفظه، فبناه على أن الكفار مخاطبون بشرائع الإسلام، وهذا لا يصح فيما نحروه أو ذبحوه من كل ذي ظفر؛ لأنهم يعتقدون تحريم ذلك عليهم، فهو كالميتة إذ لا يقصدون بذلك ذكاة كمن رمى شاة يريد قتلها فأصاب مذبحها فقطع ودجيها وحلقومها، أو كمن ذبح شاة بالليل وهو يظنها خنزيرا، ولو ذبح ذلك لمسلم بأمره لتخرج جواز أكله على الاختلاف في المسلم يولي النصراني ذبح ما ينسكه؛ لأن النية في ذلك نية الأمر على ما بيناه في سماع أشهب من معنى قول ابن عمر للراعي: ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل، وإنما يصح في شحوم ما ذبحوه مما يأكلون على تأويل، إذ قد يحتمل أن يكون المراد بقوله عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] أي: وطعامهم الذي هو حل لهم حل لكم، ويحتمل أن يكون المراد أي وطعامهم الذي أحل لهم وللمسلمين بالقرآن حل لكم، وأما على القول بأنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة فشحومهم محرمة علينا على كل حال، إلا على مذهب من يأول أن المراد بذلك ذبائحهم، وذهب ابن لبابة أيضا إلى تحريم أكل ما ذبحوه لأعيادهم وكنائسهم أو سموا عليه اسم المسيح، تعليقا بظاهر قوله عز وجل: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] . وبظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وسيأتي القول بعد هذا في رسم زونان فيما ذبحوه لأعيادهم وكنائسهم، وفي رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح في معنى قوله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] .

مسألة: هل يجوز للمرء أن يضجع الذبيحة إذا أراد ذبحها على أي شقيها

[مسألة: هل يجوز للمرء أن يضجع الذبيحة إذا أراد ذبحها على أي شقيها] مسألة وسئل ابن القاسم: هل يجوز للمرء أن يضجع الذبيحة إذا أراد ذبحها على أي شقيها شاء؟ قال ابن القاسم: الصواب عندي في ذلك على ما مضى عليه أمر المسلمين الشق الأيسر، ولو فعل ذلك رجل جاهل لم أحرم عليه أكلها ولم يكن في ذلك شيء. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الصواب أن يضجعها على شقها الأيسر؛ لأنه الذي عليه عمل الناس من أجل أنه الذي يتأتى به الذبح للذابح مع استقباله القبلة؛ لأنه يمسك رأسها بشماله ويذبح بيمينه، ولا يتأتى له ذلك إذا أضجعها على الشق الأيمن دون كلفة ومشقة إلا أن يكون إلى غير القبلة، فإن أضجعها على الشق الأيمن وذبح دون أن ينحرف عن القبلة فأكلها جائز وبئس ما صنع. [مسألة: أكل الجدي الذي رضع الخنزيرة] ومن كتاب أوله حمل صبيا على دابة مسألة قال ابن القاسم في الجدي يرضع الخنزيرة: أحب إلي ألا يذبح حتى يذهب ما في جوفه من غذائه، ولو ذبح مكانه وأكل لم أر به بأسا؛ لأن الطير تأكل الجيف والدجاج تأكل النتن فتذبح مكانها، فأكلها حلال. قال محمد بن رشد: إنما احتج لجواز أكل الجدي الذي رضع الخنزيرة بجواز أكل الجلالة من الطير، لاتفاق أهل العلم على جواز أكل ذوات الحواصل من الجلالة، واختلافهم في ذوات الكروش منها، فكره جماعة من السلف أكل لحوم الجلالة منها وشرب ألبانها، لما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن أكل لحوم الجلالات وألبانها» ، وهي في القياس واحد كما

مسألة: شاة وضعت للذبح فذبحت فلم يتحرك منها شيء هل تؤكل

قال ابن القاسم: فلا اختلاف في المذهب أن أكل لحوم الماشية والطير التي تغذى بالنجاسات حلال جائز، وإنما اختلفوا في الألبان والأعراق والأبوال على ما مضى القول فيه في مواضعه من كتاب الوضوء من ذلك في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب ورسم سلف دينارا من سماع عيسى. [مسألة: شاة وضعت للذبح فذبحت فلم يتحرك منها شيء هل تؤكل] ومن كتاب النسمة مسألة وسئل ابن القاسم وابن وهب: عن شاة وضعت للذبح فذبحت فلم يتحرك منها شيء، هل تؤكل؟ قالا: نعم تؤكل إذا كانت حين تذبح حية، فإن من الناس من يكون ثقيل اليد عند الذبح حتى لا تتحرك الذبيحة، وآخر يذبح فتقوم الذبيحة تمشي، فإن كانت حية حين تذبح فلا بأس بها. قال محمد بن رشد: وهذا إذا سال دمها أو استفاض نفسها في حلقها بعد ذبحها استفاضة لا يشك معه في حياتها، وهذا في الصحيحة، بخلاف المريضة لا تؤكل وإن سال دمها إلا أن يعلم حياتها بأن تطرف بعينها أو تركض برجلها أو تحرك ذنبها أو تستفيض نفسها في حلقها بعد ذبحها. والفرق بينهما أن الصحيحة الحياة فيها قائمة بينة، فيكتفى من وجود علامات الحياة بعد الذبح بأقلها وهي سيلان الدم، وأما المريضة فلا يكتفى من وجود علامات الحياة فيها بعد الذبح بسيلان الدم وحده دون التحريك أو ما يقوم مقام التحريك من استفاضة نفسها في حلقها لخفاء الحياة فيها قبل ذبحها من أجل مرضها. [مسألة: الرجل يظن أن يوم التروية من أيام النحر فينحر فيه] ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يظن أن يوم التروية من أيام

مسألة: يخرجون في الصائفة غزاة في أرض الروم ويدركهم الأضحى

النحر فينحر فيه، هل له أن يبيع لحم تلك الأضحية؟ فقال: لا يبيعه وليضح بأخرى وهو مثل من نحر قبل الإمام يوم النحر أنه يعيد بأخرى ولا يبع من لحم تلك الأضحية شيئا. قال محمد بن رشد: ما هما سواء أما الذي نحر قبل الإمام فبين أنه لا يبيع من لحمها شيئا؛ لأنها أضحية تجزئه عند جماعة من العلماء إذا ذبح بعد الصلاة، وأما الذي ذبح يوم التروية فليس تحظير بيع لحمها عليه ببين، إذ ليس يوم التروية من أيام الذبح بإجماع، فمن ذبح فيه فليس من النسك في شيء، وإنما هو لحم قدمه لأهله على ما جاء في الحديث، فليس ببين أن يمنع من بيعه، روي عن البراء بن عازب قال: «خرج إلينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أضحى إلى البقيع، فبدأ فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: إن أولى نسكنا في يومنا هذا أن نبتدئ بالصلاة، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله فليس من النسك في شيء» ، الحديث. [مسألة: يخرجون في الصائفة غزاة في أرض الروم ويدركهم الأضحى] مسألة وقال ابن القاسم في الذين يخرجون في الصائفة غزاة في أرض الروم ويدركهم الأضحى في أرض الروم، أترى أن يضحوا من غنمهم؟ قال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الغزاة لهم أن يأخذوا الطعام في أرض العدو ويذبحوا الغنم، وليس عليهم أن يرفعوا شيئا من ذلك إلى صاحب المغنم، فلما كان لمن أخذ شيئا من الغنم أن يذبحه ويأكله ويكون أحق به من غيره إلا أن يحتاج فيواسيه به جاز له أن يضحي به إن شاء الله تعالى.

مسألة: الرجل يشتري الضحية فيموت قبل ذبحها أيذبحها عنه الورثة

[مسألة: الرجل يشتري الضحية فيموت قبل ذبحها أيذبحها عنه الورثة] ومن كتاب العتق مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يشتري الضحية فيموت قبل ذبحها أيذبحها عنه الورثة؟ وكيف إن كان قد ذبحها أيقسم لحمها كسائر ماله، وكيف إن لحق مشتريها دين قبل أن يذبحها أتبتاع؟ وكيف إن لحقه بعد تقليد بدنته وإيجابها أتباع؟ قال: من مات قبل ذبح أضحيته فإن أحسن ذلك أن يذبحها عنه الورثة إن شاءوا، فإن أبوا وشحوا فهي مال من ماله، وإن كان قد ذبحها لم يبع من لحمها شيء واقتسمها الورثة على الميراث، وإن لحقه دين قبل ذبح أضحيته أخذها غرماؤه، فإن ذبحت لم تبع، وأرى في الذي يقلد البدنة أن للغرماء أيضا أخذها، وإن قلدت، وليس تقليد البدنة أشد من العتق وهو يرد. قال محمد بن رشد: قوله: إن مات قبل أن يذبح أضحيته إن الورثة لا يلزمهم أن يذبحوها عنه إلا أن يشاءوا، وإن للغرماء أن يأخذوها فيما لحقه من الدين بعد شرائها صحيح على أصولهم في أنها لا تجب إلا بالذبح، هذا قول مالك في المدونة ومذهبه ومذهب جميع أصحابه، وأما قوله: إنه إن مات بعد ذبحها فيقسمها الورثة بينهم على الميراث فقد مضى من القول على ذلك في رسم سن من سماع ابن القاسم ما فيه كفاية، وأما قوله في البدنة للغرماء: أخذها وإن قلدت، فمعناه في الدين القديم قبل التقليد، لا في الدين الحادث بعد التقليد، بدليل مسألة العتق التي احتج بها فوقع جوابه على غير ما سأله عنه؛ لأنه إنما سأله هل تباع فيما لحقه من الدين بعد التقليد والإشعار.

مسألة: اشترى أضحية فباعها ليشتري أفضل منها فوجد ثمن الأفضل أقل

[مسألة: اشترى أضحية فباعها ليشتري أفضل منها فوجد ثمن الأفضل أقل] مسألة وسئل ابن القاسم: عن رجل اشترى أضحية فباعها ليشتري أفضل منها، فوجد أفضل بأقل من الثمن الذي باع به، وكيف إن كان أقر الأولى ولم يبعها، ثم اشترى أفضل منها فلم يأت الأضحى حتى كانت الأولى أفضل وأسمن؟ فقال: أما الذي باع ليشتري أفضل منها فوجد أفضل بأقل من الثمن، فإن مالكا كره أن يشتري بأقل من الثمن الذي باع به، وإن كانت أفضل، ورأى أن ينقد الثمن كله في أضحيته، وذكر له الحديث فلم يعجبه، وأما الذي اشترى الضحية، ثم تركها واشترى أفضل منها فأتى يوم النحر والأولى أفضل فإنه يذبح الأفضل منهما كانت الأولى أو الأخيرة. قال محمد بن رشد: وجه كراهية مالك لمن اشترى أضحية فباعها ليشتري أفضل منها أن يستفضل من الثمن شيئا، وإن اشترى أفضل منها واستحبابه ليشتري شاة بجميع الثمن، هو أنه قد نوى القربة إلى الله تعالى بما أخرج من الثمن في الضحية الأولى، فكره له أن يرجع في شيء من ذلك، ولم يوجب ذلك عليه إذ لم يوجبه على نفسه بالنذر، فإن اشترى أفضل منها أو مثلها بأقل من الثمن الذي باع به تصدق بالفضل من الثمن، وإن اشترى دونها بأقل من الثمن تصدق بما استفضل من الثمن وبما بين قيمة التي أبدل على قيمة التي ضحى بها، وإن اشترى دونها بمثل الثمن أو بأكثر تصدق بما بين القيمتين لا أكثر، والحديث الذي ذكره له فلم يعجبه هو ما روي «أن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بعث مع حكيم بن حزام بدينار ليشتري له به أضحية، فاشترى بها بدينار فباعها بدينارين، واشترى له أضحية أخرى بدينار فجاء بها وبالدينار الفاضل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتصدق به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودعا له بالبركة في تجارته» ، وإنما لم يعجب الحديث مالكا ولم ير العمل به؛ لأن

مسألة: دهنه بشحم أضحيته

حكيم بن حزام لم يفعل ذلك بأمر النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولا أباح النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ذلك من فعله، بدليل تصدقه بالدينار الذي استفضل في الضحية التي كان ابتاعها له، وشكر له اجتهاده، فدعا له بالبركة في تجارته ولم يلمه على ما فعل، إذ قصد الخير واجتهد وخفي عليه وجه الكراهية في بيع الضحية والاستفضال من ثمنها، والله أعلم. [مسألة: دهنه بشحم أضحيته] ومن كتاب مسائل المدنيين مسألة قال سعيد بن حسان: أخبرنا أبو موسى هرون قاضي المدينة أنه سمع مالكا سأله أحد عن دهنه بشحم أضحيته شرك النعال، فنهاه عن ذلك وكرهه. قال محمد بن رشد: وجه الكراهية في ذلك بين؛ لأنه إذا باع النعال بالثمن يقع على الجلد والعمل وجميع ما ألانها وحسنها من الادهان بالشحم وغيره، فصار بائعا لشحم أضحيته. [مسألة: البيض يصلق فيوجد في إحداهن فرخ] ومن سماع يحيى بن يحيى من كتاب الصلاة مسألة قال يحيى: قال ابن القاسم في البيض يصلق فيوجد في إحداهن فرخ إن أكلهن كلهن لا يصلح؛ لأن بعضه يسقي بعضا، قال ابن وهب مثله، وسئل: عن أقداح بيض النعام أيشرب فيها إذا كان الفرخ الذي يخرج منها ميتا، فكرهه، وقال: أرأيت لو أن رجلا أراد أن يتداوى بشرب تلك القشرة بعينها أكان يصلح له ذلك وقد سقتها الميتة التي كانت في داخلها؟ فلا أحب ولا أراه حسنا. قال محمد بن رشد: قوله في البيض يصلق فيوجد في إحداهن فرخ

مسألة: يشتركان في الأضحيتين في اشترائهما فإذا أرادا أن يضحيا اقتسماهما

إن أكلهن كلهن لا يصلح؛ لأن بعضه سقى بعضا، صحيح للعلة التي ذكرها من سقي النجس منها للطاهر؛ لأنه يرشح في الصلق، وهذا يرد قوله في سماع موسى بن معاوية في كتاب الوضوء: إن اللحم إذا طبخ بالماء النجس يغسل ويؤكل، وقد مضى هنالك من القول على ذلك ما فيه كفاية، وكذلك البيضة تخرج من الدجاجة الميتة لا تؤكل مخافة أن يكون سقتها الميتة، قاله مالك في المدونة، وقال ابن نافع: لا بأس بها، يريد إذا اشتد قبضها، ولها وجه ظاهر وهو أن الميتة لا تسقي البيضة بعد موتها؛ لأنها تبرد بالموت فلا يسري إليها منها شيء كما ألقيت البيضة بقشرها في دم أو بول بارد، بخلاف الصلق في الماء النجس، وأما كراهيته الشرب في أقداح بيض النعام التي تخرج منها الميتة فصحيح على مذهب مالك في كراهيته الامتشاط بعظام الميتة والادهان بمداهنها، وقد أجاز ذلك جماعة من السلف منهم عروة بن الزبير وابن شهاب وربيعة وقتادة والليث، وأخذ به ابن وهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ، وروي عن ابن شهاب أنه قال: كان سلف هذه الأمة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمتشطون بأمشاط عظام الفيل ويدهنون بمداهنها لا يرون بذلك بأسا، وجعل ابن وهب تلقيتها في الماء كالدباغ في الجلد وأجاز بيعها، وقشرة بيض النعام التي يخرج منها الميتة محمولة على ذلك بالمعنى والقياس، إذ لا فرق بينه وبينها. [مسألة: يشتركان في الأضحيتين في اشترائهما فإذا أرادا أن يضحيا اقتسماهما] من نوازل سئل عنها سحنون مسألة وسئل عن الفريقين يشتركان في الأضحيتين في اشترائهما، فإذا أرادا أن يضحيا اقتسماهما فقال أحدهما: أنا أضحي بهذه وأنت بهذه فضحيا كذلك وقد استويا جميعا في السمانة، قال: لا بأس بذلك، قيل: فلو كانت إحداهما أسمن من الأخرى؟ فقال: أكره ذلك

مسألة: المرأة ترضع جديا بلبنها هل يؤكل

للذي أخذ الأدنى؛ لأنه لا يجوز له أن يبدل أضحيته إلا بأجود منها، قيل له: فإذا وقع هل يجزئ عنه؟ فقال: إنما أكره أن يفعل ذلك فإذا وقع رأيته جائزا ما لم يأخذ لفضل الزيادة ثمنها، ولا يعود. قال محمد بن رشد: أما كراهيته ذلك للذي أخذ الأدنى فبينة، وأما قوله: إذا وقع ذلك رأيته جائزا ما لم يأخذ لفضل الزيادة ثمنها ولا يعود فليس ببين، إذ لا فرق في المعنى بين أن يأخذ لفضل الزيادة ثمنا ولا يأخذ لها ثمنا ويتركه لرفيقه؛ لأنه في الحالتين جميعا قد ضحى بالأدنى، وذلك هو الذي يكره له، فإن أخذ لفضل الزيادة ثمنا تصدق به، وإن لم يأخذ له ثمنا تصدق بماله بما بين القيمتين، هذا الذي يؤمر به والذي كان ينبغي لهما أن يفعلاه ابتداء أن يتفقا وما الأسمن؟ ويبيعا الأدنى ويبتاع الذي خرج عن الأسمن بنصيبه من ذلك مثل الذي ضحى به رفيقه أو أسمن مما وجد وإن زاد على الثمن من ماله، وقد مضى في رسم العتق من سماع عيسى ما يدل على هذا. [مسألة: المرأة ترضع جديا بلبنها هل يؤكل] مسألة وسئل عن المرأة ترضع جديا بلبنها هل يؤكل؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه؛ لأن الألبان تابعة للحوم ولحوم آدم طاهرة، فألبان النساء طاهرة بإجماع، فلا يضر إرضاعها الجدي. [مسألة: أكل الخطاطيف التي تعشش في البيوت] مسألة وسئل: عن أكل الخطاطيف التي تعشش في البيوت هل يكره أكلها؛ لأنها قد تحرمت بمن نزلت عليه وعششت عنده؟ فقال: أما أنا

مسألة: اشترى أضحية ليضحي بها فلما انصرف من المصلى مات

فلا، فقال: أخبرني علي بن زياد عن مالك أنه كره أكلها، وكان ابن القاسم لا يكره أكلها، قال سحنون:. وما أرى بأكلها بأسا. قال محمد بن رشد: مذهب مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إجازة أكل جميع الطير الغربان والأحدية والنسور والعقبان بظاهر قوله عز وجل: {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: 145] الآية لأنه لم يصح عنده عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النهي عن أكل ذي مخلب من الطير، فبقي ذلك على ما يقتضيه عموم الآية من تحليل ما عدا المذكور تحريمه فيها، وخصص من ذلك ما صح عنده فيه التحريم من الحمر الأنسية وشبهها، وكره أكل الخطاطيف في رواية علي بن زياد عنه للمعنى الذي ذكره مع قلة الانتفاع بأكلها لهزالها وضعفها كما كره عروة بن الزبير أكل الغراب والحداة لتسمية النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إياهما الفاسقين. [مسألة: اشترى أضحية ليضحي بها فلما انصرف من المصلى مات] من سماع عبد المالك بن الحسن من أشهب وابن وهب مسألة قال عبد المالك بن الحسن: سألت أشهب بن عبد العزيز: عمن اشترى أضحية ليضحي بها، فلما انصرف من المصلى مات، قال: لا يضحى بها عنه وتكون ميراثا. قال محمد بن رشد: قوله: لا يضحى بها عنه أي ليس يلزمهم ذلك إلا أن يشاءوا على ما قال ابن القاسم في رسم العتق من سماع عيسى إذ لا تجب الضحية إلا بالذبح.

مسألة: يسلف في الضحايا ويشترط أن يأتيه بها قبل يوم النحر فيؤخرها المسلف

[مسألة: يسلف في الضحايا ويشترط أن يأتيه بها قبل يوم النحر فيؤخرها المسلف] مسألة قال: وسألت ابن وهب عن الرجل يسلف في الضحايا ويشترط أن يأتيه بها قبل يوم النحر فيؤخرها المسلف إليه إلى بعد يوم النحر أيلزم المسلف أخذها؟ قال: نعم يلزم المسلف أخذها وإن أتاه بها بعد يوم النحر. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والتكلم عليه في رسم الأقضية من سماع أشهب فلا معنى لإعادته. [مسألة: ما يذبح للكنائس] مسألة وسألته: عما يذبح للكنائس، قال: لا بأس بأكله. قال محمد بن رشد: كره مالك في المدونة أكل ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم، وتأول في ذلك قوله عز وجل: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] . ووجه قول أشهب أن ما ذبحوا لكنائسهم لما كانوا يأكلونه وجب أن يكون حلا لنا لأن الله تعالى يقول: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] . وإنما تأويل قوله: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] . ما ذبحوه لآلهتهم مما يتقربون به إليها ولا يأكلونه، فهذا حرام علينا بدليل الآيتين. [مسألة: الضحية يوجد بها العيب كان عند البائع بعد ما ذبحت] ومن سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الضحية يوجد بها العيب كان عند البائع بعد ما ذبحت فيأخذ قيمته ما يصنع به؟ قال: إن كان ذلك العيب مما يجوز في الضحايا كان له قيمته يصنع بها ما شاء، وأبدل مكانها إن كان في أيام النحر، وإن كان قد فات أيام الذبح

كان بمنزلة من لم يضح والأرش له يصنع به ما شاء، وإن كان عيبا يجوز به في الضحايا تصدق بما يأخذ في قيمته؛ لأنه قد أوجبها وسماها ضحية، فليست عندي بمنزلة عتق التطوع؛ لأن العتق ليس يشتريه أحد حين يشتريه على أنه حر إنما يشتريه لنفسه، ثم يعتق بعد وهذه يشتريها وهي أضحية قد سماها وأوجبها. قال محمد بن رشد: أما قوله في العيب يوجد في الضحية بعد ذبحها، فصحيح لا أعلم فيه نص خلاف وحكم الضحية والرقبة الواجبة والهدي الواجب في وجود العيون بها بعد ذبح الضحية وتقليد الهدي وتنفيذ العتق سواء إلا في أن الضحية مرتبطة بوقت، فإن كان العيب مما لا يجوز به الضحية ولا الرقبة ولا الهدي فقيمة العيب له، ويعتق عبدا آخر ويهدي هديا آخر ويضحي أضحية أخرى إن كانت أيام الذبح لم تفت، وإن فاتت أيام الذبح لم يكن عليه في الأرش شيء، وكان بمنزلة من لم يضح ولا اختلاف في هذا كله إلا قول داود بن أبي زبير في سماع محمد بن خالد من كتاب الظهار، وإن كان العيب مما تجوز به الضحية والرقبة والهدي لم يتمول قيمة العيب التي يرجع في شيء من ذلك، إلا أنه في الضحية يتصدق به، وفي الرقبة يجعله في رقبة، فإن لم يكن فيه رقبة شارك به في رقبة أو أعان به في رقبة يتم به عتقها أو جعله في كتابة يتم له عتقها، وفي الهدي يجعله في هدي، فإن لم يكن فيه هدي لم يشارك به في هدي من أجل أن الهدي لا يشترك فيه عند مالك وتصدق به، وأما الرقبة التطوع والهدي التطوع فاختلف في وجود العيب بهما على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا شيء عليه في قيمة العيب فيهما جميعا وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب الظهار. والثاني: أنه لا يتمول ما يرجع به للعيب فيهما جميعا، ويجعل ذلك في الهدي في هدي، أو يتصدق به إن لم يبلغ أن يكون فيه هدي، ويجعله في عتق في العتق أو يعين به إن لم يبلغ رقبة تامة، والثالث: تفرقته في المدونة

مسألة: باع بعض أهله جلد أضحيته

بين عتق التطوع والهدي التطوع، وسواء كان العيب في هذا مما يجوز في الرقاب والهدي أو مما لا يجوز، الحكم في ذلك سواء. فهذا تحصيل هذه المسألة. [مسألة: باع بعض أهله جلد أضحيته] مسألة قال ابن القاسم في رجل باع بعض أهله جلد أضحيته، قال: أرى أن يتصدق بثمنه، قلت: أرأيت إن كان أهله قد استنفقوا الثمن أيخرجه من عنده ويتصدق به؟ قال: أرأيت لو وضع لهم لحما من لحم أضحيته فباعوه واستنفقوا الثمن أعليه أن يخرجه من عنده، قال: لا. أرى ذلك عليه في الوجهين إذا لم يجد الثمن بعينه، قال أصبغ: إذا لم يرخص لهم في البيع ولا أذن لهم فيه ولم يعطهم الجلد على وجه ذلك ليصنعوا به ما شاءوا من بيع أو غيره، فإن فعل فهو البائع وعليه إخراج مثل الثمن والصدقة إن شاء الله. قال محمد بن رشد: أما إذا رخص لهم في البيع أو أذن لهم فيه فلا إشكال عليه في أن يخرج الثمن من ماله إن كان قد استنفق؛ لأنه هو البائع فكأنه قد باع وأخذ الثمن ودفعه إليهم فأنفقوه، وأما إذا لم يأذن لهم في ذلك ولا رخّص لهم فيه وفات البيع، ولم يقدر على رد فقال في الرواية: إنه يتصدق بالثمن إذا وجده بعينه، ولا شيء عليه فيه إن كانوا قد استنفقوه، ومعنى ذلك عندي إن كانوا قد استنفقوه فيما له عنه غنى، وأما إن كانوا استنفقوه فيما يلزمه مما لابد له منه ولا محيص له عنه، فعليه أن يخرجه من ماله ويتصدق به؛ إذ لا فرق بين ذلك وبين أن يجده قائما بعينه؛ لأنه إذا لم يفعل ذلك فكأنه قد أنفقه هو إذ قد وقى به ماله.

مسألة: دفع جلد أضحيته إلى رجل يدبغه له فادعى أنه سرق منه

[مسألة: دفع جلد أضحيته إلى رجل يدبغه له فادعى أنه سُرق منه] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم مسألة قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عمن دفع جلد أضحيته إلى رجل يدبغه له، فادعى أنه سُرق منه، فقال: إن كان يثق به فلا أرى أن يأخذ منه فيه شيئا، وإن كان متهما أن يكون كذبه فإني أرى أن يأخذ منه قيمته ويتصدق به فهو أحب إليّ وضعفه. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم في قوله: إنه يأخذ القيمة ويتصدق بها، مثل قول عيسى بن دينار في أول رسم من سماعه وقد مضى هنالك القول في تضعيفه. [مسألة: اشترى أضحيتين واحدة له وأخرى لامرأته فذبحهما جميعا لنفسه] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل اشترى أضحيتين واحدة له وأخرى لامرأته فذبحهما جميعا لنفسه وعلى اسمه ساهيا، قال أحب إلي أن يبدل أضحية امرأته، فإن أبى فليست لامرأته أضحية ولا يجزئ عنها ما صنع. قال محمد بن رشد: هذا بيّن؛ لأن الضحية لا تجب إلا بالذبح ولا يجب على الرجل أن يضحي عن امرأته ولا أن يدخلها في أضحية إلا أن يشاء على مذهب مالك وجميع أصحابه حاشى ابن دينار. [مسألة: ضحى بنعجة حامل فلما ذبحها وجد ولدها يركض في بطنها] مسألة قال ابن القاسم: ضحيت بنعجة حامل فلما ذبحتها يركض ولدها في بطنها فأمرتهم أن يتركوها حتى تموت في بطنها، ثم

أمرتهم فشقوا جوفها فأخرج ميتا فذبحته فسال منه دم فأمرت أهلي أن يشووه لي. قال محمد بن رشد: روي عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، من رواية جابر بن عبد الله وغيره أنه قال: «ذكاة الجنين ذكاة أمة» ، قال ابن عمر وسعيد بن المسيب وغيرهما من الصحابة والتابعين وجمهور علماء المسلمين: وذلك إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه، وذلك إذا خرج ميتا أو خرج وبه رمق من الحياة، غير أنه يستحب أن يذبح إن خرج يتحرك، فإن سبقهم بنفسه قبل أن يذبح أُكل، وسواء مات في بطن أمه بموتها أو أبطأ موته بعد موتها ما لم يخرج وفيه روح، فإن خرج وفيه روح وهو ترجى حياته أو يشك فيها فلا يؤكل إلا بذكاة، وإن كان الذي فيه من الحياة رمق يعلم أنه لا يعيش فإنه يؤكل بغير ذكاة وإن كان الاستحباب أن يذكى عن مالك، وروي عن يحيى بن سعيد أنه قال: إنما يؤكل بغير ذكاة إن خرج ميتا، وأما إن بُقر عليه فأُخرج يتحرك فلا يؤكل إلا بذكاة، وهو اختيار عيسى بن دينار في المبسوطة، وأبو حنيفة لا يرى ذكاة الجنين في ذكاة أمه، ويقول: إنه لا يؤكل إلا أن يخرج حيا ويذكى، وقوله خلاف الجمهور وما جاء عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، في ذلك من الخبر المأثور، ومن أهل العلم من يرى ذكاة الجنين في ذكاة أمه ويقول: إنه يؤكل وإن لم ينبت شعره، وقد روي عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أنه قال: «ذكاة الجنين في ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر» إلا أنه حديث ضعيف فمذهب مالك هو الصحيح من الأقوال الذي عليه عامة فقهاء الأمصار. تم كتاب الضحايا بحمد الله

مسألة: العقيقة أيدخر منها أهلها

[مسألة: العقيقة أيدخر منها أهلُها] كتاب العقيقة من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب أوله حلف ألا يبيع سلعة سماها مسألة قال سحنون: حدثني ابن القاسم قال سئل عن العقيقة أيدخر منها أهلُها؟ فقال: ما شأن الناس فيها إلا إطعامها، وما أرى بذلك بأسا، وضرب مثلا، قال: أضحايا يدخرون ويأكلون؟ قال محمد بن رشد: قاس مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، العقائق على الضحايا في جواز الادخار منها؛ لأنها بمنزلتها في أنها نسك يُتقى فيها من العيوب ما يُتقى في الضحايا، ولا يجوز فيها إلا الجذع من الضأن والثني، ولا يباع لحمها ولا جلدها ولا يعطى الجزار على جزارتها شيئا من لحمها، قال في الموطأ: وتكسر عظامها ولا يُمَسّ الصبي بشيء من دمها؛ لأن ترك كسر عظامها وأن يلطخ رأس الصبي بدم من أفعال الجاهلية، وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «في الغلام عقيقة فاهرقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى» ، فقيل: إن إماطة الأذى عنه المأمور به في الحديث هو ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من لطخ رأسه بدمها، وقيل بل ذلك حلق شعر رأسه وهو الأظهر، قال عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] . الآية،

مسألة: حكم العقيقة

فأوجب على المحرم الفدية لإماطة الأذى عن نفسه بحلق شعر رأسه، فكأن العقيقة فيها معنى الفدية عن المولود لإماطة الأذى عنه بحلق شعر رأسه، ولهذا المعنى والله أعلم قال عطاء: يبدأ بالحلق قبل الذبح بخلاف نحر الهدايا في الحج. [مسألة: حكم العقيقة] ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته ليرفعن أمرا إلى السلطان مسألة قال: وسمعته يقول: إنه ليقع في قلبي من شأن العقيقة أن النصارى واليهود يعملون لصبيانهم شيئا يجعلونهم فيه يقولون قد أدخلناهم في الدين مثل ما يُنَصِّر النصارى صبيانهم، وإن من شأن المسلمين الذبح في ضحاياهم «وعق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن حسن وحسين» ، فيقع في قلبي في الذبح عنهم أنها شريعة الإسلام، وقد سمعت غيري يذكر ذلك. قال محمد بن رشد: اعتبار مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في أن العقائق من شرائع الإسلام بما ذكره اعتبار بيِّن، ويوضحه أن العقيقة كانت في الجاهلية فأُقرت في الإسلام، فروي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: «كنا في الجاهلية إذا وُلد لنا غلام ذبحنا عنه شاة ولطخنا رأسه بدمها، ثم كنا في الإسلام إذا وُلد لنا ولد غلام ذبحنا عنه شاة ولطخنا رأسه بالزعفران» ، فالعقيقة مشروعة في الإسلام، قيل: سنة غير واجبة يُكره تركها، وهو قول ابن حبيب، وقيل: مستحبة وليست سنة؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وُلد له ولد

مسألة: حلق شعر الصبي يوم السابع

فأحب أن ينسك عنه فليفعل» ، وما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «الغلام مرتهن بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه، ويحلق رأسه، ويسمى» يدل على وجوبها، وتأويل ذلك عنده أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ بقوله: يخير من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل، وسقط الوجوب. [مسألة: حلق شعر الصبي يوم السابع] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية مسألة وسئل مالك عن حلاق الصبي يوم السابع، ويتصدق بوزن شعره فضة، قال: ليس ذلك من عمل الناس، وما ذلك عليهم. قال محمد بن رشد: يريد ليس ذلك مما التزم الناس العمل به ورأوه واجبا، لا أنه أنكره ورآه مكروها، بل مستحب من الفعل، روي: أن فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وزنت شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم، فتصدقت بزنة ذلك فضة. [مسألة: العقيقة كيف يصنع بها] ومن كتاب أوله سلف في المتاع والحيوان مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا عن العقيقة كيف يصنع

بها؟ أتطبخ ألوانا، ويُدعى لها الرجال؟ قال مالك: أما الأمر عندنا، فإنها تذبح يوم السابع وتطبخ، ويأكل منها أهل البيت، ويطعم منها الجيران، فأما أن يدعى الرجال، فإني أكره الفخر، وهذا الأمر عندنا في أن يأكل منها أهل البيت، ويطعم الجيران، ويسمى الصبي يوم السابع. قال محمد بن رشد: لما كانت شاة العقيقة نسكا لله، وقربة إليه؛ استحب ألا يعدل فيها عن سيرة السلف الصالح، أن يأكل منها أهل البيت، ويطعم منها الجيران، وكره أن تطبخ ألوانا فيدعى إليها الرجال؛ لئلا يدخل ذلك الفخر، فتفسد بذلك النية في معنى الطاعة لله بها والقرب، فإن أراد أن يدعو الرجال صنع من غيرها، ودعا عليها على ما قال بعد هذا في سماع أشهب، بعد أن يمضي النسك بنية خالصة لله، لا يشوبها شيء، يتقي أن يفسدها. وأما قوله: ويسمى الصبي يوم السابع، فهو اختيار مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لما جاء في الحديث من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الغلام مرتهن بعقيقة، يذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه، ويسمى» ، وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «سموا المولود يوم سابعه» ، والأمر في ذلك واسع، وروي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال حين ولد له إبراهيم: «ولد لي الليلة غلام، فسميته باسم أبي إبراهيم» ، وأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بعبد الله بن أبي طلحة صبيحة الليلة التي وُلد فيها، فحنكه بتمر عجوة، ودعا له وسماه عبد الله» في حديث طويل، ويحتمل أن يكون معنى ما في الحديث من تسمية المولود يوم

مسألة: ذبح عقيقة ابنه قبل طلوع الشمس

سابعه ألا تؤخر تسميته عن ذلك؛ لأنه إذا سماه قبل السابع فهو مسمى يوم السابع وبعده، فتتفق الآثار على هذا، قال ابن حبيب على اختيار مالك: ولا بأس أن يتخير له الأسماء قبل السابع ولا يوقع عليه الاسم إلا يوم السابع، فإن مات قبل يوم السابع يسمى بعد موته، ولم يترك بدون تسمية؛ لأنه ولد يُرجى شفاعته، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن السقط ليظل محبنطئا على باب الجنة، يقال له: ادخل الجنة، فيقول: لا أدخل حتى يدخل أبواي» ، وذكر لمالك الحديث الذي ذكر أن «السقط يقول يوم القيامة لأبيه: تركتني بلا اسم» ، فلم يعرفه. [مسألة: ذبح عقيقة ابنه قبل طلوع الشمس] ومن كتاب أوله باع غلاما مسألة قال مالك: وجه ذبح العقائق ضحوة، وهي سنة الذبائح في الضحايا وأيام منى، وهي ساعة الذبائح. قال محمد بن رشد: قاس مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - العقائق على الذبائح في وقت ذبحها، كما قاسها عليها في جواز الادخار من لحمها في أول رسم من السماع، فإن ذبح عقيقة ابنه قبل طلوع الشمس لم يجزه على قياس قوله هذا، وهو نص قوله في المبسوطة، وقال عبد المالك بن الماجشون يجزيه إن كان بعد طلوع الفجر، وهو أظهر؛ لأن العقيقة ليست مضمنة بصلاة، فكان قياسها على الهدايا أحسن من قياسها على الضحايا، وأما إن ذبحها بليل فلا تجزيه، وهو نص قول ابن القاسم في سماع يحيى بعد هذا، وقد اختلفت من أي وقت يحسب سابع الولادة إذا ولد، على أربعة أقوال: أحدها: أنه يحسب له سبعة أيام بلياليها، من غروب الشمس، ويلغى ما قبل ذلك إن ولد في النهار أو في الليل بعد الغروب، ويعق عنه في ضحى اليوم السابع، وهو قول

مسألة: فيما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم وفي العرائس

ابن الماجشون في ديوانه. والثاني: إن ولد في النهار بعد الفجر ألغي ذلك اليوم، وحسب له سبعة أيام من اليوم الذي بعده، وإن ولد قبل الفجر، وإن كان ذلك في الليل حسب له ذلك اليوم، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها. والثالث: أنه إن ولد في شباب النهار قبل الزوال حسب ذلك اليوم، وإن لم يولد إلا بعد الزوال ألغي ذلك اليوم، وهذا القول حكى ابن الماجشون أنه كان قول مالك أولا، ثم رجع عنه. والرابع: أنه يحسب ذلك اليوم وإن ولد في بقية منه قبل الغروب، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة، واختار أصبغ أن يلغى ذلك اليوم، فإن حسب أيام من تلك الساعة إلى مثلها اجتزأ بذلك، وهو قول حسن، فيذبح بعد كمال ستة أيام من الساعة التي ولد فيها، ودخوله في اليوم السابع، وإن كان ذلك في آخر النهار لما جاء عنه في الحديث من أنه يذبح عنه يوم سابعه. [مسألة: فيما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم وفي العرائس] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسألة قال مالك: أخبرني شيخ قديم قال: لما كانت فتنة ابن الزبير انتهب الناس تمر مال الله، قال: فاشترت أمي من ذلك التمر، فعملت منه خلا حتى طاب، وذهبت الفتنة، فأمرتني أمي أن أذهب إلى ابن عمر أسأله عن ذلك، فأتيت ابن عمر فسألته عن ذلك، فأفتاني أن أهريقه ولا نأكله، قال مالك: أرى ابن عمر إنما كرهه لموضع النهبة، قال مالك فيما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم، وفي العرائس، فيكون فيه النهبة قال: لا أحب أن يؤكل منه شيء إذا كان يُنتهب.

قال محمد بن رشد: وجه فتوى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المرأة أن تهريق الخل ولا تأكله، هو أن التمر الذي عملته منه كان من مال الله، فكان الحق فيه أن يقسمه الإمام بالاجتهاد، فلما لم تكن هي ممن لها الاجتهاد في ذلك، لم يأمرها بالتصدق به، ورأى لها الخلاص أن تهريقه ولا تأكله؛ لأن تصدقها به من غير أن يكون لها الاجتهاد في ذلك من جنس النهبة التي وقعت فيه أولا، والله أعلم، ويحتمل أن يكون ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أفتاها بإراقته، وترك أكله عقوبة لها على ما فعلت من عملها إياه من التمر المنهوب، ولم يأمرها بالصدقة؛ لئلا يظن ظان أنه تتصدق به على مِلْكها، فتكون مأجورة في فعلها، فيكون ذلك ذريعة إلى استجازة ذلك الفعل، وهذا من نحو ما قيل في من فعل ما لا يجوز له من تخليل الخمر، أنها لا تؤكل وتهرق ولا يتصدق بها. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن «أمر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإكفاء القدور يوم خيبر من لحوم الحمر الأهلية» إنما كان من أجل أنها كانت منتهبة، وأما ما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم، وفي العرائس، فيكون فيه النهبة، فكرهه مالك بكل حال؛ لظواهر الآثار الواردة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك، من ذلك نهيه عن النهبة، وأنه قال: «النهبة لا تحل» ، وأنه قال: «من انتهب فليس منا» ، وفي ذلك تفصيل، أما ما ينثر عليهم ليأكلوه على وجه ما يؤكل دون أن ينتهب، فانتهابه حرام لا يحل ولا يجوز؛ لأن مُخرِجه إنما أراد أن يتساووا في أكله على وجه ما يؤكل، فمن أخذ منه أكثر مما كان يأكل منه مع أصحابه على وجه الأكل، فقد أكل حراما، وأكل سحتا لا مرية فيه، ودخل تحت الوعيد، وأما ما ينثر عليهم لينتهبوه فهذا كرهه مالك، وأجازه غيره، وتأول أن نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الانتهاب إنما معناه انتهابا ما لم يُؤذن في انتهابه، بدليل ما روي عن عبد الله بن قرط، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحب الأيام إلى الله يوم

مسألة: الضأن والمعز سواء تجزي في العقيقة

النحر، ثم يوم القر، فقرب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدنات خمسا أو ستا، فطفقن يزدلفن إليه بأيهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قال: كلمة خفية لم أفهمها، فقلت للذي كان إلى جنبي ما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: من شاء انقطع» ، وما روي من «أن صاحب هدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يا رسول الله، كيف أصنع بما عطب من الهدي؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "انحرها ثم الو قلائدها في دمها، ثم خل بين الناس وبينها يأكلونها» ؛ لأنه أباح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذين الحديثين للناس الذين يحل لهم الهدي أن يأخذ منهم من شاء ما أخذ من غير مقدار، ولا قسم معلوم، وفي هذا بيان إن شاء الله. [مسألة: الضأن والمعز سواء تجزي في العقيقة] مسألة قال مالك: الضأن والمعز سواء تجزي في العقيقة والمعز سواء، يريد في الإجزاء لا في الأفضل؛ إذ لا اختلاف أن الضأن أفضل من المعز، وفي قوله دليل أنه لا يجزي فيها ما عدا الضأن والمعز، وهو قوله في سماع يحيى بعد هذا، وقد مضى في سماع أشهب من كتاب الضحايا ما ظاهره ظهورا بينا أن البقر والإبل تجزي في

مسألة: لم يعق عن ولده حتى كبر وعقل

ذلك أيضا، وهو الأظهر قياسا على الضحايا، وقد مضى الاختلاف في ترتيب الأفضل في ذلك في الضحايا في رسم مرض وله أم ولد فحاضت من سماع ابن القاسم، وهو يدخل في العقائق على قياس هذا القول، وبالله التوفيق، لا رب غيره، ولا معبود سواه. [مسألة: لم يعق عن ولده حتى كبر وعقل] من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون مسألة قال سحنون أخبرني ابن القاسم وابن نافع قالا: سئل مالك عمن لم يعق عن ولده حتى كبر وعقل، أترى أن يعق عنه إذا كبر؟ فقال: لا، فقيل له: أفرأيت الذي لا يتهيأ له ما يعق به عن ولده حتى يمر السابع؟ قال: لا، إلا أن يكون قريبا، ويعق عنه أيضا بعد ما خضب لحيته، أرأيت أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين لم يعق عنهم في الجاهلية، أعقوا عن أنفسهم في الإسلام؟ هذه الأباطيل. قال محمد بن رشد: المشهور عن مالك مثل ما يأتي له بعد هذا في هذا السماع، أنه لا يعق عن المولود إلا يوم سابعه، فإن لم يفعل حتى غربت الشمس من يوم السابع، فقد فاتت العقيقة، خلاف قوله في هذه الرواية: إنه يعق عنه بعد السابع إذا كان قريبا، وروى ابن وهب أنه إن لم يعق عنه يوم سابعه عق عنه يوم السابع الثاني، فإن لم يفعل عق عنه في الثالث، فإن جاز ذلك فقد فات موضع العقيقة، وروى مثله عن عائشة، وروى ابن عبد الحكم القولين عن مالك، واختار رواية ابن وهب، ومن أهل العلم من أوجب العقيقة بظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الغلام مرتهن بعقيقته» ، وبغيره

مسألة: العقيقة أهي عن الغلام والجارية

من الأحاديث التي يدل ظاهرها على الوجوب، فقال: إن لم يعق عنه وهو صغير يلزمه أن يعق عن نفسه وهو كبير، واستدل بما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من «أنه عق عن نفسه بعد ما جاءته النبوة» ، ولم يصح ذلك عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأنكره في هذه، وقال: إن ذلك من الأباطيل. [مسألة: العقيقة أهي عن الغلام والجارية] مسألة وسئل عن العقيقة أهي عن الغلام والجارية سواء؟ فقال: نعم، الغلام والجارية سواء، يعق عنهما يوم سابعهما. قال محمد بن رشد: قد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاتان» ، والمكافأتان المتماثلتان المشتبهتان، وذهب إلى هذا جماعة من أهل العلم منهم ابن عمر، وعائشة زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فمن أخذ به فما أخطأ، ولقد أصاب. [مسألة: وقت العقيقة] مسألة قيل: أرأيت إن لم يتهيأ له يوم سابعه ويتهيأ له بعد ذلك بيوم أو بيومين أو في السابع الثاني؟ قال: لا يعق إلا في اليوم السابع، قيل له: أفيؤكل منها، فقال: نعم، يؤكل منها ويطعم، قيل له: أيعمل منها الطعام فيدعى عليه الناس؟ قال: ما رأيت الناس هاهنا عندنا على هذا، وما رأيتهم يفعلونه، إنما رأيتهم يقطعونه ثم يجمعونه في شيء، ثم يأكلون منه ويطعمون منه، ورأيتهم يبعثون به إلى الجيران، فإذا أرادوا أن يصنعوا طعاما صنعوه من غيرها، ثم دعوا عليه.

مسألة: وقت تسمية الغلام

قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يعق عنه بعد السابع وإن قرب هو قول ابن القاسم، وهو المشهور من قول مالك، خلاف ما تقدم في أول السماع، وقد مضى هناك الخلاف في ذلك وما بعد ذلك من أنه يؤكل منها ويطعم الجيران، ولا يصنع طعام يدعى عليه الناس إلا من غيرها هو معنى ما مضى في رسم سلف في المتاع والحيوان المضمون، من سماع ابن القاسم، وقد مضى عليه من القول هناك ما فيه كفاية ومقنع. [مسألة: وقت تسمية الغلام] مسألة وسئل مالك فقيل له: أيكره أن يسمى أحد قبل يوم السابع؟ قال: ما رأيت أحدا يسمى قبل يوم السابع، إنما يعق عنه ويسمى يوم السابع. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام أيضا على هذه المسألة في رسم سلف في المتاع والحيوان، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يولد فيموت قبل السابع أعليه فيه عقيقة] مسألة قيل له: أرأيت الذي يولد فيموت قبل السابع، أعليه فيه عقيقة؟ فقال: لا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه؛ لأن العقيقة إنما يجب ذبحها عنه يوم السابع إذا حلق رأسه، وأميط عنه الأذى على ما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومضى القول فيه في أول رسم، من سماع ابن القاسم، فإذا مات قبل ذلك سقطت عنه العقيقة. [مسألة: إذا عق عن الولد يوم السابع أيجوز أن يطعم في ذلك لحما نيا] مسألة قيل: أرأيت الرجل إذا عق عن الولد يوم السابع، أيجوز أن يطعم في ذلك لحما نيا؟ قال: لا بأس بذلك، وفي ذلك سعة إن

مسألة: كان سابع ابنه يوم الأضحى هل تجزئ عنه في العقيقة والأضحية

شاء الله، وإن أطعم نيا أو غيره، وقد كان الناس يطعمون ذلك الجيران. قال محمد بن رشد: قد تكرر هذا المعنى في هذا السماع، في سماع ابن القاسم وغيره، ومضى القول فيه، فلا وجه لإعادته. [مسألة: كان سابع ابنه يوم الأضحى هل تجزئ عنه في العقيقة والأضحية] مسألة قال موسى بن معاوية: قال معن: وسئل مالك عن رجل كان سابع ابنه يوم الأضحى، وليس عنده إلا شاة هل تجزئ عنه في العقيقة والأضحية؟ فقال: بل يعق بها. قال محمد بن رشد: معنى هذا إذا رجا أن يجد أضحية في بقية أيام الأضحى، وأما إذا لم يرج ذلك، فليضح بالشاة؛ لأن الضحية أوجب من العقيقة عند مالك وجميع أصحابه؛ لأن الأضحية قيل فيها: إنها سنة واجبة، وقيل: سنة غير واجبة، والعقيقة قيل فيها: إنها سنة غير واجبة، وقيل فيها: إنها سنة مستحبة، وقد مضى هذا في رسم حلف، من سماع ابن القاسم، ولو كان ذلك في آخر أيام النحر لكانت أولى، قاله العتبي، وهو على قياس ما قلناه، وبالله التوفيق. [مسألة: العقيقة أيطعم منها الرجل جيرته الأغنياء] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها مسألة قال عيسى: وسئل ابن القاسم عن العقيقة، أيطعم منها الرجل جيرته الأغنياء؟ قال: أهل الحاجة أحب إلي، وإن فعل فأرجو ألا

مسألة: العقيقة هل يدعو إليها الرجل والرجلين من إخوانه

يكون عليه شيء، قيل له: أيصنع صنيعا يدعو إليه؟ قال: لا يعجبني. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن أهل الحاجة من جيرته أولى أن يطعمهم منها من الأغنياء، وإن كانت تحل للأغنياء؛ لأن الله تعالى حض على إطعام الفقراء من لحوم الهدايا التي تحل للأغنياء، قال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] ، وقال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] ، والقانع هو الفقير، وأما كراهيته أن يصنع صنيعا يدعى إليه، فمعناه من شاة العقيقة على ما تقدم في سماع أشهب، وفي رسم سلف في المتاع والحيوان المضمون، من سماع ابن القاسم، وأما من غير شاة العقيقة فلا بأس بذلك، وقد كان عبد الله بن عمر وغيره من السلف يدعون على الولاد والختان، ولا بأس على من دعي إلى ذلك أن يجيب إليه، وقد مضى في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم، من كتاب الصيام، ما تجب فيه إجابة الداعي مما لا تجب مستوفى، وبالله التوفيق. [مسألة: العقيقة هل يدعو إليها الرجل والرجلين من إخوانه] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار مسألة وسئل ابن القاسم عن العقيقة هل يدعو إليها الرجل والرجلين من إخوانه؟ قال: لا يدعو لها أحدا، وإنما هي لجيرانه يقرب لهم منها.

مسألة: ذبح عقيقة ابنه بليل أيجب عليه بدلها

قال محمد بن رشد: قد مر هذا المعنى متكررا في هذا السماع، وسماع أشهب، وسماع ابن القاسم، ومضى من القول عليه ما لا زيادة فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: ذبح عقيقة ابنه بليل أيجب عليه بدلها] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصلاة مسألة قال يحيى: وسألته عمن ذبح عقيقة ابنه بليل، أيجب عليه بدلها كما يجب على من ذبح أضحيته ليلا؟ قال: أرى ذلك عليه واجبا، وحالهما عنده واحد، يريد الضحية والعقيقة. قال محمد بن رشد: أما من ذبح عقيقته بليل فلا تجزئ، واختلف أن ذبحها قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر على ما مضى القول عليه في رسم باع غلاما، من سماع ابن القاسم. [مسألة: سنة العقائق] مسألة قال سحنون: قال مالك: لا تجزئ في العقائق الإبل ولا المعز، وإنما سنة العقائق الغنم لا غير، وكذلك جاءت السنة. قال محمد بن رشد: وهذا مثل ظاهر قوله أيضا في رسم سن، من سماع ابن القاسم، خلاف ما حكى عنه ابن حبيب، من أنه لا يضحى ولا يعق إلا بالضأن والمعز والإبل والبقر، والضأن أفضلها، وهو ظاهر ما في سماع أشهب، من كتاب الضحايا، فقف على ذلك وتدبره.

مسألة: الجوز واللوز والسكر ينثر في الإمكاك أو الختان

[مسألة: الجوز واللوز والسكر ينثر في الإمكاك أو الختان] من سماع أصبغ من ابن القاسم مسألة وسئل أصبغ عن الجوز واللوز والسكر ينثر في الإمكاك أو الختان، هل ترى ذلك جائزا؟ قال: نعم، ذلك جائز لا بأس به، ولا تجوز الخلسة فيه، فأما نثره للناس وعليهم للأكل، فلا بأس به. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته هاهنا مرة أخرى، وبالله التوفيق. تم كتاب العقيقة

: كتاب الحج الأول

[: كتاب الحج الأول] [مسألة: رمى الجمرة الأولى ثم الأخيرة ثم الوسطى] كتاب الحج الأول من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب قطع الشجرة مسألة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك في من رمى الجمرة الأولى ثم الأخيرة ثم الوسطى، فإنه يرجع فيرمي الأخيرة، ثم حسبه، قال مالك: وإن رمى الأخيرة، ثم الوسطى، ثم الأولى؛ عاد لرميه من الوسطى، وإن رمى الأولى ثم الأخيرة، رمى الوسطى ثم الأخيرة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الترتيب في رمي الجمرات الثلاث في كل يوم من أيام منى من سنة الرمي، فإن ذكر ذلك من يومه أصلح رميه، بأن يلغي ما قدمه ووضعه في غير موضعه، فيفعله مرة أخرى، وما بعده حتى يخلص له الترتيب ولا دم عليه، وإن لم يذكر ذلك في يومه حتى غابت الشمس، أصلح رميه أيضا بما ذكرناه حتى يصلح له الترتيب ما لم تنقض أيام منى، وكان عليه الدم، وقيل: لا دم عليه على اختلاف قول مالك في المدونة، فيمن ترك رمي جمرة من الجمار حتى غابت الشمس، ولم تنقض أيام منى، وإن لم يذكر ذلك إلا بعد أيام منى، فقد فاته الإصلاح، وعليه الدم قولا واحدا، قال ابن المواز: ولو رمى الجمار بحصاة حصاة، كل جمرة حتى أتمها

مسألة: أفاض وطاف بالبيت ثم وطئ أهله

بسبع، فيلزم الثانية بست، ثم الثالثة بسبع، وهو صحيح؛ لأن الترتيب يصح له بهذا. [مسألة: أفاض وطاف بالبيت ثم وطئ أهله] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول فيمن أفاض وطاف بالبيت ثم وطئ أهله، قبل أن يركع: إنه إن كان بمكة أفاض مرة أخرى فطاف وركع، ثم خرج معتمرا ويهدي، وإن خرج إلى أهله ركع ركعتين حيث كان وأهدى. قال محمد بن رشد: هذا على أصله فيمن وطئ بعد رمي الجمرة وقبل الإفاضة، أنه يهدي ويعتمر ليأتي بطواف الإفاضة الذي أفسده بالوطء قبله في إحرام صحيح، فلما كان الذي نسي الركعتين من طواف الإفاضة يجب عليه أن يعيد طواف الإفاضة ما كان بمكة أو قريبا منها، كان الذي وطئ قبل أن يعيد الطواف في حكم من وطئ قبل الطواف في وجوب الهدي والعمرة عليه. وقوله: وإن خرج إلى أهله ركع ركعتين حيث كان، وأهدى هديا، معناه إن لم يذكر ذلك حتى رجع إلى أهله، ولو علم وهو بمكة أو قريب منها أنه وطئ قبل الركعتين فخرج إلى بلده لوجب عليه الرجوع لما وجب عليه من إعادة الإفاضة، ومن العمرة، وهذا على القول بأن من وجب عليه أن يعيد في الوقت، فلم يعد حتى ذهب الوقت أنه يجب عليه أن يعيد بعد الوقت، ولأهل العلم فيمن وطئ قبل الإفاضة وبعد الرمي ثلاثة أقوال؛ أحدها: هذا أنه يعتمر ويهدي. والثاني: أنه يهدي ولا عمرة عليه، وقد ذكر ابن القاسم في الأول من حج المدونة أن هذا هو قول جل الناس. والثالث: أنه قد أفسد حجه، وهو قول عبد الله بن عمر وجماعة من السلف، وظاهر قول عمر بن الخطاب: من رمى الجمرة، فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء والطيب، وفي بعض الروايات والصيد، واختلف قول مالك فيمن وطئ بعد الوقوف بعرفة

مسألة: ترك أهله بمكة من الآفاق وخرج لغزو أو تجارة

وقبل رمي الجمرة، فالمشهور عنه أنه قد أفسد حجه، وقد روي عنه أن حجه تمام وعليه العمرة والهدي، وأما من وطئ قبل الوقوف بعرفة، فلا خلاف بين أهل العلم في أنه قد أفسد حجه. [مسألة: ترك أهله بمكة من الآفاق وخرج لغزو أو تجارة] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: ليس على من ترك أهله بمكة من الآفاق، وخرج لغزو أو تجارة إذا قدم في أشهر الحج متعة، كما ليس على أهل مكة متعة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، ومعناها أنه قدم مكة قبل أشهر الحج، فترك أهله بها على نية الاستيطان لها، ثم خرج لغزو أو لتجارة، فقدم معتمرا في أشهر الحج، وكذلك لو سكنها بغير أهل قبل أن يتمتع، قاله ابن المواز، فليست هذه المسألة بخلاف لمسألة كتاب الحج الأول من المدونة في الذي يقدم مكة في أشهر الحج معتمرا، ينوي استيطانها؛ لأنه لم يتقدم له استيطانها قبل قدومه معتمرا، فلذلك قال فيها: إنه ليس كأهل مكة؛ إذ لعله سيبدو له فيما نوى، قوله فيها معارض لما في إرخاء الستور من المدونة، وموضع الخلاف بينهما، هل يصدق فيما يدعي أنه أراد من ذلك أم لا؟ [مسألة: يلبي بالحج وهو مولى عليه] مسألة وقال مالك في الرجل يلبي بالحج، وهو مولى عليه، والمرأة عند أبيها، أو عند زوجها إن ذلك من السفه، ولا يجاز ذلك، ولا يمضي لمن فعله، وليس على المرأة أن تقضيه إذا هلك زوجها أو أبوها.

مسألة: خرج يريد التمتع فألفى الناس قد فرغوا من الحج

قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنهم أحرموا من بيوتهم دون الميقات، وقبل أشهر الحج، فلذلك كان للأب والزوج والولي ألا يمضوا فعلهم، وأن يحلوهم من إحرامهم؛ لأن ذلك خطأ منهم وتعد، وقوله: وليس على المرأة أن تمضيه إذا هلك زوجها أو أبوها، مثل ما في المدونة؛ لأن معنى المسألة أنهم أحرموا بحجة الفريضة، فليس عليهم إذا قضوا حجة الفريضة للإحرام الذي حللهم منه شيء، ولو كانوا إنما أحرموا بحج التطوع، وتركوا الفريضة لوجب عليهم قضاء الحجة التي حللوا منها بعد قضاء حجة الفريضة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، خلاف قول أشهب: إن العبد إذا أحرم بغير إذن سيده، فحلله سيده من إحرامه أنه لا يجب عليه في ذلك قضاء؛ لأنه إنما حله بحجة بعينها، كمن نذر صوما بعينه، فمنعه من صيامه عذر، وقال ابن المواز: إن المولى عليه والمرأة عند أبيها لا يلزمهم قضاء الإحرام الذي حللوا منه، كما لا يلزمهم العتق إذا ولوا أنفسهم، وهذا هو مذهب أشهب الذي ذكرناه. [مسألة: خرج يريد التمتع فألفى الناس قد فرغوا من الحج] مسألة قال مالك: لو أن رجلا خرج يريد التمتع، فألفى الناس قد فرغوا من الحج، لم يقع عليه شيء. قال محمد بن رشد: قوله يريد التمتع، أي يريد العمرة في أشهر الحج مثل الحج، فإذا أحرم بعمرة أو بحج، فألفى الناس قد فرغوا من الحج، فلا شيء عليه كما قال، إلا إكمال العمرة التي أحرم بها؛ لأنه قد فاته الحج

مسألة: هلك رجل بالفسطاط وأوصى أن يحج عنه

في ذلك العام، وفي بعض الروايات خرج يريد الحج، والصحيح خرج يريد التمتع؛ لأن من خرج يريد الحج، فألفى الناس قد فرغوا من الحج، لا إشكال في أنه لا شيء عليه إن كان لم يحرم، وإن كان قد أحرم، فلا بد له من قضاء الحج الفائت، وعليه الهدي. [مسألة: هلك رجل بالفسطاط وأوصى أن يحج عنه] مسألة قلت لابن القاسم: لو هلك رجل بالفسطاط، وأوصى أن يحج عنه، فدفع عنه إلى رجل ليحج عنه، ولم يشترطوا عليه أن يحرم من ذي الحليفة أو غيرها، فخرج فأحرم عن نفسه من ذي الحليفة بعمرة، وحج عن الميت من مكة؟ قال: أراه ضامنا للحجة، أو يرد المال، ولا أبالي اشترطوا عليه الإحرام أو لم يشترطوا؛ لأن من دفع إليه مالا ليحج به عن ميت، فليحرم من ميقات الموضع الذي يحج منه. قال محمد بن رشد: قوله: إنه ضامن، وإن لم يشترطوا عليه الإحرام من ذي الحليفة، هو القول الذي رجع إليه ابن القاسم في المدونة، وكان أولا يقول: إنه لا ضمان عليه إلا أن يشترط عليه الإحرام من ذي الحليفة، وفي أصل السماع أنه لا ضمان عليه، وإن اشترطوا عليه أن يحرم من ذي الحليفة، ولا حجة للمستأجر عليه في أن قدم بين يدي حجه عمرة، وإن اشترط عليه ألا يفعل وهو بعيد، فهي ثلاثة أقوال؛ أبينها القول الذي رجع إليه ابن القاسم في المدونة، وهو قوله في هذه الرواية، وقوله أراه ضامنا للحجة أو يرد المال ليس معناه أنه مخير في ذلك، وإنما معناه أنه ضامن للحجة إن كان أخذ المال على الإجارة، إذ لم تقع الإجارة على أن يحج عليه في ذلك العام بعينه، وإن قال: استأجرك على أن يحج عنه في هذه العام، فلا يتعين بذلك العام، كمن استأجر سقاء على أن يسوق له اليوم قلة ماء، فإن لم يسقها ذلك اليوم وجب عليه أن يسوقها في اليوم الذي بعده، وإن استأجره على الحج

مسألة: خرج في مشي عليه فمرض في بعض الطريق

وسكت فهو على أول سنة، فإن لم يحج في أول سنة لزمه أن يحج فيما بعدها، وذهب ابن العطار إلى أن السنة تتعين بذكرها، ولا تصح الإجارة عنده إلا بتعيينها، فقال: عقد الإجارة في ذلك على سنة مسماة لم تأت بعد، على أنه موسع عليه في تعجيلها، فأما قوله: إنها تتعين بذكرها، فقد قيل ذلك أنها تتعين إذا عينت، وهو الذي يدل عليه ما في الحج الثالث من المدونة، وأما ما ذهب إليه من أن الإجارة لا تصح إلا بتعيينها، فليس بصحيح، قد أجاز في سماع أبي زيد من هذا الكتاب الاستئجار على حجة مقاطعة في غير سنة بعينها، وسيأتي الكلام عليها هناك إن شاء الله، وأنه يرد المال إن كان أخذه، على البلاغ؛ لأنه إذا أخذه على البلاغ، فإنما هو رسول لهم لم يضمن الحج، فإذا تعدى فأنفق مالهم في غير ما إذن له فيه، صار ضامنا له، وترتب في ذمته، ومن ترتب في ذمته مال لم يجز أن يصرف في إجارة عند مالك وجميع أصحابه. [مسألة: خرج في مشي عليه فمرض في بعض الطريق] ومن كتاب القبلة مسألة قال ابن القاسم، وسمعت مالكا: قال فيمن خرج في مشي عليه، فمرض في بعض الطريق، فركب يوما أو ليلة، ثم مشى بعد ذلك حتى بلغ، فأرجو أن يجزئ عنه، ويهدي ما استيسر من الهدي، فإن لم يجد صام عشرة أيام. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها من الدواوين أنه إن كان الذي ركب اليسير الأميال واليوم وشبهه، فليس عليه أن يعيد ثانية، ويجزئ الهدي، وسواء قرب مكانه أو بعد، وقد روى ابن وهب، عن مالك: أنه لا هدي عليه إن بعد مكانه كمصر وشبهها، وأما إن كان كثر ما ركب، ولم يكن جل الطريق، فإنه يرجع ثانية للمشي ما ركب باتفاق في المذهب إن كان

مسألة: حق أهل مكة وغيرهم ممن يقدم عليهم من الناس في دور مكة

موضعه قريبا كالمدينة ونحوها، واختلف إن كان موضعه بعيدا كمصر ونحوها، فقيل: إنه يرجع، قاله في كتاب ابن المواز، وهو ظاهر ما في المدونة في تفسير ابن مزين أنه لا يرجع، وأما إن بعد موضعه جدا كإفريقية والأندلس، فليس عليه أن يرجع ويجزئه الهدي؛ لأن الرجوع ثانية من الأندلس وشبهها من البعد أشق من الرجوع من المدينة ونحوها ثالثة، وأما إن كان الذي ركب جل الطريق فيما قرب، فعليه أن يمشي الطريق كله ثانية، رواه ابن الماجشون عن مالك في المبسوطة، ومثله في كتاب ابن المواز. [مسألة: حق أهل مكة وغيرهم ممن يقدم عليهم من الناس في دور مكة] ومن كتاب أوله حلف ألا يبيع سلعة سماها مسألة وسئل مالك عن تفسير هذه الآية: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] ، أي سواء في الحق والسعة، والباقي في أهل البادية وغيرهم ممن يقدم عليهم، وقد كانت الفساطيط تضرب في الدور، ولقد سمعت أن عمر بن الخطاب كان ينزع أبواب بيوت مكة إذا قدم الحاج. قال محمد بن رشد: تأويل مالك لهذه الآية على أن حق أهل مكة وغيرهم ممن يقدم عليهم من الناس في دور مكة سواء، واستدلاله على ذلك بما ذكر من فعل عمر بن الخطاب، يدل على أنها لا تباع ولا تكرى خلاف ظاهر قول ابن القاسم في كتاب كراء الدور والأرضين، وكتاب الحوائج من المدونة، لما ذكر من نفاق كراء الدور بها في أيام الموسم، وليس في الآية بيان يدفع القدر؛ لاحتمال رجوع الضمير من قوله: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25]

مسألة: ذكر الحج في القرآن

على المسجد المذكور دون سائر البلدة؛ على ما قاله جماعة من المفسرين، والأصل في اختلاف أهل العلم في هذه المسألة اختلافهم في افتتاح مكة، فمن ذهب إلى أنها افتتحت عنوة، قال: إن دورها لا تباع ولا تكرى، وهو قول أبي حنيفة وجماعة سواه، ويشهد لهذا القول ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مكة كلها مباح، لا تباع رباعها ولا تواجر» ، ومن ذهب إلى أنها مؤمنة، والأمان كالصلح، وأن أهلها مالكون لرباعها، أجاز لهم بيعها وكراءها، وهو قول الشافعي، ولا خلاف عند مالك وأصحابه في أنها افتتحت عنوة إلا أنهم اختلفوا هل من على أهلها بها، فلم تقسم كما لم يسب أهلها لما عظم الله من حرمتها؟ أو هل أقرت للمسلمين؟ فعلى هذا جاء الاختلاف في جواز كرائها في المذهب، فروي عن مالك في ذلك ثلاث روايات؛ أحدها: المنع، والثانية: الإباحة، والثالثة: كراهية كرائها في أيام الموسم خاصة. [مسألة: ذكر الحج في القرآن] مسألة قال مالك: الحج كله في كتاب الله تعالى، والصلاة، والزكاة، ليس لها في كتاب الله تفسير، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين ذلك. قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك هذا أن الحج كله في كتاب الله تعالى مفسر، وأن الصلاة والزكاة ليستا مفسرتين فيه، وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو فسرهما، وليس ذلك بصحيح، بل ما أتى من ذكر الحج في القرآن مفتقر إلى بيان، والتفسير الذي فسره به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبين مراد الله فيه قولا وعملا، كافتقار الصلاة والزكاة إلى ذلك سواء، ولو تركنا وظاهر ما في القرآن من أمر الحج، لما صح لنا منه امتثال أمر الله عز وجل به، إذ لم يبين فيه شيئا من صفة عمله وترتيبه في أوقاته التي لا تصح إلا فيها، وشرائطه التي لا تتم إلا بها، وسنته التي لا يكتمل إلا بها، فليس الكلام على ظاهره، وإنما معناه الذي أراده به أن الحج كله في كتاب الله تعالى، والصلاة والزكاة، تم الكلام هاهنا. ثم ابتدأ

مسألة: رمي الجمار

فقال: ليس لها - أي لجميع ذلك في كتاب الله تعالى - تفسير، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين ذلك، ويبين تأويلنا هذا ما في كتاب ابن المواز من قوله: وكذلك الحج والزكاة تدل وجوبهما في القرآن مجملا، وبين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أراد الله منه وفسره، وقوله في الرواية أيضا ليس لها، ولم يقل لهما، وقد نقل ابن أبي زيد هذه الرواية بالمعنى على ظاهرها نقلا غير صحيح، فقال فيها: الحج كله في كتاب الله سبحانه، وأما الصلاة والزكاة فذلك مجمل فيه، ولهذا وشبهه رأي الفقهاء قراءة الأصول أولى من قراءة المختصرات والفروع. [مسألة: رمي الجمار] مسألة وسئل مالك عن قول الله سبحانه: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] ، قال: هو رمي الجمار، قال: ومن كلام أن يسموا العقل النذر، يريدون بذلك العود، وقال سحنون: يريد بالعقل عقل الجراح. قال محمد بن رشد: إنما تأول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن مراد الله بقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] هو رمي الجمار من أجل أن الوفاء بالشيء لا يكون إلا بإكماله إلى آخره، ورمي الجمار هو آخر عمل الحج مع الطواف الذي ذكره الله معه فقال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] ، واستدل على ذلك بأن العرب تسمي العقل نذرا، وهو العدد الذي يجب في الجراح، يريد بذلك رمي الجمار، سماه الله نذرا؛ لأنه عده واجب رميه في الحج. [مسألة: يفيض من منى إلى البيت فيطوف طواف] مسألة وسألته عن الذي يفيض من منى إلى البيت، فيطوف طواف

مسألة: التلبية على الصفا والمروة

الإفاضة، ثم يريد أن يتنفل طوافا أو طوافين بعد ذلك، قال: ما هو من عمل الناس، وإني لأرجو أن يكون خفيفا، وكأني رأيته يرى أن ترك ذلك أعجب إليه. قال محمد بن رشد: رأى مالك ترك التنفل بالطواف إثر طواف الإفاضة أحسن من التنفل به، إذ لم يدرك الناس إلا على ذلك، ولأن الاختيار أن يعجل الإفاضة يوم النحر قبل الزوال، ثم يرجع إلى منى فيصلي بها الظهر كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والوقت لا يتسع للتنفل بالطواف، وقد كان روي عن النخعي أنه قال: كانوا يستحبون الإفاضة يوم النحر، وأن يطوفوا يوم النحر ثلاثة أسابيع، وقول مالك أولى لما قدمناه، وقد روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفض إلا في آخر يوم النحر» . [مسألة: التلبية على الصفا والمروة] مسألة وسئل عن التلبية على الصفا والمروة، قال: لا بأس في ذلك في الحج، ولا يلبي أحد عليهما في العمرة، أحرم من ميقاته، أو من التنعيم، أو من الجعرانة؛ لأن التلبية تنقطع إذا أحرم من ميقاته إذا دخل الحرم، وينقطع إذا لم يحرم من ميقاته إذا دخل المسجد. قال محمد بن رشد: قوله: لا بأس أن يلبي في الحج على الصفا والمروة، يدل على أن الأحسن عنده ألا يفعل، فهو مثل ما في المدونة من أنه استحب للحاج أن يقطع التلبية إذا بدأ بالطواف حتى يفرغ من السعي بين الصفا والمروة، ثم يعود إليها حتى يروح يوم عرفة بعد الزوال إلى المسجد، أو إلى الموقف على اختلاف قوله في ذلك؛ لما رواه عن عبد الله بن عمر

مسألة: أفاض بعد رمي الجمرة فأقام بمكة وكان مريضا ولم يأت منى

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من أنه كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم، حتى يطوف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم يلبي حتى يغدو من منى إلى عرفة، فاختار فعله في ترك التلبية في الطواف والسعي، ولم يختر قوله في قطعها أولا إذا انتهى إلى الحرم، ولا في قطعها آخرا إذا غدا من منى إلى عرفة، فقال: إنه يلبي حتى يبدأ بالطواف، ثم يلبي بعد تمام السعي حتى تزول الشمس يوم عرفة، أو حتى يروح إلى المسجد، أو حتى يروح إلى الموقف، وقد روى ابن وهب عنه أنه لا يقطعها حتى يقف بالموقف، وإلى عرفة ينتهى إلى غاية الملبى؛ لأن هنا دعا إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس إلى الحج، ومن حكم المدعو أن يجيب الداعي حتى يصل إليه، ولا وجه لإجابته إياه إذا انصرف عنه، وقوله في العمرة: إنه يقطع التلبية فيها إذا لم يحرم من ميقاته إذا دخل المسجد، قال في المدونة: وإذا دخل بيوت مكة ذلك واسع كان إحرامه من الجعرانة أو التنعيم، وذهب أبو بكر الأبهري إلى أنه إذا أحرم من الجعرانة قطع إذا دخل بيوت مكة، وإذا أحرم من التنعيم قطع إذا دخل المسجد؛ لأن التنعيم أقرب من الجعرانة، فيتمادى إذا أحرم منه في التلبية حتى يدخل المسجد لقصر تلبيته. [مسألة: أفاض بعد رمي الجمرة فأقام بمكة وكان مريضا ولم يأت منى] مسألة وسئل عن رجل أفاض بعد رمي الجمرة، فأقام بمكة، وكان مريضا، ولم يأت منى ولم يرم أيام الجمار كلها حتى ذهبت أيام منى، قال: أن يهدي بدنة، قيل له: فإن لم يقدر عليها؟ قال: ما استيسر عليه، يريد شاة، فإن لم يجد صام، قيل له: إن قوما قالوا: لو رمى في غير أيام منى، قال: هذا الخطأ البين.

مسألة: المتمتع بالعمرة إلى الحج يموت بعد ما يحرم بالحج بعرفة

قال محمد بن رشد: هذا مثل قوله في المدونة، أنه من ترك الجمار لعذر أو نسيان أو عمد حتى ذهبت أيام منى يهدي، ولم يختلف قوله في ذلك كما اختلف إذا ترك رمي الجمار في يوم من أيام منى، فرماها في الليل، أو فيما بقي منها، واستحب أن يهدي إذا ترك جمرة العقبة أو الجمار الثلاثة من أيام منى بدنة، وإن ترك جمرتين منها بقرة، وإن ترك واحدة شاة وإن كانت الشاة تجزيه في ذلك كله، وإنما قال: إن الرمي في غير أيام الرمي خطأ؛ لأن الله عز وجل قال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ، يريد رمي الجمار بإجماع أهل العلم، فلما قال تعالى: إن الرمي يكون فيها، وجب ألا يفعل في غيرها إلا بنص أو كتاب أو سنة أو إجماع، وذلك معدوم، ولا يجزي رمي الجمار بالمدر، ولا بالطين اليابس، ولا يجزي إلا بالحصاة، قاله مالك وابن أبي ذيب. [مسألة: المتمتع بالعمرة إلى الحج يموت بعد ما يحرم بالحج بعرفة] مسألة وسئل عن المتمتع بالعمرة إلى الحج، يموت بعد ما يحرم بالحج بعرفة، أو ما أشبه ذلك، أترى عليه هديا؟ قال: من مات من أولئك قبل أن يرمي الجمرة، فلا أرى عليه شيئا، ومن رمى الجمرة، فأرى أن قد وجب عليه الهدي، قال عيسى سألت ابن القاسم عن هديه هل يكون في رأس المال أو في ثلثه؟ قال: بل في رأس المال، وذلك أنه لم يفرط، وقال سحنون: لا يعجبني ما قال، ولا يخرج من ثلثه، ولا من رأس ماله إلا إن شاء الورثة ذلك، ألا ترى أن المال يجب عليه الزكاة، قد عرف ذلك، ثم يموت ولم يفرط في إخراجه أنه إن أوصى بها كانت من رأس المال، وإن لم يوص بها لم تكن في ثلث ولا رأس مال إلا إن شاء الورثة ذلك.

مسألة: يعتمر من أفق من الآفاق في أيام التشريق

قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه لا يجب عليه الهدي إلا أن يموت بعد الجمرة؛ لأنه إنما يجب بالوقت الذي يتيقن فيه نحره، وهو رمي الجمرة، فإذا مات قبل الوقت الذي يتيقن فيه نحره، فقد مات قبل أن يجب عليه، وإنما قال ابن القاسم: إنه يكون في رأس ماله، وإن لم يوص به، إذا لم يفرط بخلاف الزكاة إليها لم يفرط فيها، ولم يوص بها؛ لأن الهدي لو أهداه لم يخف، إذ من شأنه أن يقلد ويشعر ويساق من الحل إلى الحرام فينحر به، فليس ذلك مما يفعل سرا كالزكاة التي يمكن أن يكون لم يوص بها، من أجل أنه قد أداها سرا من حيث لا يعلمون، وقد قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا} [البقرة: 271] الآية، فلعله قصد إلى ما هو خير له من الاستمرار بأداء زكاته، فتفرقة ابن القاسم بين المسألتين أظهر من مساواة سحنون بينهما، ألا ترى أنهم لا يختلفون في وجوب إخراج الزكاة من الزرع الذي يموت عنه صاحبه، وقد بدا صلاحه، وإن لم يوص بإخراج الزكاة عنه للعلم بأن صاحبه لم يؤد زكاته، وأشهب يرى إخراج زكاة المال الناض على الورثة واجبا، وإن لم يوص الميت بإخراجها، إذا مات عند وجوبها، ولم يفرط، وبالله التوفيق. [مسألة: يعتمر من أفق من الآفاق في أيام التشريق] مسألة وسئل عن الرجل يعتمر من أفق من الآفاق في أيام التشريق، قال: لا بأس بذلك؛ لأن هؤلاء إنما يحلون بعد ذلك، فلا أرى هذا مثل من يعتمر في أخر أيام التشريق من الحاج قبل أن تغيب الشمس، هذا لا يعجبني.

مسألة: يفيض في آخر أيام التشريق قبل أن تزول الشمس

قال محمد بن رشد: جائز لمن لم يحج أن يعتمر في أيام التشريق، والأصل في جواز ذلك حديث أبي أيوب الأنصاري، وهبار بن الأسود؛ إذ قدما على عمر بن الخطاب يوم النحر، وقد فاتهما الحج بإضلال أبي أيوب رواحله، وخطأ هبار بن الأسود العدة، فأمرهما عمر بن الخطاب أن يتحللا من إحرامهما بعمرة، ويقضيا حجهما عاما قابلا، ويهديا على ما وقع من ذلك في الموطأ، فلمن لم يحج من أهل الآفاق أن يهل بعمرة من ميقاته في أيام التشريق، سواء حل منها في أيام التشريق أو بعد أيام التشريق، قاله ابن القاسم في المدونة، فقوله هاهنا وفي المدونة أيضا؛ لأن هؤلاء إنما يحلون بعد ذلك، يريد أيام التشريق ليس بتعليل صحيح، وأما من حج فلا يجوز له أن يعتمر حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق، والأصل في ذلك حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين «أمرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقضاء عمرتها بعد انقضاء حجها» ، فإن أهل بعمرة في آخر أيام التشريق قبل أن تغيب الشمس بعد أن رمى وأفاض وحل من إحرامه؛ لزمه الإحرام، قاله في الحج الأول من المدونة، قال في كتاب ابن المواز: ولا يعمل من عمل العمرة شيئا حتى تغيب الشمس، فإن عمل فعمله باطل، وهو على إحرامه، فإن وطئ بعده أفسد عمرته، ووجب عليه قضاؤها بعد تمامها والهدي. قال محمد بن رشد: والقياس إذا كان قد حل من إحرام الحج، وانعقد إحرام العمرة، أن يصح عملها، قال ابن المواز: وأما إن أحرم بعمرة في اليوم الثاني من أيام التشريق، وإن كان قد تعجل وحل من إحرامه، فلا يلزمه الإحرام. [مسألة: يفيض في آخر أيام التشريق قبل أن تزول الشمس] مسألة وسئل هل رخص لأحد من الحاج أن يفيض في آخر أيام التشريق قبل أن تزول الشمس؟ قال: ليس فيه رخصة.

مسألة: أعطى جارية له محرمة إزارا له أن تفليه من القمل وهو محرم

قال محمد بن رشد: يريد بقوله أن يفيض أن يرجع إلى بلده، فلم ير في ذلك رخصة لأحد من الحاج؛ لأنه إن كان ممن لم يتعجل في يومين فعليه رمي ذلك اليوم، وإن كان قد تعجل في يومين فقد وجب عليه أيضا رميه إذا بقي بمنى ولم ينفر يوم تعجل، ولم يرد بقوله: أن يفيض طواف الإفاضة؛ لأن له أن يمضي إلى مكة لطواف الإفاضة يوم النحر، وأي يوم شاء من أيام منى قبل الزوال وبعده، والتعجيل أفضل، ويرجع إلى منى على كل حال لرمي الجمار، وللمبيت بها، ووقع في بعض الروايات هل رخص لأحد من الحاج أن يعتمر؟ ومعنى ذلك أيضا بين؛ لأن أيام الحج لم تنقض بعد، فلا رخصة لأحد من الحاج أن يعتمر قبل انقضائها، وإن كان ممن تعجل في يومين. [مسألة: أعطى جارية له محرمة إزارا له أن تفليه من القمل وهو محرم] مسألة وسئل عن رجل أعطى جارية له محرمة إزارا له أن تفليه من القمل، وهو محرم، وجاريته محرمة، ففلته وألقت الدواب عنه، قال: أرى أن يفتدي، فقيل له: أيذبح شاة أو يصوم ثلاثة أيام؟ قال: نعم في رأيي، أي ذلك شاء فعل. قال محمد بن رشد: إنما أوجب مالك عليه الفدية من أجل أنه أماط بذلك عن نفسه الأذى، لا من ناحية ما قتلت من الدواب بأمره، وقد قال يحيى، عن ابن القاسم: إنما قال مالك ذلك احتياطا، ولو أطعم شيئا من طعام أجزأه، والذي قلته هو وجه قول مالك، وإنما كان يجب عليه أن يطعم شيئا من طعام لو لم يكن الإزار له، وقد تأول بعض الناس على مالك من هذه الرواية، ومن قوله في المدونة في المحرم يحلق رأس الحلال: إنه واجب الفدية على من قتل قملا كثيرا، وليس ذلك بتأويل صحيح، أما هذه الرواية، فقد بينا وجهها، وأما مسألة المدونة فوجه إيجاب مالك فيها الفدية هو

مسألة: دخل بعمرة فطاف وسعى ثم وطئ قبل أن يحلق

أنه لما كان الأصل في وجوب الفدية حلق الرأس في القرآن، والسنة حمله على عمومه في رأسه وفي رأس غيره، وقد رأى أصبغ قول مالك في هذه المسألة أفضل من قول ابن القاسم فيها: إنه يطعم شيئا من طعام، وقال سحنون: قول ابن القاسم أفضل. [مسألة: دخل بعمرة فطاف وسعى ثم وطئ قبل أن يحلق] مسألة وسئل عن رجل دخل بعمرة، فطاف وسعى، ثم وطئ قبل أن يحلق، قال: أرى أن يهدي هديا. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب؛ لقول ابن عباس من نسي من نسكه شيئا، فليهرق دما. [مسألة: يطوف بالبيت فيشك في طوافه] ومن كتاب أوله شك في طوافه مسألة وسئل عن الرجل يطوف بالبيت، فيشك في طوافه، ورجلان معه فيقولان له: لقد أتممت طوافك، قال: أرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: خفف مالك هذا في الطواف بخلاف قوله في الصلاة في إعادتها وغيرها، والقياس أنهما في ذلك سواء؛ لأنهما عبادتان مستويتان في أنهما موكولتان إلى أمانة العبد، فوجب أن يستويا في أنه يعمل فيهما على يقينه دون يقين من سواه، أو في أنه يجوز له أن يعمل فيهما على يقين من سواه، وقد روي ذلك عن أشهب، والقول الآخر أظهر، وقد مضى توجيههما في آخر أول رسم، من سماع ابن القاسم، من كتاب الصلاة، ووجه الفرق بينهما أن الحج له تعلق بالمال، وقد شبهه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدين، فقال للخثعمية: «أرأيت لو كان على أبيك دين، أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى» ، فجاز أن تعمل فيه الشهادة كما تعمل في الدين،

مسألة: المحرم يكثر عليه قمل إزاره فيبيعه

بخلاف الصلاة التي لا تعلق لها بالمال، وقد نص النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أن المصلي يعمل فيها على يقينه. [مسألة: المحرم يكثر عليه قمل إزاره فيبيعه] مسألة وسئل عن المحرم يكثر عليه قمل إزاره، فيبيعه لموضع ما فيه من القمل، قال: لا بأس بذلك، قال سحنون: إذا باعه أليس قد عرضه للقتل؟ قال محمد بن رشد: أجاز له مالك بيع إزاره، لموضع ما فيه من القمل، كما يجوز له أن يتركه ويلبس غيره؛ إذ ليس عليه أن يتمادى على لباس الثوب الذي أحرم فيه إلى آخر إحرامه، ورأى سحنون أنه إذا باعه، فقد عرض القمل للقتل كما لو طرد صيدا من الحرم إلى الحل، وليس هو مثله؛ لأنه إذا طرد الصيد من الحرم إلى الحل، فقد أخرجه من مأمن إلى غير مأمن؛ لأنه كان في مكان لا يصاد فيه، فأخرجه إلى مكان يصاد فيه، والقمل الذي في الثوب حكمه قبل البيع كحكمه بعد البيع في جواز قتله لمن ليس بمحرم، وليس على من صار القمل في ثوبه أن يمنع الناس من قتله، إنما عليه ألا يقتله ولا يأمر من يقتله، ألا ترى أن من أحرم وبيده صيد يرسله في الحل، وليس عليه أن يمنع الناس من صيده، ولم ير مالك بيعه ثوبه لمكان ما فيه من القمل مميطا عن نفسه الأذى، بخلاف المسألة التي في الرسم الذي قبل هذا، والفرق بينهما أنه فعل هاهنا ما يجوز له من بدل ثوبه، وهناك ما لا يجوز من إلقاء القمل عنه. [مسألة: المتمتع ينصرف إلى مكة فيريد أن يصوم السبعة الأيام بمكة] مسألة وسئل عن المتمتع بالعمرة إلى الحج ينصرف إلى مكة، فيريد أن يصوم السبعة الأيام بمكة، قال: قال عز وجل: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196]

مسألة: المحرم أينشد الشعر

فأرجو أن يكون في سعة، وكأنه رآه من الرجوع. قال محمد بن رشد: لما قال تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وما رجوعك من منى رجوعا، فأجاز له أن يصومها في حال رجوعه إلى بلده في طريقه، وإن كان الاختيار عنده ألا يصومها إلا في بلده، يدل على ذلك قوله، فأرجو أن يكون في سعة، قال في كتاب ابن المواز: إذا رجع إلى أهله أحب إلي ألا يقيم بمكة، وهو معنى قوله في المدونة أيضا، ومن أهل العلم من لم يجز له أن يصومها إلا في بلده، ومنهم من لم ير قول الله عز وجل: {إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] ، شرطا وجعله توسعة وتخفيفا، مثل قوله عز وجل في الصيام: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، فأجاز له أن يصوم العشرة الأيام كلها في الحج، كما يجوز للمريض والمسافر أن يصوم في رمضان، وإلى هذا ذهب ابن حبيب. [مسألة: المحرم أينشد الشعر] مسألة وسئل مالك عن الرجل المحرم أينشد الشعر؟ قال: لا، إلا أن يكون الشيء الخفيف، وقلله بيده. قال محمد بن رشد: الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، إلا أن مالكا كره للمحرم الإكثار منه؛ لما فيه من التلهي به، وكفى من عيب الإكثار منه أن الله لم يرضه لنبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] الآية، ولا بأس أن ينشد اليسير منه متمثلا به، قال ابن حبيب: ما لم يكن فيه خنا

مسألة: أفاض إلى مكة فطاف بالبيت فلما فرغ سمع الأذان

وذكر النساء، وقد فعله أبو بكر وابن عباس وغيرهم، وقد أجاز جماعة من السلف أن ينشد المحرم ما فيه التشبب بالنساء، وقال: إنما الرفث المنهي عنه ما روجعن به. [مسألة: أفاض إلى مكة فطاف بالبيت فلما فرغ سمع الأذان] ومن كتاب سلعة سماها مسألة وسئل عن رجل أفاض إلى مكة، فطاف بالبيت، فلما فرغ سمع الأذان، هل ترى له أن يقيم حتى يصلي؟ قال: أرجو أن يكون ذلك واسعا إن أقام أو خرج. قال محمد بن رشد: معنى هذا فيمن أفاض يوم النحر، أو في يوم من أيام منى؛ لأن الاختيار أن يرجع إلى منى يصلي بها الظهر إن كان أفاض في ضحى النهار أو المغرب، إن كان أفاض في آخره، وكذلك فعل رسول الله حين أفاض يوم النحر في صدر النهار، وقد روي أنه أفاض في آخره، وسيأتي هذا في رسم الحج الثاني من سماع أشهب. [مسألة: يجب عليه المشي إلى الإسكندرية فيسير منها إلى الفسطاط] مسألة وسئل عن الرجل يجب عليه المشي إلى الإسكندرية، فيسير منها إلى الفسطاط، وهو يريد المشي، فيقيم بالفسطاط شهرا، ثم يريد المشي بعد ذلك، قال: نعم، لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ذلك ليس بتفريق للمشي إذا كان ذلك كله في عام واحد، ولو مشى من الإسكندرية إلى الفسطاط، وهو يريد المشي، فأقام في الفسطاط إلى عام آخر من غير عذر، ثم مشى بعد ذلك

مسألة: الموسم أهو الأسواق أو الحج

لما أجزاه مشيه على قول ابن حبيب فيمن كان عليه مشي، فركب فيه متعمدا من غير عذر على أن يقضيه في عام آخر، وهو الذي يأتي على ما في المدونة، فيمن مشى فعجز عن المشي، فركب، ثم خرج في عام آخر فمشى ما ركب أنه يهدي؛ لأنه فرق مشيه، إذ لو كان له أن يفرقه من غير عذر لما كان عليه الهدي، إذا فرقه من عذر، إلا أن قوله ليس على أصله فيمن نذر صيام شهر له أن يفرقه إلا أن ينويه متتابعا، فيلزم عليه أن يجزيه المشي، وقول ابن حبيب صحيح على أصله في الصيام، وعليه قاسه، والحمد لله رب العالمين. [مسألة: الموسم أهو الأسواق أو الحج] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة مسألة وسئل عن الموسم أهو الأسواق أو الحج؟ قال: بل هو الحج. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الموسم إذا أطلق، فإنما يقع على الحج وإياه يراد به، وإن كانت الأسواق والمجتمعات كلها مواسم، وإنما سميت مواسم؛ لأن الناس يجتمعون فيها يتقابلون ويتعارفون، قال عز وجل: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29] ، وقال الخليل: الموسم موسم الحج، وإنما سمي موسما؛ لأنه معلم يجتمع إليه، وكذلك كانت مواسم أسواق العرب في الجاهلية. قال محمد بن رشد: فلو أن حالفا حلف ألا يكلم فلانا في الموسم، حنث إن كلمه في الحج، إلا أن يكون نوى سوقا من الأسواق، وأتى مستفتيا؛ لأن

مسألة: حلفت بالمشي إلى بيت الله فماتت فأراد أولياؤها أن يمشوا عنها

الموسم قد يعرف بالحج، وقد قرئ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] في مواسم الحج. [مسألة: حلفت بالمشي إلى بيت الله فماتت فأراد أولياؤها أن يمشوا عنها] ومن كتاب ليرفعن أمرا إلى السلطان مسألة وسئل عن امرأة حلفت بالمشي إلى بيت الله فماتت، فأراد أولياؤها أن يمشوا عنها، قال: لو أهدوا هديين كان أحب إلي، فإن لم يجدوا فهديا واحدا، قال سحنون: لا يلزم أولياءها أن يمشوا عنها إلا أن توصي بذلك. قال محمد بن رشد: مذهب مالك أنه لا يحج أحد عن أحد، ولا يمشي أحد عن أحد؛ لأن ذلك من أعمال الأبدان قياسا على ما أجمعوا عليه في الصلاة، إلا أنه يقول: إن أوصى بذلك نفذت وصيته بالحج لما جاء في ذلك، عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولم ينفذ في المشي، وأهدي عن الموصي هديين، قاله هاهنا، وفي رسم حلف بعد هذا، وفي المدونة هدي للمشي، وهدي لما يكون فيه المشي؛ إذ لا يكون إلا في حج أو عمرة، وفي سماع سحنون من هذا الكتاب لابن القاسم إذا أوصى أن ينفذ عنه ما يجب عليه في المشي الذي نذر، يهدي عنه بقدر الكراء، والنفقة هدايا إلى مكة، ولا يمشي عنه، ونحوه في سماع أشهب من كتاب النذور، وذهب سحنون إلى أنه تنفذ وصيته في الحج، وفي المشي قياسا على الحج، وهو قوله هاهنا، وابن كنانة لا يرى أن تنفذ وصيته في الحج، ولا في المشي، ويهدى عنه بقدر النفقة في ذلك هدايا، أو يتصدق بذلك عنه، وقول ابن كنانة القياس على المذهب في أنه ليس من البر أن يحج أحد عن أحد، وإنما ينفذ من الوصايا ما فيه بر وقربة، إلا أن من أصل مذهب مالك مراعاة الخلاف، وهو استحسان، واستحب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رسم باع غلاما بعبد، هذا لمن وعد أباه أن

مسألة: يقبل الحجر ويسجد عليه

يمشي عنه أن يفي عنه بما وعده به من ذلك من ناحية وجوب الوفاء بالعهد في الجائزات. [مسألة: يقبل الحجر ويسجد عليه] مسألة وسأله ابن وهب فقال: إن بعض الصحابة كان يقبل الحجر ويسجد عليه، وإن أهل مكة ينكرون ذلك، فأنكر ذلك إنكارا شديدا، وقال: الذي سمعناه القبلة. قال محمد بن رشد: قد روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، ولم يصح ذلك عند مالك، فأنكره ورآه بدعة، إذ لو كان من السنة، ومما فيه قربة لا تصل به العمل، وعرف ذلك واشتهر، وذهب ابن حبيب إلى ما روي من ذلك عنهما، وقال: ما أرى كراهية مالك لذلك إلا في الفتوى خيفة أن يرى واجبا، فلا بأس به للرجل في خاصة نفسه، والأول من قوليه أظهر. [مسألة: أحرم يوم التورية وهو متمتع أيصوم يوم عرفة] مسألة وسئل عمن أحرم يوم التورية، وهو متمتع أيصوم يوم عرفة؟ قال: لا بأس به، ويعني بذلك، ويصوم يومين من أيام التشريق. قال محمد بن رشد: هذا على أصله في أن صيام الثلاثة الأيام في الحج والسبعة بعد الرجوع لا يلزم متابعة شيء من ذلك، وعلى ما ذهب إليه ابن حبيب أن الثلاثة الأيام متتابعات، لا يجوز له صيام يوم عرفة من أجل فطر يوم النحر بعده، فيصوم الثلاثة الأيام على مذهبه بعد يوم النحر، فيفطر يوم النحر، ثم يصوم بعد ذلك، وإنما كان له أن يصوم بأيام منى مع ما جاء من الأمر بفطرها من أجل أن الله أوجب عليه صيام الثلاثة الأيام في الحج بقوله:

{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] ، وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية ابن عمر أنه قال في المتمتع إذا لم يجد هديا، ولم يصم أيام العشر، أنه يصوم أيام التشريق، فكان ذلك مخصصا لما جاء عنه من الأمر بفطرها، وقد اختلف فيمن يجب عليه صيامها في الحج على أربعة أقوال؛ أحدها: أن الذي يجب ذلك عليه المتمتع والقارن خاصة، وهو قول أصبغ قال: ولا يجب الصيام في الحج على غيرهما ممن أفسد الحج أو فاته الحج وشبههم، إلا استحسانا لا إيجابا. والثاني: أن الذي يجب ذلك عليه المتمتع والقارن والمفسد لحجه، والذي فاته الحج هؤلاء الأربعة لا غير، وهو قول ابن القاسم في العشرة. والثالث: أن ذلك يجب على هؤلاء الأربعة، وعلى كل من وجب عليه الهدي لشيء تركه من أمر الحج من يوم إحرامه به إلى يوم وقوفه بعرفة. والرابع: أن ذلك يجب على هؤلاء الأربعة، وعلى من ترك من الحج ما يوجب عليه الهدي كان ذلك قبل الوقوف بعرفة أو بعد الوقوف بها من ترك النزول بالمزدلفة، أو ترك رمي جمرة العقبة، أو جمرة من جمرات أيام منى، وهذان القولان الثالث والرابع قائمان من المدونة، وفائدة هذا الاختلاف هل لمن فاته الصيام من حين أحرم إلى يوم عرفة أن يصوم أيام التشريق أم لا؟ فمن أوجب عليه أن يصوم الثلاثة الأيام في الحج أوجب عليه أن يصومها في أيام التشريق، إذا لم يصمها قبل ذلك؛ لأنها من أيام الحج بعد، ومن لم يوجب عليه أن يصومها في الحج لم يجز له أن يصومها في أيام التشريق للنهي عن صيامها، كل على مذهبه، فإن وجب عليه الهدي على القول الرابع من ترك الرمي في اليوم الأول أو الثاني من أيام التشريق، فدم يجده صام بقية أيام التشريق، وأبو حنيفة لا يجيز صيام منى لمتمتع ولا غيره، قياسا على ما أجمعوا عليه في يوم النحر.

مسألة: محل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق

[مسألة: محل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق] مسألة قال مالك: قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] عرفات، والمزدلفة، والصفا والمروة، فمحمل الشعائر في البيت العتيق. قال محمد بن رشد: تأول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الشعائر في هذه الآية مناسك الحج على ما ذكر، فالمنافع التي ذكر الله تعالى بقوله: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} [الحج: 33] على تأويله، هو العمل لله بما أمر فيها من عمل الحج، والأجل المسمى هو انقضاء أيام الحج، وقيل المنافع فيها الأسواق بها والتجارات فيها، والأول أظهر؛ لقوله عز وجل: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] ، أي محل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق بالطواف به، كما قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت، فإن آخر المنتسك الطواف بالبيت، فقد تأول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في موطاه على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال ذلك من هذه الآية، وأما قوله عز وجل: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] الآية، فإنه الطواف الواجب لا طواف الوداع، وقد تأول أن الشعائر المذكورة في الآية هي البدن، وأن المنافع التي لنا فيها ركوبها ونتاجها وألبانها، إلى أجل مسمى، وهو إيجابها بدنا، وقيل: إن المنافع ركوبها بعد إيجابها هدايا عند الحاجة إلى ذلك،

مسألة: الثوب يصيبه الدهن هل يحرم فيه

والأجل المسمى هو وقت نحرها، ومحلها الحرم الذي فيه البيت العتيق، وقد تأول أن المراد بالشعائر في الآية مناسك الحج والبدن جميعا. [مسألة: الثوب يصيبه الدهن هل يحرم فيه] مسألة وسئل مالك عن الثوب يصيبه الدهن هل يحرم فيه؟ قال: نعم، لا بأس به، قال ابن القاسم: إلا أن يكون مسكا أو عنبرا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الأدهان التي لا طيب فيها يجوز للمحرم أن يأكلها ويدهن بها يديه ورجليه من شقوق بهما، لا ليحسنهما، وهي لا تحسن الثوب بحال إذا أصابته، بل توسخه، فلا بأس بالإحرام فيه كما قال. [مسألة: للمحرم الماشي إذا هبط من بطن وادي محسر أن يسعى على قدميه] مسألة قال مالك: أحب للمحرم الماشي إذا هبط من بطن وادي محسر أن يسعى على قدميه مثل ما يصنع الراكب، ويدعو بعرفات قائما، فإن أعيا جلس. قال محمد بن رشد: بطن محسر ما بين مزدلفة ومنى، ويستحب للحاج أن يوضع فيه، ولا يجوزه حتى تطلع الشمس، وكان ابن عمر يحرك ناقته فيه قدر رمية بحجر، فاستحب للماشي أن يصنع من ذلك ما يفعل الراكب، والاختيار أن يقف بعرفات راكبا، وكذلك فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن لم يكن راكبا دعا قائما، فإن أعيا جلس كما قال. [مسألة: المحرم يطأ جاريته وهي محرمة] مسألة وسئل مالك عن المحرم يطأ جاريته وهي محرمة، قال: أرى

مسألة: المحرم يشتري الجارية فيقلبها لنفسه أو لبعض ولده

أن يُحجَّها من قابل، ويُهدي عنها هديا، قال لي ابن القاسم: أكرهها أو لم يكرهها؛ لأن الأمة ليست في الاستكراه مثل الحرة. قال محمد بن رشد: جعلها ابن القاسم في حكم المكرهة، وإن كانت طائعة لقدرته على إكراهها لو امتنعت لملكه إياها، وهو قوله وروايته عن مالك في كتاب ابن الماجشون، وذلك عليه وإن باعها، قال ابن المواز: وذلك عيب فيها يردها به المشتري إن شاء، وذلك نحو قوله في رسم نقدها، من سماع عيسى، من كتاب النكاح، في الذي تزوج امرأة، فأدخلت عليه جارية امرأته فوطئها، وهو لا يعلم أنه لا حد عليه وعلى الجارية، خلاف قول ابن الماجشون في الذي زوج ابنته رجلا، فحبسها وأرسل إليه بأمته فوطئها، أنها تحد إلا أن تدعي أنها ظنت أنها زوجت منه، فيأتي على قول ابن الماجشون أنه ليس عليه أن يُحجَّها إن كانت طائعة، ويكون ذلك عليها إذا عتقت. [مسألة: المحرم يشتري الجارية فيقلبها لنفسه أو لبعض ولده] مسألة وسئل مالك عن المحرم يشتري الجارية فيقلبها لنفسه أو لبعض ولده، قال مالك: لا أحب للمحرم أن يقلب جارية للابتياع وهو محرم. قال محمد بن رشد: هذا يدل على أنه أن له أن ينظر في التقليب إلى معصميها وساقيها وصدرها، وهو دليل قوله في كتاب الخيار من المدونة؛ لأن الرقيق قد يجرد في الشراء، فكره ذلك له مخافة أن تعجبه فيلتذ بها، فيتراقى به الأمر إلى ما ينقص أجره أو يفسد حجه، أو يوجب عليه الهدي، وفي رسم طلق، من سماع ابن القاسم، من كتاب جامع العيوب، أنه لا ينظر

مسألة: المحرم يؤذيه الغبار أو الجيفة يمر بها أيضع يده على أنفه

عند التقليب إلى وجهها وكفيها، ويخبر عنها كما يخبر عن المرأة التي يتزوجها، فهذا القدر مما لا يتعلق به كراهية في حال الإحرام. [مسألة: المحرم يؤذيه الغبار أو الجيفة يمر بها أيضع يده على أنفه] مسألة وسئل مالك عن المحرم يؤذيه الغبار أو الجيفة يمر بها، أيضع يده على أنفه؟ قال: نعم، قال ابن القاسم: واستحب له إذا مر على طيب أن يضع يده على أنفه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قالا؛ إذ لا قربة للمحرم في استنشاق الغبار والروائح القبيحة في إحرامه، فجائز له أن يضع يده على أنفه، وقد قال في رسم الحج الثاني، من سماع أشهب: إني لأرجو ألا يكون بذلك بأس، فكأنه رأى ترك ذلك أحسن، فعبارته هاهنا أحسن، وهو متعبد فيه، أعني في إحرامه، فيجتنب الطيب، فيكره له أن يشمه وإن لم يمسه، وقد قيل: إن الفدية تجب عليه في شمه وإن لم يمسه. [مسألة: يطوف بالبيت ويركع ثم يمرض فلا يستطيع أن يسعى] مسألة وسئل مالك عن الذي يطوف بالبيت ويركع، ثم يمرض فلا يستطيع أن يسعى حتى ينتصف النهار، فكره أن يفرق بين الطواف والسعي، قال ابن القاسم: فإن أصابه ذلك افتدى. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في رسم حلف بعد هذا، ولم يفرق فيها بين أن يكون بطهر واحد أو بغير طهر واحد، كما فرق في سماع أشهب، وهذا أظهر؛ لأن السعي بين الصفا والمروة يجوز على غير طهارة، فلا وجه لاعتبار الطهر الواحد في ذلك، وأوجب ابن القاسم هنا على من

مسألة: يدفع من عرفة فيصيبه أمر يحتبس فيه فلا يصل إلى المزدلفة

أصابه ذلك الفدية، ولم يقل: إنه يعيد إن كان قريبا كما قال في سماع أشهب، وهو معناه إن شاء الله، فإن ذكر بالقرب قبل أن يحلق فأعاد الطواف والسعي ثم حلق؛ فلا هدي عليه، وإن ذكر بالقرب وقد حلق أعاد الطواف والسعي والحلاق، وكان عليه الذبح بسبب الحلق قبل تمام العمرة. [مسألة: يدفع من عرفة فيصيبه أمر يحتبس فيه فلا يصل إلى المزدلفة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يدفع من عرفة فيصيبه أمر يحتبس فيه من مرض أو غيره، فلا يصل إلى المزدلفة حتى يفوته الوقوف بها، قال: أرى أن يهريق دما. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الوقوف بالمشعر الحرام من مناسك الحج وسنته، وليس من فرائضه عند مالك، فيجزي عنه عنده الهدي، وذهب ابن الماجشون إلى أنه من فرائض الحج لا يجزي عنه الهدي؛ لقوله عز وجل: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] ، والدليل على أنه غير واجب، تقديم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضعفة أهله بليل من المزدلفة إلى منى، فلم يقفوا بالمشعر الحرام، ولو كان الوقوف به واجبا لما قدمهم، كما لم يقدمهم من عرفة؛ إذ الوقوف بها ليلا من فرائض الحج؛ لأن الدفع من مزدلفة إلى منى أخف من الدفع من عرفة إلى المزدلفة، فتقديمهم في الأخف دون الأثقل دليل على سقوط وجوب الوقوف بالمشعر الحرام. [مسألة: ما يقول في التلبية من أراد أن يقرن بين الحج والعمرة] مسألة قال مالك: الصواب فيمن أراد أن يقرن بين الحج والعمرة إذا أحرم بالتلبية أن يقول: لبيك بعمرة وحجة، يبدأ بالعمرة قبل الحجة، هذا وجه الصواب فيه.

مسألة: الارتجاز في الرمل

قال محمد بن رشد: يريد أنه يقدمها في نيته قبل الحجة، لا أنه يتكلم بذلك؛ إذ النية تجزي في ذلك عنده كالصلاة، ولا يحتاج ذلك إلى الكلام، ومثل هذا في الحج الأول في المدونة، وهو ما لا اختلاف فيه في المذهب. [مسألة: الارتجاز في الرمل] مسألة وسئل عن قول عروة: لا إله إلا أنت، وأنت تحيي بعد ما أمت، قال: ليس عليه العمل، هذا أمر قد ترك. قال محمد بن رشد: كان عروة يقول ذلك في رمله الأشواط الثلاثة بالبيت، وروي عن ابن عمر أنه كان يقول في ذلك: اللهم اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم؛ إنك الأعز الأكرم، فقول مالك ليس عليه العمل، يريد ليس العمل على الارتجاز في الرمل؛ لأنه أمر قد ترك العمل به، فليس ذلك مما يستحب به، بل المستحب ألا يقصد إلى الرجز، ويذكر الله بما أمكنه وتيسر عليه من تهليله، وتعظيمه، وحمده، والثناء عليه، والرغبة إليه. [مسألة: قدم الإحرام على التقليد والإشعار] مسألة وسئل مالك عن البدنة متى تشعر؟ قال: تشعر وتقلد قبل أن يصلي الرجل بذي الحليفة، ثم يصلي ويحرم. قال محمد بن رشد: قوله: تشعر وتقلد؛ لأن التقليد قبل الإشعار في الاختيار، وهذا مثل ما في المدونة، وهو الشأن والاختيار، وليس في ذلك إلا الاتباع، فإن قدم الإحرام على التقليد والإشعار، أو على أحدهما أو قدم الإشعار على التقليد، فلا حرج عليه في شيء من ذلك كله ولا دم، وإنما اختير

مسألة: يقال إن النبيذ الذي يعمل في السقاية من السنة

تقديم التقليد والإشعار على الإحرام؛ لئلا يشتغل بذلك بعد الإحرام، واختير تقديم التقليد على الإشعار؛ لأنها قبل الإشعار أمكن، فتقليدها حينئذ أمكن، إذ قد يحدث الإشعار فيها تصعبا. [مسألة: يقال إن النبيذ الذي يعمل في السقاية من السنة] ومن كتاب طلق بن حبيب مسألة وقال لمالك رجل من الحجبة: إنه يقال: إن النبيذ الذي يعمل في السقاية من السنة، فقال: لا والله، يريد ما هو من السنة، قيل لمالك: إنه قد كان على عهد أبي بكر وعمر، قال: ما كان على عهدهما، ولو ذكرت لكلمت أمير المؤمنين حين قدم علينا فيه، يقول: ليقطعه، فكرهه كراهية شديدة. قال محمد بن رشد: وقد أنكر مالك أن يكون ذلك من السنة وأقسم على ذلك، وأنكر أن يكون على عهد أبي بكر وعمر، فكفى بقوله في ذلك حجة، فاتباع رأيه في ذلك صواب ورشاد؛ لأن الرشد في اتباع السنن والأمر الماضي. [مسألة: يطلع منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفين] مسألة قال مالك: استشارني بعض ولاة المدينة أن يطلع منبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخفين، فنهيته عن ذلك، ولم أر أن يطلعه بخفين، فقيل له فالكعبة؟ فقال: إن بعض الحجبيين ممن قدم علينا يذكر أن النبي نهى أن تطلع الكعبة بنعلين، فقيل له: فالرجل يجعلهما في حجرته؟ قال: لا بأس بذلك.

مسألة: شرب الفلونيا والترياق للمحرم وفيهما الزعفران

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من كراهية أن يطلع أحد منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بخفين أو نعلي الإمام أو غير الإمام، وأن يدخل البيت بنعلين أو خفين إكراما لهما، وترفيعا وتعظيما؛ إذ من الحق أن ينزها عن أن يوطئا بالخفاف والنعال المتخذة لصيانة القدمين عن المشي بهما في الطريق والمحاج، وإن كانت طاهرة، ولم ير ابن القاسم بأسا في المدونة أن يدخل بهما في الحجر، وكره ذلك أشهب في المجموعة؛ لأن الحجر من البيت، قال: وكراهيتي لذلك في البيت أشد. [مسألة: شرب الفلونيا والترياق للمحرم وفيهما الزعفران] مسألة وسئل مالك عن شرب الفلونيا والترياق للمحرم وفيهما الزعفران، قال: لا بأس به، قال: والذي فيه من الزعفران ليس له قدر، وما أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: أجاز ذلك؛ لأن الذي فيهما من الزعفران يسير لا قدر له ولا يظهر فيهما، فلم ير له حكما لما كان مستهلكا فيهما، كما أن لبن المرأة عنده إذا خلط بالطعام وعصد به حتى صار هو الغالب عليه لم تقع به حرمة، فليس ذلك بخلاف لما في المدونة وغيرها من أن الحرم لا يأكل فيه الطعام الذي فيه الزعفران، إلا أن يكون قد مسته النار، قال ابن حبيب: فتعلك بالطعام حتى لا يصبغ اليد ولا الشفة، زاد في هذه الرواية في هذا الرسم من الجامع، قال مالك حين ذكر شرب الترياق للمحرم، أشد من هذا عندي ما يصيب الناس في إحرامهم من طيب البيت فكرهه، كأنه يرى أن له

مسألة: المعتمر أيحلق أحب إليك أم يقصر

في ذلك سعة، وأنه أمر لا يستطاع يقول: وكيف يصنعون وسياق مالك هذه المسألة عليها يدل على أنه إنما لم ير على المحرم في شرب الفلونية والترياق شيئا؛ لأنهما إنما يشربان لضرورة التداوي، بخلاف الطعام الذي يؤكل لغير ضرورة، فهي علة أخرى أيضا في الفرق بين ذلك وبين ما في المدونة. [مسألة: المعتمر أيحلق أحب إليك أم يقصر] مسألة وسئل عن المعتمر أيحلق أحب إليك أم يقصر؟ قال: بل يحلق إلا أن تكون أيام الموسم، ويتقارب الحج مثل الأيام اليسيرة، فلا أرى أن يحلق، ويقصر أحب إلي. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الحلاق أفضل من التقصير؛ لأن الله بدأ به في كتابه: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] ، «ودعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمحلقين ثلاثا، وللمقصرين واحدة» ، إلا أن يقرب الحج؛ فالتقصير في العمرة أفضل ليبقى عليه الشعث في الإحرام بالحج، وليبقى له ما يحلق فيه، وهو بين. [مسألة: نفست أو حاضت قبل أن تطوف طواف الإفاضة] مسألة قال مالك: أرى أن يحبس كري النفساء إذا نفست كما يحبس في الحيضة في الحج والعمرة. قال محمد بن رشد: يريد إذا نفست أو حاضت قبل أن تطوف طواف الإفاضة، يحبس عليها في النفاس ستين يوما أقصى دم النفاس، واستحسن في سماع أشهب أربعين في الطب، واختلف في الحيضة إن تمادى بها الدم، فقيل: يحبس عليها خمسة عشر يوما، وهو قول مالك في سماع أشهب، وفي الحج الثالث من المدونة أنه يحبس عليها أيامها المعتادة والاستطهار، ظاهره

مسألة: دخل بعمرة فطاف وسعى ولم يحلق فأراد دخول البيت

تطوف إن تمادى بها الدم، وتكون في حكم المستحاضة؛ تصلي وتصوم وتطوف ويأتيها زوجها ... أبي زيد أنها لا تطوف ولا يحبس عليه كريها أكثر من ذلك، فيفسخ الكراء بينها وبينه، وذلك يتأتى على رواية ابن وهب عن مالك في المدونة أن الاستطهار بثلاث إنما هو احتياط للصلاة، وليست مستحاضة حتى تبلغ خمسة عشر يوما، فتغتسل على هذا بعد الاستطهار استحسانا، وتصلي ولا تطوف، ولا يأتها زوجها وتصوم، ثم تقضي الصيام ما بينها وبين الخمسة عشر يوما ما خلاف العشر يوما اغتسلت غسلا ثانيا واجبا، وكانت من حينئذ مستحاضة في حكم الطاهر في أمرها كله، إلا ما يستحب لها من الوضوء لكل صلاة، ومن أهل العلم من يوجب عليها الغسل لكل صلاة، ومنهم من يوجب عليها أن تغتسل للصبح غسلا، وللظهر والعصر غسلا، وللمغرب والعشاء غسلا، ومنهم من يوجب عليها أن تغتسل من ظهر إلى ظهر، وتتوضأ لكل صلاة، وهو قول سعيد بن المسيب في الموطأ. [مسألة: دخل بعمرة فطاف وسعى ولم يحلق فأراد دخول البيت] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا مسألة وسئل عن رجل دخل بعمرة، فطاف وسعى ولم يحلق، فأراد دخول البيت أن يحلق، قال: لا يعجبني ذلك أن يفعله حتى يحلق، ولا يقرب البيت حتى يحلق ولا يطوف. وهذا كما قال؛ لأن الحلاق هو تمام العمرة، فإذا طاف

مسألة: الذكر والأنثى من الإبل في الهدايا سواء

قبله أو دخل البيت، فكأنه قد زاد في العمرة، وأدخل فيها ما ليس منها. [مسألة: الذكر والأنثى من الإبل في الهدايا سواء] ومن كتاب يسلف مسألة قال مالك: لا أرى بأسا بالجمل الذكر يشترى بدنة، الذكر في ذلك والأنثى سواء، قال عز وجل: {وَالْبُدْنَ} [الحج: 36] لم يقل الإناث، ولا أرى به بأسا أن يشتري ذكرا في وصية، أو تطوع، أو غير ذلك. قال محمد بن رشد: ذهب مالك إلى أن الذكر والأنثى من الإبل في الهدايا سواء، وأن الذكر منها يسمى بدنة كما تسمى الأنثى بدنة؛ لأن ذلك إنما أخذه من عظم البدن، وقد تسمى البقرة بدنة؛ لأنها أعظم بدنا من الشاة، ولا اختلاف بين الفقهاء في أنه يجوز أن يهدي الجمل الذكر، فقد أهدى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جملا كان لأبي جهل ابن هشام في حج أو عمرة، إلا أن من أهل العلم من لا يراه بدنة ولا داخلا تحت قوله عز وجل: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا} [الحج: 36] الآية، ومنهم من يراه بدنة، ويرى أن الأنثى أفضل ولا فضل عند مالك للأنثى في ذلك على الذكر، وإنما الفضل عنده في الأعظم بدنا، ذكرا كان أو أنثى، ودليله الذي استدل به من ظاهر القرآن ظاهر، وبالله التوفيق. [مسألة: المتمتع يصوم ثلاثة أيام في الحج ثم يهلك قبل أن يصوم السبعة] مسألة وقال مالك في الرجل المتمتع يصوم ثلاثة أيام في الحج، ثم

مسألة: شأنه أكل أظفاره وشعر لحيته فيفعل ذلك وهو محرم

ينصرف إلى بلده، فيهلك قبل أن يصوم السبعة، قال: سواء مات ببلده أو بمكة، أرى أن يهدى عنه هدي. قال محمد بن رشد: هو لو وجد الهدي بعد أن صام الثلاثة الأيام قبل أن يموت، لم يجب عليه الهدي إلا أن يشاء، وإنما عليه الصيام، فإنما قال مالك: أرى أن هذا استحباب، من أجل أنه لا يصوم أحد عن أحد، والله أعلم. [مسألة: شأنه أكل أظفاره وشعر لحيته فيفعل ذلك وهو محرم] مسألة وسئل مالك على الذي من شأنه أكل أظفاره وشعر لحيته، فيفعل ذلك وهو محرم، قال: أرى أن يفتدي بصيام ثلاثة أيام، أو نسك شاة، أو إطعام ستة مساكين يريد بذلك فيما أظن، وإن كان مرارا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه في معنى قص أظفاره وشعر لحيته بالجلمين؛ لأنه مميط بذلك الأذى عن نفسه بالحالتين. [مسألة: السعي بين الصفا والمروة يحتاج صاحبه إلى بول أو خلاء] مسألة وسئل مالك عن السعي بين الصفا والمروة يحتاج صاحبه إلى بول أو خلاء، فيخرج فيبول أو يقضي حاجته ثم يرجع، أيبني أم يستأنف؟ قال: بل يبني. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وإنما أجاز له أن يبني بخلاف الصلاة؛ لأن السعي بين الصفا والمروة ليس من شرط صحته الطهارة، فإذا احتاج إلى الحدث أحدث وبنى، ولم يستأنف.

مسألة: الصبية يحج بها أتحلق

[مسألة: الصبية يحج بها أتحلق] مسألة وسئل عن الصبية يحج بها أتحلق؟ فقال: ما شاءوا، إن شاءوا حلقوا، وإن شاءوا جزوا، ذلك شأن الصبيان، وأما النساء فإنهن لا يحلقن ويقصرن. قال محمد بن رشد: إنما لم يحلق النساء؛ لأن الحلق لهن مثلة بهن، وأما الصبية الصغيرة التي لا يشينها الحلق، فهي في حكم الصبيان الذكور، إن شاءوا حلقوا، وإن شاءوا جزوا للرفق بهم، وإذا قيل: إنهم لا يثابون على الطاعات كما لا يؤاخذون على المعاصي، وأما الرجال فالحلق لهم أفضل في الحج والعمرة، إلا أن يكون العمرة قبل الحج بيسير، على ما مضى في رسم طلق قبل هذا. [مسألة: حج النساء في البحر] مسألة وسئل مالك عن حج النساء في البحر فكره ذلك، وقال: لا أحب لهن أن يحججن في البحر، وعابه عيبا شديدا. قال محمد بن رشد: إنما كره من ناحية الستر، مخافة أن ينكشفن؛ لأنهن عورة، وهذا إذا كن في معزل عن الرجال لا يخالطهن عند حاجة الإنسان، وفي سعة يقدرن على الصلاة، وأما إن لم يكن في معزل عن الرجال، أو كن في ضيق يمنعهن من إقامة الصلاة على سنتها، فلا يحل لهن أن يحججن فيه، وقد قال مالك في رسم الصلاة، من سماع أشهب، من كتاب الصلاة، في الذين يركبون البحر في الحج والعمرة، ولا يقدر أحدهم أن يسجد إلا على ظهر أخيه: أيركب حيث لا يصلي؟ ويل لمن ترك الصلاة، وقد مضى القول

مسألة: المرأة تقلد وتشعر

على ذلك هناك، في كراهيته للنساء ركوب البحر في الحج، دليل على جوازه عنده للرجال، وهذا هو الذي يدل عليه قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] الآية؛ لأنه يبعد أن يعدد الله على عباده من نعمه ما حظره عليهم ولم يبحه لهم، ويدل عليه من السنة حديث أنس بن مالك: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نام عند أم حرام، ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال: ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج البحر ملوكا على الأَسِرّة، أو مثل الملوك على الأسرة» ، الحديث، وفي دعاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأم حرام أن يجعلها منهم بسؤالها إياه، ذلك دليل على جواز ركوبه للنساء، وذلك على الصفة الجائزة، وفي المجموعة لمالك من رواية ابن القاسم عنه أنه كره الحج في البحر، إلا لمثل الأندلس الذين لا يجدون من ذلك بُدّا، وقد قيل: إن فرض الحج منسقط عمن لا يقدر على الوصول إلى مكة إلا على البحر؛ لقوله عز وجل: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] الآية؛ إذ لم يذكر إلا هاتين الصفتين، وهو قول شاذ وقول ضعيف؛ لأن مكة ليست في ساحل البحر، فلا يصل أحد إليها إلا راكبا أو راجلا ركب البحر في بعض طريقه، أو لم يركب، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تقلد وتشعر] مسألة وسئل مالك عن قول ابن شهاب في المرأة تقلد وتشعر، قال مالك: أراه خطأ، وقال: لا يقلد ولا يشعر إلا من ينحر، وإني

مسألة: مشى عن أحد وحج عن نفسه وهو صرورة

لأستحب للمرء أن يتواضع لله، ويخضع له ويذل نفسه، كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينحر بدنه، وإن ناسا يأمرون من يذبح لهم يريد بذلك أهل الطول، ويعيب ذلك عليهم، قيل: يا أبا عبد الله، فلو أن امرأة اضطرت إلى أن تأمر جاريتها تقلد وتشعر، قال مالك: إذا اضطرت إلى ذلك رأيت ذلك مجزيا عنها، ولا أرى للمرأة أن تقلد وتشعر، وهي تجد رجلا يقلد لها ويشعر. قال محمد بن رشد: لما نحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدنه بيده، ولم ينحر أزواجه عن أنفسهن، بل نحر عنهن كان في ذلك ما قد دل على أن المرأة لا تذبح ولا تنحر، إلا أن تضطر إلى ذلك، والتقليد والإشعار من ناحية النحر، فلا ينبغي للمرأة أن تفعل ذلك إلا من ضرورة، فإن فعلته من غير ضرورة، كانت قد أساءت وأكلت ذبيحها، وهذا مما لا اختلاف فيه أحفظه. [مسألة: مشى عن أحد وحج عن نفسه وهو صرورة] مسألة وقال فيمن مشى عن أحد وحج عن نفسه وهو صرورة، أجزأت عنه حجته الفريضة، ولم يضره مشيه الذي مشى عن أحد، قال ابن القاسم: إنه لا يمشي أحد عن أحد، ولأنه في مشيه عن نفسه الذي ينبغي له أن يقضي الذي هو أتمهما إذا أشرك معه غيره، وقد كان في هذا كلام، فسئل عنه مالك عاما بعد عام، فثبت لنا على هذه أنه يقضي حجة الإسلام، ويكون مشيه لنذره. قال محمد بن رشد: قال: إنه إذا حج عن نفسه ومشى عن غيره يجزيه حجه عن نفسه، ولا يضره مشيه عن غيره، من أجل أنه لا يمشي أحد

مسألة: رمى الجمار فنسي في الأولى حصاة

عن أحد كما قال ابن القاسم، وفي قوله: ولأنه في مشيه في نفسه الذي ينبغي له أن يقضي الذي هو أتمهما؛ يريد بذلك الذي هو أوجبهما، وقوله: إذا أشرك معه غيره يريد إذا أشرك مع النذر الحج في النية بمشي، يريد حجه ونذره أن الذي ينبغي له أن يقضي الحج، ويجزيه الحج الذي حج عن النذر، وأما الإشكال في المعنى فسياقه ذلك على سبيل الحجة لمالك، في الذي مشى عن غيره وحج عن نفسه؛ لقوله: ولأنه في مشيه إلى آخر قوله، وليس في ذلك حجة، وموضع الحجة إنما هو في قوله بعد ذلك: وقد كان في هذا كلام، أي اختلاف، يقول: فإذا كان من أهل العلم من يقول: إنه يجزيه الحج عن الفريضة، وإن نوى معه النذر الذي هو واجب عليه، فكيف يصح لقائل أن يقول: إنه لا يجزيه إذا نوى معه المشي عن أحد الذي ليس بواجب عليه، ولا جائز له فعله أيضا، هذا إغراق، وبُعد عن الصواب، والاختلاف فيمن حج يريد نذره أوله فرضه جار على الاختلاف في الحج، هل على الفور أو على التراخي، يقوم من قول مالك في هذه المسألة: إنه على التراخي، وقد روى عبد المالك، عن مالك فيمن حج لفرضه ونذره بطلا جميعا، وبالله التوفيق. [مسألة: رمى الجمار فنسي في الأولى حصاة] مسألة وسئل مالك عمن رمى الجمار، فنسي في الأولى حصاة، قال: يرجع فيرمي الأولى بالحصاة التي نسي، ثم يرمي الأخريين بسبع سبع، فقيل لمالك: فالذي ينسى حصاة لا يدري من أيتهن هي؟ قال مالك: يبتديهن كلهن بسبع سبع، ليس هو عندي مثل هذا، وفي

مسألة: الرجل من الشام أو مصر يقلد ويشعر بذي الحليفة ويؤخر إحرامه

رواية عيسى بن دينار قال: يرمي الأولى بحصاة، ثم الأخريين بسبع سبع، قال ابن القاسم: هو أحب قوله إلي. قال محمد بن رشد: وجه هذا القول الذي اختاره ابن القاسم البناء على اليقين قياسا على الصلاة؛ لأنه إذا شك في حصاة لا يدري من أي جمرة هي، فقد أيقن أنه رمى الجمرة الأولى بست حصيات، وشك في السابعة، فيرميها لتخلص له سبع حصيات يقينا، ثم يعيد الجمرتين للرتبة، ووجه القول الأول أنه إن بنى في الجمرة الأولى على اليقين، ولم تكن الحصاة التي بنى منها، كان قد رماها بثمان حصيات، والسنة أن يرمي بسبع، ولا يقاس ذلك على الصلاة في البناء على اليقين؛ لأن فيها سجود السهو، وذلك يشفع له الركعة التي أتى بها إن كانت زائدة كما جاء في الحديث، فهذا القول أظهر، والله الموفق. [مسألة: الرجل من الشام أو مصر يقلد ويشعر بذي الحليفة ويؤخر إحرامه] ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته ليرفعن أمرا مسألة وسئل مالك عن الرجل من أهل الشام، أو من أهل مصر يقلد ويشعر بذي الحليفة، ويؤخر إحرامه حتى يأتي الجحفة، قال: لا يفعل ذلك، وكرهه. قال محمد بن رشد: هذا نص ما في كتاب الحج الثاني من المدونة، والأمر في ذلك واسع، وقد روى داوود بن سعيد، عن مالك أنه لا بأس بذلك، وإن كان أحب إليه أن يقلد ويشعر عندما يحرم، فالاختيار عند مالك لمن أراد أن يحرم ألا يقلد ويشعر عند إحرامه، وأما من لم يرد أن يحرم، وبعث بهدي، فليس عليه أن يحرم عندما يقلد الهدي ويشعر، خلافا لما روي عن ابن عباس من أنه قال: من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي، وقد «قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: ليس كما قال ابن عباس: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي، ثم قلدها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مسألة: نحر قبل أن يطلع الفجر بمنى

بيده، ثم بعث بها، فلم يحرم شيء مما أحله الله له حتى نحر الهدي» ، وقد أنكر ذلك عبد الله بن الزبير على من فعله، وقال: بدعة ورب الكعبة. [مسألة: نحر قبل أن يطلع الفجر بمنى] مسألة وقال: من نحر قبل أن يطلع الفجر بمنى، فليعد النحر. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها، وهو أمر لا اختلاف فيه في المذهب أن من رمى أو نحر قبل طلوع الفجر من يوم النحر فلا يجزيه، فإن رمى ونحر بعد طلوع الفجر أجزأه، والاختيار أن يفعل ذلك كله بعد طلوع الشمس ضحى، وكذلك فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذهب الشافعي إلى أن من رمى قبل الفجر بعد نصف الليل أجزأه، واستدل بما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واعد أم سلمة أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة» ، قال: ولا يمكن أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة إلا وقد رمت قبل الفجر؛ لبعد ما بين الموضعين، وهو حديث غير صحيح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداة يوم النحر إنما كان بمنى لا بمكة، وعندي أنه يحتمل أن يتأول الحديث على أن فيه تقديما وتأخيرا، وتقديره أنه واعدها يوم النحر أن توافيه صلاة الصبح بمكة يريد من الغد، فيستقيم الحديث، ويبطل احتجاج الشافعي به، وذهب أبو حنيفة إلى أنه من رمى قبل طلوع الشمس لم يجزه الرمي، وحجته ما روي: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث ضعفة أهله ليلا من جمع، وقال لهم: لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» ، وهذا لا حجة فيه؛ لأنه يحتمل إن صح ذلك أن يكون معناه على الأمر بما هو أفضل؛ إذ قد روى غيره: «لا ترموا الجمرة إلا مصبحين» ، والإصباح يكون قبل طلوع الشمس، وهذا هو الأظهر، أنه لما قدمهم بليل خشي أن يأتوا الجمرة قبل الإصباح، فنهاهم إن وصلوا إليها قبل الإصباح أن يرموها إلا مصبحين، والله أعلم.

مسألة: لبس المحرم الخاتم

[مسألة: لبس المحرم الخاتم] مسألة وسئل مالك عن محرم جعل صدغين، فقال: أرى عليه الفدية، وإن عصب رأسه افتدى، قيل: إن التعصيب يعقد، وإن الصدغين لا يعقد فيهما؟ قال: هو من ناحية العقد. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة في الحج الأول في الصدغين، وفي الحج الثاني في التعصيب، زاد في مسألة الصدغين، وكذلك إن كانت به قروح، فألصق بها الخرق فعليه الفدية، إلا أن تكون الخرق صغارا، وزاد في مسألة التعصيب أن الجسد والرأس سواء، عصب على رأسه من صداع أو جراح، أو على بعض رأسه من جرح أو جراح، أو فعل ذلك لغير علة، عليه الفدية في ذلك كله، وكذلك قال فيما يأتي في هذا الرسم في الذي يعصب على ذكره عصابة، وهو محرم للبول أو المذي، وإنما وجب عليه الفدية في ذلك؛ لأنه نفى الشعث عن الجسد بثوبه عليه، قياسا على لباس المخيط، وقد قيل: إنه في ذلك لا فدية في ذلك؛ لأنه يدخل في معنى النهي عن لباس المخيط، وهو قوله في مختصر ما ليس في المختصر: إن من أصاب إصبعه شيء فجعل، عليه حناء، ولف عليه خرقة، فلا شيء عليه، ولبس المنطقة من هذا المعنى، فتفرقته فيها بين أن يلبسه باختيار أو ضرورة حرز نفقته قول ثالث، وهذا كله في الرجل، فأما المرأة فلا فدية عليها في شيء من ذلك؛ لأن لباس المخيط لها جائز في إحرامها، ومن هذا المعنى لباس الخاتم، وتقلد السيف قيل: إنه من اللباس، ففيه الفدية، وقيل: إنه ليس من اللباس فلا فدية فيه، والقولان قائمان من المدونة؛ لأنه خفف للصبيان أن يحرم بهم وفي أرجلهم الخلاخل وعليهم الأسورة، فدل أن الرجال في ذلك

مسألة: التلبية أيكثر منها جدا أحب إليك

بخلافهم، وهو قول أصبغ: إن من تقلد سيفا في إحرامه لغير حاجة فعليه الفدية، ولم ير فيها فدية في الخرق تلصق على القروح إذا كانت صغارا، فدل ذلك على جواز لباس الخاتم؛ ليسارة ما يستر من الإصبع، وهو الذي يأتي على مختصر ما ليس في المختصر في الذي يلف على إصبعه الخرقة لشيء أصابه، وقد نص على ذلك أيضا فيه، فقال: لا بأس أن يلبس المحرم الخاتم. [مسألة: التلبية أيكثر منها جدا أحب إليك] مسألة وسئل مالك عن التلبية، أيكثر منها جدا أحب إليك؟ قال: قد جعل الله لكل شيء قدرا، فأما الذي لا يسكت، فإنه لا يعجبني، وأرى أنه خطأ ممن فعله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن كثرة الإلحاح بذلك خطأ؛ لأن السنة في ذلك، والشأن أن يلبي حينا بعد حين، وفي دبر كل الصلوات، وعند تلاقي الرفاق، وعلى كل شرف من الأرض. [مسألة: يلبي في رجوعه من الحج] مسألة وسئل مالك عمن أحرم وخرج إلى مكة، فلما كان ببعض الطريق أبق غلامه، أو نسي شيئا من متاعه في بعض المناهل، أيلبي راجعا إذا رجع في طلب ذلك؟ قال: نعم، لا بأس بذلك، قال مالك: كان رجل من أهل العراق يحرم بالحج إذا قفل، فلقيه مولى لابن عباس - أراه عكرمة - وكان مفوها، فقال له: لم فعلت هذا، إني أظنك رجل سوء؟ يقول الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] ، وأنت تلبي راجعا. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يلبي إذا رجع في ذهابه لأخذ حاجته؛ لأنه في حكم الذاهب بعد ذلك، وأما إذا قفل من الحج فلا وجه

مسألة: لم يأت المسجد يوم عرفة أيجمع بين الصلاتين في رحله

لتلبيته؛ لأن المدعو إنما يجيب الداعي حتى يصل إليه، ولا وجه لإجابته إياه في انصرافه عنه، وذلك ازدراء ممن فعله، ولذلك قال عكرمة لمن أراه يلبي في رجوعه من الحج: أراك رجل سوء؛ لأن إبراهيم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه إنما دعا الناس إلى الحج، كما أمره الله حيث يقول: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] من عرفة، فإليها ينتهي غاية الملبي. [مسألة: لم يأت المسجد يوم عرفة أيجمع بين الصلاتين في رحله] مسألة وسئل مالك عمن لم يأت المسجد يوم عرفة يصلي مع الإمام، وهو على ذلك الجمع بين الصلاتين في رحله، قال: نعم يتبع في ذلك السنة، وليجمعهما حين ترجع الشمس. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المعنى في جمع الصلاتين عند الزوال إنما هو تعجيل الدفع إلى عرفة لفضل الوقوف بها من حينئذ، فينبغي له إذا لم يصل مع الإمام أن يجمع الصلاتين في رحله عند الزوال، ويدفع مع الناس إلى عرفة ليدرك من فضل الوقوف بها معهم ما أدركوا. [مسألة: المحرم يقصر إزاره فيريد أن يصلي فيه ويعقده خلف قفاه] مسألة وسئل مالك عن المحرم يقصر إزاره، فيريد أن يصلي فيه ويعقده خلف قفاه، قال مالك: لا يعقد المحرم إزاره خلف قفاه، ولكن إن لم يستطع أن يتوشح به اتزر به، فقيل له: أترى عليه صدقة إن عقده؟ قال: أرجو أن يكون واسعا إن شاء الله؛ يريد بذلك ألا يكون عليه شيء. قال محمد بن رشد: الاختيار للمحرم أن يحرم في ثوبين يتزر بأحدهما، ويضطبع بالآخر، وهو أن يشتمله ويخرج منكبه الأيمن، ويأخذ طرفي الثوب من تحت إبطه الأيمن على منكبه الأيسر، فإن لم يكن له إلا ثوب

مسألة: المعتمر يطوف ويركع ركعتين ثم يودع ويخرج إلى السعي

واحد توشحه في الصلاة، وهو أن يخرجه طرفه الأيمن من تحت إبطه الأيمن، فيلقيه على منكبه الأيسر، ويخرج طرفه الأيسر من تحت إبطه الأيسر، فيلقيه على منكبه الأيمن، فإن كان قصيرا لا يثبت إلا أن يعقده في قفاه اتزر به، ولم يعقده بسبب الإحرام، فإن عقده وصلى به معقودا في قفاه لم يكن عليه شيء على هذه الرواية، وفي كتاب ابن المواز لمالك: أن عليه الفدية، وروى ابن أبي أويس، عن مالك أنه قال: ما أشبهه أن يكون عليه الفدية، وما هو بالبين، ولو اتزر به كان أحب إلي. فوجه إسقاط الفدية عنه أنه لم يعقده للانتفاع بعقده، وإنما عقده؛ لئلا يصلي مكشوف البطن والظهر، وقد كره ذلك، ووجه إيجابها عليه هو أنه قد حصل منتفعا بالعقد في حال الصلاة، وإن لم يقصد إلى ذلك. [مسألة: المعتمر يطوف ويركع ركعتين ثم يودع ويخرج إلى السعي] مسألة وسئل مالك عن المعتمر يطوف ويركع ركعتين، ثم يودع ويخرج إلى السعي فيسعى وينصرف إلى بلده، قال: ذلك يجزي عنه من الوداع. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن طواف الوداع إنما يجب على من أقام بمكة بعد قضاء نسكه؛ ليكون آخر عهده الطواف بالبيت على ما روي عن ابن عباس قال: «كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "لا ينفر أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت» ، على ما قال عمر بن الخطاب: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت؛ لأن آخر النسك الطواف بالبيت، قال مالك: وذلك لقول الله عز وجل: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] أي محل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق.

مسألة: أحرم في أشهر الحج بالعمرة ثم حج

[مسألة: أحرم في أشهر الحج بالعمرة ثم حج] مسألة وسئل مالك عمن أحرم في أشهر الحج بالعمرة، ثم حج، أذلك أحب إليك أم إفراد الحج والعمرة بعد الحج في ذي الحجة؟ قال: بل إفراد الحج والعمرة في ذي الحجة بعد الحج أحب إلي، صرورة كان أو غير صرورة. قال محمد بن رشد: يريد كما فعلت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين أعمرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الحيضة من التنعيم، وهذا على مذهبه في أن الإفراد أحب إليه من التمتع والقران على حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفرد الحج» ، ومن ذهب إلى أن ما روي من أن رسول الله كان متمتعا رأى العمرة في أشهر الحج قبل الحج أفضل منها بعد الحج في ذي الحجة، وهو قول عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، روى عنه مالك في موطئه أنه قال: والله لأن أعتمر قبل الحج وأهدي، أحب إلي من أن اعتمر بعد الحج في ذي الحجة. [مسألة: يعصب على ذكره عصابة وهو محرم] مسألة وسئل مالك عن الذي يعصب على ذكره عصابة وهو محرم يعصب ذلك للبول أو المذي يقطر منه، قال: عليه الفدية. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في هذا الرسم، فلا معنى لإعادته مرة أخرى، ولو اتخذ خرقة لفرجه، فجعلها على ذكره ولم يلفها عليه لم يكن عليه فدية على ما قال في أول رسم من كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه. [مسألة: يمشي أحد عن أحد وأحب إلي أن يهدي هديين] مسألة وسئل مالك عمن أوصى أن يمشى عنه في يمين حنث فيها

مسألة: المحرم تكون به القروح

بالمشي، فقال: يهدي عنه، ولا يمشي أحد عن أحد، وأحب إلي أن يهدي هديين، وهو قول مالك. قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا القول على هذه المسألة في هذا الرسم المتكرر قبل هذا، فلا معنى لإعادته هاهنا. [مسألة: المحرم تكون به القروح] مسألة سئل عن المحرم تكون به القروح، أيحك قروحه حتى يخرج الدم؟ قال: نعم، لا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف أعلمه في جوازه، وقد سئلت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن المحرم أيحك جسده؟ قالت: نعم، فليحككه وليشدد قالت عائشة: ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت، وبالله التوفيق. [مسألة: يطوف بالبيت ويركع ثم يمرض فلا يستطيع أن يسعى] مسألة وسئل مالك عن الذي يطوف بالبيت ويركع، ثم يمرض فلا يستطيع أن يسعى حتى ينتصف النهار، فكره الفرق بين الطواف والسعي، قال ابن القاسم: من فعل ذلك افتدى. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة، والقول فيها في هذا الرسم المذكور قبل هذا، فلا وجه لإعادته. [مسألة: إمام الحاج متى يستحب له أن يغدو من منى إلى عرفة] مسألة وسئل مالك عن إمام الحاج متى يستحب له أن يغدو من منى إلى عرفة؟ قال: إذا طلعت الشمس، وإني لأستحبه للناس، وفي ذلك سعة مثل الضعيف والدابة تكون بها العلة وما أشبه ذلك.

مسألة: يهل أهل الشام من الجحفة

قال محمد بن رشد: إنما استحبه له لأجل أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صنعه، ومضى عليه عمل الخلفاء بعد. [مسألة: يهل أهل الشام من الجحفة] مسألة وسئل مالك عن الجحفة، هل سمعت في مساجدها بحد من المسجد الأول، أو من الآخر يحرم منه؟ قال: ما سمعت فيه شيئا، وإنما سمعت الحديث في الجحفة، وذلك واسع إن شاء الله، وروى أشهب مثله، وزاد قيل له إذا صلى فيه أيهل من جوف المسجد، أم يهل إذا استوت به راحلته؟ فقال: لا يهل من جوف المسجد، ولكن إذا استوت به راحلته. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما قال: «ويهل أهل الشام من الجحفة» ، ولم يخص مسجدا من مساجدها دون غيره، فمن أيها أهل المحرم، فقد امتثل الأمر، وقد قال مالك في المختصر الكبير: ومن أهل من الجحفة فالوادي مهل كله، وأحب إلينا أن يحرم من أوله حتى يأتي محرما على ذلك كله، وهو حسن من الفعل، وأما قوله: إنه لا يهل من جوف المسجد، وإنما يهل إذا استوت به راحلته، فهو على ما رواه وأخذ به من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يهل حتى استوت به راحلته في فناء المسجد بذي الحليفة، وقد روي أنه أهل في جوف المسجد حين صلى الركعتين، وروي أيضا إنما أهل حين أشرف على البيداء، وقد روي عن ابن عباس: إنما وضح وجهة هذا الاختلاف، فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوجب الحج حين قضى الركعتين، فلما استوت به راحلته في فناء المسجد أهل أيضا، ولما أشرف على البيداء أهل أيضا، وكان الناس يأتونه أرسالا، فحدث كل بما رأى، فمن قال: إنه أهل حين

مسألة: محرمين خرجا إلى الحج حتى إذا كانا بالأبواء اتهما بقتل رجل

استوت به راحلته لم يره حين أهل في المسجد، ومن قال: إنه أهل بالبيداء لم يره حين أهل في المسجد ولا حين أهل، إذ استوت به راحلته، فمن أخذ بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى الإهلال من جوف المسجد. [مسألة: محرمين خرجا إلى الحج حتى إذا كانا بالأبواء اتهما بقتل رجل] مسألة وسمعت مالكا، وسئل عن محرمين خرجا إلى الحج حتى إذا كانا بالأبواء أو بالجحفة اتهما بقتل رجل وجد قتيلا، فأخذا فردا إلى المدينة، فحبسهما عامل المدينة، فأتى إلى مالك فيهما وأخبر بأنهما محرمان، وأنهما قد حبسا، قال مالك: لا يحلان حتى يأتيا البيت فلا يزالان محرمين حتى يطوفا بالبيت ويسعيان، وأراهما مثل المريض. قال محمد بن رشد: زاد في النوادر عن مالك أو يثبت عليهما ما ادعي عليهما فيقتلان، وهو تمام المسألة، وإنما رآهما مثل من أحصر بمرض؛ لأنهما إنما حبسا بالحكم الذي أوجبه الله، فكان بمنزلة المرض الذي هو من عند الله، ومذهبه أن المحصر بمرض لا يحل من شيء من إحرامه حتى يطوف بالبيت، فإن بقي على إحرامه إلى حج قابل، فحج به لم يكن عليه هدي، وإن حل بعمرة حج قابل كان عليه قضاء الحج وهدي عن تحلله من إحرامه بالعمرة ينحره في حج القضاء؛ لقوله عز وجل: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] ، فهذا الهدي على مذهب مالك هو الهدي الأول، وعند عروة بن الزبير، وابن شهاب، وجماعة من العلماء أن الهدي الأول غير الثاني، وأن الأول يحل له لبس الثياب، وإلقاء التفث وهو في موضعه إذا وصل الهدي

مسألة: يدخل بعمرة بليل فيطوف ويسعى ويؤخر حلاق رأسه حتى يصبح

إلى مكة بميعاد يضربه له، والثاني لفوات الحج وتحلله بالعمرة، ولو حبسا ظلما وعداء بغير تهمة ولا سبب؛ لكان حكمهما حكم المحصر بعد، ويحلان بموضعهما الذي حبسا فيه، ويحلقان وينحران هديا إن كان معهما، ولا قضاء عليهما عند مالك. [مسألة: يدخل بعمرة بليل فيطوف ويسعى ويؤخر حلاق رأسه حتى يصبح] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء مسألة وسئل مالك عن الرجل يدخل بعمرة بليل، فيطوف ويسعى، ويؤخر حلاق رأسه حتى يصبح، أترى أن يتنفل بالطواف، قال: لا أرى ذلك له، وقد فعل ذلك القاسم بن محمد، فلم يتنفل حتى أصبح، قيل له: أيؤخر الحلاق حتى يصبح؟ قال: إن عجل فذلك خير، وهو واسع له إن شاء الله، وقد فعل ذلك القاسم بن محمد. قال محمد بن رشد: إنما كره له أن يطوف تطوعا قبل الحلاق؛ لأن الحلاق هو تمام العمرة، فإذا طاف قبله فكأنه قد أدخل في العمرة ما ليس منها، وقد مضى هذا في رسم أخذ يشرب خمرا، وإنما استحب تعجيل الحلاق ليتصل عمل العمرة، ولا ينقطع بعضه عن بعضه، فهو الأحسن. [مسألة: يتزوج ويؤخر الحج] مسألة وسئل مالك عن الرجل العزب يكون عنده ما يتزوج به، أيتزوج أو يحج؟ قال: بل يحج. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن التزويج وإن كان مندوبا إليه، فالحج أكد عليه منه، وهذا على القول بأنه على التراخي، وأما على القول

مسألة: المحرم يجد الصداع فيجعل الصدغين

بأنه على الفور، فهو الواجب عليه دون التزويج، فليس له أن يتزوج ويؤخر الحج، فإن فعل كان آثما ولم يفسخ النكاح، ولا يؤخذ من الزوجة الصداق إلا أن يخشى على نفسه العنت إن لم يتزوج، فله أن يتزوج ويؤخر الحج حتى يجد ما يحج به من الزاد وشراء الراحلة أو كرائها إن كان ممن لا يقدر على المشي على ما ذهب إليه مالك في وجوب الحج على من لا يقدر على الراحلة بشراء أو كراء إذا طاق المشي، وسيأتي هذا المعنى في رسم أشهب إن شاء الله، وكذلك كانت زوجة، فهو إن ترك عندها نفقة لم يبق عنده ما يحج به، وإن خرج ولم يترك لها نفقة طلقت نفسها عليه، يجري ذلك على القولين في الحج، هل هو على الفور أو على التراخي؟ [مسألة: المحرم يجد الصداع فيجعل الصدغين] مسألة وسئل عن المحرم يجد الصداع، فيجعل الصدغين، قال: يفتدي. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة، والقول فيها في الرسم الذي قبل هذا، فلا معنى لإعادته. [مسألة: حسر المحرم عن منكبيه إذا هو طاف بالبيت الطواف الواجب في الرمل] مسألة وسئل مالك عن حسر المحرم عن منكبيه إذا هو طاف بالبيت الطواف الواجب في الرمل، قال: لا يفعل. قال محمد بن رشد: زاد في كتاب ابن المواز، ولا يحركهما، وهذا كما قال: إذ ليس من سنة الرمل عن منكبيه ولا يحركهما بقصد منه إلى ذلك، فإن انحسر منكباه أو تحركا لشدة الرمل، فلا بأس به، فقد قيل: إن الرمل هو

مسألة: الوطء قبل الإفاضة

الخبب الشديد دون الهرولة الذي يحرك منكباه لشدته، وهو يجب في طواف القدوم في الحج والعمرة لمن أحرم من الميقات باتفاق، ولمن أحرم من التنعيم أو الجعرانة على خلاف، ولا يجب في طواف الإفاضة، ولا في طواف التطوع ولا على أهل مكة، واختلف فيمن قدم مراهقا فلم يطف بالبيت حتى يرجع من منى لطواف الإفاضة، فروي عن ابن عمر أنه كان لا يرمل، وفي كتاب ابن المواز أنه يرمل، والأصل في وجوبه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين اعتمر عمرة القضية قال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، وقعدوا على قعيقعان وأبي قبيس ينظرون إلى طواف المسلمين، فأمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يرملوا في الثلاثة الأشواط ليروا المشركين جلدهم، وما منعه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأمر بالرمل في جميع الأشواط إلا الإبقاء عليهم، ثم رمل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع، فدل ذلك على أنه أبقى الرمل سنة في طواف القدوم، وقد قيل: إنه مستحب، وليس سنة، وعلى هذا يأتي اختلاف قول مالك في المدونة في وجوب الإعادة على من ترك الرمل، وفي وجوب الدم على من ترك الإعادة، ومن أهل العلم من لا يرى الرمل أصلا؛ لأنه كان لعلة وقد ذهبت، ولا رمل على النساء. [مسألة: الوطء قبل الإفاضة] ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما مال مسألة قال مالك في التي توطأ قبل الإفاضة أن عليها العمرة والهدي، فإن جهلت حتى تخرج وتزوجت إن لم يكن لها زوج، قال مالك: إن تزوجت رأيت أن يفسخ ذلك النكاح حتى تعتمر وتهدي، ثم تتزوج إن بدا لها، فإن كان دخل بها وأصابها لم يتزوجها حتى يستبرئها من مائه بثلاث حيض؛ لأن ماءه كان على وطء فاسد.

مسألة: المرأة تنسى التقصير في الحج أو تجهله حتى تنصرف وتقيم السنين

قال محمد بن رشد: جعلها بمنزلة ما لو تزوجت بعد أن رجعت إلى بلادها ولم تطف طواف الإفاضة، أو قد بقي عليها منه شوط، وهو بعيد؛ لأن التي تزوجت قبل طواف الإفاضة أو قبل تمامه تزوجت قبل أن تخرج من إحرامها، إذ عليها أن ترجع على ما بقي من إحرامها بغير تجديد إحرام حتى تطوف أو تتم طوافها، وهذه التي وطئت قبل الإفاضة قد حلت بالإفاضة، وإنما عليها الهدي لا غير في قول جل أهل العلم، ومالك يرى عليها أن تعتمر مع ذلك بإحرام تجدده لها، فهي قبل أن تجدده لها قد حلت؛ إذ لو كانت لم تحل من إحرامها بالحج لما ارتدفت عليها العمرة، فإذا كانت قد حلت فإنما نكحت وهي حلال، فينبغي ألا يفسخ النكاح، ويلزم على قياس قوله إذا فسخ النكاح أن يلزمها أداء ما قتلت من الصيد وهو بعيد، وفي كتاب ابن المواز لابن القاسم في المرأة تمشي بعض طواف الإفاضة حتى ترجع إلى بلدها وتتزوج ويدخل بها زوجها ويطأها؛ أن النكاح يفسخ، ويكون له صداقها المسمى بالمسيس، وتعتد من وطئه بثلاث حيض، وترجع على إحرامها حتى تتم طواف الإفاضة ثم تعتمر وتهدي، فإن تزوجها في الثلاث حيض لم تحل له أبدا، ووقف محمد عن تحريمها عليه أبدا، قال: ولو تزوجها غيره في عدة النكاح المفسوخ لحرمت عليه أبدا، ففسخ النكاح في هذه المسألة بين على ما ذكرنا، لا في مسألة الكتاب. [مسألة: المرأة تنسى التقصير في الحج أو تجهله حتى تنصرف وتقيم السنين] مسألة وقال في المرأة تنسى التقصير أو تجهله حتى تنصرف وتقيم السنين، قال مالك: أرى أن تأمر بعض من يحج أو يعتمر أن يشتري لها شاة من الحل، فيسوقها إلى الحرم حتى يدخل بها مكة، فيذبحها عنها، وتقصر وهي في بلادها.

مسألة: عجز في مشي كان عليه فقضاه فعجز بعد ذلك مرارا حين قضاه في الحج

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لقول ابن عباس: من ترك من نسكه شيئا أو نسيه؛ فليهرق دما، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه. [مسألة: عجز في مشي كان عليه فقضاه فعجز بعد ذلك مرارا حين قضاه في الحج] مسألة وقال مالك: من عجز في مشي كان عليه فقضاه فعجز بعد ذلك مرارا حين قضاه، فليس عليه في ذلك كله إلا هدي واحد لجميع عجزه إذا كان ذلك في نذر واحد. قال محمد بن رشد: قوله: فعجز بعد ذلك مرارا ظاهره خلاف ما في المدونة وغيرها أنه لا يلزمه أن يعود في الثالثة، إلا أن يكون معناه أنه فعل ذلك جاهلا، يظن أن ذلك يلزمه أو متبرعا، وهو يعلم أن ذلك لا يلزمه، فذلك محتمل، وبالله التوفيق. [مسألة: أفاض من منى بعد زوال الشمس وبعد الرمي وأراد الرجوع لبلده] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسألة قال: وقال مالك: من أفاض من منى إلى مكة في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد زوال الشمس، وبعد أن رمى وهو يريد أن يرجع إلى منى، ثم بدا له أن يرجع إلى بلاده، قبل أن تغرب الشمس بمكة، فذلك له واسع، ومن غابت عليه الشمس بمكة قبل أن يبدو له ويرجع إلى منى، فلا يبرح من منى حتى يرمي من الغد. قال محمد بن رشد: هذه المسألة في بعض الروايات، وجعله في هذه المسألة إن غربت الشمس، وهو بمكة أو بمنى بعد رجوعه إليها من مكة قبل أن يبدو له في التعجيل، فليس له أن يتعجل، ويلزمه أن يقيم إلى الغد فيرمي، بخلاف الذي يتعجل في يومين على ما يأتي في هذا الرسم بعد هذا.

مسألة: خروج الناس من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس في غداة عرفه

[مسألة: خروج الناس من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس في غداة عرفه] مسألة وقال مالك: خروج الناس من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس في غداة عرفه، وبلغني أن ابن عمر كان يفعل ذلك، وخروج الناس من مكة يوم التروية، وقدر ما يصلون بمنى الظهر. قال محمد بن رشد: وكذلك روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث جابر «أنه ركب يوم التروية فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها» ، الحديث. [مسألة: تعجل في يومين فأتى البيت فأفاض فكان ممره على منى إلى منزله] مسألة قال مالك من تعجل في يومين فأتى البيت فأفاض فكان ممره على منى إلى منزله فغابت عليه الشمس بمنى فلينفر، فإنه ليس هذا الذي ينهى عنه، وسئل مالك عن الرجل يفيض من منى في اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو يريد إلى بلاده، فيقيم بمكة إلى أن يمشي، قال: لا بأس به، ولا أرى عليه شيئا. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في المتعجل أنه إن لم ينفر من منى حين غربت الشمس أن عليه أن يبقى حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث، فإن خرج إلى مكة، فأقام بها حتى غربت الشمس، فلا شيء عليه، واختلف إن بات بها حتى أصبح، فقيل: لا شيء عليه بإقامته مكة، وهو قول ابن المواز، وقيل: إنه يلزمه أن يمضي إلى منى، فيرمي مع الناس، وعليه دم لمبيته بمكة، وهو قول ابن الماجشون، وإليه ذهب ابن حبيب، وأما إن أفاض فكان

مسألة: الذي لا يجوز للمحرم لباسه

ممره على منى إلى منزله، قال ابن المواز: أو رجع إليها لحاجة، فغربت عليه الشمس بمنى، فلا اختلاف في أن له أن ينفر، وليس عليه أن يبقى حتى يرمي مع الناس، وأما إن كان الذي تعجل إلى مكة في يومين من أهل مكة، فله أن يقيم بها قولا واحدا، هذا تحصيل هذه المسألة. [مسألة: الذي لا يجوز للمحرم لباسه] مسألة قال مالك: لا يحل للمحرم الكساء يلبسه بعود. قال محمد بن رشد: لأن ذلك بمعنى المخيط الذي لا يجوز للمحرم لباسه، فإن فعل ذلك فلبسه وانتفع به وجبت عليه الفدية. [مسألة: هلك وعليه مشي إلى بيت الله فسأل ابنا له أن يمشي عنه فوعده بذلك] ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا مسألة قال: وسألت مالكا عن الرجل هلك وعليه مشي إلى بيت الله، فسأل ابنا له أن يمشي عنه، فوعده بذلك، قال: أما إذا وعده، فإني أحب أن لو فعل ذلك به، ولكن ما ذلك بر أن يمشي أحد عن أحد، ولكني أحب له إذا وعده أن يفعل ذلك به. قال محمد بن رشد: استحب له أن يفي بما وعده به من المشي عنه، وإن لم يكن في ذلك عنده قربة من ناحية الوفاء، بالعهد في الجائزات التي لا قرب فيها. [مسألة: تعلقت بدابته أو بعيره أو حماره علقة أينزعها وهو محرم] مسألة وسئل مالك عن محرم تعلقت بدابته أو بعيره أو حماره علقة، أينزعها وهو محرم؟ قال: نعم، لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا مثل ما في المدونة وغيرها؛ لأن العلقة

مسألة: محرم قطع إصبعه بسكين وكان قطعه يسيرا أيجعل عليه الحناء

ليست من الدواب المختصة بالحيوان، كالقمل لبني آدم، والقراد للبعير، فللمحرم أن ينزعها كما قال. [مسألة: محرم قطع إصبعه بسكين وكان قطعه يسيرا أيجعل عليه الحناء] مسألة وسئل مالك عن محرم قطع إصبعه بسكين، وكان قطعه يسيرا، أيجعل عليه الحناء ويلفها بخرقة؟ قال: إنا نقول: إذا كان الشيء اليسير، فلا بأس به، ولا أرى عليه فدية في ذلك، وإن كان كثيرا رأيت عليه الفدية. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، وقد مضى التكلم على هذا المعنى قبل هذا في رسم حلف ليرفعن أمرا. [مسألة: المحرم يكب وجهه على الوسادة من الحر] مسألة وسئل مالك عن المحرم يكب وجهه على الوسادة من الحر، فكره ذلك، قيل له فيرفعها يستظل بها؟ قال: لا أحبه، وأما أن يضع خده فلا بأس به. قال محمد بن رشد: وجه الكراهية في ذلك أن المحرم لا يجوز له تغطية وجهه ولا أن يستظل بشيء، إلا إذا نزل بالأرض بالفسطاط والقبة وشبه ذلك لأنه كالبيت، واختلف في الثوب يطرحه على الشجرة ويستظل تحته، فأجيز، وكره. [مسألة: أراد أن يهل بالحج مفردا فأخطأ فقرن] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات مسألة وسئل مالك عمن أراد أن يهل بالحج مفردا، فأخطأ فقرن

مسألة: نسي أن يرمي الجمار نهارا

فتكلم بالعمرة، قال: ليس ذلك بشيء، إنما ذلك إلى نيته، وهو على حجه، قال مالك: أما ما كان لله، فهو إلى نيته. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما الأعمال بالنيات» ، فلا يلزم الرجل فيما بينه وبين ربه ما تكلم به لسانه، إذا لم يعتقده بقلبه، ولم يتعلق فيه حق لغيره. [مسألة: نسي أن يرمي الجمار نهارا] مسألة قال مالك: من نسي أن يرمي نهارا فيلزمه ليلا، ولا أرى عليه في ذلك إراقة دم ولا غيره. قال محمد بن رشد: قد قال مالك: إن عليه الدم في ذلك، والقولان في المدونة، وأما إن لم يرم حتى ذهبت أيام منى فليهد، ولا يرم في غير أيام الرمي، وقد مضى ذلك في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها. [مسألة: يريد أن يرمي في آخر أيام التشريق ويرجع إلى ثقله] مسألة وسئل مالك عن الرجل يريد أن يرمي في آخر أيام التشريق ويرجع إلى ثقله، فيكون فيه حتى يتحمل، فقال مالك: أحب إلي أن يرمي ويتقدم من منى، قيل له: وكيف يصنع وهو لا يستطيع أن يتحمل تلك الساعة بعياله أو ثقله؟ فقال: يؤخر ذلك ما لم تصفر الشمس. قال محمد بن رشد: إنما استحب ذلك؛ لأنه الذي مضى عليه السلف، وقد كره مالك للحاج أن يجاور بمكة بعد انقضاء حجه اتباعا للسلف، فقال: ما كان الناس إلا على الحج والفعل، فكيف بالمقام منى بعد انقضاء الحج؟ ووجه ذلك من طريق المعنى هو أن بقاءه ما لم يتعجل بمنى إلى أن يرمي الجمرات آخر أيام منى واجب شرعا ودينا، وبقاؤه بعد ذلك بها مباح

مسألة: طاف بعد العصر أيركع بعد أن تغيب الشمس

ليس بشرع ولا دين، ولا فيه فدية، فاستحب أن يفرق بين الواجب وغير الواجب بفعل المباح، كما استحب الأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وكما استحب جماعة من العلماء للمعتدة من الوفاة أن تطيب إذا انقضت عدتها كما فعلت أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان وزينب بنت جحش حين توفي أخوها بعد ثلاث، وقالتا: والله ما لنا بالطيب من حاجة، غير أنا سمعنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» . [مسألة: طاف بعد العصر أيركع بعد أن تغيب الشمس] مسألة وسئل مالك عمن طاف بعد العصر، أيركع بعد أن تغيب الشمس أو قبل أن يصلي المغرب؟ قال: نعم إن أحب. قال محمد بن رشد: خيره في ذلك إذ لم يبين له أي الوجهين أفضل؛ لأن لتعجيل المغرب في أول وقتها فضلا، ولتوصيل الركعتين بالطواف فضلا، والأظهر تعجيل الركعتين؛ لأن أمرهما خفيف لا يفوته به فضل أول الوقت في المغرب إن شاء الله، بخلاف الصلاة على الجنائز مع صلاة المغرب؛ إذ لا فضل للصلاة على الجنائز في أول الغروب، ولصلاة المغرب في ذلك فضل، وبالله التوفيق. [مسألة: الجمال يأتي بالقوم إلى ذي الحليفة فينيخ بهم عند غير المسجد] ومن كتاب أوله مساجد القبائل مسألة وسئل عن الجمال يأتي بالقوم إلى ذي الحليفة، فينيخ بهم عند غير المسجد، فيقول: اذهبوا فصلوا وتعالوا أحملكم، فقال الآخرون: بل تنيخ عند باب المسجد حتى نصلي ثم نركب ثم نهل، قال مالك: يجبر الجمال على أن ينيخ بهم عند باب المسجد حتى يصلوا، ثم يركبوا فيهلوا.

مسألة: أول من أقام للناس الحج

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ذلك عرف، فعليه دخل الكري. [مسألة: أول من أقام للناس الحج] مسألة وسئل مالك من أول من أقام للناس الحج؟ قال: أبو بكر الصديق، قيل له: في أي سنة؟ قال: في سنة تسع. قال محمد بن رشد: معنى هذا أنه سئل عن أول من أقام للناس الحج بعد أن فرض، فقال أبو بكر، وإنما سئل عن ذلك لقول من قال: إن حجة أبي بكر في سنة تسع إنما كانت تطوعا؛ لأنه حج في ذي القعدة على ما كان عليه أهل الجاهلية من النسي، ثم حج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة عشر حجة الفريضة في ذي الحجة، والصحيح ما ذهب إليه مالك أن أبا بكر أقام للناس الحج بعد أن فرض قبل أن ينسخ النسي، فكانت حجته تلك في ذي القعدة شرعا ودينا، وأخر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحج ذلك العام من أجل العراة الذين كانوا يطوفون بالبيت، حتى يعهد إليهم في ذلك على ما تواترت به الآثار إلى أن حج في سنة عشر في ذي الحجة، ونسخ النسي، فثبت الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة. وفي تأخير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحج للعهد المذكور في الآثار دليل على أنه على التراخي، وقال بعض أهل العلم ممن ذهب إلى أنه على التراخي: إن تأخير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحج خصوص له، وهو قول لا دليل لقائله عليه. [مسألة: يوم الحج الأكبر] مسألة وسئل مالك عن يوم الحج الأكبر، فقال: هو يوم النحر.

قال محمد بن رشد: قد اختلف أهل العلم في قوله عز وجل: {يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة: 3] ، هل الأكبر نعت للحج، أو لليوم، فمنهم من قال: إنه نعت للحج، ومنهم من قال: إنه نعت لليوم، ثم اختلف الذين قالوا: إنه نعت للحج، فمنهم من قال: إنما قيل له الأكبر؛ لأن ثم حجا أصغر وهو العمرة، ومنهم من قال: إنما قيل له الأكبر؛ لأنه عنى حج أبي بكر إذ وقع في ذي القعدة على ما كان عليه أهل الجاهلية من النسي، وقد كان الحج في العام الذي قبله في ذي القعدة أيضا، فسماه الله الأكبر، إذ كان الأكبر من الحجين الواقعين في ذي القعدة، وقيل: إن حجة أبي بكر وافقت ذا الحجة، فوقعت فيه، فسماه الله الحج الأكبر لاستدارة الزمان إليه، وثبوت الحج فيه إلى يوم القيامة، واختلف الذين قالوا: إنه نعت لليوم أيضا، فمنهم من قال: إنه يوم عرفة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحج عرفة» ، ولأن من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج، ومنهم من قال: إنه يوم النحر، وإلى هذا ذهب مالك، وهو أظهر الأقوال؛ لأن المراد بذلك المجتمع الأكبر؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أبا بكر أميرا على الحج سنة تسع والنسي قائم، والمشركون يحجون مع المسلمين، وكان قريش ومن ولدته قريش يقفون بالمشعر الحرام يوم عرفة، ويقف سائر الناس بعرفة، ثم يجتمعون كلهم بمنى يوم النحر، فأمر الله نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يؤذن الناس ببراءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين يوم الحج الأكبر، أي يوم اجتماعهم الأكبر، وهو يوم النحر بمنى؛ ليسمع جميع الناس النداء، فيبلغ شاهدهم غائبهم، فكان مما أوذنوا به ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وتليت عليهم سورة براءة إنذارا لهم وإعذارا إليهم.

مسألة: المرأة تريد العمرة فتتناول شرابا لتأخير الحيضة

[مسألة: المرأة تريد العمرة فتتناول شرابا لتأخير الحيضة] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت مسألة وسئل مالك عن المرأة تريد العمرة، فتخاف تعجيل الحيض، فيوصف لها شراب تشربه لتأخير الحيضة، قال: ليس ذلك بالصواب، وكرهه. قال محمد بن رشد: إنما كرهه مخافة أن تدخل بذلك على نفسها ضررا في جسمها، والله يعذرها بالعذر ويعطيها بالنية، فمن نوى عمل بر ومنعه منه عذر من الله، كتب له إن شاء الله، قال عز وجل: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم، إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة» . [مسألة: المرأة تدخل بعمرة حائض فتردف الحج على العمرة] مسألة وقال مالك في المرأة تدخل بعمرة حائض، فتردف الحج على العمرة: إنها إذا حلت، فأحب إلي أن تعتمر عمرة أخرى كما فعلت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. قال محمد بن رشد: قوله كما فعلت عائشة، يريد كما فعلت في أن اعتمرت بعد أن حلت من حجها، لا في أنها قرنت، إذ لم تكن قارنة؛ لأنها كانت أهلت بعمرة، فلما قدمت مكة حاضت، فأمرها النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن تهل بالحج وتدع العمرة، فلما قضت الحج أرسلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع

عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرت مكان عمرتها التي كانت على ما وقع في الموطأ، ولم ير مالك العمل بذلك، وقال: ما أظن الحديث بذلك إلا وهما؛ إذ قد روي عن عائشة أنها كانت محرمة بالحج لا بالعمرة، ولأنه لا يرى لمن أحرم بحجة أو عمرة أن يرفض شيئا من ذلك؛ لقوله عز وجل: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ، وقد تأول أن أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياها أن تهل بالحج وتدع العمرة، إنما معناه أن تهل بالحج وتدع العمل بالعمرة لا العمرة، فكانت بذلك قارنة، وهو تأويل يخرج به الحديث على المذهب لولا أنه يرده قوله في الحديث: «انفضي رأسك، وامتشطي، وأهلي بالحج» ؛ لأنها يدل على أنها رفضت الإحرام الذي كانت فيه بالعمرة، ويدل على أنها رفضت الإحرام بالعمرة؛ «ما روي عنها من أنها قالت: يا رسول الله، أيرجع الناس بحج وعمرة، وأرجع بحج؟ فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت مكان عمرتها» ، فأولى ما يقال في هذا أن الحديث وهم كما روي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والصحيح إن شاء الله ما ذكر في موطئه، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، «عن عائشة أنها قالت: " قدمت وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري» ؛ لأن هذا يدل أنها كانت محرمة بالحج، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها أن تتمادى على عمل حجها، على ألا تطوف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، ثم أعمرها من التنعيم لترجع بحج أو عمرة، كما رجع غيرها من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ويحتمل أن يكون تأول من ذهب إلى أن رسول الله إنما أمرها أن تردف الحج على العمرة، لا أن تنقض العمرة، وتحل منها، ثم تستأنف الإحرام بالحج، وأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما أمرها أن تنفض رأسها وتمتشط؛

مسألة: الرجل يجب عليه هديان مثل أن يقرن ويفوته الحج

ليكون ذلك أبلغ في غسلها للإحرام بالحج على العمرة، لا أنها نقضت العمرة، وذكر البخاري فيما بوب على الحديث في كتاب الوضوء ما يدل على هذا التأويل، فقف على ذلك. [مسألة: الرجل يجب عليه هديان مثل أن يقرن ويفوته الحج] مسألة وسئل مالك عن الرجل يجب عليه هديان، مثل أن يقرن ويفوته الحج، قال مالك: أرى عليه هديين، فإن لم يجدهما ووجد أحدهما أهدى هديا، وصام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع، فمن لم يجد شيئا صام فيه ستة أيام قبل النحر في إحرامه، وأربعة عشر إذا رجع. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية يسقط عنه هدي القران في الحج الفائت، ويجب عليه هديان؛ هدي للفوات، وهدي لقران القضاء ينحرهما جميعا في حجة القضاء، وهو ظاهر ما في الموطأ، وقد تأول أبو عمر الإشبيلي ما في الموطأ من قوله: يهدي هديين، أن يكون الهدي الذي كان ساقه في قران الحج الفائت قد نحره حينئذ، وبقي عليه هديان في الحجة التي يقضي، وكذلك في كتاب محمد أن عليه ثلاث هدايا لابن القاسم، من رواية أبي زيد عنه. قال: ولو قرن فأفسد حجه، ثم فاته الحج؛ لكان عليه أربع هدايا؛ هدي للقران، وهدي للفساد، وهدي للفوات، وهدي لقران القضاء، وهو مذهبه في المدونة أن الفوات لا يسقط عنه دم القران إن كان قارنا، ولا دم الفساد إن كان قد وطئ قبل أن يفوته الحج، قاله في الحج الثالث فيمن وطئ، ثم فاته الحج أن عليه هديين، والقران مقيس عليه، وأما من قرن، ثم أفسد حجه فلا اختلاف أن عليه ثلاث هدايا؛ إذ لا يسقط الفساد هدي القران؛ لوجوب إتمام القران الفاسد، فإذا وجب إتمامه وجب الهدي عنه، فعلى هذا يحمل ما في سماع أشهب بعد هذا.

مسألة: حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث

[مسألة: حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث] مسألة وقال مالك فيمن حلف بالمشي إلى بيت الله، فحنث، فإنه يمشي من حيث حلف، وكانت يمين صاحبها ألا يفعل كذا وكذا، حتى ينتقل من منزله، وكان صاحب خيمة. قال محمد بن رشد: هذه المسألة متكررة في هذا الرسم، من هذا السماع، من كتاب النذور، وفيها هناك زيادة، وجوابه فيها هنا وهناك على ما في كتاب العتق الأول من المدونة، في الذي يقول: إن كلمت فلانا فكل مملوك أملكه من الصقالبة حر، فاشترى - بعد يمينه، وقبل أن يكلم فلانا - صقالبة، ثم كلمه أنهم يعتقون، خلاف ما في سماع زونان، من كتاب الأيمان بالطلاق، فيمن قال: إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها بمصر طالق، فتزوج ثم كلمه، قال: لا شيء عليه في التي تزوج قبل يمينه، وإنما يلزمه الحنث فيما تزوج بعد كلامه، وبالله التوفيق. [مسألة: يركع في الحجر لطواف النافلة] ومن كتاب نذر سنة يصومها مسألة وسئل مالك عن الذي يتنفل بالطواف، أترى أن يركع ركوعه في الحجر؟ قال: ما يعجبني، وأما أن يركعهما من غير الطواف، فلا أرى به بأسا ثم قال بعد ذلك: لا أرى بأسا أن يركع في الحجر لطواف النافلة. قال محمد بن رشد: وجه القول الأول أن الركوع الأول لما كان يجب على من طاف تطوعا؛ لئلا يبطل طوافه إن لم يركع أشبه الواجب، فكره أن

مسألة: تفسير مكة وبكة

يفعله في الحجر، ووجه القول الثاني أنه جعل تابعا للطواف في أنه يفعل، فأجاز له فعله. [مسألة: تفسير مكة وبكة] مسألة وسئل مالك عن تفسير مكة وبكة، فقال: بكة موضع البيت، ومكة غيره من المواضع، يريد القرية. قال محمد بن رشد: أراه أخذ ذلك من قوله عز وجل؛ لأنه قال في بكة: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران: 96] ، وهو إنما وضع لموضعه الذي وضع فيه، لا فيما سواه من القرية، وقال في مكة: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: 24] ، وذلك إنما كان في القرية، لا في موضع البيت، والله أعلم. [مسألة: حفر زمزم] مسألة قال مالك: رأى عبد المطلب أنه يقال له: احفر زمزم لا تنزف، ولا تذم بين فرث ودم، يروي الحجيج الأعظم في موقع الغراب الأعصم، قال: فحفرت.

مسألة: اتخذ إبلا من مال الله يعطيها الناس يحجون عليها فإذا رجعوا ردوها إليه

قال محمد بن رشد: قد جاء في الحديث الصحيح: «أن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما كان بينه وبين أهله ما كان، خرج بابنه إسماعيل وأمه، ومعهم شنة فيها ماء، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة، فجعلت تشرب من الشنة، ويدر لبنها حتى لما فني الماء، قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا، فصعدت على الصفا، فنظرت فلم تر أحدا ثم هبطت، فلما صارت في الوادي، رفعت ذراعها، فسمعت سعي الإنسان المجهود، ثم صعدت على المروة فلم تر أحدا، فعلت ذلك سبع مرات، وابنها يتلوى من العطش، فلما كانت في آخر ذلك سمعت، فأصغت إليه فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواثا، فإذا بجبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فقال هكذا، فاندفق الماء، فدهشت أم إسماعيل، فجعلت تخفق، قال: فقال أبو القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لو تركته كان الماء ظاهرا، أو لكانت زمزم عينا معينا» ، فيحتمل أن يكون بعد ذلك قد رفعت السيول بلقاء الرمل والتراب حتى انطمس وعفا أثره، فكان من عبد المطلب في حفره ما ذكر في هذه الحكاية، والله أعلم. [مسألة: اتخذ إبلا من مال الله يعطيها الناس يحجون عليها فإذا رجعوا ردوها إليه] مسألة قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب اتخذ إبلا من مال الله يعطيها الناس يحجون عليها، فإذا رجعوا ردوها إليه. قال محمد بن رشد: هذا من النظر الصحيح في مال الله؛ لأن أولى ما صرف فيه مال الله ما يستعان به على أداء فرائض الله؛ فينبغي للأئمة أن يتأسوا في ذلك بفعله، فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ» .

مسألة: المحرم يتخذ الخرقة لفرجه يجعلها فيه عند منامه

[مسألة: المحرم يتخذ الخرقة لفرجه يجعلها فيه عند منامه] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه مسألة وسئل مالك عن المحرم يتخذ الخرقة لفرجه، يجعلها فيه عند منامه، قال: لا بأس بذلك، وليس هذا يشبه الذي يلقي على فرجه للمذي والبول، ذلك يفدي. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة، وما كان في معناها في رسم حلف بطلاق امرأته ليرفعن أمرا، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك هنا. [مسألة: يجعل في رأسه الخل قبل أن يحرم] مسألة وسئل عن صاحب الأقرحة تكون برأسه، يريد أن يجعل في رأسه الخل قبل أن يحرم، قال: لا يعجبني ذلك، أخاف أن يقتل الدواب، قيل له: أفلا يجعله ويفدي، فإنه يشكو منه أنه يؤذيه أذى شديدا؟ قال: ما يعجبني ذلك أن يجعل شيئا، والناس يصيبهم هذا، وهو أمر قريب، وأرى أن يصبر حتى يفرغ من حجه. قال محمد بن رشد: قد بين مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - من وجه قوله في هذه المسألة ما أغنى عن القول فيها؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] ، فلم يبح الحلق إلا عند الضرورة، وليس هذا من الضرورة التي تبيح له قتل القمل في رأسه بعد الإحرام بالخل الذي جعله فيه قبل الإحرام، على ما قال في مسألة الزاوق بعد هذا في رسم اغتسل، وبالله التوفيق.

مسألة: طاف قبل الصبح فخشي الإقامة

[مسألة: طاف قبل الصبح فخشي الإقامة] مسألة وسئل مالك عن الذي يفرغ من طوافه بمكة، ثم تقام الصلاة قبل أن يركع ركعتي الطواف، وهم في الصبح يطلبون الإقامة لطواف الناس، وطردهم إياهم عن الطواف، قال: إنه يكره أن يصلي أحد بعد أن تقام الصلاة، وعسى ذلك أن يكون في المساجد غير المسجد الحرام، وعسى أن يكون هذا بمكة خفيفا، قيل له: فركعتا الفجر مثله؟ قال: نعم، أرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: إنما كرهت الصلاة بعد الإقامة؛ لما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: «سمع قوم الإقامة فقاموا يصلون، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أصلاتان معا؟ أصلاتان معا؟» يريد بذلك نهيا عن ذلك، وذلك في صلاة الصبح في الركعتين قبل الصبح، وخفف مالك ذلك بمكة للمعنى المذكور في الرواية، وترك ذلك أحسن وأقطع للذريعة، قال ابن نافع في المدونة: وإذا طاف قبل الصبح، فخشي الإقامة، فليبدأ بركعتي الطواف قبل ركعتي الفجر، ومثله في رسم اغتسل بعد هذا، من سماع ابن القاسم، وفي آخر سماع أشهب. [مسألة: حكم العمرة] مسألة وسئل مالك عن العمرة أواجبة هي أم سنة؟ قال: بل سنة كالوتر وغيرها من السنن، اعتمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس فهي سنة. قال محمد بن رشد: مثل هذا لمالك في كتاب ابن المواز، وذكر ابن حبيب أنها واجبة كوجوب الحج، وإلى هذا ذهب ابن الجهم، ومن حجة

مسألة: إمام الحاج أيتعجل في يومين

من ذهب إلى أنها واجبة؛ قول الله عز وجل: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ، ولا حجة في ذلك؛ لأن الأمر بإتمام الشيء لا يتناول إلا لمن دخل فيه، وقالوا أيضا: ولما قال الله: {يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة: 3] دل على أن ثم حجا أصغر وهو العمرة، وهذا لا حجة فيه أيضا؛ لأنه تأويل تعارض بما هو أولى منه، وقد ذكرنا ما قيل في ذلك في رسم مساجد القبائل. [مسألة: إمام الحاج أيتعجل في يومين] مسألة وسئل مالك عن إمام الحاج أيتعجل في يومين؟ قال: لا يعجبني، قيل: فأهل مكة يتعجلون في يومين؟ قال: لا أرى لهم ذلك إلا أن يكون لهم عذر من مرض أو تجارة يرجع إليها، قيل: فالرجل له المرأة الواحدة، فيريد أن يتعجل إليها، قال: فلا أرى ذلك مما حل الناس له إلا للمرأة الواحدة، فلا أرى إلا أن يكون له عذر من مرض أو ما أشبه، قال ابن القاسم: وقال لي مالك قبل ذلك: لا أرى به بأسا، وأهل مكة كغيرهم، وهو أحب قوله إلي. قال محمد بن رشد: أما كراهيته للإمام أن يتعجل في يومين فبينة؛ لأن رمي الجمار في اليوم الثالث من بقية عمل الحج، ينبغي للإمام ألا يتعجل قبله ليقتدى به فيه، ويأتم به من لم يتعجل من الحاج، وأما أهل مكة، فالأظهر أنهم وغيرهم في التعجيل سواء؛ لأن الله قال تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] ، يريد في ترك الأخذ بالرخصة، إذ قد علم أنه لا إثم في الإتيان بالأكمل إلا من وجه ترك قبول الرخصة، فلذلك يبين الله تعالى أنه لا إثم في ذلك، ولم يخص أهل مكة من غيرهم

مسألة: أكله المحرم بيض الدجاج والإوز

فوجب ألا يفترق في ذلك حكمهم، والمتعجل في يومين يسقط عنه رمي اليوم الثالث على مذهب مالك، وهو دليل قوله في الموطأ في الدعاء: لأنه لا يقضي أحد شيئا حتى يجب عليه، وهو قول ابن المواز: إن المتعجل إنما يرمي بتسعة وأربعين حصاة، وذهب ابن حبيب إلى أن المتعجل يرمي ليومه ولليوم الثالث وكذلك ينصرف، وبالله التوفيق. [مسألة: أكله المحرم بيض الدجاج والإوز] مسألة قال ابن القاسم: ولا بأس في قوله بأكل بيض الدجاج والإوز، ولا يؤكل بيض الحمام، ولا بأس أن يذبح أهل مكة الحمام الرومية التي تتخذ للفراخ. قال محمد بن رشد: قوله: لا بأس في قوله بأكل بيض الدجاج والإوز يريد للمحرم، وأما الحلال في الحرم فلا إشكال في أن ذلك جائز له، وقوله: ولا يؤكل بيض الحمام، يريد لا يأخذ ذلك المحرم فيأكله، فإن فعل فعليه فيه الجزاء عشر ثمن كبير ذلك، وكذلك لو كسره أو شواه ولم يأكله؛ لأن الجزاء يجب عليه في كسره أو شقه كما يجب عليه في قتل الصيد، فإذا أكل منه بعد أن شواه، فإنما أكل ما لا يحل له أكله، وما قد وجب عليه جزاؤه، ولو أخذه حلال فشواه لنفسه، لجاز للمحرم أكله كما يجوز له أكل لحم ما صاده الحلال لنفسه على مذهب، وسيأتي في رسم يشتري الدور والمزارع، من سماع يحيى، ما في ذلك من الاختلاف محصلا إن شاء الله. وأما قوله: ولا بأس أن يذبح أهل مكة الحمام الرومية التي تتخذ للفراخ، ففيه دليل على أنهم لا يذبحون سائر الحمام وسائر الطير الوحشي وجميع الصيد، إذا دخلوا به من الحل، وهو خلاف المعلوم في المذهب، وقد قال مالك في المدونة:

مسألة: حج بثمن ولد الزنا

وما أدركت أحدا ابتدأ به بدأ بالصيد يدخل به المحرم من الحل بأسا إلا عطاء، ثم ترك ذلك، وقال: لا بأس به. ُ [مسألة: حج بثمن ولد الزنا] مسألة وسئل مالك هل يحج بثمن ولد الزنا؟ فقال: أليس من أمته ولدته من زنا؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز أن يحج بثمن ولد الزنا، وأن يعتق في الرقاب الواجبة، وإن كان الاستحباب غير ذلك، روى أشهب عنه في سماعه من كتاب العتق أنه استحسن ألا يعتق في الرقاب الواجبة، وقال عز وجل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ} [البقرة: 267] الآية، فعمد الرجل إذا أراد أن يعتق أعتق هذا العبد، وإذا أراد أن يتصدق تصدق بهذا الطعام، وإنما منع من ذلك من منعه ولم يجزه، من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ولد الزنا شر الثلاثة» ، «وإنه لا يدخل الجنة ولد زنية» ، وإنه «سئل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن عتق ولد الزنا قال: " لا خير فيه نعلان يعان بهما أحب إلي من ولد الزنا» ، وليست الأحاديث المذكورة على ظاهرها، فأما قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ولد الزنا شر الثلاثة» ؛ فالمعنى فيه أنه قصد بذلك إلى رجل بعينه، كان يؤذي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: أما إنه مع ما به ولد زنا، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هو شر الثلاثة، وقد سئل عبد الله بن عمر بن الخطاب على ذلك فقال: بل هو خير

مسألة: خضاب المرأة المحرمة

الثلاثة، قد أعتق عمر بن الخطاب عبيدا من أولاد الزنا، ولو كان خبيثا ما فعل، وهو كما قال؛ لقوله عز وجل: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] ، وقوله: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] ، وقد قيل: إن المعنى في ذلك أنه حدث من شر الثلاثة أبوه وأمه والشيطان الذي أغواهما، لا أنه في نفسه شر، والأول أولى؛ لأن ذلك مروي عن عائشة، وأما قوله: لا يدخل الجنة ولد زنية، فالمعنى في ذلك من كثر منه الزنا حتى نسب إليه كما ينسب إلى الشيء من كثر منه وتحقق به، فيقال لمن كثر منه الحذر: ابن إحذار، ولمن كثر منه السفر: ابن سبيل، وللمتحققين بالدنيا بني الدنيا، ومثل هذا كثير، وعليه يحمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عتق ولد الزنا: إنه لا خير فيه. [مسألة: خضاب المرأة المحرمة] مسألة قال مالك: لا بأس أن تختضب المرأة المحرمة، وتمتشط بالحناء قبل الإحرام ثم تحرم. قال محمد بن رشد: إنما أجاز لها ذلك مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عند الإحرام قبل أن تحرم، وهو لا يجيز للمحرم أن يطيب قبل الإحرام بشيء يبقى ريحه بعد الإحرام؛ مراعاة لقول من يجيز ذلك؛ لقول عائشة: «طيبت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت» ؛ إذ الحناء ليست من المؤنث من الطيب، كما أنه لا يرى الفدية على من تطيب لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت، وإن كان لا يجيز ذلك مراعاة لما جاء في ذلك.

مسألة: المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام

[مسألة: المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام] مسألة وسئل مالك عن مكة والمرور بها بين يدي المصلي في المسجد، أترى أن يمنع منها مثل ما يمنع من غيرها؟ قال: نعم، إني لأرى ذلك إذا كان يصلي إلى عمود أو سترة، ولا أدري ما الطواف كله تحققه أن يصلي إلى الطائفين. قال محمد بن رشد: قوله: إذا كان يصلي إلى عمود أو سترة، دليل على أنه إذا صلى في المسجد الحرام إلى غير سترة، فالمرور بين يديه جائز، وليس عليه أن يدرأ من يمر بين يديه، بخلاف إذا صلى في غير المسجد الحرام إلى غير سترة، والإثم في ذلك عليه دون المارين، بخلاف صلاته إلى الطائفين، والفرق بين الطائفين وغيرهم من المارين بين يديه في إجازته الصلاة إليهم، أن الطائفين يصلون؛ لأن الطواف بالبيت صلاة، وإن جاز فيه الكلام، ألا ترى أنه لا يكون إلا على طهارة؟ وأما من صلى في المسجد الحرام إلى سترة، فلا يجوز لأحد أن يمر بينه وبينها من غير الطائفين، فإن من كان له أن يدرأه عن ذلك، وأما الطائف فلا ينبغي له أن يمر بينه وبين سترته، إلا أن لا يجد بدا من ذلك من زحام، فليمر ولا يدرأه المصلي على المرور، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يجوز أن يصلي في المسجد الحرام إلى غير سترة، فإن مر الناس بين يديه في الطواف وغيره، ولا إثم في ذلك عليه ولا عليهم، وأن مكة مخصوصة بجواز المرور فيها بين يدي المصلي، بدليل ما روى عبد المطلب بن أبي وداعة، قال: «رأيت النبي يصلي مما يلي بني سهم، والناس يمرون بين يديه، ليس بينه وبين القبلة شيء» ، وقال بعض الرواة: ليس بينه وبين الطواف سترة، قال: ومن طريق المعنى أن الذي يصلي معاينا إلى الكعبة، يستقبل في صلاته وجوه بعض المصلين إليها، ولا يجوز ذلك في غيرها، فإذا

مسألة: يخبط المحرم لبعيره من غير الحرم

جاز له أن يستقبل وجوههم، جاز له أن يمروا بين يديه؛ لأنه لا يستقبل بذلك إلا خدودهم، فهو أخف، والله أعلم. [مسألة: يخبط المحرم لبعيره من غير الحرم] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق مسألة قال مالك: لا بأس أن يخبط المحرم لبعيره من غير الحرم. قال محمد بن رشد: الخبط هو أن يضرب بعصاه الشجر، فيسقط ورقها لبعيره، وذلك جائز في الحل للحلال والحرام؛ إذ يأمن في ذلك المحرم قتل الدواب، بخلاف الاحتشاش، ولا يجوز ذلك في الحرم لحلال ولا حرام، وإنما الذي جوز لهما فيها الهش، وهو أن يضع المحجن في الغصن فيحركه حتى يسقط ورقه، قاله في المدونة. [مسألة: يشعر بدنة بيده من الشقين جميعا] مسألة وحدثني سحنون، عن ابن القاسم، عن نافع بن أبي نعيم القاري، عن نافع مولى عبد الله بن عمر، عن ابن عمر: أنه كان يشعر بدنة بيده من الشقين جميعا، إذا كانت صعابا مقيدة؛ يريد موثقة، وإنما كان ابن عمر يفعل هذا ليذللها بذلك، لا أن ذلك سُنة إشعارها، وإنما سنة إشعارها صعبة كانت أو ذللا من الشق الأيسر. قال محمد بن رشد: قوله: وإنما كان ابن عمر يفعل هذا ليذللها بذلك، ويدل على أنه كان يشعرها من الشقين جميعا معا، خلاف ما ذهب إليه ابن المواز من أن معنى قوله من الشقين جميعا، أي من أي الشقين أمكنه، ومثل تأويل ابن المواز حكى ابن حبيب عنه نصا من رواية مطرف عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، وزاد في صفة الإشعار أنه طولا في سنامها، في المدونة عرضا، وقوله: إن السنة في الإشعار أن يكون في الشق الأيسر هو مثل

مسألة: امرأة جعلت على نفسها المشي إلى بيت الله سبع مرات إن كلمت أباها

ما في المدونة، وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أن الإشعار في الشق الأيمن، ووجه كونه في الشق الأيسر أن الذي يشعر من السنة في إشعاره أن يكون مستقبل القبلة، ويشعر بيمينه وخطام بعيره بشماله، فإن فعل ذلك وقع إشعاره في الشق الأيسر، ولا يكون في الجانب الأيمن، إلا أن يكون مستدبر القبلة، أو مشعرا بشماله، أو يمسك له غيره بعيره، فالإشعار في الشق الأيسر أظهر، ووقع الإشعار في الشق الأيمن للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الصحيح لمسلم. [مسألة: امرأة جعلت على نفسها المشي إلى بيت الله سبع مرات إن كلمت أباها] مسألة وقال مالك في امرأة جعلت على نفسها المشي إلى بيت الله سبع مرات إن كلمت أباها، قال: تكلمه وتمشي سبع مرات، قيل له: فهي ممن لا يستطيع المشي، قال: تحج وتعتمر سبع مرات راكبة، وهو يقول والهدي في ذلك مع كل مرة. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها عن مالك وأصحابه، ولا اختلاف في ذلك أحفظه بينهم إلا روايات شاذة خارجة عن أصل مذهب مالك، منها ما روي عن ابن القاسم أنه أفتى ابنه عبد الصمد بكفارة يمين، وقال له: أفتيتك بقول الليث بن سعد، فإن عدت أفتيتك بقول مالك، فإن صح ذلك عنه فالمعنى فيه أنه قال ذلك له إرهابا عليه؛ لئلا يجترئ على الحلف بذلك، ولو عاد لم يفته إلا بالأصح من القولين عنده في وقت الفتيا، هذا ما لا يصح سواه، وبالله التوفيق. [مسألة: طاف بالبيت ففرغ من طوافه بعد الفجر] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية مسألة وسئل عمن طاف بالبيت، ففرغ من طوافه بعد الفجر، بأيهما يبدأ؛ أبركعتي الفجر أم بركعتي الطواف؟ قال: بل بركعتي الطواف.

مسألة: ذكر أهله وهو محرم فأتبع ذكره في قلبه وردده على قلبه حتى أنزل

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن من سنة ركعتي الطواف أن تكونا موصولين بالطواف، فلا يفرق بينه وبينهما، إلا لعذر مثل أن يكون طوافه في وقت لا تحل فيه الصلاة، وما أشبه ذلك. [مسألة: ذكر أهله وهو محرم فأتبع ذكره في قلبه وردده على قلبه حتى أنزل] مسألة وسئل مالك عمن ذكر أهله، وهو محرم فأتبع ذكره في قلبه، وردده على قلبه، حتى أنزل الماء الدافئ، قال مالك: ألا وقد أفسد حجه. قال محمد بن رشد: في سماع أشهب من مالك خلاف هذا أن حجه تام، وعليه الهدي، ويتقرب إلى الله بما استطاع من الخير، ومثله ظاهر قول مالك في الموطأ رواية يحيى، ورواية ابن القاسم أصح من رواية أشهب، وإياها اختار ابن المواز؛ لأن الأمر في تجنب النساء أشد على المحرم منه على الصائم؛ لأن المحرم يستوي في ذلك عمده وجهله وسهوه، ولا تباح له القبلة ولا المباشرة ولا النظر باللذة، وإن كان أمن في ذلك على نفسه، ويجب عليه في ذلك الهدي إن فعله، والصائم تباح له القبلة والمباشرة والنظر للذة إن أمن في ذلك على نفسه، وتسقط عنه الكفارة في الوطء بالجهل والتأويل والنسيان، فوجب على هذا حيث ما فسد على الصائم صيامه، ووجبت عليه الكفارة والقضاء من جهة النساء أن يفسد على المحرم حجه، ويجب عليه الهدي والقضاء، وحيث ما وجب على الصائم القضاء دون الكفارة ألا يجب على المحرم إلا الهدي حاشى الجماع، ناسيا أو جاهلا أو متأولا، فإن ذلك يفسد الحج على المحرم، ولا يجب فيه على الصائم إلا القضاء، ولم يختلف قول مالك، ولا قول أحد من أصحابه في أن

مسألة: جعلت في رأسها زاوقا بالمدينة ثم أحرمت

الصائم إذا تذكر امرأته وأدام ذكرها في قلبه حتى أنزل عليه القضاء والكفارة، وقد مضى في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، من كتاب الصيام تحصيل القول في حكم الصيام في ذلك، فقف عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: جعلت في رأسها زاوقا بالمدينة ثم أحرمت] مسألة وقال في امرأة جعلت في رأسها زاوقا بالمدينة، ثم أحرمت، وذلك في اليوم الذي أحرمت فيه، فقال: أرى أن تفتدي مخافة أن يكون الزاوق قد قتل قملا بعد الإحرام، وثبت ذلك في رأسها اليوم واليومين. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، قد بيّن فيها مالك العلة في وجوب الفدية عليها، فلا كلام فيها. [مسألة: النظر في المرآة للمحرم] مسألة قال مالك: لا أحب للمحرم أن ينظر في المرآة، فإن فعل فليستغفر الله، ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: إنما كره له النظر في المرآة مخافة أن يرى شعثا فيصلحه، فإذا سلم من ذلك فليس عليه إلا الاستغفار. [مسألة: العمرة في ذي الحجة] مسألة قال مالك: لا بأس بالعمرة في ذي الحجة، وعمرة في المحرم، عمرة في هذه السنة، وعمرة في هذه السنة. قال محمد بن رشد: إنما كره مالك أن يعتمر في السنة إلا مرة

مسألة: الغنم هل تقلد

واحدة؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعتمر إلا ثلاث عُمَرٍ؛ إحداهن في شوال، واثنين في ذي القعدة، وذي الحجة، وعمرة مع حجته على القول بأنه كان متمتعا، فأحب الاتساء بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب: 21] ، وأكثر أهل العلم يجيزون له أن يعتمر ما شاء، وقد روي أن عبد الله بن عمر اعتمر ألف عمرة، وأعتق ألف رقبة، وحبس ألف فرس، وأفتى الناس ستين عاما، وحج ستين حجة، وعاش سبعا وثمانين سنة. [مسألة: الغنم هل تقلد] مسألة وسئل مالك عن البقر إذا كانت لها أسنمة، قال: أرى أن تشعر، فإن لم يكن لها أسنمة فلا تشعر، وتقلد كانت لها أسنمة أو لم تكن، فقيل: أرأيت الغنم هل تقلد؟ قال: لا، وليس هذا من شأن الغنم. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، رأى أن تقلد البقر وتشعر إذا كانت لها أسنمة، قياسا على الإبل، ولم ير أن تقلد الغنم؛ لأن المعنى في التقليد أن يعرف أنها هدي إن شردت فضلت، وذلك مأمون على الغنم، أيضا فإنه يخشى عليها أن تخثو بالتقليد لضعفها، وأما الإشعار فلا يمكن فيها، ولا يقول بذلك أحد، فهذا وجه ما ذهب إليه مالك في هذا، والله أعلم. وقد جاء تقليد الغنم في الآثار، وإلى هذا ذهب ابن حبيب. [مسألة: طاف للوداع وأراد أن يركع ركتي الطواف بذي طوى فأحدث] مسألة وقال في رجل طاف طواف الوداع، وذلك قبل طلوع الشمس،

مسألة: كان المقام ملتصقا بالبيت

فخرج فسار وهو يريد أن يركعهما بذي طوى أو نحوه، فأحدث قبل ذلك، قال: لا يركع ركوع الطواف، وقد انتقض طوافه، فإن كان قد تباعد، فلا يرجع، وليس عليه شيء، وإن كان ذلك الطواف الواجب فليركعهما في موضعه، وليهد بقرة أو بدنة أو شاة إن لم يجد غيرها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مثل ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف في المذهب فيها، ولا إشكال في شيء من معانيها يتكلم عليه، والله الموفق. [مسألة: كان المقام ملتصقا بالبيت] مسألة قال مالك: كان المقام ملتصقا بالبيت، فأخره عمر بن الخطاب إلى موضعه، وهو حد علم الحرم ومعالمه، قال مالك: لما وقف إبراهيم على المقام، فأوحى الله إلى الجبال أن تأخري عنه، فتأخرت حتى أراه موضع المناسك، وهو قول إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فأرنا مناسكنا". قال محمد بن رشد: وقعت هاتان الحكايتان في المدونة، ومعناها بيِّن لا يفتقر إلى كلام، وبالله التوفيق، لا رب غيره، ولا خير إلا خيره، وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. تم كتاب الحج الأول بحمد الله تعالى وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

كتاب الحج الثاني

[كتاب الحج الثاني] [الطواف بالبيت وعلى المرء ثوب غير طاهر] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب الحج الثاني من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الحج. قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك [رحمة الله على جميعهم] عن الطواف بالبيت وعلى المرء ثوب غير طاهر، قال: لا، وكرهه. قال محمد بن رشد: حكم الطواف بالبيت حكم الصلاة في أنه لا تكون إلا على طهارة، فكذلك يكون حكمه حكمها في طهارة الثوب والبدن من النجاسة، فإن طاف بثوب نجس وهو لا يعلم به، ثم علم بعد إكمال الطواف قبل الركعتين فصلى الركعتين بثوب طاهر فلا إعادة عليه، فإن لم يعلم حتى صلى الركعتين أعادهما بالقرب ما لم ينتقض وضوؤه ولم يعد الطواف، روي ذلك عن ابن القاسم، وقال أصبغ: لا يعيد الركعتين؛ لأن السلام منهما خروج وقتهما، والقياس أنه إن علم في أثناء الطواف وبعد أن أكمله قبل أن يصلي الركعتين استأنف الطواف من أوله، كالصلاة إذا علم بنجاسة الثوب في الصلاة قطع وابتدأ، وإن لم يعلم به حتى أكمل الركعتين لم يكن عليه أن يعيد، كمن صلى بثوب نجس فلم يعلم به حتى خرج الوقت؛ لأن الطواف ليس له وقت محدود، فالسلام من الركعتين خروج وقته، كمن صلى صلاة

مسألة: أفتسعى المرأة بين الصفا والمروة وهي حائض

فاتته بثوب نجس فلم يعلم به حتى خرج الوقت سلم منها أنه لا إعادة عليه؛ لأن السلام منها خروج وقتها. وقال أشهب: إن علم به في طوافه ابتدأه، وإن لم يعلم به إلا بعد إكمال طوافه أعاد الطواف والسعي إن كان قريبا، وليس بقياس، وإن كان متعمدا [أعاد وإن كان بعيدا، على القول بأن من صلى بثوب نجس عامدا أعاد أبدا، وعلى ما في هذه الرواية من أنه كره أن يطوف المرء وعليه ثوب غير طاهر لا تجب عليه الإعادة وإن كان متعمدا] ، [وبالله تعالى التوفيق] . [مسألة: أفتسعى المرأة بين الصفا والمروة وهي حائض] مسألة قيل له: أفتسعى المرأة بين الصفا والمروة وهي حائض؟ فقال: نعم إذا فرغت من الطواف بالبيت والصلاة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن السعي بين الصفا والمروة ليس من شرط صحته الطهارة. فإذا حاضت المرأة بعد الطواف بالبيت سعت بين الصفا والمروة، [وإذا حاضت قبل الطواف لم تسع بين الصفا والمروة] ؛ لأن السعي لا يكون إلا بعد الطواف، وهذا مما لا اختلاف فيه، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعائشة: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة» . [مسألة: قدم معتمرا فحل ثم أهل بالحج فخرج إلى منى] مسألة وسئل: عمن قدم معتمرا فحل ثم أهل بالحج فخرج إلى منى

مسألة: الحاجة تنفس قبل أن تفيض

ولم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ثم رمى جمرة العقبة، أيلبس الثياب قبل أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا جئتم منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم الله عليه إلا النساء والطيب لا يمس أحد نساء ولا طيبا حتى يطوف بالبيت. [مسألة: الحاجّة تنفس قبل أن تُفيض] مسألة وسئل: على الحاجّة تنفس قبل أن تُفيض، قال: يحبس عليها كَرِيُّهَا؛ لأنه قد علم أن النساء يصيبهن هذا. قيل له: أفتراه مثل الحيض؟ قال: نعم، ويحبس على الحائض خمسة عشر يوما. قيل له: فهل يختلف عندك إن كانت حاملا أو غير حامل؟ فإن الْكَرِيّ يقول: لم أعلم أنك حامل؟ فقال: ما يختلف عندي، وما على النساء أن يخبرن بحملهن؟ قلت له: فإن الكَرِيّ يحتج بأن يقول بأن الحيض من أمر النساء، فقال مالك: والحمل من أمر النساء، والمرأة قد يكون معها زوجها فتحمل، أفلا اشترط عليها حين أكراها؟ أرى أن يحبس عليها كَرِيّها، ولا أدري لعله تعينه في العلف. قيل: استحسان؟ قال: نعم. ولم ير عليه معونة في العلف إذا هي حاضت قبل أن تُفيض، وأرى أن يحبس عليها كريها خمسة عشر يوما. فقيل له: يا أبا عبد الله إن النساء عندنا يشترطن على الأكرياء الحج والعمرة في المحرم، فإن حاضت قبل أن تعتمر أترى أن يحبس كريها؟ قال: لا يحبس عليها كريها، فراجعته فلم ير ذلك عليه. قلت له: أفيوضع عنها من الكراء؟ فقال: لا أدري ما هذا؟

مسألة: قوله وتعالى ولله على الناس حج البيت أذلك الزاد والراحلة

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في آخر رسم طلق من سماع ابن القاسم أن الكري يحبس على المرأة إذا نفست كما يحبس في الحيضة في الحج والعمرة، وقد مضى هناك القول على [ذلك] والأصل في وجوب حبسه عليها قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في صفية حين قيل له: إنها قد حاضت: «لعلها حابستنا، فقالوا: يا رسول الله إنها قد طافت، قال: فلا إذن» . وإنما لم يحبس عليها إذا حاضت قبل العمرة التي اشترطت عليه، كما يحبس إذا حاضت قبل طواف الإفاضة في الحج؛ لأنها تقدر على الخروج وترك العمرة إذ لم تهل بها بعد، ولا تقدر على الخروج وترك طواف الإفاضة. ولم يجب مالك في حكمها مع الكري في ذلك إذا لم يحبس عليها، وأنكر السؤال عن أن يوضع عنها قدر العمرة من الكراء، فقال: لا أدري ما هذا! إذ لا يصح أن تجبر على الخروج معه وتترك العمرة، وهي عليها سنة واجبة، وعند بعض العلماء فريضة لازمة، ولعلها قد نذرتها فتكون قد وجبت عليها بإجماع، فإذا لم يصح أن تجبر على الخروج مع الكري إلى بلدها وهي حائض وأبى الكري من الصبر عليها حتى تطهر، فالواجب أن يفسخ الكراء بينهما فيما بقي، ويكون للمكرِي من كراء قدر ما مضى، فهذا هو وجه الحكم في هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: قوله وتعالى وَلِلَّه على النَّاس حِجُّ الْبَيْت أذلك الزاد والراحلة] مسألة وسئل مالك: عن قول الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] ... الآية، أذلك الزاد والراحلة؟ فقال: لا والله، وما ذلك إلا على طاقة الناس، الرجل يجد الزاد والراحلة ولا يقدر على

السير، وآخر يقدر أن يمشي على رجليه، ولا صفة في هذا أبين مما أنزل الله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] . قال محمد بن رشد: وهذا كما قال مالك: إنه لا صفة في ذلك أبين مما قال تعالى، فمن قدر على الوصول إلى مكة إما راجلا وإما راكبا بشراء أو كراء فقد لزمه فرض الحج، وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس، فقد يفتقر الرجل في الوصول إلى مكة إلى الزاد والمركوب، وقد لا يفتقر إلى واحد منهما، وقد يفتقر إلى أحدهما، فإن كان الرجل ممن لا يقدر على المشي أو يقدر عليه لمشقة تفدحه أو عيش في بلده مما يتعذر عليه العيش منه في طريقه كالصناعة التي لا يجدها أو السؤال الذي لا يجد له موضعا في طريقه فلا يجب عليه الحج حتى يجد الزاد والمركوب، ويلزمه أن يبيع في ذلك ما يبيعه عليه السلطان في الدين. وإن كان ممن يقدر على المشي بغير مشقة تفدحه وما يعيش به في بلده لا يتعذر عليه في طريقه من صناعة لا يعدمها أو سؤال لا يتعذر عليه، فالحج واجب عليه وإن لم يجد زادا ولا مركوبا؛ وإن كان عيشه مما يتعذر عليه في طريقه وهو يقدر على المشي فالحج واجب عليه [إذا وجد الزاد وإن لم يجد المركوب] ، وإن كان عيشه في بلده مما لا يتعذر عليه في طريقه وهو لا يقدر على المشي فالحج واجب عليه إذا قدر على المركوب وإن لم يجد الزاد، وأما إن كان عيشه من غير السؤال وهو يقدر أن يتوصل إلى مكة بالسؤال فلا اختلاف في أن ذلك لا يجب عليه. واختُلف هل يباح له ذلك أو يكره؟ فقيل: إن ذلك له مباح، وقيل: إنه له مكروه، والأول قول مالك في رواية ابن عبد الحكم عنه، والثاني قوله في سماع ابن القاسم من كتاب الصنائع والوكالات، وقد مضى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم القول إذا لم يجد نفقة يخلفها لزوجته، وكان إن خرج رفعت أمرها

مسألة: اعتمر فجاء ليلا فطاف وركع الركعتين وأخر السعي والحلاق للصبح

فطلقت عليه، ويأتي في سماع محمد بن خالد القول في إذا لم يجد نفقة يخلفها لولده. وما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الزاد والراحلة معناه في البعيد الدار أو القريب الذي لا يقدر على المشي؛ لأن قوله عز وجل: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] ، يوجب الحج على من استطاعه ماشيا؛ لأنه إخبار بمعنى الأمر؛ إذ لا فائدة في الإخبار بصفة الإتيان دون الإيجاب؛ ولأن شريعة إبراهيم لازمة لنا، قال عز وجل: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123] ... الآية. [مسألة: اعتمر فجاء ليلا فطاف وركع الركعتين وأخر السعي والحلاق للصبح] مسألة وسئل عمن اعتمر فجاء ليلا فطاف بالبيت وركع الركعتين وأخر السعي والحلاق حتى أصبح، فلما أصبح سعى بين الصفا والمروة ثم حلق، فقال له مالك: أبطهر واحد؟ فقال: لا، انقلبنا فنمنا، قال: بئس ما صنعتم، وأرى أن تهدي هديا. ولو ذكرت ذلك وأنت بمكة رأيت أن تعيد الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، ولو كنت فعلت بطهر واحد أجزأ عنك، وإنما يكون ذلك إذا كان الشيء قريبا. فقيل له: أفرأيت إن كان ذكر ذلك وهو بمكة بعد أن حلق؟ فقال: كنت أرى أن يعيد الطواف والركعتين والسعي بين الصفا والمروة ويحلق رأسه. قيل له: إنه قد حلق رأسه أفيعيد الحلق؟ فقال: نعم يحلق أيضا. قال محمد بن رشد: وعليه إذا ذكر بالقرب فأعاد الطواف والسعي والحلاق الدمُ لمكان الحلاق، ولو ذكر بالقرب قبل أن يحلق فأعاد لم يكن عليه شيء. وقوله: إنما يكون ذلك إذا كان الشيء قريبا، يريد: وإنما تكون الإعادة

مسألة: المحرمة تغطي وجهها

إذا كان وضوؤه قد انتقض، ولو لم ينتقض وضوؤه لم يكن عليه إعادة على هذه الرواية، قرب أو بعد، خلاف ما مضى في سماع ابن القاسم في رسم حلق المتكرر في موضعين. [مسألة: المحرمة تغطي وجهها] مسألة وسئل: عن المرأة المحرمة تغطي وجهها، فقال: إن كانت تغطيه من حر أو من شيء [فلا] ، وإن كانت رأت رجالا فغطت وجهها تريد بذلك الستر فلا أرى بذلك بأسا، وأرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، فإن غطت لغير الستر فعليها الفدية؛ لأن إحرام المرأة في وجهها. واختلف إن غطى الرجل وجهه هل عليه الفدية أم لا، على قولين، لما جاء في ذلك عن عثمان بن عفان، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [مسألة: يحرم في الثوب فيه لمعة من الزعفران] مسألة وسئل: عن الذي يحرم في الثوب فيه لمعة من الزعفران، قال: أرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: يريد -والله أعلم- اللمعة تبقى فيه منه بعد غسله فاستخف اللمعة من ذلك بعد الغسل، ولا يستخف اللمعة منه دون الغسل؛ لأنه طيب، ولا جميعه بعد الغسل إلا أن يتغير بالمشق، على ما المدونة.

مسألة: رمى الجمرة آخر أيام الرمي ثم رجع إلى منى فأقام حتى الظهر

[مسألة: رمى الجمرة آخر أيام الرمي ثم رجع إلى منى فأقام حتى الظهر] مسألة وسئل: عمن رمى الجمرة آخر أيام الرمي، ثم رجع إلى منى فأقام حتى الظهر، وقد كان أفاض يوم النحر أو بعده فلم يبق عليه شيء من أمر الحج، فقال: يصلي ركعتين، أهلُ منى كلهم على هذا. قال محمد بن رشد: استخف هذا لما مضى عليه من عمل الناس، والاتباعُ للسلف رشدٌ وهدًى. [مسألة: يصيب الجراد وهو محرم] مسألة وسألته: عن الذي يصيب الجراد وهو محرم، أيكتفي بالذي جاء من الحديث أم يحكم عليه؟ قال: بل يحكم عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لقوله عز وجل: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] ، مع ما جاء في ذلك عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قوله لكعب: تعال حتى نحكم في جرادة، سأله محرم عن قتلها فلم يحكم فيها وحده حتى حكم كعب معه. [مسألة: يحرم بالحج من مكة من أين يحرم] مسألة وسألته: عن الذي يحرم بالحج من مكة من أين يحرم؟ قال: من جوف المسجد الحرام. [قيل: أفلا يحرم من بيته؟ فقال: بل يحرم من جوف المسجد الحرام. قيل له: فيحرم من عند باب المسجد؟ قال: بل يحرم من جوف المسجد] .

مسألة: عن المحرم أيصيد الثعلب أو الذيب

قال محمد بن رشد: إنما لم ير أن يحرم من بيته؛ لأن السنة أن يكون الإحرام إثر صلاة نافلة في المسجد أقلها ركعتين، فإذا صلى في المسجد وجب أن يحرم من مكانه ولا يخرج إلى باب المسجد؛ لأن التلبية إنما معناها إجابة الله إلى بيته الحرام، فهو بخروجه من المسجد يزداد من البيت بعدا بخلاف الخروج من مسجد ذي الحليفة أو غيره من مساجد المواقيت؛ لأنه بخروجه منها إلى أبوابها يزداد من البيت قربا؛ فهذا وجه لقوله صحيح من جهة المعنى. [مسألة: عن المحرم أيصيد الثعلب أو الذيب] مسألة وسألته: عن المحرم أيصيد الثعلب أو الذيب؟ قال: لا، ثم قال: والله ما أدري أعلى هذا أصل رأيك أم تتجاهل بصيد المحرم؟ قلت له: ما أتجاهل ولكني ظننت أن تراه من السباع. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في الحج الثاني والسلم الثالث من المدونة في الثعلب قد نص فيهما أن المحرم لا يقتل شيئا من السباع التي لا تعدو ولا تفترس [كالهر والضبع والثعلب، وأما الذيب فجعله هاهنا ممن لا يعدو ولا يفترس] كالثعلب، وجعله ابن حبيب مما يعدو ويفترس كالأسد والنمر [والفهد] داخلا في اسم الكلب العقور التي أباح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتله في الحل والحرم. وقول ابن حبيب صحيح على ما يعرف من

مسألة: حديث والمروة منحر وكل فجاج مكة منحر وطرقها منحر

حال الذياب عندنا، ولعلها في المشرق على خلاف ذلك لا تعدو ولا تفترس، [إذ لا اختلاف في أن الثعلب والذيب من السباع ويجوز للمحرم قتلها كالثعلب] . واختلف في صغار ما يعدو ويفترس، فقيل: إن قتلها محظور تودى إن قتلت وهو قول أشهب؛ وقيل: إن قتلها مكروه لا تودى إن قتلت، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وقول ابن حبيب في الواضحة، وقيل: إن قتلها جائز، روي ذلك عن أشهب، وقوله: ولكن ظننت أن تراه من السباع، يريد من السباع التي تعدو وتفترس ويجوز للمحرم قتلها، إذ لا اختلاف في أن الثعلب والذيب من السباع. [مسألة: حديث والمروة منحر وكل فجاج مكة منحر وطرقها منحر] مسألة وسئل: عن قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العمرة: «والمروة منحر، وكل فجاج مكة منحر، وطرقها منحر» ، أرأيت من كان معه هدي واجب يسوقه في عمرة قلده وأشعره وأصابه عطب في الطريق فنحره، قال: هذا لا يجزئ عنه، قيل له: إنه نحره في الحرام، قال: لا يجزئ عنه، وحد ذلك عندي [في] الذي يجزئ عنه والذي قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فيما أرى بيوت مكة، قال: حيث البنيان، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وكل طرقها منحر، فهذه طرق مكة وليس بالصحارى» . وقلت له: أرأيت إن نحره في الحرام قبل أن يدخل مكة أو عند ثنية المدنيين؟ قال: ما أراه مجزئا عنه، ألا ترى قول الله عز وجل: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] ، وقد نحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

هديه بالحديبية في الحرم. قلت له: نحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحرم، قال: سمعت ذلك، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه يوم الحديبية: «احلقوا وانحروا، فأبطئوا، فذكره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأم سلمة فقالت: يا رسول الله فلو فعلت أنت ذلك، ففعل رسول الله ففعلوا» قال محمد بن رشد: قوله: وقد نحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ هديه بالحديبية في الحرم، معناه: نحر هديه في الحرم إذ كان في الحديبية؛ لأن الحديبية في الحل، لكنه لم يكن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ممنوعا من دخول الحرم، فبعث هديه من الحديبية إلى الحرم ينحر به على ما روي، فصحت بذلك لمالك حجة لما ذهب إليه من أن محل الهدي من الحرم مكة القرية نفسها ومنى، [لا] جميع الحرم، لقوله عز وجل: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] ، وهو قد نحر بالحرم إذ لم ينحر بمكة حيث بنيان القرية. وقد ساق ابن أبي زيد هذه الرواية في النوادر سياقة فاسدة غير صحيحة على ما تأوله فيها، فقال: وروى أشهب عن مالك في العتبية أن الحديبية في الحرم. ومن صد عند مالك قبل أن يبلغ الحرم حل وحلق رأسه ونحر هديه حيثما كان، إذ لا فرق عنده في النحر بين الحل والحرم ما لم يبلغ بيوت مكة أو منى. وقد قيل: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إنما نحر بالحديبية في الحل لا في الحرم. وذهب أبو حنيفة إلى أن من صده عذر عن الوصول إلى الحرم لا يجوز له أن ينحر هديه إلا بالحرم، على ما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ نحر في الحرم. قال من احتج له: وكيف يجوز أن ينحر في غير الحرم،

مسألة: المحرم أيحضر التزويج

والله عز وجل يقول: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] ، وأغفل قوله عز وجل: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] فلا وجه لقوله. [مسألة: المحرم أيحضر التزويج] مسألة وسألته: عن المحرم أيحضر التزويج؟ قال: لا ينبغي ذلك. قال محمد بن رشد: إنما كره له ذلك مخافة أن يتذكر أمر النساء فيتراقى به الأمر إلى ما يفسد حجه أو ينقص أجره، فإن حضر وسلم فقد أساء ولا شيء عليه، قاله أصبغ في كتاب محمد. [مسألة: نكاح المحرم بعد رمي الجمرة والعقبة] مسألة وسألته: عن نكاح المحرم بعد رمي الجمرة والعقبة، قال: أرى أن يفسخ نكاحه. قال محمد بن رشد: وهذا صحيح على مذهبه في أن المحرم لا يجوز له النكاح؛ لأنه لم يخرج من إحرامه بعد، إذ بقي عليه الإحرام في النساء والطيب والصيد حتى يطوف بالبيت. [مسألة: البقر إذا لم يكن لها أسنمة تقلد ولا تشعر] مسألة [قال مالك] : والبقر إذا لم يكن لها أسنمة تقلد ولا تشعر في رأيي.

مسألة: الذي يتذكر حتى نزل الماء الدافق في الحج

قال محمد بن رشد: قد مضى هذا في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم، ومثله في المدونة. وحكى ابن حبيب عن ابن عمر وابن شهاب أنها تشعر وإن لم يكن لها أسنمة. وقول مالك أظهر لأنه إنما لم يثبت في إشعارها أثر، فلا ينقاس منها على الإبل إلا ذوات الأسنمة، إذ الإشعار إنما هو في السنام. [مسألة: الذي يتذكر حتى نزل الماء الدافق في الحج] مسألة وسئل: عن الذي يتذكر حتى نزل الماء الدافق، قال: ليس عليه حج قابل ولا عمرة عليه، وعليه أن يهدي بدنة ويتقرب إلى الله بكل ما استطاع من الخير. قال محمد بن رشد: رواية ابن القاسم عن مالك في رسم اغتسل أصح من هذه، وقد مضى من القول هناك على ذلك ما فيه كفاية. [مسألة: قتل الصيد في حرم رسول الله صلى الله عليه] مسألة وسألته عمن قتل الصيد في حرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، أعليه جزاء؟ قال: لا يتعمد لقتله، فإن قتله فلا جزاء عليه، وكل شيء وسنته، ومن مضى أعلم ممن بقي، ولو كان هذا لسنوا فيه، والصيد فيه ثقيل ثم ثقيل. قال محمد بن رشد: حرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ما بين لابتي المدينة بريدا في بريد قال: «اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها» .. واختلف أهل العلم فيمن صاد فيها صيدا، فمنهم من أوجب عليه فيه الجزاء كحرم مكة سواء، وهو قول ابن أبي ذيب، حكاه الأبهري في

مسألة: رفع الصوت بالتلبية

كتابه، وبذلك قال ابن نافع، وإليه ذهب عبد الوهاب، ومنهم من ذهب إلى أن من صاد فيه حل سلبه لمن وجده. روي أن سعد بن أبي وقاص وجد عبدا لقوم يصيد في حرم المدينة فأخذ سلبه، فأتاه قوم فكلموه في أن يرد عليهم سلبه فأبى وقال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لما حد حرم المدينة قال: «من وجد من يصيد فيه فله سلبه، فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله، ولكن إن شئتم غرمت لكم سلبه فعلت» . وذهب مالك إلى أن الصيد فيه أخف من الصيد في حرم مكة، فلم ير على من صاد فيه إلا الاستغفار والزجر من الإمام. قيل له: فهل يؤكل الصيد يصاد في حرم المدينة؟ قال: ما هو مثل ما يصاد بحرم مكة، وإني لأكرهه، فروجع فيه فقال: لا أدري، ومن الدليل لقول مالك على أن الصيد في حرم المدينة ليس كالصيد في حرم مكة، ما روي عن عائشة أنها قالت: «كان لآل رسول الله صلى عليه وحش فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر، فإذا أحس برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قد دخل ربض فلم يترمرم كراهيته أن يوذيه» . وما روي عن أنس بن مالك قال: «كان لأبي طلحة ابن من أم سليم يقال له أبو عمير، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يضاحكه فدخل يوما فرآه حزينا، فقال: ما شأن أبي عمير؟ فقيل: يا رسول الله مات نغيره، فقال: "يا أبا عمير ما فعل النغير؟» ، ومثل هذا لا يباح في حرم مكة. [مسألة: رفع الصوت بالتلبية] مسألة قال أشهب: قلت لمالك: فرفع الصوت بالتلبية؟ قال: نعم يرفع صوته بالتلبية، ولا أرى أن يصيح جدا حتى يعقر حلقه، ووسط من ذلك يجزيه إن شاء الله، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

مسألة: قتل الحمار الوحشي وهو محرم

«أمرني جبريل أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية» . قال محمد بن رشد: وهذا كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه ليس عليه أن يصيح بالتلبية جدا حتى يعقر حلقه، إذ ليس في الحديث أن يصيح بالتلبية بأعلى صوته، وإنما فيه أن يرفع بها صوته، فيجزيه من رفع صوته بها ما يكون إذا فعله يسمى رافعا لصوته، ولا يعارض الأمر برفع الصوت بالتلبية ما روي من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما دنا من المدينة رفع الناس أصواتهم بالتكبير، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيها الناس ارفقوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إن الذي تدعون بينكم وبن أعناق أكتافكم "؛» لأن هذا في غير الحج، وشأن الحج رفع الصوت فيه بالتلبية لأنها شعاره، وروي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي الحج أفضل؟ قال: " العج والثج» ، فالعج رفع الصوت بالتلبية والثج نحر البدن "، فبان الحج في رفع الصوت بالتلبية فيه عما سواه. [مسألة: قتل الحمار الوحشي وهو محرم] مسألة وسألته: عن الحمار الوحشي، فقال: فيه بقرة، قلت له: أترى أن يودونها قبل أن يحكم عليه بها؟ قال: لا، بل أرى أن يذهب حتى يحكم عليه ببقرة، وأرى في بقرة الوحش بقرة.

مسألة: الذي يفسد حجه بإصابة أهله فيحجان من عام قابل متى يفترقان

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في المدونة وغيرها، فإنما قال في الحمار الوحشي بقرة؛ لقول الله عز وجل: فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ قرأه الكوفيون: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] بتنوين الجزاء ورفع مثل، وقرأ المدنيون بإسقاط التنوين، وخفض "مثل" على الإضافة والقراءتان راجعتان فيما يوجب الحكم إلى شيء واحد وإن اختلف المعنى فيهما لأنه يجب عليه فيما قتل على قراءة الكوفيين مثله من النعم جزاء، ويجب عليه فيما قتل على قراءة المدنيين مثل مثله من النعم؛ لأن الجزاء هو المثل، واختلف في المثل فقيل مثله في الهيئة والخلقة أن يشبه النعم به في ذلك، وقال في المدونة: مثله في النحو والعظم أي أقرب النعم إليه في ذلك. وإنما قال: إنه لا يؤدي البقرة حتى يحكم عليه بها لقول الله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] . [مسألة: الذي يفسد حجه بإصابة أهله فيحجان من عام قابل متى يفترقان] مسألة وسألته: عن الذي يفسد حجه بإصابة أهله فيحجان من عام قابل متى يفترقان؟ قال: إذا أحرما. قيل له: ولا يؤخران ذلك حتى يأتيا الموضع الذي أفسدا فيه حجهما؟ فقال: لا، وهذا الذي سمعت. قلت له: فما ترى افتراقهما، أيفترقان في البيوت أم في المناهل لا يجتمعان في منهل؟ فقال: لا يجتمعان في منزل، ولا يتسايران ولا في الجحفة ولا بمكة ولا بمنى. قال محمد بن رشد: من أهل العلم من قال إنه يفرق بينهما إلى عام قابل، وقال علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وسعيد بن المسيب: لا يفترقان حتى يحرما بالحج من عام قابل، وبهذا أخذ مالك، والوجه في ذلك مخافة أن

مسألة: الذي يفسد حجه وهو قارن بإصابة أهله فلا يجد هديا

يكون اجتماعهما ذريعة إلى فساد حجهما مرة أخرى. [مسألة: الذي يفسد حجه وهو قارن بإصابة أهله فلا يجد هديا] مسألة وسئل: عن الذي يفسد حجه وهو قارن بإصابة أهله فلا يجد هديا، فقال: يصوم ستة أيام في الحج وأربعة عشر يوما إذا رجع إلى أهله. قيل له: يقرن بين ستة؟ قال: يصوم ثلاثة ثم يفطر إن شاء ثم يصوم ثلاثة أيام بعد ذلك، وذلك في الحج يصومها ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة، وإنه ليستحب أن يؤخر ذلك رجاء أن يجد هديا. قال محمد بن رشد: أما قوله: إنه يصوم ستة أيام في الحج وأربعة عشر يوما إذا رجع فمعناه إذا كان قد أهدى هدي قران الحج الذي كان أفسد حينئذ؛ لأنه لا يسقط عنه بإفساده، ولو كان لم يهده لكان عليه ثلاث هدايا بإجماع في المذهب، يصوم عنهن إن لم يجد هديا تسعة أيام في الحج وأحدا وعشرين يوما إذا رجع. وقد مضى القول على هذا في رسم مرض من سماع ابن القاسم. وأما قوله: أن يصوم ثلاثة ثم يفطر إن شاء، ثم يصوم ثلاثة أيام بعد، فظاهره أنه يلزمه أن يتابع كل ثلاثة أيام منها وهو خلاف مذهب مالك في المدونة مثل قول ابن حبيب، وقال ابن وهب: يفرد صوم كل هدي فيصوم ثلاثة ثم سبعة، ولا يفرق بين الثلاثة والسبعة، وهذا على القول بأن له أن يصوم السبعة الأيام في الحج. وقول مالك على أنه لا يجوز له أن يصومها في الحج، ولذلك قال: إنه يتابع الستة الأيام عن الهديين؛ لأنه لو لم يفعل ذلك لصام الثلاثة الأيام عن الهدي الثاني في غير الحج، فقف على ذلك. وأما قوله: إنه يصومها ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة فالاختيار أن يصوم السادس والسابع والثامن ولا يصوم يوم عرفة ليقوى على الدعاء، فإن لم يصم السادس فيصوم السابع والثامن والتاسع وهو يوم عرفة، ولا ينبغي له أن يؤخر عن ذلك، فإن لم يصم

مسألة: الطائف بالبيت يمشي مشيه الذي كان يمشي أم يسرع

السابع صام الثامن والتاسع وأفطر يوم النحر وصام يوما من أيام التشريق على مذهب مالك في المدونة في إجازة تفرقة الثلاثة الأيام. وعلى ما ذهب إليه ابن حبيب، وهو ظاهر هذه الرواية لا يصوم حتى يذهب يوم النحر فيصوم بعده ثلاثة أيام متتابعات. وأما قوله: وإنه ليستحب أن يؤخر ذلك رجاء أن يجد هديا، فلا يخلو أمره من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون يائسا من أن يجد هديا قبل يوم النحر بثلاثة أيام، فهذا له أن يصوم ولا يستحب له التأخير، فإن صام ثم وجد هديا من حيث لم يكن ظن به لم يجب عليه الهدي. والثاني: أن يكون يعلم أنه يجد الهدي قبل يوم النحر بثلاثة أيام، فهذا لا يصوم، وإن صام لم يجزه صيامه ووجب عليه الهدي. والثالث: أن يكون شاكا في وجود الهدي فهذا هو الذي يستحب له أن يؤخر رجاء أن يجد الهدي، فإن صام ثم وجد الهدي أجزأه صيامه ولم يكن عليه أن يهدي على مذهب ابن القاسم، ولم يجزه على مذهب ابن حبيب ووجب عليه الهدي، وهذا على اختلافهم في الذي يصلي بالتيمم ولا علم له بالماء ثم يجد الماء في الوقت. [مسألة: الطائف بالبيت يمشي مشيه الذي كان يمشي أم يسرع] مسألة وسئل: عن الطائف بالبيت يمشي مشيه الذي كان يمشي أم يسرع؟ قال: إن أحب أن يسرع في مشيه فذلك له، وإن أحب أن يتأيد في مشيه فلا بأس بذلك، وربما أسرع الإنسان لحاجة عرضت له.

مسألة: معتمران يهديان شاتين فيعدو كل واحد منهما على شاة صاحبه

قال محمد بن رشد: قوله: أن له أن يسرع، معناه ما لم يبلغ إسراعه أن يكون خببا لئلا يكون قدر رمل الأشواط السبعة، وذلك مخالف للسنة. [مسألة: معتمران يهديان شاتين فيعدو كل واحد منهما على شاة صاحبه] مسألة وسئل: عن المعتمرين يهديان شاتين فيدخلان بعمرة فيعدو كل واحد منهما على شاة صاحبه فيذبحها عن نفسه وهو لا يعرف ذلك، قال: لا أرى ذلك يجزي عنهما، وأرى لكل واحد منهما على صاحبه قيمة شاته، ويشتري كل واحد منهما لنفسه شاة فيخرجها إلى الحل ثم يدخلها الحرم في عمرة، وإن لم يعتمر أجزأ عنه إن شاء الله ثم يذبحها. ولو ذبح أحدهما شاة صاحبه عن نفسه لم أر ذلك يجزئ عنه، ورأيت أن يذبح شاته التي أوجبها ويغرم لصاحبه قيمة شاته فيشتري بها شاة فيخرجها إلى الحل ثم يدخلها الحرم فيذبحها، والشاة المذبوحة التي ذبحها وليست له شاة لحم لا تجزئ عن واحد منها ويشترى شاة فيذبحها. قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية: إن من ذبح هدي غيره عن نفسه على سبيل الغلط إنه لا يجزئ عن واحد منهما. وقال في المدونة: إنه يجزئ عن صاحبه لأنه قد وجب بالتقليد والإشعار. وذهب محمد بن المواز وهو أحد قولي أشهب إلى أنه يجزئ عن ذابحه إذا أغرمه صاحبه فيه القيمة ولم يأخذ اللحم. وأما الضحايا إذا أخطأ الرجل فيها فذبح أضحية غيره عن نفسه فلا تجزئ عن صاحبها باتفاق، واختلف هل تجزئ عن ذابحها إذا اغترمه ربها القيمة ولم يأخذ اللحم، فروى عيسى عن ابن القاسم في كتاب الضحايا أنها لا تجزئ عنه. وقال محمد بن المواز: تجزئ عنه وهو قول أشهب، لم يختلف قوله في ذلك كما اختلف قوله في الهدايا. وفرق ابن حبيب بين أن يأتي صاحبها واللحم قائم بيد الذابح، أو بعد فواته، فقال: إنه إذا جاء واللحم قائم بيده فلا يجزيه وإن

جلال البدن أحب إليك أن تشق على الأسنمة أم لا

أغرمه القيمة؛ لأنه قد كان له أن يأخذ اللحم إن شاء، وهو قول حسن له حظ من النظر يدخل بالمعنى في مسألة الهدايا، فيأتي فيه أربعة أقوال. فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة، وأصح ما في ذلك أنه لا يجزئ في الهدايا عن واحد منهما، لا عن صاحبه لأنه قد نحره غيره عن نفسه فلم يكن له هو نية في نحره، ولا يجزئ عمل بغير نية لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأعمال بالنيات» ، ولا عن الذي نحره؛ لأنه قد وجب هديا لغيره بالتقليد والإشعار؟ وأن يجزئ في الضحايا عن الذابح إذا أغرمه ربها القيمة ولم يأخذ اللحم، كما لو أعتق رقبة عن ظهار عليه فاستحقت فأجاز ربها البيع وأخذ الثمن. وتفرقة ابن حبيب بين أن يضمنه القيمة واللحم قائم أو غير قائم استحسان، وبالله تعالى التوفيق. [جلال البدن أحب إليك أن تشق على الأسنمة أم لا] ومن كتاب الحج وسئل: عن جلال البدن أحب إليك أن تشق على الأسنمة أم لا؟ قال: إن ذلك لمن أمر البدن أن يشق الجلال عن أسنمتها، وذلك يحبسه عن أن يسقط، وما علمت أن أحدا كان يدع ذلك إلا عبد الله بن عمر فإنه لم يكن يشق، ولم يكن يجلل حتى يغدو من منى إلى عرفات فيجللها. قال مالك: وذلك أنه كان يجلل الجلل [المرتفعة] والأنماط المرتفعة. قيل: وإنما كان يفعل ذلك استبقاء للثياب، قال: نعم إنه كان يدع ذلك استبقاء للثياب عندي، فأحب إلي إذا كانت الجلل مرتفعة أن يدع ذلك ولا يشق منها شيئا، وإن

مسألة: أتخرج المرأة تريد الحج مع ختنها

كانت ثيابا دونا، فشقها أحب إلي وذلك من أمر الناس في البدن ومما تعرف به، وأرجو أن يكون ذلك في سعة. قال محمد بن رشد: ليس التجليل بواجب في الهدايا كالتقليد والإشعار، لكنه مما يستحب العمل به، [ومما يستحب] ، ومن الاستحباب فيه إن كانت الجلال مرتفعة أن لا يشق عن الأسنمة وأن يؤخر تجليلها إلى عند الغدو من منى إلى عرفة كما جاء عن عبد الله بن عمر، وقد روي عنه أنه كان يجلل بدنه من ذي الحليفة بالرباط وكان يشقها عن الأسنمة ويعقد أطرافها على أذنابها عن البول، وينزعها عنها في المناهل لئلا يفسدها بالتمرغ، فإذا غدا من منى إلى عرفة جللها بالجلال والقباطي والأنماط المرتفعة، فإذا انصرف بها إلى منى يوم النحر نزع جلالها قبل أن يصيبها دمها، ثم يبعث بها إلى الكعبة، فلما كسيت الكعبة هذه الكسوة قصر في الجلال واقتصر على الرياط، وكان يتصدق بها. وهذا مستحب في الفعل لأهل السعة والطول. [مسألة: أتخرج المرأة تريد الحج مع ختنها] مسألة وسمعته يسأل: أتخرج المرأة تريد الحج مع ختنها؟ قال: تخرج مع جماعة الناس. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله أنه لم ير أن تخرج مع ختنها دون

أيستظل المحرم في محمله

جماعة الناس؛ لأنه ليس من ذوي محارمها، إذ قد كانت له حلال قبل أن يتزوج ابنتها. ومثل هذا في سماع ابن القاسم من كتاب النكاح كراهية السفر للرجل مع زوجة أبيه أو ابنه. وحمل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها» على السفر المباح والمندوب إليه دون السفر الواجب، بدليل إجماعهم على أن المرأة إذا أسلمت في بلاد الحرب لزمها أن تخرج إلى بلد الإسلام وإن لم يكن معها ذو محرم منها، فأوجب على المرأة الحج وإن لم يكن لها ذو محرم يحج بها خلافا لأهل العراق في قولهم: إن فرض الحج منسقط عنها بعدم ذي المحرم في محله، وقول مالك أصح؛ لأنه يخصص من عموم الحديث الهجرة من بلاد الحرب بالإجماع، ويخصص [حج] الفريضة بالقياس على الإجماع، وذلك بين على أصولهم في وجه القياس. [أيستظل المحرم في محمله] ومن كتاب الحج وسئل: أيستظل المحرم في محمله؟ قال: لا، قيل: أفتستظل المرأة؟ قال: نعم، تستظل هي تلبس الخمار والثياب. قيل له: أيستظل الرجل إذا كان عديلها؟ فقال: لا، قيل له: أفيضحى هو وتستظل هي؟ قال: نعم. قيل له: أفيستظل المحرم تحت المحمل وهو سائر؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: أجمع أهل العلم على أن الرجل المحرم لا يجوز له

مسألة: الرجل يقدم مكة بالجارية يريد بيعها فتناشده الله أن يدعها تحرم

أن يغطي رأسه في إحرامه، وأجمعوا على أنه يجوز له أن يستظل وهو نازل بالأرض في مثل القبة والفسطاط، على ما جاء في الحديث: من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر في غدوه من منى بقبة تضرب له من عرفة بنمرة» . واختلفوا: هل يجوز له أن يستظل في محمله أو هو سائر بشيء يرفعه على رأسه، فمنهم من أجاز ذلك له قياسا على جواز الاستظلال له في الأرض. وذهب مالك إلى أن ذلك لا يجوز له قياسا على تغطية رأسه، ورأى عليه الفدية إن فعل ذلك كتغطية رأسه سواء، ولم يراع الاختلاف في ذلك، فعلى هذا يأتي قوله في هذه الرواية: إنه لا يجوز له أن يستظل في المحمل وإن كان عديلا للمرأة أو المريض بظل يعمل عليه لهما. وقد روي عن مالك: أنه راعى الاختلاف في ذلك، فاستحسن الفدية لمن استظل في محمله من غير ضرورة، ولم يوجبها عليه، وأجاز له الاستظلال فيه ابتداء إذا اضطر إلى ذلك بكونه عديلا للمرأة فيه أو للمريض، وقع ذلك له في كتاب ابن شعبان، وأجاز له أن يستظل تحت المحمل، وهو سائر؛ لأنه يسير، إذ لا يمكنه إدامة المشي تحته أبدا. [مسألة: الرجل يقدم مكة بالجارية يريد بيعها فتناشده الله أن يدعها تحرم] مسألة وسئل: عن الرجل يقدم مكة بالجارية يريد بيعها فتناشده الله أن يدعها تحرم، قال: يفعل، فقيل له: إن ذلك يغيرها وينقص من ثمنها، فهل عليه شيء إن منعها، قال: خير لك ألا تمنعها. قال محمد بن رشد: هذا مما لا إشكال فيه أنه خير له أن لا يمنعها لأنه يؤجر في ذلك، فإذا استسهل نقصان ثمنها في جانب ما يدخل عليه من الأجر في إحرامها فقد فعل ما هو خير له، وإن لم يفعل فلا إثم عليه في ذلك ولا حرج.

مسألة: قارن ساق معه الهدي فوقف بعرفة ثم ضل هديه يوم النحر

[مسألة: قارن ساق معه الهدي فوقف بعرفة ثم ضل هديه يوم النحر] مسألة وسئل: عن قارن ساق معه الهدي فوقف بعرفة ثم ضل هديه يوم النحر أيحل يوم النحر قبل أن يبدل هديه الذي ضل منه؟ قال: نعم يحل قبل أن يبدله، أرأيت لو مات هديه فإن هذا يقول لعله يجده أليس يحل؟! قال محمد بن رشد: ظاهر قوله أنه ساوى بين الذي ضل هديه يوم النحر وبين الذي مات هديه، وهما يفترقان في الاختيار؛ لأن الذي ضل هديه، وهو يرجو أن يجده يؤخر حلاق رأسه ما بينه وبين زوال الشمس ليقدم النحر قبل الحلاق، إذ هي السنة؛ لقوله عز وجل: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] ، فإذا خشي زوال الشمس حلق مخافة أن يؤخر إلى بعد الزوال فلا يجد الهدي فتفوته الفضيلتان جميعا الحلاق قبل الزوال والذبح قبل الحلاق، فليس الكلام على ظاهره؛ لأن فيه تقديما وتأخيرا. وتقديره: قال: نعم يحل قبل أن يبدله، أرأيت لو مات هديه أليس يحل، ويبقى قوله، فإن هذا يقول لعل هذا يجده دون جواب، والجواب ما قدمناه من أنه يؤخر حلاق رأسه ما لم تزل الشمس. وإنما تستوي المسألتان في أنه يحل يوم النحر ولا يؤخر حلاق رأسه ما لم تزل الشمس فيها جميعا إلى بعد يوم النحر، وإلى الإعلام بذلك قصد، إذ إنما سأله السائل عن الذي ضل هديه يوم النحر، فأخبر أنه يحل يوم النحر كما يحل الذي مات هديه، ولم يسأله في أي وقت من النهار يحل، ولو سأله عن ذلك لأمره أن يؤخر حلاق رأسه ما بينه وبين زوال الشمس، إن كان يرجو أن يجده كما قال في المدونة، فهذا بيان هذه المسألة. [مسألة: المحرم يغتسل أيجفف رأسه بثوب وهو محرم] مسألة وسئل: عن المحرم يغتسل، أيجفف رأسه بثوب وهو محرم؟ قال:

مسألة: يدفع من عرفة حتى يأتي المزدلفة أيؤخر المغرب والعشاء

لا، ولكن يحركه بيده. قال محمد بن رشد: إنما كره له ذلك مخافة أن يجففه بشدة فيقتل في ذلك دواب رأسه، ولو جففه برفق لا يخشى أن يقتل ذلك من دواب رأسه شيئا لم يكره ذلك له، والله أعلم. [مسألة: يدفع من عرفة حتى يأتي المزدلفة أيؤخر المغرب والعشاء] مسألة وسئل: عن الذي يدفع من عرفة حتى يأتي المزدلفة أيؤخر المغرب والعشاء حتى يحط رحله، أو يحط عن رحله بعد؟ قال: الرحل الخفيف فلا أرى به بأسا أن يبدأ به قبل الصلاة، وأما المحامل والزوامل فإن بدأ بها كان الذي يفوته من فضل الوقت المستحب أكثر من فضل إراحة الإبل من أحمالها، فلا أرى ذلك، وأرى أن يبتدئ بالصلاتين ثم يحط عن رحله. قال محمد بن رشد: وجه هذه التفرقة بين؛ لأن الرحل الخفيف لا يفوته بالاشتغال به وقت الصلاة المستحب، فيبدأ به ليريح البعير من حمله فيؤجر بذلك، وأما المحامل والزوامل فإن بدأ بها كان الذي يفوته من فضل الوقت المستحب أكثر من فضل إراحة الإبل من أحمالها. [مسألة: المحرمة تقيم أياما ثم تريد أن تنظر إلى وجهها] مسألة وسئل: عن المحرمة تقيم أياما ثم تريد أن تنظر إلى وجهها، فقال: لا، فقيل له: أفتكرهه؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: إنما كره ذلك لها مخافة أن ترى شعثا فتصلحه، وقد مضى ذلك في رسم اغتسل. [مسألة: أيستظل المحرم بيده هكذا] مسألة وسئل: أيستظل المحرم بيده هكذا؟ قال: لا بأس بذلك،

مسألة: يطوف بالبيت فيطلع عليه الفجر فيخشى إقامة الصلاة قبل الفراغ من طوافه

ووضع يديه فوق حاجبيه يستر بهما وجهه. قال محمد بن رشد: إنما استخف ذلك ليسارته كما استخف في أول هذا الرسم للرجل المحرم المشي تحت المحمل إذ لا يدوم ذلك، بخلاف الذي يرفع فوق رأسه ثوبا وشيئا يستظل به. وله أن يرفع فوق رأسه شيئا يقيه المطر. واختلف هل له أن يرفع فوقه شيئا يقيه من البرد، فوسع في ذلك مالك في رواية ابن أبي أويس عنه، [ولم ير ذلك له ابن القاسم في رواية عيسى عنه] في المدنية أيضا، وفي المدنية لمالك: أن المحرم له أن يستر وجهه بيده، وليس له أن يضعه على رأسه من شدة الحر. [مسألة: يطوف بالبيت فيطلع عليه الفجر فيخشى إقامة الصلاة قبل الفراغ من طوافه] مسألة وسئل: عن الذي يطوف بالبيت فيطلع عليه الفجر فيخاف أن تقام الصلاة قبل أن يفرغ من طوافه فلا يقدر أن يركع ركعتي الفجر، أترى أن ينصرف فيركعهما ثم يرجع فيبني على طوافه؟ قال: ما سمعت أحدا صنع [مثل] هذا. قيل: ولا ترى أن يركعهما؟ قال: بلى، إن كان الطواف تطوعا فأرى أن يركعهما ثم يرجع فيبني على طوافه، وما أنا له بالنشيط، وما سمعت أحدا قطع الطواف، وماله دخل الطواف؟ فقيل له: إنما دخل قبل الفجر، فقال: لا ولكنه قد علم أن ذلك قد تقارب، قيل له: أفأحب إليك إذا خاف أن يطلع عليه الفجر قبل أن يقضي طوافه أن لا يدخل في الطواف وأن يجلس حتى يصلي؟ قال: نعم. فقيل له: فإنه قد دخل في الطواف، قال: فأرى أن ينصرف فيركع ركعتي الفجر إذا كان في الطواف الذي ليس بواجب.

مسألة: يفيض يوم النحر يوم جمعة فيفرغ من طوافه ويريد البقاء لصلاة الجمعة

قال محمد بن رشد: الطواف بالبيت صلاة لا يكون إلا على طهارة إلا أنه أبيح فيه الكلام والشغل اليسير، فلا يصح لأحد أن يترك طوافه الواجب لشيء من الأشياء إلا إلى صلاة الفريضة، واستخف له أن يترك طواف النافلة لصلاة النافلة كما استخف له أن يترك الطواف الواجب لصلاة الفريضة، وإن كان الاختيار له أن لا يفعل شيئا من ذلك، فلا ينبغي للرجل أن يدخل في الطواف إذا خشي أن تقام الصلاة قبل أن يفرغ من طوافه ولا أن يدخل في طواف التطوع إذا خشي أن تفوته ركعتا الفجر إن أكمل طوافه. [مسألة: يفيض يوم النحر يوم جمعة فيفرغ من طوافه ويريد البقاء لصلاة الجمعة] مسألة وسئل: عن الذي يفيض يوم النحر في يوم جمعة فيفرغ من طوافه ثم يريد أن يقيم حتى يصلي الجمعة، قال: ما سمعته، فقال: أحب إليك أن يرجع إلى منى؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: إنما استخف ذلك لأنها السنة من فعل «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أفاض يوم النحر صدر النهار ثم رجع فصلى الظهر بمنى» . وقد روي أنه إنما أفاض آخر النهار. وقد تقدم هذا في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم. [مسألة: المحرم يرى القملة في ثوبه] مسألة وسئل: عن المحرم يرى القملة في ثوبه أترى أن يأخذها فيضعها منه في موضع آخر؟ قال: أرجو ألا يكون بذلك بأسا، قيل له: فالمحرم يرى القملة في ثوبه أو جلده فيأخذها منه فيضعها في مكان آخر أو في الأرض؟ قال: ليس هكذا قلت؛

مسألة: المحرم أيضع ثوبه على أنفه من رائحة الجيفة

ولكن يأخذها فيضعها في موضع آخر من ثوبه أو جلده. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن وضعها في الأرض بمنزلة القتل لها، إذ لا تعيش فيه لأنها ليست من دواب الأرض. وأما إذا وضعها في موضع آخر من ثوبه أو جلده فهو كمن طرد صيدا في الحرم من موضع إلى موضع آخر ولم يخرجه منه فلا شيء عليه في ذلك. [مسألة: المحرم أيضع ثوبه على أنفه من رائحة الجيفة] مسألة وسئل: عن المحرم أيضع ثوبه على أنفه من رائحة الجيفة؟ قال: إني أرجو أن لا يكون به بأس. قال محمد بن رشد: قوله إني لأرجو أن لا يكون به بأس كأنه يدل على أن الأحسن ألا يفعل ذلك، ولا معنى لاختيار ذلك، إذ ليس المحرم متعبدا باستنشاق الروائح القبيحة ولا له في ذلك قربة، وقد قال ابن القاسم في رسم حلف الأول من سماع ابن القاسم: إنه يفعل ذلك، فعبارته هناك أحسن من هذه. [مسألة: دعا في الطواف باللهم قني شح نفسي] مسألة وقال مالك: زعموا أن عبد الرحمن بن عوف اتبعه رجل في الطواف، أي حول البيت فرآه يكثر من قوله اللهم قني شح نفسي، فلما فرغ قال له الرجل: رأيتك تطوف فتقول: اللهم قني شح نفسي، فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] .

مسألة: عيسى ابن مريم ما قتل ولا صلب وأن الله رفعه إليه

قال محمد بن رشد: رضي الله عن عبد الرحمن بن عوف، فإن الذي دعا به أحسن ما يدعى به؛ لأن فيه جماع الخير كله من بذل المال في ذات الله تعالى، وإتعاب الأنفس والجوارح في العبادات كلها من الصيام والصلاة والحج والجهاد وسائر أعمال الطاعات؛ لأن في تقصير العبد في شيء من ذلك إبقاء على نفسه وترفيها له عنها، فإذا لم يشح بنفسه وجسمه في ذلك بلغ الغاية في جميع الأعمال والعبادات، كما أنه إذا لم يشح بماله بذله لله في مرضاته. [مسألة: عيسى ابن مريم ما قتل ولا صلب وأن الله رفعه إليه] مسألة قال: وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما» ، قال مالك: أراد في رأيي ليجمعنهما. قال محمد بن رشد: قد أعلم الله عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن عيسى ابن مريم ما قتل ولا صلب، وأن الله رفعه إليه، أخبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إخبارا وقع العلم به أنه سينزل في آخر الزمان حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد. وفي بعض الآثار: فيهلك الله في أيامه الملل كلها، فلا يبقى إلا الإسلام، وتقع الأمنة في الأرض حتى يرتع الأسد مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، والغلمان بالحيات فلا يضر بعضهم بعضا. فهذه الأحاديث يعضد بعضها بعضا، ويشهد بصحته ما حكاه مالك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

مسألة: الحاج يدخل المسجد الحرام فيريد أن يبدأ بركعتين قبل الطواف بالبيت

[مسألة: الحاج يدخل المسجد الحرام فيريد أن يبدأ بركعتين قبل الطواف بالبيت] مسألة وسئل: عن الحاج يدخل المسجد الحرام فيريد أن يبدأ بركعتين قبل الطواف بالبيت، قال: بل يبدأ بالطواف بالبيت أحب إلي. قيل له: أيبدأ بالطواف بالبيت أحب إليك؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: إنما استحب ذلك لأن السنة من فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث جابر أنه «لما أتى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البيت، استلم الركن فرمل ثلاثا ثم مشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] ، فجعل المقام بينه وبين القبلة وصلى ركعتين ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا، فقال: نبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا» . [مسألة: يترك استلام الركن فلا يستلمه حتى ينصرف] مسألة وسئل: عن الذي يترك استلام الركن فلا يستلمه حتى ينصرف، أعليه شيء أم لا؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في المدونة. ومن الدليل على أن استلامه ليس من واجبات الحج «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعبد الرحمن بن عوف: كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن، فقال: أستلمت وتركت، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أصبت» . [مسألة: الذي يفوته الحج فيقيم على إحرامه ذلك إلى حج] مسألة وسئل: عن الذي يفوته الحج فيقيم على إحرامه ذلك إلى حج

قابل، أيكون عليه الهدي؟ قال: نعم، في رأيي يحتاط بذلك. قلت له: فأحب ذلك إليك أن يقيم محرما على حجه أم يحل ويهدي قابلا؟ قال: بل أحب إلي أن يحل ويحج قابلا ويهدي. قلت له: ذلك أحب إليك؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: لم ير عليه في المدونة هديا إذا أقام على إحرامه فحج به من قابل، وهو القياس؛ لأن الهدي إنما أوجبه الله على من تمتع بالتحلل بالعمرة إلى الحج حيث يقول: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، وقوله عز وجل: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] معناه عند مالك أن يتمتع بالعمرة إلى الحج على ما بين تعالى بعد ذلك بقوله: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ} [البقرة: 196] ... الآية، فالهدي الأول هو الثاني عنده، عند غيره من أهل العلم الهدي الأول يحل له به حلق الشعر ولبس الثياب بموضعه إذا وصل الهدي إلى مكة فنحر بميعاد يضربه له، والهدي الثاني يجب عليه إذا تحلل بعمرة فحل من جميع إحرامه قبل العام المقبل، فلا وجه للاحتياط للهدي إذا لم يتحلل بعمرة وبقي على إحرامه إلى قابل فحج به إلا مخافة أن يكون لطول الإحرام لم يخلص مما يوجب عليه الفدية بالصيام أو الصدقة أو النسك، فرأى في ذلك الهدي احتياطا لأن من قلد النسك وجعله هديا لم يضره ذلك، فمن الاحتياط على هذا أن لا يأكل منه، ووجه استحسانه أن يتحلل بعمرة ولا يبقى على إحرامه الأخذ بالرخصة والتخفيف وترك التشديد على نفسه؛ لأن بقاءه على إحرامه إلى عام آخر أمر شاق شديد، فكرهه له كما كره الاعتكاف مخافة ألا يفي بالواجب عليه في ذلك لشدته، وكما نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الوصال لشدته.

مسألة: في البيت الحرام أيركع في أي نواحي البيت شاء

[مسألة: في البيت الحرام أيركع في أي نواحي البيت شاء] مسألة وسئل: عن الركوع في البيت الحرام أيركع في أي نواحي البيت شاء مستقبلا المشرق والمغرب؟ قال: لا بأس بذلك. ثم قيل له أيضا بعد: أيصلي المرء في البيت إلى أي ناحية شاء؟ قال: لا، بل أحب إلي أن يجعل الباب خلف ظهره ثم يصلي في أي نواحيه شاء إذا جعل الباب خلف ظهره واستقبل بوجهه فصلى تلقاء وجهه، وهو الوجه الذي صلى إليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو الوجه الذي يصلي إليه الأئمة ويؤمه أهل منى. قيل له: ولا يصلي إلى أي نواحيه شاء؟ قال: لا أنهى عنه، وأحب إلي أن يجعل الباب خلفه، وكذلك فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال محمد بن رشد: من صلى في داخل البيت فهو مستقبل لبعض البيت مستدبر لبعضه كيفما صلى، فلذلك رأى مالك أولا أن يصلي فيه إلى أي نواحيه شاء، إذ لا فرق بين ذلك في النظر، ثم استحب بعد ذلك أن يصلي فيه إلى الناحية التي جاء أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى إليها من غير إيجاب. [مسألة: يصل مكة عشية عرفة قبل الغروب أيجمع بين الصلاتين] مسألة وسئل: عن الذي يأتي عشية عرفة قبل الغروب مكة فيخرج يريد عرفة فتغرب عليه الشمس أيصلي مكانه أم يؤخر الصلاة حتى يقف بعرفة وينصرف إلى المزدلفة؟ فقال: ما له يؤخر؟ لا، بل يصلي كل صلاة لوقتها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن السنة في جمع الصلاتين إنما هي لمن دفع من عرفة إلى المزدلفة لا لمن كان سائرا إلى عرفة.

مسألة: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما

[مسألة: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما] مسألة وسألته: عن قول عبد الله بن عباس من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما، أليس ترى هذا هديا؟ فقال لي: منه ما يكون هديا ومنه ما يكون دما ليس بهدي، فما كان من فدية الأذى فكان دما، وما كان من هذا الآخر فهو هدي. فقلت له: وما يكون منه هدي مما ليس بهدي؟ فقال لي: أما ما كان من وجه الفدية مثل نتف الشعر وما أشبهه، فإن ذلك إذا كان دما ليس بهدي وإنما هو الفدية، وأما ما كان منه نقصا للحج مثل أن ينسى رمي الجمار أو ينسى أو يترك من أمور الحج ففي ذلك الهدي، كل دم أمر به في ذلك فهو هدي. قال محمد بن رشد: تفسير مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لحديث ابن عباس بعيد من ظاهره؛ لأنه إنما قال: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فلا مدخل في ذلك للفدية، وإنما هو الهدي؛ لأن الفدية إنما هي فيما يفعل المحرم مما أمر باجتنابه من لبس الثياب وحلق الشعر وإلقاء التفث، لا لمن ترك شيئا من مناسك الحج التي أمر بها، ألا ترى أن من حلق رأسه افتدى، ومن ترك حلق رأسه أهدى؛ لأنه في حلق رأسه فعل ما أمر باجتنابه، وفي ترك حلق رأسه ترك ما أمر به من نسكه، وهذا بين. والفرق بين الدم لفدية الأذى وبين الهدي أن الدم لفدية الأذى لا يقلد ولا يشعر، ومن شاء قلده وأشعره، ولا يوكل منه بحال ويذبحه حيثما شاء من البلاد، وهو مخير فيه بين الصيام والإطعام والدم. والهدي يقلد ويشعر ويجمع فيه بين حل وحرم ولا ينحر إلا بمكة أو بمنى، ويوكل منه تطوعا كان أو واجبا إذا بلغ محله، إلا أن يكون نذره للمساكين أو يكون هدي جزاء صيد، ولا

مسألة: الذي يمسك بيد امرأته وهو محرم

يجزئ عنه الإطعام بحال ولا الصيام، إلا أن لا يجد الهدي فيصوم عشرة أيام، الثلاثة منها في الحج في هدي التمتع والقران باتفاق، وفيما سوى ذلك على اختلاف قد مضى تحصيله في رسم حلف الأول من سماع ابن القاسم. [مسألة: الذي يمسك بيد امرأته وهو محرم] مسألة وسئل: عن الذي يمسك بيد امرأته وهو محرم، فقال: رب رجل، فقيل: رب رجل ماذا؟ فقال: إذا أمن على نفسه ولم يخف شيئا فلا أرى بذلك بأسا. قد كان سالم بن عبد الله يسافر هو وامرأته جميعا إلى الحج هي على راحلة وهو على أخرى ويمر به الناس فيسلمون عليه وهي معه. قال محمد بن رشد: أباح له هاهنا أن يمسك بيد امرأته إذا أمن على نفسه ولم يخف شيئا في ذلك، أي إذا أمن على نفسه أن يلتذ بذلك، إذ لا يباح له الالتذاذ بشيء من امرأته بخلاف الصيام. وقد روى ابن القاسم عن مالك: أنه لا يمسها ولا يقربها إلا أن يلجأ إلى ذلك، إذ ليست تستطيع الركوب، وهذا أظهر؛ لأن المحرم لا يجوز له أن يتلذذ بشيء من امرأته فلا يأمن الالتذاذ في ذلك، وإن أمن ما وراءه، من الإنعاظ والمذي. [مسألة: طاف قبل الفجر سبعا ففرغ منه بعد الفجر وخاف أن تقام الصلاة] مسألة وسئل: عمن طاف قبل الفجر سبعا ففرغ منه بعد الفجر وخاف أن تقام الصلاة أيبدأ بركعتي الطواف أم ركعتي الفجر؟ قال: يبدأ بركعتي الطواف. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في أول رسم اغتسل من سماع ابن القاسم.

مسألة: طاف بالبيت فأقيمت صلاة العصر قبل إتمامه طوافه

[مسألة: طاف بالبيت فأقيمت صلاة العصر قبل إتمامه طوافه] مسألة وسئل: عمن طاف بالبيت فأقيمت صلاة العصر قبل إتمامه طوافه، فقال: يقطع الطواف ويدخل مع الناس في الصلاة، فإذا قضى صلاته قام فبنى على طوافه حتى يتم سبعا. قيل له: ويؤخر الركعتين حتى المغرب أو يركعهما من ساعته حتى يتم طوافه؟ قال: لا بل يؤخر ركعتي الطواف إلى المغرب ولا يركعهما حين يفرغ من طوافه. قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا أقيمت عليه الصلاة وهو في الطواف يدخل مع الإمام في الصلاة ثم يبني على طوافه، هو قول مالك في الموطأ والمدونة، وفي هذا الرسم قبل ذلك، فلا اختلاف أعلمه في ذلك. وقال: إنه يؤخر الركعتين بعد العصر إلى المغرب، فظاهر قوله إنه يبدأ بهما قبل صلاة المغرب، قال في الموطأ: فإن أخرهما حتى صلى المغرب فلا بأس بذلك، وخيره في ذلك في رسم أوله صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم، وقد مضى القول على ذلك هناك، وهذا أظهر. تم سماع أشهب، والحمد لله وحده. [مسألة: دخل فحج فطاف وسعى ثم أحصر حتى فاته الحج] من سماع عيسى بن دينار من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وقال ابن القاسم فيمن دخل فحج فطاف وسعى ثم أحصر حتى فاته الحج، قال: يطوف ويسعى مرة أخرى ولا يخرج إلى الحل. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يطوف ويسعى مرة أخرى؛ لأن طوافه الأول وسعيه إنما كان للحج قبل أن يحصر، فلا بد له من طواف وسعي ليحل به من إحرامه إذ لا يتحلل منه إلا بعمرة، لقوله عز وجل:

مسألة: قالت له ائذن لي أحج معك وأنا أعطيك مهري الذي لي عليك

{فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، وإنما قال: إنه لا يخرج إلى الحل؛ لأن إحرامه الأول إنما كان من الحل فليس عليه أن يعود [إلى الحل مرة أخرى] . [مسألة: قالت له ائذن لي أحج معك وأنا أعطيك مهري الذي لي عليك] مسألة وسئل: عن رجل قالت له امرأته وكان صرورة: ائذن لي أن أحج معك وأنا أعطيك مهري الذي لي عليك، فقبل وتركها تحج، قال: يلزمه المهر؛ لأنه كان يلزمه أن يأذن لها أن تحج، وقد بلغني ذلك عن ربيعة. قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم في رواية ابن أبي جعفر الدمياطي عنه: وذلك إذا لم تعلم أنه كان يلزمه أن يأذن لها. وأما إذا علمت فذلك لازم لها؛ لأنها أعطته مالها طيبة بذلك نفسها. وقوله هذا مفسر لهذه الرواية لأنها إذا علمت أنه يلزمه الإذن لها فإنها أعطته مالها على أن يأذن لها طيب النفس راضيا بذلك غير معاتب لها على ذلك. وقد قال في الحج الثالث من المدونة: إنها إذا أحرمت بغير إذن زوجها وهي صرورة فحللها زوجها من حجتها ثم أذن لها فحجت أجزأها ذلك عن حجة الفريضة وعن التي حللها منها زوجها، فإن ذلك على أنه لا يلزمه أن يأذن لها، إذ لو لزمه ذلك لما كان له أن يحللها، إلا أن معنى ذلك عندهم إذا أحرمت دون الميقات أو قبل أشهر الحج، فعلى هذا لو أعطته مهرها على أن يأذن لها في الخروج إلى

يأتي عرفة وقد طلع الفجر من يوم النحر

الحج قبل أشهر الحج، أي قبل وقت خروج الحاج من هذا البلد للزمها ذلك، ولم يكن لها أن ترجع فيه، إذ لا يلزمه الإذن لها بالخروج في ذلك الوقت. ولو أعطته مهرها على أن يحجها لم يجز له لأنه فسخ دين في دين. قاله ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب السلم والآجال، وفي سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات ما يعارض ذلك، فقف عليه وتدبره، وبالله التوفيق. [يأتي عرفة وقد طلع الفجر من يوم النحر] ومن كتاب أوله استأذن سيده وسئل ابن القاسم: عن الذي يأتي عرفة وقد طلع الفجر من يوم النحر، قال: يرجع على إحرامه إلى مكة وينوي بها عمرة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر ويحل ويرجع إلى بلاده ويحج قابلا ويهدي. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه. والأصل في ذلك ما ذكره الله عز وجل في كتابه من حكم المحصر في الحج، وما أمر به عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أبا أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود، إذ قدما عليه يوم النحر بمنى، وقد فاتهما الوقوف بعرفة بإضلال أبي أيوب راحلته، وإخطاء هبار بن الأسود العدد، على ما وقع من ذلك في الموطأ. [مسألة: امرأة نصرانية بعثت بدينار إلى الكعبة] مسألة وسأله ابن أبي حسان: عن امرأة نصرانية بعثت بدينار إلى الكعبة، هل يجعل في الكعبة؟ قال: بل يرد إليها. قال ابن أبي حسان: كذلك حدثني معن بن عيسى عن مالك أنه قاله. قال محمد بن رشد: هذا صحيح؛ لأنه ينبغي أن تنزه الكعبة وأهلها

الرجل يقف بعرفة ثم يمضي على وجهه إلى بلاده أيرجع متجردا

المسلمون عن أن ينفق فيها مال نصرانية إنما قصدت أن تنسب إليهم ما يغض منهم من الاستعانة بمالها فيما يلزمهم القيام به من أمر قبلتهم التي يأتمون بها ويحجون إليها، فلا تنعم بذلك عينا، وبالله التوفيق. [الرجل يقف بعرفة ثم يمضي على وجهه إلى بلاده أيرجع متجردا] ومن كتاب العرية قال: وسألت: عن الرجل يقف بعرفة ثم يمضي على وجهه إلى بلاده، أيرجع متجردا أم يلبس الثياب؟ قال: بل يلبس الثياب، وكذلك يرجع؛ لأنه قد فاته الرمي. قلت: فكم من دم عليه إذا رجع؟ قال: لا أرى عليه إلا دما واحدا بدنة أو بقرة. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه لا يرجع متجردا وعليه الثياب؛ لأن رمي الجمرة من سنن الحج ومشاعره، وليست من فرائضه على المشهور في المذهب. فإذا ترك الجمرة حتى خرج وقت رميها جبر ذلك بالدم، وكان في حكم من رمى فحل له لبس الثياب والطيب، لقول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا جئتم منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يطوف بالبيت، يريد: والصيد. وقد روى الواقدي عن مالك فيمن ترك رمي جمرة العقبة حتى صدر من منى: إن كان قد رمى غيرها من الجمار في أيام منى - أن عليه حج قابل؛ لحديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من رمى الجمرة فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء والطيب. وإنما قال: إنه يجزيه دم واحد لكل ما ترك من الوقوف بالمشعر الحرام والرمي بمنى والمبيت بها قياسا على من فاته الحج أنه يهدي هديا واحدا إذا أحل بعمرة لما فاته من الحج، وهو قد فاته عمل الحج كله، فأجزأ عنه هدي واحد. وقال أشهب: عليه ثلاث هدايا: هدي لترك مزدلفة، وهدي لترك رمي الجمار، وهدي لترك المبيت بمنى ليالي منى، وهو أقيس، والله أعلم بالصواب وبه التوفيق.

دفع من عرفة بعدما غابت الشمس فمضى إلى بلاده كما هو

[دفع من عرفة بعدما غابت الشمس فمضى إلى بلاده كما هو] ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده قال فيمن دفع من عرفة بعدما غابت الشمس فمضى إلى بلاده كما هو، قال: عليه أن يرجع حتى يفيض، وعليه هدي بدنة تجزيه من جميع الأشياء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، وقد مضى القول على هذا في المسألة التي في الرسم الذي قبل هذا. فلا وجه لإعادته هنا. [مسألة: تمتع فأفسد حجه] مسألة وسئل عمن تمتع فأفسد حجه ذلك، قال: عليه هديان: هدي التمتع يهديه في عامه هذا، وهدي لما أفسد من حجه يهديه قابلا من البدن. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن إفساد الحج بالوطء لا يسقط عنه هدي التمتع، كما لا يسقط عنه هدي القران إن كان قارنا. واختلف إذا تمتع ثم فاته الحج، فقيل: إنه يسقط عنه دم المتعة، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وقيل: إنه لا يسقط عنه ويكون عليه هديان مع القضاء. قال في كتاب ابن المواز: وهذا على الاختلاف في سقوط هدي القران عمن قرن، ففاته الحج، وفي سقوط هدي الفساد عمن جامع ثم فاته الحج، وقد مضى ذلك في رسم مرض وله أم ولد فحاضت من سماع ابن القاسم. [مسألة: يحرم ما بين لبتي المدينة] مسألة قال: وأخذ مالك بالحديث يحرم ما بين لابتيها حرام،

مسألة: الذي يطأ أهله في الحج ولا يجد هديا

يعني لابتي المدينة. ولا يرى فيه جزاء ويراه ذنبا من الذنوب. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة وما فيها من الاختلاف في أول رسم من سماع أشهب فأغنى عن إعادته. [مسألة: الذي يطأ أهله في الحج ولا يجد هديا] مسألة وقال مالك في الذي يطأ أهله في الحج ولا يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب أن المفسد لحجه إذا لم يجد هديا يصوم الثلاثة الأيام في الحج قياسا على المتمتع؛ لقول الله عز وجل فيه: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] ، وقد مضى ما في ذلك من الاختلاف في رسم حلف ليدفعن أمرا الأول من سماع ابن القاسم. [مسألة: الذي يطأ أهله في الحج ويكرهها ولا يجد ما يهدي عنها] مسألة وقال ابن القاسم في الذي يطأ أهله في الحج ويكرهها ولا يجد ما يهدي عنها. قال: ليس عليها صيام ولا حج وإن كانت موسرة، وإنما ذلك على من أكرهها. قال محمد بن رشد: أما قوله ليس عليها صيام فبين؛ لأن على من أكرهها أن يهدي عنها، إلا أن تشاء أن تصوم إذا لم يكن لها ولا لمن أكرهها مال، فيكون ذلك لها. ولو كان لها مال لكان لها أن تهدى عن نفسها وتتبع زوجها الذي أكرهها بالأقل مما اشترت به الهدي أو الأقل من قيمته. وأما قوله: إنه ليس عليها حج وإن كانت موسرة فإنما معنى ذلك إن كانت الحجة

مسألة: من يجد سبيلا إلى الحج

التي أكرهها فيها على الوطء تطوعا. وأما إن كانت فريضة ولم يكن له مال ولها هي مال فيلزمها أن تحج الفريضة بمالها إذ لا تجزيها الحجة التي أكرهت فيها على الوطء؛ لأن الحج يفسده الوطء على كل حال، ولا تعذر المرأة في ذلك بالإكراه كما لا تعذر بالنسيان والجهل، وتتبعه بما أنفقت على نفسها في حجها. [مسألة: من يجد سبيلا إلى الحج] مسألة وقال مالك: إذا كان الرجل ممن يقوى على المشي وإن كان لا يجد ما يتكارى به فهو ممن يجد سبيلا إلى الحج فليحج. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في أول رسم أشهب، ومثله في كتاب ابن المواز، قال أصبغ: إذا وجد زادا، وليس النساء في المشي على ذلك وإن قوين؛ لأنهن عورة في مشيهن إلا المكان القريب مثل مكة وما قرب، وقد مضى القول على هذه المسألة في سماع أشهب مجودا فأغنى عن إعادته هنا. [أوصى لرجل بعشرين دينارا يحج بها عنه وعشرين دينارا لرجل آخر وصية] ومن كتاب أوله سلف دينار في ثوب إلى أجل وسئل: عن رجل أوصى لرجل بعشرين دينارا يحج بها عنه، وعشرين دينارا لرجل آخر وصية، قال: إن كان الحج عن الميت وكان صرورة بدئ بها على العشرين، وإن كان ليس بصرورة وأوصى بذلك لرجل أجنبي يحج بها عن نفسه فكان الثلث عشرين دينارا، قال: يتحاصان. قيل له: فإن لم يكن فيما صار للحج في المحاصة ما يحمله للحج ولم يأخذها، قال: يعطاها غيره ممن يحج بها عنه من أهل المدينة، فإن لم يجد فمكة. قلت: فإن لم يكن

مسألة: أفسد حجه بإصابة أهله فحج قابلا فأفسد حجه أيضا بإصابة أهله

ذلك إلا الشيء اليسير الدينار وما أشبهه، قال: يرد إلى الورثة، قلت: فالأجنبي، قال: إن أحب الحج أعطيه ويتقوى بذلك في نفقته، وإن لم يرد الحج رد إلى الورثة. قال محمد بن رشد: بدأ في هذه الرواية الوصية بحج الفريضة على الوصية بالمال، وقال في المدونة إنهما يتحاصان، والصحيح على مذهب مالك أن الوصية بالمال تُبَدَّأُ على الوصية بحجة الفريضة؛ لأنه لا يرى أن يحج أحد عن أحد، فلا قربة في ذلك عنده على أصل قوله، إلا أن الوصية به تنفذ مراعاة للاختلاف، ووجه تبدئة الوصية بالحج على الوصية بالمال أن الموصي لما أوصى بحجة الإسلام وبمال فكأنه أوصى بتبدئة الحج على المال، ووجه قوله في المدونة أنهما يتحاصان: أنه لما رأى تنفيذ الوصية بحجة الإسلام مراعاة للاختلاف جعلها وصية بمال، فوجب أن يحاص بها مع الوصية بالمال، وأما إذا أوصى أن يحج عنه تطوعا وأوصى بمال فقال في هذه الرواية إنهما يتحاصان، وفي المدنية: أن الوصية بالمال تُبَدَّأُ، ففي هذه المسألة قولان، وفي الأولى ثلاثة أقوال على ما ذكرناه. وظاهر قوله إن الموصى له بعشرين يأخذ العشرين كلها أو ما صار له منها بالمحاصة، وليس للورثة أن يكتموه الوصية ويستأجروه بأقل منها، وقيل ذلك لهم. والقولان قائمان من كتاب الحج الثالث من المدونة. وأما قوله إن لم يكن فيما صار للحج في المحاصة ما يحج بها عنه من بلده حج بها عنه من حيث يوجد، فسيأتي الاختلاف في ذلك في رسم الجواب. [مسألة: أفسد حجه بإصابة أهله فحج قابلا فأفسد حجه أيضا بإصابة أهله] مسألة وقال ابن القاسم فيمن أفسد حجه بإصابة أهله فحج قابلا فأفسد حجه أيضا بإصابة أهله: فأرى عليه حجتين، قال مالك: والصيام كذلك إذا أفطر يوما من قضاء رمضان فقضاه فأفطر في قضائه فعليه يومان. قال ابن القاسم: فالحج مثله عندي. وقد قيل: ليس عليه إلا قضاء يوم واحد.

المحرم يقتل الظبي الداجن

قال محمد بن رشد: قوله: إذا أفطر يوما من صيامه في قضاء رمضان فقضاه فأفطر في قضائه فعليه يومان، يريد مع يوم رمضان الذي أفطره، وسكت عنه للعلم بوجوبه عليه، وتكلم على ما يختلف فيه من فطره في قضاء رمضان وفي قضاء قضائه. يبين ذلك تنظيره إياه بالحج؛ لأنه أوجب عليه في الحج إذا أفسده فقضاه فأفسد القضاء أن عليه حجتين، فلو أفسد قضاء القضاء أيضا لكان عليه ثلاث حجات كالصيام سواء. وقوله: وقد قيل ليس عليه إلا قضاء يوم واحد يريد اليوم الذي أفطره من رمضان، وليس عليه على هذا القول شيء لفطره في القضاء ولا في قضاء القضاء، وهو قول ابن القاسم في الحج الأول من المدونة. والاختلاف في هذه المسألة جار على اختلاف قول ابن القاسم وأشهب في كتاب الصيام من المدونة في الذي يصبح صائما في قضاء رمضان من رمضان فتذكر في بعض النهار أنه كان قد قضاه وأنه لا شيء عليه، هل يلزمه إتمام صوم ذلك اليوم أم لا يلزمه ويجوز له فطره؟ ولم يختلف قول ابن القاسم في مسألة الحج كما اختلف في مسألة الصيام، وعبد الملك بن الماجشون يقول: إنه ليس عليه إلا حجة واحدة، وهو قول ابن وهب في سماع سحنون من كتاب الصيام. وقد زدنا هذه المسألة بيانا في سماع يحيى وسحنون من كتاب الصيام، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هنالك وبالله التوفيق، والحمد لله على نعمه. [المحرم يقتل الظبي الداجن] ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته قال: وسألت ابن القاسم عن المحرم يقتل الظبي الداجن، قال مالك: عليه قيمته لصاحبه، وعليه الجزاء سوى القيمة. قلت: فإن كسر رجله؟ قال: إن برئ وانجبر فلا جزاء عليه، وعليه ما نقصه الكسر إن نقصه. قال محمد بن رشد: قوله: وعليه ما نقصه الكسر إن نقصه - هو مثل ما في كتاب ابن المواز: لا شيء على المحرم يجرح الصيد إذا برئ على غير

اشترى من رجل صيدا والبائع بالخيار ثلاثة أيام ثم أحرما جميعا

نقص، خلاف ظاهر ما في كتاب الحج من المدونة: أنه لا شيء فيه إذا سلم من الجرح. والذي يوجبه النظر أنه لا شيء فيه، وإن برئ على عتل ونقص، إلا أن يكون النقص مما يسهل اصطياده على من أراد صيده فيكون عليه جزاؤه كاملا. كما يكون على من طرد صيدا من الحرم إلى الحل لأنه عرضه بذلك للاصطياد. [اشترى من رجل صيدا والبائع بالخيار ثلاثة أيام ثم أحرما جميعا] ومن كتاب النسمة وقال في رجل اشترى من رجل صيدا والبائع بالخيار ثلاثة أيام، ثم أحرما جميعا من يومهما، قال ابن القاسم: يوقف الذي له الخيار من ساعته، فإن لم يختر فهو منه ويسرحه، وإن اختار البيع فهو من المشتري ويسرحه. قيل له: فإن سرحه المشتري حين أحرم قبل أن يوقف الآخر على الخيار، قال: يكون عليه قيمته. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه باع منه الصيد فدفعه إليه فأحرما جميعا وهو في يد المشتري. ولذلك قال: إن البائع الذي له الخيار يوقف، فإن لم يختر فهو منه ويسرحه، يريد إن قبضه من المشتري لما استرده وصار في يده وقفصه. وأما إن استرده وبعث به من عند المشتري إلى بيته ولم يصر بيده ولا في قفصه فليس عليه أن يسرحه، وإن اختار البيع فهو من المشتري ويسرحه لكونه في يده. وإن سرحه المشتري ضمن قيمته إذ لم يجب له بعد، ولو باعه منه فلم يدفعه إليه حتى أحرما جميعا وهو بيد البائع لوجب عليه أن يسرحه ولم يجز له أن يمضيه للمشتري. ولو كان في بيت البائع ليس في يده فباعه ثم أحرما جميعا لم يكن على البائع أن يرسله إن رده، ولا على المشتري إن أمضاه له إذا لم يقبضه وبعث به من عند البائع إلى بيته، وبالله التوفيق.

سنة رمي الجمار في أيام منى ويوم النحر

[سنة رمي الجمار في أيام منى ويوم النحر] ومن كتاب الرهون وسئل: عن سنة رمي الجمار في أيام منى ويوم النحر. قال: أما يوم النحر فمن حين تطلع الشمس إلى زوال الشمس، فإذا زالت فقد فات الوقت إلا لعليل أو لناس، فإن رمى بعد الزوال فلا شيء عليه، ولكن الصواب وموضع الرمي في ذلك اليوم في صدر النهار. وأما أيام منى فمن حين تزول الشمس إلى أن تصفر، فإذا اصفرت فقد فات وقتها إلا لعليل أو لِنَاسٍ. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن سنة رمي جمرة العقبة يوم النحر من طلوع الشمس إلى زوالها، وكذلك فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه بات بالمزدلفة وصلى الصبح يوم النحر بها بالمشعر الحرام، ثم وقف به إلى قرب طلوع الشمس، ثم دفع إلى منى فرمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس. فمن رماها قبل طلوع الشمس بعد طلوع الفجر أو بعد زوال الشمس قبل غروبها فقد أساء ولا شيء عليه، ومن رماها قبل طلوع الفجر لم يجزه الرمي، ومن لم يرمها حتى غابت الشمس فقد فاته الرمي ووجب عليه الهدي. هذا مما لا اختلاف فيه في المذهب، وذهب الشافعي إلى أنه من رماها قبل الفجر بعد نصف الليل أجزأه الرمي، وذهب أبو حنيفة إلى أن من رماها قبل طلوع الشمس لم يجزه الرمي. وقد ذكرنا في رسم حلف بطلاق امرأته الثاني من سماع ابن القاسم ما تعلق به كل واحد منهما، وأن سنة رمي الجمار الثلاث في كل يوم من أيام منى من بعد الزوال إلى اصفرار الشمس، فإن لم يرمها حتى غربت رماها بعد الغروب ما بينه وبين أن تنقضي أيام منى وعليه الدم، وقيل: لا دم عليه، وإن لم يرمها حتى انقضت أيام منى فقد فاته الرمي ووجب عليه الدم. [الرجل يوصي بستين دينارا يحج بها عنه فلا يجدون من يحج بها عنه] ومن كتاب الجواب وسئل: عن الرجل يوصي بستين دينارا يحج بها عنه فلا يجدون

من يحج بها عنه من الأندلس لقلتها، أيبعث بها إلى إفريقية أو مصر فيكرى بها من يحج بها من ثم، والموصي إنما أوصى من الأندلس وبها مات؟ وهل يختلف عندك إن قال: حجوا بها عني من الأندلس، أو قال: حجوا بها عني ولم يقل من الأندلس إلا أنه من أهلها وبها مات؟ قال ابن القاسم: نعم يختلف. أما قوله: حجوا بها عني، ولم يسم من الأندلس ولا من مكان يحج بها منه - فإنهم إن لم يجدوا من يحج بها عنه من بلده بعثوا بها إلى المواضع التي يجدون بها من يحج بها عنه منها، وإن كان إفريقية أو مصر، فإن لم يجدوا ففيما وراء ذلك المدينة أو أمامها حتى ينفذوها فيما أوصى. وأما قوله: من الأندلس، فإن وجدوا من يحج بها من الأندلس كما أوصى وسمى وإلا ردت إلى الورثة ولم يخرج بها إلى ما وراء ذلك. قال محمد بن رشد: أما إذا أوصي أن يحج بها عنه ولم يسم من ذلك كراء فلا اختلاف في أنه يحج بها عنه من حيث يوجد إذا لم يوجد من يحج بها عنه من بلده. وأما إذا قال: حجوا بها عني من بلد كذا وبها مات، فلم يوجد من يحج بها عنه من تلك البلد، فقال ابن القاسم في هذه الرواية: إنها ترجع ميراثا ولا يستأجر له بها من بلد آخر. وروى عنه مثله أصبغ، وقال من رواية: إنه يستأجر له بها من حيث يوجد إلا أن يبين ألا يحج بها عنه إلا من الأندلس. وحكى مثل ذلك ابن المواز عن أشهب، واختار هو قول ابن القاسم: إن كان الميت قد حج، وهو قول أشهب: إن كان صرورة لم يحج. وقد تقدم في أول رسم من سماع ابن القاسم الاختلاف فيمن استؤجر للحج عن ميت، فاعتمر عن نفسه وحج عن الميت من مكة، وهي مسألة أخرى تقرب من هذه في المعنى، فتدبرها.

رجل أوصى أن يحج عنه بثلث ماله فوجدوا ثلثه ألف دينار

[رجل أوصى أن يحج عنه بثلث ماله فوجدوا ثلثه ألف دينار] ومن سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصلاة وسئل: عن رجل أوصى أن يحج عنه بثلث ماله فوجدوا ثلثه ألف دينار ونحو ذلك، أيخرج عنه ما يحج به عنه حجة واحدة، ويكون ما بقي للورثة؟ أو يهدى عنه بما بقي؟ قال: بل ينفذ ذلك كله في الحج عنه يعطاه رجال يحجون به عنه حتى يستوعب الثلث بالغا ما بلغ. قيل له: أرأيت إن لم يكن في الثلث ما يحج به عنه من بلده؟ قال: فليحج عنه بثلثه ذلك وإن قل من حيث يوجد من يحج عنه بذلك الثلث وإن لم يكن ذلك إلا من مكة. قال محمد بن رشد: لما أوصى أن يحج عنه بثلث ماله وهو مال واسع كبير فيه ما يحج به عنه حجات استدل بذلك على أنه لم يرد بوصيته حجة واحدة وإنما أراد أن ينفذ ثلثه في حجات فينفذ عنه ثلثه في الحج ولا يرجع منه للورثة شيء؛ لأن ما فضل يحج به عنه من حيث ما بلغ ولو من مكة. ولو كان ثلثه قدر ما يشبه به أن يحج به عنه حجة واحدة، لم يحج عنه إلا حجة واحدة، فإن استؤجر عليها بأقل من الثلث رجع ما بقي من الثلث إلى الورثة، كما قال في المدونة: إذا قال: حجوا عني بهذه الأربعين فدفعوها إلى رجل على البلاغ ففضلت منها عشرون - إنها ترد إلى الورثة، فليست هذه المسألة بخلاف لما في المدونة. ولو أوصي أن يحج عنه من ثلث ماله لم يحج عنه إلا حجة واحدة وإن كان ثلثه واسعا كثيرا لأن "من" للتبعيض، فيعلم بذلك أنه لم يرد أن ينفذ ثلثه كله عنه في حج. ولو أوصي أن يحج عنه فقال: حجوا عني، ولم يزد على ذلك لم يقل بثلثي ولا من ثلثي ولا بكذا وكذا - لجرى ذلك عنه على الاختلاف في الأمر، هل يقتضي التكرار أو لا يقتضيه؟ فينفذ عنه ثلثه كله في الحج على القول بأن الأمر المطلق يقتضي التكرار، ويحج عنه من ثلثه حجة واحدة لا أكثر، على القول بأن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار. وأما إذا قال: يحج عني فلان بثلثي أو بكذا وكذا، فلا اختلاف في أنه لا يحج عنه إلا حجة واحدة، وإن كان الثلث أو ما سمى من العدد كثيرا مثله فيه ما يحج به

مسألة: أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر

حجات كثيرة، وإنما يختلف هل يكون الثلث أو ما سمى من العدد وصية لفلان يعطاه كله إن أراد أن يحج عنه، فيكون له ما فضل، أو لا يكون ذلك وصية له ويحمل على أنه إنما سمى العدد أو ذكر الثلث مخافة أن يأبى الرجل أن يحج عنه بأقل من ذلك، وهو إنما رغب في أن يكون هو الذي يحج عنه لثقته به وتوسمه فيه، والقولان في المدونة. والأول منهما هو الذي اختار سحنون، ورد ابن لبابة القول الأول إلى الثاني بالتأويل، فلم يجعل ذلك اختلافا وهو بعيد. ولو قال: يحج عني فلان ولم يسم عددا فأبى فلان أن يحج عنه إلا بأكثر من أجرة المثل لكان الحكم أن يزاد على أجرة مثله مثل ثلثها، فإن أبى أن يحج عنه إلا بأكثر من ذلك لم يزد على ذلك، واستؤجر غيره من يحج عنه بعد الاستيناء بذلك، ولم يرجع ذلك إلى الورثة إن كانت الحجة فريضة باتفاق، أو نافلة على قول غير ابن القاسم في المدونة، خلاف قول ابن القاسم فيها، والله الموفق. [مسألة: أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر] مسألة وقال: إذا أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر مضوا على عملهم وإن تبين ذلك لهم وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعده، وينحرون من الغد، ويتأخر عمل الحج كله في الباقي عليهم يوما لا ينبغي لهم أن يتركوا الوقوف من أجل أنه يوم النحر، ولا أرى أن ينقصوا من رمي الجمار الثلاثة الأيام إلا بعد يوم النحر، ويجعلون يوم النحر للغد بعد وقوفهم، ويكون حالهم في شأنهم كله كحال من لم يخط. قال: وإذا أخطئوا فقدموا الوقوف بعرفة يوم التروية أعادوا الوقوف من الغد من يوم عرفة نفسه، ولم يجزهم الوقوف الذي وقفوا يوم التروية.

قال محمد بن رشد: ذكر ابن أبي زيد هذه المسألة في النوادر، ووصل بها قال: واختلف فيها قول سحنون فيما أخبرنا أبو بكر بن محمد بن حمديس عنه، ولم يبين حيث اختلف قوله. فمن الناس من حمل اختلاف قوله على الذين أخروا الوقوف فوقفوا يوم النحر، ومنهم من حمله على الذين عجلوا فوقفوا يوم التروية، والأمر في ذلك محتمل؛ لأن الخلاف في الوجهين جميعا موجود. قيل: إن الحج لا يجزيهم قدموا الوقوف أو أخروه قياسا على المنفرد إذا أخطأ وقوف الناس فوقف قبلهم أو بعدهم، وهو قول ابن القاسم فيما حكى عنه اللخمي من أن الحج لا يجزيهم إذا أخطئوا فوقفوا بعد يوم عرفة؛ لأنه إذا كان الحج عنده لا يجزيهم إذا أخروا الوقوف فأحرى ألا يجزيهم عنده إذا قدموا الوقوف، وقيل: إن الحج يجزيهم قدموا الوقوف أو أخروه، وهو أحد قولي الشافعي قياسا على من اجتهد فصلى إلى غير القبلة: إن صلاته جائزة ولا إعادة عليه إذا خرج الوقت. وحكى أنه إجماع فقاس عليه مسألة الأسير تلتبس عليه الشهور فيصوم قبل رمضان أو بعده إن صيامه يجزيه، وليس بإجماع لما يذكره في ذلك من الخلاف بعد إن شاء الله. قال أبو القاسم بن الكاتب: وإنما ذهب الشافعي إلى إجازة حجهم إذا وقفوا قبل يوم عرفة لأن أبا بكر الصديق أقام للناس الحج بأمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في شهر ذي القعدة. فرأى أن أهل الموسم إذا أخطئوا فقدموا الوقوف قبل يوم عرفة يجزيهم الحج لحج أبي بكر بالناس في شهر ذي القعدة. قال: وإنما كانت تصح له الحجة بذلك لو كانت تلك الحجة لأبي بكر فريضة، ولم تكن له فريضة، وإنما بعثه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أميرا على الحج وليعهد إلى الناس بما أمره به أن يعهد به إليهم من أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ثم أتبعه علي بن أبي طالب لما نزلت سورة أول براءة ليتلى على الناس في الموسم. والشافعي كان أعلم وأبصر بموضع الحجة من أن يحتج بهذا، لقوله في

هذه المسألة؛ لأن حج أبي بكر في ذي القعدة لم يكن خطأ وإنما كان شرعا ودينا بأمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والنسيء قائم قبل أن ينسخ، فأجزأهم حجهم فرضا كان أو نفلا. وكيف لا يجزيهم وقد سماه الله في كتابه الحج الأكبر، ولئن كانت تلك الحجة لأبي بكر وعلي بن أبي طالب وغيره ممن أعلمه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه سيحج معه من العام المقبل نفلا، فقد كانت لمن سواهم من الناس الذين حجوا في ذلك العام ولم يدركوا الحج مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فرضا؛ لأنها إنما كانت بعد نزول فرض الحج. هذا مما لا اختلاف فيه أعلمه، ثم حج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العام المقبل في ذي الحجة على ما كان الناس عليه من النسيء فنسخ الله النسيء حينئذ. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن الزمان قد استدار» ... الحديث، فثبت الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة. والذي عليه أكثر أهل العلم أن أهل الموسم إذا أخطئوا فقدموا الوقوف قبل يوم عرفة لم يجزهم حجهم، وإن أخطئوا فوخروه، إلى يوم النحر أجزأهم حجهم، وهو قول مالك والليث والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وعثمان الليثي وجماعة سواهم. والفرق بين الوجهين أن الذين أخطئوا فوقفوا يوم النحر فعلوا ما تعبدهم الله به على لسان رسوله من إكمال شهر ذي القعدة ثلاثين يوما إذا أغمي عليهم هلال ذي الحجة، فلما فعلوا ما أمروا به من ذلك كان حجهم في الوقت الذي أمرهم الله على لسان نبيه أن يحجوا فيه ووقوفهم في اليوم الذي تعبدهم الله أن يقفوا فيه، وإن انكشف لهم ذلك بعد أن كان يوم النحر لم يضرهم إذ قد مضى فعلهم صحيحا بموجب النص دون اجتهاد، وكتب لهم حجهم وسلم لهم أجرهم وسقط عنهم فرضهم، فليس ما ظهر لهم بعد ذلك قرب أو بعد بالذي يمحو ما كتب لهم من الحج ويبطل ما ثبت لهم من الأجر، ويوجب ما سقط عنهم من الفرض، وأن الذين أخطئوا فوقفوا يوم التروية

الرجل يكون عليه المشي إلى بيت الله فيمشي في الحج ثم يفسد حجه

أخطئوا باجتهادهم إذ قبلوا شهادة من شهد بالباطل في رؤية الهلال، إما بأن شبه عليهم، وإما بأن تعمدوا الزور والكذب، فوجب ألا يجزيهم الوقوف الذي وقفوا إذا لم يعلموا بذلك إلا بعد أن طلع الفجر من يوم النحر، كما لا يجزيهم الوقوف إذا علموا بخطئهم قبل ذلك، إذ لا اختلاف في أن وقوفهم لا يجزيهم إذا علموا بذلك قبل أن يفوتهم الوقوف بطلوع الفجر من يوم ليلة المزدلفة. وحكى ابن أبي زيد في النوادر أيضا عن سحنون متصلا بما حكاه عنه من اختلاف قوله في خطأ أهل الموسم في هلال ذي الحجة، في أهل الموسم ينزل بهم ما نزل بالناس سنة العلوي وهروبهم من عرفة ولم يتموا الوقوف، قال: يجزيهم ولا دم عليهم، كأنه ذهب بذلك إلى ترجيح أحد قوليه في المسألة المتقدمة، وهي مسألة أخرى لا تشبهها؛ لأنهم في هذه المسألة في حكم من حصرهم العدو عن الوقوف بعرفة، فلا يجزيهم الحج إلا على مذهب ابن الماجشون في أن المحصر بعدوه يجزئه [حجه] عن حجة الإسلام، فإنما مال إلى قوله، والله أعلم وبه التوفيق. [الرجل يكون عليه المشي إلى بيت الله فيمشي في الحج ثم يفسد حجه] ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع وسألته: عن الرجل يكون عليه المشي إلى بيت الله فيمشي في الحج ثم يفسد حجه بإصابة أهله وهو بعرفة، هل يمضي ماشيا حتى يحل بعمرة؟ أو يركب من حيث أفسد حجه؟ ماذا ترى عليه أن يصنع إذا قضى الحج الذي أفسد أيستأنف المشي من حيث حلف أو من حيث ركب؟ أو هل يجزيه مشيه بعد فساد الحج؟ هل يحل

بعمرة؟ قال: يحج قابلا ويهدي لما أفسد من حجه ويمشي من ميقاته الذي كان أحرم منه للحجة التي أفسد. قلت: ولم ألزمته إعادة المشي من الميقات الذي أحرم منه ورأيت ما مشى من حيث ما كان حلف يجزي عنه؟ قال: إنما يفسد عليه الحج المشي الذي لم يكن يجوز له أن يطأ فيه، وأما مشيه من بلده الذي حلف فيه إلى الميقات الذي أحرم منه فقد كان يجوز له أن يطأ أهله وهو ماش إلى الميقات، ولا يجوز له أن يطأ أهله بعدما يحرم بها، فما كان من المشي لا يجوز له فيه وطء فهو منتقض بما أفسد من حجه الذي مشى، وما كان منه يجوز له فيه الوطء فلا ينتقض عليه بفساد حجه الذي مشى فيه. قلت له: إن الذي ينقطع مشيه في حجتين له أو عمرتين أو حج وعمرة لعجزه عن المشي يهدي، وهذا قد قطع مشيه بما أفسد من حجه، وما وجب عليه من إعادته من الميقات، وعليه هدي لفساد الحج، أيهدي هديا آخر لتبعيض المشي. قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة: ثم يمضي ماشيا حتى يحل بعمرة في الذي أفسد حجه، وقوله بعد ذلك فيها: أو هل يجزيه مشيه بعد فساد الحج حتى يحل بعمرة، المعنى في ذلك أن الحج فاته بعد أن أفسده، إذ لا يجوز فسخ الحج الصحيح ولا الفاسد في عمرة؛ لأن ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أمره في حجة الوداع من لم يكن معه هدي أن يحل بعمرة أمر منسوخ، إنما كان أمر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ نقضا لما كان عليه أهل الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، وقد رأيت [لبعض] الشيوخ في حواشي الكتب على هذه المسألة: وقد روي عن مالك أن المفسد لحجه يصير حجه إلى عمرة، وهو غلط، إذ لا يوجد لمالك ذلك ولا لغيره، وأراه وهم في ذلك للفظ وقع في كتاب الحج الثالث من المدونة على ظاهره، أو لمسألة وقعت في النوادر خطأ في النقل. ومساواته بين أن يكون يركب من حيث أفسد حجه

مسألة: المحرم يصاد من أجله الصيد فيأكل منه

أو يمضي ماشيا إلى تمام حجه - صحيح؛ لأن المشي لا يجزيه بعد الوطء لفساد الحج ووجوب قضائه عليه، فسواء ركب أو مشى. وقوله: إنه يمشي من ميقاته ويجزيه المشي الذي مشى من حيث حلف إلى الميقات خلاف مذهب مالك وابن القاسم في المدونة، وما نص عليه ابن حبيب في الواضحة: من أن من ركب من غير أن يعجز عن المشي أعاد المشي كله، إذ لا يجوز له أن يفرق مشيه إلا من ضرورة، ويهدي لأنه لما وطئ فقد فرق مشيه باختياره من غير ضرورة. ولما سأله في آخر المسألة: هل يجب عليه هدي لتفريق المشي؟ سكت عنه ولم يجبه على ذلك. والذي يأتي على قياس قوله فيها: أن لا هدي عليه، وعلى ما في المدونة: أن يعيد المشي من حيث حلف، إلا أن يكون وطئ ناسيا فحينئذ يمشي من الميقات، ويجب عليه الدم لتفريق المشي؛ لأنه مغلوب على التفرقة بالوطء ناسيا كما هو مغلوب عليها بالعجز عن المشي، فيجزيه المشي ويهدي في المسألتين جميعا. [مسألة: المحرم يصاد من أجله الصيد فيأكل منه] مسألة وسئل: عن المحرم يصاد من أجله الصيد فيأكل منه، قال: أرى عليه جزاءه إن كان أكل منه وقد علم أنه صيد من أجله. قيل له: فإن أكل منه محرم لم يصد من أجله، قال: لا أحب له أن يفعل، فإن فعل لم يكن عليه شيء، وبئس ما صنع، قيل له: فإن صيد لجماعة من المحرمين فأكلوا منه وهم يعلمون أنه صيد من أجلهم، قال: يكون على كل واحد منهم جزاء ذلك الصيد. قال: فإن أكله منهم من لم يعلم أنه صيد من أجله فلا شيء عليه، قال: وكل شيء صيد من أجل الحاج فأكل منه من قد علم أنه قد صيد من أجل الحاج، فإنه إن كان محرما يوم صيد ذلك الصيد فعليه جزاؤه إن أكل منه وهو يعلم؛ وإن لم يعلم أنه صيد من أجل الحاج أو تبين له أنه صيد للحاج قبل أن يحرم هذا الذي أكل منه فلا شيء

عليه، قال: ولا أحب له أن يتعمد الأكل منه؛ قيل له: فإن صيد من أجل رجل محرم صيد يتأخر عنه القدوم فأكل منه بعدما حل عليه شيء؟ قال: لا أحب له أن يأكل منه ولا أرى عليه شيئا إن فعل، قال: وكل شيء صيد من أجل الحاج فلا أحب لحرام لم يصد من أجله خاصة ولا بعدما أحرم بالحج أو بالعمرة ولا لحلال أن يأكل منه، فإن فعل فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: لم يختلف قوله في هذه الرواية أن من صيد من أجله صيد وهو محرم فأكل منه وهو يعلم أنه صيد من أجله فعليه جزاؤه، واختلف قوله فيها إن صيد للمحرمين وهو محرم يوم صيد لهم فأكل منه وهو يعلم أنه صيد للمحرمين وهو محرم فقال أولا: عليه جزاؤه، وقال آخرا: لا شيء عليه، وذلك بين من قوله لم يصد من أجله خاصة، فبين أنه لا جزاء عليه إن أكل منه إلا أن يكون صيد من أجله خاصة بعدما أحرم، وأما إن صيد للمحرمين فلم يأكل منه حتى حل من إحرامه فهو كغيره من المحلين لا جزاء عليه فيه، وقد قيل فيما صيد للمحرم: إنه لا جزاء عليه فيه وإن أكل منه وهو يعلم أنه صيد من أجله إلا أن يعلمه بذلك قبل ذبحه، فيذبحه على ذلك أو يأمره بصيده. وفي هذه المسألة اختلاف كثير، يتحصل فيها خمسة أقوال: أحدها: أنه لا يأكله الذي صيد من أجله ولا غيره، فإن أكل منه هو أو غيره من المحرمين وهو يعلم - وجب جزاؤه عليه. والثاني: أنه لا يأكله هو ولا غيره، فإن أكله هو وهو عالم وجب عليه جزاؤه، وإن أكل منه غيره من المحرمين لم يجب عليه جزاؤه.

مسألة: صاد محرم صيدا فحبسه حتى حل ثم ذبحه

والثالث: أنه لا يأكل منه هو ولا غيره، فإن أكل منه هو أو غيره لم يجب عليه جزاؤه. والرابع: أنه لا يأكل منه هو، ويأكل منه غيره. والخامس: أنه يأكل منه هو وغيره. وأما ما صاده الحلال أو الحرام في الحرم فلا اختلاف في أن ذلك لا يوكل، ولا في أن الجزاء واجب فيه، وفي جواز أكل المحرم لحم ما صاده الحلال في الحل أربعة أقوال: أحدها: أن ذلك جائز جملة من غير تفصيل. والثاني: أن ذلك لا يجوز جملة أيضا من غير تفصيل. والثالث: أنه يجوز إلا أن يكون صيده. والرابع: أن ذلك جائز إلا أن يكون صيد له أو لغيره من المحرمين. [مسألة: صاد محرم صيدا فحبسه حتى حل ثم ذبحه] مسألة قال: وإن صاد محرم صيدا فحبسه حتى حل ثم ذبحه كان عليه جزاؤه؛ لأن إرساله قد كان لزمه حين صاده وهو محرم، قال: وإن أرسله فكان مما لا يخاف عليه الهلاك بإرساله فلا شيء عليه، وإن كان مما يُخاف عليه الهلاك فإن أرسله فأرى عليه جزاءه، قيل: فإن كان صاده وهو حلال، ثم حبسه في إحرامه حتى حل ثم ذبحه كان عليه جزاؤه. قال محمد بن رشد: قال إنه إذا صاد المحرم الصيد فحبسه حتى حل

ثم ذبحه كان عليه جزاؤه، ولم يجب على الذي صاده وهو حلال ثم أحرم وهو في يده فحبسه حتى حل ثم ذبحه، ومذهب ابن القاسم في المدونة وهو قوله في سماع سحنون بعد هذا أن عليه الجزاء، بمنزلة إذا صاده وهو محرم؛ لأن إرساله قد وجب عليه لإحرامه وهو بيده، وقال أشهب في سماع سحنون: إنه لا جزاء عليه فيه، وقد ذكر الاختلاف فيها في المدونة، قال فيها: قد اختلف الناس في هذا أن يرسله أو لا يرسله، فمن أوجب عليه أن يرسله بعد إحلاله أوجب عليه الجزاء إن ذبحه، ومن لم يجب عليه إرساله إذ حل لم يوجب عليه فيه جزاء إن ذبحه، وكذلك إذا صاده وهو حلال ثم أدخله الحرم ثم أخرجه منه فقتله، المسألتان سواء، والخلاف فيهما واحد، وقوله في الذي وجب عليه إرساله: إن الجزاء يجب عليه وإن أرسله إذا كان مما يخاف عليه بإرساله صحيح مفسر لما في المدونة، ويؤيده ما وقع في المدنية. قال ابن كنانة: كان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نازلا بمكة في دار الندوة فدخل عليه عثمان بن عفان ونافع بن عبد الحارث، فقال لهما عمر: إني نزلت في هذه الدار لأستقرب المسجد، فدخلت فوضعت ثيابي على هذا المواقف وهو شيء ناتئ يجعل عليه الثياب، فوقع عليه حمامة فخفت أن توذي ثيابي فأطرتها فوقعت على هذا الناتئ الآخر، فخرجت حية فأكلتها، فخشيت أن تكون إطارتي إياها سببا لحتفها، فاحكما علي فيها، فقال أحدهما لصاحبه: [ما تقول] في عنز ثنية عفراء يحكم بها على أمير المؤمنين، فقال له صاحبه: نحكم عليه بها، وقال ابن القاسم مثله، وبالله التوفيق.

ينسى الرمي يوما أو يومين ثم يذكر

[ينسى الرمي يوما أو يومين ثم يذكر] ومن كتاب الأقضية قال: وسئل ابن وهب عن الذي ينسى الرمي يوما أو يومين ثم يذكر، قال: قال لنا مالك: يرمي لما فاته في اليوم الثالث لليومين الماضيين ويهدي. قال ابن وهب: وأما أنا فأقول: إن كان أخر ذلك متعمدا كان عليه الهدي مع القضاء، وإن أخر ناسيا قضى ولا هدي عليه إذا ذكر ذلك في أيام الرمي، قال: وإن لم يذكر إلا بعد أيام الرمي كان عليه الهدي، ناسيا كان أو متهاونا. قال محمد بن رشد: قول مالك في رواية ابن وهب هذه عنه: إنه يرمي في اليوم الثالث لليومين ويهدي مثل أحد قوليه في المدونة، وله فيها قول ثان: إنه لا هدي عليه إذا كان ناسيا مثل قول ابن وهب. وأما إذا ترك متعمدا أو متهاونا فلا ينبغي أن يختلف في إيجاب الهدي عليه، وكذلك إذا ترك الرمي حتى ذهبت أيام منى لم يختلف قول مالك في إيجاب الهدي عليه، فقول ابن وهب مفسر لأحد قولي مالك في المدونة. [مسألة: من نسي جمرة العقبة] مسألة قال ابن وهب: وكان مالك يرى على من نسي جمرة العقبة هدي بدنة، وعلى من نسي جمرة من الجمار غير جمرة العقبة هدي شاة، وإن نسي جمرتين فبقرة، وإن نسي الثلاث كلها فبدنة، كان يستحب هذا ويرى أن أدنى الهدي يجزيه في جميع ذلك [كله] .

مسألة: ينسى الرمي يومين كيف يقضي في اليوم الثالث

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء في الاستحسان. والأصل في أن أدنى الهدي يجزي في ذلك - قوله عز وجل: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، وقول ابن عباس: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما. [مسألة: ينسى الرمي يومين كيف يقضي في اليوم الثالث] مسألة قيل لابن وهب: أرأيت الذي ينسى الرمي يومين كيف يقضي في اليوم الثالث؟ أيرمي الجمرة الدنيا لليومين جميعا ثم الأخرى كذلك، ثم الثالثة كذلك؟ فقال: لا، ولكن يرمي الجمار كلهن لليوم الأول كرمي من لم ينس، ثم يرمي لليوم الثاني أيضا الجمار كلهن، الأول فالأول كذلك أيضا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن ذلك مقيس على الصلاة، فمن نسي صلاة يومين أو ثلاثة فيقضيها كما تركها صلاة يوم بعد صلاة يوم، ولا يجوز له أن يصلي الصبح ثلاثا ثم الظهر ثلاثا، ثم سائر الصلوات ثلاثا ثلاثا، فكذلك الجمار، وبالله التوفيق. [مسألة: المحرم يصيب بيض النعم] مسألة وسئل ابن نافع: عن المحرم يصيب بيض النعم أيأخذ فيه بقول مالك إن فديته عشر قيمة النعامة؟ قال: لا آخذ في ذلك بقول مالك [هذا] ، بل أتبع فيه ما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -،

مسألة: يخير الحكمان من أصاب الصيد إذا استحكما

وذلك أن محمد بن أبي كثير حدثني عن محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأله رجل محرم عن ثلاث بيضات نعامة أصابهن، فقال: "صم لكل بيضة يوما» . قال محمد بن رشد: صح الحديث عند ابن نافع فأخذ به، ولم يصح عند مالك أو لم يبلغه فرجع في ذلك إلى ما يوجبه القياس على ما صح عنه من حديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن «في الجنين غرة عبدا أو وليدة» [والغرة] تقوم خمسين دينارا أو ستمائة درهم، وذلك عشر الدية، فأوجب في بيضة النعامة عشر جزاء النعامة؛ لأن البيض في الطير كالحمل فيما سواها من الحيوان، فإرادته بما حكى عن مالك أن فدية بيضة النعامة عشر قيمة النعامة عشر جزاء النعامة، فسمى الجزاء قيمة، وجزاؤها عند مالك بدنة، وكذلك جاء فيها عن السلف، ففي بيضة النعامة عند مالك عشر ثمن البدنة التي يحكم بها في جزائها. [مسألة: يخير الحكمان من أصاب الصيد إذا استحكما] مسألة قال ابن وهب: ومن السنة أن يخير الحكمان من أصاب الصيد إذا استحكما، فيقولان له: إن الله تعالى يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95]

فيخيرانه كما خيره الله تبارك وتعالى، فإن اختار الهدي حكما من الهدي بما يريانه نظيرا لما أصاب من الصيد ما بينه وبين أن يكون عدل ذلك الذي يحكمان فيه شاة، فإنها أدنى الهدي وما لم يبلغ قيمته عندهما أن يحكما فيه بشاة حكما فيه بالطعام. وما اختار أن يحكما عليه فيه بالطعام أو لم يبلغ قيمته ما يحكمان فيه بالشاة، فحكما فيه بالطعام فهو مخير بين أن يطعم ذلك الطعام الذي يحكمان به عليه مساكين أو يصوم مكان كل مد يوما. قلت له: أيطعمه بمكة خاصة أم حيث شاء، ويصوم حيث شاء؟ قال: إذا حكما بالهدي فلا يكون إلا بمكة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] ، وما صار إلى الطعام أو إلى الصيام فإنه يفعل ذلك حيث شاء. قلت: أرأيت إن أحب أن يطعم في بلده والطعام عندهم أرخص، أيجزئه أن يخرج المكيلة التي حكما بها عليه؟ فقال: لا، ولكن ينظر إلى قيمة ذلك الطعام بالثمن من الدنانير والدراهم حيث أصاب الصيد ووجب عليه الحكم، يشتري بذلك الثمن طعاما ببلده، قلت: أرأيت إن وجد الطعام ببلده أغلى منه حيث حكم عليه أيجزيه أن يشتري بذلك الثمن الذي باع وإن قل الطعام أم لا يجزيه إلا أن يطعم تلك المكيلة التي حكما بها عليه؟ قال: يشتري بذلك الثمن الذي باع به الطعام الذي حكم به عليه حيث أحب أن يتصدق بالطعام، غلا الطعام بذلك البلد أو رخص، لا شيء عليه إلا ذلك.

الذي يقول علي هدي عبد أو ثوب

قال محمد بن رشد: قوله: وما صار من ذلك [إلى] الطعام أو الصيام فإنه يفعله حيث شاء هو نص قول مالك في الموطأ، فما زاد بعد ذلك من قوله إنه إن أراد أن يطعم بغير البلد الذي أصاب فيه الصيد فيشتري بما تشرى المكيلة التي حكم بها عليه في البلد الذي أصاب الصيد فيه طعاما بالبلد الذي يريد أن يطعم به كان ذلك أقل من المكيلة التي حكم بها عليه أو أكثر هو تفسير لقول مالك في الموطأ ولما في المدونة أيضا؛ لأن معنى قوله فيها ليس له أن يطعم في غير ذلك المكان، أي ليس له أن يطعم المكيلة التي حكم عليه بها في غير ذلك المكان ليرتفق برخص الطعام فيه بدليل قوله: يحكم بالطعام بالمدينة ويطعمه بمصر إنكارا لمن يفعل ذلك، فلا يجزي من فعله. قال ابن حبيب: إنه إن لم يطعم بالموضع الذي حكم به عليه أو فيما قاربه فليخرجه على أرخص السعرين، وهو احتياط واستحسان من نحو قوله فيمن وجبت عليه زكاة دينار فأراد أن يخرج عنها دراهم: أنه يخرج قيمتها من الدراهم إلا أن يكون قيمتها أقل من عشرة دراهم بدينار، فلا ينقص من ذلك شيئا، وسائر ما في الرواية صحيح مثل ما في المدونة وغيرها لا إشكال فيه ولا كلام، والله أعلم. [الذي يقول علي هدي عبد أو ثوب] ومن سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الذي يقول: علي هدي عبد أو ثوب، قال: ينظر إلى أوسط الثياب أو العبيد وعلى قدر ما يرى، فيبعث بثمنه فيشتري بثمنه هديا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لما لم يسم في ذلك قيمته وجب أن يرجع فيه إلى الوسط، كمن تزوج بأروس ولم يصفها، أو كاتب عبده على أروس بغير صفة.

مسألة: الذي يقول علي هدي رقبة من ولد إسماعيل

[مسألة: الذي يقول علي هدي رقبة من ولد إسماعيل] مسألة قال ابن القاسم في الذي يقول: علي هدي رقبة من ولد إسماعيل، قال: ينظر إلى أقرب الناس بولد إسماعيل ممن يسترق، فينظر إلى قيمة وسط من ذلك، فيبعث بثمنه فيشترى به هدي، قال مالك: الذي يقول: علي عتق رقبة من ولد إسماعيل مثل هذا، وهذا مثله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا نذر عتق رقبة أو هدي رقبة، فسمى جنسا كان عليه الوسط من ذلك الجنس، فكذلك إذا سمى نسبا كان عليه الوسط من ذلك النسب؛ لأن بعض الأنساب أشرف من بعض وأعلى ثمنا، كما أن بعض الأجناس أفضل من بعض وأرفع ثمنا، وقد «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أفضل الرقاب، فقال: أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها» . [مسألة: فيما صيد لمحرم فأكله وهو يعلم أنه صيد] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك فيما صيد لمحرم فأكله وهو يعلم أنه صيد له فعليه جزاؤه، قال: وإن أكله غيره من المحرمين فليس عليه شيء، وبئس ما صنع، قلت لابن القاسم: إن علموا أنه صيد لمحرم أو لم يعلموا؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يعلم الذي صيد له فأكل منه فلا شيء عليه؟ قال ابن القاسم: وكل ما صيد للمحرمين يتلقونهم به، فأكله محرم وهو يعلم أنه صيد لهم، قال: أما إن كان محرما يوم صيد لهم فأكله رجل من أولئك وهو يعلم فعليه الفدية، وإن لم يعلم فلا شيء عليه، ومن أكله من المحرمين ممن أحرم بعدما صيد للمحرمين فلا شيء عليه، وبئس ما صنع، وإن علم أنه

مسألة: صاد صيدا وهو حلال أو حرام فأدخل الحلال صيده الحرم

صيد للمحرمين إذا كان قد صيد قبل أن يحرم هذا، قال ابن القاسم: قال مالك: ولو أن رجلا بلغه أن رجلا يريد الحج فصاد له أو قوم أرادوا الحج فصيد لهم قبل أن يحرموا ثم أحرموا فلا شيء عليهم في أكله، قيل له: فإن صيد صيد من أجل رجل محرم بعينه وهو محرم فلم يأكل المحرم منه حتى حل من إحرامه، قال: بئس ما صنع، ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة وتحصيل الاختلاف فيما فيه اختلاف منها في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى فلا معنى لإعادته. [مسألة: صاد صيدا وهو حلال أو حرام فأدخل الحلال صيده الحرم] مسألة قلت: أرأيت رجلا صاد صيدا وهو حلال أو حرام فأدخل الحلال صيده الحرم، أو أحرم وهو معه ثم أخرجه، أو حل من إحرامه وحل الذي صاده وهو محرم، والصيد معهم لم يرسل فأكلاه؟ قال: أرى عليهما الجزاء؛ لأنه مما قد وجب عليهما إرساله. قيل: وإن كان مما لا يحل فأرى عليهما جزاءه، وقد خالفني فيها أشهب، وقال: لا شيء عليهما. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة أيضا قد مضى تحصيل القول فيها في الرسم المذكور من سماع يحيى. [مسألة: قال قد كنت نذرت أن أمشي لله حافيا فاسألوا عن يميني] مسألة وقال في رجل قال: قد كنت نذرت أن أمشي لله حافيا فاسألوا عن يميني، فما وجب علي فأنفذوه عني، قال: أرى أن يهدي بكفافه من النفقة إلى مكة، والكراء هدايا ولا يحج عنه.

مسألة: هل للمحرم أن يسافر اليوم واليومين والثلاثة

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها في المذهب إذ لم يوص أن يمشى عنه، وإنما أوصى أن ينفذ عنه ما وجب عليه في ذلك، ولو أوصى أن يمشى عنه لما نفذت وصيته بذلك عند مالك خلافا لسحنون، وقد مضى القول في ذلك في رسم حلف الأول من سماع ابن القاسم. [مسألة: هل للمحرم أن يسافر اليوم واليومين والثلاثة] مسألة وسألت سحنون: هل للمحرم أن يسافر اليوم واليومين والثلاثة؟ قال: نعم، وليس هو مثل المعتكف. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المحرم له أن يتصرف في حوائجه ويبيع ويشتري في الأسواق، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] الآية، يريد التجارة في مواسم الحج، فحاله خلاف حال المعتكف في السفر أيضا إن أراده، والله الموفق. [مسألة: يدخل مكة متمتعا في أشهر الحج ثم تعرض له الحاجة] مسألة قلت: فالمحرم يدخل مكة متمتعا في أشهر الحج، ثم تعرض له الحاجة بعد إحلاله من عمرته إلى مثل جدة والطائف، فيخرج إليها، أرأيت إذا رجع من سفره ذلك إلى مكة أيدخل بإحرام أم بغير إحرام؟ قال: إن كان حين خرج إلى سفره ذلك نوى الرجوع إلى مكة من عامه، ليحج من عامه ذلك، فليس عليه أن يدخل بإحرام، مثل ما قال مالك في الذين يختلفون إلى مكة بالحطب والفاكهة: إنهم لا إحرام عليهم، وإن كان ممن خرج إلى سفره

خرج خروجا لا ينوي فيه العودة، فلما خرج بدا له فأراد العودة فعليه الإحرام، ونزلت بأبي سليمان أيوب بن أبا. قال محمد بن رشد: قوله: إن من خرج من مكة إلى موضع قريب علم أن يعود إليها فليس عليه إذا رجع إليها أن يدخل بإحرام هو مثل ما في المدونة في الذي كان عليه هدي من جزاء صيده فلم ينحره حتى ذهبت أيام منى فاشتراه بمكة وأخرجه إلى الحل أنه ليس عليه أن يدخل محرما ويدخل حلالا، وكذلك أيضا عند مالك من خرج على أن لا يعود إذا رجع من قرب لأمر عاقه؛ كما فعل عبد الله بن عمر: إذ خرج من مكة إلى المدينة، فلما بلغ قديدا بلغه خبر الفتنة فرجع فدخل مكة بغير إحرام، بخلاف إذا بدا له من سفره لأمر رآه، على ما في هذه الرواية فليست بخلاف لمذهب مالك في المدونة، وأما من خرج إلى موضع بعيد أو إلى موضع قريب فأقام فيه أو كان من سكان المواضع القريبة فعليه إذا دخل مكة أن يدخل محرما وإن كان من أهل مكة إلا مثل الحطابين وغيرهم ممن يكثر تردادهم إلى مكة فليس عليهم أن يدخلوا بإحرام لمشقة ذلك عليهم، وحد القرب ما إذا خرج إليه على أن يعود لم يلزمه أن يطوف للوداع، وهو ما دون المواقيت؛ لأنه قد نص في الحج الثالث من المدونة أن من خرج إلى ميقات من المواقيت ليعتمر منه فعليه إذا خرج أن يطوف للوداع، فلو خرج إليها على هذا لحاجة على أن يرجع لوجب عليه إذا رجع أن يدخل بإحرام، هذا تحصيل مذهب مالك في هذه المسألة. ومن أهل العلم من جوز دخول مكة بغير إحرام لجميع الناس لدخول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة عام الفتح حالا وعلى رأسه المغفر، وروي أنه دخلها

الرجل أيلزمه أن يبيع ضيعته في الحج

وهو معتم بعمامة سوداء، وإلى هذا ذهب ابن شهاب، ولا حجة له في ذلك، إذ قد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنه إنما أحلت له ساعة من النهار ثم عادت كحرمتها من يوم خلق الله السماوات والأرض» ، إلا أنه تأول أن الذي أحل له في تلك الساعة خاصة إنما هو القتال، وأما دخولها حلالا فهو حل له ولمن شاء من جميع الناس. ومن أهل العلم من أجاز ذلك لأهل مكة خاصة. ومنهم من أجاز ذلك لمن كان منزله دون الميقات، وتعلق بفعل ابن عمر، إذ قد رجع من قديد فدخل مكة بغير إحرام، وهو تعلق ظاهر؛ إذ لا فرق في القياس والنظر بين أن يرجع لعارض عرض له أو لأمر رآه، إلا أنه قد جاء عن ابن عباس خلاف ذلك، مثل ما ذهب إليه مالك، ومنهم من أجاز ذلك لمن كان منزله الميقات فما دونه، وبالله التوفيق. [الرجل أيلزمه أن يبيع ضيعته في الحج] ومن سماع محمد بن خالد من ابن القاسم وسئل ابن القاسم: عن الرجل يكون له القرية ليس له غيرها، أيبيعها في حجة الإسلام ويترك ولده لا شيء لهم يعيشون به؟ فقال ابن القاسم: نعم، ذلك عليه ويترك ولده في الصدقة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال من أن الرجل يلزمه أن يبيع ضيعته في الحج؛ لأن الله أوجبه عليه، فوجب عليه أن يبيع فيه من ماله ما يبيعه عليه السلطان في الدين. وأما قوله: ويترك ولده في الصدقة، فمعناه: إذا أمن عليهم الضيعة ولم يخش عليهم الهلاك إن تركهم؛ لأن الله أوجب عليه نفقتهم في ماله كما أوجب عليه الحج فيه، فهما حقان لله عز وجل تعينا عليه في ماله، فإذا ضاق عنهما ولم يحمل إلا أحدهما وجب أن يبدأ بنفقة الولد؛ لئلا يهلكون؛ لأن خشية الهلاك عليهم يسقط عنه فرض الحج، كما [لو] خشي الهلاك

الذي يحج عن رجل بأجر فيفسد حجه بإصابة أهله

على نفسه، وهذا القول بأنه على الفور، وأما على القول بأنه على التراخي فلا إشكال في تبدئة نفقة الولد، فإن قال قائل: فإن الرجل إذا فلس لغرمائه يؤخذ منه لهم جميع ماله ولا يترك له نفقة أولاده إلا ما يعيشون به الأيام وإن خشيت عليهم الضيعة والهلاك فكذلك الحج، قيل الفرق بينهما أن هذا المال مال الغرماء، والغرماء لا يلزمهم من نفقة أولاده إلا ما يلزم جميع المسلمين من المواساة، وهو يلزمه النفقة على أولاده من ماله فافترقا، وهذا بين، ونفقة الزوجة كنفقة الأولاد، وقد مضى القول في نفقة الزوجة في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم، وأما نفقة الأبوين فحكمها حكم نفقة الابن عند من أوجبها، وبالله التوفيق. [الذي يحج عن رجل بأجر فيفسد حجه بإصابة أهله] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال ابن القاسم في الذي يحج عن رجل بأجر فيفسد حجه بإصابة أهله، قال: أرى عليه القضاء بحجة صحيحة من ماله استؤجر عليها مقاطعة أو دفع إليه على البلاغ، فذلك واحد، وإن كان إنما أصابه أمر من الله لم يكن من قبله، مثل أن يمرض أو ينكسر فإنه يقضي ذلك الحج عن الميت هو أحب إلي، وإن كان استؤجر مقاطعة فعليه القضاء أيضا على كل حال، وكذلك الذي يحصر حتى يفوته الحج وما أشبه ذلك، والذي يخفى عليه الهلال حتى يفوته الحج. قال محمد بن رشد: في قوله في أول المسألة في الذي حج عن غيره بأجرة فأفسد حجه بإصابة أهله: إن عليه القضاء بحجة صحيحة من ماله استؤجر عليها مقاطعة أو دفع إليه على البلاغ، فذلك واحد نظرا لأن الذي دفع إليه المال على البلاغ إذا حج به وأفسد حجه بإصابة أهله ضمن المال وترتب

في ذمته فإنما يلزمه غرم المال، ولا يجوز أن يحج ثانية عن الميت بما عليه من المال؛ لأنه فسخ الدين في الدين، فالواجب أن يؤخذ منه المال، فإذا أخذ منه دفع إليه أو إلى غيره، إما على الإجارة أو على البلاغ، فالمسألتان مستويتان في وجوب الضمان، ويفترقان فيما يضمن، فيضمن في الإجارة الحج، وفي أخذ المال على البلاغ المال، فكلامه ليس على ظاهره، ووجهه الذي به يستقيم هو أنه أجاب عن الإجارة التي سأله عنها بقوله: أرى عليه القضاء بحجة صحيحة من ماله، تم جوابه هاهنا. ثم استأنف كلاما آخر فقال: استؤجر عليها مقاطعة أو دفع إليه على البلاغ، فذلك واحد، يريد أن ذلك واحد في وجوب الضمان، وإن افترق الوجهان فيما يضمن فيهما، وفي قوله بعد ذلك: وإن كان إنما أصابه أمر من الله تعالى لم يكن من قِبَله مثل أن يمرض أو ينكسر، يريد: فيفوته الحج وقد أخذ المال على البلاغ فإنه يقضي ذلك الحج عن الميت هو أحب إليّ، إشكال إذ لم يبين من مال من يكون القضاء ولا تقيد ضبط يقضي في الرواية إن كان يقضي أو يقضى على لفظ ما لم يسم فاعله. فقرأ ابن لبابة: يقضي. وقال في المنتخب: معناه أن الذي أخذ المال على البلاغ يقضي من مال الميت لا من مال نفسه، وحسبه أن يتولى هو القضاء بنفسه، استحب ذلك له ابن القاسم، فصرف قوله "هو أحب إلي" إلى توليه القضاء بنفسه، وأوجب النفقة في ذلك في مال الميت، وفي هذا بُعدٌ؛ لأن القضاء إذا كان من مال الميت ولم يلزمه هو ضمان فلا وجه لاستحسان ولايته هذا القضاء، هو وغيره في ذلك سواء، ولعل غيره بذلك أحق وأولى، والصواب أن تقرأ الكلمة: يقضى، على لفظ ما لم يسم فاعله، فيكون المعنى في ذلك: أن الورثة يقضون الحج عن الميت من أموالهم؛ لأنهم ضامنون للمال إن كان الميت أمرهم بالاستئجار، فدفعوه على البلاغ، أو لم يبين لهم كيف يدفعونه فتركوا أن يدفعوه على الإجارة ودفعوه على البلاغ، أو من مال الميت إن كانوا

دفعوه على البلاغ وقد أمرهم بذلك، أعني: من ثلث بقية مال الميت إن كان المال لم يقسم باتفاق، وإن كان قد قسم فعلى الاختلاف في الذي يوصي أن يشترى عبد من ثلثه فيعتق فاشترى ولم ينفذ له العتق حتى مات، وقد اقتسم الورثة المال، إذ قد قيل: إنه يشترى عبد آخر من بقية ثلث المال، وهو ظاهر ما في المدونة، وقيل: من بقية الثلث، وهي رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الوصايا، وقوله بعد ذلك: وإن كان استؤجر مقاطعة فعليه القضاء على كل حال، يريد بقوله "على كل حال" سواء أفسده بإصابة أهله، أو فاته بمرض أو كسر، وقوله بعد ذلك: وكذلك الذي يحصر حتى يفوته الحج، قال ابن لبابة: لا يريد به حصر العدو؛ لأن حكم من استؤجر على الحج فحصره العدو أن يحل حيث حصر، ويكون له من إجارته بقدر ما بلغ من الطريق، وكذلك في مختصر أبي زيد بن أبي الغمر، وفي المدونة قال: وإنما يريد به الحصر الذي هو في حكم حصر المرض، مثل أن يتهم في دم فيحبس فيه حتى يفوته الحج أو ما أشبه ذلك، يقول: فهذا كله، والذي يخفى عليه الهلال حتى يفوته الحج، [كالذي يمرض أو ينكسر حتى يفوته الحج، وكالذي يفسد الحج بإصابة أهله، يجب عليه في ذلك كله القضاء، والذي أقول به: إنه إنما أراد الذي يحصر بعدو، وأنه لا فرق في هذه المسألة بين أن يفسد حجه بإصابة أهله أو بحصر عدو أو مرض أو كسر أو خطأ عددا أو خفاء هلال حتى يفوته الحج، وأنه يجب عليه في ذلك قضاء الحج؛ لأنه قال فيها: إن الاستئجار كان مقاطعة، ومعناه: أن يستأجره على حجة ولا يسمى في أي سنة، فتكون عليه الحجة على الحلول، فإن أفسدها في أول سنة أو حصر بعدو أو مرض أو خطأ عدد حتى فاتته الحجة كان عليه قضاؤها في السنة التي بعدها، وإنما يفترق حصر العدو من حصر المرض إذا كان الاستئجار لسنة بعينها ولم يكن مقاطعة، فهذا قال فيه في المدونة: إنه إن أحصر بعدو رد المال، ويكون له من إجارته

مسألة: الإفراد بالحج أفضل من التمتع ومن القران

بحساب ذلك الموضع الذي صد فيه، ويأتي على هذا أنه لو أفسد الحج بإصابة أهله أو فاته بخطأ عدد لوجب أن يرد المال ولم يجز أن يقضي الحج في سنة أخرى؛ لأن الاستئجار لما انفسخ بذهاب السنة التي وقع الاستئجار لها ووجب عليه رد المال لم يجز أن يفسخ في حج سنة أخرى؛ لأنه فسخ الدين في الدين، وأما إن أحصر بمرض حتى فاته الحج فلم يقع لذلك جواب في المدونة، ويحتمل أن يفسر مذهب ابن القاسم فيها بما قال ابن حبيب في الواضحة من أنه تكون نفقته على نفسه ما أقام مريضا حتى يأتي البيت فيحل به، ولا يجزي الحجة عن الميت، ولا يكون عليه هو شيء؛ لأنه قد بلغ إلى مكة، وزاد على ما استؤجر عليه بقاؤه محرما مريضا حتى وصل البيت، وبالله التوفيق. [مسألة: الإفراد بالحج أفضل من التمتع ومن القران] مسألة قال ابن القاسم: قد حججت حججا ما تمتعت قط ولا قرنت. قال محمد بن رشد: هذا يدل من قوله وفعله على أن الإفراد بالحج أفضل من التمتع ومن القران، وهذا هو مذهب مالك على ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفرد الحج» وقد اختلفت الآثار بما كان له محرما - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجته التي حج فيها بعد أن فرض الحج وهي حجة الوداع، فروي أنه أفرد الحج، وروي أنه قرن، وروي أنه تمتع، بآثار [ثابتة] صحاح لا مطعن لأحد فيها، فمن ترجح عنده فيها أنه كان مفردا رأى الإفراد أفضل، وإلى هذا ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومن ترجح عنده منها أنه كان قارنا رأى القران أفضل، ومن ترجح عنده منها أنه كان متمتعا رأى التمتع أفضل، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه لا فضل لواحد منها على الآخر، إذ

قد روي في كل واحد منها أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان محرما به، وقد اختاره جماعة من السلف وعمل به، ومنهم من ذهب إلى أن الإفراد أفضل، ثم التمتع؛ لأنه المذكور في القرآن، ثم القران؛ لأنه مقيس على التمتع، ومن حجة من ذهب إلى أن الإفراد أفضل وجوب الهدي على المتمتع والقارن، قالوا: وإنما وجب عليهما للنقص في عملهما، فما لا نقص فيه أفضل، وقال من ذهب إلى أن القران والتمتع أفضل: ليس الهدي فيها جبرا لنقص، وإنما هو زيادة فضل بدليل جواز الأكل منه، ولو كان لجبر نقص لم يؤكل منه كما لا يؤكل من الفدية، قال بذلك من ذهب إلى أنه لا يؤكل من هدي الفساد والفوات، ولا من كل هدي يساق لشيء نقص من أمر الحج، والأصح من جهة الإسناد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قارنا؛ لأنه قد جاء عنه أنه قال لعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما قدم عليه من اليمن: «بماذا أهللت؟ . قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قال: فإني قد سقت الهدي وقرنت» . وهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أعلم بأمره وبما كان [به] محرما من غيره، وعلى أنه كان قارنا يمكن أن يصحح الآثار كلها ويجمع بينها بما ينفي الاختلاف والتعارض عنها، وذلك على وجهين: أحدهما: أنه يحتمل أن يكون أحرم حين صلى الركعتين في المسجد بعمرة مفردة، فلما استوت به راحلته في فناء المسجد أهل بحجة مفردة أضافها إلى العمرة المتقدمة، فصار بذلك قارنا، فلما أشرف على البيداء وهو قارن، قال: لبيك بعمرة وحجة معا، قال من حضره في المسجد حين أهل بعمرة وغاب عنه فيما بعد ذلك: إنه تمتع. وقال من حضره حين استوت به راحلته وغاب عنه في المسجد وحين أشرف على البيداء: إنه أفرد الحج، وقال من حضر الأمرين جميعا أو من حضره حين أطل

على البيداء: إنه قرن، والوجه الثاني وهو الأظهر: أنه أحرم أولا بحجة مفردة؛ على ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفرد الحج، ثم فسخ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك حجة في عمرة؛ نقضا لما كان عليه أهل الجاهلية من أنهم كانوا لا يستبيحون العمرة في أشهر الحج، ويرون ذلك من أفجر الفجور، فكانوا يقولون: إذا برئ الدبر وعفا الأثر ودخل الصفر حلت العمرة لمن اعتمر؛ لأنهم كانوا يسمون المحرم صفرا فصار بذلك متمتعا، ثم لما دخل مكة أردف الحج على العمرة فصار قارنا، فصدق من قال: إنه أفرد الحج، وصدق من قال: إنه تمتع، وصدق من قال: إنه قرن؛ لأنه كان في حال مفردا، وفي حال متمتعا، وفي حال قارنا، ويشهد هذا لما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أن الإفراد أفضل بالحج؛ لأنه الذي أحرم به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولا، وإنما فسخه في عمرة لينقض بفعله ما كان عليه أهل الجاهلية، والله تعالى هو الموفق، لا رب غيره، ولا معبود سواه. تم الجزء الثاني من الحج بحمد الله تعالى وحوله وقوته والحمد لله.

كتاب الاستبراء

[كتاب الاستبراء] [ابتاع أمة ولم يذكر هو ولا البائع استبراء] كتاب الاستبراء

من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب القبلة قال سحنون: وقال ابن القاسم: سمعت مالكا قال فيمن ابتاع أمة ولم يذكر هو ولا البائع استبراء، فلما وجب البيع طلب البائع النقد، وقال المشتري: حتى نستبرئ رحمها بحيضة، قال: قال مالك: إن كانت الجارية مما يراد بها الوطء فلا ينقد حتى توضع على يدي عدل حتى يستبري رحمها بحيضة، وأما ما اشتري من الجواري للخدمة فأرى البيع يجوز وينقد الثمن، فإن كان بها حمل ردها على البائع، قال ابن القاسم: قال لي مالك: وإن كان البائع مسافرا لزمته المواضعة في الجارية التي مثلها يراد للوطء. قال محمد بن رشد: مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المواضعة واجب في الجواري المرتفعات، وإن لم يطأها سيدها البائع إلا أن تكون ظاهرة الحمل أو زانية أو ذات زوج أو في عدة منه، لم يختلف قوله في ذلك كما اختلف في العهدة فيحكم بها عنده على المقيم والغريب، ولا يرخص في تركها للمسافر والمجتاز، وهي أن توضع الجارية على يدي أمين أو رجل له أهل حتى يعرف براءة

مسألة: الرجل يشتري الجارية فيواضعه للاستبراء

رحمها من الحمل بحيضة إن كانت من ذوات الحيض وبثلاثة أشهر إن كانت يائسة من الحيض بكبر أو صغر إذا كانت ممن توطأ بكرا كانت أو ثيبا أمن منها الحمل أو لم يؤمن، وقد قيل: إذا أمن الحمل منها فلا مواضعة فيها، والضمان في ذلك من البائع، والنفقة عليه، فلا يجوز أن يتلذذ بشيء منها وإن كان الضمان عليه والنفقة عليه من أجل أنه قد أوجبها لغيره، ولا يجوز للمشتري ذلك أيضا من أجل أن الضمان من غيره، وإن اشتراها في أول دمها أو في عظمه كان ذلك براءة لرحمها ولم يكن فيها مواضعة، وقد كان روي عن مالك أنها تستأنف حيضة أخرى ثم رجع عنه، ولا يجوز النقد في ذلك بشرط، وليست المواضعة بواجبة إجماعا إلا في التي وطئها سيدها وإن كانت من الوخش. وقد قال أصبغ: بيوع البلدان كلها ما عدا المدينة، وهي بيوعنا بمصر أيضا في الجواري المرتفعات، ترك المواضعة وتعجيل النقد، فلا يفسد البيع بترك المواضعة إلا أن يشترط تركها وتعجيل النقد والبراءة من الحمل، وفي ذلك اختلاف كثير سنذكره في الرسم الذي بعد هذا، وقد مضى في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب العيوب سبب وجوبها والفرق بين ما تنعى به الحمل في المرتفعات من الجواري وبين سائر ما يوجد بها من العيوب لمن أحب الوقوف عليه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يشتري الجارية فيواضعه للاستبراء] مسألة وقال سحنون: سئل مالك عن الرجل يشتري الجارية فيواضعه للاستبراء، فيقول البائع: هلم الثمن فواضعه على يد رجل، فقال مالك: ليس له ذلك عليه، وإنما يدفع الثمن إذا وجبت له الجارية.

وصي رجل باع رقيقا له في ميراث باعه ونادى فيه إنه بيع ميراث فلان

قال محمد بن رشد: ابن المواز يرى أن يوضع الثمن على يدي عدل ويحكم بذلك على المبتاع، وهو قول مالك في الواضحة، وفي كتاب ابن عبدوس، وظاهر ما في كتاب الاستبراء والبيوع الفاسدة من المدونة. واختلف إذا وضع بيد عدل فتلف قبل خروجها من الاستبراء، فقيل مصيبته ممن كان يصير إليه، وهو قول مالك في كتاب الاستبراء من المدونة، وقيل: إنه من المبتاع، روي ذلك عن مالك، وعلى قوله هذا إن خرجت الجارية صحيحة من المواضعة لزمه ثمن آخر، وقيل: إنه يسقط ذلك عنه تلف الثمن، بفسخ البيع، ومعنى ذلك عندي إن لم يرد أن يؤدي ثمنا آخر من عنده، واختلف أيضا إن خرجت معيبة من المواضعة والثمن قد تلف، هل يأخذها بالثمن التالف أم لا؟ ففي نوازل سحنون بعد هذا عن أشهب وابن القاسم أن له أن يأخذها بالثمن التالف، وعن غيرهما أن ذلك ليس له إلا أن يغرم ثمنا آخر، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، فقال: لو كان له أن يأخذها بالثمن التالف لوجب إذا تلف الثمن أن يعطي السلعة والجارية، إذ لا يشك أحد أنه يختار أن يأخذها إذا لم يؤد فيها ثمنا آخر. وفرّق ابن الماجشون في ديوانه على ما فسره ابن عبدوس بين أن يحدث العيب قبل تلف الثمن أو بعده، فقال: إن حدث العيب قبل تلف الثمن كان له أن يأخذها معيبة بذلك الثمن التالف؛ لأن الخيار قد كان وجب له قبل تلف الثمن، فليس يسقط ذلك عنه تلف الثمن، وإن تلف الثمن قبل حدوث العيب لم يكن له أن يأخذها بذلك الثمن التالف إلا بثمن يدفعه، وبالله التوفيق. [وصي رجل باع رقيقا له في ميراث باعه ونادى فيه إنه بيع ميراث فلان] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك: عن رجل وصي رجل باع رقيقا له في ميراث باعه ونادى فيه إنه بيع ميراث فلان، فباع فيه جارية بمائة دينار، فلما

وجب البيع للبائع قال له: تدفع الثمن إلي، فقال له المبتاع: لا حتى أوضعك الجارية، فإني أخشى أن تكون حاملا، فقال له البائع: إنها جارية فلان ابن فلان، وهي ممن لم تكن توطأ، وقد بعناك بيع ميراث، قال مالك: أرى له أن يواضعه إياه ولا يعطيه الثمن حتى تخرج من الحيضة، فإن ألفيت حاملا ردها المبتاع ولم ينفعه شرطه عليه أنها بيع ميراث. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه أعلمه في المذهب أن الحكم بالمواضعة واجب في بيع الميراث وبيع السلطان كما هو في بيع الناس بعضهم من بعض، لا يفسد البيع بتركها وإن قصدوا فيه إلى ذلك بعادة جروا عليها ما لم يشترطوا تركها نصا، فإن اشترطوا ذلك نصا ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن البيع جائز والشرط جائز، وهو قول ابن عبد الحكم، والثاني: أن البيع فاسد، قاله أبو بكر الأبهري، ومثله في كتاب ابن المواز [في قول،] وقاله ابن حبيب إذا اشترط ترك المواضعة وتعجيل النقد، ومثله في رسم العتق بعد هذا من سماع عيسى، [والثالث:] أن البيع جائز والشرط باطل ويخرج إلى المواضعة، وهو قول مالك في المدونة، وفي رسم تأخير صلاة العشاء بعد هذا. فإن ماتت على هذا القول قبل أن تخرج من المواضعة، فقيل: إن مصيبتها من المشتري إن ماتت عنده، حكى ذلك إسماعيل القاضي في المبسوط عن مالك، وقيل: إنها إن ماتت في مقدار ما يكون فيه استبراء لها فمصيبتها من المشتري، وإن ماتت قبل أن يمضي لها من المدة ما يكون فيه استبراء لها، وهو الشهر فمصيبتها من البائع، وهو قوله في المدونة. وأما إذا باعها بشرط

الأمة يبتاعها الرجل فتبيت عنده ثم يدعي أنها حامل

البراءة من الحمل فالمشهور من قول مالك وأصحابه أن البيع فاسد والمصيبة من المشتري إن بلغت قبل قبضه على حكم البيوع الفاسدة، وقيل: البيع جائز والشرط باطل، وقع هذا القول في كتاب محمد، وقيل: البيع جائز والشرط جائز، وهو قول ابن عبد الحكم، وبالله التوفيق. [الأمة يبتاعها الرجل فتبيت عنده ثم يدعي أنها حامل] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل مالك: عن الأمة يبتاعها الرجل فتبيت عنده ثم يدعي أنها حامل، قال مالك: فيستأني بها حتى يتبين أنها حامل، [فإذا يتبين أنها حامل] وشهد النساء ردت بشهادة النساء، فإذا وجد الحمل بعد ذلك باطلا لم ترد إلى المشتري، ولا ينبغي أن يستأنى بها حتى تضع؛ لأن الضمان منه، ولكن إذا شهد النساء أنه حمل وتبين ذلك ردت على بائعها ولم يستأني بها للوضع. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الحمل عيب، وشهادة النساء فيه جائزة؛ لأنه مما لا يطلع عليه إلا هن، فتجوز فيه شهادة امرأتين منهن، وهو لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر، ولا يتحرك تحركا بينا يصح القطع على تحركه في أقل من أربعة أشهر وعشر، فإذا شهد النساء أن بها حملا بينا لا يشكنّ فيه من غير تحريك ردت فيما دون ثلاثة أشهر، ولم ترد فيما زاد على ذلك لاحتمال أن يكون حادثا عند المشتري، وإذا شهدن أن بها حملا يتحرك ردت فيما دون أربعة أشهر وعشر، ولم ترد فيما فوق ذلك لاحتمال أن يكون حادثا عند المشتري، فإن ردت ثم وجد المشتري ذلك الحمل باطلا لم ترد إلى المشتري كما

ابتاع أمة وهي في عدتها من وفاة أو طلاق

قال، إذ لعلها قد أسقطته فكتمت ذلك، وقد روي عن مالك أن النفقة لا تجب للمطلقة البائن بظهور الحمل بها حتى تضعه، وأن اللعان لا يكون عليه إلا بعد وضعه، وأن الأمة الحامل [من سيدها] لا يحكم [لها بحكم] الحرة بظهور الحمل بها بعد موته حتى تضع، فعلى قياس هذا لا يجب رد الأمة بحمل يظهر بها عند المشتري لم يكن ظاهرا بها حين البيع، ويستأنى بها حتى تضع، فإن وضعته حيا لأقل من ستة أشهر كان له ردها بعيب الولد والولادة، وإن مات الولد ردها بعيب الولادة إن كانت قد نقصتها، وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر لم ترد لاحتمال أن يكون أصل الحمل عند المشتري، وبالله التوفيق لا شريك له. [ابتاع أمة وهي في عدتها من وفاة أو طلاق] ومن كتاب سعد في الطلاق وقال مالك: من ابتاع أمة وهي في عدتها من وفاة أو طلاق فلا تجرد لينظر منها عند البيع، ولا يلتذ منها بشيء إذا ابتاعها حتى تنقضي عدتها. قال سحنون: روى ابن وهب عن مالك مثله. وقال سحنون: ليس على من ابتاع جارية وهي في عدة من طلاق أو وفاة مواضعة الاستبراء إلا أن المبتاع يستبري لنفسه؛ لأن الحمل بها ليس بعيب، إنما هو من زوج قد علم بذلك

ورضي به، فإن جاءت بولد فإنما هو من زوج قد علم أنها في عدة منه. وقال مالك: من كانت له أمة حامل من غيره فلا يحل له وطؤها كان حملها ذلك عنده أو عند غيره من زوج أو زنا، فلا أرى أن يقبلها أو يباشرها ولا يغمزها تلذذا حتى تضع حملها. قال محمد بن رشد: قول مالك إن من ابتاع أمة وهي في عدتها من وفاة أو طلاق: إنه لا يجوز له أن يتلذذ بشيء منها في حال عدتها - صحيح؛ لأنه وإن كان الضمان منه، إذ لا مواضعة فيها، فالنسب لاحق بالزوج الذي هي في عدة منه، كمن زوج أمته فدخل بها زوجها ثم مات عنها أو طلقها، فإنه لا يحل له أن يتلذذ بشيء من أمرها في حال عدتها، وإنما يختلف فيمن اشترى أمة من الوخش أو حاملا ظاهرة الحمل أو في المقاسم وهي حامل أو غير حامل لأن بيع المقاسم بيع براءة، وإن ظهر بها حمل لم يردها؛ فمالك: يرى أنه لا يجوز أن يتلذذ منها بما دون الوطء في حال حملها ولا في حال استبرائها، إذ لا يجوز له الوطء في تلك الحال، وغيره: يبيح له أن يتلذذ منها بما شاء من قبلة أو مباشرة، روي ذلك عن عبد الله بن عمر وغيره من السلف، وذهب إليه ابن حبيب، وقول سحنون: إنه لا مواضعة في الجارية التي تشترى وهي في عدة من وفاة أو طلاق صحيح، لا اختلاف فيه؛ لأن المشتري إنما وقع شراؤه على أنها مشغولة الرحم بماء زوجها، وإن ظهر بها حمل لم ينقص ذلك من ثمنها كثيرا، وكذلك لو اشتراها وهي في استبرائها من زنا لم يكن فيها مواضعة من أجل أن الحمل إذا ظهر بها لم ينقص من ثمنها كثيرا، والمواضعة إنما هي من أجل نقصان كثرة الثمن لحمل إن ظهر [بها،] وقول مالك أخيرا: إن من كانت له أمة حامل من غيره فلا يطأها، كان الحمل من زوج أو زنا

الرجل يشتري الجارية فيدفعها البائع إلى المشتري فينقلب بها

- صحيح لا اختلاف فيه؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض» فإن فعل أدب إلا أن يعذر بجهل، ولم يعتق عليه هي ولا ما في بطنها، وقد روي عن الليث بن سعد: أنها تعتق عليه هي وما في بطنها، وقضى بذلك عبد الملك بن مروان، ذكر ذلك ابن حبيب. وأما قوله: إنه لا يقبلها ولا يباشرها ولا يغمزها تلذذا حتى تضع حملها - فهو مذهبه: أنه لا يجوز له أن يقبل ويباشر إلا ما يجوز له أن يطأ. وعلى ما ذكرناه من مذهب ابن حبيب يجوز له أن يقبل ويباشر إن كان الحمل ظاهرا من زنا، ولم يكن من زوج، وبالله التوفيق. [الرجل يشتري الجارية فيدفعها البائع إلى المشتري فينقلب بها] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء من الحرس وسئل مالك: عن الرجل يشتري الجارية فيدفعها البائع إلى المشتري فينقلب بها ثم يأتي البائع بعد ذلك بيوم أو يومين، فيقول: ادفع إلي الثمن، فيقول المشترى: لا أدفع إليك شيئا حتى تحيض وأستبريها، فيقول البائع: قد أغلقت عليها بابك وقد قبضتها مني، قال: قد ائتمنه عليها حين دفعها إليه، فأرى للمشتري ألا يدفع إليه الثمن حتى تحيض، فأرى أن يتواضعاها على يدي امرأة للحيضة، واحتج فقال: يمكنه منها ويأمنه عليها، ثم يقول: ادفع إلي الثمن، ما أرى ذلك له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن من حق المشتري أن لا يدفع إليه الثمن حتى تحيض؛ لأن النقد في الجارية التي يتواضع مثلها لا يجوز

يبيع جارية له بالبراءة بيع السلطان فوجد بها حملا

بشرط حتى تخرج من الحيضة، ولو زاد البائع في هذه المسألة أن يوقف له الثمن بيدي عدل إلى أن تخرج من الحيضة لم يكن ذلك له من أجل أنه قد دفع إليه الجارية، ولو دعا إلى ذلك قبل أن يدفع إليه الجارية لكانت المسألة التي قد مضى الخلاف فيها في أول رسم من السماع، وأما قوله: فأرى أن يتواضعاها على يدي امرأة فهو قول مالك في المدونة: إن البيع لا يفسد بترك المواضعة ويحكم بها بينهما ما لم يشترط البراءة من الحمل، وقد مضى هذا الاختلاف فيما يفسد به البيع من هذا المعنى في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة، فلا وجه لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. [يبيع جارية له بالبراءة بيع السلطان فوجد بها حملا] ومن كتاب صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك: عن الرجل يبيع جارية له بالبراءة بيع السلطان فوجد بها حملا، قال مالك: إن كانت جارية رائعة من جواري الوطء لم أر البراءة تنفعه في الحمل، فقيل [له] : ثمنها خمسون دينارا، قال: هذه رائعة، لا أرى البراءة تنفعه في الحمل إلا أن تكون جارية من الوخش للخدمة، فإني أرى البراءة في ذلك تنفعه. قال محمد بن رشد: إنما لم ير أن يبرأ في بيع البراءة من الحمل في الجارية الرائعة من أجل أن البراءة من الحمل فيها لا تجوز، فلما كانت البراءة منه لا تجوز، ويفسخ البيع بينهما، وكان لفظ البراءة لفظا عاما يحتمل أن يحمل على عمومه في الحمل وغيره، وأن يحمل على ما سواه مما لا يفسد

مسألة: أوصى عند موته لأم ولده بحليها وكسوتها إن قامت على ولدها

البيع به. وحمله على ما سواه مما لا يفسد به البيع لم يفسخ إلا بيقين، وإنما لم تجز البراءة من الحمل في المرتفعات من أجل أن الحمل يهدم جل ثمنها، فيلزم على قياس ذلك لو اشترط البراءة من عيب يذهب بجل الثمن كالجذام ونحوه، ونص على ذلك أن يكون البيع فاسدا، إلا أن يفرق بينهما بأن الحمل غالب والجذام وشبهه من الأدواء نادر. وإلى أن لا فرق بينهما - ذهب ابن عبد الحكم، فقال: إن من باع شاة واشترط البراءة من الحمل في المرتفعات فالبيع جائز والشرط عامل قياسا على ما رجع إليه مالك من إجازة البراءة في الجنون والجذام والبرص الذي يكون قبل العقد ولم يعلم به البائع بعد أن كان يقول: لا تجوز البراءة فيما يعظم من الأشياء، وأما ما حدث في السمت من الجنون والجذام والبرص فهو يبرأ منه في بيع البراءة قولا واحدا، والله أعلم. [مسألة: أوصى عند موته لأم ولده بحليها وكسوتها إن قامت على ولدها] مسألة وسئل: عن رجل كانت له أم ولد، وكان لها حلي وكسوة، فأوصى عند الموت إن هي قامت على ولدها فدعوا لها، ما كان لها، وإن هي لم تقم وتزوجت فخذوا ما كان في يديها من كسوة وحلي. قال مالك: ليس ذلك له، وأراه لها حين مات، وليس له أن ينتزع منها مالها مما أعطاه في مرضه، وأراها بمنزلة المدبرة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا تجوز وصية الرجل في انتزاع كسوة أم ولده وحليها صحيح؛ لأن الحرية تجب لها بموته، فهو لا يجوز له أن ينتزع

أم الولد إذا هلك عنها سيدها ولها حلي ومتاع

مالها في مرضه لقربها في تلك الحال من العتق كالمعتق إلى أجل إذا قرب أجل عتقه والمدبر، فإذا لم يجز له أن ينتزعه منها في مرضه فأحرى أن لا تجوز له الوصية بأن ينتزع منها بعد موته، وما كان لها من الحلي والثياب والمتاع الذي يشبه حالها فهو لها، وإن لم يعلم عطية سيدها ذلك لها، وأما الشيء المستنكر الذي لا يشبه أن يكون من هيئتها ولباسها فلا يكون لها بدعواها أنه لها إلا أن تكون لها بينة على أنها أعطيت ذلك أو وهبته أو اكتسبته، وهي في هذا بخلاف الزوجة؛ لأن القول قول الزوجة فيما كان من متاع النساء أنه لها وإن كثر إلا أن يكون للزوج بينة على أنه له أو على أنه اشتراه فيكون له بعد يمينه أنه إنما اشتراه بماله لنفسه لا لها، وهذا كله بين في الرسوم الباقية من هذا السماع، وفي رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [أم الولد إذا هلك عنها سيدها ولها حلي ومتاع] ومن كتاب شك في طوافه قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في أم الولد: إذا هلك عنها سيدها ولها حلي ومتاع، أتراه لها؟ قال: نعم إلا أن يكون الشيء المستنكر. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم قبل هذا مما لا اختلاف فيه. [أم الولد إن لم يكن لها شهود على عطية سيدها إياها] ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا إلى أجل وقال مالك في أم الولد في ثيابها إذا كانت تستمتع بها وإن لم يكن لها شهود على عطية سيدها إياها وهو معروف أنها كانت تلبسه فأراها لها. قال محمد بن رشد: وهذا أيضا مثل ما تقدم، فلا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق.

الرجل يهلك ويترك أم ولد لها ثياب وحلي

[الرجل يهلك ويترك أم ولد لها ثياب وحلي] ومن كتاب أوله مساجد القبائل وسئل مالك: عن الرجل يهلك ويترك أم ولد لها ثياب وحلي، أتراه لها؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا مثل ما تقدم أيضا، ومثل القول فيه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [رجل توفي وترك جارية حاملا منه أتتم حرمتها] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الأقضية الثالث قالا: وسئل مالك: عن رجل توفي وترك جارية حاملا منه أتتم حرمتها؟ فقال: إذا كان حملها بينا فقد ثبتت حرمتها، قيل: إذا كان حملا بينا معروفا تمت حرمتها؟ قال: نعم، فقيل له: إذا مات الرجل وله جارية ولها منه حمل تمت حرمتها حتى تقتل من قتلها وترث وتورث؟ فقال: أما إذا مات عنها سيدها وهي لم تتم حرمتها ولم تجز شهادتها ولم تقتل من قتلها ولم ترث ولم تورث حتى يتبين حملها، فإذا تبين حملها وظهر وعرف تمت حرمتها وجازت شهادتها وقتل من قتلها وورثت وأخذ لها الحدود إذا بان حملها، قيل لها: إن المرأة ربما نظر إليها النساء فيقلن هي حامل وكبر بطنها ثم ينفش ذلك فلا يكون في بطنها شيء، فكيف ترث وتورث ويقتل بها من قتلها وهي لعلها ألا يكون لها حمل؟ قال: كذلك هذه، يوقف ذلك منها حتى يتبين حملها، فإذا تبين تمت حرمتها وورثت ورثتها وقتل من قتلها. قال محمد بن رشد: مثل هذا لمالك في الواضحة من رواية مطرف

له أم ولد فيزوجها غلاما له فتلد منه أولادا فيهب جارية منهن لابنه

عنه. وفي كتاب ابن سحنون من رواية ابن القاسم عنه، قال: وتعجب من قول من يقول: لا تتم حرمتها حتى تضع، وقال المغيرة: توقف أحكامها حتى تضع، وهو قول ابن الماجشون في الثمانية، وعليه يأتي قوله في الواضحة: إن للأمة الحامل من سيدها إذا مات النفقة في ماله حتى تضع حملها إن كان من مذهبه أن أم الولد إذا توفي عنها سيدها وهي حامل فلا نفقة لها على المشهور في المذهب، إذ قد اختلف في ذلك حسبما قد ذكرناه في رسم سعد من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة. وقال ابن نافع في المدنية: لا يقتل من قتلها، ويستأنى بمن قذفها، فإن ولدت حد لها، وفيها -أعني في المدنية - قال عيسى: قال ابن القاسم: سألت مالكا عن القذف، وكان فيها اختلاف بالمدنية، فقال: أرى أن يضرب من قذفها الحد ثمانين إذا تبين حملها، قيل له: إن قوما يقولون: لو استؤني بها فلعل ذلك ينفش، فأنكر ذلك من قولهم وتعجب منه. وقد مضى في رسم من سماع ابن القاسم ذِكْرُ اختلاف قول مالك في وجوب الحكم للحمل بظهوره قبل وضعه، وبالله التوفيق. [له أم ولد فيزوجها غلاما له فتلد منه أولادا فيهب جارية منهن لابنه] ومن كتاب الأقضية وسئل مالك: عن الرجل تكون له أم ولد، فيزوجها غلاما له، فتلد منه أولادا فيهب جارية منهن لابنه، أيطؤها؟ فقال: نعم، لا بأس بذلك، الرجل يتزوج المرأة ويتزوج ابنه ابنتها، فقيل له: أليس ولد أم ولد بمنزلتها؟ فقال: بلى، ولد كل ذات رحم بمنزلتها، فقيل له: أفليس ولدها معها معتق إلى أجل؟ فكيف يجوز له أن يهب معتقة إلى أجل فيطؤها؟ فسكت. قال أشهب: والذي لا شك فيه عندي أن كل جارية فيها طرف

الرجل يزوج أم ولد رجلا فتلد له أولادا ثم يريد أن يهب بعض بناتها لولده

من عتق فليس يجوز لسيدها أن يوطئها أحدا من الخلق، لا عبده ولا ولده ولا غيرهما بملك يمين ولا غيره، إلا بتزوج، فلا بأس بذلك، ومما يشبهه المدبرة، لا يجوز لسيدها أن يوطئها أحدا من الخلق بهبة، وله أن يزوجها. [الرجل يزوج أم ولد رجلا فتلد له أولادا ثم يريد أن يهب بعض بناتها لولده] ومن سماع ابن دينار من ابن القاسم من كتاب استأذن سيده قال: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يزوج أم ولد رجلا فتلد له أولادا ثم يريد أن يهب بعض بناتها لولده أو لأجنبي، هل يجوز له أن يطأها؟ قال: قال مالك: لا يطؤها بملك يمين ولا يطؤها إلا بتزويج. قلت: وكذلك بنات المدبرة لا يطؤهن غير سيدهن، قال: نعم، كذلك بنات المدبرة لا يطؤهن أحد سواه إلا بالتزويج. وقال محمد بن رشد: رأى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا حرمة بين الرجل وبين ما ولدت أم ولد أبيه من غيره بعده ولا قبله، يحرم بها نكاحها، وأغفل النظر في صحة الهبة إذ سبق إلى ظنه أن القصد بالسؤال إنما هو إلى: هل بينهما حرمة أم لا؟ من أجل أنه قد اختلف في ذلك، فكان طاووس يكره للرجل أن يتزوج ما ولدت امرأة أبيه بعد أبيه من غير أبيه، وروى أبو زيد عن ابن القاسم في كتاب النكاح: أن ذلك لا يحل له، ولذلك قال: لا بأس أن يطأها، يريد من جهة أنه لا حرمة بينه وبينها. وقوله: إنه لا حرمة بينه وبينها - هو الصحيح. وقول من قال: إنها لا تحل له، بعيد. وقد مضى في سماع أبي زيد من كتاب النكاح وجه الكراهية عند من كره ذلك لمن أحب الوقوف عليه، وأما هبة الرجل رقبة ولد أم ولده من غيره فلا يصح، إذ لا يملكها،

رجل توفي وترك أم ولد له فادعت متاع البيت

وإنما له خدمتها طول حياته، فالهبة إنما تصح فيما يملك من اختدامها، ولا يصح بذلك للموهوب [له] وطؤها، كما قال أشهب ومالك في رواية عيسى عن ابن القاسم عنه، وقد كان الفقيه شيخنا أبو جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحكي لنا عن الفقيه أبي عمر بن القطان أنه كان يقول: لا أقول إن مالكا وهم في إغفال النظر في صحة الهبة فأخطأ في الجواب، بل أقول: إنه أعمل الهبة في الرقبة مراعاة للاختلاف في جواز بيع أم الولد، فأجاز للابن وطأها بالهبة، وبالله التوفيق. [رجل توفي وترك أم ولد له فادعت متاع البيت] ومن كتاب الأقضية الثاني، قال أشهب وابن نافع: وسئل مالك: عن رجل توفي وترك أم ولد له، فادعت متاع البيت، قال: أرى أن تكلف البينة على أن ذلك لها، وإن كان ذلك من متاع النساء؛ لأنها ليست بحرة، إنما هي أم ولد، ثم يكون ذلك لها، قلت: أرأيت ما أعطاها سيدها من الحلي والثياب؟ فقال: ذلك لها إذا مات سيدها. قلت: أرأيت ما كان من متاع [البيت] دني؟ فقال: أما الفراش والحلي واللحاف والثياب التي على ظهرها فأرى ذلك لها من كتاب العتق. وسمعته سئل: عن أم الولد يتوفى عنها سيدها وفي يدها متاع، فيريد الورثة أخذه منها، أذلك لهم؟ فقال: إن كان وهبه لها فلا. قال محمد بن رشد: إنما وجب أن تكلف أم الولد البينة فيما ادعته من

الصبية الصغيرة تشترى أعلى من ابتاعها استبراؤها

متاع النساء أنه لها سوى ثيابها التي تلبسها والحلي الذي يشبهها إذا نازعها في ذلك ورثة سيدها من أجل أنه لا يد لها مع سيدها، إذ لم تتم حريتها إلا بموته، فهي في هذا بخلاف الحرة، وقد مضى في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب طلاق السنة القول في اختلاف الزوجين في متاع البيت موعبا لمن أحب الوقوف عليه، ومضى في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب القول في مال [أم] الولد وما يصح منه بالدعوى مما لا يصح، فلا معنى لإعادته، والله الموفق. [الصبية الصغيرة تشترى أعلى من ابتاعها استبراؤها] ومن كتاب البيوع الأول وسئل مالك: عن الصبية الصغيرة تشترى، أعلى من ابتاعها استبراؤها؟ قال: نعم، إذا كان مثلها يوطأ، واستبراؤها ثلاثة أشهر، وإن كانت صغيرة ليس مثلها يوطأ فليس عليها استبراء. قال محمد بن رشد: أما الصغيرة التي لا يوطأ مثلها فلا اختلاف في أنه لا مواضعة فيها ولا استبراء، وإنما اختلف في الصغيرة التي يوطأ مثلها ويؤمن الحمل منها، فمذهب مالك وعامة أصحابه وجوب الاستبراء فيها والمواضعة إن كانت من ذوات الأثمان بثلاثة أشهر؛ لأن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر، وقيل: شهران، وقيل: شهر ونصف، وقيل: شهر، وذهب مطرف وابن الماجشون إلى أنه لا يجب فيها استبراء ولا مواضعة. وجاء ذلك عن جماعة من السلف، منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وابن شهاب، وأبو الزناد، وربيعة، وابن هرمز، وغيرهم، وكذلك الكبيرة التي يؤمن الحمل منها، وبالله التوفيق. [امرأة توفيت وتركت خادما وتركت من الورثة زوجها وولدها] من سماع عيسى بن دينار من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: سئل ابن القاسم عن امرأة توفيت وتركت خادما

الأمة يموت عنها زوجها وهي من اللائي قد يئسن من المحيض كم عدتها

وتركت من الورثة زوجها وولدها وهم صغار في حجر أبيهم يليهم، فحضرته الوفاة فقال: إن فلانة للخادم التي بعضها له ولولده الصغار بعضها: قد ولد مني، فأنكر ذلك الورثة بعد موته، فقال: القول قوله، والولد يلحقه، وتعتق الجارية، وتخرج حرة، وتقوم عليه في ماله، ويعطون نصيبهم منها، فإن لم يكن له مال فهي حرة، وهي مصيبة دخلت عليهم. قال محمد بن رشد: أما إذا كان لها ولد أقر أنه منه فلا اختلاف في أنه يلحق به وتعتق هي، وتخرج حرة، وتقوم عليه في ماله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال فهي مصيبة دخلت عليهم؛ لأن النسب يثبت منهم، والحد يسقط عنه، فوجب أن يصدق على ورثته من كانوا كما يصدق في أمته أن ولدها هذا منه، وأن حملها منه، وإن كان ذلك في مرضه الذي مات منه؛ لأن النسب يسقط التهمة عنه، وإنما يختلف إذا أقر لها في مرضه الذي مات منه أنها قد ولدت منه، ولا ولد معها، فقيل: إنه لا يقبل قوله، وإن كان ورثه ولده، وقيل: إنه يقبل قوله إن كان ورثته ولدا فتعتق من رأس ماله، ولا يقبل قوله إن كان ورثته كلالة، وقيل له: إن كان ورثته ولدا عتقت من رأس المال، وإن كان ورثته كلالة عتقت من ثلثه، والثلاثة الأقوال كلها في المدونة وغيرها، وبالله تعالى التوفيق. [الأمة يموت عنها زوجها وهي من اللائي قد يئسن من المحيض كم عدتها] ومن كتاب استأذن سيده في تدبير جاريته قال عيسى: وسألته: عن الأمة يموت عنها زوجها وهي من

اللائي قد] يئسن من المحيض كم عدتها؟ قال: شهران وخمس ليال. قلت: فإن باعها سيدها في العدة؟ قال: لا يطؤها مشتريها حتى يستبريها بثلاثة أشهر من يوم هلك عنها زوجها، ولا ينقلها مشتريها من بيتها التي كانت تبيت فيه حتى تعتد فيه شهرين وخمس ليال من يوم مات عنها زوجها، فإذا مضى لها شهران وخمس ليال انتقلها مشتريها ولكن لا يمسها حتى يستبريها بثلاثة أشهر بالشهرين والخمس ليال من يوم مات عنها زوجها. قال محمد بن رشد: قوله: إن الأمة الآيسة من المحيض تعتد من وفاة زوجها شهرين وخمس ليال، ثم ينقلها مشتريها من بيتها إن شاء ولا يطؤها حتى تتم ثلاثة أشهر، معناه: في الأمة اليائسة من المحيض لصغر أو لكبر، والحمل غير مأمون منها، وقد دخل بها؛ لأن التي لم يدخل بها والتي يؤمن الحمل منها وإن كان يوطأ مثلها لا اختلاف في أن عدتها تنقضي بالشهرين والخمس ليال كما ينقضي بها إذا كانت في سن من تحيض، فحاضت، فيكون لسيدها أن يطأها وأن يزوجها، وليس عليه أن ينتظر بها تمام ثلاثة أشهر،

ولم يحكم لها بحكم المعتدة بعد انقضاء الشهرين وخمس ليال إلى تمام الثلاثة الأشهر، إذ قال: إن لسيدها أن ينقلها عن بيتها، فعلى قوله: لا إحداد عليها، وذلك خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون: من أن على المتوفى عنها زوجها الإحداد إذا استرابت حتى تنقضي الريبة، مثل قول سحنون: إنه لا إحداد عليها إلا في الأربعة أشهر وعشر، وظاهر ما في المدونة: أن عدتها تنقضي بالشهرين والخمس ليال، فيكون لسيدها أن يطأها ولمشتريها وإن كانت ممن لا يؤمن الحمل منها، إذا لم يكن بها ريبة؛ لأنه قال في كتاب الاستبراء منها: إنها إذا لم تحض في الشهرين وخمس ليال فلا يطأها إن أحست من نفسها؛ لأن في قوله "إن أحست من نفسها" دليل على أنها [إن] لم تحس من نفسها شيئا، يطؤها إذا انقضت الشهران وخمس ليال. وإن لم تحض فيها، وذلك بين أيضا من قول سحنون في تفرقته بين أن يكون بين المدتين أقل من شهرين وخمس ليال أو أكثر في أم الولد التي يتوفى زوجها وسيدها، ولا يدري أيهما مات قبل صاحبه. والريبة في ذلك تكون بوجهين: أحدهما: بامتلاء تحسه في البطن، والثاني: بتأخير الحيض عن وقته، إن كانت ممن تحيض، فأتى عليها في الشهرين وخمس ليال وقت حيضتها فلم تحض، فأما الريبة بامتلاء تحسه في البطن فلا بد من استبرائها إلى تمام تسعة أشهر، فإن لم تزد على ما كان عليه حلت، وإن زاد انتظرت إلى أقصى أمد الحمل، وأما الريبة بتأخر الحيض عن وقته [إن كانت،] فيستبريها إلى تمام ثلاثة أشهر، فإن لم يظهر بها حمل ولا أحست بشيء حلت.

مسألة: الأمة المستحاضة والتي ترتفع عنها حيضتها يبيعها سيدها

فيتحصل على هذا الذي قلناه في اليائسة من المحيض التي لا يؤمن الحمل منها، وفي التي هي ممن تحيض إذا لم تحض في الشهرين وخمس ليال ولا مر بها فيها وقت حيضتها - ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تحل بتمام الشهرين وخمس ليال فيكون لسيدها أن ينقلها عن بيتها وأن يطأها ويزوجها. والثاني: أنها تبقى على إحدادها ولا ينقلها عن بيتها ولا يطأها ولا يزوجها حتى تنقضي ثلاثة أشهر، والثالث: أنه ينقلها عن بيتها ويسقط عنها الإحداد، ولا يطؤها ولا يزوجها حتى تنقضي ثلاثة أشهر. وإنما كانت عدة الأمة في الوفاة شهرين وخمس ليال؛ لأن العدة حد من الحدود، والعبيد في الحدود على النصف من الأحرار؛ لقول الله عز وجل: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] . فكان على الأمة ومن فيها بقية رق في الطلاق - حيضتان؛ إذ لا تنقسم الحيضة الثانية، وفي الوفاة شهران وخمس ليال؛ لانقسام الشهور والأيام، والله أعلم. [مسألة: الأمة المستحاضة والتي ترتفع عنها حيضتها يبيعها سيدها] مسألة قال ابن القاسم، في الأمة المستحاضة والتي ترتفع عنها حيضتها: يبيعها سيدها استبراؤها ثلاثة أشهر إلا أن ترتاب فتنتهي تسعة أشهر. قلت له: فالأمة التي لا تحيض في ستة أشهر إلا مرة، تباع، هل ينتظر بها إلى حين حيضتها؟ قال: ثلاثة أشهر تبريها إذا لم ترتب، والتي لا تحيض في ستة أشهر إلا مرة واحدة إذا لم ترتب أقوى في الاستبراء؛ لأنه يعرف أنه لم يمنعها من الحيض شيء يخاف عليها، ألا ترى أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت ممن تحيض فلم تحض في عدتها أمرت أن تقيم حتى تحيض أو تبلغ من الأجل ما لا يشك فيه أن فيه استبراء رحمها، وذلك تسعة أشهر إذا لم تحس شيئا، والتي

حيضتها في ستة أشهر مرة أو في السنة مرة أو تكون ترضع، تجزيها العدة إذا لم ترتب بشيء؛ لأنه يعلم أنه لا تحتبس عنها حيضتها لريبة خيفت عليها، وإنما احتبست بحيضتها التي كانت من شأنها، فكذلك البيع لا تكون التي تحيض أعجل في الاستبراء في الريبة من التي لا تحيض، وهو فرق بين، ورواه أصبغ عن ابن القاسم في كتاب النكاح الأول من سماعه. قال محمد بن رشد: قوله: إن المستحاضة والتي ترتفع عنها حيضتها تستبرأ في البيع بثلاثة أشهر - هو أحد قولي مالك في المدونة من رواية ابن غانم عنه، واختيار أشهب خلاف قوله الآخر فيها: أنهما يستبريان جميعا بتسعة أشهر، وقد قيل: إن المستحاضة تستبري بثلاثة أشهر، والتي ترتفع عنها حيضتها بتسعة أشهر، وهذا يأتي على ما روي عن مالك أن المستحاضة تعتد في الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وتحل، بخلاف التي ترتفع عنها حيضتها. وأما التي لا تحيض في ستة أشهر إلا مرة، فقوله: إنها تستبري بثلاثة أشهر - صحيح على قياس قوله: إن المتوفى عنها زوجها تحل بأربعة أشهر وعشر، إذا لم يمر بها فيها وقت حيضتها. وتأتي على رواية ابن كنانة عن مالك في سماع أشهب من كتاب طلاق السنة في المتوفى عنها زوجها، تعتد أربعة أشهر وعشرا، ولا يأتيها فيها وقت حيضتها: أنها لا تتزوج حتى تحيض وتبرأ من الريبة: أنها لا يجزيها في الاستبراء الثلاثة الأشهر، ولا بد لها من انتظار حيضتها، وهو قول ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى بعد هذا، ورواية عيسى أصح في النص؛ لأن المعنى في الاستبراء معرفة براء الرحم من الحمل، وقد حصل ذلك بالثلاثة الأشهر، فلا يلزم انتظار الحيضة، إذ ليست الحيضة في الاستبراء عبادة، فيلزم انتظارها وإن حصلت البراءة بما دونها كما أن الصحيح أن تحل الحرة المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر إذ لم يمر بها فيها وقت حيضتها، ورواية ابن كنانة عن مالك شذوذ من القول؛ لأنها قد أكملت العدة التي

مسألة: اشترى عبدا وجارية في صفقة واحدة والجارية مما مثلها توضع للاستبراء

فرضها الله عليها ولا ريبة فيها فوجب أن تحل، وقد حكى ابن المواز: أن مالكا رجع عنه، وقد قال أبو إسحاق في رواية عيسى هذه: إنها غلط ومخالفة للقرآن، وإن رواية يحيى هي الصحيحة، وقوله هو الغلط، إذ ليس في القرآن وجوب استبراء الأمة في البيع بحيضة، فيلزم أن يقال: إن الاستبراء لا يحصل بما دونها، إذ قد علم وقتها كما يقال في الأقراء في عدة الطلاق، ولو قال: إنها مخالفة لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض» لكان أشبه وإن لم يكن ذلك صحيحا إذ ليس الحديث على عمومه؛ لأنه إنما خرج على الأغلب من أن ذوات الحيض من النساء يحضن فيما دون الثلاثة الأشهر التي يعلم بها براءة الرحم. [مسألة: اشترى عبدا وجارية في صفقة واحدة والجارية مما مثلها توضع للاستبراء] مسألة قال عيسى: وسألت عن رجل اشترى عبدا وجارية في صفقة واحدة، والجارية مما مثلها توضع للاستبراء، فوضعت للاستبراء، فماتت قبل أن تخرج من الاستبراء والجارية أكثر ثمنا من العبد أو أدق ثمنا، والعبد قائم بعينه، أو مات العبد والجارية قائمة بعينها لم تخرج من الاستبراء. قال ابن القاسم: إن كان العبد وغدا وإنما اشترى لمكان الجارية، وفيها النماء والفضل وكثرة الثمن فيما يرى الناس كان موقوفا ولم ينبغي له أن ينفذ، فإن ماتت الجارية ولم تخرج من حيضتها انتقض البيع، وإن أصيب العبد في ذلك فمصيبته من البائع، إلا أن تخرج الجارية من الحيضة، فإن خرجت من الحيضة فمصيبته من المبتاع؛ لأنه لو لم يتم بيع الجارية لم يكن فيه

بيع، ولو رضي أن يأخذه بالذي يصيبه من الثمن من قيمتها لم تحل، وإن كان العبد من أجله اشتريت الجارية وفيه النماء والفضل فيما يرى الناس قبض المشتري العبد ووقفت الجارية للحيضة، فإن هلكت الجارية أو لم تخرج من الحيضة لزمه العبد بما يصيبه من الثمن بمنزلة ما لو استحقت أو وجد بها عيب فردت، فإن هلك العبد في ذلك قبل أن تخرج الجارية من الاستبراء كانت مصيبته من المشتري ويستأنى بالجارية، فإن خرجت من الحيضة لزمه الثمن كله، وإن ألفيت حاملا أو ماتت قبل أن تخرج من الحيضة كان عليه من الثمن بقدر ثمن العبد من الجارية، ينظر كم قيمته وقيمة الجارية فيفض الثمن عليهما فيتبعه بقدر ذلك من حصة الثمن. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة جيدة بينة المعنى، قوله فيها: إن الجارية إذا كانت وجه الصفقة يوقف العبد بتوقيف الجارية للمواضعة، وتكون مصيبته من البائع إن لم تخرج الجارية من المواضعة، ومن المبتاع إن خرجت من المواضعة، ولا يجوز نقد الثمن في ذلك بشرط صحيح؛ لأن البيع لما كان لا يتم فيه دونها وجب أن يكون تبعا لها في التوقيف والضمان، وفي أن النقد فيه لا يجوز، وقد قيل: [إن] له أن يأخذه بما ينوبه من الثمن إن لم تخرج الجارية من المواضعة هو أحد قولي ابن القاسم في غَيْرِمَا كتاب من المدونة، فعلى هذا القول تكون مصيبته أيضا إن مات ولم تخرج الجارية من المواضعة من البائع، ولا يجوز فيه النقد كحكم العبد المشترى بالخيار، وأما إذا كان العبد وجه الصفقة فيقبضه ويدفع ما ينوبه من الثمن؛ لأن الشراء له فيه لازم بما ينوبه من الثمن إن لم تخرج الجارية من المواضعة، ولا ينقد ما

إذا باع الرجل الجارية بالجاريتين فإنهن يوضعن للاستبراء

ينوب الجارية بشرط، وقد اختلف في وجوب توقيفه إن دعا إلى ذلك البائع حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم، فإن طاع بدفع جميع الثمن ولم تخرج الجارية من المواضعة ماتت أو ألفيت حاملا فلم يرد المبتاع أخذها رد البائع من الثمن ما ينوبها، وإن لم يدفع من الثمن شيئا ولم تخرج الجارية أيضا من المواضعة لزم المبتاع من الثمن ما ينوب العبد منه بأن ينظر ما قيمته من قيمته وقيمة الجارية، فيكون عليه من الثمن ذلك الجزء، مثال ذلك: أن تكون قيمته مائتين وقيمة الجارية مائة، فيكون عليه ثلثا الثمن ما كان، وقوله في الرواية كان عليه من الثمن بقدر ثمن العبد من الجارية لفظ وقع على غير تحصيل، ومراده كان عليه من الثمن بقدر ثمن العبد من ثمن العبد والجارية حسبما بيناه، والحمد لله. [إذا باع الرجل الجارية بالجاريتين فإنهن يوضعن للاستبراء] ومن كتاب الفصاحة قال عيسى: قال ابن القاسم: إذا باع الرجل الجارية بالجاريتين فإنهن يوضعن للاستبراء، فإن ماتت الجارية التي هي ثمن الجاريتين أو أصابها عيب قبل أن تخرج من الاستبراء فإن ذلك من بائعها، إن كان موت فالمصيبة منه، وإن كان عيبا ردت عليه وانفسخ البيع في الجاريتين، قال ابن القاسم: إلا أن يشاء المشتري حبسها معيبة فيتم البيع، وإن سلمت مما ذكرنا، فأصاب الجارية الفاره من الجاريتين مثل ما وصفنا في هذا من قبل أن تخرج من الاستبراء انفسخ البيع أيضا وردت الجارية الفاره التي كانت ثمنا للجاريتين إلى صاحبها واسترجع جاريته، وإن سلمت الجاريتان الفارهتان مما ذكرنا وأصاب الدنية من الجاريتين موت أو عيب قبل

أن تخرج من الاستبراء انتظر بالجاريتين الفارهتين، فإن خرجتا من الاستبراء صحيحتين تم البيع فيهن ورجع مشتري الجاريتين بثمن الدنية على صاحبه فينظر ما اسم قيمتها من قيمة صاحبتها فيرجع بذلك الاسم على بائعها في قيمة الجارية الفارهة التي يأخذ، وذلك أن تكون قيمة الجارية الفارهة التي هي ثمن الجاريتين ثلاثمائة دينار، وتكون قيمة الجارية ثلاثمائة دينار أيضا، فتكون قيمة المرتفعة منهما مائتين، وقيمة الدنية مائة، فيرجع بثلث قيمة المرتفعة، وذلك مائة دينار، وإن خرجت الدنية من الاستبراء صحيحة قبل أن تخرج صاحبتها ثم ماتت، فإنه ينتظر بصاحبتها، فإن خرجت صحيحة من الاستبراء كانت المصيبة من المشتري، وإن لم تخرج صحيحة أو ماتت كانت المصيبة من بائعها، وإن وجد بأحد الجاريتين عيب بعد الاستبراء فإنه إن كانت العلية أدناهما ليس من أجلها اشتريت صاحبتها ردها ونظر ما اسم قيمتها من قيمة صاحبتها، فيرجع بذلك الاسم على البائع في قيمة الجارية المرتفعة كما فسرت لك، وإن كانت المعيبة هي وجه ما اشترى وفيها يرجو ردهما جميعا ونظر، فإن كانت المرتفعة لم تفت بنماء ولا نقصان ولا اختلاف أسواق ولا بيع ولا بشيء من وجوه الفوت، قبضها ورد الجاريتين جميعا، وإن كانت قد فاتت بشيء مما ذكرنا أو طال أمرها كان [له] عليه قيمتها يوم قبضها، وإن كانت المرتفعة التي هي ثمن الجاريتين هي التي وجد بها العيب ردها ونظر إلى الجاريتين، فإن كانت المرتفعة منهما والدنية

لم يفوتا ردها وقبض الجاريتين، وإن كانت الدنية قد فاتت والمرتفعة منهما لم تفت ردها أيضا وأخذ المرتفعة ورجع عليه بقيمة الدنية، وإن فاتت المرتفعة ولم تفت الدنية منهما لم يردها ولزمه البيع فيهما وغرم قيمة الجاريتين. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة جيدة إلا أنه لم يستوف جميع وجوهها ولا بين ما فيه الخلاف منها، وأنا استوفي ما قصر عنه من وجوهها وأنبه على ما فيه الخلاف منها إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال أولا: إن البيع ينفسخ في الجاريتين إن ماتت الجارية التي هي ثمن لهما أو أصابها عيب قبل أن تخرج من الاستبراء، ومعنى ذلك إن كانت الجاريتان لم تخرجا بعد من الاستبراء أو كانتا قد خرجتا منه ولم تفوتا عند المبتاع لهما بوجه من وجوه الفوت، فأما إن كانتا قد فاتتا عنده بحوالة سوق فما فوقه فيلزمه قيمتهما يوم خروجهما من الاستبراء ولا ينفسخ البيع بردهما إلى بائعهما، كمن باع عبدا بعبد، فاستحق أحدهما وقد فات الآخر: إنه لا يرد بعد فوات ويلزم مشتريه قيمته يوم اشتراه، وكذلك إن فاتت الأرفع منهما ولم تفت الأدنى، وأما إن فاتت الأدنى ولم تفت الأرفع فيردها وقيمة التي فاتت، وفيما يأتي بعد هذا في بقية المسألة بيانه. وقول ابن القاسم إلا أن يشاء المشتري حبس المعيبة فيتم البيع، وقع في بعض الروايات وهو صحيح مبين لما تقدم من قوله. وقوله وإن سلمت مما ذكرنا فأصاب الجارية الفاره من الجاريتين مثل ما وصفنا في هذا قبل أن تخرج من الاستبراء انفسخ البيع أيضا وردت الجارية الفاره التي كانت ثمنا للجاريتين إلى صاحبها واسترجع جاريته، معناه أيضا إذا كانت الجارية الفاره التي كانت ثمنا للجاريتين قائمة لم تفت بوجه من الوجوه، فإن كانت قد فاتت بحوالة سوق [فما فوقه لم ترد، ولزم مشتريها قيمتها يوم خروجها من الاستبراء، وأما الجارية الدنية من الجاريتين فترد وإن فاتت بحوالة

الأسواق] ، مما لم تفت بالعيوب المفسدة. وقوله: إن سلمت الجاريتان الفارهتان وأصاب الدنية من الجاريتين موت أو عيب قبل أن تخرج من الاستبراء تم البيع فيهن ورجع مشتري الجاريتين بثمن الدنية على صاحبها، فينظر ما اسم قيمتها من قيمة صاحبتها، فيرجع بذلك الاسم على بائعها في قيمة الجارية الفارهة، معناه: فينظر ما اسم قيمتها من قيمتها وقيمة صاحبتها جميعا، وتمثيله الذي مثل بقوله، وذلك أن تكون قيمة الجارية إلى آخر قوله يدل على ذلك، وسواء كانت الجارية الفارهة قائمة أو فائتة؛ وقد قيل: إنها إن كانت قائمة كان شريكا معه فيها بقدر قيمتها من قيمتها وقيمة صاحبتها، وهو قول أشهب. وقيل أيضا: إنه يكون شريكا معه فيها بذلك الجزء إلا أن يأبى ذلك مشتري الجارية الفاره لضرر الشركة عليه، فينفسخ البيع في الجميع. وهو قول ابن القاسم في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الشفعة. وقوله: وإن خرجت الدنية من الاستبراء صحيحة قبل أن تخرج صاحبتها ثم ماتت، فإنه ينتظر صاحبتها، فإن خرجت صحيحة من الاستبراء كانت المصيبة من المشتري، وإن لم تخرج صحيحة أو ماتت كانت المصيبة من بائعها صحيح؛ لأنها تبع لصاحبتها، إذ لا يتم البيع فيها دونها، وقد مضى هذا المعنى في المسألة التي قبل هذه. وقوله: وإذا وجد بإحدى الجاريتين عيب بعد الاستبراء، فإنه إن كانت المعيبة أدناهما ليس من أجلها اشتريت صاحبتها ردها ونظر ما اسم قيمتها من قيمة صاحبتها فيرجع بذلك الاسم على البائع في قيمة الجارية المرتفعة كما فسرت لك، قد مضى القول فيه وبينا أن فيه ثلاثة أقوال، وكذلك قد مضى القول في معنى بقية ما ذكر من وجوه المسألة، فلا معنى لإعادة ذكره، ولا يجوز النقد في هذه المسألة حتى تخرج الجاريتان الفارهتان من المواضعة، فإذا خرجتا من المواضعة تقابضا، وإن لم تخرج الدنية بعد من المواضعة؛ لأن ظهور الحمل بها أو موتها لا ينقض البيع بينهما،

مسألة: ابتاع رجل وليدة كان لها زوج وهي في عدة ولم يبين ذلك لمشتريها

فسهل انتقاد ثمنها مع إمكان الرجوع فيه بعينه على ما حكيناه من مذهب أشهب الذي لا يراعي ضرر الشركة أو في قيمته على ما مضى من مذهب ابن القاسم، وعلى هذا يأتي ما في أول كتاب الجعل والإجارة من المدونة من أنه يجوز أن يبيع الرجل نصف ثوبه من رجل على أن يبيع له النصف الآخر إلى شهر؛ لأنه إن باع في نصف الشهر كان له أن يرجع في عين الثوب أو في قيمته على ما ذكرناه من الاختلاف في هذا المعنى، وبالله التوفيق. [مسألة: ابتاع رجل وليدة كان لها زوج وهي في عدة ولم يبين ذلك لمشتريها] مسألة وإذا ابتاع رجل وليدة كان لها زوج وهي في عدة من طلاق زوجها أو وفاته ولم يبين ذلك لمشتريها، فوطئها المشتري فحملت ثم علم بما كتمه البائع من ذلك، فإنه إن كان مشتريها وطئها وقد حاضت في عدتها حيضة فإن الولد لاحق بالمبتاع، وأراها أم ولد بذلك الولد إذا جاءت به لتمام ستة أشهر غير أنه لا يحل له وطؤها أبدا لوطئه إياها في عدتها، فمن الناس من يقول: إنها تعتق عليه ساعة حملت، إذ لا يجد سبيلا إلى وطئها. ومنهم من يقول: يستخدمها بالمعروف حتى يموت، فإذا مات عتقت من رأس المال ولم يلحقها دين، وكان سبيلها سبيل أمهات الأولاد، ويرجع المبتاع على البائع بقيمة عيب ما كتمه، فيأخذه منه، وإن كان وطئها ولها زوج ولم يطلقها فكان الزوج غائبا عنها أو معزولا عنها ما يكون في مثله استبراء لرحمها فوطئها المبتاع فحملت، فإن الولد لاحق بالمبتاع أيضا، وترد إلى زوجها إذا وضعت، وتكون بذلك الولد أم ولد للمبتاع إن طلقها زوجها يوما ما أو مات عنها حل له وطؤها وأعتقت من رأس مال سيدها إذا مات، كان زوجها حيا أو مات عنها أو طلقها، فإن سبيلها سبيل أمهات الأولاد، ويرجع المشتري على بائعها منه بقيمة عيب ما كتمه من أن لها زوجا، قال: وإن لم يكن الزوج غائبا ولا

اشترى جارية وقبضها من غير مواضعة ودفع الثمن ثم استبريت الجارية

معزولا عنها كما ذكرنا، فالولد للزوج، وترد الأمة على بائعها بعيب ما كتمه من غير غرم يكون عليه لوطئها، قال: وإن وطئها في هذا كله، وهي حامل من زوجها أو من غير زوجها أو ليست بحامل، فهو يردها بعيب ما كتمه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها؛ لأن المشتري وطئ بشبهة الشراء، فوجب أن يلحق به الولد إذا وطئها في العدة بعد حيضة، وجاءت بالولد لتمام ستة أشهر من يوم وطئ كمن تزوج في العدة ودخل بعد حيضة، وكذلك إذا وطئها وهي في ملك الزوج وهو غائب أو معزول مدة تكون فيها استبراء لرحمها، فجاءت بالولد لتمام ستة أشهر من يوم وطئها، وإذا لحق به الولد وجب أن تكون به أم ولد، وإذا صارت أم ولد فات ردها بالعيب ووجب له الرجوع بقيمته، وإذا لم يلحق به الولد ولحق بالزوج إما بأن يكون وطؤه في طهر واحد، وإما بأن يكون وطئها في طهر آخر فاتت بالولد لأقل من ستة أشهر، وإما بأن يكون وطؤه وهي حامل فإنه يردها بالعيب ولا يكون عليه في وطئه شيء، كما اشترى أمة فوطئها ثم وجد بها عيبا، فإنه يردها ولا شيء عليه في الوطء إلا أن تكون بكرا، فيرد بما نقص الافتضاض منها إن أراد ردها، وإن لم يرد أخذ قيمة العيب وحبسها، وقد قيل: إن الوطء فيها فوت، ذكر ذلك ابن حبيب عن جماعة من الصحابة والتابعين وأخذ به وحكاه عن ابن وهب وابن نافع وأصبغ. [اشترى جارية وقبضها من غير مواضعة ودفع الثمن ثم استبريت الجارية] ومن كتاب العتق وسئل: عن رجل اشترى جارية وقبضها من غير مواضعة ودفع الثمن ثم استبريت الجارية وخيف عليها الحمل، فقال: إن كان باعها على أن ينقده الثمن بشرط فسخ البيع، ردت إلى صاحبها،

مسألة: الاستبراء في كل ما يوطأ من الجواري رفيعة كانت أو وضيعة

وإن كان إنما تطوع بذلك من غير شرط يكون في البيع لم ينزع منه الثمن حتى ينظر إلى ما تصير إليه الجارية، فإن استمر بها حمل رد الثمن، وإن حاضت نفذ البيع. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة والاختلاف فيها في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم لمن أحب الوقوف عليه، فلا معنى لإعادته، والله الموفق. [مسألة: الاستبراء في كل ما يوطأ من الجواري رفيعة كانت أو وضيعة] مسألة قال ابن القاسم: الاستبراء في كل ما يوطأ من الجواري رفيعة كانت أو وضيعة، وما يراد للوطء مما لم يكن يوطأ، فأما وخش الرقيق وما لا تراد للوطء وما لم يكن يوطأ فليس فيه مواضعة استبراء. قال محمد بن رشد: قوله "الاستبراء في كل ما يوطأ" يريد المواضعة في كل ما يطؤه البائع من الجواري رفيعة كانت أو وضيعة. وقوله: "وما يراد للوطء مما لم يكن يوطأ" يريد به وفي الجواري المرتفعات اللاتي يتخذن للوطء، وإن كان البائع لهن لا يطؤهن، وقوله: فأما وخش الرقيق وما لا يراد للوطء وما لم يكن يوطأ فليس فيه مواضعة استبراء، فليس على ظاهره، والمعنى فيه: فأما وخش الرقيق الذي لا يتخذ للوطء ولم يكن البائع يطؤه، فليس فيه مواضعة استبراء، يريد: ولا يجوز للمبتاع أن يطأها حتى يستبري لنفسه، وهذا كله مما لا اختلاف فيه، والله الموفق للصواب. [الرجل يبيع الجارية وهي حامل ثم يقر أن الحمل منه] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: سألت ابن القاسم: عن الرجل يبيع الجارية وهي

حامل ثم يقر أن الحمل منه، قال: إن اتهم أن يكون متعشقا بها نادما على بيعها ألحق به الولد وغرم قيمته يوم أقر به ولم ترد عليه الأمة، وإن كان معدما ألحق به الولد، وكانت قيمته دينا عليه يتبع به، قال: وإن لم يتهم في استرجاع الأمة بتعشق ولا رغبة في صلاح حال الجارية لزيادتها في بدنها وكان مليا، فإنها ترد إليه ويفسخ البيع ويغرم الثمن الذي كان أخذ ويلحق به ولدها، وليس عليه في الولد إذا سقطت عنه التهمة وكان مليا، وإن كان غير متهم وهو معدم ألحق به الولد، واتبع بقيمته يوم يقر به ولا ترد إليه الأمة لعدمه؛ لأنه يتهم في أخذها لعدمه، ولا يتهم في استلحاق ابنها؛ لأنه يغرم قيمته ولا يرق له منه شيء، والأمة لو ردت إليه وهو معدم رقت له فاستمتع واستخدم، فهو متهم فيها لعدمه، وإن أقر بهذا وقد أعتق الولد والأمة وهو ملي لم ترد إليه الأمة ومضى عتقها للمعتق، وثبت له ولاؤها، ومضى عتق الولد أيضا وثبت ولاؤه لمعتقه، ولكنه يوارث أباه المقر به بالنسب، ويلحق به ولا يغير ذلك ولاءه ويقضى عليه بإقراره بأنه باع أم ولد بغرم الثمن الذي أخذ؛ لأنه لا يحل له أكله، ويقال لمعتق الأمة وابنها: إن شئت فخذ الثمن الذي أخذ منك هذا المقر، وإن شئت فدع. قال محمد بن رشد: أما الولد فلا اختلاف في أنه يرد إليه إذا اتهم في الأم فلم ترد إليه ويلحق به نسبه ويتبع بقيمته يوم أقر به دينا في ذمته إن لم يكن له مال على ما قاله في هذه الرواية، قيل: بقيمته يوم ولد، وقيل: بما ينوبه من الثمن بأن ينظر إليه اليوم أن لو كان معها يوم عقد البيع فيفض

الثمن عليهما، وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي، وقال: إنه لا يشبهه. وقال بعض شيوخ القرويين: إنه يقوم مع أمه يوم عقد البيع على حاله التي هو عليها [الآن] اليوم، ثم تقوم الأم دونه، فيرد من الثمن حصاص الولد، وهو يرجع بالمعنى إلى ما قاله أبو إسحاق التونسي، والقياس أن لا يكون عليه للمبتاع إلا ما زاد في ثمنها بسبب الحمل إن كان اشتراها ظاهرة الحمل، ولم يكن عليه في الولد شيء إن لم تكن ظاهرة الحمل، وإنما اختلف قول ابن القاسم في انتقاض العتق إن كان قد أعتقه المشتري، فمرة قال ابن القاسم: ينتقض العتق إذا ثبت به نسبه ولا يكون للمعتق ولاؤه، ومرة قال: ينقض العتق ويلحق به النسب ويكون الولاء للمعتق، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، والقولان قائمان من المدونة. وأما الأم ففي ردها إليه ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ترد إلا أن يكون عديما أو يتهم فيها بميل إليها أو رغبة فيها لصلاح حالها، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية وقول مالك وغيره في المدونة. والقول الثاني: أنها ترد إليه إلا أن يتهم بميل إليها ورغبة فيها لصلاح حالها، فإن لم يتهم فيها بشيء من ذلك ردت إليه، وإن كان معدما واتبع بثمنها دينا في ذمته، وهو قول ابن القاسم في المدونة. والقول الثالث: أنها ترد إليه إلا أن يكون معدما، فإن كان مليا ردت إليه، وإن اتهم بميل إليها ورغبة فيها لصلاح حالها، وهو ظاهر قول ابن نافع في المبسوطة، وهذا كله ما لم يعتقها المشتري، واختلف قول ابن القاسم إذا كان المشتري قد أعتقها، [فمرة قال: إنه إذا أعتقها فلا ينتقض العتق، ولا ترد إليه على حال، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وأحد قوليه في المدونة. ومرة قال: إنه لا تأثير لعتق المشتري لها. فيما يجب من ردها للبائع وتصديقه في قوله إن لم يتهم فيها، فإذا صدق وردت إليه نقض العتق إن كان المشتري قد أعتقها،] وسواء في هذا

الشريكين في الأمة يطؤها أحدهما فتحمل وتلد

كله من لحوق نسبه ورد أمه إليه أم ولد باع الأمة وهي حامل فولدت عند المشتري فادعى ولدها، أو باعها وولدها ثم ادعى أن الولد منه، أو باعها وحبس ولدها ثم ادعى أن ولدها الذي عنده منه، أو باعها فولدت عند المشتري إلى ما يلحق فيه الأنساب ولم يطأ المشتري ولا زوج، غير أنه إن باعها مع ولدها ثم ادعى أنه ولده واتهم في الأم فلم ترد إليه يكون عليه من الثمن ما ناب الولد منه، ولو باعها ولا ولد معها ثم ادعى بعد البيع أنها قد كانت ولدت منه لم يصدق ولم ترد إليه في المشهور في المذهب خلاف ما في بعض الروايات من كتاب اللقطة من المدونة من أنها ترد إليه إذ لا يتهم وهو بعيد، طرحها سحنون، وقال: إن إجازته عن ابن القاسم وصمة في الدين، وأما إذا ادعى أنه لا يلحق به أنه ملك أمه أو تزوجها، فاختلف في ذلك قول ابن القاسم، مرة قال: إنه لا يلحق به على حال، ومرة قال: يلحق به إذا لم يكن للولد نسب ثابت ما لم يتبين كذبه، وإن لم يشبه قوله، ومرة قال: إنه إنما يلحق به إذا لم يكن للولد نسب ثابت إذا أشبه قوله، وهذا الاختلاف كله قائم من المدونة، وبالله التوفيق. [الشريكين في الأمة يطؤها أحدهما فتحمل وتلد] ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع قال يحيى: وسألته: عن الشريكين في الأمة يطؤها أحدهما فتحمل وتلد، ثم يتعدى الآخر ويطؤها وتحمل، ما الأمر فيها؟ فقال: إن كان للأول مال قومت عليه وكانت أم ولد له وأدب، ونكل الثاني نكالا موجعا ودرئ عنه الحد للشبهة وألحق به ولده، وإن لم يكن له مال لم تقوم على الأول ولا على الثاني ونكلا جميعا، والثاني أحق بأشد النكال، وألحق بهما أبناؤهما وعتقت عليهما، ولم تترك في يد واحد منهما.

قال محمد بن رشد: قال: إن الأول إن كان له مال قومت عليه الأمة وكانت أم ولد له، وقال: إن الثاني ينكل ويدرأ عنه الحد ويلحق به الولد، وسكت عما يجب عليه للأول، ويجب عليه له قيمة ولده، على أنه ولد أم ولد [له؛ لأنه إنما وطئها وأولدها بعد أن صارت أم ولد للأول] ويترادان فيما بينهما، فمن كان له منهما فضل على صاحبه رجع به عليه على ما يأتي لسحنون في نوازله بعد هذا، وقيل: إنه إن لم يكن للأول مال لم تقوم على الأول، ولا على الثاني، ونكلا وألحق بهما أبناؤهما، وأعتقت عليهما، وذلك كله بين على ما قال؛ لأن القيمة سقطت عن الأول لعدمه، وعن الثاني إذ قد فات نصيب الأول بالإيلاد ووجب أن تعتق عليه، إذ لا يقدر على وطئها من أجل نصيب الثاني الذي قد صارت أم ولد له، ووجب النكال عليهما، إذ لا يجوز وطء أمة فيها شرك، ولحق بهما أبناؤهما للشبهة التي أسقطت الحد عنهما وأعتقت عليهما؛ لأن نصيب كل واحد منهما قد صار أم ولد له بالإيلاد، ولا سبيل له إلى الوطء؛ لأن نصفها أم ولد له، ونصفها أم ولد لصاحبه. وسكت: هل يجب على الأول قيمة نصف ولد للثاني؟ فروي عن ابن القاسم أن ذلك يجب عليه، وهو الصحيح في النظر والقياس؛ لأن الأمة لما لم تقوم عليه لعدمه، وبقي نصفها ملكا لشريكه، وجب عليه نصف قيمة ولده. وفي كتاب ابن المواز: أنه لا شيء عليه من نصف قيمة ولده، إذ قد أفات شريكه نصيبه من الأمة بإيلاده إياها. وأما الثاني فلا يجب عليه للأول في ولده شيء؛ لأنه وطئ، وبعض الأمة ملك له وبعضها قد وجب عتقه على شريكه، وهذا على مذهب ابن القاسم الذي يرى أنه يعجل عليه عتق نصيبه. وأما على قول غيره الذي يرى أنه لا يعجل عليه عتق نصيبه حتى يعتق نصيب شريكه، فيكون عليه قيمة نصف ولده على أنه ولد أم ولد.

مسألة: الأمة تشترى وهي ممن تحيض في كل أربعة أشهر حيضة بكم تستبرأ

[مسألة: الأمة تشترى وهي ممن تحيض في كل أربعة أشهر حيضة بكم تستبرأ] مسألة وعن الأمة تشترى وهي ممن تحيض في كل أربعة أشهر حيضة بكم تستبرأ؟ قال: أما التي قد عرفت حيضتها فإن كانت إنما تحيض من أربعة أشهر إلى أربعة أشهر ومن خمسة إلى خمسة أو إلى ستة ونحو ذلك، فإنه لا يبريها إلا الحيضة، فإن استبرأت من حيضتها فأقصى ما تستبرأ به تسعة أشهر، قال: وأما التي يتأخر حيضها فوق التسعة الأشهر أو السنة أو ما قاربها فإن ثلاثة أشهر تجزيها في الاستبراء إلا أن ترتاب فتقيم تسعة أشهر. [قال:] وأما التي تحيض في أقل من ثلاثة أشهر فإن رفعتها حيضتها كان استبراؤها ثلاثة أشهر إلا أن تستريب فتنتظر استكمال التسعة الأشهر أجل الحمل. قلت: فإن كانت ترضع فخيف عليها أن تستأخر حيضتها للرضاع، قال: استبراؤها ثلاثة أشهر، فإن ارتابت فتسعة أشهر. قلت: وفي جميع ما تبلغ فيه التسعة الأشهر عند الريبة ضمانها من البائع؟ قال: نعم، ولا يحل وطؤها دون ذلك. قال محمد بن رشد: لا فرق في القياس بين التي تحيض من ستة أشهر إلى ستة أشهر أو من أربعة أشهر إلى أربعة أشهر، أو مما فوق ذلك، التسعة إلى السنة إلى مثلها أو التي تتأخر حيضتها للرضاع، فإنها تبرأ بثلاثة أشهر إذا لم يمر بها فيها وقت حيضتها، فارتفعت عنها لغير سبب،

النصراني يبيع أم ولده النصرانية أيجوز للمسلم اشتراؤها

فيكون ذلك ريبة يلزم من أجلها أن تزيد على الثلاثة الأشهر حتى تبلغ إلى التسعة الأشهر أو تحيض دون ذلك، وإذا كانت التي تحيض في أقل من ثلاثة أشهر فارتفعت حيضتها تبرأ بثلاثة أشهر فأحرى أن تبرأ بثلاثة أشهر التي لم يمر بها فيها وقت حيضتها أو التي يعلم أنها لم تحض فيها من أجل أنها ترضع، فرواية عيسى عن ابن القاسم التي تقدمت في أن التي تحيض في ستة أشهر تبرأ بثلاثة أشهر أصح في القياس والنظر من هذه الرواية، وقد مضى القول على ذلك هناك. وقوله في التي تتأخر حيضتها فوق التسعة الأشهر أو السنة، فإن ثلاثة أشهر تجزيها في الاستبراء إلا أن ترتاب فتقيم التسعة الأشهر، الريبة هاهنا إنما هي بحس تجده في بطنها، وإنما تبرأ بتسعة أشهر كما قال إذا كانت تلك الريبة التي وجدت من الحس بقيت على حالها ولم ترد إلى التسعة الأشهر، فأما إن زادت فلا بد من استبرائها إلى أقصى أمد الحمل، وكذلك القول في قوله: إن التي تستأخر حيضتها للرضاع إن ارتابت تستبرئ بتسعة أشهر، وبالله التوفيق. [النصراني يبيع أم ولده النصرانية أيجوز للمسلم اشتراؤها] ومن كتاب المكاتب قال: وسألته: عن النصراني يبيع أم ولده النصرانية، أيجوز للمسلم اشتراؤها؟ فقال: لا بأس بذلك إذا كان من دينهم استجازة بيع أمهات الأولاد، قيل له: أرأيت إن باعها من نصراني، فأسلمت؟ قال: إذا لم يكن إسلامها إلا بعد بيعه إياها فهي أمة؛ لأنها قد رقت لمشتريها حين كان بيعها جائزا له في دينه يوم باعها. قال محمد بن رشد: إنما شرط في إجازته للمسلم شراء أم ولد النصرانية من النصراني، وفي أنها تباع على النصراني الذي اشتراها منه إذا أسلمت كما تباع عليه أمته إذا أسلمت، ولا يكون حكمها حكم أم ولد

زعم أنه وطئ جاريته وأنه يعزلها فجاءت بولد

النصراني تسلم أن يكون من دينهم استجازة بيع أمهات الأولاد؛ لأن ذلك إذا لم يكن من دينهم فهو متعد عليها في بيعها وظالم لها في ذلك، وواجب على الإمام أن يمنعهم من التظالم فيما بينهم، فإذا أقر على نفسه ببيعها، وذلك غير جائز له في دينه، وقال ذلك أساقفتهم - وجب على الإمام أن يحول بينه وبين ذلك، ولم يجز لأحد من المسلمين أن يشتريها منه، فينبغي أن يحمل هذا على التفسير لما في كتاب الجنايات من المدونة من أن الذمي لو باع أم ولده لم يمنع من ذلك. وإجازته للمسلم شراءها منه إذا كان من دينهم استجازة ذلك إنما يأتي على القول بأنهم غير مخاطبين بشرائع الإسلام، وقد اختلف في ذلك، وبالله التوفيق. [زعم أنه وطئ جاريته وأنه يعزلها فجاءت بولد] ومن سماع موسى بن معونة من ابن القاسم قال موسى بن معونة: قال ابن القاسم: من زعم أنه وطئ جاريته وأنه يعزلها، فجاءت بولد، فإنها أم ولده إلا أن يدعي استبراء، قال ابن القاسم: ومن ادعى أنه كان يطأ جاريته ولا ينزل، فجاءت بولد فإنه لا يلحقه ولا تكون أم ولد؛ لأنه إنما زعم أنه كان يفضي ويعزل، فالعزل قد يخطئ ويصيب، ولذلك لزمه الولد، وإذا قال كنت أطأ ولا أنزل فإنه ليس هاهنا موضع خوف في أن يكون قد أفضى فيها، فلذلك لم يلزمه الولد. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الولد إنما يكون من الماء الدافق، قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5] ... الآية، وقال:

{وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7] {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8] ، فإذا لم ينزل أصلا علم أنه لم يكن منه ما يكون عنه الولد، فوجب أن لا يلزمه، وإذا وطئ فأنزل فعزل الماء عن الموطوءة وأنزله خارجا منها احتمل أن يكون لم يعزله بجملته وسبقه شيء منه كان عنه الولد، فوجب أن يلزمه؛ لأن الأمة قد صارت فراشا له بوطئه إياها فوجب أن يلحق به الولد حتى يوقن أنه ليس منه، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولد للفراش، والحجر للعاهر» ، ولا يقين في أن الولد ليس منه للاحتمال الذي ذكرناه، وقد دل على ذلك قول النبي لأصحابه حين سألوه عن العزل: «ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة» ، فأخبر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الولد قد يكون مع العزل إذا شاء الله بأن يكون معه بأن ينقلب الوكاء، كما قال عمرو بن العاص صاحب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فسبقه من الماء شيء يكون منه الولد لا يظن به، وقد قال في آخر كتاب الاستبراء من المدونة: من قال كنت أطأ أمتي ولا أنزل فيها فإن الولد يلحقه ولا ينفعه أن يقول كنت أعزل عنها. فذهب بعض الناس إلى أن ذلك خلاف لرواية موسى هذه في قوله فيها إنه من قال كنت أطأ ولا أنزل - أن الولد لا يلحقه. ومنهم من قال: سأله عمن قال لا أنزل، فأجاب عمن قال كنت أعزل، وليس شيء من ذلك كله بصحيح؛ لأن قوله ولا أنزل فيها دليل على أنه كان ينزل خارجا عنها،

يشتري الجارية فتوضع للاستبراء فيعتقها المبتاع من قبل أن تستبرأ

وهذا هو العزل بعينه، فعنه سأله، وعليه أجابه، فلا خلاف في رواية موسى لما في المدونة، بل هي مفسرة لها، وبالله التوفيق. [يشتري الجارية فتوضع للاستبراء فيعتقها المبتاع من قبل أن تستبرأ] من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال محمد: سألت ابن القاسم عن الرجل يشتري الجارية، فتوضع للاستبراء، فيعتقها المبتاع وهي في المواضعة من قبل أن تستبرأ. قال ابن القاسم: إذا كان الذي باعها لا يدعي حملها، إن جاء حمل مضى عتقه عليه فيها، ولم يكن له فيها رد ولو جاء حمل؛ لأنه قد قطع ذلك من نفسه بعتقه إياها، ورضي بذلك. قال محمد بن رشد: هذا صحيح من قول ابن القاسم على أصله في أن للمشتري أن يسقط المواضعة عن البائع ويقبلها بعيب الحمل إن ظهر بها إذا لم يقع البيع على ذلك، ويأتي على قول سحنون أنه لا يجوز أن يقبلها قبل ظهور الحمل بها ويسقط المواضعة فيها عن البائع؛ لأنه يتهم في إسقاط الضمان عن البائع وتعجيل النقد له، على أن يتعجل الانتفاع بالجارية فيدخله ابتياع الضمان وسلف جر منفعة - أن عتقه فيها لا يلزمه وأن له أن يردها إن ظهر بها حمل، ويبطل العتق. وقد وقع في سماع أبي زيد من كتاب العتق في رجل اشترى أمة فوضعها للاستبراء فحلف بعتقها لرجل ليقضينه حقه فحنث، ثم ظهر بها حمل ليس هو من البائع، قال: يردها بالحمل ويأخذ الثمن ولا عتق له، وقاله ابن المواز أيضا في كتاب العيوب من ديوانه، فقال بعض الناس فيها: إنها مسألة حائلة لابن القاسم ليست على أصله، ورواية محمد بن خالد هذه عنه تردها، وليس ذلك بصحيح عندي؛ لأنه إذا بتل عتقها فقد رضي بعيب الحمل إن ظهر، وأسقط التبعة فيه عن البائع بقصده إلى تفويتها

يشتري الجارية ومثلها يوطأ ومثلها لا يحمل فهل تتواضع إذا لم تحض

بالعتق، والحالف بالعتق أن يقضي غريمه حقه ليس بقاصد إلى تبتيل العتق باليمن، وإنما قصد به إلى التخلص من غريمه به، فلا يحمل عليه أنه رضي بعيب الحمل إن ظهر؛ إذ لم يرد إلا البر بالقضاء، ولعله غلب على الحنث بالعجز عن القضاء، فوقع الحنث بغير اختياره، وهذا فرق بَيِّنٌ بَيْنَ المسألتين، فلا يحمل على ابن القاسم التناقض والاضطراب في ذلك. [يشتري الجارية ومثلها يوطأ ومثلها لا يحمل فهل تتواضع إذا لم تحض] ومن سماع عبد الملك بن الحسن من عبد الله بن وهب قال عبد الملك بن الحسن: سألت ابن وهب: عن الرجل يشتري الجارية وهي من جواري الوطء مثلها يوطأ ومثلها لا يحمل، فهل تتواضع إذا لم تحض؟ قال: نعم، تتواضع، قلت له: فإن لم تتواضع وماتت في أيام الاستبراء في يد المشتري؟ فقال: إذا جهل الاستبراء فهي من البائع. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم البيوع الأول من سماع أشهب الاختلاف في وجوب مواضعة التي لا يوطأ مثلها ويومن الحمل منها وفيما تستبرأ به عند من أوجب المواضعة فيها لمن أحب الوقوف عليه، فلا معنى لإعادته، فإن لم تواضع عند من أوجب المواضعة فيها وماتت في يد المشتري قبل أن يمضي من المدة ما تستبرأ فيه، فالضمان يكون من البائع كما قال لوجوب الحكم بالمواضعة عنده على ما في المدونة وغيرها، وبالله التوفيق. [حر وعبد بينهما جارية فيطآنها فتأتي بولد فيدعيانه] ومن مسائل نوازل سئل عنها سحنون وسئل سحنون: عن الرجلين يكون بينهما الجارية فيطآنها في طهر واحد، أحدهما حر والآخر عبد، فتأتي بولد فيدعيانه

جميعا، قال: يدعى لهما القافة. قيل له: فإن دعي لهما القافة فقالت: هو للعبد، فقال: الحر مخير إن شاء ضمنه قيمة نصيبه يوم وطئها، وإن شاء تمسك بنصيبه منها؛ لأنها لا تخرج من رق إلى عتق، وهي مثل الجارية بين الرجلين الحرين يطؤها أحدهما فلا تحمل - أن الشريك مخير بين أن يتمسك أو يقومها عليه، قيل له: فإذا رضي أن يتمسك بنصيبه هل يكون له نصف الولد رقيقا؟ قال: نعم. قلت: فإذا أراد الشريك أن يقومها عليه والعبد معسر، كيف يغرم قيمتها؟ فقال: تباع الجارية في نصف قيمتها يوم وطئها ليس يوم أولدها فيغرم إليه قيمتها يوم وطئها في الوجهين جميعا كان له مال أو كان معسرا وليس هو في القيمة إذا كان معسرا مثل الحر. قلت: فهل يباع الولد معها إن كانت قيمة الجارية اليوم ليست تحيط بنصف قيمتها يوم وطئها؟ قال: لا يباع الولد معها؛ لأن الولد ليس مالا للعبد، وإنما يباع في القيمة مال العبد؛ قال: ويتبع العبد بما بقي من القيمة في ذمته إن لم يكن في ثمن الجارية وفاء، ولا يكون ما بقي في رقبته لأنها ليست جناية لأنه كان مأذونا له في ذلك، قيل له: فإن ألحقته القافة بهما جميعا؟ فقال: يعتق الصبي على الحر لأنه قد عتق عليه نصف ابنه وبقي نصفه ابنا للعبد، فيعتق عليه جميعه لما دخل في نصفه من الحرية، ويغرم نصف قيمته إلى سيد العبد. قلت: فالأمة ما يكون حالها وقد صار نصفها أم ولد للحر ونصفها للعبد؟ قال: أرى أن يقوم عليه النصف [فيحل له وطؤها ويكون عنده نصفها أم ولد له ونصفها رقيق حتى يولدها مرة أخرى بعد استبرائه هذا] النصف الباقي فيكون جميعها أم ولد

له، بمنزلة الرجلين الحرين تكون بينهما الجارية فيطؤها أحدهما فيولدها ولا مال له فيكون له نصفها أم ولد له، ثم إن اشترى نصف شريكه يوما ما حل له وطؤها ويكون نصفها بحساب أم ولد ونصفها للمشتري رقيقا له إلا أن يولدها بعد اشترائه النصف الثاني فيكون جميعها أم ولد له، قيل له: فهل يقال للصبي إذا بلغ وال أيهما شئت؟ قال: نعم. قيل له: فإن والى الصبي العبد أيكون ذلك له فيكون ابنا للعبد؟ فقال: نعم يكون ابنه ويكون حرا. قلت: فإن أعتق العبد يوما ما أيرث الغلام إن مات العبد؟ قال: نعم. قال أصبغ: إذا قالت القافة اشتركا فيه وكان أحدهما حرا والآخر عبدا كان نصيب الحر من الأمة عتيقا معجلا، وكان نصف العبد منها أم ولد موقوفة لا يطؤها على نحو أمهات الأولاد إن مات العبد ورثها سيده وإن أذن له سيده باعها، وإن رهقه دين وهو مأذون له بيعت، فإذا بلغ الابن فإن والى الحر لحق به وكان عليه غرم نصف قيمة الولد لأنه رقيق لسيد العبد؛ لأن ولد العبد من أمته رقيق لسيده، فإن والى العبد لحق به نسبه وكان ولده وكان نصفه حرا كما عتق من أمه نصفها وهو نصيب الحر منه لشبهة الشرك الذي وقع فيه، ولم يكن على الحر أن يقوم عليه بقيمة الولد؛ لأنه ليس عتق ابتداء، وإنما هو حكم لزمه ووقع عليه كهيئته ما لو ورث نصفه. قيل لسحنون: فلو أن أحد الحرين مات والصبي لم يبلغ حد الموالاة، فقال: يوقف للصبي قدر ميراثه من مال الميت حتى يبلغ، فإذا بلغ فإن والى الميت كان الميراث له، وإن والى الحي لم يكن له من ميراث الميت شيء، قيل له: فلو أن

الصبي مات قبل أن يبلغ الموالاة وبعد ما مات أحد أبويه الذي كنت أوقفت له منه ميراثه حتى يوالي، لمن يجعل ميراث هذا الصبي، وكيف يورث؟ قال: يورث الصبي من أبيه الميت ميراثه ويورث أبوه الحي من الصبي نصف ما ترك الصبي من ميراثه عن أبيه أو من مال وهب له أو صار له بوجه من الوجوه، ويرث النصف الباقي ولدا في الصبي الميت إن كان ترك أبوه ولدا لأنهم إخوته، فإن لم يكن للميت ولد ورث النصف الباقي من الصبي إخوة الميت أو أعمامه أو من كان يرجع مع الميت إلى صلب. قال أبو زيد بن أبي الغمر وأصبغ بن الفرج: ميراث الصبي وما ترك من مال لأمه، وللأب الباقي، وليس للأب الميت ولا لعصبته من ميراثه شيء، ويرد ما كان أوقف للصبي من ميراث الميت إلى ورثة الميت الباقين؛ لأنه لا يجب للصبي بعد فيجب لورثته؛ لأنه إنما يجب له بعد الموالاة. ألا ترى أنه لم يكن ينفق عليه منه، وإنما هو موقوف يجب له بالموالاة أو لا يجب. قال أصبغ: ولو رأيت أن ميراث الميت الأول يجب للصبي ولورثته دخلت عصبة الأب الميت مع الأب الباقي في ميراث مال الصبي فورثوه جميعا، ولكن هذا ليس بشيء، والذي لا شك فيه أن ميراث الصبي إذا مات بعد موت أحدهما للأب الباقي وحده لا يشرك فيه أحد إلا الأم وحدها. قيل لأصبغ: فإن كانا هذين الرجلين اللذين اشتركا فيه أحدهما كافر والآخر مسلم ما الأمر فيهما عندك؟ فقال لي: إن ألحقته

القافة بالمسلم لحق به وكأن الأمة أم ولد له وغرم نصف قيمة الأمة إلى الكافر، وإن ألحقته القافة بالكافر لحق به وكان ولده، وعلى دينه، يوارثه وينتسب إليه، وكانت الأمة أم ولد له، وغرم نصف قيمتها إلى المسلم، وإن كانت كافرة أقرت عنده أم ولد له، وإن كانت مسلمة عتقت عليه. قال أصبغ: فإن قالت القافة: إنهما اشتركا فيه فإن الأمة أم ولد معتقة الساعة منهما جميعا، والولد موقوف حتى يبلغ فيوالي أيهما شاء، فإن والى المسلم فهو ولده وعلى دينه، وإن والى الكافر فهو ولده ولا يكون على دينه ولا يترك إلا على دين الإسلام للشبهة والشرك الذي دخل فيه، وكذلك قال أصحابنا، وهو رأيي. قلت: فإن مات الكافر منهما قبل بلوغ الصبي أيوقف له ميراثه منه حتى يبلغ؟ قال: نعم، فإذا بلغ فإن والاه أخذ ميراثه منه الذي وقف له، وأما دينه فلا يكون إلا [على] الإسلام. قلت: وكذلك إن ماتا جميعا، وقف له أيضا ميراثه منهما؟ فقال لي: نعم، فأيهما والى وارثه. قلت: وكيف يرث الكافر وليس هو [كما] زعمت على دينه؟ فقال لي: يرثه بالرحم والنسب وبأنه ولده، ثم نجبره الساعة على الإسلام للذي أخبرتك من شبهة الشرك، وهو استحسان وليس بقياس. قلت: فإن مات الصبي بعدهما وقد ماتا جميعا قبله، من

يرثه؟ قال: يرد ما وقف من مالهما إلى ورثتهما يوم ماتا إن مات قبل أن يوالي أحدهما، ثم إن كان ترك مالا وهب له أو ورثه من أمه أو فرض له ورث نصفه بعد خروج فريضة إن كان يرثه ذو فريضة عصبة أبيه [المسلم] ، على قُعْدُدِهم به، ويبقى النصف الآخر، فإن كان لأبيه الكافر عصبة مسلمون يرثونه ورثوا ذلك النصف وإلا ورثه المسلمون كهيئة المسلم يموت، من أبوه كافر، فيرثه عصبته لأبيه المسلم، وإلا ورثه المسلمون. قيل لأصبغ: فلو أنهم ثلاثة وطئوها في طهر واحد: مسلم وعبد ونصراني، فحملت، والأمة مسلمة؟ قال: إن قالت القافة إنهم اشتركوا فيه، فإنها تعتق على المسلم والنصراني ولا تعتق على العبد، ويكون للعبد قيمة نصيبه عليهما جميعا. وإنما ألزمنا النصراني العتق؛ لأنه حكم وقع بين مسلم ونصراني، ولو كانت الأمة نصرانية عتق جميعها على الحر المسلم، وقوم عليه نصيب العبد والنصراني. قال محمد بن رشد: الحكم في الأمة بين الشريكين إذا وطئها أحدهما بإذن شريكه أن يقوم عليه شاء أو أبى، ولا خيار في ذلك لواحد منهما؛ لأن ذلك كالتحليل الذي يلزم القيمة فيه بالوطء على كل حال، وأما إذا وطئها متسورا عليها دون إذنه ولم تحمل فهو مخير، إن شاء قومها عليه وإن شاء تمسك بنصيبه، هذا قوله في المدونة، وهو المشهور في المذهب، وإذا تمسك بنصيبه ولم يقومها عليه منع من الغيبة عليها؛ لئلا يعود إلى وطئها، ويعاقب على ما فعل من ذلك، وإن كان جاهلا لم يعذر بجهله، إلا أن عقوبته أخف من عقوبة العالم، قاله ابن حبيب. وقد قيل: إنها تقوم عليه على كل

حال لأنه لما وطئها بشبهة درئ عنه الحد [بها] قُوِّمَتْ عليه؛ لأنها إن لم تُقَوَّم عليه أشبه ذلك عارية الفروج، وهو ظاهر ما في كتاب الشركة من المدونة، وأما إن حملت فإنها تُقَوَّم عليه على كل حال، قال في المدونة: يوم حملت لا يوم وطئها إن كان وطئها مرة بعد مرة؛ لأنه إن كان إنما وطئها مرة فيوم الوطء هو يوم الحمل، فتكون له أم ولد، ولا يكون عليه قيمة الولد؛ لأنه إنما حدث بعد أن صارت الأمة ملكا له بوجوب القيمة عليه فيها، ولا نص خلاف في هذا، إلا أن الخلاف يدخل فيه بالمعنى على قوله: إن القيمة تكون فيها يوم الحمل؛ لأنه إذا أوجب القيمة بالحمل فقد وقع الحمل ووجوب القيمة عليه معا، فإنما وقعا معا، فلا بد أن يغلب أحدهما على الآخر ويحكم له بحكم التقدم، فإذا غلبنا القيمة وحكمنا لها بحكم التقدم لم يكن عليه في الولد شيء، وهو المنصوص، وإذا غلبنا الإيلاد وحكمنا له بحكم التقدم وجب أن يكون عليه نصف قيمة الولد، وعلى هذا المعنى والله أعلم، قال ابن القاسم في المعسر: إنه يباع عليه نصف الأمة فيما لزمه من نصف قيمتها ويتبع بنصف قيمة الولد، والقياس على مذهبه في المدونة أن يكون مخيرا بين أن يقومها عليه يوم الوطء أو يوم الحمل؛ لأنه ما لم تحمل، هو بالخيار ما بين أن يقومها عليه أو يتمسك بحظه منها، فإن قومها عليه يوم الوطء فلا إشكال في أنه لا شيء عليه من قيمة الولد، وإن قومها عليه يوم الحمل احتمل أن [يكون جميعا] يجب عليه نصف قيمة الولد وأن لا يجب على ما ذكرناه من الاحتمال، والأظهر أن لا يكون عليه نصف قيمة الولد؛ لأن القيمة تجب عليه بأول الإيلاج قبل الإيلاد، وإن وطآها جميعا عزلت عنهما لئلا يعودا إلى وطئها ووقفت على يدي امرأة، فإن حاضت بيعت عليهما إلا أن يتقاوماها فتصير لأحدهما، وإن لم تحض واستمرت حاملا فماتت قبل أن تضع كانت

مصيبتها منهما، وإن وضعت لستة أشهر فصاعدا من يوم وطئها الآخر دعي له القافة، فمن ألحقوه به منهما لحق به، وكانت الأمة أم ولد له، وكان عليه نصف قيمتها يوم حملت لشريكه حسبما وصفناه إذا أولدها أحدهما. وقول سحنون في أول هذه النوازل: إذا كانت بين حر وعبد فوطآها في طهر واحد وأتت بولد وادعياه جميعا أنه يدعى له القافة، معناه إذا أتت به لستة أشهر فأكثر من يوم وطئها الآخر. وقوله: إذا قالت القافة إنه للعبد - أن الحر مخير بين أن يُضَمِّنه قيمة نصيبه منها يوم وطئها وبين أن يتمسك به ويكون له نصف الولد رقيقا، صحيح على ما قال من أجل أنه ليس لها بإيلاد العبد حرمة أمهات الأولاد، فيكون الحكم في ذلك حكم الجارية بين الشريكين الحرين إذا وطئها أحدهما فلم تحمل، كما قال في بعض الروايات، وهي مثل الجارية بين الرجلين الحرين يطؤها أحدهما ولا مال له [فتحمل] . والرواية الأولى أصح وأظهر في المعنى، وعلى القول الذي حكيناه من أنه يقوم على الحر على كل حال، وإن لم تحمل تقوم على العبد أيضا حملت أو لم تحمل، وقوله: إن كان معدما تباع كلها في نصف القيمة ولا يباع الولد في ذلك صحيح؛ إذ لا حرمة لها بإيلاده على ما وصفناه؛ ولأن ولد العبد من أمته ليس بملك له، وإنما هو ملك لسيده، وقوله: إن القيمة يكون فيها يوم وطئها ليس يوم أولدها هو خلاف قول ابن القاسم في المدونة أن القيمة تكون في ذلك يوم حملت لا يوم وطئها، وقد تقدم بيان ذلك وما هو وجه القياس فيه على مذهبه في المدونة. وقوله: إنه لا يكون في رقبته من ذلك شيء؛ لأنها ليست جناية خلاف روايته عن ابن القاسم في أول سماعه من كتاب الجنايات أن ذلك جناية في رقبته، يقال لسيده: إما أن

تفتكه بنصف قيمة الجارية، وإما أن تسلمه وماله لصاحب الجارية، وإلى هذا نحا ابن عبد الحكم، فقال: ويقع في قلبي أنها جناية. وقوله "لأنه كان مأذونا له في ذلك"، معناه: لأنه كان مأذونا له في وطء ما ملكت يمينه، فلما وطئ بهذه الشبهة ما له فيه شرك فسقط عنه الحد لزمه القيمة في ذمته، وخرجت من أن تكون جناية في رقبته، هذا معنى قوله، لا أنه يباح له أن يطأ أمة له فيها شرك. وقوله: إذا ألحقته القافة بهما أن الصبي يعتق على الحر ويغرم نصف قيمته إلى سيد العبد ليس بجيد؛ لأنه لم يعتق نصفه فيقوم عليه باقيه، بل كان نصفه حرا بالحكم من أصله؛ لأن ولد الحر من أمته حر من أصله. وإذا كان من ورث نصف أبيه لا يعتق عليه باقيه بالتقويم، وإن كان الولاء له؛ لأنه أعتق عليه، فأحرى أن لا يقوم عليه نصف ابنه في هذه المسألة؛ إذ لم يعتق نصفه ولا له من ولائه شيء. ألا ترى أنه إن قُوِّم عليه نصفه على ما ذهب إليه فمات أبوه وهو حر معتق، ثم مات هو بعده ولا وارث له إلا الذي أعتق أباه - لم يرث منه بالولاء إلا النصف الذي أعتق عليه بالتقويم. وكذلك قول أصبغ: "إنه لا يعتق عليه نصفه يغرم نصف قيمته إلا أن يواليه" - لا معنى له يصح عليه؛ لأنه إن وجب أن يقوم عليه فلا وجه لتأخير ذلك إلى أن يواليه، وإن لم يجب ذلك قبل أن يواليه فلا يوجب ذلك عليه موالاته إياه، وهذا بيِّن. وفي قول سحنون: إنه يُقَوَّم على الحر نصف الأمة التي للعبد، فيكون له رقيقا ويحل له وطؤها حتى يولدها مرة أخرى بعد اشترائه هذا النصف، فيكون جميعها أم ولد له - نَظَرٌ؛ لأنه إذا لم يُقوَّم عليه نصف العبد إلى حرية، فلا ينبغي أن يكون ذلك إلا برضا العبد. وقد وقع في بعض الكتب قال: أرى أن يُقَوَّم عليه نصف الباقي فيكون جميعها أم ولد له، وسقط ما بين ذلك من الكلام، فعلى هذا يكون جميعها أم ولد له إذا قومت عليه، ولا يحتاج في ذلك إلا إيلاد ثان، وهو ضعيف يرده قوله في المسألة التي نظَّرَهَا بها في الشراء؛ إذ لا فرق بين المسألتين. وقد حكى أبو إسحاق التونسي الخلاف أيضا في مسألة الشراء، وإن كان ضعيفا لا يحمله القياس، فعليه يأتي أن يجبر العبد على

أن يقوم نصيبه من الأمة على الحر على ظاهر قول سحنون في الرواية وقد وصفناه. وقول أصبغ: إذا قالت القافة: اشتركا فيه إن نصيب الحر من الأمة يكون عتيقا معجلا، ويبقى نصيب العبد منها بحال أم ولد العبد وتكون موقوفة لا يطؤها خلاف قول سحنون المتقدم، وخلاف قوله هو أيضا بعد هذا في الجارية تكون بين الحر والعبد والنصراني، فيطئوها في طهر واحد فتحمل إنها إن كانت مسلمة قوم نصيب العبد على النصراني والمسلم، وأعتقت عليهما، وإن كانت نصرانية قوم نصيب العبد والنصراني على المسلم وأعتقت عليه. وقول أصبغ في هذه المسألة، وإن كان مخالفا لقوله الأول فليس بموافق لقول سحنون، بل هو مخالف له إذ قال: إنها تعتق على المسلم إذا قوم عليه نصيب العبد والنصراني، ولم يقل إنها تبقى بيده ثلثها أم ولد له، وثلثاها رقيق حتى يولدها مرة أخرى فيكون جميعها أم ولد له، ولا قال أيضا: إن جميعها يكون [له] أم ولد إذا قُوِّم عليه نصيب العبد والنصراني، ولا يحتاج إلى أن يولدها مرة أخرى على ما ذكرنا أنه وقع في بعض الروايات، وعلى ما حكاه أبو إسحاق التونسي. وعتق الأمة على المسلم إذا كانت نصرانية فقوم عليه نصيب العبد والنصراني بعيد لا حظ له في النظر، وأما إذا كانت مسلمة فقوم على المسلم والنصراني نصيب العبد، وإنما أعتق على المسلم حظه منها من أجل أنه لا يستطيع وطئها بسبب حظ النصراني فيها الذي سبيله أن يعتق، ولا يدخل فيه اختلاف قول مالك في أم ولد النصراني تسلم هل تعتق، أو توقف لما دخلها من حرية نصيب المسلم، فيتحصل في حظ العبد من الأمة إذا كانت بينه وبين الحر، فوطأها جميعا في طهر واحد، فحملت أربعة أقوال: أحدها؛ أنه يكون مخيرا بين أن يُقوَّم حظه على شريكه الحر أو يتماسك به، فإن قومت عليه كانت له أم ولد في قول، ولا تكون له أم ولد حتى يولدها ثانية في قول [مالك] . والثاني: أنها تقوم عليه شاء أو أبى، وتكون له أم ولد أيضا، ولا يكون

حتى يولدها ثانية. والثالث: أنه يعتق عليه نصيبه، ولا يقوم عليه نصيب العبد، وتبقى بيده بحال أم ولد العبد. والرابع: أنه لا يعتق عليه نصيبه، ولا يقوم عليه نصيب العبد، وتبقى بيده بحال أم ولد العبد، فإن اشتراها يوما ما حل له الوطء، فهذه ستة أقوال؛ لأن القول الأول والثاني يتفرع كل واحد منهما إلى قولين، وفي كلها نظر لا يسلم من الاعتراض منها إلا القول الواحد، وهو أن يكون مخيرا بين أن يقوم حظه أو يتماسك به، فإن قومه عليه لم يكن جميعها أم ولد له حتى يولدها مرة أخرى. وقول سحنون: إن أحد الحرين إذا مات، والصبي لم يبلغ حد الموالاة يوقف له قدر ميراثه من مال الميت حتى يبلغ، فإذا بلغ فإن والى الميت كان الميراث له، وإن والى الحي لم يكن له من ميراث الميت شيء صحيح على القول بالموالاة، وقد اختلف في حدها، فقيل: بلوغ الإثغار والميز، وهو قول أصبغ في كتاب مجالسه، وظاهر قول ابن حبيب في الواضحة [أنه البلوغ] وأما قوله: إنه إذا مات الصبي بعد ما مات أحد أبويه الذي كان وقف له ميراثه منه أنه يورث من أبيه الميت ما كان وقف له من ميراثه منه، ثم يرث ذلك عنه مع ما كان له من غير ذلك أبوه الحي وورثة أبيه الميت فهو قول فيه نظر، والصواب: أن يأخذ نصف ما وقف له من الميت فيضاف ذلك إلى مال إن كان له من غير ذلك، فيكون ذلك بين الأب الحي، وأحق الناس بميراثه من قبل الأب الميت؛ لأنه ما لم يوال أحدهما فهو محمول على أنه ابن لهما جميعا، وهذا قول ابن القاسم، وكذلك لو ماتا جميعا قبله، ثم مات بعدهما قبل أن يوالي واحدا منهما لورث من كل واحد منهما نصف ميراثه؛ لأنه ابن لهما جميعا، فيأخذ من مال هذا نصف ميراثه ومن مال هذا نصف ميراثه، فيضاف ذلك إلى مال إن كان له من غير ذلك بهبة، أو عطية أو ما أشبه ذلك، فيكون جميع ذلك بين أحق الناس بميراثه من قبل

أبويه جميعا نصفين؛ لأنه إنما هو رجل مات، وله أبوان توفيا قبله، فيورث من أبويه جميعا نصف ميراثه من كل واحد منهما، ثم يورث أقرب الناس إليه من كل واحد من أبويه نصف ما ترك، وقول أصبغ وأبي زيد بن أبي الغمر: إنه يرد ما كان وقف له من ميراث الميت إلى ورثته، وترثه هو أمه والأب الباقي وحده بعيد، ويرده قوله بعد ذلك في المسلم والنصراني: إنهما إن ماتا قبله، ثم مات هو بعدهما يودي ما كان وقف له من ميراث كل واحد منهما إلى ورثته، ويرث نصف ما كان له من غير ذلك بعد خروج فريضة من له فرض مسمى إن كان يرثه ذو فريضة، يريد مثل الأم والإخوة للأم، والجدة عصبة أبيه المسلم على قعددهم، والنصف الآخر للمسلمين من عصبة أبيه الكافر، إن كان له عصبة مسلمون، فإن وقف له ميراثه من الميت منهما، فبلغ حد الموالاة، فأبى أن يوالي واحدا منهما، فذلك له، قاله سحنون، ويكون له نصف ما وقف له، وإن مات الصبي قبل أن تنظر إليه القافة، وله مال وهب له فهو بين الواطئين كمال بينهما يتنازعانه، وإن مات أحد الواطئين نظر القافة إلى الولد والباقي، فإن زعموا أنه له لحق به، وكانت الجارية أم ولده، واختلف إذا قالت القافة: ليس هو لهذا فقيل: إنه يلحق بالميت، وقيل: لا يلحق بواحد منهما. وكذلك اختلف أيضا إن مات الواطئان، وبقي الولد، فقيل: إنه يورث من كل واحد منهما نصف ميراث ولد، وقيل: إنه لا يورث من واحد منهما شيئا.

مسألة: أمة بين ثلاثة نفر وطئها كل منهم وهو لا يعلم فولدت منهم

[مسألة: أمة بين ثلاثة نفر وطئها كل منهم وهو لا يعلم فولدت منهم] مسألة وقال سحنون في أمة بين ثلاثة نفر وطئها الأول، فولدت منه وهو لا يعلم] ، ثم وطئها الثاني، فولدت منه وهو لا يعلم، ثم وطئها الثالث وهو لا يعلم، فولدت منه، فإن السيد الأول لما وطئ ضمن القيمة لهذين، وصارت أم ولد له فإنما وطئ هذا أم ولده، فإنهم يتقاصون بالقيمة، ويرجع بعضهم على بعض، فإن كانت قيمة أم الولد أكثر من قيمة الأولاد رجعوا عليه بما بقي، وإن كان قيمة الأولاد أكثر من قيمة أم الولد رجع عليهم بما بقي، وهذا إذا كان موسرا. وأما إن كان معدما عتق عليه ثلثه في الأمة، ويصير عليه قيمة ثلثي ولده لهذين، فإذا وطئ الثاني أيضا عتق عليه ثلثه في الأمة، وإنما وطئ ثلثا حرا وثلثين رقيقا، فيصير ثلث قيمة ولده للثالث، وإذا وطئ الثالث أيضا، عتق نصيبه في الأمة، فلا يكون لواحد منهما على الثالث في ذلك شيء. قال محمد بن رشد: أما إذا كان الأول موسرا، فالحكم على ما قال لا أعرف فيه نص خلاف، إلا أن الخلاف يدخل فيه بالمعنى، فيقال: إنه يكون على الأول قيمة ثلثي ولده لشريكيه مع قيمة ثلثي الأمة لهما إذا قررنا أن الحمل سبق وجوب القيمة حسبما مضى القول فيه في أول النوازل، وقد يقال أيضا: إنها تعتق عليهم كلهم، ولا تُقَوَّم على الأول إذ قد فات ذلك فيها كالعبد بين الشريكين يعتق أحدهما جميعه، وهو موسر ثم يعتق الآخر، فقيل: إنه يعتق على الأول، ولا عتق للثاني فيه، وقيل: إنه ينفذ عتق الثاني ولا يقوم على

جارية لثلاثة إخوة تسور عليها أحدهم فوطئها فأولدها ولم يقر بولدها

الأول، ويقال أيضا: إنه يكون على الثاني للأول قيمة ثلث ولده على أنه ولد أم ولد، وللثالث قيمة ثلث ولده على أنه ولد أمة؛ إذ لم يكن وطؤه وإيلاده إلا قبل الحكم على الأول بالتقويم، فإنما وطئ أمة له ثلثها، وثلثها أم ولد للأول، وثلثها رق للثالث، ويكون على الثالث على هذا القياس قيمة ثلث ولده للأول على أنه ولد أم ولد، وقيمة ثلث ولده للثاني على أنه ولد أم ولد أيضا؛ إذ لم يكن وطؤه إلا بعد أن صار حظ كل واحد منهما أم ولد به بإيلاده إياها، وأما إذا كان الأول معدما فقوله: إنه يعتق ثلثه في الأمة، ويكون عليه ثلثا قيمة ولده للآخرين صحيح؛ لأنه لما لم تقوم عليه الأمة لعدمه، وبقي ثلثاها ملكا لشريكيه، وجب عليه لهما ثلثا قيمة ولده، وهو قول ابن القاسم، وفي كتاب محمد بن المواز أنه لا شيء عليه لشريكيه إذ قد أفاتا نصيبهما بالإيلاد من الأمة، وقد مضى هذا في رسم "يشتري الدور والمزارع" من سماع يحيى، وقوله: إن الثاني يعتق عليه ثلثه في الأمة ويكون عليه قيمة ثلث ولده للثالث، ولا يكون عليه للأول شيء؛ لأنه وطئ ثلثا حرا فيه نظر، إذ لم يطأ إلا قبل أن يحكم على الأول بعتق نصيبه، وقد قيل: إنه لا يعتق عليه، فكان القياس أن يكون عليه للأول قيمة ثلث ولده على أنه ولد أم ولد، وكذلك كان القياس أن يكون على الثالث قيمة ثلثي ولده للأول، والثاني على أنه ولد أم ولد، ولو وطئها الثاني والثالث، وهما يعلمان أن الأول قد وطئها وأولدها لوجب أن تكون أم ولد له من غير غرم يكون عليه، وبالله التوفيق. [جارية لثلاثة إخوة تسور عليها أحدهم فوطئها فأولدها ولم يقر بولدها] مسألة قيل لسحنون: فلو أن جارية لثلاثة إخوة تسور عليها أحدهم فوطئها فأولدها، ولم يقر بولدها، فأقام بذلك زمانا، ثم تسور عليها أيضا أحد الأخوين فأولدها، ثم أقرا جميعا بالوطء وبالولدين، هل تكون أم ولد للأول، ويعطي إخوته ثلثي قيمتها إذا كان يوم

مسألة: أمة بين رجلين ولدت ولدين مفترقين بطنا بعد بطن

وطئها موسرا؟ وهل يعتق عليهما ويعطى الآخر ثلث القيمة؟ قال: تكون أم ولد للأول، وعليه ثلثا قيمتها يوم وطئها لأخويه، وعلى أخيه الثاني الذي أولدها قيمة ولده على أنه ولد أم ولد لأخيه الأول، وفيها قول غير هذا لأصحابنا، وهذا أعدل إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قوله: إنها تكون أم ولد، ويكون عليه ثلثا قيمتها يوم وطئها لإخوته هو مثل ما تقدم من قوله في المسألة التي قبل هذه، وكذلك قوله: وعلى أخيه الثاني الذي أولدها قيمة ولده على أنه ولد أم ولد لأخيه الأول هو مثل قوله في المسألة التي قبل هذه أيضا، وقد ذكرنا ما يدخل من الاختلاف في ذلك كله بالمعنى، وإليه أشار والله أعلم بقوله: وفيها قول غير هذا لأصحابنا، والله أعلم. [مسألة: أمة بين رجلين ولدت ولدين مفترقين بطنا بعد بطن] مسألة قيل لعبد الملك بن الماجشون: ما تقول في أمة بين رجلين ولدت ولدين مفترقين بطنا بعد بطن، أو في بطن واحد، فقال أحدهما لأحد الولدين: هذا ابني، وقال الآخر للآخر من الولدين: هذا ابني، فقال: انظر إلى الذي استلحق الأكبر من الولدين فألحقه به، وألزمه نصف قيمة الجارية، واجعل الآخر كأنما أصابها، وقد ولدت من شريكه فولدت من الآخر بشبهة، فالولد ولده يلحق به، وعليه قيمته لشريكه الواطئ أولا، ولهذا الآخر على الأول نصف قيمة الجارية، ويترادان الفضل بينهما، وهذا إذا كانا في بطن بعد بطن، فأما إذا كانا في بطن واحد، فاجعلهما كأنهما ولدا واحد ادعاه رجلان سيدا أمة فتنظر إليهما القافة، ولا يلحقانه أبدا إلا برجل واحد.

قلت: فإن ألحقت القافة كل واحد من المتداعيين من ادعى واستلاط؟ قال: هو مثل ما [لو] قالا في واحد: إنه ابنهما جميعا لم يكن أبدا حتى يلحق بواحد دون واحد، فكذلك الابنان في بطن واحد لا يلحقان أبدا إلا بواحد من السيدين. قال محمد بن رشد: قوله: فالولد ولده يلحق به، وعليه قيمته لشريكه، يريد قيمته على الرجاء والخوف، على أنه ولد أم ولد على معنى ما في المدونة، وفي المسائل التي فوق هذا ولو لم يقوم حتى مات المدعي الأول لم يكن على الثاني فيه قيمة؛ لأنه يعتق بعتق أمه، وهي أم ولد الميت تعتق بموته وقوله: إن الولدين في بطن واحد كالولد الواحد لا تلحقه القافة أبدا إلا برجل واحد نص جلي في أن الاشتراك في الولد الواحد لا يصح، ولا يعمل قول القافة فيه، ويقال لهم: ألحقوه بأنضجهما به شبها على ما حكى ابن حبيب عنه، وعن مطرف وابن نافع، فإن لم يكن على هذا القول أحدهما أكثر شبها به من صاحبه لم يحكم عليه بأنه ابن لهما، ولا كان له أن يوالي واحدا منهما، فإن مات ورثاه جميعا بالدعوى كالمدعيين في المال، وهو بأيديهما ولا بينة لواحد منهما، وإن مات أحدهما أو ماتا جميعا، لم يكن له ميراث من واحد منهما إذ لا يدرى هل هو ابنه أم لا، ولا يورث أحد من أحد بشك، وقيل: إنه يأخذ نصف ميراثه من كل واحد منهما؛ لأن المنازعة تحصل فيه بينه وبين الورثة بقوله: هو لي لأني ابنه، وبقول الورثة: هو لنا لأنك لست بابن له، فيقسم بينهما نصفين، والأول أظهر. ووجه هذا القول إنكار عمر بن الخطاب على القافة قولهم: إنهما اشتركا في الولد وضربهم بالدرة على ذلك، وهذا هو مذهب ابن القاسم

مسألة: الرجل يطأ جارية ابنه ثم وطئها الابن بعد ذلك

وروايته عن مالك: أن الاشتراك في الولد الواحد لا يصح، إلا أنه يقول: إن القافة إذا قالت: اشتركا فيه قيل له: وال أيهما شئت اتباعا، لما جاء عن عمر بن الخطاب في ذلك، فإن مات قبل أن يبلغ حد الموالاة أو ماتا هما، أو أحدهما كان الحكم في ذلك على ما تقدم، وقد قيل: إنه يصح أن يكون علوق المرأة بالولد الواحد من الرجال العدة، فعلى هذا القول إذا قالت القافة: اشتركا فيه كان ابنا لهما جميعا، ولم يوال واحدا منهما، وورث كل واحد منهما منه نصف ميراث أب، ويرث [هو من] كل واحد منهما نصف ميراث ابن. وقد جاء عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يدل على هذا، فيلزم على قياس [هذا] القول إذا أتت بولدين في بطن واحد، وقد كانا وطآها في طهر واحد، فألحقت القافة بكل واحد منهما واحدا منهما بعينه لحق به؛ لأنه إذا جاز أن يشترك الرجلان في الولد الواحد كان أجوز أن يشتركا فيما في البطن الواحد فيكون لكل واحد منهما واحد منهما بعينه، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يطأ جارية ابنه ثم وطئها الابن بعد ذلك] مسألة قيل لعبد الملك: ما تقول في الرجل يطأ جارية ابنه، ثم وطئها الابن بعد ذلك، قال: إذا أصابها الابن بعد الأب، فقد سقطت القيمة عن الأب، وتباع فيُعطى الابن ثمنها بالغا ما بلغ، أقل من القيمة كان أو أكثر، قال أصبغ: لا يعجبني، ولكن تقوم على كل واحد منهما يوم وطئها إن اختلفت القيم، وتباع على الواطئ حين تحول، ثم يتحاسبان على ذلك، فمن كان له الفضل أخذه، ومن كان عليه النقصان أداه، وتباع ولا تقر عندهما؛ لأن القيمة

الأولى لزمت الأب بالوطء. قيل لعبد الملك: فلو حملت وقد أصاباها جميعا في طهر واحد؟ قال: تدعى لها القافة، فإن ألحقته بالابن عتقت عليه الجارية، وكان الولد له، قال أصبغ مثله، قال عبد الملك: وإن ألحقته بالأول، وهو الأب فالولد له، والأمة منه بالقيمة إن كان المتعدي فيها، وليست له، وإن كان الذي هي له فالولد له، وله القيمة على ابنه بإتلافها عليه وبطلانها كقتله إياها لو قتلها، وإن ألحقته بالثاني فالولد له، وينظر فإن كان الابن الذي هو مالكها تحاسبا بالقيمتين، وإن كان هو الأب المتعدي غرم قيمتها للابن على كل حال بفساده إياها. قال محمد بن رشد: أما إذا وطئ الأب جارية ابنه، ثم وطئها الابن بعد ذلك فقول ابن الماجشون صحيح إن كان الابن قد وطئ جاريته قبل أن يطأها الأب، وقول أصبغ صحيح إن كان الأب لم يطأها قبل ذلك؛ لأن الأب إذا وطئ جارية ابنه بعد أن وطئها الابن، فمن حق الابن أن يقومها عليه؛ لأنه حرمها عليه، فإن قومها عليه بيعت عليه، إذ لا يؤتمن عليها من أجل أنه وطئها وهي حرمة له بوطء ابنه إياها، وإن أراد الابن أن يتمسك بجاريته للاستخدام والخدمة، ولا يقومها على أبيه فذلك له، فإذا وطئ الأب جارية ابنه، وقد وطئها الابن، ثم وطئها الابن بعد أن وطئها أبوه، وكان وطؤه إياها رضى منه بترك تضمين أبيه، ووجب أن تباع عليه إذ لا يؤتمن عليها من أجل أنه قد وطئها، وهي حرمة له بوطء أبيه إياها كما قال ابن الماجشون، وذلك إذا وطئ الأب جارية ابنه قبل أن يطأها الابن، فقد وجب أن تقوم على الأب شاء أو أبى، ولا خيار في ذلك لواحد منهما، وإن رضيا جميعا بترك تقويمها على الأب لم يجز ذلك؛ لأن الأمر يؤول إلى أنه كأنه حللها له، فإذا قومت عليه كانت أمة له، وحل له وطؤها إذ لم يتقدم للابن فيها وطء، فإذا وطئ الأب جارية ابنه قبل أن يطأها الابن، ثم وطئها الابن بعد أن وطئها أبوه وجب أن تقوم على الأب للابن؛ لأنه أفسدها عليه بوطئه إياها أولا، ووجب أيضا أن تقوم على الابن للأب؛ لأنه أفسدها عليه بوطئه إياها آخرا، إذ لو لم يطأها

لقومت على الأب وحلت له، ولم يكن لواحد منهما في ذلك خيار، ويتحاسبان في ذلك، فمن كان له فضل منهما على صاحبه رجع به عليه، وتباع على الابن الذي قومت عليه آخرا حين يحول أي حين يتبين أنه ليس بها حمل من أجل أنه لا يؤتمن عليها إذ قد وطئها، وهي حرمة له بما تقدم من وطء أبيه إياها كما قال أصبغ، فالمعنى في هذا أن ابن الماجشون تكلم على أن الابن قد كان وطئ جاريته قبل أن يطأها الأب، وتأول عليه أصبغ: أنه إذا تكلم على أن الابن لم يكن وطئ جاريته حتى وطئها الأب، ولذلك قال لا يعجبني قوله، ولكن يقوم على كل واحد منهما، ومما يصحح هذا الذي قلناه: أن ابن الماجشون قد قال في آخر المسألة مثل قول أصبغ إنها تقوم على كل واحد منهما، فيتحاسبان في القيمتين إذا وطئها الأب، ثم وطئها الابن في ذلك الطهر وهي له فاتت بولد وألحقته به القافة؛ لأن المعنى في ذلك أن الابن لم يكن تقدم له فيها وطء قبل الوطء يريد، وتعتق عليه إذ لا يستطيع وطأها أبدا لوطء أبيه إياها، وهو لا يملك منها إلا الوطء؛ لكونها أم ولد له، ولو كان [الابن] يطؤها وهي جاريته، ثم وطئها بعد ذلك في طهر واحد الأب، ثم الابن فأتت بولد وألحقته القافة بالابن لعتقت على الابن، ولم يكن على الأب فيها قيمة؛ لأن وطأه إياها بعد أن وطئها أبوه رضي منه بإسقاط القيمة عنه على ما قال في أول المسألة إذ لم تحمل حيث قال أصبغ: إنه قال: لا يعجبني قوله، وقد بينا أن قوله ليس بخلاف لقوله، وإن كل واحد منهما تكلم على ما لم يتكلم عليه صاحبه، ولو ألحقت القافة الولد بالأب الذي ليست الجارية له لكانت أم ولد له ولزمته فيها القيمة لابنه؛ لإفساده إياها عليه وعجل عليه عتقها، إذ لا سبيل له إلى وطئها سواء كان وطء الأب قبل الابن أو بعده،

مسألة: رجلين وطآ أمة في طهر واحد فحملت في ذلك الطهر فولدت ولدا ومات

كان تقدم للابن فيها وطء أو لم يتقدم، وإنما يفترق ذلك إذا ألحقت القافة الولد بالابن حسبما بيناه. [مسألة: رجلين وطآ أمة في طهر واحد فحملت في ذلك الطهر فولدت ولدا ومات] مسألة وسئل سحنون: عن رجلين وطآ أمة في طهر واحد، فحملت في ذلك الطهر فولدت ولدا، فمات ذلك الولد قبل أن تدعى له القافة، قال: تعتق الجارية منهما. قال محمد بن رشد: قوله: إن الجارية تعتق منهما صحيح؛ لأن الولد إذا مات قبل أن تدعى له القافة فيحمل محمل الاشتراك فيها وفي ولدها بمنزلة إذا قالت القافة إنهما اشتركا فيه، فيرثانه جميعا إن كان له مال وهب له، وتصير الأمة قد صارت في حكم أم ولد لهما جميعا فتعتق عليهما جميعا، إذ لا يحل لواحد منهما وطؤها بالملك أبدا، ولم يكن لهما فيها سوى ذلك، وهذا إذا أتت بالولد لأكثر من ستة أشهر من يوم وطئها الآخر، ولأقل من أقصى ما يلحق به الولد من يوم وطئها الأول، فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من يوم وطئها الآخر فهو للأول، والأمة أم ولد له، وعليه نصف قيمتها لشريكه إن كانت بينهما بنصفين، وإن أتت به لأكثر من أقصى ما يلحق به الولد من يوم وطئها الأول وذلك خمسة أعوام على المشهور من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك فهو للثاني، والأول منه بريء فتكون أم ولد للثاني ويكون عليه نصف قيمتها للأول. [مسألة: رجل توفي وترك جاريته وابنين من غيرها ثم ظهر بالجارية حمل] مسألة قيل لسحنون: فرجل توفي وترك جاريته وابنين من غيرها، ثم ظهر بالجارية حمل بعد موت السيد، فولدت بعد موته بمثل ما يكون لغيره، فادعى أحد الأخوين أنه وطئ الجارية، وأن هذا

مسألة: جارية بين رجلين تسور عليها أحدهما فأولدها

الولد منه، وادعى الآخر أن هذا الولد من أبيه الميت، وقال: هو أخونا. قال سحنون: إن كان سيدها الميت كان يطؤها، فالولد يلحق بالسيد، ولا يقبل قول الأخ الذي قال: هو ولدي، وإن كان السيد لم [يكن] يطؤها، فالولد يلحق بهذا الأخ المدعي له، ولا يقبل قول أخيه الذي قال: هو من أبي، وعلى الواطئ أن يغرم لأخيه نصف قيمتها، وإن شكوا فلم يدروا أن أباهم كان يطأ أو لا يطأ، فالقول في ذلك قول المدعي للولد، وعليه نصف القيمة لأخيه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إنه إذا علم أن سيدها الميت كان يطؤها، فالولد له ولا يقبل دعوى المدعي فيه؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» لأن فراش السيد الميت صحيح، والمدعي يدعي الولد بوطء غير صحيح إلا أن له فيه شبهة يدرأ الحد عنه بها، وهذا إذا أتت بالولد لما يلحق الأنساب من الميت، فإذا أتت به لأكثر من ذلك، فهو للمدعي وعليه نصف القيمة لأخيه، وأما إن كان السيد الميت لا يطأ أو جهل حاله، فيلحق الولد بالمدعي كما قال، إذ لا يجوز أن يلحق بالميت ولو لم يقر به، ولا علم أن أمه كانت فراشا له. [مسألة: جارية بين رجلين تسور عليها أحدهما فأولدها] مسألة وسئل سحنون: عن جارية بين رجلين تسور عليها أحدهما فأولدها، فقال الشريك غير الواطئ: قد كنت أعتقت مصابتي منها قبل أن يطأها، فصدقه الواطئ وقال: قد كان أعتقها قبل ذلك، هل تعتق عليهما جميعا؟ أم تكون أم ولد للواطئ، وعليه نصف قيمتها لشريكه؟ قال سحنون: تعتق عليهما جميعا ولا يكون على الواطئ

شيء، ويلحق به النسب، وعليه الأدب إلا أن يعذر بالجهالة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الشريك لما قال: إنه أعتق حظه قبل وطء شريكه، فقد أقر أنه لا شيء له على الواطئ في وطئه الأمة وإيلادها، وقد كان للواطئ أن لا يصدقه فيما ادعى من عتق حظه قبل ذلك لما يوجبه له الحكم من أن تقوم عليه الجارية، فتكون أم ولد له، فلما صدقه لم يكن له إلى التقويم سبيل، وأعتق عليه حظه في الأمة إذ لا يستطيع أن يطأها، ونصفها أم ولد له، ونصفها حر، ولو لم يصدقه لم يصدق؛ لأنه إنما أراد أن يفسدها عليه وقومت عليه فصارت أم ولد له، إلا أن لا يكون له مال فيصدق الشريك في أنه قد كان أعتق حظه، ويعتق أيضا نصيب الواطئ؛ لأنه إنما كان له فيها الاستمتاع، فقد انقطع ذلك بعتق شريكه حظه، قال هذا ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب العتق، وهو تتميم لقول سحنون هنا، وإذا قوم عليه نصيب شريكه على قوله، فتكون القيمة موقوفة لا يأخذها إلا أن يكذب نفسه. وقول سحنون: ولا يكون على الواطئ شيء يريد لشريكه لا في الولد، ولا في الأمة إذ قد أقر أنها حرة من قبل أن يطأها، ولا للأمة في وطئه إياها إن كانت طاوعته في ذلك، وإن كان استكرهها كان عليه نصف ما نقص ذلك من ثمنها إن نقص، قال ذلك في كتاب القذف من المدونة وغيره، واختلف قول ابن القاسم في عكس هذه المسألة، وهي الأمة تكون بين الرجلين، ولها ولد هو بينهما فيعتق أحدهما نصيبه من الأمة، ويستلحق الأخر الولد، فقال ابن القاسم في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب العتق: يلحق به الولد، ويكون عليه نصف قيمته لصاحبه، ويعتق نصيبه في الأمة إذ لا سبيل له إلى وطئها وبعضها حر، وقال في كتاب ابن حبيب: لا قيمة عليه في الولد ولا في الأمة؛ لأن إقراره بأن الولد له لو علم منه قبل العتق لم يكن عليه في الولد قيمة، وإنما كانت تكون عليه نصف قيمة الأمة، فلما لم يعلم ذلك منه إلا بعد العتق سقطت عنه القيمة في الأمة وبالله التوفيق.

مسألة: الرجل يموت ويقول جاريتي حامل وتقول الجارية ما أنا بحامل

[مسألة: الرجل يموت ويقول جاريتي حامل وتقول الجارية ما أنا بحامل] مسألة وسئل سحنون: عن الرجل يموت ويقول: جاريتي حامل، وتقول الجارية: ما أنا بحامل، هل يقبل قولها؟ قال: تستبرأ إن كانت حاملا، قيل له: فإن جاءت بولد بعدما استبرئت؟ فقال: إن جاءت بولد بعد موت سيدها لخمس سنين فهو للسيد؛ لأنه أقر أن ماءه فيها ما لم تتزوج، فإن تزوجت، فأتت بولد لستة أشهر فأكثر فهو للزوج، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر بعدما تزوجت فهو للسيد. قال محمد بن رشد: قوله تستبرأ يريد بحيضة؛ لأنها من الإماء، فإن حاضت لم تمنع من النكاح، وكذلك إن لم تحض فبقيت ثلاثة أشهر، ولم تظهر بها ريبة ولا حمل، أو تسعة أشهر على اختلاف قول مالك في ذلك لا المدونة وغيرها، وقد مضى القول فيه في رسم استأذن من سماع عيسى، ورسم الدور والمزارع من سماع يحيى، فإن لم تتزوج، وأتت بولد لحق بالسيد إلى ما تلحق به الأنساب، وإن أقرت أنه ليس منه، وإن كان ذلك بعد الاستبراء إذ قد ترى المرأة الدم على الحمل، وقد يضعف الولد في البطن، فلا تتبين المدة الطويلة، وهذا ما لا اختلاف فيه، إذ قد أقر السيد أنها حامل منه، ولو لم يقر السيد بذلك، ولا ادعاه إلا أنه علم أنه كان يطؤها فأقرت أنها حاضت، واستبرأت نفسها، وأنه لا حمل بها ثم أتت بعد ذلك بولد لما يلحق به الأنساب، فادعت أنه من سيدها لجرى ذلك على الاختلاف في التي تطلق أو يتوفى عنها زوجها، فتقر بانقضاء عدتها على وجهها، وأنه لا حمل بها مدة ثم

مسألة: اشترى جارية فأولدها ثم استحقها رجل فدفعها إليه الذي أولدها

يظهر بها حمل، فتريد أن تلحقه بزوجها فيما دون الخمسة الأعوام، فقيل ذلك لها، وهو الذي في كتاب طلاق السنة من المدونة، وقيل: ليس ذلك لها، وتحد ولا يلحق الولد بالزوج إذا جاء من ذلك الأمر البين، مثل أن تعتد في الوفاة أربعة أشهر وعشرا، وتحيض حيضة، وتقيم اثني عشر شهرا ونحوها لا حمل بها، ثم تأتي بحمل، وتزعم أنه من زوجها، وهو قول ابن دينار وعيسى عن ابن القاسم في المدنية. [مسألة: اشترى جارية فأولدها ثم استحقها رجل فدفعها إليه الذي أولدها] مسألة وسئل سحنون: عن رجل اشترى جارية، فأولدها ثم استحقها رجل، فدفعها إليه الذي أولدها، ثم اشتراها منه بعد ذلك، هل تكون الجارية عنده أم ولد، أم لا حتى يولدها بعد الاستبراء؟ فقال: إن كان دفعها إليه بقضاء قاض، ثم استبرأها فإنها لا تكون له أم ولد حتى يولدها فيما يستقبل، وإن كان دفعها إليه صلحا منه على غير قضاء قاض، ثم اشتراها فإنها تكون عنده أم ولد بملكه الأول حين أولدها [فيه] . قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنها قد وجبت لها حرمة الإيلاد، فوجب أن لا ينقض إلا بحكم حاكم؛ لأنه يتهم على إبطال ما وجب لها من الحرمة بأن يصدق المستحق لها فيما ادعاه من الباطل، ويعمل معه على أن يشتريها منه لينقض بذلك حرمتها، وذلك ما لا يجوز له، وبالله التوفيق. [مسألة: الجارية تواضع للاستبراء فيذهب الثمن في أيام الاستبراء] مسألة وسئل عن الجارية تواضع للاستبراء فيذهب الثمن في أيام

مسألة: ابتعت جارية بيع المسلمين وعهدتهم ثم بعتها بالبراءة فهل ترد علي هذا البيع

الاستبراء، وتخرج هي وبها عيب أو تموت، فقال: أشهب وابن القاسم يقولان: إن أحب أخذها، أخذها بالثمن التالف ولم يكن عليه غيره، وزعم غيرهما: أن ذلك ليس له إلا أن يغرم الثمن، وقد قيل أيضا: إن البيع يفسخ، وذكر مالك أن الثمن من المبتاع. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم [مستوفى] فلا معنى لإعادته مرة أخرى [هنا] . [مسألة: ابتعت جارية بيع المسلمين وعهدتهم ثم بعتها بالبراءة فهل ترد علي هذا البيع] مسألة قال سحنون: بلغني أن مالكا سئل فقيل له: إني ابتعت جارية بيع المسلمين وعهدتهم، ثم بعتها بالبراءة، فهل ترد علي هذا البيع؟ فقال: لا ترد عليه، ولكنني أكرهه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع أشهب في أوله وأخره من كتاب العيوب، فهو موضعها لمن أحب الوقوف عليها. [مسألة: الرجل يشتري الجارية فيتواضعها للاستبراء] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يشتري الجارية فيتواضعها للاستبراء، فقال البائع: هلم الثمن، فواضعه على يدي رجل، فقال مالك: ليس ذلك عليه، وإنما يدفع الثمن إذا وجبت له الجارية. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في أول رسم من

مسألة: يشتري الجارية ويقول لبائعها أحبسها عندك حتى أعطيك الثمن

سماع ابن القاسم، ومضى هناك من القول عليها ما فيه كفاية لمن أحب الوقوف عليها. [مسألة: يشتري الجارية ويقول لبائعها أحبسها عندك حتى أعطيك الثمن] مسألة قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الرجل يشتري الجارية من الرجل، فيقول لبائعها: أحبسها عندك حتى أعطيك الثمن أو كان البائع نفسه هو الذي أبى أن يدفعها إلى المبتاع حتى يقبض الثمن، ثم وطئها البائع فحملت منه، [فقال ابن القاسم: إذا كان البائع هو الذي احتبسها حتى يقبض الثمن ثم وطئها البائع فحملت منه] فلا حد عليه للشبهة التي فيها، ويأخذ المشتري جاريته، ويكون على البائع قيمة الولد، وإن كان البائع هو الذي أمكنه منها فاقرها مشتريها عنده فوطئها البائع بعد استبراء رحمها، فأرى أن يحد على كل حال، وهو رأيي، وإن كان لم يستبر رحمها، وقد كان يطؤها رأيت أن يدرأ عنه الحد؛ لأني لا أدري لعل هذا الحمل قد كان قبل ذلك الوطء، ورأيتها أم ولد له، ويعاقب عقوبة موجعة، ورواها أصبغ عن ابن القاسم، قال سحنون: وإن كانت من وخش الرقيق ومنعه البائع قبضها حتى يأتيه بالثمن، فوطئها البائع فأولدها كانت له أم ولد؛ لأن مصيبها كانت منه، وعتقه فيها جائز إذا احتبسها للثمن، وكذلك يقول جميع أصحابنا إن المصيبة منه إلا

بيع أم ولد العبد الحامل

ابن القاسم وحده كان يقول: هي من المشتري، وإن كان تركها عنده المبتاع على وجه الوديعة، ولم يمنع من قبضها فإن الحد عليه، ولا يلحق به الولد؛ لأن مصيبتها من المبتاع. قال محمد بن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة أن الأمة المبيعة إن بقيت بيد البائع، فوطئها بعد البيع قبل الاستبراء وقد كان المبتاع ائتمنه على استبرائها، وهي ممن تجب مواضعتها لرفعتها، ولأن البائع كان يطؤها، فإنها تكون أم ولد له ويبطل البيع، وإن كان وطؤه إياها بعد أن استبرأها بائتمان المبتاع له على استبرائها، أو كانت من وخش الرقيق التي لا مواضعة فيها، وقد انتقد فإنه يحد، ولا يلحق به الولد، وتكون الأمة وولدها للمبتاع، واختلف إن كان لم ينتقد، فوطئها وهي عنده محبوسة بالثمن، فقال ابن القاسم: يدرأ عنه الحد بالشبهة، ويأخذ المشتري جاريته، ويكون على البائع قيمة الولد، وقال سحنون: تكون أم ولد له ويبطل البيع، وقد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب العيوب تحصيل الاختلاف فيما تدخل به السلعة المبيعة في ضمان المبتاع كانت محبوسة بالثمن أو لم تكن، فلا معنى لإعادته [هنا] . [بيع أم ولد العبد الحامل] من سماع أصبغ بن الفرج قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في أم ولد العبد تكون حاملا: إنها لا تباع لغرمائه حتى تضع ما في بطنها؛ لأن ما في بطنها مال من مال سيده، ولا يجوز بيعها، ولا استثناؤها وإن

العبد، وإن لم يكن عليه دين إذا أذن له سيده في بيعها باعها، وإن كانت حاملا، وقال أصبغ: وقال: وإن علم السيد بالحمل أو لم يعلم إذا أذن له بالبيع منهما فهو إذن، وهو جائز، وهو البيع. قال محمد بن رشد: قوله: إن أم ولد العبد إذا كانت لا تباع لغرمائه حتى تضع ما في بطنها يريد إلا بإذن السيد، وكذلك لا يبيعها هو في دينه إذا كانت حاملا إلا بإذن سيده الذي الحمل له؛ لأن ولده من أمته، ومن أم ولده ملك لسيده بمنزلة من لا ملك له، وإذا لم تكن حاملا جاز له أن يبيعها في دينه بغير إذن سيده، قاله في المدونة، فإن فعل، ثم ظهر أنها كانت حاملا كان للسيد أن يفسخ البيع، قاله بعض شيوخ صقلية، وقال بعضهم ليس ذلك له؛ لأن البيع وقع بأمر جائز، فلا يرد، والبيع الأول هو الصحيح؛ لأن الحمل الذي ظهر بها ملك للسيد، فلا يمضي بيعه في دين العبد إلا برضاه، فعلى هذا لا بد في بيعها من المواضعة رفيعة كانت أو وضيعة؛ لأنه متى ظهر بها حمل كان للسيد فسخ البيع، وعلى القول الثاني لا مواضعة فيها إلا أن تكون رفيعة؛ لأنه إذا لم يكن للسيد فسخ البيع إن ظهر بها حمل صار حكمها حكم من باع أمة لم يطأها؛ لأن الحمل فيها عيب بها يكون المبتاع بالخيار بين أن يأخذ أو يرد، وليس له أن يبيعها في غير الدين إلا بإذن سيده، قاله في المدونة أيضا، قيل مراعاة لقول من يقول: إنها تكون أم ولد له إذا أعتق على أصل قول مالك في أن العبد إذا ملك ابنه لم يكن له أن يبيعه إلا بإذن سيده من أجل أنه يعتق عليه إن عتق، وقيل: مخافة أن تكون حاملا، والأول أظهر، وهو الصحيح؛ لأنه لا يبيعها حتى يستبريها، فإن باعها قبل أن يستبريها فلا بد فيها من المواضعة، فإن ألفيت حاملا كان للسيد فسخ البيع، ألا ترى أنه يجوز له أن يبيع أمته، وإن كان يطؤها دون إذن السيد، إذ لا بد فيها من المواضعة من أجل حق السيد في ولدها إن لم يسبرها قبل البيع، وإن أذن له

مسألة: يطأ الجارية ثم يبيعها فيطؤها المشتري في ذلك الطهر قبل أن يستبرئها

السيد في أن يبيع أم ولده، أو أمة له كان يطؤها جاز ذلك عليه ولزمه، وإن ظهر بها حمل لم يكن علم به على ما قاله أصبغ في هذه الرواية، والوجه في ذلك أنها محمولة على أنها حامل؛ لأن جل النساء على الحمل كما قال مالك، فإذا أذن له في بيعها، فقد ترك حقه في الولد للمشتري إن ظهر بها حمل، فإن ردها المشتري بعيب حملها، فعلى القول بأن الرد بالعيب نقض بيع يكون الولد للسيد على ما كان، وعلى القول بأنه ابتداء بيع يكون الولد للعبد، وتباع عليه في الدين، وإن لم يكن عليه دين لم يكن له أن يبيعه إلا بإذن سيده على ما قال في المدونة في العبد يشتري ولده، فإن باع أم ولده بغير إذن سيده مضى البيع، ولم يرد، روى ذلك أصبغ عن ابن القاسم، وهو صحيح؛ لأن مراعاة الخلاف إنما يكون في الابتداء دون الانتهاء، ولو باع ولده في غير الدين بغير إذن سيده لوجب أن يرد البيع إذ لا اختلاف في أنه يعتق عليه إذا أعتق. [مسألة: يطأ الجارية ثم يبيعها فيطؤها المشتري في ذلك الطهر قبل أن يستبرئها] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يطأ الجارية، ثم يبيعها فيطؤها المشتري في ذلك الطهر قبل أن يستبرئها، فيظهر بها حمل فتموت قبل أن تضع ممن هي؟ قال ابن القاسم: إذا ظهر بها حمل، ثم ماتت قبل أن تضع فمصيبتها من البائع، وسواء طاولها في ذلك حملها، أو لم يطاولها إذا ماتت قبل أن تضع، ويرجع المبتاع في ماله، فيأخذه ويعاقبه في فعله إلا أن يعذر بالجهالة. قلت: فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم وطئها المشتري؟ قال فمصيبتها أيضا من البائع كان سقطا، أو تماما أو حيا أو ميتا، والولد ولده، وهي أم ولد له، فإن وضعته لستة أشهر من يوم وطئها المبتاع أو مقدار نقصانها بالأهلة فصاعدا تقارب الوطآن في ذلك أو لم يتقاربا أو وطئ هذا اليوم وهذا غدا، فهي من

المبتاع، وهي أم ولده، والولد منه إذا وضعته سقطا كان أو تماما إذا كان ميتا، ولا أرى القافة في الأموات ولا أراهم يعرفون ذلك ولا أراهم، وإن وضعته حيا لستة أشهر من يوم وطئ الآخر فصاعدا دعي له القافة، فمن ألحقوه به منهما الحق به، وكان ولده ينسب إليه، وكانت أمه أم ولد منه وعوقبا إلا أن يعذرا بالجهالة. قلت: فإن قالت القافة: اشتركا فيه ما يكون حالها؟ قال ابن القاسم: إذا قالت القافة: اشتركا فيه عتقت عليهما جميعا ساعتئذ مكانها؛ لأنهما قد اشتركا فيها جميعا وفي ولدها، فصارت أم ولدهما جميعا، فلا يحل وطؤها لواحد منهما بملك أبدا، وإنما كان فيها الاستمتاع فقد انقطعت المتعة فيها عنهما، فلا توقف عليهما وهي حرة ساعتئذ، وأما الولد فيترك حتى يبلغ فيوالي من شاء. قلت: فإن مات الصبي قبل أن يبلغ، فيوالي من شاء من يرثه؟ قال: يرثانه جميعا؛ لأنهما جميعا أبواه أبدا لشركتهما فيه حتى يبلغ فتتبع فيه قضية عمر بن الخطاب وسنته، فيوالي من شاء فينسب إليه ويوارثه دون الآخر. قلت: فإن مات الأبوان جميعا قبل أن يبلغ؟ قال: يوقف له ميراثه منهما جميعا حتى يبلغ فيوالي من شاء منهما، فيرثه وينتسب إليه دون الآخر، ويرد ما وقف له من ميراث الآخر إلى ورثته. قلت: فإن مات أحدهما قال كذلك [أيضا] يوقف له ميراثه منه حتى يبلغ، فإن والى الميت أخذ ميراثه منه، وإن والى الحي رد ميراث الميت إلى ورثته.

قلت: فإن مات الصبي بعد موت أحدهما، وقد وقف له ميراثه منه، والأب الآخر حي؟ قال: فميراث الصبي للأب الباقي، وليس للأب الميت، ولا لورثته منه شيء، ويرد ما كان وقف للصبي من ميراث الأب الميت إلى ورثة الميت، ولا يجب للصبي بموته حتى يرثه الأب الباقي، فيكون هذا الحي قد ورث الميت الأول، فهذا لا يكون، ولو رأيت أن ميراث الأول يجب للصبي إذا مات لأدخلت ورثة الميت الأول مع الأب الباقي في ميراث الصبي، فورثوه جميعا، فهذا ليس بشيء، هذا والذي لا شك فيه أن ميراث الصبي إذا مات بعد موت أحدهما للباقي وحده لا شرك معه فيه لأحد إلا الأم وحدها. قلت: أرأيت إن مات الأبوان جميعا، ثم مات الصبي؟ قال ابن القاسم: إذا ماتا جميعا، فوقف له ميراثه منهما جميعا حتى يبلغ الصبي، فإن مات قبل أن يبلغ رد ميراثهما إلى من ورثهما دونه، ولم يجب للصبي منه شيء بموته بمنزلة موته بعد موت أحدهما، وكان ميراث الصبي لمن يرثه من قبل الأبوين جميعا؛ لأقعد الناس به من ورثتهما جميعا لكل قوم نصف الميراث في رأي يقتسمونه على الفرائض على قعددهم بالصبي على سهام الميراث بينهم. قيل لعيسى بن دينار: فمن ينفق على هذا الصبي ويكسوه حتى يبلغ حد الموالاة؟ فقال الأبوان جميعا، قيل له: فإذا بلغ فوالى أحدهما هل يغرم لصاحبه الذي لم يواله ما أنفق عليه؟ قال: لا. قال أصبغ: النفقة على المشتري حتى يبلغ، فإن والاه فبسبيل ذلك، وإن والى البائع رجع عليه بالنفقة. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في أول هذه المسألة إن الرجل إذا وطئ الجارية، ثم باعها فوطئها المشتري في ذلك الطهر قبل الاستبراء فظهر

بها حمل، فماتت قبل أن تضع إن مصيبتها من البائع طاولها حملها أو لم يطاولها، ويرجع المبتاع في ماله فيأخذه معناه ما بينه وبين ما يلحق به الأنساب؛ لأن الحمل إن تطاول بها أكثر من خمسة أعوام، ثم ماتت فمصيبتها من المبتاع إذ قد علم أن الحمل ليس من البائع؛ وكذلك إن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم وطئها المشتري حيا أو ميتا تاما أو ناقصا، فمصيبتها من البائع أيضا، والولد ولده، وهي أم ولده؛ لأنه إن كانت وضعته تاما حيا أو ميتا، فالمشتري بريء منه، إذ لا يكون الحمل أقل من ستة أشهر، وإن كانت وضعته ناقصا، وأمكن أن يكون من المشتري فهو محمول على أنه من البائع؛ لأنه باعها ورحمها مشغول بمائه فالولد له، وهي باقية على ضمانه حتى يعلم خلاف ذلك، وأما إن وضعته لستة أشهر أو مقدار ما ينقص بالأهلة من يوم وطئها المبتاع إن افترق وطؤها تقارب الوطآن أو لم يتقاربا أو من يوم وطآها إن كان وطؤهما إياها في يوم واحد، وهو ميت أو سقط، فقال في الرواية: إنها من المبتاع، والولد منه، وهي أم ولد له، وقال يحيى بن سعيد في المدونة: إنها تعتق عليهما جميعا، والأظهر أن يحمل الولد على أنه من البائع، وتكون الأمة أم ولد له؛ لأنه باعها وماؤه فيها، فالضمان منه لا ينتقل عنه إلا بيقين، وليس وضعها إياه لستة أشهر مما يحقق أنه من المشتري، وأما إن وضعته حيا لستة أشهر أو مقدار نقصها بالأهلة، فتدعى له القافة، وقد قيل: إنه لا تدعى [له] القافة إلا أن تضعه لستة أشهر كاملة فأكثر، فإن نقص من ذلك يسيرا، أو أكثر فهو من البائع، والأشبه أن لا يعتبر نقصان اليوم واليومين في ستة أشهر، ألا ترى لو تزوج رجل امرأة، فأتت بولد بعد دخوله بها بستة أشهر إلا يوما أو يومين لم يصح أن تحد.

وتحصيل القول في هذه المسألة: أن المشتري إذ وطئ الأمة التي اشتراها قبل الاستبراء فحملت وماتت قبل أن تضع فمصيبتها منه إلا أن يكون البائع يطؤها إلى أن باعها، فتكون مصيبتها منه وينقض البيع، فإن لم تمت ووضعته لأقل من ستة أشهر، والبائع يطأ فالولد ولده والأمة أم ولده، سقطا كان الولد أو تماما، حيا كان أو ميتا، وإن لم يكن البائع يطأ، فالولد ولد الأمة لا أب له، والمشتري بالخيار إن شاء أن يأخذ، وإن شاء رد إلا أن تكون وضعته سقطا يشبه أن يكون من المشتري، فيكون منه، وتكون الأمة أم ولد له، وإن وضعته لستة أشهر فأكثر والبائع يطأ، وولدته حيا دعي له القافة، فمن ألحقوه به منهما ألحق به، وكانت الأمة أم ولد له، إلا أن يدعيا الولد جميعا، فتعتق الأمة عليهما ويرجع المشتري بنصف الثمن على البائع، واختلف إن وضعته ميتا أو سقطا، فقال ابن القاسم في هذه الرواية: إنه من المبتاع، وإن الأمة أم ولد له، وقال يحيى بن سعيد في المدونة تعتق عليهما جميعا، والأظهر أن يلحق الولد بالبائع، وتكون الأمة أم ولد له، وقد قيل: إنه يلحق بالبائع، وتكون الأمة أم ولد له، وإن ولدته حيا ولا تدعى له القافة؛ لأن فراش الأول صحيح، وفراش الثاني فاسد، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وقد أجمعوا لهذا الحديث أن الزوجين إذا وطآ المرأة في طهر واحد أن الولد للأول، وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر لصحة فراشه، ولا فرق بين الموضعين في القياس. وإن لم يكن البائع يطأ، فالأمة أم ولد للمبتاع وولدها لاحق به، وقد مضى في أول نوازل سحنون القول مستوفى في الحكم في ميراثه منهما وميراثهما منه إذا أتت به حيا لأكثر من ستة أشهر، وقالت القافة: إنهما اشتركا فيه في الجارية بين الشريكين، ولا فرق في هذا بين المسألتين، فلا معنى لإعادة القول في ذلك، وأما كسوته والنفقة عليه إلى أن يبلغ حد الموالاة إذا قالت القافة: إنهما اشتركا فيه فقول عيسى بن دينار أنهما ينفقان عليه جميعا، فإذا مات أحدهما أنفق على الصبي مما وقف له من ميراثه منه نصف نفقته ونصفها على الحي، وقيل لا

مسألة: ثلاثة نفر حر وعبد ونصراني وطئوا جارية مسلمة فحملت

ينفق عليه منه؛ لأنه إنما يأخذه بعد الموالاة، وهو الذي يأتي أيضا على قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الدعوى، والصلح في العبد الذي يدعيه الرجلان فيوقف إن النفقة عليهما جميعا، وهذا إذا ادعياه جميعا أو أنكراه جميعا أو لم يدعه واحد منهما، ولا أنكره وقال: لا أدري إن كان لي أم لا، وأما إن ادعاه أحدهما، وأنكره الآخر، فالذي يأتي على مذهب من قال بالموالاة، ولم يعمل قول القافة إنهما اشتركا فيه أن تكون النفقة على الذي يدعيه منهما إلى أن يبلغ حد الموالاة، فيوالي من أحب منهما فيلحق به، وإن كان الذي أنكره فتكون النفقة عليه من حينئذ، وأما على مذهب من أعمل قول القافة إنهما اشتركا فيه، ورأى أنه يصح أن يكون علوق المرأة بالولد من الرجلين، ولم يقل بالموالاة، فالنفقة عليهما جميعا، وإن كان أحدهما مقرا به والآخر منكرا له. وقول عيسى: إنه لا يرجع الذي لم يواله على الذي والاه بشيء من النفقة بخلاف المدعيين في العبد يوقف، فينفقان عليه جميعا، ثم يقضى به لأحدهما، ووجهه أن القضاء بالموالاة ليس بأمر متفق عليه، وإنما هو استحسان على غير قياس، واتباع لما جاء عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في ذلك. وأما قول أصبغ إن النفقة على المشتري حتى يبلغ، فإن والاه فبسبيل ذلك، وإن والى البائع رجع عليه بالنفقة، فقاله على أصله في العبد يدعيه الرجل، فيوقف بما يجب توقيفه به أن النفقة على الذي هو بيده حتى يقضى به للطالب، فإن قضي له به رجع عليه بالنفقة، ولو قيل في هذه المسألة: إن النفقة على البائع ما لم يوال المشتري فيحكم بإلحاقه به مراعاة لقول من قال: إن الولد يلحق بالبائع على كل حال لصحة فراشه ولا يدعى للولد القافة على ما تقدم لكان أشبه من قول أصبغ. [مسألة: ثلاثة نفر حر وعبد ونصراني وطئوا جارية مسلمة فحملت] مسألة قيل لأصبغ: فلو أنهم ثلاثة نفر وطئوها في طهر واحد: حر

مسألة: ثلاثة نفر وطئوا جارية في طهر واحد وقالت القافة إنه ليس لواحد منهم

مسلم، وعبد، ونصراني فحملت الأمة، والأمة مسلمة؟ فقال: إن قالت القافة: اشتركوا فيها فإنها تعتق على المسلم والنصراني، ولا تعتق على العبد، ويكون للعبد قيمة نصيبه عليهما جميعا، وإنما ألزمنا النصراني العتق؛ لأنه حكم وقع بين مسلم ونصراني، ولو كانت الأمة نصرانية عتق جميعها على الحر المسلم، وقوم عليه نصيب العبد والنصراني. قال محمد بن رشد: قد تقدم قول أصبغ هذا في آخر أول مسألة من نوازل سحنون، ومضى من الكلام عليه ما فيه كفاية. [مسألة: ثلاثة نفر وطئوا جارية في طهر واحد وقالت القافة إنه ليس لواحد منهم] مسألة قلت لأصبغ؛ أرأيت إن قالت القافة: ليس هو لواحد منهما ما حال الولد وأمه؟ هل يكونان مملوكين؟ وكيف إن ادعاه أحدهم والمسألة على وجهها؟ قال أصبغ: أما الذي أنكرته القافة، فأرى أن يدفع إلى قافة بعد قافة، وتطلب له القافات حتى تجتهد في ذلك فرب قافة أبصر من قافة، وقافة فوق قافة حتى إذا استكمل، واستوى كلام القافات، رأيت إن كان الآباء مقرين جميعا كما ذكرت بالوطء في طهر واحد أن يحمل محمل الاشتراك، فيوالي من شاء، وتكون أمه تبعا له، ادعياه أو لم يدعياه، فإذا أقروا بالوطء في الطهر الواحد كان الوضع لستة أشهر فصاعدا إن شاء الله، ولا يبطل نسبه هكذا وهما مقران به، وثم لهما فراشان، وأما ما ذكرت

من دعوى أحدهما إياه وإنكار الآخر، فإن صح الوطء عليهما في الطهر الواحد المقارب الذي لا يمكن الخروج لأحدهما منه في ولادته قبل وقته كشف منكر الولد عن وطئه الذي أقر به، فإن كان في صفته ما يمكن فيه الإنزال لم ألتفت إلى إنكاره وجعلته كالأول كأنهما اشتركا فيه، وإن لم يكن في صفة وطئه وإقراره ما يمكن ذلك، وكان يدعي الخلسة بالعزل من الوطء الذي أقر به، فإنني أستحسن ههنا أن أجعله للآخر، وأبوئه منه استحسانا، والقياس أن يكونا سواء، فلعله غلب ولا يدري، وقد قال عمرو بن العاص في نحو هذا: إن الوكاء ينفلت، والاستحسان في العلم يكون أغلب من القياس، وقد سمعت ابن القاسم يقول، ويروي عن مالك أنه قال: تسعة أعشار العلم الاستسحان. قال سحنون: إذا قالت القافة: ليس لواحد منهما دعي لهما أيضا آخرون [ثم آخرون] ، فإن قالوا: ليس الولد لواحد منهما، فإنه يدعى أبدا غيرهم؛ لأن القافة إنما دعيت لتلحق الولد وليس لتنفيه، وهو قول ربيعة ومالك. قال محمد بن رشد: ما قاله أصبغ وسحنون من أن القافة إذا قالت في الولد: إنه ليس لواحد منهما لا يحكم بقولها في ذلك، وينفى الولد عنهما، بل يدعى لهما آخرون وآخرون، فإن اتفقوا على أنه ليس لواحد منهما حمل محمل الاشتراك صحيح لا اختلاف فيه من أجل أن الشرع قد أحكم أن الولد للفراش، فلا يقبل قول القافة في نفيه عن الفراش إلى غير فراش، وإنما يؤخذ بقولها في إلحاق الولد بأحد الواطئين في طهر واحد من ملك اليمن بوجه

شبهة دون صاحبه؛ لأنها لم تخرج الولد بذلك عن فراش إلى غير فراش، وإنما حكمت به لأحد الفراشين؛ لأن واطئ الأمة غير الزوجة بشبهة يسقط عنه الحد في وطئه، مثل أن يطأ أمة ابنه أو أمة له فيها شرك، أو أمة لا شرك له فيها ألا أنها محرمة عليه بنسب أو رضاع أو ما أشبه ذلك في حكم من وطئ ما يحل له مما ملكت يمينه في وجوب إلحاق الولد به، فإذا اجتمع الرجلان على الأمة فوطآها في طهر واحد بوجه شبهة، وهي لا تحل لواحد منهما، أو كانت تحل لأحدهما بالملك، ووطئها الآخر بوجه شبهة، فأتت بولد مما يمكن أن يكون لكل واحد منهما وجب أن تدعى لها القافة، فيلحق الولد بمن ألحقوه به منهما كانا مقرين بالولد ومذعنين له، أو منكرين له، أو أحدهما مقرا به ومدعيا له، والثاني منكرا له، وسواء أقرا بالوطء والإنزال، أو أقرا بالوطء وادعيا العزل أو ادعاه أحدهما؛ لأن الوكاء قد ينفلت كما قال عمرو بن العاص بدليل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث أبي سعيد الخدري في العزل: «ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نسمة كائنة» الحديث إلا أن يدعي أحدهما الولد وهو ينزل، وينكره الآخر، وهو يعزل، فقال أصبغ ها هنا: إن الولد يلحق بالذي يدعيه استحسانا على غير مقتضى القياس، وقال: إن الاستحسان قد يكون أغلب من القياس، وحكى عن ابن القاسم روايته عن مالك أنهما قالا: تسعة أعشار العلم الاستحسان، والاستحسان الذي يكثر استعماله حتى يكون أعم من القياس هو أن يكون طرد القياس يؤدي إلى غلو في الحكم ومبالغة فيه، فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم فيختص به ذلك الموضع كنحو قول أصبغ في هذه المسألة؛ لأنه إذا كان الأصل بدليل الحديث أن من وطئ أمته فعزل عنها وأتت بولد يلحق به، وإن كان منكرا له وجب على قياس ذلك إذا كانت أمة بين رجلين، فوطآها جميعا في طهر واحد وعزل

أحدهما عنها، فأنكر الولد وادعاه الآخر الذي لم يعزل عنها أن يكون الحكم في ذلك بمنزلته إذا كانا جميعا يعزلان أو ينزلان، والاستحسان كما قال: أن يلحق الولد بالذي ادعاه وأقر أنه كان ينزل، ويبرأ منه الذي [كان] أنكره وادعى أنه كان يعزل؛ لأن الولد يكون مع الإنزال غالبا، ولا يكون مع العزل إلا نادرا، فيغلب على الظن أن الولد إنما هو للذي ادعاه، وكان ينزل لا للذي أنكره وهو يعزل، والحكم بغلبة الظن أصل في الأحكام، وله في هذا الحكم تأثير، فوجب أن يصار إليه استحسانا كما قال أصبغ: ومن الاستحسان مراعاة الخلاف، وهو أصل في المذهب، من ذلك قولهم إن الماء اليسير إذا حلت فيه النجاسة اليسيرة، ولم تغير أحد أوصافه إنه لا يتوضأ به ويتيمم ويتركه، فإن توضأ به، وصلى لم يعد إلا في الوقت مراعاة لقول من رآه طاهرا، ويبيح الوضوء به ابتداء، وكان القياس على أصل قولهم أن يعيد أبدا إذا لم يتوضأ إلا بما يصح له تركه إلى التيمم؟ ومن ذلك قولهم في النكاح الفاسد الذي يجب فسخه، ولم يتفق على فساده إنه يفسخ بطلاق، وإنه يكون فيه الميراث، ويلزمه فيه الطلاق، وهذا المعنى أكثر من أن يحصى، وأشهر من أن يجهل أو يخفى. وأما العدول عن مقتضى القياس في موضع من المواضع استحسانا لمعنى لا تأثير له في الحكم، فهو مما لا يجوز بإجماع؛ لأنه من الحكم بالهوى المحرم بنص التنزيل، قال عز وجل: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26] الآية. والحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله، والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

كتاب التجارة إلى أرض الحرب

[كتاب التجارة إلى أرض الحرب] [الأحكام بين المسلم والكافر في الهدنة]

من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب قطع الشجر قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قيل له: أرأيت قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فهو ليس في هذا ذكر دية فقال: إنما كان ذلك في حرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل مكة يكون فيهم رجل مؤمن لم يهاجر، وأقام معهم فيصيبه المسلمون خطأ، فليس عليهم دية؛ لأنه يقول جل وعز: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] ، وأما قوله: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 92] فإنما ذلك في الهدنة التي كانت بين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبين المشركين أنه إن أصيب مسلم كان بين أظهرهم خطأ لم يهاجر، فإن ديته على المسلمين يؤدونها إلى قومه الذين كان بين أظهرهم الكفار، ومما يبين ذلك أن أبا جندل ورجلا آخر أتيا النبي عليه

السلام في الهدنة مسلمين، فرده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم، فكما كان لهم أن يردوه إليهم، فكذلك كانت ديته لهم لو قتل خطأ، ومما يبين ذلك قول الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] الآية، يقول: إن حبسوا عنكم مهرا كان لكم قبلهم، ثم عاقبتموهم فحبستم عنهم مهرا كان لهم قبلكم مثل ما صنعوا {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} [الممتحنة: 11] فادفعوا إلى هذا المسلم ما كان أنفق على امرأته التي هربت منه إلى الكفر، وذلك قوله عز وجل: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} [الممتحنة: 11] الآية، فكان الذي بين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبينهم ميثاق وهدنة في أشياء اصطلحوا عليها، منها أن يرد [إليهم] إلى الكفار من جاء إلى النبي مسلما من الرجال في الهدنة، وكان من حكم الله أن جاءت امرأة منهم ترغب في الإسلام لم يرجعها إليهم، وكان عليها أن تعطي زوجها الكافر ما كان ساق لها من مهر، وإن فاتت منا امرأة إليهم كان عليهم أن يعطونا مثل ما أنفق عليها زوجها وذلك قَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: 10] {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] ، وحرم على المسلمين فروج أولئك الكوافر، ومنعنا أن نرجع المسلمة منا إليهم لا يستحلها الكافر، وحرمت على زوجها الكافر، وعلى غيره من الكفار، فمن هنالك اتبعوا بالمهر واتبعناهم بالمهر، وذلك قوله عز وجل: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10]

فأما الرجال في الهدنة، فإنهم كانوا يردون إليهم، فكما كان يرد إليهم الرجال في الهدنة، ومهور النساء في الهدنة وغير الهدنة، فكذلك كانت لهم دية مؤمن قتل بين أظهرهم خطأ ممن أسلم، ولم يخرج من عندهم حتى كانت الهدنة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة سأل ابن القاسم مالكا في أولها عن المعنى الذي من أجلها سقطت الدية في المؤمن المقتول خطأ إذا كان بين قومه الكفار، إذ قال الله عز وجل: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ولم يذكر في ذلك دية، يريد دية لجماعة المسلمين الذين يرثونه على الحكم في أن دية الخطأ تكون لورثة المقتول فأعلمه أن الآية منسوخة، يريد بقوله عز وجل: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] ، وأن ذلك إنما كان في أول الإسلام حين كانت الهجرة مفترضة وكان الميراث منقطعا بين من هاجر، وبين من آمن ولم يهاجر، لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] ولما أكمل جوابه عما سأله عنه تكلم على بقية الآية فقال: وأما قوله: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 92] الآية، فإنما ذلك في الهدنة التي كانت بين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبين المشركين أنه أصيب مسلم كان بين أظهرهم بها قوله، فبين مذهبه في أن مراد الله تعالى بقوله: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 92] أي: وإن كان المؤمن من قوم بينكم وبينهم ميثاق واحتج بذلك بما قاله من أن ذلك إنما كان في الهدنة التي كانت بين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبين المشركين على ذلك وعلى أن يرد إليهم من جاء من عندهم مسلما، فكانت لهم

دية من قتل منهم من المسلمين، كما كان لهم أن يردوا إليهم بالشرط الذي شرطوه، وهو اعتبار صحيح؛ لأن إعطاءهم دية المسلم المقتول أيسر من رده إليهم، ولعلهم يقتلونه على إسلامه أو يفتنونه عن دينه، وقصده بهذا الاحتجاج الرد على أهل العراق فيما يذهبون إليه من أن مراد الله تعالى بقوله: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 92] أي: وإن كان كافر من قوم بينكم وبينهم ميثاق من الكفار فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة؛ لأنهم يجعلون ذلك حجة لما يذهبون إليه من أن المسلم يقتل بالكافر، فيقولون: قد أوجب الله في قتل الكفار خطأ الدية والكفارة، فلما تساوى المسلم والكافر في القتل خطأ في وجوب الدية والكفارة وجب أن يتساويا في القتل عمدا في وجوب القصاص، وحجة مالك صحيحة، وقوله في تأويل الآية أصح؛ لأنه ظاهر التلاوة، إذ نص في أولها على المؤمن، ثم قال في أخرها: وإن كان، فكان الظاهر من قوله أنه أراد، وإن كان المؤمن المذكور أولا لا أنه ابتدأ كلاما آخر بحكم كافر لم يتقدم له ذكر، فلا يوجب الكفارة في قتل الكافر خطأ، وإنما يستحبها مراعاة للخلاف، وحجته في أن المؤمن لا يقتل بالكافر قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده بكافر» يريد ولا يقتل أيضا ذو عهد إذا عوهد. ويحمل أهل العراق الحديث على أن فيه تقديما وتأخيرا فيقولون: معنى لا يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر أي بكافر حربي عندهم ليس بمعاهد، وقولهم بعيد لوجهين: أحدهما؛ أن التقديم والتأخير مجاز، وحمل الحديث على المجاز لا يصح مع إمكان حمله على الحقيقة، والثاني: أن الإخبار بأن المسلم والمعاهد لا يقتلان بالحربي لا فائدة فيه، إذ قد تقرر علم وجوب قتله، وما في ذلك من عظيم الأجر، فكيف يشكل على أحد ارتفاع القصاص في ذلك حتى يحتاج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى الإخبار بذلك. وأما قوله في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] إن المعنى في ذلك، إن حبسوا عنكم مهرا كان لكم قبلهم، ثم عاقبتموهم فحبستم عنهم مهرا كان لهم

قبلكم مثل ما صنعوا {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] أي فادفعوا إلى هذا المسلم ما كان أنفق على امرأته، وأن ذلك مثل قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الممتحنة: 11] الآية، فليس ببين، إذ ليس في معاقبتهم بحبس مهرهم عنهم ما يؤدون منهم مهورهم قال عز وجل: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] ثم قال بعد ذلك ما معناه: فإن سألتم فلم تعطوا فآتوه مما تغنمون. قال مسروق: وكذلك إن ذهبت إلى غير ذي عهد يعطى زوجها المهر من الغنائم، وذلك كله منسوخ بما نزل في براءة من فسخ العهود التي كانت بين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وبين المشركين، وقد روي أن قوله عز وجل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] ، نزل في حمزة بن عبد المطلب رضوان الله عليه حين استشهد ومثل به، فأقسم النبي عليه السلام أن يمثل بجماعة من الكفار، فالآية دالة بحملها على عمومها دون أن تقصر على ما روي من سببها على أنه لا يجب أن يعاقب المرء إلا بمثل ما اجترم من القتل أو الجراح وأخذ المال، وأنه لا يجب أن يعاقب الكفار في حبسهم المهور الواجبة عليهم إلا بأن يحبس عنهم المهور الواجبة لهم، وأما أن يجعل حبس المهور عنهم شرطا في دفع مهور أزواج المسلمين كما قال مالك في الرواية، فإنه بعيد، وقوله: فكان الذي بين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبينهم ميثاق وهدنة في أشياء اصطلحوا عليها منها أن يرد إليهم من الكفار من جاء إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الرجال في الهدنة، وكان من حكم الله إن جاءت امرأة منهم ترغب في الإسلام لم يرجعها إليهم يدل على أن حكم الله تعالى الوارد في سورة الممتحنة بأن لا يرجعن إليهم مطابق لما صالحهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أن يرد إليهم من جاءه من عندهم مسلما من الرجال، وقد اختلف في ذلك فقيل: إن الصلح وقع على أن يرد إليهم من جاءه من عندهم مسلما من الرجال والنساء، ففسخ الله من الشرط في النساء ونسخه، فكان ذلك نسخا للسنة بالقرآن، ومن الدليل على هذا، ما روي من أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما تم صلحه مع أهل مكة بالحديبية، وختم الكتاب الذي فيه العهد جاءته سبيعة بنت الحارث مسلمة وجاء زوجها

فقال: يا محمد ردها علي فإن ذلك في شرطنا عليك، وهذه طينة كتابنا لم تجف، فنزلت: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] الآيات، فلم يردها عليهم، وأعطاه مهره، ولا يوجد في شيء من الآثار أن الشرط وقع نصا على أن يرد إليهم الرجال والنساء، ولا على أن يرد عليهم الرجال دون النساء، فيحتمل أن يكون الشرط وقع على أن يرد إليهم من جاء منهم مسلما، وأراد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بذلك الرجال دون النساء، وأراد به المشركون الرجال والنساء، فلما قدمت سبيعة مسلمة طلبها زوجها واحتج بظاهر ما في الكتاب، فمنع الله عز وجل من رد النساء على ما يوجبه ظاهر اللفظ، وأقر الحكم على ما أراده النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أن لا يرد إليهم إلا الرجال، إذ لم ينص فيه على رد النساء، وزاد فيه أن يعطوا مهور من قدم من عندهم من النساء، ويسألوا مهور من مضى إليهم من نساء المسلمين، فقال تعالى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] الآية، فعلى هذا يصح ما روي في هذا المعنى، ويرتفع الخلاف، ويكون معنى قول مالك: إن الصلح وقع على أن يرد إليهم من جاء من عندهم مسلما من الرجال على ما أراده النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ونواه، لا على أن ذلك كان صريحا في الصلح، إذ لو كان صريحا فيه لم يقل زوج سبيعة ما قال، والله أعلم بحقيقة ذلك كيف كان. وقوله في آخر المسألة: فكما كان يرد إليهم الرجال في الهدنة ومهور النساء في الهدنة وغير الهدنة غلط في الرواية؛ لأن المهور إنما كانت ترد في الهدنة على ما ذكرناه من حكم الله بذلك لا في غير الهدنة، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: قوله: وغير الهدنة ليس بمستقيم؛ لأن رد الصدقات التي أخذ النساء المهاجرات من أزواجهن لم يكن إلا في الهدنة خاصة، بذلك وقعت الهدنة بينهم أن يرد المسلمون صدقات من أتاهم من النساء مسلمات إلى الكفار، ويرد الكفار صدقات من أتاهم من النساء مرتدات إلى المسلمين، وليس قوله بصحيح، إذ لو وقعت الهدنة بينهم على ذلك لما طلب زوج سبيعة ردها بما في كتاب الصلح، وإنما كانت المطالبات

قوم من تجار العدو يأتون المسلمين وقد تقدم إليهم ألا ينزلوا إلا بموضع مسمى لهم

بينهم بالمهور بحكم الله على ما ذكرناه لا بالشرط، والله أعلم، وهو الموفق بفضله. [قوم من تجار العدو يأتون المسلمين وقد تقدم إليهم ألا ينزلوا إلا بموضع مسمى لهم] ومن كتاب حلف ألا يبيع سلعة سماها وسئل مالك: عن قوم من تجار العدو يأتون المسلمين، وقد تقدم إليهم ألا ينزلوا إلا بموضع مسمى لهم، فيأتون دونه فينزلون بالموضع، فيريدون أن يستقوا الماء، فيمنعون من ذلك حتى يقاتلوا فقال: إذا منعوا كيف يبلغوا؟ ما أرى أن يقاتلوا، هذه أمور مشكلة، وإنه ليقال: لا يهرق دما أو لا يهراق إلا عن أمر يستبين صحته، فلا أحب لأحد أن يقاتل في مثل هذا ولا يقتل أحدا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن منعهم من استقاء الماء منع لهم من النزول في الموضع الذي أذن لهم بالنزول فيه، إذ لا يستغنون في موضع نزولهم عن الماء، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ» ، فنهى عن منع فضل الماء لما فيه من منع الكلأ، فكذلك هذه المسألة، وبالله التوفيق. [الرجل يبتاع من رقيق العجم فيريد بيعهم من النصارى قبل أن يسلموا] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك: عن الرجل يبتاع من رقيق العجم من السودان والصقالبة فيريد بيعهم من النصارى قبل أن يسلموا، قال: ما أعلمه حراما، ولا يعجبني أن يفعله أحد، إن كانوا صغارا فلا يجوز بيعهم من اليهود والنصارى، وإن بيعوا منهم فسخ بيعهم، وإن كانوا كبارا فلا بأس ببيعهم منهم، وإنما فرق بين الصغار والكبار أن

الديباج يباع من الروم

الصغار يجبرون على الإسلام، وأن الكبار لا يجبرون، هكذا سمعت. قال محمد بن رشد: قوله: وإن بيعوا منهم فسخ بيعهم، أمر مختلف فيه، فما ها هنا خلاف ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة وما في سماع يحيى بعد هذا من كتاب السلطان لأشهب من أنهم يباعون عليه، ولا يفسخ البيع، ومثل قول سحنون في نوازله من كتاب جامع العيوب وما في كتاب المديان والشفعة من المدونة، وابن الماجشون يرى أن البيع في ذلك لا ينعقد، فعلى قوله: إن ماتوا في يده قبل أن يفسخ البيع كانت مصيبتهم من البائع، وإن أعتقهم أو باعهم من مسلم لم ينفذ شيء من ذلك، وتفرقته في جبرهم على الإسلام بين أن يكونوا صغارا أو كبارا خلاف ظاهر ما في سماع أصبغ بعد هذا، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الجنائز، وفي أول سماع أصبغ من كتاب الصلاة، فمن أحب الوقوف على الشفاء من ذلك تأمله هناك، وبالله التوفيق لا رب غيره، والحمد لله كثيرا. [الديباج يباع من الروم] ومن كتاب أوله حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان قال: وسئل مالك عن الديباج يباع من الروم، قال: إن كانوا لا يتخذونه عدة للقتال، فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال في المدونة وغيرها، وهو مما لا اختلاف فيه أنه لا يجوز أن يباعوا شيئا مما يستعينون به في حروبهم على المسلمين من ثياب ولا صفر ولا حرير ولا شيء من الأشياء، وإنما يجوز أن يباع منهم من العروض ما لا يتقوى به في الحروب ولا يرهب به في القتال من الكسوة ما يقي الحر والبرد، ومن الطعام ما لا يتقوت به مثل الزيت والملح وما أشبه ذلك، وبالله التوفيق. [أعياد الكنائس يجتمع المسلمون إليها يحملون إليها الثياب والأمتعة] ومن كتاب أوله تسلف في المتاع والحيوان المضمون وسئل مالك عن أعياد الكنائس يجتمع المسلمون إليها يحملون

قوم أرادوا أن يبيعوا أمة ومعها ابن لها حر صغير لا يستغني عن أمه

إليها الثياب والأمتعة وغير ذلك يبيعون فيها يبتغون الفضل، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قد كره مالك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح والصيد أن يباع منهم الجزرة إذا علم أنهم يريدون ذبحها في أعيادهم وكنائسهم، وأن يكروا الدواب ليركبوها إلى أعيادهم، وهو خلاف ما هنا، إذ لا فرق بين المسألتين، وقد وقع الاختلاف من قوله في مسألة الكراء منصوصا في سماع سحنون من كتاب السلطان كره ذلك مرة وأجازه أخرى. واختلاف قوله جار عندي على الاختلاف في كونهم متعبدين بالشرائع، فيكره على القول بأنه عاص لله في إقامة عيده للمسلم أن يكون عونا له على الإثم والعصيان، ولا يكره له ذلك على القول: بأنه ليس بعاص لله في ذلك إلا بعد الإيمان، وعلى هذا أجاز في سماع زونان للرجل أن يسير بأمته إلى الكنيسة، وقد حكى ابن مزين عن أصبغ أن ذلك لا يجوز، فعلى قوله: إن فعل يلزمه أن يتصدق بجميع الثمن، ولا يلزمه ذلك على مذهب مالك، وإنما يستحب له على أحد قوليه أن يتصدق بما زاد في الثمن بسبب بيعهم ذلك لأعيادهم. [قوم أرادوا أن يبيعوا أمة ومعها ابن لها حر صغير لا يستغني عن أمه] ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما المال وقال مالك في قوم أرادوا أن يبيعوا أمة ومعها ابن لها حر صغير لا يستغني عن أمه، قال مالك: أرى ألا يفرق بينه وبين أمه، وأن لا يباع إلا ممن يشترط عليه أن لا يفرق بينه وبين أمه وأن تكون مؤنته عليه، وقال مالك: وإن بيعت بغير أرضها فلا أرى بأسا. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة: أن البائع أعتق الولد وهو صغير؛ لأن من أعتق صغيرا فعليه نفقته حتى يبلغ، فلما كانت على البائع نفقته ولم يجز له أن يفرق بينه وبين أمه لم يجز له بيع الأم إلا ممن يشرط عليه أن لا يفرق بينه وبين أمه، وأن تكون مؤنته عليه، يريد إلى أن يبلغ حد

الخروج إلى أرض الشرك في البر والبحر للتجارة

التفرقة، قاله ابن القاسم في العشرة، يريد وترجع عليه هو النفقة إذا بلغ حد التفرقة إلى أن يبلغ، وفي جواز هذا البيع اختلاف: أجازه هنا وفي كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة، قال في العشرة استحسانا لئلا يترك الصبي بغير نفقة فيهلك أو يمنع سيد الأمة من البيع فيضر به، قال: فإن مات الصبي لم يجب للبائع على المشتري شيء؛ لأنه لم يرد بذلك إلا كفاية المئونة لا التزيد في الثمن، وقال سحنون: لا يجوز البيع إلا عند الضرورة من فلس أو شبه ذلك، وقيل: إن البيع لا يجوز بحال؛ لأنه غرر، إذ لا يدرى هل يعيش الصبي إلى حد التفرقة أو يموت قبل ذلك، وقيل: البيع جائز، وإن مات الولد قبل الإثغار رجع البائع على المبتاع بقدر ذلك من قيمة الأم، وهو الذي يأتي على ما في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، ولو اشترط أن تكون النفقة مضمونة على المبتاع إلى حد الإثغار إن مات الولد قبل ذلك لجاز البيع باتفاق، والله أعلم. وقد اختلف في التفرقة فروى ابن غانم عن مالك أن حدها الاحتلام في الرجال والمحيض في النساء، وقال ابن عبد الحكم وغيره لا يفرق بينهما أبدا، وإن ضرب على لحيته على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا توله والدة على ولدها ولا يفرق بين الوالدة وولدها» ، واختلف أيضا في التفرقة هل هي من حق الأم أو من حق الولد؟ فذهب ابن القاسم أن ذلك من حق الولد، فلا يفرق بينهما وإن رضيت الأم بالتفرقة، وهو معنى ما في المدونة وقول ابن نافع على ظاهر الآثار في النهي عن التفرقة مجملا، وقال ابن عبد الحكم في كتابه: إن التفرقة بينهما جائزة إذا رضيت الأم، وهو قول أشهب وروايته عن مالك في رسم الوصايا، وقد قيل: إن ذلك دليل ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة، فانظر في ذلك وتدبره وبالله التوفيق. [الخروج إلى أرض الشرك في البر والبحر للتجارة] ومن كتاب اغتسل على غير نية وسئل مالك عن الخروج إلى أرض الشرك في البر والبحر

اشتراء النوبة والبجة

للتجارة فقال: لا أحب ذلك ولا أراه له، قد جعل الله لكل نفس أجلا تبلغه، ورزقا تنفذه، وهو يجري عليه أحكامهم، فلا أرى له ذلك. قال محمد بن رشد: قوله: لا أحب ذلك له، ولا أراه معناه: لا يحل ذلك ولا يجوز، فقد قال مالك: لم يكن من شأن العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، وكانوا يكتفون بأن يقولوا: لا بأس بهذا، وفي هذا سعة ولا أرى هذا، ولا أحب، وإني لأكرهه وما أشبه هذا، ويكتفي بذلك منهم، فعلى هذا أتى جوابه في هذه المسألة، والله أعلم. ومن الدليل أن ذلك لا يجوز إجماع أهل العلم على أن من أسلم ببلد الحرب، فواجب عليه أن يخرج منه إلى بلد الإسلام ولا يقيم حيث تجري عليه أحكام الكفر، فإذا كان الخروج واجبا عليه مفروضا كان الدخول إليه حراما عليه محظورا، فمن فعل ذلك طائعا غير مكره وهو عالم بأن ذلك لا يحوز له كان ذلك جرحة فيه، وسقطت إمامته وشهادته، قال ذلك سحنون، وينبغي أن يحمل على التفسير لما في كتاب الولاء والمواريث من المدونة من إجازة شهادتهم لاحتمال أن يكونوا رمتهم الريح إلى بلاد العدو، ولم يذهبوا إليها للتجارة طائعين، ويحمل أيضا أن يكون إنما أجاز شهادتهم إذا عرفت توبتهم من ذلك، إذ يبعد أن تجاز شهادة من يدخل إلى بلد الحرب للتجارة وطلب الدنيا، وهو عارف بأن ذلك لا يجوز له، وأن أحكام الشرك تجري عليه، وبما هو أقل من هذا، يجرح الشاهد وتسقط شهادته، وقد كره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - السكنى ببلد يسب فيه السلف، فكيف ببلد يكفر فيه بالرحمن، ويعبد فيه من دونه الأوثان، لا تستقر على هذا نفس صحيح الإيمان. [اشتراء النوبة والبجة] من سماع أشهب وابن نافع عن مالك رواية سحنون من كتاب أوله بيوع وكراء قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك عن

اشتراء النوبة والبجة، فإن بيننا وبين النوبة والبجة هدنة، تعطينا النوبة رقيقا ونعطيهم طعاما، وتعطينا البجة إبلا ونعطيهم طعاما وهم يتسابون، فهل نشتري منهم شيئا من رقيقهم؟ فقال: كان يقال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنه لن يترك أحد شيئا لله، فوجد فقده، قال: وقال عبد الله بن عمر، وكان من أئمة الناس: إني لأحب أن أجعل بيني وبين الحرام سترة من الحلال ولا أحرمه، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله بن عمرو بن العاص: «كيف لك إذا بقيت في حثالة من الناس وقد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا فكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه، فقال: كيف بي يا رسول الله؟ قال: عليك بما تعرف، ودع ما تنكر عليك بخاصة نفسك، وإياك وعوامهم، قال لي: وانظر لنفسك، وعليك بالبين المحض» ، قلت له: إنهم يبعثون إلينا برقيق من رقيقهم، فهل نشتري من رقيقهم التي يبعثون إلينا بهم للصلح الذي بيننا وبينهم فقال: "لا أدري ما هذا ولا ما هذا التفصيل بين هذا وهذا، وليس كل من فصل أصاب ". قال محمد بن رشد: إذا كانت الهدنة بيننا وبين أهل الحرب على أن لا نقاتلهم ولا نسبيهم، فلا إشكال في أن ذلك ليس بعهد يمنعنا من شراء أولادهم منهم، ولا من شرائهم ممن سباهم في أن ذلك عهد يمنعنا من شرائهم ممن سباهم ومن شراء أولادهم، وإذا أعطيناهم أمانا وعهدا على أن يدخلوا إلينا في تجارة وينصرفون، أو على أن ندخل نحن إلى بلادهم في تجارة، وننصرف عنهم، فلا إشكال أيضا في أن ذلك ليس بعهد يمنعنا من شراء أولادهم منهم، ولا من شرائهم ممن سباهم، وأما إذا هادناهم على أن نتداخل للتجارة مهادنة مستمرة فهذا الذي رأى اشتراءهم ممن سباهم من مشتبهات الدين الذي تركه وجه

التجارة في النبل والسيوف والسلاح

الخلاص وطريق السلامة، واستدل على ذلك بقول عبد الله بن عمر: إني لأحب أن أجعل بيني وبين الحرام سترة من الحلال ولا أحرمه، وبقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعبد الله بن عمرو بن العاص: «فانظر لنفسك، وعليك بالبين المحض؛» لأنه حمل قوله له على عمومه في جميع الأشياء، وإن كان مساق الحديث إنما هو على التحذير من الفتن التي وقعت بعده ألا يدخل منها في مشكل، وقد دخل فيه على ما أداه إليه اجتهاده مع عزم أبيه عليه في ذلك، فشهد مع معاوية حرب صفين، ثم ندم على ذلك لما ظهر إليه من البصيرة في خلاف رأيه الأول، فاستغفر الله عز وجل من ذلك مخافة أن يكون قد قصر أولا في اجتهاده مع قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فانظر لنفسك وعليك بالمحض البين» ، وفي هذا الحديث علم جليل من أعلام النبوءة؛ لأنه أعلم عبد الله بما يكون بعده من الفتن وحضه على ما يصنع فيها في خاصة نفسه من الأخذ بالبين المحض، فانتهى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى ما حضه عليه، ورجع عما دخل فيه إذ بان له خلاف ما كان ظهر إليه، ولا فصل كما قال من شراء بعضهم من بعض إذا سبوهم، وشراء رقيقهم الذي يبعثون بهم فيما صولحوا عليه إذ كان أولئك الرقيق الذين يبعثون بهم من سبي بعضهم بعضا، وبالله التوفيق لا إله إلا هو. [التجارة في النبل والسيوف والسلاح] ومن كتاب البيوع الأول قال أشهب بن عبد العزيز: سئل مالك عن التجارة في النبل والسيوف والسلاح، قال: لا بأس بذلك، ولم تزل الناس يجيزونه إلا أن يخاف أن يصل إلى العدو. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن السلاح لا يحل أن يباع من العدو، ولا ممن يحمله إلى العدو، فلا يحل للرجل أن يتجر فيه إذا علم أنه يصل إلى العدو، مثل أن يكون الذين يبتاعونه منه يخرجون إلى بلد يحمل منه للعدو، ويكره ذلك إذا خاف أن يصل إليهم، قاله مالك في سماع أشهب من

الروم إذا قدموا علينا برقة بالرقيق جعلوا من كل صنف عشرة

كتاب اللقطة، وهو معنى قوله في هذه الرواية، وكذلك تكره له التجارة فيه في حين الفتن التي تكون بين المسلمين إذا خشي أن يصل شيء منه إلى من يناوئ به الإسلام، ولا بأس بالتجارة فيها إذا أمن أن يصل منها شيء إلى العدو، أو إلى من يناوئ المسلمين، فإن باع السلاح من العدو، أو ممن يناوئ المسلمين ويخرج به عليهم، أو ممن يحمل ذلك إليهم وهو عالم بذلك ومضى ذلك وفات، ولم يعلم من باعه منه ولا قدر على رده، فقد اختلف فيما يلزمه بينه وبين ربه في التوبة من ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها؛ أنه يلزمه أن يتصدق بجميع الثمن، وهذا على القول في أن البيع غير منعقد، وأنها باقية على ملكه؛ لوجوب رد الثمن على هذا القول إلى المبتاع إن علمه، والصدقة به عليه إن جهله كالربا، والثاني: أنه لا يلزمه أن يتصدق إلا بالزائد على قيمته لو بيع على وجه جائز، وهذا على القول بوجوب فسخ البيع في القيام وتصحيحه بالقيمة في الفوات. والثالث: أنه لا يجب عليه أن يتصدق بشيء منه إلا على وجه الاستحباب مراعاة للاختلاف، وهذا على القول بأن البيع إن عثر عليه لم يفسخ، ويباع على المبتاع، وبالله التوفيق. [الروم إذا قدموا علينا برقة بالرقيق جعلوا من كل صنف عشرة] ومن كتاب الزكاة وسئل مالك فقيل له: الروم عندنا إذا قدموا علينا برقة بالرقيق جعلوا من كل صنف عشرة، فجعل ذلك أصنافا، ثم بدأ بأول صنف، فاختار منهم الرومي رأسا، ثم أخذ المسلمون من التسعة الباقية رأسا يختارونه منها، ثم يأتي إلى الصنف الآخر الثاني، فاختار منهم المسلمون رأسا ثم أتى إلى الصنف الثالث، فبدأ الرومي فاختار منهم رأسا، ثم اختار المسلمون من التسعة الباقية رأسا هكذا يفعلون، قد أحكموا ذلك وجعلوا كل صنف على حدته، فقال: أحكموه إحكام سوء. قال محمد بن رشد: إنما عاب هذا الفعل؛ لأن الغرر فيه بين فلا يجوز ذلك؛ «لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر» وإنما الواجب في ذلك أن يقسم

المصاحف توجد في كنائس الروم بأرض العدو من مصاحفهم والصلب الذهب والورق

الرقيق بينهم وبين المسلمين على سنة قسم الرقيق بين الشركاء؛ لأن المسلمين قد حصلوا إشراكهم فيها بالعشر باعوا أو لم يبيعوا، وهذا في أهل الحرب فتقوم كلها، فيضرب عليها بالسهام، فيخرج للمسلمين ما خرج في العشر بالقيمة رأس أو بعض رأس أو رؤوس، وبالله التوفيق. [المصاحف توجد في كنائس الروم بأرض العدو من مصاحفهم والصلب الذهب والورق] من سماع ابن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى بن دينار: وقال ابن القاسم: في المصاحف توجد في كنائس الروم بأرض العدو من مصاحفهم والصلب الذهب والورق، فقال: أما الصلب فيكسرونها، ثم تقسم ولا تقسم صلبا، وأما المصاحف فتمحى. قال محمد بن رشد: قد قال في غير هذا الموضع في المصاحف: إنها تحرق كما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه فعل بالمصحف إذ جمع الناس على مصحف واحد، فإن كان ينتفع بها بعد محوها فمحوها أولى لبقاء المنفعة فيها للمسلمين، وإن كان لا منفعة فيها بعد محوها، فحرقها أولى؛ لأنه أقل عناء، ولا تترك على حال دون أن تحرق أو تمحى، إذ لا يجوز أن تقرأ؛ لأنها مغيرة محرفة كما أخبر الله في كتابه العزيز حيث يقول: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 13] ، وقال عز وجل: {ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} [البقرة: 79] . [مسألة: الإمام يبيع السبي على أن هذا زوج هذه وهذه امرأة هذا] مسألة وقال ابن القاسم في الإمام يبيع السبي على أن هذا زوج هذه، وهذه امرأة هذا، يقول ذلك ثم يريد المشتري بعد ذلك أن

يفرق بينهما، إنه ليس له أن يفرق بينهما، قال: وإن باعهم الذين يجلبونهم أيضا يعني الربانيين على هذا أيضا، وقالوا: إن هذا زوج هذه، وهذه امرأة هذا أقرهم على ذلك، وليس له أن يفرق بينهما، وهذا الذي ليس فيه اختلاف من أحد. قال محمد بن رشد: قوله في الإمام إذا باع الرجل والمرأة من السبي على أنهما زوجان: إنه ليس للمشتري أن يفرق بينهما هو على ما ذهب إليه ابن حبيب في الواضحة من أن السباء يبيح فسخ نكاح الزوجين، فإن أسلما أو أسلم أحدهما قبل أن توطأ أقرا على نكاحهما، ولم يفسخ ثبتا سبيا معا أو مفترقين خلاف قول ابن القاسم وأشهب في المدونة: إن السباء يهدم نكاح الزوجين سبيا معا أو مفترقين، فعلى قولهما فيها لا سبيل إلى تركهم على ذلك النكاح إلا بنكاح جديد من مالكهم. وذهب ابن المواز إلى أن السباء لا يهدم نكاح الزوجين ولا يبيح فسخه سبيا معا أو مفترقين، فإن سبيت الأمة على مذهبه، ثم سبي زوجها أو قدم بأمان قبل أن توطأ بالملك فهو أحق بها، وذهب ابن بكر إلى أنه إن سبيت هي قبله فسخ النكاح بسببها، وإن سبي قبلها أو سبيا معا فاستبقا الزوج أقرا على نكاحهما، فهي أربعة أقوال: أحدها؛ إذا تقدم سبي أحدهما فلا فرق بين أن يسبى الآخر بعد ذلك، أو يقدم بأمان في حكم فسخ النكاح يجري ذلك على الاختلاف المتقدم، وإذا تقدم قدوم أحدهما بأمان، ثم سبي الآخر بعده فلا ينفسخ النكاح بإجماع، ويخير إن كانت هي التي قدمت أولا للرق الذي أصابه بالسباء ويعرض عليها الإسلام إن كانت هي التي سبيت آخرا إلا أن تعتق، إذ لا يصح أن تكون زوجة لمسلم وهي أمة كافرة؛ لقوله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] الآية، وبالله التوفيق.

حربي يقول لمعسكر المسلمين إن أعطيتموني امرأتي فلكم عندي أربعة من المسلمين

[حربي يقول لمعسكر المسلمين إن أعطيتموني امرأتي فلكم عندي أربعة من المسلمين] ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل ابن القاسم عن رومي سبيت امرأته فأتى حتى وقف قريبا من عسكر المسلمين فقال لهم: إن أعطيتموني امرأتي فلكم عندي أربعة من المسلمين أعطيكموهم نصهم بأسمائهم، فقالوا له: نعم، فذهب] فأتى بواحد، ثم آخر ثم آخر ثم جاء، فقال لهم: لم أقدر على الرابع، قال ابن القاسم: إما أن يعطوه امرأته، وإما أن يردوا إليه الثلاثة، قال عيسى: أحب إلي أن يردوا إليه امرأته، ولا يعطوه الثلاثة، ولا ينبغي لهم غير ذلك. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم ليس على ظاهره من التخيير بين الأمرين، وإنما معناه أنه لا بد من أحد الوجهين، فإذا لم يصح أحدهما لزم الثاني، وقول عيسى مبين لذلك؛ لأن قوله في أوله: أحب إلي ليس على ظاهره، ومعناه الوجوب، بدليل قوله في أخره: ولا ينبغي لهم غير ذلك، وهذا إذا كان لم يبرم العقد بينهم وبين الرومي على أن يعطوه امرأته ويعطيهم الأربعة من المسلمين، وإنما قالوا له: إن جئتنا بهم أعطيناك امرأتك، ولو انبرم العقد بينهم على هذا لكان الواجب إذا تحقق أنه لم يقدر على الرابع أن يكون له أن يأخذ امرأته، ويكون عليه قيمة ربعها على حكم الاستحقاق فيمن باع أمة بأربعة أعبد، فأعتق المشتري الأمة واستحق أحد الأعبد. ولو لم يتحقق أنه لم يقدر عليه لكان من حق المسلمين أن يحبسوا المرأة حتى يأتي بالرابع على أصولهم في أن من حق البائع أن يمسك سلعته حتى يستوفي جميع ثمنها. [مسألة: الربانين ما يؤخذ منهم في التجارة] مسألة وسئل ابن القاسم عن الربانين: ما يؤخذ منهم؟ فقال: الذي تأخذ به من ذلك إنما هو صلح ما اصطلحوا أن ينزلوا عليه من ثلث

أو ربع أو خمس أو عشر أو ما كان من الإمام في ذلك، قيل له: فإن نزلوا على العشر بصلح، فلم يوافقهم البيع ثم أرادوا الرجوع برقيقهم ومتاعهم فقال: يؤخذ منهم العشر، ولا يشبهوا أهل ذمتنا إذا أتوا لتجارة، فلم يوافقهم البيع أولئك لا يؤخذ منهم شيء إلا أن يبيعوا، قال ابن القاسم في سماع سحنون، وأصبغ ويمنعون من الوطء إن كان معهم جواري يحال بينهم وبين وطئهن حتى يباعوا للشرك الذي للمسلمين معهم باعوا أو لم يبيعوا أو فيما مات أو نقص، قال ابن القاسم: إلا أن يكونوا صولحوا على دنانير أو دراهم فلا يمنعوا من الوطء، وإن دخلوا من ذلك الموضع إلى غيره من سواحل المسلمين قبل أن يبيعوا لم يؤخذ منهم إلا ما أخذ. قال محمد بن رشد: قوله في الربانيين إنه يؤخذ منهم إذا قدموا للتجارة ما صولحوا عليه هو مثل قوله في المدونة وروايته عن مالك خلاف رواية علي بن زياد عنه فيها أن في تجار أهل الحرب العشر. ولا اختلاف في أن للإمام أن يمنعهم من دخول بلاد المسلمين للتجارة حتى يصالحوه على ما يأخذ منهم، وأنه إن صالحهم على أكثر من العشر لزمهم، ولم يكن لهم أن يؤدوا العشر، وإن صالحهم على أقل من العشر لزمه ولم يكن له أن يأخذ منهم أكثر مما صالحهم عليه، وإن أنزلهم على غير اتفاق ولا عادة جروا عليها أخذ منهم العشر، ولم يكن للإمام أن يزيد منهم على العشر ولا لهم أن ينتقصوه منه على القول: بأن ما صولحوا عليه يجب عليهم بدخولهم إلى بلاد المسلمين باعوا أو لم يبيعوا، وهذا لم يختلف فيه قول مالك ولا قول ابن القاسم، فاختلاف قول مالك في رواية ابن القاسم، وعلي بن زياد عنه في المدونة إنما يعود في هل للإمام أن ينزلهم ابتداء على أقل من العشر، أو دون اتفاق ويأخذ منهم العشر أم لا؟ فله ذلك على رواية ابن القاسم: وليس له ذلك على رواية علي بن زياد، فإن فعل لم يكن بين الروايتين اختلاف في أنه إن أنزلهم على أقل من العشر لم يكن له أن يأخذ منهم العشر، ولا في أنه إن أنزلهم دون اتفاق ولا جري عادة

مسألة: الضيافة على أهل الذمة ضيافة الثلاثة الأيام

جروا عليها أن يكون له أن يأخذ منهم أكثر من العشر إلا أن يرضوا بذلك، ولا أقل منه إن طلبوا ذلك؛ لأنه يكون تاركا لبعض حق المسلمين. وأما على قول ابن وهب في سماع أصبغ وأشهب في كتاب ابن المواز أنه لا يلزمهم أن يؤخذ منهم العشر، ولا ما صالحوا عليه إلا أن يبيعوا، فإن أنزلهم الإمام على غير إتقان ولا عادة جروا عليها فيصالحهم ما لم يبيعوا أو ينصرفوا، ولا يأخذ منهم شيئا، فإن لم يصالحهم حتى باعوا أخذ منهم العشر على كل حال، وقوله: إنهم يمنعون من الوطء صحيح؛ لأن المسلمين قد حصلوا إشراكا لهم بنفس نزولهم، وإن لم يبيعوا خلاف قول ابن وهب وأشهب. [مسألة: الضيافة على أهل الذمة ضيافة الثلاثة الأيام] مسألة قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: تطرح الضيافة على أهل الذمة ضيافة الثلاثة الأيام إذا لم يوف لهم. قال محمد بن رشد: معنى قول مالك في طرح الضيافة عنهم هو ما فسره به عيسى بن دينار في تفسير ابن مزين قال: يقول: إذا تعدى عليهم الإمام، وأخذ منهم أكثر من فرض عمر فلا يحل لأحد من المسلمين أن يستضيفهم، ولا يأكل لهم شيئا، وهو تفسير صحيح؛ لأن عمر إنما أوجب عليهم أن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا على أن يؤدوا المقدار الذي فرضه عليهم، فصار ذلك المقدار شرطا في وجوب الضيافة عليهم لمن مر بهم من المسلمين، فإذا لم يوف هم بالشرط، وأخذ منهم أكثر من ذلك سقطت عنهم الضيافة، فلا يحل لأحد أن يستضيفهم، ولا يأكل لهم شيئا. [مسألة: الجزية على أهل الذمة] مسألة قال مالك: ولا أرى أن يزاد عليهم في جزية جماجمهم على ما فرض عمر أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعين درهما على أهل الورق، فلا أرى أن يزاد عليهم، وإن أيسروا، واحتج بقول عمر:

قد فرضت لكم الفرائض، وسننت لكم السنن. قال محمد بن رشد: المروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه فرض الجزية على أهل الذمة أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعين درهما على أهل الورق، وذلك أرزاق المسلمين، وضيافة ثلاثة أيام. والذي كان يفرض عليهم في الأرزاق على ما حكى ابن وهب نحو قفيز قمح وثلاثة أثمان زيت في كل شهر، وشيء من عسل وكسوة لم يحد ذلك، فإرادته أنه لا يزاد عليهم فيما فرضه عليهم في الأرزاق مع الذهب أو الورق كما لا يزاد عليهم في الذهب ولا في الورق، والله أعلم، ولا اختلاف أعلمه في أنه لا يزاد عليهم على ما فرضه عمر، وإن أيسروا ولا ينقصونهم منه ما كان فيهم محتمل لذلك، فإن لم يكن فيهم محتمل لحمل المفروض عليهم في الأرزاق مع الذهب والورق لم يكن عليهم إلا الذهب أو الورق، واختلفوا إن ضعفوا عن حمل الأربعة دنانير أو الأربعين درهما، فقيل: إنه يسقط عنهم الجميع، وهو الظاهر من مذهب ابن القاسم، وقيل: إنهم يلزمون من ذلك بقدر احتمالهم ولا حد في ذلك، قاله القاضي أبو الحسن، وقيل: إن حد أقل الجزية دينار أو عشرة دراهم، وهذا في أهل العنوة الذين غلبوا على بلادهم وأقروا فيها لعمارة الأرض وفيمن استأمن على أن يكون من أهل ذمة المسلمين، وفيمن صولح على أداء الجزية مجملا دون تفسير، فإن صولحوا على أقل من ذلك أو أكثر مضى ذلك، ولزم الصلح على ما وقع عليه من قليل الجزية وكثيرها، هذا قول ابن حبيب وغيره: إن الجزية الصلحية لا حد لها في عدد ولا توقيت، وإنما هي على ما صالحوا عليه من قليل أو كثير على أن يدخلوا إلى بلاد المسلمين أو يقروا في بلادهم على دينهم إذا كانوا بحيث تجري عليهم أحكام المسلمين، وتؤخذ الجزية منهم عن يد وهم صاغرون، وهو كلام فيه نظر، والصحيح أنه لا حد لأقلها يلزم أهل

أسلف النصراني النصراني خمرا أو خنازير فأسلم المسلف

الحرب الرضى به؛ لأنهم مالكون لأمرهم، وأن لأقلها حدا إذا بذلوه لزم الإمام قبوله وحرم عليه قتلهم؛ لقوله عز وجل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] الآية ولم أر لأحد من أصحابنا حدا في ذلك، والذي يأتي على المذهب عندي أن أقلها ما فرض عمر على أهل العنوة، فإذا بذل ذلك أهل الحرب في الصلح على أن يؤدوه عن يد وهم صاغرون لزم الإمام قبوله وحرم عليه قتالهم، وله أن يقبل منهم في الصلح أقل من ذلك، وإن كانوا أغنياء، وقال الشافعي: أقل الجزية دينار، فإذا بذل الأغنياء دينارا حرم قتالهم، ولا قدر لأكثرها، يريد أنه ليس لكثرة ما يبذلونه في الصلح حد لا يجوز للإمام أن يتجاوزه بخلاف أهل العنوة الذي لا يجوز للإمام أن يتجاوز فرض عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [أسلف النصراني النصراني خمرا أو خنازير فأسلم المسلف] ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس وقال ابن القاسم: إذا أسلف النصراني النصراني خمرا، أو خنازير فأسلم المسلف كان عليه قيمة تلك الخنازير أو الخمر، وكذلك النصرانية تنتقد في صداقها خمرا أو خنازير، ثم تسلم قبل أن يبتنى بها وقد فات في يديها، فإنه يكون عليها غرم قيمة تلك الخنازير وتلك الخمر، قلت: فإن كان ذلك الخمر والخنازير عندها قائمة بعينها؟ قال: أرى أن تغرم قيمة ذلك وتكسر الخمر وتقتل الخنازير، قلت: فإن أسلم الذي أسلف الخمر والخنازير هل عليه أن يأخذ تلك الخنازير، فيقتلها أو تلك الخمر فيهريقها؟ قال ابن القاسم: أحب إلي أن تؤخذ الخمر والخنازير، فتكسر الخمر وتقتل الخنازير. قال محمد بن رشد: قوله في النصراني الذي يسلفه النصراني الخمر والخنازير، فيسلم إن عليه قيمة تلك الخنازير أو الخمر صحيح على قياس قوله

مسألة: أسلم نصراني إلى نصراني دنانير في خمر أو خنازير فأسلم أحدهما

في المدونة وغيرها في أن المسلم إذا استهلك الخمر للنصراني أن عليه قيمتها؛ لأنه بإسلافه مستهلك للخمر الذي دفع إليه، إذ لا يقدر أن يؤدي إليه خمره ولا خنازيره بعد إسلامه، ولم يذكر متى تقوم إن كان يوم قبضها أو يوم أسلم أو يوم يحل عليه السلف إن كان مؤجلا، والذي يجب أن يكون عليه قيمة ذلك يوم الحكم إن كان السلف حالا، وإن كان مؤجلا لم يحل بعد فقيمته يوم الحكم على أن يقبض عند أجله، وحكى ابن حبيب عن مالك من رواية مطرف عنه أنه لا شيء عليه إذا أسلم على أصله أيضا في المسلم يستهلك الخمر للنصراني إنه لا شيء عليه فيها، وكذلك النصرانية تنتقد في صداقها خمرا أو خنازير، فتسلم قبل البناء تشبه مسألة القرض؛ لأنها بإسلامها قبل البناء ينفسخ النكاح ويجب عليها أن ترد للزوج ما قبضت منه وهي لا تقدر على ذلك لإسلامها، فتلزمها القيمة، وذلك أبين إذا أسلمت والخمر والخنازير قائمة بيدها في الاستهلاك، ولا يجب عليها شيء على رواية مطرف عن مالك المذكور في الوجهين، وأما إذا أسلم الذي أقرض الخمر والخنازير فأخذ ذلك من النصراني، وقتل الخنازير وإراقة الخمر أولى من ترك ذلك كما قال وبالله التوفيق. [مسألة: أسلم نصراني إلى نصراني دنانير في خمر أو خنازير فأسلم أحدهما] مسألة قال: ولو أسلم نصراني إلى نصراني دنانير في خمر أو خنازير فأسلم أحدهما؟ قال: إذا أسلم الذي أسلم إليه الثمن رد الثمن إلى صاحبه، فإذا أسلم صاحب الثمن، فإن مالكا قال فيها: لا أدري، أخاف أن أظلم الرومي إن قضيت عليه برد الدنانير وعليه خمر أو خنازير، ولكن أرى أن تؤخذ الخمر منه وتكسر على المسلم، وتؤخذ الخنازير، فتقتل أو تطرح في مكان لا يخلص أحد إلى أكلها، يحتمل أن يكون من قول مالك، فيكون هو جوابه الذي ترجح عنده من الوجهين في المسألة بعد وقوفه فيها، ويحتمل أن يكون من قول ابن القاسم خلافا لماله في المدونة من أنه يقضى عليه برد رأس المال

مسألة: نصراني أعطى نصرانيا دينارا في دينارين إلى شهر فأسلم أحدهما

بمنزلة إسلامهما جميعا؛ لأنه حكم، قلت: فإن رضي النصراني أن يرد عليه دنانيره؟ قال: ذلك حلال لا بأس به. قال محمد بن رشد: توقف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا أسلم الذي له السلم وقال: أخاف أن أظلم الرومي إن قضيت عليه بخلاف ما عليه، ولم يتوقف إذا أسلم الذي عليه السلم، وهو يقضي للذمي بخلاف ماله؛ لأن له خمرا أو خنازير، وهو يقضي عليه أن يأخذ دنانير، والفرق بين الموضعين أنه إذا أسلم الذي له السلم لم يمكن أن يقضى على الذمي بما عليه؛ لأن ما عليه يجوز له ملكه، فلما كان يمكن أن يقضى عليه بما عليه خشي أن يظلمه إن قضى عليه بخلاف ما عليه، وإذا أسلم الذي عليه السلم لم يمكن أن يقضى عليه بالخمر والخنازير؛ لأنه مسلم لا يحل له ملك ذلك، فلما لم يكن ذلك كان القضاء عليه برد رأس المال ضرورة يبيح أن يقضى للذمي بخلاف ماله، كمن أسلم فيما له إبان فانقضى الإبان قبل أن يأخذ سلمه أنه يقضى له برأس ماله، إذ لا يمكن أن يقضى له بماله وقوله: ولكن أرى أن تؤخذ الخمر عنه، فتكسر على المسلم وتؤخذ الخنازير فتقتل وتطرح في مكان لا يخلص أحد إلى أكلها، يحتمل أن يكون من قول مالك، فيكون هو جوابه الذي ترجح عنده من الوجهين في المسألة بعد وقوفه فيها، ويحتمل أن يكون من قول ابن القاسم خلافا لماله في المدونة من أنه يقضى عليه برد رأس المال بمنزلة إسلامهما جميعا؛ لأنه حكم بين مسلم ونصراني، وأما إذا رضي النصراني المسلم إليه أن يرد على المسلم الذي أسلم إليه دنانيره فلا إشكال في أن ذلك حلال جائز كما قال، ولا يلزم المسلم ذلك إذا قال: أنا أريد أن آخذ الخمر أو الخنازير فأهريق الخمر، وأقتل الخنازير على القول بأن ذلك هو الذي يوجبه الحكم. [مسألة: نصراني أعطى نصرانيا دينارا في دينارين إلى شهر فأسلم أحدهما] مسألة قلت: فلو كان نصرانيا أعطى نصرانيا دينارا في دينارين إلى شهر فأسلم أحدهما أو جميعا؟ قال: إن أسلما جميعا لم يكن لصاحب

مسألة: تسالفا الخمر والخنازير ثم أسلما جميعا

الدينار إلا ديناره، وإن أسلم صاحب الدينار لم يحل له أن يأخذ إلا ديناره، وإن أسلم الذي عليه الديناران كان عليه غرم الدينارين إلى النصراني. قال محمد بن رشد: أما إذا أسلما جميعا أو أسلم الذي أسلم الدينار، فلا اختلاف في أنه لا يحل للمسلم إلا أن يأخذ ديناره، وإن أسلم صاحب الدينار لم يحل له أن يأخذ إلا ديناره، وإن أسلم الذي عليه الدينار لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] الآية. وأما إذا أسلم المسلم إليه، فقال ابن القاسم في المدونة إنه يرد إلى المسلم ديناره بمنزلة إسلامهما جميعا؛ لأنه حكم بين مسلم ونصراني خلاف قوله ها هنا، واختلاف قوله في هذه المسألة جار على الاختلاف في الكفار هل هم مخاطبون بشرائع الإسلام أم لا؟ فقوله ها هنا على أنهم غير مخاطبين بشرائع الإسلام؛ لأنك إذا قلت: إن الربا لا يحرم على الذمي وجب أن يحكم له به على الذي أسلم، وإذا قلت: إنه يحرم عليه لم يجز أن يحكم له به على الذي أسلم؛ لأن المسلم لا يجوز له أن يؤكل الربا كما لا يجوز له أن يأكله، وتوقف فيها مالك في المدونة وقال: أخاف أن أظلم الذمي إن قضيت له بدينار وله ديناران إذ لم يترجح عنده أحد القولين على الآخر. [مسألة: تسالفا الخمر والخنازير ثم أسلما جميعا] مسألة قال: وكذلك إذا تسالفا الخمر والخنازير إذا أسلما جميعا لم يكن على الذي عليه الخمر ولا الخنازير قليل ولا كثير. قال محمد بن رشد: وهذا عندي إذا أسلما معا أو أسلم المسلف قبل المسلف، وأما إن أسلم المسلف قبل المسلف فينبغي على قياس قول ابن القاسم في أول الرسم أن يكون عليه قيمة الخمر أو الخنازير للمسلم؛ لأن ذلك قد وجب له عليه بإسلامه قبل أن يسلم هو، فلا يسقط حقه بإسلامه، وقد

مسألة: نصراني أصدق نصرانية خمرا وخنزيرا وأسلم الزوج قبل البناء

مضى ما يدل على صحة هذا في أول الرسم لمن تدبره. [مسألة: نصراني أصدق نصرانية خمرا وخنزيرا وأسلم الزوج قبل البناء] مسألة قلت: فإن أسلمت النصرانية التي أخذت في صداقها الخمر والخنازير وأسلم زوجها قبل أن يبتني بها هل ترى أن يدخل بها بذلك الصداق، ويقدم لها ما يستحلها به؟ قال: النكاح ثابت، وأحب إلي أن يقدم إليها ما يستحلها به، قال عيسى: الذي آخذ به في هذا- وقد اختلف فيه- القول: أنه إذا دفع إليها ذلك، ثم أسلم قبل البناء، فإنه يدفع إليها ربع دينار ويلزمه النكاح، وإذا لم يدفع ذلك إليها حتى أسلم، فإنه يدفع إليها صداق مثلها ويلزمه النكاح، وإذا دفع إليها ودخل بها، ثم أسلم فلا شيء عليه، وإذا دخل بها ولم يدفع ذلك إليها وأسلم فإنه يعطيها صداق مثلها. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا، وعيسى بن دينار في النصراني يتزوج النصرانية على خمر أو خنزير، فيدفع ذلك إليها، ثم يسلمان قبل البناء هو مثل قول بعض الرواة في كتاب النكاح الثالث من المدونة إن النكاح ثابت، ولا خيار للزوج فيه، وخلاف له فيما يكون على الزوج؛ لأنه لم يوجب فيه على الزوج شيئا، واستحب ها هنا ابن القاسم أن يقدم إليها ما يستحلها به، وأوجب ذلك عليه عيسى، وخلاف لقول ابن القاسم في الكتاب المذكور من المدونة في الوجهين؛ لأنه قال فيه: إن شاء أن يدفع إليه مثلها ويدخل فذلك له، وإن أبى فرق بينهما، ولم يكن له عليه شيء، كمن نكح على تفويض، ولم يختلفوا إذا أسلما قبل البناء، وقبل أن يدفع ذلك إليها في أنه مخير بين أن يدفع إليها صداق مثلها ويدخل أو يفرق بينهما ولا شيء عليه، وأما إذا أسلما بعد البناء أو بعد أن دفع إليها ذلك، فلا اختلاف في أن النكاح ثابت ولا شيء عليه، واختلف إن كان إسلامهما بعد الدخول، وقبل أن يدفع إليها ذلك، فقال ابن القاسم في المدونة: يدفع إليها صداق مثلها، وقال سحنون: لا

مسألة: لحكم المسلمين أن يقضي بين أهل الذمة فيما يتظالمون فيه من الأموال

شيء عليه، فهذا تحصيل هذه المسألة؛ لأنها تنقسم على أربعة أقسام يتفق على الوجهين منها، وهما إذا كان إسلامهما قبل الدخول وقبل القبض، أو بعد الدخول وبعد القبض، ويختلف في الوجهين منهما، وهما إذا كان إسلامهما قبل الدخول وبعد القبض أو بعد الدخول وقبل القبض على ما قد ذكرناه في ذلك كله. وقول ابن القاسم في هذه المسألة في المدونة يأتي على قياس قول ابن أبي حازم، وابن دينار في النصرانيين يتبايعان الخمر والخنزير فيسلمان أو أحدهما قبل أن يقض البائع الثمن إنه ليس له قبضه بعد الإسلام، وقول بعض الرواة فيها وقول ابن القاسم وعيسى بن دينار في هذه الرواية يأتي على قياس قول أشهب والمخزومي وابن المواز إن له قبضه بعد الإسلام فتدبر ذلك. [مسألة: لحكم المسلمين أن يقضي بين أهل الذمة فيما يتظالمون فيه من الأموال] مسألة قلت: فهل لحكم المسلمين أن يقضي بين أهل الذمة فيما يتظالمون فيه من الأموال أو من البيوع والرهون والغصب؟ فقال: نعم، ذلك الذي يحق عليه، قلت: ففي أي شيء يترك الحكم بينهم؟ قال في حدودهم وعتقهم وطلاقهم وبيع الربا التي يتبايعون بها من الدرهم بالدرهمين، ونحو هذا ونكاحهم ووجه غير واحد، وأما القتل والجراح والغصب والأموال التي يتظالمون بها فإن على حكم المسلمين أن ينظر بينهم. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا موافق لما في المدونة وغيرها لمالك وأصحابه لا اختلاف بينهم في أن على حكم المسلمين أن يحكم بينهم فيما يتظالمون فيه، وأنه مخير فيما سوى ذلك من حدودهم ونكاحهم وطلاقهم وبيوع الربا التي يتبايعون بها فيما بينهم إن ترافعوا إليه إن شاء حكم بينهم في ذلك، وإن شاء ترك لقول الله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] الآية إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42] أي بحكم التوراة؛ لأن الآية نزلت في تحكيم اليهود النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اللذين

مسألة: نساء أهل الذمة الذين أخذوا عنوة هل يحل النظر لشعورهن

زنيا منهم فحكم عليهما بالرجم على ما في التوراة، فوجب أن يقاس على ذلك ما كان في معنى الحد من سائر شرائعهم، وأن يكون الإمام مخيرا في الحكم بينهم في ذلك إن حكموه فيه، وأما ما يتظالمون فيه فمن الحق على الإمام أن يحكم بينهم في ذلك، ويكف بعضهم عن بعض، وإن لم يحكموه في ذلك ويكف غيرهم أيضا عن ظلمهم؛ لأنه إنما أخذ الجزية منهم على ذلك، فهو من الوفاء بالعهد لهم، ولا اختلاف في ذلك بين أحد من أهل العلم، وقد قيل: إن قوله عز وجل: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] معناه عند مالك فيما يتظالمون فيه، وقيل: إن معناه في غير التظالم من الحدود وغيرها، وإن المراد بذلك إن حكمت على ما توجبه الآية الأخرى من التخيير، وأصح ما قيل في هذا أن قوله عز وجل: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] معناه وأن احكم بينهم بما أنزل الله في التوراة إن حكمت، وأن قوله عز وجل: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 48] في القرآن إن حكمت، وأن هذه الآية ناسخة الحكم بالتوراة لا التخيير في الحكم، إذ قد أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز الحكم بينهم إلا بما في القرآن، وقد قيل: إنهما ناسختان للتخيير في الحكم، وإنه لا يجوز للإمام ردهم إلى حكامهم إذا حكموه، وذهب إلى هذا بعض أهل العراق، وهو بعيد؛ لأن النسخ حكم مبتدأ لا يكون معطوفا على ما قبله، فعطف هاتين الآيتين على آية التخيير يدل على أنهما غير ناسختين لآية التخيير، والله أعلم. [مسألة: نساء أهل الذمة الذين أخذوا عنوة هل يحل النظر لشعورهن] مسألة وسئل ابن القاسم: عن نساء أهل الذمة الذين أخذوا عنوة مثل أهل مصر هل يحل للرجل أن ينظر إلى شعورهن؟ فقال: لا يحل لمسلم أن ينظر إلى شعورهن ولا إلى شيء من عوراتهن، فقيل له: أليس هن بمنزلة الإماء؟ قال لا: بل هن حرائر؛ لأن دية من قتل

اشترى جارية من الخمس فوجد معها مالا

منهن خمسمائة، ومن أسلم منهن كان حرا، فهن أحرار يحرم منهن ما يحرم من الأحرار. قال محمد بن رشد: حكم لأهل العنوة في هذه الرواية بحكم الأحرار، ووجه ذلك أنه جعل إقرارهم في الأرض لعمارتها من ناحية المن الذي قال الله تعالى فيه: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] والمن العتاقة، فعلى هذا تكون لهم أموالهم إذا أسلموا، وإلى هذا ذهب ابن حبيب في الواضحة، واحتج بظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أسلم على شيء فهو له» خلاف رواية سحنون بعد هذا. وتفرقة ابن المواز في ذلك بين ما كان بأيديهم يوم الفتح، وبين ما استفادوه بعد الفتح ليست جارية على قياس؛ لأن إقرارهم لعمارة الأرض إن كان عتقا لهم، فيجب أن يكون ما كان لهم من مال تبعا لهم بمنزلة ما استفادوه بعد ذلك، فلا ينزع منهم بإسلامهم، وإن لم يكن عتقا لهم، فلا يكونون بإسلامهم أحرارا ولا يكون لهم شيء من أموالهم، ووجه قول ابن المواز أنه جعل حكم ما كان لهم من المال يوم الفتح حكم الأرض في سقوط ملكهم عن ذلك كله، وذلك خلاف قول ابن القاسم في المسألة التي في رسم إن خرجت بعد هذا في الجارية التي بيعت في المغانم، ومعها دنانير أو دراهم إنها تكون للجيش إلا أن يستثنيه المبتاع على الحديث، فجعل العبد ملكا لما سبي معه من ماله حتى ينتزع منه، وقوله: لأن دية من قتل منهن خمسمائة يريد من حساب خمسمائة؛ لأن دية الرجال منهم خمسمائة والنساء على النصف من ذلك. [اشترى جارية من الخمس فوجد معها مالا] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق وسئل ابن القاسم عمن اشترى جارية من الخمس، فوجد معها مالا ما يصنع به؟ ولم يستثنه بمثل الاشتراء، قال ابن القاسم: إذا كانت دنانير أو دراهم أو أمرا لا يشبه أن يكون من هيئتها ولباسها

يدخل أرض العدو ويشتري امرأته جاهلا بها أو عالما أنها امرأته

فإنه لجماعة الجيش، وذلك أن الليث بن سعيد حدثني عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله عن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من باع عبدا فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» . قال محمد بن رشد: ظاهر دليل هذه الرواية إن ما كان من هيئتها ولباسها، فإنه للمبتاع، وإن كان كثيرا خلاف ما مضى في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد. والذي في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد هو الصحيح [إذ] لا يصح أن يكون للمبتاع من هيئتها ولباسها إذا كان كثيرا إلا إذا كان ذلك عليها عند البيع وعلم بذلك البائع على ما قد بيناه في سماع أشهب. قال ابن دحون: فلو أراد رد ما معها من مال ليس من هيئتها ولباسها، فوجد الجيش قد تفرق أخذه لنفسه، وقيل: يتصدق به، وقد مضى القول على هذا المعنى في مسألة الصليب من سماع أشهب. [يدخل أرض العدو ويشتري امرأته جاهلا بها أو عالما أنها امرأته] ومن كتاب أوله: إن أسلم وله بنون صغار وسئل ابن القاسم: عن الرجل يدخل أرض العدو، ويشتري امرأته جاهلا بها أو عالما أنها امرأته؟ قال إذا اشتراها وهو لا يعلم أنها امرأته كان ما اشتراها به دينا عليها يتبعها به، فإن كان اشتراها وهو يعلم أنها امرأته، فلا شيء عليها؛ لأنه كان يخلصها لنفسه. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يفدي امرأته من أرض العدو، وهو يعلم أنها امرأته: إنه لا يتبعها بما فداها به هو على معنى ما في المدونة في المكاتب يؤدي كتابته ومعه امرأته إنه لا يرجع عليها بشيء، قال ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن مالك وعن مطرف وابن الماجشون وابن القاسم إلا أن يكون فداها بأمرها، وطلبها فإنه يرجع عليها، قال فضل: معناه أن تقول له

النفر من العدو ينزلون بأمان فإذا فرغوا سرقوا عبيد المسلمين أو بعض الأحرار

افدني، وأعطيك الفداء، فيكون من جنس السلف، وظاهر قول ابن حبيب: أنه يرجع عليها بما فداها به إذا فداها بأمرها، وإن لم تقل له افدني وأنا أعطيك الفداء خلاف ما ذهب إليه فضل، وكذلك إذا فدى من بلاد الحرب من يعتد عليه، وهو عالم لا يرجع علميه بما فداه به على معنى ما في المدونة إذا كان معه في الكتابة، فأداها أنه لا يرجع عليه بشيء، وهو قول ابن حبيب في الواضحة أيضا إلا أن يفديه بأمره، فيرجع عليه، واختلف إذا فداه وهو لا يعلم أنه ممن يعتق عليه، فقال ابن حبيب: إنه لا يرجع عليه بخلاف الزوجة، وقال سحنون: إنه يرجع عليه كالزوجة، وأما ذوو المحارم الذين لا يعتقون عليه، فجعل ابن حبيب في الواضحة سبيلهم كسبيل الزوجين لا يرجع من فدى منهم صاحبه من بلد الحرب، وهو عالم به عليه بما فداه به إلا أن يأمره بذلك، وعلى معنى ما في المدونة في الذي يؤدي كتابته، ومعه فيها من ذوي محارمه من لا يعتق عليه أنه يرجع عليه إذا فداه من بلد الحرب علم به، أو لم يعلم أمره، أو لم يأمره كما لأجنبيين، وأما ذوو الرحم الذين ليسوا من ذوي المحارم، فلا اختلاف أعلمه في أنهم كالأجنبي، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة على المذهب، وقد مضى في أول سماع أشهب من كتاب الجهاد ما في خارجه من الخلاف في ذلك. [النفر من العدو ينزلون بأمان فإذا فرغوا سرقوا عبيد المسلمين أو بعض الأحرار] ومن كتاب أوله يدبر ماله وسئل ابن القاسم عن النفر من العدو ينزلون بأمان، فإذا فرغوا سرقوا عبيد المسلمين أو بعض الأحرار، واحتملوهم فذهبوا بهم، ثم رجعوا وهم معهم، فنزلوا على أمان، ولم يعرفوا فأرادوا أن يبيعوهم، قال: لا يتركوا وذلك، وأرى أن ينزعوا منهم، ولا يتركوا أن يبيعوا الأحرار، ويطؤا المسلمات، فكلم في ذلك، وقيل: إنهم قد صاروا حربا حين رجعوا إلى بلادهم، وقد حازوهم، واستأمنوا فنزلوا على أمان، فهو بمنزلة ما حازوا من أموال المسلمين، ثم استأمنوا وهو في أيديهم، فأبى ذلك وقال: ينتزعون منهم ولا يتركون أن يطئوا المسلمات ويبيعوا

الاشتراء من أرض الكنيسة تكون عرصة الكنيسة أو حائطا

الأحرار وعبيد المسلمين، وإنما مثل ذلك عندي مثل ما لو نزلوا بأمان فداينوا المسلمين ثم هربوا وخرجوا والدين عليهم، ثم رجعوا ونزلوا بأمان أليس يقضى عليهم بتلك الديون؟ قال: نعم يقضى عليهم وتؤخذ منهم، وكذلك هذا عندي. رجع ابن القاسم، وقال: لا إلا أن يخرجوا من أيديهم، وأرى أن يوفى لهم؛ لأنهم قد أحرزوهم ولا يتبعوا بما داينوا عليه المسلمين؛ لأن العهد والأمان شديد. قال محمد بن رشد: ولا ينبغي للإمام أن ينزلهم على قول ابن القاسم الأول على أن لا يؤخذ منهم شيء من ذلك إن سألوا الأمان على ذلك، فإن فعل ولم تكن به قوة على محاربتهم إن ردهم إلى مأمنهم أنفذ الشرط لهم، ولم ينتزع منهم شيئا من ذلك، من أجل ذلك إنهم قد نصوا ذلك نصا قاله ابن القاسم وأشهب في كتاب ابن حبيب. وهذا نحو ما روي عن ابن القاسم في أهل الحرب يقدمون بأمان للتجارة، فيشترطون ألا يرد عليهم إلا من جنون، أو جذام أو برص أن لهم شرطهم خلاف قول سحنون، وقال ابن الماجشون: لا ينفذ لهم الشرط، ويخيرهم الإمام على كل حال بين أن يؤخذ ذلك منهم، أو يردهم إلى حالهم من الحرب، وروى ابن وهب أن الشرط باطل، فيأخذ الإمام ذلك منهم كله ولا يخيرهم بين أن يطوعوا بذلك أو يردهم إلى حالهم من الحرب، ولم يقل ابن القاسم هل للإمام في القول الثاني إذا اطلع على ما في أيديهم من هذه الأشياء أن يخيرهم بين أن يردوها طوعا أو يردهم إلى حالهم من الحرب كما قال في آخر رسم الكبش من سماع يحيى في أهل الذمة، وينبغي أن يكون ذلك له قياسا عليها، وإن كان ذلك في أهل الذمة أبين لما قد ذكرناه فيها من المعنى، وبالله التوفيق. [الاشتراء من أرض الكنيسة تكون عرصة الكنيسة أو حائطا] ومن كتاب النسمة وسئل مالك عن الاشتراء من أرض الكنيسة تكون عرصة الكنيسة أو حائطا، فباع ذلك أسقف أهل تلك البلدة وهو الناظر لها

الأسير من العدو يصير لرجل من المسلمين فيفدي نفسه من سيده بوصيفة

والقائم عليها، فهل ترى للرجل أن يتعمد الاشتراء منها؟ فقال: لا إن كانت تلك القرية أخذت عنوة بغير صلح، فلا ينبغي للأسقف أن يبيع منها شيئا، ولا يشتري أحد منه؛ لأنها فيء الله على المسلمين، وإن كانت مما افتتح بصلح، فلا أرى بأسا إذا كانوا يودون ما عليهم من الصلح أن يبيعوا ما شاءوا. قال محمد بن رشد: أجاز ابن القاسم في هذه الرواية للرجل أن يشتري من أسقف البلدة الناظر فيها والقائم عليها ما باع من عراص الكنائس والحوائط المحبسة عليها إذا كانت الأرض أرض صلح، ومنع من ذلك في رواية أصبغ بعد هذا، فوجه إجازته لذلك في هذه الرواية أنهم أهل ذمة أقروا في بلادهم وأخذت منهم الجزية على أن يخلى بينهم، وبين إقامة شرائعهم وفعل ما يستبيحون فعله في أديانهم، فإذا قالوا: إن من ديننا جواز بيع عراص الكنائس والحوائط المحبسة عليها جاز ابتياع ذلك منهم كما يجوز ابتياع أرض من مات، وماله ممن قالوا: إن هذا هو وارثه في ديننا، وإن كان غير وارث عندنا، وسنتكلم في رواية أصبغ على وجه منعه من ذلك إذا مررنا بذلك إن شاء الله، وأما أرض العنوة، فلا يجوز لهم أن يبيعوا منها شيئا؛ لأن جميعها فيء الله على المسلمين: الكنائس وغيرها، وقد اختلف إذا تركوا فيها لعمارتها، فقيل: إنها تهدم، وقيل: إنها لا تهدم، ويباح لهم عمارتها على أنها ملك للمسلمين لا لهم، وبالله التوفيق. [الأسير من العدو يصير لرجل من المسلمين فيفدي نفسه من سيده بوصيفة] ومن كتاب الجواب وسألته عن الأسير من العدو يصير لرجل من المسلمين، فيفدي نفسه من سيده بوصيفة يدفعها إليه، فتستحق حرة يستحقها رجل أنها ابنته أصابها العدو، وقد لحق الأسير بأرضه أو لم يلحق، قال ابن القاسم: الجارية حرة ثم لا يتبع بشيء قليل ولا كثير؛ لأن الأسير وماله للمسلمين، فإن كان في ماله أحرار أو حرة وقد كان أحرزهما

في أرضه خلي سبيلهما، ولم يكن عليهما شيء، وكانا كما غنم المسلمون من ذلك مما كان العدو قد سبوه وأحرزوه، فهذه الجارية في مسألتك حرة على كل حال متى ما علم بذلك لا يتبع بشيء لا بثمن ولا بقيمة، ويرجع السيد على العلج بقيمة الجارية، بمنزلة عبد اشترى نفسه من سيده بجارية، أو مكاتب قاطع سيده بجارية فاستحقت فسيده يرجع عليه بقيمتها قيمة الجارية، فكذلك الأسير، وليس الأسير الذي يسبى فيما كان من الأحرار بمنزلة الذي يدخل بأمان، فإذا دخل بأمان وهم معه فهم له مال من ماله لا يعرض لهم فيه ولا يحال بينه وبين بيع ولا وطء، فإن اشتراهم أحد فهم أحرار لا يسترقون، ويتبعهم المشتري بالأثمان بمنزلة ما اشترى منهم بدار الحرب ويخرج بهم سواء. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أن الأسير الذي صار لرجل من المسلمين فدى نفسه من سيده بوصيفة له ببلد الحرب على أن يستخرجها ويدفعها إليه، فتستحق حرة إذا استخرجها ودفعها إليه، ولهذا قال: إن السيد يرجع عليه بقيمتها كالعبد يشتري نفسه من سيده بجارية يريد موصوفة، فتستحق أن السيد يرجع عليه بقيمتها، والوجه في ذلك أنها لم تكن عنده يوم افتدى بها نفسه حكم لها بحكم الموصوفة، ولو كانت عنده يوم فدى بها نفسه بأن تكون كانت سبيت معه، فلم تنزع منه حتى بيعت معه من هذا الرجل، فأخذها منه وسرحها لم يكن له عليه رجوع بقيمتها على مذهبه في المدونة فيمن أعتق عبده على جارية بيده فاستحقت بحرية منه أو ملك أنه لا رجوع له عليه بقيمتها؛ لأنه كأنه إنما انتزعها منه وأعتقه، وقوله: إن الجارية حرة بكون الأسير ملكا للمسلمين بالسباء إذا كان قد أحرزها في بلاد الحرب خلاف قول ربيعة في المدونة في الذي اشترى عبدا من الفيء، فدل سيده على ماله في أرض العدو أن ذلك المال مال حرب ليس للسيد، ولا للعبد فيه شيء ولا للجيش، إذا كان إنما دله عليه في جيش آخر، وخلاف مذهب ابن القاسم

باع من حربي في عهدة سلعة بدينار أو أسلفه دينارا فسبي الحربي

وروايته عن مالك في الذي أسلم في بلاد الحرب، وخرج مسلما وخلف أهله وماله وولده في بلد الحرب، فغزا المسلمون تلك الدار، فأصابوا أهله وماله وولده في بلد الحرب أنهم فيء لذلك الجيش، مثل قول بعض الرواة في كتاب النكاح: إن ملكه لا يسقط عن ماله فهو أحق به إن أدركه قبل القسم بغير الثمن وبعده بالثمن، وأما قوله في الذي يدخل بأمان، وبيده أسرى للمسلمين: إنه لا يعرض لهم فيه ولا يحال بينه وبينهم في بيع ولا وطء، فهو معلوم من مذهب ابن القاسم، وقد تقدم ذلك والقول فيه في سماع سحنون من الجهاد وفي غير ما موضع. [باع من حربي في عهدة سلعة بدينار أو أسلفه دينارا فسبي الحربي] ومن كتاب العتق وقال ابن القاسم في رجل باع من حربي في عهدة سلعة بدينار أو أسلفه دينارا، فسبي الحربي وأخذ له مال هل يكون المسلف أو البائع أحق بماله من الجيش، وإن كان الحربي قد استودع مسلما وديعة أو كانت له عليه دنانير من سلف أو بيع، قال: أما ما كان له من مال عند مسلم من وديعة أو بيع أو سلف أو غير ذلك، فحيثما وجد له مال فهو فيء لجميع المسلمين، فإن كان عليه دين، فغرماؤه أحق به إذا كان على ما ذكرت مما كان له في الإسلام من وديعة، أو دين وكل ما لم يوجب عليه بخيل، ولا ركاب، فأما ما أوجف عليه بالخيل والركاب، فالمسلمون أحق به من غرمائه وهو لهم. قال محمد بن رشد: مثل هذا في سماع أصبغ بعد هذا سواء والفرق بين ما كان له في بلد الإسلام، وبين ما غنم من ماله في بلاد الحرب أن من عامله أو أسلفه إنما عامله أو أسلفه على ما خرج به إلى بلد الإسلام لا على ماله في بلاد الحرب لامتناعه فيه، فلم يتعين له فيه حق، وقد وجب ذلك لمن غنمه لقوله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الآية ولا

علجين من أهل الحرب خرجا إلى دار الإسلام برقيق لهما فأسلم أحدهما

يعارض هذا ما في آخر كتاب التفليس من المدونة في المرتد يهرب بماله إلى بلد الحرب، فقاتل مع المشركين، فغنم المسلمون ماله أنه يبدأ فيه بما عليه من الديون، ويكون الباقي فيها للجيش؛ لأن الغرماء إنما عاملوه على ماله الذي هرب به، وقد كان وجب لغرمائه من الحق أن يبدءوا بحقوقهم فيه، فليس هروبه بالذي يسقط حقهم فيه، ولو هرب إلى بلاد الحرب بغير مال، فاكتسب فيه مالا وغنم المسلمون لما وجب لغرمائه فيه حق على هذا التعليل، ولو أن الحربي على قياس هذا لما استأمن عامل الناس، فاستسلفهم واشترى منهم بالديون، ثم هرب بماله إلى بلد الحرب فغنمه المسلمون، وعلم أنه المال بعينه الذي هرب به وعامله عليه المسلمون لوجب أن يبدءوا فيه بديونهم، ويكون الباقي فيئا لجميع المسلمين على حكم مال المرتد إذ ليس بملك معين على أصلهم فيما وجد في الغنيمة من أموال المسلمين أنه يقسم، وإن علم أنه للمسلمين إذا لم يعلم صاحبه بعينه وبالله التوفيق. [علجين من أهل الحرب خرجا إلى دار الإسلام برقيق لهما فأسلم أحدهما] ومن سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن علجين من أهل الحرب خرجا إلى دار الإسلام برقيق لهما ومنها ما من بلادهما، فلما خرجا إلى دار الإسلام أسلم أحدهما فقال: لو أقاما على النصرانية جميعا أو أسلما جميعا قسمت بينهما كل ما كان في أيديهما مما تداعيا فيه إلا أن يعرف ذلك في يد أحدهما دون صاحبه، فأما إذا أسلم أحدهما، فأمر المقيم على دينه إلى الإمام، والإمام فيما كان في أيديهما على مثل دعوى النصراني. وإن أقر النصراني أنه لا حق له في الرقيق والمتاع، وقد كان يعرف جميع ذلك في أيديهما لم ينتفع المسلم بذلك الإقرار؛ لأنه بمنزلة العبد، ولكن للإمام أن يقاسم المسلم إذا لم يعرف

لواحد منهما دون صاحبه، قيل له: فإن أنكر أولئك الرقيق أن يكونوا لهما أو في أيديهما أو ادعوا الحرية.؟ قال: فهم أجمعون بمنزلة واحدة لا يرق أحد منهم لصاحبه إلا أن يقوم لأحدهم بينة أن هؤلاء الرقيق أو بعضهم معروفون في يديه يستحقهم بذلك، قال ابن القاسم: ومن أسلم منهم فماله له، ولا سبيل عليه، ومن أقام على دينه وخرج بغير عهد فأمره إلى السلطان أن يضرب عليه الجزية أو يصنع في أمره أحسن ما يراه نظرا للعامة. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة والذي تكلم عليه فيها أن العلجين خرجا برقيق لهما بغير عهد ولا أمان، ولو خرجا بأمان وعهد لم يكن للإمام في رقيقهما كلام أسلما، أو لم يسلما، أو أسلم أحدهما؛ لأنها أموالهما لا يصح انتزاعها منهما أسلما أو لم يسلما فيقسمانها بينهما على كل حال، وإذا كانا قد خرجا بغير عهد ولا أمان، فأمرهما إلى السلطان؛ لأنهما وما في أيديهما من الرقيق فيء لأهل الإسلام أسلما أو لم يسلما؛ لأن من خرج بغير عهد، فأخذه الإمام فالنظر فيه إليه بما ينظر فيه في الأسرى إن رأى أن يقتله قتله، وإن رأى أن يسترقه استرقه، فإن أسلم حرم قتله، وبقي رقيقا للمسلمين، فقوله في هذه الرواية إن أسلما جميعا قسمت بينهما كل ما كان في أيديهما، وإن أسلم أحدهما فأمر المقيم على دينه إلى الإمام، ومن أسلم منهم فماله له ولا سبيل عليه معناه إذا كان إسلامهما أو إسلام من أسلم منهما قبل أن يعثر عليه، وبهذا التأويل تستقيم المسألة؛ لأن من أسلم منهما قبل أن يعثر عليه، فهو حر يكون له ماله، ولا سبيل إلى استرقاقه، ومن لم يسلم حتى عثر عليه وأخذ يكون هو وماله فيئا للمسلمين، وإن أسلم بعد ذلك، إلا أن قوله: لو أقاما على النصرانية جميعا [قسمت بينهما] كل ما كان في أيديهما، فإنه لفظ وقع على غير تحصيل، ويحتمل أن يكون معناه إذا رأى الإمام من النظر أن يعقد لهما الذمة، ويضرب عليهما الجزية ويقر أموالهما بأيديهما، فهذا مما للإمام أن يفعله إن رآه وجه النظر

مسألة: الرجل يصيب العدو امرأته ثم يدخل الرجل إلى أرض العدو للمفاداة

على ما قد مضى في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الجهاد. [مسألة: الرجل يصيب العدو امرأته ثم يدخل الرجل إلى أرض العدو للمفاداة] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يصيب العدو امرأته، ثم يدخل الرجل إلى أرض العدو للمفاداة أو التجارة، فيجد امرأته فتقول له: افدني وأنا أضع عنك مهري، ففداها ثم خرج بها أيكون مهرها موضوعا عنه؟ فقال: إن كانت قالت له: افدني ولم توقت شيئا للفدية لم يحل ما تعاملا عليه، فداها بمثل الذي كان عليه أو أقل أو أكثر من صنفه، أو من غير صنفه؛ لأنهما تخاطرا إذا لم تنص شيئا معلوما في فديتها تضع المهر به، فالمهر له لازم وغرم ما افتداها به لازم للمرأة تؤديه إلى الرجل، قال: فإن نصت شيئا معلوما يفديها به، فإنه ينظر إلى ما كان عليه من المهر، وإن كانت عليه دنانير، وسألته أن يفديها بدراهم لم يصلح ذلك بقليل الدراهم، ولا كثيرها إلا أن تقبض هي الدراهم على وجه المصارفة والاقتضاء للذي عليه من المهر، فيتصارفان فيه قبل أن يفترقا، ثم تدفع ذلك إليه يفديها به، قال: وكذلك إذا كان المهر دراهم، فسألته أن يفديها بدنانير تنصها؛ لأن الصرف يدخله وهو لا يحل إلا بالمناجزة وذلك إذا كان المهر حالا، قال: وإن كان الذي عليه الدنانير، فأمرته أن يفديها بدنانير على أن تضع المهر عنه، فإن كان المهر حالا فلا بأس أن يفديها بمثل الذي عليه لها من دنانير المهر، وبأقل وبأكثر بعد أن ينص ما يفديها به، فيخرجان من حد المخاطرة والقمار، وذلك إذا نصت ما تفدى به من الدنانير على أن تضع عنه مهرا حالا من دنانير، فإن كان الذي سألت أن تفدى به أقل من مهرها، فقد رضيت أن تقتضي من دين لها حال بعضه وتترك بعضه، وإن كان قدر المهر، فهو الاقتضاء بعينه، وإن نصت أكثر من المهر فرضي الزوج بذلك وهو حال عليه

فهو رجل قضاها حقها وتطوع لها بالزيادة في افتدائها، قال: وإن كان المهر دنانير أو دراهم لم تحل بعد لم يصلح له أن يفتديها بأقل من الذي عليه؛ لأنه إن كان بأقل كان من وجه الوضيعة عنه على تعجيل القضاء، وإن كان أكثر، فلا خير فيه؛ لأنه يدخله بيع الذهب بالذهب متفاضلا إلى أجل، وهو مما لا يحل، قال: وإن كان الذي عليه من المهر عروضا، فأسلك بها سبيل الذهب والورق إن أرادت أن يفتديها بمثل تلك العروض في جودتها وجنسها، ولا بأس إذا كانت عليه دنانير أو دراهم أن يفتديها من العروض بما أحب من قليل أو كثير، حل أجل المهر أو لم يحل إذا نصت ما تفتدي به من المهر، وكذلك إذا كان المهر عروضا، فلا بأس أن يفتديها بما أحب من العروض المخالفة التي عليه أو بالدراهم والدنانير بأقل من ذلك أو أكثر حل أجل المهر، أو لم يحل إذا كان في جميع ما وصفت لك تعجيل الفدية ولا يؤخرها، فإن تأخرت فيما أجزت له من اختلاف العروض واختلاف الدنانير والدراهم والعروض لم يصلح؛ لأن الدين بالدين يدخله، وإن كان المهر الذي عليه طعاما لم يصلح أن يفديها شيء من الأشياء غير صنف ذلك الطعام لا بقليل الفدية، ولا بكثيرها؛ لأن بيع الطعام قبل الاستيفاء يدخله، ولا بأس أن يفتديها من الطعام بمثل الذي وجب عليه لها من صنفه في قدر مكيلته حل أجل المهر أو لم يحل، وإن لم يحل الأجل لم يصلح أن يفتديها بأقل من المكيلة من صنف الطعام ولا بأكثر من المكيلة. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: وإن كان المهر دنانير أو دراهم لم تحل بعد ففداها بأكثر مما عليه، فلا خير فيه لأنه يدخله بيع الذهب بالذهب متفاضلا إلى أجل وهو مما لا يحل، ليس بصحيح؛ لأنه عجل لها حقها وزادها فلا يدخله شيء؛ لأن له أن يعجل العين بخلاف العرض، ولو كان المهر الذي عليه عرضا لم يجز أن يفتديها بأكثر منه ولا بأقل؛ لأنه في الأكثر حط عني

يهلك من أهل الصلح والعنوة ممن لا يدع وارثا يرثه أيرثه المسلمون

الضمان وأزيدك، وفي الأقل ضع وتعجل، وفي قوله آخر المسألة: ولا بأس أن يفتديها من الطعام بمثل الذي وجب عليه لها من صنفه في قدر مكيلته حل أجل المهر، أو لم يحل نظر؛ لأن من أسلم إلى رجل في طعام فلا يجوز له أن يأخذ منه في غير البلد قبل الأجل مثل طعامه، فلا يصح قوله إلا إذا أعطى الطعام في البلد الذي كان عليه الطعام فيه، وسائر المسألة كلها صحيح على أصولهم في البيوع بينة المعنى فلا وجه للكلام فيها. [يهلك من أهل الصلح والعنوة ممن لا يدع وارثا يرثه أيرثه المسلمون] ومن كتاب الصلاة وسئل ابن القاسم: عمن يهلك من أهل الصلح والعنوة ممن لا يدع وارثا يرثه أيرثه المسلمون عامة؟ فقال: أما أهل الصلح، فميراث من لا وارث له منهم من ذوي قرابته لأهل مواده لا يكون من مواريثهم شيء للمسلمين، وذلك أن موته لا يضع عمن بقي من أصحابه شيء مما صالحوا عليه فميراثه لهم وجزيته عليهم، وأما أهل العنوة فإن من مات منهم ولا وارث له من ذوي قرابته فميراثه للمسلمين، قيل له: كيف يعرف إن كان ترك وارثا أو لا وفرائضهم في سنتهم مخالفة لفرائضنا؟ فقال: ترد ذلك إلى أساقفتهم، فإن قالوا: ليس له وارث يرثه في ديننا من ذوي قرابته أخذ ميراثه للمسلمين، وإن قالوا: ترثه خالته أو عمته أو ذات رحم من جميع ماله في ديننا وفرائضنا، وإن تباعدت قرابتها وقرابة من ورثه من أساقفتهم من رجال قرابته أو نسائهم فذلك إليهم يدينونه. قال محمد بن رشد: قوله في أهل العنوة: إن من مات منهم ولا وارث له من ذوي قرابته، فميراثه للمسلمين هو مثل ما في سماع يحيى أيضا من كتاب الاستلحاق أنهم في موارثيهم وأهل الصلح سواء ومثل ما في الواضحة، وهذا يأتي على رواية عيسى عن ابن القاسم التي تقدمت في هذا الكتاب: أنهم أحرار ولا ينظر إلى شعور نسائهم، وتكون دية من قتل منهم

خمسمائة دينار، وعليه يأتي أيضا قول ابن حبيب في الواضحة: أن من أسلم منهم فماله له، ويلزم على قياس ذلك أن يمنعوا من هبة أموالهم والصدقة بها، وأن يحكم عليها بذلك للمسلمين، وهو ظاهر ما في كتاب الهبة والصدقة من المدونة إذ لم يفرق بين أهل العنوة وأهل الصلح كما فعل غير ابن القاسم، ولا يمنعوا من الوصايا بجميع أموالهم إلا إذا لم يكن لهم وارث من أهل دينهم وكان ميراثهم للمسلمين. ويأتي على رواية سحنون عن ابن القاسم بعد هذا أنهم في حكم العبيد المأذون لهم في التجارة، فيجوز لهم بيع رقيقهم، ولا يجوز لهم أن يهبوا أو يتصدقوا بشيء من أموالهم ولا يكون لهم منها شيء بإسلامهم؛ لأنهم لا يتوارثون، وميراث من مات منهم للمسلمين كان له وارث من قرابته أو لم يكن، وهو ظاهر قول سحنون في سماع عيسى من كتاب السلطان، ولا يحرم النظر إلى شعورهن، ويكون على من قتل أحدا منهم خطأ أو عمدا قيمته بالغا ما بلغت للمسلمين، ولا يجوز للمسلمين تزويج نسائهم، وإن كان لم يحرم ذلك في الرواية مراعاة للاختلاف، فالقياس على أصله في أنهم عبيد أن ذلك لا يجوز؛ لقوله عز وجل: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] ولا اختلاف في المذهب في أن الأرض للمسلمين لا يجوز لهم بيعها، ولا يكون لهم فيها ميراث، ولا يكون لهم إن أسلموا، وأما أهل الصلح فمذهب ابن القاسم أن أرضهم لهم يبيعونها ويورثونها، وتكون لهم إن أسلموا، كانت عليها جزية أو لم تكن، كانت الجزية على جماجمهم أو مجملة عليهم لا ينقصون منها شيئا بموت من مات منهم، وفرق في توارثهم بين أن تكون الجزية على جماجمهم أو مجملة عليهم فقال: إنها إن كانت على جماجمهم كان ميراث من مات منهم ولا وارث له من أهل دينه للمسلمين، ولم تجز له وصية إلا في ثلث ماله، وإن كانت الجزية مجملة عليهم لا ينقصون منها شيئا بموت من مات منهم كان ميراث من مات منهم ولا وارث له من أهل دينه لأهل مواده، وذهب ابن حبيب إلى عكس قول ابن القاسم في الطرفين، فساوى بين أن تكون الجزية على جماجمهم أو مجملة عليهم فقال: إنها إن كانت على جماجمهم كان ميراث

الروم يقدمون بالعبيد من فحوص الصقالبة

من مات منهم ولا وارث له من أهل دينه للمسلمين، ولم تجز له وصية إلا في ثلث ماله، وإن كانت الجزية مجملة عليهم لا ينقصون منها شيئا بموت من مات منهم كان ميراث من مات منهم ولا وارث له من أهل دينه لأهل مواده، وذهب ابن حبيب إلى عكس قول ابن القاسم في الطرفين، فساوى بين أن تكون الجزية على جماجمهم أو مجملة عليهم في أن من مات منهم ولا وارث له من أهل دينه، فميراثه للمسلمين، وفرق بين أن تكون الجزية على جماجمهم أو مجملة عليهم في حكم أرضهم فقال: إنها إن كانت على جماجمهم كان لها حكم أموالهم يبيعونها وتكون لهم إن أسلموا عليها ويتوارثونها إلا أن لا يكون لهم وارث من أهل دينهم، فيرثه المسلمون، وإن كانت مجملة عليهم كانت موقوفة للخراج لا يكون لهم أن يبيعوها، ولا يكون لمن أسلم منهم أرضه، ولا يكون للمسلمين أرض من مات منهم ولا وارث له من قرابته؛ لأنها موقوفة للخراج على كل حال، وروى ابن نافع عن مالك أنه يجوز لهم بيع أرضهم إلا أن تكون على الأرض جزية، فيأتي في بيع أرضهم ثلاثة أقوال: أحدها: أن لهم أن يبيعوها على كل حال، وهو مذهب ابن القاسم، والثاني: الفرق بين أن تكون الجزية على جماجمهم أو مجملة عليهم، وهو قول ابن حبيب، والثالث: الفرق بين أن تكون على الأرض جزية أو لا يكون عليها جزية، وهو قول مالك في رواية ابن نافع عنه، واختلف ابن القاسم وأشهب إذا باع الصلحي أرضه وعليها جزية، فقال أشهب: يكون الخراج على المبتاع ما لم يسلم البائع أو يموت، وقال ابن القاسم: يبقى الخراج في الأرض على البائع كما كان عليه، ولا يجوز أن يشترطه على المبتاع، فإن اشترطه عليه فسد البيع. [الروم يقدمون بالعبيد من فحوص الصقالبة] ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع قال يحيى: قال ابن القاسم في الروم يقدمون بالعبيد من فحوص الصقالبة: إنه ينبغي للإمام أن يمنعهم من بيع أولئك الرقيق من غير المسلمين، لا يبيعونها من اليهود ولا من النصارى ولا من

المجوس لا صغيرا منهم ولا كبيرا، وذلك أنهم يصيرون إلى دين من ملكهم. قلت له: أرأيت من وجد في يد اليهود والنصارى قد اشتروهم أيردوا على الروم الذين باعوهم منهم؟ قال: بل يباعوا على الذين وجدوا في أيديهم من اليهود والنصارى، قيل له: أرأيت إن وجدوا قد تهودوا أو تنصروا؟ قال: أرى إذا صاروا إلى غير دين الإسلام أن يقروا في أيدي الذين اشتروهم يهودا كانوا أو نصارى أو مجوسا، وذلك أنهم لم يكونوا يجرون على الإسلام لو ملكهم المسلمون، فإن تهودوا أو تنصروا، فلا أرى أن يباعوا على من ملكهم من أهل الكتاب أو المجوس؛ لأنهم إنما يمنعوا من ملك المسلمين، قال: وإذا تقدم إليهم ألا يشتروهم، ثم تعدوا واشتروا ووجدوا في أيديهم قد تنصروا أو تهودوا رأيت أن يعاقب الذين هوّدوهم أو نصّروهم ويُنَكَّلُوا حتى لا يعودوا إلى مثل ذلك. قال محمد بن رشد -: في المدنية لمالك من رواية ابن القاسم عنه أنهم لا يمنعون من بيعهم منهم، قال ابن القاسم: وإنما رأيت مالكا أجاز للروم بيع الصقالبة من النصارى واليهود بموضع عهدهم الذي نزلوا عليه، فهم يصنعون بما في أيديهم ما أحبوا، ولو أرادوا أن يردوهم إلى بلادهم كان ذلك لهم، ولم يحل لك منعهم، فكما كان يجوز لهم أن يردوهم، فكذلك يجوز لهم أن يبيعوهم ممن أحبوا ابتغاء الفضل لما قدموا به، وهذا وجه ما رأيت مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - نحا إليه، فإذا أوجب على الإمام في هذه الرواية أن يمنعهم من بيعهم من غير المسلمين، فكذلك يجب عليه على مذهبه فيها أن يمنعهم من الرجوع بهم إلى بلادهم خلاف رواية سحنون بعد هذا، وإذا أوجب ذلك عليه في المجوس فأحرى أن يجب ذلك عليه فيمن أسلم من رقيقهم، فرواية

إذا أسلم أهل العنوة حكم أموالهم أخذ منهم دراهمهم ودنانيرهم وعبيدهم

يحيى هذه مخالفة ما في سماع سحنون وعيسى من هذا الكتاب وخلاف ما في سماع سحنون أيضا من كتاب الجهاد أن لهم أن يرجعوا من أسلم من رقيقهم ولا يحال بينهم وبين ذلك. وقوله في هذه الرواية: إنهم يباعون على الذين وجدوا في أيديهم من اليهود والنصارى خلاف ما تقدم في رسم "الشجرة تطعم بطنين" من سماع ابن القاسم، وقد مضى هنالك ما في ذلك من الاختلاف، ولم يفرق في هذه الرواية أيضا بين صغار المجوس وكبارهم مثل ما يأتي في سماع أصبغ بعد هذا خلاف ما مضى في سماع ابن القاسم، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز في أول سماع أصبغ من كتاب الصلاة، وقد اختلف في المسلم يشتري المجوسي من المستأمن أو من الذمي، فيسلم عنده ثم يجد به عيبا، فقيل ذلك فوت ويرجع بقيمة العيب، قاله ابن الماجشون وأشهب، وقيل: ليس بفوت ويرد عليه، ثم يباع عليه ثانية، قاله ابن القاسم، والقولان جاريان على الرد بالعيب هل هو نقض بيع أو ابتداء بيع، وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم وأشهب. [إذا أسلم أهل العنوة حكم أموالهم أخذ منهم دراهمهم ودنانيرهم وعبيدهم] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: قال ابن القاسم: قال مالك: إذا أسلم أهل العنوة أخذ منهم دراهمهم ودنانيرهم وعبيدهم، وكل مالهم، فقلت لابن القاسم: فيجوز بيع رقيقهم؟ فقال لي: أراه جائزا من قبل أن أمرهم كأنهم إنما تركوا على ذلك وكأنهم أذن لهم في التجارة، فإنما يمنعوا من أن يهبوا أو يتصدقوا أو يفسدوا أموالهم، فقلت له: فتزويج بناتهم؟ فقال: ما أحبه، وإني لأتقيه، وما أراه حراما. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن أهل العنوة

مسألة: الروم إذا نزلوا للتجارة معهم رقيق مجوس

إذا أسلموا لا يكون لهم مالهم، ويؤخذ منهم صحيح على أصله فيها أنهم في حكم العبيد المأذون لهم في التجارة، وقال ابن حبيب: إذا أسلموا كان لهم مالهم، ولم ينتزع منهم لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أسلم على شيء فهو له» . وهو الذي يأتي على ما مضى في رسم لم يدرك من سماع عيسى من أنهم أحرار، وقد مضى القول على ذلك هنالك، وعلى قول ابن المواز في تفرقته بين ما كان بأيديهم يوم الفتح، وبين ما استفادوه بعد ذلك، ومضى في رسم الصلاة من سماع يحيى ما فيه بيان هذه المسألة. [مسألة: الروم إذا نزلوا للتجارة معهم رقيق مجوس] مسألة وسألته عن الروم إذا نزلوا للتجارة معهم رقيق مجوس، فنزلوا على أن لنا العشر، ثم أرادوا الانصراف، قال: يقاسمون ويؤخذ منهم ما صار للمسلمين، وينقلبون بما بقي، قلت: فإن أسلم الرقيق كلهم، ثم أرادوا الرجوع بهم؟ قال: ذلك لهم بعد أن تؤخذ عشرهم، واحتج بمسألة الروم الذين أرسلوا إلى أمير المؤمنين، واحتج بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أبي جندل. قال محمد بن رشد: هذا المعلوم المشهور من مذهب ابن القاسم، وحجته بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أبي جندل ليست ببينة؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما رد أبا جندل بالشرط الذي كان صالح عليه أهل مكة، ولا شرط للروم علينا في الرجوع بمن أسلم من رقيقهم، وقد ذكر ابن حبيب: أن قول ابن القاسم هذا لم يتابعه عليه أحد من أصحاب مالك، وقد مضى في رسم "يشتري الدور والمزارع" من سماع يحيى ما هو خلاف لقول ابن القاسم هذا مثل ما ذهب إليه ابن حبيب، فقف على ذلك.

مسألة: أرض الصلح إذا صالحوا على ألف دينار يكون عليهم في كل عام

[مسألة: أرض الصلح إذا صالحوا على ألف دينار يكون عليهم في كل عام] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن أرض الصلح إذا صالحوا على ألف دينار يكون عليهم في كل عام أهو مثل أن يصالحوا على أن على جماجمهم دينارين وعلى الأرض مبذر كذا وكذا، وعلى كل زيتونة كذا وكذا أهو سواء؟ قال: نعم، هو كذلك عندي يجوز لهم بيعها، وإذا أسلموا عليها وضعت عنهم الجزية. قال محمد بن رشد: ساوى ابن القاسم في هذه الرواية في جواز بيع أرض الصلح بين أن تكون الجزية مجملة عليهم أو مقصوصة على جماجمهم وعلى الأرض، أو على جماجمهم دون الأرض، وقد مضى ما في هذا من الاختلاف وتحصيل القول فيه في رسم الصلاة من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته هنا، وبالله التوفيق. [الرهبان إذا كانوا في أرض الإسلام هل عليهم جزية] من سماع عبد الملك بن الحسن من أشهب وابن وهب قال عبد الملك: سئل أشهب: عن الرهبان إذا كانوا في أرض الإسلام هل عليهم جزية كانوا في صوامع أو غيرها؟ فقال: كل شيء وقع عليه اسم الترهيب فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في أول سماع أشهب من كتاب الجهاد، فلا معنى لإعادته هنا، والله الموفق. [مسألة: عن الرجل تكون أمه نصرانية عمياء فتسأله المسير معها إلى الكنيسة] مسألة وسئل عن الرجل تكون أمه نصرانية عمياء، فتسأله المسير معها إلى الكنيسة، هل ترى له سعة في المسير بها إلى الكنيسة؟ فقال: لا أرى بأسا أن يسير بها حتى يبلغها، ولا يدخلها الكنيسة فقيل له:

مسألة: بيع رقيق اليهود من النصارى ورقيق النصارى من اليهود

أفيعطيها نفقة لعبدها؟ قال: نعم يعطيها نفقة لطعامها وشرابها ولا يعطيها ما تعطي في كنيستها. قال محمد بن رشد: رأى المسير معها إلى الكنيسة أحق من أن يعطيها ما تعطي فيها؛ لأن مسيره معها إلى الكنيسة لا منفعة فيه للكنيسة، وإنما هو عون لأمه على الوصول إليها، وإعطاؤها ما تعطي في الكنيسة منفعة لها وسبب لعمارتها بمثابة أن لو أعطى ذلك هو فيها، وفي المبسوطة لمالك: أنه لا يسوغ له أن يسير معها إلى الكنيسة، وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك، وقد بين في رسم تسلف في المتاع والحيوان المضمون من سماع ابن القاسم وجه الاختلاف في ذلك. [مسألة: بيع رقيق اليهود من النصارى ورقيق النصارى من اليهود] مسألة وسألت ابن وهب: عن بيع رقيق اليهود من النصارى، ورقيق النصارى من اليهود هل ترى ذلك واسعا؟ قال: لا ينبغي ذلك ولا يجوز، وسئل عنها سحنون فقال: ذلك مكروه، وإنما كره ذلك من ناحية العداوة التي بينهم. قال محمد بن رشد: هذه المسألة متكررة في هذا السماع من كتاب جامع العيوب. والعداوة هنا عنها هي ما أخبر الله به من قول بعضهم في بعض للتنافس الذي بينهم إذ هم جميعا أهل الكتاب فقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113] يريد: كل طائفة منهما ليست لصاحبتها على شيء منذ دانت دينها وكفرت اليهود بعيسى والنصارى بموسى صلى الله عليهما، فكذب الله الطائفتين بقوله: {وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} [البقرة: 113] يريد التوراة والإنجيل؛ لأن التوراة تصدق

العبد النصراني يباع من أهل دينه من أهل الحرب

بعيسى والإنجيل يصدق بموسى كما أنهما جميعا يصدقان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فإن وقع ذلك، ففي كتاب ابن سحنون عن أبيه: أنه يجبر على بيعه، وروى ذلك زياد عن مالك، ولا يدخل ذلك من الاختلاف ما دخل في النصراني يشتري المسلم على ما مضى في رسم أوله يشتري الشجرة تطعم بطنين من سماع ابن القاسم، وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك مخالف لما في سماع ابن القاسم والمدونة من إجازة بيع كبار المجوس من اليهود والنصارى؛ لأن الدينين مختلفان أيضا، وليس ذلك بصحيح، إذ لا تنافس بين المجوس وأهل الكتاب، إذ ليسوا بأهل كتاب، ولا جاء بعداوتهم نص كتاب الله تعالى. [العبد النصراني يباع من أهل دينه من أهل الحرب] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيوع الثاني قال يحيى: وسئل ابن القاسم عن العبد النصراني يباع من أهل دينه من أهل الحرب، قال: لا أرى ذلك، أخاف أن يكون عورة على المسلمين، ودليلا على ذلك، ولولا ذلك لم أكرهه إذا ثبت على دينه، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: قد بين ابن القاسم وجه كراهيته لذلك بيانا لا زيادة عليه، وبالله التوفيق. [نصراني دفع إلى نصراني طيرا صاده بأن يبيعه ويجعل ثمنه في الكنيسة] ومن كتاب الجامع وسئل ابن القاسم عن نصراني دفع إلى نصراني طيرا صاده بأن يبيعه ويجعل ثمنه في الكنيسة، فمر به على مسلم فسأله فأخبره قصته، وما أمر به في ثمنه فأراد المسلم شراءه، قال: أرى ذلك خفيفا، قال أصبغ: لا يعجبني ولا أراه في سعة، وأراه في إثم وحرج، وأراه عونا على شرائع الكفر وتعظيم الكنائس وعمارتها، والذي يفعل هذا وشبهه مسلم سوء مريض الإيمان.

مسألة: الديارات وما يباع منها إذا باعها أسقف الكنيسة في خراجها وفي مرمة الكنيسة

قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم محض القياس، وقول أصبغ نهاية الورع، وقد مضى في رسم تسلف من سماع ابن القاسم ما يدل على توجيه كل واحد من القولين. [مسألة: الديارات وما يباع منها إذا باعها أسقف الكنيسة في خراجها وفي مرمة الكنيسة] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم قال في الديارات: وما يباع منها إذا باعها أسقف الكنيسة في خراجها وفي مرمة الكنيسة، وإنها حبست تلك الأرض في صلاحها إنه لا يباع منها شيء ولا يجوز شراؤه لمسلم، ولا يجوز لهم في أحباسهم التي يحبسونها على وجه التقرب إلا ما يجوز للمسلمين في أحباسهم، قال أصبغ مثله في المسلم لا يشتريه على حال نحو التي فوقها، قال: ولا يحكم حكم المسلمين في منع بيعها ولا رده ولا الأمر به، ولا إنفاذ حبسها ولا جوازه ولا أرى أن يسعه ذلك. قال محمد بن رشد: لم يجز ابن القاسم في هذه الرواية للرجل أن يشتري من أسقف أهل بلدة الصلح الديارات المحبسة على إصلاح الكنائس إذا باعها في مرمتها أو في خراجهم خلاف ما مضى من قوله في رسم النسمة من سماع عيسى، والوجه في ذلك أنه لو تنازع فيها الذي حبسها والأسقف، فأراد الذي حبسها أن لا تباع تلك الديارات بغير اختيار محبسها وتبقى موقوفة على ما حبسها عليه من أن تكون غلتها في إصلاح الكنيسة، وأراد الأسقف أن يبيعها في إصلاح الكنيسة أو فيما لزمهم من الخراج وتحاكموا في ذلك إلى حكم المسلمين ورضوا بحكمه لكان الواجب عليه إن اختار أن يحكم بينهم بحكم المسلمين الذي هو أن لا تباع الديارات بغير اختيار محبسها إذ لم يطلق ذلك فيها، وإنما أراد أن تكون موقوفة لا تباع، وهذا معنى قول ابن القاسم لا يجوز لهم في أحباسهم التي يحبسونها على وجه التقرب إلا ما يجوز للمسلمين في أحباسهم؛ لأن المحبس لها لو أراد أن يرجع فيما حبس على الكنيسة لما جاز

مسألة: العدو يداينون المسلمين إلى أن يرجعوا من قابل

ذلك له، ويمنعه من ذلك حاكم المسلمين، هذا ما لا يصح أن يكون، ابن القاسم أراده كما تأول أصبغ عليه؛ لأن التحبيس على الكنيسة معصية لله لا طاعة له، ولا يحل أن يحكم على من أوجب على نفسه معصية بتنفيذها، وإذا لم يكن للأسقف أن يحكم على المحبس ببيع ما حبس بغير اختياره لم يجز للمسلم أن يبتاع ذلك منه كما قال ابن القاسم لا سيما إن باع ذلك في مرمة الكنيسة لما في ذلك من العون لهم على عمارة كنائسهم، وإن كان ذلك عند ابن القاسم خفيفا على ما قاله في المسألة التي قبل هذه وقول هذه، وقول أصبغ في المسلم لا يشتريه على حال نحو التي فوقها يريد مسألة الطائر إنما يصح في الذي يبيع لمرمة الكنيسة لما في ذلك من تعظيم الكنائس وعمارتها، وأما الذي يبيع في الخراج فلا وجه لمنعه من ذلك على أصله في إنكار قول ابن القاسم ورد علته. [مسألة: العدو يداينون المسلمين إلى أن يرجعوا من قابل] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب يقول في العدو يداينون المسلمين إلى أن يرجعوا من قابل، فيرجعون فيقولون: لا ننزل إلا على أن لا تعدوا علينا غرماءنا فقال: لا ينبغي للإمام أن ينزلهم على ذلك، قيل له: فإن أنزلهم على ذلك فقام الغرماء، فقال: أرى أن يعديهم القاضي على حقوقهم ويخير الآخرين، فإن أحبوا أن يبيعوا باعوا، وإن أحبوا أن يذهبوا ذهبوا، فإن ذهبوا لم يؤخذ منهم العشر حتى يبيعوا، فإذا باعوا أخذ منهم العشر، قال أصبغ: وإن رفعوا إلى غيرها من سواحل المسلمين فاشتروا تجارة لم يؤخذ منهم إلا ما أخذ. قال محمد بن رشد: قوله: إن الإمام إذا أنزلهم على أن لا يعدي عليهم بالحقوق التي عليهم لا ينفذ ذلك لهم، ويعدي عليهم بما عليهم من الحقوق صحيح لا ينبغي أن يختلف فيه؛ لأنهم اشترطوا إسقاط ما قد أوجبوه على أنفسهم، وإنما اختلف إذا هربوا بالديون التي عليهم، ثم نزلوا على أن لا

مسألة: ما يكون للحربي من مال عند مسلم من وديعة أو سلف أو بيع

يعدي عليهم بها على ما قد ذكرناه من الاختلاف في ذلك في رسم زيد من سماع عيسى، فقف على ذلك، وأما قوله: إنه لا يؤخذ منهم العشر إلا أن يبيعوا فهو خلاف مذهب ابن القاسم في المدونة، وكتاب ابن المواز في رسم أوصى من سماع عيسى مثل ما لأشهب في كتاب ابن المواز، وقول أصبغ: وإن رفعوا إلى غيرها من سواحل المسلمين فاشتروا تجارة لم يؤخذ منهم إلا ما أخذ، يريد إلى غيرها من سواحل المسلمين في ذلك الأفق، ولو كان الساحل الذي رفعوا إليه في أفق آخر لوجب أن يؤخذ منهم فيه العشر إن اشتروا أو باعوا على مذهب ابن وهب، وعلى مذهب ابن القاسم باعوا أو لم يبيعوا وبالله التوفيق. [مسألة: ما يكون للحربي من مال عند مسلم من وديعة أو سلف أو بيع] مسألة قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: كل ما يكون للحربي من مال عند مسلم من وديعة أو سلف أو بيع وحيث ما وجد له مال مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، ثم سبي بعد ذلك فهو فيء للمسلمين، وإن كان عليه دين فغرماؤه أحق به، وإن كان ما أوجف عليه الخيل والركاب، فالمسلمون أحق به من غرمائه وهو لهم فيء. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة، ومضى القول فيها في رسم العتق من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: المسلم يشتري العبد المجوسي من المجوسي هل يجبره على الإسلام] مسألة وسئل أصبغ: عن المسلم يشتري العبد المجوسي من المجوسي مثل المجوس الذين يكونون بالعراق بين ظهراني المسلمين قد ثبتوا على مجوسيتهم هم وعبيدهم فيبيع الرجل منهم العبد من المسلمين هل على المسلم أن يجبره على الإسلام؟ قال: لا ليس ذلك عليه إنما

هذا فيمن يشتري المسلمون من السبي من الصقالبة وغيرهم من سبي المجوس، فأولئك الذين يجبرون على الإسلام. قال محمد بن رشد: قوله في أهل الذمة من المجوس الذين قد ثبتوا على مجوسيتهم: إنه لا يجبر من اشترى من عبيدهم يريد الكفار على الإسلام صحيح؛ لأن المسبيين منهم إنما أجبروا على الإسلام من أجل أنهم لم يفقهوا دينهم، ولا عقلوه لما هم عليه من الجهل فكان لهم في ذلك حكم الصغار، ولم يفرق في هذه الرواية في المسبيين منهم بين الصغار والكبار في أنهم يجبرون على الإسلام، بل ظاهر قوله: أنه إنما تكلم على الكبار دون الصغار كما فعل في الذميين، فهو خلاف ما مضى في رسم الشجرة تطعم بطنين من سماع ابن القاسم، والحمد لله، اللهم عونك يا معين.

كتاب تضمين الصناع

[كتاب تضمين الصناع] [يستعمل القلنسوة من الخياط فيبيعها الخياط فيأتي صاحبها فيريد إمضاء البيع]

من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب قطع الشجر قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سئل مالك عن رجل يستعمل القلنسوة من الخياط، فيبيعها الخياط، فيأتي صاحبها فيريد إمضاء البيع وأخذ الدراهم من الخياط وأخذ قلنسيته من الذي اشتراها إذا عرفها، قال: أما قبض الدراهم من صاحب القلانس، فلا أرى ذلك؛ لأنه كان ضامنا لها حتى يوفيه إياها، وأرى عليه مثلها بعملها له، ولو لم تفت القلنسوة عند مشتريها فشاء أن يأخذها أخذها، قال ابن القاسم: لا أرى مالكا أجاب فيها إلا أنها كانت مضمونة على الخياط بصفة، فأما أن تكون خرقته بعينها استعملها إياه، فله أن يأخذ الثمن الذي باعها به أو قيمتها إن كانت القيمة أكثر من الثمن الذي باع به. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة على ما حملها عليه ابن القاسم وذهب إليه في تأويلها محمد بن المواز: أن القلنسية كانت مضمونة على الخياط، وأن الخياط لما أكملها على الصفة التي استعمل عليها أشهد أنها لفلان، ثم باعها، فلم ير مالك أن يجيز بيعها ويأخذ الدراهم التي أخذ الخياط فيها إذا كانت قد فاتت عند المشتري؛ لأنها إذا كانت قد فاتت عنده رجعت على أصلها مضمونة على الخياط، فخشي مالك من ذلك الذريعة إلى الحرام بأن يكون قد

مسألة: الصانع والصباغ تسرق بيوتهم

دفع دراهم فيأخذ أكثر منها، وأما إن كانت قائمة عند المشتري وعرف البيع، فله أن يجيزه ويأخذ الثمن، كما له أن يأخذها من أجل أنها قد تعينت له بإشهاد الخياط عليها قبل البيع أنها له، فلعله إنما باع ملك نفسه، فيخشى في ذلك الذريعة إلى الحرام بدفع دراهم في أكثر منها، فالمسألة آخذة بالطرفين من الضمان والتعين هي مضمونة عليه في الأصل، عليه خلافها إن غابت أو تلفت عنده أو عند المشتري ومتعينة في أنه ليس له أن يمسكها ويعطيه غيرها إلا برضاه، وفي أنها إن وجدت عند المشتري، كان أحق بها، وإن شاء أخذ ثمنها، ولو لم تكن مضمونة على الخياط بصفة، وإنما كان استعمله خرقة بعينها لكان مخيرا فهو إن وجدها أخذها؛ لأنها متاعه، وإن لم يجدها كان عليه مثلها، جعل القلنسوة من الأشياء التي يؤخذ مثلها لكثرتها. قال في الجلد وهو على شاة استحييت: إن له قيمة ذلك أو شراؤه أي مثله، فلما كانت الجلود كثيرة، والمثل موجودة فيها جاز أن يعطى مثله وكره أن يأخذ الثمن في ذلك أو القيمة لئلا يصير بيعا وسلفا يعطى ثمنا وخرقة، ويأخذ ثمنا يقبح فلما قبح وجاءت الضرورة جاز أن يأخذ مثل القلنسية، ولو كانت إرادته ما قال ابن القاسم لما كان له على القلنسية المبيعة سبيل ولكان سلفا في قلنسية، ولما كان له نقض البيع فيها وأخذها لو لم يقع على خرقته فهو غير متبوع. قال محمد بن رشد: والتأويل الذي ذكرناه على ما حمل ابن القاسم عليه المسألة من أن القلنسية مضمونة على الخياط، أو لأن قول ابن لبابة، إذ لو كانت خرقته بعينها استعمله إياها لم يكن في أخذه الثمن أو القيمة كراهة إذا علم البيع ولا دخله بيع وسلف لأخذه ثمن متاعه بعينه أو قيمته بعد ثبوت العداء عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: الصانع والصباغ تسرق بيوتهم] ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك: عن الصناع الصانع والصباغ تسرق بيوتهم فيأتي من له عنده شيء، فيقول الصباغ: هذا متاع فلان، وهذا ثوب

فلان، وزعم أن الآخرين سرقت ثيابهم أترى أن يصدق في مثل هذا؟ قال: أرى أن يحلف أصحاب ذلك المتاع أن ذلك المتاع لهم فيأخذونه. قال محمد بن رشد: اختلف في المفلس يقر بعد التفليس بشيء بعينه من قراض أو وديعة، وما أشبه ذلك لمن لا يتهم عليه فقيل: إن إقراره لا يجوز، وهو قول ابن القاسم في آخر كتاب الوصايا الثاني من المدونة، وفي رسم البيع والصرف من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، وأحد قولي مالك في أول سماع ابن القاسم وفي سماع أشهب منه، وقال: يقال له: أفسدت أمانتك، ولعلك أن تخص هذا أو تواتيه ليرد عليك، وقيل: إن ذلك جائز يريد مع يمين المقر لهم، وهو أحد قولي مالك في رسم العرية من سماع عيسى منه أيضا، قاله في الصانع يفلس، ولا فرق في هذا بين الصانع وغيره، وفي المسألة قول ثالث: إنهم يصدقون إن كانت على الأصل بينة، وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد منه أيضا، وأما إذا سرقت بيوتهم، وأحرقت من غير سببهم، فلا اختلاف أن إقرارهم بالمتاع جائز لأهل المتاع مع أيمانهم؛ لأن أمانتهم لم تفسد، فقوله في هذه الرواية: أرى أن يحلف أصحاب المتاع أن ذلك المتاع لهم ويأخذونه صحيح لا اختلاف فيه، إذا علم أن بيوتهم سرقت، ولا اختلاف في أنه لا يقبل قول المفلس بعد التفليس فيما يقر به من دين في ذمته، وأما قبل أن يفلس ويقام عليه، فيجوز ما أقر به لمن لا يتهم عليه من دين دون يمين ومن قراض أو وديعة أو شيء بعينه أو ما شبه ذلك من دين على أبيه مع يمين المقر لهم، قال ذلك في آخر كتاب الوصايا الثاني من المدونة. وقد كان بعض الشيوخ لا يفرق في اليمين بعد الدين والشيء المعين، فيوجب اليمين في الوجهين، ومنهم من يرى ذلك اختلافا من القول في الوجهين، والصواب الفرق بينهما؛ لأنه إذا أقر بشيء بعينه فقد خص به المقر له دون الغرماء، فوجب أن يحلف، وإذا أقر بدين فلم يخصه دونهم؛ لأنه أسوة معهم فلم يجب عليه يمين، وبالله التوفيق.

القصارين يدفع لهم الرجل الخمسمائة ثوب أو أكثر ويشترط عليه قصارتها

[القصارين يدفع لهم الرجل الخمسمائة ثوب أو أكثر ويشترط عليه قصارتها] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل مالك: عن القصارين من أصحاب الصوف يدفع لهم الرجل الخمسمائة ثوب أو أكثر، ويشترط عليه قصارتها ويدفع إليه أجرة، فيعمد الذي دفع إليه فيستأجر عليه قصارين مثله، فيدفعها إليهم، ثم يفر الأول فيجد هؤلاء ثيابهم وقد عملها هؤلاء، فيريدون أخذها فيقولون لهم: لم نأخذ أجرتنا فلا ندفع إليكم حتى نستوفي حقوقنا، قال: أرى أن يأخذوا ثيابهم إذا وجدوها، ويتبعون هم التي دفعها إليهم بأجرتهم، وكذلك الخياط والفتال يستعمل فيستعمل هو غيره مثل ذلك يأخذون هم ثيابهم إذ كانوا قد دفعوا حقوقهم إلى الأول ويتبع هو العامل الأول. قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة زاد فيها في كتاب ابن المواز تفسيرا فقال: هذا إذا قامت بينة أنه دفع الأجرة إلى الصانع الأول، فإن لم تقم بينة يحلف الثاني أنه ما قبض أجرته من الهارب، ثم يدفع إليه رب الثياب أجرة، وإن كانت إجارة الأول خمسة، وهذا عشرة لم يدفع إليه هو إلا خمسة، ويتبع الهارب بما بقي، ويأخذ هذا ثيابه، وإن كانت إجارة الأول عشرة، وهذا خمسة دفع إلى هذا خمسة وتبقى خمسة عنده للأول، ثم إن قدم الأول، فأقر بقبض إجارته، فليرجع القادم على الثاني بما أخذه منه، قال أبو محمد بن أبي زيد: وهذا الذي قال غير مستقيم، ولا يقبل دعوى غريم القادم على المقيم إذا كان القادم عديما. قال محمد بن رشد: وقول ابن أبي زيد: لا يقبل دعوى غريم القادم على المقيم إذا كان القادم عديما صحيح، ولم ينص ابن المواز على أنه يرجع على الثاني بإقرار القادم، وإن كان عديما، فينبغي أن يحمل قوله على ما يصح فيقال: معناه إذا كان القادم مليا ولا يقال فيه: إنه غير مستقيم، وقول محمد: إنه إن لم يكن لصاحب المتاع بينة على دفع الأجرة إلى الأول ويحلف الثاني

رجل استؤجر على عمل يعمله فعمل بعضه ثم مات العامل

ويأخذ الأقل من الأجرتين صحيح، وكذلك لو أقر صاحب المتاع أنه لم يدفع إلى الثاني إلا ما استأجر به الأول، وهذا إذا علم بما استأجر به أو أقر، وأقر بذلك الثاني، وأما إن لم يثبت ذلك، ولا أقر به الثاني فلا سبيل له إلى أخذ المتاع إلا بعد أن يدفع إليه جميع إجارته إن علمت، وإن لم تعلم، فيخرج ذلك على قولين: أحدهما: أن القول قوله في مبلغها مع يمينه إذا أتي بما يشبه، فإن أتي بما لم يشبه لم يصدق، وكان له أجر مثله، والثاني: أنه لا يكون له أكثر من أجرة مثله، وإن أشبه ما ادعاه، وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم، وإنما وجب أن يكون للثاني أن يأخذ من صاحب المتاع أقل الأجرتين إذا كان لم يدفع إلى الأول أجرته؛ لأنه غريم غريمه بذلك لا من أجل أن السلعة بيده، إذ ليست عنده برهن، فلا يكون له أن يمسكها حتى يقبض إجارته، ولا يكون أحق بها من غرماء صاحب المتاع إن فلس عند ابن القاسم، ولذلك لا يكون القول قوله في الإجارة على مذهبه إن ادعى أكثر من أجرة مثله، وإنما وجب أن يكون لصاحب المتاع أن يأخذ متاعه معمولا دون غرم يكون عليه الثاني إذا كان قد دفع الأجرة إلى الأول؛ لأن العمل قد وجب باستئجار الأول عليه استئجارا مضمونا في ذمته، ولو لم تكن الإجارة مضمونة، وإنما كان استأجره على أن يعمله بنفسه فاستأجر عليه غيره لما وجب لصاحبه أن يأخذه، وإن كان قد دفع الأجرة إلى الأول حتى يغرم للثاني أجرة مثله، وحتى يكون الثاني قد علم بتعدي الأول في استئجاره إياه على ما وجب عليه أن يعمله بيده، هذا الذي يأتي على أصولهم، ولا أعرف في ذلك نصا، والله المعين. [رجل استؤجر على عمل يعمله فعمل بعضه ثم مات العامل] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل مالك: عن رجل استؤجر على عمل يعمله فعمل بعضه، ثم مات العامل؟ قال مالك: أما ما كان من عمل يعمله بيده، فإنه بحسب ما قد عمل، ثم يرد ما بقي، وأما ما كان مضمونا من عمل أو قطاعة مثل دار يبنيها أو حفر خليج أو بئر أو صنعة من الصناعة

مسألة: الخباز يبعث إليه بالخبز صاحب الفرن فيحرق الخبز

فهو ضامن في ماله، وعلى ورثته عمله فيما ترك، فإن كان فضل كان لهم، وإن كان غرم كان في ماله، وإن لم يترك العامل وفاء حاص المستعمل بقيمة ما بقي له من العمل يوم يحاص، وليس على قدر ما بقي من إجارته، ولكن على ما بقي من قيمة عمله يوم يحاصه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا موضع للقول فيها إلا قوله: إذا مات ولا وفاء له أنه يحاص بقيمة ما بقي من عمله يوم يحاص، فمعناه يوم يحاص على أنه حال كان حالا أو مؤجلا؛ لأنه إن كان مؤجلا فقد حل بموته، وكذلك في التفليس على مذهب ابن القاسم، وقال سحنون: إن كان مؤجلا في التفليس، فيحاص له بقيمته يوم التحاصص على أن يقبض إلى أجله، والصواب قول ابن القاسم: إنه يحاص بقيمة ذلك حالا كالعين سواء إذ لو كان في ماله وفاء لعجل له حقه، وإذا حوصص له بقيمة ما بقي من عمله في التفليس، فمن حقه ألا يقبض ما صار له في المحاصة، ويستأجر له به في مثل ذلك العمل، واختلف إن أراد أن يأخذ ما صار له في المحاصة هل يجوز ذلك أم لا؟ فقيل: إن ذلك لا يجوز؛ لأنه يدخله إجارة وسلف؛ لأنه قد اقتضى بعد العمل، فإذا قبض ما صار له في المحاصة دراهم، وقد كان دفع دراهم أخذ بها دراهم وعملا، وقد قيل: إن ذلك جائز؛ لأن التفليس يرفع التهمة، وقد مضى الاختلاف في ذلك في أول رسم من سماع أشهب من كتاب السلم والآجال، ولا اختلاف في أن ذلك جائز في الموت لارتفاع التهمة في الموت يقينا. [مسألة: الخباز يبعث إليه بالخبز صاحب الفرن فيحرق الخبز] مسألة وسئل عن الخباز يبعث إليه بالخبز صاحب الفرن، فيحرق الخبز أترى عليه ضمانا؟ قال: لا أرى عليه ضمانا إلا أن يكون ممن لا يحسن الخبز فغر الناس فأراه ضامنا لذلك، ومثل ذلك الضيعة والتعدي، فأما إذا لم يأت منه تفريط، فلم ير عليه ضمانا، قال ابن

جاء بثوب إلى خياط فقال أخرج لي منه قميصا أو ساجا

القاسم: وعليه ضمان ما سرق. قال محمد بن رشد: قوله: وسئل عن الخباز يبعث إليه بالخبز صاحب الفرن كلام فيه تقديم وتأخير، وصوابه: وسئل عن الخباز صاحب الفرن يبعث إليه بالخبز، فالفران ضامن لما ادعى تلفه كالصناع كان خبازا يبعث إليه بالعجين ليخبره ويطبخه أو فرانا يبعث إليه بالخبز ليطبخه، وكذلك يضمن ما أفسد بحطبه، وإنما لم يضمن ما احترق من الخبز؛ لأن النار تغلب على ما قال في المدونة، وإنما يسقط عنه الضمان إذا بقي من الخبز ما يعرف به أنه خبز صاحبه، وأما لو ادعى أنه احترق، ولم يأت منه بشيء يعرف أنه الخبز بعينه لضمن، وكذلك الغزل يحترق في الفرن مثله سواء؛ لأن ذلك تضييع من الفران وتعد منه أو عنف في الوقيد، قاله ابن حبيب وغيره، فالضمان ساقط عنه في احتراق الخبز ما لم يتبين التضييع منه والتعدي في العنف في الوقيد، وكذلك ما كان من الأعمال فيه غرر كثقب اللؤلؤ وشبه ذلك لا ضمان عليه فيما أتى على يديه إلا أن يتبين منه في ذلك أنه تعدى فيه وأخذه من غير مأخذه على ما يأتي لأصبغ في نوازله. [جاء بثوب إلى خياط فقال أخرج لي منه قميصا أو ساجا] ومن كتاب الرطب باليابس وسمعت مالكا قال: من جاء بثوب إلى خياط فقال: أخرج لي منه قميصا أو ساجا، فقال: نعم، فأعطى على ذلك أجرا فقطع، فلم يأت ذلك فيه، قال: لا غرم عليه، ولو أفسد شيئا منه غرم ما أفسد يعني بذلك قيمة الثوب، إلا أن يكون ذلك فسادا يسيرا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد اختلف فيها اختلافا كثيرا، وتحصيله أنه اختلف في الضمان إذا غر، وفي الأجرة إذا لم يغر، ولا اختلاف في أنه لا ضمان عليه إذا لم يغر، ولا في أن لا أجرة له إذا غر، وهذا إذا أتاه فقال له: انظر هذا الثوب إن كان فيه قميص أو لا، فقال له: فيه قميص، فلما قال له ذلك، قال: اقطعه ولك كذا وكذا، ومثله الذي يستأجر القسطار على انتقاد

مسألة: يدفع ثوبه إلى الخياط فيزعم الخياط أنه أعطاه إياه ليرقعه

الدراهم فينقدها فيجد فيها زيوفا، وقد مضى القول على هذا في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف مستوفى، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وأما لو أتى بثوبه إلى الخياط فقال: انظره إن كان فيه قميص فاقطعه، فلك كذا وكذا، فقطعه فلم يكن فيه قميص لوجب عليه ضمانه قولا واحدا؛ لأنه لم يأذن له في قطعه إلا بشرط أن يكون فيه قميص، فإذا قطعه ولا قميص فيه وجب عليه ضمانه؛ لأن ذلك خيانة منه. [مسألة: يدفع ثوبه إلى الخياط فيزعم الخياط أنه أعطاه إياه ليرقعه] مسألة وقال مالك في الرجل: يدفع ثوبه إلى الخياط أو الغسال، فيزعم الخياط أو الغسال أنه أعطاه إياه ليرقعه أو يدفعه إلى غيره، قال: القول قول الخياط والغسال، وكل صاحب صنعة، فهو بهذه المنزلة متى أشبهوا في قولهم مع أيمانهم. قال محمد بن رشد: قوله: القول قول الخياط يريد القول قوله في أنه أعطاه إياه ليعمله في مبلغ الأجرة، فإن ادعى ما يشبه منها كان القول قوله، ولم يحلف صاحب الثوب إذ لا فائدة في يمينه؛ لأن العامل يأخذ ما حلف عليه بما يشبه، حلف رب الثوب أو نكل، وأما إن ادعى العامل من الأجرة ما لا يشبه، فلا بد من يمين صاحب الثوب؛ لأن يمينه تسقط عنه الزائد على أجرة المثل، فإن نكل عن اليمن أخذ العامل ما حلف عليه، وإن لم يشبه؛ لأن رب الثوب قد مكنه من ذلك بنكوله، وفي المدونة لغير ابن القاسم أن العامل مدع، فقيل: معناه في الأجرة إن ادعى أكثر من أجرة المثل يريد أنه إن ادعى أكثر من أجرة المثل، وحلف على ما يدعي لم يستحق بيمينه ما حلف عليه وحلف رب الثوب على ما ادعى، فسقط عنه بيمينه ما زاد على أجرة المثل، وإن نكل عن اليمين أخذ العامل ما حلف عليه، وإن نكل العامل عن اليمين وحلف رب الثوب أخذ ثوبه مصنوعا أو مغسولا، ولم يكن عليه شيء في الصباغ والغسل، وقيل: بل معناه أنه مدعي فيما ادعاه من أنه استعمله إياه، فلا يصدق في ذلك

مسألة: الرجل يستأجر القسطار ينتقد له دنانير ويعطيه على ذلك عطاء

ويحلف صاحب الثوب ويأخذ ثوبه مصبوغا أو مغسولا بغير غرم إلا أن ينقصه الصبغ أو يفسده، فيكون به مخيرا في أخذه أو تركه وأخذ قيمته، وإن زاد الصبغ، فله أخذه بلا غرم على ما ذهب إليه ابن حبيب. [مسألة: الرجل يستأجر القسطار ينتقد له دنانير ويعطيه على ذلك عطاء] مسألة وسئل مالك عن الرجل يستأجر القسطار ينتقد له دنانير ويعطيه على ذلك عطاء، ثم يخرج بها من عنده، فيأتي بها غيره فإذا فيها غير جيد، قال مالك: ليس عليهم شيء، قيل: فحراس القراء، قال: هم كذلك، لا أرى عليهم شيئا من الضمان للجعل الذي جعل لهم، وقال: يعطون دينارين ويغرمون ثمن الفرس قيمتها دنانير، لا أرى ذلك عليهم، فقيل له: أفترى حارس الحمام مثله؟ قال: ما أشبهه به. قال محمد بن رشد: أما مسألة القسطار يستأجر على انتقاد الدراهم، فيوجد فيها زيوف فقد اختلف في ضمانه إذا غر، وفي هل له أجرة إذا لم يغر حسبما ذكرناه في أول مسألة من هذا الرسم، ومضى تمام القول فيه وفي رسم أخذ يشرب من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف، ومثل الدليل يخطئ في الطريق لا أجرة له إذا غر، ويختلف هل له أجرة إذا لم يغر، فابن القاسم يوجبها له، وأشهب لا يراها له، وقد مضى ذلك في سماعه من كتاب الجعل والإجارة، وأما حراس القرا والذعا فلا اختلاف في أن الأجرة لهم، ولا ضمان عليهم إلا أن يضيعوا أو يفرطوا فيضمنوا، ولهم الأجرة إذا ضمنوا، وقد مضى هذا في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة، وأما حارس الحمام فقوله: إنه لا ضمان عليه هو مثل ما في المدونة. وفي ذلك تفصيل، أما إن كان أكراه صاحب الحمام لحفظ ثياب من

الذي يسرق من الحمام

يدخل في الحمام بأجرة ثابتة في ذمته، فلا اختلاف في أنه لا ضمان عليه إلا أن يضيع أو يفرط، وأما إذا كان يحرس من ثياب الناس بجعل يأخذه من كل من يدخل الحمام، ويحرس له ثيابه، فقيل: إنه لا ضمان عليه، وهو قول مالك، وقال ابن لبابة: ما سواه خطأ، وقيل: إنه ضامن كالراعي المشترك، وإلى هذا ذهب ابن حبيب على قول ابن المسيب والحسن ومكحول والأوزاعي في أن الراعي المشترك ضامن؛ لأنه قد نصب نفسه لذلك فصار كالصانع. [الذي يسرق من الحمام] ومن كتاب نذر سنة يصومها وسئل مالك: عمن يسرق من الحمام قال: إن الحمام ربما أخطأ الرجل، وربما اغتلوا، ولقد قلت لصاحب السوق: آمره أن يضمن صاحب الحمامات ثياب الناس فيضمنونها أو يأتون بمن يحرسها وأمرته أن يضمنهم ثياب الناس يدخلون الحمام. قال محمد بن رشد: إذا لم يكن على ثياب الحمام حارس يحرسها، فلا قطع على من سرق منها إلا أن يحتال في السرقة من خارج الحمام من لم يدخل الحمام على ما قاله في المدونة، وفي رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب السرقة، قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن صاحب الحمام إذا لم يأت بمن يحرس ثياب الحمام فقد أهملها إذا تركها في غير حرز لا يجب القطع على من سرقها، وكان ذلك من التضييع الذي يجب عليه به الضمان، فإذا أتى بمن يحرسها سقط عنه الضمان؛ لكون الثياب إذ كان لها حارس في حرز يجب القطع على من سرقها، ثم ضعف وجوب القطع على من سرقها إذا كان عليها حارس لما ذكر أن السارق قد يغتل فيقول: أخطأت وظننت أنه ثوبي، وما أشبه ذلك، ولعمري إنه لكما قال إذا كان السارق سرق من ثياب من تجرد إلى جانبه، وأما من سرق من غير الموضع الذي تجرد فيه أو سرق دون أن يتجرد فلا يصح له اغتلال، والقطع عليه واجب إذا كان للثياب حارس، يبين هذا ما وقع في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب السرقة أن من سرق من الحمام يقطع إن

مسألة: الطحانين الذين يدفع إليهم القمح فيكال عليهم فيطحنونه فينقص

كان على الثياب من يحرسها، وإن لم يكن لها من يحرسها، فلا يقطع سارقها إلا إن سرقها من وراء الجدار وما أشبه ذلك دون أن يدخل الحمام. [مسألة: الطحانين الذين يدفع إليهم القمح فيكال عليهم فيطحنونه فينقص] مسألة وسئل مالك: عن الطحانين من أهل مصر الذين يدفع إليهم القمح، فيكال عليهم فيطحنونه فينقص فيغرمونهم، فقال مالك: ما سمعت في ذلك بشيء، يريد الغرم، وأرجو أنه خفيف. قال محمد بن رشد: أما إذا كانت الأرحى للطحانين، أو كانت في اكترائهم، فلا إشكال في أنهم كالصناع وأنهم ضامنون، وأما إذا لم تكن الأرحى لهم، ولا في اكترائهم وكان أصحاب الأرحى والمكترون لها وكلاهم الذين يعاملون أصحاب الطعام على واجبهم في الطحين، فالطحان الذي يتولى طحين طعام كل من يأتي بطعامه إلى صاحب الرحى، يشبه الراعي المشترك، ففي هذا ضعف مالك الضمان، والله أعلم، فقال فيه: ما سمعت في ذلك بشيء يريد الغرم، وأرجو أن يكون خفيفا، ومعنى قوله: وأرجو أن يكون خفيفا، أي: أرجو أن يكون الحكم بتضمينهم من جهة القياس والنظر دون أن يكون لا ذلك أثر يتبع خفيفا، إذ لا يصح أن يكون التضمين والتغريم إلا إما واجب، فيلزم الحكم به، وإما غير واجب فيحرم الحكم به، وهو عنده واجب، وإيجابه عنده من ناحية القياس دون سنة تتبع هو الخفيف، وسيأتي ما في سماع أصبغ، الاختلاف فيما يضمنون إن كان القمح أو الدقيق، وبالله التوفيق. [الصناع يشترطون على من دفع إليهم العمل عدم الضمان] ومن سماع أشهب وابن نافع من مالك قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك عن الصناع الصباغ أو الغسال أو غيرهما من الصناع يشترطون على من دفع إليهم العمل: أن لا ضمان عليهم ويعطون على ذلك أجرا

فقال: لا ينفعهم ذلك، وعليهم الضمان، ولو أمكنوا من ذلك ما عمل منهم أحد إلا اشترط أن لا ضمان عليه، ولا بد لي من غسل ثوبي. قال محمد بن رشد: تعليله لإسقاط الشرط بأن الناس لو أمكنوا من ذلك ما عمل صانع عملا إلا اشترط أن لا ضمان عليه، يريد فيدخل على الناس بذلك ضرر، إذ لا بد لهم من استعمالهم، يدل على أن الشرط بإسقاط الضمان فيما يغاب عليه من العارية والرهن عامل، إذ لا ضرر في ذلك على المعير والراهن، وذلك في المعير أبين إذ قد لا يبايعه المرتهن إلا بالرهن فتدعو الراهن حاجته إلى البيع إلى أن يلتزم الشرط، وقد حكى ابن أبي زيد في المختصر عن أشهب في الصناع أن شرطهم ينفعهم، فإذا رآه عاملا في الصناع فأحرى أن يعمله في المرتهن والمستعير، ولابن القاسم وأشهب في سماع أصبغ من كتاب العارية أن الشرط غير عامل في الرهن والعارية، ومثله أيضا لابن القاسم في بعض روايات المدونة في العارية في كتاب الرهن منها، فهو في الصانع أحرى ألا يكون عاملا، فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال: إعمال الشرط وإسقاطه، والفرق بين أن يشترط ذلك الصانع أو المرتهن أو المستعير، وهو أظهر الأقوال، إذ لا وجه لإسقاط الشرط في العارية؛ لأن المعير إذا أسقط عن المستعير الضمان فقد فعل معه معروفا من جهتين، والرهن قريب من العارية في ذلك، وما لإسقاطه فيهما وجه إلا أنه من باب إسقاط حق قبل وجوبه، فيجري ذلك على اختلافهم في هذا الأصل، وأما الصانع يشترط ذلك فبين أن سقط شرطه من أجل أن رب المتاع كأنه مكره على الشرط بضرورته إلى استعمال الصانع، وإذا بطل الشرط فنبغي أن يبطل العقد، فإن فات بالعمل كان للصانع أجر مثله على أن عليه الضمان؛ لأنه إذا رضي لما سميا من الأجرة على أن لا ضمان عليه، وأما على ما حكى ابن أبي زيد عن أشهب من إعمال الشرط، فتكون له الأجرة المسماة، وعكس هذه المسألة أن يشترط المعير أو الراهن على المستعير أو المرتهن الضمان فيما لا يغاب عليه من الحيوان أو مع قيام البينة فيما يغاب عليه، فهذا قول مالك فيه وجميع أصحابه أن الشرط باطل جملة من غير تفصيل حاشا مطرفا، فانه قال: إن شرط عليه الضمان

قال الأجير أنا آخذ ثلث ما اقتضيت وأكون في الثلث الذي أخذت على شرطي

لأمر خافه من طريق مخوفة أو نهر أو لصوص أو ما أشبه ذلك، فالشرط لازم إن عطبت في الأمر الذي خافه واشترط الضمان من أجله، وقال أصبغ: لا شيء عليه في الوجهين مثل قول مالك وأصحابه، وإذا بطل الشرط عن المستعير ألزم إجارة الممثل في استعماله العرية عن حكمها إلى حكم الإجارة الفاسدة؛ لأن صاحبها لم يرض أن يعيره إياها لا بشرط أد يحرزها في ضمانها فهو عوض مجهول حرام يرد إلى المعلوم. [قال الأجير أنا آخذ ثلث ما اقتضيت وأكون في الثلث الذي أخذت على شرطي] ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل فقيل له: إني جعلت لرجل في تقاضي دين لي على رجل ثلث ما يقتضي منه، فجاءني الذي لي عليه الحق فصالحني عن إعطاء ثلثي حقي، وأخرت عنه الثلث إلى أجل فقال الأجير: أنا آخذ ثلث ما اقتضيت وأكون في الثلث الذي أخذت على شرطي، قال مالك: هو الذي تقاضاه ولزمه حتى جاءك به فصالحك، فقال: نعم، فقال له مالك: أرى له ثلث الثلثين اللذين قبضت، وهو في الدين الذي بقي على الغريم على شرطه، إن تقاضاه فله ثلثه، وإن لم يتقاضه وتركه لم يكن له فيه شيء، وذلك أنه هو الذي تقاضاه وجاءك به، وحركه على قضائك وجلبه، فأرى ذلك له ولا أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: قوله: إن له ثلث الثلثين إذا كان قد حركه في قضائه مثل رواية علي بن زياد عن مالك، وقول سحنون في سماعه من كتاب الجعل والإجارة إن الجاعل إنما يلزمه الجعل إذا شرع المجعول له في العمل خلاف ظاهر ما في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجعل والإجارة حسبما مضى هنالك من القول فيه، وقال: إن المجعول له على شرطه في الثلث الباقي، ولم يبين إن كان له أن يتقاضاه قبل الأجل أم لا، والصواب أن ذلك له؛ لأن الجعل إذا لزم الجاعل، فليس له أن يؤخر بالدين فيضر بالمجعول له، قال هذا بعض الشيوخ ولا أقول به إذ ليس عندي بصحيح؛ لأن التأخير

مسألة: أكرى جفنتين له بالضمان

قد لزم صاحب الدين، وصار بما فعل من التأخير قد فوت الجعل على المجعول، فوجب له بذلك جعله فيقبض لنفسه ثلث الثلث الباقي معجلا ويسقط عنه اقتضاء بقيته، وقد مضى من قول ابن القاسم في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الجعل والإجارة بيان هذا فقف عليه. [مسألة: أكرى جفنتين له بالضمان] مسألة وسئل: عمن أكرى جفنتين له بالضمان، قال: ما أرى ذلك ولكن إن كان وضع من كرائهما شيئا للضمان رأيت أن يبلغ له كراؤهما، قيل له: إن الذي تكاراهما قد زعم له أنهما سرقتا منه، فقال: لا أرى هذا يجوز له إن كانتا انكسرتا، فأين فلقتاهما؟ فأرى ضمانهما عليه، وليس من قبل اشتراط صاحبهما رأيته ضامنا، ولكنه لأنه لم يعلم أخذ ما ذكر. قال محمد بن رشد: كذا وقعت هذه المسألة في جميع الأمهات ناقصة، سأله فيها عن ادعاء المكتري أنهما سرقتا منه، فأجابه على ادعائه أنهما انكسرتا منه، ولم يأت بفلقتيهما، والذي يدل عليه مذهبه فيها أنه مصدق في دعوى السرقة، وأنه لما سأله عن ذلك قال: هو مصدق في ذلك، فقال له: فإن زعم أنهما انكسرتا، فقال: لا أرى هذا يجوز له، إن كانتا انكسرتا فأين فلقتاهما؟ فسقط ذلك من الأصل الذي نقل العتبي منه المسألة، فاتفقت الأمهات على ذلك، وحكم اكتراء العروض شرط الضمان على قول مالك في هذه الرواية حكم يراع إلينا بفسخ الكراء إلا أن يرضى المكري بترك الشرط، فإن لم يعثر على ذلك حتى فات الكراء كان على المكتري الأكثر من الكراء المسمى أو كراء المثل على غير شرط الضمان، وذلك بين من قوله، ولكن إن كان وضع من كرائهما شيئا لموضع الضمان رأيت أن يبلغ له كراؤهما، إذ لو كان الكراء.

الرجل يجعل للرجل جعلا على دين له يأخذه وله الثلث مما أخذ

عنده فاسدا يجب فسخه في القيام على كل حال لقال: إنه يكون فيه في الفوات كراء المثل بالغا ما بلغ، كان الكراء أقل من الكراء المسمى أو أكثر، وإنما ضمنه في دعواه الكسر لتبين كذبه إذ لم يأت بفلقتيهما، فليست هذه الرواية بمخالفة لقول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن المكتري مصدق في دعوى الضياع، وما وقع في المدونة من رواية أشهب عن مالك في أن من أكرى جفنة، فقال: إنها ضاعت لا يصدق إلا أن يقيم البينة على الضياع ليس بنقل صحيح؛ لأن الرواية بتضمينه إنما هي في دعوه الكسر لتبين كذبه إذ لم يأت بفلقتيها على ما بان من هذه الرواية، وقد قال ذلك محمد بن المواز، ولا أعلم خلافا في أن المكتري مصدق في دعوى ضياع ما أكترى من العروض إلا ما وقع في الدمياطية لابن القاسم، قال: وسئل عن الرجل يكتري الدابة بالضمان، قال: لا خير فيه، ويرد إلى كراء من لا ضمان عليه، قيل: وكذلك الأشياء كلها؟ قال: لا أدري ما الأشياء؟ قيل: المناجل والحديد قال: أما الحديد فهو له ضامن. قال محمد بن رشد: يريد بالحديد متاع الحديد الذي يعرف بعينه كالمحافر والمساحي والسكك وشبه ذلك، إذ لا يجوز اكتراء ما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه، وقوله: إنه ضامن له شذوذ في المذهب، وأما قوله: فمن أكرى دابة بالضمان أنه لا خير فيه، ويرد إلى كراء مثله ممن لا ضمان عليه، فظاهره كان أكثر من المسمى أو أقل، ومعناه: إذا فات الكراء، وأنه يفسخ إن عثر عليه قبل الفوات، وإن ترك المكري الشرط، وهو القياس خلاف رواية أشهب، وبالله التوفيق. [الرجل يجعل للرجل جعلا على دين له يأخذه وله الثلث مما أخذ] ومن كتاب أوله مسائل بيوع ثم كراء وسئل: عن الرجل يجعل للرجل جعلا على دين له يأخذه وله الثلث مما أخذ فقال: إن كان شيئا يأخذه فلا بأس بذلك، وإن كان يذهب يخاصم فلا خير فيه.

مسألة: الرجل يدفع إلى الخياط ثوبا يخيطه له والثوب ملفوف في منديل

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة وفي سماع أصبغ منه أيضا، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الرجل يدفع إلى الخياط ثوبا يخيطه له والثوب ملفوف في منديل] مسألة وأخبرني موسى بن الفرج عن أشهب في الرجل يدفع إلى الخياط ثوبا يخيطه له والثوب ملفوف في منديل، فيضيع المنديل عند الخياط، قال: فقال لي أشهب: إن كان ثوبا شريفا مثله يحتاج إلى وقاية، فإنه للمنديل ضامن، وإن كان ثوبا لا يحتاج إلى وقاية لغلظه فهو فيه مؤتمن ولا ضمان عليه فيه. قال محمد بن رشد: أما إذا كان الثوب غليظا لا يحتاج مثله إلى وقاية فلا اختلاف في أنه لا ضمان عليه في المنديل الذي لف فيه، وأما إذا كان شريفا مثله يحتاج إلى وقاية، فقال أشهب في هذه الرواية: إنه يضمنه، وقال ابن حبيب: إنه لا ضمان عليه فيه، قال: لأن الثوب يستغني عنه ولا يضطر إلى أن يلف فيه، وقال محمد بن المواز مثله إنه لا ضمان عليه فيه إلا أنه علل بأن المنديل لم يكن له فيه عمل، فعلى قول ابن حبيب يضمن الصيقل الجفن، وإن لم يكن له فيه عمل إذ لا يستغني السيف عن جفنه، ويضمن الفران القصاع التي أتي إليه بالخبز فيها إذا تلفت قبل مزايلة الخبز منها، وقد نص على ذلك في القصاع، ويأتي على قول ابن المواز أن الفران لا يضمن القصاع التي أتي إليه بالخبز فيها إذا تلفت، إذ لا عمل له فيها، ولا يضمن الصيقل الجفن إذ لا عمل له فيه، وقد فعلى ذلك في جفن السيف يضيع عند الصيقل ويضمن على مذهبهما جميعا الصانع المثال الذي يعمل عليه والوراق الأم التي يكتب منها، والطحان الأعدال التي يحمل إليه الطعام فيها، إذ لا يستغني الصانع في عمله عن المثال، ولا الوراق في نسخه عن الأم ولا الطحان في طحينه عن الأعدال، وقد نص على ذلك ابن حبيب في الأعدال، وقد قال في

أخطأ الغسال فدفع إلى رجل ثوبا غير ثوبه فلبسه وهو لا يعلم

القصاع على هذا القياس إنه إذا أتي إليه بالعجين فيها ليقرصه فيها إنه ضامن لها كيفما ضاعت بالعجين أو بغير العجين إذ لا يستغني في عمله عنها، وهو قول مالك في سماع محمد بن خالد في المثال، وسحنون يقول: إنه لا يضمن الصانع المثال ولا الوراق الأم التي يكتب منها إذ لا عمل له فيها، وكذلك لا يضمن على مذهبه الطحان الأعدال، ولا الفران القصاع، وإن كان يخبز الخبز فيها إذ لا عمل له فيها، وإنما عمله وصنعته في الخبز الذي يقرضه فيها، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يضمن إلا ما له فيه عمل، وإن كان يحتاج إليه في عمله، أو يحتاج إليه الشيء المعمول، وهو قول سحنون. والثاني: أنه يضمن ما لم يكن فيه له عمل إذا كان يحتاج إليه في عمله أو يحتاج إليه الشيء المعمول، وهو قول ابن حبيب. والثالث: أنه لا يضمن ما لم يكن فيه عمل، وإن احتاج الشيء المعمول إلا أن يحتاج إليه في عمله، وهو قول محمد بن المواز، ومذهب مالك على ما وقع له في سماع محمد بن خالد، ولا اختلاف بينهم في أنه يجب عليه ضمان ما له فيه عمل، ولا في أنه لا يضمن ما لا عمل له فيه، ولا يختلفون في صفة تقويم الذي يجب عليه ضمانه منها، فمنهم من كان يرى أن يقوم عليه وحده على أنه لا صاحب له، فيغرم قيمته، ومنهم من كان يرى أن يقوما جميعا، ثم يقوم الثاني وحده فيغرم ما بين القيمتين؛ لأنه قد فسد عليه الباقي بخلاف التالف إذ لا ينتفع بأحدهما دون الآخر، وهو أصح القولين كما لو استهلك له رجل أحدهما لضمن ما نقصه منها، وبالله التوفيق. [أخطأ الغسال فدفع إلى رجل ثوبا غير ثوبه فلبسه وهو لا يعلم] ومن سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم قال ابن القاسم: إذا أخطأ الغسال، فدفع إلى رجل ثوبا غير ثوبه فلبسه وهو لا يعلم أن الثوب الذي أعطاه الغسال غير ثوبه نظر، فإن كانت قيمته دينارين وقيمة ثوب الرجل الذي عند الغسال دينار نظر في لبس ثوبه الذي عند الغسال كم كان ينقص في مثل

لبسه هذا الثوب الذي لبسه وقيمته ديناران، فإن كان ذلك ينقص ثوبه في قدر ما لبس هذا الثوب نصف دينار نظر في لبس ثوب الرجل، فإن كان الذي نقص من ثوبه من قيمته دينار لم يكن على الذي لبس الثوب أكثر مما كان ينقص من ثوبه أو لبسه، وغرم الغسال ما بقي، وإن كان الذي ينقص من ثمن الثوب أقل من نصف دينار لم يكن على الذي لبس الثوب أن يغرم أكثر مما نقص، وإن كان لو لبس ثوبه في قدر ما لبس ثوب الرجل ينقص أكثر مما لبس ثوب الرجل لم يكن عليه أكثر مما نقص ثوب الرجل، وليس على الغسال في ذلك شيء إذا لم يجاوز قدر ما كان ينقص في لبس ثوبه، وإن كان الثوب الذي لبسه قيمته دينار وقيمة ثوبه الذي عند الغسال ديناران نظر في لبس ثوبه كم كان ينقص، فإن كان ينقص في لبسه نصف دينار، والذي نقص من ثوب هذا ربع دينار غرم الربع إلى ما بينه وبين النصف دينار وأخذ ثوبه، وإن كان الذي نقص أكثر من نصف دينار لم يكن على صاحب الثوب الجيد أن يغرم أكثر مما ينقص ثوبه في اللبس؛ لأنه قد يلبس الثوب الجيد شهرا، ولا ينقص من ثمنه إلا ربع دينار ولو كان يلبس غيره.. دناءة ثمنه في مثل ما لبسه فيه من الأيام لنقص في ذلك نصف الثوب، وكانت قيمة الثوب دينارا فليس على صاحب الثوب أكثر مما كان ينقص لبس ثوبه أو مثله، فيكون غرمه على الذي لبسه كله، ولا يكون على الغسال شيء. وإن لبسه الذي لبسه وهو يعلم أنه ليس ثوبه ضمن ما نقص من ذلك قل أو كثر، ولم يكن على الغسال شيء إلا أن لا يوجد عند الذي لبسه شيء فيتبع صاحب الثوب الغسال ويكون ذلك دينا للغسال على الذي لبس الثوب، وإن كان كل واحد منهما لبس ثوب

صاحبه وهو يعرف أنه ليس ثوبه، واختلفا في النقصان غرم من وقع عليه الفضل لصاحبه، فإن لم يكن في القيمة فضل، فلا شيء لواحد منهما على صاحبه. قال محمد بن رشد: اختلف في الغسال يخطئ فيدفع ثوب الرجل إلى غيره، فيلبسه وهو يظنه ثوبه على أربعة أقوال: أحدها: أنه لا شيء على اللابس، ويأخذ ثوبه غير ملبوس ويرجع الذي لبس ثوبه على الغسال بما نقصه اللبس إلا أن يكون قد أبلاه اللبس فيكون له أن يضمن الغسال قيمته، وهذا قول مالك في رواية أبي قرة وفي الموطأ رواية يحيى والذي يأتي على قياس ما في المدونة في الذي يثيب على الصدقة ثوبا، وهو يظن أن الثواب يلزمه أنه لا رجوع له فيها إذا فات، والقول الثاني: أنه لا شيء على اللابس إلا أن يكون لبس الثوب حتى أبلاه، وهو قول مالك في رواية أشهب وابن عبد الحكم عنه، والقول الثالث: أنه يلزم اللابس غرم ما نقصه لبسه قليلا كان أو كثيرا، وهو قول سحنون في نوازله من هذا الكتاب، والقول الرابع: أنه يلزمه غرم الأقل مما نقصه لبسه أو مما كان ينقص ثوبه لو لبسه ذلك اللبس، فإن كان ذلك أقل رجع صاحب الثوب بالفضل على الغسال، وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى هذا، إذ أوجب على اللابس غرم جميع قيمة الثوب بلباسه إلى أن أبلاه على قول مالك في رواية أشهب وابن عبد الحكم عنه، أو ما نقصه لبسه قل أو كثر على قول سحنون، أو الأقل مما نقصه لبسه أو مما كان ينقص ثوبه لو لبسه ذلك اللبس على رواية عيسى هذه، فصاحب الثوب مخير إن شاء رجع بذلك على اللابس، وإن شاء رجع به على الغسال، فإن رجع بذلك على الغسال رجع الغسال به على اللابس. وجه القول بأنه لا شيء على اللابس هو أنه أمكنه منه من أذن له فيه فوجب أن لا يضمن كما قالوا فيمن أثاب عن صدقة ظنا منه أن ذلك يلزمه، فأكله المثاب أنه لا يضمن، وكما قالوا فيمن أمر بشراء جارية بمائة فاشتراها بمائة وخمسين وبعث إليه بها فوطئها وحملت أنه لا شيء عليه من الزيادة، ووجه القول بأنه ضامن لجميع ما نقصه اللبس هو

أنهما جميعا مخطئان على رب الثوب الدافع واللابس، فلا يدفع عن اللابس الغرم؛ لأنه مخطئ أيضا على رب الثوب، ويكون له أن يتبع من شاء منهما إن شاء الدافع الذي أخطأ عليه أولا، وإن شاء اللابس المنتفع، فإن رجع على الدافع رجع الدافع على اللابس، وإن رجع على اللابس لم يكن له رجوع على أحد، ورواية أشهب وابن عبد الحكم عن مالك استحسان إذ لا يخرج على أحد القولين، وكذلك رواية عيسى عن ابن القاسم هذه استحسان؛ لأنه لم ير على اللابس أن يغرم إلا مقدار ما وقى عن ثوبه بلباسه ثوب الرجل، ولم يقولوا: إذا أخذ عن الصدقة ثوابا، فاشترى به طعاما فأكله إنه يغرم، وهو قد وقى بذلك ماله إذ لو لم يأكل من الثواب لأكل من ماله، فإذا أكل دفع ثوب هذا إلى هذا وثوب هذا إلى هذا، فلبس كل واحد منهما ثوب صاحبه جرى ذلك على هذا الاختلاف، على قول مالك في الموطأ رواية يحيى لا يكون لواحد منهما على صاحبه شيء، وإنما يرجع كل واحد منهما على الغسال، وعلى قول سحنون في نوازله يرجع كل واحد منهما على صاحبه بما نقص لبسه ثوبه فيتقاصان بذلك، ولا يكون على الغسال شيء إلا أن يكون لأحد منهما فضل على صاحبه، فيرجع به عليه أو على الغسال، فإن رجع به على الغسال رجع به الغسال على اللابس، وعلى رواية عيسى هذه، وهو قول ابن الماجشون، يرجع كل واحد منهما على صاحبه بالأقل مما نقص لبسه من الثوب الذي لبسه أو مما كان ينقص ذلك اللبس من ثوبه لو لبسه ذلك اللبس، ويتقاصان بذلك، فمن كان له منهما في ذلك فضل على صاحبه رجع به على الغسال، وإن لبس كل واحد منهما ثوب صاحبه وهو يعلم أنه ليس ثوبه كان عليه ما نقصه لبسه، وتقاصا بذلك، ومن كان له منهما في ذلك فضل على صاحبه رجع به عليه إلا أن يكون عديما فيرجع به على الغسال ويتبع به الغسال العديم قولا واحدا، وإن لبس أحدهما ثوب صاحبه وهو يعلم أنه ليس ثوبه رجع الذي لبس ثوبه على اللابس بما نقصه اللبس إلا أن يكون عديما، فيرجع به على الغسال أو يتبع به الغسال اللابس. وتلاف ثوب أحدهما عند صاحبه أو ثوب كل واحد منها عند صاحبه في ضمانه بجميع قيمته على قياس ضمانه لما نقصه لبسه في العمد والجهل

الرجل يأتي بالجلد إلى الخراز فيقول اعمل لي خفين فيواجبه

سواء في جميع الوجوه، وبالله التوفيق. [الرجل يأتي بالجلد إلى الخراز فيقول اعمل لي خفين فيواجبه] ومن كتاب يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسألت ابن القاسم عن الرجل يأتي بالجلد إلى الخراز فيقول: اعمل لي خفين فيواجبه، ثم يذهب عنه ولم يصف له صنعة الخفين فيعدو الخراز، فيعمل له الخفين قبل أن يسأله عن الصنعة، فيأتي صاحب الجلد فيقول: ما أمرتك أن تعمل لي مثل هذين الخفين، وإنما أردت غير هذه الصنعة، فيقول الخراز: صدقت إنك لم تأمرني، ولكني رأيت أن هذا العمل مما يصلح لك، قال: إذا عمل خفين تشبه أخفاف الناس، وهو مما يشبه لبسه الرجال فأرى القول قول الخراز، ولا ضمان عليه؛ لأنه لم يصف الخفين حين واجبه، فكأنه فوض إليه، قلت: وكذلك الرجل يأتي الخياط بالثوب، أو إلى صاحب القلانس بالظهارة؟ قال: نعم كذلك، قلت: وكذلك الذي يأتي بالثوب إلى الصباغ، قال: الصباغ غير هذا إذا صبغه بغير إذن صاحبه ضمن، وهو بمنزلة الرجل يقول له الرجل: اشتر لي خادما، فاشترى له جارية. قال محمد بن رشد: قوله: في الذي يواجب الخراز على عمل الخفين أو الخياط على خياطة ثوب أو القلاس على عمل قلنسوة، ولا يسمي له صفة العمل إنه يلزمه ما عمل له إذا كان ذلك يشبه لباسه، هو صحيح على معنى ما في السلم الثاني من المدونة في الذي يأمر الرجل أن يشتري له ثوبا أو جارية، ولا يسمي له جنس الثوب ولا جنس الجارية أنه يلزمه ما اشترى له من الجواري والثياب إذا كان ما اشترى له يشبه أن يكون من جواريه أو من ثيابه، وأشهب يقول: إنه يلزمه ما اشترى من الجواري والثياب، وإن لم يكن

مثلها من خدمه ولا من ثيابه إلا أن يقول له: اشتر لي ثوبا ألبسه أو جارية تخدمني، فحينئذ ينظر إن كان ذلك يشبه أن يكون من خدمه أو من ثيابه على ما قال ابن القاسم، فكذلك يلزم على مذهبه في استعمال الخفين وخياطة الثوب وعمل القلنسوة أن يلزمه ما عمل من ذلك، وإن كان ذلك لا يشبه أن يكون من لباسه إلا أن يقول له: اعمل لي خفين ألبسهما وثوبا ألبسه أو قلنسوة ألبسها فحينئذ ينظر إلى ما قال ابن القاسم، فلا يلزمه شيء من ذلك إذا لم يشبه أن يكون من لباسه، وأما الذي يأتي بالثوب إلى الصباغ فيقول له: اصبغ هذا الثوب، ولا يبين له أي لون يصبغه، فقال ابن القاسم: إنه إن صبغه بغير إذنه فهو ضامن صحيح على أصله في مسائل الشراء والاستعمال أنه لم يحمل قوله: اشتر لي جارية أو عبدا أو اصنع لي خفين أو قلنسوة على التفويض إليه في أن يشتري له أي جنس رآه، وفي أن يعمل له أي صفة رآها، وإنما حمله على أنه إنما أمره بما يشبه من ذلك كله فوجب لما كانت الألوان تختص به اختصاصا واحدا ليس بعضها يشبهه، وبعضها لا يشبهه أن يضمن إذا صبغ له الثوب باختياره إذ لم يفوض ذلك إليه، ويأتي على مذهب أشهب في مسائل الشراء أنه لا ضمان عليه؛ لأنه إذا حمل قوله في الشراء اشتر لي ثوبا على التفويض إليه في أن يشتري له أي ثوب رآه من الثياب كان مما يشبه لباسه أو لا يشبهه، فكذلك يحمل قوله: اصبغ لي هذا الثوب على التفويض إليه في أن يصبغه له أي صبغ رآه، وذلك في الصباغ أبين منه في الثياب؛ لأن الألوان تختص به في اللباس اختصاصا واحدا أو من جنس الاختصاص بخلاف الثياب، ووقع في بعض الروايات: وهو بمنزلة الرجل يقول للرجل: اشتر لي خادما فاشترى له جارية، وفي بعضها: وهو بمنزلة الرجل يقول: اشتر لي خادما أو اشتر لي جارية، فالرواية الأولى تعود إلى مسألة الصباغ يريد أنه يكون متعديا إذا صبغ بغير أمره بمنزلة إذا أمره أن يشتري له خادما، فاشترى له جارية، والرواية الثانية تعود إلى مسألة الاستعمال يريد أنه لا يضمن إذا عمل له خفين يشبه لباسه كما لا يضمن إذ قال له: اشتر لي خادما أو اشتر لي جارية، فاشترى له جارية تشبهه أو خادما تشبهه، وبالله التوفيق.

رجل دفع إلى حارس ثيابا فقال الحارس قد جاءني إنسان فشبهته بك

[رجل دفع إلى حارس ثيابا فقال الحارس قد جاءني إنسان فشبهته بك] ومن كتاب أوله سلف دينار في ثوب إلى أجل قال ابن القاسم في رجل دفع إلى حارس ثيابا فقال الحارس: قد جاءني إنسان فشبهته بك، وظننت أنك هو فدفعتها إليه أيضمن؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال لا إشكال فيه، ولا كلام؛ لأنه أخطأ عليه في متاعه، فدفعه إلى من ذهب به إليه، وأموال الناس تضمن بالعمد والخطأ. [يشتري النعل على أن يحذى له والقميص على أن يخاط له] ومن كتاب أمهات الأولاد قال ابن القاسم: وكل ما كان يعرف وجهه بعدما يخرج، فلا بأس أن يشتريه، ويشترط عمله مثل أن يشتري النعل على أن يحذى له، والقميص على أن يخاط له، والظهارة للقلنسوة على أن يعمل له، أو القمح على أن يطحن له، فلا بأس بذلك كله؛ لأن ذلك كله قد عرف وجهه، وكذلك قال مالك، وقد مرض مالك مرة شراء القمح على أن يطحنه، وجل ما رأيت فيه السهولة، قال ابن القاسم: ولا بأس بذلك، ومن كتاب حبل الحبلة قال ابن القاسم: وكذلك التور يستعمله، قلت له: فهل يصلح له أن يبيعه قبل أن يستوفيه؟ قال: لا بأس به نقدا، أو إلى أجل كان اشتراؤه نقدا، أو إلى أجل، ومن كتاب البيع والصرف من سماع أصبغ قال أصبغ: قلت لابن القاسم: وكيف يكن التور فيها بعينه؟ قال: يريه الصفر والوزن، ويريه صفة ما يعمل، قلت: فما فرق بين هذا وبين الثوب الذي ينسج بعضه؟ قال: لأن الثوب لا يدرى كيف يخرج، قلت:

فالتور لا يدرى كيف يخرج، قال: إذا لم يخرج على ما وصف له يطيق أن يعيده في العمل، والثوب لا يطيق ذلك، وسئل عنه سحنون فقال له: الرجل يبتاع من رجل ثوبا على أن على البائع خياطته أو قمحا على أن عليه طحينه فأجازه مالك، قيل له: أرأيت إن باع هذا كله هل يضمن أم لا؟ قال: لا ضمان عليه ويحط عن المشتري بقدر الخياطة والطحين من الثمن إلا أن يكون البائع ممن يعمل تلك الصناعات، فيسلك به سبيل الصناع في الضمان، قلت: ولا تراه من وجه البيع والإجارة؟ قال: لا، قلت: ففسر لي هذا الأصل، فإني قد وجدته لابن القاسم وأشهب جميعا واحدا في الذي يشتري الظهارة على أن على البائع عملها أو حديدا على أن يعمل له منها قدرا أو نحاسا على أن يعالج له منها قمقما، أو عودا على أن ينحت له منه سرجا، فأجازا جميعا هذا الأصل وراياه من وجه البيع وعلى ذلك أجازه، وقد يحد البيع الأجرة في غير هذا من المسائل من قول مالك مكروه، من ذلك قول مالك في الذي يبتاع الغزل على أن على البائع حياكته والزيتون على أن عليه عصره، ونجد البيع والأجرة قد دخله كما دخل المسألة الأولى، فقال ذلك له، وقد خالفا فيها أصل قول مالك ومذاهبه التي عليها يعتمد، وهذا من بيع الغرر الذي لا يجوز على حال؛ لأنه لا يدري ما اشترى، ولا كيف يكون خروج ما اشترط من ذلك العمل، وإنما أجازه مالك في العجين لخفته، والثوب يشترط خياطته مثله؛ لأن خروجه معلوم، وليس خروج ذلك مما يغيب عنه معرفته، وإن كان مالك قد عده ومرضه، فليس قولهما في ذلك عندي بشيء، وكل ما وجدت من هذا الأصل، فرده إلى مثله مالك في الحائك والزيتون على أن على البائع عصره، فإنها أصل لجميع ما ذكرت، وهي من أصح مسائلهم وأقيس قولهم، وكلما وجدت خلافا لها من جميع ما ذكرت فرده إليها، وأصل ما يقاس عليه هذا

كله أن كل بيع وأجرة يكون في الشيء المبيع بعينه، فذلك بيع لا يجوز، وكل بيع وأجرة تكون الأجرة في غير الذي بيع، فلا بأس بذلك فوجدنا مسألة الحائك لأئمة هذا الأصل، فكل شيء تجده مما ضارعه فرده إليها، فإنها أصل ما سألت عنه، والبيع والشركة مخالف للبيع والأجرة، كل بيع وشركة تجده، فانظر فيه فإن كانت الشركة قد دخلت في البيع فذلك جائز، وإن كانت الشركة خارجة من البيع فلا خير فيه، فخذ هذين الأصلين على ما ذكرت، فإنه من جيد العلم. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في كتاب حبل الحبلة: إنه لا بأس للذي استعمل التور أن يبيعه قبل أن يستوفيه نقدا، أو إلى أجل كان اشتراؤه نقدا، أو إلى أجل، معناه أنه استعمله عنده ليعمله له من صفر قد أراه إياه، فصار التور المستعمل على هذا الوجه سلعة بعينها اشتراها، فجاز له أن يبيعها من غير الذي اشتراها منه نقدا، أو إلى أجل كان اشتراها نقدا أو إلى أجل كما قال، لا اختلاف في جواز ذلك، ولا يجوز له أن يبيعها من الذي استعمله إياها إذا كان قد نقده الثمن وغاب عليه إلا بعرض أو بمثل ذلك الثمن أو أقل؛ لأنه إن باعها منه بأكثر من الثمن الذي دفع إليه بعد أن غاب عليه كان سلف دراهم في أكثر منها. ولو كان استعمله التور على صفة مضمونا عليه من غير أن أراه إياه بعينه لجاز له أن يبيعه قبل أن يستوفيه من غيره بما شاء إذا تعجل على مذهب مالك؛ لأنه يحمل ما جاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من النهي عن ربح ما لم يضمن على الطعام خاصة خلاف قول عبد العزيز بن أبي سلمة وغيره من العلماء ممن حمل نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ربح ما لم يضمن على عمومه في الطعام وغيره، وإليه ذهب ابن حبيب، وهو مذهب ابن عباس وظاهر قوله في الموطأ، وإن كان مالك قد تأولها على مذهبه. وما ذهب إليه سحنون من أن البيع والإجارة في الشيء للمبيع لا يجوز في شيء من الأشياء كان يعرف وجه خروجه أو لا يعرف هو مشهور معلوم من مذهبه، فإن وقع فسخ عنده في القيام ورد إلى القيمة بالغة ما بلغت في الفوات، يعلم ذلك من مذهبه؛ لقوله: وهذا

من بيع الغرر الذي لا يجوز على حال، فإنه لا يرى ما اشترى ولا كيف يكون خروج ما اشترط، وقوله قبل ذلك في الذي ابتاع الثوب على أن على البائع خياطته أو قمحا على أن على البائع طحينه أنه إن ضاع، فلا ضمان عليه، ويحط عن المشتري بقدر خياطته والطحين من الثمن إلا أن يكون البائع ممن يعمل تلك الصناعات، فيسلك له سبيل الصناع في الضمان، إنما هو إعلام منه بالحكم في ذلك على مذهب مالك الذي يجيز البيع على هذا الشرط؛ لأنه إنما سئل عن تفسير مذهبه، وذلك بين من فحوى المسألة؛ لأنه أعلم في السؤال بإجازته لذلك، ثم قيل له: أرأيت إن ضاع هذا كله هل يضمن؟ يريد هل يضمن عند مالك على مذهبه في إجازة ذلك، فأجاب على الحكم في ذلك على مذهبه أعني مذهب مالك، فقال له السائل: ولا تراه من جهة البيع والإجارة، قال: لا، يريد ولا تراه أنت من جهة البيع والإجارة، فيجوز عندك، قال: لا. والحكم في ذلك عنده على مذهبه أن يكون الضمان فيه من البائع على كل حال إن قامت البينة على التلف، وكان ممن لم ينصب نفسه لتلك الصناعة؛ لأنه بيع فاسد تلفت السلعة فيه بيد البائع قبل أن يقبضها المبتاع، فوجب أن تكون مصيبتها منه، ويفسخ البيع، ويكون على البائع على مذهب مالك إذا تلف الثوب عنده وهو صانع قد نصب نفسه للعمل قيمته يوم البيع غير معمول، ويفض الثمن الذي وقع البيع به على الثوب والعمل، فيكون للبائع منه ما ناب الثوب، فإن كان له فضل أخذه، وإن كان عليه أداه، وإن قامت بينة على التلف سقط عنه الضمان، ويفض الثمن أيضا على الثوب والعمل، فلم يكن للبائع إلا ما ناب الثوب، وقال ابن نافع في المدنية إن القيمة تكون فيه يوم ذهب، وقال عيسى عن ابن القاسم فيها يوم البيع: وهو الصحيح، ومذهب مالك الذي ذهب إليه ابن القاسم وأشهب من أن البيع والإجارة في نفس الشيء المبيع يجوز فيما يعرف وجه خروجه وفيما لا يعرف وجه خروجه لإمكان إعادته للعمل إن خرج على غير الصفة حتى يعمل على الصفة، ولا يجوز فيما لا يعرف وجه خروجه، وما لا يمكن إعادته للعمل هو الصحيح، إذ لا فرق في النظر والقياس بين أن تكون الإجارة في الشيء المبيع أو في غيره إذا علم وجه خروج ذلك

الصناع مثل الصباغ أو القصار أو غيره يفسد الثوب يقطعه أو يحرقه

الشيء من العمل، فيسلم بذلك البيع من الغرر في الأصل الذي أصله سحنون من الفرق بين الإجارة والشركة في أن يكونا خارجين من البيع أو داخلين فيه، لا يلتزمه ابن القاسم، ولا يقول به لا في الإجارة ولا في المشركة؛ لأنه يجيز أن تكون الإجارة داخلة في البيع على الشرط الذي ذكرناه، ولا يجيز الشركة بالدراهم من عند أحدهما والدنانير من عند الآخر، ولا بالطعامين المختلفين، وإن استوت قيمتهما وإن كان البيع أو الصرف غير خارجين عن الشركة لما يدخل ذلك عنده من عدم المناجزة، وسيأتي بيان هذا في موضعه من الشركة إن شاء الله تعالى. [الصناع مثل الصباغ أو القصار أو غيره يفسد الثوب يقطعه أو يحرقه] ومن كتاب حبل حبله وسألت ابن القاسم، وابن وهب عن الصناع مثل الصباغ أو القصار أو غيره يفسد الثوب يقطعه، أو يحرقه فقال: هو ضامن، قلت: غر من نفسه أو لم يغر؟ قالا: نعم، وإن كان رب الثوب سار به إلى منزله فيعمله عنده في المنزل، فأحرق شيئا أو أفسده، فليس عليه ضمان إلا أن يكون غر من نفسه؛ لأنه أجير، قلت لابن القاسم: فإن كان أتاه بثوب في حانوته يكمده له، فكمده فلم يزل عنده حتى قطعه من غير تعد ولا تفريط، قال: إذا عمله في حانوته، فهو ضامن غر من نفسه أو لم يغر. قال محمد بن رشد: قوله: إن الصانع ضامن لما أفسده من الأعمال التي يعملها في داره أو حانوته غر من نفسه أو لم يغر صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن الأصل ما أخذ الأمتعة فيه على الضمان إلا أن يكون الفساد من أمر غالب كالنار، فيسقط عنه الضمان إلا أن يثبت عليه التفريط والتضييع حسبما مضى في رسم سن من سماع ابن القاسم أو ما فيه غرر من الأعمال على ما يأتي في نوازل أصبغ. قال سحنون في كتاب ابنه: وإذا أخرج القصار الثوب أسود، فليعده حتى يجوده، فإن كان يفسد إذا رده ويسترخي، وينكسر وجهه وخيف

عليه أن يحرق، فلا يرده وينظر، فإن أفسده ضمن قيمته، وإن كان الفساد فيه يسيرا ودي قيمة ذلك، وكان له قيمة العمل على دناءته ما لم يجاوز شرطه، وقال في الخياط: يقلب الثوب إلى داخل، فإنه يفتقه ويعيده، فإن كان الفتق ينقصه يخير ربه بين أن يضمنه قيمته يوم قبضه أو يأخذه بفتقه خياطته، وأما إذا صار الرجل بالصانع إلى داره، فيعمل عنده فلا ضمان عليه فيما أفسد في عمله إلا أن يغر من نفسه أو يثبت عليه أنه تعدى في عمله؛ لأنه أجير على ما قال مؤتمن، فهو محمول على غير التعدي حتى يثبت عليه التعدي، ويأتي على مذهب ابن الماجشون الذي ذكرناه أنه محمول على القصد إلى الإفساد حتى يثبت براءته من ذلك. وقول ابن القاسم: إن الكماد إذا كمد الثوب في حانوته، فقطعه من غير تعد ولا تفريط إنه ضامن له، وإن كان صاحبه معه فهو عندي صحيح على أصولهم إذ لا تأثير فيما يلزمه من حكم الضمان؛ لكون صاحبه معه، وقد قال أصبغ في الكماد يكمد الثوب مع رب الثوب، فيصيبه خرق قال: إن كان الخرق الذي أصابه من كمد صاحب الثوب، فلا ضمان على الكماد، وإن كان من كمد الكماد فهو ضامن، وإن جهل فهو بينهما، وقع قول أصبغ هذا في بعض روايات العتبية، وقال ابن لبابة فيه: إنه جيد صحيح، وأدخله ابن أبي زيد في النوادر من العتبية وقال: إنه في الواضحة وكتاب ابن المواز، وقوله: وإن جهل فهو بينهما معناه: أنهما إن قالا جميعا: لا نرى من عمل من هو منا فيلزم الصانع ضمان نصفه، وأما إن ادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه من عمله، فوجه الحكم في ذلك أن يتحالفا جميعا، فإن حلفا أو نكلا لزم الصانع غرم نصفه، فإن حلف الصانع ونكل رب الثوب سقط عنه الغرم، وإن نكل وحلف رب الثوب لزمه ضمان جميعه، ورأيت لابن دحون أنه قال: قول ابن القاسم إن الكماد ضامن للثوب إذا قطعه في كمده وصاحبه معه غير مستقيم، كل من حضر عمل متاعه في داره أو في دار الصناع أو حانوته فأجيح به بحرق أو قطع فلا ضمان على الصانع، وإنما يضمن إذا لم يحضر صاحب المتاع وكان العمل في دار الصانع أو في حانوته، وإنما قال ذلك ابن دحون قياسا على قولهم في الكراء على الطعام إنه

مسألة: دفع ثوبا إلى رجل يخيطه له أو يرقعه أو يقصره فضاع

لا يضمن إذا كان صاحب الطعام مع طعامه، وما أصاب في قياسه؛ لأن قطع الثوب قد علم أنه من عمل الكماد، ولا تأثير لحضور رب الثوب في ذلك، فهو بخلاف دعوى الكرا ضياع الطعام بالغيبة عليه إذا لم يكن رب الطعام معه. [مسألة: دفع ثوبا إلى رجل يخيطه له أو يرقعه أو يقصره فضاع] مسألة قال عيسى: لو أن رجلا دفع ثوبا إلى رجل يخيطه له، أو يرقعه أو يقصره فضاع عند المدفوع إليه الثوب لم يكن عليه ضمانه إذا كان المدفوع إليه لم ينصب نفسه صانعا ولا خياطا ولا قصارا، وهو كالأمين لا يجب عليه الضمان حتى يكون رجل قد نصب نفسه للعمل فيجب عليه الضمان. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في رسم أمهات الأولاد من قول سحنون على مذهب مالك، ومثله في المدونة، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الأصل في الصناع أن لا ضمان عليهم؛ لأنهم أجراء، وقد أسقط النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الأجير الضمان، فأخرج أهل العلم الصناع من ذلك لنصبهم أنفسهم لأعمال الناس، وأخذ أمتعتهم، وإذا لم ينصب نفسه لذلك بقي على الأصل وسقط عنه الضمان. [قاطع رجلا يبني له بيتا عشرة أذرع في عشرة أذرع فبنى له خمسا في خمس] ومن كتاب القطعان قال عيسى بن دينار: قال ابن القاسم عن مالك إنه قال في رجل قاطع رجلا يبني له بيتا عشرة أذرع في عشرة أذرع، فبنى له خمسا في خمس، وزعم أنه أمره بذلك، وأنكر ذلك صاحب البناء، وليست لهما بينة، قال: يتحالفان ويتفاسخان إلا أن يشاء البناء أن يبني له عشرة في عشرة فإن حلف ألزمه صاحب البنيان، فإن أبى ونكل عن اليمين أحلف الآخر، وكان على البناء أن يبني له عشرة في

عشرة، فإن حلف البناء ونكل صاحب البنيان عن اليمين أجبر على أخذ ما بنى له البناء، وإن حلفا جميعا تفاسخا وقيل للبناء: أقلع نقضك إلا أن يشاء صاحب البنيان أن يدفع إليه قيمة بنيانه منقوضا مطروحا بالأرض. قال ابن القاسم: وقال مالك في رجل استأجر حائكا ودفع إليه غزلا ينسجه له ثوبا سبعا في أربع فنسجه ستا في ثلاث، وزعم أنه أمره بذلك، قال مالك: القول قول الحائك ويحلف، وإنما فرق بين الحائك والبناء؛ لأن الحائك صانع من الصناع يضمن ما دفع إليه، ويكون أولى بما دفع إليه من الغرماء إن فلس صاحب الثوب حتى يستوفي أجرته. قال محمد بن رشد: قوله في مسألة البنيان إنهما يتحالفان ويتفاسخان إلا أن يشاء البناء أن يبني له عشرا في عشر، يريد أو يشاء صاحب البنيان أن يأخذ ما بني له، وقوله: فإن حلف ألزمه صاحب البنيان، يريد أنه إن حلف البناء، ونكل صاحب البنيان عن اليمين لزمه أخذ ما حلف عليه البناء على ما نص عليه بعد، فمعنى قوله: ومقتضاه أنه إن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما، وإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا انفسخ الأمر بينهما وقيل للبناء: اقلع نقضك إلا أن يشاء رب البنيان أن يأخذه بقيمته مقلوعا ويتفاسخان؛ لأن كل واحد منهما مدع على صاحبه، صاحب البنيان يدعي على البناء بنيان عشرة في عشرة وهو منكر لذلك، فوجب أن يحلف على ذلك ليسقطه عن نفسه، والبناء مدع على صاحب البنيان يريد أن يلزمه ما لم يقر باشتراطه من خمسة في خمسة، وما هو منكر له، فوجب أن يحلف على ذلك لئلا يلزمه أخذه، فإذا حلفا جميعا أو نكلا جميعا لم يكن للبناء إلا بنيانه يقلعه إلا أن يشاء رب البنيان أن يأخذه بقيمته مقلوعا مطروحا بالأرض كما قال، والفرق بين مسألة البنيان، ومسألة الحائك، أن الحائك صانع من الصناع، فصاحب الثوب يرجع عليه في الغزل الذي دفعه إليه ليصنعه أنه صنع منه ما لم يأمره به كما لو دفع إليه خشبا ليعمل منه أبوابا، فلما عملها قال: لم آمرك إلا

بتوابيت، فوجب أن يكون القول للحائك؛ لأنه مدعى عليه، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة كلاما فيه نظر لا يصح عند التفصيل إنما وجب التحالف، والتفاسخ؛ لأن الأداة والحجارة والخشب من عند البناء، فصار كرجل باع سلعة بثمن، فقال المشتري: أكثر من هذا القدر اشتريت منك، فوجب التحالف والتفاسخ، فأما لو كانت الحجارة والخشب والآلة من عند صاحب الدار كان القول قول البناء؛ لأنه أجير للبائع، فالقول قول صاحب الدار في الأجرة إلا أن يقبض الأجير أجرته، فيكون القول قوله أيضا كالمتكاريين يختلفان في الأمد والأجرة، ولذلك قال في الحائك: القول قوله؛ لأن الغزل من عند رب الثوب، والحائك إنما هو أجير ليس ببائع شيئا، ولو كان الغزل من عند الحائك كان سلما في ثوب موصوف، فإذا اختلفا في طوله وعرضه تحالفا وتفاسخا على الأصل الأول؛ لأنه بيع اختلفا في قدره، وقد قيل: إنه سلم في صفة فالقول قول المسلم إليه، وقيل: إنه ليس من باب السلم؛ لأن تأخير النقد فيه جائز، وإنما هو بيع، وقيل: المسألة حائلة لعدم الأجل وتأخير النقد. قال محمد بن رشد: هذا نص قول ابن دحون، وهو كلام مدخول من ذلك أنه قال: إنما وجب التحالف والتفاسخ؛ لأن الأداة والحجارة والخشب من عند البناء فصار كمن باع سلعة وادعى المشتري أكثر منها. ولو كان هذا معنى المسألة لما وجب أن يفسخ الجميع بالتحالف؛ لأن ما بنى البناء من ذلك قد أفاته بالبناء وجعل صاحب البقعة قابضا له؛ لكونه مبنيا بأمره في البقعة، فوجب أن يكون القول فيه قول المشتري وينفسخ الباقي على أصولهم في اختلاف المتبايعين في عدد السلع وقد قبض المشتري بعضها أو في المتكاريين في مدة كراء الدار وقد مضى بعضها. ومن ذلك أنه قال: ولو كانت الحجارة والآلة والخشب من عند صاحب الدار كان القول قول البناء كالمتكاريين يختلفان في الأمد والأجرة، وذلك ما لا يصح؛ لأن المتكاريين متفقان على النوع مختلفان في قلة وكثرة، ومسألتنا إنما الاختلاف فيها في الأنواع، وإنما كانت تشتبه المسألتان لو قال البناء قاطعتك على بنيان بيت خمسة في خمسة، وقال

الخياط يدفع إليه ثوبه ليخيطه ثم أتاه بعد ذلك غيره بثوب آخر ليخيطه

صاحب الدار إنما قاطعتك على بنيان بيتين خمسة في خمسة خمسة في خمسة، وكذلك قوله: لو كان الغزل من عند الحائك كان سلما في ثوب إلى آخر قوله فيه من الأعراض ما لا يخفى لقوله فيه. وقد قيل: إنه سلم على صفة، وقيل: ليس هو من باب السلم؛ لأن تأخير النقد فيه جائز، وقيل: إنها مسألة حائلة، إذ ليست بمسألة اختلاف، وإنما هي مسألة فيها تفصيل، وقد ذكرنا تحصيله في كتاب السلم من كتاب المقدمات مستوفى، فاختصار التكلم عليه هنا أولى، ولا فرق على ما بيناه فيما يوجبه الحكم من التحالف والتفاسخ بين أن تكون الخشب والحجارة والآلة من عند البناء أو من عند صاحب الأرض، إذ ليس البناء الذي يختلفان في صفة صنعته في النقص، فيختلف الحكم فيه بين أن يخرجه البناء وصاحب البقعة، وإنما هو بناء مضاف إليه، فإذا اختلفا في صفته وجب التحالف والتفاسخ فيه بينهما، ورجع النقص إذا تحالفا لمحرجه منهما، وبالله التوفيق. [الخياط يدفع إليه ثوبه ليخيطه ثم أتاه بعد ذلك غيره بثوب آخر ليخيطه] ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم في الخياط يدفع إليه ثوبه ليخيطه، ثم أتاه بعد ذلك غيره بثوب آخر ليخيطه هل هو في سعة أن يخيط الآخر قبل الأول إذا لم يكن موعودا، ولكن كل واحد منهما يحب تعجيل ثوبه، قال: أحب إلي أن يبدأ بالأول، والأول أحقهما وأعدل، ولم أسمع في هذا بشيء، ولعله أن يكون واسعا إذا كان الشيء الخفيف الرقعة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن الاختيار له أن يقدم الأول فالأول من غير أن يكون ذلك واجبا عليه إذ لم يجب عليه عمله في يوم بعينه، فيكون بتأخيره عنه قد ترك واجبا عليه، وكذلك قال مطرف وابن الماجشون لا بأس على الصناع أن يقدموا من أحبوا ما لم يتعدوا ظلما ولا يقصدوا مطلا، وكذلك يقولان في الرحى، وقال سحنون في كتاب ابنه: لا يقدم صاحب الرحى أحدا على من أتى قبله إذا كانت سنة البلد أن يطحنوا على الدولة، وإن تحاكموا إلى السلطان في ذلك قضى بينهم بسنة بلدهم

صاحب الفرن إذا ذهب منه الخبز أيضمن

وليس قول سحنون بخلاف لقول غيره؛ لأن العرف كالشرط. [صاحب الفرن إذا ذهب منه الخبز أيضمن] من سماع محمد بن خالد من عبد الرحمن بن القاسم محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن صاحب الفرن إذا ذهب منه الخبز أيضمن؟ قال: نعم يضمن، قال ابن القاسم: وإن احترق من غير تضييع منه له فلا شيء عليه، قال ابن القاسم: والطحان ضامن لما دفع إليه من القمح يطحنه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الفران والطحان صانعان من الصناع، فيضمنون ما ادعوا تلفه وما أتى فساده على أيديهم، وإن لم يغروا إلا بما كان من أمر غالب كالنار أو ما فيه غرر من الأعمال، فلا يضمنون فيه إلا أن يغروا أو يتعدوا أو يفرطوا حسبما مضى القول فيه في رسم حبل حبلة من سماع عيسى، وإنما سقط عنهم ضمان ما علم أنه ليس من فعلهم، وأنه قرض فأر أو لحس سوس أو ما أشبه ذلك، قيل: إذا ثبت أنهم لم يضيعوا، وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقيل: إلا أن يثبت أنهم ضيعوا، وهو قول ابن حبيب، ويسقط عنهم ضمان ما أقام البينة على تلفه من غير سببهم، فروى ابن وهب عن مالك في موطئه في الذي يدفع إلى الخياط ثوبا، فيخيطه فيصيب بيت الخياط حريق، فيرى ثوب الرجل فيه يحترق، قال: على الخياط فيه الضمان إلا أن يكون سيل أو صاعقة، وقال في الرهن مثله، ومثله لأشهب في ديوانه ولمالك في كتاب ابن المواز وهو على قياس قوله في المدونة إذا قرض الفأر الثوب، وعلم أنه قرض الفار فهو ضامن إلا أن يثبت أنه لم يكن في ذلك سبب من أجل تضييع، وانظر على مذهب من يرى إذا ثبت أنه قرض الفأر أنه لا ضمان عليه حتى يثبت أنه كان له في ذلك سبب من تضييع هل يقال: إذا وقع النار في بيته فرأى الثوب يحترق أنه لا ضمان عليه حتى يثبت أن النار من سببه لغالب العادة أن أحدا لا يحرق بيته ليصدق في ذهاب أمتعة الناس، أو يفرق بينهما بأن فساد الثوب قد علم أنه من قرض

مسألة: الرجل يأتي الصانع بقطعة ذهب ويقول اقطع منها مثقالا

الفأر، والنار هو يقدر على عملها، فوجب أن يضمن حتى يعلم أنه من غير سببه، والأشبه أن لا فرق بينهما؛ لأنه قد علم إحراق النار للثوب كما قد علم قرض الفأر له، فإذا صدق أنه لم يكن له في قرض الفأر سبب من تضييع وجب أن يصدق أنه لم يكن له في النار سبب، والله أعلم. ولا اختلاف بينهم أحفظه أنه إن احترق بيته أو سرق أو ذهب به السيل، فادعى أن المتاع تلف في جملة متاع بيته أنه لا يصدق، وبذلك جاءت الرواية عن مالك في الصناع تحترق منازلهم، فيدعون ذهاب أمتعة الناس، وقد مضى في رسم مسائل بيوع، ثم كراء من سماع أشهب القول في ضمان القصاع الفران وضمان الأوعية الطحان يما تعلق بذلك. [مسألة: الرجل يأتي الصانع بقطعة ذهب ويقول اقطع منها مثقالا] مسألة سألته: عن الرجل يأتي الصانع بقطعة ذهب ويقول: اقطع منها مثقالا، واعمل بها خاتما واحبس ما بقي فيزعم الصانع أنه ذهب منه قبل القطع، أو بعد القطع أو يأتي إلى الصانع يستعمل منه سوارين، فيأتيه بسوار يعمل عليه، فيزعم أن السوار ذهب، هل تراه ضامنا؟ فقال: أما السوار، فقد تكلم مالك فيه ورأى الضمان عليه؛ لأن به تم استعمال ما استعمله إذا أمره أن يعمل عليه، وأما الذهب، فليس مثله ولا ضمان عليه فيه إلا المثقال الذي أمره بعمله، والقول قوله في أنه تلف قبل أن يقطعه أو بعد أن قطعه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم مسائل بيوع، ثم كراء من سماع أشهب فلا معنى لإعادته. [مسألة: يأتي الخراز بخفين يستعمله في أحدهما شيئا فيزعم أنهما ضاعا] مسألة وسئل أصبغ: عن الرجل يأتي الخراز بخفين يستعمله في أحدهما

الذي يدفع قمحه إلى الرجل فيطحن على إثر النقش يفسده بالحجارة

شيئا، فيقرهما عنده جميعا فيزعم أنهما ضاعا، فقال: لا يضمن إلا الواحد الذي استعمله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يضمن إلا الذي استعمله فيه منهما، وإنما اختلف في صفة تقويمه عليه حسبما مضى القول فيه في رسم بيوع، ثم كراء من سماع أشهب فلا معنى لإعادته. [الذي يدفع قمحه إلى الرجل فيطحن على إثر النقش يفسده بالحجارة] من سماع أصبغ من كتاب البيع والعيوب قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن الذي يدفع قمحه إلى الرجل، فيطحن على إثر النقش يفسده بالحجارة، قال: يضمنه مثل قمحه، وقاله أصبغ؛ إلا أن يكون علم بالصب بالأثر ورضي. وسئل عنه ابن القاسم إذا نقص عنه الدقيق، فقال: على الطحان ضمان ما نقص ما يخرج مثل قمحه من الدقيق إذا عرف. قال محمد بن رشد: أما قول أشهب: إنه يضمنه مثل قمحه إذا طحنه إثر النقش، فأفسده بالحجارة فهو بين لا إشكال فيه؛ لأنه لما أفسد عليه قمحه في الطحين كان مخيرا بين أن يسقط عنه حكم، فيأخذ مفسودا ويودي إليه أجره على طحينه، وبين أن يغرمه مثل القمح الذي أفسد عليه، فإن أغرمه مثل القمح كان عليه أن يطحنه له على ما استأجره عليه؛ لأن مثله كعينه، وليس له أن يغرمه مثل الدقيق سالما من الحجارة، ولو رضي الطحان بذلك لم يجز؛ لأنه إذا فعل ذلك كان صاحب الطعام قد اشترى الدقيق الذي أخذ من الطحان بالقمح الذي وجب عليه، وبالأجرة التي يدفعها إليه فدخله القمح بالدقيق متفاضلا، ويجوز ذلك على مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة وغيره ممن يرى الطحن صنعة إذا قبض الدقيق، وكأنه ولم يؤخره، وأما إذا نقص الدقيق فقول ابن القاسم: إنه يكون على الطحان ضمان ما نقص ما يخرج مثل قمحه من الدقيق خلاف قوله في المدونة: إن القصار إذا ضاع عنده الثوب قبل العمل أو

بعده فيلزمه قيمته يوم دفع إليه غير معمول، وليس لرب الثوب أن يضمنه قيمته معمولا ويؤدي إليه أجرة قصارته، فالذي يأتي في هذه المسألة على قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أن يكون على الطحان من القمح ما يخرج منه قدر نقصان الدقيق، فإن كان القمح في التمثيل ثمانية أقفزة والثمانية الأقفزة تكون مطحونة يدفعها تسعة أقفزة، فلم يجد في الدقيق إلا ثمانية أقفزة ونقصه قفيز فيؤدي إليه ثمانية أتساع قفيز من قمح، ويكون عليه أن يطحنه له فيصير قفيزا مطحونا ويأخذ أجرته، فإن لم يطحنه نقص من أجرته على الطحين ما ينوبه، وذلك تسع الأجرة، ولا يجوز له على قياس هذا القول أن يأخذ منه ما نقصه من الدقيق؛ لأنه يكون إذا فعل ذلك قد ابتاع منه قفيز دقيق بثمانية أتساع قفيز من قمح وجبت له قبله وتسع الأجرة، فيدخله التفاضل بين القمح والدقيق، وقال ابن دحون في هذه المسألة: إنه كان الأصل أن يضمن ما نقصه قمحا؛ لأنه إنما أعطاه قمحا ويكون عليه طحن ما نقصه من القمح، استحب ابن القاسم ذلك، فجعله يضمنه دقيقا، هذا نص قول ابن دحون، وهو قول غير صحيح، إذ لو كان الواجب له عنده قمحا لما جاز له أن يأخذ منه دقيقا أكثر من القمح الذي وجب له وبما يجب له من أجرة الطحين، وإنما قال إنه يأخذ منه الدقيق؛ لأنه رأى أنه الواجب له على قياس ما ذكرناه من أن الثوب إذا ضاع عند القصار لزمه ضمانه مقصورا وكانت له قصارته، وفي كتاب محمد أن ذلك يلزمه إذا ضاع بعد القصارة، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يؤدي قيمته يوم قبضه ولا أجرة له، وهو قوله في المدونة، والثاني: أنه يؤدي قيمته معمولا، ولا تكون له أجرته، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في هذه المسألة، والثالث: التفرقة في كتاب ابن المواز بين أن يضيع قبل العمل أو بعده، وقد ذهب أبو إسحاق التونسي إلى قول ابن القاسم في هذه المسألة على قوله في سماع يحيى من كتاب كراء الرواحل والدواب في الكري يبيع الطعام الذي استكري على حمله في بعض الطريق، ولو قال: إن قوله في تلك المسألة على قياس قوله في هذه لكان أشبه؛ لأن هذه المسألة جارية على أصل فهي أشبه أن يكون أصلا لا

مسألة: الغسال يكثر عليه المتاع فيستأجر الأجراء فيزعمون أنه ضاع

فرعا لها يقاس عليها، ولا يدخل شيئا من هذا الاختلاف في المسألة التي قبلها لأشهب؛ لأنها مسألة أخرى، فقول العتبي وسئل عنه ابن القاسم إذا نقص الدقيق غلط، والصواب وسئل ابن القاسم إذا نقص الدقيق بإسقاط عنه، وقد مضى القول هناك في توجيه الرواية، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الغسال يكثر عليه المتاع فيستأجر الأجراء فيزعمون أنه ضاع] مسألة وسئل عن الغسال يكثر عليه المتاع، فيستأجر الأجراء يبعثهم إلى البحر بالثياب، فيزعمون أنه ضاع منهم بعض ذلك، قال: يضمنون، قيل له: أيضمن الأجراء؟ قال: نعم لأنهم أجراء في صناعة، فكل أحد في صناعته فهو ضامن، قيل له: وكذلك الخياط يستأجر الأجراء عنده، فيدفع إليهم بعض الأمتعة ينقلبون بها يعملون بها، فيدعون أنها ضاعت، قال: نعم، الصناع والخياط واحد. قال محمد بن رشد: في المدونة قول ابن القاسم: إنه لا ضمان على أجير القصار فيما أتى على يديه مما استأجره القصار عليه إلا أن يكون ضيع أو فرط أو تعدى، وضمان ذلك على القصار لرب الثوب، وليس ذلك بخلاف لقوله في هذه الرواية؛ لأن المعنى في قوله في المدونة: إنه لا ضمان على أجيره فيما أتى على يديه مما عنده في حانوته أو في داره، والمعنى في هذه الرواية أنه يضمن ما قاطعه عليه من الثياب، فانقلب بها لعملها وغاب عليها، فادعى تلفها أو أفسدها؛ لأنهم أجراء في الصناعة، فإذا نصبوا أنفسهم للعمل فهم كالصناع في الحكم، فسواء أخذوا العمل من التجار أو أخذوه من صناع مثلهم هم في ضمان الصناع كمن استأجرهم من الصناع، وبالله التوفيق. [رجل دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه له فأراد الخياط أن يستخيطه غيره فمنعه] ومن كتاب القضاء المحض وسئل ابن القاسم عن رجل دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه له

المعلم هل يذهب إلى قريته لإصلاح ضيعته فيقيم عن صبيانه اليومين والثلاثة

فأراد الخياط أن يستخيطه غيره فمنعه، قال: إن لم يكن شرط عليه أنه يخيطه بيده، فله أن يستخيطه. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى القول فيها محصلا مستوفى في أول سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة فلا معنى لإعادته. [المعلم هل يذهب إلى قريته لإصلاح ضيعته فيقيم عن صبيانه اليومين والثلاثة] ومن كتاب الجامع وسئل عن المعلم: هل يذهب إلى قريته لإصلاح ضيعته، فيقيم عن صبيانه اليومين والثلاثة ونحو ذلك، قال: نعم، يفعل ذلك إن شاء، وقد يفعل ذلك القاضي وهو أجير المسلمين، وقاله أصبغ، وقد يستراح بمثل ذلك المرة بعد المرة في القرية. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال: إن الأمر في ذلك واسع؛ لأنه المعروف من الفعل الذي جرى عليه الناس، فالتضييق فيه والتحرج منه من الغلو في الدين والحرج الذي رفعه الله عن عباده المسلمين؛ لقوله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ومن نوازل أصبغ بن الفرج قال أصبغ في الذي يعطى اللؤلؤة ليثقبها فتخرم فإذا انخرمت في موضع الثقب، فلا شيء عليه، وكذلك لو أعطيها يعملها على أجرة أو على غير أجرة إذا تعدى الثقب الفساد، وإذا كان في الثقب لم يكن عليه شيء، وقد قال أصبغ في مسألة الثقاب: الذين يثقبون اللؤلؤ والصياقلة، وجميع الصناع إذا أتى على أيديهم تلف من كسر لؤلؤة أو انقطاع السيف أو انكسر بعض الحجارة الجوهرة مما يجلى أو يثقب، فإنه ما أتى من ذلك على أيدي الصناع في عملهم، فلا شيء عليهم، وإن قال أهل البصارة: إنه أخذها من غير مأخذها وغر من نفسه وظهر فيها أنه لم يأخذها من مأخذها فهو ضامن؛ لأنه ينزل منزلة المتعدي، وإذا أخذها من مأخذها، ولا يغر من نفسه لم يكن عليه ضمان، وقبل قوله بلا بينة

صباغ دفع عليه رجلان ثوبين ليعملهما وأحدهما أجود من الآخر فغلط الصباغ

لأن شاهده فيه حاضر ظاهر، ورب اللؤلؤة مدع عليه التعدي؛ إذ لا يظهر فيها من صنعته إلا ما كان يجوز له أن يعمله، وهو له مقام شاهد؛ لأنه قد أذن له في العمل، وجعل ذلك إليه ومكّنه، وهو مدع عليه فيما يريد من الضمان، وكذلك كل صاحب صنعة على هذا الشرح. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه إن كان فيه تغرير من الأعمال مثل ثقب اللؤلؤة ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز للفران والثوب في قدر القصار، وما أشبه ذلك فإنه لا ضمان عليهم في شيء منه إلا أن يفرط أو يتعدى أو يأخذه من غير مأخذه بعمد أو جهل أو خطأ، وكذلك البيطار يطرح الدابة، فتموت من ذلك، والخاتن يختن الصبي فيموت من ختانته، والطبيب يسقي المريض فيموت من سقيه، والحجام يقلع ضرس الرجل فيموت من ذلك لا ضمان على واحد من هؤلاء في ماله، ولا على عاقلته؛ لأنه مما فيه التغرير، فكأن صاحبه قد عرضه لما أصابه، وهذا إذا لم يخطئ في فعله، وأما إذا أخطأ مثل أن يسقي المريضَ الطبيبُ مما لا يوافق مرضه أو تزل يد الخاتن والقاطع، فيتجاوز في القطع أو الكاوي فيتجاوز في الكي أو يد الحاجم، فيقلع غير الضرس التي أمر بها فهي جناية خطأ تكون على العاقلة إلا أن يكون أقل من الثلث فيكون ذلك في ماله، وذلك إن كان من أهل المعرفة، ولم يغر من نفسه، وأما إن غر من نفسه فعليه العقوبة من الإمام، واختلف في الدية، فقيل: إنها تكون عليه في ماله ولا يكون على العاقلة من ذلك شيء، وهو ظاهر قول مالك في سماع ابن القاسم وأشهب من كتاب السلطان، وقيل: إنه يكون على العاقلة من ذلك الثلث فصاعدا، وهو قول عيسى بن دينار ورواية أصبغ عن ابن القاسم في كتاب الديات محمولة على ذلك، وبالله التوفيق. [صباغ دفع عليه رجلان ثوبين ليعملهما وأحدهما أجود من الآخر فغلط الصباغ] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون وسئل سحنون عن صباغ: دفع عليه رجلان ثوبين ليعملهما،

وأحدهما أجود من الآخر، فغلط الصباغ، فأعطى صاحب الردي جيدا، وأعطى صاحب الجيد رديا فلم يعلما ذلك حتى لبس كل واحد منهما ثوب صاحبه، فقال: يأخذ كل واحد منهما ثوبه، ثم ينظر ما نقص كل واحد منهما اللبس، فيكون قصاصا بينهما، فإن كان أحدهما قد نقصه اللبس أكثر رجع بالأكثر على العامل، وتفسير ذلك أن يقال: كم نقص اللباس للثوب الذي لبس هذا؟ فإن قيل: نقصه اللبس عشرة دراهم، قيل: فكم نقص هذا الثوب الآخر اللبس؟ فإن قيل: خمسة دراهم، قيل للذي نقص ثوبه عشرة: قد لبست أنت من ثوبه ما نقصه خمسة دراهم، فقد صارت تلك الخمسة قصاصا بخمسة من عشرتك، وبقيت لك تمام عشرة ارجع بها على الصباغ الذي جنى عليك وأخطأ وأعطاك ثوب غيرك. قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا خلاف قول ابن القاسم في أول سماع عيسى؛ لأنه قال: إنهما يتقاصان بما نقص لبس ثوب كل واحد منهما الثوب الذي لبسه، ولم يقل: إنها يتقاصان بما كان ينقص لبس كل واحد منهما ثوبه لو لبسه هذا اللبس كما قال في رواية عيسى، وقوله: إنه يرجع بتمام العشرة على الغسال الذي أخطأ وأعطاه ثوب غيره، معناه: إن اختار الرجوع عليه، فإن رجع عليه رجع الغسال على الاثنين اللابسين، وإن رجع على اللابس لم يكن للابس الرجوع على الغسال ولا على أحد، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى هناك، فلا معنى لإعادته ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كتاب النكاح الأول

[كتاب النكاح الأول] [نكاح السكران] كتاب النكاح الأول

من سماع عبد الرحمن بن القاسم عن مالك من كتاب قطع الشجرة رواية سحنون قال ابن القاسم: سئل مالك عن نكاح السكران، قال: لا أراه جائزا، وطلاقه جائز عليه، ومن كتاب القضاء من سماع أشهب وابن نافع من مالك، قال سحنون: أخبرني ابن نافع وأشهب قالا: سئل مالك عن بيع السكران فقال: لا والله، ما أراه يجوز إن استوفى وكيف يعلم ذلك، وأخاف إن ربح قال: كنت صحيحا، وإن خسر قال: كنت سكران، قلت له: وترى نكاحه مثل ذلك؟ قال: ومن يعلم أنه سكران؟ إذن يقتل هذا ويقع في الحدود، ويسرق متاع هذا، ويقول: إني سكران، لا أدري ما هذا، قال سحنون: قال لي ابن نافع: أرى أن يجاز عليه كل ما فعل من البيع وغيره. وسئل سحنون عنها فقال: أرى نكاحه وبيعه وهباته وصدقاته وأعطياته بمنزلة واحدة سواء، لا يجوز منها شيء على حال من الحال، وإنكاحه بناته بمنزلة إنكاحه نفسه، لا يجوز ذلك، وعلى ذلك أكثر الرواة، قال: وإنما يجوز من أموره الحدود التي تجب في بدنه وطلاقه وعتقه، وما عدا هذا فليس بجائز عليه، وكذلك كتابته وتدبيره مثل عتقه جائز عليه، قال: وإقراره بالدين لا يجوز، وهو

عندي مثل هبته، قال: وإذا أوصى السكران بوصية فيها عتق ووصايا القوم، فإن ذلك لا يجوز أيضا على حال، قال: وإذا أبت عتق عبيده في مرضه جاز ذلك عليه؛ لأنه لو صح مضى ذلك عليه وهو بحال عتقه في صحته، فكل ما أعتق السكران فما له فيه الرجوع مثل الوصية، فلا يجوز، وكل ما أعتق مما ليس له فيه الرجوع فذلك جائز عليه، قال: وهو الذي آخذ به والله أعلم، رجع سحنون بالعتبي في وصية السكران وقال: أرى وصيته جائزة، ما أوصى فيها من عتق أو وصايا لقوم أو غيره، لا يكون أسوأ حالا عندي من الصبي والسفيه، وذلك أن وصيتهما جائزة. فالسكران عندي أولى أن تجوز وصيته. قال محمد بن رشد: السكران ينقسم على قسمين: سكران لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة، وسكران مختلط، معه بقية من عقله، إلا أنه لا يملك الاختلاط من نفسه، فيخطئ ويصيب، فأما السكران الذي لا يعرف الأرض من السماء، ولا الرجل من المرأة، فلا اختلاف في أنه كالمجنون في جميع أفعاله وأقواله فيما بينه وبين الناس وفيما بينه وبين الله، إلا فيما ذهب وقته من الصلوات، فقيل: إنها لا تسقط، بخلاف المجنون؛ من أجل أنه لما أدخل السكر على نفسه فكأنه قد تعمد تركها حتى خرج وقتها، وأما السكران المختلط الذي معه بقية من عقله، فاختلف أهل العلم في أقواله وأفعاله على أربعة أقوال: أحدها أنه في حكم المجنون الذي القلم عنه في الشرع مرفوع، فلا يحد في زنى ولا سرقة ولا قذف، ولا يقتص منه في قتل، ولا يلزمه عتق ولا طلاق ولا بيع ولا شراء ولا شيء من الأشياء، وهو قول أبي يوسف، وإياه اختار الطحاوي، واحتج له بما روي عن عثمان بن عفان أنه قال: ليس للمجنون ولا للسكران طلاق، وهو قول محمد بن عبد الحكم من أصحاب مالك، أن طلاق السكران لا يجوز، والثاني أنه في حكم الصحيح الذي ليس بسكران يلزمه ما يلزمه، لأن معه بقيه من عقله يدخل به في جملة المكلفين

بدليل توجه الخطاب إليه في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وفيما روي أن منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينادي إذا أقيمت الصلاة: «لا يقربن الصلاة سكران» ، وهو قول ابن نافع في الكتاب: أرى أن يجاز عليه كل ما فعله من البيع وغيره، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة. وقيل: إنما يلزمه ما يلزم الصحيح من أجل أنه هو أدخل السكر على نفسه، وليس بتعليل صحيح، وقيل: إنما يلزمه ما يلزم الصحيح؛ لأنه غير مستحق لاسم السكر؛ لأن السكران هو الذي لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة، قال ذلك أبو حنيفة، وهو بعيد لأن اسم السكر واقع عليه بدليل ما ذكرناه من القرآن والسنة. والثالث أنه يلزمه الأفعال ولا تلزمه الأقوال، فيقتل بمن قتل ويحد في الزنى والسرقة، ولا يحد في القذف، ولا يلزمه طلاق ولا عتق، وهو قول الليث بن سعد، والرابع أنه تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود، ولا يلزمه الإقرارات والعقود، وهو مذهب مالك وعامة أصحابه، وأظهر الأقوال وأولاها بالصواب؛ لأن ما لا يتعلق به لله حق من الإقرارات والعقود إذا لم يلزم الصبي والسفيه لنقصان عقولهما فأحرى أن لا يلزم ذلك السكران لنقصان عقله بالسكر، وما سوى ذلك مما يتعلق لله به حق، يلزمه ولا يسقط عنه قياسا على ما أجمعوا عليه من أن العبادات التي هي حق الله من الصوم والصلاة وأشباههما تلزمه ولا تسقط عنه بالسكر، وقول مالك في أول المسألة في نكاح السكران: لا أراه جائزا، ليس معناه أنه عقد فاسد غير جائز، وإنما معناه: لا أراه جائزا عليه ولا لازما له، إن أراد الرجوع فيه وادعى أنه لم يعرف قدر ما عقده من ذلك على نفسه من أجل سكره، وذلك إذا أقر له بما ادعاه من ذلك منازعه وخصمه، وأما إن كان أنكره فلا يصدق ويلزمه النكاح إلا أن تكون له بينة أنه كان سكران لا يعقل. واختلف إن قالت البينة: إنها رأت منه اختلاطا، ولم تبت الشهادة بسكره على قولين: أحدهما - وهو المشهور - أنه يحلف ولا يلزمه النكاح، روى ذلك زياد عن مالك وقاله مالك في المبسوط أيضا، ومثله المريض يطلق ثم يدعي أنه لم

مسألة: إنكاح الأب ابنته دون استئمار

يكن يعقل، على ما في سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة ومن كتاب الأيمان بالطلاق، والقول الثاني أنة لا يصدق ولا يمكن من اليمين، ويلزمه النكاح، وهو دليل قوله في رواية أشهب عنه: وكيف يعلم ذلك؟ وأخاف إن ربح قال: كنت صحيحا، وإن خسر قال: كنت سكران، إلى آخر قوله. وقول سحنون: إنه لا يجوز نكاحه ولا بيعه ولا هبته ولا صدقته ولا عطيته ولا إقراره بالدين، معناه أنه لا يلزمه شيء من ذلك، وله أن يرجع عنه إذا أفاق، على ما بيناه من مذهب مالك، وذكرنا وجهه. وقوله: إن الكتابة والتدبير كالعتق والحدود في جواز ذلك عليه ولزومه، صحيح على مذهب مالك، وأما وصيته بالعتق وغيره، فالصحيح على مذهب مالك أنها جائزة على القول الذي رجع إليه سحنون؛ لأن حكم وصيته حكم ما عقده على نفسه من البيع وغيره، ولا يقال في شيء من ذلك على مذهب مالك: إنه غير منعقد عليه، وإنما يقال فيه على مذهبه: إنه غير لازم له، لو أراد الرجوع فيه إذا أفاق من سكره، فإذا لم يرجع في وصيته حتى مات وجب أن تنفذ كما تنفذ وصية الصحيح من السكر، فقول سحنون الأول: إن وصية السكران لا تجوز، غلط وُفِّق في سرعة الرجوع عنه وترك التمادي عليه، وكذلك تفرقته فيه بين ما بتل في مرضه من العتق وغيره إن مات من مرضه، غلط أيضا، والصحيح على مذهب مالك أنه إن مات من مرضه ذلك نفذ العتق وغيره من الثلث على معنى الوصية، وإن صح من مرضه ذلك نفذ عليه العتق ولزمه وكان له الرجوع فيما بتله من الهبة والصدقة من أجل السكر، والله أعلم. [مسألة: إنكاح الأب ابنته دون استئمار] مسألة قال مالك: من عبرة إنكاح البكر ولا تستأمر ما في القرآن: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27] لم يذكر في هذا استئمارا.

قال محمد بن رشد: قوله: من عبرة إنكاح البكر ولا تستأمر، يريد: من عبرة إنكاح الأب ابنته دون استئمار؛ لأن غير الأب لا يزوج البكر حتى يستأمرها لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «والبكر تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها» واحتجاج مالك لمذهبه في هذه المسألة بهذه الآية يدل على أن شريعة من قبلنا لازمة لنا عنده، إذا لم يكن في شرعنا ما ينسخها عنا، ويدل على ذلك من مذهبه أيضا احتجاجه في موطئه بقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وإنما هو خطاب لليهود في شرعهم، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] . وقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا نام أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها، فليصلها كما كان يصليها في وقتها، فإن الله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » والخطاب بذلك إنما هو لموسى في التوراة. ومن أهل العلم من ذهب إلى أنها غير لازمة لنا بدليل قول الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] ومنهم من ذهب إلى أنه لا يلزمنا منها إلا شريعة إبراهيم خاصة؛ لقوله عز وجل: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123] وقوله: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] أي الزموها، ومنهم من ذهب إلى أنه لا يلزمنا منها إلا شريعة عيسى لأنها ناسخة لما تقدم من الشرائع، ومنهم من ذهب إلى أنه يلزمنا من شريعة موسى ما لم يكن في شريعة عيسى ما ينسخه، ومما يعتبر به في جواز إنكاح الأب ابنته البكر دون مؤامرتها مما توجه الخطاب فيه إلينا دون من قبلنا، قول الله عز وجل:

مسألة: لا ينبغي لرجل علم من وليته فاحشة أن يخبر بذلك من خطبها

{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] ، الآية؛ لأنه أمر بإنكاح الأيامى من الأحرار والعبيد، ولم يذكر في ذلك استئمارا، ولا خص أبا من غيره، فوجب بظاهر هذه الآية أن لا يستأمر الأب ولا غيره من الأولياء الأيامى من الأحرار ومن اللواتي لا أزواج لهن، كما لا يستأمر السيد عبده ولا أمته في النكاح؛ إذ جاءت الآية في ذلك كله مجيئا واحدا، فخصصت السنة من ذلك من عدا الأب من الأولياء في الأيامى الأحرار بقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها» وخصص الإجماع من ذلك الأب في ابنته الثيب، وبقي الأب في ابنته البكر على عموم الآية يزوجها دون استئمار، كما يزوج السيد عبده وأمته دون إذنهما. ومن الحجة لمالك أن أهل العلم قد أجمعوا على أنه يزوج ابنته البكر قبل بلوغها دون استئمار، فمن ادعى أن عليه أن يستأمرها إذا بلغت وجب عليه الدليل، وهذا استدلال باستصحاب حال الإجماع، وهو دليل صحيح عندهم، وبالله التوفيق. [مسألة: لا ينبغي لرجل علم من وليته فاحشة أن يخبر بذلك من خطبها] مسألة قال مالك: لا ينبغي لرجل علم من وليته فاحشة أن يخبر بذلك إذا خُطبت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن من تزوج امرأة فاطلع على أنها قد كانت زنت، لم يكن له أن يردها بذلك، فإذا لم يكن ذلك عيب فيها يجب به للزوج ردها، لم يكن على وليها أن يعلمه به، بل واجب عليه أن يستره عليها؛ لأن الفواحش يجب على الرجل أن يسترها على نفسه وعلى غيره، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصاب من هذه القاذورة شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يُبْدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله» وقال لهزال: «يا هذا لو سترته

مسألة: قال لامرأته إن نكحت عليك أو تسررت عليك إلا بإذنك فأمرك بيدك

بردائك لكان خيرا لك» وفي الموطأ أن رجلا خطب إلى رجل أخته، فذكر أنها قد كانت أحدثت، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فضربه، أو كاد يضربه، ثم قال مالك: وللخبر. وكذلك لا يجوز له ولا ينبغي له أن يخبر من عيوب وليته بشيء مما لا يجب ردها به من العور والعمى والسواد وشبه ذلك، قال ذلك مالك في كتاب ابن المواز، والنكاح في هذا عندهم بخلاف البيوع، لا يجوز للبائع أن يكتم من سلعته شيئا لو ذكره لكرهه المشتري، وكل ما نقص من ثمنها فهو عيب فيها، والفرق بين النكاح والبيع أن البيع طريقه المكايسة، والنكاح طريقه المكارمة، وليس الصداق فيه ثمنا للمرأة ولا عوضا عن شيء يملكه الولي، وإنما هو نِحْلة من الله فرضه للزوجات على أزواجهن، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إن نكحت عليك أو تسررت عليك إلا بإذنك فأمرك بيدك] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: من قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسررت عليك إلا بإذنك، فأمرك بيدك، فأذنت له في جارية أو امرأة، فطلق تلك المرأة أو باع تلك الجارية، ثم بدا له أن يرجع فيتزوجها أو يتسرر، أن ذلك إلى امرأته إن شاءت أذنت له، وإلا فلا، وإن أذنت له فنكح أو تسرر فندمت، فأرادت أن تغير ذلك، فليس ذلك لها بعد إذنها، حتى يفارق أو يبيع، فيرجع الأمر إليها. قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية: إنه إن بدا له بعد أن يطلق تلك المرأة ويبيع تلك الجارية أن يرجع، فيتزوجها أو يتسرر، أن ذلك إلى امرأته، إن شاءت أذنت له وإلا فلا. ولم يوجب عليها أن تحلف إنها إنما أذنت له في تلك الجارية بعينها، وفي نكاح تلك المرأة بعينها، ولم تكن أرادت بذلك ترك ما كان بيدها من الشرط فيهما وفي غيرهما، وذلك خلاف ما في رسم "باع شاة" من

سماع عيسى بعد هذا، والاختلاف في هذا جارٍ على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، ولو حقق الدعوى عليه في أنها أسقطت عنه ما كان بيدها من الشرط فيهما وفي غيرهما للزمتها اليمين قولا واحدا، وقال فيها: إنها إن أذنت له فنكح أو تسرر فندمت وأرادت أن تغير، فليس ذلك لها بعد إذنها حتى يفارق أو يبيع، فيرجع الأمر إليها، فساوى بين المرأة والجارية في أنه ليس لها أن تمنعه من التمادي على وطئها حتى يبيع الجارية أو يطلق المرأة، وفرق بينهما ابن حبيب فقال: إن لها أن ترجع عن الإذن والرضى في الجارية متى ما شاءت؛ لأن التسرر أمر مؤتنف، قال: وقد كان القياس أن لا يطأ إلا بإذن مؤتنف عند كل وطأة، ولكن الاستحسان أن يجزيه إذن واحد حتى تحدث منعا؛ لأنها على الإذن ما سكتت، وحكى الفضل عن ابن القاسم مثل ذلك أيضا. وأما إن أرادت لما أذنت له فتزوج أو تسرر أن ترجع فتأخذ بشرطها وتقضي في نفسها، لم يكن ذلك لها باتفاق في هذه المسألة؛ لقوله فيها: إلا بإذنك؛ لأنه إن استثنى إذنها فلم يوجب لها التمليك إلا إذا تزوج عليها أو تسرر بغير إذنها، فإذا تزوج عليها أو تسرر بإذنها لم يجب لها تمليك ولا كان لها أن تقضي بشيء، وقد حكى ابن حبيب أن قائلا يقول: إن لها أن تقضي وإن نكح بإذنها؛ لأنها أذنت قبل أن يصير القضاء بيدها، وهو غلط ظاهر، إنما الاختلاف إذا قال لها: إن نكحت عليك فأمرك بيدك، ولم يقل: إلا بإذنك، فأذنت له فنكح، فلما نكح أرادت أن تقضي في نفسها وتأخذ بشرطها، ففي سماع أصبغ عن أشهب أن ذلك لها، وهو قول سحنون في المجموعة، واحتج بالذي يسلم شفعته قبل الشراء، والمشهور أن ذلك ليس لها وهو قول أصبغ في سماعه وروايته عنه أيضا فيه، وقول مالك في رسم "اغتسل" من هذا السماع، ومثله في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك، وقد نص أشهب على الفرق بين أن يقول: إلا بإذنك، أو لا يقول ذلك، في كتاب ابن المواز، والمعنى في الفرق بينهما بيّن لا يفتقر إلى وجود النص فيه ولا يفترق ذلك عند مالك، فسواء على مذهبه

مسألة: جارية زوجها أبوها صبيا صغيرا برضى أبيه ثم هلك

استثنى في تمليكها أمرها إن نكحها عليها إذنها أو لم يستثن ذلك فيه، إن أذنت له فنكح، لم يكن لها أن تقضي في الوجهين جميعا، واختلف قوله إذا أذنت له أن ينكح إذنا مبهما لم تقل فيه: متى ما شئت، فمرة قال: إن له أن ينكح متى ما شاء، ومرة قال: إن ذلك ليس له إلا بقرب إذنها، وقع اختلاف قوله في ذلك في رسم "أوصى" من سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك، وهذا الاختلاف جارٍ على الاختلاف في الأمر المطلق، هل هو محمول على الفور أو على التراخي. واختلف إن أذنت له في النكاح ثم رجعت في الإذن قبل أن ينكح، فقال ابن حبيب: ذلك لها، وفي رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب: ليس ذلك لها، وهو قول ابن القاسم في سماع أصبغ بعد هذا، وحكى ذلك الفضل عنه وعن غيره أيضا، وبالله التوفيق. [مسألة: جارية زوَّجها أبوها صبيا صغيرا برضى أبيه ثم هلك] مسألة وقال مالك في جارية زوَّجها أبوها صبيا صغيرا برضى أبيه ثم هلك، فطلب أبو الجارية الميراث والمهر، فأنكر أبوه أن يكون أصدق شيئا وادعى أن ذلك على وجه الصلة، قال مالك: ليس له إلا الميراث إذا لم تقم له بينة، ولو كان إلا شاهد واحد رأيت أن تحلف الجارية إن كانت بلغت أو تُؤَخَّر إن كانت صغيرة حتى تبلغ وتعرف ما تحلف عليه. قال محمد بن رشد: قال مالك في هذه الرواية: إن الجارية تحلف مع شاهدها إن كانت قد بلغت، أو تؤخر إن كانت صغيرة حتى تبلغ، يريد بعد يمين أبيه، فإن نكل عن اليمين غرم ولم يكن عليها إذا بلغت أن تحلف، وإن حلف أخرت كما قال حتى تبلغ، فتحلف وتأخذ، فإن نكلت عن اليمين إذا بلغت، لم يكن لها شيء ولم يحلف الأب ثانية، وكفته اليمين الأولى. قال محمد: وهذا

بخلاف مبايعته لها، ويقيم شاهدا فيحلف معه؛ لأنه إن لم يحلف هاهنا لزمه غرم ما نكل عنه؛ لأنه أتلف ولم يتوثق؛ ولأنه لا يبيع إلا بثمن معلوم، والنكاح على التفويض يجوز، فلم يتعد، وإنما عليه أن يشهد في أصل النكاح لا في تسمية الصداق. قال محمد: وذلك عندي ما لم يدَّع أبوها التسمية مع الشاهد، فإن ادعى هذا فقد ضيع في التوثق، يريد: فيحلف هو ويستحق الصداق الذي ادعى لابنته، فإن نكل غرمه بعد حلف أبي الصبي، والظاهر من الرواية أنه هو الذي ادعى التسمية مع الشاهد، فقول محمد خلاف للرواية، وما في سماع أبي زيد عن ابن القاسم من أن أهل المرأة يحلفون في الشروط التي ادعى الزوج أن أباه شرطها عليه وهو صغير، مثل قول محمد، فهي مسألة فيها قولان. ومن هذا المعنى اختلافهم في الزوجين يختلفان في عدد الصداق أو في نوعه، فروى عيسى عن ابن القاسم في بعض روايات العتبية أن ذلك إن كان قبل البناء فالقول قول الأب أو الولي إن كانت بكرا ويحلف لأنه ليس إليها الرضى بالمهر، فإن شاء الزوج أن يعطي ما حلف عليه، وإلا حلف وانفسخ النكاح، وإن كان بعد البناء فالقول قول الزوج في عدد الصداق، ولا يكون عليه إلا ما حلف عليه، وإن كان في نوعه تحالفا وردت إلى صداق مثلها، يريد: ويغرم الأب والوصي الزيادة لتركه الإشهاد، قال فضل: وهكذا قال أصبغ في سماعه بعد أن حكى عن ابن القاسم أن البكر هي التي تحلف، فمن أوجب على الأب الإشهاد على تسميته الصداق قبل الدخول، رأى عليه أن يحلف مع الشاهد الذي أتى به؛ لأنه إن لم يحلف غرم لتركه الإشهاد، ومن لم يوجب عليه الإشهاد على ذلك رأى اليمين على الجارية، وهو الذي ذهب إليه في الرواية، ولو قال الأب له: زوجها بتفويض، وادعت هي على أبي الصبي أنه فرض لها بعد ذلك صداقا وأقامت على ذلك شاهدا، لحلفت هي باتفاق دون أبيها، ولو ادعى الأب التسمية بعد الدخول، وهي أكثر من صداق المثل وأقام عليها شاهدا واحدا، لحلف هو دونها باتفاق، فقف على أنها ثلاثة مواضع: موضع يحلف فيه الأب باتفاق، وموضع تحلف فيه الجارية باتفاق، وموضع يختلف فيمن يحلف منهما، وكذلك لو باع الأب سلعة

مسألة: المرأة تزوج بغير إذنها فتنكر

لابنه بأكثر من قيمتها فجحد المشتري الشراء والسلعة قائمة، وأقام الأب عليه شاهدا واحدا، يتخرج ذلك على قولين: أحدهما أن الأب يحلف لأنه ضيع في التوثق، فإن نكل عن اليمين ضمن الثمن لابنه، والثاني أن الابن يحلف إن شاء إذا لم يجب على الإشهاد إلا عند دفع السلعة، ولو دفع السلعة إلى المشتري فجحده لوجب عليه أن يحلف مع الشاهد باتفاق؛ لأنه ضيع بترك الإشهاد، فإن نكل عن اليمين غرم الثمن على القول بأنه هو يحلف إذا لم يدفع السلعة والقيمة على القول بأن الابن هو يحلف، وكذلك الحكم في المأمور يوكل على بيع السلعة، فيجحد المشتري وللمأمور شاهد واحد، وإذا كان للابن شاهد بحق لم يله الأب، لم يكن عليه أن يحلف مع الشاهد لابنه، واختلف إذا كان الابن صغيرا فأراد أن يحلف ويستحق له حقه، فقال ابن كنانة: ذلك له لأنه يمونه، وليس ذلك لأحد سواه من أم أو وصي، وأنكر ذلك ابن القاسم ولم يره، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تزوج بغير إذنها فتنكر] مسألة وقال مالك في المرأة تزوج بغير إذنها فتنكر، ثم تخبر أن ذلك كله سواء، قال مالك: لا يجوز إلا بنكاح جديد، قال ابن القاسم: وإنما الذي كان يجيز مالك من ذلك فيما بلغني في الرجل يزوج ابنته الثيب أو أخته وهي معه في البلد مقيمة معه، فيزوجها ثم تخبر فترضى، وكان يجيزه ويخففه، فقلت له: فالرجل يزوج ابنته الثيب البائنة عنه في البلد، فترضى حين تعلم، قال: لا يجوز هذا النكاح ولا يقام عليه ويفسخ حتى يبدأ نكاح جديد، وذلك أنهما لو ماتا لم يتوارثا، فكيف يجوز نكاح إن ماتا قبل أن ترضى لم يتوارثا، فقيل له: فالرجل يزوج أختا له معه حاضرة في البلد، فأنكرت وقالت: لم أرض ولم أوكله، ثم أقرت بعد ذلك وأحبت إجازته، قال: لا أرى ذلك إلا بنكاح جديد، قيل لسحنون: ما معنى قول مالك: وهي

معه مقيمة في البلد؟ أهو أن تكون معه في مصر واحد وحضر واحد؟ أم تكون معه في البلد وإن كانت بعيدة إلا أن البلد تجمعهم؟ قال: بل معناه أن تكون معه في حكم واحد، ويكون الذي يينهما قريبا مثل الأميال والبريد وما أشبهه، قلت لسحنون: فلو كان هو بالفسطاط والمرأة بالقلزم وبينهما مسيرة يومين، قال: ما أرى ذلك بكثير إذا أجازته في ذلك بالفور وأرسل إليها، فأجازت، قال: وأما ما تباعد عنه جدا مثل الإسكندرية أو أسوان أو ما بعد من المواضع، فإنه لا يجوز وإن أجازت، قال أصبغ مثله. قال محمد بن رشد: أما إذا زوجها بغير إذنها وهي بعيدة عنه أو قريبة فتأخر إعلامها بذلك فلا يجوز النكاح وإن أجازته، باتفاق من قول مالك وجميع أصحابه إلا ما تأول أبو إسحاق التونسي من أن اختلاف قول مالك يدخل في القريب والبعيد ويفسخ قبل ما لم يدخل، وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى، واختيار محمد بن المواز، وقيل: ما لم يطل بعد الدخول، وهو قول ابن القاسم في رسم شهد من سماع عيسى، وقيل: إنه يفسخ أبدا وإن طال، وهو قول أصبغ، واختلف هل يكون الفسخ فيه بطلاق؟ وهل يتوارثان إن مات أحدهما قبل الفسخ، على قولين نص عليهما وهما قائمان من المدونة؛ لأنه نكاح مختلف في جوازه بين أهل العلم، وقد نص في المدونة على الاختلاف في وجوب الطلاق والميراث فيما يفسخ من الأنكحة التي اختلف أهل العلم في جوازها، وتقع الحرمة به وإن فسخ قبل الدخول إذا كان الفسخ بعد الرضا باتفاق، واختلف إذا فسخ قبل الرضا أو قدمت فأنكرت، فقال مالك في المدونة: إني لا أحب له أن يتزوج أمها ولا أن يتزوجها أبوه ولا ابنه، وقال أصبغ: بل لا يحل ذلك، وأجازه ابن الماجشون، وهو الصحيح، وإياه اختار ابن أبي زيد، لأنها إذا أنكرت فلم يتم بينهما شيء تقع به الحرمة، واحتج بأن الرجل لو قال: قد زوجت ابني فلانا إن رضي، فقال فلان: لا أرضى، لم تقع به الحرمة وإن كان له الرضى بإجماع، فهذا أحرى

أن تقع به الحرمة، إذ لا يجوز النكاح إذا رضيت إلا على قول قائل، ولا يتوارثان قبل الرضى، ولا يكون الفسخ فيه طلاقا بإجماع إلا أن يدعي الولي عليها أنه زوجها بإذنها وتنكر هي ذلك، فروى عيسى عن ابن القاسم في المدنية أن الفسخ يكون في ذلك بطلاق، وهو بعيد، وأما إذا زوجها بغير إذنها وهي قريبة وأعلمت بالقرب أيضا، فرضيت، فالمشهور في المذهب أن النكاح جائز. واختلف في حد القرب فقال أصبغ وسحنون: اليوم واليومان، وقال عيسى بن دينار: ذلك مثل أن يعقد النكاح في المسجد والسوق، ثم يسار إليها بالخبر من ساعته، وإنما جاز هذا النكاح وإن كان للزوجة فيه الخيار لأنه خيار أوجبه الحكم لم ينعقد عليه النكاح، ولو أعلم الولي الزوج أنه لم يستأمرها في العقد عليها، لوجب أن لا يجوز النكاح لدخوله على أن لها الخيار، فهو بمنزلة أن لو زوجه إياها على إن رضيت، وقد قال في سماع أبي زيد في ذلك: إن النكاح يفسخ. ومن الناس من ذهب إلى أن يفرق بين المسألتين، بأن الحاضرين لهما مندوحة عن الخيار بخلاف الغائب، وهو بعيد، لأنه يلزم عليه جواز نكاح الغائبة البعيدة الغيبة لعدم القدرة على إنجاز النكاح، وروي عن مالك أن النكاح لا يجوز ويفسخ؛ لأنه نكاح لو مات أحدهما فيه لم يتوارثا، يريد: ما لم يدخل - والله أعلم - على هذا القول. وقال أصبغ: إنما يؤمران قبل الدخول بالترك والفسخ، ولا يحكم بذلك عليهما، فقد روي عن مالك أنه قال: لا أحب المقام عليه وإن رضيت، وقال مرة: إن رضيت جاز، واختلاف قوله هذا في الغيبة القريبة قائم من قول ابن القاسم في المدونة: وبلغني أن مالكا مرة كان يقول: هذا الذي حفظناه عمن أدركناه من شيوخنا، أن اختلاف قول مالك إنما هو في القريب الغيبة، وهو الذي يدل عليه ظواهر الروايات، ونحا أبو إسحاق التونسي إلى أنه لا فرق على أحد قولي مالك بين قريب الغيبة وبعيدها، وهو الأظهر في القياس، لأن الخيار الذي للمرأة المزوجة بغير إذنها إن حكمنا له بحكم الشرط وجب أن يفسخ النكاح في القرب والبعد، وإن لم يحكم له بحكم الشرط وقلنا: إنه خيار يوجبه الحكم، فلا يفسد العقد، كالعبد يتزوج بغير إذن سيده وما أشبه ذلك، وجب أن يجوز في القرب والبعد، فيأتي

مسألة: يزوج أجيرا له جارية له على إن رأى منه أمرا يكرهه فأمرها بيده

في المسألة لمالك على هذا التأويل ثلاثة أقوال: جواز النكاح في القرب والبعد، وفساده في القرب والبعد، والفرق بين القرب والبعد. وأما إذا أنكرت ثم أجازت فقال ها هنا وفي المدونة: إن النكاح لا يجوز سواء أرادت بإنكارها رد النكاح أو الإباية من إجازته، خلاف تفرقته في المدونة بين ذلك في سيد العبد إذا نكح بغير إذنه. والفرق بين المسألتين أن تزويج المرأة بغير إذنها على الرد حتى يجاز إذ لم ينبرم بين الزوجين، وبدليل أن الأمد إذا طال لم يكن لها أن تجيز، وأن تزويج العبد بغير إذن سيده على الإجازة حتى يرد، إذ قد انبرم بين الزوجين، وإنما الخيار لغيرهما، بدليل أن طول الأمد لا يمنعه من الإجازة، وجعل ابن وهب المرأة مثل السيد في ذلك، وهو أظهر لأن لها الإجازة ما لم تصرح بالرد في الموضع الذي تجوز لها الإجازة فيه، وهو القرب، كما أن ذلك للسيد في الموضع الذي تجوز له الإجازة فيه، وهو القرب والبعد، وكذلك الحكم في الرجل يزوج ابنه المالك لأمر نفسه وهو غائب، أو يخطب المرأة على الرجل فيزوجها إياه وهو غائب، ثم يأتيان فيقران بالإذن أو ينكرانه، فيردان أو يجيزان، وستأتي هذه المسألة بعد هذا والقول فيها مبسوطا إن شاء الله، وبالله التوفيق. [مسألة: يزوج أجيرا له جارية له على إن رأى منه أمرا يكرهه فأمرها بيده] مسألة وقال مالك في الرجل يزوج أجيرا له جارية له على إن رأى منه أمرا يكرهه فأمرها بيده لا يحل ذلك ولا أرى أن ينكح على هذا أحد، فإن فعل ووقع النكاح رأيته جائزا، قال ابن القاسم: ولا أفسخه إذا وقع، دخل أو لم يدخل. ومثل ذلك ما تشترط المرأة على زوجها إن أضر بها أو شرب خمرا أو غاب عنها فأمرها بيدها فهذا يكره أن يبتدأ به النكاح، فإذا وقع كان ثابتا، قال سحنون: دخل أو لم يدخل، وقال عيسى إذا وقع به النكاح مضى ولزمه الشرط، قال أصبغ: إنما يكره أن يشترط إن رأت منه ما يكره أو ما لا يعجبها أو ما لا ترضى فهي طالق، قال أصبغ: فإن وقع هذا فأرى

شرطها لها إن رأت ما تكره فهي طالق، والنكاح ثابت قبل الدخول وبعده لأنها يمين قد فرطت ليس فيها طرح شيء، فإذا رأت ما تكره طلقت كما شرطت، وقال سحنون: سئل مالك عن الرجل يزوج عبده على أن الطلاق بيد السيد، قال مالك: إن دخل بها وقع ما بيد السيد من ذلك وإن لم يدخل خير السيد، فإن ترك الشرط وإلا فرق بينهما. قال محمد بن رشد: أما الذي زوج أجيره جاريته على أنه إن رأى منه ما يكرهه فأمرها بيدها فإن أراد بذلك ما يكرهه مما يكون مكروها عند الناس وضررا بها فلا اختلاف أن النكاح جائز والتمليك لازم بمنزلة ما لو اشترط عليه إن أضر بها أو شرب خمرا فأمرها بيده، وأما إن أراد بذلك ما يكرهه هو باختياره وإن لم يكن ذلك مكروها عند الناس ولا ضررا بها فيتخرج ذلك على خمسة أقوال: أحدها أن ذلك يكره ابتداء فإذا وقع جاز النكاح ولزم التمليك، وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك وقول سحنون وعيسى بن دينار، والثاني أنه لا كراهة في ذلك، وهو قول أصبغ، والثالث أن النكاح جائز والتمليك ساقط، وهو قول ابن الماجشون على أصله في أن كل نكاح ينعقد على تمليك يقع بفعل هو بيد غير الزوج إن شاء أن يفعله فعله مثل أن يزوج الرجل أمته على أنه إن باعها فأمرها بيدها أو بيده أو ما أشبه ذلك أن النكاح جائز والشرط ساقط، والرابع قول محمد بن المواز أن النكاح فاسد يفسخ قبل الدخول وبعده على أصله أيضا في النكاح الذي ينعقد على تمليك يقع بفعل هو بيد غير الزوج أنه نكاح فاسد مثل نكاح المتعة أو أشد، والخامس أنه إن دخل سقط الشرط، وإن لم يدخل بها خير مشترط الشرط فإن تركه وإلا فرق بينهما، وهذا القول يأتي على ما حكى سحنون عن مالك في الرجل يزوج عبده على أن الطلاق بيد السيد، وهو على مذهب من يرى التخيير قبل البناء في النكاح إذا وقع بصداق مجهول. ووجه القول الأول والثاني في أن النكاح جائز والشرط لازم هو أن التمليك ليس بطلاق لازم

مسألة: خطب إلى رجل ابنته على رجل فزوجه ثم علم الأب أنه افتات على الغائب

قد يرى منه ما يكره فلا يطلق، فأشبه إذا زوجها منه على أنه إن أضر بها فأمرها بيدها، ووجه قول ابن المواز أن النكاح فاسد يفسخ قبل الدخول وبعده هو ما ذكره من تشبيهه بالمتعة لأنه تزوج امرأة بشرط أن طلاقها بيد غيره، وإذا فعل ذلك كان له أن يطأها ما لم يطلقها عليه، فأشبه المتعة. التي يتزوج على أن يطأ ما لم يحل الأجل، وأما قول ابن الماجشون فلا وجه له، لأنه إما أن يشبه بالمتعة فيكون لنكاح فاسدا كما قال محمد، وإما أن لا يشبه بها لأن الأجل فيها يأتي بالطلاق على كل حال، وقد يرى منه ما يكره فلا يفرق بينهما فيكون النكاح جائزا كما قال مالك وابن القاسم وسحنون وعيسى ابن دينار، وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، وأما الذي تزوج على أنه إن رأت منه امرأته ما تكره فهي طالق فهو أشد في الكراهة ويدخلها الاختلاف المذكور كله إلا جواز النكاح ابتداء دون كراهة، وبالله التوفيق. [مسألة: خطب إلى رجل ابنته على رجل فزوجه ثم علم الأب أنه افتات على الغائب] مسألة وقال مالك في رجل خطب إلى رجل ابنته على رجل فزوجه، ثم علم الأب أنه افتات على الغائب، قال ابن القاسم: يريد الذي خطب افتات على الغائب فأراد أن يرجع وقال خدعتني، لا يكون ذلك له بعد ما زوج، ولا يؤخذ بقول الخاطب، وما أشبه ذلك حتى يكون ذلك في الثبت الذي لا شك فيه، فذلك له حينئذ، وأما غير ذلك فلا حتى يعرض على الغائب فيقول أنا أمرته أو يجحد أن يكون أمره، ولو رفعه إلى الإمام لكان أحب إلي. قال عيسى: وقال أصبغ: لا خيار له في ذلك حتى يوقف المفتات عليه، فإن قال أنا أمرته فالنكاح جائز، وإن قال لم آمره فالنكاح يفسخ، وإن قال لم آمره ولكني أرضى به الآن ورضي به الأب فذلك غير جائز لأنهما يريدان إتمام النكاح على عقدة فاسدة.

قال محمد بن رشد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا زوج الرجل وليته البكر أو الثيب وابنته الثيب أو ابنه البكر أو الرجل الأجنبي في مغيبهم فلا يخلو أمره من ثلاثة أحوال: أحدها أن يزعم في حين العقد أنه أذن له فيه، والثاني أن يزعم أنه لم يؤذن له فيه، والثالث أن لا يذكر إن كان مأذونا له في العقد أو مفتاتا على الغائب فيه، فأما إذا زعم في حين العقد أنه أذن له فيه الغائب أو الغائبة فلا اختلاف أن النكاح لا يفسخ حتى يقدم الغائب ويعرف ما عنده، فإن صدقه فيما ادعى عليه من الإذن جاز النكاح وإن بعد، وإن أنكر وقال: لم آمره ولا أرضى بالنكاح حلف ولم يلزمه، وقيل لا يمين عليه، وإن قال لم آمره ولكني أرضى بالنكاح جاز النكاح في القرب دون البعد على المشهور في المذهب، وهو مراده في هذه الرواية لأن قوله فيها وإن قال لم آمره ولكني أرضى به الآن ورضي به الأب فذلك غير جائز معناه إذا بعد الأمد، وقد مضى فوق هذا ما في ذلك من الاختلاف، وأما إن زعم حين العقد أنه لم يؤذن له فيه وأنه مفتات في عقده فالنكاح فاسد قرب أو بعد، ولا اختلاف في ذلك، وقد مضى وجه ذلك، وأما إن عقد وسكت ولم يبين شيئا فهو محمول على أنه وكل حتى يثبت خلاف ذلك، وذلك بين من قوله في هذه الرواية ولا يؤخذ بقول الخاطب حتى يكون في ذلك الثبت الذي لا شك فيه، ولا خلاف في هذا أحفظه نصا، قال أصبغ في كتاب محمد: وكذلك أحسبه قال في الرجل يزوج ابنة الرجل البكر، وقال محمد ذلك في الأب في ابنته البكر والسيد في أمته أثقل فيهما من غيرهما، وفي سماع أصبغ عن أشهب أن النكاح لا يجوز على حال، وإن زعم المزوج أن الأب وكله على ذلك وإن صدقه الأب فلا يصدق، فحمله على الافتيات حتى يثبت أنه وكله على تزويجها قبل عقد النكاح، وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم في المدونة لأنه قال فيها: إن زوج الأخ أخته البكر في حجر أبيها لم يجز وإن أجازه الأب إلا أن يكون كالولد القائم بأمره المدبر لشأنه،. وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أنه لا فرق في القياس بين ذلك، فإما أن يحمل الأمر على التوكيل في الجميع فيجوز، وإما أن يحمل على الافتيات في الجميع فلا يجوز، وبالله التوفيق.

مسألة: تزوج امرأة على أن يعتق أباها فاشتراه فأعتقه ثم طلقها قبل أن يبني بها

[مسألة: تزوج امرأة على أن يعتق أباها فاشتراه فأعتقه ثم طلقها قبل أن يبني بها] مسألة قال مالك: ومن تزوج امرأة على أن يعتق أباها فاشتراه فأعتقه ثم طلقها قبل أن يبني بها أن عليها نصف قيمته وجاز العتق. قال ابن القاسم: لا يجوز هذا النكاح لأنه لم يصل إليها شيء من المهر، إنما هو أعتقه، وله ولاؤه، وأرى أن يفسخ، وإن دخل بها أعطيت صداق مثلها وثبت النكاح، ولا يرجع عليها بشيء. قال ابن القاسم: أخبرني بهذا من أثق به من أصحاب مالك أن عليها نصف قيمته ثم أخبرني بها بعض جلساء مالك أنه قال: لا أرى أن يرجع عليها بشيء. وقوله الأول أحب إلي. قال محمد بن رشد: قوله في السؤال فاشتراه يدل على أنه لم يكن في ملكه يوم عقد النكاح، وهذا فيه نظر لأن المعروف من قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز النكاح على عبد فلان، وقد جوزه مالك في هذه المسألة إذ لم ير النكاح فاسدا بدليل أنه أوجب للزوج الرجوع عليها في الطلاق بنصف قيمته وجوز العتق على حكم النكاح الصحيح لأن النكاح الفاسد لصداقه لا يجب فيه الصداق إلا بالدخول، فلو كان عنده فاسدا لم يوجب عليها شيئا في الطلاق قبل الدخول لأنه هو أعتقه ولم تقبض هي شيئا ولا وجب له عليها جميع قيمته من أجل أنه لما أعتقه بأمرها فكأنها قد قبضته وأعتقته، وقد روى أبو عبيد عن مالك أن النكاح على عبد فلان جائز، فعلى هذا يأتي في هذه الرواية، وإنما جوز مالك النكاح في هذه المسألة وإن كانت المرأة لم تملكه ولا كان لها ولاؤه لأنه مال من ماله بعد الشراء لو قال أعطيك مالا على أن تعتقه ويكون ولاؤه لك لجاز ذلك وصح له أخذ ما سمت له من المال، فهو لم يرض أن يخرجه عن ملكه إلا بأخذ بضعها في النكاح وإن لم يملكه طرفة عين ولا وصل إليها شيء من المهر، فلا بأس به، ألا ترى أنهم جوزوا أن تقول المرأة: أتزوجك على أن تهب عبدك لفلان أو تتصدق به عليه وإن لم يملكه ولا وصل إليها شيء من المهر، فهذا وجه قول مالك في هذه المسألة، وعلل ابن القاسم فساد

النكاح عنده بأنه لم يصل إليها من المهر شيء، قال: وإنما هو أعتقه، وله ولاؤه. فعلى قوله لو تزوجها على أن يعتق عنها أباها ويكون لها ولاؤه لجاز النكاح خلاف قول ابن الماجشون في الواضحة، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن النكاح جائز على أن يعتق أباها عن نفسه أو عنها، وهو قول مالك في هذه الرواية، والثاني أن النكاح لا يجوز على أن يعتق أباها لا عن نفسه ولا عنها وهو قول ابن الماجشون، والثالث أنه إن تزوجها على أن يعتقه عن نفسه لم يجز النكاح وإن تزوجها على أن يعتقه عنها جاز النكاح، وهو مذهب ابن القاسم في هذه المسألة على أصله في المرأة تقول لسيد زوجها أعتق عبدك عني ولك ألف درهم أن النكاح ينفسخ، وما حكاه ابن القاسم من اختلاف قول مالك في وجوب الرجوع له عليها في الطلاق بنصف قيمته ليس في المسألة المتقدمة المذكورة إنما هو في مسألة المدونة في الذي تزوج المرأة على أبيها أو على أخيها أو على من يعتق عليها ثم يطلقها قبل البناء بدليل اختيار ابن القاسم لقول مالك الأول كما اختاره في المدونة فيها، لأن المسألة المتقدمة المذكورة لا يوجب ابن القاسم للزوج فيها قبل الدخول شيئا من أجل أنه نكاح فاسد عنده، فوهم العتبي في سياقته عليها، ولا اختلاف بينهم إذا تزوجها على أبيها أو على أخيها أو على من يعتق عليها في أن النكاح جائز ويعتق عليها علما أو جهلا أو علم أحدهما دون الآخر، بكرا كانت أو ثيبا، قاله ابن حبيب في الواضحة. وهذا في البكر إذا لم يعلم الأب أو الوصي، وأما إذا علم فلا يعتق عليها، واختلف هل يعتق عليه هو أم لا على قولين، وإذا أعتق عليها ولم تعلم وقد علم الزوج رجعت عليه بقيمته لأنه غار، وقد قيل إنه لا يعتق عليها إذا غرها به ويرد إليه ويكون عليه لها قيمته أو نصف قيمته إن طلقها قبل البناء، اختلف في ذلك قول ابن الماجشون، وقال ابن كنانة: إذا غرها يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويكون لها صداق المثل وتغرم له قيمته ويعتق عليها، وأما إن علمت ولم يعلم الزوج فلا رجوع لها عليه، وله هو إن لم يعلم علمت هي أو لم تعلم إن لم يكن لها مال أن يرد عتقه ليباع في جهازه وأن يرجع في نصفه إن طلقها قبل الدخول والحمد لله.

مسألة: ينكح الرجل الأمة نفسه التي قد أخدمها حياته

[مسألة: ينكح الرجل الأمة نفسه التي قد أخدمها حياته] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال لا أحب أن ينكح الرجل الأمة نفسه التي قد أخدمها حياته وإن رضي بذلك الذي أخدمها لأنه بمنزلة الشريك ينكح حصة شريكه. قال محمد بن رشد: إنما كره له أن يتزوجها لأنه من أجل أن له بوجوب خدمتها له حياته شبهة تسقط عنه الحد لو زنى بها عنده، قال ابن القاسم في سماع محمد بن خالد من كتاب الخدمة وإن تعمد ذلك بمعرفة كالأمة بين الشريكين فجرى على أصله، ومن يوجب عليه الحد إن زنى بها ولا يعذره بالجهالة وهو مذهب أشهب وابن الماجشون ومطرف وأبي المصعب ومحمد بن سلمة يجيز له نكاحها، وهو القياس، وابن وهب يفرق في إيجاب الحد عليه إن زنى بها بين أن يعذر بالجهالة أو لا يعذر، ولو كانت الخدمة مدة من الزمان يسيرة ولم تكن حياته لحد في الزنى باتفاق، وكان له أن يتزوجها. [مسألة: نكح بأرؤس ولم يبين حمران ولا سودان] مسألة قال مالك: وإن نكح بأرؤس ولم يبين حمران ولا سودان، فلها نصف القيمتين، قال سحنون: ينظر إلى البلد، فإن كان رقيقهم الحمران كان عليه الحمران، وإن كان سودان فسودان، قال سحنون: ويعطي الإناث من الرقيق ولا يعطي الذكور، وقال: وإن كان رقيق البلد حمران وسودان كان عليه نصف الرقيق من الحمران والنصف من السودان. قال محمد بن رشد: إنما يكون له نصف القيمتين إذا كان رقيق البلد الذي يتناكحون عليه حمرانا وسودانا، وكان أصدقها عبدا واحدا أو ثلاثة أعبد، فإن كانوا ثلاثة كان عليه رأس من أوسط هذا الجنس، ورأس من أوسط هذا الجنس الآخر، ثم يكون عليه في الثالث نصف قيمة هذا الجنس يوم وقع النكاح ونصف قيمة هذا الجنس الآخر، وكذلك إذا أصدقها رأسا واحدا

مسألة: له على رجل خمسون دينارا فخطب إليه ابنته مقابل الخمسين

للضرر في الاشتراك، والقيمة في ذلك يوم وقعت العقدة بينهما، أمسك أو طلق، قال ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى: والأشبه أن يأتي بعبد من هذا الجنس وبعبد من الجنس الآخر، فيكون شريكا لها فيهما على ما روى أصبغ عن ابن القاسم في كتاب الجنايات في الذي يقطع أنملة رجل، أنه يأتي بالعشرة من الإبل دية للإصبع، كلها على أسنانها، فيكون المقطوع شريكا له فيها بقدر دية الأنملة، ثم يقتسمان بعد أو يبيعان، وإيجاب القيمة في ذلك يأتي على قولهم في الخلطاء: يجب عليهم سن واحدة في الزكاة، فقف على ذلك، ولو سموا في ذلك ثمنا لحكم به ولم يرجع في ذلك إلى القيمة، على ما سيأتي القول عليه في رسم الجواب من سماع عيسى، إن شاء الله، وبالله التوفيق. [مسألة: له على رجل خمسون دينارا فخطب إليه ابنته مقابل الخمسين] مسالة وقال مالك في رجل كانت له على رجل خمسون دينارا، فخطب إليه ابنته أو أخته على أن يضع عنه الخمسين. فكره مالك ذلك، وأن يؤخر إلى أجل أبعد من الأجل الذي يحل فيه ذلك أيضا، قال ابن القاسم: أما إذا وقع النكاح على أن يضع فهو بمنزلة الحباء الذي يشترط المنكح، فأراه للمرأة ويثبت النكاح، وأما تأخير الأجل فإنه حرام، وأرى أن يفسخ ذلك قبل الدخول وإن دخل بها رأيت أن تعطى صداق مثلها ويرد المال إلى أجله. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة عندي أن مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - تكلم على أن الولي اشترط ذلك على الزوج في العقد دون تسمية الصداق فكره ذلك إذ لا تأثير له في فساد العقد إذ لم يقع عليه الصداق وهو في التأخير أشد، فيمضي النكاح وتسقط الوضيعة والتأخير، وتكلم ابن القاسم على أنه زوجه بصداق مسمى على ذلك، فوجب أن تكون الوضيعة كالحباء يشترطه الولي يجب للمرأة على وليها إن أحبت اتباعه به ويثبت النكاح وأن يكون التأخير فسادا في الصداق لأنه حط منه بسببه، فوجب أن يفسخ النكاح قبل

مسألة: جارية بكر حلفت على رجل أن عليها بدنة وكل ما تملك صدقة إن نكحته

الدخول، وأن يكون فيها صداق المثل بعد الدخول، ظاهر قوله بالغا ما بلغ، كان أقل من المسمى أو أكثر منه، ويأتي على قياس المشهور من قوله في البيع والسلف، أن يكون لها بعد الدخول الأكثر من صداق مثلها أو المسمى، ويفسخ قبل الدخول على كل حال وفي كل قول، بخلاف البيع والسلف الذي يثبت إذا رضي مشترط السلف بتركه من أجل أنه بين المتبايعين وليس هو هاهنا بين الزوجين، وبالله التوفيق. [مسألة: جارية بكر حلفت على رجل أن عليها بدنة وكل ما تملك صدقة إن نكحته] مسألة قال مالك في جارية بكر حلفت على رجل أن عليها بدنة وكل ما تملك صدقة إن نكحته، فزوجها إياه أبوها ولم يؤامرها، فإن النكاح جائز ولا عتق عليها وهي مولى عليها في حجر أبيها. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا عتق عليها، خلاف ما في آخر سماع ابن القاسم من كتاب النذور، مثل قول سحنون فيه، لأن ذلك إنما سقط عنها من أجل التحجير اللازم لها في مالها لا من أجل أن الأب أكرهها على النكاح بما له من الحق في ذلك، إذ ليس ذلك مما يسقط عنها الحنث عنده على مذهبه في الحالف على أن لا يفعل فعلا، فقضى به عليه السلطان، في المدونة وغيرها خلافا لابن الماجشون. [الرجل يزوج ابنه صغيرا ويشترط على الأب نفقة امرأته] ومن كتاب أوله حلف أن لا يبيع رجلا سلعة سماها قال: وسئل مالك عن الرجل يزوج ابنه صغيرا، ويشترط على الأب نفقة امرأته، قال: لا خير في هذا، قال عيسى: سألت ابن القاسم عن هذا إذا وقع فقال: إن كان ذلك قبل أن يدخل فسخ، وإن دخل بها جاز، وكانت النفقة على الزوج، وقد قال مالك: رأيت لو مات الأب كان يوقف لها ماله، ولو كان عليه دين لكانت تحاص به الغرماء استنكارا لذلك، قلت له: فعبده؟ قال: لا خير في هذا، ولو

كان هذا لجاز في الحميل أن يتحمل بالنفقة، وقال ابن القاسم: قال لي هذا وما أشبهه، إلا أنه أكثر الكلام فيه على وجه الكراهية. قال محمد بن رشد: حكى ابن المواز قول مالك: اختلف في اشتراط النفقة في النكاح على أب الصغير حتى يكبر، أو على ولي المولى عليه حتى يرشد، فمرة أجازه، ومرة كرهه، وقال بكل قول كثير أيضا من أصحاب مالك، وحكى ابن حبيب إجازة ذلك أيضا عن مالك من رواية ابن الماجشون وابن وهب عنه، وزاد أن ذلك لازم ما عاش الأب وكان الزوج مولى عليه، وإنما وقع الاختلاف في المسألتين من أجل أنه لم يقع في الشرط بيان إن مات الأب قبل بلوغ الصغير أو الولي قبل رشد اليتيم فسقطت النفقة بموتهما، هل تعود في مال الصغير ومال اليتيم أو لا تعود في مالهما إلى بلوغ الصغير منهما ورشد اليتيم، ولو وقع الشرط بإفصاح وبيان أنه لا نفقة على الصغير حتى يبلغ، عاش الأب أو مات قبل ذلك، ولا على اليتيم حتى يرشد عاش الولي أو مات قبل ذلك، لكان النكاح فاسدا باتفاق لانعقاده على غرر، إذ قد يموت الأب قبل بلوغ الصبي أو الولي قبل رشد اليتيم، فلا يكون للزوجة نفقة، ولو وقع أيضا بإفصاح وبيان أن النفقة تعود في مال الصغير إن مات الأب قبل بلوغه وفي مال اليتيم إن مات وليه قبل رشده، لكان النكاح جائزا باتفاق، إذ لا ضرر على الزوجة في الشرط على هذا الوجه ولا منفعة لها فيه، وإنما منفعته للصغير واليتيم بما التزم لهما من الإنفاق على زواجهما وتدبير أموالهما، فلما وقع الشرط مبهما محتملا للصحة والفساد حمله في أحد القولين على الصحة حتى يعلم فساده، ووجه ذلك أن النكاح قد انعقد فوجب ألا يفسخ إلا بيقين؛ وفي القول الثاني على الفساد حتى تعلم صحته، ووجه ذلك أن النكاح لما انعقد بين المتناكحين على الشرط دل على أن للزوجة في ذلك مدخلا، فوجب فساده، وقال ابن القاسم على القول بفساد النكاح: إنه إن دخل بها جاز النكاح وكانت النفقة على الزوج، ولم يبين إن كانت ترد إلى صداق مثلها أو يكون لها الصداق المسمى، وإرادته أن يكون لها صداق مثلها لأن الشرط له تأثير في الصداق إذا وقعت التسمية عليه، وهو الذي في الواضحة. ولو اشترطت النفقة

مسألة: الرجل يريد أن يزوج بنت الأخ ولا يعرفها أحد من الناس

في أصل العقد على غير الزوج، والزوج كبير مالك لأمر نفسه، لكان النكاح فاسدا يفسخ قبل الدخول، قال ابن حبيب عن مالك: إلا أن ترضى المرأة أن تكون نفقتها على الزوج، وذلك على القول في وجوب التخيير قبل البناء في النكاح الذي يقع بصداق بعضه مؤخر إلى أجل مجهول، ويثبت بعد البناء وتكون النفقة على الزوج، ولا يدخل الاختلاف الذي دخل في المسألة الأولى في هذه المسألة لظهور الغرر والفساد فيها بخلاف المسألة الأولى، وكذلك لا يجوز النكاح بشرط على أن يعطي الزوج بالنفقة حميلا، وإنما لم يجز ذلك لأن النفقة ليست بدين ثابت في ذمة الزوج كالصداق في النكاح والثمن في البيع، فيجوز اشتراط الحميل فيه، وإنما هو حق أوجبه الله للزوجات على أزواجهن، قيل: بحق العصمة، وقيل: بحق الاستمتاع بالزوجة، فإن عجز عنه لم يتبع به ذمته وكانت الزوجة بالخيار بين أن ترضى بالمقام معه على غير نفقة أو يفارقها، فإن اشترط الحميل بذلك كان النكاح فاسدا يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده وتسقط الحمالة، ويكون للمرأة صداق مثلها؛ لأن للشرط فيه تأثيرا إذ لم ترض بالتسمية إلا من أجل ما اشترطته من الحمالة. ولو وقع الشرط في مسألة اشتراط النفقة على غير الزوج ببيان أن الذي اشترط عليه الإنفاق وإن مات أو طرأ عليه دين أو ما يبطل النفقة عندما رجعت على الزوج، لكان النكاح جائزا على قياس ما ذكرناه، وقد قيل: إنه نكاح يفسخ على كل حال؛ لأن شرط النفقة على غير الزوج خلاف لسنة المسلمين في النكاح، فهو نكاح فاسد يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويسقط الشرط، ويكون للمرأة صداق مثلها إن كانت التسمية على الشرط، وإلى هذا نحا أبو بكر الأبهري في كتابه، والذي قلناه أبين وأظهر في المعنى، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يريد أن يزوج بنت الأخ ولا يعرفها أحد من الناس] مسألة وسئل عن الرجل تكون عنده المرأة لا يعرفها أحد غيره مثل بنت الأخ وما أشبه ذلك، وهو يريد أن يزوجها ولا يعرفها أحد من الناس، كيف يشهد عليها؟ قال: يدخل عليها من لا يحتشم منه، ثم

يشهد على رؤيتها ثم يزوجها، ولقد استشارني الحسن بن يزيد في جارية كان يليها من آل أبي طالب، فأشرت عليه أن يرسل إليها من يرضى فيشهد عليها، فأرسل إليها رجلين فشهدا عليها ثم زوجها، قال عيسى: قال لي ابن القاسم: قال مالك: ولم يعرفها الشهيدان. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إنه إذا لم يوجد من يعرفها فلا بد أن يشهد على رؤيتها من لا يحتشم منه، فتسفر لهم عن وجهها ليثبتوا عينها كيما إن أنكرت بعد أن شهدوا عليها أنها هي التي أشهدتهم فيلزمها النكاح، وأما إن وجد من العدول من يعرفها فلا ينبغي لمن لا يعرفها أن يشهد عليها، فإن شهد عليها من لا يعرفها، وجد من يعرفها أو لم يوجد، فلا يصح لهم أن يشهدوا على شهادتهم أن فلانة بنت فلان أشهدتهم على الرضى بالنكاح؛ لاحتمال أن لم تكن هي التي أشهدتهم فيموتوا ويشهد على شهادتهم، فيلزم نكاحا لم ترض به ولا أشهدت به على نفسها؛ لأن إشهادهم على شهادتهم بذلك كشهادتهم به عليها عند حاكم، والحقوق بخلاف ذلك، قال مالك: لا أرى أن يشهد الرجل على من لا يعرف، ومثله لأصبغ في الخمسة، قال: وأما الحقوق من البيوع والوكالات والهبات ونحو ذلك، فلا يشهد عليها في شيء من ذلك إلا من يعرفها بعيبها واسمها ونسبها، والفرق بين النكاح وما سوى ذلك من الحقوق أنه يخشى وإن لم يشهدوا على شهادتهم في الحقوق أن يموتوا فيشهد على خطوطهم، فتلزم باطلا لم تشهد به على نفسها. وعلى ما جرى العمل به عندنا من أنه لا يقضى بالشهادة على خط الشاهد إلا في الأحباس وما جرى مجراها، يستوي النكاح في ذلك وما سواه من الحقوق، ولا يكون على الرجل حرج في أن يضع شهادته على من لا يعرف في الحقوق كما يضعها عليه في النكاح إذا لم يشهد على شهادته بذلك، وقد استجاز ذلك العلماء قديما وأن يقيدا في عقد إشهاد الوثيقة معرفة العين والاسم لما في ذلك من تحصين الحقوق، وأما عند أداء الشهادة فلا يحل للشاهد أن يشهد بإجماع إلا على من يثبت عينه ويعرف أنه هو الذي أشهد دون شك في ذلك ولا ارتياب.

المرأة من الأعراب زوجت ابنة لها وهي صغيرة محتاجة في بعض المياه

[المرأة من الأعراب زوجت ابنة لها وهي صغيرة محتاجة في بعض المياه] من كتاب أوله شك في طوافه قال: وسئل مالك عن المرأة من الأعراب زوجت ابنة لها وهي صغيرة محتاجة في بعض المياه، فكتب إليه صاحب ذلك الماء يسأله عن ذلك وقال: إن أمها تقول: إنما زوجتها إنها كانت محتاجة تسأل النساء وتطوف عليهم فزوجتها نظرا لها، وقد عرف الناس ذلك من شأنها أنها كانت ساعية محتاجة تطوف. قال مالك: ابنة كم هي؟ قال: ابنة عشر سنين، قال: والجارية راضية؟ قال: نعم راضية بذلك، قال: أراه نكاحا جائزا. وقد «بنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعائشة وهي ابنة تسع سنين أو عشر سنين» قال: ولو كانت صغيرة لم أر ذلك نكاحا، قال سحنون: محمل هذه المسألة على أن الأم وكلت من زوجها من الرجل، وهي مسألة ضعيفة. قال محمد بن رشد: إنما قال سحنون في هذه المسألة: إنها مسألة ضعيفة، وإن تأول فيها أن الأم وكلت من زوجها؛ إذ لا يجوز للأم أن توكل من يزوج ابنتها إلا إذا كانت وصية، ولم يراع ذلك مالك على أصله في رواية ابن القاسم عنه، أن المرأة الدنية يجوز أن يزوجها الرجل الأجنبي، ولا أدنى في المرتبة من امرأة ساعية تطوف بالأبواب، فإذا زوجها الأجنبي جاز ولم يكن لتقديم الأم في ذلك تأثير، وأجاز النكاح وإن كان مذهبه أن اليتيمة لا يجوز تزويجها قبل البلوغ، لما أخبرته أنها خشيت عليها الضيعة فرأى ذلك كما قالت إذ كانت في سن من يوطأ مثلها، ورأيت العشر سنين ونحوها ممن يوطأ مثلها، بدليل بناء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهي في هذا السن، قال: ولو كانت صغيرة - يريد في سن لا يوطأ مثلها ولا يشتهى - لم أر ذلك نكاحا، إذ لا يخشى

عليها الضيعة في هذا السن، ولا تدعو الضرورة إلى تزويجها فيه، فهذا وجه تفرقة مالك بين الصغيرة التي لا يوطأ مثلها والبالغة التي يوطأ مثلها، وسأل: هل كانت راضية؟ إذ لا يجوز أحد من أهل العلم للولي أن يزوج يتيمة قبل البلوغ وهي كارهة، إذا كانت قد بلغت من السن ما يعرف به ما يميل به نفسها إليه، مما فيه صلاحها، وما تنفر عنه مما فيه ضرر عليها، ولو كانت كارهة لما جاز النكاح عليها بحال. وقد اختلف إذا زوجت اليتيمة قبل البلوغ من غير حاجة تدعو إلى ذلك في المذهب اختلافا كثيرا، فقيل: إن النكاح يفسخ قبل الدخول وبعده، وإن طال وولدت الأولاد، ورضيت بزوجها، وإلى هذا ذهب ابن حبيب في الواضحة وعزاه إلى مالك وأصحابه، وقيل: يفسخ قبل الدخول وبعده، إلا أن يطول بعد الدخول فلا يفسخ، وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، وفي سماع زونان وفي كتاب ابن المواز، وقيل: إنه يفسخ بعد الدخول إلا أن يطول وتلد مع ذلك الأولاد، وهو قول أصبغ، ولم ير الولد الواحد والسنتين في ذلك طولا، وقيل: إن الخيار لها إذا بلغت، فلا يفسخ إذا لم يعثر عليه حتى بلغت فرضيت، أو دخل بها بعد البلوغ وهي عالمة أن لها الخيار، ويفسخ إذا عثر عليه قبل البلوغ، وكذلك إذا بلغت فأنكرت، وإن كان ذلك بعد الدخول، ما لم يطل الأمر بعده، وهو الذي يأتي على ما في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب. وقيل: إنه يكره النكاح، فإذا وقع لم يفسخ، وهو نص قول مالك في رسم البز بعد هذا، وظاهره في سماع أشهب أيضا، لأنه وقف في التفرقة بينهما ولم يفرق بين قبل الدخول وبعده، وقيل: إنه إن زوجت وقد شارفت الحيض وأنفست، فلا يفسخ النكاح، وهو قول أصبغ في سماعه، خلاف ما له في الواضحة والموازية. فمن قال: إنه يفسخ أبدا، رآه عقدا وقع في غير موضعه ففسد لعقده، ومن قال: إن الخيار لها إذا بلغت، رأى الحق لها في ذلك؛ إذ عقد عليها في حال لا يعرف فيه رشدها، فجعل العقد موقوفا على خيارها إذ لم ينعقد النكاح على خيار، وإنما كان الخيار أمرا أوجبه الحكم،

مسألة: أوصى عند موته بميراث ابنة له صغيرة أن يدفع إلى رجل هل له تزويجها

كالعبد يتزوج بغير إذن سيده والسفيه بغير أمر وليه. وما سوى هذين القولين فلا وجه له إلا الاستحسان؛ مراعاة لقول من يرى للولي إنكاح وليته اليتيمة قبل بلوغها، بظاهر قول الله عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] وقوله: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] وقد قال ابن القاسم في رسم لم يدرك من سماع عيسى: إنه أمر جل الناس قد أجازوه، وقد زوج عروة بن الزبير بنت أخيه وهي صبية ابنه، والناس يومئذ متوافرون، وعروة من هو، وإذا فسخ النكاح على مذهب من يرى فسخه فالفسخ فيه طلاق، وما طلق فيه الزوج قبل الفسخ لزمه، ويكون فيه الميراث بينهما إن مات أحدهما قبل الفسخ، وجميع الصداق المسمى في الموت قبل الدخول وبعده، ونصفه إن طلق قبل الدخول وقبل الفسخ. [مسألة: أوصى عند موته بميراث ابنة له صغيرة أن يدفع إلى رجل هل له تزويجها] مسألة وسئل مالك عن رجل أوصى عند موته بميراث ابنة له صغيرة أن يدفع إلى رجل [أترى أن يلي بضعها في إنكاحها؟ قال: لا أرى ذلك حسنا، ولو رفع ذلك إلى السلطان ينظر فيه، قلت: فإن أباها قد أوصى بتزويجها وتعجيل ذلك، وهي ابنة ثماني سنين، فقال: أرى أن يعجل ذلك، فقيل له: إنها ابنة ثماني سنين، فقال: أليس قد أوصى أبوها بذلك؟ قال: نعم، فأرى أن يفعل ذلك، فقيل له: فإن معها حاضنة لها تقوم عليها، أفترى أن ينفق عليها من مالها؟ قال: نعم، أليس لها ما يحملها؟ قالوا: لها غلة وهي قليلة، قال: أرى أن ينفق عليها وهي ( ... ) وتكفلها وتكفل مؤونتها. قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى بميراث ابنة له صغيرة أن

بدفع إلى رجل، إني لا أرى ذلك حسنا، فيما سئل عنه من ولاية بضعها في النكاح، ليس معناه أنه استحسن أن يلي العقد عليها ولا يرفع ذلك إلى السلطان، وإنما معناه إني لا أرى إمضاء ذلك حسنا إن فعل، بدليل قوله: لو رجع ذلك إلى الإمام ينظر فيه، لأن معناه: ولو رفع ذلك إلى الإمام ينظر فيه لكان أحسن، ويؤيد هذا قوله في المدونة فيمن أوصى إلى رجل أن يتقاضى دينه ويبيع تركته: لو زوج بناته لرجوت أن يكون واسعا، ولكن أحب إلي أن يرفع ذلك إلى السلطان حتى ينظر فيه، والقياس ما قاله ابن حبيب أنه إذا قال: فلان وصي على مالي، فليس بوصي على الولد في تزويجهم؛ وإنما يكون وصيا في تزويجهم إذا قال: فلان وصيي، ولم يزد، أو قال: فلان وصيي على بضع بناتي، وقوله: إذا أوصى بتزويج ابنته وتعجيل ذلك وهي بنت ثماني سنين، إن وصيته جائزة، يريد: سمى له الزوج أو فوض إليه الرضا؛ لأن ابن حبيب حكى عن مالك وأصحابه أنه قال: إذا قال له: زوج ابنتي من فلان أو ممن ترضى، نزل في ذلك بمنزلته وكان له أن يزوجها قبل بلوغها وبعد بلوغها بغير مؤامرتها، وإنما الذي لا ينزل في ذلك بمنزلته ويكون أحق بتزويجها من الأولياء بعد بلوغها ومؤامرتها إذا قال: فلان وصيي فقط، أو قال: فلان وصيي على بضع بناتي، قال: وسواء كانت بناته أبكارا أو ثيبات، قال: وكذلك كل من كانت ولاية تزويجها إلى الموصي فالوصي أحق بتزويجهم من الأولياء إذا قال: فلان وصيي، ولم يزد على ذلك، وقال سحنون: ليس بولي في الثيب التي لا ولاية له عليها، وقال أصبغ: الولي أولى منه، وروى علي بن زياد عن مالك في رجل أوصى بابنته إلى رجل وأمره أن يزوجها إذا بلغت رجلا سماه، أن ذلك ليس بجائز عليها إذا بلغت فكرهت ذلك، وليس بمنزلة إنكاح الأب إياها إذا بلغت وهي كارهة، لأن الرجل قد يكون مرضيا مرغوبا فيه ثم يتحول حاله عن ذلك بعد، ولعل الأب لو عاش حتى تبلغ ابنته لم ينكحها حينئذ، وقد كان قبل ذلك راضيا مغتبطا، ولعله لو عاش لم يكره ابنته على

مسألة: رجل تزوج امرأة وشرط لها إن تزوج عليها أو تسرر فأمرها بيدها

النكاح وإن كان به راضيا، ولأصبغ ها هنا في بعض الروايات أن وصية الأب جائزة عليها إلا أن يكون الذي أمر بتزويجها منه فاسدا فاسقا شريبا سكيرا، فلا تزوج منه إذا كرهته، أو يكون يوم أمر الأب بتزويجه حسن الحال ثم يخرج إلى الفسق وشرب الخمر والدعارة، فإذا كان هذا وكرهته أبطل الحكم عنها وصية الأب، قال: وعلى الوصي بما يلزمه من النظر لمن يلي أن لا يزوجه وأن يمنعه، ويرفعه إلي من يسقط ذلك عنه من الحكام وإن رضيت به، هذا قوله مختصرا وفيه اضطراب فتدبره. وإيجابه للحاضنة النفقة في مال المحضونة خلاف ما في طلاق السنة في رسم شك من سماع ابن القاسم، وفي أول رسم من سماع أشهب، والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في الحضانة هل هي من حق الحاضن أو من حق المحضون، فمن رآها من حق المحضون أوجب للحاضن أجره في حضانته، وكذا في سكناه معه، ومن رآها من حق الحاضن، لم يوجب له ذلك لأنه لا يستقيم أن يكون من حقه أن يكفله ويؤويه إلى نفسه، ويجب له بذلك عليه حق، وفي سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا تفرقة لا تخرج عن القولين، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل تزوج امرأة وشرط لها إن تزوج عليها أو تسرر فأمرها بيدها] مسألة وسئل مالك عن رجل تزوج امرأة وشرط لها إن تزوج عليها أو تسرر فأمرها بيدها، فأقامت معه نحوا من سنة يطؤها في ذلك، ثم قالت له: ألم تكن جعلت لي إن تزوجت علي أو تسررت فأمري بيدي؟ فقال: بلى، فقالت: إن فعلت فقد اخترت نفسي ثلاثا، ثم بدا لها بعد ذلك أن تأذن له، وحرم ولدها فأحبت أن توسع عليه فأذنت له، قال مالك: ما أرى أن تفعل ذلك، فقيل له إنه: قد تسرر عليها حين أذنت له، قال: فأرى أن يعتزل امرأته، قيل له: أيخلي سبيلها؟ قال: نعم، قال ابن القاسم: ويفارقها ثلاثا ولا محل له، قال ابن القاسم: وقال لي الليث بن سعد مثله.

مسألة: ابنتي عم أيجمعان في النكاح

قال محمد بن رشد: في سماع أصبغ عن أشهب خلاف هذا، أن الطلاق باطل لا يلزم، لأنها قضت قبل أن يجب لها القضاء، فلم يكن ذلك لها، كما قال: إنها إذا أذنت له فتزوج أو تسرى، كان لها أن تقضي إن تزوج أو تسرى لأنها أسقطت حقها قبل أن يجب لها، وقد مضى القول على هذا في أول رسم من السماع. [مسألة: ابنتي عم أيجمعان في النكاح] مسألة وسئل مالك عن ابنتي عم أيجمعان؟ فقال: ما أعلم حراما. قيل له: أفتكرهه؟ فقال: إن ناسا ليقولونه، وقال لنا قبل ذلك: وغيره أحسن منه، قال ابن القاسم: وهو حلال لا بأس به. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، لأن النهي إنما ورد عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الجمع بين ذوات المحارم بيانا لما في كتاب الله عز وجل من النهي عن الجمع بين الأختين؛ إذ هما ذوات محارم، وابنتا العم إذا لم يكونا أختين لا حرمة بينهما، لو كان أحدهما رجلا جاز له أن يتزوج الأخرى، فمن كره الجمع بينهما إنما اتقى ذلك من ناحية العداوة التي تتقى أن تقع بينهما بذلك، ولا ينبغي أن يكون التقاطع بين ذوي الأرحام، والله الموفق. [مسألة: الخصيان أيدخلون على النساء ويرون شعورهن] مسألة وسئل مالك عن الخصيان أيدخلون على النساء ويرون شعورهن؟ فقال: أما الأحرار فلا، وأما العبيد فلا أرى به بأسا، كان لها أو لزوجها أو لغيره، إذا كان وغدا، وكرهه إذا كان له منظر، وسئل عن الخصي إذا كان خادم الرجل في منزله أيرى فخذه مكشوفا عنها؟ فقال: ذلك خفيف. قال: وسئل عن خادم المرأة ترى فخذ الرجل منكشفا قال: لا ليست له، قال الله تبارك وتعالى:

{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فخادم امرأته كغيرها في هذا. قال محمد بن رشد: لم ير مالك الخصيان من غير أولي الإربة من الرجال الذين أباح الله للنساء أن يبدين لهم زينتهن، إذ قد يحتاج الخصي إلى أشياء من أمور النساء ويتزوج، ولعله إنما خصي بعد أن اطلع على عورات النساء وعرف محاسنهن، وإذا كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد نهى أزواجه من أن يدخلن المخنثين عليهن لما سمعه من فطنتهم لمحاسن النساء، فالخصيان بالمنع من الدخول على النساء أولى، وهم بذلك أحرى، واستخف أمر العبيد منهم إذا كانوا أوغادا ولم تكن لهم مناظر، كانوا للمرأة أو لزوجها أو لغيرهما؛ استحسانا، والقياس ما في رسم طلق بعد هذا من التفرقة بين أن يكون الخصي لها أو لزوجها أو لغيرهما؛ إذ لم يجعله من أولي الإربة. وقد اختلف في غير أولي الإربة الذين عناهم الله بقوله: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} [النور: 31] فقيل: هو الأحمق والمعتوه الذي لا يهتدي لشيء من أمور النساء، وقيل: هو الحصور والعنين الذي لا ينتشر ولا حاجة له في النساء، ولما كان الخصي مثله في المعنى، استخف مالك في هذه الرواية أن يدخل على المرأة إذا كان عبدا وغدا، وإن لم يكن لها ولا لزوجها، على أصله في مراعاة الخلاف، واستخف أن يرى فخذ الرجل مكشوفا عنها لما جاء من أن الفخذ ليس بعورة، وأما رؤية خادم المرأة فخذ الرجل منكشفا عنها فالمنع في ذلك بين لأن حكم المرأة في النظر إلى الرجل الأجنبي كحكم الرجل في النظر إلى ذوات محارمه، بدليل إباحة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت قيس أن تعتد عند ابن أم مكتوم الأعمى، ولا يجوز للرجل أن ينظر إلى فخذ أمه، وقد قيل: إنه لا يجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلا إلى ما يجوز للرجل أن ينظر من المرأه، ومن حجة هذا القائل أن الله تعالى قال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] كما قال:

مسألة: النساء يطرفن أصابعهن بالحناء

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] فوجب أن يتساووا فيما يجب عليهم من غض أبصارهم، ولا يلزمه ذلك لأن كل واحد منهم أمر أن يغض بصره عما لا يحل له النظر إليه، على ما بينته السنة، وما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لميمونة وأم سلمة إذ قالتا له وقد أمرهما أن يحتجبا من ابن أم مكتوم: أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه» هو خاص في أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدليل حديث فاطمة، والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة: النساء يطرفن أصابعهن بالحناء] مسألة وسئل عن النساء يطرفن أصابعهن بالحناء، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وجه السؤال عن هذا أن السائل خشي أن يكون ذلك من ناحية الوشم والتغيير لخلق الله الذي جاء فيه ما جاء، روي أن «عبد الله بن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، ما لي لا ألعن من لعن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في كتاب الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] » فلم يره من ذلك، لأنه إذا جاز للمرأة أن تخضب جميع يديها بالحناء جاز لها أن تخضب منهما ما شاءت، أطراف أصابعها أو غير ذلك؛ إرادة التزين لزوجها، هذا الذي ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد جاء فيه النهي عن عمر بن الخطاب، روي عنه أنه خطب فقال: يا معشر النساء، إذا اختضبتن فإياكن والنقش والتطريف ولتختضب إحداكن يديها إلى هذا، وأشار إلى موضع السوار، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتزوج المرأة بدروع وقراقل وثياب] مسألة وسئل مالك عن الرجل يتزوج المرأة بدروع وقراقل وثياب

مسألة: تزوجها وشرط لها إن هو تسرر ما عاشت فكل امرأة يتزوجها طالق البتة

يدفعها إليها أتلبسها؟ قال: نعم إن بنى بها، قال: نعم هي مثل الدراهم، قال ابن القاسم: يريد أن ينتفع بالشيء الخفيف منها مخافة أن يطلقها. قال محمد بن رشد: فلو لبستها حتى أبلتها ثم طلقها لوجب عليها نصف قيمتها على هذه الرواية، خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وغيره، وخلاف ما في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب من كتاب طلاق السنة، وخلاف ظاهر ما في المدونة لابن وهب. وهذا الاختلاف عندي جار على اختلافهم في وجوب النفقة على الزوج بالعقد وإن لم يدع إلى الدخول، فمن أوجب عليه النفقة والكسوة لم يلزمها فيما أبلت من الكسوة باللباس شيئا لأن ذلك كان واجبا لها عليه عنده، وكذلك ما أكلت من الصداق قبل الدخول يجري على هذا الاختلاف، بخلاف ما أدت منه في دين عليها، وسيأتي القول عليها في رسم نذر سنة. [مسألة: تزوجها وشرط لها إن هو تسرر ما عاشت فكل امرأة يتزوجها طالق البتة] مسألة وسئل مالك عن رجل تزوج امرأة وشرط لها وكتب عليه كتابا إن هو تسرر أو تزوج ما عاشت، فكل امرأة يتزوجها طالق البتة، وكل جارية يتسررها حرة لوجه الله العظيم، فطلقها البتة، ثم إنها تزوجت رجلا، ثم طلقها، ثم تزوجها بعدما طلقها، ثم أراد أن يتزوج أو يتسرر، فقامت عليه بكتابها وقالت: قد قلت: ما عشت، فليس لك أن تتزوج ما عشت ولا تتسرر، وقال الرجل: ليس هذا الذي أردت، إنما أردت ما كانت تحتي، ولم أرد أن أطلقك وأقيم لا أتزوج ولا أتسرى، قال مالك: أرى أن ينوى ويكون ذلك له، قال ابن القاسم: وقد قال هذا القول قبل ذلك بسنين سواء. قال محمد بن رشد: جوابه في هذه المسألة على القول بأن اليمين على نية الحالف لا على نية المحلوف له، وتنويته إياه مع أن ذلك شرط عليه في أصل

مسألة: رجل تزوج امرأة وشرط لها ألا يخرج بها من المدينة إلا برضاها

النكاح، خلاف أصله في المدونة، فمن شرط لامرأته أن أمرها بيدها إن تزوج عليها أنه ليس له أن يناكرها، وقوله: إنه ينوي ويكون ذلك له، يريد مع يمينه، كذلك في سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق في هذه المسألة إذا تطوع بذلك لامرأته من غير شرط، فهذا أحرى في وجوب اليمين وتنويته إياه مع أنه إنما تزوج عليها وهي في عصمته بعد أن طلقها ثلاثا وبعد أن تزوجت غيره على أصله في المدونة في أن من شرط لامرأته طلاق الداخلة عليها تنحل عنه اليمين لخروج زوجته عن عصمته بالثلاث، خلاف ما حكى ابن حبيب عن مالك من رواية مطرف عنه وعن ابن الماجشون وابن أبي حازم وغيره من كبار أصحاب مالك من أن اليمين لا تنحل عنه لأن الشرط في اليمين في الدخلة وليس فيها. ولو حلف بهذه اليمين متطوعا دون استحلاف ولا شرط لكانت له نيته على ما وقع في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، ولا يكون له على القول بأن اليمين على نية المحلوف له وإن لم يكن مستحلفا، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: ينوى، ولا ينوى، والفرق بين الطواعية والشرط، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل تزوج امرأة وشرط لها ألا يخرج بها من المدينة إلا برضاها] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة قال: وسئل عن رجل تزوج امرأة وشرط لها ألا يخرج بها من المدينة إلا برضاها، فإن خرج بها بغير رضاها فأمرها بيدها، فخرج من المدينة على ليلة وأذنت له، ثم قالت له بعد أن خرجت معه وأقام بها في ذلك الموضع: ردني إلى المدينة، أترى لها ذلك؟ قال: نعم أرى لها ذلك. قال محمد بن رشد: يحتمل أن يكون إنما وجب عليه أن يردها لأن المرأة تقول: إنما أردت بما اشترطت عليك أن لا تخرجني من المدينة إلا برضاي، ألا تسكن في سواها إلا برضاي، فإن كنت قد أذنت لك في أن تخرجني، فلا أرضى أن تسكن بي إلا في المدينة، فإما رددتني إليها وإما كان أمري بيدي،

مسألة: رجل تزوج امرأة وشرط لها إن تسرر عليها فامرأته طالق البتة

فرأى ذلك مالك لها، وجعل التمليك على نيتها في ذلك، ويحتمل أن يكون رأى ذلك هو المعنى المقصود إليه بالإخراج لا نفس الإخراج، فحمل اليمين على ذلك ولم يلتفت إلى اللفظ، وكذلك قال في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، وإن كان تطوع لها باليمين من غير شرط، فيحتمل أيضا أن يكون جعل اليمين على نيتها لأنها هي المحلوف لها، ويحتمل أن يكون راعى المعنى عنده ولم يلتفت إلى اللفظ؛ وفرق في رسم سلف من سماع عيسى، بين أن يتطوع لها في اليمين أو يكون شرطا عليه في أصل عقد النكاح، فقال: إنه إن كان تطوع لها باليمين لم يكن عليه أن يردها، بخلاف إذا شرط ذلك لها فجعل اليمين في الشرط على نيتها، وفي التطوع على نيته، وروى سحنون عن ابن القاسم في رسم سلف المذكور أنه ليس عليه أن يردها، وإن كان ذلك بشرط على ظاهر اللفظ، ووجه ذلك أنه حمل الشرط على ألا يسكن بها في غير المدينة إلا بعد أن ترضى بذلك، فرأى أنه إذا أذنت له أن يخرجها فقد رضيت أن يسكن بها في غيرها ولم يلتفت إلى تماديها على الرضى بذلك، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أنه يلزمه أن يردها في الوجهين جميعا، والثاني أنه لا يلزمه أن يردها في الوجهين جميعا، والثالث الفرق بين الشرط والطواعية. [مسألة: رجل تزوج امرأة وشرط لها إن تسرر عليها فامرأته طالق البتة] مسألة وسئل مالك عن رجل تزوج امرأة وشرط لها إن تسرر عليها فامرأته طالق البتة فلما حضرته الوفاة قال لابن جارية له: هو ابني، قال مالك: أرى أن يلحق به الولد ويكون للمرأة ميراثها. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن الرجل إذا استلحق ابنا في مرضه لحق به، فيلحق به الولد وتكون أمه أم ولد حرة من رأس المال، ويكون للمرأة ميراثها، لأنه كالمطلق في المرض إذ لم يعلم ما قال إلا بقوله في مرضه الذي مات منه، ولو صح من مرضه لبانت منه بإقراره ولم تحل له إلا بعد زوج، وبالله التوفيق.

مسألة: النصراني يسلم وله أخت نصرانية فتريد التزويج أيزوجها هو

[مسألة: النصراني يسلم وله أخت نصرانية فتريد التزويج أيزوجها هو] مسألة وسئل عن النصراني يسلم وله أخت نصرانية فتريد التزويج، أيزوجها أخوها هذا المسلم؟ قال: أمن نساء أهل الجزية هي؟ قالوا: نعم، قال: لا يزوجها، قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] قال ابن القاسم: إذا كان الأخ والأخت معتقين فأسلم الأخ والأخت نصرانية فهو يزوجها، وإنما التي لا يزوج إذا كانت من أهل الصلح. قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها عندي ثلاثة أقوال: أحدها أنها إذا كانت من أهل الصلح لم يجز لوليها المسلم أن يزوجها لأن أهل الصلح ولاتها دونه، وإن لم تكن من أهل الصلح كان له أن يزوجها، كان عليها جزية أو لم تكن، إذا لم تكن من أهل الصلح ولا داخلة معهم في جزيتهم، وهو قول مالك ها هنا على ما فسره ابن القاسم، فسواء على ظاهر قوله كان الأخ والأخت معتقين لمسلم، فلم يكن عليهما جزية، أو لنصراني فكانت عليهما الجزية، إذا كان النصراني الذي أعتقهما ليس من أهل الصلح، لأنه إن كان من أهل الصلح فمعتقه من أهل الصلح، والثاني أنه لا يجوز أن يزوجها، كانت من أهل الصلح أو لم تكن، كانت عليهما جزية أو لم تكن، وهو قول ابن القاسم في رسم باع شاة لأنه قال فيه: لا يزوج المسلم النصرانية، كانت أخته أو ابنته أو مولاته، لا يزوج المسلم النصرانية لا مسلما ولا نصرانيا، ومولاته لا جزية عليها وإن كان أعتقها وهو مسلم، والثالث أنه يزوجها، كانت من أهل الصلح أو لم تكن، كانت عليها جزية أو لم تكن، إلا أن تكون من أهل الصلح، فيكون هو أولى بتزويجها منه إن شاحوه في ذلك لأنهم إنما صالحوه وبذلوا الجزية على أن يخلي بينهم وبن نسائهم، وهو قول ابن القاسم في سماع زونان وأصبغ، وقول أصبغ في الواضحة، وذهب ابن لبابة إلى أنه لا اختلاف في المسألة وأن أقوالهم ترجع إلى أنها إن كانت ممن عليها جزية فلا يزوجها المسلم، كانت

البكر تقيم مع زوجها الستة الأشهر فيعترض له عنها ثم يطلقها زوجها

من أهل الصلح أو لم تكن، وإن لم تكن عليها جزية فيزوجها، بأن يحمل رواية عيسى في رسم باع شاة على أنه أراد مولاته التي أعتقها وهو نصراني ويحمل ما في سماع زونان على أنهما معتقان لمسلم، وبالله التوفيق. [البكر تقيم مع زوجها الستة الأشهر فيعترض له عنها ثم يطلقها زوجها] ومن كتاب أوله ليرفعن أمرا إلى السلطان قلت لابن القاسم: أرأيت البكر تقيم مع زوجها الستة الأشهر، فيعترض له عنها ثم يطلقها زوجها، أترى لأبيها أن يزوجها من غير أن يؤامرها؟ قال: أرى أن يؤامرها، قال: فإن زوجها ولم يؤامرها رأيت النكاح جائزا. قال محمد بن رشد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: استحب أن يستأمرها إذا أقامت مع زوجها الستة الأشهر أو نحوها مراعاة لقول من لا يرى للأب أن يزوج ابنته البكر إلا برضاها، بظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأيم أحق بنفسها من وليها» إذ الأب ولي من الأولياء، والأيم يقع على من لا زوج لها، كانت بكرا أو ثيبا، فإن لم يفعل وزوج مضى النكاح، وهذا إذا أقرت بذلك على نفسها قبل أن يزوجها أو بقرب ما زوجها، وأما إن زوجها وهي غائبة بعيدة الغيبة أو حاضرة فلم يعلم حتى طال الأمر، فإنها تتهم على إمضاء النكاح بإقرارها على نفسها أن زوجها الذي دخل بها لم يصبها. وأما التي لم تقم مع زوجها إلا اليسير الشهر أو الشهرين، فهي بمنزلة التي لم يدخل بها زوجها، لا وجه للاستحباب في ذلك عنده، قاله مالك في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، وأما إذا أقامت مع زوجها العام فما فوقه فهي بمنزلة الثيب لا يزوجها إلا برضاها، فإن لم يستأمرها لم يلزمها النكاح، قاله في المدونة. [مسألة: امرأة تزوجت رجلا شرطت عليه ألا يخرج بها إلا برضاها أو رضى أبيها] مسألة وسئل مالك عن امرأة تزوجت رجلا شرطت عليه ألا يخرج

بها إلا برضاها أو رضى أبيها، قال مالك: لا أدري ما رضاها أو رضى أبيها؟ إن كان الشرط برضاها مع رضى أبيها فليس له أن يخرج بها حتى يرضيا، وإن كان رضاها وحدها فله أن يخرج بها إذا رضيت، فقال له زوجها: إنها بكر ولم أدخل بها بعد، قال: لا يضرك ذلك، والبكر والثيب يا هذا سواء، إذا رضيت البكر وكان الرضى لها دون أبيها فله أن يخرج بها. قال محمد بن رشد: لم يذكر في السؤال أن الشرط مقيد بطلاق ولا تمليك، وإيجاب مالك عليه إن كان الشرط برضاها مع رضى أبيها، ألا يخرج بها حتى يرضيا جميعا، يدل على أنه إنما تكلم على أن الشرط مقيد بطلاق على ما في رسم إن أمكنتني، من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، ولو كان الشرط مقيدا بتمليك لكان الاعتبار رضاها دون رضى أبيها لأن الشرط إنما أخذ لها، فإن رضيت أن يخرج بها وكانت هي المملكة كان ذلك إسقاطا لحقها، وإن كان الأب هو المملك كان ذلك منه رضى بالبقاء مع زوجها وأمر الأب باتباع رأيها إلا أن يبدر فيطلق قبل أن ينهاه السلطان فينفذ الطلاق على ما يأتي في رسم استأذن من سماع عيسى. وإن كانا جميعا مملكين لم يكن له أن يطلق دونها إذ قد رضيت هي بإسقاط حقها، ولو خرج بها دون رضاهما جميعا لم يكن لأحدهما أن يقضي بالفراق دون صاحبه لأنهما جميعا مملكان فيه، فليس لأحدهما أن ينفرد به، ولو لم يكن الشرط مقيدا بشيء لم يلزم ذلك الزوج بحكم على مذهب مالك وجميع أصحابه إلا أنه يستحب له الوفاء به عندهم لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج» وإنما توقف مالك في شرط الرجل لامرأته أن لا يخرج بها إلا برضاها أو رضى أبيها فقال: لا أدري ما رضاها ورضى أبيها، إلى آخر قوله؛ لأن لفظة (أو) لها مواضع في وضع اللسان يصلح منها ثلاثة في هذا المكان، أحدها أن يكون أراد بها التخيير بين الرضاءين، كقول الله عز وجل:

مسألة: رجل كانت تحته امرأة فخطب أختها على ابنه

{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] فيكون له أن يخرج بها برضا من رضي منهما، والثاني أن يكون أراد بها الجمع بين الرضاءين بمعنى الواو، كقوله عز وجل: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] يريد: ولا كفورا، أو كقوله في الحديث: «مع ما نال من أجر أو غنيمة» إذ لا ينبغي الأجر مع الغنيمة، فلا يكون له أن يخرج بها إلا برضاهما جميعا، والثالث أن يكون أراد بها إبهام أي الرضاءين أراد، كما يقول الرجل: أنا أعلم إن كنت صحيحا أو مريضا، فيكون له أن يخرج بها إذا رضيت إن كان أراد رضاها وحدها، وأن يخرج بها إذا رضي أبوها إن كان أراد رضاه وحده، فلما احتمل لفظ الزوج عنده هذه الوجوه توقف عن الجواب فيه، وأجاب على الصريح في الشرط باستثناء رضاهما معا أو رضى أحدهما دون صاحبه. والوجه في هذا اللفظ المحتمل الذي توقف مالك عن الجواب فيه أن يحمل على أظهر محتملاته وهو التخيير، فيكون له أن يخرج بها برضا من رضي منهما، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل كانت تحته امرأة فخطب أختها على ابنه] مسألة وسئل مالك عن رجل كانت تحته امرأة فخطب أختها على ابنه فقالت له عمتها: أعلى صداق أختها؟ قال: لن أقصر بها إن شاء الله، فزوجوه، ثم إن الابن طلقها، قال: أمقر هو بذلك؟ قال: نعم، قد قلت هذا القول ووعدتهم، ولم أوجب على نفسي صداقا، فرأيته يراه عليه قال مالك مرة: فليصطلحوا، وكان يراه عليه شبيها بالإيجاب ولم يبينه، قال ابن القاسم: أرى ذلك عليه إذا زوجوه على ذلك، وذلك كأنه إنما تزوج على المكافأة، قال سحنون مثله. قال محمد بن رشد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أما إذا كان قولهم: قد زوجناك، جوابا

مسألة: حكم سفر الرجل بامرأة أبيه

لقوله: لن أقصر بها عن صداق أختها، فبين أن ذلك يلزمه كما قال ابن القاسم؛ لأنه بمنزلة أن لو قالوا له: نزوجك على أن لا تقصر بها عن صداق أختها. وأما إن انقطع ما بين الكلامين فالأمر محتمل، والأظهر إيجاب ذلك كما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان لم يبينه؛ لأن ذلك أقوى من العدة الخارجة على سبب، وفي التفسير ليحيى عن ابن القاسم أنه يحلف ما أراد إيجاب ذلك على نفسه ولا يلزمه شيء، فإن نكل غرم نصف الصداق. ووجه ذلك أنه رأى قوله: لن أقصر بها إن شاء الله، عدة لا تلزم، فلم يلزمه شيء إذا حلف أنه لم يرد إيجاب ذلك على نفسه، وحلفه بالتهمة دون تحقيق الدعوى، ولذلك لم يرد اليمين في ذلك بقوله على القول في لحوق يمين التهمة وإنها لا ترجع، وقد اختلف في الوجهين. [مسألة: حكم سفر الرجل بامرأة أبيه] مسألة وسئل مالك عن سفر الرجل بامرأة أبيه: أتراه ذا محرم؟ فقال: قال الله تعالى: {أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} [النساء: 23] فأتم الآية، وقال: هؤلاء ذوو المحارم، فأما الرجل يكون أبوه قد طلق المرأة وتزوجت أزواجا، ثم يريد أن يسافر بها فلا أحب ذلك، وكره ذلك، قال ابن القاسم: وما يعجبني أن يسافر بها، فارقها أبوه أو لم يفارقها، وإنما كان هذا من مالك حجة ولم أره يعجبه. قال محمد بن رشد: احتجاج مالك بالآية يدل على أنه حمل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها» على عمومه في جميع ذوي المحارم من نسب أو رضاع، وكراهيته أن يسافر بها إذا

مسألة: وصية الرجل بتزويج ابنته

كان أبوه قد طلقها وتزوجت الأزواج استحسان مخافة الفتنة عليه، إذ ليست في تلك الحال زوجة لأبيه، وكره ابن القاسم أن يسافر بها، فارقها أبوه أو لم يفارقها؛ لاحتمال أن يكون أراد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله: «لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها» ذوي محارمها من النسب دون الصهر، فقول مالك في حمل الحديث على ظاهره من العموم أظهر، وقول ابن القاسم أحوط، وبالله التوفيق. [مسألة: وصية الرجل بتزويج ابنته] مسألة قال: وسئل مالك عن الرجل تحضره الوفاة فيقول: إن ابن أخي قام مع ولدي في تركتي حتى يبلغوا، فقد وصلته بابنتي، فلما هلك ترك ابن أخيه القيام في ذلك وغاب إلى بلد آخر، فسئل مالك عن ذلك فقال: أراه قد ترك الذي اشترط عليه عمه من ذلك ولا أرى له نكاحا إلا أن تشاء الجارية أن تنكحه نكاحا جديدا، وكان أبوهم قد ترك الجارية وأخاها وهما صغيران لم يبلغا ثم بلغا وسألا مالكا عن ذلك فقال: إذا لم يقم فلا أرى نكاحه إلا منتقضا، ولتنكح إن شاءت، قال ابن القاسم: ولو قام بالذي أوصى عمه لرأيت أن يزوج ويكون على ابن الأخ الصداق، وقد سمعت مالكا غير مرة وهو يسأل ونزلت به عن الرجل يوصي أن تزوج ابنته ولا يزوجها هو، وإنما أوصى أن تزوج، فرأى أن ينفذ ما أوصى به من ذلك، وقد كان بعض الناس يقول: ليس ما أوصى به مثل ما زوج، فرأيت مالكا أنفذه وأمر به، ورآه واحدا ولم يختلف عنده مثل ما يقول: زوجوها ابن أخي، أو زوجوها فلانا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما جاز للرجل أن يوصي به دون شرط جاز له أن يوصي به على شرط، فإذا كان للرجل أن يوصي أن تزوج ابنته من ابن أخيه جاز له أن يوصي أن تزوج منه إن قام في تركته مع

ابنه لأن قوله: فقد وصلته بابني، يرجع إلى معنى الوصية بتزويجها منه إن فعل ذلك، وذلك بين من قول ابن القاسم: ولو قام بالذي أوصى عمه لرأيت أن يزوج ويكون عليه الصداق، وظاهر ما حكي عن بعض الناس أن وصية الرجل بتزويج ابنته لا يجوز، سمى الزوج أو فوض إلي الموصى إليه الاجتهاد في ذلك، خلاف المشهور من مذهب مالك في الوجهين، وقد مضى في رسم شك في طوافه من رواية علي بن زياد عن مالك ما يدل على الفرق بين الوجهين، فهو قول ثالث في المسألة، وقد اختلف إذا قال الرجل في حياله إن فعل فلان كذا فقد زوجته ابنتي فقال مالك في رسم سن بعد هذا في الذي يقول إن جاءني فلان بخمسين دينارا فقد زوجته ابنتي: لا يعجبني هذا النكاح ولا تزويج له، ظاهره وإن جاء بالخمسين بالقرب، فعلى هذا إذا زوج الغائب القريب الغيبة لم يجز نكاحه وإن رضي بالقرب، ولأشهب في كتاب ابن المواز في الذي يقول للخاطب: إن فارقت امرأتك فقد زوجتك، أن النكاح يجوز، فجعله ينعقد بنفس الفراق، قال: ولو قال: إن فارقت امرأتك زوجتك، كانت خدعة، ولم يلزمه تزويجه، وأحب إلي أن يفي، قال أبو إسحاق التونسي: وإذا لم ير النكاح منعقدا بنفس الفراق فقد كان القياس أن يجبره على أن يزوجه على أصولهم فيمن أخرج عن يده شيئا بوعد وعد به، وإن لم يوجبه الواعد على نفسه، أن ذلك لازم له، بخلاف الوعد المجرد مثل أن يقول: بع فلانا فرسك والثمن علي، أو اهدم دارك وأنا أعطيك كذا وكذا، إن هذا لازم، وما أشبه ذلك، وهذا إن عد طلاقه للمرأة رضى بالعقد وأنهما لا يحتاجان إلى تجديد عقد، وإن لم يعد طلاقه للمرأة رضى بالعقد صار نكاحه فيه خيارا لأحدهما، فوجه ما في رسم سن أنه لم يعد مجيئه بالخمسين دينارا رضى بالعقد، فرآه نكاحا انعقد على خيار أحدهما، فهذا توجيه كل واحد من القولين، وهذا الاختلاف إنما يصح عنه إذا أراد: إن فعلت ذلك بالقرب، ولو قال: متى ما فارقت امرأتك فقد زوجتك، أو: متى ما أتيتني بخمسين دينارا فقد زوجتك، لم يجز النكاح قولا واحدا، والله أعلم، ويأتي في رسم الصبرة من سماع يحيى القول في الذي يقول: إن مت من مرضي فقد زوجت ابنتي من ابن أخي، إن شاء الله.

مسألة: العبد يزوج ويشترط على سيده النفقة

[مسألة: العبد يزوج ويشترط على سيده النفقة] مسألة قال: وسئل مالك عن العبد يزوج ويشترط على سيده النفقة، قال مالك: لا يجوز، لو هلك ذهب الشرط، ولو جاز هذا لأخذ لها نفقتها من ميراث السيد، فهذا النكاح يفسخ، قال ابن القاسم: ومعنى قوله - فيما نرى والله أعلم - إذا لم يدخل بها، قال عيسى: قلت لابن القاسم: فإذا دخل بها؟ قال: يثبت النكاح وتكون النفقة على العبد ويسقط الشرط عن السيد. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم حلف أن لا يبيع سلعة سماها موعبا، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق أم ولده وأعطاها عشرة دنانير صداقا ثم دخل بها] مسألة قال: وسئل مالك عن رجل أعتق أم ولده وأعطاها عشرة دنانير صداقا شرطا عليها قبل أن يعتقها ثم دخل بها، قال مالك: هذا نكاح مفسوخ، فإن كان دخل بها رأيت أن يفارقها ثم يستبرئ رحمها ثم يتزوجها بعد إن أحبت وتكون لها العشرة التي أخذت بالمسيس. قال محمد بن رشد: خرج البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أعتق صفية وجعل عتقها صداقها» ورأى ذلك مالك من خواص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه نكاح بغير صداق كالموهوبة التي خص بها دون المؤمنين، فلم يجز لأحد أن يفعله، واختلف إذا وقع ذلك فقيل: إنه نكاح فاسد لصداقه لوقوعه دون صداق، إذ لا يكون العتق صداقا، فيفسخ قبل الدخول ويثبت

بعده ويكون فيه صداق المثل، وإلى هذا ذهب الفضل، وعليه حمل قول ابن حبيب، فعلى هذا يجوز النكاح إذا سميا فيه صداقا كمسألة الكتاب، وقيل: إنه نكاح فسد لعقده فيفسخ قبل الدخول وبعده ويكون فيه الصداق المسمى إن كان سمي فيه صداق، وهو قول مالك في مسألة الكتاب، ووجه هذا الاختلاف أنه لما أعتقها على أن يكون عتقها صداقها احتمل أن يكون وقع العتق قبل النكاح وأن يكون وقع النكاح قبل العتق، فمن تأول أن العتق وقع قبل النكاح رآه نكاحا فسد لصداقه إذ وقع بغير صداق، ومن تأول أن النكاح وقع قبل العتق رآه نكاحا فسد لعقده إذ وقع وهي أمة له مملوكة، ونكاح الرجل مملوكته لا يحل، وقال مالك في الواضحة وكتاب ابن المواز: إنه نكاح فاسد إذ لا يدرى إن كان نكاحه وقع وهي أمة أو حرة، وذلك يرجع إلى أنه نكاح فسد لعقده، والأظهر أنه فسد لعقده لأن اللفظ يقتضي وقوعهما معا، وذلك يوجب أن يكون وقوع النكاح قبل كمال الحرية، وقيل: إنه ليس بنكاح منعقد، وإنما شرط عليها ما لا يلزمها، فإن رضيت بتزويجه بعد نفوذ العتق لها جاز، وإن لم ترض لم يكن بينهما نكاح يحتاج إلى فسخه. فإن لم يعثر على ذلك حتى بنى بها مضى النكاح بشبهته، وكان لها صداق المثل، وهذا ظاهر قول ابن حبيب في الواضحة، وفيه نظر، إذ كان القياس على هذا القول أن يفرق بينهما بعد البناء لابتنائه بها على غير عقد منعقد إلا بما ظناه من أن النكاح قد كان لزمهما وانعقد بينهما، والصواب أنه نكاح فاسد إما لصداقه وإما لعقده على ما قلناه، وإنما يكون غير منعقد إذا أعتقها على أن يتزوجها بعد العتق، ومن الناس من ذهب إلى أنه يجوز أن يجعل الرجل عتق الأمة صداقها، قال: لأنه إذا جاز أن يعتقها على مال يجب له عليها بعد العتق جاز أن يعتقها على أن تكون زوجة له بذلك، وهذا لا يلزم لأنه إذا أعتقها على مال فقد ملكته بما ملكها من عتقها ما لم يكن مالكا له قبل عتقها، فصحت المعاوضة في ذلك، وإذا أعتقها على أن تكون زوجة له بذلك فلم تملكه بما ملكه من عتقها إلا البضع، وقد كان مالكا له قبل، فلم تصح المعاوضة ولا وجب له عليها بعتقها شيء يكون صداقا. ومن الناس من ذهب إلى أنه إذا أعتقها على أن

مسألة: تحته امرأة ولها صاحبة معها في البيت وزوج المرأة يدخل في بيته

يكون عتقها صداقها، لا تكون زوجة له إلا بنكاح مستأنف بعد العتق يملكه عليها بصداق يجب له عليها بالعتاق، وهو فاسد إذ لو وجب له عليها صداق بعتقها لكان له أن يأخذها به إن شاء ويترك النكاح، فإذا لم يجب ذلك له فكيف يتزوجها على غير مال؟ ومن الناس من ذهب إلى أنه إذا أعتقها على أن يكون عتقها صداقها لا تكون زوجة له إلا برضاها بذلك بعد العتق، فإن لم ترض كان عليها أن تسعى له في قيمتها، فإن رضيت كانت زوجة له بما يجب له عليها من السعاية في قيمتها، وإن طلقها قبل الدخول سعت له في نصف قيمتها، وإلى هذا ذهب أبو يوسف، واحتج بهذه الحجة، ولا يلزم إلا لمن يتابعه على وجوب السعاية عليها في قيمتها إن لم ترض بالنكاح، فتحصيل القول في هذه المسألة أن في ذلك قولين: أحدهما أن ذلك لا يجوز، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه، قيل: لأنه نكاح بغير صداق، فإن وقع كان حكمه حكم ما فسد لصداقه، وقيل: لأنه نكاح وقع قبل كمال العتق بما اقترن به من الشرط، فإن وقع كان حكمه حكم ما فسد لعقده ويكون فيه الطلاق والميراث مراعاة للاختلاف، وقيل: إنه ليس بنكاح لأنه شرط عليها ما لا يجوز ولا يلزمها، فيفرق بينهما دخل أو لم يدخل، بغير طلاق، ولا ميراث فيه، وقيل: إنه إن دخل يمضي لشبهة العقد، وهو بعيد على هذا القول، وبالله التوفيق، لا شريك له. [مسألة: تحته امرأة ولها صاحبة معها في البيت وزوج المرأة يدخل في بيته] مسألة قال: وسئل مالك عن رجل تحته امرأة ولها صاحبة معها في البيت، وزوج المرأة يدخل في بيته وصاحبتها قاعدة معها، قال: لا بأس بذلك إذا أكفت عليها ثيابها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، لأنه لا حرمة بينه وبينها، فإذا أكفت عليها ثيابها واستترت منه كما قال الله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] الآية، لم يكن عليه بأس في الدخول عليها في بيته

الرجل يزوج ابنه ويدفع الصداق ثم يطلق الابن زوجته قبل الدخول

وهي قاعدة فيه مع أهله، إذ لو لم يحل له ذلك لكان من الحرج في الدين الذي قد رفعه الله عن عباده بنص التنزيل، وبالله التوفيق. [الرجل يزوج ابنه ويدفع الصداق ثم يطلق الابن زوجته قبل الدخول] ومن كتاب طلق بن حبيب قال: وسئل مالك عن الرجل يزوج ابنه ويصدق عنه ويدفع الصداق إلى المرأة، ثم يهيج بين الابن والمرأة شيء ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، لمن ترى نصف الصداق؟ أللأب أم للابن؟ قال: للأب وليس للابن منه شيء قال ابن القاسم: والأجنبي مثله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الأب لم يهب ابنه شيئا وإنما ودى عنه ما وجب لزوجته عليه، فإذا طلقها قبل الدخول وجب أن يرجع نصف الصداق إلى الأب لأن الزوجة لم يجب لها، وهذا بين على القول بأن المرأة لا يجب لها بالعقد إلا نصف الصداق، وأما على القول بأنه يجب لها بالعقد جميع الصداق فيلزم على قياس قول ابن الماجشون أن يكون نصف الصداق للابن دفعه الأب إلى المرأة أو لم يدفعه إليها، وفي الواضحة قال ولو ألفى النكاح مفسوخا قبل البناء ففسخ سقط الصداق عن الحامل، وإن كان قد دفعه رجع إليه كله، قال ولو كان النكاح صحيحا فتباريا على المتاركة قبل البناء فإن ابن القاسم قال: يرجع جميع الصداق إلى الحامل إن كان قد أعطاه ويسقط عنه إن كان لم يعطه، وقال ابن الماجشون يرجع إلى الحامل النصف الذي يسقط عن الزوج بالطلاق قبل البناء، ويرجع إلى الزوج النصف الذي أوجب الله للمرأة بطلاقها قبل البناء قال عبد الملك: وبه أقول لأن ذلك النصف بمنزلة الجميع إذا باراها على رده بعد البناء وهو كله للزوج، وليس للحامل منه شيء، وهو القياس، ووجه قول ابن القاسم أن المرأة لم تملك بالعقد جميع الصداق ولا نصفه أيضا ملكا مستقرا إذ قد يسقط جميعه بالارتداد فليس استحقاق المرأة نصف الصداق بالعقد كاستحقاقها لجميعه بالدخول، وبالله التوفيق.

مسألة: الرجل تكون له أم الولد الشابة فيعتزلها ويتزوج فيريد أن يزوجها

[مسألة: الرجل تكون له أم الولد الشابة فيعتزلها ويتزوج فيريد أن يزوجها] مسألة وسئل مالك عن الرجل تكون له أم الولد الشابة فيعتزلها ويتزوج، فيريد أن يزوجها فلا ترضى بذلك، قال: ليس له أن يزوجها إذا لم ترض، وإنما له متعتها، أن يطأها، فإن لم يكن له بها حاجة فليعتقها، وما علمت أن أحدا من أهل الفضل والفقه فعل ذلك بأم ولده، وإن هذه الأخلاق دنية، فقيل له: فليس له أن يزوجها إذا كرهت؟ قال: ليس ذلك له. قال محمد بن رشد: لهذا رجح مالك أنه ليس له أن يجبرها على النكاح، وكان أولا يقول: إن له أن يزوجها بغير رضاها إذا زوجها ممن يشبهها من العبيد، فإن زوجها وغدا من العبيد وهي ذات حال في الجمال والشباب والعقل، لم يجز ذلك عليها لأنه حينئذ مضارها، وهو قول ابن المواز، ودليله ما في كتاب إرخاء الستور من المدونة، وجه قوله الأول أن أصلها الرق، وما فيها من الحرية تبع للرق الذي هو الأصل فيها، فيزوجها كما يطؤها وينتزع مالها، ووجه القول الذي رجع إليه أن الحرية قد سرت إليها بولدها، ودل على ذلك «قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أم ولد: أعتقها ولدها» فلم يبق له فيها من الرق إلا ما أباح له الشرع من الاستمتاع بها طول حياتها فلم يكن له أن يزوجها. [مسألة: نظر الرجل إلى المرأة عند الزواج] مسألة وسئل مالك عن الرجل يريد تزويج المرأة فيريد أن يغتفلها النظر، إما من الكوة ونحوها لينظر إلى جمالها، قال: ليدخل عليها بإذن، قال: قلت: لا يريد ذلك وإنما يريد أن يغتفلها، فقال: ما سمعت فيه شيئا، فقيل: إن قوما يحدثون في ذلك بأحاديث فقال: وما ذلك؟ قلت له: يقولون: إن له ذلك، قال: وما سمعت، وإني لأكره ذلك. قال محمد بن رشد: قد جاءت في اغتفال الرجل النظر إلى المرأة إذا

مسألة: المرأة أيدخل عليها خصيها أو خصي زوجها صغيرا كان أو كبيرا

أراد أن يتزوجها آثار، من ذلك ما روي «عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا خطب أحدكم المرأة، فقدر على أن يرى منها ما يعجبه فليفعل قال جابر: فلقد خطبت امرأة من بني سلمة فكنت أتخبأ لها في أصول النخل حتى رأيت منها بعض ما يعجبني، فخطبتها فتزوجتها» ولم يسمع ذلك مالك ولا صح عنده فكرهه، وأجاز ذلك ابن وهب، ولم ير به بأسا للآثار المروية فيه. وسئل أصبغ عنه وقيل له: بلغنا أن ابن وهب روى عن مالك إجازته فقال: لم يكن ابن وهب يرويه وإنما كان يقول برأيه ورواية الأحاديث. وأما نظر الرجل إلى وجه المرأة بإذنها دون أن يغتفلها إذا أراد نكاحها، فأجازه مالك، كما يجوز له النظر إلى وجهها في الشهادة لها وعليها، ومن أهل العلم من لم يجز ذلك له، واحتج بما روي من أن «الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعلي: إن لك كنزا في الجنة وإنك ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية» قال: فلما حرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النظرة الثانية لكونها باختيار الناظر بخلاف الأولى التي كانت فجأة بغير اختياره، دل أنه لا يجوز لأحد أن ينظر إلى وجه امرأة إلا أن يكون بينه وبينها من النكاح أو الحرمة ما يبيح له ذلك، وقول مالك هو الصواب لأنه إنما حرم من النظر إلى وجه المرأة ما كان لغير معنى يبيحه من نكاح أو شهادة، وأما استغفاله النظر إليها فإنما كرهه مالك مخافة أن يرى منها بعض عورتها، ومن أجاز ذلك للأحاديث المروية فيه فإنما يجيزه إذا أمن ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة أيدخل عليها خصيها أو خصي زوجها صغيرا كان أو كبيرا] مسألة وسئل مالك عن المرأة أيدخل عليها خصيها أو خصي زوجها، صغيرا كان أو كبيرا؟ قال: أما ما تملك، فلا بأس به، وأما خصيان زوجها فإني أرجو أن يكون خفيفا، قيل له: فخصيان غيره؟ فكأنه كرهه وقال: خصيان زوجها أبين عندي، قال ابن القاسم:

مسألة: رجل خطب امرأة وشرط لها في نكاحها ألا يتزوج عليها وأن لا يتسرى

وأحب إلي فيما لا يملكه منهم، من خصيان زوجها وغيرهم ممن بلغوا الحلم، ألا يرى شعرها ولا شيئا من زينتها إلا وجهها، وأما ما يملك فلا بأس به. قال محمد بن رشد: استخف أمر خصيان زوجها للمشقة الداخلة عليها في الاحتجاب منهم مع كثرة ترددهم وتطوافهم، وقول ابن القاسم أقيس، وقد مضى من القول في هذه المسألة في رسم شك في طوافه ما يبين معناها، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل خطب امرأة وشرط لها في نكاحها ألا يتزوج عليها وأن لا يتسرى] مسألة وسئل مالك عن رجل خطب امرأة وشرط لها في نكاحها ألا يتزوج عليها وأن لا يتسرى، فإن فعل فهي طالق، وأحضر لذلك شهودا ثم تفرقوا، وترك ذلك وقد شهد الشهود على إقراره وكتبوا بذلك كتابا وقبضت المرأة الكتاب، ثم خطبها بعد ذلك فتزوجها وأشهد شهودا غير الأولين الذين كانوا شهدوا على الإقرار، فقامت المرأة تطلب ذلك الشرط وقال الرجل: قد تركت الأمر الأول ونكحت نكاحا جديدا على غير شرط، قال: من يعلم ذلك؟ أله بذلك بينة؟ قال: لا، قال: ذلك يلزمه إلا أن تكون له بينة. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أن النكاح لم يتم أولا وإنما خطبها على ما سمى من الشروط وكتب في كتاب وقبضت المرأة الكتاب لتنظر، ثم ترك الخطبة زمانا ثم عاد إليها فتزوجها ولم تذكر الشروط ثانية، فقال: إنها له لازمة لأن الخطبة الثانية مبنية على الأولى التي ذكر فيها الشروط إلا أن تكون له بينة أنه إنما خطبها الثانية وتزوجها على غير شرط، ولو كان النكاح قد تم أولا وانعقد على الشرط ثم طلقها وخطبها ثانية فتزوجها لكانت الشروط بالطلاق لازمة لها ما بقي من ذلك الملك شيء، وإن اشترط أنها لا تلزمه، إذ ليس للمرأة أن تسقط عنه ما قد لزمه من الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق.

مسألة: الوليمة لإثبات النكاح

[مسألة: الوليمة لإثبات النكاح] مسألة قال مالك: كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول: إنما يستحب الطعام في الوليمة لإثبات النكاح وإظهاره ومعرفته لأن الشهود يهلكون. قال محمد بن رشد: يريد أن هذا هو المعنى الذي من أجله أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالوليمة وحض عليها بقوله لعبد الرحمن بن عوف: «أولم ولو بشاة» وما أشبه ذلك من الآثار، وقوله صحيح، يؤيده ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر هو وأصحابه ببني زريق فسمعوا غناء ولعبا فقال: ما هذا؟ فقالوا: نكح فلان يا رسول الله، فقال: كمل دينه، هذا النكاح لا السفاح ولا نكاح السر حتى يسمع دف أو يرى دخان» والله الموفق. [مسألة: الإتيان إلى الوليمة] مسألة وسئل مالك عن الإتيان إلى الوليمة، فقال: أرى أن يأتيها، فقيل له: ربما كان الزحام فيكره ذلك لموضعه، فقال: إن كان الزحام فإني أرى له في ذلك سعة، فقيل له: فيجيب وإن كان صائما؟ قال: نعم، أرى أن يجيب، أكل أو لم يأكل. قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن يأتيها، يريد: ولا سعة له في التخلف عنها إذا دعي إليها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها» وقوله: «ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله» ،

يريد بالدعوة دعوة الوليمة في العرس لأنها المشار إليها إذ هي المتقدمة المذكورة في الحديث فلا رخصة لأحد في التخلف عنها إلا من عذر، ورأى أن الزحام عذر رأى له في التخلف بسببه سعة لأن تقحمه إياه مؤذ له ومضر به، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» ، فهو مخصص لعموم أمره بالإتيان إلى الوليمة، وكذلك يخصص بالشرع من عموم أمره بالإتيان إليها في حال يكون فيها من اللهو ما لا يجوز حضوره في غيرها خلافا لأبي حنيفة في قوله: إنه لا يسعه التخلف عنها لذلك؛ إذ قد أمر بالإتيان إليها أمرا عاما لم يقع فيه ثنيا، وقوله: أرى أن يجيب أكل أو لم يأكل، يريد أن الإجابة تلزمه، كان صائما أو مفطرا، فإن كان صائما صلى كما جاء في الحديث؛ أي دعا، وإن كان مفطرا فليس عليه بواجب أن يأكل، وإنما يستحب له ذلك ويندب إليه، لأن أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأكل فيما روي عنه من قوله: «إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل» محمول على الندب عند مالك، بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث آخر: «إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك» ، وأهل الظاهر يوجبون عليه الأكل بظاهر الحديث الأول، وما ذهب إليه مالك من استعمال الحديثين أولى من اطراح أحدهما. وأما ما سوى وليمة العرس من الدعوات فمنها ما تستحب الإجابة إليه، ومنها ما يكره، ومنها ما يحرم على ما قد مضى القول فيه في سماع أشهب من كتاب الصيام خلافا لأهل الظاهر في إيجابهم إجابة الداعي جميع الدعوات بظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله» ، وسيأتي في رسم الطلاق الثالث من سماع أشهب القول في وجه تفرقة مالك بين الوليمة والسابع، وبالله التوفيق.

مسألة: يهوى المرأة فيتزوجها ليقضي منها لذته وليس من شأنه أن يمسكها

[مسألة: يهوى المرأة فيتزوجها ليقضي منها لذته وليس من شأنه أن يمسكها] مسألة وسئل مالك عن الرجل يهوى المرأة فيريد أن يتزوجها فيقضي منها لذته، وليس من شأنه أن يمسكها إذا قضى منها لذته، ويفارقها بعد أن يشتفي منها، قال: لا بأس بذلك، وليس هذا بجميل من أخلاق الناس، ولا أحسب إلا أن من النساء من لو علمت بذلك لم ترض أن تتزوج مثل هذا. قال مالك: وهذا بالعراق النهارية، فقيل لمالك: ما النهارية؟ فقال: قوم يتزوجون على أن لا يأتيها إلا نهارا ولا يأتيها ليلا، قلت له: ما سمعت بهذا، قال: بلى، هذا فيهم قديم، قيل لمالك: أفتكره ذلك؟ قال: نعم مكروه ولا خير فيه، قال عيسى: فإن وقع فسخ قبل البناء وبعده. قال محمد بن رشد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أما الذي يتزوج المرأة ونيته أن يقضي منها لذته ويفارقها، فلا بأس بذلك كما قال، إذا لم يظهر ذلك ولا اشترطه، إذ قد ينكح المرأة ونيته أن يفارقها ثم يبدو له فلا يفارقها، وينكحها ونيته ألا يفارقها ثم يبدو له فيفارقها، ألا ترى أن الرجل لو نوى طلاق امرأته إلى مدة يشتفي منها إليها، لم يؤثر ذلك في جواز بقائه معها، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] الآية، وهذا مثل ما أجاز ابن كنانة للرجل يقدم البلد فيريد أن يقيم فيه شهرا، من أن يتزوج ليستعفف، وينوي طلاقها إذا أراد الخروج إذا كان إنما هو أمر يحدث به نفسه دون أن يضمره. قال محمد بن رشد: ولو علمت المرأة بذلك قبل النكاح كانت المتعة بعينها، وأما النهارية فلا تشبه هذه المسألة لأن الشرط في العقد، فهو نكاح فاسد

الخدم يبيتون في لحاف واحد في الشتاء عراة

على المذهب، والذي يأتي فيه على مذهبه في المدونة في الذي يتزوج المرأة على أن لا يشترط لها في مبيتها أن يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويكون له أن يأتيها ليلا ونهارا، وهو قول أصبغ في المبسوطة، وحكى أنه قول مالك وأصحابه، خلاف قول عيسى بن دينار، ويتخرج فيما يكون له من الصداق إن دخل بها ففسخ النكاح قولان: أحدهما: أن لها الصداق المسمى لأنه نكاح فاسد العقد لما انتظم به من الشروط، والثاني: أن لها صداق مثلها، وهو الأظهر لما في الشرط من التأثير في الصداق، ومن أهل العلم من يجيز نكاح النهارية، وهو قول الحسن وعطاء، ومنهم من يكرهه، وهو قول الحكم وابن سيرين، وبالله التوفيق. [الخدم يبيتون في لحاف واحد في الشتاء عراة] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وسئل مالك عن الخدم يبيتون في لحاف واحد في الشتاء عراة، فكره ذلك وأنكر أن يبيت النساء عراة ليس عليهن ثياب يلبسنها في لحاف واحد يتعرين فيه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، والكراهة فيه بينة، فقد جاء النهي عن ذلك، وروي أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار» ، والمكامعة هي أن يضاجع الرجل صاحبه في ثوب واحد، أخذ من الكميع وهو الضجيع، ومنه قيل لزوج المرأة: كميعها، وقد روي معاكمة مكان مكامعة، وهي مأخوذة من ضم الشيء إلى الشيء، ومنه قيل: عكمت الثياب: إذا شددت بعضها إلى بعض، وقد روي أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن المكاعمة» ، وهي أن يلثم الرجل صاحبه، أخذ من كعام البعير وهو أن يسد فاه إذا هاج، يقال: كعمه كعما فهو مكعوم، وكل شيء مشدود الفم فهو مكعوم.

مسألة: شرط الصداق في النكاح

[مسألة: شرط الصداق في النكاح] مسألة وسئل مالك عن رجل خطب إلى رجل أختا له فقال: ما عندك؟ قال: عندي خمسون درهما، فقال له رجل قاعد معه: إن جاءك بخمسين درهما أتزوجه؟ قال: نعم، إن جاءني بخمسين درهما فقد زوجته، فقال مالك: ما يعجبني هذا النكاح، ولا تزويج له. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم حلف، وما فيها من الاختلاف، فلا معنى لإعادته. [مسألة: حكم إنكاح المرأة والعبد وإن استخلفهما أحد] مسألة قال مالك: ولا يجوز إنكاح المرأة ولا العبد وإن استخلفهما أحد، قال ابن القاسم: قال مالك: فإن استخلفا رجلا جاز ذلك. قال محمد بن رشد: قوله: ولا يجوز إنكاح المرأة والعبد وإن استخلفهما أحد، معناه: أنه لا يجوز لهما أن يليا عقد نكاح أحد من النساء وإن استخلفهما أحد على ذلك، ويجوز لهما أن يزوجا ذكور ولد من أوصى إليهما على ما في آخر رسم باع شاة، من سماع عيسى، ويجوز للعبد أن يزوج ابنه على ما في سماع أبي زيد، والفرق بين ولايتهما العقد على الذكور دون الإناث، أن الولي المعتبر به في صحة النكاح إنما هو الولي الذي من قبل المرأة لقول عمر بن الخطاب: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان، فإذا زوجت المرأة أو العبد من إلى نظرهما من النساء، فقد وقع النكاح بغير ولي، إذ لا يجوز ولاية المرأة ولا العبد، وإذا زوجا من إلى نظرهما من الذكور فلم يقع النكاح إلا بولي، لأن الأولياء المعتبر بهم في صحة النكاح أولياء الزوجات لا أولياء الأزواج، وهذا بين لا إشكال فيه، وقد وقع في كتاب محمد بن المواز، قال: وأما بنات من استخلف العبد فنكاحهن إليه ولا يعقد هو، ولكنه يستخلف غيره يعقده، وكذلك الصغار من اليتامى الذكور، وكذلك المرأة يوصى إليها بنحو ذلك هي مثل العبد، وقد قاله مالك فحمل بعض

مسألة: عبد أراد سيده أن يزوجه أمته فقال لا حاجة لي بالتزويج

الناس هذا الكلام على ظاهره من أن الصغار من اليتامى الذكور الذين إلى نظر العبد بمنزلة الإناث اللواتي إلى نظره نكاحهم إليه، ولا يعقده هو، ولكنه يستخلف غيره على ذلك مثل ظاهر رواية ابن القاسم هذه وما في المدونة من قوله: ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس خلاف ما في رسم باع شاة، من سماع عيسى، وذلك خطأ صراح لما بيناه من أن الاعتبار بالولاية في النكاح إنما هي من جهة المرأة لا من جهة الرجل، والصواب أن رواية عيسى صحيحة مبينة لرواية ابن القاسم هذه على ما تأولناها عليه، ولما في المدونة لأن قوله فيها: ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس معناه على أحد من النساء، ولما في كتاب ابن المواز لأن قوله فيه: وكذلك الصغار من اليتامى الذكور، معناه أنهم بمنزلة الإناث في أن نكاحهم إليه لا في أنه لا يعقده هو، ولكنه يستخلف غيره، وأما العبد والكافر في بناتهما فلا يعقدان النكاح عليهن ولا يستخلفان على ذلك أحدا، ولا اختلاف في هذا، فالعبد يزوج ابنه وابن من أوصى إليه، ولا يزوج ابنته، ولا يستخلف من يزوجها، ويستخلف من يزوج ابنة من أوصى إليه ولا يزوجها هو، وكذلك النصراني سواء مثل العبد في هذا، والمرأة تلي العقد على من إلى نظرها من الذكور، ولا تليه على من إلى نظرها من النساء لكنها تستخلف على ذلك رجلا يصح له العقد، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد أراد سيده أن يزوجه أمته فقال لا حاجة لي بالتزويج] مسألة قال مالك في عبد أراد سيده أن يزوجه أمته فقال: لا حاجة لي بالتزويج، يسترق ولدي، قال: فتزوجها وولدك حر، فكره ذلك مالك أن يجعله للعبد شرطا، فإن وقع النكاح فسخ في العبد كما يفسخ في الحر، دخل أو لم يدخل، ويكون الولد إن ولد له أحرارا. قال محمد بن رشد: قوله: إن النكاح يفسخ قبل الدخول وبعده هو مثل ما يأتي في رسم الجواب من سماع عيسى، وفي رسم الكبش من سماع يحيى، ومثل ما في الواضحة وغيرها، لا أعرف في ذلك نص خلاف، ولا يبعد

رجل تزوج امرأة وشرط لها ألا يخرج بها إلى موضع إلا برضاها

دخول الاختلاف في ذلك بالمعنى لجريانه على أصل مختلف فيه، وهو ما فسد من الأنكحة للشروط التي لا يجوز اشتراطها فيه، كالنكاح على أن لا ميراث بينهما أو على أن لا نفقة عليه، أو على أنه إن لم يأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا، فلا نكاح بينهما، أو على أنه بالخيار أياما سماها، أو على أن لا يطأ نهارا، أو على أن الطلاق بيد غير الزوج، وما أشبه ذلك، فهذا الضرب من الأنكحة قيل فيها: إنها تفسخ قبل الدخول وبعده، وقيل: إنها تفسخ قبل الدخول وتثبت بعده، وإذا فسخت بعد الدخول فقيل: إنه يكون فيها الصداق المسمى، وقيل: إنه يكون فيها صداق المثل، وأما إذا لم يفسخ بعد الدخول وأقرت مع الزوج وأبطل الشرط، فإنها ترد إلى صداق مثلها، وبالله التوفيق. [رجل تزوج امرأة وشرط لها ألا يخرج بها إلى موضع إلا برضاها] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا قال: وسئل مالك عن رجل تزوج امرأة وشرط لها ألا يخرج بها إلى موضع إلا برضاها، فخرج بها برضاها إلى موضع، ثم رجعت إلى المدينة، ثم خرج بها الثانية، ثم استأذنته فقال لها: لا أتركك، فقال له أبوها: ائذن لها، وثقل عليه فقال: لا، حتى تحلف بطلاق امرأتك البتة ألا تحبسها عني أكثر من عشرة أيام، فقال له مالك: قد قرئ علي البارحة كتاب فيه لأردنها إليك إلا أن يغلبني أمر لا أملكه، فإن كان إنما هو لا يحبسها فلا أرى عليه شيئا إذا هو لم يحبسها، وإن كان على ما قرئ علي فلا أرى ذلك ينفعه إلا أن يردها وإلا لزمته اليمين، كأنه لم ير قوله: إلا أن يغلبني أمر لا أملكه، ثنيا، قال عيسى: قال لي ابن القاسم: تفسير هذا إذا حلف ألا يحبسها فلم يحبسها ولم ترد هي الرجوع، فليس عليه حنث، وإن كانت يمينه لأردنها إلا أن يغلبني أمر لا أملكه، فإنه إن لم يردها حنث، وليس استثناؤه بشيء. قال محمد بن رشد: تكلم مالك في هذه المسألة على يمين الأب بما هو

امرأة تزوجت على وجه الغلبة فأراد صاحبها التحلل منها

بين في المعنى من تفرقته بين أن يحلف ألا يحبسها، أو ليردنها إلا أن يغلبه أمر لا يملكه، وإنما لم ير قوله: إلا أن يغلبني أمر لا أملكه، ثنيا ينتفع بها؛ لأن المعنى عنده فيما حمل عليه استثناؤه أنه أراد به إلا أن يغلبني من هواي في أن لا أردها إليك بما يظهر إلي من الرشد في ذلك ما لا أملك دفعه عن نفسي، فلم ينتفع بذلك إذ هو قادر على مخالفة هواه، كمن حلف ليضربن عبده إلا أن لا يقدر أن يخالف هواه، في أن لا يضربه، ثم لم يضربه، فهو حانث. ولو استثنى فقال: إلا أن أرى خيرا من ذلك، أو: إلا أن يغلبني أحد على ذلك، وما أشبه ذلك، لنفعه استثناؤه، ولم يتكلم على منع الزوج إياها من الرجوع بقوله لها: لا أتركك؛ إذ قد تركها، ولو لم يتركها لحنث بما حلف به في الشرط الذي شرط لها ألا يخرج بها على ما مضى في رسم الشجرة من اختلاف في ذلك، وبالله التوفيق. [امرأة تزوجت على وجه الغلبة فأراد صاحبها التحلل منها] ومن كتاب أوله يسلف في المتاع والحيوان المضمون وقال مالك في امرأة تزوجت على وجه الغلبة، فأراد صاحبها التحلل منها، قال مالك: أرى ذلك نكاحا غير جائز، وأرى لها ألا تزوج حتى يستبرئ رحمها من ذلك الماء بثلاث حيض. قال محمد بن رشد: قوله: أرى ذلك نكاحا غير جائز؛ أي غير لازم ولا منعقد، إذ لا ينعقد النكاح إلا برضا المتناكحين كما لا ينعقد البيع إلا برضى المتبايعين، فالواجب عليه أن يفارقها بغير طلاق، ثم لا يتزوج حتى يستبرئ من مائه من ثلاث حيض لأن استبراء الحرائر بثلاث حيض. [الرجل يزوج المرأة ويشترط على زوجها أن ينفق على ابن لها صغير] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس وسئل مالك عن الرجل يزوج المرأة ويشترط على زوجها أن ينفق على ابن لها صغير، قال: ليس هذا من عمل الناس، فقيل لمالك: فيشترط لخدمها؟ قال: لا يشترط أن تنفق على رأس لا ولد

البكر يدخل عليها وليها ليشهد عليها في النكاح فتصمت

ولا غيره، وكرههما جميعا، قال: لا أرى ذلك، وليس هذا من عمل الناس، قال عيسى: وسئل ابن القاسم عن هذا إذا وقع ودخل، قال: أرى أن يفسخ عنه الشرط ويعطي صداق مثلها لما وضعت، وإن لم يدخل بها فسخ النكاح، لأن العقدة كانت مكروهة، ولعل الصبي لا يعيش شهرا أو يعيش عشرين سنة، فلا خير فيه وإن طرحت المرأة الشرط. قال محمد بن رشد: الفساد في هذا النكاح بين لأنه شرطت عليه نفقة مجهولة غير محدودة لمدة معلومة، فكان نكاحا فسد لصداقه، يفسخ قبل الدخول وإن طرحت المرأة عليه الشرط، ويثبت بعده ويكون فيه صداق المثل على ما قال ابن القاسم، فقوله تفسير لقول مالك، وقد روي عن أبي محمد بن الشقاق أنه قال: كرهه مالك من غير الوجه الذي كرهه منه ابن القاسم؛ لأن مالكا قال: لم يكن ذلك من عمل الناس، فسواء عنده ضرب أجلا أم لا، هو مكروه، وعلى قول ابن القاسم: إن ضرب أجلا فلا بأس به، وهو بعيد، إذ لا وجه لفساده إلا الجهل بمقدار النفقة المشروطة على الزوج، وللزوج الرجوع على المرأة بما أنفق بالشرط على ولدها أو على من لا تلزمه النفقة عليه من خدمها إلى حين فسخ النكاح أو تصحيحه بصداق المثل، وفي كتاب محمد بن المواز عن أصبغ أن النكاح لا يفسخ إذا طرحت المرأة عنه الشرط، قال: ولا أعلم إلا وهو قول ابن القاسم، وهو أيضا قوله فيما يشبهه، والمشهور من قول ابن القاسم ماله ها هنا أن النكاح يفسخ وإن رضيت المرأة بطرح الشرط خلاف مذهب أصبغ. [البكر يدخل عليها وليها ليشهد عليها في النكاح فتصمت] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق وسئل مالك عن البكر يدخل عليها وليها ليشهد عليها في النكاح فتصمت، أعلى الشهود أن يسألوها أو الولي إن لم تتكلم برضاها؟ فقال مالك: لا، رضى البكر صماتها، فإذا صمتت فلا

نكاح المحرم

يسألها الولي ولا الشهود إن لم تتكلم، وهو رضى، وإن أنكرت فعليها أن تتكلم، واحتج بالحديث. قال محمد بن رشد: وجه استئمار البكر في النكاح أن يقول لها وليها بحضرة الشهود قبل عقد النكاح: أزوجك من فلان، فإن سكتت اكتفى بذلك منها، وليس عليهم أن يسألوها فيقولوا لها: رضيت أم لا؟ هذا معنى قوله في هذه الرواية، وكذلك ليس عليهم على ظاهر هذه الرواية، ومذهب ابن القاسم في المدونة أن يعلموها أن إذنها صماتها لأنها محمولة على أنها عالمة بذلك. وروى محمد بن مسلمة عن مالك أنه ينبغي لهم أن يعلموها بذلك، إذ ليس كل بكر تعلم أن إذنها صماتها، وعلى هذه الرواية يأتي قول غير ابن القاسم في المدونة، وهذا إذا كانت تعلم أن إذنها صماتها. [نكاح المحرم] ومن كتاب الشريكين وقال مالك في نكاح المحرم: إنه فسخ ليس فيه طلاق. قال محمد بن رشد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا أحد قولي مالك في المدونة، وهو اختيار سحنون فيها، خلاف اختيار ابن القاسم أنه يفسخ بطلاق مراعاة للاختلاف، وما اختاره سحنون هو القياس على أصل المذهب في أن المحرم لا يجوز نكاحه، وما لا يجوز لا ينعقد، فكان الأولى أن لا يسمى فسخا إذ لا يفسخ إلا ما قد انعقد، وسيأتي القول في رسم من كان منزله دون الميقات فيمن نكح قبل طواف الإفاضة وبعد رمي الجمرة، وبالله التوفيق. [زوجت جارية لها مملوكة غلاما مملوكا وكان لامرأة بغير إذن سيدته] ومن كتاب اغتسل علي غير نية قال: وسئل مالك عن امرأة زوجت جارية لها مملوكة، غلاما مملوكا، وكان لامرأة، بغير إذن سيدته، فعلمت بذلك سيدته فلم تجز النكاح وفرقت بينهما، فحلفت سيدة الجارية بحريتها أنه لا

مسألة: الرجل تكون له امرأتان فيكسو إحداهما الخز ويحليها ولا يعطي الأخرى

تزوجها منه الثانية إلا برضى سيدته، فماتت السيدة وورثتها، فأحبت سيدة الجارية أن يتزوجها الغلام؟ قال: لا أحب لفلان أن يزوجها إلا برضى الورثة الذين يملكونه كما كانت تستأذن سيدته. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنها لم ترد سيدته تلك بعينها وإنما أرادت مالكته لئلا يفرق بينهما الثانية كما فعلت في الأولى، فوجب أن تكون اليمين لازمة لها في كل من انتقل إليه ملكه بأي وجه كان، من ميراث أو غيره، وسيأتي في آخر رسم من سماع عيسى نقدها، نحو هذا المعنى، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل تكون له امرأتان فيكسو إحداهما الخز ويحليها ولا يعطي الأخرى] مسألة وسئل مالك عن الرجل تكون له امرأتان فيكسو إحداهما الخز ويحليها ولا يعطي الأخرى؟ قال: إن لم يكن ميلا فلا بأس به، فإن الله يقول: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129] . قال محمد بن رشد: هذا هو المعروف من مذهب مالك وأصحابه أنه إذا أقام لكل واحدة من زوجاته ما يلزمه لها من المطعم والملبس على قدر حالها، لم يكن عليه حرج في أن يوسع على من شاء منهن بما شاء من ماله، إذ ليس عليه أن يعدل بينهن إلا في الكون معهن والمبيت عندهن، وذهب ابن نافع إلى أنه يجب عليه أن يعدل بينهن في ماله بعد أن يقيم لكل واحدة منهن ما يلزمه لها على قدر حالها، والأول أظهر، لقول الله عز وجل: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] لأنها إنما تكون كالمعلقة إذا انفرد بغيرها دونها، لا إذا وسع عليها دونها أكثر من توسعته عليها. [مسألة: الرجل يتزوج المرأة على أنه إن خرج بها فأمرها بيدها] مسألة وسئل مالك عن الرجل يتزوج المرأة على أنه إن خرج بها من

المرأة يغيب عنها زوجها فيمرض أخوها أو أمها أو أختها فتريد أن تأتيهم

بلدها أو غاب عنها سنة، فأمرها بيدها، فيريد بعض ذلك فيمنعه يمينه، وتحب المرأة رضاه فتقول: قد رددت عليك أمرك ووضعت عنك الشرط، قال مالك: إن أحب ذلك إلي ألا يكون إلا عندما يحب أن يفعل، فإن فعلت ذلك وأذنت له عندما يريد أن يفعل قبل أن يفعل، ثم فعل، فلا شيء عليه، وإن أرادت أن تقضي بعد ذلك في نفسها فلا شيء لها، وما تركت من ذلك جائز عليها. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادته، وسيأتي في رسم المحرم من هذا السماع، وفي رسم لم يدرك من سماع عيسى وغيره. [المرأة يغيب عنها زوجها فيمرض أخوها أو أمها أو أختها فتريد أن تأتيهم] ومن كتاب البز وسئل مالك عن المرأة يغيب عنها زوجها فيمرض أخوها أو أمها أو أختها فتريد أن تأتيهم تعودهم ولم يأذن لها زوجها حين خرج؟ قال: لا بأس أن تأتيهم وإن لم يأذن لها حين خرج. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه لو كان حاضرا فأراد أن يمنعها من ذلك لم يكن ذلك له، فليس على المرأة واجبا أن تستأذن زوجها إلا فيما له أن يمنعها منه. [مسألة: قليل البرص أترد منه المرأة] مسألة وسئل عن قليل البرص أترد منه المرأة؟ قال: ما سمعت فيه إلا الحديث الذي جاء ما أحد فيه قليلا ولا كثيرا، قال: فقلت له: إن بعض الناس أخبرنا أنك لم تر أن ترد من قليله فأنكر، قال ابن القاسم: القليل من ذلك إذا تبين فأرى أن ترد بذلك لأني لو لم أردها وحبستها عليه ثم تفاحش ذلك أدخلت عليه ضررا وأوطيته

من ذلك ما لا ينبغي، ولعله أن يتركها معلقة، وقد سمعت الناس يقولون: إنه يزداد، ولو كان من ذلك الشيء اليسير الذي يستيقن معرفة الناس أنه لا يزداد ما رددتها، ولكنه أمر لا يعرف، فلذلك رأيت أن ترد، وللمرأة على الرجل مثله. قال محمد بن رشد: رأى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية ابن القاسم هذه قليل البرص عيبا في النكاح وإن أمنت زيادته، فأوجب الرد به للرجل على المرأة وللمرأة على الرجل، ولم ير ابن القاسم أن ترد به المرأة إلا من أجل أنه لا يؤمن أن يزيد، فيلزم ذلك الزوج ولا يكون له منه خروج إلا بالطلاق، وقد يكون ذلك قبل الدخول فيلزمه نصف الصداق، وفي ذلك عليه ضرر، فلا يجب على مذهب ابن القاسم للمرأة أن ترد الرجل بقليل البرص وإن خشيت زيادته لأنه إن زاد وأضر بها فرق بينهما على مذهبه، وهو نص قوله في رسم نقدها من سماع عيسى، فلا حجة للمرأة عنده فيما يتوقع من زيادته، فقوله في آخر المسألة: وللمرأة على الرجل مثله، إنما هو من قول مالك لا من قول ابن القاسم، ولمالك في كتاب ابن المواز من رواية أشهب عنه أن الأبرص لا يفرق بينه وبين امرأته وإن غرها، يريد: في اليسير، خلاف قوله في هذه الرواية مثل مذهب ابن القاسم، وقد روى علي بن زياد عن مالك في الأبرص أنه لا يفرق بينه وبين امرأته وإن كان شديدا، قاله مالك في كتاب ابن المواز، يريد: إذا كان حادثا بعد العقد. فيتحصل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا غر المرأة بالبرص يكون به من قبل العقد، فإن كان شديدا كان لها رده به باتفاق، وإن كان يسيرا كان لها رده به على اختلاف، وإذا حدث به بعد العقد، فإن كان يسيرا فلا يفرق بينهما باتفاق، وإن كان كثيرا فيفرق بينهما على اختلاف، وأما البرص بالمرأة فإن كان من قبل العقد كان للرجل ردها به إن كان كثيرا أو يسيرا لا تؤمن زيادته باتفاق، وإن كان يسيرا تؤمن زيادته فعلى اختلاف، وأما إن كان حادثا بها بعد العقد فمصيبة نزلت بالزوج إن شاء طلق وان شاء أمسك، ولزمه نصف الصداق قبل الدخول وجميعه بعد الدخول، وبالله التوفيق.

مسألة: الرجل تكون له الجارية الفاره فيريد أن يزوجها غلاما له

[مسألة: الرجل تكون له الجارية الفاره فيريد أن يزوجها غلاما له] مسألة وسئل مالك عن الرجل تكون له الجارية الفاره فيريد أن يزوجها غلاما له قيما له في ريعه على ضيعته، أو يكون أمينا يبعثه في حوائجه ويقاضيه، قال مالك: لا يجوز من ذلك ما كان ضررا، فأما ما كان على وجه الصلاح فلا أرى به بأسا، قد يكون الرجل يطلب نسل ذلك أو يصلح به غلامه، فإذا كان على هذا الوجه رأيت ذلك، فقيل له: فإنه ربما كان وغدا، وهو لا بأس به، ويكون أسود، قال: ليس ينظر في ذلك إلى الوغد في المنظر، فرب وغد المنظر تكون له الخبرة والحال، ولو كان في حاله لا بأس به رأيت ذلك له، فإنما أرى أن يرد من ذلك ما كان ضررا، وما لم يكن على وجه الضرر رأيت ذلك جائزا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يجوز له أن يزوجها ممن لا يشبه أن تزوج منه من العبيد؛ لأن ذلك من الإضرار بها وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الإضرار وقال: «من ضار أضر الله به» . [مسألة: إنكار النكاح في نكاح اليتيمة قبل البلوغ] مسألة وسئل مالك عن جارية بنت عشر سنين زوجها أخوها وأمها ابن عم لها وأقام زوجها معهم يحوز مال امرأته ويقوم فيه، ثم ماتت الأم فطلب الزوج الدخول بالجارية فقال الأخ: لا زوجة لك، قال الزوج: لم؟ فقال: لم تكن أختي رضيت ولا أعلمناها، وأنكرت الجارية، قال: فإن قامت له بينة على رضاها وإلا حلفت الجارية وأخوها على ذلك، وكان القول قولهما وفرق بينهما.

مسألة: جارية أنكحها أخوها ثم مات الزوج قبل أن يدخل بها

قال محمد بن رشد: أجاز مالك في هذه المسألة نكاح اليتيمة قبل البلوغ إذا أقرت بالرضى أو كانت على ذلك بينة، وأمضاه قبل البناء، وإن كانت زوجت لغير حاجة، وقد مضى ما في ذلك من الاختلاف في رسم شك في طوافه، وإيجابه اليمين عليهما إنما هو رجاء أن تقر بالنكاح فإن حلفت سقط عنها النكاح، وإن نكلت عن اليمين لم يلزمها النكاح، وهو قول مالك في المبسوط، ومعناه: إذا كانت قد بلغت. وقد قيل: إنه لا يمين عليها لأنها إن نكلت عن اليمين لم يلزمها النكاح، حكى ابن حبيب القولين جميعا، وفي رواية يحيى أنها إن نكلت لزمها النكاح، يريد بعد يمين الزوج إن كان حقق الدعوى عليها إذا كان ثم سبب يدل على علمها، من كون الصنيع في دارها وما أشبه ذلك، وأما إيجابه اليمين على الأخ فلا وجه له في هذه المسألة لأنه مقر بالتزويج، وإنما يدعي أنه لم يعلم أخته، وإنما يتصور أن يحلفا جميعا على القول في إيجاب اليمين في النكاح إذا أنكر هو التزويج وأنكرت هي الرضى، فإن حلفا أو حلف أحدهما سقط النكاح، وإن نكلا لم يلزمهما النكاح؛ لأنهما إنما حلفا رجاء أن يقرا فيثبت النكاح بإقرارهما، وبالله التوفيق. [مسألة: جارية أنكحها أخوها ثم مات الزوج قبل أن يدخل بها] مسألة وروى أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك عن جارية أنكحها أخوها ثم مات الزوج قبل أن يدخل بها فقال الورثة: أقيموا البينة أنها قد كانت رضيت، قال: تسأل إن كانت رضيت، فإن قالت: نعم، قيل له: أتسأل هي؟ فقال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الورثة مدعون عليها أنها لم ترض فالقول قولها إنها كانت رضيت مع يمينها، فإن نكلت عن اليمين حلف الورثة أنها لم ترض ولم يكن لها ميراث، وهذا إن كانوا حققوا الدعوى عليها أنها لم ترض، وإن كانوا لم يحققوا الدعوى عليها بذلك فقد اختلف في وجوب اليمين عليها وفي وجوب ردها إذا وجبت عليها فنكلت عنها.

رجل تزوج أمة فولدت منه ثم أعتق سيد الأمة ولدها منه

[رجل تزوج أمة فولدت منه ثم أعتق سيد الأمة ولدها منه] ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا قال: وسئل مالك عن رجل تزوج أمة فولدت منه ثم أعتق سيد الأمة ولدها منه، قال: أرى رضاعة ابنه عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا أعتقه سقط ملكه عنه ووجب على أبيه أن يسترضع له وينفق عليه، ولو [صح] لم يكن له أب لما سقط بعتقه إياه ما كان يلزمه من إرضاعه ونفقته إلى أن يبلغ؛ لأن من أعتق صغيرا ليس له من ينفق عليه، فنفقته عليه لأنه يتهم أن يكون إنما أعتقه ليسقط عن نفسه نفقته، وبالله التوفيق. [مسألة: السيد لا يريد أن يزوج عبده ويهب له جارية ليعفه] مسألة قال: وسألت مالكا عن العبد الأسود يكون للرجل مخارجا في السوق، فيريد أن يعفه ولا يريد أن يزوجه خوفا من أن يحدث حدثا أو يأبق، فيريد أن يهب له الجارية يعفه بها، قال: ليس هذا وجه الهبة لمثل هذا، وإنما هذا أراد أن يحللها له، ولولا ذلك ما وهبها له، وإنما الهبة للعبد التاجر الذي مثله يوهب له، ويكون مثلها لمثله، فأما هذا فليس بهبة إنما هذا على وجه التحليل له، ولا يعجبني هذا، ولا أرى أن يعمل به. قال محمد بن رشد: وهذا بيّن على ما قال: إنه إذا وهبه الجارية وهو لا يشبه أن يوهب له مثلها، فإنما قصد إلى تحليلها له، فلا يجوز لأحد أن يفعله، وقد تكررت المسألة أكمل مما وقعت ها هنا في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب، والحمد لله. [مسألة: زواج الرجل المرأة على متاع زوجته الأولى خالتها بعد هلاكها] مسألة وسئل عن رجل تزوج امرأة وأصدقها ثلاثين دينارا وقد كانت

مسألة: المرأة الصالحة هي للرجل دنيا وآخرة

تحته خالتها فهلكت، فقال له أبوها: اشتر لها خادما من صداقها، فقال: عندي خادم، فقال له: فاشتر لها متاعا في بيتها، فقال: هذا بيت خالتها - يعني المتاع - فدخلت في متاعها ثم هلك، قال مالك: أرى أن يقام ذلك المتاع، فإن كان فيه فضل كان للمرأة لأنه قد رضي أن يعطيها إياه، وإن كان أقل من القيمة اتبعته بما بقي. قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال؛ لأنه قد تبين بإدخالها على متاع خالتها بعد قوله لأبيها: هذا بيت خالتها، جوابا عن سؤاله أن يشتري لها متاعا بصداقها، أنه قد رضي أن يعطيها ذلك المتاع في الثلاثين التي أصدقها، فإن كانت قيمته أكثر من الثلاثين فهو لها، وإن كانت قيمته أقل من الثلاثين كان عليه تمام الثلاثين، وقوله: وإن كان أقل من القيمة، يريد وإن كان أقل من الثلاثين، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة الصالحة هي للرجل دنيا وآخرة] مسألة قال مالك: بلغني أن لقمان قال لابنه: يا بني لتكن أول ما تفيد من الدنيا بعد خليل صالح امرأة صالحة. قال محمد بن رشد: هذه وصية جيدة مفيدة، وحكمة بالغة عظيمة، لأن النساء من أجل ما زين للناس من شهوات الدنيا، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14] الآية، فالمرأة الصالحة هي للرجل دنيا وآخرة لأنه يستعف بها ويستمتع منها ويؤجر على القيام عليها، والخليل الصالح يحمل خليله على الخير ويحمله على الطاعة، ويريد مراشده في أموره، فمنفعته أعم من منفعة المرأة، إذ من الناس من يستغني عن المرأة ولا يحتاج إليها، ولذلك قدمه عليها.

مسألة: الرجل يقدم من السفر فتتلقاه ابنته أو أخته أتقبله

[مسألة: الرجل يقدم من السفر فتتلقاه ابنته أو أخته أتقبله] مسألة وسئل عن الرجل يقدم من السفر فتتلقاه ابنته أو أخته أتقبله؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: إنما خفف ذلك لأن المقصد فيه الحنان والرحمة لا ابتغاء اللذة إذ ليستا ممن ينبغي ذلك فيهما، والأحسن أن لا يفعل ذلك مخافة أن يتلذذ بذلك وإن لم يقصد إلى الالتذاذ به، ولا وضوء عليه في ذلك، قاله في أول سماع أشهب من كتاب الوضوء، والله الموفق. [مسألة: يتزوج الأمة فيقال له طلقها على أن أكتب لك مائة دينار في نكاح أخرى] مسألة وسئل عن الرجل الخير يتزوج الأمة، ثم إن الرجل من أهله أنف من ذلك فقال له: طلقها وأنا أكتب لك علي كتابا بمائة دينار في نكاح امرأة إذا بدا لك أن تتزوجها، فطلقها وكتب عليه كتابا وأقام نحوا من ثلاثة أعوام لا يتزوج، ثم إن الجارية أعتقت وتزوجت رجلا فطلقها زوجها فارتجعها الزوج الأول وقد مات الذي ضمن المال، أيكون ذلك في ماله؟ فقال مالك: قد تقادم ذلك، فلا أرى له حقا في ماله، ولا أرى لك أن تدخل في مثل هذا. قال محمد بن رشد: في قوله: قد تقادم ذلك، فلا أرى له حقا في ماله، دليل على أنه لو لم يتقادم لوجب له ذلك في ماله، وإنما أوجب له ذلك في ماله إذا تزوج بالقرب، ولم ير ذلك هبة تبطل بالموت لأنه أعطاه ذلك على شرط الطلاق، فصار ثمنا للطلاق يجب له بعد الموت، ويحاص الغرماء به في الموت والفلس. وفي العشرة ليحيى بن يحيى أنه لا شيء له في ماله بعد الوفاة،

مسألة: العبد يكون بيده المال لسيده فيقول له اشتر جارية لنفسك تطؤها

فرآها كالعطية على غير عوض، وعلى هذا اختلفوا في الرجل يعطي امرأته النصرانية داره على أن تسلم، فتسلم، هل هي ثمن لإسلامها فلا يحتاج فيها إلى حيازة؟ أو عطية تفتقر إلى حيازة؟ وحكى ابن حبيب في ذلك القولين. ومن هذا المعنى المسألة الواقعة في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، قوله: احلف لي أنك لم تشتمني ولك كذا وكذا، فيدخل فيه القولان، ورأى ذلك ابن الماجشون جعلا على ما لا منفعة فيه للجاعل فاحتج به لمذهبه في جواز ذلك، والصواب أن له فيه منفعة وهي تطييب نفسه من جهته فلا حجة له في ذلك، وكان الأظهر في مسألة الكتاب أن تجب له المائة، تقادم الأمر أو لم يتقادم، لقوله فيها: إذا بدا لك؛ لأن إذا ظرف لما يأتي من الزمان. ولو علق العطية بالتزويج دون الطلاق فقال له: إن تزوجت فلك داري الفلانية، أو: فلك قبلي كذا وكذا، لكان ذلك أمرا لازما له في الحياة والموت، لا يحتاج فيه إلى حيازة باتفاق إن تزوج بالقرب على هذه الرواية، ولو قال له: إن تزوجت فأنا أعطيك كذا وكذا، لكانت عدة على سبب يجري على الاختلاف في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يكون بيده المال لسيده فيقول له اشتر جارية لنفسك تطؤها] مسألة وسئل عن الذي يكون له العبد ويكون بيده المال لسيده فيقول له: اشتر جارية من المال الذي في يديك لنفسك تطؤها، قال مالك: لا يصلح هذا إلا أن يهب له المال قبل ذلك. قال محمد بن رشد: قال ههنا: إلا أن يهب له المال قبل ذلك، وقال في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب: إلا أن يسلفه الثمن قبل ذلك، وذلك سواء، يحل له وطء الجارية بأي الوجهين كان، لأن الجارية تصير ملكا له إذا اشترها بماله الذي وهب له سيده أو أسلفه إياه، وأما إذا اشتراها بمال السيد فلا يصلح له وطؤها وإن قال له: اشترها لنفسك تطؤها؛ لأن قوله: اشترها لنفسك تطؤها، بمنزلة قوله: اشترها لتكون لك للوطء، فهي باقية على ملكه حتى يهبها له بعد الشراء هبة صحيحة.

مسألة: أمة زوجها سيدها ثم طلقها زوجها فوطئها سيدها في العدة

[مسألة: أمة زوجها سيدها ثم طلقها زوجها فوطئها سيدها في العدة] مسألة قال مالك في أمة زوجها سيدها ثم طلقها زوجها فوطئها سيدها في عدة من طلاق أو وفاة، قال: لا أرى لسيدها أن يطأها بعد أن تحل أبدا مثل النكاح. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إذ لا فرق عندهم في الوطء في العدة بين أن يطأ فيها بنكاح أو بشبهة نكاح أو بملك أو بشبهة ملك فيما يوجب ذلك من التحريم، وإنما اختلفوا في الوطء بنكاح أو بشبهة نكاح في استبراء من أي وجه كان أو في عدة من غير نكاح كعدة أم الولد يتوفى عنها سيدها أو يعتقها، وبالله التوفيق. [الأمة يكون نصفها حرا أيزوجها من له فيها الرق بغير رضاها] ومن كتاب مساجد القبائل وسئل مالك عن الأمة يكون نصفها حرا أيزوجها من له فيها الرق بغير رضاها؟ قال لا يزوجها بغير رضاها ولا تتزوج إلا برضاه، لا تزويج لها إلا باجتماع منهما على الرضى، فإن أعتق ما بقي منها كان لها الخيار. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف أعلمه في أن المعتق بعضها ليس للذي فيها الرق أن يجبرها على النكاح ولا في أنها إذا عتق ما بقي منها وهي تحت عبد أن لها الخيار، لأن العلة عند مالك في تخيير الأمة إذا عتقت كون زوجها ناقصا عن مرتبتها، ولذلك لا تخير عنده إذا عتقت تحت حر، ويأتي على قول أهل العراق، والذين يقولون إنها تخير إذا أعتقت كان زوجها حرا أو عبدا أو يرون العلة في تخييرها ما كان لسيدها قبل أن تعتق من جبرها على النكاح أن لا يكون لها خيار إذا أعتق ما بقي منها كانت تحت حر أو عبد إذ لم يكن لسيدها أن يجبرها على النكاح من أجل أن بعضها حر وهو بعيد.

مسألة: يتزوج المرأة وتشترط عليه أن كل امرأة ينكحها عليها طالق البتة

[مسألة: يتزوج المرأة وتشترط عليه أن كل امرأة ينكحها عليها طالق البتة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يتزوج المرأة وتشترط عليه عند نكاحه إياها أن كل امرأة ينكحها عليها طالق البتة، فإن لم يطلق فأمر امرأته التي عنده بيدها، قال: أرى ذلك له، فقيل له: فإنه قيل له: إنك قد قلت: هي طالق البتة، ولا ينفعك الذي قلت، وإن لم تطلق فأمرها بيدها، قال: أرى ذلك له، لأنه إنما تزوج على ذلك، فقيل له: كأنك إنما رأيت أنه عقد الأول بالآخر، فقال: نعم، أرى ذلك بيدها إن شاءت أقامت وإن شاءت اختارت نفسها. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وقول مالك فيها: إن قوله: فإن لم يطلق فأمر امرأته التي عنده بيدها، ينفعه ويكون له صحيح. وما قيل له من أنه قيل للحالف: إن ذلك لا ينفعه، بعد أن قال: إنها طالق البتة، لا يصح بوجه من الوجوه، إذ لا يلزمه باللفظ طلاق لأنه مقيد بالتزويج، فلما كان لا يلزمه باللفظ طلاق لم يصح أن يعد قوله بعد ذلك، فإن لم يطلق فأمر امرأته بيدها ندما منه، وكان أول كلامه مرتبطا بآخره باتفاق، فلا يدخل في هذه المسألة من الاختلاف ما يدخل في المسائل التي يتهم الرجل فيها بالندم إرادة أن يسقط عن نفسه ما قد لزمه بالقول، من ذلك قول الرجل لامرأته: أنت طالق البتة إن أذنت لك أمك، على ما وقع في رسم كتب عليه من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، وقوله: لفلان علي كذا وكذا، وعلى فلان وفلان وما أشبه ذلك من المسائل، وهي أكثر من أن تحصى عددا. [مسألة: سلطة السلطان في تزويج ولدا صغارا قد كبروا] مسألة وسئل مالك عن أقوام تضرب عليهم البعوث إلى إفريقية وما خلف ذلك والأندلس، فيترك بعضهم ولدا صغارا، أو تكون له بنت صغيرة فتكبر وهي بكر، فتخطب ويرفع ذلك إلى السلطان، أترى

للسلطان أن يزوجها؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: مغيب الرجل عن ابنته البكر ينقسم على ثلاثة أقسام: أحدها أن تكون غيبته قريبة، والثاني أن تكون غيبته بعيدة منقطعة، والثالث أن يكون أسيرا أو فقيرا، فأما إذا كانت غيبته قريبة لعشرة أيام وما أشبه ذلك، فلا اختلاف في أنها لا تزوج في مغيبه، فإن زوجت في مغيبه فسخ النكاح، زوجها الولي أو السلطان، قاله ابن حبيب في الواضحة، وأما إذا كانت غيبته بعيدة منقطعة مثل إفريقية أو طنجة أو الأندلس من مصر وما أشبه ذلك، فاختلف في ذلك على أربعة أقوال: أحدها أن الإمام يزوجها إذا دعيت إلى ذلك، وإن كانت نفقته جارية عليها ولم يخف عليها ولا استوطن البلد الذي هو به، وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية وفي المدونة، وقد تؤول على ما في المدونة من قوله فيها: وأما من خرج تاجرا وليس يريد المقام بتلك البلاد فلا يهجم السلطان على ابنته أنها لا تزوج، إلا أن يستوطن ذلك البلد وهو القول الثاني، والقول الثالث أنها لا تزوج إلا أن يستوطن ذلك البلد ويطول مقامه فيه العشرين سنة والثلاثين حتى يؤيس من رجعته، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، والرابع أنها لا تزوج أبدا وإن طال مقامه، وهو ظاهر قول مالك في كتاب ابن المواز وقول ابن وهب في رسم الأقضية من سماع يحيى لأنه قال فيه: وإن كان الأب يجري لها النفقة ولا يزال يتفقدها بما يصلحها حتى يؤمن عليها الضيعة، فلا يجوز للإمام ولا غيره أن يفتات على أبيها بإنكاحها، والاختلاف بينهم إذا قطع الأب عنها النفقة في مغيبه هذا، وخشيت عليها الضيعة في أنها تزوج، وإن كان ذلك قبل البلوغ، وإنما اختلفوا هل يزوجها ها هنا الولي دون السلطان أم لا؟ فالمشهور أنه لا يزوجها إلا السلطان لأنه حكم على غائب برضاها، وقال ابن وهب في سماع يحيى ومثله في كتاب ابن المواز: الولي يزوجها برضاها، والوجه في ذلك أن ولايته قد سقطت عنها بتضييعه لها ومغيبه عنها، فكان كالميت، فالقول بأن الإمام يزوجها في بعد غيبة أبيها وإن كانت نفقته جارية عليها، جار على القول بأنه ليس له أن يعضلها عن النكاح، فإن زوجها الولي مضى النكاح ولم يفسخ، والقول بأنها لا تزوج في بعد غيبته عنها

مسألة: الرجل ينكح فيلزمه أهل المرأة بهدية العرس

إذا كانت نفقته جارية عليها جار على القول بأن له أن يفصلها عن النكاح، وإلى هذا ينحو قول ابن حبيب، وأما الاعتبار بالاستيطان فلا وجه له، وأما إذا كان أسيرا أو فقيرا فلا اختلاف في أن الإمام يزوجها إذا دعت إلى ذلك وإن كانت في نفقته وأمنت عليها الضيعة، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل ينكح فيلزمه أهل المرأة بهدية العرس] مسألة وسئل مالك عن الرجل ينكح فيلزمه أهل المرأة بهدية العرس، وذلك عندنا الذي يعمل به الناس، حتى إنه ليكون في ذلك الخصومة، أترى أن يقضى به؟ قال: إذا كان قد عرف من شأنهم وهو عملهم لم أر أن يطرح ذلك عنهم إلا أن يتقدم فيه السلطان؛ لأني أراه أمرا قد جروا عليه، قال ابن القاسم في كتاب عيسى: وقد قال مالك قبل ذلك: لا أرى أن يقضى به، وهو أحب قوله إلي، قال ابن القاسم: ومما يبين ذلك أنه لو مات أو ماتت أكان لها فيه شيء؟ فهذا يدلك أنه لا يقضى به، كان ذلك قد عرف من شأنهم وهو عملهم أو لم يكن. قال محمد بن رشد: قال ها هنا: هدية العرس، وقال في رسم لم يدرك من سماع عيسى: نفقة العرس، وذلك سواء، لأن مراده بنفقة العرس هدية العرس، وهو ما جرى العرف بأن الأزواج يهدونه عند الأعراس، وقد كان بعض الشيوخ يذهب إلى أن المراد بهدية العرس الذي اختلف قول مالك في وجوب القضاء بها على الزوج وليمة العرس، ويتعلق بقوله في سماع عيسى نفقة العرس، وذلك غير صحيح؛ لأن الوليمة على مذهب مالك وأصحابه وجماعة أهل العلم سواء أهل الظاهر مرغب فيها ومندوب إليها لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعبد الرحمن بن عوف: «أولم ولو بشاة» فذلك واجب على الزوج وجوب السنن لا يقضى بها عليه ولا حق فيها للزوجة، ومما يدل على أن المراد

يبتاع للنساء اللاتي يتزوجن الرجال الإماء ولا يشترى لهن العبيد

بذلك الهدية التي تهدى إلى الزوجة لا الوليمة التي يصنعها الزوج للناس وإن كان ذلك أبين من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه، قوله في الرواية: لم أر أن يطرح ذلك عنهم إلا أن يتقدم فيه السلطان، ولا يجوز أن يتقدم السلطان في الوليمة، فيكون قد نهى عما أمر رسول الله به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال فيه: إنه حق، فقد روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «قال في الوليمة: اليوم الأول حق والثاني معروف والثالث سمعة» وتقدمه في هدية العرس هو أن يعهد إلى الناس أنه لا هدية لمن تزوجت على زوجها إلا أن تشترطها عليه، وقد كان القياس على القول بوجوب القضاء بها إذا حكم للعرف بحكم الشرط أن يكون حكمها حكم الصداق فيجب عليه نصفها بالطلاق وجميعها بالدخول أو الموت، فإن مات أخذ ذلك من ماله، وإن ماتت هي وجب ذلك لورثتها، إلا أن مالكا لم يحكم لها بحكم الصداق ولا حكم لها بحكم الهبة إذ أبطلها بالطلاق أو بموت من مات منهما على ما قاله في سماع عيسى، وعلى ما احتج به ابن القاسم ها هنا لتضعيف القضاء بها، ووجه ما ذهب إليه مالك أنه حكم بها بحكم الصلة التي يراد بها عين الموصول، فعلى هذا يأتي جوابه في وجوب القضاء بها، وأما ابن حبيب فحكم لها بحكم الصداق فقال: إنه يقضى بها ويرجع إن طلق بنصفها إلا أن تفوت فلا يكون له شيء، يريد فاتت بتلف أو إنفاق أو استمتاع على أهله فيما استمتعت به المرأة من الصداق قبل الطلاق إذا طلق قبل البناء، وقد ذكرنا ذلك عنه في آخر رسم شك. قال: وأما هدية الإملاك فلا يقضى بها ولا يكون له منها شيء في الطلاق وإن أدركها قائمة، ولا فرق بينهما إلا من جهة العرف، فلو انتقل العرف لانتقل الحكم بانتقاله، وبالله التوفيق. [يبتاع للنساء اللاتي يتزوجن الرجال الإماء ولا يشترى لهن العبيد] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت قال مالك: الأمر عندنا أنه يبتاع للنساء اللاتي يتزوجن الرجال الإماء، ولا يشترى لهن العبيد وأنه ليس في قيمة الرقيق، هكذا سنة مضت إلا ما جرى عليه عمل الناس على نحو ما وصفت لك.

المرأة المحتاجة تصدق الصداق أترى أن تأكل منه بالمعروف

قال محمد بن رشد: يريد: إذا وقع النكاح على كذا وكذا رأسا من الرقيق، ولم يذكر ذكورا ولا إناثا، فيشتري لها الإناث لأنه العرف، وقوله: ليس في قيمة الرقيق سنة مضت، يريد: ليس في ذلك عرف يرجع إليه فيكون لها الوسط من رقيق البلد، إن حمران فحمران، وإن سودان فسودان، على ما مضى في أول رسم من هذا السماع. ولو سمي في ذلك ثمن لم يلتفت إلى الوسط من ذلك، وكانت المرأة بالخيار إن شاءت أخذته بالأرؤس على تلك التسمية، وإن شاءت أخذته بالتسمية من الثمن وتركت الرأس أو الأرؤس، إلا أن يحضر بالأرؤس على التسمية قبل أن يختار التسمية فلا يكون لها أن تختار التسمية وتدعها لأنه كمن وكل رجلا على شراء شيء فاشتراه، فليس لمن وكله أن يأبى من قبول ذلك منه، وما لم يشتره فله أن يأباه ويرجع إلى رأس ماله فيأخذه منه، وإن طلقها قبل الدخول فلها نصف التسمية من الثمن ولا يجبر الزوج على أن يأتي برأس تلك التسمية فيكون بينهما، قاله ابن حبيب في الواضحة وعزاه إلى مالك وأصحابه، قال: ولم أعلمهم اختلفوا فيه إلا ما كان من أصبغ في المرأة الدنية يسمى لها في الثياب ثمن رفيع. [المرأة المحتاجة تصدق الصداق أترى أن تأكل منه بالمعروف] ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل مالك عن المرأة المحتاجة تصدق الصداق أترى أن تأكل منه بالمعروف؟ قال نعم. قال محمد بن رشد: أباح لها أن تأكل من صداقها بالمعروف، والمعروف هو قدر ما يكفيها بدليل «قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهند: خذي يا هند ما يكفيك وولدك بالمعروف» وإنما أباح ذلك لها وإن كان من مذهبه أن عليها أن تتجهز إلى زوجها بصداقها، من أجل حاجتها إلى ذلك مراعاة لقول من يقول: هو مالها وليس عليها أن تتجهز بشيء منه إلى زوجها، ولا حق له فيه، ولو طلقها قبل البناء وقد استنفد الإنفاق جميع ما كان أصدقها لوجب أن يتبعها

مسألة: عبد أبق عن سيده فتزوج حرة ببلد وأقام معها نحوا من عشرين ليلة

بنصفه على القول بأن النفقة لا تجب عليه إلا بالدخول، وقد مضى هذا المعنى في رسم شك في طوافه قبل هذا فقف عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد أبق عن سيده فتزوج حرة ببلد وأقام معها نحوا من عشرين ليلة] مسألة وسئل مالك عن عبد أبق عن سيده، فتزوج حرة ببلد وأقام معها نحوا من عشرين ليلة، ثم قال لها: إني عبد ولا أحب أن تخبري أحدا، فأقامت معه ولم تقض شيئا، ثم إن سيده ظهر عليه فبعث إليه فأخذه وعلم بامرأته فأقره، ثم إنه باعه من رجل فأقره على نكاحه، فلما قدم على امرأته وعلم أبوها فقال لها: إن لك الخيار، فقالت: اشهدوا أني قد طلقت نفسي. فقال لها الزوج: ليس ذلك لك، وقد كنت علمت ذلك، فقيل لها: أعلمت ذلك؟ فأقرت بعدما طلقت نفسها فقال: أرى له أن يطلقها، هذه قد طلقت نفسها، والذي أقرت به من أنها علمت به في السر ولا أدري ما هو، وقد طلقت نفسها، كأنه ضعفها عندي من وجه أنه لا بينة فيه، ثم قال: هذا أمر قد كان أوله على غير صواب. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنها لا تصدق بعد أن أشهدت بطلاقها نفسها فيما أقرت به من أنه قد كانت علمت قبل طلاقها نفسها أنه عبد فرضيت المقام معه؛ إذ لا بينة على ذلك فتتهم على أنها أرادت البقاء مع زوجها بعد أن طلقت نفسها وهي في باطن الأمر زوجته باقية في عصمته إن كانت أقرت بحق، إذ ليس لها أن تطلق نفسها بعد الرضى بالمقام معه على أنه عبد، واستحب للزوج أن يطلقها إن كان يعلم أنها صادقة فيما أقرت به لتكون في سعة من نكاح غيره إن شاءت، إذ لا يجوز لها أن تتزوج سواه لأنها زوجته على ما أقرت به، إذ لا يباح له البقاء معها بما ظهر من طلاقها نفسها ولا تزويجها أيضا قبل زوج إن كانت فارقته بثلاث، فطلاقه إياها إن كانت طلقت نفسها ثلاثا أو واحدة فلم ترد أن ترجع إليه وأرادت أن

مسألة: يتزوج المرأة ويشترط في نقدها الجارية بخمسين دينارا

تتزوج سواه لا يضره وينفعها، فهذا وجه استحباب مالك ذلك له، وقوله: هذا أمر قد كان أوله على غير صواب، لا حكم له إذ قد جاز النكاح ووجب إمضاؤه بإقرار سيده إياه. [مسألة: يتزوج المرأة ويشترط في نقدها الجارية بخمسين دينارا] مسألة وسئل مالك عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط في نقدها الجارية بخمسين دينارا أو السرير بكذا وكذا والفرش بمثل ذلك، ثم يعطيهم في ذلك صفة هي أدنى مما سمى لهم من الخمسين والتسمية في الفرش والأسرة، أترى ذلك له؟ قال: أرى أن تلزمه تسمية ما سمى، فقلت له: فإن ذلك إنما يفعلونه إرادة السمعة ويعطون أدنى من ذلك. قال هذا أمر لا أعرفه ببلدنا، وأرى أن تلزمه التسمية، قلت: ماذا ترى في مثل هذا إذا كان أمرا ينكحون عليه؟ قال كنت أرى للإمام أن يتقدم في ذلك وفي الصداق الذي ينكح به أهل مصره. قال محمد بن رشد: ألزمه تسمية ما سمى من الأثمان في الثياب إذ لم يصح عنده العرف الذي ذكر له في ذلك فقال: هذا أمر لا أعرفه ببلدنا، ولو صح عنده العرف لحكم به؛ لأن الحكم به أصل عنده، ولوجب إذا سمى في ذلك من الأثمان ما لا يشبه حال المرأة مثل أن تكون المرأة الدنية فيسمي لها رداء كتان بعشرين دينارا أو درع خز بثلاثين دينارا أو ما أشبه ذلك مما يعلم أنه لم يقصد به إلا التسمية، فتعطى وسطا مما يشبهها ولا تعطى بالتسمية، وقد حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ، وهو تفسير للمذهب، والله أعلم. [مسألة: رجل ضعيف العقل تزوج فأراد وليه تغيير ذلك] مسألة وسئل مالك عن رجل ضعيف العقل تزوج فأراد وليه تغيير

الرجل يخطب الأمة فيقول له سيدها أنا أزوجكها

ذلك، قال إن كان مولى عليه لم أره نكاحا جائزا، وإن كان على غير ذلك فهو جائز. قال محمد بن رشد: هذا على المشهور المعلوم من مذهب مالك أن أفعال السفيه جائزة حتى يضرب على يده خلاف المشهور من مذهب ابن القاسم في مراعاة الحال دون الولاية، وقد روي عن ابن القاسم مراعاة الولاية مثل المشهور من مذهب مالك، وعن مالك مراعاة الحال دون الولاية مثل المشهور من مذهب ابن القاسم، وبالله التوفيق. [الرجل يخطب الأمة فيقول له سيدها أنا أزوجكها] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل مالك عن الرجل يخطب الأمة فيقول له سيدها: أنا أزوجكها، فقال: إني أخاف أن أصيبها بشيء فيكون علي، قال: أنا أزوجكها على أن لا شيء عليك مما أصبتها به، قال: أراه غير جائز، وقال عيسى: يفسخ هذا النكاح قبل البناء ويثبت بعد البناء. قال محمد بن رشد: يريد: ويكون فيه صداق المثل لا المسمى، وقد اختلف في هذا النوع من الأنكحة الفاسدة على ما ذكرنا في آخر رسم من قبل هذا، فقف على ذلك. [مسألة: الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها ألا يتسرر عليها] مسألة وسئل مالك عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها ألا يتسرر عليها، والذي يشترط الرجل والمرأة لا يرون إلا أن التسرر هو الحمل، فيتزوج على ذلك، فيريد أن يطأ جاريته، أذلك له؟ قال: أرأيت الذي طلق البتة وهو يرى أنها واحدة أينفعه؟ فقلت: أهو مثل ذلك؟ قال: نعم، لا أرى أن ينفعه ما جهل من ذلك، وأرى ذلك يلزمه، قال سحنون: لا يعجبني ما قال، ولا بأس أن يطأ جارية إن كانت عنده ولا يلزمه إذا كان ذلك عندهما هكذا، قال سحنون: وهو قول مالك.

مسألة: يتزوج المرأة ويشترط لها أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها

قال محمد بن رشد: الاختلاف في هذه المسألة على اختلافهم في اليمين إذا عريت من النية، هل يحمل على اللفظ أو على ما يعلم من قصد الحالف على ما قد مضى القول فيه في غير ما موضع من كتاب النذور، ويأتي في كتاب الأيمان بالطلاق. والأظهر الأشهر حمل اليمين على ما يعلم من قصد الحالف، فقول سحنون في هذه المسألة وما حكاه عن مالك هو أظهر القولين، وفي تنظير هذه المسألة بالطلاق بُعدٌ، لأن للفظ الطلاق حكما يؤخذ به المطلق ولا يصدق في أنه جهل ذلك ولم يرد به الطلاق، وهو معنى قوله: أينفعه ذلك، يريد أنه لا يصدق فيه إذا ادعاه ولم يأت مستفتيا. وقد قيل: إن من لفظ بالطلاق لزمه الطلاق وإن لم يرد به الطلاق، ولا اختلاف بينهم في أن للحالف ما نوى فيما بينه وبين الله تعالى، ولو نوى الذي شرط لامرأته أن لا يتسرر عليها بلفظة التسرر التي لفظ بها الحمل دون الوطء لكانت له نيته فيما بينه وبين الله تعالى قولا واحدا، والله أعلم، ومعنى المسألة أن الشرط كان بتمليك، ولذلك حصل الاختلاف فيها على الوجه الذي ذكرته، وأما لو كان بطلاق أو عتق لصح تنظيرها بالطلاق ولما وسع فيها الاختلاف، وبالله التوفيق. [مسألة: يتزوج المرأة ويشترط لها أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها] مسألة وسئل مالك عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها أن كل امرأة يتزوجها عليها أو يتسرر عليها إلا برضاها فأمرها بيدها، فأذنت له أن يتزوج عليها أو يتسرر وأنه من ذلك في سعة قال: ما يعجبني ذلك إلا أن يكون ذلك عندما يريد أن يفعل في كل ما يريد، فقيل له: إنها قد وسعت عليه، قال: لا يعجبني إلا عندما يريد أن يفعل، قال ابن القاسم وسمعته غير سنة ثبت على هذا القول. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة والاختلاف فيها في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادته هنا، وبالله التوفيق.

مسألة: ينكح المرأة ويشترط في صداقها إن لم يأت به إلى أجل فأمرها بيدها

[مسألة: ينكح المرأة ويشترط في صداقها إن لم يأت به إلى أجل فأمرها بيدها] مسألة وسئل عن الرجل ينكح المرأة ويصدقها صداقا ويشترط في صداقها إن لم يأت به إلى أجل فأمرها بيدها، فإن هذا نكاح ليس بحسن، وأراه مفسوخا، فقيل له: أينفسخ الشرط ويثبت النكاح؟ فقال: لا ولكن يفسخ النكاح، أشهب يقول: يفسخ الشرط ويثبت النكاح، وسحنون يقول: النكاح جائز دخل أو لم يدخل، وهو قول المدنيين والتونسيين. قال محمد بن رشد: قوله: ولكن يفسخ النكاح، يريد قبل الدخول ويثبت بعده، كذلك قال ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى، ورواه عن مالك في كتاب ابن المواز، وإذا ثبت بعد الدخول بطل الشرط وكان فيه الصداق المسمى، وقول أشهب يفسخ الشرط ويثبت النكاح يريد قبل النكاح وبعده بالصداق المسمى، وقول سحنون: النكاح جائز دخل أو لم يدخل، يريد والشرط لازم، ومثله روى أشهب عن مالك، وقد روى مثله عن ابن القاسم وأشهب، وهو أظهر الثلاثة الأقوال لأنه تمليك انعقد عليه النكاح قد لا تطلق المرأة نفسها إن لم يأت بالصداق فلا يشبه ذلك الخيار في النكاح بقوله إن لم يأت بالصداق إلى أجل كذا وكذا فلا نكاح بينهما، وإنما يشبهه لو قال: إن لم يأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا فهي طالق، وليس ذلك بشبه بين، وإنما كرهه من كرهه مخافة الذريعة إلى ذلك، فكأن المرأة قالت له لا أتزوحك إلا على أنك إن لم تأتني بصداقي إلى أجل كذا وكذا فلا نكاح بيني وبينك، فلما قيل لهما: إن ذلك لا يجوز، قال: فأنا أتزوجك على أني إن لم آت بصداقك إلى ذلك الأجل فأمرك بيدك، أو: فأنت طالق، فمن قويت الكراهة في ذلك عنده فسخ النكاح قبل الدخول، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك ولم يفسخه بعد الدخول، ومن ضعفت عنده الكراهة في ذلك أجاز العقد وأبطل الشرط وهو قول أشهب.

مسألة: امرأة تزوجها رجل فأسكنها مع أبيه وأمه فشكت الضرر في ذلك

[مسألة: امرأة تزوجها رجل فأسكنها مع أبيه وأمه فشكت الضرر في ذلك] مسألة وسئل مالك عن امرأة تزوجها رجل فأسكنها مع أبيه وأمه فشكت الضرر في ذلك فقال: ذلك له أن يسكنها معهم، فقيل له: فإنه يقول: إن أبي أعمى، ولا أغلق دوني ودونه بابا، قال: ينظر في ذلك فإن رئي ضرر، كأنه يقول: إن رئي ضرر أن يحولها عن حالها. قال محمد بن رشد: وكذلك ليس له أن يسكن معها أولادا له من امرأة أخرى في بيت واحد ولا في دار واحدة، إلا أن ترضى بذلك، قاله في سماع سحنون من كتاب طلاق السنة، وذلك لما عليها في ذلك من الضرر لاطلاعهم على أمرها وما تريد أن تستر به عنهم من شأنها، وأمر الأعمى أخف في ذلك؛ إذ لا يبصر شيئا من أمورها، وقد «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت قيس: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك» فأوقف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أمر الأعمى على النظر وحمله على غير الضرر حتى تثبت المرأة أنه يضر بها لأن قوله: فإن رئي ضرر، معناه: فإن ظهر ذلك وثبت وعلم، والله أعلم. وقال ابن الماجشون في المرأة تكون هي وأهل زوجها في دار واحدة، فتقول: إن أهلك يؤذونني فأخرجهم عني، أو أخرج عنهم: رب امرأة لا يكون ذلك لها يكون صداقها قليلا وتكون وضيعة القدر، ولعله أن يكون على ذلك تزوجها وفي المنزل سعة، فأما ذات القدر واليسار فلا بد له أن يعزلها، وإن حلف ألا يعزلها حمل على الحق، أبره ذلك أو أحنثه، وليس قول ابن الماجشون عندي بخلاف لمذهب مالك، فمن لا يشبه حالها من النساء أن يسكنها زوجها في دار على حدة وله أن يسكنها في دار جملة فليس لها على زوجها أن يخرج أبويه عنها إلا أن يثبت إضرارهما بها، وستأتي في رسم الطلاق من سماع أشهب من هذا المعنى، والله الموفق.

مسألة: الرجل ينكح بعد رمي الحجارة قبل أن يفيض

[مسألة: الرجل ينكح بعد رمي الحجارة قبل أن يفيض] مسألة ومن كتاب أوله من كان منزله دون الميقات قال مالك في الرجل ينكح بعد رمي الحجارة قبل أن يفيض: يفسخ نكاحه بغير طلاق ويكون خاطبا من الخطاب. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العلة في أن المحرم لا يجوز له النكاح هي أنه لا يحل له النساء، ولا يحل له النساء وإن رمى الجمرة وحل من بعض إحرامه حتى يطوف طواف الإفاضة لقول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خطبته بعرفة: إذا جئتم منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم الله عليه، إلا النساء والطيب، لا يمسن أحد نساء ولا طيبا حتى يطوف بالبيت، قال ابن المواز: وكذلك لو نسي من طواف الإفاضة شوطا واحدا فرجع إلى بلاده فنكح، فإن نكاحه يفسخ ويرجع حراما حتى يتم طوافه ويحل، ولو تزوج بعد كمال الطواف وقبل الركعتين فإن كان قريبا بحيث يجب عليه أن يرجع فيتبدئ طوافه، فسخ النكاح، وإن كان قد تباعد جاز ولم يفسخ، ولو تزوج بالقرب فلم يعلم بذلك حتى بعد جرى ذلك على الاختلاف في المريض يتزوج فلا يعلم بذلك حتى يصح، ولا يدخل هذا الاختلاف في المحرم يتزوج فلا يعلم بذلك حتى يحل من إحرامه، وقد حكى الفرق بين الموضعين أبو إسحاق. وأما قوله: إنه يفسخ بغير طلاق، فقد مضى القول فيه في رسم الشريكين، والله الموفق. تم كتاب النكاح الأول بحمد الله تعالى

كتاب النكاح الثاني

[كتاب النكاح الثاني] [العبد يتزوج الحرة فتعتق وتتصدق بغير إذنه ولا مؤامرته بأكثر من الثلث] كتاب النكاح الثاني

من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب الأقضية قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن العبد يتزوج الحرة فتعتق وتتصدق بغير إذنه ولا مؤامرته بأكثر من الثلث، قال: ما أرى ذلك لها، وهو زوج بمنزلة الحر، وله حق، ولعله أن يكون زاد لها في المهر لما لها، رجاء أن يتجمل به وأن تعينه في النفقة، ولعله سيعتق يوما من الدهر، قيل: أرأيت إن كان له منها ولد أترى له الكلام في ذلك بأن يقول: تتركين ولدي لا مال له؟ أم لا يكون له إذا لم يكن له ولد؟ فقال: ذلك سواء، إذا كان له منها أو لا ولد له منها، أرأيت الحر يكون له الولد أو لا ولد له أليس سواء في ذلك؟ فالعبد مثله. قال محمد بن رشد: مثل هذا لابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الهبات، وقد احتج مالك للمساواة بين الحر والعبد في هذا بمعان ظاهرة بينة ويؤيدها قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجوز لامرأة قضاء في ذي بال من مالها إلا بإذن زوجها» ، فعم ولم يخص حرا من عبد، فوجب أن يحمل الحديث على

مسألة: المرأة تتزوج الرجل بعبد بعينه فيموت في يده قبل أن تقبضه المرأة

ظاهره من العموم لا سيما إذا دلت المعاني على ذلك، ولولي المولى عليه أن يمنع زوجته من أن تعطي أكثر من ثلث مالها، قاله ابن المواز، وقد روى أصبغ عن ابن وهب في سماعه من كتاب المديان والتفليس أن العبد ليس له أن يحجر على امرأته في شيء من مالها بخلاف الحر، وقال: والله ما اجتمع الناس في الحر رأسا فكيف العبد؟ وقول مالك أولى، وحجته أقوى. [مسألة: المرأة تتزوج الرجل بعبد بعينه فيموت في يده قبل أن تقبضه المرأة] مسألة وسئل عن المرأة تتزوج الرجل بعبد بعينه فيموت في يده قبل أن تقبضه المرأة، قال: ضمانه منها إذا كانت العهدة قد مضت، وكذلك الذي يشتري العبد ثم يموت في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري فضمانه من المشتري إن كانت العهدة قد مضت، ولو نما العبد كان لها فكذلك إذا مات يكون عليها، قيل له: أرأيت أنه لو دفع إليها العبد فمات عندها ثم طلقها من قبل أن يمسها أيرجع عليها بنصف قيمة العبد يوم دفعه إليها؟ قال: أحر بذلك، قال أشهب: لا ترجع بشيء إذا مات، قال ابن نافع مثله، وهو قول مالك. قال محمد بن رشد: رأى مالك في رواية أشهب هذه في العبد المنكح به العهدة خلاف قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب العيوب، وظاهره في كتاب الزكاة الأول والنكاح الثاني من المدونة، وجه القول الأول القياس على البيوع بأن يجعل الصداق ثمنا للبضع، ووجه القول الثاني أن النكاح طريقه المكارمة لا المكايسة وأن الصداق ليس بثمن للبضع على الحقيقة، وإنما هو نحلة من الله أوجبه للزوجات على أزواجهن لا عن عوض، لأن المباضعة بينهما واحدة فهي تستمتع به كما يستمتع بها، وأما قوله: إن ضمانه من المرأة وإن مات بيد الزوج قبل أن تقبضه فالمعنى في ذلك أن له أن يدخل بها وتكون مصيبة منها، وهذا ما لا أعلم فيه اختلافا في المذهب،

مسألة: تزوجت أزواجا ولها بالمدينة أولاد فأراد أبوها الارتحال بها معه وأبت

فهو يقضي بصحة قول من قال: إن لها جميع الغلة من يوم تزوجها طلقها أو لم يطلقها، ويكون الزوج إن طلقها مستحقا لنصف الصداق يوم طلقها بالطلاق فلا يكون له من غلة ما مضى شيء خلاف ما ذهب إليه ابن القاسم من أن الغلة بينهما نصفين من أجل أنه لو مات ثم طلقها كانت المصيبة منها، ورأى مالك في هذه الرواية للزوج على المرأة إن طلقها وقد مات العبد في يديها نصف قيمته فقال: أحر بذلك، وكذلك يلزم على طرد قوله: وإن مات بيده قبل أن تقبضه وإن كان ذلك لا يوجد لهم، ويأتي ذلك أيضا على القول بأن المرأة يجب لها جميع الصداق المسمى بالعقد ويسقط نصفه بالطلاق وجميعه بالارتداد، ويأتي مذهب ابن القاسم في أن الغلة بينهما على قياس قول من يقول: إن المرأة لا يجب لها بالعقد من التسمية إلا نصفها ولا تستحق النصف الثاني إلا بالدخول أو الموت، وفي كلا القولين نظر، إذ لو وجبت لها التسمية بالعقد لما سقطت بالارتداد كما لا تسقط به بعد الدخول، ولو لم يجب لها بعد العقد إلا نصفها لما وجب لها النصف بموتها لأن الموت لا يوجب للميت حقا لم يكن واجبا له قبل، والذي يصح أن يعبر به في ذلك أن يقال: إن التسمية تجب لها بالعقد وجوبا غير مستقر، ويستقر لها نصفها بالطلاق وجميعها بالموت أو الدخول، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوجت أزواجا ولها بالمدينة أولاد فأراد أبوها الارتحال بها معه وأبت] مسألة وسئل عن امرأة تزوجت أزواجا ولها بالمدينة أولاد فأراد أبوها الارتحال بها معه وأبت ذلك، وقالت: لا أفارق ولدي، فقال: ليس ذلك له أن يخرج بها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنها مالكة لأمر بنفسها فلا حق له عليها في الخروج بها، ولو كانت سفيهة غير مالكة لأمر نفسها لكان له

توفي وترك ابنته مع أمها فتزوجت أمها فأخذتها أم أمها وللجارية عمة

الارتحال معها على معنى ما وقع في سماع أشهب من كتاب المديان والتفليس، وبالله تعالى التوفيق لا رب غيره. [توفي وترك ابنته مع أمها فتزوجت أمها فأخذتها أم أمها وللجارية عمة] ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل مالك عمن توفي وترك ابنته مع أمها فتزوجت أمها فأخذتها أم أمها وللجارية عمة أخت أبيها فحالوا بينها وبين رسول عمتها فقال: ليس لهم أن يمنعوا رسولها يأتي فيسلم ويعود، وليس لهم أن يمنعوها أن تأتي عمتها فتسلم عليها في الفرط. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن منعها من عمتها ومنع رسول عمتها منها قطع لما أمر الله به من صلة الأرحام، قال عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] أي الأرحام أن تقطعوها، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «اتقوا الله وصلوا الأرحام فإنه أمنى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة» ، وقد أثنى الله عز وجل على من انتهى إلى ما أمر به من صلتها فقال: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ} [الرعد: 21] الآية، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون له بيت لنفسه وله نساء يأتينه في بيته ولا يأتيهن في بيوتهن] مسألة وسئل عن الرجل يكون له بيت لنفسه وله نساء تأتيه كل واحدة منهن يومها في ذلك البيت ولا يأتيهن في بيوتهن، فقال مالك: ما أرى ذلك إن أبين أن يطاوعنه، وإن كان ذلك نصفة بينهن، رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأتي أزواجه في بيوتهن. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه واجب أن يقتدي بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مسألة: تزوجت ابنتها فأرادت الخروج بها لتصلح منها وزوجها بذلك راض

في أفعاله كما يجب أن ينتهي إلى أقواله، قال عز وجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} [الأعراف: 157] ، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، فيقضى على الرجل أن يسكن كل واحدة من زوجاته في بيت، ويقضى عليه أن يدور عليهن في بيوتهن لا يأتينه إلا أن يرضين، قال ذلك محمد بن عبد الحكم، وهو صحيح على مذهب مالك، وقد روي عن مالك فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن وطئتك إلا أن تأتيني: إنه مول إذ ليس عليها أن تأتيه. [مسألة: تزوجت ابنتها فأرادت الخروج بها لتصلح منها وزوجها بذلك راض] مسألة وسئل عن امرأة لها بنت، قد تزوجت ابنتها فأرادت أمها الخروج بها تتبدى وتصلح منها، وزوجها بذلك راض ولم يدخل بها بعد، فقالت: فمنعني منها ابن عمها، قال مالك: وكم بين منزلك وبين الموضع الذي تريد أن تتبدي إليه؟ فقالت: ميلان، فقال: ما أرى بذلك بأسا أن يخرج بها إلى المكان القريب وزوجها راض. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما في المدونة من أن الأم ليس لها أن تنقل بنيها الذين تحضنهم عن الموضع الذي فيه والدهم أو أولياؤهم إلا إلى الموضع القريب البريد ونحوه حيث يبلغ الأب أو الأولياء خبرهم، فإذا رضي الزوج بإخراجها إياها إلى المكان القريب لم يكن لوليها في ذلك كلام، وقد روي عن مالك أن لها أن تخرج بهم إلى مسافة المرحلة، ثم رجع فقال: لا أرى لها أن تضر بأوليائهم. [مسألة: رجل كان يأكل من مال امرأته فسكتت ثم بعد ذلك طالبته بذلك] مسألة وسئل، قال لمالك رجل: إني كنت آكل من مال امرأتي وهي

المرأة يقضى لها بصداق نسائها أيقضى لها بصداق أمهاتها أو عماتها

تنظر لا تغير ذلك علي ولا أستأذنها فيه، فأقامت سنين ثم قالت: أعطني ما أكلت من مالي، ودخلتها غيرة، أترى ذلك علي؟ قال: نعم أعطها أو استطب نفسها. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على قياس قوله في المدونة في كتاب النكاح الثاني في التي أنفقت على زوجها ثم طلبته بما أنفقت عليه، أن ذلك لها إلا أن يرى أنه كان منها له على وجه الصلة لأنه إذا كان لها أن تتبعه بما أنفقت عليه هي من مالها، فأحرى أن يكون لها أن تتبعه بما أنفقه هو على نفسه من مالها وهي تنظر ولا تغير، وهو أصل قد اختلف فيه، إذ لا فرق بين أن يأكل مالها وهي تنظر فلا تغيره ولا تنكر، أو يسكن معها في دارها ثم تطلبه بالكراء، وقد اختلف قول ابن القاسم في هذا في المدونة. وإذا وجب لها الرجوع عليه بذلك فبعد يمينها أنها إنما سكتت على أن تطلب بحقها في ذلك، ومن هذا المعنى هبة أحد الزوجين صاحبه إذا ادعى أنه أراد بها الثواب، وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا ثواب له إلا أن يرى أنه أراد بذلك الثواب، وهو قول مالك في المدونة، والثاني: أنه لا ثواب له إلا، أن يشترطه، وهو ظاهر قول ربيعة فيها، وقول مالك الذي يتلوه لقول سحنون وقال مالك والليث مثله، والثالث: أن له الثواب وإن لم يظهر ما يدل على أنه أراد بذلك الثواب، حكى هذا القول عبد الوهاب في المعونة. [المرأة يقضى لها بصداق نسائها أيقضى لها بصداق أمهاتها أو عماتها] ومن كتاب الطلاق قال: وسألته عن المرأة يقضى لها بصداق نسائها أيقضى لها بصداق أمهاتها أو عماتها؟ قال: لا يقضى لها بصداق واحدة منها، إنما يقضى لها بصداق مثلها على مثل حالها في زمانها الذي هي فيه، أين صداق النساء اليوم من صداق من مضى؟ كانت المرأة صداقها قبل اليوم أربعمائة درهم، وصداقها اليوم عشرون درهما. قال محمد بن رشد: مذهب مالك أن يعتبر في فرض صداق المثل في

نكاح التفويض بصدقات نسائها إذا كن على مثل حالها من العقل والجمال والمال، فلا يكون لها مثل صداق نسائها إذا لم تكن على مثل حالها، ولا مثل صداق من لها مثل حالها إذا لم يكن لها مثل نسبها، والدليل على ذلك من مذهبه قوله في المدونة: ولكن ينظر إلى أشباهها في قدرها وجمالها وموضعها أي موضعها من النسب، فاشتراط الموضع يدل على أنه أراد بقوله فيها: لا ينظر في هذا إلى نساء قومها أنه لا يفرض لها مثل صدقات نساء قومها إذا لم تكن على مثل حالها من المال! والجمال والعقل، فالاعتبار عنده بالوجهين جميعا، إذ قد تفترق الأختان في الصداق كما قال فيها بأن تكون إحداهما لها المال والجمال والشطاط، والأخرى ليس لها شيء من ذلك، فمعنى قوله في هذه الرواية: لا يقضى لها بصداق واحدة منها يريد إذا لم تكن على مثل حالها وفي زمانها أيضا إذ قد تختلف الصدقات باختلاف الأزمنة على ما قال، وقد تأول بعض الناس على مالك أنه إنما ينظر إلى أمثالها من النساء في جمالها ومالها وعقلها ولا ينظر إلى نساء قومها، وليس ذلك بصحيح على ما بيناه من مذهبه في المدونة، ونساء قومها اللواتي يعتبر بصداقهن أخواتها الشقائق وللأب وعماتها الشقائق أيضا وللأب، ولا يعتبر في ذلك بصدقات أمهاتها ولا خالاتها ولا أخواتها للأم ولا عماتها للأم، لأنهن من قوم آخرين، فقد تكون هي قرشية يرغب فيها لنسبها وتكون أمهاتها وأخواتها للأم وعماتها للأم من الموالي، والأصل في الاعتبار بنساء قومها في ذلك «حديث عبد الله بن مسعود روي أنه أتي إليه في امرأة توفى عنها زوجها ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها فترددوا إليه فلم يفتهم، فلم يزالوا به حتى قال: إني سأقول فيها برأي، أرى لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن سنان فشهد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في بروع بنت واشق الأشجعية بمثل

مسألة: طلب المرأة أن تزوج من كفؤ ووليها غائب

ما قضيت، ففرح بذلك عبد الله» . ومن الناس من يعتبر نساء قومها دون حالها هي، حكى ذلك الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه والشافعي، وهو بعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: طلب المرأة أن تزوج من كفؤ ووليها غائب] مسألة وسمعته كتب إلى ابن غانم يقول: وسألت عن المرأة ترفع إليك أنها تريد التزويج فتسألها هل لها ولي فتذكر أن لها عمها أو أخاها أو ابن عم على مسيرة الثلاث أو الأربع أو أكثر من ذلك في شأنه وضيعته لا يقدم القيروان، وتسألك أن تزوجها رجلا كفؤا يقول: وربما كان ولي المرأة مولاها الذي أعتق أبوه أباها هل ينزل منزلة الأخ والعم وإني أرى إذا كان أمرها على ما وصفت من حالها وغيبة ولاتها وكفاءة من تدعو إليه أن تزوجها ولا يضرها عندك غيبة ولاتها الذين وصفت فالسلطان ولي مثلها، وهو أحد الولاة الذين سمى عمر بن الخطاب عنه لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان. قال محمد بن رشد: هذه المسألة صحيحة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة في أن حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان معناه عنده الترتيب في الاختيار لا في الوجوب؟ لأنه يقول: إن أولياء المرأة أحق بإنكاحها من ذوي الرأي، وذو الرأي أحق من السلطان، ومن قرب من الأولياء أحق ممن بعد. فإن زوج البعيد دون القريب مع حضوره أو من هو من ذوي الرأي منها دون الولي مع حضوره، أو السلطان دون الأولياء مع حضورهم مضى النكاح، ولم يكن للأقرب أن يرده، ويأتي على مذهب من حمل حديث عمر على الترتيب في الوجوب ورأى للولي الأقرب إذا زوج الولي الأبعد الخيار في

مسألة: خطبها ولها بنت صغيرة فتزوجها وهو يعلم ثم أمرها بإخراج ابنتها

رد النكاح أو إمضائه على ما حكى سحنون في المدونة عن جماعة من الرواة أن لا يكون للسلطان أن يزوج المرأة في مغيب أوليائها إذا كانت غيبتهم قريبة على الثلاث والأربع ونحو ذلك حتى يعذر إليهم بمنزلة الإعذار في الحقوق، وبالله التوفيق. [مسألة: خطبها ولها بنت صغيرة فتزوجها وهو يعلم ثم أمرها بإخراج ابنتها] مسألة وسئل مالك عن امرأة خطبها رجل ولها بنت صغيرة لم تل نفسها فتزوجها وهو يعلم ذلك ثم بنى بها وابنتها معها ثم قال لها بعد: أخرجي ابنتك عني، أترى ذلك له؟ قال: ما أرى ذلك له. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله، أنه إذا تزوجها وهو يعلم بابنتها ثم بنى بها وهي معها، فليس له أن يخرجها وإن كان لها من أوليائها من يحضنها، والوجه في ذلك أنه لما بنى بها وهي معها فقد رضي ألا يخرجها عنها، ولو لم يعلم بها أو علم بها وأبى في البناء عليها وهي معها لكان له ألا تكون معه إذا كان لها من أوليائها من يحضنها، فسواء علم بها أو لم يعلم ليس له أن يحول بينها وبن أمها للضرورة إلى ذلك، وهي امرأته إن شاء أمسك على أن تكون ابنتها معها وإن شاء طلق، هذا الذي ينبغي أن يحمل عليه قول مالك، والله أعلم، قال ابن الماجشون في الواضحة: علم أنه معها فأراد إخراجه من بيتها وأبت الأم، فله ذلك إن كان له أب أو ولي من رجل أو امرأة تأخذه إلى نفسه، وإن لم يكن له أحد فليس له أن يخرجه، وعلى ذلك نكح، فأما قوله: إنه إن علم بها فله أن يخرجها من بيته فوجهه أنه لم يجعل بناءه عليها وهي معها رضى منه باستمرار كونه معها، وأما قوله: فإن لم يكن له أحد فليس له أن يخرجه وعلى ذلك نكح فيدل على أنه لو لم ينكح على ذلك لكان له ألا يكون معه وإن لم يكن له أحد يأخذ لنفسه ويؤويه إليه، وهو بعيد جدا، والله أعلم، وقد مضى في رسم المحرم القول في تسكين الرجل مع زوجته بنيه من غيرها أو أبويه، وبالله التوفيق.

مسألة: الرجل يرضي إحدى امرأتيه بالنفقة وغير ذلك دون الأخرى

[مسألة: الرجل يرضي إحدى امرأتيه بالنفقة وغير ذلك دون الأخرى] مسألة قال: وسمعته يسأل عن الرجل يرضي إحدى امرأتيه بالنفقة يعطيها إياها وغير ذلك مما يرضيها في يومها الذي هو لها فيكون فيه عند امرأته الأخرى، فقال: إن الناس ليفعلون ذلك، فقيل له: أتكره هذا أنت؟ فقال: غيره أحب إلي منه. قال محمد بن رشد: قد سئل في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب طلاق السنة عن المرأة تشتري من صاحبتها يومها من زوجها، فقال: ما يعجبني هذا، وإني لأكرهه، أرأيت لو اشترت منها شهرا أو سنة؟ وإني لأرجو أن تكون الليلة خفيفة، فظاهر قوله أنه فرق في الليلة الواحدة بين أن يكون الرجل هو المشتري لها من امرأته أو تكون صاحبتها هي التي اشترتها منها فجعل شراء المرأة من صاحبتها الليلة أشد في الكراهة، فيحتمل أن يكون المعنى المفرق بينهما عنده أن المرأة لا تدري ما يحصل لها بما أعطت من الاستمتاع بزوجها، إذ قد يصيبها في تلك الليلة وقد لا يصيبها، والرجل يدري ما يحصل له من الاستمتاع بما أعطى إذ هو مالك للإصابة إن شاء أصاب وإن شاء لم يصب، وأما شراء المدة الطويلة فالكراهة فيها بينة من كل واحد منهما لأنه غرر إذ لا يدري كل واحد منهما هل يعيش إلى تلك المدة هو أو الذي اشترى الاستمتاع به، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل قال إن تزوجت فلانة فهي طالق] مسألة وسئل عن رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها فطلقت عليه، أتطلق عليه إن تزوجها بعد ذلك أيضا؟ قال: لا تطلق عليه. قال محمد بن رشد: هذه المسألة على أصله في المدونة وفي غير ما. مسألة من العتبية من كتاب النذور ومن كتاب الأيمان بالطلاق ومن كتاب العتق حاشا مسألة الوتر الواقعة في رسم ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع

مسألة: المساواة بين الزوجات

ابن القاسم من كتاب النذور، وقد مضى من القول على ذلك هناك ما فيه كفاية لمن تأمله، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: المساواة بين الزوجات] مسألة وقال لي مالك: سمعت أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان، فإذا كان يوم إحداهما لم يشرب من بيت الأخرى، إنما سمعت ذلك وما أدري ما حقه؟. قال محمد بن رشد: وجاء عنه أنهما توفيتا معا في الوباء الذي أصابهم بالشام فدفنتا في حفرة واحدة فأسهم بينهما أيتهما تقدم في القبر، وإنما كان يفعل ذلك تحريا للعدل والمساواة بينهما من غير أن يكون ذلك واجبا عليه، لا بأس على الرجل أن يتوضأ من ماء المرأة من زوجاته ويشرب من بيتها الماء ويأكل من طعامها الذي ترسل إليه في يوم غيرها من غير أن يتعمد بذلك ميلا وأن يقف ببابها، فيتفقد من شأنها ويسأل عن حالها ويسلم من غير أن يدخل عليها أو يجلس عندها، روي «عن أم سلمة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان عند بعض أزواجه في يومها يطوف على سائر أزواجه قائما ولا يجلس، قالت: فوقف علي يوما وأنا أطبخ قدرا فيها لحم، فقال: "ماذا تطبخين يا أم سلمة في هذه القدر؟ "، فقلت: يا رسول الله لحما أفلا أناولك منه؟ قال: "بلى"، وجلس على العتبة قالت: فناولته فأكل منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاء المؤذن فقام فصلى ولم يمس ماء» . [مسألة: امرأة ابن أخيه أرضعت بلبنه جارية ثم تزوجها] مسألة وسئل فقيل له: إن امرأة ابن أخي أرضعت بلبنه جارية ثم تزوجها، فقال: أفي الصغر؟ فقال له: نعم، فقال له: أرى نكاحها

مسألة: المرأة المستخلفة على يتيمة هل تعقد لها النكاح

مفسوخا، لأن لبن الفحل يحرم، وهذا لبن الفحل، فالرضاعة تحرم ما تحرم الولادة، وما أرى نكاحك إلا مفسوخا، وأما إذا تزوجت فارجع إلي إن شئت. قال محمد بن رشد: لبن الفحل يحرم عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه، ولا اختلاف فيه بين أحد من فقهاء الأمصار «لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة في عمها أفلح أخي القعيس: إنه عمك فليلج عليك» ، بعد أن قالت له: يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل - تعني بالمرأة زوجة أبي القعيس - لأنها لما أرضعتها بلبنه صار أبا لها من الرضاعة وصار أخوه أفلح عما لها من الرضاعة، وقد كانت عائشة لا ترى لبن الفحل يحرم، فكان يدخل عليها من أرضعه بنات أخيها وبنات أختها ولا يدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها، فرأى ذلك طائفة من العلماء، منهم ابن المسيب، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، والنخعي، وأبو قلابة علة في حديثها إذ لا يمكن أن تخالف ما روت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لغير حجة علمتها، ولم ير مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك علة في حديثها إذ قد يمكن أن تكون خالفته لتأويل لا يلزم اتباعها عليه، إلا أن من مذهبه مراعاة الخلاف إذا قوي، فأراد، والله أعلم، بقوله للسائل: وأما إذا تزوجت فارجع إلي إن شئت، أن يسأله كم أرضعت الجارية؟ وهل كان رضاعها في الحولين أو بعد الحولين؟ إذ قد قال جماعة من العلماء: لا تحرم المصة ولا المصتان، على ما روي في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال جماعة منهم أيضا: إنه لا يحرم من الرضاع ما كان بعد الحولين وإن قرب، ولم يكن قبل ذلك فصال، فلو اتفقت هذه الأسباب لم يفرق بينهما، والله أعلم، لأن الخلاف كان يقوى في المسألة لدخوله فيها من وجوه شتى، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة المستخلفة على يتيمة هل تعقد لها النكاح] مسألة وسألته عن المرأة المستخلفة على يتيمة أليس هي لا تعقد

مسألة: تزوج امرأة فنقدها صداقها فيقول أهلها لا تدخل حتى نسمنها ونحسن إليها

النكاح ولكنها تستخلف رجلا يكون هو الذي يعقده؟ فقال لي: بلى. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن كل من لا يجوز أن يكون وليا للمرأة من امرأة وعبد أو نصراني، فلا يجوز لهم إذا استخلفوا على امرأة أن يلوا العقد عليها، وإنما يجوز لهم أن يلوه على من استخلفوا عليه من الذكور، وقد مضى القول على هذا مشروحا بينا في رسم سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج امرأة فنقدها صداقها فيقول أهلها لا تدخل حتى نسمنها ونحسن إليها] مسألة وسئل عمن تزوج امرأة فنقدها صداقها وقال: أدخلوها علي، فيقول أهلها: حتى نسمنها ونحسن إليها، ألزوجها أن يدخل عليها من ساعتها وقد أعطاهم صداقها؟ فقال: الوسط من ذلك، ليس له أن يقول: أدخلوها علي الساعة، ولا لهم أن يؤخروها عنه، ولكن الوسط من ذلك بقدر ما يجهزونها ويهيئون أمرها، وقد قال تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] ، وقال لنبيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ، ولهم حق وحرمة، فالوسط من ذلك المعروف. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن تعجيل دخوله عليها من ساعته تضييق عليها وإضرار بها وتأخيرها عنه المدة الطويلة حمل عليه وإضرار به، فالوسط من ذلك عدل بينهما، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير الأمور أوساطها» وإذا وجب أن يؤجل الغريم فيما حل عليه من الحق بقدر ما يهيئه وييسره ولا يباع عليه فيه عروضه بالغا ما بلغ في الحين، فالمرأة أولى بالصبر عليها في الدخول بها إلى أن تهيئ من شأنها ما تحتاج إليه في القدر الذي لا يضر بالزوج أن يؤخر إليه.

مسألة: المرأة تشهد لوليها أنها قد ولته أمرها وأمرته بإنكاحها بغير مؤامرتها

[مسألة: المرأة تشهد لوليها أنها قد ولته أمرها وأمرته بإنكاحها بغير مؤامرتها] مسألة قال: وسألته عن المرأة تشهد لوليها أنها قد ولته أمرها وأمرته بإنكاحها بغير مؤامرتها إن جاءه كفؤ، فيأتيه من يرضى فيزوجه إياها بأقل من مهر مثلها، فقال: ما هذا من عمل الناس، لا أرى إذا جاء من يرضاه لها أن يزوجه إياها، وهو الذي عليه عمل الناس، ومضوا عليه، قال سحنون: وإذا فوضت إليه إنكاحها ممن رآه ورضيه فأنكحها ممن رأى بغير مؤامرتها، فالنكاح لها لازم، بكرا كانت أو ثيبا. قال محمد بن رشد: أما إذا زوجها بأقل من صداق مثلها فلا يلزمها النكاح باتفاق إلا أن ترضى به، وأما إذا زوجها بصداق مثلها فقيل: النكاح لها لازم لا خيار لها فيه لأنها قد فوضت إليه أن يزوجها ممن رآه، وهو قول سحنون، وقيل: لا يلزمها ولها أن تدفعه إن شاءت وترضى به إن شاءت، قرب الأمر أو بعد، وهو قول مالك، والقولان في المدونة، قال ابن حبيب: وإنما يجوز لها الرضى به إذا كان ذلك بحدثان العقد، فإن لم يكن بحدثانه فالنكاح مفسوخ، ولا يجوز لها أن ترضى به إلا أن يجدد نكاحا جديدا بعد فسخ الأول على قياس المشهور من قولهم في الولي يزوج وليته الغائبة قبل أن يستأمرها، وليس بصحيح لأنهما مسألتان، والفرق بينهما بين. وسيأتي القول على هذا في رسم الجواب من سماع عيسى إن شاء الله، ولو زوجها من نفسه إذا فوضت إليه أن يزوجها ممن شاء لم يلزمها النكاح إلا أن تشاء، قاله في المدونة، ولا اختلاف في ذلك إن شاء الله. [النصراني يختن ابنا له فيدعو في دعوته مسلمين أو مسلما] ومن كتاب الأقضية الثالث قال: وسئل عن النصراني يصنع صنيعا فيختن ابنا له فيدعو في دعوته مسلمين أو مسلما، أترى أن يجيبه؟ فقال: إن شاء جاء، ليس عليه في ذلك ضيق، إن جاء فلا بأس به. قال محمد بن رشد: معنى قوله: إنه لا إثم عليه في ذلك ولا حرج إن

مسألة: تدخل جارية الزوجة أو الولد على الرجل في المرحاض

فعله، وذلك إذا كان له وجه من جوار أو قرابة أو ما أشبه ذلك، والأحسن أن لا يفعل لا سيما إذا كان ممن يقتدى به؛ لما في ذلك من التودد إلى الكفار، وقد قال الله: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الآية. [مسألة: تدخل جارية الزوجة أو الولد على الرجل في المرحاض] مسألة وسئل، فقيل له: أليس واسعا أن تدخل جارية الزوجة أو الولد على الرجل في المرحاض فقال مالك: لا، ما في ذلك من سعة، قال عز وجل: {أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] . قال محمد بن رشد: يريد من أجل أن الرجل يتجرد في الخلاء، ولا يجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلا إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من ذوات محارمه، وقد أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يستأذن للرجل على أمه، وقال للسائل عن ذلك: «أتحب أن تراها عريانة» ، وقد قيل: إنه لا يجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلا إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من المرأة، وهو بعيد يلزم عليه ألا ييمم النساء الرجال الأجنبيين إلا إلى الكوعين، وهذا ما لا يوجد في شيء من مسائلنا، وإن كان ذلك ظاهر قول الله عز وجل لأنه قال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] ، كما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] ، فالمعنى في ذلك: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن عما لا يحل لهن من النظر فيه، وقد بينت ذلك السنة، وذلك «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت قيس: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين

مسألة: رجل يطعم أهله الشعير فتأبى ذلك عليه وتقول لا آكل إلا الحنطة

ثيابك عنده» ، فلولا أنها في النظر إليه كحكم الرجل في النظر إلى ذوات محارمه لما أباح لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاعتداد عنده، وهذا بين والله أعلم. [مسألة: رجل يطعم أهله الشعير فتأبى ذلك عليه وتقول لا آكل إلا الحنطة] مسألة وسئل عن رجل يطعم أهله الشعير فتأبى ذلك عليه وتقول: لا آكل إلا الحنطة، أترى ذلك له عليها؟ فقال: نعم، أرى ذلك له عليها إذا كان الناس قد أكلوا الشعير، فأما إذا كان القمح كثيرا موجودا وكان واجدا فإني أرى أن يعطيها القمح. قال محمد بن رشد: في قوله: وكان واجدا، دليل على أنه لو لم يكن واجدا وعجز عن أن يعطيها القمح لكان له أن يعطيها الشعير، وإن كان القمح كثيرا موجودا بالبلد هو جل قوتهم به، خلاف ما في رسم الكبش في سماع يحيى من كتاب طلاق السنة من قوله فيه: وليس له أن يخصها بما لا يحتمله أهل بلدها، وجه رواية أشهب هذه هو أنه الذي يدل عليه قول الله عز وجل: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] ، إذ قد علم أن الرجل لا يطعم أهله إلا ما يجد ويقدر عليه، ووجه رواية يحيى أن الزوجين قد دخلا من الإنفاق على عرف البلد، فكما لا يكون للزوجة أن تأخذ الزوج بالحنطة إذا قدر عليها وأهل البلد يأكلون الشعير، فكذلك لا يكون للزوج أن يعطي الزوجة الشعير إذا عجز عن الحنطة وأهل البلدة لا يأكلونها. [مسألة: الرجل يتهم ختنته بإفساد أهله عليه فيريد أن يمنعها من الدخول عليها] مسألة وسئل عن الرجل يتهم ختنته بإفساد أهله عليه فيريد أن يمنعها من الدخول عليها، قال: ينظر في ذلك، فإن كانت مسيئة

مسألة: الذي يكون بينه وبن ختنه أخي امرأته كلام فيمنعه من الدخول على أخته

منعها بعض المنع ولا كل ذلك، وإن كانت غير مسيئة لم تمنع من الدخول على ابنتها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ إنها إذا كانت مسيئة منعت من كثرة التكرر بالدخول إليها للضرر الداخل بذلك على الزوج ولم تمنع من الدخول جملة لما في ذلك من قطع صلة الرحم، وإذا لم تكن مسيئة لم تمنع من شيء، وهي محمولة على غير الإساءة حتى تثبت إساءتها، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يكون بينه وبن ختنه أخي امرأته كلام فيمنعه من الدخول على أخته] مسألة وسئل عن الذي يكون بينه وبن ختنه أخي امرأته كلام، فيمنعه من الدخول على أخته، فقال: ما أرى أن يمنع، لم يمنع؟ قلت له: أليس له أن يدخل؟ قال: بلى له أن يدخل، ورواها عبد الرحمن بن أشرس عن مالك هكذا. قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال، إنه ليس له أن يمنع أخا امرأته من صلتها بالدخول عليها وتفقد شأنها لما كان بينه وبينه من الكلام إلا أن يتهمه بإفسادها عليه ويبين ذلك فيمنع بعض المنع لا كل المنع كالكلام في المسألة التي فوقها. [هل تخرج الجارية المملوكة متجردة] ومن كتاب الأقضية قال: وسئل مالك: أيكره أن تخرج الجارية المملوكة متجردة؟ فقال: نعم وأضربها على ذلك. قال محمد بن رشد: يريد بمتجردة: مكشوفة الظهر أو البطن، وأما خروجها مكشوفة الرأس فهو سنتها لئلا تتشبه بالحرائر اللواتي أمرهن الله بالحجاب وأن يدنين عليهن من جلابيبهن. وقد رأى عمر بن الخطاب أمة لابنه عبيد الله قد تهيأت بهيئة الحرائر فدخل على حفصة ابنته فقال لها: ألم أر جارية

مسألة: امرأة أصدقت عبدا ثم دفع إليها وقبضته فباعته ثم طلقها قبل البناء بها

أخيك تجوس الناس وقد تهيأت بهيئة الحرائر، وأنكر ذلك. قال عبد الملك في الواضحة: وما رأيت بالمدينة أمة تخرج، وإن كانت رائعة إلا وهي مكشوفة الرأس في ضفائرها أو في شعر مجمم لا تلقي على رأسها جلبابا لتعرف الأمة من الحرة، إلا أن ذلك لا ينبغي اليوم لعموم الفساد في أكثر الناس، فلو خرجت اليوم جارية رائعة مكشوفة الرأس في الأزقة والأسواق، لوجب على الإمام أن يمنع من ذلك ويلزم الإماء من الهيئة في لباسهن ما يعرفن به من الحرائر، والله الموفق، لا رب غيره، ولا معبود سواه. [مسألة: امرأة أصدقت عبدا ثم دفع إليها وقبضته فباعته ثم طلقها قبل البناء بها] مسألة وسئل عن امرأة أصدقت عبدا ثم دفع إليها وقبضته فباعته ثم طلقها قبل البناء بها، فبأي شيء يرجع عليها أبنصف قيمته أم بنصف الثمن الذي باعته به أم بماذا؟ فقال: لا أرى له عليها إلا نصف الثمن الذي باعته به إذا باعته بوجه البيع ولم يتبين في بيعه منها محاباة في البيع ولا مداهنة، لا أرى له عليها إذا كان ذلك إلا نصف الثمن الذي باعت به العبد. قال محمد بن رشد: وهذا على القول بأنه إذا مات ثم طلقها لا يرجع عليها بشيء، وأن الغلة تكون بينهما بنصفين وأنها إن وهبته أو أعتقته تلزمها فيه القيمة يوم وهبت أو أعتقت، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وقول أشهب وابن نافع وروايتهما عن مالك في أول رسم من هذا السماع، وأما على القول بأن لها جميع الغلة وأنها إن وهبته أو أعتقته تلزمها القيمة يوم القبض وهو قول غير ابن القاسم في كتاب النكاح الثاني من المدونة فيلزمها إذا باعته قيمته يوم قبضته، وعلى هذا يأتي قول مالك في أول رسم هذا السماع أمر بذلك في وجوب رجوع الزوج عليها بنصف قيمته إذا مات

مسألة: الرجل تكون له المرأة الحريصة المبالغة في تأدية حقه

في يديها ثم طلقها، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل تكون له المرأة الحريصة المبالغة في تأدية حقه] مسألة وسألته عن الرجل تكون له المرأة الحريصة المبالغة في تأدية حقه، فإذا رأته داخلا تلقته فأخذت عنه ثيابه ونزعت نعليه، ولم تزل قائمة حتى يجلس، فقال: أما تلقيها إياه ونزعها ثيابه ونعليه فلا أرى بذلك بأسا، وأما قيامها فلا أرى ذلك ولا أرى أن يفعله، هذا من التجبر والسلطان، فقلت له: والله ما ذلك من شأنه ولا تشبهه هذه الحال، ولكنها تريد إكرامه وتوقيره وتأدية حقه، وإنه لينهاها عن ذلك ويمنعها منه، فقال لي: كيف استقامتها في غير ذلك؟ فقلت له: من أقوم الناس طريقة في كل أمرها، فقال: تؤدي حقه في غير هذا، فأما هذا فلا أرى أن تفعله، إن هذا من فعل الجبابرة، بعض هؤلاء الولاة يكون الناس ينتظرونه جلوسا فإذا طلع عليهم قاموا له حتى يجلس، فلا خير في هذا ولا أحبه، وليس هذا من أمر الإسلام، فأرى أن تدع هذا وتؤدي حقه في غير ذلك، وليس هذا مثل الذي أخبر الله عنه: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40] قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للدابة التي ركب: ما نزلت عنها حتى تغيرت نفسي، قال مالك: ولعمر فضله. قال محمد بن رشد: القيام للرجل على أربعه أوجه: وجه يكون القيام فيه محظورا، ووجه يكون فيه مكروها، ووجه يكون فيه جائزا، ووجه يكون فيه حسنا، فأما الوجه الذي يكون فيه محظورا لا يحل، فهو أن يقوم إكبارا وتعظيما لمن يحب أن يقام إليه تكبرا وتجبرا على القائمين إليه، وأما الوجه الذي يكون القيام فيه مكروها فهو أن يقوم إكبارا وتعظيما وإجلالا لمن لا يحب أن

يقام إليه ولا يتكبر على القائمين إليه، فهذا يكره للتشبه بفعل الجبابرة ولما يخشى أن يدخله من تغير نفس المقوم إليه، وأما الوجه الذي يكون القيام فيه جائزا فهو أن يقوم تجلة وإكبارا لمن لا يريد ذلك ولا يشبه حاله حال الجبابرة ويؤمن أن تتغير نفس المقوم إليه لذلك، وهذه صفة معدومة إلا فيمن كان بالنبوة معصوما، لأنه إذا تغيرت نفس عمر بالدابة التي ركب عليها، فمن سواه بذلك أحرى، وأما الوجه الذي يكون فيه القيام حسنا فهو أن يقوم الرجل إلى القادم عليه من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه، أو إلى القادم عليه مسرورا بنعمة أولاها الله إياه ليهنئه بها، أو إلى القادم عليه المصاب بمصيبة ليعزيه بمصابه وما أشبه ذلك، فعلى هذا يتخرج ما ورد في هذا الباب من الآثار ولا يتعارض شيء منها، من ذلك أنه قال: «من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ويروى: من أحب أن يستجم» ، ومعناه معنى الأول، وقد رواه بعض الناس: «من أحب أن يستخم له الناس قياما» ، وقال: معناه أن يطول قيامهم له حتى تتغير روائحهم من طول القيام كما يفعل الجبابرة من طول قيام الناس على رؤوسهم، وليس ذلك بصحيح، لأن معاوية بن أبي سفيان راوي الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلم بمعناه، روي «عن أبي مجلز قال: دخل معاوية بيتا فيه عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر، فقام ابن عامر وثبت ابن الزبير وكان أرزنهما فقال معاوية: اجلس يا ابن عامر، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار» وقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعكرمة بن أبي جهل عند قدومه عليه من اليمن فرحا بقدومه عليه مسلما، ورمى عليه رداء فسلم عليه وبايعه، وقام طلحة بن عبد الله بحضرته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكعب بن مالك ليهنئه بتوبة الله عليه، فلم ينكر ذلك عليه ولا قام من مجلس النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أحد سواه إليه، فكان كعب يقول: لا أنساها لطلحة، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكره أن يقام إليه فلا يقوم إليه من علم بكراهيته لذلك، روي «عن أنس أنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم من

مسألة: يعطي الرجل ابنته ويكتبها له هبة فينفق عليها حتى إذا بلغت أراد أخذها

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك» وروي عن أبي هريرة أنه قال: «كنا نقعد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد بالغدوات فإذا قام إلى بيته لم نزل قياما حتى يدخل بيته» ، فتأويل ذلك أنهم كانوا يفعلون ذلك لما يلزمهم من إكبار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتوقيره لقول الله عز وجل: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] قبل أن يعلموا بكراهيته لذلك، وأما ما روي من «قوله للأنصار: قوموا إلى سيدكم» فيحتمل أن يكون إنما أمرهم بذلك تجلة له وإكراما لعلمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لا يحب ذلك منهم، وأنه ليس ممن يتكبر عليهم، وقد قيل: إنه إنما أمرهم بالقيام إليه ليعينوه على النزول من على الحمار الذي أتى عليه لأنه كان مريضا من الجرح الذي كان أصابه، وكان رجلا بدينا، فهو وجه كراهية مالك لقيام المرأة إلى زوجها، وبالله التوفيق. [مسألة: يعطي الرجل ابنته ويكتبها له هبة فينفق عليها حتى إذا بلغت أراد أخذها] مسألة وسئل عن الرجل يعطي الرجل ابنته ويكتبها له هبة فينفق عليها حتى إذا بلغت أراد أخذها فقال: أما الرجل يعطي الرجل ابنته ليس بينه وبينها حرمة يحرم بها عليه نكاحها، فليس ذلك بحسن أن يعطيها غير ذي محرم، فأما ذو حرمة ممن لا تحل له مثل العم والخال ومن لا يحل له نكاحها، فإن ذلك لا بأس به، وإن أراد أبوها أن يأخذها منه لم أر ذلك له إلا على وجه إساءة إليها وضرر، فقيل له: أفيكون للذي وهبت له أن ينكحها بغير رضا أبيها؟ فقال: أرى إنكاحها إلى الذي وهبت له إن كان جعل ذلك بيده إذا دعا إلى سداد، قلت: أرأيت إن مات الأب أله أن ينكح الجارية بغير إذنها فقال: لا، وذلك مثل أن لو جعل ذلك

إلى ابنه ثم مات، لم يكن له أن ينكحها إلا بإذنها. قال محمد بن رشد: كراهيته للرجل أن يهب ابنته لمن لا حرمة بينه وبينها، صحيحة بينة في المعنى، وقد ذهب أهل النظر إلى أن ما في كتاب النكاح الأول من المدونة في مسألة رجال من الموالي يكفلون صبيانا من العرب، يدل على أنه لا كراهية في ذلك، خلاف ما ها هنا وليس ذلك بصحيح لأنه لم يتكلم هناك على ما تكلم عليه ها هنا من جواز الفعل ابتداء، وإنما تكلم في إنكاحها إذا وقعت الحضانة، فقال: أرى تزويجها جائزا عليها، يريد بغير رضاها، والوجه في ذلك أنه أنزله بالحضانة لها في حياة أبيها منزلة الوكيل له على إنكاحها، فلا يحتاج في ذلك إلى رضاها، وذلك خلاف قوله ها هنا؛ إذ لم ير إنكاحها إليه بالهبة والحضانة، إلا أن يكون جعل ذلك إليه نصا، وحكى ابن حبيب مسألة مالك في المدونة في صبيان الأعراب على خلاف ما وقعت في المدونة، فقال فيها: وتكون فيهم الجارية وقد مات أبوها وغاب أهلها، فإن الذي كفلها ورباها أولى بعقد نكاحها لما قد ولي منها، يريد أنه أولى بعقد نكاحها من ولاتها، فأنزله منزلة الوصي بالحضانة، وذلك نحو ما في كتاب القسمة من المدونة أن الرجل تجوز مقاسمته على اللقيط الذي هو في حجره، والمشهور المعلوم في المذهب أن الولي أحق بالإنكاح من الحاضن، وقد جعل ابن العطار مسألة المدونة أصلا بنى عليه فقال: ولا يجوز للكافل أن يزوج ذات الأب وإن كفلها ورباها، إذا كان أبوها بالحضرة إلا أن يكون غائبا فيزوجها الكافل بغير رضاها على نحو ما وقع في المدونة من صبيان الأعراب الذين يدفعونهم إلى من يكفلهم، قال: وكذلك حال أهل البدو عندنا مع أهل الحضر، قال: والكافل والمربي والحاضن في غير ذات الأب كالولي، يريد أن له أن يزوجها برضاها، وذلك من قوله صحيح مثل قوله في آخر هذه الرواية، وقوله: وإن أراد أبوها أن يأخذها منه لم أر ذلك له إلا على وجه إساءة إليها وضرر صحيح، والوجه في ذلك أن هبته إياها له إنما هي هبة حضانته التي له، فإذا وهبها لم يكن له أن يرجع فيها، ووجه آخر أنه إذا وهبه إياها فقد ملكه الانتفاع بها بنفقته عليها فأشبه عقدة الإجارة عليها، وذلك إذا لم يكن لها أم ولا من هو أحق بحضانتها منه، فإن كان لها أم هي

الترغيب في نكاح البكر الولود

معه في عصمته، فروى ابن نافع عن مالك في المدنية أن ذلك لازم لها وإن طلقها إذا لم يرد بذلك ضررها، وكان ذلك منه على وجه المعروف والصلة وطلب الخير، وقال في النكاح الثاني من المدونة: مثل الرجل الفقير المحتاج، خلاف ظاهر ما في المدونة، وأما إن كان لها أم مطلقة فليس ذلك له لأنها أحق بحضانتها منه إلا أن يكون له مال ينفق عليها منه فلا يكون للأم في ذلك كلام إلا أن يشاء أن يخصها وينفق عليها، ونص رواية ابن نافع عن مالك في المدنية قال: سألت مالكا عن الرجل يهب ولده لإنسان، قال مالك: الهبة إنما هي حضانة، فإن كانت أم الولد حية نظر لها في أمره، فإن كان إنما وهبه ضررا لأمه لم يجز ذلك، وإن كان وهبه للنظر وطلب الخير والصلة جاز ذلك عليها إذا كانت هبته إياها على وجه المعروف الجائز، ثم إن طلق أمه بعد ذلك لم يكن له أن يأخذه ممن وهبه له، وبالله التوفيق. [الترغيب في نكاح البكر الولود] ومن كتاب الطلاق قال: وسمعته يقول: تزوج عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امرأة ثم دخل على حفصة ابنته فرفته ودعت له بالبركة وقالت: أما إنها لا ولد فيها، فقال: ما نكحت إلا للولد، ثم خرج من عند حفصة فأرسل إليها بالطلاق من ساعته، ولم يكن دخل بها. قال محمد بن رشد: معنى رفته دعت له بالرفاء أي بإتمام الصحبة وحسن العشرة، وهو مأخوذ من رفو الثوب: إذا أصلح ورم ما كان فيه من خلل وفساد، وصواب الكلمة رفأته لأن الفعل مهموز، وإنما كرهها عمر لكونها لا ولد فيها وقال: إنما نكحت للولد؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» روي عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إني لأتزوج المرأة وما لي فيها حاجة، وأطؤها وما أشتهيها، فقيل له: وما يحملك على ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: رجاء أن يكون مني من يكاثر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النبيين يوم

مسألة: تزوج امرأة بألف ودخل بها ثم مات فطلبت صداقها

القيامة، فإني سمعته يقول: «عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأحسن أخلاقا وأنتق أرحاما، وإني مكاثر. بكم الأمم يوم القيامة» يعني بقوله، أنتق أرحاما: أقبل للولد. [مسألة: تزوج امرأة بألف ودخل بها ثم مات فطلبت صداقها] مسألة وسئل عمن تزوج امرأة بألف دينار ودخل بها وأقام معها نحوا من ثمانية أشهر ثم مات، فطلبت صداقها، هل ترى اليمين على ورثته؟ فقال: أرى على ورثته أن يحلفوا ما نعلم بقي لها عليه صداق حتى مات، قال: وليس يدخل النساء على أزواجهن إلا بالرضى من مهورهن. قال محمد بن رشد: أوجب اليمين على الورثة في هذه الرواية على العلم وإن لم تدع ذلك المرأة عليهم، خلاف ما في كتاب النكاح الثاني من المدونة من أنهم لا يمين عليهم إلا أن تدعي عليهم العلم، وخلاف ما في كتاب بيع الغرر منها في مسألة التداعي في وقت موت الجارية الغائبة المشتراة على الصفة إن كان قبل الصفة أو بعدها، وإنما يجب عليهم اليمين إذا كانوا ممن يظن بهم العلم على ما قال في كتاب العيوب والأقضية من المدونة، فإن نكلوا عن اليمين حلفت المرأة على ما تدعي معرفته من أنها لم تقبض صداقها وتستوجبه لا على أن الورثة علموا أنها لم تقبض، فهذه اليمين ترجع على غير ما نكل عنه الورثة، ولها مظاهر كثيرة، فيختلف في لحوق هذه اليمين للورثة لأنها يمين تهمة إذا لم تحقق الزوجة عليهم الدعوى على ما ذكرناه، ولا يختلف في رجوعها على الزوجة لمعرفتها بما تحلف عليه كما يختلف في رجوع يمين التهمة، وبالله التوفيق. [مسألة: زوج وليته صغيرة لم تبلغ المشورة في نفسها] مسألة وسئل عمن زوج وليته صغيرة لم تبلغ المشورة في نفسها فقال:

مسألة: عبد كان لسيده بيده مال فكتب إليه أن اشتر جارية أيصلح له وطؤها

لا يزوجها، قلت له: فإن زوجها فرق بينهما؟ قال: لا أدري، قد زوج بعض الناس هكذا، فإذا تفاوت ووقعت المواريث فلا أدري. قال محمد بن رشد: قد مضى القول مستوفى في هذه المسألة في رسم شك في طوافه، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وسيأتي في الرسم الذي بعد هذا وفي رسم لم يدرك، من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد كان لسيده بيده مال فكتب إليه أن اشتر جارية أيصلح له وطؤها] مسألة قال: وسئل عن عبد كان لسيده بيده مال فكتب إليه أن اشتر جارية أيصلح له وطؤها؟ قال: أما من مال سيده فلا يصلح إلا أن يكون أسلفه ثمنها. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: هبة الرجل لعبده الدني الهيئة العامل في السوق الجارية يطؤها] مسألة وسألته عن هبة الرجل لعبده الدني الهيئة العامل في السوق الجارية يطؤها، قال: نعم، إن كانت هبته مستقيمة، قلت له: يكون أن يزوجه إياها مخافة أن يبيعه فلا يقدر على نزعها منه، فيقول: أهبها له فإن بدا لي نزعتها منه، فقال: لا يعجبني هذا، يعيره إياها لا، إلا هبة صحيحة، يريد بذلك سروره وولده وإعفافه. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة أيضا قد مضت والقول فيها في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته، والمعنى فيها بين، وبالله التوفيق. [مسألة: نكحها أن تضع عنه نصف المهر ولا يخرجها من المدينة] مسألة وسئل مالك عن امرأة نكحت على أربعمائة دينار صداقا على

أن تضع له مائتي دينار ولا يخرجها من المدينة، فنكحته على ذلك، ثم أراد إخراجها فطلبت ما وضعت عنه، فقال: إن كان أكثر لها من الصداق ليس ذلك صداق مثلها، فله أن يخرجها ولا ترجع عليه بالذي وضعت عنه من أجل الشرط، وإن كان صداق مثلها فوضعت عنه على أن لا يخرجها من المدينة، فإن له أن يخرجها حيث شاء وعليه أن يرد عليها الذي وضعت عنه من صداقها، يرجع إليها، وله أن يخرج بها حيث شاء، قلت له: إن كان الذي أصدقها أكثر من صداق مثلها فوضعت عنه على أن يسكنها بلدها، فليس ذلك لها، وله أن يخرج بها حيث شاء ولا شيء عليه فيما وضعت عنه، وإن كان الذي أصدقها [فوضعت] صداق مثلها على أن يسكنها بلدها فليس ذلك له، وله أن يخرج بها حيث شاء، ولها عليه ما وضعت عنه من صداق مثلها؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن ما وضعت المرأة في العقد للشرط من صداق مثلها لا يلزمها كما لا يلزمه الشرط، فيكون لها ما وضعت من صداق مثلها وفى لها بالشرط أو لم يف، وهو قول ابن كنانة وروايته عن مالك، ومثله في مختصر ما ليس في المختصر لابن شعبان خلاف رواية علي بن زياد عن مالك في النكاح الثاني من المدونة أن لها أن ترجع فيما وضعت من صداق مثلها بالشرط إذا لم يف لها بالشرط، ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك أن ما وضع للزوج في عقد النكاح من الصداق على الشرط موضوع عن الزوج، ولا يلزمه الشرط، كان الموضوع من صداق المثل أو زائدا عليه، وقد قيل: إن ما وضعت في العقد من صداقها على الشرط كما وضعت بعد العقد لا تكون له الوضيعة إلا أن يفي بالشرط كان الموضوع من صداق المثل أو زائدا عليه، حكى هذا القول ابن حبيب عن بعض الناس، وقد روي عن مالك

مسألة: يتزوج المرأة بالعبد ثم يوجد مسروقا وقد دخل بها فيؤخذ منها

أنها إذا وضعت في العقد من صداقها شيئا للشرط سقط الشرط وردت إلى صداق مثلها، والقياس أن يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده، ويسقط الشرط، ويكون لها صداق مثلها إلا إن ينقص من المسمى فلا ينقص منه شيء، وكذلك يلزم على قياس هذا القول إذا تزوجها بكذا وكذا على أن لها من الشرط عليه كذا وكذا، والمشهور أن النكاح جائز والشرط غير لازم، ولا اختلاف بينهم فيما وضعت عنه بعد العقد من التسمية، أن الوضيعة إنما تكون له إن وفى بالشرط، ولا اختلاف بينهم أيضا أن ما اشترطت من الشروط في العقد دون تسمية صداق ساقط والنكاح لازم، فإن وقع النكاح دون شرط ثم سمى الصداق على الشرط سقط الشرط ووفيت تمام صداق مثلها إن كانت التسمية أقل من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يتزوج المرأة بالعبد ثم يوجد مسروقا وقد دخل بها فيؤخذ منها] مسألة وسئل عن الذي يتزوج المرأة بالعبد ثم يوجد مسروقا وقد دخل بها فيؤخذ منها، قال: يحال بينه وبينها حتى يعطيها مهرها، وليس مثل الذي يخالع امرأته بالعبد يأخذه ثم يوجد مسروقا؛ لأن الخلع ينقطع به الميراث. قال محمد بن رشد: قوله: حتى يعطيها مهرها، يريد صداق مثلها، وهو الصحيح في القياس لأن العبد عوض من البضع، فإذا استحق العبد من يد المرأة وجب أن ترجع بقيمة بضعها لفواته بالعقد عليه وقيمته صداق المثل، وإنما كان العقد دون الدخول في النكاح فوتا لما يوجبه من الحرمة، وقد قيل: إنه ليس بفوت، ويفسخ النكاح إذا كان الصداق عرضا بعينه واستحق قبل الدخول، وهو قول يحيى في العشرة، قال: إن المرأة إذا تزوجت بعبد غائب فمات قبل النكاح فسخ، والمشهور في المذهب أنها ترجع بقيمة العبد المستحق من يدها كما يرجع الزوج بقيمته إذا اسحق من يده في الخلع، وما في هذه الرواية هو القياس، وقوله إنه يحال بينه وبينها حتى يعطيها مهرها يحتمل أن يريد أن ذلك من حق الزوجة فإن رضيت أن تتبعه بمهرها وتبيح له التمادي

مسألة: زوجها غير ولي ابن عم له وأشهدت له على ذلك ووليها قريب يعرفون مكانه

على وطئها، جاز ذلك، ويحتمل أن يريد أنه لا يباح له التمادي على وطئها وإن رضيت بذلك حتى يدفع إليها مهرها من أجل أنه يكره للرجل أن يدخل بامرأته حتى يدفع إليها مهرها أو ربع دينار منه، والتأويل الأول أصح في المعنى، والثاني أظهر من جهة اللفظ، وإليه نحا ابن المواز، وقد قيل: إنه لا يكون ذلك من حقها وله أن يتمادى على وطئها وتتبعه بمهرها دينا ثابتا في ذمته، ووجه القول الأول أنها مغلوبة على الدخول بها بما أعطاها من مهرها، فلما استحق وأخرج من يدها كانت على رأس أمرها كما لو غصبها نفسها قبل أن يعطيها صداقها، فقد روى ابن أبي جعفر الدمياطي عن ابن القاسم أنه يؤدب ويحال بينه وبينها حتى يعطيها صداقها، بخلاف إذا أذنوا له في الدخول عليها ليراها فوطئها. ووجه القول الثاني أنه لما فعل في الدخول بها ما يجوز له ولم يتعد، كان بمنزلة ما لو أذنت له في الدخول عليها، فوجب أن لا يمنع من التمادي على وطئها، وهذا الاختلاف إنما هو عندي إذا لم يغرها بذلك، وأما إذا علم أنه مسروق وغرها فيكون من حقها أن تمنعه من نفسها حتى يعطيها مهرها، على ما قاله بعد هذا في هذا الرسم قياسا على ما قالوا في المكاتب يقاطع سيده على حلي استرفعه أو ثياب استودعها، أنه يرد في الرق ولا يعتق، وما في رسم العشور بعد هذا في مسألة الغرر من أنه إن كان قريبا لم يمنع من أهله وكان ذلك دينا يتبع به معناه عندي أنه لا يمنع من أهله إذا رضيت أن تبيح له التمادي على وطئها على أن تتبعه بمهرها، وقد كان الشيوخ يحملون ذلك على ظاهره من أنه ليس لها أن تمنعه من التمادي على وطئها إذ قد فات الأمر بالدخول بها، وقال ابن المواز: معناه إن بقي بيدها من صداقها ربع دينار فأكثر، وأما إن لم يبق من صداقها بيدها شيء فلها أن تمنعه نفسها حتى يعطيها ربع دينار، وذلك كله بعيد في المعنى، إذ لا فرق بين أن يغرها بما يدفعه إليها مما لا شبهة له فيه وبين أن يغصبها نفسها، وبالله التوفيق. [مسألة: زوجها غير ولي ابن عم له وأشهدت له على ذلك ووليها قريب يعرفون مكانه] مسألة قال: وسئل مالك عن امرأة زوجها غير ولي ابن عم له،

مسألة: نكح إلى قوم بخادم فأبوا أن يدخلوها عليه حتى يعطيهم الخادم

وأشهدت له على ذلك ووليها قريب يعرفون مكانه، فقال له مالك: أدخل بها؟ فقال: نعم، قال: فالذي تزوجها كفؤ؟ قال: نعم، قال مالك: أرى تدع هذا وتدع الكلام فيه، كانت في الناس حطمة، وتقول: أصابتني الضيعة، وتزوجها كفؤ فلا أرى أن تتكلم في هذا. قال محمد بن رشد: مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية أشهب عنه أن لا يزوج الأجنبي الشريفة ولا الوضيعة، خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن للمرأة الدنية والمسكينة أن تستخلف رجلا أجنبيا يعقد نكاحها، فرأى إجازة النكاح لما وقع للحطمة التي كانت في الناس وما خشي على المرأة بسبب ذلك من الضيعة على أصله في مراعاة الخلاف، لا سيما وقد اختلف في ذلك قوله، ونحو هذا أيضا في سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق. [مسألة: نكح إلى قوم بخادم فأبوا أن يدخلوها عليه حتى يعطيهم الخادم] مسألة وسئل عمن نكح إلى قوم بخادم فأبوا أن يدخلوها عليه حتى يعطيهم الخادم، فذهب فاستعار خادما فأعطاهم إياها ودخل على امرأته، ثم علموا بذلك فقال: ترد الخادم إلى أهلها ويحال بينه وبين امرأته حتى يعطيها مهرها، وكذلك المكاتب يأتي بحلي استرفعه أو سرقه أو ثياب، فيقاطع سيده، ثم يؤخذ ذلك منه، أيعتق هذا هكذا بالباطل؟ لا يؤخذ الحق بالباطل. قال محمد بن رشد: لا يختلف في أنه يحال بينه وبينها في هذه المسألة لأنه قد غرها بخلاف المسألة المتقدمة، ويريد بمهرها ها هنا الخادم التي تزوجها عليها على صفة ما وصفوا، ولو تزوجها على خادم بعينها فاستحقت لكان لها صداق مثلها، وقد مضى القول على ذلك قبل هذا في هذا الرسم، ويريد بقوله: إن المكاتب لا يعتق: إذا قاطع سيده بما لا شبهة له في ملكه، أنه يرد مكاتبا كما كان قبل انقطاعه، ولا اختلاف في هذا، وإنما اختلف إذا قاطع

مسألة: تزوجها على أنها طالق البتة إن خرج بها من بلدها إلا برضاها

سيده بما كان له في ملكه شبهة فاستحق، والقولان في المكاتب من المدونة. [مسألة: تزوجها على أنها طالق البتة إن خرج بها من بلدها إلا برضاها] مسألة وسئل عمن تزوج امرأة على أنها طالق البتة إن خرج بها من بلدها إلا برضاها، فخرج يطلب الزرع فأقام هنالك فأطال المقام فتحملت امرأته حتى قدمت عليه، أترى عليه شيئا؟ فقال: نعم، أرى ذلك عليه، هو الذي أخرجها، تركها عارية جائعة لا يبعث إليها نفقة ولا كسوة فأخرجها بذلك، فروجع في ذلك فقال: أرى ذلك عليه، إن شاء بعث إليها بنفقة، قيل له: إلا أن يكون من عذر سجن أو مرض أو حاجة، فقال: أرى ذلك عليه، لو شاء بعث إليها نفقة. قال محمد بن رشد: مثل هذا في نوازل أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق، وحكى ابن سحنون عن أبيه أنه لا حنث عليه، وقول مالك أظهر لأن اضطراره إياها إلى الخروج إخراج، والحنث يدخل بأقل الوجوه، وأما إذا كان له عذر من مرض أو سجن أو حاجة، فلا يجب أن يحنث، فقوله: أرى ذلك عليه لو شاء بعث إليها نفقة، يريد: إذا لم تكن الأعذار التي ذكرت من السجن والمرض والحاجة، والله أعلم. [مسألة: يكسب مالا حراما فيتزوج به] مسألة وسئل عمن يكسب مالا حراما فيتزوج به، أتخاف أن يكون ذلك مضارعا للزنا؟ قال: إني والله لأخافه، ولكن لا أقوله. قال محمد بن رشد: وجه اتقاء مالك أن يكون فعله مضارعا للزنا هو أن الله تعالى إنما أباح الفرج بنكاح أو ملك يمين، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «لا نكاح إلا بولي وصداق» فنفى أن يكون نكاحا جائزا إلا على هذه الصفة،

مسألة: أحسنا أن يستأمر الرجل ابنته البكر

والمتزوج بمال حرام لم يتزوج بصداق إذ ليس المال الحرام بمال له، فإذا وطئ فيه فقد وطئ فرجا بغير ملك يمين ولا نكاح أباحه له الشرع، وبالله التوفيق. [مسألة: أحسنا أن يستأمر الرجل ابنته البكر] مسألة وسئل: أترى حسنا أن يستأمر الرجل ابنته البكر؟ فقال: إن ذلك لحسن، وإن فعل بغير إذنها فذلك له، وإني لأخاف أن يتراقى هذا بالناس في استئذان الأب ابنته البكر حتى يجري بين الناس ويمضي، وإن أخف الشأن أن يزوج ابنته حيث رجا لها النكاح، ولا يجوز عليها أمر ولي غير أبيها إلا بإذنها. قال محمد بن رشد: استحسانه أن يستأمر الرجل ابنته البكر في النكاح صحيح جيد، إذ من أهل العلم من يرى أنه لا يجوز له إنكاحها إلا بإذنها، فالخروج من الخلاف باستئمارها أولى، وليس صوابا هذا مما يخفى، وبالله التوفيق. [مسألة: يواعد المرأة في عدتها ثم يتزوجها بعد انقضاء عدتها ويدخل بها] مسألة وسألته عن الذي يواعد المرأة في عدتها ثم يتزوجها بعد انقضاء عدتها ويدخل بها، قال: أرى أن يفسخ في رأيي وتكون طلقة لما فيه من الشبهة احتياطا، ثم ينكحها نكاحا جديدا، قلت له: أترى هذا مثل الذي ينكح المرأة في العدة ثم يدخل بها فلا يتراجعان أبدا؟ فقال: لا، هذا ينكحها بعد أن يفسخ وإن كان مسها. قال محمد بن رشد: أوجب الله تعالى العدة في الموت والطلاق حفظا للأنساب وتحصينا للفروج، ونهى عن النكاح فيها وعن المواعدة فقال: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وقال:

مسألة: ينكح وهو مريض هل يقيم على ذلك النكاح إذا صح

{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] وهو التعريض. واختلف إذا واعد في العدة ثم تزوج بعدها، فقيل: إن النكاح يفسخ لأنه بني على المواعدة المنهي عنها وهي رواية أشهب هذه، وقيل: إنه لا يفسخ إذ لم ينعقد في العدة، وهي رواية ابن وهب عن مالك في المدونة لأنه استحب الفسخ فيها ولم يوجبه، واختلف على القول بوجوب فسخه إذا لم يفسخ حتى دخل ووطئ، فقيل: إنها لا تحرم عليه بذلك، وهي رواية أشهب هذه ورواية عيسى عن ابن القاسم في رسم الجواب من كتاب طلاق السنة، وقيل: إنها تحرم عليه، وهي رواية عيسى عن ابن القاسم في رسم الرهون من هذا الكتاب إذا كان الوعد شبيها بالإيجاب. وأما إذا تزوج في العدة فلا اختلاف أن النكاح يفسخ، واختلف هل تحرم عليه للأبد أم لا، على أربعة أقوال: أحدها أنها تحرم عليه بالعقد وإن لم يطأ، حكى هذا القول عبد الوهاب ولم يسم قائله، والثاني أنها لا تحرم عليه إلا بالوطء في العدة وهو قول المغيرة وغيره في المدونة ورواية عيسى عن ابن القاسم في طلاق السنة في رسم الجواب، والثالث أنها تحرم عليه بالوطء، كان في العدة أو بعدها، وهو قول مالك في المدونة وظاهر قول عبد العزيز فيها، والرابع أنها لا تحرم أصلا وإن وطئ في العدة، وهو قول ابن نافع وروايته عن عبد العزيز بن أبي سلمة. وأما القبلة والمباشرة بعد العدة فلا يقع التحريم بها باتفاق، واختلف إذا قبل أو باشر في العدة، فقيل: إن ذلك بمنزلة الوطء فيها يقع بها التحريم، وهو قوله في المدونة وقيل: إن التحريم لا يقع بذلك، وهي رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب طلاق السنة، قال: لأن الوطء بعينه فيه من الاختلاف ما فيه، فكيف إذا لم يطأ؟ فهذا تحصيل القول في هذه المسألة. [مسألة: ينكح وهو مريض هل يقيم على ذلك النكاح إذا صح] مسألة وسئل عن الذي ينكح وهو مريض، أترى أن يقيم على ذلك النكاح إذا صح؟ فقال: لا أرى ذلك الآن، قلت له: أرأيت لو

نكح وهو مريض ثم ماتت أيرثها؟ فقال: لا يرثها ولا ترثه، أنا أقول: ليس ذلك النكاح بشيء فكيف يرثها؟ قال سحنون: هذه الرواية أفضل من رواية ابن القاسم، وسئل عنها سحنون فقال مثله، ورواها أصبغ عن أشهب وقال: هو رأيي لم أزل أقوله وأرد خلافه، وقد ذكره ابن وهب عن مالك وليس رواية ابن القاسم عندي بشيء. قال محمد بن رشد: قد حكى ابن القاسم عن مالك القولين جميعا في النكاح الثاني من المدونة، وذكر أن الذي رجع إليه منهما أن يثبت النكاح إذا صح وأمره أن يمحو القول الأول، وإياه اختار ابن القاسم، وهو الأظهر، لأن المرض ليس بعلة في فساد النكاح إلا من أجل ما يخشى من الموت، ولو أمكن أن يعلم أنه لا يموت من ذلك المرض ويصح منه لجاز النكاح فيه، فإذا صح كشف الغيب بصحته أن النكاح وقع في حال يصح إيقاعه فيه فوجب أن يجوز، ووجه القول الأول أنه نكاح فسد لوقوعه في حال لا يصح إيقاعه فيه فوجب أن لا يصح بزوال تلك الحال، أصل ذلك المحرم لا يثبت نكاحه وإن لم يعثر عليه حتى حل من إحرامه، والذي يبيع أو يشتري بعد النداء يوم الجمعة لا يثبت بيعه وشراؤه إذا لم يفسخ حتى انقضت الصلاة على القول بوجوب فسخه، وليس ذلك بقياس صحيح لأن العلة ها هنا الإحرام وحضور الصلاة. ألا ترى أنا لا نجيز للمحرم النكاح وإن علمنا أنه سيحل منه ولا لمن تجب عليه الجمعة البيع في وقت صلاة الجمعة وإن علمنا أن الوقت المنهي عن البيع والشراء فيه سينقضي، فبان الفرق بين الموضعين. وأما قوله: إنه لا يرثها، فإنما يأتي على ما اختاره سحنون من أن كل نكاح كان الزوجان فيه مغلوبين على الفسخ فلا طلاق فيه ولا ميراث، وأما على ما اختاره ابن القاسم من أن الطلاق والميراث يكونان في كل نكاح اختلف الناس فيه، فينبغي أن يرثها لأنه نكاح مختلف فيه لا سيما على قوله بأن النكاح يثبت إذا صح، لذهاب العلة بالصحة، لأنها تذهب أيضا بالموت إذ لا يمكن أن ترثه هي بعد الموت، وأما

مسألة: نكح امرأة في مؤخر المسجد ثم قام فلقيه رجل فقال أنا أكره كتمان ذلك

تعليله بأنه لا يرثها من أجل أنها لا ترثه، فليست بعلة بينة إذ قد يطرأ على النكاح المتقرر بين الزوجين ما يمنع أحدهما الميراث دون صاحبه، مثل أن يخالعها في مرضه، والله الموفق. [مسألة: نكح امرأة في مؤخر المسجد ثم قام فلقيه رجل فقال أنا أكره كتمان ذلك] ومن كتاب الطلاق قال: وسئل مالك عمن نكح امرأة في مؤخر المسجد ثم قام فلقيه رجل فقال له: كأنكم كنتم على إملاك؟ فقال: لا، فقال: أنا أكره كتمان ذلك، وأحب إلي أن يفشى، ولا أرى عليه في قوله شيئا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن النكاح يستحب فيه الإعلان، وقد استجيز فيه لعلة الإعلان من اللهو ما لا يستجاز في غيره، ومعنى قوله: لا أرى عليه في قوله هذا شيئا؛ أي ليس عليه شيء له تأثير في النكاح؛ لأن عليه فيه إثم الكذب المحرم في الشريعة إلا في مواضع معلومة على وجوه مخصوصة، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول له رجل ألك امرأة فيقول لا وله امرأة] مسألة قيل له: أرأيت الذي يقول له رجل: ألك امرأة؟ فيقول: لا، وله امرأة؟ فقال: لا أرى عليه شيئا إذا كان على هذا الوجه. قال محمد بن رشد: معنى قوله: لا أرى عليه شيئا؛ أي لا أرى عليه طلاقا، ومثل هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة وفي رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب العتق، وقال ابن القاسم في سماعه المذكور وعيسى في سماعه المذكور أيضا: إنه يحلف ما أراد بذلك طلاقا، وزاد ابن القاسم: ويؤدب. [مسألة: الرجل المتزوج باثنين في تحديد نيته أي المرأتين طلق] مسألة وسئل عمن خطب امرأة وله امرأة كانت أم ولد له فسألوه أن

يطلقها فأبى، وأبوا إلا ذلك، فتركهم وأضرب عنهم حتى تزوج امرأة أخرى فصارت له امرأتان، ثم رجع إليهم فخطبها فقالت: لا أتزوجك إلا أن تطلق عني امرأتك، تعني الأولى التي كانت سألته طلاقها، فقال لها: أنا أفعل، فلما قعدوا للإملاك قال: اشهدوا أن امرأتي طالق البتة، إذا ملكت عقدة النكاح هذه، وهو ينوي بذلك المرأة التي نكح أخيرا، ولا يظنون هم إلا الأولى التي كانوا سألوه طلاقها، فلما بلغ القوم أنه لم يطلق عنهم التي كانوا سألوه، وأنه إنما طلق أخرى تزوجها، ناكروه [ذاك] فقال: أما النكاح فلا أرى أن يفسخ ولا أرى ما أراد إلا على ما أراد، فأرى عليه اليمين بالله الذي لا إله إلا هو ما طلق إلا هذه الآخرة، الناس ينوون في مثل هذا، وإنما مثل هذا رجل كانت له امرأة ليس له غيرها، قد علم ذلك قوم، ثم تزوج أخرى لم يعلموا بها فسألوه طلاق امرأته ولا يعلمون له إلا الأولى فقال: امرأتي طالق البتة، فهو ما أراد. قال محمد بن رشد: جوابه في هذه المسألة على القول بأن اليمين على نية الحالف لا على نية المحلوف له، وهو قول مالك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، وفي رسم البز من سماع ابن القاسم أيضا من كتاب الأيمان بالطلاق، وهو قول ابن وهب في سماع عيسى وزونان من كتاب الأيمان بالطلاق، وقد اختلف في ذلك اختلافا كثيرا حسبما مضى تحصيله في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب النذور وإيجابه اليمين عليه أنه ما طلق إلا هذه على القول في لحوق يمين التهمة، وقد اختلف في ذلك، فإن نكل عن اليمين طلقت عليه دون رد يمين، وقيل: بعد رد اليمين، وأما الأخرى التي زعم أنه أرادها فتطلق عليه على كل حال بإقراره أنه أرادها.

مسألة: المتناكحين صغيرين ينكحهم الأولياء ثم يبلغ فينكر

[مسألة: المتناكحين صغيرين ينكحهم الأولياء ثم يبلغ فينكر] مسألة قال: وسئل عن المتناكحين صغيرين، ينكحهم الأولياء، ثم يبلغ فينكر، قال: لا أدري، قيل: أفليس الميراث ثابتا بينهما إذا ماتا؟ فقال: بلى لعمري، وسئل عن الذي يزوج وليته قبل أن تبلغ ثم تبلغ فلا ترضى، قال: أرى أن يفسخ، ولا يجوز له أن ينكحها حتى تبلغ ما يبلغ النساء فيشاورها. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، وتأتي في رسم لم يدرك من سماع عيسى وفي سماع أصبغ، والحمد لله. [مسألة: تزوج امرأة فأذنت له بالدخول عليها قبل أن يعطيها صداقها] مسألة وسئل فقيل له: إني تزوجت امرأة فأذنت لي بالدخول عليها والسكنى والمبيت معها قبل أن أعطيها صداقها وأنفق عليها وأستقي لها ماء، فأنا أضطجع معها إلى جنبها في اللحاف وتمنعني نفسها حتى أعطيها صداقها وليس عندي، فقال له: ذلك لها، أرضها من مهرها، استعن عليها ببعض جاراتها، فأما النفقة عليها فذلك لها عليك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال أن من حقها أن تمنعه نفسها حتى تأخذ صداقها، وإن أذنت له بالدخول عليها والاضطجاع إلى جنبها؛ إذ كان من حقها أن تمنعه من ذلك كله حتى يعطيها صداقها فلا يلزمها منه إلا ما أباحته له ورضيت به، وقوله: استعن عليها ببعض جاراتها، يريد في التأخير أو الهبة إلا في ربع دينار من ذلك، إذ يكره له مالك الدخول دون أن يقدم لها من الصداق ربع دينار على ما يأتي له بعد هذا فيمن نكح بدين، أنه استحب له أن ينقد شيئا قبل الدخول، ومثل ما في آخر رسم استأذن ورسم أوصى، من سماع عيسى، وقد أجاز ذلك ابن المسيب وغيره ولم يروا فيه كراهة، وهو معنى قول

مسألة: تزوج امرأة على أن لا يمنعها من المسجد

الله عز وجل: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] وهو عند مالك خفيف، وإنما كرهه من كرهه مخافة أن تهب له الصداق فيبقى البضع دون شيء، وأما قوله في النفقة: إنها لها عليه، فهو صحيح، إذ هي واجبة بحق الاستمتاع، فيلزمه إذا دعي إلى الدخول، وقد قيل: إنها تجب بالعقد، والأول هو المشهور في المذهب، والله الموفق للصواب. [مسألة: تزوج امرأة على أن لا يمنعها من المسجد] مسألة وسئل مالك عمن تزوج امرأة على أن لا يمنعها من المسجد، فقال: ينبغي له أن يفي لها بما قال، ولا يقضى بذلك عليه، فإن أبى أن يدعها فذلك له، وله أن يمنعها. قال محمد بن رشد: وكذلك ينبغي له أن لا يمنعها من المسجد وإن لم تشترط ذلك عليه لأنه مندوب إليه بقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» وذلك عليه مع الشرط آكد لثلاثة أوجه: أحدها قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحق الشروط أن تفوا بها ما استحللتم به الفروج» والثاني الوفاء بالعهد، إذ قد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الخلف فيه من علامات النفاق» والثالث مراعاة الاختلاف، إذ قد ذهب جماعة من العلماء إلى أنها واجبة يقضى بها، روي عن ابن شهاب أنه قال: كان من أدركت من العلماء يقضون بها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحق الشروط أن تفوا بها ما استحللتم به الفروج» والشروط في النكاح على مذهب مالك تنقسم على قسمين: قسم لا يفسد به النكاح، وقسم يفسد به النكاح، فأما ما كان منها لا يفسد به النكاح مثل أن يتزوجها على أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى معها ولا يخرجها من البلد ولا يمنعها من المسجد، وما أشبه ذلك، فلا يخلو من أن تكون مطلقة أو مقيدة

مسألة: نكح نكاح سر بلا شهداء هل يطلقها طلقة أو يدعها بغير طلاق ويفسخ منه

فإن كانت مطلقة غير مقيدة استحب للزوج الوفاء بها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحق الشروط أن تفوا بها ما استحللتم به الفروج» ولم تلزمه، وإن كانت مقيدة، فلا تخلو من أن تكون مقيدة بتمليك أو طلاق أو عتاق، أو تكون مقيدة بوضع بعض الصداق، فأما إن كانت مقيدة بتمليك أو طلاق أو عتاق، فهي لازمة والنكاح جائز، وقيل: إن النكاح فاسد يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويكون للمرأة صداق مثلها، وهو قول سحنون، وللخروج من هذا الخلاف تفقد الشرط عندنا في الصدقات على الطوع، وهذا إذا كانت التسمية في أصل العقد مع الشرط، وأما إن تزوجها نكاح تفويض على الشرط ثم سمى لها بعد ذلك الصداق، فلا اختلاف في أن النكاح جائز والشرط لازم، وأما إن كانت مقيدة بوضع بعض الصداق فقد مضى ما في ذلك من الاختلاف في الرسم الذي قبل هذا، فلا معنى لإعادته. وأما ما كان منها يفسد به النكاح فلا حد لها وبعضها أشد من بعض، من ذلك أن يتزوجها على أن لا ميراث بينهما أو على أن الطلاق بيدها أو على أن لا نفقة لها أو على أن الخيار لأحدهما، وما أشبه ذلك مما الحكم فيه إذا وقع مذكور في مواضعه من الكتاب، وسيأتي على ذلك كله إن شاء الله الكلام، وبالله التوفيق. [مسألة: نكح نكاح سر بلا شهداء هل يطلقها طلقة أو يدعها بغير طلاق ويفسخ منه] مسألة وسئل عمن نكح نكاح سر بلا شهداء أحب إليك أن يطلقها طلقة أو يدعها بغير طلاق ويفسخ منه؟ فقال: يطلقها طلقة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ثم يتزوجها. قال محمد بن رشد: ليس الإشهاد من شروط صحة العقد، وإنما يجب عند الدخول، ومن تزوج ولم يشهد فنكاحه صحيح ويشهدان فيما يستقبلان إلا أن يكونا قصدا إلى الاستسرار بالعقد، فلا يصح أن يثبتا عليه لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نكاح السر، ويؤمر أن يطلقها طلقة كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لشبهة العقد، ثم يستأنف العقد معها بعد أن تستبرئ نفسها بثلاث حيض إن كان قد دخل بها، هذا الذي يؤمر به في نكاح السر من أتى مستفتيا

مسألة: المرأة تزوج نفسها أو تزوجها امرأة أخرى

فيه قبل الدخول وبعده، وأما من وجد مع امرأة في بيت فادعى أنه نكح نكاح سر فيفرق بينهما بطلقة لإقرارهما على أنفسهما بالنكاح، ويحدان إن أقرا بالوطء إلا أن يكون الدخول فاشيا أو يكون على العقد شاهد واحد فيدرأوا الحد بالشبهة، واختلف إذا شهد على النكاح شاهدان وأمرا بالكتمان فقيل: ذلك من نكاح السر ويفسخ قبل الدخول وبعده إلا أن يطول بعد الدخول فلا يفسخ ويكون فيه الصداق المسمى، وهو المشهور في المذهب، وقيل: النكاح صحيح لا فساد فيه، فيثبت قبل الدخول وبعده، ويؤمر الشهود بإعلان النكاح وينهوا عن كتمانه، وإلى هذا ذهب يحيى بن يحيى، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تزوج نفسها أو تزوجها امرأة أخرى] مسألة وسئل عن المرأة تزوج نفسها أو تزوجها امرأة أخرى فقال: أرى أن يفرق بينهما، دخل بها أو لم يدخل، وأحب إلي أن تكون طلقة. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما اختاره ابن القاسم وأخذ به لرواية العتبية عن مالك من أن الطلاق والميراث يكون في كل نكاح اختلف الناس فيه، ومثله في رسم العرية من سماع عيسى وغيره خلاف ما اختاره سحنون من أن كل نكاح كان الزوجان مغلوبين على فسخه، فلا طلاق فيه ولا ميراث، وذلك كله في المدونة. [مسألة: المرأة تنكح الرجل على أن لا يتسرر عليها ولا ينكح إلا بإذنها] مسألة قال: وسئل عن المرأة تنكح الرجل على أن لا يتسرر عليها ولا ينكح إلا بإذنها، وإلا فأمرها بيدها، فيسألها أن تأذن له فتفعل فيقيم يطلب النكاح، ثم تنزع فتقول: قد رجعت فيما أعطيتك، ولم يعقد نكاحا ولا شيئا، قال: ذلك يختلف إن كانت أشهدت إني قد

مسألة: نكح امرأة بدين إلى أجل

أبطلت عنه شرطي ووضعته له فذلك، وإن كانت أشهدت له في ذلك على امرأة واحدة، فذلك له. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وسيأتي أيضا في رسم باع شاة من سماع عيسى، وفي سماع أصبغ هذا المعنى. [مسألة: نكح امرأة بدين إلى أجل] مسألة قال: وسئل عمن نكح امرأة بدين إلى أجل فقال: إني لأستحب أن ينقد شيئا، ولو فعل لجاز ذلك، ولكن أحب إلي أن يقدم شيئا. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذا المعنى في هذا الرسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: الدعوة إلى الوليمة] مسألة وسئل عن الدعوة إلى الوليمة فقال: أرى أن يجيب إلا أن يكون له علة من مرض أو غيره، قيل له: أرأيت إن أخر ذلك إلى يوم السابع ثم دعا أيجب ذلك على من دعي؟ فقال: إني أرى أن يأتي، وليس ذلك مثل الوليمة لأنه ربما جعل الرجل الوليمة والسابع، قلت: أرأيت الذي يؤذن فيجيء فيقف ثم يستأذن وليست به علة ولا له حاجة؟ فقال: إني أرى أن يأتي فيبرك وينصرف، وإني ربما فعلت ذلك، قلت: أرأيت صاحب الوليمة يدعو إنسانا فيقول له: اذهب فانظر من لقيت فادعه، فيدعو الرجل، أهو في سعة من ترك إجابته؟ فقال: أرجو ألا يكون على هذا بأس أن لا يأتيها لأنه لا يعرفه بعينه ولم يتعمده.

مسألة: المرأة تنكح المحتاج قد عظمت حاجته فلا يجد ما ينفق عليها

قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم القول في وجوب إجابة الداعي إلى وليمة العرس خاصة وأنه لا سعة له في التخلف عنها إلا من عذر، وأنه في سعة من ترك الأكل فيها، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك. وإنما افترقت الوليمة من غيرها من الأطعمة في وجوب الإتيان إليها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا بد للعرس من وليمة» ، ولقوله لعبد الرحمن بن عوف «أولم ولو بشاة» ولقوله: «الوليمة حق والثاني معروف، والثالث سمعة ورياء» فإذا جعل الرجل الوليمة والسابع جميعا كان حقا على من دعي إلى الوليمة أن يأتي لأنه دعي إلى حق، وكان من دعي إلى السابع بخلاف ذلك إذ لم يدع إلى حق، وإنما دعي إلى معروف، فإن شاء أن يأتي وإن شاء أن يترك، وكذلك إن ترك الوليمة وفعل السابع لأنه ترك الحق وفعل المعروف، فلم يكن على من دعي إليه أن يجيب، وأما إن أخر الوليمة إلى يوم السابع فقال مالك: إني أرى أن يأتي، ولم ير ذلك مثل الوليمة، قال: لأنه ربما جعل الرجل الوليمة والسابع، ووجه تعليله تخفيف الإتيان بأنه ربما جعل الرجل الوليمة والسابع هو أنه لما كان الرجل قد يجعلهما جميعا، احتمل عنده أن يكون لم يؤخر الوليمة إلى يوم السابع، وإنما تركها وعمل السابع، ولو كان من عادة الناس في البلد ألا يولموا على أعراسهم إلا يوم السابع لوجب على من دعي إليها أن يأتيها لأنها هي الوليمة بعينها، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تنكح المحتاج قد عظمت حاجته فلا يجد ما ينفق عليها] مسألة قال: وسألته عن المرأة تنكح المحتاج قد عظمت حاجته فلا يجد ما ينفق عليها، ثم تطلب النفقة هل ترى عليه نفقة؟ قال: ما أمر الناس إلا أن عليه النفقة إلا أن يكون بعض هؤلاء السؤال الذين يطوفون على الأبواب، فلا أرى لها عليه نفقة.

مسألة: أصدقها ستين دينارا فقال أبوها نضع عنك عشرين على ألا تخرج بها

قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب: قد علمت حاجته، وما في الكتاب من قوله: قد عظمت حاجته، أصح في المعنى؛ لأن النفقة لو كانت واجبة لها على المحتاج الذي قد علم احتياجه إذا لم يكن سائلا لكان أحرى أن يجب لها عليه إذا كان سائلا لأن مسكنة الذي ليس بسائل أشد من مسكنة السائل على ما جاء في الحديث من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس» ، الحديث، وإنما لم يوجب لها على السائل الذي يطوف على الأبواب نفقة لأن حاله مشهور، فحملها على العلم بذلك بخلاف الذي ليس بسائل، فيرجع معنى الرواية إلى أنها إذا تزوجته وهي تعلم أنه فقير لا يقدر على الإنفاق فلا نفقة لها عليه كان سائلا أو لم يكن، وإلى أنها في السائل محمولة على العلم بحاله بخلاف الذي ليس بسائل، ويؤيد هذا التأويل قول ابن حبيب، قال: وإذا تزوجته وهو فقير لا شيء عنده، فقد عرفت أن مثله لا يجري النفقة على النساء، فليس لها بعد ذلك قول، وفي المدونة من قول يحيى بن سعيد ما يدل على أن الفقير لا نفقة عليه لزوجته، ومعناه إذا علمت بفقره، وهو قوله: إذا تزوج الرجل المرأة وهو غني ثم احتاج فلم يجد ما ينفق عليها فرق بينهما، وقال أبو الحسن القابسي: إذا ترك السائل التطواف كانت لامرأته حجة، وفرق بينهما، وقال محمد بن عبد الحكم: على الزوج الإنفاق على كل حال وإن كان سائلا يطوف بالأبواب، فرأى محمد بن عبد الحكم النفقة لها عليه واجبة وإن كانت مسكنته ظاهرة مشهورة بتطوافه على الأبواب، وهو أظهر، إذ قد يسأل وله مال، وقد يكون الفقير في الظاهر له مال في الباطن، فهي تقول: لولا أن له مالا لم يتزوجني إذ قد علم أن على الزوج أن ينفق على زوجته، وأما إذا لم تعلم بفقره فلا اختلاف في أن لها النفقة عليه، فإن لم ينفق طلقت عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: أصدقها ستين دينارا فقال أبوها نضع عنك عشرين على ألا تخرج بها] مسألة قال: وسئل عمن خطب امرأة فواطأها على ستين دينارا صداقا،

فلما أراد أن يتزوجها على ذلك قال له أبوها: هل لك أن نضع عنك عشرين دينارا ونزوجكها بأربعين دينارا على أن لها ألا تخرج بها من المدينة؟ فقال: نعم، وتزوجها على ذلك. ثم أراد الخروج بها فقال: ذلك له، وعليه العشرون دينارا التي وضع من صداقها لمكان الشرط، قيل له: إنه لم يقع النكاح بالستين، إنما كان مذاكرة، فقال: ولكن ذلك صداقها، وإنما الذي لا يكون له فيه شيء أن تقول: أتزوجك بمائتي دينار أضع عنك مائة على أن لا تخرجني، فهذا ليس بصداق، وله أن يخرجها ولا شيء عليه، قيل له: أرأيت إذا واطأها على ستين دينارا ثم وضعت له عشرين على أن لا يخرجها من بلدها، ثم طلقها قبل أن يمسها، أتأخذ منه نصف الصداق ثلاثين أم عشرين؟ فقال: لا بل لا تأخذ إلا عشرين، وليس لها في هذا حجة؛ لأنه قد تركها على ما شرط لها ولم يخرجها، فليس لها إلا نصف الأربعين، قال: وإني لأرى الوفاء لمن شرط لامرأته أن لا يخرجها حسنا ينبغي له أن يفعل، ولا أرى ذلك عليه، وإني لأكره أن ينكح على مثل هذا ألا يخرجها من بلدها ولا يمنعها من داخل يدخل عليها، ولا يمنعها من حج ولا عمرة ولا من الخروج، إذا كان هكذا فهو لا يملكها ملكا تاما، فأنا أكرهه كما أكره أن يشتري الرجل الجارية بشرط، وليس هكذا يكون النكاح. قال محمد بن رشد: لم يختلفوا أن ما وضعت عنه بعد العقد من صداقها للشرط لها أن ترجع فيه إن لم يف لها بالشرط، وجعل هاهنا ما وضعت عنه مما تواطأوا عليه، وإن لم يتم العقد بمنزلة ذلك لها أن ترجع فيه إن لم يف لها بالشرط، قال محمد بن المواز: وذلك إذا كان الزوج قد رضي بما تواطأوا عليه، وأما إذا لم يكن من الزوج رضى إلا بما عقد بعضه ببعض فلا رجوع لها في شيء من ذلك، وقول محمد تتميم للمسألة وبيان لها، وهي مسألة صحيحة والوجه فيها أنها لم ترض أن تتزوج بما دون الستين التي قد

مسألة: أراد الخروج بامرأته إلى موضع يزعم أنه أرفق به وتأبى امرأته أن تتبعه

رضي بها إلا على الشرط الذي شرطت عليه، فإذا لم يف لها بالشروط رجعت عليه بتمام الستين التي قد كان رضي بها دون شرط، وقد مضى في هذا الرسم القول في وجه استحسان مالك أن من شرط لامرأته شرطا لا يلزمه الوفاء به أن يفي به، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أراد الخروج بامرأته إلى موضع يزعم أنه أرفق به وتأبى امرأته أن تتبعه] مسألة وسئل عمن أراد الخروج بامرأته إلى موضع يزعم أنه أرفق به، وتأبى امرأته أن تتبعه، أذلك له؟ فقال: كيف حاله لها قبل أن يريد الخروج بها، ينظر إلى صلاحه وإحسانه إليها، ليس له أن يخرج بها إلى ثم ثُم يطعمها شوك الحيتان. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إنه إذا كان محسنا إليها ومن أهل الصلاح حكم له بالخروج بها، أحبت أم كرهت، وإن كان بخلاف هذه الصفة من الإساءة إليها والفساد في دينه، لم يُمَكَّن من الخروج بها إذا أبت أن تخرج معه لما تخشى من إضاعته لها لقلة رغبته فيها، وهو محمول على ما يوجب الخروج بها حتى يعلم خلاف ذلك، هذا الذي يقتضيه ظاهر قوله في كتاب إرخاء الستور من المدونة، والحر في هذا بخلاف العبد على ما قاله ابن القاسم في رسم الجواب من طلاق السنة، وبالله التوفيق. [المرأة تجعل في أطراف رأسها الصوف تمسك به المشط] ومن كتاب الجنائز قال: وسئل مالك عن المرأة تجعل في أطراف رأسها الصوف تمسك به المشط، قال: لا بأس بهذا، الشعر شعرها، لا بأس به. قال محمد بن رشد: قوله: في أطراف رأسها، معناه في أطراف شعر رأسها، خرج مخرج قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] يريد أهل القرية، ومعنى قوله: تمسك به المشط؛ أي تستبقي به أثر المشط في رأسها، وهو الترجيل، فتقيه بذلك من التشعث، فلم ير بذلك بأسا إذا كان الشعر شعرها لم تصله بشعر غيرها لأن

مسألة: المرأة تتزوج تريد التحليل لزوجها والذي تزوجها لم يرد ذلك

هذا هو الذي جاء فيه الحديث بلعن الواصلة والمستوصلة، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تتزوج تريد التحليل لزوجها والذي تزوجها لم يرد ذلك] مسألة وروى أشهب وابن نافع قالا: قيل لمالك: أرأيت إذا تزوجت المرأة وهي تريد التحليل لزوجها لذلك تزوجته إلا أن الزوج الذي تزوجها لم يرد ذلك ولم يعلم به أيحلها هذا النكاح لزوجها الأول؟ فقال: لا أرى بهذا النكاح بأسا، وأراه يحلها لزوجها الأول لأن المرأة ليس بيدها من هذا شيء، ليس تقدر على الطلاق، وقد تزوج المرأةَ النكاحَ الحسن، وهي تحب أن ترجع إلى زوجها الأول، فلا أرى بهذا بأسا لأنه ليس إلى المرأة من الطلاق شيء، وليس ذلك بيدها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن نية المرأة في نكاحها التحليل لزوجها لا يضرها ولا يؤثر في صحة النكاح ولا في وقوع التحليل إذ ليس بيدها من الطلاق شيء، ويدل على ذلك من الحديث قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لتميمة بنت وهب زوجة رفاعة إذ طلقها ثلاثا فنكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فناشدته الطلاق فطلقها فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته بذلك فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» ، وكذلك المطلق لا تؤثر نيته في النكاح ولا في وقوع التحليل به إذ لا مدخل له في إمساك الزوج الثاني ولا إلى طلاقه، وقد قال إبراهيم النخعي والحسن البصري: إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فسد النكاح، وهو بعيد جدا، وإنما يعتبر في ذلك نية الزوج الذي الطلاق بيده، فإذا تزوج الرجل المرأة المطلقة ثلاثا ونيته أن يحلها لزوجها احتسابا في ذلك وإن لم يكن بمواطأة بينه وبين الزوجة أو الزوج فهو نكاح فاسد لا تحل به المرأة لزوجها الذي طلقها بإجماع من مالك وأصحابه، قال ابن حبيب: وكذلك لو قال في

مرت به امرأة في الظلام يظنها امرأته فقال لها أنت طالق إن وطئتك الليلة

نفسه: إن وافقتني أمسكتها وإلا كنت قد احتسبت في تحليلها كان نكاحا فاسدا لم يحل له المقام عليه ولا تحل به المرأة لزوجها الأول إذا خالطت نية الزوج شيئا من إرادة التحليل، واختلف في المذهب إذا تزوجها رجل قد كان حلف أن يتزوج على امرأته ليس يمينه هل يحلها هذا النكاح أم لا يحلها على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يحلها كانت تشبه مناكحه فيبر في يمينه أو لا تشبه مناكحه فلم يبر في يمينه؛ لأنه نكاح صحيح لو شاء أن يقيم عليه أقام، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك، والثاني: أنه لا يحلها كانت مما يشبه مناكحه فيبر في يمينه أو ممن لا تشبه مناكحه فلا يبر، وهو قول ابن دينار وأحد قولي ابن كنانة، والثالث: الفرق بين أن تكون تشبه مناكحه أو ممن لا تشبه مناكحه وهو أحد قولي ابن كنانة، ومن أهل العلم من قال: لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان بذلك، وهو مأجور على ذلك، وهو قول ابن القاسم وسالم وربيعة ويحيى بن سعيد. وأما عقد النكاح على التحليل فلا اختلاف بين أهل العلم أن ذلك لا يجوز، وهو داخل تحت اللعنة، روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لعن الله المحلل والمحلل له» من رواية علي وابن مسعود وأبي هريرة وعقبة، وفي حديث عقبة: «ألا أدلكم على التيس المستعار؟ هو المحلل» وإنما اختلفوا في جوازه إذا وقع، فالذي ذهب إليه مالك وجميع أصحابه وأكثر أهل العلم أنه نكاح فاسد لا يحل المقام عليه يفسخ قبل الدخول وبعده، ويكون فيه الصداق المسمى، وقيل: صداق المثل، ومن أهل العلم من أجاز النكاح وأبطل الشرط، وبالله التوفيق. [مرت به امرأة في الظلام يظنها امرأته فقال لها أنت طالق إن وطئتك الليلة] من سماع عيسى بن دينار من عبد الرحمن بن القاسم من كتاب نَقَدَهَا نَقْدها قال عيسى: قال ابن القاسم في رجل تزوج امرأة فنقدها

نقْدها ثم أراد سفرا، فسأل أهلها أن يدخلوا عليه امرأته فأجابوه، فلما كان العتمة أدخلت عليه جارية " امرأته وامرأته ثيب، ثم سألوه أن يكف عن وطئها فقال: أنا أطأ امرأتي كل مملوك لي حر إن وطئتها الليلة وهو يشير إلى الجارية يظن أنها امرأته، ثم إنه وطئها تلك الليلة، فلما دخل عليه أهله إذا الجارية لا امرأته، فلما مضى لهم نحو من شهر إذا الجارية قد حملت وعليه لامرأته كل امرأة يتزوجها فهي طالق وكل جارية يتخذها فهي حرة وأمرها بيدها، قال ابن القاسم: أرى أن رقيقه أحرار ويلحق به الولد ولا تُقَوَّم الجارية عليه، ولا حد عليه ولا على الجارية، ولا طلاق عليه في امرأته ولا تمليك لها؛ لأنه لم يطأ جارية يملكها، ولا تمليك لها. وإن كانت المرأة لم تعلم بأمر الجارية وإنما أهلها صنعوا ذلك بغير علم منها رجعت على الزوج بقيمة الولد، ولم يرجع الزوج على الذين غروه ودلسوا له بشيء؛ لأنه لا يكون أسوأ حالا من الذي يغتصب الجارية فيبيعها فيتخذها المشتري أم ولد فيستحقها صاحبها فيأخذها ويأخذ قيمة ولدها، والمشتري لا يرجع على المغتصب بأكثر من الثمن الذي دفع إليه ولا يرجع عليه بما أدى من قيمة ولدها، وإن كان ذلك بعلم من المرأة فلا شيء لها عليه من قيمة الولد ولا تقوم عليه الجارية إلا أن يشاء هو ذلك، قيل: فإن لم تكن الجارية أخرجت إليه إلا أنهم سألوه أن يكف عن وطئها قبل أن يخرجوها فحلف بمثل تلك اليمن وليست هي حاضرة ثم أخرجت إليه فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن رقيقه أحرار خلاف قوله في أول هذا الرسم من كتاب الأيمان بالطلاق في الذي مرت به امرأة في ظلمة الليل فوضع يده عليها وهو يظن أنها امرأته، فقال لها: أنت طالق إن وطئتك الليلة وهو يرى أنها امرأته ثم وطئها تلك الليلة فقال: لا شيء عليه لأنه وطأ غير امرأته لأنه حلف أن لا يطأها وهو يشير إلى الجارية وهو يظن أنها امرأته،

مسألة: الذي يصيبه البرص أيفرق بينه وبين امرأته

والقولان قائمان من كتاب العتق الأول من المدونة في الذي دعا عبدا له يقال له ناصح ليعتقه فأجابه مرزوق فقال له: أنت حر وهو يظنه ناصحا، والأظهر أنه لا شيء عليه في رقيقه فيما بينه وبين الله تعالى على ما قاله في مسألة العتق ولا في القضاء والحكم أيضا إذا ثبت البساط المذكور في المسألة. وقوله: ولا تقوم عليه الجارية خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون في الذي يزوج الرجل ابنته فيحبسها ويبعث إليه بأمته فيصيبها من أنها تقوم عليه لأنه وطئها على شبهة درأ بها عنه الحد بمنزلة الذي يحل له الجارية، وقول ابن القاسم أظهر لأن الذي حللت له الجارية فعل ما لا يجوز له لمن وطئها فكان ذلك منه رضى بالتزام قيمتها، وهذا لم يتعد في وطء هذه الجارية وإنما وطئها وهو يرى أنها امرأته، فوجب أن لا يكون عليه في ذلك شيء من حد ولا قيمة لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ، ولم ير على الجارية حدا لأنه عذرها بالملك فجعلها من أجله في حكم المكرهة على أصله في سماعه من كتاب الحج في المحرم يطأ جاريته وهو محرم أن عليه أن يحجها ويهدي عنها أكرهها أو لم يكرهها، قال: وليست الأمة في الاستكراه مثل الحرة، وقال ابن الماجشون: إنها تحد إلا أن تقول لم أعلم وظننت أنكم زوجتموني منه، وعلى الذي أدخل عليه الجارية النكال الموجع من الإمام، وسائر ما ذكر في المسألة صحيح بين المعنى لا اختلاف فيه ولا إشكال في شيء من معانيه، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يصيبه البرص أيفرق بينه وبين امرأته] مسألة وسئل عن الذي يصيبه البرص أيفرق بينه وبين امرأته؟ قال: إن جاء من ذلك أمر ضرر يعرف أنه لا يستطاع أن يقام عليه فرق بينه وبينها. وإن كان خفيفا فليس ذلك لها، والبرص عند ابن القاسم خفيف، قال ابن القاسم: وأما الجذام البين فإنه يفرق بينه

وبينها، وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم البز من سماع ابن القاسم القول في حكم البرص يقربه أحد الزوجين أو يحدث به بعد العقد فلا معنى لإعادة ذلك، وأما الجذام البين فسواء كان بالزوج من قبل العقد أو حدث به بعد العقد فيما يجب للزوجة من أن يفرق بينها وبينه، فإن فرق بينهما قبل الدخول لم يكن لها شيء من الصداق، وإن فرق بينهما بعد الدخول كان لها جميع صداقها، وإن رجي برؤه لم يفرق بينهما إلا بعد أن يضرب له أجل لعلاجه، قاله ابن القاسم في المدونة. ولأشهب في سماع زونان أنه لا يفرق بينهما إلا أن يكون متفاحشا لا يحتمل النظر إليه وتغض الأبصار دونه، ومعنى ذلك إذا كان حادثا فلا اختلاف في وجوب التفرقة بينهما بالجذام الذي يكون بالزوج، قبل العقد إذا كان بينا وإن لم يكن متفاحشا، فإن رضيت بالمقام معه ثم أرادت بعد ذلك القيام عليه ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك ليس لها إلا أن يزيد، وهو قول ابن القاسم في رسم الجواب بعد هذا، والثاني: أن ذلك ليس لها وإن زاد، وهو دليل قول ابن وهب في سماع زونان قوله فيه إنه يفرق بينهما وإن لم يكن مؤذيا ولا فاحشا لأنه يزيد ولا تؤمن زيادته وانتقاصه، والثالث: أن ذلك لها وإن لم يزد، وهو ظاهر قول أشهب في سماع زونان، قاله في الفاحش على أصله في أنه لا يفرق بينهما إلا فيه، وأما إذا كان الجذام بالمرأة، فإن كان قديما قبل العقد كان للزوج ردها به إذا كان بينا وإن لم يكن فاحشا، وإن كان حادثا بعد العقد فهي مصيبة نزلت بالزوج، إن شاء طلق ويكون عليه نصف الصداق قبل الدخول وجميعه بعد الدخول، وإن شاء أمسك. وأما الجنون بالزوج فسواء أيضا كان به قديما قبل العقد أو حادثا بعده من حق الزوجة أن يفرق بينه وبينها به بعد أن يضرب له أجل سنة لتداويه، قيل: وإن كان يعفيها من نفسه ولا يخاف عليها منه، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في رسم باع شاة من سماع عيسى بعد هذا، وقيل: بل إذا كان لا يعفيها من نفسه ويخاف عليها منه، وهو قول ابن وهب وأشهب في سماع زونان وقول ربيعة في النكاح الثاني من المدونة، فإن فرق

مسألة: أيتزوج الرجل الحر أمة وهو يجد طولا

بينهما قبل الدخول لم يكن لها شيء من الصداق. وأما الجنون بالمرأة فإن كان قديما قبل العقد كان للزوج ردها به، وإن كان حادثا بعده فهي مصيبة نزلت بالزوج، إن شاء طلق، وإن شاء أمسك، ويكون عليه نصف الصداق قبل الدخول وجميعه بعد الدخول، والحمد لله. [مسألة: أيتزوج الرجل الحر أمة وهو يجد طولا] مسألة وسئل مالك أيتزوج الرجل الحر أمة وهو يجد طولا؟ قال: نعم قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم بعد هذا [في هذا] الرسم: لا بأس أن يتزوجها وإن كان لا يخاف على نفسه عنتا وهو واجد للطول، وهو المشهور عند ابن القاسم، والمشهور عن مالك أنه لا يجوز له أن يتزوجها إلا مع عدم الطول وخوف العنت، وهذا الاختلاف جار على الاختلاف في القول بدليل الخطاب، فمن رأى القول بدليل الخطاب لم يبح نكاح الأمة للحر إلا بالشرطين، ومن لم ير القول به أباح ذلك له دون الشرطين، والعلة في المنع من ذلك إلا بالشرطين عند من رأى القول بدليل الخطاب الكراهة للحر في أن ينكح نكاحا يرق فيه ولده، فعلى هذا إذا تزوج الحر أمة من يعتق عليه ولده منها أو كان ممن لا يولد له كالحصور وشبهه جاز نكاحه مع عدم الشرطين لعدم علة المنع قولا واحدا كالعبد، فعلى القول بأن الحر يتزوج الأمة وإن كان واجدا للطول آمنا من العنت لا كلام للحرة إن تزوج الأمة عليها أو تزوجها على الأمة لأن الأمة على هذا القول من نسائه كالعبد، هذا الذي نزل عليه ألفاظ المدونة. وقد تأول أبو إسحاق التونسي أن الحق في ذلك للحرة على كلا القولين جميعا سواء، وهذا إنما يصح على قول ابن الماجشون الذي يرى الخيار للحرة إذا تزوج العبد عليها الأمة أو تزوجها على الأمة، وقد اختلف على القول بالمنع إلا مع الطول في الطول ما هو؟ فقيل: الصداق والنفقة، وقيل:

مسألة: المرأة البكر أو غير البكر تعطي الرجل دنانير على أن يتزوجها بها

الصداق وحده طول وإن عجز [أيضا] عن النفقة، واختلف أيضا في الحرة تكون عنده هل هي طول تمنعه من نكاح أمة، واختلف على القول بأنها طول إن تزوج أمة ثم وجد طولا، فقيل: إنه يفارق الأمة ويتزوج حرة، وقيل: بل يبقى معها إلا أن يتزوج حرة فيفارقها، وقيل: بل يبقى معها وإن تزوج حرة لأنه قد تقدم تزويجه إياها بوجه جائز، وأما إن ذهب عنه خوف العنت بتزويج الأمة فليس عليه مفارقتها قولا واحدا، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة البكر أو غير البكر تعطي الرجل دنانير على أن يتزوجها بها] مسألة وسئل عن المرأة البكر أو غير البكر تعطي الرجل دنانير على أن يتزوجها بها، قال: إن كانت ثيبا فزادها على ما أعطته ربع دينار فصاعدا فلا بأس به، وإن كانت بكرا فسخ النكاح إلا أن يتم لها الصداق، إذا لم يدخل بها [لأن أصل النكاح صحيح] وأما إذا دخل بها ألزم الصداق وكان لها صداق مثلها، رجع ابن القاسم ثم قال: النكاح ثابت دخل بها أو لم يدخل، وإن كانت بكرا كان عليه أن يعطيها من ماله مثل الذي أصدقها من مالها، وإن كانت ثيبا فأعطاها من ماله ربع دينار لم يكن عليه أكثر من ذلك. قال محمد بن رشد: أما الثيب فإن زادها على ما أعطت ربع دينار فأكثر جاز النكاح لأنها مالكة أمر نفسها فعطيتها له جائزة، والرضى بالصداق إليها، فقد رضيت بما زادها على ما أعطته صداقا، وإن زادها أقل من ربع دينار على ما أعطته كان بمنزلة من تزوج بأقل من ربع دينار يكون مخيرا على مذهب ابن القاسم في المدونة قبل الدخول بين أن يتم لها ربع دينار أو يفسخ النكاح، ويلزمه بعد الدخول تمام ربع دينار، ويفسخ قبل الدخول ويثبت

مسألة: يخطب المرأة فتأبى عليه إلا أن يجعل طلاقها في طلاق صاحبتها

بعده بصداق المثل على قول غيره فيها، وإن لم يزدها شيئا إن كان الذي أعطته أكثر من الذي زوجها به كان بمنزلة من نكح على أنه لا صداق عليه يفسخ قبل الدخول وبعده كالموهوبة، وقيل: يفسخ قبله ويمضي بعده بصداق المثل على حكم النكاح الفاسد لصداقه، وأما البكر فسواء زادها على ما أعطته شيئا أو لم يزدها لا يجوز ذلك له لأنها مولى عليها لا تجوز عطيتها، واختلف قول ابن القاسم فيما يلزمه، فمرة قال: النكاح ثابت لا خيار له فيه دخل أو لم يدخل، ويؤخذ منه من ماله مثل ما كان أصدقها من مالها، ووجه ذلك أنها قد استحقت ما كان أصدقها فوجب أن ترجع عليه بمثله، كالعبد يعطي الرجل دنانير ليشتريه بها من سيده فيشتريه ولا يستثنى [من] ماله، وهو قوله الذي رجع إليه هاهنا، ومثله بعد هذا في سماع سحنون، ومرة قال: إن كان قبل الدخول كان مخيرا بين أن يعطيها من ماله مثل ما كان أصدقها من مالها وبين أن يفسخ النكاح، وإن كان بعد الدخول كان لها صداق مثلها، ووجه هذا القول أن أصل النكاح صحيح لأنه لم يقع إلا بصداق غير أن الزوج لو علم أن العطية لا تمضي له لم يرض أن يبذل هذا الصداق من ماله، فلا يلزمه بعد الدخول إلا صداق المثل، ويفسخ النكاح قبل الدخول إلا أن يرضى أن يعطيها من ماله مثل ما كان أصدقها، وبالله التوفيق. [مسألة: يخطب المرأة فتأبى عليه إلا أن يجعل طلاقها في طلاق صاحبتها] مسألة وسئل عن الرجل تكون له المرأة فيخطب فتأبى عليه إلا أن يجعل طلاقها في طلاق صاحبتها فيرضى فيدخل بها ثم يطلق الأولى، قال: إن كان إنما أراد طلاقها في طلاق صاحبتها أنه إن طلقها فصاحبتها طالق فلا شيء عليه إن طلق الأولى، وإن لم تكن له نية فهما جميعا طالقتان لأن المرأة إذا تزوجت إنما تشترط أنك إن طلقتني فصاحبتي طالق، فهذا وجه ما يعرف، فإن كان هذا الذي أراد فلا شيء عليه، وإن لم ينو شيئا من ذلك فهما جميعا طالقتان.

مسألة: الرجل الحر الذي لا زوجة له أينكح الأمة وهو يجد طولا لحرة

قال محمد بن رشد: حمل يمينه على ما يقتضيه اللفظ إذا لم تكن له نية ولم يراع المعنى الذي هو معروف من قصد المرأة في شرطها، وهذا أصل مختلف فيه، والأظهر مراعاته، فيجب على ذلك إن لم تكن له نية ألا شيء عليه وأن لا يكونا جميعا طالقتين إلا أن يكون أراد أنه إن طلق صاحبتها فهي طالق، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل الحر الذي لا زوجة له أينكح الأمة وهو يجد طولا لحرة] مسألة وسئل عن الرجل الحر الذي لا زوجة له أينكح الأمة وهو يجد طولا لحرة أو لا يجد ولا يخاف على نفسه عنتا، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة قبل هذا في هذا الرسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج أمة على أنه إن تزوج عليها أو تسرر فأمرها بيد مولاها فهلك مولاها] مسألة وسئل عن رجل تزوج أمة على أنه إن تزوج عليها أو تسرر فأمرها بيد مولاها فهلك مولاها، قال: ما أرى بيدها شيئا وأرى ورثته بمنزلته أو وصيه إن كان ورثته صغارا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لأن الشرط يورث في الأمة إذا جعله إلى مولاها بخلاف الحرة لأن الأمة ملك، فإذا جعل الأمر بيد مولاها فمولاها كل من انتقل إليه الملك بميراث، وكذلك كل مشيئة تكون في ملك فهي تورث، ولو جعل الأمر بيد غير مولاها فهلك لم يكن بيد ورثته من ذلك شيء، ولرجع الأمر إليها لأن الشرط إنما أخذ لها على معنى ما حكى ابن القاسم عن مالك في كتاب بيع الخيار من المدونة إذا جعل الأمر بيد الأمة فماتت وإن كان لم يتبين ذلك منه، ولو أوصى بذلك إلى أحد لجازت وصيته بذلك، قاله مالك بعد هذا في رسم استأذن. وفي كتاب بيع الخيار من المدونة

مسألة: أمة تحت حر ولدت أولادا له وأرادوا بيعها وولدها فقال زوجها أنا آخذها

خلاف [هذا من] رواية علي بن زياد عنه فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: أمة تحت حر ولدت أولادا له وأرادوا بيعها وولدها فقال زوجها أنا آخذها] مسألة وقال مالك في أمة تحت حر ولدت أولادا له وأرادوا بيعها وولدها فقال زوجها: أنا آخذها، قال مالك: أنا أرى أنه أحق بها بما أعطوا بها لأن في ذلك خيرا يعتق ولدها ولا أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن الزوج إذا أراد أن يأخذهم بالثمن الذي أعطوا بهم فبيعهم من غيره بذلك الثمن إضرار بالولد في غير منفعة تصير إليهم، فلا يمكنون من ذلك إذ لا مضرة عليهم في بيعهم من الزوج ولا منفعة لهم في بيعهم من سواه، ولو باعوها وحدها دون ولدها لم يكن أحق بها بما يعطى فيها إلا أن تكون حاملا إذ لا تكون له أم ولد إذا اشتراها وإن كانت قد ولدت منه قبل الشراء إلا أن يشتريها وهي حامل منه، وفي ذلك اختلاف قد روي عن مالك أنها لا تكون له أم ولد حتى يكون أصل الحمل بعد الشراء. ومثل هذا في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب العتق وفي غير ما موضع، وكذلك يجب في كل شيء مشترك لا شفعة فيه إذا باع بعض الأشراك أنصباءهم أن يكون لمن بقي منهم أن يأخذ ذلك بالثمن الذي يعطى فيه ما لم ينفذ البيع، والله الموفق. [رجل ملك ابنته رجلا فسأله أن يخلي له مع امرأته فقال له الأب نعم] ومن كتاب أوله استأذن سيده في تدبير جاريته قال: وسألت ابن القاسم عن رجل ملك ابنته رجلا فسأله أن يخلي له مع امرأته، فقال له الأب: نعم، فذهب أبوها إلى رجل فسأله ابنته أن يخليها مع ختنه ففعل فخلا بها فافتضها، قال: إن كانت طاوعته ضربت الحد ولا صداق لها، وإن كان استكرهها كان لها

مسألة: عن الرجل ينكح ابنته رجلا ويشترط عليه إن تزوج عليها فأمرها بيدها

الصداق على أبوي الجارية المملكة إلا أن لا يكون عندهما شيء فيكون ذلك لها على الذي افتضها إن كان موسرا ويتبع هو أبوي الجارية، وعلى أبوي الجارية المملكة وأبوي الجارية المستكرهة النكال على كل حال. قال محمد بن رشد: قال في المدونة: إن الصداق على الذي افتضها ويرجع الذي افتضها على الذي غره، وهو القياس، وما هنا استحسان لأنا إذا قضينا لها بالصداق على الذي افتضها أعدينا الذي افتضها بذلك على الذي غره، فالقضاء لها بالصداق على الغار أولى من أجل أنه أقل عناء، والذي يوجبه النظر الصحيح أن تكون مخيرة في اتباع من شاءت منهما لأن الذي افتضها غريمها والغار غريم غريمها، فلها أن ترجع عليه بما لغريمها أن يرجع عليه، وسائر قوله في المسألة صحيح لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: عن الرجل ينكح ابنته رجلا ويشترط عليه إن تزوج عليها فأمرها بيدها] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل ينكح ابنته رجلا ويشترط عليه إن تزوج عليها فأمرها بيدها، وذلك من صداقها، فتضع المرأة صداقها عن زوجها، هل ترى الشرط قد وضع عن زوجها بوضع الصداق عنه؟ وهل للمرأة قضاء في ذلك الشرط مع أبيها ما كان حيا؟ أو هل للأب أن يسنده إلى أحد إذا مات؟ أو هل بيد المرأة من ذلك الشرط شيء، إن لم يسنده أبوها إلى أحد؟ قال ابن القاسم: أما قولك ذلك من صداقها فذلك باطل ولا يوضع عنه الشرط بوضع الصداق وذلك بيد أبيها، فإن تزوج فأراد الأب أن يطلق وأرادت هي الإقامة مع زوجها نظر في ذلك، فإن كان الذي أرادت من ذلك هو حظها وهو خير لها لم يكن للأب أن يطلق، وإن كان الذي أراد أبوها من الفراق هو حظها وهو خير لها كان القضاء

في ذلك، قضاء أبيها ولم يقبل لها قول؛ لأني سمعت مالكا يسأل عن الرجل يجعل أمر امرأته بيد أبيها إن لم يأت إلى أجل سماه، فحل الأجل ولم يأت فأراد أبوها أن يطلق، وقالت المرأة: لا أحب فراق زوجي فقال مالك: القول في ذلك قولها، ويمنع أبوها من الفراق، وإن مات أبوها وأسند ذلك إلى أحد كان ذلك له وكان في ذلك بمنزلة أبيها، قال: وإن مات ولم يسنده إلى أحد فليس بيدها من ذلك شيء، وفي سماع [أبي محمد] يحيى قال ابن القاسم: وإن طلق الأب قبل أن يمنعه السلطان مضى الطلاق، وإن طلق بعد منع السلطان فلا يجوز. قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم في الذي اشترط على زوج ابنته إن تزوج عليها فأمرها بيدها إنه إن تزوج عليها فأراد الأب أن يفرق بينهما وأرادت هي البقاء مع زوجها إن السلطان ينظر في ذلك، فمن رأى الحظ في إرادته منهما كان القضاء قضاءه الأب كان أو الابنة، ولم يقل كما قال مالك في الذي جعل أمر امرأته بيد أبيها إن لم يأت إلى أجل سماه إنه إن لم يأت إلى الأجل فأراد الأب أن يفرق بينهما وأرادت هي البقاء مع زوجها إن القول في ذلك قولها ويمنع أبوها من الفراق، والوجه فيما ذهب إليه إنه جعل لاشتراط الأب على زوج ابنته أن أمرها بيده إن تزوج عليها حقا فلم ير أن يخرج من يده إلا بنظر السلطان لأنه يقول: أنا أعلم أنه إنما تزوج عليها إرادة الإضرار بها من حيث لم تعلم هي، ولذلك شرطت أن أمرها بيدي فوجب أن ينظر السلطان في ذلك، بخلاف جعل الزوج ذلك بيده دون أن يشترط عليه؛ لأنه إذا لم يشترطه عليه فإنما فعله لزوجته لا له، فكانت أحق بالقضاء في ذلك منه، والله أعلم، ولا فرق بين المسألتين إلا من جهة الشرط. وقوله: إنه إن مات فأسند ذلك إلى أحد كان ذلك له هو مثل ما له في كتاب بيع الخيار من المدونة خلاف رواية علي بن زياد عنه في ذلك فيه،

مسألة: أصدقها مائة دينار فدخل بها قبل أن يقدم إليها شيئا أيحال بينه وبين وطئها

وقوله: وإن مات ولم يسنده إلى أحد فليس بيدها من ذلك شيء خلاف ما حكى عنه ابن القاسم في كتاب بيع الخيار من المدونة لأنه قال فيه. فكأني رأيت مالكا رأى ذلك لها، أو قال ذلك لها ولم أتبينه، وبالله التوفيق. [مسألة: أصدقها مائة دينار فدخل بها قبل أن يقدم إليها شيئا أيحال بينه وبين وطئها] مسألة قال عيسى: قلت له: فلو كان فرض مائة دينار أو نحوها فدخل بها قبل أن يقدم إليها شيئا، أيحال بينه وبين وطئها حتى يقدم إليها أدنى ما ينكح به؟ فقال: يقال أعطها ربع دينار ولا يجتنب مسيسها بعد أن دخل بها. قال محمد بن رشد: قوله: يقال أعطها ربع دينار ولا يجتنب مسيسها بعد أن دخل بها كلام متناقض فليس على ظاهره، ومعناه: الإنكار أن يكون عليه أن يعطيها ربع دينار قبل أن يعود إلى مسيسها، وتقديره: أيقال له أعطها ربع دينار وهو ليس عليه أن يجتنب مسيسها أي ليس يقال له ذلك، وكذلك في سماع أبي زيد أن ذلك يكون دينا عليه ولا يكف عن وطئها، ومحمد بن المواز يرى الوطء الثاني كالأول فيكره له التمادي على الوطء حتى يعطيها ربع دينار [ولها عنده أن تمنعه نفسها حتى يعطيها ربع دينار، وإن كانت قد أذنت له في الدخول عليها فدخل، وهو إغراق؛ لأن الدخول بها قبل أن يقدم إليها شيئا من صداقها ليس بحرام، وإنما يكره مخافة أن تهب له بعد ذلك الصداق فيكون قد استحل فرجها بلا صداق، فإذا دخل فقد فات الأمر وذهب موضع الكراهية، ولو أذنت له بالدخول عليها قبل أن يدفع إليها من صداقها شيئا لما كان له أن يدخل حتى يقدم إليها من صداقها ربع دينار، ولكان لها أن تمنعه من ذلك أيضا لأن الكراهة في ذلك حق لله تعالى، فلا يلزمها الإذن فيما زاد على ربع دينار، وقد مضى هذا في رسم الطلاق الثاني

مقدار ما كان يتوضأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغتسل

والثالث من سماع أشهب، ويأتي في رسم أوصى ورسم يوصي ورسم العشور من سماع عيسى وفي سماع أبي زيد، وبالله التوفيق لا رب غيره ولا معبود سواه. [مقدار ما كان يتوضأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغتسل] ومن كتاب العرية قال ابن القاسم وسفيان بن عيينة: الفرق ثلاثة آصع. قال محمد بن رشد: زاد في سماع أصبغ من كتاب الوضوء وهو الذي كان يتوضأ منه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويتطهر، وهو المعنى المقصود إليه، وقد مضى هنالك القول في صفته وتسميته ومبلغ ما يحمل من الماء ووجه تخريج ما يعارض ظاهره من الآثار في مقدار ما كان يتوضأ به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويغتسل مستوفى، فمن أحب الوقوف من ذلك على الشفاء تأمله هناك، ولا وجه لإعادته هنا إذ ذلك الموضع به أليق وأولى، وبالله التوفيق. [مسألة: زوج ابنه في صحته فحمل عنه الصداق في ماله ثم مات] مسألة قال: وكل من زوج ابنه في صحته فحمل عنه الصداق في ماله أو زوج ابنته في حياته أجنبيا أو قريبا فحمل صداقها في ماله ثم مات أن ذلك يكون في ماله من رأس المال ولا يحاسب به الابن ولا الابنة في موروثهما منه ويحاصان الغرماء في الموت، وإن حمل ذلك عنهما في المرض لم يجز في شيء منهما من ماله وخير ابنه فإن شاء بنى وغرم الصداق، وإن شاء فارق ولا شيء عليه إذا لم يكن دخل، وإن دخل اتبع به دينا، قلت: وكذلك الأجنبي الذي زوجه ابنته في مرضه وحمل عنه الصداق إن دخل غرم، وإن شاء فارق ولا شيء عليه إذا لم يكن دخل؟ قال: نعم، وإنما هيج هذه المسألة ابن أبي حسان في رجل قال في مرضه لابن أخيه قد وصلتك بابنتي فإنه إن قبل زوج وخفف عنه من الصداق بقدر ما يرى مما أراد من التخفيف عنه.

مسألة: أصدقها الخادم ثم بعد سنين تصدقت به عليه ثم مات زوجها

قال محمد بن رشد: أما إذا زوج الأب ابنه أو ابنته في صحته أجنبيا أو قريبا وحمل عنهما الصداق في ماله فلا اختلاف في أن ذلك يكون لهما في رأس ماله إن مات ولا يحاسبان بذلك في ميراثهما ويحاصان به الغرماء في الموت والفلس كما قال، ومعنى ذلك في الدين المستحدث، وأما في الدين القديم فلا لأنه إذا كان عليه دين يغترق ماله فلا يجوز له أن يحمل صداقا عن أحد لأنه من المعروف، والدين أحق من المعروف ومن الهبات. وأما إن زوج ابنه في مرضه وحمل عنه الصداق فمات من مرضه فلا اختلاف في أن ذلك وصية لا تجور إلا أن يجيزها له الورثة ويخير، فإن شاء بنى وغرم الصداق، وإن شاء فارق ولا شيء عليه، وإن كان صغيرا نظر في ذلك له وليه أو وصيه بعد موت أبيه، قاله في المدونة. وقد قال مالك فيها فيمن يضمن الأب عن ابنه في مرضه لا يعجبني هذا النكاح، ووجه كراهته له ما دخله من الخيار، ووجه القول الأول أنه خيار لم ينعقد عليه النكاح، وإنما أوجبه الحكم، فلم يكن له فيه تأثير، وأما إن زوج ابنته في مرضه وحمل الصداق عن زوجها ففي ذلك اختلاف كثير جعل ذلك ههنا وصية للابنة فلم يجزها، وقال مطرف وابن الماجشون إنها وصية للزوج فتجوز له من ثلثه إن لم يكن وارثا، ورويا ذلك عن مالك، وهو قول ابن وهب في سماع أصبغ وقول ابن القاسم في رواية أبي زيد، واختلف في ذلك قول أشهب على ما ألزمه أصبغ في سماعه من مسألة الذي يقر في مرضه أنه قبض صداق ابنته، قال ابن الماجشون وهذا إذا كان الذي سمي لها وحمله عن زوجها صداق مثلها فأقل، وأما إن كان أكثر من صداق مثلها فالزائد على صداق مثلها وصية لها لا يجوز باتفاق إلا أن يجيزها الورثة، وروى ذلك أبو قرة عن مالك، وقاله عدة من أصحابه، فإن لم يجيزوا ذلك لها كان الزوج مخيرا بين أن يخرجه من ماله أو يترك النكاح، ولا يلزمه منه شيء، وبالله التوفيق. [مسألة: أصدقها الخادم ثم بعد سنين تصدقت به عليه ثم مات زوجها] مسألة وسئل عن الرجل تموت امرأته فيرث ما تركت هو وولدها،

مسألة: امرأة وليت عقد نكاح جارية لها ثم إن الرجل زوج الجارية طلقها

وكان ما تركت خادما فتزوج امرأة فأصدقها تلك الخادم وأقامت في يديها سنين، ثم إنها تصدقت عليه بالخادم فأقامت بعد ذلك سنين هي له، ثم توفي فوجد له كتاب فيه ذكر الخادم أنها لولده من امرأته التي توفيت أو كتب بذلك في وصيته، هل ترى أنها لهم دون إخوتهم من أبيهم؟ قال: ليس لولده الذين ذكر في كتابه أنها لهم في الخادم شيء، وإنما لهم قيمتها يوم أصدقها امرأته. قال محمد بن رشد: إنما يكون لهم قيمتها يوم أصدقها على ما قال إذا ثبت أنها لهم ببينة تشهد على ذلك أو على إقرار الأب لهم بها في صحته فيحمل قوله وجد له في كتاب فيه ذكر الخادم أنها لولده من امرأته على أحد وجهين، إما أن يكون الكتاب تضمن معرفة الشهود لذلك، وإما أنه تضمن إشهاده على نفسه بذلك في صحته، وأما إن لم يعلم ذلك إلا بأنه كتبه في وصيته في مرضه فلا يكون لهم بذلك شيء، إذ لا يجوز إقرار الرجل في مرضه لبعض ولده دون بعض إذا كانت حالتهم واحدة في البر به أو العقوق له على ما في سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، وإنما وجب لهم قيمتها يوم أصدقها امرأته لأنها قد فاتت بتزويجه بها على مذهبه مليا كان أو معدما ودخل بالمرأة أو لم يدخل بها، وستأتي هذه المسألة والقول فيها في رسم الجواب من سماع عيسى إن شاء الله. [مسألة: امرأة وليت عقد نكاح جارية لها ثم إن الرجل زوج الجارية طلقها] مسألة وعن امرأة وليت عقد نكاح جارية لها ثم إن الرجل طلق امرأته قبل أن يعلم أنه كان مفسوخا ثم أراد أن يتزوجها، قال: إن كان طلقها البتة فلا ينكحها حتى تنكح زوجا غيره. قال محمد بن رشد: هذا على ما اختاره ابن القاسم وأخذ به من قول مالك، وقد مضى هذا في آخر رسم من سماع أشهب، ومثله في المدونة

مسألة: المرأة تدعي على زوجها صداقا مؤخرا إلى غير أجل قبل الدخول بها

وغيرها من قوله واختياره، وبالله التوفيق لا شريك له. [مسألة: المرأة تدعي على زوجها صداقا مؤخرا إلى غير أجل قبل الدخول بها] ومن كتاب يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه قال: وسألته عن المرأة تدعي على زوجها صداقا مؤخرا إلى غير أجل قبل الدخول بها وتأتي على ذلك بشاهد يشهد أنه تزوجها بمائة دينار نقدا ومائة مؤخرة إلى موت أو فراق، فقال: أما إذا ادعت ذلك قبل البناء بها فلا يقبل قولها بشاهد واحد ولا تحلف معه إذا كان زوجها منكرا لذلك لأنها تدعي فسخ نكاح، فلا يجوز في الفسخ شاهد ويمينها، ولا يكون الفسخ إلا بشهادة شاهدين؛ لأنها وإن طلبت حقها فيما تزعم فإن ذلك الحق لا يثبت لها إلا بفسخ النكاح، فنحن لو قبلنا يمينها مع شاهدها فسخنا نكاحه ولم تتبعه بقليل ولا بكثير، وردت عليه ما أخذت منه إن كانت أخذت منه شيئا لأن هذا النكاح إذا أُدرك قبل الدخول بها فُسخ، فلا تثبت لها المائة الآجلة التي ادعت إذا كان ذلك قبل الدخول بشاهد واحد مع يمينها، ولا يثبت لها أيضا بشاهدين؛ لأنها لو أقامت شاهدين فسخنا النكاح بينهما، قال: وإن ادعت هذا الآجل بعد الدخول وأتت بشاهد قلنا النكاح قد ثبت، وقد فات موضع الفسخ؛ لأنه لا يفسخ مثل هذا النكاح بعد الدخول ولو شهد على ذلك العدول فقد فات منه موضع الفسخ، وإنما هي مدعية حق وليست مدعية فسخ نكاح، فهي تحلف مع شاهدها وتستحق صداق مثلها، فإذا حلفت قُوِّمَ لها صداق مثلها فأعطيته إلا أن يكون الذي وصل إليها من العاجل أكثر من صداق مثلها فيكون ذلك لها ولا ترد منه شيئا

مسألة: يخطب امرأة وتحته أخرى فيقول وليها لا أزوجك إلا على أن تطلق امرأتك

ويسقط عن زوجها الآجل الذي عليه، وإن كان الذي وصل إليها أقل من صداق مثلها ألحقت بتمام صداق مثلها نقدا إن كان لصاحبها مال وإلا اتبعته [به] دينا. قال محمد بن رشد: قوله: إنها لا تحلف مع شاهدها قبل الدخول على ما تدعي من أنه أصدقها مائة نقدا ومائة إلى موت أو فراق صحيح على المشهور في المذهب من أن النكاح يفسخ قبل الدخول على كل حال وإن رضي الزوج بتعجيل المائة التي إلى أجل مجهول أو رضيت المرأة بتركها، وأصبغ يقول: إن النكاح لا يفسخ إذا رضي الزوج بتعجيلها أو رضيت المرأة بتركها، فعلى قوله يحلف قبل البناء مع شاهدها، وقد حكى ذلك ابن حبيب عنه. وظاهر قوله أنها إذا حلفت مع شاهدها بعد الدخول وكان صداق مثلها أكثر من المعجل والمؤجل فلها جميع ذلك، ومثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك من رواية مطرف عنه و [عن] ابن الماجشون، وهو ظاهر ما في المدونة في باب نكاح الشغار، وحكي عن ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ أنه إذا وجد صداق مثلها من المعجل والمؤجل فلا يزاد على مقدار المعجل والمؤجل كما لا ينقص من مقدار المعجل؛ لأنه إذا عجل لها ما رضيت به إلى أجل فلا حجة لها، وقد قيل: إن لها صداق مثلها كان أقل من المائة أو أكثر من المائتين، وهو ظاهر قول أصبغ وأبي زيد في رسم الدور والمزارع من سماع يحيى، وبالله التوفيق. [مسألة: يخطب امرأة وتحته أخرى فيقول وليها لا أزوجك إلا على أن تطلق امرأتك] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يخطب امرأة وتحته امرأة أخرى فيقول وليها: لا أزوجك إلا على أن تطلق امرأتك، التي تحتك أو تجعل أمرها بيد صاحبتها، فيقول أشهدكم إذا دخلت على

صاحبتكم فأمر امرأتي التي تحتي بيدها، فزوجوه على ذلك ثم صالح امرأته التي تحته فتدخل عليه الأخرى وليست التي جعل أمرها بيدها تحته ولا في ملكه ثم يريد أن يتزوجها، قال: يتزوجها وليس من أمرها بيد امرأته قليل ولا كثير؛ لأنه إنما قال: إذا دخلت على صاحبتكم فأمر امرأتي بيدها فقد دخلت وليست في ملكه، وهو بمنزلة من يحلف لغريم له بطلاق امرأته أن يوفيه حقا له عليه إلى أجل فصالح امرأته قبل الأجل فَحَلَّ الأجل وليست في ملكه فإنه لا يقع عليه حنث، وهو يتزوجها بعد الأجل إن شاء. قلت: وكذلك لو قال يوم تدخل علي صاحبتكم فامرأتي التي تحتي طالق البتة أو طالق واحدة أو اثنتين فصالحها ثم تدخل عليه الأخرى وليست في ملكه ثم يريد أن يتزوجها؟ قال: نعم، هو مثله، وله أن يتزوجها، ولا يلحقه طلاق؛ لأنه من وجه التقاضي، قلت: ولا يكون مثل أن يقول: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق فيصالح امرأته فيدخل الدار ثم يتزوجها فتريد أن تدخل الدار؟ قال: ليس هذا مثله هذا إن عاد إلى دخول الدار بعد أن يتزوجها عاد عليه الطلاق ما بقي عليه من ذلك الطلاق شيء؛ لأنه فعل ذلك الفعل بعينه الذي حلف عليه وهي في ملكه؛ ولأن الذي قال يوم تدخل عليّ فامرأتي طالق فصالحها ودخلت عليه وهي ليست في ملكه فقد وقع الفعل وليست في ملكه، فليس يستطيع أن يعود إلى ذلك الفعل بعد أن تزوج هذه التي حلف فيها؛ لأن الدخول عليه إنما هو مرة واحدة فقد دخلت عليه تلك المرأة وليست في ملكه، ولا يستطيع أن يعود إلى ذلك أكثر، وأن الذي حلف ألا يدخل دار عمرو بن العاص فهو يستطيع أن يعود إلى دخولها بعد أن يتزوجها؛ لأنه فعل حلف عليه يستطيع أن يفعله متى شاء، وإن دخول المرأة إنما هو مرة واحدة فليس يستطيع أن تدخل عليه ثانية بعد أن تزوجها إلا أن يطلقها ثم

يتزوجها، وأما إن لم يطلقها فليست تستطيع أن تدخل عليه أكثر من تلك المرة التي دخلت والمرأة التي فيها اليمين ليست في ملكه فليس عليه فيها شيء وإن تزوجها بعد ذلك، وكذلك الذي حلف بطلاق امرأته إن دخلت دار عمرو بن العاص فصالح امرأته ثم دخل وأقام فيها ثم تزوج تلك المرأة ودخلت عليه في الدار؛ فإنه لا يقع عليه طلاق حتى يخرج ثم تدخل، وأما ما أقام فيها معها فليس يقع عليه طلاق، وكذلك الذي يحلف بطلاق امرأته ألا يدخل الفسطاط فصالح امرأته تلك ثم دخل الفسطاط فتزوج تلك المرأة بالفسطاط وسكن معها بالفسطاط؟ قال: لا يلزمه يمين ولا يقع عليه حنث ما أقام بالفسطاط حتى يخرج من الفسطاط ثم يدخل، فإن خرج ثم دخل وقع عليه الطلاق، وقيل له: وكذلك الذي يحلف بطلاق امرأته إن ركب هذه الدابة فصالح امرأته وركب الدابة ثم تزوجها وهو على تلك الدابة؟ قال: إن لم ينزل حين تزوجها حنث، وليست الدابة ولا الثوب يلبسه مثل الدار؛ لأنه لو أقام على الدابة راكب بعد التزويج فذلك فعل مبتدأ، وكذلك الثوب إن لبسه بعد أن راجعها حنث؛ لأن إقرار الثوب عليه بعد مراجعتها فعل حادث وركوب الدابة كذلك، قلت: فيحلف بطلاق امرأته أن لا يركب هذه السفينة أو لا يدخلها فيصالح امرأته ثم دخل السفينة فيتزوجها فدخلت عليه في السفينة وأقام ولم يخرج منها؟ قال: أما إذا قال: إن دخلت فصالحها ثم دخل وراجعها فدخلت عليه في السفينة فإنه لا يلزمه حنث حتى يخرج ثم يدخل، وأما إن قال: إن ركبت فهو مخالف لقوله: إن دخلت. إن قال: إن ركبت فصالحها ثم ركب فراجعها وهو فيها فإنه إن لم ينزل مكانه حنث، وهو بمنزلة الثوب والدابة، وقد سمعت بعض أهل العلم يقول فيمن حلف ألا يتزوج بالفسطاط فخرج إلى مكة فعقد نكاح فسطاطية بمكة قال: لا شيء

عليه إذا عقد نكاحها بغير الفسطاط وإن كانت المرأة بالفسطاط إذا عقد النكاح بغير الفسطاط، قال: فإن قال: كل امرأة أتزوجها من أهل مصر فهي طالق فلا يجوز له أن يعقد نكاح مصرية بموضع من المواضع وتطلق عليه إن فعل، قيل لابن القاسم: وكذلك الذي حلف بالطلاق ألا يشتري سلعة كذا وكذا بالفسطاط فخرج إلى مكة فاشترى تلك السلعة بعينها من صاحبها بمكة والسلعة بالفسطاط؟ قال: نعم، هو كذلك أيضا لا حنث عليه. قلت: وكذلك الذي يقول في عبد بعينه إن اشتراه بالفسطاط فهو حر فلقيه سيده بمكة فاشتراه منه ثم والعبد بالفسطاط؟ قال: نعم، هو كذلك أيضا لا شيء عليه، ثم قال بأثر ذلك: أرأيت لو أن رجلا خطب إلى قوم وتحته امرأة فقالوا: إنا لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فذهب عنهم فصالح امرأته ثم أتاهم فزوجوه وكتبوا عليه طلاق امرأته وليست تحته امرأة، ثم أراد أن يتزوجها أيلحقه من يمينه شيء؟ قال: ليس يلحقه من ذلك الطلاق شيء ويتزوجها إن شاء. قال محمد بن رشد: أما قوله: في الذي شرط لامرأته أن أمر امرأته التي تحته بيدها يوم تدخل عليه أو أنها طالق واحدة أو اثنتين يوم تدخل عليه فصالحها ثم دخلت عليه وليست في ملكه ثم تزوجها بعد ذلك إنه ليس بيدها من أمرها شيء ولا يلزمه فيها طلاق لأنها يوم دخلت عليه لم تكن في ملكه فهو صحيح على ما يوجبه اللفظ، وأما على ما يقتضيه المعنى فيجب أن يكون أمرها بيدها إن تزوجها عليها بعد أن دخل بها وأن تطلق كلامه أيضا إن كان قال: فهي طالق لأنه إنما أراد أن لا يجمع بينهما، وهو الذي يأتي على مذهبه في المدونة؛ لأنه قال في كتاب الأيمان بالطلاق منها في الذي يشترط لامرأته أن كل امرأة يتزوجها عليها فهي طالق أو أمرها بيدها فيطلق امرأته واحدة أو اثنتين فتبين منه ثم يتزوج امرأة ثم يراجع امرأته أن المرأة التي تزوج تطلق عليه أو يكون أمرها بيد امرأته، وإن لم يتزوجها عليها وإنما تزوجها هي عليها لأنه إنما

مسألة: يزوج ابنته فيقول له الناكح إني أخاف أن تكون وليتك سوداء

أراد أن لا يجمع بينهما ولا ينوى في ذلك إن ادعى نية، وأما الذي حلف لغريمه بطلاق امرأته ليوفينه حقه إلى أجل فصالح امرأته قبل الأجل فإنه لا يقع عليه حنث بمضي الأجل، وله أن يتزوجها بعد ذلك ولا يكون عليه شيء باتفاق إلا أنه قال في المدونة: وبئس ما فعل من فر من الحنث من أجل أنه غر غريمه إذا حلف له ثم فر من الحنث، إذ لو علم ذلك لقام عليه بحقه ولم ينظره به، وقوله: لأنه من وجه التقاضي إشارة منه إلى مسألة الغريم المذكور التي احتج بها، وسائر المسائل التي ذكر صحيحة ومعانيها التي ذكر بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، وتفريقه في الذي يحلف وهو في السفينة أن لا يركبها وأن لا يدخلها صحيح لأن الركوب واللباس والسكنى يقع على ابتداء ذلك وعلى التمادي عليه، والدخول إنما يقع على ابتداء الدخول في الشيء لا على التمادي على المقام في داخله، وبالله التوفيق. [مسألة: يزوج ابنته فيقول له الناكح إني أخاف أن تكون وليتك سوداء] مسألة وسئل عن الرجل يزوج ابنته أو وليته فيقول له الناكح: إني أخاف أن تكون وليتك سوداء أو عمياء أو عوراء، فقال: ليس لها من هذه العيوب شيء، وهي برية من ذلك فيجد بها بعض ذلك هل يردها بذلك؟ قال: نعم إذا شرطه على ذلك ردها، وهو قول مالك، قلت: أرأيت إن لم يعلم العيب حتى مس؟ قال: يكون لها الصداق عليه ويكون ذلك له غرما على من غره، قال أصبغ: قال ابن القاسم: وكذلك لو خطب رجل إلى رجل فقال: قد قيل لي: إن وليتك سوداء، فقال: قد كذب من قال ذلك، هي البيضاء الكذا فنكحها فوجدها سوداء إنما ترد عليه لأنه غره، وهو كالشرط، وكذلك العمياء والعرجاء، قال أصبغ: ومثله الرجل يسوم الرجل الجارية فيقول: إنها ليست تطبخ ولا تخبز فيقول: هي تطبخ وتخبز وتنصب، أو يقول، ليست بعذراء، فيقول: هي عذراء فيكون ذلك كالشرط.

قال محمد بن رشد: لا اختلاف أعلمه في أن الخاطب إذا قال للمخطوب إليه: قد قيل لي: إن وليتك سوداء أو عوراء فقال له: قد كذب من قال ذلك بل هي البيضاء الكذا أن ذلك شرط بمنزلة قوله: ليس لك من هذه العيوب لشيء، يكون للناكح ردها إن وجد بها بعض ذلك، فإن لم يعلم بذلك حتى مس كان لها الصداق، وكان ذلك له غرما على من غره، وإنما اختلفوا إذا وصفها له الولي عند الخطبة بالبياض وصحة العينين ابتداء على غير سبب وهي عوراء أو سوداء فقيل: إن ذلك لازم للزوج ولا كلام له في ذلك لأنه فرط إذ لم يتثبت ويستخبر لنفسه، وهو قول أصبغ في الخمسة، ومذهب ابن القاسم في رواية يحيى عنه واختيار محمد بن المواز، وقيل: إنه بالخيار قبل الدخول إن شاء تقدم على أن عليه جميع الصداق وإن شاء فارق ولم يكن عليه شيء، فإن لم يعلم حتى دخل ردت إلى صداق مثلها على ما بها من العيوب ورجع بالزائد عليها، وهو قول ابن وهب وعيسى بن دينار، وقيل: إنه يرجع به على الولي الذي غره إلا أن تكون ثيبا قد علمت بكذب وليها فتقدمت على معرفة بذلك فيرجع عليها إن كان لها مال وإلا رجع على الولي، وهو قول ابن حبيب، قال ابن القاسم في الدمياطية: ولو قال له غير الولي الذي زوجها منه أنا ضامن لها أنها ليست بسوداء ولا عوراء ولا عرجاء فدخل بها ووجدها بخلاف ما ضمن له لكان له الرجوع عليه بما زاد على صداق مثلها وليا كان أو غيره، وكذلك الحكم في الذي يزوج وليته على أن لها من المال كذا وكذا شرطا لما ليس لها أو سمى ذلك لها عند الخطبة من غير شرط لا فرق بين المسألتين في واحد من الوجهين، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تنكح المرأة لجمالها ولمالها» ، ففرق بين الوجهين إلا أن محمد بن المواز ذهب إلى أنه إن زوج وليته بشرط أن لها من المال ما ليس لها فإنما للزوج أن يرجع على من شرط له ذلك وغره بما زاد من المهر على صداق مثلها إن هو خلى سبيلها ولم يرض بها،

مسألة: الرجل يزوج ابنته قبل أن تبلغ المحيض فيدخل بها زوجها ثم يطلقها

وهو بعيد؛ لأنه يقول: لم أتزوجها ولا رضيت بما سميت من الصداق إلا لما شرط لها من المال، فإذا لم يكن ذلك فأنا أردها وأرجع بجميع الصداق على الذي غرني كما يقول في السوداء سواء إذا غر بما شرط له من بياضها، وابن حبيب يرى للزوج رد القرعاء والسوداء وإن لم يغر من ذلك كالعيوب الأربعة، وذكر ذلك عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأما الذي يبيع الجارية ويصفها بأنها عذراء وبأنها تنصب وتطبخ وتخبز، فسواء وصفها بذلك ابتداء أو بعد أن قال له المبتاع: إنها ليست عذراء ولا تطبخ ولا تخبز، للمبتاع أن يردها إذا لم تكن على ذلك كالشرط سواء، ولا اختلاف في هذا، قال في سماع أصبغ من العيوب: وكذلك لو قال: إنها تزعم أنها بكر أو إنها صناعة أو رقامة لردها إذا لم تكن على ذلك كالشرط، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يزوج ابنته قبل أن تبلغ المحيض فيدخل بها زوجها ثم يطلقها] مسألة قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يزوج ابنته قبل: أن تبلغ المحيض فيدخل بها زوجها ثم يطلقها، هل يجوز تزويج أبيها إياها بغير مؤامرتها؟ قال: قال مالك تزويجه جائز عليها من غير مؤامرتها ما لم تحض، قال ابن القاسم: وأنا أرى أن تزويج أبيها جائز عليها إذا رجعت إليه من غير مؤامرتها ما لم تحض عند أبيها، فإذا حاضت عند أبيها بعدما رجعت إليه رأيت أن لا يجوز عليها تزويجه إلا بمؤامرتها وكانت كالثيب التي مات عنها زوجها أو طلقها وقد حاضت، قلت: أرأيت الصغيرة التي لم تحض إذا دخل بها زوجها ثم طلقها أو مات عنها قبل أن تحيض أتلزم أباها النفقة عليها؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إذا حاضت بعد أن رجعت أيلزم النفقة عليها وهو لا يستطيع أن يزوجها إلا بمؤامرتها؟ قال: لا تلزمه نفقتها إذا حاضت، وذلك ما ليس فيه شك، قال: وسئل عنها سحنون فقال: إذا رجعت إلى أبيها قبل أن تحيض وقد كان دخل بها

مسألة: الرجل ينكح المرأة فيهدي لها هل يدخل بها بتلك الهدية

زوجها كان حالها حال البكر يزوجها أبوها بغير رضاها وإن حاضت، ويلزمه الإنفاق عليها. قال محمد بن رشد: وقد قيل: إنه لا يجبرها على النكاح وإن لم تبلغ، وجه قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن الأب يملك العقد على ابنته بعلة البكورة والصغر، فإذا ارتفعت البكورة قبل ارتفاع الصغر كان من حقه أن يزوجها لعلة الصغر حتى تبلغ، كما أنه إذا ارتفع الصغر قبل ارتفاع البكورة كان له من حقه أن يزوجها بعلة البكورة حتى ترتفع أيضا، ووجه قول سحنون أن وطأها قبل البلوغ لا يعتبر به إذ لا تحصن به في النكاح، ولا تحد فيه في الزنى، فوجب أن يكون للأب أن يزوجها وإن بلغت كمن لم يدخل بها، ووجه القول الثالث أنه لما كان دخوله بها قبل أن تبلغ المحيض كدخوله بها بعد أن بلغت المحيض سواء في أن ذلك وطء تحل به إن كان طلقها ثلاثا وجب أن يكون ذلك سواء في أنه لا يجوز للأب أن يزوجها إلا برضاها، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل ينكح المرأة فيهدي لها هل يدخل بها بتلك الهدية] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل ينكح المرأة فيهدي لها هل ترى أن يدخل بها بتلك الهدية؟ قال: لا يدخل بتلك الهدية حتى يقدم لها من صداقها ربع دينار لأنه ليس من الصداق، قلت: فهل يدخل إذا رهنها بصداقها رهنا؟ قال: نعم يدخل بالرهن، قلت: فالرجل يهدي الهدية ثم يطلقها قبل الدخول بها والهدية قائمة؟ قال: لا شيء له منها لأنه ليس من الصداق، قلت: فإن أهدى لها الهدية ثم عثر على النكاح أنه مفسوخ ففسخ قبل البناء فهل يرجع فيأخذ الهدية؟ قال: إن أدرك منها شيئا أخذه، وإن فاتت لم يكن له قبلها قليل ولا كثير، قلت: فهل يجوز أن يتحمل بالصداق ويبني بأهله

بالحمالة؟ قال ابن القاسم: أخبرني بعض من أثق به أن بعض أهل الفضل قد أجازه، ولست أرى ذلك، وأحب إلي أن يقدم لها ربع دينار. قال محمد بن رشد: أجاز له الدخول بالرهن وكره ذلك بالهدية، وأجاز له ابن حبيب الدخول بالهدية، وروى مثله ابن نافع عن مالك في المبسوط، وفي كتاب ابن المواز لمالك أن من تزوج امرأة بدين له على رجل فلا يدخل بها حتى يقبض من ذلك ثلاثة دراهم يدفعها إليها، وقال أيضا: له أن يدخل وإن لم تقبض شيئا لأنه حق لها لو شاءت باعته وقبضت ثمنه، فعلى القول بأنه لا يدخل بها إذا تزوجها بالدين يكون له على رجل حتى تقبض من ذلك ثلاثة دراهم لا يجوز له أن يدخل بها أيضا بالرهن لأن ذلك أحرى أن لا يجوز، ولم ير ابن القاسم له أن يدخل بالحمالة، وحكى عن بعض أهل الفضل أنه أجازه، فحصل الاختلاف في هذه المسائل كلها، وأخفها الدخول بالدين، والأظهر أن الدخول به جائز لأنه حق قد وجب لها لو شاءت باعته وأخذت ثمنه، والقول بأنه لا يدخل به بعيد، فمن لم ير له الدخول به حتى يقبض منه ثلاثة دراهم فأحرى أن لا يجيز له الدخول في سائر المسائل، ويليه الدخول بالرهن لأنها قد قبضت ما هي أحق به من الغرماء في الموت والفلس، وأشدها الدخول بالحمالة؛ لأن ذمة الحميل كذمة الزوج ولم تقبض شيئا، والأظهر أنه لا يدخل بها، فمن أجاز له الدخول بها فأحرى أن يجيز له الدخول بها في سائر المسائل، وأما الرهن فوجه إجازة الدخول به هو أنها قبضته لتستوفي صداقها منه، وهي أحق به من الغرماء في الموت والفلس، وقد قيل: إن من حلف أن يقبض حقه يبر بالرهن، وأما الهدية فوجه قوله: إنه لا يدخل بها هو ما ذكره من أنها ليست من الصداق، ولو طلقها لم يكن له منها شيء وإن كانت قائمة ولو ألفى النكاح مفسوخا لم يكن له إلا ما أدرك منها، وبالله التوفيق. تم كتاب النكاح الثاني والحمد لله حق حمده، والصلاة الكاملة على سيدنا محمد نبيه وعبده.

كتاب النكاح الثالث

[كتاب النكاح الثالث] [الرجل يزوج أمته عبدا لغيره فجرحها فأسلمه سيده] كتاب النكاح الثالث

مسألة: حكم اجتماع النكاح والبيع في عقد واحد

ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل مالك عن الرجل يزوج أمته عبدا لغيره فجرحها فأسلمه سيده أتحرم عليه؟ قال: لا وهو على نكاحه لأنه ليس مالا من مالها هو لسيدها مال من ماله. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: لأن إسلامه إلى سيدها في الجناية عليها كبيعه منه، وهو لو باعه منه لم يؤثر ذلك في صحة نكاحها، واختلف في جنايته عليها إن كانت مُثْلَة بها هل تطلق عليه أم لا؟ فحكى سحنون عن مالك في آخر رسم المزارع من سماع يحيى من كتاب العتق أنها تطلق عليه بمنزلة بيعه لها لأنه ليس بمأمون على عيبها، وهي رواية زياد بن جعفر عن مالك في المدنية، وقال ابن القاسم: لا يفرق بينهما، ويكون بينهما القصاص والقود إلا أن يرى السلطان للتفرقة وجها مثل أن يخافه عليها، وبالله التوفيق. [مسألة: حكم اجتماع النكاح والبيع في عقد واحد] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: لا يجوز نكاح وبيع، ولا صرف وبيع [ولا شركة وبيع] ولا مساقاة وبيع، ولا قراض وبيع، قال

ابن القاسم: فإن وقع هذا فسخ كله إلا أن يفوت، فإن فات عمل فيه مثل ما يعمل في المكروه، فأما النكاح والبيع فإنه إن دخل بها رأيت أن تعطى صداق مثلها، [وإن لم يدخل بها فسخ النكاح، وأما الصرف والبيع فإن أدرك رد كله، وإن فاتت السلعة بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق لزمه قيمتها يوم قبضها. .] . وإن كانت السلعة لم تفت بنماء ولا نقصان ولا اختلاف أسواق ردت، وإن كانت قد فاتت بشيء من ذلك لزمته قيمتها يوم قبضها ويرد قابض الورق عليه وزنه وعينه ويرد إليه البائع ذهبه، وأما الشركة والبيع فإن السلعة إن كانت لم تفت ردت وفسخت شركتهما، وإن كانت فاتت بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق لزمته قيمتها يوم قبضها، وأما القراض والبيع فإنه إن أدرك الأمر فسخ بينهما، وإن فاتت السلعة بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق لزمته السلعة بقيمتها يوم قبضها وكان المقارض أجيرا في القراض تدفع إليه إجارة مثله لأن مالكا قال لي: من قارض رجلا على أن يسلفه أو يجعل له عددا من الربح مسمى كان أجيرا في القراض ولم يجعل له في هذا إلا قراض مثله، فإذا باعه بيعا على أن يقارضه كان البائع قد ترك له فضلا في سلعته على أن قارضه بمنزلة السلف إن كان المقارض قد زاده في ثمن السلعة على أن قارضه، فكأنه أعطاه فضلا في قراضه على أن قارضه، وهو وجه بين. وأما المساقاة والبيع فإن كانت السلعة لم تفت ردت، وإن فاتت بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق لزمت قيمتها يوم قبضها ورد في المساقاة إلى مساقاة مثله، وذلك أني سألت مالكا عن رجل ساقى رجلا حائطا ثلاث سنين وفيه ثمرة قد طابت واشترطها الداخل بينهما فقال: تكون الثمرة لصاحبها ويعطى المساقى فيها ما أنفق

ويكون الرجل على مساقاة مثله حتى تنقضي السنتان، ولم يفسخه مالك، وقد كان الرجل عمل فيها سنة وبقيت له سنتان، فأتم له مالك مساقاته على مساقاة مثله ورد إليه قيمة عمله ونفقته، فهذه سنة المساقاة والبيع فيما نرى، والله أعلم. قال محمد بن رشد: أما النكاح والبيع فقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال: أحدها قول ابن القاسم وروايته عن مالك هاهنا وفي المدونة أن ذلك لا يجوز على حال ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويكون فيه صداق المثل، قيل: لأن البيع طريقه المكايسة وتجوز فيه الهبة، والنكاح طريقه المكارمة ولا تجوز فيه الهبة، فإذا وقعا معا لم يدر ما يقع مما أعطى الزوج للبضع مما يقع منه لما أعطت المرأة فآل ذلك إلى الجهل بمبلغ الصداق وبمبلغ ثمن ما وقع فيه البيع فوجب فيه الفسخ، وقيل: مخافة أن يكون الفرج موهوبا بغير صداق فلا يجوز وإن كان فيما أعطى الزوج فضل كثير على ما أعطت المرأة حماية للذرائع؛ لأن كثيرا من النساء ترضى أن تتزوج الرجل على أن تعطيه لرغبتها فيه لشرفه وحاله أو لكثرة يساره أو ما أشبه ذلك، فيخشى إن صح الأمر من هذين أن لا يصح من غيرهما، وهذا التعليل لأصبغ، فإن طلق الزوج على هذا القول قبل الدخول لم يكن إلا شيء من الصداق لأن الصداق الفاسد لا يجب للمرأة منه شيء بالموت ولا بالطلاق، والقول الثاني: أنه يكره ابتداء حماية للذرائع، فإذا وقع نظر فيه فإن لم يكن فيما أعطى الزوج على ما أعطت المرأة فضل يكون صداقا لم يجز وفسخ قبل الدخول ومضى بعده بصداق المثل، وإن كان فيه فضل قيل قدر ربع دينار فأكثر وهو قول مطرف وقيل فضل بائن كثير لا يقارب أن يستغرقه ما أعطت المرأة، وهو قول ابن الماجشون جاز النكاح ولم يفسخ، وقول مطرف أظهر لأن التقويم يكشف صحة العقد من فساده كما لو تزوج بعرض لا يدرى هل يساوي ربع دينار أم لا يساويه إلا بعد التقويم، وإن طلق الزوج على هذا القول قبل الدخول وفيما

أعطى الزوج فضل ربع دينار أو أكثر على قول مطرف أو فضل بائن كثير على قول ابن الماجشون كان للزوجة نصف الفضل، وهو أحد قولي مالك في المبسوط، فجعل الزائد على ما أعطت المرأة للنكاح، وهو نحو قول مطرف وابن نافع في الذي يصالح بشقص فيه شفعة عن موضحتين عمد وخطأ أنه لا يكون لموضحته العمد من قيمة الشقص إلا ما زاد على دية موضحة الخطأ المعلومة والقول الثالث أن ذلك جائز من غير اعتبار بفضل ما أعطى الزوج على ما أعطت المرأة ويكون ما أعطى الزوج منضوضا على قيمة ما أعطت المرأة وعلى صداق مثلها إن طلق قبل الدخول واستحق شيء مما وقع فيه البيع مع النكاح، حكى هذا القول عبد الوهاب عن أشهب، وهو قول له وجه، إذ ليس في المنع من النكاح والبيع معا نص في القرآن ولا في السنة ولا أجمعت على ذلك الأمة، فلا يكون على قول أشهب النكاح فاسدا، وإذا كان ما أعطى الزوج أقل مما أعطت المرأة إذا وقع من ذلك للبضع عند النض ربع دينار فأكثر. وقد ذهب بعض أهل النظر إلى أنه إنما ينض على مذهبه ما أعطى الزوج على قيمة ما أعطت المرأة وعلى صداق مثلها إذا كان قيمة ذلك مقاربا لهما جميعا، وأما إن كان أكثر منهما جميعا بكثير أو أقل منهما جميعا بكثير فيجعل للبضع الزائد على ما أعطت المرأة؛ لأنه إن كان أكثر منهما جميعا بكثير حمل على الزوج أن الزيادة إنما زادها لشهوته في المرأة وحرصه على نكاحها لما ركب الله في النفوس من الشهوة إلى ذلك، وإن كان أقل منهما جميعا بكثير حمل على المرأة أن النقصان إنما نقصته لرغبتها في النكاح وحرصها عليه وشهوتها فيه، وهو معنى حسن لو ساعده الظاهر. وأما الصرف والبيع فقوله فيه: إنه لا يجوز معناه في الكثير، إذ قد علم من مذهبه في المدونة وغيرها إجازة ذلك في اليسير، قال أبو بكر الأبهري: وإنما لم يجز في الكثير مخافة أن يئول الأمر إلى الصرف المتأخر باستحقاق السلعة؛ لأن السلعة إن استحقت وجب أن ينض الذهب على الدراهم وعلى قيمة السلعة فلا يدرى في حال العقد ما وقع للدراهم من الذهب، وقال ابن القاسم في التفسير: إنما لم يجز ذلك لأن السلعة إن استحقت لم يدر المبتاع بما يرجع من الذهب إذ لا يصح أن ينض

على قيمة السلعة وقيمة الدراهم إذ لا تقوم الدراهم كما تقوم السلع، وقال ربيعة في المدونة: إنما كره اجتماع البيع والصرف من أجل أن السلعة إن وجد بها عيب يريد أو استحقت انتقض الصرف، فإن وقع ذلك كان الحكم فيه على ما ذكر من فسخ ذلك كله ورد الذهب والورق على وزنه والسلعة بعينها إن كانت قائمة أو قيمتها إن كانت فائتة. وأما الشركة والبيع فإنما لم يجز اجتماعهما في صفقة واحدة لأن الشركة من العقود الجائزة لكل واحد من المشاركين أن ينفصل عن صاحبه متى ما أراد ولا يلزمه البقاء معه على الشركة فدخل [على] ذلك الغرر في البيع لأن البائع إنما رضي ببيع سلعته منه بالثمن الذي سمياه لما رجاه من الانتفاع ببقائه معه على الشركة، وذلك لا يلزمه، ولو لزمه أيضا لكان البيع غررا لجهل قدر الانتفاع بمشاركته إياه، فوجب أن يفسخ البيع في السلعة وترد بعينها إن كانت قائمة وتكون فيها القيمة إن كانت فائتة كما قال. وأما قوله: وفسخت شركتهما فإنه لفظ وقع على غير تحصيل إذ ليست الشركة من العقود اللازمة فيحتاج إلى فسخها وإن رضي بعد فسخ البيع بالبقاء على الشركة جاز ذلك لهما وكان كشركة مبتدأة. وأما القراض والبيع فإنما لم يجز أن يجتمعا في صفقة واحدة من أجل أن القراض مخالف للبيع في وجهين: أحدهما أن القراض من العقود الجائزة، والثاني أنه إجارة مجهولة، تجوز بالإجماع والاتباع والقياس على المساقاة، فإذا انضاف أحدهما إلى الآخر أفسد كل واحد منهما صاحبه؛ لأن البيع يعود مجهولا بإضافته إلى المجهول، ولأن القراض يخرج عن أصله باشتراط إضافة البيع إليه فيعود إجارة مجهولة، فوجب لذلك أن يفسخ البيع على ما قال ويرد في القراض إلى إجارة مثله. وأما المساقاة والبيع فإنما لم يجز أن يجتمعا في صفقة واحدة من أجل أن المساقاة تخالف البيع في أنها إجارة مجهولة مخصصة بالسنة من الإجارة المجهولة، فلما كانت تخالف البيع في هذا وتوافقه في أنها من

مسألة: حكم نكاح الرجل المرأة بالهدية دون الصداق

العقود اللازمة لم ير أن يفسخها إذا لم تدرك حتى فاتت بالعمل وأمضاها إلى تمام أجلها على مساقاة المثل وفسخ البيع في القيام وصححه بالقيمة في الفوات قياسا على ما قال مالك في الذي ساقى رجلا حائطا ثلاث سنين وفيه ثمر قد طاب وعمل سنة من الثلاث سنين من أنه تكون الثمرة التي قد طابت لصاحب الحائط ويكون للعامل فيها نفقته وأجرة مثله، ويكون على مساقاة مثله في العام الذي مضى من الثلاثة الأعوام وفي العامين الباقيين؛ لأن معنى المسألة أنه ساقاه في الحائط ثلاث سنين سوى العام الذي فيه الثمرة التي قد طابت فاقتضت المسألة الأجل في الثمرة التي قد طابت ببعضها ومساقاة الثلاث سنين بعدها في صفقة واحدة، فقاس ابن القاسم البيع والمساقاة على قول مالك في هذه المسألة لأنها إجارة ومساقاة، والإجارة بيع من البيوع، فلا فرق بين البيع والمساقاة وبين الإجارة، ففوات الإجارة بالعمل في مسألة الإجارة والمساقاة كفوات السلعة في مسألة البيع والإجارة يكون للعامل قيمة عمله كما يكون لرب السلعة قيمة سلعته، ولو عثر على ذلك قبل أن تفوت الإجارة في الثمرة التي قد طابت بالعمل لنقضت كما أنه لو عثر على البيع قبل أن تفوت السلعة لنقض وردت السلعة بعينها، ولو عثر على ذلك بعد فوات الإجارة في الثمرة التي قد طابت بالعمل وقبل أن يعمل من مساقاة الثلاثة الأعوام شيئا لكان له أجر مثله في الثمرة التي قد طابت، وفسخت المساقاة في الأعوام الثلاثة على ما قال في المدونة. والإجارة في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك فاسدة لوجهين: أحدهما إضافتها إلى المساقاة في الصفقة، والثاني عقدها بلفظ المساقاة خلاف ما ذهب إليه سحنون من أن من ساقى رجلا في حائط قد طاب وحل بيعه إن ذلك جائز، وهي إجارة، وبالله التوفيق. [مسألة: حكم نكاح الرجل المرأة بالهدية دون الصداق] مسألة وقال: لا أرى أن يصيب الرجل امرأته بالهدية حتى يقدم إليها من صداقها ربع دينار فصاعدا، فإذا طلقها من قبل أن يدخل بها وقد أهدى لها أعطاها نصف الصداق ولم يكن له عليها شيء فيما

الرجل ينكح ابنته بنقد خمسة أرؤس فقال له الناكح خمسة أرؤس كثير

أهدى إليها ولم يحاسبها في الهدية. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في آخر الرسم الذي قبل هذا، فلا معنى لإعادة القول فيه. [الرجل ينكح ابنته بنقد خمسة أرؤس فقال له الناكح خمسة أرؤس كثير] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك قال: وسئل مالك عن الرجل ينكح ابنته بنقد خمسة أرؤس فقال له الناكح: خمسة أرؤس كثير، فقال أبو الجارية: على أن تترك لك أهلك رأسين، فقال: إني أخاف ألا تفعل، قال: امرأته طالق البتة إن لم يجعلها تضع عنك رأسين، فتزوجها فسألها الأب فلم تفعل، فقال لها زوجها: اتقي الله أترضين أن تطلق أمك؟ فعالجها الزوج حتى وضعت عنه الرأسين، فقال: هو حانث لأنه لم يجعلها هو أن تضعهما، وإنما وضعت ذلك بطلبة زوجها. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال: لأن الذي حلف أن يفعله لم يفعله فوقع عليه الحنث. [مسألة: رجل من العرب تزوج أمة قوم فولد له منها ولد] مسألة وسئل عن رجل من العرب تزوج أمة: قوم فولد له منها ولد، قال: ولده عبد لسيد الأمة، قلت: فتزوج الصبي حرة فولد له ولد هل ينتسب إلى آبائه؟ قال: نعم ينتسب إلى قوم جده وآبائه وهم يرثونه فيعقلون عنه. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال. إن الولد تبع لأمه في الحرية والرق لأنه كعضو منها، وقد جاء أن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها، فولد الحرة من العبد حر بحرية أمه ينتسب إلى قوم أبيه ويوارثهم ولا يوارث أباه العبد إلا أن يعتق، إذ لا ميراث بين الحر والعبد، وبالله التوفيق.

مسألة: رجل تزوج امرأة بجنان على أن فيها عشرة فدادين فلم تجد إلا خمسة

[مسألة: رجل تزوج امرأة بجنان على أن فيها عشرة فدادين فلم تجد إلا خمسة] مسألة قيل لابن القاسم في رجل تزوج امرأة بجنان على أن فيها عشرة فدادين فلم تجد إلا خمسة، قال: يثبت النكاح ويكون لها عليه قيمة الخمسة التي نقصت، قلت: دخل أو لم يدخل؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يكون لها عليه قيمة الخمسة التي نقصت معناه إذا رضيت بإمساك الجنان ولم ترد الرد، ولو أرادت الرد لكان لها أن ترده ويكون لها قيمة جميعه على أن فيه عشرة فدادين لأن حكم ما نقص من العدد الذي اشترطت حكم الاستحقاق. ومن اشترى عشرة فدادين فاستحق منها خمسة كان مخيرا بين أن يرجع بما ينوب المستحق من الثمن أو يرد ما بقي، والقياس أن تكون مخيرة بين أن ترد الجنان وترجع بصداق مثلها أو تمسك وترجع بنصف صداق مثلها وهو ما ناب الخمسة التي نقصت من العدة التي اشترطت، قال ابن صالح وابن لبابة: هذا الذي يأتي على قياس قولهم في البيوع غير أن ذلك لا يوجد لهم، وليس ذلك كما قال، بل هو موجود لمالك، وقد مضى ذلك في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب. ولو وجدت في الجنان على قياس هذا القول أكثر من عشرة فدادين لم يكن لها منه إلا عشرة فدادين، ويكون الزوج معها فيه شريكا. بالزيادة، وقد روي عن مالك أن اشتراط المبتاع عدد الزرع في الأرض عند ابتياعها إنما هو كصفة من صفاتها فإن وجد زيادة كان له، وإن وجد نقصانا كان مخيرا بين أن يرد أو يمسك بجميع الثمن، فعلى هذا القول تكون المرأة مخيرة بين أن ترد الجنان وترجع بقيمته أو بصداق مثلها على الاختلاف الذي ذكرناه وبين أن تمسك ولا شيء لها، وهذا الاختلاف قائم من أول مسألة من كتاب تضمين الصناع من المدونة، وهو منصوص عليه في سماع عيسى ونوازل سحنون من كتاب جامع البيوع وفي نوازل سحنون أيضا من كتاب العيوب. [مسألة: رجل تزوج امرأة بمائة دينار خمسون منها نقدا وخمسون إلى سنة] مسألة وقال في رجل تزوج امرأة بمائة دينار خمسون منها نقدا،

مسألة: الرجل يتزوج المرأة ويتحمل رجل آخر بالصداق

وخمسون إلى سنة، فانقضت السنة ولم يدخل بها فدخل بها بعد السنة، فطلبت الخمسين، وقال: لم أدخل حتى أديتها، قال مالك: إذا دخل بها بعد السنة فهو مصدق ويحلف. قال محمد بن رشد: حكم لما حل من الكالئ قبل البناء بحكم النقد، وهو قول ابن حبيب في الواضحة ومثله في النكاح الثاني من المدونة في الذي يتزوج بنقد كذا وخادم إلى سنة فدخل بعد السنة، فعلى هذا يكون من حق الزوجة إذا حل الكالئ قبل الدخول ألا يدخل بها حتى يؤديه إليها، وقد حكى الفضل عن يحيى بن يحيى أنه إذا أتى بالنقد وأعسر بالكالئ كان له أن يدخل بها وتتبعه بالكالئ دينا عليه، قال: هو أشبه بما روى ابن سحنون عن أبيه، فعلى هذا لا يبرأ الزوج بالدخول منه ولا يصدق عليه على أنه قد دفعه وتحلف المرأة أو يكون القول قولها. [مسألة: الرجل يتزوج المرأة ويتحمل رجل آخر بالصداق] مسألة وسألته عن رجل تزوج امرأة وتحمل رجل بالصداق فدخل بها زوجها فطلبت المرأة الصداق من الحميل بعد دخول الزوج عليها، وزعم الزوج والحميل أنها قد قبضته قبل الدخول، قال: القول قول الحميل ويحلف، قيل لسحنون: فلو كانت ارتهنت بصداقها منه رهنا ثم دخل بها هل الرهن والحميل بمنزلة سواء ويبرئه الدخول؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قوله: القول قول الحميل ويحلف يريد يحلف ما علم أنه بقي لما قبل زوجها شيء من صداقها، وإنما يلزمه اليمين على هذا إذا غاب الزوج أو كان حاضرا فأقر أنه لم يدفع وهو عديم لأنه يتهم لزوجته على الحميل، فالقول قول الحميل، وأما إن ادعى الزوج الدفع أو كان مليا فأقر أنه لم يدفع فلا شيء على الحميل لسقوط الحمالة عنه بيمين الزوج إن ادعى الدفع أو بإقراره إن كان مليا. وقول سحنون: إن الدخول يبرئ

مسألة: امرأة تصدقت على زوجها بصداقها فمنت عليه بعد ذلك

الزوج من الصداق إذا ادعى دفعه قبل الدخول وإن كان قد رهنها به رهنا صحيح إذا كان الرهن عند النكاح لا عند الدخول؛ لأن من حقها أن تمتنع من دخوله بها حتى يؤدي إليها مهرها ارتهنت به منه رهنا أو لم ترتهن فلا تأثير للرهن في ذلك. [مسألة: امرأة تصدقت على زوجها بصداقها فمنت عليه بعد ذلك] مسألة وسئل عن امرأة تصدقت على زوجها بصداقها فمنت عليه بعد ذلك فقال: أنا أكتب لك صداقا فكتب لها صداقا إلى أجل أو حال، قال: إن لم تقبض الذي كتب لها في حياته فلا شيء لها لأنها عطية. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن العطية إذا لم تحز حتى مات المعطي بطلت لقول أبي بكر الصديق لعائشة: لو كنت حزته لكان لك الحديث، وهذا المعنى مروي أيضا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولا مخالف لهم من الصحابة، فقامت بذلك الحجة على من يقول: إنها لا تفتقر إلى حيازة، وهو قول أحمد بن حنبل وجماعة سواه، والحمد لله. [أرسل رجلا يزوجه امرأة سماها فذهب الرجل وزوجها إياه بعبد المرسل] ومن كتاب لم يدرك وقال مالك في رجل أرسل رجلا يزوجه امرأة سماها، فذهب الرجل وزوجها إياه بعبد المرسل ولم يكن سمى له صداقا يسوق عنه فسخط ذلك، قال: إن سخطه فسخ النكاح ولم يكن عليه شيء، قال: ولو كان ساق عنه دنانير أو دراهم فكان ذلك مثل صداق مثلها لزمه النكاح على ما أحب أو كره، وهذا بمنزلة ما لو بعث رجلا يبتاع له سلعة سماها له بعينها ولم يسم له ثمنها فذهب الرسول فابتاعها بدار المرسل أو بعبده لم يلزمه إلا أن يشاء لأنه ليس

مسألة: رجل وقع ابن له في جب فقال لرجل إن أخرجته منه فأنا أزوجك ابنتي

للرسول أن يبيع عليه داره ولا غلامه، ولو كان اشترى بدنانير أو دراهم لزمه الاشتراء على ما أحب أو كره إذا كان يشبه ثمن مثله، فالنكاح بهذه المنزلة. قلت: أرأيت إن طلق قبل أن يرد النكاح أيكون عليه نصف ما ساق عنه؟ قال: نعم، ذلك عليه لأن طلاقه إجازة للنكاح، ولو كان رده لم يكن عليه شيء، وكان فراقه ذلك طلقة، وإن تزوجها يوما ما كانت عنده على اثنتين. قال محمد بن رشد: قوله: إن سخطه فسخ النكاح يريد بطلقة على ما قال في آخر المسألة يدخل على أنه إن رضي بذلك جاز، وهذا إذا كان ذلك بقرب العقد، وأما إن لم يعلم بذلك حتى بعد الأمر فيتخرج جواز النكاح إن رضي به على قولين، ولو أعلم الرسول ولي المرأة عند العقد بافتياته على الذي أرسله في عبده بغير إذنه لكان العقد فاسدا لدخوله على أن للزوج الخيار، وقد مضى ما يدل على الذي ذكرناه في مسألة الولي يزوج وليته الغائبة بغير أمرها في أول سماع ابن القاسم وهي مسألة المرأة تأمر وليها أن يزوجها فيزوجها من رجل لا يسميه لها في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب، وسائر ما ذكر في المسألة صحيح بين لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل وقع ابن له في جب فقال لرجل إن أخرجته منه فأنا أزوجك ابنتي] مسألة وقال في رجل وقع ابن له في جب فقال لرجل: إن أخرجته منه فأنا أزوجك ابنتي أو قد زوجتك ابنتي إن أخرجته فأخرجه، قال: لا يلزمه النكاح ولا يكون نكاحا، وأرى له أجرة مثله فيما شخص استخرجه حيا أو ميتا، قال: وليس يكون النكاح جعلا ولا كراء في شيء من الأشياء، قلت: فما ذكر في كتاب الله من قصة موسى وشعيب؟ قال: الإسلام على غير ذلك، قلت: فإن وقع؟ قال: إن وقع وأدرك قبل البناء فسخ، وإن فات بدخول كان لها صداق مثلها وكان له كراء مثله فيما شخص.

قال محمد بن رشد: جمع في هذه الرواية بين النكاح بالجعل وبالإجارة فقال: لا يكون النكاح جعلا ولا كراء في شيء من الأشياء، وهما مفترقان، أما النكاح فلا اختلاف في أنه لا يجوز لأن الجعل لا يلزم المجعول له، وله أن يترك متى شاء، فالنكاح به نكاح فيه خيار، فلا اختلاف في أنه لا يجوز، وأما النكاح بالأجرة مثل أن يتزوجها على أن يحجها أو يعمل لها عملا ففيه ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك مكروه كان معه نقد أو لم يكن، فإن وقع نفذ ومضى ولم يفسخ، وهو قول أصبغ وروايته عن ابن القاسم وقع ذلك هاهنا في بعض الروايات، واستحسنه ابن لبابة وتعجب من رواية عيسى وقوله: الإسلام على غير ذلك، قال: وقد ثبت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مثل ذلك، يريد ما جاء في بعض الآثار من قوله: «قد أنكحتكها بما معك من القرآن تعلمها إياه» للرجل الذي سأله أن يزوجه المرأة التي كانت وهبت له نفسها إذ لم يجد شيئا يصدقها إياه إلا سورا من القرآن سماها على ما جاء في الحديث، وهو ظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك من الكراهة في ذلك، والثاني أن ذلك لا يجوز كان معه نقد أو لم يكن، فإن وقع فسخ قبل الدخول وثبت بعده، وكان فيه صداق المثل، وهو الذي يدل عليه قوله في هذه الرواية: الإسلام على غير ذلك، والثالث الفرق بين أن يكون معه نقد أو لا يكون معه نقد، وهذه التفرقة على وجهين: أحدهما أنه إن كان معه نقد جاز ولم يفسخ، وإن لم يكن معه نقد فسخ قبل الدخول وثبت بعده وكان فيه صداق المثل، والثاني أنه إن لم يكن معه نقد فسخ قبل الدخول وثبت بعده وكان فيه صداق المثل، وإن كان معه نقد فسخ قبل الدخول ومضى بعده بالمسمى من النقد والكراء والعمل أو قيمة ذلك على اختلاف قول ابن القاسم في ذلك في رسم الدور والمزارع من سماع يحيى في الذي يتزوج المرأة بصداق مسمى على أن يحجها، إذ لا فرق عندهم بين أن يتزوجها على أن يحجها أو على أن يعمل لها عملا، وقال ابن حبيب على ما اختاره من إجازة النكاح على أن يحجها أو على

مسألة: زوج رجلا على أنه إن كان حرا فالنكاح ثابت وإن كان مملوكا فلا نكاح بينهما

أن يعمل لها عملا وإن لم يكن مع ذلك نقد إنه لا يدخل بها حتى يحجها أو يعطيها مقدار ما ينفق على مثلها في الحج بها، فإذا أخذت ذلك فإن شاءت حجت وإن شاءت تركت، وفي ذلك من قوله نظر لأن فسخ الدين في الدين يدخل في التخيير، فالصواب أن لا يحمل ذلك من قوله على التخيير وأن يكون معناه أنه لا يدخل بها حتى يحجها على قول من يوجب عليه إحجاجها أو يعطيها مقدار ما ينفق على مثلها في الحج، على قول من يرى ذلك عليه على ما وقع من الاختلاف في ذلك في سماع يحيى، وقال أشهب: له أن يدخل بها قبل أن يحجها إلا أن يأتي إبان الحج قبل أن يدخل بها فلا يكون ذلك له كالكالئ يحل قبل الدخول. [مسألة: زوج رجلا على أنه إن كان حرا فالنكاح ثابت وإن كان مملوكا فلا نكاح بينهما] مسألة وقال في رجل زوج رجلا على أنه إن كان حرا فالنكاح ثابت وإن كان مملوكا فلا نكاح بينهما، فدخل بها أو لم يدخل، قال: دخل أو لم يدخل، يوقف عنها حتى يتبين، فإن كان حرا ثبت النكاح، وإن كان مملوكا فلا نكاح بينهما. قلت: فإن كان عبدا يوم وقعت العقدة فعتق بعد ذلك، فعثر على ذلك وهو حر بعد وقد دخل أو لم يدخل، قال: دخل أو لم يدخل فالنكاح مفسوخ إذا كان عبدا يوم وقعت العقدة، ولكن إن كان دخل بها فلها الصداق كله إن كان سيده أعتقه ولم يستثن ماله، فإن كان استثنى ماله أخذ منها ما ساق إليها وترك لها قدر ما تستحل به، وضعف الترك عن مالك وقال: إنما هو مال من مال السيد، وإن لم يدخل بها فسخ النكاح ولا شيء لها استثنى ماله سيده أو لم يستثن لأنه لم يكن نكاحا. قال محمد بن رشد: أجاز هذا النكاح على ما فيه من معنى الخيار بكونه موقوفا على اختبار حال الزوج إن كان حرا أو عبدا، إذ ليس بخياره على الحقيقة في العقد لأن النكاح بالخيار لا ينعقد حتى يمضي، ولا ميراث فيه

مسألة: الرجل يتزوج المرأة فيصدقها صداقا فتطلب منه نفقة العرس

إن مات أحدهما قبل أن يمضي، وهذا ينعقد بنفس العقد ويكون فيه الميراث إن مات أحدهما ثم انكشف أن الزوج كان حرا يوم العقد، وإنما يجوز النكاح ويوقف عنها على ما قال حتى يتبين إن كان الزوج حرا أو عبدا إذا كان اختبار ذلك قريبا، والله أعلم، ولا يحل له أن يدخل حتى يعلم أنه كان حرا يوم وقعت العقدة؛ إذ لا ينعقد النكاح إلا بكونه حرا يومئذ، فلا يصح له أن يدخل بامرأة لا يدرى هل انعقد نكاحه معها أم لا، فإن دخل وقف عنها حتى يعلم حاله يوم العقد، فإن انكشف أنه كان حرا ثبت معها، وإن انكشف أنه كان عبدا فرق بينهما، أعتق بعد ذلك أو لم يعتق، ويكون لها الصداق إن كان سيده أعتقه ولم يستثن ماله، وإن كان استثناه أخذ منها ما ساق إليها وترك لها قدر ما تستحل به على ما قال، وإذا أخذ ذلك منها كان لها أن تتبعه دينا ثابتا في ذمته وكذلك إن كان لم يعتق وأخذ ذلك السيد منها كان لها أن تتبعه دينا ثابتا في ذمته إن عتق إلا أن يسقط ذلك السيد عن ذمته قبل أن يعتقه، وقد قيل: إنه لا يسقط ذلك عن ذمته إلا السلطان، والقولان في المدونة. [مسألة: الرجل يتزوج المرأة فيصدقها صداقا فتطلب منه نفقة العرس] مسألة سألنا مالكا عن الرجل يتزوج المرأة فيصدقها صداقا فتطلب منه نفقة العرس هل يكون ذلك عليه؟ قال: ما أرى ذلك عليه، وما هو بصداق ولا بشيء ثابت، وقال: أرأيت لو كان طلقها قبل أن يدخل بها هل كان عليه نصف نفقة العرس أو مات عنها قبل أن يدخل بها هل كانت تأخذ مع صداقها قيمة نفقة العرس؟ ما هذا بشيء ولا هذا أمر ثابت، فردد عليه وقيل له: يا أبا عبد الله إنه شيء قد أجروه بينهم، وهو سنتهم، فقال: إن كان ذلك شأنهم وسنتهم فأرى أن يفرض ذلك عليهم، قال ابن القاسم: وإن تشاحوا لم يكن ذلك لهم إلا أن يشترطوه.

مسألة: اليتيمة يزوجها عمها أو ابن عمها أو وصي وهي صغيرة لم تبلغ

قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: اليتيمة يزوجها عمها أو ابن عمها أو وصي وهي صغيرة لم تبلغ] مسألة وسئل عن اليتيمة يزوجها عمها أو ابن عمها أو وصي وهي صغيرة لم تبلغ من رجل ثم تموت أو يموت الزوج هل بينهما ميراث؟ أو عليها عدة؟ أو لها مهر؟ وهل يكون هذا نكاحا ثابتا أم لا؟ قال ابن القاسم: إنه يكره أن يزوجها أحد إلا أبوها حتى تبلغ المحيض، ولا أعلم أن مالكا كان يبلغ بها أن يقطع الميراث بينهما، فأرى أن يتوارثا فإنه أمر جل الناس قد أجازوه، وقد زوج عروة بن الزبير بنت أخيه وهي صبية ابنه، والناس يومئذ متوافرون، وعروة من هو. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم مستوفى فليس لإعادته هاهنا معنى، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة الغريبة الكبيرة تلجأ إلى الرجل فيقوم لها بحوائجها ويناولها الحاجة] مسألة وسئل عن المرأة الغريبة الكبيرة تلجأ إلى الرجل فيقوم لها بحوائجها ويناولها الحاجة هل ترى ذلك حسنا؟ قال: لا بأس به، وليدخل معه غيره أحب إلي، ولو تركها الناس لضاعت. قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال: إنه جائز للرجل أن يقوم للمرأة الأجنبية في حوائجها ويناولها الحاجة إذا غض بصره عما لا يحل له النظر إليه مما لا يظهر من زينتها لقول الله عز وجل: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وذلك الوجه والكفان على ما قاله أهل التأويل فجائز للرجل أن

مسألة: رجلا قال لامرأته أنت طالق إن تزوجت عليك إلا بإذنك أو رضاك

ينظر إلى ذلك من المرأة عند الحاجة والضرورة، فإن اضطر إلى الدخول عليها أدخل معه غيره ليبعد سوء الظن عن نفسه، فقد روي «أن رجلين من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقيا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعه صفية زوجته - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال لهما: " إنها صفية " فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما فتهلكا» ، أو كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مسألة: رجلا قال لامرأته أنت طالق إن تزوجت عليك إلا بإذنك أو رضاك] مسألة وقال: لو أن رجلا قال لامرأته: أنت طالق إن تزوجت عليك إلا بإذنك أو رضاك فقال لها: خذي مني مائة دينار وأذني لي في التزوج، قال: لا يجوز ذلك إلا عندما يريد أن يفعل. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة موعبا في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: طلقها زوجها طلقة واحدة قبل أن يدخل بها ثم مات فظهر بها حمل] مسألة قال ابن القاسم: لو أن امرأة طلقها زوجها طلقة واحدة قبل أن يدخل بها ثم مات فظهر بها حمل وزعمت أنه منه وأنه كان يأتيها في أهلها قبل قولها وورثه الولد، ولم يكن لها هي ميراث، ولم يكن لها أكثر من نصف الصداق الذي أخذت. قال محمد بن رشد: أما الولد فلا اختلاف في أنه يلحق به ويرثه إذا أتت به بعد موته لما يشبه أن يكون منه وزعمت أنه منه وكان ما قالت من إتيانه إليها في أهلها يمكن على ما قال في المدونة فقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد

مسألة: المرأة يكون معها ولد فتزوج فيولد لها من زوجها ثم يموت الصبي

للفراش» لأنها قد صارت فراشا له بعقد النكاح، فوجب أن يلحق به ولدها إذا ادعت أنه منه إلا أن يتبين كذبها أو يكون حيا فينكر ويلاعن، وأما الصداق والميراث فقد قال محمد بن المواز: إن الصواب أن يكون لها الصداق كاملا والميراث إن مات قبل انقضاء العدة للحوق الولد، وروى مثله زياد بن جعفر عن مالك في المدنية، وهو الذي يأتي على أصولهم في أن لحوق النسب يدفع التهم، من ذلك قولهم في الذي يقر في مرضه الذي مات منه بحمل أمته أنه منه وورثته كلالة أنها تعتق من رأس المال، وقولهم في الملاعن يستلحق ولده بعد موته وله ابنة أو ولد إن له ميراثه منه مع الابنة أو الولد بخلاف إذا استلحقه بعد موته ولا ولد له على ما وقع في نوازل سحنون من كتاب الاستلحاق، وقول ابن القاسم هاهنا وفي المدونة أظهر، إذ لا ضرر على المرأة في لحوق النسب بزوجها يسقط عنها التهمة في دعواها الصداق والميراث بل لها في ذلك منفعة وهو سقوط الحد عنها، فهي مدعية في الجميع إلا أن السنة أحكمت أن يدرأ الحد عنها لإمكان ما ادعت من إتيان زوجها إياها في أهلها وإلحاق النسب بالزوج للحق الذي له في ذلك إذ لم يعلم منه إنكار لما ادعت، والله الموفق. [مسألة: المرأة يكون معها ولد فتزوج فيولد لها من زوجها ثم يموت الصبي] مسألة وسألته عن المرأة يكون معها ولد فتزوج فيولد لها من زوجها ثم يموت الصبي الذي تزوجت له فتزعم أنه لم يكن ولدها وإنما هو ولد كان لسيدها ترضعه ويطلبها زوجها ميراث ابنه منه فيأتي بشاهدين يشهدان أنه ابنها، فقال ابن القاسم: يثبت ميراث ولد زوجها منها منه بشهادة الشاهدين، قلت: فإن استلحقته بعد ذلك فقالت: هو ولدي هل يكون لها ميراثها منها؟ فقال: لا يقبل قولها

ولا يكون لها من ذلك شيء بعد الإنكار، قلت: فمصابتها ما تصنع به؟ وهل يقسم على ورثة الصبي دونها ويكون كمن لا أم له؟ وكيف إن قسم هل يرث ابنها من زوجها من مصابتها شيئا وهو إنما ورث بولادتها ومن قبلها؟ قال: تكون مصابتها منه بين جميع من يرث الصبي ابنها وغيره. قال محمد بن رشد: ليس للأم أن تستلحق ولدها فسواء زعمت أنه لم يكن ولدها أو أقرت بذلك لا يستحق الزوج ميراث ابنه منه إلا بشهادة الشاهدين، ولا تستحق هي ميراثه باستلحاقها إياه ولا بشهادة الشاهدين بعد الإنكار، على هذا يحمل قوله، ولا يلتفت إلى ما يدل عليه ظاهره من خلاف ذلك، وإذا بطل ميراثها منه بشهادة الشاهدين لإنكارها أن يكون ابنها كان كمن لا أم له، وورثه سائر ورثته دونها، وقوله: إن ميراثها منه يكون بين جميع من يرثه ابنها وغيره كلام فيه نظر لأن ابنها من الزوج أخو الميت لأمه، فميراثه منه السدس فريضة فرضها الله له فكيف يصح أن يكون له من مصابة أمه شيء فيكون قد ورث أكثر من السدس؟ هذا لا يصح، وإنما يستقيم قوله: إن كان يدخل الفريضة عول بميراث الأم ينتقص ابنها به من السدس فإذا بطل ميراث الأم كان له منه تمام السدس إن ارتفع العول من الفريضة أو ما يجب له منه ما بينه وبين السدس إن لم يرتفع العول جملة، مثال هذا ارتفاع العول أن يترك الصبي المتوفى أمه وأخوين لأم أحدهما ابنها من هذا الزوج وأختين لأب، ويثبت ذلك كله بالبينة وتنكر الأم أن يكون المتوفى ابنها فتكون الفريضة على أن الأم وارثة من ستة وتعول إلى سبعة فيرجع كل واحد من الأخوين للأم من السدس إلى السبع، فإذا أنكرت الأم أن يكون المتوفى ابنها بطل ميراثها وارتفع العول من الفريضة فكان لكل واحد من الورثة تمام فريضته من ميراثها ابنها من الزوج وغيره من الورثة، فهذا وجه قوله يكون

الدعوى إلى عرس النكاح وفيه لهو يسير ودف

مصابتها منه بين جميع من يرث الصبي ابنها وغيرها، لا وجه له إلا هذا، وبالله التوفيق، ولا قوة إلا بالله. [الدعوى إلى عرس النكاح وفيه لهو يسير ودف] ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب إلى أجل وسئل مالك عن الرجل يدعى إلى الصنيع فيجد فيه اللعب أيدخل؟ قال: إن كان الشيء الخفيف مثل الدف والكبر الذي يلعب به النساء فما أرى بأسا. قال محمد بن رشد: يريد بالصنيع صنيع العرس أو صنيع العرس والملاك على ما قال أصبغ في سماعه لأن ذلك هو الذي رخص في بعض اللهو فيه لما يستحب من إعلان النكاح مع ما جاء في ذلك، روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفاف» ، وأنه قال: «فصل بين الحلال والحرام الدف والصوت» ، «وأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر ببني زريق فسمع غناء ولعبا فقال: " ما هذا؟ " فقالوا: نكح فلان يا رسول الله، فقال: " هذا النكاح لا السفاح، ولا نكاح حتى يسمع دف أو يرى دخان» ، فاتفق أهل العلم فيما علمت على إجازة الدف وهو الغربال في العرس، واختلفوا في الكبر والمزهر على ثلاثة أقوال: أحدها أنهما يحملان جميعا على محمل الغربال أو يدخلان مدخله في جواز استعمالهما في العرس، وهو قول ابن حبيب، والثاني أنه لا يحمل واحد منهما محمله ولا يدخل معه ولا يجوز استعماله في عرس ولا غيره، وهو قول أصبغ في سماعه بعد هذا من هذا الكتاب، وعليه يأتي ما في سماع سحنون عن ابن القاسم من كتاب جامع البيوع أن الكبر إذا بيع يفسخ بيعه ويؤدب أهله لأنه إذا قال ذلك في الكبر

مسألة: رجل شرط لامرأته في عقدة النكاح إن خرج بها إلا بإذنها فهي طالق

فأحرى أن يقوله في المزهر لأنه ألهى منه، والثالث أنه يحمل محمله ويدخل مدخله الكبر وحده دون المزهر،. وهو قول ابن القاسم هاهنا، وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الوصايا، وعليه يأتي ما في سماع عيسى من كتاب السرقة أن السارق يقطع في قيمة الكبر صحيحا. ولابن كنانة في المدونة إجازة البوق في العرس، فقيل: معنى ذلك في البوقات والزمارات التي لا تلهي كل الإلهاء، والله أعلم، واختلف في جواز ما أجيز من ذلك فقيل: ما هو من قبيل الجائز الذي يستوي فعله وتركه في أنه لا حرج في فعله ولا ثواب في تركه، وهو المشهور في المذهب، وقيل: إنه من قبيل الجائز الذي تركه أحسن من فعله، فيكره فعله لما في تركه من الثواب لا أن في فعله حرجا أو عقابا وهو قول مالك في المدونة أنه كره الدفاف والمعازف في العرس وغيره، واختلف هل يجوز ذلك للنساء دون الرجال أو للنساء والرجال؟ فقال أصبغ في سماعه: إن ذلك إنما يجوز للنساء دون الرجال، وإن الرجال لا يجوز لهم عمله ولا حضوره، والمشهور أن عمله وحضوره جائز للرجال والنساء، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية في سماع أصبغ خلاف قول أصبغ، وهو مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلا أنه كره لذي الهيئة من الناس أن يحضر اللعب، روى ذلك ابن وهب عنه في سماع أصبغ، وأما ما لا يجوز عمله من اللهو في العرس فلا يجوز لمن دعي إليه أن يأتيه، وقد مضى القول على ذلك في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم. [مسألة: رجل شرط لامرأته في عقدة النكاح إن خرج بها إلا بإذنها فهي طالق] مسألة وقال ابن القاسم في رجل شرط لامرأته في عقدة النكاح إن خرج بها إلا بإذنها فهي طالق، فخرج بها بإذنها فسألته أن يردها فحلف بطلاقها البتة ألا يردها، قال: يحنث إذا أبى أن يردها إن سألته ذلك لأن مالكا قال: عليه أن يردها إذا سألته ذلك، فإن لم يردها حنث، كان عليه الطلاق إن ردها أو لم يكن إذا حلف لها بالطلاق أن لا يخرجها إلا بإذنها فأخرجها بإذنها ثم سألته أن يردها لم

زوج أختا له صغيرة ثم غفل أن يستأمرها عن ذلك حتى كبرت

يكن عليه أن يردها، ولا حنث عليه إذا خرج بها بإذنها، قال مالك: وتحلف بالله ما كان إذنها له تريد به قطعا لشرطها، فإن حلفت كان عليه أن يردها، قال: وأخبرني سحنون عن ابن القاسم أنه قال: لا يعجبني إذا خرج بها برضاها أن يكون عليه أن يردها إلا أن يردها طائعا فيحنث كما قال مالك في أول مرة، وذلك أنه لو شرط لها ألا يتزوج عليها إلا بإذنها فأذنت له ثم أرادت أن تفسخ ذلك لم يكن لها ذلك، وكذلك التسرر. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها محصلا في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته ههنا، وتعليله في رواية سحنون يدل على أنه لا يمين عليها خلاف رواية عيسى أنه يردها في الشرط بعد يمينها وبالله التوفيق لا شريك له. [زوج أختا له صغيرة ثم غفل أن يستأمرها عن ذلك حتى كبرت] ومن كتاب أوله: إن خرجت من هذه الدار قال: وسئل مالك عمن زوج أختا له صغيرة أو ولية له غير أخت صغيرة لم تبلغ أن يستأمرها في نفسها ثم غفل عن ذلك حتى كبرت الجارية فاستوجبت رضاها فرضيت هل يقران على هذا النكاح؟ قال: لا، إلا أن يطول بولادة أو يطول زمان ذلك بعد الدخول، فإن أدرك قبل الفوت فسخ وكانت طلقة، قيل له: فلو مات أحدهما قبل الفسخ هل كانا يتوارثان؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها موعبا في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته هنا. [مسألة: رجل أخذ جارية لأم ولده فزوجها غلامه ثم مات فطلبت أم الولد جاريتها] مسألة وسئل عن رجل أخذ جارية لأم ولده فزوجها غلامه ثم مات

مسألة: الرجل يتزوج المرأة فتشترط عليه أن لا يتزوج عليها

فطلبت أم الولد جاريتها هل ترى تزويجه إياها غلامه نزعا من أم ولده؟ قال: لا أراه نزعا والجارية لأم ولده، والنكاح ثابت، وهو بمنزلة لو زوج جارية لعبده غلامه ثم أعتق سيد الجارية ولم يستثن ماله إن الجارية للعبد والنكاح ثابت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن العبد وأم الولد مالكان لأموالهما فلا يحمل ما فعل السيد في ذلك على الانتزاع إذا لم يصرح به إلا أن يكون مما لا يصح أن يفعله إلا بعد الانتزاع مثل أن يطأ أو يعتق أو يهب أو يتصدق أو يصالح به عن نفسه وما أشبه ذلك، وقد اختلف إذا رهنه في دين عليه فقال في المدونة: إن ذلك لا يكون انتزاعا وإن افتكه بقي على ملكه إلا أنه لم يجز له إن كانت أمة أن يطأها لأنه رأى ذلك تعريضا للانتزاع، وقد قيل: إن الرهن انتزاع لأن للمرتهن حقا في عين الرهن يجب له به أن يباع في حقه وما في المدونة أظهر، إذ للسيد أن يفتكه، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتزوج المرأة فتشترط عليه أن لا يتزوج عليها] مسألة وقال مالك في الرجل يتزوج المرأة فتشترط عليه أن لا يتزوج عليها، فإن فعل فالتي يتزوج طالق البتة، فإن لم يفعل فأمرها بيدها فيتزوج، فقال: إن لم يطلق فأمرها بيدها، ولا يقع عليه طلاق إن تزوج، إنما يؤمر أن يطلق التي تزوج وإلا اختارت نفسها امرأته التي تحته، فإن لم يفعل لم يلزمه ذلك. قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة في رسم القبائل من سماع ابن القاسم، وقد مضى القول عليها هناك، فلا معنى لإعادته هاهنا، والحمد لله. [مسألة: فوض إلى الرجل أمر امرأته فمرض ففرض لها في المرض فدخل بها] مسألة قال ابن القاسم: إذا فوض إلى الرجل أمر امرأته فمرض ففرض لها في المرض فدخل بها فإنه إن كان فرض لها مثل صداق

مثلها فإن ذلك لها وإن أحاط بجميع ماله، وإن زاد على صداق مثلها ثم مات من مرضه ذلك ردت إلى صداق مثلها، قال: وذلك إذا عقد نكاحها في الصحة، قال: ولو كان فرض لها في المرض فلم يدخل بها ثم مات لم يكن لها من الصداق شيء، وكان لها ميراثها منه، ولو كان فرض لها في مرضه ولم يدخل بها ثم ماتت وصح هو من مرضه كان لورثتها. قال محمد بن رشد: أما إذا فوض إليه في الصحة وفرض في المرض ودخل فإن كان فرض لها صداق مثلها أو أقل فرضيت به فلا اختلاف في أن لها ما سمى لها من الصداق من رأس ماله وإن مات من مرضه ذلك، وإن كان فرض لها أكثر من صداق مثلها وصح من مرضه كان لها جميع ما فرض، وإن مات من مرضه كان لها صداق مثلها من رأس ماله وبطل الزائد إلا أن يجيزه الورثة لأنه وصية لوارث إلا أن تكون ذمية أو أمة فقيل: إن ذلك يكون لها من الثلث وصية، وهو قول ابن المواز، وحكاه عن مالك، وقيل: إنه يبطل لأنه لم يسم ذلك لها على سبيل الوصية، وهو قول ابن الماجشون، وأما إذا فوض إليه في الصحة وفرض في المرض ولم يدخل فمات من مرضه فلا شيء لها إلا أن يجيز ذلك الورثة لأنه وصية لوارث إلا أن تكون ذمية أو أمة فقيل: إن ذلك يكون لها من الثلث، وقيل: يبطل على ما تقدم من الاختلاف في الزيادة على صداق المثل إذا دخل، إذ لا فرق بين الزيادة إذا دخل وبين الجميع إذا لم يدخل، وإن لم يمت من مرضه وصح منه وهي حية ثبت لها جميع ما فرض باتفاق، واختلف إن لم يصح من مرضه حتى ماتت على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا شيء لورثتها مات من مرضه أو صح منه، وهو قول ابن المواز، والثاني: إن صح من مرضه كان لورثتها، وإن مات منه كان لهم من الثلث لأنها تصير وصية لغير وارث، وإلى هذا ذهب الفضل، وهو الذي يأتي على ما في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات،

مسألة: تزوج امرأة واشترط عليه إن تزوج عليها فأمر التي تزوج عليها بيدها

والثالث: أنه إن صح من مرضه كان لورثتها، وإن مات منه لم يكن لهم شيء لأن الموصى له إذا مات قبل [موت] الموصي بطلت وصيته، وهذا قول أصبغ. ودليل قول ابن القاسم في هذه الرواية ولو كان فرض لها ولم يدخل ثم ماتت وصح هو من مرضه كان لورثتها لأن قوله إن ذلك يكون لورثتها إن صح يدل [على] ، أن ذلك ليس لهم إن لم يصح، وهو قول محمد بن إبراهيم بن دينار في هبة البتل في المرض إذا مات الموهوب له قبل الواهب فمات الواهب من مرضه ذلك، والفرض في المرض كهبة البتل في المرض سواء، فقف على ذلك كله وتدبره، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج امرأة واشترط عليه إن تزوج عليها فأمر التي تزوج عليها بيدها] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل تزوج امرأة واشترط عليه إن تزوج عليها فأمر التي تزوج عليها بيدها فتجن ويذهب عقلها فيريد زوجها أن يتزوج عليها، قال: لا يتزوج عليها أبدا. قال محمد بن رشد: إن تزوج عليها فسخ نكاحه قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد في الصغيرة التي لا تعقل، وهو في المجنونة أحرى أن يفسخ، فإن تزوجها منع من وطئها حتى تفيق امرأته متى أفاقت فتقضي أو تترك، قال ذلك أصبغ. ووجه قول ابن القاسم أنه لما كان إن تزوجها لم يقدر على وطئها من أجل التمليك الذي أوجب فيها حتى يعلم ما عند المملكة من القضاء أو الرد كان كمن تزوجها على أن لا يطأها حتى تصح المملكة من جنونها، ووجه قول أصبغ أن هذا التحجير في الوطء لما لم يكن شرطا في العقد وإنما أوجبه الحكم لم يؤثر في صحة العقد كالتحجير الذي يوجبه الحكم وليس بشرط في أصل العقد، ولابن القاسم في كتاب ابن المواز خلافه أنه إذا

مسألة: رجل زوج أمتين له من رجل ثم زعم بعد تزويجه أنهما ابنتاه

استونى في أمرها فلم تفق كان له أن يتزوج عليها، فإن أفاقت يوما ما كان ذلك بيدها، وأنكر ذلك أصبغ، وسيأتي في سماع أبي زيد من هذا الكتاب وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير إذا ملك الصغيرة أمر نفسها ففيها شبهة من هذه. [مسألة: رجل زوج أمتين له من رجل ثم زعم بعد تزويجه أنهما ابنتاه] مسألة وسئل عن رجل زوج أمتين له من رجل ثم زعم بعد تزويجه أنهما ابنتاه، قال: يثبت نسبهما ويفارق الآخرة منهما، قال عيسى: إن كان نكاحه إياهما في [غير] عقد واحد، فإن كان في عقد واحد فسخ نكاحهما جميعا ثم يتزوج أيتهما أحب بعد الاستبراء. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن استلحاق الأب ابنه جائز، فلا فرق بين أن يستلحق الأمتن بعدى أن زوجهما أو يثبت نسبهما منه بالبينة، فإن كان تزوجهما الزوج واحدة بعد واحدة فرق بينه وبين الآخرة بغير طلاق ولم يكن لها شيء من الصداق إلا أن يكون قد دخل بها فيكون لها جميع الصداق، وإن لم تعلم الآخرة منهما فرق بينه وبينهما جميعا دخل بهما أو لم يدخل بهما وكان له أن يتزوج من شاء منهما بعد أن يستبرئها بثلاث حيض إن كان قد دخل بها، ومن دخل بها منهما كان لها جميع صداقها، وإن كان تزوجهما في عقد واحد فسخ نكاحهما جميعا بغير طلاق وكان لكل واحدة منهما جميع صداقها إن كان قد دخل بها، ويتزوج أيتهما شاء بعد الاستبراء بثلاث حيض، إن كان قد دخل بها. [مسألة: البكر تقوم مع زوجها فيفارقها بعد أمد يسير هل تستأمر في الزواج بعد ذلك] مسألة وقال مالك في البكر إذا أقامت مع زوجها أمدا يسيرا الشهر والشهرين ونحو ذلك، فيعرض لزوجها دونها ثم فارقها، قال: فإن

الرجل يزوج أمته من عبده فيجذم العبد

أباها يزوجها بغير أمرها، قال عيسى: قلت لابن القاسم: فالستة الأشهر؟ قال: أرى أن يؤامرها. فيها، فإن زوجها ولم يستأمرها فالنكاح جائز. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في أول رسم حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع ابن القاسم فلا وجلا لإعادة ذلك مرة أخرى. [الرجل يزوج أمته من عبده فيجذم العبد] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وسئل مالك عن الرجل يزوج أمته من عبده فيجذم العبد هل يفرق بينهما؟ قال: نعم يفرق بينهما، وأرى للسيد أن يرفع ذلك للسلطان فيكون السلطان هو الذي يفرق بينهما إذا كان جذاما بينا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأنهما زوجان فلا فرق بينهما وبين الحرين فيما تجب التفرقة [به] بينهما من الجنون والجذام والبرص، وليس للسيد أن يفرق بينهما لأن التفرقة طلاق، وهو ليس إليه الطلاق، وقد مضى في رسم نقدها من سماع يحيى ما تجب التفرقة به من ذلك بين الحرين مما لا تجب، ولا اختلاف أن العبدين في ذلك بمنزلتهما، وإنما اختلف هل يحال بين الأجذم وبين وطء إمائه فروى عيسى عن ابن القاسم في كتاب السلطان أنه يحال بينه وبين ذلك، وقال سحنون: إنه لا يحال بينه وبين ذلك، وقول ابن القاسم هو الصواب، والله أعلم، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار» وهو عام في جميع الأشياء، وبالله التوفيق. [مسألة: المفقود يضرب لامرأته أجل المفقود فتتزوج في العدة] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن المفقود يضرب لامرأته أجل

المفقود فتتزوج في العدة هل تحرم على من تزوجها في العدة كما تحرم التي تتزوج في عدة الوفاة؟ قال: إذا تزوجت في الأربع سنين فرق بينهما دخل بها أو لم يدخل بها، ثم يخطب مع من يخطب إذا حلت إن أحب، وإذا تزوجها في الأربعة الأشهر وعشر التي تكون بعد الأربع سنين فإنه إن دخل بها فرق بينهما ثم لا يتناكحان أبدا، وهو بمنزلة من تزوج في العدة وكذلك قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال محمد بن رشد: وهذا ما دام أمره لا يعرف، فإن عرفت حياته أو عرف أن موته كان في وقت لا تكون تلك الأشهر عدة فلا تحرم بذلك ولا يكون ناكحا في عدة، وكذلك لو جاء أنه مات بعد الأربعة أشهر وعشر فلا يكون ناكحا في عدة، وكذلك لو تزوجها في الأربع سنين أو بعد انقضاء الأربعة الأشهر وعشر ثم انكشف أن تزويجها كان في عدة من موته فإنها تحرم عليه ويكون ناكحا في عدة، ولو تزوجت في العدة ففسخ النكاح ثم تزوجت بعد الاستبراء بثلاث حيض ثم قدم المفقود أو علمت حياته لكان متزوجها في العدة متزوجا في عدة لأن الأربعة الأشهر التي بعد أجل المفقود محمولة على أنها عدة توجب التحريم على من تزوج فيها في موضعين: أحدهما ما لم تعلم حياته ولا موته، والثاني إذا قدم أو علمت حياته بعد أن تزوجت تزويجا صحيحا لأنه إذا انكشفت حياته أو موته قبل أن يفوت فالنكاح صحيح على ما ينكشف في ذلك مما هو عدة أو ليس بعدة، هذا كله معنى ما في المدونة وكتاب ابن المواز وغيره، قال في المدونة: لأن عمر بن الخطاب فرق بين المتناكحين في العدة في الجهل والعمد وقال: لا يتناكحان أبدا، وهذا يدل على أن تحريمها عليه أبدا إنما هو عبادة لا لعلة، وأما على ما قالوا من أن ذلك إنما هو عقوبة لما فعل من مخالفة أمر الله بتعجيل النكاح قبل أن يبلغ الكتاب أجله فكان الأظهر إذا تزوجها بعد انقضاء الأربع سنين وبعد انقضاء الأربعة أشهر وعشر ألا تحرم عليه إن انكشف أن نكاحه إياها كان في عدتها وأن يكون معذورا بجهله إذ لم يتعد ولا فعل إلا ما يجوز له مع ما في ذلك من الاختلاف؛ لأن علي بن أبي

مسألة: تزوج وله أم ولد فاشترطت عليه إن قرب أم ولده إلا بإذنها فأمرها بيدها

طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يرى أن تحرم عليه، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة، وهو قول ابن نافع وروايته عن عبد العزيز بن أبي سلمة، وقد روي أن عمر بن الخطاب رجع إلى قول علي بن أبي طالب في ذلك، وأما من نكح في العدة عالما بها وجهل أن ذلك لا يجوز فلا يعذر بجهله على أصولهم وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج وله أم ولد فاشترطت عليه إن قرب أم ولده إلا بإذنها فأمرها بيدها] مسألة وسألته عن رجل تزوج وله أم ولد فاشترطت عليه في أصل النكاح أنه إن قرب أم ولده إلا بإذنها فأمرها بيدها إن شاءت أعتقت وإن شاءت حبست وأنه استأذنها في وطئها فأذنت له أو لم يستأذنها وكان يأتيها وهي تعلم ثم غارت فأرادت أن تقوم عليه بذلك الشرط فقال: إن أذنت له مرة أو علمت أنه كان يأتيها فقرت ورضيت فلا أمر لها، ولا قضاء فيما اشترطته من ذلك، وسواء أذنت أو لم تأذن له إذا علمت فقرت، قال أصبغ: ولو أن رجلا قال لامرأته: إن وطئت فلانة إلا برضاك لجارية له فهي حرة وأنت طالق فوطئها وهي تنظر فزعمت أنها لم ترض رأيته حانثا ولا أرى سكوتها رضى، فإن ادعى الزوج أنها أذنت له قبل وطئه إياها كلف البينة على الإذن، فإن أتى بالبينة وإلا مضى عليه الأمر، قال أصبغ: وإن جاء مستفتيا رأيت أن يدين ذلك. قال محمد بن رشد: قول أصبغ في الرضا ليس بخلاف لقول ابن القاسم في الإذن لأن الإذن بخلاف الرضى، لا اختلاف في أن السكوت لا يعد رضى، إذ قد يسكت الإنسان عن إنكار الفعل وهو لا يرضاه، واختلف في السكوت هل يعد إذنا في الشيء وإقرارا به أم لا على قولين، من ذلك في سماع أصبغ من كتاب التدبير، وما في سماع عيسى من كتاب المديان

مسألة: يبيع لابنته البكر الرأس في صداقها ويشتري لها بثمنه ما يجهزها به

والتفليس ومن كتاب الدعوى والصلح، وما في سماع أصبغ من كتاب جامع البيوع، ومسألة إرخاء الستور من المدونة في الذي يراجع امرأته فتسكت ثم تقول بعد ذلك: إنها قد كانت انقضت عدتها، فجواب ابن القاسم في الذي اشترطت عليه امرأته ألا يقرب أم ولده إلا بإذنها فوطئها وهي تعلم يأتي على أحد القولين، وأظهر القولين أن سكوتها لا يكون إذنا لأن في قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها» ، دليل على أن غير البكر بخلاف البكر في الصمت، وقد أجمعوا على ذلك في النكاح، فوجب أن يقاس ما عداه عليه إلا ما يعلم بالعرف والعادة أن أحدا لا يسكت عليه إلا راضيا به فلا يختلف في أن السكوت عليه إقرار به، كالذي يرى حمل امرأته فيسكت ولا ينكره ثم ينكره بعد ذلك وما أشبهه، وتفرقة أصبغ هاهنا في مسألة الرضا بين أن يأتي الزوج مستفتيا أو مخاصما هو مثل ماله في نوازله من كتاب الأيمان بالطلاق في الزوجة وأم الولد ومن أشبههما ممن لا يشهد على مثله بخلاف من يشهد عليه، فظاهر قوله هناك أن من شهد عليه لا يصدق عليه وإن أتى مستفتيا وهو بعيد، والصواب أن من لا يشهد على مثله يصدق عليه وإن كان مخاصما، وأن من يشهد على مثله لا يصدق عليه إلا أن يأتي مستفتيا. [مسألة: يبيع لابنته البكر الرأس في صداقها ويشتري لها بثمنه ما يجهزها به] مسألة وسئل عن الرجل يبيع لابنته البكر الرأس يساق إليها في صداقها ويشتري لها بثمنه ما يجهزها به من حلى أو غيره فقال: لا بأس بذلك، وليس لزوجها في ذلك تكلم، قيل له: فلأبيها أن يشتري ذلك الرأس لنفسه؟ قال: نعم، ذلك له إذا كان شراؤه صحيحا ببينة وأمر معروف. قال محمد بن رشد: أما بيع الأب في جهاز ابنته الرأس يساق إليها في صداقها فلا إشكال في أنه لا متكلم للزوج في ذلك وإنما له متكلم إن أراد

الرجل يزوج ابنته على أنها صحيحة فتمكث سنة أو نحوها فتجذم

الأب أن يمسكه ولا يجهزها بثمنه إذ ذلك من حقه على مذهب مالك وأصحابه، وأما شراؤه إياه لنفسه فإنما شرط فيه أن يكون ذلك ببينة أو أمر معروف لأنه يتهم لنفسه فهو في ذلك محمول على غير السداد حتى يعلم السداد فيه بخلاف بيعه من غيره، وسيأتي في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات شراؤه لنفسه الرأس الذي يتصدق به على ابنته ونتكلم عليه إن شاء الله. [الرجل يزوج ابنته على أنها صحيحة فتمكث سنة أو نحوها فتجذم] ومن كتاب الثمرة قال ابن القاسم في الرجل يزوج ابنته على أنها صحيحة فتمكث سنة أو نحوها فتجذم فيدعي الأب أنها جذمت بعد النكاح وقال الزوج: بل زوجتنيها مجذومة، على من ترى البينة؟ قال ابن القاسم: البينة على الزوج أنها كانت جذماء، والأب مصدق لأنه زوجه وائتمنه فالقول قوله إلا أن يأتي الزوج بالبينة ورواها أصبغ. قال محمد بن رشد: إنما يصدق الأب ويكون القول قوله إذا كان التداعي بعد الدخول، وأما إن كان التداعي قبل الدخول فالقول قول الزوج، وعلى الأب البينة أنه زوجه إياها صحيحة وأن ذلك حدث بها بعد عقد النكاح، كما يكون القول قول المشتري فيما وجد بالعبد المشترى قبل القبض من العيوب التي تقدم وتحدث، وقد وقع بيان هذا في سماع سحنون من كتاب التخيير والتمليك، فقف على ذلك. وقال: إن القول قول الأب ولم يبين هل يحلف ولا كيف يحلف إن حلف ولا ما يكون الحكم إن نكل، وهذا كله محمول على قولهم في البيوع، فلا بد من يمين الأب، وينبغي أن يحلف على العلم لأن ذلك مما يخفى لأنه وإن كان الآن ظاهرا لا يخفى فقد يمكن أن يكون كان في وقت العقد مما يخفى لأنه مما يزيد إلا أن يشهد أن مثل هذا الجذام لا يكون في وقت العقد إلا ظاهرا لا يخفى فيحلف على البت، فإن نكل عن اليمين حلف الزوج وكان له الرد، قيل على العلم في الوجهين، وقيل على

مسألة: الزواج على شروط

نحو ما وجبت اليمين على الأب، هذا هو المشهور في المذهب، وفي سماع يحيى من كتاب العيوب أن الأيمان في ذلك كله لا تكون إلا على البنت، وكذلك الأخ بمنزلة الأب، وأما غيرهما من الأولياء فلا يمين عليهم، وإنما تحلف هي، قاله ابن حبيب في الواضحة وهو صحيح، وبالله التوفيق. [مسألة: الزواج على شروط] مسألة وقد قال مالك: لا ينبغي لأحد أن يشهد كتابا فيه شروط بالطلاق أو حرية أو مشي إلى مكة. قال محمد بن رشد: لما كره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - النكاح على هذه الشروط كره للشهود أن يشهدوا عليها إذ لا ينبرم العقد إلا بشهادتهم، وقد قال في سماع ابن القاسم من كتاب السلطان أشرت على قاض منذ دهر أن ينهى الناس أن يتزوجوا على الشروط وأن لا يتزوجوا إلا على دين الرجل وأمانته وأنه كان كتب بذلك كتابا وصيح به في الأسواق وعابها عيبا شديدا والله يوفق برحمته للصواب. [غر قوما بمال لغيره وزوجوه به ثم جاء أهل المال فوجدوه بعينه أو قد استهلك] ومن كتاب العشور قال: وسئل مالك عن رجل غر قوما بمال لغيره فأعطاهم إياه وزوجوه ثم جاء أهل المال فوجدوه بعينه أو قد استهلك وقد بنى أو لم يبن، قال ابن القاسم: إن علم أنها أموالهم بعينها أخذوها والنكاح ثابت، وإن كان قد بنى لم يمنع من أهله وكان ذلك دينا يتبع به، وإن كان لم يدخل تلوم له في الصداق فإن جاء به وإلا فرق بينهما، قلت: وهل يختلف إن كان أهل تلك الأموال استتجروه في أموالهم تلك أو أسلفوه أو باعوه بدين أو سرقها، فقال: إن كان أسلفوه أو باعوه فالمرأة أولى بها ودينهم في ذمته، وإن كان مالا استتجروه به على قراض أو أجرة يعمل لهم فيه أو سرقه فقامت لأهل

تلك الأموال بينة أنها لهم أخذوها، وهذا الشأن في هذا، قال سحنون: وكذلك أن لو تزوج بعبد. اغتصبه أو بعبد جار له فالنكاح ثابت دخل أو لم يدخل ويكون لها قيمته، وهو خلاف الحر من قبل أن الحر لو مات لم تكن له ضامنة وأن العبد المغصوب كانت له ضامنة، ولو كانت عالمة فسخ قبل البناء وثبت بعده وكان لها صداق مثلها، قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يتزوج بالحر أو بالعبد لغيره: لا يفسخ على حال دخل أو لم يدخل، تعمد ذلك بمعرفة أو لم يتعمد، قال أصبغ: وكذلك لو علمت هي بحرية الحر ولو يعلم الزوج مثله، قال: ولو علما جميعا أنه حر وعليه كان نكحها فسخ قبل الدخول وثبت بعده ولها صداق مثلها. قال محمد بن رشد: كان الشيوخ يحملون قول ابن القاسم في هذه الرواية وإن كان بنى لم يمنع من أهله على أنه لا يكون من حق الزوجة أن تمنعه من التمادي على وطئها إذا استحق الصداق من يدها بعد الدخول بها، وإلى هذا ذهب ابن المواز فقال: معناه إذا بقي بيدها من صداقها ربع دينار فأكثر، فأما إن لم يبق بيدها منه شيء فلها أن تمنعه نفسها حتى يعطيها ربع دينار، وهذا لا يصح عندي في هذه المسألة من أجل أن الزوج غار بها، وإنما يشبه أن يكون ذلك له إذا لم يغرها حسبما مضى القول فيه في رسم الطلاق من سماع أشهب، فالمعنى عندي في قوله: وإن كان بنى لم يمنع من أهله أي لم يمنع ذلك بالفتوى إذ لا يكره له التمادي على وطئها إذا استحق الصداق من يدها بعد الدخول بها كما يكره له الدخول بها ابتداء قبل أن يدفع إليها صداقها أو ربع دينار منه؛ لأنه لا يمنع من ذلك بالحكم امرأته إذا امتنعت منه حتى يوفيها حقها، فليس قول ابن القاسم في هذه الرواية على هذا التأويل بخلاف لما مضى في رسم الطلاق من سماع أشهب، ويتحصل في هل للمرأة إذا استحق الصداق من يدها بعد الدخول بها أن تمنع زوجها من التمادي على وطئها حتى يوفيها حقها أم ليس لها ذلك وتتبعه بدينها ثلاثة أقوال:

أحدها أن ذلك لها غرها أو لم يغرها، وهو ظاهر رواية أشهب عن مالك، وهو أظهر الأقوال، والثاني أن ذلك ليس لها وإن غرها، وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية على ما كان الشيوخ يحملونه عليه، وهو أضعف الأقوال، والثالث الفرق بين أن يغرها أو لا يغرها، وهو أعدل الأقوال، ويتحصل أيضا على اعتبار قول من يرى أنه يكره له التمادي على الوطء إذا استحق الصداق بعد الدخول كما يكره له الدخول ابتداء قبل دفع الصداق أو ربع دينار منه، وهو قول ابن المواز خلاف مذهب ابن القاسم ثلاثة أقوال في كل طرف أعني إذا غرها وإذا لم يغرها: أحدها أن لها أن تمنعه نفسها حتى تأخذ حقها فيما استحق من صداقها، والثاني أنه ليس لها أن تمنعه نفسها وإن استحق جميع صداقها ولم يبق بيدها منه شيء، والثالث أن لها أن تمنعه نفسها إن استحق جميع صداقها حتى يدفع إليها منه ربع دينار، وليس لها أن تمنعه نفسها إن استحق بعضه فبقي في يدها منه ربع دينار فأكثر. وقوله: إن الغرماء إن كانوا أسلفوه أو باعوه فالمرأة أولى بما أعطاها ويكون دينهم في ذمته يدل على أن للمديان الذي استغرقت الديون ذمته أن يتزوج وأن ينفق على زوجته مما بيده من أموال غرمائه، وذلك قائم من المدونة لأن قوله فيها ليس له أن يتزوج في المال الذي فلس فيه يدل على أن له أن يتزوج قبل أن يفلس، والوجه في ذلك أن الغرماء على هذا عاملوه، فإنما يجوز ذلك إذا تزوج امرأة تشبه مناكحه وأصدقها ما يصدق مثله، وأما إن تزوج امرأة لا تشبهه فأصدقها ما لا يشبه أن يصدق مثله فلا يجوز ذلك له، ويكون للغرماء أن يأخذوا مما أصدقها ما زاد على ما يشبه مناكحه وتتبع بذلك هي زوجها، وتفرقة سحنون بين أن يستحق الصداق من يد المرأة وهو عبد بحرية أو ملك خلاف مذهب ابن القاسم سواء على مذهب ابن القاسم استحق بحرية أو ملك ويكون لها قيمة العبد إن استحق بملك، وقيمة الحر أن لو كان عبدا إن استحق بحرية ولا يفسخ إلا أن يعلما جميعا المرأة والزوج أن العبد مغصوب أو أنه حر، ووافق سحنون ابن القاسم في العبد إذا استحق بملك، وخالفه فيه إذا استحق بحرية فذهب إلى أنه يكون لها صداق مثلها لا قيمته أن لو كان عبدا كما

مسألة: وطئ امرأة في دبرها أيحصنها ذلك

يقول ابن القاسم، وهو قول المغيرة، وقد مضى في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب أنها ترجع أيضا بصداق مثلها، إذا استحق بملك، وقلنا هناك: إن ذلك هو القياس على قولهم في البيوع، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أنها ترجع بقيمة العبد سواء استحى بحرية أو ملك، والثاني أنها ترجع بصداق مثلها في الوجهين، والثالث تفرقة سحنون بينهما. وقول سحنون ولو كانت عالمة فسخ النكاح قبل البناء ويثبت بعده وكان لها صداق مثلها يريد عالمة بحرية العبد أو أنه مغصوب والزوج عالم أيضا، ولو علم أحدهما بذلك دون صاحبه لم يفسخ النكاح على مذهبه، فليس قوله في هذا بخلاف لمذهب ابن القاسم. ولابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون وابن كنانة: إن علم أحدهما بحرية العبد يفسد النكاح ويوجب فسخه قبل الدخول وصداق المثل بعده. [مسألة: وطئ امرأة في دبرها أيحصنها ذلك] مسألة قال: وسئل عمن وطئ امرأة في دبرها أيحصنها ذلك، قال: لا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن ذلك ليس بوطء جائز، ويتخرج على ما وقع في بعض روايات المدونة من أن الوطء في الدبر في الإيلاء أن يقع بذلك الإحصان، والله أعلم. [يتزوج المرأة فيشترط عند نكاحه إن تزوج عليها فأمر التي تتزوج عليها بيدها] ومن كتاب شهد على شهادة ميت قال: وسألته عن الرجل يتزوج المرأة فيجعل لها شرطا عند نكاحه إن تزوج عليها فأمر التي تتزوج عليها بيدها أو جعل ذلك بيد أبيها فتزوج عليها فلم تقض فيها شيئا عند نكاحه إياها حتى لبثت شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل فأرادت أن تطلقها عليه بعد، أذلك لها أو لأبيها متى ما أرادت ذلك وإن كنت ترى إذا هو ملكها ولم يدخل بها هو النكاح؟ قال ابن القاسم: إن كانت أشهدت أن ذلك بيدها ينظر فيه أو بيد أبيها فأشهد على ذلك أنه ينظر في ذلك فذلك لهما ما

لم يدخل بها، فإن دخل بها فلا شيء لهما، وإن لم يشهدا حين تزوج أن ذلك بأيديهما لم أر بأيديهما شيئا من ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال: أحدها أنه إذا لم يقض المملك منهما ساعة تزوج حتى مضى شهر أو أقل أو أكثر فقد سقط ما كان بيده إلا أن يكون أشهد أن ذلك بيده ينظر فيه، وهو على خلاف أصله في أن المملكة التي لم تواجه بالتمليك، وإنما شرط ذلك لها إن غاب عنها أو أضربها أو ما أشبهه لا يسقط ذلك من يدها إذا لم تقض ساعة وجب لها التمليك ويكون لها أن تقضي بعد الشهر والشهرين ما لم يطل، قيل بيمين، وقيل بغير يمين على ما وقع من ذلك في سماع ابن القاسم وسماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك، فجواب ابن القاسم في هذه المسألة نحو قول ابن وهب في سماع يحيى وقول أشهب في سماع زونان من كتاب التخيير وإن المملكة التي لم تواجه التمليك إذا لم تقض ساعة وجب لها التمليك وفي ذلك المجلس لم يكن لها أن تقضي بعد ذلك على حكم المواجهة بالتمليك في قول مالك الأول، والقول الثاني أن ذلك بيد المملك منهما ما لم يدخل بها. أو يطول الأمر قبل البناء، وهو قول مالك في سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك وقول ابن القاسم في كتاب ابن المواز على أصله في المملكة التي لم تواجه بالتمليك، والقول الثالث أن الأمر بيد المملك منهما وإن طال الأمر ما لم يدخل بها يريد أو توقف وهو قول ابن المواز من رواية على حكم المواجهة بالتمليك في قول مالك الثاني، فيتحصل في التي لم تواجه بالتمليك ثلاثة أقوال: أحدها أن لها أن تقضي ما لم توقف وإن طال، والثاني أن لها أن تقضي ما لم ينقض المجلس، والثالث أن لها أن تقضي ما لم يطل بالشهر والشهرين إن لم يكن زوجها حاضرا معها، وإن كان حاضرا معها كان لها أن تقضي وإن طال الأمر ما لم توقف؛ لأن امتناعها منه دليل على خيارها، وبالله التوفيق.

مسألة: يعتق جاريته أو أم ولده وهي غائبة ثم يقول أشهدكم أني قد تزوجتها

[مسألة: يعتق جاريته أو أم ولده وهي غائبة ثم يقول أشهدكم أني قد تزوجتها] مسألة وسئل عن الرجل يعتق جاريته أو أم ولده وهي غائبة ثم قال لقوم: أشهدكم أني قد تزوجتها ونقدتها فلانا لرأس من رقيقه، ثم أعلمها بالذي فعل فرضيت ولا بينة على رضاها فوطئها فولدت أولادا ثم هلك الرجل، هل ترثه؟ أو يكون لها من ذلك الرأس الذي أصدقها؟ وكيف به إن هلك الرجل بعد عتقه إياها وبعد تزويجه إياها بأيام هل ترثه وقد كانت في بيته لم يخرجها ولم يحولها عن حالها التي كانت عليها قبل العتق حتى هلك؟ قال ابن القاسم قال لي مالك في الرجل يزوج ابنته الثيب الغائبة عنه ثم ترضى قال: لا أراه نكاحا وإن رضيت وأرى أن يستأنف النكاح، قال: وقال لي مالك: كيف يكون نكاحا يقام عليه وإن مات أحدهما لم يتوارثا؟ قال ابن القاسم: وهذا عندي مثله إلا أن يكون تطاول ذلك فأرى أن يمضي، وما ولدت من ولد ألحق به. قال محمد بن رشد: المسألة التي سئل عنها ابن القاسم من قول الرجل في جاريته أو أم ولده بعد عتقها أشهدكم أني قد تزوجتها وهي غائبة أشد في الفساد من الذي يزوج ابنته الثيب وهي غائبة، فلا يدخل فيها من الاختلاف ما يدخل في هذه ولا يفرق فيها بين قرب الغيبة وبعدها كما يفرق في هذه حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم لأنه نكاح انعقد على خيار من أجل أن السيد إذا زوج مولاته من نفسه فهو الزوج وهو الولي، فإذا قال: أشهدكم أني قد تزوجتها وهي غائبة دون أن يستأمرها في ذلك فقد انعقد النكاح على أنها مخيرة فيه لأن ذلك بمثابة أن لو زوج ابنته وهي غائبة دون أن يستأمرها وأعلم الزوج أنه لم يستأمرها لأنه إذا فعل ذلك فقد انعقد النكاح على أنها مخيرة وخرجت المسألة من الاختلاف ورجعت إلى حكم النكاح على الخيار الصريح، وقياس ابن القاسم إياها على قول مالك في الذي يزوج ابنته الثيب وهي غائبة صحيح من باب الأولى، والوجه في

أراد أن يتزوج امرأة فقالت له أمه إنها أختك من الرضاعة قد أرضعتها

ذلك أنه إذا لم يجز نكاح الأب ابنته الثيب وهي غائبة وإن رضيت بعد ذلك فأحرى ألا يجوز نكاح السيد مولاته من نفسه وهي غائبة وإن رضيت بعد ذلك، وإنما قال فيها ابن القاسم: إن النكاح لا يفسخ إذا تطاول مراعاة للخلاف، إذ قد قيل في نكاح الخيار إنه لا يفسخ بعد الدخول، وهو أحد قولي مالك. وأما قوله: إن الولد يلحق فهو بين لشبهة العقد المختلف فيه، ولم يجب ابن القاسم على ميراثها منه إذا هلك بعد التزويج بأيام أو بعد أن ولد منها أولادا. فأما إذا هلك بعد أن ولد منها أولادا فلا إشكال في وجوب الميراث لها على القول بأن النكاح يقر ولا يفسخ، وأما على القول بأنه يفسخ فيكون لها الميراث على ما اختاره ابن القاسم وأخذ به في وجوب الطلاق والميراث في كل نكاح مختلف فيه، وكذلك إذا هلك بعد التزويج بأيام يكون إلا الميراث على هذا الاختلاف بعد يمينها أنه إنما هلك بعد رضاها إذا لم تكن ثم بينة على رضاها كما ذكر، وإشهاده على نفسه بتزويجها خلاف إقراره بأنها زوجته، وسيأتي القول على هذا في رسم الكبش من سماع يحيى إن شاء الله، وبالله التوفيق. [أراد أن يتزوج امرأة فقالت له أمه إنها أختك من الرضاعة قد أرضعتها] ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته قال: وسئل عن رجل أراد أن يتزوج امرأة فقالت له أمه: إنها أختك من الرضاعة قد أرضعتها، وتحت الرجل امرأة أخرى فقال الرجل: المرأة التي تحتي طالق إن كانت لي حلالا إن لم أتزوجها، قال: أرى أن تطلق امرأته التي تحته ولا يتزوجها، فإن اجترأ وتزوجها لم يقض عليه بطلاقها لأنه لا يكون في الرضاع إلا امرأتان. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال. إن الاختيار له أن يحنث نفسه بأن يطلق امرأته ولا يتزوجها لأن تزويجها له مكروه وليس هو عليه حراما لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر برضاع امرأة فتبسم وقال: " وكيف وقد قيل وقال: «الحلال

مسألة: زعمت أن زوجها طلقها البتة فأرادت أن تتزوجه بعد ذلك

بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه وعرضه» ، فندب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اتقاء المشتبهات ولم يحرمها، وهذا من المشتبهات، إذ لا يوقن بصحة قول أمه ولا يلزمه في الشرع تصديقها لاحتمال أن تكون أرادت أن تمنعه من نكاحها إلا أن يكون قد فشا ذلك من قولها قبل ذلك فيلزمه ذلك ويحرم عليه نكاحها ولا يلزمه في امرأته شيء على ما في آخر سماع ابن القاسم من طلاق السنة، وظاهر ما في النكاح الثاني من المدونة خلاف ما في الرضاع منها. وقوله: لأنه لا يكون في الرضاع إلا امرأتان، يريد ويفشو ذلك من قولهما على ماله في المدونة، وذهب مطرف وابن الماجشون وابن نافع وابن وهب إلى إعمال شهادتهما وإن لم يفش ذلك من قولهما، وهو قول سحنون، ومعناه إذا كانتا عدلتين، ولا يشترط مع الفشو على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك العدالة، والله أعلم، وإذا طلق امرأته واحدة فقد بر، ولا يكون عليه شيء إن تزوجها على مذهب ابن القاسم لأنه على حنث ولم يضرب ليمينه أجلا، وروي عن ابن الماجشون أن موتها كالأجل، وإن راجع امرأته بعد أن طلقها وقعت عليه بموت المرأة التي حلف ليتزوجها طلقة أخرى، والمسألة بعينها متكررة في هذا الرسم من الأيمان بالطلاق، والله تعالى الموفق. [مسألة: زعمت أن زوجها طلقها البتة فأرادت أن تتزوجه بعد ذلك] مسألة قال ابن القاسم: كل امرأة زعمت أن زوجها طلقها البتة فأرادت أن تتزوجه بعد ذلك قبل أن تتزوج زوجا غيره وهي مالكة أمرها فإنها لا تتزوجه، فإن تزوجته فرق بينهما، قلت: فإن قالت: إني كنت كاذبة، قال: لا يقبل قولها، قلت: فإن أنكرت أن تكون قالت ذلك وشهد عليها شهيدان أنها قد أقرت بأنه طلقها البتة، قال: شهادة الشهيدين جائزة ولا تتزوجه، قلت: فإن شهد شاهد واحد على إقرارها وهي منكرة لذلك هل تحلف؟ قال: لا.

النصراني تسلم امرأته قبل أن يدخل بها إلا أنه ربما خلا بها عند أهلها

قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنها ادعت طلاق البتات وهي بائنة منه بصلح أو غيره، ولذلك لم يصدقها، ولو ادعت ذلك وهي في عصمته ثم صالحها فأرادت أن تتزوجه قبل زوج وقالت: كنت كاذبة وأرادت الراحة منه لصدقت في ذلك ولم تمنع من مراجعته ما لم تذكر ذلك بعد أن بانت منه كذلك لمحمد بن المواز في كتابه، وكذلك وقع في سماع أصبغ من طلاق السنة أن دعواها طلاق البتة، كان، وقد صالحها، وكذلك لو مات فأكذبت نفسها وطلبت ميراثها يكون ذلك لها إن كان دعواها طلاق البتات وهي في عصمته، قاله ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب طلاق السنة، وقد قال بعض رواة أهل المدينة: إنها لا تصدق ولا يكون لها الميراث، وفرق سحنون بين الميراث ورجوعها إليه فقال: إنها تصدق في الميراث، ويكون لها ولا تمكن من الرجوع إليه إلا بعد زوج، فهي ثلاثة أقوال إذا كان دعواها طلاق البتات وهي في عصمته، ولابن القاسم في سماع أصبغ من طلاق السنة أنها تحلف إذا شهد عليها بإقرارها شاهد واحد خلاف قوله هاهنا إلا أنه قال: إنها إن أبت أن تحلف لم تمنع من الرجوع إليه بحكم وقاله أصبغ، ولا معنى لإيجاب يمين لا يوجب النكول عنها حكما، والقياس على قول من أوجب عليها اليمين إذا نكلت عنها أن لا تمكن من الرجوع إليه إلا بعد زوج، وبالله التوفيق. [النصراني تسلم امرأته قبل أن يدخل بها إلا أنه ربما خلا بها عند أهلها] ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم في النصراني تسلم امرأته قبل أن يدخل بها إلا أنه ربما خلا بها عند أهلها، قال: إذا أسلمت امرأته ولم يسلم مكانه فلا رجعة له عليها، وهي تطليقة بائنة وهي أملك بأمرها إذا لم يدخل بها، وإن كان قد أصابها عند أهلها ثم أسلمت ولم يسلم فلها الصداق كله المعجل والمؤجل، فإن أسلم وهي في عدتها فهو أولى بها، وإن أسلمت قبل أن يدخل بها أو يصيبها فلا رجعة له عليها وإن أسلم إلا بنكاح جديد ولا عدة عليها.

مسألة: سام على سوم أخيه بعد اتفاقهما على الثمن فدخل عليه فاشترى تلك السلعة

قال محمد بن رشد: هذه الرواية مخالفة للمعلوم من مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه في موضعين، أحدهما قوله: ولم يسلم مكانه لأن فيه دليلا على أنه لو أسلم مكانه لبقي معها، والمعلوم في المذهب أنه يفرق بينهما إلا أن يسلما معا، والثاني قوله: وهي تطليقة بائنة لأن المعلوم في المذهب من قول مالك وجميع أصحابه حاشا ابن الماجشون أن الفرقة بإسلام أحد الزوجين حيثما وجبت إنما هي فسخ بغير طلاق، وهو الصواب؛ لأن الفرقة إن كانت بإسلام الزوجة قبل البناء فهو كافر، والكافر لا يلزمه طلاق في مذهب مالك، وإن كانت بإسلام الزوج والزوجة مجوسية فهو لم يطلق، وإنما فعلت الزوجة فعلا أوجب الفرقة كالملك وما أشبهه، والله ولي التوفيق. [مسألة: سام على سوم أخيه بعد اتفاقهما على الثمن فدخل عليه فاشترى تلك السلعة] مسألة وسئل ابن وهب عن رجل سام على سوم أخيه بعد اتفاقهما على الثمن فدخل عليه فاشترى تلك السلعة ثم أراد التوبة وقد هلكت تلك السلعة أو هي قائمة ولعلها قد زادت أو نقصت، ورجل يخطب على خطبة أخيه بعدما رضوا به وثبت النكاح وسموا الصداق فدخل عليه فتزوج ثم ندم وأراد التوبة كيف يصنع؟ قال: أرى أن يتوب إلى الله ويستغفره، فإن كانت تلك السلعة لم تفت أو المرأة لم تفت فليعرض السلعة على الذي أراد أن يشتريها، فإن أراد إن يأخذها بالثمن الذي اشتراها به فليسلمها إليه زادت أو لم تزد إلا إن كان أنفق عليها شيئا حتى زادت فليعطه نفقته مع الثمن، وإن كانت نقصت فإن أحب أن يأخذها بنقصانها أخذها ولا شيء له غيره، وأما المرأة فليسأله أن يحلله من دخوله عليه فيها، فإن حللها رجوت أن يكون مخرجا له، وإن لم يحلله فليخل سبيلها إن كان أفسد عليه بعد أن كانت قد رضيت بالأول، فإن تزوجها بعد فراق هذا إياها وإلا فليراجعها إن بدا له بنكاح جديد، وليس يقضى

بذلك عليه، وإنما هذا على وجه التنزه والاستحسان والخوف لله، قال ابن القاسم: وإن لم يحلله فليستغفر الله ولا شيء عليه، وسئل عنها سحنون فقال: سألت عنها ابن القاسم فقال لي: إذا باع على بيع أخيه أو خطب على خطبة أخيه لم أر أن يفسخ ورأيت أن يؤدب صاحب هذا، وأخبرني عبد الله بن نافع وأشهب أن مالكا سئل عن الرجل يخطب على خطبة أخيه بعدما اتفقا على صداق معلوم وتراضيا وهي تشترط لنفسها وعن الذي يبيع على بيع أخيه بعدما اتفقا على ثمن معلوم فهو يشترط لنفسه الوزن فقال: لا أرى أن يفسخ شيء من ذلك ولم أسمع بفسخ شيء هذا من ذلك لأنه يجحد ولا يعرف، وأما لو ثبت ذلك حتى يعلم فلا يشك فيه رأيت أن يغير ذلك فيفسخ البيع ويفرق بينهما. قال محمد بن رشد: ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» ليس على عمومه في كل حال، وإنما معناه عند مالك وعامة العلماء إذا ركن المخطوب إليه إلى الخاطب، فلا بأس أن يخطب الرجل على خطبة أخيه ما لم تركن المرأة إليه وتقارب الرضى به، ولا بأس أن يجتمع الاثنان والثلاثة في الخطبة، وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب، خطب امرأة من دوس على مروان بن الحكم، وعلى ابنه عبد الله وكانا سألاه ذلك فخطبها عليهما وعلى نفسه فرضيت [بذلك] بدليل حديث فاطمة بنت قيس قالت: لما حللت أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، ولكن انكحي أسامة بن زيد، قالت: فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا

واغتبطت به» لأنه لما خطب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاطمة على أسامة بعد علمه بخطبة معاوية وأبي جهم علم بجواز ذلك في تلك الحال، وتخصص ذلك من الحديث الأول وثبت النهي فيه في الحال التي فيها الركون ومقاربة الرضى، وقوله بعدما رضوا به وثبت النكاح وسموا الصداق يدل على جواز الخطبة بعد الركون والمقاربة ما لم يسموا الصداق، وهو نص قول ابن نافع؛ وظاهر قول مالك في الموطأ خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب وحكاه عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وابن القاسم وابن وهب من أن ذلك لا يجوز إذا ركنا وتقاربا وإن لم يسميا الصداق؛ لأن النكاح جائز دون تسمية الصداق، وهو التفويض الذي جوزه القرآن، وكذلك أن يسوم الرجل على سوم أخيه هو على هذا المعنى بدليل ما روي «أن رجلا من الأنصار أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فشكا إليه الفاقة ثم عاد فقال: يا رسول الله لقد جئت من عند أهل بيت ما أرى أن أرجع إليهم حتى يموت بعضهم، قال. " انطلق هل تجد من شيء " فانطلق فجاء بحلس وقدح، فقال: يا رسول الله هذا الحلس كانوا يفترشون بعضه ويلتفون ببعضه، وهذا القدح كانوا يشربون فيه، فقال: " من يأخذهما مني بدرهم "؟ فقال رجل أنا، فقال: " من يزيد على درهم "؟ فقال رجل آخر: أنا آخذهما بدرهمين، فقال: " هما لك " فدعا بالرجل فقال: اشتر بدرهم طعاما لأهلك وبدرهم فأسا ثم ائتني ففعل ثم جاء فقال: انطلق إلى هذا الوادي فلا تدعن فيه شوكا ولا حطبا ولا تأتني إلا بعد عشر " ففعل ثم أتاه فقال. بورك فيما أمرتني به، فقال: " هذا خير لك من أن تأتي يوم القيامة وفي وجهك نكت من المسألة أو خموش من المسألة» الشك من بعض الرواة لأنه لما أجاز - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المزايدة في هذا الحديث وفيها سوم على سوم من غير ركون على أن الذي نهى عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السوم على السوم بعد الركون، ومن أهل العلم من لم يجز السوم على السوم بحال تعلقا بظاهر الحديث، وروي عن مجاهد أنه

مسألة: الرجل الفاسد يخطب المرأة فترضى فيتقدم لها الأحسن

أجازه في صحن السوق ولم يجزه فيمن خلا برجل يسومه، فمن خطب على خطبة أخيه أو سام على سومه في الموضع الذي لا يجوز له أن يفعل ذلك فقد ظلمه وأفسده ووجب عليه أن يتوب إلى الله من ذلك ويتحلل صاحبه لأن التوبة من الظلامات لا تكون إلا برد التباعات، فإن أبى أن يحلله فعليه أن يعطيه السلعة بالثمن الذي اشتراها به زادت أو نقصت إن شاء أن يأخذها ويترك المرأة فإن لم يتزوجها تزوجها هو بعد إن شاء، وقد اختلف في العقد فقيل إنه فاسد لمطابقة النهي له، وقيل ليس بفاسد، فعلى القول بأنه فاسد يفسخ في القيام والفوات، ويكون رد القيمة كرد العين، وقيل يفسخ ما كان قائما فإن فات مضى بالثمن ولم يفسخ، وكذلك يختلف في النكاح على السوم بأنه فاسد لمطابقة النهي له، فقيل يفسخ قبل البناء وبعده، وقيل يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، اختلف في ذلك قول ابن نافع. [مسألة: الرجل الفاسد يخطب المرأة فترضى فيتقدم لها الأحسن] مسألة وسئل عن الرجل المسخوط الفاسد في جميع حالاته يخطب المرأة فترضى بتزويجه وسموا الصداق ولم يبق لهم إلا الفراغ فأتاني من هو أحسن منه حالا وأرضى فسألني الخطبة عليه فهل يدخل علي شيء إن فعلت لحال ما جاء ألا يخطب رجل على خطبة أخيه فقال: أما أنا فكنت أشير على المرأة لو أني وليها أن تتزوج هذا الرجل الصالح المقبل على شأنه وتدع الفاسد الذي لا يعينها على دين ولا دنيا، وهي إلى نقصان دينها عند هذا الفاسق أقرب منها عند الصالح لأن الفاسق لا يعلمها إلا مثل ما هو فيه من الفسوق والشر وتقتدي به فيما ترى منه، وإن الصالح إنما هي معه في زيادة خير في كل يوم وليلة، والصالح عندنا أولى وأحق من الفاسق الذي قد علم ذلك منه في حالاته وما ظهر منه، ومصاحبة التقي أفضل من مصاحبة

الرجل يواعد المرأة في عدتها من وفاة زوجها ثم ينكح

الفاسق في دين الله وأرجو أن الحديث ما جاء إلا في الرجلين اللذين يشبه أحدهما صاحبه، فذلك الذي لا ينبغي أن يدخل عليه في خطبته حتى ينكح أو يرد إذا كانوا قد توافقوا على الفراغ أو شبه الفراغ. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يخطب أحد على خطبة أخيه» لفظ عام في كل حال وفي كل خاطب، والعموم يحتمل الخصوص، فكما خص من الأحوال الحال التي لا ركون فيها بحديث فاطمة المذكور، فكذلك يخص من الخطاب الخاطب الذي لا خير عنده ولا حظ للمرأة في نكاحه بما يلزم في الدين من النصح للمرأة في أن لا تتزوج فاسقا يرديها، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدين النصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤمن أخو المؤمن يشهده إذا مات ويعوده إذا مرض، وينصح له إن غاب أو شهد» فإذا خطب المرأة فاسق جاز للصالح أن يخطبها بعد أن تقارب الأمر بينهما وانبغى لمن علم بذلك أن يحضها على أن تتزوج الصالح وتدع الفاسق. [الرجل يواعد المرأة في عدتها من وفاة زوجها ثم ينكح] ومن كتاب الرهون وعن الرجل يواعد المرأة في عدتها من وفاة زوجها ثم ينكح أيفرق بينهما أم يمضي نكاحهما؟ قال: إن كان وعدها شبيها بالإيجاب فأرى أن يفرق بينهما بطلقة ثم لا ينكحها أبدا يريد إذا دخل بها، وإن كان إنما هو تعريض لا يشبه الإيجاب فالنكاح ثابت.

مسألة: تتزوجه المرأة على أن يطلق امرأة أخرى فيقول نعم

قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب مستوفى فلا معنى لإعادته مرة أخرى ههنا، وبالله التوفيق. [مسألة: تتزوجه المرأة على أن يطلق امرأة أخرى فيقول نعم] مسألة وقال في الذي تتزوجه المرأة على أن يطلق امرأة أخرى فيقول نعم، قال أرى أنه إذا طلقها واحدة وقالت المرأة التي تزوج لم أتزوجك إلا على أن تطلقها البتة، ولولا ذلك لم أتزوجك، قال: أراها طالقا البتة، قال ابن القاسم: ولو تزوجها على أن كل امرأة يتزوجها عليها فهي طالق مثل ذلك أيضا ثلاثا. قال محمد بن رشد: جعل اليمين في هذه الرواية على نية المرأة المشترط لها الشرط كان الطلاق فيمن هي في عصمته ممن لا تبين منه بواحدة أو لا الداخلة التي تبين بواحدة، وكذلك لو كان الشرط تمليكا لم يكن له أن يناكر في الوجهين جميعا على هذه الرواية، بخلاف إذا تطوع لها بذلك من غير شرط يكون عليه في أصل العقد وهذا مذهبه في المدونة. وفرق في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب التخيير في الشرط بين أن يكون الطلاق أو التمليك فيها أو في الداخلة عليها، وعلى ذلك فإن التي في عصمته لا تبين بالواحدة والداخلة تبين بها، فعلى تعليله لو كان الشرط فيها وتزوج عليها قبل الدخول لكانت اليمين على نيته ولكان له أن يناكرها ولو كان الشرط بالتمليك في الداخلة عليها فلم يعلم حتى دخل بها لما كان له أن يناكرها، وقد قيل: إن الشرط والطواعية سواء، واليمين على نية المرأة وليس للزوج أن يناكر في التمليك، وهذا يأتي على القول بأن اليمين على نية المحلوف له، وهو قول ابن الماجشون وسحنون ورواية عيسى عن ابن القاسم في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، فلا اختلاف بينهم في الشرط حيث لا

مسألة: الرجل يتزوج المرأة بنكاح جائز ثم تناكره وقد تفرق شهوده

تبين بواحدة أن اليمين على نية المرأة المشترط لها الشرط وأنه ليس للزوج أن يناكر فيما زاد على الواحدة إلا أن يدخل في ذلك الاختلاف بالمعنى من المسألة التي مضى القول عليها في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، فقف على ذلك. [مسألة: الرجل يتزوج المرأة بنكاح جائز ثم تناكره وقد تفرق شهوده] مسألة وقال في الرجل يتزوج المرأة بنكاح جائز ثم تناكره وقد تفرق شهوده فلا يقضى لها عليه بنكاح، هل له أن يتزوج أختها أو رابعة من النساء إن كان عنده ثلاثة معها، قال: لا أرى له أن يتزوج أختها حتى يطلق تلك التي قضي عليه فيها طلاقا بائنا لأنه يعلم أنها زوجته إلا أنه قضي بينهما على الظاهر من الأمر، فأرى أن لا ينكح أختها ولا الرابعة سواها حتى يطلقها، وأنا أستحب له أن يطلقها لأن تكون في سعة إن تزوجت رجلا، ولا يحرجها ولا يؤثمها تزوج أختها أو لم يتزوجها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن حكم الحاكم بالظاهر لا يحل الأمر على ما هو عليه في الباطن عند من علمه، قال الله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 188] الآية وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من نار» وهذا عام في الأموال وغيرها خلاف ما يذهب إليه أهل العراق من التفرقة في هذا بين المال والنكاح، وقد تبين مالك وجه استحسانه لطلاقها وهو في المسألة التي مضت في رسم نذر سنة أن

مسألة: العبد يتزوج بغير إذن مولاه ويقره سيده فهل يلزم السيد الصداق

يصومها من سماع ابن القاسم آكد عليه منه في هذه لأنها هي المتعدية عليه في إنكارها النكاح، والحمد لله. [مسألة: العبد يتزوج بغير إذن مولاه ويقره سيده فهل يلزم السيد الصداق] مسألة وقال في العبد يتزوج بغير إذن مولاه فرآه مولاه يدخل على امرأته هل يلزم السيد الصداق حيث رآه ولم يكن أذن له في النكاح، قال: إن شهد على السيد أنه علم بنكاحه وأقره رأيت النكاح جائزا ورأيت الصداق على العبد بما أقر سيده له من ذلك بعد علمه به. قال محمد بن رشد: أما إن شهد على السيد أنه أقر نكاحه بعد علمه بذلك فلا كلام في أن الصداق يلزم العبد في ماله ويثبت النكاح، وكذلك إن شهد عليه بأنه علم بدخوله على امرأته فسكت على ذلك ولم ينكره لأن سكوته على ذلك يسقط ماله من الحق في التفرقة بينهما، كمن ملك رجلا أمر امرأته فلم يقض حتى أمكنته من وطئها. وإذا ثبت النكاح وسقط خيار السيد فيه وجب أن يلزم العبد الصداق في ماله فلا يدخل هذه المسألة الاختلاف في السكوت هل هو إذن أم لا؟ وستأتي هذه المسألة متكررة في سماع أبي زيد، والحمد لله. [مسألة: المسلم يغر اليهودية أو النصرانية فينكحها ويقول أنا على دينك] مسألة وقال في المسلم يغر اليهودية أو النصرانية فينكحها ويقول: أنا على دينك فيطلع عليه بعد أن دينه على غير ذلك إن فراقه بيدها. قال محمد بن رشد: مثله لمالك في كتاب ابن المواز وله في المبسوط من رواية ابن نافع أن النكاح ثابت ولا خيار لها، وهو قول ربيعة إن الإسلام ليس بعيب، والأول أظهر أن لها الخيار من أجل الشرط وإن لم يكن الإسلام عيبا لأن لها في كونه على دينها غرضا قصدته فوجب أن يكون لها الرد بما شرطت، كالرجل يشتري الأمة على أنها نصرانية ليزوجها عبده النصراني أو ليمين عليه ألا يملك مسلمة فيجدها مسلمة أن له أن يردها. ولو لم يغرها

مسألة: تزوج الحرة على الأمة والأمة على الحرة

وتزوجته وهي تظنه نصرانيا لم يكن لها خيار، وكذلك الرجل يتزوج المرأة نصرانية ولم يعلم فلا حجة في ذلك له حتى يشترط أنها مسلمة أو يظهر ويعلم أنه إنما تزوجها على أنها مسلمة لما كان يسمع منها من إظهار الإسلام فهذا كالشرط، قال ذلك في كتاب محمد. [مسألة: تزوج الحرة على الأمة والأمة على الحرة] مسألة وقال في الرجل تكون تحته الأمة: إنه لا بأس أن يتزوج عليها حرة، فإن كانت عنده حرة فلم تكفه ولم يكن له ما يتزوج به حرة أخرى فليتزوج أمة أخرى حتى يجتمع عنده أربع. قال محمد بن رشد: قوله في الرجل تكون تحته الأمة إنه لا بأس أن يتزوج عليها حرة صحيح على مذهبه بأن الحرة ليست بطول يمنع بها من نكاح الأمة لأن من يراها طولا يمنع به من نكاح الأمة يقول: إنه إذا تزوجها على الأمة فرق بينه وبينها، ولم يذكر إن كان يكون للمرأة خيار إن لم تعلم أن تحته أمة أم لا، وينبغي أن يكون ذلك لها على قوله إنه لا يتزوج الأمة إلا أن يخشى العنت ولا يجد طولا لحرة، وهو قوله هاهنا خلاف ما تقدم له في رسم نقدها، وقد مضى هناك من القول على ذلك ما فيه كفاية. [مسألة: رجل تزوج امرأة واشترط عليها أنه لا نفقة لها عليه] مسألة وقال في رجل تزوج امرأة واشترط عليها أنه لا نفقة لها عليه أرى إن كان لم يدخل بها أن يفسخ نكاحه، وذلك أن مثل هذا الشرط لا ينبغي أن يقع في النكاح، وإن كان دخل بها فنكاحه جائز وشرطه باطل وعليه ما على المسلمين من النفقة على نسائهم، ولو شرطت عليه عند عقدة النكاح أن لي من القوت كذا وكذا في كل

مسألة: البكر تخطب من وليها فتدس إلى خطيبها شيئا من مالها

شهر فإن دخل بها بطل شرطها عليه وكان لها عليه مثل ما لمثلها على مثله من النفقة، قلت: فإن لم يدخل بها أيفسخ أيضا أم لا؟ قال: نعم يفسخ أيضا. قال محمد بن رشد: ويكون فيه صداق المثل لا المسمى، قال ابن المواز: لأنه كصداق مجهول، قال أصبغ: وإن لم يبن وترك الشرط ثبت النكاح كالنكاح بصداق بعضه معجل وبعضه إلى موت أو فراق، وساوى ابن القاسم فيما يأتي في رسم باع شاة بين الذي يتزوج على أن لا نفقة وعلى أن لا ميراث بينهما، فقال في ذلك: إنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ولم ينص هل يكون فيه الصداق المسمى أو صداق المثل وإرادته أنه يكون فيه صداق المثل، وقال أشهب: إنهما يفسخان جميعا قبل البناء وبعده، وفرق أصبغ بينهما فقال: يفسخ النكاح على أن لا ميراث بينهما قبل وبعد، ويفسخ النكاح على أن لا نفقة على الزوج قبل البناء ويثبت بعده، وهذا النوع من الأنكحة التي تنعقد على الشروط الفاسدة مثل أن يتزوج على أن الطلاق بيد غير الزواج أو على ألا يكون معها بالنهار أو على أنه بالخيار أو على أنه إن لم يأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا فلا نكاح بينهما وما أشبه ذلك الاختلاف فيها كلها، قيل: إنها تفسخ قبل الدخول وبعده، وقيل: إنها تفسخ قبل وتثبت بعد، وإن كان بعضها أشد من بعض، والأظهر فيها كلها أن تثبت بعد الدخول ويكون فيها صداق المثل، وقد مضى هذا المعنى في رسم سن من سماع ابن القاسم وغيره. [مسألة: البكر تخطب من وليها فتدس إلى خطيبها شيئا من مالها] مسألة وقال في البكر تخطب إلى وليها فيسأل صداقا كثيرا فيكره الخاطب أن يتزوجها بذلك الصداق فتدس إليه المرأة شيئا من مالها يستعين به على صداقها وهو يجعل مع ذلك الذي أرسلت به شيئا من ماله يتحلل به النكاح، قال: لا يجوز ذلك لأنها مولى عليها لا يجوز لها أمر في مالها حتى يدخل بها زوجها، ولا أراه إلا لها إن رجعت فيه حين يدخل عليها، قال: وإن كانت ثيبا جاز.

مسألة: تزوج امرأة فاشترطت عليه رأسين في صداقها بمائة دينار

قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم نقدها من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وفي قوله هاهنا لا أراه إلا لها إن رجعت فيه نظر؛ لأن عطية البكر لا تجوز على حال، وإن لم ترجع هي فيه فللولي أن يقوم في ذلك، فإن لم يفعل فلا يجوز له هو أن يمسكه وعليه أن يرده، ومعنى ذلك بعد دخول زوجها بها وملكها أمر نفسها فحينئذ تكون مخيرة بين أن ترجع فيه على الزوج أو تتركه له، والله أعلم. [مسألة: تزوج امرأة فاشترطت عليه رأسين في صداقها بمائة دينار] مسألة وعن رجل تزوج امرأة فاشترطت عليه رأسين في صداقها بمائة دينار كل رأس بخمسين دينارا وكانت الرقيق يومئذ رخيصة يباع الرأس الرضي بخمسين دينارا ثم غلت الرقيق بعد ذلك فلا يوجد الرأس إلا بمائة دينار إنه إن كانوا وصفوا الرأس بخمسين وإنما كانت الخمسون صفة للرأس بمنزلة ما يوقت بصفة معلومة مما يتواصف الناس بينهم إذا أسلفوا في الرقيق وابتاعوا، كقول الرجل: هو لك صبيحا تاجرا فصيحا فإني أرى هذه الصفة لازمة غلت الرقيق أو رخصت، وإن كانوا إنما سموا الخمسين دينارا لكيما لا يزول غلت الرقيق أو رخصت فأرى الرجل حينئذ بمنزلة وكيل وكلوه أن يبتاع لهم رأسا بخمسين دينارا فلا أرى عليه غير الخمسين غلت الرقيق أو رخصت، قال ابن القاسم: وإن وقعت بالرأسين صفة فالصفة لازم غلت الرقيق أو رخصت والخمسون لغو. قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال: إنهم إن كانوا أرادوا بالخمسين صفة الرأس فالصفة هي اللازمة، وإن كانوا إنما سموا الخمسين لكي تكون ثابتة على الزوج لا ينقصهم شيئا منها فهو بمنزلة الوكيل على الشراء بها. وإن لم يتبين هل أرادوا بالخمسين الصفة أو العدد، فأمرهم محمول على مراعاة

مسألة: الرجل يتزوج الحرة فيصيبها ثم تلد من زنى في ثلاثة أشهر

العدد الذي سموه حتى يعلم أنهم قصدوا به الصفة، وقد مضى في رسم مرض من سماع ابن القاسم في هذه المسألة زيادة بيان لها لا معنى لإعادتها. [مسألة: الرجل يتزوج الحرة فيصيبها ثم تلد من زنى في ثلاثة أشهر] مسألة وقال في الرجل يتزوج الحرة فيصيبها ثم تلد من زنى في ثلاثة أشهر إنه يفرق بينهما ولا يتراجعان أبدا بمنزلة النكاح في العدة. قال محمد بن رشد: وكذلك لو تزوجها في استبرائها من الزنى ودخل بها على هذه الرواية، وهو قول مطرف وروايته عن مالك، ويرجع بالصداق مثل العيوب التي ترد منها، قاله في المختصر الكبير، وذهب ابن الماجشون إلى أنها لا تحرم عليه بالتزويج في الاستبراء من الزنى ولا من الاغتصاب، وكذلك الحمل منهما على قوله، وهو أحد قولي ابن القاسم في رواية أصبغ عنه، ثم رجع فقال: أما في الحمل فلا يتزوجها وأما في غير الحمل فلا بأس، وفي هذه التفرقة لابن القاسم نظر، ولا يحملها القياس، وإنما قال بها لرواية يرويها ابن وهب عن مالك مجردة في الحمل إنه لا يتزوجها، والقياس أن يكون بالعكس لأن في تزويجها في الاستبراء اختلاط الأنساب، وليس ذلك في تزويجها حاملا، ألا ترى أن بعض أهل العلم قد أجاز لمن زنت زوجته وهي حامل منه ظاهرة الحمل أن يطأها قبل الوضع لأمنه من اختلاط الأنساب، فيتحصل في المسألة على هذا أربعة أقوال، واستحب أصبغ ألا يتزوجها أبدا إذا تزوجها ودخل بها وهي حامل من زنى أو في الاستبراء منه، فإن فعل لم يمنع من ذلك بقضاء. [مسألة: رجل تزوج امرأة وأصدقها أباها وأعطته خمسين دينارا] مسألة وقال في رجل تزوج امرأة وأصدقها أباها وأعطته خمسين دينارا: لا خير في هذا النكاح ويفسخ إن لم يدخل بها لأن مالكا قال

يقول للرجل ولني إنكاح وليتك ولها كذا وكذا أو يجعل ذلك إليه

لي: لا خير في أن يتزوج الرجل المرأة بمائة دينار وبخادم يأخذها منها قيمتها أدنى من المائة ولا يكون ذلك، وقال غيره من أهل العلم فالذي أصدقها أباها وأخذ منها دنانير مثل هذا سواء، فهو نكاح مفسوخ، وإن دخل بها فعسى أن يكون لها صداق مثلها، قلت: فالأب حين ملكته وأعتق عليها أيرد إلى الزوج؟ قال: كيف يرد؟ إذا فات كان عليه قيمته، ألا ترى أنه قد فات حين ملكته لأن ملكها إياه عتق. قال محمد بن رشد: لا اختلاف بينهم في أن النكاح جائز إذا تزوجها على أبيها أو على أخيها أو على أحد ممن يعتق عليها، فلا فرق على هذا بين أن يصدقها أباها على أن تعطيه خمسين دينارا أو يصدقها عبدا على أن تعطيه خمسين دينارا إلا فيما يجب من عتق أبيها عليها ووجوب قيمته عليها إذا فسخ النكاح لما اقترن به من البيع، وقد مضى في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده القول في حكم اجتماع البيع مع النكاح في صفقة واحدة موعبا مستوفى فلا وجه لإعادته هنا، وبالله التوفيق. [يقول للرجل ولني إنكاح وليتك ولها كذا وكذا أو يجعل ذلك إليه] ومن كتاب الجواب قال: وسألته عن الرجل يقول للرجل ولني إنكاح وليتك ولها كذا وكذا أو يجعل ذلك إليه ولا يأخذ عليه شيئا ثم يريد أن يعزله عما جعل إليه من ذلك، قال ابن القاسم في الذي جعل ذلك بجعل لا يحل ذلك ولا يصلح ويرد الجعل على كل حال وهو يعزله عن ذلك إن شاء في الوجهين جميعا كان بجعل أو بغير جعل، فإن فات ذلك ووقع النكاح رد الجعل على كل حال ونظر فإن كانت الوليه مالكة لأمرها وقد كانت عرفت الزوج وسمي لها قبل العقد ورضيت به أو كانت بكرا في ولاية أبيها ثبت النكاح ولم

يرد، وإن كانت مالكة لأمرها ولم يسم لها الزوج ولم تعرفه فسخ النكاح إن كان لم يدخل بها لأن مالكا قال في المرأة تفوض أمرها إلى وليها ينكحها وتجعل ذلك إليه ولا تسمي له الرجل ولا يسميه لها فيزوجها رجلا فإذا بلغها ذلك أنكرت ذلك وقالت: لم أكن أريد هذا ولا أرضى به، قال مالك: ذلك لها ولا يلزمها ذلك النكاح حتى يسمى لها وتعرفه، وإن كان في مسألتك قد دخل بها رأيت أن يثبت لأن ذلك منها رضى، قال سحنون: إذا فوضت إليه نكاحها ليزوجها ممن شاء فزوجها كفؤا فالنكاح جائز سمي لها أم لا، بكرا كانت أو ثيبا. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز الجعل في هذا وقال: إنه لا يحل ولا يصلح من أجل أن للمجاعل أن يعزله عما جعل إليه من ذلك لأنه إن لم يعزله تم له ما أراد وأعطى عليه الجعل من تزويج وليته ممن أحب لما له من الغرض في ذلك والرغبة فيه، وإن عزله لم يتم له ما أراد فكان غررا، وإن ارتجع ماله عاد سلفا فكان حراما لأنه سلف جر منفعة إذ لم يسلفه لله وإنما أسلفه رجاء أن يتم له ما أراد من تزويج وليته لمن يحب. ولو لم يكن له أن يعزله عما جعل إليه من ذلك من أجل الجعل الذي جعل له فيه لجاز ذلك على مذهب سحنون في البكر والثيب وإن لم يسم لها الزوج إذا رضيت بالأمر وعلى مذهب مالك في البكر ذات الأب وفي الثيب إن كان سمى لها الزوج وعرفته؛ لأن غرضه الذي أعطى عليه المال من تزويج ولية الرجل لمن يحب يتم له فيرتفع الغرر والحظر والحرام في ذلك، وقد أجاز ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب جامع العيوب أن يقول الرجل للرجل ولني بيع دارك بكذا وكذا ولك كذا وكذا، والوجه في إجازة ذلك أنه لم ير للمجعول له رجوعا فيما جعل إليه بما أعطاه إذ لم يتعلق بذلك حق لغيره بخلاف النكاح الذي يتعلق فيه حق الولية المتزوجة، وقد كان بعض الشيوخ يذكر في الفرق بين المسألتين فرقا يغرب به ويزهى باستنباطه إياه واهتدائه إليه

وهو أنه في النكاح جعل على ما لا منفعة فيه للجاعل، وفي البيع جعل على ما له فيه منفعة، إذ قد يشترط على المشتري في البيع أكثر من الجعل فيكون قد انتفع بالزيادة التي صارت إليه، وإن اشترط على الزوج في النكاح شيئا لم يكن له وكان للزوجة؛ لأن كل ما اشترطه الولي من حباء أو كرامة فهو للزوجة، فصار قد أعطى الجعل على ما لا منفعة له فيه، وهو وهم من قائله إذ لا فرق في هذا بين النكاح والبيع؛ لأن من وكل رجلا على أن يبيع له سلعة فباعها واشترط لنفسه على المشتري شيئا يأخذه منه فلا حق له فيه، وهو لرب السلعة كما يشترط الولي على الزوج سواء، فالفرق بين المسألتين هو ما ذكرناه لا ما سواه، والله أعلم. وتشبيه ابن القاسم في هذه المسألة مسألة الذي يوكل الرجل أن يزوج وليته المالكة لأمر نفسها يزوجها دون أن يسمي لها الرجل وتعرفه بمسألة مالك في التي تفوض أمرها إلى وليها وتجعل إليه إنكاحها فيزوجها دون أن يسمي لها الزوج أو تعرفه ليس بصحيح؛ لأن مسألة مالك قد قدمت المرأة فيها وليها والمسألة الأولى لم تقدم وليها فهما مسألتان مفترقتان، أما الذي زوج وليته قبل أن يستأمرها أو وكل رجلا فزوجها قبل أن يستأمرها فلا اختلاف أن النكاح لا يلزمها إذا لم ترض به، واختلف إن رضيت به فقيل: إن النكاح جائز، وهو دليل قوله في آخر المسألة وإن كان في مسألتك قد دخل بها رأيت أن يثبت لأن ذلك منها رضى، وقيل: إنه لا يجوز وهو ظاهر قوله في صدر المسألة فسخ النكاح إن كان لم يدخل بها إذ لم يفرق في ذلك بين قرب ولا بعد، وقيل: يجوز في القرب ولا يجوز في البعد، وهو المشهور حسبما مضى بيانه في أول رسم من سماع ابن القاسم، واختلف إن وقع النكاح في البعيد أو في القريب على القول بأنه لا يجوز، فقيل: إنه يفسخ ما لم يدخل، وهو قول ابن القاسم هاهنا واختيار محمد بن المواز، وقيل: يفسخ ما لم يطل بعد الدخول، وقيل: يفسخ أبدا وإن طال على ما مضى القول فيه في سماع ابن القاسم أيضا، وأما الذي وكلته وليته أن يزوجها فزوجها ولم يسم لها الزوج فقيل: إن النكاح يلزمها وإن لم ترض، وهو قول سحنون هنا وفي سماع

مسألة: الذي يصيبه الجذام فتصبر عليه امرأته سنين ثم تريد فراقه

أشهب، وقيل: لا يلزمها ويجوز إن رضيت في القرب والبعد، وهو ظاهر قول مالك هنا وفي المدونة، وقيل: إنما يجوز إذا أجازت بقرب ما عقد عليها الولي النكاح، وأما إن بعد الأمر فلا يجوز وإن أجازته إلا أن يجدد نكاحا جديدا بعد فسخ الأول، وهو قول ابن حبيب في الواضحة وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يصيبه الجذام فتصبر عليه امرأته سنين ثم تريد فراقه] مسألة وسألته عن الذي يصيبه الجذام فتصبر عليه امرأته سنين ثم تريد فراقه أو ترفع أمرها إلى السلطان ليخيرها، فلما أراد ذلك كرهت فراقه وقالت: أنا أقيم على زوجي ثم أرادت فراقه بعد ذلك، وكيف إن لم يكن ذلك منها عند السلطان إلا عند قوم أشهدتهم على إقامتها معه ثم أرادت فراقه بعد ذلك؟ قال ابن القاسم: إن زاد جذامه ذلك على ما كان يوم أقامت عليه وتغير عن حاله تلك إلى ما هو أضر منه وأدنى كان ذلك لها لأنها تقول: ظننت أنه لا يزيد على حالته وأنه سينقص ويذهب، فأما إذا زاد فلا أرضى أن أقيم عليه فذلك لها، ويفرق بينهما إذا طلبت ذلك، وإن كان على حالته يوم أقامت عليه لم يزد فليس لها بعد ذلك كلام ولا حجة بأن تقول ظننت أنه سيذهب، فأما إذا لم يذهب فأنا لا أريد الإقامة فليس ذلك لها، وسواء كان صبرها عليه وإقامتها معه عند سلطان أو غير سلطان فذلك سواء إذا أشهدت أو شهد عليها. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة وتحصيل القول فيها في رسم نقدها من هذا السماع، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يزوج أمته عبد قوم على أن أول ولد تلده فهو حر] مسألة قال: وسألت عن الرجل يزوج أمته عبد قوم أو رجلا حرا

على أن أول ولد تلده فهو حر ثم يصدقها امرأته أو يبيعها والأمة حامل أو حملت بعد أن باعها وأصدقها فلا يعلم بذلك حتى تضع عند المشتري أو عند المرأة؟ قال ابن القاسم: ما حملت بعد أن أصدقها أو باعها في ملك المشتري أو المرأة فهو رقيق ولا حرية له لأن بيعه إياها أو إصداقه إياها قطع للشرط الذي في الولد وفسخ له لأنه بمنزلة رجل جعل لجاريته أن ما ولدت أو أول ولد تلده فهو حر، فإذا باعها قبل ذلك سقط ما كان جعل لها من ذلك ما دامت عنده وفي ملكه، وهو يبيعها إن شاء، فإذا باعها بطل ذلك، والنكاح مفسوخ في مسألتك على كل حال، وأما إن حملت في ملك السيد الذي زوجها على ذلك ثم باعها أو أصدقها وهي حامل فالولد حر على كل حال، وولاؤه للبائع، وتقوم الجارية على المشتري إن فاتت بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق أو شيء من وجوه الفوت فيها يوم قبضها بحالها يومئذ على أن الولد مستثنى أن لو كان يحل بيعها على ذلك وإن لم تفت ردت وإن فاتت بيد المرأة التي أصدقها إياها بشيء مما ذكرت لك من وجوه الفوت رجعت على الزوج بما بين القيمتين بمنزلة عيب وجدته فيها وقد فاتت في يدها، وإن لم تفت في يديها ردتها ورجعت عليه بقيمتها. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يزوج أمته عبد قوم أو رجلا حرا على أن أول ولد تلده فهو حر إن النكاح يفسخ على كل حال هو مثل ما في رسم الكبش من سماع يحيى، وقال ابن الماجشون في الواضحة إنه إذا لم يعثر عليه حتى ولدت فلا يفسخ النكاح لأن الشرط قد ذهب، وقوله يأتي على رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة في نكاح المريض والمريضة إنهما إذا صحا قبل أن يفسخ النكاح ثبتا على نكاحهما لذهاب علة الفسخ، وأما إن زوجها على أن كل ولد تلده فهو حر فلا اختلاف في أن النكاح يفسخ أبدا إلا أن يدخل في ذلك الاختلاف بالمعنى على ما ذكرناه في رسم سن من سماع ابن

القاسم، وقوله: إن بيع السيد إياها أو إصداقه إياها قبل أن تحمل قطع للشرط في الولد صحيح مثل ما في المدونة إلا أن مالكا استثقل فيها بيعها وقال: يفي لها بما وعدها. وأما إذا حملت فلا يجوز له أن يبيعها إلا أن يرهقه دين فتباع في دينه، قاله في المدونة ومثله في رسم الكبش من سماع يحيى، وقد قيل: إنها لا تباع في الدين، وهو قول سعيد بن عبد الله المعافري وقال: لأن أخطئ في البيع أحب إلي من أن أخطئ في العتق، وهو قول أصبغ، وكذلك اختلف أيضا إذا مات سيدها قبل أن تضع هل للورثة أن يقتسموها ويبطل العتق في الجنين أم ليس ذلك لهم؟ فقال ابن القاسم: ذلك لهم، وقال أصبغ: ليس ذلك لهم إلا أن يطول الأمر ويخاف على الميراث التلف، وذلك عنده إذا حمل الثلث الأمة على أصله في أن الجنين لا يعتق إذا وضعته في مرض سيدها أو بعد موته إلا من الثلث، وأما إن لم يحملها الثلث فيوافق ابن القاسم في أنه يخلى بينهم وبين بيعها واقتسامها. ووجه قوله أنه لما كان عتق الجنين من الثلث لم ير أن يوقف على الورثة الجارية بسبب جنينها إذا كانت قيمتها أكثر من الثلث، وقد كان القياس على قوله إنها لا تباع في حياة سيدها في الدين حتى تضع ألا تباع بعد الوفاة إذا حملها الثلث حتى تضع طال الأمر أو لم يطل إذ لا حجة للورثة إذا لم يوقف أكثر من الثلث، وأما ابن القاسم فجرى على أصله بأن قال. لا يلزم الورثة بعد الوفاة أن يتربصوا بها حتى تضع كما لا يلزم الغرماء في حال الحياة أن يتربصوا بها حتى تضع وتباع في الوجهين ويبطل العتق في الجنين، والقياس على القول بأنه حر من رأس المال وإن وضع بعد موت السيد كالمعتق إلى أجل وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة ألا تباع حتى تضع في حال من الأحوال إلا أن يسبق الدين العتق، وقد روي عن ابن القاسم أنه لا يعتق إلا من الثلث إذا وضعته في مرض السيد أو بعد موته، فإن باعها بعد أن حملت ولا دين عليه أو أصدقها امرأة فقال في هذه الرواية: إنها إن كانت قائمة بيد المشتري أو الزوجة لم تفت بحوالة سوق فما فوقه ردت بعينها ورجع المشتري على البائع بالثمن والزوجة على الزوج بقيمتها، وإن كانت قد فاتت بشيء من ذلك كان على المشتري قيمتها يوم قبضها على أن الولد مستثنى أن

لو كان يحل بيعها على ذلك لأن الجنين قد ثبتت حريته على البائع قبل أن يبيعه ورجعت الزوجة على الزوج بما بين القيمتين بمنزلة عيب وجدته فيها وقد فاتت في يديها، هذا معنى قوله وفيه نظر، أما قوله في البيع فإنما يستقيم إذا كان البيع فاسدا إما بأنه باعها بجنينها وأعلم المبتاع أنه قد كان أعتقه، وإما أن يكون باعها على أن جنينها حر لأنه لو باعها ولم يعلم المبتاع أنه قد كان أعتق جنينها لما كان البيع فاسدا ولوجب إن كانت قائمة لم تفت بالعيوب المفسدة أن ترد على كل حال، إذ لا يجوز للمبتاع أن يمسكها على أن جنينها مستثنى وإن فاتت بالعيوب المفسدة أن يكون مخيرا بين أن يرجع بما بين القيمتين من الثمن وبين أن يرد وما نقصه العيب المفسد عنده ويرجع بجميع الثمن. وأما قوله في النكاح بها فلا يستقيم بحال لأنه إن كان تزوج بها على أن يكون الجنين للمرأة وأعلمها أنه قد كان أعتقه أو على أن جنينها حر فالنكاح فاسد يفسخ قبل البناء ويرد إلى صداق مثلها بعد البناء وترد الأمة إن كانت قائمة أو قيمتها إن كانت فائتة على أن الجنين مستثنى أن لو كان يحل بيعه على ذلك، وإن كان تزوج بها ولم تعلم المرأة بعتق جنينها لوجب أن تردها إن كانت قائمة لم تفت بشيء من العيوب المفسدة وترجع بقيمتها، وإن كانت قد فاتت بالعيوب المفسدة كانت مخيرة بين أن ترجع بما بين القيمتين بمنزلة عيب وجدته فيها وبين أن تردها وما نقصها العيب المفسد عنده وترجع بقيمتها صحيح، فقوله: إنها تفوت بما يفوت به البيع الفاسد بعيد غير صحيح، وساوى ابن حبيب في البيع بين أن يبيعها على أن جنينها حر وبين أن يبيعها ويكتم المبتاع ذلك، ولم ير أن تفوت في الوجهين جميعا إلا بالعيوب المفسدة، قال الفضل: وإنما لم ير أن تفوت في البيع الفاسد بحوالة الأسواق لأن القيمة كانت تكون فيها على المبتاع على أن الجنين مستثنى، وذلك لا يجوز في البيع، وفرق بين الوجهين في النكاح بها على ما ذكرناه، وقد قيل: إنه إذا أعتق الجنين في بطن أمه جاز أن يبيع الأمة على أن جنينها حر، وأن يتزوج بها على أن جنينها حر، وليس ذلك باستثناء للجنين إذ لا يقدر على بيعه مع أمه لتقرر الحرية فيه قبل البيع، وقيل: لا يجوز ذلك إلا في التفليس، والثلاثة الأقوال في بيع الحائط المساقى.

مسألة: الرجل يزوج وليته بنقد مائة دينار ورأس بمائة دينار ولم يوصف الرأس

[مسألة: الرجل يزوج وليته بنقد مائة دينار ورأس بمائة دينار ولم يوصف الرأس] مسألة قال: وسألت عن الرجل يزوج وليته بنقد مائة دينار ورأس بمائة دينار ولم يوصف الرأس؛ أيجوز هذا النكاح؟ قال ابن القاسم: نعم جائز صحيح، والتسمية صفة يجتزى بها، وإن طلقها قبل الدخول عليها غرم نصف الأمرين جميعا، وهو مائة دينار؛ لأن النقد مائة والرأس مائة، فلها نصف هذه وهي خمسون، ونصف ثمن الرأس وهو خمسون، ولو تزوجها بأرؤس ولم يصف لها صفة ولا سمى لها ثمنا كان جائزا وكان لها وسط من ذلك، إن كانوا حمرانا كان لها وسط من الحمران وإن كانوا سودانا كان لها وسط من السودان، ينظر إلى أرفع الحمران أو السودان وإلى أوضع الحمران والسودان فتعطى ما بين ذلك، وإن طلقها قبل الدخول أعطيت نصف ذلك على ما فسرت لك، وإن لم يسموا حمرانا ولا سودانا وقد تزوج بأرؤس فهو على رقيق تلك البلدة الذين يزوجون عليهم الغالب من ذلك عليهم إن حمران فحمران وإن سودان فسودان، وإن كان رقيق البلدة حمرانا وسودانا جميعا فنكح بهم ولم يسموا حمرانا ولا سودانا نظر إلى وسط الحمران ووسط السودان فضم ذلك كله ثم أعطيت نصف ذلك والقيمة في ذلك الوسط من الرقيق إنما هي يوم وقعت العقدة أمسك أو طلق. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم الرهون القول في تسمية العدد في الرأس المنكح به فلا معنى لإعادة ذلك، ومضى في أول رسم وفي رسم سن ما يبين معنى قوله والقيمة في ذلك إنما هي يوم وقعت العقدة أمسك أو طلق، فلا معنى لإعادة ذلك أيضا والحمد لله.

مسألة: الرجل يتزوج بمال ولد ولده ثم يقوم عليه ولد الولد بعد زمان

[مسألة: الرجل يتزوج بمال ولد ولده ثم يقوم عليه ولد الولد بعد زمان] مسألة قال: وسألت عن الرجل يتزوج بمال ولد ولده ثم يقوم عليه ولد الولد بعد زمان هل يأخذ ماله؟ قال ابن القاسم: نعم يأخذه إن وجده بعينه لم يفت أخذه حيث وجده، وإن لن يجده بعينه ووجده قد استهلكته المرأة لم يكن على المرأة شيء إذا لم يكن طعاما أكلته أو ثيابا أبلتها، فإن كان ذلك كذلك غرمته علمت أو لم تعلم وكذلك الولد الكبير مثل ذلك سواء، وأما الولد الصغير الذي في حجره فليس لهم إليه سبيل، وإن وجده بعينه لم يكن لهم أخذه وكانت المرأة أحق به واتبعوا الأب بقيمته يوم أخذه وأصدقه إن لم يكن له مال، علمت المرأة أن المال لولده الأصاغر أو لم تعلمه فهي أحق به، ولا يؤخذ منها شيء، ولا سبيل للولد إليه على حال. قال محمد بن رشد: فراق ابن القاسم بين أن يعتق [الرجل] عبد ابنه الصغير أو يتصدق به أو يتزوج به فقال: إن العتق ينفذ إن كان موسرا ويغرم القيمة لابنه ويرد إن كان معدما إلا أن يطول الأمر فلا يرد، قال أصبغ: لاحتمال أن يكون حدث له في خلال ذلك يسر لم يعلم به، وأما إن علم أنه لم يزل عديما في ذلك الطول فإنه يرد، وقال: إن الصدقة ترد موسرا كان أو معدما، وقال في التزويج: إن المرأة أحق به موسرا كان الأب أو معسرا ويتبع الابن أباه بقيمته، قال في المدونة: الرواية يوم أخذه وأصدقه امرأته يريد يوم تزوج عليه لا يوم دفعه لأنه بيع من البيوع، كذا قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب، فظاهره وإن لم تقبضه المرأة، وفي سماع أصبغ أن الابن أحق به من المرأة ما لم تقبضه المرأة وما لم يطل في يديها بعد القبض، وأما إن قام بعد القبض باليوم واليومين والأمر القريب فهو أحق به ويكون كالاستحقاق، وتتبع

مسألة: الرجل يخطب على ابن له صغير إلى رجل ابنته صغيرة

المرأة الأب بقيمته، وسواء على مذهب ابن القاسم دخل الأب بالمرأة أو لم يدخل بها، وفرق مطرف بين أن يدخل بها أو لا يدخل، ورواه عن مالك وقال ابن الماجشون: الابن أحق دخل الأب أو لم يدخل، قبضت الزوجة أو لم تقبض، طال الأمر أو لم يطل، وهذا الاختلاف إنما هو إذا كان الأب معسرا، وأما إن كان موسرا فالزوجة أحق قولا واحدا، ولا اختلاف بينهم فيما تزوج به من مال ولده الكبير أو ولد ولده أنهم أحق به من الزوجة في يسر الأب وعدمه، وأجاز أصبغ فعل الأب كله في مال ابنه من الهبة والصدقة والعتق والإصداق في القيام والفوات والعسر واليسر لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «أنت ومالك لأبيك» فعلى ظاهر الحديث لا فرق بين الصغير والكبير، وبالله التوفيق [مسألة: الرجل يخطب على ابن له صغير إلى رجل ابنته صغيرة] مسألة وسألت عن الرجل يخطب على ابن له صغير إلى رجل ابنته صغيرة فزوجه وأطرقا قليلا ثم قال الرجل لأبي الصبي: هذا الأمر عليك إن هلك أو هلكت، فقال أبو الصبية: من هلك منهما فلا يتبع بعضنا بعضا بشيء، فقال أبو الصبي: نعم، قال ابن القاسم: النكاح ثابت لا يضره ما تكلما به من ذلك بعد ذلك لأن العقدة وقعت صحيحة، وما اشترطا فيه بعد ذلك فهو باطل، والصداق ثابت عاشا أو ماتا، وهو على الأب إن كان تحمل به وإن لم يكن تحمل به فهو في مال الصبي إن كان له مال يوم زوجه أبوه، فإن لم يكن له مال فهو في مال الأب، فإن وقع النكاح بهذا الشرط وكان نسقا واحدا فهو نكاح مفسوخ متى ما أدرك قبل البناء فإن دخل ثبت النكاح وكان لها صداق مثلها، وإن مات أحدهما في الصغر توارثا لأنه من النكاح الذي يثبت بعد الدخول، والصغيران والكبيران في ذلك سواء على ما فسرت لك، وكذلك لو اشترطا على أن لا ميراث

امرأة تعلق بها رجلان كلاهما يدعي أنها امرأته وهي تدعي أنهما جميعا زوجاها

بينهما على مثل ذلك سواء، ويفسخ النكاح فيه أيضا إذا لم يدخل بمنزلة الذي ينكح على أن لا نفقة عليه وما أشبهه، قال عيسى: ويبطل الصداق إن ماتا إذا كان على ذلك وقع الشرط. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن تكلما به بعد تمام العقد وكماله لا يلزم ولا يفسد العقد، وإن شرطا ذلك في العقد أفسده وفسخ قبل الدخول وثبت بعده وكان فيه صداق المثل لأنه نكاح فسد لصداقه بما اشترطا فيه، وقول عيسى بن دينار: إن الصداق يبطل إن مات إذا كان على ذلك وقع الشرط صحيح على المعلوم في المذهب إذ المنصوص عليه من أن النكاح الذي فسد لصداقه لا شيء للمرأة فيه إلا بالدخول، وقد روي عن أصبغ فيمن تزوج بغرر ثم مات قبل الدخول أن لها صداق مثلها وإن طلق فلا شيء لها فراعى التسمية الفاسدة وجعله كنكاح التفويض على مذهب من يرى أنه يجب فيه بالموت صداق المثل، وليس هذا معروفا في مذهبنا، وكذلك يبطل الصداق المسمى في النكاح على أن لا ميراث بينهما وعلى أن لا نفقة لها وما أشبه ذلك من الأنكحة الفاسدة إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول على القول بأنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويكون فيه صداق المثل، وهو الصحيح من الأقوال إلا على مذهب أصبغ وهو شذوذ. [امرأة تعلق بها رجلان كلاهما يدعي أنها امرأته وهي تدعي أنهما جميعا زوجاها] ومن كتاب أوله إن أمكنتني من حلق رأسك قال عيسى: وكتب إلى ابن القاسم صاحب الشرط يسأله عن امرأة تعلق بها رجلان كلاهما يدعي أنها امرأته وهي تدعي أنهما جميعا زوجاها، كان أحدهما زوجها فزعمت أنه أجاعها وضرها فهربت من عنده وظنت أن ذلك فراقه وزعمت أن الآخر تزوجها إلا أنه طلقها، قال ابن القاسم: يسأل الأول فإن كانت له بينة بأنها

امرأته فارددها إليه بعد أن يحلف بالله ما طلقها، ولا يطأها حتى يستبرئ رحمها بثلاث حيض، فإن لم تكن له بينة فلا يقبل قوله ولا إقرارها بأنها امرأته ويفرق بينهما، ويسأل الآخر البينة على نكاحها فإن ثبتت له بينة فارددها إليه واستحلفه بالله الذي لا إله إلا هو ما طلقها ولا صالحها إن قامت له بينة على أصل النكاح، وإن لم تقم له بينة فرق بينهما ولتكن أولى بنفسها تنكح من أحبت. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أن المرأة التي ادعى كل واحد منهما أنها زوجته بائنة عنهما، منقطعة بنفسها، ليس في ملك أحدهما وتحت حجابه، وقوله: يسأل الأول البينة يريد الأول على ما أقرت له به الزوجة من ذلك وإن لم تصدق في إقرارها له بذلك، ويحتمل أن يريد الأول على دعواهما مثل أن يقول أحدهما تزوجتها في المحرم من سنة كذا ولا أدري ما يقول هذا، ويقول صاحبه تزوجتها في رجب من تلك السنة ولا أعلم له فيها نكاحا، قيل: الأول أظهر، وإنما حلف الأول ما طلقها إذا كانت له بينة أنها امرأته وإن لم تدع عليه امرأته الطلاق لأن سكوته على خروجها من عنده وبينونتها بنفسها وتصيرها إلى غيره على ما زعمت من أنه تزوجها بشبهة تدل على أنه قد طلقها لعله أقوى من الشاهد الواحد على الطلاق ويمين الثاني أبين لدعوى المرأة عليه الطلاق مع كونها خارجة عن ملكه منقطعة بنفسها، وكذلك تقول على هذا لو انتقلت امرأة عن زوجها وبانت بنفسها ولم يظهر منه إنكار لذلك حتى طال الأمر فتزوجت أو أرادت التزويج وزعمت أنه طلقها فأنكر أن اليمين لازمة له وإن لم يكن لها شاهد لأن هذه الأسباب تقوم لها مقام الشاهد، ولو أقام كل واحد منهما بينة ولم تؤرخ لم يكن لواحد منهما نكاح إذا كانتا عدلتين وإن كانت إحداهما أعدل من الأخرى، ولو كانت هذه المرأة التي تداعيا فيها في ملك أحدهما وعياله وتحت حجابه وهما طارئان أو مقران بالنكاح مع اشتهار ذلك وإعلانه لكانت البينة على الآخر، فإن لم يأت ببينة على ما ادعى من أنها زوجته بقيت تحت الذي هي في ملكه وتحت حجابه ولم تجب عليه يمين على معنى ما في رسم الكبش من سماع يحيى، وسيأتي الكلام على ذلك هناك إن شاء الله.

مسألة: تعلقت برجل وزعمت أنه زوجها وزعمت أن نبطية زوجتها إياه

[مسألة: تعلقت برجل وزعمت أنه زوجها وزعمت أن نبطية زوجتها إياه] مسألة قال عيسى: وكتب إليه أيضا يذكر أن امرأة تعلقت برجل وزعمت أنه زوجها وزعمت أن نبطية زوجتها إياه فادعت بشهود فجحد الشهود ما ادعت، قال: إن أقر بالدخول فأحسن أدبهما وفرق بينهما دخل أو لم يدخل لأنه لو ثبتت لهما بينة لم يثبتا على النكاح لأن أصل النكاح حرام لا يقران عليه، ولم يمنعني أن أعاقب في المسألة الأولى إلا أن ذلك أمر قد طال الذي ذكروا وعسى الشهود أن يكونوا قد ماتوا أو غابوا، فلذلك وقفت في عقوبتهم. قال محمد بن رشد: إنما رأى الأدب عليهما دون الحد لإظهارهما الأمر قبل أن يعثر عليهما فيه، ولو وجدا يزنيان أو أخذا في بيت فأقرا بالوطء وادعيا أنهما زوجان لحدا إن لم يأتيا بالبينة على النكاح على ما في كتاب الرجم والحدود في القذف من المدونة، ولو لم يقرا بالوطء ولا شهد عليهما به لأدبا ولم يحدا، وعلى هذا يحمل ما في كتاب النكاح الأول من المدونة. ويحتمل أن يكون سقط الحد عنهما في مسألة المدونة لشهادة الأب والأخ أن الأب زوجها إياه، فرأى ذلك شبهة تسقط الحد وإن لم يقبل قولهما، يريد بالمسألة الأولى التي قبلها لأن كل واحد من الرجلين أقر بالدخول بالمرأة وادعى أنها زوجته، فلم ير على من لم يثبت منهما أنها امرأته حدا لأنه أقر طائعا بأمر لا ريبة عليه فيه ولا رأى عليه أدبا لما ذكر من طول الأمر، والله الموفق. [فوض إليه أمر امرأته فبعث إلى أهلها بشيء فسخطوه فقال إن لها صداق مثلها] ومن كتاب القطعان قال: وسئل عن رجل فوض إليه أمر امرأته فبعث إلى أهلها بشيء فسخطوه فقال: إن لها صداق مثلها ثم طلق فلم يدخل

مسألة: تزوج امرأة فدخل بها وهي حائض فأصابها حائضا ثم طلقها

بها، قال ابن القاسم يرجع عليه بنصف صداق مثلها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه قد أوجب لها على نفسه صداق مثلها بقوله فإن لها صداق مثلها، ولو لم يقل ذلك لما وجب عليه أن يتم لها صداق مثلها على ما كان بعث به ولكان له أن يرد النكاح عن نفسه ويرجع بما كان بعثه به على ما قاله في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الشفعة لأن نكاح التفويض لا يجب فيه الصداق إلا بالتسمية أو الدخول، والله الموفق. [مسألة: تزوج امرأة فدخل بها وهي حائض فأصابها حائضا ثم طلقها] مسألة وسئل عن رجل تزوج امرأة فدخل بها وهي حائض فأصابها حائضا ثم طلقها بعد أن طهرت طلقة هل يملك رجعتها؟ فقال: لا أرى ذلك له، وأراها طلقة بائنة بمنزلة ما لو طلقها قبل أن يبني بها لأن ذلك الوطء ليس بوطء. قال محمد بن رشد: قوله لأن ذلك الوطء ليس بوطء معناه ليس بوطء جائز لأنه وطء يوجب الغسل والحد والصداق باتفاق، وإنما يختلف هل يحصن الحرة المسلمة ويحل المطلقة أم لا على ما يأتي القول فيه في أول سماع سحنون، فعلى القول بأنه يحل ويحصن يوجب الرجعة، والله أعلم. [ينكح المرأة ويشترط عليه أنك إن لم تأت بصداقها إلى أجل كذا فلا نكاح] ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل ينكح المرأة ويشترط عليه في عقدة النكاح أنك إن لم تأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا فلا نكاح بيننا وبينك، قال: هذا نكاح حرام لا يقران عليه ويفرق بينهما دخل أو لم يدخل، وقد قال: إذا دخل بها ثبت النكاح ولم يفسخ، قلت: فالرجل يتزوج المرأة على أن لا ميراث بينهما؟ قال

هذا ومن تزوج على أن لا نفقة بينهما وعلى أن لها من القوت كذا وكذا هذا ونحوه من الوجوه التي تشترط في النكاح إذا أدرك قبل البناء فسخ، وإن فات ببناء ثبت وسقط الشرط، وهما يتوارثان فيه قبل أن يفسخ قبل البناء وبعده، قلت: هل سمعت من مالك في هذا بعينه شيئا في النكاح الذي لو أدركته قبل البناء فسخته وإذا مات أحدهما قبل البناء أنهما يتوارثان؟ قال ابن القاسم: كذلك قال لي مالك فيه بعينه، وكذلك نكاح أهل مصر إنما صداقهم إلى موت أو فراق، وكان مالك يفسخه قبل البناء ويرى الميراث بينهما إذا مات أحدهما قبل البناء، قلت: فالرجل ينكح المرأة وتشترط عليه أنك إن لم تأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا فأمرها بيدها؟ قال: قال مالك يفسخ، ولم يقل دخل أو لم يدخل، وأنا أرى إذا دخل ألا يفسخ. قال محمد بن رشد: أما الذي ينكح المرأة وتشترط عليه أنه إن لم يأت إلى أجل كذا وكذا بصداقها فلا نكاح بينهما فهو نكاح خيار لأن الأمر يرجع إلى أن الزوج بالخيار بين أن يأتي بالصداق إلى الأجل فيجب له النكاح أو لا يأتي إليه فلا يجب له، فاختلاف قوله في وجوب فسخه بعد الدخول على اختلاف قول مالك في وجوب الفسخ بالخيار بعد الدخول، وقد نص على ذلك في المدونة، وهذا الاختلاف إنما يتصور إذا أتى بالصداق إلى الأجل واختار الزوج النكاح قبل انقضاء أيام الخيار أو اختارته المرأة إن كان الخيار لها قبل انقضاء أيام الخيار وأما إن لم يأت الزوج بالصداق إلى الأجل أو لم يختر من له الخيار من الزوجين حتى انقضت أيام الخيار فلا نكاح بينهما، والقول بأن النكاح يفسخ قبل الدخول وبعده على القول بأن البيع على الخيار يجب إذا اختار من له الخيار يوم العقد، والقول بأنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده على القول بأن البيع على الخيار يجب إذا اختار من له الخيار يوم الاختيار، وهو المشهور في المذهب، والقول الثاني قائم من كتاب الشفعة من المدونة. والعلة في أن الخيار لا يجوز في النكاح هو أنه عقد قد لزم أحدهما ولا ميراث فيه

مع أنه قد قيل: إنه عقد مترقب ينكشف بامضائه وجوبه يوم عقده. وقوله فيه بأنه نكاح حرام تجوز في اللفظ إذ لم يأت بتحريمه كتاب ولا سنة ولا إجماع، والتعليل بأنه لو مات أحدهما لم يتوارثا ضعيف؛ لأن الأغلب الأمن من الموت فيما قرب مثل اليوم واليومين ونحوهما مع أن الأشهر أنه غير منعقد حتى يمضي، فلو تزوج رجل امرأة على أنهما جميعا بالخيار الزوج والمرأة والولي لانبغى أن يجوز إذ لم يلزم النكاح واحدا منهم وإنما يجب يوم يمضي، فالنكاح في باب الصداق أوسع من البيع لأنه يجوز فيه من الغرر ما لا يجوز في البيع، والبيع في باب العقد أوسع من النكاح لأنه يجوز فيه من الخيار ما لا يجوز في النكاح، والنكاح أوسع من الصرف لأنه يجوز فيه الخيار في المجلس وأن يعقداه على مشورة فلان إذا كان حاضرا بالبلد قريبا فأرسلا إليه في فورهما ليعلما رأيه يريد قبل أن يفترقا من مجلسهما، وسيأتي ذلك في آخر سماع أصبغ، ولا يجوز شيء من ذلك في الصرف، وقد قيل: إن الخيار في المجلس جائز في الصرف. فعلى هذا القول يجوز في النكاح اليوم واليومان ونحوهما لما ذكرناه من أنه أوسع منه، وأما الذي يتزوج المرأة على أن لا ميراث بينهما أو على أن لها من القوت كذا وكذا فقد مضى القول فيه في رسم الرهون. وقسم في هذه الرواية الأنكحة الفاسدة لعقودها قسمين: أحدهما أن يكون أصله حراما، والثاني أن يكون أصله حلالا ويشترط فيه شرطا حراما، وهو تقسيم فيه نظر لأن ما كان أصله حراما ينقسم إلى قسمين: إذ منه ما يتفق على تحريمه كنكاح المرأة في عدتها [أو على عمتها] أو على خالتها أو على أمها وإن لم يدخل بها وما أشبه ذلك، ومنه ما يختلف في تحريمه كنكاح المحرم والنكاح بغير ولي وما أشبه ذلك، فالأول لا ميراث فيه ولا طلاق، ولا يكون الفسخ فيه طلاقا، ولا يجب فيه الصداق المسمى إلا بالدخول، والثاني يختلف في وجوب الميراث والطلاق فيه فيجب عند مالك في أحد قوليه مراعاة لقول من

مسألة: أفيستخلف الرجل نصرانيا أو عبدا أو امرأة يعقد له نكاحه

يراه نكاحا جائزا، ووجوب الصداق المسمى فيه إن مات أحد الزوجين قبل الفسخ يجري عندي على هذا الاختلاف، ولأن ما كان أصله حلالا واشترطوا فيه شرطا حراما ينقسم إلى أقسام، منه ما يفسخ قبل وبعد باتفاق في المذهب مثل نكاح المحلل ونكاح أمة على أن كل ولد تلده فهو حر وما أشبهه، ومنه ما يفسخ قبل الدخول باتفاق وبعده على اختلاف مثل النكاح على الخيار وعلى أن لا ميراث بينهما وعلى أن لا نفقة لها وما أشبه ذلك، ومنه ما يفسخ قبل الدخول ويثبت بعد الدخول باتفاق، ومنه ما يثبت بعد الدخول ويختلف في فسخه قبل الدخول مثل أن يتزوج الرجل المرأة على أنه إن لم يأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا فأمرها بيدها، وقد مضى القول على هذه المسألة في رسم المحرم من سماع ابن القاسم، واختلف فيما فسخ من هذه الأنكحة بعد الدخول هل يكون فيه صداق المثل أو الصداق المسمى، وكذلك ما لم يفسخ منها بعد الدخول وقد ذهب الشرط مثل النكاح على الخيار على أحد قولي مالك، ونكاح الأمة على أن أول ولد تلده فهو حر إذا لم يعثر على ذلك حتى ولدت على مذهب ابن الماجشون. وأما ما لم يفسخ منها بعد الدخول مما الشرط فيه قائم مثل النكاح على أن لا ميراث بينهما وعلى أن لا نفقة لها وما أشبه ذلك فأبطل فإن المرأة ترد إلى صداق مثلها. [مسألة: أفيستخلف الرجل نصرانيا أو عبدا أو امرأة يعقد له نكاحه] مسألة قلت لابن القاسم: أفيستخلف الرجل نصرانيا أو عبدا أو امرأة يعقد له نكاحه؟ قال: لا بأس به، ولا بأس أن تزوج المرأة عبدها ولا تزوج أمتها ولكن من ولي من النساء أو العبيد شيئا من أمور النساء فليستخلفوا من يزوجهن. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما يأتي في آخر هذا الرسم، وهو صحيح لا اختلاف فيه، وقد مضى بيانه في رسم سن من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

مسألة: أفيزوج المسلم النصرانية

[مسألة: أفيزوج المسلم النصرانية] مسألة قلت: فيزوج المسلم النصرانية؟ قال ابن القاسم: لا يزوج المسلم النصرانية كانت أخته أو ابنته أو مولاته، لا يزوج المسلم النصرانية مسلما ولا نصرانيا، قلت: فالسلطان ترفع إليه النصرانية أمرها أترى للسلطان أن يستخلف عليها من يزوجها؟ قال: لا يستخلف عليها من يزوجها وليردها إلى أهل دينها. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم موعبا فلا معنى لإعادته. [مسألة: الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها في عقدة النكاح أن ينفق عليها] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها في عقدة النكاح أن ينفق عليها ما يصلح مثلها فإن لم يفعل فأمرها بيدها هل ترى هذا النكاح جائزا؟ وإن رأيته جائزا فأنفق عليها ما يصلح مثلها سنين ثم رقت حاله فقصر عن نفقة مثلها سنين فقرت ورضيت بذلك ثم بدا لها فأحبت أن تختار أيكون ذلك لها؟ قال ابن القاسم: لا أرى هذا النكاح جائزا وأرى أن يفسخ إن لم يدخل وإن دخل لم يفرق بينهما وكانت على شرطها إن لم يقدر على شيء كان أمرها بيدها، قال: وإن رقت حاله فقصر عن نفقة مثلها فقرت على ذلك ورضيت فليس لها بعد ذلك قول، ليس في يديها مما جعل لها شيء لأن هذا فعل واحد، وهو بمنزلة الذي يقول: إن لم أعطك بقية صداقك إلى أجل كذا وكذا فأمرك بيدك فيأتي الأجل فيعسر بالمهر وتقيم معه ويصيبها ولا يقضي شيئا ثم تطلب بعد ذلك فلا شيء لها لأن النفقة أمر واحد وليس هو فعل يأتي بعد فعل، ألا

مسألة: الرجل يتزوج الحرة على أنه حر فإذا هو عبد

ترى أنه لو قال: إن نكحت عليك إلا بإذنك فأمرك بيدك فتأذن له فينكح ويدخل بها ثم يبدو لها فلا يكون لها بعد ذلك في تلك المرأة قول إلا أن يريد أن ينكح غيرها فتحلف أنها إنما كان ذلك إذنا منها في هذه ولم تكن تركت ما كان في يديها. قال محمد بن رشد: قوله في التي شرطت على زوجها أن ينفق عليها ما يشبه مثلها فإن لم يفعل فأمرها بيدها إن النكاح يفسخ قبل الدخول أو تكون على شرطها بعد الدخول ليس بمعتدل على أصولهم، إذ لا يخلو الشرط من أن يكون جائزا أو فاسدا، فإن كان جائزا فينبغي أن تكون على شرطها قبل الدخول وبعده، ولا يفسخ النكاح كسائر الشروط المقيدة بتمليك أو طلاق، وإن كان فاسدا يجب فسخ النكاح به قبل الدخول، فينبغي إذا لم يفسخ به بعد الدخول أن يبطل الشرط وترد إلى صداق مثلها، والقول الأول أظهر أن يكون النكاح جائزا والشرط لازما كسائر الشروط، وهذه الرواية تأتي على ما يروى عن سحنون أن الشروط المشترطة في أصل العقد المقيد بتمليك أو طلاق يجب بها فسخ النكاح قبل الدخول ولمراعاة قوله مضى العمل على كتاب الشروط في الصدقات على التطوع، وقد مضى القول في أول رسم من سماع ابن القاسم على المسألة التي ساقها عليه من شرط التمليك في النكاح فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: الرجل يتزوج الحرة على أنه حر فإذا هو عبد] مسألة وعن الرجل يتزوج الحرة على أنه حر فإذا هو عبد، هل يكون لها الخيار قبل أن يرفع ذلك إلى السلطان؟ أو هل يفوض إليها السلطان إذا رفع ذلك إليه أمرها إلى نفسها فتطلق ما شاءت؟ وعن الذي يجذم هل تطلق زوجها ما شاءت أو يفرق السلطان بينهما بواحدة ولا يفوض إليها شيئا؟ وكيف إن طلقتا أنفسهما ثلاثا امرأة

المجذوم وامرأة الذي غر من نفسه قبل أن يرفع ذلك إلى السلطان هل يلزمها ذلك؟ قال: أما الذي غر من نفسه فلامرأته أن تختار قبل أن ترفع ذلك إلى السلطان، فما طلقت به نفسها جار عليها، وأما الذي يجذم فليس لامرأته الخيار حتى ترفع ذلك إلى السلطان، فإذا رفع ذلك إليه فليس له أن يفوض أمرها إليها تطلق ما شاءت ولكن على السلطان إذا كرهته وأرادت فراقه أن يفرق بينهما بواحدة إذا يئس من برئه، وكذلك المجنون إلا أن المجنون يضرب له أجل سنة، وكذلك سمعت من مالك من يوم ترفع، قلت: فأيهم يضرب له أجل سنة، الموسوس وحده أو الذي يغث مرة ويفيق أخرى، وهو إذا أفاق صحيح، قال ابن القاسم: سبيلهما واحد، وقد قال لي مالك: وأي شيء أشر من أن يعث الرجل مع المرأة في بيت واحد فينخلع قلبها، قال ابن القاسم: والذي حفظت عن مالك في المعتوه أنه يضرب له أجل سنة ولا يخلى بينه وبينها في هذا الأجل: قال محمد بن رشد: أما قوله في الذي غر الحرة من نفسه وزعم أنه حر فانكشف أنه عبد إن لامرأته أن تختار قبل أن ترفع ذلك إلى السلطان يريد أنها إن فعلت جاز ذلك لها إن كان الزوج مقرا بأنه غرها ولم يدع أنه أعلمها أنه عبد، وأما إن نازعها في ذلك فليس لها أن تختار نفسها إلا أن يحكم لها السلطان بذلك، وهذا معنى قوله في المدونة أو رضي الزوج بذلك ورضيت المرأة وإلا فرق بينهما أو أبى الزوج إذا اختارت فراقه، فليس ما في المدونة بخلاف لما ههنا في هذا إذ لا معنى لاشتراط رضى الزوج بالفرقة إذ أقر بغروره إياها، فإن اختارت نفسها وهو منكر فرفع ذلك إلى السلطان وثبت

مسألة: رجل زوج ابنه صغيرا والابن لا مال له فكتب الصداق على الابن

عنده غروره إياها مضى الطلاق بما عند السلطان من أنها فعلت ما لها أن تفعل. وقوله: فما طلقت به نفسها جاز عليها هو على أحد قولي مالك في المدونة في الأمة تعتق تحت العبد أن لها أن تختار ثلاثا على حديث زبراء، وقد قال في المدونة في المجبوب يغر المرأة من نفسه: إنها ليس لها أن تطلق نفسها إلا واحدة وتكون بائنة، وذلك على قوله الثاني في أن الأمة المعتقة تحت العبد ليس لها أن تطلق نفسها إلا واحدة وتكون بائنة بها، وقوله في امرأة المجذوم والمجنون: إنها ليس لها أن تختار نفسها حتى ترفع ذلك إلى السلطان، وإنها إذا رفعت ذلك إليه لم يفوض إليها الأمر في الطلاق، ولكنه هو يفرق بينهما بواحدة إذا يئس من برئه صحيح؛ لأن ذلك حكم من السلطان باجتهاده ليس فيه سنة قائمة كما في الأمة التي تعتق تحت العبد فذلك بخلاف العبد يغر الحرة من نفسه، وقال هاهنا: إنه سمع من مالك أنه يضرب للمجنون أجل سنة في علاجه، وقال في المدونة: إنه لم يسمع ذلك منه، وإنما بلغه ذلك عنه، وقوله ههنا: إنه يفرق بينهما بعد أن يضرب له أجل سنة، وإن لم يكن جنونا مطبقا لما يصيبها منه من الفزع هو خلاف ما في سماع زونان لابن وهب وأشهب، وخلاف قول ربيعة في المدونة، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم "نقدها" من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل زوج ابنه صغيرا والابن لا مال له فكتب الصداق على الابن] مسألة قال ابن القاسم في رجل زوج ابنه صغيرا والابن لا مال له فكتب الصداق على الابن فيدخل الابن ثم يكبر أو لا يدخل، وقد بقي عليه من الكالئ، قال ابن القاسم: إن لم يدخل حتى يبلغ فهو

مسألة: هل للرجل المسلم أن يستخلف النصراني في الزواج

مخير إن شاء دخل عليها بما كتب عليه، وإن شاء فارق ولا شيء عليه، وأما إن دخل قبل أن يبلغ أو يجوز أمره فالصداق على الأب أو دخل بعد أن كبر ولم يعلم فالصداق على الأب إذا دخل والشرط باطل. قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا زوج ابنه، وهو صغير لا مال له إن الصداق على الأب، وإنه إن كتبه عليه لم يلزمه إلا أن يلتزمه بعد البلوغ، وإنه إن دخل قبل البلوغ أو بعد البلوغ، ولم يعلم سقط عنه ولزم الأب وكان شرطه باطلا صحيح؛ إذ ليس للأب أن يوجب على ابنه دينا ويلزمه إياه، وهو على معنى ما في النكاح الثاني من المدونة لمالك وربيعة وعلى ما في سماع أبي زيد لابن القاسم فيما يشترط من الشروط على ابنه، وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون أن اشتراطه الصداق عليه إذا كان صغيرا أو كبيرا سفيها لا مال له لازم له، وهو ظاهر قول أبي الزناد في المدونة، وعليه يأتي قول ابن وهب في سماع أبي زيد إنه يلزمه ما جعل عليه أبوه من الشروط؛ إذ لا فرق بين المسألتين. [مسألة: هل للرجل المسلم أن يستخلف النصراني في الزواج] مسألة قال: وسألته عن الرجل المسلم يستخلف النصراني هل تجوز خلافته؟ [أو هل له إن أجزت له خلافته] في تزويج بنات الذي أوصى إليه أمر أو نهي؟ أو هل له أن يستخلف من يزوجهن ولا يكون ذلك إلا برضاه، وهل للنصراني في تزويج ابنته المسلمة أمر أو نهي؟ أو هل يستخلف من يزوجها؟ والعبد هل يستخلف من يزوج ابنته الحرة أو يطلب في هذا رضى واحد منهم في نكاح من ذكرت حتى لا يكون ذلك إلا برضاهم؟ وإن كنت لا تراه جائزا في واحد منهم ففعل من لا يجوز له ذلك منهم فلم يدرك إلا بعد البناء

أو قبله؟ قال ابن القاسم: لا أرى أن تجوز وصية المسلم إلى النصراني إلا أن يرى السلطان لذلك وجها، قلت: فإن أجازها السلطان هل ترى أن يستخلف النصراني مسلما يزوج بنات الذي أوصى إليه المسلمات؟ قال: نعم ذلك له، وأما النصراني فليس له من ولاية ابنته المسلمة قليل ولا كثير، ولا يزوجها ولا يستخلف من يزوجها ولا يطلب في ذلك رضاه، وأما العبد المسلم في ابنته الحرة فإنه إن كان عبدا ينظر لابنته مثل العبد الفاره الناقد فأرى أن يحضره وينظر في قوله، فإن رأى في قوله سدادا رأيت أن يُتبع، وليس له في الاستخلاف في البضع قليل ولا كثير. قال محمد بن رشد: قوله في وصية المسلم إلى النصراني إنها لا تجوز إلا أن يرى السلطان لذلك وجها، الوجه في ذلك هو مثل أن يكون قريبه أو مولاه أو زوجته، فيرى أنه إنما أوصى إليه لما رجاه من حسن نظرهم له بسبب ما في الجبلة من العطف والمودة والإشفاق على ذوي الرحم والقربى، وهو خلاف ظاهر ما في المدونة من أنه لا تجوز الوصية إلى المسخوط ولا إلى الذمي، وقال أصبغ: إذا كان قريبا ورأى أنه إنما أوصى إليهم لما رجاه من حسن النظر لابنه فلا يعزل عن الوصية ويجعل معه من عدول المسلمين من ينظر معه ويكون المال بيده، وهو أحسن الأقوال وأولاها بالاتباع، وإليه ذهب ابن حبيب وحكاه [عن] مطرف وابن الماجشون، وقد مضى في رسم "سن" من سماع ابن القاسم تحصيل القول فيمن يجوز للنصراني والعبد والمرأة أن يلي [عقد] النكاح عليه، وفيمن لا يجوز لواحد منهم أن يلي عقد النكاح عليه ويجوز له أن يستخلف على ذلك وفيمن لا يجوز له أن يلي عقد النكاح عليه إلا أن يستخلف على ذلك فلا معنى لإعادة ذلك ههنا.

مسألة: الرجل يكون في حجره يتيم له مال فيريد أن يزوجه ابنته

[مسألة: الرجل يكون في حجره يتيم له مال فيريد أن يزوجه ابنته] مسألة وسئل عن الرجل يكون في حجره يتيم له مال فيريد أن يزوجه ابنته، قال: إن كانت ابنته لا مال لها، وإنما رغب في مال اليتيم فإن ذلك نكاح غير جائز، وإن كان لابنته من المال مثل الذي لليتيم هما سواء ومثلها كانت تصلح له فذلك جائز. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه إن ظهر السداد في فعله لليتيم جاز، وإن ظهر أنه غير سداد لم يجز، وهو محمول على غير السداد حتى يعلم في ذلك السداد؛ لأنه متهم في ابنته وفي نفسه، فواجب على السلطان إذا رفع إليه ذلك أن ينظر فيه فإن كانت ابنته دنية لا تشبه مناكحه فسخ النكاح، وإن كانت تشبه مناكحه إلا أنه استكثر لها من ماله في الصداق أمضى النكاح وطرح عنه الزيادة دخل أو لم يدخل، بخلاف تزويجه إياه من امرأة أجنبية لأن فعله في ذلك محمول على السداد حتى، يثبت خلافه كبيعه [عليه] وشرائه له، والرواية بما دل على ذلك منصوصة قال مالك في كتاب ابن المواز: لا أحب أن يزوج الوصي يتيمته من نفسه، قال في الواضحة ولا من ابنه لأن ذلك من ناحية ما كره له من الاشتراء من مالها، فإن وقع نظر فيه السلطان فإن كان صوابا مضى وإلا فسخ، قال ابن المواز: إلا أن يتم لها ما يشبهها أو ينزل بها بعد النكاح ضرر في بدن أو مال حتى يصير الفسخ ليس بنظر فيمضي استحسانا. قال ابن حبيب: إذا فات بالبناء قضى لها بتمام صداق مثلها في قدرها ومالها. وإنما يمضي قبل الدخول إذا أتم لها ما يشبهها إذا كان كفوا لها فقصر فيما فرض لها من الصداق، ولو كانت ثيبا لا ولاية له

مسألة: الرجل يكون وصي الرجل فتحضره الوفاة فيوصي إلى امرأة أو عبد

عليها مضى النكاح ولم يكن للسلطان فيه نظر، ولو كانت ثيبا له عليها ولاية مضى النكاح ووفيت تمام صداق مثلها إن كان قصر لها في الصداق. [مسألة: الرجل يكون وصي الرجل فتحضره الوفاة فيوصي إلى امرأة أو عبد] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يكون وصي الرجل فتحضره الوفاة فيوصي بماله وبولده وبما في يده من الوصية إلى امرأة أو عبد هل تزوج المرأة والعبد ذكور ولد من أوصى إليهما؟ قال ابن القاسم: نعم تزوج المرأة والعبد ذكور ولد من أوصى إليهما ولا يزوجان الإناث إلا أن يستخلفا. قال ابن القاسم: انظر من كان يوما يجوز إنكاحه نفسه مثل الصبي والسفيه والعبد فإن أولئك لا بأس أن تزوجهم امرأة أو عبد أو نصراني إذا فوض أمرهم إليه، وكل من لا يجوز له إنكاحه نفسه على حال من الأحوال من النساء فأولئك لا يزوجهن عبد ولا امرأة ولا نصراني. قال محمد بن رشد: قوله إن المرأة والعبد والنصراني يزوجون ذكور ولد من أوصى إليهم ولا يزوجون الإناث ويستخلفون من يزوجهن صحيح مبين لما مضى في رسم سن من سماع ابن القاسم ولما في المدونة ولما وقع في كتاب ابن المواز، وقد مضى بيان ذلك كله والقول فيه في رسم سن المذكور، وبالله التوفيق، لا رب غيره، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. تم كتاب النكاح الثالث.

كتاب النكاح الرابع

[كتاب النكاح الرابع] [خطب امرأة فزوجه وليها برضاها فلما حضر اشترط أولياؤها شروطا]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم من سماع يحيى بن يحيى عن عبد الرحمن بن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل خطب امرأة فزوجه وليها برضاها، فلما حضر الخاطب لكاتب الصداق عليه اشترط أولياؤها شروطا بها كانت رضيت أن تزوجه من ذلك إنه إن تزوج عليها فالداخلة عليها بنكاح طالق، وإن تسرر فهي حرة، فلما قرئ الكتاب على الخاطب قال: قد رضيت بالصداق والشروط، غير أني لا ألزمها نفسي إلا بعد ابتنائي بها، فلم ينكر عليه الأولياء، وكتب القوم شهادتهم على ما في الكتاب، وقد سمعوا ثنياه، فأقام الخاطب بعد ذلك ثلاث سنين أو نحوها، ثم اتخذ سرته، فلما بلغ ذلك المرأة

قامت عليه بشروطها، فقيل لها: إن زوجك قد اشترط لنفسه عند عقدة نكاحك كذا وكذا، فقالت: والله ما علمت بهذا، ولو علمت ما رضيت، فأما إذا كان هذا، فلا أرضى به اليوم ولا أقبله، ولا نكاح بيني وبينه، وقال الزوج: والله ما كنت أرى إلا أن إخوتك أعلموك بالذي كان من استثنائي، فإذا زعمت أنك لم تعلمي ولم ترض بما صنعوا فأنا ألزم نفسي شروطك من اليوم، وقالت الجارية: أما إذا لم تقبلها يومئذ، وإنما تلزمها نفسك من الآن، فلا أرضى بتزويجك، قال: القول قولها إذا تباعد الأمر وطال، ولا ينفعه أن يلزم نفسه بعد طول زمان ما قد كان كره أن يتزوج عليه يوم رضيت به، وذلك أنهما لم يكونا يتوارثان لو مات أحدهما؛ لأن النكاح لم يتم إذ لم يرض بجميع ما أنكحته عليه نفسها، قال: قلت: فإن رضيت أن تسقط عنه الشروط حتى تبنى كما كان استثناها هل يثبتان على نكاحهما الأول؟ قال: لا أرى ذلك لهما بعد طول زمان، وإنما يجوز هذا ومثله إذا أخبرت بحدثان الكتاب وحين أسقط ذلك الزوج عن نفسه، فيجوز لها الرضى، ويتم النكاح بذلك العقد، فأما إذا تباعد ذلك وطال زمانه، حتى لو مات أحدهما لم يتوارثا، فالنكاح مفسوخ، لا يجوز لهما أن يقيما عليه، أجابته لما استثنى أو أجابها إلى جميع ما اشترطت، قال: وما اتخذ من سرية، أو تزوج من امرأة فيما بينه وبين أن يصحح هذا النكاح بينه وبينها، فلا يلزمه في ذلك شيء مما كانت شرطت عليه. قال أصبغ: وذلك إذا قرّ لها

بأصل الشرط، أو كانت به بينة أنهما تعاملا عليه وعليه أجابت. قال محمد بن رشد: أما إذا لم ترض بنكاحه إذا بلغها أنه لم يلتزم الشروط إلا من بعد الابتناء، فلا يلزمها النكاح إذا لم ترض به، وإن التزم لها الشروط من حينئذ، وكان ذلك قريبا من العقد، إلا أن يكون ذلك في المجلس قبل الافتراق منه، وقبل انقضاء المراوضة بينهما فيه؛ لأن ذلك بمنزلة الرجل يقول للرجل: قد بعتك سلعتي بكذا وكذا، وقد زوجتك وليتي بكذا وكذا، فتقول: لا أرضى إلا بكذا وكذا، فيقول له: لا أبيعك، أو لا أزوجك، إلا بما قلت لك، فلا يقول: قد أخذتها بذلك، حتى يفترقا من المجلس. فقوله في هذا الموضع: القول قولها إذا تباعد الأمر وطال، ولا ينفعه أن يلزم نفسه بعد طول زمان ما قد كان كره أن يتزوج عليه يوم رضيت به، لا يقام منه دليل على أن القول قوله إذا قرب الأمر ولم يطل، ويلزمها النكاح، إذ لا يصح أن يقال ذلك على ما بيناه. وأما إذا رضيت بالنكاح على أن تسقط عنه الشروط حتى يبتني بها على ما استثنى، فقوله ها هنا: لا أرى ذلك لهما بعد طول زمان، وإنما يجوز هذا ومثله إذا أخبرت به بحدثان الكتاب، إلى آخر قوله هو على المشهور من قوله في الذي يزوج وليته قبل أن يستأمرها، فترضى إذا بلغها أن ذلك يجوز في القريب، ولا يجوز في البعيد، وقد قيل: إن ذلك يجوز في القريب والبعيد، وقد قيل: إن ذلك لا يجوز في القريب ولا في البعيد، حسبما بيناه في أول رسم من سماع ابن القاسم، فالاختلاف في تلك المسألة داخل في هذه، إذ لا فرق بين أن يزوجها بغير إذنها، أو يزوجها بغير ما أذنت له أن يزوجها عليه من الشروط فيما يجب لها من الخيار، وقد وقع في سماع سحنون، ومحمد بن خالد، في مثل هذه المسألة ما ظاهره أن النكاح يجوز إذا رضيت به، وإن بعد الأمر، وهو مما يدل على ما ذكرناه من دخول الاختلاف

مسألة: الرجل يزوج عبده أمته على أن كل ولد يولد له منها أحرار

المذكور فيها. وأظهر الأقوال في هذه المسألة ألا يجوز، وإن أجازته ورضيت به في القريب ولا في البعيد؛ لوقوع النكاح على خلاف ما رضيت به المرأة من الشروط بعلم الزوج والولي، فكان النكاح قد انعقد بينهما على أن المرأة بالخيار، وذلك يقتضي فساد العقد في الصحيح من الأقوال، وقد بينا هذا المعنى في أوّل رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم شهد على شهادة ميت من سماع عيسى وقول أصبغ في آخر المسألة، وذلك إذا أقر لها بأصل الشرط إلى آخر قوله، صحيح؛ لأنه إذا لم يقر بذلك الزوج لها ولا قامت به بينة، فالنكاح لازم على ما وقع، ولا تصدق فيما ادعت مما يوجب لها الخيار في النكاح؛ لأنها في ذلك والولي مدعيان على الزوج. [مسألة: الرجل يزوج عبده أمته على أن كل ولد يولد له منها أحرار] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يزوج عبده أمته، على أن كل ولد يولد له منها أحرار، قال: النكاح مفسوخ، وإن كانا في ملكه؛ لأنه وقع بشرط لا يحل، بمنزلة الأجنبيين، قيل له: فإن لم ينظر في فسخ ذلك حتى ولد له، قال: هم أحرار، فقيل له: فما ولدت بعد موته؟ قال: ما ولدت قبل اقتسام الورثة إن كان سيدها مات وهي حامل فهو حر. قلت: أمن رأس المال أم من الثلث؟ قال: بل من رأس المال، قال: وما حملت به بعد موت السيد فهم عبيد، وما ولدت بعد القسم وإن كانت به حاملا قبل موت السيد فهو عبد للذي صارت له الأمة.

مسألة: الرجل يتحمل ابنه بصداق امرأته فتلزمه المرأة وتريد قبضه منه

قلت: أكان يمنع سيدها من بيعها؟ قال: لا، قلت: رهقه دين أم لم يرهقه؟ قال: ذلك سواء، يبيعها متى ما شاء في الدين وغير الدين. قلت: فالورثة ألهم بيعها إذا مات وهي حامل؟ قال: نعم، احتاجوا إلى ذلك أو استغنوا عنه، ألا ترى أن لهم أن يدخلوها في قسمهم، فتبطل بذلك عتاقة ما في بطنها، والبيع كذلك يجوز لهم، احتاجوا إلى ذلك أو استغنوا عنه. قلت: أرأيت لو لم يكن ذلك على السيد في شرط، ولكنه قال لبعض إمائه: كل ولد تلدينه فهو حر، أهي مثل الذي يزوجها على هذا الشرط؟ فقال: الشرط في هذا والابتداء سواء، إلا أن النكاح يفسخ إذا وقع بهذا الشرط. قلت: والذي ذكرت من تجويز بيعها للسيد أتريد بذلك إذا لم تكن حاملا حين بيعها أم ذلك له في الحمل وغيره؟ فقال: إنما ذلك إذا لم تكن حاملا. قال أصبغ: لا أرى أن يقسم حتى تضع إلا أن يرهق دين أو يخاف تلف المال. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها موعبا في رسم الجواب من سماع عيسى، وذلك يغني عن إعادته ها هنا وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتحمل ابنه بصداق امرأته فتلزمه المرأة وتريد قبضه منه] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتحمل عن

ابنه بصداق امرأته فتلزمه المرأة وتريد قبضه منه، ويدعو ابنه إلى الابتناء: ألها أن تأخذه بالحمالة وتدع زوجها لا تطلبه بشيء؟ فقال: لو كان ضمن لها ذلك عنه لها في ماله، كان غرم ذلك لازما له إذا دعت إلى أن يبني بها زوجها، ولم يكن للزوج عذر في ترك الابتناء من صغر به ولا بها، فأما إذ لم يجب حقها عليه إلا على وجه الحمالة، فلا سبيل لها إليه حتى لا يوجد للزوج مال، فإن كان معدما لزم الأب غرم ما تحمل عنه لها، ويطلب الأب ابنه بما غرم عنه. قال: وإن طلقها قبل البناء بها غرم الأب نصف الصداق عن ابنه إن كان معدما، واتبعه به دينا عليه، وإن كان مليا أخذت نصف الصداق من مال زوجها. قيل له: فإن كان الأب حمل الصداق عن ابنه في ماله فطلقها قبل البناء بها؟ قال له: طلقها قبل البناء بها، وقد كان الأب حمل الصداق في ماله، فنصف الصداق للمرأة غرم على الأب، وليس للابن على أبيه من النصف الثاني شيء. قلت: أرأيت إن طلقها قبل البناء بها وقد مات أبوه؟ قال: يكون للمرأة نصف الصداق من رأس مال أبيه، ويكون النصف الثاني للورثة ليس للابن منه شيء دونهم. قلت: ولم جاز للأب أن يحبس على الابن النصف الثاني، وصار أيضا ذلك النصف للورثة حين طلقها بعد موت أبيه، وقد كان لو ابتنى بها يلزم الأب والورثة بعد الأب أن يدفعوا إلى المرأة جميع الصداق؟ قال أصبغ: لأنه جعل له عطية تتم أو لا تتم، فإن تمت في الدخول لزمت، وإلا فما لزم منها، وما لم يتم فلا يلزمه؛ لأنه ساقط عن الابن، فلما سقط عن الابن سقط عن المتحمل به، بمنزلة من احتمل عن رجل بثمن سلعة بعينها اشتراها فاشتراها

ولم يتم له الاشتراء بعيب فيها أو استحقاق بالثمن، رد إلى الحميل ليس للمعطى منه شيء، وهو قول مالك في الطلاق. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها، إلا في موضعين: أحدهما ضمان الرجل عن الزوج الصداق في عقد النكاح، ابنه كان أو أجنبيا، هل هو محمول على الحمل حتى ينص أنه أراد الحمالة؟ أو الحمالة حتى ينص أنه أراد الحمل، والحمل هو أن يؤدي عنه ما حمل عنه من المال ولا يرجع به عليه، والحمالة هي أن يؤدي عنه ما يتحمل به عنه ويرجع به عليه، هذا معلوم عند الفقهاء بعرف التخاطب، وإن كان في اللغة سواء في المعنى؛ لأنهما جميعا مصدران، من حمل يحمل حملا وحمالة فمذهبه في المدونة أنه محمول على الحمل حتى يتبين أنه أراد الحمالة. وهو قول ابن حبيب في النكاح من الواضحة وقول ابن القاسم في سماع سحنون، بعد هذا، وروى عيسى عنه في غير العتبية أنه على الحمالة حتى يتبين أنه أراد الحمل، وليس في هذه الرواية في ذلك شيء يعتمد عليه؛ لأن قوله لو كان ضمن لها ذلك في ماله، كان غرم ذلك؛ لأن ماله يريد على وجه الحمل، يدل على أنه لو كان ضمن لها ولم يقل: في ماله، لم يجب عليه غرم ذلك إلا على وجه الحمالة، وقوله: فأما إذا لم يجب حقها عليه إلا على وجه الحمالة، إلى آخر قوله، يدل على أنه إذا وجب حقها عليه على وجه الضمان، كان غرم ذلك واجبا عليه على سبيل الحمل، وهذا تعارض في الظاهر، ولو ضمن لها عنه الصداق بعد عقد النكاح، أو الثمن في عقد البيع، أو بعد عقده، لكان

ذلك محمولا على الحمالة حتى ينص أنه أراد الحمل، قولا واحدا. والموضع الثاني هل المتحمل عنه محمول على الملاء فلا يكون للمتحمل له رجوع على الحميل حتى يثبت أن المتحمل عنه عديم؟ أم محمول على العدم، فيكون للمتحمل له أن يرجع على الحميل حتى يثبت الحميل أن المتحمل عنه ملي؟ فظاهر قوله في هذه الرواية، فلا سبيل لها إليه حتى لا يوجد للزوج مال، يدل على أن المتحمل عنه على الملأ خلاف ما لسحنون في نوازله من كتاب الكفالة إنه محمول على العدم، والحميل غارم، إلا أن يكشف أن للمتحمل عنه مالا. وقوله في الذي حمل الصداق عن ابنه: إن للزوجة أن تأخذ جميع صداقها من رأس ماله إن لم يطلق الابن في ماله فطلقها قبل البناء، إن النصف الذي يسقط عن الابن بالطلاق يسقط عن الأب، ولا يكون للابن صحيح. ووجهه أن الأب لم يعط الصداق للابن، وإنما التزم أداءه عنه، فوجب إسقاطه عنه ما لم يجب أداؤه عليه منه لسقوطه عنه بالطلاق، وهذا بين على القول بأن الصداق يجب نصفه بالعقد، والنصف الثاني بالدخول، وأما على القول بأن الصداق يجب جميعه للزوجة بالعقد، ويستحق الزوج عليها نصفه بالطلاق، فيتخرج على قول ابن الماجشون أن يكون للابن النصف الذي يجب له بالطلاق. وقد مضى بيان هذا في رسم طلق من سماع ابن القاسم. وقوله إذا مات الأب الذي حمل الصداق عن ابنه: إن للزوجة أن تأخذ جميع صداقها من رأس ماله إن لم يطلق الابن، أو نصفه إن طلق صحيح؛ لأنها عطية انعقد عليها النكاح فلم يفتقر إلى حيازة، وكذلك لو حمل عن رجل في عقد البيع سلعة اشتراها، وإنما يختلف إذا حمل عن ابنه أو عن أجنبي الصداق بعد عقد النكاح، أو ثمن السلعة بعد عقد البيع، هل يفتقر ذلك إلى حيازة، أم لا؟ على قولين، والله الموفق للصواب.

مسألة: يتزوج المرأة فينحل وليها فتكره المرأة أن تتبع وليها بشيء من ذلك

[مسألة: يتزوج المرأة فينحل وليها فتكره المرأة أن تتبع وليها بشيء من ذلك] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتزوج المرأة فينحل وليها نحلة لعلها أن تكون أكثر من الصداق، فتكره المرأة أن تتبع وليها بشيء من ذلك، ويريد الزوج الرجوع على الولي بالذي نحله أذلك له أم لا؟ فقال: إنما الحق فيه للمرأة إذا اشترطه الولي، فإن أحبت أخذه كان ذلك لها، وإن تركته فالأمر إليها، ولا حق فيه للزوج، وليس له أن يرجع فيه على الولي ولا على المرأة؛ لأنه يعد من صداقها. ألا ترى أنه لو طلقها قبل أن يمسكها كان نصف الحباء للذي نحل الولي للرجل، ونصفه للمرأة، قيل له: فما كان من نحلة نحلها الزوج ولي المرأة أو بعض أختانه على غير شرط، أيكون للمرأة فيه حق إن اتبعته؟ أو يكون للزوج أن يرجع على الختن الذي أنحله؟ قال: إذا لم يكن على ذلك أنكحه، ولا عدة عاملة عليها حتى تكون كالشرط، وإنما هو من الزوج كالشكر للأولياء، أو لبعض الأختان وصلة لهم، أو على وجه الصلة لهم قبل النكاح؛ ليستجر مودتهم، فلا حق فيه للمرأة قبل وليها، ولا يجوز للزوج الرجوع فيه ولا الإتباع لهم به لمن أعطته. قال محمد بن رشد: الحباء لولي المرأة ينقسم على ثلاثة أقسام:

أحدها أن يكون ذلك عند الخطبة قبل العقد. والثاني أن يكون ذلك عند العقد بشرط. والثالث أن يكون ذلك بعد العقد على غير شرط. فأما ما كان من ذلك عند الخطبة قبل العقد، فإن تم العقد كانت المرأة أحق، وإن لم يتم العقد كان للزوج الرجوع به على الولي؛ لأن الذي أعطي بسببه لم يتم له، وأما ما كان من ذلك عند العقد بشرط، فحكمه حكم الصداق يكون للمرأة قبل وليها إن اتبعته، وليس للزوج أن يرجع به على الولي، وإن طلق كان له النصف. قال ابن حبيب في الواضحة: وكون المرأة أجازت ذلك لوليها ثم طلقها الزوج قبل البناء رجع الزوج بنصف ذلك الحباء على وليها من كان أبا أو غيره، كانت المرأة ممن يولى عليها أو جائزة الأمر، إذا كانت ممن لا يولى عليها، وللمرأة أن ترجع بنصف الحباء الثاني على وليها إذا كانت ممن يولى عليها، وإنما رأى للزوج أن يرجع على الولي بنصف الحباء، بعد أن أجازته له المرأة، وإن كان ليس له أن يرجع على الموهوب له الصداق بنصفه؛ لأنه إذا قبضه أنزله بمنزلة الذي يتزوج المرأة على أن يهب عبده لفلان. وأما ما كان من ذلك بعد العقد على غير شرط فهو للولي الذي حبا به لا رجوع للزوج فيه عليه ولا حق للمرأة فيه. والأصل في هذا كله ما روي أن الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أُكْرِمَ

مسألة: المرأة تزوج أباها أمتها أو لابن تزوج أباه أمته

عليه الرجل أخته أو ابنته» . انتهى الحديث فجعل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان من حبا أو عدة قبل عصمه النكاح للمرأة التي هي سبب العطية؛ لأنه إذ لم يثبت له بعد سبب يستوجب به الكرامة. ومن هذا المعنى ما روي أن الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال لابن الابنة لما رجع إليه من الولاية على الصدقة فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقال الرسول منكرا ذلك عليه: «أفلا جلس في بيت أبيه أو في بيت أمه ينتظر هل تأتيه هدية» ؟ فرد حكم الهدية إلى السبب الذي من أجله كانت الهدية، وجعل ما كان بعد ثبات العصمة من كرامة الولي؛ لأنه قد ثبت له ما يستوجب له الكرامة. وأما ما كان شرطا في العقد فلا إشكال في أن له حكم الصداق والله الموفق. [مسألة: المرأة تزوج أباها أمتها أو لابن تزوج أباه أمته] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن المرأة تزوج أباها أمتها أو الابن تزوج أباه أمته، قال: النكاح مفسوخ وتقوم على الأب، حملت أو لم تحمل، كان مليا أو معدما، فإن حملت كانت بذلك الحمل أم ولد، وحاله في هذا المسيس بهذا النكاح، كحال الرجل يتعدّى على أمة ابنه فيطأها، غير أن المعتدي على ابنه في أمته يقوم

عليه، كان مليا أو معدما، وكان الابن صغيرا أو كبيرا، حملت منه أو لم تحمل. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز للرجل أن يتزوج أمة ولده، لما له فيها من شبهة الملك، يدرأ به عنه الحد، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك» والرجل لا يجوز له أن يتزوج أمته، ولا ينعقد له فيها نكاح؛ لكونه مالكا للبضع قبل النكاح ملكا هو أقوى من ملك النكاح، والنكاح إنما يكون ليستباح به الفرج، ولأن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] . ففرق بين النكاح وملك اليمين، ولم يبح الفرج إلا بأحدهما، فوجب لأجل ذلك ألا يجمع بينهما، وأن يبطل الملك النكاح، تقدم أو تأخر، فلو جاز أن ينعقد نكاح على ملك، لجاز أن ينعقد ملك على ملك، ونكاح على نكاح، وهذا قول مالك وجميع أصحابه، إنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أمة ابنه، إلا عبد الله بن الحكم، فإنه يجيزه، قال: ومع أني أكرهه، فإن وقع لم أفسخه، وإلى مثل قوله ينحو قول مالك في سماع ابن القاسم، من كتاب السرقة: إن العبد إذا سرق من مال ابن سيده، قطعت يده، فرأى وطء الرجل أمة ابنه بنكاح، كوطئه إياها دون نكاح، فيما يجب من تقويمها عليه في اليسر والعسر، وإن لم تحمل على قوله إنه لا يجوز له تزويجها؛ لأنه إذا قومت على الأب وإن كره الابن في العدل من أجل أنها لا تحل له، فأحرى أن تقوم عليه في التزويج؛ لأنه قد أذن له في وطئها، وقوله: غير أن المعتدي إلى آخر قوله، استثناء لا وجه له، لا لسواء الوجهين، والله أعلم.

مسألة: يزوج الرجل أمته على أن أول بطن تلده فهو حر

[مسألة: يزوج الرجل أمته على أن أول بطن تلده فهو حر] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الذي يزوج الرجل أمته على أن أول بطن تلده فهو حر، فولدت بطنا في حياة سيدها أو بعد موته، قال: ما ولدت في ذلك البطن فهو حر. قلت: فإن ولدت توأمان، قال: نعم، كل ما كان في ذلك البطن فهم أحرار، قال: ويفسخ النكاح. قلت: ولم فسخته والشرط للذي به يفسخ النكاح قد انقضى؟ قال: لأن عقد النكاح وقع بما لا يصلح، فليس انقضاء الشرط بولادة الأمة يسقط الفسخ الذي كان وجب في النكاح الفاسد، فهو مفسوخ متى ما علم به. قلت: وإن طال زمانه جدا؟ قال: نعم، وإن طال زمانه بعد موت، فإنه لا يصلحه طول زمان، قال: وإن ولدت بعد موت السيد، وقبل القسم، فإن ولدها من ذلك البطن حر. قلت: فهل يُمنع من بيعها إن حملت؟ قال: نعم، إلا أن ينزل به دين. قلت: فالورثة هل يمنعون من اقتسامها إن كان السيد مات وهي حامل؟ قال: لا يمنعون من ذلك، فإن ولدت قبل القسم عتق ولدها من ذلك البطن بالشرط، وإن اقتسموا قبل الولادة انقطع الشرط، وكان ولد الأمة للذي تصير إليه الأمة، قال أصبغ: إذا طال وخيف على الميراث التلف، وإلا وقفوا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم الجواب من سماع عيسى، وتكررت أيضا فيما مضى من هذا الرسم، فلا معنى لإعادة القول فيها.

مسألة: الرجل يدفع إلى امرأته نقدها أيجوز لها أن تقضي منه

[مسألة: الرجل يدفع إلى امرأته نقدها أيجوز لها أن تقضي منه] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يدفع إلى امرأته نقدها أيجوز لها أن تقضي منه إلا الشيء التافه الذي لا خطب له وإن قام عليها غرماؤها ولم يمكنوا من أخذ ذلك الصداق منها إلا بإذن زوجها ورضاه؟ قال: وكذلك قال لي مالك: لا يجوز إلا الدينار ونحوه. قلت: أرأيت كالئ صداقها، أيجوز لغرماء المرأه أن يبيعوه بالنقد إذا كان على زوجها إلى أجل، فيتحاصُّون فيه؟ وإن كان حالا أيجوز لهم اقتضاؤه لها وقبضه لأنفسهم عنها؟ أو يكون حال الكالئ من صداقها والنقد سواء؟ وكيف إن قام الغرماء على المرأة باقتضاء حقوقهم بعد البناء بأيام يسيرة؟ أيباع لهم متاعها الذي اشترت بنقدها أم حتى متى توقفهم عن بيع ذلك عليها وما أجله عندك؟ قال: ليس لذلك وقت، وإنما الذي لا يجوز لها من ذلك الصداق تأخذه فتدفعه في دينها، فأما ما أحدثت المرأة في ذلك بعد دخول زوجها بها من بيع أو اشتراء، أو جرح أو غير ذلك، فلحقها فيه الدين، فإنها لا تمنع من بيع ذلك وقضائه الغرماء أو يفلسها الغرماء، فيكون لهم بيع متاعها ومالها ما كان منه من صداقها أو غير ذلك، وكذلك هو عندي لو ماتت أخذ الغرماء في ذلك ما كان على الزوج من بقية صداقها، أو حاضر ما في يديها، وهذا رأيي.

قال محمد بن رشد: قوله: إنها لا يجوز لها أن تقضي من مهرها ديونها، إلا أن يكون الشيء التافه اليسير، الدينار ونحوه، ومثل ما قال في كتاب الديات من المدونة. ولمالك في كتاب ابن المواز: إلا أن يكون الشيء اليسير مثل الدينارين والثلاثة، وليس ذلك باختلاف من القول، وإنما ذلك على قدر قلة الصداق وكثرته، فقد يكون صداقها الدينارين والثلاثة، فيكون الدينار الواحد من ذلك كثيرا، وقد يكون صداقها ألف دينار، فتكون العشرة من ذلك أو أكثر قليلا، وهذا كله صحيح على أصله، في أن المرأة يلزمها أن تتجهز لزوجها بصداقها، ولم يجد على الكالئ هل يكون حكمه في ذلك حكم النقد أم لا؟ فأما إذا كان أجله بعد البناء فلا إشكال في أنه لا حق فيه للزوج، وأنه لا يلزم المرأة أن تتجهز به إلى زوجها، فلغرمائها إذا قاموا عليها بديونهم قبل البناء أن يبيعوه بالنقد في ديونهم، وأن يقتضوه إن كان قد حل قبل البناء بتأخر البناء عن الوقت الذي جرت العادة أن يبني أهل البلد إليه، وأما إن كان أجله إلى قبل البناء، فحكمه حكم النقد، وإن تعجل قبل حلوله، وكذلك إن كان النقد عرضا يلزمها أدن تبيعه فيما تتجهز به إلى زوجها، إلا أن يكون العرض مما يقصد إلى اقتنائه، كالسياقات وشبهها. وظاهر قوله: إذا قام الغرماء عليها بعد الدخول وأرادوا بيع جهازها في ديونهم، أنه فرق بين أن يكون الديون حادثة بعد الدخول أو قديمة قبله، وليس المعنى في ذلك لا الطول، وإنما قال: إن جهازها يباع فيما تحدثت بعد الدخول من الديون؛ لأن الأغلب أن ذلك لا يكون إلا في الطول، فإذا قاموا بعد أن طالت المدة، وكان الزوج قد استمتع بجهازها ما له قدر وبال من الاستمتاع، كان لهم أن يقبضوا منه حقوقهم، كانت ديونهم حادثة بعد الدخول أو قديمة قبله، وإن قاموا بحدثان دخول زوجها بها وتجهزها إليه، لم يكن لهم أن يقبضوا ديونهم من جهازها، وإن كانت حادثة بعد الدخول، للحق الذي للزوج من الاستمتاع بما نقدها.

مسألة: امرأة ادعت على رجل قد مات، أنه كان زوجها

[مسألة: امرأة ادعت على رجل قد مات، أنه كان زوجها] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن امرأة ادعت على رجل قد مات، أنه كان زوجها، فأقامت البينة أن ذلك الرجل كان مقرا في صحته أن تلك المرأة امرأته، وأنه كان أصدقها كذا وكذا، ولم تقم بينة على إقرارها في حياته بمثل الذي كان به هو مقرا، ولا على أصل النكاح، قال: إن كانت المرأة في ملكه وعياله، وتحت حجابه، فالقول قولها لحيازته إياها، وخلوته بها، ومصيرها في يديه مع إقراره بنكاحها، وتسمية صداقها في صحته وجواز أمره، وإن كانت المرأة بائنة منه في أهلها عنه، منقطعة في مسكنها، فلا ميراث لها ولا صداق، إذا لم تقر بما كان يدعيه ويقر به من نكاحها، إلا بعد موته، وذلك أنه لو كان حيا فماتت قبله، فأراد أن يرثها بذلك الإقرار الذي كان منه قبل موتها، لم يكن ذلك له حتى يعرف إقرارها بمثل ما كان يدعيه من نكاحها، مع إشهار ذلك وإعلانه، وتقادم ادعائه، ذكر ذلك منها إذ لم تقم بينة على أصل النكاح. قلت: أرأيت إن كان الذي ادعت هذه المرأة أنها امرأته، كانت في عياله وملكه، فأنكر الورثة وأتت بالبينة أن الرجل كان يخبر من جالسه أن له امرأة، ولم يسمها لهم، فزعم الشهود على إقراره بهذا أنهم لا يعرفون امرأته بتلك التي كان بها مقرا بعينها، ولا باسمها ولا نسبها، ولا يدعي هذه الدعوى غيرها. أترى أن شهادة هؤلاء توجب لها الميراث؟ قال: لا ميراث لها بهذه الشهادة؛ لأنها غير قاطعة. قال محمد بن رشد: أوجب ابن القاسم في هذه المسألة الميراث للمرأة بإقرار الرجل في صحته أنها امرأته مع كونها في ملكه، وتحت حجابه،

مسألة: الحربي يتزوج في دار الإسلام ذمية فيولد له منها

وإن لم يعلم منها إقرار بما كان يدعيه ويقر به من نكاحها؛ لأن كونها في ملكه وتحت حجابه، كالإقرار منها بالنكاح أو أقوى، ولو ماتت هي لورثها على ما في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الأقضية، في الذي ابتاع جارية فولدت منه أولادا، وقد كان الرجل يخبر الناس أنها امرأته تزوجها وقد كان يحلف بطلاقها، وقد قيل في تلك: إنه إنما أوجب لها ابن القاسم الميراث، لظهور الولد بينهما بعد إقراره بنكاحها، ولولا ظهور الولد بينهما، لما أوجب لها الميراث بإقراره بنكاحها، مع كونها تحت حجابه وفي ملكه، لكونها على ذلك في الأصل بحق الملك، وأما لو لم تكن في ملكه وتحت حجابه، لما وجب لها الميراث، إذا لم يعلم إقرارها في صحته بما كان يدعيه من نكاحها، واختلف إذا تقارا بالزوجية جميعا ولم تكن في ملكه وتحت حجابه، فقيل: إن الزوجية تثبت بينهما بذلك، ويتوارثان بها، إذا اشتهر ذلك من قولهما، وتقادم ذلك، وظهر في الجيران، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وقول ابن وهب من سماع يحيى من كتاب الشهادات، وقيل: إن النكاح لا يثبت ولا يكون بينهما ميراث بتقاررها بالنكاح مع طول الزمان، حتى يثبت النكاح بالنية، وهو قول ابن القاسم، وأشهب، في سماع يحيى من كتاب الشهادات، ويصح للشاهد أن يشهد بالقطع على النكاح من ناحية السماع، إذا كثر القول به حتى وقع العلم به للسامع من ناحية التواتر على ما في سماع أبي زيد، ونوازل سحنون من كتاب الشهادات وبالله التوفيق. [مسألة: الحربي يتزوج في دار الإسلام ذمية فيولد له منها] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الحربي يتزوج في دار الإسلام ذمية فيولد له منها، أو الذمي يتزوج الحربية في دار الإسلام، فيولد له منها، وإنما كان خروج الحربي والحربية إلى دار الإسلام بلا عهد أعطياه ولا أمان، ثم اطلع السلطان على أمرهما، فأخذا، فما ترى

مسألة: مرض فدعا جارية عنده فقال أشهدوا أني أعتقتها في صحتي

في رقابهما وأموالهما وأولادهما؟ قال: سئل مالك عن أهل قبرس، يدخل إليهم ناس من العدو، فيتزوجون من نسائهم، أو يخرج القبرسي إلى الروم، فيتزوج امرأة، فيأتي بها، فتلد أولادا، ويولد للرومي من القبرسية ولد فيؤخذون، فما ترى الحكم فيهم؟ فقال: الولد في هذا تابع للآباء، فإن كان رومي تزوج قبرسية فولده فيء، وإن كان قبرسي تزوج رومية فولده على مثابة أبيهم في العهد، وسمعت الليث يقول مثله، وإنما يكون الولد تبعا للأم في المملكة، فأما الأحرار من أهل الذمة، والحربيين أو المصالحين، فهم تبع للآباء، وكذلك قال مالك والليث، وهو رأيي. قال محمد بن رشد: قوله في الحربي يتزوج ذمية، أو الذمي يتزوج حربية: إن الولد تبع للأب في حاله، من العهد أو غير العهد، هو على خلاف ما في المدونة في الذمية يسبيها العدو، فتلد عندهم، فتسبى هي وولدها: أن ولدها تبع لها، إلا أن يكون قد بلغ وقاتل واحتلم، مثل قول ابن الماجشون وأشهب إن ولدها وصغارهم وكبارهم فيء، وفي المدونة لابن دينار، قول ثالث إن الولد تبع لذي العهد من أحد الأبوين من كان منهما، ولا يسترقون، ولا اختلاف في الحربي يتزوج الأمة أن ولدها رقيق لسيد الأمة. وقال ابن الماجشون وأشهب في الأمة يسبيها العدو فتلد عندهم: إن ولدها صغارهم وكبارهم فيء، والوجه في قوله أنه حكم لهم بحكم الدار، وبالله التوفيق. [مسألة: مرض فدعا جارية عنده فقال أشهدوا أني أعتقتها في صحتي] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل خصي مرض فدعا جارية عنده، فقال لمن حضره: أشهدكم أني قد كنت أعتقتها في

صحتي، وتزوجتها، وأنا أشهدكم أنها طالق ألبتة، وقد كانت تعرف مملوكة، ولا يشهد أحد على أصل نكاح ولا عتق في الصحة. فقال: لا تعتق في ثلث ولا غيره ولا صداق لها ولا ميراث إذا لم يكن لها نية على أصل نكاح كان قبل المرض، وذلك أن النكاح لا يثبت، وإن أقر به إلا بثبات العتاقة، والعتاقة لا تثبت بمثل هذا الإقرار في المرض، ولا تعتق في ثلث إلا أن يقول: أمضوا عتقها. قلت: أرأيت إن صح ماذا يجب لها بهذا الإقرار الذي كان في المرض؟ قال تتم حرمتها ويلزمه طلاقها ولا تحل له إن أراد نكاحها إلا بعد زوج. قلت: فكم يكون صداقها ولم يكن إذا قر بنكاحها في مرضه ذكر تسمية صداق، وقد اختلف فيه اليوم حين لزمه العتق والطلاق، بالصحة من المرض؟ قال: القول قول الزوج فيما أقر به من الصداق. قال محمد بن رشد: قد اختلف في قول الرجل في مرضه: قد كنت أعتقت عبدي هذا في صحتي، فيموت من مرضه، على ثلاثة أقوال: أحدها هذا أنه لا يعتق في رأس المال ولا في الثلث، إلا أن يقول: أمضوا عتقه، فيعتق. والقول الثاني إنه إن كان ورثته ولدا أعتق من رأس المال، وإن كان ورثته كلالة، لم يعتق من رأس المال ولا من الثلث. وهذا القول في كتاب أمهات الأولاد من المدونة، في الذي يقر في مرضه بأن أمته ولدت منه، ولا ولد معها، ولا فرق بين المسألتين. والقول الثالث إنه إن كان ورثته ولدا أعتق من رأس المال، وإن كان ورثته كلالة، عتق من الثلث، وهذا القول رواه ابن عبد الحكم عن مالك، وهو في كتاب المكاتب من المدونة، والميراث في هذه المسألة والصداق، إن كان سماه، جار على هذا الاختلاف، يكون لها من

الرجل يشتري الأمة على أن ينكحها عبده

الميراث والصداق من رأس المال على القول إنها تعتق من رأس المال إن كان ورثته ولدا، ويكون لها الميراث والصداق من الثلث على القول بأنها تعتق من الثلث، ولا صداق لها ولا ميراث على القول بأنها لا تعتق لا من رأس المال ولا من الثلث، وهو قوله في هذه الرواية، وإن صح من مرضه ثبتت حريتها، وكان لها جميع ما أقر لها به من الصداق، إن كان قد دخل بها، ونصفه إن كان لم يدخل بها، من أجل أنه طلقها، ولا تحل له إلا بعد زوج، وبالله التوفيق. [الرجل يشتري الأمة على أن ينكحها عبده] ومن كتاب الصبرة وقيل في الرجل يشتري الأمة على أن ينكحها عبده، فوجبت له على ذلك، وأنكحها العبد: إن البيع مفسوخ، إن لم تفت الأمة، ويفسخ النكاح أيضا، وإن فاتت كان عليه قيمتها يوم اشتراها ويفسخ النكاح؛ لأن مالكا قال: لا يكون نكاح وبيع، فإن أراد ذلك سواء كان الشرط عند البيع في نكاحها أو نكاح غيرها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه لا فرق بين أن يكون الشرط في نكاحها، أو نكاح غيرها، لما يخشى في ذلك من أن يكون البائع قد ازداد في ثمن الأمة التي باعها مقدار ما نقد المبتاع في تزويجها من عبده، فيكون الفرج موهوبا بلا صداق، وكذلك لو باعها منه على أن يزوجها منه، أو على أن يزوج أمة له أخرى منه أو من عبده، أو على أن يزوج وليته منه، الحكم في ذلك كله سواء، وقد مضى في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده، من سماع عيسى، القول في حكم اجتماع البيع والنكاح في صفقة واحدة مستوفًى، فلا وجه لإعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول إن مت من مرضي فقد زوجت ابنتي فلانة من ابن أخي فلان] مسألة قال: وسمعت مالكا يقول في الرجل يوصي في مرضه فيقول:

إن مت من مرضي فقد زوجت ابنتي فلانة من ابن أخي فلان، إن ذلك جائز. قلت: كبيرا كان ابن أخيه أو صغيرا، قال: نعم أراه جائزا، ولم أسأل مالكا عن كبير ولا صغير. قال محمد بن رشد: هذه المسألة في بعض روايات المدونة وزاد فيها، ولابنة صغيرة، وهو معنى المسألة، وقوله في هذا النكاح: إنه جائز، يريد إن قبله ابن أخيه إن كان كبيرا أو وليه إن كان صغيرا. قال سحنون: وإنما يجوز النكاح إن قبله الزوج بقرب ذلك، وهذا على اختلافهم في الرجل يزوج الرجل الغائب، وقيل: يجوز إن أجازا بالقرب، وقيل: يجوز، وإن أجازا بالبعد على ما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم، ولو قال: إن مت من مرضي فزوجوا ابنتي من ابن أخي أو من فلان، فجاز النكاح، وإن طال الأمر قبل القبول، وكذلك لو قال: زوجوها منه بعد عشر سنين، أو بعد بلوغها لجاز، وإنما افترق ذلك؛ لأن النكاح في الأول من الميت لازم للابنة بموته، إن قبله الزوج بالقرب، على الاختلاف المذكور، ولأنه في المسألة الثانية من الوكيل لا من الميت، وقد حكى ابن حارث عن يحيى بن عمر أنه قال: وسواء طال الأمر، أو لم يطل، على قياس قول ابن القاسم، يريد على قياس قوله في رسم حلف من سماع ابن القاسم إذ جعل قوله فيها: فقد وصيته بابنتي، راجعا إلى معنى الوصية بتزويجها، فيلزمه على قياس ذلك أن يجعل قوله في هذه المسألة: فقد زوجته ابنتي، راجعا إلى معنى الوصية بتزويجها، فيجوز قبوله لذلك في القرب والبعد، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية، إذ لم يفرق فيهما بين قرب ولا بعد، واختلف إذا قال في صحته: إن مت فقد زوجت ابنتي فلانا، فأجازه أشهب. وقال ابن القاسم: لا يجوز إلا في المرض. قال محمد بن رشد: وهو أصوب؛ لأنه إذا كان في الصحة فكأنه إلى أجل، ولعل ذلك يطول، كالذي يقول: إذا مضت سنة فقد زوجت ابنتي فلانا، وقول أشهب عندي أحسن؛ لأنه إذا حمله على الوصية فلا فرق بين

الرجل يوصي أن تزوج ابنته رجلا سماه، فتنكر ذلك الابنة بعد موته

الصحة والمرض في الوصية، ووجه قول ابن القاسم أنه حمله في الصحة على البت، فلم يجزه، وفي المرض على الوصية، فأجازه في القرب والبعد، على ما حكيناه عنه. وحمله محمد على البت في الصحة والمرض، فلم يجزه في الصحة لطول الأمر، كالذي يقول: إذا مضت سنة فقد زوجت ابنتي من فلان، وأجازه في المرض، كالذي يقول: إن مضى شهر فقد زوجت ابنتي من فلان، إن النكاح جائز إن رضي فلان لازم بمضي الشهر، وإنما قال في المدونة في الذي قال إذا مضى الشهر، فأنا أتزوجك، ورضيت بذلك المرأة والولي، إن النكاح باطل، من أجل أن قوله: فأنا أتزوجك ليس بالتزام، فيكون نكاح له فيه خيار. وقد قال بعض من تكلم على مسائل المدونة: إنه إنما قال النكاح باطل على أنه عنده التزام، والأول أظهر والله أعلم. [الرجل يوصي أن تزوج ابنته رجلا سماه، فتُنكر ذلك الابنة بعد موته] ومن كتاب الصلاة وقال في الرجل يوصي أن تزوج ابنته رجلا سماه، فتُنكر ذلك الابنة بعد موته، وتقول: لا يلزمني ما أوصى به، إذ لم يعقد على النكاح، قال: الوصية لها لازمة، إلا أن يأبى الرجل الذي سماها له أن يتزوجها. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم حلف ليرفعن أمرا من سماع ابن القاسم، وذكرنا هناك أنه يتحصل فيها ثلاثة أقوال، فلا معنى لإعادة ذلك. وبالله التوفيق. [رجل تزوج بصداق إلى ميسرة] ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع للتجارة وقال في رجل تزوج بصداق إلى ميسرة إنه إن كان مليا يوم وقع النكاح بهذا الشرط، فالنكاح جائز، وله عليهم أن ينتظروه بقدر ما يرى من التوسعة على مثله، قال: وإن كان معسرا فموقع

مسألة: رجل يتزوج امرأة ويشترط عليه أن كل جارية يتسررها عليها فهي حرة

النكاح بهذا الشرط، فإنه إن نظر فيه قبل البناء فسخ، وإن نظر فيه بعد البناء مضى، وفرض لها صداق مثله، وبطل الصداق الأول للذي وقع بالمكروه. قال محمد بن رشد: أما الذي تزوج بصداق إلى ميسرة وهو معسر، فلا إشكال ولا اختلاف في أنه نكاح فاسد كما قال؛ لأنه أجل مجهول. وأما إذا كان مليا فأجازه ابن القاسم في هذه الرواية، ورآه مثل ما جوز من البيع على التقاضي، وهو إلى غير أجل سمياه، إلا أنه معلوم بالعرف، فكذلك هذا معلوم بما يعرف من حاله، فينظر إلى ما يعلم أن الصداق يتيسر له إليه من المدة. وحكى ابن حبيب أن أصبغ ذكر أن ابن القاسم كان يجيزه ويجعله حالا، وليس ذلك بخلاف لما قلناه؛ لأنه وإن سماه حالا فلا بد أن ينظر به على قدر ما يرى أنه يتهايأ له من غير أن يفسد فيه متاعه، ويبيع أصوله، بالغا ما بلغ، وهذا كمن أسلف رجلا سلفا حالا، فإنه لا يؤخذ به في الحين، ولا بد من أن يؤجل فيه على قدر ما يعلم من القصد في ذلك بالعرف والعادة، وابن الماجشون يراه أجلا مجهولا يفسخ به النكاح قبل الدخول. ويقوم من تعليل ابن حبيب لقول ابن الماجشون، إجازته إذا لم يكن معه نقد معجل، بخلاف إذا كان معه نقد معجل، ولو قيل في هذه التفرقة بالعكس لكان أشبه، من أجل أن الضرر يقل إذا كان معه نقد معجل، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن النكاح في باب الصداق، أوسع من البيوع؛ لأنه يجوز فيه من الغرر والمجهول، ما لا يجوز في البيع. من ذلك النكاح على عبد غير موصوف، وعلى شوار بيت، وما أشبه ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: رجل يتزوج امرأة ويشترط عليه أن كل جارية يتسررها عليها فهي حرة] مسألة وقال: في رجل يتزوج امرأة ويشترط عليه، إن كل جارية يتسررها عليها فهي حرة، وللرجل يوم اشترط عليه هذا الشرط

مسألة: يغيب عنها زوجها فتنكح ثم يقدم فتزعم أنه نعي لها ولم ترفع ذلك إلى الإمام

أمهات الأولاد فيطأهن بعد الشرط، إن اليمين تلزمه فيهن، فيحنث بما اشترط عليه من التسرر. بأنه إذا مسهن بعد اليمين، فالمسيس تسرر، وذلك أن التي تشترط ألا يتسرر عليها، إنما تشترط ألا يمس معها غيرها، فإذا مس أمهات أولاده فقد حنث، قال أبو زيد بن أبي الغمر، وأصبغ مثله، وسئل عنها سحنون، فقيل له: الرجل ينكح المرأة، وله أمهات أولاد، فتشترط عليه ألا يتسرر عليها، فإن فعل فهي حرة، فقال: لا شيء عليه في أمهات أولاده اللاتي كن عنده قبل النكاح، وإنما يلزمه الشرط فيما يستقبل من الإماء بعد عقدة النكاح. قال محمد بن رشد: رآه ابن القاسم حانثا للوجهين اللذين ذكرهما: أحدهما مراعاة اللفظ، وذلك أن الوطء نفسه يسمى تسررا في اللسان. والثاني مراعاة المعنى، وهو ما يعلم من أن القصد بالشرط ألا يطأ معها غيرها، ووجه قول سحنون أنه حمل الشرط على ما هو التسرر عند عامة الناس، وإن خالف ذلك موضوع اللسان، وذلك أن التسرر عند الناس إنما هو وطء الجارية ابتداء مع العزم على اتخاذها لذلك، فلا يقولون لمن وطئ في يوم من الأيام أم ولده، أو جارية قد كان يطأها، أو خادما دون ألا ينوي العودة لذلك، إنه تسرى في ذلك اليوم على امرأته، وهذا نحو ما في المدونة في الذي يحلف ألا يأكل بيضا فأكل بيض السمك، أنه لا يحنث من أجل ذلك، لا يسمى بيضا عند الناس، وإن كان في اللسان بيضا وبالله التوفيق. [مسألة: يغيب عنها زوجها فتنكح ثم يقدم فتزعم أنه نعي لها ولم ترفع ذلك إلى الإمام] مسألة وسألته عن المرأة يغيب عنها زوجها فتنكح، ثم يقدم فتزعم أنه نعي لها ولم ترفع ذلك إلى الإمام، ولم يكن الذي ادعت فاشيا، أترى أن ترجم؟ فقال: لا أرى عليها رجما كذلك، قال مالك: وإنما أرى ذلك يسقط عنها للشبهة التي ادعت، ولكن يفسخ نكاح الثاني،

مسألة: ينكح المرأة على أن يصدقها مائة دينار خمسين نقدا وخمسين بعد البناء

وتعتد من مسيسه، ويكون الأول أحق بها، فإن شاء أمسك، وإن شاء طلق. قال محمد بن رشد: قوله: إنها لا ترجم للشبهة التي ادعت، صحيح؛ لأنه نكاح صحيح في ظاهره، يثبت فيه نسب ولد الزوج، ولو أقرت على نفسها أنها تزوجت دون أن ينعى لها، وهي تعلم أنه حي لم يمت، وأن ذلك لا يحل لها، لحدث، وثبت نسب ولدها من الزوج الذي تزوجت على كل حال، إن كان تزوجها بعد حيضة، وأتت بالولد لما يلحق لمثله الأنساب، وأما قوله: إن النكاح يفسخ، وتعتد من مسيس الزوج، ويكون أحق بها، فإن شاء أمسك وإن شاء طلق، فهو كما قال، ومثله في المدونة، ولا اختلاف في ذلك. وسواء في هذا تزوجته دون أن يُنْعَى لها، أو بعد أن نُعي لها، ببينة أو بغير بينة، كان الشهود شهود زور، أو كانوا عدولا، فشبه عليهم. وإنما يفترق ذلك فيما بيع من ماله، فإن كان الشهود شهود زور، كان أحق بماله حيث ما وجده، وله أن يجيز البيع بأخذ الثمن إن شاء، وبأخذ الأمة وقيمة ولدها، وقيل: يأخذ قيمتها يوم الحكم، وقيمة ولدها. وقيل: يأخذ قيمتها يوم الوطء لا غير، وإن كان الشهود عدولا وقد شبه عليهم، ولم يكن له ما بيع من ماله سبيل، إلا أن يغرم الثمن للمبتاع، ويرجع به على البائع وبالله التوفيق. [مسألة: ينكح المرأة على أن يصدقها مائة دينار خمسين نقدا وخمسين بعد البناء] مسألة وسئل عن الرجل ينكح المرأة على أن يصدقها مائة دينار: خمسين نقدا وخمسين بعد ابتنائه بها بسنة، فقال: أكرهه، وإن وقع لم أره مفسوخا. قيل له: لم أجزته وأنت لا تجيز النكاح إذا كان الصداق لغير أجل؟ وهذا لا يدري متى يبني، فهو الآن، كمن تزوج بصداق إلى غير أجل؟ فقال: إني سمعت مالكا يقول في الرجل

يتزوج المرأة بخمسين دينارًا، وخمسين تكون حالة بعد الابتناء، فجوزه، فأنا أرى أن الذي يقول خمسين بعد الابتناء بسنة، إنما هو من وجه ما جوز من البيع بالتقاضي، وهو إلى غير أجل معروف، وكان الابتناء عنده معروفا لا يتباعد كما قد عرف من قدره. وما يكون بين الملك والابتناء من الزمان، فأنا أرى إذا وقع أن يمضي النكاح، فتكون الخمسون التي جعلت بعد الابتناء بسنة تحل عليه إذا مضى من الزمان ما يرى أن أهل بلده يبتني أكثرهم إلى مثله، ثم يؤخر بعد ذلك القدر سنة، فتحل عليه الخمسون، ولا يفسخ نكاحهما، ولا ينبغي للمرء أن يحمل النكاح محمل البيع في جميع الأمر، ألا ترى أن النكاح يحل بالرأس غير الموصوف، وشوار غير موصوف، فإذا وقع النكاح جعل لها رأسا من أوسط الخدم، وشوار نحوها في قدرها، وما يعلم أنه يكون شوار مثلها. قال سحنون مثله، وكذلك لو تزوجها بخمسين دينارا نقدا، وخمسين دينارا بعد ابتنائه بسنة، وخمسين دينارا إلى خمس سنين، كان النكاح جائزا، دخل بها أو لم يدخل، وقال أبو زيد بن أبي الغمر في مسألة سحنون: أرى أن يفسخ النكاح، ما لم يدخل بها، وإن دخل بها نظر إلى ما أعطاها من المؤجل إلى خمس سنين، فيقال: ما صداق مثلها على هذا المؤجل الذي يسمى لها إلى خمس سنين، فما كان من شيء قل أو كثر يضاف ذلك إلى المؤجل، فتأخذه نقدا، وكانت الخمسون إلى أجلها، وقال أصبغ فيها مثل قول أبي زيد إلى خمس سنين. قال محمد بن رشد: جعل ابن القاسم في هذه الرواية حد الابتناء معروفا بالعرف والعادة، فأجاز أن يكون ابتداء أجل الكالئ منه، وأن يكون مؤخرا إليه على ما حكي عن مالك، وهو قوله في المدونة في الذي تزوج

مسألة: الرجل ينكح المرأة فيسمي لها صداقا مسمى على أن يحج بها من ماله

بخمسين وخمسين على ظهره، فقال: إن ذلك الذي على ظهره يحل بدخول الزوج عندهم، فهو جائز. وقال ابن المواز: إنما جاز ذلك؛ لأن الدخول حال، لو شاءت المرأة أن تدعوه إلى الدخول، لكان لها ذلك. وقول ابن القاسم أظهر، إذ لا يلزم الزوج الدخول بها من ساعته، إذا دعته إلى ذلك، وله أن يؤخر ما يشبه، ولا يكون على المرأة فيه ضرر إذا أجرى لها نفقتها، كما يكون لها من الحق أن تؤخر إلى ما يشبه إذا دعي هو إلى تعجيل الابتناء بها، وقد مضى القول على ذلك في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب، وفي أول سماع عيسى من كتاب السلم والآجال: إن وقت الابتناء مجهول، فلا يكون أجلا للكالئ، مثل قول أبي زيد وأصبغ، وجه القول الأول. . ما احتج به ابن القاسم من أن النكاح أوسع من البيوع، ووجه القول الثاني. . قياس النكاح على البيوع. وقد قال مالك: أشبه شيء بالبيوع النكاح. وقول أبي زيد: فما كان من شيء قل أو كثر، يضاف إلى المؤجل، ظاهره كان أكثر من المعلوم والمجهول، أو أقل من المعلوم وحده، لا يعتبر بشيء من ذلك في صداق مثلها. وقد مضى الاختلاف في هذا في رسم يوصي من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [مسألة: الرجل ينكح المرأة فيسمي لها صداقا مسمى على أن يحج بها من ماله] مسألة وقال: في الرجل ينكح المرأة، فيسمي لها صداقا مسمى، على أن يحج بها من ماله، فقال: إن نظر في أمرهما قبل البناء، فأرى أن يفسخ نكاحهما؛ لأن هذا ليس من الصداق. وقيمة ما ينفق على مثلها في حجها من الكراء والنفقة والكسوة، وما يتكلف لمثلها في حجها. قيل: أرأيت إن كان لم يجعل صداقها إلا الحج بها؟ قال: إن علم به قبل البناء فسخ، وإن فات أمرها فابتنى بها، رأيت أن يجعل لها صداق مثلها ولا تعطى ما ينفق على مثلها في الحج. وقد قال مالك في التي يكون صداقها شيئا معلوما والحج بها تموت قبل أن يحج بها وبعد البناء: إنه يعطي

المعترض عن امرأته يفرق بينهما بعد انقضاء الأجل

ورثتها ما كان ينفق على مثلها في حجها، وأنا لا أرى لهم إلا أن يحمل لهم مثلها إلا أن يتراضى الزوج والورثة على أمر يجوز بينهم، وذلك أنه كراء قد لزمه ولزمها، فإذا ماتت فإنما لورثتها عليه ما كان يكون لها في حياتها. ألا ترى أنها لو قالت له: إني لا أريد الحج فادفع إليّ ما كنت تنفق عليّ لو حججت، لم يكن ذلك لها، وكذلك لو أنه أراد أن يعطيها نفقة مثلها ويبرأ من حملها لم يكن ذلك له. فاشتراطها الحج كراء لها، وقد لزمها ولزمه، فورثتها بمنزلتها. قيل له: فالنكاح على أن يكون الصداق حملانها إلى بلد أو لخدمة عبد أو خدمة الزوج إلى أجل من الآجال. قال: لا أرى ذلك يجوز في الصدقات، ولا أحب أن يجب به النكاح، فإن وقع فسخته قبل البناء، وأجزت النكاح بعد البناء، ورددت الصداق إلى صداق مثلها، وأبطلت الأجرة والكراء كله من الصدقات. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها والكلام عليه في رسم لم يدرك من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى وبالله التوفيق. [المعترض عن امرأته يفرق بينهما بعد انقضاء الأجل] ومن كتاب المكاتب قال: وسألته عن المعترض عن امرأته، يفرق بينهما بعد انقضاء الأجل، ثم ينكحها نكاحا جديدا فيعترض عنها أيضا، فتريد فراقه، أيكون ذلك لها؟ قال: ذلك لها إذا قامت معه في الابتناء الآخر قدر ما تعذر فيما تدعي من اختيارها له وانقطاع رجائها منه، إذا كان العذر في ذلك بينا. قلت: وما بيان ذلك؟ قال: أن يكون الرجل يطأ غيرها وإنما

مسألة: تشترط عليه امرأته عند النكاح إن تسرى عليها فالسرية صدقة عليها

ابتلي بالاعتراض عنها، فتقول: رجوت أن يذهب الله ذلك عنه، وأن يكون قد تعالج أو نحو ذلك. فإذا كان على هذا فالفراق إليها بعد انقضاء أجل السنة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، على معنى ما في المدونة من أن العنّين إذا تركته امرأته ولم ترفعه إلى السلطان، وأمكنته من نفسها، ثم رفعته بعد ذلك، فلها أن تقول: اضربوا له أجل سنة؛ لأن الرجل قد يتزوج المرأة فيعترض عنها، وتكون له أخرى فيصيبها، فتقول: تركته وأنا أرجو؛ لأن الرجال بحال ما وصفت. وعلى ما حكى ابن حبيب أيضا من امرأة المعترض إذا صبرت عليه ثمّ بدا لها، فإن كان بحدثان ما كانت رضيت بالصبر عليه لشر وقع بينهما، فليس لها ذلك، وإذا بدا لها بعد زمان، وقالت: كنت رجوت أن ينطلق من اعتراضه، ويذهب ذلك عنه بالعلاج وغيره، فذلك لها. وكذلك تقول المرأة في هذه المسألة: إنما تزوجته وأنا أرجو أن يكون ذهب ذلك عنه بالعلاج، فيكون ذلك لها، وتصدق فيما ادعته، ويكون الفراق إليها بعد انقضاء عهدة السنة إذا لم يكن قيامها عليه بحدثان دخوله بها لشر وقع بينهما كما قال ابن حبيب، يريد بعد يمينها إن ادعى الزوج عليها، أنها أرادت فراقه لأمر وقع بينهما، لا للمعنى الذي قامت به وبالله التوفيق. [مسألة: تشترط عليه امرأته عند النكاح إن تسرى عليها فالسرية صدقة عليها] مسألة قال: وسألته عن الرجل تشترط عليه امرأته عند عقدة النكاح، إن تسرَّى عليها فالسرية صدقة على امرأته، قال: إن علم هذا قبل البناء فسخ، وإن ابتنى بها فالشرط باطل ولا صدقة لها. قال محمد بن رشد: قوله: إن الشرط باطل، ولا صدقة لها، صحيح، على ما في المدونة، وهو المشهور في المذهب من أن الصدقة بيمين لا يحكم بها، وإن كانت لرجل بعينه، وحكم للنكاح بحكم ما فسد لصداقه من أجل أن للشرط تأثيرًا فيه، فيفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده، ويكون فيه

البكر يغيب عنها أبوها الغيبة البعيدة أينكحها السلطان أو الولي

صداق المثل. وهذا إن كانت التسمية في العقد على الشرط، وأما إن كان تزوجها على الشرط نكاح تفويض، دون تسمية صداق، ثم سمى لها بعد ذلك صداقا، فالنكاح ثابت، والشرط باطل، والصداق المسمى لازم. وفي المدنية لمحمد بن دينار أن الصدقة بالشرط تلزمه، وأنه إن أعتقها بعد أن اتخذها لم ينفذ عتقه، وكانت لها صدقة بالشرط. قال: وإن اشترط إن اتخذها فهي صدقة عليها وحرة، فاتخذها كان مخيرا بين عتقها والصدقة بها. ولابن نافع فيها، إن من باع سلعة من رجل وقال: إن خاصمتك فيها فهي صدقة عليك، فخاصمه فيها، أن الصدقة تلزمه، فعلى قولهما في لزوم الصدقة بالشرط، ينبغي أن يكون النكاح جائزا، والشرط لازما، كسائر الشروط اللازمة. واستدل بعض الشيوخ من هذه المسألة على أن من التزم لامرأته إن تسرر عليها فأمر السرية بيدها إن شاءت باعتها عليه وإن شاءت أمسكتها له، أن البيع لا يلزمه فيها، خلاف ما ذهب إليه ابن العطار. ووجه هذا الاستدلال أن الصدقة إذا كانت لا تلزمه فأحرى ألا يلزمه البيع، وليس ذلك ببين؛ لأن المعنى في الصدقة والبيع مفترق. وإنما الوجه في أن البيع لا يلزمه أنها وكالة منه لها على بيعها، وللموكل أن يعزل الوكيل على الوكالة متى ما شاء. هذا الذي حفظناه عن الشيوخ في ذلك، ولا يبعد عندي ألا يكون له أن يعزلها عن هذه الوكالة؛ لأنه لما نكحته على ذلك فقد أخذ عليها عوضا يلزمه، كالمبايعة، وقد مضى بيان هذا المعنى في رسم الجواب من سماع عيسى، فقف عليه وبالله التوفيق. [البكر يغيب عنها أبوها الغيبة البعيدة أينكحها السلطان أو الولي] ومن كتاب الأقضية قال يحيى: وسألت ابن وهب عن البكر يغيب عنها أبوها الغيبة البعيدة، إما أن يتخذ موضعه الذي غاب به وطنا، أو يتردد في تلك الناحية للتجارة، فتضيع، وتريد النكاح، أينكحها السلطان أو الولي؟ أم لا يجوز ذلك لغير الأب؟ أما إذا قطع الأب عنها نفقته، وأطال عنها غيبته، فإن إنكاح الولي أو الإمام إياها برضاها

مسألة: يتزوج المرأة من مجوسية أو نصرانية في عدتها ثم يسلم الرجل وامرأته

جائز، ثم لا يكون للأب أن يفسخ ذلك ولا أن يرده، قال: وإن كان الأب يجري لها النفقة لا زال يتفقدها ويرسل إليها بما يصلحها حتى تؤمن عليها الضيعة، فلا يجوز لأحد: إمام ولا غيره، أن يفتات على أبيها بإنكاحها إلا بإذنه ورضاه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الحكم فيها موعبا مستوفى في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم، فأغنى ذلك عن إعادته هنا وبالله التوفيق. [مسألة: يتزوج المرأة من مجوسية أو نصرانية في عدتها ثم يسلم الرجل وامرأته] مسألة قال ابن القاسم: في الرجل يتزوج المرأة من مجوسية أو نصرانية في عدتها، ثم يسلم الرجل وامرأته: إنه لا يفرق بينهما. قال محمد بن رشد: يريد إذا كان إسلامهما بعد أن انقضت العدة، وطئ فيها أو لم يطأ. وأما إن كان إسلامهما في العدة، فيفسخ النكاح إن كان العقد قبل أن تحيض حيضة، على ما في سماع أبي زيد، من أن المسلم إذا تزوج النصرانية بعد حيضة من عدة زوجها النصراني، لا يفسخ نكاحه. وعلى ما في كتاب ابن المواز لابن وهب، أن نكاحه يفسخ إن تزوجها قبل انقضاء الثلاث حيض، يفسخ نكاحهما إذا أسلما في العدة، وأما إن كان انعقد بعد حيضة أو حيضتين، وإن وطئ بعد إسلامه في العدة قبل أن يفسخ النكاح، لم تحل له أبدا على مذهب من يرى التحريم المؤبد بالوطء في العدة، وهو قول مالك وجميع أصحابه وبالله التوفيق. [مسألة: نكاح الرجل أمته التي أعتق إلى أجل بغير رضاها] مسألة قال يحيى: أخبرني ابن القاسم أنه سمع مالكا يقول: ينكح

الرجل أمته التي أعتق إلى أجل بغير رضاها ما لم يتقارب أجل عتقها، وما دام يجوز له أخذ مالها. قال: وقال مالك: لا يجوز له أن ينكحها إذا أعمرها رجلا ثم جعلها حرة بعد الأجل إلا برضاها، ولا يجوز ذلك للمحرم أيضا. قيل له: فالموصى لها بالعتاقة بعد أجل تخدم إليه، أللورثة أن ينزعوا مالها وينكحوها بغير رضاها؟ قال: ليس لهم من ذلك شيء بغير رضاها، لا ينكحونها ولا يأخذون من مالها قليلا ولا كثيرا، قرب أجل عتقها أو بعد. وقال سحنون مثله. وإنما منع الورثة أن ينزعوا مالها؛ لأنه به قومت في الثلث، فصار ذلك كعضو منها. قال محمد بن رشد: جرى ابن القاسم فيما حكي عن مالك من هذه المسائل، وذهب هو إليه من رأيه، وتابعه عليه سحنون، على أصل واحد، وهو أنه إنما يجوز للرجل أن يكره على النكاح بحق الملك من يجوز له أن ينتزع ماله، فقال: إن للسيد أن ينكح أمته التي أعتق إلى أجل بغير رضاها ما لم يتقارب أجل عتقها، وما دام يجوز له أخذ مالها. وقال: إنه ليس له أن ينكح الأمة التي أعمرها رجلا وجعلها حرة بعد الأجل إلا برضاها، من أجل أنه لا يجوز له أن ينتزع مالها على ما في سماع ابن القاسم من كتاب الخدمة. وأما المخدم، فلا إشكال أنه ليس له أن يكرهها على النكاح، إذ لا حق له في رقبتها ولا في أخذ شيء من مالها. وقال في الموصى لها بالعتق إلى أجل: إن الورثة لا يكرهونها على النكاح كما لا ينتزعون مالها. وقد قيل: إنه إنما له أن يكره على النكاح بحق الملك من له أن يطأ، فعلى هذا لا يكره الرجل معتقته إلى أجل على النكاح قرب أجل عتقها أو بعد، إذ ليس له أن يطأها. وهو أحد قولي مالك في رواية أشهب عنه، فللرجل أن يكره مدبرته على النكاح باتفاق، إذ له أن يطأها وأن يأخذ مالها، وهو القياس في أم الولد،

الرجل يخطب المرأة إلى وليها فتزوجه ثم تنكر المرأة أن يكون ذلك بعلمها

إذ له أن يطأها، ولا يأخذ مالها. وقد قيل: إنه لا يكرهها على النكاح، ومضى القول على ذلك في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وليس للرجل أن يكره المعتق بعضها على النكاح باتفاق، إذ ليس له أن يطأها ولا أن يأخذ مالها، وهو القياس في المكاتبة. وقد روي عن مالك أنه يجبرها على النكاح لما جاء من أن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء، ولأنه يملك رقه إذ له أن يعجز نفسه. وقوله: وإنما منع الورثة أن ينتزعوا مالها؛ لأنه به قومت في الثلث، فصار كعضو منها ليس بتعليل بين؛ لأن التقويم لا يقع على المال حقيقة، إذ لا يسمى عند التقويم، وإنما يقال: كم قيمة هذه الأمة بما لها من المال؟ دون أن يسمَّى أو يوصف، كما لا يقع الثمن على مال العبد إذا بيع بماله. ألا ترى أنه إذا استحق لا يجب به رجوع، وإنما يقوم معها من المال ما اكتسبته في حياة سيدها. واختلف هل يقوم معها ما اكتسبته بعد موته؟ فعلى هذا التعليل يكون للورثة أن ينتزعوا منها ما استفادته بعد التقويم وما استفادته بعد موت سيدها وقبل التقويم على القول بأنها لا تقوم به. وقد قيل: إن للورثة أن ينتزعوا مالها ما لم يقرب الأجل. وإن قومت به، وهو ظاهر قول غير ابن القاسم في كتاب الوصايا الأول من المدونة. وعلى قياس قول مالك في رواية مطرف عنه: إن من أعتق عبدا إلى أجل، أن ينتزع ماله وإن مرض، إذا كان الأجل بعيدا، ولورثته بعده أن ينتزعوه أيضا ما لم يقرب الأجل، إذ لا فرق في حق الورثة بين ما أعتق في حياته أو أوصى بعتقه من ثلثه بعد وفاته؛ لأن الثلث له حيا وميتا. وقد قيل أيضا: إنه ليس للورثة أن ينتزعوا مالها، وإن لم تقوم به، وهو قول ابن القاسم ها هنا وظاهر ما في الوصايا الأول من المدونة، وعلى قياس قوله في سماع أصبغ في الذي يعتق عبده إلى أجل، إنه لا يجوز له أن ينتزع ماله إذا مرض، ولا يجوز لورثته انتزاعه، وبالله التوفيق. [الرجل يخطب المرأة إلى وليها فتزوجه ثم تنكر المرأة أن يكون ذلك بعلمها] ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حر قال: وسألته عن الرجل يخطب المرأة إلى وليها فتزوجه

ويشهد له، ثم تنكر المرأة أن يكون ذلك بعلمها أو رضاها، أتستحلف أنها ما علمت ولا وكلته بإنكاحها؟ قال: أما إذا كان الإشهاد ظاهرا وإطعام الوليمة وإشهار الأمر في دارها أو حيث يرى أنها به عالمة، فأرى أن تحلف بالله ما وكلته ولا فوضت إليه ذلك، وما ظنت أن اللعب الذي كان في دارها وحيث يرى أنها تسمعه وتعلم به، ولا الطعام الذي صنع بذلك الموضع، إلا لغير وليمتها ما علمت ما ادعى من نكاحها، ولا رضيته، ثم لا يكون عليها شيء، ولا يثبت ذلك النكاح. قال: وأما الشيء للذي يُرى أنها لم تقارب علم ذلك، مثل أن يشهد القوم في المسجد وما أشبه ذلك، فلا أرى أن تحلف فيه. قلت: إذا كان الأمر المشهور الذي رأيت عليها فيه اليمين إن نكلت، لزمها ذلك النكاح، فقال: نعم نكاحها على اليمين مع اشتهار الأمر وظهور الأسباب التي يستدل بها على علمها ورضاها، يوجب ذلك النكاح عليها، وأما ما كان على غير ذلك فلا أرى عليها شيء؛ لأنه لا يشأ رجل أن يتوقع امرأة فيلزمها اليمين في مثل هذا، إلا فعل، فلا أرى ذلك عليهن. قال محمد بن رشد: قد قيل إنه لا يمين عليها في دعوى الرضا بالنكاح؛ لأنها إذا نكلت عن اليمين لم يلزمها النكاح. وقيل إنها تحلف رجاء أن تقر، فإن حلفت سقط عنها النكاح، وإن نكلت لم يلزمها النكاح. وتقسيمه في هذه الرواية بين أن يكون ثم سبب يدل على علمها أو لا يكون، قول ثالث في المسألة. وقوله: إن النكاح يلزمها إن نكلت على اليمين مع ظهور الأسباب، يريد مع يمين الزوج إن كان حقق الدعوى عليها. وأما إن كان لم يحققه عليها فعلى الاختلاف في رجوع يمين التهمة والله أعلم. وقد

يتزوج امرأة وبها برص أو جذام ويدخل بها ويقيم معها ثم يتبين مرضها

مضى في رسم البز من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [يتزوج امرأة وبها برص أو جذام ويدخل بها ويقيم معها ثم يتبين مرضها] من سماع من سماع سحنون بن سعيد من عبد الرحمن بن القاسم. قال سحنون: وسألت عبد الرحمن بن القاسم عن الزوج يتزوج امرأة وبها برص أو جذام أو جنون، ويدخل بها ويقيم معها، ثم يتبين ذلك فيردها بذلك العيب أو يطلقها. أيحلها هذا الوطء لزوج كان قد طلقها أو يكونا به محصنين؟ قال: لا إلا أن يكون قد علم بوطئها بعد علمه ثم طلقها، فإما أن يردها أو يطلقها ولم يطأها بعد العلم والرضى، فلا أرى ذلك يحلها، ولا يحصنها ولا تحصنه، وكذلك الذي يطأ امرأته في صيام واجب من رمضان أو نذرا أو حائض، أو محرمة أو معتكف ووقف في صيام تطوع، ثم قال مالك: لا يحلها ولا يحصنها ولا تحصنه، إلا كل وطء عقدته صحيحة، ليس لأحد فيها خيار ولا فساد، ووطء صحيح ليس بمحرم ولا صائم، ولا حائض، ولا كل ما كان مثل هذا وما أشبهه. قال محمد بن رشد: اتفق مالك وأصحابه فيما علمت أن الوطء بالعقد الفاسد لا يقع به تحليل ولا إحصان إذا فسخ، وعلى أن الوطء بالعقد الذي فيه خيار لأحد الزوجين أو لغيرهما لا يقع به تحليل ولا إحصان إذا رده من إليه رده. واختلفوا إذا أجازه على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يقع به التحليل والإحصان، وهو قول أشهب في كتاب ابن المواز، والثاني لا يقع به التحليل ولا إحصان حتى يطأ بعد الإجازة، وهو المشهور المعلوم في المذهب. والثالث أنه لا يقع به تحليل ولا إحصان أصلا حتى يطلق ثم يستأنف عقد آخر، لا خيار فيه، وهذا ما يأتي على قول رواية ربيعة في المدونة ومذهب الأوزاعي أن العبدين الزوجين إذا أعتقا لا يكونان محصنين بذلك

مسألة: المجنونة المخبلة يزوجها أبوها

العقد الذي كان في حال الرق، واختلفوا إذا كان العقد صحيحا والوطء فاسدا على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يقع بذلك تحليل ولا إحصان، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك. والثاني أنه يقع بذلك التحليل والإحصان. وهو مذهب ابن الماجشون واختيار ابن حبيب. والثالث أنه يقع به الإحصان، ولا يكون به التحليل، وهو قول المغيرة وابن دينار، وقد قاله مالك، ثم رجع عنه، والوطء الفاسد الذي اختلف في وقوع التحصين والإحلال به هذا الاختلاف الذي ذكرناه هو أن يطأ في حال الحيض أو الإحرام، أو الاعتكاف، أو في صيام واجب من رمضان، أو نذر لأيام بأعيانها، أو كفارة يمين، واختلف في صيام التطوع وقضاء رمضان والنذر لأيام ليست بأعيانها، فقيل إن حكم الوطء في ذلك كله حكم الوطء الصحيح، قاله ابن حبيب في الواضحة، وحكى أنه مجمع عليه من قول مالك وأصحابه، وليس بصحيح، وقيل إن حكم الوطء في ذلك كله حكم الفاسد. وهو ظاهر قول مالك الذي رجع إليه في رواية سحنون هذه. وقيل إن حكم الوطء في ذلك حكم الوطء الفاسد حاشا صيام التطوع. وهو قول مالك الأول في هذه الرواية، هذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق. [مسألة: المجنونة المخبلة يزوجها أبوها] مسألة قال ابن القاسم: في المجنونة المخبلة يزوجها أبوها ويجوز ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن البكر لا أمر لها في نفسها مع أبيها. فإذا كان له أن يزوجها في حال الصغر، ويجوز ذلك عليها، كان له أن يزوجها في حال الجنون، ويجوز ذلك عليها.

مسألة: الأمة تغر من نفسها فتتزوج فيصدقها ويدخل بها ثم يستحقها سيدها

[مسألة: الأمة تغر من نفسها فتتزوج فيصدقها ويدخل بها ثم يستحقها سيدها] مسألة وقال ابن القاسم في الأمة تغر من نفسها فتتزوج فيصدقها مثلي صداق مثلها، فيدخل بها ثم يستحقها سيدها، إن النكاح يفسخ، ويكون لها صداق مثلها، ويؤخذ منها الفضل. قلت: فإن أصدقها أدنى من صداق مثلها أو أصدقها ربع دينار وقد كانت بكرا فأقبضها وقيمة عذرتها أكثر مما أصدقها؟ قال: فليس لها أكثر من ذلك، إلا أن يصدقها أقل من ربع دينار، أو لا يصدقها شيئا فترجع إلى صداق مثلها. قال سحنون: وقال غيره مثل هذا إلا أنه قال: إذا أصدقها مثلي صداق مثلها أعطيت ما بين صداق أمة وحرة، نصف صداق أمة ونصف صداق حرة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه إن كان أصدقها أكثر من صداق كمثلها، كان لها صداق مثلها، وأخذ منها الفضل، هو نص قول ابن القاسم في المدونة، وعليه ينبغي أن يحمل قول مالك فيها، وإن كان ظاهره خلاف ذلك إذ لا يصح أن يترك لها الزائد على صداق مثلها، وهي غارة، وقد كان القياس إذا لم يراع حق السيد في ذلك، وقال إنه إذا أصدقها أدنى من صداق مثلها، وقيمة عذرتها أكثر من ذلك، لم يكن لها إلا ذلك. قال أشهب: كما لو زنى بها طائعة إلا أن يكون لها إلا قدر ما يستحل به فرجها، كالحرة إذا غرت نفسها بجنون أو جذام أو برص. وهو قول ابن أبي حازم. وإنما يستقيم أن يكون لها مما أصدقها صداق مثلها على ما لابن القاسم في كتاب ابن المواز من أنه إذا أصدقها أقل من صداق مثلها، كان لها صداق مثلها، من أجل حق السيد، ومساواته بين أن لا يصدقها شيئا أو يصدقها أقل من ربع دينار في أنها ترجع إلى صداق مثلها، يدل على أن النكاح بأقل من ربع دينار نكاح فاسد، يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده، ويكون فيه صداق

مسألة: الرجل يقول للرجل تزوج ابنتي ولك هذه الدار

المثل، لا خيار للزوج في ذلك، خلاف قوله في المدونة مثل قول غيره فيها. وقد قيل: إنه يفسخ قبل الدخول وبعده وقع ذلك في بعض روايات المدونة. [مسألة: الرجل يقول للرجل تزوج ابنتي ولك هذه الدار] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول للرجل: تزوج ابنتي ولك هذه الدار، فتزوجها، قال: أراه جائزا دخل أو لم يدخل. قلت: فإن قال له تزوجها واجعلها صداقها؟ قال: ذلك جائز. قلت: من أي وجه جوزته؟ قال: إنما هو عندي بمنزلة ما لو قال رجل لرجل: تزوج وأنا أعينك بدار أو بخادم. فإن تزوج كان ذلك له، وإن لم يتزوج لم يكن له شيء. وقوله: على أن يتزوج، فضل. قلت: فإن قال: تزوج ابنتي بخمسين دينارا وأنا أعطيك هذه الدار، قال: لا خير فيه؛ لأنه من وجه نكاح وبيع. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا قال: تزوج ابنتي ولك هذه الدار، إن ذلك جائز، إذ لم يعطه الدار على صداق مسمى، فيكون ذلك بيعا قد اقترن مع النكاح. ويقوم من هذه المسألة معنى خفي صحيح، وهو أن البيع والنكاح يجوز أن يجتمعا في صفقة واحدة، إذا كان نكاح تفويض لم يُسمَّ به صداق، مثل أن يقول: أزوجك ابنتي نكاح تفويض، على أن أبيع منك داري بكذا وكذا، وقد مضى في حكم البيع والنكاح إذا سمّى به صداق في صفقة واحدة في رسم "أوصى أن ينفق على أمهات أولاده" من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته هنا وبالله التوفيق.

مسألة: المرأة تأمر وليها يزوجها ويشترط لها فيزوجها ولا يشترط لها

[مسألة: المرأة تأمر وليها يزوجها ويشترط لها فيزوجها ولا يشترط لها] مسألة وسئل عن المرأة تأمر وليها يزوجها ويشترط لها، فيزوجها ولا يشترط لها، فيدخل بها زوجها، فتعلم أنه لم يشترط لها، فالنكاح جائز، والشرط باطل. قلت: فإن لم يدخل بها؟ قال: يقال للمرأة ترضى بغير شرط، فإن قالت: لا، قيل للزوج: اشترط لها وهي امرأتك، وإن أبت لم يلزمها شيء، وفارقها. قلت: وتأمره أن يشترط لها، قال: نعم، آمره. واحتج بالليث وشروطه لابنته. قال محمد بن رشد: قوله: إنها إذا لم تعلم أن الولي لم يشترط لها الشروط التي أمرته أن يزوجها عليها، إلا بعد دخوله بها، إن النكاح جائز، والشرط باطل، صحيح، على معنى ما في المدونة في الذي يأمر الرجل أن يزوجه بألف، فيزوجه بألفين، ويزعم أن الزوج أمره بذلك، ويدخل بها، إنه ليس لها إلا ما أقر به الزوج؛ لأنها تركت أن تبين من حقها، فكذلك هذه لا شيء لها فيما أمرت به وليها من الشروط؛ لأنها فرطت في حقها، إذ تركته يدخل قبل أن تبين ما أنكحها عليه من الشروط، وفي قوله: إنه يقال لها: إن لم تدخل ترضى بغير شرط، فإن قالت: لا. قيل إلى آخر قوله، دليل على أنها إن قالت: نعم، جاز النكاح وثبت، ولم يفرق بين قرب ولا بعد. فظاهره خلاف ما مضى في أول سماع يحيى. وقد مضى القول على ذلك هنالك. وقوله: إنها إذا قالت: لا، يقال للزوج: اشترط لها وهي امرأتك، معناه إن رضيت بذلك عند اشتراطه لها الشروط، ولا يلزمها رضاها بها أولا. وذلك بيّن من قوله: وإن أبت لم يلزمها شيء وفارقها. وقد بينا وجه ذلك في أول مسألة من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

مسألة: البكر تعطي الرجل مائة دينار على أن يتزوجها فيتزوجها

[مسألة: البكر تعطي الرجل مائة دينار على أن يتزوجها فيتزوجها] مسألة وسئل ابن القاسم عن البكر تعطي الرجل مائة دينار على أن يتزوجها فيتزوجها، ثم يعلم الأب قبل الدخول أن النكاح ثابت، ويرد الزوج المائة التي أخذ، ويغرم مائة أخرى، وهو مثل البيع، سواء في العبد الذي يُعطى مالا يشتري به ولا يفسخ العقد، دخل أو لم يدخل. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في أول رسم من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: مكاتب تزوج حرة فكانت معه سنين ثم ادعت أنه غرها من نفسه] مسألة قال: وسئل ابن القاسم عن مكاتب تزوج حرة فكانت معه سنين، ثم ادعت أنه غرها من نفسه، وزعمت أنها لم تعلم حين نكحته أنه مكاتب، قال ابن القاسم: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنها لم تعلم، ويكون لها الخيار، ومن العبيد عبيد يكون أحدهم في حاله وتجارته ومنظره حال الحر، وهي امرأة في خدرها لا تعلم بذلك، فالقول قولها حتى يعلم أنها قد علمت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المكاتب ليس بكفؤ للحرة، فهو محمول على أنه غرها، فالقول قولها مع يمينها أنها لا تعلم إن ادعى عليها أنها علمت باتفاق، ويفرق بينهما، ويكون لها الصداق المسمى بالمسيس. وهذه المسألة أقوى في إيجاب اليمين من الذي يقوم بعيب في سلعة اشتراها، فيريد البائع أن يحلفه ما علم بالعيب، ولم يدع أنه أعلمه به، فلا يدخل في هذه من الاختلاف ما دخل في تلك، وأما إن لم يدعي عليها أنها علمت، وأراد أن يحلفها دون أن يحقق عليه الدعوى، فيجري الأمر في ذلك على الاختلاف في لحوق يمين التهمة. وأما إن ادعى عليها أنه أعلمها أنه مكاتب، فتحلف بالله

مسألة: يتزوج المرأة على مائة دينار فتأخذ منه حميلا بخمسين فيطلقها قبل أن يدخل بها

الذي لا إله إلا هو ما أعلمها بذلك. وقال ابن كنانة: إن كان تزوجها ببلده الذي يعرف به، وأمر كتابته فيه ظاهر معروف، فلا يقبل قولها إنها لم تعلم ذلك، وإنما يقبل قولها وتصدق إذا تزوجها بغير بلده. قال محمد بن رشد: ولو كانت مكاتبة أو أمة فادعت أنها لم تعلم أنه مكاتب وأنها تزوجته وهي تظنه حرا لم يكن لها شيء إلا أن تدعي عليه أنه غرها وأخبرها أنه حر، فتزوجته على ذلك فيحلف على ذلك، فإن نكل عن اليمين حلفت هي، وكان لها الخيار، وبالله التوفيق. [مسألة: يتزوج المرأة على مائة دينار فتأخذ منه حميلا بخمسين فيطلقها قبل أن يدخل بها] مسألة قال ابن القاسم: في الرجل يتزوج المرأة على مائة دينار فتأخذ منه حميلا بخمسين، فيطلقها قبل أن يدخل بها. قال: ترجع على الحميل بخمس وعشرين دينارا، وعلى الزوج بخمسة وعشرين دينارا، وإنما هو بمنزلة رجل زوج ابنا له كبيرا أو رجلا أجنبيا، بمائة دينار، على أن ضمن عنه من الصداق خمسين، والخمسون الأخرى على الزوج، وطلق الزوج قبل أن يدخل بها، فإنما يتبع الأب بخمسة وعشرين دينارا، ويتبع الابن بخمسة وعشرين دينارا، ولا يكون غرم ذلك على واحد منهما خاصة، إلا أن تحب المرأة أن تأخذ الزوج بالخمسين، وتدع الحميل، فيكون ذلك لها؛ لأن الحميل يتبع بها الزوج إن غرم، والأب في ابنه أو أجنبي، لا يتبع بشيء منها، فأما اتباع المرأة فهو أبينها والذي وصفت لك والبيع مثله. ألا ترى لو أن رجلا باع سلعة من رجل بمائة دينار، وانتقد منه مائة دينار، على أن يأخذ منه المشتري حميلا بخمسين، فأدرك السلعة رجل استحق منها نصفها، وتماسك بنصفها، ولم يتبع الحميل إلا بنصف الخمسين. فإن قال: إنما أخذت خوفا من أن يُستحق منها شيء فاتبع به الحميل فليس كما قيل، واتبع كل واحد منهما بنصف الحق.

مسألة: الرجل يفض البكر بيده

قال محمد بن رشد: قوله: والأب في ابنه أو أجنبي لا يتبع بشيء منها، نص جلي على أن ضمان الصداق في عقد النكاح على الابن أو عن الأجنبي محمول على الحمل حتى يتبين أنه أراد الحمالة، وسيأتي بعد هذا مثل هذا. وقد مضى الكلام على هذا في رسم الكبش من سماع يحيى. وقوله في الذي تحمل للمرأة بخمسين دينارا من صداقها وهو مائة، فطلق الزوج قبل الدخول: إن الحميل لا يلزمه إلا خمسة وعشرون، نصف الخمسين التي تحمل بها، صحيح في القياس والنظر؛ لأن الخمسين التي تحمل بها شائعة في جميع الصداق، فلما سقط بالطلاق نصفه سقط نصف الخمسين التي تحمل بها الحميل، ومثله في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب الحمالة، وفي سماع أصبغ من كتاب المديان. وأصبغ يقول: إن لها أن تأخذ الحميل بالخمسين الواجبة لها قبل الزوج، وهو قول ابن الماجشون، وابن كنانة. ووجهه أنها تقول: إنما أخذته وثيقة من حقي مخافة أن تطلقني وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يفض البكر بيده] مسألة وقال ابن القاسم في الرجل يفض البكر بيده، قال: عليه ما شَانَها به بعد الأدب. قال سحنون: وكذلك قال ابن وهب. قيل لابن القاسم: فإن كانت امرأته؟ قال: فلا شيء عليه، ولا يجب بذلك عليه صداق. قال محمد بن رشد: أما إذا فعل ذلك بغير زوجته، فلا اختلاف أن عليه ما شانها به، يريد ما شانها به عند الأزواج مع الأدب. وأما إذا فعل ذلك بزوجته فقال: ها هنا لا شيء عليه. معناه أنه ليس عليه أدب ولا ما شانها به إن أمسكها ولم يطلقها، ولا يجب عليه بذلك جميع صداقها إن طلقها قبل أن يمسها، يريد ويكون عليه إن فعل ذلك ما شانها فعله عند غيره من الأزواج. وفي سماع أصبغ عن ابن القاسم: إن ذلك من الزوج كالوطء

مسألة: خالعت المرأة زوجها على مال أعطته وهي عالمة بأن النكاح فاسد

يجب عليه به جميع الصداق. وقال أصبغ: القياس أنه وغيره بالأصبع سواء في أنه يجب عليه بذلك إن طلقها قبل أن يمسها ما شانها عند غيره من الأزواج لا في وجوب الأدب عليه، فقول أصبغ في سماعه مثل قول ابن القاسم ها هنا وبالله التوفيق. [مسألة: خالعت المرأة زوجها على مال أعطته وهي عالمة بأن النكاح فاسد] مسألة وقال ابن القاسم في النكاح الفاسد إذا خالعت المرأة زوجها على مالٍ أعطته إن كانت عالمة بأن النكاح فاسد فذلك جائز للزوج، وإن لم يعلم رجعت به على الزوج؛ لأنها إذا علمت فإنما هي تركت له شيئا أو أعطته إياه ولم يلزمها. قلت: فإن أعطته شقصا في دار، هل لشفيع فيه شفعة إذا كانت عالمة بفساد النكاح؟ قال: نعم من قبل أن الناس اختلفوا في ذلك النكاح، فمن ثمّ رأيت الشفعة فيه؛ لأنه ليس من ناحية الهبة. قلت: فإن استحق بعض ما أعطته من مال، أيرجع عليها بشيء؟ قال: لا، من قبل أنه لم يكن ينبغي له أن يأخذ منها شيئا، فهو إذا استحق فليس له أن يرجع بشيء؛ لأنه قد صار إلى ما كان يؤمر به. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم: أن الخلع تابع للطلاق بحيث ما لزم الطلاق ثبت الخلع، ولم يكن للمرأة فيه رجوع، وحيث ما لم يلزم الطلاق لم يثبت الخلع، وكان للمرأة أن ترجع فيما أعطت إلا أن تكون عالمة بفساد النكاح، وأن الواجب فيه الفسخ. هذا بين من مذهبه في المدونة، فجوابه في هذه المسألة على القول بأن الطلاق لا يلزم في النكاح الفاسد الذي

مسألة: الرجل يتزوج المرأة ثم يجن قبل أن يدخل

يختلف في فساده، ويجب عنده فيه الفسخ، وهو خلاف ما اختاره في المدونة لرواية بلغته عن مالك من أن الطلاق يلزم في كل نكاح يختلف في فساده. فعلى ما اختاره فيها يثبت الخلع ولا يكون لها فيه رجوع، وإن لم تعلم بفساد النكاح، ولذلك رأى الشفعة في الشخص الذي خالعت به. ويلزم على قياس هذا القول أن يكون للزوج الرجوع عليها في الاستحقاق. ومذهب ابن الماجشون أن الخلع لا يلزم في النكاح الذي يجب فسخه لفساده، ولا في النكاح الذي تملك المرأة فيه الفُرقة فيه إذا لم تعلم بذلك، وثبتت فيما سوى ذلك مما يكون الخيار فيه لغيرها. وذهب ابن المواز إلى أنه لا يرد إلا فيما يجب فسخه، ولا خيار فيه في إمضائه لأحد، فاعلم أنها ثلاثة أقوال وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتزوج المرأة ثم يجن قبل أن يدخل] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتزوج المرأة ثم يجن قبل أن يدخل، فتختار فراقه، فيفرق بينهما. قال: قال مالك: لا شيء لها من المهر. قلت: فالرجل يعسر بالصداق أو بالنفقة فيفرق بينهما؟ قال: تتبعه بنصف الصداق. قال محمد بن رشد: الفرق عند ابن القاسم بين المسألتين أن الله تعالى يقول: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] . والذي يجن فتختار امرأته فراقه لم يكن منه طلاق، ولكن الفراق من قبلها. والذي يعسر بالصداق أو بالنفقة، يحتمل أن يكون الفراق من قبله؛ لأنه يُتهم على أنه أراد الطلاق، فأخفى ماله لتطلق المرأة نفسها، فلا يكون عليه شيء من الصداق. وابن نافع لا يرى لها شيئا من الصداق كمن جن فطلق عليه قبل البناء؛ لأن الفراق جاء من قبلها وهو القياس. وسكت ها هنا عن ضرب الأجل للمجنون قبل البناء، ويبينه ما في

مسألة: الرجل يفقد قبل دخوله بأهله فيفرق بينهما بعد الاستقضاء

سماع يحيى من طلاق السنة أن مالكا قال: يضرب له أجل سنة، وإن كان قبل البناء، وكذلك يفرق بينهما. وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يفقد قبل دخوله بأهله فيفرق بينهما بعد الاستقضاء] مسألة قلت: فالرجل يُفْقَد قبل دخوله بأهله، فيفرق بينهما بعد الاستقضاء، وتُعطى صداقها كاملا ثم تتزوج، فيأتي زوجها. قال: يرجع عليها بنصف صداقها. وفي رواية أبي محمد عيسى بن دينار، لا يرجع عليها بشيء ولها الصداق كاملا؛ لأنها انتظرته وضيق عليها واعتدت منه ومنعها النكاح، فلا ترد عليه شيئا. قال محمد بن رشد: القولان لمالك في سماع عيسى من كتاب الكفالة، وفي سماع عيسى من طلاق السنة لمالك من رواية أبي محمد عيسى، وفي سماع سحنون خلافه. وقوله: فيأتي زوجها أو يعلم أنه مات بعد أن تزوجت ودخل بها الزوج باتفاق، أو بعد أن تزوجت قبل أن يدخل بها الزوج على القول بأنها تفوت بالعقد، ولا يكون له إليها سبيل إن جاء؛ لأن الطلاق يقع عليه بذلك. وقد قيل: إنه لا يقضى لها بشيء من الصداق حتى يأتي وقت لو قدم الأول لم يكن له إليها سبيل، وهو أن يتزوج ويدخل بها الزوج أو لا يدخل على اختلاف قول مالك في ذلك في المدونة، فيقضى لها حينئذ بنصف صداقها، إلا أن ينكشف أنه مات قبل ذلك، أو يبلغ من السنين ما لا يحيا لمثلها، فيقضى لها بجميعه وإن كانت قد تزوجت، وهو قول ابن الماجشون. وقيل: إنه لا يقضى لها إلا بنصفه، فإن بلغ من السنين ما لا يحيا لمثلها أو ثبت وفاته ما بينه وبين أن تبين منه بالدخول أو التزويج على الاختلاف المعلوم، قُضي لها ببقيته. حكى هذا القول ابن سحنون وابن الجلاب والله الموفق لا رب غيره. [مسألة: الرجل يزوج ابنه ويضمن عنه الصداق] مسألة قال سحنون: قلت: فالرجل يزوج ابنه ويضمن عنه الصداق

مسألة: الرجل يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق فتزوجها

ثم يعدم الأب؟ قال: يقال للابن: جئ بالصداق. فإن أبا طلقت عليه، واتبعت المرأة الأب بنصف الصداق. قلت: فإن أعطى الابن الصداق ودخل ثم أيسر الأب، أيرجع على أبيه بما أدى؟ قال: نعم. وهو القياس أن يرجع به عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يرجع على أبيه بما أدى نص جلي على أنه حمل ضمانه عنه الصداق على الحمل، وذلك مثل ما تقدم فوق هذا. وقد مضى القول عليه في أول رسم من سماع يحيى. لا يختلف في وجوب الرجوع له على أبيه على القول بأن الضمان في ذلك حمل ولا حمالة، وإن كان قد اختلف في التي تصالح زوجها على مؤونة حملها أو رضاعه ونفقته إلى فطامته، فتحتاج ولا تجد ما تنفق، فينفق الأب، هل له أن يتبعها أم لا؟ ففي رسم البز من سماع ابن القاسم من طلاق السنة، ورسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب التخيير أنه يتبعها. وروي عن ابن القاسم أنه لا يتبعها. والفرق بين المسألتين أن النفقة قد كانت في الأصل واجبة على الأب المنفق، والصداق لم يكن في الأصل واجبا على الابن، لحمل أبيه إياه عنه في أصل العقد. وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق فتزوجها] مسألة قال أصبغ: قلت لأشهب: فالرجل يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها، فتطلق باليمين، أيكون لها نصف الصداق؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا تزوجها وسمى لها في أصل العقد صداقا، قال: لها نصف الصداق؛ لأنها مطلقة قبل الدخول. وقد

مسألة: رجل تزوج إلى قوم بصداق مسمى وأهدى هدية وأشهد في السر

قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية، ولو لم يسم لها في أصل العقد صداقا لم يجب لها شيء، إلا أن يدخل بها، فيجب لها صداق مثلها. واختلف إذا سمّى لها في أصل العقد صداقا فدخل بها، فقيل: لها صداق كامل، وهو قول مالك. وقيل: لها صداق ونصف، وهو قول أهل العراق. قال ابن نافع: وهو في القياس حسن، يريد لأن الطلاق لزمه قبل الدخول، فوجب عليه بذلك نصف الصداق، ثم لما دخل بها بعد ذلك وهي بائنة منه، يرى أنها زوجته لم تبن منه، لزمه بالدخول صداق كامل، فكان عليه صداق ونصف، وعلى هذا القياس يأتي ما في كتاب النكاح الثاني من المدونة، وفي الأختين يتزوجهما أخوان فتدخل امرأة كل واحد منهما على صاحبه أنه ترد امرأة كل واحد منهما إليه، فيكون على كل واحد منهما صداقان: صداق لزوجته، وصداق للتي دخل بها وهو يرى أنها زوجته وبالله التوفيق. [مسألة: رجل تزوج إلى قوم بصداق مسمى وأهدى هدية وأشهد في السر] مسألة وسألته: عن رجل تزوج إلى قوم بصداق مسمى، ومن سنة البلد أن يهدي الرجل إلى امرأته هدية تطيب بذلك نفسها، ويُسر بذلك أهلها، فأعد الرجل هدية، وأشهد في السر أن هذا الذي أرسل ليس هو هدية، وإنما هو عارية منه أو متعة، إلى حين القيام في استرجاعها وأخذها منها، وإنما فعلتُ هذا الآن وبعثت به إليها لأطيب به نفسها، ومن كان منها فأرسل إليها وامرأته ترى ويرى أهلها أنها هدية على حال ما يصنع غيره، فقبلوها وهم يرون أنها هدية إليهم، فقام بعد ذلك يطلبها إليهم، فقال: أختانه وامرأته بعد البناء أو قبل البناء لا ندفع إليك شيئا؛ لأنا لم نقبله منك إلا على هدية على حال ما يهدي الناس إلى أزواجهم. ولو علمنا ما تذكر حقا لم نقبله منك. قيل: أترى لما طلب وجها؟ قال سحنون: إن كان

قد أشهد بذلك في السر ولم يعلمهم بأنه منه إليهم هدية، ثم امتهنوا ذلك على غير علم، فليس عليهم في امتهانهم شيء، وهو يأخذ ما وجد بعينيه، وإن ضاع منها شيء لزمهم ذلك، إلا أن تكون لهم بينة على الذهاب. وقال أبو زيد بن أبي الغمر مثله. قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة: ومن سنة أهل البلد وشأنهم، يريد من عادة أهل البلد وما استمر عليه فعلهم. وقوله: إن كان قد أشهد بذلك في السر، ولم يعلمهم بأنه منه إليهم هدية، كلام فيه إشكال، كيف يصح أن يعلمهم بأنه منهم هدية وهو لم يرد به الهدية؟ فمعنى قوله: إن كان أشهد بذلك في السر ولم يقل لهم في العلانية إنه منه إليهم هدية نفعه الاستشهاد، وكان له أن يأخذ متاعه، ولم يكن عليهم مما امتهنوا منه على غير علم شيء، يريد إن كانوا امتهنوا ذلك امتهانا لا تمتهن العواري. وأما إن كانوا امتهنوا ذلك كما تمتهن العواري فلا شيء عليهم امتهنوا ذلك على علم أو على غير علم. وأما قوله: وإن ضاع منها شيء لزمهم إلا أن تكون له بينة على الذهاب، فوجهه أنه أعمل إشهاده في السر، فحكم لها بحكم العارية في الضمان كما حكم لها بحكمها في الاسترجاع. وقول ابن القاسم في رسم النكاح من سماع أصبغ، إنه لا ضمان عليها إذا لم تقبل ذلك على وجه العارية أصح في القياس والنظر، إذ ليس له أن يلزمهم ضمان ما لم يلتزموا ضمانه وحبسه أن ينفعه الإشهاد في استرجاع متاعه. ولو قال لهم في العلانية إنه منه إليهم هدية، لم ينفعه الإشهاد في السر، بدليل قوله: ولم يعلمهم بأنه منه إليهم هدية. وجوابه في هذه المسألة على القول بأنه لا يقضى بالعرف في الهدية. وقد مضى اختلاف قول مالك في ذلك، والقول فيه في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم. وأما على القول بأنه يقضى فلا ينتفع بالإشهاد

مسألة: الرجل يهب جاريته النصرانية لعبده المسلم

في السر في ذلك إذ ليس له أن يبطل بإشهاده حقا واجبا عليه وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يهب جاريته النصرانية لعبده المسلم] مسألة وقال: لا بأس أن يهب الرجل جاريته النصرانية لعبده المسلم، إذا كان ذلك مما يصلح في خدمتها، ويريد بذلك أن يولد للعبد منها. قال محمد بن رشد: لا فرق في هذا بين المسلمة والنصرانية؛ لأن المسلم يجوز له ملك النصرانية، كما يجوز له ملك المسلمة، سواء، فإذا كان العبد ممن يشبه أن يملك مثل ملك الجارية وكانت هبة صحيحة مستقيمة، قصد بذلك تمليكه إياها، لا عارية فرجها له، جاز ذلك على ما مضى في رسم باع غلاما في سماع ابن القاسم، ورسم الطلاق الثاني من سماع أشهب وبالله التوفيق. [مسألة: الأمة يزوجها سيدها بصداق هل يحق له أن ينتزع منها صداقها] مسألة وعن الأمة يزوجها سيدها بصداق فزعم ابن القاسم أن للسيد أن ينتزع منها صداقها ولا أرى ذلك، يريد ليس له أن يأخذه منها. ألا ترى أن من قول مالك في الحرة تريد أن تقضي دينا من صداقها أن ذلك لا يكون لها، إلا الشيء اليسير وكذلك الأمة. قال محمد بن رشد: لمالك في كتاب الرهون من المدونة مثل قول سحنون ها هنا. ودليل قول ابن القاسم في كتاب النكاح الثاني منها مثل قوله ها هنا: إن له أخذ مهرها، كما له أخذ مالها. ولبكير بن الأشج فيه أن له أخذه إلا ما يستحل به فرجها. وقال ابن حبيب: إنه يلزمه أن يجهزها منه إلى زوجها بما يجهز به مثلها، فيتحصل في المسألة أربعة أقوال، أجراها على المذهب

المرأة تستحلف وليها على نكاحها على أن يزوجها من فلان بكذا

قول مالك، وأصحها في القياس والنظر قول ابن القاسم، وقول بكير وابن حبيب استحسان وبالله التوفيق. [المرأة تستحلف وليها على نكاحها على أن يزوجها من فلان بكذا] من سماع محمد بن خالد من عبد الرحمن بن القاسم قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن المرأة تستحلف وليها على نكاحها على أن يزوجها من فلان بكذا وكذا، وشرط كذا وكذا، وأشهدت على الولي الموكل بذلك. فذهب الولي فزوجها بذلك من الصداق وترك الشرط. فقال ابن القاسم: إن كان لم يدخل، فالأمر إليها، إن شاءت أقامت، وإن شاءت انفسخت من تزويجه. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان لم يدخل، فالأمر إليها إن شاءت أقامت وإن شاءت فسخت. ظاهره في القرب والبعد، إذ لم يفرق بين ذلك. وهو مثل ما مضى في سماع سحنون، وخلاف لما تقدم في أول سماع يحيى، وقد مضى القول على ذلك هنالك مستوفى وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتصدق بداره على رجل على أن يتزوج ابنته] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتصدق بداره على رجل على أن يتزوج ابنته فيقبل صدقته على ذلك، فيتزوج ابنته ويصدقها الدار التي تصدق بها عليه أبوها ليس مع الدار شيء غيرها. قال: أراه نكاحا جائزا، ولا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، وقد تقدمت والقول فيها في سماع سحنون، فلا وجه لإعادته والله الموفق. [مسألة: الرجل يخصى من قبل أن يدخل على امرأته هل لها الخيار في نفسها] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يُخْصَى من قبل أن يدخل على امرأته. هل لها الخيار في نفسها؟ فقال: نعم ذلك لها.

الوصي يزوج يتيمته في حجره قبل أن تبلغ المحيض

قلت: لابن القاسم: فإن خصي بعدما دخل بها ومس؟ فقال: لا خيار لها. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب. وذهب أصبغ إلى أنه لا فرق بين أن يخصى قبل أن يمس أو بعد ما مس؛ لأنها بلية نزلت به، وليس ذلك من قبله ليضر امرأته، فهي مصيبة نزلت بها، وقوله هو القياس. ووجه القول الأول: أن المرأة إنما تزوجت على الوطء، فإذا نزل به ما يمنعه من الوطء قبل أن يطأ، كان لها الخيار، إذا لم يتم لها ما نكحت عليه، وإذا نزل به ذلك بعد أن وطئ لم يفرق بينهما، إذ قد نالت منه ما نكحت عليه، ولا حجة لها في امتناع المعاودة، إذا لم يكن ذلك من قبله إرادة الإضرار بها وبالله التوفيق. [الوصي يزوج يتيمته في حجره قبل أن تبلغ المحيض] من سماع عبد المالك بن الحسن من عبد الرحمن بن القاسم قال: وأخبرني عبد المالك بن الحسن أنه سمع ابن القاسم سئل عن الوصي يزوج يتيمته في حجره قبل أن تبلغ المحيض، قال: يفسخ النكاح إن كان لم يبن بها، وإن كان بنى بها وأصيب بها النكاح وتطاول ذلك عليها مضى، إلا أن تكون مسكينة لا قدر لها فيمضي النكاح وإن لم يدخل بها. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها موعبا في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم. فلا معنى لإعادته ها هنا. [مسألة: الرجل يزوج ابنته البكر ولا ولد له غيرها فيموت فتزعم أنها ليست ابنته] مسألة وسألت عن الرجل يزوج ابنته البكر، ولا ولد له غيرها، فيموت الأب، فتزعم الابنة أنها ليست ابنته، وإنما هي يتيمة، وتنتفي من الميراث، ولا بينة للزوج أنها هي بعينها، إلا سماعا من الأب أن له ابنتا بكرا، فشا ذلك في الناس، ولا يثبتها الشهود. هل يلزمها النكاح؟ وكيف إن كان لها إخوة غير عدول، فشهدوا أنها أختهم، ما الأمر فيه وما يصنع بنصيبها من الميراث؟ وكيف إن قبلت

قولها ولم يلزمها النكاح إن زعمت بعد ذلك أنها ابنته؟ قال: لا يلتفت إلى قولها. وقول أبيها هو الذي يلزمها على ما أحبت أو كرهت في نكاحها وميراثها، ولحوق نسبها، وجميع أمورها. قال محمد بن رشد: سحنون في النوادر فيمن أقام بينة على رجل أنه زوجه ابنته فلانة، لا يعلمون أن له ابنة غيرها، وهي بكر، فأنكرت الابنة، إن النكاح لا يلزمها، إلا أن تعرف البينة التي شهدت على النكاح عينها أو غيرهم فيلزمها، وقوله: حقيقة القياس؛ لأن النبي عليه السلام يقول: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» . والزوج مدعٍ على هذه الجارية أنها ابنة الرجل الذي زوجها، والجارية منكرة لذلك، فوجب أن يكون على الزوج إقامة البينة على ما يدعي. وهذا إذا مات الأب أو غاب؛ لأنه إن كان حاضرا فالقول قوله إنها ابنته؛ لأن استلحاقه لها جائز، ما لم يتبين كذبه. والصواب قول ابن القاسم، وإن لم يكن على حقيقة القياس، إذ قد يؤدي طرد القياس إلى غلو في الحكم، ويكون الاستحسان أولى منه. وقد كان ابن القاسم يقول: ويروى عن مالك أنه قال: تسعة أعشار العلم الاستحسان. فإذا أقر الرجل أن له ابنة بكرا وفشا ذلك من قوله وزوجها ومات وهي في حجابه، فلما طلبها الزوج بالنكاح أنكرت، وقالت: لست ابنة له، وإنما أنا يتيمة في حجره، ولم يكن في حجره غيرها، فيشك فيها، ولا سمع أن ابنته التي تزوجها، وكان يقر بها سمع أنها ماتت ولا غابت، وجب أن تحمل على أنها هي ابنته التي زوجها، وكان يقر بها، فيلزم النكاح ويحكم عليها به؛ لأن الظن يغلب على صحة ذلك حتى يكاد أن يقطع عليه. والحكم بما يغلب عليه الظن فيما طريقه غلبة الظن أصل في الشرع. وقد روي عن القاضي أبي

مسألة: الرجل يبتلى بالجذام هل لامرأته الخيار في الطلاق

بكر بن زرب أنه كان يقول في رجل هلك وأحاط بوراثته زوجه وبنوه منها، فشهد الشهود أنهم يعرفون عين الزوجة، ولا يعرفون أعيان البنات، إن شهادتهم جائزة، واستدل على ذلك برواية عبد المالك هذه قال: ولو قال الشهود إنهم يعرفون أعيان البنات، ولا يعرفون عين المرأة لم تجز الشهادة؛ لأن البنات محمولات على الحجاب، ولذلك يعذر الشهود في ذلك، وتنفذ شهادتهم. والزوجات لسن محمولات على الحجاب كالبنات، ولذلك فرقت بينهما وليس قوله بصحيح، لا فرق في هذا بين الزوجات والبنات. والذي جرى به العمل ألا يكلف الحاكم الشهود على الموت والوراثة، الشهادة على أعيان الورثة ابتداء، لا الزوجة ولا غيرها، حتى يحتاج إلى الإعذار إليهم فيما يثبت عليهم أو على الميت الذي ورثوه، فحينئذ يكلف الشهود الشهادة على أعيانهم ليعذر إليهم، فإن لم يثبتوا أعيانهم لم يصح له الحكم عليهم، إلا أن يثبت أعيانهم عنده بغيرهم، وكذلك إن ماتوا أو غابوا، هذا الذي لا يصح سواه والله أعلم. [مسألة: الرجل يبتلى بالجذام هل لامرأته الخيار في الطلاق] مسألة قال: وسألت عبد الله بن وهب عن الرجل يبتلى بالجذام ونسأل الله العافية، فترفع امرأته أمرها إلى السلطان، ويكون المبتلى حينئذ ليس بفاحش المنظر، غير أنه بين به لا يشك فيه فهل لامرأته الخيار. إذا كان شيئا لا شك فيه؟ فإنه بلغنا أنه لا يكون لها الخيار حتى يكون من ذلك ما لا قرار عليه، وليس على شيء منه صبر ولا قرار إذا استيقن به. فما حد ذلك الذي إذا بلغه كان لامرأته الخيار واجبا؟ والمجنون الذي لا يفيق إذا كان يخاف أذاه، أو كان ممن لا يخاف ذلك منه. هل لامرأته الخيار أيضا إذا أرادت فراقه؟ وإن كان ينفق عليها من ماله إذا كان الجذام بينا عند الناس لا شك فيه،

فرق بينهما إذا طلبت الفرقة، وإن لم يكن مؤذيا ولا فاحشا؛ لأنه يزيد، ولا تؤمن زيادته ولا نقصانه. وإن كان الأمر الخفي الذي شك فيه، وليس بيّنًا يعرفه الناس أنه جذام، لم يفرق بينهما، ولم يكن لها خيار. وأما المجنون، فسواء كان معتوها مطبقا مخبلا، أو جنون أفاقه، يخنق فيه المرة بعد المرة، إذا كان يؤذي امرأته في ذلك، ولا يعفيها من نفسه، ويخاف عليها منه، حيل بينه وبينها في الخوف، وضرب لها أجل سنة يتعالج فيها، وهو قول مالك في السنة، ولا أعلمه إلا أنه قال: يحبس في حديد أو غيره، إذا لم يكن يؤمن عليها منه، وينفق عليها من ماله، فإن برئ، وإلا كان لها الخيار إذا انقضت السنة. وذلك رأيي. وأما إذا كان يعفيها من نفسه ولا يرهقها السوء في صحابته، ولا يخاف عليها منه ولا من ناحيته في خلوته، لم أر لها الخيار، ورأيتها امرأته بحالها. وقال أشهب: ليس للجذام حد، إلا أنه إذا كان متفاحشا لا يحتمل النظر إليه، وتغض الأبصار دونه. فأرى أن لها الخيار، وإن شاءت أقامت، وإن شاءت فارقت، فإن شاءت الإقامة، ثم بدا لها كان ذلك لها. وأما الجنون الذي لا يفيق منه، فإن كان ممن يخاف أذاه ولو مرة أو مرتين في الشهر، فأرى لامرأته الخيار، وإن كان لا يخاف أذاه فلا خيار لها. قال محمد بن رشد: في قول ابن وهب في الجذام: إنه يزيد ولا يؤمن زيادته ولا انتقاصه، دليل على أنها إن رضيت بالمقام معه ثم أرادت بعد ذلك القيام عليه، لم يكن ذلك لها. وإن زاد جذامه على ما كان حين رضيت بالمقام معه خلاف ما مضى في رسم الجواب قبل هذا. وتفرقته في المجنون بين أن يعفي امرأته من نفسه أو لا يعفيها، خلاف ما مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى. وقول أشهب في الجذام إنه لا يكون للمرأة الخيار إلا إذا كان

مسألة: أسلم النصراني وهو غائب وامرأته نصرانية فأسلمت بعده ثم نكحت

فاحشا تغض الأبصار دونه، معناه: إذا كان حادثا بعد العقد. وقوله: إذا رضيت بالإقامة ثم بدا لها، كان ذلك لها، ظاهره وإن لم يزد خلاف ما مضى في رسم الجواب من سماع عيسى قبل هذا. وخلاف قول ابن وهب هنا فهو قول تافه في المسألة. وقد مضى تمام القول على هذه المسألة موعبا في رسم نقدها من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: أسلم النصراني وهو غائب وامرأته نصرانية فأسلمت بعده ثم نكحت] مسألة قال عبد الله بن وهب: إذا أسلم النصراني وهو غائب، وامرأته نصرانية فأسلمت بعده، ثم نكحت، ولا علم لها بإسلام زوجها، وقالت البينة إن إسلامه كان قبل إسلامها، فإنه إن أدركها قبل أن يبتني بها زوجها فالأول أحق بها، وإن لم يدركها إلا بعد البناء فلا سبيل له إليها. قال مالك: إن كان إسلام المرأة قبل إسلام زوجها وهو غائب فانقضت عدتها ثم نكحت، فقدم زوجها، فلا سبيل له إليها بعد انقضاء عدتها نكحت أو لم تنكح. قال محمد بن رشد: إذا أسلمت النصرانية قبل إسلام زوجها فإسلامها يوجب الفرقة بينهما، إلا أن السنة قد أحكمت أنه يكون أحق بها إن أسلم في عدتها، واختلف إن لم تعلم بإسلامه في عدتها حتى تزوجت. فقيل: إنه لا سبيل له إليها إذا تزوجت. وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه في المبسوطة وقيل: وهو أحق بها. وإن تزوجت ما لم يدخل بها الزوج، وهو قول مالك في المدونة وغيرها وقول ابن وهب ها هنا. ونظير هذه المسألة الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها فتعلم بالطلاق ولا تعلم بالرجعة، فتتزوج بعد انقضاء العدة، ثم يعلم أنه قد كان راجعها في العدة، والمفقود تتربص امرأته أربع سنين بأمر السلطان ثم تعتد وتتزوج فيقدم زوجها، أو تعلم حياته. فقيل: إنهما يفوتان جميعا بالعقد، وقيل: إنهما لا

مسألة: التي لم تبلغ المحيض إذا زوجت وافتضت وطلقت هل يعفى عن صداقها

يفوتان إلا بالدخول. اختلف في ذلك قول مالك، واختلفت فيه الرواية أيضا عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. واختلف أيضا إذا كان إسلامه قبل إسلامها فلم يعلم بذلك حتى تزوجت. فقال ابن وهب ها هنا، ومثله في الشفعة من المدونة: إنه أحق بها ما لم يدخل بها الزوج الثاني الذي تزوجها بمنزلة إذا كان إسلامه في عدتها. وقال ابن الماجشون: إنه أحق بها أبدا، وإن دخل الزوج فيفسخ النكاح وترد إليه بعد الاستبراء، واختاره محمد بن المواز، وهو الصواب؛ لأنها نصرانية تحت مسلم، فلم تجب عليها عدة. وسواء دخل بها الأول أو لم يدخل. فالاختلاف إذا أسلم قبلها، إنما هو هل تفوت بالدخول أو لا تفوت به؟ ولا اختلاف في أنها لا تفوت بالعقد، والاختلاف إذا أسلم في عدتها إنما هو هل تفوت بالعقد أو لا تفوت به؟ ولا اختلاف في أنها تفوت بالدخول. فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة. وقوله في آخرها في التي أسلمت قبل زوجها وهو غائب إنه إن قدم فلا سبيل له إليها بعد انقضاء عدتها نكحت أو لم تنكح، كلام فيه تقديم وتأخير وحذف. ومعناه: إن قدم بعد انقضاء عدتها فأسلم، فلا سبيل له إليها نكحت، أو لم تنكح. وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: التي لم تبلغ المحيض إذا زوجت وافتضت وطلقت هل يعفى عن صداقها] مسألة قال: وسألته عن الصبية الصغيرة التي لم تبلغ المحيض، ومثلها يوطأ، زوجها أبوها رجلا فدخل بها ووطئها ثم طلقها قبل أن تبلغ المحيض، إلا أنه افتضها. هل يجوز عفو الأب عما بقي عليه من الصداق؟ قال: لا أرى عفو الأب جائزا ولا أرى عفوها هي جائزا؛ لأنه يولى عليها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا دخل بها الزوج وافتضها فقد وجب لها جميع صداقها بالمسيس، وليس للأب أن يضع حقا قد وجب لها، إلا في الموضع الذي أذن الله له فيه، وهو قبل المسيس. لقول الله عز

مسألة: ينكح ابنة الرجل فيقول ماذا لابنتك فلا يلتزم الناكح بما سمى

وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية، وهو عند مالك الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته. وأن يكون ذلك منه على وجه النظر، رجاء استدامة العصمة عند ابن القاسم، وهذا لا وجه فيه للنظر إذ قد وقع الطلاق، فوجب ألا يجوز وضعه حقها باتفاق وبالله التوفيق. [مسألة: ينكح ابنة الرجل فيقول ماذا لابنتك فلا يلتزم الناكح بما سمى] مسألة قالت: وسألت ابن وهب عن الذي تنكح إليه ابنته، فيقول الناكح: ماذا لابنتك؟ فيقول: لها كذا وكذا لأشياء يسميها، فيرجع الناكح في صداقها للذي قال الأب وسمى، ثم يوجد الأمر على غير ما قال وسمى، فقال: إذا عُثر على هذا قبل الدخول، قيل للزوج: إن شئت فأقم على هذا، وإن شئت ففارق ولا شيء عليك من الصداق، لا قليل ولا كثير، وإن لم يعثر على هذا إلا بعد الدخول ردت إلى صداق مثلها. قال محمد بن رشد: قوله: وإن لم يُعثر على هذا إلا بعد الدخول، ردت إلى صداق مثلها، يريد أنه يرجع بالزائد عليها، لا على الولي، فيؤخذ ذلك من صداقها إن كان قائما، وإن كان قد تلف أخذ من مالها واتبعت به دينا إن لم يكن لها مال، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب، من أنه يرجع بذلك على الولي الذي غره، إلا أن تكون ثيبا، وقد علمت بكذب وليها فتقدمت على معرفة ذلك، فيرجع عليها إن كان لها مال، وإلا رجع على الولي. وقد قيل إنه لا كلام للزوج في ذلك؛ لأنه فرط، إذ لم يتجسس ويتثبت لنفسه، وهو قول أصبغ في الخمسة ورواية يحيى عن ابن القاسم في العشرة. ووقعت أيضا في رسم الكبش في بعض الروايات. وذلك إذا وصفها الولي بذلك من غير شرط. وأما إذا تزوجها على أن لها من المال كذا وكذا لما ليس لها، فيكون للزوج إن علم بذلك قبل الدخول أن يردها، ولا يكون عليه شيء من

الصداق. وإن لم يعلم بذلك حتى دخل ومس كان لها الصداق بالمسيس، ورجع هو على من غره وزوجه على ذلك من الأولياء إلا أن تكون هي التي غرته دون الولي، فيرجع عليها بما أصدقها، ويترك لها منه قدر ما يستحل به فرجها. هذا قول مالك وأصحابه، إلا محمد بن المواز فإنه ذهب إلى أن الولي إذا زوج وليته بشرط أن لها من المال ما ليس لها، فإنما ترجع على من شرط له ذلك، وغره بما زاد من المهر على صداق مثلها إن هو خلى سبيلها ولم يرض بها، وهو بعيد. وقد مضى هذا كله في رسم يوصي من سماع عيسى. فإن سمى لها الولي شيئا من ماله عرضا كان أو أصلا عند النكاح، بشرط أو بغير شرط، فقال لها: داري الفلانية، أو عبدي فلان، كان ذلك لها نحلة لا تفتقر لحيازة. وقيل إنها تفتقر إليها، اختلف في ذلك قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه الواقعة في بعض روايات العتبية. وأما إن قال: لها الدار الفلانية أو المملوك المسمى بفلان، فقيل إن ذلك نحلة، بمنزلة إذا قال لها: داري الفلانية أو عبدي فلان، وهو قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه. وإليه ذهب ابن حبيب. وقيل إنه لا يجب لها بهذا القول شيء من ذلك، وهو قول أصبغ في الخمسة. وإذا لم يجب ذلك لها، فقد مضى الاختلاف فيما للزوج في ذلك من الحق في الشرط وغير الشرط. واختلف إذا سماها دنانير أو دراهم أو طعاما أو عروضا موصوفة، فقال لها كذا وكذا، أو سكت، أو قال: في مالي، أو عندي، أو علي، أو قبلي، على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يلزمه من ذلك شيء إذا كان ذلك منه على وجه التزيين لوليته إلا أن يرى أنه أراد بذلك، وهو قول أصبغ. والثاني أنه قال في مالي أو عندي أو علي أو قبلي لزمه ذلك نحلة لا تفتقر إلى حيازة، يؤخذ بذلك عاش أو مات، وإن لم يقل إلا: لها كذا وكذا، وسكت لم يلزمه، إلا أن يكون أبا أو وصيا، وهو قول ابن حبيب. والثالث أنه قال لها في ماله، كان ذلك في ماله إن كان له مال، وإن لم يكن له لم يتبع بذلك. وإن قال لها عندي فهي عدة لا يلزمه إخراج ذلك، إلا أن يتطوع

مسألة: حكم نكاح الشغار إذا لم يعلم به إلا بعد البناء

به، كان له مال أو لم يكن. وإن قال لها: علي أو قبلي، فهو لازم له في ماله إن كان له مال ودين يتبع به في ذمته إن لم يكن له مال. وإن قال: لها كذا وكذا ولم يزد على ذلك لم يلزمه شيء. وهو قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه وبالله التوفيق. [مسألة: حكم نكاح الشغار إذا لم يعلم به إلا بعد البناء] مسألة قال: وسألته عن نكاح الشغار، إذا لم يعلم به إلا بعد البناء، قال: إن علم به قبل البناء فسخ، ولم يكن لها من الصداق شيء، وإن لم يعلم به إلا بعد البناء، فسخ أيضا، وكان لها صداق مثلها. قال محمد بن رشد: قوله إنه يفسخ قبل البناء وبعده، ويكون فيه صداق المثل، إن فسخ بعد الدخول، هو مثل ما في المدونة في نكاح الشغار،، ومعناه إذا لم يكن معه تسمية صداق. وقد قيل إنه لا يفسخ بعد الدخول، وهي رواية علي بن زياد عن مالك. واختلف في وجه فسخه بعد الدخول، قيل لمطابقة النهي له على القول بأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، وقيل: لأنه نكاح فسد لعقده، إذ لا ينفرد البضع عن الصداق؛ لأن كل واحد من البضعين بإزاء صاحبه، فإذا بطل الصداق، بطل العقد، بخلاف الصداق الفاسد الذي هو بائن عن البضع، فإذا بطل الصداق، لم يبطل ببطلانه العقد. وقد قيل إن فسخه بعد الدخول على القول بأن النكاح إذا وقع بخمر أو خنزير، أو بغير صداق يفسخ قبل الدخول وبعده، ووجه رواية علي بن زياد قياسه على ما فسد لصداقه، إذ لا يكون البضع صداقا. وقد قيل: إنما اختلف قول مالك في فسخه بعد الدخول؛ لاختلاف الناس في تأويل الشغار، إذ ليس نص في الحديث؛ لأن المروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما هو أنه «نهى عن الشغار» ، وما في الحديث تفسير من نافع، وأما إذا سُمِّيَ مع نكاح

مسألة: المسلم هل يعقد نكاح ابنته النصرانية

الشغار صداق لم يختلف قول مالك، في أنه لا يفسخ بعد الدخول، واختلف هل يكون فيه صداق المثل بالغا ما بلغ؟ أو الأكثر؟ من صداق المثل أو المسمى؟ وذهب ابن لبابة إلى أنهما إذا دخلا على كل واحد منهما، الأكثر من صداق المثل أو المسمى، وإذا دخل أحدهما ولم يدخل الآخر ففسخ نكاح الذي لم يدخل منهما كان على الذي دخل صداق المثل، كان أقل من المسمى أو أكثر؛ لأنه يقول: إن كان صداق مثلها أقل من التسمية. إنما زدت على صداق مثلها ليزوج وليتي وليخلو ذراعي منها، فإذا فسخ نكاحها فلا أعطيها إلا صداق مثلها، وكذلك إن سميا في إحداهما صداقا لم يسميا في الآخر، فدخلا؛ لأن التي لم يسم لها صداقا يفسخ نكاحها بعد الدخول. وحمل ما في المدونة على هذا وبالله التوفيق. [مسألة: المسلم هل يعقد نكاح ابنته النصرانية] مسألة قال: وسألته عن المسلم هل يعقد نكاح ابنته النصرانية؟ قال: يعقد نكاحها إذا زوجها مسلما، وإن أراد نكاحها نصراني لم يَلِ عقد نكاحها، وكان ذلك إلى أهل دينها، ليس لأبيها من ولايتها شيء؛ لقول الله تبارك وتعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] . قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا أراد نكاحها نصراني، فلا ينبغي له أن يلي عقد نكاحها، إذ لا حظ فيه لمسلم. وقد أجاز ابن حبيب أن يزوجها من نصراني إذا لم تكن من نساء الجزية. وهذا أصح والله أعلم. وأما تزويجه إياها من مسلم فقد مضى القول عليها موعبا في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [المعتقة إلى أجل هل لسيدهاتزويجها] من سماع من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب القضاء العاشر: قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في المعتقة إلى أجل: إن لسيدها

مسألة: رجل أهدى لامرأته أملك بها هدية ثم طلقها قبل الدخول

أن يزوجها. قال: قال مالك: ويأخذ مال المعتقة إلى سنة إلا أن يقرب عتقها. قال ابن القاسم: وكذلك النكاح، إلا أن يقرب عتقها، مثل أخذ المال سواء. قيل لابن القاسم: فمرض السيد قبل عتقها بسنة، أيأخذ مالها؟ قال: لا لأنه يأخذه لغيره، وليس للورثة أن يأخذوه بعده. قيل لأصبغ: فللورثة أن يزوجوها بعده؟ فقال: لا، كما لا ينتزعون المال بعده، كذلك لا يزوجون، وقد خرج موضع الانتزاع والتزويج بمرضه الذي يسقط ذلك عنه، فهو لا يرجع لورثته. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في رسم الأقضية من سماع يحيى، أن تزويج الأمة تابع لانتزاع مالها. وقد قيل إنه تابع لجواز وطئها، وهو قول مالك في إحدى روايتي أشهب عنه. والقياس أن للسيد انتزاع مال معتقه إلى أجل وإن مرض، إذا كان الأجل بعيدا، وأن ورثته ينزلون بمنزلته في ذلك ما لم يقرب الأجل، وهو قول مالك في رواية مطرف عنه. وقول ابن عبد الحكم وأصبغ، واختيار ابن حبيب. واختلف في حد جواز ذلك، فقيل: الأشهر، وهو قول مالك، وقيل: الشهر، وهو قول أصبغ. ولا اختلاف في المدبر وأم الولد أن السيد لا ينتزع أموالها إذا مرض؛ لأن المرض فيها كقرب الأجل في المعتق إلى أجل. [مسألة: رجل أهدى لامرأته أملك بها هدية ثم طلقها قبل الدخول] مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم، وسئل عن رجل أهدى لامرأته أملك بها هدية ثم طلقها قبل الدخول، أو وجد النكاح مفسوخا. قال: أما الطلاق، فلا شيء له فيها. وإن أدركها بعينها. قيل له: فلم يجد ما ينفق عليها، ففرق بينهما. قال: هذا وما أشبهه

طلاق، حتى يكون نكاحا حراما لا يقر عليه، أو إنكاحا مفسوخا يفسخ إذا لم يدخل. وإن كان مما يثبت إذا دخل فإن هذا إذا كان وعلم فرق بينهما، فإنه إن أدرك هديته بعينيها فهو أملك بها وهي له كلها؛ لأنه أعطى حين أعطى وهو يرى أنها امرأته، فإذا هي ليست بامرأته؛ لأنه نكاح لا يقرَّان عليه. وإن كانت قد فاتت، فلا شيء له عليها، بمنزلة من تصدق عليه بصدقة فأثاب عليها ثوابا وهو يرى أن الثواب يلزمه في الصدقات، ثم علم فطلب، فإنه إن أدرك ثوابه أخذه، وإن فات فلا شيء له عليه. قال: ولو أثابه حين أثابه وهو يعلم أن ذلك لا يلزمه، لم يكن له أن يرجع فيه، وإن أدركه بعينه. قلت: أرأيت إن كان النكاح مفسوخا وأدرك هديته بعينها، إلا أنها قد نقصت؟ قال: فلا شيء له غيرها يأخذها منقوصة. قيل له: فإن كانت قد زادت ونمت؟ قال: لا أرى له زيادتها، ولا أرى له إلا القيمة يوم أعطاها. والقياس أنها له بنمائها، وإن كانت قد زادت، ولكن القيمة في هذا عندي أعدل. قال أصبغ: وإن دخل بها في النكاح المفسوخ فلا شيء له أيضا وإن أدركها بعينها؛ لأن النكاح الذي أهدى عليه وأعطى قد تم له بالدخول، وإنما الجواب على أنه فسخ قبل البناء بعد العطاء. ولو كان العطاء بعد الدخول ثم فسخ، رأيت ذلك له؛ لأنه أعطى على الثبات والقناعة وإكمال لنكاحه. والعشرة بينهما فيه، فلم يقر عليه. وذلك إذا كان الفسخ فيه بحدثان العطية، فأما إن كان زمان ذلك قد طال جدا السنتين أو السنين قبل الفسخ ثم فسخ، فلا أرى له فيه شيئا، وإن أدركه بعينيه، مثل الخادم

يدركها، أو المنزل بعينيه؛ لأن الذي أعطى له قد رسخ له حين استمتع منه واستمتع بعطيته، فالفسخ فيه كطلاق حادث منه ها هنا، وهو رأيي ولم أسمع فيه بشيء. قال محمد بن رشد: أما الذي أهدى لامرأته هدية قبل البناء، ثم طلقها قبل البناء أو بعده، فبين أنه لا رجوع له في هديته، وإن كانت قائمة لا تنطلق باختياره، ولو شاء لم يفعل فلا شيء له فيما أعطى. وأما الذي يجد ما ينفق عليها ففرق بينهما. فقوله: إنه لا رجوع له فيما أهدى كالطلاق، هو على أصله في أن ذلك طلاق، يجب للمرأة فيه نصف صداق. وعلى قول ابن نافع الذي لا يرى للمرأة في ذلك شيئا من الصداق، يرى الطلاق عليه بعدم النفقة أو الصداق، كالفرقة بينهما بالجنون والجذام، يكون له أن يرجع في هديته إن كانت قائمة. وقد مضى الفرق بين المسألتين في سماع سحنون. وأما إذا ألفى النكاح مفسوخا، ففرق بينهما قبل البناء، فقال: إنه يرجع في هديته إن كانت قائمة؛ لأن السبب الذي أهدى عليه لما بطل، وجب أن تبطل الهدية ببطلانه، كمسألة نوازل سحنون من كتاب جامع البيوع في الذي يضع من ثمن سلعة باعها بسبب ما كان خشي المبتاع من تلفها أو الوضيعة فيها، فيسلم من ذلك، أن له الرجوع فيما وضع. ومسألة يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق، في الذي يؤخر بالحق لسبب. فلا يتم ذلك السبب. وقد قال ابن القاسم في الدمياطية إنه لا يرجع بها. ولو كان النكاح صحيحا فوجد بالمرأة عيبا يجب له به ردها، فردها قبل الدخول، لكان له أن يرجع في هديته، على ما في كتاب الصرف من المدونة، في الذي يبيع من الرجل السلعة، فيهبها له هبة من أجل ما باع منه السلعة، ثم يجد بالسلعة عيبا، أنه يرجع بالثمن والهبة، خلاف قول سحنون: إنه لا يرجع بالهبة، وقوله على أن الرد

مسألة: الرجل يزوج ابنته ويقبض صداقها وهي بكر في حجره وقد استهلكه

بالعيب نقص بيع. وأما مسألة الثواب في الصدقة التي نَظَّرَها بها فلا تشبهها؛ لأن المعنى فيها أنه أعطى ما ظن أنه واجب عليه، ثم علم أنه غير واجب عليه. وقد اختلف في ذلك أيضا، ولها نظائر كثيرة في المدونة والعتبية، ومنها مسألة الذي ينفق على المطلقة وهو يظن أنها حامل، أو على زوجته ويظن أن النكاح صحيح ثابت. وقد فرق ابن القاسم بين الوجهين في الدمياطية، فقال في الرجل يتزوج المرأة ويهدي هدية الملاك، ثم يسأله أهلها أن يدخل بها، أو ينفق عليها، فينفق عليها ثم يوجد النكاح مفسوخا، إنه لا يرجع عليها بهدية الملاك، ويرجع عليها بالنفقة، ولمراعاة هذا القول استحسن في الرواية إذا تمت أن تكون له القيمة، ولا يأخذها بنمائها؛ لأن القياس على ما قال أن يكون له النماء، كما يكون عليه النقصان، ولا اختلاف إذا فسخ النكاح بعد الدخول في أنه لا شيء له في الهدية، وإن كانت قائمة، إلا أن تكون الهدية بعد الدخول والفسخ بحدثان ذلك، على ما قال. وهذا كله في الهدية التي يتطوع بها الزوج من غير شرط، ولا جرى بها عرف. فأما الهدية المشترطة فحكمها حكم الصداق في جميع الأحوال، وأما الهدية التي جرى بها عرف فأجراها ابن حبيب على القول بوجوب القضاء بها، مجرى الصداق يرجع بنصفها في الطلاق، فعلى قوله: إن طلق قبل أن يدفعها يلزمه نصفها. وأبطلها مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الزوج في الموت والطلاق. وقد تكلمنا على وجه قوله في رسم مساجد القبائل، من سماع ابن القاسم. فعلى قياس قوله: إن طلق بعد أن دفعها، لم يرجع بشيء منها، وعلى القول بأنه لا يحكم بها، حكمها حكم التي يتطوع بها من غير شرط. وقد مضى القول في ذلك، والله الموفق للصواب. [مسألة: الرجل يزوج ابنته ويقبض صداقها وهي بكر في حجره وقد استهلكه] مسألة وسمعته وسئل عن الرجل يزوج ابنته ويقر بقبض صداقها وهي بكر في حجره وقد استهلكه فقال: هو ضامن له أيضا. قيل

له: فقال: قد دفعته إليها. قال: فإن كان دفعه إليها عينا فهو يضمنه؛ لأن الأبكار ليس يدفع إليهن الدنانير، إنما يجهزن. قيل: فدخلت على زوجها، فزعم أنه جهزها بكذا وكذا، ودفعه إليها، وأنكرت ذلك، قال: تحلف وتبرأ. قال أصبغ: وذلك ما لم يكن التناكر مع الدخول بما يتبين فيه كذبه بدخولها بغير شيء. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في أصل السماع عقب مسألة الرجل يتزوج البكر فيدفع صداقها إلى أبيها ببينة فيستهلكه ولا مال له. وجوابه فيها أن الأب ضامن للصداق، ويدخل الزوج بامرأته ولا شيء عليه، ولذلك قال في هذه المسألة: هو ضامن له أيضا، يريد ويدخل الزوج بزوجته، ولا شيء عليه، فساوى بين أن يكون للزوج بينة على دفع الصداق، أو لا تكون له بينة على ذلك إذا أقر الأب بالقبض، مثل قوله في آخر السماع خلاف قول ابن وهب وأشهب قبل ذلك في تفرقتهما بين ذلك في دعوى الضياع. والذي يأتي على قولهما في هذه المسألة ألا يكون للزوج سبيل إلى الدخول بامرأته، حتى يدفع الصداق إليها، فيدفعه إليها، ويتبع به الأب المقر في ذمته. وقوله: إن الأبكار ليس يُدفع إليهن الدنانير، إنما يجهزن صحيح. والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5] فنهى أن تدفع إليهم أموالهم لئلا يفسدوها ويبذروها، وأمر أن يُرزقوا ويُكسوا منها، فوجب أن يدفع إليهم ما يحتاجون إليه من نفقتهم وكسوتهم، وكذلك ما تحتاج إليه المرأة من جهازها إلى زوجها. وأحب أن يدفع إليها وإن كانت مولى عليها. وإنما وجب أن يكون القول قول الأب في أنه جهز ابنته البكر، إلى زوجها، بما قبض من صداقها، وإن كان مدعيا في ذلك؛ لأنه على ذلك قبضه منه، والعرف يشهد له به. وإنما وجبت عليه اليمين، لما تعلق في ذلك من حق الزوج.

والذي يسقط عنه اليمين، إحضار البينة، وإبراز الجهاز، وإقامته وإرساله بمحضر البينة. وإن لم تبلغ البينة مع الجهاز بيت ابنته. قال ذلك ابن حبيب في الواضحة. ولو ادعى الأب أنه جهز ابنته إلى زوجها بما لها قبله من ميراث أمها أو غير ذلك، وأنكرت، لما كان القول قوله في ذلك، ولكلف إقامة البينة على إيراد الجهاز بيتها. لقول الله عز وجل: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] . ومن كتاب الكراء والأقضية قال: وسمعت أصبغ يُسأل عن الرجل تشترط عليه امرأته في كتاب صداقها ألا يسيء إليها، فإن فعل فأمرها بيدها، فإن تزوج عليها أو تسرر عليها. هل ترى هذا من الإساءة؟ فقال أصبغ: لا أراه من الإساءة، إلا أن يكون ذلك وجه ما يشترطون، ويأخذون عندهم بظاهر معروف عندهم، إن الإساءة في هذا الشرط النكاح وشبهه، وإلا فلا. قيل له: فإن ضربها ضربا مبرحا أو غير مبرح، أتراه من الإساءة؟ فقال: إن ضربها في أمر تستأهله على وجه الأدب بالأمر الخفيف، فلا أراه من الإساءة، ولو كان على غير ذلك ضربها مرارا، رأيتها إساءة، أو جاء من ذلك أمر مفرط وإن كان غير مرار. قال محمد بن رشد: هذا كما قال في النكاح والتسرر: لأن الله تعالى أذن في ذلك وأباحه بقوله عز وجل: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] ومن فعل ما أباحه الله تعالى له فليس بمسيء، ولا حجة للمرأة عليه في ذلك بشرطها، إلا أن يعلم أنهما قصدا

مسألة: تغر من نفسها بأنها حرة وهي أمة فتنكح وتلد ثم تستحق

ذلك وأراداه بسبب يدل على ذلك أو بساط. قال في الضرب الخفيف على وجه الأدب في أمر تستأهل عليه الأدب، إن ذلك ليس من الإساءة؛ لأن الله أذن للأزواج في ضرب أزواجهم بقوله: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وهذا إذا علم السبب الذي أدبها عليه ببينة أو أقرت به. وأما إن لم يعلم ذلك وأنكرته فلا يصدق الزوج عليه، ويكون لها الأخذ بشرطها بعد يمينها إنه ضربها على غير سبب استوجبت عليه الأدب، إلا أن يكون الرجل من الموثوق به في دينه وفضله وأمانته، فيصدق في ذلك، وأما الضرب المفرط فهو من الإساءة، وكذلك إن ضربها مرارا وإن لم يكن ضربا مفرطا، فيحمل ذلك من فعله على الإساءة، إلا إن تبين أنه إنما ضربها على أمر تستأهل الضرب وبالله التوفيق. [مسألة: تغر من نفسها بأنها حرة وهي أمة فتنكح وتلد ثم تُستحق] مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل عن التي تغر من نفسها بأنها حرة، وهي أمة، فتنكح وتلد، ثم تُستحق فيدعي الناكح أنه ظن أنها حرة، أيصدق ويكون القول قوله؟ قال: نعم. وقاله أصبغ وهو على ذلك أبدا وعلى ما ادعى، ولا يكلف البينة أنه نكح على ذلك ولم يعلمه، حتى يأتي خلافه. والسيد ها هنا مدع فعليه البينة أنه أعلمه. وقال أصبغ: ويقوم الولد على الأب يوم يحكم عليه فيهم. قيل له: فما مات منهم قبل ذلك؟ قال: ليس فيهم شيء، وليس لسيد أمهم فيهم شيء. قيل له: فما قتل منهم فأخذ الأب ديتهم؟ قال: يكون عليه قيمته، وتكون له الدية، إلا أن تكون القيمة أكثر مما أخذ من الدية، فلا يكون عليه غير ذلك.

وقاله أصبغ: ولو أقر الأب أنه نكح على معرفة أنها أمة، والفاشي غير ذلك من أمرها أو أمر الأمة أنها غرت وادعت أنها حرة، والنكاح كان على ذلك بالسماع والمأخذ أو السبب أو الشك، لم يصدق الأب؛ لأنه يدفع عن نفسه الغرم، ويريد إرقاق الولد وهم أحرار. قال أصبغ: ولو قتلوا فأخذ الأب الدية فاستهلكها، ثم جاء السيد وهو عديم، ثم اتبعه بالقيمة، لم يكن له على غارم الدية إتباع؛ لأن الأب أخذها بوجه ما يجوز وبحكم حكم له به يوم أخذها وهذا رأيي. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يتزوج المرأة، فتُستحق، فيدعي أنه لم يعلم أنها أمة، وأنه ظن أنها حرة، إن القول قوله، وإن السيد مدعٍ عليه إن ادعى عليه أنه علم أنها أمة صحيح بَيّن؛ لأن نكاحه إياها بإذنها ورضاها شاهد على أنه إنما تزوجها على أنها حرة، زوَّجها منه رجل ادعى أنه وليها أو سيدها؛ لأن السيد لا يستأمِر أمته في النكاح، إذ له أن يكرهها على ذلك. وقول أصبغ: إن الأب لا يصدق أن امرأته علم أنها أمة، إذا كان الظاهر من أمره أنه تزوجها على أنها حرة صحيح، إذ ليس فداء ولده منها بقيمتهم حقا له، إن شاء أن يتركه تركه، وإنما هو حق عليه في مذهب مالك وجميع أصحابه وعامة العلماء، فيتهم على أن يسقط ذلك عن نفسه بإقراره. وقد كان القياس أن يكون الولد رقيقا لسيد الأمة؛ لإجماعهم على أن كل أمة تلد من غير سيدها، فولدها بمنزلتها، إلا أنهم تركوا القياس في هذا لإجماع الصحابة على أنهم أحرار وعلى أن على الأب قيمتهم، حاشا أبو ثور، وداود، فإنهما قالا: الأولاد رقيق على مقتضى القياس. وقوله: إن القيمة فيهم على الأب يوم الحكم، وإنه لا شيء عليه فيمن مات منهم قبل ذلك. وهو قول مالك في المدونة وجميع أصحابه، حاشا المغيرة وأشهب، فإنهما أوجبا على الأب

قيمتهم يوم ولدوا، فلا تسقط القيمة عندهما بموت من مات منهم قبل الحكم والله أعلم. وقد مضى في سماع سحنون الحكم في غرور الزوج، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. تم كتاب النكاح الرابع

كتاب النكاح الخامس

[كتاب النكاح الخامس] [أيكلم الرجل امرأته وهو يطأها]

ومن كتاب النكاح قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل: أيكلم الرجل امرأته وهو يطأها؟ قال: نعم ويعيد بها، لا بأس بذلك إجازة منه. قال أصبغ: قال ابن القاسم: حدثنا الدراوردي عن من حدثه عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أنه سئل عن التخير عند ذلك، فقال: إذا خلوتم فاصنعوا ما شئتم، فسئل أصبغ: أينظر الرجل إلى فرج امرأته عند الوطء؟ قال: نعم، لا بأس بذلك، قيل له: إن قوما يذكرون كراهيته، فقال: من كرهه، إنما كرهه بالطب، لا بالعلم، لا بأس به وليس بمكروه. قال محمد بن رشد: في أصل السماع عند السؤال عن نظر الرجل إلى فرج امرأته عند الوطء، قال: نعم، ويلحسه بلسانه. فطرح العتبي بلفظه: ويلحسه؛ لأنه استقبحه. وفي كتاب ابن المواز: ويلحسه بلسانه وهو أقبح، إلا أن العلماء يستجيزون مثل هذا إرادة البيان، ولئلا يحرم ما ليس بحرام، فإن كثيرا من العوام يعتقدون أنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته في حال من الأحوال. وقد سألني عن ذلك بعضهم فاستغرب أن يكون ذلك جائزا، وكذلك تكليم الرجل امرأته عند الوطء، لا إشكال في جوازه، ولا وجه لكراهيته. وأما الخبر عند ذلك فقبيح ليس من أفعال الناس، وترخيص ابن

مسألة: نصراني يعقد نكاح ابنته وأخته أو وليته النصرانية لمسلم

القاسم في ذلك لمن سأله عنه على معنى أن ذلك ليس بحرام والله أعلم. مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في السفيه يتزوج بمائة دينار، فيفرق وليه بينهما وقد دخل بها، إنه ينزع منها ما أعطاها، ويترك لها قدر ما تستحل به. قال أصبغ: وذلك ربع دينار في قولهم أدنى ما يتزوج به إذا كانت دنية. وأما من لها قدر فإن ابن القاسم قال: لها فيها في المسألة بعينها، لم يحد لنا مالك في ذلك حدا، إلا أني أرى في مثل هذا على قدر الاجتهاد من حالها وقدرها وموضعها. وقاله أصبغ، وتقاضى بما يدل على نحو ذلك مما هو دون صداق مثلها، وما لا يبلغه ولا يقاربه، فيكون صداقا تاما ولا مذهب صداق ثم تام. قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم: في ذات القدر إنه يترك لها من صداقها على قدر الاجتهاد في حالها وموضعها، ولم يحد في ذلك حدا، وله في المدنية أنه يترك لها من المائة ثلاثة دنانير، وأربعة، ونحو ذلك. وقال ابن نافع: يترك لها من المائة عشرة دنانير. ولابن الماجشون في الواضحة أنه لا يترك لها منه قليلا ولا كثيرا، وهو القياس، وما عداه استحسان. وأما السفيهة تتزوج بغير إذن وليها، فيفرق بينهما بعد الدخول، فإن لها جميع صداقها، لا يرد وليها منه شيئا. وروى ذلك عيسى عن ابن القاسم في المدنية. وقال ابن دينار: إنه يترك لها قدر ما استحل منها، وهو الأظهر؛ لأنها غارة. [مسألة: نصراني يعقد نكاح ابنته وأخته أو وليته النصرانية لمسلم] مسألة قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن نصراني، أيعقد نكاح ابنته وأخته أو وليته النصرانية لمسلم؟ فقال: نعم، وهو أولى بذلك من

مسألة: الرجل يخطب إليه القوم فيقول قد زوجت فلانا ثم ينكر بعد ذلك

غيره، وما له لا يعقده؟ وقاله أصبغ. ومثل ذلك إنكاح حكامهم وأساقفتهم إياهم وعقدهم للمسلمين، فذلك الذي لا كلام فيه إنهم يزوجونهن، فسواء زوجوا مسلما أو نصرانيا لأنهم ولاتهم، فالولي منهم دونهم أولى فالولاة أولى. قال أصبغ: وقد قلت لابن القاسم: فإن أرادت وليته هذه نكاح مسلم وأبى ذلك هو، أيجبر على ذلك، بكرا كانت أو ثيبا؟ وهو يأبى ذلك ويقول: لا أزوج للمسلمين؟ فقال: لا أرى أن يعرض لهم في ذلك وليردوا إلى أحكام دينهم وحكامهم. قال أصبغ: يعني فيزوجون إن رأوا ذلك، ويجوز. قال: فالولي إذا رضي بمنزلة ذلك. قال محمد بن رشد: قوله: وهو أولى بذلك من غيره، يريد أن المسلم أولى بعقد نكاحها من ولاتها من النصراني، إذا لم يشاحوه في ذلك؛ لأنه أن يلي عقد النصرانية لمسلم مسلم، أحسن من أن يليه النصراني. وقوله في آخر المسألة: فالولي منهم دونهم أولى فالولاة أولى، يريد أن الولاة النصارى أحق بعقد نكاحها من المسلمين إن تشاحوا في ذلك وطلبوه، وهذا في أهل الجزية، فهذا وجه هذه الرواية، وتبين تأويلنا هذا قوله في آخر المسألة: فالولي إذا رضي بمنزلة ذلك يقول: فكما لا يكون للمسلم أن يتزوجها إلا برضى أهل دينها، فكذلك لا يكون للمسلم أن يعقد نكاحها إلا برضى أهل دينها وولاتها، يعني من أهل الجزية. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة، فلا معنى لإعادته هنا وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يخطب إليه القوم فيقول قد زوجت فلانا ثم ينكر بعد ذلك] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يخطب إليه القوم، فيقول: قد زوجت فلانا، ثم أنكر بعد ذلك وقال: لم أقل إلا لأدفعهم عن نفسي. قال: إن ادعى الذي أقر له وسمى أنه قد كان

مسألة: الرجل يدعي نكاح امرأة وهي تحت رجل آخر فأقام شاهدا واحدا أنه تزوجها قبله

زوجه قبل ذلك، حلف على ذلك بالله لقد زوجه، وثبت له النكاح بالبينة التي قامت على إقراره له. وإن كان إنما يريد أن يأخذها بما سمع منه الخاطبون فقط، رأيت أن يحلف الأب بالله ما كان ذلك منه إلا اعتذارا إليهم، وما زوجه، أي وما أراد به تزويجا موجبا له، ويكون القول قوله وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: قال أصبغ ها هنا وروايته عن ابن القاسم مثل قول ابن كنانة في سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، خلاف قوله فيه، إن النكاح للطالب واجب لا يبالي بأن ذلك كان طلبه بهذا القول أو بنكاح كان قبله؛ لأن النكاح لا لعب فيه ولا اعتذار، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. وذهب ابن المواز إلى أن النكاح لا يلزم بهذا الإقرار ولا بدعوى متقدمة. وهي أشبه الأقوال الثلاثة وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يدعي نكاح امرأة وهي تحت رجل آخر فأقام شاهدا واحدا أنه تزوجها قبله] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يدعي نكاح امرأة وهي تحت رجل آخر، فأقام شاهدا واحدا أنه تزوجها قبله، أيعزل عنها زوجها؟ قال: نعم، أرى أن يعزل عنها إذا أقام هذا شاهدا واحدا إلى أن يستبين ذلك، إذا كان ما يدعي أمرا قريبا ولا يدعي شهادة بعيدة. وكذلك الجارية يدعيان الحرية إذا أقام شاهدا واحدا، ويدعيان مع ذلك أمرا قريبا، يعني فيوقفان على صاحبهما ويخرجان من يده إلى ذلك، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: هذا كله صحيح على معنى ما في المدونة من وجوبها توفيق العرض المدّعى فيه بالشاهد الواحد. ونص ما في كتاب ابن

المواز والواضحة: قال عبد الملك في الواضحة: ولا يعزل بدعواه فقط حتى يقيم شاهدا عدلا. وقال محمد بن المواز: فإن لم يصح لهما شاهد آخر، وكان ذلك بعيدا، حلف السيد، ولا شيء على الزوجة وعلى الزوج. فأما قوله: إنه لا شيء على الزوج ولا على الزوجة صحيح؛ لأنهما لو أقرا له أو أحدهما بما ادعاه من النكاح، لم ينتفع بذلك، ولو لم تكن المرأة تحت زوج وادعى رجل نكاحها وهما طاريان، وعجز عن إثبات ذلك، لزمتهما اليمين؛ لأنها لو أقرت له بما ادعاه من النكاح، كانا زوجين. وقد قيل: إنه لا يمين عليها؛ لأنها لو نكلت عن اليمين لم يلزمها النكاح. وهذا على الاختلاف في التي يزوجها وليها، فتنكر أن يكون ذلك بعلمها، إذ لا فرق بين المسألتين، لثبوت النكاح فيهما بإقرار الزوجة. وقد كان القياس إذا نكلت عن اليمين في المسألتين جميعا، أن يحلف الزوج، ويجب له النكاح، إلا أن ذلك لا يوجد لهم نصا. وقد ألزمها النكاح بالنكول في آخر سماع يحيى إذا كان سبب يدل على علمها به. وقد مضى القول على ذلك هناك. وأما قوله إذا حلف السيد فصحيح، على ما في المدونة وغيرها إذا كان ادعى على السيد أنه أعتقه وأقام على ذلك الشاهد. وأما إذا كان ادعى أنه حر من أصله، أو أن غيره أعتقه قبل أن يشتريه هو وأقام على ذلك شاهدا فلا يمين على الذي هو بيده، والواجب في ذلك أن يوقف عنه ويحال بينه وبين وطئها إن كانت أمة ويؤجل في طلب شاهد آخر، الشهر والشهرين والثلاثة، على ما في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق. وإن أراد أن يذهب إلى موضع يمينه، كان له ذلك بعد أن يعطي حميلا بقيمته. قاله ابن القاسم في سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية، وابن وهب في سماع يحيى من كتاب الشهادات، وفي توقيف غلته وخراجه إن كانت له غلة وخراج اختلاف. قيل: إنه يوقف ذلك، فإن استحق الحرية كان له ما وقف من خراجه. وقيل: إنه لا يوقف

مسألة: ادعى نكاح امرأة فأنكرته وادعى بينة بعيدة

ذلك إلا في حال الإعذار بعد ثبوت الحرية بشاهدين. وقيل: لا يوقف ذلك أصلا. والغلة للذي في يديه حتى يقضى عليه بحريته، والثلاثة أقوال قائمة من المدونة. [مسألة: ادعى نكاح امرأة فأنكرته وادعى بينة بعيدة] مسألة وسئل عن رجل ادعى نكاح امرأة فأنكرته وادعى بينة بعيدة، هل يؤمر بالانتظار؟ قال: لا، إلا أن تكون بينة قريبة، ولا يضر ذلك بالمرأة، ويرى الإمام لِمَا ادعى وجها. قلت: فإن عجز وجاء ببينة بعد ذلك وقد نكحت المرأة أو لم تنكح؟ قال: قد مضى الحكم. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يقبل منه بينة إن جاء بها بعد التعجيز، خلاف ما في سماع أصبغ، من كتاب الصدقات والهبات، وخلاف ظاهر ما في المدونة إذ لم يفرق فيها بين تعجيز الطالب والمطلوب. وقال: إنه يقبل منه القاضي ما أتى به بعد التعجيز، إذا كان لذلك وجه. وقد قيل: إنه لا يقبل منه ما أتى به بعد التعجيز كان طالبا أو مطلوبا. وفرق ابن الماجشون في الطالب بين أن يعجز في أول قيامه، قبل أن يجب على المطلوب عمل، وبين أن يعجز بعد أن وجب على المطلوب عمل ثم رجع عليه، ففي تعجيز المطلوب قولان. وفي تعجيز الطالب ثلاثة أقوال، قبل هذا في القاضي الحاكم دون من بعده من الحكام. وقيل: بل فيه وفيما بعده من الحكام. وهذا الاختلاف إنما هو إذا عجزه القاضي بإقراره على نفسه بالعجز، وأما إذا عجزه السلطان بعد التلوم والأعذار، وهو يدعي أن له حجة، فلا يقبل منه ما أتى به بعد ذلك من حجة؛ لأن ذلك قد رد من قوله قبل نفوذ الحكم عليه، فلا يسمع منه بعد نفوذه عليه. [مسألة: يزوج ابنته فيقيم بعد ذلك حسبته] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يزوج ابنته

مسألة: يزوج ابنته فيخرج جهازا وشوارا فيقول أشهدكم أن هذا عارية في يدها

فيقيم بعد ذلك، حسبته قال: سنة أو سنتين، ثم يظهر بها جذام فيزعم الزوج أنه كان بها يوم تزوجها، ويقول: غرتني، ويقول الأب: بل زوجتك صحيحة، القول قول من قال: القول قول الأب. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم التمرة من سماع عيسى، فأغنى ذلك عن إعادته وبالله التوفيق. [مسألة: يزوج ابنته فيخرج جهازا وشوارا فيقول أشهدكم أن هذا عارية في يدها] مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن الرجل يزوج ابنته فيخرج جهازا وشوارا، فيقول: أشهدكم أن هذا عارية في يد ابنتي، ولم يروا البنت ولم تحضر، فطلب الأب المتاع والشورة بعد ذلك، فلم يقدر عليه عند ابنته وقد شهد الشهود أنه أدخله بيت زوجها، فقال: إن كانت بكرا وقد علمت بالعارية فلا ضمان عليها، إلا أن يكون هلاكه يوم هلك بعد أن رضي حالها، فهي ضامنة، إلا أن يكون طرقها من ذلك أمر من الله تكون عليه بينة، وإن لم تكن علمت بذلك فلا شيء عليها أصلا وإن حسنت حالها، وإن كانت ثيبا فعلمت بذلك فهي ضامنة له، وإن لم تعلم فلا ضمان على واحد منهما، البكر والثيب، فيما لم يعلم ولم يقبله على وجه العارية. وقاله أصبغ، ولا شيء على الزوج في هذا كله إذا لم يستهلك هو شيء من ذلك استهلاكا. وهذا فيما يفضل عن صداقها وجهازها مما لم تجهز به من صداقها ولا عطية أبيها لها، وقال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن الرجل يتزوج المرأة ويبعث إليها بحلي ومتاع، ويشهد أن ذلك عارية، ولا يعلم ذلك أولياؤها. قال: هو كذلك على ما أشهد عليه من ذلك، إن أدركه كان له، وإن تلف ولم يعلم ما أشهد عليه حتى تقبله على وجه العارية فلا ضمان عليها. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا ضمان على الابنة فيما جهزها به

مسألة: زوج ابنته وهي بكر رجلا فأدخلها عليه ثم ادعى بعض ما جهزها به

الأب من المتاع، وأشهد أنه عارية عندها إذا لم تعلم بإشهاده، ولم تقبله على وجه العارية، وأنه لا ضمان على الزوجة فيما بعث به الزوج إليها من المتاع، وأشهد أنه عارية عندها إذا لم تعلم بذلك أيضا، ولم تقبله على وجه العارية صحيح، إذ ليس لواحد منهما أن يلزم أحدا ضمان ما لم يلتزم ضمانه، وحسبه أن ينفعه الإشهاد في استرجاع متاعه وإن طال زمان ذلك عند الابنة، وذلك خلاف ما مضى لسحنون في سماعه. وقد مضى القول على ذلك هنالك وبالله التوفيق. [مسألة: زوج ابنته وهي بكر رجلا فأدخلها عليه ثم ادعى بعض ما جهزها به] مسألة قلت: فلو زوج ابنته وهي بكر رجلا فأدخلها عليه ومضى لدخولها حين، ثم قام الأب فادعى بعض ما جهزها به، وزعم أنه إنما كان عارية منه ليجملها به وصدقته الابنة، أو أنكرت ما ادعى وزعمت أنه لها ومن جهازها؟ قال: القول قول الأب إذا قام بحدثان ما ابتنى الزوج بها، وليس للزوج مقال، والأب مصدق، ولا يلتفت إلى إنكار الابنة بذلك، ولا إلى إقرارها؛ لأن هذا من عمل الناس معروف، وذلك من شأنهم يستعيرون المتاع يتجملون به، ويكثرون بذلك الجهاز، إذا كان فيما بقي من المتاع وفاء بالمهر، فإذا كان هذا فليس للزوج فيه مقال، وسواء كان ذلك المتاع معروفا أصله للأب أو غير معروف هو فيه مصدق، إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر. قلت: فإن طال الزمان ثم قام الأب يدعي ذلك، وفيما بقي بعد ما ادعى وفاء بالمهر، وكان الأصل معروفا أو غير معروف، كانت الابنة مقرة أو منكرة، قال: إذا لم يعرف أصل المتاع وطالت حيازتها للمتاع الزمان الطويل، فإن للزوج في هذا مقالا، ولا أرى الأب فيه مصدقا إذا جاء مثل هذا من الطول والبعد، وأراه له بطول حيازتها.

قلت: فإن كانت مقرة بأن المتاع للأب ولم تنكر ما ادعى الأب من ذلك، قال: لا يجوز إقرارها إذا بلغ هذا الحد من الطول؛ لأن إقرارها هنا عطية متبداة، ولا يجوز إقرارها إذا أراد عليها ذلك زوجها، وإن كان فيما بقي بعد ذلك وفاء بالمهر. قلت: فإن عرف أصل المتاع للأب؟ قال: عرف أصله أو لم يعرف، فطول حيازتها له هذا الزمان يقطع دعوى الأب إذا أنكر الزوج أو المرأة. قلت: فإن كان قيام الأب في ذلك بحدثان دخول زوجها بها، وكان أصل المتاع معروفا للأب، وليس فيما بقي من الجهاز ما فيه وفاء بالمهر؟ قال: فهو للأب إذا عرف أصله ويتبع الزوج الأب بوفاء الصداق حتى يتم له من الجهاز لابنته ما فيه وفاء ما أصدقها من المهر. قال محمد بن رشد: قال: إن الأب مصدق فيما ادعى مما جهز به ابنته أنه كان عارية منه لها بشرطين: أحدهما أن يكون ذلك بحدثان البناء، والثاني أن يكون فيما بقي بعدما ادعى وفاء بالمهر، يريد أنه مصدق في ذلك مع يمينه، كذلك قال ابن حبيب، وزاد فقال: ولا أرى السنة فيه طولا. وهذا في الأب خاصة في ابنته البكر، وأما في الثيب، أو في وليته البكر، أو الثيب، فلا، وهو فيها كالأجنبي، وقاله بعض أصحاب مالك. فأما إيجابه اليمين في ذلك على الأب فصحيح، ولا يقال إن اليمين تسقط عنه من أجل أن الوالد لا يحلف لولده، إذ ليس ذلك عليه حكم باليمين، وإنما هو حكم لديه، إن شاء أن يأخذ ويحلف حلف وأخذ، وإن شاء أن يترك ترك، وإنما خص في ذلك الأب في البكر؛ لأنها في ولايته، ومالها في يده. فعلى قياس هذا، يكون في الثيب إذا كانت في ولايته، بمنزلته في البكر، ويكون الوصي فيمن إلى نظره في

مسألة: السفيه ينكح بغير إذن وليه ثم مات أيتوارثان

اليتامى الأبكار والثيب، بمنزلته فيها أيضا، ويحمل قوله: وأما في الثيب، أنه أراد بها الثيب التي لا ولاية له عليها. وقوله: فإذا كان هكذا، يريد إذا ادعى ذلك الأب بحدثان البناء، وفيما بقي وفاء بالمهر، فليس للزوج فيه مقال، كلام صحيح؛ لأنه إذا لم يكن فيما بقي وفاء بالمهر، فإنما يصدق فيما زاد على قدر الوفاء به، بخلاف إذا عرف أصل المتاع له؛ لأنه إذا عرف أصل المتاع له، فيأخذه ويتبعه بوفاء المهر، إذ من حقه أن يجهز زوجته به إليه. وأما قوله إذا ادعى الأب ذلك بعد طول زمان، إن للزوج في ذلك مقالا وإن كان فيما بقي وفاء بالمهر، إذا لم يعرف أصل المتاع للأب، مقرة كانت أو منكرة، وان طول حيازتها يقطع دعوى الأب إذا أنكر الزوج أو المرأة، ففيه نظر، إذ لا كلام للزوج فيما دون الثلث من مالها، إلا على وجه الحسبة، لكونها مولى عليها، لا تجوز عطيتها في شيء من مالها لأبيها ولا لغيره، فقوله: إن طول حيازتها يقطع دعوى الأب إذا أنكر الزوج، معناه إذا أنكر بالحسبة، إذ ليس له معنى ينكر له سوى ذلك. وفي قوله: إذا أنكر الزوج أو المرأة، دليل على أنهما لو لم ينكرا وسلما جميعا ورضيا لجاز ذلك للأب، وهو بعيد، إلا أنه دليل الخطاب. وقد اختلف في القول به، فلا ينبغي أن يعمل ها هنا. وفي الدمياطية لابن القاسم: إن الأب إنما يصدق فيما ادعى من جهاز ابنته بعد البناء أنه عارية لها، وإن كان فيما بقي وفاء بالمهر، إذا كان على أصل العارية بينة. والمشهور ما تقدم في المسألة التي قبل هذه أنه مصدق إذا أشهد على العارية، وإن طال الأمر إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر، وإن لم يكن فيما بقي وفاء به صدق فيما زاد على قدر الوفاء به وبالله التوفيق. [مسألة: السفيه ينكح بغير إذن وليه ثم مات أيتوارثان] مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن السفيه ينكح بغير إذن وليه ثم مات، أيتوارثان؟ قال: إن مات هو فلا ترثه، وإن ماتت هي فالنظر إلى وليه إن رأى أن يثبت النكاح ويأخذ له الميراث أخذه، وإن رأى أن يرده رده وتركه. قال سحنون مثله، قال أصبغ: ثم

سمعته بعد ذلك يقول في السفيه يتزوج ثم يموت، إنها لا ميراث لها منه إذا لم يكن وليه علم وينتزع منها جميع ما أعطاها، إلا قدر ما تستحل به، ربع دينار، إذا كان أصابها. قال محمد بن رشد: قوله: سمعته بعد ذلك يقول، ليس بخلاف لما حكاه عنه أولا، وإنما فيه زيادة التكلم على حكم الصداق أنه يبطل كما يبطل الميراث، ولا يكون لها شيء إلا قدر ما تستحل به الفرج، إذا كان قد دخل بها. ووجه هذا القول: أن النظر في النكاح يرتفع بموت السفيه، ولا يرفع بموت الزوجة. فإذا مات هو لم يكن لها صداق ولا ميراث، لكون النكاح محمولا على الرد حتى يجاز، وإذا ماتت هي نظر له الولي فيما يرى له من الحظ في إجازة النكاح أو رده، إذ قد يكون الميراث أكثر من الصداق، فيكون الحظ له في إجازة النكاح. وقد يكون الصداق أكثر من الميراث، فيكون الحظ له في رد النكاح. وقد قيل: إن نكاح السفيه بغير إذن وليه محمول على الجواز حتى يرد، وقيل: إن النظر فيه يرتفع بموت من مات منهما، وقيل: إن النظر فيه قائم لا يرتفع بموت من مات منهما. فيتحصل على هذا في المسألة ثمانية أقوال: أحدها هذا وهو قول مطرف وابن الماجشون، وأبيه، وعبد العزيز بن أبي حازم. والثاني أنهما يتوارثان ويمضي الصداق على القول بأن النكاح محمول على الإجازة حتى يرد وأن النظر في النكاح يرتفع بموت من مات منهما. وهذا القول حكاه ابن حبيب عن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه. والثالث أنهما لا يتوارثان، ويبطل الصداق، إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون لها منه قدر ما يستحل به الفرج، على القول بأن النكاح محمول على الرد يجاز، وأن النظر فيه يرتفع بموت من مات منهما. وهو قول ابن القاسم في العشرة، والرابع أن الميراث بينهما ثابت مراعاة الاختلاف ويبطل الصداق، إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون لها قدر ما تستحل به الفرج،

مسألة: يتزوج المرأة بعبد غائب

على القول بأن النكاح محمول على الرد حتى يجاز، وأن النظر فيه يرتفع بموت من مات منهما، وهو قول ابن القاسم في العشرة. والخامس أن الميراث بينهما مراعاة للاختلاف وينظر في النكاح، فإن كان نكاح غبطة مما لو نظر فيه الولي يوم وقع أجازه، كان لها الصداق، دخل أو لم يدخل. وإن كان على غير ذلك بطل الصداق إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون لها قدر ما تستحل به الفرج. وهو قول أصبغ في الخمسة. والسادس أن الميراث بينهما مراعاة للاختلاف، ويبطل الصداق إن كان الزوج هو الميت، وينظر في النكاح إن كانت الزوجة هي الميتة، فإن كان نكاح غبطة كان لها الصداق، وإن لم يكن نكاح غبطة بطل الصداق، إلا أن يكون كان الزوج قد دخل، فيكون لها قدر ما يستحل به الفرج. وهذا القول يتخرج على القول بأن النكاح على الرد حتى يجاز، وأن النظر في النكاح يرتفع بموت الزوج، لا بموت الزوجة. والسابع أن الميراث بينهما مراعاة للاختلاف، ويثبت الصداق إن كان الزوج هو الميت، وينظر في النكاح إن كانت الزوجة هي الميتة على ما ذكرناه في القول الذي قبل هذا. وهذا القول يتخرج على القول بأن النكاح على الجواز حتى يرد، وأن النظر في النكاح يرتفع بموت الزوج، لا بموت الزوجة. والثامن أنه ينظر في النكاح، فإن كان نكاح غبطة مما لو نظر فيه الولي أجازه، كان الميراث بينهما، ووجب لها الصداق. وإن كان على غير ذلك لم يكن بينهما ميراث، ولا كان لها صداق، إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون لها قدر ما تستحل به وبالله التوفيق. [مسألة: يتزوج المرأة بعبد غائب] مسألة قال: وسمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يتزوج المرأة بعبد غائب قال: لا بأس به. وإن كانت غيبة بعيدة، وإن كان لا يدخل بها، وهي مثل الاشتراء لا بأس أن يشتريه إن كانت غيبة

بعيدة. وإن كانت غيبة العبد قريبة في الذي تزوجت به فلا بأس أن يدخل بها مثل الاشتراء أيضا. وإن أصيب العبد فلها قيمته، قال: وإن لم تعلم المرأة العبد ولم يوصف لها فلا ينبغي التزويج على ذلك، كما لا ينبغي اشتراء عبد آبق، ولا بعير شارد، ولا شيء غائب غير موصوف، فإن وقع النكاح على ذلك فسخ، إن كان لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها كان لها صداق مثلها. قال محمد بن رشد: أجرى ابن القاسم النكاح بالعبد الغائب مجرى البيع في جميع الأحوال، فقال: إنه لا بأس أن يتزوج به وإن كانت غيبة بعيدة، يريد: ما لم يتفاحش بعد ذلك، وقد اختلف في حد ذلك، فحكى الفضل عن أصبغ أنه أجازه فيما بين إفريقية والمدينة، وأراه غلطا؛ لأن الذي حكى عليه ابن مزين، أنه إنما يجوز في مثل ما بين المدينة ومصر، وفيما بين مصر وإفريقية، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وزاد قال: وعلى مسيرة العشرين والشهر ونحوه. ولم يجز ابن القاسم أن يدخل بها في الغيبة البعيدة، كما لا يجوز النقد فيه. وقد أجاز أن يدخل بها في القريب الغيبة، كما لا يجوز النقد فيه. وحد القرب على ظاهر قوله إذا قاسه على الشهر اليوم واليومين والثلاثة، ونحو ذلك. وقال أصبغ: الأربعة والخمسة. وأجاز ابن حبيب للزوج أن يدخل بها في البعيد الغيبة، إلا أنه استحب أن يعطيها ربع دينار عند ابتنائه بها قبل قبضها الرقيق الغائبة، ففرق بين الدخول في النكاح، والنقد في البيع. وقوله: فإن أصيب العبد فلها قيمته، يريد في القريب الغيبة والبعيد، على ما اختاره من قول مالك، في أن المصيبة في الغائب الذي يشترى على الصفة من البائع حتى يقبضه المتاع، قربت غيبته أو بعدت. وقوله: إن لها قيمته، على أصله في أن الصداق إذا استحق وكان عرضا أن لها أن ترجع بقيمته. وعلى ما في رسم الطلاق من سماع أشهب، يكون لها

مسألة: اليتيمة يزوجها وليها وقد أشعرت وقاربت الحيض

صداق مثلها، إذ لا فرق بين المسألتين. وقد مضى القول على ذلك هنالك. وفي العشرة ليحيى أن المصيبة من المرأة بالعقد في النكاح، بخلاف البيوع. وزاد: ولو ماتوا قبل النكاح لا يفسخ النكاح، فيلزم على قياس قوله: إذا استحق الصداق وهو عرض قبل الدخول أن يفسخ النكاح، وكذلك إذا مات العبد الغائب المتزوج به بعد العقد وقبل القبض على القول بأن المصيبة من الزوج وبالله التوفيق. وأما إذا لم تعرف المرأة العبد ولم يوصف لها فلا إشكال ولا اختلاف في أنه نكاح فاسد، قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل وبالله التوفيق. [مسألة: اليتيمة يزوجها وليها وقد أشعرت وقاربت الحيض] مسألة وقال: في اليتيمة يزوجها وليها وقد أشعرت وقاربت الحيض وجرت عليها المواسي وشارفت الحيض فأنكحت برضاها فذلك جائز، وقاله أصبغ: حسن. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة، وتحصيل القول عليها في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة ذلك أيضا في سماع ابن القاسم وأشهب وفي سماع عيسى. [مسألة: تزوج امرأة بكرا فدخل عليها فافتضها بأصبعه ثم طلقها] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل تزوج امرأة بكرا فدخل عليها فافتضها بأصبعه، ثم طلقها، أترى أن يكون لها الصداق كاملا لأنه قد فعل ذلك على وجه النكاح؟ قال: نعم، وليس بمنزلة الأجنبي يفعل ذلك بها، أرى في الأجنبي أن يكون عليه

مسألة: يصيبه الجذام قبل الدخول فيفرق بينهما هل لها من الصداق شيء

بقدر ما شانها. أصبغ: إن قيل هذا على الاستحسان فعسى، وإنه لضعيف، والقياس أنه وغيره بالأصبع سواء. وهو رأيي لا أرى غرم ذلك عليه واجبا، ولها نصف الصداق. قال محمد بن رشد: قد مضى لابن القاسم في سماع سحنون مثل قول أصبغ ها هنا، ومضى القول على المسألة هناك، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق. [مسألة: يصيبه الجذام قبل الدخول فيفرق بينهما هل لها من الصداق شيء] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الذي يصيبه الجذام قبل الدخول، فيفرق بينهما هل لها من الصداق شيء؟ قال: ليس لها من الصداق قليل ولا كثير؛ لأنها فارقته ولم تصبر عليه، بمنزلة النصرانية تسلم قبل الدخول فلا يكون لها من الصداق شيء، كذلك قال في مسألتك: إنه لا صداق لها ولا شيء. قال أصبغ: وهو قول مالك في النصرانية أيضا، وهو قولنا جميعا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الزوج غلب على الفراق، ولم يكن منه طلاق، فوجب ألا يكون عليه شيء من الصداق؛ لأن الله إنما أوجب نصف الصداق قبل الدخول على المطلق بقوله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] الآية، وقد مضى هذا المعنى وما يتعلق به في سماع سحنون، وبالله التوفيق. [مسألة: يتزوج المرأة ثم يجد بها ضررا ترد منه وقد مسها] مسألة قال أصبغ: قال: وسمعت ابن القاسم وسئل في الذي يتزوج

المرأة ثم يجد بها ضررا ترد منه، وقد مسها، إنه إن كان الولي قريب القرابة، يريد ممن يعلم بدائها، ولا يخفى عليه، ولا يعذر فيه، ترك لها القليل والكثير، ورجع الزوج على الولي بصداقه، يعني كله، ولم يرجع الولي عليها به، فإن لم يجد عند الولي شيئا، ووجده معدما، لم يرجع على المرأة بشيء ولم ينزع منها شيئا؛ لأن الولي هو الذي غره وليس هي التي غرته من نفسها، ولعلها أن تكون بكرا، فليس عليها هي أن تخرج إلى الخاطب فتعلمه بدائها، ولا ترسل إليه. وهذا على الولي، فإن لم يجد الزوج للولي شيئا اتبعه به دينا، ولم يُنزع من المرأة شيء. وقاله أصبغ. والبكر والثيب سواء، إذا كان من الأولياء الذين يعلمون ذلك، ويحمل عليهم بالعلم. قال محمد بن رشد: التقريب القرابة من الأولياء، الذي يحمل على العلم بعيب المرأة، ويجب للزوج الرجوع عليه بالصداق، إذا لم يخبره بالعيب الأب والأخ والابن. قاله مالك في موطأه، وابن حبيب في الواضحة. وسواء كان العيب جنونا، أو جذاما أو برصا، أو داء في الفرج خفيا، أو ظاهرا على ظاهر قوله في هذه الرواية. إذ قال فيها ضررا ترد منه، ولم يخص ضررا من ضرر. وهو قول ابن حبيب في الواضحة. وقول أصبغ: والبكر والثيب في هذا سواء، صحيح؛ لأن البكر أمرها كله إلى الأب. والثيب إذا وكلته على أن يزوجها، فقد وكلته على أن يخبر بما علمه من عيبها، إذ لا يجوز له سوى ذلك، فإذا كتم ذلك كان قد غر ووجب عليه الرجوع. قال في الرواية: فإن وجده معدما لم يرجع على المرأة بشيء. ووجه ذلك أنه لم يقع منها تقصير ولا غرور. وقال ابن حبيب: في الواضحة أنه يرجع عليها إن كانت موسرة، فإن كانا معدمين رجع على أولهما يسرا، ولم يكن لمن رجع عليه منهما أن يرجع على صاحبه بما رجع عليه. ووجه إيجابه الرجوع على المرأة في عدم الولي، أن الصداق وإن كان الولي قد غر الزوج، فقد حصل إلى المرأة بغير حق، فلا يترك عندها منه إلا قدر ما يستحل به الفرج، إذا لم يجد الزّوج على

من يرجع به، فإن كانت قد اشترت به جهازا أخذ منها ما اشترت، إذ ليست ها هنا بمتعدية، بخلاف إذا كانت هي الغارة، ووجب الرجوع عليها على ما ذكره ابن حبيب. واختلف إذا كان الأب أو الأخ غائبا غيبة طويلة، يخفى عليه في مثلها خبرها ومعرفة دائها وعيبها. فقال ابن حبيب: يحلف أنه ما علم به، ويسقط الغرم عنه ويرجع على الزوجة. وقال أشهب: بل يرجع عليه وإن خفي عليه، كما يرجع عليه في البرص الذي يكون في المكان الذي يخفى. وأما سائر الأولياء، فلا يجب الرجوع عليهم بشيء من الصداق؛ لأنهم يُحملون على أنهم لا يعلمون حتى يثبت عليهم أنهم علموا، فإن اتهم بمعرفة عيبها استحلف على ذلك. قاله ابن حبيب، يريد فإن نكل غرم، وإن حلف غرمتها المرأة. وفي كتاب ابن المواز لا يمين عليه، إلا أن يدعي عليه الزوج العلم فيحلف، فإن نكل غرم بعد يمين الزوج، فإن نكل الزوج أيضا عن اليمين أو حلف الولي سقط عنه الغرم في الوجهين، وبطل رجوعه على المرأة. قال فضل: وهو جيد على أصولهم فافهمه، يريد لأنه قد أبرأ المرأة إذا ادعى أن الولي قد علم؛ لأنه إذا علم بالعيب ولم يخبر به فهو الغادر. دون المرأة؛ لأنه العاقد للنكاح، والمرأة تقول: إنما وكلته على أن يزوجني ويخبر بعيبي، فإذا لم يفعل فهو الغار دوني. ولو زوجها بحضرتها ولم يخبر واحد منهما بالعيب، لكانا جميعا غارين، يرجع الزوج على من وجد منهما مليا، فإن رجع على الولي رجع الولي على المرأة، وإن رجع على المرأة، لم ترجع المرأة على الولي. وقد ذهب بعض المتأخرين إلى أن جميع الأولياء محمولون على العلم بالجنون والجذام؛ لأن الخبر بذلك يشيع، فلا يخفى ذلك على الجيران، فضلا على الأولياء. وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام فمسها فلها صداقها كاملا، وذلك لزوجها غرم على وليها. قال هذا المتأخر: وكذلك البرص إذا كان في الوجه أو الذراع أو اللسان، وأما إن كان في سائر الجسم الذي تستره الثياب، فيحمل على العلم به الأب والأخ والابن، دون سائر الأولياء. قال: وأما عيب الفرج، فإن كان ظاهرا لا يخفى على الأم حين التربية حمل الأب وحده على العلم به، دون

مسألة: رجل زوج ابنا له كبيرا غائبا وزعم أنه أمره بذلك، فقدم الابن فأنكر

الأخ ومن سواه؛ لأن ذلك مما يستر عنه وعنهم، وإن كان مما قد يخفى عليها، لم يحمل الأب على العلم به. فقسم هذا القائل على أربعة أقسام: منها ما يحمل على العلم به جميع الأولياء، وهو الجنون والجذام والبرص فيما يظهر من البدن. ومنها ما لا يحمل على العلم به إلا الأب، وهو داء الفرج الذي لا يخفى على الأم. ومنها ما لا يحمل على العلم به إلا الأب والأخ والابن، وهو البرص فيما لا يظهر من البدن. وقد حكى الفضل في داء الفرج الخفي عن عيسى بن دينار، أن الرجوع في ذلك لا يكون إلا على المرأة، ونسبه إلى العتبية، ولم يقع ذلك له فيها عندنا مثل قول القائل فيه. وأصل مالك في هذه المسألة قول عمر بن الخطاب: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام - قال في بعض الروايات: أو قرن - فمسها فلها صداقها كاملا، وذلك لزوجها غرم على وليها. وذهب الشافعي إلى أنه إنما يجب للزوج أن يردها بذلك ما لم يدخل ويمس، فإذا دخل ومس وجب عليه الصداق، ولم يكن له رد، وكانت امرأته، إن شاء طلق، وإن شاء أمسك. وروى ذلك عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو أظهر في القياس. وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا رد للزوج في ذلك قبل الدخول ولا بعده، قاله في هذه العيوب الكبار، قياسا على ما اتفق عليه في العيوب الصغار وبالله التوفيق. [مسألة: رجل زوج ابنا له كبيرا غائبا وزعم أنه أمره بذلك، فقدم الابن فأنكر] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل زوج ابنا له كبيرا غائبا، وزعم أنه أمره بذلك، فقدم الابن فأنكر، قال: يحلف ولا يكون على الأب صداق. قيل: أرأيت إن مات قبل أن يقدم ويعلم رضاه؟ قال: للمرأة الميراث مع الأب إن لم يكن له وارث غيره، وما يصيبها في نصيبه إن كان معها وارث غيره؛ لأنه يقر بأن لها معه في الميراث نصيبا حتى يشهد بأنها امرأته. قال أصبغ: بمنزلة وارث أقر بوارث

مسألة: تزوج ابنته وهو غائب يزوجها رجل تم يقدم الأب فيقول أنا أمرته بذلك

آخر، فهذا يرث في نصيبه، فأما النكاح فلا. قال محمد بن رشد: أوجب ابن القاسم في هذه المسألة على أنه ما أمره أن يزوجه. ومثله في أصل الأسدية، وقال في المدونة: إن النكاح لا يثبت إذا أنكر ولم يذكر يمينا. وقال فضل: رواية أصبغ في إيجاب اليمين على الابن بعيدة جدا؛ لأنه لم يقر بأمر في شيء، فأما تضعيفه لإيجاب اليمين عليه فصواب؛ لأنها يمين لا يوجب النكول عنها حكما، وإنما أمره باليمين، رجاء أن يقر فيلزمه النكاح، وأما تعليله بذلك، بأنه لم يقر بأمر في شيء، فليس بعلة صحيحة، إذ لا فرق في إيجاب اليمين عليه بين أن ينكر أن يكون أمره بشيء، وبين أن ينكر أن يكون أمره بتزويج هذه، ويقر أنه أمره بتزويج غيرها. وقد مضى الاختلاف في هذا المعنى في رسم البز من سماع ابن القاسم، وفي رسم أول عبد ابتاعه من سماع يحيى. وأما قوله إنه يحلف ولا يكون على الأب صداق، فهو مثل ما في المدونة لابن القاسم؛ لأنه قال فيها: إنه لا يلزمه شيء من الصداق، وإن كان قد ضمنه عنه. وقد قيل: إنه يلزمه نصف الصداق، وإن لم يضمنه عنه. وهو قول ربيعة، وقيل: إنه لا يلزمه إلا أن يكون ضمنه عنه. وإلى هذا ذهب ابن المواز، وحكاه عن أصحاب مالك، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة يضمن الرسول ما ضمن. والاختلاف في وجوب نصف الصداق على الأب جار على اختلافهم في الفسخ. هل يكون بطلاق أو بغير طلاق. فروى محمد بن أبي السبئي عن مالك أنه كان فسخا بغير طلاق، وروى عيسى عن ابن القاسم في المدنية أنه يكون فسخا بطلاق. وقد مضى القول في أول رسم من سماع ابن القاسم الاختلاف في وقوع الحرمة به. فهو على هذا الأصل. وأما قوله في الميراث فصحيح لا اختلاف فيه ولا كلام، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج ابنته وهو غائب يزوجها رجل تم يقدم الأب فيقول أنا أمرته بذلك] مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن الذي تُزَوَّج ابنته وهو

مسألة: دخل بها في نكاح فاسد ففرق بينهما فتزوجها رجل في الحيض

غائب، يزوجها رجل، تم يقدم الأب فيقول: أنا أمرته بذلك، وفوضته إليه، أيصدق ويجوز ذلك؟ قال: لا يجوز ذلك ولا يصدق، إلا أن تكون من النساء اللاتي يجوز أن يزوجهن غير الآباء من الأولياء، فيجوز إذا قال ذلك. قال أصبغ: يعني الثيب ها هنا، والبكر في الجواب الأول. قال محمد بن رشد: الفرق بين الثيب والبكر، أن الرجل إذا زوجت ابنته البكر بغير إذنه، فهو عقد فاسد، لا يجوز للأب أن يجيزه، فإذا قال: أنا أمرته اتهم أن يكون أراد إجازة العقد الفاسد، وإذا ولت الثيب على نفسها رجلا أجنبيا فزوجها، كان للولي إجازة النكاح وفسخه، إلا أن يطول بعد الدخول فلا يفسخ. فإذا قال الأب أنا أمرته كان أحرى أن يجوز. وعلى قول غير ابن القاسم في المدونة، وإن أجازه الولي لم يجز؛ لأنه عقد غير ولي ليصدق الأب في الثيب أيضا؛ لأنه يتهم على إمضاء العقد الفاسد. وبالله التوفيق. [مسألة: دخل بها في نكاح فاسد ففرق بينهما فتزوجها رجل في الحيض] مسألة قال: وسئل أشهب عن النكاح الفاسد الذي يفسخ إذا دخل بها، ففرق بينهما، فتزوجها رجل في تلك الحيض الثلاث دون الاستبراء، ففرق بينهما، أله النكاح بعد ذلك؟ قال: لا تحل له أبدا. وقاله أصبغ وهي عدة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن حكم التزويج في العدة من النكاح الفاسد والصحيح سواء، بإجماع العلماء، لا يفرق أحد منهم في ذلك بينهما، وإنما اختلفوا فيهما جميعا اختلافا واحدا على ما مضى في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب وبالله التوفيق. [مسألة: يقيم البينة على امرأة أنه تزوجها وهي تجحد ذلك] مسألة قال: وسألت أشهب عن الذي يقيم البينة على امرأة أنه

تزوجها وهي تجحد ذلك، وتقيم أخت تلك المرأة على ذلك الرجل بعينيه البينة أنه تزوجها، وهو ينكر ذلك، ولم توقت البينة وقتا، وهم متكافئون في العدالة أو غير متكافئين. قال: أرى أن يفسخ النكاحان أيضا، وسواء كانوا متكافئين أو غير متكافئين في هذا. قلت له: فإن شهدت بينة كل واحد منهما على الدخول، قال: ذلك سواء، يفسخ دخل أو لم يدخل، فإن دخل بهما أزواجهما فالصداق لهما. قال: وسألت ابن وهب، فقال لي مثله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قالا إن فسخ النكاحين جميعا واجب إذا كانت البينتان عدلتين، وإن كانت إحداهما أعدل من الأخرى؛ لأن النكاح الثاني فاسد على كل حال، إذ لا يجوز نكاح الأخت على الأخت لنهي الله عز وجل عن الجمع بينهما. فلما لم يعلم أيهما هو، وجب أن يفسخا جميعا. والفسخ منه بطلاق، ولا عدة على واحدة منهما ولا صداق لها إن كان لم يدخل بها. وإن ماتت التي أقام البينة أنه تزوجها قبل أن يفسخ النكاح بينه وبينها، كان له نصف ميراثها؛ لأن المنازعة في ميراثها بينه وبين الورثة. يقول هو: هي زوجتي، فلها ميراثها. ويقول الورثة: بل الأخرى هي زوجتك؛ لأنك تزوجتها أولا ونكاح هذه فاسد، فلا ميراث لك منها، فيقسم بينهما بنصفين للتداعي. وإن قالت الورثة: لا ندري لعل الأخرى هي التي تزوجت أولا، فلا ميراث لك من هذه، حلف وأخذ جميع ميراثها، وقيل: إنه لا ميراث له منها إلا بيقين، وإن مات هو قبل الفسخ كان الميراث والصداق للتي ادعت أنه تزوجها وأقامت البينة على ذلك؛ لأنه قد علم أن الميراث لأحدهما، والأخرى تنكره، فلا شيء لها من الميراث ولا من الصداق إذا لم يدخل بها.

مسألة: قال له زوج فلانا ابنتك بخمسين دينارا وهي علي لك ففعل ثم مات

وعلى كل واحد منهما من العدة أربعة أشهر وعشرا إن كان لم يدخل بها، وأقصى الأجلين إن كان قد دخل بها. [مسألة: قال له زوج فلانا ابنتك بخمسين دينارا وهي علي لك ففعل ثم مات] مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عمن قال لرجل: زوج فلانا ابنتك بخمسين دينارا، وهي علي لك، ففعل، ثم مات المعطي قبل أن يقبض ذلك منه، وقبل أن يدخل الزوج بالمرأة. قال: يؤخذ من ماله، فقيل له: أفيرجع بها ورثته على الزوج؟ قال: إن كان ضمانا رجعوا عليه بها، وإن كان صلة لم يرجعوا عليه بشيء. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان ضمانا رجعوا عليه، يفيد أن لفظ الضمان في عقد النكاح حمالة لا حمل، خلاف قوله في سماع سحنون. وقد مضى القول على ذلك هناك. وفي رسم الكبش من سماع يحيى، ولم يبين على ما يحمل قوله وهي: لك علي، إن كان على الصلة التي هي بمعنى العطية، والحمل على الضمان الذي هو بمعنى الحمالة، والأظهر أن يكون محمولا على الصلة حتى يتبين أنه أراد بذلك الحمالة. [مسألة: تزوج امرأة وشرطوا عليه ألا يدخل بها خمس سنين] مسألة وسئل عن رجل تزوج امرأة وشرطوا عليه ألا يدخل بها خمس سنين، قال: بئسما صنعوا والشرط باطل، والنكاح جائز ثابت، وإن أراد الدخول قبل ذلك فذلك له. قال أصبغ: مالك يقول: إن كان لصغر أو لطعون فلهم شرطهم. وقول مالك إنما يشبهه اشتراط تأخيرها، وما هو عندي أنا بالقوي، إذا احتملت الدخول بالرجال والوطء.

مسألة: نكح فلما فرغ من العقدة استكتم الشهود

قال محمد بن رشد: قوله في اشتراط تأخير البناء خمسة أعوام، إن الشرط باطل والنكاح ثابت جائز صحيح، على مذهب مالك في أن الشروط التي لا تفسد النكاح لا تلزم إذا لم تكن مقيدة بتمليك أو طلاق، حسبما مضى في رسم الطلاق الثلاث من سماع أشهب. وما حكى أصبغ عن مالك أنه يلزم الشرط إن كان لصغر أو طعون، معناه في السنة ونحوها، كذلك وقع له في المدونة. ويريد بالصغر، الذي قد يمكن معه الوطء، وأما إن كانت في سن من لا يوطأ مثلها، فمن حق أهلها أن يمنعوه من البناء بها حتى تدرك وتطيق الرجال، وإن لم يشترطوا ذلك، كذلك في المدونة. ولما كان البناء قد يحكم بتأخيره إذا دعت إليه الزوجة، وإن لم يكن في ذلك شرط، حسب ما مضى في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب، ألزم مالك الشرط فيما قرب من المدة وهي السنة؛ لأنها حد في أنواع كثيرة من العلم، من ذلك العنّين يؤجل سنة، والجراح يتربص سنة، والعهدة في الجنون والجذام والبرص سنة، وأشباه هذا كثير. وبالله التوفيق. وقول أصبغ: وما ذلك بالقوي إذا احتملت الدخول بالرجال والوطء، يريد أنه ليس على حقيقة القياس، وإنما هو استحسان وبالله التوفيق. [مسألة: نكح فلما فرغ من العقدة استكتم الشهود] مسألة قال أصبغ: سألت أشهب عمن نكح، فلما فرغ من العقدة استكتم الشهود. قال: إن لم تكن تلك نيته، وعليه نكح. يعني بالضمير فلا بأس به. قلت: فإن كان على ذلك نكح وهو نيته. أيفارق؟ قال: نعم يفارق. قال أصبغ: محمول قوله ضميره هو، ولست أرى ذلك يُفسد النكاح إن لم يكن إلا ضميره في نفسه؛ لأنه ينكح وضميره الفراق، فلا يكون بذلك بأس. ولكن إن كان بذلك الضمير،

تحقيق مواطأة بينه وبين المرأة والأولياء، وعلى وجه مأخذ النكاح بالاستتار منهم، فهو الفاسد. وهو من وجه نكاح المتعة، وهو الذي يفارق كما قال ولا يقيم عليه. قال محمد بن رشد: ذهب أبو إسحاق التونسي إلى تصحيح قول أصبغ، وتصويب اعتراضه على أشهب. فقال: أما ضميره هو وحده فلا يضر ذلك النكاح؛ لأن الفساد إذا كان من جهة واحدة لا يضر النكاح. وقول أشهب يفارق، فيه ضعف، إلا أن يكون عنده أن فساد العقد إذا كان من جهة أحد المتعاقدين، يفسد فيلزم عليه لو تزوجها بحر أو بعبد اغتصبه، ولم تعلم أن النكاح فاسد. وإن كان سحنون قد قاله في الذي تزوج بالحر ولم يقبله في الذي تزوج بالعبد المغصوب، وليس عندي بصحيح؛ لأن أشهب لم يقل: إن النكاح يفسد بضميره هو، ولا أن النكاح يفسخ بذلك كما تأوله عليه أصبغ، وإنما رأى له أن يفارق امرأته استحسانا من غير إيجاب يُحكم عليه به، لكون الفساد من جهته خاصة بإقراره على نفسه أنه نوى قبل العقد الكتمان للذي ظهر منه بعد العقد. وقوله صحيح؛ لأن الفساد لما لم يوجد إلا من جهته لم يصح أن يحكم بالفراق؛ لأن ذلك حكم على الزوجة بفساد لم يثبت، ولا أقرت به. ووجب لما كان الزوج مالكا للطلاق أن يؤمر بالفراق، لإقراره على نفسه بالفساد؛ لأنه نوى نية فاسدة، صدّقها بفعله، فوجب أن يكون لها تأثير في حقه الذي يملكه من الطلاق. ولو كانت الزوجة والأولياء هم الذين نووا الكتمان قبل العقد، واستكتموا الشهود بعده دون الزوج، لم يكن لذلك تأثير، إذ ليست المرأة مالكة للطلاق. وما حكى أبو إسحاق التونسي عن سحنون، من تزوج بحر لم تعلم به المرأة، فنكاحه فاسد، وهو خلاف ما مضى من قوله في رسم العشور، من سماع عيسى، مثل قول ابن الماجشون. وقد مضى القول على ذلك هنالك وبالله التوفيق.

مسألة: تزوج جارية على أنها بكر فدخل عليها فزعم أنه وجدها ثيبا ولا عذرة لها

[مسألة: تزوج جارية على أنها بكر فدخل عليها فزعم أنه وجدها ثيبا ولا عذرة لها] مسألة قال أصبغ: وسمعت أشهب وسئل عمن تزوج جارية على أنها بكر، فدخل عليها فزعم أنه وجدها ثيبا ولا عذرة لها، قال: تلزمه، ولا شيء له، قيل: فأتى إلى أبيها فقال: زوجتني على أنها بكر، فلم أجدها ذلك، فردوا عليّ مالي. فقال أبوها: صدقت، كانت تكنس في البيت فدخل ذلك منها شيء، فذهب منها وهي لا تعلم، فأمسك يا هذا مالك ولا تتكلم. قال: يرجع الأب على الزوج. فيأخذه، ولا شيء للزوج في ذلك. قال أصبغ: لا أرى ذلك، ولا يعجبني ما قال من وجهين: من وجه أنه إن كان شرطا مشروطا عليه نكح باشتراط في النكاح، فله الرد، وهو كاشتراط البياض وصحة العينين وألا عيوب، وكاشتراط المال يكون لها، إن لها كذا وكذا اشتراطا عليه يتزوج، فيجده على غير ذلك، وإن لم يكن اشتراطا في العذرة، فقد دفعه الأب طائعا، فليس له بالجهالة رجوع، ولا يصدق، ويحمل على إرادة الستر منه؛ لأنه قد صارت كالفرقة؛ لأن ذلك يكون له فرقة، وترجع به المرأة على الأب إن كان انتزعه منها فأعطاه إياه. قال محمد بن رشد: الشرط في النكاح، هو أن يتزوج الرجل المرأة على أنها على صفة كذا، أو على أن لها من المال كذا، أو على أن لا يفعل كذا وكذا، أو على أن لا يمنعها كذا وكذا، وما أشبهه. قال: فالذي تزوج المرأة على أنها بكر، فقد شرط ذلك، ولا اختلاف بينهم فيمن تزوج امرأة بشرط أنها على صفة فلم يجدها على تلك الصفة، أن له الرد. وإنما قال أشهب: إنها تلزمه ولا شيء له؛ لأن البكر في اللسان هي التي لم يكن لها زوج، عذراء

كانت أو غير عذراء، فلم يعذره بالجهل، ورآها لازمة له حتى يتزوج على أنها بكر عذراء. قال ابن لبابة: أو يقع في الشرط بيان، بأن يقول على أنها بكر، فإن لم تكن بكرا رددتها، وذلك نحو ما في نوازل سحنون من كتاب العيوب، في الذي يشتري العبد فيقول للتاجر: هل فيه من عيب؟ فيقول: هو قائم العينين، فيسأل عن قائم العينين، فيقال: هو الذي لا يبصر، إن البيع لازم، وليس له أن يرده. ولو وصفها الولي عند الخطبة بأنها عذراء، ولم يشترط ذلك عليه لجرى ذلك على الاختلاف في الذي يصف وليته بالجمال والمال، فتوجد على خلاف ذلك. وقد مضى القول في ذلك في رسم يوصي من سماع عيسى. فإذا لم يكن الشرط عاملا في العذرة، ورد الأب الصداق إلى الزوج على ما طلب، فلا يخلو ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون رده إليه على شرط الفراق كالفدية، والثاني أن يكون رده إليه على أن تكون زوجته بحالها باقية في عصمته. والثالث أن يكون رده إليه على غير بيان. فأما إذا رده إليه على شرط الفراق، فهو له، لا يرجع به عليه؛ لأنه أخذه على عوض، وهو الفراق وترجع الزوجة على أبيها به؛ لأنه أتلفه عليها بغير حق. وأما إذا رده إليه على أن تكون زوجته بحالها باقية في عصمته، فللأب أن يرجع به عليه، يأخذه لابنته، عذر بالجهل في الخطأ على مال ابنته أو لم يعذر على ما ذهب ابن القاسم الذي لا يجيز هبة الأب مال ابنه الصغير. وأما على مذهب مطرف وابن الماجشون، الذي يرى عطية الأب مال ابنه الصغير سائغة للمعطي، وعلى الأب عوض ذلك من ماله، اشترط له العوض أو لم يشترطه. فإن عذر بالجهل كان له الرجوع على الزوج بما دفع إليه، وإن لم يعذر بالجهل كان له ما رد إليه، ولزمه غرم ذلك لابنته. وقد اختلف في ذلك، والاختلاف فيه إنما يعود إلى هل يصدق فيما ادعاه من الجهل أم لا؟ وأما إذا رده إليه على غير بيان، فحمله أشهب على غير الفدية، وأوجب للأب الرجوع بما رده إليه، وحمله أصبغ على الفدية وجعل للزوج ما رد إليه الأب من الصداق، بما ألزمه نفسه من الفراق، وأوجب على الأب غرم ذلك لابنته. وهذا كله إذا لم يحمل تزويجه إياها على أنها بكر شرطا في العذرة، وأما إذا حمل على أنه شرط في

مسألة: تزوج امرأة وله امرأتين فشرط لها أن امرأته طالق وقال أردت فلانة

العذرة، فالذي فعله الأب من رد الصداق إليه على الفدية سائغ للزوج وماض على الابنة؛ لأنه هو الواجب في ذلك، وليس في قول أصبغ بيان على ما يحمل الشرط من ذلك، إن كان على ما يقتضيه اللسان، على ما ذهب إليه أشهب، أو على ما يعرفه عامة الناس من أن البكر هي ذات العذرة. وقوله: لأنه قد صارت كالفرقة صحيح عند محمد. وفي بعض الكتب كالفدية، وهو أصح في المعنى. ولا حد على الذي ادعى أنه وجد زوجته البكر ثيبا؛ لأن العذرة قد تذهب بغير الجماع، فإن أعاد ذلك عليها في العتاب، أو بعد فراقها بسنين، حلف ما أراد بذلك قذفها، وسقط عنه الحد. وقع ذلك في المدونة لمالك وابن القاسم. وهذا كله ما لم يتبين أنه أراد به الفاحشة والله أعلم. [مسألة: تزوج امرأة وله امرأتين فشرط لها أن امرأته طالق وقال أردت فلانة] مسألة قال أصبغ: سألت عن رجل تزوج امرأة وله امرأتين سواها قد عرفت إحداهما فشرط لها أن امرأته طالق، ثم قال: أردت بإحداهما فلانة، لغير التي تعرف. قال: ذلك له، ويحلف، أنه إنما أراد الأخرى، يعني التي لم تعرفها، ويكون القول قوله. وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: هذا بين على القول بأن اليمين على نية الحالف، ويلزم على القول إن اليمين على نية المحلوف له أن يُطلَّقا عليه جميعا: إحداهما بما نوى والأخرى بما نوت الزوجة المحلوف لها. والله أعلم. [مسألة: يشترط لامرأته أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها] مسألة وسئل عن الذي يشترط لامرأته أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها، فأذنت له أن ينكح فنكح، ثم أرادت أن تطلق عليه، قال: ذلك لها، وكذلك لو شرط لها أن كل جارية يتسررها عليها

مسألة: السفيه أيزوج أخته

فأمرها بيدها، إن شاءت أعتقت وإن شاءت أمسكت، فأذنت له أن يشتري جارية ويتسررها ففعل، فأرادت أن تعتق عليه، قال: ذلك لها، قيل له: فإن اشترط لها إن تزوج أو تسرر عليها فأمر الجارية وعتقها بيدها، فقالت: اشهدوا أنه إذا تزوج أو تسرر فقد طلقت عليه وأعتقت، ثم تزوج أو تسرر، قال: ذلك الطلاق والعتق باطل، إلا ما يطلق أو يعتق من ذي قبل، حين تزوج أو تسرر، وقاس قوله في هذا الأصل كله بنظيره، ونحن نخالفه. قال محمد بن رشد: إنما رأى لها أن تطلق عليه وتعتق، ما تزوج أو تسرر، بعد أن أذنت له في التزويج والتسرر، من أجل أنه لم يستثن في الشرط إذنها، ولو استثناه فقال فيه: إلا بإذنها، فأذنت له، لم يكن لها أن ترجع، ولزمها الإذن على مذهبه، إذ لا اختلاف في ذلك، وإنما الاختلاف إذا لم يكن في الشرط إلا بإذنها، فرأى أشهب أن لها أن ترجع فتأخذ بشرطها وإن أذنت، بخلاف ذلك إذا كان في الشرط إلا بإذنها، ولم ير ذلك لها مالك، بمنزلة إذا كان في الشرط إلا بإذنها، فساوى مالك بين الوجهين جميعا، وفرق بينهما. وقد مضى القول على هذه المسألة موعبا في أول رسم من سماع ابن القاسم. وأما إذا قالت: اشهدوا أنه إذا تزوج أو تسرر فقد طلقت وأعتقت، فينفذ عليه الطلاق والعتق عند مالك، خلاف قول أشهب. والاختلاف في هذا كله جار على أصل مختلف فيه، وهو الاختلاف في لزوم إسقاط الحق قبل وجوبه. وبالله التوفيق. [مسألة: السفيه أيزوج أخته] مسألة قال: وسمعت أشهب وسئل عن السفيه أيزوج أخته؟ قال: نعم، حسبته قال: إن كان ذا رأي فيما أعلم، ولا مولى عليه. وإن كان سفيها، وإلا فلا.

قال محمد بن رشد: القائل حسبته قال، إلى آخر قوله، هو أصبغ، وفي قوله التباس؛ لأنه عبر عن الظن بالعلم، وقدم وأخر، فتقدير قوله حسبت: أشهب، زاد فيما أظن على قوله: نعم، وهذا إن كان ذا رأي، ولم يكن مولى عليه فزوجها وإن كان سفيها، وإلا فلا، فعلى هذا لم ير للسفيه إن كان في ولاية أن يزوج، وإن كان ذا رأي، ورأى للسفيه إذا لم يكن في ولاية أن يزوج أخته إذا كان ذا رأي، وكذلك ابنته البكر قبل البلوغ وبعده، وقد قيل: إن للسفيه المولى عليه أن يزوج أخته وابنته البكر قبل البلوغ وبعده، إذا كان ذا رأي. وهذا على القول بأن وصيه ليس بوصي على ولده، وقد مضى الاختلاف في ذلك في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب النذور. فإن زوج السفيه المولى عليه، ولا رأي له، ابنته البكر، أو أخته، أو مولاته، أو أمته، فسخ النكاح، وقيل: ينظر فيه. وإن زوج السفيه المولى عليه وله رأي على مذهب من لا يرى له أن يزوج أخته، مضى النكاح، وإن زوج ابنته البكر، أو أمته نظر فيه، فإن كان صوابا أمضي، وإن زوج السفيه الذي ليس بمولى عليه ولا له رأي ابنته البكر، نظر فيه، وإن زوج أخته مضى، إلا أن يكون غير صواب، وإن زوج أمته، جرى ذلك على الاختلاف في جواز فعله في ماله، فلا اختلاف في أن المولى عليه إذا لم يكن له رأي لا يجوز له أن يزوج ابنته ولا أخته ولا أمته، ولا اختلاف في أن السفيه يجوز له أن يزوج ابنته البكر قبل بلوغها وبعده، وأخته ومولاته، إذا لم يكن في ولاية، وكان ذا رأي. ولوصي اليتيم المولى عليه أن يزوج إماءه باتفاق، واختلف هل له تزويج بناته الأبكار بعد بلوغهن، فيزوجهن على القول بأنهن في ولايته، ولا يزوجهن على القول بأنهن ليس في ولايته. وأما أخواته وعمامته ومولياته فلا يزوجهن، فإن فعل مضى ولم يفسخ. قاله ابن الهندي. واحتج له بمسألة كتاب الوصايا الأول من المدونة وهو بعيد، وإنما الاختلاف في الوصي المطلق، وذلك إذا قال الرجل: فلان وصي، هل له أن يزوج من لا ولاية له عليهن من قرابة الموصي ومولياته؟

مسألة: اشترط لامرأته إن تزوج عليها فأمرها بيدها

على ثلاثة أقوال: أحدها إن له أن يزوجهن، وهو أولى بذلك من الأولياء، وهو مذهب ابن القاسم، وإليه ذهب ابن حبيب. والثاني إن له أن يزوجهن، إلا أن الأولياء أحق بذلك منه، وهو قول أصبغ. والثالث إنه ليس له أن يزوجهن، وهو قول سحنون. وأما الصغير، فليس من الأولياء؛ لأن شروط صحة الولاية في النكاح خمسة، وهي: الذكورة، والبلوغ، والعقل، والحرية، والإسلام. وليست العدالة ولا الرشد في المال بشرط في صحتها. فإن زوج الفاسق أو السفيه، وهما ذوا رأي، مضى النكاح، وإن كان الاختيار أن يكون عدلا رشيدا. واختلف في عدم الولاية على الولي، هل هي شرط في صحة ولايته أم لا على ما مضى من الاختلاف والتقسيم في ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: اشترط لامرأته إن تزوج عليها فأمرها بيدها] مسألة قال أصبغ: وسمعت أشهب، وسئل عن الذي اشترط لامرأته إن تزوج عليها فأمرها بيدها، فسافر سفرا فتزوج ووطئ، وهي لا تعلم، ثم قدم فعلمت قال: فأمرها بيدها. قال: وإن ماتت المرأة التي تزوج عليها أو فارقها دون أن تعلم، ثم علمت، فلها الخيار أيضا. قال أصبغ: وهذا في التي أمرها بيدها في الشرط. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن القضاء قد وجب عليها في نفسها بتزويجه عليها، فلا يسقط ما وجب لها من ذلك موت المتزوجة ولا طلاقها، وإنما اختلف إذا شرط لها أن يكون أمر الداخلة عليها بيدها فتزوج عليها ثم طلقها، هل يسقط ما كان بيدها من طلاق الداخلة عليها أم لا؟ فقال ابن القاسم في آخر هذا السماع: إن ذلك بيدها بعد الطلاق. وهو قوله أيضا في كتاب ابن سحنون. وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد: وليس لها ذلك بعد الطلاق. وقال سحنون: إن كان الطلاق بائنا فلا حكم لها في ذلك، وإن كان غير بائن فلها ذلك. وقول سحنون مفسر لقول ابن الماجشون، فالاختلاف إنما هو في الطلاق البائن والله أعلم.

مسألة: أقر في مرضه بأنه قد قبض صداق ابنته ومات

[مسألة: أقر في مرضه بأنه قد قبض صداق ابنته ومات] مسألة وسئل أشهب عمن أقر في مرضه، بأنه قد قبض صداق ابنته ومات، قال: إن كان له مال أخذ من ماله، وإن لم يكن للزوج إليها سبيل إلا بالصداق يدفعه ويتبع به الميت المقر، قال أصبغ: هذه عندي مثل المسألة التي أوصى أن يزوج ابنته ابن أخيه. ويمهر عنه من ماله، وقد قال فيها أيضا إنها وصية لابنته، فإحداهما ترد الأخرى من قوله، وهذه غفلة، هي ها هنا أولى بأن تلحق بالأخرى، ولا أرى أن يجوز إقراره إذا كان في مرض يحجب عنه القضاء في ماله، فهي تهمة كتهمة وصية، وتصير كأنها وصية لها وتوليجا، وإن كان ابن وهب قال لي مثل قول أشهب في إجازته لم يزل ذلك قول ابن وهب. قال محمد بن رشد: قول أشهب في الذي أقر في مرضه أنه قبض صداق ابنته ومات، إنه يؤخذ من ماله إن كان له مال، معناه: إن كان الزوج موسرا له مال؛ لأنه إذا كان موسرا فلا تهمة على الأب في إقراره؛ لأنه حق للزوج، أقر له به، لا منفعة للابنة فيه؛ لأنها إن لم تأخذ صداقها من مال أبيها أخذته من زوجها، لتقرره لها عليه، وثبوته في ذمته قبل الإقرار، وأما إن كان معدما لا مال له، فهي وصية لابنته، لا يؤخذ لها ذلك من ماله؛ لأنه يتَّهم أن يكون إنما أراد أن يولج إليها من ماله الصداق الذي قد نوى بكونه على معدم، فلا تشبه هذه المسألة مسألة الذي أوصى أن تزوج ابنته ابن أخيه، ويمهر عنه من ماله؛ لأن الصداق لم يكن واجبا على الزوج قبل الوصية، وإنما وجب للابنة في مال الأب بقبول الزوج النكاح على ذلك، فلذلك قيل فيه إنها وصية للابنة، ولو زوَّج رجل ابنته من رجل بصداق سماه، ثم أوصى في مرضه أن يؤدى من ماله الصداق على الزوج لابنته، والزوج موسر لجاز، وكانت وصية للزوج باتفاق، فتفرقة أشهب بين المسألتين صحيحة، وما نسب إليه أصبغ من الغفلة في ذلك لائقة به في المساواة بينهما على ما ذكرناه. والله أعلم. وقول

مسألة: قبض الآباء صدقات البنات

أشهب: وإن لم يكن له مال لم يكن للزوج إليها سبيل إلا بالصداق يدفعه ويتبع به الميت المقر هو على أصله في المسألة التي بعدها خلاف مذهب ابن القاسم، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله وبالله التوفيق. [مسألة: قبض الآباء صدقات البنات] مسألة قال أصبغ: قال لي أشهب في قبض الآباء صدُقات البنات: إن ما قبضوا ببينة أو بغير بينة، فليس ذلك بسواء، يريد أن ما قبضوا ببينة فزعموا أنه ضاع، أن ضياعه من الابنة، وليس على الزوج من الضياع شيء ولا على الأب، ويدخل الزوج بامرأته. وإن كان بغير بينة ولم يكن للزوج إليها سبيل إلا بدفع الصداق. وقال ابن وهب مثله سواء حرفا بحرف، سألتهما عنهما فاجتمعا لي على هذا القول، وزاد ابن وهب في التفسير والكلام، ولا شيء على الأب في الضياع. وإن كان الدفع بغير بينة، فالقول قوله، غير أنه لا سبيل للزوج إلى المرأة إلا بدفع الصداق، ولا يصدق الأب على أنه قبضه كانت مسألته في الإنكار، وهو كله رأي أصبغ. قال محمد بن رشد: قول أشهب وابن وهب هذا إن الزوج لا يبرأ من صداق زوجته البكر بإقرار أبيها بقبضه إذا ادّعى تلفه، خلاف قول ابن القاسم في آخر هذا السماع، وفى أول رسم منه، وخلاف ظاهر قول مالك في المدونة وغيرها: إن الغريم يبرأ من الدين الذي عليه بإقرار الوصي والوكيل المفوض إليه بالقبض، وإن ادعيا التلف، بخلاف الوكيل الذي ليس بمفوض، فحكم ابن وهب وأشهب للأب في إقراره قبض صداق ابنته البكر قبل الدخول، بحكم الوكيل الذي ليس بمفوض إليه. ولا اختلاف بينهم في أنه يبرأ من الصداق بعد الدخول بإقرار الأب أو الوصي يقبضه منه وإن ادّعى تلفه. وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تصدق الصداق عينا فيتلف منها ثم يطلقها قبل الدخول] مسألة قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن المرأة تصدق الصداق عينا

فيتلف منها، ثم يطلقها قبل الدخول، أيرجع عليها بشيء؟ قال: نعم هي ضامنة، إلا أن يأتي أمر معروف يعرف هلاكه وتلفه ببينة تقوم على ذلك بغير ضيعة منها فلا ضمان عليها. قال أصبغ: لا يعجبني وأراها ضامنة وغارمة على كل حال، قامت بتلفها ببينة أو لم تقم، بضيعة أو بغير ضيعة، وليس العين في هذا كالعرض والحيوان العين عين مضمونة ساعة تستوفيه، ومال من مالها، والزكاة جائزة عليها، فلو زكتها أعواما ثم طلقها لم يكن عليه من ذلك الزكاة شيء، ولم تدخل الزكاة عليه كما تدخل في المواشي للضمان والاعتقاد، فأراها عليها على كل حال، تبعها بضعها. ولو اشترت جهازا بأمر ظاهر معروف أو منسوب، ثم سرق الجهاز، أو أصابه أمر فضاع أو تلف، لم أر عليها ضمانا ولا غرما وكان كما لو أصدقها إياه بعينه فتلف بعد ذلك. وقال ابن الماجشون: كل ما يضمنه المستعير فالمرأة إذا أصدقته فهي له ضامنة إذا ضاع عندها، إلا أن تقوم لها بينة على هلاكه، وعليها أن تخلف ذلك من مالها إذا لم تقم لها بينة على هلاكه، يشتري به جهازا لزوجها، لم يفرق ابن الماجشون بين العرض والعين، كما فرقه أصبغ، وكما لا يضمنه المستعير إذا ضاع عنده، فلا ضمان على المرأة فيه إذا أصدقته وضاع عندها. قال محمد بن رشد: قول ابن الماجشون في مساواته بين العين وما يغاب عليه من العرض، إن المرأة ضامنة له، إلا أن تقوم البينة على تلفه على ما

مسألة: قال لها إن تزوجت عليك فأمرك بيدك فأذنت له قبل ما يريد التزويج بكثير

تأول عليه العتبي مفسرا لقول ابن القاسم، وذلك على قياس قوله وروايته عن مالك في المدونة، إن المرأة والزوج شريكان فيما أصدقها قبل الدخول، تكون غلة ذلك بينهما والمصيبة منهما إن طلقها قبل الدخول، وعلى قياس قول غير ابن القاسم الذي يرى الغلة لها، يكون الضمان منها فيما يغلب عليه من العروض وإن قامت البينة على تلفه. وفيما لا يغاب عليه من الحيوان، وهو قول مالك في أول رسم من سماع أشهب أخذ بذلك. وقد مضى القول على ذلك هنالك، ولم يعجب ابن حبيب تفرقة أصبغ بين العين وما يغاب عليه من العرض، على أنها أظهر من قول ابن القاسم؛ لأنها لو باعت العرض الذي أصدقها بعين أو عرض ثم طلقها، كان له أن يأخذ نصف ما باعته به، ولو صرفت العين أو اشترت به عرضا لغير جهازها ثم طلقها، لما كان له إلا نصف ما نقدها من العين، فكما يكون لها ربح العين، فكذلك يكون عليها ضمانه. والظاهر من قول ابن الماجشون إنها ضمانة للعين، بخلاف العرض مثل قول أصبغ، خلاف ما تأول عليه العتبي من أنه لم يفرق بين العين والعرض؛ لأنه مثل ذلك بالعارية، فقال: إن كل ما يضمنه المستعير، فالمرأة له ضامنة، ومستعير الدنانير والدراهم ضامن لها، وإن قامت البينة على تلفها؛ لأن الربح لها. فأما استدلال أصبغ بالزكاة فلا يلزم ابن القاسم؛ لأن الذي يأتي على مذهبه أن ما أدت من زكاة العين إذا قامت البينة على ذلك، بمنزلة ما تلف منه بالبينة والله أعلم. [مسألة: قال لها إن تزوجت عليك فأمرك بيدك فأذنت له قبل ما يريد التزويج بكثير] مسألة قال ابن القاسم: وإذا قال لها إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فأذنت له قبل ما يريد التزويج بكثير، ثم طال، فأرادت أن ترجع لما طال ذلك، قال: لم يكن لها أن ترجع، ومن القوة في ذلك لو أذنت له أن يفعل متى ما أراده قبل أن يريد أن يفعل، ثم فعل بعد ذلك، فأرادت الرجوع لم يكن لها ذلك، وليس بيدها شيء إن شاء الله.

مسألة: يدعى إلى الصنيع فجاء فوجد فيه لعبا أيدخل

قال محمد بن رشد: قوله: إنها ليس لها أن ترجع إذا أذنت له ففعل خلاف ما تقدم لأشهب في هذا الرسم، وقد مضى القول في هذه المسألة موعبا في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: يدعى إلى الصنيع فجاء فوجد فيه لعبا أيدخل] مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم، وسئل عن الذي يدعى إلى الصنيع، فجاء فوجد فيه لعبا، أيدخل؟ قال: إن كان شيئا خفيفا مثل الدف والكبر الذي يلعب به النساء، فما أرى به بأسا. قال أصبغ: ولا يعجبني، وليرجع. وقد أخبرني ابن وهب أنه سمع مالكا يسأل عن الذي يحضر الصنيع فيه اللهو، فقال: ما يعجبني للرجل ذي الهيئة يحضر اللعب، وأخبرني ابن وهب عن مالك وسئل عن ضرب الكبر والمزمار، أو غير ذلك من اللهو، ينالك سماعه، وتجد لذته وأنت في طريق أو مجلس غيره، قال مالك: أرى أن يقوم من ذلك المجلس. قال أصبغ: وأخبرني ابن وهب عن بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، «أن رجلا دعا عبد الله بن مسعود إلى وليمة، فلما جاء سمع لهوا فرجع، فلقيه الذي دعاه فقال له: ما لك رجعت، ألا تدخل؟ فقال: إني سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: " من كثَّر سواد قوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمله» . قال أصبغ: وأخبرني ابن وهب عن خالد بن حميد عن يحيى بن أبي أسيد، أن الحسن البصري كان إذا دُعي إلى الوليمة

يقول: أفيها برابط؟ فإن قيل: نعم، قال: لا دعوة لهم ولا نعمة عين. قال أصبغ: ما جاز للنساء مما جُوز لهن من الدف والكبر في العرس، فلا يجوز للرجل عمله. وما لا يجوز لهم عمله، فلا يجوز لهم حضوره، ولا يجوز للنساء غير الكبر والدف، ولا غناء معهما ولا ضرب ولا برابط ولا مزمار، وذلك حرام محرم في الفرح وغيره، إلا ضرب الدف والكبر هملا وبذكر الله وتسبيحه، وحمدا على ما هدى. أو برجز خفيف لا بمنكسر ولا طويل، مثل الذي جاء في جواز الأنصار «أتيناكم أتيناكم تحيونا نحيوكم ولولا الحبة السمرا لم نحلل بواديكم» وما أشبه ذلك. ولا يعجبني مع ذلك التصفيق بالأيدي وهو أخف من غيره. قال أصبغ: وقد أخبرني عبد الله بن وهب عن الليث أن عمر بن عبد العزيز كتب بقطع اللهو كله إلا الدف وحده بالعرس. فهذا رأيي وأحب إلى العامة والخاصة العمل به، ولا أرى به بأسا في الملاك على مثل العرس، وما فسرنا فيه فهو منه. وقد حدثني عيسى بن يونس عن خالد بن الياس العذري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد بن أبي

بكر الصديق عن عائشة أن الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أظهروا النكاح واضربوا عليه بالغربال» . ابن وهب عن عبد الله بن الأسود المالكي عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن الزبير بن العوام عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أعلنوا النكاح» . قال أصبغ: فالإعلان به عندي الملاك والعرس جميعا أن يعلن بهما، ولا يستخفى بهما سرا في التفسير ويظهر بهما ببعض اللهو، مثل الدف والكبر للنساء. والغربال هو الدف المدور، وليس المزهر، والمزهر مكروه وهو محدث، والفرق بينهما أن المزهر ألهى، وكل ما كان ألهى فهو أغفل عن ذكر الله وكان من الباطل، وما كان من الباطل فمحرم على المؤمنين اللهو والباطل. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل لهو يلهو به المؤمن حرام إلا ثلاث» . قال القاسم بن محمد: إذا أجمع الحق والباطل يوم القيامة، كان الغناء من الباطل، وكان الباطل في النار. قال أصبغ: والباطل كله محرم على المؤمنين. قال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] كما أن القمار محرم للهو، وميسره فهو لهو كله. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في اللهو والعرس، وما يجوز

مسألة: الجارية إذا كانت بكرا أو يتيمة فأقرت بعد الخلوة بأنه لم يمسها

من عمله وحضوره، موعبا في رسم طلق ابن حبيب من سماع ابن القاسم. وفي رسم سلف دينارا من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك ها هنا، والثلاث التي أبيح اللهو بها في الحديث المذكور: «ملاعبة الرجل امرأته، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه» . وبالله التوفيق. [مسألة: الجارية إذا كانت بكرا أو يتيمة فأقرت بعد الخلوة بأنه لم يمسها] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن الجارية إذا كانت بكرا لا قضاء لها في مالها، أو يتيمة مولى عليها، أو صغيرة لم تبلغ المحيض، إلا أنه قد بلغ مثلها أن توطأ، فأقرت له بعد الخلوة وإرخاء الستور، بأنه لم يمسها، أينفعه تصديقها إياه، وإقرارها له، أو لا ينفعه؛ لأنها تسقط عنه بذلك نصف الصداق؟ قال: لا، بل ينفعه، ويسقط عنه نصف الصداق، ولا يلزمه إلا نصفه؛ لأن هذا مما لا يستدل على صدقه ولا على كذبه إلا بقولهن، فهن فيه مأمونات مقبول قولهن، كما هن مأمونات على الحيض والعدة والولادة وما أشبه ذلك، جعل الله ذلك إليهن. قال: ومن الدليل أيضا على ذلك ما فسرت لك من أن الصداق لا يجب مع الخلوة وغلق الباب وإرخاء الستر إلا بدعوى المرأة المسيس، فلو كان يجب بالخلوة بغير دعوى المرأة المسيس ما نفعه طرح البكر السفيه والصغيرة التي ذكرت لك عنه؛ لأنهن يطرحن شيئا قد وجب، وهن ممن لا طرح لهن، ولا قضاء في أموالهن، فلما كان لا يجب إلا بدعواهن، سقط بإقرارهن وتصديقهن الزوج بترك المسيس، لا بل بسكوتهن عن ادعائه يسقط فضلا عن غيره من الأشياء والله أعلم. قال أصبغ: ورأيي في جميع هذه المسألة من أولها إلى آخرها على قول ابن وهب وروايته عن مالك. قال محمد بن رشد: قوله: إن الصداق لا يجب إلا بدعوى الزوجة

المسيس، بكرا كانت أو ثيبا، كبيرة أو صغيرة، رشيدة أو سفيهة، ذات أب أو يتيمة، صحيح لا اختلاف فيه في مذهب مالك؛ لأن إرخاء الستر عند مالك وجميع أصحابه لا يوجب الصداق، وإنما هو شبهة يوجب أن يكون القول قول الزوجة في المسيس، كشاهد، واليد، ومعرفة العفاص والوكاء، مع يمينها إن أنكر الزوج المسيس. قاله في كتاب ابن المواز، وكتاب ابن الجهم، ورواه عيسى عن ابن القاسم في الذي يغيب على المرأة غصبا، فإن كانت صغيرة حلف الزوج وأدَّى نصف الصداق، إلى أن تبلغ فتحلف وتأخذ نصف الصداق الثاني، فإن نكلت عن اليمين لم يكن للزوج أن يحلف ثانية، وإن نكل أولا عن اليمين غرم جميع الصداق، ولم يكن له أن يحلفها إذا بلغت، حكم الصغير يقوم له بحقه شاهد، وقد قيل إنه لا يمين عليها إن كانت صغيرة، وهو بعيد؛ لأن الصغر لا يسقط اليمين الواجبة مع الكبر، فلا فرق بين الصغيرة والكبيرة، إلا فيما ذكرناه من تأخير الصغيرة باليمين. وقد روي عن أحمد بن المعدل أنه لا يمين عليها وإن كانت كبيرة، وهو بعيد، ما له وجه، إلا مراعاة قول من يرى الصداق واجبا لها بالخلوة وإن لم يكن مسيس، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه على ظاهر قول عمر بن الخطاب: إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق، فإذا أقرت أنه لم يمسها لم يكن لها إلا نصف الصداق، إلا أن يُقر الزوج أنه قد مس وهي أمة أو مولى عليها بأب أو وصي، فيكون لسيد الأمة أو ولي المرأة أن يأخذ الصداق منه بإقراره، ولا يكون لها أن تسقط حقا قد أقر لها به الزوج، قاله سحنون ومطرف. وخالفه في ذلك ابن الماجشون وغيره، ولا اختلاف في أن خلوة البناء توجب أن يكون القول قول المرأة في دعوى المسيس. واختلف إذا خلا بها ولم تكن خلوة بناء، على أربعة أقوال: أحدها: أن القول قولها حيث ما أخذهما الغلق، كان في بيته أو في بيتها، وهو أحد قولي مالك وبه أخذ مطرف وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، على ظاهر قول عمر بن الخطاب: إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق.

مسألة: المريض يوصي إن حدث به حدث الموت فقد زوجت ابنتي من ابن أخي

والثاني: أن القول قول الزوج حيثما أخذهما الغلق، ما لم تكن خلوة بناء، وهو قول عيسى بن دينار. والثالث: الفرق بين أن يكون أخذهما الغلق في بيته، أو في بيتها. وهو قول مالك الثاني، ومذهب ابن القاسم، على ما روي عن سعيد بن المسيب. والرابع: أنها إن كانت ثيبا فالقول قولها، وإن كانت بكرا نظر إليها النساء، فإذا رأيْن لها أثر افتضاض صُدقت عليه، وإن لم يرين لها أثر افتضاض، لم يكن لها إلا النصف من الصداق. حكى ذلك عبد الوهاب عن مالك وبالله التوفيق. [مسألة: المريض يوصي إن حدث به حدث الموت فقد زوجت ابنتي من ابن أخي] مسألة قال أصبغ: سألت أشهب وابن وهب عن المريض يوصي إن حدث به حدث الموت، فقد زوجت ابنتي من ابن أخي، وأصدقتها عنه مائة دينار من مالي، فيموت، فقالا: النكاح جائز. قال أشهب: ولا يكون لها من مال الأب شيء، ولا يؤخذ الصداق من ماله، ويقال لابن الأخ: أعط الصداق من مالك والنكاح ثابت، فإن أبى ترك النكاح، ولا شيء عليه. وقاله ابن القاسم حرفا بحرف اجتمعا عليه. وقال ابن وهب: يؤخذ من مال الميت وهي وصية لزوج. قلت لابن وهب: فإن أبى أن يكون له من المال شيء؟ قال: لا. قلت: أَفَتَرَى الآن أنها وصية للبنت، لو كانت وصية للزوج، كانت ها هنا؟ فقال: إنما هي له وصية على شيء، إن فعله تمت له، وإلا لم تتم له، كالذي يقول: إن أحسن فلان كفالة ولدي والقيام معهم وكفلهم بأعيانهم فقد زوجته ابنتي، أو قد وصلته بكذا

مسألة: الوصي بمنزلة الأب في جميع أمور الولد الصغار

وكذا، فإن فعل كان ذلك له، وإلا لم يكن له شيء. قال أصبغ: وقول أشهب وابن القاسم، أعجب إليّ؛ لأنها تصير وصية للبنت، وهي المرأة، فإن تم الفعل منه تم لها فهي وصية لوارث، وأراه قول مالك أيضا. قال محمد بن رشد: قد مضى قبل هذا في هذا السماع ما فيه بيان لهذه المسألة، ومضى القول فيها مستوفى في رسم العارية من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك هنا وبالله التوفيق. [مسألة: الوصي بمنزلة الأب في جميع أمور الولد الصغار] مسألة قال أصبغ: الوصي بمنزلة الأب في جميع أمور الولد الصغار، كلما جاز للأب فيهم جاز للوصي، إلا شيئا واحدا، ليس له أن يزوج الصغيرة إلا برضاها؛ للحديث: «اليتيمة تُستأذن في نفسها» . قال أصبغ: ولو تزوجت أم الصبيان، كان الوصي أولى بحضانتهم من أمهم، جواري كانوا أو غلمانا، وإن كن الجواري قد بلغن أبكارا، فالوصي أولى بحضانتهن من أمهن إن تزوجت. قيل له: فإن كان لهن أخ أو عم أو ابن عم عدولا رضا، أفلا يكون هؤلاء أولى بحضانة الجواري والصبيان من الوصي؟ قال: لا الوصي أولى بحضانتهم، ويكونون عنده من إخوتهم وإن كانوا رضا، وإن انتقل الوصي إلى بلد آخر، كان له أن يحملهم معه، الجواري والصبيان، وليس لإخوتهم، ولا عمومتهم أن يأخذوهم منه؛ لأنه بمنزلة أبيهم في كل شيء، إلا تزويج الإناث فقط قبل أن

مسألة: الرجل يزوج ابنته البكر ويقر بقبض الصداق

يبلغن، وما سوى ذلك فهو والأب سواء. قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة في الوصي: ليس له أن يزوج الصغيرة إلا برضاها، كلام وقع على غير تحصيل؛ لأن الصغيرة ليس له أن يزوجها وإن رضيت، إذ لا رضى لها قبل البلوغ، فهو بخلاف الأب، في أنه لا يزوج الصغيرة أصلا، ولا البكر البالغ إلا برضاها. وقال: إنه أحق بحضانة الغلمان والجواري وإن بلغن، من الأم إذا تزوجت، ومن جميع الأولياء. وقد اختلف في ذلك، فقيل: إنما يكون الوصي إذا تزوجت الأم أحق بحضانة بنيها الذكور، وأما الإناث، فكونهن مع زوج أمهن؛ لأنه محرم منهن أولى من كونهن مع الوصي، إذ لا حرمة بينه وبينهن، إلا أن يخاف عليهن عند الأم غير الزوج، فيكون الوصي أولى بحضانتهن، وكذلك ابن العم، بخلاف الأخ والعم، لا اختلاف في أن الأخ والعم أحق من الأم بحضانة ابنتها إذا تزوجت. وقع هذا المعنى لمالك في كتاب ابن المواز. وهذا إذا أراد الوصي أو ابن العم أن تكون الابنة معه ومع أهله في داره، وأما إن أراد أن يعزلها قي موضع من يقوم عليها من ثقات النساء ولعلهن لها قرابات، فيكون أحق لها من الأم إذا تزوجت والله أعلم. [مسألة: الرجل يزوج ابنته البكر ويقر بقبض الصداق] مسألة قلت: أرأيت الرجل يزوج ابنته البكر ويقر بقبض الصداق وذلك في صحة أو مرض؟ قال: إن كان في مرض اتهمته أن يكون إنما أراد بذلك الابنة، بمنزلة الذي يزوج ابنته ويتحمل الصداق وهو مريض، فيجوز النكاح، ولا يكون عليه الاحتمال؛ لأنها وصية للابنة. ولا تجوز وصيته لوارث، فإن كان صحيحا جاز ذلك على الأب إن كان موسرا، وإن كان معسرا اتبعته به دينا. قلت: فإن قال الأب قبضته وضاع مني، ولم يكن عند الزوج بينة بالدفع إلا إقرار الأب. قال: إن كانت البنت بكرا لزمها ذلك،

مسألة: رجل شرط لامرأته أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها

وكان قبضه لها قبضا، وضياعه منها ضياع، ولم يكن على الزوج شيء. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان في مرض اتهمته أن يكون إنما أراد بذلك الابنة، يريد: إن كان ذلك كله في مرض التزويج والإقرار، وفي حال واحدة أيضا، وذلك مثل أن يقول: أشهدكم أني قد زوجت ابنتي من فلان بكذا وكذا وقبضته منه، فهذا هو الذي يكون بمنزلة من يزوج ابنته في مرضه ويتحمل الصداق عنه، كما قال. ويدخل ذلك من الاختلاف ما دخله، وأما إن زوج ابنته في صحته أو في مرضه بصداق مسمى، ثم أقر بعد ذلك في مرضه أنه قبض منه، فإن كان الزوج موسرا أخذت ذلك من مال الأب إن كان له مال، واتبعته به دينا في ذمته إن لم يكن له مال، وكان للزوج أن يدخل بها عند ابن القاسم، خلاف قول أشهب فيما تقدم إنه إن لم يكن له مال، لم يكن للزوج إليها سبيل، إلا بدفع الصداق، يدفعه ويتبع به الميت المقر، وإن كان الزوج معدما، لم يجز إقراره في المرض؛ لأن ذلك وصية ابنته. وأما إن أقر في صحته أنه قبضه منه، فيبرأ الزوج بإقراره على كل حال عند ابن القاسم، ويكون للزوج أن يدخل بها، فإن ادعى الأب تلفه صُدق مع يمينه، من أجل حق الزوج، وكانت مصيبته منها، وإن لم يدع تلفه وكان معسرا، اتبعته به دينا، ولا يكون للزوج أن يدخل بها عند أشهب وابن وهب، حتى يؤدي الصداق إن كان الأب معسرا وادعى تلفه، فإقرار الأب في مرضه الذي مات منه بقبض صداق ابنته، يكون في حال وصيته لابنته لا يجوز، وذلك إذا كان إقراره بعد العقد والزوج عديم، وفي حال وصية جائزة للزوج، وذلك إذا كان إقراره بعد العقد، والزوج موسر، وفي حال يختلف، هل يكون إقراره وصية له أو لها؟ وذلك إذا كان إقراره مع العقد في حال واحدة. والله الموفق. [مسألة: رجل شرط لامرأته أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها] مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن رجل شرط لامرأته أن كل

مسألة: الرجل يتزوج على المرأة على أن يستشير فلانا

امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها، فيتزوج عليها سرا، وكتمها، ثم طلق التي شرط لها ذلك، قال: ذلك بيدها وإن طلقها. وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة وما فيها من الاختلاف في هذا الرسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الرجل يتزوج على المرأة على أن يستشير فلانا] مسألة قال أصبغ: قلت لابن القاسم: ما تقول في الرجل يتزوج على المرأة على أن يستشير فلانا؟ قال: لا يحل ويفسخ، دخل أو لم يدخل، إلا أن تكون مشورة فلان قريبا، وهو حاضر في البلد، فيرسلان إليه في فورهما ذلك، ليعلما رأيه فيجوز ذلك. قلت: فإن كان كذلك فمات أحد الزوجين قبل أن يستشار فلان ورضي؟ قال: لا. قلت: فإن قال المستشار: لا أرضى، ويقول الزوج: قد رضيت، أيثبت النكاح؟ قال: نعم ذلك له وهو ثابت. قلت: فإن قال الزوج قبل أن يستشير فلانا: أنا أثبت النكاح ولا أستشير فلانا، قال: ذلك له أيضا، وهو بمنزلة الرجل يبيع السلعة على هذه الوجوه. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يتزوج المرأة على أن يستشير فلانا: إن النكاح يفسخ دخل أو لم يدخل هو أحد قولي مالك في المدونة، وفي رسم باع شاة من سماع عيسى. وقد مضى القول على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته. وقوله: إلا أن تكون مشورة فلان قريبا وهما حاضران، فيرسلان إليه

النصراني يوصي إليه أخ له مسلم أو عبد يوصي إليه أو امرأة يوصي إليها

في فورهما؛ ليعلما رأيه، فيجوز ذلك معناه: إذا كان ذلك في مجلسهما قبل أن يفترقا منه فيقوم من هذا، جواز النكاح على خيار المجلس. وقد مضى القول على ذلك أيضا في رسم باع شاة المذكور. وأما قوله إذا مات أحد الزوجين قبل أن يستشار فلان، إنهما لا يتوارثان، فهو صحيح، لا اختلاف فيه. وسقوط الميراث قبل الرضا وقبل المشورة، هي العلة في فساد النكاح على الخيار، أو على المشورة إلى ما بعد المجلس وإن قرب، وأما إن مات أحدهما بعد الرضا أو بعد المشورة وقبل الدخول، أو قبله وبعده، على القول بأنه يفسخ بعده، فيجري ذلك على الاختلاف الواقع في المدونة وغيرها، في وجوب الميراث والطلاق فيما يفسخ بحكم من الأنكحة التي اختلف أهل العلم في جوازها. وقوله: إن للزوج الذي اشترط المشورة أن يتركها وأن يخالف ما يشير عليه به المستشار صحيح لا اختلاف في المذهب أحفظه إلا ما حكى أبو إسحاق التونسي من أن ظاهر ما في كتاب ابن المواز المشورة، كالخيار في أن المستشار إذا سبق فأشار بشيء لزم، وهو بعيد. وقوله: وهو بمنزلة الرجل يبيع السلعة على هذه الوجوه: يريد في الحد الذي يجوز فيه الخيار والمشورة في النكاح وهو المجلس، على ما دلت عليه هذه الرواية. [النصراني يوصي إليه أخ له مسلم أو عبد يوصي إليه أو امرأة يوصي إليها] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر، من عبد الرحمن بن القاسم. قال أبو زيد: وقال ابن كنانة وابن القاسم في النصراني يوصي إليه أخ له مسلم، أو عبد يوصي إليه، أو امرأة يوصي إليها، إنهم كلهم يزوجون الغلمان، ولا يزوجون الجواري. وقال: لا يزوج العبد ابنته الحرة ويزوج ابنه. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم باع شاة وغيره من سماع عيسى، وهو مبين لما في المدونة ولما في كتاب ابن المواز ولما في رسم سنّ من سماع ابن القاسم، وقد مضى هنالك القول في هذه المسألة مجردا. وتحصيل من يجوز للمرأة والعبد والنصراني، أن يلي عقد النكاح عليه، وفيمن لا يجوز لواحد منهم أن يلي العقد عليه، ويجوز له على ذلك، الاستخلاف، وفيمن لا يجوز لهم ولاية العقد عليه ولا الاستخلاف على ذلك، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك وبالله التوفيق.

مسألة: الرجل يزوج ابنه صغيرا بشروط فيها طلاق أو عتاق

[مسألة: الرجل يزوج ابنه صغيرا بشروط فيها طلاق أو عتاق] مسألة وسئل ابن وهب عن الرجل يزوج ابنه صغيرا بشروط فيها طلاق أو عتاق، إن ذلك لازم للابن وإن كبر؛ لأنه وطئ عليه، وأنه لا يفسخ النكاح لذلك، دخل أو لم يدخل، والشروط لازمة له؛ لأن أباه الناظر له. قال محمد بن رشد: إلزامه الشروط التي شرط عليه أبوه وهو صغير، خلاف مذهب ابن القاسم فيما يأتي بعد هذا السماع، وخلاف ما حكى عنه ابن حبيب من رواية أصبغ، وعن ابن الماجشون، من أنها لا تلزمه إلا أن يلتزمها بعد البلوغ، فإن أبى من التزامها لم يلزمه النكاح، ولا شيء من الصداق، إلا أن ترضى المرأة بإسقاط الشروط عنه، فيلزمه النكاح، فإذا دخل بها قبل البلوغ أو قبل العلم بالشروط سقطت عنه، وإن دخل بها بعد البلوغ، وبعد أن علم بالشروط لزمته. وفي كتاب محمد بن المواز عن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه إنه إن لم يرض قبل البناء بالشروط، قيل له: إما أن ترضى وإما أن تطلق، فإن طلق فعليه نصف المهر. وهذا إذا اعتبرته من قول ابن القاسم مثل قول ابن وهب، ومثل قول ابن الماجشون، في الذي يزوج ابنه الصغير ولا مال له، فيكتب الصداق عليه، إن ذلك لازم له. وقد مضى ذلك في رسم "باع شاة" من سماع عيسى. [مسألة: رجل يزعم لقوم أنه من فخذ من العرب فيوجد من غير ذلك الفخذ] مسألة وعن رجل يزعم لقوم أنه من قريش، أو من فخذ من العرب، فيوجد من غير ذلك الفخذ. قال ابن القاسم: إن كان مولى فالمرأة بالخيار، إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقت، إذا كانت عربية، وأما إن كان عربيا وهو من غير القبيل الذي سمّى، فلا أرى لها خيارا، وأراها امرأته، إلا أن تكون قرشية، تزوجت على أنه من

قريش، فإذا هو من العرب، أو تكون عربية، تزوجت على ادعائه، فذلك لها. قال محمد بن رشد: اضطرب قول ابن القاسم في هذه المسألة؛ لأن قوله في أولها: إذا كانت عربية، يدل على أنها إذا كانت مولاة فتزوجته على أنه من قريش أو من العرب، فوجد من الموالي، فلا خيار لها من أنها إذا كانت من العرب فتزوجته على أنه من قريش فوجد من العرب فلم ير لها على هذا خيارا بما شرطت، إلا أن يوجد الزوج أدنى منها، مثل أن تكون من العرب فتزوجته على أنه من العرب أو من قريش، فيوجد من الموالي، أو تكون من قريش، فتتزوجه على أنه من قريش، فيوجد من الموالي أو من العرب. وقوله في آخرها: أو تكون عربية تزوجت على ادعائه، يريد تزوجته على أنه من قريش، فوجد من العرب، فلها الخيار، خلاف قوله أولا إذ جعل لها الخيار إذا وجدته أدنى مما شرطت وإن كان مثلها ولم يجعل لها أولا خيارا بما شرطت، إلا أن يوجد أدنى منها، ويلزم على قوله آخرا إذا كانت مولاة فتزوجته على أنه من قريش، فوجدته من العرب أو من الموالي، أو على أنه من العرب، فوجدته من الموالي أن يكون لها الخيار، وهو أظهر على قياس قولهم فيمن ابتاع عبدا على أنه من جنس، فوجده من جنس آخر أدنى من ذلك الجنس، فتحصيل هذا أنه إذا وجدته أفضل مما شرطت لم يكن لها خيار، وإن وجدته أدنى مما شرطت، وأدنى منها فلها الخيار، وإن وجدته أدنى مما شرطت وهو أرفع منها أو مثلها ففي ذلك قولان: أحدهما أن لها الخيار، والثاني لا خيار لها، وهما قائمان من هذه الرواية، على ما بيناه. وإذا وجب لها الخيار فاختارت نفسها قبل الدخول، فهي تطليقة بائنة ولا شيء لها من الصداق، وإن لم تعلم حتى دخل بها، فاختارت نفسها بعد الدخول، فهي تطليقة بائنة أيضا إن لها جميع صداقها؛ لأنها قد استوجبته بالمسيس. وكذلك الحكم في الرجل يتزوج المرأة على أنها من قريش أو من العرب، فتوجد على غير ذلك، يكون للرجل الرد، حيث يكون للمرأة الخيار وبالله التوفيق.

مسألة: يتزوج المرأة ثم يجدها لغية

[مسألة: يتزوج المرأة ثم يجدها لغية] مسألة وعن الرجل يتزوج المرأة ثم يجدها لغية إنها إن كانت حين خطبها انتسبت له، فقالت: أنا فلانة ابنة فلان، فإني أرى النكاح مفسوخا، فإن كان دخل بها فلها صداقها بما استحل منها قبل، فإن كان ذلك إنما هو في أبيها وجَدّ أبيها لغية، هل يفسخ النكاح عنه؟ قال: لا أرى أن يفسخ بذلك، وليس هو في أبيها بمنزلته فيها، والرجل أيضا إذا انتسب للمرأة وغرها بتلك المنزلة. قال محمد بن رشد: قوله: فإني أرى النكاح مفسوخا، معناه إن له أن يفسخه عن نفسه، فلا يلزمه شيء من الصداق إن كان قبل الدخول، ويكون الفسخ فيه تطليقة؛ لأنه نكاح فاسد، فيكون مفسوخا بالحكم. وقوله: إذا كان دخل بها فلها صداقها ما استحل منها، خلاف المعلوم من قولهم: إن له أن يرجع عليها؛ لأنها غرته إذا انتسبت له، ويترك لها من صداقها قدر ما يستحل به الفرج، وإنما يكون لها صداقها بما استحل منها، إذا كان وليها الذي أنكحها هو الذي نسبها له، وغره منها، فيكون هو الذي يجب الرجوع عليه، والأصل في هذا قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام فمسها فلها صداقها كاملا، وذلك لزوجها غرم على وليها. قال مالك: وإنما يكون ذلك غرم على وليها إذا كان وليها الذي أنكحها أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، فأما إن كان وليها الذي أنكحها ابن عم، أو مولى، أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم، وترد المرأة ما أخذت من صداقها، ويُترك لها قدر ما تستحل به. وقوله: والرجل أيضا إذا انتسب للمرأة وغرها بتلك المنزلة، يريد: أنها إذا تزوجته على نسب فوجدته لغية، فلها الخيار وإن كانت مولاة، وإن كانت هي لغية، فتزوجته على نسب، فوجدته لغية، فعلى ما تقدم من الاختلاف في المسألة التي قبل هذه.

مسألة: يجعل بضع ابنته بيد أخيه هل ينكحها العم بغير إذن الأب

[مسألة: يجعل بضع ابنته بيد أخيه هل ينكحها العم بغير إذن الأب] مسألة وقال: في الرجل يجعل بضع ابنته بيد أخيه، هل يُنكحها العم بغير إذن الأب، والأب بغير إذن العم؟ قال: نعم من أنكحها منهما فهو جائز. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الأب لا تسقط ولايته عن ابنته بجعله بضعها بيد أخيه، فإنكاح من أنكحها منهما جائز. فإن أنكحها كل واحد منهما ولم يعلم بإنكاح صاحبه، فهي للأول منهما، إلا أن يدخل بها الآخر. قال ذلك مالك في المدونة وغيرها. [مسألة: العبد يتزوج بغير إذن السيد] مسألة وسئل عن العبد يتزوج بغير إذن السيد، فيراه السيد يدخل على امرأته، هل يلزم السيد الصداق حين رآه ولم يكن أذن له في النكاح؟ قال: إن شهد على أن السيد علم بنكاحه وأقره، رأيت النكاح جائزا، ورأيت الصداق على العبد بما أقر به سيده من ذلك بعد العلم به. قال محمد بن رشد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قد مضت هذه المسألة متكررة، والقول فيها في رسم الرهون من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: زوج ابنا له صغيرا وأصدق عنه وشرط في نكاحه] مسألة وسئل عن رجل زوج ابنا له صغيرا وأصدق عنه، وشرط في نكاح الصبي أنه إن استسر عليها أو تزوج فهي طالق ألبتة، فبنى الغلام بأهله ثم أراد أن يتسرر أو ينكح عليها. قال: ذلك له، إلا

أن يعلم أن الابن قد علم بالشروط التي شرط لها فدخل بها على ذلك ووطئها، فإن ذلك يلزمه. قلت: أرأيت لو أن الأب حين نكح ابنه شرط عليه شروطا أنه ليس له أن يتسرر ولا ينكح، فإن نكح فهي طالق ألبتة. فقال أهل المرأة للزوج: قد شرط ذلك عليك وأنت كبير، وقال الزوج: بل شرط عليّ ذلك وأنا صغير. قال ابن القاسم: على الزوج البينة، أنه شرط ذلك عليه وهو صغير، فإن لم يأت بالبينة حلف أهل المرأة وكان القول قولهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مبنية على أن الابن الصغير لا يلزمه ما شرط عليه أبوه من الشروط، إلا أن يلتزمها بعد البلوغ، أو يدخل بعد العلم بها، فيكون ذلك رضا منه، خلاف قول ابن وهب في أول السماع، فإن دخل ولم يعلم بها سقطت عنه وهو محمول على أنه لم يعلم، حتى يثبت عليه أنه علم بها. وذلك بيّن من قوله: وذلك له إلا أن يعلم أن الابن قد علم، وذلك أنه علم أنه شرطها عليه وهو صغير بتقاررهما على ذلك، أو بينة قامت عليه. وأما إن اختلفا فقال الابن: كنت صغيرا إذ شرط ذلك عليّ الأب، وقال أولياء المرأة: بل كنت بعد كبيرا، فعلى الابن البينة؛ لأنه الآن كبير، يلزمه ما شرط عليه أبوه بحضرته، فهو مدّع أنه كان حينئذ صغيرا ممن لا يلزمه ما شرط عليه أبوه بحضرته، فإن أقام البينة كان بالخيار، في أن يلتزم الشروط أو يفارق، ولا يكون عليه شيء من الصداق، إلا أن تسقط المرأة عنه الشروط، فيلزمه النكاح، وإن لم يكن بينة، حلف أهل المرأه وكان القول قولهم، ولزمته الشروط، إلا أن يشاء أن يطلق، فيلزمه نصف الصداق، وأهل المرأة الذين يحلفون، هم: الأب أو الوصي، دون من سواهما من الأولياء، فإن نكلوا عن اليمين، حلف الزوج، وكان كمن أقام البينة على

مسألة: أصدق امرأته مائة دينار فدخل عليها ولم يدفع إليها شيئا من الصداق

دعواه. وإنما أوجب هاهنا اليمين على أهل المرأة لا عليها؛ لأنهم ادعوا ذلك، وذلك خلاف ما في أول رسم من سماع ابن القاسم، ولو لم يدعوا ذلك وقالوا: لا علم لنا به، لحلفت الزوجة، كما تحلف إذا قامت بشرط المغيب أو عدم الإنفاق. وقد مضى القول في أول رسم من سماع ابن القاسم على هذا المعنى مقسما مستوفى، فلا معنى لإعادة شيء منه، وبالله التوفيق. [مسألة: أصدق امرأته مائة دينار فدخل عليها ولم يدفع إليها شيئا من الصداق] مسألة وسئل عن رجل أصدق امرأته مائة دينار، فدخل عليها ولم يدفع إليها شيئا من الصداق، أترى أن يكف عن الوطء حتى يدفع إليها ربع دينار؟ قال: بل يكون دينا عليه، ولا يكف عن وطئها. قيل له: فإنه أصدقها أقل من ربع دينار، قال: إن لم يكن بنى بها أُمر أن يتم لها ربع دينار، ويثبت النكاح، وإن دخل بها أتم لها ربع دينار، ولا يوقف عن وطئها حتى يتمها. قال محمد بن رشد: لم ير ابن القاسم على الرجل إذا دخل بامرأته قبل أن يدفع إليها شيئا من صداقها، أن يكف عن وطئها حتى يدفع لها منه ربع دينار، وكره له قبل أن يدخل بها ابتداء قبل أن يدفع إليها، ولو ربع دينار من صداقها. ومحمد بن المواز يساوي بين الوجهين. وقد مضى القول في ذلك في رسم استأذن من سماع عيسى. وفي غيره من المواضع. وقوله: إنه إذا أصدقها أقل من ربع دينار، أُمر إن كان لم يبن بها أن يكمل لها ربع دينار، ويثبت النكاح، يريد إن شاء، وإن أبى فسخ النكاح ولم يلزمه شيء، وإن دخل بها أتم لها ربع دينار، شاء أو أبى ولا يفسخ النكاح، وهذا على قوله في المدونة خلاف قول غيره فيها، وخلاف قوله في سماع سحنون. وأما قوله: إنه لا يكف عن وطئها حتى يتمها فهو على قياس قوله في النكاح بصداق صحيح، إذا دخل بها قبل أن يقدم لها شيئا من الصداق، وبالله التوفيق.

مسألة: تزوج امرأة ولم يبن بها حتى ماتت فقبلها وهي ميتة أو وطئها

[مسألة: تزوج امرأة ولم يبن بها حتى ماتت فقبَّلها وهي ميتة أو وطئها] مسألة وقال: في رجل تزوج امرأة ولم يبن بها حتى ماتت، فقبَّلها وهي ميتة أو وطئها. قال: لا ينكح أمها ولا ابنتها. قال محمد بن رشد: أما أمها فإنها تحرم عليه بالعقد عليها، وإن لم يقبل ولا وطئ؛ لأنها مبهمة ولا شرط فيها. وأما الابنة فلا تحرم إلا بالدخول بالأم، أو التلذذ بها؛ لقوله عز وجل: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فجعل ابن القاسم وطأها أو التلذذ بها، وهي ميتة أو حية سواء، في وجوب تحريم ابنتها بذلك؛ إذ لا ينقطع عنده بموتها ما كان بينهما من الحرمة، بدليل أنه يجوز له أن يغسلها. ويأتي على مذهب أهل العراق الذين يرون ما كان بينهما من الحرمة منقطعا بموتها، فلا يجيزون له غسلها، ولا تحرم عليه ابنتها بوطئه إياها بعد موتها، وهو الذي يوجبه النظر والقياس؛ لأنه وطء لا يحصنه، ولا يوجب لها عليه صداقا؛ ولأن عصمة النكاح تنقطع بينهما بموتها. وإن كانت حرمة الزوجية باقية بينهما، بدليل أنه يجوز له عند الجميع أن يتزوج رابعة إن كانت له ثلاث زوجات سواها، وقول ابن القاسم استحسان، فلعله راعى قول زيد بن ثابت، الذي يقول: إن الرجل إذا تزوج المرأة فماتت قبل أن يدخل بها، لم تحل له ابنتها، بخلاف إذا طلقها قبل أن يدخل بها. [مسألة: ماتت امرأته فتزوج أختها قبل أن تقبر الميتة هل لزوجها أن يغسلها] مسألة وقال في الرجل ماتت امرأته فتزوج أختها قبل أن تقبر الميتة، أترى لزوجها أن يغسلها؟ قال: أكره ذلك، ولا أحرمه. قال محمد بن رشد: وكذلك لو ماتت امرأته قبل أن يدخل بها، فتزوج ابنتها قبل أن تقبر الميتة، لكره له أن يغسلها، ولم يحرم ذلك عليه، وسحنون يجيز ذلك ولا يكرهه، ذكر له أن بعض أهل العلم يقول: إن الرجل إذا

مسألة: تزوج أمة فلم يبن بها حتى فلس سيدها وقد كان دفع الصداق إلى سيدها

كانت له أربع نسوة، فماتت إحداهن، ثم تزوج الخامسة قبل أن تغسل الميتة، أنه لا يجوز له غسلها، فقال: ليس الذي قلت من مذهبنا في شيء، وله أن يغسل الميتة، ألا ترى أن له أن يغسلها وإن لم يتزوج الخامسة، فإن كان إنما يغسلها؛ لأنها امرأته، فكيف يتزوج الخامسة؟ وكراهية ابن القاسم لذلك من غير تحريم، يدل على أن مباشرته إياها بعد موتها، لا يحرم عليه ابنتها، ويبين ما ذهبنا إليه في المسألة التي قبل هذه، من أن منعه فيها الرجل أن يتزوج بنت امرأته إذا كان قد قبَّلها أو وطئها بعد موتها، إنما هو استحسان على غير قياس، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج أمة فلم يبن بها حتى فلس سيدها وقد كان دفع الصداق إلى سيدها] مسألة وعن رجل تزوج أمة، فلم يبن بها حتى فلس سيدها، وقد كان دفع الصداق إلى سيدها، فباعها السلطان في دينه، فاشتراها زوجها، هل ترى له أن يرجع على سيدها بالصداق الذي دفع إليه؟ قال: لا؛ لأن السلطان هو الذي باعها عليه. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله أنه لا يرجع عليه بشيء من الصداق، وذلك لا يصح؛ لأن الصداق المسمى لا يجب جميعه إلا بالموت أو الدخول، فإنما معناه أنه لا يرجع عليه بجميعه، وإنما يرجع عليه بنصفه؛ لأن الفراق جاء من قبله إذا اشتراها، وهو يعلم أن امرأته تحرم عليه باشترائه إياها، فصار كالمطلق قبل الدخول، وقد فرض أن له نصف ما فرض، ولو اشتراها من السلطان وهو لا يعلم أنها امرأته لحرمت عليه، ورجع بجميع الصداق على السيد؛ لأنه تحريم لم يتعمده. يبين هذا في كتاب النكاح الثالث من المدونة: أن الرجل إذا تزوج المرأة ولم يدخل بها حتى تزوج أمها وهو لا يعلم، فيبني بها، أن الابنة تحرم عليه، ولا يكون لها عليه من الصداق نصف ولا غيره؛ لأنه تحريم لم يتعمده، وهو محمول على أنه لم يعلم أنها زوجته حتى يعلم أنه علم، فإن ادعى أنه لم يعلم أنها زوجته حلف على ذلك، ورجع بجميع الصداق. وفي النكاح الثاني من المدونة: أن السيد لا شيء له من

مسألة: تزوج جارية امرأته

الصداق إذا باعها منه قبل الدخول، وهو دليل قوله هاهنا؛ لأن السلطان هو الذي باعها عليه، وإنما لم يكن له من الصداق شيء إذا باعها هو منه، وإن كان الزوج عالما أنها زوجته؛ لأنه لما كان أملك بالبيع غلب أمره على الزوج، فجعل كأن الفسخ والتحريم جاء من قبله دون الزوج. ولو باعها السيد ممن اشتراها للزوج وهو لا يعلم؛ لكان له نصف الصداق، بمنزلة إذا باعها السلطان، ولعيسى في كتاب القطعان أن بيع السلطان كبيع السيد، فيرجع بجميع الصداق، وهو بعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج جارية امرأته] مسألة وقال في رجل يتزوج جارية امرأته: إنه لا بأس به. قال محمد بن رشد: كره ذلك ابن كنانة، مراعاة لقول من رأى للزوج شبهة في مال الزوجة، فدرأ الحد عنه في وقوعه بجاريتها، روي ذلك عن عبد الله بن مسعود وهو شذوذ، فالصحيح أنه لا كراهة في تزويجه إياها، وأنه يحد إن وقع بها على ما جاء عن عمر بن الخطاب، وعن علي بن أبي طالب، وقد روى ذلك مالك، عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية النعمان بن بشير. وأما ما روي عن سلمة بن المحبق: «أن رجلا زنى بجارية امرأته، فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "إن كان استكرهها، فهي حرة، وعليه مثلها، وإن كانت طاوعته فعليه مثلها» فقيل فيه: إن ذلك كان في أول الإسلام، حين كانت العقوبات تجب في الأقوال بانتهاك الحرم التي ليست بأموال، ثم نسخ ذلك بما أنزل الله من الحدود على ما جاء في حديث النعمان بن بشير، وبالله التوفيق. [مسألة: ساق إلى امرأته جارية في صداقها فأراد أن يتزوجها قبل أن يبني بها] مسألة قيل له: أرأيت إن هو ساق إلى امرأته جارية في صداقها، فأراد

مسألة: فجر بامرأة أينكح ابنتها

أن يتزوجها قبل أن يبني بها؟ قال: لا يجوز له؛ لأنه شريك فيها. قال محمد بن رشد: وكذلك إن زنى بها لم يحد، وهو على مذهبه، وروايته عن مالك، في أنه إن ماتت الجارية، ثم طلقها فالمصيبة منهما، والغلة بينهما، ويأتي على ما مضى في أول سماع أشهب، أنه إن أصدقها عبدا فمات عندها ثم طلقها قبل البناء. إن المصيبة منها يرجع عليها بنصف قيمته؛ إنه لا يجوز له أن يتزوجها إن كانت أمة، ويحد إن زنى بها، والقولان في وجوب الحد عليه إن زنى بها في ثمانية أبى زيد منصوص عليهما على هذين الأصلين، فقف على ذلك. وأما إن بنى بها، فيجوز له أن يتزوجها، ويحد إن زنى بها؛ لأنها قد استوجبتها بالدخول، فهو بمنزلة إذا كانت لها من غير صداقها. وقد مضى القول على ذلك قبل هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: فجر بامرأة أينكح ابنتها] مسألة وقال: في رجل فجر بامرأة، أينكح ابنتها؟ قال: لا. قيل له: فإن فجر بامرأة أتحل له أختها؟ قال: نعم؛ لأنها ممن يحل له أن يتزوجها بعد أختها، ولا يحل له أن يتزوج البنت بعد أمها. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: إنه إذا فجر بالمرأة لا يتزوج ابنتها، على الوجوب، خلاف مذهب مالك في المدونة أن ذلك على الكراهة، لا على الوجوب، ومثل ما في الواضحة من أن الحرام يحرم الحلال، خلاف ما في الموطأ من أنه لا يحرمه هي ثلاثة أقوال: الإباحة، والكراهة، والتحريم، مرة رأى مالك التحريم في ذلك عبادة، لا لعلة، فقصره على الموضع الذي ذكره إليه فيه، وهو النكاح الحلال؛ لأنه قال: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] وليست المزني بها حليلة للزاني، {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] . وليس المزني بها من نساء الزاني، ومرة رآه لعلة، وهي ألا يجبر الرجل وابنه المرأة الواحدة، وأن لا يجبر المرأة

وابنتها الرجل الواحد، فطرد العلة في الحرام، ومرة ترجح الأمر عنده، فرآه من المشتبهات، الذي تركه أحسن، والأظهر أنه عبادة، لا لعلة، بدليل إجماعهم على تحريم زوجة الابن على الأب، وزوجة الأب على الابن بالعقد، دون الدخول. ومن رأى التحريم لعلة الاختيار، قال: حمل العقد محمل الدخول؛ إذ لا يكون العقد إلا للدخول، فعلى القول بأنه يكره للرجل أن يتزوج المرأة إذا زنى بأمها أو بابنتها، والمرأة إذا زنى بها أبوه أو ابنه أن يتزوجها، فعثر على ذلك قبل الدخول، أو كان الزنا بعد العقد وقبل الدخول، أمر بفراقها بطلاق، وكان عليه نصف الصداق، وعلى القول بأن الزنا يحرم الحلال إن كان التزويج بعد الزنا، فعثر على ذلك قبل الدخول، يفرق بينهما بغير طلاق، ولم يكن لها شيء من الصداق، وإن كان الزنا بعد التزويج، وهو عالم أن نكاح المزني بها يحرم عليه امرأته، فرق بينهما، وكان عليه نصف الصداق؛ لأن الفراق جاء من قبله على ما مضى فوق هذا في الذي يشتري امرأته قبل البناء، وهو عالم أنها امرأته، أو ليس بعالم، ولا اختلاف في أن الوطء الفاسد في العقد الصحيح، أو في العقد المختلف في تحريمه، يحرم الربيبة، وأما إن كان العقد فاسدا لم يختلف في تحريمه، فوطئ فيه وهو عالم بفساده، كالزاني يحد، ولا تحرم عليه الربيبة، إلا على القول بأن الزنا يحرمها. واختلف إن وطئها وهو يظن أن النكاح صحيح، أو أنها زوجته وما أشبه ذلك مما يكون شبهة يدرأ بها عنه الحد، على القول بأن الزنا لا يحرم، هل يقع ذلك التحريم، كالوطء بالنكاح من أجل أنه وطء لا حد فيه أم لا؟ على قولين؛ الأصح منهما في النظر، أنه لا يقع به التحريم؛ لأنه إنما وطئ من ليست له بزوجة، فإذا لم يجعل التحريم لعلة الاختبار، وقال: إنه عبادة لغير علة، وجب ألا يوجب ذلك حرمة، وقد اختلف من هذا المعنى في الذي يريد من الليل زوجته، فتقع يده على ابنته فيباشرها متلذذا بها، أو يطأها، هل تحرم عليه أمها وهي زوجته، فحكم له بعض القرويين بحكم الربيبة، وحرم عليه

مسألة: أحضر رجلا فقيل نراك تنصر هذا ولقد بلغنا أنه ختنك فقال نعم أنصره

بذلك أنها زوجة، وروي عن سحنون، والليث بن سعد: أنها لا تحرم عليه. وهو الصحيح؛ لأن ابنته ذا محرم منه لا ينعقد له فيها نكاح ألبتة، فهي بخلاف الربيبة؛ لأن الربيبة قد كان له أن يتزوجها لو لم يتزوج أمها، فهي التي ورد تحريم كل واحد منهما بنكاح صاحبتها، وبالله التوفيق. [مسألة: أحضر رجلا فقيل نراك تنصر هذا ولقد بلغنا أنه ختنك فقال نعم أنصره] مسألة وقال: في رجل أحضر رجلا، فقيل: نراك تنصر هذا، ولقد بلغنا أنه ختنك، فقال: نعم أنصره، واشهدوا أني قد زوجته ابنتي، فقيل له بكم؟ فقال بما شاء، ثم قام الرجل بعد ذلك فقال: امرأتي، فقال الأب: والله ما كنت إلا لاعبا، قال: يحلف الأب بالله ما كان ذلك منه، على وجه النكاح، ولا شيء عليه، قيل له: طلب ذلك بحدثانه أو بعد ذلك بيومين. قال: ذلك سواء. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم، مثل ما حكى أبو عبيد عن مالك، ورواه الواقدي عنه من أن هزل النكاح هزل، ولا يجوز منه إلا ما كان على وجه الجد، خلاف المشهور المعلوم من قول مالك وأصحابه في المدونة وغيرها، من أن هزله جد، على ما جاء في ذلك عن جماعة من السلف عمر بن الخطاب، وسعيد بن المسيب، وغيرهما. [مسألة: فوض إليه فبنى وأرخيت الستور فأنكر أهل الجارية أخذ الصداق] مسألة وقال: في رجل فوض إليه، فبنى وأرخيت الستور، فأنكر أهل الجارية أن يكون دفع شيئا من الصداق، وقال: دفعت. قال: القول قول الزوج. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لما كان القول قوله بعد الدخول في الصداق المسمى إذا ادعى أنه دفعه قبل الدخول، من أجل أنه

مسألة: الولي ينكح الجارية على إن رضيت فترضى

ليس له أن يدخل حتى يؤديه، وجب أن يكون القول قوله، دفع صداق المثل إذا فوض إليه، من أجل أنه ليس له أن يدخل بها في التفويض، حتى يدفع إليها صداق مثلها، وإن كان الذي ادعى أنه دفع إليها أقل من صداق مثلها، حلف على ذلك، ووفاها تمام صداقها، وإن ادعى عليها أو على أبيها إن كانت بكرا الرضا بذلك من صداق مثلها، لم يصدق وحلفتْ على ذلك هي وأبوها إن كانت بكرا، وإن ادعى أنه دفع إليها أكثر من صداق مثلها، ليلزمها التجهز بذلك إليه لم يصدق في الزائد، وأسقطته عن نفسها بيمينها، تحلف بالله ما دفع إليها شيئا ويحلف هو بالله لقد دفع إليها ما ادعى، ويكون عليها أن تتجهز إليه من ذلك بقدر صداق مثلها. [مسألة: الولي ينكح الجارية على إن رضيت فترضى] مسألة وعن الولي ينكح الجارية على إن رضيت فترضى، قال: يفسخ النكاح، قيل له: وإن كانت قريبا، قال: نعم، قيل له: فإن بنى بها، قال: أما البناء فلا أدري، وضعف الفسخ فيه. وروايته في معنى قوله، فلا يرى الفسخ إذا بنى. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا تزوجها على إن رضيت فهو نكاح العقد على خيار، وإن كانت قريبة، إلا أن تكون حاضرة في البلد، فيرسلا إليها ليعلما رضاها في الفور قبل أن يفترقا من مجلسهما، فيجوز ذلك على معنى ما مضى في آخر سماع أصبغ، وقوله: إنه لا يفسخ بعد البناء، وهو أحد قولي مالك في المدونة، وفي رسم باع شاة، من سماع عيسى. وقد مضى من القول على ذلك هنالك ما لا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في مرضه قد زوجت ابنتي فلانا وأصدقتها عنه مائة دينار] مسألة قال: وسألته عن رجل قال في مرضه: قد زوجت ابنتي فلانا وأصدقتها عنه مائة دينار، قال: ذلك جائز، ويخرج من الثلث، إذا

مسألة: أسلم وامرأته من غير أهل الكتاب فعرض عليها الإسلام فأبت ثم أسلمت

كان أجنبيا. قال: ولو قال: قد أصدقت امرأة ابني عن ابني مائة دينار، لم يجز. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة موعبا في رسم العرية، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك هاهنا، وبالله التوفيق. [مسألة: أسلم وامرأته من غير أهل الكتاب فعرض عليها الإسلام فأبت ثم أسلمت] مسألة قال: ولو أن رجلا أسلم، وامرأته من غير أهل الكتاب، فعرض عليها الإسلام فأبت، ثم أسلمت بعد ذلك، لم يكن له عليها رجعة إلا بنكاح جديد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وهو يبين ما وقع في المدونة من أن الفرقة لا تقع بينهما إذا لم تسلم بعد إسلامه، إلا أن يتطاول ذلك بأكثر من الشهر، أن معناه إنما هو إذا غفل عن عرض الإسلام عليها. قال بعض شيوخ القرويين: وهذا في المدخول بها، فلا يستحق في ذلك الشهر، ولا تكون زوجته إلا إذا أسلمت بالقرب، ولا فرق في القياس بين المدخول بها وغير المدخول بها في هذا؛ لأن العصمة بينهما قائمة وإن لم يدخل بها، وقد أمره الله ألا يمسك بها، فإما أن يحمل أمره عز وجل على الفور فيهما جميعا، أو على التراخي فيهما جميعا، وحمله مالك على التراخي، وخفف الشهر في ذلك ما لم توقف فتابا الإسلام، وبالله التوفيق. [مسألة: أراد أن يتزوج امرأة ربيبه زوج أمه] مسألة وقال في رجل أراد أن يتزوج امرأة ربيبه زوج أمه: إنه لا بأس به.

مسألة: تزوج صبية صغيرة وشرط لها عليه إن تزوج عليها فأمر نفسها بيدها

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله عز وجل إنما حرم عليه زوجة أبيه؛ لقوله: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وربيبه ليس بأب له، فلا حرمة بينه وبين زوجته، إلا أن يكون تزوج أمه ودخل بها، وهي ترضعه؛ لأنه يصير بذلك، أبا له من الرضاعة، فلا يتزوج امرأته. [مسألة: تزوج صبية صغيرة وشرط لها عليه إن تزوج عليها فأمر نفسها بيدها] مسألة وقال ابن القاسم في رجل تزوج صبية صغيرة، وشرط لها عليه إن تزوج عليها، فأمر نفسها بيدها، فتزوج عليها، وهي صبية صغيرة، قال: إن كانت قد عقلت وعرفت الطلاق والخيار، فلها الخيار. وإن كانت لم تعرف ذلك استوني بها حتى تعقل، ثم تختار، إن شاءت. قيل له: فإن كان تزوجها على أنه إن تزوج عليها، فأمر التي تزوج عليها بيدها، فتزوج عليها، وهي صغيرة لا تعقل، قال: يفسخ نكاحه. قال محمد بن رشد: أما التي شرط لها عليه إن تزوج عليها، فأمر نفسها بيدها، فتزوج عليها، وهي صغيرة لا تعقل. فقوله فيها: إنه يستأنى بها حتى تعقل، ثم تختار إن شاءت، فهو صحيح. مفسر لجميع الروايات. من ذلك ما وقع في كتاب التمليك في رسم: الشجرة من سماع ابن القاسم، ورسم: بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى. ووجه ذلك أنه إذا تزوج عليها وهي صغيرة لا تعقل، فقد أوجب لها في نفسها التمليك إذا عقلت، وقد لا تعقل أو تموت قبل أن تعقل، فكان ذلك بمنزلة الذي يقول لامرأته: أمرك بيدك، إذا قدم فلان، إن الأمر يكون بيدها إذا قدم فلان. وأما التي شرط لها عليه أنه إن تزوج عليها، فأمر التي تزوج عليها بيدها وهي صغيرة لا تعقل، فقد مضى القول في نظيرها في رسم إن خرجت من سماع عيسى؛ لأن الصغيرة التي لا تعقل كالمجنونة، فالكلام على تلك يغني عن الكلام على هذه

مسألة: يتزوج سرا بشهادة شاهدين ويستكتما ذلك

ولو كانت ممن يعقل لكان لها الخيار، وإن لم تبلغ في المسألتين جميعا، ولا اختلاف في ذلك أحفظه، وبالله التوفيق. [مسألة: يتزوج سرا بشهادة شاهدين ويستكتما ذلك] مسألة قال ابن القاسم: كل نكاح اختلف فيه ليس بحرام، فإن طلق فيه لزمه الطلاق، مثل أن يحلف بطلاق امرأة إن تزوجها، ونكاح المريض، ونكاح السر الذي يتزوج سرا بشهادة شاهدين ويستكتما ذلك، فتطلق في ذلك كله قبل أن يفسخ إن الطلاق قد لزمه، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره إن كانت البتة. قال محمد بن رشد: هذا مذهب ابن القاسم في المدونة الذي اختاره لرواية بلغته عن مالك إن كل نكاح اختلف الناس فيه، فالفسخ فيه طلاق، والطلاق فيه قبل الفسخ لازم، والميراث فيه واجب، والخلع فيه جائز نافذ، وإن كان الفساد في العقد دون الصداق، وجب فيه جميع الصداق المسمى بالموت، ونصفه بالطلاق قبل الدخول ما لم يفسخ. وكل نكاح لم يختلف في فساده، فلا طلاق فيه ولا ميراث، والخلع فيه مردود؛ لأن مذهب ابن القاسم أن الخلع تابع للطلاق، خلاف قول ابن الماجشون، ومذهب ابن المواز. وقد ذكرنا ذلك في سماع سحنون. والذي أجازه سحنون، وقال به أكثر الرواة، إن كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه، فالفسخ فيه ليس بطلاق، ولا طلاق ولا ميراث فيه قبل الفسخ، حيث يغلبان عليه، فما فسد لصداقه على هذا القول، لا طلاق ولا ميراث فيه قبل الدخول، ويكون الطلاق والميراث فيه بعد الدخول، ولا كتاب النكاح الثالث من المدونة قول ثابت، وهو: أن ما كان من الأنكحة يفسخ قبل الدخول وبعده، فلا طلاق فيه ولا ميراث قبل الدخول ولا بعده، وإن كان قد اختلف فيه، وما كان منها يفسخ قبل الدخول

مسألة: يزوج ابنته ويقبض صداقها وهي بكر وقد استهلكه

ويثبت بعده، ففيه الطلاق والميراث قبل وبعد، والمشهور في المذهب، أن الحرمة تقع بكل نكاح مختلف فيه، وأجرى ابن حبيب الحرمة مجرى الطلاق والميراث، ومثله لابن القاسم في الدمياطية، قال في المريض يتزوج المرأة في مرضه: إنها تحل لابنه وأبيه إن لم يكن دخل بها، وبالله التوفيق. [مسألة: يزوج ابنته ويقبض صداقها وهي بكر وقد استهلكه] مسألة وعن الرجل يزوج ابنته ويقبض صداقها وهي بكر، وقد استهلكه. قال: إذا أقر به فهو ضامن له. قيل: فقال: قد دفعته إليها، قال: إن كان دفعه إليها عينا فهو له ضامن؛ لأن الأبكار، ليس يدفع إليهن الدنانير، إنما يجهزن. قيل: فدخلت على زوجها، وزعم أنه جهزها بصداق كذا وكذا ودفعه إليها وأنكرت ذلك، قال: يحلف ويبرأ. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة بعينيها على نصها في أول سماع أصبغ، والكلام عليها هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته مرة أخرى. [مسألة: تزوج امرأة وكان في صداقها خادم فدخل بها فطلبت الخادم] مسألة وقال: في رجل تزوج امرأة، وكان في صداقها خادم، فدخل بها، فطلبت الخادم، فقال: قد صالحتني منها على دنانير، ودفعتها إليك، قال: لا يصدق الزوج؛ لأنه مدع قال: فإن أقرت بالصلح صدق، ولم يكن لها شيء، إذا قال: قد دفعتها إليك، وإن زعمت أنها لم تقبض شيئا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الزوج لا يصدق في دعواه دفع الدنانير إليها صلحا عن الخادم؛ لأنه مدع في شراء الخادم الذي عليه لها منها، ولا دليل له على ذلك؛ يصدق دعواه، فوجب أن يكون عليه إقامة البينة؛ لقول

مسألة: شرط أبو الجارية على أبي الزوج أنه إن أسلم زوج ابنتي فأمرها بيدها أو بيدي

النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» فإن أقرت له بالصلح كان القول قوله في دفع الدنانير إليها؛ لأن تمكينها إياه من الدخول بها دليل على صحة دعواه في الدفع إليها، وبالله التوفيق. [مسألة: شرط أبو الجارية على أبي الزوج أنه إن أسلم زوج ابنتي فأمرها بيدها أو بيدي] مسألة وعن نصراني تزوج نصرانية وشرط أبو الجارية على أبي الزوج: أنه إن أسلم زوج ابنتي فأمرها بيدها أو بيدي، قال: إن أسلم الزوج قبل أن يحتلم أو بعدما احتلم وقبل أن يبني، أو بعدما بنى، فلا شيء بيد امرأته، ولا بيد أبيها، ويسقط ذلك كله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن الشروط المنعقدة بين الزوجين من أهل الذمة في نكاحهما لا تلزمهما بعد الإسلام، كانت مما يلزم أهل الإسلام، أو مما لا يلزم؛ لأنه لا يلزم أهل الإسلام منها إلا ما كان بعد يمين من طلاق أو تمليك، وذلك لا يلزم الكافر. وهذا معنى ما وقع في كتاب النكاح الثالث من المدونة على اختلاف في ذلك بين الروايات، يرجع جميعها إلى هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: يبعث من يزوجه فيزوجه ثم يموت الزوج ولا يدرى أقبل النكاح أو بعد] مسألة وقال ابن القاسم في الذي يبعث من يزوجه، فيزوجه ثم يموت الزوج، ولا يدرى أقبل النكاح أو بعد؟ إنه لا ميراث بينهما حتى يعلم أنه مات بعده، وإن البينة على المرأة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه لا يرث أحد أحدا بشك، والمرأة غير وارثة حتى يعلم أن النكاح وقع قبل موته، فعليها إقامة البينة على ذلك، وبالله التوفيق.

مسألة: يطأ الجارية ثم يزوجها غلامه فتلد منه جارية

[مسألة: يطأ الجارية ثم يزوجها غلامه فتلد منه جارية] مسألة وقال ابن القاسم في الرجل يطأ الجارية ثم يزوجها غلامه، فتلد منه جارية: إنها لا تحل لابنه. وروى عيسى بن دينار، أنه لا بأس به. قال عيسى: وإنما هو بمنزلة ما لو تزوج امرأة فوطئها ثم طلقها أو مات عنها، ثم تزوجت زوجا فولدت جارية؛ أنه لا بأس به أن يتزوجها ابن الأول من غيرها، ولا بأس أن يتزوج ابنها من الآخر ابنة الأول من غيرها. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الأمهات في آخر هذا السماع، وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد منه: إنه لا يحل للرجل أن يتزوج ابنة عبد أبيه من جارية قد وطئها أبوه بعيد. ورواية عيسى عنه: أنه لا بأس بذلك، هو الصحيح؛ إذ لا حرمة بينه وبينها، إلا أن يكون قد صار لها -أعني الجارية- ابن من وطء أبيه، فلم ينقطع عنها حتى تزوجها العبد، فحملت منه فوضعت وأرضعت ابنتها بذلك اللبن الذي كان أصله من أبيه، ولم ينقطع؛ لأنها تصير بذلك أخته للأب من الرضاعة، على ظاهر ما في المدونة، خلاف ما حكى ابن شعبان، وقال فيه: إنه إجماع من أن لبن المرأة ينقطع من زوجها الأول بوضعها من الثاني. والمسألة التي شبهها بها عيسى هي مثلها سواء، يدخل كل واحد منهما ما يدخل صاحبتها؛ إذ لا فرق بين الوطء بالملك والنكاح، وبين العبد والحر فيما يوجب ذلك من حرمة النكاح، وقد أجمعوا أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج ما ولدت امرأة أبيه قبل أبيه، واختلفوا هل يجوز له أن يتزوج ما ولدت بعد أبيه على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك جائز، وهو قول مالك وكافة أصحابه العلماء، ورواية عيسى، عن ابن القاسم هنا. والثاني: أن ذلك لا يحل، وهو قول ابن القاسم في رواية أبي زيد عنه، وقد ذكرنا بعد ذلك، وأنه لا يصح إذا لم ترضعها بلبن لم ينقطع من أبيه. والثالث: أن ذلك مكروه، حكى ذلك ابن حبيب، عن طاوس، وما للكراهية في ذلك عندي وجه، إلا إن كانت أمها أرضعتها بلبن زوجها الثاني، فينفي أن يكون

وطء زوجها الأول وهو الأب، قد زاد في لبنها من الزوج الثاني، وإن كان قد انقطع من الأول، أو لم يكن لها منه لبن أصلا. وإن كانت ولدتها لما تلحق من الأنساب من أبيه، مخافة أن يكون الولد منه؛ لاحتمال أن يكون أهريقت عليه الدم (كذا) فجش الولد في بطنها، وظنت أن ذلك حيض انقضت به عدتها فتزوجت، فلما أصاب الولد الماء، تحرك الولد، ووضعته لما يلحق بها الأنساب من أبيه، فهذا له وجه أيضا. وإلا فلا، والله ولي التوفيق. تم كتاب النكاح بحمد الله وحسن عونه وتأييده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

كتاب الرضاع

[كتاب الرضاع] [يفارق امرأته وهي ترضع فتكون موسرة وهو معسر لا يجد ما يسترضع به] كتاب الرضاع

من سماع عبد الرحمن بن القاسم، من مالك، رواية سحنون من كتاب أوله: أخذ يشرب خمرا قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في الرجل يفارق امرأته وهي ترضع، فتكون موسرة وهو معسر، لا يجد ما يسترضع به، أترى أن تلزم رضاعه؟ قال: نعم، إلا أن تكون لا تقوى على "ذلك، فقيل له: فإن أيسر يوما، أتراه أن تتبعه بما أرضعته؟ قال: لا أراه تتبعه بذلك. قال محمد بن رشد: قوله: إن المرأة المطلقة تلزم رضاع ولدها إذا لم يكن للأب مال، معناه إذا لم يكن للولد مال أيضا، فإذا لم يكن لواحد منهما مال، ولها لبن ومال، كانت مخيرة بين أن ترضع ولدها، أو تسترضع له من مالها، قال ذلك مالك هاهنا، وابن القاسم في سماع أصبغ. وقد قيل: إن ذلك لا يلزمها، ولا رجوع لها على من أيسر منهما بشيء، كانت قد أرضعته أو استرضعها له من مالها؛ لأن ذلك قد سقط عنهما بعدمهما؛ لقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، وتوجه عليها بقول الله عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] لأنه محمول على عمومه في

مسألة: لبن الفحل يحرم كما يحرم من قبل الأم

ذات الزوج، والمطلقة مع عسر الأب، والدليل على وجوب الرضاع على الأب إذا فارق وله مال، قول الله عز وجل: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6] فمن حق المرأة المطلقة أن ترضع ولدها بأجر مثلها، واختلف إذا وجد الأب من يرضعه له باطلا أو بدون أجرة مثلها وهو موسر، فقيل: لا كلام له في ذلك، وللأم أن ترضعه بأجرة مثلها، وهو قول مالك في المدونة، وقيل: إن الأم إن لم ترد أن ترضعه باطلا أو بما وجد كان له أن يدفعه إلى من يرضعه له باطلا أو بما وجد. وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، ومعنى ذلك إذا أرضعته عند أمه ولم يخرجه من حضانتها. وأما إن أبت الأم أن ترضعه، فيستأجر له الأب من يرضعه، وليس عليه أن يكون ذلك عند أمه، وما دامت المرأة في عصمة الزوج، فعليها رضاع ولدها، إلا ألا يكون لها لبن، أو تكون شريفة لا ترضع مثلها، ويقبل الولد غيرها، فيكون على الأب أن يسترضع له من ماله، وبالله التوفيق. [مسألة: لبن الفحل يحرم كما يحرم من قبل الأم] مسألة قال: وقال مالك: إن رجلا أفتى بالرضاعة بشيء، كأنه لم يرها إلا من قبل الأم، فقال له عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: لا تفت بفتيا، لا تتقلب من الليل في فراشك إلا ذكرته. قال محمد بن رشد: الصحيح الذي عليه فقهاء الأمصار، أن لبن الفحل يحرم كما يحرم من قبل الأم؛ بدليل حديث عائشة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في شان عمها: أفلح، أخي أبي القعيس، وقد كرهته طائفة من العرب، ورخصت فيه أخرى، فأنكر عبد الله بن أبي بكر على من رخص فيه، ورأى أن

يسافر مع أخته من الرضاعة هل هو ذا محرم

ذلك لا يقوله إلا من لم ينعم النظر، ونهاه أن يفتي في شيء من الأشياء دون تدبر صحيح، فيندم على ذلك متى ما تذكر، مخافة أن يخرج بالتقصير عما يلزمه من بلوغ الاجتهاد، وبالله التوفيق. [يسافر مع أخته من الرضاعة هل هو ذا محرم] ومن كتاب مساجد القبائل وسئل مالك عن الرجل يسافر مع أخته من الرضاعة، هل تراه ذا محرم؟ قال: نعم، أراه ذا محرم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] إلى قوله: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] ، وقال الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة» ، فلا اختلاف أعلمه في أن ذوي المحارم من الرضاعة كذوي المحارم من النسب في جميع الأحكام، إذا كان التحريم من قبل الأم المرضعة، ولم يكن من قبل الفحل الذي اللبن منه، للاختلاف الذي جاء في لبن الفحل، فقد روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنه كان يدخل عليها من أرضعه بنات أختها وبنات أخيها، ولا يدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها، فرخص في لبن الفحل جماعة من العلماء؛ لما جاء عن عائشة فيه، وقد مضى القول على ذلك في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب من كتاب النكاح، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة المتجالة تسافر مع غير ولي إلى مكة] مسألة وسئل مالك عن المرأة المتجالة، تسافر مع غير ولي إلى مكة،

قال: تخرج في جماعة من النساء، وناس مأمونين لا تخافهم على نفسها. قال محمد بن رشد: قوله: إلى مكة يريد في حجة الفريضة، وذكر المتجالة إنما وقع في السؤال، فخرج الجواب عليه، فلا يستدل بذلك على أن غير المتجالة بخلاف المتجالة، بل المتجالة وغير المتجالة. في ذلك سواء عند مالك. هذا قوله في الموطأ وغيره؛ لأن عدم المرأة التي لا زوج لها، أو لها زوج لا يريد الخروج معها وليا يخرج معها لا يسقط فرض الحج عنها، بدليل إجماعهم على أنها إذا أسلمت في بلاد الحرب، يجب عليها الهجرة إلى بلد الإسلام، وإن لم يكن معها ذو محرم، فهذا مخصص من عموم قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم منها» ، بالإجماع، وحجها مع غير ذي محرم إذا لم يكن لها محرم، ولا زوج يحج معها، مخصص منه بالقياس، على ما أجمعوا عليه. وقد اختلف ألفاظ الأحاديث في حد السفر الذي لا يجوز للمرأة أن تسافره إلا مع ذي محرم منها أو زوج، ففي بعضها البريد، وفي بعضها اليوم، وفي بعضها الليلتين، وفي بعضها ثلاثة أيام، وفي بعضها ألا تسافر المرأة ومعها ذو محرم دون حد. واختلف على ذلك كله الفقهاء، فمنهم من لم يحد للمرأة أن تسافر مع ذي محرم سفرا قريبا ولا بعيدا، وإن كان أقل من بريد، وهو مذهب أهل الظاهر، ومنهم من حد لها في ذلك البريد، ومنهم من حد لها في ذلك اليوم، ومنهم من حد لها في ذلك الليلتين، ومنهم من حد لها في ذلك

تزوج أمة فولدت منه ثم أعتق سيد الأمة ولده منها

مسيرة ثلاثة أيام، وهو مذهب أبي حنيفة. ومن مذهبه أن المرأة إذا كانت بينها وبين مكة ثلاثة أيام أو أكثر، ولم يكن لها زوج ولا ذو محرم يخرج معها، ففرض الحج سقط عنها، وقد تقدمت الحجة عليه في ذلك لمالك. وذهب مالك إلى أن الحد لا ذلك مسيرة يوم وليلة، على ما في روايته في حديث الموطأ، وجعل ذلك أصلا فيما يقصر فيه الصلاة، كما جعل أبو حنيفة مسيرة الثلاثة أيام التي ذهب إليها في ذلك حدا تقصر فيه الصلاة. [تزوج أمة فولدت منه ثم أعتق سيد الأمة ولده منها] ومن كتاب أوله باع غلاما وسئل عن رجل تزوج أمة، فولدت منه، ثم أعتق سيد الأمة ولده منها، قال: إن الرضاع عليه. قال محمد بن رشد: الهاء من عليه عائدة على الزوج، لا على السيد المعتق؛ لأن السيد لما أعتقه صار حرا، فسقطت عنه نفقته، ووجبت على أبيه، ولو كان أبوه معدما أو لم يكن له أب لما سقط عنه رضاعه ونفقته في حال صغره؛ لأن من أعتق صغيرا ليس له من ينفق عليه، فنفقته عليه، وبالله التوفيق. [تزوجت رجلا فولدت منه ثم عمدت إلى أخت لها صغيرة فأرضعتها من لبنه] ومن سماع أشهب، وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب الطلاق الثاني قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن امرأة تزوجت رجلا فولدت منه، ثم عمدت إلى أخت لها صغيرة، فأرضعتها من لبن ذلك الرجل، ثم مات فتزوجت بعده زوجا غيره، وقد شمت أختها التي أرضعت، فهي أختها وابنتها من لبن زوجها

يطلق امرأته، ولها منه ولدا هل لها أن تطرح ولده من ساعتها

الأول، أفتراها تحرم على زوجها الآخر؟ قال: نعم، أراها من الربائب، هي بنت امرأته، فقيل: أينظر إلى شعرها ويدخل عليها وتدخل عليه؟ قال: نعم، ينظر إلى شعرها، ويدخل عليها، وهي منه بحرمة، قال الله عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23] . قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الرجل إذا تزوج المرأة ودخل بها، حرم عليه كل ما ولدت من غيره أو أرضعته قبل أن يتزوجها أو بعد أن تزوجها؛ لقول الله عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] ، وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة» ، وقوله في الرواية: إنها ولدت من الزوج الأول، وإنها أرضعت أختها بلبنه، لا تأثير له في تحريمها على الزوج الثاني، سواء ولدت منه أو لم تلد، وسواء أرضعت بلبنه، أو بلبن من غير زوج تحرم على الزوج الذي دخل بها؛ لأنها قد صارت ابنتها من الرضاعة بإرضاعها إياها في حولي رضاعها كيف ما كان، وإنما جرى ذلك في السؤال وصفا للحال على ما كان. [يطلق امرأته، ولها منه ولدا هل لها أن تطرح ولده من ساعتها] ومن كتاب الطلاق الثالث وسئل عن الرجل يطلق امرأته، ولها منه ولدا، ألها أن تطرح ولده من ساعتها؟ فقال: لا حتى يلتمس له مرضعا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ قال الله عز وجل: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] ليس له أن يأخذ ولده منها إذا أحبت أن ترضعه، ولا لها أن تطرحه إليه إذا لم يجد من يرضعه، وقد مضى في أول

المرأة تشرب الشجرة فيدر بشربها لبنها فترضع به أيحرم بذلك الرضاع

سماع ابن القاسم القول فيما ترضعه به من الأجرة إذا أحبت رضاعه، وما في ذلك من الاختلاف، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [المرأة تشرب الشجرة فيدر بشربها لبنها فترضع به أيحرم بذلك الرضاع] ومن كتاب الطلاق قال: وسمعته، وسئل عن المرأة تشرب الشجرة فيدر بشربها لبنها فترضع به، أيحرم بذلك الرضاع؟ فقال: نعم، يحرم بذلك، أليس بلبن؟ فقال: بلى، فقال: نعم، يحرم بذلك، وليس ذلك بصواب. وأخاف أن تكون هذه علة، كلما فجرت امرأة وكثر لبنها قالت هذا القول، قيل له: بلغنا أن رجلا شربها فدر حتى أرضع، فقال: بلغك الباطل والزور، وإنما يحدثك بها قوم نفاق. قال الله عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] يجيء الرجل يرضع. قال محمد بن رشد: قوله: إن المرأة إذا در لبنها بشيء تشربه فأرضعت به، إنه لبن يحرم، هو مثل ما في المدونة من أن لبن الجارية البكر يحرم، وأن لبن النساء يحرم على كل حال، بظاهر قول الله عز وجل: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] ولم يخص ذات زوج ممن لا زوج لها، وكره للنساء شرب هذه الشجرة، التي يزعمن أنها تدر اللبن من غير وطء، ولم يحقق ما يزعمن من ذلك، وخشي أن يكون ذلك من قول الفواجر وما يعتذرن به إذا كثر لبنهن من الفجور، ولما قيل له: إن رجلا شربها فدر له لبن أرضع به، أنكر ذلك، وقال: إنه باطل وزور، وهو كما قال؛ لأن ذلك خرق عادة، وقد أجرى الله الأمور على عوائد، فهو لا يخرقها في غير خرق العادات إلا معجزة للأنبياء، أو كرامة للأولياء، وبالله التوفيق.

مسألة: المرأة المسلمة ترضع ولد النصراني

[مسألة: المرأة المسلمة ترضع ولد النصراني] مسألة وسألته عن المرأة المسلمة ترضع ولد النصراني، فقال: أما أن تعطيه ثديها، فلا أرى بذلك بأسا، وأما أن تذهب فتكون عندهم في بيوتهم فلا يعجبني، وكرهه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا ينبغي للمرأة المسلمة أن ترضع ولد النصراني في بيته، فإن ذلك لها مكروه من وجه امتهانها له، فإن آجرت نفسها منه ظئرا على ذلك، فسخت إجارتها. فإن ماتت مضت، ولم تحرم الأجرة؛ لأن أجرة المسلم نفسه من النصراني أو اليهودي على أربعة أقسام: جائزة، ومكروهة، ومحظورة، وحرام؛ فالجائزة: أن يعمل له عملا في بيت نفسه أو حانوته، كالصانع يعمل للناس، فلا بأس أن يعمل من غير أن يستبد بعمله. والمكروهة: أن يستبد بجميع عمله من غير أن يكون تحت يده، مثل أن يكون مقارضا أو مساقيا. والمحظورة أن يؤجر نفسه منه في عمل يكون فيه تحت يده، كأجير الخدمة في بيته، وإجارة المرأة نفسها منه لترضع له ابنه في بيته، وما أشبه ذلك، فهذه تفسخ إن عثر عليها، فإن فاتت مضت، وكانت له الأجرة، والحرام أن يؤاجر نفسه منه لما لا يحل من عمل الخمر، أو رعي الخنازير وما أشبه ذلك، فهذه تفسخ إن عثر عليها قبل العمل، فإن فاتت بالعمل تصدق بالأجرة على المساكين، ولم يسوغ إياها. [مسألة: تزوج امرأة كانت تقول لزوجها الذي تزوجها قبل ذلك أخي أخي] مسألة وسئل عن رجل تزوج امرأة، شهد عليها أنها كانت تسمع تقول لزوجها الذي تزوجها قبل ذلك: أخي أخي، فقال: لا أرى هذا شيئا يحرم نكاحها، وهو أمر لم أسمع أحدا يذكره، وهو ابن

مسألة: أولم بعد الدخول

خالها، ولم يعلم، وهذا من كلام الناس، تقول المرأة للرجل: أخي أخي، للرجل الذي لا قرابة بينها وبينه، تريد أن تقربه بذلك، لا أرى هذا في رأيي يحرم، هذا من أكثر كلام الناس، ولا أرى عليك في ذلك شيئا، فأقم مع امرأتك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وإخوة لبعض؛ قال عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] ، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه السلم» الحديث، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من حق المسلم على أخيه أن يسلم عليه إن لقيه» الحديث، فوجب ألا يكون ما سمع من قول المرأة للرجل قبل أن تتزوجه: أخي أخي، مما يحرم عليه نكاحها، ولا المقام معها إذا نكحها؛ لأنها تقول ذلك على وجه الإطلاق والتقريب، وقد يقول ذلك الرجل للمرأة قبل أن يتزوجها، فلا يحرم ذلك عليه نكاحها، وقد يقول لامرأته يا أختي، فلا يكون ذلك طلاقا، ولا يعد ذلك فراقا، كما أنه قد يقول الرجل للصبي الذي لا يعرف له نسب يا بني افعل كذا وكذا، ولا تفعل كذا وكذا، فلا يعد ذلك استلحاقا منه له، ولا إقرارا به. [مسألة: أولم بعد الدخول] مسألة وسئل فقيل له: أترى إن أولم بعد الدخول؟ فقال: ليس بذلك بأس، أنا أرى أن يفعل ذلك.

مسألة: أرضعت امرأة ابنا لي ألي أن أتزوج ابنتها

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المعنى الذي من أجله أمر الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالوليمة، وحض عليه بقوله لعبد الرحمن بن عوف: «أولم ولو بشاة.» هو ما قاله ربيعة في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، من كتاب النكاح، من إشهار النكاح وإظهاره ومعرفته؛ لأن الشهود يهلكون، فإذا كان ذلك هو المعنى في الوليمة، فلا تفوت بالدخول. ويستحب للرجل إذا لم يولم عند الدخول، أن يولم بعده، ليشهر بذلك نكاحه ويظهره، وبالله التوفيق. [مسألة: أرضعت امرأة ابنا لي ألي أن أتزوج ابنتها] مسألة قال: وسئل فقيل له: أرأيت إذا أرضعت امرأة ابنا لي، ألي أن أتزوج ابنتها؟ فقال: نعم، وما بينك أنت وبينها لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن إرضاع المرأة ابنه لا توجب حرمة بينه وبين ابنتها؛ لأنها لا تصير بذلك ابنة له، وإنما تصير أختا لابنه، فالحرمة إنما هي بين ابنه وابنتها، هو الذي لا يحل له نكاحها؛ لأن حرمة الرضاع لا تسري من قبل المرضع إلا إلى ولده الذكور والإناث، وإن سفلوا، فيجوز له أن يتزوج ابنة المرأة التي أرضعت ابنه؛ لأنها أخت ابنته من الرضاعة، ويجوز للمرأة التي أرضعت ابن الرجل، أن تتزوج أخو الولد الذي أرضعت، إذ لا حرمة بين الولد والمرأة وبين أبي أختها من الرضاعة، ولا بين الرجل وأم أخيه من الرضاعة، والرضاع في هذا بخلاف النسب، لا يحل للرجل أن يتزوج أم أخته من النسب؛ لأنها زوجة أبيه، ولا يحل للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب؛ لأنها ربيبة، وأما نكاح الرجل أخت أخيه، أو أخت عمته، أو عمة عمته، فذلك جائز في الرضاع والنسب، إذ لا حرمة بينه وبين واحدة منهن.

مسألة: يزوج ابنه صغيرا امرأة كبيرة ثم يباري عنه فيتزوج المرأة أجنبي

[مسألة: يزوج ابنه صغيرا امرأة كبيرة ثم يباري عنه فيتزوج المرأة أجنبي] من سماع عيسى عن ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها وسئل عن الرجل يزوج ابنه صغيرا امرأة كبيرة، ثم يباري عنه، فيتزوج المرأة أجنبي، فترضع تلك المرأة الصبي الذي بارأت، قال: تحرم على زوجها؛ لأنها حليلة ابنه؛ لأن الصغير كان زوجها وهي حليلة له، وقد صار ولدا لزوجها الأجنبي؛ لأنه رضع من لبنه، فقد صار ابنه من الرضاعة. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن المرأة إذا أرضعت صبيا بلبن رجل صار ابنها من الرضاعة، وابنا لزوجها الذي كان اللبن منه من الرضاعة، فلما صار ابنا لزوجها، حرمت على زوجها، إذ قد كانت زوجة له، ولا يحل للرجل أن يتزوج زوجة ابنه؛ لقول الله عز وجل: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] ، وليس في قول الله عز وجل: {مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] دليل على أن حلائل الأبناء من الرضاع حلال؛ لأن ذلك إنما جاء تحليلا لحلائل الأبناء الأدعياء، لا لحلال الأبناء من الرضاعة، وذلك أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما تزوج بنت جحش وقد كانت زوجة لزيد بن حارثة الذي كان تبناه، قال المنافقون: وقد كان ينهى عن ذلك، فأنزل الله عز وجل تجويز الفعلة: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] ، وأنزل: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا} [الأحزاب: 37] . [مسألة: يسترضع ولدا من امرأة له قد طلقها] مسألة وسئل عن الرجل يسترضع ولدا من امرأة له قد طلقها، أو

من غيرها، فيعطيها رضاع سنة ثم يموت الأب، قال: إذا مات الأب كان ما بقي من أجر السنة التي بقيت بين الورثة؛ لأنه إنما كان يجب عليه رضاعه ما كان حيا، قيل له: فلو كان ابنه غلاما يأكل الطعام، وهو عند أم له قد طلقها، فهو يجري له النفقة عندها، فقدم إليها نفقة سنة، فمات، أو فلس بعد ستة أشهر، قال: إذا مات فما بقي من النفقة فهو للورثة، وأما إذا فلس، فإن كان حين جعل ذلك هو جائز الأمر قائم الوجه، ولم يأت في ذلك منه سرف ولا محاباة، ولا أمر يتهم عليه، فذلك جائز، وإن كان على غير ذلك، رد ما بقي عنده من النفقة. قد قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب، في الرجل يدفع إلى امرأته نفقة ولده، وقد طلقها، فيدفع إليها نفقة كثيرة، ثلاثين دينارا ونحوها ثم يفلس، قال: إن كان يوم دفع إليها عليه دين يحيط بماله، أخذ ذلك كله منها؛ لأنه فار بماله، فإن لم يكن عليه دين لم يؤخذ منها شيء. قال محمد بن رشد: قوله فيما قدم الرجل من أجرة رضاع ابنه، أو من نفقته إلى التي ترضعه أو تحضنه: إن الابن لا يستوجب ذلك، كالعطية المحوزة، إذ لم يدفعه على وجه العطية له، وإنما دفع ما يرى أنه لازم له، وهو لا يلزمه إلا ما كان حيا، ويكون ما بقي من ذلك إن مات الأب موروثا عنه، هو مثل قوله في كتاب الجعل والإجارة من المدونة، خلاف قول أشهب وروايته عن مالك، في أن ذلك كالعطية للابن يستحقها طول حياته، وإن مات الأب، وإن مات هو في حياة الأب رجع ما بقي منها إليه، كالعبد المخدم حياة المخدم، إن مات المخدم استحقه المخدم طول حياته، وإن مات المخدم رجع العبد إلى سيده المخدم، فكان القياس على قول ابن القاسم، إذ لم يراع تقديم الأب، فيما قدم من أجرة رضاع ابنه أو نفقته، وجعل ذلك كأنه في يده،

يكون لورثته إن مات، ما بقي من ذلك أن يكون لغرمائه إن فلس ما بقي من ذلك أيضا، وإن كان يوم دفع ذلك وقدمه لا دين عليه، ولا يترك له من ذلك إلا قدر ما يترك للمفلس، إذا فلس من نفقة ولده الصغير، وذلك نفقة الأيام، على قوله في المدونة، والشهر على ما في الواضحة. فقوله: إنه إن كان يوم دفع ذلك قائم الوجه، جائز الأمر، جاز ذلك للابن، إنما يصح على مذهب أشهب، وروايته عن مالك، الذي يرى ذلك عطية محوزة للابن، ويريد بقوله قائم الوجه جائز الأمر، أن يكون المفلس مأمونا عليه، مع كثرة ما عليه من الديون، مع ألا يتحقق أنها مستغرقة لجميع ماله، فيقوم من قوله هذا أن من وهب أو تصدق أو حبس أو أعتق، وهو غريم لقوم بديون كثيرة، إلا أنه قائم الوجه غير مخوف عليه الفلس، أن أفعاله غير مردودة، وإن لم يخص الشهود قدر ما معه من المال، وما عليه من الدين، وبهذا كان يفتي ابن زرب، ويستدل بهذه الرواية ويقول: لا يخلو أحد من أن يكون عليه دين. وقوله صحيح، واستدلاله حسن. وأما إذا علم أن ما عليه من الدين يستغرق ما بيده من المال، فلا يجوز له هبة ولا عتق ولا عطية، ولا شيء من المعروف، ويجوز له أن يتزوج منه، وأن ينفق منه على ولده الذين يلزمه الإنفاق عليهم، وأن يؤدي منه ما لزمه من عقل جرح خطأ، أو عمد لا قصاص فيه، ولا يجوز له أن يؤدي منه عن جرح يجب عليه فيه القصاص. هذا معنى قول مالك في المدونة وغيرها، وبه يقول ابن القاسم؛ فقوله في آخر المسألة في الذي دفع ثلاثين دينارا أو نحوها لنفقة ابنه، ثم فلس: إنه إن كان يوم دفع ذلك عليه دين يحيط بماله أخذ ذلك كله منها؛ لأنه فار بماله، صحيح؛ لا اختلاف فيه إذا فلس بحدثان دفعها قبل أن ينفق منها شيء، وأما إن فلس بعد أن أنفق بعضها، فإنما يرد ما بقي منها، إذ من حق المديان أن ينفق على ولده مما بيده من المال، وإن كانت الديون مستغرقة له، ما لم يفلس. وأما قوله فإن لم يكن عليه دين لم يؤخذ منها شيء، فقد بينا أن ذلك

مسألة: تزوج ثلاث نسوة صغار وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغار

إنما يصح على قول أشهب وروايته عن مالك، لا على أصل ابن القاسم، وقد مضى في رسم العشور من سماع عيسى، من كتاب النكاح، طرف من هذا المعنى، فقف على ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج ثلاث نسوة صغار وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغار] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وسئل عن رجل تزوج أربع نسوة: ثلاث صغار، وواحدة كبيرة، فقامت الكبيرة فأرضعت الثلاث الصغار، فقال: إن كان دخل بالكبيرة حرمن عليه جميعا، وإن كان لم يبن بواحدة منهن، حرمت عليه الكبيرة منهن أبدا، واختار من سائرهن الثلاث الصغار واحدة، وفارق سائرهن في بعض الروايات، ولم يدخلها ولا تكلم عليه القاضي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [أخوين ولد لأحدهما جارية وللآخر غلام فأرضع أحد الصبيين جدة الصبيين أم أبويهما] من سماع سحنون من ابن القاسم قال سحنون: وسئل ابن القاسم عن أخوين ولد لأحدهما جارية، وللآخر غلام، فأرضع أحد الصبيين جدة الصبيين أم أبويهما، قال: لا يتناكحان أبدا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المرضع منهما يصير ابنا للجدة بإرضاعها إياه، فإن كان المرضع الصبي صار عما للصبية، وإن كانت المرضعة الصبية صارت عمة للصبي، ولا يحل للرجل أن يتزوج عمته ولا ابنة أخيه، وهذا إن كان الرجلان الأخوان اللذان ولد لأحدهما جارية، والآخر غلاما شقيقين أو لأم؛ لأن الأم تجمعها في الوجهين، ويصير من أرضعته أخا لهما جميعا، فيصير عم ابنة الآخر، إن كان المرضع الذكر، أو عمه ابن الآخر إن كانت المرضعة الأنثى، وكذلك إن كانا لأب، فأرضعت أحد الصبيين جدته،

الصبي يموت أبوه ولا مال له ولا شيء له وللأم مال ولا لبن لها

أو جدة الآخر من لبن من وطء الجد، وأما إن أرضعته بلبن من غير وطء الجد، فلا يوجب ذلك بينهما حرمة؛ لأن أخت العم وعمة الأخ من الرضاعة والنسب حلال، كأخت الأخ، وعمة العم، وبالله التوفيق. [الصبي يموت أبوه ولا مال له ولا شيء له وللأم مال ولا لبن لها] من سماع أصبغ من ابن القاسم سألت ابن القاسم عن الصبي يموت أبوه ولا مال له ولا شيء له، وللأم مال ولا لبن لها، وهي ترضع، أيجب عليها أن تسترضع له من مالها؟ قال: نعم، إني لأرى ذلك، ولو لم يجب ذلك عليها، إذا لم يكن لها لبن؛ أما كان عليها أن ترضعه إذا كان لها لبن؟ قال محمد بن رشد: هذا استدلال مغلوب؛ لأن وجوب إرضاعه عليها إذا كان لها لبن، أصل لإيجاب الله ذلك تعالى عليها بقوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ} [البقرة: 233] ، ووجوب ذلك عليها في مالها إذا لم يكن لها لبن، فرع مقيس عليه عند من شهد به، فلا يستدل بالفرع على أصله، وقد ذهب إسماعيل القاضي إلى أن ذلك لا يجب عليها، وإياه اختار أبو إسحاق التونسي، وقال: لو وجب عليها ذلك في عسر الأب إذا لم يكن لها لبن وهي مطلقة؛ لوجب ذلك عليها في يسر الأب إذا لم يكن لها لبن، وهي في عصمته، وقال ابن الكاتب: إنما يجب ذلك عليها من باب وجوب إعانة من يخشى هلاكه، لا من الوجه الذي وجب ذلك على الأب؛ لأن ذلك من النفقة، بخلاف اللبن الذي هو در من درها، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري الجارية ولها ابنة ترضعها فيطأها وهي ترضع ابنتها] مسألة قال أصبغ: قلت لابن القاسم: الرجل يشتري الجارية ولها ابنة ترضعها، فيطأها وهي ترضع ابنتها، ثم تكبر الابنة، فيريد هبتها لابنه يطأها قال: لا خير فيه، ولا يعجبني؛ لأن ماءه وقع في

مسألة: له امرأتان وله أخ صغير فأرضعت إحدى امرأتيه أخاه

لبنها. قال ابن القاسم: وكذلك الرجل يتزوج المرأة ولها ابنة من غيره ترضعها، فيدخل فيطأها وهي ترضع، ثم تكبر الابنة، فيريد أن يزوجها ابنا له، لا يحل ذلك، ولا خير فيه؛ لأن اللقاح واحد. قال محمد بن رشد: هذا بين لا إشكال فيه، على القول بأن لبن الفحل يحرم، وهو الذي عليه جماعة فقهاء الأمصار؛ لحديث عائشة، عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في شأن عمها أفلح أخي أبي القعيس، وقد رخصت في ذلك طائفة من العلماء لما جاء من فعل عائشة على ما مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم. [مسألة: له امرأتان وله أخ صغير فأرضعت إحدى امرأتيه أخاه] مسألة قال أصبغ: قلت لابن القاسم: فالرجل تكون له امرأتان، وله أخ صغير، فأرضعت إحدى امرأتيه أخاه ذلك، فأراد أخوه ذلك أن يتزوج امرأة أخيه الأخرى التي لم ترضعه، وقد مات أخوه عنها أو طلقها، قال: لا يحل له ذلك، إنها امرأة أبيه حين أرضعته بلبنه. قال محمد بن رشد: وهذا بين أيضا، لا إشكال فيه على القول بأن لبن الفحل يحرم كما مضى في المسألة التي فوق هذه، وبالله التوفيق. [مسألة: ترضع صبيا بلبن رجل هو زوجها لها منه ولد ومن غيره ولد] مسألة قال أصبغ: قال ابن القاسم: في المرأة ترضع صبيا بلبن رجل هو زوجها لها منه ولد، ومن غيره ولد، ولذلك الرجل ولد من غيرها، إن جميع ولدها من ذلك الرجل الذي أرضعت الغلام من لبنه، وجميع ولدها من غيرها، وولده من غيرها حرام على ذلك

مسألة: أرضعته جارية جده بلبن من وطء جده أتحرم عليه بنات عمه

الصبي. قال أصبغ: وما يولد له منها ومن غيرها للأبد، وتلد من غيره حرام عليه. قال ابن القاسم: لأنه صار أبوه من الرضاعة، فكل ولد له أخوه، قال الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» . قال محمد بن رشد: ويحرم عليه أيضا بنات ولدها، وبنات ولده من الذكران والإناث ما سفلوا؛ لأنهم بنات إخوته، ويحرم عليه أيضا أمهاتها وجميع جداتها وإن علون؛ لأنهن جدات له وبناتهن؛ لأنهن عمات له وخالات، ويحرم عليه أيضا أخواتهما؛ لأن أخوات المرأة خالات له، وأخوات الرجل عمات له، ويحرم عليه أيضا عماتهما وخالاتهما، ولا يحرم عليه شيء من أولاد هؤلاء، وكذلك يحرم أيضا على ولد هذا الصبي وإن سفلوا، بنات المرأة المرضعة، وبنات الرجل الذي اللبن منه دنية، دون شيء من أولاد أولادهما وأمهاتهما وجداتهما، وبنات الأمهات والجدات، وأخواتهما دون شيء من بناتهما، والأصل في هذا أن حرمة الرضاع تسري من قبل المرضعة إلا إلى الولد وولد الولد، وبالله التوفيق. [مسألة: أرضعته جارية جده بلبن من وطء جده أتحرم عليه بنات عمه] مسألة قيل لأصبغ: فما تقول فيمن أرضعته جارية جده بلبن من وطء جده، أتحرم عليه بنات عمه أم لا؟ قال: نعم، قد صار عما لهن أخا أبيهن.

مسألة: جارية أرضعتها جدتها لأمها

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا رضع جارية جده بلبن من وطء جده، صار ولدا لجده، وولد الجد عم يحرم عليه بنات عمه؛ لأنهن صرن بنات أخيه، وقد مضى هذا المعنى في سماع سحنون فوق هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: جارية أرضعتها جدتها لأمها] مسألة وسئل عن جارية أرضعتها جدتها لأمها، أتحل لابن عمها وهو ابن خالتها أم لا؟ قال: لا تحل له إذا كان ابن خالتها؛ لأنها قد صارت ابنة للجدة برضاعها إياها، فصارت أختا لأمه، وصارت بذلك خالة الغلام، كخالة الولادة، فهي محرمة عليه، ولو لم يكن ابن العم من خالة، وكان لغير خالة، لم يضر ذلك إن شاء الله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الجدة للأم إذا أرضعت حفيدتها ابنة ابنتها، صارت ابنة لها، أختا لسائر بنيها وبناتها، فولد بعض بناتها ابن أختها وهي خالته، فلا تحل له، وولد بعض بنيها ابن أخيها، وهي عمته، كما أن الجدة للأب إذا أرضعت حفيدتها ابن ابنتها، صارت بذلك ابنتها أختا لسائر ولدها، فولد بعض ولدها الذكور ابن أختها وهي عمته، وولد بعض ولدها الإناث ابن أختها وهي خالته، وبالله التوفيق. [مسألة: يتزوج المرأة فيدخل بها ثم يفارقها، فيتزوجها رجل آخر فتلد منه] مسألة وقال في الرجل يتزوج المرأة، فيدخل بها، ثم يفارقها، فيتزوجها رجل آخر، فتلد منه، ثم ترضع جارية، هل يتزوج زوجها تلك الجارية التي أرضعها؟ قال: لا؛ قال تبارك وتعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فإذا دخل الرجل

مسألة: تزوج امرأة كبيرة فدخل بها ثم تزوج صبية صغيرة فأرضعتها ختنته

بالمرأة حرم عليه كل ما ولدت أو أرضعت من غيره. قيل: فهل يتزوجها ابنه؟ قال: لا بأس بذلك، قال عيسى: إنما هو بمنزلة ما لو تزوج امرأة فوطئها ثم طلقها أو مات عنها ثم تزوجها زوجا فولدت له جارية، أنه لا بأس أن يتزوجها ابن الأول من غيرها، ولا بأس أن يتزوج ابنها من الأخرى ابنة الأول من غيرها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الرجل إذا تزوج المرأة ودخل بها، لا يحل له أن يتزوج ما ولدت من غيره، ولا ما أرضعت قبله ولا بعده؛ لأنهن من الربائب المدخول بأمهاتهن المحرمات بنص التنزيل، قال عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] ، والرضاع والنسب في ذلك سواء؛ لقول الله عز وجل: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] ، وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة» . وأما قوله فيما ولدت أو أرضعت بعده: إنه لا بأس أن يتزوجها ابنه، ومتابعة عيسى له على ذلك، فقد مضى القول فيه مستوفى في آخر سماع أبي زيد من كتاب النكاح، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج امرأة كبيرة فدخل بها ثم تزوج صبية صغيرة فأرضعتها ختنته] مسألة قال عيسى: قلت لابن القاسم: وإن تزوج امرأة كبيرة فدخل بها، ثم تزوج صبية صغيرة فأرضعتها ختنته: أم امرأته الكبيرة، كان له أن يختار أيتهما شاء، ويفارق الأخرى؛ لأنهما قد صارتا أختين حين أرضعتهما، وقد كان عقد النكاح فيهما حلالا. قال أصبغ: صواب حسن. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لما أرضعت الصغيرة أم امرأته الأخرى صارتا أختين، فحرم عليه المقام معهما جميعا، ووجب عليه أن

يفارق أيتهما شاء، إن شاء الأولى، وإن شاء الأخرى؛ لأن العقدتين جميعا كانتا صحيحتين، ثم وقع بعد ذلك ما أوجب تحريم، واختلف في مفارقة من فارق منهما، هل يفارقها بطلاق أو بغير طلاق؟ فقيل: إنه يفارقها بغير طلاق، فإن فارق الصغيرة التي لم يدخل بها على هذا القول، لم يكن لها شيء من الصداق، وهو مذهب ابن القاسم: وقيل: إنه يفارقها بطلاق، واختلف على هذا القول إن فارق الصغيرة التي لم يدخل بها، فيما يكون لها من الصداق، فقيل: إنها يكون لها نصف صداقها؛ لأنه كان مخيرا بين أن يمسكها، أو يفارقها، فكان كالمطلق لها قبل الدخول، وهو مذهب ابن حبيب، وقيل: إنه يكون لها ربع صداقها؛ لأنه لو فارقهما جميعا قبل الدخول بهما لم يكن عليه إلا نصف صداق، يقسم بينهما، فتعطى الصغيرة نصف ربع صداقها، وتوفى الأخرى تمام صداقها؛ لأنه قد دخل بها، وبالله التوفيق. تم الكتاب والحمد لله.

كتاب الظهار

[كتاب الظهار] [عليه كفارة الظهار هل يكون الشعير مجزيا عنه في إطعامه] كتاب الظهار

من سماع عبد الرحمن بن القاسم من كتاب أوله شك في طوافه قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول: وسئل عن الذي تكون عليه كفارة الظهار، أترى أن الشعير مجزيا عنه في إطعامه؟ قال: إن كان ذلك طعام أهل ذلك البلد، وهو الغالب عليهم، فأرى ذلك مجزيا عنهم. فقيل له: ربما غلا الشعير حتى يكون مكافيا للقمح في الغلا، قال: إن كان طعامهم، فأرى ذلك مجزيا عنهم. قال محمد بن رشد: هذا قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها إن الكفارات يخرجها المكفر من غالب عيش بلده، كان عيشه وعيش عياله أرفع من عيش أهل بلده أو أدنى، إلا أن يكون عيشه من الأدنى، إنما هو من ضيق وجده، فليس عليه أن يخرج إلا من ذلك، وذهب ابن المواز إلى أنه إنما يجب عليه أن يخرج مما يأكل هو، كان ذلك أرفع مما يأكل أهل بلده أو أدنى، إلا أن يكون إنما يأكل أدنى مما يأكل أهل بلده بخلا وشحا، فيكون عليه أن يخرج مما يتقوت به أهل بلده. وذهب ابن حبيب، إلى أنه يخرج من الأرفع، مما يتقوت به هو وأهل بلده، إلا أن يعجز أن يخرج مما

يتقوت به أهل بلده، فهي ثلاثة أقوال، ويخرج عندهم من كل ما تودى منه زكاة الفطر على ما مضى القول فيه في رسم حلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب الزرع والحبوب، كل على مذهبه في مراعاة ما يتقوت به أهل بلده دون ما يتقوت به هو أو مراعاة ما يتقوت به هو دون ما يتقوت به أهل بلده، أو إخراج الأرفع من ذلك، وقول ابن المواز في مراعاة ما يتقوت به دون ما يتقوت به أهل بلده أظهر من قول ابن القاسم؛ لأن الخطاب في قوله عز وجل: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] إنما يتوجه إلى المكفرين لا إلى من سواهم من أهل بلدهم. ويؤيده حديث أبي سعيد الخدري في زكاة الفطر: «كنا نخرج في زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب» لأنهم كانوا أهل بلد واحد، وإنما افترق ما كانوا يخرجون، لافتراق ما كانوا به يتقوتون. ولابن حبيب فيما يخرج به زكاة الفطر من الأصناف تفصيل فيه نظر، من أحب الوقوف عليه تأمله في موضعه، وكذلك اختلف في مقدار مكيلة كفارة الظهار على ثلاثة أقوال: أحدها: قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أنه يخرجها بمد هشام، وهو مدان إلا ثلث؛ لأنها مطلقة في القرآن، لم تقيد فيه بالوسط من الشبع، ككفارة اليمين، فحملت على الشبع الكامل. والقول الثاني: رواية مطرف عن مالك أنه يخرج فيها لكل مسكين مدان بمد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حملا على كفارة فدية الأداء، المطلقة في القرآن، المقيدة في السنة بمدين، وإليه ذهب ابن حبيب، وذكر في ذلك أثرا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أعطى المظاهر شطر تمر، وهو نصف وسق؛ ليكفر به عن ظهاره. والقول الثالث: أنه يخرج فيها لكل مسكين مدا واحدا بمد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حملا على كفارة اليمين المقيدة في القرآن بالوسط من الشبع، وهو قول ابن القصار في كتابه، وعليه يأتي قول ابن الماجشون، وما في كتاب محمد بن المواز: أنه إن غدّى وعشّى

قال لأمته أنت أحرم علي من أمي

في الظهار أجزأه، ولا ينبغي له أن يفعل ذلك، ويؤيد هذا القول ما روي من «أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى المظاهر عدنا في قدره خمسة عشر صاعا؛ ليكفر به عن ظهاره.» خرجه الترمذي. وإن قول مالك يختلف: إن الرقبة فيه مومنة، حملا على آية القتل، فكذلك يجب أن يجزي فيه مد لكل مسكين، حملا على آية كفارة اليمين. وأيضا فإن الذمة برية، ولا ينبغي أن يثبت فيها بشيء إلا بيقين، والله أعلم. وقد قيل في مد هشام: إنه مدان، وقيل: مد وثلث، والله أعلم. [قال لأمته أنت أحرم علي من أمي] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ابن القاسم: قال مالك في رجل قال لأمته: أنت أحرم علي من أمي، فأراد أن يطأها فقال: لا يطأها حتى يعتق رقبة. قال ابن القاسم: وقد نزلت عندنا في رجل قال لامرأته: أنت علي حرام مثل أمي، فكتب بها إلى أحمد يسأله، فأجاب مالك فيها: إنه ظهار. قال محمد بن رشد: هذا المعنى مكرر في غير ما موضع، من ذلك ما في سماع أشهب من هذا الكتاب، ومن كتاب الإيلاء، وما في سماع عيسى من هذا الكتاب، ومن كتاب التخيير والتمليك، ومن كتاب الأيمان بالطلاق، وما في سماع يحيى وأصبغ، وأبي زيد من هذا الكتاب. وتحصيل القول في هذه المسألة أن التحريم بذوات المحارم كلهن من نسب أو صهر أو رضاع ظهار، سمى الظهار أو لم يسمه، إلا أن يريد بذلك الطلاق، فيتخلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك ظهار، وهو قول ابن الماجشون. والثاني: أن ذلك طلاق، وهو قول ابن القاسم، ولا ينوى عنده في المدخول بها، وينوى عند سحنون. والثالث: أنه إن سمى الظهر فهو ظهار، وإن لم يسمه فهو طلاق، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه، وأن التحريم بالأجنبيات طلاق إن أراد به الطلاق، وإن لم يرد به الطلاق، أراد به الظهار أو لم يرده، فيختلف فيه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه طلاق، وهو قول ابن الماجشون. والثاني: أنه ظهار، وهو قول ابن القاسم في رواية أبي زيد عنه، والثالث: الفرق بين أن يسمي الظهر أو لا يسميه، وهو قول ابن القاسم في المدونة، وبالله التوفيق.

تزوج أمة ثم ظاهر منها ثم اشتراها فأعتقها في تظاهره منها ثم أراد أن يتزوجها

[تزوج أمة ثم ظاهر منها ثم اشتراها فأعتقها في تظاهره منها ثم أراد أن يتزوجها] مسألة وسئل عن رجل تزوج أمة ثم ظاهر منها، ثم اشتراها فأعتقها في تظاهره منها، ثم أراد أن يتزوجها، فقال: يجزي ذلك عنه من تظاهره، ومعنى قوله: إنها إذا لم تكن حاملا واشتراها، وليس في بطنها حمل، وذلك لأنا سمعنا منه أنه يقول: هي أم ولد بذلك الحمل. وقال مالك: لا يجزي عتق أم الولد في الظهار إذا ظاهر منها أو من غيرها. قال ابن القاسم: فحملنا هذا على وجه قوله، والله أعلم. قال محمد بن رشد: إنما ينبغي أن يجزي ذلك عنه من تظاهره على القول بأن العودة العزم على الوطء، وعلى القول بأنه إذا ابتدا الكفارة في العصمة جاز له بعد الخروج من العصمة، ويكون معنى المسألة أنه لما ظاهر منها عزم على وطئها قبل أن يشتريها، فوجبت عليه الكفارة بذلك، فلما اشتراها وهي غير حامل، جاز له أن يعتقها فيما وجب عليه من الكفارة بالعزم على الوطء، وأما على القول بأن العودة العزم على الوطء مع استدامة العصمة، وأنه لا يجوز له أن يتم الكفارة بعد الخروج من العصمة، وهو المشهور في المذهب، فلا يصح أن يجزيه عتقها، ولا الكفارة بعتق غيرها، ولا بما سواه من صيام أو إطعام، إلا بعد أن يتزوجها ويعزم على وطئها؛ لأن الكفارة لا تصح إلا مع إرادة الوطء في حال يجوز فيه. [متظاهر أجمع على إمساك امرأته ثم صام فماتت] ومن كتاب اغتسل على غير نية وسئل عن متظاهر أجمع على إمساك امرأته، ثم صام فماتت، فقال: لا أرى عليه إتماما، فقيل له: فإنه يشق عليه الصيام، فطلقها لموضع الصيام الذي يشق عليه، قال مالك: لا أرى عليه إتماما لصيامه. قال محمد بن رشد: أجمع على إمساك امرأته، يريد به أجمع على إمساكها وإصابتها، ولو أجمع على إمساكها، ولم ينو المصاب ولا أراده، لما أجزأه

مسألة: قال كل امرأة أنكحها فهي علي كظهر أمي

الصيام، وإن أتمه إلا على ما يدل عليه قول ابن نافع في المدونة، وهو قول شاذ خارج عن أقاويل العلماء، وقوله: إنها إذا ماتت فلا يجب عليه إتمام صيامه صحيح، على المشهور في المذهب، من أن العودة إرادة الوطء، والإجماع عليه مع استدامة العصمة، فمتى انفرد أحدهما عن الآخر، لم تجب الكفارة إن أجمع على الوطء، ثم قطع العصمة بطلاق، فلم يستدمها أو انقطعت بموت، سقطت الكفارة، وإن كان قد عمل بعضها، سقط عنه سائرها، وكذلك إن استدام العصمة ولم يرد الوطء، ولا أجمع عليه، لم تجب عليه الكفارة، بل لا تجزئه إن فعلها وهو غير عازم على الوطء، ولا مجمع عليه، فالكفارة على هذا القول تصح بالعزم على الوطء والإجماع عليه، ولا تجب إلا بالوطء، وعلى ما في الموطأ من أن العودة إرادة الوطء، والإجماع عليه تجب الكفارة عليه إذا أجمع على الوطء وإن ماتت أو طلقها، وإن كان عمل بعضها كان عليه تمامها، وبالله التوفيق. [مسألة: قال كل امرأة أنكحها فهي علي كظهر أمي] ومن كتاب باع غلاما بعشرين دينارا وسئل مالك عن رجل قال: كل امرأة أنكحها فهي علي كظهر أمي، فقال: كفارة واحدة تجزيه، فقيل له: أفرأيت إن كانت له امرأة، فقال لها: كل امرأة أتزوجها عليك فهي علي كظهر أمي؟ قال: تجزيه كفارة واحدة، قال: عليك، أو لم يقل: عليك. قال محمد بن رشد: هذه مثل ما في المدونة، وفي العشرة ليحيى عن ابن القاسم: أن عليه لكل امرأة كفارة. وروى أشهب: أن مالكا قاله مرة، وهو قول ابن نافع. وجه القول الأول أن الكفارة إنما هي لما لفظ به من القول المنكر، فلم يكن عليه إلا كفارة واحدة، قال ذلك ابن الماجشون في كتابه، وليس ذلك بوجه بين، وإنما الوجه في ذلك، أن قائل ذلك إنما قصد إلى الامتناع من التزوج أبدا، أو من التزوج على امرأته بالظهار، والظهار يمين تكفر، فكأنه قال: والله، لا أتزوج أبدا، ولا أتزوج على امرأتي أبدا، أو كأنه قال: إن تزوجت أبدا، وإن تزوجت على امرأتي فعلي كفارة الظهار، فوجب

ظاهر من امرأته ثم طلقها طلقة ثم أراد أن يكفر

أن يكون عليه كفارة واحدة إن تزوج، أو إن تزوج على امرأته. ووجه القول الثاني اعتبار ما يقتضيه اللفظ، من إفراد كل امرأة يتزوجها بحكم الظهار فيها؛ لأنه كأنه قال: كل امرأة أنكحها فعلي فيها كفارة ظهار، أو كلما تزوجت امرأة فعلي فيها كفارة الظهار. وهذا القول أظهر؛ لأن الظهار كان في الجاهلية طلاقا، فخفف الله ذلك، بأن جعل فيه الكفارة، فكما كان الطلاق يلزم بهذا القول في كل امرأة يتزوجها، وكذلك يلزمه الظهار، في كل امرأة يتزوجها، وأما لو قال: من تزوجت من النساء فهي علي كظهر أمي لوجب عليه في كل امرأة يتزوجها كفارة، ولا خلاف في ذلك، بخلاف قوله: كل امرأة أتزوجها، وكذلك لو قال لنسوة: إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي، لم يلزمه إلا كفارة واحدة، ولا خلاف في ذلك، بخلاف قوله: تزوجت منكن. قال ذلك ابن المواز: ولم يعجب أبا إسحاق تفرقته بين كل امرأة أتزوجها، وبين من تزوجت من النساء، وكذلك ليس بينهما فرق بين في المعنى، والله أعلم، وبه التوفيق. [ظاهر من امرأته ثم طلقها طلقة ثم أراد أن يكفر] من سماع أشهب، وابن نافع، من مالك رواية سحنون عنهما من كتاب الطلاق قال أشهب: وسمعته يسأل عمن ظاهر من امرأته، ثم طلقها طلقة، ثم أراد أن يكفر، ثم يرتجع بعد ذلك، قال: يرجع ثم يكفر، قال ابن نافع وقال مالك: إن كفر قبل أن يرتجع أجزأه ذلك، إن كانت في العدة قبل أن تنقضي. قال أشهب: إن كفر قبل أن يرتجعها، فذلك يجزي عنه، ولا بأس به إن فرغ من الكفارة قبل أن تبين منه، فإن بانت منه قبل فراغه من الكفارة سقط ما كفر به من الصيام والإطعام، وكانت عليه الكفارة مبتدأة إن هو تزوجها قبل أن يصيبها، قال أشهب: وقال ذلك المخزومي أيضا. قال محمد بن رشد: قوله: إن المظاهر من امرأته إن طلقها طلقة ثم أراد أن يكفر، أنه يرتجع قبل الكفارة، إنما هو استحسان، بدليل قوله بعد ذلك: إنه إن كفر قبل أن يرتجع أجزأه، يريد إذا فرغ من الكفارة قبل أن

مسألة: يظاهر من امرأته فيصوم في تظاهره منها شهرا ثم يطلقها

تبين منه كما قال أشهب، ومعنى ذلك، إذا كفر بنية العودة، وهي أن ينوي الارتجاع ويعزم على الوطء؛ لأن الكفارة لا تصح إلا بعد العزم على الوطء والإجماع عليه، على ما مضى في رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم، وقول أشهب: إنها إن بانت منه قبل فراغه من الكفارة سقط ما كفر به من الصيام والإطعام، هو المشهور في المذهب، وقال ابن عبد الحكم: يتم على صيامه وإطعامه ويجزيه، وهو قول ابن نافع في المدونة، وفرق ابن الماجشون في ديوانه، بين أن يمضي في الكفارة أقلها أو أكثرها، وأما إن لم تتم له كفارته حتى تزوجها، فاتفق على أنه لا يبني على الصيام، واختلف هل يبني على الإطعام؟ فقال أشهب: هاهنا إنه لا يبني، وقال أصبغ: له أن يبني، فيتحصل في الإطعام أربعة أقوال: أحدها: أنه لا يبني بعد انقضاء العدة وإن تزوجها، وهو قول أشهب. والثاني: أنه يبني وإن لم يتزوجها، وهو قول ابن عبد الحكم وابن نافع. والثالث: أنه لا يبني إلا أن يتزوجها، وهو قول أصبغ. والرابع: الفرق بين أن يمضي منه أقله أو أكثره، وهو قول ابن الماجشون، وفي الصيام ثلاثة أقوال: يبني، ولا يبني، والفرق بين أن يمضي منه أقله أو أكثره، وبالله التوفيق. [مسألة: يظاهر من امرأته فيصوم في تظاهره منها شهرا ثم يطلقها] مسألة وسئل عمن يظاهر من امرأته، فيصوم في تظاهره منها شهرا، ثم يطلقها طلاقا له فيه رجعة، ثم يتم صيامه ولا يرتجعها، أترى ذلك يجزيه ويخرجه من الظهار؟ فقال: نعم. قال محمد بن رشد: أما إذا طلقها طلاقا رجعيا، فلا اختلاف في أن له أن يبني على صيامه، ومعنى ذلك، مع أن ينوي مراجعتها وإصابتها، وأما مع ألا يريد مراجعتها ولا إصابتها، فلا يصح له على مذهبه أن يبني على صيامه، وقد مضى بيان هذا في رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم. وأما إذا طلقها طلاقا بائنا، فلا يصح أن يبني على مذهب مالك، ويصح له ذلك على قول ابن نافع في المدونة، وقول ابن عبد الحكم، وعلى قول ابن

يقول لامرأته أنت علي كأمي وهو يريد الطلاق

الماجشون: إن كان مضى من الكفارة أكثرها على ما مضى في المسألة التي قبل هذه، إذ لا فرق في ذلك بين أن تبين بانقضاء العدة، ويكون الطلاق بائنا، وبالله التوفيق. [يقول لامرأته أنت علي كأمي وهو يريد الطلاق] ومن كتاب الطلاق وسئل عن الذي يقول لامرأته: أنت علي كأمي، وهو يريد الطلاق. قال: تطلق عليه. قلت: أرأيت إن رجعت إليه بعد نكاح، أيكون عليه كفارة الظهار؟ قال: لا، ما له وللظهار هذا؟ إنما أراد الطلاق. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم سن، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. وقوله: إنها إن رجعت إليه بنكاح جديد، لا يكون عليه كفارة الظهار صحيح، وسواء في هذه المسألة كان مستفتيا أو مطالبا بحكم الظهار، إذ لم يذكر الظهر، ولو قال: أنت علي كظهر أمي لم يصدق إذا حضرته البينة، وطولب بحكم الظهار إذا تزوجها؛ لأنه يتهم في إسقاط حكم الظهار عن نفسه بادعائه أنه أراد الطلاق، فيؤخذ في الطلاق بما أقر به على نفسه، وفي الظهار إن تزوجها بما أفصح به من قوله، وبالله التوفيق. [مسألة: المظاهر من امرأته أله أن يضاجعها ولا يمسها قبل أن يكفر] مسألة قال أشهب: وسمعت مالكا، وسئل عن المظاهر من امرأته، أله أن يضاجعها ولا يمسها قبل أن يكفر؟ قال: لا حتى يفرغ مما عليه، فقلت له: وهل يرى شعرها؟ قال: نعم، أرجو ذلك. قال محمد بن رشد: خفف مالك هاهنا أن ينظر المظاهر إلى شعر امرأته التي ظاهر منها، وقال في المدونة: لا بأس أن ينظر إلى وجهها، ولا ينظر إلى شعرها، ولا إلى صدرها، قال في موضع آخر: لأن ذلك لا يدعو إلى خير،

قال الرجل اشتروا عبد فلان وعبد فلان فأعتقوهما عني في كفارة علي

فدل على أنه كره ذلك للذريعة، مخافة التطرف إلى ما بعد ذلك لكان ذلك محظورا عنده؛ لأن الله تعالى إنما قال ذلك: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وليس النظر إلى شيء من ذلك مماسة، وإنما اختلف أهل العلم في القبلة والمباشرة واللمس والجس، فمنهم من حمل قَوْله تَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] على عمومه، فمنع من ذلك كله إلا بعد الكفارة، وهو مذهب مالك. ومنهم من قال: إن للمظاهر أن يقبل ويباشر، ويطأ في غير الفرج، فحمل الآية على غير العموم، وقال: إن المراد بالمماسة الوطء خاصة، وهو قول الحسن، وعطاء، والزهري، فيأتي على مذهب من حمل الآية على العموم، أنه إن قبل أو باشر قبل أن يكفر، وجبت عليه الكفارة، وهو قول مطرف: إنه إن قبل في خلال الكفارة ابتدأها، وقال أصبغ وسحنون: إذا قبل وباشر في خلال الكفارة، استغفر الله، ولا شيء عليه، فالامتناع على مذهب مطرف مما عدا الوطء واجب، وهو الظاهر من قول مالك؛ لأنه قال: يجب على المرأة أن تمسك نفسها، وإن رفعته إلى الإمام حال بينه وبينها، وعلى قول أصبغ وسحنون مستحب، وعلى قول الحسن ومن قال بقوله مباح، وبالله التوفيق. [قال الرجل اشتروا عبد فلان وعبد فلان فأعتقوهما عني في كفارة علي] من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب الثمرة قال ابن القاسم: إذا قال الرجل: اشتروا عبد فلان، وعبد فلان، فأعتقوهما عني في ظهار وجب علي وقتل نفس، فنظر في ثلثه فلم يحملها، قال: يسهم بينهما، فأيهما خرج سهمه اشتري فيعتق، قلت: في أي شيء يعتق؟ أفي الظهار أم في قتل النفس؟ قال: بل في قتل النفس. قالت: لم؟ قال: لأن قتل النفس لا يطعم فيه المساكين،

والظهار يطعم فيه المساكين، فإن اشتروا هذا العبد الذي خرج سهمه فيعتق أطعم بفضلة الثلث المساكين في الظهار. قلت: فإن لم يبلغ ما يطعم به ستين مسكينا، قال: يطعم به ما كان. قلت: فإن فضل عن إطعام ستين مسكينا؟ قال: يعان بالفضلة في رقبة أو في رقاب. قلت: فإن كان ثمن الذي خرج سهمه يحيط بجميع الثلث، في أي شيء يعتق العبد؟ أفي الظهار أم في قتل النفس؟ قال: في القتل؛ لأن الظهار أمر قد اختلف فيه؛ لأن بعض الناس قد قالوا: لو أن رجلا تظاهر من امرأته ثم وطئها قبل أن يكفر، ثم طلقها، أن الكفارة ليست عليه بواجبة، وهو قول أهل المشرق، وبعض من ارتضى من أهل المدينة، والقتل لا اختلاف فيه أن ذلك عليه عاش أو مات، فالقتل أوجبهما عليه لما اختلف فيه من الظهار، وهو أحب إلي. قال محمد بن رشد: قوله إذا لم يحملها الثلث: إنه يسهم بينهما، فأيهما خرج سهمه اشتري فأعتق، هو على قوله في المسألة التي بعدها، إذا أوصى أن يعتق عبد من عبيده في ظهار عليه، أنه يسهم بينهم، أيهم يعتق في الظهار، خلاف قول أصبغ وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد، والذي يأتي في هذه المسألة على قول أصبغ، وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد: أن يكون الورثة بالخيار، في أن يشتروا للعتق أيهما شاءوا ذلك إذا كانت أثمانهما مستوية، وأما إذا كان أحدهما أكثر ثمنا من الآخر، فالواجب على هذا القول أن يشترى للعتق الأقل ثمنا منهما، فإن بلغ ما يفضل من الثلث ما يشترى به عبد اشتري للكفارة الأخرى، وإن لم يكن فيه ما يشترى به عبد، أطعم فيه عن الظهار. وأما قوله: إنه يعتق العبد الذي خرج عليه السهم في القتل، ويطعم بفضل الثلث عن الظهار، فهو أمر لا اختلاف فيه، إن كان

مسألة: قال أعتقوا من رقيقي رأسا فإن علي رقبة في ظهار

يفضل من الثلث ما يطعم به ستين مسكينا عن الظهار، وأما إن كانت الفضلة لا تبلغ إطعام ستين مسكينا، ففي ذلك قولان: أحدهما: أنه يعتق العبد أيضا في القتل، ويطعم بالفضلة من المساكين ما بلغت، وهو قول ابن القاسم. والثاني: أنه يعتق العبد عن الظهار، ويشرك بالفضلة في رقبة عن القتل، وهو قول أصبغ في سماعه بعد هذا، وأما إن لم يكن في الثلث فضل عن ثمن العبد الذي خرج السهم عليه، ففي ذلك أربعة أقوال: قيل: إنه يعتق في القتل؛ لأن الظهار قد اختلف فيه، وهو قول ابن القاسم هاهنا. وقيل: إن ذلك إلى الورثة يعتقونه على أي الكفارتين شاءوا. وهو قول ابن القاسم في سماع أصبغ، وقيل: يقرع بين الكفارتين، فيعتق عن الكفارة التي خرج السهم لها، وقيل: يتحاصان، فما ناب الظهار أطعم به، وما ناب القتل شورك به في رقبة أخرى. وهذان القولان الآخران يتواليان على ما في المدونة من قوله فيها: إنه لا يبدى أحدهما على صاحبه، وبالله التوفيق. وقوله لأن بعض الناس قد قالوا: لو أن رجلا تظاهر من امرأته ثم وطئها قبل أن يكفر، ثم طلقها، أن الكفارة ليست عليه واجبة، ظاهره ولو وطئ مرارا، فلم ير قائل هذا القول الكفارة تجب بالوطء، وإنما رآها ليباح بها الوطء في المستقبل، فمن مات أو طلق لم تجب عليه كفارة، فيقال على هذا القول لمن ظاهر: لا تقرب امرأتك حتى تكفر؛ لقول الله عز وجل: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] ، فإن وطئ قبل أن يكفر، قيل له: قد عصيت وأثمت، ولا يجوز لك أن تطأ أيضا حتى تكفر، فإن وطئ أيضا قبل أن يكفر، قيل له: قد عصيت ثانية وأثمت، ولا يجوز لك أيضا أن تطأ حتى تكفر هكذا أبدا يكون كلما وطئ قبل الكفارة عاصيا ممنوعا من الوطء فيما يستقبل حتى يكفر، وهو قول له وجه. وقد قال ابن القاسم: إنه قول من يرتضى من أهل المدينة. [مسألة: قال أعتقوا من رقيقي رأسا فإن علي رقبة في ظهار] مسألة قلت: فإن قال: أعتقوا من رقيقي رأسا، فإن علي رقبة في ظهار، فنظروا في عبيده، فإذا هم كلهم ليس فيهم من يجوز في الرقاب

الواجبة، قال: يباع منهم ويشترى رقبة. قلت: فإن كانوا ممن يجوز في الرقاب، ولكنهم كل واحد منهم قيمته أكثر من الثلث، قال: يباع منهم أيضا فيشترى رقبة تجوز في الرقاب الواجبة. قلت: فإن كان فيهم من يجوز في الرقاب، وثمنه الثلث فما دونه، وثم من يجوز، وثمنه أكثر من الثلث، وثم من لا يجوز رأسا قال: يعزل منهم الذين لا يجوزون، والذين أثمانهم أكثر من الثلث، ويسهم بين الآخرين، فمن خرج سهمه أعتق. قلت: فإن كان أوصى أن عليه رقبة في قتل، فلم يكن في ثلثه ثمن رقبة، ماذا يصنع بالثلث؟ قال: أرى أن يطلب بالثلث رقبة، يشركون فيها آخر، فتعتق كلها، فإن لم يجدوا أعانوا بالثلث في رقاب. قلت: ولا يشترون نصف رقبة فيعتقونها، ونصفها عبد، قال: لا يضعون ذلك إلا في رقبة يتمون عتقها، وإلا أعانوا به في رقاب. قال أصبغ مثله إلا السهم، فإني لم أر أن يسهم عليهم، ولكن يعتق الورثة أو الوصي واحدا منهم ممن يجوز في الرقاب بلا عيب، ممن هو أقل من الثلث أو الثلث، ممن شاءوا أو رأوا، وإن كان فيهم من هو أرفع منه ثمنا أو مثله أو دونه، فذلك إليهم؛ لأنه عتق كفارة أمرهم بها، وليست وصية فيهم ولهم، ولا تطوع جعل عتقه جاريا في عدتهم، ولا شيء وجب عليه فيهم بأعيانهم قبل ذلك، إنما هي رقبة واجبة عليه أمر أن تخرج من ماله ورقيقه عنه، ألا ترى أن ابن القاسم يقول: إذا وجد فيهم من يجوز في الرقاب الواجبة مثله، قال: يشتري رقبة من الثلث يعتق عنه، فهذا دليل على أن المعتق

ليس فيهم بأعيانهم، فإذا شرك حتى لا يعتق أحد منهم إلا بسهم، ولو كان كذلك ما جاز أن يشترى من غيرهم، إذا لم يكن فيهم من يجوز، فإنما هي وصية بكفارة أرادها حتى لو مات أولئك الرقيق أجمعون، أو استحقوا لم تسقط الكفارة من ماله، إن بقي له مال يكون له الثلث، يعتق فيه، وإنما يحمل قوله: من رقيقي المشهورة، وإن فيهم من يعتق في ذلك بعلم أو جهل أو ظن نرجوه، ونحو ذلك، ولو تركهم وفيهم من يجوز، وأعتق من غيرهم، لم يكن مخطئا خطأ يكون به ضامنا، ورأيت ذلك مجزيا، ويرقون جميعهم، ولا قول لهم، وهذا رأيي. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لم يكن فيهم من يجوز في الرقاب الواجبة، أنه يباع منهم، ويشترى رقبة فتعتق، صحيح لا اختلاف فيه، ومعناه إذا لم يكن عالما بذلك، كما قال في سماع أبي زيد، ومعناه أيضا إذا كانت الرقبة من ظهار، كما قال، وكذلك لو كانت من قتل خطأ؛ لأنها واجبة في الوجهين جميعا، وذلك مثل قوله في المدونة، ورأيته عن مالك في الذي يوصي، وهو صرورة أن يحج عنه رجل بعينه، أن يحج عنه، فأبى ذلك الرجل أن يحج عنه، أنه يعطى ذلك غيره ممن يحج به، ولا يرجع ذلك إلى الورثة، ولو كانت الرقبة من قتل عمد، فلم يكن في عبيده من يجوز في الرقاب؛ لجرى ذلك على الاختلاف الذي في المدونة فيمن وصى أن يحج عنه، رجل يعينه بحجة تطوع، فأبى ذلك الرجل أن يحج عنه، هل يرجع المال إلى الورثة أو يحج به عنه غيره؛ لأن الرقبة في قتل العبد تطوع، وليست واجبة، فهي كحج التطوع؟ فعلى قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة إذا لم يكن فيهم من يجوز في الرقاب الواجبة تبطل الوصية، وعلى قول غيره فيها، يباع منهم، ويشترى من غيرهم من يجوز في الرقاب الواجبة فيعتق، وإنما يباع منهم ما يقع واحد من عددهم على ما قال في سماع أبي زيد. وهذا كله بين، والله أعلم. وأما قوله: إنه يسهم بينهم وبن من يجوز منهم في الرقاب الواجبة إن

المظاهر تخدمه امرأته

كان فيهم من لا يجوز في الرقاب، فقد اختلف قوله في ذلك، فله في سماع أبي زيد مثل قول أصبغ هاهنا: إن الورثة يعتقون من شاءوا منهم، ولا يسهمون بينهم، ولكلا القولين وجه من النظر، فوجه القول بأنه يسهم بينهم أنه لما أوصى أن تعتق الرقبة التي عليه منهم، وجب أن يسهم بينهم كما لو أوصى أن يعتق منهم عبدا تطوعا؛ لاحتمال أن يكون قصد أن يجعل وصيته فيهم لشيء كان منهم إليه أو منه إليهم، على نحو ما جاء في الذي أتى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال: «يا رسول الله، إن جارية لي كانت ترعى غنما لي بجنبها، وقد فقدت شاة من الغنم، فسألتها عنها فقالت: أكلها الذئب، فأسفت عليها، وكنت من بني آدم، فلطمت وجهها، وعلي رقبة أفأعتقها؟ فقال له رسول الله: "إن الله» الحديث، ألا ترى أنه أراد أن يجعل الرقبة التي عليه فيها من أجل أنه لطمها. ووجه القول: بأنه لا يسهم بينهم هو أن السهم غرر، فلا ينبغي أن يستعمل إلا حيث تدعو إليه الضرورة، بأن يتحقق أنه أراد أن يجعل وصيته فيهم بأعيانهم، وبالله التوفيق. [المظاهر تخدمه امرأته] ومن كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: قال ابن القاسم في المظاهر تخدمه امرأته، فقال: أما أن تخدمه وتناوله الشيء، فلا بأس ويستتر. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: ويستتر، أنه لا ينظر إلى شعرها مثل ما في المدونة، وذلك للذريعة، وقد مضى القول في هذا مستوفى في رسم الطلاق من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: ظاهر من امرأته فصام شهرا ثم طلقها فمضى على صيامه حتى أتم الشهر] مسألة وقال: في رجل ظاهر من امرأته، فصام شهرا ثم طلقها، فمضى على صيامه حتى أتم الشهر، قال: إنما أراد بذلك الكفارة إن هو ارتجعها في العدة، وكان طلاقه إياها واحدة، فذلك يجزيه، وإن كان صالحها أو طلقها ألبتة، فقد انقطعت العصمة بينهما، ولا ينفعه

مسألة: ظاهر من نسوة له بكلمة واحدة

ذلك، وبالله التوفيق، إن هو تزوجها يوما ما. قال محمد بن رشد: في قوله: "إن كان إنما أراد بذلك الكفارة إن هو ارتجعها في العدة نظر؛ لأنه خلاف المشهور في المذهب المعلوم من مذهب ابن القاسم، من أن من كفر قبل أن يريد العودة لم تجزه الكفارة، هذا قوله في المدونة، وقول كبار أصحاب مالك فيها: إن المظاهر إذا كفر بغير نية الجماع كما قال الله: {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3] فمعنى يعودون يريدون، أن ذلك لا يجزيه، وكان يحيى بن عمر يقول تعلقا بظاهر هذا اللفظ، وما كان مثله من نحو قول ابن نافع في المدونة؛ ولأنه ممن كانت العودة جائزة له قبل أن يطلق: إن من صام وهو لا يريد المصاب، إلا أنه يريد حبس امرأته، أنه يجزيه، والصواب أن ذلك لا يجزيه على ما مضى القول فيه في رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم، وفي أول سماع أشهب، وقد مضى في سماع أشهب تحصيل الاختلاف في إتمام الكفارة بعد الطلاق البائن، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: ظاهر من نسوة له بكلمة واحدة] مسألة وسئل عمن ظاهر من نسوة له بكلمة واحدة، فقال: كفارة واحدة تجزيه عنهن جميعا. قيل له: فإن جهل وظن أنه لا تجزيه إلا كفارة كفارة، فصام عن إحداهن. قال مالك: الكفارة تجزيه عنهن جميعا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في نص المدونة، ولا اختلاف في ذلك أعلمه؛ لأنه إنما هو بمنزلة من قال: والله، لا أقرب واحدة منكن، فليس عليه إلا كفارة واحدة، قربهن جميعا أو قرب واحدة منهن، وإن كفر قبل أن يطأ أجزأته الكفارة، وسواء نواهن كلهن بها أو لم ينو إلا واحدة منهن، وبالله التوفيق.

مسألة: الظهار ثلاثة وجوه

[مسألة: الظهار ثلاثة وجوه] ومن كتاب العرية وقال لي: افهم، إنما الظهار ثلاثة وجوه؛ إن قال الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي هكذا من غير أن يحلف على شيء يفعله، أو قال: أنت علي كظهر أمي إن كلمت فلانا، فكلمه فحنث، فلم يمسها حتى طلقها ألبتة، فتزوجها بعد زوج، قال: لا يطأها لو تزوجها بعد عشرين زوجا حتى يكفر، وإن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي إن كلمت فلانا فطلقها ألبتة قبل أن يكلمه، ثم تزوجها بعد زوج، فأراد كلامه، فليكلمه ولا شيء عليه؛ لأن ملك النكاح الذي حلف فيه قد ذهب حين طلق ألبتة، فليكلمه ولا شيء عليه، قال: وإن ظاهر منها ابتداء من غير يمين، أو تظاهر بيمين ثم حنث فمسها قبل أن يكفر، فإن الكفارة تلزمه، وإن طلقها أو مات قال: وإن طلقها واحدة فانقضت عدتها، أو ألبتة، فأراد أن يكفر، ثم يتزوجها لم يجزه ذلك حتى يكفر بعد التزويج، قال: ولو طلقها واحدة وهو من أهل الصيام أو الإطعام، فابتدأ الصيام أو الإطعام، فلم يفرغ حتى انقضت عدتها لم يجزه من ذلك شيء وإن أتمه، ولا تجزيه الكفارة إلا ما دامت في ملكه. قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال: إن من الظهار ما يسقط بانقضاء ملك النكاح، فلا يعود إذا رجعت إليه، ويعود إذا رجعت إليه بعد طلقة أو طلقتين، وهو اليمين بالظهار إذا طلق قبل الحنث، ومنه ما يسقط بالطلاق البائن، واحدة كان أو ثلاثا، ويعود متى ما رجعت إليه وهو الظهار، إذا لزم بقول أو فعل ثم طلق قبل الوطء، ومنه ما لا يسقط بطلاق ولا موت، وهو إذا ظاهر ثم وطئ، ومعاني افتراقهما بينة؛ لأن الوجه الأول بيمين الظهار لم يحنث فيه، فيعود ما لم ينقض الملك، والثاني ظهار قد

مسألة: يوصي بأن يشترى أبوه أو أخوه فيعتق عنه فأبوا أن يبيعوه إلا بأكثر من ثمنه

لزم، فمتى رجعت إليه رجع عليه الظهار، إذ لا يستطيع أن يطأ إلا بعد الكفارة، والثالث كفارة قد لزمت بالوطء، فلا تسقط على حال، ولا اختلاف في أن المظاهر إذا طلق طلاقا بائنا قبل أن يأخذ في الكفارة، فإن الكفارة لا تجزيه بعد الطلاق، وإنما اختلف إذا كان قد أخذ في الكفارة قبل الطلاق، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في أول رسم من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بأن يشترى أبوه أو أخوه فيعتق عنه فأبوا أن يبيعوه إلا بأكثر من ثمنه] مسألة وسئل عن الرجل يوصي بأن يشترى أبوه أو أخوه فيعتق عنه، فأبوا أن يبيعوه إلا بأكثر من ثمنه بأضعاف والثلث كثير، أو قال: إن علي رقبة في ظهار، فاشتروه وأعتقوه عني، أو أوصى أن عليه عتق رقبة، ولم يسم من يشترى له، وكان أبوه عبدا، فرأى الخليفة أن يشتريه فيعتقه، ماذا ترى فيه إن لم يبيعوه إلا بأكثر من ثمنه بأضعاف، وأبى ذلك الورثة؟ قال ابن القاسم: إن أوصى أن يشترى له زيد في ثمنه قدر الثلث، ولم يزد أكثر، وإن قال: علي رقبة، فاشتروها عني، ولم يشتر له، لم يجز للخليفة أن يشتري أحدا ممن يعتق عليه، وإن قال: علي رقبة في ظهار، فاشتروا والدي فأعتقوه عني أنفذ ما قال؛ لأنها وصية، ولو شاء لم يوص بشيء، فإنما يحمل محمل الوصية. قال محمد بن رشد: هذا كله صحيح، على ما في المدونة، في الذي يوصي أن يشترى عبد فلان، فيعتق، فأبى سيده أن يبيعه أنه يزاد فيه مثل ثلث ثمنه، ولا فرق في هذا بين أن يوصي أن يشترى ابن فلان فيعتق، أو يشترى أبوه فيعتق عنه في ظهار عليه، وإنما يفترق الثلاث مسائل إذا أبى سيده أن يبيعه بزيادة ثلث ثمنه، فأما الذي أوصى أن يشترى فيعتق، فقيل: يستأنى بثمنه السنة ونحوها، فإن أبى السيد من بيعه رجع ميراثا، وقيل: إنه لا

يقول امرأتي علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا

يرجع ميراثا إلا بعد أن يوئس من العبد بموت أو عتق، والقولان في المدونة. وقيل: إنه إذا أمن منه جعل في عبد غيره، ولا يرجع ميراثا. وهو قول ابن كنانة في المدنية، وأما الذي أوصى أن يشترى أبوه، فإن الثمن يرجع ميراثا بعد اليأس منه بموت أو عتق، وأما الذي أوصى أن يشترى أبوه فيعتق عنه في ظهار عليه، فإن الثمن لا يرجع ميراثا، ويجعل في عبد يعتق عنه في ظهاره بعد اليأس منه بموت أو عتق، بمنزلة الذي يوصي أن يشترى عبد فلان، فيعتق عنه في ظهاره، والله الموفق للصواب بمنه. [يقول امرأتي علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا] ومن كتاب لم يدرك من صلاة الإمام وسئل عن الرجل يحلف على شيء، فيقول: امرأتي علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا، فيريد أن يقدم الكفارة قبل الحنث، قال: ولا تجزيه، وعليه كفارة أخرى بعد الحنث، وإنما هو بمنزلة رجل حلف بالطلاق على شيء ألا يفعله، فقدم الطلاق على الحنث، ثم حنث؛ أن تطليقة أخرى تلزمه. قلت: فأي الأيمان تجزي فيها الكفارة قبل الحنث، قال: اليمين بالله، وأما المشي والطلاق والظهار إذا حلف به فلا يجزيه إلا بعد أن يحنث. قال محمد بن رشد: قوله: إن الذي يحلف بالظهار على شيء ألا يفعله، لا يجوز له أن يقدم الكفارة قبل الحنث، كما لا يجوز للذي يحلف بالطلاق على شيء أن يقدم الطلاق قبل الحنث صحيح كما قال، وهو في الظهار أوضح وأبين؛ لأن الطلاق يجب بالحنث على من حلف به فحنث، والكفارة لا تجب بالحنث على من حلف بالظهار فحنث حتى يطأ، إلا أنه بالحنث يلزمه الظهار، ولا يكون له أن يطأ حتى يكفر؛ لقول الله عز وجل: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] ، ولو حلف بالظهار على شيء أن يفعله ولم يضرب

لذلك أجلا، لجاز له أن يقدم الكفارة، ويبر بذلك؛ لأنه على حنث، كما يجوز له أن يقدم الطلاق إذا حلف بالطلاق أن يفعل فعلا، ولم يضرب له أجلا، ويبر بذلك في يمينه؛ لأنه على حنث حتى يفعل، على ما في النذور من المدونة. وقال في كتاب محمد بن المواز: من حلف بالطلاق أن يقتل فلانا، ولم يضرب أجلا، لم يبر بالطلاق، فإن مات فلان قبل أن يقتله وقع عليه الطلاق، ولم يجتزئ بالطلقة التي أوقع؛ لأن موت فلان كان قضاء الأجل. وقوله: إن الأيمان التي تجزي فيها الكفارة قبل الحنث اليمين بالله صحيح، على المشهور في المذهب، والأصل في جواز ذلك قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من حلف على شيء فرأى غيرها خيرا منها؛ فليكفر عن يمينه، وليفعل الذي هو خير، أو ليفعل الذي هو خير وليكفر عن يمينه» ؛ لأن الحديث محمول عندهم على التخيير من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الوجهين، لا على أنه شك من المحدث، وسواء كان في اليمين على بر أو على حنث، وروى أبو زيد، عن ابن الماجشون: أن الكفارة في اليمين بالله لا تجزي إلا بعد الحنث، فإن حلف ليفعلن فعلا فلا يتبين حنثه إلا بالموت، ولا تجزيه الكفارة إن كفر في حياته، فساوى أيضا بين أن يكون يمينه على حنث أو على بر في أن الكفارة لا تصح إلا بعد الحنث، والقياس أن يفرق بين الوجهين، فتجزيه الكفارة قبل الحنث فيما كان فيه على حنث، ولا تجزيه فيما كان فيه على بر إلا بعد الحنث. وفي قوله في آخر المسألة: إن المشي والطلاق والظهار إذا حلف به، فلا تجزيه إلا بعد أن يحلف، كذا وقع، والصواب بعد أن يحنث، نظرا لقوله في جميع ذلك: فلا تجزيه إلا بعد أن يحنث، والصواب في ذلك أن المشي والطلاق لا يجب عليه إلا بعد أن يحنث، وأن الكفارة في الظهار لا تجزيه إلا بعد أن يحنث؛ لأنه لا تجب عليه بالحنث، وإنما تجب عليه بالوطء. وقد وقع في آخر الظهار من المدونة عن مالك، فيمن لا يعتق رقبة بغير

قال لامرأته أنت أمي يريد بذلك الطلاق

عينها، فأعتق رقبة قبل أن يحنث، أن ذلك يجزيه ويسقط عنه الإيلاء، وبعد الحنث أحسن، وهو بعيد، والصواب أن ذلك لا يجزيه إلا بعد الحنث، بخلاف اليمين بالله. وابن الماجشون يرى الكفارة في اليمين بالله لا تجزيه إلا بعد الحنث، وقد تقدم ذلك. [قال لامرأته أنت أمي يريد بذلك الطلاق] ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم: من قال لامرأته: أنت أمي، يريد بذلك الطلاق، فهو طلاق، وإن قال لها ذلك وهو لا يريد الطلاق، فهو ظهار، قال: ومن قال لها ذلك وهو لا يريد الطلاق ولا الظهار فهو ظهار. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل قول ابن القاسم وغيره في هذه المسألة في رسم سن من سماعه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق، لا رب سواه. [قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إن وطئتك فوطئها مرة ثم ماتت] ومن كتاب القطعان قال ابن القاسم: فيمن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي إن وطئتك، فوطئها مرة ثم ماتت، أو طلقها البتة، فليس عليه كفارة، وإن قال: أنت علي كظهر أمي إن وطئتك، فوطئها مرة، ثم وطئها ثانية قبل أن يكفر، فإن الكفارة عليه واجبة. قال محمد بن رشد: هذا على القول بأن من حلف بطلاق امرأته ثلاثا إن وطئها، أنه ليس بمول، فلا يضرب له أجل المولي إن رفعته امرأته إلى السلطان، ولا يطلق عليه؛ لأنه لا يحنث إلا بالوطء، فله أن يطأ الوطأة التي يحنث بها، وهذا أحد قوليه في المدونة، وله فيها قول آخر، إن رفعته إلى الإمام عجل عليه الطلاق، ولم يضرب له أجل الإيلاء لا يمكن من الوطء، إذ يحنث بأول الملاقاة، فيكون باقي وطئه في امرأة قد بانت منه بطلاق

العبد يعتق سيده نصفه في ظهاره ثم يعتق بعد ذلك النصف الآخر في ذلك الظهار

الثلاث، فيلزم على قياس هذا القول، أن لا يجوز لمن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي إن وطئتك أن يطأها حتى يكفر كفارة الظهار؛ لأنه يحنث بأول الملاقاة، ويجب عليه الظهار، فيكون باقي وطئه في امرأة قد ظاهر منها قبل الكفارة، وذلك ما لا يجوز؛ لقوله عز وجل: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] ، وقد قيل في مسألة الحالف بالطلاق ثلاثا لا يطأ قولان آخران سوى هذا من القولين، وليس هذا موضع ذكرهما، وبالله التوفيق لا شريك له. [العبد يعتق سيده نصفه في ظهاره ثم يعتق بعد ذلك النصف الآخر في ذلك الظهار] ومن كتاب أوله باع شاة وسألته عن العبد يعتق سيده نصفه في ظهاره، ثم يعتق بعد ذلك النصف الآخر في ذلك الظهار، قال: يجزيه إن شاء الله. قلت: فإن لم يعتق حتى رفع إلى السلطان، أترى على السلطان أن يأمر بعتقه في ظهاره؟ قال: يجبره، فإن أعتقه أجزاه، وإلا أعتقه عليه السلطان. قال محمد بن رشد: قوله: وإلا أعتقه عليه السلطان، يريد ولا يجزيه إذا أعتقه عليه، لكنه مكره على ذلك، والمكره لا نية له، فلا يجزيه، إذ لا تجزيه الكفارة إلا بنية. وكذلك قال في المدونة في الذي أعتق نصيبه من عبد وهو موسر، فقوم عليه نصيب شريكه أنه لا يجزيه، وابن الماجشون يقول: إنه إذا أعتق نصف عبده عن ظهار، ثم أعتق بعد ذلك النصف الآخر أو أعتق شقصا له في عبد عن ظهاره وهو موسر، ثم اشترى نصيب صاحبه فأعتقه، أنه لا يجزيه؛ لأنه لما أعتق نصف عبده فقد لزمه عتق باقيه، ولما أعتق نصيبه من عبد وهو موسر، لزمه أن يقوم عليه نصيب شريكه، فلا يجزيه أن يعتق في ظهاره ما قد وجب عليه تقويمه أو عتقه، ومن الناس من يتأول ما في المدونة لابن القاسم على مذهب ابن الماجشون؛ لقوله: والظهار لا يكون فيه تبعيض العتق، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الذي يدل عليه قوله: إن التبعيض عنده إنما هو أن يعتق نصيب شريكه في موضع لا يلزمه أن يقوم عليه فيه، وإنما يصح أن يتأول على مذهب ابن الماجشون، قول سحنون، والله أعلم.

يوصي بعتق عبد في تطوع ويوصي بشراء آخر لكفارة ظهار فأيهما يبدأ

[يوصي بعتق عبد في تطوع ويوصي بشراء آخر لكفارة ظهار فأيهما يبدأ] ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب وسئل عن الذي يوصي بعتق عبد له بعينه في تطوع، ويوصي بأن تشترى رقبة فتعتق عنه في الظهار، فأيهما يبدأ؟ قال: بالظهار هو أولى. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، إن الواجب وإن كان غير معين فهو يبدى على التطوع وإن كان معينا، وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله. [يقول لجاريته لا أعود لمسيسك حتى أمس أمي] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب أوله أول عبد أبتاعه فهو حر قال يحيى: وسألته عن الرجل يقول لجاريته: لا أعود لمسيسك حتى أمس أمي، أيكون بهذا القول مظاهرا؟ قال: ليس عليه في هذا ظهار، فليمس أمته متى شاء، ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأنه إنما هو بمنزلة من قال: لا أمس أمتي أبدا، فلا شيء عليه، وبالله التوفيق. [يقول لامرأته إن لم أطلقك فأنت علي كظهر أمي] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب قال سحنون: وسألت أشهب، عن الذي يقول لامرأته: إن لم أطلقك فأنت علي كظهر أمي، وغلامي حر، أو علي المشي إلى بيت الله الحرام، قال: أما في الظهار فيحال بينه وبين وطئها، فإن رفعته ضرب له أجل الإيلاء، فإن طلق، وإلا طلقت عليه بالإيلاء، وأما في العتق والمشي فإنه لا يحال بينه وبين الوطء وهي امرأته، وإنما يحنثه في عتق أو مشي بعد الموت، وليس في هذا إيلاء. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يحال بينه وبينها في الظهار، ويضرب

مسألة: رجل أعتق رقبة في ظهار عليه اشتراها فأتى رجل فاستحق الرقبة

له أجل الإيلاء إن رفعته صحيح، إذ لا يجوز له الوطء، كمن حلف بالطلاق ليفعلن فعلا، فإن أبا أن يطلق لما وقف، وقال: أنا التزم الظهار، ولا تطلقوا علي بالإيلاء، كان ذلك له، وقيل له كفر، وابق مع امرأتك، فإن لم يكفر وسأل أن يضرب له أربعة أشهر أخرى للإيلاء، كمن ظاهر ولم يكفر، فقيل ذلك له كمبتدئ الظهار من يوم التزم الظهار، وقيل: ليس ذلك له؛ لأنه يتهم على أنه لم يلتزم الظهار، وإنما أراد التطويل والزيادة في الإيلاء الذي قد مضى أجله، وهو أشبه، والله أعلم. والذي يرفع عنه التهمة أن يفصح بالتزامه ليقول: أنا ألتزمه، هي علي كظهر أمي، وقد مضى في رسم لم يدرك ما بين هذا المعنى، وأما العتق والمشي فكما قال فيهما، لا كلام في ذلك ولا إشكال، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل أعتق رقبة في ظهار عليه اشتراها فأتى رجل فاستحق الرقبة] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل أعتق رقبة في ظهار عليه اشتراها، فأتى رجل فاستحق الرقبة، فرجع المعتق على بائعه بالثمن، وهو ثمن واسع، أترى أن يشتري ببعضه رقبة ويرد ما بقي؟ قال: يشتري به كله، وإنما رأيت أن يشتري به كله؛ لأن مالكا سئل عن الرجل يعتق رقبة عن ظهار عليه، ثم يطلع على عيب، قال: يرجع به على بائعه، ويجعله في رقبة، فإن لم يجد به رقبة، أعان به في رقبة يتم له عتقها، فمن هنالك رأيت ما قلت لك، والعيب الذي أصيب بالعبد، ليس هو مما إذا كان في العبد لم يجز في الرقاب، ولكنه إذا كان في العبد جاز العبد به. قلت له: فلو كان تطوع، قال: يرجع بالعيب، ويصنع به ما شاء، وكذلك لو كان هدي تطوع أهداه، ثم أصاب به عيبا، رجع على بائعه بقيمة العيب، وصنع به ما شاء، وهو مثل لعتق التطوع، إلا أنه لو كان هديا واجبا، فأصاب به عيبا، رجع على بائعه بقيمة

مسألة: يقول لامرأته أنت علي كظهر فلانة لجارة له

العيب، فاشترى به هديا، فإن لم يجد به هديا شاة، ولا غيره مما يكون هديا تصدق به، ولا يشرك به في هدي. قال محمد بن رشد: مساواة ابن القاسم هنا بين العيب يوجد في العتق التطوع والهدي التطوع، أنه لا شيء على المبتاع في قيمة العيب الذي يرجع به على البائع، خلاف قوله في المدونة في تفرقته بين الهدي التطوع، والعتق التطوع. ولابن نافع في المدونة: أنه لا يصح له تملك ما يرجع به العيب في العتق التطوع، فأحرى أن لا يصح له ذلك على مذهبه في الهدي التطوع، وأما الهدي الواجب، والرقبة الواجبة، والضحية، فلا اختلاف في أنه لا يصح له تملك لما يرجع به للعيب في شيء من ذلك كله إن كان العيب يسيرا يجوز به العبيد في الرقاب والشاة في الهدي والضحية، وإن كان كثيرا لا يجوز به العبد في الرقاب ولا الشاة في الضحية والهدي، وجب عليه البدل في الرقبة، والهدي في الضحية إن كانت لم تفت أيام الذبح، وإن كانت قد فاتت تصدق بذلك. وقد مضت هذه المسألة مستوفاة في أول سماع أصبغ من كتاب الضحايا، فمن أحب الوقوف عليها تأملها هنالك، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته أنت علي كظهر فلانة لجارة له] مسألة وقال: في رجل يقول لامرأته: أنت علي كظهر فلانة لجارة له- إن دخلت هذه الدار، فيتزوج جارته التي حلف لامرأته بظهارها، ثم دخل الدار قال سحنون: لا شيء عليه. قال محمد بن رشد: وجه قول سحنون أنه حمل يمينه على أنه أراد أنت علي كظهر فلانة مني يوم أدخل الدار إن دخلها، ويلزم على قياس هذا لو قال لامرأته: أنت علي كظهر فلانة -لامرأة له أخرى- إن دخلت هذه الدار، فطلق فلانة طلاقا بائنا، ثم دخل الدار، أن يلزمه الظهار؛ لأنه على بر، فكأنه ظاهر يوم دخل الدار؛ بظهر أجنبية، وإن قلنا في هذه: إن اليمين بالظهار لغو، لما وقعت بظهر من تحل له يوم اليمين، وجب أن يقول في مسألة الكتاب:

مسألة: التتابع في كفارة القتل والظهار

إن الظهار له لازم لما كانت يمينه بظهر أجنبية يوم اليمين، والأظهر أن يحمل يمينه على أنه إنما أراد أنت علي كظهر فلانة اليوم، إن دخلت الدار، متى ما دخلتها وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم في المدونة في الذي يقول: إن كلمت فلانا فكل عبد أملكه فهو حر، أن اليمين إنما تلزمه في كل عبد كان عنده يوم حلف، لا في كل عبد كان عنده يوم حنث، وكذلك إذا قال: كل عبد أملكه من الصقالبة فهو حر، فاشترى بعد يمينه، وقبل أن يكلمه صقالبة أنهم أحرار. وقول سحنون في هذه المسألة يأتي على ما في سماع زونان في الذي يقول: إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها بمصر طالق، أن الحنث إنما يلزمه فيمن تزوج بعد كلامه، لا فيما تزوج بعد يمينه وقبل كلامه، وبالله التوفيق. [مسألة: التتابع في كفارة القتل والظهار] مسألة وسئل عن رجل صام عن ظهارين كانا عليه أربعة أشهر، فلما كان قبل فراغه ذكر أنه ناس ليومين، لا يدري أهي من الكفارة التي هو فيها أو من الأولى؟ فزعموا أنه يصوم يومين ويأتي بشهرين. قال محمد بن رشد: التتابع في كفارة القتل والظهار فرض التنزيل، فلا يعذر أحد في تفريقهما بالنسيان على المشهور في المذهب، وإنما يعذر في ذلك بالمرض أو بالحيض إن كانت امرأة، فإن مرض الرجل، فأفطر في شهري صيامه أو أكل فيهما ناسيا، قضى ذلك ووصله بصيامه، فإن ترك أن يصله بصيامه ناسيا أو جاهلا متعمدا، استأنف صيامه، فإذا صام الرجل عن ظهارين كانا عليه أربعة أشهر، ثم ذكر قبل فراغه أنه ناس ليومين، لا يدري من أي الكفارتين، فقال ابن القاسم: إنه يصوم يومين، ويأتي بشهرين، ووجه قوله أن هذه الكفارة التي هو فيها لما كان يقدر على إصلاحها بإتيان ما شك فيه منها، أمر ألا يتركها حتى يصلحها على ما يومن بيومين يصلهما بها، ثم يعيد بعد ذلك الكفارة الأولى؛ لاحتمال أن تكون اليومان منها، وقد ترك أن

يصلهما بها على أصله فيمن ذكر سجدة من آخر صلاته، لا يدري من أي ركعة، أنه يسجد سجدة يصلح بها هذه الركعة التي لم يفته إصلاحها، ثم يأتي بركعة؛ لاحتمال أن تكون السجدة من غيرها من الركعات، ويأتي في هذه المسألة على مذهب من يرى أنه يأتي بركعة، إذ لا بد من الإتيان بها ولا يخر إلى سجدة، إذ ليس على يقين أنها من هذه الركعة، أنه يصوم شهرين، ولا يأتي بيومين، إلا أن يكون أيضا لا يدري لعل أحد اليومين من الكفارة الأولى، والثاني من الثانية، فإنه يصوم يوما واحدا يصله بصيامه، ثم يأتي بشهرين، وهو قول ابن الماجشون، وروى ذلك ابن سحنون، عن أبيه، ويأتي في هذه المسألة على قياس قول من يقول في من ظن أنه قد أكمل صلاته أربع ركعات، فقام بإثر سلامه، وصلى ركعتين نافلة، ثم ذكر أنه لم يصل من الفريضة إلا ركعتين، أنه يعتد بهذين الركعتين النافلة، وتجزئه من فريضته أن يعتد أيضا بيومين من أول الكفارة الثانية، على اليومين اللذين نسيهما أو شك فيهما من الكفارة الأولى، فيكون عليه أن يأتي بعد تمام الأربعة أشهر بيومين لا أكثر، يصلهما بصيامه، فإن ترك أن يصلهما سهوا أو عمدا، استأنف صيام شهرين. ومحمد بن عبد الحكم يرى أنه يعذر في تفرقة الصوم بالنسيان؛ لأنه أمر غالب كالمرض، فعلى قوله: إن ذكر اليومين بعد تمام الأربعة أشهر متى ما ذكر، فليس عليه إلا صيام يومين ساعة يذكرهما. واختلف على قوله: إن ذكر يومين من الكفارة الأولى قبل أن يتم الكفارة الثانية، فقيل: إنه يتم الكفارة التي هو فيها ثم يقضي يومين؛ لأنه معذور لما تشبث به من صيام الكفارة التي هو فيها، وقيل: إنه لا عذر له في ذلك، فيصوم اليومين اللذين ذكرهما من الكفارة الأولى، ويستأنف الثانية، وإن شاء تمادى على صيام الكفارة التي هو فيها، وقضى الكفارة الأولى، على الاختلاف فيمن ذكر صلاة في صلاة، هل تفسد الصلاة عليه أم لا تفسد. وقد ذهب بعض المتأخرين إلى أنه يجوز له أن يقضي اليومين في أثناء الكفارة، ويبني على صيامه، ولا يعد بذلك مفرقا لصيامه، إذ لم يتخلله فطر على ما قال ابن حبيب فيمن صام لظهاره شعبان وشوال، أنه يجزيه ولا يضره ما يخلل صيامه من صيام رمضان، وبالله التوفيق.

وجبت عليه رقبة فابتاع من رجل عبدا على أن يعتقه في الرقبة التي وجبت عليه

[وجبت عليه رقبة فابتاع من رجل عبدا على أن يعتقه في الرقبة التي وجبت عليه] من سماع محمد بن خالد من داوود بن سعيد قال محمد بن خالد: سألت داود بن سعيد بن أبي دينار، عن رجل وجبت عليه رقبة، فابتاع من رجل عبدا على أن يعتقه في الرقبة التي وجبت عليه، فأعتقه ثم علم بعد عتقه إياه أن نصفه حر، ونصفه رقيق، قد دلس له بذلك البائع، قال: يرده إلى البائع، ويأخذ الثمن منه ويعاقب بفعله؛ لأن نصفه لا يجزي عنه في رقبة، فلذلك يجب له رده. قال: قلت له: ولا يعتق على البائع بما رضي من بيعه على العتق، قال: لا يعتق عليه؛ لأنه إنما كان رضي أن يمضي عتقه بما كان أخذ من ثمنه، فإذا أخذ ذلك منه فليس براض. قال محمد بن رشد: قول داوود هذا أنه يرده إلى البائع، ويأخذ منه الثمن. من أجل أنه لا يجزئ عنه في رقبة، خلاف المشهور في المذهب، المعلوم من قول مالك في الحج الثاني من المدونة وغيره، فيمن اشترى عبدا فأعتقه في ظهاره، أو بعيرا فقلده وأشعره، ثم أصاب به عيبا لا يجوز به العبد في الرقاب، ولا البعير في الهدايا، أنه يرجع بقيمة العيب، ولا يرده لفواته بالعتق أو بالفدى، ويجعل ما يأخذ في قيمته العيب فيما وجب عليه من بدله. [المولى عليه يظاهر من امرأته أيعتق بغير إذن وليه] من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب قال عبد الملك بن الحسن: سألت عبد الله بن وهب، عن المولى عليه، يظاهر من امرأته أيعتق بغير إذن وليه؟ قال: نعم، استحب ذلك له إذا كان موسرا، وإن لم يكن له إلا رأس واحد، فلا أحب له أن يعتق وعليه الصيام. قال محمد بن رشد: قوله في السؤال: أيعتق بغير إذن وليه؟ معناه أيكون له أن يعتق بغير إذن وليه، فلا يكون لوليه أن يرد ذلك؟ وقوله في الجواب نعم، أستحب ذلك له، معناه أستحب أن يكون الحكم فيه ذلك إذا

أوصى فقال أعتقوا عني عبدا في ظهار أو عبدا في قتل نفس

كان موسرا، وقوله: وإن لم يكن له إلا رأس واحد، فلا أحب له أن يعتق، معناه فلا أحب أن يكون الحكم في ذلك جواز العتق له، وهو نحو مذهب ابن القاسم؛ لأنه يجوز له العتق إن أعتق بغير إذن وليه في الموضع الذي يلزم وليه أن يعتق عنه بإذنه؛ ولأن من قول ابن القاسم أن وليه ينظر له في حبس امرأته أو إنماء ماله، وقال: وليس كلهم سواء، منهم من يقل ماله ومنهم من يكثر ماله، وليس كل النساء سواء، منهن من يكثر مالها، ومنهن من لا يكون لها ذلك المال في النساء، ولا الحال فلينظر له وليه على ما يرى من ذلك خيرا له وأصلح، فإن رأى أن يكفر عنه كفر، وليس في ذلك حرج مرة ولا مرتين، وإنما هو على الاجتهاد منه، وليس له إلى الصيام ولا إلى الإطعام سبيل؛ لأنه ممن يجد رقبة. وأما قول ابن وهب وعليه الصيام، فهو خلاف قول ابن القاسم: وليس له إلى الصيام، ولا إلى الإطعام سبيل، فعلى قول ابن وهب، وهو اختيار ابن المواز، إذا لم يأذن له وليه في العتق، صار من أهل الصيام، فإن لم يكفر به وطلبته امرأته بالوطء، ضرب له أجل الإيلاء، فإن لم يكفر بالصيام، طلق عليه بالإيلاء، وعلى مذهب ابن القاسم، إن أبى وليه أن يعتق عنه وطلبته امرأته بالوطء، طلق عليه، ولم يضرب له أجل الإيلاء، إذ لا سبيل له إلى الوطء إلا بالكفارة، ولا سبيل له إلى الكفارة، وقد قيل: يضرب له أجل الإيلاء، وإن كان ممن لا يقدر على الوطء ولا على الكفارة، لعلها سترضى بالإقامة معه على غير وطء، فلا تطلق عليه حتى ينقضي أجل الإيلاء على ما قيل في الذي يحلف بطلاق البتة ألا يطأ امرأته. وابن كنانة يقول: إنما ينظر له وليه في أول مرة؛ لأن المرة الواحدة تأتي على الحليم والسفيه، فإن عاد إلى الظهار مرة ثانية لم يكفر عنه، وإن آل ذلك إلى الفراق، وبالله التوفيق. [أوصى فقال أعتقوا عني عبدا في ظهار أو عبدا في قتل نفس] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب الوصايا قال أصبغ: قال لي ابن القاسم في رجل أوصى فقال: أعتقوا

عني عبدا في ظهار، أو عبدا في قتل نفس، فلم يكن في الثلث إلا ثمن عبد واحد، وفضلة يسيرة لا تبلغ ثمن عبد آخر، قال: أرى أن يعتق ذلك العبد في قتل النفس، ويطعم عنه بالفضلة عن الظهار. وقال أصبغ: وذلك صواب؛ لأن الظهار يجوز فيه الإطعام لمن لم يجد، وهذا غير واجد، كما لو كان حيا، فوجبتا عليه جميعا، ولا يحد إلا هكذا، بدئ بكفارة القتل؛ لأنه لا إطعام فيه، ثم صار بعد بمنزلة مظاهر لا يجد رقبة، فإنه يصوم، فالميت مثله، غير أن الميت لا صيام له، ولا فيه ولا عنه. فالإطعام عنه بمنزلة الصيام كالذي لا يطيق الصوم فيطعم. قال أصبغ: وهذا عندي في قتل الخطأ، فأما قتل العمد إن أوصى بالكفارة فيه، فإني أرى أن يبدأ بالظهار؛ لأن الكفارة عنه ليست بمفروضة ولا واجبة تفرض، فهي بمنزلة التطوع، فسألت ابن القاسم إذا لم يكن في الثلث في هذه المسألة إلا ثمن عبد واحد، أو كفارة واحدة، لا فضل فيها، قال: أرى ذلك إليهم يعتقون عن أي الكفارتين شاءوا ورأوا. قال أصبغ: وذلك رأيي، وما فعل من ذلك أجزأ. وأحب إلي أن يعتقوه عن القتل، لعله ينوب له مال، يوجد في قدره كفارة الظهار، فإن كان ممن يويس له، فليس في هذا استحباب يجعلونه على أي ذلك جعلوه. قال أصبغ: وإن كان في الثلث ثم عبد وفضلة قليلة لا تبلغ كفارة الظهار بالطعام، فإني أرى أن يبدءوا بالظهار؛ لأنه مما لا يجوز أن يشارك فيه في رقبة؛ لأن له مسلكا غير العتق إذا لم يخلص العتق موفرا لا يشرك فيه بالإطعام، وشورك بالباقي في رقبة؛ لأن قتل النفس لا إطعام فيه ولا مسلك له إلا العتق، أو صيام، ولا صيام في الميت ولا عنه، وإنما هو العتق، فإن لم يتم شورك به في عتق كمحمل الوصايا وغيرها من التشريك، قال أصبغ: قلت لابن القاسم: فإن لم يكن أوصى إلا بقتل نفس واحدة، فلم يكن في الثلث ثمن رقبة، وليس يكون في

مسألة: يقول لامرأته أنت علي كظهر أبي أو غلامي

قتل النفس إطعام، أترى أن يرد ذلك إلى الورثة؟ قال: لا. قلت: أَفَيُعَان به في عتق رقبة؟ قال: عسى؛ قال أصبغ: وهو رأيي أن يعان به، وهو مما يبين ما فسرت في الظهار والنفس إذا وجد في الثلث ثمن عبد وفضلة لا تبلغ الإطعام في الظهار، ويقوى ذلك، والله أعلم، وهو مذهب أهل العلم. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة، وتحصيلها في أول سماع عيسى، فلا معنى لإعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته أنت علي كظهر أبي أو غلامي] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يقول لامرأته: أنت علي كظهر أبي أو غلامي: إنه ظهار. قال محمد بن رشد: ولو قال كأبي أو غلامي ولم يسم الظهر لم يكن ظهارا عنده، حكى ذلك ابن حبيب من رواية أصبغ، واختاره وقال مطرف: لا يكون ظهارا ولا طلاقا، وإنه لمنكر من القول، والصواب إذا لم يكن ظهارا أن يكون طلاقا، وهو ظاهر قول ابن وهب؛ لأنه قال في ذلك: إنه لا ظهار عليه، فكأنه رأى عليه الطلاق الظهار في ذلك يترجح على القول بإباحة وطء أدبار الزوجات؛ لأنه كأنه أشبه ما يباح له من ذلك في زوجته بما يحرم عليه منه في أبيه أو في غلامه تحريما مؤبدا، كما شبه الظهار بذوات المحارم ما يباح له من وطء زوجته، بما يحرم عليه وطؤه من ذوات محارمه تحريما مؤبدا، وقد روي عن ابن القاسم إباحة ذلك، ومذهب ابن وهب تحريمه والتغليظ فيه، فكأن كل واحد منهما جرى على أصله، وبالله التوفيق. [ظاهر من امرأته فبدأ بالكفارة فصام أياما ثم قال لها أنت علي كظهر أمي] من نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج قيل لأصبغ: أرأيت رجل قال: امرأتي علي كظهر أمي، فبدأ بالكفارة، فصام أياما، ثم قال لها أيضا: أنت علي كظهر أمي. أترى

أن يمضي على كفارته للظهار الأول، ثم يبتدي صياما آخر للظهار الثاني؟ قال: بل أرى أن يسقط ما مضى من صيامه، ثم يبتدئ من يوم ظاهر الظهار الثاني شهرين مستقلين، ولا أرى عليه استتمام الكفارة الأولى، وكذلك لو ظاهر مرارا في مجلس واحد أو مجالس مختلفة، قبل أن يكفر عن ظهاره الأول، لم يكن عليه إلا كفارة واحدة لجميع ظهاره، وذلك إذا كان ظهاره الأول لم يكن عليه إلا كفارة واحدة لجميع ظهاره، وذلك إذا كان ظهاره كله ظهارا بفعل واحد، مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي، ثم يقول في مجلس آخر: أنت علي كظهر أمي، ففعل ذلك في مجالس شتى، فكفارة واحدة مجزئة عن ذلك، وليس دخوله في الكفارة بالذي يوجب عليه إتمامها وابتداء آخر للظهار الآخر. قلت: فلو ظاهر منها بفعل قال لها: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا، فحنث، فوجب عليه الظهار، فابتدأ الصيام لكفارته، ثم صام أياما، فقال لها: أنت علي كظهر أمي ظهارا بغير فعل، حلف عليه، هل له أيضا أن يبتدئ الصيام للظهارين من يوم ظاهر الثانية، ويسقط عنه ما مضى من صومه؟ قال: نعم، ذلك له مثل الأول. قلت: وهذان ظهاران مختلفان، ليسا من نوع واحد، ظهار الفعل، وظهار بغير فعل، كيف لا يكون عليه كفارتان، يمضي في الأولى للظهار الأول، ويتبدئ للظهار الآخر كفارة أخرى؟ قال: لا ليس ذلك عليه؛ لأن قوله الثاني: أنت علي كظهر أمي، فقد كان مظاهرا منها بفعل أو بغير فعل، فكأنه توكيد للظهار الأول. قلت: فلو ظاهر منها ظهارا مجردا بغير فعل حلف عليه، فوجب عليه الظهار، فابتدأ الكفارة ثم قال: أنت علي كظهر أمي إن

فعلت كذا وكذا، فحنث به؛ أيبتدئ صياما مستقبلا للظهارين جميعا ويسقط ما مضى من صيامه؟ قال: هذا خلاف الذي ابتدأ الظهار بالفعل، ثم ظاهر ظهارا مجردا بعد ذلك، هذا الذي ظاهر بغير فعل، ثم ظاهر بفعل، فقد وجب عليه الظهار الأول، ووجبت عليه الكفارة، فلما حلف بظهارها ألا يفعل شيئا فحنث، صار ظهارا آخر مبتدأ، أدخله عليه الحنث، لم يكن هو أدخله على نفسه ابتدأ بغير حلف، فيكون توكيدا للظهار الأول، فتجزيه كفارة واحدة، فعلى هذا كفارتان، يمضي في كفارته التي ابتدأ ويستقبل كفارة أخرى للظهار الآخر. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم أن الرجل إذا ظاهر من امرأته ظهارا بعد ظهار، أنهما إن كانا جميعا بغير فعل، أو جميعا بفعل في شيء واحد، والأول بفعل، والثاني بغير فعل، فليس عليه فيهما جميعا إلا كفارة واحدة، إلا أن يريد أن عليه في كل ظهار كفارة، فيلزمه ذلك، قاله في كتاب ابن المواز. قال أبو إسحاق: ويجوز له أن يطأ بعد الكفارة الأولى وقبل الثانية. قال محمد بن رشد: بل هو الواجب؛ لأنه لو كفر قبل أن يطأ لم تجزه الكفارة، إذ ليس بمظاهر، وإنما هو حالف، كرجل قال: إن وطئت امرأتي فعلي كفارة الظهار، فلا تلزمه الكفارة حتى يطأ، بل لا تجزيه حتى يطأ، وقد مضى بيان هذا في رسم لم يدرك من سماع عيسى، وأنهما إن كانا جميعا بفعلين مختلفين، أو الأول منهما بغير فعل، والثاني بفعل، فعليه في كل واحد منهما كفارة، بحيث لم يجب عليه من ذلك إلا كفارة واحدة، إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول لم يجب عليه إتمامها، واستأنف كفارة الظهار من يوم أوقع الظهار الثاني، وحيثما وجب عليه في كل واحدة منهما كفارة كفارة، إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول، يجب عليه إتمامها، وابتدا كفارة أخرى للظهار الثاني، فهذا تحصيل قول ابن القاسم في هذه المسألة، وحكى ابن حبيب عن أصبغ أنه إذا كان الظهار الأول بفعل، والثاني

المظاهر يقبل امرأته في شهري صيامه

بفعل، فعليه لكل واحد منهما كفارة، وإن كان الفعل واحدا وهو بعيد، ولابن الماجشون في ديوانه: إن كفارة واحدة تجزيه في كل ذلك، كيف ما كان، فعلى مذهبه إذا أوقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول، يبتدئ الكفارة من يوم أوقع الظهار الثاني، وإن كانا جميعا بفعلين، في شيئين مختلفين. وقد قيل: إنه إذا أوقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول، يتم الأول ثم يستأنف الثانية، وإن كانا جميعا بغير فعل، قال ابن المواز: وهو أحب إلي إن لم يبق من الأولى إلا يسير، وإن لم يكن مضى من الأولى إلا يسير، نحو اليومين والثلاثة، فإنه يتمها وتجزيه لهما. وقول ابن القاسم في هذه المسألة كلها أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، وبالله التوفيق. [المظاهر يقبل امرأته في شهري صيامه] مسألة وسئل عن المظاهر يقبل امرأته في شهري صيامه، قال: لا شيء عليه، ويستغفر الله. قال محمد بن رشد: لمطرف في سماع أبي زيد من كتاب الصيام خلاف هذا أنه يستأنف. وقد مضى القول في هذه المسألة وتحصيلها في آخر سماع أشهب، فلا وجه لإعادته. [مسألة: أعتق في رقبة واجبة منفوسا فكبر الصبي معيبا] مسألة قيل لأصبغ: أرأيت من أعتق في رقبة واجبة منفوسا فكبر الصبي أخرسا أو أصما أو مقعدا أو مطبقا جنونا، أعليه بدلها؟ قال أصبغ: ليس ذلك عليه وقد أجزته. وهذا شيء يحدث، وكذلك لو ابتاعه فكبر على مثل هذا، لم يلحق البائع شيئا من ذلك. قال محمد بن رشد: تعليله لإجزاء ذلك عنه في الكفارة، وأنه لا رجوع

يقول لامرأته قد جعلت أمرك بيدك فتقول أنا عليك كظهر أمك

له في ذلك على البائع بشيء، بأن هذا شيء يحدث، ليست بعلة صحيحة؛ لأن ما يحدث ويقدم من العيوب، إذا أمكن أن يعلم يلحق البائع فيه اليمين، ولا يجزئ عن المكفر في الكفارة إذا كان العيب مما لا يجوز في الرقاب، فالعلة في ذلك إنما هي أن هذا مما يستوي البائع والمبتاع في الجهل بمعرفته، ولا يمكن أن يعلم ذلك أحد، فلم يكن له حكم العيب في قيام المبتاع فيه على البائع، ولا في عدم الإجزاء في الكفارة؛ لأن المكفر قد أدى ما تجب عليه باجتهاده، ولم يقصر، فلا درك عليه فيها لا يمكن أن يعلم، إذ لم يكلف معرفة ما ليس في وسعه من ذلك؛ قال الله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . [يقول لامرأته قد جعلت أمرك بيدك فتقول أنا عليك كظهر أمك] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن أبي الغمر قال: سئل ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته: قد جعلت أمرك بيدك، فتقول: أنا عليك كظهر أمك، قال: ليس ذلك لها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الزوج إنما ملكها في الطلاق، فليس لها أن توجب عليه أن لا يقربها حتى يكفر كفارة الظهار، فإذا لم يكن ذلك لها، فقد سقط ما كان بيدها من التمليك إذا قضت بما ليس لها، إلا أن تقول: أردت بذلك الطلاق، فيكون ثلاثا، إلا أن يناكرها الزوج فيما فوق الواحدة، والله أعلم. [مسألة: ظاهر من امرأته فأعطته رقبة يعتقها في ذلك] مسألة وقال: في رجل ظاهر من امرأته، فأعطته رقبة يعتقها في

مسألة: قال أعتقوا عني رأسا من رقيقي وله عشرة أرؤس في ظهار وجب عليه ثم مات

ذلك، قال: إن كانت أعطته بشرط يعتق عنها، فذلك غير جائز، وإن كانت أعطته بغير شرط، فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأنها إذا أعطته إياها أو ثمنها على أن يعتقها، فلم يملكها قبل العتق ملكا تاما، لما لزمه من عتقها بالشرط الذي شرطت عليه. وقد قال في المدونة: أن لا تجزيه أن يعتق إلا رقبة يملكها قبل العتق، ولا يعتق عليه، فصار بمنزلة من اشترى من يعتق عليه فأعتقه عن ظهاره، ولا هي أيضا أعتقها عنه بإذنه، فيجزيه على اختلاف في ذلك أيضا. ولا يرد العتق وإن لم يجزه عن ظهاره، واختلف في ماله، ففي المدونة لابن نافع أن ماله تابع له، ولا يقبل قول المرأة فيه. وقال ابن القاسم: القول قولها أنها أعطته بغير مال، ويكون لها المال، وبالله التوفيق. [مسألة: قال أعتقوا عني رأسا من رقيقي وله عشرة أرؤس في ظهار وجب عليه ثم مات] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل قال: أعتقوا عني رأسا من رقيقي، وله عشرة أرؤس في ظهار وجب عليه ثم مات. قال: الورثة مخيرون يعتقون أيهم شاءوا، إذا كان ممن يجوز في الظهار. قلت: أرأيت إن كان عبيده كلهم عميًّا؟ قال: إن كان الذي أوصى عالما أنه ليس من عبيده واحد يجوز في الظهار، رأيت أن يسهم بينهم فيعتقوا واحدا منهم، وإن كان ممن يظن أن أحدهم يجوز عنه في الظهار، يعذر بالجهالة، يخرج عشر قيمتهم، فيشتري رقبة صحيحة، قيل له: لا يوجد، قال: بل يوجد صغيرا. قال محمد بن رشد: قوله: إن الورثة مخيرون في عتق من شاءوا منهم إن كانوا ممن يجوز في الرقاب، خلاف قوله في أول سماع عيسى مثل قول أصبغ فيه. وقوله إن كان عبيده كلهم عمي: إنه يسهم بينهم إن كان الموصي عالما بذلك، وإنه يباع منهم بعشر قيمتهم إن لم يكن عالما بذلك، بيان لما في

مسألة: قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك

سماع عيسى. وقد مضى هنالك القول على هذا المعنى مستوفى، فلا معنى لإعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك] مسألة قال ابن القاسم: في رجل قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك، فأخذ في الكفارة، فلما صام شهرا وقع بين امرأته وبينه مشاجرة. فقال لها: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك، قال: يبتدئ شهرين من يوم ظاهر الظهار الآخر. قيل له: فإن ابتدأ، فلما صام أياما أراد أن يبر بالتزويج فيتزوج عليها، فقال: إذا تزوج عليها سقطت عنه الكفارة، وبطل عليه الصيام. قال محمد بن رشد: لا يجب على الرجل الظهار بقوله: امرأتي علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليها؛ لأنه يحنث بعد، ولا يقع عليه الحنث بذلك إلا بعد الموت، إلا أن الكفارة تجزيه قبل الحنث؛ لأنها يمين هو فيها على حنث، فإن أراد أن يكفر ليحل عن نفسه الظهار، فيجوز له الوطء، كان ذلك له، وإن لم يفعل وطالبته امرأته بالوطء ورفعته إلى السلطان، ضرب له أجل الإيلاء، إذ لا يجوز له أن يطأ إلا أن يكفر، فإن هو لما أخذ في الكفارة قال لها مرة أخرى: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك، عاد إلى ما كان عليه قبل أن يبتدئ الكفارة، وسقط ما مضى منها، ولم يكن له أن يطأها حتى يستأنف الكفارة، على ما قال، ولم يكن عليه أن يتم الكفارة التي دخل فيها، ثم يستأنف الكفارة لليمين الأخرى؛ لأن اليمينين جميعا على فعل واحد، فلا يلزمه فيهما إلا كفارة واحدة حسب ما مضى بيانه في نوازل أصبغ، فإن تزوج عليها بر بالتزويج، وانحلت عنه اليمين، ولم يكن عليه إتمام ما دخل عليه فيه من الكفارة. وهذا كله بين، وقد مضى ما يزيده وضوحا وبيانا في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، وبالله التوفيق، لا رب غيره، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

كتاب التخيير والتمليك الأول

[كتاب التخيير والتمليك الأول] [قال لرجل وتحته ابنته اقبل مني ابنتك وقد بنى بها قال ذلك على وجه الغضب] كتاب التخيير والتمليك الأول

من سماع ابن القاسم من كتاب قطع الشجر قال: قال سحنون: أخبرني ابن القاسم، قال: سئل مالك عن رجل قال لرجل وتحته ابنته: اقبل مني ابنتك، وقد بنى بها، قال: ذلك على وجه الغضب، فقال: قد قبلتها منك، ثم قال: على أن تردوا علي مالي قال: لا أرده عليك، فقال: أراها قد بانت منه بتطليقة، وأرى أن يخطبها بنكاح مستأنف، وتكون عنده على اثنين، ولا أرى له من المال الذي استثنى شيئا، إذا لم يكن ذلك نسقا واحدا، وذلك أنه أراد المباراة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى على أصل ابن القاسم وروايته عن مالك في أن مباراة الرجل امرأته طلقة بائنة، وإن لم يأخذ منها على ذلك شيئا قياسا على مخالعته إياها على شيء يأخذه منها؛ لأنها مفارقة يتفقان عليها في الوجهين جميعا، فرأى أن اتفاق الرجل مع أبي المرأة على قبوله إياها، هو وجه المباراة؛ لأن المباراة مفاعلة، فلا تكون إلا من اثنين، فسواء كانت من الزوجين أو من الزوج وأبي الزوجة، فلهذا قال: وذلك أنهما أرادا المباراة، فلما كانت تبين منه بقبول أبيها إياها على وجه المباراة، كان قوله بعد ذلك على أن تردوا علي مالي ندما منه، لا ينتفع به إلا

مسألة: قال لامرأته أقضي ديني وأفارقك فقضته ثم قال لا أفارقك

أن يكون نسقا متتابعا بالكلام، كما قال، وذلك بمنزلة أن يطلق الرجل امرأته، ثم يقول بعد ذلك إن شاء زيد، وما أشبه ذلك، أن ذلك لا ينفعه، إلا أن يكون الكلام متصلا متتابعا. [مسألة: قال لامرأته أقضي ديني وأفارقك فقضته ثم قال لا أفارقك] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته: أقضي ديني وأفارقك، فقضته ثم قال: لا أفارقك، حق كان لي عليك أعطيتنيه، قال: أرى ذلك طلاقا إذا كان ذلك على وجه الفدية، قال: فإن لم يكن على وجه الفدية أحلف بالله ما كان على وجه الفدية، وما أردت إلا أن أطلقها إلا بعد ذلك، إذا أقضتني، ويكون القول قوله. وسئل عن المرأة إذا قالت: خذ مني هذه العشرين، وفارقني، قال: نعم، ثم قال حين قبضها: لا أفارقك قال: أراه قد فارق، وما أرى الذي قال لامرأته أقضي ديني على وجه الفدية وأفارقك، فكسرت شيها وأعطته إلا بمنزلة الرجل يقول لغريمه: أعطني كذا وكذا من حقي ولك منه كذا وكذا يلزمه، ويثبت عليه، وكأني أرى الطلاق يشبهه، فأراها أملك بنفسها في هذا، والله أعلم. قال محمد بن رشد: قوله في الذي قال لامرأته: أقضي ديني وأفارقك، ثم قال: لا أفارقك، حق كان لي عليك فقضيتنيه، أن ذلك يكون طلاقا إذا كان على وجه الفدية، معناه: إذا ثبت أن ذلك كان على وجه الفدية ببساط، تقوم عليه بينة، مثل أن تسأله أن يطلقها على شيء تعطيه إياه، فيقول لها: اقضي ديني وأفارقك، وما أشبه ذلك، أو يقر بذلك على نفسه، فإذا ثبت ذلك أو أقر به على نفسه، كان خلعا ثابتا، وإن لم تكن كسرت فيما قضته شيها، ولو كسرت فيه شيها كان أبين، على ما قال في آخر المسألة، فإن لم يثبت ذلك ولا أقر به، وادعى أن ذلك لم يكن منها على وجه الفدية، وأنه لم

مسألة: قال لامرأته إن دعوتني إلى الصلح فلم أجبك فأنت طالق

يرد بذلك إيجاب الطلاق على نفسه، حلف كما قال على الوجهين جميعا، يحلف بالله ما كان على وجه الفدية، وما أراد إلا أن يطلقها بعد ذلك إذا قضته، ووقع في المبسوط من رواية ابن نافع عن مالك، أنه يحلف ما أراد أن يطلقها إذا قضته، وليس ذلك بخلاف لقوله هاهنا، والمعنى في ذلك أنه يحلف على ما ادعى أنه أراده من ذلك، وقد روي عن مالك: أن الفراق يلزمه، ولا يكون من اليمين، وهو قول أصبغ، واختيار ابن المواز، قال: لأن قبضه لما قبضه منها وجه خلع، والأول هو اختيار ابن القاسم، وقع اختلاف قول مالك في هذا، واختيار ابن القاسم في رسم أوصى، من سماع عيسى. وأما الذي قالت امرأته: خذ مني هذه العشرين دينارا وفارقني، فقال: نعم، ثم قال حين قبضها: لا أفارقك، فلا اختلاف في أن ذلك خلع قد تم، وكذلك لو قال لها هو ابتداء: أعطني عشرين دينارا وأفارقك، فلما قبضها قال: لا أفارقك، لم يكن ذلك لها له؛ لأن قبضه العشرين منها رضا منه بالمفارقة، واختلف إن قال لما أتته بها: لا أقبلها، ولا أفارقك على ثلاثة أقوال: أحدها: أن الفراق يلزمه. والثاني: أنه يلزمه ويحلف، وهو قول ابن القاسم في رسم العرية، من سماع عيسى. والثالث: الفرق بين أن تبيع فيه متاعها، وتكسر فيه عروضها، وبين أن تأتيه بها من غير شيء تفسده على نفسها. وهو قول ابن القاسم في آخر سماع أبي زيد. وكذلك إن كان له عليها دين إلى أجل، فقال لها: إن عجلت لي ديني أفارقك، فعجلته له وقبضه منها، يلزمه الطلاق بإجماع؛ لأن قبضه منها قبل حلوله رضا منه بالمخالعة، ويرد المال إليها إلى أجله؛ لأن تعجيله على الطلاق حرام، ولو كان لما أتته به أبى من أخذه ومن طلاقها، لجرى ذلك على الثلاثة الأقوال المذكورة، وستأتي هذه المسألة في رسم العرية من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إن دعوتني إلى الصلح فلم أجبك فأنت طالق] مسألة وقال مالك: فيمن قال لامرأته: إن دعوتني إلى الصلح، فلم أجبك، فأنت طالق، فدعته إلى دينار، فقال: لم أرد هذا إنما أردت نصف متاعها أو مثل مهرها، قال: ذلك إليه، ويحلف، ثم يخلى بينه

مسألة: خالع امرأته على أن تخرج إلى بلد غير بلده

وبين ذلك. قال ابن القاسم: وإن لم تكن له نية فلم يجبها حنث. قال محمد بن رشد: قوله: ويحلف، يدل على أنه لم يكن مستفتيا في يمينه، وإنما كان مخاصما فيها، فادعى البينة بعد إقراره باليمين أو قيام البينة عليه بها، ولو كان مستفتيا لم يحلف، وإنما وجب أن ينوى مع قيام البينة؛ لأنها نية محتملة، ليست بمخالفة لظاهر لفظه، من أجل أن الألف واللام في لفظة الصلح، يحتمل أن تكون للجنس فتعم أنواع الصلح بالقليل والكثير، ويحتمل أن يكون للعهد وهو الذي يشبه أن يتخالع به الزوجان، كما ادعى. ولو قال لها: إن دعوتني إلى صلح فلم أجبك، فأنت طالق، لوجب أن لا ينوى مع إيقام البينة؛ لأن لفظة صلح نكرة، فهي تقع على كل صلح، بقليل أو كثير، كمن حلف ألا يدخل بيتا فقال: نويت شهرا وما أشبه ذلك. وقول ابن القاسم، وإن لم تكن له نية، ولم يجبها حنث صحيح، مبين لقول مالك، وبالله التوفيق. [مسألة: خالع امرأته على أن تخرج إلى بلد غير بلده] مسألة وقال مالك: من خالع امرأته على أن تخرج إلى بلد غير بلده، أخذ منها على ذلك شيئا، أو لم يأخذ، ثم أبت أن تخرج فهي على خلعها ولا تجبر على الخروج. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الخلع عقد يشبه عقد النكاح إذ تملك به المرأة نفسها، كما يملك بالنكاح المرأة زوجها، فوجب ألا تلزم الشروط فيه بالخروج من البلد، أو الإقامة فيه أو ترك النكاح، وما أشبه ذلك من تحجير المباح، كما لا يلزم شيء من ذلك في النكاح، إلا أن يكون بعقد يمين، مثل أن يقول: فإن فعلت فعبدها حر، ومالها صدقة على المساكين، فيلزمها إن فعلت حرية عبدها، أو الصدقة بثلث مالها، ولو خالعها على أن تخرج من البلد، فإن لم تفعل فعليها لغير زوجها كذا وكذا، لحكم عليها بذلك له، على القول بأن من حلف بصدقة شيء بعينه، وعلى رجل بعينه

مسألة: أقر أن امرأته اختلعت منه على أن تعطيه شيئا من مالها وأنكرت

فحنث، أنه يجبر على ذلك. والقولان في المدونة. ولو قال: فإن لم تفعل فعليها لزوجها كذا وكذا لبطل ببطلان الشرط، ولم يكن له من ذلك شيء على قياس أول مسألة من رسم سعد بعد هذا. ولو اشترط عليها أن تخرج من المنزل الذي كانت تسكن فيه معه، لم يجز الشرط؛ لأنه شرط حرام، ولزمها أن تسكن فيه طول عدتها، ولا شيء عليها، إلا أن يشترط عليها كراءه، فيجوز ذلك. قاله في كتاب إرخاء الستور من المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: أقر أن امرأته اختلعت منه على أن تعطيه شيئا من مالها وأنكرت] مسألة وقال مالك فيمن أقر أن امرأته اختلعت منه على أن تعطيه شيئا من مالها وأنكرت ذلك، ولا بينة بينهما: إنه إن أقر أن الخلع قد ثبت ووقع الفراق، فقد وقع عليه الطلاق، ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أعطته شيئا من مالها، فإن قال: إنما كان ذلك بيني وبينها على أن تعطيني ما سمت، فإن تمت على ذلك وتم ذلك لي، وقع الخلع بيني وبينها، فإن لم تتم على ما قالت، لم يقع بيني وبينها شيء أحلف على ذلك، وقرت عنده، قال سحنون: في هذه المسألة جيدة جدا. وقال أصبغ: إنما يجوز دعوى الزوج. وقوله: إني إنما أردت أنها إن أعطتني ما سمت، وإلا فلا صلح بيني وبينها، إذا كان دعواه هذا متصلا بإقراره بالصلح نسقا واحدا، فإما أن يقر بالصلح أولا، ثم يقول بعد ذلك: إنما أردت إن أعطتني ما سمت، وإلا فلا صلح بيني وبينها، فلا يقبل قوله، ويمضي الصلح، ولا أرى له إلا ما أقرت به المرأة. قال محمد بن رشد: المسألة صحيحة جيدة، على ما قال سحنون، وقول أصبغ مبين لقول مالك، على معنى ما في المدونة في الذي يخالع امرأته، فيخرج ليأتي بالبينة ليشهد عليها فتجحد أن الطلاق له لازم، وتحلف هي، ولا يلزمها شيء مما ادعى الزوج أنها خالعته عليه، فلا اختلاف في أن الرجل

صالحته امرأته على أن يفارقها وتعطيه شيئا من مالها

إذا أقر أنه خالع امرأته فيما بينها وبينه على شيء سمته له، أن الطلاق له لازم، أقرت أو أنكرت، وتحلف إن أنكرت، ولا يكون عليها شيء مما زعم الزوج أنها سمته له في الخلع، إلا أن يكون إقراره إنما كان على أنه خالعها على أنها إن أعطته ما سمت له، وإلا فلا خلع بينه وبينها كما قال أصبغ: وإنما اختلفوا إذا قال الرجل وامرأته غائبة: اشهدوا أني قد بارأت امرأتي على كذا وكذا، على قولين: أحدهما: أن الطلاق له لازم، وتسأل المرأة، فإن أمضت له ما باراها عليه، لزمها ذلك، وإن لم تمضه لم يلزمها. وهذا قول أصبغ في الواضحة. والثاني: أنها تسأل، فإن أمضت له ما بارأها عليه، مضى الخلع عليه حينئذ، وإن لم تمضه، لم يلزمه الخلع، وكانت امرأته، والله الموفق. [صالحته امرأته على أن يفارقها وتعطيه شيئا من مالها] ومن كتاب سعد في الطلاق وقال مالك في رجل صالحته امرأته على أن يفارقها وتعطيه شيئا من مالها، على ألا ينكح أبدا، فإن فعل، فما أخذه منها رد إليها. قال مالك: له المال الذي أعطته في الذي أعطاها من فراقه إياها، وأما ما شرطت ألا يتزوج أبدا، فإن ذلك ليس عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا لم يلزمه بالشرط ألا يتزوج على ما ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا، فأحرى ألا يلزمه به، أن يرد إليها ما أخذ منها إن نكح؛ لأن الخلع يئول بذلك إلى فساد، إذ لا يدري، هل يرجع إليها مالها، فيكون سلفا، أو لا يرجع فيمضي بالفراق؟ ويلزم في هذه المسألة على قياس ما في سماع عيسى، عن ابن القاسم من كتاب طلاق السنة في الخلع بثمرة لم يبد صلاحها أن يمضي الخلع، ويكون لها خلع مثلها، وهذا إذا عز على ذلك قبل أن يدفع إليها ما خالعته عليه، وأما إن لم يعز على ذلك حتى دفعت إليه ما خالعته عليه، وغاب عليه، فينفذ الخلع، ويبطل الشرط؛ لأن فسخه ورده إلى خلع مثلها، تتميم للفساد الذي اقتضاه الشرط، وبالله التوفيق.

مسألة: يملك امرأته أمرها فتقول قد قبلت لأنظر في أمري

[مسألة: يملك امرأته أمرها فتقول قد قبلت لأنظر في أمري] مسألة قال: وقال مالك في الرجل يملك امرأته أمرها فتقول: قد قبلت لأنظر في أمري، فيقول: ليس ذلك لك، أو يقول: فانظري، أو يقول: بعد قوله لها انظري الآن، وإلا فلا شيء لك، قال مالك: ذلك بيدها حتى يقفها السلطان، فتطلق أو تترك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة كان يمضي لنا فيها عند من أدركنا من الشيوخ أنها مسألة صحيحة مبينة لما في المدونة من أن المملكة إذا قيدت القبول في المجلس، بأن تقول: قد قبلت لأنظر في أمري، أو قد قبلت أمري، وقالت: أردت بذلك قد قبلت أن أنظر فيما جعل إلي، أن ذلك بيدها حتى يقفها السلطان، على القول: بأنه ليس لها أن تقضي إلا في المجلس، وأن المسألة تخرج من الخلاف بتقييد القبول في المجلس، وليس ذلك بين؛ لأن المسألة إنما تخرج من الخلاف، ويكون لها أن تقضي ما لم يقفها السلطان، إذا قيدت القبول في المجلس بحضرة الزوج، فلم ينكر عليها ذلك؛ لأن سكوته على ذلك، كالإذن منه لها في ذلك، بمنزلة أن لو قال لها: أمرك بيدك، تنظرين لنفسك، وإن انقضى المجلس. وأما إذا قالت: قبلت لأنظر في أمري، فرد عليها قولها، وقال لها: ليس ذلك لك، إما أن تقضي الآن، وإلا فلا شيء لك، كما قال في هذه الرواية، فالمسألة جارية على القولين، يسقط ما بيدها بانقضاء المجلس في القول الواحد، ولا يسقط في القول الثاني حتى يوقف؛ لأنه لما رد عليها قولها، بقي الأمر على حكم التمليك المبهم في دخول القولين فيه، والذي يبين هذا أنه لو قال لها: أمرك بيدك على أن تقضي في مجلسنا هذا أو تردي، لم يكن لها أن تقضي بعد انقضاء المجلس باتفاق، ولو قال لها: أمرك بيدك ولا عليك أن تعجلي بالقضاء في المجلس؛ لكان الأمر بيدها، وإن انقضى المجلس باتفاق، وإنما وقع الاختلاف إذا أبهم، فمرة رأى مالك مواجهته لها بالتمليك، كلاما يقتضي الجواب في المجلس، كالمبايعة. ولو قال رجل لرجل: قد بعتك سلعتي بعشرة دنانير إن شئت، فلم يقل أخذتها بذلك حتى انقضى المجلس،

مسألة: أعطت المرأة زوجها شيئا على أن يخيرها فليفعل فاختارت نفسها

لم يكن له شيء باتفاق، ومرة رأى أن التمليك أمر خطير، يحتاج فيه إلى النظر والروية، فجعل الأمر بيد الزوجة، وإن انقضى المجلس، بخلاف البيوع. وإذا وقفها الإمام بعد انقضاء المجلس، فقالت: أخرني أرى رأيي وأستشير. فليس ذلك لها. وإنما ذلك في مجلسه على ما في سماع أشهب في المولي يوقف، فيسأل أن يؤخر حتى يرى رأيه، وعلى ما في سماعه أيضا من كتاب الشفعة في الشفيع يسأل أن يؤخر حتى ينظر ويرى رأيه. وقد ذهب بعض المتأخرين إلى أنها تؤخر ثلاثة أيام حتى يرى رأيه، على ما روى ابن عبد الحكم عن مالك في الشفيع، أنه يؤخر ثلاثة أيام ليرى رأيه، وعلى الحديث في المصرات أنه بالخيار ثلاثا ليرى رأيه في الأخذ أو الرد؛ لأن حال التصرية يعلم فيما دون ذلك، والأمر محتمل. وفي قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعائشة لما خيرها، «ولا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك» تعلق لكلا القولين، إذ قد يحتمل أن يكون ذلك إعلاما بمالها من الحق في ذلك، وأن يكون حقا أوجبه لها بقوله ذلك، والله الموفق. [مسألة: أعطت المرأة زوجها شيئا على أن يخيرها فليفعل فاختارت نفسها] مسألة وقال مالك: إذا أعطت المرأة زوجها شيئا على أن يخيرها، فليفعل فاختارت نفسها، فهي ثلاث ألبتة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا، وذلك أن الخيار إذا خيرها يقول: اختاري أن تقيمي أو

يريد سفرا ويقول لامرأته إن لم آتك إلى أجل كذا وكذا فأمرك بيدك

تذهبي، وليس بمنزلة التمليك. قال محمد بن رشد: اختلف قول مالك في الرجل يملك امرأته أو يخيرها على شيء تعطيه إياه، فمرة رأى التخيير والتمليك في ذلك جار على سنته، لا تأثير لما أعطته من المال في شيء من ذلك؛ لأنها إنما أعطته المال على أن يملكها أو يخيرها، فإذا ملكها أو خيرها وجب له المال، وكان لها هي في ذلك سنة الخيار والتمليك، وهو قوله في هذه الرواية، فإن خيرها فقضت بالثلاث، لم يكن له أن يناكرها، وإن قضت بواحدة أو اثنتين، لم يكن لها شيء، وإن ملكها فقضت بما فوق الواحدة كان له أن يناكرها في ذلك، وتكون له الرجعة، ومرة رآها بما أعطته من المال على أن يملكها أو يخيرها في حكم المملكة أو المخيرة قبل الدخول؛ لأنها تبين بالواحدة بسبب المال، كما تبين المطلقة قبل الدخول بواحدة، بسبب أنه لا عدة عليها، فيكون له أن يناكرها في التخيير والتمليك إن قضت بما فوق الواحدة، وتكون طلقة بائنة، وعلى هذا القول يأتي قول ابن القاسم في رسم أوصى، ورسم إن خرجت، من سماع عيسى. وعليه قيل: إن من أعطته امرأته شيئا على أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة، أنها لا حجة لها في ذلك، إذ قد نالت بها ما نالت بالثلاث، إذ هي بائنة، والله الموفق للصواب بفضله. [يريد سفرا ويقول لامرأته إن لم آتك إلى أجل كذا وكذا فأمرك بيدك] ومن كتاب حلف ألا يبيع سلعة سماها وسئل عن الرجل يريد سفرا، فتقول له امرأته: إني أخاف أن تبطئ عني، فيقول لها: إن لم آتك إلى أجل كذا وكذا، فأمرك بيدك، فمر الأجل، وتقيم بعد ذلك الشهر والشهرين، فتختار نفسها. أترى ذلك لها؟ وتقول: إني إنما أقمت انتظارا ولم أترك ذلك. قال: أرى الخيار لها. قلت له: أفترى أن تستحلف في مثل هذا أن إقامتها لم تكن تركا للخيار؟ قال: أرى أن يستحلف النساء في مثل هذا، وما أرى ذلك عليها. قال محمد بن رشد: رأى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - للمرأة أن تقضي في

مسألة: تختلع من زوجها على أن يسلم إليها متاعها وتسلم إليه متاعه

نفسها بما وجب لها من التمليك بعد الشهر والشهرين، بخلاف المواجهة بالتمليك؛ لأن مواجهتها بالتمليك تقتضي الجواب منها في المجلس، فاختلف في ذلك قول مالك، ولم يختلف قوله في هذه إلا في إيجاب اليمين عليها، فلم يوجب ذلك عليها هاهنا. وأوجبه عليها في كتاب ابن المواز، وهو قول ابن القاسم من رواية ابن عبد الحكم عنه في رسم جاع، من سماع عيسى. وهذا على الاختلاف المعلوم في لحوق يمين التهمة، ولو أقامت أكثر من الشهر والشهرين؛ لعد ذلك منها رضا، ولم يكن لها خيار، بخلاف الأمة تعتق تحت العبد، فيكون لها الخيار وإن طال الأمر، ما لم يطأها بعد العتق، والفرق بين المسألتين، أن منعها نفسها من العبد، دليل على أنها على خيارها، وإن طال الأمر، وأما في هذه المسألة، فلا دليل معها في أنها على خيارها من أجل أن الزوج غائب عنها، ولو جعل أمرها بيدها إن تزوج عليها؛ لكانت مثل مسألة الأمة تعتق تحت العبد، بدليل امتناعها منه. وقد قيل: إنها كالمواجهة بالتمليك، فيكون لها أن تقضي وإن طال الأمر، ما لم يوقف وهو قول ابن المواز من رأيه على قياس قول مالك، في أن للمملكة القضا ما لم يوقف، وقيل: لا يكون لها أن تقضي إذا انقضى المجلس الذي وجب لها فيه التمليك، وهو قول ابن وهب من سماع يحيى، وقول أشهب في سماع زونان، وقول ابن القاسم في رسم شهد، من سماع عيسى، من كتاب النكاح، على قياس قول مالك الأول، في أنه لا قضاء للمملكة المواجهة بالتمليك بعد انقضاء المجلس، فيتحصل في المواجهة بالتمليك قولان، وفي التي لم تواجه بالتمليك ثلاثة أقوال، وبالله التوفيق. [مسألة: تختلع من زوجها على أن يسلم إليها متاعها وتسلم إليه متاعه] مسألة وسئل مالك عن المرأة تختلع من زوجها على أن يسلم إليها متاعها، وتسلم إليه متاعه، ويتفرقان على ذلك. قال: هذا خلع بائن، قيل له: فإنها لم تعطه شيئا، قال: فيقول لها: أنت طالق، كأنه يقول لها: فتطلق بغير مخالعة، قيل أفتراه بائنا؟ قال: نعم.

يطلق امرأته وله منها بنت، فألقتها أمها إليه

قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنها خالعته على أن يسلم كل واحد منهما إلى صاحبه متاعه، فأسلمت إليه ما ظهر من متاعه، ولم تعطه شيئا مما غابت له عليه منه، وزعمت أنها لم تغب له على شيء، ولا له عندها شيء، فلزمه الخلع بظاهر الحكم، ولم يصدق فيما ادعى مما يبطله عنه من جحدها لمتاعه الذي إنما خالعها على أن تقر له به، وتعطيه إياه وأمره أن يطلقها، فيقول: أنت طالق استحسانا، لئلا تخرج، ويأثم إن تزوجت، وليجوز له أيضا هو نكاح إن شاء، أو رابعة إن كان عنده ثلاث سواها، إذ هي بائنة، في عصمته في باطن الأمر، إن كان صادقا؛ لأن حكم الحاكم في الظاهر، لا يحيل الأمر عما هو عليه في الباطن عند من علمه، ولو أقرت له بالمتاع، لحكم عليها بدفعه إليه، ولو قال: إنها أقرت له بمتاعه، فخالعها على أن تدفعه إليه فجحدت، إن تكن أقرت له بشيء للزمه الخلع في الظاهر والباطن، ولم يكن عليها إلا اليمين، ما أقرت بشيء على معنى ما في المدونة وما مضى في آخر مسألة من الرسم الأول، من السماع، وبالله التوفيق. [يطلق امرأته وله منها بنت، فألقتها أمها إليه] ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك عن الرجل يطلق امرأته، وله منها بنت، فألقتها أمها إليه، وقالت: ليس لي بابنتك حاجة، فدفعها إلى امرأته، وقالت له: إن وجدت شيئا تعطيني أخذتها منك، وإلا أرضعتها لك باطلا، فقامت جدة البنت أم امرأته فقالت: لا أسلم ابنة ابنتي، وأنا آخذها، فقال له مالك: أله سعة؟ قال: لا، قال: لا أرى ذلك لها، كأنه يقول: لا تأخذوا منه شيئا في معنى ما رأيت منه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه إذا كان الأب معسرا فليس للجدة أن تأخذها، إلا أن تلتزم إرضاعها، إذ قد سقط ذلك عن الأب لعدمه، ولو كان موسرا لكان للجدة أن تأخذها، ويكون على الأب أجرة رضاعها على معنى ما في المدونة، خلاف ما روى ابن وهب عن مالك في

مسألة: يخير امرأته قبل أن يدخل بها وهي ممن لم تحض فتختار نفسها

الأب الموسر، يجد من يرضع له ولده باطلا، وبالله التوفيق. [مسألة: يخير امرأته قبل أن يدخل بها وهي ممن لم تحض فتختار نفسها] مسألة وسئل مالك عن الرجل يخير امرأته قبل أن يدخل بها، وهي ممن لم تحض فتختار نفسها، أفتراه طلاقا؟ قال: نعم، إذا كانت قد بلغت في حالها، يريد بذلك مبلغ التي توطأ فيما ظنت، قال سحنون: لها الخيار وإن لم تبلغ؛ لأنه هو الذي جعل ذلك إليها. قال محمد بن رشد: القائل يريد بذلك مبلغ التي توطأ مثلها. هو ابن القاسم، ولمالك في رسم بع ولا نقصان عليك، من سماع عيسى، من قول مالك: أن الطلاق يلزمها، وإن لم تبلغ مبلغا يوطأ مثلها، إذا كانت قد عقلت وعرفت ما ملكت فيه معنى الخيار والطلاق، لاستؤني بها حتى تعقل ثم تختار. وقاله ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب النكاح، وهو مفسر لقول مالك هاهنا. وقول سحنون: لها الخيار وإن لم تبلغ، يحتمل أن يريد وإن لم تبلغ المحيض، وأن يريد وإن لم تبلغ مبلغا يوطأ مثلها، إذا كانت قد بلغت مبلغا تعقل فيه، فهو أحق بتبيين ما أراد، ومثله أيضا لابن القاسم في سماع أبي زيد، من كتاب النكاح، فتفسيره هذا لقول مالك ضعيف، إذ الموجود له ولمالك خلافه، ولو كانت صغيرة لم تعقل فيه، وتعرف معنى الطلاق والخيار، فليس قوله بخلاف لقول مالك، ومن تأول عليه أنه أراد أن لها الخيار، وإن لم تبلغ مبلغا تعرف فيه معنى الطلاق، فقد أبعد، والله أعلم. [مسألة: حلف لسيده بأن امرأته حرام إن أبق] مسألة وسئل مالك عن عبد حلف لسيده بأن امرأته حرام إن أبق، وقد كان أبق منه قبل ذلك، فغاب عنه ليلة، فلقي سيده صاحب الإباق فجعل على يديه فلقيه بالبلاط، فقال له الغلام: إني لم أبق، ولكني حملت البارحة إلى العقيق، وأجرت فيه نفسي، فهذا خراجي

مسألة: صالحت زوجها واختلعت منه فظنوا أن صلحهم لا يتم إلا أن يجعل أمرها بيدها

معي، فجاء صاحب الإباق فأخبره ثم جاء بعد ذلك الغلام، فقال ذلك، فقال مالك: لا أرى هذا إباقا، ولا أرى عليه شيئا. قال محمد بن رشد: هذا بين، على ما قال: إن مغيبه عن سيده على هذا الوجه ليس بإباق، وقوله: ولا أرى عليه فيه شيئا، معناه لا أرى عليه فيه طلاقا، ولو ادعت امرأته عليه أنه إنما غاب على سبيل الإباق، كما كان فعل قبل ذلك، إذ حلف لسيده ألا يابق؛ لكان لها أن تحلفه إلا أن يأتي بسبب يعلم به صدقه فيما زعم من أنه غاب في إجارة نفسه، والله أعلم. [مسألة: صالحت زوجها واختلعت منه فظنوا أن صلحهم لا يتم إلا أن يجعل أمرها بيدها] مسألة وسئل عن امرأة صالحت زوجها واختلعت منه، فظنوا أن صلحهم لا يتم إلا أن يجعل أمرها بيدها، فيفعل ذلك، فتختار نفسها. قال: هي واحدة إلا أن يكون سما أكثر من ذلك، ويخطبها مع الخطاب. قلت له: إنه قد كان ملكها. قال: إنما هو وجه الصلح، وقد جاءني العام غير واحد، فيسألني عن ذلك، فلم أر فيه إلا ذلك. قال سحنون: كل مبارية أو مفتدية أو مختلعة، قال لها زوجها عند مخالعتها أو مباراتها: اختاري، فقالت: قد اخترت نفسي، ثلاثا أو قد حرمت نفسي، أو قد بنت منك، فناكرها الزوج عند ذلك، وقال: إنما أردت واحدة، أحلف، وكان القول قوله، وإنما هذا عندي بمنزلة الرجل يخير امرأته قبل دخوله بها، فتختار نفسها البتة، إن له أن يناكر عليها من قبل أن الواحدة تبينها، فلما أن كانت الواحدة في هذه تبينها، وكانت الواحدة في المختلعة تبينها أيضا، حملتها محملا واحدا. قال محمد بن رشد: إنما قال مالك في هذه المسألة: إنها واحدة، إلا أن

طلقها زوجها ولها منه ولد صغير فتزوجت فأخذ أبوه الصبي

يكون سمى أكثر من ذلك؛ لأنه غلب الخلع على التمليك لما كان مقصودهما أولا، فحكم له بحكمه على انفراد، ولم يلتفت إلى ما قارنه من التمليك، وقد قيل: إن التمليك هو المغلب، وإلى هذا ذهب سحنون، إلا أنه رأى أن الطلاق الواقع به أو بالتخيير، إن كان اقترب به تخيير بائنا، من أجل ما أعطت المرأة من المال، فحكم في ذلك بحكم المملكة والمخيرة قبل الدخول، يكون للزوج أن يناكر فيما فوق الواحدة، ويكون الطلاق في ذلك بائنا. ويأتي على القول بتغليب التخيير أو التمليك على الخلع، إذا اقترن به أحدهما مع ألا يراعى مع ما أعطت المرأة من المال، كما لم يراعه مالك في الذي أعطته زوجته مالا على أن يخيرها في رسم سعد، أن يحكم في ذلك بحكم التمليك أو التخيير المنفرد من الزوج، دون مال يأخذه على ذلك، فيتحصل في المسألة على هذا ثلاثة أقوال وبالله التوفيق، لا شريك له. [طلقها زوجها ولها منه ولد صغير فتزوجت فأخذ أبوه الصبي] ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا وسئل مالك عن المرأة طلقها زوجها، ولها منه ولد صغير فتزوجت، فأخذ أبوه الصبي، ثم إن أمه كلمته في ذلك، فقاطعته، يعني صالحته، وكتب بينهما كتابا أن يتركه عندها سنتين، ثم تدفعه إليه، فطلق المرأة زوجها قبل انقضاء السنتين، فأرادت حبس ولدها بعد السنتين، فقال أبوه: لا أقره عندك، فقد كتبت بيني وبينك كتابا في سنتين، قال: قال مالك: أرى أن تدفعه إليها، فإن تزوجت قبضت ولدك من غير أن أرى ذلك عليك. قال ابن القاسم: ثم سمعته بعد ذلك يقول: أرى أن لك أن تأخذ ولدك. قال محمد بن رشد: ليس الذي سمع منه آخرا بخلاف لما قاله أولا؛ لأنه إنما ندبه أولا إلى تركه عندها من غير أن يرى ذلك واجبا عليه، وذلك صحيح على معنى ما في المدونة من أنها إذا تزوجت فقد سقطت حضانتها في الولد جملة، فليس لها أن تأخذه إن مات الزوج عنها أو طلقها، وقد قيل: إن

مسألة: قال لها حرم علي ما حل لي منك إن قبلتك الليلة فاستغفلته فقبلته

حضانتها إنما تسقط ما دامت مع الزوج، فإن مات عنها أو طلقها، رجعت فأخذت ولدها، وكانت أحق بحضانته، وهو قول المغيرة، وابن دينار، وابن أبي حازم. ووجه هذا القول أن النكاح مما تدعو إليه الضرورة، فلا يقدر على الصبر دونه، فأشبه سقوط حضانتها بمرضها، أو انقطاع لبنها، أنها ترجع فيما إذا ارتفع المانع لها من الحضانة، وقد قيل: إن حقها في الحضانة لا يسقط بالتزويج، إلا في جهة من حضن الولد في حال كونها مع الزوج، فإن خلت من الزوج ثم مات ذلك الحاضن كان لها أخذ ولدها، وكانت أحق بحضانته من غيرها. وهذا الاختلاف كله على القول بأن الحضانة من حق الحاضن، وأما على القول بأنها من حق المحضون، فلها أن تأخذ ولدها إذا خلت من الزوج قولا واحدا، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لها حرم علي ما حل لي منك إن قبلتك الليلة فاستغفلته فقبلته] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته: حرم علي ما حل لي منك، إن قبلتك الليلة، فاستغفلته فقبلته وهو لا يريد ذلك، فردده مرارا، ثم قال: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، ما هذا الذي أردت، يعني بذلك أنها قبلتني ولم أرد ذلك على وجه أنه لم يركن ولم يداهن، فإذا حلف فهي امرأته. قال محمد بن رشد: لم يذكر في هذه المسألة يمينا، في النذور من المدونة ولا في رسم سلف من سماع عيسى، من كتاب الأيمان بالطلاق، وهو الأظهر أنه لا يمين عليه في أنه لم يكن منه في ذلك مداهنة ولا استرخاء؛ لأن الزوجة إن ادعت ذلك، فهي مدعية للطلاق ومن قولهم: إنه لا يمين للمرأة على زوجها في دعواها الطلاق، وإن لم تدع ذلك عليه في دعواها، وإنما أتى مستفتيا، لم يصح أن يستحلف، إلا أن يتطوع لها باليمين تطييبا لنفسها. فهو حسن، وبالله التوفيق.

مسألة: كانت امرأته غائبة فتزوج امرأة فقدمت الغائبة عليه

[مسألة: كانت امرأته غائبة فتزوج امرأة فقدمت الغائبة عليه] مسألة وسئل عن رجل كانت امرأته غائبة، فتزوج امرأة، فقدمت الغائبة عليه، فجزعت من نكاحه إياها عليها، فقال لها: لم تجزعين؟ يوم أختارها عليك، فطلاقها بيدك، فطلق الغائبة التي تزوجها عليها التي جعل الأمر في يدها. قال مالك: ما أرى طلاق الآخر، إلا بيدها، وأرى أنه قد اختارها عليها حين طلقها. قال محمد بن رشد: وكذلك لو حلف لها بطلاقها إن آثرها عليها فطلق الأولى، لطلقت عليه الثانية. قاله مالك في آخر كتاب الشفعة من المدونة في بعض الروايات، وهو صحيح بين، إذ لا امتراء في أنه قد آثرها عليها، إذ أمسكها وطلقها هي، وبالله التوفيق. [مسألة: تكون تحته المرأة فيتزوج عليها فتغار التي كانت تحته وتؤذيه] مسألة وسئل عن رجل تكون تحته المرأة، فيتزوج عليها، فتغار التي كانت تحته، وتؤذيه فيقول لها: لا تؤذني. إن حبستها أكثر من سنة فأمرها بيدك. قال مالك: لا يعجبني أن يطأ الرجل امرأة طلاقها بيد الأخرى، أو أرى أن تطلق التي جعل فيها الشرط. قلت له: أفترى ذلك عليه؟ قال: ما أشبهه بذلك، وما أدري ما حقيقته. وسألت ابن القاسم عن هذا فقال: لا يعجبني قوله، والذي استحسن في هذه المسألة، وما كلمت فيها من أرضى به، أنه يوقف، ويقال له: إما طلقت الآن، وإما كان أمرها بيد امرأتك الأخرى، التي جعلت أمرها بيدها، فإما طلقت، وإما أقرت الساعة. قال محمد بن رشد: قول مالك: إنه يطلق التي جعل فيها الشرط، ليس ينقاس على أصولهم في أن من ملك رجلا أمر امرأته إلى أجل معلوم، أنه يوقف الآن، فإما أن يقضي وإما أن يرد، وكفى من الدليل على ذلك أن

ملك امرأته نفسها فقضت بثلاث فقال إنما ملكتك واحدة

مالكا قد قال: إنه ما يدري ما حقيقته. وقول ابن القاسم هو الذي يأتي على المشهور من مذهبه. وروايته عن مالك في المدونة وغيرها في الذي يقول لامرأته: أنت طالق ثلاثا، إن لم أطلقك واحدة إلى سنة، أو أنت طالق واحدة إن لم أطلقك ثلاثا إلى سنة، أنه يوقف الآن، فيقال له: إما طلقت امرأتك واحدة، وإلا طلقت عليك ثلاثا. ويأتي على مذهب من يرى أنه لا يوقف الآن، ويترك إلى الأجل حتى يرى إن كان يبر أو يحنث. وهو قول سحنون وأصبغ، وأحد قولي ابن القاسم، وعليه يأتي ماله في سماع أبي زيد، أنه لا يوقف الآن، ويترك إلى الأجل، فإن لم يطلق حتى يحل، كان أمرها بيد امرأته، وبالله التوفيق، لا شريك له. [ملك امرأته نفسها فقضت بثلاث فقال إنما ملكتك واحدة] ومن كتاب سن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسئل عن رجل ملك امرأته نفسها، فقضت بثلاث، فقال: إنما ملكتك واحدة، وكان ذلك في مجلسهما. قال: أرى أن تحلف، قيل له: فإنه رد اليمين عليها، قال: لا، يحلف النساء في التمليك، وليس يحلف فيه إلا الرجال. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: لا اختلاف في المذهب أنه ليس للرجل أن يناكر امرأته، إلا أن يحلف على نية يدعيها، على ما جاء في ذلك عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكذلك لا اختلاف في أنه ليس له أن يرد اليمين عليها، إذ لا يعلم صدقه من كذبه فيما ادعاه من النية. [مسألة: قال لامرأته أمرك بيدك فقالت قد قبلت] مسألة وسئل مالك عن رجل قال لامرأته: أمرك بيدك، فقالت: قد قبلت، ثم سئلت بعد ذلك على الذي أرادت، فقالت: إنما أردت واحدة، فقيل له: أتستحلف إنما أرادت واحدة؟ فقال: لا يستحلف النساء في التمليك.

مسألة: دعت زوجها إلى الفراق وأن تدفع إليه ماله

قال محمد بن رشد: إنما قال: لا يستحلف النساء في التمليك؛ لأن المرأة إذا جعل أمرها بيدها، صار الطلاق الذي كان بيد الزوج بيدها، والزوج إذا ادعي عليه الطلاق لا يحلف، فإذا كان الزوج لا يحلف مع تحقيق الدعوى، كان أحرى ألا تحلف المرأة فيما لا يحقق عليها فيه الدعوى، وهذا الذي نحا إليه مالك، والله أعلم. [مسألة: دعت زوجها إلى الفراق وأن تدفع إليه ماله] مسألة وسئل عن المرأة دعت زوجها إلى الفراق، وأن تدفع إليه ماله. فقال: اشهدوا أني آخذ منها مالي وأطلقها وأفارقها، فإن هي كانت حاملا وطلبت مالها مني، فهي امرأتي. قال مالك: لا أرى الطلاق إلا وقد لزمه، ولا ينفعه هذا الشرط، فقيل له: فإنه لما أصبح من الغد، دفع إليها مالها وقد كانت دفعته إليه، وقال: لا أفارقك ولا أطلقك، وأنت امرأتي، قال مالك: قد لزمه الفراق، فإن أحب أن يرتجعها بنكاح جديد، يرد إليها ما أخذ منها، ويكون نكاحا جديدا، ولا ينفعه ما اشترط. قال محمد بن رشد: يريد بقوله وأن تدفع إليه ماله، أي أن ترد إليه ما أمهرها به، وساق إليها في صداقها من ماله. وهذا إذا فعلاه يكون الفراق فيه طلقة بائنة، وإن كانا قد لفظا بلفظ الفراق، ما لم ينصا على الثلاث؛ لأن الخلع يغلب على حكم كنايات الطلاق التي تحمل على البتات، فلا تكون كما يغلب على حكم الطلقة الواحدة التي تكون رجعية، فلا تكون رجعية. وقوله: لا أرى الطلاق إلا وقد لزمه صحيح، وسواء في هذه المسألة قبض المال أو لم يقبض المال؛ لإشهاده على نفسه بقوله: اشهدوا أني آخذ منها مالي وأطلقها وأفارقها. ولو قال لها من غير أن يشهد على نفسه: ادفعي إلي مالي وأطلقك وأفارقك، فلما جاءته بالمال، قال: لا أقبضه ولا أطلقك؛ لأني لم

قال لامرأته انتقلي عني فقالت لا أنتقل عنك حتى تبين لي أمري

أوجب ذلك على نفسي، وإنما قلت: إني أفعل ولست أفعل لجرى الأمر في ذلك على الثلاثة الأقوال التي مضت في التكلم على هذا المعنى في المسألة الثانية من أول السماع. ووقع في بعض الروايات: اشهدوا بأني آخذ منها مالي، ولا أطلقها ولا أفارقها، والمعنى في الرواية بثبوت إلا في الموضعين كالمعنى في سقوطها منها؛ لأنها إذا ثبتت تكون صلة في الكلام، بمعنى وأطلقها وأفارقها كما هي في قول الله عز وجل: {لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} [الحديد: 29] ، وقوله: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95] ، وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] صلة بمعنى: ليعلم، وأنهم يرجعون، وما منعك أن تسجد، وما أشبه هذا كثير، واشتراطه أنها إن كانت حاملا أو طلبت مالها فهي امرأته لا ينفعه، كما قال، ولا يجوز أيضا؛ لأنه شرط حرام؛ إذ لا يجوز أن ترجع إليه بعد أن بانت منه بالخلع إلا بنكاح جديد. وولي وصداق، فإن رد إليها مالها على الشرط المذكور، ولم يعثر على ذلك حتى دخل بها، فرق بينهما وكان لها ما رد إليها بالمسيس. وكان له أن يتزوجها بعد الاستبراء من الماء الفاسد بثلاث حيض. وقد قيل: إنه لا يتزوجها أبدا إن كان أصابها في العدة، ويكون كالمتزوج في عدة، قاله في مختصر ابن عبد الحكم، وهو بعيد، فإن عثر على ذلك قبل الدخول، كان له أن يجدد عقد النكاح معها بولي، ويجعل المال الذي قد كانت خالعته على رده إليه صداقها، كان قد رده إليها بعد أن دفعته إليه أو لم يرده، والله أعلم. [قال لامرأته انتقلي عني فقالت لا أنتقل عنك حتى تبين لي أمري] ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان وسئل مالك عن رجل قال لامرأته: انتقلي عني، فقالت: لا أنتقل عنك حتى تبين لي أمري: قال: انتقلي، ثم إن شئت طلقتك

مسألة: وقع بينه وبين امرأته شر في إن استأذنته إلى بيت أهلها فقال لها أنت علي حرام

عشرين، فانتقلت ولم تقض شيئا، ثم ندما. قال: لا أرى عليه شيئا في قوله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة في ظاهر ألفاظها اضطراب؛ لأن قوله فيها: ولم تقض شيئا، يدل على أنه كان لها أن تقضي لو شاءت، ما لم يطل الأمر، أو ينقض المجلس، على الاختلاف في ذلك، وإن قوله: ثم إن شئت طلقتك عشرين، يوجب لها عليه تمليك الطلاق، بمنزلة اللو قال لها: فإن شئت الطلاق، فأنت طالق عشرين. وقوله: لا أرى عليه شيئا في قوله، يدل على أنه لا يلزمه به شيء، ولا يجب عليه لها به تمليك، والمسألة تتخرج عندي على الاختلاف في الذي يقول لامرأته: إن جئتني بكذا وكذا فارقتك، فيكون طلاقا ثلاثا إن شاءت الطلاق، على القول بأنه يلزمه طلاقها إن جاءت بذلك، ولا تكون طالقا إن شاءت الطلاق على القول الثاني بعد يمينه أنه ما أراد إلزام الطلاق نفسه بمشيئتها. وقد مضى ذكر هذا الاختلاف في أول رسم من السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: وقع بينه وبين امرأته شر في إن استأذنته إلى بيت أهلها فقال لها أنت علي حرام] مسألة وسئل عن رجل وقع بينه وبين امرأته شر، في إن استأذنته إلى بيت أهلها، فقال لها: أنت علي حرام، إن لم تبيتي معي في هذا البيت الليلة، قال: فوجدت المرأة حرا، فخرجت إلى دكان، غير باب البيت، فباتت عليه. وقال: إنما كانت أصل يميني، أريد بذلك ألا تذهب تبيت عند أهلها. قال مالك: أرى أن يحلف بالله ما أردت بذلك ألا تخرج من البيت، وإنما أردت بذلك ألا تبيت عند أهلها، فإن حلف فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: لم يراع البساط في هذه المسألة، إذ رآه حانثا

يقول لامرأته أمرك بيدك فتقول قد طلقت نفسي ثلاثا

بمقتضى لفظه، إلا أن تكون له نية، فحلف عليها، وذلك مثل ما في سماع سحنون من كتاب الأيمان بالطلاق، في مسألة البالوعة، والمشهور مراعاة البساط، فإن لم يكن للحالف نية حملت يمينه على بساطها، ولا تحمل على مقتضى اللفظ، إلا عند عدم البساط، على ما في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، في مسألة النقيب، وقد قيل: إذا لم يكن لها بساط يحمل على ما يعرف من عرف الناس لا كلامهم، ومقاصدهم بأيمانهم. والقولان قائمان من المدونة، وقد مضى القول في هذا المعنى مجردا في رسم جاع فباع، من سماع عيسى، من كتاب النذور، وبالله التوفيق. [يقول لامرأته أمرك بيدك فتقول قد طلقت نفسي ثلاثا] ومن كتاب كتب عليه رجل ذكر حق وسئل مالك عن الرجل يقول لامرأته: أمرك بيدك، فتقول: قد طلقت نفسي ثلاثا، فيقول: لم أرد طلاقا، ثم يقول بعد ذلك: إنما أردت واحدة، قال: يحلف على نيته وتلزمه تطليقة واحدة، ولا يلزمه غيرها. قال أصبغ: هذا عندنا وهم من السامع، ولا يقبل منه نية، بعد أن قال: لم أرد شيئا، والقضا ما قضت المرأة من البتات. قال محمد بن رشد: قول أصبغ فما روى ابن القاسم عن مالك، من أن الزوج يحلف على ما ادعى من أنه أراد واحدة، وتكون واحدة بعد أن أنكر أن يكون إلا طلاقا، أن ذلك وهم من السامع، ليس بصحيح، بل الرواية في ذلك ثابتة عن مالك، وقد وقع له في ذلك في رسم الطلاق من سماع أشهب، وفي رسم الكبش من سماع يحيى، ومثله أيضا في رسم الكبش، من سماع يحيى، من كتاب الأيمان بالطلاق، فلا ينكر ثبوت القول؛ لأنه معروف، جار على أصل قد اختلف فيه قول مالك، من ذلك الذي يدعى عليه الوديعة فيجحدها، فتقوم عليه البينة بها، فيدعي ضياعها أو ردها، والقولان قائمان من المدونة من كتاب اللعان، وكتاب العتق الأول، وقول أصبغ: إن القضاء ما قضت به المرأة من البتات، يأتي على أحد قولي مالك، ولو أقام على قوله: إنه لم

مسألة: بدوي قال لامرأته أمرك بيدك فقالت التمسوا لي شقتي

يرد بذلك طلاقا مثل أن يقول: إنما أردت أن أمرها بيدها في كذا وكذا، لشيء يذكره من غير معنى للطلاق، لوجب أن ينظر في ذلك، فإن تبين كذبه ببساط يدل على أنه أراد بذلك الطلاق، كان القضا ما قضت به المرأة من البتات، وإن تبين صدق قوله ببساط يشهد له، حلف ولم يلزمه طلاق، وإن أمكن ما يدعي من ذلك، ولم يتبين فيه صدقه من كذبه، حلف على ما ادعاه، وكانت واحدة، إذ لا يصدق في إبطاله، أقل ما يلزمه بالتملك الظاهر، وإنما له أن يسقط بيمينه ما زاد على ذلك، وقد مضى في أول رسم من سماع أشهب من كتاب طلاق السنة ما يؤيد هذا في مسألة الذي كتب إلى أبي زوجته أنه قد طلقها ليأتيها. [مسألة: بدوي قال لامرأته أمرك بيدك فقالت التمسوا لي شقتي] مسألة وسئل مالك عن رجل بدوي قال لامرأته: أمرك بيدك، فقالت: التمسوا لي شقتي. وكان لها في بيته شقة، فأخذتها، ثم ذهبت إلى أهلها، وارتحل عنها إلى سفر، ولم يقل لها شيئا، وهو يريد بالذي قال لها: أمرك بيدك؛ الطلاق، وهي إنما أرادت بنقلتها الطلاق، ولم تقل شيئا، قال مالك: ما أرى هذا إلا فراقا حين انتقلت، وذلك الذي تريد بانتقالها وتركه إياها، وهو إنما ملكها وهو يريد الطلاق، فلا أرى ذلك إلا فراقا. قال محمد بن رشد: الحكم في الذي يملك امرأته أمرها، فلا تجيب بشيء، وتفعل فعلا يشبه الجواب، مثل أن تنتقل، أو تنقل متاعها أو تخمر رأسها وما أشبه ذلك أن تسأل عما أرادت به، فإن قالت: لم أرد بذلك طلاقا صدقت. قاله في سماع زونان. وإن قالت: أردت بذلك الطلاق، صدقت فيما أرادت منه. قاله ابن القاسم في المجموعة. واختلف إن قالت: أردت بذلك الفراق، ولم تكن لي نية، ففي العشرة ليحيى، عن ابن القاسم: أنها ثلاث، وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية، ما أرى ذلك إلا فراقا؛ لأن الفراق إذا

مسألة: قال لامرأته أمرك بيدك فقالت قد قبلت

أبهم في المدخول بها ثلاث. وقال محمد بن المواز: هي واحدة. واختلف أيضا إذا سكت عنها، ولم ينكر عليها فعلها حتى افترقا من المجلس، وقال محمد: تسأل أيضا، فإن قالت: أردت ثلاثا، كان للزوج أن يناكرها بنية يدعيها وقت التمليك، ويحلف على ذلك. قال أصبغ: يمينين: يمين أنه لم يعلم أن ما فعلته يلزمه به البتة، ولا رضي بذلك، يمين: أنه نوى واحدة. وقال ابن المواز: يجمع ذلك في يمين واحدة، وفي العشرة ليحيى عن ابن القاسم: إن انتقالها وسكوته على ذلك دون أن يسألها في المجلس عما تريد بانتقالها، يوجب عليه طلاق البتات، بكل حال، ولا يناكرها إن قالت: أردت الثلاث، ولا تصدق إن قالت: أردت واحدة. وقول ابن القاسم هذا في العشرة صحيح. على قياس قوله فيها: إنها إذا أرادت بانتقالها الفراق، ولم تكن لها نية في عدد الطلاق، أنها ثلاث. وقول محمد: إنها تسأل أيضا بعد الافتراق صحيح، على قياس قوله: إنها إذا أرادت بانتقالها الفراق ولم يكن لها نية في عدد الطلاق، إنها واحدة. وأما قوله: إنه يحلف أنه لم يعلم أن ما فعلته يلزمه به البتة، ولا رضي بذلك، فليس يلتام على أصله في أنها تسأل، وإن لم تكن لها نية، فهي واحدة، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أمرك بيدك فقالت قد قبلت] مسألة وسئل مالك عن رجل قال لامرأته: أمرك بيدك، فقالت: قد قبلت، فقال: أمرك بيدك، فقالت: قد قبلت، فقال: أمرك بيدك، فقالت: قد قبلت، فقال مالك: تسأل فإن كانت أرادت الطلاق، فهو ثلاث تطليقات. قال محمد بن رشد: أما إذا قال الزوج: لم تكن لي نية، فلا كلام في أنها ثلاث تطليقات، وأما إن قال: لم أرد إلا واحدة، ففي كتاب محمد عن مالك: أنها ثلاث. قال محمد: والأحسن عندنا أن القول قول الزوج، ويحلف، وتكون واحدة؛ لأنه يقول: إنما أردت التكرار عليها؛ لتبين ما أرادت بقولها: قد قبلت. وقاله لنا عبد المالك. قال محمد: ولو أنها أبانت، فقالت: قد

يضرب لها زوجها أجلا ثم يغيب عنها

طلقت، ثم ثنى فقالت: قد طلقت، ثم ثلث فقالت: قد طلقت؛ لكان ذلك ماضيا. وقول محمد في قولها: قد قبلت، يدين جيد. وأما قوله في قولها: قد طلقت: إن ذلك ماضيا، يريد الثلاث، فإنما بناه على مذهبه في أن المملكة إذا قالت: طلقت نفسي لا تسأل، وتكون واحدة. وأما على مذهب ابن القاسم الذي يقول: إنها تسأل في طلقت نفسي؛ لاحتمال أن تريد به الثلاث، فقد يحتمل أن ينوى الزوج في أنه أراد التكرار عليها؛ لتبين ما أرادت بقولها: قد طلقت، فتكون واحدة على هذا التأويل. قال محمد في الذي يقول لامرأته: أمرك بيدك، أمرك بيدك، أمرك بيدك، فتقول: قد قبلت، لكل واحدة طلقة، ويقول الزوج: ما أردت إلا واحدة؛ أنها واحدة. وقاله عبد المالك، وهذا صحيح على قياس قول الرجل لامرأته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وأراد واحدة؛ أنها واحدة. ولو لم تكن له نية لكانت ثلاثا، فكذلك التمليك. وقد روي عن مالك فيمن ملك امرأته، فقالت له: كم ملكتني؟ فقال: ملكتك مرة، ومرة، ومرة، ففارقته، فقال مالك: ليس ذلك بثلاث، إذا حلف أنه ما ملكها إلا واحدة. قال أبو إسحاق: وفي هذه إشكال؛ لأنه أبان بقوله: مرة، ومرة، ومرة، أنه ثلاث مرار، فكان يجب أن يكون لكل تمليك طلقة، فتكون ثلاثا، إلا أن يكون قصد إلى حكاية الألفاظ أنها منه ثلاث مرات، يريد بها تمليك واحد، فينوى في ذلك، والله أعلم. [يضرب لها زوجها أجلا ثم يغيب عنها] ومن كتاب الشريكين يكون لهما مال وقال مالك: في المرأة يضرب لها زوجها أجلا، ثم يغيب عنها، إن جاء إلى سنة، وإلا فأمرها بيدها، فانقضت السنة، ثم سئلت فقالت: أنتظر شهرا أو شهرين، أو نحو ذلك، فإن جاء وإلا رأيت رأيي. قال مالك: أرى ذلك لها إذا كان على وجه النظر. قال محمد بن رشد: قوله: ذلك لها إذا كان على وجه النظر، معناه

مسألة: قال لامرأته أمر امرأتي بيدك فقالت قد فرقت بينكما بالبتة

ذلك لها أن تفعله على وجه النظر لنفسها، لا أن ذلك على سبيل الشرط الذي الحكم فيه أن ينظر فيه، فإن كان حظا وغبطة وسدادا جاز، وإلا لم يجز، ولا يمين عليها في هذه المسألة باتفاق؛ لأنها بينت أنها إنما أقامت متلومة له، غير تاركة لحقها، وإنما يختلف في يمينها إذا أقامت، ولم تقل شيئا. وقد مضى القول على ذلك في رسم حلف. [مسألة: قال لامرأته أمر امرأتي بيدك فقالت قد فرقت بينكما بالبتة] مسألة وقال مالك: في رجل قال لامرأته: أمر امرأتي بيدك، فقالت: قد فرقت بينكما بالبتة، قال مالك: أرى أن قد وقع عليها الطلاق. قال ابن القاسم: يريد إلا أن ينكر، مثل ما لو جعل ذلك بيد امرأته، فإن كانت له نية حين جعل أمرها في يد المرأة، فناكرها، أحلف كما كان يحلف في امرأته، وإن صمت لزمه ذلك، وإن لم تكن له نية حين جعل ذلك بيدها، وتأخر حتى تقضي، لم ينفعه ذلك. وهو رأيي. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم مفسر لقول مالك، مثل ما في المدونة وغيرها لا إشكال في ذلك، ولا اختلاف في المذهب، فلا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [يغيب عن امرأته فتطول إقامته بالبلد، فيكتب إليها ليخيرها] ومن كتاب البز وسئل مالك: عن الرجل يغيب عن امرأته، فتطول إقامته بالبلد، فيكتب إليها ليخيرها، أترى أن قد خرج من الماء؟ ثم قال: نعم. وقد سأل عمر بن الخطاب حفصة: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: أربعة أشهر، أو ستة أشهر. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المرأة إنما تتزوج الرجل لتسكن به، وتأنس إليه به، وتستمتع منه؛ قال عز وجل:

مسألة: الأمة يكون نصفها حرا ونصفها مملوكا فيخطبها عبد فتابا أن تتزوجه

{خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21] ، فليس للرجل أن يغيب عن امرأته المدة التي يضر بها مغيبه عنها، وهي ما فوق الأربعة الأشهر والستة، التي أخبرت حفصة أن المرأة تصبر فيها عن زوجها. فإن فعل فهو آثم، إلا أن تأذن له في ذلك، فإذا خيرها فأذنت له في ذلك، فليس عليه أكثر من ذلك؛ لأنه حقها، فإذا أباحته له وحللته منه، لم يكن عليه فيه إثم. وقول حفصة هذا هو أصل ما يكتب في شروط الصدقات، من ألا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر، إلا في أداء حجة الفريضة عن نفسه، فإن فعل فأمرها بيدها، ولا يفرق بينهما بمغيبه عنها هذه المدة حتى يطول ذلك، والسنتان والثلاث في ذلك ليس بطويل. قاله في رسم شهد، من سماع عيسى، من كتاب طلاق السنة، وقد مضى القول على هذا المعنى في رسم الشريكين، من سماع ابن القاسم منه، وبالله التوفيق. [مسألة: الأمة يكون نصفها حرا ونصفها مملوكا فيخطبها عبد فتابا أن تتزوجه] مسألة وسئل مالك عن الأمة يكون نصفها حرا، ونصفها مملوكا، فيخطبها عبد فتابا أن تتزوجه، فسألها سيدها، فطاوعته على تزويجها، ثم عتقها. أترى لها الخيار؟ قال: نعم، أرى ذلك لها. قال: فقلت له: ألم يكن لها أن تابا، ولا يجبرها سيدها على نكاحها؟ قال: بلى. قلت: فكيف يكون لها الخيار. قال: حالها كحال الأمة، وإنما ذلك بمنزلة ما لو أن أمة ليس فيها عتق، طلبت إلى سيدها أن يزوجها عبدا ففعل فزوجها، فله الخيار. قلت: إن هذه يخيرها سيدها، وإن الأخرى لم يكن سيدها أن يخيرها. قال: بلى، ولكنها في حالها وحدودها. وكشف شعرها في مثل حال شأن الأمة، فلا أرى لها إلا ذلك، وأن يكون لها الخيار. قال محمد بن رشد: ليس العلة عند مالك في تخيير الأمة إذا أعتقت

اطلع على امرأته بزنا هل له أن يضارها حتى تفتدى منه

تحت عبد ما كان لسيدها من جبرها على النكاح، وإنما العلة في ذلك عنده، كون زوجها ناقصا عن مرتبتها، ولذلك يقول: إنه لا خيار لها إذا أعتقت وزوجها حر، فوجب على هذا إذا تزوجت عبدا وبعضها حر برضاها أن يكون لها الخيار إذا أعتق ما بقي منها، لنقصان مرتبة زوجها عن مرتبتها. ويأتي على قول أهل العراق، الذين يقولون: إن الأمة تخير إذا أعتقت، كان زوجها حرا أو عبدا، ويرون العلة في تخييرها ما كان لسيدها قبل أن تعتق من جبرها على النكاح، إلا أن يكون لها خيار إذا أعتق ما بقي منها، كانت تحت حر أو عبد، إذ لم يكن لسيدها أن يجبرها على النكاح، من أجل أن بعضها حر، وهو بعيد. [اطلع على امرأته بزنا هل له أن يضارها حتى تفتدى منه] ومن كتاب باع غلاما بعشرين دينارا وسئل مالك عن رجل اطلع على امرأته بزنا، هل له أن يضارها حتى تفتدى منه؟ قال: لا ينبغي له ذلك يضارها إن أحدثت أن يستحل مالها بذلك، يضارها حتى تفتدى منه، ولا أرى ذلك يصلح له. قال محمد بن رشد: لا يحل للرجل إذا كره المرأة أن يمسكها ويضيق عليها حتى تفتدى منه، وإن أتت بفاحشة من: زنا، أو نشوز، أو بذاء؛ لقول الله عز وجل: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] ، إلى قوله: {غَلِيظًا} [النساء: 21] ، هذا مذهب مالك وجميع أصحابه، لا اختلاف بينهم فيه. ومن أهل العلم من أباح للرجل إذا اطلع على زوجته بزنا أن يمسكها ويضيق عليها حتى تفتدى منه؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] ، وتأول أن الفاحشة المبينة هاهنا: الزنا. وجعل الاستثناء متصلا. ومنهم من تأول أن الفاحشة المبينة: البغض،

مسألة: عاتبته امرأته فقال برئت مني

والنشوز، والبذا باللسان، فأباح للزوج إذا أبغضته زوجته، ونشزت عنه، وبذت بلسانها عليه، أن يمسكها ويضيق عليها حتى تفتدى منه، ومنهم من حمل الفاحشة على العموم، فأباح للزوج ذلك، كانت الفاحشة التي أتت بها زنا، أو نشوزا، أو بذاء باللسان، أو ما كانت، والصحيح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه إذا ضيق عليها حتى تفتدى منه، فقد أخذ مالها بغير طيب نفس منها، ولم يبح الله ذلك إلا عن طيب نفس منها: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] ، والآية التي احتجوا بها، لا حجة لهم فيها؛ لأن الفاحشة المبينة فيها من جهة النطق أن تبذو عليه، وتشتم عرضه، وتخالف أمره؛ لأن كل فاحشة أتت في القرآن منعوتة بمبينة، فهي من جهة النطق، وكل فاحشة أتت فيه مطلقة، فهي الزنا، والاستثناء المذكور فيها منفصل، فمعنى الآية لكن إن نشزن عليكم، وخالفن أمركم، حل لكم ما ذهبتم به من أموالهن، معناه إذا كان عن طيب أنفسهن، ولا يكون ذلك عن طيب أنفسهن إلا إذا لم يكن منهم إليهن ضرر ولا تضييق. فعلى هذا التأويل، تتفق آي القرآن ولا تتعارض، وقد قيل في تأويل الآية غير هذا، وهذا أحسن، والله أعلم. [مسألة: عاتبته امرأته فقال برئت مني] مسألة وسئل مالك عن رجل عاتبته امرأته، فقال: برئت مني. قال: هذا بين أنه لا شيء عليه، وهذا من كلام الناس عند العتاب، ولا أرى فيه شيئا، فإن اتهم، فإن أشده أن يحلف. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن برئت مني، من ألفاظ الطلاق التي تصلح أن تقال عند العتاب عتابا، فإذا قال ذلك الرجل لامرأته في العتاب، لم يلزمه به طلاق إلا أن يريد الطلاق، فإن أتى مستفتيا لم يلزمه فيه طلاق ولا يمين، وإن خاصمته امرأته وأثبتت عليه أنه قال ذلك لها في

مسألة: قال لأهل امرأته شأنكم بها

العتاب، استظهر عليه باليمين؛ لاحتمال أن يكون أراد بذلك الطلاق. وإن كان قاله في العتاب؛ لأنه من ألفاظ الطلاق، ولو قال ذلك لها في غير عتاب لبانت منه امرأته بثلاث. وهذا مثل ما في المدونة في الذي يقول لامرأته: لا نكاح بيني وبينك، ولا سبيل لي عليك، ولا ملك لي عليك؛ لأنه قال فيها: إنه لا شيء عليه، إذا كان الكلام عتابا، إلا أن يكون أراد بذلك الطلاق. وقال فيها في الذي يقول لامرأته: ما أنت لي بامرأة، أو لست لي بامرأة، أو لم أتزوجك؛ لأنه لا شيء عليه في ذلك، إلا أن يريد بذلك الطلاق. واختلف إذا أراد به الطلاق، ولم تكن له نية في عدده. فقيل: تكون واحدة، وقيل: تكون ثلاثا. وقد مضى ذلك في آخر سماع أبي زيد من كتاب طلاق السنة، وستأتي منه مسألة في سماع أبي زيد، والله أعلم. [مسألة: قال لأهل امرأته شأنكم بها] مسألة وقال مالك: فيمن قال لأهل امرأته: شأنكم بها. قال: إن كان لم يدخل بها، فإنه بين أنه ليست تكون عليه إلا واحدة، وإن كان قد دخل بها، فإني أراها قد بانت منه، وهو عندي يشبه أن يقول: قد وهبتك لأهلك، أو قد رددتك إلى أهلك. قيل: أرأيت إن قال: إنما أردت بالتي دخلت بها بقولي: شأنكم بها واحدة؟ قال: ليس هذا بقول، والذي أرى أنها قد بانت منه. قال محمد بن رشد: قوله في شأنكم بها، وقد وهبتك لأهلك، ورددتك إلى أهلك: إنها في غير المدخول بها واحدة، والمدخول بها ثلاث، إلا أن ينوي واحدة، وكذلك الخلية والبرية والبائن، ولا ينوى خلاف ما في المدونة، وما في رسم يوصي، من سماع عيسى، من كتاب الأيمان بالطلاق، وخلاف المشهور من أنها في غير المدخول بها ثلاث، إلا أن ينوي واحدة، وفي المدخول بها ثلاث ولا ينوى، وقد قيل: إنها في غير المدخول بها واحدة. وفي المدخول بها، إلا أن ينوي واحدة، وكذلك الخلية والبرية والبائن، يدخل

مسألة: يطلق امرأته واحدة ثم إنها أعطته عشرة دنانير ألا رجعة له عليها

فيها كلها هذه الثلاثة أقوال، وظاهر قول غير ابن القاسم في العتق من المدونة: أن الموهوبة ثلاث قبل الدخول وبعده، ولا ينوى في ذلك؛ لأنه قال: إنه إذا وهبها فقد وهب ما كان يملك منها، وقد كان يملك منها جميع الطلاق، وقد قيل في شأنكم بها: إنها واحدة قبل الدخول وبعده، وهو الذي وقع في الموطأ من قول القاسم بن محمد، فرأى الناس ذلك تطليقة. وأما خليتك وخليت سبيلك، وسرحتك، وفارقتك، وما أشبه ذلك، فقيل: إنها ثلاث في المدخول بها، وفي التي لم يدخل بها إلا أن ينوي واحدة. وقيل: إنها واحدة في التي لم يدخل بها، وثلاث في التي قد دخل بها، إلا أن ينوي واحدة، والقياس أن ما كان من هذا كله قبل الدخول ثلاث، إلا أن ينوي واحدة، فهو بعد الدخول ثلاث، وإن زعم أنه نوى واحدة، وما كان منها يكون قبل الدخول واحدة، إلا أن ينوي ثلاثا، فيكون بعد الدخول ثلاثا، إلا أن ينوي واحدة، وبالله التوفيق. [مسألة: يطلق امرأته واحدة ثم إنها أعطته عشرة دنانير ألا رجعة له عليها] مسألة وسئل مالك عن الرجل يطلق امرأته واحدة، ثم إنها أعطته عشرة دنانير، وهي في عدتها على ألا رجعة له عليها، ففعل، قال: أراه خلعا. قلت له: أفتراه تطليقة أخرى مع الأولى التي طلق؟ قال: نعم، أراها تطليقتين. قال محمد بن رشد: أما إذا أعطته عشرة دنانير على ألا رجعة له عليها كما قال هاهنا، فهو خلع يقع عليها به تطليقة أخرى، واختلف إذا أعطته ذلك على ألا يرتجعها، فقال ابن القاسم في رسم إن خرجت، من سماع عيسى: إن ذلك أيضا خلع، يقع به عليه تطليقة أخرى، ولم يفرق بين أن يكون قد قبض العشرة أو لم يقبضها، وقال أشهب في سماع زونان: إنه إن شاء

خالع الرجل امرأته على أن يعجل لها بعض دين لها عليه قبل محله

راجعها، فإن راجعها رد عليها العشرة، أي تركها لها، ولم يأخذ منها، ويحتمل أن يتأول قول ابن القاسم، على أنه قد قبض العشرة، فلا يكون ذلك اختلافا من القول، وبالله التوفيق. [خالع الرجل امرأته على أن يعجل لها بعض دين لها عليه قبل محله] ومن كتاب سعد قال مالك: إذا خالع الرجل امرأته على أن يعجل لها بعض دين لها عليه قبل محله، على أن تضع عنه ما بقي عليه من ذلك الدين، قال مالك: لا يجوز لأحد أن يعمل هذا، فإن جهل ذلك حتى يقع الفراق عليه، جاز الطلاق، وجازت الوضيعة، ويرد المال إلى أجله الذي كان إليه، وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم في كتاب الجلوس، قال ابن القاسم: إذا كان لامرأة على زوجها عشرون دينارا إلى أجل، فقالت له: طلقني ولك العشرة، وعجل لي العشرة ففعل؛ أنه يمضي الطلاق عليها والوضيعة، وترد العشرة إلى أجلها. قال محمد بن رشد: اعترض أبو إسحاق هذه المسألة، إذ لم يجعل ما حطت من دينها مفضوضا على خلع مثله، وما يمكن أن يعطى للتعجيل، ووجه الرواية أنها إنما خالعها بما وضعت، وشرطها في خلعها تعجيل بقية حقها، فوجب أن ينفذ الخلع ويبطل الشرط؛ لأنه إذا وجب أن يبطل اشتراطها عليه ترك التزويج على ما مضى في أول رسم سعد الأول، لما فيه من تحريم ما أحل الله، فأحرى أن يبطل هذا الشرط، لما فيه من تحليل ما حرم الله. وفي كتاب محمد بن المواز: ومن تزوج بعشرة نقدا، وعشرين إلى أجل، فصالحته قبل البنا، وقبل النقد على أن عجل لها العشرة النقد، وأسقطت العشرين، يجز ذلك، وأجاز الطلاق وترد إليه الخمسة، تأخذها منه إذا حل الأجل، وكذلك لو صالحته على أكثر من الخمسة، إلى ما دون الخمسة عشر، ترد ما زاد على الخمسة، فتأخذ ذلك عند الأجل، ولو صالحته على خمسة فأقل أو

تختلع من زوجها وهما في سفر ويشترطان

على خمسة عشر فأكثر؛ لجاز ذلك، هذا معنى قوله دون لفظه، وهو على قياس هذه الرواية؛ لأن الفراق يوجب لها خمسة نقدا، وعشرة إلى أجل، فتلزمها الوضيعة، ويسقط عنها التعجيل، واعترضها أيضا أبو إسحاق التونسي بما تقدم في اعتراضه للمسألة الأولى، ولو كان الدين للزوج على المرأة فخالعته على أن عجلت له بعض دينه، وأسقط عنها بقيته لمضى الطلاق، ورد إليها ما عجلت له واتبعها بجميع دينه، ولا اختلاف في هذا ولا اعتراض؛ لأن الوضيعة والبضع صارا ثمنا للتعجيل، فوجب أن تبطل الوضيعة إن كانت عوضا للتعجيل، ولم تكن عوضا للخلع. [تختلع من زوجها وهما في سفر ويشترطان] ومن كتاب اغتسل على غير نية وسئل عن المرأة تختلع من زوجها، وهما في سفر، ويشترطان في سفرهما خلعهما، إن مات الرجل قبل أن يبلغ بلده رد عليها فيموت الزوج قبل أن يبلغ بلده. قال مالك: خلعهما جائز، وما اشترطت من شرط من هذا النحو وما أشبهه فهو باطل، إذا كان الخلع قد ثبت بينهما. قال محمد بن رشد: رأى الخلع جائزا، والشرط باطل على أصله في مسألة رسم سعد الأول، والذي قبل هذا، وقد مضى من التكلم في الرسمين ما فيه بيان هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: أمة افتدت من زوجها بشيء من مالها ففارقها، فأنكر ذلك سيدها] مسألة وسئل عن أمة افتدت من زوجها بشيء من مالها، ففارقها، فأنكر ذلك سيدها، فقال: يثبت الفراق، ويرد المال إلى سيدها. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وهو مما لا اختلاف فيه أن الأمة لا تجوز مخالعتها إلا بإذن سيدها، وإن كانت مأذونا لها في التجارة؛ لأن الخلع ليس من التجارة التي أذن لها فيها، إذ لا يملك بها مالا، وإنما يملك بها

أمة كانت تحت عبد فقالت إن عتقت وأنا تحت هذا العبد فأشهدكم أني اخترت نفسي

تخليصها من الزوج وراحتها منه، وكذلك المكاتبة وأم الولد، واختلف في المديانة، هل يجوز مخالعتها، دون إذن الغرماء أم لا؟ على قولين: أحدهما: أن ذلك قياسا على النكاح، والثاني: أن ذلك ليس لها، بخلاف النكاح؛ لأن النكاح مما تدعو إليه الضرورة كالطعام والشراب، فقد دخل الغرماء معها على ذلك، والخلع وإن كانت الضرورة قد تدعو المرأة إليه، فلم يدخل معها الغرماء على ذلك، إذ لا يقع إلا نادرا. والحمد لله وحده. [أمة كانت تحت عبد فقالت إن عتقت وأنا تحت هذا العبد فأشهدكم أني اخترت نفسي] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الطلاق الثاني قال أشهب: سمعته كتب إلى ابن فروخ أيضا. وسألت عن أمة كانت تحت عبد فقالت: إن عتقت وأنا تحت هذا العبد فأشهدكم أني اخترت نفسي، أو قالت: قد أخذت زوجي، فلا أرى ذلك لازما. وذلك أنها تجري إلى طلاق يصيبها فيه، فتلد أولادا إلى أجل يأتي، إذا كان ذلك الأجل فارقته، ومن عينه أنه ليس أحد علمناه عمل به ممن مضى. قال محمد بن رشد: علل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ذلك لا يلزمها بوجهين: أحدهما: أنها تحصل مطلقة إلى أجل قد يأتي، وقد لا يأتي بغير اختيار زوجها ولا إرادته. وذلك مخالف للأصول. والثاني: أن ذلك مخالف لعمل الماضين، ومن قول مالك: إن من شرط لزوجته أن تزوج عليها وما أشبه ذلك فأمرها بيدها، فقالت: أشهدكم أنه إن تزوج علي فقد اخترت نفسي، أو قد اخترت زوجي، إن ذلك لازم لها، ففرق بين المسألتين. وهذه المسألة هي التي يحكى أن ابن الماجشون، سأل مالك عن الفرق فيها بين الحرة والأمة، فقال له: أتعرف دار قدامة؟ وكانت دار يلعب فيها بالحمام، معرضا له بقلة التحصيل فيما سأل عنه، وموبخا له على ترك إعمال نظره في ذلك، حتى

يقول لامرأته قد وليتك أمرك إن شاء الله

لا يسأل إلا سؤالا مستقيما في أمر مشكل، وهذا من نحو قوله لابن القاسم في شيء سأله عنه: أنت حتى الساعة هاهنا تسأل عن مثل هذا. ولعمري إن مثل ابن الماجشون في فهمه وجلالة قدره لحري أن يوبخ على مثل هذا السؤال؛ لأن مالكا لم يفرق بين الحرة والأمة كما قال، وإنما فرق بين خيار أوجبه الله بالشرع على لسان نبيه للزوجات، إلا ما على أزواجهن العبيد، بشرط عتقهن بغير اختيار أزواجهن، وبين خيار شرطه الزوج باختياره لزوجته، حرة كانت أو أمة. والفرق بينهما، أن ما خير الله تعالى عباده فيه على شرط، وجعله شرعا مشروعا، فليس لأحد أن يسقط ما أوجبه الله له من الخيار في ذلك قبل أن يجب له بحصول الشرط، ويوجب على نفسه، أحد الأمرين: من الأخذ أو الترك؛ لأنه إذا فعل ذلك صار مبطلا للشرع الذي شرعه لعباده في حقه، وذلك ما لا يجوز ولا يلزم من فعله، ألا ترى لو أن رجلا غنيا قال: أشهدكم أني إن افتقرت، فلا آخذ من الصدقات التي أباحها الله للفقراء شيئا، وإن افتقرت فأنا آخذ منها ما أوجبه الله لي من الحق فيها، ثم افتقر، ثم يحرم عليه الأخذ إن أراد أن يأخذ، ولا لزمه الأخذ إن أراد ألا يأخذ، وكان مخيرا بين الأخذ والترك على حكم الله تبارك وتعالى في الشرع، وما أوجبه الله للزوج لزوجته على نفسه من الخيار في نفسها بشرط، بخلاف ذلك، يجب إذا اختارت نفسها أو زوجها قبل حصول الشرط، بشرط حصوله إن لم يلزمها ذلك؛ لأنها إن اختارت زوجها فهو حق لها تركته، إذ لا يلزمها قبول ما أعطاها زوجها، وإن اختارت نفسها جاز ذلك عليها وعلى زوجها، ولم يكن لواحد منهما في ذلك رجوع؛ لأنه طلاق وقع على صفة يلزم بحصولها، إذ لا فرق أن يقول الرجل لامرأته: أنت طالق إن كان كذا وكذا، أو تقول هي إذا ملكها الطلاق بشرط: أنا طالق إن كان كذا وكذا؛ لذلك الشرط، وهو أبين، والحمد لله، وبه التوفيق. [يقول لامرأته قد وليتك أمرك إن شاء الله] ومن كتاب الطلاق وسئل عن رجل يقول لامرأته: قد وليتك أمرك إن شاء الله،

فتقول هي: قد فارقتك إن شاء الله. فقال: فقد فارقها في رأيي. فقال له: يا أبا عبد الله، لأن تقطع يدي من جسدي أحب إلي من أن أفارقها، وما أردت بذلك طلاقا، وما كان الذي كان مني ومنها إلا لعبا لا نريد به طلاقا، فقال: إن كان الله يعلم أنك لم ترد بقولك ذلك طلاقا، وأنه كان منك على وجه اللعب لا تريد به طلاقا، فلا أرى عليك شيئا. وإن كنت إنما أردت به طلاقا، وإن كنت لاعبا، فهو الطلاق. ثم قال له: أتقول امرأتك مثل مقالتك أنها لم ترد طلاقا؟ قال: نعم. وقد أقمنا بعد هذه المقالة، أربعة أشهر أصيبها، لا نرى أن الذي وقعنا فيه شيئا. فقال: قال لها: أمرك بيدك إن شاء الله، لا يريد بذلك طلاقا على وجه اللعب والمداعبة، فقالت: قد فارقتك إن شاء الله لاعبين لا يريدان بذلك طلاقا، لا أرى عليك شيئا إلا يمينك بالله الذي لا إله إلا هو، ما أردت بذلك طلاقا، وما كنت إلا لاعبا، فلما رجع من الغد رجع إليه الأعرابي فقال: ما أرى عليك شيئا إلا أن تحلف بالله ما أردت بذلك طلاقا. قال محمد بن رشد: قال مالك في هذه المسألة أولا فارقها في رأيي؛ لأنه إفصاح منه بالتمليك، وإفصاح منها بالفراق، لا تأثير للاستثناء بمشيئة الله في ذلك لواحد منهما، كما لا تأثير للاستثناء بمشيئته تعالى في مجرد الطلاق، فلما أخبره أنهما لم يريدا بذلك الطلاق، وأنه إنما كان ذلك منها على وجه اللعب، سأله هل تقر له امرأته بذلك فيدين، أو لا تقر له بذلك، وتدعي الطلاق بما ظهر من قوله وقولها فلا يصدق؟ فلما أخبره أنها تقول مثل مقالته، قال له: لا أرى عليك شيئا، وذلك صحيح على أصولهم فيمن ادعى نية مخالفة لظاهر قوله، وأتى مستفتيا، أنه ينوى فيما ادعاه، ولا يمين عليه. وقوله في آخر المسألة: لا أرى عليك إلا اليمين، معناه إن طالبه أحد باليمين، وقوله: إن كنت أردت بذلك طلاقا، وإن كنت لاعبا فهو الطلاق، صحيح على قولهم في أن الطلاق

مسألة: المسلم يزوج عبده النصراني أمته النصرانية ثم يعتقها

هزله جد. من ذلك ما وقع في أثر المدونة وغيرها. وقول أصبغ في نوازله من كتاب الأيمان بالطلاق، والله الموفق. [مسألة: المسلم يزوج عبده النصراني أمته النصرانية ثم يعتقها] مسألة قال: وسألته عن الرجل المسلم يزوج عبده النصراني أمته النصرانية ثم يعتقها، أترى لها خيارا؟ قال: نعم، لها الخيار ملكها بيد مسلم. قال محمد بن رشد: وهذا كله كما قال؛ لأنهما وإن كانا نصرانيين فسيدهما مسلم، وله حق في اختيارها نفسها؛ لأنه يصل بذلك إلى وطء الأمة، ويتفرغ العبد لمنافعه، وقد مضى هذا في أول سماع عيسى، من كتاب طلاق السنة، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته حرمت علي إن لم تقومي عني فلا ترجعي إلي إلا أن أشاء] مسألة وسئل عن من قال لامرأته: حرمت علي إن لم تقومي عني، فلا ترجعي إلي، إلا أن أشاء، فقامت، ثم قالت له: أرجع، أرجع، فقال: لا. ثم قالت له: أرجع، فقال: لا، ثم قالت له: أرجع، فقال: ما شئت، تعالي إن شئت. ولا يشاء ذلك بقلبه، أترى عليه شيئا؟ فقال: ما أرى عليه في هذا شيئا. فقيل له: إنها لم تأته، لما أرادت أن تأتيه خاف من ذلك؛ لأنه لم يشأ بقلبه أن تأتيه، فقال لها: لا تأتي، ثم إنه خرج، ثم جاء، وقد اشتهى أن تأتيه، وأحب ذلك، وشاءه بقلبه، فجاءته قبل أن يأمرها أن تأتيه، فجاءته ولم يأمرها، فقال: إني لأخاف أن يكون عليك من يمينك شيء، أرأيت هي أكانت تعلم الغيب؟ كيف تعلم ما في قلبك أنك اشتهيت أن تأتيك وشئته، إنما

ذلك إذا دعوتها. وإنما يستدل على أنك قد شئت أن تأتيك إذا دعوتها تأتيك؛ لأنك قد شئت بقلبك أن تأتيك، ليس يطلق الرجل بقلبه، ولا ينكح الرجل بقلبه. وإنما الدليل على مشيئتك إذا قلت ذلك لها؛ أرأيت لو أنها أولا قالت له: آتيك، فقال لها: لا، وهو إن يشأ أن تأتيه بقلبه، فجاء، فجاءته ولم تنظر إلى قوله، أكان ذلك يخرجه من يمينه؟ لا ما ينفعه ذلك، ولا يطلق الرجل بقلبه، ولا يستدل على مشيئته إلا بإذنه أن يدعوها، فإذا دعاها فلا شيء عليه، وإن كان لا يشاء أن تأتيه. قال مالك للذي قال لامرأته: أنت علي حرام إن لم تقومي، فلا ترجعي إلي حتى أشاء ذلك، فقامت ثم استأذنته غير مرة أن ترجع، فيقول: لا، ثم قال تعالي إن شئت، وهو لا يشاء بقلبه، أو تأتيه، فقال لها بعد أن قامت، مكانك لا تأتي، ثم خرج ودخل، ثم شاء أن تأتيه بقلبه، ثم جاءته قبل أن يدعوها وقبل أن يأذن لها، فقال له: من أين علمت حين دخلت أنك قد شئت بقلبك أن تأتيك؟ أرى إن كنت نويت حتى تشاء ذلك بقلبك، تنوي مشيئتك، لا ينوي لسانك في شيء من ذلك أن ليس شيء، وأنه ليأخذ بقلبي في قولك لها أولا: تعالي إن شئت، ثم قلت لها: لا تأتي، أنه ليأخذ بقلبي أنه إذن وما أدري. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن يمين الحالف على امرأته لا ترجع إلا أن يشاء، محمولة على أنه أراد ألا ترجع إلا أن يأذن لها في الرجوع، إذ لا يستدل على ما في قلبه إلا بقوله، فإذا أذن لها في الرجوع فرجعت، وإن كان لا يشاء رجوعها بقلبه، وإذا رجعت بغير أن يأذن لها فهو حانث، وإن كان قد شاء رجوعها بقلبه إلا أن ينوي في ذلك كله مشيئته بقلبه، دون الإذن لها بلسانه فتكون له نيته، ولا يحنث إن جاءته دون أن يأذن لها إذا كان قد شاء ذلك بقلبه، ويحنث إن جاءت وقد أذن لها إذا كان لا يشاء ذلك بقلبه، هذا معنى ما ذهب إليه في الرواية، وتوقف إذا أذن لها، ثم رجع

مسألة: قال لامرأته وهو يلاعبها أمرك بيدك

عن الإذن قبل أن تأتي، فقال لها: لا تأتي، فأتت على الإذن المتقدم، فقال أولا: إنه يحنث، وأن رجوعه عنه يسقطه، ثم قال: إنه ليأخذ بقلبي أنه إذن يريد أنه إذن لا يسقطه رجوعه عنه. وجه القول الأول مراعاة المعنى دون اللفظ؛ لأن المعنى في يمين الحالف بمثل هذا على زوجته ألا تعصي قوله، وتخالف أمره. ووجه القول الثاني مراعاة اللفظ دون المعنى؛ لأنه إذا حلف عليها ألا ترجع حتى يأذن لها، فأذن لها أن تأتيه، ثم نهاها عن الإتيان، كان لها أن تأتيه ولا يحنث؛ لأنه ما أتته إلا بعد أن أذن لها. وقوله: ليس يطلق الرجل بقلبه، ولا ينكح الرجل بقلبه، ظاهره خلاف ما في سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، فيمن أجمع في نفسه على طلاق امرأته، حتى يكون قد طلقها بقلبه، ولم ينطق بذلك لسانه: أنها طالق، وعلى ذلك كان الشيوخ يحملونه. والصواب أن ذلك ليس بخلاف له، وأن معنى قوله ليس يطلق الرجل بقلبه، ولا ينكح الرجل بقلبه، أي ليس من شأن الناس وعادتهم أن يفعلوا ذلك، إذ لا تأثير له في الحكم الظاهر، وهو مثل قوله في مسألة سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، وما هذا بوجه الطلاق؛ لأن الصحيح أن من أجمع على الطلاق بقلبه في نفسه، على أنه قد طلق امرأته، وقال في قلبه: إنها طالق، فهي طالق، فيما بينه وبين الله في الباطن، وإن أبدى ذلك لها بكلامه، أو بكتابة، أو بإشارة يفهم بها ما في نفسه، حكمنا عليه بذلك؛ لأن الكلام والكتاب إنما هو عبارة عما في النفس من ذلك، والحمد لله. [مسألة: قال لامرأته وهو يلاعبها أمرك بيدك] مسألة وسئل عمن قال لامرأته وهو يلاعبها: أمرك بيدك، فقالت: قد تركتك، أو ودعتك، فقال الرجل: لم أرد طلاقا، وما قلت ذلك إلا لاعبا، وقالت المرأة مثل ذلك، فقال: أرى أن يحلف ما أراد إلا واحدة، وتكون عنده على ما بقي من الطلاق في مسألتهم شبهة، وما هي بالنية. قيل له: أفترى على الرجل حرجا أن يحلف أنه أراد واحدة، والله يعلم أنه لم يرد شيئا؟ فقال: لا بد له من هذا، فكيف

مسألة: خالع امرأته بشيء أعطته إياه وشرط عليها

يصنع؟ فيحلف ما أراد بقوله الطلاق، وتكون واحدة. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن البينة قامت على ذلك، فلم يصدق الرجل على ما ادعاه من أنه لم يرد بذلك الطلاق، وإن قالت امرأته مثل مقالته، ويقال له طلاق البتات لك لازم بقول امرأتك بعد أن كلمتها، ملكتها، قد تركتك، أو قد ودعتك؛ لأن هذا القول منها محمول على الثلاث، إلا أن تحلف ما أردت واحدة، وما أردت الطلاق، لا بد لك من اليمين على أحد هذين الوجهين. هذا معنى قوله في هذه الرواية، ولا يسوغ له فيما بينه وبين الله أن يحلف أنه ما أراد إلا واحدة إن كان لم يرد الطلاق، ولكنه يمكن من ذلك، ويحمل منه ما يحمل، وهذا على القول بأن النية تقبل منه بعد أن أنكر أن يكون أراد الطلاق، وأما على القول بأن النية لا تقبل منه، وهو أحد قولي مالك، واختيار أصبغ، على ما مضى له في رسم كتب عليه ذكر حق، من سماع ابن القاسم. فإن أقام على قوله: إنه لم يرد الطلاق، حلف على ذلك، وكانت واحدة، وإن رجع، وقال: بل أردت واحدة، لم يمكن من اليمين، وكانت ثلاثا على ما دل عليه ما قضت به، وقد مضى في رسم كتب عليه، من سماع ابن القاسم في هذا المعنى زيادة، وتفسير مما قلناه هاهنا. ولو أتى مستفتيا ولم تقم على أمرهما بينة، لصدق أنه لم يرد بذلك الطلاق، ولم يكن عليه شيء على ما مضى في أول السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: خالع امرأته بشيء أعطته إياه وشرط عليها] مسألة وسئل عمن خالع امرأته بشيء أعطته إياه، وشرط عليها أنك إن طلبت الذي أعطيتني، فأنت امرأتي، فأقامت شهرا، ثم طلبت ذلك، فدفعه إليها وردها إليه، ثم دخل بها وأصابها، فقال: ليس له أن يردها إليه إن طلبت ذلك. وقد أتيا عظيما إن ردها إليه بغير نكاح جديد، ما رأى أن يفرق بينهما، ولها ما رد عليها مما كان خالعها عليه إن كان قد أصابها، ولو لم يكن أصابها لم يكن ذلك لها. قيل:

مسألة: قالت لزوج ابنتها إنك مع ابنتي لعلى الحرام فقال لا

أرأيت ذلك كله لها إذا أصابها؟ فقال: نعم، كان ذلك أقل من صداق مثلها أو أكثر، قد يتزوج الرجل المرأة فيدخل بها، ثم يعلم أن بينهما رضاع، فيكون ذلك كله لها: دينه ونقده، كان أقل من مهرها أو أكثر. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه شرط حرام، فيبطل، وينفذ الخلع، ولا يجوز له أن يراجعها إلا بنكاح جديد، فإن ردها إليه على الشرط المذكور، كان الحكم في ذلك على ما ذكر، وقد مضى بيانه في رسم سن من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: قالت لزوج ابنتها إنك مع ابنتي لعلى الحرام فقال لا] مسألة وسئل عن امرأة قالت لزوج ابنتها: إنك مع ابنتي لعلى الحرام، فقال: لا، فقالت: بلى، فلما أكثرت عليه قال: إن كان ما تقولين حقا، وأنا مع ابنتك على الحرام، وتم ذلك، فشدي بها يديك، ثم لا تزوجيها إلى الخليفة، ثم قال: لم أرد طلاقا، فقال مالك: يقول لها: إن كان ما تقولين حقا، فشدي يديك، ثم لا تزوجيها إلا الخليفة، فأرى أن يسأل عن نيته، فإن سلك هذه الناحية، أحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد طلاقا، ولا أراد إلا إن كان ما تقولين حقا، وثبت علي ذلك، ثم تكون امرأته أنه رأى أن يحلف ما أراد طلاقا، ولا أراد إلا إن كان ما ذكرت حقا، فشدي يديك بابنتك، ثم زوجيها الأمير، فإن أبى أن يحلف رأيت أن يطلق عليه البتة. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن النية التي ادعى محتملة، فوجب أن يصدق فيها مع يمينه، فإن لم يحلف طلقت عليه ثلاثا

مسألة: قال لامرأته بحضرة شهود هل لك عندي شيء

بمقتضى اللفظ إذا عري من النية؛ لأن قوله: شدي بها يديك، ولا تزوجيها إلا الخليفة، بمنزلة قوله: قد رددتها إليك، أو قد وهبتها إليك، فزوجيها الخليفة. [مسألة: قال لامرأته بحضرة شهود هل لك عندي شيء] مسألة قال أشهب: وسمعت مالكا يسأل عن رجل قال لامرأته بحضرة شهود: هل لك عندي شيء؟ فقالت: لا، ليس لي عندك شيء، ولا لك عندي شيء، فقال لهم: فاشهدوا أنها قد برئت مني، وبرئت منها، فافترقا عند ذلك، ثم طلبت المرأة شيئا كان لها عنده، فقالت: أما الطلاق فقد طلقتني، وأما الذي لي عليك، هو عليك بعد، ألم تعطه؟ فقال: أليس إنما أراد أوجه المبارأة إن كانا أرادا ذلك، فأراه جائزا ولا أرى لها شيئا، قيل: أما الرجل، فإنما أراد ذلك، وأما هي فتقول: لم أرده، فقال: لا أدري إن كان أراد أوجه المباراة، فذلك جائز، قيل: إنها تقول: لم أرد ذلك، ويقول الرجل ذلك الذي أردت، فقال: لا أدري ما تقولان، ولكن يسأل عن ذلك الشهود الذين حضروا، فإن قالوا الذي ترى أنهما يريدان المباراة، فذلك جائز، ولا شيء لها عليه. قيل له: إنما يشهدون على هذه المقالة، أنه دعاها بحضرتهم، فقال لها: هل لك علي شيء؟ فقالت: ما لي عندك شيء، ولا لك عندي شيء، فقال لهم: اشهدوا أني قد برئت منها، وبرئت مني. فقال: إن شهدوا لك بمثل هذا لم أرى عليك شيئا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن المرأة طلبت من زوجها متاعا كان لها عنده بعد أن جرى بينهما ما ذكره، والزوج مقر لها به، إلا أنه يدعي أنه صار إليه بالمباراة، ولو جحد أن يكون لها عنده ذلك المتاع الذي

مسألة: صالح امرأته بعد فطام ولده منها

طلبته منه، لصدق في ذلك دون يمين؛ لقولها: ليس لي عليك شيء، فلما كان الزوج مقرا لها بالمتاع، لم ينتقل ملكها عنه إلى الزوج بقولها: ليس لي عندك شيء؛ لأنه في ظاهره إخبار بكذب، إلا أن يتبين أنها أرادت أنها قد تركته له على وجه المباراة، فلذلك قالت: ليس لي عندك شيء، فلهذا قال مالك: يسأل الشهود الذين حضروا، فإن قالوا: الذي كنا نرى أنهما أرادا المباراة، جاز ذلك عليها، ولم يكن لها شيء، وإن قالوا: الذي كنا نرى أنهما لم يريدا وجه المباراة، أخذت متاعها، ولزم الزوج الطلاق. ورأى الأمر على ما وقع محمولا على المباراة إذا لم يتبين للشهود ما أراده، وذلك بين من قوله في آخر المسألة: إن الشهود إذا لم يشهدوا إلا على مقالتهما فلا شيء على الزوج، صحيح في المعنى أيضا؛ لأن سكوتها على قوله للشهود: اشهدوا أنها قد برئت مني، وبرئت منها، دليل على إقرارها بإرادة المباراة، وفي إعمال شهادة الشهود بما يظهر إليهم من قصد المشهود عليه وإرادته اختلاف أجازها هنا، وفي سماع أصبغ من كتاب التدبير، وزاد أصبغ: إن للشاهد أن يبث الشهادة بذلك، ولم يعملها في رسم الكبش من سماع يحيى، من كتاب الأيمان بالطلاق. [مسألة: صالح امرأته بعد فطام ولده منها] مسألة وسئل عمن صالح امرأته بعد فطام ولده منها، على أن عليها كفل ولده منها ثلاث سنين لا تتزوج، فقال: أليس قد كانت ترى أن هذا الشرط لا يجوز؟ وأنه ليس من شروط الناس، وثلاث سنين عشرة. أرأيت إن قال لها: لا تتزوج خمسين سنة؟ يشترط تحريم ما أحل الله، قيل له: أرأيت إن اشترط عليها ألا تنكح حتى تفطم ولدها؟ فقال: يشترط عليها تحريم ما أحل الله لها، قيل له: أفترى لها أن تنكح؟ فقال: لا أدري. قال الله عز وجل: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} [المائدة: 87] يصالحها هذا على تحريم

مسألة: دعته امرأته إلى الخلع

ما أحل الله. قال ابن نافع: وكان مالك لا يرى بأسا أن تنكح، وإن اشترط كفله عليها، وأما أنا فلا أرى أن تنكح في الحولين، إذا اشترط ذلك عليها. قال محمد بن رشد: قد قال مالك في كتاب ابن المواز: إن ذلك يلزمها، ولا تنكح حتى تفطم ولدها مثل قول ابن نافع، ويأتي على معنى ما في المدونة من أن المرأة إذا آجرت نفسها ظئرا، فليس لها أن تتزوج، أنه ليس للمصالحة على رضاع ولدها أن تتزوج في الحولين، وإن لم يشترط ذلك عليها، وما في رسم الرهون من سماع عيسى من هذا الكتاب، أنه ينظر في ذلك، فإن كان لا يضر بالصبي، لم يحل بينها وبين التزويج قول رابع في المسألة، وإنما وقع الاختلاف في هذا لما يتقى من ضرر ذلك بالصبي، وما كانت العرب تعتقد من ذلك، حتى هم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن ينهى عن ذلك فقال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك، فلا يضر أولادهم شيء» وأما اشتراطه عليها ترك النكاح بعد مر الحولين قريبة أو بعيدة، فلا اختلاف في أن ذلك لا يلزمها، كما لا يلزم الزوج اشتراط ذلك عليه. [مسألة: دعته امرأته إلى الخلع] مسألة وسئل عمن دعته امرأته إلى الخلع، فقال: آخذ منك هذا الخلخال على أن أخالعك على ذلك إن لم تكوني حاملا فقد خالعتك، فآخذ الخلخال وأخالعك، وإن كنت حاملا فأنت امرأتي، ثم افترقا على ذلك، فقال مالك: قد بانت منه، ووقع الخلع، كانت حاملا أو غير حامل.

مسألة: صالح امرأته على أنها إن كان بها حمل فلا نفقة عليه

قال محمد بن رشد: أما إذا خالعها واشترط أنها إن كانت حاملا فهي امرأته، فلا إشكال ولا اختلاف في أن الخلع واقع، والشرط باطل؛ لأنه شرط رجوعها إلى عصمته بعد أن بانت منه بغير ولي ولا صداق، وذلك ما لا يحل ولا يجوز. وقد مضى هذا المعنى في رسم سن، من سماع ابن القاسم، وأما إذا قال لها: قد خالعتك بكذا وكذا إن لم تكوني حاملا، فيلزمه الخلع، كانت حاملا أو غير حامل، على مذهب ابن القاسم، من رواية مالك في المدونة وغيرها في الذي يقول لامرأته: أنت طالق إن لم تكوني حاملا، أنها طالق مكانها، ولا يستأنى بها حتى ينظر، أبها حمل أم ليس بها حمل؟ ويأتي على مذهب سحنون الذي يرى أن ينتظر بها في الطلاق حتى يعرف إن كان بها حمل أم لا، أن ينتظر بها في الخلع أيضا، وبالله التوفيق. [مسألة: صالح امرأته على أنها إن كان بها حمل فلا نفقة عليه] مسألة وسئل عمن صالح امرأته على أنها إن كان بها حمل فلا نفقة عليه، ولا قليل ولا كثير قال: فلو كان لها شيء رأيت النفقة، فإن لم يكن لها ما تنفق، فأرى عليه النفقة، ولا أرى أن يدع ولده حتى يموت؛ لقوله عز وجل: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فأراد، إذا لم يكن عندها شيء أن ينفق، فإن أيسرت بعد ذلك رأيت أن يتبعها بما أنفق، فيأخذه منها. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في رسم البر من سماع ابن القاسم، من كتاب طلاق السنة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: يخالع امرأته فتحيض حيضة ثم ينكحها] مسألة وسئل عن الذي يخالع امرأته، فتحيض حيضة، ثم ينكحها

طلق امرأته طلقة وهي حامل

فتحيض بعد نكاحه إياها حيضتين، ثم يطلقها، ولم يمسها فقال: إن كان دخل بها فإنه متهم عليها، فإن لم يكن دخل عليها فلا عدة عليها، وقد خلت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا دخل بها فلا بد من استيئاف العدة من يوم طلقها مس أو لم يمس، فإن تصادقا على أنهما لم يمسا؛ لأنهما يتهمان على طرح العدة التي قد وجبت بظاهر الدخول، هذا منصوص في المدونة وغيرها. وأما إذا طلقها بعد أن نكحها، وقبل أن يدخل بها، فإنها تبنى على عدتها الأولى، إذ لا عدة لهذا الطلاق الثاني، فإن كان تزوجها بعد حيضة من يوم خالعها، ثم طلقها بعد أن حاضت حيضتين، فلا عدة عليها. وقد حلت كما قال، وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم سلعة سماها، من سماع ابن القاسم، من كتاب طلاق السنة، وبالله التوفيق. [طلق امرأته طلقة وهي حامل] ومن كتاب الأقضية وسئل عمن طلق امرأته طلقة وهي حامل، فأقام أشهرا ثم باراها على أن عليها رضاع ولدها، فطالبته بنفقتها لما مضى من الشهور قبل المباراة، فقال: طلقها، فأقامت نصف الحمل، لم تأخذ منه نفقة، ثم باراها بأن تكفيه نفقة ولدها، فطلبت نفقتها لما مضى من الشهور قبل المباراة، فذلك لها، قيل: أرأيت إن قالت له: إنما باريتك على رضاعه، فأما نفقة حمل فلا؟ فقال: أما نفقة حملها لما مضى قبل المباراة، فذلك لها، وأما بعد مباراتها، فإنه يعرف أنه لم يكن يمنعها الرضاع، ويعطيها هذا. قال محمد بن رشد: أما ما مضى من نفقة حملها قبل المباراة فبين، أن ذلك لها كما قال؛ لأنها قد وجبت لها عليه، فلا تسقط عنه إلا بما تسقط به الحقوق الواجبة عمن وجب عليه، وأما نفقة ما بقي من الحمل بعد المباراة، فجعلها تبعا لما التزمت لك من رضاعه بما دل على ذلك من العرف والمقصد،

جعل امرأته بيد أبيها إن غاب عنها سنة

فإن وقع الأمر مسكوتا عليه فلا شيء لها، وإن اختلفا في ذلك فالقول قول الزوج مع يمينه، وهذا من نحو قولهم فيمن أكرى دارا مشاهرة أو مساناة إن دفع كراء شهر أو سنة براءة للدافع مما قبل ذلك، وكذلك لو طلقها وهي حامل ولم يخالعها، فدفع إليها نفقة الرضاع؛ لكان ذلك براءة له من نفقة الحمل المتقدمة، وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [جعل امرأته بيد أبيها إن غاب عنها سنة] من سماع عيسى بن دينار، من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: قال ابن القاسم: في رجل جعل امرأته بيد أبيها إن غاب عنها سنة، فغاب عنها سنة، فلما انقضت السنة، أراد الأب أن يفرق بينهما، وقالت المرأة: لا أريد ذلك، وأنا أرضى أن أقيم مع زوجي، وأصبر عليه، أن ذلك لها، وأن الإمام يجبر الأب على ألا يفرق بينهما ويمنعه من ذلك، وكذلك قال مالك. قال ابن القاسم في سماع يحيى: فإن طلق قبل أن يمنعه السلطان مضى الطلاق، وإن طلق بعدما منعه السلطان فلا يجوز. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في سماع يحيى، تفسير لقوله في رواية عيسى عنه، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم استأذن سيده من سماع عيسى، من كتاب النكاح. فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك. وفي أول سماع أبي زيد مسألة من هذا المعنى، فنتكلم عليها عند انتهائنا إليها إن شاء الله. [مسألة: المرأة تشتري من زوجها عصمته عليها] مسألة وسئل عن المرأة تشتري من زوجها عصمته عليها، قال: أراه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وإن لم يسم طلاقا، فإذا انقطعت العصمة فلا يبالى، ألا يسمى طلاقا، وجعل يحتج ويقول:

صالح الرجل امرأته وهي حامل ثم أراد أن يتزوجها

لو قالت: قد اشتريت منك عصمتك علي، أو اشتريت طلاقك علي، أو اشتريت ملكك علي، كأنه يراه شيئا واحدا ثلاثا قال: ليس هذه فدية من اشترت كلما يملك منها قال عيسى: ما أراها إلا فدية، وأراها طلقة واحدة بائنة، كالصلح والخلع. قال محمد بن رشد: قد بين ابن القاسم وجه قوله، وظاهره أنها ثلاث في المدخول بها، والتي لم يدخل بها، ولا ينوى في ذلك، وقول عيسى أبين؛ لأن المرأة إذا بانت عن زوجها بطلقة بائنة، فقد خرجت من عصمته وملكه، فلا عصمة له فيها، ولا ملك له عليها، ولا طلقة له فيها، وقد قال الله عز وجل: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] فلم يجب إلى ذلك أحد من العلماء علمته إذا ارتدت المرأة أن تبين من زوجها بثلاث تطليقات، ولما كانت المرأة تنال بالواحدة البائنة من ملكها نفسها ما تنال بالثلاث، لم يجب أن يحمل فعلها على الثلاث، إذ لا منفعة لها في ذلك، بل قد يكون عليها فيه ضرر. وعلى هذا قالوا فيمن أعطته زوجته مالا على أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة، أنه لا كلام لها في ذلك، ولأصبغ في رسم النذور، من سماعه، من كتاب الأيمان بالطلاق، أنه ينوى، فإن لم تكن له نية فهي ثلاث، وهو قول ثالث في المسألة، وبالله التوفيق. [صالح الرجل امرأته وهي حامل ثم أراد أن يتزوجها] ومن كتاب استأذن سيده وقال: إذا صالح الرجل امرأته وهي حامل، ثم أراد أن يتزوجها، فإنه يجوز له أن يتزوجها قبل أن تضع، إلا أن تكون مثقلا، فإذا أثقلت لم يجز لزوجها ولا لغيره أن يتزوجها حتى تضع؛ لأنه مرض، والمرأة لا تتزوج وهي مريضة. وقال: إذا أثقلت المرأة جاز لها الفطر، إذا شق عليها الصيام، وليس عليها فدية، وإذا

أرضعت وخافت على ولدها أفطرت وقضت الصيام، وأطعمت عن كل يوم مسكينا مدا من حنطة. قال محمد بن رشد: إثقال الحامل الذي لا يجوز لزوجها الذي إذا خالعها أن يتزوجها فيه، هو أن يمضي لحملها ستة أشهر. قاله مالك في الموطأ وغيره، وهي مصدقة في ذلك، لا ترى النساء فيه، ولا يسألن عنه، ولا يلتفت إلى قولهن فيه. قاله ابن القاسم في رسم الجواب، من سماع عيسى، من كتاب الأقضية. فأفعالها كلها جائزة، ما لم تقر على نفسها أنها قد أثقلت، أو يثبت ذلك بالبينة العدلة، فإن تزوجها زوجها المخالع لها، فعثر على النكاح قبل أن تضع فسخ النكاح، وإن كان قد دخل بها، كان لها الصداق المسمى بالمسيس، وإن لم يعثر على ذلك حتى تضع وتصح من نكاحها، جرى ذلك على الاختلاف في نكاح المريض أو المريضة إذا صحا، وإن ماتت من نفاسها لم يرثها. وقوله في الرواية: ولا لغيره، لفظ وقع على غير تحصيل؛ لأن غيره لا يجوز له أن يتزوجها أثقلت أو لم تثقل، وقوله في الحامل: إذا أثقلت جاز لها الفطر إذا شق عليها الصيام، ليس على ظاهره، أثقلت أو لم تثقل، إذا اشتد عليها الصيام، جاز لها الفطر، ولا فدية عليها. وقد قيل: عليها الفدية، اختلفت الرواية في ذلك عن مالك، وقد فرق بين أن يشق عليها الصيام أو لا يشق إلا أنها تخاف أن تطرح ولدها، ذهب إلى هذا ابن حبيب، وعليها القضاء على كل حال، ومن أهل العلم من يرى عليها الفدية، ولا يرى عليها القضاء، ذهب إلى هذا من يرى الآية قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] محكمة فيها، وفي المرضع والشيخ، وهي عند مالك منسوخة، وأما المرضع فلها ثلاثة أحوال: حال لا يجوز لها فيها الفطر، وحال يجوز لها فيها الفطر، وحال يجب عليها فيها الفطر، وقد مضى بيان ذلك في رسم صلى نهارا، من سماع ابن القاسم، من كتاب الصيام، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هنالك.

مسألة: يشترط لامرأته إن تزوج عليها فهي طالق

[مسألة: يشترط لامرأته إن تزوج عليها فهي طالق] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل يشترط لامرأته إن تزوج عليها فهي طالق، يعني التي تحته، أو أمرها نفسها بيدها، أو التي يتزوج عليها طالق، أو أمر التي يتزوج بيد التي تحته، فأراد أن يتزوج، وقال: لم أرد بالطلاق إلا واحدة، ولم أملكك إلا واحدة. قال: أما التي تحته فلا يقبل قوله فيها، وهي طالق ألبتة، إن تزوج عليها، وأما طلاقه في التي تزوج عليها، فقوله مقبول؛ لأن التي تحته، لا يبينها منه إلا ألبتة. فإن قبل قوله لم تنتفع بشرطها، وهو أملك بها. وأما التي يتزوج عليها فواحدة تبينها؛ لأنه من طلق امرأة لم يدخل بها طلقة فقد بانت منه. وهي أملك بنفسها. فهو ساعة يملك عقدتها بانت منه بواحدة، فقد انتفعت بشرطها فيها، ولا حجة لها أن تقول في التي يتزوج عليها: أردت ألبتة؛ لأن واحدة تبينها منه، وهو وجه ما سمعت، وأمرها بيدك مثله. قال محمد بن رشد: تعليله هذا يدل على أنه إن تزوج عليها قبل الدخول، فله أن يناكرها فيما زاد على الواحدة؛ لأن الواحدة تبينها، وكذلك إن كان التمليك في الداخلة، فلم يعلم حتى دخل بها، كان لها أن تقضي بثلاث، ولم يكن له أن يناكرها؛ لأن الواحدة لا تبينها، فإنما راعى في هذه الرواية معنى الانتفاع بشرطها في نفسها، وفي الداخلة عليها، ولم يراع في المدونة ذلك. وإنما جعل القضاء في الثلاث حقا لها بالشرط، فقال: لها أن تقضي بها في نفسها قبل الدخول وبعده، ولم يجعل للزوج مناكرة قبل الدخول، وإن كانت الواحدة تبينها فتنتفع بشرطها، فعلى قوله في المدونة: إن كان الشرط في الداخلة عليها لها أن تقضي فيها بالثلاث، ولا يكون للزوج أن يناكرها، وإن كانت واحدة الواحدة تبينها، وهذا على ما في رسم الرهون، من سماع عيسى، من كتاب النكاح؛ لأنه جعل فيها اليمين على نية المرأة المشترط لها الشرط، كان الطلاق فيمن في عصمته ممن لا تبين منه بالواحدة، أو في الداخلة عليها، ولم

مسألة: الناشز التي تقول لا أصلي ولا أصوم

يراع في المدونة ذلك، وإنما جعل التي تبين منه بواحدة، وقد زدنا هناك هذه المسألة بيانا، فمن أحب الوقوف عليه تأمله فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: الناشز التي تقول لا أصلي ولا أصوم] مسألة وسئل عن المرأة الناشز التي تقول: لا أصلي، ولا أصوم، ولا أستحم من جنابة، هل يجبر زوجها على فراقها؟ قال: لا يجبر على فراقها، ولكن إن شاء فارقها وحل له ما افتدت به من شيء. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يجبر على فراقها، ولا يجب ذلك عليه، إذ ليست بكافرة مرتدة بتركها الصلاة والصيام والغسل من الجنابة، إذا كانت مقرة بفرض ذلك، على الصحيح من الأقوال، فله أن يؤدبها على ترك الصلاة ويمسكها؛ قال الله عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] ، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] ، فإن افتدت منه لتأديبه إياها على ترك الصلاة والصيام، حل له أن يقبل منها الفداء، إذا لم يؤدبها لذلك، وقد مضى في رسم باع غلاما، من سماع ابن القاسم، بيان هذا المعنى، وبالله التوفيق. [المرأة يصالحها زوجها على رضاع ولدها] ومن كتاب العرية وسئل عن المرأة يصالحها زوجها على رضاع ولدها، وعلى إن أخذ منها فأقامت سنة، ثم أتت بامرأتين تشهدان أنها إنما صالحته عن ضرورة، قال: تحلف مع شهادتها، ويرد عليها ما أخذ منها، وتأخذ منه رضاع ما أرضعت من ولده. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إذ لا يحل لأحد أن يأخذ من مال

مسألة: يقول لامرأته إن كنت حاملا وإن كنت لست حاملا فأمرك بيدك

امرأته شيئا، إلا عن طيب نفس منها. قال عز وجل: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] . وقال: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} [النساء: 19] وقد مضى هذا المعنى في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، فإذا افتدت المرأة من زوجها ثم ثبت أنه كان يضربها، وجب أن يرد عليها ما أخذ منها، ويجوز في ذلك شهادة النساء؛ لأنه مال، والطلاق قد مضى بغير شهادتهن، فإن شهد لها بالضرر شاهدان، أو شاهد وامرأتان، رد عليها مالها بغير يمين، وإن شهد لها به رجل واحد وامرأتان، حلفت مع شهادة الرجل، أو مع شهادة المرأتين، واستوجبت أن يرد إليها ما أخذ منها. ويجوز في ذلك أيضا شهادة شاهدين على السماع، فتأخذ ما أخذ منها بشهادتهما دون يمين. قاله في سماع أصبغ، من كتاب الشهادات، وأكثر من ذلك أحب إليه، وابن الماجشون لا يجيز في شهادة السماع أقل من أربعة شهود وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته إن كنت حاملا وإن كنت لست حاملا فأمرك بيدك] مسألة وسألته عن الرجل يقول لامرأته: إن كنت حاملا وإن كنت لست حاملا فأمرك بيدك، فلا يكون ذلك لها، كانت حاملا أو لم تكن حاملا الساعة، ما لم يطأها ويقفها السلطان. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن التمليك مقيس على الطلاق، فكما يعجل الطلاق على من قال لامرأته: أنت طالق إن كنت حاملا وإن لم تكوني حاملا، ولا يستأنا بها حتى يعلم إن كانت حاملا أم غير حامل، فكذلك يجب التمليك معجلا للمرأة على هذا الوجه، ويأتي على مذهب سحنون أن يستأنا بها في التمليك، حتى يعلم إن كانت حاملا أم لا، كما يستأنا بها عنده في الطلاق.

مسألة: يقول لامرأته ادفعي إلي عشرة دنانير وجيئي بها وأنا أطلقك

[مسألة: يقول لامرأته ادفعي إلي عشرة دنانير وجيئي بها وأنا أطلقك] مسألة وعن الرجل يقول لامرأته: ادفعي إلي عشرة دنانير، وجيئي بها وأنا أطلقك، أو قال لعبده: ادفع إلي خمسين دينارا، وأنا أعتقك، فلما دفع إليه، أو جاءته امرأته بعشرة دنانير، قال: لا أقبلها ولا أطلقك، أو يكون له عليها دين، فيقول إن عجلت ديني فأنا أطلقك فتأتيه بدينه، فيقول لا أقبله، ولا أطلقك، قال ابن القاسم: لا يلزمه شيء من هذا إذا حلف أنه لم يبت لهم الطلاق ولا العتق. قال محمد بن رشد: ولو أنه لما جاءته بالعشرة دنانير قبضها، أو لما أتته بدينه معجلا قبضه، للزمه الطلاق؛ لأن قبضه ذلك رضى منه بالطلاق، بخلاف العبد، لا يلزمه عتق العبد إذا جاءه بالخمسين دينارا، وإن قبضها لأنه إنما قبض منه ما له أن يقبضه، شاء أو أبى من غير عتق، ويدخل فيه من الاختلاف ما يدخل في الرجل، يقول لامرأته اقضي ديني وأفارقك، وهو حالّ لها عليه. وقد مضى بيان هذا كله في أول رسم من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [قال لقوم أشهدكم أني خيرت امرأتي] ومن كتاب يوصي لمكاتبه وسئل عن رجل قال لقوم: أشهدكم أني خيرت امرأتي، قيل له إن التخيير ثلاثة، وأنت تريد أن ترتجع، فقال: إن ارتجعتها إلى يوم القيامة فهي طالق ألبتة، فاختارت نفسها ثم تزوجت زوجا فأراد أن يتزوجها بعد زوج قال ابن القاسم: إن تزوجها طلقت عليه بالبتة، ثم لم يتزوجها إلا بعد زوج، فإن تزوجها بعد ذلك لم يكن عليه شيء وكذلك قال ابن وهب. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه قد

مسألة: ملك امرأته أمرها

حلف ألا يرتجعها إلى يوم القيامة، فمتى ما راجعها حنث، كان ذلك قبل زوج أو بعد زوج، وإنما الاختلاف إذا طلقها طلاقا رجعيا ثم حلف ألا يراجعها، أو ألا يرتجعها، فراجعها في العدة وقال: إنما أردت ألا أراجعها بنكاح جديد بعد انقضاء العدة، أو راجعها بنكاح جديد بعد انقضاء العدة، وقال: إنما أردت ألا أرتجها ما دامت لي عليها الرجعة، وقد مضى القول في ذلك كله موعبا في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة، فمن أحب الوقوف عليه تأمله فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: ملَّك امرأته أمرها] مسألة قال ابن القاسم: في رجل ملَّك امرأته أمرها فقالت: قد قبلت ثم صالحها بعد ذلك قبل أن تسأل ما قبلت، قال: تسأل، فإن قالت: كنت قد طلقت نفسي بقولي: قبلت باثنتين أو ثلاثا، فالقول قولها، إلا أن يناكرها، فيحلف على ما نوى. قلت: أله أن يناكرها وهي ليست في ملكه؟ قال: نعم، ذلك له، فإن قال: لم أنو شيئا، كان القضاء ما قضت، إن قالت كنت طلقت اثنتين، فبالصلح ثلاث، ولا تحل له إلا بعد زوج، وفي البتة، لا تحل له أيضا إلا بعد زوج، وإن قالت: كنت طلقت واحدة كان خاطبا من الخطاب، فإن تزوجها كانت عنده على طلقة بقيت؛ لأنه قد مضت طلقتان: طلقة قضت بها، وطلقة الصلح. وإن قالت لم أرد بقولي: "قبلت" طلاقا ولم أنو طلاقا، ولم أطلق شيئا، لم يلزمه إلا طلقة الصلح، فإن تزوجها كانت عنده على طلقتين بقيتا له. قلت: فلو قالت كنت طلقت ثلاثا فلم يناكرها، هل يرد عليها ما أخذ منها أو لا يرد عليها ما أخذ منها؛ لأنها حين صالحت علمنا أنها لم تطلق ثلاثا؟ .

قلت: فإن ادعت الجهالة، قال: لا تعذر. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم، بينة المعاني، فلا موضع للقول فيها إلا في قوله: إذا قالت كنت طلقت نفسي بقولي: قد قبلت اثنتين أو ثلاثا إن القول قولها إلا أن يناكرها، فيحلف على ما نوى، يريد إلا أن يناكرها ساعة قالت: أردت اثنتين أو ثلاثا، فإن سكت على قولها لم يكن له أن يناكرها بعد ذلك. وأما اليمين فليس عليه أن يحلف حتى يريد أن يراجعها. قاله في المدنية وكذلك كل من ناكر امرأته في طلاق بائن، كالمملكة أو المخيرة قبل الدخول، أو الذي تعطيه زوجته مالا على أن يخيرها، فتختار نفسها على القول بأن له أن يناكرها من أجل أنها تبين بالواحدة بسبب المال، وكذلك الذي يناكرها في الطلاق الرجعي، إنما له أن يناكرها ساعة قضت بأكثر من الواحدة، وله أن يؤخر يمينه إلى أن يريد رجعتها، فإن لم يحلف حتى انقضت عدتها لم يكن عليه أن يحلف، إلا أن يريد مراجعتها. وأما قوله في التي قالت بعد أن صالحت: إنها كانت أرادت بقولها: "قبلت" ثلاثا لترجع فيما صالحت به، وقالت: إنها جهلت أنها لا تعذر في ذلك بجهل، فيشبه أن تكون هذه المسألة إحدى المسائل السبع، التي روي عن أبي عمر الإشبيلي أن الجاهل لا يعذر فيها بجهله، والثالث الذي يسمع امرأته تقضي بالثلاث فيسكت، ثم يريد أن يناكرها من بعد ذلك ويدعي الجهل، والثالثة المرأة تختار في التخيير واحدة ثم تريد أن تختار بعد ذلك ثلاثا، وتقول: جهلت وظننت أن لي أن أختار، والرابعة المملَّكة أو المخيَّرة يملكها زوجها أو يخيرها فلا تقضي حتى ينقضي المجلس على قول مالك الأول، ثم تريد أن تقضي بعد ذلك وتقول: جهلت وظننت أن ذلك بيدي متى شئت. والخامسة التي يقول لها زوجها: إن غبت عنك أكثر من ستة أشهر، فأمرك بيدك، فيغيب عنها وتقيم بعد الستة المدة الطويلة من غير أن تشهد أنها على حقها، ثم تريد أن تقضي وتقول: جهلت وظننت أن الأمر بيدي متى ما شئت والسادسة الأمة

مسألة: يقول لعبده أنت حر

تعتق تحت العبد فتتركه يطأها، ثم تريد أن تختار وتزعم أنها جهلت أن الخيار كان لها. والسابعة الرجل يجعل أمر امرأته بيد غيرها، فلا يقضي المالك حتى يطأها زوجها، ثم يريد أن يقضي ويقول: جهلت وظننت أن ذلك لا يقطع ما كان من القضاء فيما ملكت فيه، وذلك أن ابن عتاب حكى عن ابن بشير القاضي أنه قال: كان أبو عمر الإشبيلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: سبع مسائل لا يعذر فيها الجاهل بجهله، ولا يشرحها، وإذا سألناه عن تفسيرها لم يفسرها لنا. قال: فتبعتها إلى يومي هذا، فلم أجد منها إلا خمس مسائل، فذكر ثلاثا من هذه، ومسألة السارق يسرق الثوب وفيه دراهم جهلها، ولم يعلم بها، ومسألة المرتهن يطأ الجارية المرهونة عنده ويدعي الجهل. قال ابن عتاب فوجدت أنا منها مسائل كثيرة، فذكر مسائل مختلفة المعاني وقعت في المدونة والمستخرجة وغيرهما من الدواوين نص فيها على أن الجاهل لا يعذر بجهله، بعضها متفق عليها، وبعضها مختلف فيها. منها حديث مرغوسن في المقر بالزنى جهلا وغيرها من المسائل وترك مسائل كثيرة لا يختلف في أن الجاهل لا يعذر فيها بجهله، إذ لم يجد ذكر ذلك نصا فيها ولم يكن أبو عمر الإشبيلي ممن يغلط مثل هذا الغلط، فيخفى عليه أن المسائل التي لا يعذر فيها الجاهل بجهله أكثر من أن تحصى، وإنما أراد والله أعلم، سبع مسائل في نوع واحد، فيحتمل أن يكون أراد السبع المسائل التي ذكرناها والله أعلم، ويحتمل أن يكون أراد بالسبع المسائل ما قد ذكرته في كتاب الشفعة من كتاب المقدمات. [مسألة: يقول لعبده أنت حر] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إن شئت، فقالت: قد شئت إن شاء فلان، أو يقول لعبده: أنت حر

إن شئت، فقال: قد شئت إن شاء فلان، فيوجدان قد ماتا هل ترجع المشيئة إليهما؟ قال ابن القاسم: إن وجدا قد ماتا فلا شيء لهما، ولا ترجع المشيئة إليهما. قلت: فلو كان قال لهما هذه المقالة، فقالا: قد شئنا إن شاء فلان، وفلان بأرض بعيدة، مثل إفريقية والأندلس. قال: أما المرأة فيقال لها: إن شئت فاقضي الآن، وإن شئت فاتركي، ولا تؤخري إلى قدوم فلان. وأما العبد، فذلك له حتى يكتب إلى فلان، ويستقضي شيئته؛ لأنه ليس في العبد من الضرر ما في المرأة؛ لأن المرأة يمنع من وطئها، والعبد ليس كذلك. قلت: فإن كان الرجل الذي جعلت المرأة المشيئة إليه في الإسكندرية ونحوها من القرب، أيؤخر إلى ذلك؟ قال ابن القاسم: إذا كان في القرب على ما ذكرت اليومين والثلاثة، وما أشبهه الذي لا يكون على الزوج في ذلك ضرر، فإني أرى أن يوقف، وأما الأجل البعيد الذي يكون على الزوج فيه ضرر، فإني أرى أن ترد المشيئة إليها الساعة، فإما قضت وإما تركت. قلت: فلو أن الزوج قال: أنا أترك الأمر حتى يشاء فلان ويقدم، فإني أخاف أن يجعل ذلك بيدها فتطلق، وعسى فلان لا يطلق، قال: إذا بعد الأمر فلا يقبل فيها رضى الزوج؛ لأن الموت يأتي فيقع المواريث. قال ابن القاسم: وليس التأخير بشيء في القياس، وإن قرب الأمر، إنما القياس فيه أن يوقف الساعة. قال محمد بن رشد: أما إذا قالت: قد شئت إن شاء فلان، أو قال العبد قد شئت إن شاء فلان، فيوجد فلان قد مات قبل ذلك، أو مات بعد ذلك قبل أن تعلم مشيئته، فلا اختلاف في أنه لا شيء لهما، وأن المشيئة لا

ترجع إليهما؛ لأنهما قيدا مشيئتهما بما لا يمكن أن يكون، فبطلت، وكذلك إن قالا: قد شئنا إن شاء فلان، وفلان ميت، وقد علمنا بموته، إذ لا يمكن أن يشاء الميت على مذهب ابن القاسم في الذي يقول امرأتي طالق إن شاء هذا الشيء، لشيء لا يمكن أن يشاء، مثل الحجر وشبهه إنه لا شيء عليه، ويأتي على مذهب سحنون الذي يلزمه الطلاق، ويرى ذلك ندما منه أن يلزم الطلاق في المرأة، والعتق في العبد، ويعد ذلك منه ندما؛ لأن المرأة والعبد ينزلان بما ملكا من العتق والطلاق، منزلة من ملكها، وقد يكره العبد العتق، فيقول: إن شاء هذا الشيء، لشيء لا يشاء ندما. وأما إذا قالت: قد شئت إن شاء فلان، وقد فوضت أمري إلى فلان، وفلان حي، فلا يخلو على مذهب ابن القاسم من أن يكون فلان حاضرا أو غائبا قريب الغيبة، أو غائبا بعيد الغيبة، فأما إن كان حاضرا، فينزل منزلتها ويقال له: إما أن تقضي وإما أن ترد، ويكون ذلك إليه ما لم ينقض المجلس، أو ما لم يوقفه السلطان على اختلاف قول مالك في الذي يكون إليه أمر المملَّكة بيدها، وأما إن كان غائبا قريب الغيبة، قال: هاهنا مثل اليوم واليومين والثلاثة، وما أشبهه، وقال في الواضحة من رواية أصبغ عنه مثل اليوم وشبهه، فيوقف الأمر، ويخير إلى أن يعلم ما عنده استحسانا، قال: والقياس أن يقف الساعة، وإنما قال مالك: هو القياس؛ لأنها لو سألت أن تؤخر إلى أجل قريب، ترى في ذلك وتنظر، لم يكن لها بإجماع، فإذا لم يكن لها أن تؤخر في نفسها، لم يكن لها أن تؤخر إذا جعلت ذلك لغيرها، وأما إذا كان غائبا بعيد الغيبة، فيرجع الأمر إليها وتوقف الساعة على كل حال. وأصبغ يرى أنه ليس لها أن تحول الأمر إلى غيرها وإن كان حاضرا، ويرجع الأمر إليها، فتقضي أو ترد. وقوله يأتي على رواية علي بن دينار زيادة عن مالك في كتاب الخيار من المدونة. والعبد والمرأة في القياس سواء، إذ لا فرق فيه بين تمليك المرأة الطلاق، وتمليك العبد للعتق، إذ لا يفترقان في الحد الذي ذلك إليهما فيه، فقوله في العبد: إنه ينتظر في البعيد الغيبة استحسان على غير قياس. ويأتي في نوازل سحنون من كتاب الإيلاء، القول في جعل الرجل أمر امرأته بيد رجل غائب وبالله التوفيق.

قال لامرأته إن لم أتزوج عليك إلى ثلاث سنين فأنت طالق ألبتة

[قال لامرأته إن لم أتزوج عليك إلى ثلاث سنين فأنت طالق ألبتة] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وقال فيمن قال لامرأته: إن لم أتزوج عليك إلى ثلاث سنين فأنت طالق ألبتة، فجزعت من ذلك واشتد عليها، فقال لها: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فقالت: اشهدوا أني قد اخترت نفسي الساعة، إن هو تزوج، قال مالك: هي طالق الساعة. قلت لابن القاسم: فإن رد عليها وقال: لم أرد إلا واحدة، قال: فذلك له، ويقع ما أراد من الطلاق الساعة، ويكون له عليها الرجعة. قال محمد بن رشد: قوله: فقالت اشهدوا أني قد اخترت نفسي الساعة إن هو تزوج علي، معناه: فقالت: اشهدوا أني اخترت الساعة أن أكون طالقا ثلاثا، متى ما تزوج علي، فلما كان ذلك لازما لها عند مالك، وقد كان حلف بطلاقها ثلاثا إن لم يتزوج عليها إلى ثلاث سنين، صار في كل وجه يصرفه إليه، لا بد له من الطلاق ثلاثا؛ لأنه إن تزوج بانت منه بثلاث لاختيارها نفسها إن تزوج عليها، وإن لم يتزوج عليها إلى ثلاث سنين بانت منه بثلاث أيضا، فلهذا قال: هي طالق الساعة، يريد ثلاثا؛ لأنه في حكم من قال: إن لم أطلق امرأتي ثلاثا إلى ثلاث سنين فهي طالق ثلاثا. وأما قول ابن القاسم: فإن رد عليها وقال: لم أرد إلا واحدة، فذلك له، ويقع ما أراد من الطلاق الساعة، ويكون له عليها الرجعة، فمثله حكى ابن حبيب عنه من رواية أصبغ، ولا وجه له يصح، والصواب في ذلك على قياس ما تقدم من قول مالك ومذهبه في المدونة: أن يوقف فيقال له: إما تزوجت فيقع لك تطليقة واحدة، وتكون لك الرجعة، وتبر في طلاق الثلاث، وإما أن تعجل عليك طلاق الثلاث، إذ لا خلاص لك منها إلا بالتزويج، إذ لا فرق بين أن تختار واحدة إن تزوج عليها، أو يقول: إن تزوجت عليك فأنت طالق واحدة، وذلك يوجب ما قلناه؛ لأنه في التمثيل بمنزلة من قال: إن لم أطلق امرأتي إلى ثلاث سنين واحدة، فهي طالق ثلاثا. والواجب في ذلك على قول

مسألة: قال لامرأته إن تزوجت عليك فأمرك بيدك

مالك أن يقال له: إما طلقت واحدة فتبر في طلاق الثلاث، وإما أن يعجل عليك طلاق الثلاث. وقد حكى ابن حبيب عن ابن القاسم أنه لا يعجل عليه الطلاق في شيء من هذه المسائل إلى الثلاث سنين، وهو مذهب سحنون، وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد، قال أصبغ: ولا يطأ إلى الثلاث سنين، فإن طلبت امرأته الوطء، ضرب له أجل المولى، وذلك يأتي على قول غير ابن القاسم في العتق الأول من المدونة، وقول ابن القاسم، في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الإيلاء، خلاف قوله ومذهبه في المدونة إن له أن يطأ لأنه على بر، إذ قد ضرب أجلا. وقد مضى من معنى هذه المسألة في رسم حلف من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب وفي رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة. [مسألة: قال لامرأته إن تزوجت عليك فأمرك بيدك] مسألة قال: وسمعت مالكا والليث جميعا يقولان في رجل قال لامرأته: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فقالت: إني قد اخترت نفسي الساعة إن تزوج علي، قالا: فذلك لها. قال محمد بن رشد: هذا مثل قول مالك في المسألة التي قبلها، خلاف قول أشهب، في سماع أصبغ، من كتاب النكاح. والاختلاف في هذا جار على أصل مختلف فيه، وهو إسقاط الحق قبل وجوبه. [مسألة: قال لها إن تزوجت عليك فأمرك بيدك] مسألة قال ابن القاسم: فإذا قال لها: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فأذنت له قبل أن يريد أن يفعل بكثير، وسلمت، فلما فعل أرادت الرجوع، إن ذلك ليس لها، وهو قول مالك القديم، إن ذلك له، وإن أذنت له قبل ذلك بكثير، فلما فعل ذلك لم يكن لها أن ترجع، إلا أن مالكا رجع وقال: أحب إلي أن يكون ذلك عندما

مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن شئت

يريد أن يفعل. وإن قال لها: إن تزوجت عليك إلا برضاك فأمرك بيدك، فأذنت له أن يفعل متى ما أراد قبل أن يريد أن يفعل، ثم فعل بعد ذلك، فأرادت الرجوع، إن ذلك ليس لها وليس بيدها من ذلك شيء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، فمن أحب الشفاء من الوقوف على القول فيها تأمله هنالك، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن شئت] مسألة وسمعته يقول فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن شئت، أو لغلامه أنت حر إن شئت، فزعم أنهما قالا: لا نشاء، وزعما أنهما قد اختارا حين أعطاهما ذلك وشاءا ذلك، وهو يقر أنه قد أعطاهما، غير أنه يدعي أنهما لم يقضيا شيئا، ولا نية بينهما. قال ابن القاسم: القول قولهما، وهما مصدقان، والبينة عليه، وكذلك من يقول لامرأته: أمرك بيدك، فيقر بأنه قد ملكها، غير أنه يدعي أنهما تفرقا، ولم تقض شيئا، ولم تختر، وزعمت هي بأنها قد اختارت ساعة ملكها إن القول قولها، وهي مصدقة والبينة عليه وهو مدع لأنه يقول: إنه قد أمكنهم من ذلك، وأعطاهم إياه، ثم ادعى عليهم في ذلك دعوا، وإنما مثل ذلك مثل رجل أقر لرجل أنه أسلفه خمسين دينارا وزعم أنه قد ردها إليه، وأنكر الآخر أن يكون ردها إليه ولا أخذها منه، فعليه أن يقيم البينة أنه قد قضاه، وإلا غرم، والقول قول صاحب المال، وكذلك قال مالك في الذي ملك امرأته أمرها، إن القول قولها، إلا أن تكون له بينة. ونزلت به فقضا بها؛ لأنه قد أقر.

قال أصبغ: ولا أيمان عليهما لأن نكولهما وحلفهما سواء لا يرد ما قالا. قال محمد بن رشد في كتاب إرخاء الستور من المدونة في هذه المسألة: إنها نزلت، فاختلف فيها أهل المدينة، وسئل عنها مالك فقال: القول قول الزوجة، مثل قول ابن القاسم هاهنا، وروايته عنه، ولا شك أن اختلافهم فيها، كان إن منهم من قال: إن القول قول الزوج، وهو قول أشهب من أصحاب مالك، وإليه ذهب الشافعي، وهذا الاختلاف مبني على أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم، وهو تصديق المأمور فيما أمره به الآمر من إخلاء ذمته أو تغير ذمة الآمر، فذهب أشهب إلى أن المأمور لا يصدق في ذلك، فجوابه في هذه المسألة إن القول قول الزوج على أصله، وجواب ابن القاسم إن القول قول الزوجة على أحد قوليه في هذا الأصل. وذلك أنه قال في السلم الثاني من المدونة فيمن له على رجل طعام من سلم فقال: كله لي واجعله في غرائرك، أو في ناحية بيتك، فقال: قد فعلت وضاع، إنه لا يصدق على أنه قد كاله حتى يقيم البينة على ذلك. وقال فيمن كان له على رجل دين فقال له: ابتع لي حيوانا أو سلعة، فقال: قد فعلت وتلف ذلك، إنه يصدق في ذلك، وذلك مثل قوله في مسألة اللؤلؤ من كتاب الوكالات من المدونة. ومثل قوله في مسألة الرسول من كتاب الرواحل والدواب، ومثل قوله في مسألة البنيان في آخر كتاب الدور، وخلاف قول أشهب فيها. وإنما يكون القول قول الزوجة والعبد، على قول ابن القاسم وروايته عن مالك، مع أيمانهما فإن نكلا عن اليمين، حلف الزوج وبقي مع امرأته، وحلف سيد العبد، وكان له رقيقا، خلاف قول أصبغ إنه لا أيمان عليهما. وقوله: لأن نكولهما وحلفهما سواء. معناه؛ لأن نكولهما بمنزلة أيمانهما، إذ لا ترجع اليمين عنده بنكولهما على الزوج ولا على سيد العبد، ووجه قوله: إن الزوج والسيد، لما ملكا الطلاق للزوجة، والعتق للعبد، صار كل واحد منهما في ذلك بمنزلة من ملكه، فوجب ألا يحلف كما لا يحلف من قال: إنه قد أعتق عبده أو طلق امرأته، وبالله التوفيق.

مسألة: قال لامرأته خيرة الله في يديك

[مسألة: قال لامرأته خيرة الله في يديك] مسألة وقال في رجل قال لامرأته: خيرة الله في يديك، فاختارت، وقال: لم أرد الطلاق، قال: يحلف بالله ما أراد به طلاقا ولا تمليكا، ولا شيء عليه، وكان من الحجة في قوله خيرة الله في يديك، قال: يقال: خار الله لك وما أشبه ذلك. قيل له: أفسكوته عنها وهو يسمعها تقضي؟ قال: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما كان صمته عنها رضى بذلك، ولا شيء عليه لأنه يقول تركتها تتكلم ما أصنع بها. قال محمد بن رشد: أما يمينه في قوله خيرة الله في يديك، إنه ما أراد به طلاقا ولا تمليكا، فبين أن ذلك على ما قال، إذ يشبه ألا يكون أراد بذلك طلاقا ولا تمليكا. وأما قوله في الذي سكت وهو يسمعها تقضي: إنه يحلف ما كان صمته رضى بذلك، فمعناه إذا أنكر في المجلس، ولو لم ينكر حتى طال الأمر وافترقا، ثم أتى بعد ذلك وزعم أنه لم يكن صمته رضى بذلك، لم يصدق في ذلك؛ لأن سكوته على ما قضت به حتى طال الأمر يدل على أنه أراد تمليكها بقوله خيرة الله في يديك، وبالله التوفيق. [مسألة: دخلت عليه امرأته فقال هي طالق ألبتة] مسألة وقال أشهب بهذه المسألة، ونزلت في رجل دخلت عليه امرأته فقال: هي طالق ألبتة، إن لم أفترعها الليلة، فوطئها فإذا هي ثيب ليست ببكر، قال: لا شيء عليه، إنما أراد وهو يظن أنها عذراء. قلت: أرأيت إن كان حين علم أنها ثيب، واستقر ذلك عنده، ترك وطأها تلك الليلة، فلم يطأها أتطلق عليه؟ قال: نعم، قال أصبغ: ولو علم قبل الوطء بعد اليمين أنها ثيب، فترك وطأها ليلته رأيته حانثا. .

مسألة: يقول لامرأته وجهي من وجهك حرام

قال محمد بن رشد: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا كما قال: إنه إذا وطئت تلك الليلة فلا حنث عليه، بكرا كانت أو ثيبا؛ لأن معنى يمينه إنما هو ليفترعها الليلة بوطئه إياها، فإذا وطئها بر وإن لم يفترعها بوطئه إياها، إذ قد فات ذلك منها كمسألة كتاب النذور من المدونة في الذي يحلف ليذبحن حمامات يتيمة فألفاها قد ماتت، ولا اختلاف هذا، إذ قد فات افتراعها، فلا قدرة له عليه، وإنما الاختلاف إذا كان قادرا على ما حلف من جهة الإمكان، إلا أن الشرع يمنعه منه، كمثل أن يجدها تلك الليلة حائضا، فقال ابن القاسم في الواضحة: هو حانث، ومثله في الأيمان بالطلاق من المدونة في الذي يحلف أن يبيع أمته، فإذا هي حامل، قال أصبغ: لا حنث عليه، واختاره ابن حبيب؛ لأن امتناع الوطء فيها من جهة الشرع، كامتناعه من جهة عدم الإمكان، فحمل ابن القاسم يمينه على اللفظ، وحمله أصبغ على المعنى؛ لأن الحلف إنما أراد الوطء الحلال في مقصد يمينه، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته وجهي من وجهك حرام] مسألة وقال: في الذي يقول لامرأته وجهي من وجهك حرام: إنها ألبتة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، لا اختلاف فيها في المذهب؛ لأن قوله وجهي من وجهك حرام، بمنزلة قوله: أنت علي حرام، فهي في المدخول بها ثلاث، ولا ينوى إن ادعى أنه أراد بذلك واحدة أو اثنتين إلا أن يأتي مستفتيا، ولا ينوى في التي لم يدخل بها؛ لأن الواحدة تحرمها وقد تكررت هذه المسألة والتي قبلها في هذا الرسم بعينه من كتاب الأيمان بالطلاق، والله الموفق. [مسألة: صالح امرأته ثم قال لها اختاري فاختارت] مسألة وقال مالك: من صالح امرأته ثم قال لها: اختاري، فاختارت

مسألة: قالت لزوجها أنا أضع لك ما لي عليك من مهري على أن تملكني أمري

أنها واحدة، وذلك إذا تداعيا إلى الصلح وتهايآ له، واجتمعا عليه، فيخيرها عند ذلك قبل وجوب الصلح، أو مع وجوبه، قال مالك: وذلك أنهم يرون الصلح لا يتم لهم إلا بذلك. وقد نزل بنا هذا في غير واحد فأشرت بذلك وهو رأي ابن القاسم. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: قالت لزوجها أنا أضع لك ما لي عليك من مهري على أن تملكني أمري] مسألة ولو أن المرأة قالت لزوجها: أنا أضع لك ما لي عليك من مهري، على أن تملكني أمري، ففعل، فاختارت نفسها إنها البتات إلا أن ينكر عليها أنه لم يرد إلا واحدة، فيحلف وتكون واحدة بائنة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه إذا ناكرها تكون واحدة بائنة بسبب ما أعطته من المال على التمليك، خلاف قول مالك في رسم سعد من سماع ابن القاسم. وقد مضى بيان ذلك هنالك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إن أعطيتني ما لي عليك فارقتك] مسألة وقال ابن القاسم: فيمن قال لامرأته، إن أعطيتني ما لي عليك فارقتك، أو أنا أفارقك ففعلت، فلما قبض ذلك أبا أن يفارقها. قال: قد اختلف فيها. وأحب ذلك إلي أن يحلف بالله، إنه إنما قاله لينظر فيه، إما أن يفعل إن بدا له، أو لا يفعل، كأنه يقول: لم أرد به أني قد فعلت ساعتئذ، قال: ثم لا أرى عليه شيئا، وهي امرأته.

مسألة: أعتق أم ولده على إن أسلمت له ولده الصغير منها يكون عنده أنه يرد إليها

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى بيانها والقول فيها في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: أعتق أم ولده على إن أسلمت له ولده الصغير منها يكون عنده أنه يرد إليها] مسألة وقال: فيمن أعتق أم ولده، على إن أسلمت له ولده الصغير منها، يكون عنده أنه يرد إليها، وليس ذلك بمنزلة الحرة التي صالحها على أن تسلمهم إليه، فذلك جائز ولا يرد إليها. قال محمد بن رشد: مثل هذا في سماع أبي زيد من كتاب العتق، وقد روي عن ابن القاسم أن ذلك يلزمها بمنزلة الحرة. حكى ابن المواز عنه القولين جميعا، والأصل في هذا الاختلاف، أنه لما أعتقها على أن أسلمت إليه ولده منها، حصل إسقاطها لما يجب لها من حضانة ولدها في حال العتق معا، فمرة رأى الإسقاط مقدما على العتق، فلم يلزمها إياه، إذ لم تلتزمه إلا في حال رقها، وفي حين لا تملك نفسها، ويقدر السيد فيه على إكراهها، فصارت في حكم المغلوبة على ذلك، ومرة رأى العتق مقدما على الإسقاط فألزمها إياه، إذ لم تلزمه إلا في حال حريتها بعد عتقها، فأشبهت الحرة يصالحها على أن تسقط حقها في حضانة ولدها. والأظهر أن ذلك لا يلزمهما؛ لأنهما إذا وقعا معا، فقد وقع كل واحد منهما قبل كمال صاحبه، وعلى هذا الأصل وقع الاختلاف في الرجل يعتق أمته على أن تتزوجه بكذا وكذا وقد مضى القول على ذلك مستوفى في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وفيه بيان هذه المسألة. [مسألة: نصراني أسلمت امرأته فأراد أن يسلم فقالت أفتدي منك بمالي] مسألة وقال: في نصراني أسلمت امرأته، فأراد أن يسلم، فقالت: أفتدي منك بمالي، على أن لا تسلم حتى أملك أمري أو على أن لا يكون ذلك على رجعة، ففعل، ثم أسلم. قال: إن افتدت منه قبل أن

الجارية تنكح ويدخل بها زوجها قبل أن تبلغ المحيض

يسلم، لم يثبت ذلك عليه، ورد ما أخذ منها، وكان له عليها الرجعة إن أسلم في عدتها؛ لأنه لو طلقها وهو كافر، لم يلزمها من طلاقه شيء، فجعله بمنزلة طلاقه. قلت: فلو كانت افتدت منه على ذلك فلم يسلم أو أسلم بعد انقضاء عدتها، أكان يكون له للذي افتدت به منه؟ قال: فلا أرى له شيئا وأرى أن تأخذه منه. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن الخلع طلاق، فلما كان طلاقه باطلا غير لازم كان خلعه مردودا غير ثابت، وبالله التوفيق لا شريك له وبه أستعين. [الجارية تنكح ويدخل بها زوجها قبل أن تبلغ المحيض] ومن كتاب بع ولا نقصان عليك قال مالك في الجارية تنكح، ويدخل بها زوجها قبل أن تبلغ المحيض، فيملكها زوجها فتطلق نفسها هل يلزمها ذلك الطلاق؟ فقال مالك: نعم، يلزمها ما طلقت إذا ملكت إذا كانت قد بلغت مبلغا يعرف ما ملكت أن يوطأ مثلها. قلت لابن القاسم: وما الفرق بينها وبين الغلام؟ فإن الغلام قد يكون قد عقل وخالط الرجال، فلا يجوز طلاقه إذا لم يحتلم. قال: لأن الجارية إذا بلغت مبلغا يوطأ مثلها، كان الحد على من قذفها، وإن الغلام لا يكون الحد على من قذفه حتى يحتلم. قال محمد بن رشد: تفرقته هذه بين تمليك الجارية قبل البلوغ، بأن الحد يجب على من قذف الجارية قبل البلوغ إذا كانت قد بلغت مبلغا يوطأ مثلها، وأن الغلام لا حد على من قذفه حتى يحتلم صحيح؛ لأن الرجل لو ملك أمر امرأته صبيا أو نصرانيا فطلقها عليه للزمه ذلك، وإن كان لا حد على من قذف واحدا منهما، وإنما جاز قضاء المملكة قبل البلوغ؛ لأن الطلاق

جعل أمر امرأته بيد ثلاثة نفر

إنما هو من الزوج الذي ملكها أمرها، لا منها، إذ الطلاق إنما هو للرجال لا للنساء، وقد مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، في حكم المملكة قبل البلوغ. ومضى في رسم تأخير العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة، القول في طلاق المناهز للاحتلام فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [جعل أمر امرأته بيد ثلاثة نفر] ومن كتاب لم يدرك من صلاة الإمام وقال: في رجل جعل أمر امرأته بيد ثلاثة نفر، فطلق أحدهم واحدة، وطلق الآخر اثنتين، وطلق الآخر ثلاثا، قال: تكون واحدة لأنهم كلهم اجتمعوا على واحدة، وهم بمنزلة الشهداء لو أن رجلا شهد على أنه طلق امرأته ثلاثة، وشهد آخر بأنه طلق امرأته واحدة، كانت واحدة؛ لأنهما قد اجتمعا على واحدة. قال محمد بن رشد: أما الذي جعل أمر امرأته بيد ثلاثة نفر، فطلق أحدهم واحدة والآخر اثنتين والآخر ثلاثا، فإنها تكون واحدة كما قال، إذ لا يلزمه إلا ما اجتمعوا عليه كالحكمين إذا اختلفا في عدد الطلاق، ولو لم يطلق أحدهم شيئا لم يلزمه مما طلق الآخران شيء. وقد قيل: إنهم إذا اختلفوا لم يلزمه شيء وهو قول أصبغ في هذا وفي الحكمين، أنهما إذا اختلفا لم يلزم الزوج شيء، من ذلك، ورواه عن ابن القاسم وأما قوله: إنهم بمنزلة الشهداء إلى آخر قوله: فهو صحيح على المشهور من مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك، في أن الشهادة على الطلاق تلفق، اتفقت أو اختلفت، إذا كانت في مجلسين، وأنه يؤخذ بالزائد فيها إذا اختلفت وكانت في مجلس واحد، فإذا شهد أحد الشاهدين على رجل أنه طلق امرأته واحدة، وقال الآخر: بل إنما طلقها ثلاثا، وشهد أنه طلقها ثلاثا في غير ذلك المجلس، فهي واحدة؛ لأنهما قد اجتمعا على الواحدة، فإن كان منكرا للطلاق جملة حلف أنه ما طلق شيئا ولزمته واحدة، وإن كان مقرا بالواحدة، حلف أنه ما طلق إلا واحدة ولم يلزمه

قال لامرأته إن غبت عنك سنة فأمرك بيدك

غيرها. ويأتي على قول ربيعة في المدونة وما يأتي في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الشهادات أن الشهادات لا تلفق، ويحلف المشهود عليه على تكذيب شهادتهما، ولا يلزمه شيء، ولو كانوا ثلاثة، فشهد أحدهم أنه طلق واحدة، والثاني أنه طلق اثنتين، والثالث أنه طلق ثلاثا، للزمه على القول الأول تطليقتان ويبرأ من الطلقة الثالثة بيمينه، كانا في مجلس واحد أو في مجلسين، وعلى القول الثاني يحلف ولا يلزمه شيء، ولو كانوا أربعة فشهد الاثنان أنه طلق واحدة، وشهد الاثنان أنه طلق اثنتين في ذلك المجلس، للزمته اثنتان على القول الأول، وعلى القول الثاني يقضى بأعدل الشهود، فإن تكافئوا في العدالة سقطتا، وحلف المشهود عليه، ولم يلزمه شيء ولو كان ذلك في مجلس آخر، للزمته طلقتان على القول الأول، وبرئ من الثالثة مع يمينه، ولزمته على القول الثالث ثلاث تطليقات. [قال لامرأته إن غبت عنك سنة فأمرك بيدك] ومن كتاب سلف دينارا وسئل عمن قال لامرأته: إن غبت عنك سنة فأمرك بيدك، فقالت: قد اخترت ألا أريد غيرك، ثم غاب عنها سنة فأرادت أن تختار، قال: ليس ذلك لها. قال محمد بن رشد: هذا على ما مضى في رسم أوصى من قول مالك والليث، ويأتي على ما روى أصبغ عن أشهب في كتاب النكاح، أن ذلك لها، وقد مضى بيان ذلك هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: جعل أمرها بيد الأخرى ثم وقع بين المرأتين شر] مسألة وقال: في رجل كانت تحته امرأتان، فجعل أمر الواحدة بيد الأخرى، يمكث خمس سنين، يطأ التي جعل أمرها بيد الأخرى، ثم وقع بين المرأتين شر، فطلقتها، فقال لها زوجها: إن كانت طالقا فأنت طالق. قال ابن القاسم: ليس عليه فيهما شيء جميعا، لا

قال لامرأته أمرك بيدك وهو جاهل يظن أن ذلك طلاق

يطلق هذه ولا هذه؛ لأنه قد يطأ التي جعل أمرها بيد الأخرى، فلما كان يطأها انفسخ ما كان جعل بيد الأخرى حين لم تطلق عليه حتى وطئ. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى، وقد بين ابن القاسم وجه قوله فيها بما لا مزيد عليه، وبالله التوفيق. [قال لامرأته أمرك بيدك وهو جاهل يظن أن ذلك طلاق] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل مالك عن رجل قال لامرأته: أمرك بيدك وهو جاهل يظن أن ذلك طلاق، قال: إن كان أراد بقوله أمرك بيدك أنت طالق، فهي طالق. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما في المدونة من أنه ما ليس من ألفاظ الطلاق فلا يلزم به الطلاق، إلا أنه ينوى باللفظ بعينه الطلاق وقد قيل: إنه لا يلزمه به الطلاق، وإن نواه، وهو قول مطرف في الثمانية وروايته عن مالك، ويقوم من قول ابن الماجشون في كتاب الظهار من المدونة. وقال أشهب: لا يلزمه بذلك الطلاق، إلا أن يريد أنها طالق إذا.. . من اللفظ لا طالق بنفس اللفظ وهو قول لا وجه له. [مسألة: ملك امرأته فقضت بالبتة فلم ينكر عليها وادعى أنه جاهل] مسألة وقال مالك: من ملك امرأته فقضت بالبتة فلم ينكر عليها وادعى أنه جاهل، وظن أن ذلك ليس له، وأراد أن ينكر عليها حين علم، قال: ليس ذلك له، ولا يعذر بالجهالة. قال محمد بن رشد: هذه إحدى المسائل التي مضى القول فيها في رسم يوصي إن الجاهل لا يعذر فيها بجهله، فلا معنى لإعادة ذكرها، والأصل في هذا أنه ما كان يتعلق به حق لغيره، فلا يعذر الجاهل فيه بجهله،

مسألة: طلق امرأته طلقة فقالت له: خذ مني عشرة دنانير ولا تراجعني

وما لا يتعلق به حق لغيره، فإن كان مما يسعه ترك تعلمه، عذر بجهله، وإن كان مما لا يسعه ترك تعلمه، لم يعذر فيه بجهله، فهذه جملة كافية، يرد إليها ما شذ عنها، وبالله التوفيق. [مسألة: طلق امرأته طلقة فقالت له: خذ مني عشرة دنانير ولا تراجعني] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل طلق امرأته طلقة، فقالت له: خذ مني عشرة دنانير، ولا تراجعني، ففعل، فهل تكون عليه طلقة أخرى؟ قال: هذا صلح، وقد بانت منه بتطليقتين، وتبنى على ما اعتدت، وإنما تبتدئ العدة التي تراجع ثم تطلق، فإن تلك تبتدئ العدة من آخر ما طلقها، مس أو لم يمس، إلا المولى، فإنه إن قال أنا أمس فلم يمس، لم تبتدئ العدة ومضت على عدتها. قال محمد بن رشد: أما قوله في التي قالت لزوجها: خذ مني عشرة دنانير ولا تراجعني: إنه صلح، فهو خلاف ما في سماع زونان عن أشهب، عن ظاهر ما في هذه الرواية، إذ لم يفرق فيها بين أن يكون قد قبض العشرة أو لم يقبضها ويحتمل أن تتأول هذه الرواية على أنه قد قبض العشرة؛ لأن معنى قول أشهب في سماع زونان على أنه لم يقبض العشرة، فلا يكون ذلك اختلافا من القول، إذ لا يتصور الخلاف إلا إذا رجع عن قوله قبل أن يقبض العشرة، وظاهر قول أشهب هذا أن الأمر لا يلزمه وإن قبض العشرة، وله أن يردها بعد أن قبضها ويراجعها، وهو بعيد؛ لأنه إذا قبض العشرة فقد ألزم نفسه ما واجبته عليه المرأة من إسقاط حقه في مراجعته إياها، ولزمته بذلك طلقة بائنة قولا واحدا، وإنما الخلاف إذا قال لها لما جاءته بالعشرة: لا أخذها، ولا أترك حقي في المراجعة؛ لأني لم أوجب ذلك على نفسي، وإنما وعدت به، وذلك على قياس المسألة التي مضى الكلام عليها في أول سماع

مسألة: صالح الرجل امرأته أو خالعها فقال لها أنت طالق

ابن القاسم. وهي: إذا قالت المرأة لزوجها: خذ مني عشرين دينارا وفارقني، فلما جاءته بها، قال: لا آخذها ولا أفارقك، ويدخلها القول الثالث، وهو: الفرق بين أن تبيع في العشرة متاعها، وتكسر فيها عروضها، وبين أن تأتيه بها من غير شيء يفسده على نفسها، فينبغي أن لا يحمل قول أشهب على ظاهره، وأن يتأول على ما يصح، فيقال: إن معنى قوله: ويرد العشرة أن يتركها لها ولا يأخذها منها وذلك جائز في الكلام، كما يقول الرجل: رددت السلعة بالعيب، وإن كان لم يقبضها بعد؛ لأن ما وجب للرجل قبضه، فكأنه قد قبضه. وإذا حمل قول أشهب هذا على أنه لم يقبض العشرة احتمل أن يحمل ما في رسم خرجت من سماع عيسى على أنه قبض العشرة، فلا يكون ذلك اختلافا من القول، وبالله التوفيق. وإن قالت له: خذ مني عشرة دنانير، على ألا رجعة لك علي، لكان صلحا باتفاق. وقد مضى ذلك في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم. وقوله: إنها تبنى على عدتها، بخلاف ما لو راجعها ثم طلقها صحيح، وقد مضى القول فيه مستوفى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: صالح الرجل امرأته أو خالعها فقال لها أنت طالق] مسألة وقال ابن القاسم: إذا صالح الرجل امرأته أو خالعها فقال لها: أنت طالق، كانت تطليقتين: طلقة للخلع، وطلقة لما طلق، ولو قال: لم أرد إلا طلقة الخلع، لم ينو في ذلك، وكانت تطليقتين، ولو قال لها: أنت طالق، طلقة الخلع، لم يلزمه إلا واحدة. قال محمد بن رشد: أما قوله في التي خالع زوجته وقال لها: أنت طالق إنها تكون طلقتين، فهو مثل ما في المدونة. ومثل قول عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيها: إن الخلع مع الطلاق تطليقتان، وذلك إذا قال: قد خالعتك أنت طالق، أو قد خالعتك وأنت طالق نسقا لا صماتا بين ذلك. وأما إن خالعها

مسألة: سألت من زوجها أن يخيرها أو تعطيه عشرة دنانير

وسكت، ثم قال بعد ذلك: أنت طالق، فلا يلزمه الطلاق؛ لأن الخلع طلاق بائن، فلا يرتدف عليه الطلاق. وقد كان ابن عتاب يفتي بأن من بارا امرأته في الحيض هذه المباراة، التي جرا عرف الناس عليها، ثم طلقها بعد ذلك، إن الطلاق يرتدف عليه فيها، ما لم تنقض العدة. وذلك استحسان على غير قياس، مراعاة لقول من يراها طلقة رجعية. وقد حكى عن أبي المطرف بن فرج أنه أفتى بأن يجبر على الرجعة من بارا امرأته في الحيض، وكان يحمل ذلك منه على الوهم والخطأ، وليس بخطأ صراح، ووجهه مراعاة الخلاف في كونها طلقة رجعية. وأما إن قال لها: أنت طالق طلقة الخلع، فبين أنه لا يلزمه على مذهب ابن القاسم إلا طلقة واحدة، وتكون بائنة؛ لأن ابن القاسم لا يراعي في هذا اللفظ دون المعنى، فيقول: إن الرجل إذا قال لامرأته: قد خالعتك أو باريتك، أو صالحتك، أو طلقتك طلاق المباراة، أو طلاق الصلح، أو أنت مبراة أو مصالحة، أو مخالعة، أو ما أشبه ذلك من الألفاظ، فهي واحدة بائنة على سنة الخلع، وإن لم يأخذ من الزوجة على ذلك شيئا. وابن الماجشون يرى ذلك كله بتاتا من أجل أنه أراد بها بائنة منه بذلك، ولا تبين المرأة من زوجها إلا بالخلع أو الثلاث، فإذا لم يكن خلعا كان بتاتا، فيراه بمنزلة من قال لزوجته: أنت طالق طلقة بائنة، ومطرف يرى ذلك كله طلاقا رجعيا، ووجه قوله إنه إنما لم يلفظ بالثلاث، ولا أراد البتات وجب أن يكون الطلاق رجعيا؛ لأن الطلقة الواحدة لا تبين فيها المرأة إلا بخلع يأخذه منها. وقد روى ذلك ابن وهب عن مالك فيمن خالع وأعطى قال في المدونة: وروى غيره أنها بائن، وأكثر الرواة على أنها غير بائن؛ لأنها إنما تبين من زوجها بخلع، فإذا لم يأخذ منها شيئا فليس بخلع، وإنما هو رجل طلق. وأعطى وبالله بالتوفيق. [مسألة: سألت من زوجها أن يخيرها أو تعطيه عشرة دنانير] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: لو أن امرأة قالت لزوجها: خذ مني عشرة دنانير، وخيرني، ففعل ذلك، وأجابها وأخذ العشرة، أو

قالت له: ملكني على مثل ذلك، ففعل، أو أراد الصلح، فقال لها: ضعي عني كذا وكذا وأصالحك فتراوضا على ذلك، وأجاب بعضهما بعضا، إلا أنه لم يقع الصلح ولا الإشهاد بينهما، ثم بدا للمرأة في هذه الوجوه بعد أن تواجبا عليها. قال مالك: أما التي سألت من زوجها أن يخيرها أو تعطيه عشرة دنانير، ففعل وخيرها، فإنها إن اختارت نفسها كانت ألبتة، وإن أبت أن تختار وقالت قد بدا لي، فإن العشرة دنانير تكون للزوج، اختارت أو لم تختر، وكذلك التي سألت التمليك أنها إذا بدا لها وأبت أن تقضي، فالعشرة الدنانير للزوج، قضت أو لم تقض، فإن قضت ولم ينكر ذلك عليها زوجها في مجلسها فهي البتة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وإن أنكر ذلك وقال: لم أملكك إلا واحدة، كان القول قوله مع يمينه، وكانت طلقة بائنة يخطبها إن شاء مع الخطاب، وإن أراد الصلح على ما ذكرت، فإنها إن بدا لها قبل الإشهاد، ووقع الصلح، فإن ذلك لها، ولا غرم عليها، ولا شيء لزوجها مما سمت له، ولا يلزمه طلاق. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه لا رجوع للمرأة في العشرة دنانير التي أعطته على أن يملكها أو يخيرها، وإنما قد وجبت للزوج بما أعطاها من التمليك والتخيير، قضت أو ردت، وإنما اختلف قول مالك هل يجوز التخيير والتمليك في ذلك على سننها أم لا؟ فمرة رأى أنهما يحولان عن سنتهما فتقع الطلقة الواحدة بكل واحد منهما بائنة كطلقة الخلع، بسبب ما أعطته من المال، فيكون للزوج أن يناكرها في الخيار، كما له أن يناكرها في التمليك، وتكون الطلقة أو الطلقتان في ذلك بائنتين، فلا يكون للزوج عليها في ذلك رجعة، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، إذ نص فيها على أنه إذا ناكرها كانت طلقة بائنة، ومرة رأى أن التخيير والتمليك لا يحولان بذلك عن سنتهما معا، فلا يكون لها أن تقضي في الخيار إلا بالثلاث، ولا يكون للزوج أن يناكرها فيها ويكون له أن يناكرها في التمليك، وتكون له الرجعة، وهو الذي

مسألة: اصطلح الرجل وامرأته على الفراق فقال لها قد خيرتك فاختارت نفسها

يأتي على ما مضى من قول مالك في رسم سعد، من سماع ابن القاسم، وقد مضى القول على هذا هناك. وأما إذا تداعيا إلى الصلح، وتراضيا عليه، وأجاب بعضهما بعضا إليه، فلكل واحد منهما أن يرجع عليه ما لم يقع الصلح ويمضياه على أنفسهما، فإن وقع لم يكن لواحد منهما الرجوع عنه، ولزمهما التشاهد عليه. وقد مضى هذا المعنى في رسم من سماع ابن القاسم، وهو الذي يأتي على ما في المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: اصطلح الرجل وامرأته على الفراق فقال لها قد خيرتك فاختارت نفسها] مسألة وقال مالك: إذا اصطلح الرجل وامرأته على الفراق، فقال لها: قد خيرتك فاختارت نفسها، فإن ذلك الخيار لا يكون ألبتة، وإنما هي طلقة واحدة بائنة؛ لأن الخيار في هذا ليس بخيار، وإنما هو صلح، فكل خيار لم تشتره المرأة، ولم يكن من الرجل إلا على وجه الصلح، فإن ذلك لا يكون إلا طلقة واحدة. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، وتكررت أيضا في رسم أوصى من هذا السماع فلا وجه لإعادة القول فيها. [مسألة: كان لامرأته عليه حق فنجمته عليه في أشهر مختلفة] مسألة وسئل عن رجل كان لامرأته عليه حق، فنجمته عليه في أشهر مختلفة، على أن إن لم يوفها كل نجم عند حلوله، فأمرها بيدها، فيحل نجم تقضي، فتختار نفسها. قال: إن مسها بعد حلول الأجل، أو ضاجعها، أو تلذذ بها، أو كان معها في بيت واحد، فلا أرى لها في ذلك النجم خيار، إلا أن تمنعه نفسها وتدفعه عن نفسها بأمر يعرف عند الناس، فإن فعلت فلها الخيار متى ما اختارت ما كان، لا يمسها ولا يقربها، وإن كان معها في بيت واحد، وادعت أنها منعته

مسألة: يخدم قبل أن يبني بأهله فتختار المرأة نفسها

نفسها حتى قضت، وادعى الزوج المسيس، فالزوج مصدق، إذا كان يأوي إليها، ولها من الخيار في النجم الآخر الذي يحل، وفي جميع النجوم التي وقتت له مثل ما كان لها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم، وقوله فيها: إن لها أن تقضي بعد حلول الأجل متى ما شاءت، ما كانت، لا يطأها زوجها ولا يقربها هو، مثل قول مالك في المدونة في الأمة تعتق تحت العبد، إن لها الخيار، ما لم يمسها زوجها. وقد مضى بيان هذا المعنى وما يتعلق به في رسم حلف من سماع ابن القاسم، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا، وبالله التوفيق. [مسألة: يخدم قبل أن يبني بأهله فتختار المرأة نفسها] مسألة وسئل عن الرجل يخدم قبل أن يبني بأهله، فتختار المرأة نفسها قال: لا صداق لها، وكذلك النصرانية. تسلم قبل أن يبني بها، والأمة تعتق قبل البناء بها، فتختار نفسها، قال: فلا صداق لها. قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال: لأن الله عز وجل قال: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ، فلما لم يكن واحد من هؤلاء مطلقا باختياره، لم يجب عليه نصف الصداق، ولا شيء منه. وقد مضى هذا المعنى مشروحا في رسم الصلاة من كتاب طلاق السنة، وفي سماع سحنون من كتاب النكاح فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [يقول لامرأته لأنت أحرم علي من أمي] ومن كتاب أسلم وسئل عن الذي يقول لامرأته: لأنت أحرم علي من أمي قال: أراها البتة.

وطئ المرأة المملك طلاقها بعلم المملك ذلك فيها

قال محمد بن رشد: معنى هذا إذا أراد بذلك الطلاق، وأما لو لم تكن له نية لكان ظهارا، فقد قال في المدونة: إنه إذا قال: حرام كأمي أو مثل أمي ولا نية له إنه ظهار. قال: وهذا مما لا اختلاف فيه، ولا فرق بين أن يقول: أنت حرام كأمي أو أنت أحرم من أمي في أنه ظهار، وإذا لم تكن له نية، وذلك بين من سماع ابن القاسم من كتاب الظهار، فإذا أراد بذلك الطلاق فهي البتة، على مذهب ابن القاسم، ولا ينوى في واحدة ولا في اثنتين، وقال سحنون: ينوى فيما أراد من الطلاق، ولو قال: أنت حرام، ولم يقل مثل أمي لكان طلاقا على مذهب ابن القاسم، وإن أراد به الظهار. وحكى اللخمي أن لسحنون في العتبية أنه ينوى في أنه أراد بذلك الظهار، وليس ذلك بموجود له عندنا في العتبية فأراه غلطا والله أعلم. وحكي عن يحيى بن عمر أنه قال: يلزمه الطلاق، فإن تزوجها ولم يقربها حتى يكفر كفارة الظهار قال: وهذا قول من لم يتبين له في المسألة حكم، والله أعلم. [وطئ المرأة المملك طلاقها بعلم المملك ذلك فيها] ومن كتاب جاع فباع امرأته وسأله رجل فقال: كانت تحتي امرأة فخطبت أخرى، فقالت: لا أتزوجك إلا أن تجعل أمر امرأتك التي تحتك بيدي، قال: ففعلت وتزوجتها على ذلك فأقامت شهرا وأنا مع امرأتي أياما أمسها فلما دخلت بها طلقتها بالبتة قال: أكان عليك شرط أن أمرها بيدها حين تدخل عليها، أو لم تذكر ذلك؟ قال: ليس علي إلا ما أخبرتك أن أمر امرأتي التي تحتي بيدك، فقال: لا شيء بيدها إذا مسستها ووطئتها بعد أن جعلت ذلك بيدها، فلم تقض شيئا حتى مسست ووطئت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: وهو مما لا اختلاف فيه إن وطئ المرأة المملك طلاقها بعلم المملك ذلك فيها يسقط ما له من طلاقها. وقد مضى هذا في رسم سلف وغيره، وبالله التوفيق.

مسألة: يجعل زوجها أمرها بيدها إلى أجل إن لم يأت

[مسألة: يجعل زوجها أمرها بيدها إلى أجل إن لم يأت] مسألة وسأله ابن عبد الحكم فقال له: المرأة التي يجعل زوجها أمرها بيدها إلى أجل إن لم يأت، فتجاوز الأجل، ولم تقض شيئا، تنسى أو تجهل، قال: تحلف بالله ما تركت ما كان بيدها من ذلك، ويكون القول قولها. قال محمد بن رشد: قوله: فتجاوز الأجل، يريد بمثل الشهر والشهرين على ما مضى في رسم حلف من سماع ابن القاسم، ولو أقامت أكثر من ذلك لعد ذلك منها رضى، ولم يكن لها خيار، حسبما مضى القول فيه هناك، وإيجاب ابن القاسم اليمين عليها هاهنا خلاف روايته عن مالك في الرسم المذكور من سماع ابن القاسم، ومثل ما لمالك في كتاب ابن المواز، ولو أشهدت عند الأجل أنها تنتظره، وهي على حقها لكان ذلك بيدها، وإن طال دون يمين، على ما في رسم شهد من سماع عيسى من كتاب النكاح. وقد مضى في رسم الشهيدين الشريكين من سماع ابن القاسم قبل هذا نحو هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: الأمة تعتق وهي حائض] مسألة وسئل عن الأمة تعتق وهي حائض، هل لها أن تختار قبل أن تطهر؟ فقال: لا تختار حتى تطهر، وقال ابن القاسم في غير هذا الكتاب: وإنما يكره أن تختار وهي حائض، فإن فعلت جاز ذلك على الزوج. قلت: فإن عتق زوجها قبل أن تطهر أترى ذلك يقطع خيارها؟ قال: لا أرى ذلك يقطع خيارها؛ لأنها قد وقع لها الخيار، وإنما منع من ذلك حيضتها. قال محمد بن رشد: قوله: إنها لا تختار حتى تطهر صحيح، إذ لا

بارا امرأته على مال أعطته وعلى أن ترضع ولده سنتين

يجوز إيقاع الطلاق في الحيض بحال، إلا للمولى على اختلاف في ذلك من قول مالك، فإن فعلت، جاز على الزوج، ولم يجبر على الرجعة؛ لأنه طلاق بائن. قد روي عن مالك أن للعبد الرجعة إن أعتق، فعلى هذه الرواية إن اختارت نفسها في حال الحيض، فأعتق زوجها قبل أن تنقضي عدتها أجبر على رجعتها. وقوله: إنه إن أعتق زوجها قبل أن تطهر لم يقطع ذلك خيارها، ليس بخلاف للمدونة من أنه إذا أعتق قبل أن تختار فلا خيار لها، بدليل قوله: لأنها قد وقع لها الخيار، وإنما منعها من ذلك حيضتها، يريد، فلم يكن منها تفريط، ولذلك كان لها الخيار، والتي لم تختر حتى عتق زوجها، وقد كان منها تفريط، فلذلك لم يكن لها خيار، وهذا ظاهر الروايات، ويأتي على ذلك أنها إذا أعتقت وأعتق هو بعدها، بفور ذلك قبل أن يكون منها تفريط في اختيارها نفسها، إن لها الخيار، وقد ذهب ابن زرب إلى أن رواية عيسى هذه خلاف لما في المدونة. وهو القياس؛ لأن الخيار إنما وجب لها من أجل نقصان مرتبته عن مرتبتها فإذا ارتفعت العلة وجب أن يرتفع الحكم بارتفاعها والأول هو الظاهر من الروايات، والله أعلم. [بارا امرأته على مال أعطته وعلى أن ترضع ولده سنتين] ومن كتاب الرهون وقال في رجل بارا امرأته على مال أعطته وعلى أن ترضع ولده سنتين، هل يجوز أن تتزوج حتى يفرغ من رضاعها؟ قال: أرى أن ينظر في ذلك، فإن كان لا يضر بالصبي، لم يحل بينهما وبين التزويج، وإن كان في ذلك ضرر، لم تترك، وهو عندي بمنزلة من يسترضع ولده من امرأة لا زوج لها، وأرادت التزويج فأرى أن ينظر في ذلك على وجه ما وصفت لك. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم الطلاق من سماع أشهب، القول في هذه المسألة مستوفى فلا وجه لإعادته.

جعل أمر امرأته بيد أبيها إن لم يأت بحقها إلى سنة

[جعل أمر امرأته بيد أبيها إن لم يأت بحقها إلى سنة] ومن كتاب إن أمكنتني وسئل عن رجل جعل أمر امرأته بيد أبيها إن لم يأت بحقها إلى سنة، فأراد أبو الجارية سفرا قبل الأجل، فجمع قوما وأشهدهم، وقال لهم: إن ختني جعل أمر ابنتي بيدي، إن لم يأت بحقها إلى سنة، وأشهدكم أني قد زدته خمس عشرة ليلة بعد السنة، ثم بدا له بعد ذلك فقال: لا أزيده شيئا فقال: ليس ذلك له، ولزوج ابنته الخمس عشرة ليلة التي جعل له لا يكون لأبيها فيها قضاء في طلاقه حتى تمضي الخمس عشرة ليلة بعد السنة، ثم يقضي إن أحب إن لم يأت بحقها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ذلك قد وجب للزوج، فليس له أن يرجع فيه، وبالله التوفيق. [جعل أمر امرأته بأيدي رجلين] ومن كتاب العتق قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن رجل جعل أمر امرأته بأيدي رجلين، فقال: أمر امرأتي بأيديكما، فطلقا جميعا واحدة، فقال: يجوز، إذا طلقا جميعا واحدة، فإن طلق كل واحد منهما لم يجز، حتى يجتمعا جميعا على واحدة، أو عليهما جميعا، وإن قال أمر امرأتي جميعا بأيديكما إن شئتما فهو مثله أيضا، وإن قال: طلقا امرأتي، فأيهما طلق جاز طلاقه، وإن طلق كل واحد منهما طلقة جاز، وإن طلقاهما جميعا كلتيهما جاز، وإن طلق واحدة منهما طلقة واحدة جاز، وإن طلقهما جميعا واحد جاز، وذلك من قبل أنهما رسولان، فأيهما بلغ الطلاق جاز، وإن طلق البتة، وقال الزوج: لم أرد إلا واحدة، كان القول قول الزوج، وإن قال: طلقا امرأتي جميعا إن شئتما، فطلقا جميعا واحدة، أو طلقاهما جميعا واحدة، أو طلق كل

واحد منهما واحدة، لم تجز حتى يجتمعا عليهما جميعا؛ لأنه إنما قال: طلاق امرأتي جميعا إن شئتما بأيديكما، فإن شاءا جميعا، وإلا فلا أمر لهما فيها. قال محمد بن رشد: أما إذا قال: أمر امرأتي بأيديكما فلا اختلاف في أن ذلك تمليك، وأن الطلاق لا يقع إلا باجتماعهما عليهما جميعا، أو على أحديهما. وأما إذا قال: أعلما امرأتي بطلاقها، فلا اختلاف في أن ذلك رسالة، وأن الطلاق واقع عليه، أعلماها أو لم يعلماها، وأما إذا قال: طلقا امرأتي فهذا لفظ يحتمل الرسالة والتمليك. واختلف على ما يحمل من ذلك، فقيل: إنه محمول على الرسالة حتى يريد التمليك، وهو قول ابن القاسم هنا، وفي المدونة، إلا أنه حمل الرسالة على الإجماع فرأى الطلاق واقعا عليه بنفس الرسالة، بلغاها الطلاق أو لم يبلغاها بمنزلة قوله لهما: أعلما امرأتي بطلاقها وحمل الرسالة هنا على غير الإجماع، فرأى أن الطلاق لا يقع عليه إلا بتبليغ من بلغها الطلاق منهما، كما لو وكل كل واحد منهما على أن يطلق عليه، فإن طلق عليه جاز، وما لم يطلق لم يلزمه شيء، وله أن يمنعه من أن يطلق عليه إن شاء بخلاف المملك الطلاق، وقيل؛ إنه محمول على التمليك حتى يريد الرسالة، وهو قول أصبغ، وإياه اختار ابن حبيب. وأما إذا قال: طلقا امرأتي إن شئتما فهذا تمليك، إلا أنه يقتضي أنه ليس لهما أن يجتمعا على طلاق الواحدة، بخلاف قوله: أمر امرأتي بأيديكما؛ لأن قوله: أمر امرأتي بأيديكما، معناه أمر امرأتي بأيديكما، تطلقان من شئتما منهما أو جميعا إن شئتما، ولا يحتمل أن يكون معنى قوله طلقا امرأتي هذا لجمعه إياهما في الطلاق. وهذا بين لا اختلاف فيه. والله أعلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الكريم.

كتاب التخيير والتمليك الثاني

[كتاب التخيير والتمليك الثاني] [سأل ختنه أن يخلي سبيله، فقال له الزوج لا تكثر علي الأمر في يديك]

من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يزوج ابنته البكر، رجلا فتكرهه الابنة والأهل، فيسأله أبو الجارية أن يفارقها، فيكره ذلك، ويمسك عنه زمانا، يرجو الاستصلاح للجارية، وإلى أهل الرجل، فتمادوا في الكراهة له أعواما، وإن الرجل لقي ختنه يوما، فأقبل عليه وسأله أن يخلي سبيله، فقال له الزوج: لا تكثر علي، الأمر في يديك، فاصنع ما شئت، فقال أبو الجارية لمن حوله: قد أحسن وأجل، جزاه الله خيرا أما إذا جعلت الأمر بأيديهما فما لنا عليك من سبيل، فقال له رجل ممن حضره: قد أمكنك الرجل، وجعل الأمر بيدك، فقال أبو الجارية عند ذلك: أشهدكم أني قد اخترت ابنتي، وفرقت بينهما، فأطرق الزوج قليلا، ثم قال: إني لم أرد ذلك، فماذا ترى أن يلزم الزوج بهذا القول؟ فقال: أرى القول قول أبي الجارية فيما طلق به من واحدة أو أكثر، وهو عندي بمنزلة الذي يملك امرأته أمرها، فإن كان الزوج ناكر الأب إن زاد على طلقة، أحلف وكانت طلقة بائنة؛ لأنه لم يبن بها. قيل له: وكيف ينوى وهو يزعم أنه لم يرد طلاقا؟ فكيف يجوز له أن يدعي أنه نوى

صالح امرأته في مرضها على إن أعطته لفراقه إياها دارا وعرضا من العروض

واحدة، وقد أنكر ألبتة أن يكون أراد بقوله شيئا من الطلاق؟ وما ترى قوله: لم أرد هذا إنكارا على الأب إذا جاوز طلقة؟ قال: ذلك له، وإن كان أنكر أن يكون أراد طلاقا. ويحلف وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب، فأطرق الرجل طويلا، يريد أطرق مفكرا فيما قضى به الأب من الفراق، وناظرا لنفسه فيما بين أن يسلمه أو ينكره، فسواء كان ذلك قليلا أو كثيرا ما لم يطل الأمر حتى ينقضي المجلس، فيتبين منه التسليم بفعل الأب، فلا يكون له بعد ذلك أن ينكر ما مضى في أول رسم إن خرجت من سماع عيسى، وإنما قال: إن القول قول الأب فيما طلق به من واحدة أو أكثر، لاحتمال قوله قد اخترت ابنتي، وفرقت بينهما، أن يريد بذلك الثلاث، وأن يريد به الواحدة؛ لأن قول المملك الطلاق، يحمل على ما يحمل عليه قول الزوج ابتداء، ولو قال الرجل لامرأته: قد فارقتك قبل الدخول، لنوي فيما أراد بذلك من واحدة أو أكثر، فكذلك يسأل الأب هاهنا ما أراد بقوله، قد فرقت بينهما، وقد مضى القول في أن الزوج يقبل منه نيته في أنه أراد واحدة، ويمكن من الحلف على ذلك بعد أن أنكر أن يكون أراد بذلك الطلاق، وفيما يكون الحكم إن أقام على قوله: إنه لم يرد بذلك الطلاق في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [صالح امرأته في مرضها على إن أعطته لفراقه إياها دارا وعرضا من العروض] ومن كتاب الصبرة وسئل عن رجل صالح امرأته في مرضها على إن أعطته لفراقه إياها دارا وعرضا من العروض، وتعجل قبض ذلك، قال مالك: إن كان للذي أعطته قدر ميراثه منها فأدنى جاز له ذلك. قلت له: أرأيت إن كان يوم أخذه قدر ميراثه، ويوم ماتت قيمة ما أخذ أكثر من ميراثه منها أتراه جائزا؟ وكيف إن كان يوم أخذه أكثر من ميراثه، ويوم ماتت قدر الميراث، وأدنى، متى ينظر إلى

قيمة ما أعطته؟ فقال: حين يقع الصلح بينهما. قلت: أرأيت إن هلك ماله أو بعضه قبل أن تموت، أيرجع الورثة على الزوج بشيء؟ قال: لا أرى ذلك لهم قد انقطع الأمر بينهم يوم وقع الصلح، فكأنه عندما حكم واقع مضى بأمر جائز؛ لأن الذي أخذ الزوج، لو هلك لم يرجع على الورثة من قيمته بشيء. قلت له: أرأيت إن أعطته دارا أو أرضا؟ فقال الورثة: لا نجيز؛ لأن مثل هذا إنما كنا أجمعين نقتسمه بالسهام، فإذا خصته به فنحن نخرج له القيمة، ونأخذه. فقال ليس ذلك لهم؛ لأنه قد ضمنه ومصالحته إياها بالذي أعطته كبيع من البيوع. قال محمد بن رشد: اختلف في خلع المريضة على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك جائز على ورثتها إذا خالعت بخلع مثلها. روى ذلك ابن وهب عن مالك، فعلى هذه الرواية غلب الخلع على حق الورثة وجعله كبيعها وشرائها، يجوز إذا لم يكن فيه محاباة بأن تخالع بأكثر من خلع مثلها. والثاني: إن ذلك لا يجوز من غير تفصيل، وهو ظاهر قول مالك في المدونة وكتاب ابن المواز. ووجه هذا القول أن ما خالعت به في مرضها، أرادت أن يأخذه الزوج من رأس مالها، عاشت أو ماتت، وهو غير وارث، فوجب أن يبطل وإن كان أقل من ميراثه منها. والقول الثالث: أن ذلك يجوز إن كان قدر ميراثها منها فأقل، ولا يجوز إن كان أكثر من ميراثه منها، واختلف على هذا القول متى ينظر فيه، فقيل يوم الصلح، فإن كان مثل ميراثه منها أو أقل أخذه، وإن كان أكثر من ميراثه منها لم يكن له منه شيء إلا أن تصح من مرضها، ولا ميراث له منها على حال، وهو قول ابن القاسم هاهنا. وظاهر قوله في المدونة، وقيل يوم الموت، وهو قول أصبغ في الواضحة وقول ابن نافع في المدونة، ويكون ما خالعت به على هذا القول موقوفا إن كان شيئا بعينه، لا

مسألة: الصبية التي يوطأ مثلها يبني -بها زوجها فتصالحه على مال

تقضي فيه شيئا إلا أن تحتاج إليه فتنفقه، فإن صحت أخذه إن كان قائما، أو ثمنه إن مات باستنفاقها إياه؛ وإن تلف كانت مصيبته منه، وإن ماتت أخذه كله أو ما أدرك منه إن فات باستنفاق أو غيره إن كان قدر ميراثه منها فأدنى، وإن كان أكثر من ميراثه منها لم يكن له شيء منه، ولا ميراث له منها على حال، وإن كانت خالعت على شيء غير معين، وكانت غنية لم يوقف عليها شيء منه، ولا ميراث له منها على حال، وإن كانت خالعت على شيء غير معين، وكانت غنية لم يوقف على شيء من مالها، وكان لها أن تنفق منه كما ينفق المريض في مرضه، فإن صحت مضى ذلك عليها، وإن ماتت في مرضها نظر في ذلك على ما تقدم. وقوله: إنها صالحته على أرض أو دار أو قيمة ذلك قدر ميراثه منها فأقل، إن ذلك جائز على الورثة، ولا كلام لهم فيه، دليل على ما حكى سحنون عن بعض أهل العلم، إنه لا يجوز للمريض أن يبيع من بعض ورثته أغبط ماله، وإن لم يحاب في الثمن، وبالله التوفيق. [مسألة: الصبية التي يوطأ مثلها يبني -بها زوجها فتصالحه على مال] مسألة وسئل عن الصبية التي يوطأ مثلها يبني بها زوجها فتصالحه على مال تدفعه إليه، ولم تبلغ المحيض، أيجوز ذلك الصلح بينهما؟ فقال: نعم، أراه جائزا تقع به الفرقة بينهما ويكون للزوج ما أعطته إذا كان ما أعطته يصالح به مثلها. قال محمد بن رشد: وقع في المدنية لمالك من رواية ابن نافع عنه مثل رواية يحيى هذه، وزاد وإن كان أعطت أمرا يستنكر، ليس مثله يخالع به مثلها، رد عليها جميع ما أعطته وثبت عليه الطلاق. قال أبو بكر بن محمد: المعروف من قول أصحابنا: إن المال مردود، والخلع ماض، وقاله ابن الماجشون في الواضحة: ولا اختلاف إن كانت ما خلعت به خلع مثلها، هل يرد المال؟ لما في رده من الحظ لليتيمة مع نفوذ الطلاق على الزوج، أو لا يرد؛ لأنه وقع على وجه نظر، لو دعا الوصي إليه ابتداء لفعله، وعلى هذا يختلفون

مسألة: اليتيمة البالغ إذا كرهت زوجها فافتدت منه وهي بكر لم يبن بها

في الصبي، يبيع أو يبتاع، أو يفعل ما يشبه البيع والشراء، مما يخرج على عوض، ولا يقصد فيه إلى فعل معروف، وذلك سداد ونظر من فعله يوم فعله فلا ينظر فيه الأب أو الوصي حتى يكون غير سداد، بنماء أو حوالة سوق بزيادة فيما باعه، أو حوالة سوق بنقصان فيما ابتاعه، فقيل: إنه ليس له أن ينقصه؛ لأنه إنما ينظر في فعله يوم وقع، وعلى هذا تأتي رواية يحيى هذه، وما ذكرناه من رواية ابن نافع عن مالك في المدونة وما وقع لأصبغ في الخمسة، وقيل له: أن ينقصه لأنه إنما ينظر في فعله يوم ينظر فيه، وعلى هذا يأتي قول من قال في هذه المسألة: إن الخلع ماض والمال مردود، وهو المشهور في المذهب. ويقوم ذلك أيضا من قول أصبغ في نوازله من كتاب المديان والتفليس، وهو الذي يأتي على ما في كتاب كراء الأرضين من المدونة في أن ما اشترى الوصي من مال اليتيم، يعاد في السوق؛ لأنه قال: إنه يعاد، ولم يقل: إنه ينظر إليه يوم ابتاعه إن كانت قيمته يوم النظر فيه أكثر، وإذا قاله فيما اشترى الوصي من مال اليتيم، فأحرى أن يقوله فيما باعه اليتيم، وبالله التوفيق. [مسألة: اليتيمة البالغ إذا كرهت زوجها فافتدت منه وهي بكر لم يبن بها] مسألة قيل لسحنون: ما تقول في اليتيمة البالغ إذا كرهت زوجها فافتدت منه وهي بكر لم يبن بها؟ هل ترى ما أخذ منها الزوج هل يسوغ له وما تركت له محطوطا عنه؟ وكيف إن قامت بعد ذلك تطلبه فيما أخذ منها وما تركت له؟ قال سحنون: وأرى ذلك جائزا عليها، ولازما لها، ولا رجوع لها في شيء مما أعطته أو وضعت عنه. قال محمد بن رشد: هذا معلوم من مذهب سحنون إن البكر التي لم يول عليها بأب أو وصي، أفعالها جائزة، إذا بلغت المحيض، وهو قول غير ابن القاسم في كتاب النكاح الثاني من المدونة، ورواية زياد عن مالك، وقد قيل: إن أفعالها مردودة ما لم تعنس أو تتزوج، ويدخل بها زوجها، وتقيم معه

قال الرجل امرأتي طالق واحدة بائنة للتي قد دخل بها

مدة يحمل أمرها فيها على الرشد قبل العام، وهو قول ابن الماجشون. وقيل: ثلاثة أعوام ونحوها. واختلف في حد تعنيسها على خمسة أقوال: أحدها: ثلاثين سنة، وهو قول ابن الماجشون، وقيل أقل من الثلاثين، وهو قول ابن نافع وقيل أربعون وهي رواية مطرف عن مالك وأصبغ وقيل من الخمسين إلى الستين. وهي رواية سحنون عن ابن القاسم وقيل حتى تقعد عن المحيض وهو قول مالك في المدنية من رواية ابن القاسم عنه، وبالله التوفيق. [قال الرجل امرأتي طالق واحدة بائنة للتي قد دخل بها] ومن كتاب الصلاة قال: وسمعت مالكا يقول: إذا قال الرجل: امرأتي طالق واحدة بائنة، للتي قد دخل بها، فهي ألبتة؛ لأنه لو قال هي بائنة، ولم يقل طالق واحدة بائنة، كانت البتة. قال: وإن قال هي طالق طلاق الخلع، كانت واحدة بائنة، وكذلك لو قال قد خلعت امرأتي أو باريتها، أو افتدت مني، لزمته طلقة واحدة بائنة، وكذلك يلزمه طلقة واحدة بائنة، إذا قال هي طالق طلاق الخلع. قال: فإن قال لامرأته: قد خيرتك، فقالت: قد طلقت نفسي واحدة بائنة، إن ذلك ليس بشيء؛ لأن المخيرة ليس لها أن تقضي إلا بفراق ألبتة، أو تقيم على غير طلاق، قال: وإن قال لامرأته: قد ملكتك أمرك، فقالت: قد طلقت نفسي واحدة بائنة، فإن أنكر عليها احلف ما ملكها إلا واحدة، وكان أحق بامرأته، إن أراد ارتجاعها، ويكون الذي قضت به من قولها طلقت نفسي واحدة بائنة، وواحدة غير بائنة، وإن لم ينكر عليها فهي ألبتة، وذلك أنه إذا قال لها: هو من قبل نفسه من غير أن يملك امرأته امرأتي طالق واحدة بائنة، كانت ألبتة في رأيي. قال محمد بن رشد: قال في المخيرة إذا قالت: قد اخترت واحدة بائنة، إن ذلك ليس بشيء، وكان القياس أن يكون ثلاثا، كما يكون في

سألت زوجها النفقة وقالت لا أضع ذلك عنك إلا أن تجعل أمري بيدي

التمليك ثلاثا، إلا أن يناكرها، وكما يكون ثلاثا، إذا قال هو لامرأته: ابتداء من غير تمليك ولا تخيير: أنت طالق واحدة بائنة، وكذلك في المدنية من رواية عيسى عن ابن القاسم: إن الرجل إذا ملك امرأته ألبتة، فقالت: قد طلقت نفسي واحدة بائنة، إنها ثلاث وليس له أن يناكرها، وأنه إذا ملكها فطلقت واحدة بائنة فهي ثلاث، إلا أن يناكرها، ووجه رواية يحيى أنه إذا خيرها، فإنما جعل لها أن تختار ثلاثا أو تترك، فإذا قالت: قد اخترت واحدة بائنة، كانت بقولها واحدة، قد تركت ما جعل إليها، واتهمت في قولها بائنة، إنها نادمة، ولم يصدق فيها، وواحدة هي من ألفاظ المملكة، فإذا وصفت ببائنة، قيل لها: هي ثلاث، إلا أن يناكرها، وأما قوله في الذي قال لامرأته: أنت طالق طلاق الخلع، أو قد خالعتك، أو باريتك، إنها طلقة بائنة، فقد مضى ذلك وما فيه من الاختلاف في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [سألت زوجها النفقة وقالت لا أضع ذلك عنك إلا أن تجعل أمري بيدي] ومن كتاب المكاتب وسألته عن امرأة سألت زوجها النفقة عند خروجه إلى سفره، وقالت: لا أضع ذلك عنك إلا أن تجعل أمري بيدي، إن أقمت أكثر من سنة، فقال: بل أجعل أمرك بيد فلان، إن أقمت عنك أكثر من سنة، فأجابت وفعل الرجل. فلما أقام أكثر من سنة، أراد الرجل أن يطلق عليه، وكرهت المرأة فقال: قال مالك: يجبر على اتباع قول المرأة؛ لأن ذلك إنما جعل بيده وثيقة لها. قلت له: فإن لم ترفع ذلك إلى السلطان حتى يطلق عليه، قال: أرى الطلاق قد وقع على الرجل الذي جعل ذلك بيده، إلا أن يكون السلطان قد تقدم إليه ونهاه، وأعلمه أنه لا يجيز طلاقه، فإن تعدى أمر السلطان، لم يضر ذلك للذي جعل التمليك بيد هذا المتعدي.

يجعل زوجها بيدها الخيار إلى أجل مسمى

قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في أول سماع عيسى من هذا الكتاب، ومضى القول عليه مستوفى في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب النكاح، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك. [يجعل زوجها بيدها الخيار إلى أجل مسمى] ومن كتاب الأقضية قال يحيى: وسألت ابن وهب عن المرأة يجعل زوجها بيدها الخيار إلى أجل مسمى، فلما حل الأجل، لم تقل شيئا، ولم تقض بطلاق ولا غيره، ثم بدا لها بعد انقضاء الأجل: فأرادت أن تطلق نفسها بالذي كان من الخيار بيدها، فقال الذي أخذ به في هذه الأجل ولها في نفسها وليس لها بيدها من طلاقها شيء، إذا لم تقض به عند الأجل الذي جعل ذلك بيدها عنده، وهي عندي بمنزلة المرأة يخيرها زوجها وهما قاعدان، فلا تقضي شيئا حتى يقوم عنها ويفترقان من مجلسهما غير هارب عنها، ولا متعجل للقيام، ليقطع ما جعل بيدها، فلا يكون لها شيء مما كان أعطاها إذا لم تقض به حتى افترقا من مجلسهما بحال ما وصفت لك، وكذلك الذي يجعل الخيار بيدها عند أجل من الآجال فتركته عند الأجل، أرى ألا شيء لها بعد انفصاله. قال محمد بن رشد: جعل ابن وهب حكم التي وجب لها التمليك بانقضاء الأجل، كحكم المواجهة بالتمليك في سقوط ما بيدها، بترك القضاء عند الأجل، الذي وجب لها التمليك فيه، وذلك مثل قول أشهب في سماع زونان. ومثل قول ابن القاسم في رسم شهد من سماع عيسى من كتاب النكاح خلاف المشهور من مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك وقد مضى القول على هذه المسألة موعبا في رسم حلف من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وفي غير ما موضع فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

الرجل يصالح عن امرأته

[الرجل يصالح عن امرأته] ومن كتاب أول عبد ابتاعه قال: وسألته عن الرجل يصالح عن امرأته، أو عن رجل أجنبي، على أمر يدفعه إلى الذي يصالحه من مال الذي يصالح عنه، فإن أنكر ذلك المصالح عنه، فهو في مال المصالح. قال: وذلك جائز لازم للذي صالح، والغرم عليه إن كره الذي صولح عنه أن يقبل ما أوجب عليه المصالح من الغرم. قلت: وإن اشترط المصالح على الرجل أني إنما أدفع ما أصالح به من مالي، فإن أنكر الذي أصالح عنه، فأنا أقوم عليه بمثل ما كان يطلبه الذي صالحت عنه إن أنكر صلحي عنه وسخطه. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله في هذه المسألة أنه إنما أوجب على المصالح غرم عن الزوجة بغير إذنها أو عن الغريم الذي عليه الدين بغير إذنه، وهو منكر لما عليه من الدين، إذا لم يرض واحد منهما بالصلح من أجل أنه اشترط ذلك عليه، وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب إرخاء الستور من المدونة وقول ابن حبيب في كتاب الوثائق: إن المرأة ترجع على الزوج، ولا يرجع الزوج على من صالحه عنها إلا أن يشترط عليه الضمان، وهو خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب الصلح من المدونة وقول أصبغ في الواضحة وفي نوازله بعد هذا من هذا الكتاب من أنه إذا صالح ضامن، وإن لم يشترط عليه أنه ضامن؛ لأنه بمصالحته إياه أخرج امرأته من يده، أو طرح سائر دينه، فذلك كالمبايعة. وقال ابن دينار: إن صالح عن المرأة أبوها أو ابنها أو أخوها أو من له قرابة، فهم ضامنون، وأما غيرهم فلا، ولم يجب على ما سأله عنه من اشتراط المصالح عن الرجل، إنه يدفع ذلك من ماله، على أنه إن أنكر ذلك المصالح عنه اتبعه بمثل ما كان يطلبه به، للذي صالحه عنه، والجواب عن ذلك أنه لا يجوز؛ لأنه مخاطرة وغرر وشراء دنانير مجهولة، بدنانير معلومة، فذلك في الحرام البين الذي لا خفاء به، ولو اشترط أنه إن أنكر المصالح عنه، رجع في ماله، وأخذه لما جاز

تصالح زوجها على عبد في الحضر

ذلك أيضا على قياس مسألة نوازل عيسى من كتاب المديان والتفليس، فتدبر ذلك وبالله التوفيق. وأما إذا كان الذي عليه الدين مقرا بما عليه، فصالح عنه بغير ما عليه، ففي ذلك ثلاثة أقوال قائمة من المدونة. . أحدها أنه لا يجوز أن يصالح عنه بما يكون فيه مخيرا بين أن يدفع ما عليه أو ما صالح به عنه إلا أن يكون التخيير يرجع إلى قلة وكثرة. والثاني إن ذلك جائز، وإن كان مخيرا في كل حال، والثالث أنه يجوز إن كان التخيير يرجع إلى ما يجوز تحويل بعضه في بعض، ولا يجوز إن كان التخيير يرجع إلى ما لا يجوز تحويل بعضه في بعض، وهذه جملة سيأتي تفسيرها في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق. [تصالح زوجها على عبد في الحضر] ومن سماع سحنون من عبد الرحمن بن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن المرأة تصالح زوجها على عبد في الحضر، فوجد به عيبا أو يموت، فتدعي المرأة أنه مات بعد الصلح، وينكر الزوج، قال: على المرأة البينة أنه مات بعد الصلح، أو حدث به عيب بعد الصلح. قلت له: فإن ثبت أنه مات بعد الصلح، لا يكون فيه عهدة قال: لا، وليس هو مثل البيع. قال محمد بن رشد: اعترض بعض أهل النظر قوله في هذه المسألة، على المرأة البينة أنه حدث به عيب بعد الصلح، وقال: هذا خلاف أصولهم في أن ما كان من العيوب يقدم ويحدث، ولا يدرى إن كان حادثا بعد العقد، أو قديما قبله، القول فيه قول البائع، فكان ينبغي أن يكون القول قول المرأة في أن العيب لم يكن بالعبد يوم الصلح، أو لم يعلم أنه كان به يومئذ، إن كان مما يخفى، إلا أن يكون للزوج بينة أنه كان به عندها، وليس ذلك بصحيح، بل المسألة صحيحة، لا فرق بين العيب والموت إذا وجد العيب بالعبد قبل القبض؛ لأن ذهاب البعض كذهاب الكل، وهو معنى المسألة،

اشتكت به امرأته أنه يضربها ويؤذيها

وقد نص ابن حبيب على ذلك، وبين الفرق بين وجود العيب الذي يقوم ويحدث قبل القبض أو بعده في البيوع من الواضحة. فانظر ذلك، وقف عليه، والله المعين. [اشتكت به امرأته أنه يضربها ويؤذيها] من سماع عبد المالك بن الحسن من ابن وهب قال عبد المالك: سئل عبد الله بن وهب عن رجل اشتكت به امرأته أنه يضربها ويؤذيها، فكتب لها على نفسه كتابا إن عاد إلى أذاها فهي مصدقة فيما تدعي من أذاه لها، وأمرها بيدها، تختار نفسها بطلاق البتة، فلما كان بعد أيام، أشهدت تلك المرأة رجالا وزوجها غائب عنها، أن زوجها قد عاد، إلى آذاها، وأنها قد طلقت نفسها، فأنكر الزوج أن يكون أذاها، وندمت المرأة فيما كانت أشهدت عليه الشهود من شكيتها الأذى، وطلقت نفسها ألبتة، وأنكرت أن يكون أذاها وزعمت أنها لعب بها وخدعت حتى كذبت على زوجها، فهل يلزمها وزوجها ما كان من طلاقها نفسها ويجوز قولها: إن زوجها آذاها حتى أشهدت على طلاقها نفسها، ولا يعرف ذلك إلا بما قالت يومئذ، فقال: قد بانت منه بالبتة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره؛ لأنه قد أعطاها التصديق، وجعل القول قولها، وقد زعمت الضرر واختارت عليه نفسها. فلم يبق بيده ولا بيدها قليل ولا كثير، ولا ينفعها ندمها بعد ذلك، وتكذيبها نفسها، وقولها: خدعت ليس بنافعها بعد وقوع الطلاق عليها. وقال أشهب: سواء في جميع ذلك رجوعها، لا رجوع لها، ولكن ينظر متى ادعت أنه قد أتى إليها ما وجب لها به التمليك وفارقت، فإن كان بين ذلك الأيام، أو أقرت بأنها لم تفارقه إلا بعد افتراقهما من المجلس الذي آذاها فيه، فلا خيار لها؛ لأنها تركت الخيار حين وجب لها، وإن كان ذلك قريبا أو كانت قد قالت أو تقول الآن إنما

مسألة: قال لامرأته اختاري فنقلت متاعها

قلت لكم: إني اخترت في المجلس، فقد وجب الفراق بينهما، وإن أنكرت أو كذبت نفسها. قال محمد بن رشد: قول أشهب: إنها إن أقرت أنها لم تفارقه إلا بعد افتراقهما من المجلس الذي آذاها فيه، فلا خيار لها، هو مثل قول ابن وهب في رسم الأقضية من سماع يحيى: إن ذلك بمنزلة المواجهة بالتمليك سواء، يسقط حقها بانقضاء المجلس الذي وجب لها فيه التمليك، على قول مالك الأول، ومثل قول ابن القاسم في رسم شهد من سماع عيسى من كتاب النكاح، خلاف المشهور من قوله وروايته عن مالك، والذي يأتي في هذه المسألة على المشهور من قول مالك، إن ذلك بيدها وإن طال الأمر بعد الوقت الذي وجب لها فيه التمليك، بأذاه إياها إذا منعته نفسها، بدليل امتناعها منه كالأمة تعتق تحت العبد، وقد مضى هذا المعنى مشروحا مبينا في رسم حلف من سماع ابن القاسم قبل هذا. وأما قول ابن وهب في إعمال التصديق الذي جعل إلى الزوجة، وإمضاء الطلاق عليها، فلا اختلاف فيه، إذا لم يكن ذلك شرطا في أصل العقد، وقد اختلف إذا كان التمليك بشرط التصديق في الضرر، مشترطا في أصل العقد. فروي عن سحنون أنه قال: أخاف أن يفسخ قبل البناء، فإن دخل بها فلا يقبل قولها إلا ببينة على الضرر. وكان ابن دحون يفتي بأن من التزم التصديق في الضرر، إن ذلك لا يلزمه، ولا يجوز إلا بالبينة، ومن هذا المعنى مسألة الذي يزوج أجيرا له جارية له على أنه إن رأى منه أمرا يكرهه، فأمرها بيده، وقد مضى القول فيها في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، فقف عليه، فإن الاختلاف الذي ذكرته فيها داخل بالمعنى في شرط التصديق في الضرر في أصل العقد، والله الموفق. [مسألة: قال لامرأته اختاري فنقلت متاعها] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته: اختاري، فنقلت متاعها، فسئلت فقالت: لم أرد شيئا، فقال: إن لم تكن اختارت فلا شيء لها.

مسألة: طلق امرأته تطليقة ثم قالت له أنا أعطيك عشرة دنانير

قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم كتب عليه من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: طلق امرأته تطليقة ثم قالت له أنا أعطيك عشرة دنانير] مسألة وقال أشهب: في رجل طلق امرأته تطليقة ثم قالت له: أنا أعطيك عشرة دنانير، على أن لا تراجعني، فقال: إن شاء راجعها، فإن راجعها رد عليها العشرة. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا، خلاف قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وليس خلافا لما في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم؛ لأنها مسألة أخرى، لا اختلاف فيها. وقد مضى القول هناك، وفي سماع عيسى، وظاهر قول أشهب هذا إن الأمر لا يلزمه وإن قبض العشرة، وله أن يردها بعد أن قبضها ويراجعها، وهو بعيد؛ لأنه إذا قبض العشرة، فقد ألزم نفسه ما واجبته عليه المرأة من إسقاط حقه في مراجعته إياها، ولزمته بذلك طلقة واحدة، قولا واحدا. وإنما الخلاف إذا قال لها لما جاءته بالعشرة: لا أخذها، ولا أترك حقي في المراجعة؛ لأني لم أوجب ذلك على نفسي، وإنما وعدت به، وذلك على قياس المسألة التي مضى الكلام عليها في أول سماع ابن القاسم، وهي إذا قالت المرأة لزوجها: خذ مني عشرين دينارا، وفارقني، فلما جاءته بها قال: لا آخذها ولا أفارقك ويدخل فيها القول الثالث، وهو الفرق بين أن تبيع بالعشرة متاعها، وتكسر بها عروضها، وبين أن تأتيه بها من غير شيء تفسده على نفسها، فينبغي ألا يحمل قول أشهب على ظاهره، وأن يتأول على ما يصح، فيقال: إن معنى قوله: ويرد العشرة أي يتركها، ولا يأخذها منها، وذلك جائز في الكلام، كما يقول الرجل رددت السلعة بالعيب، وإن كان لم يقبضها بعد؛ لأن ما وجب للرجل قبضه، فكأنه قد قبضه، وإذا حمل قول أشهب هذا على أنه لم يقبض

ملك امرأته نفسها فقالت اخترت أمري

العشرة، احتمل أن يحمل ما في رسم إن خرجت من سماع عيسى على أنه قبض العشرة، فلا يكون ذلك اختلافا من القول، وبالله التوفيق. [ملك امرأته نفسها فقالت اخترت أمري] ومن سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب النكاح قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن ملك امرأته نفسها فقالت: اخترت أمري، فسئلت ما أردت بذلك، فقالت: الصلح فتفرقا على ذلك ثم علم أنه صلح، فلا يراجعها إلا بنكاح جديد، وإن خيرها فقالت مثل ذلك، فهو سواء، وهو صلح إذا كان قد رضي بذلك. قيل له: إنما ظن أنه يلزمه، فقال: أليس قد رضيا وافترقا على الرضا. قال: هو صلح، قال أصبغ: هذا الجواب على رأي من لا يرى قولها: اخترت أمري ولم تسم الصلح، وأراد به شيئا. وأنا لا أرى ذلك الرأي؛ لأن قولها اخترت أمري في الخيار والتمليك فراقا لأنه عندي جواب له للكلام إلى آخر قول أصبغ. قال محمد بن رشد: إنما ألزمه الصلح الذي قالت المرأة إنها أرادته بقولها: قد اخترت أمري في التخيير والتمليك، لرضى الزوج به، وافتراقهما عليه، ولو لم يرض به، وأنكره لم يلزمه شيء في المسألتين جميعا؛ لأنه يرى قولها: اخترت أمري طلاقا. هذا ظاهر الرواية، ومعنى ذلك: إذا قالت أردت الصلح أو رضيت الصلح به، وأما إن قالت: إنما أردت بذلك أني اخترت طلقة الصلح، أو طلاق الصلح، لا تنبغي ألا يكون في التخيير شيئا، وأن يكون له أن يناكرها في التمليك، بمنزلة إذا ملكها أو خيرها فقالت: قد اخترت واحدة بائنة، على ما مضى في رسم الصلاة من سماع يحيى. وقد مضى القول على ذلك هنالك. ولا اختلاف في قولها اخترت نفسي إن ذلك

مسألة: له أربع نسوة فسافر فقدم بخامسة فزعم أنه قد كان خير امرأة من نسائه

ثلاثا، ولا تسأل المرأة عما أرادت بذلك، ولا في قولها قبلت أمري إنها تسأل فيما أرادت بذلك، واختلف في اخترت أمري وقبلت نفسي، فذهب أصبغ إلى أنهما جميعا ثلاث ثلاث، ولا تسأل ما أرادت بذلك، وذهب أشهب إلى أنها تسأل فيهما جميعا. وذهب ابن القاسم، تسأل في اخترت أمري، ولا تسأل في قبلت نفسي. فهذا تحصيل القول في هذه الأربعة ألفاظ، وبالله التوفيق. [مسألة: له أربع نسوة فسافر فقدم بخامسة فزعم أنه قد كان خير امرأة من نسائه] مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن رجل له أربع نسوة، فسافر، فقدم بخامسة، فزعم أنه قد كان خير امرأة من نسائه، فاختارت نفسها وسماها، وقالت المرأة: لم يخيرني، قال: لا يقبل قوله، ويفرق بينه وبين الخامسة، ويدرأ عنه الحد فيها إن كان أصابها، وتطلق عليه المرأة التي زعم أنه كان خيرها فاختارت، وتستقبل العدة من يوم أظهر وأخبر أنه خيرها، وتستبرئ الأولى التي تزوجها، وفرق بينهما نفسها بثلاث حيض، إن كان أصابها ودخل بها، ثم يكون خاطبا من الخطاب فيها قال أصبغ مثله، وقال: فإن صدقته المرأة في الخيار وفي الاختيار، فلا يصدق، ولا ينتفع بذلك، والجواب فيها على جواب التكذيب والإنكار سواء في جميع ذلك. قال محمد بن رشد: قول أصبغ تفسير لقول ابن القاسم، والمسألة كلها بينة صحيحة؛ لأنه يؤخذ في الحكم الظاهر بما أقر به على نفسه من طلاق التي خيرها فاختارت نفسها، ولا يصدق في الباطن على ذلك؛ لأنه مدع فيه ليصح له نكاح الخامسة، فعليه إقامة البينة على ذلك. وقوله: إنها تستقبل العدة من يوم أظهر وأخبر أنه خيرها، معناه العدة التي يباح لها بالحكم أن تتزوج بانقضائها، وأما العدة التي تحل بها للأزواج في باطن الأمر فيما بينها وبين الله، فمن يوم خيرها واختارت نفسها، وبالله التوفيق.

مسألة: يرسل إلى امرأته يملكها أمرها

[مسألة: يرسل إلى امرأته يملكها أمرها] مسألة وسمعته وسئل عن الرجل يرسل إلى امرأته يملكها أمرها، ثم يبدو له قبل أن يبلغ لها ذلك الرسول، وكيف إن توانى الرسول، فذهب غيره ممن سمع ذلك منه إليها، فقالت: قد اخترت نفسي، قال: قد وقع الفراق في هذا الوجه وخرج ما كان في يده، وليس له أن يرد الرسول إذا كانت الرسالة على الإجماع، وإنما هو بمنزلة الكتاب إذا كتب على الإجماع، فليس له أن يحبسه إلا أن يكون حين كتبه أراد أن يستشير وينظر، فذلك له. قال محمد بن رشد: قوله: وليس له أن يرد الرسول إذا كانت الرسالة على الإجماع، يدل على أنه إذا كانت الرسالة على غير الإجماع، وعلى أنه يرد الرسول إن أحب فذلك له، ولا اختلاف في هذين الوجهين البينين، وإنما الاختلاف إذا أرسله ولم تكن له نية على ما هو محمول، فحمله في المدونة على الإجماع حتى يريد غيره الإجماع، وفي رسم العتق من سماع عيسى على غير الإجماع حتى يريد الإجماع، وقد مضى القول على ذلك هنالك، ولا أعلم في الكتاب اختلافا أنه إذا كتبه، ولا نية له، أنه محمول على الإجماع. ويلزمه الطلاق، ولا في أنه أكتبه على أن ينظر ويستشير، فإن رأى أن ينفذه أنفذه، وإن رأى ألا ينفذه، لم ينفذه، فأرسل به ولا نية له أن الطلاق قد لزمه حسبما ذكرناه في سماع أشهب من كتاب طلاق السنة، واتفاقهم على هذا في الكتاب يقتضي على اختلافهم في الرسول، ويبين أن الأصح من القولين في ذلك ما في المدونة، وبالله التوفيق. [صالح امرأته وادعى أنه صالحها على عبدها فلان] من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ وسئل عن رجل صالح امرأته، وادعى أنه صالحها على عبدها فلان، وادعت أنها صالحته على عشرة دنانير، وأنكرت دعواه في العبد، فأقام شاهدين، فشهدا أنه إنما صالحها على العبد، وأقامت

هي أيضا شاهدين أنها صالحته على عشرة دنانير، وزعم الشهود الأربعة أنهم حضروا صلحهما في يوم واحد، وساعة واحدة، وكلمة واحدة، فقال شاهدان: لفظ لفظة، فصالح فيها على العبد ورضيت، وقال آخران: بل تلك اللفظة التي لفظها قد حضرناها معكم. إنما صالحها على عشرة دنانير. قال أصبغ: هذه بينة قد أكذبت بعضها بعضا اجتمعت على أن اللفظة كانت واحدة، واختلفتا فيما وقع به الصلح، فأرى الشهادة كلها مطروحة؛ لأن البينة متكافئة ومكذبة بعضها بعضا، كأنها لم تشهد أصلا، فإن شاء الزوج أخذ العشرة التي أقرت بها المرأة فذلك، وإلا فقد تم الصلح ولا شيء له. قلت: فإن ادعى الزوج حين شهدت البينتان، أنه صالحها بالأمرين جميعا: الدنانير، والعبد، قال: ذلك سواء؛ لأن البينة قد أكذبت بعضها بعضا فهي مطروحة. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا صحيح على مذهب ابن القاسم؛ لأنه لم يختلف قوله في أن الشهود إذا اختلفوا هكذا في نوعين، وتكافأت البينتان أنهما تسقطان، وإنما اختلف قوله إذا شهدت إحدى البينتين بأكثر مما شهدت به البينة الأخرى، فمرة قال: إنه يؤخذ بالبينة التي زادت، وهو المشهور من قوله، ومرة قال: إنهما إذا تكافأتا سقطتا، كاختلافهما في النوعين. والقولان في المدونة. وقد فرق بين أن تكون الزيادة في المعنى دون اللفظ، مثل أن تشهد إحدى البينتين بمائة، والثانية بخمسين، وبين أن تكون الزيادة في اللفظ والمعنى، مثل أن تشهد إحدى البينتين بمائة وخمسين والثانية بمائة، وهي تفريقة حسنة، لها وجه ظاهر. وقد روى المدنيون عن مالك، أن الشهود إذا اختلفوا في النوعين، قضى بشهادتهما جميعا، ولم يجعل ذلك تكاذبا، فعلى قوله: إن ادعى الزوج العبد والدنانير، قضى له بهما جميعا، وإن ادعى العبد، قضى له به بشهادة من أحقه له، وبالله التوفيق.

مسألة: يقول لامرأته أنت صلح أو أنت طالق طلاق الصلح

[مسألة: يقول لامرأته أنت صلح أو أنت طالق طلاق الصلح] مسألة وسألته عن الرجل يقول لامرأته: أنت صلح، أو أنت طالق طلاق الصلح، أو قد صالحتك، أو يقول للناس: اشهدوا أني قد صالحت امرأتي والمرأة حاضرة أو غائبة عالمة أو لم تعلم، راضية أو كارهة، قال: فذلك كله سواء، وهي طالق طلقة بائنة، لا رجعة له عليها، أخذ منها شيئا أو لم يأخذ، فذلك كله سواء، وكذلك إن قال لها: أنت مبارية، أو قال: قد طلقتك طلاق المباراة، أو باريتك، أو قد باريتها، رضيت بذلك أو لم ترض، فهي طالق طلاق المباراة، وطلاق الصلح في كل ما سألت عنه. قال لي: وأما قوله: أنت طالق طلقة بائنة، فهذه كقوله: أنت بائنة. وألغى قوله أنت طالق طلقة لقوله بائنة، فهي بائنة. وكذلك حين قال: أنت طالق طلاق الصلح ألغى قوله: أنت طالق، وجعله صلحا، وضعف قول من يقول: إن قوله أنت طالق طلاق الصلح، وقوله قد صالحتك، ولم ترض إن ذلك ثلاث. قال محمد بن رشد: هذا كله مذهب ابن القاسم. وقد مضى في رسم إن خرجت من سماع عيسى بيان مذهبه في ذلك وما فيه من الاختلاف فلا معنى لإعادته، وتكررت المسألة أيضا في رسم الصلاة من سماع يحيى، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترط لامرأته كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها] مسألة وقال: فيمن اشترط لامرأته كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها، فتزوج عليها سرا وكتمها، ثم طلق التي شرط ذلك لها قال ذلك بيدها وإن طلقها. قال محمد بن رشد: ابن الماجشون لا يرى بيدها شيئا من ذلك بعد

مسألة: يأتي الجماعة فيقول لهم اشهدوا أني قد خالعت امرأتي على كذا وكذا دينارا

طلاقها، ومعناه في الطلاق البائن على ما روي عن سحنون وقد مضت المسألة والقول فيها في سماع أصبغ من كتاب النكاح، وبالله التوفيق. [مسألة: يأتي الجماعة فيقول لهم اشهدوا أني قد خالعت امرأتي على كذا وكذا دينارا] مسألة وسئل ابن نافع عن الرجل يأتي الجماعة فيقول لهم: اشهدوا أني قد خالعت امرأتي على كذا وكذا دينارا، والمرأة غائبة، هل ترى لهذا خلعا، حضرت المرأة، أو غابت أمضت الخلع أو أنكرته؟ قال: أراه خلعا بائنا، وتطليقة بائنة إلا أن يكون أراد أكثر من ذلك منها، فيكون إلى ما أراد به من الأكثر، ويقال للمرأة إذا حضرت أتمضين الذي ادعى عليك من عطيتك له في خلعك أم لا تمضين؟ فإن أمضته له فكسبيل ذلك، وإن أبت مضى الخلع وكانت أملك بنفسها، وحلفت له أنها لم تعطه شيئا ولم يكن له من الذي ادعاه من عطيتها قليل ولا كثير، ويمضي الخلع. قال محمد بن رشد: قوله: ويقال للمرأة إذا حضرت أتمضين ما ادعى عليك من عطيتك له أم لا تمضين؟ يدل على أنه إنما أراد بقوله في مغيب المرأة: اشهدوا أني قد خالعت امرأتي على كذا وكذا، أي اشهدوا على أني قد خالعتها قبل هذا فيما بيني وبينها على كذا وكذا. وهذا ما لا اختلاف فيه، أن الخلع له لازم، فإن أقرت المرأة بما ادعى عليها أنها سمته له على الخلع لزمها، وإلا حلفت وسقط عنها والطلاق لازم له على كل حال، وإنما الاختلاف إذا قال لهم وهي غائبة: أشهدكم أني قد خالعتها لقوله هذا على كذا وكذا، هل يلزمها الخلع إن لم ترض أن تعطيه ما خالع عليه أم لا؟ على قولين وقد مضى ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: البكر يزوجها وليها ثم يباريها وليها] مسألة قيل لأصبغ: ما تقول في البكر يزوجها وليها، ثم يباريها وليها

من زوجها برضاها، أو تباري هي عن نفسها، ووليها ليس بوالد ولا وصي؟ وكيف إن كانت صغيرة لم تبلغ المحيض زوجها أبوها ثم هلك عنها، فباراها زوجها قبل بلوغها وقبل دخوله بها، ثم تنتقض وتطلب نصف صداقها؟ وكيف أن يباريها إلا بحميل يحمل له بما أدركه من قبلها في نصف صداقها؟ هل يلزم الحميل حمالته إن رأيت أن لها نصف الصداق؟ قال: لا يجوز عليها ما بارت به ما دامت في حال الصغر ولم تحض، أو السفه بالضعف، وحد الولاية لو كان لها ولي، فهذا يرد ما أعطت أو بارت به عليها متى ما قامت، ويمضي الفراق على كل حال بينهما؛ لأنه طلاق من الزوج. وهذه مثل الذي يبارى عنها بغير علمها من أب أو أخ، فيمضي الفراق، ولها الرجوع على زوجها بما وضع له، أو أعطى من مالها بغير علمها، فالصغيرة والسفيهة واحدة، فافهم، والحميل الذي ذكرت في مسألتك للمباراة وما لحق بها ضامن، إن كان ممن لا يولى على مثله أيضا، فالحميل هاهنا والذي بارا عن المرأة بغير علمها ولا أمرها، سواهما غارمان، غير أن الزوج في هذا يرجع على الذي عامله إذا رجعت عليه، المرأة، والذي بارى عن الصبية لا يرجع بشيء؛ لأن الصبي لا يرجع عليه، والصبية بمنزلة السفيه الذي يبيع فيبطل ثمنه عنه، ولا يكون للمشتري عليه فيه رجعة، وكذلك حميله. وحميله أولى بالبعد من الرجوع بالصبية في مسألتك بهذا المجرى. قال محمد بن رشد: قوله: إن البكر التي لا أب لها ولا وصي، إذا بارى عنها وليها، أو بارت هي عن نفسها، وإن الصغيرة التي يزوجها أبوها فيهلك عنها، ثم يباريها زوجها قبل البناء بها، يمضي الفراق عليه، ويرجع بما وضعت من صداقها وهي صغيرة أو بكر سفيهة، أو وضعه وليها إذا لم يكن أبا ولا وصيا، بمنزلة الذي يباري عنها بغير علمها أبوها أو أخوها يمضي الفراق على كل حال؛ لأنه طلاق من الزوج، وترجع على زوجها بما وضع أو

مسألة: يصالح امرأته على عبد آبق

أعطى له من مالها بغير علمها صحيح على مذهب ابن القاسم خلاف قول سحنون في البكر التي لا أب لها ولا وصي، إن أفعالها جائزة، وقد مضى ذلك له في رسم الصبرة من سماع يحيى، وقوله: إن الحميل الذي تحمل للزوج بما أدركه من قبل البكر، أو الصغيرة، في مباراته إياهما ضامن إن كان لا يولى على مثله صحيح أيضا، لا اختلاف فيه وسواء أقام الولي عنها فأبطل ما وضعت عن الزوج، أو قامت هي عن نفسها، إلا أن يكون إنما تحمل بما أدركه منها، فلا يلزمه ضمان، إلا أن تكون هي القائمة في ذلك عن نفسها. قاله في نوازله من كتاب الكفالة والحوالة. وقوله: والحميل هاهنا، والذي بارا عن المرأة بغير علمها ولا أمرها سواهما غارمان، هو مثل ما في كتاب الصلح من المدونة. ومثل قول أصبغ في الواضحة: إن المصالح ضامن وإن لم يشترط عليه للضمان، خلاف ظاهر ما في كتاب إرخاء الستور من المدونة. وما مضى في أول رسم ابتاعه من سماع يحيى. وما ذكر ابن حبيب في كتاب الوثائق، إنه لا ضمان عليه إلا أن يشترط عليه الضمان. وأما قوله: غير أن الزوج يرجع في هذا على الذي عامله إذا رجعت عليه المرأة، والذي بارى على الصبية لا يرجع بشيء، فمعناه: غير أن الزوج يرجع في هذا على الذي عامله، وعلى الحميل الذي تحمل له إذا رجعت عليه المرأة، والذي بارى الصبية ولم يباره عنها أحد، لا يرجع بشيء إذا لم يأخذ ضامنا. وأما إذا أخذ ضامنا من الصبية في مباراته إياها، فإنه يرجع عليه، كما يرجع على الذي بارى عن المرأة بغير علمها ولا أمرها، وإنما تفترق المسألتان، إذا لم يأخذ هاهنا من الصبية في مباراته إياها، فلا يرجع عليها. ويرجع على الذي بارى عن المرأة بغير علمها ولا إذنها، وإن لم يقل أنا ضامن، وقد قيل: إنه لا ضمان عليه إلا أن يشترط عليه الضمان ذكرناه. ولابن دينار في المدينة قول ثالث إنه إن كان أبا أو ابنا أو أخا فهم ضامنون، وأما غيرهم فلا، وبالله التوفيق. [مسألة: يصالح امرأته على عبد آبق] مسألة قيل لأصبغ: فالرجل يصالح امرأته على عبد آبق وعلى إن

أعطاها هو عشرة دنانير، فقال: ينظر إلى قيمة العبد يوم وقع الصلح، فإن كانت قيمته أكثر من عشرة دنانير، ردت المرأة العشرة إلى الزوج، وكان لها من العبد مقدار العشرة، وللزوج ما بقي، مثل أن تكون قيمته خمسة عشر، فيكون لها ثلثاه، وللزوج ثلثه. قال أصبغ: فإن كانت قيمته عشرة فأدنى أمضيت ما صنعا، ومضت العشرة للمرأة والعبد للزوج، وجعلته بسبيل الصلح، كأنها صالحته على العبد الآبق وحده، أو كأنه صالحها على العشرة وحدها. قيل له: فإن كان مكان العبد ومسألتي على حالها جنين أو ثمرة لم تطب أو لم توبر متى ينظر إلى قيمة ذلك؟ قال أصبغ: أما في الجنين، فقيمته يوم ولدته أمه وتم؛ لأنه قبل ذلك لم يكن شيئا، وفي الثمرة التي لم توبر ينظر لقيمتها يوم أبرت؛ لأنها لم تكن قبل ذلك شيئا. وقد صارت الآن ثمرة تصير للبالغ إن باع أو يشترط وإن لم تطب فيوم وقع الصلح؛ لأنها كانت بعد ثمر، إلا أنها كانت في حال غرر وخوف ورجا، كحال العبد في إباقه. قال محمد بن رشد: لم يجر أصبغ في هذه المسألة على أصل؛ لأنه نقض البيع فيما قابل العشرة من الآبق، وجعل للخلع من الآبق ما زاد على العشرة، وقال: إنه إذا لم يكن في قيمة الآبق زيادة على العشرة، مضى البيع بينهما، ولم ينقض، وكان يلزم إذا نقض البيع فيما قابل العشرة من الآبق، أن ينقض البيع في جميعه إذا كانت العشرة مقابلة لجميعه، ولم يكن في قيمته زيادة على العشرة، وكذلك لأصبغ في كتاب ابن المواز أنه إن كانت قيمته عشرة فأدنى، ردت العشرة إلى الزوج، والآبق إلى المرأة. وهو الذي يطرد على أصله، وكذلك لم يجر أيضا على أصل واحد في تقويم ما سمت المرأة للزوج من الغرر، إذ قال في العبد الآبق وفي الثمرة التي قد أبرت ولم يبد صلاحها إنه ينظر إلى قيمة ذلك يوم وقع الصلح، يريد على غرره، لو كان يحمل بيعه على ذلك. وقال في الجنين: إنه ينظر إلى قيمته يوم ولدته أمه، وكان يلزمه أن

يقول في الجنين، قيمته يوم وقع الصلح به على غرره، كما قال في الثمرة التي لم تطب، وفي العبد الآبق، أو أن يقول في الثمرة والآبق: إن القيمة تكون في ذلك يوم يحل البيع بطياب الثمرة ووجود العبد الآبق كما قال في الجنين؛ إن القيمة تكون فيه يوم يحل بيعه، وهو يوم ولادته، وكذلك قال سحنون: إن القيمة تكون في الآبق والشارد والجنين، يوم يقبض ذلك الزوج. وأما قوله في الثمرة التي لم توبر: إن القيمة تكون فيها يوم الإبار، فهو خارج عن ذلك كله، إذ لم يقل: إن القيمة تكون فيه يوم وقع الصلح على غررها، على ما قال في الآبق والثمرة التي أبرت، ولم يبد صلاحها، ولا قال: إن القيمة تكون فيها يوم الطياب على ما قال في الجنين. وقول أصبغ في هذه المسألة يأتي على قياس قول ابن نافع ومطرف في المصالح بشقص فيه شفعة عن موضحتين، إحداهما عمدا والأخرى خطأ لأنه لم يجعل من قيمة الآبق للخلع الذي هو مجهول إلا ما زاد على العشرة دنانير، المعلومة، كما لم يجعل ابن نافع ومطرف من قيمة الشقص لموضحة العمد المجهول ديتها، إلا ما زاد على موضحة الخطأ المعلوم ديتها، إلا أنه نقض أصله في آخر المسألة، والذي في كتاب ابن المواز هو الذي يطرد على أصله، والذي يأتي فيها على قياس قول ابن القاسم في الموضحتين، إذ جعل نصف الشقص للموضحة العمد، ونصفه للموضحة الخطأ؟ إذ قال: إن الشفيع يأخذ الشقص بالشفعة بدية موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص أن يكون نصف الآبق العشرة دنانير، ونصفه للخلع للذي هو مجهول، فيفسخ البيع في نصفه، وترد المرأة العشرة دنانير إلى الزوج، ويكون لها نصف الآبق، ونصفه للزوج. والذي يأتي فيها على قياس قول المخزومي الذي جعل الشقص للموضحة العمد، وحمل على ذلك دية موضحة الخطأ أن ينظر إلى قيمة الآبق، فيضم إلى ذلك العشرة الدنانير، ثم ينظر ما يقع للعشرة من الجميع، فإن كان يقع من ذلك الثلث، علمت أنه يقع للعشرة دنانير من العبد الآبق الثلث، وللخلع الثلثان، فيفسخ البيع في الثلث، وترد العشرة إلى الزوج، ويكون للزوجة من العبد الثلث الذي انفسخ فيه البيع، وللزوج الثلثان بالخلع، وهكذا قال سحنون في كتاب ابنه في هذه

يقول لامرأته إن أنا أخذت من مال ابنتك شيئا فأمرها بيدك

المسألة، قياسا على قول المخزومي الذي استحسنه في مسألة الصلح بالشقص عن الموضحتين، إلا أنه قال: إن القيمة في العبد الآبق، تكون يوم يقبض ذلك الزوج على ما ذكرناه من مذهبه في ذلك، وإذا لم ير سحنون القيمة في العبد، إلا يوم يقبضه الزوج، فالذي يأتي على مذهبه في ذلك، أنه إن عثر على الأمر قبل القبض، مضى الطلاق على الزوج وانفسخ البيع جملة في العبد الآبق، فرجع إلى الزوجة تطلبه لنفسها، ورجعت العشرة إلى الزوج، وكذلك يلزم على قول أصبغ في الجنين والثمرة التي لم توبر، إذ قال: إن التقويم في الجنين، لا يكون حتى يوضع، ولا في الثمرة حتى توبر، وإن عثر على ذلك قبل أن يوضع الجنين، وقبل أن توبر الثمرة أن يمضي الطلاق على الزوج وينفسخ البيع جملة في الجنين والثمرة، إذ لا يصح إن عثر على الأمر قبل الوقت الذي يصح فيه التقويم أن يؤخر الحكم فيه إلى وقت يصح فيه التقويم. فتنتفع المرأة بالعشرة، وهي لا تجب لها، ولا بد من ردها، أو رد بعضها إلى الزوج، وإن كان ابن لبابة قد ذهب إلى هذا فقال: قول أصبغ ليس له وجه يصح تأويله عليه، فلو قال يمضي الطلاق ويمهل في أمرها حتى يرجع الآبق ويخرج الجنين، ويجوز بيع الثمرة، فإذا كان ذلك قوم الانتفاع بالعشرة على الرجاء والخوف في الأمر الماضي من يوم تعاملهما، إلى يوم جاز البيع في العبد والجنين والثمرة، فيضاف ذلك إلى العشرة، ويكون للزوج من عبدها وثمرتها وجنينها هذه العدة، يباع ذلك فيها، والفضل للزوج إن كان في ذلك فضل، وإن لم يكن فضل ولم يكن له ولا عليه شيء، ومضى الطلاق عليه، ولو قال قائل يمضي الطلاق وله خلع مثله، كما روى عيسى عن ابن القاسم في رسم إن خرجت إذا خالع بثمر لم يبد صلاحه، إن الثمرة لها، وله عليها في مالها خلع مثلها، يريد لكان لذلك وجه، فأما هذا فله وجه كما ذهب إليه، وأما الأول فلا يصح من غير ما وجه. والله تعالى أعلم وبه التوفيق. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. [يقول لامرأته إن أنا أخذت من مال ابنتك شيئا فأمرها بيدك] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من عبد الرحمن بن القاسم قال أبو زيد: أخبرنا ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته:

مسألة: دفع إليه مالا قراضا واشترط عليه إن أحدث فيه حدثا فأمر امرأته بيد المقارض

إن أنا أخذت من مال ابنتك شيئا، فأمرها بيدك، فيأخذ منه ويستهلكه، فهل يكون في يد الأب ما جعل الزوج بيده؟ وكيف إن قالت الابنة لزوجها قد وضعت عنك ما جعلت لأبي، وهل ذلك إن كان في عقدة النكاح أو بعد عقدة النكاح واحد؟ . قال ابن القاسم: إن كان ذلك من الأب عند شرط النكاح على وجه النظر لابنته، والاحتياط لها أو بعد عقدة النكاح، وتركت الابنة ذلك، فلا أرى أن يجوز فراق الأب، وأرى أن يجبر الأب على أن لا يفرق بينهما إذا رضيت الابنة بترك ذلك، إذا كانت مرضية الحال، وإن كانت غير مرضية الحال، فأرى قضاء الأب عليها جائزا. قال محمد بن رشد: إنما شرط في تركها الشرط لزوجها، أن تكون مرضية الحال، من أجل أن الأب إنما اشترط ذلك عليه حياطة لمالها، فإذا كانت ممن لا يجوز لها أمرها في مالها، لم يجز لها أن تضع الشرط عن زوجها فيه، وإن كانت ممن يرضى حالها ويجوز أمرها في مالها، جاز لها أن تضع الشرط عن زوجها؛ لأن الحق فيه إنما هو لها، إذ هي أملك بمالها منه. وأما إذا أخذ من مالها شيئا واستهلك قبل أن تضع عنه الشرط، أو وهي ممن لا يجوز لها وضع الشرط، فالقضاء في ذلك، بيد الأب، فإن أحب الأب أن يفرق بينهما، وأحبت هي الإقامة مع زوجها، فلم يعط في ذلك جوابا بينا. والذي ينبغي أن ينظر السلطان في ذلك، كما قال في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب النكاح، في الذي شرط على زوج ابنته أنه إن نكح عليها، فأمرها بيده؛ لأن حجة الأب بالضرر الداخل عليها في مالها، أقوى من حجته في الضرر الداخل عليها بالنكاح، وهذه المسألة بخلاف أول مسألة من سماع عيسى للمعاني المفرقة بينهما، وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إليه مالا قراضا واشترط عليه إن أحدث فيه حدثا فأمر امرأته بيد المقارض] مسألة وسئل عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا واشترط عليه إن

مسألة: ملك امرأته أمرها فقالت ما أنت لي بزوج وما أنا لك بامرأة

أحدث فيه حدثا فأمر امرأته بيد المقارض ما حدث، هل له من ذلك شيء أن يقضي؟ قال: نعم، إذا كان حدثا بينا يعرف، فأرى ذلك بيد صاحب المال، وإنما هو بمنزلة اليمين إذا حدث فيه حدث، فامرأته طالق، فما كان يلزمه في نفسه، فكذلك إذا أحدث فيه حدثا، كان مما جعل في تمليك امرأته بيد صاحب المال. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن التمليك يجر إلى الطلاق فهو يلزم بما يلزم به الطلاق من الشروط. ولا اختلاف في ذلك، والله الموفق. [مسألة: ملك امرأته أمرها فقالت ما أنت لي بزوج وما أنا لك بامرأة] مسألة وقال في رجل ملك امرأته أمرها فقالت: ما أنت لي بزوج، وما أنا لك بامرأة، قال: هي البتة إلا أن يناكرها. قال محمد بن رشد: هذه الألفاظ وما أشبهها قال فيها في المدونة: إنها تكون طلاقا إذا أريد بها الطلاق، فلما قالت ذلك المرأة جوابا لزوجها في التمليك، حملت على أنها أرادت بها الطلاق. وأما قوله: إنها تكون ثلاثا إلا أن يناكرها، فقد اختلف في ذلك، فقيل: إنها تكون واحدة، إلا أن يريد بها ثلاثا. وقد مضى هذا في سماع أبي زيد من كتاب طلاق السنة، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد عليه شاهد أنه خير امرأته فاختارت نفسها] مسألة وسئل عمن شهد عليه شاهد أنه خير امرأته، فاختارت نفسها، وشهد آخر أنه أقر عندهم أنه خير امرأته، وأنها اختارت نفسها فقال: أراها ألبتة، وأراها شهادة جائزة قد اجتمعا على التحريم جميعا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الشهادة على الرجل أنه فعل

مسألة: يجعل لامرأته بعد الدخول إن غاب عنها سنة فأمرها بيدها

شيئا، كالشهادة عليه أنه أقر أنه فعله، يثبت هذا بما يثبت هذا، ويوجب هذا ما يوجب هذا، فوجب أن تلفق الشهادة في ذلك، إذ لم يختلف الفعل والإقرار، ومثل هذا في كتاب الغضب وكتاب القذف من المدونة، ولا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، وبالله التوفيق. [مسألة: يجعل لامرأته بعد الدخول إن غاب عنها سنة فأمرها بيدها] مسألة وقال في رجل يجعل لامرأته بعد الدخول إن غاب عنها سنة فأمرها بيدها، فيغيب فتختار نفسها، فيأتي فيقول: لم أرد إلا واحدة، إنه يحلف ويكون أحق بها، إذا أدركها في عدتها، وإن لم يدركها في عدتها كان خاطبا من الخطاب. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه إن له أن يناكرها إذا أنكر عليها ما قضت به من الثلاث ساعة علمه، وإن كان ذلك بعد مدة من اختيارها نفسها. [مسألة: يقول للرجل كلما جاء شهر وكلما حاضت امرأتي حيضة فأمرها بيدك] مسألة وقال في الرجل يقول للرجل: كلما جاء شهر، وكلما حاضت امرأتي حيضة فأمرها بيدك، إنه يوقف الذي جعل ذلك بيده متى ما علم، فإن طلق الثلاث جميعا جاز ذلك عليه، وإن أبى أن يطلق سقط ما بيده. قال: وإن أراد الزوج أن يرجع فيما جعل بيده من ذلك قبل أن يوقف، فليس ذلك له. قال محمد بن رشد: مساواته في هذه المسألة بين أن يقول: كلما جاء شهر، وكلما حاضت امرأتي حيضة صحيح، على أصله في المساواة في تعجيل الطلاق بين أن يقول امرأتي طالق، كلما جاء شهر، أو كلما حاضت حيضة؛ لأن ما كان من الأجل يعجل فيه الطلاق، يعجل فيه التوقيت في التمليك. وقوله: فإن طلق الثلاث جميعا جاز ذلك عليه، ليريد ولا مناكرة له في ذلك،

مسألة: نزلت به يمين فأفتي أن قد بانت منك امرأتك

لأن لفظة كلما تقتضي التكرار، فكما يعجل عليه فيها الطلاق ثلاثا في المسألتين جميعا، فكذلك يكون للمملك بها أن يقضي بالثلاث فيهما جميعا، ولا يكون للزوج في ذلك مناكرة، ويأتي على مذهب من رأى فيمن قال: كلما حاضت امرأتي حيضة فهي طالق، إنه لا يلزمه فيها إلا طلقة واحدة إن كانت أمة، أو تطليقتين، إن كانت حرة، أن يكون للزوج أن يناكرها إن طلق المملك ثلاثا في الحرة، وتكون اثنتين، أو إن طلق اثنتين في الأمة، وتكون واحدة، ويأتي على مذهب أشهب فيمن قال لرجل: أمر امرأتي بيدك، كلما حاضت حيضة، إنه لا يوقف، ولا يكون بيده شيء حتى تحيض، كلما حاضت ما بقي من طلاق ذلك المملك شيء، ولا يسقط ما بيد المملك في ذلك الوطء؛ لأنه على مذهبه، كمن قال: كلما فعلت فلانة كذا وكذا، فأمرها بيدك. وفي مختصر ما ليس في المختصر. أن من ملك امرأته أمرها أو رجلا أجنبيا إلى أجل، أنه لا قضاء لواحد منهما في ذلك، حتى يأتي ذلك الأجل، وللزوج أن يطأ إلى ذلك الأجل، كالتمليك إلى قدوم فلان سواء، والمشهور في المذهب تعجيل التوقيف في ذلك، كما يعجل الطلاق فيه على من حلف بالطلاق إليه، وأن الوطء بعلم المملك يقطعه، كانت الزوجة أو أجنبيا، وهو مذهب ابن القاسم. وقيل: إنه لا يقطعه وهو مذهب أصبغ وقيل: إنه يقطعه إن كانت الزوجة هي المملكة، ولا يقطعه إن كان المملك أجنبيا. وهو قول ابن الماجشون واختيار ابن حبيب. [مسألة: نزلت به يمين فأفتي أن قد بانت منك امرأتك] مسألة قلت: فرجل نزلت به يمين، فأفتي أن قد بانت منك امرأتك، فقال لها وللناس: قد بانت امرأتي، ثم علم أنه لا شيء عليه، فقال: لا ينفعه وقد بانت منه، إذا قال ذلك. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة مكررة في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب طلاق السنة. ومضى القول فيها هناك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: جعل أمر امرأته بيدها فقالت قد فرغت

[مسألة: جعل أمر امرأته بيدها فقالت قد فرغت] مسألة وقال: فيمن جعل أمر امرأته بيدها، فقالت: قد فرغت، أو جعله في يد رجل فقال: قد فرغت إن ذلك مثل قولها وقوله قد قبلت، يسأل وتسأل ماذا قبلا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن قولها قد فرغت من الألفاظ التي يحتمل أن يريد بها الطلاق، فوجب أن تسأل عما أرادت بذلك مثل إذا قالت قد شئت، أو قد رضيت، أو قبلت، أو قد اخترت، وما أشبه ذلك، والله الموفق. [مسألة: قال الزوج إن لم أطلقها إلى رأس الهلال فأمرك بيدك] مسألة وسئل عن رجل كانت تحته امرأة، فتزوج عليها، فقالت له امرأته القديمة: هكذا تزوجت علي، فقال الزوج: إن لم أطلقها إلى رأس الهلال، فأمرك بيدك، فقالت: أشهدكم إن لم يطلقها إلى رأس الهلال، فقد اخترت نفسي بثلاث ألبتة. قال: إن لم يطلقها إلى رأس الهلال كما قال، طلقت امرأته التي جعل أمرها بيدها. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم خلاف قوله في المدونة ومذهبه المعلوم في رسم أوصى من سماع عيسى وغيره. مثل مذهب أصبغ وسحنون. وقد مضى القول في ذلك في رسم أوصى من سماع عيسى من هذا الكتاب، وفي رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إن أعطيتني عشرة دنانير طلقتك] مسألة وقال في رجل قال لامرأته: إن أعطيتني عشرة دنانير طلقتك، فجاءته بها، فقال: قد بدا لي أن أطلقك، قال ذلك على وجه إن

كانت باعت متاعها، وكسرت حليها في ذلك حتى جاءته بها، فأرى الطلاق قد ثبت، ورأيته في معنى قوله يقول: وإن جاءته بها من غير أن تتكلف بيع دارها ولا حليها ولا متاعها، فذلك بيد الزوج. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال. وقد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق. كمل كتاب التخيير والتمليك والحمد لله

كتاب طلاق السنة الأول

[كتاب طلاق السنة الأول] [نفقة الأب ينفق على ولده]

من سماع ابن القاسم من كتاب قطع الشجر قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول في الرجل ينفق على ولده ولهم مال قد ورثوه من أمهم، فكتب عليهم ما أنفق، فلما هلك أراد سائرهم من الورثة أن يحاسبوهم ويحتجوا عليهم بالكتاب، قال: إن كان مالهم عنده موضوعا، فليس عليهم غرم ما أنفق عليهم، إذا لم يقل ذلك عند موته؛ لأن الأب ينفق على ولده، وإن كان لهم مال، ومن أمر الناس أن ينفق الرجل على ولده، ولهم المال، وإن كان مالهم في عرض أو حيوان، رأيت أن يحاسبوهم به؛ لأنه كتبه، وإنما اختلف ذلك؛ لأن المال الموضوع في يديه لم يكن يمنعه منه شيء، فلعله إنما كتبه يريد أن يلزمهم أو يتركه فتركه، وأما الذي كان في العروض والحيوان، فإنه يرى أنه يمنعه من ذلك بيعه، وكتب عليهم فيما يرى، والله أعلم. قال ابن القاسم: وهذا أحسن ما سمعت إلي. قال محمد بن رشد: هذه مسألة تتفرع إلى وجوه، وقعت مفرقة في مواضع من هذا السماع، وفي رسم باع شاة من سماع عيسى، وفي سماع أبي زيد من كتاب الوصايا، يعارض بعضها بعضا في الظاهر، فكان الشيوخ يحملون ذلك على أنه اختلاف عن القول، وقوله: إنه لا اختلاف في شيء مما

وقع في هذه الروايات كلها، وبيان ذلك أن مال الابن لا يخلو من أربعة أحوال: أحدها أن يكون عينا قائما في يد الأب، والثاني: أن يكون عرضا قائما في يده، والثالث: أن يكون قد استهلكه، وحصل في ذمته، والرابع: أن يكون لم يصل بعد إلى يده، فأما إن كان عينا قائما في يده، وألفي على حاله في تركته، فلا يخلو من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتبها، فإن كتبها عليه لم تؤخذ من ماله، إلا أن يوصي بذلك، وهو دليل قوله في هذه الرواية إذ لم يقل ذلك عند موته، وإن كان لم يكتبها عليه لم تؤخذ من ماله، وإن كان أوصى بذلك. قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا. وأما إن كان المال عرضا بيده بعينه، ألفي في تركته، فلا يخلو أيضا من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتبها، فإن كان كتبها حوسب بها الابن، وإن أوصى الأب ألا يحاسب بها، وهو ظاهر ما في هذه الرواية، ووجه ذلك أنه لما كتبها عليه دل على أنه لم يرد أن يتطوع بها، فوصيته ألا يحاسب بها وصية لوارث، وهو قول أصبغ في الواضحة: إن المال إذا كان عرضا لم تجز وصية الأب ألا يحاسب بها، ومثله لابن القاسم في المدنية. وإن كان لم يكتبها عليه حوسب بها، إلا أن يكون أوصى الأب ألا يحاسب بها فتنفذ وصيته. وهذا قول ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى. وأما الحالة الثالثة وهي أن يكون الأب قد استهلك المال وحصل في ذمته، فإن الابن يحاسب في ذلك، كتب الأب عليه النفقة أو لم يكتبها، وهو قول مالك في رسم الشجرة بعد هذا، إلا أن يكون كتب لابنه بذلك ذكر حق، أشهد له به، فلا يحاسب بما أنفق عليه. قال ذلك مالك في رواية زياد بن جعفر عنه. وهو تفسير لما في الكتاب. وأما الحال الرابعة وهو ألا يكون قبض المال، ولا صار بيده بعد، فسواء كان عينا أو عرضا، هو بمنزلة إذا كان عرضا بيده. وقد مضى الحكم في ذلك. وما في رسم سلعة سماها، ورسم كتب عليه ذكر حق محتمل أن يكون تكلم فيهما على أن المال لم يصل إلى يده، أو على أنه قد أخذه واستهلكه. وقد مضى الكلام على حكم الوجهين، ولا فرق بين موت الأب وموت الابن فيما يجب من محاسبته بما أنفق عليه أبوه، وبالله التوفيق.

مسألة: دخل عليه وعنده امرأته فقال ما هذه قال مولاة لي هل لك أن أزوجكها

[مسألة: دخل عليه وعنده امرأته فقال ما هذه قال مولاة لي هل لك أن أزوجكها] مسألة وقال مالك في رجل دخل عليه رجل وعنده امرأته، فقال: ما هذه المرأة؟ قال: مولاة لي، هل لك أن أزوجكها؟ قال: نعم، فخرج، فكان يهزل. قال مالك: لا أرى عليه طلاقا، إلا أن ينوي ذلك. قال ابن القاسم: أرى أن يحلف ما أراد بذلك طلاقا، ثم لا شيء عليه، ويؤدب. قال محمد بن رشد: لم ير مالك وابن القاسم على الرجل في هذه المسألة طلاقا في زوجته، وإن كان زوجها بعد قوله إنها مولاته، ومن قولهما إن بيع الرجل زوجته طلقة بائنة، كذا وقع لهما في سماع زونان من هذا الكتاب وفي سماع عيسى من كتاب الحدود، وفي سماع يحيى من كتاب العتق. وقد روي عن مالك أنها ثلاثة، كالموهوبة، وهو قول أصبغ، وأحد قولي ابن عبد الحكم، وتزويجه إياها كبيعه لها، سواء. كذا قال محمد، فإنما لم يريا عليه طلاقا في هذه الرواية من أجل أنه زوجها هازلا، فقولهما في هذا ينحو إلى رواية الواقدي عن مالك، وفي سماع أبي زيد من كتاب النكاح، من أن النكاح لا يجب بالهزل، وإيجاب ابن القاسم عليه اليمن صحيح مبين لقول مالك، ومثله لعيسى في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب العتق. فإن حلف ترك مع زوجته، وإن نكل عن اليمين جرى ذلك على الاختلاف في الذي يقوم عليه شاهد بالطلاق، فينكل عن اليمين، فقيل: إنه يطلق عليه، وقيل: إنه يسجن حتى يحلف، فإن طال ولم يحلف ترك، وقيل: إنه يحال بينه وبينها، ولا يسجن، فإن طلبت امرأته المسيس، ضرب له أجل المولى. ولابن القاسم في المجموعة في هذه المسألة أنها تحرم عليه بالثلاث، بنى بها أو لم يبن. وهو على قياس القول بأن تزويج الرجل امرأته بتات وأن هزل النكاح جد، وأما على مذهب من لا يرى النكاح في بيع الرجل امرأته طلاقا، وهو قول ابن وهب في سماع زونان وأحد قولي محمد بن عبد الحكم، يبين أنه طلاق عليه في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

مسألة: ماتت المرأة أو طلقت أو اختلعت من زوجها قبل أن تظهر الزوج على عيبها

[مسألة: ماتت المرأة أو طلقت أو اختلعت من زوجها قبل أن تظهر الزوج على عيبها] مسألة قال مالك: إذا ماتت. المرأة أو طلقت أو اختلعت من زوجها قبل أن تظهر الزوج على عيبها فلا شيء له، قال سحنون: ويرجع بالصداق على الذي غره، وإن كانت هي غرته أخذ منها وترك لها ربع دينار، وكذلك لو كان الزوج غرها من نفسه، ثم خالعته بشيء، ثم علمت بعيبه، رجعت عليه بما أعطته؛ لأنه قد كان لها أن تفارقه. قال محمد بن رشد: أما إذا ماتت المرأة قبل أن يظهر الزوج على عيبها، فلا اختلاف في أنه لا شيء للزوج في العيب الذي غرته به؛ لأنها إذا ماتت فقد وجب له ميراثه منها كالصحيحة سواء، وعيبها الذي كان بها من جنون، أو جذام وشبهه، لا يضر بعد موتها، وكان كمن اشترى عبدا وبه عيب، فلم يعلم حتى ذهب، إنه لا شيء له فيه. وأما إذا طلقها أو خالعها فقال مالك: لا شيء له، وقال سحنون: له عليها الرجوع بعد الطلاق وبعد الخلع، فإن طلق قبل البناء رجع بجميع الصداق عليها إن كان نقده، وسقط عنه إن كان لم ينقده لأنه كان له أن يردها ويسقط عنه جميعه، وإن طلق بعد البناء رجع بجميع الصداق على الذي غره، وإن كانت هي غرته رجع عليها، وترك لها منه ربع دينار، وإن خالعها قبل البناء بأقل من صداقها، رجع عليها بتمام صداقها، وكذاك إن خالعها بعد البناء بأقل من صداقها، وكانت هي الغارة، رجع عليها ببقية صداقها، إلا أنه يترك لها من ذلك ربع دينار، وإن كان الولي هو الغار رجع عليه بتمام صداقها، وكان لها منه ما أبقت لنفسها مما لم يخالع عليه، وإن كان خالعها بمثل الصداق، أو أكثر منه، فذلك لازم لها وماض عليها، كان ذلك قبل البناء أو بعده؛ لأنه كان له المقام عليها. وجه قول مالك إن العيب لم يضره لما طلق أو خالع باختياره قبل أن يعلم به، فوجب ألا يرجع له بشيء، كمن اشترى عبدا فباعه قبل أن يعلم بالعيب، إنه لا رجوع له بشيء. ووجه قول سحنون: إنه لما رجع بضعها إليها

مسألة: رجل وامرأة شهدا على رجل بطلاق امرأته وهو غائب

بالطلاق أو المخالعة أشبه الرد، فوجب للزوج الرجوع عليها بما يجب في الرد، كمن اشترى عبدا وبه عيب لم يعلم به حتى باعه من بائعه، إن له الرجوع عليه بتمام الثمن، وكذلك إذا كان العيب بالزوج فلم تعلم به الزوجة حتى مات عنها أو طلقها أو خالعها، لا رجوع عليه بشيء عند مالك، وخالفه سحنون في المخالعة، فقال: إن كانت خالعته قبل البناء بأكثر من صداقها، رجعت عليه بالزائد، وإن كانت خالعته بعد البناء، رجعت عليه بجميع ما خالعته به من قليل أو كثير؛ لأنه قد انكشف بما ظهر بالزوج من العيوب إن الرد كان لها، والصداق قد وجب لها بالدخول. [مسألة: رجل وامرأة شهدا على رجل بطلاق امرأته وهو غائب] مسألة وقال مالك في رجل وامرأة شهدا على رجل بطلاق امرأته وهو غائب: إنه ينفق عليها، وتطلب ذلك فإن ثبت ذلك اعتدت من يوم طلق، ولا غرم عليها فيما أنفقت؛ لأنه ألبس على نفسه. قال محمد بن رشد: قوله: إنه ينفق عليها وتطلب ذلك، يريد أنه ينفق عليها من ماله إذا طلبت الزوجة ذلك، ويطلب ثبت ذلك بشاهد آخر يشهد مع الشاهد الأول، إذ لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، فإن ثبت ذلك، يريد بشاهد آخر، اعتدت من يوم طلق، وذلك إذا اتفق الشاهدان على اليوم الذي طلق فيه، فإن اختلفا اعتدت من اليوم الآخر؛ لأن الشهادة تلفق على مذهب مالك، فتضاف الشهادة الأولى إلى الأخيرة، لا الأخيرة إلى الأولى، ولو لم يذكر اليوم الذي طلق فيه، فمات (كذا) أن يسأل الشهود عن ذلك كانت العدة من يوم شهادتهما عند القاضي، لا من يوم الحكم بالطلاق إن تأخر الحكم عن الشهادة. وقوله: ولا غرم عليها فيما أنفقت لأنه ألبس على نفسه يريد، أنه لا غرم عليها فيما أنفقت من مالها، أو أنفق عليها

مسألة: عبد أعجمي عاتبه سيده في جارية زوجها إياه، فقال قد فارقتها

منه من يوم الطلاق، إلى يوم علمت بطلاقه؛ لأنه ألبس على نفسه، أي فرط، إذ لم يعلمها بطلاقه إياها، وفعلت هي ما كان يجوز لها من الإنفاق على نفسها من ماله، وما كان يحكم لها به عليه لو سألت ذلك، ولو أنفقت من مالها أو تسلفت لرجعت عليه بذلك عند مالك. قاله في سماع أشهب بعد هذا. وقال ابن نافع: لا يرجع بشيء من ذلك، وأما الذي يموت وهو غائب، فتغرم الزوجة ما أنفقت من ماله بعد موته؛ لأنه لم يكن منه تفريط. هذا قوله في كتاب طلاق السنة من المدونة. ويجب على هذا التعليل أن تغرم ما أنفقت من ماله بعد أن طلق إلى أن يمضي من المدونة ما يمكن أن يصل العلم إليها بذلك دون تفريط، وهو مقدار المسافة إلى ذلك الموضع، إلا أنهم لم يقولوا ذلك، فوجه سقوط ذلك عنها هو أنه أذن لها في الإنفاق من ماله، فلا رجوع له عليها فيما أذن لها فيه، والله أعلم. [مسألة: عبد أعجمي عاتبه سيده في جارية زوجها إياه، فقال قد فارقتها] مسألة وقال مالك في عبد أعجمي عاتبه سيده في جارية زوجها إياه، فقال: قد فارقتها قال: يسأل العبد، فإن عرف ما أراد من الطلاق فذلك له، وإلا فهي ألبتة، إذا كان لا يدري من أجل العجمية. قال ابن القاسم: كأني رأيت محمل قوله في ذلك إذا لم يعرف الطلاق، أنه أراد أن يبرأ منها فلذلك ألزمه ألبتة. قال محمد بن رشد: الفراق من كنايات الطلاق، وقد قيل فيه: إنه من صريحه لقول الله عز وجل: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] فلا يعذر الأعجمي بجهله أن ذلك طلاق، ويحمل إذا جهل ذلك على أنه أراد أن يبرأ منها، فتلزمه ألبتة، على ما ظهر لابن القاسم من نحو قول مالك ونحوه لأصبغ في نوازله من كتاب الأيمان بالطلاق، ويكون إذا جهل ذلك بمنزلة غير

مسألة: طلقها زوجها ولها منه ولد فرمته عليه استثقالا له

الأعجمي، إذا لم تكن له نية؛ لأن من قال لامرأته: قد فارقتك ولا نية له في واحدة ولا في اثنتين، فهي ثلاث، إذا كان قد دخل بها، ولا فرق في هذه المسألة بين أن يقول الأعجمي: لم أرد ما أردت، أو يقول لم تكن لي نية، وإنما يفترق ذلك إذا قال: أنت طالق، وكذلك روي عن مالك؛ لأنه حمل قوله: لا أدري ما أردت على أنه أراد شيئا ونسيه، وحمله سعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد في التخيير والتمليك من المدونة، على أنه لم تكن له نية، إذ قال الرجل لامرأته: قد فارقتك ولم يدخل بها، فقيل: هي واحدة، إلا أن يريد ثلاثا، وقيل: هي واحدة، إلا أن يريد واحدة، والقولان في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وفي كتاب التخيير والتمليك من المدونة في قد خليت سبيلك ولا فرق بينهما. [مسألة: طلقها زوجها ولها منه ولد فرمته عليه استثقالا له] مسألة قال ابن القاسم: سمعت مالكا قال في امرأة طلقها زوجها، ولها منه ولد فرمته عليه استثقالا له، فليس لها أن تأخذه؛ لأنها قد أسقطت حقها في حضانته، إلا على القول بأن الحضانة من حق المحضون، وهو قول ابن الماجشون، ولو كانت إنما ردته إليه من علة ومرض، أو انقطاع لبنها، لكان لها أن تأخذه إذا صحت أو عاد إليها اللبن، على ما وقع لمالك في أول سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، ولو تركته بعد أن زال العذر حتى طال الأمر السنة وشبهها، لم يكن لها أن تأخذه منه. واختلف إذا مات هل لها أن تأخذه لمن تصير إليه الحضانة بعده؟ فقال في آخر رسم من سماع أشهب: ليس لها أن تأخذه؛ لأنه رأى تركها إياه عند أبيه إسقاطا منها لحقها في حضانته. وقد قيل: إن لها أن تأخذه بعد موته؛ لأن تركها له عند أبيه، إنما يحمل منها على إسقاط حضانتها للأب

مسألة: يكره السلطان المرء على أن يحج أباه

خاصة، وكذلك إذا قامت الجدة بعد السنة، لم يكن لها أن تأخذه. وقال ابن نافع: لها أن تأخذه. ومثله لابن القاسم في المدنية إن لها أن تأخذه، إلا أن يكون عرض عليها فأبت من أخذه. وهذا على الاختلاف في السكوت، هل هو على الإقرار والإذن أم لا؟ وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: يكره السلطان المرء على أن يحج أباه] مسألة قال مالك: لا يكره سلطان المرء على أن يحج أباه، ولا على إنكاحه. قال محمد بن رشد: قوله: إن السلطان لا يكره الرجل على أن يحج أباه صحيح، على القول بأن الحج على التراخي، ويأتي على القول بأنه على الفور، إنه يلزمه ذلك، كما يلزمه أن يشتري له ماء لغسله ووضوئه، إذ لا يسعه أن يؤخر ذلك من أمر دينه، وأما إنكاحه. فقد روي عن أشهب أنه يجبر على إنكاحه، ووجه ذلك أن النكاح مما قد تدعو إليه الحاجة، وتمسه الضرورة، فوجب أن يكون كالنفقة، وإذا كان يجبر على أن ينفق على زوجته؟ لحاجته إليها وجب أن يجبر على تزويجه لحاجته إليها، فقول أشهب ينحو إلى ما في المدونة من إيجاب النفقة على زوج الأب. وقول مالك منها ينحو إلى قول المغيرة، وقول محمد بن عبد الحكم، في أنه لا يجب على الرجل أن ينفق على ربيبته، ولو تحققنا حاجة الأب إلى النكاح لانبغى ألا يختلف في أن على الابن أن يزوجه، فالاختلاف في هذا إنما هو عائد إلى تصديق الأب فيما يدعي من الحاجة إلى النكاح، وبالله التوفيق.

الرجل يلي ولده ويكون لهم الميراث

[الرجل يلي ولده ويكون لهم الميراث] ومن كتاب سلعة سماها وسئل عن الرجل يلي ولده، ويكون لهم الميراث، فيموت ولده، فتقوم جدته في ذلك، فيقول أبوه قد أنفقت عليه في رضاعه، وفي كذا وكذا لأمر يسميه أترى عليه يمينا؟ قال: أما إن كان رجل مقل مأمون، فلا أرى ذلك، وإن كان غنيا فأنى له أن يحلف، فإن جل الآباء هم ينفقون على أولادهم، وإن كانت لهم أموال. قال محمد بن رشد: لم يفرق في هذه المسألة بين أن يكون الميراث الذي لهم عروضا أو قرضا، كما فرق بين ذلك إذا مات الأب في أول مسألة من السماع، فدل ذلك على أنه تكلم في هذه المسألة على أن الميراث لم يقبضه بعد ولا صار بيده، أو على أنه قبضه واستنفقه، أو على أنه نقص منه قدر ما ادعى أنه أنفقه على ابنه. وقد مضى الحكم في يمين التهمة، والله أعلم. [مسألة: يسافر بامرأته ولم يدخل بها] مسألة وسئل عن الرجل يسافر بامرأته ولم يدخل بها، فيقيم عنها الأشهر، فتطلب النفقة، قال: أرى أن ينفق عليها من ماله، ويلزم ذلك. قال محمد بن رشد: قد قيل: لا نفقة لها إن كان مغيبه قريبا؛ لأنها لا نفقة لها حتى تدعو إلى البناء، وهي لم تدع إليه قبل مغيبه، فإذا طلبته وهو بالقرب، كتب إليه، فإما أن يبني أو ينفق. وقيل: لها النفقة من حين تدعو إلى البناء، وإن كان غائبا على قرب، فليس عليها أن تنظره في شيء قد وجب لها في ماله. وهذا القول أقيس، وهو ظاهر الرواية، إذ لم يفرق فيها بين قرب ولا بعد، وبالله التوفيق.

مسألة: المختلعة يتزوجها زوجها ثم يطلقها قبل أن يمسها أتستأنف العدة أم تبنى

[مسألة: المختلعة يتزوجها زوجها ثم يطلقها قبل أن يمسها أتستأنف العدة أم تبنى] مسألة وسئل عن المختلعة يتزوجها زوجها ثم يطلقها قبل أن يمسها أتستأنف العدة أم تبنى؟ قال: بل تبنى، وذلك أنه ليس لها إلا نصف الصداق، وهو نكاح جديد، ولا يشبه الذي يطلقها واحدة ثم يرتجعها، تلك تستأنف العدة، وإن لم يطأها ليس حالهما واحدة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن المختلعة قد بانت من زوجها، فإن تزوجها ثم طلقها قبل أن يمسها لم يكن عليها عدة من هذا الطلاق الثاني؛ لأنها مطلقة قبل الدخول، فوجب أن تبني على عدتها؛ لأنها عدة قد لزمتها من طلاق بعد الدخول، فلا تنهدم إلا بالدخول، ولو مات الزوج بعد أن تزوجها، وقبل أن يدخل بها، لوجب عليها أقصى الأجلين، لوجوب العدتين جميعا عليها، الأولى بالخلع بعد الدخول، والثانية بالموت بعد النكاح وقبل الدخول، وأما التي يطلقها واحدة، ثم يرتجعها فيطلقها قبل أن يمسها "فإنها تستأنف العدة لأن الرجعة تهدم العدة، ويعود بها الزوج إلى حاله قبل الطلاق؛ لأن العصمة لم تزل بالطلاق، وإنما حدث به فيها ثلم صلح بالرجعة، فوجب إذا ارتجعها ثم طلقها، أن يستأنف العدة، مس بعد ارتجاعه أو لم يمس؛ لأنه وإن لم يمس بعد الرجعة، فقد مس قبلها وقبل الطلاق الذي انهدمت عدته بالرجعة، فصار طلاقه هذا طلاقا من نكاح قد مس فيه، وكذلك الموت يهدم العدة عند مالك، كما تهدمها الرجعة عنده، فترجع المرأة إذا مات زوجها في العدة، إلى عدة الوفاة، ومن أهل العلم من يرى أنه لا يهدمها، فتعتد المرأة إذا مات زوجها في عدتها أقصى الأجلين، وهو قول ابن عباس وسليم بن يسار، وابن شهاب، ولا أحفظ من يقول إن الرجعة لا تهدم العدة، وأنه إذا ارتجعها ثم طلقها قبل أن يمسها إنها تبني على العدة، إلا ما يروى عن منازعة ابن أبي ذيب في ذلك لابن شهاب، إذ قال له ابن شهاب: إنها تستأنف العدة، فقال له ابن أبي ذيب: ما هكذا قلت لي، فقال له: نعم، فقال له: لا، فقال له: نعم، فقال له: كذبت، فقال له: بل كذبت،

مسألة: تأتيها وفاة زوجها وزوجها غائب

فحلف ألا يحدثه بحديث أبدا، فكتب إليه بأحاديث إذ كان من مذهبه أن من. حلف لا يكلم رجلا لا يحنث بالكتابة إليه وهو قول أشهب، والله الموفق. [مسألة: تأتيها وفاة زوجها وزوجها غائب] مسألة وسئل عن المرأة تأتيها وفاة زوجها، وزوجها غائب، أترى أن تشهد على ذلك؟ فقال: لم؟ أفي شك هي؟ فقال: لا، قال: ما أرى ذلك عليها إذا كانت على ثبت من أمرها، إلا أن تكون على شك. قال محمد بن رشد: قوله: أترى أن تشهد على ذلك؟ معناه أترى أن تطلب الشهادة على صحة الخبر بذلك؟ فلم ير ذلك عليها، إذا لم تشك في صحته، وهو كما قال، إذ لا يلزمها أن تعتد بالشك، ولا تستبيح النكاح به بعد العدة، وبالله التوفيق. [مسألة: المفقود الذي يخرج إلى بلد بتجارة فيفقد فلا يدرى أين وجه] مسألة وسئل عن المفقود الذي يخرج إلى بلد بتجارة، فيفقد فلا يدرى أين وجه؟ أترى هذا مفقودا؟ قال: نعم، وأرى أن يكتب إلى ذلك الموضع فيطلب ويسأل عنه، فإن عما أمره، ضرب لامرأته بعد ذلك أجل المفقود. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، إن المفقود الذي يضرب لامرأته أجل المفقود بعد البحث عنه، والسؤال عن خبره في الناحية التي توجه إليها، ويوقف ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يجيء لمثله، هو الذي يفقد في بلاد المسلمين، وقد خرج لتجارة أو غيرها، وإن عرف البلد الذي نزع إليه ثم غاب خبره، على ما في سماع أبي زيد. وسيأتي في أول سماع أشهب، وفي رسم أسلم، من سماع عيسى بيان حكم المفقود في بلاد الحرب، وبين الصفين في قتال العدو، وفي قتال المسلمين، إن شاء الله، وبالله التوفيق.

مسألة: تحيض حيضة في كل سبعة أشهر يهلك زوجها فتعتد أربعة أشهر وعشرا

[مسألة: تحيض حيضة في كل سبعة أشهر يهلك زوجها فتعتد أربعة أشهر وعشرا] مسألة وسئل عن المرأة التي تكون حيضتها في ستة أشهر، أو سبعة أشهر حيضة، إنها تحيض حيضة في كل سبعة أشهر يهلك زوجها فتعتد أربعة أشهر وعشرا، أترى أن تتزوج؟ قال: أرى أن ينظر في ذلك فإن نويت في نفسها رأيت أن ينظر إليها من النساء من يعرف الحمل، فإن رأين أنه ليس بها شيء، وأنها ليست مرتابة، رأيت أن تتزوج وإنه لا ينبغي أن يحمل الخاص على شيء لا تحمل عليه العامة فمن النساء من لا تحيض أبدا. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك وأصحابه: إن المتوفى عنها زوجها وقد دخل بها تحل بتمام أربعة أشهر وعشرا، وإن لم تحض فيها إذا لم يمر بها فيها وقت حيضتها، ولم يكن بها ريبة من حمل، وروى ابن كنانة عن مالك في سماع أشهب أنها لا تحل حتى تحيض، أو يمر بها تسعة أشهر. وحكى ابن المواز أن مالكا رجع عن هذا القول، وكذلك هو شذوذ من القول؛ لأنها قد أكملت العدة التي فرضها الله عليها، ولا ريبة بها، فوجب أن تحل، وكذلك إذا مر بها فيها وقت حيضتها فلم تحض من أجل أنها ترضع، وأما إن مر بها فيها وقت حيضتها فلم تحض، وليس بها عذر يمنع الحيض، من مرض أو رضاع، فالمشهور في المذهب، أنها لا تحل حتى تحيض، أو تمر بها تسعة أشهر، ولم يختلف في ذلك قول مالك، وهو قول عامة أصحابه؛ لأن ارتفاع الحيض من غير سبب يعلم لارتفاعه ريبة، وذهب ابن الماجشون، وسحنون، إلى أنها تحل بتمام الأربعة أشهر وعشرا إذا لم يكن بها من الريبة أكثر من ارتفاع الحيض، وأما إن ارتابت من الحمل بامتلاء في البطن، فلا اختلاف في أنها لا تحل حتى تسلم من تلك الريبة، أو تبلغ أقصى أمد الحمل. واختلف إذا ارتفع حيضها بالمرض، فقال أشهب: إن

مسألة: العبد يكون متزوجا فيطلق تطليقة فيريد سيده أن يمنعه من الرجعة

ارتفاعه به كارتفاعه بالرضاع، لا يكون ارتفاع الحيض معه ريبة في الوفاة ولا في الطلاق، فتحل في الوفاة بأربعة أشهر وعشرا، وتعتد في الطلاق بالأقراء وإن تباعدت قال ابن القاسم ورواه عن مالك: أن ارتفاع الحيض مع المرض ريبة، كالصحيحة، فتتربص في الوفاة بتسعة أشهر، وفي الطلاق بسنة، تسعة أشهر استبراء، وثلاثة عدة، وبالله التوفيق. ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل عن امرأة المفقود إذا خرجت من الأربع سنين، وضرب لها أجل أربعة أشهر، أترى عليها إحدادا؟ قال: نعم، أرى عليها الإحداد. قال ابن القاسم: وإنما يكون عليها الإحداد في الأربعة أشهر وعشر. قال محمد بن رشد: ابن الماجشون، لا يرى عليها الإحداد في ذلك، وإليه ذهب سحنون، من أجل أنها عدة متيقنة، إذ لعل الزوج حي، أو قد مات، قبل ذلك بمدة، فانقضت العدة. وقول ابن القاسم هو القياس؛ لأنها عدة وفاة بظاهر الحكم، تحل بها للأزواج، فوجب أن يكون عليها الإحداد كالعدة المتيقنة. [مسألة: العبد يكون متزوجا فيطلق تطليقة فيريد سيده أن يمنعه من الرجعة] مسألة وسئل مالك عن العبد يكون متزوجا فيطلق تطليقة فيريد سيده أن يمنعه من الرجعة، ويريد العبد أن يرتجع والسيد منعه قال: ليس لسيده أن يمنعه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الطلاق الرجعي لا يزيل العصمة، وإنما يوجب فيها ثلما يمنع الوطء. وأحكام الزوجية كلها قائمة من النفقة والموارثة، بارتفاع الرق، فإليه أن يرفع هذا الثلم عن العصمة بالرجعة، بدليل قول الله عز وجل: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1]

مسألة: المرأة يكون لها ولد صغير ولولدها مال أتنال معهم منه

وهو الرجعة عند الجميع وليس ذلك بابتداء نكاح، فيكون لسيده أن يمنعه من ذلك. ألا ترى أن المحرم يراجع زوجته؟ وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة يكون لها ولد صغير ولولدها مال أتنال معهم منه] مسألة وسئل مالك عن المرأة يكون لها ولد صغير، ولولدها مال، أتنال معهم منه؟ قال: إن كانت محتاجة، فأرى في ذلك لها، قيل له: إنها موسرة، أفترى أن تأكل؟ قال: لا، قيل له: أفتخلط نفقتها بنفقتهم وتأكل معهم؟ قال: إن كانت تفضل، فلا أرى بأسا، قيل له: إنها تقوم عليهم وتلي أمرهم افترى أن تأكل معهم وإن لم تحتج؟ فلم ير ذلك إلا أن تكون محتاجة. قال محمد بن رشد: وهذا كله على ما قال، إن كانت محتاجة، فلها أن تأكل من ماله؛ لأن النفقة تجب لها فيه بالحكم لو سألت ذلك، وجائز للرجل أن يأخذ لنفسه ما يجب له بالحكم، لقول رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لهند: «خذي يا هند ما يكفيك وولدك بالمعروف» ، فأباح لها أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه ما يجب لها فيه ولولدها من حق، ولم ير لها إن كانت موسرة أن تأكل من مالهم، وإن كانت تقوم عليهم، وتلي أمرهم، لقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] ، فظاهر قوله هذا خلاف ما في هذا الرسم بعينه من كتاب النكاح من أن للحاضن النفقة في مال المحضون، وقد مضى من القول على ذلك هنالك، ما فيه كفاية إن شاء الله. وأما خلط

مسألة: كان يأخذ لابنه عطاء وقسما فهلك الأب

نفقتها بنفقتهم إن كانت لفضل، فالأصل في جواز ذلك قول الله عز وجل: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] ، يقول الله تعالى يعلم من يقصد بمخالطة يتيمه أن يوقفه ممن يقصد بذلك أن يرتفق به وسيأتي مثل هذا في رسم أخذ يشرب خمرا. ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك عن الرجل يطلق امرأته ويريد سفرا فتدعي حملا أو تقول: دع لي نفقتي قال: ليس ذلك لها، وإنما هو بمنزلة المقيم في ذلك، ولكن يستانا بها، فإن استمر بها حمل جمع لها ذلك كله، فيدفع إليها، ولا يمنع من سفره. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب النكاح الثاني من المدونة، سواء إنه لا يلزمه أن يقيم لها حميلا بالنفقة، فإن خرج وظهر بها حمل فأنفقت على نفسها رجعت عليه بذلك، إذا كان موسرا يوم أنفقت، ولا اختلاف في هذا أعلمه، وبالله التوفيق. [مسألة: كان يأخذ لابنه عطاء وقسما فهلك الأب] مسألة وسئل عن رجل كان يأخذ لابنه عطاء وقسما، فهلك الأب، فقال بنون له آخرون: نحن نريد أن نحاسبك، قد أنفق ذلك عليك، وكان الابن في حجر أبيه، قال: أرى أن يحسب ذلك ويحاسب به، فما كان في ذلك من فضل كان للابن قبل أبيه.

امرأة كانت تسكن مع زوجها ثم هلك زوجها وله منها ابنة بنت ثمان سنين

قال محمد بن رشد: قوله: فما كان في ذلك من فضل كان للابن قبل أبيه، يدل على أن ما كان يأخذ لابنه قد كان استنفقه وصار له في ذمته، وقد أتى القول على ذلك في التقسيم الذي ذكرناه في أول مسألة من السماع فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [امرأة كانت تسكن مع زوجها ثم هلك زوجها وله منها ابنة بنت ثمان سنين] ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا وسئل مالك عن امرأة كانت تسكن مع زوجها ثم هلك زوجها، وله منها ابنة بنت ثمان سنين، وللمتوفى إخوة ولأم الجارية إخوة من مسكن الزوج على رأس مرحلتين، فأرادت أن تدخل بابنتها إلى إخوتها وهو مسكنها الذي كانت تسكنه قبل أن تتزوج، فأبى عمومة الجارية أن يتركوها، قال: قال مالك: المرأة لا أرى أن تدخل بها من عندهم قالت: فإن أخوتي يريدون أن يدخلوني قال: ليس ذلك لهم، وليس لك أن تخرجيها من عند ولاتها. قال محمد بن رشد: مثل هذا في كتاب ابن المواز من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، إنه ليس لها أن تدخل بهم مسافة الرحلة والرحلتين، قال أشهب: ولا إلى الثلاثة برد، وهو مثل ما في المدونة من أنه ليس لها أن تخرج بهم إلى المكان القريب، وليس في حد ذلك شيئا يرجع إليه في الكتاب أو السنة، وإنما هو الاجتهاد، لقول الله عز وجل: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] ، وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا اجتمع ضرران، نفي الأصغر للأكبر» ؛ لأن منع المرأة من الخروج بولدها إضرار

مسألة: المتوفى عنها زوجها تؤذن إلى العرس أتخرج إليه

بها، وإباحة ذلك لها إضرار بأولياء الصبي، فوجب الاجتهاد في ذلك، ولذلك وقع فيه هذا الاختلاف، والله الموفق. [مسألة: المتوفى عنها زوجها تؤذن إلى العرس أتخرج إليه] مسألة وسئل مالك عن المتوفى عنها زوجها تؤذن إلى العرس، أتخرج إليه؟ قال: نعم ولا تبيت إلا في بيتها، ولا تتهيأ بشيء مما تنهى عنه المتوفى عنها زوجها أن تلبسه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إن لها أن تخرج إلى العرس إذا لم تبت إلا في بيتها، ولا تتهيأ بما لا يجوز للحاد أن تفعله، إذ لا حرج عليها في حضور العرس إذا لم يكن فيه من اللهو إلا ما أجيز في العرس، وقد مضى القول فيما يجوز من ذلك مما لا يجوز في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج امرأة لم يدخل بها وأراد سفرا] مسألة وسئل عن رجل تزوج امرأة لم يدخل بها وأراد سفرا فقال لهم: أدخلوها علي الليلة، فقالوا: لا تفعل فوقع بينهم شجر من الكلام فقال لهم: اتركوني ليس لي فيها حاجة، ودعوني، فانصرف عنهم. قال مالك: أردت بذلك طلاقا؟ قال: لا، قال: ليس عليك شيء، قد يقول الرجل لامرأته ليس لي بك حاجة، فإذا لم يرد به طلاقا فليس عليه شيء، وإن كان لها من يحلفه حلف بالله ما أراد بذلك طلاقا. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن ذلك ليس من ألفاظ الطلاق، فلا يكون طلاقا، إلا أن يريد الطلاق، وتتهمه أنه أراد الطلاق بذلك، فهذه المسألة عندي ضعيفة، فإن لم يطع باليمين، ونكل عنها ترك مع امرأته، ولم يدخل ذلك من الاختلاف ما ذكرناه في أول رسم في مسألة الذي

مسألة: صالح امرأته على أن ترضع ولده سنتين وتكفله أربع سنين بعد ذلك

قال في امرأته: إنها مولاته، وزوجها هازلا بذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: صالح امرأته على أن ترضع ولده سنتين وتكفله أربع سنين بعد ذلك] مسألة وسئل عن رجل صالح امرأته على أن ترضع ولده سنتين وتكفله أربع سنين بعد ذلك، لتمام ست سنين، فإن ماتت قبل ذلك فأبوها ضامن لنفقة الصبي حتى تستكمل ست سنين، واشترط عليها إن لم يكن أصل هذا الصلح جائزا فله الرجعة عليها، ورضيا بالصلح، وتفرقا عليه. قال مالك: الشرط باطل، ولا يصلح في صلح رجل وامرأة أكز من الرضاع، فإن كان قد رضيا بالصلح وتفرقا على ذلك، فما كان فوق الرضاع فهو ثابت على الأب، ينفق على ولده، وما اشترط بأنه إن لم يكن هذا الصلح جائزا فلي عليك الرجعة، فهذا باطل، لا رجعة له عليها، ولا أحب أن يصالح أحد على مثل هذا، إنما الصلح في ذلك إلى الفطام. قال سحنون: يلزمها النفقة لو اشترط عليها نفقة خمس عشرة سنة لكان ذلك لازما لها. قال محمد بن رشد: قوله في اشتراط الرجعة عليها إن لم يكن الصلح جائزا إنه شرط باطل، صحيح بين في المعنى في الصحة؛ لأن الشرع قد أحكم أن تبين المرأة من زوجها بالصلح، كان جائزا أو غير جائز، فاشتراطه أن يكون له الرجعة عليها إن لم يكن الصلح جائزا لا يجوز؛ لأنه شرط يخالف حكم الشرع، قد قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط» ، وقوله: ولا يصلح في صلح رجل وامرأة أكثر من الرضاع، هو مثل قوله في المدونة: وإنما لم يجز ذلك؛ لأنه غرر، إذ قد يموت الصبي قبل الأجل الذي التزمت نفقته إليه، ومن

قوله: إن الخلع بالعبد الآبق، والجمل الشارد، والجنين في بطن أمه، والثمرة قبل أن يبدو صلاحها جائز، فقيل: إن ذلك اختلاف من قوله وقيل: إن ذلك فرق بين المسألتين؛ لأن غرر العبد الآبق، والجنين، وما أشبهه، لا يقدر على إزالته، وقد تدعو المرأة الضرورة إلى المخالعة، وليس لها إلا ذلك، وغرر التزام نفقة الولد بعد الرضاع أعواما يقدر على إزالتها بأن يشترط ألا يسقط النفقة عنها بالموت، وأن يكون للزوج أن يأخذها به إلى الأجل الذي سمياه وإن بعد، وكذلك ما أشبه النفقة مما يقدر على إزالته كالصلح بمال إلى أجل مجهول، وما أشبه ذلك. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها هذا والثاني أن الخلع بالغرر جائز، كان الغرر مما يقدر على إزالته أو لا يقدر، وهو قول المخزومي في المدونة وقول سحنون هنا، والثالث أن ذلك لا يجوز، كان مما يقدر على إزالته أولا يقدر، وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى من هذا الكتاب؛ لأنه إذا لم يجز الخلع بالغرر الذي لا يقدر على إزالته، فأحرى أن لا يجيزه بالغرر الذي يقدر على إزالته، واختلف على القول بأن الخلع بالغرر لا يجوز إذا ألزم الزوج الطلاق، وأبطل ما خالع عليه من الغرر، هل له أن يرجع عليها، إذا أبطل عنها الجميع بخلع مثلها؟ وإذا أبطل عنها البعض، كالذي يخالع على رضاع ابنها، والنفقة عليه بعد الرضاع إلى أجل معلوم إذا بطل عنها ما أراد على حول الرضاع أن يرجع عليها بمقدار ذلك الجزء من خلع مثلها، على قياس قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وأما المختلعة على رضاع الولد خاصة، فلا اختلاف في جواز ذلك، وإن كان فيه غرر، إذ قد يموت الولد قبل انقضاء أمد الرضاع من قبل أن الرضاع قد يتوجه عليها في عدم الأب، فلما كان قد

مسألة: له الأخت بالأندلس فيريد أن يخرج إليها ويخاف عليها الضيعة

يتوجه عليها في حال استخف الغرر فيه، ولا رجوع للأب عليها بشيء إذا مات الولد قبل انقضاء أمد الرضاع، إذا كانا إنما عملا على أن أبرأته من مؤونة رضاعه بإفصاح وبيان. واختلف إذا وقع الأمر مبهما، فحمله مالك في المدونة على ما تأول عليه ابن القاسم على أنها إنما أبرأته من مئونة رضاعه، فلا يرجع عليها بشيء، وقال ما رأيت أحدا طلب ذلك. وفي المختصر الكبير، إنه لو طلب ذلك لكان فيه قول، وبالله التوفيق. [مسألة: له الأخت بالأندلس فيريد أن يخرج إليها ويخاف عليها الضيعة] مسألة وسئل مالك عن الرجل تكون له الأخت بالأندلس، فيريد أن يخرج إليها ويخاف عليها الضيعة، وفيما بينه وبينها فساد وحرب، يخاف الهلاك على دينه، قال: لا أحب له أن يدخل في شيء يخاف فيه الهلاك على دينه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الخوف على الدين، كالخوف على النفس وأشد، وإذا كان ذلك يسقط فرض الحج، لقول الله عز وجل: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] ، فأحرى أن يسقط عنه ما يلزمه من إعانة أخته مخافة الضيعة عليها. [يغيب عن امرأته سنين ثم يتسلف لنفقتها] ومن كتاب طلق وسئل مالك عن الرجل يغيب عن امرأته سنين، ثم يتسلف لنفقتها، ويعلم ذلك جيرانها من حالها، وأنه لا يبعث إليها بنفقة، فيموت في غيبته، فتطلب ذلك، وتريد أن تأخذه من ماله، أترى ذلك لها؟ قال: هذه أمور إنما يقضى فيها على وجه ما ينزل باجتهاد الإمام العدل في ذلك، والحي إذا قدم أبين عندي شأنا، إن طلبت النفقة أغرم فإن أنكر أحلف يريد بذلك ويبرأ، وقال في الموت:

يغيب عشرين سنة، ثم يموت، فتريد أخذ ماله استنكارا أن يكون لها ذلك في الموت، إلا أنه قال اجتهاد الإمام العدل في ذلك حين ينزل بالذي يرى. قال ابن القاسم: ذلك رأيي وأحسن ما سمعت في ذلك، قال: وبلغني عن مالك أنه قال: إن كان حيا وقدم وقد كانت رفعت ذلك إلى السلطان، رأيت أن ترجع عليه إن كان موسرا في غيبته، وإن كانت لم ترفع ذلك إلى السلطان، فقدم فأنكر، وزعم أنه قد بعث إليها أو خلف عندها، رأيت أن يحلف ويبرأ، وإن قدم فأقر، نظر، فإن كان موسرا في غيبته اتبعته، وإن كان معسرا لم تتبعه إلا من يوم أيسر، وإن مات لم أر لها شيئا إلا أن ترفع ذلك إلى السلطان، فتكون لها يوم رفعت ذلك إلى السلطان، إلى أن مات، وما كان قبل ذلك فلا شيء له؛ لأنه لو قدم فأنكر، صدق وحلف، وهو قول مالك. قال سحنون: إذا قدم الزوج فقال: كنت في غيبتي معدما، كان القول قوله مع يمينه، وكلفت المرأة البينة أنه كان مليا وقاله عثمان بن كنانة. قال محمد بن رشد: لا اختلاف أحفظه في أن القول قول الزوج مع يمينه إنه أنفق على امرأته إن كان حاضرا، أو أنه خلف عندها نفقتها، أو بعث بها إليها إن كان غائبا، إذا أنكرت الزوجة ذلك، وطلبته بالإنفاق، ويحلف في دعواه بعث النفقة إليها، لقد بعث بها إليها، فوصلت إليها وقبضتها، كذلك في سماع أشهب من كتاب الأقضية لابن غانم. واختلف إن رفعت ذلك إلى السلطان في مغيبه، فقال: هاهنا وهو المحفوظ في المذهب: إن القول قولها من يوم رفعت ذلك إلى السلطان. وذكر أبو القاسم بن الجلاب في كتابه عن مالك في ذلك روايتين: إحداهما هذه. والثانية إن القول قوله على كل حال، وإن رفعت ذلك إلى السلطان، ولها وجه صحيح في النظر، وهو أنها تتهم على أنها إنما فعلت ذلك إعدادا ليكون القول قولها، وإذا قدم من مغيبه فأقر أنه لم يبعث إليها بشيء، ولا خلف عندها شيئا، أو أنكر فنكل وحلفت المرأة أو

مسألة: الرجل يشهد عليه بأنه طلق امرأته ألبتة

كانت قد رفعت ذلك إلى السلطان، فصدقت من يوم رفعت مع يمينها على القول بأنها تصدق في ذلك، فإنه يجب لها أن تتبعه بالنفقة، إن كان موسرا، وتسقط عنه إن كان معدما. واختلف إذا قدم فادعى أنه كان في مغيبه معدما، وقد جهل حاله يوم خروجه، على ثلاثة أقوال: أحدها أنه محمول على اليسار، فلا يصدق فيما ادعى من أنه كان في مغيبه معدما، وهو قول ابن الماجشون، في الواضحة، وتأوله بعض أهل النظر، على معنى ما في المدونة، والثاني: أنه يصدق إن قدم معسرا، ولا يصدق إن قدم موسرا، وهو نص قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وظاهر ما في المدونة عندي. والثالث أنه يصدق، قدم موسرا أو معسرا، وهو ظاهر قول سحنون، وابن كنانة هاهنا، وأما إن علمت حاله يوم خروجه باليسر أو العدم، فهو محمول على ما علم به من ذلك، وإن قدم على خلاف ذلك، هذا قول ابن الماجشون في الواضحة. وحكى أبو عمر الإشبيلي في اختصار الثمانية لابن بطير أنها رواية لابن القاسم، وهو صحيح؛ لأنه إذا خرج موسرا فقد ثبت أن الإنفاق عليه واجب، فلا يسقط عنه إلا بيقين، وإذا خرج معدما، فقد ثبت أن الإنفاق قد سقط عنه، فلا يعود عليه إلا بيقين وقد تأول ابن زرب على سحنون، وابن كنانة، إن القول قوله، إن كان معدما وإن علم أنه خرج موسرا، وأنكره، وهو تأويل بعيد، لا سيما إن كان قدم موسرا أيضا. وأما إن مات في مغيبه، فالقياس ألا شيء لها في ماله، إذا لم ترفع ذلك إلى السلطان، على ما حكى ابن القاسم آخرا أنه بلغه عن مالك؛ لأن المعلوم من شأن الأزواج النفقة على أزواجهم، وإنما كان لها على زوجها في ذلك اليمين، فلما مات سقط حقها في ذلك، إلا أن تدعي على الورثة أنهم علموا أنه لم يخلف عندها شيئا، ولا بعث إليها بشيء، فيكون لها أن تحلف منهم على العلم، من كان مالكا لأمر نفسه، وإلى هذا ينحو قول مالك أولا، وإن كان قد رأى أن يجتهد في ذلك واستحسنه ابن القاسم. [مسألة: الرجل يشهد عليه بأنه طلق امرأته ألبتة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يشهد عليه بأنه طلق امرأته ألبتة،

وقد ماتت، أترى أن يرثها؟ قال: لا، هو حي، قيل له: أفرأيت إن مات هو، أترى أن ترثه؟ قال: ليس هي مثله، قال: نعم، ترثه. قاله سحنون: معناه إن الشهود كانوا قياما معه فلم يقوموا عليه حتى مات. قال محمد بن رشد: قول سحنون: معناه إن الشهود كانوا قياما معه فلم يقوموا عليه حتى مات، ليس بصحيح، إذ لو كانوا قياما معه فلم يقوموا عليه حتى مات، لوجب أن يرث كل واحد منهما صاحبه؛ لأن شهادتهم كانت تبطل بترك قيامهم لها، وإنما وهم سحنون، في تفسير قول مالك: والله أعلم، لما وقع في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة من قول يحيى بن سعيد، في شهود شهدوا على رجل بعد موته، أنه طلق امرأته، لا تجوز شهادتهم إذا كانوا حضورا. ولامرأته الميراث، وكذلك لو كان يقول يحيى بن سعيد أيضا: لو ماتت هي، إن له الميراث، من أجل سقوط شهادة الشهود لحضورهم، فليس معنى مسألة مالك، إلا أن الشهود كانوا غيبا. وكذلك وقع له في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، أن الشهود كانوا غيبا لا يتهمون، فمالك أحق بتبيين ما أراد، ووجه تفرقته بين ميراثها منه وميراثه منها هو أنه إذا كان هو الميت، فلم يعذر إليه في شهادة الشهود، ولعله لو أعذر إليه فيهم لأبطل شهادتهم، فرأى لها الميراث، من أجل أن الشهادة لا يجب الحكم بها إلا بعد الإعذار إلى المشهود عليه، وإن كانت هي الميتة، أمكن أن يعذر إليه، فإن عجز عن المدفع وجب الحكم بالطلاق يوم وقع، فلم يكن له ميراث منها. وقال محمد بن المواز: إنما ورثته ولم يرثها لأنه كالمطلق في المرض؛ لأن الطلاق وقع يوم الحكم، ولو لم يقع يوم الحكم لكان فيه الحد. قال أبو إسحاق: وهو كلام فيه نظر؛ لأن الحاكم إنما ينظر شهادة البينة وهي تقول: إن الطلاق وقع قبل الموت، وأما درء الحد بالشبهة إما لنسيانه، وإما لإمكان أن يكون صادقا في إنكار الشهادة، ولو كان الطلاق وقع بعد الموت لورثها هو أيضا. والقياس أنها لا ترثه، كما لا يرثها؛ لأن الإعذار

العبد يتزوج المرأة فيطلقها فتتزوج فيريد أخذ ولده

يجب إليهما جميعا، فكما لا يرثها وإن لم يعذر إليها، لا ترثه وإن لم تعذر إليه، وهو قول سحنون ويحيى بن عمر. وسيأتي في رسم بع من سماع عيسى طرف من هذا المعنى، وبالله التوفيق. [العبد يتزوج المرأة فيطلقها فتتزوج فيريد أخذ ولده] ومن كتاب سن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسئل مالك عن العبد يتزوج المرأة فيطلقها، فتتزوج، فيريد أخذ ولده، فقال: شأن العبد في هذا إلى الضعف، ولعله يذهب به إلى بلدة أخرى فأرى أمه أحق به، وينظر في ذلك للولد. وقال الله عز وجل: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] ، قال ابن القاسم: إذا كان العبد مثل القائم في مال سيده التاجر، الذي له الكفاية، فأراه أحق بولده إذا تزوجت، وأما العبد الوغد الذي يخارج في السوق أو يبعثه سيده في الأسفار، فأرى أمه أحق به؛ لأن مثل هذا يأخذه إلى غير أهل ولا كفاية، وإن بيع العبد فانقطع به، رأيت أمه أحق به وغدا كان أو غير وغد؛ لأنه يؤخذ ماله ويذهب به في البلاد. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة بين، وقول ابن القاسم صحيح لا وجه للقول فيه. [مسألة: بينه وبين ختنته كلام في امرأته فقال لها انقلي ابنتك إلى بيتك] مسألة قال مالك: في رجل كانت بينه وبين ختنته كلام في امرأته، فقال لها: انقلي ابنتك إلى بيتك؟ ثم لقيها في الطريق، فدفع إليها دنانير، كانت لابنتها عنده، ثم قال: انقلي ابنتك إليك؟ ثم سئل بعد ذلك، فقال: لم أرد طلاقا. قال: يحلف بالله ما أراد طلاقا ولا نواه ثم ترد عليه امرأته ولا شيء عليه.

مسألة: مس الطيب للمتوفى عنها زوجها

قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الشبهة في أن يكون أراد بذلك الطلاق بينة، فإن لم يحلف دخل ذلك من الخلاف ما في مسألة من شهد عليه شاهد بالطلاق فنكل عن اليمين، حسبما مضى في أول رسم من هذا السماع. ولو أتى مستفتيا لم يجب عليه شيء ونوي دون يمين، والله الموفق. [مسألة: مس الطيب للمتوفى عنها زوجها] مسألة قال مالك: في المرأة المتوفى عنها زوجها إنها لا تمس طيبا إذا كانت حاملا حتى تضع حملها، وإن قعدت سنين، وإنما مثل ذلك مثل ما لو أنها وضعت بعد ذلك بيوم، فمست فيه الطيب، فكما كانت تمس الطيب بعد يوم، إذا هي وضعت، فكذلك هي لا تمس الطيب وإن قعدت أكثر من أربعة أشهر وعشر حتى تضع حملها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن عدة المتوفى عنها زوجها وهي حامل، وضع الحمل، لقول الله عز وجل: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ؛ لأنها آية خصصت قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] ، الآية، وبينت أن المراد بها غير ذوات الأحمال، بدليل «قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لسبيعة الأسلمية، وقد وضعت بعد وفاة زوجها بليال: " قد حللت فانكحي ما شئت» ، وهذا الحديث يرد قول من قال: إنها تعتد أقصى الأجلين، فوجب أن تحد طول عدتها طالت أو قصرت. [اليتيم يكون عند الرجل فيأخذ نفقته] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا قال: وسئل عن اليتيم يكون عند الرجل، فيأخذ نفقته،

صالح امرأته وهي حامل وشرط عليها ألا نفقة لها

فيريد أن يخلطها بنفقته، ويكون طعامهما واحدا، كيف ترى فيه؟ قال: أنا أخبرك بالشأن فيه، إن كان يعلم أنه يفضل عليه، وأن الذي ينال اليتيم من طعامه، هو أفضل وأكثر من نفقته فلا أرى بذلك بأسا وإن كان لا ينال من ذلك الذي هو أفضل فلا يعجبني. قال محمد بن رشد: هذا كما قال والأصل فيه قول الله عز وجل: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] ، وقد مضى هذا المعنى في رسم شك. [صالح امرأته وهي حامل وشرط عليها ألا نفقة لها] ومن كتاب تأخير صلاة العشاء في الحرس. وسئل مالك عن رجل صالح امرأته وهي حامل، وشرط عليها ألا نفقة لها حتى تضع حملها، فإذا وضعت حملها، أسلمته إليه، فإن طلبته بنفقته ورضاعه عليها حتى تفطمه، وإن لم تستقم له بذلك فهي امرأته، قال مالك: الصلح جائز، وكل ما اشترط عليها جائز، إلا ما اشترط أنها ترجع إليه، فلا ترجع إليه، وقد بانت منه. قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال لأن ما اشترط عليها أحق لها، فجاز أن يشترط عليها حاشا الرجعة، وقد مضى معناه وما بينه في رسم حلف قبل هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: الغلام الذي قد عرف السن وبلغ أن يطلق أيجوز طلاقه] مسألة وسئل عن الغلام الذي قد عرف السن وبلغ أن يطلق، أيجوز طلاقه؟ قال: إن كان لم يبلغ الحلم، فلا أرى أن يجوز طلاقه، إلا أن يحتلم، إلا أن يكون ممن لا يحتلم، فإذا بلغ مبلغ الحلم، جاز

ينفق على ولده من امرأة قد طلقها

ذلك عليه، ومن الناس من لا يحتلم أبدا. قال محمد بن رشد: قد روى ابن وهب عن مالك، في المراهق إذا طلق، إن الطلاق يلزمه، ومثله في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، في المناهز للحلم. ومعنى ذلك، إذا كان قد أنبت فقال ابن وهب: لا يلزمه الطلاق حتى يحتلم، مثل قول مالك هاهنا، فهذا الاختلاف جار على اختلاف قوله في المدونة في الإنبات، هل يحكم له به بحكم الاحتلام أم لا؟ وهذا فيما يلزمه في الحكم الظاهر من الطلاق والحدود، وأما فيما بينه وبين الله، إذا أتى مستفتيا فلا يلزمه طلاق حتى يحتلم أو يبلغ حد سن الاحتلام، وذلك خمسة عشر عاما عند ابن وهب، وسبعة عشر عاما عند ابن القاسم، وثمانية عشر، على اختلاف قوله في ذلك، وبالله التوفيق. [ينفق على ولده من امرأة قد طلقها] ومن كتاب كتب عليه ذكر حق وسئل مالك عن الرجل ينفق على ولده من امرأة قد طلقها، ثم إن الغلام ورث مالا فأنفق عليه بعد ما ورث، ثم مات فأراد أن يحاسب الأم في ميراثها في مال الغلام، من يوم ورث المال، وأبت الأم، قال مالك: ذلك للأب أن يحاسبها من يوم ورث، ولا أرى على الأب يمينا للأم أنه قد أنفقه عليه من عنده إذا كان مقلا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة مثل التي تقدمت في رسم سلعة سماها، ولم يفرق فيها بين أن يكون المال عينا أو عرضا، كما فرق في أول رسم، فيحتمل أن يكون المعنى فيها أن الميراث لم يكن قبضه بعد، ولا صار بيده، وأن يكون قد قبضه واستنفقه وهو الأظهر، لقوله يحاسب الأم في ميراثها؛ لأن الأظهر في المحاسبة أن يكون قد ترتب في الذمم، لا يصح جوابه إلا على أحد هذين الوجهين. وقد مضى بيان هذا كله في أول السماع، والله الموفق.

يطلق امرأته إلى أجل يسميه

[يطلق امرأته إلى أجل يسميه] ومن كتاب سلعة سماها وسئل مالك عن الرجل يطلق امرأته إلى أجل يسميه، وإن أناسا قد اختلفوا في ذلك، وأن عطاء بن أبي رباح قد كان يقول ذلك، قال مالك: لا قول لعطاء ولا غيره، في أشباه هذه. المدينة دار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونقله الله إليها، وجعلها دار الهجرة، فأما ما ذكر من طلاق الرجل إلى أجل، وأن صاحب ذلك يستمتع بامرأته إلى ذلك الأجل، فإنا لم ندرك أحدا من علماء الناس يقول هذا. وهذا يشبه المتعة التي أرخص فيها من أرخص من أهل مكة وغيرهم، فإذا كان يجوز له أن يطلق امرأته إلى أجل شهر أو شهرين، ثم يصيبها بعد ذلك إلى الأجل، فهو يجوز أن ينكحها على مثل ذلك، ينكحها إلى شهر، ثم هي طالق. فهذه المتعة بعينها. قال مالك: فإن كان هذا يجوز له، فإنه يجوز له أن يباري امرأته إلى شهر أو سنة، فيقول: آخذ منك هذا، ثم أصيبك إلى سنة ثم قد باريتك بما أخذت منك، ويجوز له أن يقاطع جاريته إلى رأس الهلال، ويقول: أصيبك إلى ما بيني وبين ذلك، ومما هو مثل ذلك، أن يكاتب الرجل جاريته، فيكتب لها الكتابة ويقطع عليها النجوم، ويشترط عليها شروط المكاتب، وعلى أني أصيبك سنة أو شهرا أو شهرين، ثم أنت حرام، فإن كان هذا وما يشبهه من الأشياء، ومن عمل الإسلام، ومما مضى عليه السلف، فقد صدق، وإن كان هذا وما يشبهه من الأشياء التي ذكرت مخالفا لما قالوا، وعلى ذلك مضى العمل، وبه مضت السنة فقد أبطل القوم. قال محمد بن رشد: قياس قول مالك الطلاق إلى أجل في أن ذلك لا يجوز، على ما نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه من نكاح المتعة، وعلى المسائل التي ذكرها صحيح، لاتفاق المعنى في ذلك على ما ذكر. واستدلاله على صحة ذلك بأن

مسألة: يصدق المرأة صداقها فتشتري به متاعا ثم يطلقها قبل أن يجمعها إليه

الذي عليه أهل المدينة التي هي دار الهجرة، دليل على أن إجماعهم عنده حجة، فيما طريقه الاجتهاد، وأن اجتهادهم مقدم على اجتهاد غيرهم، والذي عليه أهل التحقيق، أن إجماعهم إنما يكون حجة فيما طريقه التوقيت، أو أن يكون الغالب منه أنه عن توقيت، كإسقاط زكاة الخضراوات؛ لأنه معلوم أنها كانت في وقت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولم ينقل أنه أخذ منها الزكاة، فلما أجمع أهل المدينة على ذلك، وجب أن يعمل بما أجمعوا عليه من ذلك، وإن خالفهم فيه غيرهم. ومثله الأذان الذي قد كان على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واتصل العمل به في المدينة، فوجب أن يعمل بما اتصل عملهم به في ذلك، وإن خالفهم فيه غيرهم، ومثل هذا كثير. [مسألة: يصدق المرأة صداقها فتشتري به متاعا ثم يطلقها قبل أن يجمعها إليه] مسألة قال مالك: وذكرت ما أنكروا من قول أهل المدينة في الرجل يصدق المرأة صداقها، فتشتري به متاعا ثم يطلقها قبل أن يجمعها إليه، فأنكروا أن يكون للزوج نصف ما اشترت، وأن على الزوج إذا تزوج امرأة أن يسكنها بيتا، وليس له أن يسكنها بيتا لا سقف له، وليس له أن يسكنها بيتا ليس في ذلك البيت ما يصلحها مما يحتاجون إليه، وليس له أن يضربها، وإن الرجل إذا تزوج المرأة وأصدقها، كان عليه أن يتجهز له بما يصلح الناس في بيوتهم. أما أن يكون الرجل مع أبويه فينتقل إلى بيت فيه من المتاع ما يصلح الناس: الفراش والقدح وما أشبه ذلك، مما لا يستغني الناس عنه، وإنما ينتقل إلى أهل وبيت، فيه ما يصلح من المتاع والفراش والقدح، وإن كان ذلك دنيا من الأمر أو مرتفعا تلك المصلحة، التي تصلح. وإنما أعطيت الصداق لتتخذ ذلك، وتتخذ خادما، إن كان في الصداق ما يبلغ ذلك، فليس لها أن تأخذ الصداق، ولا تتخذ

مسألة: يتزوج وهو مريض

متاعها ولا خادما، فإن كان ذلك عليها أن تتخذ له ولها فاتخذت ذلك، ثم قدر له أن يطلقها، فليس عليها أن تغرم له شيئا إلا نصف ما اشترت مما يصلحه ويصلحها، مما لا غنى لهما عنه مما لو دخلت عليه، فإن كان الذي فعلت صوابا فليأخذ نصفه، وليس عليها الغرم، ولو كان عليها لم يصر بيدها شيء لو بيع ذلك المتاع، لم يأت بنصف ثمن ما أعطاها فإن قال الزوج: هي أدخلت هذا علي، فلو شاءت لم تشتر، فلو شاء هو عجل الطلاق، والصداق على هيئته، فيأخذ نصفه، أو طلقها قبل أن يبعث إليها. قال محمد بن رشد: أنكر مالك على أهل العراق قولهم: إن الرجل إذا تزوج المرأة فعليه أن يسكنها بيتا له سقف، وعليه أن يضع فيه من ماله ما يصلح المرأة مما يحتاجون إليه، وما أنكروا على قول أهل المدينة، إن على الرجل إذا طلق امرأته قبل الدخول، أن يأخذ نصف ما اشترت بصداقها. وذهب إلى أن المرأة يلزمها أن تتجهز من نقدها لزوجها بما يصلحه ويصلحها. قال: فإذا كان يجب ذلك عليهما، وجب عليه إذا طلقها بعد أن تجهزت، وقبل البناء بها أن يأخذ نصف ما اشترت، وقوله صحيح؛ لأنه قد أذن لها فيه وأدخلها فيه، إذ دفع إليها الصداق على ذلك بالعرف الجاري، فلو كان له أن يأخذ منها نصف ما نقدها، لباعت فيه جميع ما اشترت، فلم يبق بيدها شيء، فلم يكن لما أنكروا من قول أهل المدينة وجه. وقد قال أبو يوسف للمغيرة في احتجاجه عليه: أرأيت إن اشترت المرأة بصداقها مزمارا أو أبواقا أيأخذ الرجل نصف ذلك؟ فقال له: أما عندنا فلا يتجهز النساء إلى أزواجهن بذلك، فإن كان عندكم يتجهز النساء بذلك إلى أزواجهن، لزمه أن يأخذ نصف ذلك، والله المعين. [مسألة: يتزوج وهو مريض] مسألة قال مالك: إن من حجتنا في الذي يتزوج وهو مريض، أنه

مسألة: النصرانية تسلم وهي حامل ولها زوج نصراني

ليس لها ميراث؛ لأنه يمنع أن يطلق وهو مريض، فأنزل ذلك منه على وجه الضرر، فكما كان يمنع من الطلاق وهو مريض، لحق امرأته الثمن، فإنه لا ينبغي له أن يدخل عليها من ينقصها من ثمنها. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن المعنى الذي من أجله لم يجز له أن يطلق في المرض، موجود في النكاح، فلا يجوز له أن يزيد على ورثتهم، كما لا يجوز له أن يخرج عنهم وارثا، والله الموفق. [مسألة: النصرانية تسلم وهي حامل ولها زوج نصراني] مسألة وقال مالك: في النصرانية تسلم وهي حامل، ولها زوج نصراني، قال مالك: أرى أباه أحق به، ويكون الولد على دين أبيه، وهي أولى بحضانته ما كان صغيرا، وكذلك لو أنها أسلمت ولها ولد صغير، كان أبوه أحق به، ويكون على دينه، وإن ماتت بعد أن تلده لم ترثه. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب، إن الولد لا يكون مسلما إلا بإسلام أبيه، وقال ابن وهب: إنه مسلم بإسلام من أسلم من أبويه لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. ويؤيد قولَه قولُ النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه» ، الحديث. على تأويل من جعل خبر المبتدأ في يولد على الفطرة؛ لأنه على هذا التأويل يقتضي للعموم في جميع المولودين، فلا يكون نصرانيا ولا يهوديا، إلا أن يكون أبواه جميعا على ذلك، وقد تكلمنا على هذا الحديث، واستوعبنا القول فيه، في

يحلف بطلاق امرأته فيشك في تعينه

كتاب أفردناه لذلك، فمن أحب الشفا من ذلك، فليقف على ما ذكرناه إن شاء الله وبه التوفيق. [يحلف بطلاق امرأته فيشك في تعينه] ومن كتاب أوله الشريكين يكون لهما مال. وقال مالك: في الرجل يحلف بطلاق امرأته، فيشك في تعينه، فيقف ويسأل، ويستفتي ثم يتبين له حنثه. قال مالك: تعتد من حين وقف عنها، وليس من حين يتبين له. قيل لابن القاسم: فإن مات قبل ذلك أيتوارثان؟ قال: ينظر في يمينه، فإن كان لم يحنث فيها لم ترثه وإلا ورثته. قال محمد بن رشد: قوله: إنها تعتد من حين وقف، وليس من حين يتبين له حنثه صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن العدة إنما تكون من يوم الطلاق، والطلاق إنما وقع عليه يوم الحنث، لا يوم تبين له أنه حنث؛ لأنه إنما تبين له اليوم أن الطلاق قد كان وقع عليه قبل حين وقف عنها، وقوله في الميراث: إنه ينظر في يمينه، فإن كان يحنث فيها لم ترثه، وإلا ورثته. وفي بعض الكتب، لم ترثه ولم يرثها ليس بخلاف لما تقدم في رسم طلق في الذي يشهد عليه الشهود، أنه طلق امرأته ألبتة، أنها ترثه، ولا يرثها، والفرق بين المسألتين أن الرجل في هذه لم يزل مقرا على نفسه بما أوجب عليه الطلاق، فوجب ألا يكون بينهما ميراث بعد وقوع الطلاق، ومسألة كتاب طلق شهد عليه الشهود، وهو منكر لشهادتهم، فوجب في ذلك الإعذار إليه، حسبما تقدم القول فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته واحدة ألا يفعل شيئا] مسألة وقال مالك: في رجل حلف بطلاق امرأته واحدة ألا يفعل شيئا، أو أن يفعله، فيقع عليه الحنث، وهي في الدم. قال مالك: يجبر على رجعتها.

مسألة: غاب عن امرأته فعرف موضعه أيضرب لامرأته أجل المفقود

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الطلقة الواحدة، إذا لم يكن معها فداء، فهي رجعية، سواء وقعت بيمين أو بغير يمين. ومن طلق امرأته واحدة في الحيضة أجبر على الرجعة بالسنة الثابتة في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قيل: ما دامت في العدة، وهو المشهور في المذهب، وقيل: ما لم تطهر ثم تحيض ثم تطهر، وهو قول أشهب، ومن أهل العلم من يرى أنه لا يجبر على الرجعة إلا ما دامت الحيضة التي طلقها فيها والمسألة متكررة في آخر الرسم من سماع أشهب. [مسألة: غاب عن امرأته فعرف موضعه أيضرب لامرأته أجل المفقود] مسألة وسئل مالك عمن غاب عن امرأته، فعرف موضعه، أيضرب لامرأته أجل المفقود؟ قال: لا، ولكن يكتب إليه فيها، قيل له: فإن بعث إليها بنفقة وأقرها قال مالك: أما الحين فإني أرى ذلك له، وإن طال ذلك لم يكن له أن يبعث إليها بنفقة، ويحتبس عنها. قيل له: أفلذلك وقت؟ فقال: ما سمعت، ولكن إذا طال ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الغائب إذا عرف موضعه، فليس بمفقود فإن احتبس عن امرأته كتب إليه، إما أن يقدم عليها، وإما أن يحملها إليه، وإما أن يفارقها على ما جاء عن عمر بن عبد العزيز، وقع ذلك له في الإيلاء من المدونة، وفي رسم شهد من سماع عيسى من هذا الكتاب، فإن لم يفعل وطال الأمر طلق عليه؛ لأن ذلك من الإضرار بها. وقد قال عز وجل: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] ، ولم يحد هاهنا حدا في الطول. وقال في رسم شهد المذكور: إن السنتين والثلاث في ذلك قريب، وليس بطويل. وهذا إذا بعث إليها بنفقة، وأما إن لم يبعث إليها بنفقة ولا علم له، قال: فإنها تطلق عليه بعد الإعذار إليه والتلوم عليه، وأما إن علم أنه

طلق امرأته وله منها ثلاثة أولاد رجال

موسر بموضعه، فيفرض لها النفقة عليه تتبعه بها، ولا يفرق بينهما. هذا ظاهر قول ابن حبيب في الواضحة. ومعنى ذلك ما لم يطل على ما قال هاهنا، والله أعلم. [طلق امرأته وله منها ثلاثة أولاد رجال] ومن كتاب اغتسل على غير نية. وسئل مالك عن رجل طلق امرأته وله منها ثلاثة أولاد رجال، فنكحت بعده رجلا، فولدت له ولدا، ثم نازع زوجها الذي فارقها ولده منها، فقال لقوم شهدوه: أشهدكم أنهم ليسوا لي بولد، فقال ابنها من غيره: آخذك بحق أمي وقد قذفتها، وطلبت الأم ذلك، وعفا بنوه عن ذلك، قال مالك: أرى أن يحلف بالله ما أراد قذفا، ولا قال ذلك إلا على وجه أنه يريد ولو كانوا ولدي ما صنعوا كذا وكذا، كمثل الرجل يقول لخادمه: لو كنت لي خادما ما فعلت كذا وكذا، فإذا حلف لم أر عليه شيئا. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في كتاب القذف من المدونة وزاد فيها ابن القاسم، فإن لم يحلف ضرب الحد، وهو تمام المسألة. وإن حلف لم يكن عليه شيء؛ لأنه كلام إن لم يرد به القذف فليس بسب واختلف في الكلام المتردد بين السب والقذف، مثل أن يقول له: يا خبيث، ويا ابن الخبيث، فقال أشهب: يحلف أنه ما أراد بذلك القذف فإن حلف نكل، وإن نكل حد. وقال ابن القاسم في المدونة ينكل حلف أو لم يحلف، يريد، ويكون تنكيله، إذا لم يحلف بعد السجن أشد، واضطرب قوله في هذا الأصل، وبالله التوفيق. [مسألة: المحرم يراجع امرأته] مسألة وقال مالك: في المحرم: إنه يراجع امرأته ما دامت له عليها الرجعة، فأما المختلعة، والمباراة، ومن لا رجعة له عليها من

مسألة: امرأة المفقود تتزوج قبل أربع سنين

النساء، فلا يراجعها المحرم؛ لأن ذلك نكاح جديد. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه؛ لأن المطلقة واحدة باقية في العصمة، ما لم تنقض العدة، فليس الارتجاع بعقد النكاح، وإنما هو إصلاح للثلم الذي أوجبه الطلاق فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: امرأة المفقود تتزوج قبل أربع سنين] مسألة وسئل عن امرأة المفقود تتزوج قبل أربع سنين، قال: يفرق بينهما، فإذا انقضت عدتها أنكحها إن أحب ذلك، عندي مثل المتوفى عنها زوجها، ولا المطلقة، إذا أنكحها قبل انقضاء العدة، ثم دخل بها؛ لأن امرأة المفقود تتزوج في أربع سنين مخالفة لهما. وإني أرى أن يكون في هذا عقوبة من السلطان، لامرأة المفقود وناكحها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه ليس بمتزوج في عدة، إلا أن ينكشف أن نكاحه وقع في العدة، وقد دخل بها، فتحرم عليه. وقد مضى هذا المعنى والقول فيه مجودا في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح. [تصالح زوجها على رضاع ابنه ونفقته إلى فطامه فتحتاج ولا تجد ما تنفق عليه] ومن كتاب البر وسئل مالك عن المرأة تصالح زوجها على رضاع ابنه ونفقته إلى فطامه، فتحتاج، ولا تجد ما تنفق عليه. قال مالك: يكلف الأب نفقته، قال ابن القاسم: ويتبعها إن أيسرت. قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم: أن لا يتبعها بشيء، رواه أصبغ عنه في الموازية، وعيسى في المدنية، والقياس أن يتبعها؛ لأن النفقة قد وجبت عليها بالصلح، فهو في إنفاقه عنها كالحميل إذا أدى، يرجع

مسألة: يوسع على اليتيم في نفقته

بما غرم، وإنما قال: إنه لا يتبعها استحسانا من أجل أن النفقة واجبة عليه في الأصل، وإنما ألزم ذلك إياها من "أجل ذلك، لا من أجل أنه حميل بها، إذ لم يتحمل بشيء. والمسألة متكررة في سماع أشهب من كتاب التخيير. وقد مضى القول على هذا المعنى في سماع سحنون من كتاب النكاح، والحمد لله. [مسألة: يوسع على اليتيم في نفقته] مسألة قال مالك: أرى أن يوسع على اليتيم في نفقته. وكان ربيعة يقول ذلك، ويقول: هو أثبت لهم، إذا طابت أنفسهم، وأحسن إليهم. قال مالك: ولا ينظر إلى صغره فرب كثير أكثر نفقة من كبير، قال مالك: وكان سالم بن عبد الله له خريطة كبيرة ليتامى له، فلا يختم عليها يجعل فيها كل شيء لهم من فضل تقطيع ثوب أو دينار أو درهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، ينبغي أن يوسع عليهم في الإنفاق على قدر أموالهم من غير إسراف. قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] ، وقال عمر بن الخطاب: إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم، وبالله التوفيق. [مسألة: عدة الوفاة من اللائي يئسن من المحيض واللائي لم يبلغن المحيض] مسألة قال: وقد كان من قول مالك في عدة الوفاة من اللائي يئسن من المحيض، واللائي لم يبلغن المحيض، أن تعتد المرأة منهن إلى مثل الساعة التي توفي فيها زوجها أو طلقت فيها، ثم قال بعد

قال لامرأته أنت طالق واحدة إن بت عنك فبات عنها

ذلك: أرى أن يلغى بقية ذلك اليوم. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يلغى ذلك اليوم، فإن امرأة تزوجت بعد الوقت الذي هلك زوجها فيه، أو طلقها، لم أر أن يفسخ؛ لأنها قد استكملت الذي قال الله في كتابه وتزوجت بعده. قال محمد بن رشد: قول مالك الأول، هو القياس، إذ لا اختلاف في أنه يجب عليها أن تبتدئ العدة من الساعة التي طلق فيها زوجها أو توفي عنها، ولا يصح لها بإجماع، أن تلغي بقية ذلك اليوم فتبتدئ بالعدة من عند غروب الشمس، فإذا وجب عليها بإجماع أن تبتدئ بالعدة من تلك الساعة، وتجنبت الطيب والزينة من حينئذ، إن كانت عدة وفاة، وجب أن تحل في تلك الساعة من النهار، وبقاؤها إلى بقية النهار، زيادة على ما فرضه الله عليها. ووجه القول الثاني أن السنة والشهر واليوم، لما كان أول كل واحد منها غروب الشمس عند العرب، بخلاف العجم. وأجمع أهل العلم لذلك، أن من نذر اعتكاف يوم، يبدأ من أول الليل، رأى أن تبتدئ المعتدة بعد أيام عدتها من عند غروب الشمس، فمعنى قوله: أرى أن تلغي بقية ذلك اليوم، معناه، تلغيه في حسابها، لا أنها تكون فيه غير معتدة. فإن تزوجت المرأة على قول مالك الثاني، بعد الوقت الذي هلك زوجها فيه، وقبل غروب الشمس، فسخ نكاحه. وقول ابن القاسم قول ثالث في المسألة، استحسان مراعاة للاختلاف، وقد مضى في سماع سحنون من كتاب النذور ما يزيد هذه المسألة بيانا، والله الموفق. [قال لامرأته أنت طالق واحدة إن بت عنك فبات عنها] ومن كتاب ابتاع غلاما بعشرين دينارا وسئل مالك عن رجل قال لامرأته: أنت طالق واحدة إن بت عنك فبات عنها، فطلقت منه بواحدة، ثم ارتجعها، ثم بات عنها بعد ذلك ليالي. قال: لا شيء عليه إلا الأولى. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصله في المدونة وفي غير

مسألة: قال: إن أنفقت شيئا من مالها أو دراهم لم تعين فيها

ما مسألة من العتبية، حاشا مسألة الوتر، في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، وقد استوفينا القول على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، والله الموفق. [مسألة: قال: إن أنفقت شيئا من مالها أو دراهم لم تعين فيها] مسألة وسئل عن امرأة غاب عنها زوجها، فأنفقت مالا. قال: إن أنفقت شيئا من مالها أو دراهم، لم تعين فيها، فأراه لها عليه غرما يغرمه زوجها لها، رفعت ذلك إلى السلطان أو لم ترفعه، وذلك إذا أقر به، فإن لم يقر به، فمن يوم ترفعه إلى السلطان، فإن أنفقت عشرة دنانير كل سنة، فهي عليه غرم، وإن تعينت في ذلك لم يلزم زوجها ما أربت في ذلك، ينظر إلى قيمة ما أنفقت، فيكون على الزوج، وما أربت في ذلك فهو على المرأة، وأرى إذا كان على الزوج دينا كثيرا مما له، حاصت المرأة الغرماء بما أنفقت. قال ابن القاسم: من يوم ترفع ذلك إلى السلطان، وكانت هي والغرماء أسوة يتحاصون في ماله. قال سحنون في الدين المحدث: وأما الدين القديم، فإنها لا تحاص أهله إذا كان ذلك الدين قبل نفقتها؛ لأنه لم يكن موسرا حين أنفقت وعليه دين يحيط بماله، وإنما النفقة لها إذا كان موسرا، فهو إذا كان دينه يحيط بماله، فهو غير موسر، ولا نفقة لها عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إنها إن تعينت فيما أنفقت على نفسها في مغيب زوجها فأربت في ذلك، لم يلزم زوجها ما أربت به، معناه: إن اشترت ما تأكل أو تلبس بدين، إن لم يكن عندها نقد، فزادت من أجل ذلك في الثمن، لم يكن لها أن ترجع عليه إلا بثمن بمثل ذلك نقدا، والزائد على ذلك يكون عليها، ولا يلزم الزوج من ذلك شيء. وقوله: فإن لم يقر به فمن يوم ترفعه إلى السلطان، هو المحفوظ في المذهب. وقد مضى في رسم طلق ما في

أعتق عبدا له صغيرا وللعبد أم هي أمة الرجل المعتق

ذلك من الاختلاف. وقوله: إنه إن كان عليه دين أكثر من ماله، حاصت المرأة الغرماء بما أنفقت، معناه: من يوم ترفع ذلك، على ما قال ابن القاسم، إذ لا يجوز إقراره لها بالإنفاق من أجل الدين الذي عليه، إذ لا يجوز إقرار المديان لمن يتهم عليه. ومعناه عندي في الدين المستحدث، على ما قال سحنون. وقد كان بعض الشيوخ يحمل قول سحنون، على أنه خلاف لقول مالك، ويقول لها على ظاهر قول مالك، محاصة الغرماء في الدين القديم؛ لأن للغريم أن ينفق على امرأته ما لم يفلس، وإن أحاط الدين بماله، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأن إنفاقه على امرأته، بخلاف إنفاق امرأته على نفسها ورجوعها عليه بما أنفقت إذ لا يتحقق أنه لم يخلف عندها نفقة، فلعله قد ترك عندها نفقة فجحدت ذلك ورفعت أمرها إلى السلطان، إعدادا ليكون القول قولها، فرجوعها على الزوج بالنفقة التي ادعت، إنما هو دين أوجبه الحكم لها، فيجب ألا يحاص به إلا في الدين المستحدث، كما قال سحنون. ولو كانت نفقتها على نفسها في مغيب زوجها بعد رفعها أمرها إلى السلطان، كنفقته هو عليها لوجب أن يبدأ بها على الغرماء إذ نفقتها هو عليها في حكم المبداة، وهذا بين، وبالله التوفيق لا رب غيره ولا معبود سواه. [أعتق عبدا له صغيرا وللعبد أم هي أمة الرجل المعتق] ومن كتاب صلى نهارا وسئل عن رجل أعتق عبدا له صغيرا، وللعبد أم، هي أمة الرجل المعتق، وللغلام جدة حرة، فأرادت الجدة قبضه منه. قال مالك: لا أرى أن يفرق بينه وبين أمه، إلا أن يكون ذلك مضرا به. قال محمد بن رشد: إنما رأى ألا يفرق بينه وبين أمه، ورآها أحق بحضانته من جدته الحرة؛ لأن سيدها هو الذي ينفق عليه، من أجل أنه أعتقه صغيرا. ألا ترى أن قول مالك وغيره في المدونة وغيرها، أن من أعتق صغيرا وأمه عنده، إنه لا يبيعها إلا ممن يشترط عليه نفقته، ليكون مع أمه في

مسألة: زوجها سيدها ثم طلقها زوجها فوطئها سيدها في عدة من طلاق أو وفاة

نفقة سيدها، وكان القياس أن تكون الجدة الحرة أحق بحضانته من الأم، من أجل سيدها، كما أنها أحق بحضانته من الأم، من أجل زوجها إن كان لها زوج؛ لأن حكم السيد على أمته، أقوى من حكم الزوج على زوجته. وما أدري لم أوجبوا على من أعتق صغيرا ثم باع أمه، أن يشترط نفقته على المشتري حتى يبلغ؟ وما المانع من أن يكون مع أمه عند المشتري، وتكون نفقته على البائع ورضاعه؟ اللهم إلا أن يقال: نفقته لا تلزمه، إلا أن يكون عنده، فيكون المعنى في المسألة على هذا إنه إنما أوجب عليه ألا يبيعها إلا لمن يشترط عليه نفقته من عنده، وهو عند المشتري ويلزم على قياس هذا في الذي أعتق الصغير وأمه أمة عنده، وله جدة حرة أن تكون الجدة أحق بحضانته إذا رضي المعتق أن ينفق عليه، وهو عندها ورضيت هي بالتزام نفقته، فانظر في ذلك. [مسألة: زوّجها سيدها ثم طلقها زوجها فوطئها سيدها في عدة من طلاق أو وفاة] مسألة قال مالك: في أمة زوّجها سيدها، ثم طلقها زوجها، فوطئها سيدها في عدة من طلاق أو وفاة، قال: لا أرى لسيدها أن يطأها بعد أن تحل أبدا، مثل النكاح. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم باع غلاما من هذا السماع من كتاب النكاح فلا معنى لإعادته. [مرض فذهب عقله، فطلق امرأته ثم أفاق فأنكر ذلك] ومن كتاب مرض وله أم ولد وسئل مالك عن رجل مرض، فذهب عقله، فطلق امرأته ثم أفاق فأنكر ذلك، وزعم أنه لم يكن يعقل الذي صنع، وأنه كان لا يعلم شيئا من ذلك. قال: أرى أن يحلف ما كان يعقل، ويخلى بينه وبين أهله.

مسألة: المجنون المغلوب على عقله ضمان ما أفسده من الأموال

قال محمد بن رشد: وإنما يكون ذلك إذا شهد العدول أنه كان يهذي ويتخبل عقله، وأما إذا شهدوا أنه لم يستنكر منه شيء في صحة عقله، فلا يقبل قوله، ويمضي عليه الطلاق. قاله ابن القاسم في العشرة. وكذلك الحكم في السكران. روى ذلك زياد عن مالك. وقد مضى القول في حكم السكران مستوفى في أول كتاب النكاح. وهذه المسألة المتكررة في هذا الرسم من كتاب الأيمان بالطلاق، والله الموفق. [مسألة: المجنون المغلوب على عقله ضمان ما أفسده من الأموال] مسألة قال ابن القاسم: وإن قتل أحدا كان من الخطأ، وكان على العاقلة، وما أفسد أو كسر كان بمنزلة الموسوس في ماله، وما جرح كان من الخطأ إن كان مما تحمله العاقلة فعليهم، وإن كان مما لا تحمله العاقلة فعليه. قال محمد بن رشد: حكم ابن القاسم في هذه الرواية للمريض الذي ذهب عقله، والموسوس فيما جنا أو أفسد من الأموال، بحكم الصحيح، يفعل ذلك خطأ، فأوجب عليهما ضمان ما أفسدا من الأموال، وحمل العاقلة ما بلغ من جنايتهما الثلث فصاعدا، وهو على قياس قول مالك في رواية أشهب عنه، من كتاب الجنايات في المجنون المغلوب على عقله، إنه ضامن لما أفسد من الأموال وقد قيل: إن جميع ما أصاباه في الدماء والأموال هدر، كالبهيمة. قاله ابن المواز في أحد قوليه في الصغير يحبو فيصيب إنسانا بجرح أو غيره، إنه لا عقل فيه، وقد قيل: إن ما أصاباه من الأموال فهو هدر، وما أصاباه من الدماء والجراح فهو في أموالهما، إلا أن يبلغ الثلث فصاعدا، فيكون على العاقلة، وهو قول ابن القاسم في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الجنايات. وجه القول الأول: أن جناياتهم في الأموال والدماء، لما كانت بغير قصد منهم؛ إذ لا يصح القصد منهم، أشبهت جنايات العاقل خطأ، إذ ليست بقصد منه إليها، ووجه القول الثاني: أنهم لما كانوا في هذه الحال ممن لا

مسألة: طلقت المرأة فادعت حملا أنفقت على نفسها من مالها

يصح منهم القصد، أشبهوا البهيمة التي لا يصح منها القصد، فكانت جناياتهم هدرا، ووجه القول الثالث: أنه لما كانت الأموال يضمنها العاقل بالقصد وغير القصد، من أجل أنه ممن يصح منه القصد، وجب ألا يضمنها من لا عقل له، من أجل أنه ليس ممن يصح منه القصد. ولما كانت الدماء والجراح يفترق فيها من العاقل القصد من غير القصد، وجب أن يحكم فيها على من لا يعقل، بحكم من يعقل، إذا لم يقصد، إذ لا يصح ممن لا يعقل، وبالله التوفيق. [مسألة: طلقت المرأة فادعت حملا أنفقت على نفسها من مالها] مسألة قال مالك: إذا طلقت المرأة فادعت حملا، أنفقت على نفسها من مالها. فإذا تبين حملها، أُعطيت ما أنفقت، فإن طاوعها فأنفق عليها طائعا، ثم تبين له أنه ليس بها حمل، لم أر عليها غرما، وإن قضى عليه السلطان بذلك رأيت أن يغرم. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه يرجع عليها وإن أنفق عليها بغير قضاء، وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك واختيار محمد بن المواز. وقيل: إنه لا رجوع له عليها، وإن أنفق عليها بقضاء، وهو قول مالك في كتاب النكاح لابن المواز. ولهذه المسألة نظائر كثيرة، تفوت العد. منها مسألة كتاب الشفعة من المدونة في الذي يثيب على الصداق وهو يظن أن الثواب يلزمه. ومنها مسألة كتاب الصلح منها في الذي يصالح عن دم الخطأ، وهو يظن أن الدية تلزمه. ومنها مسألة الصداق، في سماع أصبغ من كتاب النكاح. ومنها ما في سماع أصبغ من كتاب الشهادات، وما في سماع عيسى ونوازل سحنون من كتاب الهبات والصدقات. [مسألة: المرأة الحامل إذا طلقت فطلبت الكسوة] مسألة وقال مالك: في المرأة الحامل إذا طلقت فطلبت الكسوة، قال: ينظر في ذلك إلى ما بقي لها من الأشهر، ثم ينظر إلى قدر

حلف ألا يصحب أخا له في سفر فيقدم قبله بيوم ثم إنه أدركه في الطريق

الكسوة، فتعطى دراهم على قدر ما بقي لها من قدر الكسوة، والكسوة عندنا الدرع والخمار والإزار، وليست الجبة عندنا كسوة. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة هاهنا مجملة وبيانها في رسم الصبرة من سماع يحيى. قال فيه: إنها إن طلقت في أول الحمل فطلبت الكسوة، فلها الكسوة، وإن طلبتها ولم يبق من أجل الحمل إلا الشهرين والثلاثة، أو نحو ذلك، قُوِّم لها ما كان يصير لتلك الأشهر من الكسوة لو كسيت في أول الحمل، ثم تعطاه دراهم، ولم تكس؛ لأنها إن كسيت انقضى الحمل والكسوة جديدة، وهذا إذا كانت الكسوة مما تبلى في مدة الحمل، وأما إن كانت لا تبلى في مدة، مثل الفرو والمحشو وشبه ذلك، فالوجه فيه أن ينظر إلى ما ينقصه اللباس في مدة الحمل، فيعرف ما يقع من ذلك للأشهر الباقية، وبالله التوفيق. [حلف ألا يصحب أخا له في سفر فيقدم قبله بيوم ثم إنه أدركه في الطريق] ومن كتاب المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل مالك عن رجل حلف ألا يصحب أخا له في سفر، فيقدم قبله بيوم، ثم إنه أدركه في الطريق، فكان يسايره ويصحبه، غير أنه مفارق له في النفقة، قال: لا أرى أن يفعل ذلك، قيل له: إنه قد فعل، قال: إن كانت يمينه خفيفة فليكفر، وإن كانت ثقيلة فإني أخاف عليه. قيل له: إنه حلف بتطليقة واحدة، أترى له أن يراجعها؟ قال: منذ كم حلف، قال: منذ خمس عشرة ليلة، وامرأته غائبة، قال: نعم أرى أن يجعلها تطليقة، ويُشهد على رجعتها. قال محمد بن رشد: هو بما يقتضيه اللفظ حانث؛ لأنه حلف ألا يصحبه في سفر، وسايره فيه، والحنث يدخل بأقل الوجوه، إلا أن المعنى في يمين الحالف، ألا يصحب أخا له في سفر، ألا يصحبه صحبة الارتفاق والانتفاع، فلذلك لم يحقق عليه الحنث. وقال: أخاف عليه. ورأى إيجابه على

يطلق امرأته وهي ترضع فيريد أن ينتزع منها ولدها

نفسه إبراء لساحته فأمره أن يجعلها طلقة، قد حنث فيها، ويرتجع إذا كانت لم تنتقض، والله الموفق لا رب سواه. [يطلق امرأته وهي ترضع فيريد أن ينتزع منها ولدها] ومن كتاب سعد في الطلاق وقال مالك: في الذي يطلق امرأته وهي ترضع، فيريد أن ينتزع منها ولدها، ويزعم أنه يريد بذلك ألا تتأخر حيضتها، ولئلا ترثه إن مات، أو تريد هي ذلك، ولعل الولد قد عرف أمه، قال مالك: إن تبين أن قوله: أخاف أن يتأخر الحيض صدقا لا يريد بذلك ضررا، ولم يعرف الولد أمه، فلا يقبل غيرها، رأيت ذلك له، وإن رأى أنه إنما يريد الضرر، منع من ذلك وإن كان الصبي قد علق أمه، وخيف عليه في نزعه منها ألا يقبل ثدي غيرها، لم يكن ذلك له أيضا. قال مالك: والمرأة إذا أرادت أن تضع رضاع ولدها، وتحوله إلى غيرها، كهيئة ما وصفنا من أمر أبيه، لم يكن ذلك لها. قال محمد بن رشد: أما إذا علق الولد أمه ولم يقبل ثدي غيرها، فليس للأب أن ينتزعه منها، لما ذكره، ولا للأم أن تطرحه إليه أيضا. وأما إذا لم يكن يعلق أمه، فللأم أن تطرحه إليه إن شاءت، إذ ليس يجب عليها إرضاعه إذا كان للأب مال، وهو يقبل ثدي غيرها، إلا أن تشاء، وليس للأب أن ينتزعه منها، مخافة ما ذكره، إلا أن يتبين تصديق قوله، ويعلم أنه لم يرد بذلك الضرر. هذا تحصيل قول مالك في هذه المسألة. وقوله في الأم إذا أرادت أن تدع رضاع ولدها، وتحوله إلى غيرها، كهيئة ما وصفنا من أمر أبيه، لم يكن ذلك لها، معناه إذا لم يقبل ثدي غيرها. قال ابن المواز: وهذا

مسألة: قال لامرأة تزوجها ومعها أمها إن حلت بينك وبين أمك فأمرك بيدك

في طلاق الرجعة. قال مالك: وكذلك إن قال لأني أريد أن أتزوج أختها أو عمتها أو خالتها، أو كانت رابعة، فقال: لأتزوج غيرها، فذلك له إن شاء، وكذلك إذا كان يقبل ثدي غير أمه، وكذلك إن كانت الأم هي الطالبة، فقول مالك هذا فذلك له إن شاء، معناه: إذا تبين صدق قوله، وأنه لا يريد بذلك ضررا على ما قال في مسألة الكتاب. وقوله: وكذلك إن كانت الأم هي الطالبة لطرحه، معناه: إن ذلك لها إن أرادت، كما يكون ذلك للأب، إذا علم أنه لا يريد بذلك، إلا ما ذكر، لا الضرر، إذ لا يستوي حكم الأب والأم في ذلك، إلا على الوجه الذي ذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأة تزوجها ومعها أمها إن حلت بينك وبين أمك فأمرك بيدك] مسألة وقال مالك: في رجل قال لامرأة تزوجها ومعها أمها، إن حلت بينك وبين أمك فأمرك بيدك، فخرجت الأم، وقد كانتا في بيت واحد، فأرادت امرأته أن تأتي أمها، فمنعها من ذلك، وقال: لم أرد إلا ألا أفرق بينكما، وأنتما في بيت واحد، إن خرجت عنك أمك، فلا آذن لك إليها، وليس على هذا حلفت، قال مالك: أرى ذلك إلى نيته، ويحلف بالله ما أردت إلا ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال؛ لأن النية التي ادعى الزوج محتملة، فوجب أن يصدق فيها، واستظهر عليه باليمين، لما تعلق في ذلك من حق الزوجة؛ لأنها تتهمه أن يكون كاذبا فيما ادعى من نية، فهي يمين تهمة يدخلها من الخلاف ما في لحوق يمين التهمة. وبالله التوفيق. [مسألة: نفقة أم الولد يتوفى عنها سيدها وهي حامل] مسألة قال مالك: في أم الولد يتوفى عنها سيدها وهي حامل، والحرة يتوفى عنها زوجها وهي حامل، ليس لواحدة منهما نفقة، لا من جملة المال، ولا من حصة الولد.

مسألة: مطلقة مبتوتة ادعت الحمل وطلبت النفقة

قال محمد بن رشد: أما الحرة يتوفى عنها زوجها وهي حامل، فلا اختلاف في المذهب في أنه لا نفقة لها، لا من جملة المال، ولا من حصة الولد، وحسبها ميراثها، وأما أم الولد يتوفى عنها سيدها وهي حامل، فالمشهور أنه لا نفقة لها، كالزوجة، وقد روي عن مالك، أن لها النفقة من جملة المال، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز. قال: لا سكنى لأم الولد على السيد من عتق أو موت، إلا أن تكون حاملا، فلها النفقة والسكنى، ولها المبيت في الحيضة في غير بيتها، من عتق أو وفاة. وقال أشهب: لها السكنى على الضعف من غير إيجاب، ولكن استحباب، إلا أن تكون حاملا، واختلف على القول بأنه لا نفقة لها في الأمة يموت عنها سيدها وهي حامل، فقيل: إن لها النفقة؛ لأنها لا تخرج حرة حتى تضع، مخافة أن ينفش الحمل، وهو قول ابن الماجشون، وأحد قولي مالك، وقيل: إنه لا نفقة لها لأنها حرة، بتبين الحمل، وهو المشهور، وأما أم الولد إذا أعتقها سيدها وهي حامل، فلها النفقة. وروي ذلك عن مالك وهو قول ابن القاسم في الواضحة. وسفيان الثوري يرى للحرة إذا توفي زوجها وهي حامل النفقة من جملة المال. وروي ذلك عن عبد الله بن عمر، فبلغ ذلك قبيصة بن ذؤيب فقال: سبحان الله لو جعلت لها النفقة لجعلت من حظ ذي بطنها، وبالله التوفيق. [مسألة: مطلقة مبتوتة ادعت الحمل وطلبت النفقة] مسألة وقال مالك: في مطلقة مبتوتة ادعت الحمل وطلبت النفقة، قال مالك: تنفق من مالها، وتحسب ذلك على زوجها، حتى يتبين حملها، فتأخذ ذلك منه، وينفق عليها فيما يستقبل، حتى تضع حملها، فإن انكشف أمرها على غير حمل غرمت له ما أنفق عليها. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه لا نفقة لها حتى تضع، مخافة أن ينفش الحمل، وهو أحد قولي مالك في مختصر ابن شعبان، وقد مضى القول إذا أنفق عليها ثم انفش الحمل في رسم مرض فلا معنى لإعادته.

مسألة: شهادة امرأة لم تثبت من أمر رضاعها عند الأهلين والمعارف

[مسألة: شهادة امرأة لم تثبت من أمر رضاعها عند الأهلين والمعارف] مسألة وقال مالك: لا أرى شهادة المرأة الواحدة تقطع شيئا، إلا أن يكون شيئا قد فشى وعلم في صغرهما، وأما شهادة امرأة لم تثبت من أمر رضاعها عند الأهلين والمعارف، حتى يكون ذلك شيئا قد علم، فلا أرى شهادتها جائزة. قال مالك: وشهادة المرأتين لا تقطع شيئا، إلا أن يعلم ذلك ويذكر، فتجوز شهادتهما على ما وصفت. قال محمد بن رشد: هذا مثل ظاهر ما في كتاب النكاح الثاني من المدونة، من أن شهادة امرأة واحدة تجوز في الرضاع مع الفشو، خلاف ما في كتاب الرضاع، من أنه لا يجوز في ذلك إلا شهادة امرأتين مع الفشو أيضا. وقال مطرف وابن الماجشون، وابن وهب، وابن نافع، وسحنون: تجوز شهادة المرأتين في ذلك، والمرأة والرجل، وإن لم يفش ذلك، قبل ذلك من قولهما. فشهادة امرأتين مع الفشو تجوز باتفاق، وشهادة المرأة الواحدة دون فشو، لا تجوز باتفاق، ويختلف في شهادة المرأة الواحدة مع الفشو، وفي شهادة المرأتين دون فشو، ومن يشترط الفشو في شهادتهما، لا يشترط العدالة ومن لا يشترط الفشو، يشترط العدالة، وقد مضى القول على هذا أيضا في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى من كتاب النكاح، والله الموفق. [مسألة: يطلق امرأته ثم يرتجعها ويكتمها رجعتها حتى تنقضي عدتها] مسألة وقال مالك: في الرجل يطلق امرأته ثم يرتجعها، ويكتمها رجعتها حتى تنقضي عدتها، وهو مقيم معها في البلد، ثم يريد أن يراجعها قال: ذلك له ما لم تنكح، والحاضر والغائب في هذا سواء، بمنزلة أنه أملك بها، ما لم تنكح، إلا أن الحاضر أعظم في الظلم. قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال؛ لأن الارتجاع إليه، وليس من شرط صحته أن يعلمها بذلك، إلا أنه يستحب له ذلك، فإذا راجعها وأشهد

المفقود في أرض الإسلام بين الصفين

على رجعتها في العدة فهي زوجته، وإن انقضت عدتها قبل أن تعلم بذلك، وبالله التوفيق. [المفقود في أرض الإسلام بين الصفين] من سماع أشهب وابن نافع عن مالك من كتاب الطلاق الثاني قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن المفقود في أرض الإسلام بين الصفين، والمفقود في أرض العدو بين الصفين، كم تعتد امرأته؟ فقال: سنة، قيل له: تعتد بعد السنة أربعة أشهر وعشرا؟ قال: نعم، قيل له: ومتى يضرب لها أجل سنة؟ أمن يوم فقد، أم من يوم يضرب لها السلطان؟ قال: من يوم يضرب لها السلطان، وينظر في أمرها. قال محمد بن رشد: قوله في المفقود في أرض الإسلام بين الصفين، يريد في الفتن التي تكون بين المسلمين، فساوى في هذه الرواية بين قتال المسلمين، وفي قتال العدو، وجعلهما جميعا في حكم المفقود، إلا في ضرب الأجل، فإن المفقود يضرب له أجل أربع سنين، ويضرب لهذين أجل سنة، ثم تعتد امرأته بعد الأجل، وتتزوج إن أحبت، ولا يقسم ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يحيى إلى مثله، وإن كان لم يتكلم في الرواية على قسم المال، فهذا هو مراده فيها. والله أعلم، بدليل قوله: إن ضرب الأجل إنما يكون من يوم يضربه السلطان، وينظر فيه، والعدة من بعد انقضاء الأجل، على حكم ضرب الأجل في المفقود والعدة، إذ لو كان المال يقسم، لما كان في ذلك ضرب أجل، إلا على سبيل التلوم، ولكانت العدة من يوم المعركة، وعلى هذا حمل أحمد بن خالد رواية أشهب هذه، وقال: إنه قول الأوزاعي، فالمفقودون على هذه الرواية ثلاثة: مفقود في بلاد المسلمين، له حكم، ومفقود في بلد

مسألة: يتوفى عنها زوجها وقد امتشطت أتنقض مشطها

الحرب، له حكم الأسير، ومفقود في الحروب، له حكم المفقود في بلاد المسلمين، إلا في ضرب الأجل، وهو قول مالك في رواية أشهب هذه، وجعل مالك في رواية ابن القاسم عنه الواقعة في رسم أسلم، من سماع عيسى، حكم المفقود في قتال العدو، وحكم الأسير، كالمفقود في بلاد الحرب، وحكم للمفقود في قتال المسلمين في الفتن التي تكون بينهم، بحكم الميت، يقسم ماله، وتتزوج امرأته بعد أن تعتد، وقيل: بعد أن يتلوم له إن كانت المعركة بعيدة من بلده. وسيأتي الكلام على هذا في رسم أسلم من سماع عيسى إن شاء الله. [مسألة: يتوفى عنها زوجها وقد امتشطت أتنقض مشطها] مسألة وسئل عن التي يتوفى عنها زوجها وقد امتشطت أتنقض مشطها؟ فقال: لا، أرأيت إن كانت مختضبة كيف تصنع؟ لا أرى أن تنقضه، قال ابن نافع: وهو رأيي. قال محمد بن رشد: قوله: إنه ليس عليها إذا توفي عنها وهي ممتشطة، أن تنقض مشطها، معناه إذا كانت امتشطت بغير طيب، وأما لو كانت امتشطت بطيب، أو تطيبت في سائر جسدها، لوجب عليها أن تغسل الطيب، كما يجب عليها لو توفي عنها وهي لابسة ثوب زينة، أن تخلعه عنها، وكما يجب على الرجل إذا أحرم وهو متطيب، أن يغسل الطيب عنه، كما أمر عمر بن الخطاب، معاوية بن أبي سفيان، وكثير بن الصلت، وعلى ما جاء عن النبي من قوله للأعرابي الذي أحرم بعمرة وعليه قميص وبه أثر صفرة «انزع قميصك، واغسل هذه الصفرة عنك وافعل في غمرتك ما تفعل في حجتك» . [مسألة: الرجعة بنية بعد الطلاق] مسألة قال: وسمعته كتب إلى ابن فروخ وسأله عن رجل قال.

مسألة: يكتب إلى امرأته بطلاقها

أشهدكم أني طلقت امرأتي يوما من الدهر، فقد ارتجعها، ثم طلقها بعد تطليقه، ولم يكن شأنه ارتجاعها، هل يكون ذلك له أم لا حتى يرتجعها بعد الطلاق بقول مستقبل؟ قال: هذا مثل الأول، ولا أرى ذلك ثابتا من قوله حتى يرتجعها قبل الطلاق، ولا يكون ارتجاع قبل الطلاق فيما أرى، والله أعلم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الرجعة لا تكون إلا بنية بعد الطلاق، لقول الله عز وجل: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] ، والفرق من جهة المعنى بين الطلاق قبل النكاح، والرجعة قبل الطلاق، أن الطلاق حق على الرجل، والرجعة حق له، فالحق الذي عليه يلزمه متى ما التزمه، والحق الذي له، ليس له أن يأخذه قبل أن يجب له، ولا اختلاف في أنه ليس لأحد أن يأخذ حقا قبل أن يجب له، وإنما اختلفوا في إسقاطه قبل وجوبه، كالشفعة له أن يسقطها قبل وجوبها على اختلاف، وليس له أن يأخذها قبل وجوبها باتفاق، وبالله التوفيق. [مسألة: يكتب إلى امرأته بطلاقها] مسألة قال: وسمعته يسأل عن الذي يكتب إلى امرأته بطلاقها، فقال: أراه من ذلك في سعة مخيرا، حتى يخرج الكتاب من يده، فإذا خرج من يده، كان عندي بمنزلة الإشهاد، ورأيت أن قد لزمه طلاقها، بمنزلة الذي يكتب كتابا بصدقة، فهو مخير فيه حتى يخرج من يده، ينظر ويستخبر، فإذا خرج من يده، كان بمنزلة ما لو أشهد عليه، ورأيت ذلك ماضيا عليه؛ لأن الذي يكتب الكتاب هكذا بشيء هو كتبه يقول: انظر واستخبر فيه، فهو يكتب، وهو يريد النظر والاستخبار، فأنا أرى هذا هكذا، إلا أن يكون حين كتب

بذلك قد عزم على الطلاق والصدقة، فأرى ذلك نافذا وإن لم يخرج من يده الكتاب في الطلاق وفي الصدقة كذلك أيضا. قال محمد بن رشد: قوله: أراه من ذلك في سعة مخيرا، معناه: إذا كتبه غير عازم على إنفاذه. وتحصيل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا كتب طلاق امرأته لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن يكون كتبه مجمعا على الطلاق، والثاني أن يكون كتبه على أن يستخبر فيه، فإن رأى أن ينفذه أنفذه، وإن رأى ألا ينفذه لم ينفذه، والثالث أن لا تكون له نية. فأما إذا كتبه مجمعا على الطلاق، أو لم تكن له نية، فقد وجب عليه الطلاق، طاهرا كانت أو حائضا، فإن كانت حائضا أجبر على رجعتها، وأما إذا كتبه على أن يستخبره ويرى رأيه في إنفاذه، فذلك له ما لم يخرج الكتاب من يده. قال في الواضحة وكتاب ابن المواز: ويحلف على نية فإن أخرج الكتاب من يده عازما على الطلاق، ولم تكن له نية، وجب عليه الطلاق بخروج الكتاب من يده، وصل إليها أو لم يصل، طاهرا كانت أو حائضا أيضا، ويجبر على رجعتها إن كانت حائضا. واختلف إن أخرج الكتاب من يده، على أن يرده إن بدا له، فقيل: إن خروج الكتاب من يده كالإشهاد، وليس له أن يرده وهي رواية أشهب هذه. وقيل: له أن يرده إن أحب، وهو قوله في المدونة. والقولان في رسم النسمة من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وسواء على مذهب ابن القاسم كتب إليها: أنت طالق، أو إذا طهرت من حيضتك فأنت طالق لأنه عنده أجل آت، فيتعجل عليه الطلاق، وقال أشهب: إذا كتب إليها: إذا طهرت فأنت طالق، أو إذا حضت فأنت طالق، لم يعجل عليه الطلاق حتى تطهر، وحتى تحيض. فأما قوله: في إذا حضت إنه لا يعجل عليه الطلاق، فله وجه، إذ قد لا تحيض، فأشبه قوله: إذا قدم فلان فأنت طالق، وأما قوله: إذا طهرت فليس بين، إذ لا بد أن تطهر، وإن تمادى بها الدم كانت مستحاضة، والمستحاضة في حكم الطاهر، والذي نحا إليه أنها تموت قبل أن تطهر، فيكون الطهر لم

مسألة: سألت زوجها أن يكتب إلى أبيها إني قد طلقت ابنتك ليأتيها

يأت، بخلاف الأجل الذي لا بد من إتيانه، ماتت أو لم تمت. وإذا كتب إليها على مذهب أشهب إذا ظهرت فأنت طالق، فإن كانت حائضا لم يقم عليه طلاق حتى تطهر، وإن كانت طاهرا وقع عليها الطلاق، وقيل: لا يقع عليها إلا بالطهر الثاني.، على اختلافهم فيمن قال لأمته: إذا حملت فأنت حرة وهي حامل. قال محمد بن المواز: وأحب إلي لمن أراد أن يطلق امرأته الغائب، أن يكتب إليها: إذا جاءك كتابي هذا، فإن كنت قد حضت بعدي وطهرت فأنت طالق، مخافة أن يقع طلاقه إياها في حال الحيض، وهذا جيد، إلا أنه قد لا يقع عليه طلاق أصلا إن كانت لم تحض بعده وطهرت؛ لأنه إنما طلقها على هذا الشرط، فإن كتب إليها: إن وصل إليك كتابي هذا فأنت طالق، فلا اختلاف في أنه لا يقع عليه الطلاق، إلا بوصول الكتاب إليها فإذا وصل إليها طلقت مكانها، وأجبر على رجعتها إن كانت حائضا، فإن كتب إليها: إذا وصل إليك كتابي هذا فأنت طالق، وأرسل إليها به، فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما إن ذلك بمنزلة كتابه إليها: إن وصل إليك كتابي هذا. والثاني إن الطلاق يقع عليه مكانه، على الاختلاف في القائل لامرأته: إذا بلغت معي موضع كذا وكذا فأنت طالق، حسبما وقع من ذلك في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وفي سماع عبد المالك بن الحسن منه، وبالله التوفيق. [مسألة: سألت زوجها أن يكتب إلى أبيها إني قد طلقت ابنتك ليأتيها] مسألة وسئل عن جارية متزوجة كانت تكتب إلى أبيها تسأله أن يزورها وهو عنها غائب، فلم يفعل، فلما رأت ذلك، سألت زوجها أن يكتب إليه: إني قد طلقت ابنتك، ليأتيها، فكتب زوجها بذلك إليه، ثم خاف ذلك، وأخذ بنفسه منه شيء، ولم يكن حين كتب بذلك إلى أبيها يريد طلاقها. فقال: إن صح هذا هكذا، فلا أرى

عليه شيئا ولا طلاقا، إن صح هذا، وكان على هذا، وشديد أن يعمد الرجل الذي بيده الطلاق، فيكتب بهذا، لو كانت هي كتبت ذلك على لسانه، وإني لأخاف أن تكون إنما أرادت خديعة، فإن صح هذا على هذا فلا أرى عليه طلاقا ولا شيئا، ورأيت إن قام أبوها الآن بالكتاب فقال: هذا كتابك الذي بطلاق ابنتي ألا شيء له، فقيل له: إنه ليس يخاصمه أحد، إنما هو أمر فيما بينه وبين الله، قال: إن صح هذا فلا أرى عليه طلاقا، قيل: أرأيت إن قام أبوها بالكتاب وقال: لو كان دعا قوما فأشهدهم على هذا وقال: إنما سألتني أن أكتب هذا الكتاب كذا، وأنا أكتب به لذلك، لا أريد به طلاقا، قيل له: أرأيت إن لم يكن أشهدهم، وجاء أبوها بالكتاب، فجاءت هي وهو يقتص هذه القصة، أترى أن يستحلف؟ قال: لا أدري، وما الناس كلهم عندي سواء في مثل هذا الاختلاف، أما الرجل المأمون، فكنت أرى في رأيي أن يقبل ذلك منه، ويصدق فيه. قيل له: أرأيت لو أن المرأة قالت أردت خديعة بذلك، وأردت الطلاق، فأنكر ذلك، قال: إن علم ذلك من شأنهما، لم أر عليه حنثا، وإن لم يكن إلا قوله وقد ظهر كتابه بطلاقها، وثبت ذلك عليه، رأيت أن يطلق عليه. قيل له: أي الطلاق؟ قال: ينوى ويكون واحدة. قال محمد بن رشد: في ألفاظ هذه المسألة إشكال، وفي ظاهر كلامه فيها اضطراب واحتمال، والذي يتحصل منه أنه إن صح الوجه الذي ذكره في كتابه إلى أبي زوجته أنه طلقها، يريد ببينة تشهد على ذلك، أو جاء الزوج مستفتيا وحده فلا طلاق عليه، وإن جاءوا كلهم معا، يذكر الزوج والزوجة القصة على وجهها، ويقول الأب: أنا لا أدري صدقهما من كذبهما، صدق مع يمينه، إن كان مأمونا، وإن قام الأب بالكتاب في مغيب الزوج، فلما وقف عليه أقر به، وادعى أنه إنما كتب بذلك، كما ذكر، لم يصدق في ذلك إلا أن

مسألة: امرأة المحلل إذا فرق بينهما ما الذي يكون لها

يكون قد أشهد شهودا على أنه إنما كتب بالطلاق لذلك، فإن لم يكن أشهد على ذلك، لزمه الطلاق. قال في الرواية ينوى وتكون واحدة قال ذلك أشهب في نظير هذه المسألة، وهو صحيح على أصولهم فيمن ادعى على رجل حقا فأنكره المدعى عليه، وأقام المدعي ببينة على ما ادعاه، فإن المدعى عليه يحلف ما له عنده شيء، ويغرم ما شهدت به البينة، إذ لا خروج له من ذلك، كما لا خروج له من الطلقة الواحدة المتيقنة، ولو رجع فقال: أردت بذلك الطلاق واحدة، لكانت واحدة، ولم يكن عليه في ذلك يمين، على القول بأن من قال قد طلقت امرأتي ولا نية له، إنها واحدة، وأما على القول بأنها ثلاث، إذا لم تكن له نية، فقيل: إنه لا ينوى لإنكاره أولا أن يكون أراد الطلاق، وتكون ثلاثا، وقيل: إنه يحلف وتكون واحدة، والاختلاف في هذا على اختلافهم فيمن ادعى عليه وديعة فأنكر، ثم أقر، وادعى التلف. والقولان قائمان من المدونة، والحمد لله. [مسألة: امرأة المحلل إذا فرق بينهما ما الذي يكون لها] مسألة وسئل عن امرأة المحلل إذا فرق بينهما، ما الذي يكون لها؟ أمهر مثلها أم المهر الذي فرض لها؟ قال: أيما امرأة أصابها فلها المهر الذي فرض لها. قال محمد بن رشد: مثل هذا في موطأ يحيى: إن لها مهرها وفي موطأ ابن بكير مهر مثلها. وهذا الاختلاف في الصداق إنما يكون إذا تزوجها بشرط أن يحلها على اختلافهم في الأنكحة الفاسدة، للشروط المشترطة فيها إذا فسخت بعد الدخول، أو أقرت، وقد ذهب الشرط وهو ينوي أن يحلها دون شرط كان بينه وبينها أو بينه وبين أوليائها، علم الزوج بذلك أو لم

مسألة: بينه وبين امرأته كلام فقال لها اذهبي إلى بيتك فقالت على ماذا

يعلم، لكان لها الصداق المسمى قولا واحدا، والله أعلم. [مسألة: بينه وبين امرأته كلام فقال لها اذهبي إلى بيتك فقالت على ماذا] مسألة وسئل عن رجل كان بينه وبين امرأته كلام، فقال لها: اذهبي إلى بيتك، فقالت: على ماذا؟ فقال لها: اذهبي على طلقة، فقالت: لا، فقال: اذهبي على طلقتين، فجلست ولم تذهب، قال: أراه قد طلقها تطليقتين، قيل له: إنما قال لها اذهبي إلى بيت أهلك على طلقتين، فلم تذهب، قال: أرى الطلاق قد خرج من فيه، وأراه قد طلقها طلقتين. قال محمد بن رشد: إنما أوجب عليه التطليقتين، وإن لم تذهب، من أجل أنه لم يوجب الطلقتين عليه بشرط ذهابها، وإنما فهم من قصده أنه أراد أن يطلقها إن شاءت، فعبر عن مشيئتها بذهابها إلى بيتها؛ لأن المرأة إذا طلقت رجعت إلى بيتها، فقال لها: اذهبي على طلقة، ومعناه: أنت طالق واحدة إن شئت، فقالت: لا أشاء، فقال لها: اذهبي على تطليقتين، ومعناه: أنت طالق تطليقتين إن شئت، فأوجب عليه التطليقتين لرضاها بهما، بدليل سكوتها. ويدخل في هذا الاختلاف في السكوت، هل هو كالإذن أم لا؟ وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم، وقد مضى بيان ذلك في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح، ولو أوجب التطليقتين عليه بشرط ذهابها، فقال لها: إن ذهبت إلى بيتك فأنت طالق تطليقتين، لم يلزمه شيء، إلا بذهابها، وبالله التوفيق. مسألة قال: وسألته عن الرجل يغيب عن امرأته ثم يطلقها، فلا تعلم بطلاقه إياها حتى تتسلف وتنفق، ثم يقدم، أعليه لها ما تسلفت؟ قال: لا أدري ما سلف، أما أنا فأرى لها النفقة عليه إذا

مسألة: أم الأم يصير لها ولد ابنتها بموت أمهم

لم تكن علمت بطلاقه، ويكون عليه مما تسلفت قدر النفقة عليها، وأما أن تأخذ الدينار فأكثر منه، فلا أرى ذلك لها عليه، وعليه قدر النفقة التي ينفق مثله على مثلها، قلت له: إنه قد طلقها قبل ذلك، فلم تعلم، فقال لي: أما أنا فأرى عليه النفقة، قال سحنون: قال لي ابن نافع: لا أرى لها عليه شيئا، ولا تشبه هذه التي تنفق من شيء خلفه عندها زوجها. قال محمد بن رشد: أما ما زادت في السلف، مثل أن تشتري ما قيمته دينار بأكثر من دينار إلى أجل، فتبيعه بدينار في نفقتها، فلا يلزمه باتفاق. وقد مضى ذلك في رسم حلف من سماع ابن القاسم. وأما ما أنفقت مما خلفه عندها من ماله، فلا غرم عليها فيه باتفاق، واختلف فيما أنفقت من مالها أو تسلفته عليه من غير أن يتعين فيه بزيادة على هذين القولين. وقد مضى ذلك أيضا والقول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم. [مسألة: أم الأم يصير لها ولد ابنتها بموت أمهم] مسألة قال: وسألته في الرجل يكون له الولد، فيصيرون لجدتهم من أمهم، بموت من أمهم، أو تزويج، أيكلف أبوهم مع النفقة عليهم، النفقة على جدتهم أو أجر حضانتها إياهم؟ قال: لا أرى أن يكلف إلا النفقة على ولده، ولا أرى عليه للجدة، إلا أن يتراضيا على شيء. فقلت له: لم يراضها وهو يقول: أحببت أن تحضنهم بغير شيء، وإلا فادفعي ولدي إلي فعندي أهلي وإخوتي يحضنونهم، وهو في ذلك واجد موسر، فقال لي: أرى ذلك له، ولا أرى لها عليه فيهم شيئا

مسألة: فارقها زوجها ولها منه ولد فأقام مع أبيه سنتين ثم مات

إلا نفقة ولده، ثم قلت له بعد ذلك: سألتك عن أم الأم يصير لها ولد ابنتها بموت أمهم، أو يتزوجها رجل، أيكون لها على أبيهم أجر حضانتها إياهم مع نفقتهم؟ فقلت لي: لا أرى لها عليه شيئا فيهم، إلا نفقة ولده فقط، أترى أمهم كذلك، إذا قامت عليهم وحضنتهم، وفطموا، فطلبت أجر حضانتهم مع نفقتهم؟ فقال لي: نعم، لا أرى لها عليه أجر حضانته ولا شيئا إلا نفقة ولده، إلا أن يصالحها على شيء، فأما أن يكون لها عليه شيء فلا أرى ذلك لها عليه. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وخلاف ما يأتي بعد هذا في رسم الأقضية الثاني من هذا السماع، وخلاف ما في رسم شك في طوافه أيضا من سماع ابن القاسم، من كتاب النكاح. وقد مضى القول هناك على المسألة، وقلنا إن الاختلاف فيها جار على الاختلاف في الحضانة، هل هي من حق الحاضن أو من حق المحضون؟ وفي سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا تفرقة، لا تخرج عن القولين. [مسألة: فارقها زوجها ولها منه ولد فأقام مع أبيه سنتين ثم مات] مسألة وسئل عن امرأة فارقها زوجها ولها منه ولد، فأقام مع أبيه سنتين، ثم مات وترك الولد وماشية وأموالا، فأرادت أمه تقبضه، فقال: وأين كانت أمه عنه في حياة أبيه؟ قلت: منحية، لا أرى ذلك لها ولا أرى لها أخذه. قال محمد بن رشد: وقد قيل: إن لها أن تقبضه إذا مات الأب. وقد مضى ذلك، والقول في المسألة مستوفى في آخر رسم من سماع ابن القاسم. [مسألة: طلق امرأته البتة وهي حامل هل عليه أجر القابلة] مسألة وسئل عن الرجل يطلق امرأته البتة، وهي حامل، أترى عليه

مسألة: يجبر الذي يحلف بالطلاق وامرأته حائض على رجعتها

أجر القابلة؟ فقال: ما سمعت بذلك ولا أعلمه عليه، ولا سمعت بأحد سأل عن هذا. قال محمد بن رشد: قوله: ولا أعلمه عليه، يقتضي أنه يراه على المرأة، وأصبغ يراه على الأب. وقال ابن القاسم: إن كان أمرا يستغني عنه النساء، فهو على المرأة، وإن كان لا يستغني عنه النساء، فهو على الأب، وإن كانا ينتفعان به جميعا، فهو عليهما جميعا، على قدر منفعة كل واحد منهما في ذلك، وقع ذلك من قولهما في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الجعل والإجارة، فهي ثلاثة أقوال، وبالله التوفيق. [مسألة: يجبر الذي يحلف بالطلاق وامرأته حائض على رجعتها] مسألة وسألته فقلت له: أليس ترى أن يجبر الذي يحلف بالطلاق وامرأته حائض على رجعتها كما يجبر الذي يطلق حائضا؟ فقال: ما أشبهه به، وإني لا أراه. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، والحمد لله. [مسألة: يطلق امرأته فحاضت حيضة ثم ارتجعها فطلقها قبل أن يمسها] مسألة وسئل عن الذي يطلق امرأته، فحاضت حيضة ثم ارتجعها، فطلقها، قبل أن يمسها، فقال: تعتد من يوم طلقها الطلاق الآخر ثلاث حيض. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [يقول امرأتي طالق البتة إن أقلت فلانا] ومن كتاب الطلاق وسئل عن الذي يقول امرأتي طالق البتة، إن أقلت فلانا،

مسألة: قال لامرأته إن خرجت من بيتك فهو فراق بيني وبينك فخرجت

أيوقف عن امرأته، حتى ينظر أيقيله أم لا؟ فقال: لا. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأنه على بر، وله أن يطأ امرأته، وإنما يوقف عن امرأته، ويدخل عليه أجل الإيلاء الذي يحلف أن يفعل فعلا مما يمكنه فعله في الحال، مثل أن يقول امرأتي طالق إن لم أدخل الدار، وما أشبه ذلك. وستأتي هذه المسألة والقول فيها في موضعها من كتاب الإيلاء، إن شاء الله. [مسألة: قال لامرأته إن خرجت من بيتك فهو فراق بيني وبينك فخرجت] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته: إن خرجت من بيتك فهو فراق بيني وبينك، فخرجت، فقال له مالك: أي شيء نويت، فقال: لم أنو شيئا، فقال: أحب إلي ألا تقربها وأن تدعها. قال محمد بن رشد: لم يبين في هذه الرواية ما يقع عليه من الطلاق فيها إذا لم تكن له نية، والمعلوم من قوله في قول الرجل لامرأته قد فارقتك، إنها ثلاث في المدخول بها إذا لم تكن له نية. واختلف في التي لم يدخل بها، فقيل: هي ثلاث، إلا أن ينوي واحدة، وقيل: هي واحدة، إلا أن ينوي ثلاثا. وقد مضى ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم وقوله فراق بيني وبينك مثله في المعنى سواء. [مسألة: يطلق امرأته وله منها ابنة فيقول أرسليها إلي تأكل معي] مسألة وسئل مالك عن الذي يطلق امرأته، وله منها ابنة، ابنة أربع سنين، فيقول ما عندي مال أنفق عليها، أرسليها إلي تأكل معي، فقال: أخاف أن يكون مضرا بها، ولكن تنظر فيما يقول، فإن كان كذلك أمرا غالبا معروفا، قيل لها: أرسليها تأكل مع أبيها وتأتيك، فإن كان لا يزال يكتسي الثوب ويأكل اللحم فذلك وجه.

مسألة: يتوفى عنها زوجها فتحلق رأسها هل عليها من كفارة

قال محمد بن رشد: ليس للرجل الموسر أن تأكل ابنته عنده، ويلزمه أن يدفع نفقتها إلى أمها الحاضنة لها، فإن ادعى أنه لا يقدر على ذلك، نظر في حاله، فإن تبين صدق قوله، وأنه لا يريد الضرر بما دعا إليه من أن يأكل ولده معه، كان ذلك له كما قال، وإلا فلا، وبالله التوفيق. [مسألة: يتوفى عنها زوجها فتحلق رأسها هل عليها من كفارة] مسألة وسئل عن المرأة يتوفى عنها زوجها، فتحلق رأسها، هل عليها من كفارة؟ قال: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215] ، فأما شيء مؤقت فليس ذلك عليها. وهذا من عمل الجاهلية {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] . قال محمد بن رشد: الحلق عند المصيبة مما لا يحل في الشريعة ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أنا بريء من السالقة والحالقة والشاقة» ، يريد بالسالقة النائحة من قول الله عز وجل: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19] ، والحالقة حلق الرأس والشاقة التي تشق عليها ثيابها؛ لأنه من عمل أهل الجاهلية وأمر الشيطان وتغيير خلق الله، وقد لعن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - المغيرات لخلق الله فمن فعل ذلك من النساء، فكفارتها التوبة والاستغفار، وتؤمر بالصدقة استحبابا، لما جاء من أن الصدقة تكفر الذنب، وليس في ذلك شيء موقوف، كما قال مالك، وبالله التوفيق. [مسألة: طلق امرأته حاملا وهي ترضع] مسألة وسئل عمن طلق امرأته حاملا وهي ترضع، أترى عليه

مسألة: تشتري من صاحبتها يومها من زوجها

النفقتين جميعا كلتيهما، نفقة الحمل، ونفقة الرضاع؟ قال: أرى ذلك عليه جميعا. قال محمد بن رشد: قال: في كتاب الرضاع من المدونة: إن على المرأة أن ترضع ولدها بعد الطلاق في العدة، ما دامت النفقة على الزوج، فذهب بعض الناس إلى أن ذلك خلاف لرواية أشهب هذه، وقال على ما في المدونة لا نفقة لها في الرضاع، ما دامت النفقة لها واجبة على الزوج بسبب الحمل، وليس ذلك بصحيح؛ لأن النفقة واجبة في العدة بحق العصمة التي أوجب الله فيها على الأم إرضاع ولدها بقوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، فأوجب لهن الإنفاق على أزواجهن بحق العصمة، وأوجب عليهن الإرضاع طول العصمة، وأما البائن فلا نفقة لها، إلا أن تكون حاملا، لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، ولا إرضاع عليها إلا أن تشا، فتكون لها الأجرة، لقول الله عز وجل: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، فليس وجوب النفقة لها بسبب الحمل الذي يسقط ما أوجب الله لها من الأجرة في الرضاع. وهذا بين، والله الموفق. [مسألة: تشتري من صاحبتها يومها من زوجها] مسألة وسئل عن المرأة تشتري من صاحبتها يومها من زوجها، فقال: لا يعجبني، وإني لأكرهه، أرأيت لو اشترت منها شهرا أو سنة، وإني لأرجو أن تكون الليلة خفيفة. قال محمد بن رشد: كره هنا أن تشتري المرأة من صاحبتها يومها من

مسألة: يضرب له أجل سنة في إصابة أهله فلا يصيبها فيفرق بينهما

زوجها، وخفف في رسم الطلاق الأول، من سماع أشهب، من كتاب النكاح أن يرضي الرجل إحدى امرأتيه بالشيء، يعطيها عن يومها، فيكون فيه عند صاحبتها. وقد مضى هناك القول فيهما والوجه في الفرق بينهما، فلا معنى لإعادته، والحمد لله. [مسألة: يضرب له أجل سنة في إصابة أهله فلا يصيبها فيفرق بينهما] مسألة قال: وسألته عن الرجل يضرب له أجل سنة في إصابة أهله، فلا يصيبها، فيفرق بينهما، أيكون لها الصداق كله؟ فقال: أما الرجل الذي قد ثوا مع امرأته، وكشفها وتلذذ منها، وأطال المقام، ثم استعدت عليه، فضرب لها أجل سنة في إصابتها، فمضت السنة فلم يصبها ففرق بينهما. وقد خلقت الثياب، وطال العهد، فإني أرى لها الصداق كله، ولا يؤخذ منها له شيء، وأما الذي يضرب له أجل سنة بحداثة دخوله، ثم لا يصيبها حتى تمضي السنة، فيفرق بينهما، فلا أرى لها إلا نصف الصداق، وأرى ذلك له من كل ما اشترت يكون له نصفه. قلت: أرأيت ما لم يجد عندها من ذلك، أيتبعها به؟ فقال: أما الشيء الذي استنفقته أو أهلكته، فأرى ذلك له عليها يتبعها به، وأما طيب تطيبت به، أو ثوب لبسته، فأبلته، أو خادم هلكت، أو شيء انكسر، فلا أرى عليها في ذلك شيئا. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يستوجب جميع الصداق، إلا بالطول قبل ضرب الأجل، خلاف ما في المدونة، من أن السنة المضروبة له طول إقامة، تستوجب بها المرأة جميع الصداق، وإن ضربت بحدثان الدخول، ومن أهل العلم من يوجب للمرأة الصداق كله بالدخول بها، وإرخاء الستر عليها، وإن لم يصبها فظاهر قول عمر: إذا أرخيت الستور، فقد وجب الصداق، ومنها من لم ير لها إلا نصف الصداق، وإن طال الأمر، ما لم يمسها

مسألة: طلقت فحاضت الحيضة الثالثة ألها أن تتزوج قبل أن تطهر منها

لقول الله عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ، فقول مالك في مراعاة الطول، قول وسط بين القولين، ويرجح ما في المدونة بالقول الأول، وما في هذه الرواية بالقول الثاني. وأما قوله: إنه يكون له من كل ما اشترت نصفه، فقد مضى القول فيه في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم. وقوله: إنه لا يتبعها بما لبسته فأبلته صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنها إنما لبسته بعد الدخول، وإنما يختلف فيما لبسته قبل الدخول مما نقدها، على ما مضى القول فيه في رسم شك في طوافه، من كتاب النكاح. وقوله: فيما استنفقته إنه بمنزلة ما أفسدته أو أهلكته، معناه: أنها استنفقته فيما يخصها مما يلزم الزوج من نفقتها، وأما ما أنفقته على نفسها مما يلزم الزوج لها، فلا رجوع له عليها فيه، إذا فرق بينهما بقرب الدخول، بل لها الرجوع عليه بنصفه، وإنما لم ير الرجوع له عليها في الطيب الذي تطيبت به من صداقها، وإن كان الطيب لا يلزمه أن يقوم به لها من أجل أنها إنما تطيبت له، فهو المستمتع به معها، وبالله التوفيق. [مسألة: طلقت فحاضت الحيضة الثالثة ألها أن تتزوج قبل أن تطهر منها] مسألة وسئل عن المرأة طلقت فحاضت الحيضة الثالثة، ألها أن تتزوج قبل أن تطهر منها؟ قال: نعم ذلك لها، ولكن لا يعجل حتى يعلم أنها حيضة ويقيم أياما، فيعلم أنها حيضة. قال محمد بن رشد: قوله ذلك، يدل على أن قوله: ولكن لا يعجل معناه على الاستحباب، إذ لو حمل على الوجوب لتناقض الكلام. وقول أشهب في المدونة: غير أني أستحب ألا يعجل بالتزويج حتى يعلم أنها حيضة مستقيمة، بتماديها فيها، يأتي على روايته هذه عن مالك، وعلى أن الحيض الذي يكون حيضة تعتد بها المرأة في أقرائها في الطلاق، ويكون ذلك استبراء للأمة في البيع، فقد قيل فيه ثلاثة أيام، وهو قول محمد بن مسلمة. وقد

قيل: خمسة أيام، وهو قول ابن الماجشون. وإنما قلنا على أنه يأتي على أن لأقل الحيض حدا لأنه قال: إنه إن انقطع وجب على المرأة الرجوع إلى بيتها، ووجبت لزوجها عليها الرجعة، فوجه قوله: إنه تحكم لما تراه المرأة من الدم، من أول ما تراه بأنه حيضة في الظاهر، فيوجب عليها الانتقال من مسكن الزوج، ويبيح لها التزويج على كراهة، ويمنع الزوج من ارتجاعها، إذ لا يتحقق أنها حيضة إلا بتماديها فيها، فإن لم تتماد فيها وانقطع الدم، فلم ترجع من قرب، وكانت قد تزوجت، فسخ النكاح، وصحت رجعة الزوجة إن كان قد ارتجع، وكان له أن يرتجع إن كان لم يرتجع. وأما إن رجع من قريب فلا يفسخ النكاح وتبطل الرجعة؛ لأن الدم الثاني مضاف إلى الأول. وما بين ذلك من الطهر يلغى، وأما على مذهب من لا يوقت لأقل الحيض حدا، أو يقول: إن الدم وإن كان دفعة واحدة، يكون حيضة تعتد به المطلقة في الطلاق، ويكون استبراء في الأمة في البيع، إذا كان منفصلا مما قبله ومما بعده، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة؛ لأنه قال فيها: إن الأمة المبيعة إذا دخلت في الدم من أول ما تدخل، فمصيبتها من المشتري، وقد حل للمشتري أن تقبل وأن يباشر، يجوز للمرأة أن تتزوج بأول ما تراه من الدم، ولا معنى لاستحباب التأخير في ذلك؛ لأن الدم إن انقطع لا يخلو من أن يعود عن قرب أو عن بعد، فإن عاد عن بعد انكشف أن ذلك الدم هو الحيضة الثالثة، وأن هذا الدم حيضة رابعة، وإن عاد عن قرب كان مضافا إلى الدم الأول، وعلم أنه كان ابتداء الحيضة الثالثة، وأن ما بينهما من الطهر يلغى، لا حكم له. وسحنون يوجب عليها ألا تتزوج حتى تقيم في الدم إقامة يعلم بها أنها حيضة، ويحتج برواية ابن وهب عن مالك، في أن المطلقة لا تبين من زوجها بما تراه من أول الدم الثالث، حتى يعلم أنها حيضة مستقيمة، وأن الأمة لا تحل للمشتري في البيع ولا تدخل في ضمانه بأول الدم حتى تتمادى فيه ويعلم أنها حيضة مستقيمة. وقد قال ابن القاسم في كتاب الاستبراء من المدونة: إن الدم يوم أو بعض يوم إذا انقطع، يريد ولم يعد حتى مضى من المدة ما يكون طهرا فاصلا يسأل النساء عنه، فإن قلن:

مسألة: طلق امرأته فقالت إني حامل فجعل معها امرأة

إنه يكون حيضا كان الاستبراء، وإلا فلا فعلى قوله هذا يسأل النساء عنه، فإن قلن: إنه لا يكون حيضا، يكون الحكم في ذلك على ما في سماع أشهب. واختلف في هذا الدم إذا انفصل مما قبله ومما بعده، ولم يعد حيضة تعتد به المرأة في أقرائها لقلته على هذا القول، هل تقضي صلاة تلك الأيام أم لا؟ فالذي يأتي على المذهب، أنها لا تقضي صلاة تلك الأيام؛ لأن الاختلاف فيه إنما هو هل يكون حيضة تعتد به المرأة في أقرائها؟ لا في هل يكون حيضا يسقط وجوب الصلاة؟ وإنما القائل: إنه لا يكون ما دون ثلاثة أيام حيضا يسقط وجوب الصلاة، أبو حنيفة، وقد روي عن سحنون أنه يقضي صلاة تلك الأيام، وقوله خارج عن المذهب مثل قول أبي حنيفة وبالله التوفيق. [مسألة: طلق امرأته فقالت إني حامل فجعل معها امرأة] مسألة وسئل عمن طلق امرأته فقالت: إني حامل، فقال: أمستأجر أجيرة تكون معها، فإنها ليست عندي بمأمونة؟ فجعل معها امرأة، ثم استمرت حاملا، فقال الزوج: قد اعترضت عنها، ولا أعلمه كان مني إليها شيء، فقال مالك: هم يحتجون عليه بأنه جعل امرأة معها، قيل له: فإنه يقول جعلت ذلك، قال: فأرى إن لم يأتوا بالبينة لاعن، وإن جاءوا بالبينة كان الولد منه، ولا أرى عليه فيما قال حدا ما، وإنما قال: ولا أعلمني أصيبها، وقد تحمل المرأة ولا يبلغ ذلك منها. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الزوج ليس مقرا بأنه قال: قد اعترضت عنها ولا أعلمه كان مني إليها شيء، وإنما تدعي ذلك عليه وهو ينكر أن يكون قاله ويدعي هو أنه لا، فرأى مالك ثبوت الشك عليه

مسألة: طلق امرأته وهي حامل فمطلها بالنفقة حتى مات أتتبعه ورثتها بنفقتها

في ذلك بهذا القول، يوجب أن يلحق به الولد، وقوله صحيح، كالرجل يدعي على الرجل، فيشهد عليه أنه قال: لا أدري من جرحني، إن قوله يبطل، ويلزم على هذا في المودع يدعي رد الوديعة، فيشهد عليه أنه قال: لا أدري إن كنت رددتها أم لا، ألا يصدق في الرد، إلا أن يفرق بين الحقوق واللعان، فقد فرق بينهما في غير ما موضع؛ لأنه أغلظ منها، وقد اعترض أبو إسحاق التونسي قول مالك هذا وقال: ينبغي أن يكون له أن يلاعن؛ لأنه يقول الذي شككت فيه قد تيقنته، وإنما لا يكون له أن يلاعن مع تماديه على الشك، كمن شك هل له على رجل مائة؟ ثم يتيقن، فادعاها، إن شكه أولا يسقط اليمين عن المدعى عليه، قال: إلا أن يقال: إن إقراره بالشك، ورجوعه عنه إلى إقرار يدعيه، بخلاف إنكاره أن يكون قال ذلك، ويجعل إنكاره للشك كتماديه عليه، وليس ذلك ببيِّن. والمسائل التي نظرتها بها أشبه من التي نظرها هو بها. فقول مالك في أن الولد يلزمه بما شهد به عليه صحيح، وأما قول مالك: وما أرى عليه حدا فيما قال، إلى آخر قوله، فيفيد؛ لأنه بإنكاره الوطء قاذف، فإذا لم يصدق في إنكاره، ولا مكن من اللعان وجب أن يُحدّ، والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة: طلق امرأته وهي حامل فمطلها بالنفقة حتى مات أتتبعه ورثتها بنفقتها] مسألة وسئل عمن طلق امرأته وهي حامل، فمطلها بالنفقة حتى مات، أتتبعه ورثتها بنفقتها؟ فقال: ومن أين يعلمون أنها كانت حاملا؟ إذا استوقن أنها كانت حاملا، فأرى أن يتبع بذلك، فيغرمه، والحد الذي يتيقن فيه حملها تحرك الولد، وأنا أرى أن يؤخر النفقة حتى يتبين الحمل، فيكون عليه نفقة ما مضى وما يستقبل. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب، أن يحكم للحمل

يطلق امرأته بالإسكندرية وله منها ولد فتريد الخروج بهم إلى الفسطاط

بتحركه في وجوب النفقة له، واللعان عليه، وكون الأمة حرة به إذا مات سيدها، وبها حمل منه، وما أشبه ذلك. وفي مختصر ابن شعبان عن مالك، إنه لا ينفق على المرأة تدعي الحمل حتى تضع، فيحسب ذلك لها، وتعطاه، قال: كم من امرأة تدعي مثل هذا، ثم ينكشف أمرها، على أنه ليس بها حمل، ولعله أن يطلب منها ما أعطاها، فلا يجد عندها شيئا. قال: ثم رجع إلى ما في مختصر عبد الله، إن النفقة تلزمه، بتبيُّن الحمل، وهذا الاختلاف داخل فيما ذكرناه من اللعان وغيره. [يطلق امرأته بالإسكندرية وله منها ولد فتريد الخروج بهم إلى الفسطاط] ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل عن الرجل يطلق امرأته بالإسكندرية، وله منها ولد، فتريد الخروج بهم إلى الفسطاط، أذلك لها؟ فقال: ما أظن ذلك. فقلت له: إن بين الإسكندرية وبينها مسيرة ثلاثة أيام، فليس للأم أن تخرج بهم إلى الفسطاط، فقال لي: ليس لها، إذا كان مسكن الأب الإسكندرية، فقلت له: هي مسكنهم، فقال لي: ليس ذلك لها. قال محمد بن رشد: قد مضى مثل هذا القول والقول فيه في رسم حلف من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: عدة المرأة المتوفى عنها زوجها ممن تحيض] مسألة وسمعته وسأله ابن كنانة عن المرأة المتوفى عنها زوجها ممن تحيض، تعتد أربعة أشهر وعشرا، ولم تحض في ذلك، وذلك حالها أنها لا تحيض إلا في ستة أشهر، ولم تسترب، أتتزوج؟ فقال: لا تتزوج حتى تحيض وتبرأ من الريبة، قال سحنون: وقال لي ابن نافع: قد انقضت عدتها وهي غير مستبرأة، فلتنكح، ولا تنتظر

مسألة: تفسير قول الله عز وجل واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم

شيئا، وإنما التي تنتظر التي تكون حيضتها أقل من أربعة أشهر، فتجاوز وقت الحيضة وهي تحيض. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم "سلعة سماها" من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: تفسير قول الله عز وجل واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم] مسألة قال أشهب: وسألته عن قول الله عز وجل: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ، ما تلك الريبة في الحيض؟ لا تدري لِم لَمْ تحض؟ فقال: لا، ولكن الله ذكر التي تحيض، فبين عدتها، ثلاثة قروء، وذكر الحامل، فبين عدتها أن تضع حملها، وبقيت التي يئست من المحيض، واللائي لم تبلغ المحيض، فبين عدتهما، فقال: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] يقول: إن ارتبتم فلم تدروا ما عدتهن ثلاثة أشهر، فجعل ثلاثة أشهر عدة الصغيرة التي لم تبلغ المحيض، وعدة التي يئست من المحيض. فقلت له: وليست تلك الريبة أن ترتاب في الحيضة، فلا تدري لم لم تحض؟ فقال: لا، إنما هي إن ارتبتم فلم تدروا بأي شيء يعتد من الحوامل، ولا من اللائي يحضن، فتعتد ثلاثة قروء. قال محمد بن رشد: ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الرواية، إلى أن الريبة في قول الله عز وجل: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] ريبة ماضية في الحكم، لا ريبة مستقبلة في معاودة الحيض لهن، وإن قوله: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ} [الطلاق: 4] بمعنى: إذا ارتبتم. وذهب ابن بكير وإسماعيل القاضي إلى أن

المعنى في قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] ، أي: إن ارتبتم في معاودة الحيض لهن، وأنها ريبة مستقبلة، قالا: ولو كانت ريبة ماضية في الحكم، لكان حقه أن يكون " أن ارتبتم "، بفتح الألف من أن. وقالا: إن اليأس في كلام العرب، إنما هو فيما لم ينقطع فيه الرجا تقول: يئست من المريض لشدة مرضه، ومن الغائب لبعد غيبته، ولا تقول: يئست من الميت الذي قد انقطع منه الرجا، فلو كان معنى الآيسة التي أوجب الله عليها في العدة ثلاثة أشهر، هي التي لا ترتاب في معاودة الحيض، لوجب إذا ارتفع عن المرأة المحيض، وهي في سن من يشبه أن تحيض أن تعتد بالأقراء، حتى تبلغ سن من لا يشبه أن تحيض، وإن بقيت عشرين سنة، كما يقول الشافعي. وهو خطأ من وجهين: أحدهما: أنها إن جاءت بولد لما لا تحمل له النساء من المدة التي لم يلحق به الولد، وإن كانت العدة لم تنقض، ومحال أن تعتد المرأة من زوج في مدة لا يلحق فيها به الولد. والوجه الثاني: مخالفة ما جاء عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في عدة التي ترتفع حيضتها، وهي في سن من تحيض من مطالبة ثلاث حيض أو ستة بيضاء، لا دم فيها، فإذا قلنا: إن اليائسة التي أوجب الله عليها العدة بثلاثة أشهر، هي التي ترتاب، فلم تدر لِمَ لَم تحض؟ بدليل هذا، ألا تجب عدة على من لم تعلم أنها ممن لا تحيض لصغر أو كبر، ولا ترتاب في أمرها، إلا أنه لما لم يكن حد يرجع إليه، حمل الباب في ذلك محملا واحدا. وقد ذهب ابن لبابة إلى أن الصغيرة التي لا تحيض ويومن الحمل منها لا عدة على واحدة منهما. وقال: إنه مذهب داود، وإنه القياس؛ لأن العدة إنما هي حفظ للأنساب، فإذا أمن الحمل، فلا معنى للعدة، وهو شذوذ من القول. وفي قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] ، دليل على أن التي تطلق قبل الدخول والمسيس لها لا تجب عليها العدة، أُمن منها الحمل أو لم يؤمن، وإذا قلنا: إن

مسألة: امرأة لها ولد صغير وله مال فهي تستنفق وخادمها من ماله

اليائسة التي أوجب الله عليها العدة بثلاثة أشهر، هي التي لا ترتاب في الحيض؛ إذ ليست في سن من تحيض، وهو الذي ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الرواية، فالتي ترتفع حيضتها بعد أن حاضت وهي في سن من تحيض، محمولة عليها إذا قعدت تسعة أشهر، فلم ير بها حيض، ولا ظهر بها حمل، ولا كان لها عذر يمنعها من الحيض، من مرض أو رضاع، على ما بيناه من الاختلاف في المرض في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم؛ لأنها بمعنى اليائسة، والسنة الثابتة في ذلك عن عمر بن الخطاب، فلا تحل المرأة المطلقة ولا حمل بها، إذا كانت في سن من تحيض، أو قد حاضت مرة أو مرتين إلا بثلاثة قروء، أو سنة بيضاء، لا دم فيها، تسعة أشهر استبراء، ينزل ببلوغها إليها دون أن نرى فيها دما، بمنزلة الآيسة، ثم ثلاثة أشهر عدة كما قال الله عز وجل. [مسألة: امرأة لها ولد صغير وله مال فهي تستنفق وخادمها من ماله] مسألة وسئل عن امرأة لها ولد صغير، وله مال، فهي تستنفق وخادمها من ماله، فقال: أليس لها مال؟ قيل: بلى، قال: لو لم يكن لها مال لم يكن فيه شك، فأما إذا كان لها مال، فلينظر في ذلك، فإن كان ما تعمل إليه من الخدمة والحضانة، مثل الذي ينفق عليهم، فذلك جائز، وينظر، فإن كان يجد له من يخدمه وينفق عليه قيام جارية أمه عليه في الحضانة له والرفق به، بدون نفقة هذه، لم يكن لهم أن يستنفقوا من ماله. قال محمد بن رشد: أجاز هاهنا للأم، وإن كان لها مال، أن تستنفق هي وخادمها من مال ولدها، إن كان ما تعمل إليه من الخدمة والحضانة، مثل ما تستنفق، فجعل لها في مال ولدها حظا بالحضانة، وذلك خلاف ما تقدم في رسم الطلاق الثاني من هذا السماع، وفي رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم. ومثل ما في رسم شك من سماع ابن القاسم

مسألة: توفي زوجها فتركت أولادها خمسة أشهر أو سبعة، ثم قيل لها أنت أحق بهم

من كتاب النكاح. وقد مضى القول على هذا المعنى هناك مستوفى فلا معنى لإعادته مرة أخرى، والحمد لله. [مسألة: توفي زوجها فتركت أولادها خمسة أشهر أو سبعة، ثم قيل لها أنت أحق بهم] مسألة وسئل عمن توفي زوجها، فتركت أولادها خمسة أشهر، أو سبعة، ثم قيل لها: أنت أحق بهم، ما لم تنكح، فقالت: والله ما علمت بهذا. أترى لها في ذلك تكلما؟ قال: نعم، الشأن في هذا قريب، وقد تجهل السنة. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في مواضع، ومضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [فارق امرأته وله منها بنت فطرحتها إليه ولحقت بأهلها فتأيمت عندهم ثم تزوجت] ومن كتاب الأقضية وسئل عمن فارق امرأته وله منها بنت فطرحتها إليه، ولحقت بأهلها، فتأيمت عندهم ما شاء الله، ثم تزوجت لا تعرض للبنت ولا تريدها حتى ماتت، فلما ماتت، قامت أمها تطلب البنت بنت ابنتها لتأخذها، فقال: إن كان لذلك سنة أو أكثر من ذلك، وأشباه ذلك، فلا أرى ذلك لها، قد تركوها ورفضوها، وإن كان ليس ذلك إلا يسيرا فأرى ذلك لها. قال محمد بن رشد: هذه المسألة نحو التي فوقها، وقد تكرر هذا المعنى في مواضع من هذا الكتاب ومن غيره، ومضى تحصيل القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب. [عبد كان تزوج أمة قوم فطلقها طلقة فأقام بذلك شهرا أو نحوه ثم لقيه سيدها فكلمه فيها] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل عن عبد كان تزوج أمة قوم، فطلقها طلقة، فأقام بذلك شهرا أو نحوه، ثم لقيه سيدها، فكلمه فيها، فقال: إني قد

امرأة اليهودي والنصراني يسلم قبل أن يدخل بها زوجها أله عليها رجعة إن أسلم

ارتجعتها، ثم أبق ولم يذكر ذلك إلا لسيدها، ولم يحق ذلك بدخول عليها ولا كينونة عندها، أيطلق عليه، أم يضرب له أجل المفقود؟ قال مالك: هذا شاهد واحد، فأرى أن يرفع ذلك إلى السلطان، فأرى للسلطان أن يفرق بينهما، ولا يضرب له أجل المفقود؛ لأن الرجعة لم يشهد عليها إلا شاهد واحد، فأرى أن يفرق بينهما. قال محمد بن رشد: قول مالك: هذا شاهد، يفرق بينهما، ولا يضرب له أجل المفقود؛ لأن الرجعة لم يشهد عليها إلا رجل واحد، نص منه على إجازة شهادة السيد على ارتجاع أمته، خلاف قول ابن القاسم في كتاب إرخاء الستور من المدونة: إن شهادته على ارتجاعها لا تجوز، قياسا على ما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن شهادته على إنكاحها لا تجوز، ولا اختلاف في أن شهادته على إنكاحها لا تجوز؛ لأنه يشهد على فعل نفسه ليجيزه، ولأن ذلك يوجب لها صداقا، فهو يتهم من أجل أنه له انتزاع مالها، وأما شهادته على ارتجاع الزوج لها، فقول مالك: إنها جائزة، أظهر من قول ابن القاسم؛ إذ لا تهمة على السيد في ذلك في مال يجره إليها، بل هو مقر على نفسه أنها باقية في عصمة الزوج، وذلك ينقص ثمنه، ويحول بينه وبين الاستمتاع بها. وقياس ابن القاسم الارتجاع على النكاح ليس بصحيح، وبالله التوفيق. [امرأة اليهودي والنصراني يسلم قبل أن يدخل بها زوجها أله عليها رجعة إن أسلم] ومن كتاب الطلاق وسئل عن امرأة اليهودي والنصراني يسلم قبل أن يدخل بها زوجها، أله عليها رجعة إن أسلم؟ فقال: لا رجعة له عليها، وكيف له عليها رجعة وهي ليست في عدة لا رجعة له عليها؟ قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، إن المرأة إذا أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها فلا سبيل له عليها إن أسلم بعد ذلك؛ إذ ليست في عدة منه؛ لأن السنة إنما جاءت في أنه أحق بها

أوصى بابنته إلى ولي فتركها مع عمتها حتى بلغت الجارية أو كادت تبلغ

ما دامت في عدتها. وقد كان القياس ألا يكون له إليها سبيل إذا أسلمت قبله، دخل أو لم يدخل، إلا أنه ليس فيما قامت به السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قياس ولا نظر. وظاهر قوله: إنها إذا أسلمت قبله، ولم يبن بها، أنه لا سبيل إليها وإن أسلم مكانها، خلاف ما في رسم النسمة من كتاب النكاح. وقد مضى القول على ذلك هنالك، وبالله التوفيق. [أوصى بابنته إلى ولي فتركها مع عمتها حتى بلغت الجارية أو كادت تبلغ] ومن كتاب الوصايا الذي فيه الحج والزكاة قال أشهب: سمعت مالكا يسأل عمن أوصى بابنته إلى ولي، فتركها مع عمتها حتى بلغت الجارية، أو كادت تبلغ، ثم تزوجت العمة فطلبتها الجدة أم أمها، وأرادت أخذها، وأحبت الجارية أن تكون مع عمتها، ورضي بذلك الولي. قال: أرى أن تترك مع عمتها إذا أحبت ذلك الجارية ورضي بذلك الولي، ولا تأخذها الجدة إذا رضي بذلك الولي، قلت له: أرأيت أن تترك مع عمتها، ولا تأخذها الجدة إذا رضي بذلك الولي؟ قال: نعم، إذا رضي بذلك الولي، أو أحبت ذلك الجارية. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، والمعنى فيها أن الجدة لما تركتها مع عمتها المدة الطويلة، سقط حقها في حضانتها ولما تزوجت العمة أيضا، سقطت حضانتها بالتزويج، فرجع الأمر فيها إلى الولي، يتركها عند من شاء منهما، فإذا رضي الولي أن تكون مع عمتها وأحبت ذلك الجارية، لم يكن للجدة سبيل إلى أخذها. قال ابن نافع في المدنية: وتعزل في مكان مع عمتها وجدتها. قال ابن القاسم فيها: إن كانت عرضت على الجدة فأبت من أخذها، فلا سبيل لها إليها، وإن كانت لم تعرض عليها فهي أحق بها متى ما قامت، وقوله يأتي على أن السكوت ليس بإذن. وقد مضى هذا في أول رسم

من سماع ابن القاسم، وتكررت المسألة أيضا فوق هذا في هذا السماع وفي غير ما موضع، وبالله التوفيق. تم الجزء الأول من كتاب طلاق السنة بحمد الله تعالى وحسن عونه والصلاة الكاملة على سيدنا محمد خاتم النبيين.

كتاب طلاق السنة الثاني

[كتاب طلاق السنة الثاني] [العبد وامرأته يكونان لرجل فيفقد العبد وهما نصرانيان أو مسلمان]

من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: وسألت ابن القاسم، عن العبد وامرأته يكونان لرجل، فيفقد العبد، وهما نصرانيان أو مسلمان، إلا أن سيدهما مسلم، قال: يرفعه إلى الإمام، ويضرب له أجل المفقود، نصف أجل الحر المسلم، مسلمين كانا أو نصرانيين. قلت: فإن ضرب له أجل المفقود، ثم عتقت الأمة، قال: إن اختارت نفسها رجعت إلى عدة المطلقة وتركت عدة المفقود. قلت: فإن كانا نصرانيين، فأسلمت في أجل المفقود، قال: تترك عدة المفقود، وتعتد عدة المطلقة، فإن جاء زوجها في عدتها فأسلم، فهو أحق بها، وإن خرجت من عدتها وتزوجت، فلا سبيل له إليها وإن أسلم بعد ذلك، وإن كان قد أسلم في غيبته قبلها، ثم جاء فهو أحق بها، ما لم يدخل بها زوجها. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: وإن خرجت من عدتها وتزوجت فلا سبيل له إليها، وإن أسلم بعد ذلك، يريد بعد إسلامها لا بعد انقضاء عدتها؛ لأنه إن أسلم بعد انقضاء عدتها، فلا سبيل له إليها، وإن

مسألة: المطلقة تستحاض فيستمر بها الدم سبعة أشهر أو ثمانية ثم ينقطع ذلك عنها

كانت لم تتزوج، وأما إن أسلم بعد انقضاء عدتها، فقيل: إنه لا سبيل له إليها إذا تزوجت، كما قال هاهنا. وقيل: إنه أحق بها وإن تزوجت، ما لم يدخل بها الزوج. اختلف في ذلك قول مالك، والذي اختار ابن القاسم وأشهب في المدونة من قولي مالك، أنها لا تفوت إلا بالدخول، خلاف قول ابن القاسم هاهنا. وأما إذا أسلم في غيبته قبلها، فقال ابن الماجشون: إنه أحق بها وإن دخل بها الزوج، واختاره محمد، وهو الصواب، خلاف قول ابن القاسم هاهنا وفي المدونة، فلا اختلاف في الذي أسلم قبلها أنها لا تفوت بالعقد. واختلف هل تفوت بالدخول؟ ولا اختلاف في الذي أسلم في عدتها أنها تفوت بالدخول. واختلف هل تفوت بالعقد؟ فهذا تحصيل القول في هذا الوجه من المسألة، وسائرها صحيح، جار على أصولهم، لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: المطلقة تستحاض فيستمر بها الدم سبعة أشهر أو ثمانية ثم ينقطع ذلك عنها] مسألة وسئل عن المطلقة تستحاض، فيستمر بها الدم سبعة أشهر أو ثمانية، ثم ينقطع ذلك عنها، هل ترجع إلى الحيض؟ قال مالك: ترجع إلى الحيض. قيل له: أفتعد تلك الاستحاضة حيضة، تبني عليها حيضتين؟ قال: إن استيقنت أن الذي كان بها أول من الدم حيضة، اعتدت بها، وإلا استقبلت ثلاث حيض. وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: قوله في التي تستحاض فيستمر بها الدم سبعة أشهر أو ثمانية، ثم ينقطع، إنها ترجع إلى الحيض صحيح، لا اختلاف وكذلك قوله: إن استيقنت أن الذي كان بها أول من الدم حيضة اعتدت بها صحيح أيضا، إلا أنه لم يبين بما تستيقن به ذلك. وإذا طلقت المرأة وهي طاهر، فرأت الدم، وتمادى بها المدة الطويلة، فلا يخلو هذا الدم من أن تكون رأته قريبا من الدم الذي قبله، أو بعيدا منه، فإن كانت رأته قريبا من

يطلق امرأته طلقة ثم لا يشهد على رجعتها حتى تنقضي عدتها وهو يطأها

الدم الذي قبله، وكانت قد أقامت في الدم الذي قبله خمسة عشر يوما، أو أيامها المعتادة والاستظهار، فهذا الدم الذي رأته وتمادى بها المدة الطويلة، دم استحاضة، لا تعتد به في أقرائها، وتستقبل ثلاث حيض، وإن كانت رأته قريبا من الدم الذي قبله، وقد كانت أقامت في الدم الذي قبله من أيامها المعتادة والاستظهار، فهذا الدم الذي رأته وتمادى بها، تضيف منه إلى الدم الذي قبله تمام أيامها المعتادة والاستظهار، أو تمام خمسة عشر يوما، على اختلاف قول مالك ثم تغتسل وتصلي، وتكون في حكم من طلقت في الحيض، يجبر الزوج على الرجعة؛ لأنها حيضة تقطعت، والأيام التي بينهما ملغاة، وقد قيل: إنه لا يجبر على الرجعة؛ لأنه إنما طلقها وهي طاهر، فلم يرتكب نهيا، وهو بعيد، لوجود العلة الموجبة لأن يجبر على الرجعة، وهي التطويل في العدة، وتستقبل أيضا هاهنا ثلاث حيض، وإن كانت رأته بعيدا من الدم الذي قبله، فهو محمول على أنه حيض تعتد به في عدتها، وتقيم فيه أيامها المعتادة والاستظهار، أو خمسة عشر يوما على اختلاف قول مالك في ذلك، ثم تغتسل وتصلي أبدا، ما لم ترد ما تنكره بعد مدة يكون طهرا، فتترك الصلاة وتعد ذلك حيضة تعتد بها في عدتها، وقد قيل: إنها تعتد سنة، ولا تنظر إلى اختلاف الدم عليها. واختلف في المدة التي تكون طهرا فاصلا بين الحيضتين على أربعة أقوال: فقيل: خمسة أيام، وهو قول ابن الماجشون، وقيل: ثمانية أيام، وهو قول سحنون، وقد قيل من المدونة بدليل، وقيل: عشرة أيام، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم، ورواية التونسيين عن مالك، وقيل: خمسة عشر يوما، وهو قول محمد بن مسلمة، ورواية البغداديين عن مالك واختيارهم، والله أعلم. [يطلق امرأته طلقة ثم لا يشهد على رجعتها حتى تنقضي عدتها وهو يطأها] ومن كتاب استأذن سيده قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يطلق امرأته طلقة، ثم

لا يشهد على رجعتها حتى تنقضي عدتها، وهو في ذلك يطأها فقال: إن كان نوى بوطئه إياها الرجعة، وجهل أن يشهد، فإنه يقال له: أشهد وأمسك امرأتك كما كانت، وإن لم ينو بوطئه ارتجاعا، فعلم بذلك قبل أن تنقضي عدتها، قيل له: ارتجعها، ولا تمسها حتى تستبرئ نفسها من مائك الفاسد، الذي كان منك إليها بغير ارتجاع، وإن لم يتنبه لذلك حتى تنقضي عدتها، فقد بانت منه، فلا يحل له ولا لغيره نكاحها حتى تحيض ثلاث حيض. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الرجعة إنما تكون بالبينة مع القول، أو ما يقوم مقام القول، مما لا يصح فعله إلا بعد المراجعة من الوطء، والقبلة والمباشرة للذة وما أشبه ذلك. قاله في كتاب ابن المواز: فإن انفردت النية دون القول أو ما يقوم مقامه، لم يكن ذلك رجعة. قاله في كتاب ابن المواز ويدخل في ذلك عندي ما في الطلاق بالنية دون القول من الاختلاف، وأما إن انفرد القول دون النية، فلا يكون ذلك رجعة، وكذلك إن انفرد الوطء دون نية، لم يكن ذلك رجعة، وكان من فعل ذلك قد وطئ حراما فإن انتبه لذلك في العدة، كان له أن يراجع بالقول؛ إذ لا يصح له الوطء إلا بعد الاستبراء من ذلك الماء الفاسد، وإن لم ينتبه لذلك حتى انقضت العدة، فقال: إنه لا يحل له ولا لغيره نكاحها حتى تحيض ثلاث حيض، يريد أنه يستوي هو وغيره في المنع من النكاح ابتداء، ويفترقان في التحريم، إن نكح ودخل، فأما غيره فلا تحل له أبدا. وأما هو فقيل: إنها تحرم عليه، وقيل: إنها لا تحرم؛ لأن النسب ثابت منه. من علل التحريم، بتعجيل النكاح قبل بلوغ أجله خاصة، قال: إنها تحرم عليه، ومن علله بتعجيل النكاح قبل بلوغ أجل مع اختلاط الأنساب، قال: إنها لا تحرم عليه؛ إذ ليس في ذلك اختلاط نسب. والليث بن سعد يرى الوطء رجعة، وإن لم ينو به الرجعة، يريد، والله أعلم، في الحكم الظاهر، فإذا وطئ وقال: إنه لم يرد بوطئه الرجعة، لم يصدقه، وألزمه الرجعة، كما لا يصدق في

مسألة: يموت عنها زوجها أو يطلقها فترتفع عنها حيضتها أو تستحاض كم تقيم

القول إذ قال: إنه لم يرد به الرجعة عند الجميع، وبالله التوفيق. [مسألة: يموت عنها زوجها أو يطلقها فترتفع عنها حيضتها أو تستحاض كم تقيم] مسألة وسألته عن التي يموت عنها زوجها أو يطلقها فترتفع عنها حيضتها، أو تستحاض، كم تقيم؟ وهل الأمة ذات الزوج والحرة في ذلك سواء في الأزواج؟ قال مالك: أما إذا طلقهما أزواجهما، فالمستحاضة والتي ترتفع عنها حيضتها سواء، وهو قول مالك، وليس عند الناس في ذلك اختلاف، أنهن يقمن اثني عشر شهرا، تسعة منها استبراء، وثلاثة عدة، إلا أن ترى حيضة، فتستقبل أقصى اثنا عشر شهرا، من حين تطهر من هذه الحيضة، فلا تزال كذلك أبدا حتى تحيض ثلاث حيض، أو تستكمل اثنا عشر شهرا، فلا ترى الدم فيها فتحل، وأما المتوفى عنها زوجها، فإن الحرة تعتد أربعة أشهر وعشرا، والأمة تعتد شهرين وخمس ليالي، ثم يقال لهما: ارتفاع الحيضة والاستحاضة ريبة، فانتظرا حتى يمر بكما تسعة أشهر أقصى الريبة، إلا أن يكون لهما عذر، مثل أن يكونا يرضعان، فترتفع عنهما الحيضة من أجل ذلك، أو يكونا لا يحيضان في السنة إلا مرة، أو في ستة أشهر مرة، أو غير ذلك من العذر فيتزوجان إن لم يكن لهما من الريبة شيء حين يفرغان من عدتهما، فإن لم يكن لهما من العذر شيء، فإن الاستحاضة وارتفاع الحيض من الريبة، ولا ينكحان حتى تمر بهما تسعة أشهر، من حين يهلك عنهما زوجاهما، إلا أن يرتابا بعد ذلك، فيقيمان حتى يخرجا من الريبة. والاستبراء من الريبة في الوفاة بعد العدة، وفى الطلاق قبل العدة، يقال للحرة في

الوفاة: اعتدي أربعة أشهر وعشرا، وللأمة شهرين وخمس ليال، ثم استبريا أنفسكما بتمام تسعة أشهر، من حين يهلك زوجاكما، وفي الطلاق يقال للحرة وللأمة، انتظرا تسعة أشهر، من حلا! ن طلقكما زوجاكما، لعلكما تحيضان، والحرة والأمة في ذلك سواء، إلا أن الأمة تحل بحيضتين، والحرة بثلاثة، فإن مر بواحدة منهما تسعة أشهر ولم تحض، قيل لها: أنت ممن يئسن من المحيض، فاعتدي الآن ثلاثة أشهر، عدة التي قد يئست من المحيض، الحرة والأمة في الاستحاضة، وارتفاع الحيضة في الطلاق سواء. قال ابن القاسم: ولو أن الحرة أو الأمة المتوفى عنها زوجها حاضت حيضة واحدة في العدة، أو بعد العدة كفتها وحلت بها. قال محمد بن رشد: ساوى في هذه الرواية بين المستحاضة والتي ترتفع حيضتها في الوفاة والطلاق، فقال: إنها تمكث في الطلاق تسعة أشهر، ثم تعتد بثلاثة أشهر، ثم تحل، وأما في الوفاة فلا تحل حتى تبلغ تسعة أشهر، وما قاله في الطلاق متفق عليه، إذا كانت المستحاضة لا تميز بين دم الحيضة من دم الاستحاضة. وأما إذا كانت تميز ما بين الدمين، فقد قيل: إنها تعتد بالأقراء، وتعمل على ما تميز، وقيل: إنها تعتد بسنة. قاله ابن القاسم، ورواه عن مالك، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة إن عدة المستحاضة سنة، وأما في الوفاة فقد روي عن مالك أن المستحاضة تعتد فيها بأربعة أشهر وعشر، وتحل، بخلاف التي ترتفع حيضتها. وابن الماجشون يقول: إنه ليس على المستحاضة والمرتابة، أن يعتدا في الوفاة إلا بأربعة أشهر وعشر إذا لم يكن لهما من الريبة أكثر من ارتفاع الحيض والاستحاضة، فهي ثلاثة أقوال: وأما إذا لم يمر بالمتوفى عنها زوجها في الأربعة أشهر وعشر وقت حيضتها، أو كانت ترضع، فارتفع الحيض من أجل الرضاع، فإنها تحل بأربعة أشهر وعشر، إلا على رواية ابن كنانة عن مالك في سماع أشهب. واختلف في ارتفاع الحيض بالمرض، فقال أشهب: إن ذلك بمنزلة ارتفاعه بالرضاع، تحل المتوفى عنها

أقر عند قوم أنه بارا امرأته ثم زعم بعد ذلك أنه كان مازحا ولم يبار

زوجها بأربعة أشهر وعشر، وتعتد المطلقة بالأقراء، وإن تباعدت، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية: أو غير ذلك من العذر؛ إذ ليس ثم سوى ما ذكر، إلا المرض، وقد روى ابن القاسم عن مالك وقال به: إن ارتفاع الحيض مع المرض ريبة كالصحيحة سواء، فتتربص المتوفى عنها إلى تمام تسعة أشهر، وتعتد المطلقة سنة؛ تسعة أشهر استبراء، وثلاثة عدة، والأمة والحرة في ذلك كله سواء، إلا أن الأمة تحل بحيضتين إذا اعتدت بالأقراء، وتحل في الوفاة بشهرين وخمس ليال، حيث ما تحل الحرة بأربعة أشهر وعشر، إلا أن تكون ممن لا يومن الحمل منها، فتتربص إلى تمام ثلاثة أشهر؛ إذ لا يتبين الحمل في أقل من ثلاثة أشهر. [أقر عند قوم أنه بارا امرأته ثم زعم بعد ذلك أنه كان مازحا ولم يبار] ومن كتاب بع ولا نقصان عليك وسئل عن رجل أقر عند قوم أنه بارا امرأته، ثم زعم بعد ذلك أنه كان مازحا ولم يبار، وأنكرت هي أن تكون بارته، قال: إذا شهد عليه بإقراره، بانت منه بواحدة، ولا رجعة له عليها إلا بنكاح جديد، وإن مات في عدتها ورثته ولم يرثها. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة في الميراث لا يصح بوجه؛ لأنه قال فيها: إذا شهد عليه بإقراره بانت منه بواحدة، ولا رجعة له عليها. فقوله: ولا رجعة له عليها، يدل على أن الشهادة كانت عليه في حياته، فإذا حكم عليه في حياته بأنها بائنة منه وجب ألا يكون بينهما ميراث، ولو كانت الشهادة عليه بعد موته، لوجب على ما قلناه، في معنى مسألة رسم طلق من سماع ابن القاسم، أن ترثه ولا يرثها مات في العدة أو بعدها؛ لأنه طلاق بائن، فلا وجه لقوله: وإن مات في عدتها على حال، والله أعلم. [المرأة تكون في عدتها وهي ساكنة في دار مع أبيها] ومن كتاب لم يدرك من صلاة الإمام وسئل عن المرأة تكون في عدتها وهي ساكنة في دار مع أبيها،

قال لامرأته أنت طالق وأنت طالق ألبتة إن راجعتك

وأبوها مريض، هل ترى أن تبيت عند أبيها؟ قال: لا تبيت إلا في بيتها، قيل له: فتمكث عنده إلى نصف الليل، قال: لا تمكث عنده إلى نصف الليل وتخف المقام عنده بالليل، ولا بأس أن تخرج إليه عند طلوع الفجر أو قبله بيسير. قال محمد بن رشد: هذا معنى ما في المدونة سواء، وهو صحيح؛ لأن المعتدة ممنوعة من المبيت في غير بيتها، فلا يجوز لها أن تمكث من الليل في غير بيتها ما يسمى مبيتا، وهو أكثر من نصف الليل، ومن الدليل على ذلك، أن من لقي قبل نصف الليل، صح أن يسأل: أين تبيت؟ ولم يصح أن يسأل: أين بات؟ ومن لقي نصف الليل صح أن يسأل أين بات؟ ولم يصح أن يسأل أين تبيت؟ ومن أقام نصف الليل، سواء في موضع، ونصفه في موضع آخر، لم يصح أن يقال: إنه بات في أحد الموضعين دون الآخر، فلذلك منع مالك المرأة أن تمكث عند أبيها إلى نصف الليل، وبالله التوفيق. [قال لامرأته أنت طالق وأنت طالق ألبتة إن راجعتك] ومن كتاب سلف دينارا في ثوب قال ابن القاسم: في رجل قال لامرأته: أنت طالق، وأنت طالق ألبتة، إن راجعتك، فأراد أن يراجعها بنكاح جديد بعدما خرجت من عدتها، وقال: إنما أردت ما دامت في عدتها، ألا أرتجعها في تلك الطلقة، قال: إن كانت عليه بينة لم أدينه، وإن لم تكن عليه بينة دينته ذلك، وإن لم تكن له نية، رأيت أن أرتجعها بنكاح جديد، أن تطلق ألبتة وهو بين. قال محمد بن رشد: أما إذا أتى مستفتيا وحده غير مخاصم، فلا اختلاف في أنه ينوّى بغير يمين، ويباح له مراجعتها، وأما إذا أراد أن يتزوجها فمنع من ذلك، وروفع، ولا بينة عليه، إلا أنه أقر باليمين أو على يمينه بينة،

خالع امرأته على إن أعطته ثمرا لم يبد صلاحه أو جنينا في بطن أمه أو عبدا آبقا

فلا تقبل منه البينة، ولا يمكن من مراجعتها؛ لأن نيته التي يدعي، مخالفة لحقيقة لفظه؛ إذ إنما حلف ألا يراجعها، ولو كان إنما حلف ألا يرتجعها على ما وقع في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، لنوي مع قيام البينة؛ لأن حقيقة لفظ الارتجاع، إنما هو في العدة، وحقيقة لفظ المراجعة، إنما هو بعد العدة؛ لأن المراجعة مفاعلة من اثنين، وكذلك لو قيم عليه بعد أن راجعها وأتى مستفتيا. الحكم في ذلك سواء. وكذلك لو ارتجعها في العدة، وكانت يمينه ألا يرتجعها، وقال: إنما أردت ألا أراجعها بعد العدة إذا أتى مستفتيا نوي، وإن قيم عليه وعلى يمينه بينة أو كان مقرا باليمين، فرق بينهما ولم ينوَّ، وإن كان إنما حلف ألا يراجعها ولم يحلف ألا يرتجعها لنوي مع يمينه، على ما في رسم العرية من سماع عيسى، من الأيمان بالطلاق، خلاف ما في سماع أصبغ عن ابن القاسم منه، وبالله التوفيق. [خالع امرأته على إن أعطته ثمرا لم يبد صلاحه أو جنينا في بطن أمه أو عبدا آبقا] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار قال عيسى: سئل ابن القاسم عن رجل خالع امرأته على إن أعطته ثمرا لم يبد صلاحه، أو جنينا في بطن أمه، أو عبدا آبقا، أو بعيرا شاردا قال: يمضي الطلاق عليه، ويكون له عليها خلع مثلها. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم حلف من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: نعي الرجل لامرأته فتزوجت وولدت أولادا ثم قدم زوجها] مسألة قال: وقال مالك: إذا نعي الرجل لامرأته، فتزوجت وولدت أولادا، ثم قدم زوجها ردت إليه، وتستبرأ بثلاث حيض إن كانت من أهل الحيض، وإن لم تكن من أهل الحيض، فثلاثة أشهر، وهي توارث زوجها القادم الأول، ترثه ويرثها. قيل: فإن ماتت قبل أن

يقدم زوجها، ثم قدم، هل ترى بينهما ميراثا؟ قال: يرثها الأول إذا قدم، وليس بينها وبين هذا الآخر ميراث، وإن كانت ماتت وهي تحته قبل أن يقدم الأول، فميراثها للأول، وميراثه لو مات في غيبته بعد تزويجها لها منه. قال عيسى: وإن كان الآخر مات قبل قدوم الأول، فأخذت ميراثها منه، وصداقها، ثم قدم الأول، فإنها ترد الميراث، ولا ترد الصداق؛ لأنها استوجبته بالوطء، ولو مات قبل أن يمسها، ردت الصداق والميراث. وسئل عن رجل سافر فنعي لامرأته فتزوجت وولدت أولادا، ثم قدم زوجها فوجدها حبلى، ففرق السلطان بينها وبين زوجها الذي كان تزوجها، ثم توفي زوجها القادم بعد قدومه بعشرة أيام، قال: هي ترثه، وتعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا انقضت الأربعة أشهر والعشرة أيام، قبل أن تضع حملها انتظرت حتى تضع حملها ثم تزوجت إن شاءت، وإن وضعت حملها قبل أربعة أشهر انتظرت حتى تتم أربعة أشهر وعشر بعد زوجها القادم ثم تزوجت إن شاءت. قال محمد بن رشد: هاتان مسألتان صحيحتان بينتا المعنى على ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف في أن المنعي لزوجته، أحق بزوجته متى ما قدم، وإن تزوجت ودخل بها الزوج، فإنها ترد إليه بعد الاستبراء بثلاث حيض، أو بعد أن تضع حملها إن كان بها حمل، فإن مات زوجها المنعي وهي حامل من الزوج الثاني، اعتدت أقصى الأجلين، وكذلك إن مات وهي في استبرائها من الزوج الثاني، تعتد من يوم مات أربعة أشهر وعشرا، فإن حاضت فيهن بقية الثلاث حيض حلت، وإن لم تستكملها فيه لم تحل للأزواج حتى تستكملها وإن طلقها زوجها الأول وهي حامل من الزوج الثاني، فلا بد لها من ثلاث حيض مستقبلة بعد الوضع، بمنزلة من منعها من الحيض رضاع أو مرض، فإن طلقها الزوج وهي في استبرائها من الزوج الثاني كفتها ثلاث حيض من يوم

مسألة: الأمة تعتق وهي تحت عبد فتطلق نفسها واحدة ثم يتوفى عنها زوجها

الطلاق، على مذهب مالك، ويأتي على ما روي عن عمر بن الخطاب، أن تستكمل استبراءها من الزوج الثاني، ثم تستأنف العدة من زوجها الأول، وسواء في هذا كله نعي إليها ببينة عدول أو غير عدول، كانوا شهدوا عليهم أو شهدوا بالزور، وإنما يفترق ذلك فيما بيع من ماله، ففي بينة الزور، يأخذ عروضه حيث وجدها أو ثمنها إن شاء، ويأخذ أمته وقيمة ولدها من مال المبتاع. وقيل: بل يأخذ قيمتها يوم الحكم، وقيمة ولدها، وقيل: بل ليس له إلا قيمتها يوم حملت خاصة، وفي التشبيه على الشهود يأخذ الثمن الذي بيعت به العروض، وليس له أن يأخذ العروض إلا بعد أن يدفع إلى المبتاع الثمن الذي ودى فيها، ويرجع به على البائع، وبالله التوفيق. [مسألة: الأمة تعتق وهي تحت عبد فتطلق نفسها واحدة ثم يتوفى عنها زوجها] مسألة وسئل عن الأمة تعتق وهي تحت عبد، فتطلق نفسها واحدة، ثم يتوفى عنها زوجها وهي في عدتها. قال: ترجع إلى عدة الوفاة فتعتد أربعة أشهر وعشرا. قال محمد بن رشد: قوله: إنها ترجع إلى عدة الوفاة. خلاف ما في المدونة، من أن المطلقة لا ترجع إذا توفي زوجها إلى عدة الوفاة إلا في الطلاق الرجعي. وقد نص في المدونة على أنها إن طلقت نفسها واحدة، فهي واحدة بائن، فلا سبيل للزوج إليها، وإن أعتق في عدتها على مذهبه فيها، وقاله يحيى بن سعيد فيها. وقد روى ابن نافع عن مالك، أن للعبد الرجعة إن أعتق في العدة. وقال ابن نافع: لا رجعة له وإن أعتق. وقال الأوزاعي: إن أعتق زوجها في عدتها، فإن بعض شيوخنا يقول: هو أملك بها، وبعضهم يقول هي بائنة. قال أبو عمر بن عبد البر: ولا معنى لقول من قال إنها طلقة رجعية؛ لأن زوجها لو ملك رجعتها، لم يكن لاختيارها نفسها معنى، وأي شيء كان يفيدها اختيارها إذا ملك زوجها رجعتها؟ وقول ابن عبد البر وهم لا معنى له؛ لأنه لم يقل أحد إنه أملك بها، وإن لم يعتق، فيكون اختيارها لا معنى له كما قال، وإنما قال: إنه أملك بها إذا عتق، ولقائل ذلك وجه صحيح

مسألة: حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها

من النظر، وهو أنه إنما خيرت في نفسها من أجل رق زوجها، فإذا ارتفع الرق كانت له الرجعة؛ لأن الحكم متى وجب لعلة، وجب أن يرتفع بارتفاع العلة، وذلك في القياس، مثل الذي يطلق عليه بعدم الإنفاق إذا أيسر في العدة وجبت له الرجعة. [مسألة: حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها] مسألة وسئل عن رجل حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها، وعتق ما يملك إلى أجل، فحنث، وهو يخاف على نفسه العنت، قال: أما الرقيق فلا يشتري منهم شيئا، وأما النكاح فإن خاف العنت على نفسه تزوج، ولا أحب له أن يتسرر. قال محمد بن رشد: رأى النكاح إذا خشي على نفسه العنت أخف من التسري، وإن كان يلزمه طلاق ما ينكح إلى الأجل، كما يلزمه عتق ما يملك إليه من أجل أنه إذا تسرى يملك ما يتسرى، فيستخدم ويبيع، فيكون قد استباح شيئا زائدا على ما يومنه من العنت والزوجة لا يملكها ولا يستخدمها، ولا له منها أكثر مما اضطر إليه من الاعتصام بها عن الزنا، وبالله التوفيق. [مسألة: جاء زوجها المفقود بعد أن تزوجت] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وقال مالك: إذا فقد الرجل وله امرأة لم يدخل بها، فرفعت أمرها، فضرب لها أجل أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا، فانقضى ذلك الأجل، كانت أملك بنفسها، تتزوج من شاءت، وأعطيت الصداق كاملا من ماله، فإن تزوجت، فجاء زوجها المفقود بعد أن تزوجت، لم ترد له نصف الصداق الذي أخذت؛ لأنها قد انتظرته، وضيق عليها، واعتدت منه، ومنعها النكاح، فلا أرى ترد عليه شيئا. قال محمد بن رشد: قوله: فضرب له أجل أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا، معناه: فضرب له أجل أربع سنين، واعتدت امرأته أربعة أشهر وعشرا؛

لأن الإمام إنما يضرب له أربع سنين بعد البحث عنه، وأما الأربعة أشهر وعشرا، فإنما هي عدة لا يضربها لها الإمام، ولا تستأذنه فيها، وإن أرادت أن تترك العدة وترضى بالمقام على العصمة، فذلك لها ما لم تأخذ في العدة، فإذا انقضت العدة بانت من زوجها في الحكم الظاهر، ما لم ينكشف خطأ ذلك الحكم بمجيئه أو علم حياته. ألا ترى أنها إن ماتت بعد العدة لا يوقف له ميراثه منها؟ وإن كان لو أتى في هذه الحال، كان أحق بها، وإن بلغ من السنين ما لا يجيء لمثله وهي حية، لم تورث منه، وإن كانت لم تتزوج، وقال ابن حبيب: إنها تورث منه إن كانت لم تتزوج، وهو بعيد. واختلف هل لها نفقة في هذه الأربع سنين؟ فقال المغيرة: إنه لا نفقة لها إلا أن تكون قد فرض لها قبل ذلك نفقة، فيكون سبيلها في النفقة سبيل المدخول بها، والصواب أن لها النفقة؛ لأنه كالغائب، ولم يختلفوا أن من غاب عن امرأته قبل الدخول غيبة بعيدة أنه يحكم لها بالنفقة في ماله، وإنما اختلفوا في الغيبة القريبة على ما مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم. واختلف فيما يحكم لها به من الصداق على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يحكم لها بشيء منه حتى يأتي وقت لو قدم لم يكن له إليها سبيل، وهو أن تتزوج ويدخل بها الزوج على اختلاف قول مالك في ذلك، فيقضى لها حينئذ بنصف صداقها، فإذا بلغ من السنين ما لا يجيء لمثله، قضي لها بقيمته، وكذلك يقضى لها بجميع الصداق، إن انكشف أنه مات قبل أن تتزوج، وإن انكشف أنه مات بعد أن تزوجت أو بعد أن تزوجت ودخل بها زوجها، لم يكن لها إلا نصف الصداق. وجه هذا القول، أنه يحكم لها بحكم الحي، لاحتمال أن يكون حيا ما دام أمره مجهولا، فإن بلغ من السنن ما لا يجيء إلى مثله، ولم يعلم له خبر، حمل أمره على أنه مات عند انقضاء الأجل المضروب لامرأته. هذا قول ابن الماجشون. وقال ابن وهب: إذا بلغ من السنين ما لا يجيء إلى مثلها، وقد كانت تزوجت، لم يكن لها إلا نصف الصداق. ووجه ذلك أنه حكم لها بحكم بوقت الحياة إلى الوقت الذي حكم بتمويته. والقول الثاني: أنه يقضى لها بنصفه، فإن بلغ من السنين ما لا يجيء إلى مثلها وقد تزوجت أو لم

تتزوج، أو ثبتت وفاته ما بينه وبين أن تبين منه بالدخول أو التزويج، على الاختلاف المعلوم، قضي لها ببقيته، حكى هذا القول ابن الجلاب في كتاب التفريع. وحكاه ابن سحنون أيضا. ووجهه أنه لما احتمل حين أبيحت للأزواج أن يكون ميتا، فيجب لها جميع الصداق، وأن يكون حيا، فلا يجب لها إلا نصف الصداق، على حكم المطلقة قبل الدخول، لم يقض لها إلا بما لا شك فيه وهو النصف، حتى يمضي له من الزمان ما لا يجيء إلى مثله، أو يثبت أنه مات قبل أن تتزوج، فيقضى لها ببقيته في الوجهين؛ لأنه إذا بلغ من السنين ما لا يجيء إلى مثله، حكم له أنه كان ميتا عند انقضاء الأجل. وقال ابن وهب: إذا بلغ من السنين ما لا يجيء إلى مثلها بموت لم يكن لها إلا نصف الصداق على أصله، في أنه يحكم له بحكم الحياة، إلى الوقت الذي حكم بتمويته. والقول الثالث: أنه يقضى لها بجميعه. وهو قول مالك في هذه الرواية. ووجهه أنه لما أنزل أمره على أنه قد مات في أن تعتد امرأته عدة الوفاة وتتزوج، أنزل أمره أيضا على ذلك في وجوب جميع الصداق لها. واختلف على هذا القول إن قدم بعد أن تزوجت ودخل بها الزوج، أو علم أنه مات بعد ذلك، فقال هاهنا: إنها لا ترد من الصداق شيئا؛ لأنها قد انتظرته وضيق عليها. وقال في سماع سحنون: إنها ترد نصفه، وهو القياس؛ لأن الغيب قد كشف خطأ الحكم الأول، فوجب أن يرجع إلى الصواب، ولا اختلاف بينهم في أن الحاكم إذا تبين له أنه قد خطأ خطأ لا اختلاف فيه، يرجع إلى ما بان له من الصواب، وأما إن لم يقدم، ولا علمت حياته ولا موته حتى بلغ من السنين ما لا يحيا إلى مثلها، فلا ترد من الصداق شيئا، كانت قد تزوجت أو لم تتزوج. ويأتي على قول ابن وهب المتقدم أنه إذا بلغ من السنين، ما لا يحيا إلى مثلها، وقد كانت تزوجت، أن ترد نصف الصداق، وهذا إذا كان الصداق حالا، وأما إن كان مؤجلا فاختلف في ذلك، كالاختلاف في قضاء ما لم يحل من ديونه، فقال أصبغ في الواضحة: تعطى الصداق عاجله وآجله، ويقضى من ماله ديونه التي عليه، حل أجلها أو لم يحل، ويوقف بقيته، وينفق منه على ما تلزمه نفقته، غير امرأته، وفي غير

مسألة: فقد الرجل فلم يدر موضعه

الواضحة، لا تؤدى ديونه حتى تحل، واختلف في حد التعمير، من السبعين عاما إلى مائة وعشرين عاما، فإن فقد وهو ابن سبعين، على مذهب من يرى السبعين، أو ابن الثمانين والتسعين على مذهب من يرى ذلك، أو ما دونه، تلوم له عشرة أعوام، وإن فقد وهو ابن مائة على مذهب من يرى المائة، أو ما دونها، تلوم له العام والعامين وقيل: العشرة أعوام. وإن فقد وهو ابن مائة وعشرين، تلوم له العام ونحوه، وبالله التوفيق. [مسألة: فقد الرجل فلم يدر موضعه] مسألة قال: وقال مالك المفقود على ثلاثة أوجه: فأولها: إذا فقد الرجل فلم يدر موضعه، فإن ذلك يضرب لامرأته أجل أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا، ويكتب إلى عمال الكور، وإنما يستبحث عن خبره قبل الأربع سنين، ويضرب لها بعد الاستبحاث والسؤال عنه، قال: فإذا استبحث وكتب فيه فلم يقع له خبر، ضرب له بعد ذلك أجل أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا. فإذا مضى لامرأته أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا أعطيت صداقها إن كان لها قبله، وتزوجت، ووقف ماله حتى يأتي من الزمان ما يعلم أنه ليس يحيا، وكذلك قال مالك في المفقود في صف المسلمين في قتال العدو، فذلك الذي لا تتزوج امرأته حتى يعلم أنه قد مات ويوقف ماله وامرأته أبدا حتى يعلم أنه قد مات، أو يأتي عليه من السنين ما يعلم أنه قد مات، والمفقود الذي يفقد في فتن المسلمين التي تكون بينهم، لا يضرب لامرأته أجل، وإنما يتلوم له أمر يسير، قدر ما ينصرف من هرب أو انهزام، ثم تعتد بعد التلوم على اجتهاد الإمام، ثم تتزوج ويقسم ماله. قال ابن القاسم: وأرى لمن فقد في فتن المسلمين إذا كانت المعركة على بعد من بلاده، مثل إفريقية أو نحوها، أن يضرب

لامرأته أجل سنة، وتتزوج امرأته، ويقسم ماله. وسئل سحنون عن معركة تكون بين المسلمين في أفنيتهم فيقع القتل بينهم، فما تقول فيمن قتل في المعركة، ولا يعرف مثله إلا بمن حضرهم وليس من أهل العدل، ما يفعل في امرأته، وفي ماله؟ فقال: إذا قامت البينة العدلة أنه شهد المعركة، فإن امرأته تعتد في ذلك اليوم الذي كان فيه المعترك، ويقسم ماله، وهو عندي بمنزلة الميت، وإذا كانوا إنما رأوه خارجا مع العسكر، ولم يروه في المعترك في القتال، إلا أنهم نظروا إليه خارجا في جملة الناس، فإن سبيله سبيل المفقود، يضرب لامرأته أجل أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا، ثم تتزوج، ويوقف ماله إلى الأمد الذي يعيش مثله إليه. قال محمد بن رشد: وجه تفرقة مالك بين المفقود في قتال العدو، والمفقود في قتال المسلمين، هو أن يخشى إذا فقد في قتال العدو، أن يكون قد أسر ولم يقتل، فحمل أمره على أنه مأسور، حتى يعلم أنه مقتول، ولم يفرق بين أن يكون قتال العدو في بلاد الحرب. أو في بلاد المسلمين، إذا كان يحتمل أن يخفى أسره إن أسر كالمفقود في بلاد الحرب. وأما المفقود في حروب المسلمين، فالأغلب على أمره إذا فقد فيها أنه مفقود، فحمله على ذلك إذا تلوم له واستجس له، فلم يوقع له خبر، فرأى أن يكون التلوم إذا كانت المعركة بعيدة في بلاده سنة، وظاهر قوله أنها تتزوج بعد السنة، فتكون العدة داخلة في السنة، خلاف قوله: إذا تلوم له أنها تعتد بعد التلوم. والصواب أن تكون العدة داخلة في السنة وفي التلوم. فإن كان التلوم أقل من أربعة أشهر وعشرا، اعتدت بقية الأربعة أشهر وعشرا؛ لأنه إذا تلوم له فلم يسمع له خبر، حمل أمره على أنه إنما قتل في المعركة، لا أنه مات بعد ذلك، بخلاف المفقود الذي تكون العدة فيه بعد انقضاء الأجل؛ إذ لا يعلم له وقت، يغلب على الظن أنه مات فيه، كالذي فقد في المعركة، وإنما هو إذا شهدت البينة أنه كان في المعترك. وأما إذا رئي خارجا في جملة العسكر، ولم ير في المعترك،

مسألة: تحته نصرانية فولد له منها أولاد ثم طلقها أو مات عنها

فحكمه حكم المفقود على ما قال سحنون، فليس قوله بخلاف لقول ابن القاسم وروايته عن مالك، إلا في التلوم، إذا ثبت أنه كان في المعركة، فإنه لا يراه، وما مضى في أول سماع أشهب، خلاف لهذه الرواية في الذي يفقد في قتال العدو، وفي قتال المسلمين؛ لأنه ساوى بينهما فجعلهما في حكم المفقود، إلا في مبلغ الأجل. وقد مضى القول في ذلك هناك، والحمد لله. [مسألة: تحته نصرانية فولد له منها أولاد ثم طلقها أو مات عنها] مسألة وسئل عن رجل كانت تحته نصرانية، فولد له منها أولاد، ثم طلقها أو مات عنها، هل له أن يأخذ أولاده منها أو يأخذهم أهله إن مات؟ قال: ليس ذلك له ولا لهم، وأمهم أحق بهم ما لم تتزوج. قلت: فإن تزوجت ولها أخت مسلمة أو نصرانية، فأرادت أن تأخذهم أتكون أحق بهم من أبيهم؟ فقال: إذا تزوجت أمهم أو ماتت، فالأب أولى ببنيه من خالتهم، قال: قلت لسحنون: أرأيت إن تزوجت هذه النصرانية، هل تكون جدتهم أو خالتهم من النصارى أحق بالصبيان من الأب والأولياء؟ قال: نعم، تكون أولى بمنزلة اللوكن مسلمات. قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن القاسم هذا إن الأب أحق بالحضانة من الخالة، وإن كانت مسلمة. وقد روي ذلك عن مالك، ذكره ابن المواز عنه وهو خلاف المشهور في المذهب، وقد تأول أن معنى قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن الأب أولى ببنيه من خالتهم، يريد النصرانية، مراعاة لقول من لا يرى للنصرانية حضانة، وهو ابن وهب قال: لأن المسلمة لو أثنى عليها بسوء لسقطت حضانتها، فكيف بهذه؟ فعلى هذا يتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أن الأب أحق بالحضانة من الخالة، والثاني: أن الخالة أحق، والثالث: الفرق بين أن تكون الخالة مسلمة أو نصرانية. والصواب ألا فرق في هذا عنده بين المسلمة والنصرانية، وإنما هو اختلاف قول، فمرة رأى

الأب أحق من قرابات الأم، ومرة رأى قرابات الأم أحق منه. وتحصيل المذهب في هذا أنه لا اختلاف في أن الأم أحق من الأب؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنت أحق به ما لم تنكحي» ، وأن أم الأم بمنزلة الأم. واختلف هل يكون الأب أحق من قرابات أمها سوى أمها لأن أمها أمّ أمْ لا؟ على قولين، الأشهر منهما أنهن أحق منه. واختلف أيضا هل يكون الأب أحق بالحضانة من قراباته من النساء على قولين: أحدهما: أنه أحق منهن؛ لأنهن إنما يدلين به، فهو أحق منهن، والثاني: أنهن أحق منه؛ لأنهن وإن كن يدلين به، فإنه لا يحضن بنفسه ويستنيب في الحضانة غيره، ورأى ابن القاسم: بعض قراباته، وهي أمه أحق منه من سائرهن، فاختلف في الأب بعد الإجماع على أن الأم أحق منه على أربعة أقوال: أحدها: أنه أحق من قراباته وقرابات الأم، والثاني: أن قراباته وقرابات الأم أحق منه، والثالث: أنه أحق من قراباته، وأن قرابات الأم أحق منه، والرابع: أن قرابات الأم وبعض قراباته أحق منه، وأنه أحق من بعض قراباته، فإن لم يكن أب ولا أم، فلا اختلاف في أن قرابات الأم أحق من قرابات الأب. ويستحق النساء الحضانة بوصفين: أحدهما: أن يكن ذوات رحم المحضون، والثاني: أن يكن محرمات عليه، فإن كن ذوات رحم منه ولم يكن محرمات عليه كبنت الخالة، وبنت العمة، لم يكن لهن حضانة، وإن كن محرمات عليه، ولم يكن ذوات رحم منه، كالأم من الرضاعة، والمحرمات بالصهر، لم يكن لهن حضانة أيضا. وأما الرجال فإنهم يستحقون الحضانة بمجرد الولاية، كانوا من ذوي رحمه المحرم، كالجد والعم والأخ وابن الأخ، أو من ذوي رحمه الذين ليس بمحرم كابن العم، أو لم يكونوا من ذوي رحمه كالمولي المعتق، والوصي من قبل الأب، ومن قبل السلطان، وإذا اجتمعت الخالات فالشقيقة أحق، ثم التي من قبل الأم، ثم التي من قبل الأب،

عدة التي تطلق وهي ترضع ولا تحيض

وكذلك الأخوات إذا اجتمعن، الشقيقة أحق، ثم التي للأم، ثم التي للأب؛ لأن الأم أمس رحما، وأما بنت الأخت، فقال ابن حبيب: إنه لا حضانة لها، والصواب: أن لها الحضانة؛ لأنها من ذوات المحارم المحرمات، فإن اجتمع بنت الأخت وبنت الأخ، كانت بنت الأخ أحق؛ إذ قد قيل: إنه لا حضانة لبنت الأخت، وقد قيل: إنها مقدمة عليها، وقيل: إنهما بمنزلة سواء، ينظر السلطان في أحرزهما، وبالله التوفيق. [عدة التي تطلق وهي ترضع ولا تحيض] ومن كتاب أوله يدير ماله وسألته عن التي تطلق وهي ترضع ولا تحيض، قال: عدتها من يوم يفطم، يعني إلا أن تحيض قبل ذلك ثلاث حيض. قال محمد بن رشد: هذا مما لا اختلاف فيه، أن ارتفاع الحيض مع الرضاع ليس بريبة، فتعتد المطلقة المرضع بثلاث قروء أو سنة بيضاء لا دم فيها بعد الرضاع، والمتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر، وإن لم تحض فيهن، إلا على رواية ابن كنانة عن مالك في سماع أشهب. وإنما اختلفوا في عدة المريضة في الطلاق والوفاة، إذا ارتفع حيضها بسبب المرض، فقيل: ارتفاع الحيض معه كارتفاع الحيض مع الرضاع، ليس بريبة، فتعتد في الطلاق بالأقراء وإن تباعدت، وفي الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وقيل: إنه ريبة، فتعتد في الطلاق بسنة وتتربص في الوفاة إلى تسعة أشهر. وقد مضى هذا في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وفي رسم الطلاق من سماع أشهب، وفي رسم استأذن من هذا السماع. [تزوجها في مرضه وأصابها عدتها] ومن كتاب العشور قال ابن القاسم: في نكاح المريض إذا تزوج في مرضه وأصابها، إن العدة عدة الوفاة، عليها أربعة أشهر وعشر. وقال في كتاب اللقطة: دخل أو لم يدخل بها، تعتد أربعة أشهر وعشرا. وقال في سماع أصبغ: إن عليها ثلاث حيض.

مسألة: قال لامرأته اذهبي فتزوجي

قال محمد بن رشد: وعلى ما في سماع أصبغ، لا عدة عليها إن مات عنها قبل أن يدخل بها. وهذا على اختلاف فيما يفسخ من الأنكحة التي اختلف الناس في فسادها، هل يفسخ بطلاق ويكون الميراث فيها؟ أو يفسخ بغير طلاق ولا يكون فيها الميراث؟ فقد قيل: فيها كلها الطلاق والميراث، وقيل: لا طلاق فيها ولا ميراث، وقيل: ما كان يفسخ منها قبل وبعد، فلا طلاق فيها ولا ميراث، وما كان يفسخ منها قبل، ولا يفسخ بعد، فالطلاق والميراث فيه قبل وبعد، والثلاثة أقوال كلها في المدونة. والذي يبين أن الاختلاف في عدة الوفاة، جار على هذا الأصل قول محمد بن المواز، وعدة النكاح الفاسد في الحرة والأمة، كالنكاح الصحيح، إلا في الوفاة، فإنه يختلف، فيما كان منه يفسخ قبل البناء، فعدتها أربعة أشهر وعشر، إذا مات قبل الفسخ، بنى بها أو لم يبن، وما كان منه يفسخ بعد البناء، فلا عدة وفاة فيه، وإن بنى ففيه ثلاثة حيض. وقاله أشهب وأصبغ، وإليه يرجع ابن القاسم. قال أصبغ: وغير هذا خطأ. قال محمد: يعني شيئا ذكر عن ابن القاسم فيمن نكح في العدة ثم مات، أنها تعتد أربعة أشهر وعشرا. قال محمد: لعله إنما تزوجها في عدتها منه. وقد حكى ابن المواز عن ابن القاسم من رواية أبي زيد عنه قولا ثالثا في نكاح المريض، إنه إن لم يكن بنى بها فلا عدة عليها، وإن بنى فأربعة أشهر وعشر وهو قول لا يحمله القياس، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته اذهبي فتزوجي] مسألة وقال: في رجل قال لامرأته: اذهبي فتزوجي، إنه إن لم يكن أراد طلاقا فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: معنى هذا إذا أتى مستفتيا، وأما إذا كان مطلوبا أو مخاصما، فيحلف ما أراد بذلك الطلاق، على ما مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم سن منه، وبالله التوفيق.

المرأة يغيب عنها زوجها العشرين سنة

[المرأة يغيب عنها زوجها العشرين سنة] ومن كتاب شهد على شهادة ميت وسئل عن المرأة يغيب عنها زوجها العشرين سنة، مثل طنجة أو إفريقية، فتشكو مغيب زوجها إلى القاضي وتركه إياها، ما يصنع بها؟ قال ابن القاسم: قال لي مالك: إن عمر بن عبد العزيز، قضى فيها أن يكتب إلى زوجها، إما أن يقدم إليها، وإما أن يحملها إليه، وإما أن يفارقها. وقال مالك: وأنا أرى ذلك وآخذ به، وأرى أن يقضى به. قلت: فما حد الغيبة، قال: أما الحين، يعني الأمر القريب، فيما ظننت، السنتين والثلاث، وأما إذا تطاول ذلك، فأرى أن يقضى عليه به. قال لي مالك: ويغرم نفقة ما أنفقت وهو غائب، إذا كان لا يبعث إليها بنفقة. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم. فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا، وبالله التوفيق. [يطلق امرأته وهي حائض فيؤمر برجعتها فيرتجعها وهو يريد أن يطلقها] ومن كتاب الرهون وقال: في الذي يطلق امرأته وهي حائض، فيؤمر برجعتها، فيرتجعها وهو يريد أن يطلقها إذا طهرت من الحيضة الأخرى، هل يصيبها إذا طهرت من ذلك الحيض؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهو الذي يؤمر به أن يفعله؛ لأنه إنما يؤمر بالارتجاع للوطء ولو ارتجعها وهو ينوي أن يطلقها إذا طهرت الثاني دون أن يصيبها ففعل، لكان مضارا لها آثما فيها؛ لأن قول الله عز وجل: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] ، إنما نزلت في هذا المعنى كان الرجل يطلق امرأته ويمهلها، حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ولا حاجة له بها، ثم

مسألة: طلق امرأته وأشهد على رجعتها شاهدا واحدا

طلقها، وأمهلها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها أيضا راجعها ثم طلقها، ليطول عليها العدة بذلك، فأنزل الله عز وجل الآية بالنهي عن ذلك والتحذير عنه. [مسألة: طلق امرأته وأشهد على رجعتها شاهدا واحدا] مسألة وقال: في رجل طلق امرأته وأشهد على رجعتها شاهدا واحدا، إنه إن كان دخل بها، فإن ذلك يجزيه، وإن كان خلا بها جاز قوله، وإن لم يشهد رأسا، وإن لم يخل بها فلا يجوز قوله، وإن كان له شاهدا إذا انقضت عدتها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مثل ما في المدونة إذا ارتجع ولم يشهد ولا خلا بها حتى انقضت العدة، فلا يصدق على الرجعة؛ لأن الله ما أمره بالإشهاد على الرجعة بقوله عز وجل: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ، دل على أن المرتجع ليس بمؤتمن على الرجعة، ولا مصدق قوله فيها، كما أن والي اليتيم، إذا ادعى دفع ماله إليه لم يصدق، وإن كان المال بيده أمانة؛ لقول الله عز وجل: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] ، وقد قال جماعة من العلماء: إن الإشهاد على الرجعة واجب، وتارك ذلك آثم، بخلاف الإشهاد على البيع؛ لأنه قد جاء ما دل على أنه غير واجب في البيع، وهو قوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] ، وبالله التوفيق. [مسألة: أسكن أخا له منزلا وإن أخاه ذلك طلق امرأته وخرج] مسألة وسئل عن رجل أسكن أخا له منزلا، وإن أخاه ذلك طلق

يطلق امرأته وهي ترضع أو لا ترضع فيموت

امرأته وخرج، فقال صاحب البيت للمرأة: اخرجي، إنما أسكنت أخي، وقد خرج، إن ذلك ليس له، وإنها لا تخرج حتى تنقضي عدتها. قال محمد بن رشد: اعترض أبو إسحاق التونسي هذه الرواية؛ لأنه إن كان أسكن أخاه إسكانا مطلقا، فله أن يخرجه متى ما شاء، كما لو اشترط ذلك عليه، فإذا كان له أن يخرجه، فكيف لا يكون له أن يخرج امرأته إذا طلقها؟ هذا بعيد، ووجه الرواية عندي أنه أسكن أخاه على أن يسكن ما شاء، فكان سكنى العدة تبعا لسكنى العصمة في الوجوب، لاتصاله به، كما كان سكنى عدة الوفاة تبعا لسكنى الحياة في الوجوب، لاتصاله به إذا أسكنه الدار حياته، وهذا بين إن شاء الله. [يطلق امرأته وهي ترضع أو لا ترضع فيموت] ومن كتاب البراءة وسألته عن الذي يطلق امرأته وهي ترضع، أو لا ترضع، فيموت زوجها، فتدعي أنها لم تحض، فتطلب الميراث. قال: أما التي لا ترضع، فهي مصدقة حتى يأتي عليها سنة، ذكرت ذلك أو لم تذكر، وعليها اليمين، إلا أن يكون سمع منها أنها حاضت ثلاث حيض، وأما التي ترضع فهي مصدقة حتى تفطم ولدها وبعد الفطام بسنة. قال محمد بن رشد: قوله: في التي لا ترضع، إنها مصدقة حتى يأتي عليها سنة، معناه أنها مصدقة إن لم تحض فيما بينها وبين سنة، مع يمينها، ويكون لها الميراث، ولا تصدق إذا انقضت السنة، فطلبت الميراث، وزعمت أن عدتها لم تنقض؛ لأن بها حسا تجده في بطنها، حتى يراها النساء، فيصدقنها فيما ادعت من ذلك. ومن دليل هذه الرواية والله أعلم، أخذ ابن العطار أن المطلقة إذا مرت بها سنة فزعمت أنها مسترابة، ينظر إليها النساء، فإن رأين بها ريبة تمادت في سكناها، ما بينها وبين خمسة أعوام، إلا أنه زاد وتحلف أنها

العبد تكون تحته المرأة الحرة أو الأمة فيطلقها اثنتين

لم تحض في المدة الماضية، ولا يصح ذلك، وإنما يختلف فيما دون السنة، إذا صدقت دون أن ينظر إليها النساء. وقوله: ذكرت ذاك أو لم تذكره، يريد ذكرت ارتفاع حيضتها في حياة الزوج أو لم تذكر، تصدق في الوجهين جميعا، وعليها اليمين. وفي كتاب ابن المواز أنها لا تصدق، ويكون لها الميراث، إلا أن يذكر ذلك في حياته، ويعلم من قولهما قبل وفاته، وكذلك لو ادعت بقرب انسلاخ السنة أنها لم تستكمل الحيض الثلاث لصدقت، وإن كانت لم تذكر ذلك في حياته على هذه الرواية مع يمينها، ولا تصدق، وعلى ما في كتاب محمد إلا أن تكون ذكرت ذلك في حياته، ولو ادعت ذلك بعد الأربعة أشهر؛ لانبغى أن تصدق دون يمين، ولو ادعت ذلك بعد الستة أشهر ونحوها لانبغى أن تصدق مع يمينها، وإن لم تذكر ذلك، وأما لو ادعت بعد موت زوجها بأكثر من العام أو العامين أنها لم تستكمل ثلاث حيض، لتأخر الحيض عنها، لانبغى ألا تصدق، إلا أن تكون ذكرت ذلك في حياته قولا واحدا. فهذا تحصيل القول عندي في هذه المسألة دون يمين، وموضع يكون القول فيه قولها مع يمينها على اختلاف في مراعاة ذكر ذلك، وموضع لا تصدق فيه مع يمينها، إلا أن تكون ذكرت ذلك، وموضع لا تصدق فيه وينظر إليها النساء، وبالله التوفيق. وحكم التي ترضع بعد الفطام، كحكم التي لا ترضع من يوم الطلاق؛ إذ لا اختلاف في أن ارتفاع الحيض مع الرضاع ليس بريبة، والله أعلم، وبه التوفيق. [العبد تكون تحته المرأة الحرة أو الأمة فيطلقها اثنتين] ومن كتاب الجواب وسئل عن العبد تكون تحته المرأة الحرة، أو الأمة، فيطلقها اثنتين، ثم تقوم له بينة أنه حر من أصله. قال ابن القاسم: يمسكها بواحدة تبقى له فيها، ويرتجعها على ما أحبت أو كرهت، إن كانت في العدة، ليس عليه إلا التطليقتان اللتان طلق، وإن كانت خرجت

من العدة، خطبها ونكحها قبل زوج، وسواء طلقها وهو ممن لا يعلم أن طلاقها اثنتان، أو طلقها وهو ممن يعرف أن طلاقها اثنتان فليس عليه إلا تطليقتان، إلا أن يكون أراد البينة على ذلك، طلق بهما، أو هو يريد ذلك، أو يتكلم بالبينة، فلا تحل له حينئذ حتى تنكح زوجا غيره، وسواء استحق بحرية من أصله ومولده، أو استحق بحرية عتق بها من ملك إذا كان ذلك قبل الطلاق، وطلاقه يجري مجرى الحدود، له وعليه إذا كانت الحرية قبلها عمل فيها، كما يعمل في حدود الأحرار، وكذلك الأمة إذا طلقت ثم ثبت أنها حرة قبل ذلك، فعدتها ثلاث حيض، ولزوجها عليها الرجعة، ما لم تحض الثالثة، إن كان طلقها يرتجع منه، وإن تزوجت بعد الحيضتين وقبل الحيضة الثالثة، ثم جاء العلم فسخ نكاحهما، وفرق بينهما، وإن كان قد دخل بها فيها لم ينكحها أبدا. قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قال؛ لأن جهل العبد والأمة بحريتهما لا تأثير له فيما يلزمهما من أحكام الحر، ألا ترى أنهما لو زنيا وهما لا يعلمان بعتقهما لحدا حد الأحرار، ولو وقع لهما ميراث لورثاه، فكذلك إذا طلق العبد امرأته طلقتين، ثم انكشف أنه كان حرا من قبل الطلاق، تبقى له في زوجته طلقة، ويكون له عليها الرجعة إن لم تنقض العدة، ولو انكشف أنه كان أعتق بعد أن طلق الطلقة الأولى، لبانت منه بالطلقة الثانية، وكذلك الأمة إذا طلقت فاعتدت بحيضتين، ثم انكشف أنها كانت أعتقت قبل الطلاق، تبقى عليها حيضة ثالثة من عدتها. وأما إن كان العتق بعد الطلاق، فعدتها حيضتان، وإن أعتقت قبل أن تحيض؛ لأن العدة قد لزمتها في حين الطلاق عدة أمة، فلا تنتقل عنها إلى عدة الحرائر. وقال ربيعة: إن أعتقت قبل أن تحيض اعتدت عدة الحرائر، وإن أعتقت بعد أن حاضت حيضة اعتدت

مسألة: العبد يريد أن يظعن بامرأته الحرة

عدة أمة ولا اختلاف أعلمه في أن العدة بالنساء، وأن الأمة تعتد حيضتين، كان زوجها حرا أو عبدا، والحرة تعتد ثلاث حيض، كان زوجها حرا أو عبدا، وأما الطلاق، فذهب مالك أنه بالرجال، بطلاق العبد على مذهبه طلقتان، كانت امرأته حرة أو أمة، وطلاق الحر ثلاث تطليقات، حرة كانت امرأته أو أمة، وروي ذلك عن عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت. وذهب أبو حنيفة إلى أن الطلاق على حكم النساء المطلقات. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب. وروي عن ابن عمر أنه قال: أيهما رق نقض الطلاق برقه. [مسألة: العبد يريد أن يظعن بامرأته الحرة] مسألة وسألته عن العبد يريد أن يظعن بامرأته الحرة، قال ابن القاسم: ليس للعبد أن يظعن بامرأته حرة كانت أو أمة، إلا أن يكون الشيء القريب جدا، مثل بعض الريف الذي لا يخاف عليها فيه ضيعة ولا ضرورة، فأما الأسفار والبلدان والبعد، فليس ذلك له، أرأيت لو ظعن بها في أرض غربة، ثم باعه سيده بها، مما يظعن به أو يخرجه، كيف كانت تكون، إن لم تقدر على الرجوع والنهوض معه، ولا يحملها سيده معه، ويمنعه من ذلك، أفيبقى يستطعم؟ ثم فليس للعبد أن يظعن بامرأته أمة ولا حرة، ولا أعلمه إلا قول مالك. قال محمد بن رشد: قد بين ابن القاسم وجه قوله في أن العبد ليس له أن يظعن بامرأته بما لا تزيد عليه، وللحر ذلك، إلا أن يكون غير محسن إليها، ولا مأمون عليها، على ما مضى من قول مالك في رسم الطلاق من سماع أشهب، من كتاب النكاح وهو معنى ما في المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تأخذ في صداقها الجارية فتؤدبها وتنفق عليها في الأدب] مسألة وسألته عن المرأة تأخذ في صداقها الجارية، فتؤدبها وتنفق

عليها في الأدب حتى يزيد ذلك في ثمنها أضعاف ثمنها، ثم يطلقها قبل الدخول بها، هل يكون له نصف الجارية بنمائها من غير غرم شيء من النفقة؟ قال ابن القاسم: نعم، له نصفها بنمائها بغير شيء، وليس عليه فيما أنفقت عليها ولا ما أدبتها به، قليل ولا كثير، وهو شريك في النماء، كما كان شريكا في النقصان والتلف. قال محمد بن رشد: في المبسوط من قول ابن وهب: إنها لا ترجع عليه بما أنفقت في تعليم الخير، وهو قول محمد بن خالد في رواية أبي صالح، قال: وكذلك في الاستحقاق، يريد ما لم تكن النفقة أكثر مما زادت قيمتها، ولا ترجع بالزيادة؛ لأنها لو لم تزد قيمتها بما أنفقت عليها، لم يكن لها أن ترجع بشيء مما أنفقت إذ لم تنتفع بذلك، وهذا الاختلاف إنما هو على القول بأنهما شريكان فيها، وإن الغلة ينهما، فوجه قول ابن القاسم: إن الزوج يقول لها: إنما أنفقت على نصفك الذي لك، ولم تتكلفي بسبب نصفي شيئا زائدا، فترجعي به علي. ووجه القول الثاني أن المرأة تقول له: انتفعت بمالي فلا تذهب نفقتي على نصفك باطلا، فإما أن تؤدي إلي نصف النفقة، وإلا فخذ مني قيمة نصفك غير معلم، وهذا القول يأتي اختلافهم في وجوب الكراء للحاضن في الحضانة، والقولان متكافئان في الحجة، وأما لو مرضت فطبتها حتى برئت، لكان الأظهر ألا رجوع لها عليه؛ لأنه وإن كان الزوج قد انتفع بمعافاتها فهي مستهلكة؛ إذ لم يزد ذلك في قيمتها، ولم يختلفوا في أنه لا رجوع لها عليه بما أنفقت عليها فيما لا غنى لها عنه من طعامها وشرابها، إلا أن تكون صغيرة فتكبر، فقيل: إنه يكون لها الرجوع عليه بالنفقة، وكذلك إن كانت قد اغتلت منها غلة، فقيل: إن نفقتها تكون من غلتها، والقياس أن يكون لها الرجوع بالنفقة على كل حال، على القول بأنهما فيهما شريكان، وأما على القول بأنها لها والمصيبة منها، والغلة لها، فلا رجوع بما أنفقت عليها فيما لا غنى لها عنه من طعامها وشرابها، وأما النفقة عليها في تعليمها الخير، أو في معافاتها إن مرضت، فيجري ذلك على الاختلاف في الرجوع بالسعي والعلاج في

مسألة: الرجل هل يفرض عليه في نفقة امرأته لحاف تلتحفه بالليل

الاستحقاق، فقف على ذلك كله وتدبره، تجده صحيحا إن شاء الله، وبه التوفيق. [مسألة: الرجل هل يفرض عليه في نفقة امرأته لحاف تلتحفه بالليل] مسألة وسألته عن الرجل هل يفرض عليه في نفقة امرأته لحاف تلتحفه بالليل، أو نضوح، أو دهن، أو مشط، أو مكحلة، أو صبغ أو ما أشبه ذلك؟ وهل يفرق بينهما إذا وجد النفقة من الطعام والكسوة وإن لم يجد ما وراء ذلك؟ قال ابن القاسم: نعم، يفرض لها اللحاف للليل، والفراش، والوساد، والسرير، إن كان بموضع يحتاج فيه إليه، ولا يستغنى عنه، لخوف العقارب وشبه ذلك، ويفرض ذلك لها الدهن فيما يفرض، وأما المشط والمكحلة والصبغ، فلا أدري ما ذلك؟ ولا أراه، وتفرض لها النفقة والكسوة على قدرها من قدره، ليس عليه في ذلك خز ولا حرير ولا وشي، وإن كان يجد سعة، وإنما تفسير قدره من قدرها، إن كان مثلها يلبس القطن وما أشبهه، ومثله يقدر عليه، فرض لها، ويفرض لها لباس الشتاء والصيف، من الجبة والقرقل، والمقنع والخمار، والإزار، وما أشبه ذلك مما لا غنى لها عنه، ويسترها ويواريها، ويفرض لها قوتها من الطعام، وليس عليه أن يقيم لها اللحم كل ليلة، ولكن إن كان يجد سعة، أقام لها المدة بعد المدة، ويفرض لها من النفقة ما يكون فيها ماؤها وطحنها، ونضج خبزها، ودهانها وحنا رأسها، ومشطها، وما أشبه ذلك، وإن لم يجد إلا نفقة شهر وأيام، كما ذكرت لك، لم يفرق بينهما حتى يفنى ذلك، ثم يتلوم له السلطان، بقدر ما يرجى له، ويعرف من حاله، وإن لم يجد إلا الطعام والكسوة كما ذكرت، ولم يجد غيره، لم يفرق بينهما لذلك، وإن كانت من أهل بيت الغنى والشرف، وكانت الكسوة من وسط غليظ القطن والكتان، مثل الفسطاطي وما أشبه ذلك، وإن لم يجد إلا نفقة شهر، لا يفرق بينهما

إذا قدر على ذلك، كانت من أهل بيت الغنى والشرف، أو لم تكن، إذا قوي على طعامها وكسوتها، بحال ما وصفت لك، فهو أملك بها، ولا يفرق بينهما، وإن فرق بينهما إذا لم يجد النفقة، ثم وجد النفقة شهرا كما سألت وهي في العدة، فهو أملك بها، وإن لم يجد إلا نفقة الأيام اليسيرة، الخمسة، والعشرة، والخمسة عشر، وما أشبه ذلك، لم أر ذلك له؛ لأن هذا مما لا قدر له ولا منفعة فيه، ولأن ذلك يصير إلى ضرار، إذا انقضت تلك الأيام، فرق بينهما، ثم إن وجد مثلها رجع أيضا إليها، فهذا الضرر وشبه اللعب. قال محمد بن رشد: أوجب في هذه الرواية على الرجل في فرض امرأته من الدهن ما تدهن به، ومن الحنا ما تمشط، وذلك لعرف معروف عندهم، وعادة جرى عليها نساؤهم، ولا يفرض ذلك عندنا؛ إذ لا يعرفه نساؤنا، ولأهل كل بلد من هذا عرفهم وما جرت به عادتهم. وأما الصبغ والطيب، والزعفران والحنا لخضاب اليدين والرجلين، فلا يفرض على الزوج لشيء من ذلك، قاله ابن وهب في رسم الأقضية من سماع يحيى، وهو معنى قول ابن القاسم هاهنا. واضطرب قوله في المشط، فله في أول الكلام، أنه لا يفرض ذلك عليه، وقال بعد ذلك: إنه يفرض عليه من النفقة ما يكون فيه حنا رأسها ومشطها، وأما الكسوة فلم يوجب على الزوج منها إذا عجز عما يشبهها إلا وسطها، وما لا يعرها، وإن كانت من بيت أهل الغنى والشرف، مثل وسط غليظ الكتان والقطن وما أشبه مثله، في رسم الكبش من سماع يحيى لابن القاسم، وفي رسم الأقضية منه لابن وهب، وهو نحو قول ربيعة في المدونة. أما العبا والشمال فعسى ألا يؤمر بكسوتها، وأما غليظ الثياب مثل الخيف والأترى فذلك جائز للمعسر، لا يلتمس منه غيره، خلاف ما حكى ابن المواز عن أشهب، من أنه إذا عجز عما يشبهها فرق بينهما وأما إذا كان عنده سعة، فليس له أن يقصر بها عما يبتذله مثلها إن كانت من أهل بيت الغنى والشرف، لا مما يكسو مثله في سعة حاله أهله، وإن لم تكن

من بيت الغنى، فقوله في صدر المسألة ليس عليه في ذلك خز ولا حرير ولا وشي، معناه في الخز والحرير المرتفع، الذي لا يشبه أن يبتذله مثلها إن قد يكون من الخز والعصب والشطوى ما يشبه العصب الغليظ، فيلزمه مثله إذا كانت حاله متسعة، وكان ذلك نحو لبسة أهل البلد، على ما في سماع يحيى لابن وهب ويحيى، وقوله: وإن لم يجد إلا نفقة شهر لا يفرق بينهما إذا قدر على ذلك بين لا إشكال فيه، ولا كلام؛ إذ لا اختلاف في أنه لا يفرق بينهما حتى يفنى ما عنده، ولا يجد شيئا ينفقه، وما دام يجد ما ينفق عليها ولو يوما بيوم، الخبز وحده، فلا يفرق بينهما، وإنما الاختلاف إذا لم يجد شيئا في قدر التلوم الذي يتلوم له، وكذلك يطلق عليه، فقال في المدونة: يتلوم له ولم يحد في ذلك حدا. قال: ومن الناس من لا يرجى له كأنه يريد، لا يتلوم لمن لا يرجى له. وقد روى قرعوس عن مالك، أنه لا يؤخر الذي لا يرجى له، كالذي لا يرجى له. وقال ابن حبيب: يتلوم له الشهر والشهرين، وإن لم يلح ولم يجد شيئا، ورواه عن مالك، وقال أصبغ: إذا كان لا يرجى له، ولا مال لها تنفق منه على نفسها، فيتلوم له الشهر ولا يبلغ به الشهرين، إلا إذا كان لها مال تنفق منه على نفسها، وقد روي عن مالك أنه لا يتلوم له شيء إذا لم يكن لها مال تنفق منه على نفسها. وقد روى ابن نافع عن مالك أنه لا يتلوم له إلا اليوم ونحوه، بقدر ما لا تجوع امرأته، روى عنه أنه يتلوم له اليوم واليومين والثلاثة، وقوله: إذا قوي على طعامها وكسوتها، يدل على أنه لا تطلق عليه بعجزه عن الإخدام، وهو المشهور في المذهب. وقد روى ابن المعدل عن ابن الماجشون، أنه يطلق عليه لعجزه عن النفقة على خادمها، كما يطلق عليه لعجزه عن النفقة عليها. وذهب ابن حبيب إلى أن الزوج لا يلزمه الإخدام، إلا أن يكون موسرا، وتكون زوجته من ذوات الأقدار. فإن لم يكن موسرا أو لم تكن زوجته من ذوات الأقدار، فعليها الخدمة الباطنة من العجن والطبخ والكنس، والفرش، واستقاء الماء إذا كان معها في الدار، إلا أن يكون زوجها من أشراف الناس الذين لا يمتهنون أزواجهم في الخدمة، فعليه الإخدام، وإن لم تكن زوجته من ذوات الأقدار. وقوله: إنه إذا فرق بينهما،

مسألة: ينكح في العدة فيقبل أو يباشر أو يجس أو يغمز

ثم وجد النفقة شهرا، إنه يكون أملك بها معناه، وإن لم يطمع له بمال سوى ذلك، وهو صحيح؛ لأنه إذا أيسر في العدة، وجبت عليه النفقة، وإن لم يرتجع، قاله ابن حبيب في الواضحة. وحكاه عن مطرف وابن الماجشون، وهو الذي يأتي على مذهب مالك في المدونة إذ قال فيها: إن كل طلاق يملك فيه الزوج الرجعة، فالنفقة على الزوج لامرأته وإن لم تكن حاملا، وكذلك المولي فلا يصح أن يحكم عليه بالنفقة، ويمنع من الرجعة، وقد حمل بعض الناس ما في الواضحة على أنه ساوى بين الذي يطلق عليه بالإيلاء، والذي يطلق عليه بعدم الإنفاق، في أنه لا نفقة على واحد منهما، حتى يرتجع، لقوله فيها: وكل طلاق لا يملك فيه الزوج الرجعة إلا بقول وفعل، فلا نفقة عليه حتى يرتجع، وليس ذلك بصحيح؛ إذ فرق بينهما، وقوله في الذي يطلق عليه بالإيلاء إنه لا نفقة عليه حتى يرتجع، مثله حكى ابن شعبان عن مالك، وذلك خلاف نص ما في المدونة وأما قوله: إنه إذا لم يجد إلا نفقة الأيام اليسيرة الخمسة والعشرة، والخمسة عشر، وما أشبه ذلك، فلا رجعة له، معناه: إذا لم يجد إلا ذلك، ثم ينقطع، وأما لو قدر على أن يجري عليها النفقة مياومة، فإن كان ممن يجريها قبل أن يطلق عليه مياومة، فله الرجعة، واختلف إن كان ممن يجريها قبل الطلاق مشاهرة، فقيل: له الرجعة، وقيل: لا رجعة له. حكى ابن حبيب القولين، وبالله التوفيق. [مسألة: ينكح في العدة فيقبل أو يباشر أو يجس أو يغمز] مسألة وسألته عن الذي ينكح في العدة، فيقبل أو يباشر، أو يجس، أو يغمز، ثم يعلم بذلك، فيفرق بينهما، هل ينكحها بعد ذلك؟ قال ابن القاسم: أحب إلي ألا ينكحها أمره بذلك من غير قضاء يقضي به عليه؛ لأنه أمر ليس بالقوي؛ لأن الوطء نفسه فيه من الاختلاف ما فيه، إذا لم يطأ، والذي يعقد في العدة، ويدخل بعد العدة، فيفرق بينهما، يؤمر أيضا بألا ينكحها بعد ذلك، ولا أرى أن يقضى عليه بذلك، ولا يجبر عليه، والذي يواعد في العدة، وينكح بعد

يقول لامرأته أنت طالق ألبتة إن لم أطلق امرأتي الأخرى إلى سنة

العدة مثله، إذا ثبت أنه واعد، والذي يواعد في العدة بأمر يعرف، أو بإقرار، فرق بينهما، وكانت طلقة، وإن كان مسها أمرته ألا ينكحها بعد ذلك من غير قضاء يقضى به عليه؛ لأنه قد اختلف الناس فيه، وغمروه (كذا) وقد روى ابن القاسم عن مالك: إنه جائز، وروى أشهب مثله. قال محمد بن رشد: قوله: في الذي قبل أو باشر في العدة، إنها لا تحرم عليه، خلاف قوله في المدونة. وقوله في الذي واعد في العدة وتزوج بعدها ودخل بها: إنها لا تحرم عليه، خلاف قوله في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب النكاح. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب من كتاب النكاح، فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك. وقوله: لأن الوطء نفسه فيه من الاختلاف ما فيه، أشار إلى رواية ابن نافع عن عبد العزيز بن أبي سلمة، أن من تزوج في العدة، ودخل فيها، وفرق بينهما، أنه يجوز له أن يتزوجها بعد ذلك إن أحب، وقد وقع له في المدونة ما ظاهره مثل قول مالك فيها، خلاف رواية ابن نافع هذه عنه، وهو قوله، وقال مالك وعبد العزيز: هو بمنزلة من نكح في العدة ودخل في العدة، وقد تأول أنه أراد أنهما سواء عند مالك في أن التحريم يقع بهما، وأنهما سواء عند عبد العزيز في أن التحريم لا يقع بهما، وبالله التوفيق. [يقول لامرأته أنت طالق ألبتة إن لم أطلق امرأتي الأخرى إلى سنة] ومن كتاب القطعان وسئل عن الذي يقول لامرأته: أنت طالق ألبتة، إن لم أطلق امرأتي الأخرى إلى سنة، قال: يقال له: طلق من شئت منهما؛ لأن فرج إحداهما قد حرم عليك، قلت: ولا يضرب له أجل، قال: لا، قلت: فإن لم يطلق، قال: يحبس حتى يطلق، ولا يقرب واحدة منهما حتى يطلق إحداهما.

مسألة: شك في طلاق امرأته أيقضى عليه بطلاقها

قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا صحيح، على قياس مذهبه في المدونة في الذي يقول لامرأته: أنت طالق إن لم أطلقك، أو إن لم أطلقك إلى سنة، فإنه يعجل عليه الطلاق، وإنه إن قال لها: أنت طالق ثلاثا إن لم أطلقك واحدة، وإن لم أطلقك واحدة إلى أجل، أنه يوقف عن امرأته، فيقال له: إما طلقت واحدة، وإلا طلقت عليك ثلاثا، على قياس قول سحنون وأصبغ في القائل لامرأته: إن لم أطلقك فأنت طالق، أنت طالق إن لم أطلقك، أو أنت طالق إن لم أطلقك إلى سنة، إنه بمنزلة قوله: أنت طالق إن لم أفعل كذا وكذا، أو إن لم أفعل كذا وكذا إلى سنة، أن يكون قول الرجل لامرأته: أنت طالق إن لم أطلق امرأتي الأخرى إلى سنة بمنزلة قوله: أنت طالق إن لم أفعل كذا وكذا إلى سنة، فلا يلزمه في امرأته إلا ألا يطلق امرأته الأخرى إلى سنة، وعلى قياس هذا يأتي ما لابن القاسم في سماع أبي زيد، من كتاب التخيير والتمليك، ويدخل عليه الإيلاء إن طلبت امرأته المسيس، على القول الذي لا يجيز له أن يمس امرأته إلى ذلك الأجل، وهو قول ابن القاسم في رسم يوصي من كتاب الإيلاء، وقول غير ابن القاسم في العتق الأول من المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: شك في طلاق امرأته أيقضى عليه بطلاقها] مسألة وسئل عن رجل شك في طلاق امرأته أيقضى عليه بطلاقها، أم ذلك إليه، ولا يقضى عليه بطلاقها؟ قال: ذلك إليه ولا يقضى عليه بطلاقها. قال محمد بن رشد: الشك في الطلاق ينقسم على خمسة أقسام: منه ما يتفق على أنه لا يؤمر ولا يجبر، وذلك مثل أن يحلف الرجل على الرجل ألا يفعل فعلا، ثم يقول: لعله قد فعل، من غير سبب يوجب ذلك الشك في ذلك، ومنه ما يتفق على أنه يؤمر ولا يجبر، وذلك مثل أن يحلف ألا يفعل فعلا، ثم يشك هل حنث أم لا لسبب أدخل عليه الشك؟ ومنه ما يتفق على أنه لا يجبر، ويختلف، هل يؤمر أم لا؟ وذلك مثل أن يشك الرجل هل طلق

مسألة: له امرأتان دخل بواحدة ولم يدخل بالأخرى فطلق واحدة ثم نسي

امرأته أو لم يطلق؟ أو يشك هل حنث في يمينه فيها؟ فقال ابن القاسم: إنه يومر، ولا يجبر، وهو قوله في هذه الرواية، وقال أصبغ: لا يؤمر ولا يجبر، ومنه ما يختلف هل يجبر أو لا يجبر؟ وذلك مثل أن يطلق، فلا يدري، إن كان طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، ويحلف ويحنث، ولا يدري إن كان حلف بطلاق أو مشي، أو يقول: امرأتي طالق إن كانت فلانة حائض، فتقول: لست بحائض، وإن كان فلان يبغضني، فيقول: أنا أحبك، أو إن لم تخبرني بالصدق، فيخبره، ويزعم أنه قد صدقه ولا يدري حقيقة ذلك، والخلاف في المسألة الأولى من قول ابن القاسم، ومن قول ابن الماجشون، وفي الثانية بين ابن القاسم وأصبغ، ومنه ما يتفق على أنه يجبر، وذلك مثل أن يقول: امرأتي طالق إن كان أمس كذا وكذا لشيء يمكن أن يكون وألا يكون، ولا طريق إلى استعلامه، ومثل أن يشك في أي امرأة من امرأتيه طلق، فإنه يجبر على فراقهما جميعا، ولا يجوز له أن يقيم على واحدة منهما، وبالله التوفيق. [مسألة: له امرأتان دخل بواحدة ولم يدخل بالأخرى فطلق واحدة ثم نسي] مسألة وسئل عن رجل كانت له امرأتان: الواحدة قد دخل بها، والأخرى غير مدخول بها، فطلق واحدة تطليقة واحدة، ثم نسي أيهما ثم ماتتا أيرثهما؟ قال: أما التي تحته فإنها إن ماتت قبل انقضاء العدة ورثها، والأخرى إن شاء ورثها، وإن شاء لم يرثها، ذلك إليه في الاحتياط. قال محمد بن رشد: أما قوله في التي قد بنى بها إنه يرثها إن ماتت قبل انقضاء عدتها صحيح؛ لأن الميراث بينهما قائم ما لم تنقض العدة، وإن تحقق أنها هي المطلقة، وأما قوله في الأخرى: إنه إن شاء ورثها وإن شاء لم يرثها، ذلك إليه في الاحتياط، ففيه نظر؛ لأنه أباح له أن يأخذ ما لا يدري هل هو له أم لا؟ وإن كان الاحتياط عنده ألا يأخذه، ويلزم على هذا لو لم تمت أن يومر بفراقها، ولا يجبر على ذلك، ووجه قوله أنه لما ورث التي قد دخل بها فكأنه لم يشك في طلاقها، وإنما شك في طلاق الأخرى، فأشبه عنده

يكون لابنه المال فيموت الأب هل لإخوة الولد الذي له مال أن يحاسبوه

من شك في طلاق امرأته، أنه يومر أن يفارقها، وإن ماتت ألا يرثها ولا يجبر على ذلك؛ لأن العصمة متيقنة فلا ترتفع بالشك، وليس هذا بين؛ لأن الطلاق في هذه متيقن في إحداهما، فكما لا يجوز له أن يمسك واحدة منهما، مخافة أن تكون هي المطلقة فكذلك لا يجوز له أن يرث التي لم يدخل بها، مخافة أن تكون هي المطلقة، إلا أن يتذكر أن الأخرى هي المطلقة، ويتيقن ذلك، ونحا فضل إلى أنه يكون له نصف ميراثه منها، كما يكون لكل واحدة منهما نصف ميراثها منه إن مات هو بعد انقضاء عدة التي دخل بها، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه إذا مات هو بعد انقضاء عدة التي دخل بها، فقد تحققتا أن الميراث لإحداهما، وهما تتنازعانه، فيقسم بينهما بعد أيمانهما على حكم التداعي، وإن قالت كل واحدة منهما لا أدري من هي المطلقة منا؟ قيل لهما: إن سلمته إحداكما إلى صاحبتها وحللتها منه، فذلك حسن، وإن شئتما أن تقسماه فيما بينكما بنصفين، وتحلل كل واحدة منكما صاحبتها من النصف الذي أخذته، لاحتمال أن يكون لها، فذلك جائز، وليس كذلك هذه المسألة؛ لأن الزوج يقال له: أنت تشك في وجوب الميراث لك، فلا تأخذ ما تشك فيه إلا عن طيب نفس من الورثة، وبالله التوفيق. [يكون لابنه المال فيموت الأب هل لإخوة الولد الذي له مال أن يحاسبوه] ومن كتاب باع شاة وسئل عن الرجل يكون لابنه المال فيموت الأب، هل لإخوة الولد الذي له مال، أن يحاسبوه بما أنفق عليه أبوه؟ قال ابن القاسم: إن كان مال الابن ناضا، فوجدوه مصرورا كان لم ينفق منه شيء، لم يحاسبوه بما أنفق عليه أبوه، ولم يكن لهم مما أنفق عليه أبوه قبله، قليل ولا كثير. وإن كان ماله عرضا كان لهم أن يحاسبوه بما أنفق عليه أبوه من يوم كان للابن مال. قلت: أرأيت إن كان مال الابن عرضا فأنفق عليه أبوه، فلما حضره الموت قال: لا تحاسبوه بما أنفقت عليه؟ قال: إذا يجوز قوله

مسألة: النصرانية تسلم وزوجها نصراني هل عليه نفقة

ولا يكون لإخوته أن يحاسبوه، إذا قال: لا تحاسبوا ابني. قلت: فما ترى هذه وصية لوارث لا تجوز؟ قال: ليست هذه وصية، وجل الناس ينفقون على أولادهم، وهذا شيء فعله في الصحة فليس بوصية. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها محصلا مستوفى في أول سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته مرة أخرى، وبالله التوفيق. [مسألة: النصرانية تسلم وزوجها نصراني هل عليه نفقة] مسألة وسئل عن النصرانية تسلم، وزوجها نصراني، هل عليه نفقة وهو له عليها الرجعة إن أسلم وهي في العدة؟ قال ابن القاسم: ليس لها عليه نفقة؛ لأن الفسخ جاء من قبلها، ومنعته فرجها، وليس هو بمنزلة من طلق، وله عليها الرجعة؛ لأن أمرها فسخ بغير طلاق، فالفسخ لا يلزمه فيه نفقة، وتلك السنة، إلا أن تكون حاملا، فينفق عليها؛ لأن الولد يتبعه؛ لأنه ولده، وتلزمه نفقته، وكذلك هو في بطنها. قال محمد بن رشد: في سماع أصبغ بعد هذا: إن عليه النفقة من أجل أن له الرجعة بالإسلام، ورواية عيسى أظهر عند أهل النظر؛ لأنه فسخ والفسوخ لا نفقة فيها، ولأن الفراق والمنع جاء من قبلها بإسلامها والنفقة لا تخلو من أن تكون واجبة بحق الاستمتاع أو بحق العصمة، فإن كانت واجبة بحق الاستمتاع، وجب أن تسقط إذ قد منعت الاستمتاع بإسلامها، وإن كانت واجبة بحق العصمة، وجب أن تسقط أيضا؛ إذ قد انفسخ النكاح وارتفعت العصمة، وكونه أحق بها إن أسلم في عدتها أمر متبع، لا يحمله القياس. ووجه رواية أصبغ، أنها لما كانت مأمورة بالإسلام، لم تكن متعدية في الإسلام، ولا مانعة لفرجها، بل هو المانع منه نفسه، بترك فعل ما يلزمه فعله من الإسلام، والله الموفق.

ادعى ميراث امرأة فأنكر ذلك أبوها

[ادعى ميراث امرأة فأنكر ذلك أبوها] ومن كتاب العتق وسألته عن رجل ادعى ميراث امرأة، فأنكر ذلك أبوها، وقال: قد كنت طلقتها، وقال الزوج: إنما طلقتها واحدة أو اثنتين، وكانت هي في عدة، وقال الأب: بل طلقتها ثلاثا وأنا على ذلك شاهد، وأتى الزوج بشاهد، قال: الميراث للزوج، ويحلف على ما ادعى من الطلاق. قلت لابن القاسم: فإن ماتت المرأة وادعى الأب أن العدة قد انقضت ولا ميراث للزوج، وقال الزوج: إنها هلكت في العدة، قال: القول في ذلك قول الزوج، وأرى عليه اليمين أنها إنما ماتت في عدتها. قلت: أرأيت إن أبى اليمين في كلا الوجهين في العدة والطلاق؟ قال: يحلف الأب ويكون القول قوله. قال محمد بن رشد: أما إذا اختلفا في عدد الطلاق، فقال الأب: ثلاثا، وقال الزوج: واحدة أو اثنتين، وأقام كل واحد منهما شاهدا على دعواه، فبين أن القول قول الزوج؛ لأنه لما كافأ دليل كل واحد منهما على دعواه دليل صاحبه، سقطا وبقيا على أصل الدعوى، فوجب أن يحلف الزوج؛ لأنه المدعى عليه في إسقاط ما وجب له من الميراث بالعصمة المتيقنة، وكذلك لو أقام كل واحد منهما شاهدين فتكافآ في العدالة، وإن كان الشاهد للأب دون الزوج، لوجب أن يحلف مع شاهده؛ لأنه يستحق بشهادته مالا، وأما إذا اختلفا في انقضاء العدة، فقال: إن القول قول الزوج، ويحلف أنها إنما ماتت في العدة، وهذا إذا اختلفا في وقت الطلاق فقال الزوج: طلقتها في وقت كذا وكذا، إلى ما لا يحاض في مثله ثلاث حيض، وقال الأب: طلقتها منذ كذا وكذا، لما يحاض في مثله ثلاث حيض، ولا اختلاف في هذا؛ لأن الميراث واجب للزوج بالعصمة المتيقنة، فعلى من ادعى ما يسقطه إقامة البينة،

مسألة: قالت في مرضها قد كنت تركت لزوجي كذا وكذا ثم هلكت

ولو كان الزوج عبدا فأعتق بعد الطلاق وقبل موتها، فادعى الزوج أن ذلك كان قبل انقضاء العدة، وقال الأب: بل كان ذلك بعد انقضاء العدة، لجرى الأمر بذلك على الاختلاف في النصرانية تسلم تحت النصراني، ثم يسلم زوجها بعدها، فيريد رجعتها، فتزعم أنها قد حاضت ثلاث حيض بعد إسلامها كان منذ كذا وكذا، على ما سنذكره في نوازل أصبغ إن شاء الله، وأما إن اتفقا على وقت الطلاق، فإن كان قد مضى له من المدة ما تنقضي فيه العدة في الأغلب، وذلك ثلاثة أشهر، حمل أمرها على أن العدة قد انقضت، ولم يكن لها ميراث، إلا أن يأتي بما يدل على أن العدة لم تنقض من قولها قبل أن تموت؛ إذ هي مصدقة في ذلك، فإن لم يأت بذلك، وادعى على الأب أنه علم بذلك، لزمته اليمين، وإن كان لم يمض من المدة ما تنقضي فيه العدة في الأغلب، حمل أمرها على أن العدة لم تنقض، وكان للزوج الميراث، إلا أن يأتي الأب ببينة على قولها: إن عدتها قد انقضت، فإن لم يأت بذلك، وادعى على الزوج أنه علم بذلك، لزمته اليمين، يبين هذا قوله في كتاب الاستبراء من المدونة: إن الجارية المبيعة إذا لم تواضع للاستبراء فماتت، إنها إن ماتت قبل أن يمضي من المدة ما لا يكون فيه الاستبراء، فالمصيبة من البائع وإن ماتت بعد أن مضى من المدة ما يكون فيه الاستبراء، فالمصيبة من المبتاع، وذلك شهر على قولهم. [مسألة: قالت في مرضها قد كنت تركت لزوجي كذا وكذا ثم هلكت] مسألة وسألته عن امرأة قالت في مرضها: قد كنت تركت لزوجي كذا وكذا مما كان لي عليه من حق، ثم هلكت، فزعم أنها صادقته وإني قد كنت طلقتها في يمين قد كنت حنثت فيها قبل وضعها الصداق عني، أو بعد وضعها، أو قال: طلقتها في غير يمين، وقال الورثة: لم تطلق ولم تحنث، وإنما لك الوصية بالصداق، ليتم لك، إن لم تكن وارثا؛ لأنه لا وصية لوارث، قال: لا يقبل قولها فيما زعمت أنها وضعت عنه الصداق، ولا يكون له ميراث بإقراره

بالطلاق، قال ابن القاسم: قال مالك: ولو ثبت له الطلاق وقالت عند الموت: قد كنت وضعت في صحتي لم يقبل قولها، قلت لابن القاسم: وهو غير وارث، قال: نعم، وإن لم يرث كذلك، قال لي مالك: من قال عند الموت: قد كنت تصدقت من مالي بكذا وكذا على فلان، وقد كنت أعتقت في الصحة عبدي فلان، لم يكن للعبد عتق، ولا للآخر صدقة، إلا أن يقول: قد كنت فعلت ذلك في الصحة، فأنفذوه، فيكون في الثلث، قال: ولو صحت ولم تمت من مرضها ذلك لزمها قولها. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يقبل قولها فيما زعمت أنها وضعت عنه من الصداق، أمر متفق عليه إن لم يكن لها ولد يرفع التهمة عنها في إقرارها للزوج، وأما إن كان لها ولد يرفع التهمة عنها في إقرارها له، فقيل: إن ذلك جائز له كالأجنبي، وقيل: إن ذلك لا يجوز إذا لم يعرف الطلاق إلا بقوله، وفي قوله: إنه لا يكون له ميراث لإقراره على نفسه بالطلاق نظر؛ إذ الورثة يقولون: إنه لم يطلق، فكل واحد منهم يقر بالمال لصاحبه، ويدفعه عن نفسه له، فالواجب في ذلك أن يكون موقوفا فيمن رجع منهم أولا إلى تصديق صاحبه، وإكذاب نفسه، أخذه على الصحيح المشهور من الأقوال، القائم من المدونة، وهو أصل مختلف فيه، وأما إذا ثبت له الطلاق، فاختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز له من رأس المال ولا من الثلث، كان لها ولد أو لم يكن. والثاني: أنه إن كان لها ولد جاز ذلك له من رأس المال، وإن لم يكن لها ولد، لم يجز ذلك له من رأس المال ولا من الثلث. والثالث: أنه إن كان له ولد جاز له ذلك من رأس المال، وإن لم يكن له ولد، وكان يورث كلالة، جاز ذلك له من الثلث. والثلاثة الأقوال، قائمة من المدونة. فإذا قلنا: إن ذلك إنما يجوز لك من الثلث، ففي ذلك اختلاف، قيل: علمت بالطلاق أو لم تعلم، وقيل: بل إن علمت بالطلاق على ما في سماع سحنون من كتاب الوصايا في هذا المعنى من الاختلاف، وبالله التوفيق.

مسألة: توفيت وأوصت لزوجها وهو غائب بثلث مالها

[مسألة: توفيت وأوصت لزوجها وهو غائب بثلث مالها] مسألة وسألته عن امرأة توفيت وأوصت لزوجها وهو غائب بثلث مالها، وتركت ولدا منه أو من غيره، فقيل لها: إنه لا وصية لوارث، فقالت: إنه قد كان كتب إلي بالطلاق، فسترت ذلك، وقدم الزوج فصدقها، وقال الورثة: إنما بالزوج الوصية، وقال بنوها من غيره: إنها أرادت أن تحرمنا فضل ما بين الثلث والربع، قال: لا يقبل قولها، ولا إقراره بالطلاق، لموضع التهمة في ذلك، وينظر إلى وصيتها في ذلك، فإن كانت أقل ميراثه منها، دفع إليه ذلك، ولم يكن له أكثر من تتمة ميراثه منها، لما أقر به من فراقها، وإن كان الذي أوصت له كفاف ميراثه منها دفع له؛ لأنها لا تتهم فيه، ولا يتهم في ذلك، وإن كان أكثر من ميراثه، اتهم واتهمت، ولم يكن له إلا قدر ميراثه منها. قال ابن القاسم: وفرق بين التي قالت: قد كنت وضعت عن زوجي الصداق، وبين التي قالت: أعطوا لزوجي كذا وكذا، إن الوصية إنما أرادت أن يكون ذلك في الثلث، والتي أقرت لم ترد ثلثا فلذلك أخرج هذا من الثلث، ولم ينتفع الزوج بإقرارها إلا ببينة تقوم له على الوضيعة. وقال لي ابن القاسم: وليس لأهل الوصايا في التي أقرت أنها قد وضعت في صحة منها فيها وصية إن قصرت وصاياهم في ثلث ما بقي لا عتق ولا غيره. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى، وقد مضى قبل هذا الاختلاف في إقرار المرأة في مرضها الذي توفيت فيه أنها كانت وضعت عن زوجها الصداق في صحتها، فلا معنى لإعادة ذلك. وقوله: إن قصرت وصاياهم في ثلث ما بقي، معناه إن ضاقت وصاياهم عن ثلث ما بقي فلا يكون شيء من ذلك في ثلث ما أقرت به، لا عتق ولا غيره، وهو صحيح متكرر في المدونة وغيرها، وبالله التوفيق.

مسألة: قال في مرضه إني قد كنت حلفت بعتق ما أملك

[مسألة: قال في مرضه إني قد كنت حلفت بعتق ما أملك] مسألة وسألته عن رجل قال في مرضه: إني قد كنت حلفت بعتق ما أملك، إن لم أطلق ثلاث نسوة قبل الممات، وقد طلقت النسوة وبقيت واحدة، وأنا أخاف الحنث في رقيقي، ففلانة طالق، يعني زوجته التي تحته. هل يخرجه ذلك من يمينه؟ قال: أراه طلاقا إن كان بت طلاقها. ومما يبين ذلك أن لو قال: إن طلقت امرأتي فرقيقي أحرار، فطلقها في مرضه بتا أو غير ذلك، فإني لا أراه سالما من الحنث، ورقيقه أحرار في الثلث. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان بت طلاقها، قيل: معناه، إن كان أنفذه والأظهر له أراد به بتات الطلاق، ففرق بين البر والحنث على أصولهم في أنه يحنث بما لا يبريه، وبالله التوفيق. [مسألة: طلق امرأته واحدة وهي مستحاضة كم عدتها إن هو أراد رجعتها] مسألة وسئل عن رجل طلق امرأته واحدة وهي مستحاضة كم عدتها إن هو أراد رجعتها؟ قال: إن راجعها فيما بينه وبين سنة، فله الرجعة، وإن مضت السنة فلا رجعة له عليها. قال محمد بن رشد: أما إذا كانت المستحاضة لا تميز بين دم الحيض والاستحاضة، فلا اختلاف في أن عدتها من الطلاق سنة كاملة، كما ذكر، واختلف إذا كانت تميز بين الدمين، فقيل: إنها تعتد بالأقراء، وقيل: إن عدتها سنة على كل حال، والقولان قائمان في المدونة. وقد مضى بيان هذا المعنى في رسم استأذن من سماع عيسى مستوفى، وبالله التوفيق. [النفقة التي إذا لم يجدها فرق الإمام بينه وبين امرأته ما هي] من سماع يحيى بن يحيى من عبد الرحمن ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن النفقة التي إذا لم يجدها

فرق الإمام بينه وبين امرأته ما هي؟ قال: القوت، وما يجزي من الثياب. قلت: أرأيت إن كانت ذات شرف معروف ممن يعرف أن مثلها لا يخدم نفسها، ولا يلبس من الثياب إلا الحسنة، ولا يجزيها من العيش غليظه، وقد كان الرجل موسرا موسعا عليه، كان ينفق عليها نفقة مثله على مثلها، ثم أعدم، فصار لا يجد لها خادما ولا كسوة إلا من أدناها وأقلها ثمنا ولا قوتا إلا شعيرا أو قمحا ليس فيه إلا قوتها، دون قوت خادمها، وأحبت هي أن تضع عنه ثمن الخادم وسألته نفقتها ونفقة الخادم، فلم يجد إلا قوت السيدة من غليظ العيش، مثل الشعير، أو السلت، أو القمح غير المادوم، ويجعل ما يودم به زيتا. أترى أن يفرق بينهما وهو يجد هذا، وقد كانت حالهما في اليسارة وفي الشرف ما وصفت لك؟ قال: إن كان هذا وما أشبهه، فلا أرى أن يفرق بينهما وأجزى ما يجزي في مثل هذا من الكسوة الفسطاطي ونحوه. وأما القوت من الطعام فما يرى أنه الشبع في بلدهما الذي هما به، ويجزيه أن يخرج ذلك مما يقتات به أهل بلده، فإن من البلدان، من لا ينفق أهله شعيرا على حال فقيرهم ولا غنيهم، ومنهم من ذلك عندهم يستخف ويستجاز، فإن كان ببلد لا يعرف أهله إنفاق الشعير على أهليهم، لم يكن له أن يخصها بما لا يتحمله أهل بلدها، وإن كان ببلد يتجاوز به الشعير من اضطر إليه، لم يكن لها أن تأباه، إذا ألجئ إليه صاحبها وليس لها إلا ذلك. قال محمد بن رشد: قوله: فإن كان ببلد لا يعرف أهله إنفاق الشعير على أهليهم، لم يكن له أن يخصها بما لا يتحمله أهل بلدها، خلاف ظاهر ما

المطلقة المبتوتة وهي حامل تطلب الكسوة

في رسم الأقضية بعد هذا من سماع يحيى، ودليل ما في رسم الأقضية الثالث، من سماع أشهب من كتاب النكاح. وقد مضى هناك ذكر هذا، وتوجيه كل واحد من القولين، ولم يذكر المقدار الذي يفرض من ذلك. وفي المبسوط قال مالك: أدركت الناس وهم يفرضون مدا من حنطة، وليس عليه أن يطحنه لها، ولم أر أحدا يفرض لها طحنا، قيل لمالك: إن بالمغرب لا يكفيها مد، قال: بقدر ما يكفيها، قال أبو إسحاق: إنما فرض لها مدا؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال للذي أفطر في شهر رمضان: «خذ هذا وتصدق به» ، نحو خمسة عشر صاعا بين ستين مسكينا، وإنما لم ير التوقيت مرة، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» ، والظاهر من مذهب مالك في المدونة قياسا على الظهار: أنه يفرض له مد بمد هشام، وكذلك حكى ابن حبيب في الواضحة عنه إلا أنه قال فيه: إنه مد وثلث، وقال: هو من رأيه أنه يفرض في الشهر قفيز بالكيل القرطبي، قال: هو أربعة وأربعون مدا. وقول مالك في المبسوط، وليس عليه أن يطحن المد لها، هو خلاف ما تقدم في رسم الجواب من سماع عيسى. وقد مضى هناك كثير من معاني هذه الرواية، فلا معنى لإعادة ذلك. [المطلقة المبتوتة وهي حامل تطلب الكسوة] ومن كتاب الصبرة وقال: في المطلقة المبتوتة وهي حامل، تطلب الكسوة: إنها إن طلبت في أول الحمل فلها الكسوة، وإن طلبت ولم يبق من أجل الحمل إلا الشهرين والثلاثة، أو نحو ذلك، قوم لها ما كان يصبر

المعترض عن امرأته ترفع أمرها إلى السلطان وهو مريض

لتلك الأشهر من الكسوة لو كسيت في أول الحمل، ثم أعطيته دراهم، ولم تكس؛ لأنها إن كسيت انقضى الحمل وانقطعت نفقتها وكسوتها، والثياب التي تكسى جديدة، فليس لها إلا قيمة ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا إذا كانت الكسوة مما تبلى في مدة الحمل، وأما إن كانت مما لا تبلى في مدته، مثل الفرو والمحشو وشبه ذلك، فالوجه فيه أن ينظر إلى ما ينقصه اللباس في مدة الحمل، فيعرف ما يقع من ذلك للأشهر الباقية، وهذا أيضا في التي تطلق بعد أن مضى أكثر الحمل، وأما التي تطلق في أول الحمل أو قبل أن يظهر حملها، فتستمر وتثبت، وتغفل عن طلب كسوتها حتى لا يبقى من أجل الحمل إلا الشيء اليسير، فإنه يفرض لها من الكسوة ما كان يفرض لها منها في أول الحمل؛ إذ لها ما مضى ويستقبل، وهذا كله يبين ما تقدم في رسم مرض من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [المعترض عن امرأته ترفع أمرها إلى السلطان وهو مريض] ومن كتاب الصلاة وسئل عن المعترض عن امرأته ترفع أمرها إلى السلطان وهو مريض، فقال: لا يضرب له أجل المعترض من امرأته حتى يصح، قيل له: فإن كان صحيحا حين رفعت أمرها إلى السلطان، فلما أجله السلطان مرض، قال: يمضي حكم السلطان فيه، ولا يزاد في الأجل بعد من أجل مرضه. قال محمد بن رشد: وهذا إذا كان قد صح أكثر السنة، أو كان مرضه مرضا قد يقدر معه على معالجة الوطء وأما لو مرض بحدثان ما ضرب له الأجل مرضا شديدا لا حراك به، ولا قدرة له معه على الإلمام بأهله حتى ينقضي الأجل؛ لانبغى أن يزاد في الأجل مقدار ما فرض، والله أعلم. [مسألة: أصاب الرجل جنون وقد نكح امرأة وابتنى بها] مسألة قال: وسمعت مالكا يقول: إذا أصاب الرجل جنون. وقد

نكح امرأة وابتنى بها، تلوم له واستانوا به سنة، فإن ذهب عنه وإلا فرق بينهما. قيل له: أرأيت إن أصابه قبل الابتناء، أو أصابه من ذلك ما لا يخاف منه على امرأته عداه ولا أذاه؟ قال: إن أصابه قبل الابتناء، ضرب له أجل سنة ثم تخير امرأته عند انقضاء الأجل، فإن رضيت بالإقامة معه فذلك، وإن طلقت نفسها، لم يكن لها من الصداق شيء وجاز الفراق. قلت: مما يعد ذلك الفراق؟ أطلقة بائنة؟ فقال: نعم. قال محمد بن رشد: قوله: إن المجنون لا يفرق بينه وبين امرأته قبل البنا إلا من بعد ضرب الأجل، كالمدخول بها، يحمل على التفسير لما في سماع سحنون من كتاب النكاح، ولما في المدونة وإيجابه لها الخيار، وإن لم يخف عليها عداه ولا أذاه، هو مثل ما في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب النكاح خلاف ما في سماع زونان منه لابن وهب وأشهب، وخلاف ما في المدونة لربيعة، وقوله: إنها لما طلقت نفسها قبل البناء، لم يكن لها من الصداق شيء؛ لأن الله إنما أوجب نصف الصداق على المطلق باختياره حيث يقول: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية، وهو لم يختر الطلاق، وما كان منه فيه سبب يتهم فيه على اختياره، كالذي يعسر بالصداق فيطلق عليه قبل الدخول، فيتهم على أنه أخفى ماله لتطلق عليه، فلا يلزمه من الصداق شيء. وقد مضى هذا، والاختلاف فيه في سماع سحنون من كتاب النكاح. وقوله: إن الفراق في ذلك يعد طلقة بائنة، هو المعلوم في المذهب، إن كل طلاق يحكم به الإمام فهو بائن، إلا طلاق المولي، والمطلق عليه بعدم الإنفاق، وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أن طلاق الإمام على المجنون والمجذوم والمبروص، إنما هي طلقة رجعية، وإن الموارثة بينهما قائمة ما دامت العدة لم تنقض، ولو صحوا من أدوائهم، لكانت لهم الرجعة. وقوله صحيح في المعنى، إلا أنه خلاف المعلوم الموجود في المذهب، وهو ينحو إلى

ما يجب على الإمام أن يفرق به بين المرأة وزوجها إذا عجز عن النفقة عليها

رواية عيسى عن ابن القاسم في رسم إن خرجت في الأمة تعتق تحت العبد، فتختار نفسها، ثم يتوفى زوجها في عدتها إنها ترجع إلى عدة الوفاة. قال أبو إسحاق التونسي: وانظر إذا ضرب لها أجل سنة قبل الدخول، هل لها نفقة إذا دعته إلى الدخول، مع امتناعها من ذلك لجنونه، كما إذا عسر بالصداق، إنه يومر بإجراء النفقة مع امتناعها منه لعدم قدرته على دفع صداقها، فأحال النظر ولم يبين في ذلك شيئا، والظاهر أنه لا نفقة لها؛ لأنها منعته نفسها لسبب لا قدرة له على دفعه، فكان في ذلك معذورا، بخلاف التي منعته نفسها حتى يؤدي إليها صداقها؛ إذ لعل له مالا يكتمه، وبالله التوفيق. [ما يجب على الإمام أن يفرق به بين المرأة وزوجها إذا عجز عن النفقة عليها] ومن كتاب الأقضية قال: وسألت ابن وهب عما يجب على الإمام أن يفرق به بين المرأة وزوجها إذا عجز عن النفقة عليها، غير أنه يجد أدنى العيش وأغلظه، وأوضع الكسوة وأقبحها، أيجزيه ذلك، أم يكلف قدرا معلوما من النفقة والكسوة؟ أيجب أن يفرق بينهما لعجزه عنها؟ أم يلزم من النفقة على قدر حال المرأة، وحال الرجل إذا كان واجدا موسرا؟ فقال: إذا عسر الرجل بعد يسر لم ينظر إلى ما كان عليه أولا، وليس للإنفاق على المرأة قدر معلوم تحت التفرقة بينهما بالتقصير عنه ما وجد ما يرد به جوعها من الخبز، ويواري به جسدها عن العري. الكسوة ما سوى الشمال والعبا، إذا كان ما يكسوها شبيها بالفسطاطي ونحوه أجزأه ذلك، إذا كان لا يجد إلا هو، ولم يفرق بينهما. قال: وسألته يوم كتب إليه ابن بشير، فكان فيما سأله عنه في كتابه أن قال: هل على الموسر الشريف إذا كانت له امرأة من ذوات الشرف والقدر، أن يخدمها الخادمين والثلاثة، وينفق عليها وعليهن؟ وهل يلزمه لها من نفقتها اللحم والعسل، والفاكهة والزعفران،

والطيب والخضاب بالحنا وأشباه ذلك؟ وهل يفرض من الكسوة الخز والعصب والشطوي؟ فقال لي عبد الله بن وهب فيما يلزم الفقير من النفقة التي إذا لم يجدها فرق بينه وبين امرأته، مثل ما فسرت عنه في قوله أولا، قال: ولا يجزيه أن يرد به جوعهما إذا لم يجد ما يكسوها، وكذلك أيضا لا يجزيه أن يكسوها إذا لم يجد ما ينفق عليها إذا عجز عن أحد الأمرين فقد عجز عنهما جميعا، ووجب بعجزه عن أحدهما الفرقة بينه وبين امرأته، ثم كلما وسع الله عليه، وسع الإمام على امرأته، على قدر مال الزوج بالمعروف في كسوتها ونفقتها. قال: وأما سنة نفقة الموسر الشريف على ذات الشرف والهيئة، فإنه يلزم أن ينفق عليها من الطعام والإدام والحطب، وصالح الثياب، من أوسط ذلك مما لا يعرها إذا ألبسته ولا سرف فيه على صاحبها فيجحف بماله، ولها من اللحم مصلحتها غبا في الجمعة، المرة ونحوها، وليس لها عليه فاكهة ولا عسل، ولا ما أشبه ذلك من الأطعمة التي ينفقها الناس أهلهم ليست بقوت لهم، ولا بهم فقر إليها في معائشهم. قال: وأما الطيب والزعفران، وخضاب اليدين والرجلين بالحنا، فإنا نقول: إنما هذا وشبهه للرجال يصلحون به إلى نسائهم للذاتهم، فمن شح به فليس يلزمه حكم يقضي به عليه، غير أن عليه من الحنا ما تمتشط به، فأما ما تسأل المرأة من كسوة العصب والشطوي والخز، فإنه لا يلزمه إلا العصب الغليظ، وما أشبه ذلك من الشطوي والخز قال يحيى: ومعنى قوله في الخز، والعصب، والشطوي، إن ذلك إنما يلزمه منه الذي وصف، إذا كان ببلد تكون تلك الأصناف لبسة أهل البلد، ويكون ذلك مما يكسوه مثله في قدر ماله، وسعة ما في يده.

مسألة: يتوفى عنها زوجها ويدعي ما يكون للرجال والنساء مثله

قال محمد بن رشد: ظاهر قوله في هذه الرواية ما وجد ما يرد به جوعها من الخبز، خلاف قوله في رسم الكبش قبل هذا. ومثل دليل الكبش، قول مالك في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب النكاح وسائر ما فيها، نحو ما تقدم في الرسم الذي قبل هذا، وفي رسم الجواب من سماع عيسى. وقد مضى في الموضعين من التكلم على معاني ما تضمنته هذه الرواية، ما يغني عن إعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يتوفى عنها زوجها ويدعي ما يكون للرجال والنساء مثله] مسألة قال: وسألت ابن وهب عن المرأة يتوفى عنها زوجها، ويدعي غنما وبقرا وإبلا وثيابا وهي مما تكون للرجال والنساء مثله، وهي معروفة بالغنى، ويقول ورثة الزوج: المال لأبينا مات عنه، وأنت مدعية فعليك البينة، فقال: أما ما كان من حلي أو متاع البيت من الأسرة والقباب والفرش والأنماط والوسائد، والمحابس، والنمارق، والحجال، والبسط، والتوابيت، والآنية، والطست، والتور، والإبريق، وما أشبه هذا فهو للنساء، لا يكلفن عليه ببينة، قال: وأما ما كان من سلاح أو دابة أو عبد أو أمة أو قميص، أو ما يكون مثله من متاع النساء، فهو للرجال، ولا يكلف الورثة عليه البينة. قال ابن القاسم: في القصاع والبرم والقدر، إنه من متاع النساء. قال: وقد قال مالك فيما يكون مثله للرجال والنساء، مثل النساج والردا وما يرى أنه يكون مثله للرجال والنساء، إن الرجال أحق به مع أيمانهم قال: وقال غيره من أهل العلم: يقسم بينهما إذا لم يكن لأحدهما عليه بينة بعد أيمانهما. قال ابن وهب: والذي آخذ به وأستحسنه أن يقسم بينهما ما أشبه من ذلك، فيرى أنه يكون للرجال والنساء بعد أيمانهما على ما تداعيا فيه. قال: وأما ما ذكرت من الإبل والبقر والغنم، فإن ذلك للرجال، إلا ما قامت به البينة أنه

للمرأة، أو كان الرجل معها معروفا بالفقر، وهي معروفة بالغنى، ينسب ملك تلك البقر والغنم والإبل. إليها، ويذكر ذلك لها، فإذا كان هكذا من حالها فاشيا ظاهرا يعرف بالسماع. وقول عدول الجيران، فالمرأة أحق به، وإن لم تكن شهادة قاطعة. قال محمد بن رشد: اختلف أهل العلم في اختلاف الزوجين في متاع البيت في حال العصمة أو بعد الطلاق، أو ورثتهما بعد موتهما، فذهب مالك إلى أنه إن ما كان من متاع النساء، فهو للمرأة مع يمينها، وما كان منه من متاع الرجال، فهو للرجل مع يمينه، وما كان منه مما يكون للرجال والنساء، فهو للرجل مع يمينه؛ لأن البيت للرجل، فيده أقوى من يد المرأة. وروي عن سحنون أنه ما كان من متاع النساء، فهو للمرأة بلا يمين. وحكاه الفضل أنه رأى لابن عبدوس معلقا بخط يده أن ابن القاسم يقول: ما كان من متاع النساء، فهو للمرأة دون يمين، وما كان من متاع الرجال، فهو للرجال دون يمين. وهذا الاختلاف في وجوب اليمين، إنما يصح في اختلاف ورثة الزوجين، أو اختلاف ورثة أحدهما مع الآخر دون تحقيق الدعوى، مثل أن يموت الرجل، فتقول المرأة لما هو من متاع النساء، هو متاعي، ويقول ورثة الزوج: احلفي لنا أن المتاع متاعك؛ لأن مورثنا مات عنه وأنت مدعية فيه، أو تموت المرأة فيقول الزوج: لما هو من متاع الرجال هو متاعي، ويقول ورثة المرأة: احلف لنا على ذاك؛ لأن المرأة هلكت عنه وأنت مدع فيه. فهاهنا لا يرى سحنون اليمين، ولا ابن القاسم، فيما حكى عنه ابن عبدوس. وهو كله من قول ابن وهب في هذه الرواية، ولا اختلاف في هذا على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، وهي قولان مشهوران. وأما إن تداعى الزوجان في متاع البيت، فادعت المرأة شيئا من متاع النساء، وكذبها الزوج، أو ادعى الرجل شيئا من متاع الرجال، وكذبته المرأة، فلا بد في ذلك من اليمين. وقد نص على وجوب اليمين في ذلك ابن حبيب ومثله في المدونة وغيرها فلا

مسألة: طلق امرأته ثم وطئها في عدتها

اختلاف في ذلك. وقيل: إن القول قول المرأة فيما كان من متاع النساء، والقول قول الزوج فيما كان من متاع الرجال، وما كان مما يكون للرجال والنساء، قسم بينهما بعد أيمانهما. وهو قول ابن وهب هذا، وقول المغيرة، وروي مثله عن ابن القاسم، وقيل: إنه يقسم بينهما ما اختلفا فيه بعد أيمانهما، كان من متاع الرجال، أو من متاع النساء، أو مما يكون للرجال والنساء؛ لأن الرجل قد يملك متاع المرأة، والمرأة قد تملك متاع الرجل من جهة الميراث. قاله ابن وهب في المبسوطة وهو قول الشافعي، وقيل: إن القول قول الرجل في جميع ما اختلفا فيه. وإن كان من متاع النساء؛ لأن البيت بيت الرجل، والمرأة فيه عارية عنده. وهو قول محمد بن مسلمة المخزومي في المبسوطة. وبه قال الحسن. فيتحصل في متاع المرأة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه للرجل، والثاني: أنه للمرأة، والثالث: أن يقسم بينهما. وفي متاع الرجال، أو فيما كان من متاع الرجال والنساء قولان: أحدهما: أنه للرجل، والثاني: أنه يقسم بينهما وما وصف ابن القاسم أنه من متاع النساء من غير ما هو من حلي النساء، أو لباسهن، فإنما قاله فيما العرف فيه عنده أن النساء يتخذنه في بيوتهن، فإنما يرجع في ذلك أهل كل بلد إلى ما هو العرف عندهم. وقد قال في المدونة: إنهما إذا اختلفا في الدار، فالقول فيه قول الزوج؛ لأن عليه أن يسكن المرأة، والعرف عندنا في ذوات الأقدار أن المرأة تخرج الدار، فلو اختلفا فيها عندنا، لوجب أن يكون القول قول المرأة، وكذلك حفظت عن شيخنا الفقيه ابن رزق. [مسألة: طلق امرأته ثم وطئها في عدتها] مسألة قال: وأخبرني ابن القاسم عن مالك، أنه قال في رجل طلق امرأته ثم وطئها في عدتها، ولا ينوي ارتجاعا مثل أن يقول المطلق: ما كنت أرى إلا أن وطأها حلالا لي إلى انقضاء العدة، أو نحو

يغيب عن أهله والولد أصاغر في حجر أمهم

هذا مما يرى أن وطأه إياها بعد الطلاق لم يكن للارتجاع، إنه لا يكون الوطء ارتجاعا، إلا أن ينوي بذلك ارتجاعا. قال: وقال مالك: فإن مضت العدة وهي بتلك الحال بانت منه، وإن علم بقبيح ما هو عليه قبل انقضاء العدة، فأراد ارتجاعها، كان وجه ارتجاعها الإشهاد، ولم يحل له وطؤها حتى تعتد ثلاثة قروء من يوم يرتجعها، وليس من يوم طلقها؛ لأن عليها العدة من المسيس الفاسد. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم استأذن من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [يغيب عن أهله والولد أصاغر في حجر أمهم] ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حر وسألته عن الرجل يغيب عن أهله، والولد أصاغر في حجر أمهم تلزمه نفقتهم، فإذا قدم وادعت المرأة وهي أمهم أنها أنفقت عليهم من مالها، أيلزمه ذلك أم يبرأ بمثل ما يبرأ به من نفقتها، إذا زعم أنه كان يبعث بها إليها، ولا يكون لها عليه شيء، إلا أن ترفع أمرها إلى السلطان؟ قال: حالها فيما تدعي من الإنفاق عليهم من مالها بمنزلة ما تدعي أنها أنفقت على نفسها إذا لم ترفع ذلك إلى السلطان، حتى يقدم، لم تصدق عليه، وإن رفعت ذلك إلى السلطان فرض لها ولهم، وحسبه لها عليه من يوم يفرضه، وكان لها دينا تتبع به. قال محمد بن رشد: قوله: إن الرجل يبرأ من نفقة ولده في حجر أمهم، بما يبرأ به من نفقة زوجته صحيح؛ لأنه مؤتمن على ذلك، كما هو مؤتمن في النفقة على زوجته، فليس عليه أن يشهد على شيء من ذلك، والقول فيه قوله، والأصل أنه مؤتمن في النفقة على من في حجره ممن يلزمه الإنفاق عليه مصدق. وقوله فيه دون إشهاد، هو أن الله أمره بذلك، كما أمره

بأداء الأمانة، ولم يوجب عليه في شيء من ذلك إشهاد. فقال عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5] ، كما قال: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] ، فوجب أن يصدق في هذا، كما يصدق في هذا وكما تصدق المرأة فيما ائتمنها الله عليه من الحيض والحمل بقوله: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] ، وأما قوله: فإن رفعت ذلك إلى السلطان فرض لها ولهم، إلى آخر قوله. فمعناه إذا عرف ملاؤه في غيبته، وذلك أنه لا يخلو في مغيبه من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون معروف الملاء، والثاني: أن يكون معروف العدم، والثالث: أن تكون حاله مجهولة، فأما إذا كان معروف الملاء، فإن النفقة تفرض لها عليه على ما يعرف من ملائه، فتتبعه بذلك دينا ثابتا في ذمته، هذا معنى قول ابن القاسم هنا، ونص قول ابن وهب في الواضحة. وظاهر قوله فيها أنه لا خيار للمرأة في فراقه، كما يكون ذلك لها في المجهول الحال. ومعنى ذلك، إذا كان لها مال تنفق منه على نفسها، وما لم تطل إقامته عنها أيضا على ما مضى في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم. وفي رسم شهد من سماع عيسى. وأما إن كان معروف العدم فلا يفرض لها السلطان عليه نفقة؛ إذ لا تجب على العديم نفقة لامرأته، ويفرق السلطان بينهما بعد التلوم، وإن أحبت الصبر عليه، كتبت لها كتابا بذلك اليوم من ذلك الشهر، أنها قامت عنده عليه طالبة لنفقتها، فإن قدم، وعلم أنه له مال، كان القول قولها: إنها أنفقت على نفسها من ذلك اليوم، إن ادعى أنه خلف عندها، أو بعث إليها، وأما إذا كان مجهول الحال، لا يعرف ملاؤه في غيبته من عدمه، فقال في المدونة: إن السلطان لا يفرض لها نفقة على زوجها في مغيبه حتى يقدم، فإن كان موسرا فرض عليه نفقة مثله لمثلها، وقال ابن حبيب في الواضحة: إنها إن أحبت الصبر عليه أشهد لها السلطان أن كان فلان زوج

يطلقها زوجها ألبتة فيكون لها السكنى في دار زوجها، فيموت

فلانة اليوم مليا في غيبته، فقد أوجبنا عليه لامرأته فريضة مثلها من مثله. وسيأتي في سماع أصبغ القول في فرض نفقة الأبوين، والله المعين بفضله. [يطلقها زوجها ألبتة فيكون لها السكنى في دار زوجها، فيموت] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: قال ابن القاسم في المرأة يطلقها زوجها ألبتة فيكون لها السكنى في دار زوجها، فيموت، فيقسم ورثته ماله، فلا يصير لها من جميع ماله ما يسعها من السكنى: إن عليهم أن يتوسعوا لها حتى يكون لها مسكنا في طول عدتها. قال محمد بن رشد: إذا كانت الدار للميت، فللمرأة السكنى فيها حتى تنقضي عدتها مات بعد أن طلقها أو لم يمت، وإنما يفترق ذلك إذا لم يكن للزوج مسكن على ما يأتي القول فيه في سماع أبي زيد إن شاء الله، فإذا مات الزوج، والدار له، فللمرأة السكنى فيها حتى تنقضي عدتها، وهي أحق بذلك من الورثة ومن الغرماء، إن كان عليه دين، فإن كانت الدار ذات بيوت تنقسم، فللورثة أن يقسموها، فإن صار للمرأة في حظها من مساكنها ما يسعها للسكنى، فليس لها إلا ذلك، وإن لم يصر لها في حظها من مساكنها ما يحملها السكنى. فعليهم أن يتوسعوا لها فيها بما يقوم بها كما قال. وهذا على القول بأن للمرأة أن تعتد فيما شاءت من مساكن الدار التي كانت تسكن فيها مع زوجها، وأن تصيف في قاعة الدار، وإن لم تكن تصيف فيها مع زوجها، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة، وأما على ما لمالك في كتاب ابن المواز من أنها لا تصيف إلا في الموضع الذي كانت تصيف فيه مع زوجها، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وأما على ما لمالك في كتاب ابن المواز من أنها لا تصيف إلا في الموضع الذي كان تصيف فيه مع زوجها في حياته، فيلزمها أن تعتد في المسكن الذي كانت تسكن مع زوجها، وليس لها أن تنتقل منه إلى غيره إذ لم يبح لها أن تصيف في قاعة الدار، إلا أن كانت تصيف فيها مع زوجها قبل موته، ويأتي على قوله إن

مسألة: يسكن أولاده من امرأته مع امرأة له أخرى في بيت واحد

المرأة تسكن في ذلك المسكن بعينه على كل حال، اقتسم الورثة الدار أو لم يقتسموها، وبالله التوفيق. [مسألة: يسكن أولاده من امرأته مع امرأة له أخرى في بيت واحد] مسألة قال: وليس للرجل أن يسكن أولاده من امرأته مع امرأة له أخرى في بيت واحد، ولا يجمعهم في مسكن واحد، إلا أن ترضى بذلك. قال محمد بن رشد: وكذلك ليس له أن يسكن معها أبويه، قال ذلك مالك في رسم يتخذ المحرم خرقة لفرجه، من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وذلك لما عليها في ذلك من الضرر، لاطلاعهم على أمرها، وما تريد أن تستتر به عنهم من شأنها. وقد مضى من القول على ذلك هنالك ما فيه كفاية، ومضى في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب من كتاب النكاح، القول فيما للمرأة من تسكين الصغار من غير زوجها مع زوجها، فمن أحب الوقوف على الشفا من ذلك تأمله هنالك، وبالله التوفيق. [مسألة: امرأة المفقود التي لم يدخل بها ما لها من الصداق إذا جاء زوجها وقد تزوجت] مسألة وسئل ابن القاسم عن امرأة المفقود التي لم يدخل بها، ما لها من الصداق إذا جاء زوجها وقد تزوجت؟ وهل تكون تلك الفرقة طلاقا؟ وهل عليها في العدة إحداد؟ وهل هي من أهل العدة التي إذا تزوجت فيها فرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا؟ فقال ابن القاسم: إن كان لم يدخل بها زوجها الآخر، ردت إلى زوجها الأول، وإن كان قد دخل بها زوجها الآخر، ردت إلى زوجها الأول نصف الصداق، فإن كان قد دخل بها زوجها الآخر، ثم جاءت بينهما فرقة من موت أو طلاق، ثم تزوجها الأول، كانت عنده على تطليقتين، وكانت فرقته تطليقة. قال ابن القاسم: وعليها الإحداد في العدة بعد الأربع سنين في الأربعة أشهر وعشر، وإن دخل بها فيها فرق

مسألة: تدعي على زوجها أنه طلقها وليست لها بينة ثم يموت زوجها

بينهما، ولم ينكحها أبدا وكان كمن تزوج في العدة. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم أسلم من سماع عيسى، القول في حكم صداق التي تفقد زوجها قبل الدخول، ومضى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، الاختلاف في وجوب الإحداد عليها في العدة، ومضى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح، القول فيمن تزوج في هذه العدة، مستوفى، فأغنى ذلك عن إعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: تدعي على زوجها أنه طلقها وليست لها بينة ثم يموت زوجها] مسألة وسئل ابن القاسم عن المرأة تدعي على زوجها أنه طلقها، وليست لها بينة، ثم يموت زوجها، فتطلب ميراثها منه، فيقول لها الورثة: ليس لك ميراث، أليس قد زعمت أنه قد طلقك؟ فتقول: إنما ادعيت ذلك؛ لأني كنت أبغض المقام معه، ولم يطلقني، فقال: أرى لها الميراث، قال محمد بن خالد عن ابن نافع مثله. قال محمد بن رشد: وكذلك لو ادعت أنه طلقها ثلاثا، ثم صالحته، فأرادت أن تتزوجه قبل زوج، وزعمت أنها إنما ادعت ذلك؛ لأنها كانت تبغض المقام معه، لكان ذلك لها على قياس هذه الرواية، وهو قول ابن المواز، وعلى قوله يحمل ما في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب النكاح، وما يأتي في سماع أصبغ بعد هذا من هذا الكتاب. وقد قال بعض رواة أهل المدينة: إنها لا تصدق في الميراث، ولا في الرجوع إلى زوجها، وفرق سحنون بين المسألتين فقال: يكون لها الميراث، ولا تمكن من الرجوع إلى زوجها إلا بعد زوج، وأما إذا زعمت بعد أن صالحته أنه طلقها ثم أرادت أن تتزوجه قبل زوج، فلا تمكن من ذلك، أو زعمت أنه طلقها بعد أن مات،

مسألة: يفقد أو يغيب فينفق رجل على أهله وولده فيقدم أو يموت في غيبته

فلا يكون لها ميراث. وقد روى زياد بن جعفر عن مالك في المدنية أنها ترثه. وإن مات، وهي ثابتة على قولها، وهو بعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: يفقد أو يغيب فينفق رجل على أهله وولده فيقدم أو يموت في غيبته] مسألة وقال في الرجل يفقد أو يغيب، فينفق رجل على أهله وولده، فيقدم أو يموت في غيبته، فيعلم أنه قد كان عديما في غيبته، هل يتبعه بما أنفق على أهله وولده؟ فقال: لا يتبعه بما أنفق، قلت: فيرجع بما أنفق على المرأة عليها؟ قال: نعم ولا يتبع الولد بشيء. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يتبعه إذا كان عديما بما أنفق على أهله وولده صحيح. على معنى ما في المدونة وغيرها؛ لأنه إذا كان عديما فلا نفقة لابنه عليه، وكذلك الزوجة، وإنما هي بالخيار بين أن تفارقه أو تبقى معه بغير نفقة. وقال: يرجع على المرأة بما أنفق عليها يتبعها به، وإن لم يكن لها مال. قال: لأنها كبيرة مالكة أمر نفسها فلا تذهب نفقته عليها باطلا؛ لأن رضاها بإنفاقه عليها رضى منها باتباعه ذمتها، بخلاف الولد الصغير؛ لأن الولد إذا لم يكن له مال، ولا لأبيه فهو كاليتيم الذي لا مال له، لا شيء لمن أنفق عليه؛ لأن نفقته عليه على وجه الحسبة؛ إذ ليس له أن يوجب في ذمته دينا بغير رضاه ولا برضاه؛ إذ ليس ممن يجوز على نفسه رضاه، وإذا كان له أو لليتيم مال، فللمنفق عليهما أن يرجع بنفقته في أموالهما إذا كانت له بالنفقة بينة، وإن لم يشهد أنه إنما أنفق ليرجع بعد يمينه أنه إنما أنفق عليهما ليرجع في أموالهما لا على وجه الحسبة، وكذلك إذا لم يكن للابن مال، وأبوه موسر؛ لأن يسر الأب في هذا كمال الابن. وروى محمد بن يحيى السبئي عن مالك: أنه ليس له أن يرجع في أموالهما إلا أن يكون قد أشهد أنه إنما ينفق ليرجع في ذلك. وهذا إذا أنفق على اليتيم، وهو يعلم أن له مالا، أو على الابن وهو يعلم أن له مالا، أو أن أباه موسر. وأما إذا أنفق عليهما وهو يظن أنه لا مال لليتيم، ولا للابن، ولا لأبيه، علم أن لهما مال أو أن أب الابن موسر،

طلق المريض امرأته النصرانية أو الأمة في حال الحجر ألبتة

فليس له أن يرجع، وقيل: له أن يرجع. والقولان قائمان في المدونة، وبالله التوفيق. [طلق المريض امرأته النصرانية أو الأمة في حال الحجر ألبتة] من نوازل سحنون قال سحنون: إذا طلق المريض امرأته النصرانية أو الأمة في حال الحجر ألبتة، ثم أسلمت أو أعتقت الأمة في العدة، ثم مات، فلا ميراث لهما؛ لأنه لا يتهم فيهما؛ لأنهما ليستا ممن كان الحجر لهما، وإن كان طلاقه لهما واحدة فأسلمت أو أعتقت في العدة، فله الرجعة؛ لأن الرجعة ليست بنكاح الملك، ألا ترى أن المحرم يرتجع ولا يتزوج؟ وإن أسلمت أو أعتقت في العدة ثم مات في العدة ولم يرتجع، فلها الميراث، وإن مات بعد انقضاء العدة ولم يرتجع، فلا ميراث لها. فخذ هذا على هذا الأصل؛ لأنه أصل قولنا، والذي لم يزل عليه أهل المدينة. وروى أصبغ عن ابن القاسم أن لها الميراث. قال أصبغ: لأنه يتهم أن يكون فر بميراثه حتى خشي أن يسلم أو يعتق، فترثه، فلما علم بذلك طلقها ولو أن مريضا تزوج أمة أو نصرانية، لم يجز ذلك وفسخ؛ لأنه يخاف أن تسلم النصرانية وتعتق الأمة، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: الظاهر من قوله: ولو أن مريضا تزوج أمة أو نصرانية، إلى آخر قوله، أنه من قول ابن القاسم، ولا إشكال أن ذلك لا يجوز على مذهب ابن القاسم؛ لأنه إذا كان متهما عنده في طلاقهما، فهو لا شك متهم في نكاحهما، وإنما الكلام هل يجوز له نكاحهما على مذهب سحنون الذي لا يتهمه في طلاقهما؟ والصحيح أن ذلك لا يجوز عنده ولا عند غيره؛ لأنه وإن لم يتهمه في نكاحهما، كما لم يتهمه في طلاقهما، فهو يفسخ من جهة فساد الصداق، للغرر الذي فيه بكونه من الثلث، وإذ لا يدري هل يثبت لها ما سمى أو صداق المثل؟ ومن جهة فساد العقد أيضا؛ إذ لا يمكن إيقاف

مسألة: قال لامرأته أنت طالق كما قال الله في كتابه

النكاح حتى ينظر هل يصح أو لا يصح؟ ألا ترى أنهم لم يجيزوا للمريض أن يتزوج في مرضه امرأة قد كان طلقها في ذلك المرض، وإن لم يتهم في توريثها من أجل أنها وارثة، لعلة فساد العقد من هذه الجهة؟ وقد وقع قوله: ولو أن مريضا تزوج أمة أو نصرانية، في بعض الكتب من قول سحنون، وذلك يبين ما ذهبنا إليه أنه لا يخالف ابن القاسم، في أن النكاح لا يجوز، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق كما قال الله في كتابه] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته: أنت طالق كما قال الله في كتابه، قال: يلزمه طلاق السنة. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن طلاق السنة هو الذي أمر الله تعالى به، وأرشد له حيث يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] ، إلى قوله: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وهو الرجعة وطلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته طلقة واحدة في طهر لم يمسها فيه، وبالله التوفيق. [الحكمين هل يجوز ما فرقا فيه واحدة أو ثلاثا] من سماع عبد المالك بن الحسن من أشهب وابن وهب قال عبد المالك: وسئل أشهب وأنا أسمع عن الحكمين هل يجوز ما فرقا فيه واحدة أو ثلاثا؟ قال: إن فرقا واحدة فهي واحدة، وإن فرقا ثلاثا فهي ثلاث. قال محمد بن رشد: اختلف في الحكمين إذا اختلفا في عدد الطلاق أو اتفق على ما فوق الواحدة على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يلزم من ذلك

مسألة: يبيع امرأته هل يكون ذلك طلاقها

واحدة في الوجهين جميعا، وهو الذي في المدونة، والثاني: أنهما إن اتفقا لزم ما اتفقا عليه، وإن اختلفا لزم من ذلك ما اجتمعا عليه، وهو قول ابن القاسم، والثالث: أنهما إن اتفقا لزم ما اتفقا عليه، وإن اختلفا لم يلزم من ذلك شيء، وهو قول أصبغ، فيأتي في اتفاقهما على ما فوق الواحدة قولان: أحدهما: أن ذلك لازم، والثاني: أنه يلزم من ذلك واحدة، وفي اختلافهما إذا حكم أحدهما بواحدة، والثاني بما فوق الواحدة قولان أيضا: أحدهما: أنه يلزم من ذلك واحدة، والثاني: أن ذلك ساقط لا يلزم منه شيء، وفي اختلافهما إذا حكم أحدهما باثنتين، والثاني بثلاثة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يلزم من ذلك شيء، والثاني: أنه يلزم منه واحدة، والثالث: أنه يلزم منه اثنتان. فهذا تلخيص الاختلاف في هذا الباب. [مسألة: يبيع امرأته هل يكون ذلك طلاقها] مسألة وسألت ابن وهب عن الذي يبيع امرأته، هل يكون ذلك طلاقها؟ فقال: لا يكون ذلك طلاقا، ولكن إن طاوعته على البيع وأقرت أن مشتريها قد أصابها طائعة، رجمت، وإن زعمت أنه استكرهها برئت من الحد ولم يكن عليها شيء، وفي كتاب الاستبراء من كتاب أسد، قال ابن القاسم: أرى بيعه طلاقا، قال سحنون عن ابن نافع: وتكون طلقة بائنة، قيل لسحنون: غاب عليها المشتري أو لم يغب قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا الذي ذكر أنه في كتاب الاستبراء من الأسدية لم يقع في المدونة، وقد مضى ما في هذه المسألة من الاختلاف في أول رسم من سماع ابن القاسم، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. وقوله: إنها ترجم إن وطئها مشتريها طائعة، خلاف قول ابن القاسم في رسم جاع من كتاب الحدود في القذف، وسيأتي الكلام على ذلك هنالك إن شاء الله، وبالله التوفيق.

مسألة: يقول لا أجد ما انفق على امرأتي إلا الخبز وحده هل يفرق بينهما

[مسألة: يقول لا أجد ما انفق على امرأتي إلا الخبز وحده هل يفرق بينهما] مسألة وسألته عن الرجل يقول: لا أجد ما انفق على امرأتي إلا الخبز وحده، أترى أن يفرق بينهما إذا أرادت فراقه؟ قال: نعم، إلا أن يكون مع الخبز الكسوة. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم الأقضية من سماع يحيى، وهو مما لا اختلاف فيه، أن على الرجل نفقة زوجته وكسوتها، بنص قول الله عز وجل: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، وأنه يجب أن يفرق بينهما لعجزه عنهما أو عن أحدهما، وأنه لا يفرق بينهما إذا قدر من نفقتها على الخبز، ولو يوما بيوم، غير مادوم، ومن الكسوة ما يشبهها ولا يعرها إذا لبسته. واختلف إذا عجز عن القمح، ولم يقدر إلا على الشعير، وأهل البلد لا يأكلونه، على ما مضى القول فيه في رسم الكبش من سماع يحيى. واختلف أيضا إذا عجز عما يشبهها من الكسوة، فقال في رسم الأقضية من سماع يحيى: إنه لا يفرق بينهما ما وجد ما يواري به جسدها من العري، وقال أشهب في كتاب ابن المواز: وليس له أن يقصر بها عما يشبهها على ما مضى القول فيه في رسم الجواب من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: قام بالنفقة ولم يقم بالكسوة] مسألة وسئل عن الرجل إذا قام بالنفقة ولم يقم بالكسوة، قال: يفرق بينهما. قلت له: فكم يستانا في الكسوة، إذا قال: أرجو أن يأتي شيء؟ قال: شهرين، قال: وإذا قام بالنفقة لم يعجل عليه في الطلاق. قلت له: كم يضرب له في الصداق إذا كان يجري النفقة؟

تدعي أن زوجها طلقها ألبتة وقد صالحته ثم أرادت مراجعته قبل زوج

قال: فقال مالك: سنتين أو ثلاثا ورأي ابن وهب ثلاثا. قال محمد بن رشد: قوله: إذا قام بالنفقة لم يعجل عليه في الطلاق، ويستانا به في الكسوة شهرين، يدل على أنه لا يستانا به في النفقة شهرين، وقد مضى في رسم الجواب من سماع عيسى الاختلاف في قدر ما يتلوم له في النفقة إذا عجز عنها، فلا معنى لإعادة ذلك. وقوله: إنه يضرب له في الصداق إذا كان يجري النفقة السنتين والثلاث، معناه إذا عجز عن الصداق، وأما إذا اتهم بأنه غيب ماله، فلا يوسع له في الأجل. قال ذلك ابن حبيب، إلا أنه جعل حد ما يتلوم له في الصداق إذا عجز عنه واجدا النفقة السنتين قال: ولو عجز عن الصداق والنفقة جميعا لم يوسع عليه في أجل الصداق إلا الأشهر إلى السنة. وهذا إذا طلبته المرأة بالصداق، وتركت أن تطلبه بأجل النفقة والتلوم عليه فيها. قال ذلك محمد بن المواز وهو صحيح، ولو كان له مال ظاهر لحكم عليه بدفع الصداق، وأمر بالبناء على امرأته، وهذا كله قبل الدخول، وأما بعد الدخول فلا يفرق بينهما بعجزه عن الصداق، وهو دين لها تتبعه به متى أيسر قاله مالك في المدونة وغيرها. [تدعي أن زوجها طلقها ألبتة وقد صالحته ثم أرادت مراجعته قبل زوج] ومن سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب الحدود والبيوع قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن المرأة تدعي أن زوجها طلقها ألبتة، وقد صالحته ثم أرادت مراجعته قبل زوج، قال: إن شهد عليها بذلك شاهدان، رأيت أن يمنع من مراجعتها ويجبر على ذلك. قلت: فإن لم يكن إلا شاهد واحد فأنكرت شهادته أو أقرت، وقالت: إنما كنت كاذبة. قال: إن أقرت بأنها كانت قد قالت ذلك، رأيت أن يمنع أيضا ولا تصدق في قولها: إني كنت كاذبة، فإن

يغيب ويحتاج أبواه وامرأته وله مال حاضر فيرفعاه إلى السلطان

أنكرت شهادته أصلا وزعمت أنها لم تقل من ذلك شيء رأيت أن تستحلف مع شهادة الشاهد، فإن أبت أن تحلف، لم أر أن تمنع من ذلك بحكم، ويخلى بينها وبين ذلك. وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: أما إذا ادعت بعد أن صالحها وبانت منه، أنه كان طلقها ثلاثا، فلا اختلاف أعلمه في أنها لا تمكن من الرجوع إليه قبل زوج، وقد وقع في كتاب محمد لابن القاسم في الأمة تحت العبد فتختار نفسها، ولا نية لها، ثم تقول بعد ذلك: أردت الثلاث - إنها لا تصدق إذا لم يتبين ذلك عند اختيارها، ويقال لها: إن كنت صادقة فلا تنكحيه إلا بعد زوج، وليتورع هو عنها. والمعنى في ذلك عندي أنه رأى اختيارها نفسها بطلقة واحدة طلاقا رجعيا يكون للزوج عليها الرجعة، ما دامت في العدة إن أعتق على ما مضى له في رسم إن خرجت من سماع عيسى، فلا يصدقها إن أعتق أنها أرادت الثلاث، لاتهامها أنها أرادت قطع الرجعة عليه، واستحب للزوج أن يتورع عنها فلا يراجعها لاحتمال أن تكون صادقة في قولها. وحملها ابن المواز على أنها معارضة لرواية أصبغ. واختار رواية أصبغ، وقال: إنها حجة عليها. وقوله: إنها تستحلف مع شهادة الشاهد، معناه لشهادة الشاهد؛ لأنها لا تحلف معه بما شهد به، وإنما تحلف على تكذيبه بما شهد به عليها أنها قالته. وفي قوله: إنها إن لم تحلف خلي بينها وبين ذلك نظر؛ إذ لا معنى ليمين لا يوجب النكول عنها حكما، فكان القياس إذا أبت اليمين أن تمنع من ذلك. وقد قال في رسم جاع من كتاب النكاح من سماع عيسى: إنه لا يمين عليها بالشاهد الواحد. وقد مضى في سماع سحنون قبل هذا الاختلاف إذا أقرت بذلك وهي في العصمة، وبالله التوفيق. [يغيب ويحتاج أبواه وامرأته وله مال حاضر فيرفعاه إلى السلطان] ومن كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الذي يغيب ويحتاج أبواه

وامرأته وله مال حاضر، فيرفعاه إلى السلطان، قال: يباع ماله وينفق عليهما. قلت: فإن لم يكن له مال حاضر، أيؤمران أن يتداينا عليه، ويقضى لهما بذلك؟ فقال: أما الزوجة فنعم، وأما الأبوان فلا؛ لأنهما لو لم يرفعوا ذلك حتى يقدم فأقر لهم جميعا بذلك، غرم للمرأة، ولم يكن عليه أن يغرم ذلك للأبوين، وإن أقر لهما؛ لأن المرأة نفقتها عليه موسرة كانت أو معسرة، والمرأة تحاص الغرماء إذا رفعت ذلك، وكان يوم أنفقت موسرا، والأبوان ليسا كذلك، قال أصبغ: فنفقة الأبوين لا تجب إلا بفريضة من السلطان حين يجدهما يستحقانها، ويجد له مالا بعد يعديهما فيه وإلا فلا. قال محمد بن رشد: قوله: إن مال الغائب يباع في نفقة أبويه هو مثل ما في كتاب إرخاء الستور من المدونة وكان الشيوخ يفتون أن أصول الغائب لا تباع في نفقة أبويه، بخلاف نفقة زوجته، ويتأولون أن المراد بمال الغائب الذي يباع في نفقة أبويه عروضه لا أصوله، والفرق عندهم في ذلك بين نفقة الزوجة ونفقة الأبوين أن نفقة الزوجة واجبة حتى يعلم سقوطها، ونفقة الأبوين، ساقطة حتى يعلم وجوبها بمعرفة حياته، وأنه لا دين عليه يغترق ماله، وقد كان القياس على هذا ألا يباع عليه أيضا عروضه في مغيبه، لاحتمال أن يكون حين الحكم عليه بذلك ميتا وأن يكون عليه دين يغترق عروضه، إلا أن ذلك في العروض استحسان. وبهذا المعنى فرقوا أيضا بين نفقة الزوجة والأبوين، في أن الأبوين لا يفرض لهما النفقة عليه في مغيبه وإن كان موسرا، إذا لم يكن له مال حاضر، ولا يومران أن يتداينا عليه، وإن فعلا لم يلزمه من ذلك شيء، بخلاف الزوجة في ذلك كله، ويلزم على الفرق الذي ذكرناه، لو كانت النفقة فرضت لهما عليه قبل مغيبه، فغاب وترك أصوله أن تباع عليه في نفقتها. وقوله: إن المرأة تحاص الغرماء بما أنفقت من يوم رفعت إذا كان يوم أنفقت موسرا، يدل على أنها لا تحاص إلا في الدين المستحدث، مثل قول

نزلت به يمين في امرأته فأفتى بأن قد بانت منه

سحنون في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم. وقد مضى بيان ذلك هنالك. وقوله يعديهما فيه، مثله في كتاب ابن المواز، وهو يدل على أنه محمول على العدم حتى يثبت ملاؤه على ما ذهب إليه ابن الهندي خلاف ما ذهب إليه ابن العطار، وبالله التوفيق. [نزلت به يمين في امرأته فأفتى بأن قد بانت منه] ومن كتاب النكاح قال: وسئل ابن القاسم عمن نزلت به يمين في امرأته، فأفتى بأن قد بانت منه، فقال لها: وقال للناس: قد بانت مني، ثم علم أنه لا شيء عليه، قال: لا ينفعه، وأراها قد بانت منه إذا قال ذلك. قال محمد بن رشد: هذا قول أشهب أيضا، وقد حكى ابن حبيب أنه لا شيء عليه. وقال سحنون في كتاب ابنه: إن قال ذلك على وجه الخبر يخير مما قيل له فلا شيء عليه، وإن قال ذلك يريد الطلاق، طلقت عليه. والذي أقول به في هذا: إنه إن كان الذي أفتى به خطأ مخالفا للإجماع، لا وجه له في الاجتهاد، فلا شيء عليه، وإن كان قول قائل، أو له وجه في الاجتهاد أو مفتيه به من أهل الاجتهاد، فالطلاق له لازم؛ لأن إخباره بذلك التزام منه لفتوى المفتي، فينبغي أن يرد الاختلاف المذكور في المسألة إلى هذا. وهذا كله إذا أتى مستفتيا، وأما إذ أحضرته البينة بقوله لها وللناس: قد بانت مني، ثم ادعى أنه إنما قال ذلك؛ لأنه أفتي أنها قد بانت منه، وهي لم تبن منه ولم يعلم ذلك إلا بقوله، فلا يصدق في ذلك، ويؤخذ بما ظهر من إقراره هو نفسه بالطلاق، ولو كان لما حضرته البينة بقوله: قد بانت مني، وادعى أنه إنما قال ذلك؛ لأنه أفتى به غلطا، أقام البينة على أنه أفتي بذلك، لوجب أن يصدق في أنه قال ذلك كذلك مع يمينه على ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته اذهبي فتزوجي فلا حاجة ل بك] مسألة وسئل عن الذي يقول لامرأته: اذهبي فتزوجي فلا حاجة لي

مسألة: قالت له امرأته إن لم تتزوج علي فصداقي عليك صدقة

بك، قال: إن لم يكن أراد بذلك طلاقا فلا شيء عليه، وقاله أصبغ، وقد قال مالك نحو ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا إذا أتى مستفتيا غير مطلوب، وأما إذا خوصم في قوله وطلب به، فتلزمه اليمين ما أراد بذلك الطلاق؛ لأن الشبهة في قوله: إنه أراد بذلك الطلاق بينة، يبين هذا ما مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم حلف منه، ورسم سن. [مسألة: قالت له امرأته إن لم تتزوج علي فصداقي عليك صدقة] مسألة وسئل عن رجل قالت له امرأته: إن لم تتزوج علي فصداقي عليك صدقة، فقبل ذلك منها ثم طلقها، هل ترجع في صداقها ذلك؟ قال: إذا طلقها بحضرة ذلك وحدثانه رجعت عليه، وإن طلقها بعد ذلك بما يرى أنه لم يطلقها، لمكان ذلك وما أشبهه، لم ترجع عليه بشيء، وكذلك بلغني أن مالكا قاله. وقاله أصبغ، وإن كان الطلاق الذي بحدثان ذلك بيمين نزلت لم يتعمد ولم يستأنف مثل يمين قد كان حلف بها قبل ذلك، فحنث فيها عند ذلك، فلا شيء عليه أيضا. قال أصبغ: سئل ابن القاسم، عن رجل قال لامرأته: إن لم تتركي لي صداقك فأنت طالق فتركته ثم طلقها هل ترجع عليه؟ قال: لا ترجع عليه، وليس لها أن ترجع عليه بشيء طلقها بحدثان ذلك أو بعد ذلك، وليست مثل الأولى، ولو شاءت هذه نظرت لنفسها وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: الفرق بين المسألتين، أنها في المسألة الأولى إنما تصدقت عليه بالصداق، على أن يمسكها ولا يتزوج عليها؛ لأن هذا هو المعنى فيما اشترطت من ألا يتزوج عليها، فإذا طلقها ولم يمسكها، وجب أن ترجع فيما تصدقت به عليه إن لم يف لها بالمعنى الذي تصدق عليه من أجله، وذلك بمنزلة أن يسألها أن تضع عنه صداقها، فتقول له: أخشى إن فعلت أن

مسألة: النصراني تسلم امرأته هل عليه أن ينفق عليها ما دامت في العدة

تطلقني، فيقول: لا أفعل، فتضع عنه، فيطلقها بفور ذلك، على ما وقع في سماع سحنون، من كتاب جامع البيوع. وأما المسألة الثانية، فإنما هي يمين بالطلاق قد لزمته، لا بد أن يقع عليه إن لم تترك له الصداق، فتركها له الصداق، إنما هو فرار من وقوع تلك اليمين التي حلف بها، فلا شيء لها في طلاقه إياها بعد ذلك، إلا أن تنظر لنفسها فتقول: لا أترك لك الصداق إلا على ألا تطلقني بعد ذلك، وهذا بين، والله أعلم. [مسألة: النصراني تسلم امرأته هل عليه أن ينفق عليها ما دامت في العدة] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن النصراني تسلم امرأته، أعليه أن ينفق عليها ما دامت في العدة؟ قال: نعم، هو أحب إلي أن يكون عليه ذلك أن ينفق عليها من يوم تسلم، وقيل: إن يسلم هو؛ لأنه أحق بها ما دامت في العدة، بمنزلة الذي يطلق واحدة، إن عليه أن ينفق عليها ما دامت في عدتها. وهذا ليس يمنعه إلا الإسلام، وإسلامه رجعة، إن أسلم فهي امرأته، فلا رجعة يحدثها، يرثها وترثه، ويكون أولى بها، وإن تركها لا يطلقها حتى تخرج من العدة، فهي امرأته، كما هي على حال ما كانت إذا كان قد أسلم في العدة، وقاله أصبغ كله وبلا مهر، وقد تنزل بالسلطان، فأرسل إلي فقضيت به. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى أنه لا نفقة لها، وتكلمت هنالك على توجيه كل واحد من القولين فلا معنى لإعادة ذلك هاهنا. [مسألة: شهد عليه شاهدان بالبتة فطلق عليه القاضي] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن شهد عليه شاهدان بالبتة فطلق عليه القاضي، والرجل يعلم أنهما شهدا عليه

بزور أيتزوجها؟ قال: فيما أعلم، نعم، قال أصبغ: يريد إن خفي له النكاح بغير زوج، وأنا لا أرى ذلك؛ لأنه يلبس بذلك على غيره من الجهال، ولعله ممن يقتدى به، وينظر إليه، ويلبس أحكام الإسلام وحدوده، ويعرض نفسه للسلطان، والسلطان لا يعرف حقيقته، وإنما يأخذ بما ظهر، فلا أراه يسعه ذلك فيما بينه وبين الله، وإن خفي لهذا، ولقد أمر أهل العلم الذي يرى الهلال وحده في الفطر ألا يفطر، وأن يصوم وهو يعلم أنه يوم الفطر. وقد نهى الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن صيامه لهذا وأشباهه وهو قول أهل العلم من السلف وغيرهم، فيه مجتمع عليه بذلك، فكذلك الأول وأشد وأحرى. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لا شيء عليه في تزويجها قبل زوج إذا علم أن الشاهدين إنما شهدا عليه بزور، من وجه تعريض نفسه للتهمة وعقوبة السلطان، والإلباس على الناس، إذا كان ممن يقتدى به؛ لأن حكم الحاكم بالظاهر لا يحيل الأمر عما هو عليه في الباطن عند من علمه، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188] ، الآية، وهو قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض» الحديث. ويأتي على مذهب أهل العراق، الذين يرون حكم الحاكم بالطلاق طلاقا في الظاهر والباطن، وأن الرجل إذا علم أن الإمام طلق على الرجل زوجته بشهادة زور، يجوز له أن يتزوجها - أنه لا يحل له أن يتزوجها قبل زوج وإن خفي له ذلك، وأمن من عقوبة السلطان. وأما قوله في الذي يرى هلال شوال وحده: إن أهل العلم أمروه ألا يفطر وأن يصوم لهذا المعنى، فهو مثل ما في الموطأ، والمدونة، وسماع أبي زيد من كتاب الصيام.

مسألة: يطلق امرأته وهي حائض ولا تعلم ولا يرتجع حتى تطهر من الحيضة فيطلقها

واستحب ابن حبيب أن ينوي الفطر. وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامه لهذا وأشباهه، ولا يظهره، والصواب أن هذا هو الواجب عليه أن يفعله، وإن كان مخالفا لظاهر الروايات؛ لأن الصوم من أفعال القلوب، فلا يحل له أن ينوي الصوم وهو يعلم أن ذلك عليه حرام، وبالله التوفيق. [مسألة: يطلق امرأته وهي حائض ولا تعلم ولا يرتجع حتى تطهر من الحيضة فيطلقها] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يطلق امرأته وهي حائض ولا تعلم، ولا يرتجع حتى تطهر من الحيضة، فيطلقها وهي حائض طاهر منها، ثم تعلم به، أيجبر على الرجعة؟ قال: نعم، يجبر على الرجعة ما لم تنقض العدة من الطلاق الأول، ثلاث حيض، إلا أن يكون قد ارتجع بعد طلاقه إياها وهي حائض، ثم طلقها بعد ذلك وهي طاهر حين طهرت فيها أو من بعد ذلك، فهذا لا يجبر على الرجعة ولا رجعة عليه، قيل لابن القاسم: أرأيت إذا قال: لا أرتجع، ما يصنع به السلطان؟ قال: يجبره. قلت لابن القاسم: وكيف ذلك الإجبار؟ أيقضي عليه بالرجعة ويشهد على القضية عليه بذلك، وتكون رجعة، وتكون امرأته بتلك الرجعة أبدا حتى إن خرجت من العدة وماتا توارثا، إلا أن يحدث طلاقا بعد ذلك؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قوله: إن المطلق في الحيض يجبر على الرجعة وإن طلقها بعد أن طهرت من تلك الحيضة صحيح، بين في المعنى؛ لأن هذه الطلقة الثانية لا عدة لها ولا تهدم عدة الطلاق الأول، فوجب أن يجبر على الرجعة ما لم تنقض العدة على مذهب ابن القاسم، أو ما لم تطهر من الحيضة الثانية على مذهب أشهب، وقال: إنه إن أبى الرجعة يجبر عليها، والإجبار يكون بأن يقضي عليه بها، ويشهد على القضية، فظاهر هذا أنه لا يضرب ولا يسجن، خلاف ما حكى ابن المواز عن ابن القاسم وأشهب أنه يهدد، فإن أبى سجن، فإن أبى ضرب، ويكون ذلك كله في موضع واحد؛ لأنه مقيم على

مسألة: ادعت أنه طلقها وهي حائض وينكر الزوج ذلك

معصيته، فإن أبى قضي عليه بالرجعة، وألزم إياها. واختلف إذا قضي عليه بها، وألزم إياها كارها ولا نية له في ارتجاعها، هل يجور له وطؤها أم لا؟ فقيل ذلك له جائز؛ لأنها ترجع إلى عصمته بالحكم، وإن كان لذلك كارها كالسيد يجبر عبده على النكاح، فيجوز له الوطء، وقيل: لا يجوز له أن يستمتع بشيء منها، إلا أن ينوي مراجعتها، والأول أظهر. والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: ادعت أنه طلقها وهي حائض وينكر الزوج ذلك] مسألة قلت له: أرأيت إذا ادعت أنه طلقها وهي حائض، وينكر الزوج ذلك، ويزعم أنه طلقها وهي طاهر؟ قال ابن القاسم: القول قول الزوج. قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم: أن القول قول المرأة، ويجبر على الرجعة، وهو قول سحنون. وجه هذا أن المرأة مصدقة في الحيض وموتمنة عليه. ووجه القول الأول أنها مدعية على الزوج ما يوجب لها الرجوع إلى عصمته من طلاقه إياها في حال لا يجوز له، وبالله التوفيق. [النصرانية تسلم تحت النصراني ثم يسلم زوجها بعدها فيريد رجعتها] من نوازل سئل عنها أصبغ قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في النصرانية تسلم تحت النصراني، ثم يسلم زوجها بعدها، فيريد رجعتها، فتزعم أنها حاضت ثلاث حيض بعد إسلامها، وأن إسلامها كان منذ أكثر من أربعين يوما لما يحاض في مثل ذلك، ويزعم الزوج أن إسلامها منذ عشرين ليلة، لما لا يحاض في مثله ثلاث حيض، إن الزوج مصدق، والقول قوله؛ لأنها مدعية عليه، لتمنعه الرجعة، بمنزلة الذي يطلق امرأته واحدة، ثم يريد رجعتها، ويقول: إنما طلقتها

مسألة: قال لامرأته أنت طالق ألبتة إن كنت حائض قالت أنا حائض

أمس وتقول هي بل طلقتني منذ شهرين، وقد حضت ثلاث حيض، فالقول قول الزوج. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا على خلاف أصله في نوازله من كتاب العيوب، في الرجل يشتري العبد، فيحدث به بعد الشراء بمدة برص أو جذام، فيدعي أن العهدة لم تنقض وأن ابتياعه إنما كان منذ ستة أشهر، ويقول البائع: بل بعتكه منذ عام أو عامين، إن القول قول البائع؛ لأن المبتاع مدع يريد رد العبد على ما روى عنه عبد الأعلى إن القول قول المبتاع، ويرد العبد، وهو مذهب سحنون. قال: القول قول البائع، خلاف مما أجمع عليه أصحابنا في التمييز بين المدعي والمدعى عليه، ومن لزمته العهدة، فادعى أنها قد انقضت فهو المدعي، وعليه إقامة البينة؛ لأن دعوى انقضاء العدة كدعوى انقضاء العهدة، يدخل فيها من الاختلاف ما يدخل في دعوى انقضاء العهدة، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق ألبتة إن كنت حائض قالت أنا حائض] مسألة قال أصبغ في رجل قال لامرأته: أنت طالق ألبتة إن كنت حائض قالت: أنا حائض، قال: أرى أن يخلي سبيلها، وأن الطلاق قد وقع عليها، ولو قالت: لست بحائض، لم أر أن يصدقها ولا يقبل منها، ولا ينتفع بذلك، وليخل سبيلها؛ لأن ذلك شك لا يدري ما هو عليه منها أصادقة هي أم كاذبة؟ فلا يقيم على الشك، إلا أن ينكشف له ذلك بأسباب يقبل عملها ويقع على يقينها به. قال محمد بن رشد: قوله: فلا يقيم على الشك، يريد ويفرق بينهما بالحكم، هذا مذهب أصبغ فيما كان من هذا النوع مما يحلف الحالف فيه على غيره فيما قد مضى، فيكون الشك فيه قائما؛ إذ لا يعلم حقيقته إلا من جهته،

مسألة: صالح امرأته على أن ترضع ولده سنة

ولا يدري هل صدقه؟ مثل أن يقول امرأتي طالق إن كنت تبغضني أو إن لم تصدقني فتقول: أنا أحبك، ويخبره، ويزعم أنه قد صدقه وما أشبه ذلك. وابن القاسم يرى في مثل هذا أنه يؤمر ولا يجبر. وقد مضى هذا المعنى في رسم القطعان من سماع عيسى. [مسألة: صالح امرأته على أن ترضع ولده سنة] مسألة وسئل أصبغ عن رجل صالح امرأته على أن ترضع ولده سنة، فإن أبت أن ترضعه، فله عليها عشرة دنانير. قال أصبغ: أرى صلحهما على ما وقع وهي بالخيار، وليس هذا من عمل المسلمين، ولا بجميل، وله شرطه. قال محمد بن رشد: هذا من قول أصبغ على أصله، في أن الصلح بالحرام يمضي، ولا يفسخ؛ لأنه صلح بحرام؛ لأنها قد ملكت بضعها على أنها بالخيار في شيئين، يجوز تحويل أحدهما في الآخر لأنه دين بدين، وذلك حرام. ألا ترى أنه لو استأجرها على رضاع ابنه سنة يعرض دفعه إليها، على أنها بالخيار بين أن ترضعه السنة أو تدفع إليه عشرة دنانير؟ لم يجز، وكان ذلك حراما؛ لأنها إن أرضعته فقد فسخت العشرة التي ملكت فيها في الرضاع؛ فكان ذلك دينا بدين، والذي يأتي على قول الجمهور في هذه المسألة، أن يفسخ الصلح ويمضي الطلاق ولا يكون عليها شيء، أو يكون عليها خلع مثلها على ما مضى من تحصيل القول في ذلك في رسم حلف من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [عترض عن امرأته فضرب له أجل سنة] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من عبد الرحمن بن القاسم قال أبو زيد: قال ابن القاسم: في رجل اعترض عن امرأته، فضرب له أجل سنة، فلما جاءت السنة قالت: لا تطلقوني وأنا أتركه إلى أجل آخر، قال: ذلك لها ثم تطلق متى شاءت بغير أمر

مسألة: المعترض عنها زوجها فترفع ذلك إلى السلطان

السلطان، وكذلك الذي يحلف بالطلاق، ليقضين فلانا حقه، فرفعت أمرها، أنه يوقف عن امرأته، فإذا جاءت أربعة أشهر، قيل له: وإلا طلقها عليك، فتقول امرأته: لا تطلقوني وأنا أنظره شهرين أو ثلاثة، لعله يقضيه، قال: فذلك لها أن تطلق متى شاءت بغير أمر السلطان. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن لها أن تطلق متى شاءت، ومعناه بعد الأجل الذي أنظرته إليه؛ لأن الطلاق على المعترض عن امرأته بعد السنة، وعلى المولي بعد الأربعة أشهر ليس بلازم، وإنما هو حق لها على الزوج في ألا يزاد على أحد هذين الأجلين شيئا، فإن رضيت هي بأن تزيده على أحدهما كان ذلك لها، ولا يبطل بذلك ما وجب لها من الحق في أن تطلق نفسها عند الأجل. وقد قال أصبغ: بعد أن تحلف ما كان تركها له عند الأجل الأول تركا للأبد، ولا رِضًى منها بالإقامة عليه على ذلك الارتجاع فيه، وتنظر، ولترى رأيها، وذلك بعيد؛ لأنها إذا قالت: أنا أنظره إلى أجل كذا وكذا، فقد بينت أنها على حقها عند الأجل الذي أنظرته إليه، فلا وجه ليمينها، وإنما يختلف لو تركته بعد وجوب القضاء لها، بمضي الأجل شهرا أو شهرين، ثم أرادت أن تطلق عليه، وقالت: إنما أقمت متلومة عليه، فقال مالك في رواية ابن القاسم عنه: ذلك لها، واختلف قوله في يمينها على ذلك. وقال ابن وهب في سماع يحيى من كتاب التخيير والتمليك، وأشهب في سماع عبد المالك منه: ليس ذلك لها، وقد سقط ما كان بيدها، وبالله التوفيق. [مسألة: المعترض عنها زوجها فترفع ذلك إلى السلطان] مسألة وقال مالك: في المعترض عنها زوجها فترفع ذلك إلى السلطان، إنها إن رفعت ذلك وزوجها مريض، لم يضرب له أجل حتى يصح، وإن ضرب له أجل وهو صحيح فمرض بعد ذلك، لم يزد شيئا على السنة لما أصابه فيها من المرض.

مسألة: الحصور الذي لا يقدر على المسيس هل يضرب له أجل المعترض

قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم الطلاق من سماع يحيى فلا معنى لإعادته. [مسألة: الحصور الذي لا يقدر على المسيس هل يضرب له أجل المعترض] مسألة وسئل ابن القاسم عن الحصور الذي لا يقدر على المسيس، إنما معه مثل التالولة، هل يضرب له أجل المعترض، وهو لا يطمع له بوطء، قال: يطلق عليه مكانه وهو بمنزلة الخصي. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن الأجل إنما يضرب للمعترض، رجاء أن يتداوى فيطلق من اعتراضه، ويلم بأهله، فإذا لم يكن في ذلك رجاء، لم يكن لضرب الأجل معنى. [مسألة: لا يجد ما ينفق على امرأته فيتلوم له ثم يجاب] مسألة قال ابن القاسم: في الذي لا يجد ما ينفق على امرأته، فيتلوم له، ثم يجاب، فيطلق عليه بعد التلوم، فتقول امرأته: لا تطلقوني عسى الله أن يرزقه، فتمكث أياما ثم تجيء، فتقول: طلقوني عليه. قال: ليس ذلك لها، ولا يعجل عليه ويتلوم له أيضا ثانية. قال محمد بن رشد: قال في هذه المسألة: إن الطلاق لا يعجل عليه، ويتلوم له أيضا ثانية. وقال في أول السماع في امرأة المعترض والمولي إذا أنظرتاه بعد الأجل الواجب في ذلك، إلى أجل آخر، إن لهما أن يطلقا عند الأجل الذي أنظرتاه إليه، ولا يستأنف لهما في ذلك ضرب أجل آخر، والفرق بين الموضعين، أن الأجل للمعترض والمولي سنة متبعة، لا مدخل للاجتهاد فيها، فإذا حكم بها ووجب للمرأة القضاء بتمام الأجل، لم ينتقض الحكم الماضي بتأخير المرأة ما وجب لها من الحق إلى أجل آخر، والتلوم للعاجز عن النفقة ليس فيه حد محدود، ولا سنة متبعة، وإنما فيه الاجتهاد من العلماء، فإذا رضيت بالمقام معه بعد أن تلوم له، بطل ذلك التلوم، ووجب ألا تطلق عليه إذا قامت ثانية إلا بعد تلوم آخر، وبالله التوفيق.

مسألة: طلق امرأته وهي حامل ثم مات

[مسألة: طلق امرأته وهي حامل ثم مات] مسألة وقال في رجل طلق امرأته وهي حامل، ثم مات: إن لها السكنى لا نفقة لها؛ لأن السكنى أوكد من النفقة. قال محمد بن رشد: يريد أنه يطلقها ثلاثا أو طلقة بائنة، ولا مسكن له ثم مات وهي حامل، فرأى أن السكنى قد وجب لها في مال الزوج بالطلاق قبل الوفاة، ولا تسقط بموته، كما تسقط النفقة، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، قال هاهنا: لأن السكنى أوكد من النفقة، وإنما قال: إنه أوكد من النفقة، من أجل أن المتوفى عنها زوجها وهى حامل يكون لها السكنى إن كانت الدار للميت، أو كان قد نفد كراؤها إن كانت بكرا، ولا نفقة لها، فليست بحجة بينة؛ إذ لم يتكلم على أن الدار للميت. والصواب أن السكنى تسقط كما تسقط النفقة، كما أنه إذا مات ولم يطلق، لا يجب لها في لماله سكنى ولا نفقة، وهي رواية ابن نافع عن مالك في المدونة، وإجماعهم على أن النفقة تسقط بالموت حجة على أن السكنى يسقط بالموت أيضا؛ إذ لم يجب جميعه في ماله بالطلاق، وإنما يجب عليه شيئا بعد شيء، فما لم يأت منه لم يجب عليه بعد، ولا تقرر في ذمته، بدليل أنه لو أعسر في حياته، لسقط عنه السكنى، فوجب أن يسقط عنه بموته، كما تسقط عنه النفقة بموته، وكذلك قال يحيى بن عمر: إن السكنى ينقطع بموته، كما تنقطع النفقة، ففي جعل ابن القاسم جميع الكراء متقررا في ذمته بالطلاق، وهو لم يأت بعد نظر، فرواية ابن نافع عن مالك، هي التي يوجبها النظر، ولو كان الطلاق رجعيا لم يختلف في أن السكنى تسقط، كما تسقط النفقة؛ لأن المرأة ترجع إلى عدة الوفاة إذا مات زوجها وهي في العدة من الطلاق الرجعي، والمعتدة من الوفاة لا سكنى لها في مال الميت، إذا لم تكن معه في مسكن يملكه، ولا إذا إكراه، وكذلك لو كان المسكن للميت فطلقها ثلاثا وهي حامل، ثم مات، لسقط السكنى أيضا على قياس رواية ابن نافع عن مالك في المدونة، ولا يسقط على مذهب ابن القاسم، ولو قال قائل: إنه لم يتكلم في رواية أبي زيد إلا على أن المسكن

مسألة: تفسير المفقود

للميت بدليل قوله: لأن السكنى أوكد من النفقة؛ إذ لا يكون السكنى أوكد من النفقة إلا إذا كانت الدار للميت، ويقام تعليله، إن المسكن إذا لم يكن للميت يسقط السكنى عنه كما تسقط النفقة لكان تأويلا ظاهرا، يؤيده أن ذلك منصوص لابن القاسم في المدنية قال فيها: إن كانت الدار للميت أو كانت بكرا فنفد الكراء لم يسقط حقها في السكنى بموته، وإن لم تكن الدار للميت سقط حقها في السكنى بموته، ولم يجب لها في ماله شيء، ويتحصل في المسألة على هذا ثلاثة أقوال: أحدها: أن السكنى يسقط كما تسقط النفقة، كانت الدار للميت أو لم تكن، وهو الصحيح في القياس الذي يأتي على قياس رواية ابن نافع عن مالك، والثاني: أنه لا يسقط، كانت الدار للميت أو لم تكن، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة؛ لأنه إذا لم يسقط حقها إذا لم تكن الدار للميت، فأحرى ألا يسقط إذا كانت الدار للميت، والثالث: أنه يسقط إذا لم تكن الدار للميت، ولا يسقط إذا كانت الدار له، وهو نص قول ابن القاسم في المدنية والذي يقوم من هذه الرواية على هذا التأويل. [مسألة: تفسير المفقود] مسألة وسئل عن تفسير المفقود فقال: هو الذي يعمى أمده، وينقطع خبره، ولا يدرى البلد الذي هو به. قال مالك: ولو عرف البلد الذي نزع إليه وغاب خبره كان مفقودا. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا المعنى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، ومضى في أول سماع أشهب، وفي رسم أسلم من سماع عيسى وفي غيره من المواضع جمل كافية من أحكام المفقود، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: النصرانية يطلقها زوجها النصراني فتحيض حيضة فيتزوجها مسلم] مسألة وقال في النصرانية يطلقها زوجها النصراني فتحيض حيضة

فيتزوجها مسلم، قال: لا أفسخ نكاحه ذلك، دخل بها أو لم يدخل؛ لأن مالكا قد كان يقول قديما تجزيها حيضة. قال محمد بن رشد: قوله: لأن مالكا قد كان يقول قديما تجزيها حيضة، يدل على أن الذي رجع إليه أنه لا يجزيها، إذا أراد المسلم أن يتزوجها إلا ثلاث حيض، وهو الذي في المدونة، فعلى قوله فيها يفسخ النكاح إن تزوجها قبل ثلاث حيض، وهو قول ابن وهب في كتاب ابن المواز وهذا الاختلاف يدخل في المعنى في النصرانية يطلقها المسلم؛ لأن الأصل في اختلافهم في الكفار، هل هم مخاطبون بشرائع الإسلام أم لا؟ فعلى القول بأنهم مخاطبون بشرائع الإسلام، لا يجوز للمسلم أن يتزوجها إذا طلقها زوجها، مسلما كان أو نصرانيا إلا بعد ثلاث حيض، وتمنع من نكاح نصراني إذا طلقها مسلم إلا بعد ثلاث حيض، وعلى القول بأنهم غير مخاطبين بشرائع الإسلام، يكتفى في ذلك كله بحيضة، على القول بأن الحيضة الواحدة هي للاستبراء، والاثنتان عبادة لغير علة، وكذلك المجوسية إذا أسلم زوجها فأبت الإسلام، يدخل فيها هذا الاختلاف، وهو موجود أيضا. حكى ابن المواز عن ابن القاسم من رواية أبي زيد عنه أنها تستبري نفسها بالحيضة. وقال أحمد بن ميسر: بثلاث حيض؛ لأنها عدة من مسلم. ذكره ابن حارث. فيتحصل في الكتابية إذا مات عنها زوجها المسلم، وقد دخل بها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تعتد بأربعة أشهر وعشر، وهو أحد قولي مالك، على القول بأن الكفار مخاطبون بشرائع الإسلام، والثاني: أنها تعتد بثلاث حيض، وهو قول مالك الثاني، على القول بأن الكفار غير مخاطبين بشرائع الإسلام، وأن الثلاث حيض كلها استبراء، والثالث: أنها تعتد بحيضة واحدة، على القول بأن الكفار غير مخاطبين بشرائع الإسلام، وأن الحيضة الواحدة استبراء، والاثنتان تعبد ولا يجب عليها في الوفاة قبل الدخول عدة، على القول بأن الكفار غير مخاطبين بشرائع الإسلام. وقد حكى هذا القول عن مالك ابن الجلاب.

مسألة: اغتصب امرأة فحملت منه

[مسألة: اغتصب امرأة فحملت منه] مسألة وقال: في رجل اغتصب امرأة فحملت منه، قال: لا يطأها زوجها حتى تضع، قيل له: فإن قال زوجها لا حاجة لي بامرأة اغتصبت، هي طالق ألبتة، قال: لا بد من الثلاث حيض بعد الوضع. قال: ولو لم تحمل من المغتصب، ثم طلقها زوجها حين اغتصبت، قال: فثلاث حيض تكفيها لهما جميعا من طلاق الزوج، ومن استبراء الماء الفاسد الذي للغاصب. قال محمد بن رشد: قوله: إن الحامل من زنى لا يجوز لزوجها أن يطأها صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن النهي الشديد قد جاء في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، روي عنه أنه قال: وقد رأى امرأة عند خباء أو فسطاط، يريد حاملا، والله أعلم: «لعل صاحب هذه أن يلم بها، لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟ وكيف يسترقه وهو لا يحل له» ، وفي حديث آخر: «ويحه، أيورثه وهو ليس منه؟ أو يستعبده، وقد عداه في سمعه وبصره» ، فإذا وطئ الرجل أمته وهي حامل من غيره أدب، إلا أن يعذر لجهالة، ولا اختلاف في هذا، وإنما اختلف هل له أن يباشرها أو يقبلها أم لا؟ على قولين، الصحيح منهما، أن ذلك لا يجوز له، وهو قول مالك، ومن أهل العلم من يوجب على الرجل إذا وطئ أمته وهي حامل من غيره عتق ما في بطنها، من أجل أنه قد عداه في سمعه وبصره، كما جاء في الحديث، ويرى الحكم عليه بذلك، وهو قول الليث بن سعد، ومنهم من لا يرى الحكم عليه بذلك، ويستحب له أن يفعله، وهو دليل قول مالك في الواضحة ونص قول ابن حبيب فيها، وقد قيل: إنه إنما يستحب له أن يعتقه لاحتمال أن يكون ما ظهر بها من حمل ليس بحمل، فلما وطئها حملت منه، فعلى هذا التأويل لا يستحب له عتقه إلا إذا ولدته لما يلحق به الأنساب

مسألة: تطلق وهي ترضع

من يوم وطئها، ومن أهل العلم من يريد أنه يثبت نسب الحمل منه بوطئها وهي حامل، فيكون ابنا له وللذي كان الحمل منه، وهو شذوذ يرده قوله في الحديث: «أيورثه وليس منه» ؟ . وكذلك قوله: إن طلقها وهي حامل، فلا بد من ثلاث حيض بعد الوضع صحيح أيضا، لا اختلاف فيه؛ لأن الحمل يمنع من الحيض، كما يمنع منه الرضاع، فوجب ألا يحل إلا بثلاث حيض بعد الوضع، كما لا تحل المطلقة وهي ترضع ولا تحيض إلا بثلاث حيض بعد الرضاع، وكذلك لا اختلاف أعلمه في المذهب أنه إذا طلقها بعد أن زنت قبل أن يستبريها، ولا حمل بها، يدخل الاستبراء في العدة، وإذا كان مالك يقول في التي تتزوج في عدتها ويدخل بها الزوج، إنه يجزي من الزوجين جميعا ثلاث حيض من يوم دخل بها الزوج الثاني، فهذا أحرى. [مسألة: تطلق وهي ترضع] مسألة وقال: في التي تطلق وهي ترضع، قال: ثلاث حيض لا بد منهن، وإن أقامت سنين ترضع؛ لأن التي ترضع لا تكاد تحيض. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وقد مضى القول على هذه المسألة، وما يتعلق بها في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وفي رسم الطلاق من سماع أشهب، وفي رسم استأذن من سماع عيسى، وفي غيرها من المواضع فلا معنى لإعادته. [مسألة: هلك وترك دارا وعليه دين] مسألة وقال ابن القاسم: في رجل هلك وترك دارا وعليه دين، قال: تباع الدار ويشترط لامرأته سكناها حتى تنقضي عدتها، قيل له: أرأيت إذا بيعت على ذلك، فلما مضى أربعة أشهر وعشر، ارتابت، أترى لها السكنى حتى تخرج من الريبة؟ قال: نعم، وإنما هي مصيبة نزلت به. قال سحنون: وإن مضت الريبة إلى خمس

مسألة: الجارية تباع وهي ترضع بكم تستبرأ

سنين؛ لأن المبتاع قد علم أن أقصى العدة خمس سنين، فكأنه يقدم على العلم منه. قال محمد بن رشد: قد روي عن سحنون، أنها إن ارتاب المرأة كان المشتري بالخيار، بين أن يفسخ البيع عن نفسه، أو يتماسك به على ألا يرد عليه البائع شيئا، ومثله في الواضحة وإياه اختار محمد بن المواز قال: لأن البيع إنما يقع على استثناء العدة المعروفة، ولو وقع البيع بشرط الاسترابة، كان فاسدا، واعترض ذلك أبو إسحاق التونسي، فقال: إذا كان البيع بشرط الاسترابة لا يجوز؛ إذ لا يدرى أيكون سنة أو خمس سنين؟ فأما إذا ملك الخيار في الأخذ أو الرد، كان أخذه على أن يسكن المرأة إلى انقضاء ريبتها، كابتداء الشراء على ذلك، إلا أن يكون هذا القول على أحد التأويلين فيمن خير بين شيئين فاختار أحدهما لا يعد كأنه أخذ ما ترك، ففسخه في الذي أخذ، ولا أدري ما معنى قول أبي إسحاق إن ذلك إنما يتخرج على أحد التأويلين في المسألة التي ذكر؛ إذ لا اختلاف أحفظه فيها، كما لا اختلاف في أنه لا يجوز أن يبيع الرجل سلعة بعشرة نقدا أو خمسة عشر إلى أجل، على أن البيع لازم له بأخذ الثمنين، أيهما شاء، وإنما يتخرج جواز ذلك على القول بأن من اشترى سلعا فاستحق منها جلها على العدد، فله أن يتماسك بما بقي منها بما ينوبه من الثمن، وإن كان مجهولا لا يعرف إلا بعد التقويم، ويحتمل أن يكون معنى قول محمد بن المواز: إنه مخير بين أن يرد البيع أو يتماسك به، على أنه بالخيار في الرد له، ما لم تنقضِ الريبة، لا على أنه يتماسك به، على أن البيع لازم له، طالت الريبة أم قصرت. وهذا أولى ما حمل عليه قوله: وقال محمد بن عبد الحكم لا يجوز البيع على شرط سكنى المرأة عدتها، ويفسخ لأنه غرر وخطر، وبالله التوفيق. [مسألة: الجارية تباع وهي ترضع بكم تستبرأ] مسألة وقال في الجارية تباع وهي ترضع بكم تستبرأ؟ قال: بثلاثة

مسألة: له زوجتان سلامة وميمونة فقال لسلامة أنت طالق يوم أطلق ميمونة

أشهر، قيل له: فإن طلقها زوجها، قال: بحيضتين قبل الرضاع، قيل له: فإن توفي عنها زوجها، قال: شهرين وخمس ليال، وإن لم تحض إلا أن تستريب، قال: وإذا بيعت الأمة وهي ترضع، فمنعها ذلك من الحيضة، فثلاثة أشهر. قال محمد بن رشد: الفرق بين أن تباع الأمة وهي ترضع، أو تطلق وهي ترضع، أن الحيضتين للأمة في الطلاق عبادة، فلا تنتقل عنها إلا إلى الأشهر، إلا أن تكون من الآيسات، لقول الله عز وجل: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] ، والمرضع ليست من الآيسات، ولا من المرتابات، إذا علم السبب الذي من أجله تأخر الحيض عنها، وأن الحيضة في الأمة المبيعة ليست بعبادة، وإنما هي استبراء، ليعلم بها براءة رحمها، وبراءة رحمها يعلم بالثلاثة أشهر؛ إذ قد علم أن الحيض لم يتأخر عنها لريبة، وإنما تأخر بسبب الرضاع، وأما قوله في التي توفي عنها زوجها وهي ترضع، إنها تعتد بشهرين وخمس ليال وإن لم تحض، إلا أن تستريب، فالريبة إنما تكون هاهنا بحس تجده في بطنها، فإن وجدت ذلك فلا تحل حتى تذهب تلك الريبة عنها، وتبلغ إلى أقصى أمد الحمل، وأما إن لم تسترب، فتنقضي عدتها التي فرض الله عليها بالشهرين وخمس ليال، كما قال: فيسقط عنها الإحداد، ويسقط حقها في السكنى، إلا أنها لا تتزوج إن كانت مدخولا بها حتى يمر بها ثلاثة أشهر، فيعلم أنها لا حمل بها؛ لأن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر، وبالله التوفيق. [مسألة: له زوجتان سلامة وميمونة فقال لسلامة أنت طالق يوم أطلق ميمونة] مسألة وقال: في رجل كانت له زوجتان: سلامة، وميمونة، فقال لسلامة: أنت طالق يوم أطلق ميمونة، ثم قال لميمونة: أنت طالق

مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن استكملت في هذا البيت سنة

يوم أطلق سلامة، فقال: أيتهما طلق أولا فإنه يقع عليها تطليقتان، وعلى صاحبتها تطليقة. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأنه إذا قال لسلامة: أنت طالق يوم أطلق ميمونة، فطلق ميمونة، وكان بطلاقه إياها قد طلق سلامة، ولما كان طلاق سلامة بطلاقه ميمونة، وقع الطلاق على ميمونة، لقوله لها: أنت طالق يوم أطلق سلامة، وكذلك إن بدأ بسلامة فطلقها، كان بطلاقه إياها قد طلق ميمونة، ولما طلق ميمونة بطلاقه سلامة، وقع الطلاق على سلامة لقوله لها: أنت طالق يوم أطلق ميمونة، فهذا ما لا إشكال فيه، والمسألة متكررة في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن استكملت في هذا البيت سنة] مسألة وقال في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن استكملت في هذا البيت سنة أو سكنته سنة، فسكنته أحد عشر شهرا، ثم انتقلت منه، فأقامت أشهرا، ثم رجعت إليه فسكنه سنة، أو أكثر، قال: لا حنث عليه، إلا أن تكون أقامت سنة مستقبلة من يوم حلف. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه حلف على امرأته بهذه اليمين، والمرأة ساكنة في البيت، فحمل يمينه على أنه أراد ألا يتمادى في سكناه سنة، فجعل السنة التي حلف عليها تتعين من يوم اليمين، لكونها ساكنة في البيت يوم اليمين، ولذلك قال: إنها إن سكنته أحد عشر شهرا ثم انتقلت عنه ثم عادت إليه فسكنته سنة، إنه لا حنث عليه. وعلى هذا التأويل، ساوى بين أن يقول: إن استكملت أو إن سكنت، ولو لم تكن ساكنة في البيت يوم اليمين، فقال لها: أنت طالق إن سكنت بيت كذا سنة، أو إن استكملت السكنى في بيت كذا سنة، لوجب أن يحنث متى ما سكنت فيه سنة متصلة أو مفترقة؛ لأنه نكر السنة التي حلف عليها بقوله: سنة فلم يعينها، ولا عرفها

مسألة: حلف بالطلاق أنه لا يأتي أهله نهارا

بتسميته ولا بإشارة إليها. فكان كمن حلف ليصومن سنة كاملة. أو أن لا يصوم سنة كاملة، فحنث، إنه يبر إن حلف ليصومن سنة كاملة، بصيام سنة مفترقة، ولا يحنث إن حلف ألا يصوم سنة كاملة، إلا بتمام صيام سنة كاملة متصلة أو مفترقة، إلا أن ينوي صلاة متصلة على مذهبه في المدونة أن من نذر أن يصوم، أنه لا يلزمه صيامها متتابعة، إلا أن ينوي ذلك، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب في ذلك، وإنما تعين السنة بلفظ النكرة في الكراء خاصة، من أجل أن الكراء لا يجوز على سنة غير معينة، فإذا قال الرجل للرجل: أكريك الدار سنة، تعينت السنة من يومئذ لهذه العلة، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق أنه لا يأتي أهله نهارا] مسألة وقال: في رجل حلف بالطلاق، أنه لا يأتي أهله نهارا، قال: لا شيء عليه، قيل له: فإن حلف ألا يبيت عند امرأته أبدا، وقال: أنا آتي بالنهار، قال: ذلك له، ولا أبلغ به إن أطلق، وقال: قبل ذلك يتلوم له، فإن أبى طلق عليه. قلت: أرأيت إن كانت عنده امرأتان، فكان يبيت عند إحداهما ولا يبيت عند الأخرى قال: لا تطلق عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله عز وجل جعل الليل سكنا ليسكن الرجل فيه إلى أهله، والنهار مبصرا ليبتغي فيه الرجل من فضل ربه، فقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [القصص: 72] ، وقال تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73] ، يريد تعالى لتسكنوا في الليل، ولتبتغوا من فضل الله بالنهار، فوجب ألا يكون على من حلف ألا يأتي أهله نهارا شيء؛ لأنه حلف

مسألة: دعا امرأته لحقه فلم تجبه فقال إن قمت ولم تفعلي فما أنت بامرأة

أن يفرغ نهاره لما جعله الله له، وأن يكون الرجل في حلفه ألا يبيت عند امرأته مضرا بها؛ لأنها لم تتزوجه إلا لتسكن إليه ويسكن إليها في الحين الذي جعله الله وقتا للسكون، وهو الليل، فمرة استحق ذلك ولم يره من الضرر الذي يجب به الطلاق عليه، ومرة رآه من الضرر البين الذي يجب به أن يطلق عليه بعد التلوم وهو الأظهر، لما قدمناه من دليل كتاب الله عز وجل. ولا إيلاء عليه بحال؛ لأن الإيلاء إنما هو على من حلف على ترك الوطء جملة، وهو إنما حلف على ترك الوطء بالليل دون النهار، وكذلك الذي يبيت عند إحدى امرأتيه، ولا يبيت عند الأخرى، لا تطلق عليه على القول الواحد، وتطلق عليه على القول الثاني بعد التلوم وهو الأظهر؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لرافع: «يا رافع اعدل بينهما وإلا ففارقهما» . [مسألة: دعا امرأته لحقه فلم تجبه فقال إن قمت ولم تفعلي فما أنت بامرأة] مسألة وقال: في رجل دعا امرأته إلى ما يدعو إليه الرجال نساءهم، فلم تجبه إلى ذلك، فقال: إن قمت ولم تفعلي ما دعوتك إليه، فما أنت بامرأة، يريد بقوله ذلك الطلاق، فنقر رجل الباب، فقامت ولم يكن نوى طلقة ولا اثنتين ولا ثلاثا، قال: هو عندي لي ثقيل، فرأيت في معنى قوله: إن الطلاق قد لزمه ألبتة. قال محمد بن رشد: قوله: يريد بذلك الطلاق، يدل على أنه لو لم يرد بذلك الطلاق، لم يكن عليه شيء، مثل ما في التخيير والتمليك من المدونة وقال: إنه إن أراد بذلك الطلاق فهو ثقيل، ولم يبين ما يلزمه، والذي ظهر إلى الراوي من معنى قوله: إنه البتات كذلك، روى أصبغ عنه نصا أنه ثقيل، والاحتياط فيه البتة، وقال أصبغ: هو جميع الطلاق، ظاهر قوله في وجه الحكم، واللزوم ليس من باب الاحتياط كما قال ابن القاسم. وقال عيسى بن دينار: هي واحدة، وقول ابن القاسم: هو الصحيح، لاقتضاء اللفظ له؛ إذ لا تخرج على أن تكون له امرأة إلا الطلاق، البتات؛ لأن المطلقة واحدة أو اثنتين باقية في العصمة، ما لم تنقض العدة ترثه ويرثها، وتجب عليه

مسألة: الولد إذا أنفق على والده أينفق على امرأته معه

نفقتها، ويملك رجعتها، وقد كان بعض الشيوخ يفتي من هذه المسألة في نازلة تنزل عندنا كثيرا، وهي الرجل يحلف على امرأته، فيقول: بالله إن فعلت كذا وكذا إن كنت لي بامرأة، أو الطلاق علي ثلاثا أو الأيمان لي لازمة، أو علي المشي إلى مكة، إن فعلت كذا وكذا، إن كنت لي بامرأة إن الطلاق يلزمه بقوله: إن كنت لي بامرأة، ولا يراعى عقد يمينه ويقول: إنما معنى ذلك أنه حلف أنه قد طلقها، وذلك لا يصح؛ لأنها يمين منعقدة، يصح فيها البر والحنث، والمعنى فيها: والله أو الطلاق ثلاثا علي إن فعلت كذا وكذا لأطلقنك طلاقا لا تكون لي بامرأة فيبر في يمينه بأن يباريها بطلقة واحدة يملكها بها أمر نفسها حتى لا تكون له بامرأة، وبالله التوفيق. [مسألة: الولد إذا أنفق على والده أينفق على امرأته معه] مسألة قال أشهب وابن نافع: سألنا مالكا عن الولد إذا أنفق على والده، أينفق على امرأته معه؟ قال: إن كان الولد موسرا أو كان ذلك يسيرا فما أشبه ذلك أن تكون عليه النفقة، وإن كان رجلا ناكحا بامرأة لها شأن، فما أرى ذلك عليه. قال محمد بن رشد: في المدونة: إنه يجبر على نفقة امرأة واحدة من زوجات أبيه، كانت أمه أو ربيبة، وقال المغيرة في غير المدونة، ومحمد بن عبد الحكم: لا يلزم الإنفاق على ربيبته، وإنما ينفق على أبيه وأمه، ورواية أشهب هذه قولة ثالثة بين القولين، فقف على ذلك، وبالله التوفيق لا شريك له. تم الجزء الثاني من كتاب طلاق السنة بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والله المعين بفضله. يتلوه كتاب الأيمان والطلاق. انتهى الجزء الخامس من البيان والتحصيل للإمام ابن رشد من عمل ثمانية عشر جزءا يتلوه أول السادس كتاب الأيمان بالطلاق

كتاب الأيمان بالطلاق الأول

[كتاب الأيمان بالطلاق الأول] [قال إن زدت على رطل وربع فامرأتي طالق]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم، قال: سئل مالك عن رجل، قال: إن زدت على رطل وربع فامرأتي طالق وكان يبيع لحما وزنا فباع صدرا وزنا، ثم بدا له أن يبيع ما بقي بالأجزاء لا يدري باع بأكثر أو لا؟ قال: أراه حانثا إلا أن يعلم أن الأجزاء كانت أقل من رطل وربع، فإن علم أنها أقل أو مثل فذلك إلى نيته، وإن لم يعلم، وقال: لا أدري لعله أكثر، فهو حانث. قال محمد بن رشد: رأيت لابن دحون أنه قال: يطلق عليه في هذه المسألة بالقضاء والفتيا لأنه شاك، والشك دخل عليه من نفسه لا من غيره، قال: وفيه اختلاف، وفى قوله نظر؛ لأنه أجمل، ولا بد فيه من التفصيل.

مسألة: معه أخت لامرأته في بيت ساكنة فحلف بطلاق امرأته لا يساكنها

أما إذا باع جزافا وهو ذاكر ليمينه ولا يدري هل الأجزاء التي باع أقل أو أكثر فلا اختلاف في أنه يطلق عليه بالحكم إذا أقر بذلك على نفسه؛ لأنه كمن حلف بالطلاق على ما يشك فيه ولا يمكن معرفته. وأما إن كان بالأجزاء وهو يعتقد بتقديره أن الذي باع أقل من رطل وربع ثم أتاه الشيطان فأدخل عليه الشك وقال له: لعلك قد غلطت في التقدير، فهذا لا يؤمر ولا يجبر. وأما إن أتاه الذي باع منه اللحم فقال له: وجدت فيه أكثر من رطل وربع ولم يدر هل صدقه أو كذبه فهذا يؤمر ولا يُجْبر، وكذلك إن باع بالأجزاء وهو ناس ليمينه فلم يدر أن كان الذي باع أقل أو أكثر يؤمر ولا يجبر، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وقد مضى في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة من تقسيم الشك في الطلاق ما يبين هذا وبالله التوفيق. [مسألة: معه أخت لامرأته في بيت ساكنة فحلف بطلاق امرأته لا يساكنها] مسألة وسئل مالك: عن رجل كانت معه أخت لامرأته في بيت ساكنة، فحلف بطلاق امرأته لا يساكنها فخرج عنها وبقيت امرأته في البيت فجعل يطلب منزلا ينتقل إليه فأقاما فيه أياما حتى أصابا منزلا فجمع امرأته إليه فيه ثم إنه خرج يريد سفرا وترك امرأته في ذلك المنزل، ثم إن المنزل انهدم من بعده وهو غائب فرجعت امرأته إلى المنزل الأول فكانت مع أختها حتى قدم زوجها، أترى عليه حنثا؟

قال: أرى يُدَيَّن، إن كان لم ينو ألا تدخل امرأته لتزور أختها أو لتمرضها فلا أرى بأسا أن تدخل وتمرض ولا أرى عليه حنثا، وذلك أنه خرج ولم يسكن، وإنما كان ذلك منها على غير ما نوى زوجها، قال أصبغ: معنى هذه، المسألة إنما حلف ألا يساكنها هو بنفسه وهذا الذي نوى، فإما إن كان حلف منها ألا يساكنها فترك امرأته معها وخرج يطلب بيتا لكان حانثا في تركه إياها معها حتى وجد منزلا. قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة خلاف قوله في المدونة وخلاف ما يأتي في رسم القطعان من سماع عيسى من أن من حلف ألا يسكن دارا فلم يجد ساعة حلف بعياله وأهله وولده ومتاعه وإن كان في جوف الليل حنث، وتأويل أصبغ عليه غير صحيح؛ لأنه لو تكلم على أنه نوى ألا يساكنها هو بنفسه لما قال إنه يحنث برجوع امرأته إلى منزل أختها وكونها معها على وجه السكنى، ولا يحنث إن فعلت ذلك على وجه الزيارة أو التمريض إلا أن يكون نوى ذلك، ووجه قوله أنه راعى مقصد الحالف دون الاعتبار لمقتضى لفظه؛ لأن من حلف ألا يساكن رجلا فمعنى لينتقلن عنه في أعجل ما يقدر، فإذا لم يغره في ارتياد منزل والانتقال إليه لم يحنث، وما في المدونة يأتي على اعتبار مقتضى لفظه دون مراعاة قصده؛ لأنه إذا حلف على ألا يساكن رجلا ولم ينتقل عنه تلك الساعة فقد ساكنه بعد يمينه، وقد بينا هذا الأصل والاختلاف فيه في رسم الثمرة ورسم جاع من سماع عيسى من كتاب النذور وفي غيره من

مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يدخل عليه من قبل أخته هدية

المواضع، وإيجاب مالك عليه الحنث برجوع امرأته إلى مساكنة أختها بغير علمه بعد أن انتقل بها عنها ليس ببيّن؛ لأنه لم يحلف عليها ألا تساكن أختها فيحنث برجوعها إلى مساكنتها، وإنما حلف ألا يساكنها هو، فإذا انتقل عنها بزوجته وجميع متاعه فقد بر ووجب ألا يحنث برجوعها إلى مساكنتها بغير علمه إلا أن يعلم بذلك فيقرها، كمن حلف ألا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه ذلك البيت أنه لا يحنث إن خرج عنه من ساعته باتفاق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يدخل عليه من قبل أخته هدية] مسألة وسئل: عمن حلف بطلاق امرأته ألا يدخل عليه من قبل أخته هدية وكان له ولد صغير أو كبير يدخل عليها فيصيب اليسير من الطعام وأشباه ذلك هل ترى ذلك منفعة فيكون حانثا؟ أم ما ترى في ذلك؟ قال: أما من خرج من ولاية أبيه من الكبار واستغنوا عنه فأصابوا شيئا منها فلا أرى عليه شيئا؛ لأنه لا يصل إليه من منفعة ولده شيء، وأما ولده الصغار فإن لم يكونوا يصيبون من عندها إلا اليسير الذي لا ينتفع به الأب في عون ولده مثل الثوب يكسوه إياه فيكون قد انتفع بذلك حين كفاه ذلك أن يشتري له ثوبا ويطعمه طعاما يغنيه ذلك عن مؤنته أو شبه ذلك، فإذا كان ذلك رأيت أن قد دخلت عليه منفعة فأراه عند ذلك حانثا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى لا وجه للقول فيها، وتفرقته فيما أكل عندها ابنه الصغير من الطعام بين أن يكون يسيرا لا

مسألة: قال لامرأته إذا أخرجت إلي متاعي فأنت طالق

يحط عنه به من مؤنة ولده شيء، أو كثير ينحط به عنه من ذلك يبين ما وقع في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب النذور، ولو خرج من عندها بطعام فأكله لحنث يسيرا أو كثيرا على ما في المدونة في الذي يحلف ألا يأكل لرجل طعاما فدخل ابن له صغير فأطعمه خبزا فخرج به فأكله الحالف. [مسألة: قال لامرأته إذا أخرجت إلي متاعي فأنت طالق] مسألة وسئل مالك: عن رجل كانت بينه وبين امرأته محاورة فدعته إلى الفرقة وله عندها متاع فخاف أن تحبسه عنده، فقال لها: إذا أنت أخرجت إلي متاعي فأنت طالق فرضيت فقامت مجمعة للطلاق فأخرجت بعض المتاع ثم ندمت فكرهت فراق زوجها فأبت أن تخرج له بقية متاعه. فقال: أرى أن تخرج له بقية متاعه، وأرى الطلاق قد وقع عليه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه لما خشي أن تجحد المتاع وتحبسه عنه فقال لها: إذا أخرجت إلي متاعي فأنت طالق يبين أن معنى يمينه أنت طالق إن أقررت لي بمتاعي وأخرجته إلي، فلما أقرت له بمتاعه وأخرجت له بعضه لزمها الطلاق؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، كمن قال لامرأته: أنت طالق إن أكلت هذا الرغيف فأكلت

مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن لم أضربك إلى شهر

بعضه، وكذلك لو أقرت له بمتاعه ولم تخرج إليه منه شيئا لوجب أن تطلق عليه؛ لأنها إذا أقرت له بمتاعه فقد حصل له غرضه الذي حلف عليه لقدرته على أخذ متاعه منها إن امتنعت عن إخراجه إليه وصار بمنزلة من قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار وصليت فيها، فدخلت الدار ولم تصل فيها، ولو أخرجت إليه بعض متاعه وجحدت الباقي لم يلزمه طلاق فيما بينه وبين الله؛ لأن غرضه الذي طلق عليه لم يتم له، كمن قال لامرأته: أنت طالق إن أعطيتني مائة دينار فأعطته خمسين دينارا ويطلق عليه إن قامت بذلك بينة؛ لأن الطلاق قد لزمه بظاهر الأمر إذا أخرجت إليه المتاع، والقول قوله أن ذلك جميع ما له عندها من المتاع، وفي رسم أبي زيد بيان هذا، ولو كانت مقرة له بمتاعه فقال لها: أنت طالق إذا أخرجت إلي متاعي لم يلزمه الطلاق إلا بإخراج جميعه؛ لأنه قد تبين هاهنا أنه أراد أن يطلقها إذا رجع إليه جميع ماله مخافة أن يحتاج في قبضه منها إلى عناء أو مخاصمة، فصار بمنزلة من قال لامرأته: أنت طالق إن أعطيتني مائة دينار، فلا تطلق إلا أن تعطيه جميع المائة، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن لم أضربك إلى شهر] مسألة وقال مالك: من قال لامرأته: أنت طالق إن لم أضربك إلى شهر، لم أر أن يعجل عليه حتى يأتي الشهر، وقال ابن القاسم: إن كان الذي حلف عليه من الضرب ضربا ليس مثله

مسألة: قال امرأته خلية إن فرطت أو توانيت في حقي

يترك والبرنية، رأيت أن يطلق عليه الساعة ولا ينتظر به. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف في أنه لا يعجل عليه الطلاق حتى يأتي الشهر؛ لأنه على بر، وإنما اختلف قول ابن القاسم هل له أن يطأ إلى الشهر أم لا على قولين؟ وقد مضى القول على هذا مستوفى في رسم يوصى لمكاتبه من سماع عيسى من كتاب الإيلاء، ولم يبين القدر الذي لا يباح له البر فيه من الضرب. وحكى ابن حبيب في الواضحة أنه إن كان حلف على عشرة أسوط ونحوها خلي بينه وبين البر ولم يطلق عليه إذا زعم أن ذلك لذنب أذنبته فيصدق في ذلك، قال: وإن حلف على أكثر من ذلك مثل الثلاثين سوطا ونحوها طلق عليه ولم يمكن من البر في ذلك إن كان لغير شيء تستوجبه، يريد: فإن كان لشيء تستوجبه مكن من البر، ومعنى ذلك عندي إذا ثبت عند السلطان أنها فعلت ما يوجب عليها ذلك المقدار من العقوبة لا أنه يصدق في قوله، قال: فإن لم يرفع إلى السلطان حتى فعل فقد أساء ولا عقوبة عليه إلا الزجر والسجن. [مسألة: قال امرأته خلية إن فرطت أو توانيت في حقي] مسألة وقال مالك: من قال: امرأته خلية إن فرطت أو توانيت في حقي على فلان حتى آخذه منه قال: إن توانى رجاء أن يأتيه بحقه حتى مرض فحال المرض بينه وبينه فقد حنث، وإن كان أقام يوما أو يومين ونحو ذلك وهو جاهد غير مقصر حتى جاءه المرض فشغله عنه فالله أعذر بالعذر.

مسألة: يحلف بطلاق امرأته ليضربنها إلى أجل يسميه

قال محمد بن رشد: ولو كان يقدر على التوكيل في مرضه ففرط وتوانى ولم يفعل حنث، قاله ابن دحون، وهو صحيح. [مسألة: يحلف بطلاق امرأته ليضربنها إلى أجل يسميه] مسألة وقال مالك في الرجل يحلف بطلاق امرأته إن لم يضربها كذا وكذا أو يقول غلامي حر إن لم أضربه كذا وكذا، ثم تأتي المرأة أو العبد يدعيان أنه لم يضربهما، ويقول الرجل قد ضربت: إنه ليس على السيد ولا على الزوج البينة على ذلك ويصدق ويحلف، قال ابن القاسم: وذلك مخالف للحقوق في قول مالك؛ لأن الرجل لو حلف بطلاق امرأته ألبتة إن لم يقض رجلا حقه إلى أجل سماه فحل الأجل وزعم أنه قد قضاه، قال مالك: إن لم يكن له بينة على القضاء طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق. قال محمد بن رشد: أما الذي يحلف بطلاق امرأته ليضربنها إلى أجل يسميه أو بعتق عبد ليضربنه إلى أجل يسميه، فلا اختلاف في أن كل واحد منهما مصدق مع يمينه بعد الأجل على أنه قد ضرب قبل الأجل؛ لأن ضرب الرجل زوجته والسيد عبده ليس بحق لهما تسأله الزوجة من زوجها أو العبد من سيده؛ فيتوثق باليمين من الحالف على ذلك ويلزمه الإشهاد على تأديبه ولعله ضرب هذا فلا يسوغ للشاهد إن استشهد على ذلك أن يحضره ليشهد به، قال في الواضحة: وإن مات السيد فادعى العبد أنه لم يضربه وجهل الورثة ذلك فالقول قول العبد حتى يدعوا أنه قد ضربه فينزلوا بمنزلة السيد في ذلك. وأما الذي يحلف بطلاق امرأته ألبتة إن لم يقض رجلا حقه إلى أجل

سماه فحل الأجل وزعم أنه قد قضاه وزعمت المرأة أنه لم يقضه وأنه قد حنث فيها بطلاق البتات، ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدهما: أن القول قوله مع يمينه فيحلف ويبرأ من الحنث بمنزلة الذي يحلف على ضرب امرأته أو أمته وإن أنكر صاحب الحق القبض حلف وأخذ حقه، وهو قول مالك في رواية زياد عنه. والثاني: أنه لا يصدق في القضاء ولا يمكن من اليمين ويبرأ من الحنث بما يبرأ من الدين من إقرار صاحب الحق بقبضه، أو شاهد ويمين، أو شاهد وامرأتين، وهو الذي يأتي على قول سحنون في كتاب ابنه. والثالث: أنه لا يبرأ من الحنث بشاهد ويمين ولا بشاهد وامرأتين ولا بإقرار صاحب الحق، ولا يبرأ إلا بشاهدين عدلين، وهو قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما عن مالك ورواية ابن القاسم هذه عن مالك ورواية ابن وهب عنه في رسم أسلم من سماع عيسى، وقد قيل: إنه يبرأ أيضا بإقرار صاحب الحق إذا كان مأمونا لا يتهم أن يوطئ حراما، وهو قول أشهب وابن عبد الحكم في الواضحة. قال ابن نافع في المبسوطة: مع يمينه، وزاد ابن القاسم في رسم أسلم من سماع عيسى: إذا كان من أهل الصدق ولا يتهم، وهذا كله إذا كانت على أصل اليمين بينة، وهو معنى قوله في هذه الرواية: طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق؛ لأنه يريد بقوله: على أصل الحق على أصل اليمين. وأما إذا لم يكن على أصل اليمين بينة إلا أن الزوج أقر باليمين لما رفع فيها وطلب بها، فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أن إقراره على نفسه باليمين كقيام البينة بها عليه. والثاني: أنه يحلف لقد قضاه حقه قبل الأجل ويبرأ من الحنث ولا يبرأ من المال إذا لم يقر صاحبه بقبضه ولا شهدت بذلك بينة، وسواء كانت على أصل الدين بينة أو لم تكن، وذهب بعض الشيوخ وهو ابن دحون إلى أن قيام البينة على أصل الحق كقيامها على أصل اليمين

مسألة: حلف بالطلاق ألا يكلم امرأته كذا وكذا فأراد أن يقبلها

على ظاهر قوله في هذه الرواية: طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الشهادة على أصل الحق لا تأثير لها في وجوب الطلاق، فالمعنى في ذلك ما ذكرناه، ولو أنكر اليمين ولم تقم عليه بها بينة لم تلحقه في ذلك يمين، ولو أنكر اليمين وأقر أنه لم يدفع الحق قبل الأجل فلما قامت عليه البينة باليمين أقام هو بينة على دفع الحق قبل الأجل قبلت منه بينته على اختلاف في هذا الأصل قائم من المدونة وغيرها، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ألا يكلم امرأته كذا وكذا فأراد أن يقبلها] مسألة وسئل مالك: عن رجل حلف بالطلاق ألا يكلم امرأته كذا وكذا فأراد أن يقبلها. فقال: أخشى أن تكون أن يعتزلها فإن كان كذلك فلا يفعل، قال: وإن لم يكن نوى اعتزالها فلا أرى بأسا أن يقبلها ويطأها. وقال محمد بن رشد: لا يخلو الحالف في يمينه هذه من ثلاثة أحوال: أحدها: أن ينوي أن يعتزلها، والثاني: أن ينوي ألا يعتزلها، والثالث: ألا تكون له نية. فإن نوى أن يعتزلها حنث إن وطئها أو قبلها، وإن نوى ألا يعتزلها لم يحنث بشيء من ذلك، وإن لم تكن له نية فالظاهر من قوله: وإن لم يكن نوى اعتزالها فلا أرى بأسا أن يقبلها أو يطأها أن يمينه عنده محمولة على غير الاعتزال حتى ينوي الاعتزال، وهو ظاهر قول ابن شهاب في أول كتاب الإيلاء من المدونة، ووجه ذلك ظاهر، وهو أن الكلام غير الوطء، كل واحد منهما بائن عن صاحبه ليس بداخل فيه،

عبد كانت تحته أمة فحلف بطلاقها في شيء ألا يفعله ففعله

فوجب ألا يحنث إذا حلف ألا يكلم امرأته فوطئها، كل يحنث إذا حلف أن يطأها فكلم بخلاف الذي يحلف إن هو يطأ فيثب عليها بذكره فيما دون فرجها، هذا هو محمول على الاجتناب حتى ينوي الفرج بعينه، على ما قال في كتاب الإيلاء: أن العبث عليها بالفرج داخل تحت الوطء، ألا ترى أنه لو حلف ألا يعبث عليها بذكره فوطئها لم يشك في أنه حانث، وأصبغ: يرى أنه إذا حلف ألا يكلمها فوطئها يحنث من جهة فهمها لما يريده منها كالذي يحلف ألا يكلم رجلا فيشير إليه، وقد مضى القول على ذلك في سماعه من كتاب النذور، وبالله التوفيق. [عبد كانت تحته أمة فحلف بطلاقها في شيء ألا يفعله ففعله] ومن كتاب سلعة سماها قال: وسئل مالك: عن عبد كانت تحته أمة فحلف بطلاقها في شيء ألا يفعله ففعله وسيد الجارية شاهد عليه، فقال: إنما حلفت بطلاقها واحدة ونسي سيد الجارية يمينه، فاستحلف الزوج فحلف أنه ما حلف إلا بتطليقة واحدة، أفترى ذلك يجزيه أم يستحلف عند المنبر؟ قال: لا يجزيه حتى يحلف عند المنبر. قال محمد بن رشد: قوله وسيد الجارية شاهد عليه ليس بخلاف لما في المدونة من أنه لا يجوز شهادة السيد على عبده بطلاق زوجته؛ لأنه إنما ذكر ذلك وصفا للأمر على ما وقع، ولم يحلفه من أجل شهادته لا سيما وهو قد نسي يمينه، وإنما حلفه من أجل أنه قد أقر على نفسه أنه حلف بطلاقها وحنث فادعت عليه الزوجة من عدد الطلاق أكثر مما أقر به،

مسألة: حلف ألا ينفق على امرأته سنة

فوجب أن يحلف، بخلاف إذا ادعت أنه طلق وأنكر، وإيجابه عليه لليمين عند المنبر صحيح؛ لأنه إذا وجب عليه أن يحلف عنده في الحقوق بظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من حلف على منبري إثما فليتبوأ مقعده من النار» ، كان أحد أن يحلف عنده في الطلاق؛ لأن حرمة الفرج آكد من حرمة المال. [مسألة: حلف ألا ينفق على امرأته سنة] مسألة وسئل: عن الرجل يحلف لامرأته بطلاقها البتة إن أنفق عليها سنة فغاب عنها سنة، ثم أتى بعد ذلك فيريد أن يدفع لها في ذلك دنانير نفقة السنة. قال: إذا دفع إليها ذلك فقد أنفق عليها، قال: إنه إنما دفع إليها بعد السنة؟ قال: وإن كان، فهو كذلك، إلا أن تكون له نية إن رفعت أمرها إلى السلطان، فيقضى عليه أن يقول لم أرد وإن قضي على، فلعلها أن ترفع أمرها إلى السلطان فيقضي عليه، فإذا قال: لم أرد هذا ولا نويته، إنما أردت ألا أنفق عليها طائعا، فإذا كان هذا نيته فلا أرى عليه شيئا. قال محمد: قوله في الذي حلف ألا ينفق على امرأته سنة فيدفع إليها بعد السنة دنانير عن نفقة السنة أنه حانث صحيح؛ لأن الذي يحلف أن لا ينفق على امرأته سنة إنما يريد توفير ماله على نفسه بترك الإنفاق عليها، فلا فرق بين أن ينفق عليها في السنة أو يدفع ذلك إليها بعد السنة، ولو ادعى أنه إنما نوى ألا ينفق عليها في السنة وأنه أراد أن يعطيها ذلك

مسألة: حلف بالطلاق ألا يشتري لحما ثم اشتراه

بعد السنة لم ينوه في ذلك؛ لأنها نية مخالفة للمعنى الذي حلف عليه، ومن ادعى نية مخالفة لظاهر يمينه الحكم به عليه لم ينو إلا أن يأتي مستفتيا ونواه إذا ادعى أنه إنما نوى ألا ينفق عليها طائعا، يريد مع يمينه على ما قال في آخر سماع أشهب؛ لأنها نية محتملة، إذ قد قيل: إنه لا يحنث إذا قضى عليه السلطان وإن لم تكن نية، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة، خلاف قول مالك هذا وقوله في سماع أشهب ودليل ما في التخيير والتمليك من المدونة، وقد مضى القول على هذا المعنى في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ألا يشتري لحما ثم اشتراه] مسألة وسئل مالك: عن رجل خرج يبتاع لأهله لحما فوجد على المجزرة زحاما فحلف بطلاق امرأته البتة إن اشترى لأهله ذلك اليوم لحما، فرجع إلى بيته فعاتبته امرأته في ذلك فخرج فاشترى كبشا فذبحه فأكلوا من لحمه. فقال: ما أراه إلا قد حنث وأرى هذا لحما، قال ابن القاسم: إلا أن تكون إنما كانت كراهيته ذلك لموضع الزحام على المجزرة ووجد لحما أو كبشا في غير المجزرة فاشتراه فأرى أن ينوي في ذلك. قال محمد بن رشد: لم يراع مالك البساط في هذه المسألة إذ رآه حانثا بشرائه الكبش من أجل أنه لحم، وذلك مثل قوله في رسم يسلف من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك ومثل ما في سماع سحنون

يحلف بطلاق امرأته البتة إن خرجت على بيت أهلها إلا بإذنه

من هذا الكتاب في مسألة البالوعة، ورعاه ابن القاسم فلم ير عليه حنثا بشرائه اللحم أو كبشا في غير زحام إذا كانت يمينه من أجل أنه كره الشراء في الزحام، وهو المشهور في المذهب، ألا تحمل اليمين إلا على مقتضى اللفظ إلا عند عدم البساط، ومثله في سماع أشهب بعد هذا في مسألة النقيب، وقد قيل: إن اليمين إذا لم يكن له بساط، تحمل على ما يعرف من عرف الناس في كلامهم ومقاصدهم بأيمانهم، والقولان قائمان من المدونة، وقد مضى القول في هذا المعنى مجودا في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب النذور. وقول ابن القاسم في آخر المسألة، فأرى أن ينوى في ذلك معناه، فأرى أن يصدق أنه إنما حلف كراهية الزحام، ولا يمين عليه في ذلك إن شهدت بينة مصورة الحال أو أتى مستفتيا. ولو شهد عليه أنه حلف بالطلاق ألا يشتري لحما ثم اشتراه، فقال: إنما كنت حلفت لأني خرجت لشرائه فوجدت على المجزرة زحاما ولم تعلم البينة ذلك لطلق عليه ولم يصدق فيما ادعاه من ذلك، وبالله التوفيق. [يحلف بطلاق امرأته البتة إن خرجت على بيت أهلها إلا بإذنه] ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك: عن الرجل يحلف بطلاق امرأته البتة إن خرجت على بيت أهلها إلا بإذنه إن لم يضربها، فخرجت مرة فضربها، هل ترى عليه شيئا في ذلك إن هي خرجت؟ قال: لا، إلا أن يكون نوى ذلك. قال محمد بن رشد: هذه المسألة موافقة لما في كتاب النذور من المدونة أن من حلف ألا يكلم رجلا عشرة أيام فكلمه فحنث ثم كلمه مرة

مسألة: رجل طلب بحق فقال امرأتي طالق ما له عندي حق

أخرى بعد أن كفر أو قبل أن يكفر أنه ليس عليه إلا كفارة وحدة، وموافقة أيضا لجميع روايات العتبية، من ذلك ما في سماع أبي زيد بعد هذا من هذا الكتاب، وأول مسألة من سماع أشهب من كتاب النذور، وأول مسألة من رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة حاشا مسألة الوثر من رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، وقد مضى هناك من القول على توجيه كلا القولين ما أغنى عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل طلب بحق فقال امرأتي طالق ما له عندي حق] مسألة وسئل مالك: عن رجل استأجره رجل يعمل له، وادعى الذي استأجره أنه استأجره يعمل له معول وعمله على ذلك رجل، فقال المستأجر: حرم أهلي إن كنت استأجرته على معول وإن كان شهد على فلان لقد شهد بباطل، ثم سئل الشاهد فقال: ما أشهد بشيء، قال مالك: أليس أنت مستيقن أنك حلفت على حق؟ قال: نعم، قال: فلا شيء عليك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه موكول إلى أمانته في صدق ما حلف عليه ما لم يتبين كذبه بعد اليمين بشهادة شهود شهدوا عليه لم يكذبهما في يمينه، ولو أن الشاهد شهد عليه لم يضره؛ لأنه قد كذبه في يمينه، بمنزلة رجل طلب بحق، فقال: امرأتي طالق ما له عندي حق، ولئن شهد علي به فلان وفلان إنهما لكاذبان، فشهدا عليه عدلا أو عدم

مسألة: قال لرجل جاء يستسلفه سلفا فقال ما عندي

الحق فلأنه لا حنث عليه لأنه قد كذبهما في يمينه، وسيأتي هذا المعنى في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى والقول فيه إن شاء الله. [مسألة: قال لرجل جاء يستسلفه سلفا فقال ما عندي] مسألة وحدثني عن ابن كنانة أن مالكا سئل عن رجل قال لرجل: جاء يستسلفه سلفا، فقال: ما عندي، قال الرجل: امرأتي طالق إن كان لك مني بد، فأعطاه الذي سأله من السلف، وقال: هذا أنا قد أعطيتك، ولكن انظر أنت في يمينك، فاختلف فيها أهل المدونة واضطربوا فيها اضطرابا شديدا، فسئل عنها مالك وأتى بها صاحبها إليه، فقال: ألم يأخذها على وزن صاحبه الذي سأله؟ قال: نعم، قال: لا أرى عليه حنثا إذا أراد وجه السلف، واحتج في ذلك وقال: إن منعه حنث، وإن أعطاه حنث، لا أرى عليه شيئا، وكأنه لم يره من وجه ما حلف عليه. قال محمد بن رشد: إنما اضطرب في هذه المسألة أهل المدونة؛ لأن قوله إن كان لك مني بد لفظ يحتمل أن يراد به إن كان لك محيص عن أن تسلفني ما سألتك إياه من السلف، فمن حمل يمينه على هذا رآه حانثا وإن أسلفه؛ لأنه قد كان له محيص عن أن يسلفه، ويحتمل أن يراد به لألزمنك حتى تسلفني ما سألتك إياه من السلف شئت أو أبيت، وعلى هذا حمل مالك يمينه، فلذلك قال: إنه لا حنث عليه إذا أخذ السلف منه

قال لامرأته إذا كفلت ابني ثلاث سنين فأنت طالق البتة

على مثل الوزن الذي سأله إياه، وذلك بين من قوله إنما أراد وجه، ومن احتجاجه بأن قال إن أعطاه حنث وإن منعه حنث، وقوله في آخر المسألة وكأنه لم يره من وجه ما حلف عليه معناه وكأنه لم ير من أوجب عليه الطلاق وأعطاه السلف من وجه ما حلف عليه؛ لأن الوجه في ذلك عنده أنه مهد محيص له عن أن يسلفه، ويحتمل أن يراد باللفظ أنه لا بد لك أن تفتقر إلي كما افتقرت إليك فأقارضك بالحرمان كما فعلت، فمن حمل يمينه على هذا رآه أيضا حانثا لأنه حلف على غيب لا علم له به، والله أعلم. [قال لامرأته إذا كفلت ابني ثلاث سنين فأنت طالق البتة] ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك: عن رجل قال لامرأته إذا كفلت ابني ثلاث سنين فأنت طالق البتة، وكان بينه وبينها كلام، فقال لها: ما يمنعني من فراقك إلا مكان ابني، ولكن إذا كفلته ثلاث سنين فأنت طالق. فقال: أراها طالقا البتة حين تكلم به. قال ابن رشد: مثل هذا في سماع عبد المالك عن ابن القاسم، وإنما لزمه الطلاق في الوقت لأنه مطلق إلى أجل هو آت على كل حال، كمن قال لامرأته أنت طالق إلى ثلاث سنين، هذا مفهوم من قصد الحالف على بساط المسألة أنه إنما كره أن يطلقها وله منها ولد صغير يشقى بكفالته فأراد أن يوقع على نفسه طلاقها بعد ثلاثة أعوام كي إن عاش الولد إلى هذه المدة كان قائما بنفسه مستغنيا بذاته، ولم يكره حصانة الولد فيكون ذلك شرطا في الطلاق لا يقع عليه إلا باستيفائها مدة الحضانة كمثل أن يكره من زوجته حضانتها للصبي وتسأله أن يبيح لها ذلك، فيأبى ويقول: إن حضنته ثلاثة أعوام فأنت طالق، فهذا لا يقع عليه طلاق إن لم يستكمل حضانة الثلاثة الأعوام، كمن قال لزوجته: إن صحب فلان زوجته ثلاثة

مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يفارقه حتى يذهب به إلى السلطان

أعوام فأنت طالق، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يفارقه حتى يذهب به إلى السلطان] مسألة وسئل: عن رجل وقع بينه وبين رجل خصومة فحلف بطلاق امرأته ألا يفارقه حتى يذهب به إلى السلطان أو إلى صالح فلقي حاطبا خليفة صالح، فقال: أرسله. فقال مالك: حاطب ليس بصالح، ولو شاء لجلس معه حتى يصبح فيلقى صالحا، وكأنه رآه حانثا وشدد عليه في ذلك. قال محمد بن رشد: قوله حاطب ليس بصالح، يدل على أنه لم ير أن يبرأ إلا أن يذهب به إلى من سماه بعينه، وذلك على القول بمراعاة مقتضى حقيقة الألفاظ في الأيمان دون ما يظهر من المقاصد فيها؛ لأن الظاهر من مقصد الحالف بهذه اليمين أنه إنما أراد الإرهاب عليه بالذهاب به إلى من يهابه لمرتبته، وسمى صالحا لتوسمه ذلك فيه، فلو ذهب به على هذا إلى من هو فوق صالح من الحكام لبر كذلك لو حلف ألا يفارقه حتى يذهب به إلى السلطان أو إلى حاطب خليفة صالح فذهب به إلى صالح لبر، وهو الذي يأتي على ما في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب، وأما إذا ذهب به إلى حاطب خليفة صالح الذي سمى فلا اختلاف أنه لا يبر بذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لأمه بطلاق امراته ألا تأمره فيها ولا تمنعه أن ينفعها] مسألة وسئل: عن رجل قال لامرأته وعاتبته أمه في امرأته فقال لها هي طالق البتة إن كانت تأمرني فيك ولا تمنعني أن أنفعك

مسألة: يسلمه الرجل وديعة فقال امرأتي طالق البتة إن كانت في بيتي

فانقلبت إلى امرأتي فقلت لها إني أخشى أن أكون وقعت في عظيم، فقالت: ما هو؟ قال: إني قد حلفت لأمي بطلاقك أنك لا تأمرني فيها ولا تمنعيني أن أنفعها، وإنما المال الذي في يد الرجل مال المرأة، فقالت له: قد قلت لك عام الأول لا تعطيها شيئا من مالي، قال: فذكرت له ذلك. فقال مالك: أراها قد بانت منك بثلاث. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال أنه إنما حلف على يقينه ناسيا لقولها، فلما تذكره وجب عليه الحنث؛ لأن ذلك لغو وهو لا يكون إلا في اليمين بالله أو ما كان في معناه، وبالله التوفيق. [مسألة: يسلمه الرجل وديعة فقال امرأتي طالق البتة إن كانت في بيتي] مسألة وسئل مالك: عن رجل يسلمه الرجل وديعة كان استرفقه إياها قال قد دفعتها إليك، فما زال العداء بينهما حتى قال امرأتي طالق البتة إن كانت في بيتي، فلقيه رجل فقال له في علمك، فقال: في علمي. قال مالك: إن كان استثناؤه ذلك نسقا متتابعا ليس فيما بينهما صمات وكان ذلك كلاما واحدا نسقا فلا أرى عليه حنثا، وله ثنياه. قال محمد بن رشد: يريد أن ثنياه تنفعه إن وجدت الوديعة في بيته ولا يحنث، وهو صحيح لأنه قيد عموم قوله بالعلم، وغير العلم بالعلم، فخرج من ذلك غير العلم؛ لأن تقييد العموم بصفة يقتضي أن يخرج منه من ليس على تلك الصفة، فذلك في المعنى كالاستثناء بحرف من حروف الاستثناء، فوجب أن يكون له حكمه في أنه عامل بشرط تحريك اللسان واتصاله بالكلام، وقد مضى هذا المعنى مبينا في رسم الجنائز والذبائح والنذور من سماع أشهب من كتاب النذور وبالله التوفيق.

مسألة: حلف بطلاق امرأته ليرفعن أمرا إلى السلطان فرفعه إلى صاحب الحرس

[مسألة: حلف بطلاق امرأته ليرفعن أمرا إلى السلطان فرفعه إلى صاحب الحرس] مسألة حلف بالطلاق ليرفعن أمرا وسئل مالك: عن رجل حلف بطلاق امرأته ليرفعن أمرا إلى السلطان فرفعه إلى صاحب الحرس؟ فقال مالك: ليس صاحب الحرس سلطانا، قال ابن القاسم: يريد صاحب الحرس الذي يعس، فأما صاحب الشرط فهو سلطان، قال: ولا يكون صاحب المسلحة سلطانا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن لفظ اسم السلطان عام يقع على كل من له القضاء والحكم بين الناس، قال عز وجل: {فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] ، فإذا رفع أمره إلى من إليه تنفيذ الحكم في ذلك الأمر فقد بر، والعسس ليسوا بحكام وإنما هم أعوان لهم يرفعون الأمور إليهم، فوجب أن لا يبر بالرفع إليهم من حلف أن يرفع إلى السلطان وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق إن قضاك شهرا فيستأذى عليه صاحب الحق] مسألة قال: وسئل مالك: عن الرجل يكون له الحق على رجل قد حل فخرج يطلبه بحقه ويقول المطلوب امرأته طالق إن قضاك شهرا فيستأذى عليه صاحب الحق فيأمر السلطان ببيع متاعه حتى يقتضي، كيف ترى الأمر فيه؟ قال: أرى أن يدين، إن قال لم أرد إلا ألا أقضي أنا ولم أرد

مسألة: يحلف بطلاق امرأته البتة ليقضينه حقه إلى شهر

السلطان فذلك له وأدينه في ذلك ما الذي أراد بيمينه، فإن حاشا السلطان لم أر عليه شيئا وإن لم يحاش السلطان رأيته حانثا. قال محمد بن رشد: قوله إنه يدين يريد مع يمينه على ما يأتي في آخر سماع أشهب، وابن الماجشون لا يرى عليه حنثا إذا قضاه بأمر السلطان أو باع السلطان عليه ماله فقضاه إلا أن يريد مغالبة السلطان أو يحلف بين يديه فيتبين أنه أراد مغالبته، وقد مضى الاختلاف في هذه المسألة في رسم سلعة سماها قبل هذا فلا وجه لإعادته. [مسألة: يحلف بطلاق امرأته البتة ليقضينه حقه إلى شهر] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يكون له قبل الرجل الحق فيحلف بطلاق امرأته البتة ليقضينه حقه إلى شهر إلا أن يحب أن يؤخره في مثل يمينه الذي حلف له بها، فلما كان قبل الشهر بيوم وخاف صاحب الحق أن يحل الشهر فيحنث أنظره من قبل نفسه شهرا آخر وأشهد له، والذي عليه الحق حاضر لم يسأله ولم يستنظره. قال مالك: عسى، يريد بذلك أن ذلك يجوز، قال سحنون: قال ابن القاسم: ورأيت مالكا يخففه، وقال: لا بأس به وإن لم يسأله، نظرته جائزة ولا حنث عليه، وهذا الذي أراد مالك، وروى عيسى عن ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: أما نظرته إياه دون أن يستنظره إذا حلف ليقضينه حقه إلى أجل كذا وكذا إلا أن يحب أن يؤخره فجائزة على ما يقتضيه اللفظ إذا لم يقل إلا أن يستنظره فيجب أن ينظره، وإنما قال مالك:

قال لجارية أنت حرة إن لم أبعك فإذا هي حامل منه ولم يعلم

عسى أن يجوز وخففه ولم يقطع بجوازه مخافة أن يكون قصد الحالف إلا أن يستنظره فيجب أن ينظره، ولم يتكلم هل تبقى عليه اليمين إلى الأجل الذي أنظره إليه أم لا؟ ولا اختلاف في أنها تبقى عليه في هذه المسألة لقوله فيها: في مثل يمينه الذي حلف له بها، ولو قال إلا أن يحب أن يؤخره ولم يقل في مثل يمينه التي حلف له بها لتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أن اليمين تُبْقِي عليه إلى الأجل الذي أخره إليه لأنه هو المعنى المفهوم من قصد الحالف، وهو قول مالك في رسم نذر سنة بعد هذا. والثاني: أن اليمين تسقط عنه بالتأخير ولا يرجع عليه؛ لأنه هو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ في حكم الاستثناء في اللسان، ويدل عليه قوله في هذه المسألة في مثل يمينه التي حلف له بها، ولو قال إلا أن يوسع له في الأجل أو يفسح له فيه لبقيت عليه اليمين إلى الأجل الذي أخره إليه على ما في سماع عيسى بعد هذا في رسم أوصى قولا واحدا؛ لأنه هو ذلك الأجل الذي حلف عليه إلا أنه مده له ووسع عليه فيه، والله أعلم. [قال لجارية أنت حرة إن لم أبعك فإذا هي حامل منه ولم يعلم] ومن كتاب طلق ابن حبيب وسئل مالك: عن رجل كان له سوط وأنه غاب عن أهله أشهرا فقدم عليهم فعتب عن غلام له أراد ضربه فسألهم أن يعطوه السوط، فقالوا: لا نعلم مكانه، فكأنه ظن أن ذلك منهم كراهية ضربه الغلام، وإنهم خبوه عنه، فقال: حرم علي ما حل لي إن لم تأتوني به، فطلبوه فلم يجدوه ووجدوا سوطا غيره فأتوه به، فقال الخادم وغيرها من أهل البيت: هو هو، ولم يعرفوه وأنكر أن يكون هو.

قال مالك: أرى إن لم تكن عرفته أن الطلاق قد لزمك وقد بانت منك، وقال: لم أره يذكر شيئا أراده. قلت له: فإن ذكر نية أكنت تنويه؟ قال: لم أره يذكره، وكأن وجه قوله أن يكون ذلك له، ومعنى ذلك في رأيي أن يقول لم أرده، وإن لم تكن له نية إنما حلفت على أني أظن أنهم غيبوه. قال ابن القاسم: ومثل ذلك كمثل الرجل يقول لجارية: أنت حرة إن لم أبعك، فإذا هي حامل منه ولم يعلم، فهل إن كانت له نية حين حلف وأراد، إلا أن تكون حاملا وإلا فقد عتقت عليه؛ لأنه لم يصل إلى بيعها، وكذلك قال إلى مالك، قال ابن القاسم: وكذلك السوط فيما رأيت من وجه قول مالك، إلا أن تكون له نية أن يقول: إنما حلفت وأنا أظن أنهم غيبوه، فإذا كانت نيته فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة خالف ابن القاسم فيها مالكا وذهب إلى أن تفسير قوله على مذهبه، فقال: ومعنى ذلك في رأيي أن يقول إلى آخر قوله: فالتبست المسألة بذلك وأشكلت، وقول مالك فيها: إنه حانث، إلا أن تكون له نية وإن كان حلف وهو يظن أنهم غيبوا عنه السوط، وذلك بين من قوله: لأنه قال أرى إن لم تكن عرفته، فإن الطلاق قد لزمك وبانت منك، وهو إنما حلف وهو يظن أنهم غيبوا عنه السوط كراهية لضرب الغلام، وقوله: لم أره يذكر نية يدل على أنه لو ذكر نية لنواه، والنية التي ينتفع عنده بها، وعلى مذهبه أن ينوي في حلفه عليهم أن يأتوه به إن كانوا خبوه وهم عالمون بموضعه على ما ظنه بهم على قياس قوله كالذي يحلف بحرية أمته فإذا هي حامل منه أنه حانث إلا أن يكون نوى إن لم تكن

مسألة: رفع الدراهم في بيته ثم طلبها فلم يجدها

حاملا، وأما قوله وأراد إلا أن تكون حاملا فهو كلام وقع على غير تحصيل، ومراده به وأراد إن لم تكن حاملا؛ لأن قوله: إلا إنما هو استثناء ولا اختلاف في أن الاستثناء بـ "إلا أن"، لا بد فيه من تحريك اللسان، وقول ابن القاسم فيها إنه لا حنث عليه إذا حلف وهو يظن أنهم غيبوه لأنه رأى أن حلفه وهو يظن ذلك بمنزلة النية التي رأى مالك أنه ينوي فيها وينتفع بها، وذلك خلاف لقوله، لا تفسير له كما ذهب إليه، وكذلك لا يحنث على مذهبه في مسألة الأمة التي حلف بحريتها ليبيعنها وإن لم تكن له نية؛ لأنه إنما حلف وهو يظن أنها غير حامل، وكذلك لو حلف بحريتها فألفاها الليلة فإذا هي حائض لم يحنث عند ابن القاسم وحنث على مذهب مالك، وهو قول أصبغ، وهذا على اختلافهم في مراعاة المقصد في الأيمان والاعتبار بمقتضى اللفظ دون مراعاة القصد. ولو حلف ليطأنها الليلة فألفاها ميتة أو ماتت من ساعتها لم يحنث باتفاق، كمسألة الحمامات الواقعة في النذور من المدونة، وإنما لا يحنث في مسألة السوط إن لم يأتوه بالسوط على مذهب مالك إن كانت له نية، وعلى مذهب ابن القاسم إن كان حلف وهو يظن أنهم غيبوه عنه إذا تحقق أنهم لم يغبوه عنه، وأما إن لم يتحقق ذلك واتهمهم في قولهم أنهم لم يغيبوه عنه فهو حانث، إلا أنه لا يحكم عليه بالطلاق إذ لا يتحقق حنثه فيؤمر بذلك ولا يجبر عليه وبالله التوفيق. [مسألة: رفع الدراهم في بيته ثم طلبها فلم يجدها] مسألة وسئل مالك: عن رجل رفع دراهم له في بيته فالتمسها بين فرشه فلم يجدها، فقال لامرأته: أين الدراهم؟ فقالت: ما رأيتها، فقال: أنت طالق البتة إن كان أخذها أحد غيرك، ثم إنه خرج ورجع على مصلى كانت له في البيت فرفعه فإذا هو بالدراهم

تحت المصلى، وذكر أنه جعلها ثم نسيها. قال: أرى أنها طلقت عليه البتة، قيل له: إنه يقول إنما حلفت ما أخذها غيرك، وإنها لم تأخذها هي ولا غيرها، ففكر فيها ثم تعجب فيمن يقول لم يحنث، ثم قال مالك: إنما ذلك بمنزلة ما لو قال لم يسرقها أحد غيرك لم يحركها أحد غيرك، فأراه حانثا. وفي سماع عيسى من كتاب بع ولا نقصان عليك، قال ابن القاسم: في رجل افتقد بضاعة في بيته فاتهم امرأته، فقال لها: أين البضاعة؟ فقالت له: ما أدري، فقال لها: أنت طالق إن لم تأتني بها بعينها، ثم وجدها في مكان جعلها فيه، قال: هي طالق، ثم أتي بهذه المسألة التي فوقها، وقال: هي طالق، قال: ولقد كان بيني وبين ابن بر فيها كلام، فسألنا مالكا عنها، فقال: قد حنث في قوله في هذه المسألة، وعجب ممن يقول لم يحنث. قال محمد بن رشد: قول مالك في الذي رفع الدراهم في بيته ثم حلف لما طلبها فلم يجدها بالطلاق، أن امرأته أخذتها، ثم وجدها حيث جعلها إن الطلاق يلزمه، إلا أن تكون له نية أنه إن كانت أخذت هو على قياس قوله في المسألة التي قبلها؛ لأنه إنما حلف وهو يظن أنها قد أخذت فانكشف الأمر بخلاف ما ظن، وفي الثمانية من رواية ابن الماجشون عنه أنه لا حنث عليه، وأنها نزلت فسئل عنها عامة أهل المدينة فلم يختلفوا في أنه لا شيء عليه، وهو على قياس قول ابن القاسم في المسألة التي قبلها؛ لأن معنى يمينه إنما هي أخذتها إن كانت أخذت، وأما مسألة البضاعة لابن القاسم فهي كمسألة السوط المتقدمة بعينها، فقوله فيها خلاف قوله في مسألة السوط، مثل قول ابن دينار في مسألة البضاعة هذه، وقول مالك في مسألة البضاعة هذه على قياس قوله في مسألة السوط، وقد مضى من القول في مسألة السوط ما فيه بيان وشفاء، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف ألا يزوج ابنته لابن عمه ثم خطبها بعد ذلك

[مسألة: حلف ألا يزوج ابنته لابن عمه ثم خطبها بعد ذلك] مسألة وسئل مالك: عن رجل كانت له ابنة متزوجة فكان بينها وبين زوجها كلام، فقال أبوها اتق الله يا عبد الله، فإما أمسكت بمعروف، وأما سرحت بإحسان، فقال له زوجها: احلف لي بطلاق امرأتك لئن أنا فارقتها ألا تزوجها فلانا لابن عم له، فقال: نعم امرأته طالق البتة إن أنت فارقتها إن زوجتها فلانا فأقامت معه بعد ذلك ما شاء الله ثم وقع بينه وبينها شر، فقال له أبوها: اتق الله يا عبد الله إنما بك ما أعطيتها مما هو عليك أو دفعته إليها، فأنا له ضامن وخل سبيلها، فقال زوجها لأبيها: فقد ملكتك ذلك، فوقف الأب إعظاما للتفرقة، ثم قال لابنته: يا فلانة، هذا زوجك قد كان من أمره كذا وكذا وملكني، فقالت: قد رددت عليه ما أعطاني وبرئت منه وبرئ مني، فقال الزوج: قد رضيت، فذهب بها، ثم إنها اعتدت فانقضت عدتها ثم خطبها الذي كان أبوها حلف فيه ولم يكن زوجها فارق ابنته يوم حلف ألا يزوج ابن عمه. فقال مالك: أرى اليمين عليك، قيل له: فما لهذا حيلة؟ قال: بلى، إن هي استأذنت السلطان حتى يزوجها فإنها ثيب مالكة أمرها لم أر عليه شيئا. قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة إن اليمين عليه وهو لم يفارق ابنته يوم سأله طلاقها خلاف المشهور في المذهب من حمل الأيمان على بساطها، مثل قوله في رسم سلعة سماها، وقد تقدم القول على ذلك هنالك ولو لم يكن في هذه المسألة بساط تحمل عليه يمين الحالف من سؤال الأب إياه الطلاق لتخرج ذلك على الاختلاف في اليمين هل هي محمولة على التعجيل حتى يريد التأخير، أو على التأخير

مسألة: حلف بالطلاق أن يشق كبده إن شق ثوبه

حتى يريد التعجيل، والاختلاف في هذا جار على اختلاف أهل الأصول في الأمر هل يقتضي الفور أم لا؟ وقد مضى هذا المعنى في كتاب النذور في رسم سن من سماع ابن القاسم ورسم المكاتب من سماع يحيى، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق أن يشق كبده إن شق ثوبه] مسألة وسئل مالك: عن رجل كانت بينه وبين رجل منازعة فجبذ بثوبه، وقال له: لأشقه، فامرأته طالق البتة إن لم يكن لو أنك شققته لشققت جربك، ثم قال له الثانية امرأته طالق إن لم يكن لو أنك شققته لشققت كبدك إلا ألا أقدر عليك، فردده مرتين. ثم قال له مالك: استغفر الله ولا شيء عليك، قيل له: كأنك لم تر عليه شيئا إلا أن يشق الثوب؟ قال: نعم، ولم ير عليه شيئا، قال سحنون: هذه جيدة جدا يرد إليها كل رواية عن مالك مما يشبهها؛ لأنه قد اختلف في مثل هذا قوله. قال محمد بن رشد: اختلف لو كان كذا وكذا لما لم يكن يفعل كذا وكذا على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا شيء عليه إذا لم يكن ذلك الشيء كان الذي حلف ليفعلنه مما يجوز فعله أو مما لا يجوز، وهو قول مالك هذا؛ لأنه لم ير عليه شيئا إذا لم يشق الثوب، وشق الكبد مما لا يجوز له أن يفعله، فهو فيما لا يجوز له أن يفعله، وهو قول أصبغ في الواضحة. والثاني: أنه يحنث إن كان الذي حلف ليفعلنه مما لا يجوز له أن يفعله ولا يحنث إن كان مما يجوز له فعله، وهو قول مالك في رواية ابن الماجشون عنه، ودليل قوله في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة في

مسألة: حلف ألا يركب حمارا في حج فخرج إلى جدة

مسألة الذي حلف لو كان حاضرا لفقأ عين الذي شتم أخاه؛ لأنه قال فيها: إنه حانث لأنه حلف على ما لا يبر فيه ولا في مثله، فدل ذلك من قوله أنه لو حلف على ما يجوز له أن يبر فيه لم يحنث، فقول مالك في مسألة المدونة خلاف قوله في هذه المسألة، إذ لا فرق بين المسألتين، وهو الذي لجأ إليه سحنون، وقد دل على ذلك أيضا قول ابن القاسم في التفسير. الثالث: إنه حانث في المسألتين جميعا، وذهب ابن لبابة إلى أن المسألتين مفترقتان وليس ذلك بصحيح إذ لا فرق بين أن يحلف على فقء عينيه لو كان حاضرا أو على شق كبده أو شق ثوبه، وقوله كأنك لم تر عليه شيئا إلا أن يشق الثوب معناه حلف بالطلاق أن يشق كبده إن شق ثوبه فيما يستقبل لم يختلف في أنه لا شيء عليه إن لم يشق الثوب ولا في أنه يعجل عليه الطلاق إن شقه، ولا يمكن من البر بشق كبده، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يركب حمارا في حج فخرج إلى جدة] مسألة وسئل مالك: عن رجل حلف ألا يركب حمارا في حج فخرج إلى جدة وهو من أهل المدينة مرابطا، أفترى له أن يركب حمارا؟ قال: لا أرى له ذلك، ونهاه عنه، قال عيسى: إنما نهاه عن ركوب الحمار إلى جدة لأن طريقه على مكة، فأما لو كان طريقه على غير مكة فليركب حمارا إن شاء، وروى يحيى عن ابن القاسم إن كان نوى ألا يركبه في حج لشيء كرهه من ركوب الحمار في الحج فلا شيء عليه في ركوب الحمار في غير الحج إلى مكة وغيرها. قال محمد بن رشد: رواية يحيى لم تثبت في جميع الأمهات،

قال لرجل احلف ويميني على مثل يمينك

وهي صحيحة في المعنى لا إشكال في أنه إنما حلف لكراهته معنى يختص بركوب الحمار في شيء من مناسك الحج، فلا حنث عليه في ركوب الحمار في غير حج إلى مكة وغيرها، وإن كان حلف لكراهية معنى يختص بركوب الحمار في طريق مكة إلى المدينة فهو حانث إن ركب في طريق مكة إلى جدة أو إلى غيرها، وإن كان حلف لكراهة معنى يختص بركوب الحمار في طريق مكة إلى الحج فيحنث بركوبه الحمار إلى جدة وإن كان طريقه على مكة على ما قاله عيسى من أجل أنه إذا مر بمكة وجب عليه أن يدخلها محرما بعمرة، والعمرة بعض عمل الحج فيصير قد ركب حمارا في بعض أعمال الحج والحنث يدخل بأقل الوجوه، وبالله التوفيق. [قال لرجل احلف ويميني على مثل يمينك] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل مالك: عن رجل قال لرجل: احلف ويميني على مثل يمينك، فحلف بالعتق والطلاق، فأنكر ذلك. قال مالك: إذا أنكره مكانه فذلك له، وإن صمت لزمته اليمين. قال محمد بن رشد: قوله إن ذلك له إذا أنكر مكانه معناه إن ادعى أنه إنما ظن أنه يحلف بالله، وأنه لم يرد إلا ذلك على ما في رسم سلف من سماع عيسى وعلى ما حكى ابن حبيب في الواضحة، ويكون عليه اليمين في ذلك على ما حكاه ابن حبيب، وهذا إذا كانت للحالف زوجة إن كان حلف بالطلاق، أو عبيد إن كان حلف بالعتق على ما في رسم أبي زيد لأنه إنما أراد أن يكون عليه مثل ما عليه فإذا لم يلزم الحالف في يمينه شيء لم يلزمه هو شيء إلا أن يقول مثل قوله محاكاة له أو يقول على مثل ما حلفت به فيلزمه ذلك على ما قاله ابن حبيب في الواضحة، فالروايات كلها مفسرة بعضها لبعض لا يحتمل شيء منها على الخلاف، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف بتطليقة على موت ناقة أنها ماتت فيما بين الظهر والعصر

[مسألة: حلف بتطليقة على موت ناقة أنها ماتت فيما بين الظهر والعصر] مسألة وسئل مالك: عن رجل حلف بتطليقة على موت ناقة أنها ماتت فيما بين الظهر والعصر ثم شك في ذلك، فأتى يسأل مالكا بعد حين. فقال مالك: إن كانت لم تحض ثلاث حيض من يوم حلفت فارتجعها وأشهد على ذلك فقد وقعت عليك تطلقة، وإن كانت قد حاضت ثلاث حيض من يوم حلفت كنت خاطبا من الخطاب وقد بانت منك إلا بنكاح جديد. قال محمد بن رشد: يريد أن هذا يؤمر به ولا يجبر عليه إن أباه؛ لأن هذا من الشك الذي لا يحكم فيه في الطلاق، وقد مضى في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة تقسيم الشك في الطلاق على مذهب مالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [قال امرأته طالق لقد بعته منه بمحضر فلان وفلان] ومن كتاب أخذ يشرب خمرا وسئل مالك: عن عبد كانت له زوجة وأن سيده أرسل إليه في خرج كان للعبد، فأرسل إليه إني قد بعته من أخيك، فأتى سيده مغضبا يظن أنه كتمه إياه، فقال: أين الخرج؟ قال: بعته من أخيك، قال: فاحلف بطلاق امرأتك، قال العبد: امرأته طالق إن لم يكن أخوك أرسل إلي فيه وبعته إياه وانتقدت ثمنه، ثم إن العبد ذكر بعد ذلك فإذا أخو الرجل هو الذي لقيه في الخرج وباعه إياه وانتقد ثمنه، وأنه لم يأته فيه رسول. قال مالك: لا أرى عليك في ذلك حنثا، إنما أراد وجه

مسألة: طلاق السكران

الكتمان وأنه اتهمه ألا يكون باعه، وأنه غيبه، فما أرى في ذلك شيئا، قيل: إنه حلف لقد أرسل إلي وإنما لقيته؟ قال: ما أرى عليه شيئا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه لا حنث عليه لأنه لم يقصد بيمينه إلا الحلف على ما استحلفه سيده عليه من أنه قد باع الخرج ولم يغيبه عنه، وما زاد في يمينه من أن أخاه أرسل إليه فيه لم يقع عليه فيه اليمين، إذ لم يستحلفه سيده على ذلك ولا قصد هو إلى الحلف عليه ولا إلى أن يحقق بيعه به إذ لا تأثير لذلك في تحقيق البيع، ولو كان لما زاده في يمينه تأثير في تحقيق البيع مثل أن يذكر أنه لم ينتقد الثمن وهو قد حلف أنه باعه وانتقد ثمنه وهو أن يقول امرأته طالق لقد بعته منه بمحضر فلان وفلان، ثم ذكر أنه لم يبعه منه إلا فيما بينه وبينه لتخرج ذلك على قولين في مسائل حكاها ابن حبيب من هذا النوع، وستأتي هذه المسألة متكررة وما يشبهها في رسم استأذن من سماع عيسى. [مسألة: طلاق السكران] مسألة وسئل: عن عبد سكران أتى إلى باب دار رجل فأغلق صاحب الدار بابه فزعزعه السكران من الليل، فقال وهو سكران متلطخ: قد قفلته كانت له امرأة حرة- فهي طالق، فقال له صاحب الدار: ويحك ما أظنك إلا وقد حرمت عليك، قال: إن كانت حراما فهي حرام، قيل له: ويحك ما نظنك إلا وقد طلقت منك، قال: إن كانت طالقا فهي طالق. قال مالك: أراها قد بانت منه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن العبد السكران

مسألة: عبد بين أخوين فحلف أحدهما بطلاق امرأته إن لم يبع نصيبه منه

أتى إلى باب دار رجل وهو يظن داره، فلما أغلق صاحب الدار باب داره دونه، ظن هو أن زوجته هي التي أغلقت الباب دونه، فقال: هي طالق طالق يريد امرأته، فخاطبه صاحب الدار بما خاطبه به وراجعه هو بما راجعه، فرأى مالك أنها قد بانت منه بثلاث من أجل قوله إن كانت طالق فهي طالق؛ لأنها قد كانت طالقا بطلقتين بقوله: هي طالق طالق، فوقعت عليه تطليقة ثالثة بقوله إن كانت طالقا فهي طالق، ولم يلزمه شيء بقوله إن كانت حراما فهي حرام، إذ لم تكن بعد حراما، وإنما كانت طالقا تطلقتين، وهو إذا أشهدت عليه بذلك بينة، وأما إن أتى مستفتيا فادعى أنه لم يرد بذلك طلقة ثالثة، وإنما أراد الإخبار بأنها طالق إن كانت طالقا فينوي في ذلك وينوي أيضا إن أتى مستفتيا في أنه لم يرد بقوله هي طالق طالق إلا طلقة واحدة، وإنما كرر اللفظ بالطلاق على سبيل التأكيد. وإيجابه الطلاق عليه بقوله هي طالق وهو يشير إلى صاحب الدار يظن أنها امرأته معارض لأول مسألة من سماع عيسى أيضا من كتاب، والقولان في هذا المعنى قائمان من العتق الأول من المدونة: مسألة مرزوق وناصح، وقد تأول في هذه المسألة أن امرأة السكران هي التي أغلقت الباب دونه، وهو بعيد على ظاهر اللفظ، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد بين أخوين فحلف أحدهما بطلاق امرأته إن لم يبع نصيبه منه] مسألة وسئل: عن عبد كان بين أخوين فحلف أحدهما بطلاق امرأته إن لم يبع نصيبه منه أو يشتريه منه أو يقاومه إياه، فقال أخوه: أنا أبتاعه منك بدين إلى سنة وأرهنك ما اشتريت منك فيه، واجعله على يدي رجل، فكيف ترى؟

فقال: لا أرى له أن يفعل هذا، لم يخرج منه بعد، كأنه في يديه، فلا أرى ذلك له، فقال له الرجل: فإن ذلك قد نزل، أفترى علي في يميني شيئا؟ قال: ارتجع الغلام فبعه من غيره وانتقد ثمنه، ولم ير عليه في يمينه شيئا، قال ابن القاسم: لست آخذ فيه بقول مالك إذا صح أصل البيع وسلم من الدلسة، فأراه قد بر وخرج من يمينه ارتهن ذلك الذي باع أو لم يرتهنه، وغيره من البيوع أحب إلي. قال محمد بن رشد: قول الحالف في يمينه: إن لم يبع نصيبه منه أو يشتريه منه أو يقاومه إياه معناه ليبيعن نصيبه من العبد إلا أن يشتريه منه أخوه أو يقاومه إياه، فخشي مالك لما اشتراه منه أخوه بدين إلى أجل على أن يرهنه إياه إلى ذلك الأجل ألا يبر بذلك البيع مخافة أن يكون إنما باعه منه هذا البيع ليأخذه منه عند الأجل فيما لو عليه من الثمن، فكأنه في يديه لم يبعه لكونه رهنا به بالثمن، وأمره أن يرتجع الغلام فيبيعه من غيره، ومعناه: إن طاع له أخوه المبتاع بذلك، إذ من حقه أن يتمسك ببيعه إذ ليس ببيع فاسد على مذهبه، وهذا إن كان قبض منه ما اشترى وجعله على يدي رجل كما ذكر، ولو كان لم يقبضه وتركه رهنا بيديه لكان البيع فاسدا، إذ لا يجوز أن يباع شيء من الحيوان أو العروض الذي لا يجوز تأخير قبضها على أن يبقى بيد البائع رهنا إلى أجل، لا يجوز أن يتأخر قبضها منه. وقد قال ابن القاسم في المجموعة: إن مالكا إنما خاف أن يدخله البيع الفاسد فلا يبر الحالف، كمن باع عبدا إلى أجل على ألا يدفعه إليه إلا إلى الأجل، وليس قوله ببين، إذ قد ذكر أنه يجعله على يدي رجل. وقوله ولم ير عليه في يمينه شيئا معناه أنه لا يحنث إذا ارتجع الغلام، إذ لم يفته البر بالبيع بعد حين لم يضرب له أجلا إلا على القول بأن اليمين على التعجيل حتى يريد التأخير، وقد مضى القول في ذلك في رسم طلق. ورأى ابن القاسم أنه يبر بذلك البيع إذا صح أصله وسلم من الدلسة يريد من التواطي على رد العبد إليه، وإنما قال: إن غيره من البيوع أحب إليه للاختلاف

مسألة: قال جاريتك طالق إن تزوجتها

فيه، إذ قد قيل: إنه لا يجوز أن يشتري أحد شيئا بثمن إلى أجل على أن يرهن البائع ما أشتري، كان من الأصول التي يجوز تأخير قبضه أو من العروض والحيوان الذي لا يجوز تأخير قبضه، بشرط أن يجعل بيد عدل، وهو قول أشهب في سماع سحنون من كتاب السلم والآجال، وقد ذكر هناك العلة عنده في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: قال جاريتك طالق إن تزوجتها] مسألة وسئل: عن غلام قد ناهز الحلم تزوج جارية امرأة وكان يخلو بها ويغيب عليها ويغتسل منها، ثم إنه قال لسيدتها: أرسليها إلي، قالت: لا، أنت لعنت عليها وتضربها، فقال لها: أمسكي جاريتك فهي طالق إن تزوجتها. فقال مالك: ما أرى من أمر بين، وإنه لأمر مشكل، وإن أحب إلي أن يفرق بينهما وتعتد منه، ثم قال: ما الذي أراد؟ فقالوا: قد سألناه: فقال: لا أدري، إنما هو كلام خرج مني لم أرد به شيئا، قال: هو أمر مشكل، أرى أن يفرق بينهما، قيل له: بالبتة أم بواحدة؟ قال: فرق بينهما وَأْمُرْهَا أن تعتد حتى أنظر في ذلك، ولم يفصل فيها شيئا، وكان رأيه فيما أظن أو قاله البتة في أول قوله، ثم وقف. قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن هذا فقال: إذا لم يعرف ما أراد فهي البتة، وهو أحب قوله إلي. قال محمد بن رشد: إنما تطلق هذه الأمة بقوله أمسكي جاريتك لأنه أراد به وجه ردها على مولاتها، وبين ذلك بقوله هي طالق إن تزوجتها، لا بقوله هي طالق إن تزوجتها لأنها زوجته قبل ذلك فصار ذلك بمنزلة قول

مسألة: ما زاده من الكلام بعد كمال يمينه

الرجل في ثوب قد باعه: هو صدقة إن بعته، ولذلك ألزمه ابن القاسم البتة إذ لم يعلم ما أراد بقوله أمسكي جاريتك، ولو كان إنما أراد أنها طالق بقوله هي طالق إن تزوجتها على ما في نوازل أصبغ من أن من حلف ألا يشتري شيئا بعد أن اشتراه أنه حانث إلا ألا يلزمه البائع الأخذ، ولا يمكن ألا يلزم النكاح بعد انعقاده لما ألزمه البتة؛ لأن الواحدة في هذا ظاهرة، وقول ابن القاسم إنها البتة إذا لم يعرف ما أراد يدل على أنه لو ادعى نية لقبلت منه، والأظهر أنها ثلاث ولا ينوي بعد الدخول؛ لأن قوله لسيدتها أمسكي جاريتك كقوله لها قد رددتها إليك سواء، ولما قال أيضا هي طالق إن تزوجتها ولم يقل هي طالق إن راجعتها دل على أنه أراد إبانتها بذلك القول، وإلزامه الطلاق وهو قد ناهز الحلم قبل أن يحتلم، معناه إذا كان قد أنبت، قاله ابن أبي زيد، وهو خلاف ما في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة، وهذا الاختلاف جار على اختلاف قول مالك في المدونة في الإنبات، هل يحكم به بحكم الاحتلام فيما يلزمه من الحدود أو لا؟ وبالله التوفيق. [مسألة: ما زاده من الكلام بعد كمال يمينه] مسألة وسئل: عن رجل قالت له امرأته يا ابن الخبيثة، ثم جحدت أن تكون قالت له يا ابن الحبيشة، وقالت: إنما قلت له يا ابن الخبيثة، فقال لها: أنت طالق إن لم تكوني قلت لي يا ابن الخبيثة، ثم سكت قليلا فقال لها: لقد قلتها لي ثلاث مرات، ثم شك أن تكون قالتها له ثلاث مرات، إلا أنه تثبت أنها قالتها له وهو متيقن لذلك. قال: أرأيت الكلام الأخير الذي كان بينه وبين كلام يمينك

حلف بطلاقها البتة أنها ما لها حق

التي حلفت بها أردت به طلاقا أو ذكرته؟ قال: لم أرد ذلك إلا أني حلفت إذ حلفت وأنا مستيقن قد قالته لي ثم سكت وقلت لها بعد ذلك بقليل لقد قلتها لي ثلاث مرات. قال مالك: ما أرى عليك شيئا إلا أن تكون أردت بذلك طلاقا أو ذكرته. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما زاده من الكلام بعد كمال يمينه لا يقع عليه اليمين إلا أن يتصل باليمين، كما أن الاستثناء فيه لا يعمل بعد انقطاع الكلام، وبالله التوفيق. [حلف بطلاقها البتة أنها ما لها حق] ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان وسئل: عن رجل كانت بينه وبين امرأته منازعة في بيت وكانت بنت عمه، فحلف بطلاقها البتة أنها ما لها حق، فجاءت بالبينة أنه لجدها، وجاء الرجل بالبينة - أن أباه كان يحوزه دون إخوته، وجاء بشاهد واحد يشهد أن أباه كان استخلصه من إخوته. قال مالك: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إن حقه لحق، وما لها فيه من حق، وإن الذي حلف عليه بالطلاق لحق، ويخلى بينه وبين امرأته. قال محمد بن رشد: قوله إنه يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أن

مسألة: قال لزوجته أنت طالق البتة إن رددت الثوبين

قوله لحق وما لها فيه من حق، وإن الذي حلفت عليه بالطلاق حق ويخلى بينه وبين امرأته مع أن له شاهدا يشهد له باستخلاص أبيه البيت ليس بكلام محصل. والصواب: أن يحلف أن ما يشهد به الشاهد من استخلاص أبيه البيت حق، وأن ما حلف عليه من الطلاق حق، فإذا حلف على ذلك استحق البيت وخلي مع امرأته، ولو لم يكن له شاهد على الاستخلاص لحلف على ما نص ما ذكر وبقي مع امرأته ولم يستحق البيت؛ لأن الحيازة بين الأقارب ليست بعاملة إلا مع الهدم والبنيان، أو مع المدة الطويلة على اختلاف في ذلك، وفي آخر رسم الطلاق الأول من سماع أشهب بيان هذا الذي ذكرناه من أنه إذا لم يكن دليل على صدق دعواه من شاهد يحلف معه حلف وبقي مع امرأته ولم يكن له ما ادعاه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لزوجته أنت طالق البتة إن رددت الثوبين] مسألة وسئل مالك: عن رجل كسا امرأته ثوبين وكان أحدهما عند الخياط فطرح إليه إزارا وهو أحدهما، فكرهته، فقال لها حين كرهته أنت طالق البتة إن رددتهما إلي إنهما لا يرجعان إليك إلا بعدو من السلطان فردته إليه فرده إليها، ثم إنها ردته إليه. فقال مالك: ما أرى إلا وقد طلقت عليك، فقال الرجل: إنما نويتهما كليهما، فقال: قد فهمت ما تقول، أرأيت لو كانت عشرة أثواب فردت التسعة ألم تحنث؟ ما أراه إلا وقد حنث. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه بحنث برد أحدهما إليه بعد أن ردته إليه على أصولهم فيمن حلف ألا يفعل شيئين ففعل أحدهما، أو لا يفعل شيئا ففعل بعضه؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، ولا ينوي فيما

حلف بطلاق امرأته ألا يجاور أباه وهو يستطيع

زعم من أنه أراد كليهما فيما يحكم به عليه من الطلاق، إلا أن يأتي مستفتيا من أجل أنها نية مخالفة لظاهر لفظه؛ لأن من حلف ألا يفعل شيئين فقد حلف ألا يفعل واحدا منهما في ظاهر لفظه، وبالله التوفيق. [حلف بطلاق امرأته ألا يجاور أباه وهو يستطيع] ومن كتاب تأخير صلاة العشاء في الحرس وسئل: عن رجل حلف بطلاق امرأته ألا يجاور أباه وهو يستطيع، قال: هذا عندي أن يستأذي عليه السلطان أو حلف عليه لأنه مستطيع لترك مجاورته أباه، أو يحلف عليه أبوه أن يكون ذلك مخرجا له، وليس للسلطان أن يجبر على مثل هذا أحدا، وقال له: كم لك مذ حلفت؟ قال: منذ عشرة أيام، قال: كأني رأيته يرى إن كان أقام معه أن يكون قد حنث، وكأني رأيته يرى ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال له إنه يحنث بمجاورته وإن استعدى عليه أبوه السلطان مع ذلك كله، إذ لا يجبره السلطان على مجاورته. ولو أجبره على ذلك وأكرهه بما يصح الإكراه به وإن كان لا يجوز له ذلك لكان له مخرجا من يمينه، ولو ادعى أنه نوى ألا يقدم عليه أبوه أو يحلف عليه، يستعدي عليه السلطان لما صدق في شيء من ذلك مع قيام البينة عليه باليمين، ولم يجعل حرجه في عقوق أبيه بتحنيثه بيمينه عدم استطاعة لأنه لما حلف على ترك مجاورته فقد قصد إلى إسخاطه. ولو قصد بيمينه البر بأبيه مثل أن يكون له زوجة يخشى أن تضربه لقرب الجوار لكان له مخرج في يمين أبيه عليه في ذلك، والله أعلم، وقوله كأني رأيته يرى إن كان أقام معه أن يكون قد حنث معناه إن كانت

مسألة: وقعت له خصومة فحلف بالطلاق ألا يتركها حتى يبلغ أقصى ما فيها

إقامته معه إقامة تمكنه الرحلة عنه فيما دونه، وهو على قوله في أول رسم من هذا السماع، خلاف ما في المدونة من أن من حلف ألا يساكن رجلا ينتقل عنه تلك الساعة وإلا حنث، وقد مضى القول على ذلك هناك، فلا معنى لإعادته. [مسألة: وقعت له خصومة فحلف بالطلاق ألا يتركها حتى يبلغ أقصى ما فيها] مسألة كتب عليه ذكر حق، وسئل: عن رجل وقع بينه وبين رجل خصومة في سلعة اشتراها، فحلف بالطلاق أو بالعتق ألا يتركه حتى يبلغ أقصى ما فيها، فخاصم فيها فأقام شاهدا وكانت الخصومة في بيع، فقضى عليه باليمين مع الشاهد، وأراد أن يرد اليمين عليه، قال مالك: لا أحب أن يرد اليمين عليه؛ لأني أرى أنه إذا ردها عليه لم يبلغ أقصى ما حلف عليه. قال محمد بن رشد: وهذا إذا علم أن الشاهد شهد بحق، وأما إن علم أنه شهد بباطل فلا يحل له أن يحلف معه، ولا أن يحلف خصمه وهو حانث أيضا إن لم يحلف معه؛ لأنه لما حلف ألا يتركه حتى يبلغ أقصى ما فيها وهو يعلم أنه لا حق له فإنما قصد ألا يفارقه حتى يأخذ ما يدعيه قبله من الباطل إن حكم له به عليه، إلا أن يكون أراد غيظه وألا يأخذ منه شيئا، تلك نيته فلا يكون عليه شيء إن لم يحلف مع الشاهد حلف خصمه أو لم يحلفه هذا معنى. قال ابن القاسم في رسم البراءة من سماع عيسى: وأما إن لم يدر أن كان ما ادعاه قبله حقا أو باطلا إلا بشهادة الشاهد، فقال في الرسم المذكور: إنه حانث إن لم يحلف معه، يريد: وإن كان لا يسوغ له أن يحلف معه ولا يدري صدقه من كذبه؛ لأنه لما حلف ألا يفارقه

مسألة: عوتب في أمه فحلف بالطلاق أني ما علمتها إلا فظة غليظة

حتى يبلغ أقصى ما فيها، فإنما أراد ألا يسامحه في ترك شيء مما يحكم له به عليه، والله الموفق. [مسألة: عوتب في أمه فحلف بالطلاق أني ما علمتها إلا فظة غليظة] مسألة وسئل: عن رجل حلف بطلاق امرأته البتة وعوتب في أمه في شيء من أمرها فحلف بالطلاق أني ما علمتها إلا فظة غليظة عليه تحريمه مالها. قال: يدين في يمينه، ويحلف على ما حلف عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه يدين ويحلف، وإن قامت عليه البينة باليمين وطولب بها لأنها نية محتملة ليست بمخالفة لظاهر قوله، ولو أتى مستفتيا لم يكن عليه شيء. [مسألة: قال لزوجته أمام الشهود أنت طالق البتة ثلاثا إن أذنت لك] مسألة وسئل: عن رجل قالت له امرأته وعنده شهود: ايذن لي أن أذهب إلى أهلي، فقال: أنت طالق البتة، أنت طالق البتة، أنت طالق البتة، إن أذنت لك، فقالوا: قد طلقت، فقال: إنما أردت أن أسمعها وأردد اليمين عليها ولم أقطع كلامي. فقال: ما أظنها إلا وقد بانت منه وقد ألبس، وإن ما فيه ما ترى من الإشكال وما هو بالبين. قال ابن القاسم: أرى أن يحلف أنه ما أراد إلا أن يفهمها ويسمعها، ولا يكون القول قوله.

قال محمد بن رشد: الواجب في هذه المسألة على المشهور في المذهب من مراعاة البساط في الأيمان ألا يلزمه طلاق ولا يمين؛ لأنها لما سألته الإذن إلى أهلها دل ذلك على أنه إنما أراد بقوله الحلف بالطلاق ألا يأذن لها فيما سألته الإذن فيه، لا تبتيل الطلاق إذ لم تسأله ذلك. ولو سألته ذلك، فقال لها: أنت طالق البتة، أنت طالق البتة، أنت طالق البتة، إن أذنت لك إلى أهلك - لوجب أن تبين منه بالثلاث قولا واحدا، ويجعل قوله أن أذنت لك إلى أهلك ندما منه، وإنما يصح هذا الاختلاف على القول بأن البساط لا يراعى في الأيمان. وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم سلعة سماها، وقد وقعت هذه المسألة في رسم سلف دينارا من سماع عيسى معراة من البساط. وقال مالك فيها: إن الطلاق لزمه، أذن لها أو لم يأذن لها. ودينه ابن القاسم مع يمينه مثل قوله هاهنا، وعلى قوله في المدونة لا يمين عليه، فقد قال فيها: من قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن دخلت الدار - أنه ينوى إن دخلت الدار في أنه إنما أراد واحدة، فلم ير عليه طلاقا إلا أن تدخل الدار، وذلك على أصله فيها فيمن أقر بالنفقة لرجل، وقال: إن البنيان له أو بالخاتم. وقال: إن الفص له إن قوله مقبول إذا كان الكلام نسقا متتابعا، وقد روى أصبغ عنه في كتاب المديان والتفليس فيمن قال لفلان علي ألف دينار وعلى فلان وفلان: إنها كلها عليه وإن كان الكلام نسقا واحدا متتابعا، بخلاف قوله لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف دينار، وخالفه أصبغ، فلم ير عليه إلا ثلاث. الهدف: إذا كان الكلام متتابعا، فرواية أصبغ هذه عنه على قياس قول مالك في مسألة الطلاق، وقوله من رأيه على قياس قول ابن القاسم في المدونة، وإيجاب

مسألة: حلف بطلاق امرأته في دين أنه إذا وقع قسمه في دينه ليقضين ذلك الحق

ابن القاسم عليه اليمين استحسان مراعاة للخلاف، وهو أحسن الأقوال وأولاها بالصواب عند عدم البساط، والله أعلم. [مسألة: حلف بطلاق امرأته في دين أنه إذا وقع قسمه في دينه ليقضين ذلك الحق] مسألة وسئل: عن رجل حلف بطلاق امرأته البتة في دين عليه أنه إذا وقع قسمه في دينه ليقضين ذلك الحق. فقال: لا أرى عليه شيئا حتى يأخذ القسم، فإذا أخذ القسم ووقع في يديه فليدفع ذلك، فإن هو تهاون في قبضه بتوليج أو تثاقل أو ترك لذلك أو داهن في ذلك وهو يقدر على أخذه فأرى عليه الطلاق، فإن هو غلب على القسم فلم يقدر على أخذه ولم يكن فيه منه مداهنة، فلم أر عليه طلاقا. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله أنه إن فرط وتهاون في ذلك حتى مضى الوقت الذي كان يقبضه فيه لو جد في قبضه أن الطلاق يلزمه وإن لم يأمن من قبضه بعد، قال ابن المواز: وقد قيل: إنه لا يحنث حتى يرتفع العطاء وينقطع الإعطاء، فأما ما دام يرجو فلا حتى ييئس من أخذ ذلك. وجه قول مالك: مراعاة المعنى، وذلك إنما قصد ألا يمطله بحقه، وعلى ذلك وقعت يمينه، فإذا ترك اقتضاء القسم الذي حلف ليقضينه منه حتى مضى وقته المعهود، فقد مطله وحنث، والله اعلم. ووجه ما في كتاب ابن المواز: اعتبار اللفظ دون مراعاة المعنى، وهو أصل مختلف فيه، وبالله التوفيق.

مسألة: دابتين كانتا له ولامرأته ولابنته فقال الحلال علي حرام إن انتفعت بشيء منهما

[مسألة: دابتين كانتا له ولامرأته ولابنته فقال الحلال علي حرام إن انتفعت بشيء منهما] مسألة وسأل مالكا رجل: عن دابتين كانتا له ولامرأته ولابنته، فقال: الحلال علي حرام إن انتفعت بشيء منهما. فقال: يسلم ذلك إليهما فيبيعانهما ولا أحب له أن يجعل ثمنهما في شيء ينتفع به ولا في دابة أخرى ولا يجعله في كسوة أحد ممن يلزمه كسوته ويكف عنه بذلك الكسوة التي كانت تلزمه ولا في شيء مما تلزمه النفقة لا بد له منه، ولكنهما يجعلا فيه بعد هذا فيما شاءا لا يفرض لهما فيه ولا يدخلان ثمنه في شيء مما يرفع به النفقة عنه، قال أصبغ بن الفرج: إنما معنى هذا في فتيا مالك أن الحالف أراد أن يسلمه ذلك إليهما، فأما من حلف على ثوبه أو عبده ألا ينتفع به فليحبسه ولا يبعه ولا يهبه ولا يتصدق به؛ لأنه إذا فعل فقد انتفع به، وهذا إذا حلف ألا ينتفع بشيء من ثمنه، فإن لم يرده فلا بأس أن يبيعه وينتفع بثمنه ويهبه إن شاء. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا إذا اعتبرته متناقض يرد آخره أوله، أما قوله أولا: إنما معنى هذا في فتيا ملك أن الحالف أراد أن يسلم ذلك إليهما، فأما من حلف على ثوبه أو عبده ألا ينتفع به فليحبسه ولا يبعه ولا يهبه ولا يتصدق به لأنه إذا فعل ذلك فقد انتفع به فهو صحيح؛ لأنه معنى قول مالك على ما قال؛ لأن من حلف ألا ينتفع بشيء ولم تكن له نية في وجه من وجوه الانتفاع ولو كان ليمينه بساط مذكور يحمل عليه، ولا مقصد مظنون يرد إليه فالواجب أن يحمل الانتفاع على عمومه في كل شيء، فلا ينتفع به في وجه من وجوه المنافع ولا بثمنه ولا بهبته ولا يتصدق به ولا يعتقه إن كان عبدا؛ لأن ذلك كله انتفاع، ولا يبرأ إلا بحبسه دون انتفاع أو إهلاكه فيما لا يحمل عليه في الدنيا ولا يثاب عليه في الأخرى، وأما قوله آخرا: وهذا إذا حلف ألا ينتفع بشيء من ثمنه فإن لم

مسألة: أجير زرع حلف لا خان فدرى أندرا ثم عمد إلى التبن فأعاده

يرده فلا بأس أن يبيعه وينتفع بثمنه ويهبه إن شاء، فهو نص منه على أنه إذا حلف ألا ينتفع به ولم ينو ترك الانتفاع بثمنه فله أن يبيعه وينتفع بثمنه، وذلك خلاف قوله أولا؛ لأنه حمل الانتفاع على الانتفاع بعينه دون الانتفاع بثمنه لقوله به، فاتبع ظاهر اللفظ ولم يراع المعنى، وهو خلاف المشهور في المذهب، وبالله التوفيق. [مسألة: أجير زرع حلف لا خان فدرى أندرا ثم عمد إلى التبن فأعاده] مسألة وسئل مالك: عن مملوك بذي المروة وسيده بالعراق وله خلفاء بالمدينة، فكان بين العبد وبين رجل من أهل ذي المروة مشاتمة، فقال له الرجل الساكن بذي المروة: إنك لخائن، فحلف له المملوك بطلاق امرأته البتة، وكانت للمملوك امرأة حرة: إن كنت خنت تمرة واحدة، فشهد عليه أنهم رفعوا تمرا من مربد إلى مربد فبقي في أسفل المربد نوى، فقال له الحفاظ الذين معه: اشتر لنا به لحما نأكله، وكان قدر صاع، وشهد عليه أنه استخبأ يوما رطبا هو وصاحب له، فأخذ كل إنسان منهم بعضه فذهب به إلى منزله، فقال الغلام: إنما حلفت على الخيانة، فأما كل شيء وسع علي فيه فلم أرده ولم أحلف عليه، فقال وكلاء الرجل الذي بالعراق: هذه أشياء قد وسعنا للقدمة فيها يأكلون من الرطب والنوى. قال مالك: أرى أن يحلف العبد بالله الذي لا إله إلا هو أنه ما حلف بطلاق امرأته إلا على تمر يبيعه فيختان ثمنه أو يسرقه، فأما ما أصبت مما وسع علي فيه فلم أحلف عليه، إذا حلف فلا شيء عليه.

مسألة: قال لامرأته إن تزوجت ما عشت فكل امرأة أتزوجها طالق البتة

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما جرت العادة أن أرباب الأموال يسامحون القدمة فيه ولا ينكرونه عليهم إذا هم فعلوه، محتمل ألا يكون الحالف أراده، إذ ليست بخيانة محضة، فنواه في ذلك مع يمينه، وذلك صحيح على الأصول، ومن هذا المعنى في كتاب ابن المواز: وعن أجير زرع حلف لا خان، فدرى أندرا، ثم عمد إلى التبن فأعاده فخرج له منه شيء فأخذه، فإن كان ذلك التبن تركه ولا يريد معاودته فلا شيء عليه، وهو مثل السنبل يلقط خلف الحصاد. قال أبو محمد: وذلك إذا علم بذلك رب الزرع، يريد أبو محمد: إذا علم أن تبن الزرع إذا دري يعيد دروه من شاء لا يمتنع منه فيستوي في ذلك الأجير وغيره، فلا يكون حانثا، والله أعلم. [مسألة: قال لامرأته إن تزوجت ما عشت فكل امرأة أتزوجها طالق البتة] مسألة وسئل مالك: عن رجل قال لامرأته: إن تزوجت ما عشت فكل امرأة أتزوجها طالق البتة، فطلق امرأته وأراد أن يتزوج. قال مالك: أرى أن يدين، فإن كان إنما أراد وهي عندي على وجه ما يرضي به امرأته فأرى أن يحلف ويتزوج، وإن كان إنما أراد ما عاشت ولم ينو في ذلك ما كانت عندي فأرى ذلك يلزمه. قال محمد بن رشد: قوله: وإن كان إنما أراد ما عاشت ولم ينو في ذلك ما كانت عندي معناه ونواه مع يمينه وإن كانت نيته مخالفة لظاهر لفظه، لكون النية في ذلك محتملة لكونها زوجة، أو لو لم تكن زوجة له، فقال: إن تزوجت ما عاشت فلانة فكل امرأة أتزوجها فهي طالق، ثم أراد

: حلف بالطلاق أن لا يدخل لهما في شيء فذهب يريد الإصلاح بينهما

أن يتزوج قبل أن تموت، وقال: إنما أردت ما عاشت وكانت زوجة لفلان وما أشبه ذلك لم ينو في ذلك مع قيام البينة عليه، ولم يكن له أن يتزوج ما عاشت إلا أن يخاف على نفسه العنت، وبيان هذا في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، وقد مضى في آخر رسم من كتاب أوله شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح القول في هذه المسألة إذا كانت اليمين فيها شرطا في أصل العقد فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: حلف بالطلاق أن لا يدخل لهما في شيء فذهب يريد الإصلاح بينهما] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وقال مالك: في رجل دخل بين ابني عم له بصلح فاتهماه جميعا في أمرهما، فحلف بطلاق امرأته البتة إن دخل في أمرهما بشيء، ثم إنه اجتمع أحدهما مع رجل آخر، فكان يذكر له أمره، والرجل الذي حلف قاعد، فقال له الرجل: يا فلان، للحالف اذهب ادع لي فلانا حتى أسمع من كلامهم، فذهب الحالف فلم يجده. فقال مالك: إن كان إنما أراد الكلام والإصلاح فيما بينهما ولم يرد بذلك المشي ولم يحلف عليه فلا أرى عليه شيئا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه إن لم تكن له نية فهو حانث؛ لأن ذهابه ليدعوه إلى من يريد الإصلاح بينهما دخول في أمرهما. وقوله: إنه إن كان لم يرد المشي ولم يحلف عليه، فلا أرى عليه شيئا. معناه: وعليه اليمين، إلا أن يأتي مستفتيا على ما تقدم من أصله في غير ما مسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لها إن فوضت لك شيئا فأنت طالق البتة ثم قال لمعلمه ادفع إليها إجارتي] مسألة وسأله حايك: عن امرأة له قال لها: إن فوضت لك شيئا فأنت طالق البتة، ثم قال بعد ذلك لمعلمه: ادفع إليها إجارتي،

مسألة: طلق امرأته واحدة وهو مريض ثم صح وخرج ثم مرض فطلقها أخرى

فسأل مالكا عن ذلك ولم تكن قبضت شيئا. فقال: الأمر تفويض، ولا أرى الطلاق إلا قد لزمه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، فلا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: طلق امرأته واحدة وهو مريض ثم صح وخرج ثم مرض فطلقها أخرى] مسألة وسئل مالك: عن رجل طلق امرأته واحدة وهو مريض ثم صح صحة بينة وخرج، ثم مرض فطلقها أخرى. قال مالك: أرى أن ترثه ما دامت في العدة ولا ترثه بعد انقضاء العدة. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأنه لما صح صحة بينة بعد أن طلقها كان بمنزلة ما لو طلقها وهو صحيح، فوجب ألا ترثه إلا ما دامت في العدة، ولا يعتبر بالطلاق الثاني في المرض؛ لأنه ليس يقاربه، ومثل هذا في المدونة، وهو مما لا اختلاف فيه، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: قال لها أنت طالق البتة إن كنت اشتريت الحمام لمن تظنين] مسألة وسئل مالك: عن رجل نهته امرأته عن صحابة قوم كانوا يلعبون بالحمام، فدخل عليها يوما معه حمام، فقالت له: أخبرني لمن اشتريت هذه الحمام، فأبى أن يخبرها، فقالت: ما أظنك كتمتني إياه إلا أنك اشتريته لمن نهيتك عنه، فقال لها: أنت طالق البتة إن كنت اشتريته لمن تظنين. قال: أرى أن يحلف لها في ذلك ما اشترى لمن تظن إن طاوعها على اليمين.

حلف بطلاق امرأته البتة ألا يكلم أخا له عشرة أيام وكان حلفه ضحوة

قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال أنه لا يمين عليه إلا إن شاء، يتطوع لها باليمين تطييبا لنفسها؛ لأنها لو ادعت عليه أنه طلقها لم يلزمه يمين بدعواها، فكذلك إذا ادعت عليه أنه حلف حانثا، فكيف إذا لم يحقق عليه الدعوى، وإنما اتهمته أنه كذبها وحلف حانثا، وبالله التوفيق. [حلف بطلاق امرأته البتة ألا يكلم أخا له عشرة أيام وكان حلفه ضحوة] ومن كتاب البز وسئل مالك: عن رجل حلف بطلاق امرأته البتة ألا يكلم أخا له عشرة أيام، وكان حلفه ضحوة، أترى أن يعتد بذلك اليوم؟ قال: أحب إلي أن يلغي ذلك اليوم ولا يعتد به، قال ابن القاسم: وهو رأيي. قال محمد بن رشد: القياس ألا يلغي بقية ذلك اليوم وأن يعد عشرة أيام من تلك الساعة، وهو قول مالك الأول، وعليه يأتي جوابه في هذه المسألة؛ لأنه استحب أن يلغي ذلك اليوم فلا يكلمه حتى تمضي عشرة أيام بعد انقضاء بقية ذلك اليوم؛ لأنه أبرأ من الحنث مراعاة للقول بأن الواجب إلغاء بقية ذلك اليوم، وهذا القول الذي رجع إليه مالك، فلو كلمه بعد عشرة أيام من تلك الساعة لم يحنث عنده؛ لأنه استحب إلغاء ذلك اليوم ولم يوجبه، ولو حلف على قياس هذا ليكلمنه في هذه العشرة الأيام فلم يكلمه حتى انقضت عشرة أيام من تلك الساعة حنث، وقد مضى القول على اختلاف قول مالك في هذه المسألة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب طلاق السنة، ومضى في سماع سحنون من كتاب النذور ما يزيد ذلك بيانا، فلا وجه لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف على زوجته بطلاقها ألا تخرج من بيته سنة إلا بإذنه] مسألة وسئل مالك: عن رجل حلف على زوجته بطلاقها ألا تخرج من بيته سنة إلا بإذنه، فكان يأذن لها كلما أرادت أن تخرج، ثم

مسألة: منت عليه بثوب اشترته بدين حلف ألا يلبسه حتى يكتب عليه الثمن

سافر ثلاثة أشهر فأذن لها عند خروجه أن تخرج حيث أحبت، ثم قدم فأقام فأرسلت أم امرأته إليها أن ايتني، فقالت: إن زوجي ليس هاهنا، وقد حلف ألا أخرج إلا بإذنه، فإذا جاء استأذنته في ذلك، فمر الرجل بأم امرأته فقالت له: ألا تأذن لفلانة تأتيني، فإني أرسلت إليها، فقالت: لا أستطيع أن أخرج حتى يأذن لي زوجي، فقال لها زوج ابنتها: نعم وكرامة، أنا آذن لها وأرسلها إليك، ثم خرج زوج ابنتها من عندها فأرسلت إليها أمها، فقالت: لا أستطيع أن أخرج، فقالت لها أمها: إنه قد أذن لك، فخرجت إلى أمها قبل أن يدخل زوجها بيته أو تكلمه في ذلك، فما ترى عليه؟ قال مالك: إن كان قال لها ذلك وهو يريد أني قد أذنت لك وتلك نيته فلا أرى عليه شيئا، وإن لم يكن نوى في قوله أنا آذن لها وأرسلها إليك الإذن في ذلك فأراه قد حنث. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إن ذلك ليس بإذن إلا أن يريد بذلك أني قد أذنت لها، وأما قوله إنه حانث إن لم يرد بذلك الإذن فيدخل في ذلك اختلاف بالمعنى؛ لأنها لم تخرج عاصية لزوجها في الخروج بغير إذنه، وإنما خرجت لما أخبرتها أمها أنه قد أذن لها، فيحنث على مقتضى اللفظ لأنها قد خرجت قبل الإذن، ولا يحنث على اعتبار المعنى؛ لأن معنى يمينه ألا تعصيه بخروجها دون أن يأذن لها، ألا ترى أنه لو أذن لها فخرجت بعد أن أذن لها ولم تعلم بالإذن لحنث لكونها عاصية بالخروج، إذ لم تعلم بالإذن، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في أول مسألة من رسم أسلم من سماع عيسى، وسيأتي القول عليها هنالك إن شاء الله. [مسألة: منت عليه بثوب اشترته بدين حلف ألا يلبسه حتى يكتب عليه الثمن] مسألة وسئل: عن رجل كان تزوج امرأة فاشترت امرأته ثوبا بدين

مسألة: قال امرأتك طالق البتة إن كنت فعلت كذا وكذا قال نعم

فكسته زوجها فمنت عليه بذلك، فقال: أنت طالق البتة إن لبسته حتى تكتبي علي ثمنه، فدعت مولاة امرأته جارية لها كاتبة فكتبت عليه بذلك كتابا وأشهدت بذلك عليه امرأته مع المولات وأشهدت بذلك مولاتها لزوجته، ثم أخذه ولبسه وباعه. فقال له: ما أردت بذلك؟ فقال: أردت أن أدفع ثمنه من عندي، فقال: أرى أن تدفع إلى صاحب الثوب ثمنه وتكتب له بذلك كتابا ولا تدفع إلى زوجتك الثمن وأرجو ألا شيء عليك. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنها لما منت عليه بالثوب الذي اشترته بدين حلف ألا يلبسه حتى يكتب عليه الثمن ليدفعه إلى البائع من عنده إذا حل الأجل على ما أخبر الحالف أنه أراد، فرأى مالك أنه قد بر بكتاب زوجته عليه الثمن لنفسها إلى ذلك الأجل، ولم ير عليه حنثا في أخذه ولباسه بعد أن كتب عليه الثمن؛ لأنه إنما كتبه على نفسه لها وهو يريد أن يدفعه إلى بائع الثوب على ما نوى. وقوله: أرى أن يدفع إلى صاحب الثوب ثمنه يريد إذا حل الأجل ويكتب له بذلك كتابا يريد على نفسك من الآن إنما هو استحسان ليس على أنه يحنث إن لم يفعل ذلك؛ لأن اللباس قد وقع بعد أن انحلت اليمين عنه بكتابه الثمن على نفسه على ما حلف عليه، فقوله في آخر المسألة: وأرجو ألا يكون عليك شيء، معناه: في أخذك الثوب ولباسه بعد أن كتبت على نفسك الثمن لزوجتك، وليس معناه أرجو ألا شيء عليك إن دفعت إلى صاحب الثوب ثمنه إذا حل الأجل وكتبت له على نفسك كتابا من الآن؛ لأن لباس الثوب قد وقع، فإن كان لم يحنث فلا يحنث بعد، وإن كان قد حنث فلا يزول عنه الحنث، وهذا بين والحمد لله. [مسألة: قال امرأتك طالق البتة إن كنت فعلت كذا وكذا قال نعم] مسألة وسئل مالك: عن رجل لقيه رجل، فقال له: إني أخبرت أنك

: حلف بطلاق امرأته وغاضبته إن هو خرج في سفر لم يرجع إليها سنين

فعلت كذا وكذا، قال: لم أفعل، قال: فامرأتك طالق البتة إن كنت فعلت كذا وكذا، قال: نعم امرأتي طالق البتة إن كنت فعلت، واستثنى في نفسه إلا كذا وكذا، الذي استحلفه عليه. قال: إن كان شيئا إنما وسوس به نفسه لم يحرك به لسانه، ما أراه إلا وقد حنث، ورأيته إن كان تكلم به فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: ورأيته برئ إن كان تكلم به فلا شيء عليه، معناه: وإن لم يعلم بذلك المحلوف له، قاله ابن القاسم من سماعه في كتاب النذور، وهو نص على نية الحالف، لا على نية المحلوف له، ومثله لابن وهب في سماع عيسى وزونان، خلاف قول ابن القاسم في رسم حمل صبيا من سماع عيسى، وخلاف ما في رسم الصلاة من سماع يحيى، وقد اختلف في هذا اختلافا كثيرا قد مضى تحصيله في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، ومضى هناك أيضا الاختلاف في الاستثناء دون تحريك اللسان، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [: حلف بطلاق امرأته وغاضبته إن هو خرج في سفر لم يرجع إليها سنين] ومن كتاب باع غلاما بعشرين دينارا وعن رجل حلف بطلاق امرأته وغاضبته إن هو خرج في سفر لم يرجع إليها سنين. قال: إن أراد بلدا مثل مصر ويخرج إلى غيرها فلا أرى عليه شيئا، وإن لم يرد موضعا فأرى اليمين عليه إن خرج من المدينة إلى سفر من الأسفار. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه إذا لم ينو بلدا بعينه

مسألة: تحمل برجل فقال له الحميل إني لأخشى أن تغرمني

فاليمين له لازمة إن خرج إلى ما تقصر فيه الصلاة من الأسفار، وإنما يختلف لو قال: إن خرج من المدينة ولم يقل في رسم سفر على ما يأتي القول فيه في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب، إن شاء الله. [مسألة: تحمل برجل فقال له الحميل إني لأخشى أن تغرمني] مسألة وعن رجل تحمل برجل، فقال له الحميل حين أراد أن يتحمل به: إني لأخشى أن تغرمني، فقال له: امرأته طالق البتة إن أغرمتك منها شيئا، فلما حل الحق أراد الحميل أن يسلفها إياه؛ لأنه إذا سلفها إياه فقد غرمها عنه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن معنى يمينه لا أغرمتك منها شيئا إلا وديتها أنا فلا تغرمها أنت، فإذا لم يؤدها إلا من ماله فكأنه قد أغرمه إياها، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لأخيه امرأته طالق إن نفعتك بشيء فاشترى لامرأته لحما بدرهم] مسألة وعن رجل قال لأخيه: امرأته طالق إن نفعتك بشيء، فاشترى لحما بدرهم فبعث به مع غلام له إلى بيته فأخطأ فدفعه إلى أخيه، فأتى إلى بيته فسألهم عن اللحم، فقالوا له: لم يأتنا شيء، فسأل الرسول فإذا هو قد دفعه إلى أخيه. قال مالك: لا أرى عليه شيئا وأرى أن يطلب الرسول بالثمن ويطلبهم الرسول بالثمن، يريد لأخيه، قال سحنون: لا

يكون للرسول أن يتبع الأخ بشيء؛ لأنه أفاته ثم يدعى الغلط فلا يقبل منه، قال عيسى: إذا تجافى الحالف عن إغرام الرسول وتجافى الرسول عن إغرام الأخ لم يحنث أيضا، وإن تجافيا جميعا عن إغرام الأخ حنث، وهو قول أصبغ وغيره من أهل العلم. قال محمد بن رشد: لم يثبت قول سحنون في جميع الروايات، ووجه أنه حمله على التعدي ولم يصدقه فيما ادعاه من الغلط، وإذا حمل على التعدي كان حكمه حكم الوكيل يهب مال موكله أو يحابي فيه فيفوت ذلك. وفي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن رب المال يرجع على الوكيل إن كان له مال، فإن لم يكن له مال رجع على الموهوب إن كان له مال، فإن لم يكن لواحد منهما مال رجع على أيهما أيسر أولا، وليس لمن رجع عليه منهما أن يتبع صاحبه بشيء، وإن أيسرا جميعا لم يكن له أن يتبع إلا الوكيل، بمنزلة إذا كانا جميعا موسرين ابتداء، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، وعليه يأتي قول سحنون هذا. والثاني: أنه يرجع على الموهوب له إن كان له مال، فإن لم يكن له مال رجع على الوكيل إن كان له مال، فإن لم يكن لواحد منهما مال رجع على أيهما أيسر أولا، فإن رجع على الوكيل كان للوكيل أن يتبع الموهوب له، وإن رجع على الموهوب له لم يكن للموهوب له أن يتبع الوكيل، وهو معنى غير قول ابن القاسم، وهو أشهب في المدونة، وإذا كان للوكيل إذا رجع إليه أن يرجع على الموهوب له فالقياس على هذا إذا كانا موسرين أن يكون صاحب المال مخيرا في أن يتبع من شاء منهما؛ لأن الموهوب غريم غريمه، فله أن يتبعه ويدع غريمه، وقد روى ذلك عن أشهب. والقول الثالث: أنه ليس لرب المال أن يتبع إلا الوكيل، فإن وجده معدما وكان الموهوب له موسرا فرجع عليه رجع الموهوب له على الوكيل، وهذا القول هو معنى ما حكاه أشهب

: كسا امرأته ثوبا فسخطته فحلف بطلاقها البتة إن هي لبسته

عن بعض أهل المشرق، ونحا هو إليه في سماع أصبغ من كتاب البضائع والوكالات، وأما إذا صدق الرسول في أنه أخطأ باللحم على ما ذهب إليه مالك فلا اختلاف في أن له أن يطلب الرسول ويطلبهم الرسول بما طلب به، وان أراد أن يترك الرسول وبطلب الأخ، فذلك له إن رجع على الرسول ورجع الرسول على الأخ، فله هو أن يرجع عليه لأنه غريم غريمه. وقال: إن الرجوع في ذلك يكون بالثمن، وذلك إذا كانت القيمة مساوية للثمن؛ لأن الواجب في ذلك الرجوع بالقيمة لا بالثمن الذي اشترى به، هذا إن كان اللحم جزافا، وأما إن كان وزنا فلا يكون الرجوع إلا بالمثل؛ لأن من تعدى على وزن فعليه المثل، ولو كان إنما أرسل باللحم مع غلامه على ما استفتح به المسألة لرجع بمثل اللحم أو قيمته إن كان جزافا على أخيه، ولم يكن في ذلك كلام، وقول عيسى تفسير لقول مالك؛ لأن الحالف إذا أغرم الرسول وتجافى الرسول عن إغرام الأخ الحالف، وإنما نفعه الرسول، وإذا أغرم الرسول الأخ وتجافى الحالف عن إغرام الرسول فإنما نفع الحالف الرسول لا الأخ الذي حلف على ألا ينفعه، وبالله التوفيق. [: كسا امرأته ثوبا فسخطته فحلف بطلاقها البتة إن هي لبسته] ومن كتاب نذر سنة يصومها وسئل مالك: عن رجل كسا امرأته ثوبا فسخطته فحلف بطلاقها البتة إن هي لبسته، فذهب به ليرده على صاحبه فبعثت جارية لها فاتبعته حتى علمت موضعه ثم أرسلت فاشترته وقطعته درعا فلبسته. قال مالك: أرى أن يُنَوَّى، فإن قال: إنما أردت ألا أكسوها أنا ولا تلبسه من مالي ولم أرد أن تتداوله الأسواق، أو أبيعه ثم تشتريه، أو تكساه فتلبسه، وإنما كانت نيتي من عندي، فلا أرى

مسألة: كان يسأل رجلا عشرة دنانير إلى أجل وحلف بطلاق امرأته إن لم يقضه

عليه حنثا، ويحلف على ذلك، وإن لم تكن له نية ولم ينو شيئا من هذا فأرى أن قد طلقت عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم في أن اليمين إذا عريت عن النية ولم يكن لها بساط عمل على مقتضى اللفظ، وأن من ادعى فيما يحكم به عليه من الأيمان نية محتملة غير مخالفة لظاهر لفظه نوي فيها مع يمينه إذا حضرته البينة ولم يأت مستفتيا، وبالله التوفيق. [مسألة: كان يسأل رجلا عشرة دنانير إلى أجل وحلف بطلاق امرأته إن لم يقضه] مسألة وسئل: عن رجل كان يسأل رجلا عشرة دنانير إلى أجل وحلف بطلاق امرأته إن لم يقضه، فأراد أن يرهنه فيها سواري ذهب. قال: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب القائم من المدونة وغيرها أن من حلف ليقضين رجلا حقه لا يبر بالرهن ولا بالقضاء الفاسد؛ لأن البر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وقد قيل: إنه يبر بالرهن وبالقضاء الفاسد وإن نقض، وهو قول أشهب في سماع أصبغ من كتاب النذور، وقد مضى القول على هذا المعنى مستوفى في أول مسألة من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك. [مسألة: قال أنت طالق البتة إن خرجت في حق حتى أحج فأراد سفرا في ذي القعدة] مسألة وسئل: عن امرأة خرجت إلى بيت أهلها بغير إذن زوجها فعاتبها زوجها في ذلك، فقالت: إنما خرجت في حق أديته، فقال: أنت طالق البتة إن خرجت في حق حتى أحج، فأراد سفرا

مسألة: حلف لرجل بالطلاق البتة أن يقضينه حقه إلى أجل يسميه

في ذي القعدة، فأمرها أن تلحق بيت أهلها فخرجت إليهم. قال مالك: لا أرى هذا حقا ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، فلا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لرجل بالطلاق البتة أن يقضينه حقه إلى أجل يسميه] مسألة وعن رجل يحلف للرجل بالطلاق البتة أن يقضينه حقه إلى أجل يسميه إلا أن يحب أن ينظره فيأتي الأجل فينظره شهرا ثم يقول له بعد حلول ما أنظره إليه: ما علي يمين. قال مالك: اليمين عليه إن لم يقضه حنث. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة وما يتخرج فيها من الاختلاف في رسم حلف ليرفعن أمرا، فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته البتة إن أنفق عليها شهرا إلا أن يرى غير ذلك] مسألة وسئل مالك: عن رجل حلف بطلاق امرأته البتة إن أنفق عليها شهرا إلا أن يرى غير ذلك فجاءته وهو يتغذى فأكلت معه وتركها تأكل معه. فقال له: أردت أن تأكل معك؟ قال: نعم، قال: إن كان ذلك الذي نويت ورأيت فلا شيء عليك، كلام فيه نظر،

: حلف فقال حرم علي ما حل لي في رجل يشتمه إن لم يكتب بينة ويرفعها

وأراه وقع على غير تحصيل، إذ لا يضره إلا أن تكون له نية؛ لأن قوله: إلا أن يرى غير ذلك - يحمل إذا لم تكن له نية، على أنه إنما أراد بذلك إلا أن أنفق عليها، لا على أنه أراد بذلك إلا أن ألا أطلقها؛ لأن رد الاستثناء إلى الإنفاق له فائدة، وهو أقرب مذكور، ورده إلى الطلاق لا فائدة فيه؛ لأنه برى، والبرى في الطلاق لا يصح ولا ينفع مع أنه أبعد مذكور، ويترك أن يتحمل على ما فيه الفائدة، وهو أقرب مذكور، وهذا ما لا إشكال فيه ولا اختلاف، ونحوه في كتاب العتق الأول من المدونة، وإنما يختلف إذا قال امرأتي طالق إن فعلت كذا وكذا إلا أن يشاء الله، فقيل: إن الاستثناء لا ينفعه وإن رده إلى الفعل، والصواب: أنه ينفعه إلا أن يرده إلى الطلاق، وسيأتي القول على هذا إن شاء الله. [: حلف فقال حرم علي ما حل لي في رجل يشتمه إن لم يكتب بينة ويرفعها] ومن كتاب المحرم يأخذ الخرقة لفرجه وسئل مالك: عن رجل حلف، فقال: حرم علي ما حل لي في رجل يشتمه إن لم يكتب بينة ويرفعها، أفترى إذا رفعها أن يخرج عن يمينه أم حتى يخاصمه ويقاعده؟

مسألة: قال لها إن خرجت بك من موضعك إلا برضاك فأنت طالق فرضيت

فقال: بلى حتى يخاصمه ويقاعده. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن معنى ما حلف عليه أن يثبت عليه سبه إياه ويوبخه بتوقيفه إياه على ذلك وتقريره عليه، فلا يبر إلا ببلوغ الغاية في ذلك بالمخاصمة والمقاعدة، فإن تجافى بعد هذا عما يتعين له عليه في سبه إياه من الأدب لم يحنث، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لها إن خرجت بك من موضعك إلا برضاك فأنت طالق فرضيت] مسألة وسئل مالك: عن رجل حلف لامرأته من غير شرط يكون لها عليه إن خرجت بك من موضعك إلا برضاك فأنت طالق البتة، فرضيت وأشهدت بذلك أنها راضية غير مكرهة ولا مضطرة ولا مغلوبة على أمرها راضية بذلك مسلمة له راغبة في رضاه. قال مالك: أرى إن خرجت معه عن رضا منها فلا شيء عليه، ولكن أرى عليه إن أرادت منه أن يردها إلى الموضع الذي أخرجها إليه بعد رضاها وتسليمها ذلك إلى الموضع الذي خرجت منه أن ذلك يلزمه. قيل له: وإن هو خرج بها برضاها إلى موضع ولم يجد ما يردها به ولم يقو على ذلك؟ قال: لا أرى أن يخرجها إلى موضع إن سألته ذلك وطلبته. قال سحنون: لا يلزمه ذلك أن يردها إلا أن يكون شرط لها أن يردها. قال محمد بن رشد: قد اختلف في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: أحدهما: قول مالك: هذا إنه يلزمه أن يردها إذا سألته ذلك فإن لم يفعل حنث وإن كان تطوع لها باليمين. والثاني: أنه لا يلزمه أن يردها وإن كان اليمين شرطا في العقد، وهو قول ابن القاسم في رواية سحنون عنه الواقع في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح. والقول الثالث: الفرق

مسألة: لم يشهد للمرأة على زوجها بالطلاق إلا شاهد واحد

بين أن يتطوع لها باليمين أو يكون شرطا عليه في أصل العقد، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه، وقد مضى هذا كله والقول فيه مستوفى بعلله في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم في كتاب النكاح، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: لم يشهد للمرأة على زوجها بالطلاق إلا شاهد واحد] مسألة وسألته امرأة: عن زوج لها كان يضربها وكان يخبرها أن بني عم له يحملونه على ذلك، وأنه كان بينه وبينها كلام وضربها، فقالت له: هذا عمل بني عمك يحملونك على هذا، قال: أنت طالق البتة، إن كانوا قالوا لي شيئا، فقالت له: اتق الله فإنها الفروج، أنت كنت تخبرني أنهم هم الذين يحملونك، قال: فإني وهمت حين حلفت، ورجل يشهد على مقالته. قال: أرى أن يستحلف بالله فيما يدعي، لو شهد عليه رجل آخر حلف مع الذي شهد عليه أنه قال وهمت لرأيت ذلك فراغا من الأمر، يريد بذلك أن تطلق عليه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن شهادة الرجل الواحد عليه بهذه المقالة كشهادته عليه بالطلاق، وإذا لم يشهد للمرأة على زوجها بالطلاق إلا شاهد واحد فلا يلزمه إلا اليمين، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، وبالله التوفيق. [: مسألة مرض فذهب عقله فطلق امرأته ثم أفاق فأنكر ذلك] مسألة أوله مرض وله ولد، وسئل عن رجل مرض فذهب عقله

: حلف لها في جارية ألا يطأها وهو ينوي برجله على بطنها

فطلق امرأته ثم أفاق فأنكر ذلك وزعم أنه لم يكن يعقل الذي صنع، وأنه كان لا يعلم شيئا من ذلك. قال: أرى أن يحلف ما كان يعقل ويخلى بينه وبين أهله. قال محمد بن رشد: وإنما يكون ذلك إذا شهد العدول أنه كان يهدي ويتخبل عقله، وأما إذا شهدوا أنه لم يستنكر منه شيء في صحة عقله فلا يقبل قوله، ويمضي عليه الطلاق، قاله ابن القاسم في العشرة، وكذلك الحكم في السكران، وقد مضى القول في حكم السكران في أول كتاب النكاح مستوفى، وقد تكررت هذه المسألة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب طلاق السنة، ومضى القول عليها هناك، وبالله التوفيق. [: حلف لها في جارية ألا يطأها وهو ينوي برجله على بطنها] ومن كتاب أوله قال سحنون قال أشهب وابن نافع سئل مالك: عمن ابتلي من امرأة بالغيرة فحلف لها في جارية ألا يطأها، وهو ينوي ألا يطأ برجله على بطنها. فقال: أكره أن يفعل ذلك، وذلك يسوق إلى غير ذلك. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما في رسم أبي زيد من كتاب النذور من اللغو في اليمين، وهو على وجهين: أحدهما: أن يلغز فيه لمن يحلف له متعدرا من شيء أو متمخيا منه أو تطيبا لنفسه في غير حق يتعلق له قبله كنحو هذه المسألة، إذ لا حق لامرأته في ترك وطء أمته. والثاني: أن يلغز له على وجه المكر والخديعة في حق يتعلق له قبله، فأما الوجه الأول ففيه ثلاثة أقوال: أحدهما: أنه لا ينتفع بلغزه؛ لأن اليمين على نية المحلوف له، وهو قول مالك في التخيير والتمليك من المدونة في الذي

مسألة: قال امرأتي طالق إن كان يدخل بطون العباد شيء أخبث من الشراب المسكر

يحلف للسلطان طائعا، فيقول: امرأتي طالق وزعم أنه أراد امرأة كانت له قبل. والثاني: أنه ينتفع به وتكون له نيته فيه، إلا أن ذلك يكره له أن يفعله مخافة أن يكون ذلك ذريعة إلى استسهاله على وجه المكر والخديعة، وهو قول مالك في هذه الرواية. والثالث: أنه ينتفع به وتكون له نيته فيه، ولا يكره له أن يفعله، والى هذا ذهب ابن حبيب. وأما الوجه الثاني ففيه قولان: أحدهما: أنه لا ينتفع بلغزه؛ لأن اليمين على نية المحلوف له. والثاني: أنه ينتفع بلغزه وتكون له نيته فيه، وهو آثم في فعله، وسواء كان لغزه في اليمين بالله وما لا يحكم به عليه من المشي وشبهه، أو فيما يحكم به عليه من العتق والطلاق، غير أنه إن كان فيما يحكم به عليه من العتق والطلاق وطولب باليمين فادعى الإلغاز فيه استظهر عليه في ذلك باليمين، كانت عليه في اليمين بينة أو لم تكن، إذا كان مقرا باليمين، وأما إن أنكر اليمين فلما ثبت عليه ادعى الإلغاز فيه فلا يصدق، ويقضي عليه بما ظهر من يمينه، وقد مضى بيان هذا في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب النذور. [مسألة: قال امرأتي طالق إن كان يدخل بطون العباد شيء أخبث من الشراب المسكر] مسألة وسئل: عمن قال: امرأتي طالق إن كان يدخل بطون العباد شيء أخبث من الشراب المسكر. فقال مالك: الدم والميتة ولحم الخنزير، وما هذا عندي باليمين، ثم تفكر فيها طويلا، ثم قال: لو طلقتها واحدة ثم ارتجعتها، فقيل له: إنها ليست عنده إلا بواحدة، فقال: قال الله عز وجل في الربا: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] ، وليس هذا في الخمر، يأخذ دينارا بدينارين يأكله، إذا أخذه الذي يشرب الخمر جلد وخلي، وإذا أخذه الذي يأكل الميتة عذب عذابا أليما، فأرى أن يفارق امرأته، قال: أترى أن يفارقها؟ قال: نعم.

مسألة: الأحق بالحضانة

قال محمد بن رشد: حمل مالك يمين الحالف بالطلاق على أنه لا يدخل بطون العباد شيء أخبث من الشراب المسكر، على أن المعنى فيه أنه لا يدخل بطونهم شيء هو أشد في التحريم وأعظم في الإثم وأكبر في الجرم من الشراب المسكر، ولذلك رأى الطلاق قد لزمه. وقيل: من أجل أنه رأى الربا أشد تحريما وأعظم إثما وأكبر جرما، بدليل ما توعد الله به في الربا، ولم يذكر في الخمر مثله، فعلى هذا التأويل لو حلف الحالف أنه لا يدخل بطون العباد أخبث من الربا [لم يحنث. وقيل: إنه إنما رأى الطلاق قد لزمه من ناحية الشك أنه لا يدري أي المحرمات أخبث، أي أشد في التحريم وأعظم في الإثم، بدليل قوله: وما هذا عندي بالبين، فعلى هذا التأويل لو حلف أنه لا يدخل بطون العباد أخبث من الربا] لحنث أيضا، وهو أولى التأويلين لعدم النص في ذلك، وهذا صحيح إذا أراد الحالف هذا المعنى الذي حمل عليه مالك يمينه أو كان ثم بساط يدل عليه. وأما إذا عريت يمينه من نية أو بساط فلا ينبغي أن يحنث؛ لأن الخبث القائلة والشر والخبيث نعت كل فاسد، وفي الخمر معاني خبيثة ليست في سائر المحرمات من ذهاب العقل وإيقاع البغضاء والعداوة والصد عن ذكر الله وعن الصلاة كما ذكر الله تعالى، فيجب أن تحمل يمين الحالف بهذه اليمين إذا لم تكن له نية، على أنه أراد أنه لا يدخل بطون العباد شيء أشد عليهم وأضر بهم في دينهم ودنياهم من الشراب المسكر فلا يحنث؛ لأن من سكر جهل على الناس وسفه في ماله واستسهل الجرائم وعطل الفرائض، وقد روي أن سبب يمين هذا الحالف هو أنه رأى سكرانا في بعض أزقة المدينة يروم تناول القمر ليدخله في كميه، وفي بعض هذا بيان. [مسألة: الأحق بالحضانة] مسألة وسئل: عمن فارق امرأته وله منها بنت فطرحتها إليه ولحقت

: جعل ليمينه بالطلاق على الفعل أجلا بعد أن كان أبهم يمينه أولا إلى غير أجل

بأهلها فتأيمت عندهم ما شاء الله ثم تزوجت لا تعرض للبنت ولا تريدها حتى ماتت، فلما ماتت قامت أمها تطلب البنت، بنت ابنتها لتأخذها. فقال: ألذلك سنة؟ إذا كان لذلك سنة أو أكثر من ذلك أو أشباه ذلك فلا أرى ذلك لها، قد تركها وعضدها وإن كان ليس ذلك إلا يسيرا فإن ذلك لها. وفي كتاب الطلاق: أن الأم نفسها أرادت أن تأخذ ولدها بعد تركها إياه، فقال مالك: إن كانت تركتهم من علة مثل أن تكون مرضت وانقطع لبنها فذلك لها، وإن كان على غير ذلك فليس ذلك لها، قال ابن نافع: وللجدة أن تأخذها إذا كانت في موضع أبيها. قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة في هذين الرسمين من هذا السماع من كتاب طلاق السنة وفي غيره من المواضع منه ومن غيره، ومضى القول عليها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة أيضا، فلا فائدة في إعادته، وبالله التوفيق. [: جعل ليمينه بالطلاق على الفعل أجلا بعد أن كان أبهم يمينه أولا إلى غير أجل] ومن كتاب الطلاق الثاني وسئل: عن مريض قال لامرأته: أنت طالق البتة إن لم تقومي علي؛ لأنكحن عليك أرفق بي منك أو أخرج إلى أنطابلس، فلم تقم عليه، ثم لقي رجلا فأخبره بيمينه، فقال له الرجل: ألا جعلت ليمينك أجلا، قال: فإني أشهدكم أنها طالق البتة، إن لم أتزوج عليها إلى ثلاث سنين، أو أخرج إلى أنطابلس. قال: فليفِ بما جعل على نفسه، قيل له: إنه قد جاء الأجل ولم يفعل، قال: ليس ذلك له، قال أشهب فيها: يحال بينها وبينه،

ويضرب له أجل المولي ولا يطأها إلى الأجل لأنه قد عقد على نفسه اليمين الأول إلى غير أجل، فإذا انقضت الأربعة الأشهر وقف فقيل له: تزوج أو اخرج إلى أنطابلس وإلا فرق بينكما، فإن لم يفعل طلق عليه بالإيلاء تطليقة، فإن انقضى أجل الثلاث سنين ولم يفعل شيئا مما حلف عليه وهي في بقية من عدتها من طلاق الإيلاء حنث، فطلق عليه بالبتة؛ لأن الحنث دخل عليه وهي امرأته، وإن لم تنقض السنون الثلاث حتى خرجت من العدة فقد بانت منه بلا طلاق ولا طلاق عليه بالبتة؛ لأن الحنث دخل عليه بها، وقال ابن نافع: يحنث بهذه الآخرة إذا انقضى الأجل ولم يفعل ما حلف عليه. قال محمد بن رشد: قول مالك في الذي جعل ليمينه بالطلاق على الفعل أجلا بعد أن كان أبهم يمينه أولا إلى غير أجل: فليف بما جعل على نفسه، يدل على أنه فيما يؤمر به من على ما كان عليه قبل أن يجعل ليمينه أجلا، فلا يجوز أن يطأ؛ لأنه على حنث باليمين الأولى. والوجه في ذلك: أنه ليس له أن يسقط عن نفسه حكم اليمين الأولى من أنه فيها على حنث لا يجوز له الوطء يضرب له الأجل في يمينه الثانية على القول بأن من حلف بالطلاق ليفعلن فعلا إلى أجل يجوز له أن يطأ إلى ذلك الأجل إذ قد اختلف في ذلك. وقوله لما قيل له إنه قد جاء الأجل ولم يفعل - ليس ذلك له معناه ليس له أن يفيء بعد الأجل بفعل ما حلف عليه ليفعلنه إلى الأجل ويقع عليه الحنث بمضي الأجل، فقول أشهب تفسير لقول مالك، ومعناه: أنه يضرب له أجل المولي إن رفعته امرأته إلى السلطان وطلبته بحقها في الوطء، وقد بقي من الأجل أكثر من أربعة أشهر، فإن ضرب له أجل الإيلاء فطلق عليه فانقضت الثلاث سنين قبل أن تنقضي عدتها ولم يفعل شيئا مما حلف عليه وقع عليه الحنث بالطلاق، وإن انقضت عدتها من طلاق الإيلاء قبل حلول الأجل لم يلزمه بحلول الأجل شيء إلا أن يكون قد تزوجها قبل حلوله فترجع عليه اليمين ويحنث بحلوله إن لم يفعل ما

مسألة: حلف المرأة بالطلاق

حلف عليه قبله، وقول ابن نافع يحنث بهذه اليمين الآخرة إذا انقضى الأجل ولم يفعل ما حلف عليه، معناه: إن بقيت على حالها لم ترفع أمرها إلى السلطان وإلا طلق عليه بالإيلاء، فهو صحيح أيضا ليس بخلاف لقول مالك. وقد تأول ابن أبي زيد على مالك في قوله: فليفِ بما جعل على نفسه أن له أن يفيء قبل الأجل وبعد، وإنه لا يحنث بعد بانقضاء الأجل، وأن قوله: ليس ذلك له - معناه: ليس له من يمينه مخرج إلا بالفيء بفعل ما حلف عليه، وقال: إنما يصح ظاهر جواب مالك على أنه جعل الأجل للتزويج وأبهم الخروج إلى أنطابلس بلا أجل، فهذا لا يطلق عليه إذا مضت الثلاث سنين، ويدخل عليه الإيلاء إن رافعته، وهو تأويل بعيد، ومعناه: لو صح صحيح على أصولهم. [مسألة: حلف المرأة بالطلاق] مسألة وسئل مالك: عمن كانت بينه وبين امرأته محاورة فتحالفا، فقال لها زوجها: ليس هذا بشيء، ولكن احلفي بالطلاق، فقالت: أنت طالق إن لم يكن كذا وكذا. فقال: ليس للنساء طلاق. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن الطلاق إلى الرجال ليس إلى النساء منه شيء، لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] ، وقوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 231] ... الآية، وما أشبه هذا من الآيات، إلا أن تملك نفسها أو تخير في أمرها، فتختار نفسها، فيجب لها ذلك على السنة فيه، لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ} [الأحزاب: 28] الآية، وبالله التوفيق.

مسألة: قال في النصف من السنة امرأتي طالق البتة إن فعلت كذا وكذا هذه السنة

[مسألة: قال في النصف من السنة امرأتي طالق البتة إن فعلت كذا وكذا هذه السنة] مسألة وسئل: عمن قال في النصف من السنة: امرأتي طالق البتة إن فعلت كذا وكذا هذه السنة. فقال: إن كان نوى ما بقي من السنة فذلك له، وإن لم يكن نوى شيئا فليستقبل من يوم حلف اثني عشر شهرا. قال محمد بن رشد: إنه إن لم ينو شيئا فليستقبل من يوم حلف اثني عشر شهرا، ولم يذكر هل يلغي بقية ذلك اليوم أو يحسب من تلك الساعة، وقد مضى الاختلاف في ذلك والقول فيه في رسم البز من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وكذلك من قال: لله علي أن أصوم هذه السنة، يصوم اثني عشر شهرا من ذلك اليوم، إلا أن ينوي بقية تلك السنة، وقد مضى في رسم بع ولا نقصان عليك من كتاب الصيام ذكر الاختلاف الحاصل بين ابن القاسم وأشهب هل يعد ذلك اليوم ولا يقضيه، أو لا يعده كأنه يقضيه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: سئل البائع أن يضع من ثمنها فحلف بالطلاق ألا يضع عنه] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل مالك: عن موصى إليه باع ثلاثة أشياء من مال البيت بثمانية عشر دينارا ودرهمين فيمن يزيد، فأغلاها فيما يقولون بثلاثة دنانير، فسئل البائع أن يضع من ثمنها فحلف بالطلاق ألا يضع عنه، فسأله أن ينظره، فقال: إن لم يدخل علي في يميني شيء فقد أنظرته، فَأُفْتِيَ ألا شيء عليه في يمينه فأنظره، فجاءني أخو امرأته فأوقفتها عنه. فقال: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما هذا الذي أراد، وما أراد إلا ألا يضع عنه من الثمن شيئا، وأنه لم يرد إلا أن ينظره، فإذا حلف على ذلك فلا شيء عليه.

مسألة: قال لامرأته إذا قدمنا إلى المدينة فدخلنا الدار فأنت طالق

قال محمد بن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة أن الحالف لا يخلو أن يريد بيمينه لا يضع عنه ألا يرفقه أو أن يريد بها ألا يضع عنه خاصة لا أن ينظره، أو ألا يكون له نية، فأما إذا نوى بيمينه ألا يضع عنه ألا يرفقه فهو حانث إن أنظره؛ لأنه إذا أنظره فقد أرفقه، وأما إذا نوى ألا يضع عنه خاصة لا ألا ينظره فلا حنث عليه إن أنظره. واختلف إن كانت يمينه بما يقضي به عليه من الطلاق أو العتاق فطولب بذلك هل يصدق فيما ادعى أنه نواه بيمين أو بغير يمين؟ فقال مالك في هذه الرواية: إنه يستحلف، وقيل: إنه يصدق بغير يمين، وهو الذي أفتي به الحالف على ما ذكر في الرواية، وأما إذا لم تكن نية فظاهر الرواية أنه لا حنث عليه على مقتضى اللفظ إن أنظره، ويستظهر عليه باليمين أنه إن لم تكن له نية إن كان مطلوبا؛ لأنه يتهم أن يكون نوى ألا يرفقه على القول في لحوق يمين التهمة، وقيل: إنه حانث على المعنى؛ لأن مقصد الحالف ألا يضع ألا يرفق، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، وأما إذا حلف ألا ينظره فوضع عنه فلا حنث عليه قولا واحدا؛ لأن النظرة يخشى منها هلاك جملة الحق بمغيبه أو فلسه، فوجب ألا يحنث حملت يمينه على المعنى أو على مقتضى اللفظ، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إذا قدمنا إلى المدينة فدخلنا الدار فأنت طالق] مسألة وسئل مالك: عن رجل قال لامرأته بمكة وهما يريدان المدينة: إذا قدمنا إلى المدينة فدخلنا الدار فأنت طالق إن خرجت منها سنة، فقدمت فدخلت دارا أو دارين قبل أن تدخل منزل زوجها وخرجت منه إلى دارها، أترى عليه حنثا؟

مسألة: حلف بالطلاق على أخته ألا يدخل عليها بيتا ما دام زوجها زوجها

قال: لا حنث عليه فيما دخلت من دار فخرجت منها قبل أن تصير إلى منزله، فإذا صارت إلى منزله ثم خرجت قبل انقضاء السنة حنث، قيل له: إنها قدمت نهارا؟ قال: تستقبل السنة من الليلة التي تأتي، قيل له: إنها دخلت منزلا غير منزله الذي يسكن فيه ثم خرجت إلى منزله، قال: أحب إلي ألا ينزلها حتى يقدم بها إلى منزله، قيل له: إنه أنزلها على أهل له تسلم عليهم ثم تصير إلى منزله، قال: فأنا آمره ألا يفعل فأحب إلي ألا ينزلها إلا منزله، ثم تخرج حتى تتم السنة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة؛ لأن يمينه إنما وقعت على المنزل الذي يريد سكناه بها في المدينة، كان له أولها أو لغيرهما بكراء؛ لأنه لما قال: فدخلت الدار؛ معرفة بالألف واللام - علم أنه إنما أراد دار السكنى، فحملت على ذلك، ووجب أن لا يكون عليه شيء فيما سوى ذلك المنزل من الدور إن دخلت شيئا منها قبل أن تصير إلى ذلك المنزل، ولم تحمل يمينه على استغراق جنس الدور إذ لا يحمل مثل هذا اللفظ على استغراق الجنس إلا إذا عدم العهد، ولو قال فدخلنا دارا للزمته اليمين في أي دار دخلت، وقوله: إنها تستقبل السنة من الليلة التي تأتي هو على الاختلاف الذي قد مضى القول عليه في أول رسم البز من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: حلف بالطلاق على أخته ألا يدخل عليها بيتا ما دام زوجها زوجها] مسألة وسئل: عن رجل حلف بالطلاق على أخته ألا يدخل عليها بيتا ما دام زوجها زوجها، فأقام سنين لا يدخل عليها، ثم

مسألة: دعوت امرأتي إلى فراشي وامتنعت علي فأردت أن أضربها

غاب زوجها ومرضت فانتقلتها أمها إلى بيتها تمرضها فدخل عليها. قال: ما يعجبني، وأحب إلي ألا يدخل عليها، قال: إنها عندنا منذ شهرين، فقال: أحب ألا يدخل عليها، قيل له: أحب إليك ألا يدخل عليها؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قوله ما يعجبني وأحب إلي ألا يدخل عليها تجاوز في اللفظ؛ لأن وجوب الحنث عليه بين بدخوله عليها في أي بيت كانت ما دامت في عصمة ذلك الزوج؛ لأنه لما قال بيتا بلفظ النكرة كان ذلك عموما في جميع البيوت إلا أن تكون له نية، ولو حلف ألا يدخل عليها بيتها لم يكن عليه شيء في دخوله عليها بيت أمها إذا انتقلت إليه لتمرض ونحو ذلك، وكذلك لو حلف ألا يدخل عليها البيت على قياس ما مضى في المسألة قبل هذه. [مسألة: دعوت امرأتي إلى فراشي وامتنعت علي فأردت أن أضربها] مسألة ولقد قال لنا مالك: لقد جاءني رجل مرة يسألني فقال: إني دعوت امرأتي إلى فراشي وامتنعت علي فأردت أن أضربها فما ترى؟ فقلت له: والله ما أراك أن تفعل، قد يكون للنساء العذر والعلة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يجوز له أن يضربها إلا أن يتحقق أنه لا عذر لها في الامتناع منه في ذلك الوقت وإنما تذهب إلى الإضرار به في منعه بما أحله الله له من الاستمتاع بها الذي تكحتر

مسألة: حلف أن يطأ امرأته الليلة فعالجها ولم يعالج وطأها حتى أصبح

عليه نشوزا عليه، قال الله عز وجل: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34] ... الآية، معناه: تعلمون ذلك وتخافون زيادته. [مسألة: حلف أن يطأ امرأته الليلة فعالجها ولم يعالج وطأها حتى أصبح] مسألة وقد جاءني رجل فقال: إني دعوت امرأتي في جوف الليل إلى فراشي فأبت، فقلت لها: أنت طالق البتة إن لم أصبك قبل الصبح، فجاءتني فأمكنتني من نفسها فعالجتها حتى مللت فلم أستطيع لها، بهذا قد ابتلى إلا أنه قال: إني استثنيت فقلت إلا ألا أقدر على ذلك، فعالجتها حتى قريبا من الصبح فلم أستطع لها فنمت حتى أصبحت فلم أر عليه شيئا، قيل: لم يقدر على إصابتها وقد استثنى الذي استثنى لو لم ينم حتى يصبح، فقلت له: أراك قد نمت، فلا أدري ما هذا. قال محمد بن رشد: لم يعذره مالك في هذه المسألة وإن كان مغلوبا على ترك الوطء بعدم الاستطاعة إذ لم ير عليه شيئا من أجل أنه استثنى ألا ألا أقدر كما لا يعذره إذا غلب على ترك الفعل الذي حلف ليفعلنه بالنسيان، ولعمري أن بينهما فرقا؛ لأن النسيان للناسي فيه سبب، إذ لم ينس إلا بالاعتراض عن استدامة تذكر ذلك الشيء، فإذا نسي فعل ما حلف ألا يفعله، فقد كان في ذلك تفريط لزمه فيه الحنث، والذي حلف أن يطأ امرأته الليلة فعالجها ولم يعالج وطأها حتى أصبح لم يكن منه تفريط، فقد كان القياس أن يكون في حكم المكره لا يحنث، كمن حلف ألا يفعل فعلا فأكره على فعله، غير أنهم فرقوا في الأيمان في الإكراه على

مسألة: تحريم الحلال هل يعد يمين

فعله وعلى ترك الفعل على قياس، ويحتمل أن يكون إنما أوجب عليه الحنث لأنه خشي أن يكون قد وقع منه تقصير في استدعاء اللذة بقلبه وصرف همته إلى ذلك دون أن يحيل فكره إلى معنى آخر؛ لأن هذا هو سبب الإنعاظ في جرى العادة، ألا ترى أن من خطرت ببابه خطرة في الصلاة فانعظ يومر أن يتذكر أمر الموت وما بعده ليكسر ذلك منه ما نابه من الإنعاظ، فلا يكون على هذا التأويل قوله في هذه الرواية خارجا عن القياس، ويكون على أصله في النسيان، ومن أهل العلم سوى مالك من يرى أنه مغلوب بالنسيان، فلا يرى عليه به حنثا في الفعل ولا في الترك، ويحتج بقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وعما استكرهوا عليه» وبقوله: «إنما الأعمال بالنيات» ، وهذا لا يلزم لأن المراد بذلك رفع الحرج في ترك الواجبات وفعل المحظورات على سبيل النسيان، لا فيما يلزم فيه الحنث مما لا يلزم فيه الحنث، وبالله التوفيق. [مسألة: تحريم الحلال هل يعد يمين] مسألة وعن ثلاثة نفر ابتاعوا غنما فتقاووها بينهم، فاشترى أحدهم شاتين من الغنم بثمانية وأربعين درهما، فجزوا الغنم، ثم جاء الذي ابتاع الشاتين إلى أحد شريكيه، وهو الذي كان ابتاع الغنم وأشركهما، فقال له: هذه دراهمك ثمانية وأربعون درهما،

فقال له الشريك: بل عليك ثمانية وأربعون درهما ونصف درهم، فقال: الحلال علي حرام إن كان علي إلا ثمانية وأربعون درهما، فدعا الشريك شريكهما الثالث، فقال: كم علي في ثمن الشاتين؟ فقال: ثمانية وأربعون درهما ونصف درهم، فقال: ما علي إلا ثمانية وأربعون درهما في ثمن الشاتين. فقال له مالك: أنت على يقين من يمينك أنك لم تشتر هاتين الشاتين إلا بثمانية وأربعين درهما، فقال: نعم، فقال له مالك: إنك قد كنت حنثت قد حرمت عليك امرأتك، أرأيت إن لم يكن يلزمك هذا النصف على من يكون؟ فقال: يكون علينا ثلاثة، فقال: إن لم ترد شهادتهما بشيء فقد حنثت، فقال: ما أرد شهادتهما بشيء إلا أنهما كانا شريكين لي، فهما يجران لأنفسهما، فقال له: سلهما على شهادتهما وكررها عليهما، فلعلهما يثبتان على الشهادة، ويقولان: كنا نظن ذلك، فقال: قد ثبت الشهادة، فقال: إن لم ترد شهادتهما بشيء جازت شهادتهما عليك، فحرمت عليك امرأتك، فقال: بأي شيء أرد شهادتهما؟ ما أستطيع ذلك إلا أنها لي شريكان، فقال: إن لم ترد شهادتهما بشيء جازت شهادتهما عليك، فحرمت امرأتك، وإنما يكون على كل أحدهما دانق، فلا يتهمان في دافق على هذا فترد شهادتهما عنك بذلك، فإن لم ترد شهادتهما بشيء فقد حنثت، فقال له بعد ذلك بيوم: يا أبا عبد الله، أرأيت أن الحنث قد وقع علي بشهادتهما وهما يجران لأنفسهما لِيَسَارَةِ ذلك وأنهما لا يتهمان في

شهادتهما من أجل دانق؟ فقال: نعم، وما يثبت ذلك له؟ ولكن رأيت أن العدل لا يتهم في شهادته حتى يرد في دانق يجره إلى نفسه، ولقد قلت أن ايتني بهما، فقال: يأبيان، ولست أدري أعدلان هما أم لا؟ فقال: إنما يتكلم في مثل هذا على العدالة، فقال: جاءني جازر أسود وكلهم جازر ولا أراهما إلا مثله، فإن كانا عدلين فلا أرى أن يتهما في مثل هذا، قيل له: أرأيت عليه الحنث بشهادتهما إذا كانا عدلين؟ أفرأيت ذلك النصف يقع عليه أم يطرح، فقال: لا أدري، ولقد قلت أرأيت هذا النصف إن لم يكن عليك على ما هو؟ فقال: هو علينا جميعا، وما أراه إلا وقد أصاب. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الحالف لما نازعه شريكه في ثمن الشاتين فحلف بالحلال عليه حرام أنه لم يشترهما إلا بثمانية وأربعين درهما، قامت زوجته أو أحد بسببها يَدَّعِي عليه الحنث وشهد له شريكاه أنه اشترى منهما الشاتين بثمانية وأربعين درهما ونصف، فأجاز مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - شهادتهما عليه في الحنث بالحلال عليه حرام ولم يتهمهما في أنهما يجران إلى أنفسهما بشهادتهما بما يجب لهما من النصف الدرهم وهو ثلثان ليسارة ذلك كما قال في المدونة في الشاهد يشهد في الوصية وقد أوصي له فيها باليسير أن شهادته فيها جائزة فساوى في هذه الرواية في هذا، بين الوصية وغير الوصية، وهو القياس، وقال مالك للحالف: أنت على يقين أنك لم تشتر هاتين الشاتين إلا بثمانية وأربعين درهما؟ فلما قال له: نعم، سكت عن الجواب في ذلك وهو لا شيء عليه فيما بينه وبين الله إن كان صادقا، وقال له: إنك قد حنثت وحرمت عليك امرأتك، يريد في الحكم الظاهر، بشهادة شريكيك عليك أنك اشتريت الشاتين

بثمانية وأربعين درهما ونصف إن لم ترد شهادتهما بشيء، فلعلهما لا يثبتان الشهادة. فلما أخبره أنهما يثبتان الشهادة وأنه لا يقدر على رد شهادتهما إلا بأنهما شريكان له يجران إلى أنفسهما، لم ير ذلك مما يرد به شهادتهما ليسارة ذلك. فوقف أشهب على ذلك بعد ذلك بيوم، وقال له: يا أبا عبد الله، أرأيت أن الحنث قد وقع عليه بشهادتهما وهما يجران لأنفسهما ليسارة ذلك، وأنهما لا يتهمان في شهادتهما من أجل دانق، فقال: نعم وما يثبت ذلك له؟ يريد للحالف، ولكن رأيت العدل لا يتهم في شهادته حتى يرد في دانق يجره إلى نفسه. ووقفه أيضا هل يثبت على الحالف النصف بشهادتهما إن كانا عدلين ووجب عليه الحنث بها؟ فقال له: لا أدري. ويتخرج على قولين: أحدهما: أنه يثبت عليه النصف بشهادتهما فيكون لهما منه ثلثاه وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في المدونة في مسألة الشاهد يشهد في الوصية قد أوصي له فيها بشيء يسير، وهو قول مالك في رواية مطرف عنه. والثاني: أنه لا يثبت عليه لهما من النصف شيء بشهادتهما، وهو قول ابن الماجشون في مسألة الوصية، وقد قيل: إن شهادتهما لا تجوز في الطلاق لجرهما إلى أنفسهما بشهادتهما ما يجب لهما من نصف الدرهم، وهو الذي يأتي على ما في المدونة؛ لأنه لم يجز فيها شهادة الشاهد لغيره إذا شهد لنفسه فيها بيسير إلا في الوصية، فهذه ثلاثة أقوال: أحدهما: أن شهادتهما تجوز في الطلاق والمال؛ لأن شهادتهما في المال في ضمن شهادتهما بالطلاق. والثاني: أن شهادتهما تجوز في الطلاق ولا تجوز في المال، إذ لا تجوز شهادة أحد لنفسه في قليل ولا كثير. والثالث: أن شهادتهما تجوز في الطلاق، ولا في

: قال لها إن كلمت فلانا فأنت طالق ثم قال لها إن كلمت فلانا سنة فأنت طالق

المال. وفي المسألة قول رابع: أنهما إن طلبا المال بطلت شهادتهما في الطلاق، وإن لم يطلباه جازت شهادتهما في الطلاق، وهو الذي يأتي على ما في رسم الطلاق الثاني بعد هذا، وفي آخر نوازل سحنون من كتاب الأقضية. وفي هذه المسألة معنى يجب أن يوقف عليه ويعرف وجهه، وهو أن الحالف لم يحلف بالحلال عليّ حرام أنه لم يشتر الشاتين إلا بثمانية وأربعين درهما إلا تكذيبا لشريكه فيما ادعاه عليه من أنه ابتاعهما بثمانية وأربعين درهما ونصف، ومن قولهم: إن من حلف تكذيبا لشهادة الشهود فلا يطلق عليه بشهادتهم، فكان القياس ألا تطلق عليه بشهادتهما؛ لأنه إنما حلف تكذيبا لأحدهما، والوجه في ذلك أنه أقر على نفسه باليمين ولم يثبت أنه حلف تكذيبا لأحدهما، وقد قيل: إن معنى المسألة أنه أنكر اليمين فشهد عليه بها الشريكان لزوجته، والأول هو الأظهر من لفظ المسألة. ويلزم على قياس قول مالك في هذه المسألة لو شهد رجلان على رجل أنه حلف بالطلاق ما لأحد عليه حق، وإن لهما عليه ثلث درهم - أن تطلق عليه بشهادتهما ليسارة خطب ما شهدا به لأنفسهما، وبالله التوفيق. [: قال لها إن كلمت فلانا فأنت طالق ثم قال لها إن كلمت فلانا سنة فأنت طالق] ومن كتاب الأقضية وعن رجل قال لامرأته: إن كلمت فلانا فأنت طالق، ثم أقام أياما، فقال لها: إن كلمت فلانا سنة فأنت طالق، ثم أقام أياما، فقال: إن كلمت فلانا فأنت طالق، ثم إنه كلمته كم تطلق عليه؟ قال: أرى أن ينوى، فإن كان إنما أراد بذلك تطليقة واحدة يرددها عليها ويعلمها إياها يتهددها بذلك، فلا طلاق علية إلا

تطليقة واحدة، قيل له: أفترى عليه فيما يزعم أنه نوى اليمين، فقال: نعم، أرى عليه اليمين لو نوى ذلك. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الحالف طولب بهذه اليمين وهو مقر بها، فلهذا أوجب عليه اليمين فيما ادعى أنه نواه، ولو أتى مستفتيا غير مخاصم لصدق فيما ادعى أنه نوى دون يمين، وهو معنى ما في المدونة، وذلك أن طلاق الرجل امرأته وحلفه بالطلاق في مجالس شتى وأيام مفترقة لا يخلو من أربعة أحوال: أحدها: أن يأتي مستفتيا في ذلك غير مخاصم فيه ولا مطلوب به، والثاني: أن يطلب بذلك وهو مقر به على نفسه، والثالث: أن تقوم عليه البينة بذلك فيقر ولا ينكر، والرابع: أن ينكر فتقوم عليه البينة. فأما إذا أتى مستفتيا في ذلك غير مخاصم فيه فذكر أنه قال امرأتي طلاق أو طالق إن فعلت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، وأنه كرر ذلك ثانية وثالثة في أيام مفترقة فهذا يلزمه ثلاث تطليقات إلا أن تكون له نية أنه أراد بذلك تطليقة واحدة فرددها عليها إعلاما لها وتوبيخا وتقريرا وما أشبه ذلك، فتكون له نيته دون يمين. وأما إذا طولب بذلك وخوصم وهو مقر به على نفسه وادعى أنه أراد بذلك تطليقة واحدة فينوى في ذلك مع يمينه على ما تأولناه في هذه المسألة. وأما إذا قامت عليه البينة بذلك فأقر ولم ينكر وادعى أنه أراد واحدة فقيل: إنه لا ينوى لأن البينة قد حضرته، وهو قول ابن القاسم في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وظاهر قول ربيعة في الأيمان بالطلاق من المدونة أن الشهادة في الطلاق لا تلفق إذا اختلفت المجالس، وقيل: إنه ينوى وتكون واحدة لاحتمال أن يكون أراد طلقة واحدة

مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يكلم ابنته أبدا ولا يشهد لها محيا ولا مماتا

فأشهد بها في أوقات شتى، والى هذا ذهب إسماعيل القاضي، وهو الذي يأتي على معنى ما في المدونة من أن الشهادات على الطلاق تلفق إن اختلفت المجالس، ومثله في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الشهادات. وهذا الاختلاف عندي إنما هو إذا شهدت كل واحد من البينة أنه قال: أشهدكم أنها طالق، فأما إن شهدت أنه قال أشهدكم أني قد طلقتها فإنه يُنَوَّى قولا واحدا، يقوم ذلك من قول أصبغ في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الشهادات. وأما إن أنكر الطلاق جملة فلما شهدت عليه البينة ادعى أنه أراد واحدة فلا يُنَوَّى ويلزمه ثلاث تطليقات، هذا هو المشهور، وقد تخرج أنه ينوى بعد الإنكار على ما في رسم الكبش من سماع يحيى بعد هذا من هذا الكتاب، وعلى ما مضى في كتاب التخيير والتمليك، وفي رسم كتب عليه من سماع ابن القاسم، ورسم الطلاق من سماع أشهب، ورسم الكبش من سماع يحيى، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يكلم ابنته أبدا ولا يشهد لها محيا ولا مماتا] مسألة وعن رجل حلف بطلاق امرأته ألا يكلم ابنته أبدا ولا يشهد لها محيا ولا مماتا أبدا ولا يدخل لها بيتا، فخرج مع امرأته يبلغها بيت ابنتها حتى إذا كان ببعض الطريق قعد وذهبت امرأته إليها فأخبرتها أن أباها خارج، فخرجت إليه فقبلته واعتنقته وأرسلت إليه طعاما وشرابا، فأتي به فأبى أن يطعمه، فقال له بعض

من معه: ليس عليك شيء وأنت لم تحلف إلا تطعم لها طعاما فكل ولقمته بكفها وسقته بيدها. فقال: لا أرى عليه حنثا، هو لم يكلمها ولا دخل منزلها، قيل له: إن منزلها في حائط ومن دونه حائط، فلما انتهى إلى الحائط الأدنى جلس هنالك حتى خرجت إليه، فقال: لم تقولوا لي هذا ولست أدري ما هو؟ فأما قولك الأول فلا أرى عليه حنثا، قيل له: فإن في يمينه ألا يشهد لها محيا ولا مماتا أبدا، ثم قد أكل من طعامها وشرب من شرابها ولقمته بكفها وسقته بيدها، فقال: ما فهمت هذا منه، وهذا مشكل ولست أدري ما هو؟ قال محمد بن رشد: القياس في هذه المسألة ما أجاب به أولا من أنه لا حنث عليه لأنه حلف ألا يكلمها ولا يدخل لها بيتا ولا يشهد لها محيا ولا مماتا أني مشهد ولا جنازة ولم يفعل شيئا من ذلك ثم توقف لما قيل له إن منزلها في حائط داخل حائط، وأنه لما انتهى إلى الحائط الأدنى إلى منزلها جلس هنالك حتى خرجت إليه، وخشي أن يكون الحائطان جميعا في حكم منزلها لما كان داخلهما على أصله من أن من حلف ألا يدخل بيت رجل يحنث بدخول منزله، وهو إغراق لمؤنه إنما يحنث بدخول المنزل من حلف ألا يدخل البيت؛ لأن المنزل وهو الدار مسكن كما أن البيت مسكن، وليست الحوائط بمساكن، وابن القاسم لا يرى أن يحنث بدخول الدار من حلف ألا يدخل البيت، على ما يأتي في رسم الرهون من سماع عيسى، فكيف بهذا؟ وخشي أيضا أن يكون معنى يمينه اجتناب أمرها كله، فيحنث بأكل طعامها وإطعامها إياه بيدها، والأمحص أنه لا حنث بذلك؛ لأنه قد سمى جميع ما حلف عليه وليس هذا من معناه، والله أعلم.

: حلف ليضربن عبده فمات العبد قبل أن يضربه

[: حلف ليضربن عبده فمات العبد قبل أن يضربه] ومن كتاب الطلاق الأول وسئل: عمن قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت على أختك بيتها أبدا حتى تأتيك هي وبناتها، فماتت أختها قبل أن تأتيها فأرادت شهودها والذهاب إلى بيتها. فقال: قد ماتت، فلا أرى بأسا أن تذهب إليها، ولا أرى عليه طلاقا إذا كان بناتها قد جئنها، هي الآن من أهل القبور. قال محمد بن رشد: كان القياس في هذه المسألة أن يحنث بدخولها عليها وهي ميتة قبل أن تأتيها وهي ميتة وإن كان بناتها قد جئنها إذا كانت قد أقامت قبل أن تموت لمكنها فيه الإتيان، كمن قال: امرأتي طالق إن فعلت كذا وكذا حتى يفعله فلان فمات قبل أن يفعله، وقد أقام ما لو شاء أن يفعله فعله أن اليمين عليه باقية، ولما قال في رسم حمل صبيا من سماع عيسى في الذي يقول لامرأته: أنت طالق إن دخلت بيت أبيك حتى يقدم الحاج وشبه ذلك، وفي سماع أصبغ من كتاب العتق في نحو ذلك، وكمن حلف ليضربن عبده فمات العبد قبل أن يضربه، وقد أقام ما لو شاء أن يضربه أنه حانث، إذ لا اختلاف فيمن حلف ألا يدخل على فلان بيتا أبدا أنه حانث إن دخل عليه بيتا، وإنما اختلف إذا حلف ألا يدخل عليه بيتا ما عاش فدخل عليه بعد أن مات، وقد مضى وجه الاختلاف في ذلك في سماع أشهب من كتاب النذور. ووجه ما ذهب إليه مالك في هذه المسألة: أنه حمل يمينه على معنى ما ظهر إليه من إرادته، وهو أنه أراد ألا تبتدي أختها بالدخول عليها مع قدرتها هي على الإتيان إليها، ومعنى قوله: هي الآن من أهل القبور، أي:

مسألة: قالت لابنها انكح أم ولدك التي أعتقت عليك فقال هذه طالق البتة إن تزوجتها

ليست ممن يقدر على الإتيان، وقد ذهب ابن دحون إلى أن ما في سماع أشهب من كتاب النذور من أن من حلف ألا يدخل على فلان بيتا حياته فدخل عليه ميتا أنه حانث معارض لهذه المسألة، وذلك غلط ظاهر على ما بيناه، وإنما هي معارضة لما في رسم حمل صبيا من سماع عيسى على ما ذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: قالت لابنها انكح أم ولدك التي أعتقت عليك فقال هذه طالق البتة إن تزوجتها] مسألة وسئل: عن امرأة قالت لابنها: انكح أم ولدك التي أعتقت عليك، فقال: هذه طالق البتة إن تزوجتها إلا أن تعطيني عشرين دينارا، أفيصلح لأمه أن تعطيه إياها فإذا تزوجها نزعتها منه، فقال: ما أرى بأسا أن تنزعها منه بعد أن يتزوجها، فلتفعل. قال محمد بن رشد: قال ابن نافع: هذا غلط، ولا أرى أن يعمل به، قال أبو محمد: إنما أراد مالك أنها لم تواطئه على ذلك، ثم إنه طاع لها بالرد بعد النكاح، وقوله صحيح لا وجه للمسألة سواء. [مسألة: قلت لامرأتي أنت طالق البتة إن لم أخرج من المدينة] مسألة قلت له: قلت لامرأتي: أنت طالق البتة إن لم أخرج من المدينة. فقال: يخرج مخرج سفر ولا يخرج مخرجا هكذا، فقال: والله ما أردت نكاحها ولا أردت ضررها، فقال: إنا لنقول في مثل هذا: سافر ما تقصر فيه الصلاة، ثم قال له الروحا، قال أشهب: إذا ذهبت إليها.

مسألة: يقول لرجل امرأته طالق إن لم أخاصمك إلى فلان فيعزل ذلك الوالي

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إذا لم تكن له نية في مكان بعينه يسير إليه، ولا في مقدار ما يتباعد من المدينة، ولا كان ليمينه بساط يحمل عليه أنه يبر بالخروج من المدينة، وقد اختلف في حد ذلك، فقال في هذه الرواية: إنه يخرج إلى مثل ما تقصر فيه الصلاة، يريد: ويقيم هناك الشهر ونحوه على حكم الحالف لينتقلن أنه ينتقل فيقيم الشهر ونحوه، فإن رجع بعد خمسة عشر يوما لم يحنث. قال مالك في كتاب ابن المواز: وهذا استحسان، والقياس أنه يخرج إلى موضع لا يلزمه فيه أن يأتي منه إلى الجمعة، فيقيم ما قل أو كثر ثم يرجع إن شاء، والأول أبرأ من الشك، ومثله لابن القاسم في المبسوطة، وعلى هذا يأتي قوله في مسألة رسم البراءة من سماع عيسى بعد هذا. وقال أصبغ في أحد الكتب الخمسة في هذا: إنه استحسان أيضا، والقياس أنه لا يلزمه أن يخرج من المدينة إلا إلى منتهى أطرافها وهو حد ما يقصر فيه الخارج ويتم عند الوصول إليه الداخل، وقد قيل: إنه لا يبرأ إلا بالخروج عن جميع عملها وأن يجاوز ذلك حد ما تقصر فيه الصلاة، روى هذا القول عن ابن كنانة في المدنية. وعلى هذه الأربعة أقوال يختلف فيمن حلف ألا يتزوج من بلد كذا، وتحصيل القول في ذلك: أن فيه قولين: أحدهما: أن يمينه تحمل على البلد، وجميع عمله حتى يريد الحاضرة نفسها، والثاني: أنه يحمل على الحاضرة نفسها حتى يريدها وعملها، فإن أرادها وعملها أو لم تكن له نية على القول الآخر، فقيل له: إنه لا يتزوج فيما تقصر فيه الصلاة، وهو أربعة برد، وقيل: إنه لا يتزوج في جميع عملها وإن تجاوز أربعة برد، وإن أراد الحاضرة نفسها أو لم تكن له نية على القول الآخر، فعلى الأربعة الأقوال المذكورة التي بينا وسمينا قائليها، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لرجل امرأته طالق إن لم أخاصمك إلى فلان فيعزل ذلك الوالي] مسألة وسئل: عن الذي يقول لرجل: امرأته طالق إن لم أخاصمك

إلى فلان، فيعزل ذلك الوالي أو يموت. قال: لا أرى عليه شيئا، وأرى أن يخاصمه إلى الإمام الذي خلف بعده، وأرى أن ينوى، فإن قال نويت هذا المعزول نفسه أو الميت لم ير أن يخاصمه إلى الذي خلف، وإن قال لم أنو شيئا رأيت أن يخاصمه إلى الذي خلف بعده؛ لأنه إنما أراد مخاصمته وغيظه وضده وإدخال المشقة عليه، وإن قال لا أخاصمه إلى هذا الذي خلف بعده، قد مات صاحبي الذي حلفت عليه، قيل لا والله ما ذلك لك إن كان ذلك منه على وجه أن يخاصمه وأن يغيظه وأن يضر به، إلا أن يقول نويت هذا الذي عزل نفسه أو مات، فأرى ذلك له ولا أرى عليه شيئا إن لم ينو شيئا إذا خاصمه إلى الذي خلف بعده، وإنما أراد بالسلطان أن يبلغ مقاطع الحدود ومغيظته. قيل له: أرأيت لو أقام شهرين بعد يمينه لا يخاصمه حتى مات ذلك الوالي أو عزل؟ قال: كنت أرى ذلك له إلا أن يتطاول ذلك جدا أو تدخله أناة شديدة. قال محمد بن رشد: لم يراع مالك في هذه المسألة التسمية وحمل يمينه على ما يظهر من قصد الحالف خلاف قوله في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم.

مسألة: الرجل يجمع في نفسه على طلاق امرأته حتى يكون قد طلق نفسه

وقوله: إلا أن يقول نويت هذا الذي عزل نفسه أو مات فأرى ذلك له، معناه: فأرى ذلك عليه ويؤخذ بما زعم أنه نواه، ويحنث إذا لم يرفعه إليه حتى مات أو عزل إلا أن يموت أو يعزل بحدثان ذلك؛ لأن نيته هذه عليه وليست له. وقوله: أنه لو أقام شهرين بعد يمينه لا يخاصمه حتى مات أو عزل أن ذلك له ما لم يتطاول أو يدخله أناة شديدة، قال ابن دحون: إنه إن لم تأت له الخصومة في الشهرين، فأما إن تأتت له الخصومة في الشهرين ولم يخاصمه حتى عزل الحاكم أو مات فهو حانث إذا طال تأنيه جدا، وليس قول ابن دحون عندي بصحيح؛ لأنه ما لم تتأت له الخصومة وإن طال أمر ما عسى أن يطول فلا يحنث وإن كانت الخصومة متأتية له فهو حانث فيما دون الشهرين، فالمعنى في المسألة إنما هو أنه يصدق في الشهرين إن ادعى أن الخصومة لم تتأت له فيهما ولا يصدق في ذلك إذا طال جدا، والله أعلم. [مسألة: الرجل يجمع في نفسه على طلاق امرأته حتى يكون قد طلق نفسه] مسألة وسئل: عن الرجل يجمع في نفسه على طلاق امرأته حتى يكون قد طلق نفسه ولم ينطق به لسانه، أترى عليه طلاقا؟ فقال: إي والله في رأيي، وما هذا بوجه الطلاق. قال محمد بن رشد: قوله: وما هذا بوجه الطلاق - معناه: ليس هذا من شأن الناس وعاداتهم أن يفعلوه، وهذا مثل قوله في هذا السماع من كتاب التخيير والتمليك: ليس يطلق الرجل بقلبه ولا ينكح بقلبه، أي: ليس بشأن الناس أن يفعلوه، إذ لا تأثير له في الحكم الظاهر، وقد كان الشيوخ

مسألة: فحلف البائع بطلاق امرأته البتة إن وضع من ثمن الجارية شيئا

يحملون ذلك على أنه اختلاف من قول مالك، وأن ما في كتاب التخير والتمليك أصح مما في هذا الكتاب، وكذلك قال ابن دحون في هذه المسألة: إنها مسألة حائلة؛ لأن كل الروايات عن مالك: أنه لا يلزمه إلا ما حرك به لسانه أو كتبه بيده، فإن لم يحرك به لسانه، وليس ذلك على ما قال، بل هي مسألة صحيحة على الأصول؛ لأن الكلام باللسان والكتب باليد إنما هو عبارة عما في القلب يفيد الحكم الظاهر خاصة، وما أجمع عليه في قلبه من طلاق امرأته لازم له فيما بينه وبين الله وإن لم ينطق به لسانه ولا خط به بنانه، هذا هو الصحيح، وإن كان قد روى عبد الرحمن الأعلى عن ابن وهب عن مالك في الرجل يطلق بقلبه، قال: ليس عليه شيء حتى يكون الإفصاح، على أنه يحتمل أن يريد ليس عليه شيء في الحكم الظاهر، والله أعلم. [مسألة: فحلف البائع بطلاق امرأته البتة إن وضع من ثمن الجارية شيئا] مسألة وسئل: عمن باع جارية من رجل فسأله أن يضع له ثلاثة دنانير فحلف البائع بطلاق امرأته البتة إن وضع عنه دينارين ونصفا إلا أقل، فجاء أخو الحالف فقال: أغرم ما بقي ولا يختصمان. فقال له مالك: أما شيء يكون عليك فلا، وأما شيء يكون من مال أخيك فنعم، يصالحه به عليك من مال نفسه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه إن كان أخو الحالف يقدم ذلك للحالف من مال نفسه على أن يتبعه بذلك، أو من مال أخيه الحالف فلا يبر الحالف بذلك؛ لأنه لم يصل إليه ما حلف عليه، فكأنه قد

مسألة: ادعى في الطلاق نية تشبه غير مخالفة لظاهر قوله

وضع عليك عن المشتري، وإن كان يقدم ذلك من ماله عن المشتري للحالف فقد بر الحالف؛ لأنه قد وصل إليه ما حلف عليه ولم يضع منه شيئا للمشتري، وسواء اتبع الغارم المشتري بما غرم عنه أو وهبه له ولم يتبعه به، وبالله التوفيق. [مسألة: ادعى في الطلاق نية تشبه غير مخالفة لظاهر قوله] مسألة وسئل: عن عبدين كانت بينهما منازعة، فأخذ قيم سيدهما القيد ليجعله في رجل الظالم منهما، فقال له: لم تقيدني؟ أتخاف أن أبق منك؟ امرأتي طالق البتة إن أبقت منك إلا إلى أهلي، فأبى القيم أن يصدقه بيمينه وقيده، فكسر العبد القيد وفر إلى أهله كما قال، فأقام عندهم سنتين أو أكثر ثم أبق منهم إباقا بينا هو الإباق، فقال له أهله: أتخاف أن تكون قد حنثت؟ حلفت بالطلاق ألا تأبق، فقال العبد: لم أرد الإباق أبدا إنما أردت يومئذ ألا أبق إليكم، ففعلت. فقال له مالك: ما أراه أراد إلا اليمين الأولى ألا يأبق من القيم نفسه إلا إلى أهله، إرادة أن يؤمنه مما يخاف، قال: أرى ألا عليه شيئا، وأرى عليه اليمين ما أراد إلا ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم في أن من ادعى في الطلاق نية تشبه، غير مخالفة لظاهر قوله صدق فيها مع يمينه ونيته غير مخالفة لقوله، بل هي موافقة له؛ لأنه قال: امرأتي طالق إن أبقت منك، وهو لم يأبق منه، وإنما أبق من عند أهله بعد أن بر في يمينه إذ لم يأبق يومئذ، وهذا بين، وبالله التوفيق.

مسألة: قال امرأتي طالق البتة إن كان أكل عندي فلان وفلان واستثنى سرا

[مسألة: قال امرأتي طالق البتة إن كان أكل عندي فلان وفلان واستثنى سرا] مسألة وسئل مالك: عمن قال: امرأتي طالق البتة إن كان أكل عندي فلان وفلان، واستثنى سرا إلا تمرا. فقال مالك: إني أخاف ألا يكون لسانك تكلم بذلك، إنما هو شيء وجدته في نفسك، فقال: بلى، قد تكلمت به كلاما في نفسي، فقال له: إنه أنطق لسانك، قال: نعم، ولكن قد كان شربا عندي مذقا، فقال له مالك: كم طلقتها؟ فقال: لم أقل شيئا، إنما قلت هي طالق، قال: أكنت طلقتها قبل اليوم شيئا؟ قال: نعم واحدة، فقال له: قد طلقتها واحدة وهذه اليمين ثانية، فقد طلقتها اثنين ولك عليها الرجعة، فتكون عندك على واحدة، ثم قال له: منذ كم حلفت؟ قال: منذ ستة أشهر، قال: قد حلت فاخطبها مع الخطاب ثم أنكحها نكاحا جديدا بعد أن تستبرئها بالعدة من مائك الذي مسستها فيه وهي مطلقة؛ لأنك لم تكن ارتجعت حتى حلت، قال: من ينكحنيها؟ قال: أبوك إن شئت بشهود وبينة وصداق جديد ثوب أو غير ذلك؛ لأنك قد أنكحتها مرة فينكحكها أبوك، وليس في ذلك بأس. قال محمد بن رشد: المذق هو اللبن المضروب بالماء، فإنما أوجب عليه الحنث لشربهما إياه عنده إذا حلف أنهما ما أكلا عنده شيئا ولم يستثن إلا التمر؛ لأن يمينه ما أكلا عنده شيئا معناه ما طعما عنده طعاما، واللبن طعام، يجب به الحنث عليه إذا كانا قد شرباه، كما يجب به عليه لو أكلاه؛ لأن المعنى في الأكل والشرب سواء، إذ يجمعه اسم الطعم، إلا أن تكون له نية في أحدهما دون الآخر، قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] ،

ولو لم يشربا عنده المذق لم يجب عليه شيء إذ قد استثنى التمر إذا كان قد حرك به لسانه، وإن لم يعلم المحلوف عليه، وهذا على القول بأن اليمين على نية الحالف وأن الاستثناء لا ينفع إلا بتحريك اللسان، وقد مضى القول على الوجهين في رسم البز من سماع ابن القاسم، ولما رأى الطلاق واقعا عليه وأخبره أن له منذ حلف بالطلاق ستة أشهر، قال له: قد حلت فاخطبها مع الخطاب، معناه: على الغالب في أن العدة تنقضي في مثل هذه المدة. وقوله: إنه يزوجها منه أبوه، ظاهره: وإن رضي به الولي لا يردها عليه، وإن لم يكن لها بولي، إذ قد زوجها منه أولا وليها، وهذا خلاف قوله في النكاح الأول من المدونة: إن النكاح الأول والآخر في ذلك سواء. والأصل في هذا الاختلاف اختلافهم في المرأة يزوجها أجنبي، فعلى القول بأن النكاح يفسخ، وإن رضي به الولي، لا يردها عليه الأجنبي. وعلى القول بأن النكاح يجوز ولا يفسخ إذا رضي به الولي يردها عليه، وعلى القول بأن النكاح يفسخ وإن رضي به الولي لا يردها عليه الأجنبي، إذ قد علم رضا الولي به أولاً. وقد روى أبو قرة، قال: سألت مالكا عن المرأة تختلع من زوجها ثم يراجعها في عدتها بغير إذن وليها، قال: [فقال: إن أحب] أحب إلي ألا يراجعها إلا بإذن وليها، فإن راجعها بغير ولي لم أفرق بينهما، وهي رواية شاذة، إذ لا اختلاف في المذهب في أن المرأة إذا زوجت نفسها يفسخ النكاح على كل حال، ولا يلتفت فيه إلى رضا الولي. ووجهها على شذوذها: مراعاة العلة في إيجاب المولى في النكاح، وهي أنه لما كان النساء في نقصان فطرتهن لا يؤمن عليهن أن تميل نفوسهن إلى غير أكفائهن، فيلحق من ذلك الأولياء غضاضة، جعل من الحق لهم ألا يكون لهن أن يزوجن أنفسهن، فكان إرجاعهن أنفسهن إذا وقع على أزواجهن جائزا، إذ لا غضاضة على أوليائهن في ذلك، إذ قد زوجوهم أولا،

مسألة: أعار إنسانا زوج حمام فقال امرأته طالق البتة إن لم يكن فرخي

وقد تأول في هذه المسألة أن أبا الزوج كان من عصبة المرأة، فلذلك قال: يزوجكها أبوك. وقوله: لأنك أنكحتها؛ مرة - يرد هذا التأويل، إذا لو كان من عصبتها لزوجها وإن لم ينكحها الزوج قبل ذلك إلا أن يكون ثَمَّ من الأولياء من هو أقصد منه، فيكون هو أولى بإرجاعها، وبالله التوفيق. [مسألة: أعار إنسانا زوج حمام فقال امرأته طالق البتة إن لم يكن فرخي] مسألة وسئل: عمن أعار إنسانا زوج حمام ذكرا وأنثى فأفرخا عنده، ثم جاء فأخذ منه حمامه، الذكر والأنثى الذي أعاره، ثم وجد عنده فرخا، فقال: هذا فرخي، فقال: امرأته طالق البتة إن لم يكن فرخي، فقال الآخر: والله ما هو فرخك. فقال: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنه لفرخه بعينه يعرفه. قال محمد بن رشد: يريد أنه يدين في اليمين فلا يحنث، ولا يأخذ الفرخ إذا حلف المستعير بالله إنه له، إذ هو المدعي عليه في الفرخ، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وقد مضى ما يبين هذا المعنى في رسم تسلف من سماع ابن القاسم، وإنما يحلف إذا طولب بحكم الطلاق، وقد قيل في مثل هذا النحو: إنه لا يمين عليه؛ لأنها يمين تهمة، وسنذكر الاختلاف في ذلك في رسم المكاتب من سماع يحيى، وبالله التوفيق. [: حلف بطلاق امرأته إن كلم ابنته أبدا ولا يدخل عليها أبدا] ومن كتاب الطلاق الثاني قال: وسئل مالك: عن رجل حلف بطلاق امرأته إن كلم ابنته أبدا ولا يدخل عليها أبدا. قال: وأنا أريد تسليما في صحة أو عيادة في مرض، فمرض زوجها ونقله إليه وفتح بينه وبينها بابا، فكان يدخل عليه إذا خرجت، فإذا خرج دخلت ابنته حتى مات

الزوج، فجعل على الباب الذي بينه وبينها سترا، فسقط فدخل يصلحه وهي في الدار فقيل له في ذلك، فقال: إني لم أرد هذا، ثم لما أرادوا غسله دخل في بيت من الدار معها قريب منها، وقال: لم أرد هذا إنما أردت زيارة في صحة أو عيادة في مرض، فلما دفن ختنه، قال لامرأته، وابنته من وراء ذلك الباب الذي فتح قبل أن يستره: قولي لها: أعظم الله أجرك وأحسن عقباك، فقالت لها. فقال مالك: أما تعزيته إياها فإن كان قال ذلك لامرأته وابنته تسمع، فأراه قد حنث ووجب عليه الطلاق، وهو يكلمها، وإنما هو وهي كهيئتي [وهيئتك] الآن وهذا الآخر، قلت لك أعظم الله أجرك وهو يسمع فما الكلام إلا هذا، قد كلمها، ولو أرسل إليها رسولا ولم تسمعه لم أر عليه الطلاق، وإذا قال لها ذلك وهي تسمعه فقد كلمها، وأما دخوله عليها فلا أرى عليه حنثا لأنه إنما حلف وهو ينوي زيارتها وعيادتها، فهو إنما دخل يصلح شيئا يسد سترا أو يضع شيئا، لم يدخل زائرا ولا عائدا، فلا أرى عليه حنثا في ذلك. قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية: فإن كان قال ذلك لامرأته وهي تسمع، فأراه قد حنث ووجب عليه الطلاق، معناه: إن كان قال ذلك لها وهو يريد أن يسمع ابنته المحلوف عليها، وهو صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن تكليم الرجل الرجل هو أن يعبر له عما في نفسه بلسانه عبرة يفهمها السامع، فإذا خاطب غيره وهو يريد كلامه فقد حصل مكلما له وإن لم يقبل عليه بكلامه، فوجب أن يحنث إلا أن ينوي في حلفه ألا يكلمه، يريد بكلام يقبل عليه به، فتكون له نيته في الفتوى، واختلف إن كلم غير المحلوف عليه وهو يريد أن يسمع المحلوف عليه فلم يسمعه، بدليل قوله في هذه الرواية

وهي تسمع أنه لا حنث عليه إذا لم تسمع، ومثله في سماع أبي زيد، ووجه ذلك: أنه لم يقبل بكلامه علية ولا أسمعه، فكأنه لم يكلمه، إذ لم يوجد منه معنى التكليم. وقال عيسى بن دينار من رأيه في المدنية: إنه إن أراد أن يسمعه فهو حانث، سمعه أو لم يسمعه، وهو الأظهر؛ لأنه قد كلمه إذا أراد إسماعه لكلامه، وإن لم يقبل عليه بكلامه ولا سمعه، فوجب أن يحنث إلا أن يكون نوى في يمينه ألا يكلمه، يريد بكلام يقبل عليه به ويسمعه منه، كما أن من حلف ألا يكلم رجلا فكلمه من حيث يمكن أن يسمع كلامه فلم يسمعه أنه حانث إلا أن يكون نوى ألا يكلمه بكلام يسمعه منه، وسيأتي هذا المعنى في رسم سلف من سماع عيسى. وأما إذا كلم غيره وهو لا يريد إسماعه فلا حنث عليه سمعه أو لم يسمعه قولا واحدا، وأما إذا كتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا فقرأ كتابه أو سمع رسالته، فقيل: إنه لا حنث عليه في الوجهين جميعا إذ لم يكلمه، وهو مذهب أشهب وابن شهاب وابن عبد الحكم؛ لأن التكليم إنما هو أن يعبر له عما في نفسه بلسانه عبارة يفهمها المكلم إذا أصغى إلى كلامه. وقيل: إنه حانث في الوجهين جميعا؛ لأنه وإن لم يكلمه فقد وجد منه معنى الكلام وهو التفهيم، والأحكام إنما هي للمعاني لا للأسماء، فوجب أن يحنث إلا أن تكون له نية أنه أراد المشافهة فيهما فيكون له نيته. وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وظاهر قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب، وقد روى عن مالك: أنه لا يُنَوَّى فيهما جميعا، وتلا قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ} [الشورى: 51] . وهو بعيد؛ لأن الصحيح في هذا الاستثناء إنما استثناء منفصل مقدر بـ "لكن". وله في المدونة قول ثالث: أنه لا ينوى في الكتاب وينوى في الرسول، ومعناه: مع قيام البينة عليه؛ إذ لا اختلاف في أن من أتى مستفتيا تقبل منه نيته ويصدق فيها دون يمين وإن بعدت. وقيل: إنه يحنث بالكتاب إلا أن تكون له نية في

مسألة: حلف بطلاق امرأته البتة إن خرجت من بيته إلا أن يقضي عليه السلطان

المشافهة، ولا يحنث في الرسول، وهو ظاهر رواية أشهب هذه، وقول ابن الماجشون في الواضحة. وقوله: وأما دخوله عليها فلا أرى عليه حنثا؛ لأنه إنما حلف وهو ينوي زيارتها أو عيادتها، فمعناه: إذا أتي مستفتيا، وأما مع قيام البينة عليه، فلا ينوى؛ لأنها نية مخالفة لظاهر لفظه، كالذي يحلف ألا يدخل بيتا، ويقول: نويت شهرا وما أشبه، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته البتة إن خرجت من بيته إلا أن يقضي عليه السلطان] مسألة وسئل: عمن حلف بطلاق امرأته البتة إن خرجت من بيته إلا أن يقضي عليه السلطان بذلك أو تخرج بغير إذنه، فيضربها خمسين ضربة، وكانت تسكن مع أمه، فاستعدت عليه، وقالت: لا أسكن مع أمك، فقضى لها السلطان بأن تخرج عنها، فنقلها. فقال له: ليس عليه في ذلك شيء، ولكن اليمين عليه كما هي عليه في المنزل الذي انتقل إليه. قال محمد بن رشد: في ظاهر هذه اليمين اضطراب من لفظ الحالف؛ لأن يمينه بطلاق امرأته البتة إن خرجت إلا أن يقضي عليه سلطان، يوجب أنها إن خرجت دون أن يقضي عليه بخروجها، تَبِينُ منه بالبتات، وزيادته في اليمين أو تخرج بغير إذنه فيضربها خمسين ضربة يقتضي حلفه ليضربنها إن خرجت بغير إذنه، ويوجب ألا يلزمه بخروجها بغير إذنه طلاقا، إلا ألا يضربها خمسين ضربة، وإنما إن خرجت بإذنه لم يلزمه طلاق، وهذا اضطراب شديد، فمعنى يمينه الذي يحمل عليه أنه أراد ألا يأذن لها أن تخرج إلا أن يقضي عليه بذلك سلطان، وأن يضربها خمسين

مسألة: حلف بالطلاق أو بالعتق ألا يدعها تخرج أبدا

ضربة إن خرجت بغير إذنه، وعلى هذا يصح جوابه في المسألة: أنه إن قضى عليه السلطان بإخراجها من المنزل لم يحنث، ويكون اليمين عليه في المنزل الذي ينتقل إليه إذ لم يحنث بخروجها من ذلك المنزل بالقضاء، وهذا نحو ما في رسم إن خرجت ورسم أسلم من سماع عيسى في الذي يحلف لامرأته بطلاقها إن خرجت من داره، وكانت الدار بكراء، فأخرجها أهل الدار منها بانقضاء أمد الكراء أو أخرجها منها بأمر لم يستطع إلا الخروج والهرب منه - أن اليمين تلزمه في الدار التي انتقل إليها إلى انقضاء مدتها. [مسألة: حلف بالطلاق أو بالعتق ألا يدعها تخرج أبدا] مسألة قيل: إن من حلف بالطلاق أو بالعتق ألا يدعها تخرج أبدا، أترى أن يقضى عليه به في أبيها وأمها ويحنث؟ قال: لا أرى عليه ذلك إذا حلف. قال محمد بن رشد: دليل قوله في هذه المسألة لا أرى ذلك عليه إذا حلف أنه لو لم يحلف لقضي عليه، وهو منصوص له بعد هذا في هذا الرسم، يريد: إلا أن تكون امرأة تؤمن في نفسها، على ما قال في رسم طلق من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، وقد قيل: إنه يقضي عليه حتى يمنع من الطرفين، كما لا يحنث حتى يحلف على الطرفين، وإلى هذا ذهب ابن حبيب في الواضحة، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق أو العتق إن خرجت امرأته ألا يقضي عليه بذلك سلطان] مسألة وسئل: عن الذي يحلف بالطلاق أو العتق إن خرجت امرأته

مسألة: يقول الحلال علي حرام ثم يحنث ويشهد عليه

ألا يقضي عليه بذلك سلطان يجب أن يقضي عليه بذلك، فقال: إني لأقول لمن حلف هكذا ألا يخبر السلطان أنه يجب ذلك، ولكن يخبره بخبره، فإذا قضى عليه السلطان فأرجو ألا يكون عليه شيء ولا حنث، ولا أرى بأسا أن يقضي عليه بذلك السلطان إذا علم أنه يجب ذلك. قال محمد بن رشد: في كتاب ابن المواز، قيل لابن عبد الحكم: فإن جهل فأخبر الإمام بذلك؟ فقال: ما أشبهه أن يحنث، والقياس: أنه لا يحنث، أخبره هو بذلك أو غيره إذا امتنع من إخراجها حتى يقضي السلطان للمرأة عليه بإخراجها؛ لأن إرادته للقضاء عليه لا يخرج القضاء عليه من أن يكون قضى عليه لا في الحكم ولا في المعنى؛ لأن المرأة لا منفعة لها في إرادته لإخراجها إذا امتنع من إخراجها ولا يتوصل إلى الخروج مع امتناعه من ذلك إلا بالحكم أحب ذلك أو كرهه، وإنما خشي إذا أخبر السلطان أنه يجب أن يقضي عليه ألا يتقضى بحجج المرأة التي يوجب لها الإخراج، وهذا إن سامح فيه الإمام، فالإثم فيه عليه، ولا شيء على المقضي عليه، وإنما يحنث إن سامح في حجة داحضة تقوم بها المرأة، وهو قادر على إبطالها، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول الحلال عَلَيَّ حرام ثم يحنث ويشهد عليه] مسألة وسئل: عن الذي يقول: الحلال عَلَيَّ حرام، ثم يحنث ويشهد عليه، فيقول: إنما أردت من الطعام والشراب. فقال: أرى أن يحلف، فقيل له: أرأيت إن قال واحدة؟ فقال: ليس ذلك له. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والاختلاف فيها

مسألة: قال امرأته طالق إن خرج الخاتم من يدي حتى آخذ درهما

والقول عليها في سماع أصبغ من كتاب النذور، فلا معنى لإعادة ذلك، ويأتي فيها في آخر سماع سحنون من هذا الكتاب معنى زائد، سنتكلم عليه إذا مررنا به إن شاء الله. [مسألة: قال امرأته طالق إن خرج الخاتم من يدي حتى آخذ درهما] مسألة وسئل: عمن استرفي ثوبا ورهن عنده بجعله خاتم، فجاءت صاحبة الثوب بعد أخذها الثوب، فقالت: أعطني الخاتم، فقال: امرأته طالق إن خرج الخاتم من يدي حتى آخذ درهما، وقالت هي: جاريتي حرة إن أعطيتك درهما، فما المخرج لهما من ذلك؟ فقال: إن كان الرفا إنما حلف على أن يأخذ درهمه لا يبالي ممن أخذه، فلو أن إنسانا من الناس أعطاه درهما لكان ذلك لهما مخرجا. قال محمد بن رشد: في قوله في هذه المسألة: إن كان الرفا حلف على أن يأخذ درهما لا يبالي ممن أخذه، فلو أن إنسانا من الناس أعطاه درهما لكان ذلك لهما مخرجا، نظر يدل على أنه إن لم تكن له نية هكذا فهو حانث إن أخذ الدرهم من غير صاحب الثوب، والصواب: أنه لا حنث عليه إن أخذ الدرهم من غير صاحبة الثوب إلا أن يكون نوى في يمينه ألا يأخذه إلا من صاحبة الثوب؛ لأن الحالف إذا لم تكن له في يمينه نية فهي محمولة على ما يقتضيه اللفظ، وهو حلف ألا يخرج الخاتم من يده حتى يأخذ درهما، ولم يخص صاحبة الثوب من غيرها، ولو كان إنما حلف ألا يخرج الخاتم من يده حتى يأخذ درهما من صاحبة الثوب فدفع إليه إنسان

مسألة: قال امرأته طالق إن لم تكن الآن في البيت

درهما عنها من ماله ليبر قسمها للزمه أخذه وحنث في يمينه، إلا أن يقول: لم أرد صاحبة الثوب بعينها، وإنما قصدت أن يصل إلى درهمي وسميت صاحبة الثوب على العادة أن صاحب العمل هو الذي يؤدي أجره، فينوي في ذلك وإن كانت عليه بينة لأنها نية محتملة، ولو لم يؤد أحد عن المرأة الدرهم لكانت اليمين باقية على كل واحد منهما، يحنث هو إن أخذ أقل من درهم إلا ألا يحكم له عليها [إلا بأقل من درهم، فيقول: إنما نويت إلا ألا يحكم لي عليها] بدرهم، فينوى في ذلك، والذي يبر به إذا لم تكن له نية ألا يأخذ منها شيئا إذا لم يحكم له عليها إلا بأقل من درهم، وتحنث هي إن أعطته درهما بغير حكم باتفاق. ويحكم على الاختلاف فيمن حلف ألا يفعل فعلا فقضى به عليه السلطان، وقد مضى ذلك في رسم سلعة سماها، ورسم حلف من سماع ابن القاسم، وسيأتي في آخر هذا الرسم وغيره أيضا، وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق إن لم تكن الآن في البيت] مسألة وسئل: عن رجل قال له النقيب في القسم: امرأتك حاضرة، فقال: امرأته طالق إن لم تكن الآن في البيت، وذلك أنه خرج وتركها في البيت، فخرجت في الحجرة، فحلف أنها في البيت وهي في الحجرة. فقال: ما أرى عليه طلاقا، الحجرة من البيت، أرأيت إن كانت في المغتسل أو الخزانة؟ ما أرى عليه طلاقا، الحجرة من البيت هي التي يكون فيها الإذن، وهي التي إذا سرق منها قطعت يد السارق، وإذا سرق من البيت فخرج به إلى الحجرة ثم

مسألة: قوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله بعد يمينه بالطلاق ألا يتركه

أخذ لم تقطع يده، فلا أرى عليه حنثا. قال محمد بن رشد: حمل مالك هذه المسألة على البساط فلم يحنثه بمقتضى اللفظ وهو المشهور في المذهب، خلاف قوله في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وخلاف قوله أيضا في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك، وخلاف ما في سماع سحنون من هذا الكتاب، وهو أصل مختلف فيه قد مضى عليه في أصل سلعة سماها، فلا معنى لإعادته. [مسألة: قوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله بعد يمينه بالطلاق ألا يتركه] مسألة وسئل مالك: عمن كانت بينه وبين رجل مخاصمة فحلف بطلاق امرأته ألا يتركه وليجهدن عليه، ثم قال له بعد: لا أخاصمك، قد وكلتك إلى الله، ثم ذكر يمينه بعد، فجاءه، فقال: ذكرت أن علي يمينا فيك، فهل تراه حانثا؟ قال: ما أراه إلا وقد حنث ووجب عليه الطلاق، فقال له المخاصم: إنه حين رجع إلي جعلت بيني وبينه رجلا وحلفت له بعتق ما أملك لأرضين بقضائه، وقضى عليه بالدينارين فسلفتهما ودفعتهما. فقال له: فأرى أن يذهب إلى السلطان فتنهي إليه شهادتك ولا تطلب الدينارين، فإن أعطاكهما فلا تأخذهما منه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه تكلم في أولها على ما يجب عليه إذا أقر بقوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله، فأوجب عليه الطلاق بقوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله بعد يمينه بالطلاق ألا يتركه، وتكلم في أخرها إذا أنكر الحالف بالطلاق أن يكون قال لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله والمخاصم المقول له ذلك شاهد عليه به وهو يقول إنه قد

رجع إلى مخاصمته بعد أن قال له ذلك، فصالحه بدينارين ودفعهما إليه، فقال مالك: ينهي شهادته إلى السلطان ولا تطلب الدينارين ولا يأخذهما إن أعطاه إياهما، فتجوز شهادته عليه في الطلاق، وتطلق عليه امرأته إن كان معه شاهد غيره على قوله: لا أخاصمك وقد وكلتك إلى الله، أو يحلف إن لم يكن معه شاهد غيره وتكذيبه؛ لأنه إن طلب الدينارين وأراد الرجوع بهما عليه لسقوط دعواه عليه على المصالحة بقوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله لم تجز شهادته عليه في الطلاق لجره بها إلى نفسه مالاً؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار إلى نفسه» ونظير هذا آخر مسألة سحنون في نوازله من كتاب الأقضية، فقف على ذلك، وإجازته شهادته عليه في الطلاق إن لم يطلب الدينارين وقد كانت بينهما خصومة، يحتمل أن يكون إنما شهد بعد أن وقع الصلح وارتفعت العداوة وأن أمرهما إلى سلامة، على ما روى أشهب عنه في سماعه من كتاب الشهادات، وتحتمل أن تكون الخصومة إنما كانت في الشيء اليسير الذي لا يورث العداوة على ما ذهب إليه ابن كنانة، ولو كان المخاصم إنما شهد عليه بقوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله قبل أن يصالحه مما كان يخاصمه فيه ويدعيه عليه لم تجز شهادته عليه في الطلاق؛ لأنه يدفع عن نفسه بهذه الشهادة مخاصمة له، ويسقط عنه دعواه قبله، والدفع عنه جر إليه، ولا تجوز شهادة جار إلى نفسه إلا أن يحضر جميع ما كان يخاصمه فيه ويدعيه قلبه ويطوع بدفعه إليه وهو من اليسير الذي لا يورث الحقد والعداوة، على ما ذهب إليه ابن كنانة، فتجوز شهادته، والله أعلم.

مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يضطجع على هذا الفراش ففتق الفراش والتحفه

[مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يضطجع على هذا الفراش ففتق الفراش والتحفه] مسألة وسألته: عمن حلف بطلاق امرأته ألا يضطجع على هذا الفراش، ففتق الفراش والتحفه هو وامرأته. قال: أراه قد حنث في رأيي، ونزلت بالمدينة فأفتاهم بذلك. قال محمد بن رشد: إنما قال إنه يحنث؛ لأن الاضطجاع على الفراش انتفاع به، فإذا حلف ألا يضطجع عليه فهو في المعنى حلف ألا ينتفع به، والالتحاف به انتفاع به، فوجب أن يحنث بذلك، وهذا إذا لم تكن له نية، وأما إن كانت له نية أنه أراد الانتفاع بالاضطجاع خاصة دون الانتفاع بما سواه أو مجرد الاضطجاع دون الانتفاع بما سواه فيصدق في نيته مع يمينه، ولا يحنث بالالتحاف، وقد قيل: إنه إذا لم تكن له نية لا يحنث إلا بالاضطجاع الذي حلف عليه، وهذا على الاختلاف في حمل اليمين على المعنى دون اللفظ، وقد مضى القول على هذا المعنى في غير ما موضع، ومضى قبل هذه المسألة الاختلاف في مراعاة البساط إذا عدمت النية، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: بينه وبين جار له مقاولة فحلف بالطلاق لينتقلن عنه] مسألة وسئل: عن رجل كانت بينه وبين جار له مقاولة فحلف بالطلاق لينتقلن عنه. فقال: ما وجه الشأن إلا أنه كره مجاورته، فإن كان كذلك فأرى أن ينتقل ولا يساكنه أبدا، وإن كان إنما أراد النقلة ترهيبا ثم يعود ولم يرد الفراق أبدا فإني أرى أن ينتقل ثم يقيم شهرا ثم يرجع إن بدا له هو وجه النقلة، وليس منزل يوم بنقلة. قال محمد بن رشد: قوله ما وجه الشأن إلا أنه كره مجاورته يدل

مسألة: يمنع امرأته الخروج

على أنه محمول عنده إذا لم تكن له نية إلا أنه حلف ألا يجاوره فينتقل عنه ولا يجاوره أبدا، فيلزم على هذا إن قال إنما أردت الرحلة ترهيبا ثم يعود ألا يصدق في ذلك إن حضرته بينة إلا مع يمينه، وقد قيل: إن يمينه محمولة على الانتقال الذي حلف عليه حتى يريد ترك مجاورته،، فإذا أراد الانتقال على القول الأول أو لم تكن له نية على القول الثاني فالاستحسان إذا انتقل عنه أن يقيم شهرا، وكذلك يرجع، فإن رجع بعد خمسة عشر يوما لم يحنث، قاله ابن القاسم في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، وقد مضى القول على ذلك هنالك، ولو رجع أيضا بعد أن أقام أكثر من يوم وليلة لم يحكم عليه بالحنث على قياس ما قاله في كتاب محمد في الحالف ليخرجن من المدينة، وقد مضى القول على ذلك في رسم الطلاق الأول من هذا السماع. [مسألة: يمنع امرأته الخروج] مسألة وسئل: عن الذي يمنع امرأته الخروج. فقال: إني أرى أن يُقْضَى على الرجل في امرأته تشهد جنازة أبيها وأمها وتزورهم والأمر الذي تكون فيه الصلة والمصلحة، فأما شهود الجنائز واللعب والعبث فلا أرى ذلك عليه. قال محمد بن رشد: قوله إنه يقضى على الرجل في امرأته أن يدعها تخرج في جنازة أبيها وأمها وتزورهم هو مثل ما مضى من قوله قبل هذا في هذا الرسم بدليل خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أنه لا يقضى عليه أن يأذن لها بالخروج إلى زيارة أبيها إلا أن يمنعها من زيارتها أيضا فيقضى عليه بأحد الأمرين، وأما خروجها في جنازة أبويها ومن أشبههما من قرابتها القريبة كالأخ والجد والعم فلا خلاف في أنه يقضى عليه بأن يأذن لها بالخروج إلى ذلك وإن كانت شابة، وهو معنى ما في كتاب الجنائز من المدونة، بخلاف خروجها إلى المسجد وإلى العيدين وإلى الاستسقاء، وقد

مسألة: حلف بالطلاق ألا يدعها تخرج أترى أن يقضى عليه في أبيها وأمها

مضى تحصيل القول في هذا المعنى قرب آخر الرسم الأول من سماع أشهب من كتاب الصلاة، فأغنى ذلك من إعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ألا يدعها تخرج أترى أن يقضى عليه في أبيها وأمها] مسألة قيل له: أرأيت إن حلف بالطلاق أو العتاق ألا يدعها تخرج أبدا، أترى أن يقضى عليه في أبيها وأمها فيحنث؟ قال: لا أرى ذلك عليه، إذا حلف. قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة بعينها قبل هذا في هذا الرسم، ومضى القول فيها فلا معنى لإعادته. [مسألة: كانت امرأة صرورة فأرادت الحج أترى أن يقضى عليه في ذلك ويحنث] مسألة قيل له: أرأيت إن كانت امرأة صرورة فأرادت الحج أترى أن يقضى عليه في ذلك ويحنث؟ قال: نعم، إني أرى أن يقضى عليه بذلك، ولكن ما أدري ما تعجيل الحنث هاهنا؟ حلف أمس وتقول أنا أحج اليوم ولعله يؤخر ذلك سنة سنة. قال محمد بن رشد: في كتاب ابن عبد الحكم أنه يؤخر سنة، وكذلك يقضى عليه، وهذا يدل أن الحج عنده على التراخي خلاف ما حكى ابن القصار عنه من أنه على الفور، إذ لو كان عنده على الفور لما شك في تعجيل تحنيث الزوج في أول عام، بل القياس يوجب أن يحنث الزوج في أول عام، وإن كان الحج على التراخي؛ لأن لها أن تعجله وإن لم يجب عليها تعجيله، ولما أخر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحج عاما واحدا للعذر المذكور في الحديث رأى على ما في كتاب ابن عبد الحكم أن يقضي عليها بالتأخير عاما واحدا؛ لأن يمين الزوج عذر، ولعلها إنما قصدت إلى

مسألة: حلف بالطلاق على أمر ألا يفعله ولم يستثن إلا أن يقضى عليه السلطان

تحنيثه لا إلى تعجيل القربة بتعجيل الحج، فهذا وجه الرواية والله أعلم. ولابن نافع عن مالك في المجموعة: أنه يستأذن أبويه في حج الفريضة العام وعام قابل، فإن أبيا فليخرج، وهذا بين في أن الحج عنده على التراخي خلاف ما له في كتاب ابن المواز أنه يحج الفريضة بغير إذنهما، وإن قدر أن يتراضاهما فعل، وإلى هذا ذهب سحنون في نوازله من كتاب الشهادات إذ لم ير أن يسقط شهادة من ترك الحج، وهو قوي عليه، حتى يتطاول ذلك السنين الكثيرة من العشرين إلى الستين، وإذا قلنا: إنه على التراخي، فله حال يتعين فيها، وهو الوقت الذي يغلب على الظن فواته بتأخيره عنه وهو يتعين عندي على من بلغ الستين؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «معترك أمتي من الستين إلى السبعين» ، وإلى هذا الحديث نحا سحنون، والله أعلم. وقد رددت هذا المعنى بيانا ووضوحا في غير هذا الديوان، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق على أمر ألا يفعله ولم يستثن إلا أن يقضى عليه السلطان] مسألة قلت: أريت إن حلف بالطلاق على أمر ألا يفعله، ولم يستثن إلا أن يقضى عليه السلطان، فقضى عليه، أترى أن يلزمه الحنث؟ قال: إي والله إني أرى ذلك لم يستثن لنفسه، وإنك لتجد من يحلف هكذا مغالبة للسلطان، فأرى عليه الحنث إلا أن يقول لم أرد هذا ولم أرد مغالبة السلطان، فأرى أن يحلف ويكون ذلك له. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما تقدم من كتاب التخيير والتمليك من المدونة، ومثل ما مضى في رسم سلعة سماها، ورسم حلف من سماع

مسألة: قال لامرأته رأسي من رأسك حرام إن أخرجتك من عند أمك

ابن القاسم، خلاف قول ابن الماجشون في الواضحة، وقد مضى القول على ذلك في الرسمين المذكورين، في رسم تسلف من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: قال لامرأته رأسي من رأسك حرام إن أخرجتك من عند أمك] مسألة وسئل: عمن قال لامرأته: رأسي من رأسك حرام إن أخرجتك من عند أمك إلا أن تخرجني أمك، فأخرجتني أمها. فقال مالك: ومن يعلم أن أمها أخرجتك؟ فقال: الجيران، فقال له: ثبت ذلك عليها وأشهد على ذلك؟ قيل له: وترى قوله رأسي من رأسك حرام طلاقا؟ قال: إي والله، إني لأرى ذلك، قال مالك: وإن أخرجته أمها فليس عليه طلاق. قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قال؛ لأن التحريم طلاق فهو يقع بالبعض كما يقع بالكل، لا فرق بين أن يقول الرجل لامرأته: أنا منك طالق وأنت مني طالق، وبين أن يقول لها: رأسي منك طالق ورأسك مني طالق، ورأسي من رأسك طالق، فكذلك لا فرق بين أن يقول الرجل لامرأته أنت علي حرام أو أنا عليك حرام، أو رأسي عليك حرام أو رأسك علي حرام. وقوله رأسي من رأسك حرام مثل قوله رأسي على رأسك حرام؛ لأن حروف الجر قد تبدل بعضها ببعض، وكذلك القول في قوله وجهي من وجهك حرام. وقد مضى ذلك والقول فيه في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك. ويأتي للمسألة ذكر في سماعه أيضا من هذا الكتاب في رسم أوصى. فإذا ثبت أن قول الرجل لامرأته: رأسي من رأسك حرام، طلاق - وجب إذا حلف بذلك ألا تخرج امرأته من عند أمها إلا أن تخرجه أمها، فأخرجها من عند أمها، وادعى أنه إنما أخرجها من عند أمها؛ لأن أمها أخرجته، وجب عليه أن يقيم البينة على ذلك كما قال مالك؛ لأن الطلاق ثلاث، قد وجب عليه بالحنث بإخراجها، إلا أن يقيم البينة على ما يسقط الحنث عنه، وبالله التوفيق.

: كتاب الأيمان بالطلاق الثاني

[: كتاب الأيمان بالطلاق الثاني] [: قال لامرأة أنت طالق إن وطئتك الليلة وهو يرى أنها امرأته]

مسألة: قالت له امرأته مالي عليك حرام فقال وأنت علي حرام

من سماع عيسى بن دينار [من ابن القاسم] من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا مرت به امرأة في ظلمة الليل فوضع عليها يده فقال لها أنت طالق إن وطئتك الليلة وقد يرى أنها امرأته فإذا هي غير امرأته ووطئها قبل أن يعلم، أيحنث في امرأته؟ فقال: ليس عليه شيء لأنه وطئ غير امرأته. قال محمد بن رشد: هذه المسألة معارضة لما مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم، ومخالفة لما في أول مسألة من سماع عيسى من كتاب النكاح، والقولان قائمان من كتاب العتق الأول من المدونة في الذي دعا عبدا يقال له ناصح فأجابه مرزوق، فقال له: أنت حر، وقد مضى القول على ذلك في أول سماع عيسى من كتاب النكاح، وبالله التوفيق. [مسألة: قالت له امرأته مالي عليك حرام فقال وأنت علي حرام] مسألة وقال في رجل: قالت له امرأته: مالي عليك حرام، فقال: وأنت علي حرام.

مسألة: قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ومتى تزوجت فلانة فهي طالق

فقال: إنما هو أحد وجهين، إن كان أراد بقوله ذلك لها أجل، إن مالك علي حرام وأنت علي حرام، يقول: إني إذا أوذيك وأستحل منك ما لا ينبغي، قال: إن كان هذا أراد فلا شيء عليه، وإن كان مثل ما يقول الرجل لامرأته: أنت علي حرام، فقد بانت منه. قال محمد بن رشد: قوله بأنه يرى في قوله وأنت علي حرام أنه أراد بذلك إني أوذيك وأستحل منك ما لا ينبغي ولا يكون عليه شيء، معناه: إن كان جاء مستفتيا ولم تكن عليه بينة، وأما إن كانت عليه بينة فلا يصح أن ينوى في ذلك على أصولهم؛ لأن قوله: وأنت علي حرام، تصريح بتحريمها، والبساط الذي حرمت هي عليه مالها عاقبها هو بأن حرم عليه نفسها، فلا يقبل منه مع حضور البينة له أنه أراد بقوله معنى سوى ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ومتى تزوجت فلانة فهي طالق] مسألة وسمعته يقول: إن ومتى واحد، قال: ومن قال كل امرأة أتزوجها فضرب أجلا أو قال كل أعرابية أو من بنات فلان أو من الموالي، فهذا أبدا ترجع عليه اليمين وإن تزوجها عشرين مرة، ومن قال إذا جمع البلد أو الفخذ أو بنات الرجل أو ضرب أجلا ترجع عليه اليمين أبدا؛ لأني سمعت مالكا يقول: ويؤمر إذا جمع البلد أو الفخذ أو بنات الرجل أو ضرب أجلا. قال محمد بن رشد: قوله إن ومتى واحد، يريد أنهما في قوله إن تزوجت فلانة فهي طالق ومتى تزوجت فلانة فهي طالق سواء في أن اليمين لا ترجع عليه إن تزوجها ثانية، يريد: إذا لم يرد بمتى معنى كلما؛ لأن متى في اللسان سواء [مع كلما] في أنها شرط، قال الشاعر:

مسألة: قال لامرأة إن تزوجتك أبدا فأنت طالق البتة فيتزوجها مرة

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد إلا أنهما يفترقان في المعنى، فـ "إن" بمنزلة "إذا" لا تقتضي إلا مرة واحدة، و"متى" بمنزلة "متى ما"، يحتمل أن يراد بها مرة واحدة، ويحتمل أن يراد بها معنى كلما، فهي عند مالك محمولة على مرة واحدة إلا أن يريد بها معنى كلما، قاله في المدونة في متى ما، وهو معنى قوله هاهنا في متى ومهما تقتضي التكرار بمنزلة كلما، فهذا حكم هذه الألفاظ الستة إذا سمى المرأة، وأما إذا جمع البلد أو الفخذ أو بنات الرجل فإن اليمين ترجع عليه أبدا كما قال، بمنزلة مهما وكلما، فسواء قال إن تزوجت من بلد كذا أو من بنات فلان أو من فخذ كذا أو إلى أجل كذا، أو قال متى تزوجت من بلد كذا أو من نسب كذا أو إلى أجل كذا، أو قال في ذلك كله متى ما أو إذا، ترجع عليه اليمين أبدا بمنزلة مهما وكلما، ولا اختلاف في ذلك كله إذا كان بنات الرجل الذي سمى لا يحصين مثل بنات زهرة وبنات تميم، واختلف إذا كن يحصين على ما يأتي تفسيره في المسألة التي بعد هذه، وقوله ويؤمر إذا جمع البلد أو الفخذ أو بنات الرجل أو ضرب أجلا، معناه: أنه يؤمر بالطلاق كلما تزوج منهن أحدا إذا أبهم ولم يعين؛ لأنه كلما تزوجها تكرر وقوع الطلاق عليه فيها إذ لم يعينها، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأة إن تزوجتك أبدا فأنت طالق البتة فيتزوجها مرة] مسألة ومن قال لامرأة: إن تزوجتك أبدا فأنت طالق البتة فيتزوجها مرة فقد حنث وإن تزوجها بعد شيء فلا شيء عليه، وكذلك إن قال إن تزوجت فلانة وفلانة إذا سمى، فإن اليمين لا ترجع عليه إذا حنث فيها مرة واحدة، وإذا قال بنات فلان أو أخواته أو فخذا إذا قال ذلك هكذا مبهما لم ينص أسماءهن، فاليمين ترجع عليه أبدا، لو تزوجها بعد عشرين زوجا، وكذلك إذا قال إن تزوجتك أو أخواتك، أما هي فإذا تزوجها مرة فطلقت منه فإنه يتزوجها بعد

زوج ولا ترجع عليه اليمين، وأما أخواتها فإن اليمين ترجع عليه أبدا كلما تزوجهن. قال محمد بن رشد: هذه مسألة يُبَيِّنُهَا ما مضى من القول في المسألة التي قبلها. أما إذا قال إن تزوجت فلانة لامرأة سماها بعينها فهي طالق فلا اختلاف أنه إذا تزوجها وحنث فيها لا تعود عليه اليمين فيها إن تزوجها مرة أخرى، وسواء قال لامرأة بعينها إن تزوجتك فأنت طالق أو إن تزوجتك أبدا فأنت طالق، وإنما يفترق التأبيد من غير التأبيد في الطلاق. فإذا قال الرجل لامرأته فأنت طالق أبدا فهي ثلاثة، واختلف إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق أبدا، فقيل: إنها ثلاث بمنزلة قوله أنت طالق أبدا، قاله ابن القاسم، ووقف في ذلك غيره، وقيل: إنها واحدة لاحتمال رجوع التأبيد إلى التزويج، وهو دليل ما في كتاب إرخاء الستور من المدونة، ويقوم مثله، بالمعنى من قول ابن القاسم في كتاب العتق منها في الذي يقول إن دخلت الدار فكل مملوك أملكه أبدا فهو حر أنه لا يلزمه العتق إن دخل الدار إلا في كل مملوك كان في ملكه يوم حلف؛ لأنه رد التأبيد إلى الدخول خلاف قول أشهب في رده إياه إلى الملك. وأما إن قال إن تزوجت من فخذ كذا أو من بلد كذا فهي طالق، أو قال: كل امرأة أتزوجها في أمد كذا فهي طالق وما أشبه ذلك فلا اختلاف في أن اليمين ترجع عليه فيمن تزوج منهن ولو تزوجها عشرين مرة؛ لأنه لما لم يسمها بعينها صارت بعد طلاقه إياها من جملة من حلف بطلاقها إن تزوجها. وأما إن قال إن تزوجت من بنات فلان لرجل سماه بعينه ولم يسمهن بأسمائهن إلا أنه يمكن إحصاؤهن ومعرفتهن ففي ذلك اختلاف، قيل: إنهن لا يحملن محمل التعين، إذ لم يسمهن بأسمائهن، وترجع اليمين عليه فيمن تزوج منهن أبدا، وقيل: إنهن يحملن محمل التعيين وإن لم يسمهن لأنهن

: يقول لامرأته كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق واحدة

يعرفن إذا طلب إحصاؤهن، فلا ترجع عليه اليمين فيمن تزوج منهن ثانية، والقولان قائمان من المدونة في الذي يوصى لأخواله وأولادهم في الوصايا للثاني منها، وبالله التوفيق. [: يقول لامرأته كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق واحدة] ومن كتاب حمل صبيا على دابة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يقول لامرأته: كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق واحدة. قال: فإن سمي فخذا أو قبيلة أو بلدا أو قال كل امرأة نصا مبهما فإنه إن تزوج امرأة طلقت عليه حين يتزوجها؛ لأن التي لم يدخل بها الواحدة تبينها، ثم تصير أيضا من كل امرأة، فإن تزوجها رجع أيضا عليه الطلاق كلما تزوجها، فليس يجد إلى تزويج امرأة سبيلا؛ لأنه حين يملك عقدتها طلقت عليه بواحدة فبانت منه. فإن سمى امرأة بعينها، فقال: إن تزوجت عليك فلانة فهي طالق واحدة، فإنه إن تزوجها طلقت عليه بواحدة فإن نكحها بعد ذلك لم تطلق عليه، وقد قال ابن القاسم في سماع يحيى بن يحيى منه في كتاب الدور والمزارع في الذي يقول لامرأته: إن تزوجت عليك فلانة فهي طالق واحدة فإنه إن تزوجها طلقت عليه بتزوجها عليها وإنما نرى واحدة، أيجوز له أن ينكحها بعد أن تبين منه بتلك الواحدة؟ فقال: لا يجوز له نكاحها أبدا ما كانت عنده امرأته التي حلف بطلاق فلانة إن تزوجها عليها، وذلك أنه كلما تزوجها عليها لزمه الحنث ساعة يتزوجها ولو كان نكاحه إياها

بعد طلاقه إياها البتة وبعد زوج نكحها، فهي كلما عادت إليه ما كانت امرأته عنده فالطلاق يلزمه فيها؛ لأنه إنما ينكحها أبدا على امرأته التي حلف ألا ينكحها عليها. قال: ومثل ذلك عندي أن يقول الرجل إن تزوجت فلانة بمصر فهي طالق، فكلما تزوجها بمصر فهي طالق ولو بعد أن يحنث فيها مرارا ويتزوج أزواجا فيمينه تلزمه، وإن نكحت بغير مصر فلا شيء عليه. قيل له: فالرجل يحلف بطلاق فلانة إن تزوجها ولا يقول على امرأته فلانة، فيتزوج ويحنث فيها بالواحدة التي حلف بها أيتزوجها ثانية؟ قال: نعم، ولا شيء عليه، قلت: فما فرق أن يقول: إن تزوجت عليك فلانة فهي طالق، فألزمه الطلاق كلما عاد إلى تزويجها ما نكحها على امرأته تلك، ولم تلزم الذي قال إن نكحت فلانة فنكحها لم يلزمه الحنث إلا في أول نكاحه إياها، ثم أجزت له أن ينكحها ولا حنث عليه؟ فقال: إنما مثل الذي يقول إن نكحت عليك فلانة فهي طالق كالذي يقول إن نكحت فلانة في هذه السنة فهو طالق وحنث فيها أنه إن نكحت في بقية تلك السنة حنث أيضا حتى ينكحها بعد مضي السنة، قال: وكذلك هذا لا يزال حانثا حتى ينكحها بعد فراقه امرأته التي حلف ألا ينكح عليها فلانة، قال: ومثل الذي يقول إن نكحت فلانة ولا يقول على امرأته، فيضكحها ويحنث ثم ينكحها فلا يكون عليه حنث كمثل الرجل يقول امرأته طالق إن نكح فلانة فينكحها ويطلق امرأته بواحدة كما حلف، فإن طلق التي حنث من أجل نكاحه إياها ثم تروجها أيضا لم يحنث في امرأته بيمينه الأول لأنها قد انقضت بحنثه فيها بالنكاح الأول.

: قال إن تزوجت فلانة فهي طالق

[: قال إن تزوجت فلانة فهي طالق] ومن كتاب (قال القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : لم يختلف قول ابن القاسم فيمن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق - أنه لا يلزمه فيها الطلاق إلا مرة واحدة، واختلف قوله إن قال: إن تزوجت فلانة على فلانة أو في بلد كذا، أو في سنة كذا، أو ما أشبه ذلك، فمرة قال: إنه لا يلزمه فيها الطلاق إن تزوجها على فلانة أو في تلك البلدة أو في تلك السنة إلا مرة واحدة أيضا، ولا يتكرر عليه الطلاق إن تزوجها ثانية على فلانة أو في تلك البلدة أو في تلك السنة إلا مرة واحدة، وهي رواية عيسى هذه عنه على معنى ما في المدونة في الذي يحلف ألا يكلم فلانا عشرة أيام فيكلمه فيها ويحنث فيكفر أو لا يكفر، ثم يكلمه فيها مرة أخرى أنه لا شيء عليه. ومرة قال إنه يلزمه فيها الطلاق كلما تزوجها على فلانة أو في تلك البلدة أو في تلك السنة، وهي رواية يحيى هذه عنه، وقد قيل: إن الطلاق يتكرر عليه فيها كلما تزوجها وإن لم يقل على فلانة، ولا في بلدة كذا، ولا في سنة كذا، وهو الذي يأتي على قول مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم في كتاب النذور من مسألة الوتر. والقياس ألا فرق بين أن يقول على فلانة أو في بلدة كذا أو في سنة كذا أو لا يقول شيئا من ذلك، على معنى ما في المدونة

مسألة: المكره على اليمين

ورواية عيسى؛ لأن قول الرجل إن تزوجت فلانة فهي طالق إيجاب منه على نفسه طلاقها بشرط تزويجها، وقوله إن تزوجها على فلانة أو في بلد كذا أو في سنة كذا ليس فيه أكثر من زيادة وصف في الشرط، وزيادة الوصف في الشرط إنما تعود على تخصيص الشرط لا إلى تكثير المشروط وبتكرره يتكرر الشرط، ألا ترى أنه إن جمع الأوصاف كلها فقال إن تزوجت فلانة على فلانة وفي سنة كذا وفي بلدة كذا فهي طالق، لم يكن في زيادة الأوصاف تأثير في تكثير المشروط وتكرره بتكرر الشرط. فإما أن يقال إن الطلاق لا يتكرر بتكرر الشرط وإن كان مقيدا بوصف على رواية عيسى هذه ومذهب مالك في المدونة، وإما أن يقال إن الطلاق يتكرر بتكرر الشرط وإن لم يكن مقيدا بوصف على رواية ابن القاسم عن مالك في مسألة الوتر. ووجه رواية يحيى في تفرقته بين الوجهين: أنه حمل يمين الحالف على أنه إنما قصد بيمينه إلى ألا تكون زوجة له مع زوجته التي حلف ألا يتزوجها عليها، وإلى ألا تكون زوجة له في تلك السنة أو في تلك البلدة، وهذا إنما يصح إذا تبين القصد فيه ببساط يدل عليه أو سبب يعرف به، والله أعلم. [مسألة: المكره على اليمين] مسألة قال عيسى: قال ابن القاسم في يمين المستكره: إذا كان إن لم يحلف فعل به شيء يخافه. قال: إن كان عنده اليقين الذي لا يشك فيه من عذاب أو سجن أو قتل إن لم يحلف ضربه وعذبه رأيت ذلك مخرجا له إن شاء الله.

قال محمد بن رشد: اتفق مالك وأصحابه فيما علمت أن المكره على اليمين لا يلزمه اليمين إذا كان إكراهه بشي يلحقه في بدنه من قتل أو ضرب أو سجن أو تعذيب إذا كانت يمينه فيما كان لله فيه معصية أو فيما ليس له فيه طاعة ولا معصية، وسواء هدد فقيل له إن لم يحلف فعل بك كذا وكذا، أو استحلف ولم يهدد فحلف فرقا من ذلك ما لم يحلف هو متطوعا باليمين قبل أن يستحلف. واختلف إذا أكره على اليمين بشيء من ذلك فيما لله فيه طاعة مثل أن يأخذ الوالي الجائر الشارب أو السارق أو الزاني فيكرهه على أن يحلف ألا يشرب ولا يزني ولا يسرق أو يكره الأب ابنه على نحو ذلك فيما يريد تأديبه به، فقال ابن الماجشون وأصبغ: لا يلزمه اليمين، وقال مطرف: تلزمه اليمين وهو اختيار ابن حبيب، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] . واختلف هل يكون الإكراه على الأيمان بالأموال إكراها أم لا على أربعة أقوال: أحدها: أن ذلك ليس بإكراه، والثاني: أنه إكراه، وهو قول ابن الماجشون، وقاله أصبغ، إلا أنه استحب إن كان يسيرا ألا يحلف، والثالث: أن ذلك ليس بإكراه إلا أن يجتاح جميع ماله، والرابع: الفرق بين أن يأمن في جسده العقوبة إن لم يحلف مثل أن يقال له إن لم تحلف على هذا الشيء أنه ليس متاعك أخذناه، وبين ألا يأمن العقوبة في جسده مثل أن يهدده اللصوص بالضرب أو القتل على أن يطلعهم على ماله ليأخذوه، فهو إن لم يحلف ضربوه أو قتلوه، وإن أطلعهم على ماله ذهبوا فأخذوه وما أشبه ذلك، وهو قول مطرف. وأما إذا دفع الرجل بيمينه عن غيره من يريد دمه أو ماله أو عقوبته،

فلم أجد في ذلك شيئا من قول قائل، ولا بد من تفصيل على مذهب مالك. فإن كان إن لم يحلف وصل إلى قتل الرجل أو أخذ ماله ولم يلحقه هو أذى في نفسه وماله، وإن حلف تخلص ذلك منهم بيمينه، مثل أن يكون مستخفيا عنده في داره أو يكون ماله عنده، فيقال له: إن لم تحلف لنا بالطلاق أنه ليس في دارك أو أن ماله ليس عندك دخلنا فقتلناه إن وجدناه فيها أو أخذنا ماله إن وجدناه عندك، فهذا إن حلف لزمه الطلاق، وآخر في الرواة عن الرجل أو عن ماله وإن لم يحلف لم يكن عليه حرج. وإن لم يكن له عنده مال ولا كان مستخفيا في داره إلا أنه يعلم مكانه ومكان ماله، فقيل له: إن لم تحلف أنك لا تعلم مكانه ولا مكان ماله فعلنا بك كذا وكذا من ضرب أو قتل أو سجن أو خشي ذلك على نفسه إن لم يحلف جاز له أن يحلف أنه ما يعلم موضعه إن أرادوا قتله، ولم تلزمه اليمين باتفاق لأنه في حكم المكره عليه إذ لا خروج له عنها إلا بإباحة نفسه أو بإباحة دم غيره، وذلك ما لا يحل له ولا يجوز. وإما إن أرادوا أخذ ماله ولم يريدوا قتله فيجري الأمر في يمينه على أنه ما يعلم موضع ماله على الاختلاف المتقدم في الإكراه على الأيمان بالأموال؛ لأن إخباره بموضع مال الرجل إن لم يحلف كإخباره بموضع ماله للصوص إذا أجبروه على أن يحلف لهم، على أنه ليس له مال أو يخبرهم بموضعه ليأخذوه ضامن لمال الرجل إن أعلمهم بموضعه ولم يحلف. وأما الإكراه على الأفعال فاختلف فيها في المذهب على قولين: أحدهما: أن الإكراه يكون في ذلك إكراها، وهو قول سحنون، ودليل ما

مسألة: مات عن امرأته فجاء شهود عدول فشهدوا أنه قد طلقها

في كتاب النكاح الثالث من المدونة، والثاني: أن الإكراه لا يكون في ذلك إكراها ينتفع المكره به، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وذلك في مثل شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، والسجود لغير الله، والزنا بالمرأة المختارة لذلك أو المكرهة له على أن يزني بها ولا زوج لها وما أشبه ذلك مما لا يتعلق به حق لمخلوق، وأما ما يتعلق به حق لمخلوق كالقتل والغصب وشبه ذلك فلا اختلاف في أن الإكراه غير نافع في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: مات عن امرأته فجاء شهود عدول فشهدوا أنه قد طلقها] مسألة وقال: عن مالك في رجل مات عن امرأته فجاء شهود عدول لا يتهمون كانوا غيبا فشهدوا أنه قد طلقها منذ سنين وكانوا غيبا: أنها ترثه، ولو ماتت هي لم يرثها. قيل له: فما الحجة أنها ترثه؟ قال: أرأيت لو كان قائما فشهدوا عليه أترجمه؟ قلت: لا، قال: أفما يدرينا ما كان يدرأ به عن نفسه، قال ابن القاسم: وهو رأيي وتعتد أربعة أشهر وعشرا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم طلق من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ليقضين فلانا حقه غدوة أو قال بكرة أو قال غدا عشية بطلاق امرأته] مسألة وعن رجل حلف ليقضين فلانا حقه غدوة، أو قال بكرة أو قال غدا عشية بطلاق امرأته: قال: أما غدوة فإني أراه ما بينه وبين انتصاف النهار؛ لأن ذلك عند الناس مما يسمونه غدوة، وأما بكرة فإلى أن ترتفع الضحى إلا على ما يسمع أنه يقال جئناه بكرة وهو يكون قبل

نصف النهار، وأما العشي فإني أراه من وقت الظهر إلى المغرب وليس وقت الظهر الأول، ولكن من وسط الوقت، وذلك أن مالكا حدثني عن بعض من مضى، فقال: ما أدركت الناس يصلون الظهر إلا بالعشي، ولا شك أنهم لم يكونوا يؤخرون إلى آخر الوقت. قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة وعن رجل، عطفا على المسألة التي فوقها لمالك، يدل على أن المسألة له، وله في أول الصلاة الأول من المدونة في غدوة مثل قوله هاهنا: إنه ما دام الفيء في نقصان فهو غدوة بعد، وتفرقته بين غدوة وبكرة بأن لا يكون بكرة إلا ارتفاع الضحى إلا على، صحيح، ومن الدليل على صحة ذلك- سوى ما ذكره في الرواية- من الناس لا يوقعون بكرة إلا على ما قبل نصف النهار قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} [القمر: 38] ، وإنما جاءهم العذاب بعد ارتفاع الشمس بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} [الحجر: 73] ، وإشراق الشمس ضياؤها، يقال: شرقت الشمس، إذا طلعت، وأشرقت إذا أضاءت، ولو حلف ليقضين حقه صباحا لكان له سعة إلى ارتفاع الضحى إلا على قوله في بكرة؛ لأنهما سواء؛ لقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} [القمر: 38] ، وفي كتاب ابن المواز في الحالف ليقضين حقه غدوة أو بكرة أنه يبرأ ما بينه وبين زوال الشمس، والأول أصح لما ذكرناه مما دل عليه كتاب الله، وقوله في العشي إنه من

مسألة: حلف لرجل امرأته طالق البتة إن لم يقضك حقك الهلال

وقت الظهر إلى المغرب، يريد: إلى قرب المغرب وهو وقت صلاة العصر، بدليل قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] ، فـ"عشيا" العصر، و"حين تظهرون" الظهر، وكذلك المساء فيمن حلف ليقضين الحق فيه، بدليل قول الله عز وجل: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] ، وانتهى قول مالك إلى قوله: فإني أراه من وقت الظهر إلى المغرب، وقوله: وليس وقت الظهر الأول إلى آخر المسألة تفسير لابن القاسم، بدليل قوله: وذلك أن مالكا حدثني، وسيأتي في سماع سحنون إذا حلف ليقضين حقه صلاة الظهر، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لرجل امرأته طالق البتة إن لم يقضك حقك الهلال] مسألة وعن رجل حلف لرجل امرأته طالق البتة إن لم يقضك حقك الهلال. قال: لا أدري ما الهلال؟ إن كان إنما أراد الإهلال فله يوم وليلة، وإن كان إنما أراد إلى الإهلال فقد حنث إن لم يعطه قبل أن يهل. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، إن الأمر يجب أن يحمل في ذلك على ما زعم أنه نواه، وهو مصدق في ذلك دون يمين وإن كانت على يمينه بينة؛ لأنه إن قال: أردت الإهلال فهو الظاهر من قوله الذي يحمل عليه إذا لم تكن نية، وإن قال: أردت إلى الهلال فهو مقر على نفسه يحنث بالغروب فلا وجه لتحليفه، وقد مضت هذه المسألة ونظائرها في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب النذور، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: قال لامرأته أنت طالق البتة إن دخلت بيت أبيك حتى يقدم أخوك

[مسألة: قال لامرأته أنت طالق البتة إن دخلت بيت أبيك حتى يقدم أخوك] مسألة وعن رجل قال لامرأته أنت طالق البتة إن دخلت بيت أبيك حتى يقدم أخوك من سفره فمات أخوها قبل أن يقدم. قال: إن كانت له نية في ذلك أن يكون أراد في ذلك مثل ما يقدم إليه الحاج وشبه ذلك ولم يرد في ذلك الموت، وإنما أراد الأجل، فإذا أقامت إلى مثل ذلك ثم دخلت فلا شيء عليه، وإن لم تكن له نية فهو حانث إن دخلت. قال محمد بن رشد: هذا بيّن أنه إن نوى بيمينه ألا تدخل بيت أبيها إلا مقدار ما يقدم إليه الحاج فله نيته فتلزمه اليمين إلى ذلك الأجل، مات قبله أو بعده أو لم يمت، ولا خلاف في ذلك، إلا أنه يحلف على ذلك إن لم يكن مستفتيا، وكذلك إن لم ينو ذلك إلا أن ليمينه بساطا يدل عليه، على المشهور في المذهب من مراعاة البساط في الأيمان ولو كان إنما أراد استرضاء أخيها الغائب بذلك لسقطت عنه اليمين بموته مات قبل قدوم الحاج أو بعده؛ إذ قد علم أنه لا يسترضى بعد موته، وإنما الكلام عند عدم النية والبساط، فقال هاهنا: إن اليمين باقية عليه أبدا إن مات أخوها قبل أن يقدم ويكون حانثا متى ما دخلت، ومثله في سماع أصبغ من كتاب العتق في التي تحلف ألا تخرج إلى موضع سمته حتى يقدم زوجها من الحج؛ لأنه حمل اليمين على مقتضى اللفظ ولم يراع المعنى والمقصد، ويأتي على مراعاة ذلك ألا يحنث إذا مات إن دخلت بعد أن يمضي من المدة ما كان يمكنه القدوم فيه لو كان حيا، إذ قد علم من قصد الحالف أنه لم يرد بقوله: حتى يقدم إلا مع استمرار حياته، إذ لا

مسألة: قال امرأتك طالق لتدفعن إلي حقي غدا فيقول نعم فيحنث

يمكن أن يقدم الميت، ولا أن يريد هو ذلك بيمينه، وعلى هذا يأتي قول مالك في أول مسألة من رسم الطلاق الأول من سماع أشهب، وقد مضى القول عليها هناك، وعلى هذا المعنى اختلفوا في الرجل يحلف بطلاق امرأته ألا يكلم إنسانا حتى يرى الهلال فعمي وذهب بصره قبل الهلال، فقيل: إنه لا يكلمه أبدا، وهو قول مالك في المبسوطة، وقيل: إنه يكلمه إذا رئي الهلال ولا شيء عليه؛ لأنه أراد ألا يكلمه حتى يَرى الهلال من حيث يُرى، وهو قول ابن الماجشون، وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأتك طالق لتدفعن إلي حقي غدا فيقول نعم فيحنث] مسألة وعن الرجل يكون له على الرجل الحق فيقول: امرأتك طالق أو عليك الطلاق لتدفعن إلي حقي غدا، فيقول: نعم، فيحنث، فيقول: أردت واحدة، ويقول صاحب الحق: أردت ثلاثا. قال: القول قول صاحب الحق، وفي سماع عبد المالك بن الحسن أن القول قول الغريم. قال محمد بن رشد: هذان القولان على اختلافهم في اليمين هل هي على نية الحالف أو على نية المحلوف له، وقد مضى القول على ذلك في رسم البز من سماع ابن القاسم وغيره، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: الحالف بالطلاق أو بالمشي أو بالصدقة وما أشبه ذلك أن يفعل فعلا] مسألة وقال في رجل يحلف بطلاق امرأته واحدة ثم بالمشي إلى بيت الله وبالصدقة ليتزوجن على امرأته، فأراد أن يطلق امرأته واحدة ولا يطأها ويكون في سعة من المشي والصدقة حتى يتزوج فيقع ذلك عنه. قال: ذلك له.

مسألة: حلف لرجل فقال امرأته طالق إن خرجت من الفسطاط

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحالف بالطلاق أو بالمشي أو بالصدقة وما أشبه ذلك، أن يفعل فعلا، لا يقع عليه الحنث إلا بعد الموت؛ لأنه في فسحة في فعل ما حلف ليفعلنه ما لم يمت، إلا أنه على حنث، فلا يجوز له الوطء إن كان حلف بالطلاق وله أن يُحنِّث نفسه فيما شاء من ذلك، فإن أراد إذا حلف بجميع ذلك أن يحنث نفسه في الطلاق وحده فيطلق امرأته واحدة كما حلف ليرتجع ويطأ كان ذلك له، فإن بر بالتزويج قبل الموت سقط عنه المشي والصدقة، وإن لم يبر حتى مات كانت الصدقة في ثلث ماله؛ لأن الحنث إنما وجب عليه بعد الموت، ولم يكن على ورثته في المشي شيء إلا أن يوصي بذلك فينفذ عنه المشي من ثلث ماله، وقيل: إنه يُهدى عنه هديان، ولا يُمشى عنه حسب ما مضى من القول في ذلك في رسم حلف الثاني من سماع ابن القاسم من كتاب الحج، هذا هو المشهور. وقد قيل في الحالف ليفعلن فعلا إنه على التعجيل إلا أن يريد التأخير ويحنث إن أخر فعل ذلك الفعل الذي حلف ليفعلنه، وهو قول ابن كنانة ورواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك في المدونة في الحالف لينتقلن أنه إن لم ينتقل تلك الساعة حنث، وهذا القول في الحالف على غيره ليفعلن أكثر، وهو لابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب العتق. [مسألة: حلف لرجل فقال امرأته طالق إن خرجت من الفسطاط] مسألة وقال في رجل حلف لرجل فقال: امرأته طالق إن خرجت من الفسطاط وأنت تسلني شيئا فأحاله على رجل فرضي بالحوالة، قال: لا بأس عليه ولا شيء عليه إن كان من أصل دين له على من أحاله، وإن لم يكن من أصل دين فهو حانث، وأما الضمان فلا يخرجه عن يمينه، ولو حلف ليقضينه حقه لم تنفعه الحوالة أيضا وإن كان من أصل دين. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الحوالة من أصل دين يبريه

: الحالف إنما يحنث بالمعنى الذي حلف عليه لا بمجرد الألفاظ

من الدين، وتوجب ألا رجوع عليه لغريمه وإن مات المحال عليه أو فلِّس إذا لم يقره من فلس عليه منه، فوجب أن يبر الحالف بها في يمينه التي حلف بها؛ ولأنها إذا لم تكن على أصل دين لا يبر بها؛ إذ للمحتال أن يرجع عليه إن مات المحال عليه أو فلس، وقد قيل: إنها كالضمان في أنه المبدأ بالاتباع، فوجب ألا يبر الحالف بذلك في يمينه التي حلف بها. وأما إذا حلف ليقضينه حقه فلا يبرأ بالحوالة وإن كانت من أصل دين، إذ لم يقضه شيئا قبضه، وإنما تحول من ذمته إلى ذمة غيره إرادة معروف صنعه، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي ذكرنا في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم في الرهن؛ لأن الرهن شيء قد قبضه صاحب الحق وهو أحق به من الغرماء، والحوالة لم يقبض صاحب الحق بها شيئا ولا هو أحق بذمة المحتال عليه من الغرماء إن فلس، فلم تقو قوة الرهن، ولو حلف ألا يقضينه فأحاله حنث، قاله في رسم بع هذا، وهو صحيح؛ لأن الحنث يقع بأقل الوجوه، وبالله التوفيق. [: الحالف إنما يحنث بالمعنى الذي حلف عليه لا بمجرد الألفاظ] ومن كتاب أوله استأذن سيده [في تدبير جاريته] وسئل: عن رجل قال له: إن رمك فلان ختنك أصابها العسكر فاخْرج في طلبها، فخرج في طلبها فأدركها، فقال للذين هي معهم: إن هذه الرمك لختني بكير النفزي، فقيل له: كذبت ليست لختنك، وإنما هي للجند، ولكن احلف إنها للبربر وليست للجند، فقال: امرأته طالق إن كانت ليست لبكير النفزي، وإنما كان أصل استحلافهم إياه أنها للبربر وليست للجند، ولم يسألوه

إن كانت لنفزي أو لغير نفزي، إلا أنه حلف أنها لبكير النفزي، فسأل عن بكير فإذا هو من مصمودة، وليس من نفزة، وحلف حين حلف وهو يظن أنه من نفزة والرمك له. فقال: إنما استحلافهم إياه أنها ليست للجند ولم يستحلفوه أنها للنفزي، فليس عليه في يمينه شيء، وذلك أني سمعت مالكا وسئل: عن رجل بعث إلى عبد له في خرج كان عنده، فقال للرسول: أخذه أخوه، فأتى سيده مغضبا، فقال: أخفيت عني الخرج، فقال العبد: امرأته طالق إن كان لم يأتني أخوك فأخذه مني، ثم فكر فإذا أخوه لم يأته، وإنما جاء رسول، فقال: ليس عليه شيء؛ لأنه لم يحلف إلا على أنه لم يخفه عنه، فمسألتك مثلها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الحالف إنما يحنث بالمعنى الذي حلف عليه، لا بمجرد الألفاظ إذا خالفت المعاني؛ لأن الحكم إنما هو للمقصود بالقلب لا لمجرد اللفظ المنطوق به، ألا ترى أن المعنى الواحد المقصود إليه بالقلب يعبر عنه بألفاظ كثيرة مختلفة، ولغات شتى مفترقة، فلا يتغير معناه عند السامع له بهذه الألفاظ المختلفة واللغات المفترقة باختلاف العبارات عنه، وقد يفهم من اللفظ خلاف موضوعه في اللغة، فيكون الحكم للمفهوم من اللفظ، لا لموضوع اللفظ وحقيقته في اللغة، وهذا كثير موجود في القرآن والسنن والآثار، قال الله تعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15] . فهذا أمرٌ المفهوم منه النهي، وقال عز وجل: {إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87] ، فهذا مدح، والمراد به السبّ والاستهزاء، وقال عز وجل: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]

مسألة: قال لامرأته إن خرجت إلى بيت فلان إلا بإذني فأنت طالق

وقد علم أن الصلاة لا تأمر ولا تنهى، وكان الحكم للمعنى، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه» . وهذا كذب في ظاهره إذ ليس أبدا بعصاه على عاتقه، وليس بكذب ولكنه إخبار عن معنى عُلم المقصود به، فكان الحكم له، وهذا كثير يعز إحصاؤه، ولا يمكن استقصاؤه، وقد مضت مسألة الخرج في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم والقول فيها بما فيه كفاية فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إن خرجت إلى بيت فلان إلا بإذني فأنت طالق] مسألة وعن رجل قال لامرأته إن خرجت إلى بيت فلان إلا بإذني فأنت طالق، فخرجت فلما علم قال لها: إني قد حلفت ألا تخرجي إلا بإذني فقد خرجت فاعتدي، ثم ذكر أنه قد كان أذن لها. ففكر فقال: أرى قوله لها اعتدي طلاقا، فإن تدارك الرجعة قبل أن تحيض ثلاث حيض كان أملك بها، وإن حاضت ثلاث حيض قبل أن يراجعها كانت أملك لنفسها، قلت: إنما قال لها اعتدي من الطلاق الذي ظن أنه حنث فيه ولم يحنث، قال: أترى أن لو أتاني وقد حاضت ثلاث حيض وبانت منه وادعى نية أكنت أنويه فيها؟ لا أراه إلا وقد بانت منه إن لم يرتجعها قبل أن تنقضي عدتها، قال ابن القاسم: وإنما هي عندي بمنزلة من قال: قد طلقتك فاعتدي، وقال ابن وهب مثله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، والذي يوجبه فيها القياس والنظر ألا يلزمه فيما بينه وبين الله في قوله لها فاعتدي طلاق إذا تحقق أنه لم يلزمه فيها طلاق وتؤمر له بالعدة، ويبين هذا ما صرفنا إليه

مسألة: حلف بالطلاق ألا يكسوه فاشترى له سلعة وقال بعها ولك فضلها

وجه الاختلاف الواقع في مسألة رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب طلاق السنة في الذي أفتي في امرأته في يمين نزلت به أنها قد بانت منه، فقال لها وللناس: قد بانت مني، ثم علم أنه لا شيء عليه، فالمعنى في هذه المسألة عندي أنه إنما أوجب عليه الطلاق فيها بقوله لها فاعتدي من أجل أنه حضرته البينة بقوله لها: إني قد حلفت ألا تخرجي إلا بإذني فقد خرجت فاعتدي، ولم يصدق فيما زعم من أنه يذكر أنه قد كان أذن لها، فألزم الطلاق بما شهد به عليه من قوله لها فاعتدي؛ لأن اعتدي من ألفاظ الطلاق، فمن قال لامرأته: اعتدي ينوى ما أراد من عدد الطلاق بما شهد به عليه من قوله لها اعتدي؛ لأن اعتدي من ألفاظ الطلاق، فإن لم تكن له نية فهي واحدة، قال ذلك في المدونة، ولم يبين كم يلزم من عدد الطلاق، إلا أنه قد قال في آخر المسألة: إن ذلك عنده بمنزلة من قال: قد طلقتك فاعتدي، ومن قال في الذي يقول لامرأته: قد طلقتك فاعتدي أو قد طلقتك اعتدي أنهما اثنتان إلا أن يريد بهما واحدة، يقول: إنما أردت أن أعلمها بالعدة فتكون واحدة، فيلزم في هذه المسألة على قياس قوله أن تكون واحدة بعد أن يحلف أنه إنما قال لها: فاعتدي أمرا لها بالعدة من الطلاق الذي ظن أنه قد كان لزمه وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ألا يكسوه فاشترى له سلعة وقال بعها ولك فضلها] مسألة وسئل عن رجل عاتب أخا له كان معه في صنعة يتقلبان فيها، فعاتبه في البطالة وقال: لم تتبطل ولا تتجر ولا تكسب شيئا؟ فحلف بالطلاق ألا يكسوه فاشترى سلعة بخمسة دنانير، وقال: هاك هذه السلعة بعها ولك فضلها. قال: أراه حانثا لأن هذا ليس من وجه التجارة ولا البيع، وإنما هذه عطية منه، قال له: خذ فضل هذه السلعة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا أعطاه فضل السلعة

مسألة: ذكر له غريمه فقال امرأته طالق إن لقيته إن فارقته حتى يحكم الله بيننا

ليكتسي منها فقد كساه، ومثله في المدونة في الذي يحلف ألا يكسو رجلا فأعطاه دنانير، أو حلف ألا يعطيه دنانير فكساه أنه حانث ولا ينوي في ذلك يعني مع قيام البينة بخلاف المرأة فإنه ينوي في زوجته إذا حلف ألا يعطيها دنانير فكساها، فإنه إنما حلف ألا يعطيها دنانير لئلا تفسدها أو تخدع فيها وبالله التوفيق. [مسألة: ذكر له غريمه فقال امرأته طالق إن لقيته إن فارقته حتى يحكم الله بيننا] مسألة وقال في رجل ذكر له غريمه فقال امرأته طالق البتة إن لقيته إن فارقته حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، فلقيه فقضاه حقه. قال: لا شيء عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن قضاءه حقه هو حكم الله الواجب بينهما، وإن لم يقضه حقه لكان الوجه الذي يبر به ألا يفارقه حتى يرفعه إلى السلطان فيفصل بينهما بما شرعه الله من الحكم بين عباده، كان له أو عليه؛ لأن حكم الله بين عباده في الدنيا هو حكم الحاكم بينهم بما أمر الله به من القول، قال الله عز وجل: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] وبالله التوفيق. [مسألة: ساومه رجل بسلعة فقال امرأته طالق إن باعها منه ثم ساومه بها آخر] مسألة وسئل عن رجل ساومه رجل بسلعة فقال: امرأته طالق إن باعها منه، ثم ساومه بها رجل آخر فقال: امرأته طالق إن باعها منه، فباعها منهما جميعا.

مسألة: حلف في سلعة له ألا يبيعها فيبيعها على أنه بالخيار فيها

قال: يلزمه تطليقتان، قلت: فلو كان حلف على هذا النحو بالله أيضا أتلزمه كفارتان؟ قال: نعم، قلت له: ففي أي شيء إذا حلف مرات لم يلزمه إلا كفارة واحدة؟ قال: لو أنه أتاه رجل فساومه فقال: والله لا أبيعها، ثم أتاه آخر فقال: والله لا أبيعها، فهذا الذي لا يلزمه إذا باع إلا كفارة واحدة، ولو كان هذا في طلاق كان عليه تطليقتان إلا أن ينوي واحدة، ولو أتاه رجل فقال: امرأته طالق إن باعها، ثم أتاه آخر فقال: امرأته طالق إن باعها لزمته تطليقتاه إن باعها إلا أن يكون نوى واحدة، وسواء كان في رجل واحد أو في رجلين هما تطليقتان. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة كلها على معنى ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف في شيء من وجوهها، إذا حلف الرجل ألا يبيع سلعة ثم حلف ثانية ألا يبيعها ثم باعها لزمته كفارة واحدة إن كان حلف بالله، وتطليقتان إن كان حلف بالطلاق إلا أن ينوي واحدة، وإذا حلف ألا يبيع سلعته من فلان، ثم حلف ألا يبيعها من فلان رجل آخر فباعها منهما جميعا لزمته كفارتان إن كان حلف بالله، وتطليقتان إن كان حلف بالطلاق ولم ينو إن زعم أنه أراد واحدة وينوي في الطلاق حيث يكون عليه في اليمين بالله كفارة واحدة، ولا ينوى فيه حيث تكون عليه في اليمين بالله كفارتان، فهذا قياس هذه الباب، وقوله في آخر المسألة: وسواء كان في رجل واحد أو في رجلين هما تطليقتان، معناه إذا لم تكن له نية، وأما إذا نوى واحدة فيُنَوَّى في الرجل الواحد ولا يُنَوَّى في الرجلين حسبما بيناه وبالله التوفيق. [مسألة: حلف في سلعة له ألا يبيعها فيبيعها على أنه بالخيار فيها] مسألة وسئل عن الرجل يحلف في سلعة له ألا يبيعها فيبيعها على أنه بالخيار فيها.

قال: لا شيء عليه حتى يحب البيع. قال محمد بن رشد: مثل هذا من سماع أصبغ في كتاب العتق، وهو صحيح لأنه استثنى الخيار لنفسه، فلا يكون بيعا حتى يمضيه، ولو حلف ألا يبيعها إلى أجل فباعها قبل الأجل على أنه بالخيار وأمضاه بعد الأجل لتخرج ذلك على قولين: أحدهما وهو المشهور أنه لا يحنث؛ لأن البيع إنما وجب يوم أمضاه، والثاني أنه يحنث لأنه أمضاه له على العقد الأول، فكأنه قد وجب له من حينئذ، وهذا القول قائم من قوله في كتاب الشفعة من المدونة في الذي يشتري شقصا من دار بخيار ثم يباع ذلك الشقص الآخر بيع بت أن الشفعة لمشتري الخيار إن اختار البيع، وكذلك الحكم في الرجل يحلف ألا يشتري السلعة فيشتريها على أنه فيها بالخيار سواء، ولو باعها الحالف ألا يبيعها على أن الخيار للمشتري، أو اشتراها الحالف ألا يشتريها على أن الخيار للبائع لوقع الحنث في ذلك على الحالف منهما، كان البائع أو المبتاع، مضى البيع أو رُد بالخيار إلا أن يكون اليمين بحُرّية العبد الذي حلف البائع ألا يبيعه أو المشتري ألا يشتريه، فيفترق في ذلك البائع من المبتاع، لحنث البائع بعقد البيع على أن الخيار للمبتاع فيرد ويعتق عليه، ولا يحنث المبتاع بعقد البيع على أن الخيار للبائع حتى يمضي له البيع، ولو حلف الرجل ليبيعن سلعة أو ليشترينها لما بر ببيعها ولا بشرائها على الخيار، كان الخيار له أو لمن باعه حتى يُمضي البيع مَن له الخيار فيه؛ لأن الحنث يقع بما لا يكون البر به؛ إذ لا يكون البر إلا بأكمل الوجوه. وكذلك الذي يحلف ألا يبيع سلعة يحنث ببيعها وإن ردها عليه بعيب أو فساد بيع ولا يبر إذا حلف ليبيعنها إذا باعها فردت عليه بعيب أو فساد بيع؛ لأن البر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وهو قول ابن القاسم في

مسألة: قال امرأته طالق البتة أو غلامه حر إن كان الذي في كمه دنانير

الواضحة وفي رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب العتق، وقيل: إنه لا يحنث إن رد عليه بعيب، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وهذا على أن الرد بالعيب ابتداء بيع، وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق البتة أو غلامه حر إن كان الذي في كمه دنانير] مسألة وسئل عمن قال: امرأته طالق البتة أو غلامه حر إن كان الذي في كمه دنانير أو وإن كان الذي في حانوته فسطاطيا، فنظر الذي في كمه فإذا فيه دنانير ودراهم، ونظر الذي في حانوته فإذا فيه فسطاطي وشطري ومروي وخز. قال هو حانث في كلا الوجهين، قال وسواء قال إن كان الذي في كمي أو قال في حانوتي هما سواء، وهو حانث فيهما جميعا، وقاله أشهب. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصولهم فيمن حلف ألا يفعل فعلين ففعل أحدهما أنه حانث؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، ولا عذر له في أن حلف على يقينه فانكشف له خلاف ما حلف عليه؛ لأن ذلك لغو، واللغو لا يكون إلا في اليمين أو ما تكون كفارته كفارة يمين بالله. وبالله التوفيق. [: قال امرأته طالق البتة أو غلامه حر إن لم يفعل شيئا سماه فلم يفعله حتى مات] ومن كتاب العرية وسئل عن رجل قال: امرأته طالق البتة، أو غلامه حر إن لم يفعل شيئا سماه فلم يفعله حتى مات. قال: ترثه امرأته، ويعتق الغلام في ثلثه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحالف ليفعلن فعلا هو على حنث حتى يفعل، فإذا لم يفعل حتى مات وقع عليه الحنث بعد

مسألة: قال يزيد أو محمد حران إن لم أفعل كذا وكذا فمات قبل أن يفعله

الموت بالطلاق أو بالعتاق، فوجب أن ترثه المرأة؛ لأن الطلاق بعد الموت لا يصح، وأن يعتق الغلام في الثلث على حكم العتق بعد الموت احتياطا للعتق لئلا يسترق بالشك، ولأنه أيضا لو وقع عليه الحنث في حياته لخير بين العتق والطلاق، إذ قد استثنى ذلك لنفسه حين حلف على ما قاله في رسم الصبرة من سماع يحيى بعد هذا، فلما أوقع على نفسه الحنث بعد الموت حمل على أنه لم يرد إلا العتق، إذ لا يطلق أحد امرأته بعد موته، ولو قال قائل إن ورثته ينزلون بعد موته في التخيير منزلته في حياته، فلا يعتق العبد في الثلث إلا برضاهم لكان لذلك وجه من أجل أن الأصل براءة الذمة، والعتق لا يكون إلا بيقين. وبالله التوفيق. [مسألة: قال يزيد أو محمد حران إن لم أفعل كذا وكذا فمات قبل أن يفعله] مسألة قيل له: فلو كان قال: يزيد أو مبارك حران إن لم أفعل كذا وكذا، فمات قبل أن يفعله؟ . قال: يعتق واحد منهما بالسهم، قيل: كيف يعتق؟ أنصف قيمتهما أو من خرج سهمه؟ قال: بل من خرج سهمه، يسهم بينهما، فإن خرج سهم أحدهما وهو أكثر من الثلث عتق منه ما حمل الثلث، وإن خرج سهم الأخر وهو أدنى من الثلث عتق، ولم يعتق من الآخر فيما بقي من الثلث قليل ولا كثير. قال محمد بن رشد: حكم هذه المسألة حكم الرجل يقول في صحته: أحد عبيدي حر، أو أحد عبيدي حر إن فعلت كذا وكذا فيحنث فلا يختار أحدا منهم حتى يموت، إلا أن العتق في هذه من الثلث، وفي تلك من رأس المال، وفيها ثلاثة أقوال: أحدهما رواية ابن أبي زيد

مسألة: يقول آخر امرأة أتزوجها فهي طالق

عن ابن القاسم في كتاب العتق أنه يقرع بينهم، ومثله ما وقع في رسم الصلاة من سماع يحيى منه في رواية عيسى عن ابن القاسم أنه يقرع بينهم، وأراه أشار إلى هذه الرواية لاستواء المسألتين على ما ذكرناه؛ لأن الذي في سماع عيسى عن ابن القاسم في الكتاب المذكور أن العتق يجري فيهم، فإن كانوا ثلاثة عتق أثلاثهم، وإن كانوا أربعة عتق أرباعهم، وهذا القول الثاني. والقول الثالث أن الورثة ينزلون منزلته فيعتقون من شاؤوا منهم، وهو رواية يحيى عن ابن القاسم وأحد قولي سحنون في رواية عيسى في القرعة إذا اختلف الورثة، ورواية يحيى عنه في أنهم بمثابته إذا اتفقوا، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول آخر امرأة أتزوجها فهي طالق] مسألة وسألت ابن القاسم عن الذي يقول: آخر امرأة أتزوجها فهي طالق قال: يتزوج ما شاء ولا شيء عليه؛ لأنه مثل من حرم على نفسه جميع النساء؛ لأنه كلما تزوج امرأة فرق بينه وبينها؛ لأنه لعل تلك المرأة آخر امرأة يتزوجها، ولا تستقر معه أبدا امرأة، ولا شيء عليه، قال سحنون في الذي يقول: آخر امرأة أتزوجها فهي طالق، قال: يوقف عن وطء امرأته خوفا ألا يتزوج غيرها حتى يموت؛ لأنه إذا مات كانت آخر امرأة يتزوجها، فلزمه الحنث يوم تزوجها، فيكون قد وطئها بعدما حنث فيها، فيوقف عن الوطء حتى يتزوج غيرها، فإذا تزوج غيرها قيل له إن اليمين والحنث قد زال عنها، وإن لم يتزوج (حتى ينقضي الأجل) وأرادت

مسألة: يقول لامرأته إن كلمتني حتى تقولي إني أحبك فأنت طالق

الأولى الوطء وقالت: ها هو ذا يقدر على أن يطأني بأن يتزوج أخرى فيجوز له وطئي فيترك ذلك ضررا، فيضرب له الحاكم أجل الإيلاء، فمن تزوجها قبل تمام الأجل سقطت عنه اليمين، وإن لم يتزوج حتى ينقضي الأجل طلق عليه السلطان إلا أن يتزوج قبل طلاق السلطان وحكمه، وكذلك الحكم في الثانية حتى يتزوج ثالثة، وكذلك الحكم في الثالثة حتى يتزوج رابعة، وكذلك الحكم في الرابعة، [ويضرب له فيها أجل الإيلاء إلا أن يموت من عنده أو يطلق فيتزوج] فقس على هذا تصب إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في نوازل سحنون من كتاب الإيلاء فلا وجه لإعادته هنا مرة أخرى وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته إن كلمتني حتى تقولي إني أحبك فأنت طالق] مسألة قال عيسى: وسئل ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته إن كلمتني حتى تقولي إني أحبك فأنت طالق، فقالت: غفر الله لك، نعم أنا أحبك. فقال: هو حانث حين قالت غفر الله لك قبل أن تقول أنا أحبك، ولقد اختصمت أنا وابن كنانة إلى مالك في رجل قال لامرأته إن كلمتك حتى تفعلي كذا وكذا فأنت طالق، ثم قال لها في ذلك النسق بعد الطلاق: فاذهب الآن كالقائل: إن شئت فافعلي وإن شئت فدعي، فقلت أنا: قد حنث حين قال لها

اذهبي، وقال ابن كنانة: لم يحنث، فدخلنا على مالك فقضى لي عليه ورآه حانثا، فمسألتك أبين من هذا، وفي كتاب أصبغ فكأنه قضى لي عليه، ولم يقض عليه بالحنث، قال أصبغ لا شيء عليه، وقول ابن كنانة أصوب لأنه من اليمين ما هو لم تبرد اليمين ولم تبرد إلا به، وقول ابن القاسم عن مالك فكأنه قضى لي عليه ليست برواية ولا جواب، وقد سمعت ابن القاسم يقول في أخوين حلف أحدهما على صاحبه إن كلمتك أبدا حتى تبدأني، ثم حلف الآخر إن كلمتك أبدا حتى تبدأني، إن الأيمان عليهما على ما حلفا عليه، من بدأ منهما صاحبه فهو حانث، وإن حلف الثاني حين حلف ليست تبدئة تسقط بها الأيمان، وليس هذا من وجه ما أراد، قال: وقال ابن كنانة مثله. قال محمد بن رشد: في سماع محمد بن خالد عن ابن نافع في رجل قال لصاحبه امرأته طالق إن كلمتك حتى تبدأني بالكلام فقال صاحبه: إذا والله لا أبالي. هل هذه تبدئة؟ . قال: لا، وهذا نحو قول ابن كنانة الذي صوبه أصبغ وأخذ به. وما لزم ابن القاسم من الاضطراب في المسألة التي سمعها منه لازم له، إذ لا فرق بين المسألتين، فهو اختلاف من قوله. والأظهر أن الحنث لا يقع بشيء من هذا الكلام؛ لأنه من تمام ما كانا فيه، فلم يقع عليه اليمين، وإنما وقعت على استئناف كلام بعد، فلا يقع الحنث بشيء من هذا على أصل المذهب في مراعاة المعاني المقصود إليها في الأيمان دون الاعتبار بمجرد الألفاظ دون المعاني، وإنما يوجب الحنث بهذا من اعتبر مجرد الألفاظ في الأيمان ولم يلتفت إلى معانيها، ويوجد من ذلك مسائل في المذهب ليست على أصوله تنحو إلى مذهب أهل العراق وبالله التوفيق.

مسألة: قال إن ماتت امرأتي إن تزوجت حتى أحج أو أغزو فالتي أتزوج طالق

[مسألة: قال إن ماتت امرأتي إن تزوجت حتى أحج أو أغزو فالتي أتزوج طالق] مسألة وسأله رجل فقال: إني كنت طلقت امرأتي البتة، ثم تزوجتها بعد زوج فكانت تحتي، فقلت: إن ماتت امرأتي إن تزوجت حتى أحج أو أغزو فالتي أتزوج طالق، ثم نظرت فإذا النكاح الذي أنكحتها به كان فاسدا تزوجها محلل أو نحو ذلك، أو كان صحيحا فطلقها، هل علي شيء إن تزوجت قبل أن أحج أو أغزو. قال: لا شيء عليه إلا أن تكون نويت إن خلوت بها بوجه من الوجوه، قال: لم أنو شيئا غير أني إنما أردت خلوتي منها، ولم أذكر إلا الموت، قال: لا شيء عليك إلا أن تكون خرجت يمينك على النية أنك إن خلوت منها بوجه من الوجوه ألا تتزوج حتى تحج أو تغزو. قال محمد بن رشد: قوله لم أنو شيئا غير أني إنما أردت خلوتي منها غير أنه لم يخطر ببالي وجه أخلو به منها غير الموت الذي ذكرته فعادت نيته إلى أنه إنما أراد خلوه منها بالموت، ولذلك قال: إنه لا شيء عليه بخلوه منها بما سواه إلا أن يريد خلوه منها بأي وجه كان، وذلك صحيح بين في المعنى؛ لأن اليمين إذا عريت من النية حملت على مقتضى اللفظ، فكيف إذا وافقت النية اللفظ؟ وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بعتق أو طلاق امرأته ليعتمرن في شوال فلما دخل شوال اعتمر] مسألة قال عيسى وسئل عن رجل حلف بعتق أو طلاق امرأته

ليعتمرن في شوال، فلما دخل شوال اعتمر، ثم إنه مرض مرضا يمنعه من المسير حتى خرج شوال، ولم يطف بالبيت. قال ابن القاسم: هو حانث إلا أن يكون جعل لنفسه مخرجا في عقد يمينه. قال محمد بن رشد: لم يعذره في المسألة بالمرض إذ قال فيها إنه حانث إلا أن يكون جعل لنفسه مخرجا في عقد يمينه، يريد أن ينوي إلا أن أمرض أو يمنعني مانع، وكان القياس أن يكون في حكم المكره لا يحنث، كمن حلف ألا يفعل فعلا فأكره على فعله، إذ لا سبب له في المرض، إلا أنهم فرقوا على غير قياس في الأيمان بين الإكراه على الفعل وعلى ترك الفعل، فعذروه بالإكراه على الفعل، ولم يروه حانثا به، ولم يعذروه بالإكراه على ترك الفعل إذ لا إكراه على ألا يفعله، وقد كان حلف أن لا يفعله ورأوه حانثا إلا أن ينوي إلا أن أغلب أو أمنع وقد مضى هذا المعنى في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، ووجه استحسان التفرقة بينهما أن الرجل أملك لترك الفعل منه لفعله، ولهذا المعنى افترق البر من الحنث فحنث من حلف ألا يتزوج بالعقد، ولم يبر من حلف ليتزوجن إلا بالدخول، ومنه كان النهي أقوى من الأمر، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» . فلم يعذر الحالف على الفعل بالإكراه على الترك إلا أن ينوي ذلك، لقوة ملكه للترك، إذ يكون تاركا له بفعل ما يشاء من أضداده من غير قصد إلى شيء منها بعينه دون ما سواه، وعذر الحالف على ترك الفعل بالإكراه على الفعل وإن لم ينو ذلك لضعف ملكه للفعل، إذ لا يكون فاعلا له إلا بترك جميع أضداده، وعلى هذا من حلف ليصومن غدا فمرض مرضا يمنعه من الصيام أنه يحنث إلا أن ينوي إلا أن أمرض، بخلاف من حلف ليصومن

مسألة: قيل لأحدهما صالح صاحبك فحلف بالطلاق أنه لا يصالحه

غدا فإذا هو يوم الفطر أو الأضحى أنه يفطر ولا حنث عليه، إذ لا يحل صيام ذلك اليوم، وهو إنما حلف بصيام ما يؤجر في صيامه لا ما يأثم فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: قيل لأحدهما صالح صاحبك فحلف بالطلاق أنه لا يصالحه] مسألة وقال في رجل كانت بينه وبين رجل خصومة في أرض فقيل لأحدهما: صالح صاحبك، فحلف بالطلاق أنه لا يصالحه، فلما طالت خصومتهما قال الحالف لصاحبه: انظر ما تدعي فخذه من الأرض، فقال: ندعي من هاهنا إلى هاهنا: خذه فأخذه، ما ترى عليه؟ . قال: إن كان أعطاه كل ما يخاصمه فيه ويدعيه قبله فلا حنث عليه، وإن كان أعطاه بعض ما كان يدعيه فقد حنث، قال ابن القاسم: إلا أن يكون أراد ألا يسلم إليه شيئا منه، فإن كان ذلك نيته حنث. قال محمد بن رشد: لسحنون في كتاب ابنه أنه يحنث وإن أعطاه كل شيء، قال: إنه يحنث بالبعض فكيف بالكل؟ فلم يراع لفظ المصالحة التي حلف عليها وحمل يمينه على أنه إنما أراد ألا يسلم إليه شيئا مما ادعى، فإذا حنث باليسير كان أحرى أن يحنث بالكثير، وقول ابن القاسم أحرى على أصولهم في أن الحالف إذا لم تكن له نية يرجع في يمينه إلى ما يقتضيه اللفظ، والمصالحة إنما تكون بأن يعطيه بعض ما يدعي، فإن أعطاه أقل مما يدعيه حنث وإن قال إنه جميع حقه وإن الذي ادعاه أولا أكثر من حقه. [مسألة: يقول لامرأته أنت طالق البتة إن لم تدفعي إلي مائة دينار] مسألة وسئل عن الرجل يقول لامرأته أنت طالق البتة، إن لم

مسألة: يطلق امرأته واحدة ثم قيل له ارتجع امرأتك فقال إن ارتجعتها فهي طالق

تدفعي إلي مائة دينار أو تتركي مالك علي من المهر، فتركته له ثم أرادت أن تأخذه منه بعد ذلك، فخاصمته أو توفي فأرادت أن ترجع فيه أو أقام بعد ذلك شهرين أو سنة ثم طلقها فأرادت أن ترجع، هل ترى ذلك لها [إن ادعت أنها ما تركت ذلك له إلا على أن لا يطلقها. قال: ليس لها أن ترجع عليه في شيء مما أعطته. قال القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا بين على ما قاله؛ لأنها يمين قد لزمته بطلاق البتة إن لم تعطه ذلك، فإذا أعطته ذلك فقد نالت بما أعطته سلامتها من وقوع الحنث عليها ولو لم] يكن لها أن ترجع عليه بعد ذلك بشيء منه طلقها أو لم يطلقها، زاد في سماع أصبغ من كتاب طلاق السنة: ولو شاءت نظرت لنفسها، يريد بأن تقول له لا أعطيك ذلك إلا على ألا تطلقني بعد ذلك. وقد مضى القول على ذلك هنالك وبالله التوفيق. [مسألة: يطلق امرأته واحدة ثم قيل له ارتجع امرأتك فقال إن ارتجعتها فهي طالق] مسألة وعن الرجل يطلق امرأته واحدة ثم قيل له: ارتجع امرأتك، فقال إن ارتجعتها فهي طالق البتة، ثم تزوجت زوجا غيره، ثم طلقها أو مات عنها فأراد أن يتزوجها وقال إنما نويت حين حلفت ألا أرتجعها حين كانت لي عليها الرجعة، أو أراد أن يتزوجها ولم يتزوج حين خرجت من الاستبراء، وذكر أنه لم تكن نيته إلا ذلك، أو قال لم أنو شيئا. قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول هو حانث، ولم يذكر مالك نيته، قال ابن القاسم: وإنما أرى أن يحلف على ما نوى

: قال لامرأته أنت طالق إن لم أضربك حتى أشتفي عليك فضربها حتى اشتفى

ويكون القول قوله، وإن لم تكن له نية لزمه ما حلف عليه. قال القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال ابن القاسم في هذه المسألة: إنه ينوى فيها مع يمينه، ولم يذكر إن كانت عليه بينة أم لا؟ والذي ينبغي في هذه المسألة أن ينوي فيها وإن كانت عليه بينة؛ لأن نيته فيها ليست مخالفة لظاهر لفظه، إذ إنما حلف ألا يرتجعها، بخلاف مسألة رسم سلف من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة إذ كانت يمينه ألا يراجعها، وقد مضى من القول على ذلك هناك ما فيه كفاية، وظاهر قول مالك فيما حكى ابن القاسم من أنه لم يذكر نية أنه لا ينوى يريد مع قيام البينة، إذ لا اختلاف في أنه ينوى إذا لم تكن عليه بينة فهو ينحو إلى ما في سماع أصبغ من اطراح الاعتبار بالألفاظ في هذه المسألة، وأن يمينه على ألا يرتجع أو على ألا يتزوج سرا. [: قال لامرأته أنت طالق إن لم أضربك حتى أشتفي عليك فضربها حتى اشتفى] ومن كتاب أوله يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أضربك حتى أشتفي عليك فضربها حتى اشتفى فيما يرى، فلما رفع يده عنها ضحكت وقالت له: والله ما اشتفيت. قال ابن القاسم: إن كان إنما حلف ليضربها حتى يشتفي فضربها حتى اشتفى في نفسه فقد بر، ولا حنث عليه، وإن قالت: لم تشتف لم يلتفت إلى قولها إذا كان هو قد اشتفى في نفسه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنما حلف أن يضربها حتى يشتفي فهو أعلم هل اشتفى أم لا، ولا ينبغي أن يلتفت إلى قولها: لم تشتف، إذا كان يعلم من نفسه أنه قد اشتفى، كما لا يصح أن يلتفت إلى قولها لو قالت قد اشتفيت وهو يعلم من نفسه أنه لم يشتف، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف بطلاقها ألا يأخذ شيئا من مالها إلا بإذنها فأذنت ثم رجعت في الإذن

[مسألة: حلف بطلاقها ألا يأخذ شيئا من مالها إلا بإذنها فأذنت ثم رجعت في الإذن] مسألة وسئل عن رجل حلف بالطلاق ألا يأخذ شيئا من مال امرأته إلا بإذنها ورضاها، فأذنت له أن يأخذ من مالها ما شاء ويقضي فيه بما أراد، فقضى في ذلك زمانا، ثم قالت له: لا تأخذ من مالي شيئا. قال ابن القاسم: إن أخذ من مالها شيئا بغير رضاها بعد أن نهته عنه فهي طالق. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على مراعاة المعاني في الأيمان وترك الاقتصار على مقتضى اللفظ وهو المشهور في المذهب؛ لأن معنى يمين الحالف ألا يأخذ من مال امرأته شيئا إلا بإذنها ورضاها ألا يأخذ من مالها شيئا إلا وهي راضية، فإذا أخذ من مالها شيئا بعد أن نهته عن ذلك وجب أن يحنث لكونها غير راضية بذلك، ويأتي على الاعتبار بمقتضى اللفظ دون مراعاة المعنى ألا يحنث بما أخذ من مالها بعد أن أذنت له في ذلك وإن كانت قد رجعت عن الإذن ونهته أن يأخذ، وهو على قياس من قول مالك في رسم الطلاق، ومن سماع أشهب من كتاب التخيير والتمليك في الذي يحلف بالحلال عليه حرام أن تقوم امرأته عنه فلا ترجع إليه حتى يشاء، فتقوم عنه ثم تستأذنه في الرجوع فيقول لها: تعالي إن شئت، ثم يقول لها: لا تأتي، فتأتي على الإذن الأول: إنه ليأخذ بقلبي أنه أذن، يريد أنه إذن لا يسقط رجوعه عنه، فلا يحنث إذا أتت عليه بعد أن نهاها عن الإتيان، وهذا على قياس ما يأتي لأصبغ في أول نوازله من هذا الكتاب وقول ابن دحون: إن ذلك يأتي أيضا على قول سحنون في الذي يشترط لامرأته ألا يخرجها إلا برضاها فيخرجها برضاها ثم تطلب منه أن يردها، إن ذلك لا يلزمه، خلاف قول ابن القاسم، وهو صحيح أيضا لأن

مسألة: قال إن مات ابني وليست لك قبلي تباعة من هذا الدين فأنت طالق

من رأى أنه لا يلزمه أن يردها وهو قول سحنون في أول رسم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وروايته أيضا عن ابن القاسم في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح، فوجه قوله أنها لما أذنت له أن يخرجها فقد أباحت له السكنى بها حيث أخرجها، فسؤالها إياه أن يردها رجوع منها عما أذنت له فيه، وقد قيل: إنه لا يكتفي بهذا الإذن المجمل ويلزمه أن يستأذنها كلما أخذ من مالها شيئا وإلا حنث، وذلك على القول بأن من حلف على امرأته ألا تخرج إلى موضع إلا بإذنه أنها قد تجتزي بأن يقول لها: اخرجي إلى حيث شئت فقد أذنت لك حتى تستأذنه في كل ما ينوبها من الخروج، وسيأتي القول على ذلك في رسم سلف إن شاء الله. [مسألة: قال إن مات ابني وليست لك قبلي تباعة من هذا الدين فأنت طالق] مسألة وعن رجل كانت له امرأة له منها ولد ولها عليه دين فلزمته بدينها فقال لها: إن مات ابني وليست لك قبلي تباعة من هذا الدين فأنت طالق. قال ابن القاسم: لا أرى أن يقضيها ذلك الدين فإن شحت وطلبت حقها اقتضته وطلقت عليه ساعتئذ، قلت: فإن قضاها بعضه وبقي بعض فلا شيء عليه؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأنها إن اقتضت منه دينها صارت بمنزلة من قال لامرأته: إنه مات ابني فأنت طالق يعجل عليه الطلاق، ولو قال: وليست لك علي تباعة ولم يقل من هذا الدين لم يعجل عليه الطلاق باقتضاء الدين وإن لم تكن لها عليه تباعة سواه، إذ قد يكون لها عليه تباعة يوم يموت فلا يكون مطلقا إلى أجل هو آت على كل حال، وتؤمر أن تداينه بما أمكن لئلا يموت الولد ولا تباعة لها عليه فيقع عليها الطلاق بموته وبالله التوفيق.

مسألة: عبد حلف لغريم له بطلاق امرأته أن يدفع إليه أول دينار يدخل عليه فباعه سيده

[مسألة: عبد حلف لغريم له بطلاق امرأته أن يدفع إليه أول دينار يدخل عليه فباعه سيده] مسألة وسألته عن عبد حلف لغريم له بطلاق امرأته أن يدفع إليه أول دينار يدخل عليه، فباعه سيده فقال المشتري للبائع: اكسه فإنه لا كسوة له، فأعطاه البائع دينارا من ثمنه ليكتسي به. فلم يقضه للغريم. قال: ليس عليه حنث لأن الدينار إنما هو للمشتري كأنه استوضعه دينارا أو كأنه اشترى الكسوة بذلك الدينار قال القاضي أبو محمد: لما أعطى البائع العبد الدينار ليكتسي به فطلب المبتاع ذلك إليه، صار حكمه حكم كسوة العبد، فلم يكن عليه حنث إن لم يقبضه غريمه إذ لا تباع ثياب العبد في دين العبد إلا برضى السيد لأنها في حكم رقبة العبد في ذلك، وهو معنى قوله: لأن الدين إنما هو للمشتري، وفي رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب العيوب ما يؤيد هذا المعنى من رواية ابن كنانة عن مالك وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يكون تحته امرأتان فيقول لكل واحدة منهما إذا طلقتك ففلانة طالق] مسألة وسألته عن الرجل يكون تحته امرأتان فيقول لكل واحدة منهما: إذا طلقتك ففلانة طالق، فيطلق إحداهما. قال: يقع على التي ابتدأ الطلاق فيها طلقتان، وعلى الأخرى طلقة، من أجل أنه حين ابتدأ بطلاق هذه طلقت الأخرى واحدة، فلما وقع على التي لم يطلق طلقة بطلاق هذه التي ابتدأ فيها الطلاق طلقت هذه أيضا طلقة التي ابتدأ فيها الطلاق بطلاق هذه الأخرى.

مسألة: قال لامرأته انتقلي معي فأبت فقال أنت طالق إن لم تنتقلي معي ثم بدا له ألا ينتقل

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن من حلف ألا يطلق امرأته يحنث بطلاقها كيف ما كان؟ بيمين أو بغير يمين، وقد مضت هذه المسألة متكررة في سماع أبي زيد من كتاب طلاق السنة، ولو قال في المسألة كلما لهذه ولهذه فطلق إحداهما طلقت كل واحدة منهما ثلاثا ثلاثا؛ لأنه كلما وقع الطلاق على واحدة وقع مثله على الأخرى، ذكره ابن سحنون عن أبيه، وهو صحيح. [مسألة: قال لامرأته انتقلي معي فأبت فقال أنت طالق إن لم تنتقلي معي ثم بدا له ألا ينتقل] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته: انتقلي معي فأبت، فقال: أنت طالق إن لم تنتقلي معي، ثم بدا له ألا ينتقل. قال: إن بدا له ألا ينتقل فليس عليه شيء. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن معناه أنت طالق إن لم تنتقلي معي إن انتقلت، فإذا لم ينتقل لم يكن عليه شيء إلا أن يريد أنت طالق إن لم انتقل بك، وباله التوفيق. [مسألة: قال للتي قد دخل بها شأنك بأهلك أو شأنكم بها فهي البتة] مسألة قال: وإذا قال للتي قد دخل بها: شأنك بأهلك، أو شأنكم بها، فهي البتة ولا ينوى، وإن قال للتي لم يدخل بها فهي واحدة إلا أن يكون نوى أكثر من ذلك فيكون ما نوى، وإن قال للتي قد دخل بها: قد فارقتك أو خليتك أو خليت سبيلك فهي أيضا ثلاث إلا أن يكون نوى أقل من ذلك فيكون ما نوى ويحلف، وإن قال ذلك للتي لم يدخل بها فهي واحدة ألا أن يكون نوى أكثر من

مسألة: يقول لامرأته أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت إن شاء فلان

ذلك، وهو قول مالك في جميع هذا، وقد قال لي في التي لم يدخل بها: إنها البتة إلا أن يكون نوى واحدة. قال ابن القاسم: وإن قال قد سرحتك أو سرحت سبيلك فهي للتي لم يدخل بها واحدة إلا أن يكون نوى أكثر من ذلك وهي للتي قد دخل بها ثلاث إلا أن يكون نوى واحدة، قال ابن القاسم: قال مالك: إذا قال الرجل للتي دخل بها قد فارقتك فهي ثلاث، إلا أن يكون نوى واحدة وحدثني به الثقة عن ربيعة. قال محمد بن رشد: هذه المسائل كلها قد مضى القول فيها في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت إن شاء فلان] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إن شئت، فقالت: قد شئت إن شاء فلان، أو يقول لعبده أنت حر إن شئت، فقال: قد شئت إن شاء فلان، فيوجد أن قد ماتا، هل ترجع الشيئة إليهما؟ . قال: إن وجدا قد ماتا فلا شيء لهما ولا ترجع الشيئة إليهما. قلت: فلو قال لهما هذه المقالة فقالا: قد شئنا إن شاء فلان وفلان بأرض بعيدة مثل إفريقية والأندلس. قال: أما المرأة فيقال لها: إن شئت فاقض الآن وإن شئت فاتركي، ولا تؤخر إلى قدوم فلان، وأما العبد فذلك له إلى أن يكتب إلى فلان ويستقصي شيئته لأنه ليس في العبد من الضرر ما في المرأة فإن المرأة يمنع من وطئها، والعبد ليس كذلك. قلت: فإن كان الرجل الذي جعلت المرأة الشيئة إليه

مسألة: يحلف على الشيء بطلاق امرأته ولا يدري أعلى حق حلف أم على باطل

بالإسكندرية ونحوها من القرب هل يؤخر إلى ذلك. قال ابن القاسم: إن كان في القرب على ما ذكرت اليومين والثلاثة وما أشبهه الذي لا يكون على الزوج في ذلك ضرر فإني أرى أن توقف، وأما الأجل البعيد الذي يكون على الزوج في ذلك الضرر فإني أرى أن ترد الشيئة إليها الساعة، فإما قضت أو تركت. فلو أن الزوج قال: أنا أترك الأمر حتى يشاء فلان ويقدم، فإني أخاف أن يجعل ذلك بيدها فتطلق، وعسى فلان لا يطلق، قال: إن بعد الأمر فلا يقبل فيه رضى الزوج؛ لأن الموت يأتي فتقع الموارثة، قال ابن القاسم: وليس التأخير بشيء في القياس وإن قرب الأمر، وإنما القياس في أن توقف الساعة. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة بعينها والقول فيها في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب التخيير والتمليك فلا وجه لإعادة شيء من ذلك ها هنا وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف على الشيء بطلاق امرأته ولا يدري أعلى حق حلف أم على باطل] مسألة وسألته عن الرجل يحلف على الشيء بطلاق امرأته ولا يدري أعلى حق حلف أم على باطل، مثل أن يقول إن كان لم تمطر الليلة بالإسكندرية وهو بالفسطاط فامرأته طالق أو نحو هذا. قال: قال مالك: من قال: امرأتي طالق إن لم يمطر غدا أو إلى رأس الشهر فإن امرأته تطلق عليه ساعتئذ. قال ابن القاسم: وانظر إلى جميع هذه الأشياء التي يحلف عليها مثل هذه اليمين قرب استخبارها أو بعد فإنه إذا رفع ذلك

إلى السلطان فينبغي له أن يطلق عليه ولا يؤخره إلى الاستخبار عسى أن يكون ذلك حقا، وإن وجد ذلك الشيء الذي حلف عليه حقا قبل أن يطلق السلطان عليه فليس عليه في يمينه شيء، وهذا وجه قول مالك. قال محمد بن رشد: قال: فيمن قال امرأته طالق إن لم يمطر غدا أو إلى رأس الشهر وما أشبه ذلك مما لا يدرى هل يكون أم لا يكون؟ إن الطلاق يعجل عليه ولا ينتظر به استخبار ذلك، وإن وجد ذلك حقا قبل أن يطلق عليه لم يطلق عليه، وذلك ينقسم على وجهين: أحدهما: أن يرمي بذلك مرمى الغيب ويحلف على أن ذلك لا بد أن يكون ولا يكون قطعا على ذلك من ناحية الكهانة أو التنجيم أو تقحما على الشك دون سبب من تجربة أو توسم شيء ظنه، فهذا لا اختلاف في أنه يعجل عليه الطلاق ساعة يحلف ولا ينتظر، فإن غفل عن ذلك ولم يطلق عليه حتى جاء الأمر على ما حلف عليه، فقيل: إنه يطلق عليه وهو قول المغيرة المخزومي وعيسى ابن دينار، وقيل لا يطلق عليه، وهو قول ابن القاسم هذا، والثاني: لا يرمي بذلك مرمى الغيب وإنما يحلف عليه؛ لأن ذلك غلب على ظنه عن تجربة أو شيء توسمه، فهذا يعجل عليه الطلاق ولا يستأنى به لينظر هل يكون ذلك أم لا يكون، فإن لم يطلق عليه حتى جاء الأمر على ما حلف عليه لم يطلق عليه، وهو قول عيسى بن دينار، ودليل قول ابن القاسم في سماع أبي زيد، وقد مضى هذا المعنى في نوازل أصبغ من كتاب النذور. وأما إن ألزم نفسه الطلاق إن كان ذلك أو لم يكن على غير وجه اليمين فلا يعجل عليه الطلاق إلا أن يكون مما الشك فيه قائم مثل أن يقول: امرأته طالق إن كان في بطن فلانة جارية، أو إن وضعت جارية، أو يقول لامرأته: أنت طالق إن كنت حاملا، أو إن لم تكوني حاملا وما أشبه ذلك، فهذا يختلف هل يعجل عليه الطلاق أو يستأنى به حتى يعلم حقيقة ذلك،

مسألة: الرجل يكون تحته امرأتان فيقول لإحداهما إن لم أتزوج عليك فأنت طالق

فذهب مالك إلى أنه يعجل عليه الطلاق ولا يستأنى به، وذهب ابن الماجشون وسحنون إلى أنه يستأنى به وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يكون تحته امرأتان فيقول لإحداهما إن لم أتزوج عليك فأنت طالق] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يكون تحته امرأتان فيقول لإحداهما: إن لم أتزوج عليك فأنت طالق، فطلق التي ليس فيها يمين أو صالحها، ثم أراد أن يتزوجها هل برة في يمينه؟ . قال: أما إذا طلقها البتة فهي برة لا شك، وفي الصلح أيضا تبره إلا أن يكون صالحها لتحليل يمينه وليتزوجها فتبره، فإن كان صالحها على ذلك وعمل على ذلك فلا أرى أن تبره، قلت: وكيف تبره وقد كانت يوم حلف تحته؟ ألا ترى أنه إنما أراد غيرها؟ قال: أرأيت إن كان قال لامرأته إن تزوجت عليك فأنت طالق وتحته امرأة أخرى فطلق الأخرى ثم تزوجها أيحنث؟ أم لا؟ قال: نعم يحنث، وهو القياس بعينه. قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال: إنه يبر بذلك إلا أن تكون له نية أن أراد غير من عنده. أو تكون ليمينه بساط تدل على ذلك؛ لأن يمين الحالف محمولة على ما يقتضيه اللفظ إذا عريت من النية والبساط. [مسألة: يحلف ألا يساكن رجلا هل يأتيه زائرا فيقيم عنده الأيام والليالي] مسألة وعن الرجل يحلف ألا يساكن رجلا هل يأتيه زائرا فيقيم عنده الأيام والليالي؟ . قال: هذا يختلف، أما إذا كانوا في حاضرة فلا بأس أن يزوره بالنهار ولا يكثر من ذلك، وأما المبيت فلا أرى له أن يبيت إلا أن يكون مرض فيبيت الليلة، وأما إذا كان في غير حاضرة

: قال لامرأته كل امرأة أتزوجها بعد موتك فهي طالق

فركب إليه وشخص زائرا فلا بأس أن يقيم اليوم واليومين والثلاثة ولياليهما وهو قول مالك وما أشبه. قال محمد بن رشد: زاد أصبغ في الواضحة إذا أكثر الزيارة نهارا في الحضر، وأكثر المبيت والمقام في شخوصه إليه يعني في غير الحضر حنث، وهو خلاف ما يأتي في آخر رسم إن أمكنني، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة وبيانها مستوفي في أول سماع يحيى من كتاب النذور فلا معنى لإعادته. [: قال لامرأته كل امرأة أتزوجها بعد موتك فهي طالق] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده قال فيمن قال لامرأته كل امرأة أتزوجها بعد موتك فهي طالق أو سرية أتسرر بها بعد موتك فهي حرة. قال: يتزوج بعد موتها ولا يتسرر إلا أن يشتري الجواري يملكهن ولا يطأهن؛ لأنه لو قال كل جارية أشتريها أطأها فهي حرة لزمه ذلك؛ لأنه قد أبقى من الجواري ما يملك، وليس بمنزلة الذي يقول كل جارية أو كل أنثى أملكها فهي حرة فهذا ليس عليه شيء ولا يلزمه شيء، ولو قال كل امرأة أتزوجها أطأها فهي طالق قيل له: تزوج وطأ ولا شيء عليك؛ لأنه لا يتزوج ما لا يطأ، وهو يملك ما لا يطأ، فهذا فرق ما بينهما. قال محمد بن رشد: أما قول الرجل لامرأته كل سرية أتسررها بعد موتك فهي حرة فلا إشكال في أن ذلك يلزمه، وله أن يشتري ما شاء من الجواري، فإن تسرر منهن شيئا لزمه عتق ما تسرر. وقد اختلف في التسرر ما هو؟ فقيل: إنه الوطء وإليه ذهب مالك

مسألة: قال إن وطئت فلانة لجارية لغيره أبدا فهي حرة فملكها فوطئها

وعامة أصحابه، وقيل: إنه الاتخاد للوطء، وقيل: إنه الإيلاد، فعلى القول بأنه الوطء لا يجوز له إلا ما دونه من القبل والمباشرة وشبه ذلك، وقيل: إنه يجوز له الوطء ولا ينزل، وقيل: إنه يجوز له وطئة كاملة ولا يجب عليه الحنث إلا بتمامها، وهذا على اختلافهم فيما يجوز للحالف ألا يطأ امرأته بطلاقها البتة من وطئها، وأما قوله كل جارية أشتريها أطأها فهي حرة، ففيه إشكال؛ لأنه يحتمل أن يريد بقوله أشتريها أطأها اشتريتها فأطأها بالفاء، وعلى هذا حمله ابن القاسم، ولذلك قال: إن ذلك لازم بمنزلة قوله كل سرية أتسررها فهي حرة، ويحتمل أن يريد بقوله أطأها صفة للجارية المشتراة كأنه قال: كل جارية أشتريها حلال لي وطؤها، وعلى هذا حمله سحنون قال: لا شيء عليه، يريد لأنه عموم إذ لم يبق إلا من لا يحل له وطؤها من ذوات المحارم من الرضاعة وشبههن وهن قليل، كمن قال كل جارية اشتريتها فهي حرة إلا من بنات فلان، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق إلا من بنات فلان، فاستدلال ابن القاسم بهذه المسألة على المسألة الأولى بقوله: لأنه لو قال كل جارية أشتريها فهي حرة لزمه ذلك ليس بجيد إذ لا يستدل بالأضعف على الأقوى، ولا بما اختلف فيه على ما اتفق عليه، ولا بما فيه احتمال على ما ليس فيه احتمال، وأما الذي قال كل جارية أو كل أنثى أملكها فهي حرة فلا شيء عليه كما قال؛ لأنه عموم عنده، إذ قد عم الإناث، وكذلك هو عنده إذا عم الذكور فلا يلزمه العتق فيهم، وقال ابن نافع: إن ذلك تخصيص يلزمه فيه العتق، وهو ظاهر قول أصبغ في سماعه من كتاب العتق في بعض الروايات، وكذلك لو قال كل جارية أشتريها فهي حرة لا شيء عليه، كمن قال كل جارية أملكها فهي حرة وإن كان الشراء أخص من الملك فلم يفرقوا بين ذلك في هذا الموضع وبالله التوفيق. [مسألة: قال إن وطئت فلانة لجارية لغيره أبدا فهي حرة فملكها فوطئها] مسألة قلت: أرأيت إن قال: إن وطئت فلانة لجارية لغيره أبدا فهي حرة فملكها فوطئها.

مسألة: حلف لامرأته بطلاق كل امرأة يتزوجها عليه البتة

قال: لا شيء عليه إلا أن يكون أراد إن ملكها. قال محمد بن رشد: هذا كما لو قال لامرأة أجنبية إن وطئتها فهي طالق فتزوجها ووطئها أنه لا شيء عليه إلا أن يكون أراد إن تزوجها، ومثله في المدونة، ولا اختلاف فيه عندهم؛ لأنه حملوا قوله إن وطئها على حالها التي هي عليه حتى يريد إن وطئها بعد الشراء في الأمة وبعد النكاح في الحرة مراعاة للاختلاف، إذ من أهل العلم من يقول إنه لا شيء عليه وإن قال إن تزوجتها أو اشتريتها وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لامرأته بطلاق كل امرأة يتزوجها عليه البتة] مسألة وقال فيمن حلف لامرأته بطلاق كل امرأة يتزوجها عليه البتة ثم هاج بينهما كلام فقال لها: إن لم أتزوج عليك إلى عشرة أشهر فأنت طالق البتة. قال ابن القاسم: جاءتني ونزلت فأمرته أن يصالحها ويتركها حتى يمضي عليها العشرة أشهر فيقع عليه الحنث حين يقع وليست في ملكه ولا هي له بامرأة، ثم يتزوجها بعد ذلك إن شاء وقد مضت اليمين وسقطت، قال: ولو كانت يمينه مبهمة ليس فيها أجل لكان أشد عليه وكانت اليمين ترجع عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لو ضرب ليمينه أجلا فإنما يحنث بانقضاء الأجل، فإذا صالحها قبل أن ينقضي الأجل فحل الأجل وهي ليست في عصمته سلم من وقوع الثلاث عليه فيها، وكان له أن يراجعها إن شاء، ولا يرجع عليه اليمين فيها إذ قد مضى الأجل. ولو كانت اليمين مبهمة إلى غير أجل لرجعت عليه كما قال، ولا يكره له الفرار من الحنث بهذا الفعل في هذه المسألة، إذ لو كان فيه وجه من وجوه الكراهة لما أمره به ابن القاسم. وإنما قال مالك في مسألة كتاب إرخاء الستور من المدونة: بئس ما فعل من فر من الحنث، من أجل أنه غر بغريمه إذ حلف

مسألة: حلف بالطلاق إن فلانا يتعرض لجارية فلان

له ثم فر من الحنث، إذ لو علم خلاف ذلك لقام عليه بحقه ولم ينظره به، ولو لم يفعل ما أمره به ابن القاسم من مصالحتها لوقع عليه الطلاق ثلاثا بانقضاء الأجل، وهو على انقضائه على بر، فله أن يطأ، وقد قيل ليس له أن يطأ، وهو أحد قولي ابن القاسم: فعلى هذا القول إن رفعت امرأته أمرها إلى السلطان وقد بقي من الأجل أكثر من أربعة أشهر ضرب له أجل الإيلاء، وقد مضى هذا المعنى مبينا مستوفى في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الإيلاء وغيره، وسيأتي في رسم القطعان بعد هذا القول في حكم هذه المسألة إذا كانت اليمين فيها إلى غير أجل إن شاء الله. [مسألة: حلف بالطلاق إن فلانا يتعرض لجارية فلان] مسألة وقال فيمن حلف إن فلانا يتعرض لجارية فلان: إنه إن استيقن أنه تعرض لها وسمع ذلك منه حتى لا يشك فيه فلا شيء عليه، وذلك إلى نيته، وإن كان إنما رآه يكلمها لا يدري يعرض لها أم لا فليطلق امرأته. قال محمد بن رشد: هذا إذا أتى مستفتيا، وأما إذا شهد عليه بذلك وطولب بالطلاق، فإن كان فلان ذلك ممن يليق به ذلك استحلف لقد رآه يتعرضها، وبقي مع امرأته، وإن كان ممن لا يليق به ذلك طلق عليه إلا أن يأتي بالبينة على ما حلف عليه. [مسألة: قال أنت طالق إن شاء الله] مسألة وقال فيمن قال أنت طالق إن شاء الله، أو أنت طالق إلا أن يشاء الله: إن ذلك سواء هي طالق. قال محمد بن رشد: هذا أمر لا اختلاف فيه في مذهب مالك وجميع أصحابه أن الاستثناء بمشيئة الله تعالى في الطلاق المجرد والعتق المجرد غير عامل ولا نافع؛ لأن الرجل إذا قال: امرأتي طالق إن شاء الله أو

إلا أن يشاء الله فقد قيد وقوع الطلاق عليه بذلك اللفظ وانحلال عصمة الزوجية بينهما به، بمشيئة الله، تعالى، ومشيئة الله تعالى هي إرادته، وهي صفة قديمة من صفات ذاته فعلمنا وقوع الطلاق عليه لحصول الصفة التي قيده بها وهي إرادة الله تعالى التي سبقت إرادته؛ لأن معنى قول الرجل امرأتي طالق إن شاء الله أي امرأتي طالق قد شئت ذلك إن شاء الله، أو قد أردت ذلك إن أراد الله أن أريده، ولا يريد هو ذلك ولا يشاؤه إلا وقد شاء الله وأراد أن يريد ذلك ويشاءه، إذ لا يكون شيء في ملكوت الأرض والسماء إلا بمشيئة الله تعالى، فهذا وجه قول مالك، وهو في التمثيل مثل أن يقول امرأتي طالق إن كان كذا وكذا لما قد مضى مما علمنا كونه، ويحتمل أن يكون معنى قوله امرأتي طالق إن شاء الله أي امرأتي طالق إن كان الله شرع وجوبه علي، وقد علمنا من دين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ضرورة أن الله قد شرع وجوبه عليه إذا لفظ به ونواه، فوجب أن يلزمه، ولا يحتمل استثناؤه سوى هذين الوجهين. وقد قال بعض الناس: إن الطلاق إنما يلزمه على مذهب مالك لأن مشيئة الله تعالى مجهولة لا تعلم إذ لا يمكننا استعلامها فيطلق عليه من ناحية الشك في الطلاق، وهو قول مرغوب عنه لما يقتضي من شبه مشيئة الله تعالى بمشيئة المخلوق، إذ جعل حكم قول القائل امرأتي طالق إن شاء الله كقوله امرأتي طالق إن شاء زيد، فغاب قبل أن يعلمنا بمشيئته حيث لا يمكننا استعلامها منه، وهذا مضاه لقول القدرية القائلين بحدوث إرادة الله تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. ووجه قول من خالف مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ذلك فلم ير عليه فيه طلاقا هو أنه حمل قوله امرأتين طالق إن شاء الله على أنه أراد بذلك امرأتي طالق إن شاء الله أن يلزمني الطلاق بقوله امرأتي طالق، وأنا لم أرد بذلك الطلاق، فلم يلزمه الطلاق؛ لأن الطلاق يفتقر عنده إلى لفظ ونية، وفي ذلك اختلاف، وقول مالك هو الصواب؛ لأن الكلام يتضمن إرادته الطلاق. ألا ترى أنه إذا قال امرأتي طالق إن كان كذا وكذا لما قد كان أن

مسألة: استسلف منها دينارا فقالت أدفعه لفلان يدفعه لك ويستحلفك بالطلاق

الطلاق يلزمه بإجماع، ولو تحققنا ما أراده المطلق بمشيئة الله تعالى من هذه الوجوه التي ذكرناها لارتفع الخلاف وحصل الإجماع فهذا وجه القول في هذه المسألة التي يتضح به أمرها، ويقع به الشفاء منها ويرفع الإلباس من كلام من تقدم أو تأخر فيها وبالله التوفيق. [مسألة: استسلف منها دينارا فقالت أدفعه لفلان يدفعه لك ويستحلفك بالطلاق] مسألة وقال في رجل استسلف من امرأة دينارا فقالت أنا أدفعه إلى فلان يدفعه إليك ويستحلفك فيه بالطلاق، فدفعته المرأة إلى فلان الذي سمت فدفعه ذلك الرجل إلى المستسلف واستحلفه بالطلاق ليدفعنه إليه من أجل تسميه له المرأة إلا أن يشاء الرجل المستعان المحلوف له أن يفسح له في الأجل، فغاب المحلوف له فجاء الحالف حين خاف الحنث إلى المرأة فقالت قد فسحت لك في يمينك إن كان ينفعك، ثم إن المحلوف له قدم فقال إني قد كنت أشهدت قبل أن يحل أجل هذا الدينار بيوم أن كل من كان لي قبله يمين في حق فهو في فسحة من يمينه حتى ألقاه، وكانت له أيمان على غير ذلك الرجل. قال ابن القاسم: إن أقام على ذلك شهيدي عدل أنه أشهدهم أنه قد فسح عن كل من كان له قبله يمين حتى يلقاه قبل أجل هذا الدينار بيوم أو يومين فذلك له مخرج حتى يلقاه، فإذا لقيه فإن فسح له أيضا فهو له مخرج، وإن افترقا بعد أن يلقاه ولم يفسح له ولم يقضه فهو حانث. وأما تأخير المرأة فليس بتأخير لأن الحق لغيرها وإن كان أصله لها؛ وإن لم يقم الرجل شاهدين على ما ذكر حنث هذا. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة إن الغريم الحالف لا

مسألة: حلف ألا يفعل فعلا فأكره عليه

ينتفع بتأخير المرأة، والحق لغيرها، وإن الحالف لا يبر إلا بتأخير المحلوف له معارض لما في المدونة في الرجل يحلف ليقضين رجلا حقه إلا أن يشاء أن يؤخره فيموت المحلوف له أن للورثة أن يؤخروه إن كانوا كبارا ولا دين عليه، وللوصي إن كانوا صغارا وللغرماء إن كان دينهم لا تسعه ذمة الميت وأبرؤوا الميت لأنه أجاز تأخير الغريم الحالف لكل من يستحق ما عليه بوراثة أو غيرها، فالمرأة في هذه المسألة أحق بتأخير الحالف إذ لم يزل الحق لها، والتوثق باليمين إنما كان لها. وقد قال مالك في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب النكاح في الرجل يجعل أمر امرأته في يد أبيها إن غاب عنها إلى أجل كذا، فيغيب عنها فيريد الأب أن يفرق بينهما وتحب هي الصبر على زوجها: إنه يجبر على اتباع قولها؛ لأن الحق لها، وإنما جعل بيده توثقه لها. ووجه قوله إنها لما أمرته أن يستحلفه فكأنها قد فوضت إليه ما كان لها من الحق في ذلك وأنزلته فيه منزلتها لو استحلفته هي والله أعلم. وقد مضى في رسم حلف ورسم نذر سنة من القول في بقية معناها ما فيه بيان لها، وفي سماع أبي زيد طرف منها وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يفعل فعلا فأكره عليه] مسألة وقال في رجل حلف ألا يدخل دارا سماها، فبينما هو على دابته قريب منها وواقف على بابها أقبل شيء نفرت منه دابته فاقتحمت به تلك الدار. قال ابن القاسم، إن كان يستطيع أن يملك رأسها أو يمسكها أو يثني رجليه فينزل أو يطرح نفسه من غير عنت يصيبه فلم يفعل فقد حنث، وإن كان لا يستطيع شيئا من ذلك فلا حنث عليه.

مسألة: دخلت عليه امرأته فقال هي طالق البتة إن لم أفترعها الليلة

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة في الذي يحلف ألا يفعل فعلا فأكره عليه أنه لا حنث عليه لأنه مغلوب على الدخول كما لو احتمل فأدخل أو أكره على الدخول بضرب أو عذاب أو ما أشبه ذلك مما يكون به الإكراه إكراها، وهذا ما لا اختلاف فيه، وإن كان إكراها على فعل فلا يدخله من الاختلاف ما ذكرناه في رسم حمل صبيا من الاختلاف في الإكراه على الأفعال؛ لأن هذا إكراه على فعل يقصد إلى اليمين الذي هو قول، فيتفق على أن الإكراه يكون فيه إكراها كما يكون في الأقوال، وقد مضى في رسم العرية من هذا السماع ذكر الاختلاف في الإكراه على ترك الفعل في الأيمان وفي رسم طلق من سماع ابن القاسم ورسم الأقضية الثالث من سماع أشهب ما يقوم مقام الإكراه في ذلك من الغلبة عليه، فليتأمل ذلك كله من أحب الوقوف عليه وفي مواضعه المذكورة وبالله التوفيق. [مسألة: دخلت عليه امرأته فقال هي طالق البتة إن لم أفترعها الليلة] مسألة وقال أتيت بهذه المسألة ونزلت في رجل دخلت عليه امرأته فقال هي طالق البتة إن لم أفترعها الليلة، فوطئها فإذا هي ثيب. قال لا شيء عليه، إنما أراد وهو يظن أنها عذراء. قيل أفترى إن كان حين علم أنها ثيب واستقر عنده ذلك ترك وطأها تلك الليلة فلم يطأها، أتطلق عليه؟ قال: نعم. قال أصبغ: ولو علم قبل الوطء بعد اليمين أنها ثيب فترك وطأها ليلته رأيته حانثا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن يمينه إنما وقعت على الوطء لا على افتراعها من غير وطء، ومعنى ما حلف عليه لأطأنها وطأ أفترعها به، فإذا وطئها الليلة بر وجد لها عذرة أو لم يجد، وإذا لم يطأها الليلة حنث وإن لم تكن لها عذرة. ولو حلف ليذهبن عذرتها من غير وطء لم يحنث إذا وجدها ثيبا كمسألة الحمامات من كتاب النذور من المدونة وما كان في معناها، وبالله التوفيق.

مسألة: يقول لامرأته وجهي من وجهك حرام

[مسألة: يقول لامرأته وجهي من وجهك حرام] مسألة وقال في رجل يقول لامرأته وجهي من وجهك حرام إنها البتة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة والقول فيها في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب التخيير والتمليك، ومضى في آخر سماع أشهب من هذا الكتاب القول فيما هو في معناها فأغنى ذلك عن إعادته هنا وبالله التوفيق. [: أتاه غريمه فسأله أن يقضيه فقال امرأته طالق إن قضاه اليوم] ومن كتاب بع ولا نقصان عليك وسئل عن رجل أتى إلى غريم له عليه عشرة دنانير فسأله أن يقضيه، فقال امرأته طالق إن قضاه اليوم شيئا فلظ به صاحب الحق فأتى به الحالف إلى رجل له عليه عشرة دنانير، فقال العشرة دنانير التي لي عليك أقضها فلانا فأحاله عليه ولم يقضه شيئا الذي أحاله عليه ذلك اليوم. قال هو حانث لأن الحول قضاء قلت: ولا يدين؟ ، قال: لا يدين. قلت فلو كان أحاله عليه فقال له في موقفه إني نسيت أن علي يمينا ألا أقضيه اليوم فلا تقضه؟ قال: هو حانث ولا يقال. قال محمد بن رشد: هذا على ما قال لأن الحول من باب القضاء؛ لأن الغريم إذا تحول إلى ذمة المحال عليه فقد باع ذمة غريمه بذمة الذي أحال عليه، فصار بمنزلة من قبض في حقه قرضا ووجب أن يحنث الحالف بمنزلة من حلف ألا يقضي رجلا حقه فأعطاه به عرضا، وسواء أحاله على دين حال أو مؤجل لا يحل إلا بعد الأجل الذي حلف ألا يقضيه إليه فلا

مسألة: يقول قد طلقت امرأتي أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده

دليل له. في قوله: ثم قال في موضعه بعد أن أحاله لا تقضه اليوم، إنه لو قال له ذلك قبل أن يحيله لم يحنث لما ذكرناه من أن الإحالة كيف ما كانت هي من باب القضاء فحنث الحالف ألا يقضي بها. ولو حلف أن يقضيه لما بر بها. وقد مضى ذلك في آخر رسم حمل صبيا وبالله التوفيق. [مسألة: يقول قد طلقت امرأتي أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده] مسألة وقال في رجل توسوسه نفسه فيقول قد طلقت امرأتي أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده أو يشككه. فقال يضرب عن ذلك ويقول للخبيث صدقت ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة أن الموسوس لا يلزمه طلاق، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن ذلك إنما هو من الشيطان فينبغي أن يلهى عنه ولا يلتفت إليه كالمستنكح في الوضوء والصلاة، فإنه إذا فعل ذلك أيأس الشيطان منه، فكان ذلك سببا لانقطاعه عنه إن شاء الله. [مسألة: افتقد بضاعة فاتهم امرأته فأنكرت فقال أنت طالق إن كان أخذها غيرك] مسألة وقال في رجل افتقد بضاعة من بيته فاتهم امرأته فقال أين البضاعة؟ فقالت ما أدري، فقال لها أنت طالق إن لم تأتني بها بعينها، ثم وجدها في مكان جعلها فيه. قال: هي طالق. ولقد سئل مالك عن رجل افتقد بضاعة من بيته فاتهم امرأته فأنكرت فقال أنت طالق إن كان أخذها غيرك، ثم ذكر أنه نسي الموضع الذي جعلها فيه فوجدها، قال: هو حانث لأنه حين قال أنت طالق إن كان أخذها غيرك إنما

مسألة: غراب طائر فقال امرأته طالق البتة إن لم يكن هذا الغراب ذكرا

أراد أنها عندك وأنت أخذتها، قال: ولقد كان بيني وبين ابن دينار كلام، وكان يرى أنه لا حنث عليه لأنه إنما قال إن كان أخذها غيرك فلم تأخذها هي ولا غيرها، قال فدخلنا على مالك فقال: قد حنث. قال محمد بن رشد: يجب في مسألة البضاعة قياس المسألة التي ساق عليها أن لو أتت بالبضاعة من الموضع الذي رفعها هو فيه أن يحنث؛ لأنه عقد يمينه على أنها أخذتها، وكأنه حلف إنما أخذتها وكأنه حلف إن ما أخذها غيرها كما في المسألة التي ساق عليها، فحمل ابن القاسم يمينه على المراد دون اللفظ كما يفعل في أكثر المسائل، وحنثه إذ لم يراع المقصد خلاف قول ابن دينار. وقد مضى من قول ابن القاسم في رسم طلق من سماع ابن القاسم في مسألة السوط مثل قول ابن دينار هذا، وقد مضى القول على ذلك كله هناك مستوفى فمن أحب الوقوف عليه تأمله فيه وبالله التوفيق. [مسألة: غراب طائر فقال امرأته طالق البتة إن لم يكن هذا الغراب ذكرا] مسألة وقال في رجل قال في غراب طائر امرأته طالق البتة إن لم يكن هذا الغراب ذكرا فذهب الغراب عنهم. قال: إن زعم أنه قد عرف الذكر نوي ولا شيء عليه، وإن قال إنما قلته هكذا ولا أدري، حنث. قال محمد بن رشد: روي عن سحنون أنه قال: لا موضع للنية هاهنا، إنما هو رجل حلف على ما أيقن فهو مصدق، ويريد سحنون أنه مصدق دون يمين، فكأنه تأول على ابن القاسم أنه أراد بقوله نوي ولا شيء عليه أي نوي مع يمينه وإلا طلق عليه، وهذا الاختلاف إنما يتجه إذا

مسألة: قال امرأته طالق إن لم يتزوج امرأة يمسكها سنة

طولب باليمين وهو مقر بها أو مشهود عليه بها، وأما إن أتى مستفتيا غير مطلوب فلا يمين عليه بحال إذا زعم أنه علم أنه ذكر، وإن قال حلفت ولم أتحقق ذلك حنث ووجب عليه الطلاق، ولا اختلاف في هذا. وقد مضى في رسم يوصي ما يوضح هذا ويبينه وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق إن لم يتزوج امرأة يمسكها سنة] ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس مسألة قال: وقال مالك: إذا قال الرجل امرأته طالق إن لم يتزوج امرأة يمسكها سنة فتزوج امرأة فأمسكها أحد عشر شهرا، ثم ماتت قال: يتزوج امرأة ويحبسها سنة مبتدأة، وسئل عنها سحنون فقال: لا يلزمه أن يحبسها إلا ما بقي من تمام السنة. قال محمد بن رشد: حمل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يمين الحالف في هذه المسألة على ما يقتضيها لفظه فيها فلم ير أن يبر إلا بأن يمسك على امرأته سنة كاملة امرأة واحدة، وحمل سحنون يمينه على [المعنى] وهو أنه قصد التضييق عليها بحبس امرأة معها سنة كاملة، فلا فرق في معنى التضييق عليها بذلك بين أن تكون امرأة واحدة أو امرأتين، بل ربما كان [أشد] في التضييق على امرأته بالمرأتين لما يكره النساء من ذلك، وما ذهب إليه مالك من الاعتبار في هذه المسألة بمقتضى اللفظ وترك مراعاة المعنى أظهر لأنه أحوط وأبرأ من الحنث وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن لم أتزوج عليك إلى سنة فتزوج قبل تمامها] مسألة قال عيسى: وسئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم

مسألة: رجل كان له ربيب يأتي إلى بيته بخبز فقال له رابه أمك طالق إن أنت جئت إلي بيتي بخبز

أتزوج عليك إلى سنة فتزوج قبل تمام السنة فماتت قبل أن يدخل بها. قال: إن ماتت قبل السنة ولم يدخل بها فليتزوج أخرى قبل السنة وليدخل بها، وإن مضت السنة ولم يدخل بالمرأة كانت التي تزوج حية أو ميتة فهو حانث ولا يبر إلا بالمسيس، ولو تزوج امرأة قبل السنة فمسها ثم ماتت قبل السنة كان قد بر في يمينه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم في أن البر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وأن الحنث يقع بأقل الوجوه، فمن حلف ليتزوجن على امرأته أو ليتزوجن عليها إلى أجل كذا لا يبر إلا بأكمل الوجوه وهو الدخول، ومن حلف ألا يتزوج على امرأته أولا يتزوج عليها إلى أجل كذا يحنث بالعقد وإن لم يدخل، وقد مضى في رسم العرية الفرق بين الموضعين وهو أن الرجل أملك لترك الفعل منه لفعله فإذا حلف الرجل أن يفعل فعلا حنث بترك ما يترك منه، وإذا حلف ألا يفعل فعلا حنث بفعل ما يفعل منه إذ لم يتركه فالحالف ألا يتزوج حالف ألا يتزوج ولا يدخل، فإن تزوج ولم يدخل حنث إذ لم يترك ذلك، والحالف أن يتزوج حالف أن يتزوج وأن يدخل فإن تزوج ولم يدخل لحنث، إذ ترك ذلك إلا أن يكون موضع البر لم يفته بعد، فيبر بالدخول، وعلى هذا فقس ما ورد عليك من هذا الباب، ولهذا المعنى كان ما حرمه الله بالنكاح كزوجة الأب على الابن وزوجة الابن على الأب تحرم بالعقد، وما أحله به كالمطلقة ثلاثا لا تحل إلا بالدخول وبالله التوفيق. [مسألة: رجل كان له ربيب يأتي إلى بيته بخبز فقال له رابه أمك طالق إن أنت جئت إلي بيتي بخبز] مسألة وعن رجل كان له ربيب يأتي إلى بيته بخبز فقال له رابه: أمك طالق إن أنت جئت إلي بيتي بخبز ووجدته لأطرحنه في الخربة، فدخل عليه الغلام وهو جالس ومعه خبز فوضعه على

مسألة: حلف سيد الجارية بطلاق امرأته البتة إن لم يبعها إياه بمائة دينار قائمة

سريره وهو ينظر، فسخبت له أمه فخرج بالخبز. قال إن كان يقدر أن يأخذ الخبز فتوانى فأراه حانثا، وإن كان فاته هربا ولو أراد أخذه لم يقدر عليه فلا حنث عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم لا اختلاف في أن من حلف ألا يفعل فعلا فلم يمكنه فعله حتى فات فواتا لا يمكنه البر فيه بعدم الإمكان فلا حنث عليه كمسألة الحمامات من نذور المدونة، ومن حلف ليضربن عبده فمات قبل أن يمكنه أن يضربه، وما أشبه ذلك، وإنما اختلف إذا لم يمكنه الفعل لمنع المشرع منه، وقد مضى هذا المعنى مشروحا مبينا في رسم طلق من سماع ابن القاسم وفي غيره من المواضع، ومعنى سخبت به أمه صاحت؛ لأن السخب ارتفاع الأصوات وهو يكتب بالصاد والسين، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف سيد الجارية بطلاق امرأته البتة إن لم يبعها إياه بمائة دينار قائمة] مسألة وكتب إلى ابن القاسم وسئل عن رجل كان قاعدا هو ورجل آخر حتى أقبلت جارية للرجل فقال له عبد الله وهو الجالس مع صاحب الجارية هذه جاريتك؟ قال: نعم، قال أتبيعنيها بمائة دينار؟ فقال الرجل سيد الجارية: أتأخذها بمائة دينار؟ قال عبد الله نعم أنا آخذها بمائة دينار، فقال الرجل سيد الجارية يمينك في يميني أن تأخذها بمائة دينار، قال عبد الله: نعم، فحلف سيد الجارية بطلاق امرأته البتة إن لم يبعها إياه بمائة دينار قائمة، فنهض عبد الله وفارق سيد الجارية فغاب عنه قدر أربعة أيام، ثم قدم على صاحب الجارية فأرسل إليه رجالا يسألونه أن يأخذها بمائة دينار ثم يقيله منها، فقال لهم سيد الجارية إن كان هذا الأمر لا يدخل علي ولا على صاحبي أمرا أكرهه فأنا فاعل، وكان من قول الرجلين اللذين أتيا سيد الجارية إن عبد الله يكسو الجارية

بدينارين ويقيله منها، فقال لهم سيد الجارية: نعم أنا فاعل إن كان هذا الأمر لا يدخل علي فيه مكروه، فدفعوا إلى سيد الجارية الدينارين ثم ذهبوا فأتوا بعبد الله ومعه مائة دينار، فقال له خذ ثمن جاريتك، فقال له سيد الجارية (دنانيرك قائمة قال له عبد الله: نعم فعد له مائة دينار حتى صارت في يدي صاحب الجارية فطلب إلى سيد الجارية) النفر الذين جاؤوا معه فرد الرجل المال إلى عبد الله مكانه ثم مر بذلك أيام فأخذ سيد الجارية الدينارين اللذين دفعهما إليه فوزنهما فإذا هما ناقصان، فأتى بهما إلى الرجلين اللذين طلبا لعبد الله، فقال: إن هذين الدينارين ناقصان، فقالوا له: هما بوزن المائة التي دفعت إليك، فقال الرجل كيف يقول عبد الله إنها قائمة كلها، وإنما خشي الرجل أن يكون دخل عليه بذلك في يمينه شيء لأنه يرى أن قبضه تلك المائة هو حقه ومبايعته صحيحة، فأحببنا علم رأيك. فقال ابن القاسم: قد فهمت كتابك. أما البائع فليس عليه من الحنث قليل ولا كثير، باعها بالثمن أو بأقل إذا أمكن المشتري من الجارية بالمائة التي حلف عليها ولم يحلف على ألا ينقصه إنما حلف على أن يعطيها إياه بمائة دينار، ولو أعطاه إياها بتسعين دينارا ما كان حانثا، وإنما يحنث لو لم يبعها إياه بالمائة ولم يمكنه منها حتى تزداد على المائة، ولم يحلف على ألا ينقصه من المائة، إنما حلف أن يمكنه منها بمائة، وإنما الحنث على المشتري فيما دخل فيه وأرى الحنث قد لزمه، والبائع فلا حنث عليه.

مسألة: قال لغريمه امرأته طالق إن لم يوفه حقه في شعبان ورمضان

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة واضحة لا إشكال فيها ولا احتمال في شيء من معانيها؛ لأن صاحب الجارية إنما حلف ليبيعنها بمائة دينار قائمة، فمعنى يمينه إن شاء الله أن يأخذها، فإذا أمكنه منها بالمائة فقد بر ذ لم يحلف عليه أن يشتريها منه بالمائة، والمشتري حانث لأنه حلف أن يشتريها بالمائة إن أمكنه صاحبها منها بالمائة ثم لم يشترها إذ لم يأخذها بالمائة إلا على شرط أن يقيله منها، وهذا بين وبالله التوفيق. [مسألة: قال لغريمه امرأته طالق إن لم يوفه حقه في شعبان ورمضان] مسألة وسئل عن رجل قال لغريمه امرأته طالق إن لم يوفه حقه في شعبان ورمضان. قال إن قضاه في شعبان الحق كله أو بعضه وقضاه بقيته في رمضان فلا حنث عليه، وإن لم يقضه في شعبان شيئا وقضاه جميع الحق في رمضان فهو حانث، وكان أحب إلي أن لو قضاه نصف الحق في شعبان ونصفه في رمضان، ولكن لا حنث عليه إذا قضاه ثلثا أو ربعا أو بعضه في شعبان وقضاه بقيته في رمضان، وأما إذا قضاه جميع الحق في شعبان فلا حنث عليه. قال محمد بن رشد: لا إشكال في أنه إذا قضاه جميع الحق في شعبان أو قضاه منه في شعبان الثلث فما فوق وقضاه بقيته في رمضان فقد بر ولا حنث عليه؛ لأن الثلث آخر حد اليسير وأول حد الكثير، وأما إذا لم يقضه منه في شعبان إلا يسيرا لا قدر له ولا بال فهو حانث وقوله في الرواية ثلثا أو ربعا أو بعضه يدل على أنه يبر إذا قضاه منه في شعبان أقل من الربع وهو الخمس ونحوه. ومعنى ذلك عندي في المال الكثير الذي يكون الخمس منه ونحوه له قدر وبال استحسانا أيضا على غير قياس، وأما إن

مسألة: قال لامرأته أنت طالق اليوم إن دخل فلان غدا الحمام

كان المال يسيرا فلا يبر إلا أن يقضيه في شعبان الثلث فأكثر، والقياس أن يكون المال القليل والكثير في ذلك سواء لا يبر إلا أن يقضيه منه في شعبان الثلث فأكثر؛ لأنه إذا ثبت الفرق في ذلك بين القليل والكثير ووجب الفصل بينهما لم يوجد في ذلك حد يصار إليه إلا الثلث الذي قام الدليل من كتاب الله وسنة نبيه على أنه آخر حد اليسير وأول حد الكثير، وقد قالوا في الرجل يحلف ليرضين رجلا من حقه أنه يبر بأن يقضيه ثلث حقه فأكثر حسب ما مضى القول فيه في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النذور، وهذا من معناها؛ لأن الحالف لما علم أن صاحب الحق لا يرضى منه أن يقضيه حقه حلف ليقضينه إياه في شعبان فوجب ألا يبر إلا بأن يقضيه منه في شعبان ثلثه وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق اليوم إن دخل فلان غدا الحمام] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق اليوم إن دخل فلان غدا الحمام. قال: لا يطلق عليه حتى يدخل، قال ويمسها. قال محمد بن رشد: هذا كلام فيه تجوز، وقد وقع مثله في كتاب الظهار من المدونة في باب الظهار إلى أجل، فليس على ظاهره؛ لأن فيه تقديما وتأخيرا، ومعناه على الحقيقة دون تقديم وتأخير: وسئل عن رجل قال اليوم لامرأته أنت طالق إن دخل فلان غدا الحمام، فهذا صواب الكلام وعليه أتى الجواب لأنه قال لا يطلق عليه حتى يدخل. وقوله قال ويمسها يريد فيما بينه وبين غد، وهو صحيح لأنها يمين بالطلاق هو فيها على بر، فلا اختلاف في أن له أن يطأ إلى الأجل وبالله التوفيق. [مسألة: يقول إن أكلت من طعام أخي فامرأته طالق فيصحبه في سفر فيشتريان طعاما] مسألة وسئل عن الرجل يقول إن أكلت من طعام أخي فامرأته

مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يستخدم عبد فلان وعتق العبد فاستخدمه

طالق، فيصحبه في سفر فيتمازجان فيشتريان طعاما فيكون طعامهما واحدا. قال ابن القاسم أحب إلي ألا يفعل، قيل قد فعل، قال فإن كان لم يتفضله في النفقة وكانت النفقة بينهما سواء فلا حنث عليه، وإن تفضله بالنفقة فقد حنث. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم أوله يدير ماله من سماع عيسى من كتاب النذور، فمن أحب الوقوف على ذلك تأمله وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يستخدم عبد فلان وعتق العبد فاستخدمه] مسألة وسئل عن رجل حلف بطلاق امرأته ألا يستخدم عبد فلان وعتق العبد فاستخدمه، قال إن كانت له نية ما دام في ملكه فلا حنث عليه وينوى وإن لم تكن له نية فهو حانث. قال محمد بن رشد: رأيي في هذه الرواية أن العبد يتعين بإضافته إلى سيده إذ قال عبد فلان وإن لم يسم العبد باسمه ولا أشار إليه فقال إنه يحنث إن استخدمه بعد العتق إلا أن ينوي ما دام في ملكه، ومثله يأتي في رسم الرهون من هذا السماع خلاف ما في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى في مسألة الجنان، وخلاف ما في كتاب النذور من المدونة من أن ذلك لا يتعين إلا بالتسمية له أو الإشارة إليه وكذلك إذا قال الرجل للكري أكتري منك دابتك وليس له إلا دابة واحدة فتتعين على هذا القول، ولا تتعين على القول الأول إلا أن يقول دابتك هذه أو دابتك الفلانية. وأما إذا كانت لرجل دواب كثيرة أو عبيد كثيرة فلا اختلاف في أنه لا يتعين منهم شيء إلا بتسمية أو إشارة إليه، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف أن يطأ امرأته فوطئها وهي حائض

[مسألة: حلف أن يطأ امرأته فوطئها وهي حائض] مسألة قال ومن حلف أن يطأ امرأته فوطئها وهي حائض أو في يوم رمضان نهارا فلا يبر، ومن حلف ألا يطأها فوطئها وهي حائض أو نهارا في رمضان فقد حنث. قال محمد بن رشد: تفرقته في هذه المسألة بين البر والحنث ليس بجيد؛ لأن ذلك إنما يفترق في معنى الخصوص والعموم حسب ما مضى القول فيه في أول هذا الرسم. وقد ذكر ابن المواز عن ابن القاسم أنه تزول يمينه عنه بذلك الوطء ويأثم ولا حنث عليه، وهذا هو الصواب أن يبر بهذا الوطء كما يحنث به، أو ألا يحنث به كما لا يبر به، فمن حمل يمينه على مقتضى اللفظ رأى أنه يحنث به إذا حلف ألا يفعل ويبر به إذا حلف ليفعلن؛ لأنه وطأ في كلا الحالتين على الحقيقة، وإن كان الشرع قد حظر أحدهما. ومن حمل يمينه على الوطء الحلال لأنه رأى أن ذلك هو مقصد الحالف بيمينه لم ير الحنث بالوطء في الحيض إذا حلف ألا يطأ، ولا أن يبر به إذا حلف ليطأن وبالله التوفيق. [حلف لرجل فقال امرأته طالق البتة إن لم أقضك حقك غدا يوم الجمعة وهو يظن أنه الجمعة] ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب وقال في رجل حلف لرجل فقال امرأته طالق البتة إن لم أقضك حقك غدا يوم الجمعة وهو يظن أنه الجمعة فإذا هو الخميس، قال إن لم يقضه ذلك يوم الخميس حنث لأن يمينه كانت على الخميس حين قال غدا، فكانت يمينه على غد، قيل له فإن قال يوم الجمعة غدا فإذا هو الخميس فقال: هذا ضلال أهل العراق يقولون إذا قدم أو أخر؟ ورأى ابن القاسم ذلك كله واحدا؛ لأن يمينه على غد حين سمى غدا. وقاله أصبغ وقال هو أحب ما سمعت إلي، وهو رأيي إلا أن يستثني إن كان غدا الجمعة استثنى تحرك به لسانه ويسمع نفسه فأراه ينفعه.

مسألة: حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا أبدا فوهبه له

قال محمد بن رشد: قوله ورأى ابن القاسم ذلك كله واحدا يدل على أن الجواب المتقدم لمالك، يدل على ذلك أيضا قوله: هذا ضلال أهل العراق، ولأنه يعرف من مذهبه الطعن عليهم، وأما ابن القاسم فكثير ما يميل إلى مذاهبهم في مسائله ويراعي أقوالهم فيها، وقوله في هذه المسألة صحيح على أصل مذهبه في ترك الاعتبار بمجرد الألفاظ في الأيمان إذا ثبتت المعاني المقصودة بها وعدمت من النيات؛ لأن المعلوم من قصد الحالف ليقضين أو ألا يقضي تعجيل القضاء أو تأخيره لا تسمية اليوم، فإذا قال الرجل امرأتي طالق إن لم أقضك حقك غدا أو بعد غد يوم كذا أو يوم كذا غدا أو بعد غد فإنما تحمل يمينه على غد إن كان ذكر غدا أو على بعد غد إن كان ذكر بعد غد، ولا يلتفت لتسمية إياه بيوم كذا أصاب في ذلك أو أخطأ فيه، إلا أن يريد اليوم الذي يسمى بذلك الاسم ويأتي مستفتيا فينوى في ذلك، وأما مع قيام البينة عليه فلا تقبل منه النية ولا يصدق فيها، وهو قول أصبغ ألا أن يستثني إن كان غدا الجمعة استثناء يحرك به لسانه ويسمع نفسه فأراه ينفعه، يريد فيما بينه وبين الله، وأما في الحكم فلا إلا أن يشهد على ذلك من استثنائه، وقول أهل العراق في تفرقتهم بين أن تقول غدا يوم الجمعة ويوم الجمعة غدا هو صحيح على أصولهم في الاعتبار بما يقتضيه مجرد الألفاظ دون مراعاة المعاني والمقاصد؛ لأنه إذا حلف ليقضينه حقه غدا يوم الجمعة فاليمين إنما وقعت في مقتضى اللسان على القضاء غدا، ووصفه لغو في يمينه بأنه يوم الجمعة غلط منه فلا يلتفت إليه، وإذا حلف ليقضينه حقه يوم الجمعة غدا فاليمين إنما وقعت في مقتضى اللسان على القضاء يوم الجمعة، ووصفة ليوم الجمعة في يمينه بأنه غذ غلط، فلا يلتفت إليه، فهذا وجه القول في هذه المسألة والله أعلم. [مسألة: حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا أبدا فوهبه له] مسألة وسئل عن رجل حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا أبدا فوهبه له.

مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن قبلتني فتستغفله وتقبله

قال إن كان رأى ألا ينفعه هو حانث، وإن لم يكن أراد المنفعة فالهبة غير العارية فلا أرى عليه شيئا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تكررت في رسم يدير ماله من هذا السماع من كتاب النذور، ومضى القول عليها هناك مستوفى فليتأهله من أحب الوقوف عليه وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن قبلتني فتستغفله وتقبله] مسألة وقال: من قال لامرأته أنت طالق إن قبلتني فتستغفله وتقبله أنه حانث إلا أن يكون قال إن قبلتك فتستغفله فتقبله فلا حنث عليه، وكذلك إن قال إن فارقتني أو فارقتك أو تركتني أو تركتك فتنتزع منه بشدة أو بسرعة أو بفك يده فتهرب منه، المسألة الأولى سواء، وكذلك ضاجعتني وكذلك إن قال إن دخلت عنده الدار فيوثق حتى يدخلها فلا شيء عليه، كأنه يقول يحنث في أحدهما ولا يحنث في الأخرى، والحنث في الذي يقول إن فعلت، والبر في الذي يقول إن فعلت فتستغفله حتى تفعل ذلك أو يكره عليه. قال محمد بن رشد: ساوى في هذه الرواية بين أن يقول إن قبلتني أو قبلتك أو تركتني أو تركتك أو فارقتني أو فارقتك أو ضاجعتني أو ضاجعتك وقال إنه إذا قال إن قبلتك أو تركتك أو فارقتك أو ضاجعتك فقبلته هي أو تركته أو فارقته أو ضاجعته ولم يفعل هو بها شيئا من ذاك بل غلبته عليه بقبلة أو قهرة أو ما أشبه ذلك أنه لا حنث عليه، وهو صحيح وان كانت المفارقة والمضاجعة مفاعلة من الحالف والمحلوف عليه، والتقبيل والترك فعل من الحالف وحده لأن المفاعلة من غير المفاعلة إنما تفترق فيما يقتضيه اللفظ في حكم اللسان، لا فيما يقع به الحنث مما لا

مسألة: حلف بالله أو بالطلاق أو غيره أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل شيئا

يقع في حكم الشرع، وذلك أن الذي يحلف ألا يضاجع امرأته لا يحنث على ما يقتضيه اللسان إلا بتضاجعهما معا، ولا يحنث إن ضاجع أحدهما صاحبه الآخر ولم يضاجعه الآخر وفي حكم الشرع يحنث إذا ضاجع امرأته ولم تضاجعه كما يحنث إذا ضاجعها وضاجعته؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، ولا يحنث إذا ضاجعته ولم يضاجعها إذ لم يكن منه شيء يحنث به، فلما كان يحنث بمضاجعته إياها ضاجعته هي أو لم تضاجعه ولا يحنث بمضاجعتها إياه إذا لم يضاجعها هو صار حلفه ألا يضاجع امرأته بمنزلة حلفه ألا يضطجع إلى جنبها وألا يقبلها وألا يتركها، وكذلك القول في المفارقة كالقول في المضاجعة وفرق في المدونة بين الذي يحلف ألا يضاجع امرأته وألا يفارق غريمه من جهة المعنى لا من جهة افتراق اللفظ؛ لأن المضاجعة مفاعلة كالمفارقة فقال في الذي يحلف ألا يضاجع امرأته إنه لا يحنث إن ضاجعته ولم يضاجعها مثل قوله هاهنا، وقال في الذي يحلف ألا يفارق غريمه فهرب وفر منه إنه حانث إلا أن ينوي غلبته إياه؛ لأنه إذا فر عنه وهو قادر على منعه فقد فارقه، وكذلك أيضا لو ضاجعته امرأته وهو قادر على منعها لكان قد ضاجعها ولزمه الحنث، فتفرقته في المدونة بين المفارقة والمضاجعة إنما هو لافتراق المعنى عنده في قصد الحالف فحمله في المفارقة على أنه إنما أراد أن يمنعه من مفارقته إياه فرآه حانثا إذا فارقه إلا أن ينوي أنه إنما فارقه بغلبته إياه على ذلك، وحمله في المضاجعة على ما يقتضيه اللفظ فلم يره حانثا إذا ضاجعته إلا أن يكون تراخى لها في مضاجعتها إياه حتى أمكنها من ذلك والله أعلم. [مسألة: حلف بالله أو بالطلاق أو غيره أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل شيئا] مسألة وقال في الرجل يحلف بالله أو بالطلاق أو غيره أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل شيئا: إنه لا شيء عليه.

مسألة: حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها إلا كفؤا

قال محمد بن رشد: إنه إنما قال إنه لا شيء عليه لأن الأكل ناسيا لا يخرجه عن أن يكون صائما، بخلاف ما لو أصبح مفطرا ناسيا، وقد قال ابن دحون: إنها مسألة حائلة، والحنث يلزمه على أصولهم فيمن حلف ألا يفعل شيئا ففعله ناسيا، وليس ذلك بصحيح؛ لأن أكثر أهل العلم لا يوجبون القضاء على من أفطر في رمضان ناسيا للحديث الوارد في ذلك، وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في سماع عيسى من كتاب الصيام ومن كتاب النذور وتأتي في سماع أبي زيد من هذا الكتاب. [مسألة: حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها إلا كفؤا] مسألة وقال في رجل حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها إلا كفؤا، فاشترى جارية فاعتقها ثم تزوجها وهو ناس ليمينه وهو في نيته من الموالي: إنه إن كان أراد الكفؤ في الحسب ولم يرد الكفؤ في الدين فهو حانث لأن مولى الرجل الذي يعتق ليس كفؤا. قال محمد بن رشد: هذا بين أنه إن أراد الكفؤ في الحسب، ولم يرد الكفؤ في الدين أنه حانث وإن أراد الكفؤ في الدين فلا حنث عليه إن كانت كفؤا له في الدين، وإن لم تكن له نية ولا كان ليمينه بساط تحمل عليه لوجب أن تحمل يمينه على الكفاءة في الدين لقول الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، وهو قول عمر بن الخطاب: كرم المؤمن تقواه ودينه حسبه، وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الإنسان مؤمن تقي أو فاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب» ، وقال: «ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح» . وروي «أن أبا الدرداء توفي له أخ من أبيه وترك أخا له

مسألة: يقول لامرأته إذا قدم أبي فأنت طالق

من أمه. . فنكح امرأته فغضب حين سمع ذلك، وأقبل إليها فوقف عليها وقال: أنكحت ابن الأمة؟ فردد ذلك عليها، فقالت: أصلحك الله إنه كان أخ زوجي، وكان أحق بي وبمصابي وولده، فسمع بذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقبل إليه حتى وقف عليه، ثم ضرب على منكبيه فقال: يا أبا الدرداء يا ابن ماء السماء، طف الصاع، طف الصاع، طف الصاع» ، وطفاف الصاع هو نقصانه على أن يمتلئ، فأعلم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتساويه معه ومع الناس في النقصان بقوله طف الصاع طف الصاع وأن يتباينوا بالنقصان بقدر أعمالهم المحمودة إذ لا يدرك أحد بنفسه درجة الكمال. [مسألة: يقول لامرأته إذا قدم أبي فأنت طالق] مسألة قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال للذي يقول لامرأته: إذا قدم أبي فأنت طالق إنه لا شيء عليه حتى يقدم أبوه. قال القاضي: هو صحيح. ومثله في المدونة وغيرها لا اختلاف في ذلك لأنه مطلق إلى أجل قد يكون وقد لا يكون وليس الأغلب منه أن يكون ومثله في إلا أن يكون، ولو كان الأغلب منه أن يكون لعجل عليه الطلاق عند ابن القاسم خلافا لأشهب، ولو كان لا بد أن يكون قبل انقضاء ما يعمران إليه لعجل عليه الطلاق بإجماع في المذهب، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إذا قدمت بلد كذا فأنت طالق] مسألة قال ابن القاسم ولو أن رجلا قال لامرأته إذا قدمت بلد كذا

مسألة: طلق إلى أجل يعلم أنه لا يبلغه عمر أحد

فأنت طالق كانت بمنزلته لأنه ضرب أجلا لا يدري أيبلغه أم لا، وليس هو بمنزلة من يقول أنت طالق يوم يموت أبي. قال محمد بن رشد: في أول سماع زونان عن ابن القاسم في رجل قال لامرأته إذا بلغت معي موضع كذا فأنت طالق. فال: هي طالق تلك الساعة، كالرجل يقول لامرأته وهي حامل إذا وضعت فأنت طالق، فذهب ابن لبابة إلى أن ذلك ليس باختلاف من قوله، وأن معنى رواية عيسى إذا لم يخرج ولا عزم على المسير. ومعنى رواية زونان إذا كان قدا خرج وعزم على المسير. والصواب أن ذلك اختلاف من قوله؛ لأن في المدونة عنه من رواية عيسى أنه لا يقع عليه الطلاق وإن خرج متوجها حتى يقدم الموضع، وله في رسم يدير ما له من سماع عيسى من كتاب العتق في الذي يقول لعبده: إذا بلغت الإسكندرية فأنت حر ثم بدا له في الخروج، أنه حر إلى ذلك القدر الذي يبلغ خرج أم لم يخرج، فعلى هذا يعجل عليه الطلاق وإن لم يخرج. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يعجل عليه الطلاق وإن لم يخرج، وهو ظاهر ابن القاسم في سماع زونان، والذي يأتي على ما في سماع عيسى من كتاب العتق، والثاني أنه لا شيء عليه حتى يقدم البلد وإن خرج، وهو قول ابن القاسم في المدونة وظاهر قوله في هذه الرواية، والثالث الفرق بين أن يكون قال ذلك قبل أن يخرج أو بعد أن خرج وروى ذلك زياد بن جعفر عن مالك في المدنية وهو الذي ذهب إليه ابن لبابه وبالله التوفيق. [مسألة: طلق إلى أجل يعلم أنه لا يبلغه عمر أحد] مسألة قال ابن القاسم: ومن طلق إلى أجل يعلم أنه لا يبلغه عمر أحد مثل أن يقول مائة سنة أو مائتي سنة فهذا لا شيء فيه ولا طلاق عليه.

مسألة: يقول كل امرأة أتزوجها بالمدينة طالق

قال محمد بن رشد: هذا صحيح مثل ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف في ذلك، والحد في ذلك بلوغ أجل التعمير على الاختلاف فيه من السبعين إلى مائة وعشرين وبالله التوفيق. [مسألة: يقول كل امرأة أتزوجها بالمدينة طالق] مسألة وقال في الذي يقول كل امرأة أتزوجها بالمدينة طالق قال لا بأس أن يواعدها إذا تزوجها بغير المدينة وعقد نكاحها بغيرها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن المواعدة ليست بعقد فإذا واعدها بالمدينة وعقد نكاحها بغيرها لم يلزمه شيء، ولا يدخل في هذا الاختلاف فيمن واعد في العدة وتزوج بعد العدة إذ لا يقوى قوته؛ لأن النكاح في العدة محرم بالقرآن والإجماع، والمواعدة فيها مكروهة لنهي الله تعالى، وحلف الرجل بطلاق ما يتزوج وإن خص مختلف في لزومه بين أهل العلم، وقد مضى في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب الاختلاف في حد ما يلزمه، أن يتباعد من المدينة إذا أراد عقد نكاحها فلا معنى لإعادة ذكره، وبالله التوفيق. [مسألة: قال كل امرأة أتزوجها اثني عشر شهرا فهي طالق] مسألة وقال في رجل قال كل امرأة أتزوجها اثني عشر شهرا فهي طالق فتزوج امرأة ثم قال لها إن طلقتك إلى كذا وكذا فكل مملوك لي حر، فشهد شاهدان على أصل يمينه، قال: لا عتق عليه في رقيقه لأنها طالق من أول ما تزوجها ولم [يبتدئ] لها طلاقا. قال محمد بن رشد: هذا بين لا إشكال فيه أنه لا يلزمه في عبيده

مسألة: يقول لامرأته أنت طالق بعد أن أموت أو تموت

شيء؛ لأنه إنما حلف بطلاقها فيما يستقبل، وهي مطلقة من أول ما تزوجها بائنة منه؛ لأن الطلاق يقع عليها بالعقد، فهي مطلقة قبل الدخول، ولو تزوجها ثانية للزمه فيها طلقة بائنة، وعتق عليه بذلك عبيده وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته أنت طالق بعد أن أموت أو تموت] مسألة وقال ابن القاسم في الذي يقول لامرأته أنت طالق بعد أن أموت أو تموت: فليس ذلك بشيء؛ لأن مالكا قال: لا حنث عليه بعد الموت، ولو كان قال لها أنت طالق يوم أموت أو يوم تموتين فيه، فهي طالق الساعة وهي بمنزلة من طلق امرأته إلى أجل. قال محمد بن رشد: لأشهب في المجموعة أنه لا شيء عليه، وكذلك لو قال قبل موتي بشهر، وهو على أصله في العتق إلى مثل هذا أنه من الثلث؛ لأنه لا يكشفه إلا الموت، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته علي نذر أن أطلقك] مسألة قال ابن القاسم في الرجل يقول لامرأته علي نذر أن أطلقك: ليس عليه كفارة يمينه ولا غيره لأن إنما كان في الطلاق، والطلاق ليس هو مما يوفى لله به، وهو بمنزلة من قال لامرأته لله علي أن أطلقك ولم يؤمر بالوفاء به، وهو بمنزلة الذي يقول لله علي نذر ألا أكلمك فكلمه فلا شيء عليه؛ لأن نذره إنما كان في ترك كلامه. قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال وهو مما لا اختلاف فيه والأصل في ذلك قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» .

مسألة: قال لامرأته إن تغيبت عنك فأنت طالق

فالنذور تنقسم على أربعة أقسام، نذر في طاعة يلزم الوفاء به، ونذر في معصية يحرم الوفاء به، ونذر في مباح يباح الوفاء به وترك الوفاء به ونذر في مكروه يكره الوفاء به. وإذا لم يسم للنذر مخرجا فكفارته كفارة يمينه، وإذا سمى له مخرجا فلا كفارة له إلا الوفاء به إن كان مما يجب الوفاء به على ما ذكرناه وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن من نذر معصية فكفارته كفارة يمين» وذهب إلى هذا جماعة من العلماء، وليس عليه في ذلك عند مالك إلا الاستغفار، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إن تغيبت عنك فأنت طالق] مسألة وقال في رجل قال لامرأته: إن تغيبت عنك فأنت طالق، فعرضت له حاجة فخرج ولم يكن وجه لغيبته عنها، فلاشيء عليه ولا حنث إلا أن يكون أراد بذلك إن غبت عنك. قال محمد بن رشد: هذا بين عله ما قال لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال إذا وطئتك أو قال إن وطئتك كذا وكذا وطئة فأنت طالق البتة] مسألة وقال ابن القاسم: وإذا قال إذا وطئتك أو قال إن وطئتك كذا وكذا وطئة فأنت طالق البتة، فذلك كله سواء، هو قول يطلق عليه إذا مضى أربعة أشهر من يوم قال ذلك، قال: وأرى فيه إيلاء. قال محمد بن رشد: أما إذا قال إذا وطئتك فأنت طالق البتة فهو

مسألة: قال لامرأته أنت طالق البتة إن خرجت إلى دار فلان إلا بإذني

مول من يوم حلف، كالحالف على ترك الوطء بغير الطلاق تطلق عليه إذا أبى الفيء بالوطء، عند انقضاء أربعة أشهر على ما في أصل الأسدية، وظاهر قول ابن القاسم في المدونة وفي هذه الرواية، وقد مضى الاختلاف في ذلك وتحصيل القول فيه في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب الإيلاء. وأما إذا قال إن وطئتك كذا وكذا وطئة فلا يكون موليا من يوم حلف إلا على القول بأن من قال إن وطئت امرأتي كل عبد يشتريه من الفسطاط فهو حر إنه مول، وهو أحد قولي ابن القاسم في المدونة؛ لأنه يمتنع من الوطء وإن كان لا يلزمه به شيء مخافة أن يلزمه به عتق ما يشتري من الفسطاط. وكذلك هذا إذا قال إن وطئت امرأتي وطئتين يمنع من الوطأة الأولى وإن كان لا يلزمه بها شيء مخافة أن يلزمه الطلاق إن وطئ ثانية، وكذلك لو قال إن وطئت امرأتي ثلاث مرات يمنع من الوطأة الأولى مخافة إن وطئ ثانية أن يلزمه الطلاق إن وطئ ثالثة، فكذلك ما زاد، على هذا القياس، إلا أنه كلما زاد ضعف لزوم الإيلاء ابتداء حتى إذا لم تبق له إلا وطئة واحدة فحينئذ يكون بمنزلة من قال امرأتي طالق ثلاثا إن وطأتها، فمساواته بين المسألتين إنما يأتي على قياس هذا القول، وعليه يأتي قول أصبغ أن من حلف ألا يطأ امرأته في هذه السنة إلا مرتين أنه مولي؛ لأن من حلف ألا يطأ امرأته كذا وكذا وطئة لا يحنث إلا بالوطئة الأخيرة ويدخل عليه الإيلاء ابتداء على أحد القولين المذكورين، ويحتمل أن يريد بقوله: فذلك كله سواء، أنه سواء في أنه مولي إذا قال إذا وطأتك فأنت طالق البتة، ومولي إذا قال إن وطأتك كذا وكذا وطئة فأنت طالق البتة إذا وطئ حتى إذا لم يبق له من عدد الوطئات إلا وطئة واحدة، وهذا أصح في المعنى، والأول أظهر من اللفظ والله أعلم. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق البتة إن خرجت إلى دار فلان إلا بإذني] مسألة وقال: إذا قال لامرأته أنت طالق البتة إن خرجت إلى دار

فلان إلا بإذني ثم قال لها اخرجي إلى حيث شئت أو اخرجي إلى دار فلان تلك متى شئت أو كلما شئت: أنه لا شيء عليه، وإنما تفسير مسألة مالك إلى موضع إنما ذلك إلى موضع من المواضع فإن ذلك لا ينفعه وإن أذن لها؛ لأنه إنما أراد إلى موضع من المواضع يعلمه إلا أن يأذن لها عند كل ما ينوبها الخروج إلى موضع وتخبره بالمكان وإلا حنث، وقال في سماع يحيى بن يحيى من كتاب الصلاة: وتخبره بالموضع التي تستأذن إليه وإلا حنث. قال محمد بن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا حلف على امرأته ألا تخرج فليس لها أن تخرج إلى موضع من المواضع وإن أذن لها، وإذا حلف ألا يأذن لامرأته أن تخرج فلها أن تخرج حيث ما شاءت إذا لم يأذن لها، وإذا حلف ألا تخرج إلا بإذنه ولم يقل إلى موضع ولا إلى موضع من المواضع فيجزيه أن يقول لها اخرجي حيث شئت أو كلما شئت، فيكون لها أن تخرج حيث شاءت وكلما شاءت ولا يحنث، فإن أذن لها إلى موضع بعينه فذهبت إلى غيره حنث، فإن ذهبت إليه ثم ذهبت منه إلى غيره فقيل لا يحنث وهو قول ابن القاسم في الواضحة وقيل يحنث وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد وقول أصبغ في نوازله، وقال في الواضحة فإن رجعت تاركة للخروج ثم خرجت ثانية من غير إذنه حنث، وان رجعت من الطريق لشيء نسيته وما أشبه ذلك من شيء تتجمل به ونحوه ثم خرجت ثانية على الإذن الأول فقيل يحنث وقيل لا يحنث، اختلف في ذلك قول ابن القاسم، فله في سماع أبي زيد أنه لا يحنث وهو قول مطرف وابن الماجشون وابن نافع، وله في الواضحة أنه يحنث وهو قول أصبغ وأما إذا حلف ألا تخرج إلى موضع من المواضع إلا بإذنه أو قال إلى موضع ولم يقل من المواضع فأذن لها إلى موضع بعينه فخرجت إلى غيره أو إليه وإلى غيره حنث، وإن رجعت من الطريق لحاجة غير تاركة الإذن ثم خرجت عليه ثانية فعلى ما تقدم من الاختلاف، وإن قال لها

مسألة: قال يميني في يمينك ولم يبين شيئا حين قال ذلك له فحلف فأنكر ذلك

اخرجي حيث شئت فقيل لا يجزيها [عن] الإذن وليس لها أن تخرج حتى تستأذنه في كل مرة وتعلمه بالموضع الذي تخرج إليه، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك هاهنا وهو قول مطرف وأصبغ، وقيل يجزيها عن الإذن لها أن تخرج بغير إذنه إلى حيث شاءت؛ لأنه قد عم في الإذن لها وهو قول ابن الماجشون وأشهب فإن رجع عن الإذن بعد أن أذن لها فقال لها لا تخرجي فخرجت على الإذن الأول حنث، وقد قيل إنه لا يحنث، وقد مضى ذكر الاختلاف في هذا المعنى في رسم يوصي فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: قال يميني في يمينك ولم يبين شيئا حين قال ذلك له فحلف فأنكر ذلك] مسألة قال عيسى قال ابن القاسم: في رجل قال يميني في يمينك ولم يبين شيئا حين قال ذلك له، فحلف بطلاق امرأته أو عتاق فأنكر ذلك وقال: لم أرد أن أحلف بهذه الأيمان. قال: إذا كان حين أنكر إنما كان يظن أنه يحلف بالله ولم يكن إرادته طلاقا ولا عتقا فأنكر لم يلزمه، ولو أنه حين قال يميني في يمينك رضي بما حلف مسلما ذلك له ولم يحول شيئا من شيء ولم يرعه لزمه اليمين ولم أر إنكاره ينفعه شيئا إذا كان حين قال له يميني في يمينك لم ينو شيئا ولم تحضره النية في اليمين. قال محمد بن رشد: قد مضى بيان القول في هذه المسألة وما يجب أن تحمل عليه الروايات فيها فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق.

مسألة: قال لامرأته إن ولدت غلاما فلك مائة دينار وإن ولدت جارية فأنت طالق

[مسألة: قال لامرأته إن ولدت غلاما فلك مائة دينار وإن ولدت جارية فأنت طالق] مسألة وقال في رجل قال لامرأته إن ولدت غلاما فلك مائة دينار، وإن ولدت جارية فأنت طالق، إن الطلاق قد وقع عليه وأما المائة فلست أرى أن يقضى بها لأنها هنا ليست بصدقة ولا هبة ولا على وجه ذلك. قال محمد بن رشد: قوله إن الطلاق قد وقع عليه، يريد أن الحكم يوجب أن يعجل عليه لأنه قد وقع عليه بنفس اللفظ حتى لو مات أحدهما بعد ذلك لم يتوارثا وهذا قول مالك في المدونة في نحو هذا أنه يعجل عليه بالطلاق ولا يستأنى به حتى ينظر ما تلد وقال ابن الماجشون وسحنون إنه يستأنى به، وقد مضى القول في ذلك في رسم يوصى وأما قوله في المائة إنه لا يقضى بها فحمله محمل العدة لما لم يقل في مالي ولا ذكر أنها هبة ولا صدقة ولا عطية فلذلك قال إنه لا يقضى بها إذ ليست على سبب هو من فعل الموعود، والأظهر من هذا اللفظ التبتيل وأن يحمل على أنه أراد ذلك في مالي مائة دينار عطية، فيحكم لها عليه بها ما لم يذهب أو يمت أو يفلس، كما قال غير ابن القاسم في كتاب الشركة في الذي يقول: لك ما أربح في هذه السلعة وإنما العدة أن يقول الرجل أنا أفعل، وأما إذا قال قد فعلت فهي عطية، وقوله لك كذا وكذا أشبه بقد فعلت منه بأنا أفعل وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يكلم رجلا فمر به وهو نائم فقال أيها النائم الصلاة فإذا هو المحلوف عليه] مسألة وقال في الرجل يحلف ألا يكلم رجلا فمر به وهو نائم فقال: أيها النائم الصلاة، فرفع رأسه فإذا هو المحلوف عليه. قال أراه حانثا قال وإن كان نائما مستثقلا لا يسمع كلامه فأراه أيضا حانثا، وهو بمنزلة الأصم يكلمه ولا يسمع فهو حانث إذا كلمه وإن لم يسمع الأصم كلامه، أرأيت لو أن رجلا حلف

مسألة: يقول لامرأته أنت طالق البتة أنت طالق البتة أنت طالق البتة إن أذنت لك إلى موضع كذا

ألا يكلم رجلا فكلمه وهو مشغول يكلم إنسانا آخر أما كان حانثا؟ . قال: هو حانث. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن تكليم الرجل الرجل هو أن يعبر له عما في نفسه بلسانه عبارة يفهمها السامع، فإذا فعل ذلك فقد حصل مكلما له، فوجب أن يحنث عرفه أو لم يعرفه، ناسيا كان ليمينه أو ذاكرا لها، سمعه أو لم يسمعه إذا كان منه بحيث يمكن أن يسمعه؛ لأن يمينه تحمل على عمومها في جميع ذلك إلا أن يخص شيئا منه بنية أو استثناء فيكون ذلك له ويصدق فيه فيما يحكم عليه به إن جاء مستفتيا وأما إن كان بموضع لا يمكن أن يسمع كلامه فلا يحنث لأنه ناعق وحده غير مكلم له، وهذا ما لا خلاف فيه أحفظه من المذهب، وقد مضى في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب القول إذا كلم غيره وهو يريد أن يسمعه وما يتعلق بذلك من الكتاب والرسالة وفي ذلك بيان لهذه المسألة وتتميم لها، فليقف عليها من شاء في موضعها. [مسألة: يقول لامرأته أنت طالق البتة أنت طالق البتة أنت طالق البتة إن أذنت لك إلى موضع كذا] مسألة وقال في الرجل يقول لامرأته أنت طالق البتة، أنت طالق البتة، أنت طالق البتة إن أذنت لك إلى موضع كذا وكذا. قال مالك: هو حانث أذن لها أو لم يأذن لها، قال ابن القاسم: كنت أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد إلا أن يسمعها اليمين يرددها عليها، فإن حلف دينته وإلا رأيته حانثا، وقد سمعت مالكا يراه حانثا ولا يدينه ويقول: وما هو عندي بالبين، قال ابن القاسم: وإنما عنى مالك خوفا أن يكون نادما أن يكون طلقها أولا البتة ثم ندم فأردف شيئا في كلامه يريد أن يتدارك ما ندم عليه. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في رسم

مسألة: قال لامرأته إن ولدت غلاما إن لم أحج بك فأنت طالق فولدت غلاما فأبت الحج

كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم فيكتفى بذكره هناك عن إعادته هنا مرة أخرى وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إن ولدت غلاما إن لم أحج بك فأنت طالق فولدت غلاما فأبت الحج] مسألة وقال في رجل قال لامرأته إن ولدت غلاما إن لم أحج بك فأنت طالق فولدت غلاما فأبت الحج. قال إن كان ذلك منه على وجه أن يوفي لها به، مثل أن تسأله إن ولدت غلاما أن يفعل كذا وكذا فحلف ليفعلن فإذا عرض ذلك فأبته فلا شيء عليه، وأما أن يكون أعلن يمينه لمن ولدت لأفعلن كذا وكذا وليس ذلك منه على وجه العطية لها رأيت ذلك يلزمه وإن أبت أجبرها على الحج. قال محمد بن رشد: زاد في كتاب ابن المواز وإن كان ذلك منه على وجه العطية لله لا على وجه العطية لها لزمه أن يخرج بها ويكرهها ولم يتكلم إذا لم تكن له نية ولا كان ليمينه بساط يحمل عليه، والذي يأتي على أصولهم أنه إن لم تكن له نية فهو حانث إن لم يخرج بها وإن ادعى أنه أراد بذلك العطية لها صدق في ذلك وإن كانت على يمينه بينة إذ لا يتهم في ذلك لإرادته الخروج بها وإبايتها هي وستأتي المسألة متكررة في أول سماع أبي زيد وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته البتة إن كلم فلانا إلا ألا يعرفه، فكلمه وهو يعرفه ناسيا ليمينه] مسألة قال: وسئل مالك عمن حلف بطلاق امرأته البتة إن كلم فلانا إلا ألا يعرفه، فكلمه وهو يعرفه ناسيا ليمينه، قال: قد حنث، ومن حلف ألا يكلم رجلا إلا ناسيا فكلمه وهو لا يعرفه غير ناس فقد حنث. قال القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا كما قال لأن يمينه تحمل على

مسألة: يقول لامرأته إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول لدار يسكنها فأنت طالق

عمومها في المعرفة والجهل والنسيان والعهد والإسماع وغير الإسماع إلا أن يخص من ذلك شيئا بنية أو استثناء فيكون ذلك له، وقد مضى هذا فوق هذا وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول لدار يسكنها فأنت طالق] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار وسئل ابن القاسم عن الذي يقول لامرأته إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول، لدار يسكنها فأنت طالق فينقضي كراؤه فيريد أهل الدار أن يخرجوه قبل السنة ويعزموا على ذلك. قال: كل من حلف بمثل هذه اليمين فأخرجه أمر لم يكن له بد منه مثل سيل أو خوف عليه أو هدم أو إخراج من صاحب الدار له، فلا حنث عليه واليمين يلزمه حيث ما تحول، ليس لها أن تخرج من المسكن الذي يتحول إليه إلى رأس السنة، فإن خرجت قبل ذلك فهو حانث. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يحنث بإخراج أهل الدار له ولا بكل ما كان في معناه مما يغلب عليه صحيح لا اختلاف فيه، وقد مضى ذلك والقول فيه في رسم أوصى وفي المواضع المذكورة فيه، وقد قال ابن دحون: إنه لو أخرجها هو نفسه لم يحنث لأنه إنما أراد صيانتها فإذا أخرجها هو لم يحنث إلا أن تكون له نية في إكراهه هو إياها على الخروج؛ لأن من قولهم أن من حلف إلا تخرج امرأته ولم يقل إلا بإذني فهو حانث وإن خرجت بإذنه، وقد مضى ذلك في الرسم الذي قبل هذا وسيأتي في رسم أسلم لفظ محتمل للتأويل سنبينه عليه إذا مررنا به إن شاء الله. وقوله أيضا: إن اليمين تلزمه حيث ما تحول إليه صحيح ولا يراعى

مسألة: قال امرأته طالق إن دفعت إليكم منهما إلا حقكم

في ذلك تعيينه الدار بقوله هذا إن خرجت من هذه الدار؛ لأن المعلوم أنه إنما أراد صيانتها عن الخروج من دار سكناها إلا أن يكون إنما كره خروجها من تلك الدار بعينها لشيء يختص بها ويعلم ذلك ويدعي أنه نواه ويأتي مستفتيا فيصدق فيه وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق إن دفعت إليكم منهما إلا حقكم] مسألة وسئل عن رجل هلك وترك إخوة مفترقين فقسموا ميراثهم ورجل منهم غائب، فلما قدم دفعوا إليه حقه وبقي له ديناران، فقال: هما لكم خذوهما، فقال الذي يقسم بينهما: امرأته طالق إن دفعت إليكم منهما إلا حقكم، قال ابن القاسم: أرى أن يقسم للذكور والإناث سواء، وكذلك سمعت. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال لأن الواهب قد شرك بينهم فيها على السواء بظاهر قوله: هما لكم، إلا أن يقول إنما أردت أنهما لهم على قدر مواريثهم فيصدق في ذلك، فإن كان لم يفت سؤاله كشف عن إرادته في ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: كان مع ختنته في سفر فشجر بينهما شيء فحلف بطلاق امرأته ثلاثا ألا يصحبها] مسألة وسئل عن رجل كان مع ختنته في سفر، فشجر بينهما شيء فحلف بطلاق امرأته ثلاثا ألا يصحبها بعد سفرهما ذلك. قال: إن كان نوى أن يردها إلى منزلها ولا يصحبها بعد ذلك فله ما نوى، وإن كان لم ينو شيئا فلا يرجع معها ولا يرجع يصحبها في سفر. قيل له: فإن عرض لها سفر بعد زمان إلى أرض لهما جميعا فيها حاجة واحدة فركب البحر الختن وسارت الختنة في

مسألة: قال لامرأته إن فعلت كذا وكذا إلا أن يقدر فأنت طالق

البر وتواعدا أن يجتمعا حيث حاجتهما. قال: إن كان نوى ألا يخرج معها في سفر يقوم لها فيه بحاجة أو ينفعها بنافعة، وعلى ذلك وقعت يمينه فإني أخاف أن يحنث، وإن كانت يمينه إنما وقعت على ألا يكون معها على طعام أو راحلة أو صحبة أو نحو هذا مما يحلف عليه فلا أرى عليه شيئا إذا لم يصحبها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه إذا حلف ألا يصحبها بعد سفرها ذلك لشيء شجر بينهما فيه فلا يصحبها من حين حلف إلا أن يكون نوى أن يردها إلى منزلها ولا يصحبها في سفر آخر؛ لأن قوله بعد سفرها ذلك إلى انقضائه برجوعه إلى منزله فإذا لم تكن له نية حمل على أنه إنما أراد بعد سفرها إلى حيث بلغا منه لأن ما شجر بينهما فيما مضى من سفرهما غير مأمون عليهما فيما بقي منه، وهو الذي من أجله كانت يمينه، وأما تواعدهما في سفرة أخرى على الاجتماع حيث حاجتهما فذلك على ما نواه أو خرجت يمينه عليه على ما قال، فإن لم يعلم ليمينه سبب ولا كانت نية فهو حانث وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إن فعلت كذا وكذا إلا أن يقدر فأنت طالق] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته إن فعلت كذا وكذا إلا أن يقدر فأنت طالق. قال: إن فعله فهي طالق. قال محمد بن رشد: لأشهب في المجموعة أنه لا شيء عليه وهو الذي يوجبه القياس والنظر؛ لأن قضاء الله ومشيئته هي إرادته فلا فرق بين الاستثناء بقدر الله وقضائه وبين الاستثناء بمشيئته، وابن القاسم يفرق بين ذلك فلا يرى استثناء في اليمين بالله عاملا بقضاء الله ولا بإرادته، قال ذلك في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب النذور، وقد ذكرنا هنالك وجه

مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يسأل رجلا حاجة

ذلك، فعلى ذلك يأتي قوله في هذه المسألة إن امرأته طالق إن فعل ولا ينتفع بقوله: إلا أن يقدر، ولو قال: إن فعلت كذا وكذا إلا أن يشاء الله فأنت طالق لنفعه استثناؤه عند الجمع، إذ قد نص على رد الاستثناء إلى الفعل بذكره عقيبه قبل الطلاق، وما روي عن ابن القاسم من أن الاستثناء بمشيئة الله في اليمين بالطلاق، غير عامل، وإن رده إلى الفعل، معناه إذا ادعى ذلك مع قيام البينة عليه فلا يصدق في ذلك خلافا لابن الماجشون، وقد قال ابن دحون: إنه لو قال لامرأته: إن فعلت كذا وكذا إلا أن يشاء الله فأنت طالق ففعلته لكان حانثا على قياس هذه الرواية لأنه معلوم ألا يفعل فعلا إلا بقدر من الله ومشيئته فذكره لذلك لا ينفعه وكأنه لغو، ووجه ما ذهب إليه أن هذا هو الأصل، فخصت السنة من ذلك الاستثناء بمشيئة الله في اليمين بالله وبقي ما عداه على الأصل لا ينفع فيه الاستثناء، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يسأل رجلا حاجة] مسألة وسئل عن رجل حلف بطلاق امرأته ألا يسأل رجلا حاجة، فأتاه رجل فسأله أن يطلب إلى ذلك الرجل حاجة له قبله، فقال له: إن علي يمينا ألا أسأله حاجة، ولكن كلم ابني فإنه يقوم مقامي لك في ذلك، قال: ليس عليه في ذلك حنث إلا أن يكون يأمر هو ابنه أن يقوم للرجل في ذلك. قال محمد بن رشد: هذا بين أنه إذا لم يأمر هو ابنه أن يطلب الحاجة من ذلك الرجل لذلك الرجل فلا حنث عليه، وقوله: إلا أن يكون يأمر هو ابنه أن يقوم للرجل في ذلك معناه فيحنث، وهذا على القول بأن من حلف ألا يكلم رجلا فأرسل إليه رسولا فهو حانث إلا أن يكون نوى مشافهته، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب.

مسألة: قال امرأته طالق إن لم أهدم هذا البيت أو أكل هذا الطعام أو نحو هذا

[مسألة: قال امرأته طالق إن لم أهدم هذا البيت أو أكل هذا الطعام أو نحو هذا] مسألة وسئل عن رجل باع سلعة من رجل فقال له: أبعت السلعة التي بعت منك؟ قال له: لم أبع، قال: إن كنت لم تبعها فامرأته طالق البتة، فبحث عن ذلك فإذا السلعة قد بيع منها أكثرها وبقي منها شيء لم يبع. قال: إن كان بقي منها شيء ولو جزء من مائة جزء فامرأته طالق البتة وكذلك لو أن رجلا قال امرأته طالق إن لم أهدم هذا البيت أو أكل هذا الطعام أو نحو هذا فلم يستوعب ما حلف عليه طلقت عليه امرأته. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها مثل ما في، المدونة وغيرها على أصولهم في البر لا يكون إلا بأكمل الوجوه بخلاف الحنث، وقد مضى القول في الفرق بين الوجهين في رسم العرية وآخر رسم لم يدرك فلا معنى لإعادة شيء من ذلك. [مسألة: قال لامرأته إن تزوجت عليك فالتي أتزوج عليك طالق البتة] مسألة سئل عن رجل قال لامرأته إن تزوجت عليك فالتي أتزوج عليك طالق البتة، ثم قال لها بعد ذلك: إن وطئت حراما فأنت طالق فتزوج عليها امرأة فوطئها هل تراه حانثا فيهما جميعا؟ قال: ما أرى أن تطلق عليه إلا التي تزوج، وأما التي كانت عنده فلا أرى الطلاق يقع عليه فيها؛ لأنه لم يحلف على مثل هذا الحرام، وإنما أراد الزنا وهذه المرأة التي يقع عليه فيها الطلاق قد اختلف في أمرها، قد قال ناس لا يمين لرجل فيما لم يتزوج فلا أراه حانثا في امرأته الأولى وولدها يلحقه والصداق يلزمه فيها. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصولهم في مراعاة الخلاف

مسألة: سأل امرأته سلفا فأبت فقال امرأته طالق البتة إن أخذت منها درهما

لأن الخلاف فيه قوي مشهور، والقائل به تعلق بما يروى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك» وقد قال ابن القاسم في سماع أبي زيد عنه مراعاة لهذا الخلاف: إنه لا يفرق بينهما إذا دخلا، والمشهور أنه يفرق بينهما وأنهما لا يتوارثان إن مات أحدهما قبل أن يعثر على ذلك هو اختيار ابن القاسم في آخر رسم الرهون بعد هذا ودليل ما في المدونة، وذهب ابن حبيب إلى أنه لا ميراث بينهما وإلى أنه يحد ولا يلحقه الولد إن كان هذا بالشرط، فعلى قياس قوله يحنث الحالف في هذه المسألة وهو بعيد وبالله التوفيق. [مسألة: سأل امرأته سلفا فأبت فقال امرأته طالق البتة إن أخذت منها درهما] مسألة وسئل عن رجل سأل امرأته سلفا فأبت عليه وعندها مال ناض فقال: امرأته طالق البتة إن أخذت منها درهما، ثم مكث زمانا ثم اشترت بالمال عروضا وبيعت تلك العروض وصارت في عروض غيرها ثم أخذ من ثمن تلك العروض قدر نصف درهم أو نحوه فقضى به دينه وانتفع به ولم يكن له حين حلف نية. قال ابن القاسم: فلا أرى عليه حنثا إلا أن تكون كانت نيته ألا يقرب من مالها شيئا. قال محمد بن رشد: قال ابن دحون في هذه المسألة: معناها أنه

مسألة: شجر بين الرجل وبين بائع الخادم أمر فحلف بطلاق امرأته أن يخرجها من بيته

إذا أراد أن لا يأخذ من تلك الدراهم بعينها شيئا فلذلك لم يحنثه إذ زالت عينها وتبدلت بسواها فلو أخذ أكثر من درهم لم يحنث أيضا، ولو لم يرد الدراهم بعينها لحنث بأقل من نصف درهم، ولو كانت نيته ألا يأخذ منها درهما فما فوقه لم يحنث إذا أخذ أقل من درهم، وقوله صحيح في المعنى، إلا أنه ليس في المسألة ما يدل على أنه أراد أعيان الدراهم فإنما معناها أنه راعى اللفظ ولم ينظر إلى البساط والمعنى، وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك وأصحابه إلا أن المشهور من مذهبه ومذاهبهم مراعاة البساط والمعنى في اليمين، وقد ذكرنا هذا في غير ما موضع، وإلى هذا التأويل ذهب ابن لبابة فقال: إنما لم يحنثه من أجل أنه لم يأخذ إلا أقل من درهم وبالله التوفيق. [مسألة: شجر بين الرجل وبين بائع الخادم أمر فحلف بطلاق امرأته أن يخرجها من بيته] مسألة وسئل عن رجل دعته ختنته أن يشتري هو وهي خادما لابنتها يخرجان الثمن جميعا فاشترياها، فشجر بين الرجل وبين بائع الخادم أمر فحلف بطلاق امرأته أن يخرجها من بيته ففعل، وإن الختنة استتمت الثمن فأرادت أن تردها إلى بيته حين كملت الختنة الثمن كله. فقال: لا يدخلها في بيته فإن فعل حنث. قال محمد بن رشد: لم يحمل يمينه في هذه المسألة على ما يقتضيه اللفظ من مجرد الإخراج فيبرئه ولا يحنث في ردها إلى بيته، كالحالف على غيره لينتقلن عن داره، وحملها على أنه إنما أراد ألا تكون في بيته ولا يستخدم بها لأنها تشبه مسألة الشاة في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب النذور، وقد مضى القول هناك على الفرق بين المسألتين، فهو بعينه فرق أيضا بين هذه ومسألة الانتقال ولو كان إنما كره أن يخرج فيها من عنده شيئا من ثمنها لشيء شجر بينه وبين ختنته فخرجت

مسألة: يبيع العبد من الرجل إلى أجل ويتخذ عليه يمينا أن يوفيه الثمن إلى أجل فيوجد بالعبد عيب

يمينه على ذلك لم يحنث إذا اشترتها الختنة من مالها وردتها إلى بيته والله أعلم. [مسألة: يبيع العبد من الرجل إلى أجل ويتخذ عليه يمينا أن يوفيه الثمن إلى أجل فيوجد بالعبد عيب] مسألة وسئل عن الرجل يبيع العبد من الرجل إلى أجل ويتخذ عليه يمينا أن يوفيه الثمن إلى أجل فيوجد بالعبد عيب قبل الأجل يرد من مثله فيرده. قال: لا يخرجه من يمينه إلا أن يقضي الثمن ثم يخاصمه، وكذلك في جميع السلع. قال محمد بن رشد: حنثه في هذه المسألة بما يقتضيه اللفظ، ولم يلتفت إلى المعنى، ومثله في رسم إن أمكنني بعد هذا وقد قيل إنه لا يحنث لأنه إنما حلف ليوفينه الثمن، وهو المشهور في المذهب، وبالله التوفيق. [مسألة: سلف مائة دينار في قمح إلى أجل واتخذ عليه بالطلاق أن يوفيه إلى أجل فاستقاله] مسألة وسألته عن رجل سلف مائة دينار في قمح أو سلعة من السلع إلى أجل واتخذ عليه بالطلاق أن يوفيه إلى أجل فاستقاله صاحب الدنانير مما اشترى منه قبل الأجل فأقاله. فقال: لا أحب أن يصنع هذا فإن وقع وكان في الدنانير يوم ردها وفاء لثمن السلعة التي كانت عليه عند الناس فأرجو ألا يكون حانثا، وإن كانت السلعة أكثر ثمنا من الدنانير فإنه حانث، قلت له: فإن رد عليه الدنانير وأقر البيع على حاله؟ قال: لا ينفعه ذلك وهو حانث لأنه بيع مبتدأ لأنه لو أبى ذلك أحدهما لم يجبر على ذلك، وإنما هو بيع مبتدأ، قال: ولو كان أعطاه تلك السلعة بعد

مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يتزوج عليها فيتزوج امرأة ثم يطلقها

الأجل بعد هذا الذي وصفت لك عطية أو صدقة لم يخرجه ذلك من يمينه، وكان حانثا لأنه خرج من الوجه الذي حلف فيه، قال: وكذلك يبلغني من قول مالك. قال محمد بن رشد: هذا بين صحيح على معنى ما في المدونة في الذي يحلف ليقضين رجلا حقه أو ليقضينه دنانيره فقضاه عرضا أنه لا حنث عليه إن كان فيه وفاء لحقه إلا أن مالكا استثقله وخشي عليه الحنث وقال: إن كان فيه وفاء فلم لا يعطيه دنانيره؟ فكذلك هي المسألة سواء لا حنث عليه إن كان رأس المال الذي أخذه منه في الإقالة فيه وفاء بما كان له عليه من القمح أو السلعة فلا حنث عليه، وسواء حلف ليقضينه حقه أو ليقضينه ما سلف فيه إلا أن ينوي أن يقضيه الطعام والسلعة بعينها فيحنث إن أقاله وإذا لزمه الحنث فلا يسقط عنه رد الدنانير إليه فيما كان له عليه ولا عطية ذلك له هبة أو صدقة كما قال؛ لأنه أمر قد فات يلزم الطلاق منه وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يتزوج عليها فيتزوج امرأة ثم يطلقها] مسألة وسألته عن الرجل يحلف بطلاق امرأته ألا يتزوج عليها فيتزوج امرأة ثم يطلقها أو تموت قبل أن يمسها هل تراه حانثا؟ . قال: نعم هو حانث ساعة يملك عقدتها مس أو لم يمس، قال: ولو كان حلف بالطلاق أن يتزوج عليها فتزوج امرأة فماتت أو طلقها قبل أن يمسها فإنه لا يخرج من يمينه حتى يتزوج امرأة يمسها. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصولهم في أن الحنث يقع بأقل الوجوه، والبر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وقد مضى القول على هذا في رسم لم يدرك وغيره فلا معنى لإعادته، ولا يبر بالدخول أيضا إلا أن تكون المرأة التي تزوجها تشبه مناكحه، وأما إن كانت المرأة التي تزوج لا

مسألة: يتخذ على غريمه يمينا بطلاق امرأته البتة ليقضينه حقه رأس الهلال أو يرهنه داره

تشبه مناكحه مثل الأمة والمرأة الدنية فلا يبر بنكاحها والدخول بها كذلك، رواه محمد بن يحيى الشيباني عن مال. وعيسى عن ابن القاسم في المدنية وقاله ابن كنانة أيضا، واختلفوا هل يحلها هذا النكاح لزوج كان طلقها أيضا ثلاثا؟ فقال ابن كنانة: لا يحلها كانت تشبه مناكحه أو لا تشبه، وقال ابن القاسم: يحلها كانت تشبه مناكحه أو لا تشبه، وقيل: إن ذلك على قياس البر والحنث أنها إن كانت تشبه مناكحه أحلها وإن كانت لا تشبه مناكحه لا يحلها، وقد قيل: إنه لا يبر إذا تزوجها ليبر يمينه ولا يمسكها وإنما يبر إذا تزوجها نكاح رغبة ثم طلقها بعد الدخول لأمر لم تنعقد نيته عليه حين العقد وبالله التوفيق. [مسألة: يتخذ على غريمه يمينا بطلاق امرأته البتة ليقضينه حقه رأس الهلال أو يرهنه داره] مسألة وسئل عن الرجل يتخذ على غريمه يمينا بطلاق امرأته البتة ليقضينه حقه رأس الهلال أو يرهنه داره، فلما حل الأجل أراد أن يقضيه نصف الحق ويرهنه نصف الدار ثم أرهنه الدار كلها، قال: يقضيه حقه كله وإلا حنث، قال: ولو قال امرأته طالق إن لم أوفك إلى الهلال حقك أو رهنا بحقك، فأعطاه بعض الحق وأعطاه ببقيته رهنا يكون في الرهن وفاء لما بقي لم يلحقه من يمينه شيء. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة والقول فيها في سماع أبي زيد من كتاب النذور والمعنى فيها بين وبالله التوفيق.

كتاب الأيمان بالطلاق الثالث

[كتاب الأيمان بالطلاق الثالث] [شجر بينه وبين أختانه أمر فقالوا طلق أختنا فقال إن ارتحلت عني اليوم فهي طالق] كتاب الأيمان بالطلاق الثالث

مسألة: قال إن ارتحلت عني امرأتي فهي طالق

ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وسئل عن رجل شجر بينه وبين أختانه أمر فقالوا: طلق أختنا، فقال: إن ارتحلت عني اليوم فهي طالق، فأتى إليها إخوتها فقالوا: إن زوجك قد طلقك، فأخذوا متاعها ورحلوها ومتاعها إلى أنفسهم وهي لا تعلم ما كان من أمر زوجها ولا ما قال، إلا ما قال لها إخوتها إن زوجك قد طلقك، فلما كان بعد يوم أو يومين أو ثلاث أخبرت بالذي كان من أمر زوجها، فقالت والله ما علمت ولا انتقلت من هواي إلا أنهم قالوا إن زوجك قد طلقك. فقال: إن علم ذلك وشهد على ما قالت، أو ادعته بالشهود فلا طلاق عليه. [مسألة: قال إن ارتحلت عني امرأتي فهي طالق] مسألة لسحنون في كتاب ابنه أنها طالق وإن علم ذلك وشهد عليه لم ينفعه، ووقع قوله أيضا في بعض الروايات من الكتاب، وقول ابن القاسم أظهر على المشهور في المذهب من مراعاة المقاصد في الأيمان في أن الزوج إنما أراد فيما يظهر من مقصده أنها طالق

مسألة: قال امرأته طالق إن كان شرب مسكرا

إن ارتحلت عاصية له في ارتحالها عنه راضية بفراقه، فإذا لم ترتحل إلا وهي تظن أنه طلقها على ما أخبرها به إخوتها لم يقع عليه طلاق، وقول سحنون يأتي على مراعاة ما يقضيه اللفظ دون الاعتبار بالمعنى، ونحوه ما وقع في رسم البز من سماع ابن القاسم، وقد قال ابن دحون: إن قول سحنون أحسن قال: لأنه يلزم علي قول ابن القاسم في رجل قال إن سألت امرأتي الطلاق طلقتها فأتي إليه فقيل له: قد سألت الطلاق وكذب له فطلق ألا يلزمه ذلك، ولا اختلاف أنه يلزمه وإن ثبت أنه كذب له، فإن قيل إنما يلزمه؛ لأنه كان عليه أن يتثبت، قيل له: وكذلك المرأة. قال محمد بن رشد: ولا يلزم ابن القاسم ما ألزمه سحنون لأن المسألتين مفترقتان لأن هذا الذي كذب له، وقد أخطأ على نفسه في تطليق زوجته فلا عذر له في الخطأ على نفسه في ذلك الذي قال إن ارتحلت عني امرأتي فهي طالق قيل إن الطلاق يقع عليه بمجرد الارتحال دون مراعاة المعنى الذي يظهر من قصد الحالف، وإليه ذهب سحنون على معنى قول مالك في مسألة رسم البز من سماعه، وقيل إن الطلاق لا يقع عليها إذا لم ترتحل على الوجه الذي أراد وإلى هذا ذهب ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق إن كان شرب مسكرا] مسألة قال ابن القاسم: لو أن رجلا أخذ وبه رائحة شرب فقال امرأته طالق إن كان شرب خمرا، فشهد عليه أنها رائحة مسكر فقال ما أردت إلا الخمر بعينها. فقال: ينوي في ذلك ويكون القول قوله، ولو قال امرأته طالق إن كان شرب مسكرا فقد جمع كل شيء، فإن شهد عليها

مسألة: حلف بطلاق امرأته البتة إن كان بغاه عند رجل

أنها رائحة مسكر فقد لزمه. قال محمد بن رشد: قوله إنه ينوي في ذلك ويكون القول قوله مع قيام البينة عليه هو مثل ما في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود خلاف قول ابن القاسم في رسم يسلف من سماع عيسى من كتاب النذور لأنه قال هناك إنه لا ينوي إلا إذا أتى مستفتيا، وقد مضى القول على المسألة هنالك مستوفى فأغنى ذلك عن إعادته هنا. [مسألة: حلف بطلاق امرأته البتة إن كان بغاه عند رجل] مسألة وعن رجل حلف بطلاق امرأته البتة إن كان بغاه عند رجل فشهد عليه شاهد أنه قد بغاه عند ذلك الرجل وشهد ذلك الرجل أنه قد بغاه عندي، أما ترى أن يلزمه الطلاق؟ قال: نعم أرى أن يلزمه الطلاق لأنه لا يتهم الذي أقر عنده في شيء من أمره، وإنما هو بمنزلة الرجل يحلف ما بغيتك عند فلان وفلان، فشهد فلان وفلان بعد اليمين أنه بغاه عندهما فتطلق عليه امرأته بشهادتهما. قال محمد بن رشد: المسألة صحيحة، والحجة فيها ما ذكر من أنه لا يتهم الشاهد في شهادته أنه بغاه عندي إذ ليس في ذلك وجه يظهر من وجوه التهمة التي تبطل به الشهادة، وأما قياسه إياها على المسألة التي ساقها عليها فليس بقياس صحيح؛ لأنها هي المسألة بعينها، ولا يقاس الشيء على نفسه، وإنما يقاس على غيره بمعنى يجمع بينهما في وجوب الحكم وانتفائه، وهو ظاهر لا يخفى وضوحه وبالله التوفيق. [مسألة: حلف غريما له بطلاق امرأته أن يقضيه إلى أجل] مسألة وسئل عن رجل حلف غريما له بطلاق امرأته أن يقضيه إلى أجل فلما حل الأجل قال الذي حلفه قد قضاني وليس على ذلك بينة إلا قوله.

مسألة: حلف لامرأته بطلاقها إن خرجت من داره فأتاها سيل

فقال: إن كان من أهل الصدق وممن لا يتهم حلف مع شهادة صاحب الحق وحبس امرأته، وإن كان من أهل التهم لم يقبل ذلك منه حتى يأتي بشهيدين أنه قد قضاه، قال سحنون وروى ابن حبيب عن مالك أنه قال: إنما هذا إذا لم تكن على أصل يمينه بينة إلا إقرار منه بأنه حلف بطلاق امرأته أن يقضيه فقد قضاه ويقر له رب الحق، مثل ما يقول حلفت بالطلاق لأضربن فلانا فقد ضربته، أو لأعطين فلانا كذا وكذا فقد أعطيته، فالقول قوله في هذا كله بلا بينة إذا لم تكن على أصل بينة فيكون عليه الخروج بالبينة، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته هنا وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لامرأته بطلاقها إن خرجت من داره فأتاها سيل] مسألة وقال ابن القاسم: قال مالك في رجل حلف لامرأته بطلاقها إن خرجت من داره فأتاها سيل أو أمر لم تستطع إلا الخروج أو الهرب عنه أو أخرجها صاحب الدار إن كانت بكراء فانقضى أمد الكراء، قال مالك لا حنث عليه إذا خرجت من أمر لم تستطع غير ذلك، فإذا رجعت رجع اليمين عليها، وإن ارتحل بها إلى دار غيرها فاليمين تلزمه حيث سكن. قال محمد بن رشد: قوله ون تحول بها إلى دار غيرها معناه أن يتحول بها إلى دار غيرها حين أخرجها السيل عنها أو صاحب الدار بانقضاء أمد الكراء، وقد مضى هذا في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب، وأما لو تحول بها باختياره يحنث بذلك خلاف ما ذهب إليه ابن دحون، وقد

مسألة: حلف بطلاقها ألا يغرم في خياطة ثيابها شيئا

مضى القول على ذلك في رسم إن خرجت فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاقها ألا يغرم في خياطة ثيابها شيئا] مسألة وسئل عن رجل كسى امرأته ثيابا قطعها لها ودفعها لها إلى الخياط، ثم هاج بينه وبين امرأته شيء فحلف بطلاقها ألا يغرم في خياطتها شيئا فأراد أن يفتكها فيبيعها أو يحبسها لنفسه أو أراد بعض من يحق عليه مثل أخيه أو غيره أن يفتك تلك الثياب من الخياط من عنده. قال: لا بأس أن يفتكها أخوه أو غيره ولا يفتكها هو لنفسه ولا لبيع إلا أن تكون نيته أراد ألا يفتكها لها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال لأن اليمين يجب أن تحمل على ما يقتضيه عموم اللفظ من ألا يفتكها لنفسه ولا لها ولا أحد سواهما ولا لوجه من الوجوه إلا أن تكون له نية أنه أراد ألا يفتكها لها فتكون له نيته يريد ويصدق فيها مع يمينه وإن كانت عليه بينة لأنها نية محتملة لا تبعد بل تشبه، وأما افتكاك غيره للثياب من ماله للزوجة أو له فلا إشكال في أنه لا حنث عليه في ذلك لأنه لم يحلف إلا على ألا يفتكها هو وبالله التوفيق. [مسألة: له على رجل عشرة دنانير قائمة فتقاضاه فقال ليس لك عندي إلا دنانير] مسألة وسئل عن رجل كان له على رجل عشرة دنانير قائمة فتقاضاه، فقال: ليس لك عندي إلا دنانير بخروبة خروبة، فحلف بطلاق امرأته ألا ينقصه من القائمة شيئا، ولم تكن عليه بينة، فخاصمه فلم يعد عليه إلا بدنانير بخروبة خروبة. فقال: إن كان حلف ألا ينقصه فليأخذ ما قضى له به ولا

مسألة: عليه حق لرجل فاتخذ عليه طلاق امرأته البتة أن يؤديه لأجل سماه

ينقص له من حقه شيئا ولا يضع عنه منه شيئا، والله بينه وبينه، وإن كان أراد أن لا يأخذ منه إلا عشرة قائمة فلا يأخذ منه إلا عشرة قائمة. قال محمد بن رشد: قوله وإن كان حلف ألا ينقصه يريد إن كان نوى إلا ينقصه باختياره شيئا من القائمة فليأخذ ما قضى له به ولا ينقص له من ذلك شيئا ولا يضع عنه منه شيئا، وقوله وإن كان أراد ألا يأخذ منه إلا عشرة قائمة يريد أو لم تكن له نية فلا يأخذ منه إلا عشرة قائمة، فإن لم يقض له عليه إلا بدنانير خروبة خروبة حنث إن أخذها إلا أن يحكم عليه بأخذها بسؤال الغريم ذلك، فيجري ذلك على الاختلاف فمن حلف ألا يفعل فعلا فقضي عليه به، وقد مضى ذلك في رسم سلعة سماها ورسم حلف من سماع ابن القاسم، وفي آخر سماع أشهب وبالله التوفيق. [مسألة: عليه حق لرجل فاتخذ عليه طلاق امرأته البتة أن يؤديه لأجل سماه] مسألة وسئل عن رجل كان عليه حق لرجل فاتخذ عليه طلاق امرأته البتة أن يؤديه لأجل سماه، وللحالف وكيل يتقاضى له ويبيع له ويبتاع ويقوم بجميع حوائجه، فغاب الحالف عند الأجل فقضى عنه هذا الوكيل، هل ترى قضاه مخرجا ليمينه؟ . قال: لا يخرجه قضاؤه من يمينه إلا أن يكون أمره بذلك، قال: [ولو كان لصاحب الحق مثل هذا الوكيل الذي وصفنا فغاب المحلوف له عند الأجل فقضى الحالف وكيله هذا] كاف مخرجا من يمينه. قال محمد بن رشد: إنما قال إن الحالف لا يبرأ إذا قضى عنه

مسألة: يكون تحته أربع نسوة فيحلف بالطلاق البتة إلا يحلف بالطلاق فيطلق واحدة

وكيله على البيع والابتياع والقيام بجميع حوائجه، من أجل أنه ليس بوكيل له على أن يقبض عنه، فهو في ذلك كالأجنبي، ولو كان وكيل له مفوض إليه أو على أن يقبض عنه ديونه فيبر إذا قضى عنه بغير علمه، وقد مضى هذا المعنى في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب النذور، وسيأتي في سماع سحنون إذا قضى عنه السلطان من ماله، وقوله ولو كان لصاحب الحق مثل هذا الوكيل الذي وصفنا فغاب المحلوف له عند الأجل فقضى الحالف وكيله هذا كان مخرجا من يمينه، يريد ويبر الحالف بذلك من الدين الذي عليه لأنه وكيل يتقاضى فيبرأ الحالف من الدين الذي عليه بدفعه إليه، فدليل هذه الرواية أنه لا يبر في اليمين إلا بدفعه إلى وكيل إليه القبض فيبرأ من الدين بالدفع إليه خلاف ما في العشرة لابن القاسم أنه إذا دفع إلى وكيل له في ضيعته بر في اليمين، ولم يبرأ من الحق، وهو معنى ما في المدونة، وظاهر ما فيها أن ذلك يكون مخرجا له من يمينه، وإن كان يصل إلى السلطان، وكان القياس إذا لم يبرأ بذلك من الحق إلا أن يكون مخرجا له من يمينه إلا أن لا يصل إلى السلطان الذي يبرأ بالدفع إليه من الدين الذي عليه، وإلى هذا ذهب ابن لبابة، وساق ذلك على معنى ما في المدونة وأن يكون إذا أحضر الذهب وأتى به وأشهد على إتيانه به مخرجا له من الحنث، وإن لم يدفعه إلى هذا الوكيل الذي لا يبرأ بالدفع إليه كما يكون ذلك مخرجا له من الحنث مع العدول إذا لم يكن له وكيل ولا وصل إلى السلطان وبالله التوفيق. [مسألة: يكون تحته أربع نسوة فيحلف بالطلاق البتة إلا يحلف بالطلاق فيطلق واحدة] مسألة وسئل عن الرجل يكون تحته أربع نسوة فيحلف بالطلاق البتة إلا يحلف بالطلاق فيطلق واحدة من نسائه، هل ترى عليه حنثا؟ . قال لا حنث عليه لأنه لم يحلف. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن من طلق لم يحلف

قال لامرأته أنت علي كظهر أمي وهو يريد الطلاق

بطلاق، ولو حلف بطلاق البتة إلا يطلق فحلف بالطلاق وحنث لحنث؛ لأن من حلف بالطلاق وحنث فقد طلق، وقد مضى بيان هذا في رسم يوصي قبل هذا وبالله التوفيق. [قال لامرأته أنت علي كظهر أمي وهو يريد الطلاق] ومن كتاب العشور قال ابن القاسم: من قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي وهو يريد الطلاق فهي ثلاث ولا ينوى لا تنفعه نيته إن نواها واحدة أو اثنتين. قال محمد بن رشد: في كتاب ابن سحنون عن أبيه أن له ما نوى من الطلاق، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الظهار فيستغنى بذلك عن إعادته هنا وبالله التوفيق. [نازعت زوجها فقالت له والله لأسيلن الخرق على ساقيك فقال لها أنت طالق] ومن كتاب شهد على شهادة ميت وسئل عن امرأة نازعت زوجها فقالت له: والله لأسيلن الخرق على ساقيك، فقال لها: أنت طالق لتعلمن من يفعل ذلك بي. قال ابن القاسم أخاف أن يكون قد حنث حين قال لتعلمن من يفعل ذلك بي إنما هو من قال لتعلمن من ذا الذي يفعله بي من هو؟ حتى يسيل عن ساقي ما قلت. . قال محمد بن رشد: المقصد المعلوم من إرادة المرأة، بهذا القول إنما هو ليفعلن به أشد ما يكون من النكال وأقبحه لا حقيقة ما ذكرت؛ إذ قد علم أنها لا تملك ذلك ولا هو داخل تحت استطاعتها، ويمين الزوج خرجت جوابا لها على ذلك بمعنى أنك لتعلمين أن الذي يقدر على أن

حلف بالطلاق ليقضين رجلا حقه إلى أجل فحبس الحالف في السجن

يبلغ ذلك مني معدوم غير موجود لمنزلتي ومكانتي ومهابتي وقدرتي على الدفاع عن نفسي، فلذلك خشي ابن القاسم عليه الحنث فيما بينه وبين الله، وأما الحكم عليه بالطلاق فلا يصح إلا أن يقر على نفسه أنه أراد بكلامه ما يوجب الحنث عليه والله أعلم. [حلف بالطلاق ليقضين رجلا حقه إلى أجل فحبس الحالف في السجن] ومن كتاب جاع وسئل عن رجل حلف بالطلاق ليقضين رجلا حقه إلى أجل فحبس الحالف في السجن، فأرسل إلى صاحبه أن يجيئه فأبى أن يجيئه، قال يقضي السلطان ويدع ذلك يرتكص ولا حنث عليه. قال محمد بن رشد: قوله يقضي السلطان معناه يوكل من السجن من يقضي السلطان ويكون ذلك مخرجا له من يمينه، وإنما يصح ذلك إن كان المحلوف له قد غاب عن البلد، وأما إن كان حاضرا فالسلطان يحضره ويجبره على قبض حقه إلا أن يكون مما لا يجبر على قبضه كعارية غاب عليها فتلفت عنه وما أشبه ذلك فيبرأ من يمينه على دفع ذلك إليه بدفعه إلى السلطان وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى لامرأته ثوبا بدينار فسخطته فقال لها أنت طالق إن رددته] مسألة وسئل عن رجل اشترى لامرأته ثوبا بدينار فسخطته فقال لها: أنت طالق إن رددته إن كسوتك ثوبا بدينار وهو ينوي بأكثر أو بأقل فذهب إليه ليرده فلم يقبله البائع أو بدا له في رده بعد اليمين. قال هو سواء بدا له أو أبى أن يقيله ليس يلزمه من يمينه شيء حتى يقيله، ومثلها لي قال: أرأيت لو كان قال: امرأته طالق إن لم ترده فذهب به ولم يقبله البائع أليس قد حنث؟ فهذا يعلم أن الرد إنما هو القبض له من البائع، قلت فلو كان بائع الثوب

مسألة: يقول لامرأته إن لم أتزوج عليك فأنت طالق فتزوج أخته جاهلا بها

اتخذ عليه طلاق امرأته حين باعه ألا يرده عليه، فأتى به ليرده فلم يقبله منه؟ قال، هذا حانث قبله أو لم يقبله؛ لأنه إنما كره البائع شغبه ورده، فإذا رده فهو حانث، فهذه الوجوه تختلف، وإنما تحمل على ما كان قبلها على شبهها ومساقها. قال محمد بن رشد: أما إذا كان البائع هو الذي استحلف المشتري ألا يرده عليه فلا اختلاف في أنه يحنث بقيامه إياه عليه في الرد قبله أو لم يقبله قضي له عليه برده أو لم يقض له بذلك، وأما إذا لم يسأل ذلك البائع وإنما حلف إلا يرده لشيء جرى له مع غيره فقال هاهنا: إنه لا يحنث إلا بقبول البائع له أورده إياه عليه بالحكم، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ وروايته عن ابن القاسم وحكى عن أصبغ أيضا في موضع آخر أنه إذا رده فقد لزمته اليمين قبله البائع أو لم يقبله، قال عبد الملك: وهذا بين عندنا، وأما إذا حلف ليردنه فلا اختلاف في أنه لا يبر إلا بقبول البائع له أو الحكم بذلك عليه؛ لأن البر لا يكون إلا بأكمل الوجوه وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته إن لم أتزوج عليك فأنت طالق فتزوج أخته جاهلا بها] مسألة وسئل عن الرجل يقول لامرأته إن لم أتزوج عليك فأنت طالق فتزوج أخته جاهلا بها، هل يخرجه ذلك من يمينه؟ قال: لا يخرجه ذلك من يمينه قلت: فلو قال امرأتي طالق إن لم نشتر عبدا مملوكا فاشترى أباه؟ قال: لا يخرجه ذلك من يمينه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن نكاح أخته لا يحل له المقام عليه، فلا يبريه إذ لا يبر إلا بنكاح لو شاء أن يقيم عليه أقام من أجل أن البر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وكذلك لو تزوج تزويجا حراما يفسخ قبل الدخول وبعده، كالذي يحلف ليشترين سلعة فيشتريها شراء فاسدا فيعثر عليه قبل أن يفوت فيفسخ البيع في الذي اشترى أباه أحرى ألا

مسألة: أراد أن يتزوج امرأة فقالت له أمه إنها أختك من الرضاعة قد أرضعتها

يبر بشرائه إذ لا يقع عليه ملك وبالله التوفيق. [مسألة: أراد أن يتزوج امرأة فقالت له أمه إنها أختك من الرضاعة قد أرضعتها] مسألة وسئل عن رجل أراد أن يتزوج امرأة فقالت له أمه: إنها أختك من الرضاعة قد أرضعتها، وتحت الرجل امرأة أخرى، فقال الزوج: امرأته التي تحته طالق إن كانت لي حلالا إن لم أتزوجها. فقال: أرى أن تطلق امرأته التي تحته ولا يتزوجها، فإن اجترأ وتزوجها لم يقض عليه بطلاقها لأنه لا يكون في الرضاع إلا امرأتان. قال محمد بن رشد: المسألتان مفترقتان بأن الأولى لها بساط فينوى بها مع قيام البينة، والثانية لا بساط لها فلا ينوى فيها إلا إذا جاء مستفتيا. وبالله التوفيق. [حلف بالطلاق ألا يستعير من رجل سماه شيئا فاستعار من امرأته] ومن كتاب النسمة وقال في رجل حلف بالطلاق ألا يستعير من رجل سماه شيئا فاستعار من امرأته، هل تراه حانثا؟ . قال: إن كان استعار من امرأته مالا من مالها فلا شيء عليه، وإن استعار منها مالا لزوجها فأعارته فهو حانث. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه حمل يمينه على أنه إنما كره الانتفاع بشيء من ماله إما لخبث أصله وإما لأن لا يكون عليه بذلك منة، فلذلك قال إنه يحنث إن كان استعار منها، ما هو لزوجها فأعارته ولو كان لم يحلف إلا من أجل أنه كره أن يرده، لا لما سوى ذلك لما كان عليه حنث في استعارته من امرأته ما هو من مالها أو ماله، والله أعلم.

مسألة: أتاه يستسلفه دراهم فقال امرأته طالق إن كان في تابوتي دنانير

[مسألة: أتاه يستسلفه دراهم فقال امرأته طالق إن كان في تابوتي دنانير] مسألة قال ابن القاسم في رجل أتاه يستسلفه دراهم، فقال امرأته طالق إن كان في تابوتي دنانير ومعي دينار، وفي تابوته دينار ومعه دينار، وإنما أراد أن يقول امرأته طالق البتة إن كان في تابوته دراهم أو معي دراهم، فأخطأ فقال ذلك. فقال لا شيء عليه ولا يحنث. وكذلك لو أراد أن يقول امرأته طالق إن لم يكن كلم عبد الله بن عبد الرحمن أمس أو لقيه، فأخطأ فقال امرأته طالق إن لم يكن لقي عبد الرحمن بن عبد الله أمس وكلمه فهذا لا شيء عليه. قال محمد بن رشد: المسألتان مفترقتان بأن الأولى لها بساط فينوى بها مع قيام البينة، والثانية لا بساط لها فلا ينوى فيها إلا إذا جاء مستفتيا. وبالله التوفيق. [مسألة: قال إن صليت ركعتين فامرأتي طالق فصلى ركعة وانصرف] مسألة قال ابن القاسم في رجل قال إن صليت ركعتين فامرأتي طالق، فصلى ركعة وانصرف. قال ابن القاسم: هو حانث تطلق عليه لأنه قد صلى ولا ينوى، وكذلك إن قال إن صمت غدا فامرأتي طالق فبيت الصيام فطلع الفجر وهو مجمع على الصيام ثم أفطر بعد طلوع الفجر فهو حانث أيضا. ولو أحرم ولم يركع كان حانثا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحنث وقع عليه بالشروع في الصلاة والصيام، فتركه التمادي على ذلك لا يسقط عنه ما قد لزمه من الطلاق، وقوله ولا ينوى معناه مع قيام البينة، وأما لو أتى مستفتيا وقال إنما نويت أنها طالق إن أتممت ركعتين أو صوم النهار وعلى ذلك عقدت يميني

مسألة: حلف ألا يكلم رجلا فكاتبه ثم رد الكتاب قبل أن يصل إليه فخرقه

فكانت له نيته فيما بينه وبين ربه إن كان صادقا وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يكلم رجلا فكاتبه ثم رد الكتاب قبل أن يصل إليه فخرقه] مسألة قال ابن القاسم من حلف ألا يكلم رجلا فكاتبه ثم رد الكتاب قبل أن يصل إليه فخرقه ولم ينفذه فلا حنث عليه ولا شيء، وكذلك قال لي مالك وقال ابن وهب مثله. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه إن رد الكتاب قبل أن يصل إليه لا يحنث إذ لا يحنث الحالف إلا بقراءة المحلوف عليه كتابه لا بوصوله إليه، ولو وصل إليه فأخذه وأمسكه ولم يقرأه لم يحنث الحالف إلا أن يكون معنونا فإنه يحنث بقراءة العنوان، وقوله في المدونة عقب هذه المسألة وهو آخر قوله لا يعود عليها، إذ لا اختلاف فيها، وإنما يعود على المسألة التي قبلها، سواء كتبه مجمعا على إرساله أو غير مجمع على ذلك، بخلاف المسألة التي تأتي بعدها في كتاب الرجل إلى امرأته بالطلاق وبالله التوفيق. [مسألة: كتب بطلاق امرأته ثم بدا له فحبس الكتاب] مسألة قال ابن القاسم قال مالك في رجل كتب بطلاق امرأته ثم بدا له فحبس الكتاب. قال: إن كتبه مجمعا على الطلاق فقد حنث حبسه أو لم يحبسه وإن كان إنما كتبه ليتخير فيه وينظر ويستشير فإن رأى أن يمضيه أمضاه، وإن رأى أن يحبسه حبسه فلا شيء عليه إذا حبسه، قال ابن القاسم: وإن أخرجه من يده فهو حانث وإن رده وأدركه قبل أن ينتهي لم ينفعه، قال ابن وهب مثل ذلك كله، وقد قال: هو حانث إلا أن يكون حين أخرج الكتاب من يده إلى

حلف بطلاق امرأته ألا يدخل بيت فلان فيدخل داره ولم يدخل البيت

الرسول غير عازم فله أن يرده إن أحب ما لم يبلغها. قال محمد بن رشد: الرجل في كتابه إلى امرأته بالطلاق محمول على الإجماع إذا لم تكن له نية، فإذا كتب الرجل إلى امرأته بالطلاق فليس له أن يحبس الكتاب إلا أن يكون كتبه على أن يستشير وينظر فإذا أخرج الكتاب من يده وهو مجمع على الطلاق أو وهو لا نية له فليس له أن يرده، وأما إن كان أخرجه من يده على أن يرده إن أحب فقيل: له أن يرده، وقيل ليس له أن يرده على ما ذكر هاهنا من الاختلاف في ذلك، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في سماع أشهب من كتاب طلاق السنة وفي سماع أصبغ من كتاب التخيير والتمليك فلا معنى لإعادة ذلك هنا وبالله التوفيق. [حلف بطلاق امرأته ألا يدخل بيت فلان فيدخل داره ولم يدخل البيت] ومن كتاب الرهون وعن رجل حلف بطلاق امرأته ألا يدخل بيت فلان فيدخل داره ولم يدخل البيت أنه إن كانت الدار لا تدخل إلا بإذن ولو سرق منها شيء قطع سارقه فإني أرى إذا دخل فقد حنث، وإما إن كانت دارا جامعة لناس شتى تدخل بغير إذن ولو كان سرق منها شيء لم يقطع سارقه إنما هي كالطريق فلا أراه حنث، قال ابن القاسم: لا شيء عليه إلا أن يكون نوى الدار إلا أن يكون قال منزله، فإن الدار هي المنزل إلا أن تكون دارا مشتركة فيكون هذا التفسير فيها. قال محمد بن رشد: مالك هو المسئول المجيب، وقوله أظهر من قول ابن القاسم؛ لأنه على المشهور في المذهب من اعتبار المعاني في الأيمان وترك الاقتصار على مجرد الألفاظ؛ لأن الحالف ألا يدخل بيت رجل إنما يريد ألا يدخل مسكنه، ومسكنه هي داره التي ينفرد بسكناها ولا يشاركه أحد فيها حتى يجب القطع على من سرق منها كما يجب على من

مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يستخدم خادم فلان فأعتقت الخادم

سرق من بيته الذي يبيت فيه، وعلى هذا يأتي قوله في مسألة التغيب من آخر سماع أشهب، وأما ابن القاسم فراعى لفظ البيت وحمل يمين الحالف عليه فلم ير عليه في دخوله داره حنثا ما لم يدخل بيتا مبيته، وإنما يحنث عنده بدخول الدار إذا حلف على ألا يدخل منزله إلا أن تكون دارا مشتركة فلا يحنث إلا بدخول ما لم يشاركه أحد فيه وهو شاذ في المذهب، وسيأتي من قوله في سماع أبي زيد خلاف قوله هنا مثل قول مالك والمشهور في المذهب والله أعلم. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يستخدم خادم فلان فأعتقت الخادم] مسألة وقال في رجل حلف بطلاق امرأته ألا يستخدم خادم فلان فأعتقت الخادم، فاستعانها بعد العتق قال: يدين أيضا، إن كان إنما أراد ألا يميز عليه بخدمتها فإنه يستخدمها إذا أعتقت، وإن كان إنما كانت يمينه على استخدامها أبدا لشيء كرهه من الخادم بعينها فلا يستخدمها، وإن كان إنما أراد ألا يستخدم لذلك الرجل خادما للمن ثم عتقت فليستخدمها ولا بأس، قيل له: أرأيت إن لم تكن له نية؟ قال ابن القاسم: وإن لم تكن له نية فهو حانث. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم لم يدر فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: حلف على رجل ألا يأويه وإياه سقف بيت فجمعهم المسجد] مسألة وسئل عن رجل حلف على رجل ألا يأويه وإياه سقف بيت فجمعهم المسجد. قال: لا أرى في ذلك طلاقا وذلك ما لا يستطيع غيره، ولم يكن المسجد من البيوت التي نوى.

قال محمد بن رشد: اعتل لقوله في هذه المسألة بعلتين: إحداهما: قوله: وذلك ما لا يستطيع غيره، وذلك أنه لما كانت المساجد من البيوت التي لا يصح التحجير فيها، وكان الحالف من أجل ذلك قد علم أنه لا يمكنه التوقي من أن يجامعه فيه المحلوف عليه في المسجد، حمل يمينه على أنه إنما أراد ألا يأويه وإياه سقف بيت يمكنه التوقي في أن يجامعه فيه، والثانية: قوله: ولم يكن المسجد من البيوت التي نوى وذلك أن المساجد وإن كانت بيوتا في لسان العرب بدليل قول الله عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] فليست بيوتا في عرف كلام الناس؛ إنما البيوت عندهم في عرف كلامهم بيوت السكن فحمل يمينه على عرف الناس لا على ما يقع عليه اسم بيت في اللسان العربي، فعلى هذه العلة لا يحنث إذا اجتمع معه في الحمام، خلاف قوله في سماع أبي زيد وهذا أصل مختلف فيه في المذهب، والقولان قائمان من المدنية، قال فيها في الذي يحلف ألا يأكل لحما فأكل لحم الحوت إنه حانث إلا أن تكون له نية لأن الله سماه لحما، وإن كان اللحم في عرف كلام الناس إنما يوقعونه على لحم ذوات الأربع. وأما ما في سماع أبي زيد من أنه لا يحنث إذا جامعه في سقيفة فيها طريق في مروره بها فلا يحنث باتفاق، إذ ليست السقيفة التي تحتها الطريق ببيت في اللسان ولا في عرف الكلام إلا أن يقصد إلى الاجتماع معه فيها فيحنث إن كان إنما قصد هذا اجتنابه وترك مجامعته بالجلوس وغيره، وإن لم يكن نوى ذلك فلا حنث عليه عند ابن القاسم، ولكن لا يحنث عنده إذا دخل معه تحت ظل شجرة أو جدار أو شيء، قاله في المدونة وقال ابن نافع فيها: إنه حانث إن دخل معه تحت ظل جدار أو شجرة أو شيء، وأما إن حلف ألا يجمعه وإياه سقف ولم يقل سقف بيت فقال ابن حبيب: إنه لا يجامعه في مقعد ولا موقف لا تحت سقف ولا في صحراء إلا أن يريد ترك مجامعته في البيوت المسكونة وبالله التوفيق.

مسألة: حلف لامرأته بالطلاق ثلاثا ألا يكسوها وكانت لها ثياب مرهونة عند رجل

[مسألة: حلف لامرأته بالطلاق ثلاثا ألا يكسوها وكانت لها ثياب مرهونة عند رجل] مسألة وعن رجل حلف لامرأته بالطلاق ثلاثا ألا يكسوها وكانت لها ثياب مرهونة عند رجل فافتكها لها أو حلف إلا يطعمها وكان لها طعام مرهون فافتداه لها، قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال: أرى الطلاق قد وقع عليه بأنها قد طعمت ولبست ولقد عرضتها على مالك فردها علي وأنا أراه أنه حانث إلا أن يكون نوى استحداث ثياب يشتريها أو طعاما يشتريه سوى ذلك فإن كانت تلك نيته وقال: لم أرد هذا وإنما أردت استحداثا لم ير عليه شيئا، وإن لم تكن له نية فهو حانث. قال محمد بن رشد: هذا نص ما في المدونة في هذه المسألة وقول ابن القاسم فيها: إنه حانث إلا أن يكون أراد الشراء صحيح بين، إذ لم يحلف على الشراء فيحمل عليه حتى يريد ما سواه، وإنما حلف ألا يكسوها، وإذا افتك لها الثياب فكأنه قد كساها إذ لم تصل إلى لباس الثياب إلا بافتدائه لها، وأيضا فقد صار ممتنا عليها بلباسها الثياب، والظاهر من يمينه أنها من ناحية المن وبالله التوفيق. [مسألة: خرجت امرأته تزور بعض أهلها فحلف زوجها بطلاقها واحدة ألا يرسل إليها بنفقتها] مسألة قال ابن القاسم في رجل خرجت امرأته تزور بعض أهلها فحلف زوجها بطلاقها واحدة ألا يرسل إليها بنفقتها حتى تكون هي التي ترسل، فمكث زمانا فكرهت أن ترسل فاستدانت على نفسها بنفقة ثم طلبت النفقة من زوجها بكل ما غابت عنه، وقال الزوج: أنت الذي تركت ذلك حين لم ترجعي إلى بيتك ولم تطالبه مني. إن لها النفقة لكل ما غابت، وذلك أنه لو شاء أن ينقلها إلى

نفسه نقلها ومنعها أن تستدين، ولو حلف بطلاقها البتة لرأيت أن لها النفقة أيضا. قال محمد بن رشد: قوله: أرى لها النفقة لكل ما غابت وذلك أنه لو شاء أن ينقلها إلى نفسه نقلها، يدل على أنه لو أرسل إلى نقلها فأبت من الانتقال إليه وغلبته على ذلك لم يكن لها أن تتبعه بما أنفقت على نفسها واستدانته، فلا نفقة للناشز على زوجها بدليل هذه الرواية، وفي شرح الأبهري الكبير أن ذلك إجماع من أهل العلم؛ إذ الامتناع بالاستمتاع ومنها، وفي كتاب محمد بن المواز عن مالك أن لها النفقة، قال في امرأة غلبت زوجها فخرجت من منزله فأرسل إليها فلم ترجع فامتنع من النفقة عليها حتى ترجع فأنفقت على نفسها ثم طلبته بذلك، قال: ذلك لها عليه يغرمه لها، وإلى هذا ذهب سحنون في كتابه لأنه فرق بين أن تنشز عنه مدعية للطلاق أو بغضة فيه، فقال: إن نشزت عنه بغضة فيه فلها النفقة كالعبد الآبق نفقته على سيده، وذهب ابن الشقاق إلى أنها لا نفقة لها قياسا على مذهب ابن القاسم في المدونة في التي تغلب زوجها فتخرج من منزله في عدتها من الطلاق البائن وتسكن غيره أنها لا كراء لها على الزوج في البيت الذي سكنته، وليس ذلك بصحيح لأن ابن القاسم قد فرق بين المسألتين في كتاب ابن المواز، فأوجب للناشز النفقة بخلاف مسألة العدة، والفرق بينهما بيّن؛ لأن السكنى إنما يتعين لها في المسكن الذي طلقها فيه لا في ذمته فليس لها أن توجب في ذمته ما لم يجب لها فيها، وقالوا: إن الاختلاف في هذا جارٍ على اختلافهم في النفقة على الزوجات هل هو واجبة بحق العقد أو بحق الاستمتاع، ولا يستقيم ذلك لأنها لو وجبت بحق العقد لوجبت للصغيرة التي لا يوطأ مثلها على زوجها الصغير والكبير، ولو وجبت بحق الاستمتاع لسقطت النفقة عن الزوج في زوجته إذا حدث بها بعد الدخول داء لا يقدر معه على الوطء أو مرضت مرضا لا يمكن معه جماعها، فالمعنى في ذلك عندي إنما هو أن النفقة لما كانت مرة يعتبر فيها

مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا ينفع فلانا فأمر غلامه أن يسقيه فسقاه

الاستمتاع دون العقد ومرة يعتبر فيها العقد دون الاستمتاع اختلف فيها أيهما يغلب في الناشز، وعلى هذا اختلفوا في الكبير يتزوج التي لا يوطأ مثلها فمن غلب في النفقة حق الاستمتاع لم يوجب لها نفقة عليه حتى يدعى إلى الدخول وهو المشهور في المذهب، ومن غلب حق العقد رأى لها النفقة حتى يحال بينه وبين الدخول، وهو دليل ما في الزكاة الثاني من المدونة وتفرقة من فرق في ذلك بين اليتيمة وغير اليتيمة استحسان إذ لا يخرج موجب النفقة لها عن أخذ القولين والله أعلم. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا ينفع فلانا فأمر غلامه أن يسقيه فسقاه] مسألة وعن رجل حلف بطلاق امرأته ألا ينفع فلانا فأمر غلامه أن يسقيه فسقاه، ولم يكن ذلك في نيته أن يسقيه وإنما أراد ألا ينفعه، إني أرى الطلاق قد وقع عليه. وذلك أن سقيه إياه منفعة، إلا أن تكون له نية من سلف أو غيره. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه قد عم جميع وجوه المنافع بقوله ألا ينفع فلانا فوجب أن يحنث إلا أن تكون له نية في وجه من وجوه المنافع، دون غيره فيصدق في ذلك مع يمينه، وإن قامت عليه بينة؛ لأنها نية محتملة غير مخالفة لظاهر قوله وبالله التوفيق. [مسألة: قال إن لم أحج فامرأتي طالق البتة ولم يسم العام الذي يحج فيه] مسألة وقال في رجل قال: إن لم أحج فامرأتي طالق البتة ولم يسم العام الذي يحج فيه: إنه لا يطأ امرأته ولا ينبغي له ذلك حتى يحج، فإن قال بيني وبين ذلك زمانا قيل أحرم واخرج، فإنها إن رفعت ذلك ضرب لها أجل المولي، قلت: فإن لم يحج من عامه وعليه من الزمان ما يحج مثله، قال ابن القاسم: إن رضيت امرأته أن تقيم معه بغير مسيس فليحج متى شاء، وإن رفعت أمره أو طلبت المسيس قيل له أحرم، وإن كان ذلك في المحرم، فإن أبى أن يحرم ضرب له أجل المولي فإن أحرم في ذلك الأجل لم

يفرق بينه وبين امرأته وإن مضت أربعة أشهر ولم يحرم طلقت عليه. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية مثل ظاهر قول ابن القاسم في المدونة إن الحالف بطلاق البتة إن لم يحج يمنع من الوطء من يوم حلف، وإن لم يأت بعد إبان خروج الناس إلى الحج، فإن رفعت امرأته أمرها إلى السلطان ضرب له أجل المولي، قال غيره في المدونة: إذا تبين ضرره بها، وقيل له: اخرج وأحرم وإن كان ذلك في المحرم، ومعنى ذلك على ما قاله عيسى بن دينار إذا وجد صحابة، وأما إذا لم يجد صحابة فلا يؤمر بالإحرام ولا يضرب له أجل المولي، وفي المسألة قول ثان وهو أنه لا يمنع من الوطء ولا يضرب له أجل المولي حتى يأتي وقت إبان خروج الناس إلى الحج، روى ذلك ابن نافع عن مالك، فإن ضرب له أجل الإيلاء وخرج فأدرك الحج قبل انقضاء أجل الإيلاء فحج بر وسقط عنه الإيلاء، وإن لم يحج طلق عليه بالإيلاء عند انقضاء أجله، وإن انقضى أجل الإيلاء قبل وقت الحج لم يطلق عليه حتى يأتي وقت الحج، فإن أتى وقت الحج فحج بر وسقط عنه الإيلاء، وإن لم يحج طلق عليه بالإيلاء، وإن لم يضرب له أجل الإيلاء ولا خرج حتى فاته الحج ضرب له أجل الإيلاء أيضا وقيل له: اخرج وأحرم على القول الأول، وأما على القول الثاني فقيل: إنه يطلق عليه وهو قول ابن القاسم، وقيل: إنه يرجع إلى الوطء حتى يأتي وقت إبان خروج الناس إلى الحج، وهو قول أشهب وقيل: إنه لا يرجع إلى الوطء أبدا ويضرب له أجل الإيلاء متى ما قامت به امرأته وفي المسألة أيضا قول ثالث وهو أنه لا يمنع من الوطء حتى يخشى أن يفوته الحج، فإذا خشي فواته وقامت به امرأته ضرب له أجل المولي وقيل له: اخرج فإن خرج فأدرك الحج بإسراع السير بر وسقط عنه الإيلاء، وإن لم يدرك الحج طلق عليه بالإيلاء إن كان قد انقضى أجله أو عند انقضائه إن كان لم ينقض بعد، وفي المسألة أيضا قول رابع وهو أنه لا يمنع من الوطء حتى يخشى أن يفوته الحج، فإذا فاته الحج وقامت به امرأته ضرب له أجل الإيلاء، فإن خرج لم تطلق عليه بانقضاء أجل الإيلاء حتى يأتي وقت الحج، فإن أتى

مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يدعها تخرج شهرا إلا لنقلة من منزل إلى منزل

وقت الحج فحج بر وسقط عنه الإيلاء، وإن أتى وقت الحج فلم يحج طلق عليه بالإيلاء، وإن لم يخرج حتى انقضى أجل الإيلاء طلق عليه بالإيلاء، وهذان القولان الثالث والرابع من المدونة، وإن كان يوم حلف لم يبق بينه وبين وقت الحج ما يدرك فيه الحج فلا يمنع من الوطء ولا يدخل عليه الإيلاء في بقية ذلك العام، وهو دليل قوله في الرواية، فإن لم يحج من عامه وعليه من الزمان ما يحج في مثله فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يدعها تخرج شهرا إلا لنقلة من منزل إلى منزل] مسألة وعن رجل حلف بطلاق امرأته ألا يدعها تخرج شهرا، إلا لنقلة من منزل إلى منزل فأراد أن يخرج بها إلى قرية ثم يرجع قال: لا أرى أن يخرج بها إلا أن يريد الخروج بها من ذلك المنزل. قال محمد بن رشد: قوله إلا أن يريد الخروج من ذلك المنزل معناه إلا أن يريد الانتقال من ذلك المنزل، وذلك لا يكون إلا بأن ينتقل عنه انتقالا صحيحا بجميع متاعه، فإذا فعل ذلك فلا حنث عليه، قال في سماع أبي زيد: وذلك إذا كان لخروجه مكث طويل شهرا أو نحوه، وذلك أنه حد من حلف لينتقلن من هذا المنزل استحسانا ولو رجع فيما دون الشهر لم يحنث على ما مضى القول فيه في آخر رسم من سماع أشهب وفي غيره وبالله التوفيق. [مسألة: يأمر امرأته أن تعمل عملا ويقول أنت طالق إن لم تفرغي منه] مسألة وقال في الرجل يأمر امرأته أن تعمل عملا ويقول أنت طالق إن لم تفرغي منه إلى أن أرجع إليك إن لم أهجرك أنه يهجرها ثلاثة أيام، يعني إذا لم تفرغ قبل رجوعه، فإن لم يهجرها فهو حانث.

مسألة: يقول لامرأته أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة

قال محمد بن رشد: قد حكى ابن حبيب خلاف هذا عن ابن القاسم أنه لا يبر إلا بأن يهجرها شهرا، ولو قال إن لم أطل هجرانك لبر على القول الأول بالشهر، وهو قول ابن الماجشون، وعلى القول الثاني لا يبر إلا بأن يهجرها سنة، ولو قال أن أهجرك حينا أو زمانا لبر بالسنة واختلف في الدهر، فقيل فيه السنة، وقيل أكثر من السنة، روي ذلك عن مالك، وقال مطرف السنتان في الدهر قليل وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة] مسألة وقال عن مالك في الرجل يقول لامرأته أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة إنها طالق ساعتئذ، قال ابن القاسم: وإن لم أدخل الجنة عندي مثله. قال محمد بن رشد: ساوى ابن القاسم بين أن يحلف الرجل بالطلاق أنه من أهل الجنة وبين أن يحلف ليدخلن الجنة في أن الطلاق قد وجب عليه، ومثله في المبسوطة لمالك إذا حلف على ذلك حتما، وقال الليث بن سعد: إنه لا شيء عليه، ونزع بقول الله عز وجل: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] وإليه ذهب ابن وهب ولا يخلو الحالف على هذا من أن يريد بيمينه أنه من أهل الجنة الذين لا يدخلون النار أو أنه من أهل الجنة الذين لا يخلدون في النار أو لا تكون له نية في شيء من ذلك، فأما إن أراد بيمينه أنه من أهل الجنة الذين لا يدخلون النار فتعجيل الطلاق عليه بين ظاهر؛ لأن المسلم لا يسلم من مواقعة الذنوب، إذ لا يعصم منها الأنبياء فضلا عمن سواهم، قال الله عز وجل لنبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] وفي وصية الخضر لموسى: واستكثر من الحسنات فإنك مصيب السيئات، واعمل خيرا فإنك لا بد

عامل شرا، ولا يدري الحالف هل يغفر الله له ذنوبه أم لا؟ لأنه عز وجل يقول في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] فالحالف على هذا إنما هو حالف على أن يغفر الله ذنوبه، فهو حالف على غيب لا يعلمه إلا الله، ولا اختلاف في إيجاب تعجيل الطلاق على من حلف، فلا ينبغي أن يختلف على هذا الوجه، وأما إن أراد بيمينه أنه من أهل الجنة الذين لا يخلدون في النار فالمعنى في يمينه إنما هو لا يكفر بعد إيمانه ولا ينتقل عن إسلامه وليثبتن عليه إلى الموت، الحالف على هذا حالف ليفعلن ما أمر به من الثبوت على الإسلام حتى يأتيه الموت وهو عليه، قال الله عز وجل: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] أي اثبتوا على إسلامكم حتى يتوفاكم ملك الموت فهذا بين أنه لا شيء عليه؛ لأنه إنما هو حالف ألا يكفر وأن يثبت على إسلامه، فهو في التمثيل كمن حلف بالطلاق أن يقيم في هذه البلدة ولا يخرج منها حتى يأتيه الموت فلا شيء عليه، لا يجب عليه الطلاق إلا بالخروج من البلدة، فكذلك هذا لا يجب عليه الطلاق إلا بالكفر، فلا ينبغي أن يختلف في هذا أيضا، وأما إن لم تكن له نية فالظاهر من مذهب مالك وابن القاسم أن يمينه تحمل على الوجه الأول فيعجل عليه الطلاق، والأظهر أن يفرق بين اللفظين فيحمل قوله: إن لم أكن من أهل الجنة على الوجه الأول فيعجل عليه الطلاق، والأظهر فيه أنه لا يطلق القول على أحد أنه من أهل الجنة إلا إذا لم يدخل النار، ويحمل قوله إن لم أدخل الجنة على الوجه الثاني فلا يكون عليه شيء؛ لأن الظاهر من قوله إن لم أدخل الجنة إن لم أدخلها أصلا، فهو بمنزلة ما لو قال: إن خلدت في النار، وذلك يرجع إلى أنه إنما حلف ألا يكفر وأن يثبت على إيمانه، وأما قول الليث بن سعد وابن وهب فمعناه عندي أنهما حملا يمينه إذا لم تكن له نية على الوجه الثاني، ولهذا قال إنه لا شيء عليه، ولا يصح أن يتأول عليهما أنهما حملا يمينه على الوجه الأول ولم يوجبا عليه الطلاق؛ لأن ذلك يخرج إلى الإرجاء الصريح ومن

مسألة: قال كل ثيب أنكحها فهي طالق ثم قال بعد ذلك كل بكر أنكحها فهي طالق

الحق أن ينزها عن أن يتأول عليهما ما يخرج إلى هذا فالاختلاف في هذا بين مالك والليث إنما يعود إلى ما يحمل عليه يمينه إذا لم تكن له نية وبالله التوفيق. [مسألة: قال كل ثيب أنكحها فهي طالق ثم قال بعد ذلك كل بكر أنكحها فهي طالق] مسألة وقال في رجل كل ثيب أنكحها فهي طالق، ثم قال بعد ذلك كل بكر أنكحها فهي طالق أنه يجوز له نكاح الصنف الذي حلف عليه آخرا ولا يجوز له نكاح الصنف الأول وهو رأي ابن القاسم، وأما مالك فليس قوله، سمعت مالكا يقول: لا ينكح واحدة منهما ولست أراه بارا أن ينكح الآخرة منهما. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم أظهر، وقد وقع له مثله في آخر رسم الصلاة من سماع يحيى؛ لأن اليمين لازمة له في الصنف الأول، فهو يجوز له نكاح شيء منه فكان بمنزلة من قال بعد ذلك كل امرأة أنكحها بأرض الإسلام فهي طالق وهو لا يقدر على الدخول إلى أرض الحراب، أو بمنزلة من قال كل امرأة أتزوجها إلا بالصين فهي طالق وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأتي طالق لأن رؤي الليلة الهلال إن صمت غدا مع الناس فرئي الهلال تلك الليلة] مسألة وعن قوم اجتمعوا في منزل فذكروا هلال رمضان فقال بعضهم: هو يرى الليلة، فقال رجل منهم: امرأتي طالق لأن رؤي الليلة الهلال إن صمت غدا مع الناس، فرئي الهلال تلك الليلة فخرج الرجل من جوف الليل إلى سفر فأفطر وخرج إلى سفر تقصر فيه الصلاة ويجوز في مثله الفطر. قال: أرى عليه الطلاق إلا أن يكون نوى ذلك فيدينه وإن كانت عليه بينة فله نيته. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يحنث إلا أن ينوي ذلك لأن

مسألة: قال لامرأته أنت طالق إلى ألف سنة أو خمسمائة سنة

الظاهر من مقصده أنه لم ينو ذلك، وأنه إنما أراد أن يخالف الناس فيما يجب عليه من الصيام ورؤيته إياه فيفطر وهو مقيم، فإن كان نوى ذلك فيدين في نيته يريد مع يمينه، وإن كانت عليه بينة لأنها نية محتملة لا تخالف ظاهر قوله وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق إلى ألف سنة أو خمسمائة سنة] مسألة قال ابن القاسم: إنا نقول فيما بلغنا ونظنه من قول مالك، من قال لامرأته أنت طالق إلى ألف سنة أو خمسمائة سنة لا طلاق عليه، وإنما الطلاق في الأجل الذي يطلق به عليه ساعتئذ كل أجل كان يبلغه أعمار الناس، فكل أجل لا تبلغه الأعمار فليس بطلاق. قال محمد بن رشد: قوله: فأما كل أجل لا تبلغه الأعمار فليس بطلاق يريد الأعمار الذي يعمر إليها المفقود على الاختلاف الذي بينهم في ذلك وقد مضى هذا في رسم سلف وبالله التوفيق. [مسألة: قال قد حلفت بالطلاق حتى إن امرأتي مني حرام] مسألة قال ابن القاسم وسئل مالك عن رجل قال: قد حلفت بالطلاق حتى إن امرأتي مني حرام. قال: يحلف بالله ما أراد الطلاق وما امرأته معه حرام ويخلى بينهما. قال محمد بن رشد: قال ابن دحون في هذه المسألة إنها مسألة حائلة لا أصل لها في الفتيا إذ كان يجب أن يتبين منه بإقراره وإلى هذا ذهب ابن زرب فجعل أول مسألة من رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى مخالفة لها، وليس كما قاله؛ إذ ليس ذلك بإقرار صريح لأنه لم يقر أنه

مسألة: يحلف لامرأته بطلاق كل امرأة ينكحها عليها فهي طالق البتة فيتزوج عليها سرا

حنث، فاحتمل عند مالك أن يكون أراد أنه خشي على نفسه الحنث لكثرة أيمانه بالطلاق فلذلك نواه مع يمينه والله أعلم. [مسألة: يحلف لامرأته بطلاق كل امرأة ينكحها عليها فهي طالق البتة فيتزوج عليها سرا] مسألة وسئل عن الرجل يحلف لامرأته بطلاق كل امرأة ينكحها عليها فهي طالق البتة، فيتزوج عليها سرا لا يعلم بذلك ثم يموت وقد علم الشهود بذلك أو لم يعلموا، فقام الشهود أترثه هذه المرأة التي تزوج عليها؟ . قال: أما إذا علموا فلا شك أنها ترثه، وأما إذا لم يعلموا فقد اختلف فيه ورأيي أنها ترثه. قال محمد بن رشد: قوله: وقد علم الشهود بذلك أو لم يعلموا، علموا بتزويجه ودخوله عليها أو لم يعلموا بذلك فورثها منه إذا علم الشهود بذلك فلم يقوموا عليه حتى مات؛ لأنه أسقط شهادتهم بترك قيامهم بها، وكذلك لو ماتت هي لورثها هو إذا كان منكرا لليمين؛ لأن الشهادة قد بطلت بترك قيامهم بها، وسحنون لا يرى ترك قيامهم بالشهادة لاختلاف الناس في لزوم اليمين بالطلاق قبل النكاح وهو قول مالك في رواية أبي ضمرة من سماع حسين بن عاصم من كتاب الشهادات قوله فيه: فأما الشهادة بالحنث فإن ذلك ماضي، وإنما ورثها منه إذا لم يعلم الشهود من أجل أن القيام عليه إنما كان بعد موته لا من أجل اختلاف الناس في اليمين إذ لم يقل بذلك ولا رعاه، ولو ماتت هي لم يرثها هو على هذا التعليل، وهو قول مالك في رسم حمل صبيا قبل هذا، ولو كان القيام عليه قبل موته لم يتوارثا إذ لم يراع في ذلك الاختلاف في اليمين، وهو مذهبه في المدونة؛ لأنه جعل عليها العدة ثلاث حيض فدل ذلك على أنه لا ميراث بينهما، ويأتي على ما في سماع أبي زيد من أنه لا يفرق بينهما إذا دخلا مراعاة الاختلاف أنهما يتوارثان أيضا مراعاة للاختلاف، وقد مضى في رسم إن خرجت ما فيه بيان لما ذكرناه وبالله التوفيق.

مسألة: يقول لامرأته أنت طالق إلى سنة إلا أن يبدو لي ألا أطلقك

[مسألة: يقول لامرأته أنت طالق إلى سنة إلا أن يبدو لي ألا أطلقك] مسألة وسئل مالك عن الذي يقول لامرأته أنت طالق إلى سنة إلا أن يبدو لي ألا أطلقك أو يقول لعبده أنت حر إلا أن يبدو لي ألا أعتقك، فهذا كله سواء الأجل وغير الأجل في هذا سواء أراها طالقا وأراه حرا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو بين لا اختلاف فيه لأن قوله في الطلاق والعتق بعد أن أوقع ذلك على نفسه معجلا أو إلى أجل: إلا أن يبدو لي بداء منه في الطلاق والعتق الذي أوجبه على نفسه وذلك لا يجوز له، ولو قال امرأتي طالق إن فعلت كذا وكذا إلا أن يبدو أو إلا أن أرى غير ذلك لكان ذلك له، وقد مضى في رسم أوصى القول بالاستثناء في مشيئة الله باليمين بالطلاق كله، وتدبر افتراق المعاني فيه تصب إن شاء الله. [حلف بالطلاق في خصومة بينه وبين رجل ألا يفارقه حتى يبلغ أقصى حقه] ومن كتاب البراءة وسئل عن رجل حلف بالطلاق في خصومة بينه وبين رجل ألا يفارقه حتى يبلغ أقصى حقه في خصومته معه فوجد شاهدا واحدا قيل له احلف مع شاهدك وخذ حقك فنكل عن اليمين. فقال إن كان حقا يعلمه فنكل فهو حانث وإن كان لا يعلم أحق هو أم باطل إلا بشهادة الشاهد من موروث وقع له أو لغيره فترك اليمين فهو أيضا حانث، وإن كان يعلم يقينا أنه لا حق له عليه وإنما أراد غيظه وأراد ألا يأخذ منه شيئا تلك نيته فترك اليمين فلا حنث عليه. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

مسألة: قول الرجل امرأته طالق ثلاثا إن لم أطلقها عند رأس الهلال واحدة

[مسألة: قول الرجل امرأته طالق ثلاثا إن لم أطلقها عند رأس الهلال واحدة] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يحلف بالطلاق البتة ليطلقها رأس الهلال واحدة ثم أراد أن يتعجل تلك التطليقة فيطلقها قبل رأس الهلال هل ترى ذلك يخرجه من يمينه إن فعل؟ أو قال أنت طالق واحدة إن لم أطلقك عند رأس الهلال واحدة، هل الواحدة أو البتة في ذلك سواء؟ . قال: إن طلقها قبل رأس الهلال التطليقة التي جعل عند رأس الهلال لم يكن عليه إلا تطليقة واحدة، ولو لم يطلقها أيضا كانت طالقا واحدة ساعة تكلم بذلك ولم يؤخر إلى رأس الهلال ولو أبى إذا حلف بالله وقف فقيل له إما أن تطلق الساعة واحدة أو طلقت عليك البتة. قال محمد بن رشد: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول الرجل امرأته طالق ثلاثا إن لم أطلقها عند رأس الهلال واحدة، ثلاثة أقوال: أحدها قول ابن القاسم هذا إنه إن عجل عليه التطليقة التي جعل عند رأس الشهر [لم يكن عليه غيرها يأتي على مذهبه في المدونة في الذي يقول امرأتي طالق إن لم أطلقها أنه يعجل عليه الطلاق، والثاني أنه إن عجل الطلقة التي جعل عند الشهر لم يلزمه غيرها وإن أبى أن يعجلها ترك ولم يوقف على الطلاق، فإن لم يطلق حتى يحل الشهر بانت منه بالثلاث، وهو قول أصبغ وسحنون، وعليه يأتي ما في سماع أبي زيد من كتاب التخيير والتمليك؛ والثالث أنه لا يوقف حتى يأتي الشهر فيبر بالطلاق عنده أو يحنث، وإن عجل التطليقة قبل أن يأتي الشهر] لم يخرجه ذلك من يمينه ولم يكن له بد من أن يطلق عند رأس الهلال وإلا حنث، وهو قول المغيرة، وقد مضى تحصيل القول وبيانه في هذه المسألة في رسم حلف من سماع ابن القاسم من

مسألة: ضايقه أبوه في شيء فحلف بالطلاق ألا يدخل تلك القرية سنة إلا عابر سبيل

كتاب التخيير والتمليك وفي رسم أوصى من سماع عيسى منه حاشى قول المغيرة هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: ضايقه أبوه في شيء فحلف بالطلاق ألا يدخل تلك القرية سنة إلا عابر سبيل] مسألة وقال ابن القاسم في رجل ضايقه أبوه في شيء وكان ساكنا معه في قرية فحلف بالطلاق ألا يدخل تلك القرية سنة إلا عابر سبيل، فقدمها مجتازا فبات ليلة ثم أصبح غاديا أو قدمها في أول النهار فرحل عنها من يومه أو مع الليل أو بعد العصر. قال: إن كان وجهه حين مر بها لغيرها لم يتعمد في الخروج إلى ذلك الموضع إرادة المرور بها إلا لحاجته إلى موضع غيرها ثم نزل بها مجتازا فلا بأس بما أقام إذا كان لا يقيم إلا كما يقيم المسافر لصلاح حاجته وما لا بد له كما يصنع الناس في المناهل، وليس في ذلك وقت إذا لم تكن إقامته للمنزل خاصة، وإن أراد الإقامة فلا بأس أن يتباعد عنها. وحد ما يتباعد الخمسة أميال والعشرة ونحوها. قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا حلف ألا يدخل القرية إلا مجتازا فلا بأس عليه في إقامته بها لصلاح حاجته إذا مر عليها مجتازا عليها إلى غيرها صحيح بيّن في المعنى لا اختلاف فيه، ولا حد على ما ذكر ولو حبسه بها كريه اليوم بعد اليوم لم يحنث ما لم ينو أن يقيم بها إقامة تلزمه إتمام الصلاة بها، وأما قوله: إذا أراد الإقامة بها فإنه يتباعد عنها الخمسة الأميال والعشرة أميال ونحوها فقد مضى في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب ما في حد ذلك من الاختلاف فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [قال لختنه زوج ابنته إني أسألك حاجة فاحلف لي بالطلاق أن تقضيها] وفي كتاب الجراب وسألته عن رجل قال لختنه زوج ابنته إني أسألك حاجة

فاحلف لي بالطلاق أن تقضيها، فحلف بطلاق امرأته البتة أن يقضيها، فقال له: طلق ابنتي فطلقها واحدة، فقال الأب: إنما أردت البتة كيف الأمر في هذا؟ قال ابن القاسم: القول قول الختن وهي البتة إذا كان كلامه ذلك كلاما واحدا كما ذكرت على المراجعة والنسق، وهي طالق على كل حال ثلاثا قد حلف له بالبتة ليفعلن وقد أراد الأب البتة حين راجعه في كلامه فقال إنما أردت البتة، وإنما سألتك البتة فهي البتة وإن افترقا وتداعيا بعد ذلك فقال الزوج: إنما سألتني واحدة وقد طلقتها، وقال الأب بل سألتك البتة فالقول قول الزوج والبينة على الأب؛ لأنه مدعى عليه بطلاق البتات، والزوج منكر فالقول قول الزوج ويحلف. قيل لسحنون ما تقول في عبد قال لسيده إني أسألك حاجة أفتقضيها لي؟ قال: نعم، فقال له العبد: فاحلف لي أن تقضيها لي، فقال له السيد: امرأته طالق إن لم أقضها لك، فقال له العبد: فاعتقني. قال: لا يلزمه عتقه وليس بحانث لأن هذه ليست من الحوائج التي يقضيها الناس، ولا يسألونها، قيل له: فلو قال له العبد لما أسعفه المولى بقضاء حاجته قال ما أقول لك؟ فقال المولى: امرأته طالق إن لم أقل ما تقول، قال العبد: قل أنت حر، قال أراه حانثا إن لم يقل كما قال العبد؛ إلا أن يستثني السيد بيمينه إلا أن تقول أنت حر. قال محمد بن رشد: لم يتكلم ابن القاسم على مسألة سحنون في الذي استحلف سيده بالطلاق أن يقضي له حاجته، فلما حلف له قال اعتقني ويشبه ألا يخالفه ابن القاسم فيها لأن المسألتين مفترقتان بأن العبد

سأل العتق لنفسه ولم يسأله له غيره، وسأل الطلاق للمرأة غيرها ولم تسأله هي لنفسها؛ لأن من أعتق لا يقال له في عرف التخاطب إنه قضيت له حاجة بعتقه، وكذلك الطلاق لأنهما أعلى بأن يسميا حاجة في حق المعتق والمطلقة، وإنما يصح أن يسميا حاجة في حق من سأل ذلك لهما لغرض يكون له فيه، قال الله عز وجل: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} [يوسف: 68] . وأما سحنون فساوى بين المسألتين، وذلك أن له في كتاب ابنه في مسألة ابن القاسم أن الزوج لا يلزمه الطلاق وإن قال: لم أظن أنك تسألني مثل هذا؛ لأن هذا ليس من الحوائج التي يتعارف الناس سؤالها إلا أن يكون جرى من الكلام ما يظن أنه أراد بحاجته الطلاق. وذهب ابن دحون إلى أن يرد قول ابن القاسم إلى قول سحنون فقال: إنما ألزمه ابن القاسم الطلاق لأنه أسعفه فيما سأله، ولو قال له ليست هذه من الحوائج التي تنقضي لما لزمه شيء على ما فسره سحنون في مسألة العبد. والصواب أن ابن القاسم يوافق سحنون في مسألة العبد ويخالفه فيما له في كتاب ابنه في مسألة الطلاق للفرق الذي ذكرناه بين المسألتين والله تعالى الموفق. والظاهر من قول سحنون أن السيد إذا استحلفه العبد بالطلاق أن يقول مثل قوله، فقال له العبد: قل أنت حر، فإنه إن قال ذلك لزمته حرية العبد، وان لم يقله لزمه طلاق امرأته، وهذا يأتي على القول بأن العتق يلزم باللفظ دون النية، وعليه يأتي قول أشهب في مسألة ناصح ومرزوق من كتاب العتق الأول من المدونة، وعلى قول القاسم لا يلزمه الحرية وإن قال ذلك إلا أن يقوله وهو يريد بذلك الحرية على طريقة الإسعاف وبالله التوفيق.

مسألة: عبد قال كل امرأة أتزوجها ما دمت عبدا فهي طالق

[مسألة: عبد قال كل امرأة أتزوجها ما دمت عبدا فهي طالق] مسألة وسألته عن العبد يقول كل امرأة أتزوجها ما دمت عبدا فهي طالق، أو يقول كل امرأة أنكحها في أرض الإسلام فهي طالق، والحر يقول كل امرأة أتزوجها فهي طالق. قال ابن القاسم: أما العبد الذي قال كل امرأة أتزوجها ما دمت عبدا فهي طالق، فإن ذلك يلزمه لأن ذلك أجل، بمنزلة الذي يقول كل امرأة أتزوجها ما دامت أمي حية فهي طالق فهو على مثل ما قال؛ لأن ذلك أجل فهو بمنزلة أو أشد، فإن قلت إن ذلك حرم النساء كلهن ما دام عبدا فليس له أن يحرم النساء جميعا، فإن هذا أيضا قد حرم النساء جمعا ما دامت أمه باقية، وإنما لزمهما ذلك من قبل أنه أجل حياة أمه والحرية كأنها أجل إلا أن يخاف العنت ولا يقدر على التسرر فلا بأس أن ينكحها، وأما الذي قال كل امرأة أتزوجها بأرض الإسلام فإن كان يقدر على الدخول في أرض الحرب فعل وإلا لم أر بأسا أن ينكح، وأما الذي قال كل حرة أتزوجها بأرض الإسلام فهي طالق فهو كما قال قد حرم عليه الحرائر لأنه قد أبقى لنفسه من النساء الإماء ونكاح الإماء له حلال. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على ما بني عليه أصل المذهب من أن من حلف بطلاق ما يتزوج فحنث أو طلق ذلك من غير يمين يلزمه إذا خص ولا يلزمه إذا عم، والتخصيص يكون بالأعيان وبالأزمان وبالبلدان وبالانتساب فمن التخصيص بالأعيان أن يخص الحرائر دون الإماء أو الإماء دون الحرائر أو الأبكار، دون الثيب والثيب دون الأبكار، ومن التخصيص بالأزمان أن يقول كل امرأة أتزوجها إلى أجل كذا وكذا مما يبلغه عمره على ما مضى في رسم الرهون وغيره أو ما دمت عبدا

قال لامرأته إن أمكنتني من حلق رأسك فلم أحلقه فأنت طالق البتة

أو ما دام فلان حيا وما أشبهه ذلك، فهذا يلزمه إلا أنه يباح له التزويج إن خشي العنت على نفسه ولم يكن له من المال ما يتسرر به؛ لأنه قد حرم على نفسه جميع النساء في هذه الحال، ومن التخصيص بالبلدان أن يقول كل امرأة أتزوجها في مصر أو فيما عدا مصر وما أشبه ذلك، ومن ذلك أن يقول كل امرأة أتزوجها بأرض الإسلام فهي طالق وهو يقدر على الدخول في أرض الحرب، إلا أن هذا يختلف فيه، فقال ابن القاسم هو تخصيص يلزمه، وقال أصبغ ليس بتخصيص فلا يلزمه، كمن استثنى عددا يسيرا من النساء أو من قرية صغيرة، وأما إن كان لا يقدر على الدخول إلى أرض الحرب فلا يلزمه لأنه كالعموم، وقد اختلف فيمن استثنى نسوة سماها عشرا أو نحوها، فقال ابن القاسم: فهو كالعموم لا يلزمه ذلك، وقال مطرف: إن كان فيما استثنى أيضا لا زوج لها يحل له نكاحها في الحال لزمته اليمين، وقال ابن الماجشون: إن كان فيمن استثنى يحل له نكاحها يوما بعد زوج أو بعد طلاق زوج، وإن لم يكن فيهن من يحل له نكاحها في هذه الحال لزمته اليمين، قال ابن حبيب: وقول ابن القاسم رخصة وتوسعة، وقول مطرف استحسان، وقول ابن الماجشون هو القياس وبالله التوفيق. ومن التخصيص بالأنساب أن يقول كل امرأة أتزوجها من قريش أو إلا من قريش وما أشبه ذلك وبالله التوفيق. [قال لامرأته إن أمكنتني من حلق رأسك فلم أحلقه فأنت طالق البتة] ومن كتاب إن أمكنتني من حلق رأسك قال ابن القاسم في رجل قال لامرأته إن أمكنتني من حلق رأسك فلم أحلقه فأنت طالق البتة، قلت فإن أراد أن يحلق بعد ذلك وأمكنته امرأته قال: لا ينفعه ذلك وقد حنث، وقاله ابن وهب. قال محمد: هذا بين على ما قال لأنه علق الحلق، بالتمكين في يمينه وأوجب الطلاق على نفسه بتركه الحلق بعد

مسألة: قال الرجل لامرأته أنت طالق يوم يجيء أبي

التمكين فوجب أن يحنث إذا أمكنته فلم يحلق، كما لو قال أنت طالق إن أمكنتني من حلتا رأسك لأحلقنه، فأمكنته فلم يحلق ثم أمكنته مرة أخرى فحلق لبر في يمينه، وإن لم تمكنه من الحلق لم يكن له أن يطأها حتى يحلق رأسها، فإن طلبته بحقها في الوطء ضرب له أجل الإيلاء فإن حل الأجل ولم يحلق طلق عليه بالإيلاء، وإن حلق في الأجل بر في يمينه وسقط عنه الإيلاء، وإن لم تطلبه بحقها في الوطء ولا حلق حتى مات أحدهما توارثا. لأن الحنث لا يقع عليه إلا بعد الموت إلا أن ينوي ليحلقن رأسها ساعة أمكنته من ذلك فيحنث بذلك، وقد قيل إنه محمول على التعجيل حتى يريد التأخير، والأول هو المشهور في المذهب، ولا فرق بين أن يقول الرجل امرأتي طالق إن لم أحلق رأسها وبين أن يقول امرأتي طالق لأحلقنه إن أمكنتني فأمكنته إذا لم يرد بذلك التعجيل، يبين هذا الذي ذكرناه قول مالك في أول سماع أشهب من كتاب النذور في الذي حلف إن أبق عبده ليضربنه فأبق فلم يضربه ثم أبق مرة ثانية فضربه أنه يبر بذلك وبالله التوفيق. [مسألة: قال الرجل لامرأته أنت طالق يوم يجيء أبي] مسألة وقال مالك إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق يوم يجيء أبي فإنه يمس امرأته حتى يجيء أبوه فإن جاء أبوه طلقت عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، ومثله في المدونة وغيرها وهو مما لا اختلاف فيه لأنه طلاق إلى أجل قد يكون وقد لا يكون، ولو طلقها إلى أجل لا بد أن يكون مثل أن يقول امرأتي طالق إذا مات فلان أو يموت فلان لعجل عليه الطلاق، واختلف إذا طلقها إلى أجل الأغلب منه أن يكون مثل أن يقول امرأتي طالق إذا حاضت فلانة وهي في سن من تحيض، فقال ابن القاسم يعجل عليه الطلاق، وقال أشهب لا يعجل عليه،

مسألة: قال المدين قد قضيتك فإذا أنكرت فأنا آتيك بحقك غدا فحلف له بالطلاق

واختلف في ذلك أيضا قول مالك وبالله التوفيق. [مسألة: قال المدين قد قضيتك فإذا أنكرت فأنا آتيك بحقك غدا فحلف له بالطلاق] مسألة وسئل عن رجل كان عليه خراج أرض فتعلق به فتحمل به رجل فغاب المتحمل به، فتعلق بالحميل فأتى بثلث دينار، فقيل له إن على صاحبك نصف دينار، فقال: لا والله لا أعرف إلا ثلث دينار، قيل له: اغرم السدس، فقال أنا آتيكم به غدا، قيل له احلف لنا بطلاق امرأتك أن تأتينا غدا بسدس دينار أو بصاحبنا، فحلف بالطلاق فخرج من عنده، فلما كان بالباب لقيه متقاضي الخراج الذي دونه، فشكى إليه وأخبره، فقال: لا والله ما على صاحبك إلا ثلث دينار، فارجع معي فرجع معه إلى الذي استحلفه، فقال له: لم ألزمت هذا بنصف دينار وليس على صاحبه إلا ثلث دينار؟ فقال له صاحبه الذي استحلفه: اذهب ليس عليك شيء، فخرج من عنده وذهب الأجل ولم يقضه. قال: أراه قد حنث، قال: وكذلك لو أن رجلا تعلق برجل في حق له فقال له: قد قضيتك، وقال صاحب الحق: ما قضيتي، فقال المطلوب: أما أنا فقد قضيت، فإذا أنكرت فأنا آتيك بحقك غدا، فحلف له بالطلاق، ثم نظر صاحب الحق في كتاب تقاضيه أو ذكر أنه قد تقاضاه منه، فقال له: اذهب ليس لي عليك شيء قد وجدت ما ادعوت عليك باطلا أنه لا يخرجه من يمينه إلا أن يوفيه الحق وإلا حنث، ثم يرده عليه. قلت فإن قامت للحالف بينة أنه قد قضاه ذلك الحق؟ قال: لو شهد له أبو شريح وسليمان بن القاسم لم يخرجه من يمينه حتى يوفيه الحق ثم يرده إليه.

قال ولقد بلغني عن مالك في رجل أسلف أخاه عشرة دنانير، واتخذ عليه طلاق امرأته أن يوفيه إلى شهر فمات أخوه المسلف قبل الشهر وليس له وارث إلا أخوه الحالف المستسلف، قال: أرى أن يأتي السلطان فيقضيها إياه ثم يردها عليه، قلت أفترى أنت ذلك؟ قال: نعم، إني لأستحسنه قلت: فلو لم يفعل أكنت تراه حانثا؟ قال: أحب أن يفعل، ولو وقع لم أره حانثا، وكذلك الذي يشتري الرأس ويكون ثمنه إلى أجل فيحلف بالطلاق أن يوفيه الثمن إلى أجل فيجد بالعبد عيبا يرد به أو يستحق بيديه قبل الأجل أنه لا يخرجه من يمينه حتى يوفيه الثمن إلى أجل فيعثر على البيع فيفسخ قبل الأجل لم يخرجه من يمينه حتى يوفيه ما حلف له عليه. قال ولو كان أعطاه درهما في درهمين إلى أجل ثم حلف بالطلاق أن يوفيه إلى الأجل ففسخ البيع بينهما قبل الأجل لم يخرجه من يمينه حتى يوفيه ما حلف له عليه ثم رعه إليه. قال محمد بن رشد: هذه المسائل كلها من شرح واحد فجرى فيها على أصل واحد وحملها على ما يقتضيه اللفظ ولم يراع في شيء منها المعنى الذي يظهر أن الحالف قصد إليه في يمينه وإن كان في بعضها أبين منه في بعض ما أذكر، أما الحميل الذي حلف ليعطين النصف الدينار الذي ادعى عليه من قبل المتحمل عنه، والغريم الذي حلف ليقضين الحق الذي ادعى عليه أنه لم يقضه فالمعنى فيهما جميعا سواء، وذلك أن كل واحد منهما حلف ليؤدين ما ادعى عليه به وهو يعلم أنه لا شيء عليه من ذلك، فالمعنى في يمين كل واحد منهما أنه إنما حلف ليؤدين إلى المحلوف له ما يدعي أن له قبله ليتخلص من دعواه ومطالبته إياه، فوجب على مراعاة المعنى إذا أقر أنه لا حق له قبله ولا مطالبة له عليه ألا يحنث إن لم يدفع إليه ما كان يدعيه قبله إذ قد برئ منه وتخلص من مطالبته إياه

بإقراره أنه لا حق له ووجب على ما يقتضيه لفظ يمينه من أنه حلف ليدفعن إليه ما يدعيه قبله إن حنث لا سيما وهو إنما حلف ألا يدفعن ذلك إليه وهو يعلم أنه لا شيء له قبله منه، وأما الذي اشترى العبد بثمن إلى أجل فيحلف أن يؤدي الثمن إلى ذلك الأجل فيجد به عيبا يجب به رده فالمعنى في يمينه أنه حلف ليؤدين حقا عليه فيما يظن فوجب على مراعاة المعنى إذا وجد عيبا وسقط عنه الثمن ألا يحنث إذا لم يدفع إليه الثمن إلى الأجل إذا لم يحلف أن يتطوع بدفع ما ليس عليه ووجب على ما يقتضيه لفظ يمينه من أنه حلف ليدفعن إليه الثمن إلي الأجل أن يحنث إن لم يدفعه إليه حتى حل الأجل، والحنث في هذه أبين منها في المسألتين اللتين قبلها لأن الثمن إنما سقط عنه باختياره إذ لو شاء أن يلتزم العيب لالتزمه ولعله قد كان مغتبطا وإنما ردة فرارا من القضاء الذي عليه، ومن أصولهم أن الحنث يدخل بأقل الوجوه وقد تقدمت هذه المسألة في رسم إن خرجت وأما المتسلف الذي حلف ليؤدين السلف إلى الذي أسلفه إياه إلى أجل فمات المسلف قبل الأجل والحالف المستسلف وارثه فلا اختلاف في أن اليمين قد سقطت عنه سقوط السلف الذي حلف ليقضيه إلى الأجل، واستحسان مالك أن يقضي السلطان ثم يرده عليه ضعيف؛ لأن دفعه إليه على أن يأخذه منه لغو لا فائدة فيه ولا معنى، ولا هو من الذي حلف عليه لا في لفظ ولا في معنى؛ إذ لم يدفع إلى من حلف ليدفعن إليه ولا حقا واجبا هو عليه، وأما الذي يشتري السلعة بثمن إلى أجل فيحلف ليؤدين الثمن إلى ذلك الأجل فيوجد البيع حراما أو تستحق السلعة فإن كان الحالف عالما بفساد البيع أو أن السلعة ليست للبائع، دخل في ذلك الاختلاف الذي ذكرناه في المسألتين الأولتين يحنث علي مراعاة اللفظ إلا أن يدفع الثمن ثم يرده إليه، وليس معنى ذلك أن يدفع إليه على أن يرده عليه لأن الدفع على هذا الوجه ليس بدفع، وإنما معناه أن يدفعه

مسألة: اتخذ عليه طلاق امرأته أن يوفيه المائة إردب السلف إلى الأجل

إليه على ما حلف عليه ليبر في يمينه دون شرط، فإن رده إليه قبله منه، وإن أبى أن يرده عليه فقام عليه فيه حلف أنه لم يرده عليه إلا وهو ينوي أن يقوم عليه فيأخذه منه إذا خلص من يمينه ولا يحنث على مراعاة المعنى، وأما إن لم يكن عالما بفساد البيع ولا بأن السلعة ليست للبائع فالأظهر سقوط اليمين عنه بسقوط الثمن عنه بالاستحقاق أو بالفساد قياسا على مسألة السلف، وقد قيل إن اليمين لا تسقط عنه ويحنث إن لم يدفع ما حلف بدفعه إلي الذي حلف ليدفعنه إليه على مقتضى لفظه في اليمين وهو بعيد، والذي سلف دينارا في دينارين إلى أجل يحلف على قضائهما يجري على قياس هذا في التفرقة بين أن يعلم بحرام ذلك أو لم يعلم وبالله التوفيق. [مسألة: اتخذ عليه طلاق امرأته أن يوفيه المائة إردب السلف إلى الأجل] مسألة قال ولو أن رجلا سلف عشرة دنانير، في مائة إردب إلى أجل واتخذ عليه طلاق امرأته أن يوفيه المائة إردب إلى الأجل، فلما كان قبل الأجل قال: إني أخاف أن لا يكون عندي طعام فهل لك أن يقيلني أو تصالحني على أمر، فأقاله أو صالحه، ثم أخبر أنه قد لزمه الحنث ولا يخرجك ما صنعت من ذلك. فقال لصاحب الحق إنما أرد عليك ما صالحتك إن كان صالحه أو العشرة الدنانير التي أقلتك منها، ويكون الطعام لي عليك إلى أجله، فلا ينفعه ذلك وقد حنث؛ لأن هذا بيع حادث كل واحد منهما ملك أمره إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل؛ لأن الصلح وإلا قاله قد لزمتهما وليس لواحد منهما أن يرد ذلك وقد ثبت ذلك عليهما، وقد حنث صاحب اليمين ولا ينفعه أن يرد عليه ما أخذ منه، ويكون الطعام عليه إلى أجله، وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: قوله لأن الصلح والإقالة قد لزمتهما وأن الذي صالح ليس له أن يرد ما صالحه كلام وقع على غير تحصيل، إذ لا يجوز

مسألة: يقول لامرأتين له إنهما طالقتان إن دخلتما هذه الدار فدخلتها إحداهما

قبل الأجل في الطعام المسلم فيه إلا الإقالة خاصة، فإذا صالح قبل الأجل على دنانير أقل أو أكثر من رأس المال أو على دراهم أو على عروض أو على طعام من صنف ما له عليه أقل أو أكثر أو من غير صنف ما له عليه فهو صلح حرام لا يحل ولا يجوز، ولا يحنث الحالف به لأن الطعام الذي حلف لنوفينه إلى الأجل ثابت عليه على حاله لا يسقط عنه بالصلح لأن الواجب فسخه وأن يرد عليه ما قبض منه من ذلك كله. وأما إذا أقاله من الطعام قبل الأجل على رأس ماله فقال هاهنا إنه قد حنث ومعنى ذلك إذا كانت الدنانير التي أخذ في رأس ماله ليس فيه وفاء بالطعام الذي كان عليه على ما مضى في رسم إن خرجت قبل هذا، وعلى معنى ما في المدونة حسبما بيناه في الرسم المذكور وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأتين له إنهما طالقتان إن دخلتما هذه الدار فدخلتها إحداهما] مسألة وقال ابن القاسم في رجل يقول لامرأتين له إنهما طالقتان إن دخلتما هذه الدار فدخلتها إحداهما: أنها طالقتان جميعا لأن مالكا قال في رجل قال لامرأتيه أنتما طالقتان إن دخلتما دار فلان ودار فلان فدخلت إحداهما الدارين إن الطلاق لزمه فيهما جميعا، أو قال لامرأتيه أنتما طالقتان إن مسستكما فمس إحداهما: قد لزمه فيهما جميعا، أو حلف بالطلاق إن أكل هذين القرصين فأكل واحدا إنه حانث إن أكل منهما شيئا وهو الذي سمعنا ورأينا، وأما قول من قال تطلق عليه واحدة منهما حتى تفعل الأخرى وأما أن تطلق التي دخلت منهما [فهذا ما لم يقله أحد من مشرقي ولا من مدني وإنما الذي قال أهل المشرق إنه لا يطلق عليه] واحدة منهما حتى تفعل الأخرى، وأما أن تطلق التي دخلت فهذا لا يستقيم. قال محمد بن رشد: لم يختلف قول مالك وهو قول أحد من

أصحابه فيما علمت أن من حلف إلا يفعل فعلين ففعل أحدهما أو لا يفعل فعلا ففعل بعضه أنه حانث من أجل أن ما فعله من ذلك قد حلف ألا يفعله إذ هو بعض المحلوف عليه، واختلف قول ابن القاسم في الذي يقول لامرأتيه إن دخلتما الدار فأنتما طالقتان أو يقول لهما إن مسستكما فأنتما طالقتان وما أشبه ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا شيء عليه حتى يدخلا جميعا أو حتى يمسهما جميعا، وهو قوله في العتق الأول من المدونة. والثاني: أنهما يطلقان جميعا بدخول الواحدة منهما أو مسيس الواحدة منهما، وهو قوله ها هنا في هذه الرواية. والثالث: أنه تطلق التي دخلت أو التي مس منهما، وهو قوله في رسم الثمرة من سماع عيسى من كتاب العتق في الذي يقول لعبديه إن شئتما الحرية فأنتما حران فشاء أحدهما ولم يشأ الآخر، قال: من شاء منهما الحرية فهو حر وقوله أيضا في سماع أبي زيد من كتاب الصدقات والهبات في الذي يتصدق على الرجلين بعبد ويقول: إن قبلتما، فقبل أحدهما ولم يقبل الآخر قال: من قبل منهما كان له ما قبل، وهو قول أشهب في كتاب العتق الأول من المدونة وأنكره ها هنا وقال: إنه لم يقله مشرقي ولا مدني ولكل قول منهما وجه: فوجه القول الأول: التعلق بما يقتضيه اللفظ وعزاه ها هنا إلى أهل المشرق لأنه على أصولهم في الاقتصار في الأيمان على ما تقتضيه الألفاظ دون الاعتبار بالمعاني، ووجه القول الثاني: القياس الذي ذكره في الرواية، ووجه القول الثالث: مراعاة المعنى وهو أنه إنما أراد معاقبتهما على الدخول بالطلاق، أو معاقبة نفسه على المسيس بالطلاق فوجب أن تلحق العقوبة لمن دخل منهما، وأن تلحقه العقوبة فيمن مس منهما وبالله التوفيق.

مسألة: حلف لامرأته بالطلاق ألا يخرجها من منزلها إلا برضاها ورضا أخيها وأختها

[مسألة: حلف لامرأته بالطلاق ألا يخرجها من منزلها إلا برضاها ورضا أخيها وأختها] مسألة وقال في رجل حلف لامرأته بالطلاق ألا يخرجها من منزلها إلا برضاها ورضا أخيها وأختها فرضيت المرأة أن تخرج مع زوجها وأبى الأخ والأخت، وقالت المرأة: إنما أخذتما هذا لي. قال: لا يخرج بها إلا بالاجتماع منهم على الرضى، قلت له: فإن أرادت أن تخرج زائرة وتقيم العشرة والعشرين؟ فقال: إن كان إنما كان أصل يمينه على النقلة فلا شيء عليه في الزيارة، وإن كان لم ينو شيئا فلا يخرجها. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يخرج بها إلا بالاجتماع منهم على الرضى صحيح على ما أجمعوا عليه من أن الحنث يدخل بأقل الوجوه حسب ما ذكرناه في المسألة التي قبل هذه، فإن خروجه بها دون أن يرضى أحدهم كخروجه بها دون أن يرضى واحد منهم في وجوب الحنث عليه، ألا ترى أنه لو حلف ألا يدخل الدار حتى يأكل الرغيف لحنث إن دخل الدار قبل أن يستوعب أكل الرغيف، كما يحنث إن دخلها قبل أن يأكل منه شيئا، وهذا بين، ولو جعل أمرها بأيديهم إن أخرجها بغير رضاها لكان له أن يخرج بها إذا رضيت وقد مضى من بيان هذا والقول فيه في رسم حلف من سماع ابن القاسم في كتاب النكاح ما فيه كفاية وشفاء فأغنى ذلك عن إعادته هنا. وقوله: إنه لا يحنث بالزيارة وإن قامت فيها العشرة والعشرين، هذا نحو قول أشهب وأحد قولي أصبغ في أن من حلف ألا يساكن رجلا فزاره لا يحنث بالزيارة وإن طالت خلاف ما مضى في أول رسم يوصي، وقد مضى تحصيل القول في هذا المعنى في أول سماع يحيى من كتاب النذور فلا معنى لإعادته والعلم لله.

مسألة: يقول للمملوكة إن تزوجتك فأنت طالق فاشتراها

[مسألة: يقول للمملوكة إن تزوجتك فأنت طالق فاشتراها] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يقول للمملوكة إن تزوجتك فأنت طالق فاشتراها، فقال: لا بأس أن يطأها وكذلك إن قال إن اشتريتك فوطئتك فأنت حرة وأنت علي كظهر أمي فتزوجها فإنه يطأها ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الطلاق ليس من ألفاظ الحرية فالحرية ليست من ألفاظ الطلاق، فإذا قال الرجل: أنت حرة فلا تكون طالقا إلا أن يكون أراد بذلك الطلاق، وإذا قال لأمته: أنت طالق فلا تكون حرة إلا أن يكون أراد بذلك الحرية، واختلف إن قال لامرأته: أنت حرة مني ففي الثمانية أنها طالق البتة وإن لم ينو بذلك الطلاق وفي التخيير والتمليك من المدونة لابن شهاب أنه يحلف ما أراد بذلك الطلاق ولا يلزمه طلاق، وكذلك على قياس هذا لو قال لأمته: أنت طالق مني وكذلك التزويج ليس من ألفاظ التسري والشراء ليس من ألفاظ التزويج، فإذا قال الرجل للرجل: قد بعتك ابنتي أو أمتي بكذا وكذا لا يكون ذلك نكاحا إلا أن يكون أراد بذلك النكاح، وإذا قال في أمته قد زوجتك أمتي بكذا وكذا لا يكون ذلك بيعا إلا أن يكون أراد بذلك البيع، فصح بما ذكرناه أن من قال في مملوكة إن تزوجتها فهي طالق أنه لا شيء عليه إن اشتراها إلا أن يكون أراد بذلك إن اشتريتها فهي حرة، وأما من قال: إن اشتريتك فأنت حرة فلا شيء عليه إن تزوجها إلا أن يكون أراد بذلك إن تزوجتها فهي طالق وبالله التوفيق ولا رب غيره. [قال لامرأته أنت طالق البتة إن صالحتك فصالحها] ومن كتاب القطعان قال عيسى وسألت ابن القاسم عن الرجل يحلف بطلاق امرأته واحدة على أن يصالحها فصالحها هل يرد ما أخذ منها في الصلح؟ قال ابن القاسم: لا يرد ذلك عليها وهو بمنزلة من قال

لغلامه: إن قاطعتك إلى سنة فأنت حر فقاطعه قبل السنة أنه حر ولا يرد عليه شيئا، قال ابن القاسم: ولو قال لامرأته أنت طالق البتة إن صالحتك فصالحها فإنها تطلق عليه بالبتة، ويرد عليها ما أخذ منها في الصلح وهو بمنزلة من قال لغلامه إن قاطعتك فأنت حر ولم يقل إلى سنة فقاطعه فإنه حر ويرد عليه ما أخذ منه. قال عيسى: وإنما فرق بينهما لأنه حين قال لها: أنت طالق واحدة إن صالحتك فصالحها حنث فيها بتطليقه اليمين ثم وقعت عليه طلقة الصلح وهي في عدة منه يملك رجعتها لو شاء، فأخرج من يده ما كان يملك من رجعتها بالذي أخذ منها بالصلح، فلذلك لم يرد ذلك عليها، وأنه إذا قال: أنت طالق البتة فصالحها فإنها تطلق بالبتة ثم يقع الصلح وليست منه بامرأة فأخذ منها ما أخذ بغير شيء يخرجه من يديه، فلذلك يرد ذلك عليها وكذلك حين قال لغلامه: إن قاطعتك إلى سنة فأنت حر فقاطعه قبل السنة فله ما أخذ للذي يعجل للعبد من العتق قبل السنة، وإذا قال: إن قاطعتك فأنت حر، فقاطعه فهو حر ويدفع إليه ما أعطاه لأنه لم يتعجل هاهنا العتق قبل أجل كان ضربه كما فعل في الأول، فهذا فرق ما بينهما. قال محمد بن رشد: أما الذي يحلف بطلاق امرأته واحدة يريد وقد دخل بها ألا يصالحها فيصالحها فلا خلاف في أنه لا يرد عليها ما أخذ منها في الصلح كما قال، وتمثيله ذلك بالذي يقول لغلامه إن قاطعتك إلى سنة فأنت حر فقاطعه قبل السنة أنه حر ولا يرد عليه شيئا صحيح أيضا على المعنى دون اللفظ؛ لأنه قال فيه إن قاطعتك إلى سنة فأنت حر، والصواب إن قاطعتك فأنت حر إلى سنة وعلى هذا يصح التمثيل وهو الذي أراد، وأما على ما وقع من قوله إن قاطعتك إلى سنة فأنت حر فلا يصح التمثيل لأن الجواب على هذا في مذهبه إنما هو أن يكون حرا في الوقت إن قاطعه

قبل السنة، ويرد عليه ما أخذ منه، كقوله: إن قاطعتك فأنت حرة؛ لأنه لما قاطعه قبل السنة كان ما أخذ منه في القطاعة بعد وجوب الحرية له على مذهبه الذي ذهب إليه، وأما إذا قال لامرأته: أنت طالق البتة أو أنت طالق واحدة وهي غير مدخول بها إن صالحتك فصالحها فذهب ابن القاسم إلى أنه يجب عليه أن يرد عليها ما أخذ منها بالمصالحة بمنزلة من قال لعبده: أنت حر ولم يقل إلى سنة إن قاطعتك فقاطعه أنه يرد عليه ما أخذ منه في المقاطعة، وحكى البرقي عن أشهب أنه لا يرد في ذلك على الزوجة شيئا مما أخذ في الصلح ولا على العبد شيئا مما أخذ منه في المقاطعة. قال: وكان يعجب بها ويقول: إنما رضي بالحنث لمكان ما أخذ منها، وكذلك أقول إنه الصحيح في النظر والقياس؛ لأنه إذا قال لامرأته أنت طالق البتة إن صالحتك فصالحها إنما يقع الطلاق عليه بالمصالحة التي جعلها شرطا لوقوعه فكانت المصالحة هي السابقة للطلاق إذ لا يكون المشروط إلا تابعا لشرطه، فإذا كانت المصالحة سابقة للطلاق مضت ولم يجب على الزوج رد ما أخذ منها، وبطل الطلاق واحدة كان أو ثلاثا لوقوعه بعد الصلح في غير زوجة، وكذلك القول في قول الرجل لعبده أنت حر إن قاطعتك تمضي المقاطعة إن قاطعه لتقدمها الحرية. ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم على ما فسره عيسى أنه جعل الطلاق سابقا للمصالحة، فإن كان الطلاق واحدة في المدخول بها مضت المصالحة لوقوعها في العدة وملكت المرأة بها نفسها، وإن كان الطلاق واحدة أو ثلاثا في التي لم يدخل بها بطلت ورد الزوج ما أخذ فيها لأنها وقعت فارغة في غير زوجة، وهذا منكسر من قوله إذ لو تقدم الطلاق المصالحة لوجب أن يقع عليه بالمصالحة طلقة بائنة إذا كان الطلاق واحدة في التي قد دخل بها وهذا ما لا يقوله هو ولا غيره. وجعل ابن القاسم في هذه المسألة الشرط تابعا للمشروط إنما بناه والله أعلم على قول مالك فيمن قال لعبده إن بعتك فأنت حر فباعه أنه حر على البائع، وليس ذلك بصحيح؛ لأن قول مالك في هذه المسألة

مسألة: قال لامرأته إن أنت خرجت من عتبة الباب فأنت طالق ثلاثا

استحسان على غير قياس، والقياس فيها قول من قال: إنه لا شيء على البائع لأن العتق إنما وقع من البائع بعد حصول العبد للمشتري بالشراء، وإنما ينبغي أن تقاس هذه المسألة على قولهم فيمن قال إن اشتريت فلانا فهو حر أو إن تزوجت فلانة فهي طالق أن الحرية تلزمه بالشراء والطلاق بالتزويج لوقوع الحرية بعد الشراء والطلاق بعد النكاح على الأصل الصحيح في وقوع المشروط عقيب الشرط وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إن أنت خرجت من عتبة الباب فأنت طالق ثلاثا] مسألة قال عيسى: وحدثني ابن وهب عن ابن شعبان قال: بلغني أن ابن عمر وسعد بن أبي وقاص استفتاهما رجل قال لامرأته إن أنت خرجت من عتبة الباب فأنت طالق ثلاثا، قال فأخرجت إحدى رجليها وحبست الأخرى ثم أدخلت التي أخرجت فقالا له: قد حرمت عليك لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك، قال عيسى: وقال ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: لم يفرق ابن القاسم في هذه الرواية ولا ابن عمر وسعد بن أبي وقاص فيما ذكر عنهما في هذه الحكاية بين أن يكون اعتمادها على الرجل الذي أخرجته من العتبة أو على الرجل الذي لم تخرجه فحمله أصبغ وغيره على عمومه في كل حال، ويحتمل أن يحمل قولهم على أنها اعتمدت عليهما معا أو على التي أخرجت لأن ابن حبيب حكى عن ابن الماجشون أنه إن كان اعتمادها على الرجل التي أخرجت فقد حنث، وإن كان اعتمادها إنما كان على الرجل التي لم تخرجه فلا حنث عليه، وهو جيد من قوله، إلا أنه قال: لا يحنث إن كان اعتمادها عليهما جميعا، وهو بعيد؛ لأنا إن حملنا قول ابن عمر وسعد بن أبي وقاص

مسألة: حلف الذي عليه القمح بالطلاق أن يوفيه صاحبه إلى الأجل ثم أقاله

وابن القاسم على أنهم رأوا الطلاق قد وقع على الحالف بإخراج رجلها من العتبة وإن كانت لم تعتمد عليه لزمنا عليه أن يوجب الحنث بإخراج يدها من العتبة وهو بعيد، وقد قال ابن الماجشون أنه لا يحنث وإن أخرجت [رأسها وصدرها إذا كان اعتمادها على رجليها في داخل العتبة بخلاف العتبة إذا كانت راقدة لأنها حينئذ يكون اعتمادها على يديها فيحنث إذا أخرجت صدرها ورأسها ولا يحنث إذا أخرجت رأسها ورجليها وهي] راقدة، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف الذي عليه القمح بالطلاق أن يوفيه صاحبه إلى الأجل ثم أقاله] مسألة وسئل عن الرجل يكون له على الرجل قمح من تسليف كان سلفه إياه وقد حلف الذي عليه القمح بالطلاق أن يوفيه صاحبه إلى الأجل، ثم أقال صاحب القمح الذي عليه القمح قبل الأجل. قال ابن القاسم: إن كان الذي أقاله به هو مثل ثمن القمح قبل الأجل حين يقيله فلا حنث عليه. وقال أشهب مثله. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في الذي قبل هذا وفي رسم إن خرجت، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لعبده إن لم أبعك فامرأته طالق البتة فمات العبد أو أبق] مسألة وقال ابن القاسم: في رجل قال لعبده إن لم أبعك فامرأته طالق البتة فمات العبد أو أبق. قال: أما الموت فإنه إن لم يكن فرط في بيعه حتى مات العبد فلا شيء عليه، وإن كان فرط في بيعه حتى لو شاء أن يبيعه

مسألة: قال لامرأته إن لم أتزوج عليك فأنت طالق البتة

قبل أن يموت باعه ففرط في ذلك حتى مات العبد فهو حانث. قال: وأما الإباق فإن رفعت المرأة أمرها إلى السلطان ضرب له أجل المولي أربعة أشهر من يوم ترفع ذلك إليه، فإن أخذ العبد فباعه قبل الأربعة أشهر فقد بر، وإن لم يقدر على العبد حتى مضت الأربعة الأشهر طلق عليه طلاق الإيلاء واحدة، فإن وجد العبد وباعه في العدة ارتجع، وإن لم يقدر على العبد حتى خرج من العدة فلا رجعة له عليها. هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها وستأتي متكررة في سماع أبي زيد فلا وجه للقول فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إن لم أتزوج عليك فأنت طالق البتة] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل قال لامرأته إن لم أتزوج عليك فأنت طالق البتة ثم قال لها: إن تزوجت عليك فتلك المرأة طالق البتة. قال: أراها الساعة طلقت عليه بالبتة إلا أن يشاء أن تدع ذلك وتقيم معه لا يطأها ولا ينظر إلى شعرها فإن رفعت أمرها طلقت مكانها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه على حنث ولا يقدر على البر فلا سبيل له إلى وطء امرأته أبدا، فإن رضيت أن تبقى معه بغير وطء بقيت وان رفعت أمرها وسألته الوطء طلقت مكانها ولم يضرب له أجل الإيلاء إذ لا يقدر على الفيء، وقال: إنه يضرب له أجل الإيلاء ولا يجوز له الوطء لعلها أن ترضى بالبقاء معه على غير وطء فإذا حل أجل الإيلاء ولم ترض بالمقام معه على غير وطء طلق عليه بانقضائه، والقولان قائمان

مسألة: يحلف لامرأته بطلاقها البتة ليتزوجن عليها إلى شهر فيتزوج قبله

من المدونة من كتاب الإيلاء وهذه المسألة تمام مسألة رسم أوصى فيما تقدم وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف لامرأته بطلاقها البتة ليتزوجن عليها إلى شهر فيتزوج قبله] مسألة وسئل عن الذي يحلف لامرأته بطلاقها البتة ليتزوجن عليها إلى شهر فيتزوج قبل الشهر ويدخل بها بعد الشهر. قال: أراه حانثا وإنما التزويج المسيس. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم في أن البر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وقد مضت والقول فيها في رسم لم يدرك من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادة ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: قال لرجل امرأتي طالق البتة إن ساكنتك وكان معه في بيت وحلف ليلا] مسألة وسئل عن رجل قال لرجل: امرأتي طالق البتة إن ساكنتك وكان معه في بيت وحلف ليلا. فقال: ينتقل مكانه وإن أخر ذلك إلى الصباح حنث، قال: ولو قال امرأته طالق البتة لأنتقلن عنك فإنه يطلب ويرتاد لنفسه منزلا ولكن لا يطأ حتى ينتقل. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في النذور من المدونة في الذي يحلف بالطلاق ألا يساكن رجلا أنه يخرج تلك الساعة وإن كان في جوف الليل فإن أقام حتى يصبح حنث ألا يكون نوى ذلك، وقد قيل له يوم وليلة، وهو قول أصبغ وأشهب، قال ابن لبابة: ولا يمنع في خلال ذلك من الوطء وقوله صحيح لأن اليوم والليلة عندهما كالأجل، فهو في ذلك على بر، وقد قيل: إن له ومن الفسحة في ذلك ما يرتاد فيه موضعا ينتقل إليه، وهو ظاهر ما في سماع ابن القاسم، وقد مضى القول على ذلك هنالك وأما

مسألة: بينه وبين رجل منازعة فقال امرأته طالق البتة إن لم يكن أبي ميتا خيرا من أبيك حيا

الحالف لينتقلن فإن لم ينو الاستعجال فليس له أن يطأ حتى ينتقل ويضرب له أجل الإيلاء إن رفعته امرأته في ذلك، وأن أخذ في الانتقال ساعة حلف لم يمنع من الوطء، وفي المدنية من رواية ابن القاسم عن مالك أنه محمول على التعجيل حتى ينوي التأخير، وإن لم ينتقل ساعة حلف وإن كان في جوف الليل حنث كالذي يحلف على ترك المساكنة، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم بيان القول في الحلف على ترك المساكنة فلا معنى لإعادة ذلك هنا وبالله التوفيق. [مسألة: بينه وبين رجل منازعة فقال امرأته طالق البتة إن لم يكن أبي ميتا خيرا من أبيك حيا] مسألة وسئل عن رجل كان بينه وبين رجل منازعة فقال: امرأته طالق البتة إن لم يكن أبي ميتا خيرا من أبيك حيا، أو قال: إن لم أكن أنا ميتا خيرا منك حيا. قال ابن القاسم: تطلق عليه امرأته بالبتة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الميت ليس جزءا من الحي في شيء من أمور الدنيا ولا بأكثر أعمالا منه وطاعات في هذا الوقت؛ لأن الميت ليس من أهل العمل، فوجب أن يكون حانثا إلا أن يكون له نية مثل أن يقول إنما أردت أن أبي خير لي ميتا من أبيك لك حيا إذ يكرمني الناس لما يعلمون من خير أبي، بخلاف ما لك أنت مع أبيك في حياته لما يعلمون من شره ويكون ذلك معروفا، فتكون له نيته، ومثل أن يقول إنما أردت أن الناس يتنادون بحياة أبيك لما هو عليه من الأحوال المذمومة، وأبي ينتفع الناس بعد موته بما عمله في حياته من طريق أصلحه أو مال حبسه أو علم أبقاه وخلده وما أشبه ذلك ويكون ما ذكره من ذلك معروفا فينوى فيه والله أعلم. [حلف بالطلاق ألا يدخل على امرأته فلان فيأتي فلان ذلك إلى بيت ليدخله فيدخل رجله] وفي كتاب باع شاة وسئل عن الرجل يحلف بالطلاق ألا يدخل على امرأته فلان

مسألة: قال لامرأة من النساء كل امرأة أنكحها غيرك فهي طالق

فيأتي فلان ذلك إلى بيت ليدخله فيدخل رجله الواحدة في البيت فيصاح به، لا تفعل، فإن فيه فلانة فيرجع. قال مالك: هو حانث، وهو مثل الذي يحلف ألا يأكل هذين القرصتين فيأكل أحدهما أنه حانث. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا مثل ظاهر ما تقدم في الرسم الذي قبل هذا لابن عمر وسعد بن أبي وقاص وابن القاسم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقد مضى القول على ذلك فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأة من النساء كل امرأة أنكحها غيرك فهي طالق] مسألة وقال مالك: من قال لامرأة من النساء كل امرأة أنكحها غيرك فهي طالق فهو مثل الذي يقول: كل امرأة أنكحها عليك فهي طالق. قال محمد بن رشد: قول مالك إن قول الرجل لامرأة من النساء كل امرأة أنكحها غيرك فهي طالق فهو مثل قوله لها إن لم أنكحك فكل امرأة أنكحها فهي طالق، هو مثل قوله في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة سواء، وفي ذلك من قوله نظر في أن قوله لها كل امرأة أنكحها غيرك فهي طالق نص جلي لا يحتمل التأويل في أنه حرم على نفسه نكاح جميع النساء سواها فلا يلزمه شيء إذ لم يحض من النساء إلا امرأة واحدة على أصل مذهبه كانت متزوجة أو غير متزوجة خلاف قول ابن الماجشون في أن ذلك يلزمه وإن كانت متزوجة إذا كانت ممن تحل له يوما ما، وخلاف قول مطرف في أن ذلك إنما يلزمه إذا كانت غير متزوجة، وقوله لها إن لم أنكحها فكل امرأة أنكحها فهي طالق كلام محتمل لأن ظاهره يقتضي

مسألة: يقول إن لم يجيء أبي إلى شهر فامرأتي طالق

أنه إنما أوجب على نفسه طلاق كل امرأة ينكحها قبلها، فعلى هذا يلزمه الطلاق إذ له أن يتزوج بعدها ما شاء من النساء وإلى هذا ذهب ابن عبدوس وسحنون إلا أنهما اختلفا فيما تزوج قبلها فقال ابن عبدوس: يلزمه فيها الطلاق ساعة تزوجها، وقال سحنون: لا يعجل عليه الطلاق ويوقف عنها حتى ينظر هل يتزوجها أو لا، فإن طلبت امرأته الوطء ضرب له أجل الإيلاء فإن لم يتزوجها حتى ينقضي الأجل طلق عليه بالإيلاء وإن تزوجها بر وانحل عنه أجل الإيلاء، وكذلك إن ماتت أيضا لأنه يصير بموتها قد امتنع من نكاح جميع النساء إلى غير أمد فلم يلزمه ذلك ولم يلتفت مالك إلى ما يقضيه ظاهر لفظه، وحمله على معنى ما ظهر إليه من أنه أراد بذلك طلاق كل امرأة يتزوجها سواها وقاس عليها المسألة الأخرى إلا أنه لم يقصد بذلك حقيقة القياس إذ لا يقاس ما لا احتمال فيه على ما فيه احتمال، وإنما قصد إلى التشبيه بين المسألتين ولعله ظهر إليه من المسائل أنه إنما شك في حكم المسألة الأولى. وقوله: إن قول الرجل لامرأته كل امرأة أنكحها غيرك فهي طالق مثل قوله لها كل امرأة أنكحها عليك فهي طالق، يريد أن قول الرجل لامرأته كل امرأة أنكحها غيرك أو سواك فهي طالق يلزمه، وتكون بمنزلة أن لو قال لها كل امرأة أتزوجها عليك، بخلاف إذا قال ذلك لأجنبية. قال محمد بن رشد: وأصبغ بن الفرج، لا شيء عليه، قال ذلك لزوجته أو لأجنبية، وذلك بمنزلة أن يقول كل امرأة أتزوجها ولا يزيد علي ذلك، وإنما قال لزوجته إذا قال عليك. [مسألة: يقول إن لم يجيء أبي إلى شهر فامرأتي طالق] مسألة وسألته عن الذي يقول إن لم يجيء أبي إلى شهر فامرأتي طالق أو إن لم يقضه غريمه فامرأته طالق والحق حال علي الغريم أو إلى أجل أو إن لم يعطني فلان دينارا إلى شهر هل يطأ في هذا

كله ضرب لذلك أجلا أو لم يضرب. قال ابن القاسم أما الذي حلف بالطلاق إن لم يجيء أبوه فإنه إن كان ضرب لذلك أجلا فهو يطأ إلى ذلك الأجل وإن لم يضرب أجلا ضرب له أجل المولى فإن جاء وإلا طلق عليه طلاق الإيلاء، وأما الذي حلف على غريم له ليقضينه فإنه إن كان الحق حالا تلوم له ولم يضرب له أجل المولي لأن كل من حلف على فعل غيره ليفعلنه لم يكن فيه أجل المولي وتلوم له على قدر ما بدا مما أراد فإن فعل وإلا حنث، كذلك قال لي مالك: وإن كان حقه إلى أجل فحلف على ذلك فلا شيء عليه إلى الأجل. قلت له فسواء قال إن لم يقضني إلى الأجل أو قال إن لم يقضني؟ قال: ذلك كله سواء لأنه قد علمنا أنه إنما حلف إلى الأجل إلا أن يقول حلفت على أن يعجل لي حقي فيتلوم له، قلت: ولم جعلت الذي حقه حال فحلف عليه ليقضينه مثل الذي حلف على رجل ليبين له وهذا السلطان يقضي عليه إن يقض وهذا لا يقضي عليه بأن يهب له؟ قال: لأنه حلف على فعل غيره، أرأيت لو أكرهه السلطان أكنت تراه بارا؟ قال: لا يكون بارا وإن قضي عليه السلطان فقضاه إلا أن يكون نوى إلا أن يغلبه السلطان [فإذا لم ينو ذلك فهو حانث إذا أكرهه السلطان؛ لأن مالكا قال: من رجل سأله رجل حقه فحلف بالطلاق ألا يقضيه شيئا: إنه حانث إن قضى عليه السلطان فقضاه إياه] ، وسواء إذا حلف على غريمة ليقضينه طائعا أو كارها في الأجل أنه يتلوم له ولا يضرب له أجل المولى لأنه إنما حلف على فعل غيره فليس

مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يرزأها من مالها شيئا فقربت إليه طعاما فأكل منه

يختلف إن لم يمتي وإن لم يقضني، قال ابن القاسم: كل من كان يتلوم له في امرأته من هؤلاء وغيرهم فإنه إذا مضى من الأجل مثل الذي يتلوم له فإنه حانث ولا يسأل عن شيء، والتلوم في ذلك ليس بواحد، إنما ينظر في هذا إلى قدر ما يرى وما يرجى له، والذي يحلف إن لم يجئ أبي ولم يضرب أجلا إنما يضرب له من يوم ترفع امرأته ذلك. قال القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فرق في هذه الرواية في الحالف على غيره ليفعلن فعلا ولم يضرب لذلك أجلا بين أن يكون المحلوف عليه غائبا أو حاضرا وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم يوصي بمكاتبه من سماع عيسى من كتاب الإيلاء فغنيت بذلك عن إعادته هنا مرة أخرى وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا يرزأها من مالها شيئا فقربت إليه طعاما فأكل منه] مسألة وسئل عن رجل حلف بطلاق امرأته ألا يرزأها من مالها شيئا فقربت إليه طعاما فأكل منه. قال: قد حنث. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه إذا أكل من طعامها فقد رزأها في مالها إلا أن تكون له نية في شيء بعينه ويأتي مستفتيا فتكون له نيته. [مسألة: حلف بالطلاق البتة ألا يأذن لها إلى أهلها فأذن لها فلم تسر] مسألة وسئل عن رجل حلف بالطلاق البتة ألا يأذن لها إلى أهلها فأذن لها فلم تسر.

مسألة: حلف بالطلاق ألا يدخل على أخته في بيتها فدخل عليها غير بيتها

قال: إذا أذن لها فقد حنث سارت أو لم تسر. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الذي حلف ألا يفعله هو الإذن فلما أذن لها وجب أن يحنث وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ألا يدخل على أخته في بيتها فدخل عليها غير بيتها] مسألة وسئل عن رجل حلف بالطلاق ألا يدخل على أخته في بيتها فدخل عليها غير بيتها. قال: إن كان إنما حلف على قطيعتها فدخل عليها في بيتها أو غير بيتها فقد حنث، قال ابن القاسم: إن كان نوى البيت بعينه فلا بأس أن يدخل عليها في غير بيتها، وإن لم تكن له نية فقد حنث. قال محمد بن رشد: حمل ابن القاسم يمينه على القطيعة حتى ينوي البيت بعينه؛ لأن ذلك هو المعنى المقصود بالأيمان في العرف والعادة وهو مصدق في دعوى أنه أراد البيت بعينه وإن كان على يمينه بينة؛ لأن البينة في ذلك موافقة للفظ ويحلف على ذلك لدعواه خلاف العرف والعادة، والحمد لله. [مسألة: قال لرجل أطلقت امرأتك قال نعم كما طلقت أنت امرأتك] مسألة وسئل عن رجل قال لرجل: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم كما طلقت أنت امرأتك، فإذا هو قد طلق امرأته ولم يعلم بذلك، هل عليه طلاق؟ وإنما كان على وجه لعب. قال: إذا لم يكن يعلم أن الآخر طلق ولم يكن يريد هو بذلك طلاقا [وحلف على ذلك] فلا طلاق عليه، قال ابن

سمى الرجل امرأة بعينها وقال إن تزوجت فلانة فهي طالق واحدة

القاسم: وذلك إذا استيقن أنه لم يعلم. [قال القاضي: إذا شهد عليه بذلك القول وقيم عليه بالطلاق فلا يصدق فيما ادعاه من ذلك إذا لم يظهر ما يدل على صدق دعواه، مما يقع به اليقين أنه لم يعلم بطلاق الرجل امرأته من شاهد دال أو فحوى كلام أو ما أشبه ذلك، إذ لا يصح أن يقطع بمعرفة ذلك ببينة، فإذا استوقن أنه لم يعلم] ، بشيء من هذه الوجوه دون أن يتحقق العلم بذلك حلف كما قال إنه لم يعلم بذلك ولا أراد بذلك الطلاق، ولا يحلف أنه كان لاعبا لأن اللاعب يلزمه الطلاق [إذا نواه] كما يلزم المجد؛ لأن هزله جد على ما يأتي لأصبغ في نوازله بعد هذا، وعلى ما مضى في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب التخيير والتمليك، ولو أمكن أن يتحقق أنه لم يعلم بطلاق الرجل امرأته لما لزمته يمين إذا كان قوله: كما طلقت أنت امرأتك نسقا بقوله: نعم، على اختلاف في هذا الأصل قد ذكرناه في رسم كتب عليه من سماع ابن القاسم، ولو أتى مستفتيا غير مطلوب بالطلاق لصدق فيما ادعاه كله دون يمين، وبالله التوفيق. [سمى الرجل امرأة بعينها وقال إن تزوجت فلانة فهي طالق واحدة] ومن كتاب حمل صبيا على [دابة] قال ابن القاسم: إذا سمى الرجل امرأة بعينها وقال: إن تزوجت فلانة فهي طالق واحدة، فإنه إن تزوجها طلقت عليه بواحدة، فإن نكحها بعد ذلك لم تطلق عليه. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول [فيها] مستوفى في هذا الرسم بعينه من صدر السماع فاكتفيت بذلك عن إعادته وبالله التوفيق.

من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل أراد أن يُدخل على بنته وهي مريضة رجالا يشهدهم على وصيتها فحلف زوجها بطلاقها ألا يدخل عليها أولئك النفر الذين أراد أبوها أن يدخلهم عليها، فأخرجت المرأة من الدار إلى القوم فأشهدتم على وصيتها ثم صحت، أترى زوجها حانثا إذا أشهدت أولئك النفر بأعيانهم وإن كانوا لم يدخلوا عليها إذ أخرجت إليهم؟ فقال: بل أرى أن يُنَوَّى، فإن قال: إنما كرهت دخولهم لئلا يروا من حال بيتي ما أكره دُيِّن في ذلك واستحلف وإن أقر أنه إنما كان حلف لكيلا تشهدهم على ما كانت ترضى، فإذا خرجت إليهم فأشهدتهم فكأن قد دخلوا فهو حانث. قلت أرأيت إن خاصمته امرأته في هذه اليمين زمانا وهو منكر أن يكون حلف بها فلما قامت عليه البينة ادعى أنه إنما كره حين حلف دخولهم بيته ولم يرد منعها من إشهادهم، وقد كان منكرا للحلف في أصل الخصومة؟ . قال: نعم، لا أرى إنكاره لليمين يقطع عنه أن ينوى في يمينه ويدين فيها. قلت: أرأيت إن كان حين حلف قد بين لمن حضر من العدول أنه قد كان مكابرا لها ولا سيما فيما كانت تريد أن توصي به يشتد ذلك عليه ويظهر منعها منه والسخط عليها فيه حتى يستدل أن يمينه إنما كانت كراهية لإشهادها على ما كانت تريد أن

مسألة: تسلف من رجل مالا وحلف له بالطلاق ليقضينه ساعة يبلغ منزله

توصي به ولعله ممن يسر بدخول الرجال عليه لحسن حال بيته وصلاح هيئته أتنويه أم لا؟ فقال: لا أرى أن تقطع عنه على ما ادعى من النية للذي وصفت من حالته وأرى أن يدين ما ادعى ويحلف عليه ثم لا حنث عليه إن حلف على ما ادعى من نيته. قال محمد بن رشد: الظاهر من مقصد الحالف أنه إنما أراد ألا يشهد أولئك النفر على وصيتها فيحمل يمينه على ذلك ويحنث إذا أشهدتهم وإن لم يدخلوا عليها، إلا أن يدعي أنه إنما أراد ألا يدخلوا عليها فيصدق في نيته مع يمينه وإن كان مطلوبا بالطلاق، وقد شهد عليه باليمين؛ لأنها نية محتملة مطابقة لظاهر لفظه، ولو كان مستفتيا غير مطلوب بالطلاق لم يكن عليه يمين فيما ادعى من النية. وأما قوله إنه يُنَوَّى في ذلك بعد أن أنكر اليمين فهو على ما في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك وفي رسم الكبش من سماع يحيى منه من أن الرجل إن ناكر زوجته فيما قضت به في التمليك بعد أن أنكر أن يكون ملكها، وقد مضى من القول على ذلك هنالك ما فيه كفاية لمن تأمله فيه ولم ير شهادة الشهود بما يظهر إليهم من قصد المشهود عليه وإرادته عاملة في إسقاط ثبوته، والوجه في ذلك أنه لا يمتنع أن يكون نازعهم في الوصية وكره أن توصي بها، ثم لم يحلف على ذلك ونوى في يمينه شيئا آخر مخافة أن يحنث فيما نازعهم به لو حلف عليه فهو أعلم بنيته التي لا يطلع عليها سواه إلا الله عز وجل، فوجب ألا تبطل لا سيما واللفظ يطابقها، وقد وقع في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب التخيير والتمليك وفي رسم أصبغ من كتاب التدبير إعمال الشهادة بنحو هذا وبالله التوفيق: [مسألة: تسلف من رجل مالا وحلف له بالطلاق ليقضينه ساعة يبلغ منزله] مسألة قال يحيى وسألت ابن القاسم عن رجل تسلف من رجل مالا وحلف له بالطلاق ليقضينه ساعة يبلغ منزله أو ساعة ينزل

منزله فأقبل المستسلف راجعا إلى منزله ومعه المسلف فبلغا المنزل حيث غابت الشمس فدخل الحالف منزله فاشتغل ببعض شأنه ونسي يمينه، فلما كان ثلث الليل أو نحوه ذكر يمينه فخرج إلى صاحبه بالمال فقضاه إياه. قال أراه حانثا إلا أن يكون نوى بيمينه ساعة أبلغ منزلي أو أنزل منزلي يريد بذلك إذا بلغ ليقضينه، ولم يرد ساعة نزوله ولا ساعة بلوغه فأرى أن يُنَوَّى في ذلك ويحلف عليه ولا حنث عليه إذا قضاه من ليلته أو الغد. قلت: أرأيت إن كان لم ينو ساعة يبلغ إنما أراد ليقضينه إذا جاء منزله أتراه في سعة من تأخير القضاء اليوم واليومين أو الثلاثة أو كم تراهما في سعة من ذلك؟ فقال اليوم والليلة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه حانث إلا أن يكون نوى إذا بلغ ليقضينه ولم يرد ليقضينه ساعة بلوغه صحيح على أصولهم في أن يمين الحالف إذا عريت من النية والبساط محمولة على ما يقتضيه لفظا في اللسان أو على أظهر محتملاته إن كان محتملا لوجهين أو أكثر، وقوله ساعة يبلغ يقتضي أن يقتضيه في تلك الساعة بعينها فإن أخر قضاءه عنها وجب أن يحنث ونواه مع يمينه يريد إذا طولب بالطلاق ولم يأت مستفتيا لأن الساعة لما لم تكن مؤقتة ولا محدودة احتمل أن يريد بها الساعة التي يصل فيها بعينها وأن يريد بذلك التعجيل، فوجب أن يصدق في أنه إنما أراد بذلك أن يعجل له حقه إذا بلغ ولا يمطله به مع يمينه على ذلك إن كان مطلوبا ولم يأت مستفتيا فلا يحنث إذا قضاه فيما دون الليلة واليوم مما يكون إذا فعله فقد عجل له حقه ولم يمطله به، ولو حلف ليقضينه حقه إذا جاء منزله ولم يرد بذلك التعجيل لما حنث بتأخيره قضاءه إذا جاء منزله إلا أنه لا يجوز له أن يطأ حتى يقضيه؛ لأنه على حنث ويدخل عليه الإيلاء إن رافعته امرأته وطلبته بحقها في الوطء، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

يقول امرأته طالق أو غلامه حر إن فعل كذا وكذا فحنث

[يقول امرأته طالق أو غلامه حر إن فعل كذا وكذا فحنث] ومن كتاب الصبرة قال يحيى: وسألت ابن القاسم في الرجل يقول امرأته طالق أو غلامه حر إن فعل كذا وكذا، فحنث أنه يخير فيقال له: أوجبت حنثا في أيّهما شئت إن شئت، فأعتق العبد، وإن شئت فطلق المرأة، أنت في ذلك بالخيار؛ لأنه قد استثنى حين حلف فقال: امرأته طالق، أو غلامه حر، فمن أجل ذلك خُيِّر. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن موضوع أو في اللسان في الماضي للشك، وفي المستقبل للتخيير؛ لاستحالة أن يخير أحد فيما قد فات ومضى، أو يشك في أي الأمرين كان، ولما لم يكن أحدهما، فوجب إذا قال الرجل: امرأته طالق، أو غلامه حر، إن فعل فلان كذا وكذا، أو فعلت كذا وكذا، ففعله أن يخير فيما شاء من ذلك إلا أن يقول: ولا خيار لي في ذلك، أو يريد ذلك فيلزمه عتق العبد، وطلاق المرأة، وقد مضى في رسم العرية، من سماع عيسى، إذا قال: امرأتي طالق، أو غلامي حر، إن لم يفعل كذا وكذا، والقول في ذلك، فهو تتميم هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: يسلف في الطعام إلى أجل ويحلف له البائع بالطلاق ليقضينه إلى الأجل] مسألة وعن الرجل يسلف في الطعام إلى أجل، ويحلف له البائع بالطلاق ليقضينه إلى الأجل الذي يسلفه إليه، ثم يسلفه صفقة هو ورجل آخر، فيقضيه عند أجل الصفقة الأولى التي حلف له فيها، وشريكه غائب، فلما قدم أنكر، وقال: لا يجوز أن تقضي منه شيئا دوني، والذي اقتضيت منه بيننا، أيبر الحالف، ويجوز لهذا ما اقتضى أم لا؟ قال: أرى ما اقتضى يمضى، على كان وجب للمحلوف له

من تسليفه الذي اختص به، وعلى الصفقة الأخرى التي له ولشريكه على قدر ما كان على الغريم من ذلك الدين، ويكون للمحلوف له بقدر ما يصير لدينه الذي وجب له خاصة، ويكون لشريكه وله بقدر ما يصير للدين الذي كان لهما على الغريم يقتسمانه، ولا يكون له ما اقتضى خالصا دون أن يحاص فيه شريكه على ما فسرت لك، ولا يبرأ الحالف؛ لأنه لم يدفع إلى المحلوف جميع حقه عند الأجل. قال محمد بن رشد: ذكر ابن زيد هذه المسألة في النوادر، وقال فيها: إن قوله عند أجل الصفقة الأولى غلط في النقل، قال: ورأيت في بعض النسخ من المجموعة، فأعطاه عند الأجل عدد الصفقة الأولى قال: وهذا أصح، ولم يفسر عم دفع؟ فقسم على الصفقتين، وقول ابن أبي زيد: وهذا أصح، معناه وهذا الصحيح؛ إذ لا يصح معنى المسألة إلا على ذلك، وقوله: ولم يفسر عم دفع صحيح، إذ لو تبين أنه إنما يدفع إليه ذلك العدد على الصفقة الأولى لما كان لشريكه عليه في ذلك دخول، وأبرأ الحالف في يمينه، وأما قوله فقسم على الصفقتين، فإنه اتبع به ظاهر ما في الرواية، وليس ذلك بصحيح على ما نذكره بعد، وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: هي وهم، وإن كان الطعام كله إلى أجل واحد؛ لأنه لو كان لرجلين على رجل دين بينهما، ولأحدهما دين مفرد، والأجل سواء فقضى الذي له الدين المفرد لم يكن للآخر كلام إلا أن يكون مفسرا، فيكون له كلام على اختلاف في ذلك، وقول ابن دحون: فقضى الذي له الدين المفرد لم يكن للآخر كلام فهو الوهم، فليست المسألة بوهم في إيجاب الحنث، وإنما هي وهم في صفقة القبض لا في القبض؛ إذ الصواب أن يفض ما اقتضى على ما كان وجب للمحلوف له من تسليفه الذي اختص به، وعلى ما يجب من الصفقة الأخرى دخل معه فيه الشريك، وحنث الحالف؛ إذ لم يصح للقابض جميع حقه قبل الأجل، وهذا بيّن، والله سبحانه أعلم.

يحلف للرجل بطلاق امرأته ليقضين رجلا حقه يوم الفطر

[يحلف للرجل بطلاق امرأته ليقضين رجلا حقه يوم الفطر] ومن كتاب الصلاة وسئل عن الرجل يحلف للرجل بطلاق امرأته ليقضين رجلا حقه يوم الفطر، وهو من بعض أهل المياه، فأفطر واليوم السبت، وقضاه ذلك اليوم ثم جاء الثبت من أهل الحاضرة أن الفطر كان يوم الجمعة، قال: سمعت مالكا يقول: هو حانث. قال محمد بن رشد: هذه المسألة صحيحة على أصل المذهب، في أن من حلف ألا يفعل فعلا ففعله مخطئا أو جاهلا أو ناسيا يحنث؛ لأن يمينه تحمل على عموم لفظه في جميع ذلك إلا أن يخص بنيته شيئا من ذلك، فتكون له نيته مثال ذلك في الخطأ والجهل أن يحلف الرجل ألا يكلم رجلا، فيكلمه جاهلا به، يظن أنه غيره، وقد مضى القول في ذلك، في رسم سلف، من سماع عيسى، وكذلك هذا لا ينتفع بجهله أن يوم الجمعة كان يوم الفطر إلا أن تكون له نية تخرجه من الحنث في ذلك، وإنما مثل ذلك أن يحلف الرجل ليقضين رجلا حقه يوم كذا، فيمر ذلك اليوم، وهو يظن أنه لم يأت بعد، وبالله التوفيق. [مسألة: يستحلف غريمه بالطلاق فيقول إنما نويت واحدة وقد حنث في ظاهر أمره] مسألة وقال في الذي يستحلف غريمه بالطلاق، فيقول: إنما نويت واحدة، أو قال: قد استثنيت سرا، وحركت به لساني، وقد حنث في ظاهر أمره: إن الطلاق يلزمه بما استحلف عليه، فقيل له: ففيم بينه وبين الله تعالى ماذا ترى عليه؟ قال: لا شيء عليه، قال: وإن حلف بالمشي، أو بالهدي، أو بالله، أو بيمين ليس طلبها إلى العباد، وإنما عليه الكفارة فيما بينه وبين الله، دين عليه ذلك ونواه، ونفعه استثناؤه، ولم يضره ما نوى المستحلف إن حلف بالمشي إلى بيت الله، فقال: نويت مسجدا من مساجده نوى ذلك، وإن حلف بالله فقال:

قد استثنيت سرا، وحركت به لساني، نوى ذلك، ولم يكن عليه شيء. وهذا وما أشبهه مخالف للطلاق والعتق وما أشبههما. قال ابن القاسم: وكل ما وصفت لك من تفسير صور هذه المسألة، فإنما ذلك إذا أحلفه غريمه، فأما إذا تطوع له باليمين من غير أن يسأله ذلك الغريم، ولا أن يلجأه إليه، فكل ما حلف به فهو يلزمه على ما أظهر، وهو لا ينفعه ما أسر من لغز ولا استثناء، لا في المشي إلى بيت الله، وفي نذر، ولا في شيء مما يحلف به متطوعا. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يستحلف غريمه بالطلاق فيقول: إنما نويت واحدة، أو استثنيت سرا، وحركت لساني: إن الطلاق يلزمه بما استحلف عليه، هو مثل ما مضى في قوله في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، ومثل قول ابن الماجشون وسحنون أن اليمين على نية المستحلف، لا على نية الحالف، خلاف قول مالك في رسم البز، من سماع ابن القاسم، وقول ابن وهب في سماع زونان عنه، الواقع عنه، وفي رسم حمل صبيا أيضا، من سماع عيسى. وتفرقته في هذا بين ما يقضي عليه به، وما لا يقضى عليه به، هو مثل ما له في سماع أصبغ في كتاب النذور، وأما قوله: إنه إذا تطوع له باليمين من غير أن يسأله ذلك، فلا ينفعه ما أسر من لغز أو استثناء في شيء من الأشياء، بخلاف إذا سأله ذلك واستحلفه، فهو مثل قوله في رسم أوصى، من سماع عيسى، في كتاب النذور، وخلاف قوله، في سماع أصبغ منه، وهذه مسألة تتفرع إلى وجوه، والاختلاف فيها كثير قد مضى تحصيله في رسم شك في طوافه، من سماع ابن القاسم، من كتاب النذور، وبالله تعالى التوفيق.

مسألة: قال الغريم امرأتي طالق البتة إن كنت لم أدفع إليه حقك

[مسألة: قال الغريم امرأتي طالق البتة إن كنت لم أدفع إليه حقك] مسألة وقال في الرجل يأمر غريما له أن يدفع ما له عليه إلى وكيل له، ثم سأله بعد أيام فقال: قد دفعت إلى وكيلك ما أمرتني، فقال: قد كتب إلي وكيلي أنه لم يقبض منك شيئا، فقال الغريم: امرأتي طالق البتة إن كنت لم أدفع إليه حقك، وقال الطالب: امرأتي طالق إن كنت دفعت إليه شيئا. قال: أما المطلوب فينوى في يمينه، ولا يبرأ من الحق إلا ببينة على الدفع، وأما الطالب فحانث من عاجل أمره؛ لأنه حلف على غيب لا علم له به، ولا يجوز للإمام أن يقر امرأته عنده، وقد تبين أنه حلف على غير علم، ولا يقين من شأن الذي حلف عليه. وقال القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: ولا يجوز للإمام أن يقر امرأته عنده؛ من أجل أنه حلف على ما لا يستيقنه، وإن كان لم يرم بذلك مرمى الغيب، وإنما غلب ذلك على ظنه؛ لصدق وكيله عنده هو على ما مضى تحصيل القول فيه في رسم يوصي، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق. [مسألة: له امرأتان فيحلف بطلاق إحداهما لأنكحن عليها] مسألة وسئل عن الرجل تكون له امرأتان، فيحلف بطلاق إحداهما: لأنكحن عليها، ويحلف للأخرى بطلاقها ألا ينكح عليها، فينكح عليها امرأة، ويمسها، فإذا هي أخته من الرضاعة. قال: يفرق بينه وبين أخته من الرضاعة، ولا يعد نكاحها نكاحا فيما رجا من البر، فيما حلف لإحدى امرأتيه لينكحن عليها، وعليه أن ينكح عليها أخرى نكاحا حلالا ثابتا على غير تحليل، ولا

مسألة: يشترط عليه عند النكاح إن تزوج عليها فهي طالق ويتزوج عليها

من ذوات المحارم من نسب ولا رضاعة، قال: وأما الذي حلف بطلاقها ألا ينكح عليها فقد حنث فيها، وهي طالق بما حلف واحدة فأكثر من ذلك؛ لأنه قد نكح عليها، وهو مجمع على حنثه فيما حلف به بطلاقها. قلت له: أرأيت هذا الذي يحلف بطلاق امرأته لينكحن عليها إن نكح عليها امرأة في عدتها ومسها، أو في غير عدتها ومسها في الحيضة ثم طلقها؟ قال: لا يبر بنكاح واحدة منهما، ولا يعد مسيس ما لم يحله الله مسيسا، ولا يبر حتى ينكح نكاحا حلالا، ويمس مسيسا حلالا. قال محمد بن رشد: هذا كله صحيح لا اختلاف فيه في المذهب على أصولهم في أن الحنث يدخل بأقل الوجوه، والبر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وقد مضى القول على هذا المعنى في مواضع، من ذلك رسم استأذن، وأول رسم لم يدرك، ورسم إن خرجت، من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: يشترط عليه عند النكاح إن تزوج عليها فهي طالق ويتزوج عليها] مسألة وقال في الرجل يشترط عليه عند النكاح إن تزوج عليها فهي طالق، ويتزوج عليها، ويقول: إنما أردت واحدة، ويقول: ما اشترطت إلا لأكون طالقا البتة: إنه لا يقبل قوله، وهي البتة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم الرهون، من سماع عيسى، من كتاب النكاح، وفي رسم استأذن، من سماع عيسى، من كتاب التخيير والتمليك؛ فليتأمله من أحب الوقوف عليه هنالك، وبالله التوفيق.

مسألة: يقول لامرأته أنت طالق البتة إن سألتني الطلاق إن لم أطلقك فسألته

[مسألة: يقول لامرأته أنت طالق البتة إن سألتني الطلاق إن لم أطلقك فسألته] مسألة وقال في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق البتة إن سألتني الطلاق، إن لم أطلقك، فسألته الطلاق فقال: أمرك بيدك، فقضت بالطلاق أو تركته: إن ذلك لا يخرجه من يمينه، وقد حنث بالذي حلف به من الطلاق واحدة، أو أكثر منها؛ لأنها حين سألته الطلاق لم يطلقها كما حلف، وليس يكون التمليك طلاقا أبدا، وربما ردت ذلك المرأة، ولم تقض شيئا فأراه حانثا. قال: أرأيت إذا لم يقل: إن سألتني الطلاق فلم أطلقك ساعتئذ فأنت طالق، فأحب أن يؤخر ذلك أياما، فقال: أنا أطلقها يسوف نفسه يوما بيوم، أيكون ذلك له؟ قال: لا يجوز له تأخير ذلك عن مجلسها الذي سألته الطلاق فيه، فإن أخر ذلك حنث. قال محمد بن رشد: سحنون يقول: إنها إن طلقت نفسها بر، وإن لم تطلق نفسها حنث، ولا كلام في أنها إذا لم تطلق نفسها ولا طلقها هو حتى انقضى المجلس الذي سألته فيه الطلاق فقد حنث، وإنما الكلام إذا طلقت نفسها بالتمليك، أو ردت فطلقها هو في الحين، فقول ابن القاسم: إنه حانث صحيح، إن كان ملكها، ونيته أنها إن ردت بقيت زوجة له، وقول سحنون: لا حنث عليه صحيح أيضا إن كان ملكها، ونيته أن يطلقها إن ردت ولم تطلق، فحصل من هذا أن الخلاف بينهما إنما هو على ما يحتمل أمره إن لم تكن له نية، والله أعلم. وقوله: إنه لا يجوز له تأخير ذلك عن مجلسها الذي سألته الطلاق فيه، فإن أخر ذلك حنث صحيح، وقد مضى ما يبينه في أول مسألة من رسم إن أمكنني، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وفي سماع أبي زيد أنه لو قال: لأعطينها أو للألحفنها، لبر بتمليكه إياها، إلا أن يكون أراد بذلك لأطلقنها، وهو صحيح، ليس بخلاف؛ لقوله هاهنا، وبالله التوفيق.

مسألة: يحلف بطلاق كل امرأة ينكحها بمصر ثم يحلف بطلاق كل امرأة ينكحها في غير مصر

[مسألة: يحلف بطلاق كل امرأة ينكحها بمصر ثم يحلف بطلاق كل امرأة ينكحها في غير مصر] مسألة وقال في الذي يحلف بطلاق كل امرأة ينكحها بمصر، ثم يحلف بعد ذلك بطلاق كل امرأة ينكحها في غير مصر، أنه لا بأس أن ينكح في غير مصر لا ينكح بمصر، ألا ترى أن يمينه الأولى تلزمه، ولا يكون له أن يخرج نفسه مما قد كان وقع عليه من تحريم النكاح عليه بمصر الأولى، بأن يقول بعد تلك اليمين: كل امرأة أنكحها في غير مصر طالق، يريد حين عم البلدان أن يكون في سعة، كمن يقول: كل امرأة أنكحها في جميع البلدان فهي طالق، فليس ذلك له، ولكن يمينه الأولى تلزمه، والأخرى التي ضيق بها على نفسه، وعم بها تحريم النكاح كله على نفسه موضوعة عنه، ينكح في أي البلدان إن شاء ما عدا مصر. قال: ولو قال: كل امرأة أنكحها في غير مصر طالق، فلما أراد أن يضع يمينه عن نفسه قال أيضا: كل امرأة أنكحها بمصر طالق، فإن ذلك غير نافع له فيما كان ألزمه نفسه من اليمين الأولى، ليس له أن ينكح في غير مصر، ويمينه الثانية موضوعة عند، ولا بأس أن ينكح بمصر ما بدا له من النساء. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم الرهون، من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. [يقول إني حلفت بالطلاق أن لا أكلم فلانا فجاء قوم يشهدون أنهم حضروه يكلم ذلك الرجل] وفي كتاب يشتري الدور والمزارع للتجارة وقال في الرجل: يقول: إني حلفت بالطلاق أن لا أكلم فلانا، فجاء قوم يشهدون أنهم حضروه يكلم ذلك الرجل بعدما كان أقر أنه حلف ألا يكلمه، فقال: امرأتي طالق إن كنت حلفت، وما كان الذي قلت إلا كذبة كذبتها، ولقد كلمت فلانا، وما علي يمين

بطلاق ولا غيره ألا أكلمه. قال: يحنث ولا يدين؛ لأن الفعل الذي أقر ألا يفعله قد ثبت عليه أنه فعله بعد إقراره باليمين التي زعم أنه حلف بها ألا يفعل ذلك الفعل، قال: ومن قال: لقد كلمت اليوم فلانا، أو أتيت فلانا، أو أكلت طعاما كذا وكذا، ثم عوتب في بعض ذلك فقال: امرأته طالق إن فعل شيئا من ذلك، فإنه يدين ويحلف بالله ما فعل الذي حلف أنه لم يفعله مما كان زعم أنه قد كان فعله، وأنه إنما كان كذب أولا، ثم لا حنث عليه إلا أن تقوم عليه بينة بعد يمينه بالطلاق، أنه لم يفعل ذلك الشيء، فشهدت البينة أنه فعله قبل أن يحلف فيحنث، أو يقر بعد يمينه أنه كان فعله، فيلزمه أيضا الحنث بإقراره. قال: ومن شهد عليه قوم بحق لرجل أو أنه فعل شيئا ينكره، فقال بعد شهادتهم عليه: امرأته طالق إن لم يكونوا شهدوا عليه بزور، وما كان لفلان قبلي شيء، وما فعلت الذي شهدوا به علي، وإلا فامرأته طالق، فإنه يدين ويحلف أنهم كذبة في شهادتهم، ويحبس عن امرأته، فإن أقر بتصديق الشهداء أو جاء آخرون فشهدوا على تصديق شهادة الأولين الذين حلف بتكذيبهم حنث في يمينه، قال: وكذلك لو حلف بالطلاق إن كان لفلان عليه كذا وكذا، وإن كان كلم اليوم فلانا، فشهد عليه عدول بإثبات الحق، أو أنه كلم ذلك الرجل، فإن الحنث يلزمه. قال محمد بن رشد: هذه المسائل كلها صحاح، وأصلها في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، وتكررت في أول سماع ابن القاسم، من كتاب الشهادات، ولا اختلاف أحفظه في شيء منها، وتلخيصها أن اليمين على الفعل بالطلاق كان ببينة أو بإقرار، إذا تقدم على الإقرار بالفعل أو الشهادة

مسألة: يكون عليه الحق لرجل فيحلف له بالحرية أو بالطلاق ليقضينه إلى أجل كذا وكذا

عليه به طلقت عليه امرأته، وإن تقدم الإقرار منه بالفعل أو الشهادة به عليه على اليمين كان ببينة أو بإقرار لم يطلق عليه. والفرق بين أن يتقدم اليمين على الفعل، أو الفعل على اليمين هو أن اليمين إذا تقدم ببينة أو إقرار، فقد لزم حكمه، ووجب ألا يصدق في إبطاله، وإذا تقدم الفعل ببينة أو بإقرار لم تثبت اليمين بتكذيب ذلك حكم إذا لم يقصد الحالف إلى إيجاب حكم الطلاق الذي حلف به على نفسه، وإنما قصد إلى تحقيق نفي ذلك الفعل، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون عليه الحق لرجل فيحلف له بالحرية أو بالطلاق ليقضينه إلى أجل كذا وكذا] مسألة وسئل عن الذي يكون عليه الحق لرجل، فيحلف له بالحرية أو بالطلاق؛ ليقضينه إلى أجل كذا وكذا إلا أن ينظره صاحب الحق، فيريد المطلوب بالحق سفرا، فيسأل صاحبه أن يؤخره عن الأجل خوفا من أن يحل الأجل الذي حلف ليقضينه إليه، إلا أن ينظره وهو غائب في سفره، فيقول صاحب الحق له: قد أنظرتك قدر ما تقيم في سيرك ورجوعك إلى البلد الذي أخبرتني أنك تريده، وبعد رجوعك إلينا بعشرين يوما فتوجه الغريم، يريد سفره، فتتصعب عليه الطريق، ويخاف اللصوص، فيرجع إلى بلده تاركا لسفره لما حدث في الطريق من الخوف، فيحل الأجل أيلزمه أن يقضيه عند حلوله إن لم ينظره نظرة يبتدئها، أم يحنث بما كان أنظره حين أراد الخروج؟ قال: أرى تلك النظرة تسقط عنه؛ لتركه ذلك السفر الذي من أجله كانت النظرة فيه، وفيه كان وجه الطلبة، وعليه أن يستنظره نظرة يحددها له، وإلا حنث إن لم يقضيه عند الأجل. قيل له: فالعشرين يوما التي وسع عليه فيها بعد رجوعه من سفره، أتكون له إذا لم يخرج؟ قال: لا، لو كانت تكون له لكان

يقول كل امرأة أتزوجها إلا فلانة فهي طالق

له أن يقدر قدر مسيره ورجوعه فيوسع عليه فيه، بل أرى كل ما كان من النظرة بسبب ذلك السفر قد سقط بتركه الخروج. قلت: أرأيت إن كان رجوعه لغير إقامة، وهو يسعى جاهدا في أن يمضي لسفره، وينتظر خروج جماعة وكتيف من الناس، ليقوى على ما خافوا من اللصوص، فهو في ذلك حتى حال الأجل، أيجوز له أن يتهيأ للخروج بعد حلول الأجل أن يمضي النظرة التي كانت سبقت، أم يلزمه الغريم إن أبى أن ينظره؟ قال محمد بن رشد: قوله: إن النظرة التي أنظره بسبب السفر تسقط بتركه السفر صحيح؛ لأنه إنما أنظره من أجل السفر الذي أخبره أنه يريد، فصار السفر شرطا للنظرة وعلة لها، فوجب أن تسقط بسقوطه بمنزلة أن لو قال له: قد أنظرتك إن سافرت هذا السفر الذي تذكره، وذلك نحو قول سحنون في جامع البيوع، في الذي يبتاع العبد، أو البعير فيابق العبد، ويشرد البعير، فيستوضع البائع، ثم يجده بعد ذلك: إن الوضيعة تسقط عن البائع، ولم يجب على الذي تأخر سفره بسبب ما حدث في الطريق حتى حل الأجل من غير أن يتركه أو يرجع بنيته عنه، والجواب في ذلك أن يكون له النظرة إن خرج في سفره، إلا قدر ما تأخر بسبب ما عرض من التعذر في الطريق، ومثال ما يعرف به ذلك أن ينظره، فإن كان بينه وبين حلول الأجل يوم، استنظره شهر أو مقدار ما يغيب في سفره الذي استنظره بسببه ثلاثة أشهر، فلم يخرج حتى حل الأجل بمضي شهر أن يكون له من النظرة ما بقي من الثلاثة الأشهر، وذلك شهران والعشرون يوما، فإن لم يقضه إلى شهرين والعشرين يوما حنث، فيوكل عند خروجه وكيلا يقضيه قبل انقضاء هذه المدة؛ لئلا يحنث، ومن حق صاحب الدين أن يأخذ منه حميلا بذلك، وبالله التوفيق. [يقول كل امرأة أتزوجها إلا فلانة فهي طالق] ومن كتاب المكاتب قال: وسألته عن الرجل يقول: كل امرأة أتزوجها إلا فلانة

مسألة: يقول امرأته طالق إن لم يكن فلان يعرف هذا الحق يدعيه

فهي طالق، وتلك المرأة متزوجة أو غير متزوجة. فقال: ينكح ما بدا له. من النساء، ولا حنث عليه، قال: وسمعت مالكا يقول: إنما هي عندي بمنزلة الرجل، يقول: إن لم أنكح فلانة، فكل امرأة أنكحها طالق، فلا أرى عليه بأسا أن ينكح ما بدا له، قلت: فإن كان قال: كل امرأة أنكحها طالق إلا فلانة وفلانة وفلانة يسمي عشرا، أو نحو ذلك ألا ترى أن ينكح إلا واحدة منهن، قال: أما التسمية اليسيرة التي ليس فيهن سعة في النكاح، فكأنه حرم على نفسه نكاح غيرهن، وهو لا يجد إلى غيرهن سبيلا، فلا أرى عليه بأسا، أن ينكح غيرهن إن أمكنه ذلك، وكان من نكاحهن في سعة، فلا ينبغي له أن ينكح إلا منهن، فإن تعداهن فينكح من غيرهن حنث بما سمى من الطلاق. قال محمد بن رشد: إنما لم يلزمه على مذهبه شيء إذا عم أو لم يبق إلا عددا يسيرا يمكن إلا يزوجوه، ولا يرضوا به؛ لقول الله عز وجل: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] ، وقوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ، فإذا لم يترك لنفسه مدخلا في الحلال، لم يلزمه ما عقد على نفسه، وقد مضى من القول على هذه المسألة في رسم الجواب، ورسم باع شاة، من سماع عيسى، ما فيه كفاية، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول امرأته طالق إن لم يكن فلان يعرف هذا الحق يدعيه] مسألة قال: وسألته عن الرجل يقول: امرأته طالق إن لم يكن فلان

مسألة: من على أخيه بفاكهة جنانه فحلف أخوه بالطلاق ألا يدخل تلك الجنان وباعه الأخ

يعرف هذا الحق يدعيه، فسئل الذي ادعى عليه الحق فيقول: امرأته طالق إن كان يعرف له فيه حقا قال: يدينان جميعا، ثم لا يحنث واحد منهما. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة في كتاب الأيمان بالطلاق، وكتاب العتق الأول أنهما يدينان ولم يذكر يمينا، وروى محمد بن يحيى الشيباني عن مالك أنهما يدينان جميعا ولا يحلفان، وروى عيسى، عن ابن القاسم أنهما يدينان في ذلك ويحلفان، ومثله مضى في رسم الطلاق الأول، من سماع أشهب نحو هذه المسألة، وموضع هذا الاختلاف إنما هو إذا طولبا بحكم الطلاق، وهو جار على اختلافهم في لحوق أيمان التهمة في التداعي، وأما إذا أتيا مستفتيين غير مطلوبين، فلا وجه لليمين في ذلك، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: من على أخيه بفاكهة جنانه فحلف أخوه بالطلاق ألا يدخل تلك الجنان وباعه الأخ] مسألة وسألته عن الرجل من على أخيه بفاكهة جنانه، فحلف أخوه بالطلاق ألا يدخل تلك الجنان، وباعه الأخ، أيدخل الحالف الجنان إذا صارت لغير الأخ الذي من على الحالف بفاكهتها؟ فقال: إذا دخلها حنث كانت لأخيه أو لغيره، وذلك أنه أبهم يمينه فقال: هذه الجنان، فلا يجوز له دخولها أبدا، ولو كان قال: إن دخلت جنانك، لم يكن بدخوله بأس إذا صارت لغيره، قال: إلا أن يخرب حتى يصير طريقا للعامة ليس فيها جنان، ولا يحمى المرور فيها على أحد، فإن سلكها مارا، فلا حنث عليه، قال: وكذلك الذي يحلف ألا يركب دابة رجل، فيقول: إن ركبت هذه الدابة، ولا يقول: دابتك، فلا يجوز له ركوبها، وإن صارت لغيره، وكل ما أشبه هذه الوجوه فهو مثل ما فسرت لك. قال محمد بن رشد: فرق ابن القاسم في هذه الرواية بين أن

قال امرأته طالق إن كانت هذه الطريق فأقاموا حتى أصبحوا فإذا هم على غير الطريق

يحلف ألا يدخل جنانه، أو ألا يدخل هذه الجنان، فرأى أن الجنان يتعين بالإشارة إليه، فيحنث إن دخله بعد أن خرج من ملك المحلوف عليه، إلا أن ينوي ما دام في يديه، ولا يتعين بإضافته إلى المحلوف عليه، فلا حنث إن دخله بعد أن خرج من ملكه، وذلك مثل ما في المدونة خلاف ما مضى في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، وقد مضى القول على ذلك هنالك. وحكى ابن دحون أنه وقع في هذه المسألة في بعض هذه الكتب مر على أخيه بفاكهة جنانه بالراء قال: فإذا كان بالراء، فسواء قال في يمينه هذه الجنان أو جنانك يحنث كلما دخلها، وإن خرجت من ملكه أنه لم يتقدم بساط مِن منّ، فيحمل عليه إذا خرجت عن ملكه، فكأنه ذهب إلى أنه إنما فرق في هذه الرواية بين أن يقول: جنانك، أو هذه الجنان من أجل أنه من عليه بفاكهة الجنان، ولو لم يمن عليه بها لساوى بين ذلك، كما فعل في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، وليس ما ذهب إليه في ذلك بشيء؛ لأن الذي ثبت في الرواية إنما هو التفرقة بين أن يقول جنانك، أو هذه الجنان، كانت الرواية بالراء أو بالنون، فدل ذلك على أنه لم يعتبر المن من غير المن، وإنما اعتبر ما يتعين به الجنان من الألفاظ، مما لا يتعين به منها، فبان أن قوله فيها مثل ما في المدونة خلاف ما مضى في سماع عيسى. وقوله أيضا: إنه إذا كان بالراء يحنث كلما دخلها غلط؛ لأن الحنث لا يتكرر عليه، وإنما يحنث بدخوله مرة، ثم لا حنث عليه إن دخله بعد ذلك ثانية على المشهور المعلوم في المذهب، وقد مضى القول في ذلك على المشهور المعلوم في المذهب، وقد مضى القول في ذلك في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى وغيره، وبالله التوفيق. [قال امرأته طالق إن كانت هذه الطريق فأقاموا حتى أصبحوا فإذا هم على غير الطريق] ومن سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب وقال في رجل صاحب قوما، فجن عليهم الليل، فقال لهم الرجل: يا قوم، إنكم أخطأتم الطريق التي تريدون إلى البلدة التي خرجتم إليها، فقالوا: لا، فقال: امرأته طالق إن كانت هذه

مسألة: وقع بينه وبين امرأته كلام وكان يريد سفرا فقالت له لا تبرح فقال أنت طالق

الطريق، فأقاموا حتى أصبحوا، فإذا هم على غير الطريق التي خرجوا فيها، إلا أنها طريق إلى البلدة التي يريدون إليها. فقال سحنون: لا حنث عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه قد تبين أنهم أخطئوا الطريق التي كانوا عليها، وعلى ذلك حلف لا على أنهم على طريق إلى غير البلدة التي خرجوا إليها، وبالله التوفيق. [مسألة: وقع بينه وبين امرأته كلام وكان يريد سفرا فقالت له لا تبرح فقال أنت طالق] مسألة وسئل سحنون عن رجل حلف بطلاق امرأته، وذلك أنه وقع فيما بينه وبين امرأته كلام، وكان يريد سفرا، فقالت له: لا تبرح، فقال: أنت طالق، إن لم أسافر، ولا رجعت حتى أستغني. فقال: أما إذا أفاد من المال قدر مائتي درهم، وكانت المائتا درهم غنى لمثله، ولم يكن عليه من الدين ما يفترقها، ووجبت عليه فيها الزكاة، فقد بر، وليرجع إن أحب. قال محمد بن رشد: إنما حد في هذا مائتي درهم؛ لأن من ملك من المال ما تجب عليه فيه الزكاة فهو ممن يقع عليه اسم غني؛ بدليل أن الله تعالى أمر أن تؤخذ الصدقة من الأغنياء، فترد على الفقراء، وشرط أن تكون مايتا درهم غنى لمثله، يريد في حقه مؤنته، وقلة عياله؛ لأنه إذا كان كثير المؤنة، كثير العيال، يكون من الفقراء في أيسر مدة، ويذهب عنه الغنى ويرتفع عنه اسمه، ولم يقصد الحالف بقوله: حتى أستغني إلا غنى ينتفع بتماديه معه، واستطاعته به على زمانه، وقوله: قدر مائتي درهم، ولم يقل مائتي درهم يدل على أنه لو قدم بعروض للتجارة قيمتها مائتا درهم ولا دين عليه، هي غنى لمثله، لبر بذلك وكأن له أن يرجع؛ لأن العروض للتجارة تجب فيها الزكاة، فلا فرق بينها وبين العين في البر بها، قال سحنون في كتاب ابنه: وإن قدم بعرض يساوي عشرين دينارا، فليس ينجيه من الحنث ذلك إلا أن

مسألة: حلف ألا يبيعه منه ثم قال إنما حلفت وأنا ناس لبيعي إياه منه

يكون عرضا كثيرا، وقد يأخذ الزكاة من له العروض من خادم ودار، إلا يكون عرضا كثيرا جدا، وإن قدم بعشرين دينارا أو مائتي درهم حصل ممن تجب عليه الزكاة، وإن كان ذا عيال، ومعنى ذلك عندي إن كانت العروض التي قدم لغير التجارة أو للتجارة، وهو غير مدير؛ لأنه إذا لم يكن مديرا فليس ممن يجب عليه الزكاة في عروضه، فلا يسمى غنيا، وإن كانت الصدقة لا تحل له بسبب ما له من العروض، إلا أن تكثر عروضه، وأما إذا كان مديرا، فلا فرق بين أن تكون له مائتا درهم، أو يكون له قدرها من العروض في استحقاقه لاسم الغني، فعلى هذا التأويل يتفق قوله في سماعه هذا مع ما له في كتاب ابنه، ولا يكون متعارضا، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يبيعه منه ثم قال إنما حلفت وأنا ناسٍ لبيعي إياه منه] مسألة وقال في رجل كان بينه وبين امرأته منزل، فأراد بيعه، فذهب إلى رجل فاشتراه منه، وأشهد البينة بالبيع، ثم إن المشتري قيل له: إن هذا المنزل الذي اشتريت من فلان ليس هو كله له، وإنما هو بينه وبين امرأته، فأنا أخاف عليك من ناحيتها إن أنت دفعت إلى هذا الثمن كله، ولكن يقول له: أدفع إليك وإلى امرأتك، فإنه قيل لي: إنه بينك وبينها ففعل، ولقيه في ذلك، وأعلمه بما قيل له، وقال له: اذهب بنا إلى امرأتك أعطيك المال عندها، فإني أخاف أن يستحق علي نصف المنزل، فحلف بطلاق امرأته إن باع منه شيئا، ثم إنه قام عليه المشتري عند السلطان، وسلمت له امرأته البيع هل ترى أن يحنث إن قضي عليه بذلك. قال: لا حنث عليه، وذلك أن الحكم عليه فيه ثابت، فإنما يمضي شيئا قد كان ثبت عليه، فما أرى عليه حنثا، وقاله سحنون. قال القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي مسائل لأصبغ في نوازله بعد هذا أنه

مسألة: يقول غزيل طالق إن لم أقضك حقك وامرأته غزيل وهو ينوي غيرها

حانث، وقد تأول ذلك على مالك في مسألة الأمة الواقعة في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، وليس ذلك بصحيح على ما قد مضى بيانه هناك. ووجه قول سحنون أنه اعتبر اللفظ، ولم يراع المعنى، وذلك أنه إنما حلف ألا يبيعه بعد، والبيع قد مضى وفات، فلا يمكنه بيعه ثانية إلا أن يرجع ملكه إليه بوجه من وجوه الملك، فوجب ألا يقع عليه حنث. ووجه قول أصبغ أنه لما حلف ألا يبيعه منه وقد باعه، كان المعنى في يمينه أنه إنما أراد ألا يمكنه منه بالبيع الذي باعه منه لا على ألا يبيعه منه؛ إذ لا يمكن أن يبيعه منه، إذ قد فات بيعه منه، وحلف الرجل على ألا يفعل ما يمكنه فعله لغو وسفه، لا وجه له ولا فائدة فيه، فوجب أن يحمل يمينه على ما له وجه وفائدة، وهو المنع من تسليم المبيع إليه بذلك البيع المتقدم، ولو حلف ألا يبيعه منه بعد أن باعه منه وكيله، ولم يعلم بذلك لما كان عليه شيء باتفاق، كما لو حلف على غيره ألا يبيع، أو ألا يهب، أو ألا يتصدق، أو لا يعتق، وهو لا يعلم أنه فعل شيئا من ذلك، فيوجد قد فعله، وقد مضى هذا المعنى في رسم العارية، من سماع عيسى، من كتاب النذور، وهو أيضا في رسم سلف، من سماع عيسى، من كتاب العتق، وأما إن قال الحالف: إنها حلفت وأنا أظن أن البيع لا يتم بينهما، ولا يلزم إلا بالافتراق، فسيأتي القول عليه في نوازل أصبغ إن شاء الله، ومثله في المعنى لو حلف ألا يبيعه منه، ثم قال: إنما حلفت وأنا ناسٍ لبيعي إياه منه، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول غزيل طالق إن لم أقضك حقك وامرأته غزيل وهو ينوي غيرها] مسألة وسئل أشهب عن الرجل يحلف للرجل بالطلاق يقول: غزيل طالق إن لم أقضك حقك، وامرأته غزيل، وهو ينوي غيرها غزيلا أخرى لجاريته، ثم لا يقضيه.

مسألة: حلف بالطلاق ليقضينه حقه إلى رمضان ثم سأله التأخير لرمضان آخر

قال: هو حانث، ولا تنفعه نيته. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله أنه حانث، ولا تنفعه نيته، وإن جاء مستفتيا، وهذا على القول بأن اليمين على نية المحلوف له، وأما على القول بأن اليمين على نية الحالف، فتكون له نيته إذا جاء مستفتيا، وكذلك لو قال: امرأتي طالق إن لم أقضك حقك، فلا يقضيه، ويأتي مستفتيا فيقول: إنما أردت امرأة أخرى كانت لي قبل ذلك، لكانت له نيته على القول بأن اليمين على نية الحالف، خلاف ظاهر ما في التخيير والتمليك من المدونة، من أنه لا يُنَوَّى في أنه أراد امرأة أخرى قد كانت له، إذا قال له: امرأتي طالق، كما ينوى إذا قال: فلانة طالق، وعلى هذا الظاهر كان يحمل المسألة جميع من رأيت من الشيوخ، أو سمعت عنه كلاما فيها، أو رأيته له، ومثله في الواضحة، وليس ذلك بصحيح، بل لا فرق بين المسألتين كما ذكرته، وإنما قال في المدونة: إنه لا ينوى إذا قال: امرأتي طالق، ولم تكن عليه بينة، وكان مستفتيا من أجل أنه حلف للسلطان وألغز له، فكانت اليمين على نيته، وقد مضى في أول سماع أشهب تفصيل القول في حكم الملغز باليمين على غيره، فلا معنى لإعادته، ولو كان الذي حلف لغريمه ليقضينه حقه بطلاق غزيل قد حضرته نيته، فادعى أنه أراد جارية له لم يصدق باتفاق، ولو قال: غزيل طالق من غير أن يحلف لأحد، وأتى مستفتيا لنوي باتفاق. فوجه ينوي فيه باتفاق، ووجه لا ينوى فيه باتفاق، ووجه يختلف في تنويته، ولا فرق في شيء من ذلك كله بين أن يقول: امرأتي طالق، أو فلانة طالق على ما ذكرناه وبيناه، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ليقضينه حقه إلى رمضان ثم سأله التأخير لرمضان آخر] مسألة قلت له: فالرجل يحلف بالطلاق ليقضينه حقه إلى رمضان، وقد كان سأل الغريم صاحب الحق أن يؤخره إلى رمضان من عام آخر.

مسألة: يقول امرأتي طالق إن كان فيها وفاء من حقه فيجد وفاء من حقه

فقال: هو حانث، ولا تنفعه نيته، قال ابن القاسم: له نيته فيما بينه وبين الله تعالى. قال القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المسئول في هذه المسألة هو أشهب، فقوله هو حانث ولا تنفعه نيته ظاهره، وإن أتى مستفتيا على أصله في المسألة التي قبلها من أن اليمين على نية المحلوف له، وقول ابن القاسم: له نيته فيما بينه وبين الله تعالى، هو على أحد قوليه في أن اليمين على نية الحالف، وقد مضى القول على ذلك في رسم البز، من سماع ابن القاسم وغيره. [مسألة: يقول امرأتي طالق إن كان فيها وفاء من حقه فيجد وفاء من حقه] مسألة قال سحنون: وسأل رجل أشهب فقال له: إني اتزنت من رجل عند صيرفي حقا لي، فقال الصيرفي: لم يوفك حقك، فقال: الذي قضاني: سر معي إلى غيره، فقلت: امرأتي طالق إن كان فيها وفاء من حقي، ثم سرت معه، فوجدنا وفاء من حقي. فقال له أشهب: قد حنثت، قال الرجل: إني إنما حلفت على ما أخبرني به الصيرفي. قال: قد غرك ولا ينفعك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن يمينه إنما وقعت على أن ما أخبره به الصيرفي حق، فلما تبين كذبه وجب عليه الحنث. [مسألة: يقول امرأتي طالق إن دخلت دار فلان ثم يقول نويت في نفسي شهرا] مسألة وسئل ابن القاسم في رجل يقول: امرأتي طالق إن دخلت دار فلان، ثم يقول ويأتي مستفتيا: نويت في نفسي شهرا. قال: لا حنث عليه، قال ابن القاسم - في رجل يقول: امرأتي طالق إن كلمت بني فلان، ويقول: نويت في نفسي إلا فلانا -: إن ذلك

مسألة: حلف ليقضين فلانا حقه صلاة الظهر أي حين يقضينه

لا ينفعه؛ لأن الثينا لا تكون إلا بأن يتكلم به لسانه. قال محمد بن رشد: أما المسألة الأولى فلا اختلاف فيها بين أحد من أصحاب مالك وغيرهم؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى» ، وأما قوله في المسألة الثانية: إن الاستثناء لا يكون إلا بتحريك اللسان فهو المشهور في المذهب، وقد مضى القول على ذلك في رسم الجنائز والذبائح والنذور، من سماع أشهب، فمن أحب الوقوف عليه، تأمله فيه. [مسألة: حلف ليقضين فلانا حقه صلاة الظهر أي حين يقضينه] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يحلف ليقضين فلانا حقه صلاة الظهر، أي حين يقضينه، أي أوسط صلاة الناس أو أولها أو آخرها؟ قال: بل أولها أول ما يصلون وعند الزوال، قلت: فإن لم يقضه حتى صلى بعض الناس وبقي آخرون؟ قال محمد بن رشد: هذا هو الاختيار أن يقضيه في أول الوقت؛ لأنه أبرأ من الحنث، فإن لم يفعل حتى صلى بعض الناس، وبقى آخرون لم يحنث؛ إذ لا يحنث إلا بانقضاء جميع الوقت قاله سحنون في كتاب ابنه، يريد الوقت المستحب، القامة للظهر، والقامتان للعصر؛ لأنه هو الوقت الذي يتسع الناس في تأخير صلاتهم إليه، فتحمل يمين الحالف عليه، وقد مضى في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، القول فيمن حلف ليقضينه حقه غدوة أو بكرة مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف للرجل ليقضينه إلى أجل فيغيب الحالف] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يحلف للرجل ليقضينه إلى أجل، فيغيب الحالف، فتخاف امرأته أن يحنث، فتدفع ذلك إلى

السلطان، فيقضي السلطان الغريم من مال الحالف. قال: لا ينفعه ذلك، وهو حانث، قلت: فإن رفع الغريم أمره إلى السلطان، فحكم السلطان بدينه وقضاه من مال الحالف؟ قال: هو حانث إلا أن يكون وكل السلطان أن يقضي عنه، أو وكل أحدا، ألا ترى أنه يقضي عنه الحق، فيسقط عنه الحق بغير وكالة، ولا يسقط عنه اليمين، والسلطان وغيره في هذا سواء، وهو خلاف مغيب المحلوف له، ودفع الحالف المال إلى السلطان أن ذلك يخرجه من يمينه. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يبرأ ويخرج من الحنث بقضاء السلطان عنه إلا أن يوكله على ذلك، هو عندي على خلاف أصله فيمن حلف ألا يقضي غريمه، أو ألا يفعل فعلا، فقضاه السلطان من ماله، أو قضى عليه بالقضاء، أو حكم عليه بذلك الفعل أنه حانث؛ لأنه إذا كان قضاء السلطان من ماله يحنث به، كما لو قضاه هو إذا حلف ألا يقضيه، وجب على قياس ذلك، ألا يكون قضاء السلطان عنه من ماله يبر به، كما لو قضاه هو إذا حلف ليقضينه. وإذا كان قضاء السلطان عنه من ماله لا يحنث به، إذ ليس قضاء السلطان كقضائه هو إذا حلف ألا يقضينه، يجب على قياس ذلك أن يكون قضاء السلطان عنه من ماله لا يبر به، إذ ليس قضاء السلطان كقضائه هو إذا حلف أن يقضيه، لا فرق بين الموضعين؛ لأنا إما أن نجعل السلطان في ذلك كوكيله عن ذلك، فيحنث بفعله إذا حلف ألا يفعل، ويبر بفعله إذا حلف ليفعلن، وهو أصل ابن الماجشون، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك، في آخر سماع أشهب، وغير ما رسم، من سماع ابن القاسم، فيبر بقضاء الوكيل الموكل على القضاء، ولا يبر بقضاء الوكيل الذي ليس بموكل على القضاء، ويأتي في قضاء السلطان عنه قولان على ما بيناه، وقد مضى في رسم أسلم، من سماع عيسى، القول في قضاء الوكيل عنه، وما يتعلق بذلك، وبالله التوفيق.

مسألة: يقول لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا برضاك فيفعل

[مسألة: يقول لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا برضاك فيفعل] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إن خرجت إلا برضاك، أو فعلت كذا وكذا إلا برضاك فيفعل، فقامت عليه البينة، فقال: قد أذنت لي، وقالت: ما أذنت لك. قال: هي طالق، وهي مثل مسألة الدين، وكذلك كل ما كان مثل هذا الوجه، وهو قول المخزومي: وإن صدقته لم يكن لي بد من أن أحلفه بالله: لقد أذنت له. قال محمد بن رشد: قوله: وهي مثل مسألة الدين؛ يريد مسألة الرجل يحلف بطلاق امرأته إن لم يقض رجلا حقه إلى أجل سماه، وقد مضى القول فيها في آخر أول رسم، من سماع ابن القاسم، فما ذكرناه من الاختلاف فيها إذا حل الأجل، وزعم أنه قد قضاه، وزعمت المرأة أنه لم يقضه، وأنه قد حنث فيها بالطلاق، يدخل في ذلك إذا وطء، وزعم أنها قد أذنت له قبل الوطء يصدق في قول؛ أنها قد أذنت له، وإن أنكرت أن تكون أذنت له، ولا يصدق في قول، وإن أقرت أنها قد أذنت له، ويكلف بإقامة البينة أنها أذنت له قبل أن يطأ، ومعنى ذلك إذا كان له طالب باليمين غيرها، وقال أصبغ في نوازله: وإن كانت زوجته أو أم ولد ومن أشبهها ممن لا يشهد على مثله صدق إذا ادعى الإذن وجاء مستفتيا، وإن كان مشهودا عليه ومخاصما، كلف البينة على الإذن؛ وإلا أمضى عليه السلطان بدليل قوله: إنه لا يصدقه في غيرهما ممن يشهد على مثله، وإن أتى مستفتيا، وهو بعيد والصواب أن يصدق فيمن يشهد عليه إن أتى مستفتيا، وفي الزوجة وأم الولد، وإن كان مشهودا عليه ومخاصما، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق لئن لم تقومي لأصبن الزيت في البلاعة] مسألة وسئل عن الرجل يقول لامرأته: قومي في الليل وسهرت، فإن الزيت غالٍ، فقالت: لا، فقال: أنت طالق؛ لئن لم تقومي لأصبنه

في البلاعة، فلم تقم فصبه دون البلاعة. فقال: هو حانث إذا صبه دون البلاعة، إلا أن يكون نوى لأهريقنه، أو لأتلفنه، وكانت تلك نيته إذا لم تقم؛ لأن مالكا قال في مسألة الرجل يحلف لامرأته لتبيتن في هذا البيت، فتبيت على دكان في باب البيت؛ لأنها استأذنته على بيت أهلها، فأبى وحلف بما حلف به، وذكر مسألة مالك في رجل يشتري ثوبا لامرأته فكرهته، فحلف ألا تلبسه فرده، فاشترته المرأة فلبسته، فقال مالك: هو حانث إلا أن يكون نوى وأراد ألا تلبسه من ماله، والآخر حانث إلا أن يكون نوى بقوله: لا تبيت في هذا البيت، يريد ألا تسيري إلى أهلك، ولم يرد البيت بعينه. قال ابن القاسم: وأصل هذا أن ينظر إلى ما لفظ به، فيؤخذ به إلا أن تكون له نية، فيحتمل على نيته، وذلك أن مالكا سئل عن رجل قال لرجل: سرقت مني دينارا فقال: أنا سرقته، امرأتي طالق إن كان لك عندي دينار، فذهب ينظر فإذا جاريته سرقته وجعلته عنده، فقال مالك: هو حانث إلا أن يكون نوى عمله، وأراد ذلك، وقد سئل مالك أيضا عن رجل سئل سلفا، فقال: امرأتي طالق إن كان لي شيء أملكه، وليس ذلك له، ثم طلع له مال قد كان ورثه، ولم يكن علم به، قال مالك: هو حانث إلا أن يكون نوى أني لا أملك شيئا أعلمه، فإنما يؤخذ الناس بما لفظوا، فيحمل به على قولهم إلا أن تكون لهم نية، وذلك أن رجلا سأله عن رجل حمل لرجل جلودا، فلما بلغه غايته جعل الجلود على يدي رجل حتى يوفي الكري كراءه، فلما وفاه قال له الكري: احلف لي أنه ليس لغيرك فيه شيء، فنظر إلى علامة، فلم ينكر شيئا فحلف له، ثم نظر فإذا الذي كانت عنده قد أبدل منها شيئا،

قال: هو حانث، واحتج بالمسائل التي قبلها، وذكر قول مالك وما احتج به من الناس يؤخذون بألفاظهم، إلا أن تكون لهم نية فيحملون عليها، وذكر قول مالك في مسألة الذي حلف وسئل السلف فحلف ما لي شيء أملكه، فطلع له مال من قبل ميراث لم يكن علم به، قال: قرأتها على مالك، فقال: امحها فمحوتها، وقال: هو حانث، وذكر الذي سأله عن مسألة الجلود أن ابن كنانة وابن نافع قالا: ليس بحانث، فقال له ابن القاسم: إن مالكا قال أخبرتك، وإليه رجع إلى أن الناس يؤخذون بما لفظوا به، واحتج ابن القاسم بما قال له من المسألة التي قرأها على مالك، وأمره أن يمحوها. قال محمد بن رشد: لم يراع مالك، وابن القاسم في هذه المسائل كلها بساطا، وحنث الحالف بمقتضى لفظه فيها، إلا أن تكون له نية، ومثله لمالك في رسم سلعة سماها، من سماع ابن القاسم، في رسم سلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب التخيير والتمليك، وفي سماع أشهب من كتاب العتق، ولابن القاسم في سماع محمد بن خالد بعد هذا، والمشهور في المذهب مراعاة البساط بأن تحمل اليمين إذا لم تكن للحالف نية على بساطها، ولا تحمل على مقتضى اللفظ إلا عند عدم البساط، وهو قول مالك في رسم الطلاق الثاني، من سماع أشهب في هذا الكتاب، في مسألة النقيب، وقول ابن كنانة وابن نافع هاهنا، وقال ابن كنانة في المدنية في مسألته البالوعة، لم يسم البالوعة لشيء ينفعها به، وإنما أراد هرقه، فقد فعل، فلا حنث عليه، وهو قول أصبغ: إنه لا حنث عليه، قال: إلا أن يكون جمع من الزيت شيئا مما أهراق فتركه ولم يصبه في الحفرة، فهو حانث، وقال سحنون في نوازله من كتاب النذور في بعض الروايات: الأيمان على بساطها، فإذا وجدت اليمين ليس لها بساط فاهرب منها، وقد قيل: إن اليمين إذا لم يكن لها بساط تحمل على ما يعرف من عرف الناس في كلامهم ومقاصدهم في أيمانهم، والقولان قائمان من المدونة، وقد مضى القول في هذا المعنى

مسألة: حلف الرجل للرجل بالطلاق ليقضينه إلى أجل إلا أن يشاء أن يؤخره

مجودا في رسم جاع وغيره، من سماع عيسى، من كتاب النذور، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف الرجل للرجل بالطلاق ليقضينه إلى أجل إلا أن يشاء أن يؤخره] مسألة وسمعت أشهب يقول: إذا حلف الرجل للرجل بالطلاق ليقضينه إلى أجل إلا أن يشاء أن يؤخره أو يأتيه أمر غالب من سلطان أو غيره، فلما خاف الأجل وأن يحنث سأله أن يؤخره فأخره إلى أيام، أرأيت إن عرض له في تلك الأيام أمر سلطان، فلم يستطع قضاءه حتى مضت أيحنث؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه قد استثنى الأمرين جميعا، فله ما استثناه في كل واحد منهما على انفراده، إن أخره كان له التأخير، وإن لم يعرض له فيها أمر يغلبه من سلطان أو غيره، وإن عرض له أمر يغلبه من سلطان أو غيره كان به معذورا، ولم يحنث، وإن لم يؤخره. [مسألة: يقول للرجل احلف لي بالطلاق فيقول له الحلال علي حرام ويحاشي امرأته] مسألة قيل لأشهب: فالرجل يقول للرجل: احلف لي بالطلاق، فيقول له: الحلال علي حرام، ويحاشي امرأته؟ فقال: لا شيء عليه، وفي رواية أصبغ أنها البتة. قال محمد بن رشد: محاشاة الرجل امرأته إذا قال: الحلال علي حرام، أو حلف بذلك على وجهين؛ أحدهما: أن يقول: الحلال علي حرام، حاشى امرأتي، أو إلا امرأتي، أو سوى امرأتي، أو ما أشبه هذا من حروف الاستثناء، فهذه المحاشاة لا بد فيها من تحريك اللسان، فإن نواها بقلبه ولم يحرك بها لسانه لم ينتفع بها على المشهور في المذهب، وقد مضى هذا قبل هذا السماع وغيره، والثاني: أن يقول: الحلال علي حرام، وينوي إيقاع لفظه بالحلال علي حرام على ما عدا امرأته، فهذه المحاشاة

مسألة: قال امرأته طالق البتة إن كنت فعلت أو فعل بي فأقاموا البينة على قوله

هي التي تكون بالنية دون تحريك اللسان، فإذا حاشى امرأته بقلبه في الموضع التي تكون فيه المحاشاة بقلبه، أو بلسانه في الموضع الذي لا بد فيه من تحريك اللسان حسبما ذكرناه، فهو موضع الاختلاف الذي أشار إليه في الرواية، وقد مضى تحصيله والقول فيه مجودا في سماع أصبغ من كتاب النذور، فلا معنى لإعادة ذلك، ومضت المسألة أيضا في رسم الطلاق الثاني، من سماع أشهب، من هذا الكتاب، وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق البتة إن كنت فعلت أو فعل بي فأقاموا البينة على قوله] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك في الرجل: يقول فعل بي فلان وأعطاني، أو فعلت كذا وكذا فيأتيه رجل فيقول: قد بلغني أنك فعلت كذا وكذا، أو فعل بك كذا وكذا، قال: امرأته طالق البتة إن كنت فعلت أو فعل بي، فأقاموا البينة على قوله أنه قد كان أقر بذلك. قال: يحلف بالله ما كان إلا كاذبا، ولا شيء عليه، إلا أن تقوم بينة أن فعله عاينوه، أو فعل به ما قال عاينوه، فإنه يطلق عليه، فأما البينة على إقراره فلا؛ لأنه يقول: كذبت، قال ابن القاسم: ولو أنه أقر بعد، لم يلزمه الحنث أنه قد كان فعل، فشهد على إقراره طلق عليه. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. تم الجزء الثالث من كتاب الأيمان بالطلاق بحمد لله وعونه، يتلوه الكتاب الرابع.

كتاب الأيمان بالطلاق الرابع

[كتاب الأيمان بالطلاق الرابع] [حلف لهم بطلاق امرأته على ذلك أنه لا يعلمه في موضع من المواضع] كتاب الأيمان بالطلاق الرابع

مسألة: قال لامرأته أنت طالق أربعا إلا ثلاثا

من مسائل نوازل سئل عنها سحنون قال سحنون في الرجل يكون له على الرجل ذكر حق بشهود، فتلف ذكر الحق، فسأل الشهود عن شهادتهم، فذكروا شهادتهم في الكتاب، فقال لهم صاحب ذكر الحق: إنه قد تلف مني، فاكتبوا لي غيره، وحلف لهم بطلاق امرأته على ذلك أنه لا يعلمه في موضع من المواضع، ولا هو في بيته، ثم وجده في بيته. قال: لا حنث عليه؛ لأنه إنما أراد علمه. قال محمد بن رشد: لم يحنثه سحنون في هذه المسألة بما يقتضيه مجرد اللفظ وحملها على البساط والمعنى المراد، وهو المشهور في المذهب خلاف قول مالك وابن القاسم في المسائل التي تقدمت، في سماع سحنون مثل قول ابن نافع وابن كنانة فيها، وقد مضى القول على ذلك، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق أربعا إلا ثلاثا] مسألة ولو أن رجلا قال لامرأته: أنت طالق أربعا إلا ثلاثا، فهي ثلاث؛ لأنه بمنزلة لو قال: أنت طالق ثلاثا فهي ثلاث من قبل أنه يعد نادما، قال سحنون: وكذلك أيضا لو قال: أنت طالق مائة طلقة إلا تسعا وتسعين، فهي أيضا البتة؛ لأن الثلاث دخلت في العدة

التي استثنى، قال: ولقد سألني عن هذه المسألة رجل، وأنا سائر إلى الشرق، وذكرها عن بعض أهل العراق، فتفكرت فيها، فلم أر لها مخرجا، ولا الصواب فيها غير هذا. قال محمد بن رشد: قول الرجل لامرأته: أنت طالق أربعا إلا ثلاثا، استثنى أكثر الجملة، وقد اختلف في استثناء أكثر الجملة، فقيل: إن ذلك في اللسان غير جائز، وقيل: إنه جائز، وهو الصحيح، والدليل على جوازه قول الله عز وجل: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 83] ، وقوله عز وجل: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] لأنه استثنى في الآية الأولى المخلصين من الغاوين، وفي الثانية الغاوين من المخلصين، فلا بد أن يكون أحد الاستثناء من أكثر الجملة، فعلى هذا يكون قول الرجل لامرأته: أنت طالق أربعا إلا ثلاثا واحدة، ويحتمل أن يكون على هذا القول أيضا ثلاثا؛ لأن استثناء أكثر الجملة وإن كان جائزا في اللسان، فليس بمستعمل عند الناس في عرف كلامهم، فلما لم يكن ذلك معروفا من عادتهم في كلامهم حمل من قائله في الطلاق على أنه لم يقصد إلى ذلك، وإنما كان ندما منه استدركه، ليخرج به عما كان ألزمه نفسه من الثلاث، وأما على القول بأن استثناء أكثر الجملة غير جائز، فلا كلام في أن قول الرجل لامرأته: أنت طالق أربعا إلا ثلاثا ثلاث، هذا وجه القول في هذه المسألة على الأصول، ولم يذهب سحنون إلى شيء من هذا المعنى، والذي نحا إليه على ما يوجبه تعليله أن ما لفظ به من عدد الطلاق فيما فوق الثلاث لما كان الحكم فيه أن يكون ثلاثا كان كأنه إنما لفظ بالثلاث، فجعل قوله أربعا إلا ثلاثا، وقوله: مائة إلا تسعة وتسعين، كقوله ثلاث إلا ثلاثا، وذلك بين من قوله فهي البتة؛ لأن الثلاث دخلت في العدة التي استثنى، فعلى قوله لو قال الرجل: امرأتي طالق مائة إلا طلقة، كانت اثنتين؛ لأن الطلقة المستثناة على مذهبه إنما تقع مستثناة من الثلاث؛ إذ

مسألة: حلف بالطلاق أن يقضي رجلا حقه رأس الهلال

قوله عنده: مائة كقوله ثلاث، والأظهر على مذهب ابن القاسم وغيره أن تكون ثلاثا، ويجعل الطلقة التي استثنى مستثناة من المائة التي سمى، فتبقى تسعة وتسعون، يلزمه منها ثلاث، ويسقط الباقي. ولو قال: أنت طالق ثلاثا، إلا اثنين، إلا واحدة؛ لكانت مطلقة تطليقتين؛ لأن الواحدة مستثناة من الاثنتين، وما بقي من الاثنتين وهي واحدة، فهي المستثناة من الثلاث؛ بدليل قول الله تعالى: {إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 59] {إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} [الحجر: 60] ، فكانت المرأة مستثناة من الاستثناء، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق أن يقضي رجلا حقه رأس الهلال] مسألة وسئل أصبغ عن رجل حلف بالطلاق أن يقضي رجلا حقه رأس الهلال، فلما كان قبل حلول الأجل بأيام جاءه يتقاضاه، فقال: والله ما أجد شيئا، وإني لأخاف الحنث، فانطلق الطالب إلى رجل فقال: إن فلانا حلف لي في حق لي عليه أن يوفيني إلى الهلال، وهو معسر، وأنا أخاف عليه الحنث، فهاك عشرة دنانير، فأسلفها إياه على أنها من مالك، ولا تخبره بشيء، فانطلق إليه الرجل فقال: قد بلغني أنك حلفت لفلان في قضاء عشرة دنانير، وأنك أعسرت بها، فقال: نعم، فقال له: فهاكها سلفا مني، فاقضها إياه، فقبضها منه سلفا، وقضاها غريمه. فقال أصبغ: إن كان الحالف لم يعلم بعملهما، ولم يكن قد سبب صاحب الحق، فلا حنث عليه في رأيي، قلت: فعلى من تباعة العشرة دنانير على الذي أخذها فأسلفها إياه؟ فقال: لا تباعة

مسألة: يقول إن لم تأكلي هذه البيضة فأنت طالق فتأكل منها شيئا

على الذي دخل في ذلك، وهي للطالب على الغريم، كما هي بغير يمين، وقد تقاضى منه العشرة التي كانت فيها اليمين. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن الحالف إذا لم يعلم بعملهما، ولم يكن الرجل من سبب صاحب الحق حتى يكون على اليقين من صحة القضاء، فقد بر؛ لأنه قد قضى العشرة التي كانت عليه، وسقطت عن ذمته، فخلص من الحنث، وترتب في ذمته عشرة أخرى للمحلوف عليه من سلف يطلبه بها، لا يمين له عليه فيها؛ لأنها غيرها، ألا ترى أنه يجوز له أن يأخذ منه فيها طعاما، وقد كان لا يجوز له أن يأخذ منه في الأولى طعاما، إن كان باعه بها طعاما، وهذا بين، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول إن لم تأكلي هذه البيضة فأنت طالق فتأكل منها شيئا] مسألة قال: وكان مما قال المغيرة لأبي يوسف، حين كلمه بالعراق أن قال له أبو يوسف: لم قلتم في الرجل يقول لامرأته: إن أكلت هذه البيضة فأنت طالق، فتأكل بعضها، فزعمتم أنها طالق، وقلتم في الذي يقول: إن لم تأكلي هذه البيضة، فأنت طالق، فتأكل منها شيئا أنها طالق إن لم تستوعبها، فخالفتم بين بره وحنثه، والمسألة واحدة؟ فلم كان هذا هكذا؟ فقال له المغيرة: إنما تطلق على بساط الكلام ومعاني الإرادة، ونحن نقول: لو أن رجلا كانت له أخت، وكانت به غير بارة، ولا حافظة، فقيل له: إن أختك تصنع لك طعاما، فقال: امرأته طالق إن أكل لها بيضة، فبعثت إليه ببيضة، فإنه إن أكل منها شيئا حنث؛ لأنا علمنا أنه إنما سخط أمرها لقلة برها به، وعقوقها له، ولو قال له أهله القائمون عليه، والمعرضون له: إنك بحالة الضعف، ونحن نتخوف عليك الموت في تركك الأكل، وألحوا عليه في الأكل، ثم قربوا له بيضة، فقالوا: تصبر لنا على أكلها، فإن لك فيها الراحة والقوة، ولا بد منها، فقال: امرأته طالق إن أكلها، ثم أكل بعضها، فقد دلنا بعض المعنى أنه إنما كره

قال لها أنت طالق إن أنفقت علي يومي هذا فكانت نفقتهم تأتيهم من قبل أبويه

استيعابها لمشقتها عليه في أكلها كلها، ولم يدلنا أمره أنه أراد هاهنا ما أراد في الأخت، واليمين واحدة، غير أن البساط مختلف، ذلك حلف على الاجتناب لطعام أخته، وهذا لمشقة استيعابها. قال محمد بن رشد: وجه احتجاج المغيرة على أبي يوسف، هو أنه لما سأله عن الفرق بين البر والحنث في قول الرجل: امرأتي طالق إن أكلت هذه البيضة، أو إن لم آكلها، ورأى أنه قد خفي عليه الفرق بينهما مع وضوح المعنى فيه، أراه أن الوجه الواحد منهما قد يفترق المعنى فيه بافتراق البساط تنبيها على قصور فهمه وضعف نظره؛ لأن الأيمان إذا كانت تفترق في الوجه الواحد افتراقا لا يخفى، فافتراقها في الوجهين اللذين أحدهما نقيض الآخر بين وأجلى، هذا ما لا ريب فيه ولا امتراء. ولا اختلاف أحفظه في المذهب في أن البر يفترق من الحنث، فيحنث الرجل بما لا يبر فيه، وقد مضى بيان ذلك في رسم العرية، ورسم لم يدرك، من سماع عيسى، وفي غير ذلك من المواضع، وأما البساط فمراعاته في الأيمان على ما بينه المغيرة، هو المشهور في المذهب، وقد مضى الاختلاف فيه في سماع سحنون قبل هذا وغيره، فلا معنى لإعادة ذكره، وبالله التوفيق. [قال لها أنت طالق إن أنفقت علي يومي هذا فكانت نفقتهم تأتيهم من قبل أبويه] من سماع موسى بن معاوية عن ابن القاسم وسئل ابن القاسم عن رجل كانت بينه وبين امرأته منازعة، فقال لها: أنت طالق إن أنفقت علي يومي هذا، فكانت نفقتهم تأتيهم من قبل أبويه، فخرج الرجل، فأتى من بيت أبويه لها بطعام فأكلته. قال ابن القاسم: إن كان ذلك الطعام طعاما لو شاء أن يمنعه منعه، فأراه حانثا، وإن كان طعاما لو شاء أن يمنعه لم يمنعه، رأيت أن يدين لأنه قد علم أن أباه كان يجري عليها نفقة، ولا

سألته امرأته الإذن إلى أهلها فقال أنت طالق إن بت الليلة إلا في بيتك أو في البيت

يستطيع منعها، فإن قال: إنما أردت من عندي، ولم أرد ما أجرى عليها أبي، فلا شيء عليه، وإن كان إنما أراد تلك النفقة لا يجري عليها بها أبوه، فقد حنث؛ لأنه قد حلف وهو يعلم أن أباه يجري عليها، وهو لا يستطيع أن يمنعه، فإن كان حلف على منعه فهو حانث، وإن لم تكن له نية حين حلف، ولم يكن طعاما يستطيع أن يمنعه، ولو علم به، فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: في كلام ابن القاسم هذا في هذه المسألة التباس لطوله، والمعنى فيه إذا اعتبرته أن الطعام إن كان يقدر على منعه، فهو حانث، ولا ينوى معناه مع قيام البينة عليه، وإن كان طعاما لا يقدر على منعه فهو حانث، إلا أن يقول: إنما نويت ألا أنفق عليها أنا من مالي؛ إذ فقد علمت أن نفقة أبي لا أقدر على منعها، فينوى في ذلك يريد مع يمينه، والله أعلم، من أجل قيام البينة عليه، وهو قول صحيح على أصولهم في الأيمان؛ لأن الطعام إذا كان يقدر على منعه فهو كما لو قال من عنده، فوجب أن يحنث بأكلها إياه، ولا يصدق في نية إن ادعاها مع قيام البينة عليه، كما لو أنفق عليها من ماله، ثم قال: إنما نويت طعاما كذا، أو على وجه كذا، وما أشبه ذلك، وإذا كان لا يقدر على منعه كانت النية محتملة إذا لم ينفق هو عليها عن ماله، فصدق فيها، وبالله التوفيق. [سألته امرأته الإذن إلى أهلها فقال أنت طالق إن بت الليلة إلا في بيتك أو في البيت] من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم قال محمد بن خالد: قال ابن القاسم في رجل سألته امرأته الإذن إلى أهلها، فقال: أنت طالق إن بت الليلة إلا في بيتك، أو في البيت، فأقامت وباتت خارجا من البيت في حجرتها. قال: إن كانت نيته بأنه إنما أراد منعها من إتيان أهلها، فلا حنث عليه، وإن لم تكن له نية فهو حانث. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة لمالك في سماع سحنون، وهي على خلاف المشهور؛ لأنه اعتبر فيها مقتضى اللفظ دون ما

مسألة: تزوج امرأة وحلف لها بطلاقها ألا يدخل بها حتى يوفيها صداقها

يدل عليه البساط من المعنى، وقد مضى القول على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج امرأة وحلف لها بطلاقها ألا يدخل بها حتى يوفيها صداقها] مسألة وسألته عن رجل تزوج امرأة، وحلف لها بطلاقها ألا يدخل بها حتى يوفيها صداقها، فطلقها واحدة من قبل أن يدخل بها، فبانت منه، فأخذت نصف الصداق، ثم إنه تزوجها بعد ذلك بأدنى من الصداق الأول الذي حلف عليه ألا يدخل عليها حتى يدفعه إليها ودخل بها. قال ابن القاسم: أما ما كان يرجع في تزويجه إياها على بقية الصداق الذي كان حلف فيه، فالحنث واقع عليه، ولو كان بتها، ثم تزوجها بعد زوج بأدنى من ذلك، لم يقع عليه حنث، وذلك أن الطلاق الذي حلف فيه لم يبق منه شيء، وهو على طلاق مبتدأ. قال محمد بن رشد: قوله: إن اليمين ترجع عليه ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء صحيح، على معنى ما في المدونة، ومثله في رسم النذور، من سماع أصبغ، وفي نوازله بعد هذا من هذا الكتاب، وقال: إن الحنث واقع عليه إن تزوجها بعد ذلك بأدنى من الصداق الأول الذي حلف عليه، ألا يدخل بها حتى يدفعه إليها، ودخل بها، ولم يبين لماذا رأى أن الحنث واقع عليها، أن كان بأن دخل بها قبل أن يدفع إليها ما سمى لها، أو أن كان بأن سمى لها أقل من الصداق الأول الذي حلف عليه، والذي ينبغي أن يتأول عليه أنه إنما رأى الحنث واقعا من أجل أنه دخل بها قبل أن يدفع إليها ما سمى لها، ولو كان إنما دخل بها بعد أن دفع إليها ما سمى لها، لم يقع عليه حنث، وان كان ذلك أقل من الصداق الأول الذي حلف ألا يدخل عليها حتى يدفعه إليها؛ لأنه لم يحلف ألا يدخل بها حتى

مسألة: اللصوص إذا استحلفوا الرجل بالحرية والطلاق ألا يخبر بهم فأخبر عنهم

يدفع إليها كذا وكذا، وإنما حلف حتى يدفع إليها صداقها، فمعنى يمينه إنما هو ألا يدخل بها حتى يوفيها جميع حقها، وهذا بين، والله أعلم. [مسألة: اللصوص إذا استحلفوا الرجل بالحرية والطلاق ألا يخبر بهم فأخبر عنهم] مسألة قلت لابن القاسم: أسمعت من مالك في اللصوص إذا استحلفوا الرجل بالحرية والطلاق ألا يخبر بهم، فأخبر عنهم أنه ليس عليه في يمينه شيء؟ قال: نعم، ذلك قول مالك. قال محمد بن رشد: معنى قول مالك فيما ذهب إليه من أنه ليس عليه من يمينه شيء، إنما هو إذا خشي على نفسه منهم مكروها في نفسه باتفاق، أو في ماله على اختلاف إن لم يحلف لهم، وأما إذا لم يخش منهم مكروها على نفسه إن لم يحلف لهم، للزمته اليمين، وحنث إن أخبر عنهم، وإن كان لا يجوز له أن يستر عنهم، ويجب عليه أن يخبر عنهم حتى يقام الحد عليهم، وانظر لو كان في إخباره عنهم مع إقامة الحد عليهم جبر أموال الناس عليهم من عندهم، هل يكون ذلك عذرا له يسقط اليمين عنه أم لا، وقد مضى في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، ما يبين هذا، ويوضح ما هو إكراه مما ليس بإكراه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لصاحب له امرأته طالق إن كلمتك حتى تبدأني بالكلام] مسألة قال ابن خالد: وسئل ابن نافع عن رجل قال لصاحب له امرأته طالق إن كلمتك حتى تبدأني بالكلام، فقال له صاحبه: أنا والله لا أبالي، هل ترى هذا منه تبدية؟ فقال: لا. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة، في رسم العرية، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله عز وجل التوفيق.

يقول لامرأته وهي حامل إذا وضعت فأنت طالق

[يقول لامرأته وهي حامل إذا وضعت فأنت طالق] من سماع ابن الحسن من ابن القاسم قال عبد الملك بن الحسن: سئل ابن القاسم وأنا أسمع، عن رجل قال لامرأته: إذا بلغت هي موضع كذا وكذا، فهي طالق. قال: هي طالق تلك الساعة، ومثلها أيضا الرجل يقول لامرأته وهي حامل: إذا وضعت فأنت طالق، قال: هي طالق تلك الساعة، ومثلها الرجل يقول لامرأته: إذا كفلت ابني ثلاث سنين فأنت طالق. قال: هي طالق تلك الساعة. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في قول الرجل لامرأته إذا بلغت معي موضع كذا وكذا فأنت طالق في رسم سلف، من سماع يحيى، ومضى القول على قول الرجل لامرأته إذا كفلت ابني ثلاث سنين فأنت طالق، في رسم الشجرة، من سماع ابن القاسم: فأغنى ذلك عن إعادته هنا مرة أخرى، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق البتة إن لم يكن عمر بن الخطاب من أهل الجنة] مسألة قال عبد الملك: وأخبرني غير واحد من المصريين أن ابن القاسم سئل عن رجل قال لامرأته: أنت طالق البتة إن لم يكن عمر بن الخطاب من أهل الجنة. قال ابن القاسم: لا حنث عليه، قال: وأخبرني من أثق به في أبي بكر وعمر مثل ذلك، قال ابن الصلت: وسمعت ابن القاسم يقول في عمر بن عبد العزيز: مثل ذلك. قال محمد بن رشد: أما من حلف بالطلاق أن أبا بكر وعمر من أهل الجنة، فلا ارتياب في أنه لا حنث عليه، وكذلك القول في سائر العشرة أصحاب حراء الذين شهد لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، وكذلك من جاء فيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من طريق صحيح أنه من أهل الجنة، كعبد الله بن سلام، فيجوز

مسألة: قال امرأته طالق البتة إن قمت معك حتى أفرع من وضوئي فتوضأ

أن يشهد له بالجنة، وأما عمر بن عبد العزيز، فوقف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تحنيث من حلف عليه أنه من أهل الجنة، وقال: هو إمام هدى، وقال: هو رجل صالح، ولم يزد على ذلك؛ إذ لم يأت فيه نص يقطع العذر، ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم التعلق بظاهر ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «إذا أردتم أن تعلموا ماذا للعبد عند ربه، فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء» ، وقوله: «أنتم شهداء الله في الأرض، فمن أثنيتم عليه بخير وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه بشر وجبت له النار» ، وقد حصل الإجماع عن الأمة على حسن الثناء عليه، والإجماع معصوم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لن تجتمع أمتي على ضلالة» ، وقد مضى في رسم الرهون، من سماع عيسى القول فيمن حلف أنه من أهل الجنة، أو أنه يدخل وهو مما يتعلق بهذا المعنى، وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق البتة إن قمت معك حتى أفرع من وضوئي فتوضأ] مسألة وسألته عن رجل مر به رجل وهو يتوضأ على شاطئ نهر، فقال له: قم معي في حاجة، فقال: امرأته طالق البتة إن قمت معك حتى أفرع من وضوئي، فتوضأ ثم ذهب معه، فذكر أنه نسي المضمضة أو مسح الأذنين أو الرأس، هل ترى عليه شيئا أم لا؟ قال: هو حانث؛ لأنه إنما أراد بقوله حتى أفرغ من وضوئي الوضوء الذي يتوضأ الناس، ولم يدر المفروض من المسنون. قال محمد بن رشد: وهو كما قال؛ لأن الوضوء إذا أطلق في الشرع إنما يقع على جملة الوضوء وهو يشتمل على ما فيه من الفرائض والسنن، فتحمل يمينه على جميعها لدخولها تحت لفظ الوضوء، إلا أن يخص شيئا منها بنية أو استثناء، كما يحمل على العمد والنسيان؛ لدخولها تحت عموم لفظه، إلا أن يخص النسيان من ذلك بنية أو استثناء، فتكون له نيته إن جاء مستفتيا، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف بالطلاق لغريمه ليوفينه حقه إذا أخذ عطاءه فأخذ من عطائه ما ليس فيه

[مسألة: حلف بالطلاق لغريمه ليوفينه حقه إذا أخذ عطاءه فأخذ من عطائه ما ليس فيه] مسألة وسألت ابن أشهب عن من حلف بالطلاق لغريمه ليوفينه حقه إذا أخذ عطاءه، فأخذ من عطائه ما ليس فيه وفاء لدينه فقضاه، أتراه حانثا؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: هذا بين لا إشكال فيه، أنه لا حنث إذا قضى غريمه ما أخذ من عطائه، وإنما الكلام إذا أخذ من عطائه بعضه وفيه وفاء أو لا وفاء فيه؛ لأنه يتخرج ذلك على ثلاثة أقوال: أأحدها: أنه حانث إن لم يقضه حقه، أو ما قبض من عطائه على ما يوجبه معنى يمينه. والثاني: أنه لا حنث عليه إن لم يقضه شيئا حتى يقبض جميع عطائه على ما يقضيه لفظ يمينه. والثالث: أنه يحنث إن لم يقضه من حقه بحساب ما قبض من عطائه، وقد مضى في سماع أبي زيد، من كتاب النذور مسألة من هذا المعنى تشبه هذه المسألة في بعض معانيها، وقد مضى من القول عليها ما فيه زيادة بيان لهذه، وبالله التوفيق. [مسألة: وجده يذبح جديا فقال امرأته طالق إن كان يقبض روحه إلا ملك الموت] مسألة وسئل أشهب عن رجل كان يذبح جديا، فقال له رجل: من يقبض روح هذا الجدي؟ فقال: امرأته طالق إن كان يقبض روحه إلا ملك الموت، هل عليه حنث؟ قال: لا حنث عليه، هذا والجن والإنس وكل من يموت من البهائم وغيرهم، فملك الموت يقبض أرواحهم، وإنما سماه الله ملك الموت؛ لأنه يقبض روح كل ميت من الإنس وغيرهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله تعالى قد نص على أن ملك الموت يقبض أرواح بني آدم بقوله عز وجل: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11]

مسألة: حلف بطلاق امرأته ليقضين حقه إلى الليل

وقام الدليل من قَوْله تَعَالَى: {مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة: 11] على أنه يقبض روح كل حي من الجن أو الإنس وغيرهم؛ لأن الموت اسم عام مستغرق للجنس، فلا يصح أن يخصص في بعض الحيوان دون بعض إلا بدليل، وقول أهل الاعتزال: إن ملك الموت يقبض أرواح بني آدم، وإن أعوانه يقبضون أرواح البهائم، تحكم بغير دليل ولا برهان، فلا يصح أن يقال: ما ذهبوا إليه إلا بتوقيف ممن يصح له التسليم، وهو في مسألتنا معدوم، والقول بما سوى هذين القولين تعطيل، والله الموفق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ليقضين حقه إلى الليل] مسألة وسئل عمن حلف بطلاق امرأته ليقضين حقه إلى الليل. فقال: له الليل كله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة شاذة، والصواب فيها أن تحمل " إلى " على بابها أنها غاية، فيكون حانثا إذا لم يقضه حتى غابت الشمس، وهذا هو الذي يأتي على مذهبه في المدونة وغيرها، وعلى ما نص عليه أيضا في رسم البراءة، من سماع من كتاب النذور، ووجه هذا القول أنه جعل " إلى " بمعنى " عند " يقال: هو أشهى إلى من كذا أي عندي، وقال الشاعر: إذ لا سبيل إلى الشباب وذكره ... أشهى إلي من الرحيق السلسل أي عندي. وعلى هذا يأتي قوله في كتاب الظهار من المدونة، فيمن قال: أنت علي كظهر أمي إلى قدوم فلان. [مسألة: يقول لامرأته أنت طالق البتة إلا واحدة] مسألة وسئل عن الذي يقول لامرأته: أنت طالق البتة إلا واحدة.

مسألة: قال إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها بمصر طالق فتزوج ثم كلمه

فقال: هي اثنتان، وقاله سحنون. قال محمد بن رشد: المسئول في هذه المسألة هو أشهب، والله أعلم؛ بدليل أنها معطوفة على ما قبلها من المسائل له، وهو أيضا معلوم من مذهبه أن البتة تتبعض، وأما ابن القاسم فقد حكى عنه ابن حبيب: أنها لا تتبعض، وهو قول أصبغ في نوازله بعد هذا، وروى ذلك أيضا عن مالك، ووقع ذلك له في المبسوطة، ومثله في كتاب ابن المواز. والصحيح قول أشهب وسحنون هذا أن البتة تتبعض، وعلى هذا يأتي ما في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، من تلفيق شهادة الشهود إذا شهد أحدهما بالثلاث، والآخر بالبتة؛ لأن نهاية الطلاق الثلاث، فإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق البتة، فإنما معنى قوله وإرادته: أنت طالق نهاية عدة الطلاق، كما قال عمر بن عبد العزيز: لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة منه شيئا، من قال: البتة فقد رمى الغاية القصوى، فلا فرق في المعنى بين أن يقول: أنت طالق ثلاثا، أو أنت طالق البتة؛ لأنه واصف للطلاق في المسألتين جميعا بأقصى ما تبين به المرأة عنه من عدد الطلاق، فوجب أن يستويا في جميع الأحكام من التلفيق في الشهادة، والتبعيض بالاستثناء، وغير ذلك، وقد زدت هذا المعنى بيانا بالحجج النظرية في مسألة أفردنا التكلم عليه فيها، والله الموفق للصواب برحمته. [مسألة: قال إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها بمصر طالق فتزوج ثم كلمه] مسألة وسئل عن رجل قال: إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها بمصر طالق، فتزوج ثم كلمه. فقال: لا شيء عليه في التي تزوج قبل يمينه، وإنما يلزمه الحنث فيما يتزوج بعد كلامه. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما في المدونة؛ لأنه قال في العتق الأول منها في الذي يقول: إن كلمت فلانا فكل عبد أملكه من الصقالبة، فهو حر: إن كل عبد يملكه بعد يمينه من الصقالبة فهو حر إن كلمه،

مسألة: يقول لامرأته أنت طالق البتة إن بت في منزلك الليلة فبات في حجرتها

إلا أن يريد إن كلمت فلانا، فكل عبد أملكه بعد حنثي من الصقالبة فهو حر، فتكون له نيته، وليس أحد القولين من جهة اللفظ بأظهر من صاحبه؛ لأن قوله فكل عبد أملكه من الصقالبة، أو فكل امرأة أتزوجها بمصر يحتمل أن يريد بعد يميني، وأن يريد بعد حنثي احتمالا واحدا لا يترجح أحد الاحتمالين على صاحبه، فإن كانت له نية، فله نيته، وهو مصدق فيها، وإن كانت على يمينه بينة، وإن لم تكن له نية، فوجه قوله في هذه الرواية أنه لا يلزمه طلاق فيما تزوج قبل حنثه مراعاة الاختلاف؛ إذ من أهل العلم من لا يرى عليه شيئا أصلا، فيما تزوج قبل حنثه، ولا بعد حنثه، ووجه قوله في المدونة الاحتياط للعتق مخافة أن يملكه وهو حر، فأعتقه عليه بالشك ولم يراع الخلاف، ولفظة أملكه تصلح للحال وللاستقبال، وإنما تشبه المسألتان إذا لم يكن في ملكه يوم حلف عبد من الصقالبة، فيستدل بذلك على أنه أراد بذلك الملك فيما يستقبل به، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته أنت طالق البتة إن بت في منزلك الليلة فبات في حجرتها] مسألة وسألت ابن وهب عن الذي يقول لامرأته: أنت طالق البتة إن بت في منزلك الليلة، فبات في حجرتها. فقال: الحجرة عندنا مثل الأسطوان، وهو حانث إلا أن تكون له نية. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، لا يدخل فيها من الاختلاف ما دخل في مسألة البيت التي مضت في سماع سحنون، ومحمد بن خالد؛ لأن المنزل يجمع البيت والحجرة عند الجميع على ما مضى لابن القاسم في رسم الرهون، من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ألا ينفق هذا الدينار إلا في حلي ابنته فماتت] مسألة وسئل عن رجل حلف بالطلاق ألا ينفق هذا الدينار في وجه من الوجوه إلا في حلي ابنته، فماتت ابنته قبل أن يعمل لها ذلك

مسألة: قال لامرأته إني قد كنت حلفت بطلاقك ألا أفعل كذا وكذا وقد فعلته

الحلي، وقبل أن يدفع ذلك إلى صانع أو بعدما دفع، كيف ترى في الدينار؟ قال: يحبسه ولا ينفقه. قال محمد بن رشد: في كتاب ابن المواز: أنه لا شيء عليه، والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في مراعاة المعنى الذي يظهر أن الحالف قصد إليه بيمينه، فلم يراعه في الرواية، وحمل يمين الحالف على ما يقتضيه مجرد لفظه من إلا ينفق ذلك الدينار، إلا في حلي ابنته، فقال: إنه إن ماتت ابنته حبسه فلم ينفقه، فإن لم يفعل حنث وراعاه في كتاب ابن المواز، فقال: إنه إن ماتت ابنته أنفقه فيما شاء، ولم يكن عليه حنث؛ لأنه لما حلف وابنته حية محتاجة إلى الحلي، تبين أنه إنما قصر بيمينه إلا يفوته عليها بنفقته إياه في غير حليها التي تحتاج إليه، فإذا ماتت وأنفق الدينار فيما شاء من حواجه، وجب ألا يحنث؛ إذ لم يفوت الدينار عليها بذلك، ولا حرمها الانتفاع به، وهذا القول أظهر، وهو المشهور في المذهب، وقد مضى المعنى في غير ما موضع من هذا الكتاب، وفي رسم جاع، ورسم الثمرة، من سماع عيسى، من كتاب النذور، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إني قد كنت حلفت بطلاقك ألا أفعل كذا وكذا وقد فعلته] مسألة وسئل وأنا أسمع عن رجل، قال لامرأته: إني قد كنت حلفت بطلاقك ألا أفعل كذا وكذا، وقد فعلته ورجلان يشهدان عليه بإقراره لم ينفعه ما نوى. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه قد أقر على نفسه بالحنث بالطلاق الذي قد لزمه بإقراره على نفسه به، وذلك مثل أن يقول: إنما كنت نويت ألا أفعل ذلك في يوم كذا وكذا، وإنما فعلت في غير ذلك اليوم وما أشبهه مما لو جاء عليه بينة سقط عنه الطلاق، وبالله التوفيق.

مسألة: قال إن مت قبل فلان فامرأتي طالق البتة

[مسألة: قال إن مت قبل فلان فامرأتي طالق البتة] مسألة وسئل عمن قال: إن مت قبل فلان فامرأتي طالق البتة، قال: هي طالق حين تكلم، وإن قال: امرأتي طالق إن مت إلى سنة أنها طالق ساعتئذ. قال محمد بن رشد: إن كان إنما أراد أنه لا يموت قبل فلان، وأنه لا يموت قبل السنة، وأوجب على نفسه الطلاق إن كان شيء من ذلك بمعنى أنه لا يكون، فلا اختلاف في أن الطلاق قد لزمه معجلا؛ لأنه حالف على غيبه لا يعلمه إلا الله، وأما إن كان لم يرد ذلك، وإنما قال: امرأتي طالق إن كان ذلك، يريد إن كان بما سبق في علم الله الذي لا يعلمه إلا هو، فلا شيء عليه باتفاق، وإن لم تكن له نية، فيخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: أن يمينه تحمل على الوجه الأول، فيلزمه الطلاق. والثاني: أنها تحمل على الوجه الثاني، فلا يلزمه شيء، وكذلك إن حضرته بينة بها؛ إذ القول بادعاء أنه لم يرد الحلف أن ذلك يكون، وأنه إنما أوجب على نفسه الطلاق، وإن كان ذلك على غير وجه اليمين يتخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: أنه يصدق فيما ادعاه ولا يلزمه شيء، وهو الذي يأتي على قول أصبغ، فيما روي عنه من أنه قال: من قال: امرأتي طالق إن مت، فلا شيء عليه إلا أن يريد بذلك العناد، بمعنى أنه لا يموت، والثاني: أنه لا يصدق في ذلك، ويعجل عليه الطلاق، وهو ظاهر ما في هذه الرواية، ورآه ابن وهب؛ لأن المسألة معطوفة على مسائل تقدمت من قوله، وكان ابن القاسم يقف في مسألة أصبغ، وهذا يشبهها، والله أعلم، ولو قال: امرأتي طالق إذا مت لم يكن عليه شيء، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لغريمه بطلاق امرأته ليوفينه حقه إلى أجل سماه ولم يسم واحدة] مسألة وسئل - وأنا أسمع - عن رجل حلف لغريمه بطلاق امرأته

طلق امرأته واحدة ثم يقول إن راجعتها فهي طالق البتة ثم يرتجعها

ليوفينه حقه إلى أجل سماه، ولم يسم واحدة، ولا ثلاثا، فحنث في يمينه، فزعم صاحب الحق أنه إنما حلفه بالبتة، ولم يكن ليرضى منه بما لا منفعة له فيه، وقال الغريم: لم أحلف إلا بواحدة، قال ابن وهب: القول قول الغريم ويحلف، وفي رواية عيسى، عن ابن القاسم، في كتاب أوله حمل صبيا أن القول قول صاحب الحق. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، ومضى القول عليها هناك، وفيما كان في معناها في رسم البز، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. [طلق امرأته واحدة ثم يقول إن راجعتها فهي طالق البتة ثم يرتجعها] من سماع أصبغ بن الفرج، من ابن القاسم، من كتاب النكاح قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول في الرجل يطلق امرأته واحدة، ثم يقول: إن راجعتها فهي طالق البتة، ثم يرتجعها قبل أن تنقضي عدتها، فيقال له: أليس قد حلفت؟ فيقول: إنما أردت ألا أراجعها بنكاح جديد إن بانت، وأما الارتجاع فإني لم أحلف عليه، وهي في ملكي، وأراجعها عندي، مخالف لأرتجعها، يحتج بذلك. قال: لا يقبل قوله، وقد طلقت بالبتة إن هو ارتجعها، إلا أن يكون استثنى ذلك استثناء، وتكلم به وإلا لم ينفعه، وقاله أصبغ، وكذلك قوله إن قال: لو تزوجتها، فمخرج التزويج هاهنا ارتجاع، إلا أن يرتجعها حتى يظهر غيره بإفصاح وبيان، ومن ذلك أن يذكر له ارتجاعها، ويقبح في طلاقها، وسئل ارتجاعها، فيقول: هي

مسألة: قال كل امرأة أتزوجها حتى يتزوج فلان فهي طالق

طالق البتة إن راجعتها أو إن تزوجتها، فهذا الذي لا شك فيه إن ارتجعها طلقت بالبتة، وهو جواب والآخر مثله، وبجملة حتى يعرف خلاله بسبب أو بساط له مخرج أو استثناء به، يتكلم كلاما إن شاء الله. قال محمد بن رشد: لفظ الارتجاع في العدة حقيقة، وبعد انقضائها مجاز، ولفظ المراجعة والتزويج في العدة مجاز، وهو في العدة حقيقة؛ لأن المراجعة مفاعلة من الاثنين، فلا تستعمل حقيقة إلا حيث يحتاج إلى رضا المرأة، ولم يراع في هذه الرواية شيئا من ذلك؛ لجواز استعمال المجاز، يقال في ارتجاع المرأة في العدة: راجعتها، وفي مراجعتها بعد العدة ارتجعتها، فلم ينوه مع قيام البينة عليه، وإن كانت نيته التي ادعى موافقة لحقيقة لفظه، إلا أن تكون ليمينه بساط يدل على نيته التي ادعى خلاف ما مضى من قول ابن القاسم في رسم العرية، من سماع عيسى، ونحو قول مالك فيه. وأما إن كانت نيته التي ادعى مخالفة لحقيقة لفظه، مثل أن يحلف ألا يراجعها، ثم يراجعها بعد العدة، ويقول: إنما نويت بذلك ألا أرتجعها في العدة، أو يحلف ألا يرتجعها ثم يرتجعها في العدة، ويقول: إنما نويت بذلك ألا أراجعها بعد العدة، فإنه لا ينوي في ذلك مع قيام البينة، قاله في رسم سلف، عن سماع عيسى، من كتاب السنة، ولا خلاف عندي في هذا الوجه، قال محمد بن المواز، وكذلك إن كان مطلوبا فأقر باليمين، وادعى النية، وليس قوله بخلاف، وأما إذا جاء مستفتيا غير مطلوب، فلا اختلاف في أنه ينوي في كل حال دون يمين، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: قال كل امرأة أتزوجها حتى يتزوج فلان فهي طالق] مسألة وسئل عمن قال: كل امرأة أتزوجها حتى يتزوج، فلان فهي طالق. قال: هو كمن قال: كل امرأة يتزوجها قبل أن يتزوج فلان إلا

مسألة: يقول لامرأته قد شاء الله أن أطلقك

أن يموت فلان، فهي طالق. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن قول الرجل: كل امرأة أتزوجها حتى يتزوج فلان فهي طالق، مثل قوله كل امرأة أتزوجها قبل أن يتزوج فلان فهي طالق؛ لأن حتى غاية، فيمينه يقتضي طلاق كل امرأة يتزوجها قبل هذه الغاية، فاستوت المسألتان، والحكم في ذلك أن يلزمه طلاق كل ما يتزوجه قبل أن يتزوج فلان ما لم يمت، وإن لم يستثن إلا أن يموت؛ لأنه بموته قبل أن يتزوج يكون قد حرم على نفسه جميع النساء، فلا يلزمه ذلك كما لو استثنى فقال: إلا أن يموت، فقوله في هذه المسألة: إلا أن يموت؛ لا تأثير له فيما يوجبه الحكم على مذهب مالك الذي يرى أن من حرم على نفسه جميع النساء لم يلزمه من ذلك شيء، ولو قال: كل امرأة أتزوجها من بنات فلان قبل أن يتزوج فلان؛ لكان لاستثنائه بقوله: إلا أن يموت فلان تأثير، وهذا كله بين، والحمد لله. [مسألة: يقول لامرأته قد شاء الله أن أطلقك] مسألة وقال أصبغ: سمعت أشهب، وسئل عن الذي يقول لامرأته: قد شاء الله أن أطلقك، أو لعبده قد شاء الله أن أعتقك، قال: ليس عليه شيء إلا أن يريد بذلك عتقا أو طلاقا، هذا من الكاذبين على الله تعالى، فسئل عن قوله: قد شاء الله أنك طالق، قال: هذه طالق، إنما أخبر أنها طالق، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يقول: قد شاء الله أن أطلق امرأتي، أو أعتق عبدي: إنه لا شيء عليه صحيح؛ لأن معناه إنما هو الإخبار بالعزم على أن يطلق، وعلى أن يعتق؛ لأنه لما عزم على أن يطلق أو على أن يعتق قال: إن الله قد شاء ذلك، سيطلق ويعتق، فقد شاء ذلك، وإن كان سبق في علمه ألا يطلق ولا يعتق فلم يشأ ذلك، هذا هو تحقيق معنى قوله:

حلف بطلاق امرأته على زوج أخته ألا يتم له ذلك الأمر

قد شاء الله أن أطلقك أو أعتقك، لا أنه من الكاذبين عليه في الحقيقة كما قال، وإنما كان يكون كاذبا عليه لو أخبر أنه قد شاء ما يعلم أنه لو شاءه، مثل أن يقول: قد شاء الله أن أعيش من الهوا، أو أمشي على الماء، أو أطلع إلى السماء، أو ألا يعذب الكافرين، أو ألا أثيب المطيعين، وما أشبه ذلك مما يعلم كذبه فيه على الله عز وجل، ووجب إلا يلزمه الطلاق ولا العتق بإخباره أنه قد عزم على ذلك إلا أن يريد بقوله ذلك العتق والطلاق فيلزمه، كمن لفظ بما ليس من حروف الطلاق وأراد به الطلاق، ويدخل في ذلك من الخلاف ما دخله. وقوله في الذي يقول: قد شاء الله أنك طالق. هذه طالق إنما أخبرها أنها طالق، صحيح أيضا، والمعنى أنه يلزم الطلاق بإقراره على نفسه بهذا الكلام؛ لأنه أخبر أن الله تعالى فد شاء أنها طالق، ولا يكون الله قد شاء أنها طالق إلا أن يكون هو قد طلقها، كما أنه لا يمكن أن يطلقها إلا والله تعالى قد شاء ذلك؛ لأنها تكون طالقا بنفس قوله: قد شاء الله أنك طالق؛ لأنه إن كان لم يطلقها، وقال: إن الله قد شاء أنها طالق، فهو كاذب على الله تعالى فيما قال لها: لا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى إلا الاستغفار من كذبه عليه، وبالله تعالى التوفيق. [حلف بطلاق امرأته على زوج أخته ألا يتم له ذلك الأمر] ومن كتاب النذور قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل عمن حلف بطلاق امرأته على زوج أخته ألا يتم له ذلك الأمر، يريد دخولها عليه. قال: يصالح امرأته حتى يدخل بأخته زوجها، ثم يراجع امرأته، ولا شيء عليه، قيل له: أرأيت إن بارأ أخته زوجها قبل أن يدخل بها، ثم تزوجها بعد ذلك ودخل بها، وامرأة الحالف تحته كما هي؟ قال: لا أرى ذلك يبرئه، وأراه حانثا، إلا أن تكون له نية فله نيته، قال أصبغ: ولا أرى النية تصح في هذا ولا تجوز، ولا تجزى حتى

تنفع، إلا أن يكون سبب تعمده لصداق استثقله، أو شرط لم يكن يوافقه، أو أفتيت عليه في النكاح حتى يوافق وينكح بشروط وصداق غيره، تعمد ذلك بالنية واليمين والإرادة له على سببه تعمدا أو رهبا، وإلا فلا أرى ذلك ينفعه، ولا إن كانت يمينه مهملة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يصالح امرأته حتى يدخل بأخته زوجها، ثم يراجع امرأته، ولا شيء عليه صحيح، قد تقدم له مثله في رسم أوصى، من سماع عيسى، ومضى من القول عليه هناك ما لا وجه لإعادته. وقوله: إنه إن بارأ أخته زوجها قبل أن يدخل بها، ثم تزوجها بعد ذلك ودخل بها، وامرأة الحالف تحته كما هي أنه يحنث ويقع عليه الطلاق إلا أن تكون له نية صحيح أيضا على معنى ما في المدونة، من أن اليمين ترجع على الحالف ما بقي من الملك شيء، وقد مضى مثله في سماع محمد بن خالد، ويأتي أيضا في نوازل أصبغ، وقول أصبغ: إن النية في هذا لا تصح ولا تجوز ولا تجزى حتى تنفع، إلا أن يكون لها سبب تعمده إلى آخر قوله، معناه أنه لا يصدق فيما ادعاه من أنه نوى ذلك إذا حضرته نيته باليمين بالطلاق إلا أن يعلم من سبب يمينه ما يدل على تصديقه. وقوله: ولا إن كانت يمينه مهملة معناه أنه لا ينتفع بالسبب، فتحمل يمينه عليه إذا كانت يمينه مهملة دون نية، فلم ينوه أصبغ دون سبب، ولا حمل يمينه على السبب، إذا لم تكن له نية، وظاهر قول ابن القاسم أنه نواه دون سبب، وأنه حمل يمينه على السبب إذا لم تكن له نية، فقول أصبغ على القول بأن الحالف إذا لم تكن له نية تحمل يمينه على ما يقتضيه مجرد اللفظ لا على السبب الذي خرجت عليه يمينه، وقول ابن القاسم على القول بأنه إذا لم تكن له نية تحمل يمينه على السبب الذي خرجت عليه لا على ما يقتضيه مجرد اللفظ، وقد مضى ذكر اختلاف في هذا المعنى، والقول فيه في سماع سحنون وغيره، وأما إذا أتى مستفتيا غير

مسألة: يحلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ما دام خليطا لأبيه فترك مخالطته

مخاصم، ولا مطلوب باليمين، فله نيته وهو مصدق فيها دون يمين، وفي بعض الروايات مكان تعمد ذلك بالنية واليمين بعد ذلك باليمين والنية، والمعنى في ذلك كله سواء، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ما دام خليطا لأبيه فترك مخالطته] مسألة وقال ابن القاسم، عن مالك في الرجل يحلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ما دام خليطا لأبيه، فترك مخالطته، ثم تزوج، ثم أراد الرجوع إلى مخالطته، فكره مالك ذلك أيضا، وقال: لا يفعل واستثقله. قال محمد بن رشد: كره مالك أن يفعل ونهاه عنه واستثقله، ولم يقل: إنه يحنث إن فعل، وينبغي أن يحنث إن فعل على مذهبه في المدونة في الذي يحلف بطلاق كل امرأة يتزوجها على امرأته فيطلقها، ثم يتزوج، ثم يراجعها أنها تطلق عليه؛ لأن المعنى في يمينه إنما أراد ألا يجمع بينهما، وكذلك المعنى في يمين هذا، إنما أراد ألا تكون له زوجة، وهو مخالط لأبيه في ماله؛ لئلا يعتقد عليه أنه يرتفق بماله في الإنفاق على زوجته، ويأتي على قول أصبغ في المسألة التي فوقها. وعلى ما مضى في سماع سحنون، ومحمد بن خالد من أن اليمين تحمل على اللفظ، ولا يعتبر بالبساط ألا يكون عليه شيء إن رجع إلى مخالطة أبيه بعد التزويج؛ لأن اليمين إذا حملت على مقتضى اللفظ، وإن كان لها بساط يخالفه، فأحرى أن يحمل على اللفظ، ولا يحمل على المعنى، إذا لم يكن لها بساط يدل عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول: قد وهبت لك طلاقك] مسألة قال: وسمعته وسئل عن الذي يقول: قد وهبت لك طلاقك. قال: هي البتة، وقال أصبغ مثله، وإن قال: أردت واحدة أو

اثنتين لم ينفعه ذلك، ولا يقبل قوله؛ لأن اسم الطلاق يجمع الطلاق كله، فيكون بمنزلة قوله: قد وهبت لك نفسك، وكذلك قد وهبت لك فراقك، ولا يحتاج في هذا إلى أن تقبل وتقول: قد قبلت أو لا أقبل، هو طلاق بمرة إلا أن يكون بدأ باستثناء إن أعطيتني كذا وكذا، أو وضعت عنى كذا وكذا، فقد وهبت لك طلاقك أو فراقك، فلا يكون عليه شيء حتى تقبل ويحنث بالقبول أو بالفعل، فأرى له فيه النية تنفعه بإرادة الواحدة أو شبيه بصلح أو خلع عند ذلك، وإلا فالطلاق واقع عليه، قال أصبغ. وسئل ابن القاسم، قيل له: فإن قالت له: قد بلغني أنك تريد طلاقي فلا تفعل، هب لي ذلك ولا تفعل، فقال: قد وهبت لك طلاقك، فقال: إذا كان هذا هكذا، فلا أرى عليه شيئا، إذا لم يرد الطلاق، وكذلك لو قالت له: هب لي نفسي هذه المرة ولا تطلقني، أو قال ذلك له أهلها، فقال: قد وهبت نفسك لك، أو قال لأهلها: قد وهبتها لكم، هل هذا الوجه والبساط لم يكن عليه شيء؛ لأن ذلك منه على ترك الطلاق، وقاله أصبغ كله، ولو قال لها: قد تركتك وطلاقك لم يكن بشيء، كما لو قال لها: لو تركك لم يكن بشيء كان له بساط أو لم يكن، ما لم يرد بذلك طلاقا يضمره، فيحمل به محمل كلام أريد به الطلاق فهو طالق. قال محمد بن رشد: قال في الذي يقول لامرأته ابتداء: قد وهبت لك طلاقك: إنها البتة، ولا ينوي إن قال: أردت واحدة أو اثنتين؛ لأن اسم الطلاق يجمع الطلاق، وتعليله لأن اسم الطلاق يجمع الطلاق كله يدل على أن حكم المدخول بها والتي لم يدخل بها في ذلك سواء، وهو صحيح في المعنى لا ينبغي أن يختلف فيه. وأما قوله: قد وهبت لك نفسك، أي قد وهبت لك نفسك، أو قد وهبت

مسألة: قال لامرأته يا مطلقة

لك فراقك، فهو بمنزلة قوله: قد وهبتك لأهلك، وقوله في هذه الرواية: إن ذلك بمنزلة قوله: قد وهبت لك طلاقك، يقتضي أنه البتة في ذلك كله قبل الدخول وبعده، ولا ينوي في شيء من ذلك، وهو ظاهر قول غير ابن القاسم في العتق الأول من المدونة، وقد مضى ما يتحصل في ذلك من الاختلاف في رسم باع غلاما، من سماع ابن القاسم، من كتاب التخيير والتمليك. وأما قوله في الذي يقول لامرأته: إن أعطيتني كذا وكذا فقد وهبت لك طلاقك أو فراقك، فأجابته إلى ذلك: إنه ينوى، فإن لم تكن له نية فهي ثلاث. فظاهره أن المدخول بها والتي لم يدخل بها في ذلك سواء، ولابن القاسم في رسم نقدها، من سماع عيسى، من كتاب التخيير والتمليك، أنها ثلاث ولا ينوى، ظاهره أيضا قبل الدخول أو بعده، وقال عيسى بن دينار هناك: إنها واحدة في المدخول بها، والتي لم يدخل بها، وأما إذا قال لها: قد وهبت لك طلاقك جوابا؛ لقولها له: هب لي طلاقي ولا تطلقني، فلا إشكال في أنه لا يلزمه بذلك طلاق، وقوله: ولو قال لها: قد تركتك وطلاقك لم يكن بشيء، يريد وإن قال ذلك لها ابتداء من غير جواب، وهو بين؛ لأنه كلام يدل على أنه أراد بذلك ترك طلاقها، وأما قوله: إن ذلك كما لو قال قد تركتك لم يكن بشيء كان له بساط، أو لم يكن ما لم يرد بذلك طلاقا يضمره، فيحمل محمل كلام أريد به الطلاق، ففيه نظر؛ لأن تركتك وودعتك من ألفاظ الطلاق، فالقياس إذا قال لها ذلك ابتداء ولا نية له أن يلزمه بذلك الطلاق، ولا يصدق أنه لم يرد بذلك الطلاق إذا حضرته نيته، وقد دل على ذلك ما وقع لمالك في رسم الطلاق، من سماع أشهب، من كتاب التخيير والتمليك، ولا فرق في المعنى بين تركتك وخليتك، وقد قال في رسم يوصي، من سماع عيسى، من هذا الكتاب، أن خليتك وخليت سبيلك وفارقتك ثلاث، إلا أن ينوي واحدة دخل بها أو لم يدخل بها، وقد قال في التي لم يدخل بها: إنها واحدة، إلا أن يريد ثلاثا، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: قال لامرأته يا مطلقة] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل قال لامرأته: يا

مسألة: أسلف رجلا وأشهد عليه شهيدين ثم أنكر

مطلقة، قال: إن كان لم يرد طلاقا، وإنما قال ذلك لها، أي أنت في كثرة الكلام كالمطلقة، وما كلامك إلا كلام مطلقة، فلا شيء عليه، إن لم يرد الطلاق، وإن كان أراد شيئا فهو ما أراد، وقاله أصبغ، أو يقول ذلك على وجه الكسرة لها، وإن لم يعن بذلك وجها أنه لم يعن بذلك طلاقا، وعزل الطلاق، أو على أنها قد طلقت مرة، ولو كان فيك خير ما طلقت ونحو ذلك. قال محمد بن رشد: أما إذا أراد بقوله لامرأته: يا مطلقة ذمها بأنها ممن قد طلق، أو أن حالك كحال المطلقة في كثرة الكلام، وقلة الانطباع، وما أشبه ذلك فلا إشكال في أنه لا شيء عليه، وأما إذا قال لها ذلك ابتداء على غير سبب ولا نية، ففي لفظه في هذا الوجه في الكتاب احتمال، والأظهر منه أن الطلاق له لازم، ولو قال: أردت بذلك الكذب، ولم أرد به الطلاق لصدق في ذلك، ولم يلزمه طلاق، وإن كانت عليه بينة، والله سبحانه أعلم. [مسألة: أسلف رجلا وأشهد عليه شهيدين ثم أنكر] مسألة قال وسئل عن رجل أسلف رجلا، وأشهد عليه شهيدين، ثم أنكر، فلقيه الشاهدان فقالا: نحن نشهد عليك، فحلف بالطلاق إن كان لفلان علي شيء، فرفع الشهود شهادتهم، فقضى عليه بالحق، فلما حال الطلاق فقال: لا طلاق عليه إذا كانت يمينه بعد إخبارهما إياه بشهادتهما عليه، وذلك بمنزلة يمينه بعد رفعهما شهادتهما إلى الحكم؛ لأنه بعد الخبر إنما يحلف على شهادتهما، قال أصبغ: لأنه يمكن أن يكون كاذبا في الأول فيدين.

مسألة: يقول للمرأة إن تزوجتك فأنت طالق ولا يدري ما أراد

قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم الدور والمزارع، من سماع يحيى، ومضت أيضا في آخر سماع سحنون، فلا معنى لإعادة القول فيها، وقول أصبغ: لأنه يمكن أن يكون كاذبا في الأول فيدين؛ معناه لأنه يمكن أن يكون المدعي كاذبا في دعواه السلف، فيدين الحالف في يمينه، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول للمرأة إن تزوجتك فأنت طالق ولا يدري ما أراد] مسألة قال وسمعت ابن القاسم يقول في الرجل يقول للمرأة: إن تزوجتك فأنت طالق، ولا يدري ما أراد؟ قال: أرى إن تزوجها بانت منه خوفا من أن يكون طلق البتة، ويكون له النصف من الصداق، ولم يكن ينبغي له أن ينكحها حتى تنكح زوجا غيره، ثم مجراها إن تزوجها بعد زوج مجرى المدخول بها، إن طلقها حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، هكذا أبدا حتى تبين منه بالثلاث تطليقات لكل نكاح طلقة محسوبة إن طلقها إياها، حتى تنكح زوجا غيره، قال: وقد اختلف الناس فيه إذا رجعت إليه بعد هذا الذي فسرت لك أن تبتدئ الطلاق، أو تكون على تطليقة، وأحب إلي أن تكون على تطليقة أبدا، يعمل باليقين ويطرح الشك، قاله أصبغ، وهو قول أشهب أيضا في المدخول بها، وهما سواء. قال محمد بن رشد: حمل ابن القاسم قوله: ولا يدري ما أراد؛ على أنه لا يدري كم أراد من عدد الطلاق، وأنه أراد شيئا فنسيه، خلاف قول سعيد بن المسيب، ويحيى بن سعيد في التخيير والتمليك من المدونة، فقول ابن القاسم هذا مثل ما في الأيمان بالطلاق من المدونة: أن الشك لا يرتفع بعد ثلاثة أزواج، وأنه باق أبدا لا ترجع إليه متى تزوجها إلا على طلقة، وهو قول سحنون، قال: ولو نكحت بعد عشرة أزواج رجعت إليه أبدا تطليقة

مسألة: حلف بالطلاق أن يخرج إلى أخيه بالعراق فخرج فلقيه بالطريق

بقيت إلا أن يبت طلاقها، وحكى ابن أبي زيد في المختصر عن أشهب، أن الشك يرتفع بعد ثلاثة أزواج، وترجع إليه إن تزوجها على جميع الطلاق، وهو قول ابن وهب، وبه أخذ ابن حبيب، قال يحيى بن عمر: قد تدبرته فوجدته خطأ، وقال ذلك الفضل أيضا، وهو كما قالا: إنه خطأ بين واضح لا يخفى بالاعتبار؛ لأن الزوج لا يهدم الطلقة ولا الطلقتين، فإذا طلق الرجل المرأة التي طلقها، فلم يدر كم طلقها أربع مرات بعد أربعة أزواج، لم يجز له أن يتزوجها إلا بعد زوج؛ لأنا نخشى أن يكون طلاقه أو لا اثنتين، فتكون قد بانت منه بالطلقة الأولى من الأربع، فبقيت من الأربع ثلاث، بانت بها منه، فلا يتزوجها إلا بعد زوج، وكذلك إن طلقها خمس مرات بعد خمسة أزواج، لم يجز أيضا أن يتزوجها إلا بعد زوج؛ لأنا نخشى أن يكون طلاقه أولا طلقة واحدة، فتكون قد بانت منه بالطلقتين الأولتين من الخمس تطليقات، ثلاث تطليقات بانت بها منه، فلا يتزوجها إلا بعد زوج إن طلقها خمس مرات بعد خمسة أزواج، لم يجز له أن يتزوجها، وكذلك ما زاد أبدا على هذا الترتيب، لا يرفع الشك على ما بيناه، وبالله التوفيق. وقوله في المدخول بها وغير المدخول بها: إنهما سواء؛ يريد أنهما سواء طلق امرأته التي قد دخل بها، ولم يدر كم طلقها؟ أو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، ولا يدري كم أراد؟ في أن الشك باق أبدا، لا يرتفع إلا بأن يبت طلاقها، ثم يتزوجها بعد زوج، والله الموفق. [مسألة: حلف بالطلاق أن يخرج إلى أخيه بالعراق فخرج فلقيه بالطريق] مسألة قال: وسمعت ابن القاسم وسئل عمن حلف بالطلاق أن يخرج إلى أخيه بالعراق، فخرج فلقيه بالطريق، أو قدم قبل أن يخرج، أو بلغه موته إن كان إنما أراد لقيه، فلا شيء عليه، وليقم ولا يخرج، وإن كان إنما أراد العراق فليأتها. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان أراد لقيه، فلا شيء عليه، معناه إن كان أراد بيمينه أن يخرج حتى يلقاه، حيث ما لقيه ولو بالعراق، فلا شيء

مسألة: حلف ألا تدخل امرأته موضعا سماه حتى يقدم من سفره ثم يبدو له ألا يخرج

عليه إن كان خرج، فلقيه في الطريق؛ لأنه قد فعل ما حلف عليه، وقوله: وليقم ولا يخرج؛ يريد إن كان قدم أو مات قبل أن يخرج، ولم يفرط في الخروج؛ لأنه إن كان فرط في الخروج حتى قدم أو مات فهو حانث، كمن حلف ليفعلن فعلا، ففرط في فعله حتى فاته فعل ذلك الفعل، وهو مصدق في هذه النية، وإن كانت على يمينه بالطلاق ببينة؛ لأنها نية محتملة غير مخالفة لظاهر يمينه. وأما قوله: وإن كان إنما أراد إتيان العراق فليأتها؛ ففيه تفصيل، أما إن كان لم يفرط في الخروج حتى قدم أو مات، فلا يبرأ إلا بإتيان العراق على ما أقر به على نفسه أنه نواه وأراده، وأما إن كان فرط في الخروج، فلم يخرج حتى قدم أو مات، فقد حنث في ظاهر أمره، فلا يصدق فيما زعم من أنه أراد إتيان العراق، إلا أن يأتي مستفتيا فيقال له: إن كنت صادقا فلك أن تبر بإتيان العراق كما نويت، وإن لم تكن له نية، فيمينه محمولة على ما يقتضيه لفظ يمينه من الخروج إلى أخيه بالعراق، فإن خرج أخوه من العراق، أو مات لم يلزمه الخروج إن كان لم يخرج، ولا التمادي إلى لقيه إن كان قد خرج، وكان أخوه قد خرج من العراق، ولا يحنث إلا بأن يكون قد فرط في الخروج، فلم يخرج حتى خرج أخوه من العراق أو مات، وهو لو خرج أدركه بالعراق قبل أن يخرج منه أو يموت، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا تدخل امرأته موضعا سماه حتى يقدم من سفره ثم يبدو له ألا يخرج] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول عن مالك في الذي يحلف ألا تدخل امرأته موضعا، سماه حتى يقدم من سفره: الحج كان أو غيره، ثم يبدو له ألا يخرج هو أن اليمين عليه إلى مقدار سفره إلى رجعته، قال ابن القاسم: هذا الذي ليس فيه نية، يقول: ليس ينوي في هذا شيئا، إنما تحمل مخرج يمينه فيه إلى مقدار سفره إليه إن كانت نيته ذلك. قال محمد بن رشد: قوله: إن هذا ليس فيه نية، ولا ينوى أنه يحمل

مسألة: حلف بطلاق أو عتاق وهو لا يعقل شيئا

مخرج يمينه إلى مقدار سفره إليه، إن كانت نيته ذلك هو كلام ليس على ظاهره، وفيه إضمار لا يستقيم الكلام إلا به، وتقديره أنه يحمل مخرج يمينه إلى مقدار سفره، ولا يحمل على أنه إنما أراد ألا يخرج إلى ذلك الموضع في مغيبه، وإن كانت نيته ذلك فيما زعم، يريد إلا أن يكون ليمينه بساط يدل على ذلك، أو يأتي مستفتيا؛ لأنه إذا أتى مستفتيا فهو بمنزلة إذا كانت يمينه بما لا يقضى به عليه، وقد مضى بيان هذا في رسم الجنائز والذبائح، من سماع أشهب، من كتاب النذور، وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز في هذه المسألة: وهذا إذا لم تكن له نية خلاف قوله هاهنا، إلا أن يكون معنى ما تكلم به عليه إذا أتى مستفتيا، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق أو عتاق وهو لا يعقل شيئا] مسألة وقال: وسمعته يقول في الذي يسقي السيكران، فحلف بطلاق أو عتاق، وهو لا يعقل شيئا: لا شيء عليه، وهو بمنزلة البرسام وهو شيء يجعل له، ولم يدخله هو على نفسه إذا كان إنما يسقاه ولا يعلمه، وقال أصبغ: ولو أدخله على نفسه وشربه على علم به على وجه الدواء والعلاج، فأصابه ما بلغ به ذلك، لم يكن عليه شيء أيضا، ولم يكن بمنزلة السكران من الخمر ولا شاربها. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يسقي السيكران، فيحلف بطلاق أو عتاق، وهو لا يعقل شيئا: إنه لا شيء عليه صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنه في حكم المجنون الذي رفع القلم عنه، بحكم الشرع مرفوع. وقوله إذا كان يسقاه، ولا يعلمه كلام فيه نظر؛ لأنه يدل على أنه لو شربه وهو يعلم أنه يفقد به عقله، للزمه ما أعتق وطلق، وإن كان لا يعقل، وهذا لا يصح أن يقال، وإنما يلزم السكران العتق والطلاق من ألزمه ذلك من أهل العلم، من أجل أن معه بقية من عقله، لا من أجل أنه أدخل السكر على نفسه، وقد قيل: إنما ألزم الطلاق والحدود من أجل أنه أدخل السكر على نفسه، وليس ذلك بصحيح، وإن كان الذي يسقي السيكران يسكر به

مسألة: حلف إن جمعت بين امرأتين فإحداهما طالق

كالسكر من الخمر، ويختلط به عقله كالسكران من الخمر فله حكمه، ويمكن أن يفرق فيه بين أن يدخله على نفسه ليسكر به، أو يسقاه، وهو لا يعلم، وقد قال ذلك ابن الماجشون في المبسوطة، وهو على قول من يذهب إلى أن السكران إنما ألزم الطلاق من أجل أنه أدخل السكر على نفسه، وعصى الله تعالى في شرب الخمر، وهو تعليل غير صحيح على ما ذكرناه، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم، من كتاب النكاح، القول في أحكام السكران مجودا مستوفى مشروحا لعلله، فلا معنى لإعادة ذلك هنا، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: حلف إن جمعت بين امرأتين فإحداهما طالق] مسألة وسمعت ابن القاسم يقول في الذي يحلف إن جمعت بين امرأتين، فإحداهما طالق. قال: ينوى، فإن كان أراد الأولى منهما أو الآخرة فذلك له، وإلا طلقتا جميعا، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب المعلوم في قول مالك وأصحابه أن من قال: إحدى امرأتي طالق، ولا نية له أنهما طالقتان جميعا، ولا خيار له في أن يختار إيقاع الطلاق في هذا كالعتق، فيجيزون له أن يوقعه على من شاء منهما، وقد روي ذلك عن مالك، وهو شذوذ في المذهب والقياس، إلا فرق في العتق والطلاق في هذا، فتفرقة مالك بينهما استحسان؛ إذ لا يجوز في العتق ما لا يجوز في الطلاق من التبعيض والوصية به وغير ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى سلعة واستوضع البائع فحلف بالطلاق ألا يضع له فأقاله] مسألة وسمعته يقول في رجل اشترى سلعة، واستوضع البائع، فحلف بالطلاق ألا يضع له فأقاله: إنه حانث، وذلك إن كانت

مسألة: حلف بطلاق امرأته إن افتك لها ثوبا فمر بالخياط فقال له هذا ثوبكم

قيمتها أقل من الثمن، قال: وهو وجه ما سمعت من مالك؛ لأنه حين أقاله بمنزلة عرض أخذه في ثمنها، فإن كان فيه فضل أو وفاء لم يكن عليه حنث، وإن كان دون ذلك فهو حانث، وقاله أصبغ وهو بمنزلة ما لو سلفه دينارا في طعام أو سلعة، فيحلف له على الوفاء، ثم استقاله فأقاله ورد الدنانير إليه أنه إن لم يكن فيها وفاء بالطعام أو السلفة بسوق يومها يوم استقالة إن اشتريت بها أخرجتها، وإلا فهو حانث. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى على معنى ما في المدونة، وقد مضت والقول فيها في رسم إن خرجت، ورسم إن أمكنني، من سماع عيسى، فلا وجه لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته إن افتك لها ثوبا فمر بالخياط فقال له هذا ثوبكم] مسألة وسئل عن امرأة استخاطت ثوبا لها، فأنكر ذلك عليها زوجها حين فعلت بغير أمره، وحلف بطلاقها إن افتكه لها، فمر الزوج بالخياط فقال له الخياط: هذا ثوبكم، وقد فرغت منه ألا تأخذه، فقال له: أمسك هذا الدرهم عندك رهنا بحقك وهاته، فأخذه فأتى به امرأته فدفعه إليها، وذهب الخياط فلم يوجد. قال: يأخذه من المرأة، ولا شيء عليه، قيل له: ما الذي يأخذه من المرأة الدرهم أو ما استخاطت به الثوب إن كان نصف درهم؟ قال: بل النصف درهم الذي استخاطت به، ولم يسمع هذا الآخر منه. قال محمد بن رشد: لم يحنثه في هذه المسألة بما يقتضيه لفظه، وحمل يمينه على ما ظهر إليه من معنى إرادته، وهو ألا يغرم عنها الأجرة، فكأنه قال: إن غرمت عنك الأجرة فأنت طالق، ولو حملها على ظاهر لفظه

مسألة: حلف على امرأة بطلاقها إن دخلت الحمام سنة فاستأذنته إلى بيت أخيها

لحنثه؛ لأنه قد افتكه لها من عند الخياط وأتاها به، وهو كان الأظهر في المسألة، وإن كان المشهور في المذهب مراعاة المعاني في الأيمان دون الاعتبار بمخرج ألفاظها من جهة الاحتياط في الطلاق، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: حلف على امرأة بطلاقها إن دخلت الحمام سنة فاستأذنته إلى بيت أخيها] مسألة قال: وسمعته سئل عن رجل حلف على امرأة بطلاقها إن دخلت الحمام سنة، فاستأذنته إلى بيت أخيها، فأذن لها، فأتيت بماء من الحمام فاغتسلت به في بيت أخيها. قال: لا شيء عليه، قال له السائل: فإنها ذهبت مع امرأة أخيها إلى الحمام، فحرست ثيابها عند الباب، ولم تدخل هي، فقال: كيف كانت يمينك على ألا تخرج إلى الحمام، أو على ألا تدخل الحمام؟ فقال: بل على ألا تدخل الحمام، فقال: إن استيقنت أنها لم تدخل الحمام، فلا حنث عليك، قلت: فموضع الثياب من الحمام؟ قال: لا، قلت له: إن موضع الثياب بستر، وربما أخرجت المرأة عريانة ليس يراها أحد، قال: لا وإن كان مستورا، قال أصبغ: وكأنني رأيته يحنثه لو كانت يمينه على ألا تخرج، أو على ألا تسير إلى الحمام لعورته. قال محمد بن رشد: إنما لم يحنثه إذا ذهبت مع امرأة أخيها إلى الحمام، فحرست ثيابها بالموضع الذي توضع فيه منه عند التجرد لدخوله؛ لأن معنى يمين الحالف على امرأته ألا تدخل الحمام إنما هو ألا تتحمم فيه على ما جرت عليه العادة من التحميم فيه، فراعى المعنى عنده في اليمين، ولم يلتفت إلى ما يقتضيه لفظ الدخول؛ إذ قد دخلت من الحمام الموضع الذي يتجرد النساء فيه مستترات عن الناس، ولم يحنثه بذلك كما يحنث من حلف ألا يدخل مسكن رجل بدخوله بعض داره، وإن لم يصل إلى موضع سكناه منه إلا كان يلزم على هذا ألا يحنثه أيضا، وإن كان حلف

مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن حضرت جنازة فلان فمات فلان في موضع بعيد

ألا تخرج إلى الحمام، أو ألا تسير إلى الحمام؛ لأن المعنى في ذلك كله إنما هو ألا تتحمم في الحمام، ووجه تفرقته بين أن يحلف ألا تدخل أو على ألا تخرج إلى الحمام، هو أنه لم يوقع الحمام إلا على موضع التحمم منه، فلم ير موضع الثياب من الحمام، ولا أوجب عليه بدخولها إياه حنثا، وأما إذا اغتسلت في منزل أخيها بماء الحمام، فلا إشكال في أنه لا يقع عليه بذلك حنث، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن حضرت جنازة فلان فمات فلان في موضع بعيد] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته: أنت طالق إن حضرت جنازة فلان، فمات فلان في موضع بعيد، فبلغ ذلك امرأة الميت فبكته، واجتمع إليها النساء يبكين معها، فخرجت امرأة الحالف عليها إلى زوجة الميت، فبكت معها حينا، ثم رجعت إلى زوجها. فقال: هي طالق، وهو حانث فيها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن هذا هو المعنى عند النساء في حضورهن الجنائز، وهو الذي كره الحالف، فعليه يقع يمينه، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لجاريته إن لم ألتمس منك الولد فأنت حرة] مسألة وسئل عن الذي يقول لجاريته إن لم ألتمس منك الولد فأنت حرة، أو يقول ذلك لامرأته، فأنت طالق البتة. قال أشهب: إذا لم يعزلها فليس عليه شيء، قيل له: فإن أراد أن يبيع بعدما وطئ، ولم يعزل قال: إن شاء فعل. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن التماس الولد من المرأة إنما هو بالإفضاء إليها، إذ ذاك هو سببها الذي لا يقدر في التماس الولد

مسألة: حلف بطلاقها ألا يلبس لها ثوبا فأدخل طوقه في عنقه فإذا هو ثوب امرأته

منها على أكثر منه، فإذا وطئ وأفضى إليها، فقد التمس الولد منها، وإن كان لم يرد أن يكون له منها ولد، كما لو حلف ألا يلتمس الولد منها فوطئها، وأفضى إليها، لكان قد حنث، وإن كان من إرادته ألا تحمل منه؛ إذ لا تأثير لإرادته في شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاقها ألا يلبس لها ثوبا فأدخل طوقه في عنقه فإذا هو ثوب امرأته] مسألة وسئل عن رجل حلف بطلاق امرأته، ألا يلبس لها ثوبا، وأنه أخذ لها ثوبا، فحين أدخل طوقه في عنقه، فإذا هو ثوب امرأته، فنزعه أتراه حانثا أم لا؟ والذي يحلف ألا يركب دابة فلان، فأدخل رجله في الركاب، فحين استقل من الأرض وهم أن يقعد على السرج، ذكر يمينه أتراه حانثا؟ قال ابن وهب عن مالك: إنه حانث، قيل له: فالذي يدخل رجله في الركاب فحين استقل من الأرض، ولم يستو عليها ذكر يمينه؟ قال: لا شيء عليه إلا أن يكون استوى عليها. قال محمد بن رشد: قال في الذي يحلف ألا يركب دابة رجل فأدخل رجله في الركاب، واستقل من الأرض، وهم أن يقعد على السرج أنه حانث، ومعنى ذلك إن كان قد استوى عليها، بدليل قوله في آخر المسألة التي بعدها أنه لا شيء عليه إلا أن يكون استوى عليها، ولا اختلاف في أنه إذا استوى بجسده على الدابة أنه حانث، وإن لم يقعد بعد على السرج، ولا في أنه لو أدخل رجله في الركاب، واستقل من الأرض، وهو متعلق بالدابة، لم يستو عليها، ولا وضع ساقه الأخرى عليها أنه لا حنث عليه، ولو كان لما وضع رجله في الركاب، واستقل من الأرض، وضع ساقه الأخرى على الدابة، فذكر قبل أن يستوي بجسده عليها لتخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: أنه يحنث. والثاني: أنه لا حنث عليه يقوم الاختلاف في ذلك من اختلافهم، فيمين حلف ألا يدخل دار رجل، فأدخل رجله الواحدة فيها، ولم يعتمد بعد

قال لامرأته إن ولدت غلاما إن لم أحج بك فأنت طالق فولدت غلاما فأبت أن تحج

إلا على الخارجة، وقد مضى القول في ذلك في رسم القطعان، ورسم باع شاة، من سماع عيسى، فهي ثلاث منازل؛ منزلة لا يحنث فيها باتفاق، ومنزلة يختلف في وجوب الحنث عليه بها، ومنزلة يحنث فيها باتفاق، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وأما الذي يحلف ألا يلبس ثوب رجل، فأدخل عنقه في طوق ثوب من ثيابه فهو حانث كما قال، ولا اختلاف في ذلك؛ لأنه لباس، وكذلك لو كانت عمامة فلواها على رأسه، أو إزارا فأداره على نفسه؛ لأن هذا هو اللباس في هذه الأشياء، ولو كان وضع شيئا من ذلك على فرجه واستتر به، لم يكن ذلك لباسا، ولم يحنث على ما قاله في المدونة. واختلف إذا لم يلبس القميص، ولا أدخل عنقه في طوقه، ولا اتزر بالإزار، وإنما ألقاه على ظهره، أو لفه على رأسه، أو كانت عمامة فاتزر بها، ولا يتزر بمثلها على قولين؛ أحدهما: أنه يحنث وهو مذهب ابن القاسم في المدونة. والثاني: أنه لا يحنث، وهو قول سحنون، فهي ثلاث منازل في اللباس أيضا كالركوب، وبالله التوفيق. [قال لامرأته إن ولدت غلاما إن لم أحج بك فأنت طالق فولدت غلاما فأبت أن تحج] من سماع أبي زيد من ابن القاسم قال ابن زيد: سئل ابن القاسم، عن رجل قال لامرأته: إن ولدت غلاما إن لم أحج بك فأنت طالق، فولدت غلاما فأبت أن تحج. قال: إن كان ذلك منه على وجه أن يوفي لها به مثل أن تسأله إن ولدت غلاما أن يفعل كذا وكذا فيحلف ليفعلنه، فإذا عرض ذلك عليها فأبته، فلا شيء عليه، وأما أن يكون أغلق عليها يمينا، لئن ولدت غلاما لأفعلن كذا وكذا على وجه العطية لها، أو الهبة رأيت ذلك يلزمه، وإن كرهت يجبرها على ذلك. قال محمد بن رشد: كذا وقع: وأما أن يكون أغلق عليها يمينا

مسألة: يقول لامرأته إن خرجت إلي موضع من المواضع إلا بإذني فأنت طالق البتة

لأفعلن كذا وكذا على وجه العطية، وهو غير صحيح في الرواية، وإنما صوابه على غير وجه العطية، وكذلك يستقيم الجواب، وكذلك قال في هذه المسألة بعينها في رسم سلف، من سماع عيسى، وقد مضى من القول عليها هناك ما يكتفي عن القول فيها هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته إن خرجت إلي موضع من المواضع إلا بإذني فأنت طالق البتة] مسألة وسئل عن الذي يقول لامرأته: إن خرجت إلي موضع من المواضع إلا بإذني فأنت طالق البتة، فأذن لها أن تخرج إلى بيت أمها، والمسجد فخرجت، فلما كانت في الطريق رجعت لحاجة لها فأخذتها، ثم رجعت كما هي إلى الموضع الذي كان أذن لها فيه. قال: إن كان رجوعها لحاجة ذكرتها تصلحها لتأخذها، ثم ترجع مثل الثوب تتجمل به والخمار وما أشبه ذلك، فلا حنث، وإن كان رجوعها تركا للموضع الذي أذن لها فيه وقطعا له، ثم فكرت بعد ذلك، فقامت فخرجت على الإذن الأول قبل أن تستأذنه فهو حانث. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة، في رسم سلف، من سماع عيسى، فيكتفى بالوقوف على ذلك هناك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته البتة إن دخلت بيتا من الدار بغير إذنه] مسألة وسئل عن رجل حلف بطلاق امرأته البتة إن دخلت بيتا من الدار بغير إذنه، فدخلت حجرة من حجر البيت. قال: الحجرة عندنا من البيت؛ لقول الله تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27]

مسألة: حلف بطلاق امرأته أن لا يدعها تخرج شهرا إلا لنقلة منزل إلى منزل آخر

فلا ينبغي لأحد أن يدخل بيتا من تلك الحجر حتى يستأذن. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم، خلاف قوله في رسم الرهون، من سماع عيسى، وقد مضى من القول على ذلك هنالك ما فيه كفاية، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته أن لا يدعها تخرج شهرا إلا لنقلة منزل إلى منزل آخر] مسألة وسئل عن رجل حلف بطلاق امرأته، أن لا يدعها تخرج شهرا إلا لنقلة منزل إلى منزل آخر، فأراد أن يخرج بها إلى قرية ثم يرجع. قال: إن كان لخروجه مكث طويل شهرا أو نحوه، فلا أراه حانثا. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة أيضا قد مضى القول عليها في رسم الرهون، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يبيعني ثوبا أبدا فأراد أن يبيع مقارضا] مسألة قال ابن القاسم في رجل حلف ألا يبيعني ثوبا أبدا، فأراد أن يبيع مقارضا فكرهه، وقال: ما يعجبني. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة قد مضت متكررة في أول سماع أبي زيد، من كتاب النذور، ومضى القول عليها هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: قال امرأته طالق البتة إن لم أوافك غدا في منزلك فجاءه إلى منزله فلم يجده

[مسألة: قال امرأته طالق البتة إن لم أوافك غدا في منزلك فجاءه إلى منزله فلم يجده] مسألة وسئل عن رجل كان له حق على رجل، فتعلق به فقال: خلني وأنا آتيك غدا فقال: أخشى ألا تفعل، فقال: امرأته طالق البتة إن لم أوافك غدا في منزلك، فجاء من الغد إلى منزله، فلم يجده ووجده قد سار. قال: لا حنث عليه. قال محمد بن رشد: وقعت هذه أيضا متكررة في سماع أصبغ من كتاب النذور، وذيلها أصبغ من قوله بأن قال: وذلك إذا ظل يومه به، ولم يأته، ولم يكن بينهما وقت لحين من النهار من ذلك اليوم، فيأتي له ويقضي ولم يأته، فأما أن يأتي مثل ما أحب ويمسح ذلك مسحا، ويذهب حين لا يجده عند مجيئه فهو حانث، وليس هذا مجيء ولا موافاة، وتكلمنا هناك على وجه قول ابن القاسم وأصبغ، وذكرنا ما يجب أن يحمل قولهما عليه، فلا معنى لإعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن دخلت جاريتك على أختك إن لم أضربها مائة فدخلت] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت جاريتك على أختك إن لم أضربها مائة، فدخلت ثم ضربها مائة، ثم دخلت مرة أخرى. قال: لا شيء عليه، إلا أن يكون نوى أن يضربها كلما دخلت. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت، والقول فيها في رسم شك في طوافه، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: قال امرأته طالق إن حرثت بها إلا في الأرض التي بيني وبينك] مسألة وسئل عن رجلين كانت لهما أرض، وكان لكل واحد منهما

مسألة: قال لرجل أنا والله أتقى لله منك وأشد حبا لله ورسوله وإلا فامرأته طالق البتة

بقرة يحرثان بها، وكان أحد الشريكين حاضرا والآخر غائبا بالريف، فبلغ الحاضر أن شريكه يحرث بلدا له بالبقرة، وكان أحد الشريكين يحرث في غير الأرض التي بينهما، فأتاه فقال له: قد بلغني كذا وكذا، فقال الآخر: امرأته طالق إن حرثت بها إلا في الأرض التي بيني وبينك، ثم بدا للذي حلف أن ولى نصيبه من تلك الأرض رجلا آخر ثم حرثها بتينك البقرتين. قال: هو حانث إلا أن يكون كانت له نية. قال محمد بن رشد: حنثه في هذه المسألة على ما يقتضيه مجرد اللفظ، ولم يلتفت إلى المعنى المقصود إليه باليمين على ما دل عليه البساط من أنه إنما حلف ألا يخونه، فيحرث بالزوج الذي بينهما في أرض لا حق له فيها، وقد مضى هذا المعنى والاختلاف فيه في سماع سحنون وغيره، فلا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: قال لرجل أنا والله أتقى لله منك وأشد حبا لله ورسوله وإلا فامرأته طالق البتة] مسألة وسئل عن رجل قال لرجل: أنا والله أتقى لله منك، وأشد حبا لله ولرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإلا فامرأته طالق البتة. قال: أراه حانثا، قيل له: فلو قال: امرأته طالق إن لم يكن فلان أتقى لله منك، وأشد حبا لله ولرسول الله منك، قال: إن كان قال ذلك في رجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن قد عرف فضله على صاحبه، أي من عرف فضله من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على صاحبه الذي قال له: أنا أتقى لله منك، وأشد حبا لله، وقوله مثل أبي بكر وعمر يريد أو غيرهما من فضلاء الصحابة، كعبد الله بن عمر، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، ومن سواهم ممن شهدت فضائلهم، وعلمت مناقبهم، ولو حلف بالطلاق

مسألة: حلف ألا يبيع هذه السلعة إلا بمائة دينار فباعها وسلعة معها بمائتي دينار

إن فلانا لرجل غير مشهور أتقى وأشد حبا لله ولرسوله لفلان، لرجل من أهل هذا الزمان معلوم بالخير لحنث؛ بدليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أعجب الناس إيمانا إلي، قوم يخرجون بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقوني ولم يروني، أولئك إخواني» ولو حلف بذلك في بعض الصحابة على بعض لحنث إلا في أبي بكر وعمر في الإجماع الحاصل بين أهل السنة أنهما أفضل من غيرهما، وأن أبا بكر هو الأفضل منهما، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يبيع هذه السلعة إلا بمائة دينار فباعها وسلعة معها بمائتي دينار] مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يبيع هذه السلعة إلا بمائة دينار فباعها، وسلعة معها بمائتي دينار. قال: إن كانت السلعة التي باعها معها ثمنها لو باعها وحدها مائة دينار، لم يكن عليه حنث، وإن كان ثمنها أكثر من مائة دينار فهو حانث. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، وقعت على غير تدبر؛ لأنه يمكن أن يكون قيمة السلعة التي حلف عليها أقل من مائة، وقيمة التي أضاف إليها مائة، فازداد فيهما تمام المائتين، فالزيادة مقسومة على قيمتهما، فلا يقع للتي حلف عليها إلا أقل من مائة فيحنث، ألا ترى أن التي حلف عليها، لو استحقت، وقد بيعت مع الأخرى بمائتين لم يرجع إلا إلى القيمة فيهما، وإنما كان يجب أن يقول: إن كانت التي أضاف إليها قيمتها مثل قيمة التي حلف عليها فأقل، وباعهما بمائتين لم يحنث، وكذلك لو باعها مع غيرها، وسمى لها من الثمن في أصل الصفقة ما حلف عليه؛ لأن التسمية في ذلك غير معتبرة، ولا يحتاج في ذلك إلى الفض إن استحقت أحد السلعتين، أو وجد بها عيب، لا يجوز البيع إلا أن يكون سمى لكل سلعة من

مسألة: حلف لرجل بالطلاق إذا اقتضى عطاءه ليقضينه حقه فوضع العطاء فلم يأخذه

الثمن ما يقع لها منه على قدر قيمتها من قيمة صاحبتها، وقد مضى ذكر هذا في نوازل أصبغ، من كتاب النذور، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لرجل بالطلاق إذا اقتضى عطاءه ليقضينه حقه فوضع العطاء فلم يأخذه] مسألة وسئل عن رجل أرهن امرأته جارية بدين لها عليه، فقالت امرأته: أخشى إذا افتككتها مني أن تطأها، قال: إن افتككتها فأنت طالق البتة، إن لم أتصدق بها على أمي، فأيسر الرجل فلم يفتكها، وأراد أن يتركها على حالها. قال: أخشى أن يحنث؛ لأن مالكا قال لرجل حلف لرجل بالطلاق إذا اقتضى عطاءه ليقضينه حقه، فوضع العطاء فأبى أن يأخذ عطاءه، قال: هو حانث إن تركه ولم يقبضه؛ لأنه لو أراد أن يقبضه قبضه. قال محمد بن رشد: أما الذي حلف لغريمه ليقضينه حقه إذا اقتضى عطاءه، فأبى أن يأخذه، فإيجاب الحنث عليه ظاهر على مراعاة المعنى؛ لأن الحالف إنما قصد بيمينه إلى أن يعجل له حقه، ولا يماطله به، فإذا وضع العطاء فأبى أن يأخذه، فقد حنث فيما حلف عليه، وقد مضى هذا المعنى، في رسم كتب عليه ذكر حق، من سماع ابن القاسم. وأما الذي حلف ليتصدقن بالجارية على أمه إذا افتكها، فليس قصده إلى تعجيل افتكاكها ليتصدق بها على أمه، وألا يترك ذلك إذا وجد إليه سبيلا، فبين محمل يمينه عليه، ولذلك قال: أخشى أن يحنث، ولم يقل يحنث كما قال في مسألة العطاء، فالأظهر في هذه المسألة أن تحمل على ما يقتضيه اللفظ ولا يحنث بخلاف مسألة العطاء، وبالله التوفيق. [مسألة: قال كل امرأة أتزوجها إلى ثلاثين سنة فهي طالق البتة إن لم أقضه هذا الحق عند الأجل] مسألة وسئل عن رجل قال: كل امرأة أتزوجها إلى ثلاثين سنة

مسألة: حلف بالطلاق ليصومن غدا فصام ثم أكل فيه ساهيا

فهي طالق البتة، إن لم أقضه هذا الحق عند الأجل. قال: يحنث إن كان يقدر على مال يبتاع به الجارية، فلا ينكح إلا أن يخشى العنت، فإن خشي العنت فهو في سعة من التزويج، وتدخل امرأته التي حنث فيها في النساء، ينكح إن بدا له هي وغيرها إن خشي العنت. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مثل ما في المدونة وغيرها، وقد مضى القول على هذا المعنى في رسم الجواب، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ليصومن غدا فصام ثم أكل فيه ساهيا] مسألة وسئل عن رجل حلف بالطلاق ليصومن غدا، فصام ثم أكل فيه ساهيا. قال: لا شيء عليه. قال محمد بن رشد: وقد مضت هذه المسألة، والقول فيها في رسم سلف، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق إن كساها شيئا أبدا فماتت أخت امرأته فكفنها بأثواب] مسألة وسئل عن رجل كان يصل أخت امرأته ويكسوها، فبلغه أنها تشتمه وتكسره، فقال: وقد فعلت، امرأته طالق إن كساها شيئا أبدا، فماتت أخت امرأته، فكفنها بأثواب. قال: إن كان حين حلف كانت له نية ألا يكسوها ما عاشت فقد بر، وإن لم تكن له نية، فقد حنث. قال محمد بن رشد: مسألة صحيحة بينة المعنى، لا اختلاف فيها؛

مسألة: قال لزوجته أنت طالق إن لم تأكلي هذه القطعة من اللحم فجاءت هرة فأكلتها

لأنه لما قال أبدا اقتضى قوله الحياة والموت بخلاف أن لو قال: ما عاشت، وقد مضى هذا والقول فيه مستوفى في رسم الأقضية، من سماع أشهب، من كتاب النذور، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لزوجته أنت طالق إن لم تأكلي هذه القطعة من اللحم فجاءت هرة فأكلتها] مسألة وقال في رجل تغدى مع امرأته لحما، فجعلت المرأة لحما بين يديه ليأكله، فأخذ الزوج منها بضعة، فقال لها: كلي هذه، فردتها بين يديه، فقال لها: أنت طالق إن لم تأكليها، فجاءت هرة فذهبت بها فأكلتها، فأخذت المرأة الهرة فذبحتها، فأخذت البضعة فأكلتها المرأة، هل يخرج من يمينه؟ قال: ليس ذبح الهرة ولا أكلها ولا إخراج ما في بطنها ولا أكله من ذلك بشيء، ولا يخرجه ذلك من يمينه في شيء لحنث في مثله، فإن كان ساعة حلف لم يكن بين يمينه وبين أخذ الهرة البضعة قدر ما تتناولها المرأة وتحوزها دونها، فلا شيء عليه، وإن توانت قدر ما لو أرادت أن تأخذها وتحوزها دونها فعلت، فهو حانث. قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف، وابن الماجشون، وهو صحيح على المشهور في المذهب من حمل الأيمان على المقاصد التي تظهر من الحالفين بها، وإن خالف ذلك مقتضى ألفاظهم فيها؛ لأن الحالف على امرأته أن تأكل البضعة من اللحم لم يرد وقت يمينه أن تأكلها، إلا وهي على حالها مستبدأة مستساغة، لا على أنها مأكولة تعاف وتستكره، وقد روى أبو زيد عن ابن الماجشون أنها استخرجت من بطن الهرة صحيحة كما هي حينما بلعته من قبل أن ينحل في جوفها شيء منها، فأكلتها فلا حنث عليه، وقوله: يأتي على مراعاة ما يقتضيه مجرد الألفاظ في الأيمان دون اعتبار المقاصد فيها، وهو أصل

مسألة: قال امرأته طالق إن لم أقضك إلى سنة إلا أن تشاء أن تؤخرني

اختلف فيه قول مالك وابن القاسم، وقد مضى بيان هذا في غير ما موضع من هذا الكتاب وغيره، ولا فرق بين هذه المسألة في المعنى وبين الذي يحلف ليأكلن الطعام، فلا يأكله حتى يفسد، وقد اختلف قول ابن القاسم في ذلك في رسم إن أمكنتني، من سماع عيسى، من كتاب النذور، وقد مضى من القول عليها هناك ما يبين المعنى في هذه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق إن لم أقضك إلى سنة إلا أن تشاء أن تؤخرني] مسألة وقال في رجل قال لغريمه: امرأته طالق إن قضيت أحدا قبلك، وإن لم أقضك إلى سنة إلا أن تؤخرني، فحل الأجل فأخره، ثم أراد أن يقضي غريما له قبل أن يقضي القديم الذي حلف ألا يقضي أحدا قبله. قال: إذا يحنث. قيل له: فإن قال امرأته طالق إن لم أقضك إلى سنة، وإن قضيت أحدا قبلك إلا أن تشاء أن تؤخرني، فحل الأجل فأخره، ثم أراد أن يقضي غريما غير الذي حلف له. قال: أرجو ألا يكون عليه شيء. قال محمد بن رشد: وجه تفرقته بين من يقول: إن قضيت أحدا قبلك، وإن لم أقضك إلى سنة، إلا أن تشاء أن تؤخرني، وبين أن يقول: إن لم أقضك إلى سنة، وإن قضيت أحدا قبلك إلا أن تشاء أن تؤخرني، هو أن رد الاستثناء، الوارد عقب جملة معطوف بعضها على بعض بالواو إلى أقرب مذكور منها أظهر من رده إلى جميعها، وإن كان رده إلى جميعها محتملا جائزا، ورد الاستثناء في قوله: إلا أن تشاء أن تؤخرني إلى قوله: إن لم أقضك إلى سنة أظهر من رده إلى قوله: إن قضيت أحدا قبلك، إذ هو أشبه بمعناه، فإذا كان الاستثناء متصلا لقوله: إن لم أقضك إلى سنة، وجب أن يرد

مسألة: قال يميني في يمينك فحلف بالطلاق وليس للحالف امرأة ثم حنث

إليه خاصة؛ لأنه أظهر من وجهة اتصاله به، ومن جهة مشابهته له في المعنى، فيحنث إن قضى أحدا وخره أو لم يؤخره، وإذا كان الاستثناء متصلا بقوله: إن قضيت أحدا قبلك كان أظهر أن يرد إلى قوله: إن قضيت أحدا قبلك لاتصاله به، وأظهر أن يرد إلى قوله إن لم أقضك إلى سنة من جهة أنه أشبه به في المعنى، فلما كان رده إلى كل واحد منهما أظهر من وجه ما استحسن أن يرده إليهما جميعا، فقال: أرجو ألا يكون عليه شيء إن حل الأجل، فأخره ثم قضى غريما له، وبالله التوفيق. [مسألة: قال يميني في يمينك فحلف بالطلاق وليس للحالف امرأة ثم حنث] مسألة وقال في رجل قال لرجل: تجعل يمينك في يميني على ألا تفعل كذا وكذا، فقال له الرجل: يميني في يمينك، فحلف بالطلاق، وليس للحالف امرأة، ثم حنث، كيف يقول في الرجل الذي جعل يمينه في يمين الحالف إن ظن أن له امرأة، أو علم حين جعل يمينه في يمينه أنه لا امرأة له؟ قال: لا شيء عليه علم أو لم يعلم. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا القول في هذه المسألة في رسم سن، من سماع ابن القاسم، والمعنى فيها بين، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق إن وطئ فرجا حراما فأخذ جارية لامرأته فضمها إلى صدره] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل قال: امرأته طالق إن وطئ فرجا حراما أبدا، فأخذ جارية لامرأته، فضم صدرها إلى صدره، ووضع يده على محاسنها وقبلها حتى أنزل الماء الدافق. فقال: قد حنث، قلت له: ولا ترى أن تنويه أنه إنما أراد

مسألة: حلف بالطلاق ليغسلن رأس رجل فغسله وهو ميت

الوطء بعينه؟ قال: لا أنويه، ولا كرامة. قال محمد بن رشد: إنما رآه حانثا؛ لأنه حمل يمينه على المعنى؛ لأن الحالف ألا يطأ فرجا حراما إنما معنى يمينه مجانبة الحرام، فوجب أن يحنث بمباشرته والاستمتاع به، وإن لم يصل في ذلك إلى الوطء بعينيه، ولو حمله على ما يقتضيه اللفظ لم يحنثه؛ لأنه لم يطأ فرجا، وقد قال في كتاب ابن المواز: من حلف ألا يتسرر على امرأته فجرد جارية له، ووضع يده على محاسنها وملاذها، فليس ذلك بتسرر، وأما قوله لا ينوى في أنه إنما أراد الوطء بعينه، فمعنى ذلك مع قيام البينة عليه، ولو جاء مستفتيا لكانت له نيته، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ليغسلن رأس رجل فغسله وهو ميت] مسألة وقال في رجل حلف بالطلاق ليغسلن رأس رجل فغسله وهو ميت أنه يحنث. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يحنث؛ لأن المعنى في يمين الحالف أن يغسل رأسه وهو حي؛ إذ المقصد في هذا إنما هو نفعه بإزالة الشعث عن رأسه وإراحته بذلك وكفايته المؤنة في تولي ذلك بنفسه لنفسه، وذلك كله مرتفع بالموت، فوجب ألا يبر بفعل ذلك به بعد الموت، وأن يحنث إن مات قبل أن يغسله إن كان قد حيي بعد اليمين، قدر ما لو أراد أن يغسله أمكنه، ولو حلف ألا يغسله فغسله، وهو ميت لحنث بما يقتضيه اللفظ على عمومه في الحياة والموت، ولم ينظر في ذلك إلى المعنى من أجل أن الحنث بخلاف للبر، ولو حلف ألا يغسل حياته فغسله بعد أن مات حنث أيضا، وقد قيل: إنه لا يحنث حسبما أشرنا إليه ونبهنا على موضع القول فيه قبل هذا في هذا السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ألا يجتمع هو وفلان في بيت فاجتمعا في الحمام] مسألة وقال في رجل حلف بالطلاق ألا يجتمع هو وفلان في

مسألة: له على رجل حق فحلف بالطلاق ليستقضين منه حقه فهلك الغريم

بيت، فاجتمعا في الحمام، قال: يحنث؛ لأنه لو أراد ألا يدخله فعل. قال محمد بن رشد: قد مضى تعليله في رسم الرهون من سماع عيسى ما يدل على أنه لا يحنث إذا اجتمع معه في الحمام وشرحنا هناك وجه ذلك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: له على رجل حق فحلف بالطلاق ليستقضين منه حقه فهلك الغريم] مسألة وقال في رجل كان له على رجل حق فحلف بالطلاق ليستقضين منه حقه، ولا يرخص له، فهو فيما يخاصم الغريم حتى هلك الغريم. فقال: يستقضي من ورثة الغريم، ولا يرخص لهم، ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحالف على مثل هذا إنما مقصده استعجال قبض حقه لينتفع به، فتحمل يمينه على ذلك، ولا تنحل عنه اليمين بموت المحلوف عليه، إلا أن تكون له نية أنه أراد التضييق عليه بعينه، فتكون له نية إن جاء مستفتيا غير مطلوب بحكم اليمين بالطلاق، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق أنه لا يقضي غريما له اليوم شيئا فلظ به الغريم] مسألة وقال في رجل حلف بالطلاق أنه لا يقضي غريما له اليوم شيئا، فلظ به الغريم، وقال لرجل له عليه دين: ادفع إليه فضمنه له إلى غد. قال: هو حانث ولا ينوى. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن هذا حوالة على أصل دين، والحوالة قضاء بنفس لزومها، وإن كانت إلى أجل، وقد مضى بيان

مسألة: قال امرأته طالق إن لم أكن أدخلت غنمي السوق يوم الجمعة يريد قبل الأحد

هذا، والقول فيه في رسم بع ولا نقصان عليك، من سماع عيسى، وقوله: ولا ينوي معناه مع قيام البينة، ولو أتى مستفتيا كانت له نيته فيما يدعي، وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق إن لم أكن أدخلت غنمي السوق يوم الجمعة يريد قبل الأحد] مسألة وقال في رجل قال لجلاب: أدخلت غنمك في السوق يوم الأحد حين فاتك السوق؟ قال: امرأته طالق إن لم أكن أدخلتها يوم الجمعة، يريد أي أدخلتها قبل الأحد، وإنما هو قد أدخلها يوم السبت. قال: لا شيء عليه. قال محمد بن رشد: أما الذي عوقب على إدخال سلعته السوق بعد فوات السوق، فحلف بالطلاق لقد أدخلتها السوق يوم الجمعة، وإنما أدخلها السبت، فقوله: لا شيء عليه صحيح على مراعاة المعنى؛ لأنه إنما أراد أنه لم تتأخر سلعته عن سوقها، وهذا إن كانت سوق تلك السلعة يوم السبت، وأما إن كانت سوق تلك السلعة إنما هو يوم الجمعة فهو حانث، إذ تأخر بها عن سوقها، وعن اليوم الذي حلف عليه، وقد قيل: إنه حانث وإن كان سوق تلك السلعة يوم السبت، وهذا على الاعتبار بلفظه دون معنى يمينه؛ إذ هو أصل قد اختلف فيه، وإلى هذا نحا في كتاب ابن المواز، فقال في موضع: أخشى عليه، وأما الذي سئل سلف خمسة دنانير فحلف أنه ليس معه إلا خمسة دنانير، فإذا هو ليس معه إلا أربعة دنانير، فبين أنه لا حنث عليه؛ لأنه إنما أراد أنه ليس معه أكثر من خمسة دنانير، وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأته طالق إن لم أربح غدا درهمين] مسألة وقال في رجل قال: امرأته طالق إن لم أربح غدا درهمين، قال: إن علم أنه من شيء يرتجى ربحه، يقول: أنا أربح غدا

مسألة: حلف بطلاق امرأته البتة ليبيعن عبده إلى غير أجل فمات العبد أو أبق

درهمين في هذا الثوب، أو في هذه الدابة، أو أقتضي من غلامي غدا درهمين، أو يهب لي فلان درهمين، فأصاب من الغد درهمين بشيء من هذه الوجوه، فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا أصاب من الغد درهمين بشيء من هذه الوجوه، فلا شيء عليه؛ لأنه لم يحلف إلا على شيء رجاه، فلا اختلاف في أنه لا شيء عليه إذا سلم مما غرر فيه اليمين عليه، ولو عثر على ذلك قبل غد لما عجل عليه الطلاق حتى ينظر، هل يربح الدرهمين غدا من وجه تلك الوجوه التي ذكر أم لا؟ لأنه إنما هو بمنزلة من قال: امرأتي طالق إن لم يوهب لي غدا درهمان، فلا يعجل عليه الطلاق؛ لأنه يقول: لا أعدم من يهب لي غدا درهمين، وأنا قادر على أن يسلفها ممن لا يبخل علي بهما، بخلاف لو قال: امرأتي طالق إن لم تضع فلانة حملها غدا لما يرى بها من إمارة قرب وضعها، وإن لم يمت فلان غدا لما يرى به من أسباب الموت، هذا يعجل عليه الطلاق إن عثر عليه قبل الأجل؛ إذ لا حيلة له، ولا عمل لتعجيل الوضع ولا الموت وما أشبه ذلك، وقد مضى بيان هذا كله في رسم يوصي، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته البتة ليبيعن عبده إلى غير أجل فمات العبد أو أبق] مسألة وسئل عن رجل حلف بطلاق امرأته البتة ليبيعن عبده إلى غير أجل، فمات العبد أو أبق. قال: إن كان عمل في بيعه، فعجله فوات نفسه، فمات قبل أن يبيعه، فلا شيء عليه، وإن كان فرط حتى مات حنث، فإن كان أبق فإن يضرب له أجل أربعة أشهر، ويوقف عن امرأته من يوم ترفعه، فإنه وجد العبد وباعه قبل انقضاء أربعة الأشهر، لم يكن عليه شيء، ولا طلاق عليه، فإن انقضت الأربعة أشهر، ولم يجده لم تكن عليه إلا طلقة واحدة، فإن وجده وهي في العدة وباع راجع

مسألة: حلف ألا يكلم فلانا فكتب فلان إلى ذلك الرجل كتابا فقرأه الحالف

امرأته، وإن لم يجده إلا بعد انقضاء العدة من يوم طلق عليه، لم يكن له عليها رجعة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، فلا وجه للقول فيها، وقد مضت في رسم القطعان، من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يكلم فلانا فكتب فلان إلى ذلك الرجل كتابا فقرأه الحالف] مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يكلم عبد الله، فكتب عبد الله إلى ذلك الرجل يريد الحالف الذي حلف ألا يكلمه كتابا، فقرأه ذلك الرجل الحالف ألا يكلمه على نفسه، ولم يجب فيه بشيء. قال: هو حانث، قيل له: فإنه حين أتى بالكتاب فدفعه إلى رجل، فقال أقرأه علي؟ فقال: إن قري عليه ما فيه بأمره؛ حنث، وإن قرأه الرسول عليه من غير أن يقول: اقرأه علي؛ فأرجو أن يكون خفيفا، وما ذلك بالبين، قيل له: فإن عبد الله كتب إلى رجل غير الذي حلف عليه كتابا، فجاء ذلك الرجل بذلك الكتاب إلى الذي حلف ألا يكلم عبد الله، فقال له: اقرأ علي كتاب عبد الله، فإنه كتب إلي هذا الكتاب، فقرأه عليه وأخبره بما فيه؟ قال: لا شيء عليه. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه لا يحنث الحالف بقراءة كتاب المحلوف عليه، روى ذلك أيضا أبو زيد، عن ابن القاسم، وهو قول أشهب، حكى ذلك ابن المواز واختاره، وهو الصواب؛ لأن حقيقة التكليم هو أن يعبر الرجل للرجل عما في نفسه بلسانه عبارة يفهمها عنه إذا سمعه، فإنما يحنث الحالف ألا يكلم رجلا بالكتاب إليه إذا قرأه المحلوف عليه، وإن لم يكن مكلما له بذلك على الحقيقة، من أجل أنه قد وجد منه التفهيم، وهو

مسألة: حلف إن تزوج فلانة فهي طالق البتة

معنى الكلام، والحالف إذا قرأ كتاب المحلوف عليه، فلم يوجد حقيقة التكليم ولا معناه؛ إذ لم يفهمه هو شيئا بقراءة كتابه، وإنما المحلوف عليه هو الذي أفهم الحالف، فوجب ألا يحنث، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف إن تزوج فلانة فهي طالق البتة] مسألة قال: وكتب إلى ابن القاسم صاحب الشرط في رجل حلف: إن تزوج فلانة فهي طالق البتة، فتزوجها فدخل بها، فرفع ذلك إلي، فأردت أن أفرق بينهما، فكتب إليه ابن القاسم: لا تفرق بينهما. قال: وبلغني عن ابن المسيب أن رجلا قال: حلفت بطلاق فلانة إن تزوجتها، قال: تزوجها وإثمك في رقبتي، وزعم أن المخزومي ممن حلف على أمة بمثل هذا. قال محمد بن رشد: راعى ابن القاسم في هذه الرواية قول من ذهب من أهل العلم إلى أنه لا يلزم الرجل طلاق ما لم ينكح، بدليل ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك» ، وهو مذهب الشافعي وكثير من العلماء، فلم ير أن يفرق بينها إذا دخلا، والمشهور في المذهب أنه يفرق بينهما على كل حال وإن دخلا، ولا يراعى الاختلاف في هذا، ومراعاته فيه شذوذ في المذهب، وإنما الاختلاف المشهور في مراعاته في الميراث والطلاق والعدة، فقيل لهما: لا يتوارثان إن مات أحدهما قبل أن يعثر على ذلك، وإن كان هو الميت لم يلزمها عدة إلا أن يكون موته بعد الدخول، فتعتد بثلاث حيض، وهو قول مالك في كتاب ابن المواز، واختيار ابن القاسم في رسم الرهون، من سماع عيسى قبل هذا، ودليل ما في المدونة، وعلى هذا لا يكون الفسخ فيه طلاقا، ولا يلزمه فيه ما طلق قبل أن يعثر عليه؛ لأنه قد طلق من قد بانت منه بالعقد، ولا يكون لها

مسألة: حلف بطلاق امرأته ليخرجن بها في مرته هذه وكان يريد سفرا

من الصداق نصفه إن طلق قبل الدخول، أو فرق بينهما قبله، وقيل: إنهما يتوارثان إن مات أحدهما قبل الفسخ، ويلزمه ما طلق قبل أن يعثر عليه، وإن كان هو الميت اعتدت أربعة أشهر وعشرا، ويكون الفسخ فيه طلاقا، ويكون لها نصف الصداق إن فرق بينهما قبل الدخول، وإنما يراعى الاختلاف في وجوب الحد، ويلحق فيه النسب في المشهور في المذهب، وقد شذ ابن حبيب، فلم يراع الاختلاف في ذلك، وأوجب الحد، وأسقط النسب في ذلك إذا كان الذي فعل ذلك عالما غير جاهل، فمراعاة الاختلاف في ألا يفرق بينهما شذوذ، وترك مراعاته في درء الحد وإلحاق النسب شذوذ وغلو، والاختلاف في مراعاته في الميراث والطلاق والعدة متكافئ في المذهب، والاختلاف فيه - أعني في المذهب - في وقوع الحرمة به، وبالله التوفيق، ووقع في كتاب ابن زرب زيادة في قول ابن المسيب إثمها وإثمك في رقبتي، والمعنى في ذلك واحد؛ لأن الإثم اللاحق لا يختص بالواحد منهما دون الآخر. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ليخرجن بها في مرته هذه وكان يريد سفرا] مسألة وقال في رجل حلف بطلاق امرأته: ليخرجن بها في مرته هذه، وكان يريد سفرا فخرج، فلما سار ذكر يمينه، فانصرف فحملها. قال: أراه حانثا. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن الحنث قد وقع عليه لأول خروجه دونها في تلك المرة التي حلف ليخرجن بها فيها، على أصولهم في أن الحنث يدخل بأقل الأشياء، ولا يسقط عنه الطلاق الذي قد لزمه رجوعه عنها، وإخراجه وإن كان من قرب، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته في أرض إنك لا تحرثها فحرثها ليلا] مسألة وقال ابن كنانة في رجل حلف بطلاق امرأته في أرض كانت بينه

مسألة: حلف لامرأته أنت طالق إن لم أتسرر عليك فاشترى جارية فوطئها وعزل عنها

وبين رجل فيها منازعة: إنك لا تحرثها أبدا إلا أن تغلبني عليها، ثم إن الأرض طرقها، فحرثها ليلا، فهل تراه حانثا؟ قال: لا، ولكن يدين ويحلف بالله أنه ما أراد بيمينه إلا أن يمنعه إذا أراد الحرث، فإنه لا يدعه إلا أن يغلبه عليها، فإن حلف لم يكن عليه شيء، قال ابن القاسم: هو حانث، ولا ينوى في ذلك إلا أن يؤخذ فيربط، ويحرث ويحبس، فلا يكون عليه شيء. قال محمد بن رشد: طروقه بالأرض وحرثه إياها ليلا بغير علمه مقافصة له فيها، مغالبة له عليها، وهو لم يستثن في يمينه إلا المغالبة، فوجب أن يكون حنث بظاهر يمينه، إلا أن يكون نوى أنك لا تحرثها بعلمي إلا أن تغلبني عليها، فالاختلاف بين ابن كنانة وابن القاسم إنما هو هل يصدق في نيته مع قيام البينة عليه باليمين أم لا؟ فقال ابن كنانة: إنه يصدق في قوله مع يمينه، وقال ابن القاسم: هو حانث، ولا ينوى في ذلك؛ يريد مع قيام البينة عليه باليمين، وذلك صحيح على أصولهم في أن من ادعى نية مخالفة ليمينه لا تقبل منه، ولا يصدق فيها إلا أن يأتي مستفتيا مثل أن يقول: امرأتي طالق إن كلمت فلانا، أو اشتريت ثوبا، فيكلمه ويقول: نويت شهرا، أو يشتري ثوبا ويقول: نويت شيئا، وقول ابن القاسم: هو حانث، ولا ينوى في ذلك، إلا أن يؤخذ فيربط، ويحرث ويحبس، فلا يكون عليه شيء ليس على ظاهره؛ لأن فيه تقديما وتأخيرا وتقديره، قال: لا ينوى في ذلك، وهو حانث، إلا أن يؤخذ فيربط، ويحبس وتحرث، فلا يكون عليه شيء. [مسألة: حلف لامرأته أنت طالق إن لم أتسرر عليك فاشترى جارية فوطئها وعزل عنها] مسألة وقال فيمن حلف لامرأته: أنت طالق إن لم أتسرر عليك، فاشترى جارية فوطئها وعزل عنها، هل تخرجه ذلك من يمينه؟ قال: إذا تسررها فوطئها فلا شيء عليه، يريد بالوطء مرارا،

مسألة: حلف ألا يئويه وفلانا سقف بيت أبدا فمر بسقيفة فيها طريق

بمنزلة الرجل يريد حبس الجارية، قال ابن القاسم مرة أو مرتين، سواء أراد حبسها أو لم يرده. قال محمد بن رشد: قد اختلف في التسرر ما هو؟ فقيل: إنه الوطء، وإليه ذهب مالك وعامة أصحابه، وعلى هذا يأتي قول ابن القاسم هذا: إنه إذا وطئها مرة أو مرتين فقد بر، وإن عزل عنها، ولم يرد حبسها ولا اتخاذها، وقيل: إنه الاتخاذ للوطء، وهو قول ابن كنانة، يقوم ذلك من قوله في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب العتق، في الذي يقول: كل أمة أتسررها فهي حرة، فيشتري خادما تخدمه فيطأها؛ أنها لا تكون حرة في مثل هذا إلا أن تحمل، يريد أنه لا يلزمه حريتها بتلك الوطأة، إلا أن تحمل منها إذا لم يطأها متخذا لذلك، فعلى هذا القول يأتي قوله في هذه الرواية: يريد بالوطء مرارا، بمنزلة الرجل يريد حبس الجارية، يريد حبسها للاتخاذ، فأرى قائل ذلك ابن كنانة، والله أعلم؛ لأنه مذكور في المسألة التي قبلها، وهذه معطوفة عليها. وقيل: إنه الحمل، فعلى هذا القول لا يبر الذي يحلف بطلاق امرأته إن لم يتسرر عليها جارية فيطأها، وإن نوى حبسها لذلك ولم يعزل عنها، وهو على حنث في امرأته؛ لا يجوز له وطؤها حتى تلد منه جارية، فإن طلبت امرأته الوطء ورافعته في ذلك طلق عليه، وقيل: يضرب له أجل المولي، ويطلق عليه عند انقضائه بالإيلاء، إلا أن ترضى أن تقيم معه دون وطء، هذا هو الحكم في هذه اليمين على هذا القول، على قياس ما وقع في الإيلاء من المدونة في نظير هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ألا يئويه وفلانا سقف بيت أبدا فمر بسقيفة فيها طريق] مسألة وقال مالك في رجل حلف ألا يئويه، وفلانا سقف بيت أبدا، فمر بسقيفة فيها طريق، وهو يعلم أن الذي حلف عليه فيها، قال: إنما حلفت ألا أجلس معه تحت سقف بيت أبدا، وإنما مررت بالطريق.

مسألة: حلف بالطلاق ألا يكلم رجلا فشتمه الذي حلف عليه ألا يكلمه

قال: إن كان طريق يمر فيه بغير إذن، وهي نافذة، فإنه بريء، ولا أرى عليه حنثا، وإن كان إنما هو بيت يستأذن فيه، ولا يدخل فيه إلا بإذن، فلا أراه ألا حانثا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها موعبا مجودا في الرهون، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ألا يكلم رجلا فشتمه الذي حلف عليه ألا يكلمه] مسألة وقال في رجل حلف بالطلاق ألا يكلم رجلا فشتمه الذي حلف عليه ألا يكلمه، فلم يرد عليه شيئا، وإلى جانبه رجل، فقال للرجل الذي إلى جانبه: ما أنا كما قال. قال: أراه حانثا، إنما أراد أن يسمعه، فإن كان أراد أن يسمعه فسمعه، فهو حانث. قال محمد بن رشد: في قوله في هذه المسألة: إن كان أراد أن يسمعه فسمعه فهو حانث، دليل على أنه إن لم يسمعه فلا حنث عليه، وهو مثل ما مضى في رسم الطلاق الثاني، من سماع أشهب، بخلاف إذا كلم المحلوف عليه فلم يسمعه، وقد مضى التكلم على الوجهين، وما يتعلق بهما موعبا في رسم الطلاق الثاني، من سماع أشهب، وفي رسم سلف، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: رمى امرأته بعصا فحلف بطلاقها البتة إن كان ضربها بيده] مسألة وقال فيمن رمى امرأته بعصا كانت معه، فشكت ذلك، وقالت: ضربني فعوتب في ذلك، فحلف بطلاقها البتة إن كان ضربها بيده. فقال: هو حانث إلا أن يكون نوى إن كان ضربها بيده بلطمة، أو مثل ما يضرب الناس ينوي ذلك، وإلا فهو حانث، ورأيته ضربا، ونزلت بالمدينة فأفتى بذلك، وقال لو كانت عليه بينة ما دينته وحنثته، سواء قال بيده أو لم يقل هو سواء.

مسألة: حلفت امرأته لئن قدم فلان لتسألنه الطلاق فبلغه فحلف لئن سألته ليجيبنها

قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة والله أعلم، أنها قالت: ضربني؛ فأبهمت الضرب، ولم تبين كيف ضربها؟ فعوتب في ذلك، وقيل له: ضربت امرأتك؟ فحلف بطلاقها أنه ما ضربها، ثم أقر لما ادعى عليه أنه قد كان ضربها قبل أن يحلف بالطلاق أنه ما ضربها أنه، قد كان رماها بعصا أو قامت عليه بذلك بينة، فلذلك قال: إنه لا ينوى، قال بيده أو لم يقل بيده؛ لأن من رمى امرأته بعصا فقد ضربها بيده، ولو قالت: كان رماني بعصا فعوتب في ذلك، وقيل له: رميت امرأتك بعصا؟ فحلف أنه ما ضربها بيده، فوجب أن ينوى؛ لأن بساط المسألة يدل على صدقه فيما ادعى من نيته، وبالله التوفيق. [مسألة: حلفت امرأته لئن قدم فلان لتسألنه الطلاق فبلغه فحلف لئن سألته ليجيبنها] مسألة وقال فيمن غاب عن امرأته، فتزوج بالريف، فحلفت امرأته لئن قدم فلان لتسألنه الطلاق، فبلغه ذلك فحلف لئن سألته الطلاق ليعطينها أو ليجيبنها، فلما قدم قالت له: طلقني، فقال: أمرك بيدك، فلم تختر شيئا. قال: لا شيء عليه إلا أن يكون أراد بقوله: لأجيبنها أو لأعطينها، أي لأطلقنها، وإلا فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه لا شيء عليه، إلا أن يريد بذلك لأطلقها؛ لأنه إذا ملكها أمرها في الطلاق فقد أجابها إلى ما سألته منه، وقد مضى في رسم الصلاة، من سماع يحيى القول، إذا حلف، لئن سألته الطلاق ليطلقها، فلما سألته ملكها أمرها، فذلك يغني عن القول فيما يكون الحكم إذا أراد بقوله: لأجيبنها أو لأعطينها؛ إذ لا فرق بين أن يلفظ بذلك أو يريده فيما يوجب الحكم عليه، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف بالطلاق ألا يكسو امرأته ثوبا فكست نفسها ثوبا وكسا هو نفسه ثوبا

[مسألة: حلف بالطلاق ألا يكسو امرأته ثوبا فكست نفسها ثوبا وكسا هو نفسه ثوبا] مسألة وقال في رجل حلف بالطلاق ألا يكسو امرأته ثوبا، فكست نفسها ثوبا، وكسا هو نفسه ثوبا، فقالت له امرأته: ثوبك خير من ثوبي، فقال: أنا أبعث بثوبي، فإن كان هو خير فخذيه وأعطني ثوبك، فلم يأتها بالثوب، أتراه حانثا؟ قال: إن كان ثوبه خيرا من ثوبها فهو حانث، وإن كان ثوبه شرا من ثوبها، فلا حنث عليه، وإن كان أتاها بثوبه. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان ثوبه خيرا من ثوبها فهو حانث؛ يريد وإن لم يأتها بالثوب، ولا أسلمه إليها، فجعل قوله لها: فخذيه، إيجابا منه لها ذلك على نفسه كالعطية لا رجوع له فيها، ولذلك أوجب عليه الحنث بذلك، وقد قيل: إن العطية لا تجب عليه بهذا اللفظ، إلا أن يقول: فقد أعطيتك إياه، أو فقد وهبت لك، وهو الذي يأتي على قول مالك، في رسم البيوع الأول، من سماع أشهب، من كتاب جامع البيوع، في الذي يكون عنده العبدان فيقول للرجل الذي يسومه بهما: هذا العبد بأربعين إلى سنة، وهذا العبد الآخر بخمسين إلى سنة، فخذ أيهما شئت؛ فإنه لا بأس بذلك؛ لأنه لم ير ذلك لازما له، ولو رآه لازما له لقال: إن ذلك لا يجوز، كما قال في كتاب ابن المواز، من رواية أشهب عنه أيضا، فجوابه في هذه المسألة أن الحنث عليه يأتي على قول مالك في كتاب ابن المواز، ويأتي على قوله في العتبية أنه لا حنث عليه، إذ لم يجب عليه العطية بهذا القول، كما أنه لا يحنث من حلف ألا يبيع سلعة، فباعها على أنه فيها بالخيار حتى يجب البيع، وقد مضى ذلك في آخر رسم استأذن، من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: استحلفه بطلاق امرأته ليقضينه إلى أجل كذا وكذا إلا أن يشاء البائع] مسألة وسئل عن رجل باع من رجل سلعة، واستحلفه بطلاق امرأته ليقضينه إلى أجل كذا وكذا إلا أن يشاء البائع أن يؤخره، فحل

مسألة: اتخذ عليه الطلاق إن لم يوفه إلى أجل كذا فاستقالة صاحب الدنانير

الأجل، والذي عليه الحق غائب، فأراد أن يؤخره وكره أن يحنثه، قال ابن القاسم: إذا أحضر لذلك شهودا من أجل أنه لو أخره ولم يحضر لذلك شهودا، فحل الأجل ولم يقضه لطلق عليه بما ظهر من حنثه، ولم يصدق البائع في قوله: إنه قد كان أخره، ولا ينبغي له أيضا هو في خاصة نفسه أن يصدقه مخافة أن يكون قد كذبه، إلا أن يستيقن صدقه بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يستيقن ذلك استحب له مفارقتها، ولو أخبره مخبر عدل قبل أن يحل الأجل أنه قد أخره لجاز له أن يؤخر قضاءه، ولا يحنث من طريق قبول خبر الواحد، لا من طريق الشهادة، وقد مضى نحو هذا المعنى في رسم الأقضية، من سماع أشهب، من كتاب النذور، وقوله: إنه نوى في نفسه حين لم يجده أن يؤخره؛ إن ذلك لا يخرجه من الحنث، صحيح لا اختلاف فيه؛ إذ لا يكون بنيته مؤخرا، كما لا يكون مؤخرا لو أشهد على نفسه أنه يؤخره حتى يشهد على نفسه أنه قد أخره، فلو نوى في نفسه أنه قد أخره؛ لكان مؤخرا في الباطن، كما أنه إذا نوى في نفسه أنه طلق امرأته أنها طالق فيما بينه وبين الله تعالى، على ما مضى في رسم الطلاق الأول، من سماع أشهب، إلا أنه لا ينبغي له أن يصدقه في أنه نوى ذلك مخافة أن يكون كذبا، وبالله التوفيق. [مسألة: اتخذ عليه الطلاق إن لم يوفه إلى أجل كذا فاستقالة صاحب الدنانير] مسألة وسألته عن رجل سلف مائة دينار في قمح أو سلعة من السلع إلى أجل، واتخذ عليه الطلاق إن لم يوفه إلى أجل كذا، فاستقالة صاحب الدنانير مما اشترى منه قبل الأجل فأقاله. قال: لا أحب له أن يسمع هذا، فإن وقع وكانت المائة

مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن أعطيتني الوديعة التي عندك فأعطته مائة دينار

دينار يوم ردها وفاء من السلعة التي عليه عند الناس، فأرجو ألا يكون حانثا، قلت له: فإن لم يكن فيها وفاء، ورد عليه الدنانير ثانية، وأقر البيع على حاله إلى أجله؟ قال: لا ينفعه ذلك، وهو حانث؛ لأنه بيع فاسد، أو لأنه لو أبى ذلك أحدهما لم يجبر على ذلك، وهو بيع مبتدأ، ولو أعطاه بذلك السلعة عند الأجل بعد الذي وصفت لا عطية أو صدقة، لم يخرجه ذلك من يمينه، ولم ينفعه ذلك، وإن أعطاه إياها، وهي تسوي الثمن لم أره حانثا؛ لأنه قد خرج من الوجه الذي قد حلف عليه فيه، وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى على ما في المدونة، وقد مضت في رسم النذور، من سماع أصبغ، ومضت أيضا والقول فيها في رسم إن خرجت، ورسم إن أمكنتني، من سماع عيسى، فلا وجه لإعادة ذلك. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق إن أعطيتني الوديعة التي عندك فأعطته مائة دينار] مسألة وقال في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن أعطيتني الوديعة التي عندك، فأعطته مائة دينار، قال: قد استودعتك مائتي دينار: إنها تطلق عليه، ولا ينظر إلى قوله؛ لأنه مدع. ولو قال: أنت طالق البتة إن أعطيتني المائة التي استودعتك، فقالت له: أنا أعطيك، فأخرجت خمسين، ثم قالت له: لا أعطيك شيئا. قال: تقدم الخمسين الأخرى التي أقرت بها وتطلق، فإن جحدت لم يكن عليها غير ما أخرجت؛ لأنه أنزل أمره على أنه إنما حلف على الوديعة، وقد أخرجتها، وتطلق. قال محمد بن رشد: قوله في الذي قال لامرأته: أنت طالق إن

مسألة: يحلف بطلاق امرأته ألا تخرج إلا بإذنه فيأذن لها إلى موضع فتذهب إليه وإلى غيره

أعطيتني الوديعة التي عندك، فأعطته مائة دينار، وادعى أنه كان استودعها مائتي دينار، أنها تطلق عليه، يريد بالحكم، وأما فيما بينه وبين الله تعالى، فلا يلزمه طلاق؛ لأن غرضه الذي طلق عليه لم يتم له، كمن قال لامرأته: أنت طالق إن أعطيتني مائة دينار، فأعطته خمسين، وأما الذي قال لها: أنت طالق إن أعطيتني المائة التي استودعتك، فقالت له: أنا أعطيك، فأخرجت خمسين، ثم قالت له: لا أعطيك شيئا، فإنما قال: إنها تقدم الخمسين الأخرى التي أقرت بها وتطلق؛ لأن معنى المسألة أنه خشي أن تجحده المائة، فقال لها بمحضر بينة: إن أعطيتني المائة فأنت طالق، فكان معنى يمينه إن أقررت لي بالمائة، وأعطيتنيها فأنت طالق؛ فلزمه الطلاق بإقرارها له بالمائة، وإن لم تعطه منها إلا خمسين؛ لأنه قادر على أن يأخذ منها الخمسين الأخرى، وقد تم له غرضه الذي طلق عليه بإقرارها له بجميع المائة، ولو كانت مقرة له بالمائة فقال لها: إن أعطيتني المائة فأنت طالق، لما لزمه طلاقها إلا بأن تعطيه جميع المائة، وقد مضى هذا المعنى مبينا في أول سماع ابن القاسم. وقوله في آخر المسألة: فإن جحدت لم يكن عليها غير ما أخرجت إلى آخر قوله: ويطلق؛ إنما يعود على المسألة الأولى التي قال فيها: أنت طالق إن أعطيتني الوديعة، لا على التي قال: إن أعطيتني المائة؛ لأنه إذا قال لها: إن أعطيتني المائة التي لي عندك فأعطته خمسين، وجحدت أن يكون له عندها سواها؛ فلا يلزمه الطلاق؛ لأنه كمن قال لامرأته: أنت طالق إن أعطيتني مائة دينار، فلا تعطه إلا خمسين، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: يحلف بطلاق امرأته ألا تخرج إلا بإذنه فيأذن لها إلى موضع فتذهب إليه وإلى غيره] مسألة وسمعته وسئل عن الرجل يحلف بطلاق امرأته ألا تخرج إلا بإذنه، فيأذن لها إلى موضع، فتذهب إليه وإلى غيره. قال: هو حانث. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم خلاف قوله في

قال امرأته طالق البتة إلا أن يمنعني أبي من ذلك فمنعه أبوه

الواضحة أيضا، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة وما يتعلق بمعناها في رسم سلف، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [قال امرأته طالق البتة إلا أن يمنعني أبي من ذلك فمنعه أبوه] من نوازل سئل عنها سحنون وسئل عن رجل قال: امرأته طالق البتة إلا أن يمنعني أبي من ذلك، فمنعه أبوه، قال أصبغ: لا أرى عليه شيئا إن كرهه أبوه، ورد عليه، ومنعه منه بجد وصحة، وأراه بمنزلة قوله: إلا أن يشاء أبي، فلم يشأ أبوه، وأصل ذلك عندي في قوله: هي طالق إن شاء أبي، فلم يشأ. قال محمد بن رشد: تشبيه أصبغ قول الرجل: امرأتي طالق إلا أن يمنعني أبي ذلك، بقوله: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي؛ صحيح، وأما قياسه ذلك على قول الرجل: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي؛ فليس بصحيح؛ لأن قول الرجل: امرأتي طالق إن شاء أبي طلاق مقيد بشرط، وهو مشيئة أبيه، فلا يقع عليه إلا أن يشاء أبوه؛ إذ لم يوجبه إلا بذلك، كمن قال: امرأتي طالق إن ضرب أبي غلامه، أو دخل الدار، وما أشبه ذلك، وقول الرجل: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي، إنما هو طلاق قيد حلف عنه بمشيئة أبيه؛ لأن تقدير قوله: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي، ألا تكون طالقا، ولا مشيئة لأبيه في ألا تكون طالقا؛ إذ كان هو قد طلقها بقوله لها: أنت طالق، فلا يسقط عنه الطلاق بما استثنى من مشيئة أبيه، كما لا يسقط عنه لو قال: امرأتي طالق إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار، وإنما يسقط عنه إذا قيده بضرب أبيه غلامه أو دخوله الدار، وهذا ما لا خفاء فيه، ولا إشكال فيه، فلا يصح أن يحمل قول الرجل: امرأتي طالق البتة إلا أن يمنعني من ذلك أبي، أو إلا أن يشاء أبي ذلك على أن مراده بذلك إنما هو امرأتي طالق البتة إن شاء أبي؛ إذ لا يحتمل ذلك اللفظ لكونه ضد مقتضاه على ما بيناه، إلا أن يقول الرجل: أردت ذلك، فينوى إذا جاء مستفتيا، ولا يصح على أصولهم أن ينوي في

مسألة: قال امرأتي طالق إن خرج من المسجد إلى الليل إلا أن يأذن له فلان

ذلك مع قيام البينة عليه، فضلا عن أن تحمل يمينه على ذلك، إذا لم تكن له نية، ووجه ما ذهب إليه أصبغ، والله أعلم، أنه لما كان قول الرجل في الطلاق إلا أن يشاء أبي، أو إلا أن يمنعني من ذلك أبي على ما يقتضيه الكلام لغوا لا فائدة لقائله فيه، ولا تأثير له حمل عليه أنه أراد إن شاء أبي؛ إذ لا يفرق العوام والجهال بين شيء من هذه الألفاظ، فهو يشبه أن يفتي به في الجاهل على أن من قوله في نوازله: إن الجهالة ليست بأحسن حالا من العلم في الطلاق، فقوله على كل حال ضعيف، وهذا الذي ذكرناه إنما يكون إذا حملنا قوله: امرأتي طالق، إلا أن يشاء أبي، على أنه أراد بذلك امرأتي طالق، قد ألزمت نفسي ذلك إلا أن يشاء أبي أن يحله علي، وهو الأظهر من محتملات كلامه، ويريد بقوله: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي، امرأتي طالق ألا ألزم نفسي ذلك إلا أن يشاء أبي، فيكون على هذا التأويل قوله: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي بمنزلة قوله: امرأتي طالق إن شاء أبي، فلا يلزمه طلاق امرأته إلا أن يشاء أبوه ذلك، وإلى هذا نحا أصبغ، والله أعلم. ويحتمل قوله: امرأتي طالق إلا أن يشاء أبي وجها ثالثا، وهو أن يريد بذلك امرأتي طالق، إلا أن يفعل فلان كذا وكذا، أو إن لم يفعل فلان كذا وكذا، فيكون على هذا التأويل كمن حلف بالطلاق على غيره أن يفعل فعلا يحال بينه وبين امرأته، ويدخل عليه الإيلاء، أو يتلوم له على الاختلاف في ذلك، فهي ثلاثة أوجه تحتملها المسألة، فإن أراد الحالف أحدها حملت يمينه عليه، وإن لم تكن له نية فيختلف على أي وجه يحمل منها، وبالله التوفيق. [مسألة: قال امرأتي طالق إن خرج من المسجد إلى الليل إلا أن يأذن له فلان] مسألة وعن رجل قال: امرأتي طالق إن خرج من المسجد إلى

مسألة: له ثلاث نسوة فقال لإحداهن أنت طالق البتة ثم قال للأخرى أنت شريكتها

الليل، إلا أن يأذن له فلان، فقال فلان ذلك: فأشهدوا أني لا آذن له إلى الليل، ثم أذن له بعد ذلك. قال أصبغ: لا أرى ذلك ينفعه، وأرى قوله الأول: لا آذن له عزما يلزمه؛ لأنه قد أشهد على نفسه بذلك، فهو بمنزلة التوقيف، أن لو وقف فأبى، ثم أراد بعد ذلك أو أشد، فأرى الحالف حانثا إن كان قد فعل. قال محمد بن رشد: ليست هذه المسألة على ما بني عليه أصل المذهب من مراعاة المعاني في الأيمان، دون الاقتصار فيها على ما يقتضيه مجرد الألفاظ، والذي يجب في هذه المسألة على الأصل المذكور ألا يكون عليه شيء إن خرج إذا أذن له، وإن كان قد منعه أولا، وقال: لا آذن له، ألا ترى أنه لو قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني، فسألته أن تخرج فأبى أن يأذن لها، ثم سألته فأذن لها أن تخرج ولا تحنث ولا يضره منعه لها أولا من الخروج، ولا خلاف في هذا، ووجه قول أصبغ أنه حمل يمينه على اللفظ، ولم يراع المعنى، وجعل يمينه ألا يخرج من المسجد إلا أن يأذن له فلان، كحلفه ألا يخرج من المسجد إن نهاه فلان، فإذا خرج بعد أن نهاه وجب أن يحنث، وإن أذن له بعد ذلك على قياس قول أصبغ هذا لو أذن له أولا، ثم نهاه ألا يكون عليه شيء إن خرج على الإذن الأول بعد أن نهاه، وقد وقع نحو هذا لمالك في رسم الطلاق، من سماع أشهب، من كتاب التخيير والتمليك، ومضى في رسم يوصي، من سماع عيسى، من هذا الكتاب، من قولها في مسألة من هذا المعنى ما يزيد هذه المسألة بيانا، وبالله التوفيق. [مسألة: له ثلاث نسوة فقال لإحداهن أنت طالق البتة ثم قال للأخرى أنت شريكتها] مسألة وسئل عن رجل كان له ثلاث نسوة، فقال لإحداهن: أنت طالق البتة، ثم قال للأخرى: أنت شريكتها، ثم قال للثالثة: أنت شريكتهما. قال أصبغ: إذا قال البتة، فهن كلهن طوالق البتة، ولا ينفعه

مسألة: خرجت امرأته فحلف بالطلاق ألا يبعث في ردها فبعث إلى ولده فأخذه

أنه قال ثلاثا البتة، والثلاث لا تغني مع البتة قدم الثلاث أو أخرها، والبتة حرف واحد لا يتبعض ولا يفترق. فإن كان قال لها: أنت طالق ثلاثا، ثم قال للثانية: أنت شريكتها، ثم قال للثالثة: أنت شريكتهما، كانت الأولى منه بائنة بثلاث، وكانت الثانية تبين منه باثنتين، وتكون عنده على طلقة تبقى له، وكانت الثالثة تبين منه بثلاث أيضا؛ لأنها شريكة الأولى بواحدة ونصف، فصارت اثنتين، وشركت الثانية بواحدة فصارت ثلاثا. قال محمد بن رشد: بنى أصبغ جوابه في هذه المسألة على اعتبار ما يحصل لكل واحدة منهن بالقيمة من عدد الطلاق الذي شرك بينهن فيه، على ما قال في المدونة: إذا قال لأربع نسوة له: بينكن أربع تطليقات بدون أن يقع على كل واحد منهن طلقة طلقة، وإذا قال لهن: بينكن خمس تطليقات فأكثر إلى الثمان، وقع على كل واحدة منهن تطليقتان، وإن قال: بينكن تسع تطليقات أو أكثر، وقع على كل واحدة منهن ثَلاث ثلاث، وقد قيل: إنه يقع على كل واحدة منهن في هذه المسألة ثلاث ثلَاث، وكذلك لو قال لأربع نسوة له: قد شركت بينكن في تطليقتين؛ لوقع على كل واحدة منهن طلقتان طلقتان، ولو قال: قد شركت بينكن في ثلاث تطليقات فأكثر؛ لوقع على كل واحدة منهن ثلاث ثلَاث؛ لأن كل واحدة منهن يحصل لها بحكم الشركة من كل طلقة، فيجبر عليها، بخلاف مسألة المدونة؛ لأنه لما قال بينكن كذا وكذا من عدد الطلاق، ولم يقل: إنهن في ذلك أشراك، حمل على أنه إنما أراد أن يكون ذلك بينهن على ما يحصل لكل واحدة منهن من عدد الطلاق إذا قسم بينهن، وهذا الاختلاف على اختلافهم، فيمن صرف دنانير بدراهم، فوجد في الدراهم درهما زائفا، هل ينتقض صرف الدنانير كلها، أو صرف واحد، وقد مضى في سماع عبد الملك ذكر الاختلاف في تبعيض البتة، فلا وجه لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: خرجت امرأته فحلف بالطلاق ألا يبعث في ردها فبعث إلى ولده فأخذه] مسألة وسئل عن رجل خرجت امرأته إلى منزل أهلها، فحلف

مسألة: يقول لغريمه احلف لي بالطلاق لتقضيني حقي إلى أجل كذا وكذا فيأبى

بالطلاق ألا يبعث في ردها، وكان له معها ولد صغير، فبعث إلى ولده فأخذه منها، فرجعت تأخذ الولد منه. قال أصبغ: هو حانث؛ لأن أخذه الولد وإرساله فيه، ونزعه منها سبب للإرسال إليها ولردها. وقد قال مالك في الرجل يحلف لامرأته ألا يخرجها عن المدينة إلا برضاها، فأقام بمصر لا يبعث إليها بنفقة دهرا، فلما أرادت ذلك خرجت إليه، قال مالك: أراه حانثا؛ لأنه هو ألجأها إلى الخروج، فهذا عندي مثله. قال محمد بن رشد: مثل قول مالك في هذا في رسم الطلاق الأول، من سماع أشهب، من كتاب النكاح، وحكى ابن سحنون، عن أبيه، أنه لا حنث عليه في المسألتين جميعا، وقول مالك أظهر؛ لأن اضطراره إليها إلى الخروج بما فعل مما ليس له أن يفعله إخراج، والحنث يدخل بأقل الوجوه، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لغريمه احلف لي بالطلاق لتقضيني حقي إلى أجل كذا وكذا فيأبى] مسألة وسألته عن الرجل يقول لغريمه: احلف لي بالطلاق لتقضيني حقي إلى أجل كذا وكذا، فيأبى أن يحلف بالطلاق، فيقول له: احلف لي بالحلال عليك حرام، وهو جاهل أن الحلال عليه حرام يدخله الطلاق، فحلف وحنث في يمينه، هل ترى عليه في يمينه حنثا، أو ترى هذا القول: لست أحلف بالطلاق استثناء، ولا يكون عليه حنث؟ قال أصبغ: بل أراه حانثا، وأراه يمينا كالمجردة بغير ما وصفت، وأحمله أيضا على أنه تارك للأول، وراجع إلى الثاني، وكمن أبى الطلاق ثم رجع إليه، ولا أصدقه ولا تنفعه الجهالة، وإن رأى أنه صادق؛ لأنها يمين بالطلاق لفظا؛ لأن لفظ الحلال

علي حرام طلاق، فهو كمن لفظ بالطلاق لفظا، وليست الجهالة بأحسن حالا من العلم في هذا؛ لأن الطلاق جهالته علم، وجهالته طلاق، وكما أن جده طلاق، وهزله طلاق، ألا ترى أن الأعجمي يلفظ بالطلاق، ويطلق ولا يعرف الطلاق ولا ما هو؟ ولا حدوده، ولا أنه يلزم أو لا يلزم، فيلزمه ويحنث؟ فافهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن التحريم من كنايات الطلاق، وقد قيل: إنه من صريحه، وإلى هذا ذهب أصبغ، وقال: إن الجاهل لا يعذر في ذلك بالجهل؛ لأن صريح الطلاق لا يعذر الجاهل فيه، ولا يسأل أحد هل أراد بذلك الطلاق أو لم يرده، ولا يصدق إن قال: إنه لم يرد به الطلاق، وإن أتى مستفتيا، فزعم أنه لم يرد بذلك جرى ذلك على الاختلاف في مجرد اللفظ دون النية، هل يلزم به الطلاق أم لا، والأظهر أنه لا يلزم به، وكذلك الحكم في كنايات الطلاق البينة. وقد اختلف في صريح الطلاق ما هو على ثلاثة أقوال؛ أحدهما: أن صريحه لفظ الطلاق خاصة، وأن كناياته ما عدا ذلك مثل الخلية، والبرية، وحبلك على غاربك، وفارقتك، وسرحتك، وما أشبه ذلك، والى هذا ذهب عبد الوهاب. الثاني: أن تكون الألفاظ كلها صريح في الطلاق، وبعضها أبين من بعض، وإلى هذا ذهب ابن القصار. والثالث: أن صريح الطلاق ما ذكر الله في كتابه، وهو الطلاق، والسراح، والفراق، وهو مذهب الشافعي. وقوله: إن هزله جد، صحيح لا اختلاف في لزومه الطلاق له، وإن كان هازلا إذا أراد بذلك الطلاق؛ إذ قد يتصور إرادة الطلاق مع الهزل، وكذلك قال مالك في رسم الطلاق، من سماع أشهب، من كتاب التخيير والتمليك: إن الطلاق للاعب لازم إذا أراد به الطلاق، فمعنى قولهم في الطلاق: إن هزله جد، هو أن الطلاق يحكم به عليه، وإن ثبت أنه كان لاعبا لم ينتفع بذلك، وأما إذا أتى مستفتيا فقال: كنت لاعبا، أو لم أرد بذلك طلاقا، وإنما قلت ذلك على وجه ذلك مما يذكره، فيصدق في ذلك، ولا يلزمه الطلاق على القول بأن الطلاق لا يلزم بمجرد القول دون النية، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف ألا يضع لزوج ابنته من مائة دينار وكان أصدقها شيئا ثم تبارءا

[مسألة: حلف ألا يضع لزوج ابنته من مائة دينار وكان أصدقها شيئا ثم تبارءا] مسألة وسئل عن رجل يقول له ختنه وكان زوجه ابنته، وهي بكر في حجره، بنقد مائة دينار؛ انقص من المائة، فقال: امرأته طالق إن نقصتك منها، ثم تداعيا بعد ذلك إلى المبارأة، فتبارءا على ألا يتبع الختن ختنه بشيء من النقد ولا الكالئ، هل تراه حانثا في يمينه؟ فإن رأيته حانثا في يمينه وادعى أنه إنما أراد بيمينه ألا يبتني بها إلا بتمام المائة، فهل ترى ذلك له مخرجا من الحنث؟ فإن رأيت ذلك مخرجا، هل ترى له أن يزوجها إياه بعد ذلك بأقل من نقد مائة، أو لا ترى ذلك له؟ قال أصبغ: أرى أن يدين ويجعل القول قوله إن كانت يمينه خرجت على ما يزعم، وعلى إرادته ونيته، فذلك له، وهو يشبه ما يقول في ظاهر الأمر؛ لأن هذا في عقول الناس يرى ويشك أن يكون قد عرف تنازعهما فيه للدخول والنقصان عليه، والبساط والطلب له بالرغبة والرهبة، وإرادة التخفيف مع ذلك لتمامه، فإن شهد له بنحو ذلك، فهو الذي لا شك فيه، وهو له براءة، ولا أوجب عليه يمينا، وأدينه فيه بغير يمين إلا أن يستحسن مستحسن استظهار اليمين عليه، فلا أرى عليه بأسا، وإن لم يشهد له به، ولم يحضره من يشهد دينته وأحلفته، ورأيت ذلك له، ولم أر عليه حنثا، فأما ردها إليه بأقل، فلا أرى ذلك، وأرى إن تم ذلك ووقع أن يحنث، وأراه بمنزلة الذي يبيع السلعة ثم يسأله النقصان، فيحلف ألا ينقصه أو يحلف ألا يبيعه إياها، فمعنى ألا يبيعه إياها، ألا يتم له البيع فيفاسخه فيما يجوز له، ولا يتم له البيع، ثم يريد أن يبيعه بعد ذلك إياها بنقصان، فلا يجوز له وهو حانث، أو يريد أن يبيعه إياها بعد ذلك على حال بشيء من الأشياء، فإن باعه حنث.

مسألة: قال لامرأته إن وطئت فلانة إلا برضاك فهي حرة أو أنت طالق فوطئها

قال محمد بن رشد: قوله في الذي حلف ألا يضع لزوج ابنته من مائة دينار، وكان أصدقها شيئا، ثم تبارءا على ألا يتبعه بشيء من النقد ولا الكالئ، أنه لا حنث عليه في ذلك، إن كان إنما أراد ألا يبني بها إلا بتمام المائة، وأنه يصدق فيما زعم أنه نواه من ذلك مع يمينه، إلا أن يشهد له بساط يدل على صدقه فيما ادعاه من النية، فتسقط عنه اليمين إلا أن يستحسن ذلك مستحسن، صحيح على أصولهم؛ لأن النية التي ادعى نية محتملة، فوجب أن يصدق فيها مع يمينه من أجل قيام البينة عليه باليمين، فإن شهد له من البساط فيما يصدق دعواه، سقطت عنه اليمين، وكذلك لو أتى مستفتيا لم يكن عليه في ذلك يمين، وقوله: إن اليمين ترجع عليه ما بقي من ذلك الملك شيء؛ صحيح أيضا على معنى ما في المدونة، ومثل ما مضى في سماع محمد بن خالد، ورسم النذور، من سماع أصبغ، وإنما قال: إنه لا يزوجها منه ثانية بأقل من مائة؛ لأنه حلف ألا ينقصه من المائة شيئا، ولو كان حلف ألا ينقصه من صداقها الذي زوجها به شيئا على ما بينه في سماع محمد بن خالد، وقد مضى في سماع سحنون القول على الذي يحلف ألا يبيع السلعة بعد أن باعها، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته إن وطئت فلانة إلا برضاك فهي حرة أو أنت طالق فوطئها] مسألة وسألته عن رجل قال لامرأته: إن وطئت فلانة إلا برضاك فهي حرة، أو أنت طالق فوطئها وهي تنظر، فزعمت أنها لم ترض هل يحنث أو ترى سكوتها رضا؟ وهل له أن يطأها حتى يشهد على رضاها، أم لا ترى ذلك عليه؟ قال أصبغ: هو حانث فيما سألت عنه، وإن ادعى رضاها قبل الوطء، فأرى عليه تثبيت ذلك، والتسليم بالإذن من المحلوف له، إلا أن يكون المحلوف له زوجة، أو أم ولد، ومن لا يشهد على مثل

مسألة: يحلف بالطلاق ألا يبيعه سلعة إياها وقد فرغ من البيع

هذا، فأرجو ألا يكون عليه شيء إذا وطئ وادعى الإذن بصحته والرضا، وجاء مستفتيا رأيت أن يدين ذلك، فإن كان مشهودا عليه ومخاصما، فأحب إلي أن يكلف البينة على الإذن، وإلا أمضى عليه الطلاق. قال محمد بن رشد: أما سكوتها فلا يعد رضا؛ إذ قد تسكت غير راضية، وإنما يختلف في السكوت هل يكون إذنا أم لا على قولين إذا كان إنما حلف ألا يطأها إلا بإذنها، وقد مضى القول على ذلك في رسم أسلم، من سماع عيسى، من كتاب النكاح، ومضى في سماع سحنون، من هذا الكتاب، تحصيل الاختلاف في تصديقه في دعوى الإذن، إذا ادعاه بعد الوطء، فلا معنى لإعادة ذكر ذلك، ولم يصدقه أصبغ هاهنا في الزوجة وأم الولد إلا مستفتيا، فظاهر قوله أنه لا يصدقه في غيرهما، ممن يشهد عليه، وإن أتى مستفتيا، وهو عندي بعيد، والصواب أن يصدق فيمن يشهد عليه إن أتى مستفتيا، وفي الزوجة وأم الولد وإن كانت على اليمين بينة، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بالطلاق ألا يبيعه سلعة إياها وقد فرغ من البيع] مسألة وسئل عن الرجل يبيع السلعة فينقده الثمن، فيقول للمشتري: أبدل لي بعض الدراهم فيأبى، فيحلف بالطلاق ألا يبيعه إياها، وقد فرغ من البيع، ويحلف المشتري بمثل ذلك ألا يشتريها منه، فيسأل كل واحد منهما عن نيته، فيقول البائع: أردت ألا يأخذها، ويقول المشتري مثل ذلك، أو يقول كل واحد منهما: إنما حلفت وأنا أظن أن البيع لا يتم حتى يفترق، وإن لكل واحد منهما أن يفسخ البيع، أو لا يدعي واحد منهما شيئا إلا يمينا خرجت كذا، هل تشبه هذه المسألة مسألة الذي تزوج الأمة، فكان يبعث إلى سيدتها فيخلو معها، فقال: هي طالق إن تزوجتها؟

قال أصبغ: أرى الأيمان في مسألة البيوع لازمة على تلك الوجوه كلها، أي ذلك كان منها، وأرى مخرجها على ألا يأخذ ولا يعطي، وعلى المنع من البائع، والترك من المشتري، فإن سالم بعضهم بعضا حنثوا جميعا إن كانوا حالفين جميعا، وإن كان أحدهما الحالف وسالمه الآخر بر، وإن لم يسالمه وقام على حقه أخذه، وحنث صاحبه، وليس في هذا عندي شك ولا ضعف إلا في الجاهل الذي يظن أن البيع لم يتم، وحلف على ذلك، زعم بأن فيه بعض الضعف، وهو عندي لا حق في رأيي، حانث كأصحابه على ما فسرته لك، لا شك فيه عندي، ومسألة الأمة ما قد علمت من قول مالك، وهو عندنا حانث، والطلاق واقع عليه؛ لأنه جواب ومخاطبة فيها، وفي أمرها وحبسها وإرسالها وعشرتها وغيره، فهو مخرج طالق كالذي تذكر له المرأة ليتزوجها أو يخطبها، أو يدعى إليها فيقول: هي طالق، ولا يقول: إن تزوجتها، فهي طالق إذا تزوجها؛ لأنه جواب يمين، فهو يمين وهو كلام، وكذلك القول في المشتري إن كان هو الحالف سمعت أشهب يقول في هذا ويفتي به، وكذلك ما رواه من مسألتك. قال محمد بن رشد: أما إذا حلف البائع، وقال: أردت أن أمنعه ما بعت منه، أو حلف المشتري، وقال: أردت ألا آخذ ما اشتريت منه، فلا اختلاف أن الأمر على ما قال أصبغ؛ لأن كل واحد منهما مقر على نفسه بما يوجب عليه الحنث، فلزمه ما أقر به على نفسه، وكان الحكم في ذلك أنه إن مكن البائع المبتاع من السلعة باختياره حنث باتفاق، وإن حكم عليه بذلك بها للمشتري جرى ذلك على اختلاف فيما حلف، ألا يفعل فعلا، فقضى به عليه السلطان، وكذلك القول في المشتري، إن كان هو الحالف. وأما إن قال الحالف منهما: لم تكن لي نية، فقال سحنون في سماعه، ورواه عن ابن القاسم: أنه لا حنث عليه؛ لأنه إنما حلف على ما قد فات

مسألة: حلف على وطء امرأته لوقت فدخل يوما فرأها مزينة وأرادها

الأمر فيه، وقال أصبغ هاهنا: إن يمين البائع محمولة على المنع، فيحنث إن أسلم له البيع، ويمين المبتاع محمولة على الترك، فيحنث إن أخذ السلعة، وقد مضى القول في سماع سحنون على وجه كل قول منهما. وأما إن قال الحالف منهما: إنما حلفت وأنا أظن البيع لا يتم حتى يفترق، فقال أصبغ: إن ذلك بمنزلة إذا قال: لم تكن لي نية يحنث الحالف منهما إن لم يسأله صاحبه، وقام بحقه فأخذه، والمعنى فيما ذهب إليه أنه لم يصدقه فيما ادعاه من النية، مع قيام البينة عليه باليمين بالطلاق، ولو أتى مستفتيا؛ لكانت له نيته، ولم يكن عليه شيء. وأما مسألة الأمة التي ذكرها عن مالك، فوقعت في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، بزيادة لفظة تخرجها عن مالك معنى هذه المسائل، وقد مضى القول عليها في موضعها، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف على وطء امرأته لوقت فدخل يوما فرأها مزينة وأرادها] مسألة قال: وأخبرني عن ابن وهب وأشهب في مسألة رجل حلف على وطء امرأته لوقت، فدخل يوما فرأها مزينة في غلالة ممصرة، فانبسط لها وأرادها، فقالت: اتق الله، فإنك قد حلفت بطلاقي إن وطئني، فغلب فقال ما منه بد، فعالجها وقد أنعظ، فتلقت ذكره بيدها، فلم يزل يعمل في يدها حتى أدفق، فقال أشهب هو حانث، وقال ابن وهب: لا شيء عليه، وليس هذا وطئا، قال أصبغ: وأنا أقول: إن كانت اليد منها على فرجها بقدر ما يمس ذكر الزوج الفرج أو يلمحه، فينسل وتردف اليد، فأراه حانثا، وقول أشهب في هذا أسلم، وإن كانت المرأة قائمة ممدودة اليد، فعمل فيها بلا ضم ولا كشف، فقول ابن وهب في هذا أحب إلي إن شاء الله.

مسألة: حلف بطلاق امرأته أن يبني بها إلى أجل سماه فدفع جميع حقها إلى وليها

قال محمد بن رشد: حمل أشهب يمينه على اجتناب، ورأى ذلك هو معنى ما حلف عليه، فأوجب عليه الحنث، وهو الذي يأتي على ما في الإيلاء من المدونة في نحو هذه المسألة، أنه حانث، إلا أن يكون نوى الفرج بعينيه وعلى ما مضى من قول ابن القاسم، في سماع أبي زيد، وحمل ابن وهب يمينه على مقتضى اللفظ، فلم يوجب عليه حنثا، وتفصيل أصبغ ضعيف، وهذا استحسان منه، لا يخرج عن القولين. [مسألة: حلف بطلاق امرأته أن يبني بها إلى أجل سماه فدفع جميع حقها إلى وليها] مسألة وعن رجل حلف بطلاق امرأته أن يبني بها إلى أجل سماه، فدفع جميع حقها إلى وليها، وأخروا في جهازها، فلما أشرف على البناء بها وتقارب الأجل أتى الولي برجلين يشهدان على الزوج أنه حنث فيها، هل ترى للحاكم أن يمنعه من البناء بها حتى يعدل الشهود، وفي منعه تعجيل الطلاق عليه باليمين؟ قال: نعم، يمنعه وإن كان ذلك يحنثه، وينبغي للإمام أن يتفرغ له، ولا يتوانى ولا يشتغل بغيره، فلمثل هذا وضعوا واحتيج إليهم من الحيطة على المسلمين بتعجيل ما رهن من نوازلهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن إجراء الأحكام على وجوهما واجب، فليس يمين الزوج الفارطة بالذي تمنع من أن تمر الأحكام على وجوهها، ونهاية ما يقدر في ذلك من الحيطة للزوج أن يتفرغ الإمام لأمره، ويقدمه على ما سواه كما قال، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بطلاق امرأته ألا تخرج إلا بإذنه فيأذن لها إلى موضع فتذهب إليه وإلى غيره] مسألة وسمعته وسئل عن رجل حلف بطلاق امرأته ألا تخرج إلا بإذنه، فيأذن لها إلى موضع فتذهب إليه وإلى غيره. قال أصبغ: هو حانث، ثم سئل عنها من الغد، فقال: هو

مسألة: حلف بطلاق امرأته لتدخلن عليه امرأته ليلة الجمعة فحملت من عند أهلها ليلة الجمعة

حانث، وسئل فقيل له: إن هو حلف فقال إلى موضع من المواضع، فأذن لها إلى موضع فذهبت إليه وإلى غيره، قال: هو حانث. قال محمد بن رشد: أما الذي يحلف على امرأته ألا تخرج إلا بإذنه، فيأذن لها إلى موضع، فتذهب إليه والى غيره، فقول أصبغ هذا فيه: إنه حانث، هو مثل ما لابن القاسم في آخر سماع أبي زيد، خلاف قوله في الواضحة. وأما الذي يحلف عليها ألا تخرج إلى موضع من المواضع إلا بإذنه، فيأذن لها إلى موضوع فتذهب إليه وإلى غيره، فلا اختلاف أعلمه في أنه حانث، وقد مضى في رسم تسلف، من سماع عيسى تحصيل القول في هذا المعنى، فلا وجه لإعادته. [مسألة: حلف بطلاق امرأته لتدخلن عليه امرأته ليلة الجمعة فحملت من عند أهلها ليلة الجمعة] مسألة وسمعته وسئل عن الرجل يحلف بطلاق امرأته لتدخلن عليه امرأته ليلة الجمعة، فحملت من عند أهلها ليلة الجمعة ليلا قبل طلوع الفجر، ثم لم يبلغ بها إليه، وإلى مسكنه حتى طلع الفجر، هل تراه حانثا، وقد حلف بطلاقها، لتدخلن عليه ليلة الجمعة، والليلة قد انقضت قبل دخولها عليه؟ قال: إذا كان شأن أهل ذلك الموضع إدخالهم النساء على أزواجهن قبل طلوع الفجر الغالب على عامة الناس بذلك الموضع والمعمول به، والمعروف من فعلهم، فلا حنث عليه، إذا خرج بها من مسكنها قبل طلوع الفجر أو بعده، وإذا كانت سنة البلد إدخالهم النساء على أزواجهن في الليل، فأخرجوها ليلا ثم طلع عليهم الفجر قبل بلاغها، ودخولها لبعد مسكنها لمسكنه ولرفق

مسألة: حلف بالطلاق ألا يطأ امرأته حتى إلى العيد فوطئها ليلة العيد

مسيرهم بها، وتطوفهم على ما يصنع بالعروس فهو حانث. قال محمد بن رشد: آخر الليل على ما أحكمه الشرع طلوع الفجر، بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» فلذلك قال: إنه يحنث إن أدخلت عليه بعد طلوع الفجر، إلا أن تكون عادة الناس في ذلك البلد إدخال النساء على أزواجهن بعد طلوع الفجر، فيحمل يمينه على ذلك، ولا يحنث إذا أدخلت عليه فيما بينه وبين طلوع الشمس من تلك الليلة، ولولا ما أحكمته السنة من أن منتهى الليل طلوع الفجر؛ لكان القياس أن يكون منتهاه طلوع الشمس كما مبتداه غروبها؛ لأن السرقة والغبش التي بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بمنزلة السرق والغبش الذي بعد مغيب الشمس إلى مغيب الشفق؛ لأنهما ظلامان يليان الليل من طرفيه، فإما أن يحكم لهما جميعا بحكم الليل من أجل ما فيهما من السواد، أو يحكم لهما بحكم النهار من أجل ما فيهما من البياض، والأظهر أن يحكم لهما جميعا بحكم الليل؛ لأن الشمس هي المفرقة بين الليل والنهار، فوجب أن يكون الليل مدة مغيبها، والنهار مدة طلوعها؛ لأن الشرع قد يأتي مخالفا للقياس، فيجب الوقوف عنده، والانتهاء إليه، والبناء عليه، وإطراح ما هو القياس معه. وليس وجه في النظر أيضا، وهو أن يحكم بالضياء المتصل بالليل من أول الفجر بحكم ما بعده؛ لأنه في ازدياد، وأن يحكم بالظلام المتصل بالنهار من أول الغروب بحكم ما بعده؛ لأنه في ازدياد أيضا، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالطلاق ألا يطأ امرأته حتى إلى العيد فوطئها ليلة العيد] مسألة وسئل أصبغ عمن حلف بالطلاق ألا يطأ امرأته حتى إلى العيد، فوطئها ليلة العيد قبل الفجر أو بعد الفجر.

قال: لا يطأها حتى إلى العيد، وبعدما ينصرف الإمام، وإن وطئها قبل ذلك حنث، والعيد عندي انصراف الإمام. قيل له: فرجل وقع له بينه وبين أهله كلام، فحلف بالطلاق ألا يدخل بيته يوم العيد؟ قال: لا يدخل يوم العيد، ولا يومان بعده، وذلك في الفطر. قال محمد بن رشد: جوابه في هاتين المسألتين على مراعاة المقصد الذي يرى أن الحالف أراده، وترك الاعتبار بما يقتضيه مجرد الألفاظ، فقال في الذي يحلف ألا يطأ امرأته حتى إلى العيد، أنه لا يطأها حتى ينصرف الناس منه بعيدهم، ويستريحون فيه من نصبهم، فحمل يمين الحالف على ذلك، وعلى ما يقتضيه لفظ يمينه لا حنث عليه إن وطئها بعد طلوع الفجر من يوم العيد، والأول هو المشهور في المذهب. وقال في الذي يحلف ألا يدخل بيته يوم العيد: إنه لا يدخله يوم العيد ولا يومان بعده في الفطر على هذا المعنى أيضا؛ لأن هذه المدة هي التي جرت عادة الناس بالسكون إلى أزواجهم من أجل عيدهم، وترك التصرف في وجوه معايشهم، فحملت يمينه على أنه إذا أراد معاقبة أهله في أن يحرمها من نفسه ما جرت العادة فيه من الناس بمثله، وهو بين. وعلى ما يقتضيه لفظ يمينه، ليس عليه أن يمتنع من دخول بيته إلى يوم الفطر وحده، وقد حكى ذلك ابن سحنون عن أبيه، وهو المشهور في المذهب، وبالله التوفيق، لا شريك له، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه.

كتاب الإيلاء

[كتاب الإيلاء] [المولى منها إذا ارتجعها زوجها من عذر فانقضت العدة وهي عنده ثم لم يفئ] كتاب الإيلاء

من سماع ابن القاسم من مالك بن أنس من كتاب أوله تأخير صلاة العشاء قال ابن القاسم: قال مالك في المولى منها إذا ارتجعها زوجها من عذر، فانقضت العدة، وهي عنده، ثم لم يفئ بعد أن ذهب العذر ففرق بينهما، أترى عليه عدة أخرى، أم العدة الأولى تجزئها؟ قال مالك: أرى أن العدة الأولى تجزيها، قال ابن القاسم: وذلك إذا لم يخل بها. قال محمد بن رشد: قوله: إذا ارتجعها زوجها من عذر، معناه إذا ارتجعها زوجها، فلم يفئ من عذر، وإنما قال: إنه إذا لم يفئ في العدة، ولا بعد أن انقضت حين ذهب العذر يفرق بينهما: إنها لا عدة عليها، وإن العدة الأولى تجزئها؛ لأن رجعة المولي الحالف على ترك الوطء إنما تصح بالفيء في العدة، فإذا كان له عذر يمنعه من الفيء في العدة من مرض أو سجن باتفاق، أو سفر على اختلاف، عذرا لم يفرق بينهما حتى يزول العذر، فيترك الفيء فإذا فرق بينهما وجب ألا يكون عليها عدة أخرى بهذه

التفرقة؛ إذ ليست بطلاق، وإنما فرق بينهما إذ بطلت رجعته إياها بترك الوطء في العدة وبعدها حين ذهب العذر، فوجب أن تجزيها العدة الأولى، إذ لم يصح له فيها الرجعة. وقول ابن القاسم، وذلك إذا لم يخل بها، يريد أنه إن خلا بها كان عليها العدة للأزواج في الحكم الظاهر من أجل أنها يتهمان على إسقاط العدة مع الخلوة، وأما فيما بينها وبين الله، فلا عدة عليها، ولا رجعة للزوج عليها ولا ميراث بينهما، ومثل هذا في المدونة، وقد ضعف في رواية أشهب بعد هذا وجوب العدة عليها للأزواج بسبب الخلوة، ورأى التهمة في ذلك بعيدة، وهو كما قال؛ لأن الزوجة وإن اتهمت على إرادة تعجيل النكاح بدعواها أنه لم يطأ، لا يتهم الزوج بتصديقها على ذلك؛ لما فيه من قطع نسبه، وهذا معنى قوله في هذه الرواية: وهذا أمر قد أعفي منه المسلمون، يريد أن مثل هذا لا يتهم فيه المسلم. وإنما لم يصح للذي يطلق عليه بالإيلاء رجعة، إلا بالفيء في العدة؛ لأنه إنما طلق عليه؛ إذ لم يفئ، فلو كان له أن يرتجع ولا يفيء؛ لكان ذلك إبطالا للحكم عليه بالطلاق، وزيادة فيما حده الله تعالى من أجل الإيلاء. وما يكون به المولي، فلا يطلق عليه إذا فعله، وتصح له به الرجعة إن فعله في العدة، مختلف باختلاف أيمانه. فما كان منها لا يقدر أن يحله عن نفسه، مثل أن يكون حلف ألا يطأ بمشي أو صدقة أو عتق غير معين، وما أشبه ذلك، فهذا لا فيئة له فيه، إلا بالوطء؛ لأنه إن مشى أو تصدق أو أعتق قبل أن يطأ، لم ينتفع بذلك ولا يبر به، ووجب عليه إن وطئ أن يمشي ويتصدق أو يعتق. وما كان منه يقدر أن يحله عن نفسه ظاهرا وباطنا، مثل أن يكون حلف ألا يطأ بعتق عبد بعينه، أو صدقة شيء بعينه، أو طلاق امرأة له، وما أشبه ذلك، فهذا يكون فيه مخيرا بين أن يفيء بالوطء، أو يفعل ما حلف به من العتق، أو

الأمة يولي منها زوجها فتتركه ويريد سيدها أن يوقفه حتى يفيء أو يطلق

الصدقة، أو الطلاق؛ لأنه إذا فعل ذلك انحلت عنه اليمين، وسقط عنه الإيلاء. وما كان من ذلك يقدر على حله عن نفسه في الباطن، إلا أنه لا يعلم حقيقة ذلك في الظاهر، وذلك أن يكون حلف بالله أو بنذر لا يسمي له مخرجا، فهذا اختلف فيه، هل تقبل منه الفيئة قبل الكفارة أم لا على قولين؛ أحدهما: أنها تقبل منه؛ لأن الكفارة تحل اليمين. والثانية: أنها لا تقبل منه؛ إذ لا يحلها إلا أن يكون نوى الكفارة عنها، ونحن لا ندري هل نوى بها الكفارة عنها أو عن يمين أخرى، أو لم ينو بها كفارة بشيء من الأيمان جملة. والقولان قائمان من المدونة. وابن الماجشون لا يرى الفيئة في شيء من ذلك كله إلا بالجماع، وبالله التوفيق. [الأمة يولي منها زوجها فتتركه ويريد سيدها أن يوقفه حتى يفيء أو يطلق] ومن كتاب اغتسل وسئل مالك عن الأمة يولي منها زوجها فتتركه، ويريد سيدها أن يوقفه حتى يفيء أو يطلق. قال: ذلك إلى سيدها إن أراد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن للسيد حقا في الوطء، من أجل أنه يقول: إنما أنكحتها لما رغبت من ولدها، ولهذا قال مالك في موطاه: إنه من كانت تحته أمة قوم، فلا يعزل عنها إلا بإذنهم، ولو كانت حاملا أو في سن من لا تحيض من صغر أو كبر، لم يكن للسيد في ذلك حجة، وبالله التوفيق. [العبد يعترض عن امرأته] ومن كتاب الشريكين قال مالك في العبد يعترض عن امرأته، قال مالك: يضرب

الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد انقضاء الأربعة الأشهر ليفيء أو يطلق فيقول أنا أفيء

له نصف أجل الحر، وأرى عليه العدة بعد الطلاق، ولها نصف الصداق. قال محمد بن رشد: إنما قال: يضرب له نصف أجل الحر؛ لأنه يجر إلى الطلاق، والطلاق حد من الحدود، يكون العبد فيه على النصف من الحر؛ لقول الله عز وجل: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] ، وهذا يرد قول من قال: إنه إنما يضرب للمعترض أجل سنة لتمر عليه الفصول الأربعة؛ إذ لو كانت العلة في ذلك هذا، لاستوى فيه الحر والعبد، فإنما السنة في ذلك سنة متبعة غير معللة. وقوله: وأرى عليه العدة بعد الطلاق، يريد للأزواج من أجل الخلوة، ولا رجعة للزوج عليها فيها؛ لأنها طلقة باينة إذ لم يمس. وقوله: لها نصف الصداق صحيح؛ لقول الله عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ، وأما الحرة إذا اعترض عنها زوجها، فيفرق بينهما بعد السنة، فلها صداقها كاملا، قال ذلك في المدونة من أجل أن السنة طول إقامة، ولم يرها في سماع أشهب من طلاق السنة طول إقامة، قال: إن لها نصف الصداق إلا أن تطول إقامتها معه قبل ضرب الأجل، وقد مضى القول على ذلك هناك، وبالله التوفيق. [الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد انقضاء الأربعة الأشهر ليفيء أو يطلق فيقول أنا أفيء] من سماع أشهب وابن نافع عن مالك بن أنس قال أشهب: وسئل مالك عن الرجل يولي من امرأته، فيوقف

بعد انقضاء الأربعة الأشهر ليفيء أو يطلق، فيقول: أنا أفيء، فيخلى بينه وبينهما، ولا يطلق عليه، ويقال له: اذهب ففئ، فيقيم معها ما شاء الله، ثم تأتي فتقول: لم يفئ، ويقول: أجل، ولكن سأفعل، أترى ذلك حدا ينتهي إليه، أم إذا حانث الثانية فرق السلطان بينهما، أو كلفه أن يفرق هو بنفسه؛ لأنه قد ترك الفيئة وهو يقدر عليها. قال: أرى أنه إن لم يفئ حتى تنقضي عدتها يوم وقف على أن يفيء أو يطلق عليه. قيل له: إنه لم يكن حين وقف طلق، أنه لما انقضت الأربعة أشهر دعي إلى الفيئة أو الطلاق، فقال: أنا أفيء، فخلي بينه وبينها ليفيء، ولم يطلق عليه حتى رجعت بعد أيام، فقالت: لم يفئ، وقال: أجل، ولكن سأفعل، قال: نعم، قال: فأرى له إن لم يوف ما بينها وبين أن تنقضي عدتها من يوم وقف ليفيء، أو يطلق أن يطلق عليه، ولا يوقف، وأرى للإمام وقفه بعد انقضاء الأربعة أشهر، فقال له: فئ أو طلق، فقال: أنا أفيء أن يقول له دونكها، فإن لم يفئ حتى تنقضي عدتها من ذلك اليوم طلقت عليه طلقة باينة، فهذا الذي أرى إذا انقضت عدتها من أول يوم وقف ليفيء أو يطلق، فقال: أنا أفيء ولم يفئ، أن يكون ذلك طلاقا. قال محمد بن رشد: رواية أشهب هذه خلاف للمعلوم من مذهب

مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المدونة وغيرها، أن المولي إذا وقف فقال: أنا أفيء، ولم يفئ، يختبر المرتين والثلاث، ونحو ذلك من غير أن يعتبر في ذلك بالعدة، انقضت في أيام التلوم، أو لم تنقض؛ إذ ليست في عدة، فإن فاء، وإلا طلق عليه طلاقا يكون له فيه الرجعة، وقد نص في رواية ابن وهب عنه، من كتاب ابن المواز عنه على أنه إن أقام في الاختيار ثلاث حيض، فإنه يوقف أيضا إن قال: أنا أفيء، ويخلى بينه وبينها ما لم يكثر ذلك، فيطلق عليه، وهذا هو الذي يأتي على أصل مذهبه في أن المولي لا يقع عليه طلاق بحلول الأجل حتى يوقف، فأما أن يفيء وأما أن يطلق. فقوله في هذه الرواية: إن لم يف حتى تنقضي عدتها من يوم وقف عليه طلقت عليه طلقة باينة راجع إلى القول بأن المولي مطالب بالفيئة في الأجل، وأنه لا يزاد عليه، ويلزمه الطلاق بانقضائه، وقد روى ذلك ابن الماجشون، عن مالك في كتابه، وهو قول سعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وابن شهاب، ومذهب أبي حنيفة؛ لأنه لم يزد في أجل الإيلاء شيئا؛ إذ لم ير أن يتلوم له إلا في طول المدة من أجل أن له فيها الرجعة، وهو قول فيه نظر؛ لأنه قال فيه: إنه إن فاء في العدة بقي على العصمة، وإن لم يف فيها كانت مطلقة عليه بانقضاء الأجل، فبانت منه بتمامها، فحصل أمره هي وقوع الطلاق عليه بانقضاء الأجل مترقبا بما يفعله بعد ذلك في العدة من الفيء أو تركه، ولم يوجب عليها أيضا عدة للأزواج بخلوته معها طول العدة على ما قاله في المسألة التي بعدها، وقد مضى القول على ذلك في أول مسألة من سماع ابن القاسم، وقد استحسن ابن عبد الحكم هذه الرواية على ما فيها من الاعتراض، وبالله التوفيق. وروى المدنيون عن مالك أنه إذا وقف بعد انقضاء الأجل لا يؤخر، ولا يتلوم له مرة بعد مرة، وإنما يقال له: إما أن تفيء، وإما أن تطلق، والحمد لله.

مسألة: يوقف بعد انقضاء الأربعة أشهر على أن يفيء أو يطلق فيطلق

[مسألة: يوقف بعد انقضاء الأربعة أشهر على أن يفيء أو يطلق فيطلق] مسألة قيل له: أرأيت الذي يوقف بعد انقضاء الأربعة أشهر على أن يفيء، أو يطلق فيطلق، ثم يرتجع فيخلى بينه وبينها ليصيبها فتنقضي عدتها من يوم طلق عليه بالإيلاء، ولم يفئ، ثم يأتيان جميعا فتقول: لم يمسني، ويقول: لم أمسها، فتبين منه، ثم تريد نكاح غيره، أترى عليها عدة فيما بينها وبين الأزواج؛ لأنه قد كان معها في بيت ولا يدري لعله قد أصابها. فقال: لعله أن يكون ذلك عليها بخلوته بها وكينونته معها، وهذا أمر قد أعفي منه المسلمون إلى يوم الناس، هذا لم يكن، وما في السؤال عن مثل هذا خير فيه، وهين في الدين، وإدخال للشك. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على معنى هذه المسألة في أول مسألة، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: تقول امرأته بعد انقضاء أربعة أشهر أنا أتركه ولا حاجة لي بوقفه] مسألة وسئل عن الذي تقول امرأته بعد انقضاء أربعة أشهر: أنا أتركه، ولا حاجة لي بوقفه. قال: ذلك لها؛ لأنه حق لها تركته، فإن جاءت بعد أيام وقفته من ساعته إن شاءت، ولم يضرب له أجل أربعة أشهر أخرى. قال محمد بن رشد: وذلك أن تحلف على ما كان تركها على الأبد،

مسألة: تركت المرأة المولي زوجها حتى تنقضي الأربعة أشهر ثم رفعت أمرها

ولا برضاها، بإسقاط ذلك، والمقام معه إلا على أن ينظر ويعاد، ثم يوقف مكانها بغير أجل، فيفيء أو يطلق، قاله أصبغ في كتاب ابن المواز، ولو قالت: أنا أوخره أو أتركه إلى أجل كذا؛ لكان لها أن توقفه عند انقضاء الأجل الذي أنظرته إليه دون يمين، على ما مضى القول فيه، في النكاح الثاني من هذا المجموع، في سماع أبي زيد، من كتاب طلاق السنة. [مسألة: تركت المرأة المولي زوجها حتى تنقضي الأربعة أشهر ثم رفعت أمرها] مسألة قال مالك: إذا تركت المرأة المولي زوجها، حتى تنقضي الأربعة أشهر، ثم رفعت أمرها، وقف من ساعته، ولم ينظر أربعة أشهر أخرى. قال محمد بن رشد: هذا في الحالف على ترك الوطء، بأي يمين كانت يكون موليا من يوم حلف كما قال. وأما الحالف بالطلاق أن يفعل فعلا، فلا يكون موليا حتى يضرب له الأجل من يوم ترفعه امرأته إلى السلطان. واختلف في الإيلاء الذي دخل على الظهار، فقيل: هو مولٍ من يوم ظاهر، وقيل: إنه لا يوقف حتى يضرب له الأجل من يوم ترفعه امرأته إلى السلطان، وبالله التوفيق. [مسألة: المولي يوقف ألذلك أجل معلوم تتركه إليه إذا وقف ينظر] مسألة وسئل عن المولي يوقف، ألذلك أجل معلوم تتركه إليه إذا وقف ينظر، قال: ليس.

يقول لامرأته أنت علي كأمي

قال محمد بن رشد هذا مثل قوله في سماع أشهب من سماع الشفعة في الشفيع: إنه لا يؤجل ليرى رأيه وينظر، وفي مختصر ابن عبد الحكم أنه يؤجل في ذلك ثلاثة أيام ليرى رأيه، ومن هذا المعنى المملكة يوقفها السلطان، هل لها أن تؤخر لتستشير وتنظر وتختار لنفسها، وقد مضى القول في ذلك في رسم سلف، من كتاب التخيير والتمليك، فانظر في ذلك، وبالله التوفيق. [يقول لامرأته أنت علي كأمي] ومن كتاب الطلاق وسئل عن الذي يقول لامرأته: أنت علي كأمي، أترى أن تسأله أي شيء يريد؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: فإن لم تكن له نية، فهو ظاهر، وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم سن رسول إليه من كتاب الظهار، وبالله التوفيق. [مسألة: قال والله لا أمسك أبدا أيسأل كما يسأل في الظهار] مسألة قيل له: أرأيت إن قال: والله لا أمسك أبدا أيسأل كما يسأل في الظهار؟ قال: لا، هذا إيلاء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ إذ لا اختلاف بين أهل العلم جميعا في أن من حلف ألا يطأ امرأته أبدا أو أطلق يمينه، فحلف ألا يطأها، ولم يقل أبدا أو حلف ألا يطأها أكثر من أربعة أشهر أنه مولٍ، إلا ما يروى عن ابن عباس أنه لا يكون موليا من عقد يمينه على مدة مخصوصة.

مسألة: يحلف ألا يطأ امرأته أتراه في حل من ترك مسيسها وهي لا ترافعه إلى السلطان

كما لا اختلاف بينهم أنه إذا حلف ألا يطأها أقل من أربعة أشهر أنه ليس بمول؛ إلا ما روي عن ابن أبي ليلى، وطائفة من أهل الكوفة أن من حلف ألا يجامع امرأته أقل من أربعة أشهر، فتركها أربعة أشهر من غير جماع، أنه مولٍ، وإنما اختلفا فيمن حلف ألا يطأ امرأته أربعة أشهر، فرآه أبو حنيفة وجماعة من السلف موليا، وقالوا: إن الطلاق يقع عليه بمضي الأجل، ولم يره مالك في المشهور عنه موليا، إذا زاد على الأربعة أشهر الشيء القريب، وهو قول عبد الوهاب؛ لأنه قال: إذا زاد في يمينه على الأربعة أشهر كان موليا، يريد أنه إذا زاد على الأربعة أشهر شيئا يسيرا، فله أن يقول: اتركوني حتى ينقضي الأجل، فأصبت ولا حنث، والصواب كما في كتاب ابن المواز أنه يوقف، وإن لم يبق من مدة يمينه إلا الشيء اليسير؛ لأن ذلك حق قد وجب في التوقيف؛ إذ لعله إذا أوقف سيقول: لا أفيء فيعجل عليه الطلاق، وقد تأول بعض الساخرين على المذهب أنه لا يكون موليا حتى يزيد على الأربعة أشهر أكثر مما يتلوم به عليه، إذا قال: أنا أفي، وهو بعيد إذ قد يبلغ ما تلوم به عليه المدة بعد المدة الثلاثين يوما، ونحو ذلك على ما روى ابن وهب، عن مالك في كتاب ابن المواز، وقد ذكرنا ذلك في أول السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف ألا يطأ امرأته أتراه في حل من ترك مسيسها وهي لا ترافعه إلى السلطان] مسألة وسئل عن الذي يحلف ألا يطأ امرأته، أتراه في حل من ترك مسيسها، وهي لا ترافعه إلى السلطان؟ قال: لا. قيل له: أتراه في حل إذا لم ترفعه إلى السلطان، وأذنت له في ذلك؟

مسألة: يقول علي عتق رقبة إن مسست امرأتي

قال: أرجو أن يكون في ذلك سعة إذا كان هذا هكذا. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قاله؛ لأنه ظالم لها في حلفه لها ألا يطأها، وممتنع مما يلزمه لها من الحق في ذلك، ولا يحل لمن عليه حق لغيره أن يمتنع منه حتى يرافع فيه إلى السلطان، فإن أذنت له في ذلك سقط عنه الحرج فيه؛ لأنه حق لها تركته، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول علي عتق رقبة إن مسست امرأتي] مسألة وسألته عن الذي يقول: علي عتق رقبة إن مسست امرأتي؟ فقال: هو مولٍ، فإن كان سمى عبدا له بعينه، فمات ذلك العبد أو أعتقه، فإن الإيلاء قد سقط عنه، وكذلك لو كان حلف في مسيسها بطلاق امرأة له أخرى فطلقها، فأرى الإيلاء قد سقط بطلاق التي حلف بطلاقها. فإن كان إنما قال: علي عتق رقبة إن مسستك، فلا يخرجه من الإيلاء أن يبتاع رقبة فيعتقها، وكذلك الذي يحلف بالله ألا يصيب امرأته، ثم يبتاع عبدا فيعتقه عن يمينه ثم يصيبها، فلا أرى ذلك يجزئه إذا حلف بالله، أو قال: علي عتق رقبة حتى يصيب قبل ويحنث، ثم يكفر بعد ويترك، فلا أرى أن يجزئ عنه أن يكفر قبل الحنث حتى يحنث، ثم يكفر بعد، إلا أن يحلف بعتق عبد بعينه فيعتقه، فأرى الإيلاء قد سقط عنه إذا أعتقه أو مات. قال محمد بن رشد: أما من حلف ألا يطأ امرأته بعتق عبد له بعينه، أو بطلاق امرأة له أخرى، فلا اختلاف في أنه إذا أعتق العبد أو طلق المرأة التي حلف بطلاقها، فقد انحلت عنه اليمين، وارتفع عنه الإيلاء، وأما من حلف على ذلك بصيام أو مشي أو صدقة بشيء بعينه، فلا اختلاف في أنه لا ينحل عنه اليمين، ولا يرتفع عنه الإيلاء بالصيام ولا بالصدقة ولا

يولي من امرأته فيرفع أمرها بعد أربعة أشهر فيريد الإمام أن يوقفه

بالمشي، إن فعل ذلك قبل الحنث، وإن نوى بذلك حل اليمين عنه، وأن عليه أن يفعل ذلك مرة أخرى إن حنث، وكذلك القياس إذا حلف على ذلك بعتق عبد نفر عنه. وقول هاهنا من يعلم أنه أعتقها من أجل ذلك، يدل على أنه لو علم لأجزأه، وانحل به عنه الإيلاء، وأن اليمين تنحل عنه بذلك فيما بينه وبين الله إذا أعتقه عن يمينه قبل أن يحنث بها، وهو نص ما في كتاب الظهار من المدونة، إلا أنه بعيد في القياس والنظر، ووجهه أنه لما كان العتق مما يكفر به اليمين بالله، حمله محمل كفارة اليمين في أنها تجزي قبل الحنث، وليس ذلك ببين، وأما من حلف على ذلك بالله، فالكفارة قبل الحنث تحل عنه اليمين عند ابن القاسم فيما بينه وبين الله. واختلف قوله: هل يرفع عنه حكم الإيلاء على قولين قائمين من المدونة؛ أحدهما: أن ذلك لا يرفع عنه حكم الإيلاء؛ لأن حق المرأة قد وجب في التوقيف فلا يرتفع؛ إذ لا يدرى هل نوى بذلك الكفارة عن يمين الإيلاء أو لم ينو بها ذلك. والثاني: أن ذلك يرفع عنه حكم الإيلاء؛ لأن الكفارة عن اليمين بالله قبل الحنث جائزة، لم يختلف قول مالك في ذلك، فقوله هاهنا: وكذلك الذي يحلف بالله ألا يصيب امرأته، ثم يبتاع عبدا فيعتقه عن يمينه ثم يصيبها، فلا أراه يجزئه إذا حلف بالله كلام وقع على غير تحصيل؛ لأنه إذا حلف بالله ألا يطأ امرأته فكفر ثم وطئ، فقد فاء بالوطء، وارتفع عنه الإيلاء، وأجزأته الكفارة؛ لأنه مصدق أنه نوى بها كفارة يمينه التي قد حنث فيها؛ لأنه أمر فيما بينه وبين الله، لا ينازعه فيه أحد؛ إذ قد سقط حق المرأة في التوقيف بالوطء، وإنما يقول: إن الكفارة بالله لا تجري قبل الحنث ابن الماجشون، وقد مضى ذلك في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، من كتاب الظهار، مستوفى والحمد لله. [يولي من امرأته فيرفع أمرها بعد أربعة أشهر فيريد الإمام أن يوقفه] ومن سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب العرية قال عيسى: قلت لابن القاسم: أرأيت الرجل الذي يولي

يقول إن لم يقدم أبي إلي رأس الهلال فامرأته طالق

من امرأته، فيرفع أمرها بعد أربعة أشهر، فيريد الإمام أن يوقفه، فتقول: أما إن أراد الطلاق، فأنا أقيم ولا ألتمس المسيس، أيكون لها ذلك بعد أن ترفع امرأته أمرها؟ قال: نعم، ذلك لها، وإن رفعت أمرها ما لم يطلق السلطان عليه، قلت: وكذلك الذي يحلف على الشيء أن يفعله، فترفع امرأته أمرها، فيضرب له أجل أربعة أشهر، فتذهب فتريد أن تضرب عن ذلك، وتصبر بغير مسيس، أيكون ذلك لها، وقد أجل لها السلطان؟ قال: نعم، ذلك لها، وهو رأيي. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه حق لها في المسألتين جميعا، لا يتعلق لله به حق، فلها أن تتركه بعد الرفع إلى السلطان كما لها أن تتركه قبل أن ترفعه إليه، ولو أرادت بعد أن تركته عند السلطان أن ترجع في حقها؛ لكان ذلك لها بعد يمينها أنها لم ترد إسقاط حقها جملة، وأنها إنما أرادت تأخيره والصبر عليه، على ما مضى في الرسم الأول، من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [يقول إن لم يقدم أبي إلي رأس الهلال فامرأته طالق] ومن كتاب يوصي لمكاتبه قال ابن القاسم: إن ضرب الرجل لقدوم أبيه أجلا، مثل أن يقول: إن لم يقدم أبي إلي رأس الهلال فامرأته طالق، فإنه لا يمس امرأته حتى الأجل، وإن ضرب أجلا أكثر من أربعة أشهر، فرفعت امرأته أمرها، فإنه يضرب له أجل المولي من حين ترفع أمرها، وإنما الذي يمس فيه حتى يقدم أبوه، أو لا يقدم أبوه إذا لم يضرب أجلا، إذا قال: امرأتي طالق إذا قدم أبي، وقد قال ابن القاسم: يطأ امرأته إذا ضرب أجلا، وإن لم يضرب أجلا ضرب له أجل المولي.

قال محمد بن رشد: الحالف على نفسه بالطلاق ألا يفعل فعلا، مثل أن يقول: امرأتي طالق إن ضربت عبدي، كالحالف على غيره بالطلاق ألا يفعل فعلا سواء، وهو على بر في الوجهين جميعا، لا يمنع من وطء امرأته، ولا يحنث إلا بالفعل، وله إن كانت يمينه على ذلك بعتق عبد يبيع العبد إن شاء، ولا خلاف في هذا الوجه، وكذلك الحالف بطلاق على نفسه أن يفعل فعلا إلى أجل، مثل أن يقول: امرأتي طالق إن لم أضرب عبدي إلى شهر، كالحالف على غيره بالطلاق أن يفعل فعلا إلى أجل سواء، وفيها جميعها لابن القاسم قولان؛ أحدهما: أنه ليس له أن يطأ امرأته إلى ذلك الأجل، وهو قوله هاهنا في الذي يقول: إن لم يقدم أبي في رأس الهلال فامرأته طالق، أنه لا يمس امرأته حتى الأجل، وهو قول غير ابن القاسم في العتق الأول من المدونة، ويدخل عليه الإيلاء إن كان الأجل أكثر من أربعة أشهر. والثاني: أن له أن يطأ إلى ذلك الأجل، وهو قوله في آخر المسألة، وقد قال ابن القاسم: يطأ امرأته إذا ضرب أجلا، وقول ابن القاسم في المدونة أيضا، وهذا القول أصح على مذهبه ومذهب مالك؛ إذ لم يختلف قولهما في أنه على بر، وفي المدنية لابن أبي حازم أنه على حنث، سئل عن رجل قال: إن لم أضرب عبدي قبل الهلال، فامرأتي طالق، فمات العبد قبل الهلال، وقبل أن يضربه، قال: أمره أبين من كل شيء عندي، هي طالق. قال ابن القاسم: هذا باطل، وقول مالك: لا طلاق عليه. أما الحالف بالطلاق على نفسه أن يفعل فعلا من غير أن يضرب لذلك أجلا، مثل أن يقول: امرأتي طالق إن لم أضرب عبدي وما أشبه ذلك، فإنه يفترق من الحالف بذلك على غيره، فأما إذا حلف بذلك على نفسه، فلا اختلاف في أنه على حنث، ويحال بينه وبين امرأته، فإن طلبته الوطء ضرب له أجل المولي، وأما إذا حلف بذلك على غيره، فاختلف قول ابن القاسم في ذلك على ثلاثة أقوال؛ أأحدها: أنه كالحالف على نفسه سواء، وهو قول ابن القاسم، في رسم حمل صبيا بعد هذا: إنه إن قال: إن لم يحج فلان فامرأتي طالق، فهو بمنزلة من قال: إن لم أحج فامرأتي طالق، ألا يطأ

قال في بلح نخل إن لم أكن من البلح رطبا فامرأته طالق

حتى يحج، أو حتى يحج فلان، فإن طلبت امرأته المسيس ضرب لها أجل المولي. والثاني: أنه يتلوم له على قدر ما يرى أنه أراد بيمينه، واختلف قوله: هل يطأ في التلوم أو لا على قولين جاريين على الاختلاف إذا ضرب أجلا؛ لأن التلوم كضرب الأجل، فإذا بلغ التلوم على القول بأنه يمنع من الوطء أكثر من أربعة أشهر دخل عليه الإيلاء، وقال أشهب: إن كان ليمينه سبب وقت أراده مما إذا جاء ذلك الوقت حنثه إليه، فلا أمنعه الوطء، ويصير كمن حلف ليفعلن فلان إلى أجل، وتفرقة أشهب هذه قولة ثالثة في منعه الوطء. والثالث: الفرق بين أن يحلف على غائب أو حاضر، فإن حلف على النائب مثل أن يقول: امرأتي طالق إن لم يقدم فلان، أو إن لم يحج كان كالحالف على فعل نفسه، يمنع من الوطء، ويضرب له أجل المولي إن رفعته امرأته وطلبت الوطء، وإن حلف على حاضر مثل أن يقول: امرأتي طالق إن لم يهب لي دينارا، وإن لم يقضني حقي، وما أشبه ذلك تلوم له على قدر ما يرى أنه أراد بيمينه، وهو قول ابن القاسم في رسم باع شاة من كتاب الأيمان بالطلاق، فهذا تحصيل القول وتلخيصه في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [قال في بلح نخل إن لم أكن من البلح رطبا فامرأته طالق] ومن كتاب بع ولا نقصان عليك وعن رجل قال في بلح نخل: إن لم أكن من البلح رطبا فامرأته طالق. قال: أرى أن يضرب له أجل المولي، ثم يطلق عليه. قال محمد بن رشد: يدخل في هذه المسألة من الاختلاف ما دخل في الرسم الذي فوقه؛ لأن إرطاب البلح كالأجل، فعلى القول الذي لا يطأ إلى أجل، إذا قال: امرأتي طالق إن لم يقدم فلان إلى سنة، أو إن لم يضرب عبدي إلى سنة، ويدخل عليه الإيلاء إن طلبت امرأته الوطء، لا يطأ هاهنا

قال لامرأته لله علي ألا أمسك حتى أحج أو أغزو

إلى طيب البلح، ويضرب له أجل المولي إن طلبت امرأته الوطء، وعلى القول الذي يطأ إلى الأجل يطأها هنا إلى طيب البلح، ولا يدخل عليه الإيلاء حتى يطيب البلح، فإذا طاب البلح لم يكن له أن يطأ، ودخل عليه الإيلاء باتفاق، وبالله التوفيق. [قال لامرأته لله علي ألا أمسك حتى أحج أو أغزو] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل عن رجل قال لامرأته: لله علي ألا أمسك حتى أحج أو أغزو. قال: يمسها ثم يحج أو يغزو، ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه ليمس عليه أن يمسك عن امرأته حتى يحج أو يغزو؛ لأنه قد نذر ذلك بقوله؛ لأن معناه لله علي أن أحج أو أغزو قبل أن أمس امرأتي، فقصده إنما كان إلى تعجيل الحج أو الغزو، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» فلا يجب أن يوفى لله من النذر إلا بما لله فيه طاعة، وبالله التوفيق. [قال إن عافاني الله من مرضي صمت ستة أشهر لا أقرب فيها امرأتي] ومن كتاب سلف دينارا قال ابن القاسم في رجل قال: إن عافاني الله من مرضي صمت ستة أشهر لا أقرب فيها امرأتي. قال: ليس هو مولٍ، ويصوم ويأتي، ليس في ترك وطء امرأته طاعة لله، وليس عليه إلا الصيام، ولو قال: إن شفاني الله من مرضي هذا لله علي ألا أقرب امرأتي حتى أحج أو أغزو، قال: يطأ امرأته أيضا، ويحج ويغزو، وليس في ترك وطء امرأته طاعة لله.

قال إن حج فلان فامرأته طالق

قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة، المعنى فيها كالمعنى في التي فوقها، فلا وجه لإعادة القول فيها، وبالله التوفيق. [قال إن حج فلان فامرأته طالق] ومن كتاب حمل صبيا قال ابن القاسم: من قال: إن حج فلان فامرأته طالق، فإنه لا يلزمه طلاق حتى يحج، ومن قال: إن لم يحج فلان فامرأتي طالق، فإنه لا يطأ حتى يحج، فإن طلبت امرأته المسيس ضرب لها أجل المولي، قال عيسى: من قال: إن حج فلان فامرأته طالق، إنما هو بمنزلة من قال: إن حجت فامرأتي طالق، أنه لا يلزمه شيء حتى يحج، ومن قال: إن لم يحج فلان فهو بمنزلة إن لم أحج. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها، وتحصيل القول فيها في رسم يوصي، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [يحلف بالطلاق البتة ألا يطأ امرأته سنة فطلبت امرأته الوطء] ومن كتاب باع شاة وسألته عن الرجل يحلف بالطلاق البتة، ألا يطأ امرأته سنة، فطلبت امرأته الوطء. قال: يضرب له أجل المولي أربعة أشهر، فإن وطئ طلقت عليه بالبتة، وإن لم يطأها طلقت عليه بالإيلاء، فجرت في عدتها. قلت: فإن أراد أن يراجعها في العدة، فيكون ذلك له؟ قال: لا يكون ذلك له؛ لأنه لا يرجع إلى فيئة، وإنما يرجع إلى طلاق البتة.

قلت: هل يتوارثان ما كانت في العدة؟ قال: نعم. قلت له: وليس له إلى رجعتها سبيل؟ ولأي شيء لا يكون بمنزلة المصالحة لا يتوارثان؟ قال: أرأيت المصالحة لو أنه وطئها أكنت ترجمه؟ قال: نعم، قال: صدقت، قال: أرأيت لو أن هذا المولي وطئها أكنت ترجمه؟ قال: لا، قال: صدقت، قال: فهذا الفرق بينهما. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها اختلاف كثير، وتحصيله أن فيها قولين؛ أحدهما: أنه مولٍ، والثاني: ليس بمول، والقولان في المدونة، فإذا قلت: إنه مولٍ، فلا يطلق عليه حتى يحل أجل الإيلاء من يوم حلف. وقوله في هذه الرواية يضرب له أجل المولي إن طلبت امرأته الوطء، معناه من يوم حلف، واختلف على هذا القول في حكمه إذا حل أجل الإيلاء على أربعة أقوال: أحدها: أنه يطلق عليه، ولا يمكن من الفيء؛ لأنها تبين منه في التقاء الختانين، فيصير النزع حراما، وهذا القول في المدونة، وهو مذهب ابن الماجشون على أصله فيمن طلع عليه الفجر في رمضان، وهو يطأ امرأته أنه يقضي ذلك اليوم؛ لأن إخراج الفرج من الفرج وطء. والثاني: أنها لا تطلق عليه إلا أن يأبى الفيء، فإن لم يأباه وأراعه أمكن من التقاء الختانين لا أكثر، روي هذا القول عن مالك، ويكون النزع على هذا القول واجبا، كما لو طلق امرأته ثلاثا في تلك الحال. والثالث: أنه يمكن من جميع لذته حتى يفتر وينزل، ولا ينزل فيها مخافة أن يكون الولد ولد زنا، وهو قول أصبغ.

مسألة: يعترض له عن امرأته فيضرب له أجل سنة فيخصى

والرابع: أنه يمكن من الفيء بوطء كامل؛ ولا يقع عليه الحنث إلا بتمامه، وهو قول ابن القاسم في أصل أسرته، وظاهر قوله في المدونة، وما يوجد له فيها من خلاف، فقد قيل: إنه إصلاح سحنون، وهو قوله في هذه الرواية، فإن وطئ طلقت عليه بالبتة، وإن لم يطأ طلقت عليه بالإيلاء، وكان القياس على قوله إذا مكنه من الفيء بالوطء أن يوجب له الرجعة، فقوله: إنه لا يمكن من الرجعة، لا يستقيم إلا على القول بأنه لا يمكن من الفيء، ويطلق عليه بالإيلاء إذا انقضى أجله، وإذا قلت: إنه ليس بمُولٍ، ففي ذلك قولان؛ أحدهما: أنه يعجل عليه الطلاق، وإن لم ترفعه؛ لأن الطلاق وقع عليه من يوم حلف، وهو قول مطرف، وقد أقام بعض الناس هذا القول من المدونة، وليس ذلك ببيِّن. والثاني: أنه لا يعجل عليه الطلاق حتى ترفعه إلى السلطان ويوقعه، وهذا القول قائم من المدونة. [مسألة: يعترض له عن امرأته فيضرب له أجل سنة فيخصى] مسألة قلت له: فالذي يعترض له عن امرأته، فيضرب له أجل سنة، فقبل أن تنقضي سنة يخصى أو تصيبه بَلِيّة في ذَكَره فيذهب؟ قال ابن القاسم: يفرق بينهما، قلت: أيفرق بينهما حين أصابه ذلك ويئس منه، أم تنتظر به سنة، وهو لا يرجى له وطء؛ لأنه قد ذهب ذكره؟ قال: لا تنتظر به السنة، ويفرق بينهما حين يئس من أن يطأ، قلت له: فالمولي يضرب له أجل أربعة أشهر، فقبل أن يأتي الأجل يخصى أو تصيبه بلية في ذكره. قال ابن القاسم: ليس هذا مثل الأول، وهذا لا يفرق بينه

وبين امرأته أبدا؛ لأنه قد كان وطئ، وإن الآخر لم يطأ قط، فلذلك فرق بينهما، وكذلك لو تزوج رجل امرأة، فلم يدخل بها حتى ذهب ذكره بخصي أو غير ذلك من بلية السماء، فرق بينه وبين امرأته، ولم تقر تحته؛ لأنه لم يمس قط. قال محمد بن رشد: اختلف في الذي يعترض عن امرأته، فيضرب له الأجل فيخصى، أو يذهب ذكره في خلال الأجل على ثلاثة أقوال؛ أحدها: قول ابن القاسم هذا، ومثله حكى ابن المواز عنه من رواية أصبغ أنه يفرق بينهما، ولا ينتظر تمام السنة، ومعناه إذا طلبت ذلك المرأة. والثاني: أنه لا يفرق بينهما، وهي مصيبة نزلت بالمرأة، حكى ذلك ابن المواز، عن أشهب، وعبد الملك، وأصبغ، وغيره من رجال ابن القاسم. والثالث: أنه لا يعجل بالفراق حتى تنقضي السنة؛ إذ لعلها سترضى بالإقامة، روي هذا عن مالك، ومثله الذي يولي من امرأته قبل الدخول، فيضرب له أجل الإيلاء فيخصى أو يذهب ذكره في خلال الأجل، أن الأجل يبطل عند ابن القاسم، ويفرق بينهما، كالذي يقطع ذكره قبل البناء، أو يولي بعده، فيقطع ذكره في خلال الأجل. قال ابن المواز: وقد أجمعوا في المولي يقطع ذكره قبل الأجل أن الأجل يبطل ولا حجة لها، فكأنه رأى تفرقة ابن القاسم في المولي يقطع ذكره في الأجل بين أن يكون ذلك قبل البناء أو بعده تناقضا من قوله، وليس ما قال ابن المواز بإجماع؛ إذ قد لزمه حكم الإيلاء قبل أن يقطع ذكره، قد قال مالك في الحالف، ألا يطأ في أجل الإيلاء، فقطع ذكره: إنه يفرق بينهما، لا أنه يعجل لا عليه إلى تمامه، إذ قد ترضى بالمقام معه. وهذا حجة على ابن القاسم في تعجيله الطلاق على العنين يقطع ذكره في الأجل، ولا اختلاف بينهم فيمن قطع ذكره بعد البناء، ولم يكن موليا أنه لا يفرق بينه وبين زوجته.

يقول لامرأته إن وطئتك فوالله لا أطأك

وأصبغ يرى الإيلاء والظهار على الحصور، وعلى المقطوع ذكره قبل البناء وبعده، قبل الإيلاء وبعده، ويوقف على ما يقدر عليه من الفيئة بالمباشرة، والاستمتاع الذي لها حق فيه عليه، وبالله التوفيق. [يقول لامرأته إن وطئتك فوالله لا أطأك] ومن كتاب العتق قال: وسئل مالك عن الرجل يقول لامرأته: إن وطئتك، فوالله لا أطأك. قال: لا يكون هذا موليا حتى يطأ. قال محمد بن رشد: هذا على القول في الحالف بالطلاق ثلاثا ألا يطأ امرأته، أنه يمكن من وطء كامل، وأما على القول بأنه لا يمكن من الوطء أصلا، فإذا وطئ يلزمه اليمين بأول الوطء، ويحنث بآخره، فتلزمه الكفارة ويسقط عنه الإيلاء، وقد مضى في الرسم الذي قبل هذا بيانه، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بطلاق امرأته إن لم يتزوج عليها فلانة فيخطبها فتكرهه] مسألة من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب المكاتب قال يحيى: وسألت عن الرجل يحلف بطلاق امرأته، إن لم يتزوج عليها فلانة، فيخطبها فتكرهه. قال: أرى أن يؤجل له أجل المولي إن شكت امرأته ترك مسيسها، وذلك لأنه لا ينبغي له أن يمسها حتى ينكح المرأة التي

مسألة: يحلف بطلاق امرأته ليبيعن غلامه إلا ألا يجد عشرين دينارا

حلف عليها لينكحنها، فإن مضى أجل الإيلاء ولم ينكحها طلق عليه بالإيلاء، وإن صبرت عليه امرأته، لم يؤجل ولم يدخل عليه حنث، وإن ماتت التي حلف لينكحنها، طلقت عليه امرأته. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يؤجل له أجل المولي إن شكت امرأته ترك مسيسها؛ إذ لا ينبغي له أن يمسها، وهو لا يقدر على نكاح المرأة التي حلف لينكحنها، أو خطبها فكرهته، إنما يأتي على القول بأن من حلف بالطلاق ليفعلن فعلا لا يمكنه فعله في الحال، ويمكنه في حال آخر مولٍ من يوم حلف، وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة، ونص رواية عيسى عن ابن القاسم في الحالف بالطلاق: ليحجن وهو في غير وقت الحج أنه يقال له: أحرم واخرج، وإن كان ذلك في المحرم، وعلى قول غير ابن القاسم في المدونة أنه إذا لم يمكنه فعل ما حلف عليه ليفعلنه، فلا يحال بينه وبين امرأته، ولا يضرب له أجل المولي حتى يمكنه فعل ما حلف عليه، ولا يحال بينه وبين امرأته في هذه المسألة، ولا يضرب له أجل المولي حتى يمكنه نكاح المرأة بأن تجيبه إلى ذلك، فإن أجابته إلى ذلك وأمسك عن نكاحها كان سبيل الحنث، ولم يجز له وطء امرأته، وضرب له أجل المولي إن شكت امرأته ترك مسيسها، فإن بر بنكاحها وإلا طلق عليه بالإيلاء، فإن طلق عليه به، وارتجع لم تصح رجعة إلا أن يفيء بزواجها قبل انقضاء العدة، بخلاف أن يظن هو قبل أن يطلق عليه الإمام بالإيلاء؛ لأنه إذا طلق هو فقد حنث نفسه، وانحلت اليمين عليه، وإذا طلق الإمام عليه، فاليمين باقية عليه، فإن تزوجها بعد انقضاء العدة رجع عليه الإيلاء، فإن اجترأ لما ضرب له أجل الإيلاء ووطئ، سقط ما مضى من أجل الإيلاء، واستؤنف ضربه مرة أخرى إن قامت بذلك المرأة وطلبته، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بطلاق امرأته ليبيعن غلامه إلا ألا يجد عشرين دينارا] مسألة وسئل عن الرجل يحلف بطلاق امرأته ليبيعن غلامه، إلا ألا

يجد عشرين دينارا فيعرضه ويجتهد فلا يجد به عشرين دينارا أيمسك عن مسيس زوجته حتى يبيعه أم يسقط عنه اليمين بعد اجتهاده في البيع بالمبالغة في العرض؟ . قال: يكف عن مسيس زوجته حتى يعرض مجتهدا في البيع أياما ويستأنى حتى يعلم اجتهاده ومبالغته في البيع، فإن باع في ذلك وإلا حبس عبده ووطئ امرأته ولا شيء عليه حتى تحول الأسواق بزيادة يرتجى بها بيعه بعشرين دينارا فيعود إلى العرض والاجتهاد في البيع [وليس عليه أن يمسك عن الوطء لامرأته الأولى إلا أن يجد عشرين دينارا فيكره البيع] فإن وجد ذلك لزمه الكف عن المسيس حتى يبيع فإن شكت امرأته وهو قادر على بيعه بعشرين دينارا إمساكه عنها ضرب له أجل المولي فإن باع وإلا طلق عليه، وإن قال: أنا أفئ فلا تنفعه فيئته إلا ببيع العبد. قال محمد بن رشد: هذه مسألة لم يجر فيها على أصل؛ لأنه إما أن تحمل يمينه على أنه أراد أن يبيعه بعشرين إلا ألا يجد به العشرين في ذلك الوقت وفي تلك السوق، فلا يجب عليه أن يعرضه إلا في ذلك الوقت وفي تلك السوق، فإذا عرضه في ذلك الوقت ولم يجد فيه العشرين انحلت عنه اليمين، ولم يكن عليه أن يعود إلى عرضه في وقت آخر وسوق آخر، وإما أن تحمل يمينه على أنه أراد أن يبيعه بعشرين دينارا متى وجد العشرين دينارا فيه، كان ذلك في ذلك الوقت وفي تلك السوق أو في وقت آخر وسوق آخر، فيجب عليه متى ما حالت الأسواق بزيادة ورجا وجود العشرين دينارا فيه أن يعود إلى العرض وإلى الإمساك عن امرأته. فقوله: إن الأسواق إذا حالت بزيادة عاد إلى العرض ولم يجب عليه أن يعود إلى الإمساك عن امرأته حتى يجد به عشرين ليس يلتئم على أصل واحد.

المعترض عن امرأته ترفع أمرها إلى الإمام وهو مريض

وجوابه في هذه المسألة أيضا كجوابه في المسألة التي قبلها، على القول بأن من حلف ليفعلن فعلا لا يمكنه في الحال ويمكنه في حال آخر يحال بينه وبين امرأته من يوم حلف، ويدخل عليه الإيلاء إن طلبت المرأة المسيس، وعلى القول بأنه لا يحال بينه وبينها ولا يمنع من مسيسها ولا يدخل عليه الإيلاء حتى يمكنه فعل ما حلف عليه ليفعلنه يكون له أن يطأ امرأته في حال العرض حتى يجد من يعطيه به عشرين دينارا، فإذا وجد ذلك لزمه الكف عن امرأته حتى يبيعه وضرب له أجل المولي وكذلك حكى ابن حبيب في آخر كتاب الأيمان والنذور من الواضحة أنه ليس عليه أن يمسك عن الوطء ما دام يعرض ذلك للبيع، ألا أنه قال: فإذا وجد ذلك به حنث إن لم يبعه، فحمل يمينه على التعجيل، وهو أصل قد اختلف فيه حسبما بيناه من سماع يحيى في كتاب النذور في رسم المكاتب منه وبالله التوفيق. [المعترض عن امرأته ترفع أمرها إلى الإمام وهو مريض] ومن كتاب الصلاة وسألته عن المعترض عن امرأته ترفع أمرها إلى الإمام وهو مريض. فقال: لا يضرب له أجل المعترض عن امرأته حتى يصح [فقيل له] : فإن كان صحيحا رفعت أمرها إلى السلطان، [فلما أجله السلطان مرض] ، قال: قد مضى حكم السلطان فيه ولا يزاد في الأجل بعد من أجل مرضه. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في هذا الرسم، وهذا السماع من كتاب طلاق السنة والقول فيها، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

مسألة: المولي يقفه السلطان وهو مريض فيقول أنا أفيء

[مسألة: المولي يقفه السلطان وهو مريض فيقول أنا أفيء] مسألة وسألته عن المولي يقفه السلطان وهو مريض، فيقول: أنا أفيء، فقال: يعذر بالمرض ولا يعجل عليه قلت: فإن كان حلف أن ينكح عليها أو نحو ذلك فأمسك عن النكاح عنها زمانا حتى رئي أنه مضار فشكته امرأته وهو مريض أيؤجل أجل المولي أم حتى يصح؟ . قال: أما المريض فإني أقول: يضرب له الأجل وإن كان مريضا فإن انقضى الأجل [ولم يصح عذر؛ لأنه لا يطيق النكاح وهو مريض، وانقضى الأجل] وقد صح، قيل له: تزوج ومس امرأتك وإلا طلقها عليك، فإن تزوج من عاجل ومس امرأته فلا شيء عليه، وإن لم يفعل طلق عليه بالإيلاء. قيل له: فإن كان حلف له ليقضين رجلا حقه إلى غير أجل فترك القضا ورؤي أنه مضار وشكت امرأته وهو مريض. فقال: لا يمنعه المرض من القضاء وأرى أن يضرب له الأجل فإن لم يقض وصح طلق عليه كما يصنع بالصحيح. [مسألة: المولي إذا وقفه السلطان وهو مريض] مسألة قوله: إن المولي إذا وقفه السلطان وهو مريض فعذر بالمرض إلى أن يصح؛ صحيح لا اختلاف فيه، وكذلك إن كان مسجونا يعذر بالسجن إلى أن يخرج منه، واختلف إن كان غائبا، فقال ابن القاسم: يعذر بالسفر ولا يطلق عليه حتى يقدم فيوقف

على أن يفيء أو يطلق، وقال ابن الماجشون: لا يعذر به فيطلق عليه ولا ينتظر، وإذا عذر قبلت منه فيئته بالقول عند ابن الماجشون، ولم يؤمر بالكفارة كانت يمينه مما يقدر على حلها عن نفسه بالكفارة أو لا يقدر. وقال ابن القاسم: إن كانت يمينه مما لا يقدر على حلها عن نفسه قبل الحنث مثل أن تكون يمينه بصيام أو صدقة أو مشي، أو ما أشبه ذلك مما إذا فعله قبل الحنث لم يجزئه ولزمه ذلك مرة أخرى بالحنث قبلت منه فيئته بالقول، ولم يكلف فعل ما لا يجزئه من ذلك كله، وإن كانت يمينه مما لا يقدر على حلها عن نفسه بفعل ما حلف به ظاهرا أو باطنا مثل أن يكون يمينه بعتق عبد بعينيه أو بطلاق امرأة له أخرى، وما أشبه ذلك لم تقبل منه فيئته دون أن يعتق العبد الذي حلف بعتقه أو يطلق المرأة التي حلف بطلاقها دون التي يطلب بها يوجب ذلك عليه، وإذا فعله قبل الحنث أجزأه وسقطت عنه اليمين. وإن كانت اليمين التي حلف بها بالله فذلك له قولان، أحدهما: أن الفيئة تقبل منه بالقول ولا يكلف أن يكفر؛ إذ لا يدري هل ينوي بالكفارة ذلك اليمين فتكون قد انحلت عنه، أم

السلطان يطلق على الرجل في الإيلاء ثلاثا خطأ وجهلا بالأمر

لا ينوي بها ذلك فتكون باقية عليه، والثاني: أن الفيئة لا تقبل منه حتى يكفر؛ لأن الكفارة في اليمين بالله تجزئ قبل الحنث. واختلف إن كانت يمينه بعتق عبد بعينه، فحمله في كتاب الظهار من المدونة محمل كفارة اليمين تجزئه عتق رقبة قبل الحنث، والصحيح أنه لا يجزئه ذلك، وقد مضى القول في ذلك في رسم الطلاق من سماع أشهب. وقوله: فإن كان حلف أن ينكح عليها معناه حلف على ذلك بالطلاق؛ لأنه إنما يدخل عليه الإيلاء إذا كان حلف على ذلك بالطلاق، وإنما قال: إنه يضرب أجل الإيلاء وإن كان مريضا [لأنه إنما ينظر إلى حاله يوم يوقف على أن يفيء أو يطلق بخلاف المعترض على العلة؛ لأن الأجل إنما يضرب ليعالج في طوله الإلمام بأهله، ومن كان مريضا لا يمكنه معالجة ذلك. وقوله حتى رئي أنه مضار بها ظاهره أنه لا يضرب عليه أجل الإيلاء حتى يتبين أنه قصد بترك وطئها الإضرار بها، ومثله لغير ابن القاسم في كتاب الإيلاء من المدونة، ولابن القاسم في كتاب الظهار منها، وظاهر الروايات في غيرها من المواضع خلاف ذلك. وقوله: فإن انقضى الأجل وهو مريض عذر؛ لأنه لا يقدر على النكاح وهو مريض صحيح؛ لأن فيئته إذا حلف بالطلاق ليفعلن فعلا إنما هو لفعل ما حلف ليفعلنه، فإذا كان مما لا يقدر على فعله وهو مريض أخر حتى يصح ويقدر عليه وبالله التوفيق. [السلطان يطلق على الرجل في الإيلاء ثلاثا خطأ وجهلا بالأمر] من سماع محمد بن خالد قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن السلطان يطلق

مسألة: قال لامرأته أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر

على الرجل في الإيلاء ثلاثا خطأ وجهلا بالأمر، أيلزم ذلك المولي؟ قال: لا يلزمه ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إذ لم يقل أحد من أهل العلم إن الطلاق على المولي ثلاث، وإذا أخطأ الحاكم خطأ لم يختلف فيه، وجب نقضه ويلزم من الثلاثة التي طلق عليه واحدة، وتبطل اثنتان، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر] مسألة من نوازل سئل عنها سحنون بن سعيد سئل سحنون عمن قال لامرأته: أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر. قال: يوقف عنها ويضرب له أجل الإيلاء إن شاءت المرأة وطالبته بذلك. قال محمد بن رشد: قد روى عيسى عن ابن القاسم أنها طالق مكانها، وهو أظهر من قول سحنون؛ لأن الطلاق قد لزمه فيما يتيقن إلا أنا لا ندري هل وقع بعد أو لم يقع. واختلف في الذي يشك في طلاق امرأته هل يقضى عليه بذلك أم لا؟ وهذا أشد منه، ووجه قول سحنون أنه لما لم يدر هل وقع عليه الطلاق بعد أو لم يقع لم يجز له أن يطأ حتى يعلم ذلك، ولما لم يجز له الوطء ليمين عقدها على نفسه كان لامرأته أن تطالبه بحقها في الوطء، فيضرب له أجل الإيلاء، كمن حلف بالطلاق ليفعلن فعلا. فإن ضرب له أجل الإيلاء وانقضي الأجل قبل أن يأتي فلان طلق عليه بالإيلاء، فإن أتى فلان بعد انقضاء عدتها بأكثر من شهر لم يقع عليه غير الطلقة التي

مسألة: قال آخر امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة

طلقت بالإيلاء أو بعد أن طلق عليه به. وإن قدم قبل شهر من يوم طلق عليه بالإيلاء أو من يوم انقضت عدتها لزمته طلقة ثانية بما انكشف من أنه قد كانت وقعت عليها طلقة قبل أن يطلق عليه بالإيلاء أو بعد أن طلق عليه به قبل انقضاء عدتها. فإن طلق عليه بالإيلاء فارتجع ولم يأت لم يصح له الوطء، فإن لم يأت حتى انقضت عدتها بطلت رجعته إذا لم يطأ في العدة، وإن قدم فلان قبل أن ينقضي أجل الإيلاء لزمته طلقة ثانية وبطل الإيلاء، وكانت عدتها من هذه الطلقة من يوم وقعت عليها قبل قدوم فلان بشهر، إلا أن يكون وطئها قبل ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: قال آخر امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة] مسألة وعمن قال: آخر امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة، قال: يوقف عن وطئها خوفا ألا يتزوج غيرها حتى يموت؛ لأنه إذا مات كانت آخر امرأة تزوجها فلزمه الحنث يوم تزوجها، فيكون قد وطأها بعدما حنث فيها فيوقف عن الوطء حتى يتزوج غيرها. فإذا تزوج غيرها قيل له: طأ الأولى لأن يمينك والحنث قد زال عنك. فإن لم يتزوج وأرادت الأولى الوطء وقالت: هو هذا يقدر على أن يطأ بأن يتزوج أخرى فيجوز له الوطء، فترك ذلك ضررا فإنه يضرب له الحاكم أجل الإيلاء، فإن تزوج قبل تمام الأجل سقطت اليمين عنه، وإن لم يتزوج حتى يمضي الأجل طلق عليه إلا أن يتزوج قبل طلاق السلطان وحكمه. وكذلك الحكم في الثانية حتى يتزوج رابعة، وكذلك الحكم في الرابعة يضرب له فيها أجل الإيلاء إلا أن يموت بعض من عنده أو يطلق فيتزوج، فقس على هذا تصب إن شاء الله. قال محمد بن رشد: في المجموعة نحوه، وقال: فإن تزوج امرأة فماتت أوقف ميراثه منها حتى يتزوج ثانية فيأخذه أو يموت قبل أن يتزوج

فيرد إلى ورثتها. وإذا طلق عليه بالإيلاء فلا رجعة له لأنه لم يبن بها. قال ابن أبي زيد: ولو وقف عن الأولى فمات قبل أن يبني بها لم يجب له إلا نصف الصداق ولا ميراث له منها ولا عدة عليها للوفاة. ولابن القاسم في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة في الذي يقول لامرأته إنه يتزوج ما شاء ولا شيء عليه؛ لأنه مثل من حرم على نفسه جميع النساء؛ لأنه كلما تزوج امرأة فرق بينه وبينها لأنه لعله تلك امرأة آخر امرأة يتزوجها ولا تستقر معه أبدا امرأة ولا شيء عليه. وقوله: على قياس روايته عن مالك في المدونة في الذي يقول لامرأته إن لم تكوني حاملا أو إن كنت حاملا فأنت طالق إنها طالق ساعة تكلم بذلك، إذ لا يدرى إن كانت حاملا أم لا، ولا يستأنى بها حتى يعلم ذلك، فكذلك هذه المسألة لما كانت يمين الحالف فيها توجب تعجيل طلاق امرأة ليزوجها، إذ لا يدرى أكانت آخر امرأة يتزوجها أم لا، ويستأنى بها حتى يعلم ذلك، وجب ألا يلزمه شيء من أجل العموم. وقول سحنون فيها على قياس قوله في مسألة مالك إنه يستأنى حتى يعلم أنه حمل أم لا، فإن ماتت قبل أن يتبين إن كان بها حمل أم لا لم يرثها من أجل شكه في طلاقه، وإن مات هو استؤني بها حتى يعلم إن كانت حاملا أم لا فترثه أو لا ترثه. وكذلك يأتي في هذه المسألة على قياس قوله فيها وفي مسألة مالك إن تزوج امرأة فماتت أن يوقف ميراثه منها حتى يتزوج ثانية فيأخذه أو يموت قبل أن يتزوج فيرد إلى ورثتها، وقد قاله ابن الماجشون في المجموعة. فإن مات هو قبل أن يبني بها فليس لها إلا نصف الصداق ولا ميراث لها منه ولا عدة عليها للوفاة، قاله ابن أبي زيد على قياس قول ابن الماجشون وسحنون. وقد اعترض ابن دحون قول سحنون هذا بأنه قال: إذا وقف عن وطء الأولى ثم تزوج لم يكن له أن يطأ الأولى حتى يطأ الثانية؛ لأنه بمنزلة من قال: أنت طالق إن لم أتزوج عليك، فبالوطء بعد النكاح يبر، وليس له وطء الثانية لأنا لا ندري لعلها آخر امرأة يتزوجها فهو ممنوع من وطء الأولى حتى يطأ الثانية وممنوع من وطء الثانية حتى يطأ الثالثة، وكذلك الحكم في الرابعة والثالثة فلا يتم له وطء البتة، وهو اعتراض غير صحيح وهن فيه الشيخ - رَحِمَهُ اللَّهُ - على رسوخ علمه وثاقب فهمه، وليس أحد بمعصوم من

مسألة: جعل أمر امرأته بيد رجل غائب

الخطأ إلا من عصمه الله؛ لأن المسألة ليست بمنزلة من قال: أنت طالق إن لم أتزوج عليك كما قال، فلا يبر إلا بالدخول، وإنما هو بمنزلة من قال: إن تزوجت عليك فهي طالق إن لم أتزوج عليك؛ لأنه لم يطلق إلا الثانية لا الأولى، فوجب أن يطلق بأقل ما يقع عليه اسم زواج، وهو العقد على ما قالوا بأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، والبر، لا يكون إلا بأكمل الوجوه وبالله التوفيق. [مسألة: جعل أمر امرأته بيد رجل غائب] مسألة وسئل عن رجل جعل أمر امرأته بيد رجل غائب. قال: يعزل عن امرأته ولا يطأ فإن رفعت امرأته أمرها إلى السلطان ضرب له أجل المولى، فإن حل الأجل ولم يختبر ما عند الرجل الذي جعل أمر امرأته بيده طلق عليه السلطان، فإن ارتجع فذلك له، فإن علم أن الرجل أبى أن يطلق امرأته كانت رجعة ثابتة، وإن طلق عليه كانت طلقة أخرى وقعت عليه؛ لأنه كأنه أردف طلاقا على طلاق أيضا في ذلك الرجعة إن أحب ذلك ولم يجتزئ برجعة الأولى الذي طلق عليه الذي ملكه أمرها، وإن انقضت عدتها من طلاق الإيلاء قبل أن يعلم ما صنع الرجل المملك في أمرها فقد بانت منه وتكون أملك بنفسها. قال محمد بن رشد: قد روي عن مالك مثل قول سحنون هذا، وحكاه ابن المواز عن ابن القاسم، والمعنى فيه بين، وإنما قال: إنه يعزل عن امرأته ولا يطأ من أجل أنه لا يجوز له أن يطأ امرأة قد جعل طلاقها بيد غيره حتى يعلم ما عنده، فيطلق أو يرد، ولما كان الامتناع من الوطء بسببه دخل عليه الإيلاء إن طلبت المرأة المسيس، وفيئته في هذا الإيلاء هي أن يعلم ما عند الرجل فيطلق أو يرد، لا يسقط عنه الإيلاء ولا تصح له الرجعة إذا طلق عليه به إلا بذلك، فإن طلق عليه بالإيلاء فارتجع ولم يعلم ما صنع الرجل المملك في أمرها حتى انقضت العدة بانت منه، كما لو لم يرتجع، وإن أبى أن يطلق

المولي إذا ضرب له أجل المولي ففقد عند الأجل أو جن جنونا مطبقا

عليه وهو في العدة صحت رجعته وكانت كرجعة غير المولى، وإن طلق عليه كانت طلقة ثانية وارتجع إن شاء كما يرتجع غير المولي، رجعة تصح له بالقول دون اعتبار وطء أو فيئة، إذ قد سقط حكم الإيلاء. وقد حكى ابن المواز عن ابن القاسم أيضا أن الأمر يرجع إليها في البعيد الغيبة، ولم يأخذ به لأنه بعيد أن يرجع بيدها ما جعل الزوج بيد غيرها [وإنما يرجع بيدها لا بيد غيرها] إذا كانت هي مملكة على ما مضى في رسم يوصي من كتاب التخيير والتمليك والله الموفق. [المولي إذا ضرب له أجل المولي ففقد عند الأجل أو جن جنونا مطبقا] من نوازل سئل عنها أصبغ وسئل أصبغ عن المولي إذا ضرب له أجل المولي ففقد عند الأجل، أو جن جنونا مطبقا، أو أراد أن يسافر قبل الأجل سفرا بعيدا لا يرجع منه للأجل. فقال: أما المفقود الذي قد استخبر عن خبره وطلب حتى بلغ ما يبلغ من المفقود الذي يجوز أن يضرب لامرأته أجل فإن الإيلاء عندي منفسخ، ويرجع إلى أجل المفقود، ولا يطلق عليه إلا بالإيلاء فإنا نخشى أن يكون في حين الطلاق عليه ميتا، فلا يطلق على ميت، والإيلاء لا يجب الطلاق فيه إلا بالتوقيف، فقد انقطع التوقيف في هذه الغيبة. وأما المجنون المطبق فإن السلطان يوكل عليه من يكون ناظرا له في أمره، فإن رأى له ألا يفيء وأن يطلق عليه فعل، ولزمه ذلك، وإن رأى أن يفيء عنه أن يكفر عنه إن كانت

يمينه تمنعه من الوطء أو يعتق عنه إن كانت يمينه بعتق رقبة فعل ذلك، وأقره مع امرأته، وجاز عليه جميع ما فعل. قلت: إن كانت يمينه والله لا أطأك فوطأها في جنونه هذا، أترى ذلك وطأ فيه؟ قال: نعم يفيء بذلك، ويكفر وليه يمينه إن كان حلفه في صحته ويخلي بينه وبين وطئها في جنونه إلا أن يكون مؤذيا فيمنع منها. قلت: فلو كانت يمينه أن قال: أنت طالق إن وطئتك إلا في بلد كذا وكذا أو حتى أغزو فقال وليه: أنا ألزمه هذه الطلقة ويطأ امرأته ويترك معها، أو قال: أنا أسافر به إلى البلدة أو أغزو به ثم أرده فيطأ ولا يطلق عليه؟ قال: إن رأى ذلك خيرا له فعل، وجاز عليه. قلت: ويحنث المجنون في يمين حلفها في الصحة بوطء يطأه في جنونه؟ قال: نعم لأني أعد وطئه وطأ. قلت: ولم لا يسقط عنه الإيلاء لما حل به من جنونه ويعذر به؟ فقال: بل ألزمه الحنث في يمينه فيكفر عنه ولا أعذره في تركه المسيس لأن الوطء فيه قائم، وإنما العذر بغيره ليس به ولا بذهابه، ألا ترى أن المسجون إذا حلف ألا يطأ لا يعذر بأن يقول:

أطأ إذا خرجت من السجن حتى يحنث نفسه الساعة بأن يكفر فيخرج من الإيلاء ويعذر في ترك الوطء بالسجن، فهذا مثله وهو يبينه إن شاء الله. وأما المسافر الذي يريد سفرا بعيدا فيقال له أقم مكانك أو وكل وكيلا إذا حل الأجل يفيء لك أو يطلق عليه، فإذا حل الأجل فقال الوكيل: أنا أفي عنه، قيل له: إن فيئتك أن تكفر عنه الساعة، ويكون معذورا في ترك المسيس، بمنزلة المسجون إذا قال: أنا أفئ لم يكن ذلك له إلا أن يصدق فيئته بالكفارة. وسئل (ابن القاسم) عن المولي يريد سفرا قبل الأربعة الأشهر بيومين أو ثلاثة، هل يمنع من الخروج حتى يوقف؟ قال: أرى أن طلبت امرأته ذلك ورفعته إلى السلطان رأيت للسلطان أن يتقدم إليه لئلا يبرح حتى يبلغ الكتاب أجله فيوقف فيفيء أو يطلق، فإن أبى أعلمه أنه مطلق عليه إن خرج، فإن خرج رأيت إن رفعت امرأته أمرها أن يطلق عليه ولا يستأنى، وإن لم ترفع أمرها حتى خرج لم أر أن يطلق عليه حتى يكتب إلى الموضع الذي هو به، فأما وفى وإما طلق عليه، وقال ابن كنانة: إذا كان مقرا بالإيلاء غير منكر له ولا متكلم فيه، فليس عليه أن يحبس عن سفره، فإذا حل عليه أجل طلق الإمام، وإن كان منكرا له والمرأة تدعى ذلك رأيت أن يحبس حتى ينافذها. قال محمد بن رشد: قول أصبغ إن المولى إذا فقد عند أجل الإيلاء أن الإيلاء ينفسخ ولا يطلق عليه به، ويرجع إلى أجل المفقود صحيح على أصل ابن القاسم ومذهبه في أن المولى إذا حل عليه أجل الإيلاء وهو غائب يعذر بمغيبة ولا يطلق عليه حتى يكتب إليه في موضعه الذي هو فيه فتوقف على الفيئة أو الطلاق، فإذا اتصل مغيبة حتى لم يعلم

مغيبه وغاب أثره وجب أن يرجع في أمره إلى حكم المفقود، وأما على مذهب ابن الماجشون الذي لا يعذره بالمغيب فإنه يطلق عليه إذا انقضى الأجل علم موضعه أو لم يعلم، قربت غيبته أو بعدت كان مفقودا أو غير مفقود؛ لأن حكم الإيلاء قد لزمه عنده، فلا يزاد فيه أكثر مما فرضه الله تعالى. وأما قوله في الذي جن جنونا مطبقا عند الأجل إن السلطان يوكل عليه من يكون ناظرا له في أمره، فإن رأى له ألا يفيء وأن يطلق عليه فعل ولزمه ذلك، وإن رأى أن يفيء عنه فيكفر عنه إن كانت يمينه بعتق رقبة فعل، وأقر مع امرأته، وجاز عليه جميع ما فعل، ففي ذلك من قوله نظر إذ إنما يصح للوكيل أن يفيء عنه فيكفر عنه إذا كانت يمينه بعتق عبد بعينه أو صدقة شيء بعينه أو طلاق امرأة له أخرى وما أشبه ذلك؛ لأن الوكيل إذا أعتق ذلك العبد أو تصدق بذلك الشيء أو طلق تلك المرأة سقطت اليمين عنه وارتفع الإيلاء كما لو مات ذلك العبد أو ماتت تلك المرأة أو ملك ذلك الشيء الذي حلف بصدقته. وأما إن كانت يمينه بمشي أو صيام أو صدقة شيء في ذمته ليس بعينه وما أشبه ذلك فلا يصح له أن يفيء عنه بشيء من ذلك؛ لأنه هو لو مشى عن نفسه أو صام أو تصدق عن يمينه قبل أن يحنث لم ينتفع بذلك، ولا انحلت به عنه اليمين، وكان عليه إن حنث أن يمشي مرة أخرى أو يصوم أو يتصدق، فالوكيل بمنزلة، بل هو أضعف مرتبة وحالا، إذ لا يصوم أحد عن أحد، ولا يمشي أحد عن أحد، ولو تصدق الوكيل عنه ليحل اليمين عنه لوجب عليه الضمان إذ أتلف عليه ماله فيما لا منفعة فيه، وكذلك إن كانت يمينه بالله فكفر عنه لا ينتفع بذلك ولا تنحل به عن اليمين؛ لأن الكفارة لا تكون إلا بنية، فلا يصح أن يكفر عنه بغير إذنه إلا على قياس أحد قولي ابن القاسم فيمن أعتق عبدا من عبيده عن رجل عن ظهاره بغير إذنه فرضي لما بلغه أن ذلك يجزيه، وهو قول ضعيف خارج عن الأصول،

والقول الآخر هو الصواب أن ذلك لا يجزيه، وهذا كله على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وهو المشهور في المذهب، وأما على مذهب ابن الماجشون فلا يوكل عليه من يفيء عنه إذ لا يؤمر وليه أن يكفر عنه على حال، كما لا يؤمر هو أن يكفر عن نفسه إذا كان مريضا؛ لأن فيئته عنده إنما هي الجماع لا غير. وأما قوله: إذا كانت يمينه بالله فوطأها في جنونه أنه إن وطأها فيه لحنث به، ويكفر عنه وليه يمينه إن كان حلفه في حال صحته، فهو قول ضعيف؛ لأن فعله في حال الجنون كلا فعل، فإذا وطأ في حال جنونه وجب ألا يحنث بذلك ولا يجب عليه به عليه الكفارة، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع القلم عن ثلاث فذكر فيهم المجنون حتى يفيق» ، ويكون ذلك مسقطا لحق زوجته في توقيفه حتى يمر به أربعة أشهر من يوم وطئها؛ لأنها قد نالت بوطئه إياها في جنونه ما ينال بوطئه إياها في صحته، وما تمادى به الجنون فلا توقيف فيه بحال. ووجه قوله أنه رأى أنه لا يطأ إلا ومعه بقية من عقله فأشبه السكران عنده على مذهب من يرى أنه يلزمه الأفعال ولا يلزمه الأقوال. وأما قوله: قلت: فلو كانت يمينه أن قال: أنت طالق إلا إن وطئتك إلا في بلد كذا وكذا أو حتى أغزو فقال وليه: أنا ألزمه هذه الطلقة ويطأ امرأته ويترك معها أو قال: أنا أسافر به إلى البلدة أو أغزو به ثم أرده فيطأ ولا يطلق عليه فقال: إن رأى ذلك خيرا له فعل، وجاز عليه، فلا يستقيم إذ لا منفعة له في إلزامه الطلقة في هذا؛ لأنها يمين هو فيها على بر، ولا اختلاف في أن من قال: امرأتي طالق إن فعلت كذا لا منفعة له في أن يقدم الطلاق قبل الحنث؛ لأن الطلاق يلزمه ثانية إن فعل ذلك الفعل وامرأته تحته على شيء من بقية طلاق ذلك المملك، وكذلك غزوه وسفره به لا منفعة له فيه إذ لم يسافر هو ولا غزا باختياره إلا أنه على أصله في تحنيثه بوطئه، وقد ذكرنا وجه قوله في ذلك. وأما قوله بعد ذلك: إن الإيلاء لا يسقط عنه لما حل به من جنونه ولا

مسألة: يحلف لامرأته ألا يطأها إلا أن تطلب إليه ذلك فتأبى المرأة أن تطلب ذلك إليه

يعذر في تركه المسيس لأن الوطء فيه قائم فمعناه أنه لا يسقط حق المرأة في ذلك ويكون لها القيام عليه في ذلك، فينزل وليه منزلته فيما يؤمر به من الكفارة. وأما قوله: لأن الوطء فيه قائم، معناه لأن الوطء منه ممكن إن صح من جنونه، ويدل على هذا التأويل تنظيره إياه بالمولى يحل أجل إيلائه وهو مسجون أنه لا يعذر بأن يقول: أطأ إذا خرجت حتى يحنث نفسه الساعة بأن يكفر، وفي هذا في المدونة قولان إذا كانت يمينه بالله، وقد مضى هذا المعنى في أول سماع ابن القاسم وفي رسم الصلاة من سماع يحيى وغير ذلك من المواضع. وأما قوله في الذي يريد سفرا بعيدا إنه يقول له: أقم مكانك أو وكل وكيلا إذا حل الأجل يفيء لك أو يطلق عليك ففيه نظر إذ لا يصح للوكيل أن يفيء عنه إلا بالعتق بعينيه والصدقة بشيء بعينيه وما أشبه ذلك حسبما تقدم في أول المسألة، وهو خلاف قول ابن القاسم لأنه لا يرى في ذلك وكيلا يؤمر له، وإنما يقال له: إما أن تقيم وإما أن تخرج فيطلق عليه إن لم يقدم للأجل، وإن خرج ولم يتقدم إليه لم يطلق عليه حتى يكتب إليه هذا مذهب ابن القاسم، وابن كنانة يرى أن يطلق عليه إذا حل الإيلاء وهو غائب وإن لم يتقدم إليه، ولا يلزمه عنده أن يتقدم إليه ولا يحبس عن سفره، وهو مذهب ابن الماجشون. وأما إذا كان منكرا للإيلاء والمرأة تدعيه فلا اختلاف في أنه يحبس عن سفره حتى ينابذها في ذلك كما قال ابن كنانة والله أعلم. [مسألة: يحلف لامرأته ألا يطأها إلا أن تطلب إليه ذلك فتأبى المرأة أن تطلب ذلك إليه] مسألة وسئل سحنون عن الرجل يحلف لامرأته ألا يطأها إلا أن

يقول لامرأته إن وطئتك أبدا فكل عبد اشتريته بمصر أنه حر

تطلب إليه ذلك فتأبى المرأة أن تطلب ذلك إليه، فيكون موليا. قال سحنون: الحق لها فليس عليه الإيلاء ما لم تطلبه وإن أقام أكثر من أربعة أشهر. قال محمد بن رشد: في كتاب ابن سحنون، قلت له: قد قيل: إنه مولى ولا يكون قيامها به سؤالا حتى تسأله، فعابه وقال: منع الوطء بسببها، وهو قول له وجه؛ لأنه متعدي في حلفه ألا يطأها حتى تسأله ذلك؛ لأن المرأة تستحي أن تفصح بطلب ذلك، وقد تزوجته على ذلك فلا ينبغي أن تلزم المشقة بالإفصاح بطلبه وقد قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] فعم ولم يخص. وأما من قال: إن وطئتك فأنت طالق إلا أن تأتيني فهو مولى إذ ليس عليها أن تأتيه روي ذلك عن مالك، وهو صحيح، والحجة في ذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأتي أزواجه في بيوتهن وبالله التوفيق. [يقول لامرأته إن وطئتك أبدا فكل عبد اشتريته بمصر أنه حر] من سماع أبي زيد من ابن القاسم قال ابن أبي زيد: وسئل عن الرجل يقول لامرأته: إن وطئتك أبدا فكل عبد اشتريته بمصر أنه حر أنه ليس بمولي. قال محمد بن رشد: قد قال ابن القاسم: إنه مولي، والقولان في المدونة في هذه المسألة وفي ما كان من معناها لا يلزم الحالف بالحنث فيه شيء، وإنما ينعقد عليه فيه حكمه مثل أن يحلف ألا يطأ امرأته في السنة إلا مرة أو ألا يطأ إحدى امرأتيه ولا نية له، أو يقول: إن وطئت امرأتي فهي علي كظهر أمي، أو إن وطئتها فوالله لا أطؤها على مذهب من يقول

مسألة: تحته أمتان فتآلا منهما ثم اشترى إحداهما

في الحالف بالطلاق ثلاثا ألا يطأ، أنه يمكن من الوطء وما أشبه ذلك من المسائل، وبالله التوفيق. [مسألة: تحته أمتان فتآلا منهما ثم اشترى إحداهما] مسألة قال ابن القاسم في رجل تحته أمتان فتآلا منهما ثم اشترى إحداهما، فقال: يقع عليه إيلاء التي اشترى. قال محمد بن رشد: قوله يقع عليه إيلاء التي اشترى، معناه يقع عنه أي يسقط عنه إذ لا حق للأمة من ملك اليمين في الوطء على سيدها فيلزمه الإيلاء فيها، ويدل على أن الإيلاء لا يكون إلا في الزوجات أيضا قول الله عز وجل: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] . تم كتاب الإيلاء بحمد الله وعونه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.

كتاب اللعان

[كتاب اللعان] [الملاعنة تلد توأما غلامين في بطن واحد فيهلك أحدهما ويترك مالا] [كتاب اللعان]

من سماع عبد الرحمن بن القاسم من مالك بن أنس - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك، قال: سمعت مالكا يقول في الملاعنة تلد توأما: غلامين في بطن واحد فيهلك أحدهما ويترك مالا [فبأي شيء] ترى أن يتوارثا؟ أبوراثة الأخوة للأم أم الأخوة للأب. قال: بل لوراثة الأب، وليس هو عندي كذلك الزنا؛ لأن ذلك لا أب له، ولأن هذا لو قال له أحد: ليس أبوك فلان جلد الحد، فأرى أن يتوارثا بوراثة الأب. قال محمد بن رشد: الأتوام الذين لا يعرف آباؤهم أربعة، أتوام الزانية وأتوام المسبية والمستأمنة، وأتوام الملاعنة، وأتوام المغتصبة. فأتوام الزانية يتوارثان من قبل الأم خاصة. وأتوام المسبية والمستأمنة يتوارثان من قبل الأب والأم، واختلف في أتوام الملاعنة والمغتصبة، فالاستحسان في أتوام الملاعنة أنهم يتوارثان من قبل الأم والأب؛ لأن الفراش لهما معروف، ولو استلحقهما الأب للحقا به، وهو قول مالك في هذه الرواية، والقياس فيهم أنهم لا يتوارثون إلا من قبل الأم؛ لأن نسبهما من الأب منقطع وهو قول المغيرة وابن دينار، وكذلك القياس في أتوام المغتصبة ألا يتوارثان إلا من

مسألة: يغيب عن أهله ثم يقدم وقد ماتت امرأته وتركت ولدا كان بعده، فأنكره

قبل الأم؛ لأن نسبهما من الأب منقطع، وإذ لا فراش لهما، ولو استلحقهما الغاصب لم يلحقا به وهو قول أصبغ، وقيل: إنهم يتوارثون من قبل الأم والأب استحسانا من أجل درء الحد عنهما وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب الاستلحاق فيه وفيه ضعف وإنما كان القياس فيهما ألا يتوارثا ألا من قبل الأم على الأصل؛ لأنه لا ميراث لابن الزنا من أبيه وإن عرف أنه أبوه بما ثبت من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وهو قول مالك في هذه الرواية، أن ولد الزنا لا أب له، يريد أنه لا أب ينتسب إليه ولوارثه على حال إذ قد عرف أن له أبا؛ لأن جميع البشر لهم أب إلا: عيسى ابن مريم وآدم وحواء وأما من ذهب إلى أنه إنما لم يورث ابن الزنا من أبيه من أجل أنه لا يعرف أنه أبوه إذ لا فراش له، وأنه لو عرف لورثه، وأنه لو استلحقه لحق به، بدليل إجماعهم أنه يرث أمه وترثه، وهو مذهب أبي حنيفة والنخعي وإسحاق بن راهويه فالأتوام كلهم كيف ما كانوا يتوارثون من قبل الأب والأم، إذ قد علم أنهم لأب واحد، كما أنهم لأم واحدة، وإلى هذا ذهب ابن نافع، فقد روى عنه أن أتوام الزانية يتوارثون من قبل الأم والأب وبالله التوفيق. [مسألة: يغيب عن أهله ثم يقدم وقد ماتت امرأته وتركت ولدا كان بعده، فأنكره] مسألة كتاب قطع الشجر قال مالك في الرجل يغيب عن أهله ثم يقدم وقد ماتت امرأته وتركت ولدا كان بعده، فأنكره، أنه يلتعن ويبرأ من الولد، ويكون له من الميراث من امرأته التي لاعن. قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون، قال في سؤاله وادعى الاستبراء وزاد قال: وقال إذا جاء كنت

مسألة: دخل بامرأة ثم طلقها وادعى أنه لم يمسها وصدقته ثم ظهر بها حمل

رأيتها تزني وأراد أن يلتعن فليس ذلك له ويحد، وهو كمن رمى امرأة طلقها، وكذلك في كتاب ابن المواز ولا اختلاف في أن له أن يلاعن إذا نفى الحمل وادعى الاستبراء واختلف إذا نفاه ولم يدع الاستبراء. على قولين هما في المدونة. وقوله: إن لها الميراث صحيح لأنها زوجة ما لم تلتعن هي بعده، وهو قول ربيعة ومطرف واختيار ابن حبيب، وقيل: ما لم يلاعن الزوج، وهو ظاهر قول مالك في موطأه ومذهب الشافعي وقول عبد الله بن عمرو بن العاص في المدونة، وقيل: إن الفرقة تجب بلعان الزوج إن التعنت المرأة وهو مذهبه في المدونة لأنه قال فيها: إن التعن هو فماتت هي قبل أن يلتعن ورثها، وإن مات هو ورثته إن لم تلاعن وبالله التوفيق. [مسألة: دخل بامرأة ثم طلقها وادعى أنه لم يمسها وصدقته ثم ظهر بها حمل] مسألة وقال مالك فيمن دخل بامرأة ثم طلقها، وادعى أنه لم يمسها وصدقته، ثم ظهر بها حمل فادعت أنه منه وأقر بذلك: إنه يكمل لها الصداق ويلحق به الولد وتكون به الرجعة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى، قال: إنه يكمل لها الصداق، لإقراره بما ادعت من أن الحمل منه، وقال: إنه تكون له الرجعة من أجل أنها في عدة منه حتى تضع حملها، لقول الله عز وجل: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ولا يتهم على أنه أقر بالحمل ليكون له الرجعة لأن إلحاق النسب يدفع التهمة. ولو مات فظهر الحمل بها بعد موته فزعمت أنه منه للحق به الولد أيضا ولم يكن لها ميراث ولا أكثر من نصف الصداق، وقد قيل لها الميراث إن كان مات قبل انقضاء العدة، ولها جميع الصداق، وقد مضى ذلك في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب النكاح والحمد الله.

العبد يلاعن الحرة ثم يكذب نفسه فيلحق به الولد كم يحد

[العبد يلاعن الحرة ثم يكذب نفسه فيلحق به الولد كم يحد] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الطلاق قال سحنون: وقال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن العبد يلاعن الحرة ثم يكذب نفسه فيلحق به الولد كم يحد؟ قال: الحد أربعين، قيل له: أرأيت إن كانت امرأته أمة فلاعنها ثم أكذب نفسه فألحق به الولد أعليه حد؟ قال: ليس عليه شيء. قال محمد بن رشد: قوله: إن العبد يحد أربعين إذا لاعن زوجته الحرة ثم أكذب نفسه صحيح على مذهبه في أن حد العبد في الفرية نصف حد الحر قياسا على حد الزنا وهو قول جماعة فقهاء الأمصار، وروي عن ابن مسعود أن حده ثمانون، وهو القياس لأن النصراني إذا كان يحد في الفرية ثمانين ولا ينقص من ذلك شيئا لنقصان مرتبته عن مرتبة الحر، لما تعلق في ذلك من الحق للمقذوف، فكذلك العبد، وهو قول عمر بن عبد العزيز في الموطأ. وقوله: إذا كانت زوجته أمة إنه لا شيء عليه، معناه من الحد وإنما عليه الأدب لإذايته إياها بما نسب إليها وكذب فيه عليها. [مسألة: يقول زنت امرأته فيقال له أرأيت ذلك فيأبى أن يقول نعم ويمضي على اللعان] مسألة وسئل عن الذي يقول زنت امرأته، فيقال له: أرأيت ذلك؟ فيأبى أن يقول نعم، ويمضي على اللعان، فله أن يلاعن؟ فقال: إنما يجب اللعان بأحد وجهين، يقول قد استبرأت أو يقول قد رأيت. قيل له: فالأعمى يلاعن؟ قال: الأعمى يلاعن، يقول: قد سمعت الحس وليس هذا مثله، وقد قال في أول الكتاب: لا

مسألة: الملاعن أيرضى منه بأن يقول رأيتها تزني أم يوقف على ذلك كما يوقف الشهود

يكون اللعان إلا ببيان رأيتها تزني. قال محمد بن رشد: قوله إنما يجب اللعان بأحد وجهين، يقول قد استبرأت يريد في نفي الحمل، أو يقول قد رأيت، وهو أحد قولي مالك في المدونة، وله فيها قول آخر أنه إذا قذف أو نفى حملا لم يكن مقرا به لاعن ولم يسأل شيئا. وتحصيل هذه المسألة أن اللعان على ستة أوجه ثلاثة منها متفق عليها، وثلاثة مختلف فيها. فالمتفق عليها أن ينفي حملا لم يكن مقرا به ويدعي الاستبراء، وأن يدعي رؤية لا مسيس بعدها في غير ظاهرة الحمل، وأن ينكر الوطء فيقول: ما وطئتها قط أو منذ وضعت أو منذ مدة كذا لما لا يلحق إلى مثله الأنساب. والمختلف فيها أن يقذف زوجته ولا يدعي رؤية، وأن ينفي حملا ولا يدعي الاستبراء، وأن يدعي رؤية لا مسيس بعدها في حامل بينة الحمل لأن ابن الجلاب حكى عن مالك فيها ثلاث روايات، إيجاب الحد ولا لعان، وثبوت النسب، وإيجاب اللعان وسقوط النسب به. وقوله: إن الأعمى يلاعن وإن لم تصح منه الرؤية صحيح مثل ما في المدونة؛ لأن العلم قد يقع له من غير طريق الرؤية من جس وحس وما أشبه ذلك، وعلى هذا القول فإن القاذف لزوجته يحد ولا يلاعن، وأما على القول بأنه يلاعن إذا قذف فالأعمى والبصير في ذلك سواء. [مسألة: الملاعن أيرضى منه بأن يقول رأيتها تزني أم يوقف على ذلك كما يوقف الشهود] مسألة وسئل عن الملاعن أيرضى منه بأن يقول رأيتها تزني أم

مسألة: ملاعنة العبد أهي مثل ملاعنة الحر يشهد خمس مرات

يوقف على ذلك كما يوقف الشهود؟ . فقال: كنت أرى أن يوقف على ذلك حتى يقول كما يقول الشهود. قال محمد بن رشد: قد روى ابن نافع عن مالك أنه لا يكشف عن ذلك كما يكشف الشهود، وجه القول الأول أن الله قد سماه شاهدا فوجب أن يكون عليه في ادعائه الرؤية ما يكون على الشاهد، ووجه القول الآخر، أنه ليس بشاهد على الحقيقة؛ لأنه لا يشهد أحد لنفسه، ونما سماه الله شاهدا من ناحية المشاهدة بالعين والقلب، فالمعنى في ذلك حصول العلم ألم تر أن مالكا قد قال في أحد أقواله: إن من قذف زوجته يلاعن وإن لم يدع رؤية، فإن كان قد قيل إنه يلاعن وإن لم يدع رؤية فكشفه عن صفة الرؤية إذا ادعاها إغراق والله أعلم. [مسألة: ملاعنة العبد أهي مثل ملاعنة الحر يشهد خمس مرات] مسألة وسئل عن ملاعنة العبد أهي مثل ملاعنة الحر؟ يشهد خمس مرات؟ . قال: نعم في رأيي مثل لعان الحر. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] ، الآية ولم يخص في ذلك حرا من عبد، فوجب أن يستوي في ذلك الحر والعبد. [مسألة: لعان العبد والأمة] مسألة وسألته عن لعان العبد والأمة.

يلاعن امرأته وهي حامل فيمكث سنين ثم يكذب نفسه ويدعي الولد

فقال: أربع مثل لعان الحرة، فإنه لا يجب عليه الحد ألا بأربعة شهداء. قال محمد بن رشد: اعتبار مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدد أيمان العبد في ملاعنة الأمة بعدد الشهود الذين يقام عليها بهم الحد اعتبار صحيح؛ لأن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] ، وقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] ، فدل ذلك على أن الله تعالى جعل كل يمين من لعان الزوج بإزاء شهادة كل شاهد يشهد على محصنة بالزنا وعلى أن آية اللعان على عمومها في جميع الأزواج والزوجات أحرارا كانوا أو عبيدا وبالله التوفيق. [يلاعن امرأته وهي حامل فيمكث سنين ثم يكذب نفسه ويدعي الولد] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب إن خرجت من هذه الدار قال عيسى: سئل ابن القاسم عن الرجل يلاعن امرأته وهي حامل فيمكث سنين ثم يكذب نفسه ويدعي الولد، هل عليه نفقتها الذي حملت فيه الولد؟ . قال: إن كان يوم حملها موسرا مثله ينفق فالنفقة لها لازمة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، ومثله في المدونة، وزاد فيها: وإن كان في بعض الحمل موسرا وفي بعضه معسرا لزمه ما كان فيه موسرا وسقط عنه ما كان فيه معسرا، وزاد في كتاب ابن المواز: وعليه أيضا أجر الرضاع ونفقته بعد ذلك إن كان مليا، وبالله التوفيق.

ينفي حمل المرأة التي لم يدخل بها

[ينفي حمل المرأة التي لم يدخل بها] ومن كتاب باع امرأته قلت: فالرجل ينفي حمل المرأة التي لم يدخل بها؟ . قال: يلتعنان، قلت: فإن التعن فأبت أن تلتعن؟ قال: تضرب مائة وإذا نكلت عن اللعان أو صدقته بإقرار وتقيم تحته كما كانت وتبرأ من الحمل وتكون امرأته بحالها فلا شيء عليه. [قلت: فالنصرانية تكون تحت المسلم فينتفي من حملها فيلتعن فتأبى أن تلتعن؟ قال: يبرأ من الحمل] . قال محمد بن رشد: قوله في الذي ينفي حمل المرأة التي لم يدخل فيها إنهما يلتعنان، يريد وينفي الولد عن نفسه، ومعناه إذا كان ما ادعت امرأته من أنه كان يغشاها قبل أن يدخل بها يمكن وقد جاءت بالولد لستة أشهر فأكثر من يوم تزوجها، ولها نصف الصداق ولا سكنى عليه ولا متعة، قاله في المدونة، فإن جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر أو ظهر بها حمل في أيام لا يشك أن الحمل قبل العقد، فلا صداق لها ولا لعان فيها، فإن لاعن قبل أن يوضع الحمل فأتت به لأقل من ستة أشهر لم يكن لها من الصداق شيء ولم يحرم عليه نكاحها بالتعانهما؛ لأنها كانت غير زوجة، قاله ابن الماجشون ومحمد ابن المواز، وهو بين في المعنى. وقوله: إنه إذا التعن وأبت أن تلتعن تضرب مائة وتقيم تحته كما كانت بمنزلة النصرانية تنكل عن اللعان [خلاف قول سحنون في نوازله إن ملاعنته إياها ونكولها عن اللعان قطع للعصمة، وقول ابن القاسم هو الصحيح على قولهم إن العصمة لا تنقطع بين الزوجين إلا بتمام اللعان من المرأة إذ لا فرق على هذين القولين بين أن تنكل عن اللعان بعد لعان

غاب عن امرأته عشر سنين أو أكثر فوجدها قد ولدت أولادا فأنكر الأولاد

الزوج أو تصدقه قبل اللعان] على أن الولد [ليس] منه، ولا اختلاف بينهم إذا صدقته أنها تحد وتكون زوجته إن شاء طلق وإن شاء أمسك، كذلك قال هاهنا وفي كتاب الرجم من المدونة، وإنما اختلفوا هل ينتفي الولد منه دون لعان أو لا ينفيه إلا بلعان، وقد أنكر أبو بكر بن محمد قول سحنون لمخالفته الأصول، وبالله التوفيق. [غاب عن امرأته عشر سنين أو أكثر فوجدها قد ولدت أولادا فأنكر الأولاد] ومن كتاب الرهون وقال في رجل غاب عن امرأته عشر سنين أو أكثر فوجدها قد ولدت أولادا فأنكر الأولاد، وقالت المرأة: هم منك كنت تأتيني سرا. إنه لا يبريه من ولدها ومن الحد إلا أن يلتعن. قيل: فإن قذف أحد من ولدها قبل أن يقدم أبوه، قال: يجلد الحد إذا قال له: ليس أبوك فلان أو قال له: يا ابن زانية أو يا ابن الزانية إنه يضرب الحد، وإنما قذفه من قبل أن يقوم أبوه فيما يلزم من قذفه، بمنزلة ما لو قذف بعد أن يلتعن أبوه ويبرأ منه يلزمه في ذلك ما كان يلزمه في هذا [قال: وإن مات قبل أن يقدم أبوه ألحق به الولد وحد كل من قذفه وورثوه] . قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يبريه من ولدها ومن الحد إلا أن يلتعن، معناه إذا كان ما ادعت المرأة من أنه كان يأتيها في مغيبه سرا يمكن على ما قال في المدونة في الذي ينفي حمل امرأته قبل الدخول وتدعي أنه منه وأنه كان يغشاها في أهلها وقد ذكرنا ذلك في رسم جاع. ولو قدم بعد الغيبة الطويلة وقد ماتت المرأة فنفى ولدها لالتعن إذا كان لم يعلم به قبل ذلك، وورثها، قاله ابن القاسم في المدونة ومعناه

مسألة: يغيب عن امرأته سنين فتلد ولدا فتقول المرأة ليس هو من زوجي

إذا أمكن أن يكون الولد منه والله أعلم. وأما لو علم مغيبه بالبينة العادلة في الأرض النائية المدة الطويلة التي لا يحلق في مثلها الأنساب فأنكر الأولاد لوجب أن لا يلحقوا به وأن تحد لما تبين من كذبها فيما ادعته والله أعلم، وفي كتاب ابن سحنون لأشهب أن الغائب إذا قدم فوجد ولدا فقال: هذا ليس ابني ولا ابنك أنه يحلف ما أراد قذفا ولا شيء عليه إلا أن يريد لعانا فيمكن من ذلك. [مسألة: يغيب عن امرأته سنين فتلد ولدا فتقول المرأة ليس هو من زوجي] مسألة وقال في الرجل يغيب عن امرأته سنين فتلد ولدا فتقول المرأة: ليس هو من زوجي ولا هو من رجل آخر، ثم يموت زوجها قبل أن يقدم: إنه يقام على المرأة الحد إذا أقامت على ذلك ولا تبن عنه ولا ينفي ذلك ولدها ومن نفى ولدها من أبيه كان عليه الحد وورث أباه. قال محمد بن رشد: وهذا إذا أمكن أن يكون الولد منه على ما ذكرناه في المسألة التي فوقها والله أعلم. [تزوج أمة وشرط أن ولده منها حر ثم لاعنها] ومن كتاب يدير ماله وسئل عن رجل تزوج أمة وشرط أن ولده منها حر، إن الولد حر، قيل: فإن لاعنها؟ قال: هو حر، وإن لاعنها، قيل: فإن صدقته فيما قال فأقرت بالزنا وقالت: ليس ولده؟ قال: فهو رقيق إذا صدقته إلا أن يستلحقه يوما، فإن استلحقه يوما ما لحق به ولم ينظر في قولها إنه ليس ولده إذا زعم أنه ولده ويعتق إذا استلحقه.

مسألة: لاعنها ونفى الولد عن نفسه

[مسألة: لاعنها ونفى الولد عن نفسه] مسألة قال القاضي: لما كان إذا لاعنها ونفى الولد عن نفسه يجلد الحد من نفاه عنه وجب أن يكون حرا بهذه الشبهة. وأما إذا صدقته بما قال فقد انتفى منه بكل حال، وكان ولد زنا لا حد على من نفاه عنه فلم تكن له شبهة يعتق بها ما لم يستلحقه أبوه وبالله التوفيق. [يطلق امرأته البتة ثم يزعم أنه رآها تزني بعد طلاقه إياها أيلاعن] ومن كتاب يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى: وسألته عن الرجل يطلق امرأته البتة ثم يزعم أنه رآها تزني بعد طلاقه إياها أيلاعن أم يكون بما ادعى من الرؤية قاذفا؟ . فقال: أما ما كانت في عدتها فيلاعن بما ادعى من الرؤية، فإذا انقضت عدتها فادعى أنه رآها تزني كان قاذفا، ولا يجوز له. أن يلاعن. قلت له: أرأيت إن انقضت عدتها ثم ظهر بها حمل في زمان يرى أن النساء يحملن لمثله أيلحق به الولد؟ . قال: نعم إلا أن ينتفي من ذلك الحمل فيلاعن. قلت: أرأيت إذا صار الحمل يلزمه إلا أن يلاعن فلم لا يكون له أن يلاعن بما يدعي من الرؤية للزنا بعد انقضاء العدة وهو يقول: أخاف أن يظهر بها حمل يلحقني فأنا رأيت ما رأيت من سوء فعلها فأنا أخبر به السلطان لأبرأ من حمل إن ظهر باللعان. قال محمد بن رشد: اختلف فيمن ادعى أنه رأى زوجته تزني وهي

في عدتها منه من طلاق بائن على ثلاثة أقوال، أحدهما: قول ابن القاسم هذا أنه يلاعن بما ادعى من الرؤية ولا يحد، والثاني: أنه يحد ولا يلاعن وهو قول ابن المواز، والثالث: أنه لا يحد ولا يلاعن، معناه إلا أن يظهر بها حمل فيكون له أن يلاعن لنفيه عن نفسه، وهو قول المغيرة، وإليه مال سحنون. ووجه القول الأول: أن العدة لما كانت من توابع العصمة، وكانت حقا للزوج على المرأة حفظا لنسبه كان له أن يراعي أمرها فيها وعذر في الأخبار بما رأى من زناها لما في ستر ذلك من المضرة به في إدخال الداخلة عليه في نسبه فخرج له المخرج من ذلك باللعان كما قال الله، مخافة أن يموت فتأتي بولد فيلحق به. ووجه القول الثاني: أنه لما لم يكن بها حمل ظاهر كان بما ادعى من رؤيته لزناها قاذفا إذا عجل بالإخبار بذلك قبل أن يظهر بها حمل، فوجب أن يحد لأنه قذف من ليست له بزوجة إذ قد خرجت من عصمته بالطلاق البائن، ثم إن ظهر بها حمل كان له أن يلاعن؛ لينفي الولد عن نفسه. ووجه الثالث: أنه عذره بما ادعى من الرؤية مخافة أن يموت فتأتي بولد فيلحق به فأسقط عنه الحد، ولم ير أن يعجل باللعان إذ قد لا يكون بها حمل فلا يحتاج إليه. وأما إذا ادعى أنه رآها تزني بعد أن انقضت عدتها فهو قاذف فوجب أن يحد لأنها كالأجنبية إذ لم يبق بينه وبينها سبب من أسباب العصمة إلا إن ظهر بها حمل فيكون له أن ينفيه. وأما إن كانت في عدة منه من طلاق غير بائن فحكمها في جميع

طلق امرأته فنكحت في عدتها قبل أن تحيض شيئا

وجوه اللعان كحكم التي هي في عصمته، ولو ادعى بعد أن طلقها البتة أنه رآها تزني قبل أن يطلقها لحد ولم يلاعن، قاله ابن القاسم في التفسير الثالث من العشرة، وبالله التوفيق. [طلق امرأته فنكحت في عدتها قبل أن تحيض شيئا] ومن كتاب أصبغ من ابن القاسم قال أصبغ: من طلق امرأته فنكحت في عدتها قبل أن تحيض شيئا؟ قال: قول مالك إن الولد للأول متى ما جاءت به لأدنى من ستة أشهر ولأكثر ما بينهما وبين خمس سنين. قلت: فإن نفاه الأب، فقال: قد استبرأتها قبل أن أطلق؟ قال: يلتعن الأب إذا وينفي الابن عن نفسه ولا تلتعن المرأة لأن للولد هاهنا سببا وأبا يلحق به، وفراشا قائما وهو الزوج الثاني إن كانت ولدته لستة أشهر فأكثر من يوم دخل بها الثاني، وإن كانت جاءت به لأقل من ستة أشهر فهو منقول من الأب الأول باللعان ومنهما جميعا لأن الثاني هاهنا بريء منه. فإن قال الثاني إذا جاءت به لستة أشهر فأكثر ونفاه الأول: إنه ليس مني وقد استبرأتها بعد أن وطئتها التعن والتعنت، ولا بد لها من اللعان هاهنا، بمنزلة الزوج الواحد؛ لأن الولد ليس له نسب بعد يلحق به إلا هذا الأب فلا يدفعه هذا عن نفسه إلا بلعان منه، أو بانتفاء وتصديق منها له. ولو كان دخوله بعد حيضة أو حيضتين فإن جاءت به لأدنى

من ستة أشهر فهو للأول، والثاني منه بريء ولا ينفيه الأول إلا بلعان على نحو ما فسرت لك وإن جاءت به لستة أشهر فأكثر فهو للآخر إلا أن ينفيه ويدعي الاستبراء منه فيلتعن ويبرأ منه، ولا تلتعن المرأة ويرجع الولد هاهنا إلى الأول فيلحق به لأن فراشه قائم حين برئ منه الآخر، إلا أن يدعي أنه استبرأها لبل أن يطلقها فتلتعن هي وهو هاهنا؛ لأن الولد قد انقطع نسبه ولم يبق أب يلحق به. قلت: فمن لاعنها منهما وحده ولم تلتعن هي لأن الولد لحق بالآخر أتحل للذي لاعنها ولم تلاعنه؟ قال: لا؛ لأن لعانه قد تم ونفل به الولد. قلت: فمن استلحقه لحق به؟ قال: نعم، ويحد قلت: فإن استلحقه الآخر أيضا بعد ذلك؟ فقال: يحد ولا يلحق به لأن نسبه للمستلحق الأول. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم، وتحصيلها بتلخيص أنها إذا أتت بولد قبل ستة أشهر من يوم دخل بها الثاني فهو للأول إلا أن ينفيه بلعان فإن التعن حدت إلا أن تلتعن، والثاني منه بريء كان قد دخل بها بعد حيضة أو قبل حيضة. وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر فهو للأول إن كان دخل بها الثاني قبل حيضة ألا أن ينفيه بلعان، فإن التعن حدت إلا أن تلتعن فيلحق بالثاني، ولا تلاعن المرأة إلا أن ينفيه الثاني أيضا، وللثاني إن كان دخل بها بعد حيضة إلا أن ينفيه بلعان فيلحق بالأول ولا تلاعن المرأة إلا أن ينفيه الأول أيضا، ويختلف منها في موضعين: أحدهما: هل تحرم على الذي لاعنها منهما ولم تلاعنه إذا لحق بالآخر؟ فقال أصبغ هاهنا: إنها

مسألة: قال لامرأته رأيتها تزني والمرأة صماء لا تسمع بكماء لا تفهم

تحرم عليه، وقال سحنون: لا تحرم، وهو قول ابن المواز، والقياس على المشهور في المذهب من أن الفرقة لا تقع بين المتلاعنين إلا بتمام لعان المرأة بعد الزوج، وقول أصبغ يأتي على قياس القول بأن الفرقة تقع بينهما بتمام لعان الزوج، وهو ظاهر قول مالك في موطأه ومذهب الشافعي وقول عبد الله بن عمرو بن العاص في المدونة، والثاني: إذا التعنا ثم استلحقه الذي لاعنها أولا ولم تلاعنه لأنه لحق بالآخر هل يحد أم لا يحد؟ قال أصبغ: إنه يحد، وقال سحنون وابن المواز: لا يحد إذ لم ينفه أولا إلى زنى وإنما نفاه إلى الأب الآخر الذي نفاه بعد. ومن استلحقه منهما أولا بعد التعانهما لحق به ولم يقبل للثاني بعد فيه دعوى. وإن استلحقاه كلاهما بعد التعانهما كان الأول أحق به وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته رأيتها تزني والمرأة صماء لا تسمع بكماء لا تفهم] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته: رأيتها تزني والمرأة صماء لا تسمع بكماء لا تفهم ما يقال لها، هل ترى على الزوج لعانا وحده، أم لا؟ . قال: يشار إليها بما قد عرفت به أنها تعرفه من الإشارة وتفهمه مما قد علم منها، فإذا أفهمت فإن صدقته أقيم عليها الحد، وإن جحدت قيل للزوج: التعن وادرأ عن نفسك الحد فإذا فعل قيل لها: حدي مخرجك بأن تلتعن وترد قوله بإشارة يعرف بها ما كان منها على وجه ما كان يعلم من أمرها، فإن فعلت فرق بينهما، فإن نكلت وجب عليها الحد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن الإشارة تفهم بها المعاني ويعبر بها عما في النفوس فتقوم مقام الكلام عند عدم الكلام، وقد سمى

ينكح المرأة فتحمل فيقول إنما نكحتك منذ خمسة أشهر وينكر الحمل

الله الإشارة كلاما، فقال: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وبالله التوفيق. [ينكح المرأة فتحمل فيقول إنما نكحتك منذ خمسة أشهر وينكر الحمل] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من عبد الرحمن بن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن الرجل ينكح المرأة فتحمل، فيقول: إنما نكحتك منذ خمسة أشهر، وتقول: بل نكحتني منذ تسعة أشهر، وينكر الحمل إنه يلاعنها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العصمة متيقنة والفراش معلوم، فوجب أن يلحق به الولد إلا أن ينفيه بلعان. [المرأة تلتعن قبل الرجل ثم تموت] مسألة قال: وسئل عن المرأة تلتعن قبل الرجل ثم تموت. قال: ينبغي أن يلتعن الرجل قبل ويقال للرجل: التعن وابرأ من الميراث ولا حد عليك، أو لا تلتعن فتحد ويكون لك الميراث، قال: ولو كانا جميعا حين التعنت المرأة قبل الرجل ولا يقال للمرأة التعني ثانية. قال محمد بن رشد: لم ير ابن القاسم تبدئة الزوج في الأيمان باللعان قبل المرأة واجبا لاستوائهما في أن كل واحد منهما يدعي على صاحبه دعوى إن لم يثبتها وجب عليه حد، فالزوج يدعي على المرأة أنها زنت، وأن الولد غير لاحق به، فإن لم يثبت ذلك عليها وجب عليه حد القذف والمرأة تدعي على الزوج أنه وطأها الوطء الذي كان عنه ولدها وتريد إلحاقه به، فإن لم يثبت ذلك لها عليه وجب عليها حد الزنا، وإنما

رأى ذلك متبعا لظاهر القرآن، إذ ليس فيه نص على وجوب الترتيب، فإنه بشهادة أحدهم أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فيحتمل أن يكون معنى قوله بعد ذلك: ويدرأ عنها العذاب إن كان الزوج هو الذي ابتدأ بالأيمان، فلهذا قال: إن المرأة إذا التعنت قبل الدخول وماتت يقال للرجل ما يقال للمرأة إذا التعن الرجل قبلها ثم مات: إما أن تلتعني فيسقط عنك الحد ولا يكون لك الميراث، وإما ألا تلتعني فتحد ويكون لك الميراث، إن المرأة إذا التعنت قبل الرجل ولم تمت التعن الرجل ولم تعد المرأة اللعان. وذهب أشهب إلى أن ترتيب اللعان على ما ذكر الله في القرآن واجب فقال: إنه إن التعنت المرأة قبل الرجل التعن الرجل وأعادت المرأة اللعان، وإنما هو إذا حلفت المرأة أولا كما يحلف الرجل على تكذيب أيمانه، إذ لم يتقدم له يمين، فقالت: أشهد بالله إني لمن الصادقين ما زنيت وإن حملي هذا لمنه، وقالت في الخامسة: غضب الله عليها إن كانت من الكاذبين، فهاهنا قال ابن القاسم يلتعن الرجل فيقول: أشهد بالله إنها لمن الكاذبين ولقد زنت وما حملها هذا مني، ويقول في الخامسة لعنة الله علي إن كانت من الصادقين، ولا تعيد المرأة اللعان. وقال أشهب: يلغى لعان المرأة أولا ويبتدئ الرجل باللعان ثم تلتعن المرأة بعده. وأما إن حلفت المرأة أولا فقالت: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين، وقالت في الخامسة: غضب الله علي إن كان من الصادقين، فلا اختلاف بينهما في أن أيمان المرأة ملغاة؛ لأنها حلفت على تكذيب أيمان الزوج وهو لم يتقدم له يمين والله أعلم. وقول ابن القاسم هذا على أصله في الصبي يقوم له شاهد على حقه فيبدأ المدعى عليه باليمين ثم يبلغ الصبي

مسألة: نكح أمه أو أخته وهو لا يعلم فتحمل منه فينكر الحمل وأراد الملاعنة

فينكل على اليمين أنه يجتزأ بيمين المدعى عليه المتقدمة أولا، وعلى مذهب أشهب أن المرأة تعيد اللعان بعد الزوج، لا يجتزأ بيمين المدعى عليه في مسألة الصبي، [لأن العمد والخطأ في هذا سواء والله أعلم] . [مسألة: نكح أمه أو أخته وهو لا يعلم فتحمل منه فينكر الحمل وأراد الملاعنة] مسألة وسئل عن رجل نكح أمه أو أخته وهو لا يعلم فتحمل منه، فينكر الحمل وأراد الملاعنة ثم قامت بينة أنها أمه أو أخته، هل يلاعنها أو يلحقه الولد أو ماذا يصنع فيهما؟ . قال ابن القاسم: يلاعنها وينفي الولد؛ لأن أصل نكاحه على وجه التزويج ويدرأ عنه الحد ويلحقه الولد ويلزمه الصداق وعليها العدة ولا بد من اللعان فيه فبه ينفي الولد، أو الحد ويلحقه الولد إنما هو قول يقوله أهل العراق وليس عليها حد عند أهل المدينة، وهم يقولون مع ذلك غير هذا: ليس بين العبد والحرة لعان، ولا بين المسلم والنصرانية لعان، ونحن نقول: إذا كان الحمل في الأمة والنصرانية من الحر والعبد ففيهن لعان وبين العبد والحرة لعان كان حمل أو لم يكن، وإنما يلاعن الحر الأمة والنصرانية في الحمل وليس في القذف فقد فسرنا لك هذا الوجه. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب: وليس عليه حد عند أهل المدينة وهو صحيح، إذ ليس على واحد منهما حد في تناكحها إذا

مسألة: تزوج أمة أو نصرانية ثم قال رأيتهما يزنيان

لم يعلما بالحرمة التي بينهما، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ، وقوله: إن اللعان يكون بينهما كما يكون في النكاح الصحيح صحيح لأن حكمه حكم النكاح الصحيح في لحوق النسب ووجوب الصداق بالدخول ولزوم العدة فيه وإنما لم ير أهل العراق فيه لعانا تعلقا بظاهر قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] وليس بزوجين إذ لا ينعقد لأحد نكاح فيمن حرمه الله عليه من ذوات محارمه ومن قول فاسد؛ لأنه وإن لم يكن نكاحا منعقدا في الباطن فقد انعقد في الظاهر وترتبت أحكامه في الظاهر والباطن من لحوق النسب ووجوب الصداق والعدة، فكذلك اللعان. وكذلك تعلقوا في إبطال اللعان بين العبدين، أو بين العبد والحرة، والحر تحته الأمة أو المسلم تحته النصرانية، لقول الله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6] . لأن الله سماهم شهداء إذ استثناهم من جنس الشهداء، والمستثنى من جنس المستثنى منه، فدل على أن اللعان شهادة، والعبد والمحدود والنصراني لا تجوز شهادته، وليس ذلك بشيء؛ لأن المستثنى منقطع، والمعنى فيه ولم يكن لهم شهداء غير قولهم الذي ليس بشهادة، كما قالوا: الصبر حيلة من لا حيلة له، والجوع زاد من لا زاد له وقد ناقضوا بقولهم: إن الفاسق المعلوم بالفسق يلاعن وشهادته لا تجوز، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج أمة أو نصرانية ثم قال رأيتهما يزنيان] مسألة قال ابن القاسم: في رجل تزوج أمة أو نصرانية ثم قال: رأيتهما يزنيان قال: فلا لعان عليه ولا حد فيهما جميعا إلا أن يقول:

مسألة: امرأتين شهدتا أن هذا الولد من امرأتي ولدته وكان الولد صغيرا

أخاف أن يأتي ولد فأنا أنفيه باللعان فإنه يلاعن إذا أراد أن ينفي عنه حملا يخافه، وتلاعن الأمة معه، ولا لعان على النصرانية. ولو تزوج وصيفة لم تبلغ المحيض إلا أنها توطأ فقال: رأيتها تزني وأنا ألاعن مخافة أن تأتي بحمل فيلحقني، قال: يلاعن هو ولا لعان عليها وإن جاء حمل لم يلحق به، قيل له: ولا لعان عليها إذا كان زوجها لاعن قبل أن تحيض ثم بلغت المحيض؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: قوله إن الرجل لا يلاعن الأمة ولا النصرانية إلا في نفي الحمل أو رؤية يخشى أن يكون منها ولد فيلحق به، صحيح مثل ما في المدونة وغيرها إذ لا حد عليه في قذفهما، وتلاعن الأمة لأنها تنفي الحد عن نفسها بلعانها، وتلاعن الصغيرة التي يوطأ مثلها في نفي الحمل وغيره؛ لأن قاذفها يلاعن وتحد هي إذ لا حد عليها في زناها وتبقى له زوجة على المشهور في المذهب من أن الفرقة لا تقع بين المتلاعنين إلا بالتعان المرأة بعد الزوج، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم قطع الشجر من سماع ابن القاسم وفي غيره من المواضع، وكذلك النصرانية لا لعان عليها إذ لا حد عليها في زناها إلا أن تشاء أن تلتعن هي على ما قال في المدونة فتلتعن في كنيستها، فإن أبت أن تلتعن بقيت زوجة له، وإن التعنت وقعت الفرقة بينهما قاله سحنون في كتاب ابنه وبالله التوفيق. [مسألة: امرأتين شهدتا أن هذا الولد من امرأتي ولدته وكان الولد صغيرا] مسألة قال ابن القاسم في امرأتين شهدتا أن هذا الولد من امرأتي ولدته وكان الولد صغيرا أو كبيرا، وأنا منكر لذلك وأقول: ولدها ذلك قد مات أو أقول حملها ذلك قد انفش وكنت أنا حاضرا أو غائبا.

ينتفي من حمل امرأته فيلاعنها فتنكل عن اللعان فلا يوجد سبيل إلى رجمها

قال: يلحق به الولد بشهادة المرأتين حاضرا كنت أو غائبا على ولد صغير أو كبير. قيل له: ولا يكون في مثل هذا لعان؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن شهادة النساء في الولادة جائزة وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه، فيلحق به الولد بشهادتهما. ولو لم يشهد على ولادته إلا امرأة واحدة أو لم يشهد على ولادته أحد فقالت هي: ولدته وهو ولدك، وقال هو: لم تلده ففي كتاب القذف من المدونة أن القول قولها أنها ولدته ويلحق به إلا أن ينكره ويدعي الاستبراء فيكون له أن ينفيه باللعان، وأن القول قول الأمة التي أقر سيدها بوطئها في الولادة إذا جاءت بالولد ويلزم السيد ولا يستطيع أن ينفيه ألا أن يدعي الاستبراء قبل الحمل، إلا أنها مسائل طرحها سحنون فأراه ذهب إلى أنه لا تصدق واحدة منهما في الولادة وإن جاءت بالولد لا الزوجة ولا الأمة، فلا يكون على الزوج إذا أنكر الولادة والولد أن ينفيه بلعان حتى تثبت الولادة، ولا تكون الأمة التي أقر سيدها بوطئها أم ولد وإن جاءت بالولد إلا أن تثبت الولادة فإن أثبتتها لحق به الولد، وكانت له أم ولد إلا أن يدعي الاستبراء قبل الحمل وتعلق به فيما ذهب إليهما، من أنهما يصدقان على الولادة إذا جاءت بالولد، فالظاهر من قول ابن القاسم في كتاب الشهادات وكتاب أمهات الأولاد من المدونة، والذي أقول به في هذا، أن الحرة بخلاف الأمة فتصدق الزوجة في الولادة إذا جاءت بالولد ويلزم زوجها إلا أن ينفيه بلعان إذ لا تهمة عليها في إقرارها بولادة الولد، ولا تصدق الأمة في ذلك؛ لأنها تتهم أن تأخذ لقيطا فتدعي أنها ولدته لتكون به أم ولد لسيدها ولعله قد مات فيلحق به نسب لا يدرى إقراره به وبالله التوفيق. [ينتفي من حمل امرأته فيلاعنها فتنكل عن اللعان فلا يوجد سبيل إلى رجمها] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون وسئل عن الرجل ينتفي من حمل امرأته فيلاعنها فتنكل عن

اللعان فلا يوجد سبيل إلى رجمها حتى تضع ثم يكذب الزوج نفسه قبل أن تضع وبعد أن نكلت عن اليمين هل له عليها رجعة؟ وهل بينهما ميراث؟ . قال: ملاعنته إياها ونكولها قطع العصمة ولا يرثها ولا ترثه، وإذا وضعت رجمت. قال محمد بن رشد: هذه مسألة ليست على الأصول، والصحيح ما مضى في رسم جاع من سماع يحيى أن العصمة بينهما باقية والميراث بينهما قائم، وعلى القول بأن العصمة تنقطع بتمام لعان الزوج لا ميراث بينهما نكلت أو لم تنكل، فمراعاة سحنون لنكولها في انقطاع العصمة بينهما خارج عن الأصول وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم.

كتاب الصرف الأول

[كتاب الصرف الأول] [قال لرجل ادفع إلى هذا نصف دينار فدفع إليه به دراهم] كتاب الصرف الأول

من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس أخبرني محمد بن عمرو بن لبابة قال: أخبرني العتبي محمد بن أحمد عن سحنون بن سعيد، قال: أخبرني ابن القاسم عن مالك في رجل قال لرجل: ادفع إلى هذا نصف دينار فدفع إليه به دراهم، قال ابن القاسم: ليس عليه إلا عدة الدراهم التي دفع يومئذ لأنه نصف دينار، وليس عليه أن يخرج دينارا فيصرفه وإنما الاختلاف إذا أمره بقضاء دينار تام، قال سحنون: قال ابن القاسم: يريد إذا كان المأمور إنما دفع إليه الدراهم، وأما إن كان إنما دفع إليه دينارا فصرفه فله نصف دينار بالغا ما بلغ. قال محمد بن رشد: كذا وقع في هذه المسألة قال ابن القاسم: وليس له إلا عدة الدراهم التي دفع وصوابه قال مالك، فإن المسألة في قوله بدليل تفسير ابن القاسم له بقوله يريد إذا كان المأمور إنما دفع إليه الدراهم. وأما قوله وإنما الاختلاف إذا أمره بقضاء دينار تام فأراه قول سحنون؛ لأنه إنما أشار إلى اختلاف قول ابن القاسم وغيره في ذلك الواقع في كتاب

الكفالة والحوالة من المدونة، وفي قوله وإنما الاختلاف إذا أمره بقضاء دينار تام دليل على خلاف أنه إذا أمره بقضاء نصف دينار فقضاه دراهم إنما يرجع عليه بعدة الدراهم التي قضاه، وذلك إنما يصح على القول بأن من وجب له على رجل جزء من دينار قائم يراعى في وجه المصارفة فيه ما يوجبه الحكم من أن يقضيه فيه دراهم بصرف يوم القضاء؛ لأنه إذا قال له ادفع عني إلى فلان نصف دينار فكأنه إنما أمره أن يدفع إليه صرفه إذ هو الذي يوجبه الحكم، فوجب إذا دفع إليه صرفه أن يرجع بما دفع لأنه الذي أمر إلا أن يكون حابى المدفوع إليه في الصرف فلا يرجع بالمحاباة. وأما على القول بأن من وجب له على رجل جزء من دينار قائم يراعى في وجه المصارفة فيه ما ترتب في الذمة من الذهب لا ما يوجبه الحكم في القضاء فدخل إذا أمره بقضاء نصف دينار تام فقضاه دراهم فالأمر مخير بين أن يعطيه نصف دينار أو دراهمه، وعلى هذا يأتي قول أصبغ في سماعه من كتاب العيوب فيمن باع سلعة بنصف دينار فأحال على المشتري غريما له بنصف دينار وليس بالدراهم خلاف قول ابن القاسم فيه وفي رسم حبل حبلة من سماع عيسى من كتاب جامع العيون. وتحصيل القول فيمن أمر رجلا أن يقضي دينا عليه لرجل آخر فقضى عنه خلاف ما أمره به أن ذلك ينقسم على قسمين أحدهما أن يقضي عنه خلافه مما تختلف فيه الأغراض والثاني أن يقضي عنه أدنى منه في الصفة أو أقل منه في العدد أو ما يؤول إلى ما هو أقل منه في العدد. فأما إذا قضاه خلافه مما تختلف فيه الأغراض ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك جائز جملة من غير تفصيل، والثاني أن ذلك لا يجوز

جملة من غير تفصيل، والثالث أن ذلك لا يجوز فيما لا تجوز فيه المبايعة إلا يدا بيد، مثل أن يأمره أن يقضي عنه دنانير فيقضي عنه دراهم، أو يأمره أن يقضي عنه دراهم فيقضي عنه دنانير أو يأمره أن يقضي عنه قمحا من قرض أو تمرا فيقضي عنه تمرا وما أشبه ذلك، وأن ذلك لا يجوز فيما تجوز المبايعة فيه إلى أجل، مثل أن يأمره أن يقضي عنه دنانير أو دراهم فيقضي ثمرا أو حبا أو كتانا أو قطنا وما أشبه ذلك مما يكال أو يوزن، فإذا قلنا إن ذلك لا يجوز فيما لا يجوز من ذلك على القول بأن ذلك لا يجوز فيفسخ القضاء ويرجع المأمور بما دفع ويبقى الدين كما كان عليه، وإذا قلنا أن ذلك جائز فيما يجوز من ذلك فيختلف بما يرجع به المأمور على الآمر على قولين: أحدهما أن المأمور يرجع على الآمر بما أمره به أن يدفع عنه، والثاني يرجع عليه بما دفع عنه إلا أن يشاء الآمر أن يدفع إليه ما كان عليه يكون مخيرا في ذلك، وهذا معنى قول مالك في كتاب المديان من المدونة أنه لا يربح في السلف. وأما إذا قضاه دون ما أمره به في الصفة مثل أن يأمره أن يقضيه عنه دراهم محمدية فيقضيه يزيدية، أو دنانير هاشمية فيقضيه دمشقية أو سمرا فيقضيه محمولة أو أقل في العدد أو ما يؤول إلي ما هو أقل في العدة مثل أن يأمره أن يقضي عنه دنانير فيقضي عنه عرضا من العروض في بلد يبتاع فيه بالدنانير، أو يأمره أن يقضي عنه دراهم فيقضي عنه عرضا يبتاع فيه بالدراهم، فهذا الوجه الثالث لا اختلاف فيه أن القضاء جائز وأن المأمور يرجع على الآمر بما دفع إن كان الذي دفع أقل في العدد أو أدنى في الصفة أو بالأقل من قيمة العرض الذي دفع أو مما أمره الآمر أن يدفع

مسألة: أخذ منه دراهم مقطعة في ذهب له فقال له غريمه إنما وضعتها حتى أصارفك

عنه من الدنانير أو الدراهم، وكذلك الحكم في الكفيل يدفع من عنده الذي تكفل له عن المكفول به خلاف ما تكفل به عنه، وقد فرق ابن القاسم في أحد أقواله من كتاب الكفالة من المدونة بين المأمور والكفيل يقضيان الغريم خلاف ما له عندهما وسنزيد هذه المسألة بيانا إن شاء الله في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الحمالة إذا مررنا إن شاء الله بها، وأما إن اشترى الكفيل ما تحمل به ولم يخرجه من عنده فلا اختلاف في أنه يرجع بالثمن الذي اشترى به إذا لم يحاب البائع في اشترائه لأن المتحمل عنه كأنه قد أذن في الشراء، وكذلك المأمور أيضا وبالله التوفيق. [مسألة: أخذ منه دراهم مقطعة في ذهب له فقال له غريمه إنما وضعتها حتى أصارفك] مسألة وقال مالك: من كانت له ذهب على رجل فأخذ منه دراهم مقطعة، ثم قال له غريمه: إنما وضعتها على يديك حتى أصارفك (بالثمن الذي اشترى به) ، وقال الآخر: بل صارفتك: فالقول قول الذي قبض الدراهم إن كان جاء بأمر يعرف من الصرف، وإن جاء بأمر لا يعرف حلف الآخر، قال ابن القاسم: أحب إلي أن يحلف الذي عليه الذهب ويعطي الدراهم بالله ما باعه الدراهم ثم يتصارفان إن أحبا، فإن نكل عن اليمين حلف قابض الدراهم وكان القول قوله. قال محمد بن رشد: وجه قول مالك في هذه المسألة أنه حمل قول الغريم: وضعتها على يديك حتى أصارفك بها على أنه أوجب على نفسه مصارفته بها من غير أن يتناجزا في الصرف، فوجب أن يكون القول قول الآخر الذي ادعى أنه قد صارفه بها؛ لأنه ادعى حلالا، إذ لا يحل

الصرف إلا بالمناجزة ولو كان الدافع هو الذي ادعى المناجزة في الصرف، وقال القابض: إنما وضعتها على يدي حتى تناجزني فيها لكان القول قول الدافع عند مالك على أصله، ووجه قول ابن القاسم أنه حمل قوله وضعتها على يديك حتى أناجزك فيها على أنه إنما وعده بالمصارفة بها، ولم يوجب ذلك على نفسه، فوجب أن يكون القول قوله؛ لأن القابض مدعى عليه ما لم يقر له به من المصارفة، وهو أظهر من قول مالك. ولو كان القابض هو الذي قال: إنما وضعتها على يدي حتى تصارفني بها وقال الدافع: بل صارفتك بها لكان القول قول القابض عند ابن القاسم على أصله. ولو ادعى أحدهما القابض أو الدافع أنه صارفه بها مصارفة فاسدة مثل أن يقول: صارفتك بها على أن أحدنا بالخيار، أو على أن نبدل لك ما وجدت فيها من زائف وقال الآخر: بل ناجزتك فيها دون شرط لكان القول قول مدعي المناجزة منهما عندهما جميعا على أصولهم في أن القول قول مدعي الحلال من المتبايعين. ولو قال أحدهما: صارفتني فيها، وقال الآخر: لم أصارفك فيها ولا ذكرنا صرفا وإنما كانت وديعة لكان القول قول من قال منهما إنما كانت وديعة عندهما جميعا، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وقد كان بعض الشيوخ يصرفها إلى كتاب الكفالة من المدونة في الرجل يكون عليه للرجل مائة درهم من قرض ومائة درهم من كفالة، فيدفع إليه مائة درهم فيقول القابض: المائة التي قبضت هي الكفالة، ويقول الدافع: بل هي القرض، ويقول قول مالك في هذه المسألة مثل قول غير ابن القاسم في كتاب الكفالة وليس ذلك بصحيح؛ لأن المسألتين مفترقتان في المعنى فلا يصح حمل إحداهما على الأخرى، ألا ترى أن مسألة كتاب الكفالة قول ابن القاسم فيها أن المقبوض يقسم على الحقين، يريد بعد أيمانهما وذلك لا يصح في هذه المسألة لأنه حق واحد، وبالله التوفيق.

ابتاع حنطة بدينار وازن ثم إنه أعسر بالدينار الوازن

[ابتاع حنطة بدينار وازن ثم إنه أعسر بالدينار الوازن] ومن كتاب القبلة قال ابن القاسم: سمعت مالكا قال في رجل ابتاع حنطة بدينار وازن، ثم إنه أعسر بالدينار الوازن فقال للذي باع منه الحنطة: خذ مني دينارا ناقصا شعيرة وأرد عليك فضل الحنطة، قال مالك: إذا ثبت البيع بالوازن فلا ينبغي ذلك؛ لأنه قد ثبت عليه دينار وازن فأعطى مكانه ناقصا وزيادة حنطة. فذلك دينار بدينار وحنطة، وإن ثبت البيع بناقص فلا ينبغي له أن يعطي وازنا ويأخذ فضل شيء من الأشياء، فأما ما لم يثبت البيع إلا مراوضة منهما فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه إن ثبت البيع بينهما بالدينار الوازن بإيجاب كل واحد منهما إياه لصاحبه فلا يجوز أن يأخذ منه ناقصا ويأخذ من الحنطة ما وجب لنقصان الدينار، وقال ابن حبيب: إنه يدخله أربعة أوجه، التفاضل بين الفضتين، والتفاضل بين الطعامين، وبين الطعام قبل أن يستوفي، والأخذ من ثمن الطعام طعاما، يريد إن كان الطعام قد قبضه المبتاع وافترقا، وأما إن قبضه ولم يفترقا فلا يدخله الأخذ من ثمن الطعام طعاما ولا بيع الطعام قبل أن يستوفى فالعلتان الثانيتان إنما هما التفاضل بين الذهبين. والتفاضل بين الطعامين، وأما الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما، والبيع قبل الاستيفاء فلا يجتمعان؛ لأن الطعام إن كان قبض فلا يدخله البيع قبل الاستيفاء، وإن كان لم يقبض فلم يدخله الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما، وإن كان قد قبض ولم يفترقا لم يدخله واحدة منهما، وكذلك لا يجوز له أن يأخذه في نقصان

الدينار فلوسا ولا شيئا من الأشياء، وقد فرق في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه بعد هذا في آخر السماع بين أن يأخذ منه في النقصان فلوسا أو يحاسبه به في الطعام فيأخذ منه لنفسه ما وجب له فمنع من ذلك بالفلوس وأجازه بالطعام، وقال: إن ذلك بعد الوجوب، ويحتمل ذلك وجهين من التأويل. أحدهما أن يكون إنما تكلم فيه على أن المبتاع قد أوجب البيع للبائع ولم يوجبه البائع له، وذلك مثل أن يقول المبتاع للبائع كم تبيعني من طعامك بدينار وازن؟ فيقول: عشرة أرادب، فيقول المبتاع: قد أخذته بذلك، فيخرج الدينار فيجده ناقصا قبل أن يقول البائع قد بعتك، والوجه في ذلك أن المبتاع لما أوجب على نفسه الدينار للبائع بعشرة أرادب وجب للبائع إن أراد أن يمضي له البيع به فلا يجوز له أن يبيعه منه بدينار ناقص وفلوس، ولما كان كان البائع لم يوجب على نفسه الطعام للمبتاع جاز للمبتاع أن يعطيه منه في نقصان الدينار، ولم يكن ذلك بيعا له قبل استيعابه إذ لم يجب له بعد ويكون معنى قوله في الرواية: وإنما هو عندي بمنزلة رجل اشترى بدرهمين حنطة، ثم قال له بعد ذلك: أعطني بدرهم وأقلني من درهم أنه بمنزلة في الجواز لا في استواء العلة لأنه في الدرهم من الدرهمين إقالة جائزة بعد تمام البيع، وفي نقصان الدرهم فعل جائز إذ لم يتم البيع بينهما، وهذا جائز أن يقال هذا مثل هذه وإن لم يكن مثله إلا في وجه من وجوهه، قال عز وجل: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] يريد مثلهن في العدد لا فيما سواه وقال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38] يريد أمثالها في أنهم أمم لا فيما سوى ذلك، ويستدل على أنهم إنما أراد بقوله فيها

بعد الوجوب بعد أن أوجب المبتاع البيع للبائع ولم يوجبه له البائع بقوله: كأنه حمله على وجه المساومة، وفيه تفسير من البيع يريد أنه أخذ بشبه من المساومة إذ لم يتم البيع بينهما، وأخذ بشبه من البيع، إذ قد لزم أحدهما، والقياس أن يغلب أحد الوجهين، أما الوجوب فلا يجوز أن يحاسبه بالنقصان بالطعام، كما لا يجوز أن يأخذه به فلوسا، وأما المساومة إذا لم يجب البيع بينهما بإيجاب كل واحد منهما إياه لصاحبه فيجوز أن يحاسبه بالنقصان في الطعام وأن يأخذ به منه فلوسا، وأما إن كان في المراوضة قبل أن يوجب البيع واحد منهما لصاحبه فذلك جائز لا بأس به كما قال؛ لأن البيع إنما تم بما عقدا عليه آخرا فلا إشكال في جواز ذلك، فالمسألة على هذا التأويل في الدينار الوازن الذي له فضل في عينيه على الناقص تنقسم على هذه الثلاثة الأقسام وهي أن يكون ذلك الفعل بعد أن أوجب كل واحد منهما البيع لصاحبه وأن يكون قبل أن يوجبه واحد منهما لصاحبه وأن يكون قد أوجبه أحدهما ولم يوجبه الآخر له، وقد مضى تفسير ذلك والحكم فيه. والتأويل الثاني أن يكون تكلم في هذه المسألة على أن للدينار الوازن فضلا في عينه على الناقص، وتكلم في مسألة رسم المحرم على أن الدرهم الكيل الوازن للأفضل له في عينه على الناقص فأجاز لما لم يكن له في عينه فضل على الناقص أن يأخذ الناقص ويحاسبه بقدر النقصان في الطعام، وأشبه عنده من اشترى حنطة بدرهمين فأقاله من أحدهما، ولم يقو عنده قوة الدرهمين إذ يجوز لمن كان له على رجل درهمان وازنان أن يأخذ منه أحد درهميه وبالآخر فلوسا ولا يجوز لمن له علي رجل درهم وازن أن يأخذ منه نصف درهم وبالنصف الآخر فلوسا إلا أنه أجازه مراعاة لقول من يرى الخيار من المتبايعين ما لم يتقاضيا أو يتفارقا، وهو معنى قوله: كأنه حمله على وجه المساومة، وفيه تفسير من البيع. وهذا التأويل أظهر وأولى وأحسن من التأويل الأول والله أعلم.

مسألة: باع سلعة بدنانير ثم دعاه الذي عليه الذهب إلى أن يستعير ذهبا

ولو اشترى رجل حنطة بدينار من الذهب التي إنما تجري مجموعة مقطوعة بالميزان كالذهب العبادية والشرفية لجاز إذا وجد عنده أقل من مثقال أن يأخذ بما نقص فلوسا أو بما شاء من العروض وأن يحاسبه بالنقصان فيما له من الطعام. فقف على أن الدينار الوازن الذي له فضل في عينه على الناقص لا يجوز له بعد الوجوب أن يأخذ بنقصانه فلوسا، ويجوز له أن يحاسبه به في الطعام، وأن الدينار الذي يجري بالميزان مجموعا مقطوعا إذا لم يشترط أن يأخذه صحيحا يجوز فيه الوجهان وبالله التوفيق. [مسألة: باع سلعة بدنانير ثم دعاه الذي عليه الذهب إلى أن يستعير ذهبا] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال في رجل باع سلعة بدنانير قائمة أو وازنة أو ناقصة نقصانا معروفا قيراطا قيراطا أو نصف قيراط كل دينار، ثم دعاه الذي عليه الذهب إلى أن يستعير ذهبا مثل الذهب الذي له فيزن له بها ذهبا أخرى قائمة أو مخالفة لنقصانها، ثم يعطيه إياها مكانه فدخل في ذلك اختلاف في العدد إنه لا ينبغي أن يكون له وازنة فيأخذ مكانها ناقصة بوزنها، وقال مالك: لا أحب هذا لأن هذا يدخل اختلافا في الوزن، وإنما تجوز المصارفة إذا حضرت الذهبان أو الورقان وأن هذه إحداهما غائبة والأخرى حاضرة. قال محمد بن رشد: إنما قال: إن ذلك لا يجوز لأنه إنما أخذ ذهبا

مسألة: دفع إلى آخر له ذهبا أو ورقا ناقصا أو طعاما مأكولا فقال له أحسن إلي

بوزن العدد الذي له هل يدري أخذ في الوزن أقل أو أكثر إذ لا بد من أن يزيد في الوزن أو ينقص، فهو يغتفر فضل العدد رجاء زيادة الوزن لا سيما والصرافون يزعمون أن الذهب إذا جمع نقص، فإذا فرق زاد، وهو مثل قوله في المدونة في مسألة الدرهمين الفردين يؤخذ بوزنهما فضة، ومثل قول ابن حبيب في الواضحة خلاف قوله في سماع أشهب أنه لا بأس أن يقتضي من الدينار القائم دينارا ناقصا خروبة وخروبة ذهب بوزنه، وقد قيل إنه ليس بخلاف، وإنما استخفه من أجل أنه دينار واحد، وأما إذا اقتضى من العدد الذي له ذهبا مجموعا في الوزن فإن كان أكثر من عدد الذهب الذي له لم يجر بحال؛ لأنه ترك فضل العين لزيادة الوزن، وإن كان أقل وزنا جاز إن كان أقل عددا ولم يجز إن كان أكثر عددا لأنه ترك فضل العين لزيادة القدر والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة: دفع إلى آخر له ذهبا أو ورقا ناقصا أو طعاما مأكولا فقال له أحسن إلي] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال في رجل دفع إلى آخر له ذهبا أو ورقا ناقصا أو طعاما مأكولا، فقال له: أحسن إلي أبدل لي هذا بأجود منه وأنفقه فيما تنفق. قال مالك: إذا كان على وجه المعروف على غير شرط إن شاء تم على ذلك وإن شاء رد عليه مثل ما أخذ منه لم يلزمه غير ذلك، فلا أرى فيه بأسا يدا بيد. قال محمد بن رشد: أجاز مبادلة الذهب أو الورق الناقصة بالذهب الوازنة والطعام المأكول بالطعام صحيح على وجه المعروف، ومعنى ذلك في الذهب والورق فيما قل منه مثل الدينار والثلاثة إلى الستة على ما

مسألة: بيع الذهب بالفضة

في المدونة، وإن كان سحنون قد أصلح الستة وردها ثلاثة. وقوله بأجود منه يدل على جواز بدلها بأوزن وأجود، خلاف قول مالك في المدونة مثل قول ابن القاسم. وأما الطعام فيجوز مبادلة المأكول منه والمعفون بالصحيح السالم على وجه المعروف في القليل والكثير على ظاهر هذه الرواية وما وقع في رسم النسمة من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، ومنع من ذلك أشهب كالدنانير الكثيرة النقص بالوازنة [فلم يجز المعفون بالصحيح ولا الكثير العفن بخفيف العفن، وهو دليل ما في كتاب القسمة من المدونة من أنه لا يجوز الطعام المعفون بالطعام المعفون إلا أن يشبه بعضه بعضا ولا يتفاوت، وأجاز ذلك سحنون في المعفون وقال: إنه لا يشبه الدنانير النقص بالوازنة؛ لأن بين الدنانير الكثيرة النقص بالوازنة] تفاضلا في الوزن، ولا تفاضل في الكيل بين المعفون بالصحيح. قال: وكره المعفون بالصحيح لكره القمح بالشعير والجيد بالرديء، وكره في المأكول إذا كانت الحبة قد ذهب أكثرها. ومعنى قوله إذا كان ذلك على غير شرط، أي أنه لا يجوز له أن يقول له أبدله لك على أني إن قدرت على نفقته وإلا صدقته عليك أو ضربت عليك مثله إن شئت وأخذت منك ما أعطيتك. [مسألة: بيع الذهب بالفضة] مسألة وقال مالك في الشيء من الحلي، يكون الذهب والورق قد صيغ. قال: إن كان ما فيه من الفضة ثلث ذلك أو أدنى بيع بالفضة، وإن كان الذهب هو الثلث في القيمة بيع بالذهب يدا

مسألة: بيع الذهب بالورق

بيد، وإن كان على غير ذلك لم يبع إلا بعرض أو فلوس أو شيء غير الذهب والورق، قال ابن القاسم: رجع مالك عن هذا وقال: لا يباع كله إلا بعرض أو فلوس، وقوله الذي رجع إليه أحب ما فيه إلي. قال محمد بن رشد: قول مالك الأول هو قوله في المدونة في رواية علي بن زياد عنه واختيار أشهب، وقوله الثاني هو قوله في المدونة في رواية ابن القاسم عنه واختيار ابن القاسم هاهنا، وهو أقيس وأحوط لأن الذهب والورق لما كان كل واحد منهما أصلا في نفسه مضبوط القيمة إذ هما أصول الأشياء وقيم المتلفات لم يكن أحدهما تبعا لصاحبه وإن كان أقل من الثلث من أجل أن قيمته مضبوطة والغرض فيهما جميعا سواء إلا أن يكون الذي مع الفضة من الذهب أو مع الذهب من الفضة الشيء اليسير الذي لا يؤبه له فحينئذ يكون تبعا له، روى ذلك زياد عن مالك؛ بخلاف السيف والمصحف وما أشبههما يحليان بالذهب والفضة فتكون حليتهما الثلث فأقل لأن الغرض حينئذ إنما يكون في شراء الأصل المحلى لا في شراء حيليته فيجعل جميع الثمن له إذ ليست قيمته مضبوطة كقيمة الذهب والورق، وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أن القياس أن يكون كل واحد من الذهب أو الفضة ملغى مع صاحبه إذا كان الثلث فأقل كما يكون ملغى مع العرض وقد بينا الفرق بين ذلك. وقوله: وإن كان على غير ذلك لم يبع إلا بعرض أو فلوس أو شيء غير الذهب والورق بين أنه لا يجوز أن يباع بأقلها إذا كان أقلها أكثر من الثلث على قول مالك الأول ومذهب أشهب، وإن كان ابن أبي زيد قد اختصره على غير ذلك فهو خلط والله أعلم. [مسألة: بيع الذهب بالورق] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: لا يجوز في شيء من بيع الذهب بالورق تأخير ولا حول ولا حمالة ولا خيار إلا المناجزة

يدا بيد لا يفارقه وبينهما شيء، هذا نص ما في كتاب الخيار من المدونة. فقوله: إنه لا يجوز في ذلك تأخير صحيح لا اختلاف فيه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء» وقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره. فإن انعقد الصرف بينهما على أن يتأخر منه شيء فسح، وإن وقع على المناجزة ثم أخر صاحبه بشيء منه انتقض الصرف فيما وقعت فيه النظرة باتفاق وإن كانت النظرة في أقل من صرف دينار لنتقض صرف دينار، وإن كانت في أكثر من دينار انتقض صرف دينارين، وإن كانت في أكثر من صرف دينارين انتقض صرف ثلاثة دنانير، هكذا أبدا، وفيما وقع فيه التناجز على اختلاف. وإن وقع على المناجزة ثم تأخر شيء منه بغلط أو سرقة من الصراق أو نسيان مضى الصرف فيما وقع فيه التناجز من ذلك باتفاق، وفيما وقع فيه التأخير إن رضي الذي هو له بتركه على اختلاف، وسيأتي تفسير هذا وبيانه بعد هذا إن شاء الله. وقوله: إنه لا يجوز في ذلك حول، ظاهره أن الحوالة في الصرف لا تجوز وإن قبض المحال من المحال عليه مكانه قبل مفارقته الذي أحاله، وهو مذهب ابن القاسم خلاف قول سحنون أنه يجوز ما أحيل به مكانه قبل مفارقة الذي أحاله. وأما قوله إنه لا يجوز في ذلك حمالة فهو كما قال لأن

يأتي بفضة له إلى سكة بيت الضرب ضرب الدراهم فيعطيه فضته ويعطيه أجرة منها

الحمالة لا تكون إلا بما يتأخر قبضه والصرف لا يكون إلا بأجزاء إلا أن تكون الحمالة بالدنانير أن استحقت الدراهم أو بالدراهم إن استحقت الدنانير فتجوز، وكذلك الرهن. وأما قوله إنه لا يجوز في ذلك خيار فهو كما قال؛ لأن الخيار لا يجوز فيه النقد، والصرف لا يجوز أن يتأخر فيه النقد، فالصرف على الخيار فاسد كان لأحدهما أو لغيرهما، غير أنه إن كان لهما جميعا فتمماه على العقد الأول وتناقدا بحضرة اتفاقها على إمضائه لم يفسخ، إذ لم يكن لازما لواحد منهما أو لغيرهما فسخ ما عثر عليه وإن طال، للزوم بيع الخيار للذي لم يشترطه منهما لنفسه، وبالله التوفيق. [يأتي بفضة له إلى سكة بيت الضرب ضرب الدراهم فيعطيه فضته ويعطيه أجرة منها] ومن كتاب أوله حلف ألا يبيع سلعة سماها وسئل عن الرجل يأتي بفضة له إلى سكة بيت الضرب: ضرب الدراهم، فيعطيه فضته ويعطيه أجرة منها ويأخذ منه أجرة مضروبة. قال: إني لأرجو أن يكون ذلك خفيفا، وقد كان يعمل به بدمشق فيما مضى، وتركه أحب إلي، وأما أهل الورع من الناس فلا يفعل ذلك. قال محمد بن رشد: التكلم في هذه المسألة على وجهين، أحدهما خلط أذهاب الناس في الضرب بعد تصفيتها ومعرفة وزنها، فإذا خرجت من الضرب أخذ كل إنسان منهم على حساب ذهبه، وأعطى الضرب أجرته، والثاني أن يأتي الرجل بذهبه ليضربها فيشق عليه المقام

على ضربها ويريد أن يستعجل دنانير مضروبة من عند الضراب فيبادله إياها بذهبه ويزيد قدر أجرته على ضربها، وهما وجهان مذمومان لا خير فيهما، إلا أن الأول منهما أخف من الثاني فخففه في هذه الرواية لحاجة الناس إلى ذلك؛ لأن معنى قوله فيها: ويأخذ منه دراهم مضروبة أي يأخذ منه دراهم مضروبة إذا فرغ من ضربها مع غيرها على حساب فضته، وحكى أنه قد كان يعمل به بدمشق ورأى تركه أحب إليه، وقال: إن أهل الورع من الناس لا يفعله، وأجازه أيضا في رسم مسائل البيع، وكذا من سماع أشهب إذا كانوا يخلصون الأذهاب ولا يغشونها، ولم يكن في البلاد إلا سكة واحدة، وقال: إنه قد كان يعمل به في زمن بني أمية بدمشق؛ لأنها كانت سكة واحدة والتجار كثير، والناس مجتازون والأسواق متفاوتة، فلو جلس كل واحد منهم حتى يضرب ذهب صاحبه فاتت الأسواق، فلا أرى لذلك بأسا، قال: فأما اليوم فإن الذهب يغش، وقد صار لكل مكان سكة تضرب فلا أرى ذلك يصلح، وإلى هذا ذهب ابن المواز من رأيه أن ذلك لا يجوز اليوم؛ لأن الضرورة قد ارتفعت، وأجاز ذلك أيضا مالك في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة في عصير الزيتون، وقال سحنون: لا خير فيه، وإليه ذهب ابن حبيب، وحكى إنه سأل عن ذلك من لقي من المدنيين والمصريين فلم يرخصوا فيه على حال. وأما الوجه الثاني وهو استعجال الدنانير ومبادلتها بالذهب بعد تجميعها وتصفيتها مع زيادة أجرة عمل مثلها فقال ابن حبيب: إن ذلك حرام لا يحل لمضطر ولا غيره، وهو قول ابن وهب وأكثر أهل العلم وخفف ذلك مالك في نذر سنة يصومها بعد هذا لما يصيب الناس في ذلك من الحبس مع خوفهم في ذلك، كما جوز للمعري شراء العرية بخرصها وكما جوز دخول مكة بغير إحرام لمن يكثر التردد إليها، ثم قال: ما هو من عمل الأبرار، وقال ابن القاسم فيه: أراه خفيفا للمضطر وذوي الحاجة، والصواب أن ذلك لا يجوز إلا مع الخوف على النفس الذي يبيح أكل الميتة، وإنما خفف ذلك مالك ومن تابعه على تخفيفه مع الضرورة التي لا تبيح أكل الميتة مراعاة لقول من لا يرى الربا إلا في النسيئة، روي ذلك عن ابن

مسألة: يأتي إلى السقاط بدينار فيأخذ منه بربع زيتا وبربع تمرا وبربع سويقا

عباس، وقال به جماعة من أهل مكة، وإنما قاله ابن عباس لما حدثه به أسامة بن زيد، أنه سمع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «لا ربا إلا في النسيئة» ولم يتابع ابن عباس أحد من الصحابة على قوله وتأويله في حديث أسامة وهو عند أهل العلم محمول على أنه خرج على سؤال لسائل سأل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن التفاضل فيما يجوز فيه التفاضل يدا بيد فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ربا إلا في النسيئة» ، يريد فيما سئل عنه، فحكى أسامة بن زيد ما سمع من قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يسمع سؤال السائل، وقد روي أن ابن عباس رجع عن هذا إلى ما عليه الجماعة. ولم يجز مالك ولا أحد من الصحابة شراء حلي الذهب أو الفضة بوزن الذهب أو الفضة وزيادة قدر الصياغة، وإن كان معاوية يجيز تبر الذهب بالدنانير متفاضلا، والصوغ من الذهب بالذهب متفاضلا لا ضرورة في ذلك فيرى ما فيه فورا والله أعلم. [مسألة: يأتي إلى السقاط بدينار فيأخذ منه بربع زيتا وبربع تمرا وبربع سويقا] مسألة وسئل عن الرجل يأتي إلى السقاط بدينار فيأخذ منه بربع زيتا وبربع تمرا وبربع سويقا ويخلف عنده الربع الآخر على غير شيء. قال: لا بأس بذلك وكذلك الدرهم لا بأس به. قال محمد بن رشد: إنما أجاز أن يخلف عنده الربع الدينار وربع الدرهم إذا اشترى منه بثلاثة أرباعها لأنه إنما يبقى ذلك له عنده على سبيل الوديعة فيكون شريكا فيما يجريه، فإذا أراد أحدهما الانفصال من صاحبه أحضر الدينار أو الدرهم فباعه واقتسما ثمنه، فلا فساد في ذلك

مسألة: عليه أثلاث دينار منجمة في كل شهر ثلث دينار فأيسر بدينار

على مراعاة ما ثبت في الذمة؛ لأنه إنما وجب له عليه ثلاثة أرباع دينار فدفع ذلك إليه ولا يجوز مراعاة ما يوجبه الحكم له عليه صرف ثلاثة أرباع الدينار، إذ لا ينقسم، فصار قد صارفه في ذلك مصارفة غير ناجزة لشركته معه في الدينار، فيرد إليه الدينار ويأخذ منه صرف ثلاثة أرباعه، ولا ينقض البيع إلا أن يكون قد بايعه على ذلك فينتقض على هذا القول. ولو دفع إليه الدينار على أن يكون الربع عنده سلفا على غير شرط في أصل البيع لجاز على مراعاة ما ترتب في الذمة من الذهب ولم يجز على مراعاة ما يوجبه الحكم لأنه صارفه في النصف على أن أسلفه النصف، فدخله البيع والسلف، ولو بايعه على غير شرط لكان بيعا وسلفا وبالله التوفيق. [مسألة: عليه أثلاث دينار منجمة في كل شهر ثلث دينار فأيسر بدينار] مسألة وسئل عن رجل عليه أثلاث دينار منجمة في كل شهر ثلث دينار فأيسر بدينار فأراد أن يعطيه إياه قبل محلها. قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: جوابه في هذه المسألة صحيح على مراعاة ما ثبت في الذمة لأنه عجل ما عليه، فجاز ذلك، ولا يجوز على مراعاة ما يوجبه الحكم من أن يقضيه صرف كل ثلث إذا حل عليه لأنه كمن اقتضى من دراهم له مؤجلة ذهبا معجلا وهذا بين. [مسألة: باع من رجل ثوبا بنصف دينار فقبض الثوب فلما كان من الغد جاء بدينار] مسألة وسئل عن رجل باع من رجل ثوبا بنصف دينار فقبض الثوب فلما كان من الغد جاء بدينار فطلب منه النصف فقال: ما عندي فأقره عندي سلفا.

يكون عنده الدنانير المضروبة فيريد دنانير نقصا عتقا ولها نفاق في عيونها

قال: ما يعجبني. قلت: فلا يعجبك؟ فقال: ما هذا بالبين ووقف عنه، قال ابن القاسم: أراه قضاء وسلفا إذا لم يكن شرطا في أصل البيع، وقد أخبرني من أثق به عن ربيعة مثل ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا الاختلاف أيضا في هذه المسألة جار على ما ذكرناه قبل، فكراهة مالك له في أحد قوليه على مراعاة ما يوجبه الحكم خلاف مذهبه في المسألة التي فوقها، وقول ابن القاسم وأحد قولي مالك في إجازة ذلك على مراعاة ما ثبت في الذمة مثل قول مالك في المسألة التي فوقها وبالله التوفيق [يكون عنده الدنانير المضروبة فيريد دنانير نقصا عتقا ولها نفاق في عيونها] ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك عن الرجل يكون عنده الدنانير المضروبة القائمة ولها صروف في عيونها فيريد دنانير نقصا عتقا ولها نفاق في عيونها والقائمة في ذلك أفضل إلا أنه إذا رضي بذلك لمكان عدم العتق فهو يدخل في عددها زيادة الخمسة والعشرة القائمة على عدد القائمة بمراطلتها. قال: إن كانت مضاربته مثلا بمثل فلا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: هذه المسألة منصوصة في المدونة، وهي صحيحة على أصولهم في أن السكة والصياغة ملغتان في المراطلة فيجوز أن يراطل تبر ذهب بذهب دونها مصوغة أو مضروبة وإن كان قد علم أنه إنما رضي بترك فضل ذهبه على ذهب صاحبه من أجل الصياغة والسكة،

مسألة: يقدم البلدة التي تجوز فيها الدراهم النقص ويكون معه دراهم كبار فيريد أن يقطعها

والأصل في ذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تبيعوا الذهب إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا بعضها على بعض» ، وإنما الذي لا يجوز أن يراطل ذهبا بذهبين إحداهما أرفع والثانية أوضع، وسيأتي الكلام على هذا مستوفى في أصل البيع والصرف من سماع أصبغ وبالله التوفيق. [مسألة: يقدم البلدة التي تجوز فيها الدراهم النقص ويكون معه دراهم كبار فيريد أن يقطعها] مسألة وسئل مالك عن الذي يقدم البلدة التي تجوز فيها الدراهم النقص ويكون معه دراهم كبار فيريد أن يقطعها، قال ذلك يكره. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن ذلك مكروه مخافة أن يذهب بها إلى بلدة لا يجوز النقص فيها فيغش فيها، فذلك أشد في الكراهية من قطع الدنانير المقطوعة، وقد أجاز في أول رسم أشهب قطع الدنانير المقطوعة عند الحاجة إلى ذلك، وأجاز ابن القاسم في سماع أصبغ قطعها إجازة مطلقة إذا لم تكن صحاحا مدورة وأما قطع الدنانير الوازنة وردها ناقصة في البلد التي لا يجوز فيها الدنانير الناقصة فذلك لا يحل ولا يجوز، وسيأتي هذا المعنى أيضا في رسم تأخير صلاة العشاء وبالله التوفيق. [مسألة: يجعل في فص خاتمه الحبة والحبتين من الذهب يخلطه معه يريد بذلك ألا تصدأ فضته] مسألة وسئل عن الرجل يجعل في فص خاتمه الحبة والحبتين من الذهب يخلطه معه يريد بذلك ألا تصدأ فضته كرهه أيضا. قال محمد بن رشد: مسمار الذهب في الخاتم كالعلم من الحرير

مسألة: معاملة الصيارفة

يكون في الثوب فمالك يكره ذلك وغيره يجيزه ولا يرى فيه كراهة فمن تركه على مذهب مالك أبر، ومن فعله لم يأثم؛ لأن هذا هو حد المكروه وعلى مذهب غيره هو من المباح لا إثم في فعله ولا أجر في تركه أما خلط الشيء اليسير من الذهب في خاتم الفضة فهو يشبه الثوب المشوب بالحرير كالخز وشبهه فيكرهه مالك، وغيره يجيزه أيضا، وفرق ابن حبيب فيما كان مشوبا بالثياب بالحرير من الخز اتباعا على غير قياس، ومذهبه في ذلك شذوذ وبالله التوفيق. [مسألة: معاملة الصيارفة] مسألة وقيل لمالك: أيستحب للرجل أن يصرف من التجار ويدع الصيارفة. قال: نعم هذا أحب إلي لموضع ما يربون؛ لأن الفساد قد كثر، فكلهم يعمل بما لا يصلح. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن الغالب على الصيارفة العمل بالربا فيستحب تجنب معاملة أحد منهم وإن لم يعلم حاله؛ لأنه يحمل على الغالب من أهل صناعته، وقد قيل: إن معاملة من خالط ماله من ربا أو غيره لا يحل ولا يجوز، والصحيح أنها مكروهة وليست بحرام ولنا في هذا المعنى مسألة جامعة لمن أراد الشفاء منه طالعها وبالله التوفيق. [مسألة: يصرف من صراف بذهب ورقا ثم يصرفها منه بذهب آخر] مسألة قال مالك: يكره للرجل أن يصرف من صراف بذهب ورقا ثم يصرفها منه بذهب آخر، وقيل له: أرأيت إن استودعها إياه بعد أن صارفه؟ قال: لا خير فيه.

يبتاع بمثقال الذهب دراهم فيجد الذهب غير جيدة فيرده عليه ويقول إني قد وجدته غير جيدة

قال محمد بن رشد: قوله إنه يكره للرجل أن يصرف من صراف بذهب ورقا ثم يصرفها منه بذهب آخر، معناه في المجلس أو يقرب ذلك بعد اليوم واليومين على ما في المدونة، وأما إذا طال الأمر فذلك جائز، وإنما يكره ذلك للتهمة ويفسخ من أجل الذريعة، فإذا ارتفعت التهمة وظهرت البراءة في فعلهما جاز ذلك وذلك مثل أن يبيع الدراهم منه في المجلس بحضرتهما قبل التفرق بذهب مثل عين ذهبه أقل منها أو أكثر أو مخالف لعينها في مثل وزنها؛ لأنه إذ أخذ منه مثل عين ذهبه أقل أو أكثر يبرأ من التهمة إذ لا يتهم أحد في دفع عشرة يأخذ عشرة يدا بيد وإذا أخذ منه ذهبا مخالفة لعينها في مثل وزنها كانت مراطلة، وإنما الذي لا يجوز له أن يأخذ منه بالحضرة قبل التفرق ذهبا مخالفة لذهبه في عينيها ووزنها، وأما بعد التفرق بالقرب فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا مثل عين ذهبه في مثل وزنها أو أقل من وزنها، فإن طال الأمر بعد التفرق جاز أن يأخذ منه ما شاء. وأما تركه الذهب عنده وديعة بعد المصارفة فيه فإنما لم يجز ذلك من أجل أنه إذا صرف الذهب إليه أن الأمر إلى الصراف المتأخر فإنهما على القصد إلى ذلك، ولو صح ذلك منهما لم يكن عليهما فيه حرج، وقد أجاز ذلك ابن وهب في سماع أبي جعفر إذا طبع عليها، وهو بعيد لأن الطبع عليها لا يرفع التهمة عنهما بخلاف رهن ما لا يعرف بعينيه إذا غيب عليه، وبالله التوفيق. [يبتاع بمثقال الذهب دراهم فيجد الذهب غير جيدة فيرده عليه ويقول إني قد وجدته غير جيدة] ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك عن الذي يبتاع بمثقال الذهب دراهم فيجد الذهب غير جيدة فيرده عليه ويقول: إني قد وجدته غير جيدة،

قلادة اشتراها قوم من رجل بدراهم نقدا وقالوا لصاحبها ندفع إليك الثمن وأخروه

فيقول: أنا أعطيك به دينارا مضروبا بوزنه، قال: لا يعجبني هذا القول حتى يفسخ ذلك، فإذا فسخ فإن شاء أخذ به مثقال ذهب، وإن شاء أخذ به دراهم. قال محمد بن رشد: معنى المسألة أنه ابتاع مثقال ذهب غير مضروب بدراهم فكره لما وجده غير جيد أن يأخذ منه به مثقالا مضروبا قبل فسخ الصرف ولم يبين من يفسخه، وأشهب يرى أن تراضيهما بفسخه كفسخ السلطان إياه خلاف ما ذهب إليه ابن المواز. وقول مالك: لا يعجبني إلى آخر قوله، صحيح على أصله أن البدل في الصرف لا يجوز؛ لأنه إذا لم يجز أن يبدله له بمثله ورأى ذلك صرفا متأخرا فأحرى ألا يجوز له أن يبدله بخلافه، وذلك جائز على مذهب من يجيز البدل في الصرف لأنه بمنزلة من له على رجل دينار غير مضروب فأخذ به دينارا مضروبا بوزنه وعلى مثل جودته. فإذا فسخ الصرف بينهما بحكم على مذهب ابن المواز أو تراضيا على فسخه بينهما بغير حكم على مذهب جاز أن يأخذ به دينارا مضروبا لأنه إنما له دراهم مثل الذي دفع فيجوز له أن يأخذ به ذهبا أو ما شاء من العروض وبالله التوفيق. [قلادة اشتراها قوم من رجل بدراهم نقدا وقالوا لصاحبها ندفع إليك الثمن وأخروه] ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته وسئل مالك عن قلادة اشتراها قوم من رجل فيها لؤلؤ وذهب اشتروها بدراهم نقدا وقالوا لصاحبها ندفع إليك الثمن وأخروه

مسألة: ابتاع من رجل بدرهمين زيتا فلما وجب البيع بينهما استقاله من أحدهما

بذلك وقطعوا القلادة وفصلوها وتقاوموا اللؤلؤ الذهب فوضعوا فيها فلما حلت الوضيعة وثبوا على صاحبهم وتقاوموا اللؤلؤ وباعوا الذهب يريدون أن يردوا البيع لاستنجاز النقد فيما بينهم ولم يذكروا استنجازا بشرط كان بينهم إلا أنهم اشتروا على النقد وأخروه. قال: فلا أرى أن يلزمه أن يرد عليه ولا ينقض البيع لاستنجاز النقد قال سحنون: هي جيدة. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أن الذهب كان في القلادة يسيرا فلم يفسد البيع فيها لاستنجاز الثمن إذ لم يتأخر وإنما كان بغلبة من المشترين، وهو على قياس قوله في رسم أخذ يشرب خمرا فيمن ابتاع ثوبا أو طعاما أو غير ذلك بدينار لا درهمين فوجد أحد الدرهمين زائفا أنه يبدله، ولا ينقض البيع وعلى قياس قول من يرى أن البدل في الصرف لا ينقض الصرف إذا تأخر النقد فيه بالغلبة أو السرقة ويأخذ ما تأخر من النقد كما يأخذ ما وجد من الزائف وقد مضى شيء من هذا المعنى في آخر رسم القبلة. [مسألة: ابتاع من رجل بدرهمين زيتا فلما وجب البيع بينهما استقاله من أحدهما] مسألة قال مالك في رجل ابتاع من رجل بدرهمين زيتا فلما وجب البيع بينهما استقاله من أحدهما. قال مالك: إن كانا لم يتفرقا فلا بأس به.

يشتري الثوب بنصف دينار وثلث فيعطيه دينارا ينقص سدسا

قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه نقد الدرهمين ولم يقبض الزيت أو قبض الزيت ولم ينقد الدرهمين فصار إذا افترقا بيعا وسلف طعام إن كان الزيت هو المقبوض أو بيعا وسلف درهم إن كان الدرهمان هما المقبوضان. وإن لم يفترقا لم يكن ثم سلف فجازت الإقالة، فأما لو كانا قد تقابضا الزيت والدرهمين أو لم يتقابضا من ذلك شيئا لجاز أن يقيله بما تراضيا عليه افترقا أو لم يفترقا. [يشتري الثوب بنصف دينار وثلث فيعطيه دينارا ينقص سدسا] مسألة وسئل مالك عن الذي يشتري الثوب بنصف دينار وثلث، فيعطيه دينارا ينقص سدسا. قال: لا بأس به، فقيل له: إنه إذا كان ينقض سدسا ينقص من عينيه؟ قال: وما بأسه؟ قال: أرأيت لو أعطاه دراهم؟ . قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه إذا اشترى ثوبا أو شيئا بدينار إلا سدس فإنما يجب للبائع عليه صرفه دراهم يوم يقضيه، فإذا أعطاه بها ذهبا جاز، كمن كان له على رجل دراهم حالة فأخذ بها منه ذهبا. [مسألة: عشرة دنانير من سلف أو بيع إذا كانت مثاقيل مجموعة هي لرجل على رجل] مسألة وقال مالك في عشرة دنانير من سلف أو بيع إذا كانت مثاقيل مجموعة هي لرجل على رجل فيكيلها فتنقض ثلثا أو نصفا: إنه لا بأس به أن يأخذ منه بعد أن يتفرقا بنصفه ورقا أو ما شاء من عرض أو غيره وأما في مجلسهما فإني أكره ذلك، قال ابن القاسم: إذا صح ذلك فلا بأس به أن يأخذ في مجلسه عرضا ولم

مسألة: يشتري بالدرهم فيقول كله وأعطني بما فيه

يرد في قيمته العرض لمكان ما تجاوز عنه من الدنانير، قال مالك: إني أخاف أن تريده في الصرف لمكان ما تجاوز عنه حتى يبين بها ويصير صرفا مستأنفا، قال ابن القاسم: وإذا صح ذلك لا بأس به كان في مجلسهما أو افترقا. قال محمد بن رشد: لمالك في أول سماع أشهب إجازة ذلك في المجلس خلاف قوله هاهنا وفي رسم صلى نهارا بعد هذا مثل قول ابن القاسم هاهنا وهو الأظهر أن الدنانير المجموعة كالطعام فلا فرق في القياس بين أن ينقصه من حقه دينارا فيأخذ له عرضا أو ورقا أو ينقصه من حقه بعض دينار فيأخذ منه عرضا ما وجد منه ويأخذ بالبقية عرضا أو ورقا في الدنانير القائمة، وقد اختلف أيضا في الدنانير المجموعة إذا وجد فضلا على حقه بعض دينار فأراد أن يأخذه ويعطيه به عرضا أو ورقا فأجازه في كتاب الصرف من المدونة وفي رسم صلى نهارا ثلاث ركعات بعد هذا ومنع في أول سماع أشهب وإجازته أظهر لأنه أخذ منه حقه كاملا وبايعه في الزائد بما تجوز المبايعة به والله أعلم. [مسألة: يشتري بالدرهم فيقول كله وأعطني بما فيه] مسألة وسئل مالك عن الذي يشتري بالدرهم فيقول: كله وأعطني بما فيه. قال: أكره ذلك له، ولم أر كراهيته أنا عنده وجها فيه حجة إلا أنه قد لج فيه وقال لا أحبه، قال ابن القاسم: لا بأس به

كانت بينهما نقرة فضة فقال أحدهما لصاحبه إن لي بها حاجة فكله

قال محمد بن رشد: وجه الكراهية في ذلك أن مبلغ ما انعقد عليه البيع بينهما غير معلوم حال العقد، وإنما يعلم بعد وزن الدراهم كشراء الصبرة كل قفيز بدرهم لأن السوم معلوم، ومقدار ما انعقد البيع عليه بينهما لا يعلم إلا بعد كيل الصبرة، وعبد العزيز بن سلمة لا يجيز ذلك، فقول مالك في هذه المسألة كقول عبد العزيز في مسألة الصبرة إذ لا فرق في المعنى بين المسألتين إذ يتقى من الجهل في الثمن ما يتقي منه في المثمون ويستجاز من الجهل فيه ما يستجاز من الجهل فيه، فإذا جاز شراء الصبرة على الكيل وإن لم يعلم ما فيها إلا بعد كيلها جاز الشراء بالدرهم وإن لم يعلم ما فيه إلا بعد قربة اللهم إلا أن يفرق بينهما أن الدراهم لفا لم يجز بيعها جزافا على الوزن وأن الطعام وشبهه مما يكال لما جاز بيعه جزافا جاز بيعه جزافا على الكيل وليس ذلك ببين إذ لا فرق بين أن يقول: كل هذا الدرهم وأعطني بما فيه وكل هذا التبر وأعطني بما فيه فهي جائزة على قياس قول مالك في مسألة الصبرة وغير جائزة على قياس عبد العزيز فيها وبالله التوفيق. [كانت بينهما نقرة فضة فقال أحدهما لصاحبه إن لي بها حاجة فكله] مسألة ومن كتاب أوله حديث طلق ابن حبيب وسئل مالك عن رجلين كانت بينهما نقرة فضة، فقال أحدهما لصاحبه: إن لي بها حاجة فكله، فما كان فيها أعطيك نصفها دراهم كيلا. قال: إن كان بحضرة ذلك يدا بيد فلا بأس به. محمد بن أحمد: مثل هذا في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك لما في قسمتها من المؤنة، وروى أشهب عن مالك أن ذلك لا يجوز، وتقسم، إذ لا مضرة في قسمتها، وإنما لم يجز ذلك لأن

مسألة: وكل أحد الرجلين صاحبه على أن يشتري نقرة أو دراهم أو دنانير

الشيء إذا وزن مجتمعا ثم فرق زاد ونقص واستخف ابن القاسم هذا المعنى في هذه المسألة، واستثقله في مسألة الدرهمين الفردين يؤخذ بوزنهما تبر فضة فلم يجز ذلك، وقد مضى ذلك في رسم القبلة. واتفقوا على أن ذلك جائز في الحلي أن يكون بين الشريكين لما في قسمته من المضرة والفساد، على أن ذلك لا يجوز في الدنانير تكون بينهما في كيس مطبوع عليه ولا مضرة في قسمتها. [مسألة: وكل أحد الرجلين صاحبه على أن يشتري نقرة أو دراهم أو دنانير] مسألة قال ابن القاسم: لا بأس أن يشتري الرجل النقرة الفضة أو الدراهم يوكل أحدهما صاحبه أن يقبضها وينصرف بها أو ينقلب بها أحدهما دون صاحبه ولا ينقلب بها الآخر. قال محمد بن رشد: إذا وكل أحد الرجلين صاحبه على أن يشتري نقرة أو دراهم أو دنانير فاشترى ذلك لنفسه ولمن وكله وانصرف به فلا إشكال في جواز ذلك ولا كلام فيه؛ لأنه إذا جاز أن يوكل الرجل من يصرف له لنفسه جاز له، وإنما الكلام إذا اشترى الرجل نقرة أو دراهم أو دنانير بينهما، فذهب أحدهما ووكل الآخر على قبضها، فظاهر قوله هنا أو ينقلب بها أحدهما دون صاحبه أن ذلك جائز؛ لأن معنى المسألة أو ينقلب بها أحدهما دون صاحبه بعد أن اشتريا ذلك جميعا، ومثله في الظاهر في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ، بل هو أبين، وقد نص على جواز ذلك في سماع أبي زيد. وظاهر ما في المدونة أن ذلك لا يجوز إلا أن يقبض ذلك بحضرته قبل أن يفارقه، ونص ما في المدونة على أن الرجل إذا صرف لا يجوز له

يشتري الرجل فضة ولا دراهم ولا حليا فتجب له ثم يسأله رجل أن يشركه فيها

أن يذهب ويؤكل من يقبض له، وإنما يجوز له توكيله إذا قبض الوكيل بحضرته قبل أن يفارقه فقيل: إن الاختلاف في مسألة الشريكين داخل في هذه، وقيل: إنه لا يدخل فيها، ويفرق بينهما على أحد القولين بعلة الاشتراك، والصواب أن الاختلاف داخل فيها إذ قد ساوى بينهما في المدونة، ولا فرق بين أن يوكل الرجل أجنبيا على قبض ما صرف لنفسه، أو يوكل شريكه على قبض حصته من الصرف. فيحصل في المسألة ثلاثة أقوال أحدهما أنه يجوز ويوكل من يقبض له في المسألتين جميعا، والثاني أن ذلك لا يجوز إلا أن يقبض بحضرته قبل أن يفارقه في المسألتين جميعا، والثالث الفرق بين أن يصرف ويوكل من يقبض له أو يوكل شريكه على قبض ما صرفاه جميعا، فلا يجوز إذا وكل على قبض ما صرف لنفسه إلا أن يقبض الوكيل بحضرته، ويجوز إذا وكل على قبض ما صرف لنفسه إلا أن يقبض الوكيل بحضرته، ويجوز إذا وكل شريكه على قبض ما صرفاه أن يقبض بعد ذهابه. [يشتري الرجل فضة ولا دراهم ولا حليا فتجب له ثم يسأله رجل أن يشركه فيها] مسألة قال: ولا خير في أن يشتري الرجل فضة ولا دراهم ولا حليا فتجب له ثم يسأله رجل أن يشركه فيها وان كان الذي أشرك ينقلب به جميعا حتى يقاسمه ما أشركه فيه ويأخذ منه ذهبه فيقاسمه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة تخرج على ثلاثة أقوال: أحدهما هذا، ورواه ابن وهب أيضا عن مالك، وزاد أن ذلك صرف لا يحل ألا يدا بيد، وهو على القول بأن عهدة المشترك جميع ذلك لا حصته، وذلك على القول بأن عهدة المشترك على البائع الأول؟ والثالث أن ذلك لا يجوز إلا أن يقاسمه أو يدفع إليه الجميع يكون عنده حتى يبيعه إن كان إنما اشتراه

مسألة: سأل رجلا أن يسلفه ذهبا ويشتركان في دراهم يشتريانها

لتجارة، روى ذلك أشهب عن مالك، وهو استحسان على غير قياس، إذ لا اختلاف في أنه لا يجوز للرجل أن يصرف نصف دينار من رجل وإن أسلمه إليه إذا لم يتناجزا فيه من أجل شركته له فيه. [مسألة: سأل رجلا أن يسلفه ذهبا ويشتركان في دراهم يشتريانها] مسألة ولو أن رجلا سأل رجلا أن يسلفه ذهبا ويشتركان في دراهم يشتريانها لم يكن بذلك بأس إذا كان السلف لا يجتر به من صاحبه عونا ولا مرفقا وينقلب بها من شاء منهما. قال محمد بن رشد: قوله إذا كان السلف لا يجتر به من صاحبه عونا ولا مرفقا صحيح لأنه إذا اجتر به عونا فهو سلف جر منفعة، وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن سلف جر نفعا» . ومثله في أول سماع ابن القاسم من كتاب الشركة، وزاد قال ابن القاسم قال لي مالك بعد ذلك: لا خير فيه على حال ومعنى ذلك أنه لم يصدقه أنه لم يرد بذلك الوفق لنفسه إذا كان هو الذي سأله أن يسلفه ويشاركه الصدق أنه لم يرد بذلك منفعته قولا واحدا. وأما قوله: وينقلب بها من شاء منهما فمعناه بأمر صاحبه وحضرته باتفاق، أو بعد ذهابه على اختلاف. وقد مضى تحصيل القول في ذلك فوق هذا في هذا الرسم فلا معنى لإعادته هاهنا. [يستأجر الصراف على أن ينتقد له دنانير ويزنها في بيع ميراث فيوجد فيها ذهب] ومن كتاب أخذ يشرب خمرا قال: وسئل عن الرجل يستأجر الصراف على أن ينتقد له دنانير ويزنها في بيع ميراث فيوجد فيها ذهب قباح، أترى أن يضمن؟ قال: لا ضمان عليه إلا أن يكون غر من نفسه أن يكون يعرف أنه ليس من أهل البصر ولا التفرقة بالصرف. وأما إذا كان يعرف أنه غير عارف بذلك وأن مثله يبصر فلا أرى عليه

شيئا، وقد يختلف الناس في البصر. قال سحنون: هذه أصح من التي تحتها حيث قال: إن غر فلا شيء له، وإن لم يغر فله الأجر. قال: وسئل عن الصراف الذي يغر من نفسه فيأخذ زيفا أترى أن يضمن؟ فقال: لا ولكن أراه أن يؤدب وأن يمنع الأجر ولا أرى أن يغرم. قال ابن القاسم: فقلت لمالك: ما هو في الصراف إذا هو غر من نفسه؟ قال: يحرم أجره ويؤدب ولا أرى عليه غرما. قال ابن القاسم: وإذا هو لم يغر من نفسه وكان من أهل البصر أعطي أجره ولا غرم عليه؛ لأن البصير قد يزل بصره وقد اجتهد، الأول أصح رواية عندي وأصدق من هذه. وسئل عن الذين يجعل لهم في بيع الرقيق والدواب فيبيع أحدهم الدابة فيأخذ جعله ثم يوجد بالدابة عيب فترد، أترى له جعله؟ قال: لا أرى له ذلك ولكن أرى أن يرد ما أخذ في جعله ولا أرى له شيئا إلا أن ينفذ ذلك. ثم قال: أرأيت لو باعها مرارا وهي ترد في كل مرة؟ أتريد أن يأخذ في ذلك في كل مرة جعلا؟ ليس هو كذلك، إنما يكون له على النفاد، فإن ردت رد ما أخذ من جعله. قال سحنون: هذه تبين لكل مسألة الصيرفي في أنه يرد ما أخذ من الأجر. قال محمد بن رشد: قد تأول بعض الشيوخ أن الضمان الذي أراد مالك في قوله الأول لا ضمان عليه إلا أن يكون غر من نفسه، إنما هو أن يحرم الأجر على ما فسره، وفي قوله الآخر وأن ذلك باختلاف من

قوله؛ وقيل معناه أن يغرم ما أخذ من الرديء وأن تفسيره الضمان في القول الثاني خلاف لقوله الأول إنه إن غر ضمن ما أخذ من الرديء وإذا ضمن وجبت له الأجرة، وإن لم يغر لم يضمن الرديء ولم يكن له أجرة، معناه إن كان الرديء مثل أجرته فأكثر. وأما إن كان الرديء أقل من أجرته فله تمام أجرته، وهو اختيار سحنون. وقوله الثاني إنه إن غر أدب ولم يضمن الرديء وحرم الأجر، معناه أيضا إن كان الرديء مثل أجرته فأكثر. وأما إن كان الرديء أقل من أجرته فله تمام أجرته، وهو مذهبه في المدونة. وإن لم يغر كان له الأجر مثل قول مالك في سماع أشهب في الدليل يكون للدلالة فيخطئ الطريق. وتحصيل الاختلاف في هذا أنه إن لم يغر فلا اختلاف في أنه لا يضمن الرديء، واختلف في أجرته على قولين: أحدهما أن لا يضمنه ولا تكون له أجرة كاملة، والثاني أنه لا أجرة له إلا أن يكون الرديء أقل من أجرته فيكون له تمام أجرته، والثاني أنه يضمنه ويحاسب في ذلك بأجرته، فمن كان له الفضل منهما على صاحبه رجع به عليه. وأما الذي يجعل له الجعل على البيع فيبيع ثم ترد الدابة من عيب، فإن كان علم بالعيب فغر به رد الجعل باتفاق، وإن كان لم يعلم به رد على اختلاف. وذهب ابن دحون إلى أنه يرد الجعل باتفاق لأنه جعل لا يجب إلا بالبيع، بخلاف هذه المسألة لأنها إجارة، والإجارة تجب باع أو لم يبع، وعاب على سحنون تنظيره بين المسألتين، والتنظير بين المسألتين عندي صحيح؛ لأن الذي جعل له الجعل عليه قد فعله وهو البيع، وخطؤه في العيب الذي لم يبين به كخطئه فيما استؤجر له، فإما أن يعذر بخطئه في الوجهين جميعا فيأخذ واجبه فيهما، أو لا يعذر به فيسقط فيهما. وقد قيل: إن الاختلاف في رد الجعل مبني على الرد بالعيب هل هو نقض بيع، أو ابتداء بيع؟

مسألة: ابتاع طعاما أو ثوبا أو غير ذلك بدينار إلا درهمين فدفع الدينار وأخذ الدرهمين

[مسألة: ابتاع طعاما أو ثوبا أو غير ذلك بدينار إلا درهمين فدفع الدينار وأخذ الدرهمين] مسألة سئل عن رجل ابتاع طعاما أو ثوبا أو غير ذلك بدينار إلا درهمين فدفع الدينار وأخذ الدرهمين وما اشترى وانقلب به، ثم وجد أحد الدرهمين زائفا أترى أن يبدله أو يرد البيع كما يرد الصرف إذا وجد درهما زائفا؟ قال: بل أرى أن يبدله وليس هذا مثل الصرف، إنما الدرهمان هنا تبع ألا ترى أنه قد كان لحاق صكوك الجاري مبتاع بالذهب إلا الدرهم والدرهمين فيتعجلون الذهب والدرهمين ويتأخر الصكوك، فلم يكن به بأس ولم يروا أن تأخير الصكوك من قبل الصرف فما أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: أجاز البدل في هذه المسألة، إذ ليس بصرف محض مراعاة لقول من أجازه في الصرف المحض، وقد روى ابن وهب عنه من رواية الحارث عنه خلافه، ولو كانت الدراهم أكثر من درهمين لانتقض ذلك كله ولم يجز البدل فيه؛ لأنه كالصرف المحض على ما في سماع أبي زيد منه والله الموفق للصواب لا رب سواه. [باع بعض الورثة نصيبه من حلي الذهب من أجنبي بوزنه من الذهب] ومن كتاب أوله يسلف في المتاع قال: وسئل عن قوم ورثوا حليا وكانت معهم أخت منهم وتركت أمها خلخالين من ذهب وسوارين ودملجين، فسألت إخوتها أن يكيلوا ذلك كيلا فتنظركم وزنها؟ فينظر إلى نصيبهم من ذلك فتكليه لهم دنانير تعطيهم إياها. قال مالك: إن كان ذلك نقدا عند ما يكيلون فلا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وهو مما لا اختلاف

مسألة: كان يسأل رجلا نصف دينار فجاءه يتقاضاه إياه فقال له إني مشغول

في جوازه إذا نقدت بالحضرة عند الوزن قبل التفرق، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم طلق. وكذلك لو اشترت نصيبهم منه بدراهم نقدا لجاز، ولو باع بعض الورثة نصيبه من حلي الذهب من أجنبي بوزنه من الذهب لم يجز، ولو باع نصيبه من أجنبي بدراهم لم يجز عند ابن القاسم، وجاز عند أشهب إن قبض الحلي كله والله الموفق. [مسألة: كان يسأل رجلا نصف دينار فجاءه يتقاضاه إياه فقال له إني مشغول] مسألة وسئل عن رجل كان يسأل رجلا نصف دينار فجاءه يتقاضاه إياه، فقال له: إني مشغول، وهذا دينار فخذه فاذهب فصرفه فخذ نصفك وجئني بنصفي. قال: لا بأس بذلك سحنون، قال ابن القاسم: وقد قيل لي: لا خير فيه، وهذا في الدينار أحب إلي، فأما ما كثر من الدنانير قال مالك: لا خير فيه قال ابن القاسم: وبه آخذ. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: وهذا في الدينار أحب إلي يريد قول مالك الأول أنه لا بأس بذلك، ولم يذكر ما كثر من الدنانير اختلافا من قول مالك إن ذلك لا يجوز، فأخذ به، ومثله في كتاب الصرف من المدونة يريد في الرجل يكون له على الرجل الدراهم فيدفع إليه دنانير ليصرفها ويستوفي حقه منها، والعلة في أن ذلك لا يجوز ما ذكر في المدونة من أنه يخشى أن يمسكها فيكون مصرفا ويكون صاحب الدنانير في إجازة ذلك بالخيار، فيدخله استيخار في الصرف، وأجاز فيها أن يدفع إليه طعاما أو سلعة ليبيع ذلك ويستوفي حقه منها ما لم يكن الذي باع منه بالدراهم التي له عليه طعاما إن كان دفع إليه أكثر منها مخافة أن يأخذ ذلك لنفسه

فيكون الطعام بالطعام إلى أجل، وعروض في عروض مثلها إلى أجل. ولم يراع ما للدافع من الخيار في ذلك إن أخذ بها لنفسه فيدخله عدم المناجزة في فسخ ما كان له عليه من الدراهم في السلعة فاعترضها سحنون بذلك. وأما إن كان للرجل على الرجل نصف دينار قائم، فدفع إليه دينارا ليصرفه فيأخذ نصفه ويأتيه بنصفه، فإنما اختلف قول مالك في ذلك من أجل أن المترتب له في ذمته ذهب، والذي يوجب له الحكم في القضاء صرف نصف دينار من الدراهم، إذ لا ينقسم، فإن دفع إليه مثقالا أخذ منه وصرف منه نصفه جاز باتفاق لأنه قبض منه النصف الذي ترتب له في ذمته من الذهب وصارفه في النصف الثاني مصارفة ناجزة، وإن دفع إليه مثقالا على أن يكون نصفه قضاء من حقه ويبقى النصف الثاني عنده أمانة جاز أيضا على مراعاة ما ثبت في الذمة، ولم يجز على مراعاة ما يوجبه الحكم حسبما مضى في رسم حلف [ألا يبيع رجلا، فإن دفع إليه مثقالا على أن يكون نصفه له قضاء من حقه ويبقى النصف الثاني عنده سلفا جاز أيضا على مراعاة الثابت في الذمة لأنه قضى وسلف، قضى نصف دينار كما وجب له في ذمته وأسلفه نصف دينار، ولم يجز على مراعاة ما يوجب الحكم؛ لأنه صارفه في نصف المثقال على أن سلفه النصف الآخر، فدخل البيع والسلف حسبما ما مضى أيضا في رسم حلف المذكور، وقد مضى ذلك في رسم حلف] في بعض الروايات. وكذلك إن دفع إليه دينارا نصفه قضاء من حقه، ونصفه يسلفه له في سلعة، يجري هذا على الاختلاف، وستأتي هذه المسألة في رسم أسلم من سماع عيسى، وكذلك لو أعطاه دينارا نصفه قضاء من حقه، ونصفه أخذ به منه، وستأتي هذه المسألة في سماع أبي زيد من بعض الروايات،

مسألة: يشتري من البياع بالدانق والدانقين والثلاثة فتكون درهمان أو ثلاثة

وكذلك إذا دفع إليه الدينار على أن يصرفه فيأخذ نصفه ويأتيه بنصفه، يتخرج اختلاف قول مالك في ذلك على هذين الوجهين؛ لأنه على مراعاة ما ثبت في الذمة قضاه نصف الدينار فصار شريكا معه فيه وكله على تصريفه فجاز، وعلى مراعاة ما يوجب الحكم قضاه النصف الدينار الذي دفع إليه عن الدراهم التي تجب عليه له بالحكم، فصار مصارفة غير ناجزة لبقائه معه شريكا في الدينار إلى أن يصرف ويقسما صرفه فلم يجز، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري من البياع بالدانق والدانقين والثلاثة فتكون درهمان أو ثلاثة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يشتري من البياع بالدانق والدانقين والثلاثة فتكون درهمان، أو ثلاثة فيعطيه دراهم. قال: لا أرى بذلك بأسا ودين الله يسر. قال محمد بن رشد: إنما خفف ذلك وقال: لا أرى به بأسا ودين الله يسر ولم يطلق القول بإجازته لأن الدراهم التي قضاه إياها إنما اجتمعت له قبله من دوانق مقطعة شيئا بعد شيء، وهي لو جمعت بعد أن توزن مقطعة لم يكن بد من أن تنقص عن وزن الدراهم التي قضاه أو يزيد عليها، وقد أثنى هذا المعنى في غير هذه المسألة حسبما قد ذكرناه في رسم القبلة وغيره، وأجازه في هذه المسألة لأنها نفقات تكثر، وأمر يعم، فلا يقدر على التوقي منه بأن يقضيه فيما يجمع له قلبه من الدوانق ذهبا أو فلوسا أو عروضا إلا لمشقة تدخل على الناس في ذلك. [مسألة: اقتضاء الطعام من ثمن الطعام] مسألة قيل له: أفيأخذ منه بكسر فاكهة فيعطيه في ذلك حنطة بعد ذلك؟ .

باع من رجل ثوبا بنصف دينار فلم يقبضه حتى باعه بسلعة أخرى بنصف دينار

فقال: لا خير في هذا بيع الطعام إلى أجل. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن اقتضاء الطعام من ثمن الطعام كبيع الطعام بالطعام إلى آجل على مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه في القول بالمنع من الذرائع ولا حول ولا قوة بالله. [باع من رجل ثوبا بنصف دينار فلم يقبضه حتى باعه بسلعة أخرى بنصف دينار] ومن كتاب تأخير صلاة العشاء وسئل مالك عن رجل باع من رجل ثوبا بنصف دينار فلم يقبضه حتى باعه بسلعة أخرى بنصف دينار، فلما أراد أن يقبضه قال له: تعالى أعطيك دراهم نصفين، فقال له البائع: لا، لي عليك دينار، قال: أرى أن يغرم له دينارا قال ابن القاسم: وذلك رأيي أحب أو كره. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما يقضي لمن وجب له نصف دينار يصرفه من الدراهم من أجل أن الدينار القائم لا ينقسم، فإذا وجب له نصفان أعطاه دينارا قائما كما ثبت له في ذمته، ولم يكن له ليقطعه عليه ليعطيه دراهم إذا كان موسرا، ولو كان معسرا فأتاه بنصف دينار دراهم يجبر على أن يأخذه ويتبعه بالنصف الآخر، ولم يكن له أن يقول أنا أؤخره، حتى يوسر فيعطيني دينارا بمنزلة إذا كان له عليه ديناران فأتاه بدينار واحد وهو معسر. ولو باع منه سلعة بدينار قائم فأتاه بنصف دينار دراهم وهو معسر فأبى أن يأخذه وقال: أنظره إلى أن يوسر فآخذ منه دينارا، لكان ذلك له، بخلاف إذا كان له عليه ديناران فأتاه بدينار وهو معسر فأبى أن يأخذه وقال: أنا أنظره إلى أن يوسر بالدينارين فآخذهما جملة.

قطع الدراهم المقطوعة

[قطع الدراهم المقطوعة] مسألة وسئل مالك عن قطع الدراهم المقطوعة. فقال: أكره ذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في أول سماع أشهب لأنه أجاز قطعها عند الحاجة إلى ذلك، خلاف ما في رسم البيوع الثاني من سماع أصبغ من إجازته لقطعها إذا لم تكن صحاحا مدورة مختلف في كراهة قطعها. والصحاح المدورة النقص التي لا تجوز إلا بالوزن متفق على كراهة قطعها. وأما القائمة التي تجوز عمدا فقطع الزائد منها على وزنها المعلوم جائز لمن استضربها، ومكروه لمن بايع بها، وما ردها ناقصة بمكروه في البلد التي تجوز فيه ناقصة، وحرام في البلد الذي لا تجوز فيه ناقصة، وقد مضى هذا المعنى في رسم شك في طوافه. [مسألة: اشترى بنصف دينار قمحا فدفع الدينار فقبض بنصفه دراهم وفارقه إلى أن يأتيه بالحمال] مسألة وسئل عمن اشترى بنصف دينار قمحا فدفع الدينار فقبض بنصفه دراهم وفارقه إلى أن يأتيه بالحمال. قال: لا أرى ذلك، وأراه من الصرف. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن من انضاف إلى الصرف من السلع فحكمه حكم الصرف في وجوب المناجزة مثله، ومثله في

مسألة: يكون له على الرجل نصف دينار إلى شهر فيشتري منه ثوبا آخر بنصف دينار

المدونة قال فيها في الذي يشتري السلعة إلى أجل بنصف دينار ثم يدفع دينارا ويأخذ صرف نصفه إن ذلك لا يجوز؛ لأنه صرف وسلعة متأخرة إلى أجل، ولو كان هذا الذي صرفه من الدينار قيمة درهم أو درهمين لجاز ذلك على قول أشهب وروايته عن مالك في المدونة خلاف قول ابن القاسم. ولو اشترى السلعة بنصف دينار فقبضها فلما حل الأجل دفع إلى البائع دينارا وقبض منه صرف نصفه يدا بيد جاز ذلك عندهما جميعا. [مسألة: يكون له على الرجل نصف دينار إلى شهر فيشتري منه ثوبا آخر بنصف دينار] مسألة وسئل مالك عن الرجل يكون له على الرجل نصف دينار إلى شهر فيشتري منه ثوبا آخر بنصف دينار على أن يعطيه دينارا إلى محل أجل النصف. قال: ما يعجبني ولكن يبيع ولا يشترط، ويصنعان إذا حل الأجل ما أحبا فقلت له: فإذا اشترطا؟ قال: ما يعجبني ولكن يبيعه ولا يشترط، قال ابن القاسم في غير هذا الباب: ولو أراد المشتري أن يقطع عليه غير الثمنين ويعطيه بثمن كل ثوب دراهم وأبى البائع إلا أن يعطيه دينارا فإنما أجبر المبتاع بأن يعطيه دينارا قائما بوزنه. قال محمد بن رشد: قوله ولكن يبيع ولا يشترط ويصنعان إذا حل الأجل ما أحبا، كلام فيه نظر؛ لأن الشرط لا يمنعهما أن يصنعا إذا حل الأجل ما أحبا، وإنما يمنع من اشترط عليه الشرط أن يخرج عما اشترط

عليه، فكان حق الكلام أن يكون: ولكن يبيع ولا يشترط ويعطيه دينارا عند محل الأجل إن تشاحا وكراهيته لهذا الشرط هو نحو ما في المدونة لمالك من أنه كره أن يبيع الرجل سلعته بنصف دينار إلى أجل ويشترط أن يأخذ بذلك النصف الدينار إذا حل الأجل دراهم وهما إذا تشاحا إذا حل الأجل إنما يأخذ منه دراهم بصرف ذلك اليوم كما اشترط. وظاهر هذا أنه لما اشترط ما يوجبه الحكم فكان بعض الناس يذهب إلى أن من الشروط التي يوجبها الحكم ما لا يجوز اشتراطه وهو ما كان منها مخالفا للقياس والنظر، ويقيم ذلك من هذه المسائل، وليس ذلك بصحيح، إذ لا كراهة في اشتراط ما يوجبه الحكم؛ لأن شرطه والسكوت عنه سواء، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث بربرة: «خذيها واشترطي لهم الولاء» أي عليهم، وذلك مما يوجبه الحكم وإن لم يشترط لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما الولاء لمن أعتق» ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل» ، فدل ذلك على أن من اشترط شرطا هو في كتاب الله فهو جائز، فإنما كره مالك الشرط في هذه المسائل لما فيها من مخالفة ما يوجبه الحكم، وذلك أن الذي باع سلعة بنصف دينار إلى أجل من رجل ثم باع منه سلعة أخرى بنصف دينار إلى ذلك الأجل قد يحل الأجل وللمبتاع على البائع نصف دينار يكون من حقه أن يقاصه به، فلا يجب عليه أن يقضيه إلا صرف ما بقي قبله من المثقال، فيكون الشرط إن اتفق هذا وما أشبهه مخالفا لما يوجبه الحكم. والذي باع سلعة بنصف دينار إلى أجل وشرط أن يقضيه فيه دراهم إذا حل الأجل بصرف ذلك اليوم قد يحل الأجل وللبائع على المبتاع نصف دينار آخر، فيجب عليه أن يقضيه دينارا فيكون الشرط أيضا إن اتفق هذا

يبيع بمائة دينار متاعا فردى مجموعة فيعسر فيأخذ منه بها أكثر من عددها بكيلها

مخالفا لما يوجبه الحكم، وقد مضى القول في أول هذا الرسم على قوله: إنه ليس للمشتري أن يقطع عليه الثمنين، فلا معنى لإعادته هاهنا وبالله التوفيق. [يبيع بمائة دينار متاعا فردى مجموعة فيعسر فيأخذ منه بها أكثر من عددها بكيلها] ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما مال وسألت مالكا عن الرجل يبيع بمائة دينار متاعا فردى مجموعة فيعسر فيأخذ منه بها أكثر من عددها بكيلها. قال: لا بأس بذلك، وقال مالك: كل ما اشترطت عدده وكيله كيلا فلا تأخذ به عددا، وما اشترطت مع العدد فلا بأس أن يأخذ به أكثر من عدده أو أقل من عدده إذا كان بكيله. قال محمد بن رشد: هذه المسألة وقعت في بعض الروايات. وقوله فيها وما اشترطت كيلا فلا تأخذ به عددا معناه لا تأخذ به عددا يتحرى أن يكون بوزن مالك، أو عددا تعلم أنه أقل في الوزن مما لك؛ لأنه وإن علم أن العدد الذي أخذ أقل في الوزن مما كان له لم يجز، فإنه ترك زيادة الوزن لفضل العدد، وأما إن علم أن العدد الذي أخذ أكثر في الوزن مما كان له فذلك جائز؛ لأنه أخذ أكثر في الوزن وأفضل في العدد، فلم يكن ثم موضع للتهمة وسبب في المبايعة، فوجب أن يكون، وهو نص قوله في المدونة: إن القائمة يقتضي من المجموعة لأنها أكثر في الوزن وأفضل في العدد. وأما قوله: وما اشترطت عددا فلا تأخذ به كيلا، فظاهره أنه لا تأخذ به

مسألة: شروط صحة المصارفة

كيلا مثل وزنه ولا أقل ولا أكثر مثل وزنه، فلا يجوز على حال، وأما أقل من وزنه فيجوز إن كان أقل عددا ولا يجوز إن كان أكثر عددا وقد مضى هذا في رسم القبلة. [مسألة: شروط صحة المصارفة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يأتي إلى الصيرفي بدنانير فيصارفه بها، فيجعل دنانيره في كفة الميزان فيضربها بالحديدة فإذا احمرت نزعها، ثم يجعل دنانير مكانها فإذا اعتدلت بالحديدة أخذ وأعطى. قال مالك: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إذ ليس من صحة شرط المصارفة أن يكون الذهبان هذه في كفة وهذه في كفة، وإنما من شرط صحتها أن يكون مثلا بمثل ويدا بيد، لكونها بالحديدة أي الصنجة بكفة واحدة أصح ليستقين المماثلة بذلك والتحرز من عدمها بعين يكون في الميزان؛ لأنه إن كان في الميزان عين فتراطلا بالكفتين كان قد أخذ أحدهما أكثر مما أعطى، وبالله التوفيق. [ابتاع من رجل بنصف دينار حنطة فوجب البيع بينهما ثم أخرج الثاني دينارا] ومن كتاب البز وسئل مالك عن رجل ابتاع من رجل بنصف دينار حنطة فوجب البيع بينهما، ثم أخرج الثاني دينارا قال له: كيف

يبيع السلعة بمائة دينار أو يسلفها

الصرف اليوم؟ . قال له: عشرون درهما، فدفع إليه الدينار وأخذ نصفه دراهم وأراد أن يؤخر القمح عنده لأنه قد كان يستوجبه قبل الصرف. قال: لا خير فيه، وهو قد صار الساعة صرفا وهما يعملان به زيادة بهذا الوجه قبل البيع، فلا أرى فيه خيرا إلا أن يقبضهما جميعا. قال سحنون: معنى زيادة أيضا في هذا الموضع. قال محمد بن رشد: قوله وهما يعملان به زيادة بهذا الوجه، معناه وهما يعملان أيضا بهذا الوجه قبل البيع، أي يقصدان قبل البيع إلى شراء قمح إلى أجل ودراهم بدينار نقدا فيقدمان البيع في القمح ثم يضيفان إليه الصرف ليجيز ذلك بينهما، فيقول: فلا يجوز أن تؤخر السلعة إذا انضاف الصرف إلى البيع قصدا ذلك قبل البيع أو لم يقصدا، فعبر على تكرار الفعل على هذا الوجه بالزيادة فجاء في الكلام إشكال، وزاد إشكاله إشكالا تفسير سحنون؛ لأنه تفسير [مظلم، ومعناه الذي أراد به هو ما ذكرناه؛ لأنه أراد أن عملهم به على هذا الوجه زيادة لعملهم به على الوجه الأخر، وهو لا يجوز في واحد منهما، والذي أراد أن يبين في الرواية أن الربا في المسألة واقع كيف ما كان، وإن تقدم البيع فيها على الشراء لوقوعهما معا فيما يحل ويحرم] بخلاف البيعتين اللتين إنما يحصل الربا فيهما بمجموع الصفقتين، فيمنع ذلك من باب حماية الذرائع، وقد مضى مثل هذه المسألة والقول فيها في رسم تأخير العشاء وفي المدونة أيضا وبالله التوفيق. [يبيع السلعة بمائة دينار أو يسلفها] ومن كتاب صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك عن الرجل يبيع السلعة بمائة دينار أو يسلفها

مسألة: تكارى دابة بنصف دينار إلى موضع فأراد أن يدفع إليه النصف ويقبض منه الدابة

رجلا وزنا بالمثاقيل، فيحل الأجل فيأتيه بمائة فإذا هي تزيد ثلثا أيأخذ بفضل ذهبه دراهم؟ . قال: نعم لا بأس بذلك، فقيل له: أرأيت النقصان؟ . قال: لا يأخذ به في مكانه، وإن أخذ ذلك ثم أخذ به بعد لم أر بأسا، قال ابن القاسم: لا بأس بهذا كله إذا صح. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم حلف بطلاق امرأته فلا معنى لإعادته. [مسألة: تكارى دابة بنصف دينار إلى موضع فأراد أن يدفع إليه النصف ويقبض منه الدابة] مسألة وسئل عن رجل تكارى دابة بنصف دينار إلى موضع، فأراد أن يدفع إليه النصف ويقبض منه الدابة، فذهب يصرف له دينارا، فقال صاحب الدابة: أنا أدفع إليك نصفا وآخذ منك الدينار. قال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: هذه مسألة وقعت في بعض الروايات وليست على أصل ابن القاسم في أن من كان له على رجل دين فلا يجوز له أن يأخذ منه به دابة يركبها، والذي يأتي على أصله هذا أن ذلك لا يجوز لأنه صرف متأخر لتأخر ركوب الدابة، وإنما يأتي على مذهب أشهب الذي يرى أن قبض الشيء المكترى ليستوفى منه الكراء قبضا لجميع الكراء، فيجيز لمن كان له على رجل دين أن يأخذ به عبدا يخدمه إلى أجل ما، أو دابة يركبها إلى موضع ما، وقد اختلف قول مالك فيها، وقع اختلاف قوله في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب، واختار ابن القاسم إجازة ذلك على خلاف أصله، واختار ذلك أيضا محمد بن المواز والله الموفق. [بيت الضرب بالمال فيصفيه ثم بعد أن يعطيه أهل بيت الضرب دنانير بوزنه] ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل عن رجل يأتي بيت الضرب بالمال فيصفيه ثم بعد أن

صرف دينارا بتسعة عشر درهما فلم يجد عنده إلا ثمانية عشرة ونصفا

يعطيه أهل بيت الضرب دنانير بوزنه ويعطيهم ضربها. قال: إنه قد كره الذي يصيب الناس من الحبس فيها، فقيل له: ويخافون مع ذلك، قال: صدقت وأرجو ألا يكون به بأس، قال ابن القاسم: ثم أقول بعد ذلك: ما هو من عمل الأبرار قال عيسى: قال ابن القاسم: وسمعته يتكلم فيه غير مرة ولا يحرمه ويرجو أن يكون فيه سعة، وينحو إلى أن يعمل به الرجل في خاصة نفسه، قال عيسى: لا يعجبني، قال ابن القاسم: خفيفا للمضطر وذوي الحاجة. وسئل مالك عن الرجل يأتي الصائغ بالورق يريد أن يعمل له خلخالا فيجد عنده خلخالا معمولا فيريد أن يأخذ منه ذلك الخلخال بوزنه من الورق ويعطيه من الورق أجره. قال: لا خير في هذا، ولم يره مثل الضرب في مثل هذا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم ألا يبيع سلعة سماها فلا معنى لإعادته. [صرف دينارا بتسعة عشر درهما فلم يجد عنده إلا ثمانية عشرة ونصفا] ومن كتاب أوله المحرم يأخذ الخرقة لفرجه وسئل عن رجل صرف دينارا بتسعة عشر درهما فلم يجد عنده إلا ثمانية عشرة ونصفا، فأراد أن يضع بقية النصف ويأخذ ذلك من صرفه ذلك بعد وجوب الصرف.

مسألة: يشتري بدرهم كيل الشيء فيخرج درهما فيدفعه إليه فيجده ينقض حبتين

فقال: لا بأس بذلك أن يضعه ويأخذ من ذلك ما شاء. قال محمد بن رشد: معناه ما لم يفارقه، قال ذلك محمد، وهو صحيح، ولو انقلب بالدراهم على أنها تسعة عشر درهما فوجدها تنقص نصف درهم أو أقل أو أكثر بغلط من الصراف أو خيانة منه لانتقض الصرف على مذهب ابن القاسم ولم يجاوز النقصان، وقال أشهب: إن الصرف يجوز إن تجاوز النقصان، وأما إن رضي أن يأخذ النقصان بعد أن فارقه فلا يجوز إلا على مذهب من أجاز البدل، وهو ابن شهاب والليث بن سعد وابن وهب، وقد مضى طرف من هذا المعنى في رسم القبلة، وسيأتي في سماع أبي زيد ما فيه بيان لهذا وزيادة عليه وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري بدرهم كيل الشيء فيخرج درهما فيدفعه إليه فيجده ينقض حبتين] مسألة وسئل عن الرجل يشتري بدرهم كيل الشيء فيخرج درهما فيدفعه إليه فيجده ينقض حبتين أو ثلاثا فيعطيه في نقصانه فلوسا بقدر ما نقص. قال: لا خير في ذلك، قلت له: فإنه يقول: أعطني ما فيه من وزنه وحاسبني بقدر ذلك، قال: لا بأس عندي. إنما هو عندي بمنزلة رجل اشترى بدرهمين حنطة ثم قال له بعد ذلك أعطني بدرهم وأقلني من درهم، فقلت له بعد الوجوب؟ قال: نعم، كأنه حمله على وجه المساومة وفيه تفسير من البيع. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في أول رسم القبلة فلا معنى لإعادته هنا وبالله التوفيق.

يبتاع العبد بثلاثين دينارا فيأتيه بدنانير فيزنها فيجد فيها تسعة وعشرين دينارا ونصفا

[يبتاع العبد بثلاثين دينارا فيأتيه بدنانير فيزنها فيجد فيها تسعة وعشرين دينارا ونصفا] من سماع أشهب وابن نافع عن مالك من كتاب البيوع الأول قال سحنون وقال أشهب وعبد الله بن نافع: سئل مالك عن الذي يبتاع العبد بثلاثين دينارا مجموعة داخل المائة عشرة دنانير أو داخلها عشرون دينارا، فيأتيه بدنانير يقضيه إياها فيزنها فيجد فيها تسعة وعشرين دينارا ونصفا قال مالك: يأخذ منه النصف دراهم لا بأس بذلك، فقيل له: في مجلسهما ذلك؟ قال: نعم، لا بأس به، وإنما مثل ذلك مثل أن يفضل له دينار وديناران فلا بأس أن يأخذ منه بذلك دراهم، قلت له: أرأيت إن وجد في الدنانير فضلا عن حقه زيادة سدس أو نصف دينار فأراد رب الدينار أن يعطيه دراهم، قال: ما يعجبني ذلك، قيل له: إن دنانير الرفيق مجموعة داخل المائة خمسة عشر دينارا فإذا قضاه دنانيره وجد فيها فضلا عن حقه سدس دينار أو نصف دينار، فيعطيه به دراهم؟ فقال: ما يعجبني ذلك، ولكن يترك له منها دينارا ويأخذ هو منه بما فضل له دراهم، فروجع فيها أيضا فقال: لا يعجبني ذلك أنت تريد أن تأخذ منه دنانير بدنانيرك وتزيده دراهم، فلا يعجبني ذلك، ولكن أقطع من الدنانير التي أعطاك قطعة فردها عليه. قيل له: أيقطع وقد كنت تخب أن قطعها من الفساد في الأرض، قال: نعم أقطع فضله فرده عليه إذا كانت دنانيركم مقطعة النقص فاقطع إذا لم تجد بدا لا بأس بذلك هي مقطعة. قال محمد بن رشد: الدنانير التي قطعها من الفساد في الأرض هي الدنانير القائمة التي تجوز عددا بغير وزن، فإذا قطعت فردت ناقصة

غش بها الناس فكان ذلك من الفساد في الأرض، وقد جاءت في تفسير قوله عز وجل قال: {يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87] أنهم أرادوا بذلك قطع الدنانير والدراهم لأنه كان نهاهم عن ذلك، وقيل: إنهم أرادوا بذلك تراضيهم فيما بينهم بالربا الذي كان نهاهم عنه، وقيل: إنهم أرادوا بذلك منعهم للزكاة، وأولى ما قيل في ذلك أنهم أرادوا بذلك جميع ذلك. وأما قطع الدنانير المقطوعة فليس قطعها من الفساد في الأرض، وإنما هو مكروه فرأى قطعها للتوقي من الشبهة في الربا أفضل من تركها واستباح شبهة الربا لأنه وإن كان في ترك قطعها أجر على ما يوجبه حد المكروه فالأجر في التوقي من شبهة الربا أعظم قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه» وهذا وما أشبه مما اختلف أهل العلم فيه من المشتبهات، " وقد قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كان من آخر ما أنزل الله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آية الربا فتوفي ولم يفسرها فدعوا الربا والموقعة " وقد مضى القول فيما يجوز فيما وجد عند القضاء في الدنانير المجموعة من زيادة أو نقصان في رسم حلف من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادة ذلك، ومضت المسألة أيضا في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات منه، ومضى في رسم تأخير صلاة العشاء منه، ورسم شك في

مسألة: مراطلة الذهب بالذهب والورق بالورق بالشاهين

طوافة القول فيما يجوز من قطع الدنانير وبالله التوفيق. [مسألة: مراطلة الذهب بالذهب والورق بالورق بالشاهين] مسألة قالا: وسئل مالك عن مراطلة الذهب بالذهب والورق بالورق بالشاهين فقال: لا بأس بالمراطلة وإن كانت إحدى الذهبين أكثر عددا، فإن كان الشاهين عدلا فلا بأس به، وقيل: إنهم يزعمون أنه ليس شيء أعدل منه، فقال: إن لأهل العراق أيضا موازين أخر فلا أدري ما هذا؟ فإن كان الشاهين عدلا فلا بأس به. قلت: يا أبا عبد الله، فإنهم يجعلون المثاقيل في إحدى الكفتين، ويجعلون أحد الذهبين في كفة أخرى، فإذا اعتدلت الدنانير والمثاقيل أخذها صاحب الذهب الآخر، ثم جعلت ذهبه في الكفة التي كانت فيها ذهب صاحبه فإذا اعتدلت المثاقيل أخذها صاحب الذهب الأول بذهبه التي وزنت أولا، وإنما يفعلون ذلك تحريا للعدل مخافة أن يكون في أحد الكفتين عين فإن كانت فيها عين أخذا ذهبيهما بوزن واحد في كفة واحدة،

مسألة: يشتري الثوب بدينار وربع الدينار يعطيه الدينار ويبقى الربع أيعطيه به تبرا

فقال له ابن كنانة: إنهم يقولون ليس المصارفة إلا أن يكون الذهبان جميعا هذه في كفة وهذه في كفة، فإذا اعتدلتا أخذا، فقال: لا بأس بذلك إذا كان معتدلا سواء. قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال، أما قوله إنه لا يراعى في المراطلة اختلاف عدد الدنانير فهو قوله في المدونة وغيرها أن السكة والصياغة والعدد في المراطلة، وقد مضى ذلك أيضا والقول في رسم شك من سماع ابن القاسم. وأما إجازته المراطلة بالشاهين إذا كان عدلا فصحيح على ما قال، إذا لا فرق بين الشاهين وغيره في ذلك من الموازين، وقد روى عن وكيع أنه قال في قوله عز وجل: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء: 35] أنه قال الشاهين. وأما إجازته المراطلة بكفة واحدة بمثاقيل نزنها بها أو بصنجة الحديد فصحيح أيضا لأنه أحسن من المراطلة بكفتين مخافة أن يكون في الميزان عيب وقد مضى ذلك في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: يشتري الثوب بدينار وربع الدينار يعطيه الدينار ويبقى الربع أيعطيه به تبرا] مسألة وسئل عن الرجل يشتري الثوب بدينار وربع الدينار يعطيه الدينار ويبقى الربع أيعطيه به تبرا. قال: لا بأس بذلك، بلغني أن لكم دنانير صغارا أرباعا وأثلاثا وليس ذلك عندنا، فقيل له: فقد ذهب ذلك وإنما نحن اليوم مثلكم فما ترى أن يعطيه في الربع الدينار فإنه إنما هو جزء من الدينار؟ . فقال: دراهم، إنما هو دراهم، قيل له: أرأيت إن

مسألة: يشتري من الصراف الدنانير بالدراهم فنعطاها ولا نبصرها ولا ندري أجياد هي أم لا

أعطاه ربع دينار تبرا ذهبا فقال: لا أرى بذلك بأسا إذا تراضيا إنما هو دراهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا اشترى ثوبا أو شيئا بدينار وربع، ولم يكن عندهم دنانير صغارا أثلاثا أو أرباعا فجائز أن يعطيه بالربع دينار تبرا أو ذهبا لأن الواجب عليه بالحكم صرفه من الدراهم، والثابت له في ذمته ذهب فيجوز له أن يعطيه ما يجوز له أن يعطى قضاء عن أحدهما ويعطى قضاء في الأخير على اختلاف في ذلك. وتفسير هذا الذي ذكرناه أنه يجوز له أن يعطيه عرضا أو طعاما نقدا أنه يجوز أن يعطى ذلك قضاء عن كل واحد منهما ولا يجوز له أن يعطيه به شيئا إلى أجل لأن ذلك لا يجوز أن يعطى قضاء عن واحد منهما؛ لأنه فسخ الدين في الدين ويجوز أن يعطيه به تبرا ذهبا مثل تبر الربع أو أدنى منه بوزنه؛ لأن ذلك يجوز أن يقتضيه من الدنانير ومن الدراهم، ولا يجوز إن كان التبر أفضل من تبر الربع أو أكثر من وزنه إلا على اختلاف؛ لأن ذلك يجوز أن يقتضي من الدراهم ولا يجوز أن يقتضي من الذهب، فيجوز ذلك على القول باعتبار ما يوجبه الحكم في القضاء، ولا يجوز على القول باعتبار ما ثبت له في الذمة، ولا يجوز له أن يقضيه تبر فضة أفضل من تبر صرف الربع ولا يجوز أن يقتضي من الدراهم، فيجوز ذلك على القول باعتبار ما ثبت في الذمة من الذهب ولا يجوز على القول باعتبار ما يوجبه الحكم في القضاء. [مسألة: يشتري من الصراف الدنانير بالدراهم فنعطاها ولا نبصرها ولا ندري أجياد هي أم لا] مسألة وسئل مالك فقيل له: إنا نشتري من الصراف الدنانير

مسألة: كانت بينهم دواب فباعوها بدراهم مخالفة الوزن منها الناقص والوازن ثم اقتسموها

بالدراهم فنعطاها ولا نبصرها ولا ندري أجياد هي أم لا؟ فيقول لي: هي جياد، فنأخذها منه بقوله، فقال: لا، والله فقيل له: أما أنا فلا أبصرها وليس عندي أحد يبصرها، وأنت تكره أن أفارقه أذهب أريها فكيف أصنع؟ . فقال له: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] . قال محمد بن رشد: كره أن يصدقه في قوله إنها جياد مخافة أن يجد فيها ردية بعد أن فارقه بحضرة بينة لم تفارقه، فينقص الصرف إن كان دينارا واحدا أو صرف دينار واحد إن كانت دنانير، أو يدعي أنه وجد فيها ردية فيقع بينهما في ذلك خصومة يؤول الأمر بها إلى انتقاض الصرف أو بعضه، فرآهما لهذه العلة قد انفصلا على غير تناجز صحيح في الصرف، وقد اختلف في ذلك فقال أشهب: لا يجوز التصديق في الصرف ولا في تبادل الطعامين، وهو قول المخزومي وإليه ذهب سحنون وابن المواز، وروى ابن نافع عن مالك إجازة ذلك في مبادلة الطعام بالطعام وهو قول ابن القاسم لأنه غاب على مالك كراهيته لشراء الزيت بالقمح على التصديق في أول رسم من سماعه من كتاب جامع البيوع، وقال: إنه لم يجد لكراهيته معنى، والمعنى فيه هو ما ذكرناه فإذا وقع لم يفسخ للاختلاف الحاصل في ذلك. [مسألة: كانت بينهم دواب فباعوها بدراهم مخالفة الوزن منها الناقص والوازن ثم اقتسموها] مسألة وسئل عن قوم كانت بينهم دواب فباعوها بدراهم مخالفة الوزن، منها الناقص والوازن، ثم اقتسموها عددا بغير وزن. فقال: أرجو ألا يكون بهذا بأس. قال محمد بن رشد: معنى هذا إذا كان الناقص منها يجوز بجواز

مسألة: يصرف من الرجل دنانير بدراهم ويقول له اذهب بها فزنها عند هذا الصراف

الوازن فاقتسموها عددا دون أن يعرف الناقص من الوازن غرر لا يحل ولا يجوز والله أعلم. كما لا يجوز أن يبيع سلعة بها على أن يأخذها على ما هي عليه ومنها الوازن والناقص الذي لا يجوز بجواز الوازن دون أن يعرف ما فيها من الناقص وفي رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع بيان هذا، قال في الرجل يبيع من الرجل بعشرين درهما وهي مختلفة في الوزن إن ذلك لا يجوز ورآه من بيع الدراهم جزافا. [مسألة: يصرف من الرجل دنانير بدراهم ويقول له اذهب بها فزنها عند هذا الصراف] مسألة وسئل مالك عن الرجل يصرف من الرجل دنانير بدراهم ويقول له: اذهب بها فزنها عند هذا الصراف وأره وجوهها وهو قريب منه. فقال: أما الشيء القريب فأنا أرجو ألا يكون به بأس، وهو يشبه عندي أن لو قاما إليه جميعا فأرجو ألا يكون به بأس. فقيل لمالك: لعله أيضا يقول قبل أن يجب الصرف بينهما أصارفك على أن أذهب بها إلى هذا فيزنها لي وينظر إليها فيما بيني وبينك. فقال: فهذا قريب فأرجو ألا يكون به بأس. قال محمد بن رشد: استخف أن يقول الصراف للرجل بعد أن يصارفه: اذهب بدراهمك فزنها عند هذا الصراف وأره وجوهها إذا كان ذلك قريبا وأن يصارفه على ذلك للضرورة الداعية إلى ذلك إذ الغالب من الناس لا يميزون النقود، ولأن التقابض قد حصل بينهما قبل ذلك فلم يكونا بفعلهما هذا مخالفين لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالورق ربا إلا ها وها» .

مسألة: يكون له على الرجل عشرة دنانير مجموعة فيزنها فيجدها تزيد خروبة

ولو كان المقدار لا يسامح فيه الصرف لوقع الناس في ذلك في حرج شديد والله يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وأما قوله وهو يشبه عندي أن لو قاما إليه جميعا، فلا شك أن قيامها إليه جميعا بعد التقابض أخف من قيام أحدهما إليه وحده، وقد قيل: إن قوله هذا مخالف لكراهيته في المدونة أن يتصارفا في مجلس ثم يقومان فيزنان في مجلس آخر، وليس هو عندي خلافا له؛ لأن مسألة المدونة فإنما بعد عقد التصارف وقبل التقابض من مجلس إلى مجلس ولا ضرورة تدعو إلى ذلك وهذه مسألة إنما قاما فيها بعد التقابض للضرورة الماسة في ذلك. [مسألة: يكون له على الرجل عشرة دنانير مجموعة فيزنها فيجدها تزيد خروبة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يكون له على الرجل عشرة دنانير مجموعة فيزنها فيجدها تزيد خروبة فقال له الغريم: لا تقطعها وأنا أعطيك الخروبة الآن ذهبا. فقال: لا يعجبني هذا، فقيل له: لا يعجبك هذا؟ فقال: نعم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة يجتمع فيها مراطلة وقضاء الدنانير المجموعة، وفيها ثلاثة أقوال: أحدهما أن ذلك لا يجوز كانت الدنانير من بيع أو قرض، وهي رواية ابن القاسم عن مالك في أصل السماع وأحد قولي أشهب، والثاني أن ذلك يجوز كانت من بيع أو قرض، والثالث أن ذلك يجوز إن كانت من قرض، وإن كانت من بيع لا يجوز، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وقد قيل: إن في المسألة قولا رابعا، وهو أن ذلك يجوز في البيع ولا يجوز في السلف، وهو قول ابن القاسم في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى، والصواب أن ذلك ليس بقول رابع لأنه إنما

مسألة: يكون له على الرجل دينار ناقص فيأتيه بدينار قائم ويقول له هات فضله دراهم

تكلم في الرواية على درهم قائم، فهي مسألة أخرى لا اختلاف فيها، ويدخله إذا كانت الدنانير من بيع على مذهب من لا يجيزه ذهب بذهب نقدا وسلعة إلى أجل لتقدم دفع السلعة، ويدخله إذا كانت الدنانير من سلف على مذهب من لا يجيزه ذهب بذهب إذا كانت الدنانير بالذهب نقدا وبذهب إلى أجل لتقدم دفع السلف، ومن أجاز ذلك في السلف ولم يجزه في البيع قال: لأن التهمة إنما تكون في البيع لا في السلف وهو الصحيح في القياس والنظر أنه لا تهمة في ذلك لا في البيع ولا في السلف؛ لأنه قضاء في الوجهين جميعا ما ترتب في ذمته، ووقعت المراطلة في الزائد على ذلك، فالعلة في ذلك أن الزائد الذي وقعت فيه المراطلة لم يوزن على حدته، وإنما وزن على جملة دنانير القضاء، والشيء إذا وزن مجتمعا ثم فرق زاد ونقص، وهذه العلة موجودة في البيع والسلف، فإما أن يستخف ذلك فيجاز في الوجهين، وإما أن يستثقل فلا يجاز، وعلى هذا المعنى اختلفوا في النقرة من الفضة تكون بين الشريكين فيأخذها أحدهما ويعطي صاحبه نصف وزنها دراهم، وقد مضى القول على ذلك في أول رسم طلق ابن حبيب. [مسألة: يكون له على الرجل دينار ناقص فيأتيه بدينار قائم ويقول له هات فضله دراهم] مسألة قيل له: أرأيت الرجل يكون له على الرجل دينار ناقص فيأتيه بدينار قائم ويقول له: هات فضله دراهم؟ . قال: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا صحيح بين على ما قال: لأن للدينار القائم فضلا في عينه على الدينار الناقص، فكان المقتضي قد اشترى الدينار القائم من المقتضي منه بالدينار الناقص الذي كان له عليه وبدرهم فكان ذهبا وفضة بذهب، ولو كان له عليه دينار الأثمن من الذهب التي إنما تجري بالوزن كالذهب العبادلة والشرقية فأخذ منه في الثمن درهما لجاز لأنها مصارفة فيما زاد على حقه.

مسألة: يكون له على الرجل الدينار القائم فيأتيه بدينار ناقص خروبة وبخروبة ذهبا

[مسألة: يكون له على الرجل الدينار القائم فيأتيه بدينار ناقص خروبة وبخروبة ذهبا] مسألة قيل له: أرأيت الرجل يكون له على الرجل الدينار القائم فيأتيه بدينار ناقص خروبة وبخروبة ذهبا فيزنها له فيعطيه إياها بديناره فرضي الغريم بأخذه ذلك بديناره القائم. قال: إن كان من عين واحدة فأرجو ألا يكون به بأس، فقيل له: هما جميعا قائما الوجه فقيل له: قد يكونا قائمين أو أحدهما أجود عينا من الآخر فقال: إن أعيانهما سواء، فقال: أرجو ألا يكون به بأس. قال محمد بن رشد: إنما شرط في إجازة ذلك أن يكونا من عين واحدة مخافة أن يكون عين الناقص أفضل من عين القائم فيكون إنما رضي لفضل عينه على عين القائم، ولم يراع زيادة العدد التي من أجلها لم يجز اقتضاء الدنانير المجموعة من القائمة وإن كانت أقل منها في الوزن فكيف إذا كانت بوزنها فهي مسألة لا يحملها القياس، وإنما جوزها استحسانا لأنه استخف المكروه فيها من أجل أنه دينار واحد وقد قال أبو إسحاق التونسي: إنه يقوم منها جواز اقتضاء المجموعة من القائمة، ولم يجزها مالك في كتاب ابن المواز، وهو القياس، وقد مضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم ما فيه زيادة بيان على ما هاهنا. [مسألة: كان يسأل رجلا دينارا فقطعه عليه فكان يأخذ منه مرة خمسة دراهم ومرة ثلاثة] مسألة وسئل مالك عن الرجل كان يسأل رجلا دينارا فقطعه عليه فكان يأخذ منه مرة خمسة دراهم ومرة ثلاثة دراهم، ومرة أربعة دراهم. قال: يجمعها عندك فإذا أتمت دينارا ذهبا اجتمعا فصرفاها

مسألة: اصطرف من رجل دراهم بدينار وقال إن وجدت فيها دينارا رديئا رددته

ثم استوفى ديناره فقال: على يدي من تكون؟ فقال: على يدي صاحب الدينار دون أن يختم عليها لئلا ينتفع بها فيكون إنما وسع عليه في الاقتضاء وقبضه منه مقطعا لينتفع بما يجتمع عنده منه إلى أن يكمل صرف الدينار، فيكون سلفا جر منفعة وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك. [مسألة: اصطرف من رجل دراهم بدينار وقال إن وجدت فيها دينارا رديئا رددته] مسألة وسئل عمن اصطرف من رجل دراهم بدينار، وقال: إن وجدت فيها دينارا رديئا رددته. فقال: أصل هذا الصرف لا يصلح، فأرى أن يأخذها ويأخذ منه ديناره فقيل لمالك: إنه قد وجدها جيادا كلها، فقال: إن أصل الصرف لم يكن حسنا فأرى أن يردها كلها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الشرط يفسد العقد، فيكون منتقضا وجد رديا أو لم يجد، ولا اختلاف في هذا وبالله التوفيق. [يأتي أهل بيت الضرب بمائة دينار يضربونها له ويعطيهم على ذلك دينارا] ومن كتاب أوله مسائل بيوع وكراء قال: وسألته عن الرجل يأتي أهل بيت الضرب بمائة دينار يضربونها له ويعطيهم على ذلك دينارا. قال: أما إذا كان يضرب له ذهبه بعينها فلا بأس بذلك، وقد كان في زمن بني أمية يأتي الرجل بمائة دينار وعشرة دنانير فيعطيها الضرابين بدمشق ويعطونه مائة دينار قد فرغ منها، وكانوا يأخذون على ضرب كل مائة عشرة دنانير، فجاءهم بمائة وعشرة وأخذ منهم مائة قد أخذوها وفرغوا منها، فلو كان الناس

أخذ بدرهمه بنصفه لحما وبنصفه درهما صغيرا

جميعا اليوم يخلصون الذهب كذلك ولا يغشونها لم أر بذلك بأسا، وإنما جاز يومئذ لأنها سكة واحدة والتجار كثير والأسواق متفاوتة فلو جلس حتى يضرب له ذهبه، ثم جلس هذا الآخر أيضا حتى يضرب له ذهب فاتت الأسواق وطال الأمر وحبس الناس فلا أرى بذلك بأسا إذا كان هكذا فأما اليوم فلا يخلص الذهب ويغش فيعطيكها مغشوشة، وقد صار لكل مكان سكة يضرب فيها الدنانير فلا أرى ذلك يصلح ولا أرى بأسا أن تأتيه بدنانيرك بعينها فيضربها لك وتعطيه عليها جعلا، وهو إذا ضرب ذهبك أخلصها لك. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته. [أخذ بدرهمه بنصفه لحما وبنصفه درهما صغيرا] ومن كتاب البيوع الأول وسئل مالك عمن أخذ بدرهمه بنصفه لحما وبنصفه درهما صغيرا. فقال: قد كنا نكرهه وما نرى اليوم به بأسا، قيل له: أرأيت إن كان بمصر فأخذ بنصفه فلوسا وبنصفه درهما صغيرا؟ فقال: ما أحبه، ولو أخذ حنطة ما رأيت به بأسا. قال محمد بن رشد: أما البلد الذي لا فلوس فيه فجائز للرجل أن يأخذ فيها بنصف درهمه أو أكثر طعاما أو عرضا وبالباقي فضة أو درهما صغيرا، وقد كان مالك يكره ذلك أولا على ما ذكر في هذه الرواية. وأما في البلد الذي فيه الفلوس ففيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يجوز للرجل أن يأخذ فيها أيضا بنصف درهمه أو أكثر طعاما أو عرضا وفلوسا وبالباقي فضة، وهو قوله في المدونة، والثاني قوله في هذه الرواية إنه يجوز

مسألة: أعطي دراهم وقيل له صرفها بدنانير فلما أراد أن يبيعها صرفها من نفسه

له أن يأخذ بنصفه أو أكثر طعاما وبالباقي فضة، والثالث قول أشهب أنه لا يجوز له شيء من ذلك كله في البلد الذي فيه الفلوس، فالقول الأول استحسان مراعاة للخلاف، إذ من أهل العلم وهم أهل العراق من يجيز شراء الذهب والعروض بالذهب والورق والعروض بالورق فيما قل أو كثر من غير ضرورة، ويجعلون الذهب التي مع العرض بمثل ذلك من الذهب الآخر وباقيها للعرض ولا يقولون في ذلك بالفض كانت الذهبان مستويتين في الطيب والسكة والصياغة أو غير مستويتين في شيء من ذلك، ووجه القول الثاني مراعاة ضرورة الناس وحاجتهم إلى الطعام، بخلاف الفلوس، وقول أشهب هو القياس على المذهب لأن ذلك إنما أجيز للضرورة، فإذا كان بلد فيه فلوس ارتفعت الضرورة. [مسألة: أعطي دراهم وقيل له صرفها بدنانير فلما أراد أن يبيعها صرفها من نفسه] مسألة وسئل مالك عمن أعطي دراهم وقيل له: صرفها بدنانير، فصار بها إلى الصراف فلما أراد أن يبيعها صرفها من نفسه ثم جاءه بالدنانير فأعلمه بالذي كان. فكرهه وقال: ما ذلك بحسن، أرأيت لو قال: لا أجيزه أليس ذلك له؟ فقد صار هذا صرفا فيه استخيار. قال محمد بن رشد: قد خفف ذلك مالك في رواية أشهب عنه من كتاب البضائع والوكالات، وقال ابن أبي حازم: وما كان الناس يشددون هذه الشدة، وإنما كرهه لهذه الرواية لما ذكره من أن صاحب الدراهم في ذلك بالخيار بين أن يجيز الصرف أو يرده، والخيار في الصرف لا يجوز، ووجه القول الثاني أنه خيار لم ينعقد عليه الصرف، وإنما هو خيار يوجبه الحكم، فلم يكن له تأثير في فساد العقد كالعبد يتزوج بغير إذن سيده، والسفيه بغير أمر وليه، فيكون سيد العبد وولي السفيه بالخيار في رد النكاح وإجازته والخيار في النكاح لا يجوز.

مسألة: احتاج إلى عشرة دراهم فيسلفها من رجل ورهن عنده رهنا دينارا

[مسألة: احتاج إلى عشرة دراهم فيسلفها من رجل ورهن عنده رهنا دينارا] مسألة وسئل عمن احتاج إلى عشرة دراهم فيسلفها من رجل ورهن عنده رهنا دينارا لا يذكر له صرفا، حتى إذا كان من الغد صارفه. فقال: أكره أن يصارفه ولكن يعطيه دراهمه ويأخذ ديناره. قال محمد بن رشد: إنما كره مالك من أجل أن ترك الدينار عنده كالإطماع له أن يصرفه منه، ولعله قد نوى ذلك منه، فكأنه قد وعده به، والعدة في الصرف مكروهة، فإذا لم ينو ذلك ولا قصده ولا أراده، وإنما صرفه منه بنية حدثت له في تصريفه منه لم تتقدم منه وقت تركه عنده، لم يكن عليه في تصريفه منه حرج إن فعله، وإن كان الاختيار له ألا يفعل لا سيما إن كان ممن يقتدى به. [مسألة: له على رجل عشرة دراهم مكتوبة عليه من صرف عشرين بدينار] مسألة وسألته عمن له على رجل عشرة دراهم مكتوبة عليه من صرف عشرين بدينار أو خمسة دراهم من صرف عشرة دراهم بدينار، فقال: أرى أن يعطيه نصف دينار ما بلغ كان أقل من ذلك أو أكثر إذا كانت تلك العشرة دراهم أو الخمسة المكتوبة عليه من بيع باعه إياه، فأما إن كانت من سلف أسلفه فلا يأخذ منه إلا مثل ما أعطاه. فقيل له: أرأيت إن باعه ثوبا بثلاثة دراهم ولا يسمي له من صرف كذا وكذا، والصرف يومئذ تسعة دراهم بدينار. قال: إذا لم يقل من صرف كذا وكذا أخذ بالدراهم الكبار ثلاثة دراهم، وإنما قال بثلاثة دراهم من صرف كذا وكذا بدينار فذلك جزء من الدينار ارتفع الصرف أو خفض، وقد كان بيع من بيوع أهل مصر يبيعون الثياب بكذا وكذا درهما من صرف كذا

مسألة: يبيع أثوابا كل ثوب بدينار إلا درهما وإلا درهمين ثم يجعل ذلك دنانير

وكذا بدينار، فيسألون عن ذلك كثيرا فهو كذا. قال محمد بن رشد: هذا كما ذكر وهو مما لا اختلاف فيه أنه إذا باع بكذا وكذا درهما ولم يقل من صرف كذا فله عدد الدراهم التي سمى ارتفع الصرف أو اتضع، وإذا قال بكذا وكذا درهما من صرف كذا وكذا فلا تكون له الدراهم التي سمى؛ إذ لم يسمها إلا ليبين بها الجزء الذي أراد البيع به من الدينار، فله ذلك الجزء، وكذلك إذا قال: أبيعك بنصف دينار من ضرب عشرين درهما بدينار، فإنما له عشرة دراهم إذ لم يسم نصف الدينار إلا ليتبين به الدراهم التي أراد البيع بها من الدينار، وسيأتي هذا في سماع رسم يحيى. [مسألة: يبيع أثوابا كل ثوب بدينار إلا درهما وإلا درهمين ثم يجعل ذلك دنانير] مسألة وسئل عن رجل يبيع أثوابا كل ثوب بدينار إلا درهما وإلا درهمين ثم يجعل ذلك دنانير يكتبها عليه إلى أجل. فقال: لا يصلح هذا ولا خير فيه، هذا صرف إلى أجل ولكن يكتب عليه كذا وكذا دينارا إلا كذا وكذا درهما، ويحسب ذلك عليه قبل أن يبايعه ثم يبايعه عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها إجمال وبينها مسألة ما وقع في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، وفي كتاب محمد قال: ومن ابتاع فيه خمسة عشرة جلدا كل جلد بدينار إلا درهما إلى أجل، ثم تحاسبا أو لم يتحاسبا لكثرة الدراهم بينهم فلا خير في هذا البيع قال محمد: تحاسبا أو لم يتحاسبا لكثرة الدراهم في المؤجل، قال مالك: ولو قطعوا صرف الدراهم قبل العقد ووقعت الصفقة بدنانير معلومة جاز ذلك نقدا ومؤجلا، قال محمد: مثل أن يقولوا: إن وقع بيننا بيع بدراهم فبيعوها كذا وكذا بدينار، فهو الجائز وإلا لم يجز نقدا ولا إلى أجل؛ لأنه صرف وبيع إلا في دراهم يسيرة، قال محمد: فإذا وقع

البيع بينهم على أن يتقاضى من الدنانير فيما اجتمع من الدراهم المستثنيات بسوم سمياه فإنه فيما تبايعا به إن لم يفضل من الدراهم بشيء بعد المقاصة مثل أن يكون باع منه ستة عشر ثوبا كل ثوب بدينار إلا درهم على أن يحسب الدراهم بينهما ستة عشر درهما جاز كان البيع نقدا أو إلى أجل؛ لأن البيع إنما ينعقد إلى أجل بينهما على هذه الخمسة عشر دينارا، وكذلك إن فضل بعد المقاصة درهم أو درهمان؛ لأنه يجوز أن يبيع الرجل السلعة بدينار إلا درهم وإلا درهمين على أن يتعجل السلعة ويتأخر الدينار والدرهم أو الدرهمان إلى أجل واحد، وأما إن فضل بعد المحاسبة من الدراهم الكثيرة فيجوز البيع إن كان نقدا، ولا يجوز إن كان إلى أجل.. إن لم يقع البيع بينهما على شرط المحاسبة فيجوز إن كانت الدراهم المستثناة في الصفقة الدرهم والدرهمين نقدا أو إلى أجل ويجوز إن كانت الدراهم المستثناة كثيرة دون صرف دينار إن كان البيع نقدا، ولا يجوز إن كان إلى أجل، ولا يجوز إن كانت الدراهم المستثناة أكثر من صرف دينار كان البيع نقدا أو إلى أجل على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في أن البيع والصرف لا يجوز إلا فيما كان أقل من صرف دينار ولا ينتفع بالمحاسبة بعد البيع إذا لم يقع البيع بينهما على ذلك، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

كتاب الصرف الثاني

[كتاب الصرف الثاني] [اشترى تبرا أو قراضة أو نقرا أو سبيكة بدراهم فوجد في الدراهم درهما زائفا]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: قال ابن القاسم: من اشترى تبرا أو قراضة أو نقرا أو سبيكة بدراهم فوجد في الدراهم درهما زائفا رد من ذلك بقدر الدرهم، ينظر إلى الذهب فيقسم على عدة الدراهم، ثم يرد بقدر ما أصاب الدرهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه يمكن أن يرد من الذهب ما يجب للدرهم الزائف؛ إذ ليس بمسكوك، ولو كان مسكوكا لانتقض صرف دينار، إلا أن يكون الزائف أكثر مما يجب لدينارين فينتقض

مسألة: دفع إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها سوارين فمطله

صرف دينارين دينارين، ثم ما زاد على هذا القياس، قال ابن دحون: ولو اجتمع في الشراء النقد والسبائك والقراضة والتبر، ثم وجد درهما زائفا لانتقض الكل؛ لأنا نحتاج أن نوزع الأثمان على هذه الأصناف لو لم ينقصه، وللمتبايعين أن يتداعيا في أي صنف من هذه الأصناف يقع الفسخ، فلا بد من فسخ الكل. وليس قوله بصحيح، إذ لا مانع يمنع أن يفسخ من كل صنف بحساب الدرهم الرديء، وإنما يفسخ الكل بوجود درهم زائف إذا اشترى دنانير مختلفة أو أصنافا من الحلي، أو إذا كان ما يجب من الدراهم لدينار من الدنانير فيه كسر من درهم؛ مثال ذلك: أن تصرف عشرة مثاقيل قائمة بمائة درهم وخمسة دراهم قائمة، فتجد فيها درهما زائفا، فإن الصرف كله ينتقض؛ إذ لا يمكن أن يرد بعض درهم في صرف الدينار، كما لا يمكن أن يرد بعض دينار في صرف الزائف. [مسألة: دفع إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها سوارين فمطله] مسألة وسئل: عن رجل دفع إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها سوارين، فمطله فاسترد دراهمه، فقال: ما هي عندي، ولكن خذ عشرة، وأخرني بالأخرى شهرا، ففعل، فلم يجد عنده إلا

يشتري النقرة من ورق جزافا بعشرة دنانير، فيجد في النقرة مسمار رصاص

ثمانية، فأعطاه بالدرهمين الباقيين تبرا. فقال: إن كان ذلك بعد الإيجاب وكان ذلك صلحا قد وجب ومضى، حتى لو أراد أن يرجع فيه لم يكن ذلك له فلا بأس به، وإن كانت مراوضة فلا خير فيه. وقال أبو زيد: عن ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: هذا بيّن كما قال، أما إن كان ذلك بعد وجوب الصلح وتمامه، فهو جائز؛ لأنه أخذ من العشرة التي وجبت له نقدا ثمانية، وصارفه في الدرهمين بعد أن ثبت التأخير ووجب في العشرة الأخرى، فلم يكن فيه وجه من الفساد، وأما إذا كان ذلك في المراوضة فيدخله من الفساد أنه صارفه بالدرهمين على أن أخره بالعشرة، وذلك لا يجوز «لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بيع وسلف» ، وبالله التوفيق. [يشتري النقرة من ورق جزافا بعشرة دنانير، فيجد في النقرة مسمار رصاص] ومن كتاب استأذن سيده في تدبير جارية وسألته: عن الرجل يشتري النقرة من ورق جزافا بعشرة دنانير، فيجد في النقرة مسمار رصاص، قال: ينظر كم وزن النقرة بمسمار رصاص، ثم ينظر كم وزن المسمار، فإن كان وزنها بالمسمار مائة درهم ووزن المسمار درهم، وكانت الدنانير قائمة، انتقض صرف دينار واحد، وإن كانت مجموعة، انتقض صرف دينار من أدنى ما يكون من دنانيره المجموعة. قلت: فلو أن رجلا قال لرجل أبيعك هذه النقرة وفيها مائة درهم بعشرة دنانير، كل دينار بعشرة دراهم، ثم وجد في النقرة مسمار رصاص، هل هو سواء؟

مسألة: اشترى سوارين فوجد رأس واحد منهما من نحاس

وماذا ينتقض منها وليس في المسمار إلا درهم؟ قال: هذان الوجهان سواء، قد صار ثمن الدينار فيها عشرة دراهم، فإذا كان المسمار وزن درهم، فأرى أن ينتقض دينار منها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه؛ لأن المسمار الموجود في النقرة المبيعة بدنانير، كالدرهم الزائف يوجد في صرف الدنانير، فيرد المسمار وتمام صرف دينار واحد من النقرة وينتقض صرف دينار واحد، كما يرد الدرهم الزائف وتمام صرف دينار واحد من الدراهم، وينتقض صرف دينار واحد لا أكثر، إلا أن يكون الزائف أكثر من صرف دينار فينتقض صرف دينارين، ثم ما زاد على هذا القياس، ولا فرق في تفريق النقرة والدراهم بالدنانير بين أن يسمى ما يقع لكل دينار من ذلك، أو يسكت عنه، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى سوارين فوجد رأس واحد منهما من نحاس] مسألة قلت: فلو أن رجلا اشترى سوارين، فوجد رأس واحد منهما من نحاس؟ قال: يردهما جميعا. قلت: فلو كان اشترى أزواج أسورة فوجد في زوج منها نحاسا؟ قال: يردها كلها ولو كانت مائة زوج. قلت: فلو فات بعضها وبقي بعضها في يديه فوجد فيما بقي منها عيبا؟ قال: يرد ما بقي بالقيمة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه إذا اشترى سوارين فوجد رأس

واحد منهما من نحاس، أنه يردهما جميعا، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن كل ما هو زوجان لا ينتفع بأحدهما دون صاحبه كالخفين، والنعلين، والسوارين، والقرطين، فوجود العيب بأحدهما كوجوده بهما جميعا. وأما قوله إذا اشترى أزواج أسورة فوجد في واحد منها نحاسا، أنه يردها كلها ولو كانت مائة زوج، فهو صحيح إذا لم تكن مستوية، وأمكن أن تختلف فيها الأغراض، وأما إن كانت مستوية أثمانها سواء لا يمكن أن تختلف فيها الأغراض؛ فإنه يرد الذي وجد فيه النحاس مع صاحبه بما ينوبه من الثمن ولا يرد الجميع، وعلى هذا يحمل ما في سماع أبي زيد، فلا يكون ذلك اختلافا من القول. وأما قوله: إن فات بعضها وبقي بعضها في يديه، فوجد فيما بقي في يديه عيبا، أنه يرد ما بقي بالقيمة، ففيه نظر؛ لأن القياس كان إذا كان ينتقض الصرف كله إذا كانت قائمة، أن ينتقض أيضا إذا فات بعضها، فيرد ما بقي وقيمة ما فات ويرجع بجميع الدراهم، إلا أن هذا يأتي على ما حكى عبد الحق عن بعض شيوخه فيمن اشترى عبدين فهلك أحدهما وألفى الآخر معيبا، أنه يرد المعيب بحصته من الثمن، وإن كان وجه الصفقة، إن كلف أن يرد قيمة الهالك، رد عينا وأخذ عينا، فلم يكن في ذلك فائدة، بخلاف إذا كان الثمن عرضا، والقياس أن يرد المعيب وقيمة الهالك ويرجع بجميع الثمن؛ لأن الصفقة قد وجب ردها كلها بوجود العيب في أرفع العبدين، فلا يمضي التغابن في الذي فات منهما على من كان وقع عليه، فقد يكون قيمته أكثر مما ينوبه من الثمن، فيكون من حجة البائع أن يأخذ القيمة ويرد الثمن؛ لئلا يمضي التغابن عليه، إذ قد وجب أن تنقض الصفقة كلها، وقد تكون قيمته أقل مما ينوبه من الثمن، فتكون

صرف عند صراف دنانير فوزنها عند غيره فوجدها وهي تنقص

حجة المبتاع أن يرد القيمة ويأخذ الثمن، لئلا يمضي التغابن عليه أيضا، إذ قد وجب نقض الصفقة كلها، وكذلك مسألة الأسورة على هذا القياس، وبالله التوفيق. [صرف عند صراف دنانير فوزنها عند غيره فوجدها وهي تنقص] ومن كتاب العرية وعن رجل صرف عند صراف دنانير فوزنها عند غيره فوجدها وهي تنقص، فرجع إلى الصراف، فقال الصراف: والله ما أدري لعل في موازيني شيئا، فذهب معه الصراف إلى حيث وزنها فوجدها تنقص ما ذكر له، تم أخرج الصراف أيضا الدنانير فوزنها أيضا عنده، فإذا هي لما وزنها تنقص مثل نقصان الدراهم. قال ابن القاسم: إن كانت الدنانير مجموعة انتقض من الصرف بقدر ما نقصت. قال محمد بن رشد: قوله فإذا هي كما وزنها تنقص مثل نقصان الدراهم، يريد: أنه نقص من الذهب زنة ما نقص من الدراهم، فوجب أن ينتقض من الصرف تمام ما يجب لما نقص من الذهب، مثال ذلك: أن يكون صرف ثلاثة دنانير بأربعة وعشرين درهما، فنقص من الدراهم ربع درهم ومن الذهب ثمن مثقال وهو ربع درهم، فيرجع الصراف على الذي صارفه بثلاثة أرباع درهم؛ لأن ثمن المثقال الذي نقصه من الذهب يجب له درهم، عنده منه ربع درهم في نقصان الدرهم، فيرجع عليه

دراهم الخريطة إذا كانت مختلطة سودا ويزيدية فاشتراها كلها بسوم واحد

بالباقي. وهذا إن كانت الدراهم مجموعة، وأما إن كانت قائمة فلا بد من انتقاض جميع الصرف، إلا أن تكون الدنانير مجموعة مقطوعة فينتقض منها ما يجب لتمام درهم، فيرد إليه درهما ويأخذ منه ما وجب لربع الدرهم الذي رده إليه - زائدا على ما وجب عليه فيما نقص ذهبه، وذلك حبتان وربع حبة من ذهب. فقوله: إن كانت الدنانير مجموعة انتقض من الصرف بقدر ما نقصت، كلام وقع على غير تحصيل، وصوابه: إن كانت الدراهم مجموعة انتقض من الصرف بحساب ما نقصت. وحمل ابن أبي زيد هذه المسألة على أنه أراد بقوله فإذا هي لما وزنها تنقص مثل نقصان الدراهم، أي: أنها تنقص مثل ما يجب لما نقص من الدراهم. فقال: في هذه المسألة نظر، ولا ينتقض من الصرف شيء؛ لأن ما نقص من الذهب نقص جزاؤه من الدراهم بذلك الميزان، فلم يبق لأحدهما على الآخر شيء، والله الموفق. [دراهم الخريطة إذا كانت مختلطة سودا ويزيدية فاشتراها كلها بسوم واحد] ومن كتاب سلف دينارا وسئل: عن دراهم سود ودراهم يزيدية مختلطة في خريطة واحدة، وإحداهما ثلاثة وعشرون بدينار، والأخرى اثنان وعشرون بدينار، فقال: أنا آخذها منك كلها بعضها على بعض اثنين وعشرين، اثنين وعشرين بدينار، قال: لا خير فيه؛ لأنه خطار يتخاطران فلا خير فيه حتى يعرف كم في كل واحدة من صاحبتها، قيل له: فإن عرف كم في إحداهما ولم يعرف كم في الأخرى، قال: لا خير فيه حتى يعرف كم فيهما جميعا.

اشترى من رجل جبنا بدرهم قائم فوزن الدرهم فلم يجد فيه إلا درهما إلا حبتين

قال محمد بن رشد: هذا بين، على ما قال: إن دراهم الخريطة إذا كانت مختلطة سودا ويزيدية، ولا يعلم مبلغ جملتها فشراؤها كلها بسوم واحد غرر، وإن عرف ما فيها من السود إذا لم يعرف ما فيها من اليزيدية أو ما فيها من اليزيدية إذا لم يعرف ما فيها من السود حتى يعرف ما فيها من السود ومن اليزيدية، وذلك في التمثيل إذا لم يعرف ما في واحدة منهما، كشراء صبرة حنطة وصبرة شعير بكيل واحد، وإذا عرف ما في واحدة منهما ولم يعلم ما في الأخرى، كشراء مدي قمح وصبرة شعير كل قفيز بدرهم، وأما شراء دراهم الخريطة كلها ما بلغت إذا كانت صفة واحدة يزيدية أو سود بسوم واحد عشرة دراهم بدينار أو أقل أو أكثر مما يتفقان عليه، فهو جائز على مذهب مالك في إجازة شراء الصبرة على الكيل، خلاف قول عبد العزيز بن أبي سلمة، ويدخل في ذلك عند مالك من الكراهة ما دخل في مسألة رسم من حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم في الذي يشتري بالدرهم فيقول: كله وأعطني بما فيه، وقد مضى القول على ذلك هناك. [اشترى من رجل جبنا بدرهم قائم فوزن الدرهم فلم يجد فيه إلا درهما إلا حبتين] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل: عن رجل اشترى من رجل جبنا بدرهم قائم فوزن الدرهم فلم يجد فيه إلا درهما إلا حبتين، فقال: خذ من الجبن تمام الدرهم، قال: هذا حرام لا خير فيه. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول رسم القبلة من سماع ابن القاسم، ومضت أيضا في رسم المحرم منه، فلا معنى لإعادته.

عليه نصف دينار لرجل فيقول خذ نصف دينار في دينك والنصف سلف

[عليه نصف دينار لرجل فيقول خذ نصف دينار في دينك والنصف سلف] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وسئل: عن رجل يكون عليه نصف دينار لرجل فيأتيه بدينار فيقول خذ نصفه في دينك، والنصف أسلفكه في سلعة كذا وكذا إلى أجل كذا. فقال: لا بأس بهذا، وليس هذا صرفا وبيعا، إنما هو قضاء وبيع. قال محمد بن رشد: جواز هذه المسألة إنما هو على القول في مراعاة ما ثبت في الذمة؛ لأنه قضاء ما ثبت له فيها من الذهب وأسلفه باقي المثقال في سلعة، فجاز ذلك، وعلى القول في مراعاة ما يوجبه الحكم في القضاء لا يجوز؛ لأنه أخذ منه نصف مثقال ذهبا فيما يجب له من الدراهم بالحكم، على أن أسلفه النصف الآخر في سلعة، فدخله ذهب بدراهم وسلعة إلى أجل، وذلك مما لا يجوز ولا يحل، وقد مضى القول في هذه المسألة ونظائرها مستوفى في رسم أوله تسلف في المتاع من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [راطل رجلا دنانير بذهب فذهب عني فوجد في دنانيره دينارا مغشوشا] ومن كتاب أوله حمل صبيا على دابته قال ابن القاسم: أرأيت إن راطلت رجلا دنانير بذهب، فذهب عني فوجدت في دنانيره دينارا مغشوشا، هل تنتقض المراطلة بيننا أو أرد الدينار وآخذ وزنه ذهبا؟ قال: بل ترد الدينار وتأخذ وزنه ذهبا. قال محمد بن رشد: يريد بقوله دنانير بذهب، أي دنانير بتبر ذهب،

يكون له على الرجل الدنانير القائمة

فإذا وجد دينارا رديئا رد إليه زنته من التبر ولم تنتقض المراطلة، ولو راطله دنانير بحلي ذهب فوجد في دنانيره دينارا مغشوشا لانتقض الجميع، وكذلك لو راطله دنانير بدنانير مخالفة لها في الوزن أو في الوزن والعين، فوجد فيها دينارا رديئا لانتقض جميع المراطلة؛ إذ لا يمكن أن يرد الدينار المغشوش ويأخذ وزنه من الدنانير الآخر، إذ لا تنقسم ولا تتبعض، وهذا كله بين على معنى ما في المدونة وغيرها. [يكون له على الرجل الدنانير القائمة] ومن كتاب حبل حبلة وقال في الرجل يكون له على الرجل الدنانير القائمة: إنه لا يصلح أن يتقاضى كسر دينار ذهبا ويتقاضى بالبقية دراهم، مثل أن تكون له عشرة دنانير قائمة فيتقاضى منه تسعا ونصفا ذهبا، ويتقاضى بالنصف دراهم، فهذا لا يحل ولا يصلح، وإنما يجوز هذا في الدنانير المجموعة إذا كانت لك على رجل؛ لأنه يجوز لك أن تتقاضى منه النصف والثلث والثلثين؛ لأن المجموعة مقطوعة، فكل ما كان لا يجوز لك أن تأخذ منه مجموعا فلا يجوز لك أن تأخذ منه كسر ذهب ودراهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة وقد مضى القول فيها في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم، ومضت أيضا في رسم صلى نهارا من السماع المذكور، وفي أول سماع أشهب، فلا معنى لإعادة ذلك. ولما لم يجز أن يقتضي من القائمة مجموعة أكثر من عددها، وكان إذا فعل ذلك قد باع القائمة بالمجموعة بزيادة عدد المجموعة على عدد القائمة لفضل عينها، لم يجز أن يأخذ بالدينار القائم نصفا ذهبا ونصفا

مسألة: كان له على رجل ألف دينار مجموعة

دراهم؛ لأنه إذا فعل ذلك كان قد باع الدينار القائم الباقي له من العشرة بذهب وورق، فحرم ذلك ولم يجز. [مسألة: كان له على رجل ألف دينار مجموعة] مسألة قال: وإذا كان لك على رجل مجموعة فلا بأس أن تأخذ منه قائمة بعددها؛ لأن القائمة أوزن من المجموعة. قال: ولو كان له على رجل ألف دينار مجموعة، فلا بأس أن يأخذ منها ألف دينار إلا دينارا قائمة، انظر أبدا إن لم تشك أن عدد القائمة أكثر وزنا من عدد كيل المجموعة التي عليه، فلا بأس أن يأخذ من عدد القائمة ما لا شك فيه أنه أكثر وزنا من المجموعة وإن اختلف العددان، وإن كان بغير وزن، وقاله أصبغ كله، والوزن أجل وأحسن يدخل في الوزن ما دخل، وإن كان أقل عددا فلا بأس به كما لو دخل فيه أكثر. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى منصوصة في المدونة فلا وجه للقول فيها. [مسألة: قاضى الرجل من الرجل يكون عليه الدينار القيراط والقيراطين دراهم] مسألة قال عيسى: قال ابن القاسم: ولا بأس أن يتقاضى الرجل من الرجل يكون عليه الدينار القيراط والقيراطين دراهم؛ لأنه جزء معلوم من الدينار.

حكم بيع الفلوس مراطلة وفي العدد اختلاف

قال محمد بن رشد: يريد أنه لا بأس أن يأخذ الرجل من الرجل يكون له عليه الدينار صرف قيراط أو صرف قراطين دراهم، ويبقى له عليه دينار إلا قيراطا وإلا قيراطين، ثم يجوز له أن يأخذ منه في بقية ديناره دراهم أو عرضا أو طعاما، ولا يجوز له أن يأخذ منه بالباقي ذهبا، قاله في المدونة. وهذا في الدينار القائم، وأما في الدينار المجموع فيجوز له أن يأخذ منه ببعضه ذهبا وببقيته ورقا في مجلسين باتفاق، وفى مجلس واحد على اختلاف، وقد مضى ذلك في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم. [حكم بيع الفلوس مراطلة وفي العدد اختلاف] ومن كتاب النسمة وسئل: عن الفلوس مراطلة وفي العدد اختلاف، قال: هذا حرام لا يحل، ولا يجوز أحد هذا من أهل العلم؛ لأن جواز الفلوس بعيونها وإن كان بعضها أثقل من بعض، فأحدهما يخاطر صاحبه، ولو جاز أن يباع الفلوس بالفلوس مراطلة، لجاز أن تباع الفلوس مراطلة بالدراهم والدنانير ولا يدري ما يدخل في عددها فهو غرر، وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر» . وسئل: عن الرجل يشتري رطل فلوس بدرهم أو رطل دراهم بدينار، لم لا يجيزه مالك، بين لي. قال ابن القاسم: أما الفلوس فلا خير

مسألة: يشتري السلعة بدراهم زيوف قد ظهر في بعضها النحاس

فيه، وأما الورق فإن كان الرطل وزنا معروفا بمنزلة هذه الحديدة التي قد ضربت وجعلت للناس معيارا في وزنهم، فلا بأس به، وإن كانوا يعرفون ما يدخل فيه من دراهم ولم تجر معرفته بين الناس حتى تكون مثل هذه الحديدة فلا خير فيه، وقاله أصبغ أيضا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة في المعنى مثل ما في المدونة، أما الفلوس فإنما تجوز عددا وهو العرف، فالانتقال عن المعروف فيها من العدد إلى الوزن لا يجوز؛ لأنه غرر؛ كما أن ما العرف فيه أن يباع وزنا من جميع الأشياء، فلا يجوز أن يباع كيلا، وما العرف فيه أن يباع كيلا فلا يجوز أن يباع وزنا، وهذا منصوص عليه في المدونة وغيرها، فلا تجوز المراطلة فيها ولا بيعها بالوزن، وأما بيع الدراهم بالرطل، فكما قال: إن كان الرطل يعلم كم فيه من درهم فهو جائز، وإلا لم يجز. [مسألة: يشتري السلعة بدراهم زيوف قد ظهر في بعضها النحاس] مسألة وسئل: عن الرجل يشتري السلعة بدراهم زيوف قد ظهر في بعضها النحاس، هل ترى به بأسا إذا كانت معرفة البائع فيها كمعرفة المشتري ورضي بذلك؟ قال ابن وهب: إن كانت زيوفا فليخبر الذي يريد أن يشتري بها أنها زيوف حتى يتقدم البائع منهما على علم لأخذه إياها، وقد بلغنا ذلك عن عمر بن

الخطاب، قال ابن القاسم: قال مالك: إذا كان ممن يغر بها الناس مثل الصيارفة وغيرهم، فلا أرى ذلك، وإن كان ممن يريد كسرها، فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب هذا خلاف قول مالك هنا وفي كتاب الصرف والصلح من المدونة. وتحصيل القول في هذه المسألة: أن الدراهم أو الدنانير المغشوشة بالنحاس، لا يحل لأحد أن يغش بها فيعطيها على أنها طيبة، ولا أن يبيعها ممن يعلم أنه يغش بها، ويكره له أن يبيعها ممن لا يأمن أن يغش بها، مثل الصيارفة وغيرهم من أشباههم. ويختلف هل يجوز له أن يبيعها ممن لا يدري ما يصنع بها، فأجاز ذلك ابن وهب هنا، وروي إجازة ذلك عن جماعة من السلف، وعمر بن الخطاب جاء عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: الفضة بالفضة وزنا بوزن، والذهب بالذهب وزنا بوزن، أيما رجل زافت عليه ورقه، فلا يخرج يخالف الناس على أنها طيوب، ولكن ليقل من يبيعني بهذه الزيوف سحق ثوب رثيثا. وكرهه ابن القاسم ورواه عن مالك هنا وفي المدونة، وإنما الذي أجاز ابن وهب أن يباع ممن لا يدري ما يصنع بها ما كان فيه منفعة ويمكن الغش به لمن أراد، قاله في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب السلطان، ويجوز أن تباع باتفاق ممن يكسرها أو ممن يعلم أنه لا يغش بها، إلا على قياس قول سحنون في نوازله من كتاب السلم، فإن باعها

ابتاع سلعة بثلثي درهم ثم ذهب فأتاه بدرهم ورد عليه بائع السلعة ثلث درهم فضة

ممن يخشى أن يغش بها لم يكن عليه إلا الاستغفار، وإن باعها ممن يعلم أنه يغش بها، فواجب عليه أن يستصرفها منه إن قدر على ذلك، وقد اختلف إذا لم يقدر على استصرافها فيما يجب عليه من التوبة فيما بينه وبين خالقه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يجب عليه أن يتصدق بجميع الثمن. والثاني: أنه لا يجب عليه أن يتصدق إلا بالزائد على قيمتها لو باعها ممن لا يغش بها - إن كان يزيد فيها شيئا. والثالث: أنه لا يجب عليه أن يتصدق بشيء منه إلا على وجه الاستحباب مراعاة للاختلاف، وقد مضى توجيه هذا الاختلاف في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب التجارة إلى أرض الحرب. [ابتاع سلعة بثلثي درهم ثم ذهب فأتاه بدرهم ورد عليه بائع السلعة ثلث درهم فضة] ومن كتاب إن أمكنتني من حلق رأسك وقال في رجل ابتاع سلعة بثلثي درهم ثم ذهب فأتاه بدرهم ورد عليه بائع السلعة ثلث درهم فضة، قال: لا بأس به. قلت: فلو كان أسلفه ثلثي درهم فأتى بدرهم فرد عليه المسلف ثلث درهم فضة، قال: لا خير فيه. قلت له: لم؟ قال: لأنه لو ابتدأ الشراء فاشترى بثلثي درهم وأخذ بثلثه فضة، لم يكن له بأس؛ ولأنه لو أخذ منه قطعة فضة بثلثين وثلث درهم بغير كيل افترقا أو كانا في مجلس واحد، لم يكن فيه خير، وهذا وجه ما سمعت. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة لو ابتدأ الشراء فاشترى بثلثي درهم وأخذ بثلثه فضة، معناه: فاشترى بثلثي درهم فدفع درهما، وأخذ بثلثه فضة، وتكلم في هذه المسألة على درهم قائم، فليست بخلاف لما في أول رسم سماع أشهب في الرجل يكون له على الرجل عشرة دنانير مجموعة فيأتيه بها فيجدها تزيد خروبة، أنه لا يجوز

اشترى من رجل سلعة بثلثي دينار ثم أتاه بعد ذلك فاستسلفه دراهم فأسلفه

أن يأخذها ويعطيه بالخروبة ذهبا، وكان القياس والنظر في هذه المسألة ألا يجوز في البيع ولا في السلف، من أجل أنه درهم قائم، فلا يجوز فيه ما يجوز في المجموع من أن يأخذه ويعطي بالزائد فضة، إلا أنه استخف ذلك في البيع من أجل أنه درهم واحد قائم، وقد جوزوا له أن يأخذ به للضرورة بنصفه طعاما، وبنصفه فضة، وقد مضى القول على هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب، وأشرنا هناك إلى ما ذكرناه هاهنا من معنى هذه المسألة، وبالله التوفيق. [اشترى من رجل سلعة بثلثي دينار ثم أتاه بعد ذلك فاستسلفه دراهم فأسلفه] ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته وقال في رجل اشترى من رجل سلعة بثلثي دينار ثم أتاه بعد ذلك فاستسلفه دراهم فأسلفه، ثم جاءه بدينار، فقال له: هل لك أن تأخذه في الثلثين ومالك علي من الدراهم؛ قال: لا بأس به؛ لأنه كان يجوز له أن يعطيه دينارا ويرد عليه دراهم فلا بأس به. قال: ولو كان استسلفه دينارا فيه ثلثا دينار دراهم، ثم أتاه بدينار فيه وبالثلثي الدينار والدراهم، لم يكن فيه خير؛ لأنه صار ذهبا وورقا بذهب. قال محمد بن رشد: هاتان المسألتان صحيحتان، أما المسألة الأولى فوجه جوازها أنه قضاه وصرف؛ لأنه قضاه ثلثي الدينار وصارفه في ثلثه، لما كان له عليه من الدراهم مصارفة ناجزة؛ لأن ما في الذمة على مذهب مالك كالعين الحاضرة، بمنزلة ما لو دفع إليه الدينار قبل أن يستسلف منه الدراهم، فأخذ منه صرف ثلثه كما قال. وأما المسألة الثانية فإنه أخذ بثلثي الدينار والدراهم دينارا قائما، فدخله ذهب وورق بذهب كما قال؛ لأن للدينار القائم فضلا في عينه على الناقص، ولو استسلف منه ثلثي دينار من ذهب مقطعة مجموعة لا يجوز إلا بالوزن، ثم استسلف

يقول أبيعك ثوبي هذا بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار

منه دراهم فقضاه دينارا مقطعا مجموعا فيما كان أسلفه من الذهب والدراهم لجاز، لسقوط التهمة في السلف بخلاف البيع، والله أعلم. [يقول أبيعك ثوبي هذا بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى بن يحيى: وسئل ابن القاسم: عن الذي يقول أبيعك ثوبي هذا بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار، وهذا الثوب الآخر بنصف دينار من صرف عشرة دراهم بدينار، أيجوز هذا؟ وما يلزم المشتري من الثمن في الثوبين؟ قال: أما الذي قال بعشرة دراهم من صرف الدينار بعشرين، فله نصف دينار تحول الصرف كيفما حال. وأما الذي قال بنصف دينار من صرف عشرة دراهم بدينار، فله خمسة دراهم تحول الصرف كيف حال، وذلك أن الذي باع بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار، إنما أوجب له ثوبه بنصف دينار، إذ جعل العشرة التي باع بها من صرف عشرين بدينار. وأما الذي باع بنصف دينار من صرف عشرة بدينار، فإنما أوجب ثوبه بنصف العشرة التي جعلها صرف نصف دينار، وإنما يؤخذ في مثل هذا بالذي يقع به إيجاب البيع وإن سمح الكلام. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة في المعنى وقد تقدمت والقول فيها في رسم البيوع الأول من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته. [صرف الفلوس بالتأخير] ومن كتاب الأقضية قال: وسئل ابن نافع: عن صرف الفلوس بالتأخير يعجل

يكون له على الرجل الدينار فيعطيه دينارا رديئا

الدينار والدراهم ويقبض الفلوس إلى أجل. فقال: كان مالك يكره ذلك إذا صارت سكة تجري ثمنا للأشياء، ولست آخذ به ولا أراه، وأنا أرى الفلوس عرضا من العروض، كالنحاس الذي لم يضرب فلوسا، ولا أرى بأسا بما تأخذ منها ولا عده صرفا. قال محمد بن رشد: قول ابن نافع هذا مثل رواية عبد الرحيم عن مالك في كتاب القراض من المدونة، وإنما كره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المشهور عنه التأخير في صرف الفلوس؛ لأن العلة عندهم في الربا في العين من الذهب والورق، هو أنه ثمن للأشياء وقيم للمتلفات، فرأى على هذا القول هذه العلة علة متعدية إلى الفلوس، لما كانت موجودة فيها إذا صارت سكة تجري بين الناس يتبايعون بها ويقومون كثيرا من المتلفات بها، ورآها على رواية عبد الرحيم عنه علة واقعة لا تتعدى إلى ما سوى الذهب والورق، ولكلا القولين وجه من النظر، وبالله التوفيق. [يكون له على الرجل الدينار فيعطيه دينارا رديئا] ومن سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: وسئل ابن القاسم: عن الرجل يكون له على الرجل الدينار، فيعطيه دينارا رديئا يغره به فيحتاج القابض إلى قطعه فيقطع منه فيجده رديئا. قال: يرد مثله صحيحا في رداءته ويرجع بديناره، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا وروايته عن ابن القاسم أنه يرد دينارا رديئا مثله صحيحا، لا يلتئم على المشهور في المذهب المعلوم

يشتري رجلان من رجل دينارا بينهما جميعا بدراهم

من قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن الدينار المغشوش بالنحاس لا يجوز أن يباع ممن يغش به الناس؛ لأنه قد غر به، فالواجب ألا يرده إليه لئلا يغر به غيره، وأن يكسر أو يباع ممن يكسره؛ فإذا كان الواجب أن يكسر على الدافع أو يباع عليه ممن يكسره، ولا يترك له لئلا يغر به؛ فالواجب أن يرده القابض إليه مقطوعا، ولا يكون عليه في قطعه شيء، ولو استهلكه ثم علم بعد ذلك أنه مغشوش، لكان القياس أن يكون عليه فيه قيمته على أن يباع ممن يقطعه. وقد قال سحنون في نوازله من كتاب السلم والآجال: إنه يرد وزن ما كان فيه من الوزن والصفران علم ذلك؛ لأن من استهلك ما يوزن فعليه فيه المثل، وإن لم يعلم وزن ما فيه من الوزن والصفر، كان عليه في الورق قيمته من الذهب جزء من دينار يكون به شريكا معه فيه وفي الصفر قيمته من الورق؛ لأن القيمة لا تكون إلا بالذهب والورق، وهو بعيد خارج عن القياس، ويأتي على قياس قوله أن الحكم فيه أن يكسر على كل حال، ولا يحل أن يباع على حال ولا ممن يكسره، وذلك خلاف الموجود من قولهم، وقد مضى تحصيل القول في هذا المعنى في رسم النسمة من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [يشتري رجلان من رجل دينارا بينهما جميعا بدراهم] ومن كتاب البيع والصرف قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: لا بأس أن يشتري رجلان من رجل دينارا بينهما جميعا يعني بدراهم، ويوكل أحدهما الآخر بقبضه، وينقلب ويقبضه أحدهما، والذهب كلها والحلي والورق كذلك.

مسألة: يكون لرجلين على رجل نصفان لكل واحد منهما نصف دينار

قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم طلق من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته. [مسألة: يكون لرجلين على رجل نصفان لكل واحد منهما نصف دينار] مسألة قال: ولا بأس أن يكون لرجلين على رجل نصفان، لكل واحد منهما نصف دينار فيقضيهما دينارا جميعا، ولا بأس أن يكون لرجلين على رجل ثلثا دينار، لكل واحد منهما ثلث، فيأخذ من كل واحد منهما سدسا، سدسا، ويعطيهما دينارا بينهما جميعا؛ لأنه إنما قضاهما ثلثيه وباعهما جميعا الثلث الآخر، ولا خير في أن يكون لرجلين على رجل لأحدهما نصف دينار وللآخر ثلث دينار، فيأخذ من الذي له الثلث سدس دينار ويعطيهما الدينار بينهما؛ لأنه الحول في الصرف؛ لأنه قضى هذا ثلثا وهذا نصفا، وباع السدس الآخر من هذا فأحاله به، فلا خير فيه حتى يكون القضاء فيه كله والبيع فيه كله فيهما جميعا سواء. قال محمد بن رشد: أجاز أن يكون لرجلين على رجل نصفان نصف لكل واحد منهما فيقضيهما جميعا دينارا؛ لأنه على مراعاة ما ثبت لكل واحد منهما في ذمته قضاء صرف فجاز، وإن قبض أحدهما الدينار لنفسه ولصاحبه بعد أن ذهب، وعلى مراعاة ما يجب لكل واحد منهما عليه أن يقضيه مصارفة صرف؛ لأنهما أخذا منه بما كان يجب لهما عليه من الدراهم دينارا ذهبا، فجاز أيضا إن قبضا الدينار جميعا أو قبضه أحدهما بحضرة صاحبه قبل أن يفارقه باتفاق، وإن وكل أحدهما صاحبه بقبضه فقام فذهب فقبضه بعد ذهابه على ما ذكرناه من الاختلاف في المسألة التي قبل هذه حيث تكلمنا عليها في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وأجاز أيضا

أن يكون لرجلين على رجل ثلثا دينار، ثلث لكل واحد منهما، فيأخذ من كل واحد منهما سدسا، سدسا، أي: صرف سدس سدس من الدراهم، ويعطيهما دينارا بينهما جميعا؛ لأنه على مراعاة ما ثبت لكل واحد منهما في ذمته قضاء في الثلثين وصرف في الثلث بينهما، فيجوز إن قبضا الدينار جميعا أو قبضه أحدهما بحضرة صاحبه قبل أن يفارقه باتفاق، وبعد أن فارقه على ما ذكرناه من الاختلاف فوق هذا في مسألة الرجلين يشتريان الدينار بينهما، وعلى مراعاة ما يجب لكل واحد منهما عليه أن يقبضه مصارفة صرفا؛ لأنهما قبضا الدينار بينهما فيما وجب لهما عليه من الدراهم، وفيما دفعا إليه من الدراهم أيضا، فجاز إن قبضا الدينار جميعا، أو قبضه أحدهما بأمر صاحبه قبل أن يفارقه باتفاق، أو بعد أن فارقه على ما ذكرناه من الاختلاف، لم يجز أن يكون لرجلين على رجل نصف لأحدهما وثلث للآخر، فيأخذ من الذي له عليه ثلث سدس دينار دراهم ويعطيهما دينارا بينهما. قال في الرواية: لأنه الحول في الصرف، وفي ذلك من قوله نظر؛ لأنه إنما يكون حولا في الصرف، إذا قبض جميع الدينار الذي كان له منهما نصف دينار؛ ولأنه حينئذ يكون قد أحال بسدس دينار الذي وجب له في الدراهم التي دفع على شريكه الذي قبض جميع الدينار؛ وأما إذا قبضا الدينار جميعا، فإنما لم يجز من أجل أنه لم يبين بالسدس الذي وجب له من الدينار في الدراهم التي دفع لبقاء يد شريكه معه عليه؛ ولو قبض جميع الدينار الذي كان له ثلثه وصارف في سدسه، لجاز ذلك على مذهب أشهب، ولم يجز على مذهب ابن القاسم؛ أصل هذا الدينار يكون بين الرجلين فيصرف أحدهما نصفه من أجنبي، فلا يجوز ذلك عند ابن القاسم، وإن قبض جميع الدينار إذا لم يبين بنصيبه منه، من أجل الشركة التي فيه للشريك، ويجوز عند أشهب إن قبض جميع الدينار؛ لأنه قد ناجز من صارفه إذ لم يبق بينه وبينه شرك، ولا يضر عند شركته في الدينار مع الأجنبي إذا قبض جميع الدينار، وبالله التوفيق.

مسألة: يكون لرجل على رجلين على واحد منهما نصف وعلى الآخر ثلث

[مسألة: يكون لرجل على رجلين على واحد منهما نصف وعلى الآخر ثلث] مسألة ولا بأس أن يكون لرجل على رجلين على واحد منهما نصف، وعلى الآخر ثلث، فيعطي أحدهما سدسا ويأخذ منه دينارا، يكون ما بقي من الدينار سلفا منه لصاحبه وقضاء عنه. قال محمد بن رشد: إنما جاز هذا لأنه قد انفصل بالدينار إذا اشترى سدسه وخلص له، ولا شركة ولا تباعة لأحد عليه فيه، ويرجع الذي دفع الدينار بنصفه على صاحبه؛ لأنه سلف منه له أداه عنه، وبالله التوفيق. [مسألة: راطل ذهبا بذهب فرجحت إحدى الذهبين] مسألة وسألت ابن القاسم: عمن راطل ذهبا بذهب فرجحت إحدى الذهبين، أيجعل مع الناقصة دينارا أو اثنين؟ أو راطل دنانير بدنانير فرجحت، أيجعل في الناقصة تبرا؟ فهل ذلك سواء في الوجهين جميعا؟ وما قليل ما يجوز أن يجعل مع قليله وكثيره؟ قال: إذا كان التبر الذي تراطلا به واحدا، فلا بأس أن يزيد من نقص تبره مع تبره دنانير، يعدلها به قل ما يزيد من الدنانير أو كثر، وإنما يكره هذا أن يكون أحد الذهبين أجود من الآخر، فيجعل الدنانير مع الرديئة من التبر، فيكون حينئذ هذا الذي جعل الدينار قد أخذ فضول دنانيره في فضل تبر صاحبه على تبره؛ وكذلك الدنانير يراطل بها فينقص إحداهما، لا بأس أن يزيد مع الناقصة ما شاء من التبر، قل أو كثر يعدلها به إذا كانت عيون

الدنانير واحدة، فإن كانت النقص من الدنانير أفضل من الأخرى، لم يصلح أيضا أن يجعل التبر مع الجيدة من العين فيأخذ صاحبها فضل عيونها بما ألقي معها من التبر، فإن كان تبرا منفردا في إحدى الكفتين ليس معه غيرها، وفي الأخرى دنانير فلا بأس بذلك، كان التبر أفضل من تبر العيون، أو كان مثله إذا كان تبرا واحدا. وقال أصبغ مثله. وسئل: عن الرجلين يراطلان يخرج أحدهما عشرة عتقاء ويخرج الآخر خمسة عتقاء، وخمسة هاشمية، قال: ليس بهذا بأس. قال محمد بن رشد: هذا كله صحيح على ما في المدونة، جائز أن يراطل الرجل ذهبا بذهبين إذا كانت الذهب أدنى من الذهبين جميعا، أو أفضل منهما جميعا، أو مثل إحداهما؛ وذهب سحنون إلى أنه لا يجوز مراطلة ذهب بذهبين كانت أدنى منهما أو أفضل منهما جميعا، أو مثل أحدهما للذريعة، قياسا على ما قال مالك في المدونة من أنه لا يجوز مد قمح ومد شعير بمد قمح ومد شعير وإن استوى ذلك للذريعة. وأما إذا كانت الذهب التي راطل بها الذهبين أفضل من إحداهما ودون الأخرى، فلا تجوز المراطلة باتفاق؛ لأن صاحب الذهبين لم يرض أن يراطله بذهبه التي هي أطيب من ذهبه لولا ما دخل معها من الذهب التي هي دون ذهبه، وأما إذا راطل ذهبا بذهب فذلك جائز باتفاق، وإن كانت إحدى الذهبين أفضل من الذهب الأخرى من وجه، وأدنى منها من وجه آخر، مثل أن يراطله بتبر ذهب أحمر طيب بحلي ذهب مصوغ، أو دنانير مضروبة تبرها دون تبر الذهب الإبريز؛ وإن كان قد علم أن صاحب التبر الإبريز لم

يكن يرضي أن يراطله بتبره الجيدة إلى تبره التي هي دونها في الجودة لولا صياغتها أو سكتها؛ لأن الصياغة والسكة في المراطلة ملغاة. ورد ابن حبيب مسألة المبادلة في الطعامين بالطعام إلى مسألة المراطلة، فأجاز ذلك إذا كان الفضل من جهة واحدة، خلاف ما ذهب إليه سحنون من رده مسألة المراطلة في ذلك إلى مسألة المبادلة، وكان الشيوخ يختلفون في مراطلة الذهب الخالص بالذهب التي ليست بخالصة، كالمراطلة بالعبادية والعبادية بالنصفية ونحو ذلك، فمنهم من كان يجيز ذلك قياسا على قول أشهب في إجازته مبايعة الدراهم الستوق الزيوف بالدراهم الجياد وزنا بوزن، ومنهم من كان لا يجيز ذلك لما فيه من التفاضل بين الذهبين، ويقول: إنما معنى قول أشهب في اليسير من الدراهم قياسا على ما أجازوا من بذل الوازن بالناقص في العدد اليسير من الدنانير على وجه المعروف، وهو الصحيح من الأقوال والله أعلم. وقد كان شيخنا أبو جعفر بن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لا تجوز مراطلة الذهب العبادية بالذهب العبادية، ولا النصفية بالنصفية؛ لأنها ذهب وفضة بذهب وفضة، أو ذهب ونحاس بذهب ونحاس. وذلك إغراق لا أقول به، بل أرى ذلك جائزا؛ لأن الفضة التي مع هذه كالفضة التي مع هذه، والنحاس التي مع هذه، كالنحاس التي مع هذه، فلا يُتْقَى في هذا ما يُتْقَى من ذهب وفضة منفصلين بذهب وفضة منفصلين؛ لأنه لم يكن يراطله الذهب بالذهب، لولا ما أضاف إليها من الفضة.

مسألة: اشترى من رجل ثوبا بثلثي دينار ونصف قيراط

[مسألة: اشترى من رجل ثوبا بثلثي دينار ونصف قيراط] مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب، وسئل: عن الرجل اشترى من رجل ثوبا بثلثي دينار ونصف قيراط، فدفع إليه قطعة فيها ثلثا دينار، وأعطاه بالنصف قيراطا ورقا. قال: لا بأس بذلك فيما دون الدينار، وما دون الدينار فهو مجموع. قال محمد بن رشد: أجاز هذا هاهنا واستثقله في رسم البيوع الثاني بعد هذا، وقوله وما دون الدينار فهو مجموع، يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما: أن يكون إنما قال فيه بأنه مجموع، إذ العرف في البلدان أن الناس يتبايعون فيما دون الدينار من الذهب بذهب مجموع موزون، والثاني: أن يكون أراد أن له حكم المجموع في جواز أن يأخذ ببعضه ذهبا، وبما نقص ورقا وإن لم يكن مجموعا، فالإجازة هاهنا على التأويل الأول بينة لا معنى للاستثقال فيه؛ لأن من له ذهب مجموعة فجاز له إذا اقتضاها أن يأخذ بما نقص من حقه دراهم أو ورقا، أو ما شاء من العروض. وقول أصبغ فيما يأتي في رسم البيوع: وما كان دون الدينار فهو مجموع وبمنزلة المجموع، كلام غير محصل، إذ لا يصح أن يكون مجموعا وبمنزلة المجموع، إما أن يكون مجموعا على أحد التأويلين، أو غير مجموع على التأويل الثاني، وقد مضي بيانهما، وتفسير الحكم فيهما، والكراهة في رسم البيوع الثاني بعد هذا على التأويل الثاني؛ لأن الواجب له عليه أعني على التأويل الثاني صرفه من الدراهم، فإذا أخذ في الدراهم الواجبة له عليه ذهبا وورقا في مجلس واحد وجب أن لا يجوز، ولو كان ذلك في مجلسين لجاز، مثل أن يأتيه فيأخذ منه درهما أو درهمين من ورق، ثم ينصرف عنه ويأتيه في مجلس آخر فيأخذ منه بقية

مسألة: اشترى ثوبا بدينار إلا ثمنا فدفع إليه الدينار وأخذ عنه الثمن

دراهمه ذهبا، ولو أخذ منه في مجلس واحد بعض ما له عليه من الدراهم وبقيتها ذهبا لجاز، وإنما استثقل على هذا التأويل أن يأخذ منه فيما دون المثقال ذهبا وبقيراط ورقا، ولم يقل إن ذلك لا يجوز؛ لأنه استخفه ليسارة القيراط، ورأى التهمة في ذلك عنه مرتفعة لقلته. [مسألة: اشترى ثوبا بدينار إلا ثمنا فدفع إليه الدينار وأخذ عنه الثمن] مسألة قيل له: فرجل اشترى ثوبا بدينار إلا ثمنا، فدفع إليه الدينار وأخذ عنه الثمن. قال: لا بأس بذلك، قيل له: فرجل اشترى بدينار إلا درهما أو درهمين، فدفع إليه الدينار وأخذ الدرهم أو الدرهمين، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هاتان المسألتان من قول أشهب مخالفتان لقوله في المدونة، ولقول ابن القاسم فيها وروايته عن مالك، وخارجة عن الأصول؛ لأنه ذهب بسلعة ودراهم إلى أجل في المسألتين جميعا، ولا أعلم من يجيز ذلك في المذهب إلا ابن عبد الحكم في أحد قوليه، والفساد في المسألة الأولى أشد؛ لأنه إذا اشترى ثوبا بدينار إلا ثمنا، فإنما وقع شراؤه بسبعة أثمان دينار، يجب عليه صرفها من الدراهم، فصار البائع قد اشترى من المبتاع الدينار الذي أخذ منه بالدراهم

اشترى ثوبا بنصف دينار فدخل في النصف دينار خمسة عشر درهما

التي وجبت عليه، وبدراهم يزيده إياها إلى أجل، فهو صرف خارج عن البيع تأخر فيه بعض النقد، فيجب إذا وقع هذا أن يفسخ الصرف وينفذ البيع، إلا أن يكون باع منه السلعة بدينار إلا ثمنا على أن يدفع إليه دينارا ويؤخر صرف الثمن، فيفسخ البيع والصرف. وأما الذي اشترى السلعة بدينار إلا درهما أو إلا درهمين، فالمعنى في ذلك أنه اشترى السلعة ودرهما أو درهمين بدينار، فيجوز عند ابن القاسم إذا تعجلت السلعة أن يتأخر الدينار والدرهم أو الدرهمان إلى أجل واحد، ولا يجوز عنده أن يتعجل الدينار والدرهم أو الدرهمين وتتأخر السلعة؛ ويجوز ذلك عند أشهب، ولا يجوز عند واحد منهما أن يتأخر الدينار عن الدرهم، ويجوز ذلك عند ابن عبد الحكم في أحد قوليه. ويحتمل أن يكون إنما تكلم على أن البيع وقع بينهما على النقد ثم أخره بالدرهم أو الدرهمين على غير شرط كان في أصل عقد البيع فأجاز ذلك مراعاة للخلاف، كما أجاز في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم البدل في ذلك مراعاة للخلاف، وبالله التوفيق. [اشترى ثوبا بنصف دينار فدخل في النصف دينار خمسة عشر درهما] ومن كتاب الوصايا والأقضيات قال أصبغ: سمعت ابن وهب: وسئل: عن رجل اشترى ثوبا بنصف دينار، فدخل في النصف دينار خمسة عشر درهما، ودفع إليه فيه دراهم وباعه مرابحة وانتقض الصرف. قال: إن كان نقده فيه دراهم فله عدد الدراهم، وإن كان أعطاه دينارا فصرفه فأخذ نصفا

ورد على المشتري نصفا، فله نصف دينار بالغا ما بلغ. قيل له: فإنه نقد فيه دراهم خمسة عشر درهما، ثم باع مرابحة وقد انتقض الصرف ولم يبين، قال: لو كان درهما واحدا بدينار إذا فات الثوب، فله ما نقد الخمسة عشر درهما، وإن كان الثوب لم يفت فهم على رأس أمرهم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه باع على ما عقد عليه من الذهب ولم يبين ما نقد فيه من الدراهم، وقوله وإن كان نقد فيه يريد المشتري الذي اشترى مرابحة دراهم فله عدد الدراهم، وإن كان أعطاه دينارا فصرفه وأخذ نصفا ورد على المشتري نصفا فله نصف دينار بالغا ما بلغ، يريد: إذا كانت السلعة قائمة لم تفت صحيح؛ لأن الواجب فيها إذا كانت قائمة لم تفت، رد البيع إذا لم يرضه المبتاع؛ فإذا رد رجع بما دفع. وأما قوله إنه إذا باع على ما عقد عليه من الذهب ولم يبين ما نقد فيه من الدراهم وقد حال الصرف بنقصان، أن له إذا فات الثوب ما نقد الخمسة عشر درهما- ولو كان الصرف قد حال إلى درهم واحد- بعيد في النظر، خارج عن الأصول، خلاف لما في المدونة والواضحة وغيرهما من الدواوين، فهو من الغلط الذي لا يعصم منه البشر، وإنما يكون له إذا فات الثوب ما نقد إذا حال الصرف بزيادة، فكان ما نقد خيرا للمشتري، وقد نص في المدونة على ذلك فقال: إن الثوب إذا فات يصرف له الربح على ما نقد إذا كان خيرا للمشتري، إذ لا يصح أن يلزم المشتري إذا فات الثوب ما نقد البائع فيه إذا كان ذلك أكثر مما اشترى عليه ورضي به إلا باختياره، وإنما الحكم في ذلك أن يكون عليه قيمة الثوب، إلا أن يكون أكثر مما نقد البائع فيه فلا يزاد عليه، أو يكون أقل

مما اشترى عليه ورضي به فلا ينقص منه على حكم من باع سلعة بثمن ما مرابحة، ثم جاء بعد أن فات أنه اشتراها بأكثر من ذلك. وقد قال ابن دحون على إتباع ظاهر هذه الرواية أن الحكم فيها حكم من ابتاع سلعة بعشرة وصبغها بعشرة وباعها مرابحة بعشرين: إن المشتري يخير في القيام ويمضي بالثمن في الفوات، وهو غلط بين، إذ لا شبه بينها وبينها، فالحكم في هذه المسألة: إذا اشترى الرجل سلعة بنصف دينار فقد صرفه خمسة عشرة درهما، ثم باعها مرابحة على أن شراءها نصف دينار، ولم يبين ما نقد فيه من الدراهم، أن ينظر إلى صرف النصف الدينار من الدراهم يوم باعها مرابحة، فإن كان أقل من خمسة عشر درهما والسلعة قائمة، خير المشتري بين أن يأخذها على أن شراءها خمسة عشر درهما أو يتركها، إلا أن يشاء البائع أن يسلمها له على ما باعها عليه من أن شراءها نصف مثقال، وإن كانت السلعة قد فاتت ولم يرض المشتري أن يربحه على ما فقد فتكون عليه القيمة، إلا أن تكون أكثر من الخمسة عشر درهما وربحها، فلا يزاد البائع على ذلك، أو يكون أقل من صرف الدينار يوم اشتراها مرابحة، والربح على ذلك فلا ينقص من ذلك؛ لأنه قد رضي به، وإن كان صرف نصف الدينار يوم اشترى المشتري مرابحة أكثر من الخمسة عشر درهما التي نقد البائع فيها والسلعة قائمة، خير البائع بين أن يسلمها له بالخمسة عشر درهما التي نقد فيها أو يأخذ سلعة، إلا أن يرضى المبتاع بأخذها على ما اشتراها عليه من أن شراءها نصف دينار، فيؤدي صرفه بالغا ما بلغ، وما يجب لذلك من الربح؛ وإن كانت السلعة قد فاتت، فهنا قال في المدونة وغيرها: إنه يكون على المبتاع الخمسة عشر درهما التي نقد البائع فيها، وقد كان القياس أن يكون في ذلك القيمة معتبرة أيضا بالأقل والأكثر، إلا أنهم لم يقولوا ذلك. وقوله في الرواية: وباعه مرابحة وانتقض الصرف، معناه: وباعه مرابحة بعد أن انتقض الصرف على أن شراء نصف دينار ولم يبين ما نقد فيه، وعلى هذا أتى جوابه في المسألة، والله أعلم.

اشترى ثوبا أو سلعة باثنين وعشرين قيراطا

[اشترى ثوبا أو سلعة باثنين وعشرين قيراطا] ومن كتاب البيوع الثاني وسئل: عمن اشترى ثوبا أو سلعة باثنين وعشرين قيراطا، فأعطاه دينارا فيه أحد وعشرون قيراطا وأعطاه القيراط ورقا. قال: إنه لثقيل، قال أصبغ: لا بأس به فيما دون الدينار، وما كان دون الدينار فهو مجموع وبمنزلة المجموع، فلا بأس به في المجموع أن يعطي بعضها ذهبا وما نقص ورقا، وكذلك ما زاد على الدينار؛ قيل لابن القاسم: فلو أعطاه دينارا فيه الاثنان والعشرون قيراطا، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى قبل هذا في رسم البيع والصرف فلا معنى لإعادته. [مسألة: يشتري الدراهم بدينار ثم يبيعها في مقامه قبل أن يقبضها وقبل أن يستوفيها] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يشتري الدراهم بدينار، ثم يبيعها في مقامه قبل أن يقبضها وقبل أن يستوفيها. قال: لا بأس بذلك إذا قبضها هو ودفعها إلى مشتريها منه. فأما أن يقول له قبل أن يقبضها ادفعها إليه فلا خير فيه، قال أصبغ: ولو باعها المصرف نفسه من الصراف نفسه قبل أن يقبضها بما يجوز له بيعه، لم يكن به بأس. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يجوز أن يبيع الدراهم الواجبة له من صرف الدنانير قبل قبضها إلا أن يقبضها هو فيدفعها إلى المشتري، صحيح على مذهبه في أن الحوالة في الصرف لا تجوز وإن قبض المحال من المحال عليه قبل مفارقة الذي أحاله، خلاف قول سحنون؛ وقد مضى

مسألة: كل ما لم يكن عند الناس تسمية درهم فلا بأس بالقطع منه

ذلك في آخر رسم القبلة من سماع ابن القاسم، ويأتي على قول سحنون في إجازة الحوالة في الصرف إذا قبض المحال من المحال عليه قبل مفارقة الذي أحاله، أن يجوز أن يبيع الدراهم التي وجبت له على الصراف من الصرف من غير الصراف فيحيله على الصراف ويقبضها منه بحضرته؛ وأما بيعه إياها من الصراف نفسه قبل أن يقبضها منه، فذلك جائز على ما قال، إذا باعها منه بما يجوز له به بيعها منه، وهو يجوز له أن يبيعها منه بما شاء من العروض يدا بيد، وبما شاء من الورق والدراهم مراطلة، وقد مضى في رسم شك ما يجوز له أن يبيعها به منه من الذهب مما لا يجوز، فلا معنى لإعادته. [مسألة: كل ما لم يكن عند الناس تسمية درهم فلا بأس بالقطع منه] مسألة قال ابن القاسم: كل ما لم يكن عند الناس تسمية درهم، فلا أرى بأسا بالقطع منه. يريد: أنه لا بأس أن يقطع، يريد كل ما لم يكن منه مدورا، قال أصبغ: فيكره الصرف والبيع مخافة أن يئول إلى الصرف المتأخر باستحقاق السلعة بعد قبضها منه وقد جرى الصرف في الجميع فجرى الصرف في البيع والبيع في الصرف، ومكروه البيع مع النكاح أن يئول ذريعة إلى أن يكون الفرج أبيح بلا صداق، ويكون الثمن كله للسلعة وقدرها، ويبقى الفرج مرهونا بلا صداق وإن صح مرة فهو ذريعة ردا عنه، والنهي لجميع العام والخاص مخافة الذرائع؛ وأما الشركة والبيع فهو شركة بإفضال ونقصان، والشركة لا تجوز إلا باعتدال، وأما القراض والبيع فهو قراض بزيادة، وكذلك المساقاة وهي في أكثر النسخ.

كان له على رجل نصف دينار إلى أجل فدفع إليه الذي له الحق نصف دينار دراهم

قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم تأخير صلاة العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم وغيره، فلا معنى لإعادته. [كان له على رجل نصف دينار إلى أجل فدفع إليه الذي له الحق نصف دينار دراهم] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر قال أبو زيد: سئل ابن القاسم: عن رجل كان له على رجل نصف دينار إلى أجل، فدفع إليه الذي له الحق نصف دينار دراهم، وأخذ منه دينارا قبل الأجل. قال: لا خير فيه، قيل له: فإن أعطاه عرضا بالنصف وهو لا يساوي إلا الثلث أو نصفا، قال مالك: لا أرى به بأسا. وكرهه ابن القاسم. قال محمد بن رشد: لم يجز مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يأخذ منه دينارا قبل الأجل على أن يعطيه بالنصف دراهم، وأجاز أن يأخذه منه قبل الأجل على أن يعطيه بالنصف عرضا، وساوى ابن القاسم بينهما فلم يجز ذلك في العرض ولا في الدراهم، وهو القياس، وإياه اختار ابن المواز؛ لأن تعجيل نصف الدينار سلف فلا يجوز أن يقارنه بيع، كما لا يجوز أن يقارنه صرف، ولابن القاسم فيما يأتي في هذا السماع مثل قول مالك، فإنما أجاز ذلك مالك وابن القاسم في أحد قوليه في البيع؛ لأنهما استخفاه فيه لقلته، ولم يستخفاه في الصرف؛ لأنه أضيق من البيع؛ ألا ترى أن البيع والسلف إذا ترك الذي اشترط السلف أو رده على الاختلاف في ذلك، جاز البيع، والسلف يفسخ باتفاق، ولا يجوز في قول قائل أن يمضي الصرف وإن رضي مشترط السلف بتركه. [مسألة: أعطى صرافا دينارا قائما وأخذ دينارا بحبة وقطعة ذهب فيها حبة عينا بعين] مسألة وسئل: عن رجل أعطى صرافا دينارا قائما وأخذ دينارا بحبة

وقطعة ذهب فيها حبة عينا بعين، قال: لا بأس به. قيل له: فإن أعطاه ثلاثة دنانير قائمة ودينارا بخروبة، فأخذ أربعة بحبة حبة وازنة بها. قال: إذا لم يكن في عين الدينار الذي بخروبة فضل عن الذي أخذ أن لو كان الذي بخروبة قائما، لكان له فضل في عينه على الدينار التي أخذ لو كانت قائمة فلا بأس. قال محمد بن رشد: أما الذي راطل دينارا قائما بدينار بحبة وقطعة ذهب فيها حبة، فذلك جائز كما قال، وإن كانت قطعة الذهب أفضل تبرا من المثقال القائم، أو الدينار الذي بحبة أدنى منه، أو قطعة الذهب أدنى، والدينار الذي بحبة أفضل؛ لأن الحبة يسيرة، إنما دخلت في المراطلة ليعدل بها الميزان، ولتحصل بها المماثلة، فلا يتهمان في ذلك. وأما الذي راطل ثلاثة دينار قائمة ودينارا بخروبة، فأخذ بها أربعة بحبة حبة موازنة بها، فإنه أجاز ذلك بشرط لا يستقيم أراه وهما، وذلك أن الدينار القائمة أفضل لا شك من الدنانير التي بحبة حبة، فلا يجوز أن تدخل مع الدنانير القائمة في مراطلته بها الدنانير التي بحبة حبة، إلا ما يكون مثل الدنانير التي بحبة حبة أو أفضل منها، ليكون الفضل من جهة واحدة؛ وأما إن دخل معها ما يكون دون الدنانير التي بحبة حبة، فلا تجوز المراطلة؛ لأنه حينئذ يكون قد أخذ فضل دنانيره القائمة على دنانير صاحبه التي بحبة حبة بما أدخل معها مما هو دون دنانير صاحبه التي بحبة حبة؛ فكان يجب على هذا أن يقول: إن ذلك جائز إذا لم يكن في عين الدينار الذي بخروبة نقصان عن الذي أخذ أن لو كان الذي بخروبة قائما، لكان له نقصان في عينه ... إلى آخر قوله، وأن يقول: إن ذلك جائز إذا كان في عين

مسألة: يأتي بدنانير جعفرية ولعيونها فضل فيصارف بها دنانير مثاقيل

الدينار الذي بخروبة فضل إلى آخر قوله فتستقيم المسألة. وأما قوله إذا لم يكن في عين الدينار الذي بخروبه فضل إلى آخر قوله، فلا يستقيم ولا يصح، وقد خفف ذلك محمد بن المواز في ظاهر قوله. وتحصيل القول في هذه المسألة أن النقصان من أوزان الدنانير حبة حبة، أو خروبة خروبة إن كان لا يعيبها فلا ينقص من قيمتها إلا ما نقص من وزنها وكان يعيبها عيبا متساويا، فلا ينقص من قيمة الناقص خروبة إلا ما ينقص من قيمة الناقص حبة، فالمراطلة فيها جائزة؛ لأن النقصان إن كان لا يعيبها، فلا تفاضل في المراطلة بها وإن كان يعيبها عيبا متساويا بالتفاضل في المراطلة من ناحية واحدة. وأما إن كان عيب الناقص منها خروبة أكثر من عيب الناقص منها حبة فالمراطلة فيها غير جائزة؛ لأن صاحب الدنانير الثلاثة القائمة أخذ فضل دنانيره القائمة على دنانير صاحبه الناقصة حبة حبة بما جعل معها من الدينار الناقص خروبة. [مسألة: يأتي بدنانير جعفرية ولعيونها فضل فيصارف بها دنانير مثاقيل] مسألة وسئل: عن رجل يأتي بدنانير جعفرية ولعيونها فضل، فيصارف بها دنانير مثاقيل ويجعل مع الدنانير الجعفرية قراضة حتى يعتدل الميزان فيأخذ ويعطي، قال: إن كان صاحب الدنانير الجعفرية إنما جعل القراضة فيها ليعتدل بها فضل عيون دنانيره فلا خير فيه، وإن كان إنما جعل القراضة فيها ليعتدل بها عين الميزان، فلا بأس به مثل الثمن والسدس أو الثلث فلا بأس به. قيل له: فإن كان في القراضة دينار، قال: لا خير فيه ولا في أن يجعل في الجعفرية دينارا قبيحا.

مسألة: صرف من رجل دينارا بدراهم فوجد الصراف قد سرق من وزنها

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى لا يسع الخلاف فيها وتحديده في مقدار ما يستخف في ذلك مما يقصد به إلى تعديل الوزنة إلى اعتدال إدراك الفضل: الثمن والسدس والثلث، إنما معناه في مقدار ما يستخف فيه ذلك مما يقع فيه المراطلة من عدد الدنانير على قدر قلتها وكثرتها، فلا يستخف في الدينار الواحد إلا الحبة ونحوها، كما مضى في المسألة التي فوق هذه؛ والعشرة دنانير ونحوها يمكن أن يستخف فيها الحبتان والثلاث والثمن في مثل العشرين والثلاثين، والسدس في مثل الخمسين والستين، والثلث في مثل المائة والمائتين؛ وأما المثقال فهو كثير في نهاية ما يحمل في موازين الأذهاب المعروفة من الأوزان. [مسألة: صرف من رجل دينارا بدراهم فوجد الصراف قد سرق من وزنها] مسألة وسئل: عمن صرف من رجل دينارا بدراهم فذهب بوزنها فوجد الصراف قد سرق من وزنها أو غلط، فأراد أن يتجاوز النقصان مخافة أن ينتقض الصرف. قال: ليس ذلك له، قيل له: ولا الشيء اليسير، قال: لا. وقال: قد كان قبل ذلك يقول إذا كان الشيء اليسير قدر الدانق أو نصف الدانق، فلا بأس أن يتجوزه ولا ينتقض الصرف. قال محمد بن رشد: قوله وقد كان يقول قبل ذلك إذا كان الشيء اليسير قدر الدانق أو نصف دانق فلا بأس أن يتجوزه ولا ينتقض الصرف، وليس باختلاف من قول ابن القاسم، وإنما يرجع ذلك إلى أن ما كان مما يمكن أن يختلف فيه الموازين، فجائز أن يتجاوزه ولا ينتقض الصرف، وما كان مما لا يمكن أن تختلف فيه الموازين فلا يجوز أن يتجاوزه، ولا

مسألة: ان لي على رجل ثمانية قراريط فقضاني منها دراهم فوجدت درهما منها زائفا

ينتقض الصرف. فقوله أولا ولا الشيء اليسير، معناه: ولا الشيء اليسير الذي تتفق الموازين على نقصانه. وقوله آخرا إذا كان الشيء اليسير قدر الدانق ونصف الدانق، معناه: فيما كان من العدد يمكن أن تختلف فيه الموازين، وقد قاله أصبغ في الدرهم من الألف، وذلك أن الموازين قد تختلف على هذا المقدار؛ وأشهب يرى أن الصرف يجوز ولا ينتقض إذا تجاوز النقصان وإن كثر؛ وأما إذا أراد أن يرجع بالنقصان فيأخذه، فلا يجوز إلا على مذهب من أجاز البدل في الصرف، فهذا هو الحكم فيما تأخر من الصرف بغير قصد إلى ذلك بعد وقوعه على المناجزة؛ ولو علم بالغلط أو النقصان قبل أن يفارقه أو استحق منها شيئا قبل أن يفارقه، لجاز أن يأخذ النقصان، ولا ينتقض الصرف عند ابن القاسم، وقال أشهب: يلزمه ذلك. وأما إن كانت دراهم بأعيانها فلا يلزمه ذلك إلا أن يشاء، فإن لم يرد أن يعطيه ما نقص أو استحق، انتقض الصرف، وقد مضى في آخر رسم القبلة من سماع ابن القاسم القول على الصرف إذا انعقد على المناجزة، ثم أخر أحدهما صاحبه بشيء منه، وإذا انعقد على أن يتأخر منه شيء، فلا معنى لإعادته. [مسألة: ان لي على رجل ثمانية قراريط فقضاني منها دراهم فوجدت درهما منها زائفا] مسألة قال ابن القاسم: لو كان لي على رجل ثمانية قراريط فقضاني منها دراهم، فوجدت درهما منها زائفا، أينتقض قيراط من الثمانية ولا تنتقض القراريط كلها، وإن كان درهمين زائفين انتقض قيراطان. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة إذا كان إنما أخذ بالثمانية قراريط ثمانية دراهم، وأما لو أخذ بالثمانية قراريط أقل منها، أو أكثر من الدراهم الوازنة بسبعة أو تسعة، فوجد فيها درهما زائفا لانتقض من

مسألة: كان لي على رجل عشرة دراهم فأعطاني بها عشر خراريب ذهب قراضة

القراريط ما يجب للزائف؛ هذا إن كانت القراريط مجموعة مقطوعة تجري بالوزن، وأما إن كانت صحاحا لا تقطع، فلا سبيل إلا إلى انتقاض الصرف كله، إذ لا يتبعض درهم من الدراهم أيضا، وقد مضى بيان هذا في رسم نقدها ورسم العرية من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: كان لي على رجل عشرة دراهم فأعطاني بها عشر خراريب ذهب قراضة] مسألة وقال: لو كان لي على رجل عشرة دراهم، فأعطاني بها عشر خراريب ذهب قراضة، فوجدت فيها قيراطا من ذلك التبر نحاسا أو رديئا، انتقض درهم واحد فقط، ولم ينتقض الدراهم كلها. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال لا فرق بين أن يصارف دنانير وازنة بدراهم مقطوعة أو تبر فضة، وبين أن يصارف دراهم وازنة بتبر ذهب أو دنانير مقطوعة مجموعة في أنه إذا وجد في صرف الدنانير الوازنة درهما رديئا انتقض صرف دينار، إلا أن يكون الذي وجد رديئا أكثر من صرف دينار، فينتقض صرف دينارين كذا أبدا، وفي أنه إذا وجد في صرف الدراهم الوازنة خروبة من التبر رديئا انتقض صرف درهم، إلا أن يكون الذي وجد رديئا من التبر أكثر من صرف درهم، فينتقض صرف درهمين كذا أبدا. وأما إذا صرف دنانير وازنة بدراهم وازنة لا تنقسم على عدد الدنانير إلا بكسر، فوجد في شيء من الدنانير أو الدراهم زائفا، فإن الصرف كله ينتقض على ما مضى القول فيه قبل هذا في الموضع المذكور فيه. [مسألة: القراريط التي يتبايع الناس أربع وعشرون قيراطا بدينار] مسألة قال ابن القاسم: كلمنا مالكا في القراريط التي يتبايع الناس

مسألة: يكون له علي ثلاثة أرباع الدينار فأدفع إليه دينارا فيه ثلثا دينار

أربع وعشرون قيراطا بدينار، فكرهه، وقال: لا أعرف هذا ولم يرخص لنا فيه، قال ابن القاسم: لا أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: معناه في القراريط التي تضرب من الذهب كل قيراط من ثلاث حبات، فتكون زنة المثقال أربعة وعشرين قيراطا، فيعطي الرجل المثقال ويأخذ أربعة وعشرين قيراطا معدودة بغير مراطلة، فكره ذلك مالك، إذ لا يخلو من أن يزيد في وزنها على المثقال أو ينقص منه؛ لأن الشيء إذا وزن مجتمعا ثم فرق زاد أو نقص؛ فقول مالك في كراهية ذلك هو القياس، لا سيما والصرافون يزعمون أن الدراهم إذا وزنت مفرقة ثم جمعت نقصت، فيكون صاحب القراريط إنما ترك فضل عدد قراريطه بفضل عين الدينار الوازن، وما يرجو من زيادة وزنه على وزن قراريطه، وأجازه ابن القاسم استحسانا على وجه المعروف في الدينار الواحد، كما أجازوا مبادلة الدينار الناقص بالوزن على وجه المعروف. [مسألة: يكون له علي ثلاثة أرباع الدينار فأدفع إليه دينارا فيه ثلثا دينار] مسألة وقال في رجل يكون له علي ثلاثة أرباع الدينار فأدفع إليه دينارا فيه ثلثا دينار، وأدفع إليه قيراطين من ذهب، قال: أرجو أن يكون خفيفا وما هو بالبين. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة في الجواز لا إشكال فيها؛ لأنه قبض ذهبا من ذهب ترتبت له في ذمتك، فإن كانت مجموعة فقبض مجموعا من مجموع، وإن كانت قائمة غير مجموعة فقبض ذهبا من دراهم يجب له عليك في الثلاثة الأرباع التي لا تقدر على أن تقضيه إياها ذهبا.

مسألة: يصرف دينار من رجلين فيذهب أحدهما وتخلف الآخر على أخذ الدينار

[مسألة: يصرف دينار من رجلين فيذهب أحدهما وتخلف الآخر على أخذ الدينار] مسألة وقال: لا بأس بصرف دينار من رجلين فيذهب أحدهما وتخلف الآخر على أخذ الدينار. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم طلق من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته وقد تقدمت أيضا في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ. [مسألة: كان لرجل علي نصف دينار ولآخر علي ثلث دينار] مسألة قال: ولو كان لرجل علي نصف دينار، ولآخر علي ثلث دينار، فأردت أن آخذ من الذي له علي الثلث دينار سدس دينار، وأدفع الدينار إليهما، لم يكن فيه خير. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ فلا معنى لإعادته. [مسألة: رجل له على رجل نصف دينار فأعطاه قراضة فيها نصف دينار] مسألة وسئل: عن رجل له على رجل نصف دينار، فأعطاه قراضة فيها نصف دينار، قال: أرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: لا معنى لقوله في هذه أرجو؛ لأن الجواز فيها بين لا شبهة فيه ولا لبس؛ لأنه قضاه مجموعا عن مجموع أو عن دراهم يجب عليه في النصف إن كان غير مجموع.

مسألة: كان له على رجل دينار فأعطاه قراضة فيها دينار إلا قيراط

[مسألة: كان له على رجل دينار فأعطاه قراضة فيها دينار إلا قيراط] مسألة قيل له: فكان له على رجل دينار فأعطاه قراضة فيها دينار إلا قيراط، قال: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز هذا؛ لأنه قضاه مجموعا عن قائم أقل وزنا، فاغتفر له زيادة الوزن وفضل العين لفضل العدد، وهذا على ما في المدونة وغيرها لا اختلاف فيه. [مسألة: رجل كان لي عليه دينار فجئت لأقتضيه فدفع إلي عشرة دراهم] مسألة وقال في رجل كان لي عليه دينار فجئت لأقتضيه، فدفع إلي عشرة دراهم، ثم جئت من الغد فقلت له: انظر كيف الصرف فقاضني بعشرة وادفع إلي ما بقي. قال: لا بأس به إذا كان أنفق العشرة وصارت دينا عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا أنفق العشرة وصارت دينا عليه، جاز أن يقاضه بالعشرة ويأخذ منه تمام صرف الدينار؛ لأن ما في الذمة كالعين الحاضرة، فقد أخذ منه في الدينار الذي كان له عليه عشرين درهما عشرة يقبضها من نفسه لنفسه، وعشرة يأخذها منه؛ وكذلك كان يجوز له إذا أنفق العشرة وصارت دينا عليه أن يقاضه بها من نصف دينار ويتبعه بالنصف الآخر؛ لأنه كان يجوز له أن يأخذ منه صرف نصفه ويبقى له عليه باقي ديناره، إلا أنه فعل ذلك فلا يجوز له أن يأخذ باقيه ذهبا. ولا يجوز له أن يحاسبه بالعشرة قبل أن ينفقها وتصير دينا عليه وهي في بيته حتى يحضرها؛ وقد أدخل ابن أبي زيد هذه المسألة في النوادر ووصل بقوله وصارت دينا عليه - المسألة التي تأتي بعد هذا، فقال: ولو كان قبضها على وجه القضاء من غير صرف ثم علم مكروه ذلك فأراد أن يأخذ ما بقي ويحاسبه،

مسألة: اشترى حليا كثيرا ذهبا وأسورة وخلاخل وغير ذلك في صفقة واحدة بدراهم

فلا خير فيه وليرد الدراهم. قال: ولو فسخ الأمر بينهما حتى تصير الدراهم دينا عليه، جاز أن يصارفه مكانه ويحاسبه بها، وإن لم يردها وزاد فقال وهذا إذا كان الفسخ قد ثبت بقضاء فجعلهما مسألتين، ورأى أنه لا يصدق في أنه قد أنفقها إذا كان قبضها على وجه القضاء من غير صرف، بخلاف إذا قبضها على غير وجه القضاء، وليس بين الموضعين فرق بين، بل كان أحرى أن يصدق أنه قد أنفقها إذا قبضها على وجه الاقتضاء، ولم يقبضها على وجه الأمانة، وفي تراضيهما بالفسخ دون حكم حاكم اختلاف، وقد مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم. [مسألة: اشترى حليا كثيرا ذهبا وأسورة وخلاخل وغير ذلك في صفقة واحدة بدراهم] مسألة وقال فيمن اشترى حليا كثيرا ذهبا وأسورة وخلاخل وغير ذلك في صفقة واحدة بدراهم، فوجد فيها درهما زائفا، قال: يفسخ البيع كله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أنه إذا اشترى أصنافا من الحلي في صفقة واحدة، فوجد في الدراهم درهما زائفا، أن البيع يفسخ كله؛ لأن ما ينوب الدرهم الزائف شائع في جميع الحلي، ولا يصح أن ينصرف إلى شيء بعينه منه فينتقض دون غيره إلا مع تراضيهما على ذلك، لاختلاف الأغراض في ذلك، فيئول الأمر إلى التأخير في الصرف، ولو كان الحلي المشترى بالدراهم أعدادا من صنف واحد، فوجد في الدراهم درهم زائف لانتقض الجميع أيضا، إلا أن تستوي كاستواء الدنانير حتى لا تختلف الأغراض فيه فيفسخ منه شيء

مسألة: قال لرجل كيف تبيع الصرف قال أربعة وعشرون رطلا بدينار قائم

واحد على معنى ما قد ذكرناه في رسم استأذن من سماع عيسى، وما يأتي في هذا السماع أيضا في الذي يشتري خلاخل وأسورة فيجد في خلخال منها مسمار رصاص. [مسألة: قال لرجل كيف تبيع الصرف قال أربعة وعشرون رطلا بدينار قائم] مسألة وسئل: عن رجل قال لرجل كيف تبيع الصرف؟ قال: أربعة وعشرون رطلا بدينار قائم، قال: زن لي بدينار فوزن ما عنده فلم يجد عنده إلا اثنين وعشرين رطلا أو عشرين رطلا، فأعطاه دينارا ينقص قيراطين بحقه. قال: ما يعجبني ولو وجد فيه ثلاثة عشر رطلا أو عشرين رطلا، فأعطاه بها دينارا، ينقص سدسا أو دينارا فيه ثلثان لم يكن به بأس. قال محمد بن رشد: ذكر ابن المواز مسألة الصرف في كتابه وقال في قوله لا يعجبني: هو عندي خفيف؛ لأنه من اشترى وزنا من شيء بعينه فلم يجد ذلك فيه، لم يجب على البائع أن يأتي بتمامه، ووجبت فيه المحاسبة؛ وكذلك قال فضل ليس لكراهيتها معنى، ومعنى الكراهية في ذلك عندي- هو أنه يأتي على مراعاة ما ثبت في الذمة من الذهب اقتضاء مجموع بالميزان من قائم لا ميزان فيه، وأما على مراعاة ما يوجبه الحكم من الواجب له صرف ما يجب لما وجد من الصرف من الذهب، فذلك جائز لا مغمز فيه لأنه وجبت له عليه دراهم حالة فأخذ بها ذهبا. وأما تفرقته بين أن يجد في الصرف اثنين وعشرين رطلا، وبين أن يجد فيه ستة عشر رطلا أو عشرين، فلا وجه له بوجه، وإنما هو اختلاف من القول على ما ذكرناه من مراعاة ما ثبت في الذمة من الذهب أو ما يوجبه الحكم من صرفه من الدراهم، قال ذلك مالك والله أعلم- في موطنين، فوجد

مسألة: يكون له عليه نصف دينار إلى أجل فيدفع دينارا قبل الأجل

المؤلف القولين فظنهما قولا واحدا بافتراق الوجهين يجمع بينهما على هذا، والله أعلم. [مسألة: يكون له عليه نصف دينار إلى أجل فيدفع دينارا قبل الأجل] مسألة وسئل: عن الرجل يكون له عليه نصف دينار إلى أجل فيدفع دينارا قبل الأجل إلى صاحبه ويأخذ بالنصف الباقي منه ثوبه، قال: لا بأس به، وهو قول مالك. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم خلاف قوله في أول السماع، وقد مضى هناك القول على المسألة فلا معنى لإعادته. [مسألة: قال لرجل أسلفني نصف دينار قال له خذ هذا الدينار فاصرفه] مسألة وقال في رجل قال لرجل أسلفني نصف دينار، قال له خذ هذا الدينار فاصرفه فخذ نصفه وائتني بنصفه، قال: أخشى أن لا يكون عليه إلا مثل تلك الدراهم التي أخذ، وإن كان قال خذ هذا الدينار فخذ نصفه وائتني بالنصف فله عليه نصف عين. قار! محمد بن رشد: ذكر ابن المواز أن أبا زيد قال: لا يعجبني قوله: أخشى، ولا يكون له عليه إلا مثل تلك الدراهم التي أخذ؛ لأنه لو تلف الدينار لم يلزمه فيه شيء لقوله صرفه، وليس اعتراض أبي زيد على ابن القاسم -عندي- بصحيح، والمعنى الذي قال ابن القاسم من أجله أخشى ذلك ولم يحققه، لم يهتد إليه أبو زيد، وذلك أن قوله صرفه يحتمل أن يكون أراد صرفه لي فخذ نصفه وائتني بنصفه، فيكون الضمان في الدينار إن تلف من الدافع، ويكون على المستسلف الدراهم التي قبض في نصف الدينار. ويحتمل أن يكون أراد بقوله صرفه أي صرفه بيننا إذ قد

مسألة: كان له علي نصف دينار بحبتين فدفع إليه دينارا بحبة

أسلفتك نصفه على ما سألتني فخذ نصفه وجئني بنصفه، فيكون الضمان منهما جميعا في الدينار إن تلف قبل التصريف، ويكون على الذي سأل السلف نصف الدينار الذي قبض سلفا لا الدراهم؛ فلما لم يكن أحد الاحتمالين أظهر من صاحبه عند ابن القاسم، قال: أخشى ولم يحقق الجواب فيما يجب على المستسلف؛ وكذلك لو سئل عن الضمان لتوقف فيه أيضا للاحتمال، كما توقف فيما يجب على المستسلف، والحكم في ذلك إذا لم يغلب أحد الاحتمالين على الآخر أن يسأل المسلف عما أراد من الوجهين، فيصدق في ذلك، قيل: مع يمينه، وقيل: بدون يمين، على اختلافهم في لحوق يمين التهمة، إذ لا يمكن المستسلف أن يدعى على ما نواه، فيجري الحكم على ذلك في الضمان وفيما يجب له في السلف، وإن قال: لم تكن لي نية لم يحكم له بالضمان، وحكمنا له في السلف بالأقل من الدراهم التي قبض في صرف نصف الدينار، أو الأقل من صرفه يوم القضاء، ولو بين في حين الدفع أنه إنما أسلفه نصف الدينار بأن يقول خذ هذا الدينار قد أسلفتك نصفه فصرفه واقبض نصفه وجئني بنصفه، أو بأن يقول: خذ هذا الدينار، فخذ نصفه وجئني بنصفه، لجرى الحكم على ما بين في الضمان وفيما يرد من السلف ولم يكن فيه اختلاف؛ وكذلك لو بين في حين الدفع أنه إنما أسلفه نصف الدراهم بأن يقول: خذ هذا الدينار فصرفه لي وخذ النصف وجئني بالنصف، لجرى الحكم على ما بين أيضا في الضمان وما يرد في السلف، ولم يكن فيه اختلاف أيضا، وبالله التوفيق. [مسألة: كان له علي نصف دينار بحبتين فدفع إليه دينارا بحبة] مسألة وسئل: عن رجل كان له علي نصف دينار بحبتين، فدفعت

مسألة: اشترى سلعة بنصف درهم فدفع درهما فيه ثلثان وأخذ دانق فلوس

إليه دينارا بحبة، فقلت: له في دينار فضل فانظرْ كَمْ هو وصرفه فخذ نصف دينار ورد إلي ما بقي، قال: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم سلف في المتاع والحيوان من سماع ابن القاسم القول مستوفى في الرجل إذا كان له على الرجل نصف دينار فأعطاه دينارا ليصرفه ويأخذ نصفه، فأغنى ذلك عن التكلم في هذه، إذ لا فرق بينها وبينها في المعنى، والله الموفق. [مسألة: اشترى سلعة بنصف درهم فدفع درهما فيه ثلثان وأخذ دانق فلوس] مسألة وسئل: عن رجل اشترى سلعة بنصف درهم فدفع درهما فيه ثلثان وأخذ دانق فلوس، قال: ما أحب أن أتكلم في هذا، وأبى أن يرخصه، ورأيته في معنى قوله كأنه لا يجيزه، وقال: ما أحب أن أتكلم في مثل هذا فأضيق على الناس. قلت له: أرأيت إن كان لرجل علي درهم كيل من سلعة اشتريتها منه فدفعت إليه درهما فيه درهم كيل ودانق فأخذت بالدانق منه فلوسا، قال: هذا بين أخبث عندي من الأول، وقال: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: أما المسألة الأولى فالمكروه فيها خفيف والإجازة فيها أظهر؛ لأنه قضاه نصف الدرهم للذي كان عليه، وأخذ منه بالزائد فلوسا، فوجب أن يكون ذلك جائزا؛ ووجه المكروه في ذلك أن الأمر آل بينهما إلى بيع سلعة وفلوس بثلثي درهم السلعة معجلة، والفلوس والدراهم مؤخرة، وذلك خفيف في الفلوس، إذ قد أجيز بيعها بالدنانير والدراهم نظرة. وأما المسألة الثانية فالمكروه فيها بين ظاهر؛ لأنه فضة بفضة وفلوس إن كان الدرهم الكيل الذي له عليه درهما قائما، وإن لم يكن قائما وكان مجموعا فالإجازة فيها أظهر؛ لأنه قضاه ما كان له عليه وأخذ منه في الزائد فلوسا.

مسألة: يتكارى بدينارين إلا ثلثا دابة بعينها يركبها إلى مكان

[مسألة: يتكارى بدينارين إلا ثلثا دابة بعينها يركبها إلى مكان] مسألة وعن الرجل يتكارى بدينارين إلا ثلثا دابة بعينها يركبها إلى مكان، فأعطاه صاحب الدابة ثلث دينار دراهم، وأخذ الدينارين ساعتئذ، قال: لا بأس به ولا يؤخر الدينارين إذا صارفه. قلت: أرأيت إن ركب الدابة فماتت في بعض الطريق، كيف يرجع وقد صارفه الدينارين؟ قال: أرأيت لو بعتك عبدا بعشرين دينارا إلا ثلثا، فأعطيتك ثلثا دراهم وأخذت منك عشرين دينارا، ثم وجدت بالعبد عيبا، كيف ترجع؟ قال: أعطيه العبد والدراهم وآخذ الدنانير. قال: فهكذا يرجع المتكاري. قال ابن القاسم: يرد الكري الدينارين ويأخذ الدراهم ثم يرجع عليه بكراء ما ركب بحساب ما تكارى. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم القول في إجازة هذا الكراء على القول بإجازته، والاختلاف في ذلك، فلا معنى لإعادته. وقوله هاهنا: إن الدابة إذا ماتت ببعض الطريق يرد الكري الدينارين ويأخذ الدراهم، ثم يرجع عليه بكراء ما ركبه بحساب ما تكارى؛ كلام ملتبس يفتقر إلى البيان والتفسير، ووجه العمل في ذلك إذا ماتت الدابة ببعض الطريق، أن يقوم الركوب فيضاف إليه الدراهم، ثم ينظر ما يقع قيمة ما بقي من الركوب من جميع ذلك، فيرجع بقدره من الدينارين على المكري صاحب الدابة؛ وتفسير ذلك: أن يقوم الركوب ويعرف كم قيمته، فإن كان في التمثيل خمسة عشر

مسألة: يشتري الدراهم ألفا بكذا وكذا فيوزن له الألف ثم يريد أن يوزن ألف أخرى

درهما والدراهم التي أخذ المكتري في الثلث ثلاثة دراهم، فالجميع ثمانية عشر درهما، ثم ينظر إلى قيمة ما بقي من الركوب فيسمى من الثمانية عشر درهما، فما كان من الأجزاء ثلثا أو ربعا أو أقل من ذلك أو أكثر، رجع به في المثقالين على الكري. [مسألة: يشتري الدراهم ألفا بكذا وكذا فيوزن له الألف ثم يريد أن يوزن ألف أخرى] مسألة وقال في الرجل يشتري الدراهم ألفا بكذا وكذا، فيوزن له الألف ثم يريد أن يوزن ألف أخرى بعد ذلك، أو ألفان، ثم يرجع إليه جميع دنانيره والدنانير معه وهو جالس يزن له. فكره ذلك إلا أن يقضيه كلما وزن له ألفا صرفها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه يكره إذا صرف منه ألفا فوزنها أن يقول له زن لي ألفا أخرى قبل أن يزن له صرف الأولى وإن كان ذلك كله بالحضرة لما فيه من التراخي، ولو صرف منه ألفين فوزن له ألفا ثم وزن له الألف الأخرى قبل أن يزن صرف الألف الأولى لم يكره ذلك، والله أعلم. [مسألة: النقري تكون من الفضة فيشتريها وزنا على أن فيها مائة درهم بعشرة دنانير] مسألة وسئل: عن النقرى تكون من الفضة فيشتريها وزنا على أن فيها مائة درهم بعشرة دنانير، ولا يسمى لكل دينار شيئا، أو يسمى لكل دينار عشرة دراهم أو أحب أن يشتريها جزافا ولا

مسألة: النقرة تشترى جزافا ثم يوجد فيها مسمار نحاس

يعرف لها وزنا ثم يجد في النقرة مسمار نحاس. قال: ينتقض في ذلك صرف دينار ذلك كله سواء.. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه إن اشتراها على أنها مائة درهم بعشرة دنانير، فقد علم أن لكل دينار عشرة دراهم، فسواء ذكر ذلك أو سكت عنه في حكم ما يوجد فيها من النحاس؛ وأما إن اشتراها كلها جزافا بكذا وكذا، أو ما بلغت إن كانت سواء كل كذا وكذا درهم بدينار، فذلك جائز وهو سواء أيضا في حكم ما يوجد فيها من النحاس؛ لأن الفض يكون فيها إذا اشتراها كلها بكذا وكذا على الوزن لا على القيمة. وأما إن لم تكن متساوية فلا يجوز أن يشتريها ما بلغت كل كذا وكذا درهم بدينار، فإن اشتراها كلها بكذا وكذا وهي مختلفة، ثم وجد في بعضها نحاسا انتقض الكل، ولو وجد من الدراهم درهمين أيضا، انتقض من كل نقرة بحسابه بخلاف الحلي المختلف حسبما ذكرناه في رسم نقدها نقدها من سماع عيسى. [مسألة: النقرة تشترى جزافا ثم يوجد فيها مسمار نحاس] مسألة وسئل: عن النقرة تشترى جزافا ثم يوجد فيها مسمار نحاس، قال: إن كان الذي وجد أقل من دينار، انتقض صرف دينار وليس ينتقض أقل من دينار، كيف يكون ذلك؟ أيكون شريكا بعشرة دنانير؟ قال: لا، ولكن ينتقض صرف دينار، وإذا كان

مسألة: الخلاخيل والأسورة الكثيرة يشترين جزافا

اشترى جزافا فهو صرف، سمى الصرف أو لم يسمه. قال محمد بن رشد: وهذا أيضا بين على ما تقدم، لا وجه للقول فيه ولا كلام. [مسألة: الخلاخيل والأسورة الكثيرة يشترين جزافا] مسألة قلت له: فالحلي الكثير الخلاخيل والأسورة الكثيرة يشترين جزافا، ثم يوجد في خلخال منها مسمار نحاس، قال: ليس هو بمنزلة النقرة، ينتقض منه أكثر مما ينتقض من النقرة. قلت: وما تفسير ينتقض منه أكثر مما ينتقض من النقرة؟ قال: ينتقض ما في الخلخالين بما فيهما. قال محمد بن رشد: قوله الخلاخيل والأسورة يريد الخلاخيل أو الأسورة؛ لأنه إن اشترى الخلاخيل والأسورة معا، ثم وجد في شيء منها نحاسا، فلا بد من انتقاض الجميع، وإنما ينتقض ما في الخلخالين بما فيهما، ولا ينتقض الكل إن كانت الخلاخيل كلها متساوية كالدنانير لا تختلف الأغراض فيها. وأما إن كانت مختلفة فينتقض الجميع على ما مضى في رسم استأذن من سماع عيسى. [مسألة: يكون له على الرجل دينار فيتقاضاه] مسألة وقال في رجل يكون له على الرجل دينار فيتقاضاه فيعطيه عشرة دراهم على وجه القضاء على غير صرف، ثم يعلم بمكروه ذلك، فيريد أن يحاسبه ويأخذ منه بقية ديناره، قال: لا خير فيه

مسألة: يشتري نصف النقرة ويقبضها كلها أيكون قد قبض صرفه

ولكن يرد الدراهم؛ قيل: لا يجد دراهم يردها، قال: إذا فسخ الأمر بينهم الذي صنعاه حتى تكون له العشرة قبله دينا، فلا بأس أن يصارفه ساعتئذ ويحاسبه بها وإن لم يقبضها. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة قبل هذا في هذا السماع والقول فيها، فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: يشتري نصف النقرة ويقبضها كلها أيكون قد قبض صرفه] مسألة وسئل: عن الرجل يشتري نصف النقرة ويقبضها كلها، أيكون قد قبض صرفه؟ قال: لا خير فيه. وكذلك الذي يشتري نصف الدينار بدراهم ويقبض الدينار كله، قال: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا جائز عند أشهب في النقرة والدينار، قاله في المدونة وغيرها أنه يتناجز مع مصارفه، وتبقى الشركة بينه وبين من لم يصارفه؛ وأما إذا كانت النقرة أو الدينار لرجل، فلا يجوز أن يبيع بعضها من غير شريكه وإن قبضها كلها عندهما جميعا، لبقاء الشركة بينه وبين مصارفه فيما وقعت فيه المصارفة بينهما. [مسألة: اشترى تبرا أو قراضة أو سبيكة بدراهم] مسألة ومن اشترى تبرا أو قراضة أو سبيكة بدراهم، فوجد في الدراهم درهما زائفا رد من ذلك بقدر ما يصيب الدرهم، ينظر إلى الذهب فيقسم على عدة الدراهم ثم يرد بقدر ما أصاب الدرهم.

مسألة: اشترى ذهبا يعني التبر والقراضة والذهب وزنا بدراهم

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، لا خلاف فيه ولا موضع للقول، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى ذهبا يعني التبر والقراضة والذهب وزنا بدراهم] مسألة ومن اشترى ذهبا يعني التبر والقراضة والذهب وزنا بدراهم إذا كانت الدراهم تعدو- الذهب، توزن مجموعة كانت أو غير مجموعة ثم وجد في الدراهم درهما زائفا انتقض منها وزن دينار. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، إذ لا يجوز أن يشترى التبر والقراضة والذهب المسكوك في صفقة واحدة وَزْنًا بدراهم دون أن يعلم وزن كل صنف من ذلك على حدته، فالمعنى في المسألة أنه أراد فيها بقوله يعني التبر والقراضة والذهب، أي يعني التبر أو القراضة أو الذهب. وقوله إنه إذا وجد فيها درهما زائفا انتقض منها وزن دينار، إنما يعود على شراء الذهب المسكوك وحده بالدراهم. وأما إذا اشترى تبرا أو قراضة بدراهم فوجد فيها درهما زائفا فإنما ينتقض من التبر أو القراضة ما يجب للدرهم لا أكثر، وهذا ما لا إشكال فيه. [مسألة: اشترى خلخالين أو سوارين يعني المصوغ من ذلك وما أشبهه بدراهم] مسألة ومن اشترى خلخالين أو سوارين يعني المصوغ من ذلك وما أشبهه بدراهم، فوجد في الدراهم درهما زائفا، انتقض ذلك كله أوله وآخره. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن ما ينوب الدرهم شائع في الجميع، فلا بد بمن انتقاضه كله، وقد مضى ذلك في غير ما موضع.

مسألة: دفع إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها سوارين فمطله فاسترد دراهمه

[مسألة: دفع إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها سوارين فمطله فاسترد دراهمه] مسألة وسئل: عمن دفع إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها سوارين، فمطله فاسترد دراهمه، فقال: ما عندي ولكن خذ عشرة وَأَنْظِرْنِي بالعشرة الأخرى شهرا ففعل، فلم يجد عنده إلا ثمانية دراهم، فأعطاه بالدرهمين الباقيين تبرا قليلا. قال: إن كان بعد الإيجاب وكان ذلك صلحا، وجب ومضى حتى لو أراد أن يرجع فيه لم يكن له، فلا بأس به. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة والقول فيها في رسم نقدها من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [مسألة: يشتري من الرجل دنانير بدنانير مراطلة فنقصت إحدى الذهبين] مسألة وعن الرجل يشتري من الرجل دنانير بدنانير مراطلة، فنقصت إحدى الذهبين، قال ابن القاسم: إنما كره مالك من ذلك أن يجعل قراضة أو ذهبا هي أدنى من النقص مع التبر الجيد ليتخير بها ما زاد الجياد في وجوهها؛ فأما لو أن رجلا أتى بمائة دينار عين سليمانية، وأتى الآخر بخمسين أو ستين كوفية مقطعة ليست في عيون العتق، فجعلت معها ذهب قراضة أو ذهبا ليس بجيد، وراطل بها العتق الجياد لم يكن بذلك بأس. وأما الذي لا يجيزه مالك، أن يأتي رجل بمائة دينار عتق سليمانية، يجعل معها قراضة أو ذهبا ليس بجيد، ويأتي آخر بعشرين ومائة دينار كوفية مقطعة وتجعل مع العتق الجياد عشرين قراضة أو تبرا

مسألة: يشتري الرجل بدرهم كيل فتجمع له قطع

من تبر العمل، ليس ذلك عند الناس في نفاقه وجودته كالذهب النقص الكوفية، وإنما أدخلها معها الفضل عيون العتق فلا خير فيه، وهذا تفسير قول مالك. وسئل: عن الرجل يراطل التبر بالتبر مع أحد التبرين دنانير؟ قال ابن القاسم: إن كان التبران سواء فلا بأس به، وإن كانت الدنانير مع أوضعهما تبرا فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، ومضى تحصيل القول فيها في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ، وفي أول هذا السماع أيضا وفي غيره من المواضع. [مسألة: يشتري الرجل بدرهم كيل فتجمع له قطع] مسألة وقال: لا بأس أن يشتري الرجل بدرهم كيل فتجمع له قطع، ولقد كنت أكرهه؛ لأنه لا يكون درهما مجموعا، فأجزته لما رأيت من حاجة الناس إليه. قال محمد بن رشد: كره لمن اشترى بدرهم كيل ولم يشترط قائما أن يقضي مقطعا بالميزان وخشي أن يكون البائع قد اقتضى مجموعا من قائم فترك فضل العين لزيادة العدد، ثم خففه إذ لم يشترط قائما ولا كان العرف أن من باع بدرهم إنما يبيع بقائم، ولو

مسألة: يشتري دراهم وثوبا بدينار ثم يجد درهما زائفا

اشترط قائما لم يجز أن يأخذ مقطعا مجموعا باتفاق، ولو اشترط مقطوعا أو كان العرف بذلك صحيحا لجاز باتفاق، والله أعلم. [مسألة: يشتري دراهم وثوبا بدينار ثم يجد درهما زائفا] مسألة وسئل: عن الذي يشتري دراهم وثوبا بدينار، ثم يجد درهما زائفا؟ قال: ينتقض البيع والصرف. قال محمد بن رشد: قوله دراهم وثوبا، ظاهره ثلاثة دراهم فأكثر، فليس ذلك بخلاف لما في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من إجازته البدل لمن اشترى ثوبا بدينار إلا درهمين، فوجد أحد الدرهمين زائفا، وقد مضى القول على ذلك هناك. [مسألة: يبتاع دراهم عددا] مسألة وسئل: عن رجل ابتاع دراهم عددا، قال: لا خير فيه إلا أن لا يختلف وزنها، قال: فإن كانت كذلك، فلا بأس به. قيل له: فإن كانت الدراهم في بلد لا ميزان فيه، أترى أن تباع عددا؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن الدراهم لا تباع عددا إلا أن لا يختلف وزنها، فإن كانت يختلف وزنها لم يجز أن تباع عددا وإن كان ذلك في بلد لا ميزان فيه؛ لأن ذلك غرر، وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر» .

مسألة: رجل كان له على رجل دينار فقضاه نصفين وازنين

[مسألة: رجل كان له على رجل دينار فقضاه نصفين وازنين] مسألة وسئل: عن رجل كان له على رجل دينار فقضاه نصفين وازنين، قال: لا خير فيه إلا أن يكون للدينار جريان معيار عنده. قال محمد بن رشد: يعني بقوله جريان أن يكون للدينار عنده وزن معلوم فيأخذ نصفين وازنين بمثل وزنهما أو أفضل من وزنهما، فيكون إذا فعل ذلك قد أخذ أكثر عددا أو أكثر وزنا أو مثل وزنه، فجاز لكون الفضل من جهة واحدة؛ ومعنى ذلك إذا لم يكن لعين الدينار فضل على عين النصفين الوازنين، وأما إن كان له فضل في العين على عين النصفين، فلا يجوز؛ لأنه ترك فضل العين لزيادة العدد، أو لزيادة العدد والوزن إن كان أكثر وزنا من زنة الدينار الذي كان له، وفي آخر رسم القبلة من سماع ابن القاسم بيان هذا، فتدبره وقف عليه. [مسألة: دفع إلى رجل تبرا يبيعه له ودفع إليه آخر دنانير يشتري له بها تبرا] مسألة وسئل: عن رجل دفع إلى رجل تبرا يبيعه له ودفع إليه آخر دنانير يشتري له بها تبرا، فأراد أن يشتري لهذا ويبيع لهذا من نفسه، فذهب إلى الصراف فاشترى بالدنانير دراهم ثم باع التبر من نفسه بتلك الدراهم من ذلك الصراف الذي اشترى منه الدراهم بدنانير، قال: لا يصلح، ولا يصلح أيضا أن يعطيك رجل تبرا تبيعه له ويعطيك آخر دنانير تشتري له بها تبرا تشتري لهذا من نفسك، وتبيع لهذا من نفسك، إلا أن تحضر دراهم صاحب الدينار عند صاحب التبر، فيقول له أخذ هذه الدراهم بهذا التبر.

قال محمد بن رشد: قوله بتلك الدراهم من ذلك الصراف، يريد بتلك الدراهم الذي أخذ من ذلك الصراف؛ لأنه إنما تكلم على أنه اشترى التبر من نفسه للذي أمره أن يشتري له تبرا، فاشترى تبر هذا لهذا بدراهمه التي باع بها ذهبه ولم يحضر واحد منهما فلم يجز ذلك ابن القاسم هاهنا حتى يحضر أحدهما، وحكى ذلك ابن المواز عنه أيضا، وله في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات إجازة ذلك، وهو قول مالك في كتاب ابن المواز، وحكى عنه أنه قال: جائز أن يدفع إليك رجل دنانير وآخر دراهم للصرف، فتصرف لهذا من هذا؛ وقد أجاز مالك في أحد قوليه حسبما ذكرناه في رسم البيوع من سماع أشهب لمن وكل على الصرف أن يصرف له من نفسه وهو أشد من هذا. قال ابن دحون: وإنما كرهه لأن الصرف يحتاج إلى دافع ومدفوع إليه هاء وهاء، وليس في هذا إلا واحد هو الدافع وهو المدفوع إليه، فخرج عن حد هاء، وهاء، وليست هذه عندي بعلة صحيحة؛ لأن المعنى في هاء وهاء، إنما هو المناجزة وإن لم يكن دفع ولا قبض، ألا ترى أنه يجوز أن يتقاضى الرجلان بالدنانير والدراهم إذا حلت وإن لم يكن في ذلك دفع ولا قبض ولا دافع ولا مدفوع إليه، وهاهنا قبض ودفع ودافع ومدفوع إليه؛ لأنه وكيل لكل واحد منهما فقبض لهذا ودفع عن هذا، إذ يرى الوكيل كيد موكله، وقد أجازوا أن يخرج الرجل وليته من نفسه فيكون هو الزوج وهو الولي مع قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا نكاح إلا بولي» . وإنما المعنى في كراهة ذلك عندي أن كل واحد منهما إنما وكله على أن يبذل له مجهوده في المكايسة، وأن يفعل له في ذلك ما يفعل لنفسه، فإذا صرف

مسألة: أسلف رجلا درهما فيه نصف فجاء الذي تسلف بدرهم فأعطاه إياه

من هذا لهذا، فقد ترك المكايسة التي أرادها كل واحد منهم منه وتوخى السداد فيما بينهما، فصار هذا معنى يشبه أن يكون لكل واحد منهما الخيار في فعله، كما إذا صرف لأحدهما من نفسه، وبالله التوفيق. [مسألة: أسلف رجلا درهما فيه نصف فجاء الذي تسلف بدرهم فأعطاه إياه] مسألة وسئل: عن رجل أسلف رجلا درهما فيه نصف، فجاء الذي تسلف بدرهم فأعطاه إياه، وقال له فيه نصف قضاء لك فاعطني بالنصف الباقي تمرا، قال: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تكلمنا عليها في رسم سلف من سماع ابن القاسم، وذكرنا أنها تتخرج على قولين، فلا معنى لإعادة ذكر ذلك. [مسألة: كان له على رجل دينار فطلبه فقال ما عندي إلا ثلاثة أرباع دينار قراضة] مسألة وسئل: عن رجل كان له على رجل دينار، فجاءه يتقاضاه، فقال: ما عندي إلا ثلاثة أرباع دينار قراضة، فقال: آخذها بالدينار الذي لي عليك، قال: لا خير في ذلك. قال أبو زيد: إلا أن يكون دينارا عينا فيه ثلاثة أرباع دينار، فهذا إذا تجاوزه عنه فلا بأس به. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز أن تأخذ من دينار ثلاثة أرباع دينار قراضة؛ لأنه اقتضاء مجموع من قائم فلم يجز؛ لأنه اغتفر الوزن والعين لعدد القراضة؛ لأنها كالمجموع المقطوع، فإذا أخذ ثلاثة أرباع دينار عينا مثل عينه أو أدنى جاز؛ لأنه اقتضاء أقل من وزنه لغير شيء اعتراه فجاز.

مسألة: له على رجل دينار ونصف إلى أجل فيريد الذي عليه الحق أن يخرج إلى سفر

[مسألة: له على رجل دينار ونصف إلى أجل فيريد الذي عليه الحق أن يخرج إلى سفر] مسألة وعن رجل له على رجل دينار ونصف إلى أجل، فيريد الذي عليه الحق أن يخرج إلى سفر، فأتاه صاحب الحق يتقاضاه، فقضاه دينارا ونصف دينار بصرف يوم قضاء، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: لا خير فيه أن يعطيه نصف دينار دراهم، ولا خير في أن يعطيه دينارا ويأخذ منه نصف دينار، ولا بأس أن يعطي دينارا ويأخذ بالنصف الباقي عرضا. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم ولا بأس أن يعطى دينارا ويأخذ بالنصف الباقي عرضا مثل ما تقدم له في أثناء هذا السماع، ومثل قول مالك في أوله وخلاف قوله هناك، وقد أتينا من القول على ذلك هنالك بما فيه مقنع، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري الثوب بدينار ودرهمين فينقد الدرهمين ويؤخر الدينار] مسألة وعن الرجل يشتري الثوب بدينار ودرهمين فينقد الدرهمين ويؤخر الدينار، هل بذلك بأس أم لا؟ قال: لا بأس بذلك. وأما إن اشترى ثوبا بدينار إلا درهمين، قال مالك: لا خير في أن ينقد الدينار ويؤخر الدرهمين، أو ينقد الدرهمين ويؤخر الدينار، ولا بأس أن يكون الدينار والدرهمان معا إذا انتقد الدينار دفع الدرهمين، وإن تأخر الثوب وانتقد الدينار ودفع الدرهمين فلا خير فيه.

قال محمد بن رشد: هذا مثل قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وأجاز أشهب أن يتعجل الدينار والدرهم وتتأخر السلعة. وأجاز ابن عبد الحكم أن يتأخر الدرهمان ويتعجل الدينار، ومضى مثله لأشهب في آخر رسم البيع والصرف من سماع أصبغ، وقد مضى القول على ذلك هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. تم كتاب الصرف والحمد لله

كتاب السلم والآجال الأول

[كتاب السلم والآجال الأول] [رجل وكل على بيع طعام لغيره فجاءه رجل قد كان البائع يسأله طعاما سلفه فيه]

من سماع ابن القاسم من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال في رجل وكل على بيع طعام لغيره، فجاءه رجل قد كان البائع يسأله طعاما سلفه فيه، فقال له: بعني من هذا الطعام بنقد أو إلى أجل لأقضيك، أو أرسل رسولا، فاشترى له منه، ثم جاءه فقضاه، فقال: أما قوله بعني أقضيك فلا خير فيه، وأما إن بعث رسولا فاشترى له، والمقتضي لا يعلم فلا بأس به، ولكني أكرهه للذي يقضي، قال ابن القاسم: سمعته منه فيما أعلم. قال محمد بن رشد: إنما قال لا خير في أن يبيع الوكيل الطعام الذي وكل على بيعه ممن له عليه طعام من سلم، على أن يقضيه إياه، يريد لا بمثل الثمن ولا بأقل ولا بأكثر، نقدا ولا إلى أجل؛ لأنه إذا باعه الطعام على أن يقضيه إياه فقضاه، فكان قضاؤه إياه بيعا له قبل استيفائه بما شرط

على نفسه من قضائه قبل أن يشتريه، إذ لا يجوز لمن عليه طعام من سلم أن يقضيه من طعام اشتراه قبل أن يستوفيه، هذا إذا أجاز صاحب الطعام للوكيل أن يبيعه ممن له عليه طعام على أن يقضيه إياه؛ لأن من حقه أن لا يجيز ذلك؛ لأنه يقول: سامحه في البيع ليقضيه إياه، فالحكم في ذلك إذا أجاز البيع أن يجوز البيع ويفسخ الشرط؛ لأنه شرط فاسد لا تأثير له في الثمن، فوجب أن يفسخ، ويجوز البيع كما قالوا فيمن باع ثمرة واشترط البراءة من الجائحة على حديث بريرة في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه: «من اشترط شرطا ليس في كتاب الله، فهو باطل وإن كان مائة شرط ... » الحديث. فلا يحكم عليه أن يقضيه إياه بالشرط، ولا يجوز له هو أن يتعجل ذلك وإن اكتاله؛ لأن اكتياله لغو لا معنى له من أجل الشرط، وإن قضاه رد إليه واتبعه بطعامه على وجهه، ولو كان الطعام الذي للوكيل عليه من قرض، لجاز البيع والشرط لأنه جائز، فوجب أن يجوز على حديث جابر. وأما إذا لم يجز صاحب الطعام البيع، فالحكم في ذلك أن يأخذ طعامه إن أدركه بعينه بيد المشتري أو يد الوكيل بعد إن رده إليه، ويفسخ البيع ويطلب الوكيل المبتاع بطعامه الذي له عليه؛ وإن لم يدرك طعامه بعينه وكان قد فات في يد الوكيل، رجع على الوكيل بمثله ونفذ البيع بين الوكيل والمشتري، يأخذ منه لنفسه الثمن الذي باعه به منه وفسخ القضاء في الطعام، فرد إليه مثله واتبعه بطعامه الذي كان له عليه؛ لأنه إن ترك الوكيل على ما كان قضاه إياه، دخل ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى؛ لأنا

إن ألغينا بيع الوكيل للطعام من أجل أنه قد رجع إليه طعامه بما اشترط، كان الوكيل قد باع الطعام الذي كان له على المشتري بالثمن الذي أخذ منه في الطعام، وإن لم يلغه كان المبتاع قد قضى الطعام الذي ابتاع في الطعام الذي كان عليه من السلم قبل أن يستوفيه بما شرط على نفسه من أن يقضيه إياه؛ وأما إذا باعه من رسول لم يعلم أنه اشترى للذي كان له عليه الطعام، فجائز له أن يقضيه منه كما قال، ولا حجة لصاحب الطعام في ذلك، وإنما كره ذلك للذي يقضي مخافة أن يكون المقتضي قد علم أن الرسول له، ولو تحقق أنه لم يعلم أن الشراء له لم يكن في ذلك وجه من الكراهة، ولو كان الطعام للبائع فباعه ممن له عليه طعام من قرض على أن يقضيه إياه جاز إن كان ينقد، ولم يجز إن كان إلى أجل؛ لأن الطعام قد رجع إليه فآل الأمر إلى أن أخذ منه في الطعام الذي كان له عليه من القرض الثمن الذي باع به منه الطعام، فإن كان نقدا جاز، وإن كان إلى أجل لم يجز؛ لأنه فسخ الطعام في ذلك الثمن إلى ذلك الأجل، على ما قال بعد هذا في رسم القبلة؛ ولو باعه منه بثمن إلى أجل على غير شرط أن يقضيه إياه ولا رأي ولا عادة ولا رجاء، فلما تم شراؤه قضاه إياه لم يجز أيضا، وفسخ من باب الحكم بالذرائع، لا من أجل أنه حرام عليه فيما بينه وبين خالقه إن صح عمله فيه على غير شرط ولا عادة ولا رجاء، ولو اشتراه له منه رسول بثمن إلى أجل ولم يعلم أنه رسول له، لجاز أن يقتضيه منه، ولكره ذلك للذي يقضي، للوجه الذي ذكرناه في المسألة التي قبل هذه؛ ولو كان الطعام للبائع لم يجز له أن يبيعه ممن له عليه طعام من بيع قبل أن يقضيه إياه إلا بمثل الثمن الذي أسلم إليه في الطعام نقدا؛ لأنه إن كان بأقل أو بأكثر نقدا صار بيع الطعام قبل أن

مسألة: اشترى طعاما إلى أجل ونقد ثمنه

يستوفى؛ لأن طعامه رجع إليه، فكان لغوا وصار إلى أن أخذ منه فيما كان له عليه من الطعام الثمن الذي باع به منه الطعام وإن كان إلى أجل، دخله مع بيع الطعام قبل أن يستوفي فسخ الدين في الدين، وأما إن كان باعه منه بمثل الثمن الذي أسلم إليه فيه نقدا فهو جائز؛ لأن الأمر آل بينهما فيه إلى الإقالة، ولو باعه منه بثمن إلى أجل، أو بأقل، أو بأكثر من الثمن الذي أسلم له فيه على غير شرط أن يقضيه إياه ولا رأي ولا عادة ولا رجاء رجاه، فلما تم شراؤه قضاه إياه لم يجز أيضا، وفسخ من باب الحكم بالذرائع على ما ذكرناه في مسألة السلف؛ ولو اشتراه له منه رسول لم يعلم أنه له رسول، لجاز أن يقضيه منه؛ وإن كان اشتراه منه بثمن إلى أجل أو نقدا بأقل أو بأكثر من الثمن الذي كان أسلم إليه فيه على ما ذكرناه في مسألة السلف أيضا، وستأتي هذه المسألة في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى، وإنما ذكرتها هاهنا لتعلقها بهذه المسألة ومشابهتها لها. [مسألة: اشترى طعاما إلى أجل ونقد ثمنه] مسألة وقال مالك في رجل اشترى طعاما إلى أجل ونقد ثمنه، ثم إنه تصدق به على رجل آخر أو وهبه له، أو قضاه إياه من طعام كان تسلفه منه أو أسلفه رجلا جاء يستسلفه طعاما وذلك قبل أن يستوفيه المشتري، فأراد بعض من صار إليه الطعام على بعض هذه الوجوه أن يبيعه قبل أن يقبضه. قال: ما أحب أن

مسألة: الشاة اللبون باللبن إلى أجل

يباع ذلك الطعام قبل أن يستوفى. قال محمد بن رشد: من صار إليه الطعام المشترى بأي وجه كان من هبة أو صدقة أو قرض أو اقتضاء من قراض أو ميراث يحل محل المشتري الذي صار إليه الطعام من قبله في أنه لا يجوز (له) بيعه قبل استيفائه على معنى ما في المدونة وغيرها، وحكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك أنه خفف ذلك في الهبة والصدقة، وقد وقع لأشهب في كتاب ابن المواز أن للرجل بيع ما وهب له أو تصدق به عليه أو ورثه من الطعام قبل قبضه، وقاله عمر بن عبد العزيز في الميراث، ومعنى ذلك عندي فيما وهب له أو تصدق به عليه أو ورثه من الطعام الذي كان للموروث أن يبيعه قبل قبضه؛ وأما من اشترى طعاما فمات عنه قبل أن يقبضه، فلا اختلاف في أن الوارث يحل محله في أنه لا يجوز له بيعه قبل قبضه، وكذلك من أقرضه أو اقتضاه من قرض كان له، ويحتمل أن يدخل ذلك من الاختلاف ما دخل فيمن وهب له أو تصدق به عليه على ما حكاه ابن حبيب عن مالك. [مسألة: الشاة اللبون باللبن إلى أجل] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: لا خير في الشاة اللبون باللبن إلى أجل أيهما عجل أو أخر صاحبه، وأما الطعام غير اللبن إلى أجل، فلا بأس به. قال سحنون: الذي عرفناه من قوله وقاله لي ابن القاسم غير مرة، أن اللبن بالشاة اللبون إلى أجل لا بأس به، وهو عندي أحسن. وأما قوله الشاة اللبون باللبن

إلى أجل فذلك الذي لم يشك فيه قط، ولم يختلف علينا فيه قوله إنه حرام لا يجوز، وقال أصبغ مثله. قال محمد بن رشد: الأصل في هذه المسألة ما ثبت من «نهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المزابنة» ، والمزابنة مأخوذة من الزبن وهو الدفع، فمعنى المزابنة المغاررة، وهو أن يغار كل واحد من المتبايعين صاحبه في المعنى الذي غارره فيه؛ وهي تنقسم على قسمين: أحدهما: أن تكون في صنف واحد، والثاني: أن تكون في صنفين. فأما الصنف الواحد فالمزابنة تدخل فيه، كان بالنقد أو إلى أجل، وذلك مثل أن يبيع منه جزافا بجزاف أو جزافا بمكيل، فهذا لا يجوز نقدا ولا إلى أجل؛ وأما الصنفان فإن المزابنة لا تدخله إلا في النسيئة، وذلك على وجهين: أحدهما: أن يبيع منه شيئا بما يحول فيه عينه إلى أجل، والثاني: أن يبيع منه شيئا بما يتولد عنه مع بقاء عينه إلى أجل؛ فأما إذا باع منه شيئا بما تحول فيه عينه إلى أجل، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز، وذلك مثل أن يبيع منه صوفا بثياب صوف إلى أجل أو كتانا بثياب كتان إلى أجل، أو شعيرا بقصيل إلى أجل يمكن أن يكون إلى ذلك الأجل من الصوف والكتان ثياب، ومن الشعير قصيل، وما أشبه ذلك. وأما إذا باع منه شيئا بما يتولد منه مع بقاء عينه إلى أجل، فذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون أصل التولد فيه موجودا حال العقد، والثاني: لا يكون فيه وإنما يحدث بعده، فأما إذا كان أصل التولد موجودا فيه مثل أن يبيع منه شاة لبونا بلبن إلى أجل، أو دجاجة بياضة ببيض إلى أجل، وما أشبه ذلك، فهو وجه يتحصل فيه أربعة

أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز، كانت الشاة هي المؤجلة أو المعجلة، وهو قول مالك هاهنا وظاهر ما في المدونة. والثاني: أن ذلك جائز، كانت الشاة هي المؤجلة أو المعجلة، وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع، ووقع ذلك أيضا في رسم حبل حبلة من سماع عيسى من هذا الكتاب: لا بأس بالدجاجة البياضة بالبيض إلى أجل، وهو أظهر الأقوال، بدليل اتفاقهم على إجازة بيع الشاة اللبون باللبن نقدا، وبالطعام نقدا وإلى أجل. والثالث: أن ذلك جائز إن كانت الشاة هي المؤجلة، وغير جائز إن كانت هي المعجلة؛ وهو قول ابن القاسم هاهنا، واختيار سحنون، وهو مذهب ابن حبيب، وهو ضعيف في الشاة باللبن إلى أجل؛ لأن المزابنة لا تدخله، إذ لا يبقى اللبن إلى أجل دون أن يتغير، فإنما يعطيه عند الأجل من لبن غير تلك الشاة، وإنما يكون لهذه التفرقة وجه في بيع الشاة اللبون بالجبن إلى أجل؛ لأنه يمكن أن يجمع لبن الشاة فيعمل منه جبنا يعطيه إياه عند الأجل. والرابع: عكس هذه التفرقة أن ذلك جائز إن كان الشاة هي المعجلة، وغير جائز إن كانت هي المؤجلة، وهو قول أشهب؛ ووجهه: إن كانت هي المعجلة، كان اللبن الذي فيها ملغى في حكم التبع لها، لاحتمال أن يكونا لم يقصداه، وإذا كانت هي المؤجلة، علم أنهما قصداه، إذ قد اشترطاه. وأما إذا لم يكن أصل ذلك الشيء موجودا فيه حين العقد، وإنما يحدث بعده مثل أن يبيع منه شاة لا لبن لها بلبن إلى أجل يكون فيه للشاة لبن، أو

مسألة: يشتري الرجل الطعام بثمن إلى أجل ثم يقره عند صاحبه

دجاجة لا بيض فيها ببيض إلى أجل يكون فيه للدجاجة بيض، أو ذباب نحل بعسل إلى أجل يكون فيه للذباب عسل، أو نخلا لا تمر فيها بتمر إلى أجل يكون فيه للنخل تمر؛ ففي ذلك قولان: أحدهما: أن ذلك جائز، وهو قول ابن حبيب في الواضحة في المسائل كلها، وقول ابن القاسم في رسم حبل حبلة من سماع عيسى في الدجاجة التي لا بيض فيها بالبيض إلى أجل، وفي كتاب كراء الدور من المدونة في النخل التي لا تمر فيها بتمر إلى أجل. والثاني: أن ذلك لا يجوز وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في رسم نقدها من سماع عيسى من هذا الكتاب، ومن كتاب جامع البيوع. وأما إذا لم يكن للشاة لبن أو للنخل تمر أو للذباب عسل، أو للدجاج بيض إلى ذلك الأجل، فلا اختلاف في أن ذلك جائز. [مسألة: يشتري الرجل الطعام بثمن إلى أجل ثم يقره عند صاحبه] مسألة قال مالك: أكره أن يشتري الرجل الطعام بثمن إلى أجل ثم يقره عند صاحبه وإن اكتاله، وإن اشتراه بالنقد لم أر بذلك بأسا، وذلك أني أخاف أن يؤخره حتى يحل الحق فيكون النقد والكيل جميعا. قال سحنون: قال ابن القاسم: يخاف أن يقول: أبيعكه إلى شهر وأضمنه لك إلى شهر، فيكون النقد والكيل جميعا. قال محمد بن رشد: كره أن يبتاع الرجل الطعام بثمن إلى أجل ثم يقره عند البائع وإن اكتاله، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى شرائه بشرط أن يبقى بيد البائع رهنا حتى يحل الأجل فيستوفي الثمن، فإن أقره عنده على غير شرط لم يفسخ البيع، قاله ابن المواز، ومثله في رواية عيسى. وأما إن

أقرض رجلا طعاما إلى أجل فلما حل الأجل قال له غريمه بعني طعاما أقضيك

وقع البيع على ذلك بشرط فهو فاسد يجب فسخه وإن كان شرط أن يقره عنده بعد أن اكتاله، إذ لا يجوز أن يبيع أحد شيئا من الحيوان والعروض التي لا يجوز أن يتأخر قبضها بثمن إلى أجل على أن يبقى بيده رهنا إلى ذلك الأجل إلا أن يجعله بيد عدل، وقد ذكرنا هذا المعنى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق. وأما إن اشترط أن يبقى عنده إلى محل الأجل دون كيل، فالمكروه في ذلك لائح؛ لأنه اشتراه على أن يكون في ضمانه إلى ذلك الأجل، وذلك حرام لا يحل، وبالله التوفيق. [أقرض رجلا طعاما إلى أجل فلما حل الأجل قال له غريمه بعني طعاما أقضيك] ومن كتاب القبلة قال ابن القاسم: سمعت مالكا قال في رجل أقرض رجلا طعاما إلى أجل، فلما حل الأجل قال له غريمه: بعني طعاما أقضيك. قال: إن ابتاع منه بنقد فلا بأس به، وإن ابتاع بدين فلا خير فيه. وتفسير ذلك: أنه إذا اشترى منه طعاما بذهب على أن يقضيه مكانه، كأنه إنما اشترى منه ما عليه من الطعام الذي أقرضه بذهب أو ورق نقدا، فليس بذلك بأس أن يبتاع رجل حنطة عليه من قرض بذهب أو ورق أو عرض أو غير ذلك معجل، وأنه إذا ابتاع منه بدين على أن يقضيه، رجع طعامه إليه فصار له عليه ما كان يسأله من الطعام ذهب أو ورق أو عرض أو غير ذلك مؤخرا، فذلك مضارع للربا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، ولو كان الطعام من بيع

مسألة: ذبح شاة ثم سلخها ثم دعا إليها الجزار فقال أسلفك لحم هذه الجزرة وزنا

لم يجز له أن يشتري منه طعاما على أن يقضيه إياه إلا بمثل الثمن الذي أسلم إليه فيه نقدا لا أقل ولا أكثر، قاله في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى، وقد مضى بيان هذا كله في التكلم على أول مسألة من هذا السماع. [مسألة: ذبح شاة ثم سلخها ثم دعا إليها الجزار فقال أسلفك لحم هذه الجزرة وزنا] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا، قال: من ذبح شاة ثم سلخها، ثم دعا إليها الجزار فقال: خذ مني هذه الجزرة، أسلفك لحمها وزنا على أن تعطيني في كل يوم رطلين أو أقل أو أكثر من ذلك، قال مالك: ما أحب ذلك؛ لأني أراه قد أخذ منه في سلفه زيادة لو أقام اللحم عنده صار يابسا، فأسلفه من ضمنه له غريضا مقطعا، ولو وقع هذا على غير صنعة، لم أر بذلك بأسا. فأما ما يصنعان لذلك وإن لم يشترطه أحدهما فلا أحبه. قال محمد بن رشد: وقوله ولو وقع هذا على غير صنعة لم أر بذلك بأسا، معناه: ولو فعل ذلك رفقا بالجزار لا لمنفعة يبتغيها لنفسه، ولعله لو باع الجزرة جملة، لأخذ فيها من الثمن ما يشتري به من اللحم المقطع أكثر من زنتها، جاز ولم يكن به بأس. وقد روى ابن أبي جعفر عن أشهب أنه قال: إن كان الجزار هو الذي جاءه فاستسلفه فلا بأس به، ظاهره: وإن كانت له في ذلك منفعة، ومعناه: إذا علم الله من قلبه أنه أسلفه إياها لما رأى من حاجة الجزار إلى ذلك، وأنه كان يفعل ذلك لو سأله ذلك ولا منفعة له فيه، وهذا ما لا ينبغي أن يختلف فيه، إذ لا يقدر على أن يسلفه

مسألة: ابتاع طعاما بثمن إلى أجل ثم ندم البائع قبل أن يفترقا

إياها ويسقط المنفعة عن نفسه في ذلك، وذلك نحو ما روى زياد عن مالك في الرجل يكون عنده طعام يخشى عليه الفساد فيسالفه الرجل المحتاج إلى أن يسلفه إياه، فإنه أجاز ذلك إذا أسلفه إياه لحاجته من غير شرط ولا عادة، وإنما اختلف في الرجل المحتاج يسأل الرجل أن يسلفه الفدان يكون له من الزرع فيحصده ويدرسه ويعرف كيله فيعطيه إياه على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك جائز إذا كان المتسلف هو الذي طلبه ليتقوت بذلك، ولم يكن صاحب الزرع هو يعرضه ليكتفي بمؤنته، وهو قول ابن حبيب في الواضحة عن مالك وغيره. والثاني: أن ذلك لا يجوز إلا أن يكون الفدان من الزرع الكثير الذي لا يحط به عنه مئونة، وهو قول مالك في رسم الآجال من المدونة. والثالث: أن ذلك يكره وإن كان الفدان من الزرع الكثير، إلا أن يكون هو الذي يحصده ويدرسه ويذريه وكذلك يسلفه إياه، روى ذلك زياد عن مالك. [مسألة: ابتاع طعاما بثمن إلى أجل ثم ندم البائع قبل أن يفترقا] مسألة وقال مالك: ومن ابتاع طعاما بثمن إلى أجل ثم ندم البائع قبل أن يفترقا، فاستقال بغرم يغرمه للمشتري عن العروض أو العين؛ ويدفع إليه طعامه. قال مالك: لا أرى بذلك بأسا إذا كان المبتاع قد اكتاله، قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: وإن ندم المبتاع فرد طعامه وزاده عليه طعاما آخر أو عرضا من العروض ولم يكونا تفرقا. قال: إذا اكتال فلا بأس به، وإن تفرقا فلا أحبه إذا كان الثمن إلى أجل. قال محمد بن رشد: لا يراعى تفرقتهما وغيبة المبتاع على الطعام إلا في زيادة المبتاع، لا في زيادة البائع. فقوله: لا أرى بذلك بأسا إذا

كان المبتاع قد اكتاله، يريد وإن كانا تفرقا على ما نبينه. وتحصيل القول في هذه المسألة أنهما إذا تقايلا قبل اكتيال الطعام، فلا تجوز الزيادة من واحد منهما لصاحبه على حال؛ لأن ذلك بيع الطعام قبل استيفائه، إلا أن يكون المبتاع هو المستقيل بزيادة مثل الثمن إلى ذلك الأجل فيجوز؛ لأنه يصير قد أدى الثمن ووهب الطعام، وإن تقايلا بعد اكتيال الطعام وقبل أن يقبضه المبتاع أو شيئا منه ويغيب عليه؛ وقبل أن يقبض البائع الثمن أيضا، أو شيئا منه ويغيب عليه؛ فالزيادة من كل واحد منهما لصاحبه جائزة، ما لم يكن في نفس الإقالة على الزيادة فساد، فيجوز على هذا أن يستقيل البائع من الطعام على أن يزيد المبتاع ما شاء من العروض والدنانير والدراهم نقدا وإلى أجل؛ لأنه يصير قد اشترى الطعام الذي استقال منه بالثمن الذي كان له على المبتاع، وبالزيادة التي زادها إياه، إلا أن تكون الزيادة من صنف الطعام الذي استقال منه، فلا يجوز على حال، أو من غير صنفه، فيجوز إذا كانت الزيادة نقدا والثمن حالا باتفاق؛ وإن كانت الزيادة نقدا والثمن مؤجلا فعلى قولين منصوص عليهما في الواضحة: أحدهما: أن ذلك جائز على القول بأن انحلال الذمم بخلاف انعقادها، فلا يراعى في ذلك الأجل؛ لأنهما قد تباريا. والثاني: أن ذلك لا يجوز على القول بأن انحلال الذمم كانعقادها، فيراعى في ذلك الأجل وإن كانا قد تباريا. ويجوز أن يستقيل المبتاع من الطعام قبل أن يحل أجل الثمن عليه على أن يزيده دنانير إن كان الثمن دنانير أو دراهم، إن كان الثمن دراهم إلى ذلك الأجل؛ لأنه أخذ منه طعامه ببعض الثمن ووفاه بقيته، ولا يجوز ذلك نقدا ولا إلى أبعد من الأجل؛ لأنه يدخله في النقد

ضع وتعجل، وبيع وسلف، وعرض وذهب بذهب إلى الأجل، وفي التأخير إلى أبعد من الأجل بيع وسلف، وذهب وعرض بذهب إلى أجل. ويجوز على أن يزيده ما شاء من العروض والطعام نقدا، ولا يجوز ذلك إلى الأجل ولا إلى أبعد منه؛ لأنه إذا نقده الزيادة فقد اشتراها منه والطعام الذي استقاله منه بالثمن الذي كان له عليه فجاز، وإذا لم ينقده الزيادة فقد فسخ الثمن الذي كان له عليه في الزيادة التي زاده إياها إلى أجل فلم يجز؛ ولا يجوز أن يزيده دنانير إن كان الثمن دراهم، ولا دراهم إن كان الثمن دنانير نقدا ولا إلى أجل، ولا إلى أبعد منه؛ ويجوز أن يستقيل منه إن كان الثمن حالا أو بعد أن يحل عليه على أن يزيده ما شاء من العروض والدنانير والدراهم والطعام من صنف طعامه ومن غير صنفه نقدا، إلا أن تكون الزيادة التي زاده ورقا فلا يجوز، إلا أن يكون أقل من صرف دينار على مذهب ابن القاسم؛ ولا يجوز على أن يزيده شيئا من الأشياء إلى أجل؛ لأنه يدخله فسخ الدين في الدين. وأما إن كان المبتاع قد قبض الطعام أو بعضه وغاب عليه، فلا تجوز الإقالة في جميعه على أن يزيد المبتاع البائع شيئا من الأشياء؛ لأنه إذا رد الطعام بعد أن غاب عليه وزاده، كان سلفا بزيادة، فيتهمان على أنهما عملا على ذلك، وقصدا إلى استجازته بإظهار البيعة والاستقالة؛ وكذلك إذا كان البائع قد قبض الثمن أو بعضه، فلا تجوز الإقالة بينهما على أن يزيد البائع المبتاع شيئا من الأشياء؛ لأنه إذا رد الثمن الذي قبض بعد أن انتفع به وزاده، كان سلفا بزيادة، فيتهمان على القصد إلى ذلك فلا يجاز لهما ويفسخ عليهما حماية للذرائع على مذهب مالك، وهذا إذا كان البيع إلى أجل، وأما إذا كان البيع نقدا فذلك جائز، إذ لا يتهم في بيوع النقد إلا في أهل العينة على ما يأتي له في رسم كتب عليه ذكر حق من هذا السماع. وهو دليل قوله في هذه المسألة: وإن تفرقا فلا أحبه إذا كان الثمن إلى أجل، وحكم المكيل

مسألة: يبتاع أحد دينا على ميت

والموزون من غير الطعام في هذا كله كحكم الطعام إلا في مراعاة الكيل، إذ يجوز بيعه قبل استيفائه؛ وحكم العروض والحيوان في ذلك كله حكم المكيل والموزون، إلا في مراعاة القيمة عليه إذ يعرف بعينه بعد أن يغاب عليه. [مسألة: يبتاع أحد دينا على ميت] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: لا أرى أن يبتاع أحد دينا على ميت، وذلك غرر لا يدري ما يلحق الميت من دين فينتزع منه ما اشترى، وليس اشتراء الدين الذي على الميت والحي سواء؛ لأن الحي قد ضمن ذلك في ماله وذمته، وأن الميت ليس كذلك. قال محمد بن رشد: هذا قول مالك في موطئه، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه؛ لأن اشتراءه غرر وإن كان على الدين بينة وعرف ما ترك الميت من المال، إذ قد يلحقه من الديون ما يستغرق تركته، فلا يكون له مما اشترى إلا محاصة الغرماء ويبطل الباقي، إذ لا ذمة له يتبعها ببقية دينه؛ وإنما يجوز شراء الدين على الحاضر المقر؛ لأنه إن ثبت عليه دين حاص الغرماء، واتبع ذمته ببقية حق؛ واختلف في شراء الدين عليه إذا كان منكرا، فالمعلوم في المذهب المنصوص عليه في الموطأ وفي غيرما كتاب من المدونة، أن ذلك لا يجوز؛ لأنه ينقد الثمن، إذ لا يجوز إلا ذلك، ولا يدري هل يتم له ما اشترى أو يرجع إليه ماله، فمرة يكون بيعا، ومرة يكون سلفا، وذلك من أعظم الغرر، وتقوم إجازته من إجازة ابن

مسألة: اشترى الميراث الغائب فيه عين وعرض بعرض

القاسم بيع الدار التي فيها خصومة على ما وقع في بعض روايات المدونة. وكذلك اختلف أيضا في شراء الدين على الغائب، فالمشهور أن ذلك لا يجوز، إذ لا يدرى أحي هو أم ميت؛ ومقر هو أم منكر؛ وأجاز ذلك ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية من كتاب المدبر إذا كانت غيبته قريبة حيث يعرف حاله وملؤه، وقاله أصبغ في نوازله من كتاب جامع البيوع، ورواه ابن أبي زنبر عن مالك؛ (قال:) وذلك إذا كانت للبائع بينة على الحق، وعرفت حياة الذي عليه الدين. [مسألة: اشترى الميراث الغائب فيه عين وعرض بعرض] مسألة وقال مالك فيمن اشترى الميراث الغائب فيه عين وعرض بعرض، قال: لا يصلح اشتراء غائب بنقد وإن كان اشتراه على أنه له وجده أو لم يجده، انتقص أو زاد؛ فذلك غرر لا يصلح، وإن اشترط إن لم أجده على هيئته رجعت فأخذت عرضي أو قيمته، فإنه يدخله سلف وبيع ليس بمضمون، وأنه يغرر بأمر إن أدركه أدرك حاجته، وإن أخطأه ذهب عناؤه وأخذ منه عرضه بقيمته؛ ولعله لم يكن يرضى أن يبيعها بأضعاف ذلك، فذلك مكروه.

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من أن النقد في الغائب لا يجوز، كان الذي اشترى به عينا أو عرضا. وقوله إن ذلك لا يصلح، وإن كان اشتراه على كذا، وإن اشترط كذا - معناه: أن ذلك لا يصلح؛ لأنه إن اشتراه على كذا فهو غرر؛ وإن اشتراه على كذا فهو غرر. يقول: إن شراء الميراث الغائب فيه العين والعرض بعرض نقدا، لا يخلو من أحد هذين الوجهين، وكلاهما فاسد فلا يجوز؛ ولو اشتراه على أن يمسك العرض عنده ولا ينقده حتى يدري هل يجد الميراث على ما اشتراه عليه من الصفة لم يجز أيضا؛ لأنه إن مضى إلى موضع الميراث فوجده على ما اشتراه عليه لم يجز له أن يقبضه؛ لأنه يصير المشتري للميراث قد باع العرض الغائب الذي كان ثمنا للميراث بالميراث فانتقده فيصير نقدا في غائب. والوجه الذي يجوز في ذلك: أن يتواضع العرض بيد أمين ويخرج إلى الميراث، فإن وجده على ما اشتراه، صح له قبضه على ما يأتي في رسم الجواب من سماع عيسى، وفي سماع أصبغ من جامع البيوع؛ وكذلك القول في كل غائب لا يجوز فيه النقد ويشترى بعرض. وأما إذا اشترى الغائب الذي لا يجوز فيه النقد بعين، فهو جائز إذا لم ينقده، ولو كان الميراث الغائب المشترى عينا موضوعا دون غيره، لجاز أن يشتريه بعرض على أن ينقده إذا اشترط أنه ضامن للعين الغائب؛ وقد قيل: إنه إذا اشتراه بعرض ونقده، كان البائع للعين الغائب ضامنا له وإن لم يشترط عليه الضمان؛ والقولان في الرواحل والدواب من المدونة، والقول بأنه ضامن وإن لم يشترط عليه الضمان على قياس القول بأن العين لا يتعين، والقول بجواز اشتراط ضمانه استحسان؛ لأن القياس فيه على القول بأن العين يتعين ألا يجوز اشتراط ضمانه كالعروض التي تتعين.

حلف ألا يبيع سلعة سماها

[حلف ألا يبيع سلعة سماها] ومن كتاب أوله حلف ألا يبيع سلعة سماها وسئل مالك: عن رجل باع طعاما أو زيتا أو غير ذلك، وهو ممن يعين، فباعه متاعا بثمن إلى أجل، فباعه الذي اشتراه، ثم جاءه بعد ذلك، فقال: إني قد وضعت فيما بعت وضيعة كثيرة، فخفف عني من الثمن الذي بعتني به، فوضع له من ذلك؛ قال: هذا لا خير فيه. فقلت له: فما مكروه ذلك؟ قال: إنه يبيعه حين يبيعه كأنه يقول له كم تربح علي؟ قال: على العشرة اثني عشر، أو أقل أو أكثر، فهو يراوضه على ذلك، فيذهب فيبيع السلعة، فإن نقصت، رجع إليه فوضع عنه ورده إلى ما كان راوضه عليه من العشرة اثني عشر، فكأنه إنما يبيع له على المرواضة في ذلك، وقال: إنما يعمل على شيء قد قاضاه إياه على العشرة اثني عشر، فهذا لا خير فيه. قال: وأخبرني داود بن دينار أن ابن هرمز كرهه. قال محمد بن رشد: تفسير المكروه الذي وصفه في هذه المسألة، هو أن الرجل يأتي إلى الرجل من أهل العينة، فيقول له: أسلفني عشرة مثاقيل في أحد عشر مثقالا إلى شهر، فيقول له: لا أسلفك إياها إلا في ثلاثة عشر مثقالا، فيتراوضان حتى يتفق معه على أن يسلفه العشرة ويرد عليه اثني عشرة، ثم يقول له: إن هذا لا يحل، ولكن عندي سلعة قيمتها عشرة دنانير، أبيعها منك باثني عشر دينارا إلى شهر، فتبيعها أنت بعشرة فيتم لك ما أردت، فيأخذ منه السلعة على هذا، فيبيعها بثمانية مثاقيل، ثم يأتي إليه فيقول له: لم تساو السلعة عشرة دنانير وقد وضعت فيها وضيعة

مسألة: رجال من أهل الفضل يتجرون في العينة ثم تركوها وهم يرون فضلها

كبيرة من العشرة، فحط عني من الاثني عشر التي وضعتها وما يجب لها من الدينارين اللذين بنيت على أن تربح معي في العشرة، وذلك ديناران وخمسا دينار، فيحط ذلك عنه تتميما لما كان راوضه عليه من أن يربح معه في العشرة دينارين، فيأخذ منه في الثمانية التي باع السلعة بها تسعة وثلاثة أخماس، فيئول الأمر بينهما إلى أن أسلفه ثمانية مثاقيل في تسعة وثلاثة أخماس، فهذا مما يتهم فيه أهل العينة ويحملون عليه، لعلمهم بالربا واستحلالهم له. [مسألة: رجال من أهل الفضل يتجرون في العينة ثم تركوها وهم يرون فضلها] مسألة وقال مالك: كان رجال من أهل الفضل يتجرون في العينة ثم تركوها وهم يرون فضلها لما استرابوا منها. قال محمد بن رشد: العينة على ثلاثة أوجه: جائزة، ومكروهة، ومحظورة؛ فالجائزة أن يأتي الرجل إلى الرجل منهم فيقول له: أعندك سلعة كذا وكذا تبيعها مني بدين؟ فيقول: لا، فيذهب عنه فيبتاع المسئول تلك السلعة، ثم يلقاه فيقول له: عندي ما سألت فيبيع ذلك منه. والمكروهة أن يقول له: عندك كذا وكذا تبيعه مني بدين؟ فيقول: لا، فيقول له: أتبيع ذلك وأنا أبتاعه منك بدين وأربحك فيه، فيشتري ذلك ثم يبيعه منه على ما تواعدا عليه، والمحظورة أن يقول الرجل للرجل: اشتر

سلعة كذا وكذا بكذا وكذا، وأنا أشتريها منك بكذا وكذا، وهذا الوجه فيه ست مسائل تفترق أحكامها بافتراق معانيها: إحداها: أن يقول له: اشتر سلعة كذا بعشرة نقدا وأنا أشتريها منك باثني عشر نقدا، فهذا أجازه مالك مرة، إذا كانت البيعتان بالنقد وانتقد، وكرهه مرة للمراوضة التي وقعت بينهما في السلعة قبل أن تصير في ملك المأمور. والثانية: أن يقول له: اشتر سلعة كذا بعشرة نقدا، وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل، فهذا لا يجوز، إلا أنه اختلف فيه إذا وقع على قولين: أحدهما: أن السلعة لازمة للآمر باثني عشر إلى أجل؛ لأن المأمور كان ضامنا لها لو تلفت في يده قبل أن يبيعها من الآمر، ويستحب له أن يتورع فلا يأخذ منه إلا ما نقد فيها، وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب البضائع والوكالات وروايته عن مالك. والثاني: أن البيع يفسخ وترد السلعة إلى المأمور، إلا أن تفوت فتكون فيه القيمة معجلة كما يفعل في البيع الحرام؛ لأنه باعه إياها قبل أن يجب له فيدخله بيع ما ليس عندك. والثالث: عكسها، وهو أن يقول له: اشتر سلعة كذا وكذا باثني عشر إلى أجل وأنا أبتاعها منك بعشرة نقدا، فهذا لا يجوز أيضا، إلا أنه يختلف فيه إذا وقع على القولين المذكورين، يلزم الآمر السلعة بالعشرة نقدا. ويستحب له أن يزيده الدينارين على القول الأول، ويفسخ البيع على القول الثاني، وترد السلعة إلى المأمور، إلا أن تفوت بيد الآمر فتكون عليه فيها القيمة، كما يفعل في البيع الحرام على القول الثاني، وهو قول ابن حبيب. والرابع:

أن يقول له: اشتر سلعة كذا بعشرة نقدا، وأنا أبتاعها منك باثني عشر، فهذا مرجع الأمر فيه إلى أن الآمر استأجر المأمور على أن يبتاع له السلعة بدينارين أجرة، فإن كان النقد من عند الآمر، أو من عند المأمور بغير شرط فهو جائز، وإن كان من عند المأمور بشرط كانت إجارة وسلفا؛ لأنه استأجره بدينارين على أن يشتري له السلعة وينقد عنه، فتكون له إجارة مثله، إلا أن يكون أكثر من الدينارين، فلا يزاد عليهما على مذهب ابن القاسم في البيع والسلف إذا كان السلف من عند البائع وفاتت السلعة، أن للبائع الأقل من القيمة أو الثمن، وإن قبض السلف، وتكون له إجارة مثله بالغة ما بلغت على مذهب ابن حبيب في البيع والسلف إذا قبض السلف وفاتت السلعة، أن فيها القيمة بالغة ما بلغت؛ والأصح ألا تكون له أجرة؛ لأنا إن أعطيناه الأجرة كان الثمن ثمنا للسلف، فكان ذلك تتميما للربا الذي عقدا عليه، وهو قول سعيد بن المسيب، وهذه الثلاثة الأقوال إذا عثر على الآمر بعد أن نقد المأمور الثمن وقبل أن يحل الأجل؛ لأن السلف وإن كان حالا فلا بد من الحكم فيه بأجل، ولو عثر على الآمر بعد أن ابتاع المأمور السلعة وقبل أن ينقد الثمن، لكان النقد على الآمر ولم يكن فيما يجب للمأمور من الأجرة إلا قولان: أحدهما: أن له الأجرة بالغة ما بلغت. والثاني: أن له الأقل، ولو لم يعثر على ذلك إلا بعد حلول الأجل، لم يكن فيما يجب للمأمور من الأجرة إلا قولان: أحدهما: أن له الأجرة بالغة ما بلغت. والثاني: أنه لا شيء له. والخامسة: أن يقول له: اشتر لي سلعة كذا وكذا بعشرة نقدا وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل، فهذا حرام لا يحل ولا يجوز؛ لأنه رجل ازداد في سلفه، فإن وقع ذلك لزمت السلعة للآمر؛ لأن الشراء كان له، وإنما أسلفه المأمور ثمنها ليأخذ منه أكثر منه إلى أجل، فيعطيه العشرة معجلة ويطرح عنه ما أربى، ويكون

مسألة: رجل ممن يعين يبيع السلعة من الرجل بثمن إلى أجل

له أجرة مثله بالغة ما بلغت في قول، والأقل من أجرة مثله أو الدينارين في قول ولا يكون له شيء في قول؛ لئلا يكون ذلك تتميما للربا فيما بينهما على ما مضى من الاختلاف في المسألة التي قبلها. وقال في سماع سحنون: إن لم تفت السلعة فسخ البيع وهو بعيد، فقيل: معنى ذلك إذا علم البائع الأول بعملهما. والسادسة: أن يقول له: اشتر لي سلعة كذا باثني عشر إلى أجل، وأنا أشتريها منك بعشرة نقدا، فهذا حرام لا يجوز، ومكروهة إذا استأجر المأمور على أن يبتاع له السلعة بسلف عشرة دنانير يدفعها إليه ينتفع بها إلى أجل ثم يردها إليه، فإذا وقع ذلك لزمت الآمر السلعة باثني عشر إلى أجل؛ لأن الشراء كان له ولا يتعجل المأمور منه العشرة النقد، وإن كان قد دفعها إليه صرفها عليه ولم تترك عنده إلى الأجل، وكان له جعل مثله بالغا ما بلغ في هذا الوجه باتفاق، والله أعلم. [مسألة: رجل ممن يعين يبيع السلعة من الرجل بثمن إلى أجل] مسألة وسئل مالك: عن رجل ممن يعين يبيع السلعة من الرجل بثمن إلى أجل، فإذا قبضها منه ابتاعها منه رجل حاضر، كان قاعدا معهما، فباعها منه؛ ثم إن الذي باعها الأول اشتراها منه بعد، وذلك في موضع واحد، قال: لا خير في هذا، ورآه كأنه محلل فيما بينهما، وقال: إنما يريدون إجازة المكروه. قال سحنون: وأخبرني ابن القاسم عن ابن دينار أنه قال: هذا مما يضرب عليه عندنا، وهو مما لا يختلف فيه أنه مكروه، وأرى أن

يزجر عنه، وأن يؤدب من فعله؛ قال ابن القاسم: ورأيتها عند مالك من المكروه البين. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على طرد القياس في الحكم بالمنع من الذرائع؛ لأن المتبايعين إذا اتهما على أن يظهرا أن أحدهما باع سلعة من صاحبه بخمسة عشر إلى أجل ثم اشتراها منه بعشرة نقدا، ليتوصلا بها إلى استباحة دفع عشرة في خمسة عشر إلى أجل، وجب أن يتهما على ذلك، وإن اشتراها الذي باعها من غير الذي باعها منه إذا كان في مجلس واحد، لاحتمال أن يكونا إنما أدخلا هذا الرجل فيما بينهما لتبعد التهمة عن أنفسهما ولا تبعد عنهما به؛ لأن التحيل به ممكن بأن يقولا لرجل مثلهما في قلة الدعة: تعال تشتري من هذا الرجل هذه السلعة التي تبيعها منه بخمسة عشر إلى أجل بعشرة نقدا، وأنا أبتاعها منك بذلك، أو تربح دينارا فتدفع إليه العشرة التي تأخذ مني ولا تزد من عندك شيئا، فيكون إذا كان الأمر على هذا، قد رجعت إلى البائع الأول سلعته، ودفع إلى الذي باعها منه عشرة دنانير، يأخذ بها منه خمسة عشر إلى أجل؛ ويكون إذا كان قد ابتاعها من الثاني بربح دينار على الشرط المذكور، قد أعطاه ذلك الدينار ثمنا لمعونته إياه على الربا؛ ولو باع الرجل من الرجل سلعة بثمن إلى أجل ثم مات، لم يجز لورثته أن يشتروها منه بأقل من ذلك الثمن نقدا؛ لأنهم يتهمون على إتمام ما قصد إليه موروثهم من استباحة الربا، ولو مات المشتري لجاز للبائع أن يشتريها من

مسألة: باع من رجل طعاما إلى أجل فاكتال الطعام وانتقله

ورثته؛ لأن الثمن قد دخل عليه بموته، قاله ابن القاسم في الدمياطية. [مسألة: باع من رجل طعاما إلى أجل فاكتال الطعام وانتقله] مسألة وسئل مالك: عن رجل باع من رجل طعاما إلى أجل فاكتال الطعام وانتقله، ثم إنه لقيه بعد ذلك، فسأله أن يقيله منه كله أو بعضه. فقال: أما كله فلا بأس به، وأما بعضه فإنه مكروه. قال ابن القاسم: وقال لي مالك: وذلك أنه يصير بيعا وسلفا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا استقاله من بعضه بعد أن انتقله وغاب عليه، يدخله بيع وسلف؛ لأن الطعام لا يعرف بعينه إذا غاب عليه فيكون ما أقاله منه كأنه قد أسلفه إياه، فرده إليه على أن باعه ما لم يقله منه؛ فيتهمان على أنهما أظهرا البيع في جميعه والإقالة من بعضه على أن يجيزا فيما بينهما البيع والسلف، فيمنعان من ذلك حماية للذرائع، ولو كان إنما باع منه الطعام بنقد، ثم استقاله من بعضه لجاز ولم يتهما في ذلك؛ إلا أن يكونا من أهل العينة، أو أحدهما؛ ولو باعه منه بنقد فانتقد، لجاز أن يقيله مما شاء منه وإن كان من أهل العينة، إذ قد انفصلا بالنقد ولم يبق بينهما سبب، وبالله التوفيق. [سلف في طعام مضمون إلى أجل] ومن كتاب أوله حلف ليرفعن أمرا وسئل: عمن سلف في طعام مضمون إلى أجل، واشترط المشتري على البائع أن عليه حملانه من الريف إلى

مسألة: الصبرة بين الرجلين يشتريانها فيريد أحدهما أن يربح صاحبه فيها قبل أن ينتقلاها

الفسطاط، وإنما كان اشتراه منه على أن يوفيه إياه بالريف، قال: ما أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال: إنه لا بأس به؛ لأنه بيع وإجارة؛ لأن السلم بيع من البيوع سلم إليه في الطعام على أن يوفيه إياه بالريف، واستأجره على أن يحمله له من الريف إلى الفسطاط في صفقة واحدة، والبيع والإجارة جائز أن يجتمعا في صفقة واحدة. [مسألة: الصبرة بين الرجلين يشتريانها فيريد أحدهما أن يربح صاحبه فيها قبل أن ينتقلاها] مسألة وسئل مالك: عن الصبرة بين الرجلين يشتريانها فيريد أحدهما أن يربح صاحبه فيها قبل أن ينتقلاها، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: إذا جاز ذلك قبل أن ينتقلاها، فأحرى أن يجوز ذلك بعد أن ينتقلاها؛ وكذلك لو اشترى نصف الصبرة وبقي فيها شريكا مع البائع، أو ثمر نصف حائط رجل بعد أن أزهى، لجاز له أن يبيع ذلك قبل أن يستوفيه على هذا القول، وقد وقع ذلك في رسم سن من سماع ابن القاسم بعد هذا، ووقع في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع أن مالكا كان يقول قديما: إذا اشترى جزءا من صبرة، فليس له أن يبيعها حتى يستوفيه. ووجه هذا القول: أنه لما كان لا يقدر على أن يبين بحظه من الصبرة أو من الثمرة إلا بالقسمة بالكيل فيما يكال من ذلك، أو بالوزن فيما يوزن منه، أو العدد فيما يعد منه - أشبه من اشترى شيئا من الطعام كيلا أو وزنا أو عددا في أنه لا يبيعه حتى يستوفيه، والقول الآخر هو مقتضى القياس؛ لأن حظه من الصبرة أو الثمرة

مسألة: اشترى ثوبا بثلثي دينار إلى أجل من رجل ثم اشترى منه ثوبا آخر إلى أجل أبعد

داخل في ضمانه بالعقد- وإن لم يستوفه كما تدخل جميع الصبرة والثمرة في ضمانه بعقد الشراء وإن لم يستوفهما. [مسألة: اشترى ثوبا بثلثي دينار إلى أجل من رجل ثم اشترى منه ثوبا آخر إلى أجل أبعد] مسألة وسئل مالك: عن رجل اشترى ثوبا بثلثي دينار إلى أجل من رجل، ثم اشترى منه ثوبا آخر إلى أجل أبعد من ذلك الأجل بثلثي دينار؛ فلما حل أجل الثوب الأول، قال البائع للمبتاع: أقر عندك الثلثي الدينار حتى يحل حق الثوب الآخر فتعطيني دينارا وثلثا، قال: لا خير فيه. قال ابن القاسم: وقد كرهته لمن سأل عنه، ثم أخبرني أنه سأل مالكا فقال مثله. قال محمد بن رشد: الكراهة في ذلك بينة على مراعاة ما يوجبه الحكم في القضاء من أن يقضيه صرف الثلثي الدينار إذا حل أجل الثوب الأول بأخذه بما يجب له من صرف ثلثي الدينار من الدراهم، على أن يأخذ منه في ذلك ذهبا، ويتخرج إجازة ذلك على مراعاة ما ثبت له في الذمة؛ لأنه إنما له في ذمته ثلثا مثقال ذهب، فلا بأس أن يؤخره به ما شاء، ولا يدخله شيء من جهة الصرف، وقد مضى بيان هذا المعنى في رسم حلف ورسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف؛ والأظهر في هذه المسألة أن ذلك لا يجوز؛ لأنه وإن لم يدخله شيء من جهة الصرف على هذا القول، فيدخله سلف جر نفعا بما نواه مما يفسد نيته في السلف. [مسألة: يبيع الزيت أرطالا كذا وكذا بكذا] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يبيع الزيت أرطالا كذا وكذا، بكذا

وكذا دينارا إلى أجل، فيزن له فيفضل له عنده الرطلان ينقصان من وزنه، فيقول المشتري للبائع: هما لك. قال: ما أرى فيه من بأس، ولكن أخاف أن يكثر، فإن كثر فلا يعجبني؛ فأما الشيء اليسير مثل هذا فلا أرى به بأسا، قال سحنون: لا بأس به قليلا كان أو كثيرا. قال محمد بن رشد: اتقى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا كثر ما نقص من الوزن فتركه له أن يكون إنما فعل ذلك رجاء أن يوسع له في الثمن إذا حل الأجل، فيدخله ما نهي عنه من هدية المديان؛ واستخف ذلك سحنون وإن كان كثيرا؛ لأنه من ناحية ما يندب إليه المتبايعان من السماحة في البيع، فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رحم الله عبدا سمحا إن باع سمحا، إن قضى سمحا، إن اقتضى» ، فلا يقام من هذا أن سحنون يجيز هدية المديان إذا كانت مبتدأة على غير هذا الوجه، بل لا يحل عنده ولا عند أحد من أهل العلم لمن عليه دين أن يهدي لمن له الدين رجاء أن يؤخره بما له عليه من الدين، ولا يحل لمن له الدين أن يقبل منه الهدية إذا علم أن ذلك غرضه فيها، ولا حرج على من أهدى لصاحب دينه إذا صحت نيته في ذلك، وقد كان ابن شهاب تكون عليه الديون، فإذا جاءه غرماؤه، أجازهم ولم يقضهم بصحة نيته في ذلك، ويكره لمن يقتدي به أن يقبل ذلك منه، فقد رد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هديته على أبي بن كعب من أجل ماله عنده، لئلا يقتدي به في ذلك، فيكون ذريعة إلى استجازة ذلك والعمل به حتى يكثر فيوقع في المحظور منه، هذا وجه رد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عليه هديته، إذ ليس من أهل التهم، والله أعلم.

مسألة: باع سلعة بثمن إلى أجل ثم ابتاعها بنقد بأقل مما باعها به قبل محل الأجل

[مسألة: باع سلعة بثمن إلى أجل ثم ابتاعها بنقد بأقل مما باعها به قبل محل الأجل] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك في رجل باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم ابتاعها بنقد بأقل مما باعها به قبل محل الأجل، فلم يعلم بذلك حتى فاتت السلعة وحل الأجل، قال: يفسخ البيع بينهما ولا يكون له إلا ما نقده في ثمنها. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن السلعة إذا فاتت فسخت البيعتان جميعا، ولم يكن في ذلك قيمة، كانت القيمة أقل من الثمن الذي باعها به أولا أو أكثر، إذ لم يفرق بين ذلك، وقال: إنه لا يكون للبائع الأول إلا الثمن الذي نقده؛ وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي تأويلا على ابن القاسم، وذلك بين من قوله في رسم القطعان من سماع عيسى بعد هذا. وقد قيل: إنه لا تفسخ البيعة الأولى وتصحح البيعة الثانية بالقيمة، فإن كانت أقل من الثمن الذي نقد رد إليه الزائد، وإن كانت أكثر منه أدى تمامها؛ ثم ينظر إلى هذه القيمة، فإن كانت أكثر من الثمن الذي باعها به أولا، أخذ الثمن إذا حل الأجل؛ إذ لا تهمة في ذلك؛ وإن كانت القيمة أقل من الثمن الذي باعها به أولا، لم يكن له على المشتري الأول أكثر من ذلك؛ لئلا يكون قد دفع دنانير في أكثر منها، فيتم الربا بينهما؛ وهذا يأتي على ما في سماع يحيى وسحنون من هذا الكتاب. وقيل: إنه إن كانت القيمة أقل من الثمن الذي باعها به أولا، فسخت البيعتان، ولم يكن للبائع على المبتاع إلا الثمن الذي دفع إليه، ولم يكن في ذلك قيمة، وإن كانت أكثر من الثمن، لم تفسخ البيعة الأولى وصححت الثانية بالقيمة على حسبما ذكرناه؛ فإذا حل الأجل، أخذ الثمن؛ وإلى هذا ذهب عبد الحق تأويلا على ابن القاسم، وهو قول سحنون أيضا، واختلف بما تفوت به السلعة، فقيل: إنها تفوت بحوالة الأسواق، وهو مذهب سحنون، والصحيح أنها لا تفوت إلا بالعيوب المفسدة، إذ ليس ببيع فاسد لثمن ولا

مسألة: الفول والعدس والحمص وحكم الفضل بينهما

مثمون، وإنما فسخ من أجل أنهما تطرقا به إلى استباحة الربا؛ وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي وغيره من المتأخرين. وأما إذا كانت السلعة لم تفت فلا تفسخ على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك إلا البيعة الأخيرة. وذهب ابن الماجشون إلى أن البيعتين جميعا يفسخان، وهو الصحيح في النظر؛ ودليله من جهة الأثر قول عائشة لزيد بن أرقم: "بئس ما شريت وبئس ما اشتريت"؛ لأنها عابت البيعتين جميعا على ما وقع في بيوع الآجال من المدونة. وقد رُوِيَ: "بئس ما شريت أو بئس ما اشتريت" على الشك من المحدث، فعلى هذا لا يكون لابن القاسم في الحديث حجة. وقد قيل: إن قوله في كتاب العيوب من المدونة، وإنما اختلف الناس في السلعة الأولى راجع إلى هذا الاختلاف. [مسألة: الفول والعدس والحمص وحكم الفضل بينهما] مسألة قال مالك، في الفول والعدس والحمص مثل ما قال لي عام الأول: لا يصلح الفضل بينهما، وسألت ابن القاسم عن هذا، فقال: لا بأس به، وبه قال أصحاب مالك كلهم. قال محمد بن رشد: القطاني كلها عند ابن القاسم وسائر أصحاب مالك في البيوع أصناف مختلفة، واختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها أصناف مختلفة، والثاني: أنها صنف واحد، والقولان له في السلم الثالث من المدونة، والثالث: أن ما كان منها يشبه بعضه

ابتاع طعاما إلى أجل من رجل فمات الذي عليه الحق

بعضا، يريد في المنفعة كالحمص والعدس فهو صنف واحد لا يجوز فيه التفاضل؛ وما كان منها لا يشبه بعضه بعضا في ذلك فهو صنفان، يجوز التفاضل فيهما، وهو قول مالك في سماع أشهب من جامع البيوع، وروى ابن عبد الحكم عنه أن اللوبيا والحمص صنف واحد، وأن العدس والبسيلة صنف واحد. وفي كتاب الوقار: أن الجلبان والبسيلة صنف واحد، وليس ما في كتاب ابن عبد الحكم، وكتاب الوقار بخلاف لرواية أشهب؛ لأن الحمص واللوبيا والعدس والجلبان والبسيلة يقرب بعضه من بعض في المنفعة، والذي يتباعد بعضه من بعض، هو مثل الفول والحمص والترمس والكرسنة وما أشبه ذلك، ولا اختلاف بينهم في القطاني ألها صنف واحد في الزكاة، وبالله التوفيق. [ابتاع طعاما إلى أجل من رجل فمات الذي عليه الحق] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء وسئل مالك: عن رجل ابتاع طعاما إلى أجل من رجل، فمات الذي عليه الحق، فقيل للذي له الحق: خذ حقك، فقال: ذلك له الورثة، قال: لا، حتى يحل حقي. قال: أرى أن يجبر على أخذه، وذلك أن مال الميت يباع، فلعله أن لا يكون فيه وفاء، فأرى أن يجبر على ذلك، قال ابن القاسم: في العروض يجبر على أخذها في الموت والفلس. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الميت إذا مات فقد وجب لورثته اقتسام ماله بعد تأدية الديون منه؛ لقوله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فلا يلزم الورثة أن

يكون أجيره يسأله عشرة دراهم فيسأله الأجير أن يعطيه بها ثوبا فيقول ما عندي

يؤخروا ترك القسمة حتى يحل ما عليه من الدين إذا دعا إلى ذلك صاحب الدين، وإن كان الدين عرضا أو طعاما لم يكن للميت أن يعجله، كما لا يلزم صاحب الدين أن يؤخر دينه إلى حلول أجله إذا دعا إلى ذلك الورثة، وقالوا: نحن نؤخر قسمة التركة إلى أن يحل أجل حقه؛ لأن كل واحد منهم يحتج بما يخشى من تلف التركة فلا يؤخر الدين إلى حلول أجله، إلا بتراضي جميعهم على ذلك، وكذلك التفليس سواء، إلا أن يشاء صاحب الدين في التفليس أن يخلي بين الغرماء وبين اقتسام ماله ويؤخر بدينه فيتبعه به في ذمته إذا حل الأجل، فيكون ذلك له، ولا فرق في هذا بين العين والعرض، وإنما خص ابن القاسم العروض بالذكر على سؤال السائل، ولا إشكال في أن العين بذلك الحكم أحرى، وبالله التوفيق. [يكون أجيره يسأله عشرة دراهم فيسأله الأجير أن يعطيه بها ثوبا فيقول ما عندي] ومن كتاب أوله سن رسول الله وسئل مالك: عن رجل يكون أجيره يسأله عشرة دراهم فيسأله الأجير أن يعطيه بها ثوبا، فيقول: ما عندي، ولكن إن شئت اشتريت لك بها ثوبا. فكرهه مالك، وقال: أنا أخبرك في هذا بالصواب، يشتري الثوب لنفسه ثم يبيعه إياه بعد، يعني: الأجير. قال محمد بن رشد: إنما كره ذلك مالك مخافة أن يعطيه الثوب من عنده ولا يشتريه له، فيدخله فسخ الدين في الدين، ولو اشتراه له بحضرته لجاز، وهذا ظاهر ما في المدونة، وروي ذلك عن سحنون، وقد قيل: إن ذلك جائز -وإن لم يشتره بحضرته- إذا كان معه حاضرا في البلد، وهو قول مالك وسحنون في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات، وفي إجازة ذلك وإن اشتراه بحضرته

مسألة: يقول اشتر هذا الثوب بعشرة دنانير وهو لي بأحد عشر دينارا

مغمز؛ لأنه كأنه أخره بحقه على أن يشتري له، فيدخله سلف جر منفعة؛ وأما إن لم يكن معه حاضرا في البلد فلا يجوز باتفاق. واختلف إن ادعى أنه اشتراه فتلف، هل يصدق أم لا - على قولين قائمين من المدونة من مسألة الغرائر واللؤلؤ، وروى ابن أبي جعفر الدمياطي عن ابن القاسم أنه إنما يصدق في الشراء والتلف فيما يجوز الشراء فيه - إذا كان حاضر البلد هو أو وكيله. وأما إذا كان غائبا عن البلد حيث لا يجوز الشراء، فلا يصدق على التلف إلا أن يقيم البينة على الشراء، وفي رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات، ومن كتاب جامع البيوع، أنه يصدق في دعواه الشراء والتلف، وإن كان غائبا عن البلد حيث لا يجوز الشراء. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: يصدق في الوجهين جميعا، ولا يصدق في واحد منهما، والفرق بينهما، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول اشتر هذا الثوب بعشرة دنانير وهو لي بأحد عشر دينارا] مسألة وقال مالك في الذي يقول اشتر هذا الثوب بعشرة دنانير، وهو لي بأحد عشر دينارا، قال: ليس هذا من بيوع الناس، وقد سمعت من يكرهه، ولكن أرى إما أن يقول اشتره لي ولك دينار فلا بأس به؛ لأن ضمانه من الذي يشتريه له. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم حلف ألا يبيع رجلا، فلا معنى لإعادته. [مسألة: اشترى خمسين صاعا بخمسين درهما على أن يعطيه عشرة آصع في كل شهر] مسألة وسئل: عن رجل اشترى خمسين صاعا بخمسين درهما على

مسألة: اشترى نصف ثمرة بعدما أزهت وبدا صلاحها

أن يعطيه عشرة آصع في كل شهر، وعلى أن ينقده عند البيع عشرة دراهم، فكلما جاءه بعشرة آصع أعطاه عشرة دراهم، فكره ذلك، وقال: لا خير فيه؛ قال ابن القاسم: وذلك يدخله الدين بالدين. قال محمد بن رشد: وهذا بيّن على ما قال: إن الدين يدخله، فلا وجه للقول فيه. [مسألة: اشترى نصف ثمرة بعدما أزهت وبدا صلاحها] مسألة وقال مالك: من اشترى نصف ثمرة بعدما أزهت وبدا صلاحها، فلا أرى بأسا ببيعها قبل أن يجدها. وقال مالك، في الذي يشتري صبرة أو نصفها فلا أرى ببيعها بأسا قبل أن تنقل، وأحب إليّ لو نقلت قبل أن تباع. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم حلف ليرفعن أمرا، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [أسلف رجلا إردب قمح إلى أجل من الآجال] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا وسئل مالك: عن رجل أسلف رجلا إردب قمح إلى أجل من الآجال، فاحتاج صاحب الطعام إلى أن يبيعه، فباعه من الذي هو عليه قبل محل الأجل بدينار إلا درهما، يتعجل الدينار والدرهم ويبرأ كل واحد منهما من صاحبه. قال: إن كان الأجل قد حل فلا بأس به. قال: وإن كان لم يحل فلا خير فيه. قال ابن القاسم: وأرجو أن يكون خفيفا، قال سحنون: قول مالك فيها أفضل، وهي صحيحة جدا. قال محمد بن رشد: الاختلاف في هذا إذا كان الأجل لم يحل -

مسألة: قلة الصير بالقلة الصير

جار على اختلافهم في انحلال الذمم، هل هي بمنزلة انعقادها في اعتبار الأجل في ذلك، أو ليست بمنزلتها في ذلك إذ قد تباريا؛ وقد ذكرنا هذا المعنى في رسم القبلة قبل هذا، والأظهر في هذه المسألة الإجازة؛ لأن أشهب يجيز أن يبيع الرجل سلعة بدينار إلا درهما، يتعجل الدينار والدرهم وتتأخر السلعة. [مسألة: قلة الصير بالقلة الصير] مسألة قال: وسألت ابن القاسم: عن قلة الصير بالقلة الصير؟ قال: لا يصلح ذلك إلا بالتحري، يريد: الصير بالصير. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الصير بمنزلة الجبن واللبن، لا يجوز إلا مثلا بمثل، فلا يجوز جزافا بجزاف، ولا جزافا بمكيل؛ ولا يجوز إلا مثلا بمثل: إما بالوزن، وإما بالتحري؛ (لأن التحري) فيما يوزن جائز، قيل: فيما قل وكثر ما لم يكثر جدا حتى لا يستطاع تحريه، وهو ظاهر هذه الرواية. وقيل: لا يجوز ذلك إلا فيما قل، وإلى هذا ذهب ابن حبيب وعزاه إلى مالك. قيل: وإن لم تدع إلى ذلك ضرورة، وهو ظاهر ما في المدونة؛ لأنه أجاز فيها أن يباع اللحم باللحم تحريا، وأن يسلف فيه تحريا. وقيل: إنه لا يجوز إلا عند عدم الميزان، وقيل: لا يجوز وإن عدم الميزان إلا في الطعام الذي يخشى فساده، إن ترك إلى أن يوجد ميزان، وهذا في المبايعة والمبادلة ابتداء. وأما من وجب له على رجل وزن من طعام لا يجوز فيه التفاضل، فلا يجوز له أن يأخذه منه تحريا إلا عند الضرورة لعدم الميزان على ما قاله في نوازل سحنون من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق.

رجل عين رجلا فباعه طعاما بثمن إلى أجل على أن ينتقد من ثمنه دينارا

[رجل عين رجلا فباعه طعاما بثمن إلى أجل على أن ينتقد من ثمنه دينارا] ومن كتاب أوله يسلف في المتاع والحيوان وسئل مالك: عن رجل عين رجلا فباعه طعاما بثمن إلى أجل، على أن ينتقد من ثمنه دينارا، فكره ذلك؛ قال: وقال مالك: لست أول من كرهه، قد كرهه ربيعة وغيره. قال محمد بن رشد: هذه بيعة واحدة صحيحة في ظاهرها، إذ يجوز للرجل أن يبيع سلعة بدينار نقدا ودينار إلى أجل؛ فلا يتهم بالفساد فيها إلا من علم ذلك من سيرته- وهم أهل العينة، والذي يخشى في ذلك أن يكون الذي تراوضا عليه وقصدا إليه أن يبيع منه الطعام على أن يبيع له منه بدينار، فيدفعه إليه ويكون الباقي له بكذا وكذا دينارا إلى أجل، وذلك غرر؛ إذ لا يدري ما يبقى له من الطعام إذا باع منه بدينار، فقد قال بعض أهل العلم: إنه لو دفع إليه الدينار من ماله، لم يكن به بأس؛ وفي سماع سحنون أن ذلك لا يجوز - وإن دفع إليه الدينار من عنده؛ لأنه يخلفه من الطعام - يريد: أن التهمة لا ترتفع عنه بذلك؛ لأنه إن كان البيع وقع على أن ينقده الدينار من الطعام، فلا يصلح أن يدفعه من عنده، كما أنه إذا وقع على الصحة لا يفسده أن ينقد الدينار من الطعام. [مسألة: الرجل يبيع كرمه على أن ينتقد عشرين دينارا ثم يعطيه ثلث الثمن إذا قطف ثلثه] مسألة وسئل: عن الرجل يبيع كرمه على أن ينتقد عشرين دينارا، ثم يعطيه ثلث الثمن إذا قطف ثلثه، ثم يعطيه البقية إذا قطف

الثلثين، قال: لا خير في هذا، وهذا ما لا يعرف متى يقطف الثلث أو الثلثين، ولكن إن اشترط عليه إذا اقتطفه، لم أر بذلك بأسا، وكأنه جعله مثل الحصاد والجداد فيما رأيت. قال محمد بن رشد: وجه ما ذهب إليه مالك في تفرقته بين أن يبيع كرمه على أن يأخذ ثلث الثمن إذا قطف المشتري ثلثه، والباقية إذا قطف الثلثين الباقيين؛ وبين أن يبيعه على أن يأخذ جميع ثمنه إذا قطفه؛ هو أنه إذا سمى الثلث أو الثلثين، فقد صرح أنه أراد ثلث ذلك الكرم بعينه وثلثيه، وذلك غرر، إذ لا يعرف متى يقطف الثلث أو الثلثين؛ لأنه قد يعجل قطافه وقد يؤخره، وإذا لم يسم ثلثه ولا جزءا منه، وإنما باعه على أن يعطيه ثمنه إذا قطفه. كأن المعنى في ذلك عنده: أنهم لم يقصدوا إلى قطاف ذلك الكرم بعينه، وإنما أراد أن يعطيه الثمن إذا قطفه حين يقطف الناس، فجاز البيع عنده؛ كمن باع إلى الحصاد أو إلى الجداد، ولو بين أنه إنما يبيعه منه على أن يعطيه ثمنه؛ إذا قطفه بعينه عجله أو أخره، لما جاز البيع؛ وقد ذكر أصبغ أن أشهب أجازه فيمن شرط إذا جد ثلثه دفع إليه ثلث الثمن، وإذا جد بقيته دفع إليه البقية، وقال مالك: النصف غير معروف، قيل: إنه يعرف بعدة الفدادين، قال: لا أحب ذلك، وليبعه إلى فراغه؛ فحمل أشهب أمرهما على أن البيع إنما وقع بينهما فيما ظهر إليه من قصدهما، على أن يعطيه ثلث

مسألة: يقول له رجل: اكتب إلى شريكك يبتاع متاعا كذا وكذا وأبتاعه منك بدين

الثمن إذا جد ثلثه، والباقية إذا جد البقية - على تأن لا يتعجل عما جرت عادة الناس عليه في الجداد، ولا يتأخر عنه؛ وإلى هذا نحا مالك في هذا القول، إلا أنه رأى النصف والثلث غير معروف، إذ لا يعرف إلا بالخرص، والتحري إن تنازعا في ذلك، فلم يجزه، وأجازه في الكل؛ لأنه معروف لا يخفى. وقال أبو إسحاق التونسي: إذا جاز أن يبيعه إلى فراغ جداده، جاز أن يبيعه إلى جداد نصفه؛ لأن النصف مقدر معروف لا يمكن أن يخفى. وقول مالك عندي أصح وأولى، فلم يختلف قول مالك: إنه إذا باعه إلى قطافه، إن ذلك جائز؛ لأنه حمله في القول الواحد، على أنهما إنما أرادا إلى قطاف الناس، لا إلى قطاف ذلك الكرم بعينه؛ وفي القول الثاني: على أنهما إنما أرادا إلى قطاف ذلك الكرم بعينه، على أن لا يتعجل عن قطاف الناس، ولا يتأخر عنه؛ ولا اختلف قوله أيضا في أنه إذا باعه إلى قطاف نصفه أو ثلثه أن ذلك لا يجوز؛ لأنهما إن كانا أرادا إلى قطاف نصفه أو ثلثه، على أن لا يتعجل عن قطاف الناس ولا يتأخر عنه، فالنصف والثلث غير مقدر ولا معروف، فربما تنازعا في ذلك وهو لا يعرف إلا بالخرص والتحري الذي لا يجب له حكم؛ وأجاز أشهب البيع في الوجهين جميعا، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة. [مسألة: يقول له رجل: اكتب إلى شريكك يبتاع متاعا كذا وكذا وأبتاعه منك بدين] مسألة وسئل مالك: عن رجل من أهل الفسطاط يكون له شريك بالإسكندرية، فيقول له رجل: اكتب إلى شريكك يبتاع متاعا كذا وكذا، وأبتاعه منك بدين؟ قال مالك: لا خير فيه، والحاضر مثله سواء، كتب فيه أو اشتراه حاضرا، ثم خففه بالنقد؛ فقال: لا أرى به

يأخذ الرجل النوى والقصب والتبن من ثمن طعام باعه إياه إلى أجل

بأسا. قال سحنون: وهذا خطأ، ولا خير فيه بالنقد ولا إلى أجل؛ إلا أن يكون إنما أوجبها الأمر وله اشتراها، فيكون ذلك جائزا، ويكون هذا أجيرا يعطى أجرته. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم حلف أن لا يبيع سلعة سماها، فلا معنى لإعادته. [يأخذ الرجل النوى والقصب والتبن من ثمن طعام باعه إياه إلى أجل] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق قال مالك: ولا بأس أن يأخذ الرجل النوى والقصب والتبن من ثمن طعام باعه إياه إلى أجل، وذلك أنه ثمن العلف وليس من الطعام. قال محمد بن رشد: هذا بين؛ لأنه إذا لم يكن من الطعام، فجائز أن يباع بالطعام إلى أجل، فكيف باقتضائه من ثمن الطعام. [مسألة: باع سلعة بخمسة عشر دينارا نقدا فانتقد عشرة ثم تقاضاه الخمسة فمطله] مسألة وسئل مالك: عمن باع سلعة بخمسة عشر دينارا نقدا فانتقد عشرة، ثم تقاضاه الخمسة فمطله؛ فقال له بَيِّعُهُ: هل لك أن أربحك ثلاثة دنانير وتؤخرني شهرين؟ قال مالك: إن كان رجلا يعرف بالعينة فلا أحبه، وإن كان رجلا ممن لا يعمل بالعينة وإنما هو رجل باع بيعا صحيحا، فلا أرى به بأسا.

مسألة: أهل البيت يحتاجون العجين فيتسلفون من بعض جيرانهم

قال محمد بن رشد: المكروه في هذه المسألة حاصل باجتماع الصفقتين؛ لأنه لما باع منه السلعة بخمسة عشر فانتقد منها عشرة ثم اشتراها منه بثمانية عشر إلى أجل، رجعت إليه سلعته فكانت لغوا، ويأخذ منه الخمسة التي بقيت له عليه، ويؤدي له ثمانية عشر إذا حل الأجل، فكان قد أخذ خمسة عشر في ثمانية عشر إلى أجل؛ وإن تقاضى من الثمانية عشر بالخمسة التي بقيت له عليه، كان قد أخذ عشرة في ثلاثة عشر إلى أجل، إلا أنه لما لم يبايعه أولا إلا بالنقد، لم يتهما، إلا أن يكونا من أهل العينة؛ لأن أهل العينة يتهمون فيما لا يتهم فيها أهل الصحة، لعملهم بالربا واستجازتهم له؛ وكذلك لو اشتراها منه بعد أيام ما لم يستوف منه الخمسة الباقية له عليه، وكذلك لو انتقد الخمسة عشر كلها منه، ثم ابتاعها منه إلى أجل بربح لم يجز في المجلس، ولا بقرب ذلك إن كانا من أهل العينة أو أحدهما حتى يطول الأمر ويبرءا من التهمة، والله الموفق. [مسألة: أهل البيت يحتاجون العجين فيتسلفون من بعض جيرانهم] مسألة وسئل مالك: عن أهل البيت يحتاجون العجين فيتسلفون من بعض جيرانهم، ثم يدفعون مكانه دقيقا يتحرون قدر ذلك؟ قال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: العجين ليس بصنعة، فلا يجوز بالدقيق متفاضلا باتفاق، ولا يمكن المماثلة فيه بالكيل ولا بالوزن؛ وقد اختلف: هل يجوز بالتحري؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك جائز، وهو قول ابن حبيب

يكون له على الرجل عشرة دنانير من سلف أو بيع إلى أجل فحل الأجل

في الواضحة، وأحد قولي ابن القاسم في رسم حبل الحبلة من سماع عيسى بعد هذا. والثاني: أن ذلك لا يجوز، وهو أحد قولي ابن القاسم في رسم حبل الحبلة المذكور؛ قيل: لأنه لا يستطاع تحري ذلك، وقيل: لأن الدقيق أصله الكيل، والعجين أصله الوزن؛ ولا يباع ما أصله الوزن بالكيل، ولا ما أصله الكيل بالوزن؛ ولا يتحرى ما أصله الكيل، إنما يتحرى ما أصله الوزن؛ قال ذلك سحنون، وليس قوله ببين؛ لأنه إنما لم يجز مبادلة ما لا يجوز فيه التفاضل مما يكال بالتحري، إذ لا يعدم المتبادلان ما يكملان ذلك له بقدح أو صحفة وإن لم يكن مكيالا معلوما فتحصل المماثلة (به) ، وقد يعدمان الميزان في تبادل ما لا يجوز فيه التفاضل مما يوزن؛ والعجين لا يمكن كيل ما فيه من الدقيق بحال، فينبغي أن يكون التحري فيه أجوز من تحري ما يوزن لعدم الميزان؛ ولهذه الضرورة التي هي أمس من ضرورة عدم الميزان، أجاز ابن القاسم في سماع أبي زيد من جامع البيوع خبز القمح بخبز الشعير، بأن يتحرى كيل ما في كل واحد منهما من الدقيق؛ وقد أجاز في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع - التمر المنثور بالمكتل على التحري، إذ لا يتأتي كيل التمر المكتل، فكيف هذا؟ والقول الثالث: أن ذلك يجوز في الشيء اليسير مثل الخميرة يتسلفها الجيران بعضهم من بعض فيردون فيها دقيقا، أو يتبادلون فيها بالدقيق؛ وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية، ونص قوله في كتاب ابن المواز، وقول أشهب، وبالله التوفيق. [يكون له على الرجل عشرة دنانير من سلف أو بيع إلى أجل فحل الأجل] ومن كتاب أوله الشريكين وسألت مالكا: عن الرجل يكون له على الرجل عشرة دنانير

مسألة: قال أعطني جملك ببكرين هذين فقال صاحب الجمل لا حتى تزيدني

من سلف أو بيع إلى أجل، فحل الأجل، فيلزمه بحقه فيعسر به، فيعرض له رجل آخر على الذي له الحق أن ينظره على أن يسلفه عشرة دنانير؛ قال مالك: إن كان الذي يعطى يكون له على الذي له الحق فلا خير فيه، وإن كان قضى عن الذي عليه الحق سلفا منه ليس له فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن ذلك لا يجوز إذا لم يكن ذلك قضاء عن الذي عليه الحق سلفا منه له؛ لأنه تسلف الذي له الحق لغرض له في منفعة الذي عليه الحق، فهو سلف جر نفعا، إذ لا يحل السلف إلا أن يريد به المسلف منفعة الذي أسلفه خالصا لوجه الله خاصة، ولا لنفسه ولا لمنفعة من سواه. [مسألة: قال أعطني جملك ببكرين هذين فقال صاحب الجمل لا حتى تزيدني] مسألة وقال مالك، في رجلين حضرا السوق ومع أحدهما بكران، ومع الآخر بعير مسن. فقال صاحب البكرين: أعطني جملك ببكرين هذين، فقال صاحب الجمل: لا حتى تزيدني؛ وقال الآخر: لا أزيدك شيئا، فقال رجل من الناس لصاحب البكرين: زده وهو لي بخمسة عشر دينارا؟ قال مالك: إن كان نقدا فإني أراه خفيفا، وإن كان إلى أجل فلا خير فيه؛ كأنه قال له: اشتره بعشرة، وهو لي بخمسة عشر إلى أجل، فلا خير فيه. قال ابن القاسم: وهو رأيي.

أعطى رجلا حناطا دينارا في أربعة آصع على أن يعطيه في كل يوم مدا من حنطة

قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضت في رسم سلف، ومضى القول عليها مستوفى في رسم حلف ألا يبيع، فلا معنى لإعادة ذلك. [أعطى رجلا حناطا دينارا في أربعة آصع على أن يعطيه في كل يوم مدا من حنطة] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وسئل مالك: عن رجل أعطى رجلا حناطا دينارا في أربعة آصع على أن يعطيه في كل يوم مدا من حنطة؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: إجازة مالك لهذا ينحو إلى أحد قوليه في إجازة السلم إلى اليومين والثلاثة؛ لأنه إذا قبض كل يوم مدا من ثاني يوم سلمه، فقد قبض جل ما سلم الدينار فيه قبل أن يمضي من الأمد ما تختلف فيه الأسواق. [مسألة: بيع مصحف فيه فضة وإن كانت يسيرة بدنانير إلى أجل] مسألة قال مالك: لا يباع مصحف فيه فضة، وإن كانت يسيرة بدنانير إلى أجل. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وربيعة يجيز بيعه بالفضة إلى أجل إذا كانت الفضة التي فيها أقل من الثلث، قياسا على جواز بيعه بالفضة نقدا، وهو مذهب ابن الماجشون. وقول سحنون: يبيعه بالدنانير إلى أجل - أجوز عندهم.

مسألة: السلم في الخرفان

[مسألة: السلم في الخرفان] مسألة قال مالك: لا بأس بالسلم في الخرفان إذا كانت على صفة معلومة. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف في المذهب أن السلم جائز في الحيوان والعروض، خلافا لأبي حنيفة في قوله: إن السلم والقرض في الحيوان لا يجوز؛ ولأهل الظاهر في قولهم: إن السلم لا يجوز فيما عدا المكيل والموزون. [مسألة: يباع القمح في أندره بعدما يحصد في تبنه] مسألة وسئل مالك: هل يباع القمح في أندره بعدما يحصد في تبنه؟ قال: لا أرى أن يباع، وهذا من الغرر، وما يدريه ما فيه. قال محمد بن رشد: يريد: وهو في تبنه بعدما يحصد ويدرس، وأما بيعه في أندره وهو زرع قبل أن يدرس فذلك جائز؛ لأنه من بيع الجزاف الجائز؛ لأنه يحزره ويرى سنبله، ويعرف قدره، فيجوز كما يجوز بيعه وهو في فدانه قبل أن يحصد، بل هو أجوز؛ لأن إحاطته به إذا رآه مجتمعا محصودا، أكثر من إحاطته به إذا رآه قائما في فدانه قبل أن يحصد. وقد قيل: إن ذلك لا يجوز، وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي؛ وقد تُئُوِّلَتْ هذه الرواية على ذلك، والصحيح ما تأولناها عليه؛ فبجواز ذلك قال مالك في رواية ابن نافع وأشهب عنه، وقد نص في كتاب ابن الجلاب على ما قلناه، قال: ويجوز أن يباع الزرع قائما إذا يبس وبعد أن يحصد حزما، ولا يجوز بيعه بعد أن يدرس في تبنه، وبالله التوفيق.

التجار يشترون من الزارعين وينقدونهم ذهبهم قبل أن يفرغوا من الحصاد

[التجار يشترون من الزارعين وينقدونهم ذهبهم قبل أن يفرغوا من الحصاد] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك: عن التجار يخرجون في إبان الحصاد فيشترون من الزارعين والحصادين وهم على حصادهم، وينقدونهم ذهبهم وهم يقيمون في الحصاد خمسة عشر يوما ونحوها قبل أن يفرغوا وقد نقدوهم ذهبهم؟ قال: أرجو أن يكون إذا كان قريبا خفيفا. فقلت له: يا أبا عبد الله خمسة عشر يوما ونحوها؟ قال: إذا كان قريبا فأرجو أن يكون خفيفا، وكره أن يحد فيه حد، وكأني رأيته يخففه. قال محمد بن رشد: يريد إذا اشترى منه كيلا مسمى أو اشتراه كله، كل قفيز بكذا، على ما في الجعل والإجارة من المدونة؛ وإنما جاز أن يتأخر ذلك إلى هذا المقدار، لحاجة البائع إلى المهلة في عمله؛ ولو كان الشراء بعد درس الطعام وتصفيته، لم يجز أن يتأخر الكيل والقبض فيه إلا اليوم واليومين ونحوهما، ولم يجز أكثر من ذلك، إذ لا يجوز شراء سلعة بعينها على أن يتأخر قبضها إلا اليوم واليومين والثلاثة ونحو ذلك. [مسألة: سلف رجلا في مائة صاع مضمونة إلى أجل مسمى] مسألة وسئل مالك: عن رجل سلف رجلا في مائة صاع مضمونة إلى أجل مسمى، فلما حل الأجل جاءه يتقاضاه فقضاه خمسة

باع قمحا بدينار فأتى بيعه فوجد عنده تمرا فاشترى منه بدينار تمرا

آصع، ثم أعسر بما بقي؛ فلما ألح عليه يتقضاه، قال له: أقلني وأرد عليك طعامك؛ قال: لا بأس به، فقيل له: يا أبا عبد الله، فإنه قد كان قضاه خمسين صاعا ثم سأله الإقالة على أن يرد عليه طعامه، قال: لا خير فيه؛ فقيل له: يا أبا عبد الله، لِمَ، أليس هو مثله؟ قال: لا، ذلك يسير، وأرجو -إن شاء الله- ألا بأس. قال محمد بن رشد: هذه مسألة يدخلها بمجموع البيع والإقالة، أسلفني وأسلفك؛ لأن ما رد المسلم من الطعام إلى البائع فكأنه أسلفه إياه؛ والثمن الذي رد البائع إلى المسلم، كأنه أسلفه إياه أيضا؛ فاستخف ذلك في اليسير، إذ بعد عنه أن يكونا قصدا إلى ذلك؛ ومنع منه في الكثير لقوة التهمة عنده فيه، ولو أقاله مما بقي، لما جاز في القليل ولا في الكثير؛ لأنه يدخله البيع والسلف، فالمكروه فيه أشد، لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع وسلف. [باع قمحا بدينار فأتى بَيِّعُهُ فوجد عنده تمرا فاشترى منه بدينار تمرا] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت وسئل: عن رجل باع قمحا بدينار فأتى بَيِّعُهُ فوجد عنده تمرا فاشترى منه بدينار تمرا، ثم إنه لقيه بعد ذلك، فقال: إن لي عليك دينارا ولك عَلَيَّ دينار، فقاضني، قال مالك: لا أحبه، ولكني أرى أن يرد التمر الذي أخذ منه؛ قال ابن القاسم: لأنه إذا قاضاه كان قد قبض من ثمن الطعام طعاما.

مسألة: اشترى من رجل تمرا جزافا ولم ينتقد ثمنه

قال محمد بن رشد: قوله إنه يرد التمر الذي أخذ منه صحيح على أصله فيمن باع سلعه بثمن إلى أجل، ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن نقدا، أنه يفسخ البيع الثاني ويثبت البيع الأول؛ إلا أن تفوت السلعة فيفسخ البيعان جميعا على الظاهر من مذهب الذي قد تكلمنا عليه في رسم حلف ليرفعن أمرا أو في هذه المسألة، يقدر على رد التمر أو مثله، فلا يفسخ إلا البيع الثاني، ويأتي على مذهب ابن الماجشون في فسخ البيعتين جميعا أن يفسخ بيع الحنطة جميعا أيضا. وقال ابن المواز: تفسخ المقاصة فقط، يأخذ منه الدينار ثم يرده إليه، وهذا لا معنى له؛ لأنه إذا أخذه منه ثم رده إليه في مقامه ذلك، فكأنه لم يأخذه منه، وقد حصلت المقاصة بينهما. وقد قيل: إنما قال ذلك محمد؛ لأنه لم يتهمهما على أنهما عملا ذلك؛ ولو اتهمهما لفسخ بيع الحنطة أيضا، وهو تعليل فاسد؛ لأنه لو لم يتهمهما على ذلك، لأجاز المقاصة بينهما؛ لأن الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما إنما يحرم إذا عملا على بيع طعام بطعام إلى أجل، فلا يفسخ إذا عثر عليه إلا من باب التهمة، والحكم بالمنع من الذرائع؛ وإذا اتهما فلا يصح، إلا أن يفسخ بيع التمر كما قال مالك، أو تفسخ البيعتان جميعا على قول ابن الماجشون. [مسألة: اشترى من رجل تمرا جزافا ولم ينتقد ثمنه] مسألة وسئل مالك: عمن اشترى من رجل تمرا جزافا ولم ينتقد ثمنه، ثم يشتري البائع منه كيلا أكثر من الثلث؟ قال مالك:

لا يجوز له أن يشتري منه أكثر من الثلث كيلا نقدا ولم ينتقد، وإن اشترى إلى أجل، فلا يجوز له أن يشتري منه دون الثلث بنقد، قال سحنون: ولا شيئا منه بنقد؛ قال ابن القاسم: قال مالك: وإن تفرقا فلا يجوز له أن يشتري منه أقل من الثلث بنقد ولا بغير نقد، وإنما يجوز له أن يشتري منه أقل من الثلث إذا لم يتفرقا بغير نقد. قال محمد بن رشد: الأصل في هذه المسألة إجماعهم على أن من باع جزافا فلا يجوز له أن يستثني منه كيلا إلا الثلث فأقل، فإذا باع الرجل تمرا جزافا ولم يستثن منه شيئا، فلا يجوز له أن يشتري منه إلا ما كان يجوز له أن يستثنيه منه، وذلك الثلث فأقل، فإن اشترى منه أكثر من الثلث لم يجز نقدا وقاصه ولم ينقد؛ وإن اشترى منه الثلث فأقل مقاصة من الثمن جاز، وإن اشترى ذلك منه بنقد ولم يقاصه، جاز إن كان البيع بالنقد ولم يكن إلى أجل، وهو دليل قوله إنه لا يجوز له أن يشتري منه أكثر من الثلث كيلا نقد أو لم ينتقد؛ لأن مساواته بين أن ينقد أو لا ينقد إذا اشترى أكثر من الثلث، يدل على أن ذلك يفترق إذا اشترى أقل من الثلث؛ ومعنى ذلك إذا لم يكونا من أهل العينة؛ لأن أهل الصحة لا يتهمون إلا في بيوع الآجال؛ وكذلك لو غاب المبتاع على الطعام، لجاز أن يشتري منه أقل من الثلث نقدا ومقاصة إذا لم يكونا من أهل العينة، ولو كانا من أهل العينة، لم يجز أن يشتري منه شيئا بعد الغيبة عليه لا نقدا ولا مقاصة؛ وأما إن كان باع منه التمر أولا بثمن إلى أجل، فلا يجوز له أن يشتري منه أكثر من الثلث على حال، ويجوز له أن يشتري منه أقل من

مسألة: باع خمسة عشر جلدا كل جلد بدينار إلا درهما إلى أجل

الثلث مقاصة من الثمن، ولا يجوز ذلك نقدا؛ لأنه إن اشترى ذلك بالنقد، دخله البيع والسلف؛ لأنه إذا حل الأجل يأخذ منه جميع الثمن، فيكون ما قابل منه الثمن الذي نقده في الطعام الذي اشتراه منه قضاء منه، كأنه أسلفه إياه وبقيته ثمنا للطعام الذي صار إليه؛ ويدخله أيضا طعام وذهب بذهب إلى أجل، وهذا ما لم يغب المبتاع على الطعام؛ وأما إن غاب على الطعام، فلا يجوز له أن يشتري منه شيئا قليلا ولا كثيرا نقدا ولا مقاصة؛ لأنه إن كان نقدا كان بيعا وسلفا دنانير وطعام، وإن كان مقاصة، كان بيعا وسلف طعام. [مسألة: باع خمسة عشر جلدا كل جلد بدينار إلا درهما إلى أجل] مسألة وقال مالك، في رجل باع خمسة عشر جلدا، كل جلد بدينار إلا درهما إلى أجل، فلما وجب البيع بينهما، قال له الرجل: تعال احسب هذا؛ قال: هذه أربعة عشر دينارا، قال: فاكتب بيني وبينك كتابا بأربعة عشر دينارا؟ فكره هذا البيع، وقال: لا خير فيه. وفيه وجه آخر من مكروه البيع؛ قال ابن القاسم: وذلك لو أنه جاز، أخذ منه عند الأجل خمسة عشر درهما، وأعطاه خمسة عشر دينارا، فصار صرفا متأخرا، وإنما يجوز من هذا إلى أجل الدرهم والدرهمين الذي لا يقع فيه غرر في خفض صرف ولا في ارتفاعه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب الصرف.

يبتاع من الرجل طعاما إلى أجل فيأتيه عند الأجل فيقتضي منه نصفه ويبقى نصفه

[يبتاع من الرجل طعاما إلى أجل فيأتيه عند الأجل فيقتضي منه نصفه ويبقى نصفه] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك: عن الرجل يبتاع من الرجل طعاما إلى أجل، فيأتيه عند الأجل فيقتضي منه نصفه ويبقى نصفه، ثم يأتي بعد ذلك فيطلبه ببقية حقه، فيقول ما عندي قضاؤك، ولكن إن أحببت أن ترد علي ما أعطيتك وأرد ذهبك كلها فعلت. فقال: لا خير فيه، وقال: أكرهه، وسمعته قبل ذلك يقول: إن كان الذي اقتضى منه يسيرا مما له عليه، لم أر بذلك بأسا أن يرده ويأخذ رأس ماله. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة فوق هذا في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات والقول فيها، فلا وجه لإعادته. [يبيع الرجل نصف أندره جزافا] من سماع أشهب وابن نافع من كتاب البيوع الأول قال أشهب، وسألته: أيصلح أن يبيع الرجل نصف أندره جزافا؟ قال: نعم في رأي. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة هاهنا في بعض الروايات، والمعنى فيها: أن يبيعه نصفه جزافا وهو في سنبله قبل أن يدرس؛ لأنه إذا جاز بيع جميعه قبل أن يدرس، جاز بيع نصفه، وأما بعد أن يدرس فلا

مسألة: يمنعون أن يباع الطعام حتى ينقل من مكانه

يجوز على حال، وقد مضى بيان هذا، والقول فيه قبل هذا في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم. [مسألة: يمنعون أن يباع الطعام حتى ينقل من مكانه] مسألة قال: وسألته عن قول عبد الله بن عمر كان يبعث إلينا رجال يمنعونا أن نبيع طعاما ابتعناه حتى ننقله من ذلك المكان، أعليه العمل؟ فقال: قد جاء هذا الحديث. قلت له: فأحب إليك أن يؤخذ به على وجه الاحتياط؟ قال: أحب إلي أن يؤخذ به فيما اشترى جزافا، لا يباع حتى ينقل من مكانه، فأما ما اشتري بكيل، فلم يأت هذا الحديث فيه. قال محمد بن رشد: «نهى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بيع الطعام قبل أن يستوفى» ، محمول عند مالك وعامة أصحابه على ما اشتري كيلا أو وزنا؛ لأنه لا يدخل في ضمانه حتى يستوفيه بالكيل أو الوزن، فإذا باعه قبل أن يستوفيه، كان قد ربح فيما لم يضمن؛ وهذا هو المعنى عند مالك في «نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بيع الطعام قبل أن يستوفى» بدليل «نهيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن ربح ما لم يضمن» وإنما لم يحمل «نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن ربح ما لم يضمن» على عمومه في الطعام وغير الطعام، وقصره على الطعام؛ لأنه عموم عارضه عموم القرآن، قول الله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وقوله عز وجل: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ،

مسألة: باع من رجل سلعة ودفعها إليه وقبضها بمائة دينار إلى أجل سنة

وقوله {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] ، يريد: التجارة في مواسم الحج على ما جاء في تفسير ذلك، فوجب ألا يخرج من هذا العموم شيء إلا بيقين، وهو الطعام الذي قد نص عليه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دون ما سواه من المكيل أو الموزون، لاحتمال أن يكون مراد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنهيه عن ربح ما لم يضمن، ما نهي عنه من بيع الطعام قبل أن يستوفى، فالطعام المصبر خارج عن هذا عند مالك؛ لأنه يدخل بالعقد في ضمان المشترى؛ إلا أنه استحب في هذه الرواية ألا تباع الصبرة المشتراة حتى تنقل من موضعها، لحديث عبد الله بن عمر المذكور، ولم يوجب ذلك، لاحتمال أن يكون معناه الندب حماية للذريعة. وفي المدنية لمالك أن معناه فيما بيع بالدين. ووجه ذلك: أن الصبرة وإن دخلت بالعقد في ضمان المشتري، فلم يدخل ثمنها في ضمان البائع إذا كان مؤجلا لم يقبض، ففيه شيء من معنى الضمان، وفيه نظر؛ وابن حبيب يحمل «نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن ربح ما لم يضمن» على عمومه في كل ما يوزن من الطعام وغيره، وهو مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة وجماعة سواه؛ وقول مالك أصح على ما بيناه. [مسألة: باع من رجل سلعة ودفعها إليه وقبضها بمائة دينار إلى أجل سنة] مسألة قال: وسئل مالك: عمن باع من رجل سلعة ودفعها إليه وقبضها بمائة دينار إلى أجل سنة، فأقامت عنده بعد أن قبضها

حتى حدث بها عيب عور أو عرج أو قطع أو أمر، حتى علم أنهما لم يعملا القبيح؛ أيجوز لبائعها أن يشتريها بأقل مما باعها به وينقده ثمنها بعدما حدث فيها هذه الأشياء؟ فقال: يبيعها بالدين ويشتريها بالنقد أقل منه، لا يصلح هذا ولا يؤمن الناس على مثله؛ ولو جاز هذا لهذا، لقال آخر في مثل هذا: فقد نقصت، فقد مرضت؛ لا يجوز هذا ولا يمكن الناس منه؛ وقال سحنون مثله، وهو خير من رواية ابن القاسم. قال محمد بن رشد: رواية ابن القاسم التي أشار إليها سحنون وقعت في كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: عن مالك في الدابة أو البعير يبتاعها بثمن إلى أجل فيسافر عليها المبتاع إلى مثل الحج وبعيد السفر، فيأتي وقد أنقصها، ثم يبتاعها منه بأقل من الثمن نقدا، فلا يتهم في مثل هذه أحد ولا بأس به، وكذلك الثوب يلبس فيبلى؛ وذهب كل واحد من ابن القاسم وأشهب في هذه المسألة إلى ما روي عن مالك فيها، وذلك من قوليهما في كتاب الرواحل والدواب من المدونة: أجاز ابن القاسم فيها أن يستقيل الكرى المتكارى فيقيله بزيادة بعد أن قبض الكراء وغاب عليه إذا كانا قد سارا من الطريق ما يسقط التهمة عنهما؛ ولم يجز ذلك أشهب قبل الركوب ولا بعده، ورأى التهمة بينهما باقية على حالها، وقول ابن القاسم وروايته عن مالك أظهر، والله أعلم؛ لأن ذلك ليس بحرام بين، وإنما يفسخ حماية للذرائع، ومن ناحية التهمة؛ وأكثر أهل العلم لا يقولون بذلك، فإذا ظهر ما يضعف التهمة انبغى ألا تحقق، وبالله التوفيق.

مسألة: باع من رجل طعاما بذهب إلى أجل

[مسألة: باع من رجل طعاما بذهب إلى أجل] مسألة وسئل: عمن باع من رجل طعاما بذهب إلى أجل، ثم باع تلك الذهب من رجل غيره بطعام مثل طعامه أو طعام غيره، ويحيله بالذهب على غريمه، فقال بعد إطراق: لا بأس بذلك إذا صح كان مثل طعامه، أو أقل منه، أو أكثر، أو غير طعامه طعام ليس من صنف طعامه الذي باع منه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا بأس بذلك، إذ ليس فيه وجه من وجوه المكروه؛ لأنه باع طعاما من رجل، وأخذ بالثمن طعاما من غيره نقدا؛ فجاز ذلك ولم يدخله اقتضاء من ثمن الطعام طعاما، إذ لم يأخذ الطعام من الذي باعه الطعام، وإذا بين. [مسألة: باع تمر حائطه بمائة دينار وعشرين دينارا] مسألة قال: وسئل: عمن باع تمر حائطه بمائة دينار وعشرين دينارا، فقضاه الغريم منها بخمسة عشر دينارا رطبا وتمرا من حائطه؛ فلما استجدت التمرة في رؤوس النخل، اشتروا ذلك كله منه في رؤوس النخل بسبعين دينارا مما لهم عليه، ويتبعونه ببقية المائة والعشرين التي كانت لهم عليه؛ فقال مالك له -وهو المبتاع-: اشتريت منهم جزافا وهو في رؤوس النخل، وبعتهم كذلك في رؤوس النخل؛ قال: نعم؛ فأطرق فيها مالك طويلا، ثم قال: لا أرى بذلك بأسا إذا كان التمر الذي تأخذون بالسبعين الدينار

الآن، قد استجد ويبس؛ فأما لو لم يكن استجد فلا خير فيه، وذلك أنه دين بدين. قال: وسألته عن الذي يبيع تمر حائطه رطبا بمائة وعشرين دينارا فيبس في رءوس النخل، ثم يشتريه منه بسبعين دينارا مما له عليه؛ قال: أنا أكرهه، ومما كرهته له أنه باعه رطبا وأخذه تمرا، والرطب بالتمر لا يصلح؛ قلت له: إنه لم يأخذ تمرا من غير حائطه الذي باعه، إنما أخذ حائطه بعينه تمرا، فسكت وكأنه كرهه، قال: وسئل: عن الذي يبيع تمر حائطه بمائة دينار إلى الجداد، فإذا كان الجداد اشتراه بعشرة دنانير ومائه دينار، وهو في رءوس النخل؛ فقال: لا خير فيه. فقيل له: فلو باعه إياه بذلك، ثم لم يقم إلا يومين أو ثلاثة حتى اشتراه بعشرين ومائة؛ قال: ولا خير فيه أيضا. قال: وسألته: عن الذي يبيع تمر حائطه رطبا، فيبس في رءوس النخل ويصير تمرا، فيقول البائع: أنا آخذ نخلي بحقي؛ فقال: لا خير فيه؛ لأنه أعطاه رطبا وأخذ تمرا، والرطب بالتمر لا يصلح يدا بيد، فكيف إلى أجل؛ فقلت له: إنه رطبه بعينه صار تمرا في رءوس النخل، فقال: لا يصلح وإن كان بعينه؛ فقيل له: أرأيت لو أفلس الغريم وقد صار الرطب تمرا في رءوس النخل، أيكون له أن يأخذه بدينه؟ فقال: ذلك له، إلا أن يشاء الغرماء أن يأخذوه ويعطوه دينه، وإن أحب هو أن لا يأخذه ويحاصهم بدينه، فذلك له؛ وليس هذا مثل الذي يشتري منه هو متعمدا، إنما هو على غير وجه

التبايع إنما أعطاه إياه القضاء؛ أرأيت العبد الآبق، أيجوز لأحد أن يشتريه؟ فقد يجوز لصاحبه الذي باعه أن يقول لا أحب أن أحاصص الغرماء وأنا أطلب عبدي، فذلك له؛ فإن وجده، كان أحق به، وإن لم يجده، رجع فحاص الغرماء؛ لأنه إن تلف أو مات، فهو من الذي عليه الحق. قال محمد بن رشد: أجاز مالك أولا لمن باع تمر حائطه رطبا بدين إلى أجل، أن يأخذه إذا استجد وصار تمرا ببعض الثمن؛ وكذلك لو أخذه بجميع الثمن، أو بأكثر منه، ومنع من ذلك كله آخرا إلا في التفليس، فإنه يجوز له أن يأخذه ويترك محاصة الغرماء؛ وقد روى أشهب أيضا عن مالك أنه لا يجوز له أن يأخذه في التفليس؛ فيتحصل له في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: جواز ذلك في التفليس وغير التفليس، وهو قوله أولا؛ لأنه إذا جاز ذلك في غير التفليس، فأحرى أن يجيزه في التفليس. والثاني: أن ذلك لا يجوز في التفليس ولا في غير التفليس، وهو الذي حكاه عنه ابن حبيب؛ لأنه إذا لم يجز ذلك في التفليس، فأحرى أن لا يجيزه في غير التفليس. والثالث: الفرق بين التفليس وغير التفليس، والقول بإجازة ذلك في التفليس وغير التفليس أظهر الأقوال؛ لأن الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما ليس بحرام لذاته، وإنما يمنع منه مخافة أن يكون قد عمل معه على أن يبيع منه طعاما بطعام إلى أجل، وحماية للذرائع، فإذا أخذ الثمر الذي باع منه بعينه بعد أن صار تمرا واستجد، وجب أن يجوز، إذ قد صح بيعه بالسلامة من فسخ الدين في الدين، ومن أن يعطي طعاما في طعام غيره إلى أجل. ووجه المنع من ذلك: أنا نمنعه منه حماية للذرائع؛ لأنا نتهمه أن يكون قد عمل معه على أن يأخذ منه في الرطب الذي أعطاه تمرا إلى

سلف رجلا خمسة وعشرين دينارا فقضاه منها عشرين وبقيت له عليه خمسة

أجل، فأعطاه لما حل الأجل بالتمر الذي شرط عليه تمر حائطه، ووجه الفرق بين التفليس وغير التفليس: أن التفليس يرفع التهمة؛ لأنه أمر طارئ لم يعلماه؛ وأما الذي باع عبدا بثمن إلى أجل ففلس المشتري وقد أبق العبد، فقال هاهنا: إنه مخير بين أن يحاصص الغرماء، وبين أن يطلب العبد؛ فإن وجده كان أحق به، وإن لم يجده رجع فحاص الغرماء؛ وفي ذلك من قوله نظر، إذ لا حد لوقت طلبه يجب له بالبلوغ إليه الرجوع إلى محاصة الغرماء، أو الرجوع على كل واحد منهم بما كان يجب له في المحاصة لو حاصهم أن يحاصوا قبل أن يجده؛ وقال في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب المديان: إنه إن رضي بطلب العبد وترك المحاصة، فليس له أن يرجع إليها؛ إن لم يجد العبد، كما أنه إذا اختار محاصة الغرماء، فليس له إن وجد العبد أن يأخذه ويرد ما صار له في المحاصة، وقال أصبغ: ليس إلا المحاصة، ولا يجوز له أن يتركها ويتبع العبد؛ لأنه دين بدين وخطار، وهو أظهر الأقوال، وبالله التوفيق. [سلف رجلا خمسة وعشرين دينارا فقضاه منها عشرين وبقيت له عليه خمسة] ومن كتاب أوله مسائل كراء وبيوع وسئل مالك: عمن سلف رجلا خمسة وعشرين دينارا، فقضاه منها عشرين، وبقيت له عليه خمسة؛ فطلب عينه فلم يجدها، فباعه الذي له عليه الخمسة دنانير بيعا إلى سنة، ثم وقع في نفسه أنه يعطيه الخمسة من ثمن ما باع منه، أيأخذها؟ قال: لا يأخذها، وأصل بيعها لا خير فيه، يبيعه وله عليه دين؛ فقيل له: إنه إنما كانت سلفا حالة، فقال: سواء كان سلفا أو ثمن

مسألة: أسلف مائة إردب قمحا فأخذ تسعين إردبا وعشرة أرادب شعيرا قبل محل الأجل

متاع، ولكن إن ترك الخمسة إلى السنة، فأرجو أن لا يكون بذلك بأس. قال محمد بن رشد: الذي يدخل هذه المسألة من المكروه نصا هي الربا المحرم بالقرآن - وهو التأخير بالدين على أن يزيده فيه، وذلك أنه إذا كان له عليه في التمثيل عشرة مثاقيل حالة من قرض أو بيع، فباعه سلعة قيمتها عشرة مثاقيل باثني عشر مثقالا إلى أجل، فقضاه حقه من ثمنها، كانا الذي يقضيه إنما هو ثمن سلعة، كأنه باعها له وأسلم إليه الثمن وصار إن أخره بالعشرة التي كانت قد حلت له عليه، على أن يأخذ منه بها عند الأجل اثني عشر؛ وقد كره ابن القاسم وابن دينار في المدنية إذا كان لرجل دين حال على عبد رجل أن يأخذ من سيده شيئا بعينه إلى أجل، يستعين به في قضاء العبد؛ لأن العبد وماله لسيده، وقوله ولكن إن ترك الخمسة إلى السنة، فأرجو أن لا يكون به بأس، معناه: أنه تركها إلى السنة بغير شرط، ولو كان شرط لم يجز، ودخله البيع والسلف، قاله ابن المواز، هو صحيح. [مسألة: أسلف مائة إردب قمحا فأخذ تسعين إردبا وعشرة أرادب شعيرا قبل محل الأجل] مسألة وسئل ابن القاسم: عمن أسلف مائة إردب قمحا، فأخذ تسعين إردبا وعشرة أرادب شعيرا أو دقيقا قبل محل الأجل؟ قال: فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة؛ لأن الطعام من القرض

سلف عشرة دنانير وعروضا في رأس إلى أجل فلما حل الأجل لم يأته بالرأس

جائز أن يباع قبل أن يقبض؛ فإذا كانت التسعون الأرادب التي قبض مثل المائة التي له لا أفضل ولا أدنى، جاز أن يأخذ في المجلس بالعشرة الباقية - عشرة أرادب شعيرا أو عشرة أرادب دقيقا؛ لأنها مبادلة في الوجهين؛ وجاز له أن يأخذ بها تمرا أو ما شاء؛ لأن البيع فيها جائز، ولو كانت التسعون الأرادب أدنى من حقه أو أفضل، لم يجز له أن يأخذ في المجلس بالعشرة الباقية شعيرا ولا دقيقا ولا شيئا من الأشياء على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك؛ ويأتي في ذلك على قول أشهب في كتاب الصرف من المدونة تفصيل، سنذكره في رسم أوصى من سماع عيسى - إن شاء الله. ولو انصرف عنه ثم لقيه في مجلس آخر، لجاز له أن يأخذ منه بها شعيرا أو دقيقا بمثل كيلها أو تمرا أو ما شاء من العروض والعين. وحمل أبو إسحاق التونسي هذه المسألة على أن المائة الأردب من سلم، فقال: هذا جواز اقتضاء الدقيق من القمح في السلم، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه إنما قال: وسئل: عمن أسلف مائة إردب ولم يقل أسلف في مائة إردب، والله أعلم. [سلف عشرة دنانير وعروضا في رأس إلى أجل فلما حل الأجل لم يأته بالرأس] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وسألت ابن القاسم: عن رجل سلف عشرة دنانير وعروضا في رأس إلى أجل، فلما حل الأجل لم يأته بالرأس؛ فأقاله منه وأخذ منه عشرين دينارا عشرة منها للعشرة التي أعطاه، وعشرة أخرى قيمة عرضه؛ قال: لا خير في هذا، هذا بيع وسلف حين أخذ بالعرض ذهبا؛ ولا ينبغي أن يأخذ في ذلك ذهبا ولا

ورقا، قال: ولو أخذ عشرة دنانير وعروضا مثل عرضه أو أدنى من عرضه، لم يكن به بأس؛ ولو أخذ عشرة دنانير وعرضا مخالفا لعرضه، لم يكن فيه خير؛ لأنه يصير مثل الذي كرهنا من الدنانير كلها حين صارت بيعا وسلفا، وكذلك العرض صار ثمنا للعرض المخالف له، وصارت العشرة سلفا. قلت: أرأيت إذا كان العرض مخالفا لعروضه - وهو أدنى منه أضعافا، أيكون به بأس؟ قال: إذا كان مخالفا للعرض الذي دفع إليه، وكان من غير صنفه، فلا يحل - وإن كان أدنى منه أضعافا؛ لأن يصير بيعا وسلفا. قال محمد بن رشد: أما إذا أقاله على أن أخذ منه في العروض ذهبا أو ورقا أو عرضا مخالفة لها من غير صنفها، أرفع منها أو أدنى، أو عروضا من صنفها أفضل منها، فلا إشكال في أن ذلك لا يجوز؛ لأنه بيع وسلف، باع منه العروض بما أخذ منه فيها على أن أسلفه العشرة الدنانير التي صرف إليه؛ وأما إذا أخذ منه في العروض عروضا مثل عروضه، أو أدنى منها، إلا أنها من صنفها، فأجاز ذلك ابن القاسم في هذه الرواية. واعترضها محمد بن المواز، فقال: ما هذه بجيدة، ولم يجزها أصبغ ورأى أن العروض بالعروض بيعا والمال سلفا. ووجه ما ذهب إليه ابن المواز وحكاه عن أصبغ: هو أنه يتهم على أنه إنما أسلفه العشرة دنانير على أن يحرز العروض في ذمته، وهي علة صحيحة، إلا أنها عند ابن القاسم ضعيفة من أجل أن الناس في أغلب أحوالهم لا يقصدون إلى ذلك؛ وهذا معنى قوله في كتاب بيوع الآجال من المدونة في الذي أسلم برذونا في عشرة أثواب إلى أجل، فأخذ منه قبل محل الأجل خمسة أثواب والبرذون، أنه يدخله: خذ في حقك قبل محل الأجل وأزيدك دخولا

مسألة: اشترى من رجل طعاما بعينه إلى أجل

ضعيفا؛ وحكى ابن المواز عن أصبغ أنه قال: ولو كانت ثيابا كلها، فأخذ بعضها من صنفها، وبالبعض شيئا آخر لم يجز، ورأى ذلك تناقضا من قوله؛ فقال: وإذ جعل ما رد من صنفها سلفا، فلم أنكر على ابن القاسم إذ جعل كل شيء سلفا في المسألة؛ ولا يلزم عند أصبغ ما ألزمه ابن المواز من التناقض؛ لأنه لم يتناقض في قوله، بل جرى على أصله؛ وذلك أنه إنما منع من مسألة ابن القاسم؛ لأنه اتهمه على أنه أسلفه العشرة دنانير على أن يحرز العرض في ذمته، وكذلك إذا كانت عروضا كلها، فأخذ بعضها من صنفها وبالبعض شيئا آخر؛ اتهمه على أنه باع منه بعض العروض بما أخذ منه فيها، على أن يحرز بعضها في ضمانه؛ وابن القاسم يجيز هذا على أصله في تضعيف هذه العلة، فكلاهما لا يخرج عن أصله. [مسألة: اشترى من رجل طعاما بعينه إلى أجل] مسألة وسئل ابن القاسم: عن رجل اشترى من رجل طعاما بعينه إلى أجل، ثم غاب أحدهما من عذر أو غيره حتى مضى الأجل، فأحب أحدهما إتمام البيع وكرهه الآخر؛ قال: أرى البيع لازما لهما، وليس لأحدهما أن يتأخر عن صاحبه، ولا يتغيب عنه ليفسخ البيع فيما بينهما يكون ذلك ندما منه. قال محمد بن رشد: قوله اشترى من رجل طعاما بعينه إلى أجل، معناه طعاما بعينه بثمن إلى أجل. وقوله: إن البيع لا يفسخ بينهما بتغييب أحدهما صحيح؛ لأن العقد إذا لم يشترط ذلك فيه فقد سلم من الفساد؛ وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع ابن القاسم، وهذا بخلاف الصرف إذا غاب أحد المتصارفين عن صاحبه قبل التناجز، وقد مضى تفصيل القول في ذلك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف.

مسألة: باع كبشا بصوف إلى أجل

[مسألة: باع كبشا بصوف إلى أجل] مسألة وسئل: عن رجل باع كبشا بصوف إلى أجل، قال: إن كان أجلا قريبا لا يكون للكبش صوف تجز في مثله، فلا بأس به؛ وإن كان أجلا بعيدا يكون للكبش صوف فلا خير فيه. قال مالك: ولا يصلح للرجل أن يبيع نخلا بثمر إلى أجل يكون للنخل ثمرة إلى ذلك الأجل. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: باع أرضا فيها زرع لم يطب بثمن إلى أجل واستثناه المشتري] مسألة وسئل: عن رجل باع أرضا فيها زرع لم يطب بثمن إلى أجل واستثناه المشتري، فاستقال البائع على أن يمحو عنه الثمن ويترك له الزرع؛ قال ابن القاسم: وليس بذلك بأس. قال محمد بن رشد: وهذا بيّن على ما قال: إن ذلك جائز، إذ لا تهمة فيه؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن رجعت للبائع أرضه، وبقي الزرع للمبتاع موهوبا بغير ثمن فجاز، وكذلك لو استقال على أن يزيده ويترك له الزرع لجاز أيضا، ولو كان المبتاع هو المستقيل بزيادة لم يجز على حال؛ لأنهما يتهمان على أنهما قصدا إلى بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه بالزيادة التي زادها المبتاع، ولو كان البيع بالنقد لجاز ذلك، إلا أن يكونوا من أهل العينة على أصولهم في أن أهل الصحة لا يتهمون في بيع النقد.

باع طعاما غائبا أو غنما غائبة بموضع لا يجوز فيه النقد بثمن إلى أجل سنة

[باع طعاما غائبا أو غنما غائبة بموضع لا يجوز فيه النقد بثمن إلى أجل سنة] ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده قال ابن القاسم: فيمن باع طعاما غائبا أو غنما غائبة بموضع لا يجوز فيه النقد بثمن إلى أجل سنة، على أن السنة من يوم يقبض الغنم؛ قال: لا يجوز هذا ولا يصلح، إلا أن يكون الأجل من يوم وقع البيع بمنزلة النكاح؛ يريد: بمنزلة الذي يتزوج بمائة دينار نقدا ومائة إلى سنة، فلا يصلح إلا أن تكون السنة من يوم عقد النكاح، وليس من يوم يدخل بها، وقاله أصبغ كله، ورواه في سماعه من ابن القاسم. قال أصبغ: وإن كان الأجل من يوم وقع البيع وكانت بموضع لا يمكن قبضها إلا بعد مضي الأجل، مثل الأندلس وشبهها؛ أو كانت بغير ذلك وكان الأجل دون ذلك مما يمضي قبل قبض السلعة ويحل وينعقد فلا يحل ولا يجوز؛ لأنه يصير كبيع النقد في الغائب. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: ولو كان أحدهما بعينه والآخر مضمونا، لم يكن بذلك بأس إذا كانت غيبته قريبة ولم تكن بعيدة جدا، فيكون الكالئ بالكالئ؛ لأن ضمانه على البائع، فهو غير مقبوض، والتسليف لا يصلح إلا بتعجيل القبض؛ فإذا كان المضمون هو المقبوض أولا فلا يصلح، وإن كان الذي بعينه هو المقبوض أولا، فذلك جائز وإن بعد؛ ما لم يبعد جدا، فلا يصلح اشتراؤه؛ لأنه حيوان. قال محمد بن رشد: لم يجز ابن القاسم في رواية عيسى هذه لمن اشترى سلعة غائبة بثمن إلى أجل أن يكون الأجل من يوم تقبض السلعة، وقاس ذلك على أن النكاح لا يجوز أن يكون أجل الكالئ فيه من يوم الدخول، وقياسه عليه صحيح؛ لأنه إذا لم يجز في النكاح، فأحرى ألا

يجوز في البيع؛ لأنه أضيق من النكاح، إذ قد يجوز من الغرر في الصداق ما لا يجوز في ثمن البيع؛ وهو الذي يأتي على مذهبه في المدونة؛ لأن الظاهر من قوله فيها إنه لا يجوز - أن يسلم في طعام على أن يقتضي في بلد أخرى، إلا أن يضرب لذلك أجلا؛ خلاف قول أصبغ، وابن حبيب: أن ذلك جائز؛ لأن تسمية البلد كضرب الأجل؛ فعلى قولهما يجوز أن يشتري الرجل سلعة غائبة بدين إلى أجل على أن يكون الأجل من يوم تقبض السلعة. وقد روى يحيى عنه في رسم يشتري الدور والمزارع من سماعه من كتاب النكاح - إجازة النكاح على ذلك، وهو على ما حكى عن مالك في المدونة في الذي تزوج امرأة بخمسين نقدا وخمسين تكون على ظهره، ولا يقاس البيع على النكاح في هذا، لما ذكرناه من أنه أضيق منه. وأما قول أصبغ: إن السلعة إن كانت بموضع لا يمكن قبضها إلا بعد حلول أجل الثمن، فلا يحل ولا يجوز، فإنه خلاف ظاهر ما في كتاب الغرر من المدونة لابن القاسم؛ لأن الظاهر من قوله فيها أن البيع جائز وإن كان حلول الدين قبل قبض السلعة، ما لم يشترط عليه أن ينقده عند حلوله؛ فإن اشترط ذلك عليه لم يجز باتفاق؛ لأنه النقد في الغالب، ولو اشترط عليه أن لا ينقده إلا بعد القبض، لوجب ألا يجوز أيضا على أصولهم؛ لأنه بيع وسلف. وأما قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه: ولو كان أحدهما بعينه والآخر مضمونا، لم يكن بذلك بأس إذا كانت غيبة قريبة، ولم تكن بعيدة جدا، فيكون الكالئ بالكالئ؛ لأن ضمانه على البائع وهو غير مقبوض، فإنه خلاف لقوله في المدونة في موضعين: أحدهما: أن شراء الغائب بالدين دين في دين لا يجوز إذا كان في الموضع البعيد الذي يكون فيه الضمان من البائع؛ لأنه قد نص في المدونة على أن الدين

مسألة: باع من رجل طعاما بثمن إلى أجل

بالدين إنما يكون في المضمونين جميعا، فعلى قوله فيها يجوز شراء الغائب البعيد الغيبة بالدين. والثاني: قوله إن الضمان في الغائب القريب الغيبة من المبتاع؛ لأنه لما قال: إن ذلك لا يجوز في البعيد الغيبة؛ لأن الضمان على البائع، دل ذلك على أنه إنما يجوز في القريب الغيبة حيث يكون الضمان على المشتري؛ فلا يكون ابتياعه بدين دينا في دين، وذلك خلاف قوله في المدونة؛ لأنه قد نص فيها أنه أخذ بقول مالك الذي رجع إليه: أن الضمان في الغائب المشترى على الصفة من البائع وإن قربت غيبته جدا بحيث يجوز اشتراط النقد فيه؛ وقد حكى ابن حبيب: أنه لا اختلاف في أن الضمان من المبتاع فيما يجوز فيه النقد، وليس ذلك بصحيح لما قد نص عليه في المدونة. [مسألة: باع من رجل طعاما بثمن إلى أجل] مسألة وقال في رجل باع من رجل طعاما بثمن إلى أجل، ثم إن الذي عليه الحق احتاج إلى أخذ دنانير في طعام، فأراد الذي يسأله الدنانير من ثمن الطعام أن يسلفه ولم يقرب أجل الحق الذي له وبينه وبين ذلك أشهر: إنه لا بأس بذلك، قيل: فأراد أن يرتهن مع ذلك رهنا بالأول والآخر، قال: هذا حرام لا يحل. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا بأس أن يبيع الرجل من الرجل طعاما بثمن إلى أجل ثم يسلف إليه أيضا دنانير في طعام إلى أجل؛ لأنهما مبايعتان صحيحتان لا تقدح إحداهما في الأخرى، وإنما شرط أن تكون المبايعة الثانية قبل أن تحل الأولى أو بقرب حلولها، لئلا يقضيه الدنانير التي أسلفه في الطعام في ثمن الطعام الذي له عليه، فيكون

مسألة: أسلف ويبة قمح أيأخذ نصف ويبة قمح ونصف ويبة دقيق

قد رجعت إليه دنانيره وآل أمرهما إلى فسخ الثمن الذي كان له عليه في طعام إلى أجل، وقد مضى هذا المعنى في آخر رسم من سماع أشهب، وإنما لم يجز إذا أسلم إليه الدنانير في طعام قبل محل الأجل أن يرتهن منه رهنا بالأول والآخر؛ لأن ذلك غرر؛ إذ لا منفعة له في الرهن إلا أن يقوم الغرماء على الراهن وهو لا يدري هل يقومون عليه أم لا؛ ولا ما يكون قدر انتفاعه به إن قام عليه الغرماء؛ لأن كلما كثرت الديون عليه، كثر انتفاعه بالرهن، فهو يضع عنه من ثمن ما سلفه فيه، لا من غرر لا يدري قدره؛ فإن وقع ذلك فسخت معاملتهما ورد إليه دنانيره، وكان جميع الرهن رهنا بالأقل منها أو من الطعام الذي ارتهنه به، ولم يكن شيء منه في الدين الأول على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة. وقد قيل: إن الرهن يبطل ولا يكون رهنا بشيء من الدين الثاني ولا الأول، وقيل: يقسم على الدينين، فيكون لكل واحد منهما ما ينوبه منه، فيبطل ما ناب منه الدين الأول، ويكون رهنا بالدين الثاني ما نابه منه، حكى ذلك ابن المواز عن بعض أصحاب مالك، ويأتي على ما في سماع أصبغ من كتاب الكفالة والحوالة أنه يجوز أن يعطي الرجل الرجل عشرة دنانير، على أن يعطيه حميلا أو رهنا بحق له عليه لم يحل أجله؛ لأنه لا بأس أن يبيع الرجل الرجل بيعا على أن يرهنه به رهنا وبدين له آخر لم يحل أجله، خلاف قوله هاهنا، وخلاف قوله في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون. [مسألة: أسلف ويبة قمح أيأخذ نصف ويبة قمح ونصف ويبة دقيق] مسألة وقال، فيمن أسلف ويبة قمح: فلا بأس به أن يأخذ

نصف ويبة قمح، ونصف ويبة دقيق أو شعير أو تمر؛ وإنما مثل ذلك مثل الرجل يكون له على الرجل ديناران فيأخذ منه دينارا عينا، ويأخذ منه بالدينار الآخر ما شاء قمحا ودراهم؛ فإن قال قائل: فالدينار لا يصلح أن يأخذ نصفه عينا ونصفه شيئا آخر، فالويبة بمنزلته فليس كذلك؛ لأن الدينار لا يتبعض، والويبة تتبعض في الكيل بمنزلة الدينارين. قال: ولا بأس أن يأخذ أيضا من ويبة القمح نصف ويبة قمح، وبالنصف الآخر ما شاء من الكيل من التمر والزبيب، وكل ما كان يجوز أن يباع بالقمح متفاضلا؛ فأما ما لا يجوز أن يؤخذ إلا مثلا بمثل، فلا يأخذ إلا مثل ما بقي له من الكيل سواء؛ ولا يحل له أن يأخذ غير ماله عليه إن كان الذي له عليه ويبة محمولة، فلا خير في أن يأخذ نصف ويبة سمراء، ونصف ويبة شعير، أو شيئا من الأشياء في صفقة واحدة؛ ولو اقتضى منه في بعضها شعيرا أو دقيقا أو سمراء، ثم انصرف عنه؛ ثم جاءه بعد ذلك يتقاضاه بعين حقه فأعطاه به زبيبا أو غير ذلك من الطعام كله أو عرضا، لم يكن بذلك بأس، وإنما يكره من ذلك اجتماعهما.

قال محمد بن رشد: قد بين ابن القاسم وجه قوله فيما أجازه من أن يأخذ الدين من ويبة قمح نصفها قمحا ونصفها دقيقا أو شعيرا أو تمرا، وجعل أشهب في رواية ابن أبي جعفر عنه الويبة الواحدة كالدينار الواحد، فلم يجز ذلك فيها؛ وقول ابن القاسم أصح؛ لأن الويبة الواحدة كالدنانير والدراهم المجموعة، ولا اختلاف عندهم في أنه يجوز أن يأخذ من ويبتي قمح ويبة قمح وويبة دقيق أو شعير أو تمر؛ وإنما لم يجز إذا كان له عليه ويبة محمولة أن يأخذ منه فيها نصف ويبة سمراء ونصف ويبة شعير؛ لأن السمراء أفضل من المحمولة، والشعير أدنى منها، فإذا فعل ذلك، آل الأمر بينهما إلى التفاضل بين السمراء والمحمولة، وبين المحمولة والشعير؛ لأن الذي عليه الويبة المحمولة، لم يكن ليعطيه في نصفها نصف ويبة من سمراء، لولا ما أخذ منه في النصف الآخر نصف ويبة من شعير. وكذلك الذي له الويبة المحمولة، لم يكن ليأخذ منه في نصفها نصف ويبة من شعير، لولا ما أعطاه في نصف الآخر نصف ويبة من سمراء، فلا اختلاف في هذا، وكذلك لو أخذ منه نصف ويبة سمراء، وفي النصف الآخر صنفا آخر تمرا أو ما أشبهه، لم يجز باتفاق؛ ولو كان له عليه ويبة سمراء، فأراد أن يأخذ منه بها نصف ويبة محمولة، ونصف ويبة شعيرا، أو كان له عليه ويبة شعير، فأراد أن يأخذ منه نصف ويبة سمراء، ونصف ويبة محمولة، لجاز ذلك على أحد قولي ابن القاسم في المدونة؛ وقول أشهب فيها خلاف ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية؛ وفي رسم إن خرجت بعد هذا، دليل على القولين؛ فهي

قال الرجل للرجل بعني بغلك على أن أعطيك فرسي

ثلاثة وجوه: وجه جائز باتفاق، ووجه لا يجوز باتفاق، ووجه يختلف في جوازه؛ فالاقتضاء يفترق من المبادلة والمراطلة في وجهين: أحدهما: أن من كان له على رجل ذهب أو طعام، فجائز له أن يأخذ منه بعضه على صفته التي وجبت له عليه، والباقية على صفة هي أرفع أو أدنى مما كان له باتفاق؛ ولا يجوز أن يبدل رجل لرجل قفيزي قمح بقفيزي قمح أحدهما مثله، والثاني أرفع منه أو أدنى، ولا أن يراطل رجل رجلا ذهبا بذهبين إحداهما مثله، والثانية أرفع منه أو أدنى، إلا على اختلاف؛ لأن ابن حبيب يجوزهما جميعا، وسحنون لا يجيز واحدة منهما؛ وابن القاسم يجيز المراطلة، ولا يجيز المبادلة. والثاني: أن من كان له على رجل دين من ذهب أو طعام، فلا يجوز له أن يأخذ منه ذهبا أو طعاما أدنى مما كان له عليه في وجه، وأفضل في وجه آخر؛ وذلك جائز في المبادلة والمراطلة، وقد مضى في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ من كتاب الصرف القول على حكم المراطلة والمبادلة في هذا المعنى مستوعبا، فلا معنى لإعادته، والله الموفق. [قال الرجل للرجل بعني بغلك على أن أعطيك فرسي] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك قال ابن القاسم: إذا قال الرجل للرجل: بعني بغلك على أن أعطيك فرسي، قال: إن كان الثمنان حالين فلا بأس به؛ اتفق الثمنان أو اختلفا؛ وذلك أنه إذا اتفق الثمنان، فإنما هو بغل بفرس وألغيا الثمنين، فإن كان أحدهما أكثر ثمنا من صاحبه، الفرس

مسألة: يحل له على الرجل طعام فيستسلفه إنسان طعاما فيحيله عليه فيتقاضاه

بعشرين، والبغل بعشرة، فإنما هو بغل بفرس وزيادة عشرة دنانير؛ وكذلك قال مالك، وكان أجلهما واحدا، فهو بمنزلة واحدة في التفسير لا بأس به؛ وإن كان أحدهما نقدا، والآخر إلى أجل، أو كانا جميعا إلى أجل، واختلف الأجلان فلا خير فيه؛ لأنه بيع وسلف؛ لأنه أعطاه عشرة دنانير انتفع بها فردها عليه وأعطاه بغلا بفرس. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بيّنة المعنى، مثل ما في المدونة وغيرها؛ وإنما جازت البيعتان إذا كان الثمنان حالّين، أو كانا إلى أجل واحد؛ لأن الحكم يوجب المقاصة بينهما، فيئول أمرهما إذا تقاصا إلى بيع فرس ببغل دون زيادة، أو فرس ببغل بزيادة؛ وإن تقاصا جاز البيع، وإن لم يتقاصا فسد البيع، إلا أن يشترطا ترك المقاصة، فيكون البيع فاسدا يجب فسخه- وإن تقاصا؛ ولو تبايعا على أن يتقاصا فلم يتقاصا وتناقدا الدنانير، لوجب على أصولهم أن يرد إلى كل واحد منهما دنانيره ولا يفسخ البيع بينهما، لوقوعه على صحة لا تخلو المسألة من أحد هذه الثلاثة الأحوال. [مسألة: يحل له على الرجل طعام فيستسلفه إنسان طعاما فيحيله عليه فيتقاضاه] مسألة وسألته: عن الرجل يحل له على الرجل طعام له عليه من سلم فيستسلفه إنسان طعاما، فيحيله عليه فيتقاضاه؛ هل ينبغي له أن يبيعه من المسلف؟ قال: لا يبيعه منه. قلت: لِِمَ؟ أليس هو بمنزلة الوكيل؟ قال: لا، ليس هو بمنزلة الوكيل؛ لأن الوكيل لو هلك عنده الطعام لم يكن عليه ضمان، وأن المتسلف لو هلك

باع رجل طعاما بثمن نقدا أو إلى أجل

عنده الطعام كان ضامنا، فالطعام لم يقع في ضمان صاحب السلم بعد، فلا خير فيه؛ ولقد قال مالك إذا كان يسيرا فلا بأس به، ولكني لا أرى أن يجوز ذلك في القليل ولا في الكثير. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز لمن سلم في طعام فأسلفه رجلا أن يبيعه من الذي أسلفه إياه بعد أن تقاضاه؛ لأنه لا يدخل في ضمانه بقبض المستسلف إياه؛ فإذا باعه منه أو من غيره، فقد ربح فيه قبل أن يضمنه؛ وهذا هو المعنى في النهي عن بيع الطعام المشترى قبل الاستيفاء، وقد مضى المعنى في أول سماع أشهب؛ والقياس ألا يجوز ذلك في القليل ولا في الكثير؛ كما قال ابن القاسم، وما كان قال مالك من إجازته في اليسير، إنما هو استحسان؛ لأنه عدل عن اتباع مقتضى القياس وطرد العلة في القليل والكثير، إذ قد انتقل الطعام من البيع إلى القرض وبيع القرض من الطعام قبل أن يستوفى جائز، وأما بيعه من الوكيل بعد أن يقبضه فلا إشكال في جوازه؛ لأنه قد حصل في ضمانه بقبض الوكيل إياه؛ وهذا إذا تحقق أن الوكيل قد قبضه، وأما إن أتاه فقال له قد قبضته فبعه مني، فقد قال مالك في رسم أشهب من كتاب البضائع والوكالات لا أحب ذلك ولا يعجبني؛ ولو كان الوكيل هو الذي اشتراه له بدنانير أعطاه إياه، لما جاز له أن يبيعه منه، وإن كان قد قبضه بأكثر من الدنانير التي أعطاه، ولا بدراهم إن كان أعطاه دنانير. [باع رجل طعاما بثمن نقدا أو إلى أجل] ومن كتاب أوله أسلم دينارا في ثوب إلى أجل قال: وقال مالك إذا باع رجل طعاما بثمن نقدا أو إلى أجل،

مسألة: سلف في سلعة مضمونة إلى أجل أو طعام فباع السلعة أو ولاها

فلا بأس أن يأخذ به زيتا قبل أن يفترقا، كان الثمن نقدا أو إلى أجل؛ فإن كان تفرقا، فلا خير فيه، كان الثمن نقدا أو إلى أجل؛ قال عيسى: يصير كأنه باعه طعاما بطعام نقدا وكان ذكر الثمن لغوا. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال؛ لأن اقتضاء الطعام من ثمن الطعام، إنما كره من أجل أن أمرهما لما آل إلى أن أعطاه طعاما وأخذ منه طعاما بعد أن غاب عليه، اتهما على أنهما قصدا إلى بيع طعام بطعام إلى أجل؛ فإذا كان ذلك في المجلس قبل أن يتفرقا، لم يكن في ذلك وجه للتهمة. [مسألة: سلف في سلعة مضمونة إلى أجل أو طعام فباع السلعة أو ولاها] مسألة قال: وقال مالك فيمن سلف في سلعة مضمونة إلى أجل أو طعام، فباع السلعة أو ولاها، أو أشرك فيها؛ أو ولى الطعام، أو أشرك فيه؛ فإنما تباعة المبتاع الآخر أو المشرك على البائع الأول، وليس على الذي أشركه أو ولاه أو باعه من تباعتها شيء، وقد قال يحيى بن يحيى في كتاب كراء الدور والأرضين: وسواء عليه ولى ما اشترى من السلع، أو باعه من رجل بربح وانتقد، التباعة في جميع هذا على البائع الأول للمشتري الآخر؛ قال ولو اشترط المشتري الآخر أن البائع الثاني ضامن لحقه حتى يستوفيه من الذي سلف فيه أولا، كان ذلك مكروها لا يجوز. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن من اشترى من رجل سلعة مضمونة له على رجل، أو ولاه رجل طعاما أسلم فيه أو أشركه فيه؛

مسألة: ابتاع سلعة بعينها أو طعاما فأشرك فيه عند مواجبة البيع أو ولاه

فالتباعة في ذلك للمبتاع أو المولي أو المشرك على البائع الأول؛ لأنه إنما اشترى ما في الذمة، فوجب ألا يكون له إلا اتباعها كالحوالة؛ والأصل في هذا قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ومن أتبع على مليء فليتبع» . ولو اشترط أن تباعته على الذي باعه أو ولاه أو أشركه، لم يجز؛ لأنه غرر باع منه على أن يضمن له ما لا يلزمه ضمانه؛ وهو معنى قوله ولو اشترط المشتري الآخر أن البائع الثاني ضامن لحقه حتى يستوفيه من الذي سلف فيه أولا، كان ذلك مكروها لا يجوز؛ وكذلك لو اشترط عليه أنه ضامن للثمن الذي دفع إليه إن مات أو فلس لم يجز أيضا؛ لأنه قد أخذ للضمان ثمنا ولم يشترط في هذه المسألة أن يكون الذي عليه الطعام أو السلعة حاضرا مقرا؛ وقد اختلف في ذلك، فقيل: إنه لا يجوز إلا أن يكون حاضرا مقرا؛ وقيل: إنه يجوز إذا كان قريب الغيبة حتى يعلم ملؤه من عدمه، وحياته من موته؛ وقد مضى القول في هذا المعنى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم، وفرق ابن حبيب في هذا بين الطعام والبيع، فقال إنه في الطعام إذا لم يكن حاضرا ذريعة لبيعه قبل استيفائه، وليس ذلك ببين. [مسألة: ابتاع سلعة بعينها أو طعاما فأشرك فيه عند مواجبة البيع أو ولاه] مسألة قال عيسى قال ابن القاسم: ومن ابتاع سلعة بعينها أو طعاما، فأشرك فيه عند مواجبة البيع أو ولاه، فتباعته على البائع الأول؛ وإن باعه إياه فتباعته على المشترى الأول، إلا أن يشترط أن تباعته على البائع الأول بحضرة البيع الأول، فذلك جائز؛ ومن ابتاع سلعة فبان بها، يعني انقلب بها أو فارق بائعها، ثم أشرك فيها أو ولاها أو باعها، فتباعته على الذي ولاه أو أشركه أو باع منه. قال محمد بن رشد: فرق في هذه الرواية بين التولية والشركة، وبين

البيع في السلعة المعينات؛ فقال فيها: إن العهدة في التولية والشركة إذا كانت بحضرة البيع على البائع الأول، وإنها في البيع على البائع الثاني، إلا أن يشترط أنها على البائع الأول؛ وقد قيل: إن الشركة والتولية كالبيع، تكون العهدة فيهما على المولى والمشرك، إلا أن يشترط أنها على البائع الأول؛ وهو قول مالك في الموطأ، وقول أصبغ في نوازله من جامع البيوع، وظاهر ما في سماع عيسى من كتاب العيوب، وقول ابن حبيب في الواضحة؛ لأنه لم ير العهدة في التولية والشركة على البائع الأول، إلا أن يكون أشركه أو ولاه نسقا بالبيع قبل أن يثبت بينهما، ولا اختلاف في هذا الموضع؛ وتحصيل القول في هذه المسألة، أنه إذا باع بحضرة البيع، فلا خلاف في أن العهدة للمشتري على البائع الثاني الذي باع منه؛ واختلف إن اشترط البائع على المشتري أن عهدته على البائع الأول على قولين، أحدهما: أن ذلك جائز وهو للبائع لازم، وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية؛ ومعنى ذلك عندي إذا كان قد باعها بمثل الثمن الذي اشتراها به أو أقل؛ فأما إن كان باعها بأكثر من الثمن الذي باعها به، فلا يلزم البائع الأول ذلك إلا برضاه؛ لأن من حجته أن يقول: إنما كانت العهدة لك علي بعشرة، فلا أرضى أن تكون علي باثني عشر؛ فإن رضي بذلك، كان حميلا عن البائع الثاني بالزائد- إن جاء استحقاق. والثاني أن ذلك لا يجوز، وهو قول ابن حبيب في الواضحة؛ قال لأنها ذمة بذمة، إلا أن يشترطها عليه برضاه على وجه الحمالة فيجوز؛ فإن اشترطها عليه على وجه الحمالة، فجاء استحقاق، رجع المشترى الثاني بقدر الثمن الأول على من شاء منهما باتفاق؛ لأنه غريم غريمه إن رجع على الذي باعه، كان للذي باعه أن يرجع على البائع الأول؛ وأما الزائد على الثمن الأول، فلا يرجع به على الأول إلا في عدم الذي باعه على حكم الحمالة؛ وأما إذا

مسألة: سلف مائة دينار في مائة ثوب مضمونة موصوفة إلى أجل

ولاه أو أشركه بحضرة البيع، فقيل العهدة للمشرك أو المولي على الذي أشركه أو ولاه، إلا أن يشترط أنها على البائع الأول؛ وقيل إنها له على البائع الأول- وإن لم يشترط ذلك عليه؛ وأما إذا طال الأمر أو افترقا، فالمشهور أن العهدة على البائع الثاني للمبتاع وللمشرك وللمولي، ولا يجوز أن يشترط على البائع الأول إلا برضاه على وجه الحمالة، فيكون المبتاع الثاني أو المشرك أو المولى مخيرا في الرجوع على من شاء منهما بما للثاني أن يرجع به على الأول؛ ولا يرجع على الأول بما ليس للثاني أن يرجع به عليه إلا في عدمه على سبيل الحمالة حسبما تقدم ذكره، وقد كان روي عن مالك: أن اشتراط العهدة عليه جائز- وإن كان غائبا إذا كان معروفا. يريد فلا يرجع عليه إن طرأ استحقاق إلا بما زاد على الثمن الأول، قال: وإن لم يكن معروفا فسخ البيع، ثم رجع فقال الشرط باطل إذا لم يكن بحضرة البيع؛ فيتحصل في اشتراط العهدة في البيع على البائع الأول ثلاثة أقوال، أحدها: أن ذلك جائز وهو للبائع لازم- وإن افترقا وطال الأمر. والثاني أن ذلك لا يجوز إن كان بحضرة البيع إلا برضاه على وجه الحمالة. والثالث الفرق بين أن يشترطها عليه بحضرة البيع، أو بعد الافتراق والطول؛ وفي الشركة والتولية قولان على من يكون بالحضرة، وقولان في جواز اشتراطها على البائع الأول بعد الافتراق والطول؛ وقيل أيضا إذا لم يطل فلا يراعى الافتراق، ويجوز أن يشترط العهدة على البائع الأول، وهو ظاهر قول أصبغ في نوازله من جامع البيوع؛ وسيأتي في أول كتاب الكفالة القول في اشتراط العهدة على رجل أجنبي. [مسألة: سلف مائة دينار في مائة ثوب مضمونة موصوفة إلى أجل] مسألة وسئل عن رجل سلف مائة دينار في مائة ثوب مضمونة موصوفة إلى أجل، فقبض المائة دينار، فلما حل الأجل دفع إليه

خمسين كساء، فقبضها وقال إذا دفع إلي الخمسين الثوب الفسطاطي، وقال إنما أسلفتني في مائة كساء وأنا أدفع إليك تمامها؛ قال بل أسلفتك في خمسين كساء وخمسين ثوبا فسطاطيا، قال ابن القاسم إن كان لم يقبض شيئا رأسا، تحالفا وتفاسخا البيع بينهما، وإن كان قد قبض الأكسية الموصوفة، تحالفا ويقسم الثمن بينهما، فيرد بقدر ذلك يريد أن يقسم الثمن الذي اشترى به على قيمة الأكسية الموصوفة التي ادعاها، وقيمة الفسطاطي الموصوف الذي ادعى؛ فيقع على كل صنف ما وقع، فيرد في الفسطاطي بقدر ما وقع عليه من الثمن الذي اشترى به؛ لأنه حين قبض الأكسية صار مدعيا فيما بقي. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان لم يقبض شيئا رأسا، تحالفا وتفاسخا، صحيح لا اختلاف فيه؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيما بيعين تداعيا فالقول ما قال البائع أو يترادان» . وأما تفسير ابن القاسم لقول مالك إن الأكسية إن قبضت يتحالفان ويقسم الثمن عليهما بقوله. يريد أن يقسم الثمن الذي اشترى به على قيمة الأكسية الموصوفة التي ادعاها، وقيمة الفسطاطي الموصوف إلى آخر قوله؛ فليس بصحيح على ما تداعيا فيه؛ لأن المسلم مدع في الفسطاطي؛ والمسلم إليه ينكره إياها ولا يقر له إلا بخمسين كساء؛ فالقول قوله مع يمينه فيما ناب الأكسية المقبوضة من المائة التي انتقد على ما يقر به، لا على ما يدعي المسلم؛ فيقال للمسلم إليه احلف أنك إنما انتقدت المائة في مائة كساء، فإن حلف على ذلك، قيل للمسلم: إن أردت أن تأخذ الخمسين كساء الباقية، وإلا فاحلف أنك

مسألة: الزنبق وما أشبه ذلك يباع بعضه ببعض إلى أجل متفاضلا

ما دفعت إليه المائة الدينار، إلا في خمسين كساء وخمسين ثوبا فسطاطيا، (- فإن حلف على ذلك، فسخ السلم في الخمسين الباقية، وقبضت المائة دينار على ما يقر به المسلم إليه من أنه إنما قبضها على مائة كساء، فرد إليه منها خمسين دينارا، وإنما كان يصح تفسير ابن القاسم لو كان المسلم إليه هو الذي ادعى أنه أسلم إليه مائة دينار في خمسين كساء وخمسين ثوبا فسطاطيا) ، وقال المسلم: بل إنما أسلمت إليك المائة في مائة كساء، قال هكذا جرى وهم ابن القاسم، وعليه أتى تفسيره، وهذا بين. [مسألة: الزنبق وما أشبه ذلك يباع بعضه ببعض إلى أجل متفاضلا] مسألة وسئل عن الزنبق والدارني والخيري وما أشبه ذلك يباع بعضه ببعض إلى أجل متفاضلا، قال: ما يعجبني ذلك؛ لأن المنافع فيه واحدة، مثل البربني والشطري وما أشبهه. قال محمد بن رشد: هذه أدهان يقرب بعضها من بعض في المنفعة، فحكم لها بحكم الصنف الواحد وإن اختلفت أسماؤها، وذلك صحيح على أصل مذهبه في مراعاة اختلاف المنافع دون الاعتبار بالأسماء، وبالله التوفيق. [كان له على رجل قمح من سلف فقضاه نصفه شعيرا ونصفه دقيقا] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار وسئل عن رجل كان له على رجل قمح من سلف فقضاه نصفه شعيرا ونصفه دقيقا، قال: إن كان الدقيق أوضع ثمنا عند

الناس من القمح، فلا بأس به؛ وإن كان الدقيق أرفع ثمنا عند الناس من القمح، فلا خير فيه؛ لأنه حينئذ يكون قمحا بشعير وزيادة دقيق؛ وإن كان أخذ منه الدقيق على أن يأخذ منه الشعير، فلا خير فيه؛ وقال: لا خير في أن تتقاضى ممن لك عليه قمح بنصف ذلك القمح تمرا، على أن يأخذ نصفه شعيرا أو نصفه سلتا أو نصفه عدسا؛ لأن الربى يدخله لأجل الشعير والسلت؛ لأنه لا يحل القمح بالشعير والسلت إلا مثلا بمثل؛ وكل ما لا يصلح إلا مثلا بمثل، مثل القمح والشعير والسلت؛ فلا ينبغي لك أن تأخذ ممن لك عليه ذلك نصف مالك عليه من صنف لا يصلح إلا مثلا بمثل، ونصفا من غير ذلك مما يجوز واحدا باثنين إذا كان تقاضيك ذلك معا، إلا أن يفترق تقاضيك ذلك، مثل أن تأتيه اليوم فتسأله قمحك ولك عليه ويبتان من قمح؛ فيقول: هل لك أن تأخذ مني ويبة تمر بويبة قمح؟ فتفعل ذلك ثم تتقاضاه بعد ذلك فيوفيك الويبة الباقية شعيرا، فلا بأس بهذا إذا صح ذلك. قال محمد بن رشد: أجاز في أول المسألة أن تأخذ من القمح السلف نصفه دقيقا ونصفه شعيرا إذا كان الدقيق أوضع ثمنا عند الناس من القمح، ثم قال: إنه إن كان أخذ منه الدقيق على أن يأخذ منه الشعير فلا خير فيه؛ وذلك تناقض من قوله؛ لأن الدقيق إذا كان أوضع (ثمنا)

سلف ثوبا ودينارا في ثوب مثله إلى أجل

عند الناس وأخذه مع الشعير في صفقة واحدة عن القمح، فإما أن يقال إن ذلك جائز؛ لأنهما جميعا أدنى من القمح- وإن كان إنما رضي أن يأخذ أحدهما لحاجته إلى الآخر، وإما أن يقال إن ذلك لا يجوز بحال؛ لأن الدقيق والشعير وإن كان كل واحد منهما أدنى من القمح، فقد يقل الشعير ويتعذر الطحين، فيكون كل واحد منهما أكثر ثمنا من القمح، فيتهمان على أنه إنما رضي أن يأخذهما وإن كانا جميعا أقل قيمة من القمح، لما رجاه من نفاق أحدهما وزيادة قيمته على القمح؛ وقد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم أوصى، فلا معنى لإعادته. [سلف ثوبا ودينارا في ثوب مثله إلى أجل] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وسئل ابن القاسم عن رجل سلف ثوبا ودينارا في ثوب مثله إلى أجل، فقال: إذا تأخر أحد الثوبين فلا خير فيه، تأخر الدينار أو انتقد. قال محمد بن رشد: لم يجز أن يسلم الرجل الدينار وثوبا في ثوب مثله إلى أجل؛ لأنهما لما فعلا ذلك ابتداء، علم أنه إنما قصدا إلى أن يحرز الثوب. في ضمانه بدينار يدفعه إليه ثمنا لضمان الثوب، وذلك مما لا يحل ولا يجوز؛ ولو باع رجل من رجل دابة بثوب موصوف إلى أجل، ثم اشتراها منه بثوب مثله نقدا ودينارا نقدا لجاز ذلك؛ إذ لا يتهم أحد أن يدفع دينارا وثوبا في ثوب مثله إلى أجل، وإن كان لا يجوز أن يسلم الرجل إلى الرجل ثوبا ودينارا في ثوب مثله إلى أجل، للعلة التي ذكرناها فقف على ذلك ودبره، والله تعالى ولي التوفيق.

الصغير بالكبير إلى أجل من صنفه من البهائم كلها

[الصغير بالكبير إلى أجل من صنفه من البهائم كلها] ومن كتاب أوله حمل صبيا على دابة قال ابن القاسم: لا خير في صغير بكبير إلى أجل من صنفه من البهائم كلها، ولا كبير بصغير؛ لأنك لا تجد أحدا يعطي كبيرا بصغير من صنفه إلى أجل إلا للضمان، ولا صغيرا بكبير من صنفه إلى أجل إلا للزيادة في السلف؛ ولا بأس به على وجه البيع أن يكون صغيران بكبير أو كبير بصغيرين، أو كبيران بصغير، فلا بأس به؛ لأنهم قد خرجوا من تهمة الضمان والزيادة في السلف وصار بيعا من البيوع. قال محمد بن رشد: لم يجز ابن القاسم في هذه الرواية أن يسلم صغير في كبير، ولا كبير في صغير من جنس واحد من البهائم؛ وأجاز أن يسلم كبير في صغيرين، وسكت عن سلم صغير في كبيرين، وأراد به أن ذلك جائز، فهو منصوص من قوله بعد هذا في رسم باع شاة، ومثله في كتاب محمد؛ فعلى هذا إنما منع من سلم واحد في واحد، وأجاز ما سوى ذلك؛ ولمحمد بن المواز في مواضع أخر من كتابه أنه لا يجوز سلم صغير في كبيرين، ويجوز سلم كبير في صغيرين، فعلى هذا منع من سلم واحد في واحد كيفما كان قدم الصغير أو أخره، ومن سلم صغير في كبيرين، وأجاز ما سوى ذلك؛ وقال ابن لبابة تأويلا على

ما روى أصبغ عن ابن القاسم من أنه لا يجوز سلم صغير في كبير، أنه لا يجوز سلم الواحد في الواحد، ولا الجماعة في الواحد، ولا الواحد في الجماعة كيفما كان، ويجوز ما سوى ذلك؛ وهذه الثلاثة الأقوال لا يحمل القياس شيئا منها؛ لأنه إذا جاز أن يسلم منها العدد في العدد، جاز أن يسلم منها الواحد في الواحد؛ لأن المكروه لو دخل في الواحد بالواحد لكان أكثر دخولا في العدد بالعدد؛ وما في رسم باع شاة من إجازته صغيرا من بني آدم في المهد بكبير تاجر، فصحيح معارض لها، فهو أصح، وعليه ينبغي أن يحمل ما في المدونة؛ لأنه أجاز فيها أن يسلم كبار الخيل في صغارها، وكبار الإبل في صغارها، وكبار البقر في صغارها، فجعل الكبار من ذلك كله صنفا، والصغار منه صنفا آخر؛ ولم يفرق في شيء من ذلك بين الواحد بالواحد، والعدد بالعدد؛ والتفرقة بين ذلك لا يحملها القياس على ما ذكرناه أيضا؛ فإنه أجاز فيها أن يسلم ثوبا من غليظ الكتان مثل الريقة وما أشبهه في ثوب قصبي إلى أجل، وثوب فرقبي معجل؛ فهذا إجازة سلم واحد في واحد من الصنفين من جنس واحد، إذ لا فرق بين سلم ثوب من غليظ الكتان في ثوب من رقيقه، وبين سلم صغير في كبير. وقوله فيها إنه لا يجوز أن يسلم الرأس في رأس دونه؛ إلى أجل، ولا الثوب في ثوب دونه، إلى أجل؛ إنما معناه فيما كان من صنفه لا يتفاوت تفاوتا بعيدا يخرج به الثوب، أو الرأس، إلا أن يكون صنفا آخر يجوز فيه التفاضل إلى أجل؛ ولا اختلاف في جواز سلم واحد في واحد من جنسين مثل بغل في فرس؛ وقد ذهب ابن أبي زيد إلى أن تفسير ما في المدونة برواية عيسى هذه، فقال: لا يجوز على مذهبه في المدونة سلم كبير في صغير، ولا صغير في كبير ولا في كبيرين؛ واستدل على ذلك بقوله فيها: لا يسلم ثوب في ثوب دونه، ولا رأس في رأس دونه، وقال في قوله فيها: إنه لا بأس أن يسلم ثوب من غليظ الكتان مثل الريقة وما أشبهه في ثوب قصبي إلى أجل، وثوب فرقبي معجل، أن ذلك شاذ، إنما يأتي

مسألة: كبار الحمير في صغار البغال على حال من الأحوال إلى أجل كذلك

على أحد قولي مالك في إجازة جمل في جمل مثله نقدا، وجمل مثله إلى أجل، والمشهور من قوله أن ذلك لا يجوز وهو الصحيح، وبالله التوفيق. [مسألة: كبار الحمير في صغار البغال على حال من الأحوال إلى أجل كذلك] مسألة ولا خير في كبار الحمير في صغار البغال على حال من الأحوال إلى أجل كذلك، قال لي مالك: ولا بأس بكبار البغال بصغار الحمير على ما وصفت لك اثنان بواحد إلى أجل؛ قلت: ولم كرهت كبار الحمير بصغار البغال؛ قال: لا أجد فيه إلا الإتباع؛ لأن مالكا قاله؛ قلت: فمن أي وجه أخذ؟ قال: كأنه من وجه أن الحمير تنتج البغال؛ قلت: فلو كان إلى أجل قريب ليس فيه تهمة؟ قال: لو كان مثل الخمسة الأيام وما أشبهها، لم أر به بأسا. قال محمد بن رشد: الظاهر من هذه المسألة أن مالكا لم يجز أن يسلم كبار الحمير في صغار البغال، وأن ابن القاسم كره ذلك اتباعا لمالك، وتأول عليه أنه إنما لم يجز ذلك من أجل أن الحمير تنتج البغال، فأجاز ذلك إلى الأجل القريب الذي لا تهمة فيه الخمسة الأيام وشبهها، وأجاز أن يسلم كبار البغال في صغار الحمير، إذ لا ينتج البغال الحمير؛ وعلى هذا كان الشيوخ يحملون المسألة ويعترضونها، واعتراضهم لها على ما كانوا يحملونها عليه صحيح؛ لأن الكراهة لتسليم كبار الحمير في صغار البغال ضعيفة، وحجة ابن القاسم باتباع مالك عليها غير صحيحة؛ إذ لا يصح للعالم اتباع العالم في قول يرى أنه لا وجه له في الصحة، وتأويله عليه أنه قال ذلك من وجه أن الحمير تنتج البغال بعيد، لبعد المزابنة في ذلك؛ وإذ تأول هذا عليه واتبعه على قوله، فكان يلزمه أن يقول إن ذلك جائز إلى الأجل البعيد الذي لا يمكن أن يكون فيه من الحمير بغال،

ولا يقول إن ذلك لا يجوز إلا إلى الخمسة الأيام ونحوها، وفي قوله إلا إلى الخمسة الأيام ونحوها إجازة السلم إلى الخمسة الأيام وهو خلاف المشهور من قوله في أن السلم لا يجوز إلا إلى الأجل الذي ترتفع فيه الأسواق وتنخفض، العشرة الأيام والخمسة عشر، ونحو ذلك؛ وكيف يصح أن يكون مراد مالك ما تأوله عليه وهو يجيز في المدونة وغيرها سلم كبار الخيل في صغارها، وكبار الإبل في صغارها، فلما كان يجيز كبار الخيل في صغارها، وكبار الإبل في صغارها؛ وكبار الحمير في صغارها على هذا القياس، وإن كانت الخيل تنتج الخيل، والإبل تنتج الإبل، والحمير تنتج الحمير، علم أنه لم يكره كبار الحمير في صغار البغال، من أجل أن الحمير تنتج البغال؛ كما تأول عليه، فلعل معنى قول مالك في هذه الرواية على هذا التأويل، أنه رأى الصغار والكبار من كل جنس من الحيوان صنفا واحدا كالصغار والكبار من بني آدم، ومن الضأن والمعز وهو قول ابن دينار في المدنية؛ فكره على طرد قوله هذا كبار الحمير بصغار البغال؛ لأن البغال والحمير عنده صنف واحد، ولو سئل على هذا القول عن كبار البغال بصغار الحمير، لكرهها أيضا، ولم يفرق بين ذلك كما فعل ابن القاسم؛ والذي أقول به في هذه المسألة، أن معنى قوله: ولا خير في كبار الحمير بصغار البغال على حال، أي لا خير في ذلك واحد بواحد، قدم الصغير في الكبير، أو الكبير في الصغير، كما قال في المسألة التي فوقها؛ وذلك صحيح على أصله في أن البغال والحمير صنف واحد. وقوله بعد ذلك ولا بأس بكبار البغال بصغار الحمير على ما وصفت لك: اثنان بواحد، يدل على هذا التأويل؛ لأنه أراد أنه لا بأس بذلك: اثنان بواحد على ما وصفت لك من أنه يجوز من الصغار بالكبار من

جنس واحد: اثنان بواحد، ولا يجوز من ذلك واحد من واحد؛ فقال عيسى لابن القاسم: ولم كرهت كبار الحمير بصغار البغال؟ أي ولم كرهت كبار الحمير بصغار البغال واحد بواحد إلى أجل مع ما بينهما من البعد، لاختلافهما في الصغر والكبر، وفي الأجناس؟ فقال: ما أجد في ذلك إلا الاتباع؛ لأن مالكا قاله، يريد لأن مالكا قال: إن البغال والحمير جنس واحد؛ وقال: إن الجنس الواحد من البهائم لا يجوز الصغير منه بالكبير واحد بواحد إلى أجل، فقال له: فمن أي وجه أخذه؟ أي من أي وجه أخذ أن الحمير والبغال جنس واحد؟ فقال له: من وجه أن الحمير تنتج البغال، فقال له: فلو كان إلي أجل قريب، أي فلو سلم حمارا كبيرا في بغل صغير، وبغلا كبيرا في حمار صغير إلى أجل قريب ليس فيه تهمة، أي ليس يتهم فيه على الضمان أنه أراد أن يضمن له الكبير على أن يأخذ منه الصغير؛ فقال: لو كان إلى أجل قريب الخمسة الأيام ونحوها لم أر به بأسا. فعلى هذا التأويل تستقيم المسألة كلها، ويرتفع الالتباس منها؛ وقد تكلم ابن لبابة عليها في المنتخب فأطال القول فيها وخلطه، ومن جملة ما قال: إن ابن القاسم لم يفهم معنى ما قال مالك؛ لأنه قال قولا دقيقا، فتأول عليه ما لا يصح أن يكون أراده، وساق قوله على معنى ما تأوله عليه فزاد في لفظه ونقص، وقدم وأخر، ليفهم السامع معنى قول مالك الذي ظن أنه أراده فلبس المسألة. قال: والذي ذهب إليه مالك في قوله إنه إذا سلم كبار البغال في صغار الحمير، جاز من ذلك العدد في العدد، والواحد في الواحد، كالخيل في الحمير، إذ لا تخرج الحمير من البغال، كما لا تخرج من الخيل، وإذا سلم كبار الحمير في صغار البغال، جاز في ذلك العدد في العدد، ولم يجز فيه الواحد في الواحد، ككبار الحمير في صغار الحمير، إذ تخرج صغار البغال من الحمير، كما تخرج صغار الحمير من

مسألة: العصفر بالثوب المعصفر إلى أجل

الحمير؛ هذا معنى قوله، وهو تعسف في التأويل، بعيد من اللفظ، غير بين في المعنى. [مسألة: العصفر بالثوب المعصفر إلى أجل] مسألة قال ابن القاسم: ولا خير في العصفر بالثوب المعصفر إلى أجل، إذا كان العصفر نقدا والثوب إلى أجل؛ لأنه غرر؛ ولا بأس بالثوب المعصفر بالعصفر إلى أجل؛ لأنه لا يخرج من الثوب المعصفر عصفر، ولا خير في البطيخ بزريعة البطيخ إلى أجل؛ يكون في مثل ذلك الأجل من الزريعة بطيخ، ولا زريعة البطيخ بالبطيخ إلى أجل، ولا تبالي أيهما أخرت أو قدمت. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى، وقد مضى القول في المزابنة مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. تم الجزء الأول من كتاب السلم والآجال

كتاب السلم والآجال الثاني

[كتاب السلم والآجال الثاني] [الدجاجة بالبيض إذا كان فيها بيض يدا بيد]

مسألة: اللبن بجدي إلى أجل

ومن كتاب حبل حبلة قال ابن القاسم لا بأس بالدجاجة بالبيض إذا كان فيها بيض يدا بيد، ولا خير فيه إلى أجل، ولا بأس بالدجاجة التي لا بيض فيها بالبيض إلى أجل؛ قلت وإن باضت قبل الأجل؟ قال نعم، وكذلك الشاة اللبون باللبن إذا كان للشاة لبن فلا بأس به يدا بيد، ولا خير فيه إلى أجل؛ قال ابن القاسم ولا بأس بها إلى أجل إذا لم يكن لها لبن، وإن صار لها لبن قبل الأجل فلا بأس به، كانت الشاة نقدا واللبن إلى أجل، أو اللبن نقدا والشاة إلى أجل، لا بأس به إذا لم يكن للشاة لبن، وكذلك قال لي مالك في الشاة غير مرة، وفي سماع أبي زيد لا بأس بالدجاجة البياضة بالبيض إلى أجل. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة من المزابنة مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: اللبن بجدي إلى أجل] مسألة وسئل عن اللبن بجدي إلى أجل، قال إن كان الجدي

يستحيى، فلا بأس به، وإن كان لا يستحيى، فلا خير فيه! لأنه طعام بطعام إلى أجل. ولو كأن يدا بيد لم يكن به بأس، قال ولا يحل بيع الكبش الخصي بالطعام إلى أجل، إلا أن يكون كبشا يقتنى لصوفه، فإن ههنا أكباشا تقتنى لصوفها؛ وأما إن لم يكن إلا اللحم، فلا خير فيه؛ وأما التيس الخصي بالطعام إلى أجل فلا يحل؛ لأن التيس الخصي لا يقتنى وليس فيه صوف، وإنما هو للذبح، فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة صحيح جار على أصله؛ لأنه لا يراعي الحياة فيما لا يقتنى إلا مع اللحم؛ لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الحيوان باللحم. فلا يجيز شيئا من ذلك باللحم من صنفه بحال؛ لأنه يحكم له معه بحكم الحي، ولا يجيز شيئا من ذلك بحي ما يقتنى ولا بشيء من الطعام إلى أجل، ولا بعضه ببعض، إلا مثلا بمثل على التحري؛ لأنه يحكم له في ذلك بحكم اللحم الحي، وأشهب يراعيها في كل حال، فلا يجيز شيئا من ذلك باللحم من صنفه بحال؛ للنهي الوارد عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في بيع الحيوان باللحم، ويجيز ذلك كله بعضها ببعض، وبالطعام وبحي ما يقتنى مثلا بمثل ومتفاضلا يدا بيد، وإلى أجل، وهو قول ابن نافع؛ قال ابن المواز وذلك بخلاف الشارف (والكبير) ، فكأنه ذهب إلى أن الشارف والكبير في حكم اللحم عند جميعهم.

مسألة: الرجل يسلف في مائة إردب قمح فلما حل الأجل تقاضى خمسين

[مسألة: الرجل يسلف في مائة إردب قمح فلما حل الأجل تقاضى خمسين] مسألة وسألته عن الرجل يسلف في مائة إردب قمح، فلما حل الأجل تقاضى خمسين، وبقيت له عليه خمسون؛ فأتاه رجل يستوليه الخمسين الباقية. قال لا بأس بهذا، وهذا حلال طيب. قلت فإن أراد أن يوليه المائة كلها الخمسين التي تتقاضى، والخمسين الباقية. قال لا خير فيه، وهذا حرام بين. قلت لم؟ قال لأنه لو لم يأخذ الخمسين الباقية لم يعطه هذه التي تقاضى. قال محمد بن رشد: لم يجز في كتاب ابن المواز أن يوليه الخمسين الباقية، ووجه ذلك أن ذمته قد تضعف بقبض الخمسين منه، فلا تكون فيه قيمة الخمسين الباقية إلا أقل من نصف ثمن الجميع؛ فإذا ولاه إياها بنصف الثمن، كان قد أخذ فيها أكثر مما يجب له؛ فيدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى، وهو قول له وجه ولم يراع في الكتاب هذا المعنى، ورأى أن كل جزء منه بجزئه من الثمن، وأن لا فضل لما قبض منه على ما بقي، فأجازه، وأما إذا ولاه جميع ما قبض وما بقي، فلا إشكال في أن ذلك لا يجوز، إذ لا شك أن قيمة المقبوض بعد قبضه أكثر من قيمته قبل قبضه، فإنما رضي أن يأخذ ما لم يقبض على أن يعطيه ما قبض فيدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى. [مسألة: باع طعاما من رجل بثمن نقدا أو إلى أجل ثم استقال أحدهما] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل باع طعاما من رجل بثمن نقدا، أو إلى أجل، ثم استقال أحدهما البائع أو المبتاع، وقد نقد الثمن أو لم ينقد، وقد اكتال الطعام أو لم يكتل، وقد تفرقا أو لم يتفرقا بزيادة ما كانت الزيادة؛ قال أما إذا لم يكتل فلا تحل

له الزيادة فيه على حال من واحد منهما ما كانت الزيادة لا نقدا ولا إلى أجل، كان الثمن نقدا أو إلى أجل؛ نقد أولم ينقد، افتراقا أو لم يفترقا؛ لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى، ولا يحل فيه إلا الإقالة برأس المال بعينه، لا ينفع فيه غير ذلك من زيادة ولا تأخير ولا غير نقده؛ قال وإن كان قد اكتاله ولم يتفرقا، ولم يغب عليه المبتاع، وكان الثمن نقدا ولم يكن انتقد، فلا يحل أن يستقيل منه المبتاع بزيادة شيء من الأشياء مؤخرة؛ لأنه إن كان الذي اشتراه به ذهبا وكان الذي يزيده ذهبا إلى أجل كان بيعا وسلفا من قبل أن البائع كأنه اشترى منه الطعام الذي باعه منه ببعض الثمن الذي وجب له عليه نقدا أو أسلفه بقيته إلى أجل، فكان بيعا وسلفا، قال: وإن كان الذي يزيده ورقا نقدا، فلا بأس؛ وإن كان إلى أجل فلا خير فيه؛ لأنه ذهب بورق إلى أجل، وطعام مع ذلك معجل؛ قال وإن كان الذي يزيده عرضا إلى أجل، كان ذلك دينا بدين؛ لأنه يحول من الثمن الذي وجب له عليه نقدا في طعام معجل وسلعة مؤخرة، وكان الدين بالدين لا شك فيه؛ قال ولا بأس أن يزيده شيئا معجلا من ذهب، أو ورق، أو عرض، أو حيوان، أو طعام من صنف طعامه، أو من غير صنفه، قال: وأما إذا كان قد نقد الثمن واكتال الطعام فليست تهمة، وهو بيع حادث يبتدئان فيه ما يبتدئان في غيره؛ فإن كان الثمن إلى أجل وقد اكتاله ولم يتفرقا، فلا بأس به أيضا أن يستقيل منه المبتاع بزيادة ما كانت الزيادة من شيء من عرض أو حيوان أو طعام من صنفه أو من غير صنفه- نقدا، ما لم تكن

الزيادة من الثمن الذي عليه، فإن كانت كذلك، فلا خير فيه نقدا، ولا بأس به إلى أجل بعينه في عينه ونحوه، ووزنه وسكته، يجري مجرى العروض سواء؛ لأنه كأنه اشتراه منه ببعض ماله عليه، وبقيت عليه بقية إلى أجله، فلا بأس به؛ قال ولا يزيده ورقا نقدا، ولا إلى أجل أبعد من الأجل؛ لأنه ذهب بورق إلى أجل وطعام معجل؛ لأنه وإن كان الثمن ورقا، فهو مجرى الذهب أيضا، ولا يزيده شيئا من العروض، ولا الطعام، ولا الحيوان إلى الأجل؛ لأنه دين بدين؛ قال وإن كانا قد تفرقا وغاب عليه المبتاع، فلا يحل أن يستقيل منه المبتاع أيضا بزيادة شيء من الأشياء لا عين ولا عرض ولا طعام، لا من صنفه ولا من غير صنفه، ولا إدام، ولا غير ذلك نقدا، ولا إلى الأجل؛ لأن ذلك الزيادة في السلف، فذلك الربى. قال وإن كان البائع هو المستقيل بزيادة ولم ينتقد، فسواء كان الثمن نقدا أو إلى أجل، وسواء تفرقا أو لم يتفرقا؛ فإن كان قد اكتاله فلا بأس أن يزيده ما شاء من العين الذهب، والورق، والعروض، والحيوان، نقدا أو إلى أجل؛ لأنه كأنه اشترى ذلك الطعام بالثمن الذي كان له عليه وزيادة زاده إياها نقدا أو إلى أجل؛ إلا أن تكون الزيادة منه في الاستقالة من الطعام طعاما، فإنه إن كان طعاما وكان من غير صنفه ومما يحل متفاضلا يدا بيد، فلا بأس به نقدا، ولا خير فيه

إلى أجل؛ لأنه طعام بطعام إلى أجل، وإن كان من صنف طعامه مما لا يجوز إلا مثلا بمثل؛ فلا يحل على حال نقدا ولا إلى أجل؛ لأنه إن كان نقدا كان قمحا وذهبا بقمح أو شعير، أو ذهبا بقمح، أو ذهبا وسلتا بقمح، فلا يحل على حال؛ وإن كان الثمن إلى أجل، فهو أشد، ويدخله غير وجه واحد، وهو حرام صراح. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة صحيحة، وقد مضى القول عليها في رسم القبلة ما فيه بيان لها؛ ولا اختلاف في شيء منها إلا في موضعين، أحدهما إن كان المبتاع هو المستقيل بزيادة ورق وكان الثمن حالا فإنه أجازه؛ ومعناه على مذهبه إذا كان ذلك أقل من صرف دينار، ويجوز على مذهب أشهب وإن كان أكثر من صرف دينار، والثاني قوله إذا كان البائع هو المستقيل بزيادة طعام من غير صنفه، فإنه أجاز ذلك إذا كانت الزيادة نقدا وإن كان الثمن إلى أجل؛ ولم يجز ذلك ابن حبيب إلا إذا كان الثمن حالا؛ وقد اختلف في هذا الأصل قوله فيمن باع طعاما بثمن إلى أجل، أنه يجوز له أن يشتريه منه قبل أن يغيب عليه وزيادة عليه بمثل الثمن إلى ذلك الأجل مقاصة، وطعام من غير صنفه يزيده إياه معجلا؛ لأنه اشترى منه طعاما قبل أن يغيب وزيادة عليه بالثمن الذي له عليه معجلا يزيده إياه، فجاز وإن كان الثمن إلى أجل؛ لأنه يسقط عنه بالمقاصة فيتباريان، مثل قول ابن القاسم في المسألة التي بعد هذه على أصله في هذه، وهذا الاختلاف جار على اختلافهم في مراعاة الأجل مع انحلال الذمم، فمرة راعاه واعتبره وإن سقط الدين ووقعت البراءة منه،

مسألة: كان الثمن إلى أجل وقد اكتاله المبتاع ولم يتفرقا

ومرة لم يراعه إذ قد سقط الدين ووقعت البراءة منه، فجوابه في هذه المسألة وفي التي تأتي له بعدها على ترك الاعتبار. [مسألة: كان الثمن إلى أجل وقد اكتاله المبتاع ولم يتفرقا] مسألة قال وإن كان الثمن إلى أجل وقد اكتاله المبتاع ولم يتفرقا، فأراد البائع أن يشتري بعضه أو كله بنقد أو مقاصة، فلا بأس به أن يشتريه بمثل الثمن أو أكثر نقدا أو مقاصة؛ ولا خير في أن يشتريه كله بأدنى من الثمن نقدا؛ لأنه كأنه أعطاه قليلا في كثير، وكان القمح بينهما لغوا؛ ولا بأس به مقاصة من الثمن إذا كانا لم يتفرقا، ولا خير أيضا في أن يشتري بعضه ببعض الثمن نقدا وإن كانا لم يتفرقا؛ لأنه بيع وسلف؛ ولا بأس به مقاصة؛ ولا بأس أن يشتري بعضه بمثل الثمن أو أكثر نقدا أو مقاصة؛ لأنه ليس فيه تهمة؛ وهذا كله إذا لم يتفرقا، غير أنه إذا اشترى بعضه بنقد لم يحل له أن يشتري شيئا منه إلا بجميع الثمن؛ وإن اشترى مقاصة، فلا تبالي بأي ثمن اشتراه؛ وهذا كله إذا لم يتفرقا ولم يغب المبتاع عليه؛ وإن كان قد تفرقا وغاب المبتاع على الطعام، فلا يحل أن يشتري منه البائع بعضه ببعض الثمن نقدا ولا مقاصة؛ لأنه إن كان نقدا كان بيعا وسلف دنانير؛ وإن كان مقاصة كان بيعا وسلف طعام، كأنه باعه خمسين إردبا - إلى أجل على أن يسلفه خمسين إردبا، فانتفع بها ثم ردها إليه؛ ولا بأس أن يشتري منه مثل كيله في صفته بمثل الثمن، أو أكثر نقدا أو مقاصة

ليس فيه تهمة، ولا خير في أن يشتري منه أدنى من كيله بمثل الثمن أو أكثر مقاصة؛ لأنه أخذ من ثمن الطعام طعاما، وهو قول مالك استثقالا منه له إذا كان أخذ أقل من كيله وهو سهل؛ ولو أن قائلا قاله وأجازه، لم أره خطأ، ولا بأس أن يشتري منه أقل من كيله بمثل الثمن، أو أكثر بنقد وليس فيه تهمة؛ ولا خير في أن يشتري منه أكثر من كيله، ولا كيله وزيادة معه ما كانت الزيادة بمثل الثمن، ولا بأكثر نقدا؛ لأن ذلك الزيادة في السلف، وذلك حرام؛ لأنه إن كان نقدا، كان بمنزلة رجل باع ثوبا بعشرة إلى شهر، ثم اشتراه وشيئا آخر معه بعشرة نقدا قبل الأجل، فذلك الزيادة في السلف لا شك فيه، رجعت إليه سلعة وأعطاه عشرة نقدا بعشرة يأخذها إلى شهر وسلعة يتعجلها فذلك حرام؛ وإن كان الثمن في الطعام مقاصة، صدر كأنه أعطاه طعاما في طعام أكثر منه إلى أجل، أو في طعام مثله وزيادة شيء آخر معه؛ وكان الثمن لغوا إذا كان مثل الثمن؛ وإن كان بأكثر من الثمن، كان قد وقع أيضا من ذلك لطعامه حصة من الزيادة التي يزدادها على كيل طعامه؛ فكان ذلك الزيادة في السلف لا شك فيه، ودخله أيضا أن يأخذ من ثمن الطعام طعاما؛ وإن كانا لم يتفرقا، فلا خير فيه أيضا، وإن كان قد اكتاله أو يشتري منه أكثر منه، ولا طعامه وزيادة شيء آخر معه بمثل الثمن، ولا بأكثر نقدا؛ لأنه إن كان بمثل الثمن؛ كان الزيادة في السلف ورجع إليه طعامه، وأعطاه مائة في مائة مثلها إلى أجل وزيادة تعجلها؛

وإن كان بأكثر من الثمن، كان بيعا وسلفا رجع إليه طعامه واشترى منه الزيادة التي أخذ مع طعامه بالزيادة التي زاده على الثمن، وأسلفه الثمن برده إليه إلى الأجل فلا يحل؛ ولا بأس به مقاصة بمثل الثمن وأكثر، كانت الزيادة التي مع الثمن معجلة، أو مؤخرة؛ فليس فيه تهمة إذا كانا لم يتفرقا؛ لأنه إنما اشترى منه طعامه ولم يغب عليه المبتاع وزيادة معه بالثمن الذي كان له عليه أجلا وزيادة يزيدها معجلة أو مؤخرة ما كانت؛ فهو ههنا إذا لم يتفرقا يجري مجرى العروض، فلا بأس به ما لم تكن الزيادة المؤخرة طعاما؛ وإن كان من غير صنفه فيكون الطعام بالطعام إلى أجل، أو تكون الزيادة التي يزداد مع كيل الطعام مؤخرة إن كانت عرضا فيكون الدين بالدين؛ وإن كان نقدا فلا بأس به، ما لم تكن الزيادة من صنفه؛ ولا خير في أن يشتريه أيضا وزيادة معه من صنفه، ولا من غير صنفه، ولا ما كانت بأدنى من ثمنه ولا بثمنه نقدا؛ وإن كانا لم يتفرقا من قبل أنه كأنه أعطاه دنانير في أكثر منها إلى أجل وزيادة مع ذلك أيضا معجلة وهو بين؛ ولا بأس به مقاصة من الثمن؛ لأنه إنما اشتراه منه وزيادة معه ببعض الثمن الذي كان له عليه وبقي بقيته إلى أجل، فليس في هذا تهمة؛ لأنه لم يغب عليه المبتاع؛ والطعام ههنا إذا لم يكن يغيب عليه، فإنما هو بمنزلة العروض؛ لأن العروض وإن غاب عليها المبتاع فلا بأس أن يشتريها البائع إذا كان بعينه وعرضا آخر معه مقاصة ببعض الثمن الذي كان له عليه، ويبقى ما بقي

إلى أجله، أو بالثمن كله الذي له عليه مقاصة؛ وليس يدخله الزيادة في السلف؛ لأنها سلعته بعينها، فليس فيه تهمة، وهو بيع حادث؛ وإنما يدخله ذلك إذا كان إنما يرد إليه عرضا من صنف عرضه، وعرضا آخر معه؛ فأما سلعته بعينها فليس فيه تهمة، وأما التهمه في الطعام إذا غاب عليه؛ لأنه لا يعرف أنه طعامه بعينه فتدخله الزيادة في السلف وغيره أيضا. قال محمد بن رشد: قوله في آخر المسألة وإن كان الثمن إلى أجل، يريد وإن كان الثمن الذي باع به الطعام إلى أجل؛ لأنها معطوفة على المسألة التي قبلها، وهذه مسألة تنتهي في التفريع إلى أربع وخمسين مسألة، وثمان عشرة في الشراء بالنقد، وثمان عشرة في الشراء إلى الأجل مقاصة، وثمان عشرة في الشراء إلى أبعد من الأجل؛ وذلك أنه قد يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه قبل أن يغيب عليه بمثل الثمن وبأقل منه، وبأكثر نقدا؛ وقد يشتريه منه وزيادة عليه بمثل الثمن أيضا، وبأقل منه، وبأكثر نقدا وقد يشتريه منه بعضه بمثل الثمن أيضا، وبأقل منه وبأكثر نقدا؛ فهذه تسع مسائل إذا لم يغب المبتاع على الطعام، وتسع آخر إذا غاب عليه، فهو ثمان عشرة مسألة في الشراء نقدا، ومثلها في الشراء إلى أجل مقاصة، ومثلها أيضا في الشراء إلى أبعد من الأجل، فأما الست والثلاثون مسألة المتفرعة في الشراء بالنقد، وإلى الأجل، فمنها خمس عشرة مسألة لا تجوز، وهي أن يشتري منه بأقل من الثمن، نقد الطعام الذي باع منه بعينه قبل أن يغيب عليه، أو بعضه أو كله وزيادة عليه؛ وأن يشتري منه بأقل من الثمن أيضا مثل الطعام الذي باع منه بعد أن غاب عليه أو أقل منه، أو أكثر نقدا أو مقاصة؛ وأن يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه وزيادة عليه بمثل الثمن أو بأكثر منه نقدا، وأن يشتري منه مثل الطعام بعد أن غاب عليه وزيادة عليه بمثل الثمن، أو بأكثر منه نقدا ومقاصة؛ ومسألة يختلف في

جوازها وهي أن يشتري منه أقل من الطعام بعد أن غاب عليه بمثل الثمن إلى الأجل؛ لأنه يكون مقاصة فيدخله الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما؛ فكرهه مالك في أحد قوليه، واتهمه في أن يكون دفع طعاما في أقل منه إلى أجل ليحرزه في طعامه إلى ذلك الأجل؛ واستخفه في القول الثاني لما بعدت التهمة عنده في ذلك؛ لأن الناس في الأغلب لا يقصدون إلى أن يدفعوا كثيرا في قليل للضمان؛ وعشرون جائزة وهي الباقية، وأصل ما يعرف به الجائز منها من غير الجائز وهو أن الشراء بأقل من الثمن لا يجوز، وشراء أكثر من الطعام لا يجوز؛ فهذان الوجهان لا يجوز ما تفرع منهما نقدا ولا مقاصة إن غاب على الطعام، ولا نقدا إن لم يغب على الطعام؛ ويعرف الفساد فيما لا يجوز منها بأن ينظر إلى ما خرج عن يد كل واحد منهما وما يرجع إليه؛ فتجد المكروه قد وقع بينهما، ومتى وجد المكروه قد وقع بين المتبايعين باجتماع الصفقتين أنهما على القصد إليه، والعمل عليه على مذهب مالك في الحكم بالمنع من الذرائع، ومن قال بقوله في ذلك، وأما الثمان عشرة مسألة المتفرعة في الشراء إلى أبعد من الأجل، فمنها ثلاث عشرة مسألة تجوز، ومسألة لا تجوز؛ ومسألة مختلف في جوازها، وهي أن يشتري منه مثل الطعام بمثل الثمن إلى أبعد من الأجل؛ لأنه يدخله أسلفني وأسلفك فاستخفه ابن القاسم، وكرهه ابن الماجشون؛ ولو لم يغب على الطعام، لجاز باتفاق؛ لأن طعامه رجع إليه بعينه فكان لغوا، وأسلف المبتاع الأول البائع الأول عشرة دراهم عند شهر يأخذها منه عند شهرين، فآل الأمر بينهما إلى قرض صحيح من المبتاع للبائع؛ وأربع جائزة، وأصل ما يعرف به الجائز منها من غير الجائز، هو أن الشراء بأكثر من الثمن لا يجوز، وشراء بعض الطعام لا يجوز؛ فهذان الوجهان لا يجوز ما تفرع منهما، غاب على الطعام أو لم يغب عليه؛ وما عدا هذين الوجهين يجوز إن لم يغب على الطعام، ولا يجوز إن غاب عليه حاشا المسألة المختلف فيها المتقدمة الذكر، ويعرف الفساد فيما لا يجوز منها بأن ينظر أيضا إلى ما خرج عن يد كل واحد منهما وما يرجع إليه؛ فتجد المكروه قد وقع بينهما، فيتهمان على القصد إليه والاستحلال له، لما

مسألة: العجين بالدقيق هل يجوز فيه السلم

أظهراه من البيعتين الصحيحتين في الظاهر؛ هذا إذا كان الطعام الذي يشتريه منه بعد أن غاب عليه من صفة الطعام الذي باع منه؛ فإن كان من غير صفته فله حكم غير هذا؛ وحكم العروض في ذلك حكم الطعام إذا لم يغب عليه، وقد أفردنا لهذه المسألة المتفرعة إلى هذه المسائل جزءا، أنزلنا فيه المسائل كلها مسألة مسألة؛ وذكرنا علل ما لا يجوز منها، ووجه جواز الجائز منها؛ وبسطنا القول في ذلك بسطا شافيا، فمن أحب الوقوف على ذلك طالعه وتأمله، وفيما ذكرناه ههنا وأصلناه كفاية لمن له فهم. [مسألة: العجين بالدقيق هل يجوز فيه السلم] مسألة وسئل ابن القاسم عن العجين بالدقيق فقال الأخير فيه على وجه من الوجوه. قلت وإن تحرى؟ قال الأخير فيه وإن تحرى، فرددته مرارا، فقال إن تحرى فلا بأس به. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم. [مسألة: باع طعاما بمائة دينار إلى شهر] مسألة وسألته عن رجل باع طعاما بمائة دينار إلى شهر، فلما حل الشهر اشترى بائع الطعام من رجل آخر طعاما فأحاله عليه بالثمن. قال لا بأس بذلك، قال مالك: وإنما نهى سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وابن شهاب، عن أن يبيع الرجل حنطة بذهب ثم يشتري بالذهب قبل أن يقبض الذهب من بائعه الذي اشترى منه الحنطة؛ فأما أن

يشتري بالذهب الذي باع به الحنطة إلى أجل تمرا من غير بائعه الذي باع منه الحنطة قبل أن يقبض منه الذهب، ويحيل الذي اشترى منه التمر على غريمه الذي باع منه الحنطة بالذهب الذي له عليه في ثمن التمر، فلا بأس بذلك؛ قال مالك: وقد سألت عن ذلك غير واحد من أهل العلم، فلم يروا به بأسا؛ قلت لابن القاسم فلو أحال الذي عليه المائة الدينار بائع الطعام على غريم له عليه مائة دينار، فيجوز لبائع الطعام أن يأخذ من الذي احتال عليه بالمائة دينار طعاما؟ قال لا يجوز ذلك، قلت أفيجوز للذي اشترى منه بائع الطعام تمرا وأحاله بثمن التمر على المشتري للطعام؟ أيجوز لبائع التمر أن يأخذ من مشتري الطعام طعاما في المائة التي أحيل بها عليه؟ قال لا خير فيه. قال محمد بن رشد: قوله فيمن باع طعاما بمائة إلى شهر، فلما حل الشهر اشترى من رجل آخر طعاما فأحاله عليه بالثمن، أنه لا بأس به صحيح؛ لأنه باع من رجل واشترى من غيره، فلم يكن في ذلك وجه من التهمة؛ ولو اشترى بمائة دينار بعينها طعاما من غيره لجاز أيضا، إذ لم يأخذ الطعام من الذي باع منه الطعام، فيتهم على أنه باع منه طعاما بطعام، فكيف إذا لم يشتر بها بعينها، وإنما اشترى على ذمته، ثم أحاله على ثمن الطعام؟ وليس في قوله في السؤال: فلما حل الشهر، دليل على أن ذلك لا يجوز قبل محل الشهر، بل جائز وإن لم يحل الشهر أن يشتري بها طعاما من غيره، وأن يشتري طعاما بمائة دينار حالة عليه ثم يحيل بها على المائة التي له من ثمن الطعام إلى شهر؛ لأنه يجوز للرجل أن يستحيل بما حل من دينه فيما حل وفيما لم يحل؛ ولما جاء النهي مجملا عن سعيد،

مسألة: باع ثوبا بعشرة دنانير إلى شهر ثم استقال صاحبه فأبى إلا بشرط

وسليمان، وأبي بكر، وابن شهاب، أن يبيع الرجل حنطة بذهب، ثم يشتري بالذهب، قبل أن يقبضها تمرا؛ بين مالك أن معنى قولهم إنما هو إذا اشترى التمر من بيعه الذي باع منه الحنطة بالذهب التي له عليه؛ لأنه إذا فعل ذلك، كان قد أخذ من ثمن الحنطة تمرا، فاتهم على أنه باع منه الحنطة بالتمر إلى أجل؛ وأما إذا اشترى التمر من غير الذي باع منه الحنطة بتلك الذهب التي له عليه، - أي على الذي باع منه الحنطة واشترى التمر بثمن حال عليه، ثم أحال الذي باعه منه بثمنه على الذي باع منه الحنطة فذلك جائز، إذ لا تهمة في ذلك؛ وقول مالك فيما تأوله عليهم، هو نص قوله في موطئه، وهو صحيح على ما بيناه، وقول ابن القاسم إنه لا يجوز للذي وجبت له المائة دينار من ثمن الطعام إذا أحيل بها أن يأخذ من الذي استحال عليها بها فيها طعاما صحيح؛ لأنه غريم غريمه، فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا ما كان يجوز له أن يأخذه من غريمه. وأما قوله إنه لا يجوز للذي استحال بثمن التمر على ثمن الطعام أن يأخذ ممن استحال عليه طعاما فذلك بين، إذ لم يكن يجوز أيضا للذي أحاله أن يأخذ من الذي أحاله عليه طعاما؛ وأصل هذا أن من أحال رجلا على رجل بحق له عليه كائنا ما كان، فلا يجوز للمحال أن يأخذ من الذي أحيل عليه إلا ما كان يجوز له أن يأخذ من الذي أحاله، وما كان يجوز للذي أحاله أن يأخذ من المحال عليه؛ إنه ينزل في الدين الذي أحمل به بمنزلة من أحاله، ومنزلته في الدين الذي أحيل به. [مسألة: باع ثوبا بعشرة دنانير إلى شهر ثم استقال صاحبه فأبى إلا بشرط] ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم في رجل باع ثوبا بعشرة دنانير إلى شهر،

باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر ثم اشتراها بخمسة نقدا وستة إلى ذلك الشهر

ثم استقال صاحبه، فأبى أن يقيله إلا أن يسلفه عشرة دنانير إلى أبعد من الأجل، أو إلى دون الأجل؛ قال: لا خير فيه، ويدخله بيع وسلف؛ فإن كان إلى الأجل بعينه، فإن ناسا يجيزونه، وناسا يكرهونه؛ وقد كان مالك يتقيه، وأنا أكرهه وأتقيه ولا أحرمه. قال محمد بن رشد: أما إذا أقاله على أن يسلفه عشرة دنانير حالة، أو إلى دون الأجل، أو إلى أبعد من الأجل، أو أقل من عشرة، أو أكثر؛ فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز، ولا إشكال في وجه الفساد فيه؛ لأنه بيع وسلف عن ظهر يد، فهو صريح البيع والسلف، وفي قوله إنه يدخله بيع وسلف نظر، إذ لا يقال إن هذا الفعل يدخله بيع وسلف، إلا إذا كان ظاهره الصحة ولم يصرح فيه بالبيع والسلف؛ إلا أن ذلك يؤخذ فيه بالاعتبار مثل أن يبيع الرجل سلعة بعشرة دنانير إلى أجل، ثم يقيله منها على أن يزيده المبتاع دينارا نقدا أو إلى أبعد من الأجل؛ وأما إذا أقاله على أن يسلفه عشرة إلى الأجل بعينه، فأجازه أشهب وحمله لما رجعت إليه سلعة بعينها، كأنه اشتراها منه بالعشرة التي دفع إليه؛ فإذا حل الأجل، أخذ منه العشرة التي كان باع بها منه السلعة، وكان ذكر السلف لغوا؛ ومن كرهه اعتبر فساد اللفظ وراعاه؛ وقول أشهب أظهر؛ لأن الفعل إذا كان مستقيما لم ينظر إلى قبيح اللفظ، وهو نص قول مالك في المدونة، وبالله التوفيق. [باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر ثم اشتراها بخمسة نقدا وستة إلى ذلك الشهر] ومن كتاب أوله يدير ماله وقال فيمن باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة نقدا، وستة إلى ذلك الشهر. قال لا بأس به؛ لأنه إذا كان الشهر قاصه بستة من العشرة التي له عليه، واسترجع منه أربعة، فليس في هذا تهمة أن يعطي خمسة ويأخذ أربعة، ولو كان باعها بخمسة نقدا وخمسة إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة نقدا وبستة إلى شهر، لم يكن فيه خير، إلا أن يكونا في مجلسهما ذلك

لم يتفرقا ولم يغب على الدينار، فلا بأس به؛ لأن هذا حينئذ باع سلعة ابتداء بستة إلى شهر، فإذا كان الشهر، قاصه بخمسة مما له عليه واسترجع دينارا، فكان ثمن السلعة إنما هو دينار، فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قال؛ لأنهما بيعتان صحيحتان في الظاهر، فإذا ظهر فيهما بمجموعها فساد، اتهما على القصد إليه، فلم يجز ذلك من فعلهما؛ وإذا لم يظهر فيهما بمجموعها فساد، جاز ذلك من فعلهما؛ والمسألة الأولى آل الأمر فيها بينهما إلى أن رجعت للبائع سلعته بعينها، وكان قد دفع إلى المبتاع خمسة نقدا ويأخذ منه إذا حل الأجل أربعة؛ فلا يتهم أحد في دفع خمسة في أربعة، والمسألة الثانية معناها أنه باع السلعة بخمسة نقدا، وخمسة إلى شهر، فانتقد الخمسة وبان بها وغاب عليها، ثم لقيه بعد ذلك فاشتراها منه بخمسة نقدا وستة إلى شهر؛ فوجب ألا يجوز ذلك؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن رجعت إلى المبتاع سلعته بعينها، ودفع المبتاع إلى البائع خمسة نقدا؛ فانتفع بها وردها إليه ويعطيه دينارا إذا حل الأجل، فاتهما على أنهما قصدا إلى أن سلفه خمسة دنانير، على أن يعطيه دينارا إذا حل الأجل؛ فإن كان لم ينقده الخمسة الدنانير، أو كان قد نقده إياها، فلم يغب عليه جاز ذلك؛ لأن الأمر آل إلى أن سلعته بعينها، ويعطيه إذا حل الأجل دينارا دون أن يسلفه شيئا أو يغيب له عن شيء. وقوله فيها واسترجع دينارا، اللفظ وقع على غير تحصيل، إذ لم يدفع إليه شيئا يسترجع منه الدينار، وإنما كان حق الكلام أن يقول فإذا كان الشهر قاصه بالخمسة من الستة التي له عليه وأخذ منه الدينار الزائد. وكذلك قوله فكان ثمن السلعة إنما هو دينار، كلام وقع أيضا على غير تحصيل، والمراد به: فكان الذي ربح معه في السلعة إنما

مسألة: السلف في الخوخ

هو دينار؛ لأن الدينار إنما هو ربح في السلعة للمبتاع لا ثمن لها؛ وذلك أنه لما اشترى منه السلعة بخمسة نقدا وخمسة إلى شهر، ثم اشتراها منه البائع بخمسة نقدا وستة إلى شهر؛ كانت الخمسة النقد بالخمسة النقد مقاصة، والخمسة التي إلى شهر بخمسة من الستة التي إلى شهر مقاصة أيضا، ويبقى للمبتاع الأول قبل البائع دينار ربح ربحه معه في السلعة يأخذه منه. [مسألة: السلف في الخوخ] مسألة وقال في الخوخ لا بأس به اثنين بواحد أخضر كله، أو يابس كله؛ وعين البقر كذلك، ولا خير في رطبه بيابسه من صنف واحد؛ لأن ذلك مخاطرة؛ فهو وإن كان يصلح متفاضلا، فلا يصلح رطبه بيابسه، وإنما هو بمنزله التين الرطب لا بأس به واحد بواحد أخضر كله، أو يابس كله؛ ولا خير في رطبه بيابسه وإن كان واحدا بواحد، للحديث أيضا أنه نهي عن الرطب باليابس، وهو بمنزلة الرطب بالتمر يابسا أيضا. قال محمد بن رشد: أما الرطب باليابس من الصنف الواحد الذي لا يجوز فيه التفاضل، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز لما جاء في الحديث من أن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا نعم، قال فلا إذا» . وأما الرطب باليابس من الصنف الواحد الذي يجوز فيها التفاضل كالتفاح، والخوخ، وعيون البقر، وشبهها؛ فاختلف فيه على ثلاثة أقوال، أحدها: أن ذلك لا يجوز وإن تبين التفاضل، وهو دليل احتجاجه في هذه الرواية، وفي سماع

مسألة: باع ثوبين بسلعة موصوفة إلى أجل

أصبغ بعد هذا، لعموم لفظ النهي عن الرطب باليابس. والثاني أن ذلك جائز وإن لم يتبين الفضل بينهما، وهو قول ابن القاسم في رسم باع شاة بعد هذا، فمنه ما يجوز فيه التفاضل بالتحري. والثالث أن ذلك جائز إن تبين الفضل بينهما، وغير جائز إن لم يتبين الفضل بينهما؛ وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع في القرط الرفيع بالقرط اليابس، والتفاح الأخضر بالتفاح المقدد؛ وهو دليل اعتلاله في هذه الرواية، وفي سماع أصبغ أيضا بالغرر، والمخاطرة، والمزابنة؛ وقياسه فيها الخوخ وعيون البقر على التين والتمر بعيد؛ لأن التمر لا يجوز فيه التفاضل، فلا خلاف في أنه لا يجوز بالرطب على حال. وكذلك التين لا يجوز فيه أيضا التفاضل؛ لأنه مما ييبس ويدخر؛ روى ذلك ابن وهب عن مالك، فالأخضر منه باليابس لا يجوز أيضا على حال؛ وقد قيل إن ذلك كله ليس باختلاف من القول، وإنما يرجع ذلك إلى أنه إن تبين الفضل بينهما وسلما من المزابنة جاز، وإن لم يتبين الفضل بينهما لم يجز، وإلى هذا ذهب الفضل؛ وأما الرطب باليابس من صنفين كانا مما يجوز فيه التفاضل، أو مما لا يجوز فيه التفاضل، فلا اختلاف في جوازه بكل حال. [مسألة: باع ثوبين بسلعة موصوفة إلى أجل] مسألة وسألته عمن باع ثوبين بسلعة موصوفة إلى أجل، ثم باع تلك السلعة قبل الأجل من صاحبها الذي هي عليه بثوب من صنف ثوبيه، قال لا بأس به، وإنما هو بمنزلة دينارين في سلعة إلى أجل، ثم باعها منه بدينار، فليس في هذا شيء. قال محمد بن رشد: إنما جاز هذا؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن دفع البائع إلى المبتاع ثوبين، ثم أخذ منه بعد ذلك ثوبا واحدا من صنف ثوبيه، وإلى أن دفع المسلم إلى المسلم إليه دينارين، ثم أخذ منه بعد ذلك دينارا واحدا؛ ولا يتهم أحد في أن يدفع ثوبين في ثوب من صفته إلى أجل، ولا دينارين في دينار واحد إلى أجل، وإن كان لا يجوز أن يسلم الرجل ابتداء

باع من رجل شيئا من العروض ثم يندم مبتاعه قبل أن ينقده الثمن

دينارين في دينار واحد إلى أجل، ولا ثوبين في ثوب من صنف ثوبيه إلى أجل؛ فقف على هذا واعرفه، وقد تقدم قبل هذا في رسم أسلم، وبالله التوفيق. [باع من رجل شيئا من العروض ثم يندم مبتاعه قبل أن ينقده الثمن] ومن كتاب البراءة قال عيسى: وسألته عن رجل باع من رجل شيئا من العروض مما يكال أو يوزن، أو مما لا يكال ولا يوزن مما عدا الطعام؛ ثم يندم مبتاعه قبل أن ينقده الثمن، فيريد أن يعطيه دينارين أو ثلاثة على أن يقيله من سلعته؛ أيجوز ذلك له، وإنما اشتراه بدينار أو يعطيه دراهم، وإنما كان اشتراه منه بالدنانير؟ قال إن كان الثمن نقدا فلا بأس به أن يزيده ما شاء معجلا ولا يكون مؤخرا، فإنه إن كان الذي باعه به ذهبا فأخر عنه ما يزيده من الذهب، كان بيعا وسلفا؛ وإن زاده ورقا متأخرا، كان ذهبا بورق إلى أجل وعرضا معجلا؛ وإن زاده عرضا مؤخرا، كان دينا بدين؛ ولا يصلح في هذا، إلا أن يكون كل ما زاده معجلا؛ وإن كان الثمن إلى أجل، فكان الثمن ذهبا أو ورقا، فإن كان الثمن ذهبا؛ فلا يزيده ذهبا نقدا ولا إلى دون أجلها، ولا إلى أبعد من أجلها، ولا مخالفة لسكتها؛ ولا يصلح إلا أن يكون الذي يزيده مثل نقده في عينه وجودته إلى أجله، ولا يزيده ورقا نقدا ولا إلى أجل دون أجلها، ولا إلى أبعد من الأجل؛ وإن كان الثمن ورقا يزيده دراهم نقدا ولا إلى دون أجلها، ولا إلى أبعد

من أجلها، وهي في الورق بمنزلتها في الذهب، مجراهما واحد؛ ولا بأس أن يزيده عرضا معجلا ولا يؤخره، وإن كان الثمن عرضا فلا يزيده عرضا يشبه العرض الذي له عليه نقدا، ولا إلى دون الأجل، ولا إلى أبعد من الأجل، ولا بأس به إلى الأجل؛ لأنه يجري مجرى الذهب والورق، ولا بأس أن يزيده عرضا نقدا مخالفا للعرض الذي له عليه يعجله ولا يؤخره؛ قال وإن كان البائع هو الزائد، فلا بأس أن يزيده ذهبا أو ورقا أو عرضا معجلا أو مؤخرا، إلا أن يكون ذلك العرض يشبه العرض الذي يستقيله منه، فإن كان يشبهه فلا خير فيه إلى أجل؛ ولا بأس به معجلا، وذلك أنه يبتاع منه سلعة بعشرة دنانير عينا عليه، وبدينار زاده إلى أجل أو نقدا؛ قال وهو مثل ما لو كان لي عليك عشرة دنانير إلى أجل، فابتعت منك سلعة بالعشرة دنانير التي لي عليك، ودينارين إلى أجل؛ فافهم واستعن بالله يعينك، والله الموفق، اللهم عونك يا معين. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم في الطعام، وحكم المكيل والموزون من غير الطعام في استقالة البائع والمبتاع بزيادة ممن كانت منهما، كحكم الطعام في ذلك بعد استيفائه بالكيل أو الوزن على ما قد ذكرناه هناك، لجواز بيع المكيل والموزون من غير الطعام قبل استيفائه على مذهب مالك، فلا معنى لإعادته.

الرجل له الذهب بالمدينة أراد أن يشتري بها زيتا بالشام

[الرجل له الذهب بالمدينة أراد أن يشتري بها زيتا بالشام] ومن كتاب الجواب وسألته عن الرجل من أهل الأندلس يكون له المال الموضوع بمصر عند القاضي أو عند رجل وضعه له القاضي عنده من موروث أو غير ذلك؛ هل يجوز للرجل أن يشتريه منه بالأندلس بعرض ويخرج إليه؟ قال ابن القاسم سئل مالك عن الرجل له الذهب بالمدينة عند قاضيها أراد أن يشتري بها زيتا بالشام، أو طعاما ولا يدري ما حدث على الذهب؟ قال مالك لا خير في ذلك. فقيل له فكيف العمل في ذلك والصواب؟ قال يتواضعان الزيت والطعام على يد رجل ثم يخرج إلى الذهب، فإن وجدها تم البيع بينهما؛ قال ابن القاسم فإن تواضعا العرض على يد غيرهما لم يكن به بأس، ويخرج إلى الذهب، فإن وجدها تم البيع، وإن لم يجدها فأخلف له مكانها، وأعطاه عرضا منها، لزم ذلك بائع العرض على ما أحب أو كره، وإن كان بائع الدنانير الغائبة يقبض العروض ولا يتواضعانها، فلا يحل ذلك إلا أن يكون ضامنا للدنانير إن لم توجد أعطاه مكانها غيرها؛ فإن كان كذلك فلا بأس به؛ وإن كان بائع الدنانير الغائبة فلا يقبض العرض، ولا يمكنه منه صاحبه، ولا يتواضعانه ولا يخرج من يده، لم يكن بذلك بأس؛ وخرج إلى الدنانير، فإن وجدها لم يقبضها حتى يقبض المشتري العرض؛ لأنه يصير حينئذ كمن اشترى سلعة غائبة بدنانير، فلا يصلح النقد فيها حتى تقبض السلعة أو تحضر. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة حسنة وقد مضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم ما فيه بيان لها، فلا معنى لإعادته.

سلف عشرة دنانير في طعام إلى أجل

[سلف عشرة دنانير في طعام إلى أجل] ومن كتاب أوله إن أمكنتني وقال في رجل سلف عشرة دنانير في طعام إلى أجل، فلما حل الأجل، قال: بعني طعاما أقضيكه، فباعه بعشرة دنانير نقدا فقضاه عشرة. قال إذا باعه بعشرة دنانير مثل نقده فلا بأس به؛ لأنها إقالة، فإذا باعه بأحد عشر دينارا فإنه حرام؛ لأنه باع عشرة بأحد عشر إلى أجل وهو بيع الطعام قبل استيفائه؛ وإذا باعه بتسعة لم يحل أيضا؛ لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى. قال محمد بن رشد: قوله فباعه بعشرة دنانير نقدا فقضاه عشرة، معناه فنقده العشرة التي اشترى منه بها الطعام وقضاه الطعام فيما كان له عليه من السلم على ما شرط عليه؛ وعلى هذا أتى جوابه، وقد مضى القول على هذه المسألة في أول مسألة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، والله الموفق. [اشترى من رجل سلعة بثمن إلى أجل] ومن كتاب القطعان قال عيسى وسمعت ابن القاسم وسئل عن رجل اشترى من رجل سلعة بثمن إلى أجل، ثم إن البائع أمر رجلا أن يشتري له سلعة بنقد ودفع إليه دنانيره فاشتراها المأمور من المشتري بأقل من الثمن الذي كان ابتاعها به المشتري، وقد علم المأمور أن الأمر باعها منه أو لم يعلم وقد فاتت السلعة، قال لا خير فيه.

فإن أدرك، فسخ البيع؛ وإن لم يدرك، لم أر له عليه إلا رأس ماله؛ ولا ينبغي له أن يدفع إلى رجل ذهبا يسيرة في أكثر منها إلى أجل، ويجعل السلعة محللة لذلك، وإن لم يعلم المشتري بأن البائع هو الذي أدخل ذلك عليه، فذلك سواء؛ قال ابن القاسم: وقد سئل مالك عن الرجل يبيع من الرجل السلعة بثمن إلى أجل، ثم يشتريها من المشتري رجل عندهم قاعد، فإذا وجب البيع ونقده، سأله البائع الأول أن يبيعها منه بربح؛ فكره ذلك كراهية شديدة وقال: لا خير فيه. فهذا إنما هو بمنزلة التحليل، فمسألتك مثلها في القياس؛ فإن قال قائل إن المشتري لم يظن أنه اشتراها منه رسول البائع، فقد اشترى البائع الأول سلعته من رجل ليس هو رسول له، وهذا أدنى مما سألته عنه، فلا أرى له إلا رأس ماله. قال محمد بن رشد: إنما ساوى بين أن يعلم المأمور أن الآمر باعها؛ أو لم يعلم ذلك؛ وبين أن يعلم المشتري أنه رسول للبائع، أو لم يعلم، وقال إن ذلك كله سواء؛ لأنه لا يصدق واحد منهما في أنه لم يعلم؛ لأن السلعة قد رجعت أيضا إلى صاحبها البائع لها أولا، وظهر المكروه من فعلهم، فهم كلهم متهمون فيه، كالمسألة التي احتج بها في ذلك، وقد تكلمنا عليها في رسم حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم. وقوله فإن أدرك، فسخ البيع؛ يريد إن أدركت السلعة قائمة بيد البائع الأول فسخ البيع الثاني، وردت السلعة إلى المشتري الأول. وقوله وإن لم يدرك لم أر له عليه إلا رأس ماله. يريد بقوله وإن لم

مسألة: تباع الأرض إذا كان فيها زرع صغير بطعام

يدرك أي وإن لم يدرك السلعة بيده، وكانت قد فاتت ولم يبين بماذا تفوت به، وقد مضى القول على ذلك في رسم حلف ليرفعن أمرا من سماع ابن القاسم. وقوله لم أر له عليه إلا رأس ماله، ظاهره وإن كانت قيمتهما أكثر من الثمن الذي باعها به أولا، مثل ظاهر قول مالك، وما تأول أبو إسحاق التونسي على ابن القاسم؛ وقد مضى القول على ذلك، وذكر الاختلاف فيه في رسم حلف المذكور، فلا وجه لإعادته. [مسألة: تباع الأرض إذا كان فيها زرع صغير بطعام] مسألة قال ابن القاسم تباع الأرض إذا كان فيها زرع صغير بطعام إذا كان ذلك الزرع يئول إلى الطعام، وإن كانت الأرض بيضاء، فلا بأس أن يشتريها بطعام نقدا أو إلى أجل. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، وسحنون يجيز ذلك على أصله في إجازة بيع السيف المحلى بالذهب نقدا أو إلى أجل إذا كان الذي فيه من الذهب الثلث فأقل، وفي إجازته بيع الحائط بثمرته قبل أن يبدو صلاحها بطعام نقدا أو إلى أجل؛ وهو مذهب ابن الماجشون، وهو وجه القياس؛ لأنه إذا جاز أن يباع الزرع وهو صغير بالدنانير والدراهم مع الأرض، لكونه تبعا للأرض؛ وكأنه لم يقع عليه حصة من الثمن، جاز أن يباع بالطعام لكونه تبعا للأرض؛ فكأنه لم يقع أيضا عليه حصة من الثمن؛ وأما بيعها بيضاء، لا زرع فيها، فلا اختلاف في جواز بيعها بالطعام نقدا وإلى أجل، بخلاف الكراء. [مسألة: اشترى قمحا إلى أجل فلما حل الأجل قال المشتري للبائع أقلني] مسألة قال ابن القاسم في رجل اشترى قمحا إلى أجل، فلما حل

أجل الطعام، قال المشتري للبائع إني أخاف الوضعية فأقلني، فقال البائع للمشتري لا وضيعة عليك، خذ بعض هذا القمح فبعه فما نقصت، دفعت ذلك إليك، ودفعت إليك بقية قمحك، قال ابن القاسم لا بأس به، وهو بمنزلة ما لو دفع إليه الطعام كله ثم قال له بع فلا نقصان عليك، وما وضعت فيه وضعت عنك. قال محمد بن رشد: قوله اشترى قمحا إلى أجل يريد سلم في قمح إلى أجل، وهذه مسألة قال فيها أبو عمر الأشبيلي إنها مخالفة لما في السلم الثاني من المدونة. يريد مسألة الذي سلم مائة درهم في مائة إردب، ثم لقيه بعد ذلك فاستزاده، فزاده مائة إردب إلى محل أجل الطعام، أو قبله أو بعده؛ لأنه قال فيها لا بأس بذلك؛ لأنه لو اشترطه في أصل السلف لم يكن بذلك بأس؛ فاقتضى تعليله أنه لا يجوز أن يزيده دنانير ولا دراهم، إذ لا يجوز أن يشترط ذلك في أصل السلف؛ وأجاز في هذه المسألة أن يدفع المسلم إليه للمسلم ما نقص في الطعام من رأس ماله دنانير كان أو دراهم؛ وهو لو اشترط ذلك في أصل السلم لم يجز؛ لأنه كان يدخله البيع والسلف؛ لأن ما أعطاه من الدنانير يكون سلفا رده إليه وما بقي سلما، ولا أقول إن ذلك اختلاف من القول، والمعنى في ذلك عندي أنه تكلم ههنا على ما يجوز له فيما بينه وبين الله؛ فقال إنه لا بأس عليه أن يأخذ منه ما وضع له إن كان لم يعمل معه على بيع وسلف، وقد تكلم في المدونة على ما يوجب الحكم من أنه لا يقضي عليه بشيء مما زاده. إلا أن تكون تلك الزيادة مما لو اشترطها في أصل السلم جازت، ولو أبى المسلم إليه

مسألة: اشترى من رجل طعاما ما مضمونا إلى أجل يوفيه إياه بموضع سماه له

في هذه المسألة على معنى ما في المدونة أن يدفع إليه ما أوجب له من ذلك على نفسه لم يحكم عليه بذلك، لاحتمال أن يكون عقدا سلمهما على ذلك. [مسألة: اشترى من رجل طعاما ما مضمونا إلى أجل يوفيه إياه بموضع سماه له] مسألة قال ابن القاسم في رجل اشترى من رجل طعاما ما مضمونا إلى أجل يوفيه إياه بموضع سماه له، ثم أعطاه بعد ذلك دنانير على أن يتكارى لذلك الطعام ويحمله إلى بلد آخر، قال ابن القاسم إن كان يوفيه إياه بالموضع الذي شرط له في أول، ثم يتكارى له بعد استيفائه إياه من يحمله له إلى موضع آخر، فلا بأس به؛ لأن الضمان على المشتري وقد برئت منه ذمة البائع؛ وإن لم يستوف منه بالموضع الذي شرط عليه أو لا حتى تكارى له، وحمله (له) إلى الموضع الآخر، فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها؛ لأنه إذا كان يوفيه الطعام في الموضع الذي شرط عليه أن يوفيه فيه، فإنما هو متطوع له في تمون الكراء عليه من ذلك الموضع بالدنانير التي دفع إليه بعد أن برئت منه ذمته، وحصل في ضمان صاحبه؛ فذلك جائز لا بأس به، وإن كان إنما يقضيه منه بالموضع الذي سأله أن

ليس بين الذكر والأنثى اختلاف في شيء من الأشياء

يتكارى له عليه إليه، صار قد اشترى منه الطعام بذلك الموضع بالطعام الذي كان له عليه في الموضع الذي كان شرط عليه في أصل السلم أن يوفيه، وبالدنانير التي دفع إليه عن الكراء؛ لأنه إذا كان لا يقبض منه الطعام إلا في الموضع الذي أراد أن يحمله له إليه، فإنما يكرى على طعام نفسه، وإن شاء لم يكر، وهذا بين، وبالله التوفيق، لا إله إلا هو. [ليس بين الذكر والأنثى اختلاف في شيء من الأشياء] ومن كتاب أوله باع شاة قال عيسى قال لي ابن القاسم ليس بين الذكر والأنثى اختلاف في شيء من الأشياء حتى يحل من ذلك واحد في اثنين إلى أجل في شيء من الأشياء: لا في الرقيق، ولا في الدواب، ولا في الأنعام، ولا في الماشية، ولا في الطير؛ وإنما الذكر والأنثى إذا كان من صنف واحد هو واحد، لا يجوز أحد باثنين من صنفه، إلا أن يختلف في غير ذلك؛ قلت له صف لي ما الاختلاف في الرقيق من الجواري والعبيد الذي إذا بلغته، جاز منه واحد إلى أجل باثنين، وهل اختلاف الأجناس والجنس، واختلاف الأثمان اختلاف، يجوز من ذلك واحد باثنين إلى أجل؛ قال ابن القاسم ليس اختلاف الأجناس في الرقيق، ولا اختلاف الأثمان، ولا اختلاف الصباحة بالذكور، ولا في الإناث

بشيء، ولا يجوز شيء من هذه الوجوه واحد باثنين إلى أجل، وإنما الاختلاف في هذا الذي يجوز منه واحد باثنين إلى أجل؛ فأما في الرقيق الذكور، فالتجارة، والفصاحة، والنفاذ في الأمور؛ فإذا كان فصيحا، تاجرا نافذا، فلا بأس أن يباع الواحد باثنين وبأكثر من ذلك إلى أجل، من ذكور وإناث ليسوا مثله في التجارة، والفصاحة؛ ولا نبالي كانوا من جنسه أو من غير جنسه. قلت فالجارية الصبيحة العربية التي ثمنها ألف دينار بجاريتين وخشيتين ليستا من جنسها ولا بحسنها إلى أجل؛ قال ليس الحسن ولا الفصاحة شيئا، لو كان لجارية ثمان ألف دينار لحسنها وفصاحتها، وليس في يديها صنعة من طبخ ولا خبز ولا رقم، لم تحل بجاريتين ثمن عشرين دينارا إلى أجل؛ قال وليس اختلاف الجنوس بشيء، لا تحل جارية نوبية ليس في يديها صنعة من طبخ ولا خبز ولا رقم وإن بلغ حسنها ما يكون ثمن ألف دينار بجاريتين صقليتين ولا بربريتين، ولا شيء من الأجناس. قلت أفيحل أن يعطي جاريتين أو ثلاثا طباخات خبازات بجارية ليس في يديها عمل إلى أجل؟ قال: ليس بذلك بأس. قلت فهل يجوز الصغير بالكبير أو الكبير بالصغير من الرقيق إلى أجل؟ قال ابن القاسم ليس الصغر والكبر اختلافا في الرقيق، ولا يجوز صغير في المهد بكبير، ولا كبير بصغير حتى يكون الكبير تاجرا فصيحا كما أخبرتك ليس الكبر والصغر اختلافا في الرقيق حتى

يجوز واحد من ذلك باثنين إلى أجل؛ قلت له فهل الغزل أو العمل للطيب صنعة في الجواري؟ قال ليس عمل الطيب بشيء؛ وأما الغزل فجميع النساء يغزلن، فليست بصنعة والذي سمعت إذا كان كانت طباخة وخبازة؛ وأنا أرى الرقم وما أشبه ذلك من الصنعة. قلت فالجارية التي تقرأ وتكتب؛ قال ليس هذا بصنعة، وإنما الصنعة ما أخبرتك في الجواري في الطبخ والخبز والرقم، وما أشبه ذلك؛ وفي الذكور التجارة، والفصاحة، والنفاذ. قلت أرأيت إن كان العبد تاجرا وليس بفصيح، أو كان فصيحا وليس بتاجر، أو عبدا فصيحا تاجرا بجاريتين أو ثلاث خبازات طباخات. قال أصل ذلك في الذكور التجارة، ولا نبالي كان فصيحا أو غير فصيح؛ وأما إذا كان فصيحا ليس بتاجر فليس ذلك بشيء؛ وأما العبد التاجر بالجاريتين الطباختين فلا بأس به؛ لأنه قد اختلفت صناعتهم؛ قلت فالجارية الطباخة بالجاريتين الخبازتين؟ قال لا خير فيه؛ لأن هذا كله بعضه قريب من بعض، إلا أن تكون رقامة أو صناعة. قال محمد بن رشد: اتفق مالك وأصحابه وجل أهل العلم على أنه لا يجوز سلم الجنس الواحد بعضه في بعض من الحيوان والعروض، إلا أن تختلف وتتباين تباينا متفاوتا، تختلف فيه الأغراض والأسواق، فيمكن أن يتفق أحد الصنفين دون الآخر فيكونا في معنى الجنسين الذي لا يتيقن فيه الفضل لأحد المتبايعين، لإمكان نفاق كل واحد منهما دون صاحبه عند

الأجل؛ لأنه إذا سلم الصنف في مثله أكثر عددا أو أفضل صفة، لم يكن بيعا وكان سلفا جر منفعة، لتيقن المنفعة فيه للدافع؛ فكان إنما أسلف ذلك الشيء على أن يأخذ فيه أكثر من عدده أو أفضل من صفته، وذلك حرام لا يحل ولا يجوز، «لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن سلف جر منفعة» ، مبينا لما في كتاب الله من الربى الذي حرمه فيه؛ وإن سلفه في مثله أقل عددا أو أدنى صفة، كان المسلم لذلك الشيء إنما ترك له كثرة عدده أو فضل صفته ليحرزه له في ضمانه إلى ذلك الأجل، فكان ما ترك له من ذلك ثمنا للضمان، وذلك غرر وحرام؛ هذه جملة الاختلاف فيها بينهم، وقد يختلفون فيما يتباين فيه الصنف الواحد فيراه بعضهم يسيرا لا يخرجه إلى صنف آخر، ويراه بعضهم كثيرا يخرجه إلى صنف آخر بالاجتهاد الذي تعبد الله به العلماء من عباده فيما لا نص له فيه؛ إذ ليس في ذلك حد يرجع إليه في الكتاب والسنة ولا في الإجماع، كالصباحة والحسن في الجواري، لم ير ذلك ابن القاسم اختلافا يجوز به سلم القليل في الكثير إلى أجل ورأى ذلك ابن حبيب اختلافا فيها يجوز به ذلك، وكالقراءة والكتاب، الظاهر من هذه الروايات، أن ذلك ليس باختلاف في الذكور ولا في الإناث، ورآه ابن حبيب اختلافا في الذكور والإناث؛ وحكى عن ابن القاسم أنه اختلاف في الذكور دون الإناث، فالرقيق كلهم ذكورهم وإناثهم، صغارهم وكبارهم، صنف واحد عند ابن القاسم وإن اختلفت أجناسهم وألوانهم وصباحتهم؛ ما لم يختلفوا في صنائعهم، كالعبد التاجر النافذ في الأمور، أو الصناع بيده كالنجار والخياط أو الأمة الرقامة،

مسألة: الفرس إذا لم يعرف له جودة إلا أنه فرس عربي

أو النساجة، أو الخبازة، أو الطباخة؛ فيجوز من ذلك كله سلم ما له صنعة فيما لا صنعة له، وما له صنعة فيما له صنعة إذا افترقت الصنع وتباينت؛ فهذه جملة في هذا الباب، وأصل يقاس عليه ويرجع إليه؛ وإنما كان الصغير والكبير من الرقيق صنفا واحدا بخلاف الدواب؛ لأن الدابة لا ينتفع بها قبل الركوب، والصغير ينتفع به وهو صغير قبل البلوغ، ولما لم يكن في ذلك حر وكان يختلف اختلافا متباينا حمل الباب كله محملا واحدا، فجعل الصغير مع الكبير صنفا واحدا وإن كان معهودا؛ وأيضا فإن النفاق فيهم بمنزلة سواء، إذا نفق الصغير، نفق الكبير؛ وإذا كسد الصغير، كسد الكبير، وهذه هي العلة عندي في كون الذكور والإناث صنفا واحدا وإن كانت الأغراض في ذلك مختلفة. [مسألة: الفرس إذا لم يعرف له جودة إلا أنه فرس عربي] مسألة قلت لابن القاسم أرأيت الفرس إذا لم يعرف له جودة إلا أنه فرس عربي سمين جميل، ثمنه مائة دينار ببرذونين ثمن عشرين دينارا إلى أجل؛ قال لا خير فيه ولا يجوز، إلا أن يكون جوادا معروفا بالسبق فيحل. قلت فما متنهى السن الذي إذا بلغته الخيل، لم يحل قارح باثنين منها إلى أجل؟ قال إذا أجذع وركب، فقد صارت المنافع واحدة، فعند ذلك لا يحل. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه: أن الخيل ثلاثة أصناف، كبارها صنف: ذكورها وإناثها؛ وصغارها صنف: ذكورها وإناثها، والجواد منها المعروف بالسبق

مسألة: تسليف حولي بكبير إلى أجل

والجري صنف. ذكورها وإناثها؛ فإذا اختلفت هذه الأصناف، جاز منها الواحد بالاثنين إلى أجل؛ فيجوز سلم الصغار منها في الكبار، والكبار في الصغار، والكبار في الكبار إذا اختلفت في الجودة والسبق، وتباينت في ذلك تباينا بعيدا. [مسألة: تسليف حولي بكبير إلى أجل] مسألة قال ابن القاسم، أما حولي بكبير إلى أجل، فلا خير فيه؛ وأما صغيران بكبير إلى أجل، فلا بأس به؛ لأنه بيع؛ قال وإنما يجوز الحولي بالقارح، وأما القارح بحولي فلا يحل إلى أجل، ولا حولي بقارح إلى أجل؛ لأن هذا ليس بوجه بيع؛ لأنه إذا كان القارح بالحولي، فإنما هو رجل أعطى فرسا على أن يضمن له حوليا أدنى منه إلى أجل؛ فصار مبتاعا لضمان الحولي بزيادة سن القارح على الحولي؛ وإن كان حوليا بقارح إلى أجل، فإنما هو رجل زاد في سلفه، أعطاه حوليا إلى أجل على أن يقضي قارحا، ولا يكون البيع بينهما حتى يكون اثنان بواحد، وتختلف فيهما المنافع؛ فإن كان على وجه ابتغاء الفضل، كان بيعا؛ وإن لم يكن على وجه ابتغاء الفضل، كان على وجه السلف فحرم؛ لأنه إذا كان واحد باثنين، أو اثنان بواحد؛ أو صغيران بكبيرين، أو كبيران بصغيرين؛ فهو عند الناس بيع فيما تفاوت من أثمانهما وأسنانهما، فلا يكون بذلك بأس؛ قال ولا بأس بعلوين من الحمير بقارح إلى أجل؛ ولا خير في صغير بكبير، ولا كبير بصغير؛ ولا صغير بصغيرين؛ أو أكثر من ذلك إلى أجل؛ وأما كبارها بكبارها، فلا خير في ذلك واحد باثنين إلى أجل؛ قلت له إنه يكون

منهما حمار يبلغ مائة دينار، وحماران ليس ثمنهما خمسة عشر دينارا، فلا يحل منهما واحد بعدة من غيرها إلى أجل؟ قال: ليس اختلاف أثمانها ولا جنسها ولا سيرها باختلاف يحل له منها واحد باثنين إلى أجل، إلا أن يكون من حمر الأعراب، فلا بأس بالحمار المصري الفاره بالأعرابيين وأكثر من ذلك؛ وأما حمر مصر، فكلها صنف واحد لا يحل منها واحد باثنين إلى أجل؛ والحمير والبغال صنف واحد لا يحل بغل بحمارين إلى أجل، ولا حمار ببغلين إلى أجل؛ إلا أن يكون كبير بصغيرين، أو صغير بكبيرين، فلا بأس به؛ وهو مثل الحمير، وهي صنفها؛ وكذلك قال لي مالك، قال عيسى إذا بان اختلاف الحمير، فأراها كالخيل والإبل، وقال أصبغ مثله. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم حمل صبيا القول في سلم الواحد في الواحد، والاثنين في الواحد، والواحد في الاثنين من الصغار في الكبار، أو الكبار في الصغار من جنس واحد مستوفى، فلا معنى لإعادته. وقوله في الحمير مثل ما له في المدونة: أنها ثلاثة أصناف: صغارها وكبارها صنفان: حمر مصر منها إلى الركوب صنف، وحمر الأعراب التي للخدمة صنف؛ وقال عيسى وأصبغ إن ما تباين من حمر مصر في السير وتفاوت فيه، يجوز بما ليس بمسيار اثنان بواحد إلى أجل، وإلى هذا ذهب ابن حبيب. وقوله إن البغال والحمير صنف واحد، هو مثل قوله في المدونة، خلاف ما ذهب عليه ابن حبيب من أن البغال صنف على حدة، فيجوز كبارها بكبار الحمير، وصغارها بصغار الحمير اثنان بواحد إلى أجل؛ تكلم ابن القاسم على ما يعرف بمصر من أن الحمير تتخذ للركوب كالبغال؛ وتكلم ابن حبيب على ما يعرف بالأندلس من أن الحمير لا تتخذ للركوب،

مسألة: السلف في الدجاج والحمام والأوز وجميع الطير الداجن

وإنما هي للخدمة مع اختلاف أجناسها، ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم أنه راعى تشابههما في وجوه المنافع وإن افترقت أصولها؛ فقوله في البغال والحمير نحو مذهب أشهب في أن رقيق ثياب القطن والكتان صنف واحد، لتشابههما في المنفعة وإن اختلفت أصولهما؛ والذي يأتي على مذهب ابن القاسم في البغال والحمير على ما يعرف بالأندلس من أنها صنف واحد، لا يجوز صغير من البغال بصغيرين من الحمير إلى أجل وما كان يستمطى من كبار البغال صنف لا يجوز بما لا يستمطى منها، ولا بكبار الحمير اثنان بواحد إلى أجل؛ وما لا يستمطى منها وإنما هو للخدمة، فهو مع الحمير صنف واحد، لا يجوز منها بغل بحمارين إلى أجل. [مسألة: السلف في الدجاج والحمام والأوز وجميع الطير الداجن] مسألة قلت فالدجاج والحمام والأوز، وجميع الطير الداجن الذي يكون عند الناس، هل يحل واحد باثنين إلى أجل مثل الدجاجة البياضة المعروفة بذلك بالدجاجاتين أو الثلاث ممن ليست مثلها في كثرة ما تبيض غير أنها تبيض؛ قال لا يحل دجاجة بدجاجتين، ولا إوزة بإوزتين؛ ولا شيء من الطير الداجن واحد باثنين إلى أجل وإن تفاضلت في البيض والفراخ، ليس هذا اختلافا يحل به واحد باثنين من جنسه إلى أجل؛ ولا يحل صغير الطير بكبيره، ولا كبيره بصغيره إلى أجل؛ ولا يحل دجاجة كبيرة

مسألة: الخبز واللحم والبيض يباع بعضه ببعض تحريا

بفروجين، ولا فروج بدجاجتين، ولا إوزة بفرخ إوزة، ولا يحل صغير بكبير من جنسه في شيء من الطير؛ قال ابن القاسم إلا أن يكون الطير الداجن مما ليست فيه منفعة إلا اللحم، مثل الدجاجة التي لا تبيض وقد فسدت وليست تراد إلا للذبح، فإذا كان كذلك، فلا بأس أن يباع بما لا يستحيى من الطير؛ لأنه لحم كله ولا يكون ذلك إلا يدا بيد، لا يدخل في شيء منه أجل ولا تأخير على التحري. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه أن ما كان من الطير الذي يقتنى للبيض أو الفرخ كالدجاج والإوز والحمام، فكل جنس منه صنف على حدة: صغاره وكباره، ذكوره وإناثه، لا يجوز بعضه ببعضه اثنان بواحد إلى أجل، وإن تفاضل في البيض والفراخ؛ فإن اختلفت الجنسان، جاز الواحد منه بالاثنين إلى أجل، وأن ما كان منها لا يقتنى لبيض ولا فرخ، فسبيله سبيل اللحم عند ابن القاسم، لا تراعى الحياة القائمة فيه إلا مع اللحم؛ وأشهب يراعيها في كل حال، فيجوز على مذهبه فيها سلم بعضها في بعض إذا اختلفت أجناسها بمنزلة ما يقتنى لبيض أو لفراخ، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم حبل حبلة من سماع عيسى، فقف على ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: الخبز واللحم والبيض يباع بعضه ببعض تحريا] مسألة قال ابن القاسم وقد قال لي مالك إن الخبز واللحم والبيض يباع بعضه ببعض تحريا أن يكون فيما يعطى ما يأخذ مثلا بمثل، بلا كيل ولا وزن؛ قال ابن القاسم وذلك إذا بلغه التحري

ولم يكثر حتى لا يستطاع أن يتحرى، وكذلك كل ما يباع وزنا ولا يباع كيلا، فإنه يجري مجرى هذا؛ وكل صنف من الطعام أو غيره مما يجوز منه واحد باثنين من صنفه، فلا بأس باقتسامه على التحري، كان مما يكال أو يوزن، أو مما لا يكال ولا يوزن. قال محمد بن رشد: قوله إن كل ما يباع وزنا ولا يباع كيلا مما لا يجوز فيه التفاضل، يجوز بيع بعضه ببعض على التحري، هو مثل ما في المدونة، ومثل ما مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم؛ وقد مضى القول على ذلك هنالك. وقول ابن القاسم إن ذلك إنما يجوز فيما لم يكثر حتى لا يستطاع أن يتحرى، تفسير لقول مالك؛ وكما يجوز بيع بعضه ببعض بالتحري، فكذلك يجوز اقتسامه بالتحري، وقد قال ابن حبيب إن ذلك لا يجوز، ومعنى ذلك فيما كثر، والله أعلم. وأما ما يباع كيلا ولا يباع وزنا مما لا يجوز فيه التفاضل، فلا اختلاف في أنه لا يجوز أن يباع بعضه ببعض بالتحري، ولا أن يقتسم على التحري؛ وأما ما يجوز فيه التفاضل، فاختلف في جواز قسمته على التحري، وبيع بعضه ببعض على التحري على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك جائز فيما لا يباع كيلا، وإنما يباع وزنا كالفاكهة، أو جزافا كالبقول؛ وهو مذهب ابن القاسم فيما حكى عنه ابن عبدوس. والثاني أن ذلك جائز فيما يباع كيلا أو وزنا أو عددا، وهو مذهب أشهب وقول ابن القاسم في هذه الرواية، وإليه ذهب ابن حبيب. والثالث أن ذلك لا يجوز فيما يباع كيلا ولا فيما يباع وزنا وعددا، وهو الذي في آخر كتاب السلم الثالث من المدونة. ودليل ما وقع في كتاب القسم من المدونة

مسألة: باع ألف إردب بمائة إلى سنة فوجده يبيعه في السوق فأراد أن يشتري منه بنقد

في البقول، أنه لا يجوز أن تقسم حتى تجز وتباع؛ وقد وقع في بعض الكتب حتى تجز أو تباع، فإذا ثبت الألف في ذلك، دل على جواز القسمة فيه على التحري بعد الجز على ما ذهب إليه ابن عبدوس من جواز التحري فيما لا يكال مما يجوز فيه التفاضل. [مسألة: باع ألف إردب بمائة إلى سنة فوجده يبيعه في السوق فأراد أن يشتري منه بنقد] مسألة قال ابن القاسم قال لي مالك لو أن رجلا باع ألف إردب بمائة دينار إلى سنة، فوجده يبيعه في السوق، فأراد أن يشتري منه بنقد؛ قال إن اشترى منه بنقد بمثل الثمن الذي له عليه، وبمثل الكيل الذي باعه إياه، أو أدنى من كيله، فلا بأس به؛ فقيل لمالك فلو حل الأجل فأتاه يتقاضاه ثمنه، فلم يجد عنده ثمنا فأراد أن يأخذ منه من صنف طعامه أقل من كيله بما يسأله من الثمن؛ قال مالك لا يعجبني، قال عيسى وقد قال مالك في كتاب الرطب باليابس من سماع ابن القاسم لا بأس به. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى فيها القول مستوفى في رسم حبل حبلة؛ لأنها من جملة الفروع التي فرعنا المسألة الواقعة فيه إليها، وذكرنا حكمها وأصلها، ووجه القياس فيها، فلا معنى لإعادتها. [خبز القمح بخبز الأرز متفاضلا] من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى قال ابن القاسم أكره خبز القمح بخبز الأرز

مسألة: طير الماء الذي لا يستحيى أيباع قبل أن يستوفى

متفاضلا؛ لأنهما إذا صارا خبزا، فقد صارا صنفا واحدا؛ وهما عندي وما أشبهه هما يجمعه أسم الخبز، بمنزلة الخل: خل العنب والتمر والعسل وأشباه ذلك مما أصوله مختلفة؛ فإذا اجتمع خلا، جمعه الاسم والمنفعة، وحرم بعضه ببعض متفاضلا. قال محمد بن رشد: الأخباز، والأخلال، والأنبذة، والأسوقة، لا يراعى أصولها؛ لأن المنفعة فيها واحدة؛ فلا يجوز التفاضل في الخبز، ولا في الخل، ولا في النبيذ ولا في السويق وإن افترقت أصولها فكانت مما يجوز فيه التفاضل، خلاف الزيوت يجوز التفاضل في الزيت إذا اختلفت أصوله، فكان هذا زيت زيتون، وهذا زيت فجل أو جلجلان، وما أشبه ذلك؛ هذا هو المشهور، وقد روي عن ابن القاسم أن التفاضل في الأخباز القطنية جائز باختلاف أصوله، وروى ابن جعفر الدمياطي عنه أن خبز القطنية كلها صنف، وأن خبز ما عدا القطنية من القمح والشعير والسلت والأرز والذرة والدخن صنف؛ فيجوز التفاضل في خبز ذلك كله بخبز القطنية، ولا يجوز التفاضل في أخباز القطنية، ولا في أخباز ما عدا القطنية، وإذا كانت أصول الأخباز مما يجوز فيه التفاضل، فتعتبر المماثلة في أعيان الأخباز على مذهب من لا يجيز التفاضل فيها؛ وإن كانت مما لا يجوز فيه التفاضل: مثل خبز القمح، وخبز السلت أو الشعير، فالمماثلة تكون فيها بأن يتحرى كيل ما دخل في كل واحد منهما من الدقيق على ما في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع. [مسألة: طير الماء الذي لا يستحيى أيباع قبل أن يستوفى] مسألة وسئل عن طير الماء الذي لا يستحيى أيباع قبل أن يستوفى؟ قال لا، هو عندي بمنزلة الطعام.

مسألة: الرجل يبيع السلعة من الرجل إلى أجل بمائة دينار

قال محمد بن رشد: معناه إذا أسلم فيه، وأما إذا اشتراه بعينه فالنقد يدخل في ضمانه؛ لأنه جزاف؛ ويجوز بيعه قبل قبضه كالصبرة تشتري جزافا؛ وهذا على أصل ابن القاسم في أن هذه الحياة غير مرعية؛ وأما على مذهب أشهب، فيجوز له أن يبيعه قبل أن يستوفيه وإن أسلم فيه؛ لأن الحياة فيه مرعية عنده على ما قد ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا، وفي رسم حبل حبلة. [مسألة: الرجل يبيع السلعة من الرجل إلى أجل بمائة دينار] مسألة قال ابن القاسم في الرجل يبيع السلعة من الرجل إلى أجل بمائة دينار، ثم يتعدى فيبيعها من رجل آخر بعشرة دنانير نقدا، أن المشتري الأول أحق بسلعته ما لم تفت؛ فإن فاتت خير، فإن شاء أخذ العشرة الدنانير من البائع، وأعطاه عند الأجل عشرة ليس له عليه غيرها، ويوضع عنه التسعون التي أراد أن يربي له بها عليه؛ وإن كانت قيمة السلعة أكثر من العشرة الدنانير التي باعها بها نقدا، كان للمشتري الأول أن يغرم للبائع تلك القيمة ولا يقضيه عند حلول أجل المائة إلا القيمة التي قبض من البائع، لا يصلح للمشتري أن يرد على البائع عند الأجل المائة، إلا قرر ما قبض منه من عدة الدنانير العشرة التي باع بها نقدا، أو القيمة إن كان قبض منه القيمة وليس للبائع

أن يأبى دفع ذلك إليه، وليس له أن يتعجل قبض ذلك منه قبل الأجل، ولا أن يزداد عليه أكثر مما دفع إليه. قال محمد بن رشد: جعل ابن القاسم تعدي البائع على السلعة وبيعها بالنقد بعد أن كان باعها بثمن إلى أجل إذا اختار المشتري الأول أن يجيز البيع ويأخذ الثمن الذي باعها به نقدا، أو القيمة إن كانت قد فاتت وهي أقل من الثمن الذي كان اشتراها به؛ بمنزلة إذا اشتراها منه بالنقد بعد أن كان باعها منه بثمن إلى أجل، وأنهما على القصد إلى دفع دنانير في أكثر منها إلى أجل؛ فقال إنه يقضى له على البائع إن كانت السلعة قد فاتت بالأكثر من الثمن الذي باعها به أو القيمة، ولا يأخذ منه عند الأجل إلا ذلك، ويطرح عنه الزائدة ويدخل في هذا من الاختلاف ما يدخل فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم اشتراها بأقل من ذلك نقدا وفاتت السلعة؛ وذلك ثلاثة أقوال، أحدها هذا؛ والثاني أنه يفسخ البيع الأول إذا أبى المبتاع الأول من أخذ سلعته وأراد أخذ الثمن، أو فاتت وأراد أخذ القيمة؛ وإن كانت القيمة أكثر من الثمن، فلا يحكم له على البائع بشيء من ذلك ويسقط عنه الثمن؛ وهو الذي يأتي على ظاهر ما في رسم حلف من سماع ابن القاسم، وما في رسم القطعان من سماع عيسى. والثالث الفرق بين أن تكون القيمة أو الثمن أكثر من الثمن الذي عليه إلى الأجل وأقل، فإن كان أقل فسخ البيع الأول وسقط عنه الثمن ولم يقض له بقيمة ولا ثمن؛ وإن كان أكثر، قضى له بأخذ القيمة أو الثمن؛ فإذا حل الأجل أدى ما عليه حسبما مضى القول فيه في رسم حلف المذكور، وقد قيل إن عدا البائع على السلعة، بخلاف شرائه لها، فلا يتهمان مع العداء، ويحكم له بأخذ الثمن أو القيمة إن كانت السلعة قد فاتت، ويكون عليه إذا حل الأجل الثمن الذي كان عليه وإن كان أكثر مما قبض من القيمة أو الثمن.

مسألة: يشتري من الرجل عبدا بمائة دينار إلى أجل

[مسألة: يشتري من الرجل عبدا بمائة دينار إلى أجل] مسألة وقال ابن القاسم في الرجل " يشتري من الرجل عبدا بمائة دينار إلى أجل، وللمشتري على البائع مائة مثلها إلى ذلك الأجل أو حالة، فاستقال المشتري البائع من العبد، فقال البائع لا أقيلك إلا أن تضع عني المائة الدينار التي لك علي؛ فقال المشتري قد فعلت؛ إن ذلك جائز؛ لأنه رجل قضاه ما له عليه من المائة الدينار، وزاده مع القضاء عطية العبد؛ وإنما يجوز ذلك إذا كانت المائة التي للمشتري على البائع حالة أو إلى أجل ثمن العبد، وكان ما لكل واحد منهما على صاحبه متكافئا؛ ألا ترى أنها إذا كانت حالة، فقد عجل له قضاء مائة محاها عنه بمائة كانت له عليه إلى أجل، وأعطاه العبد بلا ثمن أخذه منه؛ وكذلك أيضا إذا كانت إلى أجل ثمن العبد، فهو يمحو عنه المائة بالمائة التي قبله ويزيده العبد بلا ثمن؛ ولم يدخل ذلك شيء من المكروه، قال وإن كان للمشتري قبل البائع أكثر من المائة التي عليه من ثمن العبد حالة أو إلى أجل ثمن العبد؛ فاستقاله على أن وضع ذلك عنه، فهو مثل ما وصفنا من المسألة الأولى حلال جائز؛ قال وإن اختلفت الآجال، فكان الذي بكل واحد على صاحبه مثل الذي لصاحبه عليه أو أقل أو أكثر، لم يصلح له أن يقيله على أن يفسخ المشتري عن البائع دينه الذي له عليه؛ وذلك أن يبيع الذهب بالذهب إحداهما معجلة والأخرى إلى

أجل يدخله؛ ألا ترى أنه إذا كانت مائة المشتري على البائع إلى شهر، وقد وجبت عليه مائة من ثمن العبد إلى سنة، فاستقاله على أن محا عنه المائة التي إلى شهر، فإنما اشترى المائة التي عليه إلى سنة بالعبد الذي رد، وبمائة يقاصه بها إلى شهر؛ وكذلك إن كانت مائة المشتري على البائع إلى أبعد من أجل ثمن العبد لم يصلح أيضا، ولا تصلح هذه الإقالة على فسخ ما للمشتري على البائع حتى يكون حقه حالا أو إلى أجل ثمن ما اشترى. قال محمد بن رشد: أما إذا كانت مائة المشتري على البائع حالة، فجواز ذلك بين لا أشكال فيه؛ لأن المبتاع عجل للبائع المائة التي عليه إلى أجل، إذ أعطاه بها المائة التي له عليه حالة؛ وله أن يعجلها فعجل له ما من حقه تعجيله وزاده مع التعجيل عطية العبد، وكذلك إن كان الذي للمشتري على المائع أكثر من مائة؛ لأنه عجل له حقه ووضع عنه الزائد، وزاده عطية العبد، وأما إن كان الذي للمشتري على البائع أقل من مائة، فلا يجوز بحال؛ لأن البائع يصير قد أخذ من المائة التي له أقل من مائة والعبد، فيدخله عرض وذهب بذهب إلى أجل، وضع وتعجل؛ وأما إذا كانت المائة التي له عليه إلى أجل ثمن العبد، فقال إن ذلك جائز؛ لأنه محا عنه المائة بالمائة، وزاده العبد؛ وفي ذلك من قوله نظر؛ لأن محو المائة عنه بالمائة ليس من حقه، فصار البائع إنما أجابه إلى المقاصة على أن أخذ منه العبد؛ ولعله خشي هو إن لم يقاصه أن يقوم عليه الغر ماء قبل حلول الأجل، فيتحاص معهم في المائة التي عليه؛ فرضي أن يعطيه العبد على أن يقاصه بالمائة في المائة، ليتخلص بالمائة التي عليه دون الغرماء، فيدخله ذهب وعرض بذهب؛ وهذا بين، فلا فرق في القياس بين أن تكون مائة المشتري على البائع إلى أجل ثمن العبد، أو إلى دونه إذا لم تكن حالة؛ وأما إذا كانت المائة التي للمشتري على البائع إلى أبعد من أجل

مسألة: يبيع من الرجل السلعة بعشرة دنانير إلى شهر وبثوب نقدا

ثمن العبد، أو إلى دونه؛ فالمكروه في ذلك بين؛ لأنه أخذه بالمائة التي وجبت عليه من ثمن العبد إلى أن يحل أجل المائة التي عليه، فتكون مقاصة على أن يعطيه العبد فتدخله الزيادة في السلف وبيع ذهب وعرض بذهب إلى أجل. [مسألة: يبيع من الرجل السلعة بعشرة دنانير إلى شهر وبثوب نقدا] مسألة وسألته عن الرجل يبيع من الرجل السلعة بعشرة دنانير إلى شهر وبثوب نقدا على أن يسلف المشتري البائع عشرة دنانير إلى أجل ثمن السلعة، ففاتت السلعة أو لم تفت؛ فقال: أما إذا كان السلف شرطا في أصل البيع إلى أجل ثمن السلعة بعينه، وعلى أن يتقاضى بما صار لكل واحد منهما على صاحبه فلا بأس به، ولا يفسخ البيع، فاتت السلعة أو لم تفت؛ وذلك أن فعلهما وقع على وجه الحلال وإن قبح كلامهما؛ ألا ترى أنه إنما اشترى السلعة بعشرة دنانير نقدا وبثوب نقدا؛ لأن أجل السلف وأجل ثمن السلعة واحد؛ فهذا إذا حل الأجل لم يكن لواحد منهما على صاحبه شيء؛ قلت فإن باعها إياه بعشرة إلى شهر وبثوب نقدا على أن يسلفه خمسة دنانير إلى ذلك الأجل؟ قال وهذا أيضا مثل الأول لا بأس به، إنما باعها إياه بخمسة وثوب نقدا، وبخمسة إلى أجل؛ قال فإن اختلفت الآجال، لم يجز البيع؛ لأنه يصير بيعا وسلفا؛ ألا ترى لو باعه إياها بعشرة إلى شهر على أن يسلفه المشتري عشرة إلى شهرين أو إلى عشرين يوما، أن كل واحد منهما يقتضي حقه من صاحبه عند محل أجله، ولا تصلح فيه المقاصة لاختلاف الآجال، فهو البيع والسلف؛ فإن لم تفت السلعة، فسخ البيع وردت؛ وإن فاتت رد السلف ونقض البيع، وصيرت السلعة إلى قيمتها يوم قبضها؛ قلت أرأيت إن باعها إلى شهر بعشرة دنانير على أن يسلفه مائة درهم إلى شهر والصرف

عشرة دراهم بدينار؛ قال هذا لا خير فيه ذهب بوزن إلى أجل. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إن الآجال إذا اختلفت يدخله بيع وسلف، إذ لا تكون في ذلك مقاصة، لاختلاف الآجال؛ وأما قوله إن السلعة إن لم تفت فسخ البيع وردت، وإن فاتت رد السلف ونقض البيع وصيرت السلعة إلى قيمتها يوم قبضها؛ فالظاهر منه أن البيع يفسخ على كل حال- ما كانت السلعة قائمة، ولا يكون في ذلك خيار لمشترط السلف، وتكون فيها القيمة إن فاتت بالغة ما بلغت؛ ومثله في العشرة ليحيى عن ابن القاسم على حكم البيع الفاسد لغرر يكون فيه، أو فساد في ثمن أو مثمون، خلاف المشهور في المذهب من أنه لا يفسخ إذا أرضى مشترط السلف بتركه على مذهب سحنون، أو رده على مذهب ابن القاسم إن كان قد قبضه. يريد ما لم يمض أجله، أو مقدار ما يرى أنه أسلفه إليه؛ فإن فاتت السلعة كان فيها الأكثر من القيمة، أو الثمن إن كان البائع هو مشترط السلف، أو الأقل من القيمة، أو الثمن إن كان المشتري هو مشترط السلف على البائع حكم بيوع الثنيا في المشهور من الأقوال فيها؛ وقد قيل إن البائع إن كان هو مشترط السلف وفاتت السلعة، كان فيها الأكثر من القيمة أو الثمن، ما لم تكن القيمة أكثر من الثمن والسلف، فلا يزاد البائع على ذلك شيئا؛ وإن كان المشتري هو مشترط السلف على البائع، كان فيها الأقل من القيمة أو الثمن، ما لم تكن القيمة أقل من الثمن بعد أن يطرح منه السلف، فلا ينقص المبتاع من ذلك شيئا، وهو قول أصبغ؛ ويتخرج في المسألة قول ثالث وهو أن يرجع مشترط السلف منهما على صاحبه بقدر ما نقصه أو زاده بسبب الشرط؛ ووجه العمل في ذلك، أن تقوم السلعة بشرط السلف ودون شرط، فيؤخذ اسم ما بين القيمتين من الثمن، ويرجع بذلك البائع على المبتاع إن كان هو مشترط السلف؛ والمبتاع على البائع إن كان هو مشترط السلف؛ وقال سحنون إذا قبض السلف وغيب عليه، فقد تم الحرام بينهما ووجب فسخ البيع على كل حال ما كانت السلعة قائمة؛ وأن تكون فيها القيمة بالغة ما بلغت إذا كانت قد فاتت، هو مذهب ابن حبيب، ووجه رواية يحيى أن البيع والسلف يؤول الأمر فيه إلى

مسألة: خل التمر بنبيذ التمر

الفساد في الثمن أو المثمون؛ لأن البائع إن كان هو مشترط السلف على المبتاع، فكأنه قد باع منه سلعة نجما سمى من الثمن، وبما يربح في السلف إلى الأجل الذي سمى السلف إليه؛ وإن كان المبتاع هو مشترط السلف على البائع، فكأنه قد اشترى منه السلعة وما يربح في السلف بما سمى من الثمن؛ فوجب أن يفسخ البيع على كل حال في القيام، وأن تكون فيه القيمة بالغة ما بلغت في الفوات؛ ووجه القول الثاني أن السلف قد لا يزيده مشترطه ليتجر به، وإنما يزيده لغير ذلك من الوجوه، فلا يؤول ذلك إلى فساد في الثمن ولا في المثمون، ويكون البيع على ذلك من بيوع الثنيا؛ وأما إذا اشترى السلعة بعشرة دنانير إلى شهر على أن يسلف للبائع مائة درهم إلى ذلك الأجل، والصرف عشرة دراهم بدينار؛ فإن الجواب فيها سقط من بعض الروايات، وثبت في بعضها وهو صحيح، إذ لا يوجب الحكم المقاصة بالدينار من الدراهم؛ ولو وقع البيع بشرط المقاصة، لوجب أن يجوز وإن قبح اللفظ؛ لأن مآل أمرهما إلى أن باع منه السلعة بمائة درهم نقدا، وقد قال ذلك ابن أبي زيد. [مسألة: خل التمر بنبيذ التمر] مسألة قال ابن القاسم لا يصلح خل التمر بنبيذ التمر إلا مثلا بمثل لأن حالهما متقاربة؛ ولا خل التمر بنبيذ الزبيب إلا مثلا بمثل؛ لأن منفعتهما متقاربة. قال محمد بن رشد: لم يجز في هذه الرواية خل التمر بنبيذ التمر إلا مثلا بمثل، وكذلك على قياس قوله لا يجوز خل الزبيب بنبيذ الزبيب إلا مثلا بمثل؛ وإذا لم يجز خل التمر بنبيذ التمر، ولا خل الزبيب بنبيذ الزبيب متفاضلا، لقرب ما بينهما؛ وكان التمر بنبيذ التمر، والزبيب بنبيذ الزبيب، لا يجوز على حال، لقرب ما بينهما؛ وجب ألا يجوز خل التمر

بالتمر، ولا خل الزبيب بالزبيب على حال أيضا، لقرب ما بينهما؛ بخلاف خل العنب بالعنب، وهو نحو قول ابن الماجشون؛ لأنه لم يجز خل التمر بالتمر إلا في اليسير، ومنع منه في الكثير؛ وكذلك الرقيق بالحنطة عنده، رواه أبو زيد عنه، خلاف ما في المدونة من أن خل التمر بالتمر متفاضلا جائز، كخل العنب بالعنب؛ والفرق بين خل العنب بالعنب، وبين خل التمر على هذه الرواية، ما قيل إن خل التمر والزبيب والتين تخليله متقارب، بخلاف خل العنب؛ والى هذا ذهب الفضل، واستحسن هذه الرواية لهذا المعنى؛ ويحتمل أن يفرق بين المسألتين بأن يقال إن النبيذ لا يصلح بالتمر لقرب ما بينهما، ولا بالخل إلا مثلا بمثل، لقرب ما بينهما أيضا، ويصلح التمر بالخل لأنه يبعد ما بينهما، وذلك أن الخل والتمر طرفان بعيد ما بينهما، فيجوز التفاضل بينهما؛ والنبيذ واسط بينهما يقرب من كل واحد منهما، فلا يجوز بالتمر على حال، ولا بالخل إلا مثلا بمثل، وهذا أظهر لما وقع في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع في بعض الروايات من أنه لا بأس بخل التمر بالتمر، ولا يجوز النبيذ بالتمر، ففرق بين المسألتين؛ فلا يكون على هذا التأويل ما في المدونة من جواز الخل بالتمر مخالفا لقوله في هذه الرواية إنه لا يصلح خل التمر بنبيذ التمر إلا مثلا بمثل، وأما خل التمر بنبيذ الزبيب، فإنما لم يجز إلا مثلا بمثل، من أجل أن أحوالهما متقاربة، لا من أجل أن منفعتهما متقاربة كما قال في الرواية؛ فالجواب صحيح،

مسألة: يبيع الدار بثمن إلى أجل على أن يسكن الدار سنة

والتعليل غير صحيح؛ لأن منفعة الخل متباينة لمنفعة النبيد. [مسألة: يبيع الدار بثمن إلى أجل على أن يسكن الدار سنة] مسألة وسئل عن رجل يبيع الدار بثمن إلى أجل على أن يسكن الدار سنة، أترى الدين بالدين يدخل هذا؟ فقال: أما السكنى القريب والأشهر اليسيرة، فلا بأس به؛ قال وقد سمعت مالكا وربما خفف السنة وهو أبعد ذلك عندي. قال محمد بن رشد: لم يخفف إلا الأشهر والسنة، وكره ما هو أبعد من ذلك، من أجل أن الدين بالدين يدخله عنده في البعيد، ولا مدخل للدين بالدين في ذلك؛ لأن ضمان الدار من المشتري، وإن استثنى البائع سكناها؛ ولو كان الضمان فيها من البائع إلى انقضاء استثنائه، لما دخل ذلك أيضا الدين بالدين إلا على قياس رواية أصبغ التي تقدمت في رسم أوصى من سماع عيسى، وذلك خلاف لما في المدونة؛ فلا فرق في هذا بين أن يشتري الدار بدين أو أن ينقده، وإنما كره مالك أن يستثنى سكنى أكثر من السنة. لأنه رأى أن الدار يتغير بناؤها إلى هذه المدة، فلا يدري المشتري كيف ترجع إليه الدار التي اشترى؛ فهذا هو الأصل في هذه المسألة، أنه يجوز للبائع أن يستثني من المدة ما يؤمن تغيير بناء الدار فيها؛ وفد اختلف في حد ذلك اختلافا كثيرا، فلابن شهاب في المدونة إجازة ذلك العشرة الأعوام، ومثله لابن القاسم في كتاب ابن المواز؛ ويقوم ذلك من كتاب العارية من المدونة؛ لأنه أجاز فيه أن

أسلف رجلا حنطة حالة أو إلى أجل ثم اشتراها منه بنقد أو إلى أجل

يعير الرجل الرجل الأرض على أن يبني فيها ويسكنها عشر سنين إذا بين البنيان ما هو، وهو قول المغيرة؛ وأجاز ذلك سحنون في سماع أبي زيد من كتاب طلاق السنة في الخمسة الأعوام، وقد روى ابن وهب عن مالك السنة ونصف؛ وينبغي أن ينظر في هذا إلى حسن البناء وتحصينه، فرب بناء يتغير إلى المدة القريبة، ورب بناء لا يتغير المدة الطويلة. وأما بيع الأرض واستثناؤها أعواما، فهو أخف يجوز في العشرة الأعوام؛ وهو قول ابن القاسم في أول سماع أصبغ من كتاب الحبس، ومثله في كتاب ابن المواز؛ وقال المغيرة يجوز في ذلك السنين ذوات العدد، ولا يجوز في الدار إلا العشر سنين ونحوها؛ ولابن القاسم في المدنية لا يجوز ذلك في الأرض ولا في الدار أكثر من السنة، وهو بعيد وشاذ في الأرض، والله الموفق. [أسلف رجلا حنطة حالة أو إلى أجل ثم اشتراها منه بنقد أو إلى أجل] ومن كتاب المكاتب وسئل عن رجل أسلف رجلا حنطة حالة أو إلى أجل، ثم اشتراها منه بنقد أو إلى أجل، فقال: أما إذا كانت الحنطة على المستسلف حالة، فلا بأس أن يشتريها منه بنقد؛ وذلك أن حنطته رجعت إليه وأعطاه دينارا بحنطة أخرى يقبضها حالة؛ قلت أما تراه الآن سلف في طعام مضمون إلى غير أجل؟ فقال قد يدخله ما ذكرت لك، وما كنت آمر أحدا بمثل هذا ولا أبلغ تحريمه ولا قسطه؛ لأن مالكا قال لنا لا بأس بالتسليف في

الطعام إلى اليومين والثلاثة، فإذا وقع ما سألت عنه أجزته، ولا آمر بالعمل به قبل أن يقع؛ وأما إذا كان الطعام إنما استسلفه إلى أجل ثم اشتراه المسلف بثمن إلى أجل، فهذا لا يحل؛ لأنه بيع الدين بالدين، صار أن رجع إليه طعامه بعينه وأوجب على نفسه ثمنا إلى أجل بطعام يقبضه إلى أجل، فهذا لا يحل؛ وإن كان أسلفه الطعام إلى أجل واشتراه بالنقد، فلا بأس به؛ لأن طعامه قد رجع إليه بعينه، وأعطاه ثمنا نقدا يأخذ به طعاما إلى أجل، فهو كالتسليف الصحيح. قال محمد بن رشد: هذا الرسم بجملة المسألة التي فيه وقع فيه بعض الروايات، وكان يمضي لنا عند من أدركنا من الشيوخ أنه يقوم منها إجازة السلم الحال إذا وقع، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه لم يقع فيها مقصودا إليه، ولو وقع مقصودا إليه بأن يسلم الرجل إلى الرجل دنانير في طعام يكون له حالا عليه يأخذ؛ به متى أحب، لما أجازه والله أعلم؛ لأنه من بيع ما ليس عندك، وقد مضى القول في بيع ما ليس عندك مستوفى في رسم حلف من سماع ابن القاسم؛ وقد قال أشهب إنه إنما كره من أجل أنه كأنه قيل له خذ هذه الدنانير فاشتر بها كذا وكذا، فما زاد فلك، وما نقص فعليك، فتدخله المخاطرة والغرر؛ وإنما أجازه؛ لأنهما فعلا فعلين جائزين صحيحين في الظاهر: قرض وابتياع، فلم يتهمهما على القصد إلى استجازة السلم الحال، إذ بعدت التهمة عنده عليهما في ذلك، فلم يفسخ ما آل أمرهما إليه في ذلك من السلم الحال وإن كان يفسخه لو فعلاه

يسلف مائة دينار في قمح إلى أجل ويبيع القمح بمائة دينار إلى أجل سنة

ابتداء، وقد مضى نحو هذا المعنى في رسم أسلم، ورسم يدير ماله من سماع عيسى، وبالله التوفيق: [يسلف مائة دينار في قمح إلى أجل ويبيع القمح بمائة دينار إلى أجل سنة] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب. قالا سحنون وسئل أشهب عن الرجل يسلف مائة دينار في قمح إلى أجل، ويبيع القمح بمائة دينار إلى أجل سنة؛ فإذا حل الأجل، أقيل كل واحد منهما مما عليه، فلم يدفعا ما أقيلا به حتى طال ذلك؛ لم يدفع الذي اشترى الطعام بمائة إلى أجل لما أقيل من الطعام- الطعام حتى تباعد ذلك بشهر أو نحوه، ولم يدفع الذي أعطى الدنانير في قمح إلى أجل الدنانير لما أقيل حتى تباعد ذلك بشهر أو نحوه؛ قال الإقالة جائزة ولا تبطل وإن طال، إلا أن يكونا أخرا ذلك صنعا له؛ فتكون الإقالة باطلة، ويكون على الذي أعطى الدنانير في قمح قمح كما هو، وعلى الذي اشترى القمح بدنانير، دنانير كما هي. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في السلم الثالث من المدونة؛ لأنه لم يجز فيه أن يتأخر ما أقاله فيه يوما ولا ساعة بشرط ولا بغير شرط كالصرف، وهو أظهر من قول أشهب؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع الدين بالدين» ، وعن

مسألة: يسلف في طير أحياء مائة طير وهي مما لا تستحيى

بيع الطعام قبل أن يستوفى كما نهي عن التأخير في الصرف. وقد أجمعوا أنه لا يجوز التأخير في الصرف بشرط ولا بغير شرط، فوجب أن يرد ما اختلفوا فيه من فسخ الدين في الدين إلى ما اتفقوا عليه في الصرف، وقد مضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف تفصيل القول فيما تأخر من الصرف. [مسألة: يسلف في طير أحياء مائة طير وهي مما لا تستحيى] مسألة قال وسألت ابن القاسم عن الرجل يسلف في طير أحياء مائة طير وهي مما لا تستحيى، فإذا حل الأجل أخذ في صنفها دونها أقل عددا، فلا بأس به؛ وإن أخذ من غير صنفها أقل عددا فلا خير فيه، إلا أن يأخذ دونها في العدد من غير صنفها من الطير مما لا يستحيى يتحرى أن يكون بقدر المائة. قلت له فما تقول في المذبوح منه بالحي وكل ما لا يستحيى؟ قال هذا الأخير فيه، وهو الحي بالميت الذي كره، وإنما يجوز أن يشتري بعضه ببعض إذا كانت أحياء يتحرى أن يكون مثلا بمثل. قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا أسلم في طير أحياء مما لا يستحيى أنه يجوز له إذا حل الأجل أن يأخذ من صنفها دونها أقل عددا، فهو مما لا اختلاف فيه عند جميعهم؛ لأنه أخذ من صنف ما سلم فيه أدنى في الصفة وأقل عددا، فوجب أن يجوز كمن سلم في مائة إردب محمولة، فأخذ لما حل إلا جل خمسين محمولة أدنى من صفة التي سلم فيها؛ ولو كان ذلك

مسألة: يعطي الرجل مائة دينار في مائة إردب قمح يأخذ كل يوم أو إردبا

قبل الأجل لما جاز، وأما إذا أخذ من غير صنفها أقل عددا، فقوله إن ذلك لا يجوز إلا أن يكون بقدر التي له على التحري. يريد بعد حلول الأجل، هو على أصله الذي قد تقدم له في آخر رسم باع شاة، وفي أول رسم حبل حبلة من سماع عيسى من أن مسألة الحياة التي فيما لا يستحيى غير مرعية عنده إلا مع اللحم من صنفه، وأشهب يراعيها في كل حال، فيحكم لها بحكم العروض؛ فيجوز على مذهبه أن يأخذ من صنفها بعد حلول الأجل أقل أو أكثر، ولا يأخذ قبل الأجل من صنفها إلا مثل ما له، لا أقل ولا أكثر، ويأخذ من غير صنفها ما شاء، وقول ابن القاسم إن الحي منها بالمذبوح لا يجوز على حال، هو على أصله المذكور في مراعاة حياتها مع اللحم للحديث، وقد مضى بيان ذلك كله في رسم حبل حبلة المذكور، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يعطي الرجل مائة دينار في مائة إردب قمح يأخذ كل يوم أو إردبا] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل مائة دينار في مائة إردب قمح، أو مائة كبش موصوفة يأخذ كل يوم كبشا أو إردبا؛ قال لا بأس بذلك، وكذلك قال مالك في الذي يعطي الحناط دينارا على أن يأخذ منه خمسة عشر صاعا، يأخذ كل يوم صاعا، قلت له فإن سلف فيها إلى خمسة أيام يأخذها؟ قال ولو وقع لم أفسخه، وأنا أتقيه؛ واحتج بقول مالك في الرجل يشتري الزرع وقد أفرك، فيفوت ذلك وييبس؛ قلت (له) فإن

مرض المسلف إليه أو فلس؟ قال فهو ضامن عليه، قلت له وإن كان رأس المال إلى أجل ولم يقدمه؟ قال لا بأس به. قلت له ولم لا يكون هذا دينا في دين؟ قال هذا ليس من ذلك. قلت له فالجزار إن مات أو مرض أو فلس؟ فقال الجزار ليس هو مثل هؤلاء، الجزار إن مرض مرضا بينا وجاء عذر بين، فسخ ما بقي. وقال غيره لا يجوز في مسائل في الطعام والغنم إلا لمن كان ذلك عنده، فأما إن كان ليس عنده، فهو لا خير فيه. قال محمد بن رشد: أما الذي سلم مائة دينار في مائة إردب أو في مائة كبش على أن يأخذ كل يوم كبشا من ثاني يوم سلمه، فإنما جاز ذلك من أجل أن ما تعجل من الأرادب أو الكباش قبل الأجل الذي يجوز إليه السلم على المشهور من قول مالك إنه لا يجوز إلا إلى أجل ترتفع فيه الأسواق وتنخفض، يسير في جنب ما يتأخر منها؛ وأما إجازة مالك أن يسلم الرجل دينارا إلى الحناط على أن يأخذ منه خمسة عشر صاعا صاعا كل يوم؛ فيحتمل ذلك وجهين، أحدهما أن يكون إنما أجاز ذلك على قوله الذي رجع إليه من إجازة السلم إلى اليومين والثلاثة. والثاني أن يكون معنى المسألة إنما دفع إليه الدينار على أن يأخذ منه خمسة عشرة صاعا كل يوم صاعا بعد أجل سمياه؛ وأما إجازة ابن القاسم السلم إلى خمسة أيام إذا وقع، فقد بين أنه إنما أقاله مراعاة للاختلاف في ذلك؛ واحتج لما ذهب إليه من مراعاة الخلاف بمراعاة مالك له في الذي يشتري الزرع قبل أن ييبس وقد أفرك، أنه لا يفسخه إذا فات باليبس، مراعاة لقول من أجاز بيعه إذا أفرك قبل أن ييبس؛ وقد قيل إن العقد فيه فوت مراعاة للاختلاف، وقد قيل إن القبض فيه فوت، وقد قيل إنه يفسخ ما لم

يفت بعد القبض، وهو ظاهر ما في السلم الأول من المدونة؛ وأما قوله إن السلف إليه ضامن لما عليه إن مرض أو فلس، وإن رأس المال إن كان مؤخرا إلى أجل فلا بأس به، ولا يكون ذلك دينا في دين؛ فإنما تكلم في السلم الذي أجازه فقهاء المدينة ولم يروه من الدين بالدين، واشتهر ذلك في فعلهم حتى صار يسمى بيعة أهل المدينة؛ ذكر ذلك مالك عن عبد الرحمن بن المجبر عن سالم بن عبد الله، أنه قال كنا نبتاع اللحم كذا وكذا رطلا بدينار، نأخذ كل يوم كذا وكذا رطلا والثمن إلى العطاء، فلم ير أحد ذلك دينا بدين، ولم يروا به بأسا؛ فهذا أجازه مالك وأصحابه اتباعا لما جرى عليه العمل بالمدينة بشرطين، أحدهما أن يشرع في أخذ ما سلم فيه. والثاني أن يكون أصل ذلك عند المسلم إليه على ما قال غير ابن القاسم ههنا، فليس ذلك بسلم محض؛ ولذلك جازتا خير رأس المال فيه، ووجب فسخه إن مرض أو مات أو فلس، ولا يشترى شيء بعينه حقيقة، ولذلك جاز أن يتأخر قبض جميعه إذا شرع في قبض أوله؛ وقد روي عن مالك أنه لم يجز ذلك، ورآه دينا بدين؛ قال وتأويل حديث ابن المجبر أن يجب عليه ثمن ما يأخذ كل يوم إلى العطاء، وإجازة ذلك على الشرطين المذكورين، هو المشهور في المذهب، وعليه تكلم في هذه الرواية. وقوله فيها إن المسلف إليه ضامن لما عليه، معناه إذا انتقد وكان الذي عليه مما يمكنه دفعه مع مرضه

مسألة: يشتري من الرجل عبدا بعشرة دنانير إلى أجل

أو فلسه، أو لا يمكنه ذلك، ويمكن المسلم تخيره بما وجب له عليه حتى يأخذه جملة من غير ضرر يكون عليه في ذلك؛ وأما إذا لم ينتقد أو كان قد انتقد وكان الذي سلم إليه فيه مثل اللحم الذي لا يمكنه أن يوفيه كل يوم شرطه منه مع مرضه؛ وإن أخره حتى يأخذه جملة، أضر ذلك بالمسلم، إذ الغرض منه إنما هو أخذه رطبا يوما بيوم، فيفسخ السلم بمرضه أو موته أو فلسه، ويأخذ منه بقية رأس ماله في المرض والموت، وما يجب له منه في التفليس بالمحاصة، فهذا وجه تفرقة مالك بين الجزار وغيره. [مسألة: يشتري من الرجل عبدا بعشرة دنانير إلى أجل] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يشتري من الرجل عبدا بعشرة دنانير إلى أجل، فيتعدى عليه البائع فيبيعه بخمسة دنانير نقدا أو بدراهم نقدا أو بطعام نقدا أو إلى أجل، قال إذا باعه بعشرة دنانير، فإن خيف أن يكون إنما أراد به وجه الذريعة، مثل أن يكون لا يبصر البيع، أو مثل أن يكون يريد عنته، فلا بأس أن يجيز البيع؛ وإن خيف فلا أحبه، وأرى أن يفسخ البيع، وأما إن باعه بطعام نقدا، فأراد أن يأخذ الطعام فذلك له.

مسألة: لا تشترى الحيتان الكبار إلا بعدد ولا تشترى جزافا في أحمال ولا صبر

قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في أول سماع يحيى مستوفى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: لا تشترى الحيتان الكبار إلا بعدد ولا تشترى جزافا في أحمال ولا صبر] مسألة قال ابن القاسم لا تشترى الحيتان الكبار إلا بعدد، ولا تشترى جزافا في أحمال ولا صبر، والحيتان الصغار تشترى جزافا في الظروف إذا عرف عدد الظروف، وهو خلاف القثاء والبطيخ في أحماله وإن كان عظيما، فلا بأس أن يشترى البطيخ (مصبرا) جزافا والقثاء. قال محمد بن رشد: لم يجز أن تباع الحيتان الكبار جزافا لا في أحمال ولا في صبر، وأجاز أن يباع البطيخ والقثاء وإن عظم في أحماله ومصبرا؛ لأن القثاء والبطيخ لا تعظم حتى يكون في الحمل الواحد منها ما لا يشق عدده، والحيتان إذا عظمت جدا لا يكون في الحمل الواحد منها ما يشق عدد، فأصل هذا أنه لا يجوز أن يباع جزافا ما يعد عددا مما لا مؤنة في عدده من كبير إلا شياء، فالحيتان الكبار والخشب الكبير الملقى بعضه على بعض، والظروف المملوءة من الحيتان الصغار والسلال المملوءة من الفواكه وشبه ذلك؛ كما لا يجوز أن تباع الثياب والعروض والحيوان من الإبل والبقر والدواب والغنم جزافا؛ لأن ترك عدد ذلك وشراءه جزافا من المخاطرة والغرر، وإنما يجوز بيع الجزاف فيما عدا الدنانير والدراهم مما يوزن أو يكال أو يعد من صغار الأشياء كالرمان والفرسك وشبه ذلك؛ لأن الكثير من ذلك يشق كيله أو وزنه أو عدده،

مسألة: يبيع من الرجل سلعة بخمسين إلى أجل ثم يتعدى عليه البائع فيبيعها بأربعين

والقليل منه يراه ويحزره ويحيط به بصره، فلا غرر في ذلك إلا في الحيتان الصغار في الماء والطير الصغير في الأقفاص؛ لأنه يتداخل بعضه في بعض، فلا يحيط بصره بحزره؛ وإنما يجوز بيع الجزاف فيما وصفنا أنه يجوز بيعه جزافا إذا لم يعلم البائع كيل ما يكال من ذلك، ولا وزن ما يوزن منه، ولا عدد ما يعد منه؛ فإن علم ذلك وكتمه المبتاع، كان المبتاع بالخيار كالعيب يجده فيما ابتاع؛ وكذلك لو علم ذلك المبتاع ولم يعلمه البائع ثم اطلع بعد البيع أن المبتاع قد كان علم ذلك، لكان له الخيار؛ ولا يكون لذلك حكم البيع الفاسد، إلا أن يقول البائع أنا أعرف كيل ذلك، أو وزنه أو عدده؛ فأنا أبيعكه جزافا ولا أعلمك بذلك فيرضى به المشتري ويشتري على ذلك، فيكون البيع على هذا فاسدا، قاله ابن حبيب. [مسألة: يبيع من الرجل سلعة بخمسين إلى أجل ثم يتعدى عليه البائع فيبيعها بأربعين] مسألة قال ابن القاسم عن الرجل يبيع من الرجل سلعة بخمسين دينارا إلى أجل، ثم يتعدى عليه البائع فيبيعها بأربعين دينارا نقدا، قال: إن كانت قائمة فأحب المشتري أن يجيز البيع ويأخذ أربعين دينارا، كان ذلك له؛ وإن أبى، فسخ؛ قلت فإن كانت فائتة؟ قال فإن أحب أخذ القيمة، وإن أحب أخذ الثمن؛ قلت له: فإن كانت القيمة أربعين أو خمسة وأربعين؟ قال: إن ذهبت إلى القياس، أخذت القيمة وأغرمته خمسين إذا حل الأجل، ولكني أتهمهم

مسألة: باع طعاما بثمن إلى أجل على أن ينقده دينارا

أن يكونوا أرادوا الربى، فأغرم البائع القيمة إن كانت أربعين أو خمسة وأربعين، فإذا حل الأجل جعلته يرجع بما أخذ لا أكثر، قلت له فإن كانت القيمة ستين؟ قال تؤخذ الستون منه، فإذا حل الأجل أعطى خمسين. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في أول سماع يحيى مستوفى فلا معنى لإعادته. [مسألة: باع طعاما بثمن إلى أجل على أن ينقده دينارا] مسألة قال سحنون: قال ابن القاسم في مسألة العينة في الذي باع طعاما بثمن إلى أجل على أن ينقده دينارا، إنما كرهه كأنه قال له بع من هذا الطعام بدينار فاعطني، وما بقي من الطعام فهو لك بما بقي من الثمن إلى أجل؛ قلت فإن كان أعطاه دينارا من عنده؟ قال وإن كان أعطاه دينارا من عنده فهو يخلفه من الطعام، وهذا وجهه؛ قال أصبغ وكذلك قال أشهب في الرجل يبيع الدار ويشترط أنها رهن في يديه إلى ذلك الأجل، فلا خير فيه؛ وهو عندي كمسألة العينة يعينها بثمن إلى أجل على أن يعجل له منه شيئا إذا كان من أهل العينة، فكأنه باعهما بعد الخمسة من السلعة بباقي الثمن، فهو خطار؛ وقد ردت على مالك واستنكرت عليه فلما أكثروا عليه فسر لهم هذا التفسير، ثم قال لهم على إثر التفسير: والحجة حين أكثروا عليه ليس أنا قلته، قاله ربيعة وابن هرمز؛ وكذلك مسألة أشهب في الرهن يصير لا خير فيه، وذلك أنه إذا حل الأجل وأعسر بالثمن بيعت، فإن كان فيها

نقصان، فعلى المشتري، وإن كان فيها فضل فله؛ فكأنه باعه دارا لا يقبضها على أن يبيعها بثمن سماه له إلى أجل على أن يضمن له ما نقص، ويكون له ما زاد؛ فهذا القمار، وسواه في هذا كانا من أهل العينة أو لم يكونا؛ قال أصبغ فإن وقع، فمفسوخ بينهما؛ وإن بيعت قل ذلك، فالزيادة والنقصان لرب الدار وعليه؛ كالذي يبيع السلعة على أن لا نقصان عليه فقد جعله مالك هكذا بمنزلة الأخير، وهذا مثله في رأيي. قال محمد بن رشد: أما الذي باع من أهل العينة طعاما أو شيئا بثمن إلى أجل على أن ينقد من الثمن دينارا، فقد مضى القول عليها في رسم حلف من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة ذلك. وأما مسألة أشهب في الرهن التي نظرها بها أصبغ ففيها اختلاف، قيل إنه يجوز أن يبيع الرجل الدار والعقار الذي يجوز بيعه وتأخير قبضه بثمن إلى أجل ويشترط أن يكون في يديه رهنا إلى ذلك الأجل، وكذلك يجوز في الحيوان والعروض التي لا يجوز بيعها وتأخير قبضها إذا وضعها بيد عدل؛ فإن اشترط أن يكون بيده، لم يجز البيع وفسخ وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك؛ وقيل: إن ذلك لا يجوز في الدور والعقار ولا في العروض والحيوان على حال العلة التي ذكر في هذه الرواية، واختلف الأمر على القول بأنه لا يجوز، فقيل إنه بيع فاسد يسلك به مسلك البيع الفاسد في كون الغلة للمشتري بالضمان وسائر أحكام البيع الفاسد، وقيل إنه ليس ببيع فاسد وإنما هو إجارة فاسدة؛ كأن رب المال استأجره على أن يبيعها له

مسألة: تسلف درهم صفر من رجل فأعطاه لصا في طريق فعلم أنه صفر

بثمن قد سماه على أن يكون له ما ازداد على الثمن إجارة له، فإن باعها كان الثمن لرب الدار، وكان للذي باعها أجرة مثله في بيعه إياها؛ وإلى هذا ذهب أصبغ على ما أختاره من اختلافهم في الذي يبيع من الرجل السلعة على ألا نقصان عليه، فقد قيل فيه القولان جميعا؛ واختلف في ذلك قول مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة. [مسألة: تسلف درهم صفر من رجل فأعطاه لصا في طريق فعلم أنه صفر] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون سئل سحنون عن رجل تسلف درهم صفر من رجل فأعطاه لصا في طريق، فعلم أنه صفر؛ بأي شيء يرجع عليه الذي أسلف إياه؟ قال إن كان يعلم ما فيه من وزن الورق ووزن الصفر، قضاه وزنه؛ لأن كل من استهلك شيئا من الوزن والكيل فعليه مثله، ولسنا نأمره أن يرفع إليه درهما مثله صفرا يغر به المسلمين؛ وإن كان لا يعلم ما فيه من الورق، فعليه أن يغرم له قيمة ذلك يكون عليه في الورق قيمته ذهبا، وفي الصفر قيمته ورقا؛ لأن القيمة لا تكون إلا بالذهب والورق، قيل له وما يصنع بقيمته من الذهب وهو إن أخذه لم يكن فيه منفعة؛ لأنه أقل من ذلك؟ قال يقضى له بالقيمة ذهبا ما كان من شيء في

مسألة: تسلف من رجل دارهم ومن رجل آخر دراهم فخلطها فوجد فيها زائفا أو نقصا

الدينار بالصرف، ليس في قطعه ذهب إن كان ذلك خروبة فخروبة، أو ما كان؛ فإذا كان له من دينار خروبة أو قيراط، قيل لهما صرفا الدينار بدراهم، فخذ أنت منه حقك ما يقع بخروبة من الصرف أو النصف قيراط، أو ما كان حقه من شيء. قال محمد بن رشد: حكم سحنون لهذا الدرهم بحكم المكسور، إذ لم يراع سكته، فحكم على مستهلكه بقيمة ما فيه من الورق ذهبا أو من الصفر ورقا إن لم يعلم زنة ما فيه من كل واحد منهما فيكون عليه فيه مثله؛ وذلك خارج عما قيل في ذلك مما قد ذكرناه في رسم النسمة من سماع عيسى من كتاب الصرف، وكان القياس على قولهم أن يكون عليه قيمته من الذهب على أن يباع ممن لا يغش به، أو ممن يكسره على الاختلاف في ذلك؛ وقد قال ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب الصرف أنه يرد مثله صحيحا في رداءته، وهو بعيد أيضا. [مسألة: تسلف من رجل دارهم ومن رجل آخر دراهم فخلطها فوجد فيها زائفا أو نقصا] مسألة وسئل عمن تسلف من رجل دارهم ومن رجل آخر دراهم، فخلطها فوجد فيها زائفا أو نقصا، ولا يدري من أي الدراهم هي؟ قال مالك لا يرد عليهم إلا طيبا، ويحلفون أنهم لم يعطوه إلا جيادا. قال محمد بن رشد: قوله ويحلفون أنهم لم يعطوه إلا طيبا، معناه أنه يحلف كل واحد منهما على علمه ما أعطاه إلا جيدا، أو وازنا في علمه

مسألة: أسلف رجلا في عبد إلى أجل معلوم ثم قبضه فمات العبد عنده ثم وجد به عيبا

ولا يلزم واحدا منهم أن يحلف على البتات، فإن حلفا جميعا برئا ولزمه أن يعطيهما جميعا طيبا؛ وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، لزم الناكل بدله؛ وكذلك إن نكلا جميعا أيضا بعد أن يحلف ما يعلم من دراهم من هي منهما باتفاق بأن ادعى كل واحد منهما عليه أنه يعلم أنه ليس من دراهمه، وعلى اختلاف إن لم تتحقق عليه الدعوى بذلك؛ وهذا إذا كانت له بينة على أنه وجد فيها الزائف أو الناقص بعد أن خلطها وقبل أن يغيب عليها؛ وأما إن ادعى ذلك بعد أن انقلب بها وغاب عليها، فليس له أن يحلف واحد منهم إلا على القول في لحوق يمين التهمة. [مسألة: أسلف رجلا في عبد إلى أجل معلوم ثم قبضه فمات العبد عنده ثم وجد به عيبا] مسألة قال سحنون لو أن رجلا أسلف رجلا في عبد إلى أجل معلوم، ثم قبضه فمات العبد عنده ثم وجد به عيبا، أنه يغرم قيمة العبد ويرجع عليه بعبد مثله؛ وكذلك المرأة إذا نكحت بعبد موصوف ليس بعينه، ثم وجدت به عيبا، أنها ترده أو تغرم قيمته إن فات، وترجع عليه بعبد مثله. قال محمد بن رشد: في النوادر لسحنون أيضا أنه ينظر ما قيمة العيب منه، فإن كان ربعه رجع عليه بربع عبد، فيكون معه شريكا في مثله- يريد إذا فات. وقال ابن عبد الحكم: إذا أسلم إليه في عبد فقبضه فأعتقه، أو كانت أمة فأولدها ثم وجد بأحدهما عيبا أو استحق

الكراث بحب الكراث إلى أجل الكراث نقدا والحب إلى أجل

نصفه بحرية، فإنه يرجع عليه بما نقصه العيب من قيمته لا من الثمن؛ بخلاف العبد بعينه الذي يفسخ فيه البيع يرده، وهو أن لو رده رجع بمثله، فينظر إلى قيمته سالما، فقيل قيمته مائتان، ثم يقال ما قيمته وبه العيب؟ فيقال مائة فيرجع عليه بمائة، قال أبو محمد وهذا لا وجه له. إما أن يجعله كأنه قبض نصف صفته فيرجع بنصف عبد كما قال سحنون، أو يكون قبض غير صفته فليرد قيمته كما قال ابن القاسم، ويتبعه بعبد، وهذا أشبه الأقاويل بالصواب؛ واعتراض ابن أبي زيد على ابن عبد الحكم صحيح، وقول سحنون الواقع في النوادر غير صحيح أيضا، إذ لا يصح أن يقال: إنه قبض بعض صفته، إذ لا تتبعض الصفة، إنما يصح أن يقال إنه قبض صفته إذا استحق بعضه برق أو حرية؛ لأن الشركة فيه تعيبه وتنقص من قيمته، لا سيما إن كان الاستحقاق بحرية، فليس استحقاق نصف العبد الذي سلم فيه بحرية أو ملك، بمنزلة من أسلم في عبدين صفتهما سواء، استحق أحدهما بحرية أو ملك؛ لأن استحقاق أحدهما لا يعيب الآخر، واستحقاق نصف العبد يعيب النصف الآخر؛ فلا يصح في المسألة إلا قول سحنون الواقع في الكتاب، وقد قال ابن أبي زيد إنه قول ابن القاسم. [الكراث بحب الكراث إلى أجل الكراث نقدا والحب إلى أجل] من سماع محمد ابن خالد من ابن القاسم قال محمد بن خالد سمعت ابن القاسم يقول: قال مالك لا بأس بالكراث بحب الكراث إلى أجل الكراث نقدا والحب إلى أجل، ولا خير في حب الكراث بالكراث إلى أجل، ولا بأس بحب الكراث واحد باثنين يدا بيد، ولا بأس أن يباع قبل أن يستوفى. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن حب الكراث ليس بطعام؛

سلف رجلا مائة درهم في عشرة أمداد من حنطة

وإن كان إذا زرع يخرج منه طعام، فيجوز أن يسلم الكراث فيه، إذ لا يخرج من الكراث حب؛ ولا يجوز أن يسلم هو في الكراث إلى أجل يكون منه كراث على أصولهم في المزابنة، وقد مضى القول في المزابنة وحكمها وتفصيل وجوهها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة شيء منه. [سلف رجلا مائة درهم في عشرة أمداد من حنطة] من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن القاسم. قال عبد الملك سئل ابن القاسم وأنا أسمع عن رجل سلف رجلا مائة درهم في عشرة أمداد من حنطة، ثم إن المسلف إليه هلك، فأحب ورثته أن يصالحوا عنه صاحب السلف بأقل من المائة؛ قال ابن القاسم أما بالدراهم فلا خير فيه إلا أن يعطوه جميع الدراهم، وأما بالحنطة، فلا بأس بما صالحوا عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الورثة ينزلون في الطعام الذي على موروثهم من السلم منزلته، فلا يجوز لهم فيه إلا ما كان يجوز له، وهذا ما لا أعلم فيه اختلافا، وقد مضى ذلك في أول سماع ابن القاسم. [رجلين لهما على رجل مائة إردب فقاضاه أحدهما حصته بغير إذن صاحبه] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيع والصرف. قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول في رجلين لهما على

رجل مائة إردب فقاضاه أحدهما حصته بغير إذن صاحبه، فعلم به فأتاه يطلبه؛ فقال له هبني إياها وأنا أضمن لك الخمسين التي بقيت لك، إن ذلك لا يحل، وقاله أصبغ وهو شديد، وليس هذا مثل الذي فوقه، وهذا فيه غير وجه واحد من الفساد، وسلف جر منفعة؛ كأنه يسلفه الخمسة والعشرين التي كان له أخذها على أن يضمن الخمسة والعشرين الأخرى، ويدخله البيع كأنه يبيعه إياها ويحيله بها على صاحبه ويزيده ضمانا؛ فهو طعام بطعام متأخر وزيادة الضمان متفاضلا فلا يحل. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم ولكن لو كان قدر ما يضمن له خمسة وعشرين، بقدر ما كان يصيبه مما قبض، لم يكن بذلك بأس. وقال أصبغ لأن ذلك سلف خالص ليس معه زيادة، ولا فيه ازدياد شيء من الأشياء، وفي ذمته أيضا محضا ومعروفا من المعروف، فلا بأس به إن شاء الله تعالى. قال محمد بن رشد: أما إذا ترك الرجوع عليه في الخمسين التي قبض بالخمسة والعشرين الواجبة له منها على أن يضمن له الخمسين الباقية، فالمكروه في ذلك بين على ما فسره أصبغ، وأما إذا ترك الرجوع عليه بالخمسة والعشرين من الخمسين التي اقتضى على أن يضمن له من الخمسين الباقية خمسة وعشرين، فأجاز ذلك ابن القاسم، وتبعه على ذلك

أصبغ، وقال إنه سلف خالص محض لا زيادة فيه ومعروف من المعروف، وفي ذلك من قولهما نظر؛ لأنه ترك الرجوع عليه بالخمسة وعشرين على أن يضمن له ما لم يكن يلزمه ضمانه؛ لأنه مخير بين أن يسلم له ما اقتضى ولا يرجع عليه فيه، ويطلب الغريم بالخمسين التي بقيت عليه، ويكون ضمانها منه إن فوتت؛ وكذلك قال في المدونة؛ لأن تسليمه له ما اقتضى، منزل منزلة اقتسامهما للدين؛ وبين أن يرجع إليه بالخمسة وعشرين من الخمسين التي اقتضى، فيكون كأنه اقتضيا منه خمسين، وبقيت لهما عليه خمسون يقتضيانها منه جميعا، ويكون ضمانها منهما جميعا إن فوتت عنده؛ وقيل إنهما لا يرجعان جميعا بالخمسين على الغريم، وإنما يقتضيها منه الذي رجع على المقتضي أولا بالخمسة والعشرين، فإذا اقتضاها منه، رجع عليه صاحبه بالخمسة وعشرين التي أخذ منه، والقولان في المدونة؛ فإذا كان هذا هو الحكم، كان الذي ترك الرجوع على شريكه بالخمسة وعشرين قد أسلفه إياها على أن يحيله بها على غريمه، ويكون ضامنا لها إن فوتت عنده بعدم أو فلس؛ ولا يجوز أن يسلف الرجل الرجل دنانير ولا طعاما بشرط أن يحيله بها على غريم له وإن لم يشترط عليه الضمان؛ لأن الحوالة بيع من البيوع؛ وكذلك قال في الهبات من المدونة إن ذلك لا يجوز وإن كانت المنفعة في ذلك للقابض، فكيف إذا اشترط عليه في ذلك الضمان، ذلك بين أنه لا يجوز؛ لأنه بيع ذهب بذهب إلى أجل.

مسألة: يشتري اللحم بالدرهم من الجزار ويعطيه به حميلا فيغرم الحميل الدرهم

[مسألة: يشتري اللحم بالدرهم من الجزار ويعطيه به حميلا فيغرم الحميل الدرهم] مسألة قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول في الذي يشتري اللحم بالدرهم من الجزار ويعطيه به حميلا، فيغرم الحميل الدرهم إلى الجزار؛ هل للحميل أن يأخذ به من الغريم شيئا من الطعام؟ قال لا بأس به وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحميل لم يدفع طعاما إنما دفع درهما، فجاز له أن يأخذ به طعاما، ولو أراد الجزار أن يأخذ بذلك الدرهم من الحميل طعاما ما لم يجز؛ لأنه دفع طعاما؛ فلا يجوز له أن يأخذ من ثمنه طعاما قاله ابن دحون، وفيه نظر؛ لأنه أنزل منزلة المحال عليه في أنه لا يجوز له أن يأخذ منه إلا ما كان يجوز له أن يأخذه من الذي أحاله حسبما يأتي القول فيه في سماع أصبغ من كتاب الكفالة والحوالة إن شاء الله وليس بمنزلته، إذ لم يستحل عليه فيكون ما أخذه منه كأنه إنما أخذه من الذي أحاله به، فيكون قد اقتضى من ثمن الطعام طعاما فيتهمان على أنه إنما باع منه لحما بطعام إلى أجل، فلا موضع للتهمة في هذا إذ لم يأخذ الطعام من المشتري الذي باع منه اللحم، وإنما أخذه من غيره وهو الحميل؛ فإن كان أخذه من الحميل على وجه الابتياع له بالدرهم الذي له على المشتري، جاز باتفاق إن كان المشتري حاضرا مقرا بالدرهم، فاتبعه به الحميل لابتياعه إياه من الجزار بالطعام الذي دفع إليه فيه؛ وإن كان أخذ الطعام من الحميل صلحا عن المشتري الذي عليه الدرهم، فقيل إن ذلك جائز، ويكون المشتري بالخيار

مسألة: اشترى من رجل طعاما بعينه غائبا عنه

بين أن يجيز الصلح فيدفع الطعام الذي صالح به عنه، وبين ألا يجيزه ويدفع الدرهم الذي تحمل به عنه، وقيل: إن ذلك لا يجوز؛ لأنه يدفع طعاما ولا يدري إن كان يرجع به أو بالدرهم، من أجل الخيار الذي في ذلك للمشتري المتحمل عنه؛ واختلف إن لم يبين على أن وجه دفع الطعام على ماذا يحمل إن كان على الشراء فيرجع بالدرهم الذي ابتاع، أو على الصلح عن المشتري المتحمل عنه؛ فلا يجوز في قول من أجل الخيار الذي للمتحمل عنه، فلا يدري الحميل بما يرجع، ويجوز في قول من أجل أنه خيار أوجبه الحكم لم يعملا عليه. [مسألة: اشترى من رجل طعاما بعينه غائبا عنه] مسألة قال أصبغ سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل اشترى من رجل طعاما بعينه غائبا عنه، ثم إذا الطعام قد قدم به وكيل البائع بعد الصفقة، كان قد حمله قبل الصفقة أو بعدها ولا علم له؛ قال البيع للبائع لازم، فإن شاء أن يدفعه إليه ههنا، دفعه إن رضي المشتري أن يأخذه منه ههنا، وإلا فعليه أن يرده له، أو يدفع مكانه إليه شراءه هناك وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الطعام قد وجب للمبتاع بالشراء، فإذا قدم به البائع أو وكيله، كان كمن تعدى على طعام رجل فحمله من بلد إلى بلد؛ لأن الخطأ في هذا والعمد سواء، فيكون على المتعدي مثل الطعام الذي حمله في الموضع الذي حمله منه، إلا أن يتراضيا على أخذه أو أخذ سواه في البلد الذي حمله إليه، فيكون ذلك جائزا، وبالله التوفيق.

مسألة: تضع عن زوجها مهرها على أن يحجها

[مسألة: تضع عن زوجها مهرها على أن يحجها] مسألة قال أصبغ سألت ابن القاسم عن المرأة تضع عن زوجها مهرها على أن يحجها، قال هذا حرام لا يحل؛ لأنه الدين بالدين، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قالا: إنه فسخ الدين في الدين؛ لأنها فسخت ما لها عليه من المهر في شيء لم تنتجزه من إحجاجه إياها من ماله إما بشراء، وإما بالكراء، والقيام بكل ما يحتاج إليه في ذلك ذاهبة وراجعة؛ وقد وقع في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات مسألة معارضة لهذه في الظاهر، كان الشيوخ يحملونها على أنها خلاف لها؛ ومثل هذا لا يصح أن يختلف فيه، فالواجب أن يتأول على ما يوافق الأصول؛ ونصها سئل ابن القاسم عن رجل سأل من امرأته أن تضع عنه مهرها، فقالت له إن حملتني إلى أمي فهو عليك صدقة؛ فتصدقت به عليه أن يحملها إلى أختها وكانت مريضة، ثم بدا له أن يحملها بعد أن وضعت عنه الصداق، فخرجت هي من غير إذنه فسارت إلى أختها؛ هل ترى الصداق له؟ فقال: إن كانت خرجت مبادرة إليها لتقطع بذلك ما جعلت لزوجها فلا شيء عليه، وإن كان بدا له في حملانها وأبى أن يسير بها وعلم ذلك رجعت عليه بما وضعت عنه، فنقول إن المعنى في هذه المسألة أنه إما وضعت عنه الصداق على أن يخرج معها ولا تمضي مفردة دونه، لا على أن يحملها من ماله، أو ينفق عليها في شيء من سفرها سوى النفقة التي تجب لها في مقامها؛ فإذا حملت المسألة على هذا صحت وكانت موافقة للأصول، ولعلها لم تكن ذا محرم يخرج معها، فكانت إنما بذلت له الصداق على رفع الحرج عنها بخروجه

مسألة: باع عشرة أمداد قمح بدينار إلى شهر

معها لا على أن ينفق عليها في ذلك، إذ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها» . وقد مضى في سماع عيسى من كتاب الحج القول في وضعها الصداق عنه على أن يأذن لها في الخروج إلى الحج، وبالله التوفيق. [مسألة: باع عشرة أمداد قمح بدينار إلى شهر] مسألة قال أصبغ سئل ابن القاسم وأنا أسمع عن رجل باع عشرة أمداد قمح بدينار إلى شهر، ثم اشترى البائع من مشتري الطعام منه بدينار إلى أجل عشرين مدا بدينار نقدا، فأعطاه عشرة وقال له اقبض العشرة التي لي قبلك بالدينار إلى أجل أقضيكها، قال لا يصلح هذا؛ لأنه يعطيه دنانير نقدا ويعطيه دينارا إلى أجل وقد أعطى آخذ الدينار نقدا معطيه الدينار عشرة أرادب، فكأنه أسلفه دينارا على أن أعطاه عشرة أرادب؛ قال أصبغ الجواب صحيح والتفسير مظلم، وكراهيته وفساده الزيادة في السلف محضا، والذهب بالذهب متفاضلا، والعشرة الأرادب الأول لغو. قال محمد بن رشد: هذا تحامل من أصبغ على ابن القاسم، بل جوابه صحيح، وتفسيره بين واضح أبين من تفسير أصبغ؛ فتفسير أصبغ هو

مسألة: باع حديدا جزافا بنقد

المظلم؛ لأنه قال: إنه الزيادة في السلف والذهب بالذهب متفاضلا والعشرة الأرادب الأول لغو؛ فأجمل القول، إذ لم يبين ما هي الزيادة التي في السلف، ولا كيف يتصور التفاضل في الذهب في ذلك؛ وقد بين ذلك كله ابن القاسم بيانا واضحا فقال لأنه يعطيه دينارا نقدا ويعطيه دينارا إلى أجل؛ يقول لأن المبتاع الثاني وهو البائع الأول يعطي البائع الثاني وهو المبتاع الأول دينارا نقدا ثمن العشرين مدا الذي ابتاع منه، ثم يأخذ منه عند شهر دينارا ثمن العشرة الأمداد التي باع منه إلى أجل؛ فكأنه أسلفه دينارا إلى أجل، وأخذ منه عشرة أمداد نقدا؛ لأنه باع منه عشرة أمداد ثم اشترى منه عشرين مدا، فدفع إليه عشرة أمداد؛ لأنه قاصه بالعشرة الأخرى على ما ذكر، وذلك نص قول ابن القاسم، وقد أعطى آخذ الدينار نقدا معطيه الدينار عشرة أرادب، فبين أن الأمر آل بينهما إلى أن أسلف البائع الأول للمبتاع الأول دينارا إلى شهر، على أن يعطيه عشرة أمداد قمح بيانا واضحا؛ وإذا كان قد أسلفه دينارا إلى أجلى على أن يعطيه عشرة أرادب، فقد صار ذلك أيضا ذهبا وعرضا بذهب إلى أجل، وهو التفاضل في الذهب الذي قاله أصبغ؛ فقول ابن القاسم على كل حال أبين، وهذه المسألة من أحد فروع مسائل رسم حبل حبلة التي فرعناها إلى أربع وخمسين مسألة، وبينا أصل ما يعرف به الجائز منها وغير الجائز. [مسألة: باع حديدا جزافا بنقد] مسألة قال أصبغ سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل باع حديدا جزافا بنقد، ثم أراد أن يشترى منه وزنا يكون ثلث ذلك في العدد

أو أدنى بنقد أو إلى أجل؛ فقال: إن كان لم ينتقد ثمنه حتى اشتراه منه وتقاصه بما عليه، فلا يجوز له أن يشتري منه إلا ما كان يجوز له أن يستثنيه الثلث فأدنى، وهذا يجري في الطعام وغيره؛ وإن كان انتقد وتفرقا، ثم اشترى منه بعد ذلك، فلا بأس به على حال، إلا أن يكون بائعه من أهل العينة فلا يعجبني. قال محمد بن رشد: أكثر من الثلث لا يجوز أن يشتريه منه على حال، إذ لا يجوز له أن يستثنيه أقل من الثلث، قال إنه يجوز له أن يشتريه منه إن كان لم ينتقد الثمن مقاصة، والمعروف من قولهم الذي يأتي على أصولهم أن ذلك يجوز نقدا ومقاصة إذا لم يكونا من أهل العينة؛ لأن بيوع النقد لا يتهم فيها إلا أهل العينة، فإن كانا من أهل العينة، لم يجز له أن يشتري منه أقل من الثلث إلا مقاصة؛ وأما إن كان انتقد وتفرقا، فقال إنه لا يتهم في ذلك إلا أهل العينة، والصواب أنه لا يتهم في ذلك أهل العينة ولا غيرهم؛ إذ قد تناجزا في البيع الأول ولم يبق بينهما فيه عمل ولا موضع للتهمة وقد تفرقا بعد التقابض؛ فعلى قوله لا ترتفع التهمة عنهما إذا كانا من أهل العينة، إلا أن يطول الأمر بعد افتراقهما الأيام، كمسألة الصرف من المدونة في الذي باع من رجل دنانير بدراهم، ثم أراد أن يشتري منه بها دنانير، فلم يجز ذلك في المجلس ولا بعد اليوم واليومين؛ وهو بعيد في هذه المسألة، وإنما يحسن أن يتهم

مسألة: اشترى سلعة غائبة بعينها وهي ببلد على أن يوفاها بموضع آخر

أهل العينة في هذا إذا كان قد نقده ولم يتفرقا، وقد مضى القول على هذه المسألة في رسم مرض من سماع ابن القاسم مستوفى. [مسألة: اشترى سلعة غائبة بعينها وهي ببلد على أن يوفاها بموضع آخر] مسألة قال أصبغ سألت ابن القاسم عمن اشترى سلعة غائبة بعينها وهي ببلد على أن يوفاها بموضع آخر، أو بموضعه شك أصبغ. قال لا خير فيه للضمان. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال أن ذلك لا يجوز؛ لأن بعض الثمن قد وقع للضمان، وذلك حرام لا يحل بإجماع. [مسألة: اشترى طعاما بعينه على أن يحمل له إلى بلد] مسألة قال أصبغ وسمعته يسأل فيمن اشترى طعاما بعينه على أن يحمل له إلى بلد، فقال إن كان يكتاله هناك حيث هو ولا يكون على البائع إلا الحملان، فلا بأس به؛ وإن كان لا يكتاله إلا حيث يحمل، فلا خير فيه؛ لأن فيه ضمانا، اشترى شيئا بعينه على أن يعطاه بموضع آخر؛ فهذا مثل مسألة السلعة، وبعض هذا من بعض، يشبه بعضه بعضا، وقاله أصبغ وهما سواء. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في المسألة التي فوقها، إذ لا فرق في هذا بين الطعام المعين وبين السلعة كما قال أصبغ. [مسألة: اشترى جارية غائبة بالشام على أنها من البائع] مسألة وسئل عمن اشترى جارية غائبة بالشام على أنها من البائع

مسألة: سلف في عشرة أرطال لحم فأعطاه جزرة فيها خمسون

حتى يوفيه إياها بمصر، قال لا خير فيه، لما فيه من الضمان والتغرير؛ ولو كان يقبضها في مكانها بالشام، لم يكن بذلك بأس، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: وهذا أيضا مثل ما تقدم، إذ لا فرق بين السلعة والطعام والجارية في أن اشتراط ضمان ذلك في البيع لا يجوز. [مسألة: سلف في عشرة أرطال لحم فأعطاه جزرة فيها خمسون] مسألة قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول فيمن سلف في عشرة أرطال لحم، فأعطاه جزرة فيها خمسون؛ قال إن كان فيها صفته، أو قال على صفته، فلا بأس به؛ إنما البقية حينئذ إفضال منه عليه بمنزلة ما لو كان له عليه مائة إردب قمح سلفه فيها فأعطاه مائتين، وقاله أصبغ إذا كانت جميعا أو إحداهما كلها على الصفة أو أرفع؛ وهذا في الجزرة أن تكون مذبوحة مسلوخة، فأما حية قائمة فلا يحل الحي بالميت؛ وكذلك إذا حل اللحم له أيضا ولم يكن قبل محله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى، وقول أصبغ تفسير لقول ابن القاسم وصحيح؛ وإنما اشترط في الجزرة أن تكون مسلوخة؛ لأنها إذا لم تكن مسلوخة لا يدري لعل لحمها أدنى من الذي له، فيكون اللحم باللحم متفاضلا؛ لأنه أخذ أدنى صفة وأكثر وزنا وجلدا زائدا، فيدخله التفاضل فيما لا يجوز فيه التفاضل، وبيع الطعام قبل أن يستوفى؛ ولو تحقق أن لحمها أطيب من أرطاله لجاز، وبالله التوفيق.

يسلف في قراطيس طولها عشرون ذراعا

[يسلف في قراطيس طولها عشرون ذراعا] ومن كتاب البيوع العاشر. قال أصبغ وسمعت ابن القاسم يقول فيمن يسلف في قراطيس طولها عشرون ذراعا، فلما حل الأجل قال المشتري إنما لي بذارعي، وقال البائع بل بذراعي ولم يكونا سميا؛ قال لا ينظر إلى قول هذا ولا هذا، وأرى أن يحمل على ذراع وسط؛ قال ونزلت فأفتينا فيها بذلك، قال أصبغ ولم ير هذا فسخا، وهذا أحسن عندي، والقياس الفسخ. قال محمد بن رشد: في قوله ولم يكونا سميا، دليل على أنهما لو اتفقا على أن السلم وقع بينهما على ذراع أحدهما بعينه لجاز؛ وهو مذهبه في المدونة؛ لأنه أجاز السلم على ذراع رجل بعينه؛ ويؤخذ قياسه، فيكون عندهم لئلا يموت؛ خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أنه لا يجوز السلم على ذراع رجل بعينه، قال ويكفي أن يسميا الذراع فقط؛ فإن اختلفا فيه عند القبض كان له الوسط من أذرع الناس؛ هذا إذا لم يكن القاضي قد جعل ذراعا للناس يتبايعون عليه، فإن كان قد نصب ذراعا للناس يتبايعون عليه، وجب الحكم به والرجوع إليه عند الإبهام. وتحصيل القول في هذه المسألة عندي أن القاضي إذا كان قد نصب للناس ذراعا يتبايعون عليه، لم يجز اشتراط ذراع رجل بعينه، كما لا يجوز ترك المكيال المعروف الجاري إلى مكيال مجهول؛ وإن لم يكن للناس ذراع منصوب، فهذا موضع الاختلاف، قيل إن الذراع الوسط كالذراع المنصوب فلا يجوز السلم على ذراع رجل بعينه، وإنما يجوز على الذراع الوسط، أو على ذراع ولم يسميا شيئا فيحكم بينهما بذراع وسط وهذا الذي ذهب إليه ابن حبيب. وقيل إنه لا يكون الذراع الوسط كالذراع المنصوب، ويجوز السلم على ذراع رجل بعينه، وعلى ذراع وسط، كما يجوز شراء الطعام على مكيال مجهول في القرى من الأعراب حيث ليس

مسألة: ابتاع طعاما بعينه ونقد بعض ثمنه إلى أن يأتيه بالبقية

لهم ميكال يتبايعون عليه، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، ودليل قوله في هذه الرواية، وإن لم يسميا شيئا؛ حملا على ذراع وسط؛ وقول أصبغ استحسان، والقياس الفسخ، ولو اختلفا على هذا القول فقال المسلم وقع السلم على ذراعي، وقال المسلم إليه بل على ذراعي، كان الحكم في ذلك على حكم اختلافهما في عدد المسلم فيه؛ وأما على القول الآخر فيفسخ السلم بينهما، لاتفاقهما على أنه وقع فاسدا، ولو ادعى أحدهما أن السلم وقع على ذراع وسط، لكان القول قوله لأنه يدعي الصحة دون صاحبه؛ وكذلك لو اختلفا حيث ثم ذراع منصوب فادعى أحدهما الذراع المنصوب. [مسألة: ابتاع طعاما بعينه ونقد بعض ثمنه إلى أن يأتيه بالبقية] مسألة وسئل عمن ابتاع طعاما بعينه ونقد بعض ثمنه إلى أن يأتيه بالبقية، ثم بدا له فأراد أن يكتال بقدر ما نقد ويستقيل من البقية، قال لا بأس بذلك؛ فإن كان قد نقد الثمن كله، فلا يصلح أن يأخذ بعضا ويستقيل من بعض، إلا أن يكونا لم يتفرقا ولم يغيبا على الدنانير. قال محمد بن رشد: الصحيح في هذه المسألة على أصولهم أن الإقالة من البعض جائزة وإن نقده الثمن كله، إذ ليس في نفس الإقالة فساد؛ وإنما يوجد الفساد في ذلك بمجموع البيع والإقالة إذا اتهما في ذلك، فوجب أن يجوز إذا لم يكونا من أهل العينة؛ لأن بيوع النقد لا يتهم

مسألة: السلف في الزفيزفا

فيها إلا أهل العينة، وقد مضى له في الرسم الذي قبل هذا مثل هذا من اتهام غير أهل العينة في بيوع النقد وقد نبهنا عليه هناك. [مسألة: السلف في الزفيزفا] مسألة وسمعته يقول في الزفيزفا أنه لا بأس به بواحد أخضر كله، أو يابس كله، ولا خير في رطبه بيابسه على حال، والعين بقر كذلك؛ قال أصبغ لأن المزابنة تدخله والخطر، ولا ينكر في هذا جواز التفاضل فيه أخضر كله؛ وقد يجوز الرطب والعنب واحد بواحد رطبا كله، ولا يجوز رطبه بيابسه على حال؛ لأن المزابنة تدخله، وكذلك هذا؛ والحديث في النهي على الرطب باليابس فيهم، فهو يقع على الرطب باليابس في كل شيء. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم يدير ماله من سماع عيسى مستوفى، فلا معنى لإعادته مرة أخرى. [مسألة: قوم يقتسمون ماءهم بالقلد فيأخذ الرجل على قدر حقه] مسألة وسئل عن قوم يقتسمون ماءهم بالقلد وهو قدر نحاس، وقد عرفوا كم يصير بلدهم منه، فيأخذ الرجل على قدر حقه فيتسلف الرجل من صاحبه في الشتاء أقلادا، ثم يغفلون حتى تدخل الصيف فيلزمه، فيأبى أن يعطيه إلا في الشتاء

أو في وقته الذي أخذه، والماء عندنا في الشتاء أرخص، وفي الصيف أغلى؛ قال أصبغ عليه أن يعطيه في أي وقت طلبه بعد أن يكون السلف حالا لا وقت له، ولم يكن مؤجلا لم يحل أجله؛ ولا ينظر في هذا إلى شتاء ولا صيف، (ولا حين إعطائه) ولا حين قبضه، ولا غير ذلك، إلا متى ما طلبه، أو أراد المسلف قضاءه قبل أن يطلبه. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا خلاف مذهب ابن القاسم، والذي يأتي في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم، أنه ليس له أن يأخذ سلفه منه إلا في الفصل الذي أسلفه إياه فيه؛ لأن سقي الصيف لا يشبه سقي الشتاء، والمماثلة في الماء للسقي، إنما تكون بتساوي الأوقات والفصول؛ والذي يدل على أن هذا مذهبه، قوله في سماع أبي زيد من كتاب القسمة في الشريكين في الماء لأحدهما السقي بالليل، وللآخر السقي بالنهار، (فيتعدى الذي له السقي بالنهار) على الذي له السقي بالليل فيسقي به؛ أنه إن لم يكن له سقي بالليل كانت عليه القيمة؛ لأن سقي النهار لا يشبه سقي الليل؛ ووجه قول أصبغ أن الواجب في السلف رد مثله من غير اعتبار قيمته يوم السلف ولا يوم الرد، ومعنى ذلك إذا كان الماء قدره واحد في الوقت الذي استسلفه، وفى الوقت الذي يرده؛ لأن العادة في المياه أنها تقل في الصيف وتكثر في الشتاء، فليس له إذا استلف الأقلاد في الصيف أن يأخذها في الشتاء إذا كان المياه في الشتاء أكثر؛ لأنه يأخذ فيها من الماء أضعاف ما أسلفه، وإذا لم يكن له أن يأخذها في الشتاء، لم يكن للذي عليه السلف أن يجبره على أخذها؛ إذ ليس له أن يلزمه معروفا، ولا للمسلف إذا أسلف للأقلاد في الشتاء، أن يردها في الصيف إذا كان الماء في الصيف أقل؛ وإذا لم يكن له أن يردها

في الصيف، لم يكن للذي له السلف أن يأخذها؛ لأنه إن قال إنه تارك لبعض حقه، فليس له أن يلزم المسلف قبول معروفه؛ ويعلم أنه إنما رضي أن يأخذه في الصيف، وهو أقل من أجل أنه أغلى؛ وهذا وجه المبايعة التي لا تجوز إلا برضى المتبايعين. فالواجب على مذهبه إذا طلب صاحب السلف سلفه من الأقلاد في غير الفصل الذي قبضه فيه، والماء ليس على ما كان عليه، إلا أن يكون ذلك له، ويلزم الانتظار إلى الفصل الذي أسلفه فيه؛ كمن أسلف فيما له إبان فانقضى الإبان قبل أن يأخذ سلفه، ولا يدخل في هذه الاختلاف الذي في تلك؛ لأن هذا قرض وذلك بيع؛ وفي صفة القلد الذي يقسم به الماء بين الإشراك اختلاف؛ قيل إنه أن يؤخذ قدر فيثقب في أسفله، ثم يصب فيه الماء من وقت إلى مثل ذلك الوقت من يوم آخر، فما اجتمع مما خرج من ذلك الثقب من الماء اقتسمه الورثة أو الأشراك فيما بينهم على قدر حظوظهم، وعمل واحد منهم قدرا يحمل مقدار حظه من ذلك الماء، ويثقب في أسفله بالمثقب الذي ثقب به القدر الأول؛ ويسقون الأول فالأول على ما يتفقون عليه، أو يخرجه الاقتراع لهم؛ فإذا وصل الماء في أرض الذي يأتي وقت سقيه؛ ملأ قدره من الماء وفتح الثقب، فلا يزال يسقي حتى ينفذ الماء، ثم الذي يليه كذلك إلى آخرهم؛ وقيل بل يقسم الماء على سهم أقلهم نصيبا، فإن كان لأحدهم السدس وللثاني السدسان، وللثالث الثلاثة الأسداس؛ ثقب في جنب القدر الأول حيث ينتهي السدس والماء، وحيث ينتهي السدسان، وحيث تنتهي الثلاثة الأسداس؛ فإذا سقى صاحب الثلاثة الأسداس وضع الثلاثة الأسداس في القدر، وفتح الثقب الأول، فإذا جرى

مسألة: بيع دكار التين بالتين يدا بيد وإلى أجل

السدس من الماء، فتح الثقب الثاني؛ فإذا جرى السدس الثاني من الماء، فتح الثقب الذي في أسفل القدر ويسقي حتى لا يبقى في القدر شيء؛ ويفعل الذي له السدسان مثل ذلك، وكذلك الذي له السدس يسقي حتى يجري السدس من الماء من الثقب الذي في أسفل القدر، وهذا أعدل من القول الأول؛ لأن صاحب النصيب الكبير يغتبن على القول الأول؛ لأن كلما كثر الماء في القلد، كان أسرع لخروجه من الثقب. [مسألة: بيع دكار التين بالتين يدا بيد وإلى أجل] مسألة قال أصبغ لا بأس ببيع دكار التين بالتين يدا بيد وإلى أجل، وكيف ما كان متفاضلا أو غيره، وهو مثل النوى بالتمر. قال محمد بن رشد: أما قوله في دكار التين بالتين أنه لا بأس به بالتين مثلا بمثل، ومتفاضلا يدا بيد، وإلى أجل؛ فصحيح على ما قال؛ لأنه لا يؤكل بحال، فحكمه حكم العروض باتفاق؛ لا يدخل فيه من الاختلاف ما يدخل في التمر بالنوى؛ لأن قول مالك اختلف فيه من أجل ما في التمر من النوى، فمرة أجازه، ومرة كرهه، ومرة أجازه يدا بيد، وكرهه إلى أجل، فقوله إنه مثل النوى بالتمر- يريد عنده على مذهبه في إجازة ذلك يدا بيد، وإلى أجل- وبالله التوفيق. [باع ثوبين بعشرة أرادب قمح إلى أجل] من سماع أبي زيد ابن أبي الغمر من عبد الرحمن بن القاسم. قال أبو زيد سئل ابن القاسم عن رجل باع ثوبين بعشرة أرادب قمح إلى أجل، فلما حل الأجل، قال أقلني في أحد ثوبيك وخذ مني خمسة أرادب؛ قال لا بأس به إذا كان الثوبان

مسألة: باع خمسة أرادب قمح بدينار إلى شهر

معتدلين، فإذا كان أحدهما أرفع من الآخر، لم يصلح أن يقيله من أحداهما. قال محمد بن رشد: لسحنون في المجموعة أنه لا يجوز ويدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى؛ إذ قد يغلط في التقديم فيكون قد أقال من الطعام بأقل مما اشتراه به أو أكثر؛ كما لا يجوز لهذه العلة إذا اشترى ثوبين مستويين أن يبيع أحدهما مرابحة بنصف الثمن حتى يبين، ووجه قول ابن القاسم، أن اعتدال الثوبين مما يدرك معرفته، فجاز أن يقيل من أحدهما بنصف الطعام إذا كانا مستويين؛ فعلى هذا يجوز إذا اشترى ثوبين مستويين صفقة واحدة أن يبيع أحدهما مرابحة بنصف الثمن ولا يبين، كما لو أسلم فيها، خلاف قوله في المدونة إن ذلك لا يجوز، بخلاف إذا أسلم فيها؛ وقد قيل إنه إنما لم يجز بيع أحدهما مرابحة دون أن يبين، من أجل أنه قد يزاد في ثمن الجملة؛ ذهب إلى هذا ابن عبدوس؛ فعلى هذا لا يجوز أيضا إذا سلم في ثوبين أن يبيع أحدهما مرابحة دون أن يبين، وهو قول سحنون. [مسألة: باع خمسة أرادب قمح بدينار إلى شهر] مسألة وقال ابن القاسم في رجل باع خمسة أرادب قمح بدينار إلى شهر، فقال المبتاع للبائع قبل الأجل خذ مني عشرة أرادب من صفة قمحك، وامح عني الدين، قال لا بأس به.

مسألة: كل زريعة لا تؤكل ويستخرج من حبها شيء يؤكل

قال محمد بن رشد: هذه مسألة وقعت في بعض الروايات، وهي مسألة رديئة خارجة عن الأصول؛ لأن مآل أمرهما إلى أن أسلم البائع إلى المبتاع خمسة أرادب في عشرة إلى أجل. [مسألة: كل زريعة لا تؤكل ويستخرج من حبها شيء يؤكل] مسألة قال وكل زريعة لا تؤكل ويستخرج من حبها شيء يؤكل، فإنها تباع قبل أن يستوفى؛ ويباع منها اثنان بواحد، ويباع بعضها ببعض إلى أجل؛ وكل زريعة تؤكل ويستخرج من حبها طعام يؤكل، فإنه لا يباع حتى يستوفى، ولا يباع منه اثنان بواحد. قال محمد بن رشد: كذا وقع في الرواية كل: زريعة لا تؤكل ويستخرج من حبها شيء يؤكل، فإنها تباع قبل أن يستوفى، ويباع منها اثنان بواحد، ويباع بعضها ببعض إلى أجل، وكل زريعة تؤكل ويستخرج من حبها طعام يؤكل، فإنها لا تباع حتى يستوفى، ولا يباع منها اثنان بواحد، والصواب فيها كل زريعة لا تؤكل ولا يستخرج من حبها شيء يؤكل؛ لأن ما كان من الزراريع التي يستخرج منها الزيت كزريعة الفجل، وزريعة الكتان، فإنها من الطعام لا تباع حتى تستوفى، ولا يباع منها اثنان بواحد، كذا قال في المدونة، ومعنى ذلك في البلد الذي تتخذ فيه لذلك، فتأويل قوله في الرواية إذا صحت ويستخرج من حبها شيء يؤكل، أي بأن يزرع فينبت منها ما يؤكل كزريعة البصل والكراث والبطيخ وشبه ذلك. ومعنى قوله لا تؤكل أي لا تؤكل تقوتا ولا تفكها؛ لأن أكلها على سبيل التداوي كالحرق وشبهه، لا يراعى. وقوله ويباع بعضها ببعض إلى أجل، يريد من صنفين مختلفين، وقد حمل بعض الناس الرواية على ظاهرها في أن ما كان من الزراريع، يؤكل فليس من الطعام وإن كان يخرج منه الزيت، خلاف ما في

مسألة: زيت الفجل بزيت الزيتون متفاضلا

المدونة. وأما قوله وكل زريعة تؤكل ويستخرج من حبها طعام يؤكل، فالمعنى فيه وكل زريعة تؤكل أو يستخرج من حبها طعام يؤكل؛ لأن الزريعة إذا كانت تؤكل فهي من الطعام وإن لم يخرج منها طعام؛ ولا اختلاف في ذلك، كالكمون والكروياء، وشبه ذلك؛ وإذا كان يخرج منها طعام كزريعة الفجل الذي يخرج منه الزيت وشبه ذلك، فهو من الطعام؛ وإن لم يؤكل إلا على سبيل التداوي على ما وصفناه مما حمل عليه بعض الناس قوله: كل زريعة لا تؤكل ويستخرج من حبها شيء يؤكل وهو بعيد، وقد اختلف في الحلبة، فقيل إنها من الطعام لا تباع قبل أن تستوفى، وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع. وقيل إنها ليست من الأطعمة وهي من الأدوية فتباع قبل أن تستوفى، ويباع منها اثنان بواحد يدا بيد، وتباع بالقمح إلى أجل، وهو قول مالك في رواية ابن نافع عنه؛ قال ابن نافع قيل لي إنها باليمن طعام فلا تباع بالقمح إلى أجل حيث هي طعام. وقال أصبغ للخضراء منها حكم الأطعمة ولليابسة حكم الأدوية؛ وحكم ابن دينار في المدونة للزرايع التي لا تؤكل ولا فيها طعام مثل زريعة القثاء والبطيخ وشبه ذلك، بحكم ما لا يدخر من الفواكه، يجوز التفاضل في الصنف الواحد منها يدا بيد، ولا يجوز في شيء من ذلك الأجل، ولا بيعه قبل استيفائه. [مسألة: زيت الفجل بزيت الزيتون متفاضلا] مسألة قال مالك لا بأس بزيت الفجل بزيت الزيتون متفاضلا يدا بيد.

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، بخلاف الأخلال، والأنبذة في ذلك، تلك لا يراعي فيها اختلاف أصولها؛ وقد اختلف في الأخباز حسبما مضى القول فيه في أول سماع يحيى، وبالله التوفيق. تم السلم الأول والثاني والآجال بحمد الله تعالى وعونه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما عونك يا الله.

كتاب جامع البيوع الأول

[كتاب جامع البيوع الأول] [القصيل الذي يشتريه الرجل فيصير بعضه حبا]

من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: قال عبد الرحمن بن القاسم في القصيل الذي يشتريه الرجل فيصير بعضه حبا؟ قال: يعدل بقدر الفدادين ويقاس، فإن كان الذي حبب منه الثلث أو الثلثان رجع على حساب ذلك، وليس في ذلك قيمة، وإنما يقدر بالقياس والتحري، وليست فيه قيمة. قلت إن بعضه يكون أجود من بعض؟ قال: يقدر على ذلك، يقال كم هذا الذي يجب من الذي أكل إن كان الثلث أو الثلثان على قدر جودته ورداءته؟ قال والبلح أيضا كذلك على التقدير إذا أزهى بعضه. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها من أن الرجل إذا اشترى القصيل على أن يقصله فلم يقصله حتى حبب، أن البيع ينتقض فيه، كما لو اشتراه على أن يتركه حتى يحبب؛ لأن البيع إذا كان ينتقض في جميعه إذا حبب، أن ينتقض فيما حبب منه إذا حبب بعضه، وسواء غلبه الحب فيه دون توان، أو توانى في قطعه حتى

حبب قصدا منه لنقض البيع لاستغلائه إياه، وما أشبه ذلك؛ ولو توانى في قطعه فرافعه البائع إلى السلطان، فقضى عليه بتعجيل قطعه قبل أن يحبب فلم يفعل حتى حبب، أو حبب في خلال الخصام؛ لوجب أن ينتقض البيع فيه أيضا. قال ذلك أصبغ، ورواه عن ابن القاسم؛ وقوله: إذا حبب بعضه أنه يعدل بقدر الفدادين ويقاس، وليس فيه قيمة؛ يريد ليس فيه قيمة تختلف باختلاف الأوقات، كالرأس مع الخلفة إذا اشتراه وشرط خلفته، فحصد الأصل وترك الخلفة حتى حبب؛ أن البيع ينتقض فيها بقيمتها من قيمة الأصل، يقال كم قيمة القصيل يوم وقع البيع فيه دون خلفة، وكم قيمة حينئذ باشتراط خلفته؛ فإن كانت قيمة القصيل دون خلفته عشرة، وقيمته باشتراط خلفته خمسة عشر، علم أن الخلفة وقعت في الثلث، فيرجع المبتاع على البائع بثلث الثمن، وتكون الخلفة التي حببت له؛ لأنتقاض البيع فيها دون الأصل؛ وأما الأصل إذا حبب بعضه، فما حبب منه، فينتقض البيع فيه بمقداره من الثمن نصفه بنصف الثمن، وثلثه بثلث الثمن، وما كان من الأجزاء على هذا، ويعرف قدر ما حبب منه مما لم يحبب بالقياس والكيل، يكال الفدان ويقاس، فيعلم ما بيع ما حبب منه مما لم يحبب، فيرجع المبتاع بقدر ذلك من الثمن؛ وهذا إذا كان القصيل معتدلا مستويا في الطيب واللفة. وأما إن كان بعضه أطيب وألف من بعض، فلا بد فيه من القيمة على قدر جودته ورداءته على ما قال؛ لأن ذلك يكون كالأصناف، لو اشترى قصيل قمح وشعير وقرط صفقة واحدة، فحبب بعض تلك الأصناف، انتقض البيع فيه بما ينوبه من الثمن على القيمة، والقيمة في ذلك يوم وقعت الصفقة، لا يوم جز منه ما جز، ولا يوم حبب منه ما حبب؛ وكذلك قال في الجوائح من المدونة إن القصيل إذا اشترى جزة واحدة

مسألة: الرجل يبيع الحائط فيه صنف واحد من الثمار حين يبدو صلاحه ولم يعم

فنصفه بنصف الثمن، ولا قيمة في ذلك؛ بخلاف ما يكون من المقاثئ وشبهها بطونا، وما يجني من الفواكه شيئا بعد شيء، ولا يمكن حبس الأول منه على الآخر. وقوله والبلح أيضا كذلك على التقديم إذا أزهى بعضه، يريد أن البلح إذا اشتراه على أن يقطعه فلم يقطعه حتى أزهى بعضه، أن البيع ينتقض فيما أزهى منه نصفه بنصف الثمن، أو ثلثه بثلث دون قيمة، وذلك إذا كان صنفا واحدا مستويا في الطيب، فإن اختلفت أصنافه، أو اختلف الصنف الواحد منه في الطيب؛ لم يكن في ذلك بد من القيمة كالقصيل سواء، ولا يجوز شراء البلح قبل أن يزهى إلا بشرط القطع؛ فإن وقع البيع مسكوتا عنه فسخ، إلا أن يقطعه المشتري قبل أن يعثر عليه فلا يفسخ؛ لأنه يتبين بقطعه أنه إنما اشتراه ليقطعه؛ على هذا يحمل ما وقع في البيوع الفاسدة، وبيع العرايا من المدونة، لا على أنه اختلاف من القول على ما ذهب إليه بعض أهل النظر، وذلك بخلاف القصيل؛ لأنه يجوز بيعه وإن وقع مسكوتا عنه لم يشترط قطعه قبل أن يحبب، فرق بين ذلك العرف في شراء القصيل، على أن يقطع والثمرة على أن يبقى، فيحمل كل واحد منهما في السكوت على ما جرى عليه عرف الناس فيه. [مسألة: الرجل يبيع الحائط فيه صنف واحد من الثمار حين يبدو صلاحه ولم يعم] مسألة (قال ابن القاسم) وسمعت مالكا يقول في الرجل يبيع الحائط فيه صنف واحد من الثمار حين يبدو صلاحه ولم يعم

الحائط كله. قال إن كان طيبه ذلك متتابعا فبيعه جائز، فأما الشيء المبكر، فلا يجوز بيع الحائط حتى يطيب طيبا متتابعا. قال وسمعت مالكا يقول في الرجل يبتاع الحائط فيه أصناف من التمر مختلفة، قد طاب بعضها وبقي بعض، قال لا أرى أن يباع منها إلا ما قد طاب، ويترك ما لم يطب. قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول في الرجل يشتري الدالية وقد بدأت الحبة في العنقود أو العنقودين قد طابت وسائرها لم يطب، والتينة كذلك، وما أشبه ذلك من الثمار؛ قال لا بأس به. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يبيع الحائط فيه صنف واحد من الثمار حين يبدو صلاحه ولم يعم الصلاح الحائط كله، أنه بيع جائز إذا كان طيبه متتابعا. يريد بالصنف الواحد أن يكون نخلا كله، أو تينا كله، أو رمانا كله؛ وإن اختلفت أجناس التمر، أو أجناس التين، أو أجناس الرمان، فيجوز بيع الحائط كله بطيب جنس واحد منه إذا كان طيب جميعه متتابعا يقرب بعضه من بعض. وقال ابن كنانة وإن لم يقرب بعضه من بعض إذا كان طيبه متصلا لا يفرغ آخر الأول حتى يطيب أول الآخر، ويقوم ذلك من قول مالك في رسم طلق في مسألة الجنسين؛ لأن البطنين في الثمرة الواحدة كالجنسين من صنف واحد؛ وأما إذا كان الحائط أصنافا من الثمر مثل عنب وتين ورمان، فلا اختلاف في أنه لا يجوز أن يباع ما لم يطلب من الأصناف بما طاب منها وإن قرب وتتابع، إلا أن يكون الذي لم يطب منها تبعا لما طلب على اختلاف في ذلك

سنذكره في آخر سماع أشهب إن شاء الله تعالى. وقوله في الرجل يبتاع الحائط فيه أصناف من الثمر مختلفة، قد طاب بعضها، وبقي بعض؛ إنه لا يباع منها إلا ما قد طاب، ويترك ما لم يطب؛ معناه في الأصناف المختلفة من الثمر، مثل تمر وتين وعنب ورمان؛ وكذلك الرواية فيه الثمر بالثاء المعجمة بثلاث لا بالتاء المعجمة باثنين؛ لأن الأصناف من الثمر يجوز أن تباع جميعا بإزهار بعضها؛ قيل إذا كان ذلك متتابعا، وهو قول مالك. وقيل وإن لم يتتابع إذا لم ينقطع الأول حتى بدأ طيب الآخر، وهو قول ابن كنانة حسبما وصفناه. وقد كان مالك يقول أولا إنه لا يجوز بيع الحائط حتى يعمه الزهو، ولا يباع بإزهار النخلة والنخلتين ثم قال: لا بأس أن يباع بازهاء النخلة والنخلتين؛ وقال إزهاء نخلة في خمسين مثل نخلة في ألف، وما أدركت الناس إلا على إجازته؛ قال ابن القاسم يريد فيما رأيت النخلة التي ليست بباكورة، وبعضه قريب من بعض؛ وقع ذلك في أصل السماع، وقيل إنه يجوز أن يباع الحائط وإن لم يزه فيه شيء إذا قرب من الزهو وإزهاء ما حواليه، وكان الرمان قد أمنت فيه العاهات؛ وهو قول مالك في رسم أخذ يشرب خمرا بعد هذا، وإليه ذهب ابن حبيب وقال إنه القياس؛ فيتحصل في هذه المسألة أربعة أقوال، أحدها، أنه لا يجوز بيع الحائط حتى يعمه الزهو، والثاني أنه يجوز بيعه وإن لم يعمه الزهو إذا أزهى بعضه، وكان زهو سائره قريبا متتابعا. والثالث أنه يجوز بيعه إذا أزهى بعضه وإن لم يقرب زهو سائره إذا اتصل طيبه ولم ينقطع الأول قبل أن يبدأ الثاني. والرابع أنه يجوز بيعه وإن لم يظهر فيه الزهو إذا ظهر فيما

مسألة: يبيع الطعام على شرط إن أدركته الصفقة

حواليه وكان الرمان قد أمنت فيه العاهات، وما استعجل زهوه من الثمار بعارض وسبب من مرض في الثمرة وما أشبه ذلك، فلا اختلاف في أنه لا يستباح به بيع ذلك الحائط وستأتي هذه المسألة أول رسم من سماع أشهب، وفي آخر رسم منه- إن شاء الله. [مسألة: يبيع الطعام على شرط إن أدركته الصفقة] مسألة قال ابن القاسم وسمعت مالكا يقول لا ينبغي بيع الطعام على شرط إن أدركته الصفقة، مثل الزرع القائم إذا يبس واستحصد؛ قال سحنون وسئل ابن القاسم عن هذا، فقال ذلك رأيي ما كان في البيوت من الطعام المخزون؛ لأنه أمر لا يدرى ما فيها وليست بمنزلة السلع؛ قال سحنون وهذا عندي في الجزاف. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم وسحنون يبين قول مالك ويفسره، فمعنى قوله لا ينبغي بيع الطعام على شرط إن أدركته الصفقة على ما فسراه به، أي لا يجوز بيع الطعام الغائب جزافا على الصفقة، ولا يقام من قوله إن ذلك لا يجوز على شرط إن أدركته الصفقة، دليل على أن ذلك يجوز إن لم يشترط الصفقة، بل لا يجوز على حال: شرط الصفقة أو لم يشترطها؛ إذ لا يجوز أن يشتري على الصفقة إلا ما يجوز أن يسلم فيه على الصفة؛ فكما لا يجوز أن يسلم في الطعام على الصفة جزافا،

مسألة: بيعت الجارية وعليها حلي وثياب ولم يشترط البائع ولا المبتاع

فكذلك لا يجوز أن يبتاع طعام غائب على الصفة جزافا. وقوله مثل الزرع القائم إذا يبس واستحصد، يحتمل أن يريد بذلك أن ذلك لا ينبغي، كما لا ينبغي في الزرع القائم أن يبس واستحصد، وأن يريد بذلك أن ذلك ينبغي. والتأويل الأول هو الصحيح؛ لأن المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، أنه لا يجوز أن يسلم في فدادين من زرع على صفة، فكذلك لا يجوز أن يبتاعها على صفة؛ وأما التأويل الثاني، فلا يصح إلا على مذهب أشهب الذي يجيز أن يسلم في القصيل على فدادين موصوفة؛ ولو كان المبتاع قدر المصبر والزرع، ثم اشترى ذلك من صاحبها على رؤيته المتقدمة وهو غائب عنها؛ لجاز ذلك، اشترط الصفقة أو لم يشترطها؛ وقد نص على جوازه ابن حبيب في الواضحة، وقد فرق في هذا في المدنية من رواية ابن القاسم عن مالك من الطعام المصبر والزرع القائم، فمنع أن يشتري الطعام المصبر وهو غائب عنه على روايته المتقدمة، وأجاز ذلك في الزرع القائم وهي تفرقة لا حظ لها في النظير، فالله أعلم بصحتها. [مسألة: بيعت الجارية وعليها حلي وثياب ولم يشترط البائع ولا المبتاع] مسألة قال ابن القاسم قال مالك: إذا بيعت الجارية وعليها حلي وثياب، ولم يشترط البائع ولا المبتاع، فهو للبائع؛ ولا ينقض البيع لذلك، إلا ما يكون لها مما لا يزين به فهو لها؛ قال ابن

القاسم وما كان مما ليس لها مما تزين به، فلا ينبغي أن يشترطه المبتاع؛ قال سحنون: من الحلي، فأما الثياب فلا بأس به؛ قال ابن وهب وسمعت مالكا يقول في الرجل يشتري الجارية عليها ثوب الوشي الحسن، فيريد البائع أن يأخذه، ويقول المشتري ليس هذا من الشيء الذي يكون للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع، قال مالك أرى إذا كانت الجارية فارهة عليها الثوب اليسير الثمن، وهو نحو بذلته عند أهلها، فإني لا أرى للبائع نزعه؛ فأما الثوب الجيد الذي إنما لبسته لتزين به، وأشباه ذلك؛ فإني أراه للبائع؛ هذه المسألة لعبد الله بن وهب في سماعه من مالك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة؛ لأن ما زينت به الجارية عند البيع من الحلي والثياب، لا يدخل في البيع، إلا أن يشترطه المبتاع. فقوله: إن الجارية إذا بيعت وعليها حلي وثياب، لم يشترط البائع ولا المبتاع أنه للبائع، ولا ينقض البيع لذلك؛ يريد إن كان وقع بذهب وعليها حلي ذهب، بين في المعنى؛ لأن الحلي للبائع، ولا يدخل في البيع إلا باشراط المبتاع له؛ وإذا كان الحلي والثياب للبائع، فيلزم البائع أن يكسوها كسوة تصلح لمثلها للبذلة. وقيل لا يجب ذلك عليه إذا لم يشترطه المبتاع، فإن اشترط ذلك المبتاع، لزم البائع؛ واختلف إن اشترط البائع إلا يكسوها، وأن يأخذها المبتاع عريانة؛ ففي سماع أشهب من كتاب العيوب أن شرطه باطل، وعليه أن يكسوها؛ وقيل شرطه عامل، وهو الصحيح؛ وقد مضى القول على ذلك في سماع أشهب المذكور. وقوله إلا ما يكون لها

مسألة: يشتري الزق ويزعم صاحبه أن فيه عشرة أقساط بقمح جزافا

مما تزين به فهو لها يريد الحلي والثياب وإن كان الحلي حلي ذهب، فاشتراها بذهب؛ لأنه تبع لها من أجل أنه مالها. وكذلك لو كان الحلي الذي زينت به لها، فاستثناه المشتري، لجاز ذلك وإن كان حلي ذهب فاشتراه بذهب، وأما إذا لم يكن لها، فاستثناه المشتري، فلا يجوز إن كان الحلي ذهبا فاشتراها بذهب أو فضة؛ إلا أن يكون مصوغا بما معه من اللؤلؤ والحجارة غير منفصل عنه وهو تبع له فيجوز، وقول سحنون مفسر لقول ابن القاسم؛ إذ لا إشكال في أنه يجوز للمشتري أن يستثني ما عليها من الثياب التي زينت بها، وإنما لا يجوز له أن يستثني ما عليها إن كان حلي ذهب فاشتراها بذهب؛ إلا أن يكون الحلي غير منفصل عما معه من الحجارة، وهو في حيز التبع له على ما ذكرناه؛ وهذه الرواية تفسير ما مضى في سماع أشهب من كتاب الجهاد، وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وقد مضى القول على ذلك هناك. [مسألة: يشتري الزق ويزعم صاحبه أن فيه عشرة أقساط بقمح جزافا] مسألة قال مالك في الرجل يشتري الزق ويزعم صاحبه أن فيه عشرة أقساط بقمح جزافا: أكره ذلك إذا قبضه بكيل صاحبه، قال سحنون قال لي ابن القاسم لم أجد لهذه المسألة معنى، ولا أرى به بأسا؛ قال سحنون قول مالك الصواب، قال سحنون وقد قاله المخزومي. قال محمد بن رشد: إنما كرهه إذا أعطاه الزيت على التصديق؛ لأنه قد يفارقه ثم يكيله بحضرة بينة لم تفارقه منذ أخذه من صاحبه، فيجده ينقص نقصا بينا، فيرجع عليه في الطعام بمقدار ما نقص من الزيت، فلم

مسألة: باع أمة لها ولد وشرط أن عليهم رضاعه سنة ونفقته سنة

يتناجزا بيع الطعام عند ما تبايعا، ولا يجوز بيع الطعام بالطعام إلا يدا بيد لا يفترقان وبينهما عمل؛ وقد قال أشهب لا يجوز التصديق في الصرف ولا في تبادل الطعامين، وقاله ابن المواز لهذه العلة، مثل قول سحنون والمخزومي، وقد روى ابن نافع عن مالك إجازة ذلك، مثل قول ابن القاسم؛ ووجه ذلك أن التناجز قد حصل بينهما بالتقابض، وما يطرأ بعد ذلك من وجود النقصان الذي تقوم عليه البينة فيوجب أن يرد من الطعام بمقدار ما نقص من الزيت، لا يؤثر في صحة العقد؛ كما لا يؤثر في صحة الصرف ما يوجد فيه بعد التناجز من زائف أو ناقص، إذ لم يأخذه على أن يكيله، وإنما أخذه على أن يصدقه بما أخبره به من كيله ولا يكيله؛ فكأنه قد باع جزافا بجزاف، وهو عندي خفيف في الصرف وفي مبادلة الطعام بالطعام بالكيل على التصديق فيهما، أو في أحدهما؛ لأنه إن وجد في أحدهما نقصانا، رجع بما يجب له من كيل قد كان عرفه، فانتقض الصرف والبدل فيه؛ ومضى فيما سواه على العقد الأول، والكيل الذي وقع به؛ وأما في بيع الطعام جزافا بالكيل، أو التبر جزافا بالدنانير، فهو ثقيل؛ لأنه إن وجد نقصانا فيما صدقه من الكيل، أو الوزن، لم يدر ما يرجع به عليه في الجزاف الذي دفع إليه إلا بعد كيل جميعه أو وزنه؛ فيئول الأمر في ذلك إلى الصرف المتأخر، أو الطعام غير يد بيد؛ إذ لا يدرى ما يمضي فيه البيع من الجزاف الذي قبض في الكيل الذي دفع إلا بعد الكيل، فيتحصل في المسألة قولان وتفرقة. [مسألة: باع أمة لها ولد وشرط أن عليهم رضاعه سنة ونفقته سنة] مسألة قال ابن القاسم وسمعت مالكا يقول من باع أمة لها ولد وشرط أن عليهم رضاعه سنة ونفقته سنة، فذلك جائز إذا كان

إن ماتت أمه أرضعوا له أخرى؛ ووقع في المدونة ذلك جائز إذا كان إن مات أرضعوا له أخرى. قال ابن القاسم هذا وهم من مالك، أو أمر رجع عنه؛ لأنه كره أن تباع أمة لها ولد صغير يشترطه البائع لنفسه، ولا يباع صبي ويشترط الأم لنفسه، إلا أن يباعا جميعا، وأرى هذا وهما! قال سحنون: وهذا عندي على أن الولد رقيق؛ لأنها تفرقة، فأما لو كان حرا جاز البيع. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة، أن الولد حر، وكذلك قال فيها في آخر البيوع الفاسدة من المدونة؛ وعلى ذلك أجاب مالك كما بين سحنون؛ فلم يهم مالك؛ بل وهم ابن القاسم فيما حمل المسألة عليه مما نسب فيه الوهم إلى مالك؛ والمعنى فيها أيضا أن سيد الأمة أعتقه ثم باعها ولم يبق من أمد رضاعه إلا سنة، فأجاز له أن يشترط على المشتري بقية رضاعه مضمونا عليه، لا في عين الأمة، وذلك بين من قوله: فذلك جائز إذا كان إن ماتت أمه أرضعوا له أخرى، ووقع في المدونة: ذلك جائز- إذا كان- إن ماتت أرضعوا له أخرى. وكذلك وقع ههنا في بعض الروايات؛ فإذا وقع البيع على الشرطين جميعا: إن ماتت أرضعوا له أخرى، وإن مات أرضعوا له آخر؛ وأرادوا بذلك أن الرضاع يكون مضمونا على المشتري لا في عين الأمة، جاز باتفاق، وإن أرادوا بذلك أنه يكون في عين الأمة ما لم تمت، فإن ماتت أتى بخلفها لم يجز؛ كما لو اشترط أن الرضاع يكون في عينها، ويبطل عنه بموتها، أو يرجع عليه البائع بقدره؛ لأنه إن كان في عين الأمة، دخله التحجير على المشتري في الأمة التي اشترى، إذ لا يقدر على التصرف فيها بما يجوز لدى المالك في ملكه

من أجل الشرط، وإن كان في عين الصبي ومضمونا على المشتري دخله الغرر؛ لأنه مضمون في ذمة تبطل بموت الصبي؛ واختلف إذا لم يكن لهم في الشرط نية ولا إرادة، فحمله ههنا على أنهم أرادوا به أن الرضاع يكون مضمونا على المشتري، لا في عين الأمة وأجازه؛ وحمله في آخر رسم من سماع أشهب بعد هذا على أنهم أرادوا به أن يكون في عين الأمة ما لم تمت فلم يجزه؛ واختلف إذا وقع البيع على أنه إن مات الصبي أرضعوا له آخر، ولم ينصوا على أن الرضاع مضمون على المشتري بأن يقولوا فيه إنها إن ماتت أرضعوا له أخرى، وسكتوا على ذلك، فحمله ابن القاسم في المدونة على المضمون وأجازه، وحمله سحنون على أنه في عين الأمة يبطل على المشترى بموتها؛ فلم يجزه إلا على وجه الضرورة؛ مثل أن يرهقه دين، فيباع عليه على ذلك؛ وتأول على ابن القاسم أنه أجازه على أن الرضاع في عين الأمة، فاعترض عليه بأن قال كيف تجيز هذا وهو لا يجيز الإجارة على ذلك، فلا يجوز إلا مع الضرورة؛ ولا يلزم ابن القاسم اعتراضه؛ لأنه لم يجز ذلك إلا بأن حمل الأمر في المسكوت عليه بأن الرضاع مضمون على المشتري في عين الأمة؛ ويلزم سحنون من الاعتراض في قوله في آخر هذه المسألة: فأما لو كان حرا جاز البيع- ما ألزم ابن القاسم؛ لأنه حمل المسكوت عنه في جهة الصبي على المضمون فأجاز البيع، كما حمل ابن القاسم المسكوت عنه في جهة الأمة على المضمون في المدونة فأجاز البيع؛ وإذا انقضى الرضاع، كانت نفقته على سيده الذي أعتقه حتى يبلغ حد الإثغار؛ لأن من أعتق صغيرا لزمته نفقته حتى يستغني بنفسه ويقدر على الكسب عليها ولو بالسؤال، هذا معنى ما قاله ابن المواز فيمن أعتق صغيرا، أو التقط لقيطا؛ قال أبو إسحاق التونسي: وانظر لو فلس قبل انقضاء الرضاع، هل تباع أمه في الدين ويشترط رضاعه ومؤونته على المشتري وإن نقص ذلك من حق الغرماء، ويكون

مسألة: باع ثمرة لم يبد صلاحها ثم باعها مشتريها بعد ما بدا صلاحها

ذلك أوجب من نفقته على ولده الذين لا يترك لهم من ماله إلى أن يقدروا على أنفسهم؛ والذي أقول به في ذلك، أنه لا يلزم أن يشترط على المشتري ذلك في بيع الأمة؛ فيكون قد بدئ على الغرماء بجميع حقه، ولا يبطل أيضا حقه جملة بتبدئة الغرماء عليه، كهبة لم تقبض حتى قام الغرماء على الواهب، ولكنه يحاص له الغرماء المبلغ نفقته الواجبة له عليه بعتقه إياه وهو صغير؛ لأنه أضربه في ذلك فصارت نفقته كالدين الواجب له عليه؛ وسيأتي من معنى هذه المسألة في رسم سلعة سماها في هذا السماع، وفي آخر رسم من سماع أشهب، وفي رسم البراءة، ورسم إن أمكنتني من سماع عيسى؛ وقد مضى منه أيضا في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة، فقف على ذلك كله في مواضعه، وبالله التوفيق. [مسألة: باع ثمرة لم يبد صلاحها ثم باعها مشتريها بعد ما بدا صلاحها] مسألة قال ابن القاسم وسمعت مالكا قال من باع ثمرة لم يبد صلاحها، ثم باعها مشتريها بعد ما بدا صلاحها؛ أن لصاحبها عدد الثمرة حين يبدو صلاحها، ولا يأخذ إلا ثمرا؛ وإن تلفت، لم يأخذ الأول من أخذ الثمرة المبتاع شيئا. قال محمد بن رشد: إذا باع الرجل الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، فهو بيع فاسد، والمصيبة فيها إن تلفت من البائع ما دامت في رؤوس النخل وإن طابت، ما لم يجدها المبتاع؛ لأن قبض الأصول ليس بقبض لها، فإن جدها ضمنها بالجد، وكان عليه مكيلة ما جد منها رطبا إن عرفت المكيلة ولم يفت إبان الرطب؛ وإن جهلت المكيلة أو فات إبان الرطب، كان عليه قيمة خرص ذلك؛ وكذلك يكون عليه إن جدها ثمرا فبلغت مكيلة ما جد منها تمرا إن علمت المكيلة، وإن جهلت كان عليه قيمة خرص

ذلك؛ وإن كان الثمر قائما، رده بعينه وانفسخ البيع على كل حال؛ هذا معنى قوله في البيوع الفاسدة من المدونة وغيره؛ واختلف إن باعها المبتاع بعد أن بدا صلاحها، فقيل إن البيع فيها قبض وفوت، فيجوز البيع ويكون على الذي اشتراها قبل بدو صلاحها قيمتها يوم باعها، قاله محمد بن المواز؛ وحكى عن مالك أن القيمة تكون عليه يوم بدا صلاحها، ومعناه إذا كان بيعه لها يوم بدا صلاحها، أو استوت القيمة في الوقتين؛ فليس قول محمد بن المواز بخلاف لما حكى عن مالك على هذا التأويل؛ وقيل ليس البيع فيها قبضا ولا فوتا؛ لأنه باع ما لم يدخل في ضمانه، فهو بيع فاسد أيضا لا يقع به فوت ما لم يجد المبتاع؛ وهو قوله في هذه الرواية؛ والقولان قائمان من كتاب العيوب من المدونة؛ لأنه لم يجعل فيه البيع الصحيح قبل القبض تفويتا للبيع الفاسد، وجعل الهبة فيه تفويتا له؛ وإذا فوته بالهبة، فأحرى أن يفوته بالبيع؛ فدل على أن ذلك اختلاف من القول؛ فقوله في هذه الرواية إن لصاحبها عدد الثمرة، معناه إذا جدها المبتاع الذي اشتراها بعد أن بدا صلاحها ثمرا؛ لأنه إذا لم يجعل البيع فيها بعد أن بدا صلاحها فوتا، من أجل أنه باعها قبل أن تجب له وتدخل في ضمانه؛ وجب أن ترد إلى البائع الأول إن كانت قائمة، أو مكيلتها إن كانت فاتت أو تلفت بعد الجد، وتنفسخ فيه البيعتان جميعا. وقوله حين يبدو صلاحها لا وجه له؛ لأن المكيلة لا تجب عليه ببدو صلاحها، إنما تجب عليه بجده إياها بعد ذلك تمرا؛ ولأن المكيلة لا تختلف باختلاف الأوقات، وإنما تختلف باختلاف القيمة على القول بأن البيع فوت؛ فقيل إن القيمة تكون فيها يوم البيع، وقيل يوم بدو الصلاح فيها؛ وقد مضى القول في

مسألة: البزاز يشترى منه الثوب فيأمر بعض قومته بدفعه إلى المبتاع

ذلك، وأنه ليس باختلاف من القول، والله أعلم. وقوله ولا يأخذ إلا ثمرا، معناه أنه ليس له أن يأخذ إلا ثمرا إذا كان قد جدها ثمرا؛ لأنه هو الواجب له عليه؛ ولو تراضيا على ما سوى التمر، لجاز له أن يأخذ منه كل ما يجوز له أن يبيع به التمر، كمن استهلك لرجل تمرا. وقوله وإن تلفت لم يأخذ الأول من آخذ الثمرة المبتاع شيئا، معناه إن تلفت في رؤوس النخيل قبل أن تجد وإن يبست، ومثله في كتاب ابن المواز؛ وهو صحيح على قياس قوله إن البيع فيها ليس بفوت، فتكون المصيبة فيها إن تلفت في رؤوس النخل من البائع الأول، وتنفسخ البيعتان جميعا. [مسألة: البزاز يشترى منه الثوب فيأمر بعض قومته بدفعه إلى المبتاع] مسألة قال مالك في البزاز يشترى منه الثوب فيأمر بعض قومته بدفعه إلى المبتاع، ثم يقول بعد انصراف المبتاع إن الثوب الذي دفع إليك ليس بالثوب الذي بعتك، أو كان هو دفعه إليه؛ قال إذا كان أمر بدفعه، ثم زعم أنه ليس الذي باع، حلف بالله ورد عليه الثوب؛ وإن كان هو الذي دفعه إليه، فإني أرى قوله باطلا ما لم يأت مع قوله أمر معروف من رشم أكثر مما باع به، أو شهادة قوم قاسموه، أو عرفوا ما قام به عليه؛ فإن جاء بشيء من ذلك، رأيت أن يحلف ويرد عليه الثوب، وهو رأي ابن القاسم، وقد سمع بعض هذه المسألة. قال محمد بن رشد: أما الذي باع الثوب من الرجل، فأمر بعض قومته أن يدفعه إليه فدفعه إليه، ثم زعم البائع أنه ليس هو الثوب الذي باعه إياه؛ فلا اختلاف في أن القول قوله مع يمينه أنه ليس هو الثوب الذي

باعه إياه، وأنه هذا الثوب المثوب الذي زعم أنه هو الذي باعه منه؛ فإن حلف على ذلك، أخذ الثوب الذي زعم أنه لم يبعه إياه، ودفع إليه الثوب الذي زعم أنه باعه منه؛ فإن نكل عن اليمين، لم يكن له شيء إذا كان المبتاع لا يكذب البائع فيما ادعى ولا يصدقه، وأما إن كذبه المبتاع، فقال بل هو الذي بعتني، فإنهما يحلفان جميعا؛ فإن حلفا لم يكن بينهما بيع في واحد من الثوبين؛ وكذلك إن نكلا؛ وإن نكل أحدهما وحلف الآخر، كان القول قول الحالف منهما إن كان البائع هو الذي حلف؛ ألزم المبتاع الثوب الذي زعم أنه باعه منه، وأخذ الثوب الذي دفع إليه قيمته؛ وإن كان المبتاع هو الذي حلف، أخذ الثوب الذي دفع إليه القيمة ولم يلزمه الآخر؛ وكذلك لو أمر التاجر بعض قومته أن يري الرجل ثوبا فأراه إياه، ثم باعه منه التاجر على تلك الرؤية، ادعى أنه ليس هو الثوب الذي أمره أن يريه إياه؛ فالقول قول التاجر مع يمينه يحلف ويأخذ ثوبه، فإن نكل عن اليمين لزمه البيع فيه، وأما إذا باعه الثوب ثم دفعه هو إليه وادعى أنه غلط، فإن لم تكن له شبهة من رشم ولا شيء لم يصدق، وإن كانت له شبهة، فعلى ما مضى القول فيها إذا دفعه إليه وكيله في الوجوه كلهاة وأما إذا باع منه الثوب ثم ادعى أن شراءه أكثر مما باعه به منه، وأنه غلط فسه، واختلط له بغيره؛ فإن كان البيع مرابحة صدق، وإن كانت له شبهة من رشم أو شهادة، قوم على ما وقع به عليه في مقاسمة أو شبه ذلك؛ كما لو قال شراء هذه السلعة كذا، ثم أقام البينة أن شراءها كان أكثر من ذلك، أو استدل على صدقه برشم في الثوب وما أشبه ذلك، واختلف إذا ادعى الغلط في بيع المساومة وزعم أنه اختلط له بغيره وهو ذو أثواب كثيرة، فقيل إنه بمنزلة بيع المرابحة وهو ظاهر هذه الرواية، وما في كتاب الأقضية

باع ثمر حائطه واستثنى مكيلة من صنف من الثمر

من المدونة، وما في نوازل سحنون من كتاب العيوب في بعض الروايات، وما في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من هذا الكتاب محتمل، وسيأتي القول عليها إن شاء الله؛ وقيل إن البيع له لازم، ولا حجة له فيما ذكر، وإلى هذا ذهب ابن حبيب؛ وكذلك اختلف أيضا في الجهل بصفة المبيع مثل أن يبيع الحجر بالثمن اليسير وهو ياقوت، ثم يدعي أنه لم يعلم أنه ياقوت؛ وسيأتي الكلام على هذا في رسم الأقضية من سماع أشهب، وفي سماع أبي زيد؛ وأما الجهل بقيمة المبيع، فلا يعذر واحد من المتبايعين في ذلك إذا غبن في بيع المكايسة؛ هذا هو ظاهر المذهب، وقد حكى بعض البغداديين على المذهب أنه يجب الرد بالغبن إذا كان أكثر من الثلث؛ وأقام ذلك بعض الشيوخ من مسألة سماع أشهب من كتاب الرهون، وليس ذلك بصحيح؛ لأنها مسألة لها معنى من أجله وجب الرد بالغبن، وبالله التوفيق لا بغيره. [باع ثمر حائطه واستثنى مكيلة من صنف من الثمر] ومن كتاب قطع الشجر وسئل مالك عن رجل باع ثمر حائطه واستثنى مكيلة من صنف من الثمر، قال أكره ذلك إلا أن يكون ذلك الصنف كثيرا، مخافة أن يستوعب ما استثنى من ذلك ثمر الحائط كله أو يذهب ما سمى من ذلك، فهلك قبل أن يستوفى؛ فإذا كان الصنف الذي استثنى كثيرا مأمونا فلا بأس به؛ قال سحنون وقد قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب: لا يجوز للبائع أن يستثني من صنف من التمر إلا ثلث ذلك الصنف فأقل، قال فإن استثنى كيلا من صنف من ثمر الحائط فكان ما استثنى من ذلك الكيل يذهب بجل ذلك

الصنف، أو يخاف أن يستوعبه، فلا خير فيه؛ لأنه خاطره في ذلك الصنف؛ ولا ينبغي له أن يشترط كيلا من صنف من بعض ثمر الحائط، إلا ما يجوز له أن يستثني في جميع الحائط وذلك الثلث فأدنى؛ قال أصبغ وبهذا آخذ؛ قال أصبغ: ولا تبالي قل ذلك الصنف الذي استثنى منه أو كثر إذا كان الذي استثنى منه من الكيل الثلث فأقل، قال سحنون مثله، وهو قول ابن القاسم. قال محمد بن رشد: قول مالك ههنا فيمن باع ثمر حائطه وهو أصناف، فاستثنى مكيلة من صنف منه، أن ذلك مكروه عنده، إلا أن يكون ذلك الصنف الذي استثنى منه المكيلة كثيرا مأمونا؛ يفسر قوله في أول رسم من سماع أشهب؛ لأنه أطلق القول هناك في إجازة استثناء ثلث جميع ثمرة الحائط فأقل في صنف واحد منه، كان ذلك الصنف الذي استثنى منه المكيلة أقل الأصناف ثمرا أو أكثرها؛ ومعناه على ما قال ههنا إذا كان الصنف الذي استثنى منه كثيرا مأمونا وإن كان أقل أصناف الحائط؛ لأنه إذا لم يكن كثيرا مأمونا فيه فضل بين على المكيلة التي استثنى، خشي أن يستغرقه المستثنى، أو يهلك قبل أن يستوفى ذلك منه، فدخله الغرر، وهذا ليس بقياس، وإنما هو استحسان مراعاة لقول من يجيز استثناء الكيل من الجزاف قل أو كثرة والقياس قول ابن القاسم إنه لا يجوز أن يستثني من صنف من الأصناف إلا ثلث ذلك الصنف فأقل؛ لأن أكثر أهل العلم لا يجيزون استثناء الكيل من الجزاف قل أو كثر؛ ومالك وأكثر أهل المدينة يجيزونه في القليل وهو الثلث فأقل؛ فإذا لم يجز بيع الصنف الواحد مفردا باستثناء مكيلة تقع في أكثر من الثلث، وكان ذلك غررا؛ وجب أن لا يجوز إذا انضاف إليه في الصفقة أصناف غيرها لم يستثن منها شيء؛ ألا ترى أنه لا يجوز بيع العبد الآبق ولا البعير الشارد وإن انضاف

الأمة تشترى على أن يعتقها الذي اشتراها بشرط أو عدة

إليه في الصفقة عبيد حضور يقع العبد الآبق في أقل من ثلث الصفقة؟ وقوله في الرواية إلا أن يكون ذلك الصنف كثيرا مخافة أن يستوعب ما استثني من ذلك ثمر الحائط كله، كلام وقع على غير تحصيل؛ وإنما أراد مخافة أن يستوعب ما استثني من ذلك ثمر ذلك الصنف كله، إذ لا يمكن أن مكيلة ثلث ثمر الحائط أو أقل من ثلث ثمر الحائط كله، وإنما يمكن أن يستوعب ذلك ثمر الصنف الذي استثناها منه فهو الذي أراد، وبالله التوفيق. [الأمة تشترى على أن يعتقها الذي اشتراها بشرط أو عدة] ومن كتاب القبلة قال مالك في الأمة تشترى على أن يعتقها الذي اشتراها بشرط أو عدة، فيحبسها يطأها أو يستخدمها، ثم أعتقها بعد، أو مات السيد أو الأمة قبل أن يعتقها؛ قال إن كان ذلك بغير علم البائع ولا رضاه، فعليه قدر ما نقص ذلك الشرط من ثمنها يوم بيعت للبائع؛ وإن كان قد علم بذلك البائع فأقر بذلك أو رضي، فذلك جائز للمبتاع ولا شيء عليه؛ وإن علم به قبل أن يفوت العبد، رأيت أن البائع إن أحب أن يسترجع عبده أو يدعه فذلك له. قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة مبني على ما في كتاب البيوع الفاسدة من المدونة من أن الشراء على العتق جائز، ولا يلزم المشتري العتق؛ فإن لم يعتق، كان للبائع أن يرد البيع، وينبغي على قياس قوله ألا يجوز النقد فيه بشرط؛ لأنه إن لم يعتق واسترد البائع عبده، رجع إلى المبتاع الثمن الذي نقده؛ فكان مرة بيعا، ومرة سلفا؛ وإنما يجوز النقد فيه بشرط على مذهب أشهب الذي يلزم المبتاع العتق، ويرى البيع باتا وهو أظهر؛ لأن العتق إذا لم يكن في اشتراطه غرر، وجب أن يلزم المبتاع بالشرط؛ والأصل في جواز البيع بشرط العتق «حديث بريرة، وما روي فيه من أنها جاءت تستعين عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقالت لها عائشة: إن

أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة وأعتقك، فعلت؛ فذكرت ذلك بريرة لأهلها، فقالوا: لا، إلا أن يكون لنا ولاؤك؛ فذكرت ذلك عائشة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: اشتريها وأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق» . فأباح لها النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شراءها للعتق، إذ كانت قد عجزت عن كتابتها، وحكم أن الولاء لها وإن كان أهلها إنما باعوها منها على أن تعتقها. ومساواته في الرواية بين الشرط والعدة صحيح، لتساويها جميعا في المعنى؛ لأن الشرط هو أن يقول البائع للمبتاع أبيعها منك بكذا وكذا على أن تعتقها، والعدة هي أن يقول المبتاع للبائع بعها مني وأنا أعتقها، أو بعها مني بكذا وكذا وأنا أعتقها؛ وإذا قال ذلك المبتاع للبائع، فباعه البائع على ما وعده؛ فكأنه قد اشترطه إذا لم يبعه إلا على ما وعده؛ فصار التمليك ثمنا للعدة، فوجب أن يلزم؛ وقد قيل إن العدة بخلاف الشرط، فلا تلزم المبتاع ولا يكون للبائع في ذلك كلام؛ وعلى هذا يأتي ما حكى ابن حبيب عن مالك من رواية مطرف عنه في الرجل يقول للرجل بعني جاريتك فلانة أتخذها أم ولد فباعه، أنه لا مكروه فيه؛ وهو إن شاء باع، وإن شاء اتخذ حتى يكون شرطا؛ مثل أن يقول بعنيها على أن أتخذها؛ أو يقول له بائعها أبيعكها على أن تتخذها، فيكون بيعا مكروها. وقوله فعليه قدر ما نقص ذلك الشرط من ثمنها في الذي أعتقها بعد أن حبسها يطقها ويستخدمها، أو مات السيد أو الأمة قبل أن يعتقها؛ يريد بعد أن حبسها يطقها ويستخدمها؛ لأنها لو ماتت بقرب شرائه، لم يكن للبائع رجوع على المشتري؛ كذلك وقع في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، وفي العتق من كتاب ابن المواز، ولو مات السيد المشتري بقرب شرائه أيضا

ولم تفت الأمة، لوجب أن يكون ورثته بمنزلته، يخيرون بين أن يعتقوا أو يردوا؛ ووجه العمل في التوصل إلى معرفة قدر ما نقص ذلك الشرط من ثمنها، أن تقوم يوم بيعت بغير شرط العتق؛ فإن كانت قيمتها على هذا مائة في التمثيل، قومت أيضا بشرط العتق، فإن كانت قيمتها على هذا تسعين في التمثيل، رجع البائع على المبتاع بعشر الثمن كان أقل من مائة أو أكثر؛ وهذا خلاف ما في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ؛ لأنه قال فيه إن المشتري يغرم للبائع إذا فات عنده فواتا بعيدا بالعيوب المفسدة، والنقصان المتفاحش، والزيادة المتباينة، ما نقص من قيمته يوم اشترائه، إلا أن يتقارب ذلك؛ فإن كان قيمته على رواية أصبغ هذه يوم اشتراه بغير شرط العتق قريبة من الثمن الذي اشتراه به، لم يكن للبائع على المشتري شيء؛ وإن كانت قيمته أكثر من الثمن بكثير، رجع عليه بما زادت القيمة على الثمن الذي اشتراه؛ وقول مالك أصح في المعنى من رواية أصبغ؛ لأن البيع قد يكون بمثل القيمة وأقل وأكثر، فيمضي العتق على من وقع عليه منهما؛ وإنما قال إن عليه قدر ما نقص ذلك الشرط من قيمتها إذا كان أعتقها بعد أن حبسها يطقها ويستخدمها؛ لأنه إذا فعل ذلك فلم يتم للبائع ما قصده بشرطه من تعجيل عتقها، إذ إنما أعتقها لنفسه بعد أن قضى وطره منها؛ فعلى قياس هذا لو كان عتقه لها في عتق واجب عليه، لوجب أن يجزيه؛ وكذلك لو أعتقها بعد أن تفوت عنده بالعيوب المفسدة؛ وإذا علم البائع أن المبتاع لم يعتق وأنه يطأ ويستخدم فأقر بذلك ورضي به، فلا اختلاف في أن ذلك جائز للمبتاع، ولا شيء عليه كما قال؛ وسكوته مع علمه بوطء البائع واستخدامه رضى، ولا يدخل في هذا عندي الاختلاف في السكوت هل هو إذن أم لا على ما يأتي في كثير من مسائلهم. وقوله: وإن علم به قبل أن يفوت العبد، رأيت أن البائع إن أحب أن يسترجع عبده أو يدعه فذلك له فيه تفصيل؛ أما إذ علم أن

مسألة: ابتاع طعاما كيلا فحمله إلى بعض البلدان أو حبسه عنده

المبتاع لم يعتقه بحدثان البيع قبل أن يفوت، فليس له إلا ما قال، وأما إذا علم بذلك بعد أن طال الأمر والمبتاع يطأ ويستخدم، فهو مخير بين أن يسترجع عبده أو يدعه له ويرجع عليه بقدر ما نقص الشرط من ثمنه على التفسير الذي ذكرناه؛ أما إذا فات فليس له أن يسترجعه، وإنما له أن يرجع عليه بما نقص الشرط من الثمن، أو ببقية القيمة على رواية أصبغ؛ ولا يفوت إلا بالعيوب المفسدة، كذلك في رواية أصبغ؛ وقد قيل إنه يفوت بحوالة الأسواق وهو بعيد؛ لأنه ليس ببيع فاسد. [مسألة: ابتاع طعاما كيلا فحمله إلى بعض البلدان أو حبسه عنده] مسألة قال مالك فيمن ابتاع طعاما كيلا، فحمله إلى بعض البلدان أو حبسه عنده، أو باع منه طائفة كيلا، ثم أراد أن يبيع ما بقي جزافا؛ لأنه لا يدري ما حدث فيه من السرقة أو النقصان، قال: لا يبيعه جزافا حتى يكون هو والمشتري فيه سواء، مثل أن يكون للرجل طعام وقد علم كيله فيخرج منه كيلا كثيرا، وينسى ما أخرج، فلا يدري ما أخرج ولا ما بقي؛ أو يخرج منه جزافا كثيرا لا يدري كم بقي منه، فليبعه جزافا إن شاء؛ فأما أن يخرج من الطعام الكثير إردبا أو إردبين، ثم ينسى ذلك فلا يحفظ، أو يخرج قدر ذلك جزافا كثيرا فلا أرى أن يبيع ما بقي جزافا حتى يبين ذلك للمبتاع؛ لأنه كان يعلم ما فيه، إذ لم يخرج منه إلا نحو هذا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال لا إشكال فيه؛ لأن

بيع الجزاف فيما يتأتى فيه الوزن أو الكيل غرر، إلا أن السنة قد جوزته لمشقة مئونة الكيل أو العدد فيما في عده مئونة؛ وما جاز فيه المجهول، فمن شرط جوازه استواء المتبايعين في الجهل؛ لأنه متى علم أحدهما وجهل الآخر، كان الذي علم قد قصد إلى خديعة الذي جهل؛ إذ لم يعلمه من ذلك أن الجعل الذي يجوز فيه المجهول على طلب الأباق وحفر الآبار، لا يجوز في ذلك المجاعلة إذا كان أحدهما دون الآخر قد خبر الأرض أو عرف موضع العبد؛ ومن ذلك مسألة كتاب الشفعة من المدونة في الرجل يدعي على الرجل حقا في دار، فيصالحه عليه ولا يسميه؛ فقال إن ذلك لا يجوز إلا أن يكونا لا يعرفان ذلك جميعا؛ فإذا أخرج صاحب الطعام من طعامه الذي يعرف كيله جزافا يسيرا أو كيلا يسيرا، ونسي حقيقته؛ فلا يجوز، أن يباع الباقي جزافا، إلا أن يعلمه بما علم من كيله، بقدر الذي ظن أنه أخرجه منه جزافا أو كيلا، حتى يستويا جميعا في المعرفة بقدره؛ فإن لم يفعل وكتمه ذلك لم يجز؛ لأنه وإن لم يعرف حقيقة كيله فهو عالم بقدره، والمبتاع جاهل بذلك؛ والحكم فيه إن وقع حكم الغش، لا حكم البيع الفاسد؛ لأن الفساد فيه إنما هو من أحد المتبايعين وهو البائع، فيكون المبتاع بالخيار بين أن يمسك بجميع الثمن أو يرد؛ فإن فات الطعام، كان عليه قيمة خرص مكيلته؛ إلا أن يكون ذلك أكثر من الثمن الذي اشتراه به، فلا يزاد البائع على الثمن، وقد قال ابن حبيب إن سبيله سبيل العيوب، ومعناه في القيام؛ ولو علم البائع كيل الطعام فقال له المبتاع: أنا أشتريه منك جزافا وإن كنت قد علمت كيله، لكان البيع فاسدا يفسخ على كل حال في القيام، ويكون عليه خرص مكيلته بالغة ما بلغت في الفوات، لاتفاقهما جميعا على الفساد؛ ولو أراد المبتاع أن يصدق البائع في كيل الطعام ويرد مثله، لا نبغي ألا يجوز ذلك على

مسألة: ابتاع سلعة على أن لا يبيعها ولا يهبها

أصولهم كالاقتغاء من ثمن الطعام طعاما، وقد حكى الفضل عن يحيى بن سعيد وسحنون إجازة البيع وهو بعيد. [مسألة: ابتاع سلعة على أن لا يبيعها ولا يهبها] مسألة قال ابن القاسم وسمعت مالكا يقول من ابتاع سلعة على أن لا يبيعها ولا يهبها، قال: لا أحب هذا الشرط يقع في بيع. قال محمد بن رشد: كره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - البيع على هذا الشرط، فقال: لا أحبه، ولم يجب الحكم فيه إذا وقع؛ وقد اختلف فيه وفيما أشبهه من الشروط التي تقتضي التحجير على المشتري فيما اشترى، ولا يوجب غررا ولا فسادا في الثمن ولا في المثمون؛ مثل أن يبيعه الجارية على أن يتخذها أم ولد، أو على أن لا يخرجها من البلد، أو على أن لا يجيزها البحر، أو على أن لا يعزل عنها، أو على إن باعها فهو أحق بها بالثمن الذي يبيعها به؛ وما أشبه ذلك من الشروط على قولين، أحدهما وهو المشهور أن البائع بالخيار ما كانت السلعة قائمة بين أن يترك الشرط أو ينقض البيع؛ فإن فاتت، قيل بما يفوت به البيع الفاسد من حوالة الأسواق فما زاد، وقيل بالنقصان والنماء فما زاد مضى البيع، وكان على المبتاع القيمة؛ إلا أن يكون بأقل من الثمن، فلا ينقص المبتاع من الثمن شيئا، ولا يكون للبائع عليه في الشرط شيء؛ وقيل إن البيع يمضي إذا فاتت ويرجع البائع على المبتاع بقدر ما نقصه من الثمن بسبب

الشرط، وذلك بأن تقوم السلعة بالشرط وبغير الشرط، فيرجع البائع على المبتاع باسم ما بين القيمتين من الثمن؛ ولا يجوز للمبتاع أن يطأ حتى يوقف البائع، فيترك الشرط، ويمضي البيع، وهو تأويل قول عمر بن الخطاب لعبد الله بن مسعود في الجارية التي ابتاعها من امرأته، على أنه إن باعها أحق بها بالثمن؛ وقد قيل تأويل لا يقربها، وفيها شرط لأحد، أي لا يبيعها وفيها شرط لأحد، وهو قول ابن حبيب، والتأويل الأول أظهر؛ لأن ظاهر الحديث أنه إنما سأله بعد أن يبتاعها، لا مستشيرا له في ابتياعها، ففي الحديث حجة لهذا القول. والقول الثاني: أن حكم هذه البيوع كلها حكم البيع الفاسد، يفسخ على كل حال في القيام، وتكون فيه القيمة بالغة ما بلغت في الفوات؛ والبيع على السلف جائز على هذين القولين، يفسخ على القول الواحد، وإن رضي مشترط السلف بتركه، إلا أن يفوت فيصحح بالقيمة بالغة ما بلغت، ويفسخ على القول الثاني، وهو المشهور ما دام البائع متمسكا بشرطه؛ فإن ترك السلف صح البيع، إلا أن يفوت، فيكون فيه الأكثر من القيمة، أو الثمن إن كان البائع هو مشترط السلف، أو الأقل من القيمة؛ أو الثمن إن كان المشتري هو مشترط السلف؛ وقيل: إنه يكون فيه الأكثر من القيمة أو الثمن، ما لم تكن القيمة أكثر من الثمن والسلف؛ وإن كان البائع هو مشترط السلف، والأقل من القيمة أو الثمن، ما لم تكن القيمة أقل من الثمن بعد أن يطرح منه السلف إن كان المشتري هو مشترط السلف، وهو قول أصبغ؛ وقيل: إنه يرجع مشترط السلف منهما على صاحبه، بقدر ما نقصه بسبب الشرط، وهذا القول يتخرج على قياس ما ذكرناه في بيع الشرط على أحد الأقوال، وقد ذكرنا ذلك في سماع يحيى من كتاب السلم والآجال؛ فهذا حكم هذا الباب، إلا في مسألتين لا يجوز للبائع فيهما إمضاء البيع على ترك الشرط، فيكون حكمها حكم البيع الفاسد، يفسخ في القيام، وتكون القيمة فيه في الفوات بالغة ما بلغت؛ إحداهما: أن يبيع الرجل من

الرجل الأمة على أن لا يطأها، فإن فعل فهي حرة، أو عليه كذا وكذا، وما أشبه هذا؛ فهذا يفسخ على كل على حال حكم البيع الفاسد، ولا يكون للبائع أن يترك الشرط من أجل أنها يمين قد لزمت المبتاع، فليس له أن يسقطها عنه على ما يأتي في رسم العشور، من سماع عيسى؛ والثانية: أن يشتري الرجل السلعة بثمن معلوم، ويشترط أحد المتبايعين على صاحبه الخيار فيها إلى أجل بعيد؛ فهذا أيضا يفسخ ولا يكون لمشترط الخيار منهما أن يبطل الشرط، ويمضي البيع؛ لأن ذلك يعد منه تجويز الشرط، لا إبطالا له؛ لأنه يقول: لي الخيار في أن أرد أو أجيز، فأنا أجيز. وقد روي عن ابن القاسم أنه فرّق بين أن يبيع الرجل الرجل السلعة، على أن لا يبيع ولا يهب، وما أشبهه من الشروط؛ وبين أن يبيعه إياها على أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن، فجعل البيع في الذي باع على أنه أحق بها بالثمن إن باع بيعا فاسدا يفسخ على كل حال؛ وإن رضي البائع بترك الشرط بخلاف الذي يبيع على تلك الشروط؛ وأجاز ابن وهب أن يبيع الرجل العبد على أن يخرجه إلى الشام، ولم يجز أن يبيعه إياه على أن لا يبيعه إلا بالشام، والوجهان على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك سواء؛ وقد روى ابن وهب، وعلي بن زياد، عن مالك في الذي يبتاع الجارية على ألا يبيعها فباعها، أن بيعه ينقض، يريد فيفسخ البيع؛ فلم ير على هذه الرواية البيع فوتا. وقال سحنون: هو فوت بمنزلة البيع الفاسد؛ لأنه إنما باع ما قد ضمن، فيمضي البيع، ويرجعان فيه إلى القيمة؛ وإذا باع على ألا يبيع إلا من فلان، فهو بمنزلة إذا باع على ألا يبيع؛ وأجاز ابن القاسم البيع على ألا يبيع من فلان في رسم باع شاة، من سماع عيسى، من كتاب الدعوى والصلح، وكرهه أصبغ في الواضحة، واتفقا على كراهة البيع، على ألا يبيع ممن يضر بالبائع؛ وأما البيع على أنه متى جاء بالثمن، فهو أحق به، فليس من هذا المعنى؛ وسيأتي القول فيه في أول رسم، من سماع أشهب.

مسألة: ابتاع سلعة على أنه إن وجد ثمنه قضاه

[مسألة: ابتاع سلعة على أنه إن وجد ثمنه قضاه] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: من ابتاع سلعة على أنه إن وجد ثمنه قضاه، وإن هلك ولا شيء عنده، فلا شيء عليه وهو في حل؛ قال: ما أحب هذا من الشروط، قال ابن القاسم: فإن وقع هذا الشرط وفات، لزمه قيمتها يوم قبضها. قال محمد بن رشد: هذا الشرط من الشروط التي يفسد بها البيع؛ لأنه غرر؛ إذ لا يدري البائع هل ينض له الثمن أم لا ينض، فلا يدخل فيه من الاختلاف ما دخل في المسألة التي قبلها، فالحكم فيه أن يفسخ البيع في قيام السلعة شاءا أو أبيا؛ ويصحح في فواتها بالقيمة بالغة ما بلغت، وهو ظاهر قول ابن القاسم، وتفسير لقول مالك؛ إذ قد يقول كثيرا فيما لا يصح عنده ولا يجوز، ويجب فيه الفسخ: لا أحب هذا، وأكره هذا وما أشبهه من الألفاظ، فيكتفي بذلك من قوله، ويتناهى به من فعله، وبالله التوفيق. [بيع الجلود قبل أن تذبح] ومن كتاب أوله سلعة سماها وسئل عن بيع الجلود قبل أن تذبح، قال: ما هو عندي بالحرام البين، وما يعجبني ذلك؛ وعسى أن يكون خفيفا، وما هو بالمكروه. قال محمد بن رشد: هذا كلام متعارض أوله مخالف لآخره، فهو اختلاف من قوله مرة لم يجزه؛ فقال: ما يعجبني، وما هو عندي بالحرام البين، وهو نص قول ابن القاسم في العشرة؛ فعلى هذا القول يفسخ البيع إن وقع، فإن فات بقبض المشتري للجلد، وفواته عنده بما تفوت به البيوع

الفاسدة صحيح بالقيمة؛ ومرة أجازه فقال: ما هو بالمكروه، وعسى أن يكون خفيفا؛ وهو دليل قوله في المدونة في السباع إن كانت تشترى وتذكى لجلودها، فلا بأس به؛ فعلى القول ألا يفسخ البيع إن وقع؛ وإن كره البائع ذبح الشاة أو البقرة، وأراد استحياءها؛ يخرج ذلك على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك ليس له، ويجبر على الذبح. والثاني: أن ذلك له، ويعطي المشتري شراء الجلد أو قيمته. والثالث: أن ذلك له، ويكونان شريكين فيها بقيمة الجلد من جميع قيمتها، ولا يكون له أن يعطي المشتري شراء الجلد أو قيمته إلا برضاه. وقد روي عن ابن القاسم: أن البيع يفسخ، إلا أن يفوت الجلد فلا يفسخ، فجعله على هذا القول من البيوع المكروهة للاختلاف فيه؛ وقد اختلف في البيع المكروه إذا وقع كالزرع يباع إذا أفرك قبل أن ييبس، فقيل: إن العقد فيه فوت، وقيل: إن اليبس فيه فوت. وقيل: إن القبض فيه فوت. وقيل: إنه لا يفوت إلا بفواته بعد القبض؛ فكل هذه الأقوال تدخل في شراء الجلود قبل أن تذبح، ويتحصل فيها ستة أقوال؛ أحدها: أن شراءها جائز. والثاني: أن شراءها مكروه، وإن وقع مضى بالثمن. والثالث: أن شراءها مكروه ويفسخ، إلا أن يذبح البائع الشاة، فيمضي البيع بالثمن. والرابع: أن شراءها مكروه ويفسخ، إلا أن يقبض المبتاع الجلد بعد ذبحه، فلا يفسخ ويمضي بالثمن. والخامس: أن شراءها مكروه ويفسخ، إلا أن يقبض المبتاع الجلد، ويفوت عنده، فلا يفسخ ويمضي بالثمن. والسادس: أن شراءها لا يجوز ويفسخ، فإن قبض المشتري الجلد، وفات عنده صحح بالقيمة؛ ولو اشتراها على أنه بالخيار فيها إذا ذبحها ونظر إليها؛ لجاز إن لم ينقد، قاله مالك في كتاب ابن المواز، وهو صحيح على أصوله.

مسألة: النخاسين الذين يبيعون الرقيق والدواب

[مسألة: النخاسين الذين يبيعون الرقيق والدواب] مسألة وسئل عن النخاسين الذين يبيعون الرقيق والدواب، يأتي الرجل إليهم، فيسوم أحدهم بالرأس أو بالدابة، فيقول له السائم بثلاثين دينارا، أو بعشرين دينارا، فيماكسه حتى يقف على ثمن لا يزيده على هذا الكلام، ولا يقول له البائع: إن رضيت فخذ، ولا يزيد على أن يقول: هي بكذا وكذا دينارا؛ فيقول السائم: اذهب بها فاستشير فيها؛ فيقول: نعم، فاذهب بها واستشر فيها، ولا يزيده السائم على ذلك من القول، فيرضى بها فيأتيه بالثمن؛ فيقول البائع: قد بدا لي وما كان بيني وبينك إلا مساومة، أو يقول: قد زيد عليه فيها، فبعتها من غيرك؛ قال مالك: لا أرى ذلك له، وأراه بيعا نافذا عليه إن رضيه الذي ساومه، وليس له أن ينزع عن ذلك؛ وإني لأرى هذا يدخله ما نهي عنه ألا يبيع أحدكم على بيع أخيه، فلا أرى له رده، وأراه بيعا لازما إن رضيه، والثوب مثل ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بيّنة المعنى، ليست بخلاف لما في كتاب بيع الغرر من المدونة، ولا لما في سماع أشهب من هذا الكتاب، ومن كتاب البيوع؛ لأن قول البائع فيها للمبتاع: اذهب بها فاستشر فيها، دليل على أنه قد أوجب البيع على نفسه، وجعل الخيار فيه

مسألة: الثمر تباع وزنا فيطول ذلك عليهم

للمبتاع، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة، في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب العيوب، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك. [مسألة: الثمر تباع وزنا فيطول ذلك عليهم] مسألة وسئل عن الثمر تباع وزنا فيطول ذلك عليهم، فيقول البائع: إن الوزن يطول علينا، وفي الويبة كذا كَذا رطلا، فخذ أكل لك بها، وأحاسبك على الأرطال؛ قال: إن كان ذلك مستقيما معروفا عند الناس، فلا بأس بذلك، قلت: فالرجل يبتاع بالويبة الطعام المضمون إلى أجل، فلا يحل حقه حتى يأتي وأبى، فيحدث ويبات أخر، وتغيب تلك الويبات، فيقول له الرجل: تعال أكل له بهذه الويبة المحدثة، والذي بينهما معروف، إنما زيد فيها كذا وكذا، فيكيل له ويحاسبه بفضل ما بينهما؛ قال: إن كان ذلك أمرا معروفا، فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هاتان مسألتان صحيحتان بينتا المعنى، أجاز في الأولى منهما أن يأخذ ما وجب له من الوزن بالكيل إذا كان معروفا عند الناس ما يدخل في الكيل من الوزن، وكان الكيل أخف عليهم من الوزن، كما أجاز في المدونة أن يأخذ ما وجب له من الكيل بالوزن إذا كان ما يدخل في الوزن من الكيل معروفا لا يختلف، وكان الوزن أخف عليهم من الكيل؛ فلا إشكال في جواز ذلك؛ إذ لا غرر في انتقالهم عن الوزن إلى الكيل، ولا عن الكيل إلى الوزن، إذا عرف قدر كل واحد منهما من صاحبه؛ وكذلك ما العرف فيه أن يباع بالمكيل، فجائز أن يشتري بالوزن إذا كان يعرف الكيل من الوزن؛ وما العرف فيه أن يباع بالوزن، فجائز أن

مسألة: يبيع نصف الوصيفة أو نصف الدابة من الرجل ويشترط عليه نفقتها سنة

يبتاع بالكيل إذا كان يعرف الوزن من الكيل، وإن كان لا يعرف ذلك فلا يجوز، وهو قول أشهب في كتاب البيوع الفاسدة من المدونة، ولا اختلاف فيه؛ وأما المسألة الثانية فإنها أبين؛ لأنه إنما انتقل من كيل إلى كيل، فإذا عرف ما بين الكيلين، جاز أن يقتضي بكل واحد منهما ما وجب من الآخر، ويحاسبه بما بينهما؛ كمن وجب له على رجل كيل، فلم يجد عند القضاء إلا ربع كيل، فجائز له أن يأخذ حقه به، فيكيل له منه أربعا. [مسألة: يبيع نصف الوصيفة أو نصف الدابة من الرجل ويشترط عليه نفقتها سنة] مسألة وسئل عن الرجل يبيع نصف الوصيفة، أو نصف الدابة من الرجل، ويشترط عليه نفقتها سنة، وأن له عليه إن ماتت الدابة أخذ ذلك منه؛ فإن باعها أو ماتت، فذلك له عليه ثابتا: وإن بقيت إلى ذلك، فهو حقه استوفاه منه؛ فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة على نصها في رسم خلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب السلطان، ووصل بها أن سحنون أنكرها؛ والمعنى عندي في مخالفة سحنون لمالك فيها، أن مالكا محل قوله: وأن له عليه - إن ماتت الدابة - أخذ ذلك منه ثابتا على أنه يأتيه في كل يوم من الطعام، مما كان ينفق عليها، إلى أن تنقضي السنة، فأجاز ذلك؛

إذ لا وجه للكراهة فيه على هذا الوجه؛ لأنه باع منه نصف الوصيفة، أو نصف الدابة بثمن مسمى؛ ونفقة معلومة يستوفيها في كل يوم إلى انقضاء السنة؛ كانت الوصيفة أو الدابة باقية أو لم تكن؛ لأن العرف فيها كالصفة لها على ما في المدونة وغيرها من إجازة استئجار الأجير بالنفقة، وإن لم توصف؛ وحمل سحنون قوله أخذ ذلك منه على أنه يأخذ منه إن ماتت الدابة أو الوصيفة ما بقي من النفقة حالا أو قيمة ذلك، فأنكر جوازه لما فيه من الغرر على هذا؛ ولو وقع الأمر على أحد الوجهين بنص، احتمال فيه، لارتفع الخلاف؛ ولو باع منه نصف الوصيفة، أو نصف الدابة واشترط عليه نفقتها سنة، ولم يزيدا على ذلك، لوجب أن يجوز ذلك على معنى ما في المدونة في الرجل يبيع من الرجل نصف الثوب أو نصف الدابة، على أن يبيع له النصف الآخر إلى شهر؛ وعلى ما في أول رسم البراءة، من سماع عيسى، بعد هذا من هذا الكتاب؛ فإن ماتت الدابة أو الوصيفة قبل السنة، رجع البائع على المبتاع في قيمة النصف الذي باعه منها يوم باعه، لفواته بالموت بقدر ما يقع ما بقي من النفقة من جميع الثمن؛ لأن البائع باع نصف الوصيفة بما سمى من الثمن، وبالنفقة على نصفها الذي لم يبعه في السنة ديناران؛ فأنفق عليه نصف السنة، ثم ماتت، وجب أن يرجع البائع على المبتاع بنصف سدس قيمة النصف الذي باعه منها يوم باعه؛ لفواته بالموت، كان أقل من دينار أو أكثر. كما لو باع منه نصف الجارية بعشرة دنانير، وعرض قيمته ديناران، فاستحق نصفه؛ لأن ما بطل من النفقة بموت الوصيفة كاستحقاق بعض الثمن وهو عرض؛ وقد قيل: إنه لا يرجع عليه بشيء، وهو الذي يأتي على ما في العشرة لابن القاسم، في الذي يبيع الأمة وقد أعتق ولدا لها صغيرا، فاشترط نفقته على المشتري حتى يثغر، ويستغني

مسألة: يقف بجاريته أو بغلامه في السوق فيبيعه بثمن

عن أمه، فيموت قبل ذلك، أن المشتري لا يتبع بشيء؛ لأنه إنما أريد بهذا الشرط كفاية مئونة الصبي، ولم يطالب به التزايد في الثمن، وهو بعيد. [مسألة: يقف بجاريته أو بغلامه في السوق فيبيعه بثمن] مسألة وسئل عن الذي يقف بجاريته أو بغلامه في السوق، فيبيعه بثمن، ونقد أصحاب الرقيق المثاقيل؛ فإذا وجب البيع بينهما، قال له المشتري: تعال أنقدك، قال: ما هو؟ قال: نقد الرقيق المثاقيل، قال: ما بعتكها إلا بالقائمة، قال مالك: ما أرى له إلا المثاقيل، ولو شاء لبين قبل أن يبيع، وأرى هذا ندما منه، يبيع ثم يقول: إنما بعت بوزن كذا وكذا، فقال له رجل: إن الرجل ربما باع بالقائمة؛ قال: لا ينظر إلى الرجل الخاص، فيحمل عليه أمر الناس، ولكن يعملان على ما يتبايعون عليه، ولو شاء لبين. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال؛ لأن العرف كالشرط؛ ولو ادعى المبتاع أنه بالقائمة شرط على البائع، ألزمت البائع اليمين أنه ما شرط عليه شيئا، فإن نكل عن اليمين، حلف المبتاع وأخذ القائمة، ولو اختلفا فقال البائع: إنما بعتك بالقائمة نصا وشرطا، وقال المشتري: إنما اشتريت منك بالمثاقيل نصا وشرطا؛ لكان القول أيضا قول المشتري الذي ادعى نقد الرقيق، ما حكى ابن حبيب في الواضحة. وقوله يأتي على مراعاة دعوى الأشباه في القيام، وهو خلاف المشهور في المذهب. [يشتري الصبرة من الطعام جزافا بمائة دينار] ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك عن الرجل يشتري الصبرة من الطعام جزافا بمائة دينار، على أن يعطيه بخمسين دينارا شعيرا من صبرة أخرى، عشر أرادب بدينار؛ فكره ذلك؛ فقيل له: أفترى أن ينهوا عن ذلك؟ فقال: نعم، أرى أن ينهوا عن ذلك؛ قال ابن القاسم: لأنه بيع الجزاف والكيل جميعا، وهو من قول مالك.

مسألة: المجذوم المملوك يبيعه صاحبه

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في أول رسم من سماع عيسى، ووجه القول في هذا أن بيع الجزاف الأصل فيه أن يباع كيلا أو وزنا رخصة وتوسعة، أجازته السنة، فلا يجوز أن يباع مع مكيل في صفقة واحدة؛ لأن ذلك غرر، وخلاف لما أجازته السنة، اتفق على هذا مالك وجميع أصحابه اتفاقا مجملا، وفي ذلك تفصيل؛ أما ما الأصل فيه أن يباع كيلا أو وزنا من جميع الأشياء، فلا يجوز بيعه جزافا مع مكيل منه، ولا مما الأصل فيه أن يباع جزافا كالأرضين والثياب؛ وكذلك الجزاف مما أصله أن يباع جزافا، لا يجوز بيعه مع المكيل منه، اختلف في بيعه جزافا مع المكيل، مما أصله أن يباع كيلا؛ فأجاز ذلك ابن زرب، وأقام إجازته من السلم الأول من المدونة؛ لأنه أجاز فيه أن يسلم في ثياب وطعام صفقة واحدة؛ ومنع من ذلك غيره مع المتأخرين، وما ذهب إليه ابن زرب هو الصحيح؛ ولا خلاف في جواز بيع الكيلين في صفقة واحدة، والجزافين في صفقة واحدة، ولا في جواز بيع الجزاف مع العروض في صفقة واحدة؛ إلا عند ابن حبيب؛ فإنه ذهب إلى أن الجزاف مما أصله أن يباع كيلا أو وزنا، لا يجوز بيعه مع العروض في صفقة واحدة، وهو بعيد؛ وسيأتي في رسم البيع والصرف، من سماع أصبغ القول في بيع الجزاف والجزافين على الكيل، وما يجوز من ذلك مما لا يجوز، فهو موضعه إن شاء الله تعالى. [مسألة: المجذوم المملوك يبيعه صاحبه] مسألة وسئل مالك عن المجذوم المملوك، أترى أن يبيعه صاحبه؟ قال: لا بأس بذلك، قيل له: أفيكاتبه؛ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن جذامه لا يخرجه من

مسألة: يشتري أهل السوق من الرطب من أهل الجفان من النخل

ملك سيده أن يبيعه وأن يكاتبه؛ وإن لم يقدر على الكسب إلا بالسؤال، فقد أجاز في المدونة أن يكاتب الرجل عبده الذي لا حرفة له، إلا ما يسأل، فيتصدق به عليه؛ وإنما وقع السؤال عن هذا القول من يقول من أهل العلم: إن أهل البلايا الذين لا منفعة لساداتهم فيهم، يجب عتقهم عليهم؛ كما يعتق على الرجل أمته إذا حملت منه، وهي من ذوات محارمه؛ إذ لا منفعة له فيها بوطء ولا استخدام؛ والفرق بين الموضعين عند مالك، أن الإيلاد شبهة عتق كانت من سببه، حرم بها على نفسه استخدامها، فوجب أن يعتق عليه؛ بخلاف المجذوم الذي لا يقدر على الخدمة بسبب جذامه الذي هو مرض من الأمراض من عند الله لا سبب له فيه. [مسألة: يشتري أهل السوق من الرطب من أهل الجفان من النخل] مسألة وسئل مالك عما يشتري أهل السوق من الرطب من أهل الجفان من النخل، أترى به بأسا؟ وعن العنب الحصرم، وعن الرمان الأخضر والتفاح، وكل ذلك لم يطب، باع على أن يقطع؛ قال: لا بأس بذلك، وإنما كرهت النقش هاهنا؛ لأن ذلك مضر بالناس، وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبيع حاضر لباد» ؛ لضرر ذلك على الناس، وأن يتلقوا السلع؛ فكل ما أضر بالناس مثل هذا، فأرى أن يمنعوا إلا الأمصار؛ فإن فاكهتهم كثيرة، ولا أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: سؤاله عما يشتري أهل الأسواق من الرطب

مسألة: التين يباع كيلا أو وزنا وهو أخضر

من أهل الجفان من النخل، سؤال فيه التباس، لتقديم وتأخير وقع فيه، وتقديره وسئل عما يشتري أهل الأسواق من الرطب من الجفان من أهل النخل، يريد هل يجوز أن يخرج أهل السوق إلى الحوائط فيشترون من أهل النخل الجفان من الرطب؟ فأجاز ذلك، ولم يره من التلقي الذي ورد النهي فيه، عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومثله في هذا الرسم، من هذا السماع، من كتاب السلطان، وهو قوله في سماعه منه؛ قال: لا بأس بذلك؛ لأنه إنما اشترى بموضعه، وإنما التلقي أن يلتقي الجلاب بالسلع؛ فهل أن يهبط بها إلى الأسواق، كان ذلك الجلاب طعاما أو غيره؛ خلاف روايته عن مالك في السماع المذكور أن ذلك من التلقي؛ وأما شراء عنب الحصرم والرمان الأخضر والإجاص والتفاح وسائر الثمار، قبل أن تطيب على أن تقطع، فلا خلاف في جواز ذلك، وقد مضى القول فيه في أول رسم من هذا السماع؛ إلا أنه كره ذلك فيما عدا الأمصار القليلة الثمار، فأحب أن يمنع من ذلك رفقا بأهل ذلك المكان، ونظرا لهم. كما يمنع من بيع الفتايا من البقر القوية على الحرث للذبح، نظرا للعامة، وصلاحا لهم؛ وكما كره النقش بالمدينة، نظرا للعامة؛ إذ فيه فساد للثمرة، وذلك ضرر بهم؛ فوجب أن ينظر في ذلك لهم قياسا على ما نهى عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تلقي السلع، ومن أن يبيع حاضر لباد؛ لأن المعنى في ذلك، الرفة بأهل الحاضرة، والنظر لعامتهم؛ والنقش الذي كرهه، أن يؤثر في البشرة أثرا كالجرح، فيسرع إليها الترطيب قبل أوانه، وذلك من الغش، إن لم يبين، ومع التبيين كرهه مالك، لما فيه من إفساد الثمرة، ورأى أن يمنع أهل الحوائط من ذله، وأن يبينوا، نظرا لعامة الناس. [مسألة: التين يباع كيلا أو وزنا وهو أخضر] مسألة وسئل مالك عن التين يباع كيلا أو وزنا وهو أخضر، فيريد

الشجرة تطعم بطنين في السنة

أن يبدله من صاحبه بغيره قبل أن يقبضه، قال: لا خير فيه، قلت: فالبطيخ يباع كذلك، أترى أن يبدل بغيره؟ قال: هو مثله لا خير فيه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه أراد أن يبدله بأكثر من صنفه أو من غير صنفه، أو بمثله من غير صنفه، فذلك لا يجوز؛ لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى، ولو أبدله بمثله من صنفه قبل أن يقبضه لجاز؛ لأنه بدل المثل بالمثل، ولو قبضه لجاز بدله بغير صنفه أكثر أو أقل، ولا يجوز بصنفه إلا مثلا بمثل؛ فأما البطيخ، فيجوز إذا قبضه أن يبدله بصنفه وبغير صنفه متفاضلا باتفاق؛ لأنه مما لا يدخر أصلا، وكذلك سائر الفواكه التي كانت لا تدخر إلا نادرا على المشهور في المذهب؛ لأن ابن نافع لا يجوز التفاضل في الصنف الواحد من الطعام، وإن كان لا يدخر إلا نادرا. وكذلك لو قبض بعض ما اشترى منه من التين، ثم أراد أن يأخذ بالبقية غير التين، أو صنفا آخر من التين أقل أو أكثر، لم يجز على ماله بعد هذا في أول رسم حلف؛ ولو أراد أن ينتقل من صنف إلى صنف آخر، قبل أن ينبرم البيع بينهما، وهما في حال التراوض؛ لجاز على ما يتأول عليه ما وقع في أول رسم من سماع أشهب، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى رسم القبلة، ورسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه، من سماع ابن القاسم، من كتاب الصرف، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك، وبالله التوفيق. [الشجرة تطعم بطنين في السنة] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة قال: وسئل مالك عن شجرة تطعم بطنين في السنة، بطنا بعد

مسألة: يشتري أصنافا من الثمر في صفقة واحدة

بطن، أفترى أن يباع البطن الآخر مع البطن الأول؛ قال: لا يباع كل بطن إلا وحده. قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك هذا، أنه لا يجوز أن يباع البطن الآخر مع البطن الأول، وإن كان النبات متصلا، لا يتم البطن الأول حتى يبدأ طيب البطن الثاني، وهو على قياس ما تقدم من قوله في أول رسم من هذا السماع؛ وقد روى ابن نافع، عن مالك: أنه يجوز أن يباع البطن الآخر مع البطن الأول، إذا لم يكن بينهما فترة، كان لا ينقطع الأول حتى يدركه الثاني؛ وهو مثل ما يأتي في رسم طلق من هذا السماع، في مسألة الجميز؛ وقد مضى في أول رسم من هذا السماع تحصيل القول في هذه المسألة؛ لأن البطنين في الثمرة الواحدة كالجنسين في الصنف الواحد. [مسألة: يشتري أصنافا من الثمر في صفقة واحدة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يشتري أصنافا من الثمر في صفقة واحدة، فيريد أن يولي صنفا منها، ويحبس ما بقي؛ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قال بعض أهل النظر في هذه المسألة: القياس ألا يجوز أن يولي صنفا من الثمر إلا بعد المعرفة بما يقع عليه من الثمن، وإنما استخفه من أجل أن التولية معروف، وليست على وجه المكايسة؛ والصحيح ألا فرق في هذه المسألة بين التولية والبيع؛ لأن ما يصيب الصنف

مسألة: يبتاع السلعة ثم يستوضع صاحبه من ثمنها

المولى من الثمن، لا يعلمه المولي من الثمن ولا المولى، والجهل بالثمن في التولية إنما يجوز إذا علمه المولي وجهله المولى، وكان الخيار له على وجه المعروف؛ ولو ولاه على الإلزام له، وهو جاهل بالثمن، لم يجز؛ لأن ذلك هو وجه المكايسة إلا بعد معرفتهما جميعا بالثمن، فإذا ولاه صنفا من الثمر بما ينوبه من الثمن، وجب ألا يجوز، وإن كان على وجه المعروف، وعلى أن المولي بالخيار من أجل أن المولى قد وجبت عليه التولية، وهو جاهل بالثمن؛ فإجازته التولية في هذه المسألة إنما يخرج على القول بجواز جمع الرجلين سلعتيهما في البيع؛ لأن جملة الثمن معروف، وما يقع لكل سلعة منها لا يعلم إلا بعد التقويم؛ وكذلك هذه المسألة جملة ثمن جميع الثمر معروف، وما يقع للصنف المولى منها لا يعرف إلا بعد التقويم، فالاختلاف في جواز جمع الرجلين سلعتيهما في البيع، وفي كون المستحق من يده جل ما اشترى من السلع على العدد، مخيرا فيما بقي منها بين أن يمسكها بما ينوبها من الثمن، أو يرد ما يدخل في تولية صنف من الثمر بما ينوبه من الثمن قبل التقويم، وفي بيعه بما ينوبه من الثمن قبل التقويم دخولا واحدا؛ وهذه مثل مسألة كتاب الشفعة من المدونة في الذي يجب له الشفعة، فيصالحه المشتري على أن يأخذ بيتا من الدار بما ينوبه من الثمن. [مسألة: يبتاع السلعة ثم يستوضع صاحبه من ثمنها] مسألة وسئل عن الرجل يبتاع السلعة، ثم يستوضع صاحبه من ثمنها، وهو مغتبط بالسلعة، أترى ذلك له حلالا؟ قال: أما حلال فنعم، وغيره أحسن منه.

مسألة: عبد أراد رجل شراءه ليعتقه تطوعا فأبى سيده

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه إن استوضع وهو مغتبط ببيعته، حلت له الوضعية، ورأى ترك ذلك أحسن؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعمر بن الخطاب: «إن خيرا لأحدكم ألا يأخذ من أحد شيئا» ، وقوله: «اليد العليا خير من اليد السفلى» . ولم ير عليه فيه حرجا، ولا إثما، ولا ضيقا إن فعله، إذ لم يره من ناحية المسألة المنهي عنها؛ لما مضى من أمر الناس على هذا، واستجازتهم له؛ ولما أشبه ذلك من استعارة الدابة والثوب، ما لم يلح ويتضرع ويتبكى، فإن ذلك مكروه لا ينبغي؛ قال ذلك في سماع أشهب، وهو صحيح؛ لأنه إذا فعل ذلك، أشبه ألا يضع عنه طيب النفس، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» ، قال: وأما إن قال: إن لم تضع لي خاصمتك، فلا خير فيه؛ وهذا بين أن ذلك لا يحل له، ولا يجوز؛ لأنه يضع عنه مخافة مخاصمته إياه؛ فإن فعل ذلك وجب عليه أن يرد وضيعته إليه، أو يستحله منها، أو يكافئه عليها، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد أراد رجل شراءه ليعتقه تطوعا فأبى سيده] مسألة وسئل عن عبد أراد رجل شراءه ليعتقه تطوعا، فأبى سيده أن ينقصه من خمسين، وأبى المشتري أن يعطيه إلا أربعين؛ فقال العبد للسيد بغير حضرة المشتري، ولا أعلم به لسيده: بعني ولا

مسألة: يبتاع الطعام إلى أجل فيأتيه فيقتضي منه نصفه ويبقى نصفه

تمنعني العتق، وأنا أشهد ذلك بأني أعطيك عشرة دنانير دينا لك علي؛ فأشهد على العبد بذلك، ثم باعه من الذي عتقه بأربعين دينارا؛ وأعتقه، فعلم المشتري بذلك فأنكر عليه؛ فقال: ما أرى ما صنع جائزا، قلت له: أفترى أن يتبع العبد بالعشرة دينا، قال: لا شيء له على العبد، ويسقط عنه؛ فإذا كان ذلك بإذن المشتري وبعلمه، لزمته العشرة. قال محمد بن رشد: أوجب على العبد لسيده ما أشهد له به على نفسه على أن يبيعه ممن يعتقه، وجعل ذلك دينا ثابتا له عليه يتبعه به إن علم بذلك المشتري، كدين ثبت له في ذمته قبل البيع؛ فقوله: إنه يسقط عنه إن لم يعلم به المشتري، هو مثل ما في رسم لم يدرك من سماع عيسى، من كتاب العيوب؛ وعلى هذا الأصل يأتي قول أصبغ في نوازله، في مسألة المجرى، وهو خلاف ما في كتاب الكفالة من المدونة في الذي يبيع عبده، وله عليه دين لم يعلم به المشتري؛ أنه لا يسقط عنه، ويكون عيبا به إن شاء أمسك، وإن شاء رد، وقد قال ابن القاسم في العشرة: إن العهدة تسقط عن الغلام، علم المشتري أو لم يعلم؛ ويكون البيع فاسدا يفسخ إن كان باع لغير عتق، إلا أن يموت فيرد إلى القيمة، يريد إن علم المشتري واشترى على هذا؛ وأما إن لم يعلم، فلا وجه لفساد البيع؛ وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، من كتاب العيوب. [مسألة: يبتاع الطعام إلى أجل فيأتيه فيقتضي منه نصفه ويبقى نصفه] مسألة وسئل عن الرجل يبتاع من الرجل الطعام إلى أجل، فيأتيه

عند الأجل، فيقتضي منه نصفه، ويبقى نصفه، ثم يأتي بعد ذلك فيطلبه ببقية حقه، فيقول له: ما عندي قضاؤك، ولكن إن أحببت أن ترد إلي ما أعطيتك، وأرد ذهبك إليك فعلت، فقال: لا خير فيه، وقال: أكرهه؛ وسمعته قبل ذلك يقول: إن كان الذي اقتضى منه يسيرا مما له عليه، لم أر بذلك بأسا أن يرده، ويأخذ رأس ماله. قال محمد بن رشد: قوله: يبتاع من الرجل الطعام إلى أجل، يريد يسلم في الطعام إلى أجل، ويدخل المسألة إذا تقايلا في الجميع بعد أن قبض منه بعض الطعام بمجموع البيع والإقالة: أسلفني وأسلفك؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن دفع المسلم إلى المسلم إليه ذهبا، فرد إليه مثله بعد قبضه وانتفع به؛ ودفع المسلم إليه إلى المسلم طعاما، فرد مثله إليه بعد أن قبضه، وغاب عليه، وانتفع به؛ فاتهمهما على القصد إلى ذلك في الكثير، واستخفه في اليسير؛ لبعد التهمة عنده في ذلك؛ ولو أقاله مما بقي؛ لما جاز في القليل ولا في الكثير؛ لأنه يدخله البيع والسلف؛ فالمكروه فيه أشد؛ لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بيع وسلف، وقد مضت هذه المسألة متكررة في كتاب السلم والآجال، في رسم الحجرة، ورسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

اشترى بدينار قمحا فاكتال نصفه ثم سأله أن يعطيه بالنصف الثاني زيتا

[اشترى بدينار قمحا فاكتال نصفه ثم سأله أن يعطيه بالنصف الثاني زيتا] ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته وسئل مالك عمن اشترى بدينار قمحا، فاكتال نصفه، ثم سأله أن يعطيه بالنصف الثاني زيتا أو عدسا؛ فقال: لا خير في هذا، قال ابن القاسم: لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى؛ قال مالك: وإن كان شعيرا، فأخذ مثل كيله، فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه إذا أخذ فيما بقي له من القمح زيتا أو عدسا، فقد باعه بذلك قبل أن يستوفيه، وقد مضى القول على هذا المعنى، في آخر رسم شك في طوافه مستوفى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الفول والعدس والحمص وحكم التفاضل بينهما] مسألة قال مالك في الفول والعدس والحمص مثل ما قال في عام الأول، لا يصلح الفضل بينهما؛ وسألت ابن القاسم عن هذا فقال: لا بأس به، وبه قال أصحاب مالك كلهم. قال محمد بن رشد: ذهب ابن القاسم، وسائر أصحاب مالك إلى أن القطاني في البيع أصناف مختلفة، واختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنها أصناف مختلفة. والثاني: أنها صنف واحد، والقولان له في الزكاة الأول من المدونة نصا، ويقومان من هاهنا بدليل.

مسألة: يأتي إلى الحائك فيجد عنده ثوبا قد نسج جله وبقي بعضه فيشتريه

والقول الثالث: أن ما كان منها لا يشبه بعضه بعضا، يريد في المنفعة كالحمص والفول والترمس والكرسنة، فهي أصناف مختلفة، يجوز التفاضل فيها؛ وما كان منها يشبه بعضه بعضا كالحمص والعدس، فهو صنف واحد، وهو قوله في أول رسم من سماع أشهب، ولم يختلف قوله فيها في الزكاة أنها صنف واحد؛ وقد مضت هذه المسألة متكررة في كتاب السلم والآجال، في هذا الرسم بعينه، ومضى القول عليها هناك مستوفى. [مسألة: يأتي إلى الحائك فيجد عنده ثوبا قد نسج جله وبقي بعضه فيشتريه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يأتي إلى الحائك فيجد عنده ثوبا قد نسج جله، وبقي بعضه، فيشتريه منه وينقده ثمن الثوب حتى ينسج الثوب؛ قال: لا خير فيه؛ لأن الثوب يختلف نسجه يكون آخره شراء من أوله، ولا أحبه؛ قال سحنون: هذه جيدة، فقس عليها ما ورد عليك. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز هذا من أجل أنه اشترى بقية الثوب على أن ينسجه البائع، فصار بيعا وإجارة في نفس الشيء المبيع، والبيع والإجار في نفس الشيء المبيع؛ إنما يجوز على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك فيما يعرف وجه خروجه، كالقمح على أن على البائع طحينه، والثوب على أن على البائع خياطته استحسانا أيضا على غير قياس؛ أو فيما لا يعرف وجه خروجه إلا أنه يمكن إعادته إلى العمل حتى يأتي على الصفة، كالفضة على أن على البائع صياغتها، أو الصفر على أن على البائع أن يعمل منه أقداحا صفة، وما أشبه ذلك؛ وأما ما لا يدرى وجه خروجه، ولا يمكن إعادته إلى العمل، إن خرج على غير الصفة، كالغزل

مسألة: يبيع كرمه ويستثني منه أسلالا أقل من الثلث

على أن على البائع حياكته؛ والزيتون على أن على البائع عصره، فلا يجوز على حال؛ وسحنون: لا يجيز البيع والإجارة في نفس الشيء المبيع شيء من الأشياء، كان مما يعرف وجه خروجه أو لا يعرف؛ ولذلك قال في هذه المسألة: إنها جيدة، فقس عليها ما ورد عليك، ولا حجة له فيها من قول مالك؛ لأنه قد بين العلة فقال: لأن الثوب مختلف نسجه، يكون آخره شرا من أوله؛ فلو كانت الإجارة فيما لا يختلف، ويعرف وجه خروجه؛ لجاز ذلك على تعليله، خلاف مذهب سحنون. [مسألة: يبيع كرمه ويستثني منه أسلالا أقل من الثلث] مسألة وسئل مالك عن الرجل يبيع كرمه، ويستثني منه أسلالا أقل من الثلث، فينفد الكرم قبل أن يستوفي الأسلال، قال: يتراضيان على ما بقي من الأسلال؛ فقيل له: أفيأخذ مكان أسلاله من غير كرمه؟ قال: نعم. قال ابن القاسم: ويتعجل السلال إذا تحول إليها، ولا يؤخرها ولا يأخذ إلا مثلها في قدرها؛ لأنه إذا أخرها كان دينا بدين. قال محمد بن رشد: اختلف في المستثنى، هل هو مبقى على ملك للبائع، أو هو بمنزلة المشتري؟ وجواب مالك في هذه المسألة على أنه مبقى على ملك البائع، وعلى أن عنب الكرم نفذ ببيع المبتاع له؛ فصار المبتاع قد تعدى على البائع في السلال التي استثناها عليه، فأبقاها لنفسه على ملكه، فباعها في جملة ما باع من عنب الكرم؛ فوجب

أن يكون البائع مخيرا بين أن يأخذ منه مثل السلال، أو الثمن الذي باعها به؛ فإن رضي أن يأخذ السلال، لم يجز أن يؤخره بها؛ لأنه يدخله فسخ الدين في الدين، من أجل أنه قد كان له أن يأخذ منه الثمن، ففسخه في السلال إلى أجل، ولو كان عنب الكرم إنما نفد بالأكل والإعطاء؛ لما وجب للبائع على المبتاع إلا بمثل السلال التي استثنى عليه، ولجاز له أن يؤخره بها؛ لأنه إنما له عليه سلال، فجاز أن يؤخره بها، إلا أن يكون الإبان قد خرج، فلا يجوز أن يؤخره بالسلال إلى عام قابل؛ لأن القيمة قد وجبت له في السلال لخروج الإبان، فيكون إذا فعل ذلك قد فسخ القيمة التي وجبت له في سلال إلى عام قابل، وذلك ما لا يحل ولا يجوز، وقوله: يتراضيان على ما بقي من السلال، يريد بما يجوز بينهما في ذلك من دنانير أو دراهم، بعد معرفة مبلغ ما يجب له من الثمن، أو عروض، أو طعام من غير صنف العنب؛ يعجل ذلك كله، ولا يؤخر شيئا منه؛ فإن تراضيا على عنب مخالف له أرفع أو أدنى، لم يجز إلا مثل السلال نقدا؛ لأنه إن أخره بها، كان العنب بالعنب إلى أجل؛ وأما على القول بأن المستثنى بمنزلة المشترى، وأن البائع كأنه قد باع الكرم بما سمي من الثمن، وبالأسلال التي استثنى منه. فإذا نفد عنب الكرم قبل أن يستوفي البائع الأسلال التي استثنى، فالواجب للبائع أن يرجع على المبتاع بقدر ما استثنى من قيمة الكرم؛ لأن الأسلال التي لم يستوفها البائع، كعرض من الثمن استحق فرجع بقدره من الثمن في عين الكرم الذي باع إن كان قائما، أو في قيمته إن كان فائتا، وجائز أن يأخذ بذلك من المبتاع ما تراضيا عليه من قليل الأسلال وكثيرها، وجميع الطعام والعروض، وأن يأخذ دراهم من دنانير إذا كان ذلك كله معجلا؛ لأن البيع قد انفسخ في مقدار السلال؛

مسألة: يشتري من الرجل طعاما جزافا أو كيلا أو غيره

فجاز أن يأخذ بما وجب له به الرجوع ما شاء من ذلك كله نقدا، كمن وجب له على رجل ذهب فأخذ به ورقا أو طعاما أو عرضا، وقد روي الحديث عن ابن القاسم أنه لا يأخذ مكان أسلاله أسلالا من غير كرمه؛ ولا وجه يمنع من ذلك إذا تعجلها وكانت مثلها، فلعل معنى الرواية إذا لم يتعجلها. [مسألة: يشتري من الرجل طعاما جزافا أو كيلا أو غيره] مسألة قال: وسئل مالك عن الرجل يشتري من الرجل طعاما جزافا أو كيلا أو غيره، فيجد في أسفله مخالفا لأوله، قال مالك: إن أحب أن يأخذه كله أخذه، وإن أبى رده كله؛ إلا أن يشاء البائع أن يسلم إليه ما وجد فيه من طيب إن أحب ذلك المبتاع، وإلا لم يلزمه إذا وجد في أسفله مخالفا لأوله، فقلت له: يا أبا عبد الله، ألا يلزمه أن يأخذ ما وجد من طيب بسعر ما ابتاع، ويوضع عنه ما وجد من القمح مخالفا؛ قال: لا، إلا أن يشاء، هما في ذلك بالخيار؛ وسواء إن رضي هذا أن يعطي، لم يكن ذلك له إلا أن يرضى المبتاع أن يأخذ؛ وإن رضي المبتاع أن يأخذ، لم يكن له ذلك، إلا أن يرضى البائع أن يأخذه؛ قال سحنون: وإنما هذا إذا أصاب العيب بجله، وأما الشيء اليسير فذلك يلزمه بحسابه. قال محمد بن رشد: قوله: طعاما جزافا أو كيلا أو غيره، فيه تقديم وتأخير؛ ووجه الكلام: وسئل عن الذي يشتري من الرجل طعاما أو غيره

جزافا أو كيلا، ويريد بغيره ما عدا الطعام مما يكال أو يوزن كالحنك، والعصفر والكتم، وشبه ذلك؛ لأن له حكم الطعام فيما يوجد فيه من العيب ببعضه. وقوله: إنه إذا وجد في أسفله مخالفا لأوله، أنه يأخذه كله أو يرده كله؛ يريد وليس له أن يرد المعيب ويمسك السالم بحصته من الثمن، هو نص ما في المدونة من أن البائع إنما باع على أن يحمل بعضه بعضا؛ لأن السالم يحمل المعيب، وقوله: إلا أن يشاء البائع أن يسلم إليه ما وجد فيه من طيب، فيكون ذلك له إن أحب المبتاع، وإلا لم يلزمه؛ معناه إذا كان المعيب الثلث فأكثر؛ لأن مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، أن استحقاق ثلث الطعام والمكيل والموزون من العروض، يوجب للمشتري رد الجميع، بخلاف العبيد والعروض. فقول سحنون: وإنما هذا إذا أصاب العيب بجله إلى آخر قوله، خلاف لقول مالك على مذهب أشهب في مساواته بين العبيد والعروض والطعام في الاستحقاق؛ فلا يجب للمبتاع رد الباقي، إلا أن يكون المستحق أكثر من النصف وهو الجل؛ فإذا كان المعيب من الطعام الثلث أو النصف، فأراد البائع أن يلزم المبتاع السالم بحصته من الثمن، لم يكن ذلك له على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك؛ وكان ذلك له على مذهب أشهب، وإليه ذهب سحنون، فالخلاف الموجود في الطعام، وما كان في معناه من المكيل والموزون من العروض، ينقسم على خمسة أقسام: أحدها: أن يكون مما لا ينفك منه الطعام كالفساد اليسير في قيعان الأهراء والبيوت. والثاني: أن يكون مما ينفك منه الطعام، إلا أنه يسير لا خطب له. والثالث: أن يكون مثل الخمس والربع، ونحو ذلك. والرابع: أن يكون مثل الثلث والنصف. والخامس: أن يكون أكثر من النصف وهو الجل، فأما إذا كان الفساد والخلاف الموجود فيه مما لا ينفك منه الطعام لجري العادة، فهو للمشتري لازم، ولا كلام له فيه؛ وأما إذا كان مما ينفك منه الطعام، إلا أن 189 يكون يسيرا لا خطب له؛ فإن أراد

مسألة: باع نخلا وله شرب في ماء ولم يبين

البائع أن يلزم المعيب، ويلزم المشتري السالم بما ينوبه من الثمن، كان ذلك له بلا خلاف؛ وإن أراد المشتري أن يلتزم السالم، ويرد المعيب بحصته من الثمن، لم يكن ذلك له على ما في المدونة وظاهر هذه الرواية، وروى يحيى، عن ابن القاسم: أن ذلك له. وأما إن كان مثل الربع والخمس، فإن أراد البائع أن يلزم المشتري السالم بحصته من الثمن، ويسترد المعيب، كان ذلك له بلا خلاف؛ إذ لا اختلاف في أن استحقاق ربع الطعام أو خمسه، لا يوجب للمبتاع رد الباقي؛ وإن أراد المبتاع أن يرد المعيب، ويلتزم السالم بحصته من الثمن، لم يكن ذلك له بلا خلاف أيضا. وأما إن كان الثلث أو النصف، فأراد البائع أن يلزم المشتري السالم بحصته من الثمن، لم يكن ذلك له على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك؛ وكان ذلك له على مذهب أشهب، واختيار سحنون، ولم يكن للمبتاع أن يلزم السالم، ويرد المعيب بحصته من الثمن، وأما إن كان الجل وأكثر من النصف، فلا اختلاف في أنه ليس للبائع أن يلزم المشتري السالم بحصته من الثمن، ولا للمبتاع أن يرد المعيب بحصته من الثمن؛ وهذا الذي ذكرناه من أن استحقاق الثلث من المكيل والموزون من العروض يوجب للمبتاع رد الجميع بمنزلة الطعام؛ هو ظاهر هذه الرواية على ما بيناه، بما وقع فيها من التقديم والتأخير، وبدليل أن حكم المكيل والموزون من العروض حكم غير الموزون منها، لا يوجب للمبتاع رد الباقي، إلا أن يستحق الجل. [مسألة: باع نخلا وله شرب في ماء ولم يبين] مسألة وسئل عن رجل باع نخلا وله شرب في ماء، ولم يبين

ما هو من ذلك الماء أسدسه أم خمسه أم ربعه؟ قال: ما أرى إلا أن يفسخ، وأرى هذا غير جائز؛ وربما كان من ذلك الماء الذي لا يكون فيه ري النخل، فأرى أن يفسخ؛ فقيل له: إن الرجل قد حلف بعتق ما يملك ألا يقيله، أفترى له أن يقيله إذا تبين له أن هذا مفسوخ، وقد دخل فيما لا ينبغي له من أمر فساد البيع، ورأى أن فساده يخرجه من يمينه، قال: لا، ولكن يرفع إلى السلطان؛ قال ابن القاسم: يعني بذلك حتى يكون السلطان هو الذي يفسخه، ثم لا يكون على الحالف في يمينه شيء. قال محمد بن رشد: قوله: ولم يبين ما هو، يدل على أنه علم ما هو، فكتم ذلك عن المشتري، ولم يعلمه به، فاشترى على جهل؛ وإذا كان الأمر على هذا، فليس ببيع فاسد؛ لأن البيع إنما يكون فاسدا إذا جهل المتبايعان جميعا، وأما إذا علم أحدهما وجهل الآخر، فالحكم فيه أن يكون الذي جهل بالخيار إذ علم بين أن يتمسك بالبيع أو يرده. فقول مالك: ما أرى إلا أن يفسخ وأرى هذا غير جائز؛ معناه إذا لم يرض المشتري بالشراء بعدما يعلم ما للنخل من الماء، ولو ادعى البائع أنه أعلمه بمالها من الماء، أو أنه كان عالما بذلك دون أن يعلمه؛ فقال المبتاع: لم أعلم، ولا أعلمتني، وإنما اشتريت على جهل بذلك؛ لكان القول قول المبتاع مع يمينه أنه ما علم ولا أعلمه، ولا اشترى إلا على جهل بمبلغ مالها من الماء، فإن حلف على ذلك كان له الرد؛ ولو قال المبتاع: لم أعلم، ولا

يشتري الطعام المضمون إلى يومين يوفيه إياه

أعلمتني، ولا علمت أيضا أنت، وإنما وقع شرائي على الجهل مني ومنك؛ لكان القول قول البائع؛ لأنه يدعي صحة، والمبتاع يدعي فسادا، وسيأتي هذا المعنى في رسم أوصى، من سماع عيسى، فيستوفى القول فيه إن شاء الله تعالى. ولو سكتا عن الشرب فلم يذكراه، وهما عالمان بمبلغه؛ لكان داخلا في البيع، وسيأتي هذا المعنى في أول سماع أشهب، وقوله: إنه إذا حلف ألا يقيله، يحنث إن أقاله بعد أن علم ما يجب له من فسخ البيع صحيح؛ لأن الفسخ إقالة في المعنى؛ فإذا فاسخه في البيع باختياره دون حكم حاكم، وجب أن يحنث؛ ولو قيل: إنه يحنث، وإن قضى له عليه السلطان بالفسخ على القول بأن من حلف ألا يفعل فعلا، فقضى به عليه السلطان أنه حانث؛ لكان قولا، وقد مضى هذا في غير ما موضع، من سماع ابن القاسم وغيره، من كتاب الأيمان بالطلاق وغيره. [يشتري الطعام المضمون إلى يومين يوفيه إياه] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل مالك عن الرجل يشتري الطعام المضمون إلى يومين يوفيه إياه، قال: لا بأس به؛ قال ابن القاسم: قد كان كرهه قبل ذلك غير مرة، وقال: لا خير فيه حتى يكون إلى أجل، يريد ترتفع فيه الأسواق وتنخفض، قال: وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه كرهه حتى يكون إلى زمن ترتفع فيه الأسواق وتنخفض، قال ابن القاسم: وهو قول مالك الأول، وهو أحب ما فيه إلي. قال محمد بن رشد: قد اختلف قول سعيد بن المسيب في هذا أيضا، فحكى ابن حبيب عنه إجازة السلم إلى الثلاثة الأيام والأربعة

مسألة: باع جارية من رجل بشرط ألا يخرج بها من المدينة

والخمسة، خلاف قوله هاهنا، وفي المدونة وأجازه ابن عبد الحكم إلى اليوم؛ وإلا شبه ما اختاره ابن القاسم من أن ذلك لا يجوز إلا إلى أجل ترتفع فيه الأسواق وتنخفض؛ لأن الأجل القريب يشبه السلم الحال الذي لا يجوز، من أجل أن المسلم كأنه دفع إلى المسلم إليه دنانير على أن يشتري له بها سلعة كذا، على أن له ما زاد، وعليه ما نقص، فدخله الغرر والخطر، ووجه إجازته التعلق بظاهر قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سلموا في كيل معلوم إلى أجل معلوم» ، فأجاز السلم إلى أجل معلوم، ولم يخص قريبا من بعيد، فإن وقع السلم إلى الأجل القريب، فسخ على ظاهر قول ابن القاسم هنا وفي المدونة، وقال ابن حبيب: لا يفسخ إذا أوقع مراعاة للاختلاف، وقد وقع في رسم المكاتب، من سماع عيسى، من كتاب السلم والآجال، مسألة كان الشيوخ يقيمون منها إجازة السلم الحال إذا وقع، وليس ذلك بصحيح على ما بيناه هناك، فلا وجه لإعادته. [مسألة: باع جارية من رجل بشرط ألا يخرج بها من المدينة] مسألة وسئل مالك عن رجل باع جارية من رجل بشرط ألا يخرج بها من المدينة، فعلم مكروهه؛ فقال البائع للمبتاع: أنا أضع عنك الشرط، وألزمك البيع، أترى ذلك لازما للمشتري؟ قال: ما أرى ذلك، قال ابن القاسم: وأرى بأن يلزم المشتري البيع. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب في هذه المسألة، وقد مضى تحصيل القول فيها في رسم القبلة، فلا معنى لإعادته.

مسألة: أجر الكيالين أيؤخذ ذلك من المشتري

[مسألة: أجر الكيالين أيؤخذ ذلك من المشتري] مسألة وسئل مالك عن أجر الكيالين، أترى أن يؤخذ ذلك من المشتري؟ قال: إن الصواب والذي يقع في قلبي أن يكون على البائع، وذلك أن المشتري لو لم يجد أحدا يكيل له، كان على البائع أن يكيل، وقد قال إخوة يوسف ليوسف: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} [يوسف: 88] فكان يوسف هو الذي يكيل. قال محمد بن رشد: هذا هو المعلوم من قول مالك الذي عليه أصحابه، أن البائع هو الذي يلزم أن يكيل للمبتاع ما باع منه، وأن عليه أجر الكيال إن لم يرد أن يتولى ذلك بنفسه؛ وقد كان مالك يقول قديما: أجرة الكيل على المشتري، فعلى قوله هذا لا يلزم البائع أن يكيل، وعلى المبتاع أن يكتال لنفسه. فقوله في الرواية: وذلك أن المشتري لو لم يجد أحدا يكيل له، كان على البائع أن يكيل، ليست بحجة؛ لأن أجرة الكيل إنما تجب على الذي عليه أن يكيل، فهي في المشهور على البائع؛ لأن عليه أن يكيل، وهي على قول مالك القديم على المبتاع؛ لأن عليه أن يكتال لنفسه، فالصحيح على أن يوفيه ما باع منه، ويفرزه بالكيل عن مالكه، كما أن على المبتاع أن يوفي البائع الثمن ويفرزه بالكيل عن مالكه، كما أن على المبتاع أن يوفي البائع الثمن ويفرزه عن مالكه بالوزن؛ واستدلاله على ذلك بقوله عز وجل: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} [يوسف: 88] ، صحيح على القول بأن شرائع من قبلنا لازمة لنا؛ وهو مذهب مالك، وفي ذلك اختلاف كثير قد ذكرناه في أول رسم من سماع ابن القاسم، من كتاب النكاح، فإن تولى البائع الكيل بنفسه أو أحد من قبله، فضمان ما في المكيال منه حتى

مسألة: بيع الجميز وهي في بطون

يفرغه في وعاء المشتري، واختلف إن تولى المشتري الكيل لنفسه أو أحد من قبله، على القول بأن أن على المشتري أن يكتال لنفسه، أو بتفويض البائع إليه ذلك، على القول الآخر؛ فقيل: إن ضمان ما في المكيال من البائع أيضا حتى يفرغه في وعائه، وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى؛ وقيل: إنه إذا امتلأ الكيل، فضمان ما فيه منه إن تلف قبل أن يفرغه في وعائه، وهو قول سحنون في نوازله. [مسألة: بيع الجميز وهي في بطون] مسألة وسئل مالك عن بيع الجميز وهي في بطون، فقال: إن كان نباتا متصلا فلا بأس به؛ فقلت له: إنه ينبت كما تنبت القثاء بطنا بعد بطن، وهي شجرة، قال: والقثاء شجر؟ فلا أرى به بأسا إذا كان نباتا متصلا؛ فأما إن كان ينقطع ثم ينبت بعد ذلك، فلا أرى فيه خيرا، ثم قال: والسدر كذلك. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة، في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يبيع الزيت أرطالا بكذا وكذا دينارا إلى أجل] مسألة وسئل مالك عن الرجل يبيع الزيت أرطالا بكذا وكذا دينارا إلى أجل، فيزن له فيفضل له عنده الرطلان ينقصان من وزنه، فيقول المشتري للبائع: هما لك، قال: ما أرى من بأس، ولكن أخاف أن يكثر؛ فإن كثر فلا يعجبني؛ فأما الشيء اليسير مثل هذا، فلا أرى من بأس؛ قال سحنون: ولا بأس به كثيرا كان أو قليلا.

قال محمد بن رشد: اتقى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا كثر ما نقص من الوزن، فتركه له أن يكون إنما فعل ذلك رجاء أن يوسع له في الثمن إذا حل الأجل، فيدخله ما نهي عنه من هدية المديان؛ واستخف ذلك سحنون وإن كان كثيرا، ولم يتهمه على القصد إلى ذلك؛ لأنه من ناحية ما يندب إليه المتبايعان من السماحة في البيع، فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رحم الله عبدا سمحا إن باع، سمحا إن ابتاع، سمحا إن قضى، سمحا إن اقتضى» . فلا يقام من هذا أن سحنونا يجيز هدية المديان إذا كانت مبتدأة على غير هذا الوجه، بل لا تحل عنده، ولا عند أحد من أهل العلم لمن عليه دين أن يهدي لمن له عليه الدين، رجاء أن يؤخره بما له عليه من الدين، ولا يحل لمن له الدين أن يقبل منه الهدية، إن علم أن ذلك غرضه فيها، ولا حرج على من أهدى لصاحب دينه إذا صحت نيته في ذلك، وقد كان ابن شهاب يكون عليه الدين، فإذا جاءه غرماؤه أجازهم ولم يقضهم، لصحة نيته في ذلك، ويكره لمن يقتدي به أن يقبل ذلك منه؛ فقد رد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أبي بن كعب هديته من أجل ماله عنده؛ لئلا يقتدي به في ذلك، فيكون ذريعة إلى استجازة ذلك، والعمل به حتى يكثر؛ فيوقع في المحظور منه؛ هذا وجه رد عمر بن الخطاب عليه هديته؛ إذ ليس من أهل التهم؛ وقد قال ابن دحون: إنما أجاز سحنون أن يترك ما نقص من الوزن وإن كثر؛ لأن مذهبه قبول هدية المديان إذا كان الدين من بيع؛ فإن كان من قرض لم يجز عند الجميع، إلا أن يكون قد جرت به عادة من المهدي قبل الدين؛ وليس قوله بصحيح لما بيناه، وقد مضت هذه المسألة متكررة، والقول فيها في رسم حلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب السلم والآجال.

مسألة: يشتري الجارية أينظر إلى كفيهما

[مسألة: يشتري الجارية أينظر إلى كفيهما] مسألة وسئل عن الرجل يشتري الجارية، أترى أن ينظر إلى كفيهما؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس؛ فقيل له: فمعصميها وساقيها؛ قال: لا أرى ذلك له، ولا يعجبني ذلك، ولكن أرى أن يخبر عنها كما يخبر عن المرأة التي يتزوجها؛ وأخبرنا سحنون قال: أخبرني ابن نافع: أن ابن عمر دخل السوق، فضرب بيده على صدر جارية فهزها، ثم قال: من شاء فليشتر. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا ينظر في الجارية عند الشراء إلا إلى كفيها، ولا ينظر إلى معصميها وساقيها، خلاف ما في كتاب الخيار من المدونة، من أن الرقيق قد يجرد في الشراء، فظاهر قوله فيها أنه يجوز له أن ينظر منها إلى ما عدا الفرج؛ وفعل ابن عمر هذا يتأول على أن الجارية كانت له، فلذلك صح له أن يضرب بيده على صدرها، فيهزها ويقول: من شاء فليشتر، يريد فليشتر مني؛ إذ لا حاجة له أن يفعل ذلك بجارية غيره، فيكون كالسمسار له في بيعها، وهو منزه عن مثل هذا، والله أعلم؛ وقد قيل: لم تكن له، وإنما فعل ذلك معلما للناس أن فعل مثل هذا يجوز لهم في الرقيق، وضرب الصدر من فوق الثوب أخف من النظر إلى المعصمين والساقين، والأول هو أشبه لحال ابن عمر وفضله وورعه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [اشترى نصف ثمرة بعدما بدا صلاحها] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال مالك: من اشترى نصف ثمرة بعدما بدا صلاحها، فلا أرى ببيعها بأسا قبل أن يجدها؛ قال ابن القاسم: وتفسير ذلك أن

الحائط الذي ليس فيه زهو وما حواليه قد أزهى هل يباع

مالكا كان يقول قديما: إذا اشترى جزءا من ثمرة فليس له أن يبيعها حتى يستوفيها، فسألناه عن ذلك فأخبرنا هذا. قال محمد بن رشد: وجه قول مالك الذي كان يقول قديما، هو أنه لما كان لا يقدر على أن يتبين لحظه من الثمرة إلا بالقسمة في الكيل فيما يكال من ذلك، أو الوزن فيما يوزن منه، أو العد فيما يعد منه؛ أشبه من اشترى شيئا من الطعام كيلا أو وزنا أو عددا في أنه لا يبيعه حتى يستوفيه، والقول الآخر هو مقتضى القياس؛ لأن حظه من الثمرة داخل في ضمانه بالعقد، كما يدخل جميعها في ضمانه بعقد الشراء وإن لم يستوفها؛ إلا ما في ذلك من حكم الجاثمة على سنتها في الوجهين جميعا، وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم حلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب السلم والآجال، ومضت أيضا في رسم سن منه؛ واختلف قول مالك أيضا في الرجل يبيع ثمر حائطه بعد أن بدا صلاحه، ويستثني أقل من ثلثه كيلا، هل يجوز له أن يبيعه قبل أن يستوفيه أم لا؟ والقولان في هذه المسألة جاريان على القول في المستثنى، هل هو مبقى على ملك البائع أو بمنزلة المشترى؟ وقد مضى في رسم حلف هذا المعنى، وبالله التوفيق. [الحائط الذي ليس فيه زهو وما حواليه قد أزهى هل يباع] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا وسئل عن الحائط الذي ليس فيه زهو، وما حواليه قد أزهى، أترى أن يباع ولم ير فيه شيء من الزهو؟ قال: نعم، لا أرى به بأسا إذا كان الزمان قد أمنت فيه العاهات، وأزهت الحوائط؛ فلا

الضأن يباع صوفها فيصاب منها الأكبش قبل أن يجزها

أرى بذلك بأسا. قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن هذا فقال: لست أراه حراما، وأحب ذلك إلي قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حتى تزهى» . وقال: وسئل عن الحائط الذي تزهى فيه النخلات الأربع والخمس، وقد تعجل زهوه قبل الحوائط، أترى أن يباع؟ قال: نعم، لا بأس بذلك إن تعجل قبل الحوائط. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [الضأن يباع صوفها فيصاب منها الأكبش قبل أن يجزها] ومن كتاب أوله يسلف في المتاع والحيوان قال مالك في الضأن يباع صوفها، فيصاب منها الأكبش قبل أن يجزها، قال مالك: أراها من البائع، ويوضع عن المبتاع بقدر ذلك. قال ابن القاسم: وذلك إذا سرقت أو أخذها السبع؛ فأما إن ماتت، لم يكن له إلا صوفها، إلا أن يكون صوف الميتة عند الناس لا يشبه الحي، فيوضع ذلك عنه. قال محمد بن رشد: جعله الضمان من البائع فيما أصيب من الأكبش، يدل على أنه رأى الجزاز عليه، فجعل الضمان منه، لما عليه من حق التوفية بالجزاز، وهو خلاف ما يدل عليه ما في رسم الثمرة من سماع عيسى، وخلاف المشهور من أن الجزاز على المشتري، كمن اشترى ثمرة بعد طيبها، فالجداد على المشتري؛ وكمن اشترى زيتونة على القطع، أو حلية سيف على القلع، أن القطع والقلع على المشتري؛ وإن لم يقع الشراء على أن يقطع المشتري، أو على أن يقلع، إلا أن يشترط كذلك على

البائع، فيكون عليه بالشرط. ويحتمل أن يكون تكلم في الرواية على أن العرف كان عندهم أن الجز على البائع، وأن الضمان منه؛ لأن الخلاف لا يتصور إلا مع عدم العرف والشرط؛ وقال: وقال ابن دحون: معنى المسألة أن المشتري اشترط الجزاز على البائع، فلهذا كان الضمان منه، قال: وكذلك وقع في سماع ابن أبي أويس: أن المشتري اشترط الجزاز على البائع، قال: ولو لم يشترطه عليه؛ لكان الجزاز عليه، والضمان منه؛ كالثمرة إذا اشتراها بعد طيبها، فالجزاز والضمان على المشتري؛ فإن اشترط المشتري الجداد على البائع، كان الضمان منه؛ وفي هذا عندي من قوله نظر؛ لأن الحكم لو كان أن الجزاز على المشتري، والضمان منه قولا واحدا؛ لما صح أن يتنقل الضمان عن المشتري إلى البائع باشتراط الجزاز عليه، ولكان البيع فاسدا إن وقع بشرط الضمان؛ لأنه قد حصل له جزء من الثمن، فصار مبتاعا له بما وقع له من الثمن، وإنما يجوز اشتراط الضمان في البيع إذا كان أمرا مختلفا فيه، فإذا قررنا أن في المسألة قولين؛ أحدهما: أن الجز على البائع، والضمان منه. والثاني: أن الجز على المبتاع والضمان منه، جاز أن يشترط الجز والضمان على البائع، على القول بأن ذلك على المشتري؛ وجاز أن يشترط ذلك على المشتري على القول بأنه على البائع، كشراء السلعة الغائبة على الصفة، يجوز أن يشترط البائع الصفة، وأن يشترط المبتاع أنها من البائع حتى يقبضها هو أو رسوله. وإذا قررنا أنه لا اختلاف في أن الجز على المبتاع والضمان منه، واشترط المبتاع الجز على البائع والضمان، كان البيع فاسدا؛ وإن شرط عليه الجز وسكت عن الضمان، كان البيع صحيحا؛ لأنه إنما اشترى منه الصوف جزافا، واستأجره على جزازه، كمن اشترى من رجل ثوبا على أن على البائع خياطته، أو قمحا على أن عليه طحينه، فلا يضمنه البائع؛ إلا أن يكون صانعا قد نصب نفسه

مسألة: الرزم والتحريك في الكيل

للأعمال فيسلك به في الضمان سبيل الصناع، ولو باع منه الكباش دون صوفها، أو السيف دون حليته، أو الحائط دون أصل ثمرة استثناها لنفسه؛ لكان جز الصوف، ونقض الحلية وقطع الثمرة على البائع باتفاق، كمن باع من رجل عمودا له عليه بناء، أن عليه إزالة البناء من على العمود حتى يصل المبتاع إلى أخذ العمود الذي ابتاع. [مسألة: الرزم والتحريك في الكيل] مسألة وسئل مالك عن الرزم والتحريك في الكيل مثل ما يصنع أهل المغرب، أترى ذلك؟ فقال: ما أرى ذلك، وتركه أحب إلي، فقيل له: فكيف يكال؟ قال: يملأ الويبة من غير رزم ولا تحريك، ثم يمسك الكيال على رأسها، ثم يسرح يديه فهو الوفاء؛ فقيل له: فإن قال البائع للمبتاع: استوف لنفسك، وأبى أن يكيل له، قال: إن كال لنفسه فليستوف ولا يتعدى. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الرزم والتحريك في الكيل مما لا ينبغي أن يصنع فيه؛ إذ لا حد له يعرف؛ فمن الواجب أن ينهى أهل الأسواق عن فعل ذلك، والجري عليه سيرة وعرفا؛ لأنه عرف مجهول، فلا يباح لهم التمادي عليه؛ وقوله: وتركه أحب إلي، معناه الوجوب؛ وهذا نحو قوله في كتاب الوضوء من المدونة لا يتوضأ بشيء من الأنبذة، ولا العسل الممزوج بالماء، والتيمم أحب إلي من ذلك؛ أي هو الواجب دونه، والعرف قد تفاضل بين الشيئين، وإن لم يكن للتفاضل بينهما مدخل، فيقول: الجنة خير من النار، والهدى خير من الضلال، وإن لم يكن في النار ولا في الضلال خير؛ قال عز وجل: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] ، وقال:

مسألة: يبيع القمح وغير ذلك فيبيع الويبة وحفنة بدرهم

{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [الصافات: 62] ، وقال: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت: 40] ، وقال: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} [الفرقان: 15] ، وذلك كثير في كلامهم، فالوفاء في الكيل كما قال: أن يملأ الكيل من غير رزم ولا تحريك؛ ويجمع الطعام فيمسكه بيديه على رأس الكيل، ثم يسرح يديه، فما استمسك منه على رأس الكيل فهو وفاء، لا يجوز للبائع أن ينقص من هذا، ولا للمبتاع إذا اؤتمن على الكيل أن يزيد عليه؛ قال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] إلى قوله: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} [المطففين: 3] الآية. [مسألة: يبيع القمح وغير ذلك فيبيع الويبة وحفنة بدرهم] مسألة وسئل مالك عن الرجل يبيع القمح وغير ذلك، فيبيع الويبة وحفنة بدرهم، قال: ليس ذلك للمبتاع بأي حفنة يأخذ، فمن الرجال من تتسع حفنته، ومنهم من تضيق، فأحب إلي أن يبين ذلك، وأرجو أن يكون ذلك خفيفا. قال محمد بن رشد: كذا وقع في بعض الأمهات، قال: ليس ذلك للمبتاع، وفي بعضها قال: يبين ذلك للمبتاع بأي حفنة يأخذ، وهو الصحيح الظاهر في المعنى، ومثله في السلم الثاني من المدونة؛

مسألة: يشتري النحاس المكسور بالفلوس

وإنما أجاز ذلك واستخفه، ليسارة الحفنة في جنب الويبة؛ ولو لم يبين بأي حفنة يأخذ؛ لقضي بينهما بحفنة وسطة، ولم يفسخ البيع بينهما على ظاهر قوله: وأرجو أن يكون ذلك كله خفيفا؛ يريد بين بأي حفنة يأخذ، أو لم يبين، وأما لو اشترى منه الطعام كذا وكذا حفنة بدرهم، لما جاز كما لا يجوز البيع بمكيال مجهول، حيث ثم مكيال معلوم، ويفسخ إن وقع، إلا على قول أشهب في المدونة؛ وقد أنكر سحنون مسألة الويبة والحفنة بدرهم؛ وقال: لا يجوز ذلك، كما لا يجوز البيع بمكيال مجهول، وهو القياس، وتخفيف ذلك استحسان؛ ومن هذا المعنى السلم في الثياب والقراطيس على ذراع رجل بعينه، وقد مضى القول على هذا مستوفى في رسم البيوع العاشر، من سماع أصبغ، من كتاب السلم والآجال، فلا معنى لإعادته، والله ولي التوفيق. [مسألة: يشتري النحاس المكسور بالفلوس] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس وسئل مالك عن الرجل يشتري النحاس المكسور بالفلوس، قال: لا خير فيه، وأراه من وجه المزابنة؛ فقيل له: فإن الرجل يشتري التور بدرهمين ونصف، لا يريد به وجه النحاس، إنما يريد به أن يتوضأ فيه؛ فقال: أرأيت لو كانت فلوسا كلها؟ فقيل له: إنما يتوضأ فيه. فقال: هو سواء لا خير فيه، وأراه من وجه المزابنة. قال محمد بن رشد: أما شراء النحاس المكسور بالفلوس، فقوله: إنه لا خير فيه؛ لأنه من وجه المزابنة؛ وهو مثل ما في المدونة من قوله، ولا خير في الفلوس بالنحاس، إلا أن يتباعد بينهما؛ لأن المزابنة إنما تدخله إذا

لم يتبين الفضل بينهما، وهذا مما لا اختلاف فيه أعلمه؛ وأما شراء التور المصنوع من النحاس بالفلوس أو النحاس، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الصنعة تخرجه إلى صنف آخر، وترفع المزابنة عنه، فيجوز ذلك يدا بيد، وإلى أجل، وهو قول مالك في إحدى روايتي ابن وهب عنه. والثاني: أن ذلك يجوز نقدا، وإن لم يتبين الفضل بينهما، ولا يجوز إلى أجل، وهو ظاهر قوله في المدونة؛ لأنه جعل ذلك فيها كالصوف بثوب الصوف، والكتان بثوب الكتان؛ فقال: لا بأس بذلك نقدا، ولا بأس بالتور النحاس بالنحاس نقدا؛ وإلى هذا رجع مالك في رواية ابن وهب عنه. والثالث: أن ذلك لا يجوز نقدا، ولا إلى أجل، يريد إلا أن يتبين الفضل بينهما في النقد، وعلى هذا حمل أبو إسحاق التونسي ما في المدونة لابن القاسم، وهو قول مالك في هذه الرواية؛ لأنه لم يجز فيها أن يشتري التور بدرهمين ونصف، فيعطي في جميعها فلوسا؛ ولا في النصف درهم منها، وإذا لم يجز ذلك في النقد، فأحرى ألا يجيزه إلى أجل، وقد تأول بعض الناس من هذه الرواية، أن ذلك لا يجوز وإن تبين الفضل، إذ منع فيها أن يعطي في النصف فلوسا؛ ولا يشك أن التور أكثر نحاسا من الفلوس التي يعطي في النصف درهم، وليس ذلك بصحيح؛ لأن التور مفضوض على قيمة الدرهمين والنصف درهم من الفلوس، وإذا فض ذلك لم يدر أكان ما ينوب الفلوس منه أكثر أو أقل، فوجب ألا يجوز؛ ولو أخذ في جميع الدرهمين ونصف فلوسا لا يشك أنها أكثر من التور أو أقل؛ لكان ذلك جائزا، والاختلاف في هذه المسألة موجود أيضا في الصوف بثوب الصوف، والكتان بثوب الكتان، روى ذلك أشهب عن مالك أنه لا يجوز نقدا، ولا إلى أجل، أيهما عجل، وروى ذلك أيضا أصبغ عن ابن القاسم، ثم رجع إلى أنه يجوز إذا كان الثوب هو المعجل؛ وأما مصنوع بمصنوع من

مسألة: يشتري الشاة بخمسة دراهم فيذبحها فيسأله الرجل أن يشركه

النحاس، أو منسوج بمنسوج من الصوف أو الكتان أو الكرسف؛ فلا اختلاف في جواز ذلك نقدا، وإن لم يتبين الفضل بينهما؛ واعترض ذلك أبو إسحاق التونسي فقال: لا فرق في القياس بين مصنوع بمصنوع، أو مصنوع بغير مصنوع؛ لأن الصناعة إذا لم يكن لها تأثير في الجهة الواحدة، وجب ألا يكون لها تأثير في الجهتين، فانظر في ذلك كله وتدبره. [مسألة: يشتري الشاة بخمسة دراهم فيذبحها فيسأله الرجل أن يشركه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يشتري الشاة بخمسة دراهم فيذبحها ثم يسأله رجل أو رجلان أن يشركهما قبل أن يسلخها بدرهم، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه يجوز أن يشركهما فيها بعد أن ذبحها وقبل أن يسلخها؛ لأنه إذا فعل ذلك، فإنما باع من كل واحد منهما جزءا منها؛ وبيع جزء معلوم منها بعد الذبح وقبل السلخ جائز، كما يجوز بيع جميعها؛ وإنما لا يجوز له أن يبيع منها بعد الذبح وقبل السلخ أرطالا مسماة؛ لأن ذلك يكون بيع اللحم المغيب وإشراكهما فيها بعد الذبح بدرهم درهم بيع جائز، وإن سمياه شركة، وعهدتهما على الذي أشركهما قولا واحدا، بخلاف إذا أشركهما فيها بحضرة البيع الأول وقبل الذبح، فقيل: إن العهدة على البائع الأول، وقيل: إنها على المشتري الأول الذي أشركهما؛ وقد مضى القول على ذلك مستوفى في رسم أسلم، من سماع عيسى، من كتاب السلم والآجال، وبالله التوفيق.

باع نخلا قد أبر بعضها ولم يؤبر بعض حتى باع

[باع نخلا قد أبر بعضها ولم يؤبر بعض حتى باع] ومن كتاب أوله كتب علية ذكر حق قال مالك: من باع نخلا قد أبر بعضها ولم يؤبر بعض حتى باع، فإنه ينظر إلى الذي هو أكثر، ويجعل القليل تبعا له إن كان أبر أكثرها، فالثمن للبائع، وإن كان الذي لم يؤبر أكثر، فالثمرة للمبتاع؛ قال مالك: كل ثمرة تؤبر فهي كذلك، قال سحنون: قيل لابن القاسم: فلو اشترى رجل من رجل نخلا قد أبر نصفها، ونصفها لم يؤبر، فاختلف البائع والمشتري؛ فقال: قال مالك: إذا كان أكثر الحائط، وهذا نصف، فأرى أن يقال للبائع: إما أن تسلم الحائط بما فيه؛ وإلا فخذ الحائط، ويفسخ البيع؛ قلت: فإن رضي المشتري أن يكون له ما لم يؤبر، وما أبر فهو للبائع؛ قال: لا خير فيه؛ قال سحنون: وكان المخزومي يقول: إذا أبر الأقل فهو للمشتري، وإذا كان الأكثر فهو للبائع جميعا، إلا أن يشترطه المبتاع؛ وإن كان بنصفين، فنصفها للبائع، ونصفها للمبتاع الذي لم يؤبر؟ وكان ابن دينار يقول: إذا أبر النصف، ولم يؤبر النصف، فهو كله للمشتري، وهو تبع للذي لم يؤبر. قال محمد بن رشد: الأصل في هذه المسألة قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من باع نخلا قد أبرت، فثمرتها للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع» ؛ فالحكم في ثمر النخل إذا كانت قد أبرت قبل البيع أن تكون للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع بنص الحديث؛ وإذا كانت لم تؤبر، أن تكون للمبتاع بدليل الحديث؛ لأنه لما قال: إنها تكون للبائع إذا أبرت، دل أنها لا

تكون للمبتاع إذا لم تؤبر؛ ولا يجوز للبائع أن يستثنيهما، كما لا يجوز له أن يستثني جنين الأم الحامل في البيع عند مالك وجميع أصحابه؛ فإذا كان بعض الحائط قد أبر، وبعضه لم يؤبر، فتحصيل القول في ذلك، أن الأقل تبع للأكثر، شائعا كان أو غير شائع؛ فإن لم يكن أحدهما تبعا لصاحبه، وكانا متناصفين أو متقاربين، فلا يخلو من أن يكون ما أبر على حدة، وما لم يؤبر على حدة، أو يكون ذلك شائعا في كل نخلة، فأما إن كان على حدة ما أبر، وما لم يؤبر، فيكون للبائع ما أبر، وللمبتاع ما لم يؤبر على ما قاله المخزومي؛ لأن معنى قوله: فنصفها للبائع، ونصفها للمبتاع، أن يكون للبائع ما أبر، وللمبتاع ما لم يؤبر؛ وأما إذا كان ذلك شائعا في كل نخلة، ففي ذلك أربعة أقوال؛ أحدها: أنه يقال للبائع: إما أن تسلم الحائط بثمرته للمبتاع، وإلا فخذ الحائط وينفسخ البيع، وهو قول ابن القاسم، ورواية سحنون عنه في هذه الرواية، وفي كتاب ابن المواز دليل ما في رسم العرية، من سماع عيسى، من كتاب العتق، في مسألة العبد. والثاني: أن البيع يفسخ على كل حال، إلا أن يكون وقع بشرط أن تكون الثمرة للمبتاع، وهو قول ابن القاسم وسحنون فيما حكى الفضل؛ وأراه ساقه على المعنى فيما وقع في رسم استأذن، من سماع عيسى في الذي يبيع نصف عبد له، ونصفه حر، أو نصفه لرجل آخر وله مال؛ أن البيع فاسد يفسخ، إلا أن يبيعه بماله؛ إذ لا فرق بين المسألتين في هذا المعنى، ومثله في سماع أشهب من كتاب الشركة. والثالث: أن يكون كله للمشتري، ويكون تبعا للذي لم يؤبر، وهو قول ابن دينار. والرابع: أنه يكون كله تبعا

يبيع السلعة بخمسين دينارا ثم يخرج الذي اشتراها دراهم ليصرفها

للذي أبر، فيكون للبائع، وهو قول ابن حبيب في الواضحة؛ فعلى هذا الذي ذكرناه، يكون قول المخزومي مفسرا لقول مالك، وقول ابن دينار خلاف له؛ لأن المخزومي إنما تكلم في المتناصفين على أن المأبور من غير المأبور على حدة، وتكلم ابن دينار على أنه شائع، وبالله التوفيق. [يبيع السلعة بخمسين دينارا ثم يخرج الذي اشتراها دراهم ليصرفها] ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما المال وقال مالك في رجل يبيع السلعة بخمسين دينارا، ثم يخرج الذي اشتراها دراهم ليصرفها، ليدفع إليه ثمنها؛ فقال البائع: أنا آخذ منك هذه الدراهم بصرفها، ثم وجد المشتري بعد ذلك بالسلعة عيبا ترد منه، وقد حالت أسواق الدراهم ورخصت؛ قال مالك: ليس له إلا دراهم ليس له عليه دنانير، قلت له: أرأيت إن أعطاه عرضا أو غيره مما كان له عليه من ثمن السلعة؟ قال مالك: أرى العروض مخالفة لذلك، وأرى عليه الذهب. قال ابن القاسم: قال مالك بعد ذلك: إلا أن يكون العرض لا يشبه أن يكون ثمنا، فإذا كان كذلك، لم أر عليه إلا قيمة العرض؛ قال ابن القاسم: يريد إنما أخذه منه على وجه التجاوز، مثل ألا يجد عنده شيئا، أو يجده معسرا، أو كان ذلك تخفيفا منه للثمن؛ فإذا كان كذلك، لم أر عليه إلا قيمته يوم قبضه، قال ابن القاسم: وذلك كل رأيي.

مسألة: يبيع الرمكة وهي حامل ويشترط البائع أنها للمبتاع

قال محمد بن رشد: قوله في الذي باع سلعة بدنانير، فأخذ بها دراهم، ثم وجد المبتاع بالسلعة عيبا؛ يريد أو استحقت من يده، أنه يرجع بالدراهم التي دفع؛ ولو كان إنما أعطى بالدنانير عرضا لرجع بالدنانير، هو مثل ما في المدونة في كتاب العيوب والاستحقاق والرواحل والدواب؛ والفرق بين أن يعطي في الدنانير التي ابتاع بها السلعة دراهم أو عرضا، هو أنه في الدراهم صرف، وفي العروض بيع استحقاق السلعة المبيعة بالدنانير، أو وجود العيب بها لسقط الدنانير عن المبتاع؛ فيصير كأنه قد استحقها، فوجب إن كان دفع فيها دراهم أن يرجع بالدراهم؛ لأنه صرف استحقت فيه الدنانير، فوجب انتقاض الصرف والرجوع بالدراهم، وإن كان دفع فيها عرضا، أن يرجع بمثل الدنانير استحقت؛ لأن استحقاق الثمن في البيع لا يوجب نقض البيع، وإنما يوجب الرجوع بمثل الثمن المستحق؛ وقول مالك بعد ذلك: إلا أن يكون العرض لا يشبه أن يكون ثمنا، وإنما أخذه على وجه التجاوز، فيرجع بقيمته يوم قبضه، صحيح لا يمكن أن يختلف فيه؛ ومعناه إن كان العرض قد فات، وأما إن كان قائما فيرجع به بعينه؛ وقد روى أشهب عن مالك: أنه يرجع في قيمته العرض أو في عينه إن لم يفت، وإن كان قبضه على غير التجاوز؛ وإلى هذا الاختلاف أشار في العيوب من المدونة بقوله: وإنما اختلف الناس في السلعة الأولى، ولو باع سلعة بسلعة، فأخذ بالسلعة دنانير، فاستحقت السلعة الأولى؛ لوجب أن يرجع بالدنانير، على قياس ما قلناه من أن المبتاع يصير مستحقا للسلعة الثانية، فيجب له الرجوع بثمنها، وهو الدنانير. [مسألة: يبيع الرمكة وهي حامل ويشترط البائع أنها للمبتاع] مسألة وقال في الرجل يبيع الرمكة، وهي حامل، ويشترط البائع أنها

اشترى من رجل ثمرة على أنه إذا أدخلها بيته فهي له

للمبتاع عقوق؛ قال مالك: لا خير فيه، وأراه مكروها؛ لأنه قد زاده في ثمنها لمكان جنينها، فكأنه قد صار للجنين ثمن، ولا خير في ثمن الجنين. قال محمد بن رشد: لم يجز بيعها، وإن كانت حاملا ظاهرة الحمل، بشرط أنها حامل؛ لأنه غرر؛ إذ قد ينفش الحمل بعد ظهوره، فيكون بالشرط قد أخذ للجنين ثمنا، وسحنون يجيز ذلك إذا كانت ظاهرة الحمل، وأشهب يجيزه وإن لم تكن ظاهرة الحمل، ويرى للمبتاع الرد إن لم يجدها حاملا، وقع ذلك من قوله في سماع زونان، من كتاب العيوب، وابن أبي حازم يجيز البيع على الشرط، ولا يرى للمبتاع الرد إن لم تكن حاملا؛ وابن عبد الحكم يرى أنه لا بأس أن يقول: إنها عقوق ما لم يشترط ذلك على نفسه، وهذا كله في الحيوان الذي يزيده الحمل، وأما في الجواري المرتفعات اللاتي ينقصهن الحمل، فيجوز أن يبيعها على أنها حامل إذا كانت ظاهرة الحمل؛ لأن ذلك تبر، من عيب حملها، كالتبري من سائر عيوبها؛ وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في سماع زونان، من كتاب العيوب، والحمد لله. [اشترى من رجل ثمرة على أنه إذا أدخلها بيته فهي له] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وسئل عن رجل اشترى من رجل ثمرة على أنه إذا أدخلها بيته، فهي له كذا وكذا صاعا بدينار، ولم ينقد شيئا، قال: لا بأس بذلك.

مسألة: أعطى دينارا حناطا في أربعة آصع

قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، قال فيها بعض أهل النظر منهم ابن دحون: إن المعنى فيها أن البيع لا يتم بينهما حتى يجد الثمرة، إما البائع وإما المشتري، ويدخلها بيته على ما شرطه من ذلك وتراضيا عليه؛ وهذا بعيد؛ إذ لو وقع البيع بينهما على هذا لم يكن بيعا منعقدا في الحال، لا ينعقد في حال آخر إلا باستئناف عقد؛ وقد قال في النكاح من المدونة في القائل للمرأة: إذا مضى هذا الشهر فأنا أتزوجك، فرضيت المرأة بذلك، ورضي الولي: إنه نكاح باطل من أجل أنهما قصدا إلى أن يكون النكاح منعقدا بينهما بمضي الشهر دون استئناف عقد. وإنما معنى المسألة عندي أنه اشترى ثمرا لحائط، وقد طابت جزافا على الكيل، إذا يبست وجدت وصارت في بيت البائع أو المبتاع، فالمعنى فيها شرط ألا يأخذها حتى تيبس وتجد؛ فأجاز ذلك، وإن اشتراها جزافا على الكيل، كما أجازوا اشتراءها جزافا على غير الكيل بشرط إبقائها حتى تيبس، وفي ذلك اختلاف، وقد ذكر الفضل أن القولين قائمان من المدونة، وأما شراء مكيلة معروفة منها بشرط أن يتركها حتى تيبس، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز، قال ذلك في المدونة وغيرها؛ واختلف في ذلك إن وقع، فقيل: العقد في ذلك فوت، وقيل: القبض فوت، وقيل: اليبس فوت، وبالله التوفيق. [مسألة: أعطى دينارا حناطا في أربعة آصع] مسألة وسئل عن رجل أعطى دينارا حناطا في أربعة آصع، على أن يعطيه في كل يوم مدا من حنطة، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: إجازة مالك لهذا ينحو إلى أحد قوليه في إجازة السلم إلى اليومين والثلاثة؛ لأنه إذا قبض كل يوم مدا من ثاني يوم

مسألة: يباع مصحف فيه فضة وإن كانت يسيرة بدنانير إلى أجل

سلمه، فقد قبض جل ما سلم الدينار فيه قبل أن يمضي من الأمد ما تختلف فيه الأسواق؛ وقد تكررت هذه المسألة في هذا الرسم من هذا السماع، من كتاب السلم والآجال. [مسألة: يباع مصحف فيه فضة وإن كانت يسيرة بدنانير إلى أجل] مسألة قال مالك: لا يباع مصحف فيه فضة، وإن كانت يسيرة، بدنانير إلى أجل. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وربيعة يجيز بيعه بالفضة إلى أجل، إذا كانت الفضة التي فيه أقل من الثلث، قياسا على جواز بيعه بالفضة نقدا، وهو مذهب ابن الماجشون؛ وقول سحنون: بيعه بالدنانير إلى أجل أجوز عندهم، وقد تكررت هذه المسألة أيضا في هذا الرسم من هذا السماع، من كتاب السلم والآجال. [مسألة: باع متاعا فقال إن بعتني أنه من وقعت عليه الدراهم فإن دنانيرنا بمثقال] مسألة وسئل مالك عن رجل باع متاعا فقال: إن بعتني أنه من وقعت عليه الدراهم، فإن دنانيرنا أربعة عشر ونصف درهم بمثقال على هذا نبيع؛ فقال: إن قال ذلك قبل البيع، فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قوله: فقال: إن بعتني، معناه فقال: إن شرطنا أنه من وقعت عليه الدراهم، فإنها من صرف أربعة عشر درهما ونصف درهم بمثقال؛ فالمعنى في المسألة أن يبيع الرجل المتاع في المزايدة، فيكتب على الرجل المتاع بذهب ودراهم زائدة على الذهب؛ فإذا كان قد شرط هذا الشرط، اشترى المشتري على ذلك، كان عليه في الدراهم الزائدة

بيع العصفر

على الذهب جزء من الدينار، يؤدي فيه صرفه يوم القضاء، زاد الصرف أو نقص كمن باع سلعا بكذا وكذا درهما من صرف كذا؛ وقد مضى بيان هذا المعنى في رسم البيوع الأول، من سماع أشهب، وفي رسم الصبرة، من سماع يحيى، من كتاب الصرف، وبالله التوفيق. [بيع العصفر] ومن كتاب البز قال: وذكر مالك بيع العصفر فقالوا له: إنما يشترونه وزنا، فقال: ما كان يباع إلا كيلا وهو الصواب أن يباع كيلا. قال محمد بن رشد: هذا مما يتأتى فيه الوزن والكيل، فرأى مالك الكيل فيه أعدل؛ لأنه الأصل الذي جرى عليه، فلم ير أن ينتقل فيه عن ذلك إلى الوزن، وبالله التوفيق. [باع حائطا فيه تمر وشرط عليه أربعة أحمرة يرسلها له في الحائط] ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا وسئل مالك عن رجل باع حائطا فيه تمر، وشرط عليه أربعة أحمرة يرسلها له في الحائط، فكان التمر سقط فتأكله الحمير، فأراد أن يرد البيع؛ قال: لا أرى أن يرد البيع، وأراه يلزمه، وقد عرف أنها حمير حين اشترى الحائط، وأنها تأكل؛ فأرى البيع له لازما. قال محمد بن رشد: إنما جوز هذا البيع؛ لأنه رأى قدر ما يسقط من التمر فتأكله الحمير معروفا، قد دخل عليه المشتري فلزمه، ومثله في

مسألة: يشتري من الرجل بعيرين مهملين في الرعي

التفسير ليحيى؛ قلت: ولم جوزه مالك؟ فقال: لأنه شيء معروف، بمنزلة ما لو اشترط علفها إلى الجداد. [مسألة: يشتري من الرجل بعيرين مهملين في الرعي] مسألة قال مالك: لا أحب للرجل أن يشتري من الرجل بعيرين مهملين في الرعي، قد رآهما المشتري في الرعي، وذلك أنهما لا يدريان متى يوجدان، مثل إبل الأعراب المهملة في المهامه، فلا أحب أن تشتري هذين الجملين اللذين في المهامه، ولا يدري متى يجدها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنهما في حكم العبد الآبق، والجمل الشارد؛ إذ لا يدري المشتري متى يجدهما، فبيعهما من الغرر، وإن كان قد رآهما في الرعي، ووقف عليهما. [مسألة: بيع الزيت والسمن في الزقاق أرطالا مسماة] مسألة وسئل مالك عن بيع الزيت والسمن في الزقاق أرطالا مسماة كذا وكذا رطلا بدينار، وزقاقهما في الوزن؛ قال: أرجو أن لا يكون به بأس، قال: ومن ذلك أن يأتي الرجل يريد أن يحملها إلى بلد فيشتريها ويحملها كما هي؛ وذلك أن الزياتين قد عرفوا قدرها، وكم وزنها؛ فأرجو أن لا يكون به بأس، وأصح ذلك عندي أن لو فرغوها ثم وزنوا الظروف بعد؛ ولكن أرجو ألا يكون به بأس، وأن يكون خفيفا؛ قلت له: يا أبا عبد الله، فالقلال لو أعلم أنها في التقارب مثل الزقاق، ما رأيت بها بأسا، ولكني لا أظنهما

مسألة: باع سلعة على أن يستأمر ثم بدا له من قبل أن يستأمر

مثل الزقاق، وذلك أن الفخار يكون بعضه كثيفا، وآخر رقيقا، فهذا لا تثبت معرفته فلا أحبه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة قد بين مالك وجه قوله فيها في الفرق بين الزقاق والقلال بما لا مزيد عليه، فلا وجه للقول فيه؛ وأما إذا اشترى السمن دون الزقاق أو الجرار، فإن شاء فرغها ووزن السمن، وإن شاء وزن جميعه بجراره وزقاقه، ثم طرح وزن الزقاق، أو الجرار من ذلك، وقد مضى القول في ذلك في رسم العتق، من سماع عيسى، من كتاب المرابحة، وسيأتي أيضا في رسم العتق، من سماع عيسى، من هذا الكتاب. [مسألة: باع سلعة على أن يستأمر ثم بدا له من قبل أن يستأمر] مسألة وقال في رجل باع سلعة على أن يستأمر، ثم بدا له من قبل أن يستأمر، أترى له أن يرد البيع؟ قال: ذلك له؛ لأن المشتري قد قال له: من أردت أن تستأمر فاستأمره؛ قال: لم أرد أن أستأمر أحدا، إلا أني أردت أن أنظر في ذلك؛ قال مالك: ذلك له، ويرد البيع إن أحب. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، أن المشترط المشورة من المتبايعين أن يتركها، وأن يخالف رأي المستشار، ويرد أو يجيز؛ وأن الحق في ذلك لمشترطها من المتبايعين دون صاحبه، إلا ما حكى أبو إسحاق التونسي من أن ظاهر ما في كتاب محمد بن المواز أن المشورة كالخيار إذا سبق، فأشار بشيء لزم، وهو بعيد؛ وإنما اختلاف في

قال لرجل له حائط يبيعه: انظر ما أعطيت بثمر حائطك فلك زيادة دينار

مشترط الخيار لغيره من المتبايعين على أربعة أقوال، وقد فرغنا من تحصيلها في المقدمات. [قال لرجل له حائط يبيعه: انظر ما أعطيت بثمر حائطك فلك زيادة دينار] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك عمن قال لرجل له حائط يبيعه: انظر ما أعطيت بثمر حائطك، فلك زيادة دينار، فلقيه صاحب الحائط، فقال: قد أعطيت مائة دينار، قال مالك: زيادة دينار، قال: فنقده وقبض الحائط، ثم سأل الذي زعم أنه أعطاه مائة دينار، فقال: ما أعطيته به مائة دينار، وما أعطيت إلا تسعين، قال مالك: البيع لازم لهما، ولو شاء استثبت لنفسه قبل أن يأخذ فيه بصدقه في أول، ثم يكذبه في آخر؛ قال: ما أرى البيع إلا لازما له؛ قال: وكذلك الجارية يبيعها صاحبها في السوق، ثم يأتيه الرجل فيقول له: قد أعطيت فيها مائة دينار، فيصدقه ويربحه على ما قال، فيكون البيع لازما للمشتري؛ ولكن إن كان ثم شهود حضور في سوم الحائط، فشهدوا بخلاف ما قال قد أعطى به فلان، فإني أرى أن يرد هذا البيع إن كان على مثل هذا الوجه؛ فقال: ولا أرى على صاحب الحائط يمينا، ولا على صاحب الجارية إذا ثبت البيع، ورضي بقوله.

يكون له على الرجل عشرة دراهم فيمر عليه وقد ابتاع قمحا

قال محمد بن رشد: إنما رأى البيع لازما للمبتاع، ولم ير له على البائع يمينا؛ لأنه قد صدقه أولا فيما زعم أنه أعطى بحائطه، فليس له أن يرجع إلى تكذيبه؛ وأما إذا كان ثم شهود حضور فشهدوا بخلاف ما قال: إنه أعطى به. فقوله: فإني أرى أن يرد البيع، معناه إن شاء المبتاع، وكان الحائط لم يفت؛ وأما إن كان الحائط أو الجارية قد فاتا بما يفوت به البيع الفاسد، فيكون على المبتاع القيمة يوم البيع؛ إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي وقع الابتياع به، فلا يزاد البائع على ذلك، أو يكون أقل مما شهدت البينة أنه أعطى به، والربح الذي ربحه، فلا ينقص المبتاع من ذلك شيء على حكم الكذب في بيع المرابحة، وبالله التوفيق. [يكون له على الرجل عشرة دراهم فيمر عليه وقد ابتاع قمحا] ومن كتاب أوله مساجد القبائل وسئل مالك عن الرجل يكون له على الرجل عشرة دراهم، فيمر بالرجل الذي له عليه عشرة دراهم قد ابتاع قمحا، فيسأله أن يوليه إياه بالدراهم التي له عليه قمحا مما ابتاع ليستوفيه مكانه، وذلك قبل أن يستوفيه الذي ابتاعه؛ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: روي عن سحنون أنه أنكر هذا ولم يجزه، ووجه ما ذهب إليه أن للمبتاع القمح اشتراه بالنقد فنقد، والمشتري لم ينقد، وإنما أخذه بما كان له من الدين، والدين حكمه حكم القرض؛ فدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى إذ لم ينقد المولي كما نقد المولى؛ ووجه ما ذهب إليه مالك أن المولي لما سقط عنه بالتولية ما في ذمته، فكأنه قد قبضه من نفسه وانتقده، وقول سحنون أظهر؛ وقد أقام بعض الناس من لفظ وقع في باب تعدي الوكيل من السلم الثاني من

مسألة: بيع البراءة في الدواب

المدونة مثل قول سحنون، وذلك قوله فيه، ولأنه إذا أسلفك من عنده فتعدى، فأخذته فدفعت إليه الثمن، كان تولية؛ لأنه لم يلزمه شيء تعدى له فيه، ولا صرف فيه ذهبك؛ وليس ذلك بصحيح؛ لأنه إنما تكلم في المدونة على طعام مسلم فيه، ولا اختلاف في أن من له على رجل دنانير أو دراهم، لا يجوز له أن يستوليه بذلك طعاما مسلما فيه، ولا غير طعام أيضا؛ لأنه يدخله الدين بالدين، وبيع الطعام قبل أن يستوفى. [مسألة: بيع البراءة في الدواب] مسألة وقال مالك: لا ينفع بيع البراءة في الدواب وإن تبرءوا في ميراث ولا غيره، وإن وجد بها عيبا ردها؛ ولا براءة عندنا إلا في الرقيق، وضعف البراءة في الرقيق؛ قال ابن القاسم: وإن البراءة جائزة على مثل قضية عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قال محمد بن رشد: قول مالك: إن البراءة لا تنفع في الدواب، هو الذي رجع إليه، خلاف قوله في موطئه: إن البراءة جائزة في الرقيق والحيوان؛ وأما العروض والثياب، فلم يختلف قوله: إنه لا براءة فيها؛ وقد أجاز البراءة فيها جماعة من السلف، وهو قول ابن وهب من أصحاب مالك، واختيار ابن حبيب، وقد مضى في رسم سلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب العيوب، وجه الفرق عنده بين الرقيق والثياب في ذلك، وقد حكى ابن القاسم، عن مالك في المدونة أنه رجع عن إجازة البراءة في الرقيق،

مسألة: يبتاع من الرجل بعشرين درهما فيعطيه إياها لا يعرف لها وزنا

قيل في كل وجه من بيع الناس بعضهم من بعض، ومن بيع المواريث، ومن بيع السلطان؛ وقيل في بيع الناس بعضهم من بعض، وفي بيع المواريث لا في بيع السلطان؛ وقيل في بيع الناس بعضهم من بعض، لا في بيع المواريث، ولا في بيع السلطان، كل ذلك قد تقول على ما في المدونة، وأخذ ابن القاسم بقول مالك الأول في إجازة البراءة في الرقيق في كل وجه من بيع الناس بعضهم من بعض إذا اشترطوا البراءة، ومن بيع المواريث إذا أخبروا أنه ميراث، وإن لم يشترطوا البراءة ومن بيع السلطان، هذا نص قوله في المدونة، ومعنى قوله هاهنا، وأرى البراءة جائزة على مثل قضية عثمان؛ لأنه إنما أراد أنها جائزة في الرقيق خاصة في جميع الوجوه. [مسألة: يبتاع من الرجل بعشرين درهما فيعطيه إياها لا يعرف لها وزنا] مسألة وسئل مالك عن الرجل يبتاع من الرجل بعشرين درهما، فيعطيه إياها لا يعرف لها وزنا، والدراهم تختلف، فرب درهم عريض يكون عريضا خفيفا في الوزن، ورب درهم صغير يكون صغيرا أثقل في الوزن، فيشتري بها على عددها بما كان فيها من الوزن؛ فقال: ما هو بحسن، يبيع الدراهم جزافا، كأنه رآه من وجه الجزاف؛ قال ابن القاسم: قال الله جل ذكره: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء: 35] ، فلا ينبغي لأحد أن يترك الوزن، وذلك رأيي؛ وسمعت مالكا غير مرة يكره ذلك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه لا يجوز له أن يقتضي من عشرين درهما مجموعة موزونة عشرين درهما عددا مجموعة؛ لأنه غرر؛ إذ لا يدري هل أخذ أقل من حقه أو أكثر، إذ قد يكون

جواز الذهب وحكم شراؤه

الدرهم العريض خفيفا، والدرهم الصغير ثقيلا، ولو اقتضى منها عشرين درهما عددا مجموعة لا تجوز أعيانها، لا يشك أنها أكثر في الوزن من التي له أو أقل، لجاز ذلك؛ لأنه معروف من أحدهما إلى صاحبه؛ ولو اقتضى منه عشرين درهما عددا تجوز بأعيانها، لجاز إن كانت في الوزن أكثر من التي له، ولم يجز إن كانت في الوزن أقل من التي له، أنها إن كانت أكثر في الوزن من التي له، فقد أخذ أفضل من حقه في الوزن، وفي عيون الدراهم، وإن كانت أقل في الوزن، كان إنما ترك فضل الوزن لفضل عيون الدراهم فلم يجز، وهذا كله قائم من قوله في المدونة: إن القائمة تقتضى من المجموعة؛ لأنها أكثر في الوزن وأفضل في العين، ولا يقتضى منها الفراد؛ لأنها أقل في الوزن وأفضل في العين، وقد مضى بيان هذا كله في رسم القبلة، ورسم الشريكين من سماع ابن القاسم، من كتاب الصرف، وليس ما مضى في سماع أشهب منه من إجازة اقتسام الدراهم الناقصة والوازنة عددا بغير وزن، بخلاف لهذه الرواية؛ لأن المعنى فيها أن الناقصة تجوز بجواز الوازنة حسبما ذكرناه هناك، وبالله التوفيق. [جواز الذهب وحكم شراؤه] ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل مالك عن جواز الذهب، أيشتري بها ولا يبين لمن يدفعها إليه؟ قال: أما كل بلد مثل مكة التي يجوز فيها كل شيء فلا بأس، وأما غير ذلك فلا أحبه حتى يسمى. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن البلد الذي تجوز فيه

مسألة: يشتري الدار وهي غائبة عنه

جميع السكك جوازا واحدا لا فضل لبعضها على بعض، ليس على المبتاع فيه شيء أن يبين بأي سكة يبتاع، ويجبر البائع أن يأخذ أي سكة أعطاه؛ كما أن البلد إذا كان يجري فيه سكة واحدة، فليس عليه أن يبين بأي سكة يبتاع، ويجبر على أن يقضيه السكة الجارية؛ وأن البلد الذي يجري فيه جميع السكك، ولا تجوز فيه بجواز واحد، لا يجوز البيع فيه حتى يبين بأي سكة يبتاع، فإن لم يفعل، كان البيع فاسدا. [مسألة: يشتري الدار وهي غائبة عنه] مسألة ومن رواية يحيى بن يحيى قال ابن القاسم: قال مالك في الرجل يشتري الدار وهي غائبة عنه، إنما يشتريها بصفة المخبر والرسول؛ قال: فأما بصفة صاحبها فلا أرى ذلك، إلا أن يشترط النظر فلا ينقد. قال محمد بن رشد: هذه رواية ليست على ظاهرها في أن شراء الدار الغائبة بصفة صاحبها لا يجوز، إلا أن يشترط النظر فلا ينقد؛ والذي يأتي على المذهب أنه إن اشتراها بصفة المخبر والرسول، جاز الشراء والنقد؛ وإن اشتراها بصفة صاحبها، جاز الشراء وإن لم يشترط النظر، ولزمه البيع إن وجدت على الصفة التي وصف؛ إلا أن يشترط أنه بالخيار إذا نظر، ولم يجز في ذلك النقد؛ فمعنى قوله في الرواية إنما يشتريها بصفته المخبر والرسول، إنما الحق له أن يشتريها بصفة المخبر والرسول؛ وقوله فأما بصفة صاحبها، فلا أرى ذلك، معناه فلا أرى ذلك من الحق له أن يشترط النظر فلا ينقد؛ فإذا اشترى المأمون الغائب بصفة بائعه، جاز البيع ولم يجز النقد بشرط؛ وإن اشتراه بصفة غير بائعه، جاز البيع والنقد بشرط، فإن كان الغائب المشتري غير مأمون كالحيوان وشبهه، لم يجز فيه النقد إذا بعد بشرط، فإن قرب جاز فيه النقد بشرط إذا وصفه غير صاحبه، ولم يجز إذا وصفه صاحبه، وإن كان المبتاع قد رأى الغائب، جاز النقد فيه بشرط إن

باع ثمرا واستثنى من الكيل ما يجوز له أن يستثنيه

كان مأمونا أو كان قريبا، واختلف في ضمان هذا كله إن كان يوم البيع على الصفة، فقيل: إنه من المبتاع، إلا أن يشترط أنه من البائع حتى يقضيه المبتاع؛ وقد قيل: إنه من البائع حتى يقضيه المبتاع، إلا أن يشترط أن ضمانه من المبتاع؛ وأما إن كان يوم البيع على غير الصفة، فالضمان من البائع قولا واحدا؛ واختلف هل يلزم المبتاع أن يخرج الثمن فيضعه على يدي عدل حتى يقبض ما اشترى أو يقبض له، أم لا على قولين؛ كالاختلاف في وجوب توقيف الثمن في المواضعة، وقد مضى ذلك في أول سماع ابن القاسم، من كتاب الاستبراء وأمهات الأولاد، وبالله التوفيق. [باع ثمرا واستثنى من الكيل ما يجوز له أن يستثنيه] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت قال: وقال مالك: من باع ثمرا واستثنى من الكيل ما يجوز له أن يستثنيه، أو أسلفه أو وهبه؛ فإنه يبيعه قبل أن يقبضه، وإنما كره من ذلك ما كان على وجه الاشتراء، فأما الاستثناء فليس باشتراء، ولا أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: أجاز في هذه الرواية أن يبيع ما استثنى كيلا مما باع من الثمر جزافا، وما أسلفه أو وهبه قبل أن يقبض ذلك؛ فأما ما استثنى كيلا مما باع من الثمر جزافا، فقد روى ابن وهب عن مالك أن بيعه قبل أن يستوفيه لا يجوز، خلاف رواية ابن القاسم هذه عنه؛ والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في المستثنى، هل هو مبقى على ملك البائع، أو بمنزلة المشترى؟ فرواية ابن القاسم على أنه مبقى على ملك البائع، وهى أظهر القولين؛ وقد مضى هذا المعنى في رسم حلف، ورسم سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وأما ما أسلفه أو وهبه، فإن كان مما كان يجوز للمسلف أو الواهب أن يبيعه قبل أن يقبضه، فلا اختلاف في أنه يجوز للذي

مسألة: باع بدينار قمحا فأتى بائعه فوجد عنده ثمرا فاشتراه بدينار

أسلفه أو وهبه أن يبيعه قبل أن يقبضه؟ وأما إن كان مما لا يجوز للمسلف أو الواهب أن يبيعه قبل أن يقبضه، مثل أن يبتاع طعاما أو يسلف فيه، فيهبه لرجل قبل أن يقبضه، أو يسلفه إياه، فالمشهور أن الموهوب له والمسلف يحلان محل الواهب والمسلف، في أنهما لا يجوز لهما بيعه قبل قبضه؛ وقد حكى ابن حبيب عن مالك تخفيف ذلك في الهبة والصدقة، والسلف مثله، وهو شذوذ من القول؛ وقد مضى في أول سماع ابن القاسم، من كتاب السلم والآجال، من تحصيل القول في مثل هذه المسألة ما أغنى عن ذكره هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق. [مسألة: باع بدينار قمحا فأتى بائعه فوجد عنده ثمرا فاشتراه بدينار] مسألة قال مالك في رجل باع بدينار قمحا، فأتى بائعه فوجد عنده ثمرا، فاشتراه بدينار، ثم لقيه بعد ذلك فقال: لك علي دينار، ولي عليك دينار فقاصني؛ فقال مالك: لا أحبه، ولكن أرى أن يرد الثمن الذي أخذ منه؛ قال ابن القاسم: لأنه إذا قاصه كان من ثمن الطعام طعاما. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة هاهنا في بعض الروايات، وهي ثابتة في كل رواية في رسم صلى نهارا، من سماع ابن القاسم، من كتاب السلم والآجال، وقد مضى القول عليها هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته مرة أخرى، وبالله التوفيق.

كتاب جامع البيوع الثاني

[كتاب جامع البيوع الثاني] [الدار الغائبة تشترى بصفة]

من سماع أشهب وابن نافع عن مالك رواية سحنون قال مالك في الدار الغائبة تشترى بصفة لا يجوز أن يشتريها إلا مذارعة، وذكرها سحنون من رأيه. قال محمد بن رشد: قوله في الدار الغائبة تشترى بصفة أنه لا يجوز أن يشتريها إلا مذارعة، معناه: أنه لا بد في صفتها من تسمية ذرعها، فيقال: اشترى منه الدار التي ببلد كذا بموضع كذا، وحدها كذا، وصفتها كذا؛ وذرع ساحتها في الطول كذا وكذا، وفي العرض كذا وكذا؛ وطول بيتها الكذا - كذا وكذا ذراعا، وعرضه كذا وكذا - ذراعا؛ حتى يأتي على جميع مساكنها ومنافعها بالصفة والذرع؛ ولو وصف بناءها وذكر صفة أنقاضها وهيئة مساكنها، وقدرها بالكبر أو الصغر أو الوسط، واكتفى من تذريعها بأن يقول على أن فيها كذا وكذا ذراعا، لجاز ذلك، والأول أتم وأحسن؛ وليس المعنى فيا ذلك أنه لا يجوز أن يشتريها على الصفة، إلا كل ذراع بكذا ما بلغت، بل لا يجوز ذلك إلا أن يكون قد رأى الدار ووقف عليها؛ كالأرض لا يجوز شراؤها على الصفة

كل ذراع بكذا، دون أن يراها؛ وكالصبرة لا يجوز شراؤها على الصفة، كل قفيز بكذا دون أن يراها؛ وقد اختلف إذا باع منه الدار والأرض والخشبة أو الشقة على أن فيها كذا وكذا ذراعا، فقيل: إن ذلك بمنزلة أن يقول: اشترى منك من ذلك كله كذا وكذا ذراعا، فإن وجد في ذلك أكثر مما سمى من الأذرع، كان البائع شريكا للمبتاع بالزيادة؛ كالصبرة يشتريها على أن فيها عشرة أقفزة، فيجد فيها أحد عشر قفيزا، كان القفيز الزائد للبائع؛ فإن وجد في ذلك أقل مما سمى من الأذرع، كان ما نقص مما سمى بمنزلة المستحق، إن كان يسيرا، لزم المبتاع ما وجد بحسابه من الثمن؛ وإن كان كثيرا، كان مخيرا فيما وجد بين أن يأخذه بما يجب له من الثمن أو يرده، وقيل: إن ذلك كالصفة ما ابتاع من ذلك، فإن وجد أكثر مما سمى، كان ذلك للمبتاع؛ وإن وجد أقل مما سمى، كان المبتاع بالخيار بين أن يأخذ ما وجد بجميع الثمن أو يرد؛ والقولان قائمان من أول كتاب تضمين الصناع من المدونة، ومن رسم أوصى، من سماع عيسى، من هذا الكتاب؛ وفرق في نوازل سحنون منه بين الدار والأرض، وبين الشقة والخشبة؛ وساوى بين ذلك كله في نوازل سحنون من كتاب العيوب في بعض الروايات، وقال: إن الخلاف يدخله كله دخولا واحدا؛ وقال بعض الشيوخ على قياس التفرقة التي في نوازل

مسألة: اشترى من رجل أربعة أعذق بعينها في حائط له

سحنون من هذا الكتاب: كل ما كان أصل الشراء فيه شراء الجملة بغير ذرع، فوجد زيادة في الذرع فهي له، كالثوب والحبل خشبة؛ وكل ما كان أصله أن يشترى بعدد أو كيل أو ذرع، فوجد زيادة فهي للبائع، كصبرة الطعام والحوت والأرض تشترى على ذراع؛ وأما الدار يكون في صفتها عدد ذرع، فإنه إن كانت دارا ذات بناء وهيئة، فالذرع بعض صفتها إن وجد فيها زيادة كانت للمبتاع، وإن كانت على غير ذلك، إنما بيعت لسعتها وانفساحها، فوجد زيادة كان شريكا مع البائع بالزيادة إن شاء، أو يرد الكل إن كره الشركة. [مسألة: اشترى من رجل أربعة أعذق بعينها في حائط له] مسألة قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عمن اشترى من رجل أربعة أعذق بعينها في حائط له، ولم يشترط البائع على المبتاع أنه لا طريق لك ولا شرب لك؛ ولم يشترط المبتاع على البائع شربها من الماء، ولا الطريق إليها؛ فقال: أرى ذلك للمبتاع على البائع، يكون له طريقه إليها وشربها من الماء، وإن لم يكن يشترطه؛ لأنه إنما يشتري المشتري النخل بمائها وطرقها إليها، وأرى ذلك له عليه، وإن لم يشترطه.

قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن البيع وقع بينهما، وهما عالمان بمبلغ الشرب، وقد مضى القول في رسم حلف، من سماع ابن القاسم إذا وقع البيع بينهما، وهما جاهلان بمبلغ الشرب أو أحدهما مستوفى، فلا معنى لإعادته؛ وإذا وقع البيع بينهما، وهما عالمان بمبلغ الشرب، فلا يخلو الأمر من ثلاثة أحوال؛ أحدها: أن يقع البيع بينهما مبهما دون نية ولا شرط. والثاني: أن يتفقا على أن البيع وقع بينهما مبهما دون شرط، فيقول البائع: إنما كانت إرادتي بيعها دون شربها؛ ويقول المبتاع: إنما كانت إرادتي شراءها بشربها. والثالث: أن يختلفا فيقول البائع: بعتك دون شرب بشرط وبيان، ويقول المبتاع: بل اشتريتها منك بشربها بشرط وبيان، فأما إذا وقع البيع بينهما مبهما دون نية ولا شرط، ففي ذلك اختلاف؛ قال في هذه الرواية: إن المبتاع يكون له شرب النخل من الماء، وقيل: إنه لا يكون له الشرب إلا أن يشترطه، وهو ظاهر ما في رسم باع شاة، من سماع ابن القاسم، من هذا الكتاب، وذلك إذا كان المبتاع يقدر على سقيها من غير ساقية البائع بوجه من الوجوه، أو كانت تستغني عن السقي؛ وأما إن كان المبتاع لا يقدر على سقيها من غير ساقية البائع بوجه من الوجوه، ولا تستغني عن السقي؛ فإن الشرب يكون للمبتاع قولا واحدا. وأما إذا وقع البيع بينهما مبهما، فقال البائع: إنما كانت إرادتي أن أبيعك النخل دون شربها؛ وقال المبتاع: إنما كانت إرادتي شراءها بشربها، فإن كان لما قال البائع وجه، مثل أن يكون المبتاع يقدر على سقيها من غير ساقية البائع؛ أو كانت تستغني عن السقي، تحالفا وتفاسخا؛ فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف؛ وإن لم يكن لما قال البائع

مسألة: الموز هل يباع اثنان بواحد

وجه، كان الماء للمشتري؛ قال ذلك ابن القاسم في بعض الروايات، من سماع أصبغ، من كتاب الصدقات والهبات. وأما إذا اختلفا فقال البائع: بعتك النخل دون شرب بشرط وبيان، وقال المشتري: بل اشترينها منك بشربها بشرط وبيان؛ فقال ابن القاسم: إن كان لما قال البائع وجه، تحالفا وتفاسخا؛ وإن لم يكن لما قال وجه، كان القول قول المبتاع؛ وقال أصبغ: يتحالفان ويتفاسخان، كان لما قال البائع وجه، أو لم يكن؛ فراعى ابن القاسم دعوى الأشباه في اختلاف المتبايعين مع القيام، ولم يراعه أصبغ، وهو المشهور في المذهب؛ ولو وهبه الأعرف؛ لكان القول قول الواهب: إنه إنما وهبها له دون شربها؛ بخلاف إذا كان الماء فيها على ما في سماع أصبغ، من كتاب الصدقات والهبات، خلاف ظاهر ما في أول رسم شهد، من سماع عيسى، من كتاب الصدقات والهبات، وعلى ما سنذكره هناك، إن شاء الله تعالى. [مسألة: الموز هل يباع اثنان بواحد] مسألة وسئل عن الموز أيباع اثنان بواحد؟ فقال: لا يعجبني، وغيره أحب إلي منه. قال محمد بن رشد في الموطأ لمالك: إنه لا بأس بالتفاضل فيه، وهو الصحيح على أصله؛ لأنه لا يدخر ولا يقتات، وإنما هو فاكهة يخرج بطونا كمقاثئ والخضر. [مسألة: اشترى سلعة من رجل وشرط عليه عند عقدة البيع] مسألة وسئل مالك عمن اشترى سلعة من رجل، وشرط عليه عند

مسألة: يقول للرجل ابتعني سلعتك هذه بكذا وكذا فيقول نعم

عقدة البيع إن ادعاها مدع، فمالي علي رد بغير خصومة، قال: لا يعجبني هذا البيع اشترط ما ليس في كتاب الله، فلا يعجبني هذا البيع. قال محمد بن رشد: قوله: لا يعجبني هذا البيع، يدل على أنه رآه بيعا فاسدا لما اقترن به من الشرط؛ وذلك بين؛ لأنه غرر؛ إذ لم يبين البائع بما قبض من الثمن، إذ شرط عليه رده بالدعوى دون بينة، وذلك خلاف لما أحكمه الكتاب، وجاءت به الآثار، من أنه لا يؤخذ أحد بمجرد الدعوى دون بينة؛ فمعنى قوله اشترط ما ليس في كتاب الله، أي اشترط خلاف ما أوجبه الكتاب وقدره الشرع عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، المبين عن الله ما أنزله في كتابه. [مسألة: يقول للرجل ابتعني سلعتك هذه بكذا وكذا فيقول نعم] مسألة قال أشهب: سألت مالكا عن الرجل يقول للرجل: ابتعني سلعتك هذه بكذا وكذا، فيقول: نعم؛ فيقول: قد أخذتها، فيقول رب السلعة: ما أردت بيعها، إنما أردت اختبار ثمنها؛ فقال لي: لا سواء، أما الذي يوقف سلعته في السوق يتسوق بها، فأرى ذلك له لازما، ولا يغني عنه إباءه ذلك، وإن لم يفترقا وكان ذلك مكانهما؛ وأما الذي يعلم أنه كان لاعبا لا يريد بيع سلعته، فلا أرى ذلك له لازما، ولا عليه جائزا؛ قيل لمالك فإن كان على غير

وجه اللعب رأيت ذلك لازما لهما، وإن لم يفترقا إن لم تكن صفة خيار؟ قال: نعم، أرى ذلك لهما لازما، إن لم يكن بيع خيار، وكانت مناكرتهما من ساعتهما؛ وقد ذكر هذا الحديث، ولعله يكون شيئا ترك، ولم يعمل به. قال محمد بن رشد: هذه الرواية تدل على أن الخلاف إنما هو في الذي يسوم الرجل بسلعته، وقد أوقفها للبيع في السوق، هل يصدق إن ادعى أنه لم يجد في السوم، وأنه إنما أراد اختبار ثمنها، أو أنه كان لاعبا وما أشبه ذلك أم لا؛ وأما الذي يلقى الرجل في غير السوق، فيسومه في سعلته فيقول هي بكذا وكذا؛ فلا اختلاف في أن البيع لا يلزمه إن ادعى أنه لم يكن مجدا في السوم، وأنه كان لاعبا، ويحلف على ذلك إن لم يتبين صدقه؛ وإنما يلزمه إن علم أنه كان مجدا غير لاعب: إما بتردد المكايسة بينهما، كنحو رواية ابن نافع، عن مالك الواقعة في نوازل سحنون، وإما بإقراره بذلك على نفسه؛ إذ لا يعلم ذلك إذ لم تتردد المكايسة بينهما إلا من قبله؛ وقد قيل: إن الخلاف يدخل في هذا أيضا على ظاهر ما مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وليس ذلك عندي بصحيح على ما مضى القول فيه هناك، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب العيوب، فمن أحب الوقوف على الشفاء منها تأمله هناك. وقوله: وكانت مناكرتهما من ساعتهما، معناه وإن كانت مناكرتهما من ساعتهما؛ لأن الخلاف إنما هو إذا كانت مناكرتهما من ساعتهما، للحديث الذي جاء أن المتبايعين كل واحد

مسألة: دفع إليه الدرهم وقال له اعطني نصفه بطيخا ونصفه تينا

منهما على صاحبه بالخيار ما لم يفترقا، إلا بيع الخيار؛ فرآه حديثا متروكا لم يصحبه عمل، قال في موطئه: وليس لهذا عندنا حد معروف، ولا أمر معمول به فيه؛ وقد تؤول أن معناه المراد به أن المتساومين كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا بالقول؛ إذ قد يكون التفرق بالقول؛ قال عز وجل: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] ، وقال: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4] . وقد يسمى المتساومان متبايعين، فيكون فائدة الحديث على هذا التأويل إثبات الخيار في البيع؛ إذ قد علم أن المتساومين بالخيار ما لم ينعقد البيع بينهما؛ وقيل: فائدته أن من أوجب البيع منهما لصاحبه له الرجوع عنه ما لم يجبه صاحبه بالقبول، إلا أن هذا ليس على المذهب؛ وقيل: فائدته أن المتساومين لا يلزم البائع منهما البيع بما طلب من الثمن ولا المبتاع الأخذ بما بدا منه في حال المساومة، وأن لكل واحد منهما أن يرجع عن ذلك، ما لم يتم البيع بالكلام؛ وهذا يأتي على مذهب مالك في المدونة؛ ومن أهل العلم من ذهب إلى أن المراد بالفرقة فرقة الأبدان، وأنها فرقة تحل العقدة، وتبطل ما أوجبه أحد المتبايعين على نفسه لصاحبه، وهو معنى حسن يخرج على المذهب. [مسألة: دفع إليه الدرهم وقال له اعطني نصفه بطيخا ونصفه تينا] مسألة وسئل مالك فقيل له: جئت إلى صاحب فاكهة، فأعطيته درهما

مسألة: ابتاع حائطا ثم جاءه البائع يستقيله

وقلت له: أعطني رطبا، فلما دفعت إليه الدرهم، بدا لي فقلت له: أعطني نصفه بطيخا، ونصفه تينا، قال: أرجو أن يكون هذا خفيفا، ولا أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: إنما جاز هذا؛ لأن عقد البيع لم يتم بينهما؛ وإنما كانا في حال التراوض؛ إذ لم يقطعا السعر بعد؛ فلو أراد أن يأخذ درهمه، لكان ذلك له؛ ولو كان البيع قد انعقد بينهما، لم يجز ذلك على ما مضى في رسم شك، ورسم حلف من سماع ابن القاسم، من هذا الكتاب؛ وقد مضى القول على ذلك في الرسمين جميعا، ومضى أيضا في رسم القبلة، ورسم المحرم من سماع ابن القاسم، من كتاب الصرف، القول على هذه المسألة مستوفى لمن أحب الوقوف عليه. [مسألة: ابتاع حائطا ثم جاءه البائع يستقيله] مسألة وسئل مالك عمن ابتاع حائطا، ثم جاءه البائع يستقيله، فقال له المبتاع: أقيلك على أنك متى بعته فهو لي بالثمن الذي تبيعه به، فقال: نعم ذلك لك، والله ما أريد بيعه، فأقاله على ذلك، فأقام بيده زمنا ثم باعه بالثمن، ثم جاء المقيل فقال: أنا آخذه بالثمن الذي بعته به، فإني قد كنت شرطت ذلك عليك حين أقلتك؛ أيكون ذلك له؟ فأطرق فيها طويلا، فقال لي: إني أرى ذلك الآن بالثمن الذي باعه به، أراه له بذلك الثمن فيما أرى الآن؛ وإن أحببت أن ترجع إلي فارجع، فقام عنه هنيهة، ثم رجع فقرأ عليه الكتاب أنه أقاله على أنه أحق به بالثمن الذي يبيعه به إن باعه،

فباعه بعد زمان؛ أترى هذا مردودا؟ فقال: أما مردود فلا، ولكن أرى إن شاء أن يأخذه بالثمن الذي باعه به هذا الآخر، فذلك له؛ وإن شاء أن يتركه له، فذلك له. قال محمد بن رشد: أوجب مالك للمقيل أخذ الحائط بشرطه، وإن باعه المستقيل بعد زمان؛ لقوله في الشرط متى ما باعه؛ لأن متى ما تقتضي قرب الزمان وبعده، بخلاف ما في سماع محمد بن خالد لابن القاسم وابن كنانة، من تفرقته بين القرب والبعد إذا أقاله على أنه إن باعه من غيره، فهو له بالثمن؛ وقد كان المقيل يخاف من المستقيل أن يكون إنما استقاله ليبيعه من غيره بزيادة أعطى فيه، وإنما جاز هذا الشرط في الإقالة؛ لأن الإقالة معروف فعله به، واشترط أن يكافئه عليه بمعروف، فلزم ذلك فيها، بخلاف البيع؛ وقد مضى القول في حكم البيع إذا وقع على هذا الشرط مستوفى في رسم القبلة، من سماع ابن القاسم، ولمحمد بن خالد في سماعه أن الإقالة على هذا الشرط لا تجوز كالبيع؛ والذي يوجبه القياس والنظر عندي ألا فرق في هذا كله بين البيع والإقالة، وأنه إذا أقاله أو باعه على أنه متى باعه من غيره، فهو أحق به، أن ذلك لا يجوز؛ لأن في إجازة البيع والإقالة وإمضاء الشرط فيهما إبطالا لحق المشتري، وظلما له في أن يؤخذ منه ما ابتاع دون حق يوجب ذلك عليه؛ وأنه إن استقاله أو سأله البيع ابتداء، فقال له: أخشى أنك إنما تسألني الإقالة أو البيع لربح أعطيت في ذلك، لا لي رغبة لك فيه، فقال: له لا أريده إلا لرغبة فيه لا للبيع؛ فأقاله أو باعه على أنه أحق به بالثمن إن باعه - أو يكون أحق به - إن

مسألة: باع أصل حائطه من رجل أنه متى جاءه بالثمن كان أحق بحائطه

باعه بالقرب؟ فيتبين أنه إنما استقاله، أو سأله البيع لذلك؟ وكذلك لو أقاله أو باعه على أنه إن أراد بيعه، فهو أحق به بالثمن الذي يعطى فيه، لم يجز ذلك في البيع؟ ويختلف فيه في الإقالة، من أجل أن بابها معروف المكايسة، وكذلك يختلف أيضا في هذا الشرط إذا وقع في الهبة، وقع الاختلاف في ذلك في سماع سحنون، من كتاب الصدقات والهبات، ظهر في الهبة الجواز، وفي الإقالة المنع، فإذا جمعت المسألتين تجمع فيهما ثلاثة أقوال: الجواز فيهما جميعا، والمنع فيهما جميعا، والفرق بين الهبة والإقالة؛ وسيأتي القول على مسألة الهبة في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب الصدقات والهبات، وفي سماع سحنون منه، وفي أول سماع سحنون مسألة من هذا المعنى، سنتكلم عليها إذا مررنا بها إن شاء الله. [مسألة: باع أصل حائطه من رجل أنه متى جاءه بالثمن كان أحق بحائطه] مسألة وسئل مالك عمن باع أصل حائطه من رجل أنه متى جاءه بالثمن، كان أحق بحائطه، وكان إليه رد فأقام في يد المشتري ست سنين، يأكل ثمرته، ويزرع قصبا يأكل غلته، ثم أيسر البائع بعد ست سنين، فجاءه بالثمن فرده عليه، وأخذ حائطه، وقد أكل المشتري ثمرته ست سنين وغلة قصب كان يزرعه، وطلب مشتري الحائط ما أنفق في الحائط، فقال مالك: أصل هذا

البيع لم يكن جائزا ولا حسنا، وأرى للمشتري ما أكل من الثمر، واستغل من القصب بالضمان؛ لأنه كان للحائط ضامنا، وأرى له أيضا على رب الحائط ما أنفق في بنيان جدار أو حفر بئر؛ فإنه رد إليه، وقد بنى فيه، وحفر فيه بئرا، وأصل هذا البيع لم يكن جائزا ولا حسنا. قال محمد بن رشد: البيع على هذا الوجه يسمونه بيع الثنيا، وقد اختلف فيه؛ فقيل: إنه بيع فاسد بما شرط البائع على المبتاع من أنه أحق به متى ما جاءه بالثمن؛ لأنه يصير كأنه بيع وسلف، وهو قول مالك هاهنا، وفي بيوع الآجال من المدونة، فإن وقع فسخ، ما لم يفت بما يفوت به البيع الفاسد، وكانت الغلة للمبتاع بالضمان، فإن فات صحح بالقيمة، والحائط لا يفوت في البيع الفاسد بالبناء اليسير، فلذلك قال: إنه يكون على رب الحائط إذا رد إليه ما أنفق على المبتاع في بنيان جدار أو حفر بئر، وقد قيل: قيمته ما أنفق، وليس ذلك باختلاف قول؛ وإنما المعنى في ذلك أن نفقته إن كانت بالسداد، رجع بما أنفق، وإن كانت بغير السداد، مثل أن يستأجر الأجراء بأكثر مما يستأجر به مثلهم بغبن جرى عليه في ذلك، أو بمعروف صنعه إليهم، رجع بقيمة ذلك على السداد، وقيل فيه: إنه ليس بيعا، وإنما هو سلف جر منفعة؛ قال سحنون ذلك في المدونة، وهو قول ابن الماجشون وغيره؛ لأنه كان المبتاع أسلف البائع الثمن على أن يغتل حائطه حتى يرد إليه سلفه، فعلى هذا القول ترد الغلة للبائع، ولا تكون للمبتاع؛ لأنها ثمن السلف فهي عليه حرام.

مسألة: لبن البقر والغنم يخلطان جميعا ويضربان فيخرج زبدهما ثم يباع اللبن

[مسألة: لبن البقر والغنم يخلطان جميعا ويضربان فيخرج زبدهما ثم يباع اللبن] مسألة وسئل مالك عن لبن البقر والغنم يخلطان جميعا ويضربان، فيخرج زبدهما ثم يباع اللبن؛ فقال: أحب إلي ألا يخلطا جميعا، وأن يضرب كل واحد منهما على حدته؛ فإن ضربا جميعا، فأرى عليه إذا باع اللبن أن يبين ذلك للمبتاع، فيعلمه أنه لبن بقر وغنم، قلت: أفرأيت إن باع الزبد الذي خرج منهما، والسمن الذي خرج منهما، أترى ذلك عليه أيضا أن يبين ذلك للمبتاع، ويقول له: إنه زبد، أو إنه سمن بقر وغنم؟ فقال لي: نعم، أرى ذلك عليه أن يبين ذلك للمبتاع؛ لأنه ليس شيء من الزبد، ولا من السمن، ولا اللبن مثل زبد الغنم وسمنها، أو مثل لبنها أطيب ولا أجود، فأرى أن يبين ذلك إذا باع، وأحب إلي ألا يخلطهما. قال محمد بن رشد: قوله: أحب إلي ألا يخلطا ليس على ظاهره، وهو تجوز في اللفظ، بل لا يحل ذلك، ولا يجوز وإن بين؛ لأنه من الغش؛ وكذلك قال ابن القاسم في رسم الجواب من سماع ابن القاسم، وقال مالك في كتاب ابن المواز: يعاقب من خلط طعاما بطعام دونه، أو قمحا بشعير، ويمنع من بيعه على ظاهر ما في كتاب ابن المواز من أجل الذريعة، فإن باع وبين مضى البيع ولم يكن للمبتاع رد، وكان قد أساء؛ فليس في قوله في الرواية: فأرى أن يبين ذلك إذا باع، دليل على أن ذلك مباح له أن يفعله، وإنما معناه أن ذلك يلزمه من أجل حق المشتري؛ فإن لم يفعل، كان له أن يرد، ويلزمه أن يبين قدر ما فيه من كل واحد منهما إن علم ذلك؛ وإن لم يعلمه أخبر باختلاطهما، وقد كره مالك في كتاب ابن المواز لمن خلط قمحا بشعير لقوته، ففضل له منه

مسألة: الموز إذا بلغ في شجره أيشترى قبل أن يطيب

فضل، أن يبيعه وإن قل الثمن، وخفف ذلك ابن القاسم إذا لم يتعمد خلطه للبيع، وهو قول مطرف، وابن الماجشون في الواضحة؛ وإنما يكون للمبتاع أن يرد اللبن المخلوط والزبد والسمن من اللبن المخلوط إذا كان لبن الغنم وزبدها وسمنها هو الغالب في البلد أو كان متساويين؛ وأما إن كان لبن البقر وزبدها وسمنها هو الغالب في البلد، فليس له أن يرد شيئا من ذلك إذا وجده مخلوطا بلبن الغنم؛ لأنه لو وجده كله لبن بقر أو غنم، لم يكن له أن يرده؛ فكيف إذا وجده مخلوطا بلبن الغنم، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب العيوب، وما يدخله من الخلاف؛ وهذا على ما ذكر مما هو لا شك معلوم عندهم، أن لبن الغنم وزبدها وسمنها أفضل من لبن البقر وزبدها وسمنها، وأما على ما هو معلوم عندنا من أن سمن البقر أفضل وأطيب من سمن الغنم، فليس له أن يرد السمن المخلوط إذا كان الغالب في البلد سمن الغنم؛ وإنما له أن يرده إذا كان الغالب بالبلد سمن البقر، أو كانا متساويين، كما لو اشتراه فوجده سمن غنم. [مسألة: الموز إذا بلغ في شجره أيشترى قبل أن يطيب] مسألة وسئل مالك عن الموز إذا بلغ في شجره، أيشترى قبل أن يطيب؟ فإنه لا يطيب حتى ينزع؟ فقال: لا بأس بذلك إن شاء الله. قال محمد بن رشد: من شأن الموز أنه لا يطيب حتى ينزع من شجره، ويدفن أياما في تبن أو غيره، وكذلك يطيب؛ فلذلك جاز بيعه قبل أن يطيب، وذلك إذا صلح للقلع، فصلاحه للقلع من ثمره هو طيبه الذي يجوز بيعه به، وكذلك ثمار عندنا تسمى المشتهى، لا تطيب حتى تقطع وتقيم أياما بعد القطع، فبلوغها حد القطع هو طيبها الذي يجوز له بيعها، وبالله التوفيق.

مسألة: التين وإذا بلغ وكبر إلا أنه أخضر لم يؤكل منه شيء بعد أيباع

[مسألة: التين وإذا بلغ وكبر إلا أنه أخضر لم يؤكل منه شيء بعد أيباع] مسألة وسألنا مالكا عن التين وإذا بلغ وكبر، إلا أنه أخضر لم يؤكل منه شيء بعد أيباع؟ فقال لي: لا يباع حتى يطيب أو يطيب أوائله ويؤكل، فإذا طاب أوائله وأكل منه جاز بيعه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يجوز بيعه إذا كبر حتى يطيب منه شيء، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة، في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الرجل يكون عنده العبدان فيسلم بهما] مسألة وسئل مالك عن الرجل يكون عنده العبدان فيسلم بهما، فيقول الرجل: هذا العبد بأربعين إلى سنة، وهذا بخمسين إلى سنة، خذ أيهما شئت، فقال: ما أرى بهذا بأسا. قال محمد بن رشد: لم يجعل في هذه الرواية قول البائع، خذ أيهما شئت إيجابا أوجبه على نفسه للمبتاع، فلذلك قال: لا أرى به بأسا؛ لأن البيع على هذا الوجه من بيعتين في بيعة، فلا يجوز إذا كان البيع لازما لهما أو لأحدهما، وقد روي عن مالك أن قوله: خذ أيهما شئت إيجاب منه للبيع على نفسه، بمنزلة قوله قد بعتك أيهما شئت، أو لك أيهما شئت، ووقع ذلك في كتاب لابن المواز من رواية أشهب عنه، قال: سئل مالك عمن قال لرجل: أن احبس لي راويتين من زيت، ثم رجع إليه، فقال: كيف

مسألة: باع حائطا فيه ألوان من الثمر

بعت الراوية؟ فقال: بأربعة وعشرين نقدا، وبخمسة وعشرين على التقاضي؛ فأيهما شئت فخذ، قال: قد أخذت؛ قال مالك: هذا بيع مفسوخ، قيل له: إن الزيت قد فات، قال: فيرد مثله. قال محمد بن رشد: وإنما فسخه لقوله: خذ أيهما شئت؛ لأن ذلك إيجاب على البائع، قال: ولم يزد على أن قال: خذها إن شئت بدينار، وإن شئت بهذه الشاة، لم يكن فيه خير؛ لأنه حين قال: خذ، أو قال له: قد بعتك، أو قال له: هي لك، فقد أوجب ذلك البائع على نفسه، وذكر محمد بن المواز بإثر هذه الرواية رواية أشهب الواقعة في هذا الرسم على نصها، ثم قال: والرواية الأولى أصح، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب العيوب. [مسألة: باع حائطا فيه ألوان من الثمر] مسألة وسئل مالك عمن باع حائطا فيه ألوان من الثمر: العجوة والكبسي والصيحاني وغير ذلك، أيجوز له أن يستثنى الثلث من الثمر كله في صنف واحد من تلك الألوان، وإن كان هو أكثر تلك الألوان؟ أو لا يجوز له أن يشتري من صنف واحد من تلك الألوان إلا ثلث ذلك الصنف؟ فقال: لا بأس أن يشتري ثلث الثمر الذي باع كله من صنف واحد من الثمرة العجوة والصيحاني؛ وإن كان ذلك من ذلك الصنف هو أكثره أو أقله إذا كان مما يباع من ذلك، هو ثلث الثمر الذي باع أو أدنى، لا بأس بذلك.

مسألة: بيع القطاني بعضها ببعض متفاضلا

قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم قطع الشجرة، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: بيع القطاني بعضها ببعض متفاضلا] مسألة وسألت مالكا عن القطاني بعضها ببعض متفاضلا يدا بيد، أيصلح ذلك؟ فقال لي: ذلك من القطاني مختلف، منه ما يجوز، ومنه ما لا يجوز؟ فأما الحمص والعدس، فلا أرى ذلك يجوز، ولا يصلح إلا مثلا بمثل؛ فقيل له: ما كنا نرى القطاني عندك كلها إلا بمنزلة الحنطة المختلفة بعضها ببعض، فقال: لا، القطنية أسماء كثيرة، فمنها ما يجوز بعضه ببعض متفاضلا، ومنها لا يجوز، فذلك مختلف. قال محمد بن رشد: اختلف قول مالك في القطاني في البيع على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنها صنف واحد لا يصلح الفضل بينها. والثاني: أنها أصناف مختلفة، يجوز التفاضل بينها، وهو قول ابن القاسم وأصحاب مالك كلهم. والثالث: قوله في هذه الرواية؛ أن ما كان منها يشبه بعضه بعضا - يريد في المنفعة - كالحمص والعدس واللوبية والجلبان والبسيلة فهو صنف واحد، وما كان منها لا يشبه بعضه بعضا في ذلك مثل الفول والحمص والكرسنة، فهي أصناف مختلفة، يجوز التفاضل فيها؛ ولا اختلاف بينهم في أنها في الزكاة صنف واحد يضم بعضها إلى بعض، وإنما اختلف فيما هو من القطنية، مما هو ليس منها، من ذلك الكرسنة، ذهب ابن حبيب إلى أنها صنف على حدة؛ وقال ابن وهب: لا زكاة فيها، واختار ذلك يحيى بن يحيى،

ابتاع متاعا من ميراث فباع فيه مصلى

وهو الأظهر؛ لأنه علف وليس بطعام؛ ومن ذلك الأرز والجلجلان، روى زياد عن مالك أنهما من القطنية، والمشهور أنهما صنفان لا يضافان إلى غيرهما، ولا يضاف بعضهما إلى بعض؛ وقد مضى القول على هذه المسألة أيضا في رسم حلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب السلم والآجال. [ابتاع متاعا من ميراث فباع فيه مصلى] ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل مالك عمن ابتاع متاعا من ميراث، فباع فيه مصلى، ثم قال له المشتري: أتدري ما هذا المصلى؟ هو والله خز؛ فقال البائع: ما علمت أنه خز، ولو علمت ما بعته بهذا الثمن؛ فقال مالك: ما أرى ذلك له، وأراه للمشتري، ولو شاء البائع استبرأه قبل أن يبيعه، وكذلك لو باعه هرويا، ثم قال له: لم أعلم أنه هروي، إنما ظننته كذا وكذا؛ أرأيت لو أن المبتاع قال: والله ما اشتريته، إلا أني ظننت أنه خز وليس بخز، فهذا مثله. وكذلك الذي يبيع الحجر بالثمن اليسير، ثم إذا هو ياقوتة أو زبرجدة تبلغ مالا كثيرا، لو شاء البائع استبرأه قبل أن يبيع؛ قيل له: أرأيت الذي يأتي إلى الرجل فيقول له: أخرج لي ثوبا هرويا بدينار، فيخرج إليه ثوبا فيعطيه إياه؛ ثم ينظر بعد ذلك فيجده من أثمان أربعة دنانير، فيقول: أخطأت هذا مثله، قال: ليس هذا مثله، لا أرى هذا إلا أن يحلف ويأخذ ثوبه. قال محمد بن رشد: في بعض الكتب، ولو شاء البائع استبرأه

من الرؤية، والمعنى في هذا سواء، وفي سماع أبي زيد خلاف هذا أن من اشترى ياقوتة وهو يظنها ياقوتة، ولا يعرفها البائع ولا المشتري، فيجدها على غير ذلك؛ أو يشتري القرط وهو يظنه ذهبا فيجده نحاسا، أن البيع يرد في الوجهين جميعا، وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يسم أحدهما الشيء بغير اسمه، وإنما سماه باسم يصلح له على كل حال، مثل أن يقول البائع: أبيعك هذا الحجر، أو يقول المشتري: بع مني هذا الحجر، فيشتري المشتري وهو يظنه ياقوتا فيجده غير ياقوت، أو يبيع البائع وهو يظنه غير ياقوت، فإذا هو ياقوت؛ فيلزمه اشتراء المشتري، وإن علم البائع أنه غير ياقوت، والبائع البيع، وإن علم المبتاع أنه ياقوت على رواية أشهب عن مالك. ولا يلزم المشتري الشراء، ولا البائع البيع على ما في سماع أبي زيد، وأما إذا سمى أحدهما الشيء بغير اسمه، مثل أن يقول البائع: أبيعك هذه الياقوتة، فيشتري المشتري، فيجدها غير ياقوتة، أو يقول المشتري: بع مني هذه الزجاجة فيبيعها منه، ثم يعلم البائع أنها ياقوتة، فلا اختلاف في أن الشراء لا يلزم المشتري، وأن البيع لا يلزم البائع. وكذلك القول في المصلى، وما أشبه ذلك، وأما القرط يشتريه الرجل وهو يظنه ذهبا، ولا يشترط أنه ذهب فيجده نحاسا، فلا اختلاف في أن له أن يرده إذا كان قد صيغ على صفة أقراط الذهب، أو كان ذلك مغسولا بالذهب؛ لأن ذلك غش، وقد اختلف إذا ألغز أحدهما لصاحبه في التسمية، ولم يصرح، فقال ابن حبيب: إن ذلك يوجب الرد كالتصريح، وحكي عن شريح القاضي أنه اختصم إليه في رجل مر برجل، ومعه مصبوغ الصبغ الهروي، فقال له: بكم هذا الثوب الهروي؟ فقال له البائع: بكذا وكذا، فاشتراه منه، ثم تبين للمشتري أنه ليس هرويا، وإنما صبغ صبغ الهروي؛ فأجاز بيعه، وقال: لو استطاع أن يزين ثوبه بأكثر من هذا لزينه به؛ قال عبد المالك: لأنه إنما باعه هروي الصبغ حتى إذا قال: هروي هراة، فعند ذلك يرده، وذلك

مسألة: تصدق بنخل بمائها ثم أصابتها الرمال حتى بلغت كرانيفها

عندي اختلاف من قوله، وقد قال بعض الشيوخ: إذا باع الحجر في سوق الجوهر فوجده صخرة، كان للمبتاع القيام وإن لم يشترط أنه جوهر؛ وإذا باعه في ميراث أو غير سوق الجوهر، لم يكن للمبتاع قيام؛ وعلى هذا يقاس ما أشبهه، وهذا عندي يجري على الاختلاف الذي ذكرته في الألغاز؛ ووجه تفرقة مالك بين الذي يبيع الياقوتة، وهو لا يعلم أنها ياقوتة، أو مصلى الخز وهو لا يعلم أنها خز، وبين الذي يذهب أن يخرج للمشتري ثوبا ثمنه دينار، فيخرج إليه ثوبا ثمنه أربعة دنانير؛ أن الأول جهل وقصد، إذ لم يسأل من يعلم ما هو، والثاني: غلط، والغلط لا يمكن التوقي منه؛ فيكون له أن يحلف ويأخذ ثوبه إذا أتى بدليل على صدقه من رسم، أو شهادة قوم على حضور ما صار به إليه في مقاسمة، أو ما أشبه ذلك؛ والرجوع بالغلط في بيع المرابحة متفق عليه، وفي بيع المكايسة مختلف فيه؛ وقد مضى القول على ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم، وليس في هذه الرواية بيان، إذ قد يحتمل أن يريد بقوله: أخرج لي ثوبا شراؤه دينار، فيكون بيع مرابحة؛ وأن يريد أخرج لي ثوبا قيمته دينار، فيكون بيع مكايسة، وانظر في ذلك وتدبر. [مسألة: تصدق بنخل بمائها ثم أصابتها الرمال حتى بلغت كرانيفها] مسألة وسئل عمن تصدق بنخل بمائها، ثم أصابتها الرمال حتى بلغت كرانيفها، وغلبت عليها، وفي مائها فضل، وقد أردت بيعها، فقال له: ما أرى أن تبيعها، وأرى أن تدعها على حالها حتى يغلب عليها الرمال فتستريح منها. قال محمد بن رشد: يريد بالصدقة هاهنا الحبس الموقف، فلم ير بيعه وإن غلبت عليه الرمال حتى خشي أن يغير فلا ينتفع به، وهذا هو

مسألة: ابتاعا طعاما فوجد أحدهما طعامه ينقص أربعة أرادب

مذهب ما في المدونة، أن الربع الحبس لا يباع وإن خشي عليه الخراب، بخلاف ما بلي من الثياب، وضعف من الدواب، والفرق بين ذلك، أن الربع وإن خرب، فلا تذهب البقعة، ويمكن أن يعاد إلى حاله، وكذلك هذه النخيل، وإن غلبت عليها الرمال بكثرة الرياح أو المياه، يمكن أن يذهب عنها بمثل ذلك أو بما سواه، فتعود إلى حالها، وابن الماجشون يرى أن لا يباع شيء من ذلك كله، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة، وروي عن ربيعة: أن الإمام يبيع الربع إذا رأى ذلك لخرابه كالدواب والثياب، وهو قول مالك في إحدى روايتي أبي الفرج عنه، قال: لا يباع الربع الحبس، وقال في موضع آخر: إلا أن يخرب، وبالله التوفيق. [مسألة: ابتاعا طعاما فوجد أحدهما طعامه ينقص أربعة أرادب] مسألة وسئل عن رجلين ابتاعا طعاما، فحمل إليهما الحمالون الطعام، فوجد أحدهما طعامه ينقص أربعة أرادب، فذهب إلى أن الذي كان يحمل إليه الطعام معه؛ فقال له: انظر أن يكون ذهب إليك من قمحي شيء، فقام الرجل وكال قمحه، وقد كان خلطه بقمح له آخر قد كان يعرف كيله فوجدها تزيد غرارة، فردها عليه، فأراد الذي ذهب قمحه أن يستحلفه؛ فقال: قال مالك: ذلك له على الذي وجد في بيته الطعام الفضل، يحلف بالله ما دخل بيته إلا هذا، فإن أبى أن يحلف حلف الآخر وأخذه، وهو رجل سوء إن حلف على ما لا علم له به؛ لأنه يحلف على ما لا يعلم، ولا يدري أوصلت إلى هذا أم لا؟ ولعل الحمالين اختانوا ذلك، وكيف

يحلف على أمر لا يدري ما هو؟ وما أدري ما يمينه؟ وما أدرى لعله ليس له يمين؟ ولكن هذا أشد ذلك، إذا أبى هذا الذي أفرغ في بيته القمح أن يحلف، قيل له: اغرم؛ فإذا كان يغرم فليحلف، هذا أحب إلي، والذي فرغ في بيته الطعام أحقهما باليمين؛ وأما الآخر، فيحلف على الباطل وهو ظالم. ثم سئل مالك عن ذلك الثانية، وقيل له على من ترى اليمين؟ فقال: أرى اليمين على المدعى عليه، فإن أبى أن يحلف، حق عليه الحق؛ وما أرى على المدعي يمينا؛ لأنه لا يدري ما يحلف عليه، ولكن لما أبى المبتدئ باليمين أن يحلف، رأيت الغرم عليه؛ قلت له: أيحلف هذا ويأخذ ما ذهب له؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قال ابن أبي زيد في النوادر: طالعت أصل السماع، فلم أجد فيه من قول مالك، قال: نعم في آخر المسألة، قال ابن رشد: وإن سقط جوابه في آخر المسألة، فقد تقدم في أولها أنه يحلف، إلا أنه لا يسوغ له فيما بينه وبين خالقه أن يحلف إن لم يكن على يقين من أن الطعام الذي نقصه صار عنده، وهذا معنى قوله: إنه رجل سوء إن حلف على ما لا علم له به، إلا أنه في واجب الحكم على هذه الرواية يمكن من اليمين إن نكل المدعى عليه، ولا يجب له شيء إلا أن يحلف، ويقال له: أنت أعلم بما تحلف عليه إن كنت على يقين من أن الطعام صار عنده، فلا حرج عليك في أن تحلف، ومثل هذا في سماع عيسى، من كتاب الشركة، أن اليمين ترد في التهمة، والاختلاف في وجوب ردها، وفي لحوقها ابتداء أيضا مشهور معلوم، وبالله التوفيق.

أهل المقاومة بالسرار وبيع المقاومة بالحصاة

[أهل المقاومة بالسرار وبيع المقاومة بالحصاة] ومن كتاب أوله مسائل بيوع وكراء وسئل عن أهل المقاومة بالسرار، فقال: هو عندي خفيف، وكره بيع المقاومة بالحصاة. قال محمد بن رشد: رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها المقاومة بالسرار: أن يتقاوموا السلعة سرا بالإشارة، وكذلك قال ابن لبابة: السرار أن يشير له بيده حتى يستتر عمن حضر له، وفي هذا من قولهما نظر؛ لأن الأشراك في السلعة إذا تقاوموها فيما بينهم، فليس لأحد من غيرهم أن يدخل عليهم فيها؛ فلا وجه للاستتار بالتقاوم عن سواهم، ولا معنى للسؤال عن ذلك، وإنما المعنى في المسألة عندي أن يتقاوم بعض الأشراك أنصباءهم فيما بينهم سرا عن بقيتهم، فيكون بعضهم قد خرج نصيبه لبعض أشراكه بما انتهى في المقاومة عليه دون علم بقيتهم، فهذا خفيف على ما قال؛ إذ لا يجبر على المقاومة من أباها من الأشراك، فلا حجة لمن استسر دونه بالمقاومة من الأشراك؛ لأن الذين تقاوموا يقولون له: نحن لا نريد أن نقاومك، وذلك من حقنا؛ إذ لا يجبر على المقاومة من أباها، وإنما تكون على التراضي، ونحن رضينا فيما بيننا بالتقاوم، فلا حجة لك علينا في ذلك. وإنما استسروا لأنه كان من حقه لو علم بالمقاومة قبل نفوذها، أن يكون شريكا في نصيب الخارج عن نصيبه مع الآخر له بالثمن الذي رضي أن يخرج له به عنه؛ لأن السلعة بين الشريكين إذا أراد أحدهما أن يبيع نصيبه منها، كان الشريك أحق بها بما يعطى فيها ما لم ينفذ البيع، فكما يكون الشريك أحق من الأجنبي، فكذلك يكون الشريك أحق من الشريك بما زاد على قدر حقه؛ وكما يكره للشريك أن يبيع نصيبه

مسألة: يشتري السلعة فيغتبط ثم يسأل أن يوضع له

من أجنبي دون أن يُعلم شريكه؛ إذ ليس ذلك من مكارم الأخلاق، ولا من محاسنها، وكذلك يكره له أن يبيع نصيبه من بعض أشراكه دون أن يعلم سائرهم، إلا أن مالكا رأى في هذه الرواية ذلك في الشريك أحق من الأجنبي، إذ لم يدخل على الذي لم يعلم شريكا أجنبيا، فهذا وجه قول مالك: هو عندي خفيف. وأما بيع المقاومة بالحصاة، فرأيت لابن دحون أنه قال ذلك أن تقوم السلعة، فإذا عرف كم الربح فيها، جعل كل من اشترك في ابتياعها حصاة، ثم جعلت الحصاة كلها في كم رجل منهم أو من غيرهم، ثم يدعى من يخرج حصاة منها، فإذا أخرج منها حصاة، عرف لمن هي تلك الحصاة؛ فكانت السلعة له بالثمن الذي قومت به، ثم كان الفضل بينهم على حسب اشتراكهم، وهو تفسير حسن، والمكروه فيه بين على ما قال مالك. وقد اختلف في بيع الحصاة التي ورد النهي فيها عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وكان من بيوع الجاهلية؛ فقال ابن حبيب: هو أنه كان أحدهم يسوم بثوبه أو بجمله، وبيده حصاة، فيقول لصاحبه الذي يسومه: إذا سقطت هذه الحصاة من يدي، فقد وجب البيع بيني وبينك. وقال الطحاوي: هو أنه كان أحدهم إذا أراد ثوب صاحبه وملكه عليه بما يعوضه إياه به، ألقى عليه حصاة أو حجرا فاستحقه بذلك، ولم يستطع رب الثوب منعه من ذلك، وأحسن ما رأيت في تفسير ذلك، أن البائع كان يضع ثيابه ويقول للمبتاع: لك ما ودعت عليه حصاتك بثمن كذا، ويلقي المبتاع حصاة يريد صعدا، فعلى أيها وقعت لزمته بما سمياه، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري السلعة فيغتبط ثم يسأل أن يوضع له] مسألة وسألته عن الذي يشتري السلعة فيغتبط، ثم يسأل أن

مسألة: يبيع سلعته فيقول قد أعطيت بها ثلاثين دينارا وهو صادق

يوضع له وهو مغتبط؛ فقال: ما أرى بذلك بأسا، وما زال هذا من أمر الناس، وما هذا من وجه المسألة؛ الرجل يقول للرجل: أعرني ثوبك، أعرني دابتك، فلا أرى بهذا بأسا، ولا أراه من وجه المسألة التي نهي عنها؛ إذا كان يسأل مسألة معروفة، فأما مسألة الإلحاح والتضرع والتبكي فإني أكرهه، والذي يشتري السلعة ثم يقول، وهو مغتبط: إن لم تضع لي خاصمتك، فهذا لا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة بينة، وقد مضى القول عليها في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يبيع سلعته فيقول قد أعطيت بها ثلاثين دينارا وهو صادق] مسألة وسألته عن الرجل يبيع سلعته فيقول: قد أعطيت بها ثلاثين دينارا وهو صادق، فقال: ليس بذلك بأس إذا كان أعطى عطاء يعلم أنه جد به السوم، فأما ذلك النجش فليس شيئا، وليس بذلك بأس، ولا أكرهه إلا أن يكون أعطى قديما فكتمه ذلك، ويظن صاحبه أنه أعطى حديثا، فلربما أعطى الرجل بالسلعة قديما، ثم يحط ثمنها، وأما إن كان أعطى بها بحدثان ذلك عطاء صحيحا، فلا أرى بذلك بأسا.

مسألة: حكم بيع المصراة

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه إن كان أعطى بسلعته ما قال عطاء صحيحا بحدثان ذلك، فلا بأس بذلك، وإن ثبت أنه لم يعط بها ما قال، أو أنه إنما أعطي بها ذلك قديما، كان المشتري بالخيار في السلعة؛ بين أن يمسكها بالثمن الذي اشتراها به، أو يردها، وإن فاتت؛ قيل: بما يفوت به البيع الفاسد، وقيل: بالنماء والنقصان، رد المبتاع فيها إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن على حكم الغش والخديعة في البيع، ولو قال له المبتاع: انظر ما أعطيت بسلعتك، فأنا آخذها بذلك الثمن؛ فقال: أعطيت بها كذا وكذا، ثم ثبت أنه لم يعط فيها إلا أقل من ذلك؛ كان الحكم في ذلك حكم الكذاب في بيع المرابحة في فوات السلعة وقيامها، وقد مضى ذلك في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات، من سماع ابن القاسم. [مسألة: حكم بيع المصراة] مسألة وسئل عن قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ابتاع مصراة، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها؛ إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعا من تمر» ؛ فقال: سمعت ذلك، وليس بالثابت، ولا الموطأ عليه، ولئن لم يكن هذا الحديث أن له اللبن بما أعلف وضمن، قيل له: اللبن بما أعلف وضمن، قيل له: نراك تضعف الحديث، فقال: كل شيء يوضع بموضعه، وليس بالموطأ، ولا الثابت، وقد سمعته. قال محمد بن رشد: رأى مالك في رواية أشهب هذه عنه حديث المصراة حديثا لم يتواطأ على العمل به، فجعله منسوخا بحديث الخراج

بالضمان؛ فأوجب للمشتري رد الشاة المصراة بعيب التصرية، وجعل ما احتلب من اللبن له بما أعلف وضمن، وذلك بعيد؛ لأنه ابتاع شاة محفلة عظيمة الضرع باللبن الذي صراه البائع فيها، فليس له أن يردها، وقد نقصت صفتها عما اشتراها به، ويأخذ جميع الثمن. وقوله في المدونة من رواية ابن القاسم عنه، أو لأحد في هذا الحديث رأي أصح وأولى بالصواب؛ لأن اللبن المصرى في ضرع الشاة بعضه للبائع تركه في ضرعها، فلم يحلبه لينفعها به، فوقع البيع عليه، وصار كمن باع شاة ولبنا بالثمن الذي سمياه، وبعضه غلة للمشتري، وهو المقدار الذي كان يكون في ضرعها لو لم تكن مصراة مع ما احتلب منها في الحلاب الثاني، فلما لم يعلم مقدار ما يجب رده مع الشاة من اللبن المصرى مما هو غلة للمشتري، لا يجب عليه رده؛ أوجب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك للبائع على المبتاع إن رد الشاة بعيب تصريتها صاعا من تمر، حكما أوجبه شرعا رفع به مئونة الاجتهاد في تحري ما وقع عليه البيع من اللبن المصرى مما هو غلة. وقد كان القياس أن يتحرى ذلك اللبن، فيرد قيمته مع الشاة إذا أراد ردها بعيب تصريتها؛ لأنه كمن باع طعاما جزافا وعرضا في صفقة واحدة، ثم وجد بالعرض عيبا وقد فات الطعام الجزاف، أنه لا يرد بقيمته مع العرض؛ إذ لا يمكن رد مثله؛ لكونه جزافا؛ وألا يجوز الحكم في ذلك بالصاع من التمر؛ لأن البائع قد وجبت له قيمة ذلك اللبن إذا ردت عليه الشاة، فيكون قد فسخ تلك القيمة الواجبة له في صاع تمر حتى يقضاه، فيدخله فسخ الدين في الدين؛ إلا أنه لا رأي لأحد مع السنة الثابتة، وإذا ثبتت

وجب أن تستعمل في موضعها، وتكون مخصوصة من عموم نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الدين بالدين؛ لأن من عموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الخراج بالضمان» ؛ إذ لا مدخل في ذلك للخراج بالضمان على ما بيناه من أن الصاع لا يرده المبتاع عرضا عما هو له غلة بالضمان، وإنما يرده عما وجب للبائع عليه، مما ليس بعلة له على ما بيناه؛ ولم يجز ابن القاسم أن يأخذ اللبن الذي احتلب منها عوضا عن الصاع من التمر، ورأى ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى؛ قال ابن لبابة: وكذلك لا يجوز على قياس قوله: أن يأخذ الصاع من غير التمر؛ لأنه يدخله أيضا بيع الطعام قبل أن يستوفى، فكأنه ذهب إلى أن قوله خلاف لما حكاه عن مالك، من أن أهل البلدان يعطون الصاع من عيشهم ما كان. قال: ولو جاز أن يؤخذ عن الصاع غيره من التمر، ما جاز إلا في اللبن؛ لأنهم يجيزون الإقالة في الطعام، فإذا رد الشاة وما احتلب منها من اللبن المصرى، كانت إقالة؛ وقد ذهب إلى هذا سحنون، وقاله ابن وضاح أيضا؛ فزاد: إذا لم يغب عن اللبن، وليس ذلك بصحيح؛ لما بيناه من أن اللبن الذي يجب رده لا يعرف قدره إلا بالتحري، فإنما يجب فيه بالسنة صاع من تمر، فإذا أخذ عنه اللبن كان قد باعه به كما قال ابن القاسم، فكان بيعا له قبل استيفائه، ولا تصح في ذلك الإقالة بوجه؛ لأن اللبن المصرى في الضرع بعضه غلة للمبتاع، فإذا رد على البائع جميعه، كان قد دفع إليه أكثر مما قبض منه من اللبن، فلم تكن إقالة على وجهها؛ وإذا لم تكن إقالة على وجهها دخله ما قال ابن القاسم من بيع الطعام قبل استيفائه. وقد روى زياد عن مالك أن من اشترى ناقة أو شاة قد صراها البائع، فإنه إذا حلبها ردها ومكيلة ما حلب من اللبن تمرا أو قيمته، وهذا بعيد لا وجه له؛ لأنه مخالف للحديث، ولما ذكرناه من القياس، ولو رضي بعيب تصريتها، ووجد بها عيبا آخر فردها به؛ لوجب على ما ذكرناه من القياس أن يكون عليه قيمة اللبن الذي صراه البائع في الضرع بعد أن يتحرى قدره. وقد قال أبو إسحاق التونسي: إنه لا شيء عليه في اللبن الذي احتلب إذا ردها بغير عيب التصرية، وذلك غير صحيح، فتأمل ذلك؛ وقد

مسألة: التجارة في الخصيان

اختلف إذا اشترى شياها أو نوقا مصراة صفقة واحدة، فردها بعيب تصريتها؛ فقيل: إنه لا شيء عليه فيما احتلب منها، بخلاف الشاة الواحدة؛ لقوله في الحديث: «من اشترى شاة مصراة» . . . الحديث. وقيل: عليه فيها كلها صاع واحد على ظاهر قوله في الحديث الآخر: «لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين؛ بين أن يحلبها إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر» . وقيل: إن عليه في كل شاة أو في كل ناقة صاعا من تمر، وهو الأظهر، والله أعلم، والبقر في ذلك بمنزلة الإبل والغنم؛ وأبو حنيفة لا يرى الرد بعيب التصرية، ويقول: إن الواجب في ذلك الرجوع بقيمة العيب، ورأى أحاديث المصراة منسوخة؛ واختلف المتكلمون على مذهبه في الناسخ لها ما هو اختلافا كثيرا في أكثره بعد، ولم أر لذكره وجها. [مسألة: التجارة في الخصيان] مسألة وسئل عن التجارة في الخصيان، فقال: ترك التجارة في الخصيان أحب إلي، وأما تحريمه فلا، قيل له: لأن شراءهم قوة على خصائهم، قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب الأقضية، أنه لا بأس أن يشتري الرجل لنفسه الخصي والاثنين، ولا أحب له أن ينفق لهم؛ يعني يتخذهم متجرا، والمعنى في كراهة ذلك بين، ولم ير شراء الرجل الاثنين والواحد منهم مما ينفقه، ويكون قوة على خصائهم؛ لأنه قد علم أنه لا يشتريهم إلا القليل من الناس، فإذا كان القليل من الناس لا يشتريهم منهم إلا الواحد والاثنين، لم يكن ذلك تنفيقا لهم؛ وقد كان لمالك خصي، ولعمر بن عبد العزيز، وبالله التوفيق.

مسألة: ما يجب على الكيال في الكيل

[مسألة: ما يجب على الكيال في الكيل] جامع البيوع وسئل عما يجب على الكيال في الكيل، أيطفف المكيال أم يصبه عليه ويجلب ثم يكيل؟ فقال: لا يطفف ولا يجلب؛ لأن الله تعالى يقول: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] فلا خير في التطفيف، ولكن يصب عليه حتى يجتبذه، فإذا اجتبذه أرسل يده ولم يمسك. قال محمد بن رشد: كذا وقع في الرواية حتى يجتبذه، والصواب يجتنبذه، فإذا اجتنبذه، قال بعض أهل اللغة: الجنبذة ما ارتفع من كل شيء، والعامة تقول: الجنبذة بفتح الباء لما ارتفع من الأرض، إنما قلنا: هو الصواب؛ لأن الاجتباذ هو الجلب الذي منع منه؛ يقال: لا يطفف ولا يجلب، والتطفيف في الكيل هو الزيادة فيه على الوفاء، ومنه ما مضى القول فيه في رسم سلف، من سماع ابن القاسم في الرزم والتحريك، وقد يقع التطفيف على النقصان أيضا؛ قال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] ، {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3] . فسمى النقصان تطفيفا، وقد قال مالك في الموطأ: ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف، أي إن التطفيف يستعمل في الزيادة والنقصان. [مسألة: ما اشتري وزنا من الزعفران أو غير ذلك وكيفية وزنه] مسألة قيل له: أرأيت ما اشتري وزنا من الزعفران أو غير ذلك من

مسألة: عمر بن الخطاب وتخييره لأزواج النبي عليه السلام

اللحم، ما حد ذلك؟ أيميل الميزان، أم حتى يستوي لسان الميزان؟ فقال ذلك أن يقوم لسان الميزان معتدلا ولا يميله، فإن سأله أن يميله، لم أر ذلك من وجه المسألة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن الوفاء في الوزن أن يقوم لسان الميزان معتدلا، فلا وجه للقول فيه، وأما سؤاله أن يميله، فإنما لم ير ذلك من ناحية المسألة؛ لأن ذلك مما مضى على فعله الناس؛ إذ هو من التسامح في البيع الذي يندب إليه المتبايعون؛ قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رحم الله عبدا سمحا إن باع، سمحا إن ابتاع، سمحا إن قضى، سمحا إن اقتضى» ، وكذلك سؤال الوضيعة بعد البيع، وقد مضى ذلك في الرسم الذي قبل هذا، وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم. [مسألة: عمر بن الخطاب وتخييره لأزواج النبي عليه السلام] مسألة وقال: يزعمون أن عمر بن الخطاب خير أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فمن أحب منهن أن يكون لها أرض بيضاء ونخل، جعله لها، ومن أحب، أجرى لها أوسقا طعمة؛ فمنهن من اختار الأوسق، ومنهن من اختار الأرض، فعمر بن الخطاب أول من أجرى لهن هذه الطعمة، قيل لمالك: أفترى أن يبيع أهل تلك الطعمة طعمتهم قبل أن يستوفوها؟ قال: لا أرى بذلك بأسا؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه» . وهذا لم يبتع، إنما أعطوا عطاء، وكذلك طعام الجار الذي

يخرج للناس في الأرزاق، فلا أرى ببيع ذلك بأسا قبل أن يستوفى. قال محمد بن رشد: إنما خير عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيما خيرهن فيه؛ لأن النفقة كانت واجبة لهن بعد موت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيما أفاء الله عليه من بني النضير، وفدك، وسهمه بخيبر؛ بقوله عز وجل: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} [الحشر: 6] الآية، كما كانت تجب لهن في حياته من أجل أنهن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - كن محبوسات عليه، ليكن أزواجه في الجنة محرمات على غيره، يبين ذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عائلتي؛ فهو صدقة» ؛ فكان أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يلي ما أفاء الله على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك، مما كان يليه هو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حياته؛ وكان ينفق منه على عياله، ويجعل ما بقي في الكراع والسلاح؛ وفي هذه الولاية تخاصم إليه علي والعباس، ليوليها كل واحد منهما بما كان يليها به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم سار عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد أبي بكر في ذلك بسيرة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأبي بكر؛ غير أنه خير أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيما يخترنه من إقطاع الأرض أو إجراء الأوسق؛ فهذا معنى قوله: فعمر بن الخطاب أول من أجرى لهن هذه الطعمة يريد لمن اختار ذلك منهن دون إقطاع الأرض، وقوله في السؤال لمالك: أفترى أن يبيع أهل تلك الطعمة طعمتهم قبل أن يستوفوها؟ معناه أفكان يجوز لمن أجرى له منهن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - هذه الطعمة أن يبيعها قبل أن يستوفيها؟ فقال: نعم؛ لأن ذلك ليس ببيع، وإنما أعطين عطاء، يريد بحق وجب لهن لا عن عوض؛ ثم قال: وكذلك طعام

ابتاع من رطاب رطبا بدرهم فاكتال الرطب وحازه

الجار الذي يخرج للناس في الأرزاق عطية لهم من بيت المال على غير عمل يعملونه، يجوز لهم بيعه قبل استيفائه؛ وتأويل حديث مروان بن الحكم في الصكوك التي خرجت للناس في زمانه بالمدينة، فتبايعها الناس فيما بينهم قبل أن يستوفوها، فدخل زيد بن ثابت، ورجل من أصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على مروان فقالا: أتحل بيع الربا يا مروان؟ فقال: أعوذ بالله، وماذا قالا تلك الصكوك يتبايعها الناس ثم باعوها قبل أن يستوفوها، فبعث مروان الحرس يتبعونها وينزعونها من أيدي الناس، ويردونها إلى أهلها، أن المعنى في هذا أنها كانت قطائع أقطعها أهل المدينة من مال الله الذين كان يعمل من مصر في السفن إلى الجار، فباع الناس قطائعهم، وكان بيعها أولا حلالا، ثم إن من اشتراها باعها أيضا قبل أن يستوفيها؛ فكان بيعها الثاني حراما، فأمر مروان بفسخ البيع الثاني، ورده إلى الباعة الذين اشتروه أولا، ولم يفسخ بيع الذين أقطعوه أولا؛ وأما أرزاق القضاة وولاة السوق والمؤذنين والكتاب والأعوان والجند الذين يرزقون من الأطعمة، فلا يجوز لهم أن يبيعوها حتى يستوفوها؛ لأنها أجرة لهم على عملهم، بخلاف ما كان رفقا وصلة على غير عمل، أو على أنه مخير إن شاء عمل، وإن شاء لم يعمل، ويجوز بيع الأرزاق والعطاء السنة والسنتين، إن كانت داره مأمونة، فإن حبست انفسخ البيع، وكان للمبتاع رأس ماله؛ ولا يجوز بيع أهل العطاء؛ لأنه يبطل بموته، قال ذلك أشهب وابن وهب، وجماعة من فقهاء التابعين، وبالله التوفيق. [ابتاع من رطاب رطبا بدرهم فاكتال الرطب وحازه] ومن كتاب الأقضية وسئل عمن ابتاع من رطاب رطبا بدرهم، فاكتال الرطب وحازه، ثم قال الرطاب: هات الدرهم، فقال له: قد دفعته إليك، فقال الرطاب: ما دفعت إلي شيئا؛ فقال: القول قول الرطاب ما

قبض الدرهم، ويكون ذلك له على المشتري يأخذه؛ لأنه لم يزل ولم يفارقه، إنما اكتال الرطب، ثم قال له: هات الدرهم؛ فقال له: قد دفعته إليك، فقال الرطاب: لم تدفع إلي شيئا؛ وكذلك الرجل يبتاع الطعام فاكتاله في وعائه، ثم يقول له رب الطعام: هات الثمن؛ فيقول المشتري: قد دفعته إليك، فيقول رب الطعام: ما دفعت إلي شيئا قبل أن يتزايلا، فقالا: لا أرى القول في هذا إلا قول رب الطعام، ويحلف وعليه اليمين، وذلك أنه لم يزايله. قال محمد بن رشد: جعل مالك في هذه الرواية القول قول الرطاب مع يمينه أنه ما قبض منه الدرهم ما لم يعترفا إذا ادعى المبتاع أنه دفعه إليه، ولم يبين متى ادعى أنه دفعه إليه؛ فأما إن قال: دفعته إليه بعد أن قبضت الرطب، فلا اختلاف في أن القول قول الرطاب، وأما إن قال: دفعته إليه قبل أن أقبض الرطب، ففي ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن القول قول البائع، وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية. والثاني: أن القول قول المبتاع، وهو قول مالك في رواية ابن القاسم عنه من كتاب ابن المواز. والثالث: أن القول قول المبتاع في كل ما الشأن فيه قبض ثمنه قبل قبض المثمون، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز. وجه القول الأول أن المبتاع مقر بقبض المثمون مدع لدفع الثمن، فعليه إقامة البينة على ما يدعي من الدفع، فإن لم تكن له بينة، حلف البائع، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» . ووجه القول الثاني أنه قد كان من حق البائع ألا يدفع إليه ما باع منه حتى يقبض ثمنه؛

لأن ذلك كالرهن في يده بالثمن، فدفعه إليه دليل للمبتاع على دفع الثمن؛ وكذلك قال في سماع ابن القاسم، من كتاب الرهون: إن الرهن إذا ألفي بيد الراهن، فالقول قوله مع يمين أنه قد دفع الدين الذي قد كان رهنه به، وهذا الذي ذكرناه أن من حق البائع ألا يدفع إليه ما باع منه، ولا يزنه له، ولا يكيله له إن كان مكيلا أو موزونا حتى يقبض ثمنه، هو أمر متفق عليه في المذهب، مختلف فيه في غيره؛ قيل: إنهما إذا اختلفا فقال البائع: لا أدفع السلعة حتى أقبض الثمن، وقال المبتاع: لا أدفع الثمن حتى أقبض السلعة؛ أجبر البائع على دفع السلعة أولا، وقيل: يجبر المبتاع على دفع الثمن أولا، وقيل: إنه لا يحكم على واحد منهما بالدفع ابتداء، ويقول الحاكم لهما من أحب منكما أن أقضي له على صاحبه، فليدفع إليه؛ وقيل: إن الحاكم ينصب أمينا يأمر كل واحد منهما بالدفع إليه، فيسلم الثمن للبائع، والسلعة للمبتاع، وقيل في ذلك غير ذلك. ووجه القول الثالث أن العرف الجاري في تلك السلعة بقبض الثمن قبل المثمون، دليل يوجب أن يكون القول قول المبتاع، فإن افترقا، فلا اختلاف في أن القول قول المبتاع؛ وهذا كله فيما يتبايعه الناس في الأسواق بالنقد، شبه الصرف كيسير الحنطة والزيت، ومثل السوط والشراك والنعل، وأما الكثير لمن الطعام، والبز، والعروض، والرقيق، والدور، فالقول قول البائع: إنه لم يقبض ثمن ذلك كله إلى ما يجوز التبايع إلى مثله من المدة عند ابن القاسم، وقد روى عنه يحيى في العشرة: أن القول قول المبتاع في دفع ثمن الطعام، وإن كثر إذا قبضه وبان به وفارق بائعه، وخالفه يحيى، وأصبغ وغيره، فقالوا: إن

احتكارالرجل ما عدا القمح والشعير من الطعام

الكثير من الطعام كالبز والعروض؛ وقال ابن حبيب: أما الرفيق والدواب والرباع وما أشبه ذلك مما الأصل فيه ألا يباع على الدين، ولا على التقاضي، فالقول حول البائع أنه ما قبض، وإن تفرقا ما لم يمض لذلك السنة والسنتان، فيكون القول قول المبتاع أنه قد دفع؛ وأما البز والتجارات، وما تبايعه الناس على التقاضي، وإلى الآجال، فالقول قول البائع، وإن تفرقا ما لم يمض لذلك مثل العشر سنين ونحوها، فيكون القول قول المبتاع. [احتكارالرجل ما عدا القمح والشعير من الطعام] ومن البيوع الأول وسئل أيحتكر الرجل ما عدا القمح والشعير من الطعام؟ فقال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا بأس باحتكار ما عدا القمح والشعير، معناه إذا كان ذلك في وقت لا يضر احتكاره فيه بالناس؛ إذ لا اختلاف في أنه لا يجوز احتكار شيء من الطعام ولا غيره في وقت يضر احتكاره بالناس، ويغليه عليهم؛ فهذا يدل على أنه لم يجز احتكار القمح والشعير خاصة بحال، ومذ هب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة إجازة احتكار الطعام وغيره في الأوقات التي لا يضر الاحتكار فيه، ولا يغلي الأسعار؛ وذهب مطرف وابن الماجشون وغيرهما من أهل المدينة، إلى أنه لا يجوز احتكار شيء من الطعام، وقالوا: ليس وقت من الأوقات، ولا شراء الطعام في السوق وإخراجه منه يضر بالناس ويقلله عليهم، ويغلي سعره، قال ابن حبيب، وكذلك القطاني والحبوب كلها التي هي قوت للعباد أو علوفة للدواب؛ والأدم كلها: الزيت والسمن والعسل وما يتقوت به الناس من يابس التين والزبيب، وما أشبه ذلك من معايش الناس، سبيله سبيل القمح والشعير في أن احتكاره لا يجوز، أضر بالناس شراؤه أو لم يضر، ومن قوله: إن ما لا يجوز احتكاره، فلا يترك التجار أن يشتروه جملة، ويبيعوه

مسألة: باع جارية واشترط أن ترضع ابنا له سنة

على أيديهم؛ فإن الواجب فيه على محتكره أن يباع عليه من الناس كافة بالثمن الذي اشتراه به، أو بسعر ذلك اليوم إن جهل ما اشتراه به، وهو يقول في السمن والعسل وما أشبهه من الأدم: إنه لا يمنع التجار من شرائه جملة ليبيعوه على أيديهم، فيأتي على قوله هذا إجازة احتكار الأدم في وقت لا يضر احتكارها بالناس، بخلاف الأقوات من الحبوب كلها، ويتحصل في احتكار الأطعمة أربعة أقوال: أحدها: إجازة احتكارها كلها القمح والشعير، وغير ذلك من الأطعمة كلها في الأوقات التي لا تضر الحكرة فيها بالناس. والثاني: المنع من احتكارها كلها جملة. والثالث: إجازة احتكارها كلها ما عدا القمح والشعير. والرابع: المنع من احتكارها كلها ما عدا الأدم والفواكه؛ السمن، والعسل، والتين، والزبيب، وشبه ذلك. وقد قال ابن أبي زيد فيما ذهب إليه مطرف وابن الماجشون، من أنه لا يجوز احتكار شيء من الأطعمة، معناه في المدنية؛ إذ لا يكون الاحتكار أبدا إلا مضرا لأهلها؛ لقلة الطعام بها، فعلى قوله هم متفقون على أن علة المنع من الاحتكار تغلية الأسعار، وإنما اختلفوا في جوازه؛ لاختلافهم باجتهادهم في وجود العلة وعدمها؛ ولا اختلاف بينهم في أن ما عدا الأطعمة من العصفر والكتان والحناء وشبهها من السلع، يجوز احتكارها إذا لم يضر ذلك بالناس. [مسألة: باع جارية واشترط أن ترضع ابنا له سنة] مسألة وسئل عمن باع جارية، واشترط أن ترضع ابنا له سنة، فقال مالك: إن ماتت الجارية، ثم قال: لا خير في هذا، فقلت له: أرأيت - أمتع الله بك - إن شرط عليه أن الجارية إن ماتت أخلف له مكانها؟ فقال: لا يعجبني، وإنه ليكفي من هذه الأشياء ما مضى

مسألة: ابتياع ألبان الغنم شهرا

عليه الناس من ترك العمل به؛ لأنهم الذين أمرنا بالاقتداء بهم، والاتباع لهم. قال محمد بن رشد: إنما قال: لا يعجبني، وإن اشترط عليه أن الجارية إن ماتت أخلف له مكانها؛ لأنه حمل الشرط على أن الرضاع في عين الجارية ما لم تمت، فإن ماتت أتى بخلفها، خلاف ما سأله عليه في أول رسم من سماع ابن القاسم؛ وإذا كان الرضاع مشترطا في عين الأمة المبيعة، دخله التحجير على المشتري في عين الأمة التي اشترى؛ ولو باع الجارية على أن على المبتاع أن يأتي بمن يرضع ابنه سنة مضمونا ذلك عليه، لجاز، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم في سماع ابن القاسم. وقد ذهب بعض الشيوخ إلى أن الفرق بين هذه المسألة، وبين مسألة سماع ابن القاسم، أنه هاهنا اشترط على البائع أن ترضع الأمة التي باع ولده، وهناك اشترط على البائع أن ترضع الأمة التي باع ولدها الحر، فكره ذلك في ولده؛ إذ لم يجربه عمل، وهو فرق غير لائح. [مسألة: ابتياع ألبان الغنم شهرا] مسألة وسئل عن ابتياع ألبان الغنم شهرا، فقال: نحن نقول: لا بأس به؛ لأنه يعرف ذلك، ولكن إن ماتت شاة أو عطبت، أو أصابها شيء ينقص لبنها وضع عنه، قيل له: أرأيت إن نقص لبنها كما ينقص ألبان الغنم؟ قال: لا يوضع عنه، ذلك أمر قد عرف، إذا

كان ذلك نقصان مثلها، العيون ليست تكون في الشتاء، مثلها في الصيف، إذا كان الصيف نقص ماؤها؛ قال: ولا أرى بأسا، نقد الثمن أو لم ينقد. قال محمد بن رشد: مثل هذا في سماع سحنون، من كتاب كراء الدور والأرضين، وهو صحيح بين لما في المدونة؛ لأن النقصان المعروف قد دخل عليه المبتاع، فلا رجوع له به، وإنما يرجع بالنقصان المتفاحش الخارج عما جرت به العادة، وقد بين في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة صفة التقويم فيما مات من الغنم، إذا اشترى لبنها بيانا شافيا لا زيادة عليه، وشراء لبن الغنم عكس شراء ثمرة المقثأة، يجوز شراء لبن الغنم شهرا أو شهرين إذا عرف وجه حلابها، ولا يجوز شراء لبنها إلى أن ينقطع، ويجوز شراء ثمر المقثأة إذا بدا صلاحها حتى ينقطع، ولا يجوز شراء ثمرتها شهرا ولا شهرين، وإنما افترقت لافتراق الغرر فيها، فالغرر في المقثأة شراء ما تطعم شهرا أو شهرين؛ لأن حملها يكثر بالحر، ويقل بالبرد، ولا يدرى هل يشتد الحر في تلك المدة، أو لا يشتد، وحد انقطاعها معلوم عند الناس، وللغرر في لبن الغنم شراؤه إلى أن ينقطع؛ لأن ذلك ليس بمعروف عند الناس، قد يتعجل ويتأخر، وشراؤه شهرا أو شهرين جائز؛ لأن ذلك لا يختلف بحر ولا برد، وإنما يجوز ذلك في الشياه الكثيرة، ولا يجوز في الشاة ولا الشاتين؛ وقد أجاز في المدونة أن تكثر البقرة ويشترط حلابها إذا عرف وجهه، فقيل: إن ذلك معارض لكراهيته بيع لبن الشاة والشاتين، وقيل: ليست بمعارضة لها؛ لأن الغرر خف فيها بما انضاف إليها من الكراء، كما خف في الغنم إذا كثرت، وهو الأظهر.

مسألة: يأتي إلى الصبرة فيقول لصاحبها أبتاع منك كل ما فيها ما بلغت

[مسألة: يأتي إلى الصبرة فيقول لصاحبها أبتاع منك كل ما فيها ما بلغت] مسألة وسئل عن الذي يأتي إلى الصبرة، فيقول لصاحبها: أبتاع منك كل ما فيها ما بلغت ثلاثة آصع بدينار، وتزيدني ثلاثة آصع على الجملة؛ فقال: لا خير فيه، وليس بحسن؛ لأنه غرر؛ لأنه لا يدري كم يصيب كل دينار من الزيادة؛ فأما بيع الصبرة ثلاثة آصع بدينار ما بلغت، فإني لا أكره هذا؛ فأما الأول فإنه قال: يزيدني ثلاثة آصع على الجملة، فإني أكرهه ولا أراه حسنا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن من شرط صحة البيع أن يكون الثمن معلوما، وإذا اشترط زيادة ثلاثة آصع على الجملة عاد الثمن مجهولا؛ إذ لا يدري المبتاع ولا البائع كم صاع تبايعا بدينار؛ لأنه إن وجد في الصبرة تسعة آصع وقع شراؤه أربعة أصوع بدينار، فإن وجد فيها اثني عشر صاعا، وقع شراؤه ثلاثة آصع، وثلاثة أرباع صاع بدينار؛ وكذلك إن زادت أو نقصت على هذا التمثيل، وعبد العزيز بن أبي سلمة لا يجيز شراء جملة الصبرة على الكيل بسوم معلوم؛ لأن السوم وإن كان معلوما، فثمن الجملة مجهول لا يعلم حال العقد، وإنما يعلم بعد الكيل؛ فمن شرط صحة البيع عنده أن يكون الثمن معلوما حال العقد، ولا يشترط فيه على مذهب مالك الذي يجيز شراء الصبرة على الكيل، إلا أن يكون معلوما لا أكثر. [مسألة: ابتاع قصبا وأبوابا وكل بنيان في الدار إلا أن البقعة قطيعة من أمير المؤمنين] مسألة وسئل عمن ابتاع قصبا وأبوابا، وكل بنيان في الدار، إلا أن البقعة قطيعة من أمير المؤمنين، على أن التباعة في كل ما اشترى على البائع إلا البقعة، وما لحق المشتري في شيء مما اشترى سوى البقعة، فهو على البائع؛ فقال: هذا البيع ليس بجائز ولا حسن.

قال محمد بن رشد: ما أقطعه أمير المؤمنين من أموال المسلمين التي يجوز بيعها، فإقطاعه حكم لا يجوز له الرجوع فيه في حياة المقطع ولا بعد وفاته؛ وهو مال من ماله بنفس الإقطاع، يورث عنه كسائر ماله، وهو قول ابن القاسم، في سماع يحيى، من كتاب السداد والأنهار؛ فمعنى هذه المسألة أن الذي أقطعه أمير المؤمنين البقعة فبناها، لما أراد بيعها خشي أن تكون البقعة التي أقطع إياها، لم يستحسن ملكها المسلمين، وأن يكون لها رب يقوم فيها فيستحقها، أو لعله علم ذلك، فقال للمبتاع: إنما أبيعك البنيان والأبواب والقصب - والبقعة تبع لذلك، فلا تباعة لك علي فيها - إن استحقت من يدك تحيلا؛ لإسقاط الرجوع عليه بالاستحقاق؛ وهذا من التحيل لإجازة ما لا يجوز، نحو ما حكى ابن حبيب في الواضحة، في الرجل تكون له رحى طاحنة، فيريد كراءها، ويقول للمكتري: إنما أكري منك البيت والقنوات فارغة دون شيء من آلة الرحى؛ لئلا يرجع عليه بما تعطلته الرحى من قلة الماء، أو ذهاب آلتها؛ فالكراء على هذا فاسد، فوجب أن يكون البيع فاسدا، كما لو باع الدار بشرط أن استحقت بقعتها لم تكن علي تباعة، ولو باع معه البنيان خاصة دون البقعة على أن يقلعه، أو على أن يكون شريكا معه في الدار بقيمة البنيان من قيمة البقعة؛ لكان البيع على هذا جائزا، وقد قال ابن دحون: إنما لم يجز هذا البيع؛ لأنه غرر، لا يدري متى يأخذ السلطان أرضه ويخرجه، ولا متى يزيد عليه في كراء الأرض فينقص ثمن النقض لكثرة كراء البقعة، وهذا غير صحيح؛ إذ ليس للإمام أن يرجع فيما أقطع في حياة المقطع، ولا بعد وفاته، فيلزم المبتاع كراء البقعة؛ وهذا بيّن. وقد استدل جماعة من الشيوخ أيضا بهذه المسألة على أنه لا يجوز بيع الأنقاض المبتنات في

مسألة: اشترى حائطا غائبا ولم ينقد فتلف الحائط بسيل أو غيره

البقاع المحبسة، وفي البقاع التي للسلطان من حقوق المسلمين، وهذا استدلال فاسد؛ لأن المعنى فيها إنما هو ما ذكرته وبينته مما لا إشكال فيه، والحمد لله؛ والقول في بيع الأنقاض، وما في ذلك من الاختلاف، وتبيين الصحيح منه، يتسع ويخرج عفا قصدنا إليه من الاختصار والاقتصار على شرح ما تفتقر المسألة إلى شرحه دون التطويل لسياقة ما يتسلسل بذلك من الشبيه والنظير. [مسألة: اشترى حائطا غائبا ولم ينقد فتلف الحائط بسيل أو غيره] مسألة وسئل عمن اشترى حائطا غائبا ولم ينقد، فتلف الحائط بسيل أو غيره قبل أن يقبضه المشتري؛ قال: أما الحائط يشترى على عدد نخل نقد له، أو الدار على أذرع مسماة تذرع له، فإن ضمانها على البائع؛ أما الشيء الذي قد رآه، ولم يشتره على عدد نخل ولا أذرع مسماة، ثم تلف فهو من المبتاع. قال محمد بن رشد: معنى شراء الحائط على عدد نخل نقد له، أو الدار على أذرع مسماة تذرع له، هو أن يشتري منه الحائط على أن فيه من النخل كذا وكذا نخلة، وأن يشتري منه الدار على أن ذرعها كذا، وكذا ذراعا، والشراء على هذا الوجه مختلف فيه: قيل: إن ذكر عدد النخل وذرع الدار صفة لذلك، وقيل: إنه بمنزلة من اشترى عددا من النخل، وذرعا من الدار حسبما مضى القول فيه في أول السماع؛ وتحصيل الاختلاف في الضمان في ذلك، أن في كل واحد من الوجهين قولين، وفي الجملة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الضمان من البائع حتى يقبضها المبتاع، وإن كان الشراء على رؤية، وهو أحد قولي مالك في المدونة، واختيار ابن القاسم

مسألة: يشتري الدار الغائبة عنه مذارعة

فيها. والثاني: أن الضمان من المبتاع، وإن كان اشتراء الحائط على عدد نخل نقد له، والدار على أذرع تذرع له، وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من هذا الكتاب، ورواية ابن أبي أويس عن مالك. والثالث: تفرقته في هذه الرواية بين الوجهين، فقف على ذلك وتدبره. [مسألة: يشتري الدار الغائبة عنه مذارعة] مسألة وسألته عن الذي يشتري الدار الغائبة عنه مذارعة، أيصلح النقد فيها مثل الذي يشتري غير مذارعة، فقال: لا يصلح، أرأيت إن كان قيل له مائة ذراع، فوجد تسعين ذراعا، لا يعجبني النقد فيها. قال محمد بن رشد: إنما لا يجوز النقد فيها إذا كان البائع هو الذي قال له: إن فيها كذا وكذا ذراعا، وأما إن كان قال ذلك له غير البائع من مخبر أو رسول، فالنقد في ذلك جائز؛ يبين هذا ما تقدم في رسم نذر سنة يصومها، من سماع ابن القاسم. [مسألة: القوم يجتمعون في البيع فيقولون لا نزيد على كذا وكذا] مسألة وسئل عن القوم يجتمعون في البيع، فيقولون: لا نزيد على كذا وكذا، فقال: لا والله، ما هذا بحسن. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن تواطؤهم على ذلك إفساد على البائع، وإضرار به في سلعته، وهو نحو ما في رسم

مسألة: يبيع ثلاثمائة شجرة تين قد طابت يكون فيها شجرات شتوية لم تطب

مسائل بيوع وكراء، من سماع أشهب، من كتاب العيوب؛ لأنه استخف به أن يقول المشتري للسلعة في سوقها للرجل يقف عليه: كف عني فيها، فإن لي بها حاجة؛ وكره الأمر العام من ذلك، وقد مضى القول على ذلك هناك، فإن وقع هذا وأقر به القوم، أو شهدت به عليهم بينة؛ كان البائع بالخيار إن كانت السلعة قائمة بين أن يمضي البيع أو يرده، وإن فاتت كان له الأكثر من القيمة، أو الثمن على قياس حكم الغش والخديعة في البيع؛ لأن ذلك غش للبائع، وإن أمضى البائع السلعة بالثمن، فهم كلهم فيها أشراك؛ لتواطئهم على ترك الزيادة فيما زادت أو نقصت أو تلفت؛ يكون من حق المبتاع منهم أن يلزمهم الشركة إن نقصت أو تلفت، ويكون من حقهم أن يلزموه ذلك إن زادت أو كان فيها ربح ظاهر، وسواء كان هذا في سوق تلك السلعة أو في غير سوقها، أرادوها للتجارة أو لغير التجارة، كانوا من أهل تلك التجارة، أو لم يكونوا، بمنزلة أن لو وقفوا على المبتاع وهو يبتاع، فقالوا له: أشركنا في هذه السلعة، فقال لهم: نعم، وإنما يفترق ما ذكرناه إذا وقفوا عليه، حتى تم ابتياعه، ولم يقولوا له شيئا، أو قالوا ذلك له، فسكت، ولم يجبهم على ما سيأتي القول فيه في أول نوازل أصبغ، والله ولي التوفيق. [مسألة: يبيع ثلاثمائة شجرة تين قد طابت يكون فيها شجرات شتوية لم تطب] مسألة وسئل عن الذي يبيع ثلاثمائة شجرة تين قد طابت، يكون فيها عشر شجرات، أو عشرون شجرة شتوية لم تطب، فقال: أرأيت ذلك الشتوي أيطيب الآن؟ فقال: لا؛ ولا إلى شهر؛ قال: فلا خير فيه، فقيل له: وكذلك العنب، فقال: نعم؛ قيل له: فيبيع كل واحد على حدة؟ قال: نعم.

مسألة: الشجر غير النخل إذا بيعت أصولها

قال محمد بن رشد: أما إذا كان الشتوي لا يطيب حتى ينقضي ثمر الذي ليس بشتوي، فلا اختلاف في أنه لا يجوز بيع الشتوي بطيب الذي ليس بشتوي، إلا أن يكون الشتوي في حيز التبع: الثلث فأقل، فقد قيل: إنه يجوز بيعه معه، وفي كتاب محمد بن المواز دليل على هذا القول؛ وقال أبو إسحاق التونسي: إن ذلك لا يجوز؛ إذ لا ضرر على المبتاع في بقاء ما لم يطيب للبائع، إذ لا بد له من دخول الحائط لسقيه على كل حال؛ ولو كان المبتاع أراد أن ينفرد بعياله في الحائط وشرط السقي على نفسه؛ لجاز ذلك قياسا على الثمرة في الدار، فهذه الرواية خلاف القول الذي يدل عليه ما في كتاب محمد بن المواز؛ إذ لم يجز فيها بيع عشرين شجرة شتوية بطيب ثلاثمائة غير شتوية، ويحتمل ألا يكون خلافا لما ذهب إليه أبو إسحاق التونسي، فتأمل ذلك وانظره. [مسألة: الشجر غير النخل إذا بيعت أصولها] مسألة قال: وقلت لمالك: إني سألتك عن الشجر غير النخل إذا بيعت أصولها، وفيها ثمر لمن هو؟ فقلت: إذا بيعت، وقد ألحقت بثمرتها للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع؛ فجعلت اللقاح حد ذلك، فما اللقاح؟ قال اللقاح: أن يثمر الشجر، ثم يسقط منها ما يسقط منه، ويثبت منها ما يثبت منه؛ فإذا كان ذلك، فقد ألقحت الشجرة وهو اللقاح، وقلت له: وليس له ذلك بأن تورد الشجر، فقال: لا، إنما ذلك الذي يثمر فيسقط منه ما يسقط، ويثبت منه ما يثبت، فإذا كان ذلك، فهو اللقاح؛ وقد يكون ذلك في الأعناب والرمان، يسقط بعضه ويثبت بعضه، وذلك اللقاح. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب، المعلوم من

يشتري مشتري العبد ماله بعد أن يشتريه

قول مالك: إن اللقاح فيما سوى النخل من الثمر، هو أن يثبت منه ما يثبت، ويسقط ما يسقط، كالإبار في النخل، وقد كان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن النوار فيما يورد من الشجر بمنزلة الإبار في النخل، ثم رجع إلى أن اللقاح فيها كالإبار في النخل، وفي رسم العرية، من سماع عيسى، مثل قول مالك الأول، قال فيه: والزرع حين يطلب بمنزلة النوار في الشجر، وأما الزرع فقيل: إن نباته كالإبار في النخل، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وقيل: بل حتى يستقل ويفرق، وقيل: بل حتى يأخذ الحب، وقع ذلك في أصل الأسدية، وهو أحد قولي ابن عبد الحكم. [يشتري مشتري العبد ماله بعد أن يشتريه] من سماع عيسى بن دينار من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: وكان ابن القاسم يقول: لا نرى أن يشتري مشتري العبد ماله بعد أن يشتريه، ولم يكن ما استثنى ماله، لا يرى به بأسا أن يشتريه وإن لم يعلمه به، يصنع كما كان يصنع لو استثناه؛ يريد إذا كان ماله عينا يشتريه بالعين، وأما العروض فليس فيه كلام، وفي سماع أصبغ عن ابن القاسم: إن كان بقربه، فلا بأس به، وإن كان قد طاق فلا خير فيه؛ لأنه لا يدري كم هو؟ وهل نقص أم لا؟ قال أصبغ: أو زاد بتجارة أو فائدة، قال ابن القاسم: وليس شيء من ذلك مضمونا على السيد، فإن ابتاعه بحضرة ذلك أخذ ما وجد، ولم يكن على البائع أن يوفيه شيئا؛ لأنه ليس شيء من ذلك بمضمون على البائع؛ وقال في ثمر النخل: لا يستثنيه ثم يشتريه: إنه مثله، لا بأس أن يشتريه، وإن لم يبد

صلاحه؛ قال عيسى: وذلك إذا كان بحدثان شرائه، وأما إذا طال، فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: أجاز ابن القاسم في رواية عيسى عنه شراء مال العبد، وثمر النخل بعد الصفقة، إذا لم يشترط ذلك عند الصفقة، ولم يفرق في ذلك بين قرب ولا بعد، ومثله في الجوائح من المدونة في شراء ثمر النخل بعد الصفقة، وروى أشهب عن مالك، في رسم البيوع الأول، من سماعه من كتاب العيوب، أن ذلك لا يجوز قرب أو بعد، فكنت أقول: إن تفرقة عيسى وابن القاسم في رواية أصبغ عنه بين القرب والبعد في ذلك، مفسرة لقوله في رواية عيسى عنه؛ وأن الاختلاف إنما هو في القرب، ولا اختلاف في البعد من أجل أن الأمر إذا طال، فليس الذي اشترى هو الذي كان يجوز له أن يستثني؛ والذي أقول به الآن: إن التفرقة بين القرب والبعد، قول ثالث في المسألة، وأن ذلك جائز على ظاهر رواية عيسى هذه، وما في المدونة من القرب والبعد؛ لأن لكل قول منهما وجها من النظر. فوجه إجازة ذلك في القرب والبعد، هو أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما نهى عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحها إذا بيعت دون الأصول، من أجل أن المشتري لا يضمنها بالعقد؛ إذ هي في أصول البائع، فكان بيعها غررا، وأجاز - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمبتاع الأصول أن يستثنيها بقوله: «من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع» ، وإن كان إذا استثناها قد ابتاعها بما ينو بها من الثمن؛ إذ لا غرر في ذلك، من أجل أن

المبتاع قد قبضها وضمنها بكونها في أصوله، فكذلك إذا اشتراها في صفقة أخرى، يجوز قرب أو بعد؛ إذ لا فرق في ذلك من أجل أن المبتاع يقبضها ويضمنها بالعقد؛ لكونها في أصوله؛ ووجه المنع من ذلك في القرب والبعد، هو أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها» ، فوجب أن يحمل النهي على عمومه في كل حال، ولا يخصص من ذلك إلا ما خصصته السنة من الاشتراط في عقد ابتياع الأصول، ووجه التفرقة بين القرب والبعد، هي أن السنة إنما أجازت الاشتراط في أصل الصفقة، فلا يجوز أن يشتري بعدها، إلا ما كان له أن يشترط فيها؛ وإذا بعد الأمر، فليس الذي اشترى هو الذي كان له أن يشترط؛ إذ قد زادت الثمرة أو نقصت؛ وكذلك مال العبد؛ لاحتمال زيادته ونقصانه؛ وأشهب يفرق بين ثمرة النخل ومال العبد، فيجيز شراء ثمر النخل بعد الصفقة، يريد في القرب والبعد، ولا يجيز شراء مال العبد، يريد لا في القرب ولا في البعد، وهو قول رابع في المسألة. قال أبو إسحاق التونسي: وشراء ثمر النخل أبين من شراء مال العبد؛ لأن الثمرة تدخل بالعقد في ضمانه، لكونها في أصوله، فيرتفع الغرر بذلك، وعندي ألا فرق بينهما؛ لأن مال العبد أيضا إنما يشتريه ليكون للعبد كما كان، فإنما جاز؛ لكونه لاحقا بمال العبد، ألا ترى أنه لو اشتراه لنفسه أو بعد أن باع العبد، لم يجز؛ كما لو اشترى الثمرة بعد أن باع الأصل لم يجز، وحكم شراء الزرع بعد الأرض، حكم شراء الثمرة بعد الأصل؛ يدخل في ذلك الأقوال الثلاثة: الجواز، والمنع، والفرق بين القرب والبعد. قال يحيى: وحد القرب في ذلك العشرون يوما ونحو ذلك، وفي قوله في أول المسألة يريد إذا كان مال العبد عينا يشتريه

مسألة: يبيع الثمر في رءوس النخل حين تزهى فتيبس

بالعين؛ وأما العروض فليس فيه كلام نظر؛ لأن مال العبد إذا كان عينا فوقع على معرفته، لم يجز أن يشتريه إلا بما يجوز لغيره أن يشتري به العين، كما أنه إذا كان عروضا أيضا فوقع على معرفتها، لم يجز أن يشتريها إلا بما يجوز لغيره أن يشتري به تلك العروض، وإذا لم يقع على معرفته واشتراء على الجهل به، فسواء كان عينا أو عرضا، يجوز له أن يشتريه بما شاء من عين أو عرض، وإن كان ذلك لا يجوز لغيره؛ وقد وقع من قول أصبغ في آخر أول رسم من سماعه بيان هذا؛ فمعنى قوله: إن مال العبد المجهول الذي لا يعلم ما هو يجوز أن يشتريه بعين، وإن كان فيه عين، ولا يجوز له على مذهب ابن القاسم أن يشتري بعضه، كما لا يجوز له أن يشترط بعضه، إلا أن يكون معلوما، فيشتري منه ما شاء بما شاء، مما يجوز له أن يشتريه به. [مسألة: يبيع الثمر في رءوس النخل حين تزهى فتيبس] مسألة وقال في الذي يبيع الثمر في رءوس النخل حين تزهى فتيبس، ثم يأتي فيستقيله، قال: لا يصلح ذلك؛ لأنه كأنه أخذ من ثمن رطب ثمرا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة اختلف فيها قول مالك، في سماع أشهب، من كتاب السلم والآجال، وقد مضى القول عليها هناك مستوفى، فأغنى عن إعادته هنا. [مسألة: اشترى زيتا فكال له مطرا ثم كال آخر فوقع على وعاء المشتري فانكسرا] مسألة وسألته عن الرجل يشتري من الرجل زيتا، فأمر أجيرا له أن يكيل له، فكال مطرا فصبه في وعاء المشتري؛ ثم كال آخر فوقع على وعاء المشتري فانكسرا جميعا؛ قال: أما الثاني، فليس من

المشتري هو من البائع، وليس على الأجير فيه شيء، وأما الأول الذي انكسر في وعاء المشتري، فعلى الأجير ضمانه؛ لأنه من سببه. قال محمد بن رشد: المطر خفيف، وهو مكيال يكال به؛ والمسألة كلها صحيحة بينة المعنى. قوله فيها: إن الكيل الثاني الذي انكسر بعد امتلائه، وقبل أن يصبه في إناء المشتري، ضمانه من البائع لا من المشتري صحيح؛ لأن انكساره بيد أجير البائع، كانكساره بيد البائع لو كان البائع، هو متولي الكيل؛ لأن يد أجيره كيده، ولا ضمان على الأجير فيما سقط من يده مما استؤجر عليه؛ وإذا ضمنه لزمه غرمه من بقية الزيت، إلا أن يرضى المشتري؛ أن يأخذ من غيره، ولو كان آخر كيل وقد فني الزيت، رد إليه ما ينوبه من الثمن، إلا أن يتراضيا على أخذ مثله قبل التفرق؛ ولا اختلاف في أن الكيل لو سقط من يد البائع، وهو يكيل بعد امتلائه وقبل أن يصبه في وعاء المشتري، أنه من البائع، فكذلك إذا سقط من يد أجيره على الكيل، وإنما اختلف إذا كان المبتاع هو الذي يكتال لنفسه أو وكيله على ذلك أو أجيره، إذا قال له البائع: كل لنفسك؛ فاكتال لنفسه، أو استناب في ذلك أحدا، أو استأجره عليه، فسقط الكيل من يده أو من يد وكيله، أو من يد أجيره بعد أن امتلأ، وقبل أن يصبه في وعائه، فانكسر وذهب ما فيه؛ فروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في رسم يشتري الدور والمزارع من سماعه بعد هذا: أن مصيبته من البائع؛ وقال سحنون في نوازله: إنه إن انكسر بعد أن امتلأ، فمصيبته من المبتاع،

وكذلك لو كان الذي يكيل أجيرا لهما جميعا، أو وكيلا استأجراه للكيل، أو استعاناه في ذلك، وسواء في هذا، كله كان المكيال للبائع أو للمبتاع، إلا أن يكون المكيال هو الذي ينصرف به المبتاع إلى منزله، ليس له إناء غيره، فيكون ضمان ما فيه منه إذا امتلأ، كان له أو للبائع استعاره منه المبتاع، قاله ابن وهب في رواية ابن أبي جعفر عنه، وهو صحيح، والاختلاف في هذا، جار على اختلافهم فيمن اشترى سلعة حاضرة بعينها، هل تدخل بالعقد في ضمان المبتاع، ولا يكون على البائع فيها حق توفية؟ أو لا تدخل في ضمانة حتى يقبضها، أو يمضي من المدة ما كان يمكنه قبضه فيها، لو أراد أن يقبضها؟ لأن الكيل إذا ملأه المشتري لنفسه أو أجيره، فقد تعين ما فيه له، وصار كالسلعة الحاضرة المبتاعة، فتلف ما فيه قبل أن يفرغه في وعائه، كتلف السلعة الحاضرة عقيب البيع قبل إمكان القبض، والقولان في السلعة الحاضرة المبيعة قائمان من المدونة مما وقع في كتاب البيوع الفاسدة من المدونة، وفي كتاب بيوع الآجال منها. وإنما لم يدخل هذا الاختلاف إذا كان البائع هو الذي يكيل؛ إذ لا يتعين ما في المكيال للمشتري بامتلائه؛ إذ من حق البائع أن يأخذ ما في المكيال لنفسه إذا ملأه، ويقول للمشتري: أكيل لك غيره، ولو كان المكيال الذي انكسر بيد البائع آخر كيل بقي للمشتري، وقد فني زيت البائع الذي باع منه الكيل المسمى؛ لدخل الاختلاف المذكور في ذلك، من أجل أنه قد تعين للمشتري، إذ لم يبق للبائع من الزيت ما يوفيه منه غيره، وكذلك لو كان البائع، وأخذ في صب الكيل في وعاء المشتري بعد أن امتلأ، فسقط من يده فانكسر وذهب ما فيه قبل أن يستوفي تفريغه؛ لدخل الخلاف

مسألة: بيع صبرة قمح وعشرة أرادب عدس بدينار

المذكور أيضا فيما ذهب مما كان بقي في المكيال، إذ قد تعين للمشتري ما بقي في المكيال بشروع البائع في تفريغه في وعاء المشتري، ولا اختلاف بينهم في أن مصيبة ما في المكيال من البائع إذا انكسر قبل أن يمتلئ، ولو كان البائع، فلما امتلأ الكيل دفعه إلى المشتري ليفرغه في وعائه، فسقط من يده قبل أن يفرغه؛ لكان ضمانه منه؛ فلا خلاف في هذا بين ابن القاسم وسحنون، وقوله في الرواية. وأما الأول الذي انكسر في وعاء المشتري، فعلى الأجير ضمانه صحيح؛ لأنها جناية منه على المشتري هو لها ضامن؛ لأن الأجير عند ابن القاسم لا يضمن ما سقط من يده، ولا ما وطئ عليه فكسره؛ وقال أشهب في المدونة: إنه يضمن ما وطئ عليه، بخلاف ما يسقط من يده، ولا اختلاف بينهم في أنه يضمن ما سقط ذلك الشيء عليه من يده فكسره، ولو كان البائع هو الذي سقط من يده المكيال على وعاء المشتري فانكسر، وكسر ما في وعاء المشتري، للزمه غرم ما كان في وعاء المشتري من زيت مثله، ولا يلزمه غرمه من ذلك الزيت إلا أن يشاء، وأما ما كان في المكيال؛ فيلزمه غرمه من ذلك الزيت، إلا أن يرضى البائع أن يأخذ من غيره، فإن كان الكيل آخر كيل، ولم يبق عند المشتري شيء من ذلك الزيت، رد من الثمن ما يجب له، إلا أن يتراضيا على أن يعطيه من زيت غيره، فيجوز قبل التفرق. [مسألة: بيع صبرة قمح وعشرة أرادب عدس بدينار] مسألة وقال في صبرة قمح، وعشرة أرادب عدس بدينار، قال: لا خير فيه؛ كذلك قال لي مالك؛ لأن الخطار يدخله، إلا أن يكون كيلا كله، أو جزافا كله، لا يشتري كيلا شيئا من الأشياء، وجزافا من غيره؛ وقد قال لي مالك: إنه عن مثل هذا.

مسألة: اشترى من رجل سلعة بمائة دينار قائمة وشرط عليه في عقدة البيع

قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة، في رسم شكل من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته؛ وسيأتي إن شاء الله في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ، تمام القول فيما يتعلق بها. [مسألة: اشترى من رجل سلعة بمائة دينار قائمة وشرط عليه في عقدة البيع] مسألة وسئل عن رجل اشترى من رجل سلعة بمائة دينار قائمة، وشرط عليه في عقدة البيع أن يحمل له على وزن مائة قائمة، يدخل في ذلك ما دخل؛ قال: ليس فيه خير؛ وقيل له: إنه قد اشترطه، فقال: أرأيت ما لا يجوز في القضاء، أيجوز في البيع، وذكر مسألة مالك في القضاء، قيل له: أيفسخ هذا البيع؟ قال: إن أدرك فسخ، وإن فات، لم أره مفسوخا. قال محمد بن رشد: لم يجز أن يبيع منه سلعة بمائة دينار قائمة على أن يأخذ منه دنانير مجموعة بوزن المائة القائمة، أن يجعل المائة القائمة صنجة يأخذ بها دنانير مجموعة، كما لا يجوز ذلك في القضاء، يريد كما لا يجوز إذا كان له عليه مائة دينار قائمة، أن يأخذ منه دنانير مجموعة بوزنها، بأنه يأخذ مائة دينار قائمة فيجعلها صنجة؛ يقضيه بها دنانير مجموعة، وإنما لم يجز ذلك في القضاء ولا في البيع؛ لأن الدنانير القائمة تجوز عددا، ويعرف وزن كل واحد منها على الانفراد، ولا بد أن يكون بعضها أوزن من بعض. فإذا جمعت كلها في الوزن لم يعرف حقيقة ما يكون فيها من الوزن، فإذا باع سلعة على هذا، فكأنه قد باعها بثمن مجهول؛ إذ لا يعرف حقيقة وزن ما باعها به من الدنانير المجموعة، إلا أنه رأى الجهل في ذلك يسيرا؛ إذ لا يتفاوت الوزن في ذلك تفاوتا بعيدا، فرآه بيعا مكروها، فسخه في القيام وأمضاه في الفوات، وأما القضاء فهو أشد؛ لأنه إذا أخذ

مسألة: اشترى مائة أردب من طعام بعينه فقصر عن المائة

بوزن القائمة التي له مجموعة، لا يدرى هل أخذ أقل في الوزن أو أكثر؛ إذ لا بد من أن يزيد في الوزن أو ينقص، وهو يغتفر فضل عدد القائمة التي له رجاء زيادة الوزن، لا سيما والصرافون يزعمون أن الذهب إذا جمع نقص، وإذا فرق زاد، وهذا مثل قوله في المدونة في مسألة الدرهمين الفردين يؤخذ بوزنهما تبر فضة. [مسألة: اشترى مائة أردب من طعام بعينه فقصر عن المائة] مسألة وسئل عن رجل اشترى مائة أردب من طعام بعينه فقصر عن المائة، فأراد أن يأخذ عدسا ثمن ذلك، رضيا بذلك جميعا، فقال: إذا كان طعاما بعينه، فلا بأس إذا لم يكن فيه وفاء؛ فإن كان فيه وفاء، فلا خير فيه، وإن كان مضمونا، فلا خير فيه؛ لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال؛ لأن الطعام المشترى إذا كان بعينه، ولم يكن فيه وفاء، فالواجب أن ينتقض من البيع بحساب ما نقص من الطعام، ويرد البائع على المبتاع ما يجب لذلك من الثمن، فجاز للمبتاع أن يأخذ منه بما يجب له عليه من الثمن بما شاء من الطعام أو العروض إذا تعجل؛ فإن كان فيه وفاء أو كان سلما مضمونا، لم يجز له أن يأخذ في شيء منه عدسا وما سوى طعامه؛ لأنه إذا فعل ذلك كان قد باع ما وجب له من الطعام بما أخذ من غير صنفه، أو من العروض، فدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى.

مسألة: اشترى من رجل طعاما بعينه إلى أجل ثم غاب أحدهما من عذر أو غيره

[مسألة: اشترى من رجل طعاما بعينه إلى أجل ثم غاب أحدهما من عذر أو غيره] مسألة وسئل عن رجل اشترى من رجل طعاما بعينه إلى أجل، ثم غاب أحدهما من عذر أو غيره، حتى مضى الأجل، فأحب أحدهما إتمام البيع وكره الآخر، قال: أرى البيع لازما لهما، وليس لأحدهما أن يتأخر عن صاحبه، ولا يتغيب عنه لفسخ البيع بينهما، ويكون ذلك ندما منه. قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة في هذا الرسم بعينه، من هذا السماع، من كتاب السلم والآجال، وقد مضى القول عليها هناك، فلا معنى لإعادته. [مسألة: باع سلعة بيعا فاسدا ثم دفع ذلك فقال إذا حالت فيهما الأسواق فهو فوت] مسألة وسئل عن رجل باع سلعة بيعا فاسدا، ثم دفع ذلك فقال: إذا حالت فيهما الأسواق فهو فوت كذلك قاله لي مالك، إلا في الطعام وما أشبهه مما يوجد مثله وفيه الرد. قال محمد بن رشد: هذا هو المنصوص عليه من قول مالك وأصحابه، المعلوم من مذهبه في المدونة وغيرها، أن المكيل والموزون من الطعام وغيره الذي يوجد مثله، لا تفيته حوالة الأسواق، والذي يوجبه النظر أن يفيت ذلك كله حوالة الأسواق كالعروض؛ لأن العلة في أن العروض تفيتها حوالة الأسواق ما يدخل من الضرر على أحد المتبايعين بإيضاع قيمتها أو ارتفاعها، وذلك موجود في المكيل والموزون من الطعام

مسألة: بيع البيض المسلوق بالنيء متفاضلا

وغيره، فقد يبيعه الطعام في الشدائد بيعا فاسدا، ثم يعثر على الفساد في الرخاء، فيظلم البائع في أن يرد عليه مثل طعامه، وهو لا يساوي إلا يسيرا، أو يبيعه في الرخاء ثم يعثر على الفساد في الشدائد، فيظلم المبتاع بأن يكلف رد مثله فيشتريه بعشرة أمثال ما باع به الطعام الذي اشتراه أو أكثر؛ وقد قال ابن المواز: إن الطعام الجزاف، والحلي الجزاف، تفيته في البيع الفاسد حوالة الأسواق كالعروض؛ فإذا كان الطعام الجزاف والعروض تفيتها حوالة الأسواق مع بقاء العين، فأحرى أن تفيت حوالة الأسواق المكيل والموزون كله من الطعام وغيره مع ذهاب العين؛ لأن مثل الشيء أنزل رتبة من عينه، فإذا كان العرض يفوت بحوالة الأسواق مع بقاء عينه، فأحرى أن يفوت الطعام بحوالة الأسواق مع ذهاب عينه. [مسألة: بيع البيض المسلوق بالنيء متفاضلا] مسألة وقال في البيض المسلوق بالنيء متفاضلا: لا خير فيه، ليس السلق صنعة. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصله في المدونة في اللحمان: أن النار فيها ليس بصنعة يبيح التفاضل في الصنف الواحد منها إذا شوي أو طبخ بغير إبزار، فالسلق في البيض كالشي في اللحم بغير إبزار. [مسألة: مسلم اشترى من مسلم خنزيرا] مسألة وسئل عن مسلم اشترى من مسلم خنزيرا، قال: يرد الثمن، ويقتل الخنزير.

مسألة: كان له على رجل مائة إردب قمح من شراء

قال محمد بن رشد: الظاهر من هذه الرواية أن البيع ينقض في الخنزير، فيقتل على البائع، وإن كان المبتاع قد قبضه، ويرد الثمن إلى المبتاع، وقد قيل إذا قبضه المبتاع أنه يقتل عليه، ويمضي البيع، ويتصدق بالثمن على المساكين، قبضه البائع أو لم يقبضه؛ إذ لا يحل للبائع، ولا يصح تركه للمبتاع، وقد قتل الخنزير عليه؛ وأما إن عثر على البيع قبل أن يقبض المبتاع الخنزير، فلا اختلاف في أنه يقتل على البائع، ويسقط الثمن عن المشتري إن كان لم يدفعه، واختلف إن كان قد دفعه إلى البائع؛ فقيل: إنه يرد على المبتاع، وهو قوله في هذه الرواية، وقيل: إنه يتصدق به على المساكين أدبا له، ولو اشتراه المسلم فأكله من ضرورة، لرجب أن يبطل الثمن عنه إن كان لم يدفعه، وأن يرد عليه بلا خلاف، إن كان قد دفعه. [مسألة: كان له على رجل مائة إردب قمح من شراء] مسألة وقال فيمن كان له على رجل مائة إردب قمح من شراء، فقال الرجل: اقبضها، فما اقتضيت من شيء، فلك ربعه أو جزء منه؛ قال: لا خير فيه ولا يحل، وهو من بيع الطعام قبل أن يستوفى. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه قد باع بعض الطعام من المقتضي للطعام بعنائه له في اقتضاء باقيه. [مسألة: باع كبشا بصوف إلى أجل] مسألة وسئل عن رجل باع كبشا بصوف إلى أجل، قال: إن كان أجلا قريبا لا يكون للكبش صوف يجز في مثله، فلا بأس، وإن كان أجلا بعيدا يكون فيه للكبش صوف، فلا خير

يشتري من الرجل عشر شياه يختارها من غنمه

فيه؛ قال مالك: لا يصح لرجل أن يبيع نخلا بثمن إلى أجل يكون للنخل ثمن إلى الأجل. قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة بعينها في هذا الرسم بعينه من هذا السماع، من كتاب السلم والآجال، ومضى القول عليها مستوعبا مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور، فمن أحب الوقوف على ذلك تأمله هناك. [يشتري من الرجل عشر شياه يختارها من غنمه] ومن كتاب أوله استأذن سيده وسئل عن الرجل يشتري من الرجل عشر شياه يختارها من غنمه، قال: لا بأس بذلك؛ قيل له فاشترى عشرة من شرارها، قال: لا خير فيه؛ لأن الخيار فيه للبائع، يعطيه ما أحب، ولا يدري ما اشترى؛ قال ابن القاسم: ولو أن رجلا اشترى عشر شياه من خيار غنم، فلما وجبت له، قال: زدني عشرة أخرى اختارها بعدها؛ قال: لا بأس به، ولو كان قال رجل آخر: بعني بعشرة اختارها بعدها أن يختار هذا عشرته لم يكن فيه خير؛ لأنه غرر لا يدري ما اشترى؛ قال: وأن الذي يزيد عشرة إلى عشرة قد عرف ما اشترى، وهو بمنزلة رجل اشترى عشرين يختارها. قال محمد بن رشد: شراء الغنم على الاختيار، وإن تفاضلت عددا

مسمى من جملة، كان أقل الجملة أو أكثرها، جائز إذا كان قد قبلها وأحاط علما بها، وعرف شرارها من خيارها، لم يختلف في جواز ذلك نصوص الروايات عن مالك وأصحابه، وإن جاز أن يدخل الخلاف في جواز ذلك بالمعنى، فقد قال ابن حبيب: إنه لا يجوز شراء ثوب يختاره من ثياب على أن أحدها لازم له، إلا أن تكون الثياب صنفا واحدا لا تتفاضل في الجودة، وأما مالك في المدونة، فجرى في الثياب على أصله في الغنم، وأجاز شراء العدد منها على الاختيار إذا كانت صنفا واحدا، وصفة واحدة وإن تفاضلت، وإنما لم يجز ذلك إذا اختلفت أصنافها، أو اختلفت رقومها وصفاتها، وأجاز ذلك ابن المواز وإن اختلفت رقومها وصفاتها، ما لم تتباين تباينا يجوز معه سلم أحدهما في الآخر، فيكون ذلك كالصنفين، وعلى مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة في المدونة، يجوز ذلك في الصنفين، والشافعي وأبو حنيفة لا يجيزان على الشراء على الاختيار بحال، فهي خمسة أقوال. وإنما لا يجوز أن يختار باتفاق فيما لا يجوز أن يحول أحدهما في الآخر، وأما شراء عشرة من الغنم ونحو ذلك مما هو يسير من الجملة، مثل أن يبيع جملة غنمه على أن يختار منها عددا مسمى مما هو جلها أو أكثرها فلا يجوز، لم تختلف نصوص الروايات في أن ذلك لا يجوز، وإن جاز أن يدخل الخلاف في ذلك بالمعنى، فقد قال ابن حبيب في الرجل يبيع البز المنصف، ويستثني منه ثيابا، أنه إن اشترط أن يختارها من رقم بعينه، فلا بأس به، وإن كان جل ذلك الرقم، قال: وإنما يكره ذلك في الكيل من الجزاف؛ وهو بعيد، وقد قال ابن عبدوس: إن هذا إذا حمل على النظر، بطل كله، ولم يجز منه شيء؛ إذ لا يجوز للبائع أن يجهل ما باع، ولا للمشتري أن يجهل ما اشترى؛ وإذا كان الخيار

للمبتاع، فقد جهل البائع ما باع، وإذا كان للبائع قد جهل المبتاع ما ابتاع، وإنما جوز اختيار البيع إذا اتفق الصنف والثمن بالتسهيل؛ لأنه من بياعات الناس، وليس يحتمل النظر مثل الذي يبيع ثمر حائطه، ويستثني منه كيلا دون الثلث، وهو إنما باع منه ما بعد الكيل وهو مجهول، والحد الذي يجوز للبائع أن يستثنيه من غنمه على الخيار الثلث فأقل، فإن كان أكثر من الثلث لم يجز عند ابن القاسم، وأجازه سحنون؛ يريد والله أعلم ما لم يكن الجل أكثر من النصف، فقد رأيت له أنه أجاز أن يبيع الرجل أحد عبديه أيهما شاء على أن ذلك لازم للمشتري؛ وأن يتزوج المرأة على ذلك، خلاف ما في النكاح الأول من المدونة. وأجاز للذي اشترى عشرة من الغنم على أن يختارها أن يشتري قبل أن يختارها عشرة أخرى على الخيار أيضا، ولم يجز ذلك لغيره، والفرق بينه وبين غيره، أنه قد علم ما يختار؛ فلم يدخل في العشرة الثانية على جهل، وغيره لا يعلم ما يختار، هو فدخل على جهل، وكذلك يجوز له أن يشتري بقيتها قبل أن يختار العشرة، ولا يجوز ذلك لغيره، وأجاز ذلك محمد بن المواز لغيره في الوجهين، ووجهه أن العشرة التي اشتراها الأول على أن يختارها كأنها معلومة عند الثاني؛ إذ قد علم أنه لا يختار إلا خيارها، وخيارها لا يخفى على أهل المعرفة بها؛ فكأن البائع أبقى تلك العشرة لنفسه، وباع منه الباقي أو عشرة على أن يختارها، فعلى هذا يجوز للأول أن يبيع العشرة قبل أن يختارها من غيره، فيختارها المشتري الثاني لنفسه، خلاف ما يأتي في سماع سحنون لأشهب، وإذا اشترى عشرة من الغنم على أن يختارها، كان من حقه أن يختارها هو، فإن أراد أن يأتي بمن يختارها له كان ذلك له؛ هذا هو الذي يوجبه النظر، ويأتي على قول أشهب ما في سماع سحنون: أن ذلك ليس له؛ إذ لم يجز له بيعه من غيره على أن يأخذ ما يختار هو، ولا

مسألة: يشتري الرقيق من الرجل بأفريقية فيقدم الفسطاط بها فيوجد البيع حرام

على أن يختارها هو لنفسه؛ إذ لا ينزل أحد منزلته في اختيار ما اشترى إلا ورثته، هذا معنى قوله، وهو بعيد؛ وقد قال بعض الشيوخ على قول أشهب هذا: إنما لم يجز له أن يقدم من يختار له؛ لأن من حق البائع أن يقول: إنما رخصت عليك في الثمن؛ لأني علمت أنك غير ما هي بالاختيار في الغنم؛ فرجوت أن تختار ما ليس بخيارها، وهذا ليس بشيء؛ إذا لو كان البائع إنما دخل معه على ألا يختار إلا هو لهذا المعنى، لكان غررا؛ وقد قال يحيى بن دحون: إن اشترط البائع عليه أن يختار هو لنفسه لزمه، وليس بصحيح؛ فإن اشترى منه عشرة من خيرة غنمه وسكتا فلم يقل: أختارها أنا ولا أنت، واختلف في خيرتها، فقال البائع: هذه هي خيرتها فخذها، وقال المبتاع: بل هذه هي، دعي لذلك أهل المعرفة والبصر، قاله ابن حبيب، وهو صحيح؛ لأن البيع إذا وجب في خيرتها وسكتا عمن يختارها، فكأنه شيء معلوم. [مسألة: يشتري الرقيق من الرجل بأفريقية فيقدم الفسطاط بها فيوجد البيع حرام] مسألة وسألته عن الرجل يشتري الرقيق من الرجل بأفريقية، فيقدم الفسطاط بها، فيوجد البيع حراما، هل يكون فيه رد؟ وهل قدومه بها فوت؟ قال: ليس البلدان فوتا، إلا أن يفوت بنماء أو نقصان، أو اختلاف أسواق، أو طول زمان؛ فإن كانت الأسواق قد اختلفت فهو فوت، وما أرى إلا أن الفوت قد دخلها؛ لأن سوق القيروان وسوق الفسطاط ليسا واحدا؛ قلت: فلو اشتراها بالإسكندرية، وقدم

بها الفسطاط، هل ذلك فوت؟ قال: الذي اشتراها بالإسكندرية إنما يقدم بها الفسطاط للفضل، ومع ذلك قد غيرها السفر؛ فإن كانت الأسواق مختلفة، أو غيرها السفر، فهو فوت تكون فيه القيمة، قلت: وإن كانت لم تختلف الأسواق، ولم يغيرها السفر؛ قال: إن كانت كما تقول ردها، قلت: فأين يردها عليه بالفسطاط أم بالإسكندرية؟ قال: بل بالفسطاط، ولو كان طعاما لم يرده عليه إلا بالإسكندرية. قال محمد بن رشد: وكذلك السلع على قياس قوله في الرقيق، إذ يحتاج إلى الكراء عليهم، كالسلع لا يكون نقل شيء من ذلك من بلد إلى بلد فوتا في البيع الفاسد، إلا أن تختلف أسواق البلدان؛ وقد قيل: إن ذلك كله فوت، وهو الذي يأتي على قول أشهب وأصبغ في سماعه، من كتاب الغصب في مسألة الغصب؛ إذ جعل المغصوب منه مخيرا بين أن يأخذ متاعه، أو يضمنه قيمته في البلد الذي غصبه فيه، والغصب لا يفيته حوالة الأسواق؛ فجعلا نقل ذلك من بلد إلى بلد أشد من حوالة الأسواق، ووجه القول الأول أن الأسواق لم تختلف، وما أكرى به المتاع على السلعة مستهلك على كل حال، فسخ البيع أو صحح بالقيمة؛ إذ لا تساوي السلعة إلا القيمة التي صححت بها، فوجب أن يفسخ؛ إذ لا ضرر على المبتاع في الفسخ، ووجه القول الثاني: أن الأسواق وإن لم تختلف مما أكرى المبتاع به على السلعة محسوبا بثمنها، فكأن الأسواق قد حالت

مسألة: يكون له نصف عبد ونصفه لآخر أو نصفه حر فيبيع نصفه من رجل

بنقصان، فوجب ألا يفسخ البيع لما يدخل على المبتاع من الضرر بالفسخ؛ إذ قد يرتفع سوقها، فيربح فيها ما اكترى به عليها، فمن حقه ألا يعجل عليه الخسارة، وهذا القول أظهر؛ وأما الدواب التي لا يكرى عليها، وإنما تركب أو تكرى، فلا اختلاف في أن حملها من بلد إلى بلد لا يفيتهما في البيع الفاسد إذا لم تختلف أسواق البلدان؛ وكذلك الرقيق الذي لا يحتاج إلى الكراء عليهم، لا يفوت في البيع الفاسد من حمله من بلد إلى بلد، كالدواب يقوم ذلك من رواية ابن القاسم عن مالك، في سماع سحنون، من كتاب الغصب في مسألة الغصب؛ إذ فرق فيها بين الرقيق والسلع؛ ومعناه في الرقيق الذي لا يحتاج إلى الكراء عليهم، وأما نقل السلع من بلد إلى بلد بالكراء عليها، فهو فوت في الرد بالعيب؛ وقد مضى القول على ذلك في رسم نذر سنة، من سماع ابن القاسم، من كتاب العيوب؛ وأما قوله: ولو كان طعاما لم يرده عليه إلا بالإسكندرية، فمعناه في الطعام المكيل؛ وهو على أصله في أن حوالة الأسواق لا تفيته، وقد مضى القول على ذلك في الرسم الذي قبل هذا. [مسألة: يكون له نصف عبد ونصفه لآخر أو نصفه حر فيبيع نصفه من رجل] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يكون له نصف عبد ونصفه لآخر، أو نصفه حر، فيبيع نصفه من رجل، ولا يذكر البائع ولا المبتاع ماله عند البيع؛ فقال: قال مالك: لا يشتريه أحد إلا من كان في ماله بمنزلة سيده الذي باعه، وليس لسيده أن يستثنيه إذا باعه؛ فإذا باعه ولم يذكر هو ولا المبتاع ماله، ثم قال البائع والله ما بعته بماله ولا بعته إلا بغير ماله، فإن البيع يفسخ بينهما

باع الرجل أرضا وفيها زرع

ويرد، ولا يجوز لأحد أن يشتريه إلا على أن يكون في ماله بمنزلة بائعه يقر في يديه؛ يريد العبد ولا يحرك؛ قيل لسحنون: فإن باعه من شريكه على أن له ماله، قال ذلك جائز؛ لأن ذلك مقاسمة له، ولا يجوز له من غير شريكه أن يبيعه ويشترط ماله، أو يبيعه ويسكتان عن ماله، قال: هذا لا يجوز ويفسخ، إلا أن يبيعه بماله، ويحل المشتري فيه محل البائع. قال محمد بن رشد: أما إذا باعه من شريكه، فلا اختلاف في جواز البيع، استثنى المبتاع المال أو لم يستثنه؛ لأنه إن لم يستثنه، بقي نصفه للبائع، فكان ذلك مقاسمة له كما قال سحنون؛ وأما إذا باعه من غير شريكه، ولم يستثن المبتاع ماله، فقيل: إن البيع فاسد، وهو قول مالك في هذه الرواية؛ وفي سماع أشهب من كتاب الشركة: وقيل: إن البيع يفسخ إلا أن يرضى البائع أن يسلم ماله إلى المبتاع، وهو دليل ما في رسم العرية، من سماع عيسى، من كتاب العتق؛ ومثل ما في رسم كتب عليه، من سماع ابن القاسم، من هذا الكتاب، في مسألة النخل يباع وقد أبر نصف ثمرها حسبما بيناه هناك. [باع الرجل أرضا وفيها زرع] ومن كتاب العرية وقال: إذا باع الرجل أرضا، وفيها زرع حين بدا فهو للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع؛ قال: ولا يحل أن تباع أرض فيها زرع

بأرض أخرى فيها زرع، وهو جميعه قول مالك؛ والزرع حين يطلع بمنزلة النوار في الشجر، لا يحل على وجه من الوجوه، ويستثنى كل واحد منهما زرع صاحبه، ولا بأس أن يستثني أحدهما زرع صاحبه، ولا يستثني الآخر. قال محمد بن رشد: قوله: إن من باع أرضا وفيها زرع حين بدا فهو للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع، هو المعلوم المشهور من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وقد مضى ما في ذلك من الاختلاف في آخر سماع أشهب؛ وكذلك قوله: إنه لا يحل أن تباع أرض فيها زرع بأرض أخرى فيها زرع، هو المشهور في المذهب المعلوم من قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة وغيرها؛ وسحنون يجيز ذلك ما لم يحل بيع الزرع، ويجيز أيضا بيع الأرض، وفيها زرع لم يحل بيعه بطعام نقدا وإلى أجل؛ لأنه يجعله ملغى لا تقع عليه حصة من الثمن، وهو مذهب ابن الماجشون؛ وأما قوله: إن الزرع حين يطلع بمنزلة النوار في الشجر، فيقوم منه أن النوار في الشجر بمنزلة الإبار في النخل، خلاف ما مضى في آخر سماع أشهب، وقد مضى هنالك ذكر اختلاف قول مالك في ذلك؛ ويحتمل أن يريد أنه بمنزلته في أنه لا يجوز أن يستثني كل واحد منهما ثمر حائطه، وإن كان قد ورد، كما لا يجوز أن يستثني كل واحد منهما زرع حائطه، وإن كان قد ثبت؛ لا أنه بمنزلته في أنه يكون للبائع إذا ورد، وإن لم يستثنه كما يكون الزرع له إذا ثبت، وإن لم يستثنه، وهو الأظهر.

مسألة: يبيع أرضا فيها زرع لم يطب بثمن إلى أجل واستثناه المشتري

[مسألة: يبيع أرضا فيها زرع لم يطب بثمن إلى أجل واستثناه المشتري] مسألة وعن رجل يبيع أرضا فيها زرع لم يطب بثمن إلى أجل، واستثناه المشتري، فاستقال البائع على أن يمحو عنه الثمن، ويترك له الزرع، قال ابن القاسم: ليس بذلك بأس. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال: إن ذلك جائز؛ إذ لا تهمة فيه؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن رجعت إلى البائع أرضه، وبقي الزرع للمبتاع موهوبا بغير ثمن فجاز؛ وقد مضت هذه المسألة متكررة في رسم نقدها، من سماع عيسى، من كتاب السلم والآجال، ومضى هناك من القول عليها ما فيه كفاية. [مسألة: يأتي إلى الرجل فيقول له هل لك أن تبيعني ثوبك هذا بهذه الدراهم] مسألة وعن الرجل يأتي إلى الرجل فيقول له: هل لك أن تبيعني ثوبك هذا بهذه الدراهم، ولا تزنها تأخذها وازنة كانت أو ناقصة ولا تزنها، هل يكره أم لا؟ قال ابن القاسم: قال مالك: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: المكروه في هذه المسألة بين إذا كانت الناقصة لا تجوز بجواز الوازنة؛ لأنه غرر بين، وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر» ؛ ولو كانت الناقصة تجوز بجواز الوازنة لم يكن به بأس، وقد

مسألة: اشترى من رجل مائة قسط من زيت فوجد فأرة ميتة في الجرة التي يكال منها

مضى بيان هذا في سماع أشهب، من كتاب الصرف. [مسألة: اشترى من رجل مائة قسط من زيت فوجد فأرة ميتة في الجرة التي يكال منها] مسألة وسئل عن رجل اشترى من رجل مائة قسط من زيت، فكال له خمسين من جرة، ثم بدأ في أخرى يكيل له منها؛ فلما كال له منها قسطا أو قسطين، فصبه على الخمسين، فإذا بفأرة ميتة في الجرة الأخرى، قال: ضمان الخمسين من المبتاع. قلت: ولم لا يكون ضمانه على البائع الذي أفسده؟ قال: ليس عليه ضمان؛ لأنه إنما صبه عليه بأمر المبتاع؛ أرأيت لو أنك ابتعت جرة زيت من رجل فقلت له: بلغها إلى البيت، فحملها حتى بلغها، فأمر بصبها على زيت له في البيت؛ فلما صبه، فإذا بفأرة في الجرة، أكان يضمن زيتك الذي في البيت؟ ليس عليه ضمان، فالخمسون التي اكتالها بمنزلة زيته التي في بيته ضمان الخمسين منه. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال؛ لأنه لم يتعد في الصب، ولا كان منه خطأ في فعله إياه؛ وصبه إياه عليه بأمره؛ بمنزلة ما لو دفعه إليه فصبه هو على زيته، فوجب ألا يضمن، إلا أن يعلم بموت الفأرة في الجرة.

الحلباء هل تباع قبل أن تستوفى

[الحلباء هل تباع قبل أن تستوفى] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل عن الحلباء أتباع قبل أن تستوفى؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: حكم ابن القاسم في هذه الرواية للحلباء بحكم الأطعمة في أنها لا تباع قبل الاستيفاء، ولم يتكلم على جواز التفاضل فيها يدا بيد، والأظهر إجازة ذلك؛ وقد قيل: إنها من الأدوية، وليست من الأطعمة، وقيل: إن للخضراء منها حكم الأطعمة، ولليابسة حكم الأدوية، وقد مضى القول في هذا كله مستوفى، في سماع أبي زيد، من كتاب السلم والآجال. [مسألة: بيع القصب بالسكر] مسألة وقال في القصب بالسكر: لا بأس به. قال محمد بن رشد: زاد في هذه المسألة في بعض الروايات: وقال في عسل القصب برب القصب إذا دخلته الصنعة والإبزار مثل القرفة والسنبل والفلفل، قال: ومثل اللوز والفستق والبيض يجعل فيه: لا بأس به متفاضلا، قال: ولا أعلم إلا أنه بلغني عن مالك أنه قال ذلك؛ ووقف ابن القاسم فيه إذا لم تدخله هذه الأشياء، ولم يجعل منها فيه شيء، وإنما ضرب بالبيض فقط؛ ولا بأس بعسل القصب بالسكر؛ لأن السكر يطول أمره ومؤنته وعمله، فيتحول من شيء إلى شيء قبل أن يكون سكرا. قال محمد بن رشد: وهي زيادة بينة على ما في المدونة

مسألة: يبيع الشاة ويستثنى جلدها

لأنه أجاز السكر بالقصب وبربه وبعسله، لبعد ما بين السكر وبين كل واحد منهما؛ فجعل ذلك صنعة توجب جواز التفاضل بينه وبين كل واحد منهما، ورأى القصب وربه وعسله صنفا واحدا؛ فلا يجوز القصب بربه، ولا بعسله على حال؛ لعدم المماثلة فيه؛ ولا ربه بعسله إلا مثلا بمثل، وذلك مثل خل العنب يجوز بالعنب وبعصير العنب؛ لبعده من كل واحد منهما وطول زمانه إلى أن يصير خلا، ولا يجوز العنب بعصيره على حال؛ فإن دخل في القصب بربه أو بعسله، أو في ربه بعسله إبزار، جاز التفاضل في ذلك، كاللحم النيء بالمشوي، لا يجوز إلا أن يدخله الإبزار؛ وتوقف ابن القاسم في ضربه بالبيض وحده، وقد اختلف في خل التمر بالتمر؛ ومضى تحصيل القول فيه في رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب السلم والآجال. [مسألة: يبيع الشاة ويستثنى جلدها] مسألة وقال في الذي يبيع الشاة ويستثنى جلدها حيث يجوز ذلك فيه ثم تموت الشاة: إن المشتري لا يكون ضامنا للجلد؛ لأنه شريك معه، وفي سماع أصبغ من كتاب العيوب، قال ابن القاسم: المشتري ضامن للجلد. قال محمد بن رشد: رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها قوله: إن المشتري لا يكون ضامنا لجلد الشاة إذا استثناه البائع حيث يجوز له، معناه: إذا لم يفرط حتى ماتت قبل الذبح؛ فإن فرط وتوانى في الذبح حتى ماتت ضمن، وهو معنى الرواية الأخرى؛ قال: وقيل: إنما جعل المصيبة من المبتاع؛ لأنه إنما أجاز أن يشتري بهذا الاستثناء؛ لأنه لا

قيمة للمستثني في السفر، فكأنه اشترى الجميع؛ وهذا كله لا يصح منه شيء في النظر؛ إذ لا معنى للاعتبار بالتفريط في هذا من غير التفريط، وإن كان ابن حبيب قد نحا إلى هذا، ورواه أبو قرة أيضا عن مالك؛ قال فيمن باع بهيمة واستثنى رأسها فلم يذبحها حتى ماتت بغير إذن البائع، فعليه قيمة رأسها؛ لأنه ترك ما اشتراها له من الذبح، وإن حبسها بإذن البائع حتى هلكت فلا شيء عليه في رأسها؛ وإن صحت فأبى أن يذبحها فعليه قيمة رأسها؛ وأما استحياؤها بإذنه فهو شريك معه فيها، وهو استحسان على غير حقيقة قياس؛ إذ لا يخلو من أن يكون للبائع على المشتري في الجلد حق توفية، أو لا يكون له فيه حق توفية؛ فإن كان له عليه فيه حق توفية، فلا يسقط عنه بترك التفريط، وإن لم يكن له عليه فيه حق توفية، فلا يجب عليه بالتفريط. وقوله: وقيل: إنما جعل المصيبة من المبتاع؛ لأنه إنما جاز ... إلى آخر قوله - كلام متناقض؛ لأن كون الجلد لا قيمة له في السفر، يقتضي أن البيع لم يقع عليه، وأن المبتاع لا يكون ضامنا له؛ فالصحيح في المسألة أن رواية أصبغ خلاف لرواية عيسى، وأن الاختلاف في هذا جارٍ على الاختلاف في المستثنى، هل هو مبقى على ملك البائع وبمنزلة المشتري؟ فعلى القول بأنه مبقى على ملك البائع، يكون مصيبة الجلد منه إن ماتت الشاة؛ لأنها ماتت وجلدها له باق على ملكه حتى يذبح المبتاع الشاة فيأخذ جلده إذا لم يبعه، فإن استحياها المشتري أعطى البائع شرى جلده استحسانا، وكان القياس إذا استحياها أن يكونا شريكين فيها البائع بقيمة الجلد، والمشتري بقيمة ما سواه؛ وعلى القول بأنه بمنزلة المشتري، وكان البائع باع جميع الشاة بعشرة دراهم في التمثيل، وبجلدها يكون المشتري ضامنا لجلده؛

مسألة: الزيتون الذي قد جنى بالأمس وقد ذبل وضمر

وليس معنى قوله: إنه ضامن له أنه يغرم للبائع قيمته أو جلدا مثله؛ وإنما معناه أن ينظر إلى قيمته، فإن كانت قيمته في التمثيل درهمين وكان باع الشاة بعشرة دراهم، رجع البائع على المبتاع بسدس قيمة الشاة؛ لأنه كمن باع شاة بعشرة دراهم، وعرض قيمته درهمان، فاستحق العرض من يد البائع وقد فاتت الشاة عند المبتاع، وهذا بين كله لا إشكال فيه والحمد لله، وسيأتي في رسم حمل صبيا إذا استثنى الجلد في موضع لا يجوز له، والقول في ذلك إن شاء الله تعالى. [مسألة: الزيتون الذي قد جنى بالأمس وقد ذبل وضمر] مسألة وقال في الزيتون الذي قد جنى بالأمس وقد ذبل وضمر يباع بما يجني للغد أو اليومين، وهذا أشد انتفاخا؛ قال: هذا لا يكون، لا يذبل ليوم ولا ليومين، وليس ذلك ذبلا، فإن كان هذا المجني الآخر لو أخذ كيلا بكيل فترك قدر ما ترك الآخر ضمر ونقص، يعرف ذلك ويقول ذلك أهل المعرفة فلا خير فيه، وقد سألني الأندلسيون عن الرجل يتسلف من الرجل الفدان أو الفدانين يحتاج إليه فيحصده وفيه رطوبة يَتَنَفَّع بذلك إلى أن يترك زرعه ويبس فيجده ويعطيه قدر كيله وما خرج منه، فقال: إن كان لو ترك ضمر لرطوبته ونقص فلا خير فيه، ثم أخبرت أنهم سألوه بالمدينة ثانية، فلم يرخص لهم في ذلك. قال محمد بن رشد: أما بيع الزيتون الغض الطري، بالزيتون الذي

مسألة: باع عكم قراطيس بدينار نقدا ثم استقال أحدهما

قد ذبل وضمر ويعلم أنه قد نقص كيلا بكيل، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز؛ كما لا يجوز الرطب بالتمر، ولا الفريك بالقمح، ولا الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة، ولا بالحنطة المبلولة؛ لأن بعض المبلول أشد انتفاخا من بعض؛ والأصل في هذا ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل: عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا جف؛ قالوا: نعم، قال: فلا إذًا. » وأما الذي يحتاج فيتسلف الفدان والفدانين من الزرع الذي فيه رطوبة فيحصده ويدريه ويرد عليه مكيلة ما وجد فيه، فهو أخف وفيه اختلاف؛ لأنه ليس ببيع إذا كان على وجه المعروف من المسلف، لحاجة المسلف إلى ذلك، وقد مضى تحصيل الاختلاف في ذلك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، فمن أحب الوقوف عليه، تأمله هناك. [مسألة: باع عكم قراطيس بدينار نقدا ثم استقال أحدهما] مسألة وسئل: عن رجل باع عكم قراطيس بدينار نقدا، ثم استقال أحدهما، فأبى الآخر أن يقيله إلا بزيادة عشرة دراهم إلى أجل؛ قال: إن كان المشتري هو المستقيل فهو حرام، وإن كان البائع فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن المشتري إن كان هو المستقيل الذي زاد العشرة الدراهم إلى أجل، فقد فسخ البائع الدينار الذي له عليه حالا في عشرة دراهم إلى أجل وقراطيس نقدا، فيدخله فسخ الدين في الدين، وذهب بعرض نقدا وورق إلى أجل، ولو كان قد انتقد البائع الدينار، لم يدخله فسخ الدين في الدين، ودخله بيع ذهب نقدا بعروض ودراهم إلى أجل؛ وإن كان البائع هو المستقيل الذي

مسألة: اشترى من رجل كل مملوك هو له ولم يسمهم

زاد المبتاع العشرة دراهم إلى أجل فهو جائز؛ لأن البائع يصير قد ابتاع من المبتاع القراطيس التي باع منه بالدينار الذي له عليه، وبعشرة دراهم إلى أجل، وذلك جائز، ولو كان البائع قد انتقد الدينار وغاب عليه لم يجز، وأنهما على الزيادة في السلف؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن رجعت إلى البائع قراطيسه فكانت لغوا، وأسلف المبتاع البائع دينارا فغاب عليه وانتفع به، على أن أعطاه عشرة دراهم إلى أجل؛ وهذا إن كان من أهل العينة؛ لأن بيوع النقد لا يتهم فيها إلا أهل العينة حسبما مضى القول فيه في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، وقد مضت هذه المسألة مفرعة مستوفاة الوجوه في رسم القبلة من الكتاب المذكور، وفي رسم البراءة من سماع عيسى منه، والقول فيها على أصل مذهبه في الموطأ والمدونة. [مسألة: اشترى من رجل كل مملوك هو له ولم يسمهم] مسألة وقال في رجل اشترى من رجل كل مملوك هو له ولم يسمهم، إلا أن المشتري قد كان عرفهم كلهم صغارهم وكبارهم وتحراهم وهم غيب بموضع، أن البيع جائز لازم له إذا كان الموضع قريبا اليوم واليومين وما أشبهه وإن نقده بشرط؛ وإن كان الموضع بعيدا ولم يكن اشترط النقد، فذلك جائز، وإن نقده الثمن وتطوع، فذلك جائز؛ وإن ادعى البائع أن المشتري اشترى ما لا يعرفه، وادعى المشتري المعرفة، فالقول قول المشتري وإن لم تكن له بينة؛ لأنه ادعى الحلال؛ لأن كل متبايعين ادعى

أحدهما حلالا والآخر حراما، فالقول قول مدعي الحلال. قال محمد بن رشد: قوله إن اشترى العبيد الغيب إذا عرفهم المشتري صغارهم وكبارهم. وإن لم يسمهم بأسمائهم جائز لازم له، معناه: إذا كان البائع أيضا قد عرفهم، ومثله في الصلح من المدونة؛ لأنه أجاز مصالحة الورثة المرأة في ثمنها وإن لم يسموا التركة إذا كانوا قد عرفوا ذلك وعرفته، ولو جهلا جميعا مبلغ العبيد وصفاتهم، لكان البيع فاسدا، وكذلك إذا جهل ذلك أحدهما، والآخر يعلم بجهله، فتبايعا على ذلك، وأما إذا علم (أحدهما) وجهل الآخر ولم يعلم بجهله، فليس ببيع فاسد، وإنما هو في الحكم كبيع غش وخديعة يكون الجاهل منهما إذا علم مخيرا بين إمضاء البيع أو رده. فقوله وإن ادعى البائع أن المشتري اشترى ما لا يعرف، وادعى المشتري المعرفة، أن القول قول المشتري وإن لم تكن له بينة؛ لأنه ادعى الحلال؛ معناه: إذا ادعى البائع أن المشتري اشترى ما لا يعرف، فإنه باع أيضا ما لم يعرف، أو إنه باع وهو يعلم أن المشتري لم يعرف، وادعى المشتري أنهما عرفا جميعا؛ لأنه لا يكون المبتاع مدعي الحلال والبائع مدعي حرام، إلا على ما ذكرناه. وقوله إن القول قول المشتري، معناه: دون يمين؛ لأنها يمين تهمة، إلا أن يدعي عليه أنه أخبره (أنه) اشترى ما لم يعرف، فيجب له اليمين عليه، ويكون له ردها؛ وقد قيل بأن اليمين ملحق بالتهمة، ويجب صرفها، وقد مضى هذا في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب. واختلاف المتبايعين في الجهل بمعرفة المبيع لا يخلو من سبعة أوجه: أحدها: أن يقول أحدهما جهلناه جميعا، ويقول الآخر: بل علمناه جميعا. والثاني: أن يقول أحدهما جهلناه جميعا،

ويقول الآخر: بل علمته أنا وجهلته (أنت) . والثالث: أن يقول أحدهما أيضا: جهلناه جميعا، ويقول الآخر: بل جهلته أنا وعلمته أنت. والرابع: أن يقول أحدهما علمناه جميعا، ويقول الآخر بل علمته أنت وجهلته أنا. والخامس: أن يقول أحدهما أيضا بل علمناه جميعا، ويقول الآخر بل علمته أنا وجهلته أنت. والسادس: أن يقول أحدهما علمته (أنا) وجهلته أنت، ويقول الآخر: بل علمته أنا وجهلته أنت، والسابع: أن يقول أحدهما جهلته أنا وعلمته أنت، ويقول الآخر جهلته أنا وعلمته أنت. فأما الوجه الأول، وهو أن يقول أحدهما قد جهلناه جميعا، ويقول الآخر بل علمناه جميعا، فالقول قول الذي ادعى المعرفة منهما، كان البائع أو المبتاع؛ لأنه ادعى حلالا وادعى الآخر حراما؛ وقد مضى ذلك والاختلاف في اليمين إن لم يحقق صاحبه عليه الدعوى. وأما الوجه الثاني وهو أن يقول أحدهما قد جهلناه جميعا، ويقول الآخر بل) علمته أنا وجهلته أنت، ولم أعلم بجهلك إياه، فإن البيع يفسخ على كل حال دون أن يحلف واحد منهما؛ لأن الذي يقول جهلناه (جميعا) يدعي أن البيع فاسد يجب فسخه، وصاحبه يقر له بما يوجب أن الخيار له في فسخه، فوجب أن يفسخ على كل حال؛ ولو قال علمته أنا وجهلته أنت فبايعتك وأنا أعلم بجهلك إياه، لكانا جميعا قد تصادقا على الفساد. وأما الوجه الثالث وهو أن يقول أحدهما جهلناه جميعا، ويقول الآخر بل جهلته أنا وعلمته أنت؛ فالقول قول الذي قال جهلته أنا وعلمته أنت مع يمينه إن أراد أن يمضي البيع ولم يرد أن يرده؛ لأنه ادعى عقدا يوجب له الخيار، وادعى صاحبه أنه حرام؛ فإن نكل عن اليمين، حلف صاحبه وفسخ البيع. وأما الوجه الرابع وهو أن يقوك أحدهما علمناه جميعا ويقول الآخر بل جهلته أنا وعلمته أنت، فالقول قول الذي قال جهلته أنا وعلمته أنت مع يمينه إن أراد أن يرد البيع ولم يرد أن

مسألة: وجد مكتلا ملآن طعاما فاشتراه بدينار

يمضيه، فإن نكل عن اليمين، حلف صاحبه وألزمه البيع، وأما (الوجه) الخامس وهو أن يقول أحدهما أيضا علمناه جميعا، ويقول الآخر علمته أنا وجهلته أنت، فالبيع لهما لازم، إلا أن يكذب الذي قال علمناه جميعا نفسه، ويرجع إلى تصديق صاحبه قبل أن يرجع صاحبه إلى تصديقه فيكون له أن يرد البيع ولا يمين في شيء من ذلك. وأما الوجه السادس وهو أن يقول أحدهما علمته أنا وجهلته أنت، ويقول الآخر بل علمته أنا وجهلته أنت، فالبيع لهما لازم أيضا، إلا أن يبدر أحدهما إلى تكذيب نفسه ويصدق صاحبه قبل أن يبدر صاحبه إلى مثل ذلك، فيكون له الرد، ولا يمين في شيء من ذلك. وأما الوجه السابع وهو أن يقول أحدهما جهلته أنا وعلمته أنت، ويقول الآخر بل جهلته أنا وعلمته أنت؛ فالقول قول من أراد أن يرد منهما مع يمينه يحلف ويرده، فإن نكل عن اليمين، حلف صاحبه وألزمه البيع، وقد مضى طرف من هذا المعنى في رسم حلف من سماع ابن القاسم. وأما قوله إن كان موضع العبيد قريبا اليوم واليومين، فالبيع بشرط النقد جائز، وإن كان موضعهم بعيدا فلا يجوز البيع بشرط النقد، ويجوز أن يتطوع به المبتاع من غير شرط؛ فهو مثل ما في المدونة، خلاف ما في الموطأ من أنه لا يجوز النقد في بيع الغائب بشرط وإن كان قريبا. [مسألة: وجد مكتلا ملآن طعاما فاشتراه بدينار] مسألة قال ابن القاسم: في رجل وجد مكتلا ملآن

طعاما، فاشتراه بدينار؛ ثم قال له املأه لي ثانية بدينار؛ قال: إن كان في موضع فيه مكيال فلا أحبه، وهو بمنزلة صبرة اشتراها بدينار فلا بأس به؛ فإن قال له أعطني الآن كيلها بدينار، لم يكن فيه خير؛ ولو وجد غرارة ملأى لم يكن بأسا أن يشتريها بدينار، ولو جاءه بغرارة فقال املأ لي هذه الغرارة بدينار، لم يكن فيه خير. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن شراء الطعام وغيره جزافا غرر، إلا أن الشرع أجازه توسعة ورخصة لمئونة الكيل فيما يكال في ذلك، والوزن فيما يوزن منه؛ فإنما يجوز شراء ذلك جزافا إذا لم يقصدا فيه إلى الغرر بأن يجده جزافا في وعاء أو في غير وعاء، فيشتريه كما وجده. فالفرق بين شراء الطعام يجده في المكتل والغرارة جزافا بدينار، وبين قوله املأ لي ذلك ثانية بدينار - أن الأول لم يقصد إلى الغرر إذا اشتراه كما وجده جزافا؛ والثاني قصد إلى الغرر إذ ترك أن يشتريه بمكيال معلوم، فاشتراه بمكيال مجهول، ولا يجوز الشراء بمكيال مجهول إلا في موضع ليس فيه مكيال معلوم على ما قاله في المدونة، ودل عليه قوله في هذه الرواية: إن كان في موضع فيه مكيال، يريد مكايل معروفة الكيل يكال بها، فلا أحبه؛ ولما كان لا يجوز أن يقول له ابتداء املأ لي هذه الغرارة بدينار، إذ لا يعلم مبلغ كيلها، لم يجز أن يقول له ذلك بعد أن اشتراها ملأى كما وجدها؛ إذ لا يعلم مبلغ كيلها فتقدم شراؤه إياها

مسألة: اشترى دارا على أن فيها ألف ذراع فلم يجد إلا خمسمائة

جزافا؛ وأجاز ذلك في سماع أبي زيد في سلال العنب، من أجل أنه يجوز أن يسلف في سلال من العنب بمعيار يكون قدرها كذا وكذا، ولو قال رجل لرجل صبر لي طعامك مما هنا صبرة وأنا أشتريها منك جزافا، لما انبغى أن يجوز ذلك، لما فيه من القصد إلى الغرر على قياس ما قلناه. [مسألة: اشترى دارا على أن فيها ألف ذراع فلم يجد إلا خمسمائة] مسألة وقال في رجل اشترى دارا على أن فيها ألف ذراع، فلم يجد إلا خمسمائة؛ قال: هو مخير بين أن يأخذ الخمسمائة وما يصيبها من الثمن، وبين أن يرد ويأخذ ماله؛ قيل له: فإن اشتراها وفيها بنيان فانهدم البنيان، ثم قاس فلم يجد إلا خمسمائة؛ قال: يلزمه الخمسمائة بما يصيبها من الثمن، وقد قال في كتاب أسد: يكون مخيرا في أخذها كلها بجميع الثمن أو يترك. قال محمد بن رشد: إنما قال ذلك إذا اشترى دارا على أن فيها ألف ذراع فلم يجد إلا خمسمائة، أنه مخير بين أن يأخذ الخمسمائة بما يصيبها من الثمن، وبين أن يرد ويأخذ ماله، وقال: إنه إن كان فيها بنيان فانهدم، لزمته خمسمائة بما يصيبها من الثمن، ولم يكن له خيار في ردها؛ من أجل أن ما نقص من الزرع بمنزلة ما استحق، واستحقاق نصف ذرع الدار إذا لم يكن فيها بنيان كثير، يوجب له الخيار، وليس نقصان نصف ذرع الدار إذا كان فيها بنيان بكثير، إذ قد يكون قيمة البنيان وقيمة البقعة سواء، فإذا نقص من ذرع البقعة نصفه، فكأنه لم يستحق عليه مما اشترى إلا ربعه، وسواء كان البنيان قائما أو انهدم؛ لأن مصيبة ما انهدم من الدار بعد الشراء من المشتري، وهذا على القول بأن شراء الدار أو الأرض أو الثوب أو الخشبة، على أن فيها كذا وكذا، بمنزلة إذا اشترى منها كذا وكذا، وأما على القول بأن ذلك كالصفة لما اشترى وهو أظهر القولين، فهو

رقيق يؤتى به من طرابلس إلى مصر فيباع فيمن يزيد

مخير إذا اشترى الدار على أن فيها ألف ذراع، فوجد فيها خمسمائة، بين أن يأخذ بجميع الثمن ما وجد، أو يرد، وهو الذي قاله في كتاب أسد؛ والقولان قائمان من كتاب تضمين الصناع من المدونة، وقد مضى القول على هذا المعنى مستوفى في أول سماع أشهب، والله ولي التوفيق. [رقيق يؤتى به من طرابلس إلى مصر فيباع فيمن يزيد] ومن كتاب (أوله) بع ولا نقصان عليك قال ابن القاسم: سألني اليوم رجل عن رقيق يؤتى به من طرابلس إلى مصر، فيباع فيمن يزيد، فيأتي رجل من أهل مصر برأس له، فيقول للصائح: اخلطه بها وبعه ولا تعلم أنه لي ففعل، ثم يطلع المشتري على ذلك فيريد أن يرده؛ قال: فقلت: ذلك له؛ لأن الرجل قد يبلغه عن رقيق موضع يجلب منه، فيرغب فيها فيباع وهو يظن أنه منها، ثم يتبين له، وكذلك الدواب التي تجلب الحمير وغيرها من موضع يجلب منه، فيصاح عليها فيدخل رجل دابته بينها فتباع، فإن مشتريها له أن يردها، قال: ولقد قال مالك في تركة الميت تباع ممن يزيد فيأتي رجل بسلعة ثوب أو عبد أو غير ذلك، فيخلطه بالتركة فتباع: إن المبتاع بالخيار إذا علم، إن شاء رد، وإن شاء أمسك؛ فالمسألة الأولى مثلها. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال، إذ قد يرغب في شراء

اشترى قمحا بدينار فسأله رجل على أن يوليه نصفه

المجلوب من الرقيق، ويكره شراء رقيق البلد؛ وكذلك الدواب وغيرها قد يرغب في المجلوب منها ما لا يرغب في شراء غير المجلوب، وكذلك تركة الميت قد يرغب فيها ما لا يرغب في غيرها، لما يعلم من طيب كسبه ويؤمن فيها من الاستحقاق وما أشبه ذلك، والله الموفق. [اشترى قمحا بدينار فسأله رجل على أن يوليه نصفه] ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس وقال في رجل اشترى قمحا بدينار، فسأله رجل على أن يوليه نصفه؟ قال: يعطيه دينارا ويرد عليه نصفه دراهم، واستثقل أن يعطي في التولية إلا مثل ما أعطى إن كانت دراهم فدراهم، وإن كانت دنانير فدنانير، وذلك قبل أن يستوفى ويكال، فأما بعد الكيل والاستيفاء، فلا بأس بما أعطاه؛ لأنه بيع جديد، وليس بعد تولية. قال محمد بن رشد: استحسانه أن يعطيه في التولية دينارا كما دفع هو ويرد عليه نصفه دراهم، لا وجه له؛ لأنه لم يأخذ مثل ما دفع إليه؛ لأنه قبض في الدينار الذي دفع عشرة أرادب حنطة في التمثيل، ودفع فيه إلى المولى خمسة أرادب حنطة ودراهم، ولا يجب على من عليه نصف دينار لرجل أن يدفع إليه دينارا ويأخذ نصفه دراهم، ولا على من له نصف دينار، أن يأخذ دينارا ويرد نصفه دراهم؛ وإذا لم يجب ذلك على واحد منهما، انبغى أن يكون ذلك في التولية مكروها، لتراضيهما فيها على خلاف ما يوجبه الحكم من الثمن، فيضارع البيع قبل الاستيفاء؛ والذي

يجعل في الخل الماء الذي لا يصلح إلا به

أقول به في هذا أن إجازة التولية من نصف الطعام المشترى بدينار، يتخرج على اختلافهم فيمن وجب له على رجل جزء من دينار، هل يراعى فيه في وجه الصرف ما يوجبه الحكم، أو ما ثبت في الذمة؛ وقد مضت من هذا مسائل كثيرة في سماع ابن القاسم وغيره من كتاب الصرف، فتجوز التولية فيه على القول بمراعاة ما ثبت في الذمة ويعطيه دراهم؛ إذ لا يقدر أحدهما على الامتناع مما يوجبه الحكم، ولا يجوز على القول بمراعاة ما يوجبه الحكم؛ لأنه بمنزلة من ابتاع طعاما بدينار، فولاه بصرفه من الدراهم. [يجعل في الخل الماء الذي لا يصلح إلا به] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وقال مالك: لا بأس أن يجعل في الخل الماء الذي لا يصلح إلا به. قال محمد بن رشد: وكذلك الماء يجعل في اللبن لاستخراج زبده لا بأس بذلك، قاله مالك في أول رسم من سماع أشهب من كتاب السلطان؛ وليس ذلك من الغش، وإنما الغش ما يطرح في ذلك بعد ذلك من الماء ليكثر به، وأما ما يصلح به فلا بأس به؛ وقال سحنون في سماع أشهب من كتاب السلطان في مسألة الخل مثل قول مالك هاهنا قياسا على قوله في مسألة اللبن. [مسألة: يشتري حمل الماء ففيما يجيء معه] مسألة وسئل: عن رجل يشتري حمل الماء، ففيما يجيء معه

مسألة: اشترى غنما غائبة بغلام غائب على صفة

السقاء ينقطع رواياه وينكسر، قال له قبل أن يبلغ على من ترى الضمان؛ قال: أرى الضمان على السقاء؛ لأن هذا من الأمور التي تشترى على أن تبلغ وهو من أمر الناس. قال محمد بن رشد: حمل هذه المسألة على عادة الناس من أنهم إنما يشترون الماء على البلاغ، وليس ذلك على الأصول؛ لأنه جزاف؛ ولو اشترى رجل زيتا في زق أو لبنا في زق فتلف في الطريق، لكان ضمانه منه؛ وفي المبسوطة لأصبغ في الماء أن الضمان من المشترى وهو القياس، ومعنى قوله أنه ضامن لما يجب من الثمن (للماء) الذي اشتراه به؛ لأنه اشتراه على أن يحمله له إلى داره، فإذا عثر به فذهب، لم يكن عليه في الماء ضمان، ولم يكن له فيما حمل كراء على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في تلف الشيء المستأجر على حمله من قبل ما عليه استحمل؛ فيحتمل أن يكون معنى ما قاله ابن القاسم في الرواية، أن الضمان من السقاء إذا لم يكن للماء قيمة في الموضع الذي اشترى منه الحمل فيه، فيكون جملة الثمن إنما هو على توصيله فقط. [مسألة: اشترى غنما غائبة بغلام غائب على صفة] مسألة وقال في رجل اشترى غنما غائبة) بغلام غائب على صفة، فقدم بالعبد على الصفة ولم يقدم بالغنم، فمات العبد قبل أن تأتي الغنم؛ قال: ينظر، فإن جاءت الغنم على الصفة، أو على غير

مسألة: الحميل يبيع من الغريم سلعة ليبيعها فيقضي صاحب الحق ثمنها

الصفة، فأراد مشتريها أن يأخذها كما جاءت على غير الصفة، كان العبد من الذي كان إليه صائرا وذلك بائع الغنم؛ وإن لم تأت الغنم على الصفة، فالمصيبة من بائع العبد إن أبى بائع العبد أن يأخذها. قال محمد بن رشد: موت العبد بعد قدومه على الصفة كتلف الثمن الموضوع بيد أمين في بيع الغائب، وفي المواضة؛ قيل: إنه من المبتاع، وهو قول مالك في نوازل سحنون من كتاب الاستبراء وأمهات الأولاد؛ فعلى هذا القول ينفسخ البيع في الغنم بموت العبد، وإن جاءت الغنم على الصفة أخذها مبتاعها وكانت مصيبة العبد من بائع الغنم الذي كان إليه صائرا، وإن تلفت قبل أن تدخل في ضمان مبتاعها إما بالقبض وإما بإدراك الصفة لها على الاختلاف في ذلك، كانت مصيبة العبد من بائعه، وكذلك إن جاءت على غير الصفة، فأبى بائع العبد أن يأخذها تكون مصيبة العبد منه؛ واختلف على هذا القول إن جاءت على غير الصفة، هل له أن يأخذها بالعبد التالف، فتكون مصيبة من بائع الغنم؛ فقيل: ذلك له، وهو قوله في هذه الرواية على قياس قوله، وقول أشهب في نوازل سحنون من كتاب الاستبراء في الثمن يتلف في المواضعة؛ وقيل: ليس ذلك له، ويفسخ البيع على كل حال، وهو الذي يأتي على ما ذهب إليه ابن حبيب في الثمن يتلف في المواضعة، وقد مضى تحصيل القول في هذا في أول سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور. [مسألة: الحميل يبيع من الغريم سلعة ليبيعها فيقضي صاحب الحق ثمنها] مسألة وسئل ابن القاسم: هل يجوز للحميل أن يبيع من الغريم سلعة ليبيعها فيقضي صاحب الحق ثمنها؟ قال ابن القاسم: إن

مسألة: قال لرجل ولني بيع دارك ولك عندي عشرة دنانير

كان بيعه بشرط على أن يبيعها فيقبضه، فلا خير فيه؛ وإن كان اشتراها منه شراء الناس ولا يدري أيبيعها في قضائه أم لا؟ فلا بأس به. قال محمد بن رشد: قوله هل يجوز للحميل أن يبيع من الغريم سلعة ليبيعها فيقضي صاحب الحق ثمنها، معناه: هل يجوز (له) أن يبيع منه سلعة بثمن إلى أجل على أن يبيعها بالنقد ويؤدي ثمنها إلى الغريم الذي تحمل له به؟ فقال: إنه لا خير فيه، والمكروه فيه بين؛ وذلك أنه إذا باعه إياها على أن يبيعها (ويؤدي ثمنها فيما عليه من الدين الذي هو حميل به، فكأنه إنما وكله على بيعها) ليقضي عن نفسه وعنه ما تحمل به عنه، فهو بالتمثيل يبيعها بثمانية ويؤديها إلى الغريم في دينه، وهو قد باعها منه بعشرة إلى أجل؛ فكأنه أسلفه ثمانية في عشرة إلى أجل أو أدى عنه ثمانية على أن يأخذ منه عشرة إلى أجل، وذلك ما لا يحل ولا يجوز. [مسألة: قال لرجل ولني بيع دارك ولك عندي عشرة دنانير] مسألة قال ابن القاسم: من قال لرجل ولني بيع دارك ولك عندي عشرة دنانير، قال: إذا فعل وسمى للدار ثمنا فالعشرة لازمة، ولا بأس بهذا. قال محمد بن رشد: قوله وسمى للدار ثمنا، يريد: أو فوض إليه الاجتهاد في بيعها بما يراه من الثمن؛ لأنه إنما بذل له العشرة على أن يتم

مسألة: يشتري الرجل المتاع أو الجارية أو العبد ويشترط على الرجل حملانه إلى بلد

له ما أراد من بيعها لما له من الغرض في ذلك؛ فلو كان لم يسم له ثمنا ولا فوض إليه الاجتهاد فيما يبيعها به لما جاز ذلك؛ إذ لعله لا يرضى أبدا ببيعها بما يعطى فيها، فتذهب العشرة التي أعطى باطلا، أو ترد فيكون سلفا رجاء منفعة؛ وإذا ولاه بيع الدار على ما بذل له، فليس له أن يعزله عن ذلك قبل أن يبيع؛ إذ لا يتعلق بذلك حق لغيره، بخلاف النكاح الذي يتعلق به حق الولية المزوجة على ما مضى القول فيه في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب النكاح؛ وسيأتي في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة، وفي رسم البراءة من سماع عيسى، منه مسائل من هذا المعنى، نتكلم عليها إذا مررنا به. [مسألة: يشتري الرجل المتاع أو الجارية أو العبد ويشترط على الرجل حملانه إلى بلد] مسألة وقال: لا بأس أن يشتري الرجل المتاع أو الجارية أو العبد، ويشترط على الرجل حملانه إلى بلد، ولو قال: أشتري منك هذه السلعة بعشرين دينارا على أن تحمل لي هذا المتاع لمتاع آخر إلى بلد، لم يكن به بأس أيضا؛ لأنه إنما اشترى السلعة ببعض الثمن واكترى ببعضه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الشراء والكراء جائز أن تجمعهما الصفقة، وهو مما لا اختلاف فيه؛ ولو كان المبيع دابة واشترط أن يحمل عليها متاعا إلى بلد بعيد لم يجز، فإن لم يعين الحمل عليها؛ وضمن ذلك المشتري جاز، والله الموفق.

يبيع السلعة بمائة دينار على أن يعيره دابة بعينها إلى الإسكندرية

[يبيع السلعة بمائة دينار على أن يعيره دابة بعينها إلى الإسكندرية] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وسئل: عن الرجل يبيع السلعة بمائة دينار على أن يعيره دابة بعينها إلى الإسكندرية، هل يجوز هذا؛ وكيف إن جاز هذا فعطبت الدابة ببعض الطريق؛ هل عليه أن يخلف (له) دابة أخرى مكانها؟ قال: ذلك جائز، وليس عليه أن يحمله على دابة أخرى مكان الدابة التي عطبت، فأرى أن يرد من ثمن السلعة قدر ما قصرت الدابة حين عطبت عن الإسكندرية؛ قال أصبغ: ويقوم كراؤها إلى الموضع الذي شرط ركوبه إليه، فيعرف كم هو، فيضم إلى الثمن ثم يقسم قيمة الدابة المشتراة على قيمة الركوب؛ فما أصاب قيمة الركوب من قيمة الدابة، قسم على ما ركب وما لم يركب، ثم يرجع بما لم يركب من ذلك مما أصابه عينا، ولا يرجع في الدابة. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يبيع السلعة بمائة دينار على أن يعيره دابة بعينها إلى الإسكندرية، إن ذلك جائز صحيح؛ وسواء كان المشتري هو المشترط لعرية الدابة إلى الإسكندرية على البائع، أو كان البائع هو مشترطها على المبتاع؛ والسؤال يحتمل الوجهين، فتكلم ابن

القاسم على أن المبتاع هو مشترطها على البائع، ولذلك قال: إن البائع يرد من ثمن السلعة قدر ما قصرت الدابة حين عطبت قبل بلوغها إلى الإسكندرية؛ ووجه العمل في ذلك أن ينظر إلى قيمة السلعة وإلى قيمة ركوب الدابة إلى الإسكندرية؛ فإن كانا سواء، علم أن الثمن وقع نصفه للسلعة ونصفه للركوب؛ فإن كان قد سار نصف الطريق، رجع المبتاع على البائع بربع الثمن الذي دفع إليه؛ لأنه هو الذي ينوب منه ما بقي له من الركوب؛ وعلى هذا الحساب إن كانت قيمة السلعة أقل من قيمة الركوب أو أكثر، أو كان قد سار أقل من نصف الطريق أو أكثر. وقوله وليس عليه أن يحمله على دابة أخرى مكان الدابة التي عطبت لفظ ليس على ظاهره؛ لأن فيه دليلا على أنه لو أطاع بذلك وإن لم يكن واجبا عليه لجاز، وليس ذلك بجائز على حال؛ لأنه فسخ الدين في الدين، من أجل أن الواجب للمبتاع على البائع أن يرد عليه من الثمن ما ينوب منه لما بقي من الركوب؛ فإذا أخذ منه بذلك دابة يركبها، كان قد فسخ ما وجب له به الرجوع عليه من الثمن في الركوب؛ وذلك لا يحل ولا يجوز على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك إلا عند الضرورة التي تحل أكل الميتة، مثل أن يكون ذلك في صحراء حيث لا يجد كراء، أو يخشى على نفسه الهلاك إن لم يأخذ من البائع دابة فيبلغ عليها فيما (وجب) له عليه من الثمن، وذلك منصوص عليه في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب؛ وأشهب يجيز أن يأخذ منه دابة بما بقي له من الثمن وإن لم تكن ضرورة، وتكلم أصبغ على أن البائع هو مشرط العرية على المبتاع، ولذلك قال: إن الكراء يقوم فيضم إلى الثمن ... إلى آخر

مسألة: باع رداءه أو كساءه بدينار وانتقد الدينار

قوله؛ ووجه العمل في ذلك على ما حمل المسألة عليه من أن البائع هو مشترط كالعرية، أن ينظر إلى قيمة ركوب الدابة إلى الإسكندرية وإلى الثمن؛ فإن كانا سواء، علم أن السلعة وقع نصفها للركوب ونصفها للثمن؛ وإن كان البائع قد سار نصف الطريق، رجع على المبتاع في السلعة التي باع منه، فكان شريكا معه بربعها؛ لأنه هو الذي يجب منها لما بقي له من الركوب، إلا أن تكون السلعة المبيعة مما تضر فيه الشركة كالجارية والدابة والثوب الذي يشترى للباس، وما أشبه ذلك؛ فيأخذ منه قيمة ربعها، ولا يكون معه شريك فيها، لضرر الشركة على مذهب ابن القاسم، وهو قول أصبغ هاهنا؛ وأشهب لا يراعى ضرر الشركة، فيقول: إنه يرجع في عين السلعة ما كانت، فيكون فيها شريكا معه؛ وقد قيل: إنه يرجع فيها فيكون شريكا معه إلا أن لا يرضى المبتاع بضرر الشركة فيفسخ البيع في الجميع، وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب الشفعة؛ فمتى كان المشتري هو مشترط الركوب على البائع، سميت قيمة الركوب من قيمته مع قيمة السلعة، فرجع المبتاع على البائع بذلك الجزء من الثمن. ومتى كان البائع هو مشترط الركوب على المبتاع سميت قيمة الركوب من قيمته مع الثمن، فرجع البائع على المبتاع بذلك الجزء في السلعة، أو في قيمتها إن كانت قد فاتت، أو كانت مما يضر بالمبتاع الشركة فيها على ما ذكرناه في ذلك من الاختلاف. [مسألة: باع رداءه أو كساءه بدينار وانتقد الدينار] مسألة وسئل ابن القاسم: عن رجل باع رداءه أو كساءه بدينار وانتقد الدينار، فقال البائع للمشتري: أبلغ البيت به آخذ على نفسي

مسألة: باع من رجل سلعة بنصف دينار من صرف العشرين درهما بدينار

ثوبا ثم آتيك بكسائك، فاختلس منه الكساء، ممن تكون المصيبة؟ قال: المصيبة من المشتري، وليس على البائع شيء إذا قامت بينة على ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن سؤال البائع المشتري بعد أن باع منه الثوب أو الكساء وانتقد ثمنه، أن يذهب به إلى بيته، ثم يأتيه به استعارة منه له؛ ومن استعار ما يغاب عليه من ثوب أو غيره، فقامت بينة على تلفه، فالمصيبة من المعير على المشهور في المذهب، وهو نص قول ابن القاسم وروايته عن مالك؛ ولو لم تكن له بينة على أن الكساء أو الثوب اختلس منه، لوجب أن تكون عليه قيمته للمبتاع بالغة ما بلغت، كانت أقل من الدينار الذي باعه به أو أكثر. وقد روي عن مالك، وهو قول أشهب أن المستعير ضامن لما يغاب عليه، وإن قامت له بينة على تلفه؛ فعلى هذا يكون البائع ضامنا لقيمة الكساء وإن كانت له بينة على أنه اختلس منه؛ ويتخرج في المسألة على قول من رأى على البائع في العروض حق توفية، وأنها في ضمانه وإن انتقد الثمن وطال الأمر ما لم يقبضها المبتاع، أو يدعه البائع إلى قبضها فيأبى؛ وهو قول ثالث وهو أن المصيبة تكون من البائع في الكساء وإن قامت له بينة على أنه اختلس منه، وينتقض فيه، فيرد على المبتاع ديناره. [مسألة: باع من رجل سلعة بنصف دينار من صرف العشرين درهما بدينار] مسألة وسئل: عن رجل باع من رجل سلعة بنصف دينار من صرف العشرين درهما بدينار، فقال له: عشرة دراهم غلا الصرف أو نقص، فإن قال أبيعكها بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما

بدينار، قال له: نصف الدينار غلا الصرف أو نقص؛ وقد قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب: إذا قال أبيعك بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار، أن له نصف دينار؛ وروى أشهب عن مالك مثله، يعطيه نصف دينار ما بلغ، كان أقل من ذلك أو أكثر إن كانت العشرة من بيع باعه؛ وأما إن كانت من سلف أسلفه، فلا يأخذ إلا مثل ما أعطى. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، أنه إذا باع بنصف دينار من صرف عشرين درهما بدينار، أنه ليس له نصف الدينار الذي سمى إذ لم يسمه إلا ليبين به عدد الدراهم التي باع بها؛ وأنه إذا باع بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار، أنه ليس له الدراهم التي سمى، إذ لم يسمها إلا ليبين بها الجزء الذي باع به من الدينار؛ وقد مضى هذا كله في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب الصرف، وفي سماع يحيى منه. وقوله: فأما إن كانت من سلف أسلفه، فلا يأخذ منه إلا مثل ما أعطى، معناه: فليس له أن يأخذ منه إلا مثل ما أسلفه، إلا أنه لا يجوز له أن يأخذ منه دنانير إذا أسلفه دراهم، أو دراهم إذا أسلفه دنانير، بل ذلك جائز إذا حل الأجل ولم يكن في السلف شرط ذلك؛ والسلف في هذا بخلاف البيع، لا يجوز لمن خرجت من يده دنانير على سبيل البيع أن يأخذ بها دراهم، ولا لمن خرجت من يده دراهم على سبيل البيع إن لم يأخذ بها دنانير؛ والفرق بينهما أن السلف معروف، فلا يتهمان فيه على القصد إلى العمل بالربا، والبيع على سبيل المكايسة، فإنهما على القصد إلى ما آل إليه أمرهما من الربا.

مسألة: اشترى مائة إردب من طعام بعينه ونقده الثمن فيكيله

[مسألة: اشترى مائة إردب من طعام بعينه ونقده الثمن فيكيله] مسألة وسئل: عن رجل اشترى مائة إردب من طعام بعينه ونقده الثمن فيكيله، فلا يجد فيه إلا ثمانين؛ هل ترى أن يأخذ منه بثمن العشرين طعاما غيره أو تمرا أو زبيبا أو شيئا غير الطعام؛ قال: لا بأس بذلك، وإنما هو بيع مستأنف؛ لأنه لم يكن طعاما مضمونا، ولم يكن له على صاحبه إذا نقد الطعام أن يأتيه بطعام غيره؛ وإنما كان يجب عليه رد بقية الثمن، وليس بذلك بأس، وله أخذ ما تحول إليه مكانه، فإن أخره، كان الكالئ بالكالئ. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، وقد مضت والقول فيها في أول رسم من السماع، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [يشتري الثمرة قبل أن يبدو صلاحها] ومن كتاب الثمرة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشتري الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، والزرع قبل أن يبدو صلاحه، ليجد الثمرة للعلوفة ويحصد الزرع للعلوفة؛ ثم يشتري الأرض من أصلها، والحائط من أصله؛ فيريد أن يقر الزرع ويقر الثمرة حتى تطيب؛ قال ابن القاسم: إذا اشترى ذلك للعلوفة، ثم اشترى الأصل

فلا بأس به أن يقر ذلك؛ لأن الصفقتين جميعا كانتا حلالا، ولو اشترى الزرع قبل أن يبدو صلاحه ليقره حتى يحبب، أو اشترى الثمرة قبل أن يبدو صلاحها ليقرها حتى تطيب؛ ثم اشترى الحائط وأصل الأرض، ثم أراد أن يقره؛ لم يجز ذلك وانفسخ بيع الثمرة، فكان الثمر لبائعه، ورد ثمن الثمرة إلى مشتري الحائط؛ لأنها كانت صفقة حراما، قلت: فلو كان اشتراه على هذه الصفقة ثم ورث الأصل من بائعه، هل يكون له أن يقره؟ قال: إذا ورثه فلا بأس أن يقره. قال محمد بن رشد: أجاز إذا اشترى الأصل وقد كان اشترى الثمرة قبل أن تزهي على أن يقطعها، أو يقرها إن شاء؛ ومثله في كتاب كراء الأرضين من المدونة وهو بيّن في الجواز؛ لأن الثمرة قد حصلت في ضمانه تكون الأصول له، وارتفع بذلك الغرر عنها؛ فإن شاء جدها؛ وإن شاء تركها، وكذلك يجب إذا صار إليه الأصل بأي وجه كان من وجوه الملك؛ وأما إذا اشترى الثمرة على أن يقرها ثم صار إليه الأصل بوجه من وجوه الملك، فلا بد من فسخ البيع فيها؛ لأن الصفقة وقعت فاسدة، فلا يصلحها تصيير الأصل إليه بوجه من وجوه الملك؛ فلا بد من فسخ، إلا أن يصير الأصل إليه بميراث من الذي ابتاع منه الثمرة فيمتنع الفسخ فيها؛ إذ لا يمكن أن يردها على نفسه، كمن

مسألة: اشترى زيتونة على أن يقطعها فتوانى في قطعها حتى أثمرت

حلف ليقضين فلانا حقه إلى أجل، فمات المحلوف عليه قبل الأجل والحالف وارثه (أنه) لا حنث عليه بحلول الأجل؛ إذ لا يمكن أن يقضي نفسه لوجوب الحق له بالميراث؛ وقد استحسن مالك في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق أن يرفع ذلك إلى السلطان فيقضيه، ثم يرده عليه للبراءة من الحنث، وهو استحسان بعيد؛ لأن قضاء السلطان على أن يرده عليه كالإقضاء، فلا يدخل في هذه المسألة؛ ولو صار إليه الأصل بميراث من غير الذي اشترى منه الثمرة، لوجب الفسخ فيها وردها على الذي باعها منه؛ ولو ورث بعض الأصل من الذي اشترى منه الثمرة، لوجب أن يفسخ البيع منها في مقدار ما صار، لإشراكه في الميراث من الأصل؛ ولو اشترى الثمرة على أن يبقيها ثم اشترى الأصل، فلم يفطن لذلك حتى أزهت الثمرة، لم يفسخ البيع فيها؛ وكان على المبتاع قيمتها يوم اشترى الأصل؛ لأنه باشتراء الأصل يكون قابضا للثمرة، ويكون ما حدث من النماء فيها بعد القبض يفوتها، قاله أبو إسحاق التونسي. وكذا يجب وإن لم تزه إذا نمت بعد شراء الأصل، فقف على ذلك؛ ولو اشترى الثمرة قبل أن تؤبر على ترك الجد ثم اشترى الأصل قبل أن تؤبر الثمرة، لفسخت الصفقة الأولى والثانية؛ بخلاف إذا اشترى الأصل بعد إبار الثمرة؛ إذ لا يمكن أن يفسخ البيع في الثمرة خاصة قبل الإبار، فيكون بمنزلة من اشترى نخلا قبل أن تؤبر على أن تبقى الثمرة للبائع، وذلك مما لا يجوز. [مسألة: اشترى زيتونة على أن يقطعها فتوانى في قطعها حتى أثمرت] مسألة وسئل: عمن اشترى زيتونة على أن يقطعها فتوانى في قطعها

حتى أثمرت، لمن تكون الثمرة؛ قال: الثمرة لمشتري الشجرة. قال محمد بن رشد: قوله حتى أثمرت، يريد حتى صار لها ثمرة؛ والمعنى فيها: أنه اشتراها ولا ثمرة فيها أصلا، أو فيها ثمرة إلا أنها لم تبلغ حد الإبار، وهو في الزيتون وشبهه اللقاح، فلم يقطعها المشتري حتى ألقحت عنده وبلغت بعد اللقاح مبلغا ينتفع بها بعد قطع الأصل؛ وأما لو اشترى الزيتونة بعد أن ألقحت ثمرتها على أن يقطعها، فلم يقطعها حتى طابت ثمرتها، لكانت الثمرة للبائع باتفاق؛ وفي قوله إن الثمرة لمشتري الشجرة، دليل على أن قطعها على المشتري، إذ لو كان قطعها على البائع، لكان الضمان منه، ولكانت الثمرة له؛ وذلك معارض لما مضى في رسم سلف من سماع ابن القاسم في مسألة الضأن يباع صوفها، وقد مضى من القول عليها هناك ما فيه شفاء لمن تأمله؛ وإذا كانت الثمرة لمشتري الشجرة، فيكون عليه للبائع أجر قيامه عليها إن كان يسقيها ولم يكن المطر يسقيها، قاله ابن القاسم في رواية ابن أبي جعفر عنه؛ ويكون له عليه كراء موضعها من الأرض إن كان غائبا باتفاق، وإن كان حاضرا على اختلاف؛ إذ قد قيل: إنه يحلف إن كان حاضرا ويكون له الكراء، وهو قول عيسى بن دينار في رسم القطعان من سماعه من كتاب الشركة، وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم. وقال ابن عبدوس: إن كان البائع اشترط الأغصان فالثمرة له، وإن لم يشرط ذلك وكان البيع مجملا، فذلك للمبتاع، وقاله سعيد بن حسان؛ ويلزم على قياس ما قلناه أن يكون عليه لمشتري الشجرة كراء العمود إن كان غائبا؛ وإن كان حاضرا، فعلى ما ذكرناه من الاختلاف؛ وقد قال ابن لبابة على قياس ما قلناه: ولو اشترى عمود الزيتونة، واشترى آخر الفروع، ثم استؤتي بقطعها حتى أثمرت، فإن الثمرة لصاحب الفروع، وعليه كراء العمود، وعلى صاحب العمود كراء الأرض؛ قال:

وذلك إذا كان صاحب الأرض وصاحب العمود غائبين، فإن كان صاحب الأرض غائبا وصاحب العمود حاضرا لم يكن لصاحب العمود الكراء، وكان لصاحب الأرض كراؤها على صاحب العمود، وقد روى سحنون في مسألة الزيتونة: تشترى على القطع فتثمر قبل ذلك، أرى الضمان على البائع فالغلة له، وذلك يدل على ما ذكرناه من معارضتها لمسألة الضأن يباع صوفها.

كتاب جامع البيوع الثالث

[كتاب جامع البيوع الثالث] [يبتاع الزقاق فيها الزيت فيمر بها فيذهب الزيت قبل أن يفرغها في آنيته]

مسألة: يبتاع الشاة ويستثني صاحبها جلدها ثم يسقط عليها جدار فتموت قبل أن تذبح

ومن كتاب أوله حمل صبيا على دابة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يبتاع الزقاق فيها الزيت فيمر بها فيذهب الزيت قبل أن يفرغها في آنيته ممن هو؟ قال: من المشترى؛ لأنه كان يجوز له بيعه والأكل منه، وهو قد استوفاه، ولو لم يستوفه ما حل بيعه؛ لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الطعام قبل أن يُستوفى» . قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال؛ لأنه (إنما) اشترى الزيت في الزقاق جزافا على غير كيل، فبالعقد يدخل في ضمانه كالصبرة، ولذلك يجوز له بيعها قبل أن يفرغها من آنية؛ لأنه قد استوفاه لحصوله بالعقد في ضمانه. [مسألة: يبتاع الشاة ويستثني صاحبها جلدها ثم يسقط عليها جدار فتموت قبل أن تذبح] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يبتاع الشاة ويستثني صاحبها جلدها، ثم يسقط عليها جدار فتموت قبل أن تذبح؛ قال:

هي من المبتاع، قال: وكذلك كل بيع حرام؛ ولو كان بيع وسلف فمات قبل أن يرده إذا وصل إلى المبتاع فهو من المبتاع، وإذا لم يصل إلى المبتاع وهو في يد البائع فهو من البائع، وهذا كله قول مالك؛ وفي سماع أصبغ عن ابن القاسم مثله، وقال سحنون مثله؛ وفي سماع عيسى من كتاب أمهات الأولاد: قال ابن القاسم: ولو استثنى الجلد بموضع يجوز له استثناؤه فماتت الشاة، أن المشتري لا يكون ضامنا؛ لأن البائع شريك معه. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يبتاع الشاة ويستثني صاحبها جلدها، ثم يسقط عليها جدار فتموت قبل أن تذبح، إنها من المبتاع؛ يريد إذا استثنى الجلد حيث لا يجوز له استثناؤه فيه، فكان البيع فاسدا وسقط عليها الجدار بعد أن قبضها المبتاع؛ بدليل قوله متصلا بذلك: قال: وكذلك كل بيع حرام ... إلى قوله: وقال سحنون مثله؛ ولأنه لما قال بعد ذلك: وفي سماع عيسى من كتاب أمهات الأولاد: قال ابن القاسم: ولو استثنى الجلد بموضع يجوز له؛ دل على أنه يتكلم فيما قبل ذلك؛ إلا إذا استثناه بموضع لا يجوز له، فإذا استثناه بموضع لا يجوز له، فالبيع فاسد، والمصيبة في الشاة من البائع ما لم يقبضها المبتاع؛ واختلف إذا قبضها فتلفت بعد القبض، فقيل: يضمنها كلها ويكون عليه قيمتها يوم قبضها قائمة بجلدها؛ وهو ظاهر ما وقع في هذه الرواية من قول مالك وابن القاسم في رواية عيسى وأصبغ عنه، وقول سحنون؛ وعلى قياس القول بأن المستثنى بمنزلة المشتري (من أنه يضمن الجلد) ، وقيل: إنه لا يضمن الجلد؛ لأنه مبقى على ملك البائع فيضمن على هذا القول قيمتها يوم قبضها، على أن جلدها مستثنى لو كان يحل بيعها في الحضر على هذا؛ وأما إذا استثنى الجلد في موضع يجوز له استثناؤه، فالبيع صحيح والمصيبة فيها من

يبتاع الأمة على ألا يطأها

المشتري؛ وإن تلفت قبل أن يقبضها على حكم البيع الصحيح، إلا أنه اختلف هل يضمن الجلد أم لا؟ فقيل: إنه لا يضمنه، وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب أمهات الأولاد هاهنا، وفيما تقدم في رسم أوصى؛ وقيل: إنه يضمنه، وهو قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه المتقدم في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده، وقد مضى هناك القول على كلتا الروايتين وتوجيههما، وبالله التوفيق. [يبتاع الأمة على ألا يطأها] ومن كتاب العشور وسئل ابن القاسم: عن الذي يبتاع الأمة على ألا يطأها، فإن فعل فهي حرة؛ هل يثبت هذا البيع ويلزمه فيها ما شرط عن نفسه، وكيف إن قال فإن وطئتها فغلامي حر أو على صدقة مال أو صيام؟ قال ذلك كله عند البيع؛ قال: أرى هذا كله قبيحا، فإن أدرك بحدثانه فسخ؛ وإن طال ذلك حتى يفوت بما تفوت به البيوع الفاسدة من الزيادة والنقصان وغير ذلك؛ كانت اليمين في رقبته، ولزمه البيع بقيمتها يوم قبضها، فإن وطئها حنث؛ ورواها أصبغ وقال: إذا اشترط ألا يطأ مع البيع ثم حلف فذلك؛ فأما لو لم يكن شرطا في البيع وإنما حلف على ذلك لهم من غير شرط لم يفسد البيع، وكانت يمينا من الأيمان. قال محمد بن رشد: لم ير البيع على هذا الشرط من بيوع

مسألة: يبيع السلعة بدينار إلا ثلث دينار على أن يدفع إليه البائع ثلثا إذا جاءه

الثنيا التي قيل فيها إن البيع لا يفسخ إذا رضي مشترط الشرط بترك الشرط، من أجل أنها يمين قد لزمت المبتاع، فليس للبائع أن يسقطها عنه ويمضي البيع؛ وقال فيه: إنه بيع فاسد يفسخ على كل حال، إلا أن يفوت بما يفوت به البيع الفاسد، فيصحح بالقيمة؛ وقد مضى القول على هذا في رسم القبلة من سماع ابن القاسم، وقول أصبغ بين في المعنى مفسر لقول ابن القاسم. [مسألة: يبيع السلعة بدينار إلا ثلث دينار على أن يدفع إليه البائع ثلثا إذا جاءه] مسألة قال: وسئل مالك عن الرجل يبيع السلعة بدينار إلا ثلث دينار على أن يدفع إليه البائع ثلثا إذا جاءه بدينار، ويشترط ذلك على المشترى؛ قال: لا خير فيه، ولكنه يبيعه بثلثين ويصطلحان إذا قضاه؛ وإن تعاسرا فليس عليه إلا ثلث دينار، ولا بأس به إذا كان بالنقد وإن شرط؛ رجع ابن القاسم، وقال: لا خير أيضا فيه بالنقد، إلا أن يشترط دراهم معدودة، وقد قال في كتاب العيوب: لا بأس به على كل حال إذا كان نقدا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه لا يجوز أن يبيع منه سلعة بدينار إلا ثلث إلى أجل، على أن يدفع إليه البائع إذا حل الأجل صرف الثلث دراهم، ويأخذ منه دينارا؛ لأنه يصير إذا فعل ذلك قد باع منه سلعته نقدا، ودراهم إلى أجل غير مسماة أيضا بدينار إلى ذلك الأجل، وهو حرام لا يحل؛ وإنما الذي يجوز أن يبيع منه سلعته بدينار إلا ثلث؛ لأنه إذا فعل ذلك كان قد باع منه سلعته بثلثي دينار؛ فإذا حل الأجل وحان القضاء، اصطلحا في الثلثي الدينار على ما يجوز بينهما من أن يأخذ منه في الثلثين عرضا مخالفا للعرض الذي باعه، أو طعاما قبل أن يفارقه، أو

اشترى طعاما بعينه غائبا وتواضعا الثمن على يدي رجل فهلك الثمن

يدفع إليه البائع صرف الثلث ويأخذ منه دينارا صحيحا؛ فإن لم يتفقا على شيء من ذلك، لم يكن له عليه إلا ثلثا دينار يحكم عليه فيه بصرفه دراهم، إذ لا ينقسم الدينار القائم؛ واختلف إذ باع منه سلعته بثلثي دينار نقدا، أو قال: بدينار إلا ثلث، على أن يدفع إليه صرف الثلث ويأخذ الدينار صحيحا؛ فمرة قال: لا خير فيه؛ لأنه قد باع سلعته ودراهم غير معلومة بدينار، إذ لم يسميا ما يعطيه في الثلث من الدراهم؛ ومرة قال: لا بأس بذلك إذا كان ذلك نقدا؛ لأن الصرف في الحال لا يخفى، فكأنهما قد دخلا على دراهم معلومة في الثلث، فجاز ذلك، والله الموفق. [اشترى طعاما بعينه غائبا وتواضعا الثمن على يدي رجل فهلك الثمن] ومن كتاب أوله حبل حبلة وسئل: عن رجل اشترى طعاما بعينه غائبا وتواضعا الثمن على يدي رجل فهلك الثمن ممن يكون؟ قال: إن وجد الطعام على الصفة، فهو من البائع؛ وإلا فهو من المبتاع؛ قلت: فلو تعدى بائع الطعام على الطعام فباعه من آخر، قال: يكون عليه أن يشتري له طعاما مثله، وتكون مصيبة المال منه. قال محمد بن رشد: قوله: وسئل: عن رجل اشترى طعاما بعينه غائبا، معناه: بعينه غائبا على الصفة والكيل؛ مثال ذلك: أن يقول البائع: لي في بلد كذا وكذا طعام صفته كذا وكذا، وكيله كذا وكذا؛ فيقول المبتاع: أنا أشتريه منك بكذا وكذا، أو يقول: لي في بلد كذا وكذا طعام صفته كذا وكذا، فيقول المبتاع: أنا أشتري منك منه كذا وكذا إردبا بكذا وكذا؛ وهذا مثل ما في المدونة من قوله، وقد كان المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يبيع وهو بالمدينة ثماره كيلا التي بالصفراء وبخيبر، فلم ير

أحد بذلك بأسا، ولم يره من الدين بالدين؛ وإنما قلنا هذا؛ لأن بيع الطعام الغائب جزافا على الصفة لا يجوز؛ وقد مضى القول على ذلك مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، وضمانه من البائع حتى يقبضه المبتاع قولا واحدا لا يدخل في هذا اختلاف قول مالك في ضمان الغائب يشترى على الصفة من أجل أنه مكيل، فهو في ضمان البائع حتى يكيله على المبتاع. وفي أصل كتاب اللؤلؤ مكتوب على هذه المسألة، قد قال مالك: لا يجوز على أن أدركته الصفقة مجموعا، وخالف بينه وبين الزرع القائم في أول الكتاب؛ فكأنه ذهب إلى أن هذه المسألة مخالفة لمسألة أول الكتاب، وذلك غير صحيح؛ لأن المعنى في هذه المسألة إنما هو ما ذكرناه من أن شراء الطعام فيها إنما هو على الصفة والكيل. وقوله في الثمن الذي هلك: إنه من البائع إن وجد الطعام على الصفة، وإلا فهو من المبتاع؛ يقتضي ظاهره أن الطعام إن وجد على غير الصفة وقد تلف الثمن، لم يكن للمبتاع أن يأخذه إلا بثمن آخر؛ لأنه قد قال: إن مصيبته منه إن وجد على غير الصفة، خلاف ما مضى في رسم إن خرجت؛ وقد روي عن مالك أن الثمن من المبتاع وإن وجد الطعام على الصفة، فهي ثلاثة أقوال: أحدها: أن الثمن من المبتاع وإن وجد الطعام على الصفة. والثاني: أنه من البائع إلا أن يوجد الطعام على الصفة فيلزم المبتاع أن يأخذه. والثالث: أنه من المبتاع إلا أن يوجد الطعام على الصفة فيلزم المبتاع أن يأخذه، أو على غير الصفة فيريد أن يأخذه. وقوله: إن على بائع الطعام إذا تعدى على الطعام فباعه أن يشتري طعاما مثله للمبتاع وتكون مصيبة المال منه، صحيح على أصله في أن مصيبة المال من البائع إذا وجد الطعام على الصفة؛ لأنه إذا أتاه بمثله، فكأنه هو الطعام الذي اشترى منه بعينه؛ ولو أبى أن يغرمه مثل الطعام، لكانت مصيبة المال منه لا من البائع، ولو كان قد نقده الثمن بغير شرط، لم يكن له عند ابن القاسم خيار في أن يأخذ منه

مسألة: بيع شيء من الثمر رطبه بيابسه

الثمن أو يغرمه مثل الطعام، قاله في السلم الثالث من المدونة؛ لأن الإقالة لا تكون إلا ناجزة، فإذا خيره بين الطعام والثمن دخله بيع الطعام قبل أن يستوفى؛ وأشهب يخيره في ذلك، فلعل ابن القاسم تكلم إذا لم يعرف عداؤه على الطعام إلا بقوله، وأشهب إذا عرف ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: بيع شيء من الثمر رطبه بيابسه] مسألة وقال ابن القاسم: لا يباع شيء من الثمر رطبه بيابسه، كان مما يدخر أو مما لا يدخر؛ حل رطبه واحد باثنين وصنفه، أو لم يحل؛ للنهي الذي جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك، ولا بأس بما لا يدخر من الفاكهة واحد باثنين أو ثلاثة أو ما شاء من صنفه، رطبه برطبه، ويابسه بيابسه، يدا بيد؛ ولا خير فيما يدخر من الفاكهة من صنف واحد إلا مثلا بمثل، يدا بيد؛ وقال: إنما أكره الرطب باليابس من صنف واحد، فإذا اختلفت الصنفان فلا بأس به. قال محمد بن رشد: أما الرطب باليابس من الصنف الواحد الذي لا يجوز التفاضل فيه، فلا اختلاف في المذهب في أن ذلك لا يجوز، لما جاء في الحديث من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل: عن الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس؛ قالوا: نعم، قال: فلا إذا.» وأما الرطب باليابس من الصنف الواحد الذي يجوز فيه التفاضل، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال حسبما مضى القول فيه في رسم يدير ماله من سماع عيسى من كتاب

مسألة: ابتاع ثوبا بنصف دينار وأحال البائع على المشتري غريما له بالثمن

السلم والآجال، فلا معنى لإعادته. وأما قوله ولا خير فيما يدخر من الفاكهة من صنف واحد إلا مثلا بمثل، فهو قول مالك في موطئه؛ لأن كل ما يدخر منها فهي أقوات إذا احتيج إليها، ومذهب ما في المدونة عندي؛ وقد كان شيخنا الفقيه ابن رزق يتأول ما في المدونة على أن التفاضل جائز في الصنف الواحد من الفواكه التي تدخر، وليست بأقوات؛ وعلى هذا الاختلاف يختلف الأصوليون في تحرير علة تحريم التفاضل في الصنف الواحد من الطعام، فمنهم من يقول: هي أن يكون الصنف الواحد مدخرا مقتاتا أصلا للمعاش غالبا، وهو الذي يأتي عليه ما كان يحمل عليه الفقيه ابن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما في المدونة. ومنهم من يقتصر على أن يقول: هي أن يكون الصنف الواحد مدخرا مقتاتا، ولا يزيد في صفة العلة أصلا للمعاش غالبا، وهو الذي يأتي عليه ما في هذه الرواية ومذهب مالك في موطئه. [مسألة: ابتاع ثوبا بنصف دينار وأحال البائع على المشتري غريما له بالثمن] مسألة وسئل: عن رجل ابتاع من رجل ثوبا بنصف دينار وأحال البائع على المشتري غريما له بالنصف الدينار، فأعطاه فيه عشرة دراهم؛ ثم وجد المشتري عيبا بالثوب، بأي شيء يرجع على البائع؛ قال: بالنصف الدينار وليس بالدراهم. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في سماع أصبغ من كتاب العيوب، وزاد فيها، وقاله أصبغ اتباعا، وفيه ضعف وغمز، ومضت

مسألة: يأتي إلى الجزار أو البياع فيقول له بعني كما تبيع من الناس

أيضا مستوفاة بتحصيل الاختلاف فيها، وذكر معانيها وما يتعلق بها في أول سماع ابن القاسم من كتاب الصرف، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يأتي إلى الجزار أو البياع فيقول له بعني كما تبيع من الناس] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الذي يأتي إلى الجزار أو البياع فيقول له بعني كما تبيع من الناس، قال: لا يصلح هذا في شيء من الأشياء؛ قلت: فإن وقع، قال: إن وقع وكان قائما بعينه، رد البيع وفسخ؛ فإن فات وكان مما يوجد مثله مثل القمح وغيره مما يكال أو يوزن كيله أو وزنه، فإن كان مما لا يوجد مثله مثل الثياب وغيرها كانت فيه القيمة. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة إذا قال له بعني كما تبيع (من) الناس فقال له نعم وأعطاه السلعة وانصرف بها دون أن يعلم كيف يبيع من الناس؟ لأنه انصرف بالسلعة على ثمن مجهول، ولو عقد معه البيع قبل أن يعلم كيف يبيع من الناس بأن يقول له بعني كذا وكذا رطلا، أو كذا وكذا إردبا، أو أمرا كذا، كما تبيع من الناس؛ فيقول له قد بعتك، ويقول له هو: وأنا قد اشتريت، قبل أن يعلمه بما يبيع من الناس؛ لكان العقد فاسدا وإن لم يفارقه ولا انصرف بالسلعة؛ وكذلك لو قال له بعني كذا وكذا كما تبيع من الناس، فقال له: قد بعتك فسكت هو ولم يزد على قوله الأول بعني على القول بأن ذلك إيجاب عليه، وقد مضى ذكر

مسألة: اشتري من جميع الأشياء مما لا يكال ولا يوزن فباع بعضها مرابحة

الاختلاف في ذلك في أول رسم من سماع أشهب من هذا الكتاب، ومن كتاب العيوب؛ وأما لو قال له بعني كما تبيع من الناس، فقال له أبيع بكذا وكذا فقال له قد أخذت، وقال له هو: وأنا قد بعتك، لكان ذلك بيعا جائزا. فإن عثر على أنه قد كذبه فيما قال، كان الحكم في ذلك حكم الغش والخديعة، يكون له الخيار في القيام وترد السلعة إلى القيمة في الفوات إن كانت أقل من الثمن؛ وقوله إذا وقع وفات وكان مما يوجد مثله من المكيل والموزون، أنه يرد كيله أو وزنه؛ هو المشهور المعلوم من قول مالك وأصحابه، وقد مضى القول على ذلك في أول رسم من السماع. [مسألة: اشتري من جميع الأشياء مما لا يكال ولا يوزن فباع بعضها مرابحة] مسألة قال ابن القاسم: ما اشتريت من جميع الأشياء مما لا يكال ولا يوزن فبعت بعضها، فلا تبع ما بقي منه ولا جزءا مما بقي منه مرابحة، حتى تبين أنك قد بعت منه؛ فإن لم تفعل وبعت مرابحة، وكتمت المشترى أنك قد بعت منه، كان بيعا مردودا يرده إن أحب؛ وإن فات، كانت فيه القيمة؛ وما اشتريت من جميع الأشياء مما يكال أو يوزن من الطعام وغيره كيلا أو وزنا فبعت بعضه، فلا بأس أن تبيع ما بقي أو بعض ما بقي مرابحة، ولا تبين أنك قد بعت منه شيئا، وليس عليك أن تبين. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، وعلى ما

اشترى ثيابا فلما خرج بها وسار بها من عنده زعم أنه أبدل له ثيابا

ذهب إليه ابن عبدوس من أن الجملة قد يزاد فيها (مما) لا يجوز أن يبيع مرابحة بعض ما اشترى جملة دون أن يبين وإن كان ذلك مما يكال أو يوزن؛ وعلى ما وقع في سماع أبي زيد هذا الكتاب، ومن كتاب السلم والآجال من أنه يجوز لمن اشترى طعاما إلى أجل بثوبين مستويين؛ أن يستقيل من أحدهما إذا حل الأجل بنصف الطعام، يجوز أن يبيع مرابحة بعض ما اشترى جملة دون أن يبين وإن كان ذلك مما لا يكال ولا يوزن إذا كانت الصفقة واحدة، وقد مضى القول على هذا السماع المذكور من كتاب السلم والآجال، وبالله التوفيق. [اشترى ثيابا فلما خرج بها وسار بها من عنده زعم أنه أبدل له ثيابا] ومن كتاب جاع فباع امرأته وسئل: عن رجل اشترى ثيابا، فلما خرج بها وسار بها من عنده زعم أنه أبدل له ثيابا، وأقر له بثلاثة أثواب أنه أبدلها، وادعى المشتري أكثر من ذلك؛ قال: يحلف بالله أنه ما أبدل إلا ثلاثة أثواب، ثم يرد الثلاثة أثواب إن كانت عنده أو قيمتها من جميع الثمن يقبض ثمنها على جميع الثياب إن كانت فاتت؛ إلا أن تكون خيار الثياب ووجه المتاع، وفيها كان يرجى الفضل، ومن أجلها اشترى المتاع؛ فإن كانت كذلك، وفاتت جميع الثياب إذا فاتت. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على أصولهم، وقوله فيها ثم يرد الأثواب إن كانت عنده، أو قيمتها من جميع الثمن ... إلى آخر قوله، يريد: أو قيمتها من جميع الثمن إن لم تكن الأثواب عنده،

مسألة: أتاه رجل بقراطيس فوضعها عنده يبيعها له فأراه بعضها

وكانت قد فاتت، وذلك بعد يمينه؛ لقد فاتت فواتا لا يقدر على صرفها؛ إلا أن يصدقه المبتاع فيما ادعى من فواتها، فتسقط عنه اليمين في ذلك؛ وإن لم يشبه ما ادعى من فواتها وتبين كذبه في ذلك، اشتد عليه السلطان في صرفها فيما يراه في ذلك باجتهاده من سجن ونحوه. [مسألة: أتاه رجل بقراطيس فوضعها عنده يبيعها له فأراه بعضها] مسألة وسئل: عن رجل أتاه رجل بقراطيس فوضعها عنده يبيعها له، فأراه بعضها وقال له بقيتها على هذه الصفة، أو وصفها له أو بعث بها إليه، أو كتب إليه بصفتها؛ فأتاه رجل فساومه بها فنظر منها إلى قنطار، وأخبره أنها بضاعة لرجل وضعها عندي أبيعها له، فوصفها أنها على القنطار الذي رأيت؛ أخبرني بذلك صاحبها أو كتب به إلي؛ فاشتراها على ذلك، وانقلب بها فوجد فيها قنطارا متغيرا مخالفا للصفة، ولما رأى منها، فأراد ردها؛ فقال البائع: لا أعرف هذا القنطار، فقال المشترى: احلف لي أن هذا القنطار ليس مما بعت لي، فقال: بل أحلف لك أني ما أعرف هذا القنطار، ولا دلست فيه؛ ولقد بعتك على ما وصف لي؛ قال ابن القاسم: ليس عليه أكثر من أن يحلف ما يعرف هذا القنطار ولا دلس فيه، ولقد باعه على ما وصف له، وليس عليه أكثر من ذلك؛ لأنه قد صدقه حين اشتراه منه على الصفة، وهذه المسألة قد تكلم فيها، وكتب فيها إلى مالك في الرجل يقف على البزاز

يبيع الطعام فيأتيه صاحب له بطعام مأكول فقال أبدل لي هذا من طعامك

فيقول له: أعندك ثياب قصب؟ فيقول: في هذه الصندوق كذا وكذا ثوب، من صفة كذا وكذا؛ فيساومه عليها فيبيع منه، ثم يذهب بالصندوق ويغيب عليه؛ ثم يرجع فيقول وجدتها مخالفة للصفة أو ناقصة من العدد، أو يقول وجدتها خيوشا؛ أنه لا يصدق وقد لزمه البيع، وعلى البائع اليمين بالله ما كذبه ولقد باعه على صفة ما كتب إليه؛ ولو كان هذا يجوز، ذهبت أموال الناس؛ فإذا صدقه على الصفة والعدد، فهو ضامن لما انقلب به. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في كتاب بيع الغرر من المدونة، والأصل فيها قوله عز وجل {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] ، والمشترى في هذه المسألة قد ائتمن البائع فيما وصفه له من صفة المبتاع وباعه عليه وصدقه على ذلك، إذ قبضه على قوله، واحتازه دون أن يقلبه وينظر إليه قبل أن يفارقه؛ فوجب أن يكون القول قول البائع مع يمينه - كما قال مالك، والله الموفق. [يبيع الطعام فيأتيه صاحب له بطعام مأكول فقال أبدل لي هذا من طعامك] ومن كتاب النسمة وقال ابن وهب وابن القاسم، في الرجل يبيع الطعام فيأتيه صاحب له بطعام مأكول، فقال: أبدل لي هذا من طعامك، فهل

مسألة: النواتية الذين يحملون التلاليس إلى البر فتسقط في البحر

ترى له أن يفعل ويخلطه في الذي يبيع؟ قال ابن وهب: لا ينبغي هذا ولا يحل، وهذا من الغش الذي نهي عنه، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من غشنا فليس منا» . فليحذر هذا وما أشبهه، قال ابن القاسم: يبدله له ولا يخلطه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم ليس بخلاف لقول ابن وهب، إذ لا يجيز ابن القاسم ولا غيره أن يبدله ويخلطه فيما بيع، ولا يمنع ابن وهب والله أعلم من أن يبدله له إذا لم يخلطه؛ فهو الذي يدل عليه قوله: لأنه سئل هل يبدله ويخلطه؟ فقال: إن ذلك لا يحل لأنه غش؛ ولو كان البدل عنده لا يجوز، لقال: إن ذلك غش وربا؛ وظاهر هذا من قولهما جميعا، إجازة البدل فيما قل من ذلك وكثر، وهو ظاهر ما وقع أيضا في سماع ابن القاسم من كتاب الصرف في رسم القبلة منه؛ ومنع من ذلك أشهب في المعفون والمأكول، وهو دليل ما في كتاب القسمة من المدونة من أنه لا يجوز الطعام المعفون بالطعام الصحيح، ولا بالطعام المعفون، إلا أن يشبه بعضه بعضا ولا يتفاوت؛ وأجاز ذلك سحنون في المعفون، ولم يجزه في المأكول. [مسألة: النواتية الذين يحملون التلاليس إلى البر فتسقط في البحر] مسألة قال ابن القاسم، في النواتية الذين يحملون التلاليس إلى البر فتسقط في البحر: إنه من المشتري.

ابتاع طعاما ونقد بعض الثمن إلى أن يأتيه بالبقية

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، لا إشكال فيه؛ لأنه إذا اشترى المتاع في المركب فسقط في البحر في إخراجه من المركب، فضمانه من المشتري؛ لأنه إنما يخرج من المركب على ملكه؛ ولو اشتراه وشرط على البائع أنه ضامن لما يصيبه في إخراجه من البحر، لكان البيع فاسدا؛ لأنه اشترى شيئا بعينه على أن البائع ضامن لما أصابه، فصار مبتاعا للضمان. وقد قال ابن القاسم في الذي يبيع الجارية أو العبد على أن عليه جوازه من الماكس، قال: لا يعجبني ذلك؛ لأنه لا يدري كم يغرم في ذلك، وقال: جميع الأشياء التي لا تجتاز من الماكس إلا بغرم، كذلك لا خير في ذلك؛ وإن قبض ذلك أو كان ضمانه منه، فلا خير في ذلك؛ وليس ذلك بمنزلة الذي يشتري الطعام بعينه ويستوفيه، ويكون ضمانه منه؛ إلا أن عليه حملانه فلا بأس به، وهذا ليس فيه غرر، وإنما عليه حملانه بأي الوجوه شاء: إن شاء على سفينته، وإن شاء على دابته، أو كيف شاء، وبالله التوفيق. [ابتاع طعاما ونقد بعض الثمن إلى أن يأتيه بالبقية] ومن كتاب أوله يدير ماله وقال فيمن ابتاع طعاما ونقد بعض الثمن إلى أن يأتيه بالبقية، ثم بدا له فأراد أن يعطيه من الطعام بعدة ما نقد، ويستقيل من البقية؛ قال: لا بأس به؛ فإن كان قد نقد الثمن كله، فلا يصلح أن يأخذ بعضا ويستقيل من بعض، إلا أن يكونا لم يفترقا ولم يغب على الدنانير. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة مكررة في رسم البيوع

يبيع الصبي الصغير على أن ينفق عليه عشر سنين ثم يعتق المشتري الصبي

العاشر من سماع أصبغ من كتاب السلم والآجال، وقلنا فيها هناك: إن الصحيح فيها على أصولهم، أن الإقالة من البعض جائزة وإن نقده الثمن كله؛ إذ ليس في نفس الإقالة فساد، وإنما يوجد الفساد في ذلك بمجموع الصفقتين إذا اتهما في ذلك؛ فوجب أن يجوز إذا لم يكونا من أهل العينة؛ لأن بيوع النقد لا يتهم فيها إلا أهل العينة على ما مضى في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور، وفي غيره من المواضع. [يبيع الصبي الصغير على أن ينفق عليه عشر سنين ثم يعتق المشتري الصبي] ومن كتاب البراءة قال: وسألته: عن الرجل يبيع الصبي الصغير على أن ينفق عليه عشر سنين ثم يعتق المشتري الصبي، أو يبيعه، أو يموت؛ قال: ينظر كم نفقة العشر سنين، وكم قيمة الصبي، فإن كان الصبي نصف القيمة أو ثلثي القيمة، رجع إلى الثمن، فوضع بقدر ذلك بعض الثمن على قيمة العبد، وقيمة النفقة؛ ثم يرد من الثمن بقدر الذي أصابه، وهو بيع جائز وإن لم يفت، وإنما يقوم هو والنفقة يوم بيع. قال محمد بن رشد: هذه مسألة رديئة حائلة من مسائل المجالس لم تدبر، إذ لا يصلح أن يكون هذا البيع جائزا مع ما فيه من الغرر والفساد؛ لأن المشتري إذا اشترى الصبي على أن ينفق البائع عليه عشر سنين، وكان له أن يبيع الصبي أو يعتقه؛ فيرجع على البائع من الثمن

بقدر ما يقع عنه لما بقي من النفقة، كان ما يسترجع من الثمن مرة سلفا، ومرة ثمن بيع؛ وصار البائع لا يدري هل يصح له جميع الثمن الذي قبض بما التزم من النفقة أو يجب عليه رد بعضه ويسقط عنه النافقة، وذلك من أبين الغرر والفساد؛ ولا يخلو البيع على هذا الشرط من أحد وجهين: فإما أن يكون المبتاع شرط أن يكون الصبي الذي اشترى عنده ويأخذ نفقته من البائع عشر سنين شهرا شهرا أو سنة سنة، وإما أن يكون مع البائع يأكل معه يده كيده، كواحد من جملة عياله، فإن كان البيع وقع على أن يكون الصبي عند المبتاع ويأخذ نفقته من البائع عشر سنين؛ جاز البيع ولم تسقط النفقة عن البائع بموت الصبي، ولا ببيعه، وكان للمبتاع أن يأخذه بها. وإن كان العبد (قد) خرج عن ملكه بوجه من هذه الوجوه، كما لو اشترط ذلك؛ وإن كان وقع على أن يكون الصبي من البائع يأكل معه يده كيده لم يجز عند ابن القاسم، إلا أن يكون على أنه إن مات الصبي أو باعه أو أعتقه، أتاه بمثله ينفق له عليه إلى تمام المدة، يعلم أن هذا مذهبه من قوله في المدونة في الذي يبيع الأمة على أن ترضع ابنا لها سنة: إن هذا جائز إذا كان إن مات أرضعوا له آخر، وهو على أصله في الراعي يستأجر على رعاية غنم بأعيانها، أن ذلك لا يجوز إلا بشرط الحلف، ويجوز عند سحنون، وإن لم يشترط إن مات الصبي أو باعه أو أعتقه، أتاه بمثله؛ وقد مضى ذلك من مذهبه، والقول فيه في الذي يبيع أمة له على أن ترضع ابنا لها سنة في أول رسم من سماع ابن القاسم؛ وهو أيضا على أصله في الأجير على رعاية غنم بأعيانها، أن الحكم يوجب الحلف وإن لم يشترطه. وإن اختلف المتبايعان فقال

مسألة: لقي رجلا ومعه دهن فابتاعه منه بمائة دينار نقدها إياه

البائع إنما شرطت على أن يكون الصبي يأكل عندي يده كيدي كواحد من عيالي، وقال المبتاع: بل شرطت عليك أن يكون عندي، وآخذ منك نفقته شهرا بشهر، وسنة بسنة، أو نحو ذلك؛ وجب أن يتحالفا ويتفاسخا؛ وإن وقع البيع بينهما فهما في ذلك، فقال البائع: إنما أردت كذا، وقال المبتاع: إنما أردت كذا، تحالفا على نياتهما؛ وفي قوله: أو يعتق المشتري الصبي - نظر؛ إذ لا تسقط النفقة عمن أعتق صغيرا لا يقوم بنفسه، فلعله أراد إذا أعتقه بعد أن بيع مبلغا يقوم بنفسه. [مسألة: لقي رجلا ومعه دهن فابتاعه منه بمائة دينار نقدها إياه] مسألة وسألته: عن رجل لقي رجلا في بعض الأسفار ومعه دهن، فابتاعه منه بمائة دينار نقدها إياه، قبض المبتاع الدهن، فقال له: إنك على سفر ولا تستطيع كيله الآن؛ فقال له البائع: فيه كذا وكذا تزنه وأنت فيه مأمون، فما نقص فعلي أوفيكه؛ أو كان اشتراه بنظرة فائتمنه على كيله، وقال: ما نقص أوفيكه، وقبض في كلا الوجهين أو لم يقبض؛ قال ابن القاسم: أما الذي اشتراه بنقد وقال تزنه فما نقص فعلي أوفيكه، فإن كان يزنه عند مواجبة البيع، أو قريبا الميل وما أشبهه، وكان الذي يزيده إن نقص من عصر دهنه الذي باعه، فلا بأس به؛ وإن كان وزنه يتأخر الأيام أو إلى موضع ينتهي به إليه، فإنه لا يحل، إن ضمانه على البائع؛ فلا يحل أن ينقده على أنه ضامن له إلى بلد، ولو لم ينقده ما حل أن يبيعه إياه على أن يكتاله ببلد آخر وكذلك يقول بعض

أهل العلم فيما يشبه؛ وإن كان ما يزيده ليس من عصره ولا من صنفه حتى يكون مثله في الجودة، لم يجز وإن وزنه بحضرة ذلك؛ لأن الذي ينقص لا يدري كم ذلك وهو يزيده إن نقص مخالفا لما باعه، فلا خير فيه؛ إلا أن يكون من عصره ومن صنفه، ويزيده بحضرة ذلك، فلا بأس به؛ وكذلك إن باعه بثمن إلى أجل، فإن كان اتزنه مكانه ويوفيه ما نقص من دهن مثله من عصره فلا بأس بذلك؛ وان اختلف، فلا خير فيه؛ وإن كان يكيله ببلد غير البلد الذي اشتراه به، فلا يحل؛ لأنه يزيده في ثمنه على أن يضمنه له إلى ذلك البلد؛ لأن كل ما يكال أو يوزن إذا اشتراه رجل كيلا أو وزنا، فضمانه من البائع حتى يستوفيه المبتاع، وهو غرر لا يجوز، وهو وجه ما سمعت. قلت: فإن كان اشتراه ليزنه ببلد، فحمله إليها ثم أدرك؛ هل يفسخ البيع بينهما؟ قال: إن كان أدرك قبل أن يفوت فسخ البيع بينهما؛ وإن فات الدهن، رد إليه مثله إن كان يعرف مثله حيث قبضه منه، لا حيث اتزنه؛ فإن فات وكان لا يعرف مثله، فله قيمته حيث قبضه منه أيضا. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال: إنه لا يجوز له أن يشتري الدهن كيلا أو وزنا على أن فيه كذا وكذا، فيقبضه على أن يزنه إلى أيام، أو في البلد الذي يصير إليه (إن) كان مسافرا؛ ولا على أن يزنه فحضر بحضرتهما على أن يزيده ما نقص إن نقص من صنف آخر؛ لأنه في الأول اشتراه على أن البائع ضامن له حتى يصل إلى ذلك البلد، وحتى

تنقضي تلك الأيام، فكان قد زاده في الثمن لموضع الضمان، وذلك مما لا يحل ولا يجوز، كان الثمن نقدا أو إلى أجل؛ وفي الثاني غرر، إذ لا يدري هل يأخذ من الصنف الآخر شيئا ولا مقدار ما يأخذ منه إن أخذ؛ إذ قد لا ينقص الدهن، وقد ينقص قليلا، وقد ينقص كثيرا؛ وأجاز ابن كنانة أن يشتريه على أن يزنه في البلد الذي يسير إليه إذا كان على مسير عشرة أميال فدون، ولا يجوز في أبعد من ذلك. وروى عيسى عن ابن القاسم في المدنية: أنه لا خير فيه في عشرة أميال، وهو نحو قوله في هذه الرواية؛ لأنه لم يجز ذلك فيها، إلا إلى الموضع القريب الميل وما أشبهه. وأما قوله في آخر المسألة إذا اشتراه على أن يزنه ببلد آخر فحمله إليه، أنه إن أدرك بيده قبل أن يفوت فسخ البيع بينهما، يريد عرف مثله أو لم يعرف، وإن فات كان على المبتاع مثله حيث قبضه إن عرف مثله، وقيمته حيث قبضه إن لم نعرف مثله، ففيه نظر؛ لأنه إذا جعل المثل فيما يعرف مثله إذا فات كالعين، وقال: إنه يكون على المبتاع مثله حيث قبضه، وجب على قياس ذلك أن يستوي قيامه وفواته، وألا يكون عليه إذا أدرك بيده في البلد الذي حمله إليه إلا مثله أيضا حيث قبضه. وكذلك قال في رسم استأذن قبل هذا في البيع الفاسد، ولو كان طعاما ما لم يرده عليه إلا بالإسكندرية حيث قبضه؛ وأما إذا لم يعرف كيله فحكمه حكم العرض تفيته حوالة الأسواق، كذلك في كتاب ابن المواز؛ فقوله: إن البيع يفسخ بينهما إن أدرك بيده في البلد الذي حمله إليه قبل أن يفوت، يريد بحوالة الأسواق أو غير ذلك؛ ولم ير نقله من بلد إلى بلد فوتا له، وفي ذلك

يبيع الفصيل أو شيئا من أولاد البهائم على أن رضاعه على أمه

اختلاف قد ذكرناه؛ وبينا وجهه في رسم استأذن المذكور، ويعرف مثله بأن تكون الظروف التي كان فيها حاضرة لم تفت، وبالله التوفيق. [يبيع الفصيل أو شيئا من أولاد البهائم على أن رضاعه على أمه] ومن كتاب أوله إن أمكنتني من حلق رأسك وقال في الذي يبيع الفصيل أو شيئا من أولاد البهائم على أن رضاعه على أمه، قال: بلغني أن المهر إذا ماتت أمه لم يقبل على غيرها؛ فنحن نرى إذا كان الرضاع ضامنا على البائع إن ماتت الأم، أخلف مكانها من موضعه، وكان من البهائم التي لا تبالي بموت أمهاتها وهو يقبل على غير أمه إن ماتت، ولم يضره ذلك شيء، فالبيع جائز، والرضاع يضمنه إلى فطام مثله؛ فإن كان من البهائم التي إذا ماتت أمهاتها لم يقبل على غيرها إلا بعناء، أو لا يقبل حتى يخاف عليه الموت أو النقصان في كبره ونباته؛ فلا أرى في هذا خيرا؛ لأن هذا من وجه المخاطرة والغرر. قال محمد بن رشد: هذه مسألة ليست على الأصول؛ لأنه أجاز لمشتري المهر أن يشترط رضاع أمه إذا كان الرضاع ضامنا على البائع إن ماتت الأم، أخلف مكانها من يرضعه؛ ولا يجوز أن يستأجر الرجل أمة ترضع ابنا له على أن الرضاع ضامن على سيدها إن ماتت أخلف له مكانها من ترضع ابنه حتى ينقضي أمد رضاعه؛ ولا أن يستأجر مرضعة حرة على أنها إن ماتت كان في مالها خلفها؛ ولا أن يتكارى راحلة بعينها على أنها إن عطبت، أتاه المكري بعوضها؛ وشرطه في ذلك أيضا أن يكون

مسألة: رجل دبغ جلود ميتة فباعها واشترى بثمنها غنما فنمت وتوالدت

المهر من البهائم التي لا تبالي بموت أمهاتها، غير صحيح؛ إذ لو لم يجز شراء المهر على أن يكون رضاعه على أمه إذا كان من البهائم التي لا تقبل غير أمهاتها، وكان ذلك غررا مخافة أن تموت أمه فلا يقبل رضاع غيرها فيهلك؛ لما جاز شراؤه مع أمه مخافة أن تموت أمه فيهلك، إذ ما لا يجوز شراؤه منفردا لغرره، لا يجوز إذا انضاف إليه غيره؛ ولو اشترى شيئا من أولاد البهائم التي لا تقبل غير أمهاتها ولا تعيش دون رضاع ولا أم له، أو على أن لا يكون على البائع أن يرضعه أمه؛ لوجب ألا يجوز البيع إذا كان من البهائم التي (لا) تؤكل؛ لأنه من بيع ما لا منفعة فيه، وأكل المال بالباطل؛ فالذي يوجبه النظر في هذه المسألة، أن يكون شراء الصغير من أولاد البهائم على أن يكون رضاعه على أمه جائزا إذا لم يشترط الخلف إن ماتت كان مما يقبل غير أمه، أو لا يقبل؛ فإن ماتت الأم قبل أن ينقضي أمد فطام مثله، رجع على البائع بالثمن بما ناب منه ما بقي لأمد فطامه. ووجه العمل في ذلك: أن ينظر إلى قيمة الرضاع وقيمة المهر، فإن كان في التمثيل قيمة الرضاع ديناران، وقيمة المهر عشرة دنانير، وكان قد مضى من أمد الرضاع النصف، رجع المبتاع على البائع بنصف سدس الثمن الذي دفع إليه؛ لأنا علمنا أن سدسه وقع للرضاع وقد استوفى نصفه، فرجع عليه بنصفه. [مسألة: رجل دبغ جلود ميتة فباعها واشترى بثمنها غنما فنمت وتوالدت] مسألة وسئل: عن رجل دبغ جلود ميتة فباعها واشترى بثمنها غنما، فنمت وتوالدت، ثم أراد أن يتوب مما صنع؛ قال: يتصدق بثمن الجلود التي باعها به، وليس بالغنم الذي اشترى؛ قال عيسى: إن

المريض يبيع في مرضه وهو ليس في عقله

وجد الذي باع منه الجلود أو ورثته إن كان قد مات، دفع ذلك إليه أو إليهم؛ فإن لم يجده ولا ورثته، تصدق به؛ فإن جاء بعد ذلك، خير بين الصدقة والثمن كاللقطة. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم إنه يتصدق بثمن الجلود الذي باعها به إذا أراد التوبة، معناه: إذا فات الأمر وبعد، ولم يعلم المشتري ولا ورثته؛ وهذا على الاستحسان والتورع، مراعاة لقول من لا يجيز بيع جلد الميتة ولا الانتفاع به على حال - دبغ أو لم يدبغ؛ وليس على حقيقته ما يوجبه القياس على قوله وروايته عن مالك في إجازة الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت، وإلزام القيمة (فيها) لمن استهلكها قيمة الانتفاع؛ والذي يجب عليه واجبا على مذهبه، أن يتصدق بما زاد الثمن الذي قبض من المبتاع في الجلود على قيمة الانتفاع بها؛ إذ من حقه أن يرجع على المبتاع بقيمة انتفاعه بها، فيقاصه بذلك من الثمن؛ لأن انتفاعه بها غلة، والغلة لا تكون للمبتاع إلا بالضمان، وهو ليس بضامن الجلود إن تلفت، وهذا إن لم يعلم المبتاع، ولا قدر على رد ذلك إليه. وقول عيسى: إنه إن وجد الذي باع الجلود منه أو ورثته، دفع ذلك إليه أو إليهم - ليس ببين؛ إنما ينبغي أن يدفع إليهم أو إليه ما زاد الثمن على قيمة الانتفاع، ويمسك الباقي أو يتصدق به إن أراد التورع، ويلزم الذي اشترى الجلود إن باعها ما يلزم بائعها الأول؛ وكذلك إن باعها المشتري الثاني من ثالث، والثالث من رابع أبدا ما تداولتها الأملاك، وبالله التوفيق. [المريض يبيع في مرضه وهو ليس في عقله] ومن كتاب القطعان وسئل: عن المريض يبيع في مرضه وهو ليس في عقله،

باع وليدة واستثنى جنينا في بطنها

فيريد المبتاع أن يرد، ويأبى هو ذلك بعد صحته، أو ورثته بعد موته، أن البيع لازم للمشتري إن رضي البائع أو ورثته. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه ليس ببيع فاسد؛ وإنما هو بيع للبائع فيه الخيار من أجل أنه لم يكن في عقله كبيع السكران على مذهب من لا يلزمه البيع، وقد مضى القول على ذلك مستوفى في أول سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وبالله التوفيق. [باع وليدة واستثنى جنينا في بطنها] ومن كتاب الفصاحة قال عيسى: قال ابن القاسم، في رجل باع وليدة واستثنى جنينا في بطنها، فإنه إن أدرك البيع بحدثان ذلك فسخ؛ وإن فاتت الوليدة بولادة، أو طول زمان، أو اختلاف أسواق، أو موت، أو عتق، أو بيع، أو هبة؛ مضى البيع وكانت فيها القيمة يوم قبضت الأمة على غير استثناء بالغة ما بلغت؛ وإن ولدت وقبض مستثنى الجنين الجنين فعثر عليه بحدثان قبضه، رد إلى مبتاع الأمة وغرم قيمتها؛ وإن فات الجنين عند مستثنيه بطول الزمان، أو بشيء من وجوه الفوت؛ كان للبائع على المبتاع قيمة الأم يوم باعها على غير استثناء، وكان للمبتاع على البائع قيمة الجنين يوم قبضه؛ ثم يتقاومان الجنين والأم، أو يبيعان من واحد إن عثر على ذلك قبل إثغار الصبي، للنهي عن التفرقة. قال: واستثناء الجنين في بطن أمه بمنزلة اشترائه، سواء العمل في اشترائه كما وصفت لك في استثنائه؛ وكذلك لو اشترى بعيرا في شراده، أو عبدا في إباقه، فإنه إن أدرك قبل أن يقبض المشتري ما اشترى، أو بعد

قبضه إياه؛ ما لم يفت في يديه بوجه من وجوه الفوت، فسخ البيع بينهما ورد إلى البائع ما باع من ذلك، لا يكون للمشتري شيء في طلبه إياه؛ وإن فات بوجه من وجوه الفوت، كان على المشتري قيمته يوم قبضه بالغة ما بلغت؛ قال عيسى: وهذا قول ابن القاسم عن مالك كله، إلا في قبض مستثني الجنين الجنين، فإنه رأيي. قال محمد بن رشد: لم يختلف قول مالك ولا قول أحد من أصحابه فيما علمت أنه لا يجوز بيع الأمة، ولا بيع شيء من الحيوان واستثناء ما في بطنها؛ لأنهم رأوا البائع مبتاعا للجنين بما وضع من ثمن الأم، لمكان استثناء جنينها؛ فكأنه على مذهبه ومذهبهم باع الأمة بالثمن الذي سمي، وبالجنين الذي استثنى، وإن كان قد اختلف قوله وأقوالهم في المستثنى هل هو مبقي على ملك البائع، أو بمنزلة المشترى في غير ما مسألة؛ من ذلك اختلاف قوله فيمن باع ثمرة حائطه واستثنى منها مكيلة مسماة، هل يجوز له بيعها قبل أن يستوفيها أم لا؟ وقد مضى ذلك في رسم مرض من سماع ابن القاسم، وفي غير ما موضع؛ فيأتي على قياس القول بأن المستثنى مبقى على ملك البائع، إجازة بيع الحامل واستثناء ما في بطنها؛ وعلى هذا إجازة من أجازه من أهل العلم، منهم الأوزاعي، والحسن بن حي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وداود؛ وروي ذلك عن عبد الله بن عمر؛ فإذا باع الرجل الحامل واستثنى ما في بطنها، فهو على مذهب مالك وأصحابه بائع للأمة، ومبتاع لما في بطنها صفقة واحدة؛ فوجب أن تكون البيعتان فاسدتين، وعلى هذا يأتي جوابه في الرواية أن البيع يفسخ في الأمة ما لم تفت عند المبتاع بعد القبض بما يفوت به البيع الفاسد، فصحح عليه بالقيمة يوم القبض، وأنه يفسخ في الجنين ما

لم يفت عند البائع الذي هو مبتاع له، فيصحح عليه بالقيمة يوم قبضه، ورأى الولادة في الأمة فوتا على أصولهم في أنها تفيت البيع الفاسد؛ لأنها أشد من حوالة الأسواق التي تفيته؛ وذهب ابن حبيب إلى أن الولادة لا تفيتها، ومعنى ذلك إذا لم يكن معها مرض يتغير به حالها، وعزا ذلك إلى أصبغ. ووجه ما ذهب إليه من أن الولادة لا تفيت الأمة في البيع الفاسد؛ إذا استثنى جنينها، بخلاف إذا بيعت بيعا فاسدا ولم يستثن جنينها، أن الولادة إذا لم يكن معها مرض يتغير به حالها، فالولد إذا لم يستثن نماء فيها تفوت به؛ وإذا استثنى، فليس بنماء فيها؛ إذ كان البيع لم يقع عليه. وقول ابن القاسم أصح؛ لأن البيع إنما فسد بوقوع البيع عليه، ولو لم يقع عليه البيع وكان مبقى على ملك البائع، لكان البيع جائزا على ما ذهب إليه من أجازه. وقوله إذا اشترى بعيرا في شراده، أو عبدا في إباقه، فعثر على ذلك قبل أن يفوت عند المبتاع؛ أن البيع يفسخ فيه ولا يكون للمشتري شيء في طلبه إياه؛ صحيح على ما في المدونة من أن من جاء لرجل بعبده الآبق، فلا جعل له فيه عليه إذا لم يكن ممن يطلب الإباق، وإنما الاختلاف إذا وجده بجعل جعله فيه فعثر على ذلك قبل أن يفوت عنده، فيفسخ البيع. فقيل: إن للمشتري أن يرجع على البائع بما جعل في طلبه، قاله في كتاب ابن المواز؛ وقيل: إن الجعل على الجاعل، ولا يرجع به على البائع، وهو مذهب ابن القاسم؛ قاله في رسم محض القضاء من سماع أصبغ من كتاب الجعل والإجارة في الذي يجعل جعلا لرجل في طلب عبده ثم يستحقه مستحق، أن الجعل عليه ولا رجوع له به على المستحق، ولا فرق بين المسألتين؛ والاختلاف في هذا مبني على الاختلاف في السقي والعلاج، هل يحاسب بهما إن استحق الشيء من يده إذا أخذ المستحق الثمرة، إذ البيع الفاسد مثله سواء، وذهب ابن المواز إلى أن يكون الجعل على الجاعل، ويكون له على البائع والمستحق جعل مثله، إلا أن يكون أكثر مما غرمه الجاعل، وبالله التوفيق.

بيع التمر المنثور بالكيل

[بيع التمر المنثور بالكيل] ومن كتاب أوله سلف دينارا قال ابن القاسم: لا بأس بالتمر المنثور بالكيل على التحري. قال محمد بن رشد: إنما أجاز التحري في ذلك؛ لأن التمر المكتل لا يتأتى في الكيل، فإنما يباع بالوزن؛ ولا اختلاف في إجازة التحري فيما يوزن مما لا يجوز فيه التفاضل، قيل: في القليل دون الكثير، وقيل: في القليل والكثير، ما لم يكثر جدا حتى لا يستطاع تحريه؛ قيل: وإن لم تدع إلى ذلك ضرورة، وقيل: بل إنما يجوز للضرورة عند عدم الميزان. وقيل: بل إنما يجوز ذلك فيما يخشى فساده إلى أن يوجد ميزان، وهذا في المبايعة والمبادلة ابتداء؛ وأما من وجب له على رجل وزن من طعام، لا يجوز فيه التفاضل، فلا يجوز له أن يأخذه منه تحريا إلا عند الضرورة، لعدم الميزان على ما يأتي في نوازل سحنون من هذا الكتاب بعد هذا؛ وقد مضى القول على هذه المسألة في رسم أخذ يشرب خمرا، ورسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، وفي رسم باع شاة من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [اشترى طعاما سمي له كيله أو كان حاضرا كيله] ومن كتاب العتق قال عيسى: قال ابن القاسم: من اشترى طعاما سمي له كيله، أو كان حاضرا كيله، هو على الكيل أبدا، وعلى البائع أن يكيله له ثانية حتى يشتريه على أنه يأخذه بكيله، أو على أنه يصدقه في كيله، بمنزلة ما يقول: كم في طعامك؟ فتقول: مائة إردب، فيقول

له: قد أخذتها بخمسين فهو على الكيل لا بد منه، إلا أن يشتريه على التصديق له؛ قيل: فإن اشتراه على الكيل ثم أراد أن يصدقه فيأخذه بكيله، قال: لا بأس بذلك؛ قيل: فإن أراد بعد ذلك أن يرجع إلى الكيل وبدله، قال: ليس ذلك له. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن من حق المشتري أن يكيل له البائع ما اشترى منه من الطعام وإن كان قد حضر كيله؛ لأن الشراء فيما يكال على الكيل وإن لم يشترطه حتى يشتريه على التصديق تصريحا؛ قال عز وجل: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} [يوسف: 88] . فإن اشتراه على التصديق لم يكن له أن يرجع إلى الكيل إلا أن يرضى البائع؛ لأن الضمان قد سقط عن البائع فيه بتصديق المشتري إياه؛ فليس له أن يرده عليه، وكذلك إن اشتراه على الكيل، فليس له أن يرجع إلى التصديق إلا برضاه، وإن كان حاضرا كيله؛ لأنه يقول: أخشى خصومتك بأن تأخذه فتغيب عليه فتدعي النقصان فيه، وهو معنى قوله لا بأس بذلك، أي: ذلك جائز إذا رضي البائع، ولا اختلاف في أن من اشترى طعاما على الكيل، يجوز له أن يبيعه على التصديق إذا باعه بالنقد؛ واختلف إذا اشتراه على التصديق؛ فقيل: إنه لا يبيعه على الكيل ولا على التصديق حتى يكيله هو، أو يغيب عليه؛ من أجل أنه لو كاله قبل أن يغيب عليه فألفى فيه نقصانا، رجع في الثمن بحسابه؛ فكأن البيع لم يتم بينهما حتى يكتال أو يغيب عليه، حكى ذلك ابن حبيب من قول ابن كنانة عن مالك؛ ولو قيل له: لا يجوز له أن يبيعه قبل أن يكتاله وإن غاب عليه وحده؛ لأنه قد يدعي النقصان فيه فينكل البائع عن اليمين، فيحلف هو ويأخذ ما يقع له من الثمن، فكأن البيع لم يتم أيضا لكان قولا؛ وقيل: إنه لا يجوز أن يبيعه قبل أن يكيله أو يغيب عليه على التصديق وعلى الكيل، وهو قول ابن القاسم، وابن الماجشون، وأصبغ.

اشترى جرار زيت أو سمن موازنة فوزنت له ثم أراد بيعها مرابحة

[اشترى جرار زيت أو سمن موازنة فوزنت له ثم أراد بيعها مرابحة] مسألة ومن اشترى جرار زيت أو سمن موازنة فوزنت له، ثم أراد بيعها مرابحة قبل أن يفرغ أو يزن ظروفها، فذلك حلال لا بأس به؛ لأن ضمانها منه؛ لأنه قد قبضها ووزنها قبض ليس في هذا شك فإن انكسرت منها ظروف فضمان ما فيها منه، إلا أن وزن الظروف بوزن فخارها فيطرح ذلك عنه، فلا بأس أن يبيعها مرابحة وغيرها، وهي على الوزن في ذلك كله إن باعها يزنها للمشتري أيضا ذلك عليه، إلا أن يبيعه على أن يأخذها بوزنها الأول ويصدقه في ذلك، قال أصبغ: ويسلفان جميعا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب المرابحة، ومضى عليها من القول هناك ما فيه شفاء، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق، لا إله إلا هو، وهو على كل شيء قدير. [يكون في العبد بالخيار أو في شيء من الحيوان أو رهنه] ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها وسألته: عن الذي يكون في العبد بالخيار، أو في شيء من الحيوان، أو رهنه، أو يكتب إلى رجل له عليه حق أن يشتري له عبدا، فيدعي هؤلاء كلهم أن ذلك هلك عندهم؛ هل يكلفه البينة إن زعموا أن ذلك هلك عندهم في الحاضرة وحيث الناس، أو ادعوا أنه هلك بفلاة من الأرض؛ قال ابن

القاسم: إذا كان ذلك في حاضرة وحيث الناس وله جيران فلم يعلم أحد من جيرانه ما يذكر من الموت في العبد والدابة، رأيته ضامنا؛ وإذا ادعى أنه مات بفلاة، فلا ضمان عليه؛ وإن ادعى إباقا، فهو مصدق. قال محمد بن رشد: ساوى في دعوى التلف بين الذي يشتري العبد بالخيار، أو يرتهنه، أو يشتريه لرجل فيما له عليه من الدين بأمره، وما يشتريه الرجل للرجل بأمره هو فيه مؤتمن كالمودع سواء؛ فدل ذلك على أنه لا فرق في دعوى تلف ما لا يغاب عليه من الوديعة والرهن وما أشبهه، وأن ذلك إنما يفترق فيما يغاب عليه، فيصدق في الوديعة؛ ولا يصدق في الرهن، إلا أن يقيم البينة؛ ويصدق فيما لا يغاب عليه في الوديعة والرهن والعارية، وما اشتراه لغيره بأمره إلا أن يتبين كذبه؛ ومما يتبين به كذبه أن يدعي أنه مات في حاضرة وله جيران لا يعلمون شيئا من ذلك. وقوله: وله جيران فلم يعلم أحد منهم ما يذكر من موت العبد، يدل على أن السلطان يستخبر ذلك من الجيران، ولا يكلف إقامة البينة على ذلك؛ وفي رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب، أنه يكلف البينة على ذلك، وفي المدونة دليل على القولين جميعا، ولم يشترط هاهنا عدالة من يسأل من الجيران؛ وقال في المدونة: إنه لا يقبل في ذلك إلا العدول، فقيل: إن ذلك ليس باختلاف من القول، وإن معنى ما هاهنا إذا لم يكن في الجيران عدول، وأن معنى ما في المدونة إذا كان فيهم عدول؛ وقيل: إن ذلك اختلاف من القول، وأنه ضامن على ما في المدونة إذا لم يأت بعدول وإن لم يكن في ذلك الموضع عدول؛ والذي أقول به أنه لا اختلاف في شيء من ذلك كله، وأن المعنى فيه أن السلطان لا يلزمه أن يسأل عن ذلك ويستخبر عنه إلا أن يشاء، فإن سأل وفي ذلك الموضع عدول، لم يسأل إلا العدول، فإن قالوا نعلم موت ذلك العبد بعينه

الذي ادعى موته، سقط عنه الضمان، ولم يكن عليه يمين؛ وإن قالوا نعلم أنه مات عنده عبد، أو شهدنا عنده جنازة ولا نعلم أن كان ذلك العبد الذي يدعي تلفه أم لا، صدق بيمينه؛ وإن قالوا لا نعلم شيئا مما يذكر لم يصدق ولزمه الضمان؛ وإن لم يكن في ذلك الموضع عدول، سئلوا على ما هم عليه؛ فإن قالوا: لا نعلم شيئا مما يذكر، لم يصدق ولزمه الضمان؛ وإن قالوا: نعلم أنه مات العبد الذي يدعي موته، أو نعلم أنه مات له عبد، أو أنه كانت عنده جنازة ولا نعلم إن كان العبد الذي يدعي موته أو غيره، صدق في الوجهين جميعا مع يمينه؛ وكذلك إن لم يرد السلطان أن يسأل عن ذلك وكلفه إقامة البينة عنده إن أتاه بعدول يشهدون عنده على موت العبد الذي يدعي موته، سقط عنه الضمان ولم تلزمه يمين؛ وإن شهدوا عنده على معرفة الموت دون أن يعرفوا أنه هو العبد، صدقه فيما ادعى من موته مع يمينه، وإن أتى ببينة من جيرانه وهم غير عدول وليس فيهم عدول، فشهدوا عنده بموت العبد، أو بحضور جنازة كانت عنده، ولا يعلمون إن كانت للعبد أو لغيره صدق فيما ادعى من موته مع يمينه، وإن كان فيهم عدول لم يلتفت إلى من شهد عنده من غير العدول؛ وإن لم يأته ببينة على شيء من ذلك، لزمه الضمان ولم يصدق. وقوله: فإن ادعى أنه مات بفلاة، فلا ضمان عليه، معناه: ويحلف على ذلك؛ وكذلك قوله وإن ادعى إباقا فهو مصدق، معناه: مع يمينه؛ والأصل في هذا، أنه إذا لم تكن له بينة عدلة على ما ادعى من موت العبد أو إباقه، فهو مصدق مع يمينه، إلا أن يتبين كذبه بدعواه ما لا يمكن أن يخفى دون أن يعلم ذلك ويدرى. وفي قوله في أول المسألة: أو يكتب إلى رجل له عليه حق أن يشتري له عبدا - بيان واضح أنه صدقه في دعواه الشراء والتلف، ما لم يتبين كذبه، وإن كان غائبا حيث لا يجوز له الشراء؛ خلاف رواية ابن أبي جعفر الدمياطي عنه أنه لا يصدق في الشراء والتلف إلا في الموضع الذي يجوز له فيه الشراء، وذلك إذا كان صاحب الدين حاضرا معه أو وكيله؛ وأما إذا كان غائبا عنه

مسألة: باع داره واستثنى من الدار بيتا يسكنه

حيث لا يجوز له الشراء، فلا يصدق في التلف إلا أن يقيم البينة على الشراء؛ فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: تصديقه في الموضعين، وهو قوله في هذه الرواية؛ لأنه إذا صدق حيث لا يجوز له الشراء، فأحرى أن يصدق حيث يجوز له؛ وألا يصدق في واحد منهما حتى يقيم البينة على الشراء، وهذا القول قائم من المدونة من مسألة الغرر وغيرها؛ والقول الثالث: الفرق بين الموضعين، وقد مضى هذا في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، ويأتي أيضا من سماع باع شاة من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات، وبالله التوفيق. [مسألة: باع داره واستثنى من الدار بيتا يسكنه] مسألة وسئل: عن رجل باع داره واستثنى من الدار بيتا يسكنه، واستثنى على المشترى الاختلاف إلى الكنيف والاستقاء من البئر، فاحتاج الكنيف أو البئر إلى الكنس؛ هل عليه من ذلك شيء؟ قال: نعم عليه من ذلك بقدر ما استثنى من الدار إذا كان استثنى بيتا وباع ثلاثة أبيات، فعليه ربع نفقة الكنس؛ وإن كان أقل أو أكثر، فعلى حساب ذلك؛ ولا يلتفت في هذا إلى كثرة العدد وقلته. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: واستثنى على المشتري الاختلاف إلى الكنيف والاستقاء من البئر - دليل على أنه لو لم يستثنه عليه، لم يكن له، ولكان من حق المبتاع أن يمنعه، خلاف ما مضى في أول رسم من سماع أشهب؛ وقوله في كنس البئر إذا احتاجت إلى الكنس، أنه يكون على البائع منه بقدر ما استثنى من الدار، صحيح لا اختلاف فيه عندي؛ لأنهم أشراك في البئر، فوجب أن تكون النفقة في كنسه على قدر الأنصباء، كما لو انهدم. وقوله: إنه يكون عليه ربع النفقة إن

مسألة: الرجل يبيع الدار والعبد بيعا حراما ثم يعلم البائع

كان استثنى بيتا من أربعة أبيات، معناه: إذا تساوى البيوت؛ وأما إن لم تتساو، فلا بد من أن يرجع في ذلك إلى القيمة؛ فإن كان البيت الذي استثنى يعدل الثلاثة الأبيات في القيمة، كان عليه نصف نفقة الكنس. وأما قوله في كنس الكنيف أنه يكون عليه منه بقدر ما كان استثنى بيتا من أربعة أبيات من الدار ككنس البئر، ففيه قولان: أحدهما: أنه على صاحبه الأصل لا على من ألقى فيه سقاطته بحق أوجب ذلك له، وهو قوله في هذه الرواية، وقول أشهب في سماع أصبغ من كتاب الأقضية في الدار يكون لواحد سفلها، ولآخر علوها، أن كنس الكنيف على صاحب السفل لأنه له، وإنما للأعلى الحق في الانتفاع به. والثاني: أنه على من ألقى سقاطته فيه؛ لأنه شغله بما وضع فيه، فعليه أن يزيله منه؛ وإن كانوا عددا فعلى الجماجم، ولا يراعى في ذلك ملك الأصل لمن هو؟ وهو قول أصبغ وروايته عن ابن وهب في سماعه من الكتاب المذكور. وقوله في نوازله أيضا من كتاب السداد والإنهار. وعلى هذا الاختلاف يأتي اختلافهم في كنس كنيف الدار المكتراة، فقال أشهب: إنه على صاحب الدار؛ لأن الأصل له على أصله لم يضطرب في ذلك قوله، وقاله ابن القاسم أيضا في رواية أبي جعفر الدمياطي عنه؛ وهو على قياس قوله في هذه الرواية، وعلى أصل أشهب؛ وروى أبو زيد عنه في سماعه من كتاب كراء الدور أنه على المكترى، وهو على قياس قول ابن وهب وأصبغ، وفي المدونة دليل على القولين جميعا، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يبيع الدار والعبد بيعا حراما ثم يعلم البائع] مسألة قال عيسى، في الرجل يبيع الدار والعبد بيعا حراما، ثم يعلم

مسألة: يشتري كيلا من طعام بعينه فلم يقبضه حتى ادعى البائع أن الطعام هلك عنده

البائع بفساد البيع، فيقوم على المشترى يريد فسخ البيع ولم يفت ذلك فيفوت المشتري الدار بتصديق بها، أو يبيعها؛ أو يبيع العبد، أو يعتقه بعد قيام البائع عليه؛ قال: أما الصدقة والبيع فإني لا أرى ذلك يجوز له بعد قيام البائع على فسخ البيع؛ وأما العتق فإني أراه خلاف البيع والصدقة، وأراه فوتا، وأرى أن يمضي العتق للعبد ولا يرد، وذلك أن للعتق حرمة. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يجوز له البيع ولا الصدقة ولا الهبة بعد قيام البائع عليه بفسخ البيع صحيح؛ لأنه متعد في ذلك عليه إذا فعله بعد أن قام عليه؛ إذ الواجب له بقيامه عليه أن يرد ماله إليه بفسخ البيع، وإنما يجوز ذلك له إذا فعله قبل أن يقوم عليه؛ لأنه قد أذن له في ذلك حين ملكه المبيع بالبيع الفاسد، فهو على ذلك الإذن، ما لم يرجع عنه بالقيام عليه؛ فإذا باع أو وهب أو تصدق بعد أن قام عليه، كان بالخيار بين أن يجيز له ما صنع من البيع والهبة والصدقة، ويضمنه القيمة في ذلك يوم القبض؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد رضي بالتزام القيمة، وبين أن يرد البيع والهبة والصدقة ويأخذ ماله؛ وليس له أن يقول أنا أجيز البيع وآخذ الثمن، إذ ليس بعداء صرف، من أجل أنه باع ما قد حصل في ضمانه بالبيع الفاسد؛ ألا ترى أنه لو تلف، كانت مصيبته منه؛ وكان القياس على هذا أن يكون في العتق مخيرا أيضا بين أن يرده ويأخذ عبده، أو يمضي عتقه ويضمن المشتري القيمة؛ إلا أنه أمضاه ورآه فوتا، لحرمة العتق استحسانا، من أجل أنه لم يعتق إلا ما قد حصل في ضمانه بالقبض بالبيع الفاسد وإن كان متعديا فيه بعد قيام البائع عليه، وهذا وجه الاستحسان أن يعدل عن حقيقة القياس في موضع من المواضع لمعنى يختص به ذلك الموضع، يترجح به ما ضعف من الدليلين المتعارضين. [مسألة: يشتري كيلا من طعام بعينه فلم يقبضه حتى ادعى البائع أن الطعام هلك عنده] مسألة وسئل: عن رجل يشتري كيلا من طعام بعينه فلم يقبضه حتى

ادعى البائع أن الطعام هلك عنده، وكذبه المبتاع، وأراد أن يضمنه الكيل الذي باع منه، قال: عليه أن يوفيه الكيل الذي اشترى منه، إلا أن يعلم هلاكه بالبينة العادلة. قال محمد بن رشد: قوله عليه أن يوفيه الكيل الذي اشترى منه، يريد ولا يكون له أن يصدقه فيما ادعى من هلاكه، فيأخذ منه الثمن؛ لأنه إذا كان مخيرا في أن يأخذه بمثل الكيل الذي ابتاع منه، أو يأخذ الثمن الذي دفع إليه، دخله بيع الطعام قبل أن يستوفى؛ لأن أخذ الثمن منه إقالة، والإقالة لا تكون إلا ناجزة، ففسدت بما دخلها من الخيار؛ وهذا قاله من قول ابن القاسم في كتاب السلم الثالث من المدونة في الذي يشتري طعاما بعينه كيلا، فيتعدى عليه البائع فيستهلكه؛ أنه يضمن له مثله، ولا يكون له الخيار في أن يأخذ منه الثمن؛ لأن محمل المسألة أن الاستهلاك لم يعلم إلا بقوله، وقد قال أشهب: إنه في ذلك بالخيار؛ وهو نحو ما وقع في كتاب السلم الأول في بعض الروايات في الذي أسلم ثوبا في طعام، فتعدى رجل على الثوب في يد المسلم فأحرقه، ولم يعلم ذلك إلا بقوله؛ أن المسلم إليه بالخيار بين أن يغرمه قيمته ويكون السلم عليه على حاله، أو يفسخ السلم عن نفسه، ومثله في كتاب ابن المواز؛ فعلى هذا يكون المشتري بالخيار بين أن يصدقه فيما ادعى من هلاك الحمل، ويأخذ منه الثمن، أو يغرمه مثله. وقد قيل: إن معنى ما تكلم عليه أشهب في مسألة كتاب السلم الثالث، إذا علم استهلاكه للطعام؛ وأما مسألة كتاب السلم الأول فلا وجه فيها للتأويل؛ لأنه قد خيره بين الأمرين، مع أنه قد نص على أنه لم يعلم ذلك إلا بقوله؛ إلا أن في هذا القول بعدا، لاحتمال أن يكون المسلم قد استهلك الثوب، فوجبت عليه قيمته للمسلم إليه فيكون قد أقاله على القيمة من السلم، فيدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى، فالصحيح فيها أن يغرمه القيمة ويثبت السلم، وبالله التوفيق.

باع غنما وفيها كبش معتل على أن المبتاع فيه بالخيار

[باع غنما وفيها كبش معتل على أن المبتاع فيه بالخيار] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: سألت ابن القاسم: عن رجل باع غنما وفيها كبش معتل على أن المبتاع فيه بالخيار عشرة أيام أو نحوها، فإن رضيه حبسه، وإن كرهه رده بالذي يصيبه من الثمن؛ قال: هذا بيع لا يحل؛ لأنه لا يدري بكم وجبت عليه الغنم؛ ألا ترى أنه لو حبس الشاة التي هو فيها بالخيار، كان عليه جميع الثمن؛ وإن ردها، ردها بقيمتها من جميع الثمن؛ فهو لا يدري كم تلك القيمة؛ ولا ما يصير عليه؛ ولا بكم يبقى عليه ما بقي في يده من الغنم؛ قال: قلت: فإن فاتت الغنم فلم يوجد سبيل إلى ردها؛ قال: يفسخ البيع ويرد إلى قيمة الغنم يوم تبايعاها. قال محمد بن رشد: هذه المسألة لفساد البيع فيها علتان: إحداهما: يختلف في إفساد البيع بها وهي الجهل بما تبقى عليه الغنم إن رد الشاة، والثانية: يتفق على فساد البيع بها وهي كونه في الشاة المعتلة بالخيار عشرة أيام، والخيار لا يجوز فيها إلى هذا الأمد، فيكون البيع فيها فاسدا متفقا عليه؛ لأن الصفقة إذا جمعت حلالا وحراما فسخت، إلا على رواية شاذة تروى عن مالك، فكيف إذا جمعت ما لا يجوز، وما يختلف في جوازه؛ وقد مضت هذه المسألة في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الخيار، واعتل فيها لفساد البيع بالعلتين جميعا؛ وسكت هاهنا عن العلة الواحدة، واكتفى بالثانية على أحد قوليه في إفساد البيع بها؛ فلو سمى للشاة العليلة ثمنا واشترط الخيار فيها اليوم واليومين، لجاز البيع؛ لأنه كان يجمع صفقتين: صفقة بت وصفقة خيار. وقوله: ويرد إلى قيمة الغنم يوم

يشتري من الرجل طعاما بدينار فيتقابضان ثم يختلفان قبل الافتراق

تبايعا، معناه: إذا كان العقد والقبض في يوم واحد، وأما إن اختلفت الأيام والقيم؛ فالقيمة إنما تكون في الغنم يوم القبض لا يوم البيع. [يشتري من الرجل طعاما بدينار فيتقابضان ثم يختلفان قبل الافتراق] ومن كتاب الصبرة قال يحيى: سئل ابن القاسم: عن الرجل يشتري من الرجل طعاما بدينار، فيقبض البائع الدينار، ويقبض المشتري الطعام؛ فيختلفان قبل الافتراق: فيقول البائع: إنما بعت منك خمسة أرادب بدينار وقد وصلت إليك، ويقول المشتري: بل اشتريت منك ستة بدينار وبقي لي إردب؛ قال: القول قول البائع؛ لأن المشتري مدع عليه إن قبض الطعام وقضى الدينار، والبائع مصدق مع يمينه لقبضه الدينار؛ قيل له: أرأيت إن لم يكن قبض الدينار وقد قبض المشتري الخمسة الأرادب، وادعى أنه اشترى ستة؛ أو لم يقبض من الطعام شيئا، ولم ينقد الدينار. فقال: إذا تناكرا ولم يقبض واحد منهما شيئا، تحالفا وتباريا، وإن كان قبض الخمسة أرادب، فادعى في السادس ولم ينقد الدينار، حلف أنه اشترى ستة بدينار، ثم أحلف البائع ما باعه إلا خمسة بدينار؛ فإن حلفا جميعا قضاه خمسة أسداس الدينار، وفاسخه في السدس، ولم يكن بينهما فيه بيع؛ قلت: فأيهما يبدأ باليمين إذا لم يقبض واحد منهما من صاحبه شيئا، قال: يحلف المشتري بالله اشترى مني ستة أرادب بدينار، ثم يحلف البائع بالله لما باعه إلا خمسة أرادب بدينار؛ ثم يكون المشتري بالخيار أن يأخذ خمسة بدينار، أو يفاسخه.

قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة إنهما إذا اختلفا في مكيلة الطعام قبل الافتراق؛ وقد قبض البائع الدينار، أنه مصدق مع يمينه لقبضه الدينار، خلاف مذهبه في المدونة، وعلى غير أصله فيها؛ لأنه لم ير النقد المقبوض فيها فوتا إذا اختلفا في المثمون ولا قبض السلعة فوتا إذا اختلفا في الثمن. فقوله إن البائع مصدق مع يمينه لقبضه الدينار، هو مثل قول غيره في كتاب كراء الرواحل والدواب من المدونة وعلى رواية ابن وهب عن مالك في أن قبض السلعة فوت إذا اختلفا في الثمن؛ فالاختلاف في قبض الثمن هل فوت أم لا، إذ الاختلاف في المثمون جاز على الاختلاف في قبض السلعة، هل هو فوت أم لا إذا اختلفا في الثمن، إذ لا فرق بين الموضعين؛ فمن رأى قبض السلعة فوتا، رأى قبض النقد فوتا، وهو الذي ذهب إليه ابن القاسم في هذه الرواية، ومن لم ير قبض السلعة فوتا، إلا أن تفوت بحوالة أسواق فما زاد، لم ير قبض النقد فوتا إلا أن يغيب عليه البائع؛ وقيل: إنه لا يكون فوتا وإن غاب عليه حتى يطول الأمر، أو يحل أجل المثمون المختلف فيه - إن كان سلما، وهو قول ابن القاسم في المدونة، ولا فرق في القياس إذا غاب عليه بين أن يطول الأمر أو لا يطول، وقيل: إنه لا يكون قبض النقد فوتا وإن غاب عليه وطال الأمر، إذ لا يراد النقد من الدنانير والدراهم لعينه؛ وأما المكيل والموزون إذا اختلفا في ثمنه بالقيمة عليه على مذهب ابن القاسم فوت، إذ لا يعرف بعينه إذا غيب عليه. وقوله في هذه الرواية: إنه إن كان قبض الخمسة أرادب وادعى في السادس ولم ينقد الدينار، أنه يحلف لقد اشترى منه ستة بدينار، ويحلف البائع ما باعه إلا خمسة بدينار؛ فإن حلفا جميعا، قضاه خمسة أسداس الدينار، وفاسخه في السدس - خلاف المشهور من مذهبه في أن القبض ليس بفوت على أصله في هذه الرواية أن النقد المقبوض فوت، وإنما يصح هذا الجواب على المشهور من مذهبه في أن القبض ليس بفوت إذا كان قد غاب على الطعام؛ وأما إذا لم يغب عليه فيتحالفان ويتفاسخان

ويرجع الطعام إلى البائع، وأما إذا لم يقبض واحد منهما شيئا، فلا اختلاف في أنهما يتحالفان ويتفاسخان، والاختيار أن يبدأ المشتري باليمين في هذه المسألة على ما في هذه الرواية؛ لأنه بائع للدينار، بقوله لم أبع ديناري إلا بستة أرادب، فكان الاختيار أن يبدأ باليمين ولو اختلفا في ثمن الخمسة الأرادب، فقال البائع: بعتها لو فعلت، وقال المبتاع: اشتريتها بخمسة أسداس دينار، لكان الاختيار أن يبدأ البائع؛ كما إذا اختلفا في ثمن السلعة؛ فقال البائع: بعتها بستة أرادب، أو بستة دنانير، وقال المبتاع: (بل) ابتعتها بخمسة أرادب أو بخمسة دنانير؛ الاختيار أن يبدأ البائع باليمين، وأيهما بدأ باليمين في المسألتين جميعا فذلك جائز؛ لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه، فأيهما بدأ باليمن جاز. وقد كان يمضي لنا عند من أدركناه من شيوخنا في هذه المسألة أن تبدئة المشترى فيها باليمين خلاف الاختيار، والصحيح ما قلناه وبيناه، فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا، فسخ البيع بينهما، وذهب ابن حبيب إلى أنهما إن نكلا كان القول قول البائع، ظاهره بلا يمين؛ وقيل: بعد أن يحلف، وهو الصواب؛ وعلى هذا ليس قوله بخلاف لقول سواه، وقد شرحنا هذا في غير هذا الكتاب؛ وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف. واختلف هل ينفسخ البيع بينهما بتمام التحالف، أو لا ينفسخ حتى يفسخه الحاكم بينهما؛ فقيل: إنه ينفسخ بتمام التحالف وهو قول سحنون، وظاهر ما في كتاب الشفعة من المدونة؛ وقيل: إنه لا ينفسخ حتى يفسخه الحاكم بينهما، وهو مذهب ابن القاسم في كتاب السلم الثاني من المدونة، وفي هذه الرواية لقوله فيها، ثم يكون المشتري بالخيار بين أن يأخذ خمسة بدينار، أو يفاسخه. وقيل: إن كان التحالف بأمر حكم لم ينفسخ حتى يفسخه الحاكم، وإن كان تحالفهما بغير أمر حكم انفسخ بتمام التحالف؛ وقيل بعكس هذه التفرقة، وعلى

مسألة: بيع كبير الخشب المجموع جزافا

القول بأن البيع لا ينفسخ حتى يفسخه الحاكم، يكون للمبتاع بعد التحالف أن يأخذ السلعة بما قال البائع، وللبائع أن يلزمها المبتاع بما قال ما لم يفسخ الحاكم بينهما، وقد تأول على ما في المدونة أن للمبتاع أن يأخذها بما قال البائع، وليس للبائع أن يلزمها المبتاع بما قال، وتأول على ابن عبد الحكم أن للبائع أن يلزمها المبتاع بما قال، وليس للمبتاع أن يأخذها بما قال البائع، والصحيح من التأويل أن ذلك ليس باختلاف من القول، وأن كل واحد منهما تكلم على طرف لم يتكلم عليه صاحبه، فصار قول كل واحد منهما مفسرا لصاحبه. [مسألة: بيع كبير الخشب المجموع جزافا] مسألة وسئل: عن بيع كبير الخشب المجموع الذي يلقى بعضه على بعض، أيجوز بيعه جزافا؟ قال: لا؛ قيل له: لِمَ؟ قال: لأنه غرر ترك عدده ويجازفه، ومثله يخف مؤنة عدده، بمنزلة البقر والغنم وما أشبه ذلك؛ قال: ولا أرى بأسا باشتراء صغير الخشب مجموعا جزافا، وذلك أن عدده مما يشق على الناس؛ ووجه بيعه الجاري فيه بين الناس المجازفة فيه. وإنما مثل كبير الخشب في هذا وصغيره، كمثل كبير الحيتان وصغيره؛ ولا بأس ببيع صغيره جزافا، ولا يصلح في كبيره؛ قال: وما جاز بيعه من صغير الحيتان مجموعا جزافا، فلا يصلح إذا سار في أوعيته أن تباع أوعيته جزافا مثل قلال الصير وما أشبهها مما يجمع في السفن، فلا يجوز بيع ما في السفينة من قلال الصير جزافا؛ وكذلك ما يجمع في البيت منها، أو في غير ذلك مما يجمع فيه الظروف، فلا يصلح بيعه إلا عددا.

يشتري الزيت من الرجل ويسقط الإناء الذي يكيل به على إناء المشتري

قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن بيع الجزاف رخصة وتوسعة وسع فيه لطرح مئونة الكيل فيما يكال، والوزن فيما يوزن، أو العد فيما يعد، فإذا كان الشيء المعدود كثيرا لا مئونة في عدده، لم يجز بيعه جزافا؛ لأن ذلك قد يئول إلى الغرر، إذ لا مكونة في عدده، وبالله التوفيق. [يشتري الزيت من الرجل ويسقط الإناء الذي يكيل به على إناء المشتري] ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع وسئل: عن الرجل يشتري الزيت من الرجل، فبينما البائع يكيل للمشتري بعد أقساط قد كالها وجعلها في إناء المشتري، إذ سقط العيار الذي يكال به من يد البائع على إناء المشتري، فكسره وذهب ما فيه، وما كان في المكيال بعد ما امتلأ المكيال، وأراد صبه في الإناء، فقال: أما ما كان في المكيال، فهو من البائع، وما كان في الإناء فضمان مكيلته من البائع الذي كسره بفعله؛ فإن بقي عند البائع من الزيت الذي كان اشترى منه المشتري، أوفاه ما بقي عليه من الزيت؛ وإن كان فنسي، حاسبه ورد عليه ما بقي من ذهبه ولم يضمن له غرم ما كان في المكيال، ولكن يرد عليه ما يصبه من الثمن لفناء الزيت من يده، قلت: أرأيت إن كان البائع أمكن المشتري من المكيال يكتال لنفسه، فلما أن أوفاه هذا الكيل، سقط من يد المشتري على إناء نفسه فكسره؛ قال: أما ما كان في الإناء، فهو أتلفه على نفسه؛ وما كان في المكيال، فضمانه من البائع؛ لأنه لا ضمان على المشتري فيما يشتري بالكيل حتى يقبضه، وليس القبض أن يملأ له الكيل، ولكن القبض أن يجعله في إناء المشتري أو يصبه حيث أمره؛ ولا يضمنه من أجل أنه كان يكتال لنفسه؛ لأنه في ذلك مؤتمن حتى يصل إليه؛ قلت: أرأيت إن استأجرا جميعا رجلا أو استعاناه للكيل

بينهما، فسقط من يده على نحو ما سقط من يد أحدهما؛ قال أما ما كان في الإناء، فضمان على الذي استؤجر أو استعين، وأما ما كان في المكيال، فهو من البائع، لا ضمان فيه على الذي استؤجر أو استعين إذا لم يكن منه في ذلك شيء يعلم أن تلفه كان من عمله أو بسبب تضييعه، والمشتري مثله فيما سقط من يده. قال محمد بن رشد: قوله في المكيال إذا سقط من يد البائع بعد أن امتلأ على إناء المشتري فانكسر وكسر ما في إناء المشتري، أن ما كان في المكيال فهو من البائع، وما كان في الإناء فضمان مكيلته من البائع الذي كسره بفعله، لا اختلاف فيه؛ غير أن ما كان في المكيال يلزمه غرمه من الزيت الذي باع منه، فإن لم يكن فيه ما يوفيه إياه منه، حاسبه ورد عليه ما ينوبه من الثمن؛ وأما ما كان في الإناء فيلزمه غرم مثله من ذلك الزيت ومن غيره. وقوله فإن بقي عند البائع من الزيت الذي كان اشترى منه المشتري، أوفاه ما بقي عليه من الزيت، يريد بعد الذي انكسر، إذ الذي انكسر هو ضامن لمثله على كل حال وإن فني الزيت من يده، وإنما يحاسبه إذا فني الزيت من يده بما بقي من العدد الذي باع منه؛ مثال ذلك: أن يبيع منه عشرة أقساط من زيت عنده، فيكيل له منه خمسة في إنائه، ثم يسقط الكيل السادس من يده على إناء المشتري فيذهب ما فيه وما في الإناء؛ فإن كان في بقية الزيت الذي كان عنده ما يوفيه منه الخمسة الأقساط الباقية، وفاه إياها منه؛ وإن لم يكن فيه وفاؤها، رد عليه من الثمن ما يجب لما نقص من ذلك. وأما الخمسة الأقساط التي سقط المكيال عليها فكسرها، فهو ضامن لمثلها من غير ذلك الزيت إذا فني ذلك الزيت، أو لم يرد أن يعطي منه؛ إذ لا يلزمه أن يعطي ذلك منه؛ لأنها

مسألة: يبيع الزرع وقد أفرك أو الفول وقد امتلأ حبه

جناية لازمة لزمته غير متعينة في ذلك الزيت، وقد مضى القول على هذا المعنى وعلى سائر ما في المسألة مستوفى في رسم نقدها من سماع عيسى. [مسألة: يبيع الزرع وقد أفرك أو الفول وقد امتلأ حبه] مسألة وسئل: عن رجل يبيع الزرع وقد أفرك، أو الفول وقد امتلأ حبه - وهو أخضر، والحمص والعدس أو ما أشبه ذلك، فيتركه مشتريه حتى ييبس ويحصد، أيجوز بيعه؟ فقال: إن علم به قبل أن ييبس فسخ البيع، وإن لم يعلم به إلا بعد أن ييبس، مضى البيع ولم يفسخ؛ وليس هو مثل من يشتري الثمرة قبل أن تزهى؛ لأن النهي جاء في بيع الثمار قبل أن تزهى من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واختلف العلماء في وقت بيع الزرع: فقال بعضهم: إذا أفرك، وقال بعضهم: حتى ييبس، فأنا أجيز البيع إذا فات باليبس لما جاء فيه من الاختلاف، وأرده إذا علم به قبل أن ييبس. قال محمد بن رشد: لا يجوز عند مالك وجميع أصحابه بيع شيء من ذلك حتى ييبس ويستغني عن الماء، لما جاء من أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قال: «لا تبيعوا الحب في سنبله حتى يبيض في أكمامه» ، إلا أنه إن بيع عندهم بعد أن أفرك وقبل أن ييبس، لا يحكمون له بحكم البيع الفاسد، مراعاة لقول من يجيز ذلك من أهل العلم، منهم ابن شهاب؛ فمنهم من يرى العقد فيه فوتا، وإنما يكرهه ابتداء، فإذا وقع، مضى ولم يفسخ؛ ومنهم من يفسخه ما لم ييبس، ومنهم من يفسخه ما لم يقبض؛ ومنهم من يفسخه

مسألة: يشتري الثوبين من الرجلين ثوب أحدهما بعشرة والآخر بخمسة

وإن قبض ما لم يفيت بعد القبض، وهو ظاهر ما في السلم الأول من المدونة؛ ولو بيع قبل أن يفرك، يفسخ البيع فيه على كل حال وإن قبض وفات، فإذا لم يختلف في أن بيعه لا يجوز قبل أن يفرك والشافعي لا يجيز بيعه وإن يبس حتى يحصد ويصفى، ويرى ذلك من الغرر، وقد مضت هذه المسألة متكررة في هذا السماع من كتاب زكاة الحبوب والثمار. وقوله في الفول والحمص إنه لا يجوز شراؤه أخضر على أن يتركه البائع حتى ييبس، هو مثل ما في المدونة، وقد أجازوا شراء العنب والتمر إذا طاب على أن يتركه مشتريه حتى ييبس، وحكى الفضل أن ذلك اختلاف في القول يدخل في المسألتين، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري الثوبين من الرجلين ثوب أحدهما بعشرة والآخر بخمسة] مسألة قال: وسئل: عن الرجل يشتري الثوبين من الرجلين ثوب أحدهما بعشرة، والآخر بخمسة، على أنه فيهما بالخيار، فردهما وقد خلطهما فتداعيا في الأجود؛ فقال: إن نص لكل رجل ثوبه، حلف وبرئ إليه منه؛ وإن قال لا أدري أيهما لهذا ولا أيهما لهذا؛ غير أن هذا لأحدهما، إنما أخذت ثوبه بعشرة، وثوب هذا الآخر بخمسة نصهما نصا، ولست أدري أي الثوبين ثوب هذا من هذا؛ فإنه يقال له قد ضمنتهما جميعا بخمسة عشر دينارا، فإن شئت فادفعه إلا أحدهما أيهما شئت: الثوب الرفيع، وأعط الآخر ثمن الثوب الذي أقررت لله به؛ فإن أعطى الثوب الرفيع الذي كان يزعم أنه أخذ منه ثوبه بعشرة، دفع إلى الآخر خمسة دنانير وبرئ؛ وإن أعطى الثوب الرفيع الذي أخذ ثوبه بخمسة احتياطا على نفسه، وخوفا من أن يكون ثوبه غرم لصاحب الثوب

يسوم الرجل بسلعة ليست له

الآخر العشرة التي أقر أنه أخذ منه ثوبه بها؛ قال: وإن قال لا أدري أيهما ثوب هذا ولا ثوب هذا؛ ولا أدري أيضا من أيهما أخذت الثوب بعشرة؛ ولا من أيهما أخذت الآخر بخمسة؛ قيل له: اغرم لكل واحد منهما، وشأنك بثوبك؛ لأنك قد أقررت أنك قد أخذت من أحدهما ثوبا بعشرة، فلما ادعياه جميعا ولم ينص لواحد منهما ثوبه فتبرأ بذلك من ضمانه بالثمن، ولا أنت نصصت لكل واحد منهما في دعواهما، حتى تجعل صاحب الخمسة أحدهما، فتبرأ مما ادعى عليك من الفضل مع يمينك؛ فكلا دعواهما في عشرة عشرة، وأنت غير مكذب لهما، إذ لا تنص أيهما ادعى أكثر من حقه فتحلف وتبرأ. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في هذا الرسم بعينه من كتاب بيع الخيار، ومضى من القول عليها هناك ما فيه كفاية، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [يسوم الرجل بسلعة ليست له] ومن كتاب المكاتب قال: وسألته عن الرجل يسوم الرجل بسلعة ليست له، فيقول اشتر مني هذا العبد عبد فلان بستين دينارا، فإني قد أعطيته عطاء، وأنا أرجو أن يمضيه لي؛ فيقول نعم قد أخذته بستين دينارا، فيرجع البائع إلى سيد العبد فيشتريه منه بخمسين نقدا ويمضيه للآخر بستين دينارا نقدا على السوم الأول، فقال: أكره هذا ولا أحبه، وإن وقع أمضيته إن كانت البيعتان جميعا بالنقد وانتقدا. قال محمد بن رشد: كره هذا البيع ابتداء، لما فيه من معنى بيع ما ليس عندك، وربح ما لم يضمن، إذ باع ما لم يتم له شراؤه بعد

مسألة: يشتري العبد في مرضه على أن يوصي له بالعتاقة فيفعل ثم يموت

وأجاز ذلك إذا وقع، لما كان ذلك بعد أن قرب الأمر (بينه) وبين صاحب السلعة بالمراوضة التي كانت بينهما فيها؛ ولأن معنى قوله قد أخذته بستين، أي: قد أخذته بها إن أمضاه لك صاحبه، وتم شراؤك فيه؛ ولو اشتراه منه بستين شراء ناجزا على أن تحصله له من صاحبه مما قدر عليه، لم يجز، ولكان بيعا فاسدا. وقد وقع في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، تخفيف ذلك ابتداء، وفي رسم تسلف منه اختلاف قول مالك فيه؛ وهذا كله إذا كانت البيعتان جميعا بالنقد، وأما إذا كانت إحداهما إلى أجل، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز؛ ويختلف في وجه الحكم في ذلك إذا وقع على حسبما ذكرناه في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور، فإنا استوعبنا هناك القول على جميع وجوه المسألة وأقسامها بما لا مزيد عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري العبد في مرضه على أن يوصي له بالعتاقة فيفعل ثم يموت] مسألة وسألته: عن الرجل يشتري العبد في مرضه على أن يوصي له بالعتاقة فيفعل ثم يموت، فلا يسع الثلث عتاقة العبد؛ فقال: كان البيع غير جائز، فإذا فات بالعتاقة بعضه بالوصية التي اشترطت عليه، فالعبد يرد إلى قيمة مثله يوم تبايعا، ثم يصح بعد وتمضي الوصية للعبد، يسع الثلث من رقبته ما وسع، ويضيق عما ضاق؛ ولا يكون للبائع أن يرتجع ما رق منه بالذي يصيبه من الثمن. قال محمد بن رشد: اشتراء الرجل العبد على أن يوصي

مسألة: يشتري الغنم وفيها شاة بها علة

بالعتاقة غرر لا يجوز؛ لأن البائع حط من الثمن لعتق لا يدري هل يكون أم لا يكون؛ كمن باع عبده على أن يدبره المشتري أو يكاتبه أو يعتقه إلى أجل؛ وقد اختلف في هذه البيوع، فقيل: إن البائع إن رضي بترك الشرط جاز البيع، وإن أبى فسخ البيع؛ إلا أن يفوت، فيكون فيه الأكثر من القيمة أو الثمن؛ وقيل: يرجع البائع على المبتاع بقدر ما نقص من الثمن بسبب الشرط، وقيل: إن البيع يفسخ على كل حال، وإن رضي البائع بترك الشرط ما لم يفت البيع؛ فإن فات، كانت فيه القيمة بالغة ما بلغت؛ وهو ظاهر قوله في هذه الرواية؛ لأنه قال فيها إن القيمة تكون فيه يوم تبايعا إذا فات بعتاقة بعضه بالوصية، ولم يقل الأكثر من القيمة، أو الثمن؛ ويريد بقوله يوم تبايعا إذا كان البيع والقبض في يوم واحد، ويفوت بما يفوت به البيع الفاسد، ولا يفوت بالوصية ما لم يبت البائع الموصى، فيجب عتقه بالوصية، أو عتق بعضه، إذ له الرجوع عن الوصية، بخلاف التدبير والكتابة والعتق إلى أجل، ولو مات المبتاع الموصى ولا مال له وعليه دين يفترقه، لفسخ فيه البيع ولم يبع في الدين، وقد مضى تحصيل القول في هذا النوع من البيوع في رسم القبلة من سماع ابن القاسم. [مسألة: يشتري الغنم وفيها شاة بها علة] مسألة وسئل: عن الرجل يشتري الغنم وفيها شاة بها علة، ويقول المشتري أنا بالخيار في هذه العليلة عشرة أيام، فإن صحت فهي لي، وإن لم تصح رددتها بما ينوبها من الثمن؛ فقال: هذا بيع غير جائز. قلت له: ولم؟ قال: لأنه لو اشترى (شاة) واحدة عليلة على أنها له إن صحت إلى عشرة أيام، وإن لم تصح ردها، لكان بيعا مفسوخا غير جائز؛ قيل له: فإنها غير عليلة إلا أنه

يبيع السفينة ويشترط على المشتري أن لا يبيعها ولا يهبها حتى يقضيه الثمن

استثنى الخيار في شاة منها أياما، فقال: هذا أيضا غير جائز؛ قلت له: ولم كرهت ذلك؛ قال له: لأنه إن حبسها تم البيع بجميع الثمن الذي اشتريت به الغنم كلها، وإن ردها بالقيمة والقيمة لا تعرف إلا حين تقوم الغنم والشاة؛ فإنه لا يدري إن رد الشاة بكم تبقى عليه الغنم الباقية، فهي أحيانا بجميع الثمن، وأحيانا بثمن لا يدري كم هو؟ قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب بيع الخيار، ومضت أيضا في رسم الكبش قبل هذا من هذا الكتاب، ومضى من القول عليها في الموضعين ما فيه بيان، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [يبيع السفينة ويشترط على المشتري أن لا يبيعها ولا يهبها حتى يقضيه الثمن] ومن كتاب الصلاة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يبيع السفينة ويشترط على المشتري أن لا يبيعها ولا يهبها حتى يقضيه الثمن، فقال: إن لم تفت فسخ البيع، وإن فاتت أو هلكت، فهي من المشتري والبيع ماض عليهما لفوتها. قال محمد بن رشد: هذه المسألة من بيوع الثنيا التي المشهور فيها أن البيع يفسخ ما لم يفت، إلا أن يرضى البائع بترك الشرط؛ فإن فاتت كان فيها الأكثر من القيمة أو الثمن. وقوله في هذه الرواية إنه بيع فاسد يفسخ على كل حال في القيام، ويصحح في الفوات بالقيمة يوم القبض، وهو معنى قوله والبيع ماض عليهما بفوتها؛ ورواية يحيى عن ابن القاسم في هذه المسألة، وفي المسألة التي في الرسم الذي قبل هذا؛ كروايته عنه في سماعه من كتاب السلم والآجال، وفي العشرة في البيع والسلف أنه بيع فاسد يفسخ على كل حال في القيام، ويكون فيه القيمة بالغة ما بلغت في الفوات، وبالله التوفيق.

الدار تباع وفيها نقض لرجل هو فيها بكراء

[الدار تباع وفيها نقض لرجل هو فيها بكراء] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال: وسئل ابن القاسم: (عن الدار تباع) وفيها نقض لرجل هو فيها بكراء، وأبواب في بيوت الدار، والمكتري حاضر، حضر البيع؛ ثم قال بعد ذلك: نقضي وخشبي وأراد أخذه، فقال له المشتري: قد حضرت شرائي فلم تدع شيئا وقد اشتريت ووجب لي كل شيء في الدار، قال: أرى الأبواب والنقض للمكتري، ولا أرى ذلك يقطع حجته، من قبل أنه يقول ما لي لم أظن أن ذلك يكون لك ولا يجب لك. قال محمد بن رشد: قوله أرى الأبواب والنقض للمكتري، معناه: إذا كانت له بينة، على أن ذلك له جاء به من عنده، أو على إقرار له من صاحب الدار بذلك قبل البيع؛ إذ لا يقبل إقراره له بذلك بعد البيع، وإنما عذر المكتري في سكوته عند حضور البيع على أن يذكر أن الأنقاض والأبواب له؛ لأن من حجته أن يقول إنما سكت؛ لأني ظننت أن من اشترى دارا لا يكون له شيء من نقصها المبني فيها، إلا أن يشترطه؛ ولو قال له البائع أبيع منك الدار بأنقاضها وأبوابها والمكتري حاضر يسمع فلم ينكر، لكان سكوته تجويزا منه للبيع، ولوجب أن يكون له من الثمن ما ناب النقض والأبواب منه إن كان صاحب الدار مقرا له بالنقض والأبواب. وأما إن لم يكن له مقرا بذلك ولا مكذبا لبينته التي شهدت له بالأنقاض والأبواب، وإنما ادعى أنه اشترى ذلك بماله، أو بما كان له عليه من كراء الدار، وأنها قد تصيرت إليه بعد ذلك ببيع وما أشبه ذلك، لكان سكوته

مسألة: بيع العود والبوق والكبر

على البيع موجبا لتصديق البائع صاحب الدار فيما ادعى من الأنقاض، ولم يكن للمكتري شيء منها ولا من ثمنها؛ هذا الذي يأتي في هذا على أصولهم، وقد قيل: إن حقه لا يبطل في الأنقاض إذا كانت له بينة أنه جاء بها من عنده، ويكون له أن يأخذ ما يجب لها من الثمن بعد يمينه على تكذيب دعوى صاحب الدار، إلا أن يطول سكوته بعد البيع، ولو ادعى النقض المبني في الدار والأبواب المركبة فيها ولم تكن له بينة عليها، لم يكن له شيء منها؛ ولو كان النقض مطروحا في الدار، والأبواب غير مركبة فيها، ولا مقلوعة منها؛ لما دخلت في البيع، ولكانت للمكتري، بيعت الدار، أو لم تبع مع يمينه إن ادعاها صاحب الدار. وقد قال ابن دحون: إنما لم يضره سكوته عند البيع إذا كانت له بينة بالأنقاض، من أجل أنه في الدار؛ ولو كان خارجا عن الدار وله بينة بالأنقاض فسكت عند البيع، لم يكن له منها شيء؛ وهذا لا وجه له، إذا لا فرق في سكوته بين أن يكون في الدار، أو خارجا عنها؛ وإنما يفترق الأمر في سكوته بين أن يقول أبيع منك الدار ولا يزيد على ذلك، ويقول أبيعها منك بنقضها على ما ذكرناه. [مسألة: بيع العود والبوق والكبر] مسألة وسئل ابن القاسم: عن بيع العود والبوق والكبر، فقال: أرى أن يفسخ البيع فيه، وأرى أن يؤدب أهله. قال محمد بن رشد: أما العود والبوق فلا اختلاف في أنه لا يجوز استعمالهما في عرس ولا غيره، فيفسخ البيع فيهما باتفاق، ولا يقطع من سرقهما إلا في قيمتهما مكسورين؛ وأما الكبر، فقوله إن البيع يفسخ فيه، يدل على أنه لا يجوز استعماله في العرس، وذلك خلاف لما في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح، ولما في رسم سلف من سماع

مسألة: باع سلعة من رجل ثم استقال البائع المبتاع

عيسى من كتاب السرقة، من أن من سرقه يقطع في قيمته قائما، ولم يختلف في إجازة الدف وهو الغربال في العرس؛ واختلف في المزهر والكبر، فقيل: إنهما يجوزان فيه، وهو قول ابن حبيب، وقيل: إنهما لا يجوزان فيه، وهو قول أصبغ في نوازله من كتاب النكاح، وهو الذي يقوم من هذه الرواية؛ وقيل: إنه يجوز الكبر ولا يجوز المزهر، وهو دليل ما في سماع عيسى من كتاب النكاح، ومن كتاب السرقة؛ وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة، في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح. [مسألة: باع سلعة من رجل ثم استقال البائع المبتاع] مسألة وسئل ابن القاسم: عن رجل باع سلعة من رجل ثم استقال البائع المبتاع، فقال له المبتاع: إني أخاف أن تكون يريد بيعها وأربحت فيها؛ فقال له البائع: لا، إنما أردتها لنفسي، فيقيله ثم يبيع تلك السلعة؛ فقال: إذا علم أنه استقال منها ليبيعها، فأرى بيعه غير جائز، وأراه ينقض، وإن كان على غير ذلك، ثم بدا له في بيعها، وطال زمانها ثم باعها، فأرى بيعه جائزا. قال ابن القاسم: ومثل ذلك أن مالكا سئل: عن رجل سأل امرأته أن تضع عنه صداقها، فقالت له: أخاف إن أنا وضعته أن تطلقني؛ فقال: ما أفعل، فتضع له صداقها ثم يطلقها؛ فقال مالك: أرى أن ترجع عليه بما وضعت عنه، إلا أن تكون وضعت ذلك عنه وطال الزمان، وتبين صحة ذلك، ثم طلق، فلا أرى لها شيئا؛ فأما إذا خيف أن يكون إنما خدعها بذلك، فأراها ترجع به. وأخبرنا محمد بن خالد، قال: أخبرني ابن القاسم عن مالك في الرجل يسأل امرأته أن تضع عنه مهرها، فتقول له: إني أخاف إن أنا فعلت ذلك أن تطلقني. قال: لست أفعل، فتضع عنه مهرها فيطلقها؛ قال: الطلاق له لازم، ويرجع عليه بمهرها إن طلقها بحدثان ذلك؛ فإن طلقها

بعد ذلك بحين حتى برئ من التهمة، مضى الطلاق ولم يرد شيئا. قال محمد بن رشد: قوله إن البيع ينقض إذا علم أنه إنما استقاله فيها ليبيعها صحيح؛ لأنه إنما أقاله على ألا يبيعها، فإن باعها نقض البيع فيها وردت إليه سلعته؛ ويستدل على أنه إنما استقال منها ليبيعها ببيعه إياها بقرب ذلك، هذا ظاهر من مقتضى قوله في المسألة: وإذا نقض البيع فيها انتقضت الإقالة وردت إلى المقيل، ولو أقاله على أنه إن باعها كان أحق بها بالثمن الذي يبيعها به، فباعها بقرب ذلك، لرد البيع فيها، وأخذها المقيل بذلك الثمن، وقد مضى القول على هذا مستوفى في أول سماع أشهب. وتنظير ابن القاسم لهذه المسألة بمسألة مالك في وضع الصداق صحيح؛ لأن قول المرأة لزوجها أخشى إن وضعت عنك الصداق أن تطلقني، فيقول لا أفعل؛ مثل قول المبتاع البائع أخشى إن أقلتك أن تبيعها، فيقول لا أفعل؛ ولو لم يجز بينهما هذا الكلام، وإنما سأل الرجل زوجته أن تضع عنه الصداق، فوضعته ثم طلقها بالقرب، لرجعت عليه بصداقها، إذ قد علم أنه إنما وضعته عنه رجاء استدامة صحبته؛ ولو سأل البائع المبتاع أن يقيله فأقاله، ثم باعها بالقرب، لم يكن للمبتاع في ذلك قول؛ فهاهنا تفترق المسألتان، ولا فرق في وضع المرأة صداقها عن زوجها، إذا سألها ذلك بين أن تضع عنه وتسكت، أو تقول له: أخشى إن وضعته عنك أن تطلقني، فيقول: لا أفعل؛ أو تقول: إنما وضعته عنك على أنك إن طلقتني رجعت عليك بصداقي، في أنه يكون لها أن ترجع به عليه إن طلقها بقرب ذلك؛ إلا أن تقول له إنما أضعه عنك على ألا تطلقني أبدا، أو على أنك متى ما طلقتني رجعت عليك بصداقي، فيكون لها أن ترجع عليه بصداقها متى ما طلقها، كان ذلك بالقرب أو بعد طول من الزمان، ومثل مسألة مالك في المعنى ما في سماع أصبغ من كتاب طلاق السنة في التي

مسألة: يبيع عبده ويستثني المشتري نصف ماله

تقول لزوجها: إن لم تتزوج علي فصداقي عليك صدقة فيقبل ذلك منها، ثم يطلقها بالقرب، أنها ترجع عليه بصداقها؛ بخلاف الذي يقول لزوجته: أنت طالق إن لم تضعي لي صداقي، فتضعه عنه ثم يطلقها، وقد مضى هناك الفرق بين المسألتين، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يبيع عبده ويستثني المشتري نصف ماله] مسألة سحنون: قلت لأشهب: أرأيت الرجل يبيع عبده ويستثني المشتري نصف ماله، أو يبيعه نخلة وقد أبرت ويستثني نصف الثمار؛ قال: ذلك جائز، قال سحنون: وخالفه ابن القاسم، فقال: لا يجوز. قال محمد بن رشد: مثل ابن القاسم هذا في المدونة من قوله وروايته عن مالك، أنه لا يجوز للمبتاع أن يشترط بعض مال العبد، ولا بعض ثمر النخل. وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع» ، يروى: «إلا أن يشترطها المبتاع» ، أو «إلا أن يشترط المبتاع» ، بهاء وبغيرها؛ فثبوت الهاء دليل لقول ابن القاسم وروايته عن مالك؛ وسقوطها دليل لقول أشهب، وحجة أشهب من جهة النظر أنه إذا جاز اشتراط الكل جاز اشتراط البعض. وحجة ابن القاسم من جهة النظر أن اشتراط الكل إنما جاز من أجل أنه كان ملغى لا قدر له عند البائع، فتركه للمبتاع ولم يشاحه فيه؛ وإذا اشترط البعض، دل على

مسألة: الرجلين يأخذان من الرجل ثوبين مروي وخز بمائة دينار

رغبة البائع (فيه) إذ لم يترك له جميعه؛ وأنه إنما ترك له منه ما ترك، لاشتراطه إذا زاده في الثمن من أجل الشرط؛ واختلف قول ابن القاسم إن وقع ذلك، فقال مرة: يفسخ البيع إلا أن يشاء البائع أن يترك له الجميع، وقال مرة: يفسخ وليس لأحدهما أن يمضيه؛ لأنه وقع على ما لا يحل، وإلى هذا رجع؛ وقع اختلاف قوله هذا في التفسير ليحيى، وهذا الاختلاف على الاختلاف الذي مضى في رسم استأذن (من سماع عيسى) في العبد يكون بين الرجلين فيبيع أحدهما نصيبه من غير شريكه ولا يستثني المبتاع ماله، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجلين يأخذان من الرجل ثوبين مروي وخز بمائة دينار] مسألة وسئل أشهب: عن الرجلين يأخذان من الرجل ثوبين مروي وخز بمائة دينار، وقد تراوض المشتريان قبل ذلك أن يأخذ أحدهما الخز بما يقع عليه، والآخر المروي بما يقع عليه؟ قال: البيع جائز والمراوضة بينهما باطل، أو يكون لكل واحد منهما نصف كل ثوب؛ وذكر مسألة الأرض تكون بين حائطي رجلين والأرض لرجل، فيشتريانها على أن يقتسما الأرض فيأخذ كل واحد منهما نصيبه مما يليه والأرض مختلفة. قال ابن كنانة: لا يجوز؛ لأن مرة يكون لأحد الشريكين ثلث تلك الأرض، ومرة يكون له ثلثاها، ومرة يكون له ربعها، فلا يجوز. قال محمد بن رشد: البيع في مسألة أشهب في الثوبين المروي والخز جائز باتفاق؛ لأن الفساد فيها إنما هو من جهة أحد المتبايعين، إذ لم يبع البائع منهما على ما تراوضا عليه؛ كما لو جمع رجلان سلعتين لهما في

مسألة: يشتري عشرة أكبش من مائة يختارها

البيع ولم يعلم المشترى بذلك، وظن أنهما شريكان فيهما، لكان البيع جائزا باتفاق؛ وإذا تراوض الشريكان في الثوبين اللذين اشترياهما صفقة واحدة، على أن يأخذ كل واحد منهما ثوبا سماه منهما بما يقع عليه من الثمن، لم يجز إلا على مذهب من يجيز جمع الرجلين سلعتيهما في البيع؛ لأن كل واحد منهما قد اشترى نصف صاحبه من الثوب الذي أراد الخروج إليه بنصف ما يقع عليه من الثمن، ولا يعرف ذلك إلا بعد التقويم؛ فلا يجوز ذلك، كما لا يجوز للرجل أن يشتري من الرجل ثوبا من جملة ثياب قد اشتراها صفقة واحدة بما يقع عليه من الثمن إذا قومت، إلا على مذهب من يجيز جمع الرجلين سلعتيهما في البيع؛ ومن مذهب أشهب إجازة ذلك كله، فإنما قال في المراوضة التي وقعت بينهما في الثوبين: إنها باطل، من أجل أنهما عقداها بينهما قبل الشراء، فدخله بيع ما ليس عندك. وأما المسألة الثانية التي أجاب عليها ابن كنانة، فإنها جارية على الاختلاف في إجازة جمع الرجلين سلعتيهما في البيع؛ لأنهما اشتريا الأرض التي بين حائطيهما على أن يأخذ كل واحد منهما نصف مساحتها الذي يليه بما يقع عليه من الثمن؛ وذلك لا يعلم إلا بعد التقويم، لاختلاف الأرض؛ ولو كانت الأرض مستوية لجاز؛ لأن النصف الذي يلي حائط كل واحد منهما يكون بنصف الثمن، ولا فرق بين أن يبيع الرجلان سلعتيهما بثمن واحد، على أن يكون لكل واحد منهما منه ما ينوب ثوبه؛ وبين أن يشتري الرجلان السلعتين بثمن واحد، على أن يأخذ كل واحد منهما السلعة التي سماها بما ينوبها منه، والله أعلم. [مسألة: يشتري عشرة أكبش من مائة يختارها] مسألة وقال أشهب، في الرجل يشتري عشرة أكبش من مائة يختارها، فلم يختر حتى جاءه رجل فقال له خذ مني ربحا واجعلني أختار في مكانك، آخذ ما كان لك أن تختار؛ إن ذلك ليس له بجائز؛ لأن الأول لا يجوز له أن يبيع ما لم يجب له،

مسألة: يشتري الزرع بعدما طاب ويبس بثمن فاسد فتصيبه عاهة فيتلف قبل أن يحصد

ولأن الخيار يختلف، يختار ما لا يوافق الثاني، وليس للآخر أن يختار ما لم يجب الأول حتى يختار للأول ولا يجوز أيضا؛ وإن قال (له) اختر فأنا أشتري ما تختار أنت؛ لأنه غرر؛ وهو خلاف لو مات المشتري الأول قبل أن يختار، كان لورثته أن يختاروا لأنهم كأنهم هو. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم استأذن من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يشتري الزرع بعدما طاب ويبس بثمن فاسد فتصيبه عاهة فيتلف قبل أن يحصد] مسألة قال ابن القاسم: في الرجل يشتري الزرع بعدما طاب ويبس بثمن فاسد، فتصيبه عاهة فيتلف قبل أن يحصد، إن مصيبته من المشتري وهو قابض؛ وهو خلاف الذي يشتري الزرع قبل أن يبدو صلاحه على أن يتركه فيصاب بعدما يبس، إن مصيبته من البائع؛ لأنه لم يكن قبض ما اشترى حتى يحصد. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا اشترى الزرع بعد أن طاب ويبس بثمن فاسد، دخل بالعقد في ضمانه؛ إذ لا توفية فيه على البائع، من أجل أنه جزاف؛ ألا ترى أنه لو اشتراه شراء صحيحا، لكانت مصيبته منه بالعقد؛ لأن حصاده عليه ولا جائحة فيه، فهو كالصبرة من الطعام تشترى جزافا؛ وإذا اشترى الزرع قبل أن يبدو صلاحه على أن يتركه، لم يدخل في ضمانه حتى يقبضه؛ لأنه إنما اشتراه على أن يتركه، وقبضه إنما يكون بحصاده، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، أعني في أن مصيبته من البائع، ما لم يقبضه المشتري بحصاده؛ ولو باعه على الجد بيعا صحيحا، أو تصدق به؛ أو وهبه؛ لجرى ذلك على الاختلاف في الذي

مسألة: يشتري الثوب من رجل فيحبسه البائع للثمن ثم يدعى أنه تلف

يشتري العبد بيعا فاسدا فيعتقه، أو يبيعه، أو يهبه، أو يتصدق به قبل أن يقبضه؛ إذ قد قيل: إن ذلك كله فوت، وقيل: إنه ليس شيء من ذلك كله فوتا إلا العتق لحرمته؛ وقيل: إن ذلك فوت في العتق لحرمته؛ وفي البيع، إذ لا يحتاج إلى قبض؛ وليس بفوت في الهبة والصدقة، لافتقارهما إلى القبض، فيكون عليه قيمته على الرجاء والخوف يوم فوته بالبيع، أو الصدقة؛ كما لو استهلكه على القول بأن ذلك فوت، ويفسخ البيع على القول بأن ذلك ليس يفوت. [مسألة: يشتري الثوب من رجل فيحبسه البائع للثمن ثم يدعى أنه تلف] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشتري الثوب من رجل فيحبسه البائع للثمن، ثم يدعى أنه تلف، ولا يعرف ذلك إلا بقوله؛ قال: أحب ما فيه إلي أن البيع مفسوخ، إلا أن يكون قيمة الثوب أكثر من الثمن فيغرمه؛ لأنه يتهم أن يكون غيبه لأنه ندم؛ وإن كانت قيمته أقل، فسخ البيع، وليس احتباسه إياه برهن؛ ولو كان حيوانا، كان مصدقا في قوله قد تلف؛ ولو أن قائلا قال في الثوب إن عليه قيمته - كان أقل أو أكثر - لم أعب قوله؛ قال سحنون: ليست هذه الرواية بشيء، وردها إلى أن ضاع، فالبيع فيه مفسوخ، ولا قيمة فيه على البائع. قال محمد بن رشد: المشهور من قول ابن القاسم، أن السلعة المبيعة المحبوسة بالثمن رهن به، يكون مصيبتها من المشتري - إن تلفت، وقامت بينة على تلفها، وإن لم تقم بينة على تلفها، لم يصدق البائع في ذلك، ولزمه غرم قيمتها؛ وجوابه في هذه المسألة على أن ضمان السلعة المحبوسة بالثمن من البائع، فإن تلفت وقامت بينة على تلفها، انفسخ

البيع، وهو قول سليمان بن يسار في المدونة، وأحد قولي مالك فيها،؛ وقد قال سحنون، في نوازله من كتاب الاستبراء وأمهات الأولاد: إن ذلك هو قول جميع أصحاب مالك إلا ابن القاسم، فإنه يرى حكمها حكم الرهن؛ فجاء جواب ابن القاسم في هذه المسألة على قول سليمان بن يسار، وأحد قولي مالك؛ وما أجمع عليه أصحابه من أن ضمان السلعة المحبوسة بالثمن من البائع، خلاف المشهور من مذهبه، فقال: إن البيع يفسخ؛ يريد بعد يمينه لقد تلف، إلا أن يصدقه المبتاع فيما ادعى من تلفه؛ إلا أن تكون قيمتها أكثر من الثمن فيغرمها؛ لأنه يتهم أن يكون ندم في بيعه فغيبه وادعى تلفه، فلا يصدق في ذلك؛ ويقال له: لا بد لك من أن تأتي بالثوب أو تغرم قيمته. وقوله: ولو كان حيوانا كان مصدقا في قوله: قد تلف، يريد مع يمينه وينفسخ البيع على ما بنى جوابه عليه من أن ضمان السلعة المحبوسة بالثمن من البائع، وقوله: ولو أن قلنا قال: إن عليه في الثوب قيمته كانت أقل أو أكثر - لم أعب قوله، هو الذي يأتي على المشهور المعلوم من مذهبه أن السلعة المحبوسة بالثمن رهن به؛ فإن ادعى تلفه لم يصدق في ذلك؛ لأنه مما يغيب عليه، ولزمته قيمته بالغة ما بلغت. وعاب سحنون هذا القول؛ لأنه ذهب إلى أن ضمان السلعة المحبوسة بالثمن من البائع، وأن البيع ينفسخ بتلفها على قول سليمان بن يسار، وأحد قولي مالك؛ وما يحكى أن أصحاب مالك اتفقوا عليه، فقال: ليست هذه الرواية بشيء، وردها إلى أن ضاع فالبيع فيه مفسوخ، ولا قيمة فيه على البائع، يريد: أنه يصدق في تلفها مع يمينه، فينفسخ البيع فيها؛ فالذي يتحصل في تلف السلعة المحبوسة بالثمن: إن قامت بينة على تلفها قولان: أحدهما: أن مصيبتها من البائع، ويفسخ البيع. والثاني: أن مصيبتها من المشتري ويلزمه الثمن؛ وإن لم تقم بينة على تلفها، فأربعة أقوال: أحدها: أن البائع يصدق

مع يمينه على ما ادعاه من تلفها - كانت قيمتها مثل الثمن، أو أقل أو أكثر، ويفسخ البيع، وهو قول سحنون. والثاني: يصدق مع يمينه على ما ادعاه من تلفها، ويفسخ البيع، إلا أن تكون قيمتها أكثر من الثمن، فلا يصدق في ذلك، إلا أن يصدقه المبتاع ويكون بالخيار بين أن يصدقه فيفسخ البيع أو يضمنه القيمة ويثبت البيع، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية؛ وهذان القولان على قياس القول بأن المصيبة من البائع، وينفسخ البيع إذا قامت البينة على التلف. والقول الثالث: أن البائع يصدق مع يمينه: لقد تلفت ويلزمه قيمتها كانت أقل من الثمن، أو أكثر، ويثبت البيع، وهو الذي يأتي على المشهور من قول ابن القاسم في أن السلعة المحبوسة بالثمن، حكمها حكم الرهن؛ وهو الذي أشار إليه ابن القاسم في هذه الرواية بقوله: ولو أن قائلا قال ... إلى آخر قوله. والقول الرابع: (أن البائع) مصدق مع يمينه: لقد تلفت ويلزمه قيمتها، إلا أن تكون قيمتها أقل من الثمن، فلا يصدق في ذلك؛ لأنه يتهم في أن يدفع القيمة ويأخذ الثمن وهو أكثر، إلا أن يصدقه المبتاع فيكون المبتاع على هذا بالخيار بين أن يصدقه فيأخذ منه القيمة ويدفع إليه الثمن - إن كان أكثر، وبين أن لا يصدقه فينقض البيع. وعلى هذا القول يأتي قول ابن القاسم في المدونة في بعض الروايات في الذي أسلم ثوبا في طعام فادعى بتلفه - ولم يعلم ذلك إلا بقوله: إن المسلم إليه بالخيار بين أن يضمنه قيمة الثوب ويثبت السلم عليه، وبين أن يدع قيمته ويبطل السلم. وقوله فيها: إن السلم ينتقض إذا لم يعرف تلف الثوب إلا بقوله، معناه عندي: إن شاء المسلم إليه؛ فليس ذلك باختلاف من قوله، وقد حمله أبو إسحاق التونسي على أنه اختلاف من القول، وهو بعيد؛ وهذان القولان: الثالث والرابع على قياس القول بأن مصيبة السلعة المحبوسة بالثمن من المبتاع إذا قامت البينة على تلفها على حكم الرهن، وبالله التوفيق.

باع سهما في رحا واستثنى البائع على المشترى

[باع سهما في رحا واستثنى البائع على المشترى] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون وسئل سحنون: عن رجل باع سهما في رحا واستثنى البائع على المشترى أنه ليس يبيع منه في سد تلك الرحا قليلا ولا كثيرا، والرحا ليست تطحن من غير ذلك السد؛ قال: البيع فاسد؛ لأنه من الغرر. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال؛ لأن الرحا لا ينتفع بها إلا بسدها؛ فإذا لم يكن له في السد حق، كان انتفاعه بالسهم الذي اشترى موقوفا على اختيار صاحب السد، إذ من حقه أن يهدمه، وإن انهدم ألا يقيمه، وذلك من أعظم الغرر. [مسألة: يشتري الزيت من الزيات فيسقط الكيل من يد المشتري] مسألة وسئل سحنون: عن الرجل يشتري الزيت من الزيات ويمسك المشتري الكيل بيده ويصب الزيات الزيت في الكيل فيسقط الكيل من يد المشتري، على من ضمان الزيت؟ فقال: إن كان سقط الكيل من يده بعد أن أوفاه الكيل، (وامتلأ) الكيل، فالتلف من المشتري؛ وإن كان سقط من يده قبل أن يمتلئ الكيل، فالتلف من البائع؛ وسئل: عن رجل اشترى من رجل زيتا، فقال البائع للمشتري: خذ الكيل وكل لنفسك، فكال المشتري، فسقط منه الكيل وهو ملآن فاهراق؛ قال: مصيبته من المشتري؛ لأنه قد تقاضاه لنفسه، قيل له: فإن سقط منه الكيل قبل أن يمتلئ، فقال: المصيبة من البائع.

مسألة: اشترى من رجل زيتا فكال له البائع حتى فرغ

قال محمد بن رشد: وكذلك إذا تولى المشتري الوزن لنفسه، فلما استوى لسان الميزان، سقط من يده فتلف؛ أنه من المشتري مثل الكيل، قاله سحنون في غير العتبية على قياس قوله في الكيل؛ وذلك خلاف ما مضى من قول ابن القاسم في رسم نقدها من سماع عيسى، وفي رسم يشتري الدور من سماع يحيى؛ وكذلك لو كان المتولي للكيل هو أجير المبتاع، أو وكيله، أو مستنابه، أو أجير لهما جميعا. وأما إن كان البائع هو المتولي للكيل، فلا اختلاف في أن ضمان ما في الكيل من البائع وإن امتلأ حتى يصبه في وعاء المشتري، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم نقدها من سماع عيسى. [مسألة: اشترى من رجل زيتا فكال له البائع حتى فرغ] مسألة وسئل: عن رجل اشترى من رجل زيتا، فكال له البائع حتى فرغ بخابيته، ثم قدم خابية أخرى، فقال للمشتري: كل لنفسك ما بقي، فأخذ المشتري في كيل الخابية الثانية، فصب على زيت الخابية الأولى، فإذا قد سقط فيها فأر فمات، فصب المشتري الفأر على الزيت الطيب؛ هل يكون على المشتري ضمان؟ قال: ما أفسد من زيته الطيب فمصيبة من المشتري. قال محمد بن رشد: وكذلك لو كان البائع هو الذي يكيل، فكال من الخابية الثانية فصبه على الزيت الذي كان من الخابية الأولى بأمر المشتري، لكان ضمانه من المشتري؛ لأنه إنما صبه عليه بأمره، قاله ابن القاسم في رسم العرية من سماع عيسى؛ وقد مضى القول على ذلك هناك، فلا معنى لإعادته؛ ومصيبة ما صب عليه من الزيت النجس من البائع، ويكونان في ذلك شريكين على قدر الخبيث من الطيب، قاله ابن القاسم في رواية ابن أبي جعفر عنه، وهو صحيح.

مسألة: باع كرمه ممن يعصره خمرا من مسلم أو نصراني

[مسألة: باع كرمه ممن يعصره خمرا من مسلم أو نصراني] مسألة وسئل: عن رجل باع كرمه ممن يعصره خمرا من مسلم أو نصراني، قال: يفسخ بيعه وهو بمنزلة النصراني يشتري العبد المسلم، أنه يفسخ بيعه، ولا يثبت ملكه للنصراني. قال محمد بن رشد: ساوى سحنون بين أن يبيع الرجل كرمه من نصراني أو ممن يعصره خمرا من المسلمين، وقال: إن البيع يفسخ في المسألتين جميعا؛ وقاسهما على النصراني يشتري العبد المسلم وليستا بسواء، إذ لا اختلاف في وجوب فسخ بيع من باع كرمه ممن يعصره خمرا من المسلمين، فلا يصح قياس ذلك على النصراني يشتري العبد المسلم، إذ قد اختلف هل يفسخ البيع فيه، أو يباع عليه. قال في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة: (إنه) يباع عليه ولا يفسخ البيع وله في موضع آخر منه وفي المديان والشفعة ما يدل على أنه يفسخ البيع ولا يباع عليه؛ ومن حق القياس أن يرد ما اختلف فيه إلى ما اتفق عليه، لا ما اتفق عليه إلى ما اختلف فيه؛ وأما بيع الكرم من النصراني، فهو بمنزلة بيع العبد المسلم منه، ذهب سحنون إلى أن بيع العبد المسلم منه يفسخ، فقاس عليه بيع الكرم منه، وذهب أشهب إلى أن العبد يباع عليه، فقاس عليه بيع الكرم منه، وقع قول أشهب في سماع سحنون من كتاب السلطان. واختلف على القول بأنه يفسخ ولا يباع عليه إن لم يعثر عليه حتى باعه النصراني من مسلم، فقال ابن الماجشون: يفسخ البيع أيضا ولو كانوا عشرة، ويترادون الثمن حتى يرجع إلى بائعه من النصراني؛ وقال ابن القاسم: لا يفسخ إذا باعه من مسلم، وهو القياس؛ وإذا لم يفسخ، فقيل: إنه يرد إلى القيمة، وقيل: إنه يمضي بالثمن، وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون

مسألة: شراء النخل من أصلها وفي رؤوسها ثمر لم يبد صلاحه

من كتاب السلطان في الذي يبيع العنب ممن يعصره خمرا، أنه يمضي إذا فات؛ ولو باع المسلم كرمه أو عبده المسلم من النصراني وهو يظنه مسلما، لبيع عليه ولم يفسخ قولا واحدا. [مسألة: شراء النخل من أصلها وفي رؤوسها ثمر لم يبد صلاحه] مسألة قال سحنون: لا بأس باشتراء النخل من أصلها وفي رؤوسها ثمر لم يبد صلاحه، أو قد بدا صلاحه وطاب بقمح نقدا أو إلى أجل، ومثله اشتراء العبد وله مال بماله بدين وبنقد. قال محمد بن رشد: هذا معلوم من قول سحنون، ومذهب ابن الماجشون أن ما أجيز بيعه مع غيره وجعل في حكم التبع له كالزرع الذي لم يطب مع الأرض، والثمر الذي لم يطب مع النخل، وما أشبه ذلك؛ يرى أنه لم يقع عليه حصة من الثمن، فيجوز بيعه بالدنانير، والدراهم، والطعام نقدا وإلى أجل ولا يرى (في استحقاقه رجوعا للمشتري، وابن القاسم لا يجيز بيع ذلك بشيء من الطعام نقدا ولا إلى أجل، ويرى للمشتري أن يرجع بما يقع له من الثمن - إذا استحق؛ وكذلك الحلي المصوغ بالذهب، إذا كان الذهب فيه الثلث، فأقل، يجيز بيعه بالذهب نقدا وإلى أجل ولا يرى) للمشتري في استحقاقه رجوعا على البائع خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك؛ وقد مضى هذا المعنى في رسم العرية من سماع عيسى وفي غيره من المواضع، وبالله التوفيق. [مسألة: يسوم بالدابة فيقول له رجل تبيعني بكذا وكذا فيقول لا أفعل إلا بكذا] مسألة قال سحنون: عن ابن نافع، عن مالك في الرجل يسوم بالدابة فيقول له رجل تبيعني بكذا وكذا؛ فيقول لا أفعل إلا بكذا

مسألة: سام بسلعة فلما قبضها وأراد الانقلاب بها قال قد أخذتها بعشرة

وكذا، فيقول له المشتري أنقصني دينارا، فيقول لا أنقصك دينارا، فيقول المشتري قد أخذتها بما قلت؛ إنها له ويلزم ذلك البيع البائع، وليس له أن يرجع. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها، إذ قد تبين بتردد المماكسة بينهما، أنه كان مجدا في السوم، مريدا للبيع، غير لاعب ولا هازل؛ وقد مضى من القول على هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب من هذا الكتاب، ومن كتاب العيوب ما فيه كفاية، فلا معنى لإعادته. [مسألة: سام بسلعة فلما قبضها وأراد الانقلاب بها قال قد أخذتها بعشرة] مسألة وعن رجل سام بسلعة، فلما قبضها وأراد الانقلاب بها، قال: قد أخذتها بعشرة، وقال البائع: تأخذها بأحد عشر، وقال المشتري: لا أزيدك على عشرة، فذهب بها، ثم إنها فاتت السلعة؛ قال: يرد إلى البائع القيمة، فإن كانت القيمة أقل من عشرة، قيل للمبتاع: ليس لك أن تأخذها بأقل من عشرة؛ لأنك قد كنت رضيتها بعشرة؛ فإن كانت القيمة أكثر من أحد عشر، قيل للبائع: ليس لك أن تأخذ منه أكثر من أحد عشر؛ لأنك قد كنت أمضيتها له بذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة، إلا أنها خفية المعنى ناقصة الوجوه؛ وأنا أبين ما خفي منها وأتمم ما نقص من وجوهها إن شاء الله تعالى؛ إنما رجع في السلعة إلى القيمة إذا فاتت بيد المبتاع؛ لأنه قبضها وانقلب بها على غير اتفاق في الثمن؛ إذ لا يلزم المبتاع الأحد عشر بقول البائع له: تأخذها بأحد عشر؛ ولا يلزم البائع أخذ العشرة بقول المبتاع، لا أزيدك على عشرة، إلا أن البائع قد رضي في سلعته بأحد عشر، والمبتاع قد رضي أخذها بعشرة؛ فإذا فاتت كانت فيها القيمة ما لم تكن

مسألة: اشترى من رجل دارا على أن فيها مائة ذراع فوجد فيها مائة ذراع وذراع

أكثر من أحد عشر، ولا أقل من عشرة؛ وسواء فاتت السلعة بيد المبتاع، أو أفاتها هو؛ إذ لم يقل له البائع لا أنقصك فيها من أحد عشر، وإنما عرض عليه أن يأخذها بذلك، إلا أن يفيتها بحضرة البائع وهو ساكت، مثل أن يكون طعاما فيأكله، أو شاة فيذبحها، أو ثوبا فيقطعه، أو كراء دار فيسكنها، وما أشبه ذلك؛ فيلزمه أخذ العشرة فيها، لسكوته على تفويته إياها، وقد سمع قوله لا أزيدك فيها شيئا على عشرة. ولو قال له لا أنقصك فيها من أحد عشر، فأخذها المبتاع، وقال: لا أزيدك فيها على عشرة شيئا، فلما انقلب بها أفاتها، كان ثوبا فقطعه، وما أشبه ذلك؛ لزمته فيها الأحد عشر إذا أفاتها، وقد سمع قول البائع لا أنقصك فيها من أحد عشر شيئا؛ ولو أفاتها المبتاع بحضرة البائع وهو ساكت بوجه من وجوه الفوت التي ذكرناها، وما أشبهها، لوجب أن يلزم من قولهما القول الآخر الذي افترقا عليه؛ فإن كان المبتاع قد قال للبائع أولا: لا أزيدك على عشرة، فقال له البائع: لا أنقصك فيها من أحد عشر شيئا، لزمت المبتاع الأحد عشر بتفويته إياها؛ وإن كان البائع قد قال للمبتاع أولا: أنقصك فيها من أحد عشر شيئا، فقال له المبتاع: لا أزيدك فيها شيئا على عشرة، لزم البائع أن يأخذ العشرة لسكوته على تفويته إياها، وقد سمع قوله لا أزيدك فيها شيئا على عشرة، وهذا كله بين، يبينه ما وقع في سماع عيسى من كتاب كراء الدور، وما رواه ابن أبي جعفر عن ابن القاسم في الدمياطية؛ لأن بعض هذه المسائل يبين بعضا ليس في شيء منها خلاف الآخر، كما ظن من قصر في النظر، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى من رجل دارا على أن فيها مائة ذراع فوجد فيها مائة ذراع وذراع] مسألة وسئل: عن رجل اشترى من رجل دارا على أن فيها مائة

مسألة: السكران الذي ليس يعقل وليس معه من عقله شيء أيجوز بيعه

ذراع، فوجد فيها مائة ذراع وذراع؛ قال المشتري بالخيار، إن شاء أخذ المائة ذراع وكانت البقية لبائع الدار، ويكون البائع شريكا له في الدار بذراع، وإن شاء ترك؛ قيل له فلو اشترى صبرة منه على أن فيها مائة صاع، فوجد فيها مائة صاع وصاعا، قال: له مائة صاع وليس له صاع؛ قيل له فلو اشترى شقة على أن فيها سبعة أذرع، فوجد فيها ثمانية أذرع؛ قال هي له كلها، قيل له فلو اشترى منه خشبة على أن فيها عشرة أذرع، فوجد فيها أحد عشرة ذراعا، أو اثني عشر ذراعا؛ قال: تكون له الخشبة كلها. قال محمد بن رشد: المعنى في شراء الشقة على أن فيها سبعة أذرع، والخشبة على أن فيها عشرة أذرع إذا كانت غائبة فاشتراها على الصفة، فأما لو كانت حاضرة، لم يجز عقد البيع فيها إلا بعد كيلها إذ لا مؤونة في ذلك، وأما الصبرة والدار فيجوز عقد البيع فيهما على أن فيهما كذا وكذا قبل أن تكال الصبرة أو تذرع الدار، لمؤونة الكيل والتذريع، فلا يلزم التذريع والكيل قبل عقد البيع، وقد مضى بقية القول على هذه المسألة مستوفى في أول سماع أشهب، فلا معنى لإعادته. [مسألة: السكران الذي ليس يعقل وليس معه من عقله شيء أيجوز بيعه] من مسائل سئل عنها مطرف بن عبد الله وسئل مطرف: عن السكران الذي ليس يعقل، وليس معه من عقله شيء؛ أيجوز بيعه؟ وما الذي يجوز عليه من أمره والذي لا يجوز عليه؟ فقال: لا يلزم السكران الذي لا يعقل شيئا سوى ما أصف لك: القذف، والقتل، والعتق، والطلاق؛ هذه الأشياء قط لا غيرها هي التي تلزمه؛ فهو إن قذف أحدا حد، وإن قتل أحدا قتل، وإن طلق امرأته لزمه الطلاق؛ وإن أعتق عبده مضى عليه العتق؛ وأما بيعه، وهبته، وصدقته، فذلك كله ساقط عنه؛ لا

اشترى أرطالا من لحم فانكسر الميزان

يلزمه منه قليل ولا كثير، ولا يمضي عليه منه شيء؛ قلت له: فوصيته إن أوصى؛ قال: إذا لم يكن معه عقله فكيف يجوز؛ لا أرى وصيته جائزة؛ لأنه كالمجنون؛ ألا ترى لو أن مجنونا لم يكن معه عقله أوصى، فإن وصيته لا تجوز. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى (من القول) فيها وتحصيل الخلاف، ما لا مزيد عليه في أول سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، فلا معنى لإعادته. [اشترى أرطالا من لحم فانكسر الميزان] ومن نوازل سئل عنها سحنون وسئل: عن رجل اشترى أرطالا من لحم، فانكسر الميزان؛ فقال له المبتاع: أنا آخذ منك على التحري هذا اللحم بالأرطال التي لي عليك؛ فقال: كل ما كان أصله الوزن فلم يجد ميزانا، فأراد أن يأخذ مثله على التحري من غير وزن، فلا بأس به؛ وكل من اشترى شيئا على الكيل ولم يجد كيلا، فلا يجوز للمبتاع أن يأخذه من البائع على التحري، ولا يجوز إلا بكيل؛ وإنما أجيز التحري فيما يوزن للضرورة؛ لأنه لا يجد ميزانا، وما يكال ليست فيه ضرورة؛ لأنه يجد كيلا. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم سلف من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

مسألة: بيع الجوز جزافا

[مسألة: بيع الجوز جزافا] مسألة قال سحنون، عن ابن وهب، عن مالك: لا يجوز بيع الجوز جزافا إذا باعه وقد عرف عدده؛ ولا بأس أن تباع القثاء، جزافا؛ لأنه مختلف؛ فيه كبير وصغير، ويكون العدل الذي هو أقل عددا أكثر من العدل الذي هو أكثر عددا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن ما يعد أو يكال أو يوزن، لا يجوز بيعه جزافا، إلا مع استواء البائع والمبتاع في الجهل بعدما يعد منه، أو وزنه، أو كيله؛ لأنه متى علم ذلك أحدهما وجهله الآخر كان العالم منهما بذلك قد غر الجاهل وغشه؛ فإذا علم عدد الجوز ولم يجز أن يبيعه جزافا وإن كان العرف فيه أن يباع كيلا؛ لأنه يعرف قدر كيله بمعرفة عدده؛ وأما معرفة عدد القثاء، فلا تأثير له في المنع من بيعه جزافا، إذ لا يعرف قدر وزنه بمعرفة عدده، لاختلافه في الصغر والكبر، بخلاف الجوز الذي يقرب بعضه من بعض. [مسألة: يشتري من رجل طعاما بعينه على الكيل بنقد أو إلى أجل] مسألة وسئل سحنون: عن رجل يشتري من رجل طعاما بعينه على الكيل بنقد أو إلى أجل، فيؤخر قبضه من البائع على غير شرط كان بينهما شهرا أو شهرين؛ هل يفسخ البيع بينهما أم يجوز ذلك ويكون له قبض طعامه منه؛ فقال: ذلك جائز ولا يفسخ. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال: إن البيع لا يفسخ بتأخير القبض إذا كان ذلك بغير شرط، بخلاف الصرف؛ وقد مضى هذا المعنى في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، وفي

مسألة: اشترى من رجل شعيرا بدينار ودفع إليه الدينار

أول رسم من سماع عيسى منه، ومضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف؛ تفصيل القول فيما يجوز من ذلك في الصرف، فلا وجه لذكره في غير موضعه. [مسألة: اشترى من رجل شعيرا بدينار ودفع إليه الدينار] مسألة وسئل سحنون: عن رجل اشترى من رجل شعيرا بدينار، ودفع إليه الدينار، فأتاه بعد شهر أو نحو هذا يطلب الشعير، فقال البائع ليس عندي شعير وقد قضيته غريما كان له علي دين؛ قال: هو ضامن يأتيه بشعير مثل الشعير الذي اشترى منه، إن كان المشتري حين اشتراه منه، أراه البائع الشعير أو وصفه له. قال محمد بن رشد: هذا بين كما قال؛ لأنه إذا باع منه الشعير الذي عنده بأن أراه إياه أو شيئا منه، أو وصفه له؛ فليس له أن يستهلكه بوجه من وجوه الاستهلاك بعد أن أوجبه بالبيع للمشتري؛ فإن فعل، وجب عليه أن يأتي المشتري بمثله. قال ابن القاسم: في السلم الثالث من المدونة: ولا يكون المبتاع بالخيار في أن يأخذ منه الثمن، ولا يضمنه مثل الطعام؛ وقال أشهب: هو في ذلك بالخيار، وقد مضى ما يدخل التخيير في ذلك من المكروه عند ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى، ولو هلك الشعير عند البائع ولم يستهلكه هو؛ لانتقض البيع بينهما. [مسألة: باع ثوبا بعشرة دنانير حالة على أن يقضيها المشتري رجلا] مسألة قيل لسحنون: أرأيت لو أن رجلا باع ثوبا بعشرة دنانير حالة على أن يقضيها المشتري رجلا، هل يجوز هذا البيع؟ فقال: أكرهه

مسألة: العبد يكون بين الرجلين فيبيع أحدهما حصته من العبد ولا يستثني

وأرى هذا قد خرج من بيوع المسلمين؛ لأن صاحب الدين لم يحل على المشتري، ولم يرض بالحوالة عليه بعد. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز هذا البيع؛ لأنه إنما باع منه الثوب على أن يبرئ ذمته من الدين الذي عليه للأجنبي، وليس ذلك بيده؛ لأن الدين ثابت عليه لا يبرئ ذمته منه، وينتقل صاحب الدين إلى ذمة المشتري إلا بحوالة يرضى بها كما قال؛ ولو باع منه الثوب على أن يدفع الثمن إلى رجل له عليه دين دون أن تبرأ ذمة المشتري من دين غريمه، أو تبرأ ذمة المشتري من الثمن حتى يدفعه؛ لكان البيع جائزا، فقد أجاز في المدونة أن يشتري الحميل سلعة من الذي عليه الدين على أن يدفع ثمنها إلى المحمول عنه بالدين، وهذا بين، والله أعلم. [مسألة: العبد يكون بين الرجلين فيبيع أحدهما حصته من العبد ولا يستثني] مسألة وسئل سحنون: عن العبد يكون بين الرجلين فيبيع أحدهما حصته من العبد ولا يستثني المبتاع ماله ولا البائع، فقال: لا يجوز إلا أن يشترط المبتاع المال في عقد الشراء؛ وهو قول ابن نافع وأشهب عن مالك؛ والبيع فاسد إذا لم يشترط المال. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز هذا البيع؛ لأنه مقاسمة للشريك في مال العبد بغير أمره، وليس لأحد من الشركاء أخذ شيء من مال العبد إلا برضا من جميعهم، ولو باعه من شريكه لجاز وإن لم يستثن ماله؛ لأن ذلك مقاسمة له منه في مال العبد، وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم استأذن من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يشتري من الرجل عبدا غائبا مما لا يجوز فيه النقد على الصفة] مسألة وسئل سحنون: عن الرجل يشتري من الرجل عبدا غائبا مما لا يجوز فيه النقد على الصفة، وشرط البائع على المشتري: إن

أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو منك، قال: هذا جائز، قيل: فإن سأل المشتري البائع أن يقيله، قال: فإن ذلك ليس بجائز، خوفا أن يكون العبد قد أدركته الصفقة، وتم البيع فيه ووجب الثمن على المشتري دينا عليه؛ فيكون إذا أقاله قد فسخ دينه في عبد لم يقبضه، وإن كان الضمان من البائع يوم اشتراه ثم استقال البائع المشتري فلا بأس به؛ لأن ضمانه من البائع، فلم يجب للبائع قبل المشتري دين يكون فسخه في شيء هو للمشتري. قال محمد بن رشد: أما الإقالة من السلعة الغائبة المشتراة على الصفة بشرط أن الضمان من المشتري بالعقد إن كانت على الصفة يومئذ، أو على القول بأن الحكم يوجب أن يكون الضمان منه، إلا أن يشترط أن الضمان على البائع حتى يقبضها المبتاع؛ وهو قول مالك الأول، فلا يجوز باتفاق؛ لأنه يدخله فسخ الدين في الدين؛ لأن السلعة إن كانت على الصفة يوم العقد، فقد وجبت للمبتاع وصار الضمان منه، ووجب عليه الثمن؛ فإذا أقال البائع فيها، كان قد فسخ الثمن الذي وجب له على المبتاع في سلعة غائبة لا يقبضها، ولا هي في ضمانه؛ وأما إقالته منها إذا كان الضمان من البائع حتى يقبضها المبتاع إما باشتراط المبتاع ذلك عليه، وإما بأن الحكم أوجب ذلك عليه، وهو القول الذي رجع إليه مالك، وبه يقول ابن القاسم؛ فاختلف فيها؛ أجاز ذلك سحنون هاهنا؛ لأن الضمان من البائع، فلم يجب للبائع قبل المشتري دين يكون قد فسخه في شيء لم يقبضه، فصار ذلك حلا للعقد الأول، إذ لم ينتقل بذلك الضمان عما كان عليه، وقاس ذلك أيضا على إجازة مالك الإقالة من الجارية التي هي في المواضعة وبيعها بربح إذا لم ينتقد الربح؛ ولم يجز ذلك في المدونة، قال في التفسير الثاني؛ لأن السلعة للمشتري وإن كان ضمانها

مسألة: أتيا إلى رجل فابتاع أحدهما منه جاريته ونقد الثمن

من البائع، ألا ترى أنه لا يقدر على بيعها من غيره، ولا يرجع في بيعه، فأشبه ذلك بيع الغائب، وقول سحنون أظهر، إذ لا فرق بين الإقالة من الجارية التي في المواضعة، وبين السلعة الغائبة على القول بأن الضمان من البائع، إلا من وجه أنه لم يختلف في أن ضمان الجارية في المواضعة من البائع؛ وقد اختلف في ضمان السلعة الغائبة على الصفة، ومن مذهبه مراعاة الخلاف؛ وقد تأول قول مالك في المدونة على مذهبه فقال في قوله فيها إن الإقالة لا تجوز لأنها دين بدين؛ وهذا على الحديث الذي جاء في السلعة إن أدركتها الصفقة قائمة مجتمعة وليس ذلك بصحيح؛ بل لا تجوز الإقالة فيها عند ابن القاسم وروايته عن مالك، كان الضمان من البائع أو من المبتاع، يبين ذلك من مذهبهما ما ذكرته مما وقع في التفسير. [مسألة: أتيا إلى رجل فابتاع أحدهما منه جاريته ونقد الثمن] مسألة وسئل: عن رجلين أتيا إلى رجل فابتاع أحدهما منه جاريته ونقد الثمن، ثم أتيا بعد ذلك ليقبضا الجارية؛ فقال كل واحد منهما: أنا الذي دفعت إليك الثمن فهي لي؛ ولم يعرف البائع ممن باع، ولا من أعطاه الثمن منهما؛ قال: إذا قال بعتها من واحد منهما وقبضت منه الثمن ولا يدري أيهما هو، وحلف كل واحد منهما بالله إنه هو الذي اشترى ونقد الثمن؛ وكانت الجارية بينهما ويرد الثمن، فيكون بينهما أيضا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن كل واحد منهما يدعي أنه دفع إليه الثمن في الجارية وهو لا يكذب واحدا منهما، فوجب أن يبرأ إليهما بالجارية والثمن؛ لأن كل واحد منهما يقول له: لا بد أن تدفع إلي الجارية أو ترد علي الثمن؛ ويحلف كل واحد منهما، أنه اشترى الجارية

مسألة: يبيع من الرجل طعاما إلى أجل

ودفع الثمن فيها إلى البائع؛ فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا، كانت الجارية والثمن بينهما، وان حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف، وبالله التوفيق. [مسألة: يبيع من الرجل طعاما إلى أجل] مسألة وسئل: عن الرجل يبيع من الرجل طعاما إلى أجل، ثم يجد البائع المبتاع في السوق قبل حلول الأجل وهو يبيع طعاما مخالفا للطعام الذي اشترى منه، فيريد أن يشتري منه بالنقد؛ قال: إذا كان ذلك قبل الأجل الذي إليه اشترى الطعام، فلا خير فيه؛ لأنه يصير طعاما بطعام إلى أجل؛ لأن دراهمه ترجع فيصير كأنه لم يعطه شيئا، وصار إلى أن أخذ من ثمن طعام طعاما؛ وكذلك ما بقي عليه ثمن طعامه أبدا؛ وإن حل الأجل، فلا يجوز له أن يبتاع منه طعاما، قال سحنون: هو عندي جائز، حل الأجل أو لم يحل إذا اشترى منه بنقد، وكان الطعام خلاف ما باع منه. قال محمد بن رشد: قول سحنون أصح من قول ابن القاسم؛ لأن الطعام إذا كان مخالفا للطعام الذي باع منه، فقد علم أنه غيره، وصح أنهما صفقتان، باع طعاما واشترى طعاما آخر، فلا وجه للتهمة في ذلك، إلا أن يشتري منه الطعام المخالف للذي باعه بمثل الثمن إلى ذلك الأجل؛ لأن الثمن يكون مقاصة في الثمن، ويصير قد دفع طعاما في طعام مخالف له، فيتهمان على ذلك، كذلك إن كان الأجل قد حل فاشتراه بثمن نقد؛ على أن يقاصه به في الثمن الذي حل له عليه؛ وأما إن اشتراه منه بالنقد والثمن لم يحل أو إلى أجل، والثمن نقدا أو إلى أجل مخالف له، فذلك جائز ولا يدخله الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما؛ لأن الثمن الذي باع به منه الطعام يقتضيه منه عند أجله، فيكون الطعام الذي قبض منه، إنما

مسألة: يبتاع الأرض من الرجل أو الدار

هو الطعام الذي اشترى منه بعد ذلك، إما بما نقده من الثمن إن كان اشتراه بالنقد، وإما بالثمن المؤجل الذي يؤديه عند حلول أجله؛ وقول ابن القاسم إنه لا خير أن يشتري منه بالنقد إذا كان ذلك قبل الأجل، كلام كان أشبه أن يكون بالعكس؛ لأن الأجل وإذا كان قد حل واشتراه بالنقد، يكون النقد مقاصة فيما حل له من الثمن، فيصير قد أخذ في الطعام الذي باع منه طعاما مخالفا له؛ وإذا لم يحل الأجل، امتنعت المقاصة، فصار الطعام الذي يأخذ منه مشترى بالثمن الذي اشتراه به، لا مقتضى من الثمن الذي باع به منه الطعام؛ لأنه يأخذه منه عند أجله. وقوله في آخر كلامه: وإن حل الأجل فلا يجوز (له) أن يبتاع منه طعاما - صحيح، إن كان يريد أنه لا يبتاعه منه بالنقد، من أجل أنه يصير مقاصة بالثمن الذي حل له عليه من ثمن الطعام الذي باع منه، فيكون قد دفع طعاما وأخذ طعاما مخالفا له، فيتهمان على القصد إلى ذلك، وقول سحنون هو عندي جائز حل الأجل أو لم يحل، إذا اشترى منه بنقد، معناه: إذا اشتراه بنقد فنقده ولم يقاصه؛ إن كان الأجل قد حل. وليس في قوله إذا اشتراه بنقده، دليل على أنه لا يجوز إلى أجل، بل يجوز على مذهبه بالنقد وإلى أجل، ما لم يكن إلى مثل الأجل الذي باع منه الطعام، أو لا يكون مقاصة به؛ فإنما شرط النقد تحذرا من أن يشتريه منه إلى ذلك الأجل بعينه، فيكون مقاصة. [مسألة: يبتاع الأرض من الرجل أو الدار] مسألة وعن الرجل يبتاع الأرض من الرجل، أو الدار، أو غير ذلك، وقد عرفه المبتاع في يد البائع يحوزه ويملكه، ثم يسأله أن يحوزه له بعد البيع؛ هل ترى على البائع حوزا؟ قال سحنون: إذا كان المشتري اشترى ما قد عرفه في يد البائع، فلا حوز عليه؛ وإن دفعه عمن اشترى دافع، فتلك مصيبة دخلت على المبتاع.

قال محمد بن رشد: شراء الرجل من الرجل الدار، أو الأرض، لا يخلو من أربعة أوجه: أحدها: أن يكون المبتاع مقرا للبائع باليد والملك، والثاني: أن يقر له بالملك، ولا يقر له باليد؛ والثالث: أن يقر له باليد ولا يقر له بالملك؛ والرابع: لا يقر له بيد ولا بملك، فأما إذا كان مقرا له باليد والملك، فلا يلزمه أن يحوزه ما باع منه ويسلمه إليه وينزله فيه؛ وإن دفعه دافع عن النزول في ذلك، أو استحقه مستحق بعد النزول فيه، فهي مصيبة نزلت به على قول سحنون هذا. والصواب أنه يلزمه أن ينزله فيما باع منه ويسلمه إليه، بمنزلة إذا كان مقرا له بالملك غير مقر له باليد، مخافة أن ينهض لينزل فيه فيمنعه وكيله فيه، أو أمينه عليه من النزول فيه، ويقول له: لا أدري صدق ما تدعيه من شرائه، فإن نزل فيه وصار بيده على الوجهين، فاستحقه منه مستحق؛ كانت مصيبة نزلت به على قول سحنون هذا. وعلى ما في سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، خلاف قول أشهب في المجموعة، وقد قيل: إنه خلاف ما تقدم من سماع عبد الملك في كتاب الحوالة والكفالة من قول ابن وهب وأشهب، وليس ذلك عندي بصحيح على ما سنبينه في موضعه إن شاء الله تعالى، وأما إذا كان مقرا له باليد غير مقر له بالملك، فعلى مذهب سحنون لا يلزم البائع أن يحوزه ما باع منه. والصواب أن ذلك يلزمه على ما ذكرناه، للعلة التي وصفناها؛ فإن استحق من يده شيء من ذلك، وجب له الرجوع بذلك على البائع، وأما إذا كان غير مقر له باليد ولا بالملك، فلا اختلاف في أنه يلزمه أن يحوزه ما باع منه وينزله فيه؛ مخافة أن ينهض لقبض ذلك والنزول فيه، فيمنعه منه مانع؛ فإن استحق من يده شيء من ذلك، وجب له الرجوع به على البائع أيضا، وضمان ما يطرأ على ذلك بعد عقد البيع وإن كان قبل القبض في الوجوه كلها من غصب أو غرق، أو هدم، أو حرق، وما أشبه ذلك من المبتاع؛ إلا على القول بأن السلعة المبيعة في ضمان البائع، وإن قبض الثمن وطال الأمر، ما لم يقبضها لها المبتاع أو يدعوه البائع إلى قبضها فيأبى، وهو قول أشهب. وقد مضى في آخر سماع سحنون الاختلاف في ضمان المحبوسة بالثمن، للخروج من هذا الاختلاف يقول الموثقون في وثائقهم

مسألة: باع من رجل بعيرا بعشرة دنانير فسرق البعير منه

ونزل المبتاع فيما ابتاع، وأبرأ البائع من درك الإنزال؛ لأنه بنزوله فيما ابتاع، يسقط الضمان عن البائع باتفاق؛ ومن حق المبتاع أيضا إذا ابتاع أملاكا في قرية من رجل، أن ينزله فيما باع منه بمحضر شهيدي عدل يتطوف معهما على الأملاك، ويوقفهما على حدودها؛ مخافة أن يستحق عليه منها شيء، فينكره البائع أن يكون باع منه ذلك الموضع المستحق؛ فلكل واحد من المتبايعين حق في الإنزال على صاحبه إذا دعا إليه، وجب أن يحكم له به على البائع ليسقط عنه الضمان المختلف في لزومه إياه، والمبتاع ليجد السبيل إلى الرجوع عليه بما يستحق من يديه. [مسألة: باع من رجل بعيرا بعشرة دنانير فسرق البعير منه] مسألة وسئل: عن رجل باع من رجل بعيرا بعشرة دنانير، فسرق البعير منه، فأتى إلى بائعه بعد أيام، فقال له: إن البعير الذي اشتريت منك قد سرق مني، فقال له البائع: فلا بأس، قد حط الله عنك من ثمنه خمسة دنانير؛ ثم إن المشتري أصاب البعير بجعل جعل فيه، أو جمعه الله عليه بغير جعل؛ فأراد البائع أن يرجع عليه بالخمسة التي حط عنه، هل ترى ذلك له أم لا؟ وكيف إن اشترى رأسا فأتى إلى بائعه، فقال له: إن الرأس الذي اشتريت منك غال وأنا أخاف أن أضع فيه؛ فقال له البائع: قد وضع الله عنك خمسة دنانير، ثم إن المشتري باع الرأس بعد ذلك بأيام بربح كثير؛ فأراد البائع أن يرجع عليه؛ فقال له: إنما خفت الوضيعة وقد بعت الرأس بربح، فرد علي الخمسة دنانير؛ أو مرض الرأس، فقال المشتري للبائع: إن الرأس الذي اشتريت منك قد مرض، وأنا أخاف أن أصاب به، فحط عني من ثمنه؛ ثم

مسألة: تبايعا سلعة فاختلفا في الثمن

رزق العافية، فأراد البائع أن يرجع عليه بالحطاط؛ قال سعدون: ما أرى للمشتري من الحطاط شيئا؛ لأن الذي كانت الوضيعة فيه عفي عنه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الوضيعة لما خرجت على سبب صار السبب شرطا لها، فوجب أن تبطل بارتفاع الشرط؛ وهذا مثل قول ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق في الذي يريد سفرا فيستنظر صاحبه دينه، فينظره، ثم يبدو له عن السفر ويقيم، أن النظرة تسقط، وبالله التوفيق. [مسألة: تبايعا سلعة فاختلفا في الثمن] مسألة أخبرنا سحنون عن ابن وهب، قال: قال مالك عن رجلين تبايعا سلعة فاختلفا في الثمن، فقال البائع: بعتك بالنقد، وقال المشتري: اشتريت منك إلى أجل، قال مالك: إن كانت السلعة (قد) وصلت إلى المشتري وبان بها، فالقول قوله ويحلف؛ وإن لم يحز السلعة، فالقول ما قال البائع؛ والمبتاع بالخيار يحلف البائع بالله ما بعتكها إلا بالنقد، ثم يحلف المشتري بالله ما اشتريتها بالنقد ويبرآن؛ قال لي سحنون: خذ مني هذا الأصل، فإنه قد اختلف فيه قول مالك اختلافا شديدا، وهو أفضل ما تتزود إلى بلدك. قال محمد بن رشد: اختلف في اختلاف المبتايعين في أجل الثمن إذا اتفقا على عدده على ثمانية أقوال: أحدها: رواية ابن وهب هذه عن مالك أنهما يتحالفان ويتفاسخان ما كانت السلعة بيد البائع، فإن قبضها المبتاع كان القول قوله، سواء أقر البائع بأجل أو لم يقر به، وهو اختيار سحنون، ودليله قوله عز وجل: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] ،

ودفع البائع السلعة إلى المبتاع، باب من الائتمان، فوجب إذا قبض السلعة أن يكون القول قوله. والثاني: أنهما يتحالفان ويتفاسخان ما كانت السلعة بيد البائع، فإن دفعها إلى المبتاع، كان القول قول البائع إن لم يقر بأجل؛ والقول قول المبتاع، إن أقر بأجل. والثالث: أنهما يتحالفان ويتفاسخان - وإن قبض المبتاع السلعة ما لم تفت، فإن فاتت كان القول قول البائع إذا لم يقر بأجل، والقول قول المبتاع إذا تقارا على الأجل واختلفا فيه، وهذا أحد قولي ابن القاسم والمشهور عنه. والرابع: أنهما يتحالفان ويتفاسخان أيضا - وإن قبض المبتاع السلعة ما لم تفت، فإن فاتت، كان القول قول المشتري - وإن لم يقر البائع بأجل، وهو قول ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. والخامس: أن القول قول المشتري إذا ادعى من الأجل ما يشبه - قائمة كانت السلعة أو فائتة، روي هذا القول عن ابن القاسم. والسادس: أن البائع إذا لم يقر بأجل، كان القول قوله ما لم يدفع السلعة، فإن دفعها كان القول قول المشتري. والسابع: إن لم يقر بأجل، كان القول قوله وإن دفع السلعة ما كانت السلعة قائمة، فإن فاتت، كان القول قول المشتري؛ روي هذا القول أيضا عن ابن القاسم، وهو قول العراقيين. والثامن: أن القول قول البائع - إن لم يقر بأجل، كانت السلعة قائمة أو فائتة؛ وإن أقر بأجل، فالقول قول المشتري، كانت السلعة أيضا قائمة أو فائتة، ولا يتحالفان ولا يتفاسخان في شيء من ذلك، وهو قول مالك في رواية مطرف عنه؛ وأما إذا اختلفا في عدد الثمن، ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أنهما يتحالفان ويتفاسخان ما كانت السلعة بيد البائع، فإن قبضها المبتاع كان القول قوله، وهو رواية ابن وهب عن مالك، فلا فرق في رواية ابن وهب عن مالك بين اختلافهما في الأجل أو في الثمن. والثاني: أنهما يتحالفان ويتفاسخان وإن قبض المشتري السلعة ما لم تفت بوجه من وجوه الفوت، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك.

مسألة: شراء الدار وبها نخل

والثالث: أنهما يتخالفان ويتفاسخان، وإن قبض المشتري السلعة وفاتت بيده، ويرد قيمتها؛ وهو قول أشهب، وروايته عن مالك؛ ولا ينظر إلى قول الأشبه فيهما حيث يجب التحالف والتفاسخ، وقد قيل: إنه ينظر إلى قول الأشبه منهما في القيام، كما ينظر إليه في الفوات، وهو قول رابع في المسألة؛ وصفة أيمانهما إذا تخالفا أن يحلف البائع بالله ما باع سلعته بكذا وكذا، وليس عليه أن يزيد في يمينه: ولقد باعها بكذا وكذا؛ ولا أن يحلف بالله ما باع سلعته بكذا إلا أن يشاء، رجاء أن ينكل صاحبه عن اليمين، فلا يحتاج إلى يمين ثانية؛ لأنه إن حلف ما باع سلعته بكذا وكذا، فنكل المشتري عن اليمين، لم يكن له أن يأخذ ما ادعى أنه باع سلعته، حتى يحلف على ذلك؛ فإن حلف البائع بالله ما باع سلعته بكذا وكذا، أو ما باعها إلا بكذا، حلف المشتري بالله ما اشتريت السلعة بكذا؛ ولا معنى لأن يزيد في يمينه: ولقد اشتريتها بكذا، إذ قد حلف البائع على تكذيبه في ذلك؛ فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا، ترادا البيع فيما بينهما؛ وإن نكل أحدهما وحلف الآخر، كان القول قول الحالف منهما، وقد مضى في رسم الصبرة من سماع يحيى زيادة في هذا المعنى، فلا وجه لإعادته. [مسألة: شراء الدار وبها نخل] مسألة وأخبرنا عن ابن وهب أيضا قال: أخبرني يزيد بن عياض، أنه بلغه أن مروان بن الحكم اشترى من إبراهيم بن نعيم النجام نخلا له كانت في دار مروان أو بعضها؛ فقال إبراهيم: إنما بعتك النخل، وقال مروان: إنما اشتريت النخل والبقعة، فاختلفا فجعلا بينهما ابن عمر، فقضى بينهما ابن عمر باليمين على إبراهيم بن نعيم، فنكل إبراهيم عن اليمين، فأسلم البيع لمروان. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة، أن البائع كان قد انتقد الثمن، ولذلك كان القول قوله؛ لأنه رأى النقد المقبوض فوتا،

مسألة: باع ثلاثة أحمال زبيب وقال للمشتري إن لي فيها ثمانية أرطال تين

وذلك على رواية ابن وهب عن مالك في أن قبض السلعة إذا اختلف في ثمنها فوت، إذ لا فرق بين أن يقبض البائع الثمن فيختلفا في المثمون، وبين أن يقبض المبتاع المثمون فيختلفا في الثمن، وقد مضى هذا في رسم الصبرة من سماع يحيى؛ ولو لم ينتقد البائع الثمن، لوجب أن يتحالفا ويتفاسخا باتفاق؛ وهذا أيضا إذا قال البائع: إنما بعتك النخل دون البقعة ببيان ونص، وقال المبتاع: بل بعتهما مني جميعا بنص وبيان؛ لأن النخل تبع للأرض، والأرضي تبع للنخل، إذا قال: أبيعك هذه الأرض، فالنخل داخلة في البيع، وإذا قال أبيعك هذه النخل، فالأرض داخلة في البيع؛ هذا قوله في المدونة وغيرها، وهو مما لا اختلاف فيه. [مسألة: باع ثلاثة أحمال زبيب وقال للمشتري إن لي فيها ثمانية أرطال تين] مسألة وأتى رجل سحنون فسأله، فقال: إني بعت ثلاثة أحمال زبيب، وقلت للمشتري: إن لي فيها ثمانية أرطال تين، وإنما استثنيتها عليك ولست أبيعها منك؛ فقبض المشتري الزبيب، ثم وزن التين فوجد فيها أحد عشر رطلا من تين؛ قال سحنون: أما الثمانية فواجبة للبائع، وأما الثلاثة الزائدة فترد إلى البائع أيضا، وينظر إلى الثلاثة الأرطال الزائدة أي شيء هي من الزبيب، فإن كانت الثلث أو السدس، وضع عن المشتري قدرها من الثمن؛ وإنما ينظر إلى قدرها من الزبيب قط بعد أن تطرح الثمانية الأرطال التين؛ قيل له: فلو أنه باع من رجل غرارة وفيها زبيب، فوجد في داخله حجرا، بماذا يرجع به المشتري على البائع؛ قال: يرجع بمقدار ما شغل الحجر من الغرارة، ولا يرجع بوزن الحجر زبيبا؛ لأنه لو رجع بوزن الحجر زبيبا لعله أن يكون ذلك مثل نصف

مسألة: يشتري الدار ويشترط سكناها سنة

الغرارة أو ثلثها، فلا يكون له أن يرجع إلا بمقدار ما شغل الحجر من الغرارة. قال محمد بن رشد: أما مسألة التين فصحيحة بينة في المعنى، لا وجه للقول فيها؛ لأن ما وجد في الزبيب من التين زائدا على ما استثنى البائع، فقد نقص قدره من الزبيب الذي اشترى؛ فوجب أن يرجع على البائع بما ينوبه من الثمن؛ وأما الذي وجد الحجر في الغرارة التي اشترى من الزبيب، فإنما يصح جوابه في الرجوع بمقدار ما شغل الحجر من الغرارة إن كان إنما نظر إليها ولم يقلبها ليعرف مقدار ما فيها من الزبيب؛ وأما إن كان رأزها، ليعرف خفتها من ثقلها، فإنما يرجع بمقدار ما يقع وزن الحجر من وزن الغرارة بالحجر من الثمن، والله أعلم. [مسألة: يشتري الدار ويشترط سكناها سنة] مسألة قيل لسحنون: أرأيت الرجل يشتري الدار ويشترط سكناها سنة، ثم انهدمت الدار قبل السنة؛ أو كانت دابة فاشترط البائع ركوبها اليوم واليومين، فماتت الدابة قبل اليومين، أو انهدمت الدار قبل السنة؛ أيرجع البائع على المشتري بحصة السكنى والركوب من الثمن؛ لأنه يقول: إنما رخصت عليك في البيع بما اشترطت من السكنى والركوب من الثمن، ولولا ذلك بعتها بأكثر؛ قال: سمعت علي بن زياد يقول في هذه بعينها: إنه لا يرجع عليه بشيء، وهي مصيبة دخلت عليهما جميعا؛ وروى أصبغ عن ابن القاسم مثل رواية سحنون عن علي بن زياد. قال محمد بن رشد: وقعت رواية أصبغ هذه عن ابن القاسم في أول رسم من سماعه بعد هذا، وزاد فيها أنه إذا لم يكن للبائع على المشتري رجوع فيما استثنى عليه من أجل أنه خفيف، لم يكن يضع لذلك

من الثمن شيئا، وفي ذلك من قوله نظر، إذ قد علم أن الرجل لا يشتري الدار إذا استثنى عليه سكناها العام بما يشتريها به إذ لم يستثن عليه ذلك؛ ولعل قيمة سكنى الدار السنة مثل قيمة ربع الدار وأكثر، وكذلك الدابة إذا استثنى عليه ركوبها اليوم، واليومين، والثلاثة. وإنما المعنى في أنه لا يجب عليه رجوع إن كان ما استثناه البائع من السكنى في الدار والركوب في الدابة؛ أبقاه على ملكه ولم يبعه؛ فإنما حط عن المشتري ما كان يجب لما لم يبعه من السكنى والركوب لو باعه، وذلك في التمثيل كرجل باع ناقة لها فصيل، فاستثنى فصيلها، فقد علم أنه قد حط عن المشتري ما كان يجب لفصيلها لو باعه؛ فوجب أن تكون مصيبة السكنى والركوب منه؛ لأنه أبقاه على ملكه ولم يبعه كالفصيل سواء؛ فإن بنى المبتاع الدار على هذا القول وقد بقيت من مدة الاستثناء بقية، كان للبائع أن يسكن الدار بقيمة المدة التي استثنى، ويكون عليه كراء الأنقاض قائمة؛ إذ قد ذهبت الأنقاض التي استثنى سكناها، ولا حق في أنقاض المشتري. ووجه العمل في ذلك أن يقال: كم قيمة كراء البقعة مهدومة؟ وكم قيمة كراء الدار قائمة؟ فيكون على البائع ما زادت قيمة كراء الدار قائمة على قيمة الأنقاض في المدة التي بقيت من اشتراطه، وإن لم يبتها المشتري، كان من حق البائع أن يسكنها قاعة مهدومة إلى انقضاء أمد استثنائه، إن شاء أن يبنيها، كان ذلك له، فإذا انقضى أمد سكناه، أخذ نقده، إلا أن يشاء المبتاع أن يعطيه قيمته منقوضا على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك؛ وعلى مذهب المدنيين وروايتهم عن مالك، له قيمته قائما إذا انقضى أمد سكناه. ومن قال: إن المستثنى بمنزلة المشتري، فهو عنده كأنه باعه داره بدنانير، وسكنى مدة معلومة؛ فإن انهدمت الدار نظر إلى قيمة السكنى، فإن كان عشرة دنانير والثمن تسعون دينارا، رجع بعشر قيمة الدار يوم باعها، وكذلك العمل في الدابة وهو قول أصبغ في سماعه المذكورة إلا

مسألة: الرجل يأتي إلى الزجاج ونحوه يستقرض منه قارورة فيقع ذلك منه فينكسر

أنه قال ما لم يكن المستثنى يسيرا مثل الأيام في الدار، والبريد في الدابة؛ وهو استحسان على غير حقيقة القياس، وكذلك تفرقة ابن حبيب بين اشتراط الركوب الجائز قبل قبض المبتاع لها، أو بعد قبضه؛ فجعل شرط البائع الركوب قبل قبض المبتاع، كأنه مبقى على ملكه لا رجوع له فيه، وشرطه له بعد قبض المبتاع، كأنه مشترى يجب له به الرجوع، هو استحسان أيضا على غير حقيقة القياس. [مسألة: الرجل يأتي إلى الزجاج ونحوه يستقرض منه قارورة فيقع ذلك منه فينكسر] مسألة قال سحنون: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يأتي إلى الزجاج أو القلال أو القداح يستقرض منه قارورة أو قلة أو قدحا، فينظر إليها فيقع ذلك منه فينكسر ويكسر ما تحته من الزجاج، والقلال؛ قال: لا أرى عليه ضمان ما ناوله، وأراه يضمن ما انكسر تحته؛ قلت: فإن جاء يتناول بغير إذنه وجعل يساومه ولم يناوله صاحب المتاع، فيقع منه فينكسر؛ قال: هو ضامن لما أخذ ولما انكسر أسفله، هكذا روى عيسى عن ابن القاسم، وزاد في سماعه وكذلك السيف يتناوله فينهز فينكسر، أو الدابة يركبها ليختبرها فتموت تحته، والقوس يرمي عنها؛ وما كان من هذه الأشياء كلها، إن أخذ ذلك بغير إذنه كان ضامنا، وإن كان بإذنه فلا ضمان عليه؛ ورواها أصبغ بن الفرج، وزاد فيها: وكذلك قلال الخل يرفعها يروزها ليعرف قدرها وملكها فتنكسر، قال أصبغ: هذا عندي مثل القوارير والأقداح، ما لم يعنف ويأخذه بغير مأخذه، مثل أن يعلق القلة الكبيرة بأذنها، أو غير ذلك من وجوه العنف، فيضمن.

قال أصبغ: قال ابن القاسم: والدينار يعطيه الرجل الصراف على دراهم فينقره فيذهب، أنه ضامن؛ وقد صار منه حين قبضه على الصرف، فهو بيع وشراء مقبوض، وسواء نقره نقرا يتلف من مثله، أو خفيفا لا يعطب من مثله إلا بالقضاء والقدر إلا أن يأخذ له في نقره فينقره نقرا خفيفا لا يعطب من مثله فيصاب في مثل هذا، فلا شيء عليه، وإن خرق ضمن. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يضمن ما ناوله إياه أو تناوله بإذن ليقلبه أو ليختبره وإذا سقطت القارورة من يده فانكسرت، وانكسر السيف في هزه إياه، أو القوس في رميه عنها، أو ماتت الدابة في ركوبه إياها، أو أشبه ذلك، هو المشهور في المذهب، ولا اختلاف فيه بين ابن القاسم، وأصبغ؛ وابن الماجشون يرى أنه ضامن لما سقط من يده، إلا أن تكون له بينة على أمر غالب أسقطها من يده من ريح غالب، أو دابة نطحته، أو ما أشبه ذلك؛ فلعله أراد إتلافها فادعى أنها سقطت من يده، واختلفا إذا تناول ذلك وهو حاضر دون أن يستأذنه؛ فقال ابن القاسم: هاهنا هو ضامن، وقال أصبغ في أول سماعه بعد هذا: لا ضمان عليه، وهو ظاهر روايته عن ابن القاسم؛ واختلفا في قلال الخل يرفعها عند التقليب فتنكسر، فقال أصبغ: هي كالقوارير ولا ضمان عليه فيها، إلا أن يعنف فيها، أو يأخذها بغير مأخذها؟ وسكت ابن القاسم عن الجواب فيها في سماع أصبغ، والمعلوم من مذهبه أنه ضامن لها وإن لم يكن منه عنف في رفعه إياها؛ حكى ذلك عنه ابن المواز من رواية أصبغ، وإنما ضمنه ابن القاسم في الخل؛ لأنه لا يختبر بالرفع، وإنما يختبر بالذوق؛ فإذا رفع القلة فسقطت ضمن، حكى ذلك ابن المواز عن ابن القاسم من رواية أبي زيد عنه؛ قال: وكذلك كل ما يجتزأ منه ببعضه مثل ألبان، فإنه يجتزَأ فيه بالشم، فإن أخذه رجل فسقط من يده فانكسر، فإنه يضمن، بخلاف ما لا يحاط بمعرفته إلا

مسألة: الرجل يشتري السلعة على أنه بالخيار إلى أربعة أشهر

بأن يؤخذ باليد، مثل السيف، والقوس، وشبه ذلك؛ وأما ما يتناول بغير إذنه ولا علمه، فسقط من يده، فلا اختلاف في أنه ضامن له؛ وكذلك لا اختلاف بينهم في أنه ضامن لما سقط من ذلك الشيء من يده فكسره؛ وأما الدينار يعطيه الرجل الصراف على درهم فينقره فيذهب، فلا اختلاف بينهم في أنه ضامن؛ ومعنى ذلك إذا قبضه منه على الصرف والبيع؛ لأنه يقبضه له بعد مواجبة الصرف فيه، يدخل في ضمانه؛ ولو اغتصب منه أو اختلس إياه، لكانت مصيبته منه؛ وأما لو قبضه منه على أن يقلبه وينقره وينظر إليه، فإن أعجبه سامه فيه، فتلف في نقره إياه، لم يكن عليه فيه ضمان؛ كالقارورة، والقوس، والسيف، وما أشبه ذلك؛ ووقع في بعض الكتب ينقره، وفي بعضها ينقده، والمعنى في ذلك سواء؛ لأن نقره مما ينقد به. [مسألة: الرجل يشتري السلعة على أنه بالخيار إلى أربعة أشهر] مسألة قال ابن القاسم: إذا اشترى الرجل السلعة من الحيوان أو غيره - على أنه بالخيار إلى أربعة أشهر، وقبضها واشترط عليه فيها النقد، أو لم يشترط عليه فيها نقدا فماتت، فمصيبتها من البائع؛ لأنه وإن كان فاسدا، فإن البيع لم يكن تم فيه. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في سماع سحنون من كتاب بيع الخيار وهي صحيحة بينة؛ لأن البيع الفاسد إنما يدخل في ضمان المشتري بالقبض إذا لم يكن فيه خيار، والضمان من البائع في بيع الخيار إذا كان صحيحا، فكيف إذا كان فاسدا، والله أعلم. [مسألة: باع أرضا مبذورة بحنطة] مسألة وسئل سحنون: عن رجل باع أرضا مبذورة بحنطة أو غير

مسألة: اشترى عرصة من رجل فلما أراد البنيان فيها وجد بئرا

ذلك من الحبوب، ولم يكن نبت فيها شيء، فاشترى المشتري الأرض واشترط ما فيها من بذر؛ فقال: ذلك جائز للمشتري، وهو قول ابن القاسم؛ فسألت عنها البرقي، فقال: نازعني فيها يوسف بن عمر، وقلت له: ذلك جائز، وكان قد سأل أشهب عنها. قال محمد بن رشد: قوله واشترط ما فيها من بذر، لا معنى له؛ لأنه له، اشترطه أو لم يشترطه؛ ولو استثناه البائع، لم يجز، بمنزلة الثمر الذي لم يؤبر هو لمشتري النخل، وإن لم يشترطه، ولا يجوز للبائع أن يشترطه؛ وأجازه ابن القاسم، وذلك خلاف أصله في أنه لا يجوز بيع النخل بطعام إذا كان فيها تمر وإن لم تؤبر؛ لأن النبات في الزرع بمنزلة الإبار في النخل؛ فالقياس ألا يفرق بين التمر الذي لم يؤبر، والزرع الذي لم ينبت في جواز بيعه مع الأصل بالطعام؛ وأما سحنون فهو يجيز ذلك وإن نبت الزرع، وأبرت النخل، ما لم يصب ذلك؛ وقد مضى ذلك من قوله في رسم العرية من سماع عيسى، وفي نوازله الأول من هذا الكتاب، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: الجواز، والمنع، والتفرقة. [مسألة: اشترى عرصة من رجل فلما أراد البنيان فيها وجد بئرا] مسألة وسئل سحنون: عن رجل اشترى عرصة من رجل، فلما أراد البنيان فيها، وجد بئرا عادية لها بال؛ فقال له البائع: بعتك شيئا لم أعرفه وأنا أفسخ البيع؛ قال سحنون: أراها للمشتري؛ وكذلك المواريث إذا قسمها الورثة فوجد أحدهم في سهمه مثل ذلك، أن ذلك له دون الورثة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة ستأتي متكررة في آخر الكتاب،

يبيع أرضه من الرجل أو جاريته ثم يأتيه يستقيله

ونتكلم عليها هناك إذا وصلنا إليها بما يبين معناها، إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق. [يبيع أرضه من الرجل أو جاريته ثم يأتيه يستقيله] من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم: عن الرجل يبيع أرضه من الرجل، أو جاريته، ثم يأتيه يستقيله؛ فيقول له المبتاع: إني أتخوف أن تكون أرغبت في سلعتك وأعطيت زيادة، فأنت تسألني الإقالة لذلك؛ فيقول: ليس كما ظننت؛ فيقول المبتاع: فإني أقيلك على أنك إن بعتها من غيري فهي لي بالثمن أقيلك منه؛ فيرضى بذلك، ثم يبيع سلعته بأكثر مما باعها منه. فقال ابن القاسم: إن كان إنما استقاله للزيادة التي أعطي، وتبين أن طلبه رغبة في الزيادة، فهي للمقيل بشرطه؛ وإن كان لم يستقله لذلك، وإنما هو شيء حدث له في بيعها فوجد بها زيادة، فلا شيء للمقيل ولا حجة، والبيع جائز له. وقال: وذكر عن ابن كنانة أنه قال: إذا قال أنا أقيلك على أنك إن بعتها من غيري، فأنا أولى بها من غيري، وشرط ذلك عليه، فأقاله على شرطهما؛ فإنه إن باعها بحضرة ذلك من غيره، وكان الأمر فيها على ما تخوف الذي أقال من صرف المستقيل إياها إلى غيره، فهو أولى بها؛ وإن تفاوت ما بين ذلك وطال، ثم باع جاريته فليس عليه شيء يلزمه فيما اشترط عليه المقيل. محمد بن خالد: كان ابن نافع يقول: لا تجوز الإقالة في

ثلاثة نفر أحرار باع بعضهم بعضا

هذا، وهو بمنزلة البيع؛ قال ابن لبابة: هذا جيد من فتياه واستحسنه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في أول رسم من سماع أشهب، وفي سماع سحنون، فلا معنى لإعادته. [ثلاثة نفر أحرار باع بعضهم بعضا] من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب قال عبد الملك: أخبرنا عبد الله بن وهب، عن ثلاثة نفر أحرار باع بعضهم بعضا، أنهم يغرمون الثمن ويعاقبون. قال محمد بن رشد: يريد أنهم يغرمون الثمن للمشتري يردونه إليهم، وهذا إن كان اشتروهم ولم يعلموا أنهم أحرار. وأما إن اشتروهم على معرفة أنهم أحرار، فقيل: إن الثمن يرد إليهم؛ وقيل: إنه لا يرد إليهم ويتصدق به عليهم أدبا لهم، وعلى كل واحد منهم أن يطلب صاحبه الذي باع إن كان غاب حتى يرده، فإن لم يعنه على ذلك، فقد قيل: إنه يغرم ديته. كتب الحسن بن عبد الملك وهو قاض بطليطلة إلى محمد بن بشير وهو قاض بقرطبة في رجل باع حرا، وأنه قضى عليه أن يطلبه حتى يرده، وأنه طلبه فلم يجده، وأنه طال زمان ذلك، فجمع ابن بشير أهل العلم بقرطبة، فكتب إليه: أن أغرمه ديته كاملة؛ فقضى عليه عبد الملك بديته كاملة، يريد تكون لورثته كما لو قتله. [مسألة: المسلم يبيع اليهودي من النصراني والنصراني من اليهودي] مسألة وسئل: عن المسلم هل يبيع اليهودي من النصراني، والنصراني من اليهودي؟ فقال: لا يباع بعضهم من بعض؛ لأنهم

أعداء بعضهم لبعض، ولا تجوز شهادة بعضهم على بعض، وسألت عنها سحنون، فقال لي مثل ذلك. قال محمد بن رشد: اختلف في جواز بيع اليهودي من النصراني، والنصراني من اليهودي، فقيل: ذلك جائز، حكى ذلك سحنون عن بعض أصحاب مالك، وهو ظاهر قول مالك في رواية ابن نافع عنه في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة؛ لأنه قال فيها عنه أن كبار أهل الكتاب لا يمنع النصارى من شرائهم فعم ولم يخص. وقياس قوله أيضا في رواية ابن القاسم عنه من كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة والعتبية؛ لأنه أجاز بيع كبار المجوس الذين لا يجبرون على الإسلام من اليهود والنصارى، فإذا أجاز بيعهم منهم من أجل أنهم لا يجبرون على الإسلام وإن كان قد قيل: إنهم يجبرون عليه، فأحرى أن يجيز بيع اليهودي من النصراني، والنصراني من اليهودي؛ إذ لا اختلاف في أنهم لا يجبرون على الإسلام، إلا أن يفرق بين الموضعين لعلة العداوة، على ما ذهب إليه ابن وهب، وقد قيل: إن ذلك لا يجوز، وهو قول ابن وهب، وسحنون في هذه الرواية؛ قال ابن وهب فيها: لأنهم أعداء بعضهم لبعض، وإنما قال: إنهم أعداء بعضهم لبعض، لما دل عليه من قوله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113] ... الآية. وروي عن سحنون أنه قال: إنما لم يجز أن يباع اليهودي من النصراني، والنصراني من اليهودي؛ لأن بعضهم يكره بعضا على دينه إذا ملكه، فبيعه منه إضرار به؛ فعلى تعليل ابن وهب، يجوز أن يباع المجوس الكبار من اليهود والنصارى على القول بأنهم لا يجبرون على الإسلام؛ لأن العداوة إنما هي بين اليهود والنصارى، للتنافس الذي بينهم من أجل أنهم أهل الكتاب، وقد دل على ذلك ما

تلوناه من الآية. وأما المجوس، فلا تنافس بينهم وبين أهل الكتاب؛ إذ ليسوا بأهل كتاب، وإن كان قد قيل فيهم أهل كتاب، فليس ذلك بمعروف، وعلى قول سحنون لا يجوز ذلك؛ فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يجوز أن يباع جميع أهل الملل الذين لا يجبرون على الإسلام بعضهم من بعض، وهو قول بعض أصحاب مالك، وهو قول مالك أيضا على ما ذكرناه من ظاهر قوله في رواية ابن نافع عنه، ومن قياس قوله في رواية ابن القاسم عنه. والثاني: أنه لا يجوز بيع بعضهم من بعض بحال، وهو الذي يأتي على تعليل سحنون. والثالث: أنه لا يجوز بيع اليهودي من النصراني، ولا النصراني من اليهودي؛ ويجوز أن يباع المجوسي من الكتابي، والكتابي من المجوسي، وهو الذي (يأتي) على تعليل ابن وهب، ومن قول ابن القاسم في المدونة وغيرها أنه لا يجوز أن يباع المجوسي من الكتابي، فإن كان من مذهبه أنه يجبر على الإسلام، فلا إشكال في قوله؛ لأنه صحيح على أصله؛ وإن كان من مذهبه أنه لا يجبر على الإسلام، فقوله مثل قول سحنون؛ وهذا الاختلاف إنما هو في المسبي من المجوس، هذا الذي قيل فيه: إنه يجبر على الإسلام، من أجل أنه لا بصيرة له في دينه، إذ لا يفقه لجهله. وقد قيل فيه لهذه العلة: إنه مسلم بملك المسلمين له كالصغير، وعلى هذا يأتي على ما وقع في كتاب النذور من المدونة أنه يجوز في الرقاب الواجبة؛ وأما المجوسي الذي ثبت على مجوسيته بين ظهراني المسلمين، فلا اختلاف في أنه لا يجبر على الإسلام. وقد حكى عن سحنون أنه قال: اجتمع أصحابنا على أنه لا يباع من يهودي ولا نصراني، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه يجوز أن يباع منه على القول بأنه يجوز أن يباع اليهودي من النصراني، والنصراني من اليهودي؛ لأن المجوسي الثابت على مجوسيته لا يكون في هذا أحسن حالا من اليهودي والنصراني؛ فإن بيع اليهودي أو المجوسي من النصراني على

مسألة: المسلم يبيع الصبي الصغير من النصراني

القول بأن ذلك لا يجوز، جبر المشتري على بيعه من أهل دينه؛ قال ذلك سحنون في كتاب ابنه، ورواه زياد عن مالك؛ إلا أن يتبين أن البائع قصد إلى الإضرار بالعبد في ذلك، فيفسخ البيع على ما في كتاب المديان والشفعة من المدونة، خلاف ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب منها؛ وأما قول ابن وهب ولا تجوز شهادة بعضهم على بعض، فالمعنى في ذلك أنه أراد لا تجوز شهادة بعضهم على بعض عند أحد من أهل العلم، فلا دليل فيه على أنه يجيز شهادة اليهودي على اليهودي، والنصراني على النصراني؛ لأن من مذهبه ومذهب مالك وجميع أصحابه، أن شهادة أهل الكفر لا تجوز على حال. [مسألة: المسلم يبيع الصبي الصغير من النصراني] مسألة وسئل: عن المسلم يبيع الصبي الصغير من النصراني، فقال: أحب إلي ألا يبيعه إلا من مسلم، فإن باعه من نصراني، جاز بيعه. قال محمد بن رشد: يريد الصبي الصغير الذي لا يجبر على الإسلام، وأما الذي يجبر على الإسلام، أو يختلف في جبره عليه، فلا يجوز على قول من يرى أنه يجبره عليه إن باع من النصراني؛ وإن بيع منه، جرى ذلك على الاختلاف في النصراني يشتري العبد المسلم، هل يفسخ البيع، أو يباع عليه؛ وقد مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، ومن كتاب الجنائز، وفي غيره من المواضع، تحصيل القول فيمن يجبر على الإسلام من الصغار، ومن لا يجبر منهم، فلا معنى لإعادته. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله

كتاب جامع البيوع الرابع

[كتاب جامع البيوع الرابع] [باع من امرأته خادما واشترط عليها أن تتصدق بها على ولده] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وآله وسلم من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل باع من امرأته خادما واشترط عليها أن تتصدق بها على ولده، فلما وقع البيع بدا لها أن تتصدق بها، قال: لا تلزمها الصدقة، والرجل بالخيار، فإن شاء أجاز البيع على ذلك، وإن شاء نقضه ورد إليها مالها، قال أصبغ: وكذلك العتق إن اشترى على أن يعتق مثل هذا التفسير، وهو قول مالك في العتق، [والصدقة] أحرى وأضعف. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال أصبغ إن البيع على الصدقة كالبيع على العتق، إذ لا غرر في ذلك بخلاف البيع على الوصية أو على

مسألة: حكم أقداح القوارير المنصوبة في المجالس للبيع

الوصية بالعتق أو [على] الكتابة أو التدبير أو العتق إلى أجل، وقد مضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم القول على البيع بشرط العتق، ويأتي أيضا في رسم المدبر والعتق من هذا السماع، ومضى في رسم المكاتب من سماع يحيى القول على البيع بشرط الوصية وما أشبه ذلك، فلا معنى لإعادته. [مسألة: حكم أقداح القوارير المنصوبة في المجالس للبيع] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن أقداح القوارير المنصوبة في المجالس للبيع مثل التي عند باب المسجد مفروشة في أفنية الحوانيت للبيع وأقداح الخشب يقف بها الرجل يشتري منها فيتناول منها شيئا فينظر إليه ويقلبه فيسقط من يديه فينكسر، فقال: لا ضمان عليه، وهذا من شأن الناس النظر إليها عند الاشتراء والتقليب، وذكره عن مالك في القوارير. قال أصبغ: وسواء استأذن في الأخذ [أو لم يستأذن] إذا رآه صاحبها وتركه يأخذ وينظر، فإن كان بغير أمره، ولا علمه فهو ضامن، قال أصبغ: وكذلك الذي يدار به من القوارير أيضا للبيع، وكذلك البواقل في المجالس للبيع، قال أصبغ: فسألت ابن القاسم فقلت له: فقلال الخل يرفعها يروزها ليعرف نحوها وملأها فتنكسر؟ فقال:

ما أدري ما هذا؟ ولم أسمع فيه شيئا، قال أصبغ: وهو عندي مثل الأول مثل القوارير والأقداح ما لم يعنف ويخرق ويأخذ بغير مأخذه مثل أن يعلق القلة الكبيرة بأذنها أو غير ذلك من وجوه العنف عن وجه الحمل المعروف فيضمن. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم احتجاجا عليّ في الخل: أرأيت الدينار ينقره الصيرفي فيذهب ألا يضمن؟ قلت: فهذا مثله؟ قال: نعم، وهو يضعف ذلك، وقال أصبغ: ليس هو مثله ولا من بابه، وقال لي قبل ذلك في الدينار يعطيه الرجل الصراف على دراهم فينقده فيذهب إنه ضامن، قال أصبغ: هذا صواب قد صار منه حين قبضه بصرف، فهو بيع واشتراء مقبوض، قال أصبغ: وكذلك لو اغتصبه الصراف أو اختلس منه قبل أن يزنه كان منه، قال أصبغ: وسواء في هذا عندي نقره نقرا يتلف من مثله أو خفيفا لا يعطب في مثله إلا بالقضاء والقدر، إلا أن يأذن له في نقره فينقره نقرا خفيفا لا يعطب مثله فيصاب في ذلك فلا شيء عليه، وإن خرق ضمن. قال محمد بن رشد: إنما رأى ابن القاسم في الخل أنه ضامن إذا رفع القلة فسقطت من يده فانكسرت من أجل أنه لا حاجة به في تقليب الخل إلى رفع القلة حسبما حكى ابن المواز عنه من رواية أبي زيد، وقد ذكرنا ذلك في نوازل سحنون، وكذلك رأى أنه لا يحتاج في انتقاد الدنانير إلى نقرها فقال في الصراف: إنه إذا قبض الدينار ليقلبه ثم يصارفه فيه إن أعجبه فنقره فتلف إنه ضامن إن لم تكن به حاجة في تقليبه إلى نقره، فاحتج على أصبغ بذلك في ضمان الخل، وأما إذا قبض الدينار على وجه الصرف فلا اختلاف في أنه ضامن له على كل حال كما قال أصبغ وإن غصبه الصراف أو اختلس منه قبل أن يزنه. وقد اعترض ابن دحون قوله قبل أن يزنه فقال: قوله قبل أن يزنه قول مشكل، كيف يضمنه قبل أن يزنه وقد أخذه ليزنه؟ قال: وإنما تؤول المسألة الأولى التي في نوازل سحنون إنه

مسألة: قلال الخل هل يجوز شراؤها بحالها مطينة ولا يدري ما فيها

مثقال يجوز بعينه لا بوزن، فقبضه له ضمان؛ لأنه لم يدفعه إلا على مواجبة الصرف، وهذه ذكر فيها الوزن، وذلك يدل على عدم المواجبة إلا بعد الوزن، فمحال أن يضمن ما أخذ ليزن قبل الوزن، وهو اعتراض غير صحيح، وقول أصبغ قبل أن يزنه كلام صحيح ليس فيه لبس ولا إشكال؛ لأن معنى ما تكلم عليه إنه دينار يجوز بعينه، فبالقبض يدخل في ضمانه؛ لأنه محمول على أنه وازن حتى يعلم أنه ناقص لا يجوز بجواز الوازن فيكون ذلك عيبا فيه يجب له رده به، فإنما يزنه ليختبر هل به عيب أم لا؟ فمتى تلف قبل الوزن ضمنه المشتري، وهذا بيّن لا إشكال فيه، وقوله في قلال الخل يرفعها يروزها؛ ليعرف نحوها وملأها فمعناه ليعرف مقدار ما فيها من الخل ملأ لا ليعرف هل ملأى أم لا؟ فتحصيل هذه المسألة أن كل ما أخذه ليقلبه بغير إذن صاحبه ولا علمه فهو ضامن له عنف أو لم يعنف، وكل ما أخذه بإذن صاحبه أو هو يراه على أحد قولي ابن القاسم وقول أصبغ فلا يضمن إلا أن يعنف، وكل ما قبض على جهة البيع فضمانه منه على كل حال إلا أن يهلك بأمر أذن له فيه دافعه لم يتعده إلى غيره. [مسألة: قلال الخل هل يجوز شراؤها بحالها مطينة ولا يدري ما فيها] مسألة قال أصبغ: قلت لابن القاسم في قلال الخل أيجوز شراؤها بحالها مطينة ولا يدري ما فيها ولا ما ملؤها؟ فقال لي: إن كان قد مضى عليه عمل الناس أفأحرمه؟ كأنه لا يرى بذلك بأسا. قال أصبغ: لا بأس به، قد جرى عليه وعرف حزره بقدر ظروفه، وهو يدور على أمر واحد في الملء والحد متقارب فلا بأس وإن لم يذقه ويعرف جودته من رديئه؛ لأن الاشتراء إنما يقع على الخل فهو الطيب فإن وجد خلافه برداوة مغيبة عنهما رده كما لا يدرى لعله خمر أو بعضه، وفتحه كله للبيع فساد، فلا بأس باشترائه

مسألة: باع دابة على أن يركبها بعد ثلاث فقبضها المشتري فنفقت عنده قبل الثلاث

كذلك أو اشترائه على عين أوله يفتح الواحد منه ويذوقه ويشتري عليه وهذا أصوبه. قال محمد بن رشد: إنما جاز شراؤها دون أن تفتح وتذاق للعلة التي ذكرها من أن فتحها للبيع فساد، فجاز شراؤها دون أن تفتح على الصفة من [أجل] أنه خل طيب أو وسط، كما جاز شراء الثوب الرفيع الذي يفسده الفتح والنشر على الصفة دون أن يفتحه وينشره ويقلبه، وكما جاز بيع الأحمال على صفة البرنامج لما في حل الأحمال للسوام من الضرر بأصحاب المتاع. وقوله: ولا يدري ما فيها ولا ما ملؤها معناه ولا يدري مقدار ما فيها من الخل ملأ لا أنه لا يدري، هل هي ملأى أو ناقصة؛ لأنه إذا كانت القلة ناقصة غير ملأى فلا اختلاف في أنه لا يجوز أن يشتريها مطينة على ما هي عليه من نقصانها؛ لأن ذلك من الغرر، إذ لا يجوز بيع الجزاف إلا بعد الإحاطة برؤيته. [مسألة: باع دابة على أن يركبها بعد ثلاث فقبضها المشتري فنفقت عنده قبل الثلاث] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن باع دابة على أن يركبها بعد ثلاث إلى الإسكندرية فقبضها المشتري فنفقت عنده قبل الثلاث إنها من المشتري، وإنه إذا أخذها البائع فركبها بعد الثلاث فماتت تحته فهي منه. قال أصبغ: البيع فاسد لطول الركوب وبعده وكثرته، فإذا ردها المشتري على البائع للركوب فهي كمن لم يقبض، والضمان في البيع الفاسد إذا لم يقبض من البائع، فالمصيبة في هذا منه لهذا. ولو كان البيع صحيحا لقرب الركوب وخفته وما يجوز كان الضمان على كل حال من المشتري ماتت في يده قبل الركوب أو في الركوب في يد البائع.

مسألة: الأرض يبيعها الرجل من الرجل على أن يردها عليه متى ما جاءه بالثمن

قال محمد بن رشد: الفساد في هذه المسألة من وجهين: أحدهما مسافة الركوب، والثاني بعد وقت الركوب؛ لأن السنة في استثناء الركوب إنما جاءت في اتصاله بالبيع لا بعد أجل اليوم واليومين، ولذلك قال في سماع أبي زيد إنه إذا باع الدابة واستثنى ركوبها يوما بعد ثلاثة أيام إن البيع فاسد إلا أنه جعل المصيبة فيها من البائع ما بقي له فيها ركوب وإن تلفت في يد المشتري خلاف قوله ههنا، قولان جاريان على الاختلاف في المستثنى هل هو مبقى على ملك البائع أو بمنزلة المشترى، فرواية أبي زيد على القول بأنه مبقى على ملك البائع، وهذه الرواية على القول بأنه بمنزلة المشترى. [مسألة: الأرض يبيعها الرجل من الرجل على أن يردها عليه متى ما جاءه بالثمن] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الأرض يبيعها الرجل من الرجل على أن يردها عليه متى ما جاءه بالثمن، ما الذي يفوتها؟ فقال: قال مالك: الغرس والبنيان مما يفوتها، قال مالك: والهدم وبيع المشتري إياها مما يفوتها حتى لا يكون له إليها سبيل ويردان فيها إلى القيمة قيمتها يوم قبضها وينفذ اشتراء المشتري الثاني إياها فيما بينه وبين بائعه حلالا لا يردان فيه إلى القيمة ولا غير ذلك إذا كانت عقدتهما في ذلك صحيحة، وإنما القيمة ما بين المشتري الأول والبائع. قال ابن القاسم: طول الزمان في ذلك عندي ليس بفوت، واختلاف الأسواق ليس بفوت، ويرد متى ما علم بذلك، وقاله أصبغ، إلا أن يطول الزمان بالدهور مثل العشرين سنة وما فوق ذلك فإن هذا لا بد أن يدخله الغير ببعض الأوجه والبلى وغيره فأراه فوتا وإن كانت قائمة، والله أعلم، وهذا رأيي. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذا البيع، إنه بيع فاسد

مسألة: يبيع الدور ويستثني سكناها سنة فانهدمت الدار قبل أن تمضي السنة

هو مثل قوله في أول سماع أشهب خلاف قول ابن الماجشون وقول سحنون في المدونة من أنه ليس ببيع فاسد، وإنما هو سلف جر منفعة حسبما مضى القول فيه في سماع أشهب المذكور. وقد اختلف قول ابن القاسم في طول الزمان بالدهور هل هو فوت في الأرضين والدور، والقولان له في كتاب الشفعة من المدونة، نص في موضع منها أن طول الزمان فيها فوت، وقال في موضع آخر: إن السنتين والثلاث ليس فيها بفوت، فدل ذلك من قوله أن الزمان الطويل فيها فوت، فعلى هذا يكون قول أصبغ في هذه الرواية مفسرا لقول ابن القاسم ومبينا له كما ذهب إليه أصبغ، وله في موضع آخر منه أن تغير البنيان من غير هدم ليس بفوت، قال ذلك على أن طول الزمان بالدهور التي يتغير فيها البنيان ليس بفوت، فعلى هذا يكون قول أصبغ خلافا لقول ابن القاسم. وأما حوالة الأسواق فلم يختلف قوله في أنه ليس بفوت في الأرضين والدور، وأشهب يراه فوتا فيها، ووجه قول ابن القاسم أن الرباع والعقار لا يراد بها الأرباح وإنما تشترى للقنية فلا يفيتها حوالة الأسواق، ووجه قول أشهب أنه وإن كان الأغلب فيها أنها إنما تشترى للقنية فقد تشترى للربح وطلب الفضل، فوجب أن يراعى ذلك في البيع الفاسد وشبهه. [مسألة: يبيع الدور ويستثني سكناها سنة فانهدمت الدار قبل أن تمضي السنة] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يبيع الدور ويستثني سكناها سنة فانهدمت الدار قبل أن تمضي السنة إنها من المبتاع، ولا يرجع البائع بشيء مما بقي له من السكنى. قال محمد بن رشد: قوله إن مصيبة الدار إذا انهدمت قبل تمام السنة من المشتري ولا رجوع للبائع عليه بشيء فيما بقي له من الأمد الذي استثنى هو مثل ما تقدم من قوله في نوازل سحنون، وقد مضى القول على ذلك هناك فلا معنى لإعادته، وستأتي المسألة أيضا متكررة بعد هذا.

مسألة: الرجل من أهل الأندلس يكون له المال الموضوع بمصر

[مسألة: الرجل من أهل الأندلس يكون له المال الموضوع بمصر] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل من أهل الأندلس يكون له المال الموضوع بمصر عند القاضي أو عند رجل وضعه له القاضي عنده من مورث أو غير ذلك، هل يجوز لرجل أن يشتريه منه بالأندلس بعرض ويخرج إليه؟ فقال لي: سئل مالك عن رجل له ذهب بالمدينة عند قاضيها أراد أن يشتري بها زيتا بالشام أو طعاما لا يدري ما حدث على الذهب، قال مالك: لا خير في هذا، فقيل له: كيف العمل في هذا والصواب؟ قال: يتواضعان الزيت والطعام على يدي رجل ثم يخرج إلى الذهب، فإن وجدها تم البيع بينهما. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: فإن تواضعا العرض في مسألتك على يدي غيرهما لم يكن به بأس ويخرج إلى الذهب، فإن وجدها تم البيع بينهما، وإن لم يجدها فأخلف له غيرها وأعطاه عوضا منها لزم ذلك بائع العرض على ما أحب أو كره، وإن كان بائع الدنانير الغائبة يقبض العرض لا يتواضعانه فلا يحل ذلك إلا أن يكون ضامنا للدنانير إن لم توجد أعطاه مكانها أخرى، فإن كان كذلك فلا بأس به، وإن كان بائع الدنانير الغائبة لا يقبض العروض ولا يمكنه منها صاحبها ولا يتواضعانها ولا يخرجها من يديه لم يكن بذلك بأس، ويخرج إلى الدنانير فإن وجدها لم يقبصها حتى يقبض مشتري العروض العرض؛ لأنه يصير كمن اشترى سلعة غائبة بدنانير، فلا يصلح النقد فيها حتى يقبض السلعة أو يحضر. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت متكررة في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال، ومضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم منه ما فيه بيانها فلا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق.

مسألة: باع دابة بثمن مسمى واشترط ركوبها

[مسألة: باع دابة بثمن مسمى واشترط ركوبها] مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل عمن باع دابة بثمن مسمى واشترط ركوبها إلى الموضع القريب الذي يجوز له اشتراطه فركب فنفقت قبل أن يبلغه، قال: ضمانها من المشتري، قلت: فهل يرجع البائع على المشتري بثمن الركوب الذي اشترطه؟ قال: لا لأنه لم يضع لذلك الركوب شيئا من ثمنها إنما هو شيء اشترطه يجوز لأنه خفيف، وإنما هو بمنزلة ما لو قال: أبيعك هذه الدابة على أن لا تأخذها إلى غد وإلى بعد غد، قلت: فهذا البيع الذي ذكرت لا بأس به أيضا؟ قال: نعم، قلت: وضمانه ممن؟ قال: من المشتري، انظر أبدا كل من اشترط مثل هذا ويجوز له اشتراطه ويكون البيع به جائزا فالضمان من المشتري، قال أصبغ مثله كله إلا الرجوع بثمن الركوب فإني أرى ذلك له إذا كان شيء لا قدر له ولم يكن مثل الساعة والميل والأميال والبريد ونحو ذلك، ومثل اليوم في الدار واليومين والأيام الثلاثة وشبه ذلك، فهذا الذي يلغى وأراه لغوا ولا أرى له رجوعا ولا شيئا، فإذا كان له بال مثل ما ذكرت اليوم واليومين وشبهه رأيته ثمنا، والضمان من المشتري، وإنما ذلك بمنزلة بيع نصف السلعة على أن يبيع النصف الباقي إلى شهر فيبيع إلى أقل من ذلك فلا يبطل بقية شرطه، قال أصبغ: فسألته إن باع دابة واشترط ركوب دابة أخرى غيرها إلى المكان البعيد أيجوز؟ قال: نعم إلى إفريقية إن شاء، قلت: فنفقت في بعض الطريق؟ قال: يرجع عليه لأن الركوب ههنا ثمن ما باع به

مسألة: العبد يشترى ويستثنى نصف ماله

دابته، قلت: فكيف يرجع؟ قال: يقوم الكراء كراء الموضع الذي اشترط ركوبه فيعرف كم هو، قال أصبغ: فإذا علم مبلغه ضم إلى الثمن ثم قسم عليه قيمة الدابة، فما صار لقيمة الكراء من قيمة الدابة قسم على ما ركب وعلى ما لم يركب، فيرجع بما لم يركب من ذلك بما أصابه عينا ولا يرجع في الدابة بعينها، وكذلك السكنى مثل ذلك سواء. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في نوازل سحنون مستوفى، والحمد لله. [مسألة: العبد يشترى ويستثنى نصف ماله] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في العبد يشترى ويستثنى نصف ماله: لا خير فيه إلا أن يكون ماله معلوما عرضا أو حيوانا أو رقيقا ولا يكون ذهبا ولا ورقا إذا كان اشتراه بذهب أو ورق، فإن كان اشتراه بعرض أو حيوان فلا بأس أن يستثني نصف ماله وإن كان ماله ذهبا أو ورقا، ورواها سحنون عن ابن القاسم إلا أنها في سماع أصبغ أفسر. قال أصبغ: وذلك إذا وقع المشتري على معرفة الذهب والورق كم هي وأنها له معروفة أو العرض بتسميته وصفته وعينه ومخالفا للعرض الذي يعطى في ثمنه، فأما مجملا فلا يدري ما هو ولا مبلغه فلا يجوز، وإن كان عرضا أو ذهبا أو ورقا واشترى بعرض لأنه لا يجوز بيع الجميع وحبس نصف المال للبائع واستثنى المشتري نصفه والمال

مسألة: اشترى من رجل كرما فخاف الوضيعة

مجهول كما يجوز في الجميع هو السنة والبعض خارج من السنة فلا يجوز وإنما تجوز السنة على وجهها ولا تبعض وكذلك سمعت. قال أصبغ: قلت لابن القاسم: أرأيت إن كان ماله عرضا من صنف العرض الذي يشتريه به فلم يستثن ماله كله؟ قال: لا بأس، قال أصبغ: ولا يعجبني، قال أصبغ: ولو أن رجلا اشترى نصف حائط واشترط نصف ثمره لم يكن به بأس. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم فإن كان اشتراه بعرض أو حيوان فلا بأس أن يستثني نصف ماله وإن كان ماله ذهبا أو ورقا يريد ذهبا أو ورقا معلوما على ما فسره به أصبغ، فقوله تفسير لقول ابن القاسم؛ وقول ابن القاسم إن ماله إذا كان عرضا من صنف العرض الذي اشترى به يجوز له أن يستثني بعضه يريد إذا كان مال العبد معلوما؛ وقول أصبغ لا يعجبني يريد إذا كان ماله مجهولا، فليس قوله بخلاف لقول ابن القاسم، وإنما تكلم كل واحد منهما على غير الوجه الذي تكلم عليه صاحبه، هذا الذي يجب أن يحمل عليه قولهما، إذ لا يصح أن يختلف في جواز ذلك إذا كان مال العبد معلوما، ولا خلاف في أن ذلك لا يجوز عندهما إذا كان المال مجهولا، وإنما يجيز ذلك أشهب. وقد مضى ذلك من قوله في سماع سحنون. وقول أصبغ: ولو أن رجلا اشترى نصف حائط واشترط نصف ثمره لم يكن بذلك بأس صحيح، ولو اشترط جميع الثمرة في اشترائه نصف الحائط لم يجز باتفاق، وكذلك مال العبد فإنما يجوز للرجل أن يشترط من مال العبد وثمر النخل بقدر ما اشترى من العبد ومن النخل، فإن اشترط أكثر مما اشترى من الأصل لم يجز عند الجميع، وإن اشترط أقل مما اشترى من الأصل جاز عند أشهب ولم يجز عند ابن القاسم. [مسألة: اشترى من رجل كرما فخاف الوضيعة] مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن رجل اشترى من رجل

كرما فخاف الوضيعة فأتى ليستوضعه فقال: بع وأنا أرضيك، قال: إن باع برأس المال أو بربح فلا شيء عليه، وإن باع بوضيعة كان عليه أن يرضيه، فإن زعم أنه أراد شيئا سماه فهو ما أراد، وإن لم يكن أراد شيئا أرضاه بما شاء وحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد أكثر منه يوم قال له ذلك. قال أصبغ: وسألت عنها ابن وهب، فقال: عليه رضاه بما يشبه ثمن تلك السلعة والوضيعة فيها، قال أصبغ: وقول ابن وهب هذا أحسن عندي، وهو أحب إلي إذا وضع فيها. قال محمد بن رشد: قوله: بع وأنا أرضيك عدة " إلا أنها عدة " على سبب، وهو البيع، والعدة إذا كانت على سبب لزمت بحصول السبب في المشهور من الأقوال، وقد قيل: إنها لا تلزم بحال، وقيل: إنها تلزم على كل حال، وقيل: إنها تلزم إذا كانت على سبب وإن لم يحصل السبب، وقول أشهب إنه إن زعم أنه أراد شيئا سماه فهو ما أراد يريد مع يمينه، ومعناه إذا لم يسم شيئا يسيرا لا يشبه أن يكون إرضاء والدليل على أنه يحلف على مذهبه إذا قال: أردت كذا وكذا لما يشبه قوله إنه إن لم يكن أراد شيئا أرضاه بما شاء وحلف أنه ما أراد أكثر من ذلك، وجوابه هذا على كله في كثير من مسائله أنه لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقربه على نفسه، واليمين في هذا يمين تهمة، إذ لا يمكن لمستوضع أن يدعي علم نيته فيحقق الدعوى عليه بخلاف ما ذكر أنه أراده، فيدخل فيها من الخلاف ما يدخل في يمين التهمة، وأما ابن وهب فأخذه بمقتضى ظاهر لفظه وألزمه إرضاءه إلا أن يقول: لا أرضى فيما يقول الناس فيه إنه إرضاء فلا يصدق أنه لم يرض ويؤخذ بما يقول الناس فيه إنه إرضاء، هذا معنى قوله. ولو حلف ليرضينه لم يبر إلا باجتماع الوجهين، وهما أن يضع عنه ما يرضى به وما يقول الناس فيه إنه إرضاء، وقد مضى ما يدل على هذا في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النذور في الحالف ليرضين غريمه من حقه، والحمد لله.

حكم بيع البرج

[حكم بيع البرج] ومن كتاب البيع والصرف قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول في البرج يباع قال: إذا باعه بما فيه أو باع جميع ما فيه فذلك جائز لا بأس به وإن كان لا يعرف عدده إذا كان قد رآه وعرفه، قال أصبغ: وذلك إذا عاينه كما يعاين النخل والزرع وصبرة الطعام وأحاط به بصرا ومعرفة أو حزرا وإلا فلا خير فيه، وقد يكون صغيرا كثير العمارة، وكبيرا قليل العمارة. قال محمد بن رشد: لعبد الله بن نافع في المدنية أنه لا يجوز أن يباع حمام البرج جزافا لأنه من الغرر، ولا يباع إلا عددا، فقيل: إن ذلك مثل قول ابن حبيب في الواضحة في أنه لا يجوز أن يباع الطير أحياء في الأقفاص جزافا؛ لأنه يتداخل بعضه في بعض فلا يحيط البصر به، وإن قول ابن القاسم في حمام البرج خلاف قول ابن حبيب في طير الأقفاص، والذي أقول به أن ذلك ليس بخلاف له لأن طير الأقفاص لا مؤونة في عدها، وحمام البرج لا يصل إلى عدها إلا بعناء كثير ومؤونة شاقة، فطير الأقفاص لا خلاف في أنه لا يجوز بيعها جزافا إذ لا مؤونة في عدها ولا يحاط كل الإحاطة بالنظر إليها لتداخل بعضها في بعض، ونحل الأجباح لا خلاف في جواز بيعها جزافا إذ لا يمكن عدها ولا كيلها بوجه، وحمام الأبرجة اختلف في جواز بيعها جزافا لمشقة عدها، فمن غلب المشقة في عدها على عدم الإحاطة بها في النظر إليها أجاز ذلك، ومن غلب عدم الإحاطة بها في النظر إليها على المشقة في عدها لم يجز ذلك، وليس في تغليب أحد الوجهين على الآخر إلا ما يغلب على ظن المجتهد. [مسألة: حكم بيع الصعاب من الإبل] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في بيع الصعاب من

الإبل وهي لا تؤخذ إلا بالأوهاق، ولا يعرف ما فيها من العيوب وربما عطبت في أخذها فكره ذلك وكره بيعها وقال: في أخذها غرر في انكسارها فهو لا يحل، وكذلك بيع المهارات والفلاء الصعاب بالبراءة ولا يعلم أبها عيب أم لا، ولا يعرف عيب شيء منها ولا ما بها لصعوبتها، وفيه عيب آخر من وجه الخطار أيضا أنه يقول: لا أعلم ما فيها ولم أقلبها، فإنما أبيعها على ما كان فيها من عيب، فهو يضع من ثمنها لذلك، ولا يدري أبها عيب أم لا والمشتري يريده لما يرجو من السلامة، فكل واحد منهما قد خاطر صاحبه، ولو جاز هذا لجاز أن يبيع السلعة الغائبة بصفة أو يكون المبتاع قد رآها ولم يقلبها، أو قد قلبها فطال زمانها فيقول: أبيعك على أنه ما كان فيها من عيب أو من حدث مما لم أعلم فهو منك، فهذا غير جائز، وهو من الغرر، ووجه من التغابن في البيع، وهو يشبه بيع الإباق، فأرى جميع ذلك مفسوخا وجد عيبا أو لم يجده أو حدث بها عيب أو لم يحدث. قال أصبغ: أرى الذي اجتح به وناظر من الحجج في ذلك ليس بحجة ولا نظير المسألة ولا صواب إلا كراهة بيعها لغرر أخذها لصعوبتها وانكسارها فيه فإن ذلك كذلك غير مأمون عليها ولا سليمة منه للذي قد عرفت به واستوحشت ولا أرى بيعها ولا يعجبني، ولا شراءها، وأراه غررا من البيوع حتى تؤخذ فيسلم ما يسلم ويعطب ما يعطب قبل البيع، وأراه مفسوخا إن وقع وأرى مصيبتها من البائع حتى تؤخذ ثم تصاب بعد قبض المشتري إياها. وأما حجته بالوجه الثاني من الغرر والخطار أنه لا يعلم ما فيها فيبيعه على ما

كان فيها من عيب فقد خاطره فليس كذلك إنما ذلك بمنزلة بيع البراءة ولا يعلم ما في السلعة وبيع السلعة الغائبة على الصفة المخصوصة ولا يدري ما فيها سواء ذلك فليس في هذا أخطار وهذه بيوع المسلمين، وهي جائزة لازمة حتى توجد عيوب، والذي احتج به في السلعة الغائبة فيقول: أبيعك على أنه ما كان فيها أو حدث مما لم أعلم فهو منك فإنما مكروه هذا إذا اشترطه اشتراطا، وجوابه في الحجة لها في حرور المسألة على غير اشتراط فهي غير حجة لأن المسألة الأولى في بيع الصعاب بالبراءة ليس فيها اشتراط إنما هو بيع مجرد فليست بحجة، والجواب فيها بعينها لنفسها صحيح إذا كان الاشتراط مجردا فالبيع فاسد وإن كان بغير ذلك فليس بفاسد، وله شبيه ببيوع المسلمين وأحكامهم فليس به بأس في المهارة وغير ذلك من المسألة ما عدا الإبل الصعاب وما أشبهها من الأشياء في مثل حدها من المهل والصعوبة والاستيحاش. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في أنه لا يجوز بيع الإبل الصعاب التي لا تؤخذ إلا بالأوهاق وهي الحبال لأن الوهق الحبل التي تؤخذ به الدابة والإنسان، قاله الخليل، صحيح، وتنظيره كما نظرها به من بيع المهارات والفلاء الصعاب على البراءة ومن بيع السلعة الغائبة على الصفة أو على رؤية متقدمة للمبتاع فيها وعلى البراءة مما حدث بها بعد مغيب البائع عنها أو بعد رؤية المبتاع لها إلى حين العقد عليها وقد طال

زمان ذلك صحيح أيضا، واعتراض أصبغ عليه في تنظيره واحتجاجه ليس بصحيح، وذلك أنه لا يجوز أن يبيع الرجل بالبراءة ما يجهل عيوبه لأن عليه أن يبين ما يعلم منها فيبرأ مما لم يعلم، فإذا باع ما يجهل عيوبه بالبراءة كان ذلك غررا فقال ابن القاسم: إن بيع الإبل الصعاب التي لا تؤخذ إلا بالأوهاق على البراءة مما بها من العيوب لا يجوز لوجهين: أحدهما الغرر لما يخشى من انكسارها في أخذها، والثاني أنه لا يعرف ما فيها من العيوب لصعوبتها ولا إن كان بها عيب أم لا، فوجب ألا يجوز كما لا يجوز بيع المهارات والفلاء الصعاب بالبراءة إذا كان لا يعرف ما فيها من العيوب ولا إن كان بها عيب أم لا إذ لم يختبر ذلك منها، وكما لا يجوز بيع السلعة الغائبة على الصفة أو على الرؤية المتقدمة على البراءة مما حدث بها بعد مغيب البائع عنها أو بعد رؤية البائع لها إلى حين العقد عليها وقد طال زمان ذلك، وقوله صحيح لائح لا وجه للاعتراض فيه. ورأى أصبغ بيع المهارات والفلاء الصعاب بالبراءة جائزا وإن كان البائع لها لا يعلم هل بها عيب أم لا إذا لم يختبر ذلك منها، وأن بيع السلعة الغائبة على الصفة بالبراءة وإن طال عهده بها طولا يمكن أن يحدث بها عيوب فيه جائز ما لم يشترط أني بريء من كل ما حدث بها مما لم أعلمه، ولذلك اعترض على ابن القاسم، ولا يلزمه اعتراضه لأنه لا يجيز شيئا من ذلك، وهو الصحيح المعلوم من قول مالك. ولهذا المعنى لم يجز للرجل أن يبيع بالبراءة ما اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام، وقال في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب في ذلك يعمد الرجل إلى العبد فيشتريه بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولا يحب أن يخبر بشيء من عيوبه ولا يقيم في يديه كبير شيء حتى يعمد إليه فيبيعه بالبراءة فيحكم على المشتري بما لا يدري كيف هو، فامنعهم من ذلك أشد المنع، وافسخ ذلك بينهم، يقول ذلك لصاحب السوق، وقال في رسم تسلف من سماع ابن القاسم منه إن بيع الثياب في الجراب بالبراءة لا خير فيه لأنه لا يستطاع أن يدرك معرفته، وقد مضى القول على هذا في الموضعين.

مسألة: اشترى من رجل ثوبا مصبوغا واشترط له أن يلبسه

[مسألة: اشترى من رجل ثوبا مصبوغا واشترط له أن يلبسه] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل اشترى من رجل ثوبا مصبوغا واشترط له أن يلبسه، فإن انتقض صبغه رده وأخذ حقه، قال: لا خير فيه إذا اشترط اللبس، ولكن لا بأس أن يبيعه ويقول: اغسله فإن انتقض فرده. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إن ذلك لا خير فيه لأنه إن انتقض فرده كان سلفا جر منفعة، كأنه أسلفه الثمن على أن يلبس ثوبه ما دام سلفه عنده، وإن لم ينتقض كان بيعا، فمرة يكون بيعا، ومرة يكون سلفا جر منفعة، فإن وقع ذلك كان سبيله سبيل البيع الفاسد يفسخ في القيام، وتكون له القيمة بالغة ما بلغت في الفوات. [مسألة: بيع كيل وجزاف] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: لا يباع كيل وجزاف اتفق الطعامان أو الصنفان أو اختلفا، فإن اختلفا فهو أشد، قال: ولا يباع جزاف وكيل وإن قل الكيل مثل الإردب والويبة وما أشبه ذلك ويقول: أنا أكرهه قال: ولا يباع جزافا كيلا كله وعروض معه ما كانت العروض من شيء لأنه إذا قلت لك جزافا كيلا فهو يجمع ولا تبالي ما كان، لا يباع مع الجزاف شيء وذلك إذا كان إنما يأخذ جميع ما في الصبرة كيلا مع العروض لأنه لا يدري ما مبلغها. قال أصبغ: وأنا أقول على خوف الذريعة للمزابنة والخطار وعلى الاستحسان والاتباع وليس ذلك بالبين ولا بالقوي ولا المجتمع عليه ولا المسبوق إليه بأحد من أهل العلم قبله، وقد أجازه لنا أشهب. قال أصبغ: قلت لابن القاسم: أفيباع الطعام الواحد في الجودة ومن أندر واحد إلا أنهما مصبرين كل

واحد على حدته، أفيباعان جميعا على الكيل بكيلين مختلفين هذا إردبين وهذا ثلاثة صفقة واحدة على الإيجاب عليهما جميعا؟ قال: لا خير في هذا ولا يعجبني؛ لأنه لا يدري كم مبلغ ثمن ذلك ولا كم يقع لكل دينار من جميع ذلك، فكل واحد منهما لا يدري ما اشترى ولا ما باع إلا أن يسمى كم يأخذ من هذا من دينار وكم يأخذ من هذا من دينار، قال أصبغ: وهذا إغراق منه على مذهبه الذي ذهب إليه في هذا الباب بين أهل العلم في أوله وآخره وأرجو أن يكون هذا خفيفا. قال أصبغ: قلت لابن القاسم: أرأيت إن اختلفا في الجودة وهو قمح كله أو اختلف الطعامان مثل التمر والقمح أيشتريهما بكيلين مختلفين صفقة واحدة أو كيل واحد صفقة واحدة؟ فقال في الطعامين المختلفين لا يباعان جميعا على الكيل، وإن اتفق الكيل فكان بكيل واحد فلا خير فيه، وكذلك الطعامان إذا اختلفت الصفة، وإن كانا من صنف واحد مثل القمح والشعير أو القمح الجيد والرديء، ولا يباعان صفقة وإن كانا بكيل واحد وسعر واحد إلا أن يسمى ما يأخذ كل واحد منهما من الدنانير فلا بأس أن تباع الصبرتان من صنف واحد وقمح واحد وصفة واحدة بسعر واحد وكيل واحد، وقاله أصبغ كله، ونحن فتقناها عليه حين علمنا أصل قوله في الأول وتشديده فيه، وهو عندي حسن، والمسألة ووجوهها حسنة جدا على ما فسرت لك في الأول. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم شك من سماع ابن القاسم تحصيل القول فيما يجوز من بيع الجزاف والكيل صفقة واحدة مما لا يجوز، ولا اختلاف في أنه يجوز بيع الكيلين في صفقة واحدة وبيع الجزافين على غير الكيل في صفة واحدة ولا في بيع الكيل مع العروض

مسألة: اشترى من رجل عشرة من الغنم يختارها والغنم كلها حوامل

التي لا يتأتى فيها الكيل. واختلف في بيوع الجزاف مع العروض على ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك لا يجوز وإن كان الجزاف على غير الكيل، وهو مذهب ابن حبيب، والثاني أن ذلك جائز وإن كان الجزاف على الكيل، وهو قول أشهب وأصبغ، والثالث أن ذلك جائز إن كان الجزاف على غير الكيل، ولا يجوز إن كان على الكيل، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية والمشهور في المذهب. وأما بيع الجزافين على الكيل فإن اتفق الطعام والكيل جاز ذلك باتفاق، وإن اختلف الطعام والكيل لم يجز ذلك باتفاق، وإن اتفق أحدهما واختلف الآخر مثل أن تكون صبرتين من قمح صفة واحدة فيشتريهما صفقة واحدة، هذه ثلاثة أرادب بدينار، وهذه أربعة أرادب بدينار، أو صبرة من قمح وصبرة من شعير فيشتريهما صفقة واحدة ثلاثة أرادب بدرهم جاز ذلك عند أشهب وأصبغ ولم يجز عند ابن القاسم، فلا يجوز عند ابن القاسم أن يشتري الرجل مبدر عشرة أمداء من أرض كل قفيز بكذا إن اختلفت الأرض وإن نظر إلى جميعها، وكذلك لا يجوز على مذهبه وإن اتفقت إذا كان معها في الصفقة سوى الأرض من ثمرة أو دار أو عرض، ويجوز ذلك كله على مذهب أشهب وأصبغ، هذا تحصيل القول في هذه المسألة. [مسألة: اشترى من رجل عشرة من الغنم يختارها والغنم كلها حوامل] مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن رجل اشترى من رجل عشرة من الغنم يختارها من عدة غنم، والغنم كلها حينئذ حوامل، فواجبه وتفرقا ولم يختر حتى وضعت فجاء ليختار أيكون له من لغوها شيء؟ ولغوها نسلها الذي وضعت قال: لا ليس له من

لغوها شيء، يشتري عشرة ويأخذ عشرين ليس له إلا أن يختار في رقابها وحدها ولا يتبعها بشيء من لغوها، فقيل له: إن البيع قد وقع حين وقع وهي حوامل، وقد كان له أن يختارها وهي حوامل وأولادها في بطونها، قال: وإن ليس له ههنا إلا الرقاب لم يشتر غيرها إلا أن يكون اشترى على أنها حوامل، بشرط واشترط، فالبيع حينئذ فاسد مفسوخ، قيل له: فإن جز صوفها قبل أن يختار ثم جاء ليختار؟ قال: له الصرف يأخذه لأنه لم يكن للبائع جزه. فقيل له: فما أكل البائع منها من الألبان والسمون؟ قال: لا شيء عليه فيه للضمان. فقيل له: فإن اشترى عشرة شياه من مائة يختارها على أن المائة كلها تحلب قسطا قسطا؟ قال: وما بأسه؟ لا بأس به، قيل: فتأخر اختياره حتى احتلبها هذا أياما ثم جاء ليختار؟ قال: لا شيء عليه فيما احتلب لأنه كان ضامنا يعني البائع، قيل له: فإن اشترى رجل عشر جواري يختارها من مائة وهي حوامل؟ قال: ليس هذا مثل الغنم، هذا إن كان يختار مكانه حين اشترى فلا بأس والبيع جائز، إلا أن يكون أيضا الشرط على أنهن حوامل فيفسخ البيع، وإن لم يشترط ذلك فلا بأس، فإن لم يختر حتى يضعن أيضا رأيت أن يفسخ البيع ولا يكون له الخيار في رقاب الأمهات كما يختار في رقاب الأمهات من الغنم من قبل أن ذلك يكون حينئذ تفرقة بين الأمهات والأولاد، ورآه بمنزلة من باع جارية ولها ولد وسكت عن الولد فلم يشترط فيها تفرقة ولا غيرها أن ذلك البيع أيضا يفسخ لأنها تفرقة، فقيل له: إن البيع

وقع ههنا فاسدا وأصل البيع هناك كان صحيحا، قال: وإن فقد صار إلى فساد قبل أن يتم، قال أصبغ مثله إلا في الاشتراط أنها حوامل، فإنه إن كان الحمل بينا ثابتا معروفا يعرفه كل واحد فلا بأس به في الغنم والجواري جميعا، والشرط فيه وغير الشرط سواء، ولا يفسد البيع إلا في ولادة الجواري إذا لم يشترط الحمل ووضعن قبل الاختيار فكان الولد للبائع أنه يختار ثم يجمع ما اختار مع ولده فيباعان جميعا ويقسم الثمن على الأقدار ولا يفسخ لأن أصله جائز أن تجمعهما. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة في الذي يشتري عشرة من الغنم يختارها من عدة وهي حوامل فلم يختر حتى وضعت أنه ليس له في الأولاد شيء، وإنما يختار في الأمهات مثل قول أشهب في المدونة خلاف قوله فيها في الذي يشتري أمة بالخيار فتضع في أيام الخيار أن الولد للمشتري إن اختار الشراء فجعل الولد كعضو منها بخلاف الجناية عليها عنده وهو أن يكون كعضو منها في هذه أحرى؛ لأن البيع له فيها لازم في عشرة مع أنه بالخيار في كل واحدة منهما، وقد قال ابن دحون: إن قوله في هذه المسألة ليس بخلاف لما له في المدونة لأنه إنما جعل الولد للمشتري في مسألة المدونة من أجل التفرقة، ولا تفرقة في الغنم، وليس قوله بصحيح لأنه قد قال في الجواري بعد هذا: إن البيع يفسخ إذا وضعت الجواري قبل الاختيار من أجل أن الولد يكون للبائع فيكون بيع تفرقة، ولم يقل إنه يكون له أولاد الذي يختار، فدل ذلك على أنه لا فرق عنده في هذا بين الغنم والجواري. وفي قوله: إن البيع يفسخ نظر لأنه إنما فسخه من أجل أنه رأى اختياره إن اختار إنما يكون على العقد الأول وكأنها لم تزل ملكا له من يومئذ، وهذا يوجب أن يكون له الأولاد، وفسخه للبيع أيضا من أجل التفرقة خلاف قوله في المدونة من أن البيع لا يفسخ إلا أن يأبيا أن يجمعا بينهما في ملك واحد بأن يبيع أحدهما من الآخر أو يهب له، وقد قيل: إن البيع لا يفسخ، وإن أبيا أن يجمعا

بينهما في ملك بيعا عليهما وقسم الثمن بينهما على قيمتهما، وهو قول أصبغ هنا، وهو القياس على القول بجواز جمع الرجلين سلعتيهما في البيع، وهو مذهب أشهب إلا أنه قد خالف أصله في هذه المسألة فقال: إن البيع يفسخ إذا أبيا أن يجمعا بينهما في ملك واحد. وقوله: إن له الصوف إذا جزه البائع قبل أن يختار صحيح بين لا اختلاف فيه لأن الشراء إنما وقع على أن يختارها بصوفها، فليس للبائع أن يسقط حقه في الصوف بجزه إياه. وأما قوله فيما أكل البائع منها من الألبان والسمون قبل أن يختار المبتاع أنه له من أجل الضمان ولا شيء للمبتاع فيه فهو قول فيه نظر لأن المبتاع ضامن العشرة على مذهبه لوجوب البيع عليه فيها لو تلفت للزمه غرم الثمن وكانت مصيبتها منه، فكان القياس على قوله أن يكون له من اللبن والسمن الذي أكل البائع ما يقع للعشرة من جملة الغنم التي اشترط الخيار منها؛ لأنه شريك معه فيها بذلك القدر لو تلفت، وإنما يصح أن يكون اللبن والسمن للبائع على مذهب سحنون الذي يقول: إن المصيبة من البائع في جميع الغنم إن تلفت قبل أن يختار المبتاع، وعلى هذا يأتي قوله في كتاب الخيار من المدونة في مسألة الدنانير، ومعناه أن تلف الدينار لم يعلم إلا بقوله؛ لأن قوله في ذلك خلاف مذهب ابن القاسم، سواء على مذهب ابن القاسم قامت بينة على تلفه أو لم تقم؛ لأن قبضه على الإيجاب. وقول العتبي في قول أصبغ إنه مثل قول ابن القاسم إلا في اشتراط أنها حوامل فلا بأس به إذا كان الحمل ظاهرا وهم منه؛ لأنه قال فيه: ولا يفسد البيع في ولادة الجواري إذا لم يشترط الحمل ووضعن قبل الاختيار ويكون الولد للبائع ويختار ثم يجمع ما اختار مع ولده فيباعان ويقسم الثمن على الأقدار ولا يفسخ البيع، وهذا نص خلاف قول ابن القاسم في أن البيع يفسخ إذا وضعن قبل الاختيار. وما وقع في الأم من قوله ولا يفسد البيع إلا في ولادة الجواري خطأ في الرواية لأن إلا إذا أثبتت فيها تناقض الكلام وصار أوله مخالفا لآخره، ولعله ينقص من آخر الكلام شيء، فينبغي أن يتأمل قول أصبغ في الأصل الذي نقله منه العتبي حتى يوقف على حقيقته. وقوله إذا لم يشترط الحمل يريد في غير بينة الحمل على مذهبه في أن اشتراط

مسألة: يعطي الرجل زرعه وثمره بجدادها وحصاده

الحمل في بينة الحمل لا يفسد البيع، وهو مذهب سحنون خلاف قول ابن القاسم ههنا وخلاف روايته عنه في المدونة وفي رسم الشريكين من سماع ابن القاسم، وقد مضى القول على ذلك هناك. وإنما لا يفسد البيع على مذهب أصبغ وسحنون باشتراط الحمل الظاهر في الرمكة إذا قال: أبيعك إياها على أنها حامل، ولم يقل من فرس ولا حمار، وأما إن قال من فرس أو حمار فيكون البيع فاسدا لاحتمال أن يكون انفلت عليها غير الذي سمى، وبالله التوفيق. [مسألة: يعطي الرجل زرعه وثمره بجدادها وحصاده] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: لا بأس أن يعطي الرجل زرعه وثمره بجدادها وحصاده ويكونان شريكين في الزرع والثمرة بمنزلة بيعه ذلك بالعين، وإن اشترط في الزرع على أن على بائع النصف درسه وذروه لم يحل، وكذلك قال لي مالك، قال أصبغ يعني درس الجميع وذروه، فكأنه اشتراه بعد ما يخرج. قال أصبغ: ولو شرط ذلك على المشتري لم أر به بأسا لأنه اشترى نصفه بثمن مسمى وبعمل من الأعمال معروف، فلا بأس به إن شاء الله وقد سمعت ابن القاسم يغمزه ويغلظ فيه. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا بأس أن يعطي الرجل زرعه وثمره على النصف بجدادها وحصاده ويكونان شريكين في الزرع والثمرة بمنزلة بيعه ذلك بالعين، هو مثل ما في كتاب الجعل والإجارة من المدونة، ووجه جوازه هو أنها إجارة لأنه استأجره على حصاده بنصفه، ونصفه يجوز له أن يبيعه، وما يجوز بيعه جاز الاستئجار به، فكانت إجارة جائزة لازمة لهما

جميعا، إن أراد الأجير أن يترك الحصاد قبل أن يبدأ به أو بعد أن حصد بعضه لم يكن ذلك له، وإن أراد رب الزرع أن يمنعه لم يكن ذلك له. وقول أصبغ في قول ابن القاسم وروايته عن مالك إنه لو اشترط على بائع النصف درسه وذروه لم يحل يعني درس الجميع وذروه، كلام فيه نظر؛ لأن درس نصفه وذروه على البائع إذ هو له لم يبعه، فإنما يصح أن يشترط المشتري عليه ما لم يجب علمه، وذلك درس النصف الذي اشتراه وذروه، وإذا اشترط ذلك عليه كان عليه بشرط درس النصف وذروه درس الجميع وذروه بأن درس نصفه الآخر وذروه عليه لأنه ماله لم يبعه، وكان ذلك حراما [لا يحل] ، كما قال، ولو اشترط على بائع النصف حصاده وجذه لجاز ذلك لأنه يجوز للرجل أن يبيع جميع زرعه على أن عليه حصاده، وهذا على أن القول بأن بيع الزرع بعد أن يحصد وهو في سنبله قبل أن يدرس جائز، وهو قول مالك في رواية أشهب وابن نافع عنه، وقد مضى هذا المعنى في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، وقول أصبغ: إنه لو اشترط ذلك البائع على المشتري لم يكن به بأس، وجهه أنه إذا اشترط عليه حصاد نصفه وذروه كان عليه حصاد الجميع وذروه لأن حصاد النصف الآخر وذروه عليه لأنه ماله قد وجب عليه باشتراء وكان إذا اشترط ذلك عليه قد اشترى نصف الزرع بالثمن الذي سمياه وبحصاد النصف الآخر الذي للبائع وذروه، فجاز ذلك، وجوازه إنما يأتي على رواية أشهب عن مالك في أول رسم من سماعه من كتاب الجعل والإجارة في أنه يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على حصاد زرعه ودرسه بنصفه، وأما على مذهبه في المدونة أنه لا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على حصاد زرعه ودرسه بنصفه فلا يجوز ذلك، ومن أجل ذلك كان ابن القاسم يغمزه ويغلظ فيه، إذ لا فرق في المعنى بين أن يبيع منه نصف الزرع بكذا على أن على المبتاع حصاده ودرسه، وبين أن يؤاجره على حصاده ودرسه بنصفه. ولو اشترى منه جميع الزرع أو نصفه كل قفيز بكذا على أن حصاده ودرسه

مسألة: بيع الشاة المذبوحة ولم تسلخ

وذروه على البائع لجاز، قاله في المدونة، وسيأتي في سماع يحيى من كتاب الجعل والإجارة القول على تلف الزرع إذا استأجره على حصاده بنصفه. [مسألة: بيع الشاة المذبوحة ولم تسلخ] مسألة وسمعته يقول: لا بأس ببيع الشاة المذبوحة ولم تسلخ إذا بيعت على حالها، وإن كان إنما ابتاع أرطالا ثم توزن وتسلخ فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال لأن الشاة المذبوحة غير المسلوخة، وإن كان لها حكم اللحم في أنه لا يجوز بيعها بشيء من الطعام إلى أجل ولا باللحم إلا مثلا بمثل على التحري فيجوز بيعها بالدنانير والدراهم والعروض نقدا وإلى أجل، ولا يكون ذلك من بيع اللحم المغيب كما يكون بيع الشارف والكسير وما لا يستحيا من جميع الحيوان بيع اللحم المغيب، وأما شراء أرطال منها قبل أن تسلخ فهو بيع اللحم المغيب، والأصل في هذا أن كل ما يدخل بالعقد في ضمان المشتري فليس من بيع اللحم المغيب، وما لا يدخل بالعقد في ضمانه حتى يوفى إياه فهو بيع اللحم المغيب. [مسألة: اشترى من صبرة عشرة أرادب فاكتال منها خمسة] مسألة وسألته عمن اشترى من صبرة عشرة أرادب فاكتال منها خمسة ثم قال للبائع: أعطني الخمسة الأخرى من هذه الصبرة وهي أدنى منها، قال: لا بأس بذلك، فقيل له فيأخذ شعيرا مكانها؟ قال: لا بأس بذلك أيضا. قال محمد بن رشد: هو مثل ما في المدونة إنما جاز ولم يدخله بيع الطعام قبل استيفائه؛ لأنه صنف واحد فهو يعد مبادلة يدا بيد، ولم يجز

مسألة: بيع ودك الرؤوس

في المدونة أن يأخذ من الحنطة المشتراة دقيقا وإن كان اللحم والدقيق عنده صنفا واحدا مراعاة لقول عبد العزيز بن أبي سلمة في أنهما صنفان، وقد كان يلزمه على قياس هذا ألا يجيز الشعير من القمح مراعاة لقول من يراهما صنفين مع قوة الخلاف في ذلك وما في بعض الآثار من قوله: وبيعوا القمح بالشعير كيف شئتم، فهو تعارض من القول، والله أعلم. [مسألة: بيع ودك الرؤوس] مسألة وسمعت ابن القاسم يقول ودك الرؤوس يشترى: لا يباع حتى يستوفى لأن أصله طعام، وقال أصبغ: وهو كالإهالة، والإهالة شحوم ألية مذابة وأوداكها فهي طعام. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، وهو مما لا يدخل فيه اختلاف لأن كل ما كان من الأطعمة فلا يجوز بيعه قبل استيفائه «لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بيع الطعام قبل أن يستوفى» ، فهو محمول عند الجميع على عمومه في جميع الطعام الذي يوكل ويشرب على غير التداوي لأن الأدوية لا تعد من الأطعمة، وقد مضى ذلك في أول رسم أوصى من سماع عيسى وفي سماع أبي زيد من كتاب السلم والآجال. [يحضر المزايدة فيقول له الصائح دونك السلعة فقد أمضيتها لك بالذي زدت فينكر] ومن كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: سألت ابن القاسم في الرجل يحضر المزايدة على السلعة فيقول له الصائح: دونك السلعة فقد أمضيتها لك بالذي زدت، فينكر أن يكون زاد شيئا، قال: لا أرى عليه إلا

يمينا بالله ما زاد شيئا ويبرأ، وإنما ألزمته اليمين لحضوره المزايدة، وأما لو قال ذلك لمن لم يحضر المزايدة لم يكن عليه يمين ولم يلزمه من قوله شيء. قلت: أرأيت لو قال ذلك لمن لم يحضر وقال: أنت أمرتني وأوصيتني إذا وقفت على شيء أن أوجبها لك ألا يحلف له؟ قال: إن كان مثله يأمر مثله في تجارته وناحيته فأرى أن يحلف، وإن كان على غير ذلك لم يحلف. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصولهم في أن من زاد على السلعة في بيع المزايدة تلزمه السلعة بما زاد فيها إن أراد صاحبها أن يلزمها إياه ما لم ينقلب بسلعته وتذهب أيام الصياح أو يكون مما العرف فيه أن ترد أو تباع في المجلس فتلزمه السلعة بما زاد فيها وإن زاد عليه غيره ما لم ترد السلعة ويصاح على غيرها، وقد مضى هذا في آخر أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب، وأوجب عليه اليمين بمجرد الدعوى لأن حضوره المزايدة خلطة توجب له عليه اليمين، وأما إذا لم يحضر المزايدة فلا يمين له عليه إلا أن يكون بينه وبينه من الأسباب ما يشبه أن يكون مثله يأمر مثله كما قال، وهذا على قولهم في أن اليمين لا تلحق بمجرد الدعوى دون خلطة؛ لأن الخلطة إنما تكون من قبيل الدعوى، فإن ادعى مبايعة كانت الخلطة بالمبايعة، وإن ادعى عليه سلفا ومعروفا كانت الخلطة بالصداقة والملاطفة التي تقتضي المسالفة والمعروف بينهما، وكذلك هذا، المخالطة فيه بأن يكون بينهما ما يشبه به أن يكون مثله يأمر مثله في تجارته، فإن حلف لم يلزم الصائح شيء إذا كان ذلك في المجلس، وأما إن قبض السلعة وقال: فلان أمرني أن أوجبها له بما أعطى فيها فجاء فلان فأنكر قول الصائح فحلف فإن السلعة تلزم نصائح بذلك الثمن لأنه أتلفها على ربها إذ لم يمضها لمن زاد فيها في المناداة في المجلس وأمسكها لغيره، وإن نكل عن اليمين حلف الصائح ولزمته السلعة، وإن نكل الصائح عن اليمين بعد نكوله هو كان لرب السلعة أن يضمنه إياها بذلك الثمن إن شاء لأنه قد أتلفها عليه بنكوله.

مسألة: باع سلعة ثم أتى يقبض الثمن فقال المشتري لم أقبض السلعة

[مسألة: باع سلعة ثم أتى يقبض الثمن فقال المشتري لم أقبض السلعة] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن رجل باع سلعة ثم أتى يقبض الثمن فقال المشتري: لم أقبض السلعة، وقال البائع: قد قبضتها؟ فقال: إن كان أشهد له بالثمن فقد قبض السلعة وعليه غرم الثمن. قال أصبغ: ويحلف البائع إن كان ذلك بحرارة البيع والإشهاد بأن هذا من أفعال الناس، فأما أن يكف فإذا حل الثمن وشبهه قال: لم أكن قبضت السلعة فلا قول له ولا يمين على البائع إذا حل الأجل. قال محمد بن رشد: قد قيل إنه إذا حل الأجل فالقول قول البائع مع يمينه لقد دفع السلعة، وإذا كان بالقرب فالقول قول المشتري وإن كان قد أشهد على نفسه بالثمن. وكذلك إذا باعها منه بالنقد وأشهد عليه المبتاع بدفع الثمن ثم قام يطلب السلعة منه بالقرب الذي يتأخر فيه القبض ويستقل الناس في حوائجهم الأيام والجمعة ونحو ذلك فالقول قول المشتري وعلى البائع البينة على دفعها، وإن بعد الأمر الشهر والشهرين ونحو ذلك لم يصدق المبتاع أنه لم يقبض وكان القول قول البائع، وهذا القول هو ظاهر قول ابن القاسم في الدمياطية، وهو أظهر من رواية أصبغ هذه؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» ولا شك أن البائع مدع في دفع السلعة كما أن المبتاع مدع في دفع الثمن، فلما كان بالقرب القول قول البائع إنه ما قبض، وفي البعد القول

مسألة: قال اشتريت من فلان أنا وفلان فقال البائع لا بل بعتك أنت وحدك

قول المبتاع مع يمينه لقد دفع، وقد مضى حد القرب والبعد والاختلاف فيه في رسم الأقضية من سماع أشهب، وجب أن يكون بالقرب، القول قول المبتاع مع يمينه أنه ما قبض السلعة وإن أشهد على نفسه بالثمن إن كان إلى أجل، أو على البائع بدفعه إليه إن كان نقدا، إذ لا دليل في الإشهاد بالثمن على قبض السلعة، إذ قد يشهد به قبل ذلك؛ وأن يكون في البعد القول قول البائع لقد دفع مع يمينه، ولا وجه لسقوط اليمين عنه مع تحقيق دعوى المبتاع عليه أنه لم يدفع السلعة إليه. ولو أشهد المبتاع على نفسه بالثمن وأنه قد قبض السلعة ثم قام بالقرب يطلبها وقال: إنما أشهدت له بقبضها على سبيل الطمأنينة إليه لجرى ذلك على اختلاف المتأخرين في البائع يشهد للمبتاع في كتاب الابتياع بالبيع والقبض ثم يدعي أنه بقيت له منه بقية أو أنه لم يقبض منه شيئا وقال: إنما أشهدت له بالبيع والقبض على الثقة له والطمأنينة إليه، فقيل: إنه لا يمين على المبتاع قرب الأمر أو بعد، وقيل: إن كان بالقرب حلف، وإن كان قد بعد الأمر وطال الأمد لم يحلف، حكى القولين ابن الهندي في وثائقه، وقال ابن زرب: إن كان المشتري من قرابة البائع أو من حلفائه حلف، وإن كان أجنبيا لم يحلف، ولم يفرق بين القرب والبعد. [مسألة: قال اشتريت من فلان أنا وفلان فقال البائع لا بل بعتك أنت وحدك] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول عن رجل قال: اشتريت من فلان أنا وفلان هذه السلعة بكذا وكذا دينارا، فقال البائع: لا بل بعتك أنت وحدك، فقال: لا يلزم المقر إلا نصف السلعة بنصف الثمن الذي ذكره، وليس للبائع عليه غير ذلك. وإن قال: اشتريت هذه السلعة من فلان، وقال البائع: بل بعتك أنت وفلانا فإنه إن طلبها ذلك الفلان الذي أقر له صاحب السلعة بالبيع أخذ ذلك إلا يكون للآخر بينة، وقاله أصبغ كله. قال ابن القاسم: فإن لم يطلب ذلك فأراها كلها

لهذا الذي زعم أنه اشتراها كلها لنفسه، وليس للبائع حجة لأنه قد أقر ببيعها كلها وإخراجها من يده وملكه. قال أصبغ: وليس هذا بشيء، وليس له إلا نصفها إلا أن يسلم له البائع البيع، وهذا إغراق عن الصواب، وهو كالتقصير عنه. وقد قال أيضا: إذا قال لفلان علي ألف درهم وعلى فلان وفلان فأراها عليه كلها خاصة إن كان كلاما نسقا فهو خطأ كالذي فوقه، وهو منكر من قوله، وليس عليه إلا الثلث. وفرق - زعم - بين هذا وبين أن يقول لفلان علي وفلان وفلان ألف درهم لأن الأول قد أقر بالألف على نفسه ثم ندم فأدخل ما أدخل ليسقط بعض ذلك عن نفسه، وأن الآخر إنما هو إقرار واحد وإقرار وشهادة، فيؤخذ منه ما يلزمه من حصة ذلك وهو الثلث، ويسقط ما بقي إن لم تجز شهادته فيه. قال أصبغ: وهو سواء الأول والآخر، وما فيه من الإقرار أولا وآخرا هو إقرار واحد كله بعضه من بعض، الأول بالآخر والآخر بالأول بمنزلة تقديم العتق في اليمين قبل الحلف، أو الحلف قبل العتق والطلاق كذلك، فليس عليه إلا الثلث في المسألتين. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في الذي قال: اشتريت من فلان أنا وفلان هذه السلعة بكذا وكذا فقال البائع: بل بعتك أنت وحدك إنه لا يلزم المقر إلا نصف السلعة بنصف الثمن صحيح لا إشكال فيه، إذ لا يلزمه إلا ما أقر به. وقوله: وليس للبائع عليه غير ذلك معناه أنه ليس له أن يلزمه أخذ الكل، ولكن له عليه أن يحلفه ما اشترى منه إلا النصف، فإن حلف كان شاهدا لفلان بشراء النصف الآخر يحلف مع شهادته إن كان عدلا ويأخذه، وإن نكل عن اليمين حلف صاحب الثوب أنه ما باعه إلا من الأول ولم يكن له شيء، وإن نكل الأول عن اليمين فحلف صاحب الثوب وألزمه أخذ جميع الثوب لزمه أن يدفع نصف الثوب إلى الثاني الذي أقر له أنه اشترى الثوب معه إن أراد أخذه، وإن لم يرد أخذه وأراد هو أن يلزمه

إياه لزمته له اليمين أنه ما اشتراه معه، فإن حلف انفرد الأول بالثوب، وإن نكل عن اليمين حلف الأول لقد اشتراه معه وألزمه النصف فكانا فيه شريكين. وقوله في الذي قال: اشتريت هذه السلعة من فلان وقال البائع: بل بعتك أنت وفلانا أنه إن طلبها ذلك الفلان الذي أقر له صاحب السلعة بالبيع أخذ ذلك إلا أن يكون للآخر بينة بين لا إشكال فيه ولا وجه للقول. وأما قوله: وإن لم يطلب ذلك فأراها كلها لهذا الذي زعم أنه اشتراها كلها وليس للبائع حجة؛ لأنه قد أقر ببيعها كلها وإخراجها من يديه، ليس بوجه القياس، وإنما هو استحسان، وقول أصبغ هو القياس؛ لأن من حجة البائع أن يقول: إنما بعت منك النصف، فلا يلزمني أن أعطيك الكل بدعواك من أجل إقراري أني بعته من غيرك. واستحسان ابن القاسم في هذه المسألة مثل استحسان أشهب في كتاب الخيار من المدونة في الذي اشترى سلعة بالخيار فمات واختلف ورثته فقال بعضهم: نرد، وقال بعضهم: نجيز، إن للذين أجازوا في الاستحسان أن يأخذوا مصابة الذين أرادوا الرد إن لم يرد البائع أن يلتزم مصابة الذين أرادوا الرد وقال: إما أن تجيزوا جميعا وإما أن تردوا جميعا من أجل أن البائع قد رضي ببيعها كلها، فإذا أخذها كلها بعض الورثة لم تكن له حجة على وجه الاستحسان، وأما على وجه القياس فله حجة إذ لا يلزمه أن يبيع لبعضهم ما يجب لجميعهم، وإما أن يأخذوا جميعا وإما أن يردوا جميعا، ويلزم في المسألة الأولى على طرد استحسان ابن القاسم في هذه إذا قال: اشتريت من فلان أنا وفلان هذه السلعة بكذا وكذا فقال البائع: بل بعتك أنت وحدك أن يكون لفلان أن يأخذ نصف السلعة فتكون لهما جميعا ولا تكون للبائع حجة؛ لأنه قد أقر ببيعها كلها بالثمن من هذا، وكذلك المسألة التي ساق أصبغ على هذه تفرقة ابن القاسم فيها استحسان، وقول أصبغ فيها هو القياس لاتفاقهم في مسألة اليمين بالعتق والطلاق على أنه لا فرق في ذلك بين أن يقدم العتق والطلاق فيقول: عبدي حر أو امرأتي طالق إن فعلت كذا وكذا، أو يؤخره فيقول: إن فعلت فعبدي حر أو امرأتي طالق، في أن الطلاق والعتق لا يلزمه إلا بفعل الشيء الذي حلف عليه، وأنه لا يقال إذا قدم الطلاق والعتق إن ذلك قد

يبيع الشاة ويستثني جلدها

لزمه وأن قوله: إن فعلت كذا وكذا ندم منه أراد أن يسقط به عن نفسه ما قد لزمه من العتق والطلاق، وهذه مسألة قد اختلف فيها قول ابن القاسم، فله في الغصب من المدونة خلاف قوله هنا مثل قول أصبغ في الذي يقر بالخاتم أو بالثوب أو بالبقعة ويقول في الفص أو البطانة أو في البنيان إنه له أنه يصدق إذا كان قوله نسقا، وله في كتاب أشهب من كتاب الدعوى والصلح في الذي يقر أن البقعة بينه وبين فلان ويقول: إن البنيان تابع للبقعة ولا يصدق مثل قوله هنا خلاف قول أصبغ. وقد مضت من هذا المعنى مسألة في رسم كتاب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، وفي رسم سلف من سماع عيسى منه هي أشكل من هذه لمعنى زائد فيها، وقد مضى من القول عليها هناك ما فيه بيان لهذه، وبالله التوفيق. [يبيع الشاة ويستثني جلدها] ومن كتاب البيوع الثاني وقال ابن القاسم في الذي يبيع الشاة ويستثني جلدها حيث يجوز فيه فتموت الشاة إن المشتري ضامن للجلد. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في أول رسم أوصى ورسم حمل صبيا من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [مسألة: اشترى عبدا من رجل ولم يستثن ماله] مسألة وسمعته يقول في رجل اشترى عبدا من رجل ولم يستثن ماله ثم أراد أن يشتري ماله بعد ذلك، قال: إن كان ذلك بقربه فلا بأس بذلك، وإن طال فلا ينبغي له لأنه لا يدري كم هو وهل نقص أم لا؟ قال أصبغ: أو زاد بتجارة أو فائدة، وقال ابن القاسم: ليس شيء من ذلك بمضمون على السيد، قال: فإن ابتاعه بحضرة ذلك أخذ ما وجد ولم يكن على البائع أن يوفيه شيئا؛ لأنه ليس

شيء من ذلك بمضمون عليه. قال ابن القاسم: ولو أن رجلا قال لرجل: أبيعك غلامي هذا وله مائة دينار أوفيكها كان هذا بيعا لا يصلح ولا يحل. قال محمد بن رشد: قد مضى في أول رسم من سماع عيسى القول على شراء مال العبد المجهول بعد الصفقة إذا لم يشترط في الصفقة مستوفى فلا معنى لإعادته مرة أخرى، وأما إذا سمى مال العبد فقال: وهو كذا وكذا فلا اختلاف في أنه لا يجوز اشتراطه في الصفقة ولا شراؤه بعد الصفقة إلا بما يجوز شراؤه به على وجه البيع. وقوله: ولو أن رجلا قال لرجل: أبيعك غلامي هذا وله مائة دينار أوفيكها كان هذا بيعا لا يصلح ولا يحل، معناه أنه إذا اشتراه بدنانير أو بدراهم لأنه إذا اشتراه بدنانير كان عبدا ودنانير بدنانير، وإذا اشتراه بدراهم كان عبدا ودنانير بدارهم، فدخله البيع والصرف، وهو عنده لا يجوز خلافا لأشهب. وأما إن اشتراه بعرض فذلك جائز عند الجميع، هذا الذي كنت أقوله في هذه المسألة وأعتقده فيها، وقد تقدم من قولي في غير هذا الموضع، والذي أقول به الآن: إنه جائز للرجل أن يشتري العبد ويستثني ماله عينا كان أو عرضا، سماه أو لم يسمه بالدينار والدراهم نقدا وإلى أجل لأنه إنما يستثنيه للعبد لا لنفسه، فجاز معلوما كان أو مجهولا، وذلك بين من قول مالك في موطأه: الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إذا اشترط مال العبد فهو له نقدا كان أو دينا أو عروضا يعلم أو لا يعلم، وذلك أن مال العبد له، وإن كانت جارية استحل فرجها. ولو استثنى المشتري مال العبد لنفسه لما جاز سماه أو لم يسميه إلا أن يسميه فيشتريه بما يجوز اشتراؤه به، وإنما قال في هذه الرواية في الذي قال: أبيعك غلامي وله مائة دينار أوفيكها: إن ذلك بيع لا يصلح ولا يحل من أجل قوله أوفيكها لأنه إن اشترط عليه أن يوفيه إياها فقد استثناها لنفسه في ظاهر أمره، فوجب ألا يجوز، ولو بين فقال: أوفيكها مالا له أو أوفيها إياه لجاز، فإذا قال الرجل: أشتري منك العبد وماله لم يجز إلا أن يكون ماله معلوما فيشتريه بما يجوز شراؤه به، وإذا قال: أشتريه

مسألة: الكتان يشترى حطبا ويشترط المشتري على البائع بله

منك بماله أو أشتريه منك وأستثني عليك ماله جاز معلوما كان أو مجهولا لأنه إذا اشتراه بماله أو اشتراه وشرط ماله فإنما اشتراه على أن يبقى ماله له بعد الشراء كما كان قبل الشراء. [مسألة: الكتان يشترى حطبا ويشترط المشتري على البائع بَلّه] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الكتان يشترى حطبا ويشترط المشتري على البائع بَلّه؟ قال: إن كان بَلّه شيئا معروفا قدره وقدر النصب فيه فلا بأس، ولكن إن كان الكتان يختلف عند خروجه من البلل فلا خير فيه لأنه كأنما اشترى ما يخرج ولا يدري كيف يخرج، وقد جاءني قوم وسألوني عنه وقالوا لي: إنه يختلف يخرج الجرات الرديء والطيب فقلت: لا خير فيه، فكل شيء يختلف عند خروجه وليس بمأمون فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأنه بيع وأجرة في الشيء المبيع فلا يجوز على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك إلا أن يكون قدر العمل معروفا ووجه خروجه معلوما لا يختلف، وسحنون لا يجيزه بحال. وقد مضى القول على هذا مستوفى في رسم حلف من سماع ابن القاسم. [مسألة: يبيع سلعة بثمن إلى ثلاثين سنة أو عشرين] مسألة قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عن الذي يبيع سلعة بثمن إلى ثلاثين سنة أو عشرين، قال: أما ثلاثين فلا أدري، ولكن عشرة وما أشبهه. قلت: يكره أن يكون إلى العشرين وما أشبهه؟ قال: نعم،

قلت: فوقع أتفسخه؟ قال لي: لا أفسخه، ولكن لو كان سبعين أو ثمانين لفسخته، قلت: وكذلك النكاح أيضا إذا وقع الصداق مؤجلا إلى عشرين سنة وما أشبهها لم تفسخه؟ قال لي: نعم، قلت: وتكره أن يقع به النكاح كما تكره أن يقع به البيع؟ قال: نعم، وقد قال لي في الثلاثين أيضا: إن وقع به النكاح جاز، وكذلك البيع عندي. قال أصبغ: ولا أرى بذلك بأسا ابتداء إلى الخمس عشرة والعشرين؛ لأن مالكا قد سئل عن العبد يؤاجره سيده الخمس عشرة سنة ونحو ذلك فقال: لا بأس بذلك وذلك جائز، والنكاح في ذلك أبين وآمن. قال محمد بن رشد: اتفق مالك وجميع أصحابه فيما علمت اتفاقا مجملا في النكاح يقع بمهر مؤجل إلى أجل بعيد أنه لا يجوز ويفسخ إذا وقع، واختلف في حده على أربعة أقوال: أحدها أنه يفسخ فيما فوق العشرين، وهو قول ابن وهب، وقد كان ابن القاسم جامعه عليه ثم رجع عنه، والثاني أنه لا يفسخ إلا فيما فوق الأربعين، وإليه رجع ابن القاسم فيما كان جامع عليه ابن وهب على ما حكاه ابن حبيب، والثالث أنه لا يفسخ إلا في الخمسين والستين، والرابع أنه لا يفسخ إلا في السبعين والثمانين، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، واختلف في العشرين فما دونها على خمسة أقوال أيضا: أحدها أنه يكره في القليل والكثير منها، وهو أحد قولي ابن القاسم في كتاب ابن المواز وقول مالك في المدونة، واعتل لكراهيته بالاتباع فقال: إنه ليس بنكاح من مضى، ومن الحجة له أن الله لم يذكر في ذلك الأجل كما ذكره في البيع فقال: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وقال في الإماء: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 25] وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحديث للذي سأله أن يزوجه

المرأة التي كانت وهبت نفسها له: «هل عندك من شيء تصدقها إياه» دليل بين على أن النكاح يكره ابتداء بالمهر المؤجل لأنه لما أخبره أنه ليس عنده شيء ولا خاتما من حديد إلا إزاره أنكحه إياها بما معه من القرآن ولم يجعل عليه الصداق دينا مؤجلا، والثاني أنه يجوز في السنة ويكره فيما جاوز ذلك وهو قول ابن وهب، والثالث أنه يجوز في السنتين والأربع ويكره فيما جاوز ذلك وهو أحد قولي ابن القاسم في كتاب ابن المواز، والرابع أنه يجوز في العشر ونحوها ويكره فيما جاوز ذلك وهو قول ابن القاسم في رواية أصبغ هذه وقول أصبغ في الواضحة ومذهب أشهب؛ لأنه زوج ابنته وجعل مؤخر مهرها إلى اثنتي عشرة سنة، والخامس أنه يجوز في العشرين فما دونها وهو قول أصبغ في هذه الرواية وظاهر قول ابن القاسم وابن وهب في كتاب ابن المواز، ومساواة ابن القاسم بين البيع والنكاح فيما يكره فيهما من الأجل ابتداء وفيما لا يجوز ويفسخ به البيع والنكاح هو القياس؛ لأنهما معاوضتان لا يجوز فيهما الغرر، فوجب أن يستويا فيما يجوز فيهما من الأجل وما لا يجوز، وقد ذكرنا وجه تفرقة من فرق بينهما ولم يعتبر في

باع جارية وأشهد للمشتري بعد البيع أن لا نقصان عليه

ظاهر قوله ما بقي من عمر الزوج والمشتري الذي يعمر إليه المفقود، وهو قول أشهب في الدمياطية سئل عن الزوج يتزوج المرأة بمهر مؤجل إلى أجل كم الأجل؟ قال: ما شاء إن شاء ثلاثين سنة، قيل له: فإن كان كبيرا، لا يعيش إلى مثلها؟ قال: لا أدري ما يعيش أرأيت الذي يتزوج إلى عشر سنين أليس لا يدري أيعيش إلى ذلك الأجل أم لا؟ فإن كان يدخل في هذا الغرر فهو يدخل في هذا أو معنى ما تتكلم عليه عندي في الكبير الذي لا يعيش إلى مثلها في الغالب، وقد يعيش إلى مثلها في النادر. وأما لو كان كبيرا يعلم أنه لا يعيش إلى ثلاثين سنة مثل أن يكون يوم تزوج أو اشترى السلعة ابن مائة سنة وما أشبه ذلك لما انبغى أن يجوز ذلك لأنه كمن تزوج أو اشترى إلى موته، وقد قال أبو إسحاق التونسي: وإذا حقق هذا فإنما كرهوا البيع والنكاح إلى الأجل البعيد الذي يجاوز عمر الإنسان لأنه يصير غررا لحلوله بموته، ولو كان ابن ستين فنكح أو اشترى إلى عشرين سنة لم يجز لأن الغالب أنه لا يعيش إلى ذلك، فأما ابن عشرين ينكح إلى عشرين أو يشتري إلى عشرين فكان الواجب إجازته، فما الأغلب أنه يعيش إليه جاز باتفاق، وما لا يعيش إليه لا يجوز باتفاق، وما الأغلب أنه لا يعيش إليه يجوز على الاختلاف، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [باع جارية وأشهد للمشتري بعد البيع أن لا نقصان عليه] ومن كتاب القضاء وقال في الذي باع جارية وأشهد للمشتري بعد البيع أن لا نقصان عليه فإنه يلزم البائع الشرط ولا يحل للمشتري أن يطأ، قال أصبغ: وذلك إذا رضي ما أشهد له به وقبله، قال ابن القاسم: فإن وطأ لزمه الثمن لأنه قد ترك ما جعل له. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه إذا قال له بعد البيع بع ولا نقصان عليك يلزمه؛ لأن معنى قوله بع ولا نقصان عليك، أي بع والنقصان علي، فهو أمر قد أوجبه على نفسه، والمعروف على مذهب مالك وجميع

مسألة: بيع المقاثي في جائجتها

أصحابه لازم لمن أوجبه على نفسه يحكم به عليه ما لم يمت أو يفلس، وسواء قال ذلك له قبل أن ينتقد أو بعد ما انتقد، إلا أن يقول له قبل أن ينتقد انقدني وبع ولا نقصان عليك فلا يجوز ذلك لأنه يدخله بيع وسلف، وقال في سماع عيسى من كتاب العدة إن ذلك لا خير فيه لأنه يكون فيه عيوب وخصومات، فإن باع بنقصان لزمه أن يرد عليه النقصان إن كان قد انتقد وألا يأخذ منه أكثر مما باع إن كان لم ينقد، وهذا إذا لم يغبن في البيع غبنا بينا وباع بالقرب ولم يؤخر حتى تحول الأسواق، فإن وخر حتى حالت الأسواق فلا شيء له لأنه قد فرط، والقول قوله مع يمينه في النقصان إلا أن يأتي بما يستنكر فلا يصدق، وقاله ابن نافع، واختلف إذا كان عبدا فأبق أو مات فقيل: إنه لا شيء له، وقيل: إنه موضوع عن المشتري، وهو اختيار ابن القاسم في سماع عيسى من الكتاب المذكور، وأما إن كان ثوبا أو مما يغاب عليه فلا يصدق في تلفه إلا ببينة، وأما إذا باع منه على أن لا نقصان عليه فلا يجوز، واختلف إذا وقع، فقيل: إنه بيع فاسد يحكم فيه بحكم البيع الفاسد، وقيل: إنه ليس ببيع فاسد وإنما هي إجارة فاسدة وسيأتي القول على هذا في موضعه من كتاب العدة إن شاء الله. [مسألة: بيع المقاثي في جائجتها] مسألة قال أصبغ: وسألت أشهب عن المقاثي في جائجتها فقال لي: يوضع القليل منه والكثير ما أصيب منه من شيء، قلت: وإن كان أقل من الثلث بطن منها؟ قال: نعم، وأراها بمنزلة البقلة، قال أصبغ: ليس هذا من قوله عندنا بشيء، وهو خلاف قول مالك وأصحابه كلهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أصبغ إن قوله شاذ في المذهب، ومعناه في مقاثي الفقوس لا في مقاثي البطيخ، ووجهه أن الفقوس لما لم يكن له بقاء في أصوله وكانت تجنى صغارا وكبارا أشبهت البقول في استعجال جدها، فوضعت الجائحة في القليل والكثير منها

مسألة: صلاح مقاثي البطيخ التي يحل بيعها به

بخلاف الثمار التي يحتاج إلى بقائها في الأصول إلا أن يتناهى طيبها أي لا يوضع في الحائجة فيها اليسير، إذ قد علم المشتري أنه لا بد أن يذهب منها اليسير بالطير والعافية والسقوط وما أشبه ذلك، فدخل على ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: صلاح مقاثي البطيخ التي يحل بيعها به] مسألة قال أصبغ: وسألت أشهب عن صلاح مقاثي البطيخ التي يحل بيعها به أهو أن يوكل فقوسا أو بطيخا؟ فقال: بل هو أن يؤكل فقوسا. قال أصبغ: فقوسا بطيخا قد انتهى للبطيخ، فأما الصغار فلا. قال محمد بن رشد: قول أصبغ خلاف لقول أشهب، جائز على مذهب أشهب اشتراء المقاثي إذا عقدت وصلح بيعها وإن كان يريد أن يتركها حتى تصير بطيخا كما يجوز شراء الثمار إذا بدا صلاحها وإن كان يريد أن يتركها حتى تيبس. وقد قيل: إنه لا يجوز شراء الثمار بعد طيبها على أن تترك حتى تيبس، والقولان قائمان من المدونة؛ لأنه لم يجز فيها شراء الفول أخضر على أن يترك حتى ييبس، وذلك معارض لقوله في النخل والعنب إذا اشتراه وهو أخضر ثم أصيب بعد أن يبس إنه لا جائحة فيه؛ لأن الظاهر منه إجازته على أن يتركه حتى ييبس، وهو المشهور في المذهب من القولين، وعلى الثاني يأتي قول أصبغ. [يبتاع العبد على أن يعتقه] ومن كتاب المدبر والعتق قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يبتاع العبد على أن يعتقه فلا يعتقه حتى يفوت العبد عند المشتري والبائع يظن أن قد كان أعتقه ثم يعلم ذلك وفات العبد بموت أو نقصان أو نماء دخله مما هو فوت، قال: أرى أن يغرم المشتري للبائع ما نقص من قيمته يوم اشتراه وقاله أصبغ، ويكون العبد للمشتري يصنع به ما شاء إذا ضمنه للبائع بقيمته، ويبلغ في القيمة قيمته

بيع شعر الخنزير

بغير شرط للعتق، وليس عليه حينئذ عتقه إذا كان فوتا بعيدا بالعيوب المفسدة والنقصان المتفاحش والزيادة المتباينة وغير ذلك من غير الموت، فإن كان فوته بغيرها مثل الغير في البدن بالزيادة والنقصان واختلاف الأسواق بالأمر القريب فالمشتري بالخيار: يعتق كما اشترى ولا شيء للبائع، أو يرد إلا أن يشاء البائع إنفاذه له بالثمن الأول عبدا إن شاء أعتق وإن شاء ترك فيلزم ذلك المشتري. وإن كان فوته في المسألة بموت فلم يعمق فقد فات الرد والإشراء فأرى إن كان يرى أن البائع وضع من الثمن لاشتراط العتق وخفف عنه في ذلك أن يرجح بتمام ذلك تمام القيمة على ما يساوي يومئذ، وإن كان قد استقصى وقارب القيمة فلا أرى له شيئا، وهذا إذا شرط المشتري وترك وتهاون حتى تطاول ذلك قبل موت العبد، فإن لم يفرط ولم يطل وقد فات بحرارة البيع وفوره وقربه وما يكون في مثله الرأي والنظر والارتياء له فإن مات فلا أرى على المشتري شيئا ولا له ولا للبائع ولا عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [بيع شعر الخنزير] ومن كتاب الجامع قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: لا بأس ببيع شعر الخنزير خنزير الوحش، وهو مثل صوف الميتة، وكذلك رواها أبو زيد. قال أصبغ: هذا خطأ لا خير في ذلك، وليس مثل صوف الميتة ولا حق لبائعه، وهو مثل الميتة الخالصة كلها وأشر، كل شيء منه محرم حي وميت، وصوف الميتة إنما حل لأنه حلال منها وهي حية وشعر الخنزير ليس بحلال حيا ولا ميتا فلا يباع ولا

يؤكل ثمنه ولا تجوز التجارة فيه، والكلب أحل منه وأطهر، وثمنه لا يحل، وقد حرمه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين نهى عن ثمنه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هو الصحيح في القياس على أصل مذهب مالك في أن الشعر لا تحله الروح وأنه يجوز أخذه من الحي والميت كان مما يؤكل لحمه كالأنعام والوحوش أو مما لا يؤكل لحمه كبني آدم وكالخيل والبغال والحمير وكالقرود التي قد أجمع أهل العلم على أنه لا تؤكل لحومها أو مما يكره أكل لحمه كالسباع، فوجب على هذا الأصل أن يكون شعر الخنزير طاهر الذات أخذ منه حيا أو ميتا تحل الصلاة به وبيعه لأن الله تعالى إنما حرم لحمه خاصة دون ما سوى ذلك منه بقوله تعالى: {وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} [البقرة: 173] فوجب أن يكون شعره موقوفا على النظر، وقد بينا ما يوجبه النظر فيه على أصل مذهب مالك، وأما قول أصبغ فليس ببين لأنه أتي فيه بقياس فاسد وعبر عنه بعبارة غير صحيحة، قال: وصوف الميتة إنما حل لأنه حلال منها وهي حية، وشعر الخنزير ليس بحلال حيا ولا ميتا. ووجه فساده أن المخالف له في شعر الخنزير لا يفرق بين أخذه حيا وميتا، بل يقول: إنه حلال أن يؤخذ منه حيا وميتا فلا تلزمه الحجة بقياسه في أنه لا يجوز له أخذه منه ميتا إلا بعد أن يوافقه على أنه لا يجوز أن يؤخذ منه حيا ويقول له: إنه يجوز أن يؤخذ منه ميتا، وذلك ما لا يشبه أن يقوله أحد، وإنما الذي يشبه أن يقال: إنه يجوز أن يؤخذ منه حيا ولا يجوز أن يؤخذ منه ميتا قياسا على سائر الحيوان، فهذا بين في إفساد قياسه، والعبارة الصحيحة فيه على فساده أن يقول: وصوف الميتة إنما حل لأنه حلال منها وهي حية، فلما كان صوف الميتة إنما حل من أجل أنه يجوز أن يؤخذ منها في حال الحياة وجب ألا يحل أخذ شعر الخنزير الميت من أجل أنه لا يحل أن يؤخذ منه في حال الحياة، فلو قال هكذا لكان التعبير مستقيما والقياس

مسألة: قال بعني عبدك هذا فقال صاحبه إن فلانا قد أعطاني فيه مائة دينار

فاسدا، فعاد قوله إلى أنه ليس بقياس ولا حجة، وإلى أنه ليس فيه أكثر من مجرد قوله وشعر الخنزير ليس بحلال حيا ولا ميتا فلا يباع ولا يؤكل ثمنه ولا تجوز التجارة فيه. وأما قوله: والكلب أحل منه وأطهر، وثمنه لا يحل، وقد حرمه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين نهى عن ثمنه، فليس بحجة إذ لم يحرم ثمنه لنجاسته إذ ليس بنجس، ألا ترى أنه لو وقع في بئر أو جب وخرج منه حيا لم ينجس ذلك الماء بإجماع، وقد حرم الشرع أثمان كثير من الطاهرات من ذلك ثمن الحر ولحم النسك وما سواه كثير، فلا دليل في تحريم ثمنه على أنه إنما حرم لنجاسة ذاته. [مسألة: قال بعني عبدك هذا فقال صاحبه إن فلانا قد أعطاني فيه مائة دينار] مسألة وقال في رجل قال: بعني عبدك هذا، فقال صاحبه: إن فلانا قد أعطاني فيه مائة دينار، فقال: أنا آخذه بما أعطاك فلان، فدفع إليه مائة دينار، ثم سأل فلان فقال: والله ما أعطيته إلا خمسين، قال: تلزمه المائة ولا ينظر إلى قول فلان هذا، ثم قال لي بعد ذلك: إلا أن تقوم بينة. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: بيع ما بقي مما يكال أو يوزن مرابحة] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: ما اشتريت من جميع الأشياء مما لا يكال ولا يوزن فبدت بعضه فلا تبع ما بقي منه ولا جزءا مما بقي مرابحة حتى تبين أنك قد بعت منه، فإن لم تفعل وبعت مرابحة وكتمته ذلك فهو بيع مردود يرده المبتاع إن أحب، وإن فات كانت فيه القيمة، قال أصبغ: لأنه كعيب مدلس كالذي يبيع الصب؛ قد علم كيلها وكتمه سواء. قال ابن القاسم: وما اشتريت

بزازا حضر زياتا يشتري زيتا في سوق الزيت لم يكن له معه شرك

من جميع الأشياء مما يكال أو يوزن من الطعام أو غيره فبعت بعضه فلا بأس أن تبيع ما بقي مرابحة ولا تبين أنك بعت منه شيئا وليس عليك أن تبين، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم حبل حبلة من سماع عيسى فلا معنى لإعادته والله الموفق. [بزازا حضر زياتا يشتري زيتا في سوق الزيت لم يكن له معه شرك] من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج قيل لأصبغ: أرأيت لو أن بزازا حضر زياتا يشتري زيتا في سوق الزيت لم يكن له معه شرك؟ قال: نعم، لا يدخل البزازون على الزياتين ولا الزياتون على البزازين ولا على الحناطين ولا على النغاسين ولا على باعة الدواب والصوافين إنما أهل كل تجارة يدخل بعضهم على بعض ولا يدخل أهل هذه التجارة على أهل غيرها، قلت: فلو كان رجل يحتكر هذه الأشياء كلها ويتجربها أترى له أن يدخل في جميع السلع التي يتجربها حيث وجد من يشتريها في أسواقها وتجب له الشركة على مشتريها إذا حضر الصفقة؟ قال: نعم أرى ذلك؛ لأنها من تجارته، قلت: أرأيت من اشترى من هؤلاء سلعة من هذه السلع فلما تم له الشراء قال له القوم: أشركنا، قال: إني لم أشترها لتجارة، وإنما اشتريتها للقوت إن كان طعاما أو للخدمة إن كان رقيقا أو للركوب إن كانت دواب أو للبس إن كانت ثيابا؟ قال: أرى القول قوله في

ذلك، وليس عليه فيما اشترى لغير تجارة شرك لأحد، قلت: وهو عندك مصدق إذا قال لم أشترها لتجارة؟ قال: نعم، أراه مصدقا إلا أن يستدل على كذبه مما يرى من كثرة تلك السلع ويعلم أن مثله في كثرتها وعظم قدرها لا يشترى إلا للتجارة وطلب الفضل، فإذا كان مثل هذا لم يصدق ودخلوا معه فيها، قلت: فلو لقي سلعة تباع في بعض الأزقة أو الدار فسام صاحبه بها وقد حضره رجل من أهل تلك السلعة فسأله الشركة فأبى أن يشركه هل ترى له معه شركا؟ قال: لا شرك له فيها، قد أعلمتك أن الشركة لا تكون في السلعة إلا في مواقفها وأسواقها المعروفة، وليس على من اشترى سلعة في غير أسواقها ومواقفها شرك لأحد من أهلها ولا من غيرهم. قال محمد بن رشد: ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أنه يقضي لأهل الأسواق بالشركة فيما ابتاعه بعضهم بحضرتهم للتجارة على غير المزايدة ورأى ذلك أرفق بهم من إفساد بعضهم على بعض وتابعه على ذلك جميع من أصحابه، واختلف من هذه المسألة في ثلاثة مواضع: أحدها هل ذلك في جميع السلع أو في الطعام وحده، فروى أشهب عن مالك أنه في الطعام وحده، وقال ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الشركة وغيره من أصحاب مالك وهو قول أصبغ هنا وقول ابن حبيب في الواضحة: إن ذلك في الطعام وغيره من الدواب والسلع، والثاني هل ذلك في السوق وغير السوق من الطرق والأزقة أو في السوق وحده؟ فذهب أصبغ في هذه الرواية إلى أن ذلك في السوق خاصة، وذهب ابن حبيب إلى أن ذلك في السوق وغيره ما لم يشترها في حانوته أو في داره، والثالث هل ذلك لجميع التجار أو لتجار تلك السلعة؟ فقال أصبغ: إنما ذلك لتجار تلك السلعة خاصة، ولا شرك لأحد على أحد في سلعة ليست من تجارته، وقاله ابن حبيب في الواضحة، وسواء كان المشتري لتلك السلعة من تجار تلك السلعة أو لم يكن. وقال ابن الماجشون في الثمانية إن ذلك لجميع من حضر

الشراء من التجار كانت تلك السلعة من تجارته أو لم تكن، فالتجارة لازمة لأهل الأسواق فيما اشتروه للتجارة على غير المزايدة لما كان من الطعام في سوق الطعام لأهل التجارة في ذلك النوع من الطعام باتفاق، ولما كان من غير الطعام وإن كان ذلك في سوق تلك السلعة أو في غير السوق، وإن كان من الطعام أو لغير أهل التجارة في ذلك النوع باختلاف. وقوله في غير السوق أعني في بعض الأزقة. وأما ما ابتاعه الرجل في داره أو حانوته فلا شرك لأحد معه ممن حضر باتفاق، فإذا اشترى الرجل الطعام في سوق الطعام للتجارة بحضرة غيره من التجار فيه وهم سكوت فلما تم له الشراء قالوا له: أشركنا كان ذلك من حقوقهم، وليس له هو أن يلزمهم الشراء بحضرتهم وسكوتهم إن تلف الطعام أو ظهرت فيه خسارة، ولو قالوا له وهو يسوم فيه: تشركنا في هذا الطعام؟ فقال لهم: نعم أو سكت ولم يقل لهم شيئا لكانت الشركة لازمة لهم يقضى بها لكل واحد منهم على صاحبه؛ لأن سكوته مع حضورهم كقوله نعم، ولو قال لهم لا لم يلزمه لهم شركة لأنه قد أنذرهم ليشتروا لأنفسهم إن شاؤوا، فإذا لم يفعلوا وتركوه يشتري ولم يزيدوا عليه فقد سلموا له الشراء، ولو قالوا له وهو يسوم: أشركنا واشتر علينا فسكت ولم يجبهم بشيء فذهبوا واشترى بعد ذهاب ثم جاؤوه فسألوه الشركة لم يلزمه ذلك، ويحلف بالله ما أشركهم ولا اشترى عليهم، ولو طلبهم هو بالشركة لتلف السلعة أو خسارة ظهرت له فيها للزمتهم لسؤالهم إياها، ولو قال لهم: نعم لكانت الشركة واجبة له عليهم ولهم عليه، وكذلك القول فيه إذا اشتراه في غير سوقه أو كان الذين وقفوا عليه من غير أهل التجارة به وفي غير الطعام من الحيوان والسلع كلها في سوقها أو في غير سوقها لتجارها ولغير تجارها على القول بوجوب الشركة في ذلك كوجوبها في الطعام المشترى في سوقه للتجارة له. وقوله إنه مصدق فيما اشترى إذا قال إنه لم يشتره للتجارة ما لم يتبين كذبه، معناه مع يمينه، وقد مضى في آخر سماع أشهب طرف من هذه المسألة.

مسألة: تم البيع فقال المشتري أنا أشركتك بالثلث أو الربع وقال المشرك بل بالنصف

[مسألة: تم البيع فقال المشتري أنا أشركتك بالثلث أو الربع وقال المشرك بل بالنصف] مسألة قلت: فلو اشترى رجل سلعة حيث لا يجب على المشتري الشركة فقال له رجل: أشركني، فقال: نعم، فلما تم البيع قال المشتري: أنا أشركتك بالثلث أو الربع، وقال المشرك: بل بالنصف، قال: إذا كان إنما أشركه شركة مبهمة لم يسم له شيئا عند الشركة قبل الشراء وإنما وقع التداعي بعد الصفقة فالقول قول المشتري إذا كانا قد اجتمعا على أن الشركة كانت مبهمة، وإن زعم المشتري أنه قد بين عند الشركة أنه إنما يشكره بثلث أو ربع، وادعى المشرك أكثر من ذلك حلف المشتري ما أشركه بالنصف، فإن نكل عن اليمين حلف المشرك وكان له النصف، فإن نكل عن اليمين فليس له إلا ما أقر له به. وهذا إذا كانت السلعة قائمة، فأما لو فاتت بتلف فزعم المشتري أنه أشركه بالنصف وألزمه نصف الثمن وقال المشرك بالربع فالمشتري مدع وعلى المشرك اليمين ما أشركه إلا بالربع ويبرأ، فإن نكل عن اليمين حلف المشتري أنه أشركه بالنصف وألزمه نصف الثمن، فإن نكل عن اليمين فليس له إلا ما أقر له به المشرك، إلا أن تباع بوضيعة فالقول قول المشرك لأنه مدعى عليه، وإن بيعت بزيادة فالقول قول المشتري لأنه مدعى عليه يؤخذ منه. قال محمد بن رشد: قوله إذا اجتمعا على أن الشركة كانت مبهمة فالقول قول المشتري فيما زعم من أنه إنما أشركه بالشك يريد دون يمين بدليل قوله وإن زعم أنه قد بين عند الشركة أنه إنما يشركه بثلث أو ربع وادعى المشرك أكثر من ذلك حلف، إذا لم يوجب عليه اليمين إلا أن يدعي عليه المشرك أكثر مما أقر أنه أشركه به، وذلك حلف، إذ في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة من أنهما إذا لم يبينا شيئا فالقول قول

المشتري مع يمينه أنه إنما أراد الثلث أو الربع. والاختلاف في هذا على اختلافهم في لحوق يمين التهمة، إذ لا يمكن للمشرك أن يحقق الدعوى على المشتري بأنه أراد أكثر مما ذكر أنه أراده من الثلث أو الربع، وقد مضى هذا المعنى في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب وفي آخر أول رسم من سماع أصبغ. وفي قوله وإن زعم المشتري أنه قد بين عند الشركة أنه إنما يشركه بثلث أو ربع وادعى المشرك أكثر من ذلك حلف المشتري ما أشركه بالنصف، فإن نكل عن اليمين حلف المشرك وكان له النصف نظر، إنما الصواب أن يحلف المشتري ما أشركه إلا بالثلث أو الربع الذي أقر به، فإن نكل عن اليمين حلف المشرك على ما ادعى كان النصف أو أكثر من النصف ويكون ذلك له. وقوله: وهذا إذا كانت السلعة قائمة صحيح؛ لأن السلعة إذا كانت قد تلفت فالمصيبة على المشرك فيما يزعم أنه أشركه به من السلعة، فهو مقر للمشتري من ثمن السلعة بأكثر مما يدعي، فوجه الحكم في ذلك أن يوقف الزائد، فمن أكذب منهما نفسه ورجع إلى قول صاحبه أخذه. وأما قوله: فأما لو فاتت بتلف فزعم المشتري أنه أشركه بالنصف إلى آخر المسألة فهو صحيح إلا قوله: إلا أن تباع بوضيعة فليس بموضع استثناء لأن الاستثناء يخرج المستثني من حكم المستثنى منه، وحكم التلف والوضيعة سواء في أن المشتري مدع على المشرك، فكان صواب الكلام أن يقول فيه وكذلك إذا بيعت بوضيعة فالقول قول المشرك؛ لأنه مدعى عليه. وتحصيل القول في هذه المسألة أن المشتري إذا أشرك في السلعة التي اشترى رجلا حيث لا يجب عليه أن يشركه فيها فاختلفا في مقدار ما أشركه به منها إفصاحا يقول المشتري أشركتك بجزء كذا سميناه، ويقول المشرك بل بجزء كذا أسميناه، والسلعة قائمة لم تتلف ولا بيعت بعد، فالذي يدعي الأكثر منهما هو المدعي كان المشتري أو المشرك، والآخر مدعى عليه يكون القول قوله مع يمينه؛ لأن المشتري إذا قال: أشركتك بالثلثين وقال المشرك: ما أشركتني إلا بالثلث فهو مدع عليه أنه اشترى منه ثلثي السلعة وهو ينكر أن يكون اشترى منه إلا الثلث. وإن كان المشرك قال: أشركتني بالثلثين وقال المشتري: ما أشركتك إلا

بالثلث فهو مدع عليه أنه باع منه ثلثي السلعة والمشتري منكر أن يكون باع منه إلا الثلث فالقول قول المدعى عليه منهما مع يمينه، فإن نكل عن اليمين حلف المدعي واستحق ما حلف عليه، وإن كانت السلعة قد تلفت أو بيعت بوضيعة فالقول قول المشرك الذي يدعي الأقل لأن المشتري يريد أن يلزمه من ثمن السلعة التي قد تلفت أو من الوضيعة فيها ما ينكره، فأما إذا كانت السلعة قد بيعت بربح فالقول قول المشتري الذي يدعي الأقل لأن المشرك يريد أن يأخذ من ربح السلعة ما ينكر أن يكون أشركه به، ولا اختلاف بينهم في شيء من هذا، وكذلك لا اختلاف بينهم في أن السلعة تكون بينهم بنصفين إذا اتفقا على أن الشركة وقعت مبهمة بينهما ولم يدع أحدهما أنه أراد شيئا ولا نواه كانت السلعة قائمة أو قد تلفت أو بيعت بربح أو وضيعة. واختلفوا إذا اتفقا على أن الشركة وقعت بينهما مبهمة فادعى أحدهما والسلعة قائمة لم تفت ولا بيعت بعد أنه أراد أقل من النصف الثلث أو الربع، وقال الآخر: أردت النصف أو لم تكن لي نية على ثلاثة أقوال: أحدها أن القول قول الذي ادعى منهما أنه أراد أقل من النصف كان المشتري أو المشرك دون يمين وهو الذي يأتي على قول أصبغ في هذه المسألة؛ والثاني أن القول قوله مع يمينه، فإن نكل عن اليمين حلف صاحبه على ما ذكره من أن له النصف وأنه لم تكن له نية، وكانت السلعة بينهما بنصفين، وهو الذي يأتي على ما في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة؛ والثالث أنه لا يصدق الذي ادعى أنه أراد أقل من النصف وتكون السلعة بينهما بنصفين وهو قول سحنون، ومثله في كتاب ابن المواز بدليل وكذلك إذا كانت السلعة قد تلفت أو بيعت بوضيعة فقال المشرك: أردت الثلث أو الربع وقال المشتري: أردت النصف أو لم تكن لي نية أو كانت قد بيعت بربح فقال المشتري: أردت الثلث أو الربع وقال المشرك: أردت النصف أو لم يكن لي نية يجري ذلك على الثلاثة الأقوال المذكورة، وإن ادعى أحد منهما أنه أراد أكثر من النصف لم يصدق. وأصل هذه في التداعي أن كل من دفع ضرا عن نفسه كان القول قوله، ومن ادعى نفعا لنفسه كان القول قول خصمه. ولو اشترى رجلان سلعة

مسألة: اشترى سلعة من رجل فأتى رجل فسأله أن يوليها إياه بعد صفقته

فأشركا فيها رجلا فقيل: إنها تكون بينهم أثلاثا، وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقيل: إنه يكون للمشرك نصف نصيب كل واحد منهما فيكون له نصفها وهو أحد قولي ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب الوصايا. [مسألة: اشترى سلعة من رجل فأتى رجل فسأله أن يوليها إياه بعد صفقته] مسألة وسئل عن رجل اشترى سلعة من رجل فأتى رجل فسأله أن يوليها إياه بعد صفقته حين انبت له البيع والبائع قائم لم يزل فولاه المشتري على من ترى العهدة والتبعة لهذا المولى؟ فقال: تبعته على الذي ولاه إلا أن يشترط عليه المولى أن تبعته على البائع، فيكون ذلك له إذا كان على ما وصفت من القرب، فأما إن تباعد ذلك ثم ولاها رجلا واشترط عليه أن تباعته على البائع الأول فذلك باطل وعهدته على المولى، قال: ولا أرى بأسا أيضا في المسألة الأولى حيث يجوز له أن يستثني العهدة على البائع الأول أن يولي السلعة ويشترط على المولى أن تباعته على البائع الأول وإن لم يحضر البائع ذلك وكان غائبا عنه إذا كان قريبا لا أبالي حضر البائع الأول أو لم يحضر إذا كان عندما وقعت الصفقة وذهب البائع ولى المشتري رجلا واشترط أن عهدته على البائع لا يضره عندي مغيبه وسواء غاب أو حضر. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا مثل قول مالك في الموطأ ومثل ظاهر ما في سماع عيسى من كتاب العيوب خلاف ما في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال، وقد مضى هناك القول مستوفى فلا معنى لإعادته. وروى يحيى عن ابن القاسم مثل قول أصبغ هذا، وروى عنه أيضا أن الافتراق القريب حكمه حكم ما لم يفترقا، فإن بعد وطال لم تكن العهدة عند الجميع إلا على المولى والمشرك إلا أن يشترطها على الأول ففي جواز ذلك قولان.

مسألة: شراء ما على الغائب

[مسألة: شراء ما على الغائب] مسألة وقال أصبغ: ولا بأس باشتراء ما على الغائب وإن لم يحضر إذا كانت غيبته قريبة وعرف مكانه وصحته وملاؤه ولا بأس باشتراء ما عليه وإن لم يحضر. قال محمد بن رشد: مثل هذا لابن القاسم في سماع موسى بن معونة الصمادحي من كتاب المدبر، ولم يشترط في جواز ذلك أن يكون على الدين بينة، فقيل معنى ذلك إذا كانت على الدين بينة، وهي رواية داود بن سعيد عن أبي زيد عن مالك، وقيل: إن ذلك على ظاهر قولهما وإن لم يكن على الدين بينة، وذلك كله خلاف لما في غير ما موضع من المدونة من أنه لا يجوز شراء ما على الرجل من دين إلا أن يكون حاضرا مقرا، وقد سقط من بعض المواضع فيها، مقرا، وثبوته يقضي على سقوطه، وسقط أيضا في بعض الروايات في شراء الكفيل ما على الذي تحمل عنه، فقيل: إنه فرق في هذه الرواية بين شراء الكفيل ما تحمل به من الدين وبين شراء الأجنبي ذلك، فأجاز ذلك للكفيل وإن لم يعلم إقراره لأنه مطلوب بالدين ولو أنكر لزمه الغرم، فكأنه إنما اشترى دينا على نفسه لكونه مطلوبا به، وقيل: الرواية بثبوته تقضي على سقوطه، ولا فرق بين الكفيل والأجنبي في هذا وهو الأظهر، إذ قد تكون الحمالة بعد العقد فلا يلزم الحميل شيء إلا بعد إثبات صاحب الدين دينه، وهو أيضا قبل الأجل غير مطلوب بحال، وبعد الأجل قد لا يطلب. فوجه ما في المدونة من اشتراط حضوره وإقراره وهو المشهور في المذهب هو أن شراء ما عليه من الدين لا يجوز إلا بنقد الثمن، فهو لنقد الثمن ولا يدري هل يتم له ما اشترى أو يرجع إليه ماله، فمرة يكون بيعا ومرة يكون سلفا. ووجه ظاهر قول أصبغ وما في سماع موسى من أن شراء ما عليه جائز وإن لم يحضر ولا كانت عليه بينة هو أن الأمر محمول على الصحة من أن البائع صدق فيما زعم أن له عليه من الدين الذي باعه وأن الذي عليه الدين لا ينكر، فلا يتلفت ما يطرأ بعد من إنكاره. ووجه رواية أبي زيد عن مالك أن البينة ترفع علة

مسألة: اشترى طعاما بعينه وسأل رجل المشترى أن يوليه الطعام فولاه

الإنكار وإن كان لا يؤمن أن يسقط الدين عن نفسه بتجريح البينة أو إقامة بينة على القضاء فشيء أمر من شيء. ولو قال الرجل للرجل: لي على فلان كذا وكذا فأنا أبيعه منك بكذا وكذا فإن أنكرك صرفت إليك الثمن لم يجز باتفاق، ولو قال الرجل للرجل يعني دينك الذي لك على فلان وأنا أعلم وجوبه لك عليه وإقراره به لك فباعه منه لجاز باتفاق، وإن أنكره بعد كانت مصيبة دخلت عليه، وأما شراء الدين على الميت فلا يجوز باتفاق، وقد مضى ذلك والقول عليه في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال. [مسألة: اشترى طعاما بعينه وسأل رجل المشترى أن يوليه الطعام فولاه] مسألة وسئل أصبغ عن رجل اشترى طعاما بعينه كذا وكذا إردبا وسأل رجل المشترى أن يوليه الطعام فولاه وبائع الطعام غائب لم يحضر حين ولاه المشترى، قال: لا يجوز ذلك عندي إلا بحضور بائع الطعام، وليس الطعام في هذا مثل السلع من غير الطعام؛ لأن الطعام يدخله في هذا بيع قبل استيفاء قبضه قال: ولا بأس أن يولي سلعة له على رجل اشتراها منه بعينها والذي هي عليه غائب إذا كانت غيبته قريبة كما وصفت وعرف موضعه وصحته وملاؤه. قال محمد بن رشد: جعل مغيب بائع الطعام الذي عنده الطعام كمغيب الطعام، إذ لا يقدر على قبض الطعام حتى يقدم الذي هو عنده الطعام كما لا يقدر على قبض الطعام الغائب حتى يخرج إليه، فإذا كان في حكم الطعام الغائب لم يجز فيه النقد كما لا يجوز في السلع الغائبة، وإذا لم ينقد المولي في الطعام كما نقد المولى دخله بيع الطعام قبل أن يستوفى كما قال، إذ لا يجوز لمن اشترى طعاما بثمن نقدا أن يوليه أحدا

مسألة: اشترى أرضا شراء فاسدا فقبض الأرض فغرس حولها أشجارا

بثمن إلى أجل، فهذا وجه ما ذهب إليه أصبغ في هذه المسألة، وقد مضى في التولية من الطعام الغائب في سماع يحيى من كتاب المرابحة ما فيه دليل على هذه المسألة. [مسألة: اشترى أرضا شراء فاسدا فقبض الأرض فغرس حولها أشجارا] مسألة وسئل عن رجل اشترى من رجل أرضا شراء فاسدا فقبض الأرض فغرس حولها أشجارا من تين وزيتون حتى أحاط بالأرض غير أن جلها وأكثرها بياض لم يحدث فيه شيئا فهل تراه فوتا؟ قال: نعم أراه فوتا إذا كانت الشجر قد أحاطت بالأرض كلها وعظمت فيها المؤونة وكان لها بال فأرى الأرض على مشتريها بقيمتها، قيل: فإن كان غرس ناحية منها وجل الأرض بياض كما اشتراها؟ قال: أرى أن يفسخ البيع وترد الأرض البيضاء الكثيرة إلى ربها وتكون الناحية التي غرس فيها فائتة بغراسته، وهي عليه بقيمتها، قلت: فإن كان الذي غرس منها شيئا يسيرا لا بال له؟ قال: أرى فسخ البيع في جميعها ويكون للمشتري الغارس على البائع قيمة غرسه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة قوله فيها بين وتفصيله فيها صواب لأن الغرس في الأرض فوت في البيع الفاسد، فإذا أحاط الغرس بها وعظمت المؤونة فيه وجب أن يكون فوتا لجميعها وإن كان جلها بياضا، وإذا كان الغرس بناحية منها وجلها لا غرس فيه وجب أن يفوت منها ما غرس ويفسخ البيع في سائرها، إذ لا ضرر على البائع في ذلك إذا كان المغروس من الأرض يسيرا مما لو استحق من يد المشتري في البيع لزمه الباقي ولم يكن له أن يرده، ووجه العمل في ذلك أن ينظر إلى الناحية التي فوتها بالغرس ما هي من جميع الأرض، فإن كانت الثلث أو الربع فسخ البيع في الباقي بثلثي الثمن أو ثلاثة أرباعه فسقط عن المبتاع إن كان لم

يدفعه ورد عليه إن كان قد دفعه وصحح البيع في الناحية الفائتة بالقيمة يوم القبض، فمن كان له منهما على صاحبه فضل في ذلك رجع به عليه، إذ قد تكون قيمة تلك الناحية أقل مما نابها من الثمن وأكثر، وقد قيل: إن البيع يفسخ في الأرض كلها فيبطل عن المبتاع جميع الثمن إن كان لم يدفعه ويرد إليه جميعه إن كان قد دفعه ويكون عليه قيمة الناحية التي فوت بالغرس بالغة ما بلغت، وهذا القول قائم من الدمياطية لابن القاسم، والأول هو القياس. وقال في الدمياطية: وسئل ابن القاسم عمن اشترى قصبا فنقد بعض الثمن والنصف الباقي شرط فيه إذا كسر نصف القصب وزيادة فدانين على النصف، فلما كسر نصف القصب لزمه بقية الثمن ولم ينتظر به إلى أن يكسر الفدانين، قال: هذا بيع فاسد من أوله، فعليه قيمة ما كسره يوم اشتراه، ويفسخ ما بقي مما لم يكسر، قيل: لم لا يقسم الثمن على الجميع؟ قال: ليس هو كذلك إنما في البيع الحرام وجهان: إن كان عرضا فله قيمته، وإن كان طعاما فله مثله ومكيلته إلا أن يكون طعاما لا يقدر على معرفة مثله بأن لا يعرف ذلك فعليه القيمة مثل العروض، وهذا الاختلاف إنما يرجع إلى هل يكون على المبتاع قيمة الموضع الذي فوته بالغرس لو بيع منفردا أو هل يكون عليه ما وقع عليه من قيمة الأرض كلها لو بيع معها؟ وذلك يختلف، إذ قد تكون قيمة ذلك الموضع في التمثيل على الانفراد عشرة، ومع جملة الأرض عشرين إذ قد تساوي الأرض دون ذلك المجمع تسعين ويساوي ذلك الموضع دون سائر الأرض عشرة، ويساوي بجميع الأرض جملة مائة وعشرين. وقوله: وإذا كان الغرس شيئا يسيرا لا بال له فسخ البيع في جميعها ويكون للمشتري الغارس على البائع قيمة غرسه، هو مثل ما مضى من قول مالك في أول رسم من سماع أشهب في البنيان اليسير في الحائط المبيع بيعا فاسدا، إلا أنه قال هناك: يكون على رب الحائط ما أنفق المبتاع في البنيان، وقال هنا: إنه يكون للمشتري على البائع قيمة غرسه، فمعنى ذلك أنه يكون عليه قيمة الغرس مقلوعا يوم جاء به وغرسه وما أنفق في غرسه أو قيمة ما أنفق فيه على حسب ما مضى القول فيه من سماع أشهب المذكور، وبالله التوفيق.

مسألة: اشترى دارا بكل ما فيها وكل حق هو لها فهدم المشتري الدار إلا حائطا

[مسألة: اشترى دارا بكل ما فيها وكل حق هو لها فهدم المشتري الدار إلا حائطا] مسألة وسئل عن رجل اشترى من رجل دارا بكل ما فيها وكل حق هو لها فهدم المشتري الدار إلا حائطا واحدا، فلما أراد هدمه منعه جاره وقال: هو لي وأقام على ذلك بينة أنه له، قال: لا شيء للمشتري فيه، قال السائل: فإنه يقول للبائع: احلف لي أنك لم تبعني هذا الحائط فيما بعتني، قال: ليس عليه يمين إلا أن يدعي أنه باعه ذلك الحائط بنفسه وينكر ذلك البائع فإن له عليه اليمين في ذلك. وأما قول المشتري إني اشتريت منك جميع الدار وإن هذا الحائط ليس من الدار فليس عليه بذلك يمين لأنه إنما باعه كل حق كان للدار، فهذا ليس من حقها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: لأن الرجل إذا باع الدار بجميع حقوقها فلا يقع البيع على جدراتها الأربع إلا أن يشترط ذلك، وإنما يقع على ما كان منها من حقوقها، فإذا وجد شيئا منها ليس من حقوقها لم يكن له بذلك على البائع قيم إذ لم يبعه إلا ما كان من حقوقها، وإنما جاز هذا البيع ولم يكن غررا لأنه يتبين بالنظر إليها ما هو من حقوقها مما ليس من حقوقها، فقد دخل المبتاع على معرفة فيما اشترى. ولو أثبت رجل من جيرانه في بعض حيطان الدار أنه له ماله وملكه والظاهر فيه مما يدل عليه العيان أنه من دار المشتري لكان له الرجوع بذلك على البائع. فمعنى قوله في المسألة منعه جاره وقال: هو لي وأقام على ذلك بينة أنه له معناه أنه أقام بينة تشهد له أنه من حقوق داره، ولو أقام البينة أنه له بشراء أو هبة وما أشبه ذلك مما يحق له ملكه والظاهر بدليل العيان أنه من دار المشتري لكان له الرجوع بذلك على البائع.

مسألة: تكون له العرصة فيبيع صاحبها أسفلها وكان صب الماء إلى ذلك الأسفل

[مسألة: تكون له العرصة فيبيع صاحبها أسفلها وكان صب الماء إلى ذلك الأسفل] مسألة وسئل عن الرجل تكون له العرصة فيبيع صاحبها أسفلها وكان صب الماء إلى ذلك الأسفل فلم يذكرا هجر الماء عند بيعها فبنى المشتري فجعل في جداره كوة فجرى الماء عليها أشهرا ثم سد الكوة وقال: إن المجرى ليس علي، وكيف إن ترك الماء يجري سنة وسنتين ثم سد الكوة وقال: إن المجرى ليس علي؟ وكيف إن ترك الماء يجري سنة وسنتين ثم سد الكوة ولم يشترط عليه البائع مجرى ماء؟ قال أصبغ: إذا علم بذلك قبل أن يسلم لشيء رأيت أن يصرف عنه ولا يلزمه إلا أن يكون من الأمور الظاهرة التي تعرف ويعرفها المشتري أن لا معدل لها وأن الماء منصب إليها لا بد له منه ولا مصرف له على الوجوه كلها بأسبابها فأراه إذا كان كذلك كالمشتري عليها وكالشروط وإلا فلا، وأما إن كانوا على غير ذلك فأقروه سنة أو سنتين كما ذكرت فلا أرى ذلك يلزمه ولا يوجب عليه بعد أن يحلف بالله ما كان رضا للأبد ولا تسليما ولا على حق للبائع قد عرفه أو رضي به أو اشترطه بينه وبينه ثم يصرف عنه إذا حلف إلا أن يطول زمان ذلك جدا لمثل وقت الحيازات للأشياء وهو مسلم راض غير نافر ولا طالب ولا دافع ولا منكر إلا ساكتا على التسليم وإنه حق لصاحبه فيما يرى منه يختار ذلك عليه فذلك وجوبه ولا أرى له بعد ذلك دعوى ولا تبعة. قال محمد بن رشد: ليس المجرى شيئا أحدثه البائع على المبتاع بعد البيع، وإنما هو شيء قديم من قبل البيع كان الماء ينصب من أعلى

مسألة: اشترى شاة فذهب المشتري ليأتي بالثمن فباعها البائع من غيره

العرصة إلى أسفلها فباع منه الأسفل ولم يبين عليه أن ماء أعلى عرصته يجري عليه على ما كان فرأى من الحق للمبتاع على البائع أن يقطع عنه مجرى الماء إذ هو عيب من قبله لم يتبرأ إليه به إلا أن يكون كما قال أمرا ظاهرا لا يخفى أن الماء منصب إليها ولا معدل له عنها فيلزم ذلك المشتري كما لو اشترطه عليه البائع. وقد قيل إنه إذا لم يشترط ذلك عليه البائع ولا كان أمرا ظاهرا فليس له أن يسده عليه، وهو عيب فيما ابتاع إن شاء أن يمسك أمسك، وإن شاء أن يرد رد، روي ذلك عن ابن القاسم وسحنون، وهو على ما في كتاب الكفالة من المدونة في الذي بيع عبده وله عليه دين لم يعلم به المشتري أنه لا يسقط عنه ويكون عيبا به إن شاء أمسك وإن شاء رد، ويأتي قول أصبغ على ما في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم وعلى ما في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب العيوب، وقد مضى القول على ذلك في الموضعين. ولما قال: إن من حق المبتاع أن يسد المجرى على البائع حكم له بحكم ما لو أحدثه عليه بعد الشراء فقال: إنه إن قام بقرب ذلك كان له أن يسده، وإن لم يقم إلا بعد السنة والسنتين لم يكن ذلك له إلا بعد يمينه، وإن سكت إلى مثل وقت الحيازات في الأشياء عد ذلك منه رضا ولزمه. وقد اختلف في حيازة الضرر المحدث فقيل: إنه لا يحاز أصلا، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وقيل: إنه يحاز بما تحاز به الأملاك العشرة الأعوام ونحوها، وهو قول أصبغ هذا، وقد روى عنه أنه لا يحاز إلا بالعشرين سنة ونحوها، وكان ابن زرب يستحسن في ذلك خمسة عشر عاما، وروي ذلك عن ابن الماجشون، وقال سحنون في كتاب ابنه: إنه يحاز بالأربع سنين والخمس لأن الجار قد يتغافل عن جاره فيما هو أقل من ذلك السنة والسنتين، وقد قيل: إن ما كان ضرره على حد واحد فهو الذي يحاز بالسكوت عليه، وما كان يتزايد أبدا كالمطر إلى جانب الحائط وشبه ذلك فلا حيازة فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى شاة فذهب المشتري ليأتي بالثمن فباعها البائع من غيره] مسألة وسئل عن رجل اشترى شاة فذهب المشتري ليأتي بالثمن

فخالفه البائع فباعها من غيره، ثم إن المشتري الأول لقي المشتري الثاني ومعه تلك الشاة فنازعه فيها فماتت الشاة في أيديهما، المصيبة ممن هي؟ قال أصبغ: الضمان عليهما جميعا إن كان موتها منهما جميعا أو بأيديهما جميعا، فإن صحت الشاة للثاني غرم له هذا نصف القيمة، وإن صحت للأول فالثاني يغرم له ويرجع على بائعه بما دفع إليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة معناها أن البائع مقر أنه باعها من أحدهما بعد الآخر ويدعي كل واحد منهما أنه هو الأول، فقوله فيها فإن صحت الشاة للثاني غرم له هذا نصف القيمة صحيح؛ لأنه لما نازعه فيها فماتت بأيديهما كان قد استهلك له نصفها فوجبت عليه قيمته، وتصح له الشاة بأحد وجهين: إما بأن لا يكون لواحد منهما بينة على أنه هو الأول فيحكم بينهما أن يحلف كل واحد منهما أنه هو الأول وتكون بينهما، أو ينكل الأول عن اليمين ويحلف الثاني فتصح له بيمينه مع نكول الأول؛ وإما أن يقيم الثاني بينة أنه هو الأول ولا يكون للأول بينة على أنه هو الأول، فإذا صحت الشاة إلى الثاني بأحد هذين الوجهين كان له على الأول نصف قيمتها كما قال لاستهلاكه إياه، ويرجع الأول على البائع بالثمن الذي دفع إليه إن كان قد دفعه إليه وبما زادت قيمتها أو الثمن الذي باعها به من الثاني على ثمنه هو لأنه استهلك الشاة عليه بعد أن باعها منه ببيعه إياها من الثاني، وإن صحت الشاة للأول بأحد هذين الوجهين قيل له قد قبضت نصفها الذي قتلته، وأنت مخير بالنصف الثاني الذي قتله المبتاع الثاني بين أن تجيز البيع فيه فتأخذ الثمن أو تأخذ قيمته ممن شئت منهما إن شئت من البائع وإن شئت من المبتاع الثاني الذي قتله، فإن أخذت قيمته من البائع رجع البائع بذلك على المبتاع الجاني، وإن أخذت قيمته من المبتاع لم يكن له بذلك رجوع على أحد لأنه هو الجاني، ويرجع المبتاع الثاني على البائع الأول بنصف الثمن الذي دفع إليه للنصف الذي قتله المشتري الأول.

مسألة: يسلف الناس في السلع ويزعم أنه إنما يشتري جميع ذلك لفلان

[مسألة: يسلف الناس في السلع ويزعم أنه إنما يشتري جميع ذلك لفلان] مسألة وسئل عن رجل يسلف الناس في السلع أو يشتري سلعا بعينها ويزعم أنه إنما يشتري جميع ذلك لفلان رجل غائب بماله أمره بذلك ويكتب في اشتريته هذا ما اشترى فلان ابن فلان بماله، وكيف إن قال: أمرني فلان أن أشتري له بهذه المائة كذا وكذا ويشتري بها وينقدها، ثم يأتي الذي زعم أنه أمره بذلك فينكر ويريد أخذ المال من البائع، أترى ذلك له؟ وهل يفترق عندك إن قال: أمرني أن أشتري له بهذا المال بعينه أو قال: أمرني أن أشتري له بماله فاشترى ونقد المشتري ما يسر أو ما عسر وقبض ما اشترى له فاستهلكه أو هو قائم لم يقبضه حتى قام فأنكر أن يكون أمره باشتراء شيء من الأشياء؟ قال أصبغ: هما سواء، ولا سبيل له على البائع، وسبيله على المشتري بإقراره على نفسه يأخذ ما اشترى له أو يضمنه ماله المسمى ويتبعه إن استهلكه ولم يجد له مالا، ولا سبيل له على البائع على حال؛ لأن ذلك إنما هو دعوى من المشتري المقر فلا تعدوه دعواه على نفسه ولا يضر غيره والبائع لم يصدقه ولم يبعه على ذلك شرطا إنما يبيع على قوله كما يبيع الناس، فهو المشتري وهو المبتاع حتى يصدقه قبل البيع لذلك ويبيعه عليه بتصريح من البائع أو إقرار أو بينة تقوم بعد ذلك أن أصل المال لفلان هذا المال بعينه الذي اشترى به ونقد وإلا فلا. قال محمد بن رشد: قول أصبغ إن المشتري ضامن للمال وإنه ليس لرب المال على البائع في المال سبيل هو نحو قول ابن القاسم في

المدونة في الذي أمر رجلا أن يسلم له دراهم في ثوب هروي فأسلمها له في بساط شعر إنه إنما يرجع على المأمور. وقوله: إن البائع إذ باع بتصريح وإقرار أن الشراء للمشترى له، وأن المال ماله أو قامت له بينة على المال بعينه إن له أن يأخذ ماله منه بالوجهين جميعا بين على ما قاله، والتصريح أن يبين المشتري على البائع أنه لا يشتري لنفسه وإنما يشتري لفلان ويكتب في كتاب الشراء: اشترى فلان لفلان بماله وأمره وعلم البائع بذلك أو صدق المشترى فيه فإن أخذ المشترى له ماله من البائع ببينة قامت له عليه بعينه أو بتصريح وقع أن الشراء كان له انتقض البيع في إقراره إن الشراء كان له وإن المال ماله ولم ينتقض في قيام البينة أن المال ماله ورجع على المشتري بمثل الثمن ولزمه البيع لأنه استحقاق للثمن، واستحقاق الثمن إذا كان عينا لا يوجب نقض البيع، ويشبه أن يقال على القول بأن العين لا يتعين، وهو قول أشهب وأحد قولي ابن القاسم في المدونة إنه لا سبيل له على البائع في المال إذا قامت له بينة عليه بعينه والمشترى منه. وقد حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون أن القول قول المشترى له مع يمينه يحلف ما أمر المشتري بالشراء ويأخذ ماله إن شاء من المشتري وإن شاء من البائع، فإن أخذه من البائع كان للبائع أن يرجع على المشتري ويلزمه الشراء، وإن أخذه من المشتري لم يكن له أن يرجع به على البائع ويرد له ما اشترى منه. ومن اشترى من رجل شيئا فإن أراد أن يكتب في كتاب شرائه: هذا ما اشترى فلان لفلان بماله وأمره لم يلزم البائع أن يشهد له بذلك لأن ذلك وإن لم يقتض تصديق البائع له بأن الشراء لفلان وأن المال ماله ولا أوجب للمشتري له رجوعا عليه إن جاء فأنكر على مذهب ابن القاسم وأصبغ ما لم يصرح فيقول بعلم البائع أو بتصديق المشتري على ما ذكر من ذلك، فمن حجته أن يقول أخشى أن يأتي فيدعي علي أني علمت بذلك وصدقته في قوله فتلزمني اليمين أو الحكم له بالرجوع على مذهب ابن الماجشون.

مسألة: يبيع العبد أو الجارية وينتقد ويدفع ما باع

[مسألة: يبيع العبد أو الجارية وينتقد ويدفع ما باع] مسألة قيل لأصبغ: الرجل يبيع العبد أو الجارية وينتقد ويدفع ما باع، ثم أتى إلى المشترى يستقيله، فيقول المشتري: إن جئتني بالثمن فيما بينك وبين الشهر أو سنة فقد أقلتك أو لا يوقت شيئا إلا أنه يشترط له متى ما أتاه بالثمن فالسلعة سلعته هل ترى هذا جائزا وتجعله شرطا لازما؟ فإن رأيت هذا جائزا فهل يجوز له مسيس الجارية وقد ألزم نفسه هذا الشرط ويكون موسعا عليه في البيع يبيع إن شاء؟ وكيف إن جعل هذا الشرط له، ثم فوت ما اشترى بعد ذلك الشرط باليوم ونحوه مما يتبين أنه أراد قطع الشرط والرجوع عنه؟ قال أصبغ: إذا صح الأصل في المبايعة على غير اعتزاء النقد ولا توطئة ولا مواعدة ولا مراوضة فذلك جائز حلال لا بأس به لأن في كل شيء من السلع والحيوان ما عدا الفروج فلا أرى أن يجوز فيه الشرط الذي جعل له، ولا ينبغي ولا يجوز لهما العمل عليه إلا أن يكون له وجه أن يجعل ذلك في الجارية إلى استبرائها وحده ونحوه مما لا سبيل له فيه إلى الوطء فيجوز، وما كان على غير ذلك فأرى أن يبطل إلا أن يدركها بحرارتها على نحو هذا من الأمور التي لم يخل عليها المشتري ولم يمكن فينفذ له وإلا فلا. وأما إهمالهم في السلع غير الفروج هذا الشرط بلا وقت فذلك لازم، وذلك ما أدركها في يده ولم تخرج من يديه ولا من ملكه، فإن خرج سقط أيضا. وإن وقت كالذي سألت عنه من السنة وغيرها فليس له أن يخرجها من يده ولا يحدث فيها شيئا يقطع ذلك ما بينه وبين وقته الذي جعل على نفسه.

مسألة: يبيع الحائط وفيه تمر قد أبر

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إن العقد إذا سلم من الشرط وكان أمرا طاع به بعده على غير رأي ولا مواطأة فذلك جائز لا بأس به؛ لأنه معروف طاع به وأوجبه على نفسه لا مكروه فيه ما عدا جارية الوطء إذ لا يجوز للرجل أن يطأ جارية قد أوجب على نفسه فيها شرطا لغيره. والأصل في ذلك قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لعبد الله بن مسعود في الجارية التي ابتاعها من امرأته واشترطت عليه أنك إن بعتها فهي لي بالثمن وسأله عنها: لا تقربها وفيها شرط لأحد، وقد قيل معنى لا تقربها أي لا تشترها وفيها شرط لأحد؛ وقول عبد الله بن عمر: لا يطأ الرجل وليدة إلا وليدة إن شاء باعها وإن شاء أمسكها وإن شاء صنع بها ما شاء، وأما ما عدا جواري الوطء فذلك جائز لأنه معروف، والمعروف عند مالك لازم لمن أوجبه على نفسه، فإن كان له أجل لزم إلى أجله، ولم يكن للمشتري أن يفوته قبل الأجل، وإن لم يكن له أجل فذلك له لازم ما لم يفوته، يريد إلا أن يفوته بفور ذلك مما يرى أنه أراد به قطع ما أوجبه على نفسه. وقد مضى في أول سماع أشهب القول في هذا الشرط إذا كان في أصل العقد فلا وجه لإعادته. [مسألة: يبيع الحائط وفيه تمر قد أبر] مسألة قال مالك في الرجل يبيع الحائط وفيه تمر قد أبر فيقول البائع للمشتري: اسق النخل، فيقول المشتري: ليس ذلك علي، فيختلفان في السقي على من ترى السقي؟ قال: أراه على البائع الذي له الثمن وليس على المشتري شيء. . قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن التمر باق على ملك البائع بقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من باع نخلا قد أثرت فتمرها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع» فوجب أن يكون سقيها عليه إن أراد أن يسقيها ولا

باع سلعة فقال البائع بعتك وأنا بالخيار ولست أنت بالخيار

يكون ذلك على المبتاع، إذ لا حق له في الثمرة ولا هو بائع لها فيلزمه سقيها. وقد روي عن المخزومي أنه قال: السقي على المشتري لأنه يسقي نخله فتشرب ثمرة هذا، وهو بعيد، إذ من حقه أن يقول: أنا لا أريد أن أسقي نخلي، والذي يوجبه القياس والنظر أن يكون السقي عليهما لأن فيه منفعة لهما لا يمكن أن يستبد بها أحدهما دون صاحبه كالشريكين، والله الموفق المعين. [باع سلعة فقال البائع بعتك وأنا بالخيار ولست أنت بالخيار] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: قال ابن القاسم في رجل باع سلعة فقال البائع: بعتك وأنا بالخيار ولست أنت بالخيار، وقال المشتري اشتريت منك بالخيار ولست أنت بالخيار، قال: ينتقض البيع، ولا أقبل دعوى البائع ولا المشتري. قال محمد بن رشد: هذه مسألة مضت متكررة في سماع أبي زيد من كتاب الخيار، ومضى في سماع أصبغ منه خلاف ذلك، وقد مضى من القول عليها هنالك ما فيه شفاء، فلا معنى لإعادته. [مسألة: الفقع في القمح] مسألة ولا بأس بالفقع في القمح. قال محمد بن رشد: هذه مسألة أيضا تكررت في سماع أبي زيد من كتاب الخيار، ومضى القول عليها هناك فلا معنى لإعادته.

مسألة: بيع كبش بشاة حلوب إلى أجل أو غير حلوب

[مسألة: بيع كبش بشاة حلوب إلى أجل أو غير حلوب] مسألة وسئل عن كبش بشاة حلوب إلى أجل أو غير حلوب فقال: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: قوله بشاة حلوب إلى أجل أو غير حلوب يريد حلوب غير غزيرة اللبن، فهو صحيح على ما في المدونة من أن الغنم كلها صنف واحد كبارها وصغارها وذكورها وإناثها ضأنها ومعزها إلا أن تكون غنما غزيرة اللبن موصوفة بالكرم فلا بأس أن تسلم حواشي الغنم، وقال ابن القاسم في العشرة: إن غزر اللبن وكثرته إنما يراعى في المعز لا في الضأن، ومثله في الواضحة لابن حبيب، وروى ابن وهب عن مالك أنه لا يستلم كبار الضأن في صغارها، ولا بأس بتسليم كبارها في صغار المعز، ولم يأخذ ابن وهب بقول مالك فأجاز تسليم كبش في خروفين. [مسألة: باع من رجل كلبا ولم ينتقد ثمنه حتى هلك الكلب في يد المشتري] مسألة وسئل عن رجل باع من رجل كلبا ولم ينتقد ثمنه حتى هلك الكلب في يد المشتري؟ قال مصيبته من البائع. قال محمد بن رشد: رأى مصيبة الكلب من البائع وإن هلك في يد المشتري فجعله باقيا على ملك البائع لما كان بيعه لا يجوز، فعلى هذا لو أدرك الكلب بيد المشتري ففسخ البيع فيه لوجب أن يرجع البائع على المبتاع بقيمة ما انتفع به إذ لم يكن ضمانه منه، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخراج

مسألة: اشترى نصف شقة ولم يسم المشتري أولا ولا آخرا

بالضمان» وهذا على قياس ما مضى في رسم نقدها من سماع عيسى في المسلم يشتري الخنزير من المسلم أن الثمن يرد إلى المشتري ويقتل الخنزير لأن الظاهر من قوله أنه يقتل على البائع وإن كان قد قبضه المشتري، وقد قيل: إنه يقتل على المشتري إن كان قد قبضه، فعلى هذا يكون على المشتري في الكلب إذ هلك عنده قيمته كما لو قتله، والأول هو المعروف أن مصيبته من البائع وإن قبضه المبتاع كالزبل وجلود الميتة وما أشبه ذلك مما لا يجوز بيعه ويجوز الانتفاع به بخلاف ما لا يجوز بيعه لغرره، وقد قيل: إن ما لا يجوز بيعه لغرره فمصيبته من البائع وإن قبضه المبتاع، والمعروف المشهور من هذا أن المشتري ضامن له بالقبض، وهذا في الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه باتفاق، وفي الذي أذن في اتخاذه على اختلاف، فقد أجاز بيعه ابن كنانة وسحنون، قال سحنون بعد هذا في هذا السماع: ويحج في ثمنها وأجاز ابن القاسم شراءه للمشتري لحاجته إليه وكره بيعه للبائع، وهو نحو قول أشهب في المدونة في الزبل: المشتري أعذر في شرائه من البائع، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى نصف شقة ولم يسم المشتري أولا ولا آخرا] مسألة وسئل عن رجل اشترى نصف شقة ولم يسم المشتري أولا ولا آخرا ولم يسم البائع حتى قطع الثوب، فقال البائع: لا أعطيك إلا الآخر، وقال المشتري: لا آخذ إلا الأول، قال: يحلف البائع ما كان باع إلا على الآخر ويفسخ البيع ويرد الثوب إلى ربه مقطوعا إلا أن تكون سنة بين التجار أنهم إذا قطعوا إنما يبيعون الأول فيحمل الناس على تلك السنة.

قال محمد بن رشد: هذه مسألة في جوابها حذف سكت عنه اتكالا على فهم السامع والله أعلم، ومراده أن البائع يحلف ما باع إلا على الآخر، ثم يحلف المشتري ما اشترى إلا على الأول، ويفسخ البيع إن حلفا جميعا، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف، وأيمانهما في هذه المسألة على النيات، ويحلف البائع أنه أراد الآخر، ويحلف المشتري أنه أراد الأول لأنهما قد اتفقا على أن البيع وقع مبهما لم يسميا أولا ولا آخرا، ولو ادعيا التسمية لحلف كل واحد منهما على ما يدعي، فإن حلفا جميعا انفسخ البيع، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف، ولا فرق بين أن يدعيا التسمية أو يتفقا على الإبهام إذا ادعى كل واحد منهما أنه أراد غير النصف الذي أراد صاحبه إلا في صفة الأيمان، ولو اتفقا على الإبهام ولم تكن لواحد منهما نية لوجب أن يكونا فيها شريكين يقسم الثوب على القيمة ثم يستهمان عليه. وقد رأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة: إنها مسألة حائلة لا تجوز إذا أبهما ولم يسميا لأنه بيع مجهول بمنزلة من باع فدانا من أرضه ولم يجزه، وإن ادعى أحدهما أنه سمى جاز ذلك وحلف على ما ادعى، فإن ادعيا جميعا فالقول قول البائع مع يمينه، ولو لم يقطع الشقة وكانا قد أبهما كانا فيها شريكين بمنزلة من اشترى نصف أرض رجل ولم يذكر الناحية. قال محمد بن رشد: وليس قوله بصحيح لأنهما قد أبهما ولم يسميا فليس ببيع مجهول كما قال، إذ لم ينعقد البيع بينهما على جهل من أجل أن كل واحد منهما ظن أن صاحبه أراد النصف الذي أراد هو، فلم يكن بينهما في العقد غرر، إذ لم يقع شراء المشتري على أن يأخذ أحد النصفين من غير أن يعلم أيهما هو ولا بيع البائع على ذلك، ولو وقع على ذلك كان جهلا وغررا. مثال ذلك أن يقول: أشتري منك أحد النصفين الأول أو الآخر أيهما وقع السهم عليه أو أيهما شئت أن تعطيني أعطيتني. وقوله: وإن ادعى أحدهما أنه سمي جاز ذلك وحلف على ما ادعى مطرد على ما ذهب إليه من أن البيع فاسد إذا أبهما، إذ يقتضي ذلك أن من سمى منهما كان مدعيا للصحة، ومن لم يسم مدعيا للفساد. وأما قوله فإن ادعيا جميعا فالقول قول

مسألة: باع ثوبين بعشرة أرادب قمح إلى شهر

البائع فلا يصح، إذ الواجب في ذلك أن يحلف واحد منهما لصاحبه فلا يكون بينهما بيع؛ لأن البائع مدع على المبتاع أنه باع منه النصف الثاني ومنكر أن يكون باع منه النصف الأولى، والمبتاع باع على البائع أنه باع منه النصف الأول ومنكر أن يكون اشترى منه النصف الثاني، فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا انفسخ البيع بينهما، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف، وهذا مما لا إشكال فيه. [مسألة: باع ثوبين بعشرة أرادب قمح إلى شهر] مسألة وسئل عن رجل باع ثوبين بعشرة أرادب قمح إلى شهر، فلما حل الأجل قال: أقلني في أحد ثوبيك وخذ مني خمسة أرادب، قال: لا بأس بذلك إذا كان الثوبان معتدلين، فإن كان أحدهما أرفع من الآخر لم يصلح له أن يقيله في أحدهما. قال محمد بن رشد: هذه مسألة وقعت ههنا في بعض الروايات، وقد وقعت متكررة في سماع أبي زيد من كتاب السلم والآجال، وقد مضى من القول عليها هناك ما لا وجه لإعادته. [مسألة: باع منه مائة فدان مزروعة كل فدان بدينارين من ناحية قد عرفها وواجبه البيع] مسألة وسئل عن رجل باع من رجل مائة، فدان مزروعة كل فدان بدينارين من ناحية قد عرفها وواجبه البيع، ثم ذهب على أن يأتي غدا فيقيس له، فلما كان من الغد قال: بعني أيضا مائة أخرى قبل أن يقيس له ما باعه له أولا فباعه مائة أخرى كل فدان بثلاثة دنانير، فقاس له فلم يجد في زرعه إلا مائة فدان وسبعين فدانا؟ فقال: يقيس له مائة فدان على دينارين ويقيس له ما بقي بثلاثة، فما نقص فبحساب الفدان بثلاثة؛ لأن البيع الأول أولى من الآخر، كذلك لو أن رجلا باع من رجل مائة إردب من قمح في

مسألة: اشترى منه صبرة وواجبه البيع فذهب ليأتي بالثمن فأصيبت الثمرة

منزله بثلاثين دينارا فلما كان من الغد جاء الرجل يكتاله له فاشترى منه مائة أخرى بخمسين دينارا أو جاء رجل أجنبي غيره فاشترى منه مائة إردب بخمسين قبل أن يكتال الأول فلم يجد في البيت إلا أقل من مائتين، قال: الأول أولى ثم الآخر بعد إنما يقع النقصان عليه، ولا يتحاصان في النقصان. قال محمد بن رشد: قد قيل إنهما يتحاصان في النقصان على قدر ما اشتريا، وهو قول بعيد، ووجه ذلك أنه لما كان الطعام في ضمان البائع إن تلف أشبه الديون الثابتة في الذمة في أن التحاص يجب فيها ولا يبدأ الأول منهما على الآخر، والقول الأول أظهر لأنه طعام مشترى بعينه، وقد وجبت للأول المكيلة التي اشترى، فوجب أن يكون أحق بها من الآخر ولا يتحاصان في النقصان. [مسألة: اشترى منه صبرة وواجبه البيع فذهب ليأتي بالثمن فأصيبت الثمرة] مسألة وسئل عن رجل اشترى من رجل صبرة من طعام وواجبه البيع فذهب الرجل يأتيه بالثمن فأصيبت الثمرة بنار فاحترقت، قال: المصيبة من المشتري. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه إذا كانت الصبرة في غير ملك البائع مثل الرحاب التي توضع الأطعمة فيها للبيع وتلفت بعد إمكان القبض فيها، وأما إن تلفت قبل إمكان القبض فيها فيدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في المكيال يسقط من يد المشتري بعد أن امتلأ وقبل أن يفرغه في إناثه، وقد مضى القول على ذلك في رسم نقدها من سماع عيسى. وأما إن كانت الصبرة المشتراة في دار البائع أو حانوته فيدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في السلعة المبيعة إذا تلفت في يد البائع قبل أن يقبضها المبتاع وإن طال الأمر، وقد مضى ذكر ذلك في غير ما موضع من ذلك نوازل سحنون الثانية.

مسألة: باع عشرة فدادين من قمح وواجبه فذهب ليقيسه له فأصيب الزرع

[مسألة: باع عشرة فدادين من قمح وواجبه فذهب ليقيسه له فأصيب الزرع] مسألة قال: وكذلك لو أن رجلا باع عشرة فدادين من قمح من زرعه وواجبه فذهب إلى غد ليقيسه له فأصيب الزرع بنار فاحترق، قال: مصيبته منهما جميعا. قال محمد بن رشد: قوله: المصيبة منهما يريد أن المشتري يضمن العشرة التي اشترى ويؤدي ثمنها وتكون مصيبة الزائد على العشرة من البائع. ولو لم يكن في القمح إلا عشرة فدادين فأقل لكانت المصيبة من المشتري في الجميع على هذا القول، وإنما جعل المصيبة من المشتري في الفدادين التي اشترى من القمح وإن كانت تلفت قبل التذريع لأن التذريع متمكن في الأرض بعد تلاف الزرع، وذلك على قياس قوله في رسم العتق من سماع عيسى في الذي يشتري السمن موازنة في جراره فيزنه بجراره إن له أن يبيعه قبل أن يزن الجرار، إذ لو تلف كانت مصيبته منه، إذ لم يبق إلا وزن الجرار، وذلك ممكن بعد تلاف السمن كما يمكن تذريع الأرض بعد ذهاب الزرع. وقد قيل: إن المصيبة من البائع إن تلف قبل التذريع وهو قول مالك في آخر رسم من سماع أشهب والمشهور في المذهب، ولو أراد المبتاع أن يبيع الفدادين التي اشترى من القمح قبل التذريع لجاز ذلك له على رواية أبي زيد هذه وعلى ما قال في رسم العتق من سماع عيسى في مسألة الجرار، ولم يجر ذلك على رواية أشهب الذي جعل الضمان فيها من البائع. [مسألة: اشترى ياقوتة وهو يظنها ياقوتة ولا يعرفها البائع ولا المشتري] مسألة قال: ومن اشترى ياقوتة وهو يظنها ياقوتة ولا يعرفها البائع ولا المشتري فوجدها على غير ذلك، قال: يرد البيع ولا يشبه مسألة الثياب، وكذلك القرط الذهب يشتري ولا يشترط أنه ذهب ويشتري المشتري وهو يظنه ذهبا فيجده نحاسا قال: يرد البيع.

مسألة: قدم بلدا من البلدان بمتاع فأعطي به ثمنا

قال محمد بن رشد: قوله يرد البيع ولا يشبه مسألة الثياب، يريد ولا يشبه مسألة الذي يبيع الثياب مساومة ثم يدعي الغلط لا مرابحة إذ لا اختلاف في أن له القيام بالغلط في بيع المرابحة. وقوله هذا إن بيع المساومة لا قيام له فيه بالغلط هو المشهور في المذهب. وقوله في الذي اشترى الياقوتة وهو يظنها ياقوتة فوجدها على غير ذلك إن له أن يرد البيع خلاف ما مضى في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، وقد مضى هناك القول على المسألة مستوفى فلا معنى لإعادته. [مسألة: قدم بلدا من البلدان بمتاع فأعطي به ثمنا] مسألة وسئل عن رجل قدم بلدا من البلدان بمتاع فأعطي به ثمنا فجاءه رجل فقال له: أنا آخذه منك بما أعطيت وأنت فيه شريك، قال: هذا حرام. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه يصير قد اشتراه منه بالثمن الذي سماه على أنه إن ربح زاده نصف الربح، وإن خسر رجع عليه بنصف الخسران، وذلك غرر وإن نقد فيدخله مع ذلك بيع وسلف، فهو كما قال حرام لا يحل. [مسألة: يشتري لبن شاة بعينها كيلا يدفع إليه في كل يوم شيئا مسمى] مسألة وسئل عن الرجل يشتري لبن شاة بعينها كيلا يدفع إليه في كل يوم شيئا مسمى، قال: إن علم أنها تحلب في كل يوم مثل ما شرط له أن يدفع إليه في كل يوم لا شك فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا صحيح مثل ما في كتاب التجارة إلى

مسألة: بيع قرط الربيع بقرط اليابس

أرض الحرب من المدونة أنه يجوز أن يسلم في لبن الشاة الواحدة كيلا في إبان لبنها، ولا يجوز ذلك قبل إبان لبنها، ولا يجوز له أن يبتاع لبن الشاة الواحدة جزافا، ويجوز له أن يبتاع لبن الشياه جزافا إذا سمى مدة معلومة شهرا أو شهرين. وأما إلى أن ينقطع فلا يجوز. وهذه المسألة في ابتياع لبن غنم بأعيانها عكس ابتياع ثمرة المقثاة يجوز ابتياعها إلى أن ينقطع، ولا يجوز ابتياعها إلى مدة معلومة شهرا أو شهرين. [مسألة: بيع قرط الربيع بقرط اليابس] مسألة وسئل عن قرط الربيع بقرط اليابس، قال: إن تحرى فلا خير فيه وإن كان بين تفاضله فلا بأس به، وكذلك التفاح الأخضر بالتفاح اليابس المقدد. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في حبل حبلة من سماع عيسى، ومضت أيضا والقول عليها في رسم يدير ماله ورسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال فلا معنى لإعادته. [مسألة: دفع إلى رجل سلعة يبيعها له بعشرة نقدا فباعها بألف درهم إلى أجل] مسألة وقال في رجل دفع إلى رجل سلعة يبيعها له بعشرة نقدا فباعها بألف درهم إلى أجل أو بعشرين، فقال صاحب السلعة: بيعوا من هذه الألف درهم التي إلى أجل بعرض ما يساوي العشرة وأخروا ما بقي من الدراهم إلى أجلها، قال: لا بأس بذلك، وكذلك لو قال: بيعوا لي من العشرين الدينار التي إلى أجل بعرض

ما يساوي عشرة ودعوا ما بقي إلى أجله أخذه لم يكن بذلك بأس. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الواجب له أن تباع العشرون دينارا أو الألف درهم بعرض ثم يباع العرض بعين، فإذا كان ذلك أكثر من عشرة كان له، وإن كان أقل من عشرة ضمن المأمور تمام العشرة، فإذا كان من حقه أن يباع له الجميع كان له أن يباع له منه بقدر العشرة ويبقى له ما بقي يأخذه إذا حل أجله لأنه ثمن سلعته، ولا يدخل ذلك شيء من المكروه، فلذلك قال فيه لا بأس بذلك، ولو أراد أن يباع له من ذلك بأقل من عشرة لم يجز لأنه يدخله دنانير في أكثر منها أو في دراهم إلى أجل، وإنما الذي يجوز ويكون من حقه أن يباع من ذلك بعشرة وبأكثر من عشرة. واختلف إن أراد المأمور أن يدفع العشرة من عنده إلى رب السلعة ويترك العشرين إلى أجلها فإذا حلت قبض منها العشرة وكانت الباقية لرب السلعة فقيل: ذلك له، وهو قول ابن القاسم في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب البضائع والوكالات، وقيل: لا يكون ذلك له إلا أن يرضى بذلك رب السلعة وتكون العشرون لو بيعت كان فيها عشرة أو أكثر، فإن لم يكن فيها إلا أقل من عشرة لم يجز، وهو ظاهر قول أشهب في رسم حبل حبلة من سماع عيسى من الكتاب المذكور، وقيل: لا يكون ذلك له إلا أن يرضى بذلك رب السلعة وتكون العشرون لو بيعت لم يكن فيها إلا عشرة وأدنى، وهو قول ابن القاسم في رسم حبل حبلة المذكور، ويتخرج في المسألة قول رابع وهو ألا يجوز ذلك إلا أن تكون العشرون إن بيعت لم يكن فيها إلا عشرة لا أدنى ولا أكثر؛ لأنه إن كان فيها أكثر دخله الدين بالدين على مذهب ابن القاسم، وإن لم يكن فيها إلا أقل دخله سلف جر منفعة على مذهب أشهب.

مسألة: باع دابة واستثنى ركوبها يوما

[مسألة: باع دابة واستثنى ركوبها يوما] مسألة وقال في رجل باع دابة واستثنى ركوبها [يوما] ، بعد ثلاثة أيام اليوم الرابع فقبض المشتري الدابة وبقي للبائع فيها ركوب يوم فنفقت في اليوم الثالث. قال: هي من البائع، قال: وكذلك لو نفقت في ركوب البائع كانت من البائع لأنها في ضمان البائع ما بقي للبائع فيها شرط، قال أبو زيد: وبه آخذ. قال محمد بن رشد: قوله إنها من البائع إذا نفقت في اليوم الثالث خلاف ما مضى في أول رسم من سماع أصبغ، وقد مضى القول هناك على توجيه كلا القولين وأنهما جاريان على الاختلاف في المستثنى هل هو مبقي على ملك البائع أو بمنزلة المشترى، وأن رواية أبي زيد هذه على أنه مبقي على ملك البائع لأنه على هذا يصير إنما باع الدابة بعد أربعة أيام على أن يركبها المشتري بثلاثة أيام قبل البيع وهي على ملك البائع، فوجب أن يكون ضمانها من البائع في هذه الأربعة أيام كلها لأنها فيها على ملك البائع كما قال. [مسألة: اشترى من عبده جارية هل يبيعها مرابحة] مسألة وقال في رجل اشترى من عبده جارية أترى أن يبيعها مرابحة؟ قال: إن كان يعمل بماله فلا بأس به، وإن كان يعمل بمال سيده فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن العبد يملك على مذهب مالك وماله له حتى ينتزعه سيده، فإذا اشترى منه شراء صحيحا لا محاباة فيه جاز أن يبيع مرابحة ولا يبين كما لو اشتراها من غير عبده، وإذا كان

مسألة: باع جارية حاملا على أن ما في بطنها حر قبل أن تلد

المال له لم يجز له أن يبيع مرابحة إلا أن يبين لأن ذلك ليس بشراء وإنما هو كأنه سمى لسلعة له ثمنا فباعها عليه مرابحة إذ لا يشتري الرجل ماله بماله، فإن وقع ذلك ولم يكن العبد اشترى السلعة كان المشتري بالخيار ما كانت السلعة قائمة بين أن يمسك أو يرد، فإن فاتت رد فيها إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن على حكم الغش والخديعة في بيع المرابحة، وإن كان العبد اشتراها بمثل ذلك الثمن أو أكثر جاز البيع ولم يكن للمشتري فيه كلام على رواية أشهب عن مالك في أنه يجوز للرجل أن يبيع مرابحة ما ابتاع له غيره ولا يبين؛ لأن السلعة إنما كان اشتراها العبد لسيده الذي باعها مرابحة إذ إنما كان يتجر له بماله، ولم يجز ذلك على رواية ابن القاسم عنه في أنه لا يجوز للرجل أن يبيع مرابحة ما اشترى له غيره حتى يبين فيكون للمشتري الرد على حكم الخديعة والغش في بيع المرابحة. وأما إن كان العبد اشتراها بأقل من ذلك الثمن فلا يجوز ذلك ويكون الحكم فيه على رواية أشهب حكم من باع مرابحة وزاد في الثمن يكون للمشتري في قيام السلعة أن يردها إلا أن يحط عنه الزيادة على ما كان اشتراها به العبد ونوبها من الربح، وإن فاتت كانت فيها القيمة ما لم تكن أكثر مما باع به فلا يزاد البائع، أو يكون أقل مما اشترى به المشتري فلا ينقص منه. وأما على رواية ابن القاسم عنه فيكون الحكم فيها حكم الغش والخديعة لأنه بيع يجتمع فيه على روايته الزيادة في الثمن والغش والخديعة، وإذا اجتمعا جميعا كان للمشتري أن يطالب البائع بأيهما شاء والمطالبة بالغش والخديعة أفضل له فيطالب بذلك. [مسألة: باع جارية حاملا على أن ما في بطنها حر قبل أن تلد] مسألة وقال في رجل باع جارية حاملا على أن ما في بطنها حر قبل أن تلد، قال: يمضي البيع ويرجع البائع على المشتري بقيمتها لأن العتق حين استثناه صار فوتا، فإنما يرجع بقيمتها يوم قبضها.

مسألة: باع زرعا قبل أن يبدو صلاحه ثم حصده وحمله إلى منزله فأصابته نار فاحترق

قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه باع الجارية منه على أن الجنين حر على المشتري، فهو بيع فاسد؛ لأن اشتراط عتق الجنين على المشتري غرر ويفوت بنفس البيع لوجوب العتق في الجنين على المشتري بذلك، ولذلك قال: إن البيع يمضي إذا وقع ويصحح بالقيمة، والقيمة إنما تصح أن يكون يوم البيع لأنه حينئذ فات، ففي قوله يوم قبضها نظر، ومعناه إذا كان البيع والقبض في يوم واحد، ولو باعها منه على أن جنينها حر قد أعتقه البائع لوجب على مذهب ابن القاسم أن ترد الجارية ويفسخ البيع فيها ما لم تفت بما يفوت به البيع الفاسد فيكون على المبتاع قيمتها يوم قبضها على أن ولدها مستثنى لو كان يحل بيعها على ذلك، وذهب ابن حبيب إلى أنها لا تفوت بحوالة الأسواق ولا بالولادة وترد ما لم تفت بالموت أو العيوب المفسدة فيكون على المبتاع قيمتها يوم قبضها ظرفا فارغا على أن الولد مستثنى لو كان يحل بيعها على ذلك. قال: ولو أن المشتري أعتقها قبل أن تضع عتقت وكان ولاؤها وولاء جنينها للبائع ولزمته قيمتها يوم قبضها على أن الولد مستثنى. قال: وكذلك لو وهبها لزمته قيمتها يوم قبضها على أن الولد مستثنى ويكون الولد حرا إذا وضعته. [مسألة: باع زرعا قبل أن يبدو صلاحه ثم حصده وحمله إلى منزله فأصابته نار فاحترق] مسألة قال: ومن باع زرعا قبل أن يبدو صلاحه ثم حصده وحمله إلى منزله فأصابته نار فاحترق وعلم أنه ذلك القمح بعينه، قال: يكون من البائع. قال محمد بن رشد: هذا خلاف المعلوم في المذهب من أن البيع الفاسد يضمنه المبتاع بالقبض وتكون مصيبته منه إن تلف، ونحوه في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الجعل والآجال، ووجهه أنه لما كان بيعا لا يجوز لم ينعقد ولا انتقل به ملك وبقي في ملك البائع، فوجب أن يكون ضمانه منه إن قامت على تلفه بينة، وهو قول جماعة من أهل العلم في غير المذهب، والله أعلم.

مسألة: بيع الدجاجة البياضة بالبيض إلى أجل

[مسألة: بيع الدجاجة البياضة بالبيض إلى أجل] مسألة وقال في الدجاجة البياضة بالبيض إلى أجل: لا بأس به. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في حبل حبلة من سماع يحيى من كتاب السلم والآجال أكمل مما وقعت ههنا، ومضى في أول رسم من سماع ابن القاسم منه القول على حكم المزابنة وما يجوز منها مما لا يجوز مفصلا مقسما مستوفى فلا وجه لإعادته. [مسألة: بيع الصبي الصغير الذي يحمل السؤال] مسألة وقال في بيع الصبي الصغير الذي يحمل السؤال لا بأس به وإن كان مرضعا إلا أن يكون من بلد قد عمه الفساد من هذا الأمر من سرقة الأحرار وبيعهم فأحب إلي أن يتورع الرجل فيه ولست أرى أن يمنع لذلك البيع. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال: إن الاحتياط ترك شرائهم إن كانوا من بلد عرف فيه سرقة الأحرار على طريق التورع والتوقي من المتشابه مخافة الوقوع في الحرام لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كان كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه» . [مسألة: قامت عليه سلعة بعشرة دنانير فقال له رجل أربحك فيها دينارا] مسألة وعن رجل قامت عليه سلعة بعشرة دنانير فقال له رجل: أربحك فيها دينارا، قال: لا إلا أن تشرك فلانا فيكون معك

مسألة: شراء كلاب الصيد

شريكا فيها كم يأخذ من هذا وهذا؟ قال: يأخذ من كل واحد خمسة ونصفا خمسة ونصفا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه إذا باع منه على أن يشرك فلانا فرضي فلان بالشركة فقد وقعت عهدتهما جميعا عليه فيأخذ من كل واحد منهما نصف الثمن، ولا اختلاف في هذا، وإنما يختلف إذا باع منه جميع السلع فأشرك هو فيها بحضرة البيع غيره، فقيل: إن عهدة المشرك تكون على الأول فيكون له أن يأخذ الثمن منهما جميعا، وقيل: إن عهدته تكون على المشتري الذي أشركه فإليه يدفع وعليه يرجع إن طرأ ما يوجب له الرجوع. وقد مضى الاختلاف في هذا في نوازل أصبغ من هذا الكتاب، ومضى القول على ذلك مستوفى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال فلا معنى لإعادته. [مسألة: شراء كلاب الصيد] مسألة قال: ولا بأس بشراء الكلاب كلاب الصيد، ولا يعجبني بيعها. قال سحنون: نعم ويحج بثمنها، وهي الكلاب التي هي للحرث والماشية والصيد. قال محمد بن رشد: المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك أنه لا يجوز بيع الكلب وإن كان من الكلاب المأذون في اتخاذها للصيد والضرع والحرث على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في نهيه عن ثمن الكلب عموما لم يخص فيه كلبا من كلب، ويقوي ذلك ما روي

عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضاريا» ، وإجازة ابن القاسم في هذه الرواية شراء الكلب دون بيعه هو نحو قول أشهب في المدونة في الزبل: المشتري أعذر في شرائه من البائع؛ لأن الحاجة قد تدعوه إلى شراء الكلب للصيد وشبهه مما جوز له اتخاذه له، وكذلك الزبل إذا لم يجد من يعطيه ذلك دون ثمن، ولا حاجة لأحد إلى بيع ذلك لأنه إذا لم يحتج إليه تركه لمن يحتاج إليه. وقول سحنون في إجازة الكلب المأذون في اتخاذه هو قول ابن نافع وابن كنانة وأكثر أهل العلم، وهو الصحيح في النظر؛ لأنه إذا جاز الانتفاع به وجب أن يجوز بيعه وإن لم يحل أكله كالحمار الأهلي الذي لا يجوز أكله ويجوز بيعه لما جاز الانتفاع به، ومن الدليل على ذلك أيضا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من اقتنى كلبا لا يغني عنه ضرعا ولا زرعا نقص من عمله كل يوم قيراط» ، والاقتناء لا يكون إلا بالاشتراء، وقد قيل في معنى ما «روى ابن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من نهيه عن ثمن الكلب وإن كان ضاريا» إن المعنى في ذلك حين كان الحكم في الكلاب أن تقتل كلها ولا يحل لأحد إمساك شيء منها على ما روي «عن أبي رافع قال: أمرني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الكلاب فخرجت لأقتلها، لا أرى كلبا إلا قتلته حتى أتيت موضع كذا وسماه فإذا فيه كلب يدور ويلهث، فذهبت أقتله، فناداني إنسان من جوف البيت يا عبد الله، ما تريد أن تصنع؟ فقلت: أريد أن أقتل هذا الكلب، قالت: إنني امرأة بدار مضيعة، وإن هذا الكلب يطرد عني السباع، ويؤذنني بالجائي، فأت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فاذكر له ذلك فأتيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فذكرت ذلك له فأمرني بقتله» ، ثم جاء عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب ماشية، وأنه قال: «من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيرطان في كل يوم» ، فنسخ بذلك أمره الأول بقتل الكلاب عموما. وأما الكلب الذي

مسألة: اشترى من رجل مائة إردب قمح إلى الحصاد فأعطاه عند الحصاد قمحا قديما

لا يجوز اتخاذه فلا اختلاف في أن بيعه لا يجوز وأن ثمنه لا يحل، روي عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «ثمن الكلب حرام» . [مسألة: اشترى من رجل مائة إردب قمح إلى الحصاد فأعطاه عند الحصاد قمحا قديما] مسألة وعن رجل اشترى من رجل مائة إردب قمح إلى الحصاد فأعطاه عند الحصاد قمحا قديما، ولم يكن المشتري اشترط قديما ولا حديثا فأراد البائع أن يدفع إليه قديما، قال: إذا كان على صفته فذلك جائز. قال محمد بن رشد: ليست هذه المسألة في جميع الروايات، وهي صحيحة، إذ لا يفتقر في صفة الطعام المسلف فيه إلى أن يذكر قدمه من حدثه، إذ لا يختلف ثمنه باختلافه، وإنما يذكر الطيب والنقي والامتلاء وما أشبه ذلك مما يختلف ثمنه باختلافه. [مسألة: مر ببياع وعنده سل تين فقال: أنا آخذ منك هذا السل ومثله مرة أخرى بدرهم] مسألة وعن رجل مر ببياع وعنده سل تين فقال: أنا آخذ منك هذا السل ومثله مرة أخرى بدرهم، قال: هذا خفيف من قبل أنه يجوز لي أن أسلف في أسلال من تين وعنب ورطب، قيل له: ألا تراه يشبه غرار قمح ملأى يقول له: بعنيها وملأها بدينار؟ قال: هذا بين لا خير فيه لأنه لا يجوز له أن يسلف في غرائر قمح. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم أوصى من سماع عيسى فلا معنى لإعادته.

مسألة: باع بعيرا واشترط على المبتاع قربتين من ماء ببئر كذا وكذا فلم يجد في تلك البئر ماء

[مسألة: باع بعيرا واشترط على المبتاع قربتين من ماء ببئر كذا وكذا فلم يجد في تلك البئر ماء] مسألة وعن رجل باع بعيرا واشترط على المبتاع قربتين من ماء ببئر كذا وكذا فلم يجد في تلك البئر ماء، قال: إن كان يجد ماء من غير تلك البئر يشبه ماءها فإنه يأتيه بمثله، فإن كان لا يوجد مثل ذلك الماء كان للبائع قيمة البعير. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: كان للبائع قيمة البعير كلام وقع على غير تحصيل، والصواب أنه إذا لم يجد مثل ذلك الماء أن ينظر إلى قدر قيمة الماء من قيمة الماء والثمن مجموعين فيرجع بذلك الجزء في قيمة البعير لا في عينه على مذهب ابن القاسم من أجل ضرر الشركة، وأشهب يقول: إنه يرجع في عينه فلا يراعي ضرر الشركة. ولو كان مشترط الماء هو المشتري على البائع فلم يجد له مثلا لرجع عليه المشتري في الثمن الذي دفع بقدر قيمة الماء من قيمة الماء والبعير جميعا. وقد مضى لها نظائر في مواضع، من ذلك رسم أسلم ورسم البراءة من سماع عيسى. [مسألة: بيع كل زريعة توكل ويستخرج من حبها طعام] مسألة وقال: كل زريعة توكل ويستخرج من حبها طعام فإنه لا يباع حتى يستوفى، ولا يباع منه اثنان بواحد، وكل زريعة لا توكل ولا يستخرج من حبها شيء يوكل فإنه يباع قبل أن يستوفى، ويباع منها اثنان بواحد، ويباع بعضه ببعض إلى أجل. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضت متكررة في هذا السماع من كتاب السلم والآجال، ومضى القول عليها هناك مستوفى فلا وجه لإعادته مرة أخرى.

مسألة: النعال السبتية التي تجعل في الخفاف تشرى جلودها موازنة

[مسألة: النعال السبتية التي تجعل في الخفاف تشرى جلودها موازنة] مسألة وعن هذه النعال السبتية التي تجعل في الخفاف تشرى جلودها موازنة، قال: هذا حرام، ولو أجزت هذا لأجزت أن تباع الثياب موازنة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال لأن الوزن فيها غير معروف، فبيعها موازنة من الجهل والغرر الذي لا يجوز في البيوع. [مسألة: خبز الشعير بخبز القمح رطل برطل] مسألة وسئل عن خبز الشعير بخبز القمح رطل برطل فقال: لا خير فيه؛ لأن الشعير أخف من القمح، فإن تحرى فلا أرى به بأسا، قال أبو زيد: قال ابن القاسم: إنما التحري أن يعرف كيل دقيق الشعير ودقيق القمح، فإذا اعتدلا فلا بأس به، قال ابن القاسم: وإنما تحري الخبز اليابس بالرطب ليس على أن الرطب إذا يبس كان مثل اليابس، ولا على أن اليابس لو كان رطبا كان مثله، وإنما التحري عندي في هذا أن يكون فيه قدر ويبة أو نصف ويبة أو ربع ويتحرى الآخر كذلك. قال محمد بن رشد: التحري فيما يكال لا يجوز، فإنما أجاز ابن القاسم التحري في دقيق الأخباز إذ لا يمكن كيل ما دخل في الخبز من الدقيق، وهذا نحو ما مضى في رسم سلف من سماع عيسى من إجازة بيع التمر المنثور بالمكتل على التحري، وقد مضى هذا المعنى في رسم

مسألة: كان له على رجل مائتا رطل صوف فحل الأجل

كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال. وقوله: إن المماثلة في أخباز القمح بالشعير يريد والسلت، إنما تكون باعتبار أصولها هو صحيح على ما في المدونة، وقد ذهب ابن دحون إلى أن الخبز يجوز أن يباع مثلا بمثل وزنا بوزن، قال: لأنه صار صنفا على حدة، فوجب ألا تراعى أصوله، قال: ولو جاز ما قال لفسد أكثر البيوع، ولعمري إن لقوله وجها، وهو القياس على الأخلال والأنبذة أنها تجوز مثلا بمثل ولا يراعى ما دخل في كل واحد منهما من التمر أو الزبيب أو العنب، وكذلك الدقيق بالدقيق أجازه مالك مثلا بمثل دون مراعاة دخل في كل واحد منهما من القمح أو من القمح والشعير إن كانا تبايعا دقيق قمح بدقيق شعير، ومعلوم أن ريع الشعير لا يساوي ريع القمح، فهذا يشهد لما ذهب إليه ابن دحون، والحجة له بالأنبذة والأخلال أبين لأنها تختلف بما انضاف إليها من الماء كما تختلف الأخباز بما انضاف إليها من الماء، إذ قد يكون بعضها أقل من بعض، وأما الدقيق فلم ينضف إليه في طحنه شيء سواه، وريعه يقرب بعضه من بعض، فلهذا أجازه والله أعلم، ألا ترى أنه لم يجز المشوي بالمشوي ولا القديد بالقديد من اللحم إلا بتحري أصولهما لتباعد ما بينهما في الرطوبة واليبس، وأما اللحم المطبوخ بالأبزار باللحم المطبوخ بالأبزار فالقول فيه كالقول في الخبز بالخبز لأن كل واحد منهما خرج إلى صنف آخر، فانظر في ذلك. وأما إن كانت أصول الأخباز مما يجوز فيه التفاضل فلا اختلاف في أن المماثلة تعتبر في أعيان الأخباز بالوزن على مذهب من يرى الأخباز كلها صنفا واحدا، وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب السلم والآجال، وقد مضى هناك ذكر الاختلاف في ذلك فلا معنى لإعادته. [مسألة: كان له على رجل مائتا رطل صوف فحل الأجل] مسألة وعن رجل كان له على رجل مائتا رطل صوف فحل الأجل

فوجد الرجل عند غريمه أربعة عشر كبشا سبعة منها مجزوزة وسبعة مصوفة فأراد أن يأخذ منه تلك الأكباش كلها بثمانين رطلا من صوف مما عليه، قال: إن كان يعرف كم في تلك السبعة الأكبش من صوف حتى لا يشك فيه إلا يسيرا رطل أو نحوه فإنه قيل لي إنه يعرف، وما أيسر ما يقع عنهم من علمه يريدون تلك الجزز فلا أرى به بأسا، وإن كان لا يعرف ويقع في معرفته غبن كثير فلا خير فيه، قيل له: أرأيت لو كان لرجل على رجل مائتا رطل صوف فأحضر الجزز ليزنها، فأراد أن يأخذ منه جزرا بالمائتي رطل من غير وزن؟ قال: إن تحرى ذلك حتى يعرف فإن زاد زاد يسيرا وإن نقص عما تحرى نقص يسيرا فلا أرى به بأسا، وإن كان لا يعلم إلا بتغابن كثير فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: إجازة ابن القاسم في هذه المسألة أن يؤخذ الصوف بالتحري دون وزن من الوزن الذي له هو على قياس قوله في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال. قوله فيه: وكل صنف من الطعام أو غيره مما يجوز منه واحد باثنين من صنفه فلا بأس باقتسامه على التحري كان مما يكال أو يوزن أو مما لا يكال ولا يوزن، وعلى خلاف ما في آخر السلم الثالث من المدونة. قوله فيه: وكل شيء يجوز منه واحد باثنين من صنفه إذا كايله أو راطله أو عاده فلا يجوز الجزاف بينهما لا منهما ولا من أحدهما لأنه من المزابنة إلا أن يكون الذي يعطي أحدهما متفاوتا يعلم أنه أكثر من الذي أخذ من ذلك الصنف بشيء كثير، وهو إذا تقارب عند مالك ما بينهما كان من المزابنة وإن كان ترابا. وقد قال ابن دحون في مسألتي الصوف هاتين إنهما مخالفتان لأصل مالك وأصحابه في أن الصنف الواحد مما يجوز فيه التفاضل لا يجوز بعضه ببعض إلا إذا بان

مسألة: يأتي البزاز فيقول بكم هذا المتاع عليك فيقول بعشرة نقص

التفاضل وظهر، وأما إن لم يبن وتحرى أن يكون مثلا بمثل فهو من المزابنة، وإنما عول ابن دحون على ما وقع في المدونة، وهو أصل قد اختلف فيه، وقد مضى تحصيله في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال. وأما إجازة التحري فيما لا يجوز فيه التفاضل فلا يجوز فيما يكال ويجوز فيما يوزن على تفصيل قد مضى القول فيه في رسم سلف من سماع عيسى [وفي غيره] . [مسألة: يأتي البزاز فيقول بكم هذا المتاع عليك فيقول بعشرة نقص] مسألة وسئل عن رجل يأتي البزاز فيقول بكم هذا المتاع عليك؟ فيقول: بعشرة نقص، فيقول: ليست معي نقص ولكني أحسبها عليك بقائمة، وإني أربحك فيها نصفا، فيقول: هي تجيء تسعة قائمة، فيقول: قد أربحتك فيها نصفا، قال: لا بأس بهذا لأنه بيع حادث كأنه باعه مساومة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال في جوازها لأنه أربحه على تسعة قائمة بعد أن بين له أنه ابتاعها بعشرة نقص، فذلك جائز كما لو باعها مساومة بتسعة قائمة. [مسألة: بيع الرطب عددا] مسألة وقال في التمر يباع عددا: وقال مالك في الرطب يباع عددا فكرهه وقال: هو عندي مثل التمر، قال ابن وهب: إذا أحاط

مسألة: قدم بقمح من بلد فقال حين خرج إن أنا وجدت بيعا في الطريق بعته وإلا بلغته

بصره به صغيره وكبيره فلا أرى به بأسا، قال ابن القاسم: إذا كان شيئا يسيرا فلا بأس به قدر ما لا يكال مما لا يمكن فيه الكيل. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في الكثير من التمر أنه لا يجوز أن يباع عددا لأن الأصل فيه الكيل، فلا يجوز أن يباع وزنا ولا عددا لأن ذلك من الغرر، ولا اختلاف أيضا في اليسير الذي لا يكال ولا يتأتى فيه الكيل أنه يجوز أن يباع عددا كما قال ابن القاسم، وإنما الاختلاف في اليسير الذي يتأتى فيه الكيل ويعرف لقلته بعدده مقدار كيله، فكرهه مالك وأجازه ابن وهب إذا أحاط به بصره صغيره وكبيره يريد فعرف بذلك مقدار كيله، والله أعلم. واختلف في وجه كراهة مالك لذلك، فقيل: لما يقع في ذلك من الجهل وإن قل، إذ لا يعرف حقيقة ما فيه من الكيل بالعدد، وقيل: إنما كرهه لما في الكيل من البركة، روى الحارث عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول لصاحب السوق أنهيت الناس عن بيع الرطب عددا؟ قال: نعم، أردت ألا يباع إلا كيلا لما في الكيل من البركة، قال له مالك: إني أكره أن يباع الرطب عددا بالدراهم مثل بيع أهل المدينة. [مسألة: قدم بقمح من بلد فقال حين خرج إن أنا وجدت بيعا في الطريق بعته وإلا بلغته] مسألة وقال في رجل قدم بقمح من الإسكندرية فقال حين خرج: إن أنا وجدت بيعا في الطريق بعته وإلا بلغته الفسطاط، قال: لا يبع في الطريق وليبلغ به الفسطاط إلا أن يكون نوى به إلى قرية فيها سوق فلا بأس أن يبيعه فيها، قيل له فأراد أن يختزنه في منية موسى ثم بدا له أن يبيعه ثم قال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ «لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن تلقي السلع وعن بيعها حتى يهبط بها إلى الأسواق» فإذا لم يجد ثمنا خرج

مسألة: اشترى منه بعشرة دنانير قمحا فولاه رجلا فأراد أخذ العشرة فأعطاه تسعة

بطعامه إلى الفسطاط أن يبيعه بالطريق قبل أن يبلغ به الفسطاط لنهي رسول الله عن ذلك وجب ألا يجوز ذلك له وإن نواه، إذ لا تأثير للنية في جواز ذلك، بل ينبغي أن يكون الأمر أشد عليه إذا نواه، إذ لا يجوز لأحد أن ينوي فعل ما لا يجوز له فعله وذلك إذا باعه بالطريق ممن يريده للبيع. وأما إن مر بقرية على أميال من الحاضرة فجائز له أن يبيعهم ما يحتاجون إليه للأكل، فإن نوى قرية فيها سوق جاز أن يبيع طعامه فيه إذا كان جائزا له أن يبيعه فيه وإن لم ينو ذلك عند خروجه، إذ لا تأثير للنية فيما يجوز من ذلك مما لا يجوز منه. وأما إذا اختزنه في الطريق بموضع ليس فيه سوق فقال: إنه إن بدا له أن يبيعه فيه جاز ذلك ولم يكن به بأس، وفي هذا تفصيل، أما إذا باعه من أهل ذلك الموضع ليأكلوه أو ليبيعوه فلا بأس بذلك لأنه قد صار باختزانه في ذلك الموضع كأنه قد أصيب فيه، وأما إن باعه ممن خرج من أهل الحاضرة لشرائه فيجري ذلك محلى الاختلاف في أهل الحاضرة يخرجون إلى الحوائط يشترون من ثمارها أجاز ذلك ابن القاسم ورواه عن مالك، وهو قول أشهب خلاف روايته عن مالك في سماعه من كتاب السلطان أن ذلك لا يجوز، وقد مضى ذلك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم. [مسألة: اشترى منه بعشرة دنانير قمحا فولاه رجلا فأراد أخذ العشرة فأعطاه تسعة] مسألة وسئل عن رجل اشترى من رجل بعشرة دنانير قمحا فولاه رجلا، فلما أراد أخذ العشرة منه أخذ منه تسعة وقال له: قد تصدقت عليك بالدينار، قال: هذا مكروه، ولا خير فيه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إن ذلك لا خير فيه لما يخشى من أن يكون قد نوى ذلك عند التولية ولعل المولى قد رجا أن يضع عنه أو فهم ذلك من إرادته فيكون كأنه قد ولاه إياه بأقل مما اشتراه فيكون بيعا له

مسألة: استعان رجلا يبتاع له سلعة

قبل استيفائه، وأما لو وقعت التولية بالعشرة لا ينوي أن يعطه منها شيئا ولا يطمع بذلك المولى منه ثم بدا له فحط عنه لم يكن على واحد منهما في ذلك حرج والله أعلم. [مسألة: استعان رجلا يبتاع له سلعة] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل استعان رجلا يبتاع له سلعة فلما ابتاعها واستوجبها قال للبائع: خذ ذهبك من هذا يا رب السلعة للذي استعان به وادفع إليه السلعة ففعل ذلك البائع فوجد بعد ذلك في الذهب نقصا وقد غاب رب السلعة أو فلس، قال: إن كان المستعان لم يعلمه ذلك كان عليه بد لها. قال محمد بن رشد: قوله إن كان المستعان لم يعلمه ذلك كان عليه بدلها معناه إن كان لم يعلمه عند الشراء أنه إنما يشتري منه لفلان المستعين له على الشراء وأنه إليه يدفع ومنه يقبض فعليه البدل، ولا ينتفع بقوله له بعد الشراء ادفع إلى فلان السلعة وخذ منه الثمن فإني اشتريتها له إلا أن يصدقه في ذلك. ولو قال له عند الشراء إني إنما اشتريتها لفلان ودفع هو إليه الثمن وقال: إنه مال فلان فوجد فيه نقصا وقد غاب فلان لوجب على المشتري البدل ما لم يصدقه البائع على ذلك ويبيعه عليه بتصريح على قياس ما مضى لأصبغ في نوازله قبل هذا خلاف قول ابن الماجشون. [مسألة: باع جارية وعليها حلي وثياب] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون قال سحنون عن علي بن زياد عن مالك إنه قال في رجل باع جارية وعليها حلي وثياب، قال: إن كان يعرف أنها هيئت بذلك للبيع فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، فإن اشترطه المبتاع جاز البيع.

مسألة: اشترى عرصة فلما أراد البنيان فيها وجد بئرا عادية لها بال

قال محمد بن رشد: قد مضى في أول سماع ابن القاسم من رواية ابن القاسم عن مالك مثل رواية ابن زياد هذه عنه، ومضى القول على ذلك هنالك فلا وجه لإعادته. [مسألة: اشترى عرصة فلما أراد البنيان فيها وجد بئرا عادية لها بال] مسألة وسئل عن رجل اشترى عرصة فلما أراد البنيان فيها وجد بئرا عادية لها بال، فقال البائع: بعتك شيئا لم أعرفه، وأنا أفسخ البيع، قال سحنون: أراها للمشتري وكذلك المواريث إذا اقتسمها الورثة فوجد في سهمه مثل ذلك أن ذلك له دون ورثته. قال محمد بن رشد: وكذلك لو وجد المشتري في العرصة التي اشترى صخرا أو عمدا أو رخاما أو وجد ذلك أحد الورثة في حظه لكان ذلك له على قول سحنون هذا، وهو قول ابن حبيب في الواضحة وابن دينار في المدنية نصا وعلى قياس أحد قولي ابن القاسم في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الأقضية في الذي يجد في أرضه جبا وباب الجب في أرض غيره إن له أن يأخذ ما كان منه في أرضه وينتفع به ويسده فيما بينه وبين صاحبه، ولا يستحقه صاحبه بالباب. ويأتي على قياس قول ابن القاسم في الرسم المذكور أن الجب لصاحب الباب ولا حق فيه للذي وجده في أرضه أنه إن وجد المشتري في العرصة التي اشترى بئرا أو جبا أو

بيتا لم يعلم بها البائع أن للبائع أن ينقض البيع، وكذلك إذا وجد ذلك أحد الورثة في حظه كان للآخرين نقض القسمة، وأنه إذا وجد فيما اشترى صخرا أو عمدا أو رخاما مغيبا تحت الأرض فهو للبائع، فإن وجد ذلك أحد الورثة في حظه فهو بينهم، وكذلك قال ابن القاسم في أول رسم من سماع عيسى من كتاب اللقطة أنه لا حق في ذلك للمبتاع. قال محمد بن رشد: وهذا الاختلاف إنما هو في المجهول الذي لا يعلم صاحبه، وأما إن ثبت أن ما وجد مغيبا في الأرض أنه من متاع البائع أو من متاع من ورثه عنه فلا اختلاف في أنه له، وكذلك إن علم أن ما وجده أحد الورثة في حظه من ذلك أنه لموروثهم فهو بينهم بلا خلاف، وكذلك إن ثبت أن البئر أو الجب أو البيت الموجود تحت الأرض من عمل البائع كان نسيه أو من عمل من ورثه عنه فلا اختلاف في أن للبائع أن ينقض البيع وأن لمن يجد ذلك في حظه من الورثة أن ينقض القسمة. وجه القول الأول في المجهول أنه لمن وجد ذلك في أرضه هو أن البائع لم يثبت له عليه ملك، وقد باع الأرض ولا يعلم ما في داخلها فوجب ألا يكون للبائع حجة على المبتاع فيما وجده المبتاع فيها مما ينتفع به، كما لا يكون للمبتاع حجة على البائع فيما وجده فيها من جبل يمنعه من أن يحدث فيها ما يحتاج إليه من جب أو بئر أو غراس؟ ووجه القول الثاني أن ما وجد في الأرض مما يعلم أنه محدث فيها من جب أو بئر أو موضوع فيها من صخر أو عمد أو رخام فإنه محمول على أنه للبائع، إذ لعله قد انتقل إليه بميراث لم يعلم به وما أشبه ذلك، فوجب ألا يسقط حقه فيه جهله به، وإن علم أنه ليس له فحكمه حكم اللقطة، وهذا القول أظهر، والله أعلم، وبه التوفيق.

كتاب البضائع والوكالات الأول

[كتاب البضائع والوكالات الأول] [أسلف رجلا دينارا فجاءه به فرده لشيء كرهه]

من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس قال سحنون أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال: من أسلف رجلا دينارا فجاءه به فرده لشيء كرهه، فقال له: ادفعه إلى فلان، فقال: إن كان قبضه ورآه وعرفه ثم رده إليه فلا ضمان عليه إن تلف، وإن كان لم يره صاحبه فهو من المسلف حتى يرده. قال محمد بن رشد: قوله: ادفعه إلى فلان يريد ادفعه إليه يبدله لك، ولم ير أن ينتقل الدينار من ذمة المستسلف له إلى أمانته بقول الذي أسلفه إياه ادفعه إلى فلان حتى يقبضه منه ثم يرده إليه ليحمله إلى فلان، ومثله في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الكفالة والحوالة، وفي السلم الأول من المدونة في الذي يسلم الثوب في طعام فيحرقه رجل في يده قبل أن يقبضه المسلم إليه لأنه قال فيه: إن قال إنما تركه وديعة في يده بعدما دفعه إليه فأرى قيمته له على من أحرقه والسلم على حاله، وعلى هذا يأتي قوله في كتاب القراض من المدونة في مال القراض يضيع منه

مسألة: أرسل رسولا يبيع له غلاما ولم يوقت له شيئا فاختلفا

بعضه فيخبر بذلك رب المال فيقول له: اعمل بما بقي في يدك قراضا إنه على القراض الأول وإن أحضر المال وحاسبه ما لم يدفعه إليه ثم يرده إليه قراضا مستأنفا خلاف ما حكى ابن حبيب عن مالك في الواضحة وربيعة والليث ومطرف وابن الماجشون وجماعة أصحاب مالك إلا ابن القاسم فإنه كان يشدد فيه ويقول: إنه على القراض الأول حتى يدفعه إليه ثم يرده عليه، فيأتي على قوله في مسألتنا أن الدينار ينتقل من ذمة المستسلف إذا أحضره بقول المسلف له ادفعه إلى فلان يبدله لك، ولو كان المسلف للدينار قبض ديناره من المستسلف له ثم أتاه به فقال: وجدته معيبا وإنما أسلفتك سالما، فقال له: إنما أخذته من فلان فاذهب به إليه يبدله لك لوجب على هذه الرواية أن يكون ضمانه إن تلف في الذهاب به من صاحبه القابض له الذاهب به وألا ينتقل عن ذمته إلى أمانته لقول الدافع له: اذهب به إلى فلان يبدله لك، ولوجب أيضا على ما حكى ابن حبيب في الواضحة عمن ذكرناه أن ينتقل بقوله: اذهب به إلى فلان يبدله لك من ذمته إلى أمانته فيصدق في دعواه تلفه، ويتخرج في هذا الوجه قول ثالث في المسألة وهو أن يكون في يده كالرهن لا يصدق في دعواه تلفه إلا أن تقوم على ذلك بينة حسبما ذكرناه وبينا وجهه في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الكفالة والحوالة. [مسألة: أرسل رسولا يبيع له غلاما ولم يوقت له شيئا فاختلفا] مسألة وقال مالك في رجل أرسل رسولا يبيع له غلاما ولم يوقت له شيئا، فاختلفا، فقال المشتري: ابتعته بأربعين دينارا وقال الرسول وهو البائع: لا بل بخمسين دينارا أرى الأيمان بينهما، فإن

أبى الرسول أن يحلف لم يفسخ البيع بينهما ولم يقل لصاحب الغلام احلف؛ لأنه لا علم له، ولكن يحلف المشتري ويكون القول قوله مع يمينه. قال محمد بن رشد: قوله: ولم يؤقت له شيئا معناه: وقد فوض إليه أن يبيع بما يراه لأنه لو لم يؤقت له ثمنا ولا فوض إليه أن يبيع بما يراه لكان الأمر موقوفا على رضاه ولوجب إذا قال الرسول: بعت بخمسين، وقال المشتري: اشتريت بأربعين إن قال رب العبد: لا أرضى أن أبيع عبدي بالخمسين التي قال إنه باع العبد بها أن يأخذ عبده، وإن قال: لا أرضى أن أبيع عبدي بدون الخمسين التي باعه بها أن يقال للمشتري: إن أردت أن تأخذ العبد بخمسين فخذه وإلا فلا شيء لك، ولا أيمان بينهما في شيء من ذلك كله. وأما إن قال رب العبد: لو باعه بأربعين لرضيت بذلك، ولكنه قد قال: إنه باعه بخمسين فأنا أطلبها لكانت الأيمان بينهما في ذلك على ما ذكره إذا لم يوقت له ثمنا وفوض إليه البيع باجتهاده، يريد أن الأيمان تكون بينهما على ما تكون بين المتبايعين إذا اختلفا في الثمن والسلعة قائمة أو فائتة. وقوله: فإن أبى الرسول أن يحلف لم يفسخ البيع بينهما صحيح؛ لأن البيع إنما لم يفسخ إذا حلفا جميعا أو نكلا جميعا على ما سنذكره في ذلك من الاختلاف. وقوله: ولم يقل لصاحب الغلام احلف معناه أنه لا يجب عليه أن يحلف إذ لم يل البيع فقد لا يعرف الثمن، وإنما يجب اليمين على الوكيل الذي ولي البيع، وأما هو فمن حقه إن ادعى معرفة الثمن أن يحلف إن شاء في موضع الرسول فيفسخ البيع إذا حلف المشتري ولا يجب له على الرسول بنكوله شيء؛ لأنه لما حلف فقد اختار فسخ البيع على إمضائه بيمين المشتري ويضمن العشرة للرسول، وكذلك إذا حلف الوكيل والمشتري وانفسخ البيع لم يجب على الوكيل شيء لأن الإشهاد لا يتعين عليه إلا عند دفع السلعة. ألا ترى أنه لو قال:

بعت العبد بخمسين فأنكر المشتري الشراء جملة وحلف لم يلزم الرسول شيء، ولو كان قد دفع إليه العبد فجحد الثمن وأنكر أن يكون قبض العبد فحلف لضمن الرسول الخمسين لا قيمة العبد، كذلك قال في المدونة إنه يضمن الثمن. والوجه في ذلك أن الإشهاد بالثمن إنما يتعين عليه عند دفع العبد، وإن لم يحلف واحد منهما حلف المشتري وكان القول قوله على ما قال في الرواية، ورجع رب العبد على الرسول بالعشرة التي أتلفها عليه بنكوله عن اليمين، قاله مالك في كتاب ابن المواز. ولو دفع الرسول العبد إلى المشتري ففات عنده ووجب أن يكون القول قوله لحلف وغرم الرسول العشرة التي أتلف على رب العبد بتركه الإشهاد على المشتري بالثمن، إذ دفع إليه العبد، قاله مالك في كتاب ابن المواز أيضا، ولم يتكلم في هذه الرواية إن نكل المشتري بعد نكول الرسول، وحكاها ابن حبيب وزاد فيها فإن نكل المشتري عن اليمين أيضا لزمه البيع، يريد بما ادعى الرسول البائع، وإلى هذا ذهب ابن حبيب في المتبايعين إذا اختلفا في الثمن فقال: إنهما إن نكلا كان القول قول البائع. وقد قال أبو بكر بن محمد في هذه المسألة: فإن أبى المشتري أن يحلف بعد نكول الرسول غرم ما قال الرسول، وهو خلاف المتبايعين، وقوله: وهو خلاف المتبايعين لا يصح بوجه لأنهما متبايعان فلا فرق في حلفهما أو في حلف أحدهما ونكول الآخر، أو في نكولهما جميعا بين أن يكون البائع منهما هو رب السلعة أو وكيله على البيع، ففي نكولهما جميعا قولان: أحدهما أن القول قول الوكيل على البيع أو قول رب السلعة إن كان هو الذي ولي البيع، وهو نص قول مالك في هذه المسألة ومذهب ابن حبيب، والثاني أن نكولهما جميعا بمنزلة حلفهما جميعا ينفسخ البيع فيما بينهما، وهو مذهب ابن القاسم على قول شريح في كتاب بيع الخيار من المدونة إن حلفا ترادا وإن نكلا ترادا، وقيل: إنما يكون القول قول الرسول أو قول رب السلعة إذا نكلا عن اليمين جميعا مع يمينه لقد باع العبد منه بخمسين لأنه في هذا على

المشتري مدع صدقا، فإذا نكل المشتري المدعى عليه عن اليمين على ذلك رجعت اليمين على المدعي وهو البائع فحلف واستحق ما حلف عليه. ويبعد قول من قال: إن البائع لما كان هو المبدأ باليمين فنكل عنها ثم نكل المشتري بعده عن اليمين كان القول قول البائع بلا يمين، بمنزلة من ادعى على رجل حقا له فيه شاهد واحد فأبى أن يحلف مع شاهده ورد اليمين على المدعى عليه فنكل عن اليمين أن المدعي يكون له ما ادعى دون يمين لنكول صاحبه بعد نكوله هو؛ لأن يمين البائع لقد باع العبد منه بخمسين لم تجب له ولا مكن منها فلم ينكل عنها؛ لأن صفة أيمانها أن يحلف البائع ما باع العبد منه بأربعين، ويحلف المشتري ما اشتراه بخمسين؛ لأن البائع مدعى عليه أنه باع بأربعين، وهو منكر لذلك، فوجب أن يحلف عليه؛ والمشتري مدعى عليه أنه اشتراه بخمسين وهو منكر لذلك، فوجب أن يحلف عليه، وليس على البائع أن يزيد في يمينه: ولقد باعه منه بخمسين لأنه باع في ذلك على المشتري، فقد كذبه بيمينه، إلا أن يشاء أن يزيد ذلك في يمينه أو يجمع المعنيين في لفظ واحد فيحلف أنه ما باعه منه إلا خمسين رجاء أن ينكل صاحبه عن اليمين فلا يحتاج إلى يمين أخرى ويكتفي باليمين الأول، فلم ينكل عن اليمين على هذه الزيادة إذ لم تكن واجبة عليه، ولا كان من حقه أن يحلف عليها ويستحق الخمسين، فوجب إذا نقل المشتري عن اليمين أنه ما اشتراها منه بخمسين ألا يستحق هو الخمسين إلا بعد يمينه: لقد باعه منه بخمسين، فإذا حمل قول ابن حبيب على هذا لصحة ما ذكرناه من معناه وجب أن يصرف قول ابن القاسم بالتأويل إليه فيقال: معنى قوله وإن نكلا ترادا أي إن أبى البائع أن يحلف على كل حال أولا وآخرا فتستقيم المسألة ويصحح معناها ولا يكون بين ابن القاسم وبين ابن حبيب اختلاف فيها، ومن تأول على ابن حبيب في قوله إذا نكل عن اليمين كان القول قول البائع أنه يكون القول قوله دون يمين فعد قوله مثل أقوال أهل العراق في القضاء بالنكول دون اليمين على

مسألة: بعث معه بضاعة فيريد أن يحسب نفقتها كما يحسب على القراض

المدعى، وذلك خلاف مذهب مالك وجميع أصحابه، وسيأتي في رسم نقدها نقدها من سماع عيسى الحكم إذا باع الرسول العبد فوجد المشتري به عيبا فهو من معنى هذه المسألة. [مسألة: بعث معه بضاعة فيريد أن يحسب نفقتها كما يحسب على القراض] مسألة قال ابن القاسم عن مالك في رجل تبعث معه بضاعة فيريد أن يحسب على صاحبها من النفقة كما يحسب على القراض، قال: إن كان شيئا كثيرا فذلك له، وإن كان شيئا تافها فلا، قال ابن القاسم وذلك رأيي إذا كان الذي حمل من ذلك شيئا له بال، فأما إذا كان الشيء اليسير فلا أرى ذلك عليه. قال محمد بن رشد: وافق ابن القاسم مالكا فيما رواه عنه من أن البضاعة إذا كانت كثيرة لها بال، قال محمد مثل الخمسين والأربعين كان للمبضع معه أن يقبض نفقته على البضاعة وعلى ماله الذي خرج به قياسا على من أخذ مالا قراضا فخرج به وبمال له أن نفقته تكون مفضوضة على المالين، وفي رسم الأقضية من سماع أشهب خلاف هذا أنه لا يحسب على البضاعة من النفقة شيء، وهو الأظهر لبعد قياس البضاعة في هذا على القراض؛ لأن الحكم في القراض أن تكون نفقة المقارض في سفره من مال القراض، فقد دخل معه رب المال على ذلك إذ لم يتطوع له بشيء، والمبضع معه قد تطوع لرب البضاعة بحملها ولم يعلمه أنه يحسب شيئا من نفقته عليه، ولعله لو علم بذلك لم يرض به ولم يسلم بضاعته إليه، فكان الأظهر ألا يكون له أن يحسب من نفقته شيئا عليها إلا بشرط أو عرف. وفي قوله في آخر رواية أشهب وإن أشياء لتكون يوما لا تجمل ولا تحسن ما يدل على أنه يكره له أن يفعل ذلك. وليس بمحظور عليه فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: الجواز، والمنع والكراهة، وبالله تعالى التوفيق.

مسألة: أبضع معه بضاعة في سلعة من السلع فابتاع غيرها ثم باعها فربح

[مسألة: أبضع معه بضاعة في سلعة من السلع فابتاع غيرها ثم باعها فربح] مسألة وقال مالك فيمن أبضع معه بضاعة في سلعة من السلع فابتاع غيرها ثم باعها فربح فيها ثم ابتاع أخرى فوضع، وذلك كله بغير إذن صاحب البضاعة قال: الربح لصاحبها والضمان على من افتات عليه بما افتات. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة إذا لم يفرق فيها بين أن تكون السلعة التي أمره بشرائها موجودة في ذلك البلد أو غير موجودة فيه أنه ابتاع غير السلعة التي أبضع معه فيها لرب البضاعة، ولذلك قال: إنه يكون الربح الذي ربح في الأولى لصاحبها الذي ابتاعها له والوضيعة التي وضع في الثانية على المبضع معه المفتات عليه في شراء ما لم يأمره به، ولو قدم بها لكان مخيرا بين أن يأخذها لأنه ابتاعها له بماله وبين أن يتركها ويضمنه ماله. وهذه المسألة تتشعب إلى وجوه كثيرة: منها أن يشتري المبضع معه في ذلك البلد ببضاعة الرجل السلعة التي أمره بشرائها له أو لنفسه، ومنها أن يشتري في ذلك البلد أو غير ذلك البلد ببضاعته غير السلعة التي أمره بشرائها له أو لنفسه أيضا فيبيعها بربح أو بخسارة أو يقدم بها والسلعة التي أمره بشرائها موجودة في ذلك البلد أو غير موجودة فيه، ومنها أن يشتري في غير ذلك البلد السلعة التي أمره بشرائها إذا لم يجدها في ذلك البلد أو قبل أن يبلغه، فأما إن اشترى في ذلك البلد ببضاعته السلعة التي أمره بشرائها فهي له لازمة، واختلف أنه إن زعم أنه اشتراها لنفسه فروى محمد بن يحيى السبائي عن مالك أنه يحلف على ذلك وتكون له ويرد إليه ماله، وقيل: إنه لا يصدق في ذلك إلا أن يكون أشهد قبل الشراء أنه إنما يشتريها بالبضاعة لنفسه لا له، فتكون له ويرد إلى الرجل بضاعته، وقع هذا القول في الثمانية لأبي زيد، وقيل: إنه لا يصدق في ذلك وإن

أشهد وتكون السلعة لرب البضاعة إلا أن يعلمه قبل الشراء أنه إنما يشتريها لنفسه لا له، وهو قول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في الثمانية. وهذه الثلاثة الأقوال في السلعة المعينة ولا فرق، وأما إذا اشترى في ذلك البلد أو في غير ذلك البلد غير السلعة التي أمره بشرائها لصاحب البضاعة فسواء كانت السلعة التي أمره بشرائها موجودة في ذلك البلد أو غير موجودة فيه يكون الربح لصاحب البضاعة إن باعها بربح لأنه اشتراها له، والنقصان إن باعها بوضيعة على المشتري المفتات، وإن قدم بها كان صاحب البضاعة مخيرا بيمين أن يأخذها لأنه اشتراها له بماله، وبين أن يتركها ويضمنه ماله حسبما وصفناه في أول المسألة. وأما إن اشترى في ذلك البلد أو في غير ذلك البلد غير السلعة التي أمره بشرائها لنفسه فباعها بربح أو وضيعة أو قدم بها، فإن كانت السلعة التي أمره بشرائها موجودة في ذلك البلد فالربح لصاحب البضاعة والوضيعة على المبضع معه، وإن قدم بالسلعة كان رب المال بالخيار بين أن يأخذها أو يضمنه ماله، وقال مطرف: الربح والوضيعة للمبضع سعه. وأما إن كانت السلعة غير موجودة في ذلك البلد فالربح له والوضيعة عليه لأنه اشتراها لنفسه، واختلف إن قدم بالسلعة فظاهر قول ابن القاسم في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ أن لرب المال أن يأخذها إن شاء، وعاب ذلك أصبغ وخطأه وقال: لا سبيل لرب المال إلى أخذها إلا إن كان اشتراها والسلعة التي أمره بشرائها موجودة في ذلك البلد، ومثل قول أصبغ هذا لابن القاسم في سماع سحنون، فيحتمل أن يتأول قول ابن القاسم في سماع أصبغ على هذا فلا يلزمه اعتراض أصبغ وتخطئته لقوله. واختلف أيضا إن اشترى له ما أمره به بعد أن باع السلعة التي كان اشتراها لنفسه فقال مطرف: هو بالخيار في أخذها، وقال ابن الماجشون: يلزمه أخذها إذا كانت على الصفة، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك. وأما إن اشترى في غير ذلك البلد السلعة التي أمره بشرائها بعد أن لم يجد مما في البلد وقبل أن يبلغه فقال ابن القاسم في آخر رسم أوصى من

مسألة: أبضع معه في ثوب فاشتراه ثم قال للذي باعه اذهب به فسرق منه

سماع عيسى: إن صاحب المال بالخيار إن شاء أخذها وإن شاء تركها، وقال عيسى بن دينار من رأيه: يلزمه أخذها إذا كانت على الصفة أو اشتراها بمثل الثمن، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: أبضع معه في ثوب فاشتراه ثم قال للذي باعه اذهب به فسرق منه] مسألة وقال مالك فيمن أبضع معه في ثوب فاشتراه ثم قال للذي باعه: اذهب به فأره صاحبي، قال: نعم، فسقط منه أو سرق، قال: فإن ثمنه ضامن على الذي أرسله. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه اشترى الثوب بالخيار على أن يريه صاحبه، وكذلك ذكر في كتاب ابن المواز أنه كان اشتراه له بالخيار إذ لا معنى لاستئذانه البائع بعد ثبات البيع في أن يريه صاحبه. وقوله إذا كان اشتراه على الخيار فإن ثمنه ضامن على الذي أرسله صحيح لأن ضمانه منه إذا لم يعرف هلاكه إلا بقوله على حكم ما اشترى بالخيار، ولا حجة له على المبضع معه بأن يقول له: قد تعديت علي إذ اشتريت بالخيار دون أن آمرك بذلك، إذ لا ضرر عليه في الخيار بل له فيه منفعة على كل حال، إلا أن يكون زاد في الثمن بسبب الخيار فيكون من حقه أن يرجع عليه بالزيادة إن تلفت السلعة قبل أن يختار، ويحتمل أن يكون معنى المسألة أنه اشترى له السلعة شراء باتا ثم سأل البائع بعد تمام البيع أن يجعل له الخيار فيها حتى يريها صاحبه، فتستقيم المسألة أيضا على هذا التأويل، ويصح فيها الجواب، ولا يكون لصاحبها في ذلك حجة ولا كلام.

مسألة: اشترى سلعة أو تكارى دابة فقال: اشتريتها لامرأتي ثم طلب منها الثمن

[مسألة: اشترى سلعة أو تكارى دابة فقال: اشتريتها لامرأتي ثم طلب منها الثمن] مسألة وقال مالك فيمن اشترى سلعة أو تكارى دابة فقال: اشتريتها لامرأتي، نقد الثمن أو الكراء أو لم ينقد، وقد حازت المرأة الدابة أو سكنت المنزل، ثم طلب منها الثمن، فقالت: قد دفعته إليك ولا بينة لها، قال: إن كان نقد الثمن فيمين المرأة: لقد دفعت إليه ثمنها، وما عندي منه قليل ولا كثير، وإن كان لم ينقد حلف الزوج بالله ما اقتضيت من ثمنها شيئا، ثم يأخذ منها. قال محمد بن رشد: زاد في هذه المسألة في أول سماع ابن القاسم من كتاب الدعوى والصلح: قال سحنون وعيسى وإن أشهد الزوج عند دفعه الثمن إلى البائع أنه إنما ينقد من ماله ثم قالت المرأة: إني دفعت إليه الثمن لم أجعل القول قولها، ورأيت القول قول الزوج مع يمينه، وقولهما خلاف لقول مالك بعيد في النظر؛ لأنه يتهم على أن يتقدم بالإشهاد على ذلك ليكون القول قوله. ووقع في رسم استأذن من سماع عيسى بعد هذا في الرجل يوكل الرجل على شراء سلعة فيشتريها وينقد الثمن ثم يطلبه من الآمر فيقول: قد أعطيته لك وإنما اشتريتها بدراهمي أن القول قول الوكيل المشتري مع يمينه: يحلف ما أخذ منه ثمنها ثم يأخذه منه، فقال بعض أهل النظر: المعنى فيها أن الآمر لم يقبض السلعة ولذلك القول قول المأمور، فليست بخلاف لما في سماع ابن القاسم لأن الرجل سفير امرأته على ما قال في رسم حلف، والصواب أنها خلاف لها لأنه لم يعلل في سماع ابن القاسم بقبض السلعة، ولا يصح أن يعلل بذلك على مذهب ابن القاسم لأنها ليست برهن له على مذهبه يجب له إمساكها حتى يقبض الثمن، بل يلزمه دفعها إليه واتباعه بالثمن، وإنما يصح أن يعلل بقبض السلعة على مذهب أشهب الذي يراها رهنا بيده من حقه أن يمسكها

مسألة: يسلف الناس في البيع ويزعم أنه اشترى جميع ذلك لفلان

حتى يقبض الثمن، وإنما وجه ما في سماع عيسى أنه أحل المأمور محل البائع في أن القول قوله أنه لم يقبض الثمن وإن كان قد دفع السلعة، فالفرق بين أن يقبض الآمر السلعة أو لا يقبضها قول ثالث في المسألة يتخرج على مذهب أشهب، وفي كتاب ابن المواز قول رابع أن القول قول الآمر نقد الثمن أو لم ينقده، وتفرقة عيسى وسحنون بين أن يشهد الزوج أو لا يشهد قول خامس في المسألة، فهذا تحصيل القول فيها: رواية ابن القاسم عن مالك الفرق بين أن ينقد أو لا ينقد، وقول أشهب الفرق بين أن يقبض الآمر السلعة أو لا يقبض، وقول سحنون وعيسى الفرق بين أن يشهد المأمور أو لا يشهد، ورواية عيسى القول قول المأمور نقد أو لم ينقد، وما في كتاب ابن المواز القول قول الآمر نقد المأمور أو لم ينقد، والله أعلم. [مسألة: يسلف الناس في البيع ويزعم أنه اشترى جميع ذلك لفلان] مسألة قيل لأصبغ: ما تقول في الرجل يسلف الناس في البيع أو يشتري سلعا بأعيانها، ويزعم أنه اشترى جميع ذلك لفلان رجل غائب بماله أمره بذلك، ويكتب في اشترائه: هذا ما اشترى فلان لفلان بماله؟ وكيف إن قال: أمرني أن أشتري له بهذه المائة الدينار فاشترى بها ونقدها ثم يأتي الذي زعم أنه أمره بذلك فينكر أن يكون أمره باشتراء شيء من الأشياء ويريد أخذ المال من البائع هل ترى ذلك له؟ قال أصبغ: هما سواء، ولا سبيل له إلى البائع، وسبيله على المبتاع بإقراره على نفسه، يأخذ ما اشترى منه أو يضمنه ماله المسمى، ولا سبيل له على البائع على حال، إلا أن تقوم بينة على الأصل في المال لفلان هذا المال بعينه الذي اشترى به ونقده فيه وإلا فلا.

وكلت زوجها بحق كان لها وأشهدت له أنه وكيلها في ذلك الحق

قال محمد بن رشد: وقع قول أصبغ هذا في نوازله من كتاب جامع البيوع على نصه، وزاد فيه أو يصدقه البائع قبل البيع على ما ذكر من أنه يشتري لفلان بماله ويبيعه على ذلك بتصريح من البائع وإقرار، يريد فيكون لفلان أن يأخذ بذلك ماله بعينه من البائع كما له أن يأخذه إذا قامت البينة عليه إن ماله بعينه، غير أن البيع ينتقض إذا أخذ فلان ماله بإقرار البائع أن الشراء كان له وأن المال ماله، ولا ينتقض في قيام البينة أن المال ماله بعينه، ويرجع على المشتري بمثله، ويلزمه البيع لأن استحقاق الثمن إذا كان عينا لا يوجب نقض البيع ويشبه أن يقال على القول بأن العين لا يتعين، وهو قول أشهب وأحد قولي ابن القاسم في المدونة أنه لا سبيل له على البائع في المال إذا قامت له البينة عليه بعينه والمشتري ملي، وكذلك قال أبو عمر الإشبيلي: إن ما في كتاب السلم الثاني من المدونة خلاف لقول أصبغ إن لفلان أن يأخذ ماله من البائع إذا أقام البينة عليه يعينه؛ وابن الماجشون يقول: إن القول قول المشترى له يحلف ما أمر المشتري بالشراء ويأخذ ماله إن شاء من المشتري وإن شاء من البائع، فإن أخذه من البائع كان للبائع أن يرجع به على المشتري ويلزمه الشراء، وإن أخذه من المشتري لم يكن له أن يأخذه من البائع ويرد إليه ما اشترى منه، وقد مضى معنى هذا كله بزيادة عليه في نوازل أصبغ من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق. [وكلت زوجها بحق كان لها وأشهدت له أنه وكيلها في ذلك الحق] ومن كتاب أوله: حلف ألا يبيع سلعة سماها وسئل عن امرأة وكلت زوجها بحق كان لها وأشهدت له أنه وكيلها في ذلك الحق والقائم به وأنه قبضه، ثم ادعت أنه لم يعطها شيئا، ماذا ترى عليه؟ قال: أرى أن يحلف على دفعه إليها ثم قال: هو سفيرها، قيل له: وما السفير؟ قال: الوكيل والرسول، وهو يبيع لها ويشتري، وقوم يوكلون أقواما بالعراق يرسلونهم يقتضون لهم أموالا ثم يقيمون السنين ثم يأتون بعد ذلك يقولون:

لم يدفع إلينا شيء، ما أرى في ذلك شيئا، ولا أرى عليه إلا أن يحلف ويبرأ ولا يكون عليه شيء. قال محمد بن رشد: قوله: وهو سفيرها، والسفير الوكيل والرسول، يدل على أنه يحكم له بحكم الوكيل فيما باع واشترى لامرأته وإن لم تثبت وكالته للعرف الجاري من تصرف الرجال لأزواجهم في أمورهن، ومثله من الدليل في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس، ووقع في سماع عبد الملك بن الحسن من كتاب الدعوى والصلح ما يدل على أنه محمول في ذلك على غير الوكالة حتى تعلم وكالته، وقد اختلف في الوكيل يدعي أنه دفع إلى موكله ما قبض له من نحو مائة أو ما باع به متاعه على أربعة أقوال: أحدها أن القول قوله مع يمينه جملة من غير تفصيل، وهو قوله في هذه الرواية في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس وفي آخر كتاب الوكالات من المدونة، والثاني أنه إن كان بقرب ذلك في الأيام اليسيرة فالقول قول الموكل إنه ما قبض شيئا وعلى الوكيل إقامة البينة، وإن تباعد الآمر مثل الشهر ونحوه فالقول قول الوكيل مع يمينه، وإن طال الآمر جدا لم يكن على الوكيل ولا على الزوج يمينا، وهو قول مطرف عن مالك، والثالث أنه إن كان بحضرة ذلك وقربه في الأيام اليسيرة صدق الوكيل مع يمينه، وإن طال الآمر جدا صدق دون يمين، وهو قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم، والرابع تفرقة أصبغ بين الوكيل بالشيء بعينه وبين الوكيل المفوض إليه، فالوكيل على الشيء يعينه غارم حتى يقيم البينة على الدفع وإن طال الآمر، والوكيل المفوض إليه يصدق في القرب مع يمينه وفي البعد دون يمين، فإن مات الوكيل أو الزوج بحدثان ما جرى ذلك على أيديهما كان ذلك في أموالهما إذا عرف القبض وجهل الدفع بعد يمين الموكل أو الزوجة أنه ما دفع إليه شيء، وإن كان موتهما بغير حدثان ذلك وما يكون في مثله المخرج والقضاء والدفع فلا شيء في أموالهما وإن كان لم يعرف الدفع ولم يذكر، ولا خلاف عندي في هذا الوجه إلا على القول بأن على الوكيل إقامة البينة على الدفع في القرب والبعد.

مسألة: يبعث معه قوم في رقيق ببضائع لهم إلى مصر فيخلط أموالهم

[مسألة: يبعث معه قوم في رقيق ببضائع لهم إلى مصر فيخلط أموالهم] مسألة وسئل عن رجل يبعث معه قوم في رقيق ببضائع لهم إلى مصر فعمد وخلط أموالهم ثم اشترى رقيقا مختلفة، فلما فرغ من ذلك أعطى كل إنسان منهم بقدر بضاعته رأسا على نحو ما أبضع معه، فأعطى رجلا منهم جارية مريضة ابتاعها وهي مريضة قد عرف مرضها فهلكت الجارية، ثم إنه اعترف بالذي صنع، قال: إن اعترف بالذي صنع على نحو ما ذكرت أنه اشترى رقيقا ولم يكن في أصل اشترائه لكل إنسان ببضاعته، وإنما هو أعطاهم بعد الاشتراء فأراه ضامنا لذلك، وإن لم يقر وقال: إنما اشتريت الجارية له حين اشتريتها لم أر عليه شيئا، ورأيته في ذلك مصدقا، قيل له: أفترى عليه يمينا؟ قال: نعم إني لأرى ذلك عليه، قال سحنون: لا يمين عليه، قيل له: أفرأيت حين اشترى مريضة أتراه لها ضامنا إن قال إنما اشتريتها له؟ قال: إن كان مرضا مخوفا فأراه ضامنا، وإن كان مرضا مثله يجترأ عليه، فرب مرض يجترأ عليه ومثله فرصة في اشترائها لم أر عليه ضمانا، قلت له: أفترى للمبضع أن يرجع على الآخرين أن يقول: كما ضمنت هذا فأنتم له ضامنون لأني أعطيتكم غير أموالكم فأنتم لذلك ضامنون؟ قال: لا أرى عليهم ضمانا وإنما الضمان عليه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه لما خلط أموالهم اشترى لنفسه ثم أعطى كل إنسان بقسطه، فلذلك لا يرجع الذي ماتت جاريته المريضة على أصحابه، قاله ابن دحون، وهو عندي تفسير صحيح للمسألة. وإنما يضمن الجارية المريضة للذي دفعها إليه إذا لم يعلمه أنه هو الذي دفعها إليه من عنده بعد أن اشتراها لنفسه وأعلمه بمرضها أو لم يعلمه به؛ لأن من حقه أن يردها ولا يقبلها إذ لم يبضع معه إلا أن يشتري له

من غيره لا أن يعطيه من عنده، ولو أعلمه أنه اشتراها لنفسه وأنه هو يدفعها إليه من عنده لزمه أن يبين له بمرضها، وإن لم يبين له به كان عيبا فيها يكون له ردها به على حكم الرد بالعيوب، وكذلك كل واحد من أصحابه ممن دفع إليه جارية صحيحة في بضاعته إن بين له أنه اشتراها لنفسه وأنه يدفعها إليه أن عنده جاز ذلك، وإن لم يبين ذلك له كان من حقه أن يردها عليه ويضمنه بضاعته. ولو كان لما خلط اشترى لكل واحد منهم جارية بعينها من المال المخلوط بمثل بضاعته أو أقل أو أكثر بقدر ما يجوز له أن يزيد في الشراء ولا يكون به متعديا لجاز، ويرجع من اشترى له بأقل بضاعته على من اشترى له بأكثر من بضاعته حتى يعتدلوا، مثل أن يبضع معه أحدهم بمائة دينار في جارية، والآخر بثمانين، والآخر بأربعين فيخلط أموالهم ويشتري لصاحب المائة بمائة دينار وخمسة دنانير، ولصاحب الثمانين بسبعة وسبعين ولصاحب الأربعين بثمانية وثلاثين، فيرجع صاحب الثمانين على صاحب المائة بثلاثة دنانير، ويرجع عليه صاحب الأربعين بدينارين فيعتدلوا. ولو كان لما خلط أموالهم اشترى بها كلها ثلاثة أرؤس على أن يشتركوا فيها بمقدار بضاعتهم فيقتسمون أو يبيعون لجاز ذلك إذا رضوا، وإن لم يرضوا ضمنوه أموالهم وكانت له الجواري. وفي قوله: وإن كان مرضا مخوفا فأراه ضامنا إن كان اشتراها له دليل بين ظاهر على إجازة شراء الجارية المريضة المرض المخوف، وهو دليل ما في كتاب بيع الخيار من المدونة في الجارية تشتري بالخيار فتلد في أيام الخيار، وظاهر قوله في كتاب الاستبراء منها وفي رسم الجواب من سماع عيسى وسماع سحنون من كتاب العيوب. ونص قول أصبغ في الثمانية، قال: لا بأس ببيع المريض ما لم يقارب الموت أو تنزل به أسبابه من شدة المرض والبلاء في جسده مثل السل والمد ونحوه خلاف قول ابن الماجشون، واختيار ابن

مسألة: يبعث معه قوم ببضاعة لهم فيجمع ذهبهم يشتري لهم فيصاب ذلك الطعام

حبيب في أن يبيعه لا يجوز إذا بلغ به المرض [مبلغا] لو كان حرا لم يجز له القضاء إلا في ثلث ماله، ولسحنون في نوازله من كتاب العيوب في بعض الروايات أن المريض يرد بالعيب، وإن كان مرضه مخوفا رده ورد معه ما نقصه عيب المرض المخوف، وسحنون يميل أبدا إلى قول ابن الماجشون، وإنما قال: إنه يرد بالعيب وإن كان مرضا مخوفا مراعاة لقول من يرى الرد بالعيب نقض بيع وأنه يرجع إلى البائع على الملك الأول. [مسألة: يبعث معه قوم ببضاعة لهم فيجمع ذهبهم يشتري لهم فيصاب ذلك الطعام] مسألة وعن الرجل يبعث معه قوم ببضاعة لهم في قمح فيجمع ذهبهم يشتري لهم صفقة واحدة ثم يصاب ذلك الطعام، فقال: لا يشبه هذا الذي ذكرت من الرقيق وليس بهذا بأس، ولا ضمان عليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله لابن القاسم في كتاب ابن المواز، قال: وكذلك كل ما يقسم بكيل أو وزن يشتريه لهم مشاعا ثم يقسمه، وأما ما لا يقسمه فهذا يضمن، قال محمد: بخلاف العامل في القراض يخلط أموال المقارضين فيما يقسم بالقيمة لأنه إليه البيع، وليس ذلك للأول، والله الموفق. [يبيع الجارية بعشرين دينارا على أن يستأمر صاحبها] ومن كتاب أوله: حديث طلق بن حبيب وسئل مالك عن الرجل يبيع الجارية بعشرين دينارا على أن يستأمر صاحبها وإنما هو وكيل، فيقول له رجل: عندي زيادة أفترى أن يخبر بذلك صاحبه؟ قال: نعم أرى ذلك وإنما يطلب صاحبها الزيادة ولكني أرى أن يبين ذلك له، فرب رجل لو زاده لم يبعه

يكره مخالطته وخصومته ويأمن من ناحية هذا وإن كان أقلهما عطية، قيل له: فإن أمره أن يبيع من الذي زاده فأبى أن يأخذ؟ قال: أرى أن يلزمه البيع، قيل له: إنه يقول: لا حاجة لي بها، فقال: لا حجة له وأرى البيع قد لزمه. قال محمد بن رشد: أجاز للوكيل أن يخبر رب السلعة بالزيادة التي زاد فيها بعد أن باعها على أن يستأمر صاحبها ولم ير ذلك من وجه ما نهي عنه من أن يسوم الرجل على سوم أخيه حقيقة؛ لأن النهي إنما معناه إذا ركن المتبايعان كل واحد منهما إلى صاحبه وقرب البيع أن يتم بينهما، وصاحب السلعة المستشار ههنا غائب لا يعلم إن كان يثبت البيع بذلك الثمن أم لا، فلذلك استخف للرجل أن يزيد وأجاز للوكيل أن يعلم رب السلعة بالزيادة، وقد كره مالك في رسم الأقضية من سماع أشهب بعد هذا وقال: بئس ما صنع الذي زاد، لم يصب بذلك، إلا أنه أجاز للوكيل أن يخبر صاحب السلعة بالزيادة للمعنى الذي ذكرناه. وأما قوله: إن الذي زاد يلزمه أخذ السلعة بما زاد إذا أمضاها له بذلك صاحبها فهو خلاف ما في كتاب بيع الغرر من المدونة من أنه لا يلزم المتساومين لا البائع بما بذل من السلعة ولا المبتاع بما أعطى فيها، ولكل واحد منها أن يقول: إنما كنت لاعبا غير مجد ويحلف على ذلك ولا يلزمه البيع، ومثل ما في سماع أشهب من كتاب العيوب ومن كتاب جامع البيوع في أول رسم منه من أن البيع يلزم كل واحد منهما إذا كانت السلعة قد وقفت للبيع، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة مستوفى في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب فلا معنى لإعادته.

مسألة: دفع إليه عشرة دنانير يبلغها الجار وأشهد عليه بدفعها

[مسألة: دفع إليه عشرة دنانير يبلغها الجار وأشهد عليه بدفعها] مسألة وسئل مالك عن عبد دفع إليه عشرة دنانير يبلغها الجار وأشهد عليه بدفعها وكتب معه كتابا إلى من يبلغها إليه، فقدم الجار ودفع الكتاب فسأله عن الذهب فجحده إياها، ثم إنه قدم المدينة فقال له: الذهب، فقال له: ما دفعت إلي شيئا، فقال: إني قد أشهدت عليك، قال: فإن كنت دفعت إلي شيئا فقد ضاع مني، فقال مالك: ما أرى عليه إلا يمينه، قيل لمالك: قد جاء هذا منه، قال: لا أرى عليه إلا يمينا، وقال ابن القاسم في سماع أشهب من قول مالك: إنه ضامن. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تكررت في مواضع منها ما في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب القراض، وما في سماع عيسى من كتاب الشركة، ووقع الاختلاف فيها مجموعا في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب القراض، فيتحصل فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه يصدق مع يمينه بعد الإنكار في دعواه الرد أو الضياع، والثاني أنه لا يصدق في شيء من ذلك بعد الإنكار، والثالث أنه يصدق في دعواه الضياع ولا يصدق في دعواه الرد. ومن هذا الأصل من ملك امرأته بكلام يقتضي التمليك فقضت بالثلاث فأنكر أن يكون أراد بذلك الطلاق، ثم قال: أردت بذلك واحدة، فقيل: إنه لا يصدق إذا أراد واحدة بعد أن زعم أنه لم يرد بذلك الطلاق، وقيل: إنه يصدق في ذلك مع يمينه، والقولان في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك. ومن هذا الأصل أيضا أن يدعي الرجل على الرجل دعوى فينكرها، فلما قامت عليه البينة جاء بالمخرج منها من بينة على البراءة أو دعوى لو جاء بها قبل الإنكار لقبل منه وما أشبه ذلك، فقيل: إنه لا يقبل منه، وقيل: إنه يقبل منه، وقيل: إنه لا

يوكل الرجل على بيع السلعة فيبيعها على ألا يمين عليه ثم يوجد بها عيب

يقبل منه إلا في اللعان وما أشبهه من الحدود، وقيل: إنه لا يقبل منه إلا في الحدود والأصول، وقد ذكرنا ذلك مشروحا مبينا في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب القراض، والله تعالى الموفق المعين. [يوكل الرجل على بيع السلعة فيبيعها على ألا يمين عليه ثم يوجد بها عيب] ومن كتاب أوله: أخذ يشرب خمرا وسئل مالك عن الرجل يوكل الرجل على بيع السلعة فيبيعها على ألا يمين عليه، ثم يوجد بها عيب، أترى أن يستحلف؟ قال: لولا أني أخشى قطع السنة في ذلك لرأيت ذلك، قد استحلف عثمان عبد الله بن عمر، قال مالك: فأما الرجل الرضى الذي يقول: لا أحب أن أحلف، والرجل المأمون الذي قد عرف بالحال الحسنة فإني أرى ذلك له، فإن الرضى يقول في مثل هذا: لا أحب أن أحلف لقوم آخرين، والرجل المأمون يكره موقف ذلك، فأرى ذلك لهما، فأما غيرهما فلا، ولولا كراهية قطع السنة وأن السنة في ذلك اليمين لرأيت ذلك، ولكن إذا كان على ما ذكرت فإني أرى ذلك وأرى أن يرد البيع إذا كان ممن يستحلف فلم يحلف. قال محمد بن رشد: تفرقته في هذه الرواية في إعمال الشرط بإسقاط اليمين بين المأمون وغير المأمون وبين الذي يبيع لنفسه ولغيره فأعمل الشرط في الذي يبيع لغيره أو في المأمون وإن باع لنفسه ولم يعمله في غير المأمون إذا باع لنفسه خلاف ما في سماع أشهب من كتاب العيوب في إعماله الشرط عموما، فحصول الاختلاف فيما بين الروايتين إنما هو في غير المأمون إذا باع لنفسه فلم ير الشرط نافعا له في هذه الرواية ورآه نافعا له في سماع أشهب المذكور. وأما رواية ابن القاسم عن مالك في رسم سلعة سماها من كتاب المديان في أن الشرط بإسقاط اليمين غير عامل

بعث معه بمال وخرج حاجا أو غازيا وأمر أن يعطي منه كل منقطع به

عموما في المأمون وغير المأمون والذي يبيع لنفسه ولغيره إذ لم يفرق فيها بين شيء من ذلك، فكان الشيوخ يحملونها على أنها مخالفة لما في سماع أشهب من كتاب العيوب في أنه عامل عموما في المأمون وغير المأمون وفي الذي يبيع لنفسه ولغيره إذ لم يفرق فيها بين شيء من ذلك كله ولما في هذه الرواية من أنه عامل في المأمون وفي الذي يبيع لغيره. والذي أقول به أنها ليست بخلاف لشيء من ذلك؛ لأنها مسألة أخرى اشترط إسقاط اليمين فيها قبل وجوبها، واشترطه في هذه الرواية وفي سماع أشهب من كتاب العيوب بعد وجوبها إن علم بوجوبها، فلا يدخل الاختلاف في مسألة رواية ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس إلا بالمعنى من أجل أن إسقاط الحق قبل وجوبه أصل مختلف فيه في المذهب لا من هذه المسائل، وقد مضى بيان هذا مستوفى في سماع أشهب من كتاب العيوب، فقف على ذلك هنالك وتدبره تجده صحيحا، وبالله التوفيق. [بعث معه بمال وخرج حاجا أو غازيا وأمر أن يعطي منه كل منقطع به] ومن كتاب البر وسئل مالك عن رجل بعث معه بمال وخرج حاجا أو غازيا وأمر أن يعطي منه كل منقطع به فاحتاج الذي بعث معه ولم يكن معه ما يقوى به وعليه دين في بلاده أفترى أن يأخذ منه؟ قال: نعم إني لأرى ذلك أن يأخذ منه، فقيل له: أفيأخذ منه ما يكفيه؟ قال: أخاف أن يأخذه كله، ولكن يأخذ بالمعروف، قيل له: أيستحب إن وجد من يسلفه إلى أن يخرج إلى بلاده أن يستسلفه ولا يأخذ منه؟ قال: نعم هو أحب إلي، ولكن لا أرى بأسا أن يأخذ بالمعروف، والرجل قد يكون موسرا في بلاده فيحتاج في سفره فيكون من أهل السبيل، قيل: أفيعطى من الصدقة وهو غني في بلاده إذا لم يكن معه غنى؟ قال: نعم، أرى أن يعطى من ذلك، وقد سألني هؤلاء الذين يقسمون الصدقة فقالوا: إن أقواما يأتوننا يزعمون أنهم مسافرون ولا ندري ما حقيقة خبرهم أفترى أن

نعطيهم؟ فقلت لهم: نعم، إذا رأيتم عليهم هيئة ذلك، ثم قال: أين يجد هذا من يعرفه؟ فأرى إذا رأى من هيئته للسفر أن يعطى، وإني لأكره لهؤلاء الذين لا يجدون ما ينفقون أن يخرجوا إلى الحج ويسألون وهم لا يقوون على ذلك إلا بما يسألون، قيل له: أفتكره ذلك لهم؟ قال: قال تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] قيل له: أفهذا الذي أخذ إذا كان من أهل هذه الصفة وأخذ فرجع إلى بلاده أترى أن يبين ذلك للذي دفعه إليه؟ قال: نعم، وليس الذي يحكم بين الناس مثل ما يحكم به بينه وبين غيره، هذا شديد أن يحكم فيما بينه وبين الناس كما كان يحكم بينه وبين الناس فيما بينهم. قال محمد بن رشد: أجاز مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الرواية لمن بعث معه مال في غزوة أو حجة ليفرقه على المنقطعين أن يأخذ منه إذا احتاج إليه بالمعروف، والمعروف في ذلك هو ألا يحابي نفسه في مقدار ما يأخذ منه فيأخذ منه أكثر مما يعطي غيره، واستحب له إن وجد من يسلفه أن يستسلف ولا يأخذ منه شيئا إذ لا يدري هل يرضى صاحب المال أن يأخذ هو لنفسه منه شيئا أم لا؟ واستحب إذا رجع أن يعلم بما أخذ منه لمن دفعه إليه لأنه هو أعلم بما أراد من ماله، فإن أعلمه بما أخذ من ماله فلم يمضه له وجب عليه غرمه، وإن فات ولم يمكنه إعلامه لم يكن عليه أن يتمخى منه على مذهبه لأنه أجاز له الأخذ منه ابتداء، ويتخرج في المسألة قول آخر وهو أنه لا يجوز له أن يأخذ لنفسه منه شيئا إلا بإذن صاحب المال، وهذان القولان جاريان على اختلاف أهل الأصول في الآمر

بالشرع هل يدخل في الآمر أو لا يدخل فيه؟ لأنه يأتي على مذهب من يرى أنه يدخل فيه الآمر لأنه من جنس المأمورين المشروع لهم الشرع أن يأخذ منه القاسم؛ لأنه من جنس المقسوم عليهم، وكان صاحب المال أعلم قاسمه الذي دفعه إليه أنه قد أوجبه لذلك الصنف فدخل مدخلهم فيه، وإلى هذا القول ذهب مالك إلا أنه اتقى القول الآخر وراعاه فاستحب له أن لا يأخذ منه لنفسه شيئا إذا وجد من يسلفه، وإن أخذ أن يعلم بذلك إذا رجع، ومثل هذا من الاستحباب في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد. وإن قال له: إن احتجت إلى شيء منه فخذه جاز له أن يأخذ منه باتفاق مثل ما يعطي غيره بالمعروف دون أن يحابي نفسه، ولا يجوز له أن يأخذ منه لنفسه أكثر مما يعطي منه غيره إلا أن يعلم صاحب المال يرضى بذلك، هذا معنى قوله في الرسم المذكور من السماع المذكور من كتاب الجهاد. وأجاز أن يعطي من هذا المال لمن انقطع به في سفره وإن كان غنيا في بلده لأنه من بني السبيل الذين أباح الله لهم الزكوات بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] الآية إلى قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] فلهذا أجاز أن يعطي المنقطع به في سفره من الصدقة وإن كان غنيا في بلاده وهذا ما لا اختلاف فيه، وإنما اختلف في الغازي أن يعطى من الصدقة ما يتقوى به على الغزو وإن كان غنيا، فقيل: ذلك جائز، وهو ظاهر ما في كتاب الزكاة من المدونة، وهو قول محمد بن مسلمة إن الغازي يأخذ من الصدقة ما يتقوى به على الجهاد وإن كان غنيا وهو مذهب أصبغ، وحكى ابن مزين عن عيسى بن دينار أن الغازي لا يعطى من الزكاة إلا إذا احتاج في غزوه ولم يحضره وفره ولا شيء من ماله، والأول أصح لأنه إذا كان بهذه الصفة فهو من ابن السبيل، والله تعالى قد أباح الصدقة في السبيل وفي أبناء السبيل، فهما وجهان متباينان لا يجوز أن يجعل في

باع جارية وزعم أنه وكيل فإذا هو ليس بوكيل

السبيل ما أوجب لابن السبيل، ولا لابن السبيل ما أوجب في السبيل، وبيان هذا في رسم الوصايا من سماع أشهب من كتاب الوصايا. وكره مالك في هذه الرواية للذين لا يقدرون على الحج والغزو إلا بما يسألون أن يخرجوا ويسألوا لأن الله تعالى قد رفع عنهم الحرج في ذلك بقوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 91] الآية والسؤال مذموم فلا تجوز استباحته إلا عند الحاجة، والإلحاف فيه مع الحاجة إليه مكروه، قال عز وجل: {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] وقد روى ابن عبد الحكم عن مالك أنه لا بأس أن يحج الرجل الذي لا شيء له ويتكفف الناس ذاهبا وراجعا، ومعناه في الذي حرفته السؤال والتكفف أقام أو خرج، وأما من لم يكن ذلك شأنه إذا أقام ببلده فيكره له أن يحج أو يغزو ويتكفف الناس في طريقه ذاهبا وراجعا، وبالله التوفيق. [باع جارية وزعم أنه وكيل فإذا هو ليس بوكيل] ومن كتاب أوله: باع غلاما بعشرين دينارا وسئل عن رجل باع جارية وزعم أنه وكيل، فإذا هو ليس بوكيل؟ قال: يردها ولا ينتظر رأي صاحبها فيها، وليس للذي باع أن يقول أنا أنتظر رأي صاحبي، فإن رضي فالبيع لك لازم، قال: ليس ذلك له، وهو يردها على الذي باعها، ولو باعها شركاء فيها فهم مثل هذا الذي ادعى وكالة كان ذلك البيع مردودا ولزمه بيع الشركاء ولا ينفعه ما غره ذلك الذي ادعى وكالة، وبيع شركاء البائع لازم للمشتري.

قال محمد بن رشد: قوله إن الذي اشترى الجارية من الذي زعم أنه وكيل وليس بوكيل يردها ولا ينتظر رأي صاحبها فيها، معناه إن شاء؛ لأن من حجته أن يقول: لا أمسك جارية لا يحل لي فرجها حتى أعلم أن سيدها يمضي لي البيع، قال ذلك ابن القاسم في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق، ولو رضي المشتري أن يتربص جاز ذلك له، فإن رضي ربها تم البيع، وإن أبى رجعت إلى ربها، وإن ماتت في التربص وهي في المبتاع فهي منه، ولو جاء ربها قبل أن يردها على الذي زعم أنه وكيل على بيعها فأمضى له البيع لزمه ولم يكن له أن يردها، ولا خلاف في هذا أعلمه سوى ما وقع في آخر رسم أوصى من سماع عيسى في بعض الروايات على ما سيأتي القول عليه إن شاء الله تعالى، بخلاف إذا ادعى الذي باعها أنها له فأتى ربها فاستحقها وأجاز البيع هذا يكون للمشتري حجة بانتقال العهدة على الاختلاف في ذلك حسبما مضى القول فيه في الرسم المذكور من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق. وقوله: ولو باعها شركاء فيها، معناه ولو باعها شركاء فيها مع قوم ادعوا وكالة من غاب من الشركاء فيها على البيع فيمضي بيع الشركاء لأنصبائهم لأنهم لم يغروه إذ لم يبيعوا منه إلا حصصهم ويرد بيع نصيب الشريك الغائب إذا لم تثبت وكالته، وذلك بين من لفظ المسألة لقوله في آخرها: ولا ينفعه ما غره ذلك الذي ادعى وكالة. وقوله: وبيع شركاء البائع لازم للمشتري غلط وقع في الرواية، وإنما هو بيع شركاء الغائب لازم للمشتري، ولو كان الشركاء ادعوا وكالة الغائب فباعوا الجميع لرد البيع كله إن شاء المبتاع لأنهم غروه، وإن شاء تمسك بأنصبائهم ورد نصيب الغائب حسبما يأتي في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى وحسبما مضى في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق، فليس ما وقع في هذه الرواية بخلاف لما وقع في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب ولا لما في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق [على ما ذهب إليه من لم ينعم النظر في ذلك] ، وبالله التوفيق.

يبيع الرجل البر ثم يقول له اشتر لي بتلك الذهب التي لي عليك بزا

[يبيع الرجل البر ثم يقول له اشتر لي بتلك الذهب التي لي عليك بزا] ومن كتاب أوله: صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك عن الرجل يبيع الرجل البر ثم يقول له: اشتر لي بتلك الذهب التي لي عليك بزا كذا وكذا، قال: لا بأس بذلك ويقول له: أنت مصدق في ذلك، قال: لا بأس به، قال سحنون: وهذا إذا كان حاضر البلد. قال محمد بن رشد: إنما احتيج إلى حضوره مخافة أن يدفع المبتاع من عند نفسه فيدخله فسخ الدين في الدين إذ لا يتعجل ربه قبضه، وأجاز سحنون ذلك إذا كان حاضر البلد كأنه سمح في ذلك لقربه من القبض، والأظهر أن ذلك لا يجوز إلا أن يكون حاضر الشراء، وهو ظاهر ما في المدونة وما في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، روي ذلك عن سحنون، وفي إجازة ذلك وإن اشتراه بحضرته مغمز لأنه كأنه أخذه بحقه على أن يشتري له فيدخله سلف جر منفعة، وأما إن لم يكن حاضر البلد فلا يجوز باتفاق، وإذا قال له: أنت مصدق في ذلك فادعى أنه اشترى فتلف صدق على ظاهر الرواية، قيل بيمين، وقيل بلا يمين، واختلف إن ادعى ذلك ولم يصدقه على قولين دائمين من المدونة من مسألة الغرائر في السلم ومسألة اللؤلؤ في الوكالات، وسواء كان حاضرا في البلد أو لم يكن، وقد قيل: [إنه] ، إنما يصدق إذا كان حاضرا في البلد على القول بجواز ذلك، وأما على القول بأن ذلك لا يجوز فلا يصدق في التلف إلا أن يقيم البينة على الشراء، وكذلك إذا لم يكن حاضرا في البلد حسبما يأتي في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق.

كان له وكيل والرجل غائب وأوصى ببيع سلعة فباع الوكيل وباع الرجل في غيبته

[كان له وكيل والرجل غائب وأوصى ببيع سلعة فباع الوكيل وباع الرجل في غيبته] ومن كتاب أوله: نذر سنة يصومها وسئل مالك عن رجل كان له وكيل والرجل غائب وأوصى ببيع سلعة فباع الوكيل وباع الرجل في غيبته لمن ترى البيع؟ قال: إني لأقول القابض أولى، قال ابن القاسم: يريد إذا لم يقبض فالأول أولى، وهو بمنزلة النكاح، الأول أولى إلا أن يدخل الآخر فهو أولى. قال ابن القاسم: وقد بلغني ممن أثق به عن ربيعة مثل ذلك في البيع أنه للأول إلا أن يكون الآخر قد قبض فهو أولى، واحتج ربيعة بأن قال: لو ماتت في يده كان ضامنا لها، وهو مثل النكاح. قال محمد بن رشد: مثل هذا في كتاب النكاح من المدونة في النكاح وفي كتاب الوكالة منها في البيع، ولا اختلاف في هذا أحفظه في المذهب إلا ما حكى ابن حارث عن المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي من أن الأول أحق، قبضها الثاني أو لم يقبضها، وإنما يكون الثاني أحق بها إذا قبضها على مذهب مالك إذا باع البائع الثاني وهو لا يعلم ببيع الأول، وأما إن باع وهو يعلم ببيعه أو قبض المشتري السلعة وهو يعلم ذلك في وقت قبضه فالأول أولى كما قال عيسى فيمن وكل رجلا على نكاح ابنته البكر فيزوجها كل واحد منهما ولا يعلم واحد منهما بإنكاح صاحبه فهي للأول إلا أن يدخل بها الآخر من غير علم منه بالأول، فإن دخل بها الآخر عن علم بالأول فرق بينهما وردت إلى الأول ويعطيها الآخر صداقها بالمسيس، فعلى هذا قياس البيع. قال ابن حبيب: وإن لم يقبض السلعة ولم يعرف الأول وادعى كل أنه الأول تحالفا، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر فهي للحالف منهما، وإن حلفا أو نكلا أو تجاهلا جميعا فهي بينهما، يريد يكون لكل واحد منهما نصفها بنصف الثمن الذي اشتراها به، وقد روى عن مالك أنها تقسم بينهما إذا حلفا بأدنى الثمنين، قيل

لابن القاسم: [إن] هذا يقول إنما اشتريتها كلها فلا حاجة لي بنصفها، قال: فيذهب ويسلمها لصاحبه، قال ابن حبيب: ثم يخير كل واحد منهما في أن يتمسك بنصفها بنصف الثمن الذي ابتاعها به أو يردها ويأخذ جميع الثمن إلا أن يقول أحد البائعين عند استواء حالة المشتريين إنه باع أولا وتجاهل [ذلك] ، صاحبه فالقول قول المقر منهما بأنه باع أولا، وإن قال صاحبه أيضا: بل أنا بعت أولا تحالفا، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما، وإن حلفا أو نكلا أو تجاهلا جميعا رجع الأمر إلى ما فسرت لك إذا حلفا أو نكلا أو تجاهلا. والكراء بخلاف ذلك هو للأول على كل حال لأنه لا يدخل في ضمان من قبضه، قاله ابن دحون، وهو صحيح، وحكى فضل من رواية أشهب عن مالك في الذي يوكل رجلا على بيع سلعته فيبيعها الموكل مكانه، ويبيعها الوكيل أن البيع بيع الوكيل لأن الموكل قد يبيعها ممن لا يخالفه، قال فضل: معناه أنه يبيعها ممن لا يخالفه فيها وينظر فإن باع الوكيل بأكثر أسلمها إليه الموكل، وإن باعها الوكيل بأقل قال: قد بعتها قبل بيعك من هذا ليبطل بيع الوكيل ببيع لم يتم، قال فضل: وهذا عندي جيد لأنه حين باعها الموكل مكانه اتهم على ما فعل فصح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإذا لم يبعها مكانه لم يتهم على ذلك وحمل محمل من باع بيع صحة. وأما إذا باع الرجل سلعة من رجل ثم باعها بعد من آخر فلا اختلاف في أن الأول أحق بها وإن قبضها الثاني، وفي هذه المسألة تفصيل وتقسيم قد أفردنا القول فيها مسألة مخلصة تحتوي على جميع وجوهها وتقاسيمها إذ سألني ذلك بعض فقهاء الطلبة، فمن أحب الوقوف على الشفاء منها تأملها وتدبرها ووقف على صحتها بحمد الله تعالى.

يبضع معه بالبضاعة من مكة إلى مصر

[يبضع معه بالبضاعة من مكة إلى مصر] ومن كتاب أوله: شك في طوافه وسئل مالك عن الرجل يبضع معه بالبضاعة من مكة إلى مصر فيمر صاحبها بالمدينة فيكون له بها إقامة فيجد ثقة يخرج إلى مصر أترى أن يبعث بها معهم؟ قال: لا أرى بهذا بأسا، قال عيسى: وسئل ابن القاسم عن هذا فقال: لا شيء على المبضع معه ذهبت من الرسول أو المبضع معه، قال ابن القاسم: ولو لم يجد لها محملا معه وأعطاها لبعض من يثنى به معه لم يكن عليه ضمان، ولو كان معه محمل فحملها غيره لكان لها ضامنا، ومثل ذلك الرجل الحاضر يستودع الوديعة فيستودعها غيره، قال: إن كان ذلك من خراب منزل أو عورة بيت وليس عنده من يحفظ منزله أو أراد سفرا فاستودعها من يثق به فضاعت فلا ضمان عليه، ولو كان منزله في حرز كما وصفت لك ولا يخاف عليه في موضعه فاستودعه غيره ثم ضاع ممن استودعه كان ضامنا، وكذلك قال مالك في الحاضر، وجل ما قال في المسافر سمعته منه، لم يكن في كتاب سحنون قول ابن القاسم هذا ولم يره حسنا وأنكره، روى سحنون في سماعه قال: سئل مالك عن المكي يبعث معه الرجل بضاعة إلى مصر فيعرض للمبضع معه حاجة بالمدينة فيبعث بها مع من يثق به إلى مصر، قال: لا ضمان عليه، قال سحنون: قلت لابن القاسم: ما تقول فيها؟ قال: أما أنا فأقول: إن كانت إقامته بالمدينة إقامة يسيرة الأيام اليسيرة فإن بعث بها رأيته ضامنا، وإن بدا له في الإقامة بالمدينة وذلك يطول فأرى أن يبعث

بها، وأستحسن قول مالك؛ لأنه إن حبسها وأقام بالمدينة الإقامة الطويلة فتلفت رأيته ضامنا. قال محمد بن رشد: قول مالك في أول هذه المسألة لا أرى بذلك بأسا في الذي أبضعت معه بضاعة من مكة إلى مصر فيمر بالمدينة وله بها إقامة فيبعث بها مع ثقة إلى مصر، معناه لا ضمان عليه في ذلك على ما حكى سحنون عنه بعد ذلك من أنه قال: لا ضمان عليه، وفي قوله: إنه لا ضمان عليه إن فعل دليل على أنه لا ضمان عليه أيضا إن أمسكها مع نفسه ولم يفعل، وهو نص قول ابن القاسم من رواية عيسى [لا شيء على المبضع معه، ذهبت من الرسول إن بعثها أو من المبضع معه، يريد: ذهبت من الرسول إن بعثها أو من المبضع معه إن أمسكها. وإنما يسقط عنه الضمان إن ادعى الرسول تلفها إذا أشهد عليه بالدفع، فقول ابن القاسم من رواية عيسى عنه] تفسير لقول مالك، وأما قوله في رواية سحنون عنه: أما أنا فأقول: إن كانت إقامته بالمدينة إقامة يسيرة، الأيام اليسيرة فإن بعث بها رأيته ضامنا وإن بدا له في الإقامة بالمدينة وذلك يطول به فأرى أن يبعث بها وأستحسن قول مالك فيها إلى آخره فظاهره أنه خلاف لقول مالك، ولا ينبغي عندي أن يحمل على ظاهره من الخلاف لقوله لأنه لا يتكلم على الإقامة الأيام اليسيرة ولا على الإقامة الطويلة، وإنما تكلم على ما بين ذلك، فإن كانت إقامته الأيام اليسيرة نحو ما ينتقل المسافر في طريقه وجب أن يضمن إن بعث بها فتلفت لأن صاحبها قد علم أن سيقيم في طريقه لما يحتاج إليه، فقد دفعها إليه على ذلك، وإن كانت إقامته بالبلد الذي مر به في طريقه إقامة طويلة وجب أن يضمن إن أمسكها ولم يبعث بها وهو يجد ثقة يبعث بها معه فتلفت لأن صاحبها لم يرد أن يودع في ذلك البلد، وإنما أراد توصيلها إلى حيث بعث بها، فإذا تعدى

إرادة صاحبها فيها ضمن. والطول في هذه السنة فما فوق ذلك على ما يأتي في سماع محمد بن خالد، وإذا كانت إقامته الشهر والشهرين ونحو ذلك وسعه الاجتهاد في ذلك وجب ألا يضمن أمسكها مع نفسه أو بعث مع ثقة على ما ما قال مالك، ولا يخالف في هذا ابن القاسم، والله أعلم، فلم يرد بقوله: أما أنا فأقول إنه يقول قولا مخالفا لقول مالك، وإنما أراد أنه يقول قولا أفسر من قوله وأبين، هذا الذي أقول به، والله أعلم. وتمثيل ابن القاسم المبضع معه البضاعة لا يجد لها محملا فيعطيها لبعض من يثق به بالحاضر يستودع الوديعة فيخاف عليها في منزله من عورته أو خرابه أو عدم من يحفظه فيستودعها غيره ليس بتمثيل صحيح، وهو خلاف ما حكى عن مالك في أول كتاب الوديعة من المدونة من أنه لم ير السفر مثل الحضر؛ لأنه إذا دفعه إليه في السفر إنما دفعه ليكون معه، فالذي يأتي على مذهب مالك في المدونة أنه ضامن للبضاعة إذا دفعها إلى غيره وإن لم يجد لها محملا إلا أن يعلم صاحبها أنه لا يجد لها محملا وأنه يعطيها لغيره ممن يحملها فيسقط عنه الضمان، وأما إن لم يعلم بذلك فهو ضامن؛ لأن قبضه البضاعة منه دليل على أنه هو يحملها، ويؤيد هذا تأويل ما وقع في رسم الصبرة من سماع يحيى بعد هذا من هذا الكتاب في الذي يبعث إلى الرجل بالنفقة ليشتري له بها متاعا فيدفعها المرسل إليه لمن يشتري له فتلف إنه ضامن إلا أن يكون صاحب النفقة قد علم أنه لا يلي اشتراء مثل هذا المتاع، وإنما تشبه مسألة الحاضر يستودع الوديعة فيخرب منزله فيستودعها غيره فلا يكون عليه ضمان لما قاله سحنون في آخر سماعه من هذا الكتاب. فيمن أبضع معه بمال فخرج اللصوص إليه فلما رهقوه ألقاها في شجرة ليحرزها على صاحبها أو دفعها إلى فارس ينجو بها إنه لا ضمان عليه، ولهذا الذي ذكرناه لم ير سحنون قول ابن القاسم حسنا على ما ذكر في المدونة.

مسألة: الرجل يأتي الرجل بالبضاعة يحملها إلى مصر

[مسألة: الرجل يأتي الرجل بالبضاعة يحملها إلى مصر] مسألة وسئل عن الرجل يأتي الرجل بالبضاعة يحملها إلى مصر فيقول: إن علي يمينا لا أحمل بضاعة إلا بضاعة إن شئت سلفتها وإن شئت تركتها، قال: لا خير في ذلك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إنه لا خير في ذلك لاشتراطه ألا يحمل البضاعة إلا على أن يستسلف منها إن شاء فيدخله سلف جر منفعة، فهي أشد من المسألة التي في الرسم الواقع بعد هذا؛ لأن صاحب البضاعة هو الذي أباح له الاستسلاف منها إن احتاج إليها فكره ذلك مخافة أن يكون إنما سمح له بذلك ليحملها له، ولو كان قد طاع له بحملها فقال له: إن احتجت إليها فأنفق منها لم يكن بذلك بأس، وبالله التوفيق. [أبضع معه بذهب يبلغها إلى موضع وقال له إن احتجت إليها فأنفق منها] ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان وسئل عمن أبضع معه بذهب يبلغها إلى موضع وقال له صاحب البضاعة: إن احتجت إليها فأنفق منها، قال: ما يعجبني هذا من العمل وكرهه. قال محمد بن رشد: إنما هذا إذا قال له ذلك مع إبضاعه البضاعة إياه معا، ولو قال له ذلك بعد أن أبضعه إياها لم يكن بذلك بأس، ولو قال له ذلك قبل أن يبضعه إياها لكان ذلك كالشرط ولم يكن فيه خير على ما قاله في المسألة التي قبل هذه في آخر هذا الرسم الذي قبل هذا الرسم، وقد مضى القول في ذلك مستوفى، والله الموفق.

أبضع مع رجل بدينار بحبتين بضاعة فأبدله له بقائم

[أبضع مع رجل بدينار بحبتين بضاعة فأبدله له بقائم] ومن كتاب أوله: تأخير صلاة العشاء وسئل عن رجل أبضع مع رجل بدينار بحبتين بضاعة فأبدله له بقائم، ونفسه بذلك طيبة، أترى أن يعلم صاحبه إذا أبدله؟ قال: لا أرى عليه بأسا ألا يعلمه، ولا ضمان عليه. قال محمد بن رشد: استخف هذا ليسارة الدينار؛ ولأن الذي يغلب على الظن أن صاحب الدينار يرضى بذلك ولا يكرهه، فليس عليه أن يعلمه، وقد كان القياس ألا يجوز ذلك ابتداء إلا برضاه، وأن يكون ضامنا لذلك إذا فعله بغير رضاه؛ لأن من حقه ألا يرضى بذلك؛ إذ لا يلزمه قبول معروفه، ولعله لا يرضى بماله فيدخله عدم المناجزة في بدل الذهب بالذهب بسبب الخيار الذي يوجبه الحكم لصاحب الدينار الناقص، فمعنى قوله: لا أرى عليه بأسا ألا يعلمه لا أرى عليه أن يعلمه، إذ لو كان عليه أن يعلمه فيجيز ذلك أو يرده لما جاز ذلك لما ذكرناه من الخيار في ذلك على مقتضى القياس، وهو قول مالك في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب الصرف خلاف ما يأتي من إجازة ذلك في رسم البيوع الأول من سماع أشهب بعد هذا من هذا الكتاب من قول مالك ومن قول ابن أبي حازم فيه: لا بأس به فلا تشددوا على الناس هكذا جدا، فليس كما تشددون، ففي فساد الصرف بالخيار الذي يوجبه الحكم فيه دون أن ينعقد عليه قولان، وأما إن انعقد عليه فلا يجوز بإجماع. [مسألة: أبضع مع رجل ببضاعة إلى رجل لا يدري الذي بعث بها معه] مسألة وسئل مالك عن رجل أبضع مع رجل ببضاعة إلى رجل لا يدري الذي بعث بها معه لم بعث بها فألفى الرجل قد هلك فقال خليفته: ادفع إلي، قال مالك: أرى أن يردها إلى الذي بعث بها معه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إنه يردها إلى الذي

بعث إلي سلعة أبيعها بثمن فبعتها بثمن واستثنيت رضاه فيها

بعث بها معه، إذ لا يدري لعله إنما بعث بها لتكون له عنده وديعة أو يشتري له بها ثوبا وما أشبه ذلك، ولو علم أنه بعث بها إليه معه صلة له أو هدية فإن كان أشهد على إنفاذها حين أرسلها فهي لورثة المبعوث إليه. هذا نص ما في كتاب الهبة والصدقة من المدونة، ومعنى ذلك إن كان الموصول والمهدى له حيا يوم الصلة والهدية، ولو كان لم يشهد على إنفاذ الصلة أو الهدية وإنما قال: أشهدكم أني أبعث بهذا المال صلة لفلان أو هدية له فمات الموصول أو المهدى له قبل وصول الصلة أو الهدية إليه لم يكن لورثته منها شيء، هذا معنى ما في المدونة عندي، والله أعلم وبه التوفيق. [بعث إلي سلعة أبيعها بثمن فبعتها بثمن واستثنيت رضاه فيها] من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب البيوع الأول قال أشهب: وسئل مالك فقيل له إن رجلا بعث إلي سلعة أبيعها بثمن فبعتها بثمن واستثنيت رضاه فيها، فأرسلت إليه بذلك، فأرسل إلي إنك أبصر بها مني، فإن رأيت أن تجيزها فأجزها، فقال المبتاع: إنما استثنيت رضاه، وأنت الذي بعتني، فقلت: لا أجيزها لك [هي] بهذا الثمن رخيصة، أفترى ذلك جائزا؟ قال: نعم أرى ذلك جائزا، إن شئت أن تجيز البيع أجزته وإن شئت أن ترده رددته، ما أكثر ما يبيع الرجل الرجل ويستثني رضاه، وهو أبصر بذلك، فأرى ذلك له.

مسألة: أبضع معه بعشرين دينارا وبثوب وأمره أن يبيعه له

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الخيار الذي جعل الوكيل لرب السلعة قد رده رب السلعة إلى الوكيل، فوجب أن ينزل في ذلك منزلته فيكون بالخيار بين أن يجيز أو يرد. [مسألة: أبضع معه بعشرين دينارا وبثوب وأمره أن يبيعه له] مسألة وسئل مالك فقيل له: إنه أبضع معي رجل بعشرين دينارا وبثوب وأمرني أن أبيعه له وأشتري له بالعشرين دينارا وبثمن الثوب ثوبا من ثياب مكة، فلما كنت بمكة اشتريت له الثوب قبل أن أبيع ثوبه بأحد وعشرين دينارا أسلفته فيها دينارا من عندي، فلما قدمت المدينة بعت ثوبه الذي أمرني ببيعه بعشرين درهما، أيجوز لي أن آخذ العشرين درهما ثمن ثوبه الذي بعت له بديناري الذي أسلفته إياه في شراء الثوب الذي أمرني بشرائه؟ قال: لا بأس بذلك، ولكن إذا قدمت عليه فأعلمه، فإن أحب أن يجيز أجاز، وإن أحب أن يرد ذلك رده، قيل لمالك: إن الصرف عندنا هناك أغلى منه ههنا أفيجوز لي أن آخذه بديناري الذي أسلفته؟ قال: لا بأس بذلك، وإذا قدمت عليه فأعلمه، فإن شاء أخذه، وإن شاء نقضه، قيل: ولا ترى به بأسا؟ قال: نعم لا أرى به بأسا. قال أشهب: وسمعت ابن أبي حازم يقول: لا بأس بذلك، قلت له: إن هذا صرف فيه نظرة، قال: لا تشددوا على الناس هكذا جدا، وليس كما تشددون. قال محمد بن رشد: رواية أشهب هذه عن مالك، وقول ابن أبي حازم خلاف ما في هذا الرسم بعينه من سماع أشهب من كتاب الصرف،

مسألة: يبضع مع الرجل بالبضاعة يشتري له بها ثم يريد أن يبيع مرابحة

وإنما حصل الاختلاف في الصرف على هذا الوجه من الخيار لأنه خيار أوجبه الحكم لم ينعقد عليه الصرف، فلم ير له في هذا القول تأثيرا على صحة عقد الصرف كالعبد يتزوج بغير إذن سيده، والسفيه بغير إذن وليه فيكون سيد العبد وولي اليتيم بالخيار في رد النكاح أو إجازته، والخيار في النكاح لا يجوز، وقد مضى هذا المعنى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم قبل هذا من هذا الكتاب، وسيأتي فيه في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى. [مسألة: يبضع مع الرجل بالبضاعة يشتري له بها ثم يريد أن يبيع مرابحة] مسألة وسئل مالك عن الرجل يبضع مع الرجل بالبضاعة يشتري له بها ثم يريد أن يبيع مرابحة أعليه أن يبين ذلك إذا باع مرابحة؟ قال: أرأيت كل من ابتاع شيئا أهو الذي يلي الشراء لنفسه؟ ما أرى ذلك عليه إذا كان أمرا صحيحا لا دخل فيه. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في هذا السماع من كتاب المرابحة وفي سماع ابن القاسم منه أن عليه أن يبين إذا باع مرابحة أن غيره اشتراها له. ووجه هذه الرواية أن شراء المشتري مرابحة لم يقع على أن البائع هو المتولي لشراء السلعة حتى يشترط ذلك لما ذكره في الرواية من أن الرجل قد يشتري له غيره، وحمله في سماع ابن القاسم على أن البائع هو الذي ولي شراء ما باع مرابحة حتى بين أنه لم يشترها هو فأوجب للمبتاع أن يرد إذا علم؛ لأن من حجته أن يقول إنما اشتريت منك مرابحة على شرائك لعلمي ببصرك في الشراء وأنك لا تخدع فيه، ولو علمت أن غيرك اشتراها لك لما ابتعتها منك مرابحة، ولكلا القولين وجه، وقد مضى القول على ذلك في كتاب المرابحة، في أول سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

مسألة: أبضع مع رجل ببضاعة يبتاع له بها طعاما

[مسألة: أبضع مع رجل ببضاعة يبتاع له بها طعاما] مسألة وسئل عمن أبضع مع رجل ببضاعة يبتاع له بها طعاما ثم أتاه بعد ذلك فأخبره أن قد ابتاع بها طعاما وقبضه وسأله أن يبيعه إياه، قال: ما أحب هذا وما يعجبني. قال محمد بن رشد: قد أجاز في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال لمن أسلم في طعام أن يبيعه بقبض وكيله، ولا إشكال في جواز ذلك؛ لأنه قد دخل في ضمانه بقبض وكيله إياه إذا تحقق أنه قد قبضه، فإنما كره له في هذه المسألة أن يبيعه منه إذا لم يتحقق أنه قبضه لاحتمال أن يكون كذبه، ولو تحقق ذلك لما كرهه، إلا أن الوكيل في هذه المسألة هو المبتاع للطعام بالثمن الذي دفعه إليه موكله فلا يجوز أن يبيعه منه وإن تحقق أنه قبضه بأكثر مما دفع إليه ولا بدنانير إن كان دفع إليه دراهم، ولا بدراهم إن كان دفع إليه دنانير، إلا أن يكون البخس في الصرف على رب الطعام فترتفع التهمة في ذلك، قاله ابن دحون، وهو صحيح إن شاء الله تعالى. [أعطى رجلا حمارا ليبيعه له فباعه بعشرة دنانير على أن يستأمر رب الحمار] ومن كتاب الأقضية وسئل مالك عمن أعطى رجلا حمارا ليبيعه له فباعه بعشرة دنانير من رجل على أن يستأمر رب الحمار، فتوجه إلى الرجل ليعلمه ذلك فلقيه رجل فقال: أين الحمار؟ فقال: بعته بعشرة دنانير على أن أستأمر رب الحمار، فقال له الرجل: فلك زيادة دينار وهو لي بأحد عشر دينارا، أفترى الذي باع الحمار أن يخبر رب الحمار بهذا؟ قال: نعم يخبره، وبئس ما صنع الذي زاد، لم يصب بذلك، قيل له: أيخبر بالزيادة؟ قال: نعم يخبر بها. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: سافر برقيق لنفسه وبضاعة لقوم فأنفق على نفسه نفقة

[مسألة: سافر برقيق لنفسه وبضاعة لقوم فأنفق على نفسه نفقة] مسألة وسئل عمن سافر برقيق لنفسه وبضاعة لقوم فأنفق على نفسه نفقة أيحسب على البضاعة من النفقة التي أنفق على نفسه شيئا؟ قال: أتريد أن تأخذ مما أنفق على نفسه من البضاعة؟ قال له: نعم، قال ليس ذلك له، وإن أشياء لتكون لؤما لا تجمل ولا تحسن. قال محمد بن رشد: وقد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك خلاف رواية أشهب هذه عنه، وقد مضى الكلام على ذلك هناك مستوفى فلا معنى لإعادته. [عبد بعث معه ببعيرين فتهشم أحدهما بالطريق فنحره فأكل منه] ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل عن عبد بعث معه ببعيرين وهو لا يزال يبعث معه بمثل ذلك فتهشم أحدهما بالطريق فنحره فأكل منه، ثم جاء بأحد البعيرين فسئل عن الآخر فقال: تهشم فنحرته فأكلت منه ولا بينة له على ذلك، فقال: أين أصابه ذلك؟ أفي قرية؟ أفلا يعلم ذلك أحد من أهل القرية؟ قيل له: فإنه كان في صحراء فذبحته حين خفت أن يموت، فقال: عليه أن يغرم، أرأيت لو أن رجلا أخذ بعير إنسان فنحره ثم قال: وجدته يموت أكان يصدق؟ فهذا مثله، قيل له: إنه يقول إنه مؤتمن، قال: ليس على هذا اؤتمن، إنما اؤتمن على أن يبلغه، ولو تركه حتى يموت لم يكن عليه شيء، قيل له: أفيكون ذلك الغرم في ذمته أو على سيده؟ فقال: بل على سيده. قال محمد بن رشد: وجه ما ذهب إليه مالك في هذه الرواية أن العبد ليس له أن ينحر البعير الذي أرسل معه وإن خشي عليه الموت لأنه متعد في ذلك إذ لم يؤذن له فيه، ولعله لو لم ينحره لم يمت، فهو بمنزلة

من ذبح بعير رجل فقال وجدته يموت، فسواء كانت للعبد بينة على ما زعم من أنه خشي عليه الموت ولذلك نحره، أو لم تكن، وسواء إن كان في قرية علم ذلك أحد من أهل القرية أو لم يعلم، إلا أنه أبين في الضمان إذا لم تكن له بينة أو لم يعلم ذلك أحد من أهل القرية، وهذا هو الذي أراد مالك أن يبين من قوله: أفلا يعلم ذلك أحد من أهل القرية لا أنه إن علم ذلك أحد من أهل القرية أو كانت له بينة سقط عنه الضمان. ومعنى قوله في آخر المسألة: بل يكون الغرم على سيده أن ذلك يكون في رقبة العبد فيخير سيده بين أن يغرم قيمة البعير الذي ذبح عبده أو يسلم فيها رقبة عبده لا أنه يغرم قيمة البعير لصاحبه من ماله ما بلغت، وإنما أراد ذلك في رقبة العبد لأنه لم يصدقه فيما ادعى من أنه خشي عليه الموت فذبحه نظرا لربه، فهذا وجه كون ذلك في رقبته، ولو صدقه فيما ادعاه من أنه خشي عليه الموت فذبحه لأشبه أن يكون أيضا ذلك في رقبته على قول أشهب ورواية ابن وهب عن مالك في الراعي يخشى على الغنم الموت فيذبحها أنه ضامن إذ لم يجعل إليه ذلك ولا أذن له فيه. وقول مالك في هذه المسألة يشبه ما وقع لابن القاسم وأشهب في سماع سحنون من كتاب العارية في العبد يأتي إلى الرجل فيقول: سيدي أرسلني إليك في كذا وكذا فيعطاه فيتلف عنده أو يزعم أنه قد دفعه إلى سيده وينكر السيد أن ذلك يكون في رقبته، وقد احتج ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب الجنايات بقول مالك هذا لقوله: إن ذلك يكون في رقبته. وأشبه المسائل عندي بهذه المسألة مسألة العبد يستودع الوديعة فيستهلكها بالإفساد لها في غير منفعة، فابن القاسم يقول إنها في ذمته؛ لأن صاحبها ائتمنه عليها، وابن الماجشون يقول: إنها في رقبته لأنه تعدى عليها فإنها جناية منه، فقول مالك في هذه الرواية موافق لقول ابن الماجشون، ومخالف لقول ابن القاسم في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

مسألة: يبعث بدنانير إلى مثل الإسكندرية إلى رجل يبتاع بها بزا كل عشرة دنانير بدينار

[مسألة: يبعث بدنانير إلى مثل الإسكندرية إلى رجل يبتاع بها بزا كل عشرة دنانير بدينار] مسألة قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن الذي يبعث بدنانير إلى مثل الإسكندرية إلى رجل يبتاع بها بزا كل عشرة دنانير بدينار، قال: لا بأس به إذا كان ما اشترى له من قليل أو كثير قبله، فإن كان يشتري له فيختار عليه فلا خير فيه، قيل: أترى عليه ضمان المال؟ فقال: لا أرى عليه ضمانا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة مثل ما في كتاب الجعل والإجارة من المدونة لأنه جعل، فإذا فوض إليه الشراء باجتهاده ولم يكن يختار عليه جاز ولزم صاحب المال الجاعل كل ما اشترى له إذا اشترى له ما يشبهه في تجارته وكسوته، قال في المدونة ويكون له في كل ما اشترى من قليل أو كثير ما يجب له من حساب دينار في العشرة، ولا يلزمه التمادي على الشراء، وله أن يرد ما بقى من المال متى شاء، وأن يرد جميعه قبل أن يشتري له شيئا إن شاء، وكذلك صاحب المال الجاعل له أن يسترد ماله أو ما بقي منه إن شاء من عند المبعوث إليه به المجعول له، ولو أعطى دنانيره لرجل على أن يخرج بها إلى الإسكندرية فيشتري بها بزا وله في كل عشرة يشتري بها دينار لم يكن له أن يسترد ماله منه بعد أن يخرج به لئلا يبطل عليه عناءه باتفاق، ولا قبل أن يخرج به على اختلاف، إذ قد قيل إن الجعل يلزم الجاعل بالعقد. وقوله إنه لا ضمان عليه في المال صحيح لأنه مؤتمن عليه، فالقول قوله إن ادعى ضياعه كالمودع، وبالله التوفيق. [وكل رجلا يبيع له غلاما فباعه من رجل ثم ادعى المشتري عيبا في العبد] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله: نقدها نقدها قال عيسى: سألت ابن القاسم عن رجل وكل رجلا يبيع له غلاما فباعه من رجل ثم ادعى المشتري عيبا في العبد وهو مما

يحدث فطلب أن يحلفهما جميعا، قال: إنما يحلف الوكيل الذي باعه إن أراد رده على ذلك، فإن حلف وإلا رده، فإن زعم الموكل أنه لم يحط بذلك علما قيل للمشتري احلف ورده، وليس يستحلف في هذا السيد الموكل، وإن أراد المشتري أن يحلف السيد كان ذلك له، ولكنه إذا طلب من الرسول أن يحلف كان ذلك له، ولكن وجه القضاء أن يستحلف الموكل إلا أن يريد المشتري أن يستحلف السيد الأول فيكون ذلك له. قال أصبغ بن الفرج: أرى له أن يحلفهما جميعا ما علما بذلك العيب، فإن نكلا أو نكل أحدهما كان له أن يرد إن شاء. قال محمد بن رشد: معنى قول ابن القاسم وأصبغ أن البائع لم يعلم المبتاع أنه لغيره، ولو أعلمه لم تكن له عليه يمين، كذلك في كتاب العيوب من المدونة في سماع ابن القاسم من كتاب العيوب لأن عهدة ما باع الوكيل إنما هي على الموكل لا على الوكيل إذا علم من حاله أنه إنما يبيع لغيره أو علم بذلك المبتاع منه عند بيعه، بخلاف ما يختلف فيه الوكيل مع المبتاع فيما باع منه، هذا يحلف فيه الوكيل وإن علم أنه وكيل لأنه قصر في ترك الإشهاد حسبما مضى القول فيه، في أول رسم من سماع ابن القاسم. والذي ذهب إليه ابن القاسم في هذه الرواية أنه ليس للمتباع أن يحلف الموكل والوكيل في العيب الذي ادعى أنه في العبد قديم، وإنما وجه الأمر أن يحلف الوكيل الذي باعه منه إن كان لم يعلمه أنه لغيره، فإن نكل عن اليمين حلف هو ورد العبد عليه، وإن أراد أن يحلف السيد الموكل لم يكن له أن يحلف الوكيل، وذلك خلاف مذهبه في الوكالات من المدونة في الذي يوكل الرجل أن يسلم له في طعام فيدعي

وكل وكيلا باشتراء سلعه سماها فاشتراها ونقد الثمن

المسلم إليه أنه وجد في الدراهم التي دفع له زيوفا أن له أن يحلفهما جميعا، يحلف المأمور ما يعرفها من الدراهم التي أعطاه ولا أعطاه إلا جيدا في علمه، ويحلف الآمر ما يعرفها من دراهمه وما أعطاه إلا جيدا في علمه، وهو قول أصبغ في هذه المسألة إن له أن يحلفهما جميعا ما علما بذلك العيب، فإن نكلا أو نكل أحدهما كان له أن يرد إن شاء، معناه بعد يمينه. وقوله إنهما يحلفان على العلم ما علما بذلك العيب معناه إن كان العيب مما يخفى على المشهور من مذهب ابن القاسم المنصوص له في المدونة، وقد قيل إنه يحلف على العلم في الظاهر والخفي، وهو قول أشهب، وقيل إنه يحلف على البت في الظاهر والخفي، وهو قول ابن نافع ورواية يحيى عن ابن القاسم في رسم أول عبد ابتاعه من سماعه من كتاب العيوب. [وكل وكيلا باشتراء سلعه سماها فاشتراها ونقد الثمن] ومن كتاب أوله: عبد استأذن سيده قال: وسألته عن رجل وكل وكيلا باشتراء سلعه سماها فاشتراها ونقد الثمن ثم أتاه فقال: أعطني الثمن قال الآمر: قد أعطيتك، وإنما اشتريتها بدراهمي، قال ليس القول قوله، وإنما القول قول المشتري مع يمينه، ويحلف بالله ما أخذ منه ثمنها ويأخذ منه الثمن. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قال فيها بعض أهل النظر معناها أن الآمر لم يقبض السلعة، ولذلك كان القول قول المشتري، فليست بخلاف لما في أول رسم من سماع ابن القاسم أن الرجل سفير امرأته وليس ذلك بصحيح حسبما بيناه في مسألة سماع ابن القاسم، ولا معنى لإعادته، فالصواب أن قول ابن القاسم في هذه المسألة خلاف قول مالك في سماع ابن القاسم، إذ لا فرق بين المسألتين، وبالله التوفيق.

مسألة: وكل رجلا بالفسطاط يشتري له طعاما بالإسكندرية فاشتراه ثم باعه

[مسألة: وكل رجلا بالفسطاط يشتري له طعاما بالإسكندرية فاشتراه ثم باعه] مسألة وسألته عن رجل وكل رجلا بالفسطاط يشتري له طعاما بالإسكندرية فاشتراه ثم باعه بزيت فقدم بالزيت الفسطاط، فقال: يكون صاحب الطعام الذي اشترى له مخيرا في أن يأخذ مكيلة طعامه بالإسكندرية أو زيتا مثل الزيت الذي باعه به بالإسكندرية، ولا يأخذ الزيت بالفسطاط، قلت: فإن رضي الذي جاء بالزيت أن يعطيه إياه بالفسطاط ورضي بذلك صاحب الطعام أيصلح ذلك؟ قال: نعم لا بأس بذلك؛ لأن من أسلف طعاما ببلد فلقيه بغير البلد الذي أسلفه فيه فأراد أن يأخذ منه طعاما قبل محل الأجل لم يصلح، وكذلك قال لي مالك، وقال لي: وإن حل الأجل فلا بأس به، فإذا حل له أن يأخذ منه قمحا من قمح بغير البلد الذي أسلفه فيه وكذلك الزيت والقمح لا بأس به أن يأخذ بغير البلد إذا تراضيا عليه وحل الأجل. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأنه لما اشترى له الطعام الذي أمره أن يشتريه له بالإسكندرية ثم باعه بزيت كان مخيرا بين أن يضمنه مثل طعامه بالإسكندرية وبين أن يجيز البيع فيه بالزيت فيأخذه بمثله في الإسكندرية إذ قد فات بحمله إياه بالفسطاط، وليس له أن يأخذ الزيت بالفسطاط إلا برضاه لأن في ذلك زيادة، فليس له أن يأخذ منه الزيادة إلا برضاه وإن كل متعديا في حمله إياه إلى الفسطاط، ويأتي على ما في سماع أصبغ عن أشهب من كتاب الغصب أن له أن يأخذ الزيت بالفسطاط لأنه زيته بعينه، وهذا إن كان باع الطعام به لرب الطعام، وأما إن كان باعه به لنفسه على أن يضمن لرب الطعام مثل طعامه ويأخذ هو الزيت فلا يكون له أن يأخذ الزيت بالفسطاط على مذهب أشهب في الغاصب يغصب

مسألة: وكل رجلا على بيع غلة له وقال له احفظ عليه ما يبيع

الطعام في بلد فيحمله إلى بلد أخرى أن لرب الطعام المغصوب منه أن يأخذ طعامه بعينه حيث وجده، وقد مضى هذا المعنى مستوفى والاختلاف فيه مشروحا في سماع سحنون وأصبغ من كتاب الغصب. [مسألة: وكل رجلا على بيع غلة له وقال له احفظ عليه ما يبيع] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل وكل رجلا على بيع غلة له وقال له: احفظ عليه ما يبيع فكتب جميع ما باع فلما فرغ من البيع أتى ختنه بكتاب ما باع وكيله فقال صاحب الحق للوكيل: هات كتابك بما بعت فقال: ذهب مني ولكن انظر ما رفع إليك ختنك فهو حق وأشهد عليه بإقراره ثم نزع، فقال: لا يلزمه شيء لأنه يقول: كنت أرجو أن يصدق وقد كذب، قلت: أفلا تقبل شهادته إن كان عدلا؟ فقال لا تقبل شهادته لأنه خصم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأنه إذا وكل ختنه ليحفظ عليه ما يبيع صار بمنزلته في الخصومة له لأن يد الوكيل كيد موكله فوجب ألا تجوز شهادته عليه كما قال، ولا اختلاف في أنه يجوز له أن يرجع عمن رضي به من تصديق ختنه فيما رفع عليه أنه باعه ما لم يشهد عليه بذلك، وإنما اختلف هل له أن يرجع عن ذلك بعد أن يشهد عليه حسبما مضى تحصيل القول فيه في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات فلا وجه لإعادته. [مسألة: يقول للرجل بع سلعتي هذه بفرس نقدا فيبيعها بحمار إلى أجل] مسألة وسئل عن الرجل يقول للرجل: بع سلعتي هذه بفرس نقدا فيبيعها بحمار إلى أجل، قال يباع الحمار بنقد عاجل، فإن كان ما

بيع به الحمار قيمة السلعة فأكثر كان لصاحب السلعة، وإن نقص الثمن عن قيمتها كان على البائع ما نقص، قيل لابن القاسم: فإن قال بعها بعرض سماه نقدا فباعها بطعام إلى أجل؟ قال يغرم بائعها قيمتها نقدا، فإن استوفى الطعام بيع فإن كان أكثر من القيمة التي استوجب كانت له الزيادة، وإن كان أدنى من القيمة كان النقصان من البائع. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على ما في السلم الثاني من المدونة وما يأتي في رسم أوصى ورسم حبل حبلة بعد هذا السماع. وتحصيل هذا أنه إذا أمره أن يبيع سلعته بعرض أو ثمن إلى أجل ما كان فنفذ ما أمره به وباع بغير ذلك أنه ليس لصاحب السلعة إلا قيمة سلعته، فإن كان الذي باع به نقدا كان بالخيار بين أن يضمنه قيمة سلعته وبين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن الذي باع به نقدا، وإن كان الذي باع به إلى أجل لم يكن ذلك له لأنه يدخله فسخ الدين في الدين، ويباع ما باع به إلى أجل بالعين إن كان عرضا أو بالعرض إن كان عينا، ثم يباع العرض بالعين، فإن كان ذلك مثل القيمة فأكثر كان لصاحب السلعة، وإن كان أقل من القيمة كان عليه تمام القيمة لتعديه إلا أن يكون الذي باع به إلى أجل طعاما فتؤخذ منه القيمة وترجع إلى رب السلعة ويستأنى بالطعام فإذا استوفى بيع فإن كان فيه فضل عن القيمة كان الفضل لرب السلعة، وإن كان فيه نقصان كان النقصان على المأمور المتعدي. وكذلك إن كان أمره أن يبيع السلعة بدنانير نقدا فتعدى ما أمره به وباع بغير ذلك إلا أنه ليس لصاحب السلعة إلا الدنانير التي أمره أن يبيع سلعته بها، فإن كان الذي باع به نقدا كان بالخيار بين أن يضمنه الثمن الذي أمره أن يبيع به وبين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن الذي باع به نقدا، وإن كان الذي باع به إلى أجل عينا أو عرضا أو طعاما فليس له أن يجيز البيع ويأخذ ما باع به لأنه يدخله

مسألة: يعطي الرجل السلعة يبيعها له بشيء يسميه له فيأخذها لنفسه

فسخ الدين في الدين، ويباع ذلك إن كان عرضا بعين وإن كان عينا بعرض ثم يبيع العرض بعين، فإن كان فيه فضل عن الثمن الذي أمره أن يبيع به كان للآمر، وإن كان نقصانا كان على المأمور أن يوفي الآمر تمام الثمن الذي أمره أن يبيع به لتعديه، وإن كان الذي باع به السلعة طعاما نقدا أو إلى أجل أخذ منه الثمن الذي أمره أن يبيع به سلعته فإذا استوفى الطعام بيع، فإن كان فيه فضل كان لصاحب السلعة وليس لصاحب السلعة أن يجيز البيع ويأخذ الطعام، وإن كان نقدا لأنه يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى إذ قد وجب للمأمور المتعدي. واختلف إذ أمره أن يبيع سلعة بعشرة إلى أجل وقيمتها نقدا أكثر من عشرة فتعدى وباعها بعرض إلى أجل فبيع العرض المؤجل هل تكون له قيمة سلعته ما بلغت؟ أو لا يزاد على العشرة التي رضي أن يبيع سلعته بها إلى أجل حسبما يأتي في رسم أوصى بعد هذا؟ وبالله التوفيق. [مسألة: يعطي الرجل السلعة يبيعها له بشيء يسميه له فيأخذها لنفسه] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل السلعة يبيعها له بشيء يسميه له فيأخذها لنفسه، قال: إن وجدها في يديه لم تفت أخذها، وإن فاتت في يديه فإن كان أمره أن يبيعها بشيء من الطعام أو العين أو الذهب والورق فهو مخير بين أن يأخذ منه ما أمره أن يبيعها به من الطعام أو العين وبين أن يأخذ قيمتها، وإن كان أمره أن يبيعها بشيء من العروض سوى العين والطعام لم يكن عليه إلا القيمة، وليس له عليه ما أمره به قلت: وما الذي يفوتها في يديه؟ قال: النماء والنقصان واختلاف الأسواق يفوتها وتكون في ذلك كله القيمة.

قال محمد بن رشد: قوله: فيأخذها لنفسه معناه بالثمن الذي أمره أن يبيع به وسماه له. وقوله: إن وجدها في يديه لم تفت أخذها يريد إن شاء وإن شاء ألزمه الثمن الذي سماه له فالتزمه هو فيها. والوجه في ذلك أنه إنما أعطاها له ليبيعها من غيره هذا هو المعلوم من قوله فلم يرض أن يبيعها من نفسه، فإن فعل كان مخيرا بين أن يمضي ذلك له أو يرده. وقد يتخرج جواز بيعها من نفسه من مسألة رسم البز من سماع ابن القاسم في الذي خرج حاجا أو غازيا فبعث معه بمال ليعطي منه كل منقطع به فاحتاج هو، أنه لا بأس أن يأخذ منه، وقد مضى الكلام هنالك على وجه دخول الاختلاف في ذلك. وفي تفرقته إذا فاتت بين أن يأمره أن يبيعها بشيء من الطعام أو العين وبين أن يأمره أن يبيعها بشيء من العروض سوى العين والطعام نظر، إذ لا فرق في وجه القياس والنظر إذا أخذها لنفسه بما أمره أن يبيعها به بين الطعام والعروض، وإنما يفترق في ذلك العين مما سواه؛ لأنه إذا أمره أن يبيعها بدنانير أو دراهم مسماة فأخذها لنفسه بذلك فقد التزم الثمن في نفسه حالا عليه لرب السلعة إلا أن يقول لا أمضيها له إذ لم أرد إلا أن أبيعها لغيره فيكون له عليه فيها إذا فاتت الأكثر من القيمة أو الثمن، وإذا أمره أن يبيعها بطعام أو عروض فأخذها لنفسه بذلك فقد التزم لربها فيها الطعام أو العروض حالة عليه، والسلم الحال لا يجوز على المشهور في المذهب، فوجب أن يبطل عنه الثمن الذي ألزمه ويكون عليه قيمة السلعة إذا فاتت بالغة ما بلغت، إلا أنه لما كان الطعام يقضى فيه بالمثل أشبه العين عنده فحكم له في هذا بمثله استحسانا، فهذا وجه تفرقته في ذلك، وفي سماع أصبغ بعد هذا لابن القاسم مثل قوله ههنا إذا أمره أن يبيع له ثوبا بدنانير سماها له فقطعه على نفسه، ومثله لغير ابن القاسم في كتاب القراض من المدونة، قال: كل من جاز له أن يبيع شيئا

يبضع معه الرجل بمائة دينار في جارية فيشتري بمائة وخمسين

أطلقت له فيه يده فباعه من نفسه أو أعتقه فالآمر بالخيار إن أجاز فعله فقد نفذ عتقه وإن رد فعله لم يجز عتقه إلا المقارض فإنه إن كان في العبد فضل نقذ عتقه للشرك الذي له فيه وحكم لهذه السلعة بحكم البيوع الفاسدة فيما تفوت به، والقياس ألا تفوت بالنماء ولا بحوالة الأسواق بالزيادة وأنها إنما تفوت بالعيوب وحوالة الأسواق بالنقصان، ويبين هذا قوله فيما يأتي في رسم أوصى فذلك ليس ببيع، وصاحبه يرده إن شاء إذا لم يفت، فإذا فات كان مخيرا في الثمن الذي أمره به أو القيمة، وبالله تعالى التوفيق. [يبضع معه الرجل بمائة دينار في جارية فيشتري بمائة وخمسين] ومن كتاب العرية وسألته عن الرجل يبضع معه الرجل بمائة دينار في جارية فيشتري بمائة وخمسين فيبعث بها إليه أو يدفعها هو إليه ولا يعلمه بالزيادة حتى تفوت في يد المشتري إما بعتق وإما بحمل قبل أن يعلمه بالزيادة ثم يأتي يطلب منه الزيادة فقال: أما إذا فاتت بعتق أو بحمل فلا شيء عليه، وإن فاتت ببيع فإنه إن كان باعها بمائة دينار وقفا فلا شيء عليه، وإن باعها بزيادة على مائة فما زاد على المائة فهو للمبضع معه أبدا حتى تنتهي خمسين ومائة، فإن زاد ثمنها على خمسين ومائة فالزيادة لصاحب المائة، قلت: فلو كانت الزيادة يسيرة؟ قال: أما إذا كانت الزيادة يسيرة فإن ذلك عليه غرم ويلزمه البيع وليست الزيادة اليسيرة مثل الكثيرة لأن مالكا قال في المبضع معه يزيد على البضاعة الزيادة اليسيرة فيريد أن يأخذها من صاحب البضاعة إن ذلك له عليه فاتت الجارية أو لم تفت، وقال في الزيادة الكثيرة إنه مخير في أن يأخذها أو يدع ويضمنه بضاعته، فإن فاتت قبل أن يعلمه لم يكن عليه قليل ولا كثير إلا ما وصفت لك في البيع، قلت: وتكون له الزيادة بقوله أم ببينة؟

قال: بل، بقوله، ولا يحلف لأنه مؤتمن، قلت: فلا يقطع قوله في هذين الوجهين إذا لم يذكر له ذلك زمانا طويلا؟ قال: إذا طال ذلك وهو يلقاه ويكلمه فلا يذكر له شيئا من الزيادة فلا شيء له في كلا الوجهين، وإنما يقبل قوله إذا غاب عنه مثل ما يشتغل الرجل في حوائجه أو يكون في سفره فيقدم فهذا الذي يقبل قوله، وإما الذي يلقاه صاحبه ويكون معه زمانا ثم يطلب الزيادة بعد ذلك فلا يقبل قوله. قال محمد بن رشد: قوله في الزيادة الكثيرة إذا لم يعلمه بها حتى فاتت بعتق أو بحمل إنه لا شيء عليه منها هو نص ما في المدونة، وقوله إنما إن فاتت ببيع فإن كانت بيعت بأكثر من الثمن الذي أمره به كانت الزيادة للمبضع معه المأمور إلا أن يستوفى ما زاد، فإن بيعت بأكثر من الثمن والزيادة كان ما زاد على ذلك للآمر يحمل على التفسير لما في المدونة، إذ لم يتكلم فيها على فواتها بالبيع. وقوله في الزيادة اليسيرة إن للمأمور أن يأخذها من صاحب البضاعة فاتت الجارية أو لم تفت هو مثل قوله في السلم الثاني من المدونة إنه إذا زاد الدينار والدينارين ثم أصيب الرأس فالمصيبة من الآمر ويغرم الزيادة للمأمور خلاف ما في المدونة من كتاب العرية لمالك أن الآمر لا يغرم الزيادة مصيبتها من المأمور، وحسب الآمر أن يحسب ما أعطى، وحسب المأمور المبتاع أن ينجو من الضمان، وقد قال بعض أهل النظر: إن هذا هو ظاهر ما يأتي في رسم سلف بعد هذا من قوله إذا فاتت السلعة لم يكن للمبتاع قليل ولا كثير، وليس ذلك بصحيح لأنه إنما قصد إلى التكلم على الزيادة الكثيرة فيها، قال: إن الجارية إذا فاتت عند صاحبها بعتق أو حمل لم يكن للمبضع معه من

مسألة: أبضع معه رجلان في جارتين أبضع واحد بخمسين وأبضع الآخر بمائة

الزيادة قليل ولا كثير. وما ههنا وفي المدونة هو القياس، والذي في المدنية لمالك وفي رسم سلف استحسان، وقال في الزيادة إنها تكون له بقوله ولا يحلف لأنه مؤتمن، وفي كتاب محمد أنها تكون له بقوله ويحلف لأنه مؤتمن، والاختلاف في هذا عندي على اختلافهم في لحوق يمين التهمة، ولو حقق عليه الآمر الدعوى في أنه لم يزده شيئا على الثمن الذي أبضع معه للحقته اليمين قولا واحدا. وقوله إنه لا شيء له في كلا الوجهين يريد في الزيادة اليسيرة والكثيرة إذا طال الأمر وهو يلقاه ويكلمه ولا يذكر له شيئا مر ذلك يحمل على التفسير لما في المدونة والله أعلم، وبه التوفيق. [مسألة: أبضع معه رجلان في جارتين أبضع واحد بخمسين وأبضع الآخر بمائة] مسألة وعن رجل أبضع معه رجلان في جارتين: أبضع واحد بخمسين، وأبضع الآخر بمائة، فذهب واشترى وأشهد في أصل الاشتراء الشهود أن هذه لفلان اشتريتها بمائة وهذه لفلان اشتريتها بخمسين، ثم بعث بهما أن تدفعا إليهما، فأخطأ الرسول فدفع جارية هذا لهذا وجارية هذا لهذا فوطأهما جميعا فحملتا، قال: إذا كانت البينة عليهما كما ذكرت أخذ كل واحد منهما جاريته، واتبع كل واحد منهما صاحبه بقيمة الولد، قال: وإذا لم يكن إلا قول المبضع معه فإنه لا يقبل قوله، ويلزم غرم قيمة الجارية التي زعم أنه اشتراها لصاحب المائة تقوم فما كان من قيمتها على خمسين دفعه إليه. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يأخذ كل واحد جاريته ويكون عليه قيمة ولده لصاحبه إذا كانت على ذلك بينة، هو على ما اختاره من أقوال مالك في الجارية المستحقة من يدي المشتري وقد ولدت منه أن

مسألة: يكون عليه لرجلين عشرون دينارا عشره لهذا وعشرة لهذا وليس هما شريكين

صاحبها يأخذها وقيمة ولدها، وقد قال: إنه يأخذ قيمتها يوم الحكم وقيمة ولدها، والقول الثالث أنه يأخذ قيمتها يوم أولدها ولا شيء له من قيمة ولدها، وهذه الأقوال كلها داخلة في هذه المسألة. وقوله: إذا لم يكن إلا قول المبضع معه فإنه لا يقبل قوله صحيح، وأما قوله: إنه يلزم غرم قيمة الجارية التي زعم أنه اشتراها لصاحب المائة تقوم فما كان من قيمتها على خمسين دفعه إليه، وهو قد قال: إن الرسول هو الذي أخطأ فدفع جارية كل واحد منهما إلى صاحبه، فمعناه إذا لم تكن له بينة على ما أمر به الرسول وأنكر الرسول أن يكون أخطأ، وقال: إنما فعلت ما أمرتني به وحلف على ذلك، ولو نكل عن اليمين لوجب أن يحلف المبضع معه ويكون الذي أخطأ عليه بالخيار فيمن شاء أن يرجع عليه منهما، فإن رجع على المبضع معه رجع المبضع معه على الرسول لنكوله عن اليمين وحلفه هو، وإن رجع على الرسول لم يكن للرسول أن يرجع بما رجع به عليه على أحد؛ ولو كانت له بينة على ما أمر به الرسول لوجب أن يكون الرسول هو الضامن لا المبضع معه. [مسألة: يكون عليه لرجلين عشرون دينارا عشره لهذا وعشرة لهذا وليس هما شريكين] مسألة وعن الرجل يكون عليه لرجلين عشرون دينارا عشره لهذا وعشرة لهذا وليس هما شريكين فيوكلان رجلا يقتضي لهما تلك العشرين فيقتضي منه عشرة فيدعي الغريم أن تلك العشرة إنما قضيتها فلانا ويقول الوكيل: ما دفعت إلي العشرة إلا لفلان يعني الآخر وقد فلس الغريم أو قال: دفعت تلك العشرة بينهما. قال: أرى ما اقتضى بينهما. قال محمد بن رشد: قوله: أرى ما اقتضى بينهما خلاف ما مضى من قوله في سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس؛ لأنه قال فيه: إذا كان

مسألة: دفع إلى رجل دابة ليبيعها له وأشهد عليه ألا يبيعها إلا بدينارين فباعها بدينار

حقهما مجتمعا فهو بينهما، فدل ذلك على أنه إن كان حقهما مفترقا لا يكون بينهما، وإذا لم يكن بينهما فالقول قول الوكيل، وهو قول أصبغ، وحكى ذلك ابن لبابة في منتخبه عن ابن القاسم، ولا اختلاف إذا كانا شريكين في العشرين أن ما اقتضى وكيلهما يكون بينهما، وإنما الاختلاف إذا كان حقهما مفترقا، فقال في هذه الرواية: إن ما اقتضى يكون بينهما وإن اختلفا فقال الوكيل: قبضت حق فلان، وقال الغريم: ما اقتضيتك إلا حق فلان، ووجه ذلك أن كل واحد منهما يتهم بالمحاباة إذا كان الغريم مفلسا، فكذلك على هذه الرواية لو اتفقا على أنه إنما قبض حق أحدهما لكان بينهما، وقال أصبغ: يصدق الوكيل، وهو دليل قول ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، ونص ما حكى عنه ابن لبابة في منتخبه، وقد مضى الكلام بأوعب من هذا في هذه المسألة في سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس. [مسألة: دفع إلى رجل دابة ليبيعها له وأشهد عليه ألا يبيعها إلا بدينارين فباعها بدينار] مسألة وسئل عن رجل دفع إلى رجل دابة ليبيعها له وأشهد عليه ألا يبيعها إلا بدينارين فباعها بدينار، ثم إن المبتاع باعها بأربعة دنانير، ثم جاء صاحب الدابة الأول فطلب دابته وأقام البينة، ما ترى فيها وقد وجد دابته بعينها عند غير مشتريها أو لم يجدها إلا أنه قد علم أنه باعها المبتاع بأربعة دنانير؟ قال: إن وجد دابته بعينها عند مشتريها أخذها ولم يكن له غير ذلك، فإن فاتت أخذ من المتعدي دينارا إلا أن يكون المتعدي عديما فيأخذ الدينار من مشتري الدابة ويتبع هو المتعدي. قال محمد بن رشد: قوله في الذي أعطي الدابة على أن يبيعها

بدينارين فباعها بدينار، ثم باعها المبتاع لها بدينار بأربعة دنانير إن صاحب الدابة إن وجد دابته بعينها عند مشتريها أخذها ولم يكن له غير ذلك صحيح، ومعناه أنه وجدها بحالها عند مشتريها الأول الذي اشتراها بدينار قبل أن يبيعها فلم يكن أن يضمنه الدينارين اللذين أمره أن يبيع دابته بهما لوجود دابته بحالها، كالغاصب للدابة إذا وجدها صاحبها عنده بحالها فليس له أن يضمنه قيمتها، وإن قال المشتري للدابة بالدينار أنا أدفع الدينار الذي تعدى فيه وآخذها لم يكن ذلك له، قاله ابن دحون، وهو عندي صحيح. فإن فاتت عند المشتري بعيب أو موت غرم المتعدي الدينارين اللذين أمره أن يبيع دابته بهما. وأما قوله في الرواية فإن فاتت يريد من يده ببيعه لها بأربعة دنانير كما قال في السؤال أخذ من المتعدي دينارا إلا أن يكون المتعدي عديما فيأخذ الدينار من مشتري الدابة ويتبع هو المتعدي، فإنه قول فيه نظر، فإنه قد رآها فاتت بالبيع فلم يوجب لصاحبها إلا الدينارين على المتعدي فيأخذ منه الدينار الذي باع به الدابة ويغرمه الدينار الثاني، قال: إلا أن يكون المتعدي عديما فيأخذ الدينار من مشتري الدابة ويتبع هو المتعدي، فإذا فوتها بالبيع فلماذا أرجعه على المشتري بالدينار؟ والذي يوجبه النظر الصحيح على أصولهم ألا تفوت بالبيع وأن يكون مخيرا إذا وجدها قائمة بيدي المشتري الثاني بين أن يأخذ دابته وبين أن يجيز البيع ويأخذ الأربعة دنانير من المشتري الأول، ويرجع المشتري، الأول على المتعدي بالدينار الذي اشترى به الدابة منه، وإن وجدها قد فاتت بيد المشتري الثاني كان مخيرا بين أن يضمن المتعدي الدينارين اللذين أمره بالبيع بهما وبين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن، ولا شك أنه سيختار إجازة البيع في هذه المسألة لأنه خير له إلا أن يكون المشتري عديما فيرى أخذ الدينارين من المتعدي أحب إليه من اتباع ذمة المشتري بالأربعة الدنانير التي باع بها الدابة، وبالله تعالى التوفيق.

يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه

[يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه] ومن كتاب أوله: يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسئل عن رجل أمر رجلا أن يدفع سلعة إلى صباغ يصبغها فجحدها الصباغ وقال: لم تدفع إلي شيئا، وقال المأمور دفعت إليك، قال ابن القاسم: المأمور ضامن إذا جحد الصباغ، قلت: أرأيت لو قال الصباغ إنه دفع إليه وزعم أنه قد ضاع والصباغ عديم ولا بينة للمأمور بالدفع إلا وقول الصباغ: أيأخذ صاحب السلعة قيمة سلعته من المأمور ويتبع المأمور الصباغ إذ ليس له بينة على الدفع إلا قول الصباغ؟ قال: لا ولكن ضمانها على الصباغ. قال محمد بن رشد: أما إذا جحد الصباغ فلا اختلاف في أنه ضامن لأنه متعد إذ لم يشهد، وسواء كان الوكيل مفوضا إليه أو غير مفوض إليه. قال بعض أهل النظر: معنى هذه المسألة أنه أمره أن يدفعه إلى صباغ بعينه، يريد أنه لو كان غير معين لصدق في الدفع مع يمينه وإن أنكر القبض كالمساكين الذين لا يلزمه الإشهاد عليهم ويصدق في الدفع إليهم، وهذا غير صحيح سواء كان الصباغ بعينه أو بغير عينه يلزمه الإشهاد، ولا يصدق في الدفع إذا جحده، وفي إبراء الدافع بتصديق الصباغ وهو عديم لا ذمة له تأويلان: أحدهما أن الصباغ ضامن لما أقر بقبضه تتبع ذمته في العدم فكان بخلاف المؤتمن، والثاني أن ذلك، على القول بأن الذي يبرأ المأمور بالدفع إذا كان أمينا بتصديق القابض، وإن كان مؤتمنا وادعى التلف، وهو قول ابن القاسم في كتاب الوديعة من المدونة خلاف قول مالك في

دفع إلى رجل سلعة وأمره أن يبيعها بمائة إردب قمح فباعها بدنانير نقدا

كتاب ابن المواز، وفي مختصر الأسدية لأبي زيد القولان جميعا. فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن الأمين الدافع يبرأ بتصديق القابض، إذا قبض إلى أمانة أو إلى ذمه، والثاني أنه لا يبرأ بتصديق القابض قبض إلى أمانة أو إلى ذمة إذا كانت خربة، والثالث أنه يبرأ بتصديق القابض إذا قبض إلى ذمة وإن كانت خربة، ولا يبرأ بتصديقه إذا قبض إلى أمانة، وفي هذا أربع مسائل: دافع من ذمة إلى ذمة، ومن أمانة إلى أمانة، ومن أمانة إلى ذمة، ومن ذمة إلى أمانة، وقد مضى تحصيل هذه المسائل في غير هذا الكتاب وهو كتاب المقدمات. [دفع إلى رجل سلعة وأمره أن يبيعها بمائة إردب قمح فباعها بدنانير نقدا] ومن كتاب أوله: أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وقال في رجل دفع إلى رجل سلعة وأمره أن يبيعها بمائة إردب قمح، فباعها بدنانير نقدا. قال: يشترى له بالدنانير طعام، فإن كان أقل من المائة كان على المتعدي تمامه، وإن كان أكثر فهو كله له لأنه ثمن سلعته، والطعام بمنزلة الدنانير يريد إذا أمره أن يبيع به فباع بغيره كان عليه ما أمره من ذلك مثل الدنانير، وليس له أن يأخذ غيره إن باع به لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى، ولكن يباع ما باع به إن كانت عروضا ويشترى له على ما فسرت لك في الدنانير إذا باع بها. وقال ابن القاسم في رجل أمر رجلا أن يبيع له سلعة بعشرة أرادب قمح فباعها بسلعة أو بدنانير، قال ابن القاسم. قال مالك له العشرة الأرادب قمح ثابتة، قال ابن القاسم وتباع تلك السلعة ويشترى بثمنها قمحا أو بالدنانير إن كان باعها بدنانير، وإن كانت أكثر من العشرة الأرادب فلصاحب السلعة لأنه من ثمن سلعته، وإن كان أقل من العشرة فعلى المتعدي لأن القمح ههنا بمنزلة الدنانير؛ لأنه إذا أمره أن يبيع بدنانير سماها له فباع

بغيرها أنه ضامن للدنانير التي أمره أن يبيع بها، وإنما يباع بما باع في ذلك إذا كان الذي باع به إلى أجل لمكان الفضل لأنه إذا كان فضلا كان لصاحب السلعة، فالقمح بمنزلة الدنانير والدراهم إذا أمره أن يبيع به سلعته، وليس بمنزلة السلع إذا أمره أن يبيع بها لأنه لو تعدى على طعام له أو دنانير أو دراهم فاستهلكها لكان عليه مثل تلك الدنانير والدراهم ومثل مكيلة الطعام لأن ذلك كله يوجد مثله، ولو تعدى على سلعة له من العروض كلها أو الحيوان فاستهلكها أنه كان يكون عليه قيمتها، فهذا فرق ما بين أن يأمره أن يبيع بالطعام أو بعين فيبيع بغيره، وبين أن يأمره أن يبيع سلعته بسلعة سماها له فيبيع بغيرها، فإذا باع بغير ما أمره به من العين والطعام ضمن ما أمره به من الطعام والعين إلا أن يكون ما باع به نقدا فيكون مخيرا إن شاء أخذ ما باع به سلعته، وإن شاء ضمنه ما سمى له من ذلك وأمره أن يبيع به إلا الطعام وحده فليس له فيه خيار من قبل أنه يكون حينئذ بيع الطعام قبل أن يستوفى، وله المكيلة التي أمره بها، ويصنع في ذلك مثل ما فسرت لك في المسألة الأولى من بيع تلك السلعة التي باع بها ويشترى له ما أمره به. وإذا أمره أن يبيع سلعته بسلعة سماها له فباع بغيرها من السلع أو العين أو الطعام كان مخيرا إن كان ما باع به نقدا، إن شاء الذي باع به سلعته، وإن شاء قيمة سلعته التي دفع إليه يبيعها إلا أن يكون الذي باع به إلى أجل فلا يكون مخيرا في ذلك كان مما أمره به أو مما لم يأمره أن يبيع به، أو كان ما أمره به أن يبيع إلى أجل فباع بغيره إلى ذلك الأجل، قال ابن القاسم من قبل أنه كأنه تحول من دين إلى دين وكأنه تحول من

قليل إلى كثير، مثل أن يأمره أن يبيع بعشرة نقدا فيبيعها بمائة إلى شهر، فإن جعلته في ذلك مخيرا كان إن اختار المائة التي إلى أجل كأنه أعطاه عشرة في مائه إلى أجل لأنه إن شاء أن يأخذ العشرة أخذها، قال ابن القاسم: وكذلك المتعدي إذا تعدى على سلعة ولم يأمره ببيعها فباعها بثمن إلى أجل لم يكن مخيرا في القيمة أو الثمن الذي إلى أجل لأن القيمة قد وجبت له فيكون قد تحول من دين إلى دين ومن عشرة إلى عشرين إلى أجل، فلم ير ابن القاسم أن يكون له خيار في الأمرين جميعا لا في الاغتصاب ولا في التعدي ولا في خلاف ما أمره به والتعدي فيه، وقال ليس له في الاغتصاب والتعدي جميعا إلا قيمة سلعته أو مكيلة طعامه إن كان طعاما إلا أن يرضى أن يأخذ الثمن الذي باع به إن كان نقدا، وأما في التعدي إذا باع بخلاف ما أمره به فتباع تلك السلعة إلى أجل إن كان مما يحل بيعه بما يباع به مثله مما يحل إن كانت عروضا أو حيوانا بيعت بعين أو عرض مخالف لها، وإن كان عينا بيع بعرض ثم بيع العرض بعين، فإن كان أكثر مما أمره من التسمية إن كان سمى له عينا أو طعاما أو كان أكثر من القيمة إن لم يسم له ما بيع به لو أمره أن يبيع سلعة أخرى فذلك سواء، فإن كان في ذلك فضل عن ذلك كان لصاحب السلعة، وإن كان نقصانا كان على المتعدي بما تعدى، وإن كان ما باع به إلى أجل طعاما أخذ منه الساعة ما وجب له عليه مما أمره به من التسمية أو القيمة إن كان الذي يجب له القيمة على ما فسرنا، واستؤني بالطعام حتى يحل أجله فيباع، فإن كان فيه فضل عفا أخذ منه كان الفضل لصاحب السلعة لأنه لا يحل بيع الطعام قبل أن يستوفى وغيره يحل بيعه

قبل أن يستوفى، ولو أمره أن يبيع بطعام نقدا فباع بأكثر منه إلى أجل أخذ منه العدة التي أمره أن يبيع بها الساعة وترك ذلك إلى أجله فيؤخذ فيدفع إليه ما أخذه منه ويكون الفضل لصاحب السلعة. قال ابن القاسم: لو أن رجلا أمر رجلا يبيع له سلعة بعشرة أرادب قمح إلى أجل فباعها بسلعة نقدا، قال هو مخير إن شاء أخذ السلعة التي باع بها، وإن شاء أخذ قيمة سلعته وسقط الطعام الذي أمره أن يبيع به ههنا لأن كل ما أمره أن يبيع به إلى أجل فتعدى فيه وباع بغيره نقدا أو إلى ذلك الأجل فذلك الأجل الذي أمره أن يبيع إليه موضوع ويسقط حين تعدى ويصير كما لو لم يسم له ما يبيع به فباع به بغير ما تباع تلك السلعة به، فإذا كان ذلك أيضا كان رب السلعة مخيرا إن شاء أخذ ما باع به سلعته إن كان نقدا، وإن شاء القيمة، وإن كان أمره أن يبيع سلعته بسلعة سماها إلى شهر فباعها بسلعة غيرها إلى ذلك الأجل فقال: يسقط الأجل الذي أمره أن يبيع إليه وتباع تلك السلعة التي باع بها إلى أجل ويعطاه إلا أن تكون أقل من قيمة سلعته فله القيمة، قلت: أفيخير ههنا؟ قال: لو كان مخيرا لكان حراما ولا يحل لأنه يتحول من دين إلى دين. قال محمد بن رشد: هذه مسائل [بينة] كلها صحاح على معنى ما في المدونة وغيرها، وقد تقدم في رسم أوله عبد استأذن سيده في تدبير جاريته مسألة من هذا النوع وتكلمنا عليها بما فيه بيان لهذه المسائل. وقوله إنه إذا أمره أن يبيع سلعته بثمن سماه له أو بعرض وما أشبه ذلك فباعها بثمن إلى أجل إنه لا يجوز له أن يجيز البيع ويأخذ الثمن لأنه يتحول من

مسألة: دفع كبشا إلى رجل ليبيعه له ولم يسم له ثمنا فذبحه ثم باعه لحما

دين إلى دين، معناه إذا كانت السلعة قد فاتت، ولو كانت السلعة قائمة بيد المشتري لم تفت لكان ذلك جائزا، وكذلك قال في كتاب محمد بن المواز. [مسألة: دفع كبشا إلى رجل ليبيعه له ولم يسم له ثمنا فذبحه ثم باعه لحما] مسألة قيل له: فرجل دفع كبشا إلى رجل ليبيعه له ولم يسم له ثمنا فذبحه ثم باعه لحما بعشرة دراهم إلى أجل، قل: تباع تلك العشرة دراهم بسلعة وتكون له القيمة ههنا قيمة الكبش حيا، قلت له: فإن قال له أنا أريد قيمة اللحم، قال: لا أعرف قيمة اللحم ههنا ولا يكون له إلا قيمة الكبش، قيل له: فإن أمره ببيعه بدينار فذبحه، قال: هو مخير إن شاء القيمة وإن شاء الدينار إلا أن تكون القيمة أكثر فله القيمة إن شاء وإن شاء الدينار، وليس هذا بمنزلة ما لو أنه باعه بما أمره به، ذلك ليس له إلا الدينار، وهذا بمنزلة ما لو أعطيته ثوبا يبيعه بدينار فوهبه أو تصدق به فهو مخير إن شاء القيمة وإن شاء الدينار إذا فات الثوب، وهو بمنزلة ما لو اشتراه لنفسه من نفسه فذلك ليس ببيع، وصاحبه يرده إن شاء إن لم يفت، فإذا فات كان مخيرا في الثمن الذي أمره به أو القيمة. قال محمد بن رشد: إذا لم يسم له ثمنا فسواء باع الكبش بعشرة دراهم إلى أجل أو ذبحه فباع لحمه بعشرة دراهم إلى أجل؛ لأن قيمة الكبش هي التي تجب عليه بالتعدي في البيع وإن لم يذبحه، وإنما لم ير له قيمة اللحم لأن قيمته إذا زادت على قيمة الكبش بعمله فليس له أن يجيزه ذلك كمن تعدى على كبش رجل فذبحه ثم أكله فليس لصاحبه أن يضمنه قيمة لحمه وإنما له قيمة كبشه، ولو وجد اللحم بيده قبل أن يفوته لكان له أن يأخذه مذبوحا إن شاء في المسألتين جميعا، وأما إذا سمى له ثمنا فإنما جعل له الأكثر من الدينار الذي سمى له أو القيمة لأن التعدي في البيع إلى

مسألة: أعطاه عشرة أرادب قمح يبيعها له بعشرة دنانير فباعها بسلعة

أجل يوجب عليه الدينار الذي سماه، والعدى في الذبح يوجب عليه قيمة الكبش. وقوله: وليس ذلك بمنزلة ما لو باعه بما أمره به، يريد بعد أن ذبحه لأنه إذا باعه بما أمره به فلم يضره ذبحه إياه، وأما قوله: وهو بمنزلة ما لو اشتراه لنفسه من نفسه فقد مضى القول عليه موعبا في رسم استأذن فلا معنى لإعادته. [مسألة: أعطاه عشرة أرادب قمح يبيعها له بعشرة دنانير فباعها بسلعة] مسألة ولو أنه أعطاه عشرة أرادب قمح يبيعها له بعشرة دنانير فباعها بسلعة كان مخيرا إن شاء السلعة التي باع بها وإن شاء مكيلة قمحة، قال ابن القاسم [وكذلك] لو أن رجلا دفع إلى رجل عشرة دنانير يشتري له بها عشرة أرادب قمح فاشترى له بها عدسا فقال: هو مخير إن شاء العدس وإن شاء فدنانيره التي دفع إليه وليس له الطعام ههنا، وليس له في العين تعد لو أنه أعطاه دنانير يشتري له بها دراهم فاشترى له بها غيرها لكان مخيرا إن شاء ما اشترى، وإن شاء الدنانير التي دفع إليه، وليس له الدراهم التي أمره بها أيضا ههنا. ومما يبين لك ما فسرنا أنه ليس على من استهلك طعاما أو دنانير أو عينا لرجل تعدى عليه فاستهلكها إلا مثل ذلك في عدده ومكيلته، وليس ذلك بمنزلة العروض، إنما عليه في العروض كلها القيمة؛ لأن العروض والحيوان لا يوجد مثلها، والدنانير والدراهم والطعام يوجد مثله. قال محمد بن رشد: قد بين في هذه الرواية وجه الفرق بين أن يأمره أن يبيع طعاما له بدنانير فيبيعه بما لم يأمره به، أو يأمره أن يشتري بدنانير له طعاما فيشتري له بها غير ما أمره، وبين أن يأمره أن يبيع سلعة

مسألة: أمره أن يبيع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر فباعها بسلعة إلى شهر

بطعام أو بدنانير فيبيعها بغير ما أمره به بما لا مزيد عليه، والفرق بين الدنانير يأمره أن يشتري له بها شيئا فيشتري بها سواه وبين السلعة يأمره أن يبيعها بشيء فيبيعها بسواء أبين من الفرق بين الطعام يأمره ببيعه والسلعة يأمره ببيعها ليتعدى أمره في ذلك؛ لأن الطعام وإن كان يشبه العين في الاستهلاك بوجوب الحكم فيه بالمثل فهو يشبه السلع في أنه يراد بعينه وفي أن البيع ينتقض باستحقاقه، فلو قيل على قياس هذا فيمن أمر رجلا أن يبيع له عشرة أرادب قمح بعشرة دنانير فباعها بسلعة أنه بمنزلة من أمر رجلا أن يبيع له سلعة بعشرة دنانير فباعها بسلعة فيكون مخيرا بين أن يأخذ السلعة التي اشترى بطعامه وبين أن تباع له السلعة فإن كان فيها فضل عن العشرة كان له فيها الفضل، وإن كان فيها نقصان عن العشرة كان ذلك على المتعدي لكان قولا. [مسألة: أمره أن يبيع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر فباعها بسلعة إلى شهر] مسألة قال ابن القاسم: ولو أمره أن يبيع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر فباعها بسلعة إلى شهر، بيعت تلك السلعة وكانت له القيمة، فإن كان فيها فضل عن القيمة كان له، وإن لم يكن فيها فضل فله القيمة إلا أن تكون القيمة أكثر من العشرة التي أمره أن يبيع بها، فلا يكون له إلا العشرة لأنه قد رضي أن يبيع بعشرة إلى أجل، فإذا أعطيناه عشرة نقدا لم نظلمه، وإنما تباع السلعة إذا قال: إن لي فيها فضلا، فإن قال: لا أريد الفضل وأريد القيمة، كان ذلك له إلا أن تكون أكثر من العشرة. وقال في غير هذا الكتاب: إنه لا يلتفت إلى عدد ما سمي له من الثمن وإنما ينظر إلى قيمة سلعته. قال محمد بن رشد: القول الثاني هو الذي في المدونة، وهو أصح

مسألة: بعث معه رجل مائة درهم أندلسية يقضيها عنه غريما له بمصر

وأجرى على أصله من القول الأول؛ لأن من حجة صاحب السلعة أن يقول إنما سميت العشرة إلى أجل مخافة أن يبيع بأقل منها فإذا تعدى ما أمرته به فلي قيمة سلعتي ما بلغت؛ كما أنه إذا أمره أن يبيع سلعته بعشرة نقدا فباعها بسلعة تكون له ما باع به السلعة إن بيعت بأكثر من عشرة، ولا يحتج عليه بأنه قد رضي بالعشرة لأن من حجته أن يقول إنما سميت العشرة مخافة أن يبيع بأقل منها فإذا تعدى ما أمرته فلي ثمن السلعة التي باع بها سلعتي. [مسألة: بعث معه رجل مائة درهم أندلسية يقضيها عنه غريما له بمصر] مسألة وسئل عن رجل من أهل الأندلس بعث معه رجل مائة درهم أندلسية يقضيها عنه غريما له بمصر ويكتب له منها البراءة فأنفقها المبضع معه واحتاج إليها، فلما قدم مصر لم يجد دراهم أندلسية إلا خمسين درهما فدفعها إليه ثم اشتراها منه بدنانير ثم قضاها إياه تمام المائة وكتب منه البراءة، فقال: أرى أن يعلم صاحبه الذي وكله فيكون في هذا مخيرا إن شاء أسلم له ذلك، وإن شاء دفع إليه مثل الدنانير التي اشترى الدراهم بها وأخذ منه خمسين درهما، ولو كان دفع في ذلك عرضا كان بتلك المنزلة إلا أن له قيمة ذلك العرض الذي دفع، قال عيسى: إن كان أعلمه أنه أرسل إليه معه مائة درهم على حال ما أرسل معه ثم عامله بعد ذلك هذه المعاملة فالمعاملة جائزة، وليس لأحد فيها خيار، قال: وإن كان لم يعلمه وإنما قال إنما أمرني أن أقضيك دينك فهذا الذي وصف ابن القاسم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه اشترى منه

مسألة: أبضع معه في سلعة يشتريها له ببلد فاشترى لنفسه سلعة دون ذلك البلد

الخمسين درهما على أن يقضيها إياه تمام المائة، فآل الأمر بينهما إلى أن أعطاه ذهبا عن الخمسين درهما لأنه إذا اشتراها منه على أن يقضيها إياه كان ما فعلاه من ذلك لغوا وصار إنما دفع إليه خمسين درهما وذهبا عن الخمسين الأخرى التي كان استسلفها وصارت دينا عليه للآمر، فمن حقه أن يقول إنما آخذ منك الخمسين درهما التي عليك وأدفع إليك [الذهب] الذي قضيت عني فيها فهو خيار أوجبه الحكم في الصرف دون أن ينعقد عليه، وقد اختلف هل يفسد الصرف بذلك أم لا حسبما مضى القول فيه في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم ورسم البيوع الأول عن سماع أشهب، فجواب ابن القاسم في هذه المسألة على القول بأن الصرف لا يفسد بذلك، وأما قول عيسى بن دينار فلا وجه له عندي إذ ليس معرفة المقتضي الذي له الحق بأن الذي عليه الحق أرسل المائة درهم مع الرسول القاضي بالذي يسقط ما يوجبه الحكم من الخيار للآمر الذي كان عليه الحق ولا جهله بذلك بالذي يوجب خياره، وإنما الذي يوجب خياره هو لأن من حجته أن يقول: لو علمت أنه بعث معك بالمائة درهم لما أخذت منك في الخمسين منها ذهبا، فيلزمه، إذا لم يعلم بذلك أن يعلمه بذلك وأن يعلم الذي وكله بما فعل معه أيضا، فإن أجازاه جميعا جاز، وإن رداه أو رده أحدهما بطل ولم يجز. وأما إذا اشترى منه الخمسين درهما اشتراء صحيحا على غير شرط أن يقضيه إياها ثم قضاه إياها فلا إشكال في أن ذلك جائز؛ إذ لا فرق بين أن يشتري الخمسين درهما منه أو من غيره إذا لم يشترها منه على شرط أن يقضيه إياها. [مسألة: أبضع معه في سلعة يشتريها له ببلد فاشترى لنفسه سلعة دون ذلك البلد] مسألة وسمعته يقول: إذا أبضع الرجل مع الرجل في سلعة يشتريها له ببلد فاشترى لنفسه سلعة دون ذلك البلد بتلك البضاعة

مسألة: اشترى منه طعاما غائبا فقدم وكيل البائع بالطعام بعد الصفقة

فربح فيها، قال الربح له والنقصان عليه، فإذا بلغ البلد فاشترى سلعة غير التي أمر بها لنفسه وضمن ذلك ليقطع عنه الربح وهو يجد السلعة التي أمره بها فصاحب المال بالخيار، إن شاء أخذ ما اشترى بماله، وإن شاء ضمنه ماله، فإن كان باع بربح فالربح لصاحب المال، وإذا لم يجد السلعة التي أمره بها وطلبها فلم يجدها واشترى غيرها فالربح له والنقصان عليه إذا علم ذلك وعرف أنه لم يجدها، ورواها أصبغ في كتاب البيوع وزاد في سماعه قال وذلك أيضا إذا اشترى لنفسه، فإن اشتراها باسم صاحب المال وعليه فالخيار لرب المال والربح له والنقصان والضمان على المأمور بالتعدي على ماله. قال عيسى: قلت لابن القاسم: أرأيت إذا لم يجدها بالبلد واشتراها بغير البلد لصاحب المال أيكون لصاحب المال أن يأخذها إن شاء؟ وكيف إن كان فيها فضل لمن الربح؟ قال: صاحبها بالخيار إن شاء أخذها، وإن شاء تركها، قال عيسى: إذا اشترى له مثل ما وصف له وبالثمن الذي أمره أن يشتري به أو بأدنى فأرى أن يلزمه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى منه طعاما غائبا فقدم وكيل البائع بالطعام بعد الصفقة] مسألة وقال في رجل اشترى من رجل طعاما بعينه غائبا عنهما ثم إذا الطعام قد قدم به وكيل البائع بعد الصفقة كان قد حمله بعد الصفقة ولا علم له؛ فقال: البيع للبائع لازم، فإن شاء أن يدفعه إليه ههنا دفعه أو رضي المشتري أن يأخذه منه ههنا وإلا

فعليه أن يرده أو يدفع إليه مكانه ثم طعاما آخر. قال محمد بن رشد: الكلام في هذه المسألة على فصلين: أحدهما شراء الطعام الغائب والحكم في ضمانه ممن يكون؟ والثاني ما يكون للمشترى إذا حمله البائع أو وكيله بأمره دون أن يعلم ببيعه إلى بلد آخر، فأما بيعه فإن كان جزافا فلا يجوز إلا على رؤية متقدمة حسبما مضى القول فيه في تفسير قوله في أول سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع لا يجوز اشتراء الطعام الغائب على شرط إن أدركته الصفقة مثل الزرع القائم إذا يبس واستحصد ويدخل في ضمانه بالعقد على قولي مالك في شراء الغائب على الصفة، وإن كان على الكيل فيجوز على الصفة وإن لم يتقدم للمبتاع فيه رؤية، وذلك على وجهين: أحدهما أن يكون له طعام غائب فيشتري منه كيلا معلوما، والثاني أن يشتريه كله على الكيل، فأما إذا اشترى من طعامه الغائب كيلا معلوما بعد أن وصفه له أو أراه منه شيئا فالضمان فيه من البائع حتى يكيله على المبتاع قولا واحدا، وكذلك إذا اشتراه كله على الكيل إلا أن يصدقه في الكيل فيدخل في ضمانه بالعقد على أحد القولين في اشتراء الغائب، فإن حمله البائع أو وكيله بأمره دون أن يعلم ببيعه إلى بلد المشتري حيث وقع الشراء أو إلى غيره من البلدان كان الحكم فيه ما ذكر في الرواية من أن على البائع أن يرده إلى البلد الذي باعه فيه أو يأتي المشتري بمثله في ذلك البلد فيكيله عليه فيه إن كان اشتراه على الكيل أو يكيل له المكيلة التي اشترى منه إن كان اشترى كيلا من جملة طعام، وإن كان اشتراه جزافا وأمكن أن يأتيه في مثل ذلك البلد بمثله مثل أن يكون بيتا مملوءا بطعام أو وعاء مملوءا منه حاضرا أتاه بمثله، وإن كان مصيرا لا يمكن معرفة المثل فيه كان عليه مكيلة خرص الصبرة إلا أن يتفقا على أخذ الطعام في البلد الذي حمل إليه فيجوز، وقد قيل إن المبتاع مخير بين أن يلزمه مثل الطعام في البلد الذي اشتراه به وبين أن

مسألة: ادعى وكالة رجل في سلعة فاشتراها منه رجل ثم علم بكذبه

يفسخ البيع ويأخذ ثمنه، وهو قول أشهب، ولا يعتبر في شيء من ذلك كله الضمان ممن هو، وإنما يعتبر إذا لم يحمله من موضعه، وأراد أن يعطيه مثله في بلد آخر فلا يجوز إذا كان الضمان من المبتاع باتفاق، ويجوز إذا كان من البائع على اختلاف حسبما مضى بيانه في سماع سحنون من كتاب الغصب. [مسألة: ادعى وكالة رجل في سلعة فاشتراها منه رجل ثم علم بكذبه] مسألة وقال ابن القاسم في رجل ادعى وكالة رجل في سلعة فاشتراها منه رجل ثم علم بكذبه فأراد المشتري أن يرد البيع وأبى المدعي الوكالة أن يقيله حتى يرضى الرجل، قال: ليس ذلك له، والمشتري يرد إن شاء، قلت له: فإن رضي صاحب السلعة أن يجيز البيع أيلزم المشتري ذلك؟ قال: لا يلزمه ذلك إذا كان افتات عليه من غير أن يأمره. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات، وقوله فيها إن للمشتري أن يرد البيع ولا يلزمه أن ينتظر حتى يعلم إن كان يجيز صاحب السلعة البيع أو لا يجيزه هو نص ما في المدونة، وهو صحيح لأن من حقه أن يقول إن كانت جارية لا أمسكها أطؤها وصاحبها فيها علي بالخيار، وكذلك ما عدل الجارية من السلع. وأما قوله: إن الشراء لا يلزم المشتري إذا أجاز صاحب السلعة البيع فهو خلاف ما في المدونة وما في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق، وبعيد أيضا لأن البائع إنما باعها على أنه وكيل لسيدها الذي أجاز البيع فيها، فلا حجة له في ردها، وإنما كانت تكون له الحجة في ردها لو باعها على أنها له ثم استحقها سيدها فأجاز بيعها، فههنا يختلف في ردها، والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في انتقال العهدة عن التعدي في البيع إلى صاحب السلعة إذا أجاز البيع، فله أن يرد على القول بأنها تنتقل، وليس له أن يرد على القول بأنها لا تنتقل، وقد فرغنا من بيان هذه المسألة في آخر سماع

أعطى رجل ثوبه رجلا أن يبيعه له بعشرة دراهم فباعه بخمسة

أصبغ من كتاب الغصب وفي رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق فلا معنى لإعادته ههنا، وبالله تعالى التوفيق. [أعطى رجل ثوبه رجلا أن يبيعه له بعشرة دراهم فباعه بخمسة] ومن كتاب أوله: إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول فأنت طالق وقال ابن القاسم: إذا أعطى رجل ثوبه رجلا أن يبيعه له بعشرة دراهم فباعه بخمسة، قال عليه العشرة دراهم التي أمره أن يبيعه بها، وليس عليه أكثر منها وإن كانت القيمة أكثر من العشرة لأنه لو باعه بعشرة والقيمة أكثر لم يكن عليه شيء، وليس عليه إلا العشرة التي أمره أن يبيع بها. قال محمد بن رشد: قد قيل عليه القيمة لأن من حجة صاحب السلعة أن يقول إنما سميت العشرة لئلا ينقص منها، فإذا تعدى فلي قيمة سلعتي، والعشرة أعدل، والقولان قائمان من مسألة رسم أوصى في الذي يأمر الرجل أن يبيع سلعته بعشرة إلى أجل وقيمتها أكثر من عشرة فيبيعها بسلعة إلى أجل، وقد مضى القول عليها وبيان وجه الاختلاف فيها فلا معنى لإعادته. [مسألة: أهدى لرجل ثوبا فأخطأ به الرسول فدفعه إلى غيره فاقتطعه] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل أهدى لرجل ثوبا فأخطأ به الرسول فدفعه إلى غيره فاقتطعه قباء ثم طلب ذلك فقال: يقال للمبعوث له الثوب اغرم خياطته وخذ ثوبك، فإن أبى قيل للذي هو في يده إن شئت فادفعه إليه مخيطا، وإن شئت فأد قيمته يوم قبضته.

مسألة: قال له لك علي ثلثا دينار مما حاسبتك به فهاك دينارا فاقتص منه الثلثين

قال محمد بن رشد: قوله فإن أبى قيل للذي هو في يده إن شئت فادفعه إليه مخيطا وإن شئت فأد قيمته يوم قبضته، هو على ما يأتي في أصل المختلطة من كتاب تضمين الصناع من المدونة من أنه لم ير الخياطة عينا قائما يكون بها شريكا فيما كان بوجه شبهة خلاف ما في كتاب الجعل والإجارة من المدونة من أنه رأى الخياطة عينا قائما فأوجب الشركة بذلك، وقياس هذه المسألة قياس الصناع يخطئ بالثوب فيدفعه إلى غير صاحبه فيقطعه الذي قبضه ويخيطه، فالذي يأتي في هذه المسألة على مذهبه في المدونة أنه إن أبى المبعوث إليه الثوب أن يغرم خياطته ويأخذه قيل للذي هو في يده أد قيمته يوم قبضته، فإن أبى من ذلك كانا شريكين فيه الأول المبعوث إليه بقيمته غير مخيط، والثاني الذي خاطه بقيمة خياطته، وسواء كانت الخياطة زادت في قيمة الثوب أو نقصت منه، وإن أراد المبعوث إليه الثوب أن يرجع بقيمة ثوبه على الرسول الذي أخطأ في دفعه كان ذلك له، فإن اختار ذلك بكون الخياطة تنقص الثوب رجع الرسول على الذي دفع إليه الثوب فكان الحكم في رجوعه إليه على ما تقدم من الاختلاف في رجوع المبعوث إليه الثوب عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال له لك علي ثلثا دينار مما حاسبتك به فهاك دينارا فاقتص منه الثلثين] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل قال لرجل: لك علي ثلثا دينار مما حاسبتك به فهاك دينارا فاقتص منه الثلثين واقض فلانا الثلث، فذهب عنه وخرج في سفر فنظر في محاسبته إياه فإذا أنه عليه أكثر من الدينار، فأراد أن يحبس الدينار كله، قال: ليس ذلك له، وليدفع ثلث الدينار إلى من أمره أن يدفعه إليه ثم يكتب إليه فيما بقي له.

مسألة: أبضع الرجل بدنانير مع رجل وأبضع معه آخر بدراهم

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه لما قبض منه الدينار على أن يدفع ثلثه إلى الذي أمره أن يدفعه إليه فقد أقر أنه ليس له عنده إلا ثلثا دينار، فليس له أن يمسك الدينار كله حتى يقر له الذي دفع إليه بصحة ما ذكر من أنه وجده في حسابه. [مسألة: أبضع الرجل بدنانير مع رجل وأبضع معه آخر بدراهم] مسألة قال ابن القاسم: إذا أبضع الرجل بدنانير مع رجل وأبضع معه آخر بدراهم يشتري لهما حاجتهما فلا بأس أن يصرف الدراهم بالدنانير بصرف الناس. قال محمد بن رشد: أجاز أن يصرف دراهم هذا بدنانير هذا بصرف الناس ولم ير بذلك بأسا لأن أمره محمول على أن كل واحد منهما قد فوض إليه أن يصرف ما بعث به معه إن احتاج إلى ذلك، إذ قد لا يجد حاجة الذي دفع إليه الدنانير إلا بدراهم، ولا حاجة الذي دفع إليه الدراهم إلا بدنانير، فصار بمنزلة من دفع إليه رجل دنانير للصرف ودفع إليه آخر دراهم للصرف فأراد أن يصرف من هذا لهذا، فأجاز ذلك مالك في كتاب ابن المواز، وقد أجاز في أحد قوليه حسبما ذكرناه في رسم البيوع الأول من سماع أشهب لمن وكل على الصرف أن يصرف له من نفسه، وهذا أشد من هذا، وقال ابن أبي حازم: لا بأس بذلك إذ لا نظرة فيه، فلا تشددوا على الناس هكذا جدا فليس كما تشددون، وذكرنا [أن] الخلاف في ذلك إنما هو من أجل أنه خيار لم ينعقد عليه الصرف، وإنما أوجبه الحكم، ولم يجز ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الصرف أن يصرف من هذا لهذا إن أمره كل واحد منهما أن يصرف له، ومثله لابن القاسم في كتاب ابن المواز خلاف قوله في هذه الرواية، والعلة في ذلك

امرأة وكلت وكيلا يطلب خصومة لها في قرية فباع الوكيل القرية

أن كل واحد منهما إنما وكله على أن يبذل له مجهوده في المكايسة وأن يفعل له في ذلك ما يفعل لنفسه، فإذا صرف لهذا من هذا فقد توخى السداد في ذلك وترك المكايسة التي أرادها كل واحد منهما منه فصار هذا معنى يشبه أن يكون لكل واحد منهما الخيار في فعله، كما إذا صرف لأحدهما من نفسه، ويحتمل أن يفرق بين المسألتين؛ لأن الخيار إذا صرف لأحدهما من نفسه لا اختلاف فيه. فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال: الجواز في المسألتين جميعا، وعدمه فيهما جميعا، والفرق بينهما، وقد ذكر ابن دحون في وجه عدم الجواز في ذلك علة لا تصح قد تكلمنا على إفسادها في سماع أبي زيد من كتاب الصرف، وبالله التوفيق. [امرأة وكلت وكيلا يطلب خصومة لها في قرية فباع الوكيل القرية] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وسئل عن امرأة وكلت وكيلا يطلب خصومة لها في قرية وأشهدت له إني قد فوضت إليه، وأمره جائز فيما يصنع ولم يذكر في وكالتها أو تفويضها لا بيع ولا غير ذلك إلا ما ذكرت لك من التفويض وأمره جائز فيما صنع، فباع الوكيل القرية بعد أن صالح فيها وصارت للمرأة فباعها ولم يستأمرها وهي معه في مدينة أو بينهما أميال، هل يمضي البيع عليها وهي تقول لم آمره بالبيع، وإنما فوضت إليه أمر الخصومة والصلح؟ هل يقبل قولها إنني لم آمره بالبيع؟ أم هل يختلف هذا إذا وكل الرجل وكيلا له على مال له بالمشرق وكتب كتابا أنني قد فوضت إليه الأمر وأمره جائز فيما صنع أو قطع بالخصومة إن كانت فظفر الوكيل وباع ما ظفر به وبينه وبين من وكله مسيرة شهر هل يجوز بيعه إذا أنكر ذلك الذي وكله إذ لم يأمره بالبيع؟ قال ابن القاسم: لا أرى أن يجوز

فيهما جميعا [البيع] إذا أنكر إذا كان بيعه بعد أخذه المال وحوزه له ولم يكن أخذ المال على صلح ولا على مقاطعة. قال محمد بن رشد: الأصل في الوكالات أن الوكيل ليس له أن يتعدى ما وكل عليه مما سمى له. وإن قال في توكيله إياه إنه وكله وكالة مفوضة أقامه في ذلك مقام نفسه، وأنزله منزلته، وأجاز فعله، وجعل إليه النظر بما يرضاه لأن ذلك كله يحصل على ما سمى ويعاد إليه إلا أن لا يسمي شيئا رأسا يقول إني وكلته وكالة مفوضة فيكون وكيلا مفوضا إليه يجوز عليه فعله في كل شيء من البيع والابتياع والصلح وغيره، فإن قال وكالة مفوضة جامعة لجميع وجوه التوكيل ومعانيه كان أبين في التفويض، فإنما أجاز ابن القاسم في هذه الرواية للوكيل على الخصومة أن يصالح فيها من أجل قول الموكلة قد فوضت إليه في الخصومة وجعلت أمري جائزا فيما يصنع فيها فاقتضى ذلك الصلح إذ ليس له وجه سواه، فليس ذلك بخلاف لقول أصبغ في آخر نوازله إنه إذا وكله على الخصومة ولم يفسر شيئا فهو وكيل على المدافعة وحدها، وليس له صلح ولا إقرار، ولا بخلاف لقول عيسى بن دينار في أول نوازله بعد ذلك أنه إذا وكله على تقاضي ديونه وفوض إليه النظر فيها أنه لا يجوز للوكيل أن يصالح عنه في شيء منها وإن كان الصلح في ذلك نظرا له؛ لأن تفويضه النظر في اقتضاء ديونه لا يقتضي مصالحة؛ لأنه يمكن إعادته على ما وكله عليه من الاقتضاء لديونه ليعجل منها ما يرى النظر في تعجيله ويؤخر منها ما يرى النظر في تأخيره، فقد يكون النظر في بعض الديون تعجيل اقتضائها، وفي بعضها تأخير اقتضائها، وقد ذهب بعض الناس إلى أن قول ابن القاسم هذا خلاف لقول عيسى في نوازله، وليس ذلك عندي بصحيح لما بيناه من وجه الفرق بينهما. وهذا الذي قلناه من أنه إذا سمى في الوكالة شيئا لا يتعدى الوكيل مما سمى له وإن نص على التفويض في الوكالة لأن ذلك يعاد إلى ما سمى هو بين من

مسألة: قال الرجل للرجل هاك ثلاثين دينارا وابتع لي جارية صفتها كذا وكذا

قول أصبغ في آخر نوازله، وإنما تكون الوكالة مفوضة في كل شيء إذا لم يسم فيها شيء، وكذلك الوصية إذا قال الرجل فلان وصيي ولم يزد على ذلك كان وصيا له في كل شيء في ماله وبضع بناته وإنكاح بنيه الصغار، وهذا قوله في المدونة، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة أنه إذا قال فلان وصيي ولم يزد ينزل منزلة الموصي في كل شيء إلا في تزويج الصغيرة قبل بلوغها والكبيرة دون مؤامرتها، ولهذا المعنى قالوا في الوكالة إنها إذا طالت قصرت، وإذا قصرت طالت. [مسألة: قال الرجل للرجل هاك ثلاثين دينارا وابتع لي جارية صفتها كذا وكذا] مسألة وقال ابن القاسم: إذا قال الرجل للرجل هاك ثلاثين دينارا وابتع لي جارية صفتها كذا وكذا، فيذهب المأمور فيشتري بتلك الثلاثين دينارا جاريتين بتلك الصفة بعينها فأتى بهما إليه: قال: صاحب المال بالخيار إن شاء أخذهما جميعا وإن أحب أخذ واحدة بما يصيبها من الثمن وكان له على المأمور بقية الثلاثين، وكذلك لو أمره أن يشتري له جارية بعينها بثلاثين دينارا فذهب فاشتراها وابنها بثلاثين دينارا إن صاحب المال بالخيار إن شاء أخذ الأم بما يصيبها من الثمن وترك الولد، وكان ما بقي من الثلاثين له على المأمور إلا أن يكون الولد صغيرا ليس مثله يفرق بينه وبين أمه فيلزمه أخذهما جميعا الأم والولد أو يدعهما جميعا إن زعم أنه لم يعرف أن لها ولدا. قال محمد بن رشد: أما إذا دفع إليه الثلاثين على أن يشتري له بها جارية على صفة وصفها له فاشترى له بالثلاثين جاريتين على الصفة التي أمره بها في صفقة واحدة ففي كتاب ابن المواز أنهما لازمتان له جميعا خلاف قوله ههنا إنه مخير بين أن يأخذهما جميعا وبين أن يأخذ أيتهما شاء

بما يصيبها من الثلاثين وتكون البقية منها عليه، ولو ماتت الواحدة قبل أن يختار كانت المصيبة من المأمور؛ لأنه متعد في الثانية، وليس هو كبيع، قاله ابن دحون، وليس قوله بصحيح إذ لم يشترها واحدة بعد أخرى فيكون متعديا في الثانية كما قال أي في الهالكة، وإنما اشتراهما صفقة واحدة، فهو ما تعدى في إحداهما بعينها دون الأخرى، لكنه لما تعدى في اشترائهما صفقة واحدة لزمت ذمته ما ناب التي لم يختر صاحب البضاعة من الثلاثين، فصار كأنه اشترى على أن صاحب البضاعة بالخيار في أن يأخذ أيتهما شاء بما ينوبها من الثلاثين ويضمن هو بقيتها في ذمته وتكون له الثانية، فيتخرج ضمان الهالكة منهما قبل أن يختار على الاختلاف في الذي يشتري ثوبا من ثوبين على أن يختار أيهما شاء فتلف أحدهما قبل أن يختار فتكون مصيبة التالف منهما جميعا على مذهب ابن القاسم، ومن المبضع معه المتعدي على مذهب سحنون. وأما إذا اشترى الجارتين بالثلاثين في صفقتين واحدة بعد أخرى فالآمر مخير في أخذ الثانية وتركها، قاله في كتاب محمد، ولا خلاف في هذا. وأما إذا أمره أن يشتري له بالثلاثين جارية بعينها فاشتراها وابنها بالثلاثين فكما قال يكون مخيرا بين أن يأخذهما جميعا وبين أن يأخذ الأم بما يصيبها من الثمن، ولو أمره أن يشتري له بالثلاثين جارية موصوفة بغير عينها فاشترى له بالثلاثين جارية على الصفة وابنها لكان مخيرا بين أن يأخذها وولدها أو يتركها وولدها ويضمنه الثلاثين، أو يأخذها دون ولدها بما ينوبها من الثلاثين، وهذا إن كان الولد كبيرا، فأما إن كان الولد صغيرا فكما قال في الرواية إن علم لها ولدا لزمته، وإن كان لم يعلم ردها بولدها، هذا إذا كانت بعينها، وأما إن لم تكن بعينها فله أن يردها بولدها علم أن لها ولدا أو لم يعلم لأن الولد عيب في الجارية، والله تعالى هو الموفق المعين بفضله، لا إله إلا هو، ولا معبود سواه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد المصطفى الكريم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. تم الجزء الأول من كتاب البضائع والوكالات بحمد الله وحسن عونه، وصلى الله على محمد نبيه وآله.

كتاب البضائع والوكالات الثاني

[كتاب البضائع والوكالات الثاني] [يوكل رجلا على تقاضي ديونه فيقوم على رجل بذكر حق له عليه بمائة دينار]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم تسليما. من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله حمل صبيا على دابة قلت أرأيت الرجل يوكل رجلا على تقاضي ديونه فيقوم على رجل بذكر حق له عليه بمائة دينار فيقول المطلوب للوكيل قد قضيت صاحبك منها خمسين وليست له على ذلك بينة. قال: لا ينفعه ما ادعى من الدفع إلا أن يأتي بالبينة وإلا غرم ولم يؤخر إلى لقي صاحبه. فقلت: أرأيت لو لم تكن له بينة فقضي عليه بالغرم فغرم المائة كلها ثم قدم صاحب الحق فأقر أنه قد تقاضى منه خمسين والوكيل معدم، على من يرجع هذا بالخمسين على صاحب الحق أو على الوكيل؟ قال: بل على الذي له أصل الحق لأنه هو الذي فرط حين لم يعلم وكيله أنه قد تقاضى منه خمسين. قلت: فلو كان الوكيل معدما أو موسرا؟ قال: هو سواء لا يرجع عليه بشيء. قلت: وإنما يرجع على صاحب الحق؟ قال نعم. قال محمد بن رشد: قال في الوكيل يتقاضى الدين من الغريم والموكل غائب فيدعي أنه قد دفع إليه الحق أو بعضه إنه لا ينفعه ذلك إلا

أن تكون له بينة ويغرم ولا يؤخر إلى لقي صاحبه. ولم يفرق بين أن يكون الوكيل قريبا أو بعيدا. وفرق محمد بن عبد الحكم بين أن يكون الموكل قريب الغيبة أو بعيدها. وقوله عندي تفسير لهذه الرواية ولقول أصبغ في نوازله بعد هذا. وقد قيل إنه لا يقضى للوكيل بالدين حتى يكتب إلى الموكل فيحلف وإن كان بعيدا على مسألة نوازل عيسى في يمين الاستحقاق. وقد فرق بعض أهل النظر بين يمين الاستحقاق وبين يمين دعوى القضاء. وقد قيل إن الوكيل يحلف على العلم وحينئذ يقتضي. فيتحصل في المسألة أربعة أقوال إذا بعدت غيبة الموكل. وقد مضى بيان هذا كله وتحصيله في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الأقضية أنه يستحلفه في الوجهين جميعا. وظاهر هذه الرواية وما في نوازل أصبغ بعد هذا أنه ليس على الإمام أن يستحلف الموكل على قبض ديونه الغائبة أنه ما قبض منها شيئا، ويكتب له دون يمين خرج أو وكل، خلاف ما في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الأقضية أنه يستحلفه في الوجهين جميعا خرج أو وكل ما اقتضى ولا أحال ولا قبض ثم يكتب له. وعلى ظاهر هذه الرواية جرى العمل؛ لأنه يقول للإمام لا تحلفني فلعله لا يقضى على أنه قضاني منه شيئا. وقد قيل إنه يستحلفه إذا وكل ولا يستحلفه إذا خرج، وهو أقوى الأقوال وأعد لها. وأما قوله إذا لم يكن للمطلوب بينة على ما ادعى من دفع الخمسين إلى صاحب المال فغرم المائة كلها ثم قدم صاحب الحق فأقر بقبض الخمسين إن الغريم لا يرجع على الوكيل وإنما يرجع على صاحب الحق لأنه هو الذي فرط، فمعناه أنه لا يلزمه أن يرجع عليه ويترك الرجوع على صاحب الحق، بل له أن يرجع عليه إن أحب، فإن رجع على صاحب الحق رجع صاحب الحق على الوكيل، إلا أن يدعي أنه دفع المائة كلها إليه ويقيم على ذلك البينة، وبالله التوفيق.

أمر رجلا أن يبتاع له جارية فاشتراها وأتاه بها فجحد أن يكون أمره بها

[أمر رجلا أن يبتاع له جارية فاشتراها وأتاه بها فجحد أن يكون أمره بها] ومن كتاب العشور وسألته عن رجل أمر رجلا أن يبتاع له جارية فاشتراها وأتاه بها فجحد أن يكون أمره بها، فقال لا يطؤها هذا المأمور ولكن يبيعها، فإن كان فيها فضل رده إليه، إلا أن يخرجها إلى السوق فينظر ما يعطى فيها ويستقصي فيها ذلك ثم يأخذها لنفسه ويعطيه الفضل ويطؤها. قال أرجو أن يكون ذلك خفيفا. قلت: فإن لم يرد بيعها وأراد حبسها؟ فقال: ما أرى ذلك إلا أن تكون ليس فيها فضل إن بيعت ولا زيادة يعلم ذلك ويستيقنه. قلت: ولا يرى جحوده إياه إسلاما أسلمها إليه؟ قال: لا إنما دفع عن نفسه شيئا لا يدري كيف يكون عليه أفيه فضل أم لا، أو قال شيئا خافه. أرأيت لو أعتقها وجحد أن يكون أمره قلت تكون حرة وإنما هو رجل جحده حينئذ الثمن، فهذا مثله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا جحد أن يكون أمره باشترائها فلا يجوز له أن يطأها حتى يعلم أنه راض بتركها له فيما له عليه من ثمنها، إذ لا يسقط حقه فيها بجحوده، بدليل أنه لو رجع إلى قوله وكذب نفسه فيما جحد وأقر بما ادعاه من أنه أمره بشرائها لكان له أن يأخذها، ولو أعتقها لجاز عتقه فيها. فاستدلال ابن القاسم بالعتق في هذه المسألة استدلال ظاهر. وفي قوله إنه يخرجها إلى السوق وينظر ما يعطى فيها ويستقصي ذلك ثم يأخذها لنفسه ويعطيه الفضل نظر؛ لأنه إذا فعل ذلك يكون هو الحاكم لنفسه يأخذ جاريته فيما له عليه مما جحده إياه من ثمنها، وذلك لا يلزمه لو أقر بما قال بعد أن فعل ذلك وأراد أخذ الجارية لكان ذلك له، فلذلك لم يقل إنه يجوز له أن يطأها إذا فعل ذلك، وإنما قال أرجو أن يكون خفيفا. وإجازة أخذ الجارية له بما يعطى فيها ينحو إلى قول من يرى أن للرجل إذا جحد الرجل حقا له عليه فظفر له بمال أن يأخذه لنفسه ويقطعه من تحت

أمره أن يبيع له سلعة بعشرة دنانير نقدا فباعها بخمسة عشر إلى أجل

يده، خلاف قول ابن القاسم. والذي يصح له به ملكها ويجوز له وطؤها أن يرفع الأمر إلى السلطان فيبيعها فيما يدعيه من الثمن الذي اشتراها له به منه أو من غيره ويوقف فيها الفضل إن كان فيها فضل للذي جحد، فإذا باعها السلطان منه فيما يدعيه من الثمن على قوله صح له ملكها وجاز له وطؤها. ألا ترى أنه لو أقر بما قال بعد أن باعها السلطان منه في الثمن الذي اشتراها له يكن له إلى أخذها سبيل. وإنما كان يكون له الفضل الذي وقف له إن كان فيها فضل. وفي حكم السلطان بيع الجارية التي يقر بها الرجل للرجل فيما يدعيه قبله من الثمن اختلاف قد ذكرته في مسألة القدح والكساء من آخر سماع أصبغ من كتاب السلطان، والحمد لله. [أمره أن يبيع له سلعة بعشرة دنانير نقدا فباعها بخمسة عشر إلى أجل] ومن كتاب أوله حبل حبلة قال ابن القاسم: إذا أمر الرجل الرجل أن يبيع له سلعة بعشرة دنانير نقدا فباعها بخمسة عشر إلى أجل. قال ابن القاسم: تباع الخمسة عشر إلى أجل بعرض نقدا ثم يباع العرض، فإن بيع العرض بأكثر من عشرة كانت الزيادة لصاحب السلعة، وإن نقص ثمن السلعة من العشرة كان تمام العشرة على بائعها لأنه متعد. قلت: فإن قال بائع السلعة لصاحب السلعة أنا أعطيك عشرة الآن نقدا وأنظر بالخمسة عشر إلى أجلها. قال: إن رضي بذلك صاحب السلعة نظر إلى تمام الخمسة عشر الآن نقدا، فإن كان ثمنها عشرة وأدنى جاز ذلك إذا عجل له العشرة، وإن كان ثمنها أحد عشر واثني عشر لم يحل؛ لأنه يصير كأنه باع اثني عشر نقدا بخمسة عشر إلى أجل. قال ابن القاسم: ولو كان يجوز له أن يؤخر الدينارين في خمسة إلى أجل إذا كان ثمن الخمسة عشر نقدا اثني عشر لجاز له أن يؤخر الخمسة عشر كلها ويأخذها عند الأجل. قال عيسى: وأشهب يقول لا يجوز إذا كان ثمن الخمسة

مسألة: أعطى رجلا دنانير يشتري له بها طعاما فاشترى سلعة

عشر إذا بيعت بعرض لم يبع العرض إلا بأدنى من عشرة؛ لأنه إذا كان أدنى فهو سلف جر منفعة. قال محمد بن رشد: الحكم في هذه المسألة ما ذكره من أن يباع الخمسة عشر بعرض ثم يباع العرض بعين، فإن بيع بعشرة فأكثر كان ذلك لصاحب السمعة، وإن بيع بأقل من عشرة غرم بائع السلعة تمام العشرة، فإن رضي أن يعطي العشرة وينتظر بالخمسة عشر إلى أجلها فيأخذ منه العشرة التي أعطى وتكون الخمسة لصاحب السلعة ففي ذلك أربعة أقوال: أحدها أن ذلك لا يكون له إلا أن يرضى رب السلعة وتكون الخمسة عشر لو بيعت لم يكن فيها أكثر من عشرة؛ لأنه إذا كان فيها أكثر من عشرة دخله الدين بالدين، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، والثاني أن ذلك لا يكون له إلا أن يرضى بذلك رب السلعة أيضا أو تكون الخمسة عشر لو بيعت كان فيها عشرة فأكثر؛ لأنه إن لم يكن فيها إلا أقل من عشرة دخله سلف جر منفعة، وهو قول أشهب، والثالث أن ذلك لا يكون له أيضا إلا أن يرضى بذلك رب السلعة أيضا وتكون الخمسة عشر إن بيعت لم تبع إلا بعشرة لا أدنى ولا أكثر؛ لأنها إن كانت لو بيعت بيعت بأكثر من عشرة دخله الدين بالدين على ما قاله ابن القاسم، وإن كانت لو بيعت بيعت بأقل من عشرة دخله سلف جر منفعة على ما قاله أشهب، والرابع أنه إذا أراد بائع السلعة أن يعطي العشرة وينظر بالخمسة عشر إلى أجلها كان ذلك له وجاز، كانت الخمسة عشر إن بيعت قام فيها أكثر من العشرة أو لم يقم فيها إلا أقل من العشرة. وأما إن أراد صاحب السلعة أن يباع له من الخمسة عشر بعشرة فأكثر ويترك البقية إلى أجلها كان ذلك له على ما قاله في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع. ولو أراد أن يباع له منها بأقل من عشرة لم يجز؛ لأنه يدخله دنانير في أكثر منها إلى أجل. وقد مضى هذا كله في سماع أبي زيد من الكتاب المذكور. [مسألة: أعطى رجلا دنانير يشتري له بها طعاما فاشترى سلعة] مسألة قال ابن القاسم: ومن أعطى رجلا دنانير يشتري له بها

مسألة: بعثت ببضاعة مع رجل وقلت له لا تفارق حقويك فجعلها في عيبته

طعاما فاشترى سلعة، فصاحب الدنانير مخير إن شاء السلعة وإن شاء الدنانير. وإن أعطاه قمحا يبيعه بدنانير فاشترى به سلعة فهو مخير إن شاء السلعة وإن شاء القمح؛ لأن القمح بمنزلة الدنانير. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت في رسم أوصى متكررة ومضى القول عليها فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: بعثت ببضاعة مع رجل وقلت له لا تفارق حقويك فجعلها في عيبته] مسألة [قال عيسى] : قال أبو محمد المخزومي سألت مالكا فقلت له: إني بعثت ببضاعة مع رجل وقلت له لا تفارق حقويك فجعلها في عيبته فذهبت، فقال لي: هو ضامن. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن كون البضاعة مشدودة على حقويه أحصن لها من كونها في عيبته. فإذا دفعها إليه على ألا تفارق حقويه فجعلها في عيبته وجب عليه ضمانها إن تلفت لأنه لم يرض أن تكون في عيبته. ولو أعطاها له على أن يجعلها في عيبته فشدها على حقويه فتلفت لم يلزمه ضمانها؛ ولو لم يشترط عليه في أمرها شيئا فشدها على حقويه لم يضمن، ولو جعلها في عيبته لضمن إن كانت البضاعة يسيرة مثلها يشد على الحقوين ولا يجعل في العيبة. [الرجل والمرأة يوكلان وكيلا يخاصم عنهما] ومن كتاب الجواب وسأله عن الرجل والمرأة يوكلان وكيلا يخاصم عنهما فإذا وجه القضاء عليه ذكر أو ذكرت أنه لم يخاصم بحجتهما أو أن حجتهما غير ما كان يخاصم به ولا يعلم أنهما علما بما كان يخاصم به أو لعلهما غائبان.

عبد بين ثلاثة نفر غاب أحدهم فباع الاثنان من رجل وزعما أن صاحبهما وكلهما

قال ابن القاسم: لا يقبل ذلك عنهما ولا ينظر إلى قولهما ولا حجة لهما إلا أن يأتيا بحجة يذكران أنها بقيت لهما بما يرى أن لذلك وجها. وإنما ذلك بمنزلة أن لو كانا هما يخاصمان لأنفسهما فلما أراد القاضي توجيه القضاء عليهما ذكرا حجة بقيت لهما، فإن أتيا بشيء يشبه أو شيء يرى له وجه يعرف وجه ما يذكران ويعتذران به ويحتجان قبل ذلك منهما، وإلا لم يلتفت إليهما ووجه القضاء عليهما، ووكيلهما بمنزلتهما في ذلك سواء، ويجري مجراهما، وإن زعما أنهما لم يعلما بما كان يخاصم به لم يكن لهما في ذلك حجة ولا كلام؛ لأنهما قد وكلاه ورضيا به، فإذا رضيا بوكالته فقد رضيا بكل ما يخاصم به فكأنهما اللذان يخاصمان لأنفسهما. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا وجه للقول، إذ قد بين ابن القاسم وجه الحجة لما قاله بما لا مزيد عليه، والله الموفق. [عبد بين ثلاثة نفر غاب أحدهم فباع الاثنان من رجل وزعما أن صاحبهما وكلهما] ومن كتاب أوله إن امكنتني من حلق رأسك وسئل عن عبد بين ثلاثة نفر فيغيب أحدهم فبيع الاثنان من رجل ويزعمان له أن صاحبهما وكلهما، ثم يجيء صاحبهما فينكر البيع ويقول لم آمركما، فقال: يخير المشتري، فإن شاء رده كله ولم يلزمه شيء، وإن شاء أمسك حظ الاثنين اللذين باعاه ورد سهم الغائب، وهو في ذلك مخير. قلت: فلو أن رجلا ادعى على أن الغائب استخلفه على البيع فباع من الاثنين ثم قدم الغائب فأنكر أن يكون استخلفه. فقال: يلزمه اشتراؤه حظ الاثنين ويرد حظ الغائب وليس له في ذلك خيار، وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: تفرقته بين أن يدعي الشريكان وكالة شريكهما

أعطاه مائة دينار يشتري بها جارية فاشتراها وأشهد أنه إنما اشتراها لفلان

الغائب على بيع حصته فيبيعان جميع العبد، وبين أن يدعي وكالته رجل آخر فيبيع معهما جميع العبد في لزوم حط الشريكين من العبد المشترى إذا جاء الغائب فأنكر الوكالة واستحق نصيبه من العبد صحيحة بينة مفسرة لما تقدم في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم حسبما بيناه فيه، ومفسرة أيضا لما في سماع يحيى من كتاب الاستحقاق والحمد لله. [أعطاه مائة دينار يشتري بها جارية فاشتراها وأشهد أنه إنما اشتراها لفلان] ومن كتاب القطعان قال مالك في رجل أعطى رجلا مائة دينار يشتري بها جارية فاشتراها له بها وأشهد أنه إنما اشتراها لفلان، ثم إنه وطئها وأعطاه مكانها غيرها فوطئها الآخر أيضا فحملتا جميعا. قال ابن القاسم: إن كان المأمور ممن يعذر بالجهالة درئ عنه الحد وخير صاحب الجارية في جاريته وقيمة ولدها أو في قيمتها وقيمته إن شاء، وخير أيضا في الجارية التي في يديه التي حملت منه، إن شاء دفعها إليه بعينها ولا شيء عليه في ولده منها، وإن شاء دفع قيمتها فذلك له. قال: وإن كان المأمور ممن لا يعذر بالجهالة أقيم عليه الحد وأخذ الرجل جاريته وولدها وكانوا عبيدا له، ولم يلحق بالواطئ الولد. قال محمد بن رشد: قوله إذا كان المبضع معه ممن يعذر بالجهالة إن صاحب الجارية مخير بين أن يأخذ جاريته وقيمة ولدها وبين أن يأخذ قيمتها، يريد يوم الحكم، وقيمة ولدها، هو قول مالك القديم واختيار ابن القاسم في الجارية المستحقة من يد المشتري وقد ولدت منه لسيدها أن يأخذها وقيمة ولدها، وأن يأخذ قيمتها يوم الحكم وقيمة ولدها مخير في ذلك. وله على هذا القول أيضا أن يسلمها إليه بقيمتها يوم وطئها

ولا يكون له في ولدها شيء على معنى ما قاله في رسم العتق بعد هذا ونص عليه فيما يأتي في سماع سحنون. فهو مخير على قول مالك الأول بين هذه الأوجه الثلاثة؛ وعلى قوله الثاني بين الوجهين، وهما أن يأخذ قيمتها يوم الحكم وقيمة ولدها، وأن يأخذ قيمتها يوم وطئها ولا يكون له في ولدها شيء؛ وعلى قوله الثالث ليس له إلا قيمتها يوم وطئها ولا شيء له في ولدها. وقد قال في رسم العتق بعد هذا إنه بالخيار بين أن يأخذها وقيمة الولد أو يسلمها إليه بقيمتها، يريد يوم وطئها ولا شيء له في ولدها على ما نص عليه في سماع سحنون بعد هذا، يريد وبين أن يأخذ قيمتها يوم الحكم وقيمة ولدها على ما قاله في هذا الرسم؛ لأنه سكت في رسم العتق عن التخيير في هذا الوجه، كما سكت في هذا الرسم عن التخيير في أن يضمنه قيمتها يوم وطئها ولا يكون له في ولدها شيء بما زاد في كل رسم منهما على الآخر مفسرا له ومبينا لمراده فيه. وقد كان من أدركنا من الشيوخ يحملون الكلام على ظاهره من أنه اختلاف من القول، فيقولون ليس له على ما في هذا الرسم أن يسلمها إليه بقيمتها يوم وطئها دون أن يكون له في ولدها شيء. ولا له على ما في رسم العتق أن يأخذ قيمتها يوم الحكم وقيمة ولدها. وليس ذلك عندي بصحيح، بل الروايات في هذا تفسر بعضها بعضا. وأما قوله في هذا الرسم إنه يخير في الجارية التي في يديه التي حملت منه إن شاء دفعها إليه بعينها ولا شيء عليه في ولده منها، وإن شاء دفع قيمتها يريد يوم الحكم فذلك له، فإنه خلاف نص ما في رسم العتق بعد هذا أن الذي بعث بها بالخيار إن شاء ردها وقيمة ولدها، وإن شاء أخذها بقيمتها، يريد ويؤدي مع ذلك قيمة ولدها. فوجه إسقاط قيمة الولد عن المبعوث إليه الجارية ردها أو رد قيمتها على ما في هذا الرسم هو أن صاحبها لما بعث بها إليه وسلطه على وطئها فقد رضي بإسقاط حقه فيما يكون في وطئه إياها من ولد. ووجه ما في رسم العتق من أن على المبعوث إليه الجارية قيمة ولدها ردها أو رد قيمتها هو أن الباعث لها مستحق لها أيضا من عند المبعوث إليه، فوجب أن يكون له قيمة ولدها

مسألة: أبضع معه دينارا فأنفقه ثم سلم بالذي أمره أن يشتريه فاستوجبه بدينار

على قول مالك الأول، واختيار ابن القاسم الذي بنى جوابه عليه في الجارية الثانية التي أمسكها المشتري لها عن صاحبها، غير أنه لما كان هو الباعث لها جعل الخيار إلى المبعوث إليه المستحقة من يده بين أن يردها وقيمة ولدها أو يعطي قيمتها وقيمة ولدها. فهذا هو وجه القول في هذه المسألة على ما في الرسمين، وبالله التوفيق. [مسألة: أبضع معه دينارا فأنفقه ثم سلم بالذي أمره أن يشتريه فاستوجبه بدينار] مسألة وسمعت ابن وهب وسئل عن رجل أبضع معه دينارا فأنفقه ثم سلم بالذي أمره أن يشتريه فاستوجبه بدينار ثم جعل مكان ذلك الدينار من عنده دراهم. قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه لا بأس بذلك لأنه استوجب ذلك الشيء الذي أبضع الدينار معه فيه بالدينار الذي لرب البضاعة، ثم صار فيه بائع ذلك الشيء لنفسه فلم يجب لصاحب البضاعة في ذلك خيار. ولو اشترى ذلك الشيء بدراهم وهي صرف دينار ليعود ذلك في الدينار الذي عليه لصاحب البضاعة لوجب عليه أن يعلم صاحب البضاعة بذلك، فإن أجاز ذلك له وإلا دفع إليه الدراهم التي اشترى بها ذلك الشيء وأخذ منه ديناره الذي أنفقه، على الاختلاف الذي ذكرناه في أول رسم من سماع أشهب في فساد الصرف بالخيار الذي يوجبه الحكم، وبالله تعالى التوفيق. [يكون له عليه دينار فيخرج غريمه فيقول له رب الحق ابتع لي بمالي عليك عبدا] ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها. قال: وسألته عن الرجل يكون له على الرجل دينار فيخرج غريمه ذلك إلى مكان فيقول له رب الحق ابتع لي بمالي عليك عبدا فيقوم عليه فيقول قد ابتعته لك وهلك عندي أو أبق، ممن تكون مصيبته؟ قال: مصيبته من الآمر، ويكون سبيله فيما ادعى سبيل التي قبلها.

مسألة: أبضع إليه بدنانير يبتاع له بها جارية فقال له بائعها انقدني الثمن

قال محمد بن رشد: صدقه في دعواه شراء العبد وأنه هلك عنده أو أبق وإن كان الشراء بغير البلد حيث لا يجوز له الشراء، خلاف رواية ابن أبي جعفر الدمياطي عن ابن القاسم في أنه إنما يصدق في دعواه الشراء والتلف إذا كان حاضرا بالبلد حيث يجوز له الشراء، فلا يصدق في دعواه التلف حتى يقيم البينة على الشراء، ولا يصدق في أحد قولي ابن القاسم في المدونة، أعني مسألة الغراير وشبهها وإن كان في الموضع الذي يجوز له فيه الشراء، فهي قولان متضادان لا تفرقة. وإنما يصدق في دعواه هلاك العبد إذا لم يتبين كذبه مثل أن يكون في حاضرة وحيث الناس فلا يعرف أحد من أهل ذلك المكان صدق ما يدعي من ذلك. وقد مضى بيان هذا مستوفى غاية الاستيفاء في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب جامع البيوع فلا معنى لإعادته، ومضت هذه المسألة والتكلم عليها أيضا في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال. [مسألة: أبضع إليه بدنانير يبتاع له بها جارية فقال له بائعها انقدني الثمن] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل أبضع إلى رجل من أهل طرابلس بدنانير يبتاع له بها جارية فابتاعها، فقال له بائعها انقدني الثمن، فقال له المشتري هذا رجل خارج إلى الرجل الذي اشتريتها له والدنانير في البيت فادفع إلي الجارية أسيرها الآن لا يفوتني من أحب أن أسيرها معه ثم أرجع فأقضيك، فدفع إليه البائع الجارية فسيرها إلى صاحبها ثم رجع إلى البيت ليقضي بائعها الثمن فوجد الثمن قد ضاع. قال: إن كان رجوعه في طلب الذهب عندما ابتاع نظر، فإن كانت الجارية لم تفت بحمل خير المبضع فإن أحب أن يأخذ الجارية ويغرم الثمن فذلك له، وإن أحب أن يردها ردها لأنه لم يأمره أن يشتري له على الدين ولا يضمنه ثمنين فذلك له. وإن كانت الجارية قد فاتت بحمل لم يكن للمأمور على الآمر شيء، وكان ضمان الذهب على المأمور

ولا يضمنه ثمنين لأنه فرط. وذلك أن مالكا سئل عن رجل أبضع مع رجل في جارية بخمسين فاشتراها بستين دينارا ثم قدم فبعث بها إلى صاحبها ولم يعلمه بالزيادة، فأخذها صاحبها فوطئها فحملت منه أو لم تحمل. قال مالك: إن لم تحمل خير الآمر فإن أحب أن يدفع العشرة وتكون له الجارية فذلك له، وإن أحب أن يردها ردها وأخذ دنانيره، وإن حملت لم يكن للمبضع معه المأمور على الآمر شيء لأنه فرط. وكذلك هذه المسألة على قياس مالك. ولو أن المأمور فرط في دفع الذهب الشيء الكثير الذي يعرضه في مثله للتلف فأصيب في ذلك كان متعديا وكانت المصيبة منه ولم يكن له على الآمر قليل ولا كثير، وكانت السلعة لصاحبها؛ لأن مالكا سئل عن رجل دفع إليه مال ليدفعه إلى رجل فقدم فلم يدفعه إليه ثم زعم أنه هلك عند قدومه بما لم يكن له فيه تفريط فلا ضمان عليه، وإن كان حبسه عنده وأطال حبسه بما عرضه فيه للتلف فهو ضامن حين لم يدفعه إلى صاحبه، فكذلك مسألتك: فإذا فرط كانت المصيبة على المأمور حملت الجارية أو لم تحمل، وإذا لم يفرط خير الآمر إلا أن تفوت بحمل كما وصفت لك عن مالك في الجارية وقد فسرت لك ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على قياس قول مالك في المسائل التي ذكرها ابن القاسم، وقد بين ذلك وأوضحه بما لا مزيد عليه. وهو بين أيضا مذهب مالك في المدونة لأنه ذكر فيها أن الثمن إذا ضاع بعد الشراء من المأمور كان الآمر بالخيار بين أن يؤدي الثمن ويأخذ السلعة، وبين أن يتركها للمأمور؛ لأنه إنما أمره أن يشتري له بذلك المال بعينه. وسكت عن ذكر التفريط في المال حتى تلف وعن ذكر التفريط بإعلام الآمر بتلف المال حتى فاتت السلعة عنده بحمل إن كانت جارية، وبالله تعالى التوفيق.

مسألة: يبضع بالمال مع الرجل في اشتراء رأس فيأتيه بجارية

[مسألة: يبضع بالمال مع الرجل في اشتراء رأس فيأتيه بجارية] مسألة وعن الرجل يبضع بالمال مع الرجل في اشتراء رأس فيأتيه بجارية فيقول إنما أمرتك أن تشتري لي غلاما ويقول المبضع معه إنما أمرتني بجارية، فالقول قول من؟ قال ابن القاسم: القول قول المبضع معه ويحلف. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وقد روي أيضا عن مالك أن القول قول الآمر. واختلف في ذلك أيضا قول ابن القاسم، ذكر اختلاف قوله في ذلك أصبغ في نوازله بعد هذا، وأن قوله الأول كان القول قول الآمر، ثم رجع وقال بقول أشهب إن القول قول المأمور، واختار أصبغ قوله الأول. وسواء كان اختلافهما في صفة السلعة التي أمره بشرائها أو في صنفها ونوعها وجنسها. وكذلك لو دفع إليه سلعة يبيعها له فباعها بما يشبه من الثمن وادعى صاحب السلعة أنه أمره أن يبيعها بأكثر من ذلك مما يشبه أيضا كان القول قول المأمور إذا فاتت السلعة، وفواتها ذهاب عينها، كذلك روى يحيى عن ابن القاسم في العشرة. وإن كانت السلعة قائمة لم تفت فالقول قول الآمر. وكذلك إذا لم تفت الدنانير فاختلفا فيما أمره أن يشتري له بها كان القول قول الآمر، إلا أن فوات العين لا يتعين. وأما على القول بأنه يتعين فالقياس أن يكون القول قول الآمر إذا عرفت الدنانير بأعيانها وإن كان قد عقد بها البيع أو قبضها البائع، وسواء على مذهب ابن القاسم كان اختلافهما فيما أمره به من الشراء أو فيمن أمره أن يدفع إليه، أو ادعى المأمور أنه أمره بالشراء وقال الآمر إنما أمرته أن يدفعه إلى فلان، بدليل رواية عيسى عن ابن القاسم في المدنية أنهما إذا اختلفا فقال الآمر أمرتك بدفع البضاعة إلى فلان وقال المبضع معه بل إلى فلان، أن القول قول المبضع معه. وفرق ابن كنانة بين الوجهين فقال: إذا قال الآمر أمرته أن

دفع إلى رجل مالا ليشتري له به جارية فاشتراها ثم اتخذها لنفسه

يدفع إلى فلان وقال المأمور بل أمرتني أن أدفع إلى فلان كان القول قول الآمر؛ لأن المأمور ادعى ولاية على مال. وإذا قال أمرته بشراء سلعة كذا وكذا وقال المأمور بل أمرتني بشراء كذا وكذا كان القول قول المأمور. ومثل ابن كنانة في كتاب الجرار وانظر لو قال صاحب المال أمرتك أن تشتري لي به كذا وكذا وقال المأمور بل أمرتني أن أدفعه إلى فلان فإن هذا ينبغي أن يكون القول فيه قول الآمر لأنه لم يقر أنه أمره أن يدفعه إلى أحد، فالمأمور مدع عليه في ذلك. وقد قال في رسم لم يدرك بعد هذا إنه إذا قال صاحب المال أمرتك أن تبلغه إلى أهلي وقال المأمور بل أمرتني أن أرسل به وقد فعلت، إنه يحلف على ذلك ولا يكون عليه شيء. وهو قول فيه نظر لأن الآمر لم يقر أنه أمره أن يدفعه إلى أحد، فكان القياس أن يكون القول قول الآمر مع يمينه، يحلف أنه ما أمره إلا أن يوصله هو ويضمن المأمور إن أرسل به فتلف، وبالله تعالى التوفيق. [دفع إلى رجل مالا ليشتري له به جارية فاشتراها ثم اتخذها لنفسه] ومن كتاب العتق وسئل عن رجل دفع إلى رجل مالا ليشتري له به جارية فاشتراها ثم اتخذها لنفسه ودفع إليه جارية أخرى فاتخذها الباعث لنفسه وأولدها، ثم تبين له بعد ذلك، شهد عليه بذلك قوم أو أقر. قال: إن كان تأول فرأى أن يأخذها لنفسه ويعطيه غيرها ولم يطأها على وجه الزنا درئ عنه الحد ولحق به الولد، وكان الذي اشتريت له مخيرا بين أن يأخذ جاريته وقيمة الولد أو يسلمها إليه بقيمتها. وأرى في الجارية التي بعثها إليه أن الذي بعثها إليه بالخيار إن شاء أخذها بقيمتها وإن شاء ردها ورد قيمة ولدها، وذلك إذا ثبت على ذلك كله في الأول والآخر بينة فإن لم يكن له بينة لم يقبل قوله على شيء من ذلك وكانتا أمي ولد للأول والآخر، إلا أن الأول يغرم فضلا إن كان فيها على قيمة ما دفع. قلت: أرأيت إن كانت هذه الذي بعث بها لم تحمل، أيخير أيضا

بعث معه ببضاعة يبلغها إلى أهله وقال المدفوع إليه إنما دفعها لأرسلها

أو كانت أكثر ثمنا من الأخرى؟ قال: نعم. وقد قال في كتاب القطعان إنه يخير في جاريته وقيمة ولدها أو قيمتها وقيمة ولدها. وأما الجارية التي أعطاه فإن شاء ردها بعينها ولا شيء عليه في ولدها منه، وإن شاء دفع إليه قيمتها فقط. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم القطعان لتكررها فيه وبينا هناك أن الخلاف في المسألة فيما بين الرسمين إنما هو في الجارية التي بعثها المبضع معه إلى صاحب البضاعة فاتخذها وولدت منه، هل يكون مخيرا بين أن يردها وقيمة ولدها أو يعطيه قيمتها وقيمة ولدها؟ أو هل يكون مخيرا بين أن يردها عليه ولا يكون عليه شيء في ولدها أو يعطيه قيمتها ولا يكون عليه شيء في ولدها أيضا؟ وأما الجارية التي أمسكها المبضع معه فاتخذها وولدت منه فصاحبها مخير بين أن يأخذها وقيمة ولدها وبين أن يأخذ قيمتها وقيمة ولدها وبين أن يسلمها إليه بقيمتها يوم وطئها ولا يكون له شيء في ولدها على ما في الرسمين جميعا بالتأويل الصحيح الذي قد بينا وجهه، خلاف ما كان يذهب إليه من لقينا من الشيوخ من حمل هاتين الروايتين على ظاهرهما من الخلاف، وذلك ما لا وجه له يصح على ما بيناه في رسم القطعان، وبالله تعالى التوفيق. [بعث معه ببضاعة يبلغها إلى أهله وقال المدفوع إليه إنما دفعها لأرسلها] ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام وقال في رجل ادعى قبل رجل أنه بعث معه ببضاعة يبلغها إلى أهله فزعم المدفوع إليه أنه إنما دفعها إليه ليرسلها وقد أرسلها. قال: يحلف بالله أنه على ذلك أخذها وقد أرسلها ولا شيء عليه. قال محمد بن أحمد: هذه مسألة فيها نظر، والقياس الذي يوجبه النظر فيها أن يكون القول قول الباعث لأنه لم يقر للمدفوع إليه بما ادعى

بعث إلى أخ له يشتري له جارية فاشتراها ثم بعث بها إليه

عليه من أنه دفعها إليه ليرسل بها. وقد مضى هذا في رسم باع شاة، وبالله تعالى التوفيق. [بعث إلى أخ له يشتري له جارية فاشتراها ثم بعث بها إليه] ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب وقال في رجل بعث إلى أخ له يشتري له جارية فاشتراها ثم بعث بها إليه إنها إن كانت مع ثقة فلا بأس أن يطأها إذا جاء بها إن كانت قد حاضت. قال: وإن لم تكن مع ثقة فلا يطؤها حتى يستبرئها. قال عيسى: وهذا إذا لم تحض بعد الاشتراء، فأما إذا حاضت بعد الاشتراء فلا استبراء عليه. وقد قال في كتاب أسد: لا يطؤها صاحبها إلا بعد الاستبراء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها إشكال والتباس. والذي يتحصل عندي فيها أن الجارية إن كانت حاضت عند الذي اشتراها قبل أن بعث بها إلى صاحبها ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها، أنه لا استبراء على صاحبها بحال، وهو قول عيسى: والثاني، أن عليه الاستبراء على كل حال، وهو الذي في كتاب أسد؛ والثالث، الفرق بين أن يكون المبعوث معه ثقة أو غير ثقة. وأما إن لم تحض إلا في الطريق ففي ذلك قولان: أحدهما، أن عليه الاستبراء على كل حال، والثاني، الفرق بين أن يكون المبعوث معه ثقة أو غير ثقة، وبالله التوفيق. [مسألة: يبضع مع الرجل في جارية بمائة دينار فيطأها] مسألة وقال في الرجل يبضع مع الرجل في جارية بمائة دينار فيزيد من عنده ثم يبعث بها إليه أو يدفعها إليه فوطئها، إنه إن كانت الجارية لم تفت فهو بالخيار إن شاء رد وإن شاء غرم الذي زاد إلا أن يكون الذي زاد الشيء اليسير فيلزمه ذلك، وإن فاتت لم يكن للمشتري على صاحب الجارية قليل ولا كثير. قلت: فيصدق في

مسألة: أبضع معه ببضاعة مائة دينار في سلعة فاشتراها ثم باعها بعشرين ومائة

الزيادة بقوله أم ببينة؟ قال: يصدق بقوله. قال محمد بن رشد: قوله: فإن فاتت لم يكن للمشتري على صاحب الجارية قليل ولا كثير، يريد أن الجارية إن فاتت عند صاحبها بحمل أو عتق لم يكن للمشتري عليه من الزيادة الكثيرة التي زادها على ما أمره به قليلا ولا كثير. وأما الزيادة اليسيرة فهي للمشتري واجبة عليه وإن فاتت بموت على ما في المدونة وعلى ما تقدم في رسم العرية من سماع عيسى، خلاف ما في المدنية. وقد أبعد من قال إن ظاهر هذه الرواية مثل ما في المدنية من أن الزيادة اليسيرة لا تكون للمشتري إلا إذا أصيب الرأس فتلف: وحسب الآمر أن يخسر ما أعطى، وحسب المأمور أن ينجو من الضمان، وهو استحسان. والذي في المدونة والعتبية هو القياس الذي يوجبه النظر. وقوله: إنه يصدق في الزيادة بقوله هو مثل ما تقدم في رسم العرية، قيل بيمين وقيل بغير بيمين. وقد مضى هناك وجه الاختلاف في ذلك. وسواء كانت الزيادة قليلة أو كثيرة هو يصدق فيها، فإن كانت يسيرة أخذها بقوله، وإن كانت كثيرة كان صاحب البضاعة بالخيار بين أن يأخذ الجارية بالزيادة أو يدعها كما لو قامت بها بينة سواء. [مسألة: أبضع معه ببضاعة مائة دينار في سلعة فاشتراها ثم باعها بعشرين ومائة] مسألة وقال في رجل أبضع معه ببضاعة مائة دينار في سلعة فاشتراها ثم باعها بعشرين ومائة ثم اشترى بالعشرين ومائة سلعة فباعها فنقص. قال: هو ضامن للعشرين ومائة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العشرين ومائة ثمن سلعة صاحب البضاعة فله أن يأخذها، والمبضع معه متعد في اشتراء السلعة

يوكل وكيلا على تقاضي ديونه ويفوض إليه النظر فيها

الأخرى بالعشرين ومائة، فوجب أن يكون ضامنا لما نقص فيها، وبالله التوفيق. [يوكل وكيلا على تقاضي ديونه ويفوض إليه النظر فيها] من نوازل سئل عنها عيسى بن دينار وسئل [عيسى] عن الرجل يوكل وكيلا على تقاضي ديونه ويفوض إليه النظر فيها، هل يجوز للوكيل أن يصالح فيها عنه إن كان الصلح من النظر له؟ فقال: لا، حتى يفوض إليه المصالحة، فعند ذلك تجوز مصالحته ووضيعته عن الغرماء إذا كان ذلك من النظر. قيل: فإن لم يفوض المصالحة فوجد الوكيل غريما من غرماء الموكل عديما فيدعوه إلى المصالحة ببعض ما عليه ويضع عنه [ما بقي. فيفعل ذلك الوكيل، أو يصالح عن الغريم بعد موته ببعض ما كان عليه ويضع عنه] سائر ذلك. قال: كل ذلك لا يلزم الموكل إلا إن شاء، فإن أبى جاز له ما أخذ واتبع ذمة الغريم فيما بقي. قيل له: فلو كان الذين صالحوا الوكيل عن الغريم إنما صالحوه بأموالهم على أن يبرأ الغريم مما عليه، فلما أبى ذلك الموكل ولم يجزه أرادوا أن يرجعوا بما أعطوه من أموالهم في الصلح؟ قال: ذلك لهم إلا أن يشاء الموكل أن يمضي ذلك الصلح، فإن أبى رد إليهم ما أعطوا واتبع ذمة غريمه بجميع حقه. قيل: فلو كانوا حين صالحوا الوكيل بأموالهم شرطوا عليه

أنه إن لم يمض ذلك الذي وكله فنحن راجعون في أموالنا؟ قال؛ هذا لا يجوز؛ لأنه يعد سلفا يجر منفعة إذا عجلوا للوكيل ما صالحوه به من أموالهم ونقدوه إياه؛ لأنهم كأنهم قالوا له: خذ من أموالنا سلفا تنتفع به وأخر صاحبنا بما عليه إن كان حيا واترك كشف ورثته عما ورثوا عنه إن كان ميتا حتى يقدم صاحبك، فإن جوز الصلح مضى ذلك لنا، وإن لم يجوزه رددت إلينا أموالنا، فذلك لا يجوز؛ لأنه سلف جر منفعة. وهذا الصلح يفسخ على كل حال ويرد إلى القوم ما لهم يبتدئون الصلح صحيحا إن شاءوا. قال محمد بن رشد: قوله: إن الوكيل على اقتضاء الدين وإن فوض إليه النظر في ذلك لا يجوز له مصالحة غريم من الغرماء وإن كان ذلك من النظر للموكل حتى يفوض إليه المصالحة صحيح؛ إذ لا يقتضي تفويض النظر إليه فيما وكل عليه من اقتضاء الديون المصالحة فيها وإن كان ذلك من النظر له؛ إذ ليس للوكيل أن يتعدى في وكالته ما سمي له ويتجاوز ذلك إلى ما لم يسم له. وقد مضى بيان هذا في رسم أسلم من سماع عيسى، وأن هذا ليس بخلاف له كما زعم بعض الناس بما لا مزيد عليه. وفي قوله: قيل: فإذا لم يفوض إليه المصالحة فوجد الوكيل غريما من غرماء الموكل عديما فيدعوه إلى المصالحة ببعض ما عليه ويضع عنه ما بقي فيفعل ذلك الوكيل أو يصالح عن الغريم بعد موته ببعض ما كان عليه ويضع عنه سائر ذلك، قال: ذلك لا يلزم الموكل إلا إن شاء نظر؛ لأن هذا لا ينبغي أن يلزم الموكل وإن فوض إليه المصالحة؛ لأن المصالحة لا تجوز عليه وإن فوض أمرها إليه إلا على وجه النظر، ولا نظر في ذلك للموكل، إذ لا حاجة له إذا وجده عديما إلى أن يقتضي منه بعض ما عليه ويضع عنه بقيته؛ لأنه قادر على أن يقتضي منه ما وجد عنده ويؤخر ببقيته، اللهم

إلا أن يخفي ما له أو يدعي العدم فيكون لمصالحته وجه من النظر. وقد يكون له أمهات أولاد ومدبرون لهم أموال وهو غريم فيصالحه على أن ينتزع من أموالهم ما يصالح به عن نفسه على حط بعض دينه فيكون لذلك أيضا وجه من النظر. فإن صالحه الوكيل على وجه من هذه الوجوه ولم يجعل إليه الصلح لم يلزم الموكل ذلك إلا إن شاء، فإن أبى جاز له ما أخذ واتبع ذمة الغريم بما بقي له من حقه عليه كما قال. وأما إذا صالح الوكيل أحد عن الغريم من ماله فلم يجز الموكل الصلح فله أن يرجع بما دفع من ماله؛ لأنه إنما رضي بدفعه على أن يحط عن الغريم ما وقع الصلح على حطه، فإذا لم يحط عنه كان له الرجوع فيما صالح به من ماله. ولهذا نظائر كثيرة، منها مسألة كتاب المكاتب من المدونة في القوم يعينون المكاتب في كتابته ليفكوا جميعه من الرق فلا يكون فيما أعانوه به وفاء لكتابته أن لهم أن يرجعوا فيما أعانوه به، إلا أن يجعلوا المكاتب من ذلك في حل؛ ومن ذلك مسألة الرجل يقتل الرجلين عمدا فيصالح أولياء أحد القتيلين ويعفو عن دمه ويأبى أولياء القتيل الآخر إلا الاستقادة منه أن له أن يرجع فيما صالح به؛ لأنه إنما صالحهم للنجاة من القتل، فإذا لم يتم له ما بذل عليه ماله كان له الرجوع فيه. روى ذلك يحيى عن ابن القاسم في كتاب الدعوى والصلح وكتاب الديات. وأما إن شرط الذين صالحوا الوكيل عن الغريم من أموالهم أن يرجعوا بما صالحوا به إن لم يجز ذلك الموكل فهو صلح فاسد كما قال؛ لأنه سلف يجر منفعة، فلا يجوز باتفاق، ويفسخ وإن جاء الموكل فأمضاه؛ لأنه انعقد على فساد. وأما إن صالحوا الوكيل وهم يظنون أنه قد فوض إليه الصلح فالصلح جائز باتفاق، فإن جاء الموكل فأنكر أن يكون فوض إليه الصلح فرده ولم يجزه رجعوا في أموالهم. وأما إن صالحوه ولم يشترطوا شيئا وقد علموا أنه لم يفوض إليه أمر الصلح، فظاهر الرواية أن الصلح جائز إلا أن يرده الموكل فيرجعوا بما صالحوا به من أموالهم، وفي جوازه اختلاف لأنه صلح انعقد وللوكيل الخيار في إبطاله، إلا أنه خيار يوجبه الحكم لم ينعقد عليه الصلح، فيجوز ذلك على الاختلاف في فساد الصرف بالخيار الذي يوجبه

مسألة: يوكل وكيلا على طلب عبد له أبق أو مستألف له فأدركه في يد مشتري

الحكم دون أن ينعقد عليه. وقد مضى ذلك في أول رسم من سماع أشهب وغيره [وبالله التوفيق] . [مسألة: يوكل وكيلا على طلب عبد له أبق أو مستألف له فأدركه في يد مشتري] مسألة وسئل عن رجل يوكل وكيلا على طلب عبد له أبق أو مستألف له فأدركه في يد مشتري، فأراد أن يقيم البينة أنه للذي وكله، أيمكن من ذلك ويقضى له؟ قال: لا يمكن من ذلك حتى يشهد الذين شهدوا له بالوكالة بطلبه أو غيرهم أنه وكل على الخصومة فيه أيضا؛ لأن الرجل قد يوكل على طلب العبد الآبق ولا يوكل على الخصومة فيه. قيل: فإن أقام البينة على أنه موكل على الخصومة فيه، أيمكن من إيقاع البينة على أنه للذي وكله لا يعلمونه باع ولا وهب؟ قال: لا يمكن من ذلك حتى تشهد البينة أنه وكله على طلب هذا العبد والخصومة فيه وأنه هو العبد بعينه، فحينئذ ينتفع بمن شهد له على أن العبد للذي وكله وأنهم لا يعلمونه باع ولا وهب ولا خرج من يده بما تخرج به الأشياء من أيدي أهلها؛ لأنه قد يكون للرجل العبد فيبيعه ثم يكون له الآخر فيأبق، فلعل هذا العبد قد باعه سيده وليس هذا الذي أبق منه. قيل: فإذا شهدوا على الذي ذكرت، أيحلف الوكيل كما يحلف السيد أنه ما باع ولا وهب؟ قال: لا يحلف الوكيل ولكن ينظر السلطان في غيبة الموكل، فإن كانت غيبته قريبة أمر أن يؤتى به حتى يحلف، وإن كانت غيبته بعيدة كتب إلى إمام بلده

بالذي عنده لصاحب العبد، وأمره في كتابه أن يحلفه عنده أنه ما باع ولا وهب. فإذا أتاه جواب كتابه قضى به للوكيل. قيل له: فإن كان الموكل قد مات؟ قال: قد انفسخت وكالة الوكيل. قيل له: فإن كان وكله الورثة أيضا؟ قال: فعليهم أن يحلفوا بالله أنهم لا يعلمون صاحبهم باع ولا وهب إن كانوا قد بلغوا الحلم أو من بلغه منهم. قال محمد بن رشد: قوله: إذا وكل الوكيل على طلب عبد له أبق فأدركه في يد مشتري إنه لا يمكن من إيقاع البينة على أنه للذي وكله حتى يقيم البينة أنه وكل على الخصومة فيه صحيح على ما تقدم في المسألة قبلها من أنه ليس للموكل أن يتعدى ما وكل عليه ويتجاوزه إلى غيره. وأما قوله: إنه لا يمكن من ذلك حتى يقيم البينة على أنه وكل على طلب هذا العبد بعينه والخصومة فيه، فإن هذا قد يتعذر، إذ لا يمكن أن يمشي لطلب العبد بالشهود الذين يعرفون العبد بعينه وأشهدهم السيد على أنه وكله على طلبه والخصومة فيه ليشهدوا له على عينه حيثما وجده. وإن اتفق أن يجدهم حيث وجد العبد فنادر لا يبنى عليه. فوجه العمل في ذلك أن يكتفى فيه بالصفة. وسيأتي بيان هذا في آخر سماع سحنون بعد هذا. فإذا أشهد له أنه قد وكله على طلب العبد الذي من صفته كذا وكذا والخصومة فيه أثبت ذلك عند قاضي بلده وخاطب له بذلك إلى حيث يرجو وجود العبد فيه من البلاد، فإذا ألفى العبد على الصفة الموصوفة يمكن من إيقاع البينة عليه أنه للذي وكله ولا يعلمونه باع ولا وهب. فإذا أثبت ذلك قضي له به بعد يمين سيده الموكل له على ما ذكر. وقال عيسى في هذه الرواية: إنه لا يقضى له به حتى يحلف وإن كان بعيد الغيبة، خلاف قوله في رسم حمل صبيا من سماع عيسى في الوكيل على قبض الدين يدعي الذي عليه الدين أنه قد قضى صاحب الحق بعض الدين إنه يقضى له بجميع الدين عليه إلا أن تكون له بينة على ما ادعى من القضاء ولم يؤخر إلى لقي صاحبه. ففرق بعض الناس بين المسألتين، وهو الأظهر الذي يعزى إلى

مسألة: يوكل وكيلا على خصومة أو قيام بضيعة أو تقاضي دين

ابن القاسم؛ لأن اليمين في الاستحقاق من تمام الشهادة لا يتم الحكم إلا بها. ويمين صاحب الدين ما اقتضى من ديونه شيئا لا يجب إلا بدعوى الغريم أنه قد قضى. وذهب ابن أبي زيد إلى أنه يقضى في استحقاق الحيوان لوكيل الغائب إذا بعدت غيبته وترجا يمينه إلى أن يقدم أو يكتب القاضي إلى قاضي موضعه فيحلفه، وهو قول أصبغ في الواضحة، وإليه ذهب ابن كنانة. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها، أنه لا يقضى له في المسألتين جميعا حتى يحلف، والثاني، أنه يقضى له فيهما جميعا ويؤخر يمينه حتى يكتب إلى قاضي موضعه يحلفه، والثالث، الفرق بين المسألتين. وفي المسألة قول رابع أن الوكيل يحلف في المسألتين ما علمه باع ولا وهب ولا اقتضى من حقه شيئا ويقضى له. وقد مضى هذا في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من هذا الكتاب وفي رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الأقضية، [وبالله التوفيق] . [مسألة: يوكل وكيلا على خصومة أو قيام بضيعة أو تقاضي دين] مسألة وسئل عيسى عن رجل يوكل وكيلا على خصومة أو قيام بضيعة أو تقاضي دين أو على وجه من الوجوه كلها، فيريد الوكيل أن يوكل غيره على ما وكل عليه هو من ذلك في حياة الوكيل أو عند موته، أيجوز هذا؟ قال: لا يوكل وكيل الأحياء على مثل ما وكل عليه أحدا غيره، وإنما يجوز ذلك للوصي أن يوكل في حياته وعند موته. قال محمد بن رشد: قوله: إن من وكل على خصومة أو قيام بضيعة أو تقاضي دين أو وجه من الوجوه كلها فليس له أن يوكل على

ذلك أحدا في حياته ولا عند وفاته صحيح، لا اختلاف فيه أحفظه في أن الوكيل على شيء مخصوص لا يجوز له أن يوكل، وهو قوله في السلم الثاني من المدونة وفي رسم الأقضية من سماع يحيى بعد هذا وفي غير ما موضع. واختلف إن فعل هل يضمن أم لا؟ فقال في رسم الصبرة من سماع يحيى بعد هذا إنه ضامن إن خرج المال من يده إلى من وكله إلا أن يكون ممن لا يلي مثل ذلك بنفسه وقد عرف بذلك الذي وكله فلا ضمان عليه. وأما إن لم يعرف بذلك الذي وكله فهو ضامن وإن كان ممن لا يلي ذلك بنفسه. وهذا في غير المشهور أنه ممن لا يلي مثل ذلك بنفسه؛ لأن رضاه بالوكالة يدل على أنه المتولي حتى يعلم رب المال أنه لا يتولى. وهو في غير المشهور محمول على أنه لم يعلم حتى يعلم أنه قد علم. وأما المشهور بأنه لا يتولى ذلك بنفسه فلا ينبغي أن يضمن؛ لأن الموكل يحمل على أنه قد علم ولا يصدق أنه لم يعلم. وقد قال بعض العلماء: إن وكيل الوكيل إذا صنع ما يصنع الوكيل ولم يتعد في شيء إن ذلك جائز، يريد ولا يضمن الذي وكله. وقال أشهب: إذا كان مثله في الكفاية فلا ضمان عليه. وأما الوكيل المفوض إليه في جميع الأشياء فلا أحفظ في هل له أن يوكل أم لا قولا منصوصا عند العلماء المتقدمين، وقد كان الشيوخ المتأخرون يختلفون في ذلك، والأظهر أن له أن يوكل؛ لأن الموكل قد أنزله منزلته وجعله بمثابته. وقوله: وإنما يجوز ذلك للوصي أن يوكل في حياته وعند موته هو نص قول مالك وجميع أصحابه لا اختلاف بينهم فيه. وإنما اختلفوا في الوصيين أو الأوصياء المشترك بينهم في الإيصاء، هل لأحدهم أن يوصي بما إليه من الوصية أم لا على ثلاثة أقوال، أحدها، أن له أن يوصي إلى من معه في الوصية وإلى من ليس معه في الوصية. وقد أتت بذلك الرواية عن مالك، وهو ظاهر قوله في المدونة لأنه أطلق القول بأن له أن يوصي

مسألة: وكل على اشتراء سلعة فاشتراها فقال الموكل اشتريتها بشرط كذا وكذا وهو مما يفسخ البيع

ولم يخص موضعا من موضع ولا حالا من حال، وهو ظاهر قول عيسى هذا وقول يحيى بن سعيد في الوصايا الأول من المدونة، والثاني، أنه ليس له أن يوصي إلى من معه في الوصية ولا إلى من ليس معه في الوصية، وهو ظاهر قول سحنون في رسم المكاتب من سماع يحيى بعد هذا. ووجه القول أن الوصيين لا يجوز لأحدهما أن ينفرد بفعل شيء من الأشياء دون صاحبه؛ والقول الثالث، أنه ليس له أن يوصي إلا إلى شريكه في الإيصاء، وهو الذي كان الشيوخ يتأولونه على سحنون في قوله في المدونة. ووجه ذلك أنه إذا أوصى لشريكه في النظر فقد شاركه في فعله، وهذا أضعف الأقوال. وأصحها وأولاها بالصواب قول مالك وقول يحيى بن سعيد في إجازة ذلك إجازة مطلقة، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: وكل على اشتراء سلعة فاشتراها فقال الموكل اشتريتها بشرط كذا وكذا وهو مما يفسخ البيع] مسألة قيل لعيسى: أرأيت من وكل على اشتراء سلعة فاشتراها، فقال الموكل: اشتريتها بشرط كذا وكذا، وهو مما يفسخ البيع، فيقول الموكل: ما أمرتك بذلك وأنت كاذب فيما تقول، وإنما تريد فسخ ما ثبت لي شراؤه، ويدعي ذلك البائع مع الوكيل وليس على الشرط بينة. قال: أرى على الوكيل اليمين بالله أنه على ذلك اشتراها ويكون القول قوله ثم يفسخ البيع بينهما إن كان حراما، وإن كان مكروها قيل للبائع: إن شئت فافسخ الشرط وأجز البيع، وإن شئت فارتجع سلعتك، وذلك ما لم تفت، فإن فاتت كان العمل فيها كما وصفت. قيل: أرأيت لو كان هذا الوكيل ادعى اشتراء هذه السلعة لنفسه وأنه قد كان فسخ وكالة الموكل عن نفسه وأقر بهذا الشرط. قال: سبيلها سبيل الأول إذا أقر بهذا الشرط عند ادعائه اشتراءها لنفسه. فأما لو ادعى اشتراءها لنفسه ولم يذكر الشرط فلما لم يجز

اشتراؤها لنفسه وصارت للذي وكله زعم أنه اشتراها بشرط يفسخ البيع فقوله باطل والسلعة للموكل بلا شرط، ولا يحلف الوكيل ويكون القول قوله في الشرط كما حلف في التي فوق هذا؛ لأنه ههنا قد أراب واتهم على الكذب حين ادعاها لنفسه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الوكيل أقر للبائع بما ادعاه من فساد البيع عند دفع السلعة إلى الموكل أو بعد دفعها إليه، أو ذكر ذلك حينئذ وصدقه البائع. وأما لو أنكر ذلك البائع وادعى صحة البيع لوجب أن يكون القول قوله، وذلك بين في الرواية من قوله ويدعي ذلك البائع. فإذا أقر الوكيل بفساد البيع للبائع عند دفع السلعة إلى الآمر أو بعد دفعها إليه على ما ذكرناه لم أر أن يفسخ البيع إلا بعد يمين الوكيل أنه اشتراها شراء فاسدا؛ لأنه يتهم على إبطال البيع لما تعلق بذلك من حق الآمر، فإن نكل عن اليمين لم يكن للبائع سبيل إلى نقض البيع بما ادعاه من فساده إلا أن يقيم البينة على ذلك، وينظر إلى قيمة السلعة، فإن كانت أكثر من الثمن غرم ذلك الوكيل للبائع؛ لأنه أتلف عليه السلعة بنكوله عن اليمين. ورأيت لبعض أهل النظر أنه قال: يمين الوكيل ههنا ضعيفة، واليمين على البائع أقوى أنه باع بيعا فاسدا. ولعمري إن لقوله وجها من النظر؛ لأنهما قد تقارا جميعا على فساد البيع فوجب نقضه بعد أن يستظهر على البائع باليمين من أجل اتهام الوكيل في تصديقه لما تعلق بذلك من حق الآمر، فإذا حلف البائع على هذا وفسخ البيع كان للآمر أن يحلف الوكيل على إقراره للبائع بفساد البيع؛ لأنه يقول له: أتلفت علي السلعة بذلك. فإن حلف برئ، وإن نكل عن اليمين غرم له ما زادت قيمة السلعة على الثمن، فإن لم يكن في ذلك فضل لم يجب له عليه يمين. ولو قال قائل: إن البيع يفسخ دون أن يحلف واحد منهما لتقاررهما على فساده، ثم يحلف الوكيل للآمر إن كان في قيمة السلعة فضل عن الثمن لكان وجه القياس والنظر. وقال مطرف وابن الماجشون في الواضحة مثل قول عيسى بن دينار إذا ادعى الوكيل ذلك عند دفع السلعة، وأما إذا

ادعاه بعد دفع السلعة فلا يقبل قوله في نقض البيع ويغرم تمام القيمة للبائع. وقوله: وإن كان مكروها قيل للبائع: إن شئت فافسخ الشرط وأجز البيع، وإن شئت فارتجع سلعتك وذلك ما لم تفت، يريد بالمكروه مثل أن يبيع على أن تتخذ أم ولد أو على ألا يخرج بها من البلد، أو على ألا يبيع ولا يهب وما أشبه ذلك من الشروط التي تقضي التحجير على المشتري فيما اشترى، وهي البيوع التي يسمونها بيوع الثنيا، فهذه البيوع هي التي يكون الحكم فيها على ما ذكره في المشهور في المذهب من أن البيع يفسخ إلا أن يرضى البائع بترك الشرط وتسليم البيع للمبتاع بغير شرط، فإذا أبى البائع إلا ارتجاع سلعته حلف الوكيل أنه اشتراها على هذا الشرط، فإن حلف أخذ البائع سلعته، وإن نكل عن اليمين لم يكن للبائع إلى أخذ السلعة سبيل إلا أن يقيم البينة على ما ذكره من الشرط، وغرم له الوكيل ما زادت القيمة على الثمن، وذلك بين على ما قاله في البيع الحرام. وقوله: فإذا فاتت كان العمل فيها كما وصفت، يريد كان العمل فيها على قياس ما وصفت. والذي يوجبه الحكم فيها على قياس ما وصف أن ينظر، فإن كانت قيمتهما أكثر من الثمن حلف الوكيل وكان على الموكل تمام القيمة، وإن نكل عن اليمين غرم هو للوكيل تمام القيمة للبائع. واختلف بما تفوت هذه البيوع، فقيل: إنها تفوت بما يفوت به البيع الفاسد من حوالة الأسواق فما فوق ذلك، وقيل بالنماء والنقصان. وقد قيل في البيع على شيء من هذه الشروط إنه بيع فاسد يفسخ على كل حال في القيام، وتكون فيه القيمة بالغة ما بلغت في الفوات؛ وقيل: إن البيع لا يفسخ إلا أن يأبى البائع ترك الشرط، فإن فاتت رجع البائع على المبتاع بقدر ما نقص من الثمن بسبب الشرط. وقوله: قيل: أرأيت لو كان هذا الوكيل ادعى اشتراء هذه السلعة لنفسه إلى آخر قوله بين لا إشكال فيه. وفي قوله فيه: فلما لم يجز له

مسألة: يبيع لامرأته متاعا بإذنها ووكالتها ثم يموت فتدعي عدم قبض الثمن

اشتراؤها لنفسه دليل على أنه ليس له أن يفسخ الوكالة عن نفسه، وهو قول ابن القاسم وأصبغ في الثمانية إنه من وكل على شراء سلعة فاشتراها وقال: إنما اشتريتها لنفسي بعد أن فسخت الوكالة عني لم يكن ذلك له وكانت السلعة للآمر إلا أن يعلمه قبل أن يشتريها أنه لا يشتريها له وإنما يشتريها لنفسه. وقد قيل: إن السلعة تكون له وإن لم يتبرأ إليه من وكالته إياه إذا أشهد قبل شرائها أنه يشتريها لنفسه. وقع هذا القول في الثمانية. وروى محمد بن يحيى السبائي عن مالك أن السلعة تكون له إذا زعم أنه اشتراها لنفسه وإن لم يشهد على ذلك قبل الشراء، ويحلف على ذلك إذا اتهم. وبالله التوفيق. [مسألة: يبيع لامرأته متاعا بإذنها ووكالتها ثم يموت فتدعي عدم قبض الثمن] مسألة وقال في رجل يبيع لامرأته متاعا بإذنها ووكالتها يعرف ذلك ثم يموت فتدعي بعد موته أنها لم تقبض منه ثمن ما باع، فقال: لا أرى لها شيئا إلا أن يكون في ورثته من قد بلغ فيحلف أنها ليست باقية. قال محمد بن رشد: قوله لا أرى لها شيئا هو على القول بأن القول قوله مع يمينه لقد دفع إليها إذا ادعت أنه لم يدفع إليها؛ لأن اليمين اللازمة له تسقط بموته. ومعناه عندي إذا لم يكن ذلك بحدثان ما قبض إذ لم يعلم دعواه الدفع فيسقط اليمين بموته. وقوله إلا أن يكون في ورثته من قد بلغ فيحلف أنها ليست باقية، يريد في علمهم، إذ ليس تلزمهم اليمين في ذلك إلا على العلم. وقد مضى تفصيل الخلاف في هذه المسألة في رسم حلف من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [امرأة بكر وكلت رجلا على خصومة حتى قضي له فتصدقت عليه أترجع في صدقتها] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن امرأة بكر وكلت رجلا

على الخصومة لها في منزل لها ولأشراك لها، فخاصم حتى قضي له، فتصدقت البكر عليه بناحية من حظها من المنزل ثم بدا لها في الصدقة وقالت صنعت ما لا يجوز لي وما عرفت الذي تصدقت به، أيجوز لها الرجوع في الصدقة؟ قال نعم، أرى أن صدقتها غير جائزة، وتوكيلها إياه كان غير جائز؛ لأن البكر لا تلي مثل هذا من أمرها، إنما يليه عليها وصي أو من يوكله السلطان بالنظر لها. قلت: أرأيت إذا فسخت صدقاتها إن أراد الوكيل أن يأخذها بأجرته فيما قام لها به وسعى لها من الخصومة عنها، أيكون له أجرة مثله عليها في جميع شخوصه؟ وذلك أنه يقول لم أقدر على الخصومة لك دون أشراكك، وإنما خاصمت بأمرك ولما رجوت من فضلك فلا آخذ لجميع أجرتي غيرك إذا رجعت في صدقاتك. قال: لا أجرة له عليها فيما استخرج من غير حقها، وإنما يقضى له عليها بقدر ما يصير على حظها من أجرته إذا قسم ذلك على جميع الورثة بقدر ما لكل وارث من الميراث، فيعطيه من أجرته على الخصومة عنهم أجمعين بقدر ما أدخل عليها من الرفق دونهم، ولا شيء عليها فيما كان ينوبهم من الأجرة، مثل ما لو كانوا آجروه معها، ولا شيء له عليهم أيضا لأنهم لم يستأجروه. فإن كانوا وكلوه معها فكان قيامه لها ولهم بأمرهم أجمعين فالأجرة له عليها وعليهم تقسم عليهم على قدر مواريثهم من القرية التي استحق لهم. قلت: ولم ألزمتها غرم الأجرة على قدر حظها وأنت لا ترى توكيلها إياه جائزا؟ قال: على وجه الاستحسان لذلك لما أدخل عليها من المرفق، ولو لم يقض له بشيء ما رأيت له عليها شيئا ولا يطلب عناه لأن مثلها لا يجوز توكيلها.

قلت: فلم لا يلزمها أجرته فيما استخرج من حظوظ اشراكها وقد أدخل عليهم من المرفق مثل الذي أدخل عليها؟ قال: لأن توكيلها لا يجوز عليهم، وهم لم يوكلوها فيلزم ذلك في أموالهم، فلا أرى أن يلزمها من الأجرة إلا قدر ما أدخل عليها من المرفق. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنها وكلته على أن يخاصم عنها وعن أشراكها في المنزل الذي بينهم ولم يواجبها في ذلك على جعل معلوم ولا على أجرة، فخاصم بوكالتها إياه على ذلك رجاء ثوابها عليه. فلما خاصم إلى أن قضي له بالمنزل تصدقت عليه بناحية من حظها ثوابا له على خصامه عنها، ثم قامت وأرادت الرجوع في ذلك، فرأى لها الرجوع في الصدقة من أجل أنها مولى عليها، وأوجب له عليها مقدار حظها من أجرة مثله على قدر عنائه وشخوصه استحسانا، إذ كان القياس أن لا يكون له عليها شيء من أجل أنها لا تلي مثل هذا من أمورها، وأن ما ولته من ذلك موقوف على نظر وليها إن كان لها ولي أو نظر السلطان إن لم يكن لها ولي، فإن وأي في ذلك وجه نظر لها أجازه، وإن لم ير لها في ذلك وجه نظر رده. وهذا في العقد الجائز. وأما في هذه المسألة فليس فيها إلا الرد؛ لأنه عقد فاسد. وإذا بطل الجعل عنها وكان له الحظ إذ قد وجب لها. ووجه الاستحسان في ذلك أنها لما خاصم عنها رجاء ثوابها بعد أن وكلته على ذلك أشبه الجعل الصحيح أو الإجارة الصحيحة؛ لأن المنحة على الثواب بيع من البيوع، فوجب أن يكون له ثواب عمله وهو قيمته. ولو جاعلته على استخراج حظها بجعل معلوم على مذهب من يجيز الجعل في الخصام على أنه إن أفلح استحق جعله وإن لم يفلح لم يكن له شيء، فخاصم حتى قضي له فأراد وليها رد ذلك من فعلها لتخرج ذلك على قولين: أحدهما أنه ليس له أن يرده بعد أن قضي له، كما ليس له أن يرده قبل أن يقضى له؛ لأنها فعلت من ذلك ما هو وجه نظر وما لو لم تفعله لفعله الولي. والثاني أن له أن يرده بعد أن قضي له وإن

كان له أن يرده قبل أن يقضى له؛ لأن حظها من المنزل قد استوجبته بالقضاء رد الولي ذلك من فعله أو أمضاه. فإسقاط الجعل عنها بالرد خير لها من إمضائه عليها بالإجارة. وهذا مبني على الاختلاف في السفيه يفعل ما هو وجه نظر فلا ينظر فيه الوصي حتى يكون رده هو وجه النظر هل له أن يرده أم لا؟ وقد مضى الاختلاف في هذا في رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب التخيير والتمليك وفي نوازل أصبغ من كتاب المديان والتفليس. ولو استأجرته على الخصام عنها في ذلك الحظ من المنزل أمدا معلوما بأجر معلوم لكان لوليها أن يرد ذلك من فعلها قبل أن يقضى له به وبعد أن يقضى له؛ لأن من حجته أن يقول قبل القضاء أنا لا أجيز لها الاستئجار على ذلك لأن المجاعلة خير لها، وهذا على القول بإجازة المجاعلة على الخصام؛ وأما على القول بأن المجاعلة على الخصام لا تجوز فليس له أن يرد استئجارها قبل أن يقضى له، وإنما له ذلك بعد أن يقضى له على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك. وقول: إنه لا أجرة له عليها فيما استخرج من حق غيرها صحيح، إذ لم تستأجره على أن يخاصم عنها وعنهم بإجارة معلومة ولا هي مالكة أمر نفسها، وإنما وكلته على المخاصمة عنها وعنهم وهي مالكة أمر نفسها فخاصم رجاء ثوابها على ذلك، وذلك بين من قوله فإنما خاصمت بأمرك ولما رجوت من فضلك. ولو استأجرته على الخصام عنها وعنهم وهي مالكة أمر نفسها استئجارا صحيحا بأجرة معلومة أو جاعلته على ذلك مجاعلة صحيحة لكان من حقه أن يأخذها بجميع أجرته أو جعله، لمجاعلتها إياه على ذلك واستئجارها إياه عليهم، ثم ترجع هي عليهم على الاختلاف الذي نذكره في ذلك آنفا. وقوله: وإنما يقضى عليها بقدر ما يصير على حظها من أجرته إذا قسم ذلك على جميع الورثة بقدر ما لكل وارث من الميراث. وقوله أيضا

مسألة: أبضع مع رجل بمال يشتري له به رأسا فابتاع له بماله

ولو كانوا وكلوه معها لكانت الأجرة له عليها وعليهم على قدر مواريثهم من القرية خلاف المعروف من قوله في المدونة وغيرها في أن أجرة المقسم على عدد الرؤوس لا على قدر الأنصباء؛ لأن العمل والمئونة في القسمة والخصام سواء في قلة النصيب وكثرته، فلا فرق بين المسألتين. والذي ههنا في أن أجرة الخصام على قدر الأنصباء هو مثل قول أصبغ في نوازله من كتاب السداد والأنهار في أن أجرة الخصام على قدر الأنصباء لا على عدد الرؤوس، وهو القياس، وإياه اختار محمد بن عبد الحكم، إذ قد يصير على الحظ اليسير من الأجرة إذا كانت على عدد الرؤوس أكثر من قيمته فيذهب حقه في القسمة وهو بعيد أن يلزم أحد مثل هذا أو يحكم عليه به. وأما قوله: ولا شيء له عليهم أيضا لأنهم لم يستأجروه، فقيل معناه إذا كان ممن يخاصم بنفسه أو له من يخاصم عنه من عبيده حتى لا يحتاج إلى الاستئجار على ذلك على ما قال في سماع أبي زيد من كتاب الجعل والإجارة فيمن أخطأ فحصد زرعا لغيره إن له عليه قيمة عمله إذا لم يكن له عبيد وأجراء يحصدونه له ولم يكن له بد من الاستئجار عليه. وقد قال في سماع أبي زيد المذكور أيضا في الرجل يستأجر الأجراء يحرثون له أرضا فيحرثون أرضا لغيره إلى جنبها إن على صاحب الأرض الذي حرث أجرة حرثها إن زرعها وانتفع بذلك الحرث، فقيل أيضا معناه إذا لم يكن له عبيد يحرثونها له ولم يكن له بد من الاستئجار على حرثها. فعلى هذا تتفق الروايات كلها ولا يخالف بعضها بعضا. ومن الناس من حملها على ظاهرها ولم يفسر بعضها ببعض فقال إن في المسألة ثلاثة أقوال: إيجاب الأجرة على كل حال على ظاهر مسألة الحرث المذكورة، وسقوطها على كل حال على ظاهر مسألة الخصام هذه؛ والفرق بين أن يكون له عبيد فلا يحتاج إلى الاستئجار على ذلك أو لا يكون له عبيد فيحتاج إلى الاستئجار على ظاهر مسألة الحصاد من سماع أبي زيد المذكور. [مسألة: أبضع مع رجل بمال يشتري له به رأسا فابتاع له بماله] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن رجل أبضع مع رجل بمال

يشتري له به رأسا فابتاع له بماله ذلك ثم باعه لصاحبه نقدا أو إلى أجل وفات العبد. قال: إذا تعدى فقد ضمن. فإذا باع بغير أمره وفات العبد فقد لزمته القيمة، فإن كان باع بالنقد فالمبضع بالخيار إن شاء أغرمه القيمة وبرئ من الثمن، وإن شاء قبض الثمن معجلا. فإن أحب المبضع إن كان باع المبضع معه بالدين أن يأخذ الثمن إلى أجل لم يصلح له ذلك إذا كان الذي باع به أكثر من القيمة؛ لأن الدين بالدين يدخله. ألا ترى أن القيمة قد وجبت له فهو يتحول عنها إلى شيء لا يتعجل قبضه لزيادة يزدادها. قال: وإن كان الذي باع به والقيمة سواء فلا بأس أن يتحول على المشتري؛ لأن ذلك مرفق أدخله على المتعدي ولم يزدد به شيئا، وليس ذلك ذمة بذمة، وإن كان الثمن أكثر من القيمة فإنه يباع الذي بيعت به السلعة إن كان باعها بغير الطعام فإنه يباع بالنقد، فإن كان في ذلك قدر قيمة السلعة فأكثر فهو للمبضع لأنه ثمن سلعته، وإن بيع نقدا بأقل من القيمة التي لزمت المتعدي غرم تمام القيمة لتعديه. قال: وإن كان باعها بطعام غرم القيمة معجلة وانتظر بالطعام استيفاؤه، فإذا قبض بيع فإن أخرج أكثر من القيمة التي غرم المتعدي فالزيادة لرب السلعة، وإن لم يخرج إلا القيمة فأدنى فهو للمتعدي لأنه قد غرم القيمة. قلت: أرأيت إن كان باعها بأكثر من القيمة فرضي المتعدي أن تجعل لرب السلعة التي لزمه غرمها ويقبض ذلك لنفسه من مشتري السلعة إلى أجل ويكون ما زاد الثمن على القيمة لرب السلعة عند الأجل للذي يخاف من انكسار الثمن إن بيع بالنقد لأنه يضمن ما نقص من القيمة، أيجبر رب السلعة على ما دعا إليه المتعدي من هذا الوجه؟ فقال: إذا أعطى القيمة التي كانت

تباع به لم يجب صاحب السلعة إلى بيع الدين لأنه لا منفعة له حينئذ في بيعها، وذلك أنه يريد الضرر، وفي تأخيرها منفعة له وللمتعدي. قال محمد بن رشد: قوله في المبضع معه إذا تعدى فباع السلعة التي اشترى للمبضع ببضاعة وفاتت إن القيمة قد وجبت عليه للمبضع، فإن كان باع بالنقد فالمبضع بالخيار إن شاء أغرمه القيمة وبرئ من الثمن وإن شاء قبض الثمن معجلا إنما شرط أن يكون قبض الثمن معجلا إذا كان أكثر من القيمة لأنه يكون قد تحول إلى أكثر مما وجب له دون انتجاز، فدخله فسخ دراهم أو دنانير في أكثر منها. ولو كان الثمن مثل القيمة التي وجبت له على المتعدي أو أقل لكان بالخيار في أن يختار أخذ الثمن وإن لم ينجز قبضه، بل لو كان الثمن إلى أجل وهو مثل القيمة فأدنى لكان له أن يختاره ولم يدخله شيء لأنه لم يتحول من قليل إلى كثير، وإنما تحول في مثل ما وجب له أو في أقل منه على أن يترك الزائد للمتعدي أو يتبعه به، ذلك كله جائز؛ لأنه إن تركه له فقد رضي بأخذ ثمن سلعته وأسقط عنه ما وجب له عليه من القيمة بحكم الفداء، وإن اتبعه به فقد اختال من دينه ببعضه، وذلك جائز لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ومن أتبع على مليء فليتبع» وكذلك لو كان الثمن إلى أجل وهو أقل من القيمة لجاز أن يتحول إليه على أن يتبعه بما نقص من القيمة، فيأخذ ذلك منه معجلا أو مؤخرا أو على أن يترك ذلك كله له. وأما إن كان الثمن مؤجلا وهو أكثر من القيمة التي وجبت له على المتعدي فلا يجوز له أن يختاره؛ لأنه يدخله فسخ دنانير في أكثر منها إلى أجل. وكذلك لو كان الثمن عرضا مؤجلا لما جاز أن يتحول إليه بالقيمة التي وجبت له؛ لأنه يدخله فسخ الدين في الدين. وقد يباع العرض المؤجل بأكثر من القيمة التي وجبت له فيكون قد باع القيمة التي

يعطي الرجل من التجار أو غيرهم أو يبعث إليه بالنفقة يشتري له متاعا

وجبت له بأكثر منها إلى أجل، وذلك مما لا خفاء في تحريمه. وأما قوله إذا كان الثمن إلى أجل فرضي المتعدي أن يعجل القيمة التي لزمته ويترك الثمن ولا يباع حتى يحل ويقبض فيأخذ منه المتعدي القيمة التي عجل ويكون الفضل لصاحب السلعة إن ذلك من حق المتعدي الذي يخاف من انكسار الثمن إن بيع بالنقد لأنه يضمن النقص. ولا يجاب رب السلعة إلى بيع الدين لأن في تأخيره منفعة له وللمتعدي، فإنه خلاف ما مضى في رسم حبل حبلة من سماع عيسى. وقد مضى الكلام على ذلك هنالك وأنها مسألة يتحصل فيها أربعة أقوال: قول ابن القاسم في هذه الرواية أحدها، فلا معنى لإعادتها، والله تعالى هو الموفق بفضله. [يعطي الرجل من التجار أو غيرهم أو يبعث إليه بالنفقة يشتري له متاعا] ومن كتاب الصبرة وسألته عن الرجل يعطي الرجل من التجار أو غيرهم أو يبعث إليه بالنفقة يشتري له متاعا فيدفعه المرسل به إليه إلى بعض غلمانه أو من يلي اشتراء جهاز متاعه ليشتري للمبضع فتلف. فقال: إن كان الذي أرسل بالنفقة قد علم أن هذا الرجل الذي أرسل إليه ماله ممن لا يلي اشتراء مثل هذا المبتاع الذي أمر أن يشتري له ولا يباشره وإنما يشتريه له بعض من يفوض إليه ذلك فلا ضمان عليه إذا دفع إلى من عرف بالاشتراء له والقيام في مثل ذلك من أموره وفي خاصته، وإن كان المرسل لا يعرفه بشيء من هذا فخرج المال من يديه الذي بعث إليه ضمنه، كان ممن يلي اشتراء مثل ذلك أو ممن لا يليه. قال محمد بن رشد: طرد ابن القاسم القياس في هذه المسألة على أصله في أنه ليس للوكيل أن يوكل غيره إلا بإذن الموكل له، فأوجب عليه الضمان إذا دفع المال إلى من وكله فتلف إن كان ممن لا يلي بنفسه اشتراء ما وكل على اشترائه، إلا أن يعلم بذلك الذي وكله. والأظهر ألا يلزمه

يبضع معه بالبضاعة ويخبره أن ذلك المال مما تقاضاه من غرماء المرسل إليه

الضمان إذا كان ممن لا يلي بنفسه اشتراء مثل ذلك المبتاع وإن لم يعلم الذي وكله بذلك من حاله لأنه فرط إذ لم يتحسس عنه حتى يعلم إن كان ممن يلي بنفسه اشتراء ما وكله على اشترائه أم لا، لا سيما في المشهور حاله، فهو يقول لم أقبض المال على أن أتولى الشراء بنفسي، وذلك معلوم من حالي، وليس جهل الذي بعث إلي بالمال بحالي مما يوجب علي الضمان. وهو قول له وجه يمنع من طرد القياس على مقتضاه؛ لأن طرد القياس إذا كان يقتضي يؤدي إلى غلو ومبالغة في الحكم كان العدول عنه في موضع لمعنى يختص به ذلك الموضع أولى. وهذا عندهم من الاستحسان الذي هو أغلب من القياس. فقد روي عن مالك أنه قال: تسعة أعشار العلم الاستحسان. وقد مضى من الكلام على هذه المسألة من نوازل عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. [يبضع معه بالبضاعة ويخبره أن ذلك المال مما تقاضاه من غرماء المرسل إليه] ومن كتاب الصلاة وسئل عن الرجل يبضع معه الرجل بالبضاعة يأمره بدفعها إلى رجل ويخبره أن ذلك المال مما تقاضاه المرسل من غرماء المرسل إليه، فلما قدم به على المرسل إليه بالمال قام غرماء الذي أرسل به وقالوا هذا مال لغريمنا، فقال الرجل إنما أمرني أن أدفعه إلى فلان وأخبرني أنه ماله تقاضاه من غرمائه. فقال: سمعت مالكا يقول في رجل دفع إليه رجل مالا وهو متوجه إلى سفر ثم لحقه في البلد الذي توجه إليه فقال له: أين مالي الذي دفعته إليك؟ فقال: هو ذا وقد كنت أمرتني أن أدفعه إلى فلان وأخبرتني أنه صدقة منك عليه، فقال مالك إن كان الذي زعم أنه صدقة عليه حاضرا حلف مع شاهده الذي المال عنده وأخذ المال، وإن كان غائبا لم تجز شهادته ورد المال إلى الذي دفعه إليه. فأنا أرى الذي سألت عنه من أمر الغرماء والمرسل إليه

بالمال مثل ما قال لمالك: إن كان الذي زعم الرسول أنه أرسل إليه بالمال أو أنه سمع المرسل يقول هو ماله تقاضيته من غرمائه حاضرا حلف مع شهادته وكان أحق به من الغرماء. وإن كان غائبا أسلم إلى الغرماء؛ لأنه يتهم أن تكون شهادته ليقر المال في يده. وإذا علم الناس أن مثل هذا يقبل منهم نسبوه إلى رجل بعيد الغيبة فدفع بذلك القول أهل الحق عن أموال غرمائهم. قال محمد بن رشد: مثل هذا في الشهادات من المدونة في مسألة الصدقة، وزاد فيها: وذلك إذا كان المشهود له غائبا هي الغيبة التي يدفع بها بالمال. وقياسه المسألة التي سئل عنها عليها صحيح لأنها مثلها في المعنى. ولا اختلاف في إجازة شهادته له ما لم يدفع المال. واختلف إن دفع المال، فظاهر ما في كتاب الوديعة من المدونة أن شهادته له جائزة بالصدقة وإن كان قد دفع إليه المال أن يحلف القابض مع شهادته ويستحقه، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه. قال في كتاب ابن المواز: وهذا إذا ثبت دفع الرسول ببينة، يريد أو إقرار بالقبض وهو مليء لا يكون الرسول مطلوبا بشيء. وقال سحنون: إنما يحلف مع شهادته إذا كان المال بيديه، فأما إن دفعه إليه فهو ضامن ولا يكون مقام شاهد لأنه غارم، وهو قول أشهب، وقاله ابن الماجشون وأصبغ، ورواه مطرف عن مالك، وقال فضل: وهو أصح من قول ابن القاسم. وعلى هذا حمل حمدين مسألة كتاب الوديعة من المدونة فقال: معناها أن الآمر والمأمور والمدعي للصدقة حضور ولم يدفع الرسول المال؛ لأنه إذا دفعه إليه فإنما يشهد على إجازة فعل نفسه، وإن كان غائبا اتهم في شهادته لانتفاعه بالمال إلى قدومه. وقد اختلف إذا لم يجد شهادة الرسول لأنه غير معروف العدالة أو لأنه قد دفع على القول بأن شهادته لا تجوز إذا دفع المال فأغرم المال هل له أن يرجع على الذي دفعه إليه أم لا، فاضطرب في ذلك قول أشهب: مرة رأى أنه يرجع على الذي دفعه إليه لأنه يقول له بسببك وصل إلى تغريمي، ومرة لم ير له أن يرجع عليه لأنه يقر له أنه مظلوم، وهو مذهب

وكل وكيلا أن يقتضي من رجل دنانير كانت له عليه فصارفه فيها

ابن القاسم؛ لأنه يقول فيمن استحقت من يده دابة وهو يقر أنها نتجت عند بائعها منه وأن بينة مستحقها زور إنه لا رجوع له عليه لأنه يعلم أنه مظلوم، وبالله تعالى التوفيق. [وكل وكيلا أن يقتضي من رجل دنانير كانت له عليه فصارفه فيها] ومن كتاب أوله: يشتري الدير والمزارع وسألته عن رجل وكل وكيلا أن يقتضي من رجل دنانير كانت له عليه فصارفه فيها أو أخذ منه عرضا لرب المال. قال: إن رضي رب المال فذلك جائز، وإلا فهو مفسوخ. قلت: ولا يضمن الوكيل الدنانير ويجوز الصرف واشتراء العرض بينه وبين الغريم؟ قال: ليس ذلك له عليه؛ لأنه إنما قبض ذلك لصاحبه ولم يشتر منه شيئا لنفسه. قلت: فإن صارفه لنفسه فقال أنا أقضي صاحبي دنانيره أيجوز ذلك؟ فقال: لا؛ لأنه يصير صرفا إلى أجل. قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا صارف في الدنانير لرب المال أو أخذ منه فيها عرضا له إن رب المال بالخيار في ذلك، فإن أجازه جاز وإلا فهو مفسوخ، هو مثل ما مضى في سماع أشهب من هذا الكتاب؛ لأنه لم ير الخيار الذي يوجبه الحكم لصاحب الدنانير يبطل الصرف إذا لم تنعقد المصارفة بينهما عليه، فلم ير ذلك نظرة عليه. وقال ابن أبي حازم فيه فلا بأس به، فلا تشددوا على الناس، هكذا جرى فليس كما تشددون، خلاف ما في سماع أشهب من كتاب الصرف من أنه صرف فيه نظرة فلا يجوز. ولو صارفه في الدنانير على أن رب المال في ذلك بالخيار لما جاز باتفاق. وقد مضى القول على هذا في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم وفي أول رسم من سماع أشهب أيضا. وقوله في الرواية: ولا يضمن الوكيل الدنانير ويجوز الصرف واشتراء العرض بينه وبين الغريم، قال ليس ذلك عليه لأنه إنما قبض ذلك لصاحبه

يوكل رجلين على تقاضي دين فيموت أحدهما

ولم يشتر منه شيئا لنفسه، معناه أنه لا يضمن المصارفة لمن صارفه إذ لم يرض الموكل بالصرف فيضمن الدنانير لصاحبها. ويجوز الصرف واشتراء العرض بينه وبين الغريم، والوكيل ضامن لما أخذ في المصارفة لأنه متعد، فإن ضاع المال ضمنه. قال ذلك ابن دحون وهو صحيح. وفي قوله في الرواية ليس ذلك عليه لأنه إنما قبض ذلك لصاحبه ولم يشتر منه شيئا لنفسه دليل بين على أنه لو صارفه لنفسه أو أخذ منه بالدنانير عرضا لنفسه لضمن الدنانير لصاحبها ولم يكن له أخذ الدراهم ولا العرض، وهو خلاف قوله بعد ذلك إنه إن صارفه لنفسه لم يجز لأنه يصرف صرفا إلى أجل. ولا فرق في القياس بين أن يصارفه في الدنانير لنفسه أو لصاحبها. لأن الحكم يوجب الخيار له في المسألتين جميعا، فينبغي أن يدخل فيهما الاختلاف دخولا واحدا. ويحتمل أن يكون فرق بينهما بأنه إذا صارفه فيها لصاحبها فقد فعل ذلك نظرا له فكان الأظهر في فعله أنه يرضى به، فلم يراع الخيار الذي أوجبه الحكم له؛ وإذا صارف فيها لنفسه فإنما فعل ذلك له لا لصاحبها فكان الأظهر في فعله أنه لا يرضى به فراعى فيه الخيار الذي أوجبه الحكم له وفسخ الصرف به، والله تعالى هو الموفق المعين. [يوكل رجلين على تقاضي دين فيموت أحدهما] ومن كتاب المكاتب قال: وسألته عن الرجل يوكل رجلين على تقاضي دين فيموت أحدهما فيقوم الآخر، أيتقاضى جميع الدين أم يتقاضى نصفه؟ قال: لا أرى ذلك له دون رأي القاضي. قلت: وما ترى للقاضي أن يأمره به؟ فقال: كنت أحب أن يوكل رجلا مرضيا مأمونا يتقاضى معه مكان الميت إن وجد رضى في حاله وأمانته من أهل بلد المستخلف إن خاف القاضي أن يتلف ماله ورأى التوكيل له وجها. وإن كان مكان المستخلف قريبا وديونه مأمونة أمر الباقي من الوكيلين أن يستوثق من الغرماء حتى يأمن على

مسألة: أوصى إلى رجلين فمات أحد الوصيين

الدين التلف ثم يستأنى به حتى يحدث وكالة يجددها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة لا وجه للاجتهاد فيها للغائب سوى ما ذكره، فلا تفتقر إلى تفسير ولا تحتاج إلى شرح وتبيين. [مسألة: أوصى إلى رجلين فمات أحد الوصيين] مسألة وقال سحنون: وكذلك لو أن رجلا أوصى إلى رجلين فمات أحد الوصيين إنه لا يجوز لمن مات منهما أن يوصي بما جعل إليه من تلك الوصية إلى غيره يقوم في ذلك مقامه، وتنفسخ في ذلك وكالته بموته، ولا يجوز للباقي النظر إلا أن ينظر السلطان، إن رأى أن يقره وحده أقره، وإن رأى أن يستخلف معه غيره كان ذلك له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها في نوازل عيسى بن دينار ولا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. [يكون وكيلا لقوم على قبض حقوقهم ثم يموت] ومن كتاب الأقضية قال يحيى: وسألت ابن وهب عن الرجل يكون وكيلا لقوم على قبض حقوقهم أو النظر لهم في رباعهم والقيام لهم فيها ثم يموت الوكيل ويترك ولدا، أيكون ولده على مثل ما كان عليه أبوه من الوكالة حتى ينقضها الذين وكلوا أباه؟ وقلت: هل يكون لولد الوصي أن يقوم مقامه فيما أوصي به إلى أبيه؟ فقال: إن الوكالة والوصية لا يورثان عمن أوصي إليه ووكل، وليس للوكيل أن يوكل ما جعل إليه أحدا غيره حيي أو مات، ولا أن يوصي بها إلى أحد إلا أن يكون فوض إليه، فإن كان مفوضا إليه أن يوكل غيره في " حياته أو أن يوصي بما جعل إليه إن حدث به حادث فذلك جائز

المتفاوضين إذا باع أحدهما سلعة من رجل بدين إلى أجل ثم افترقا

له لما جعل إليه من التفويض. فأما من لم يفوض إليه ذلك من الوكلاء فليس لهم أن يوكلوا أحدا ما حيوا ولا أن يوصوا بذلك إلى أحد عند موتهم، ولا يورث عنهم ذلك. فمن مات عن شيء بيده وكل عليه فأمر ذلك الشيء إلى الإمام العدل يوكل عليه من رضي نظره ووثق بحسن حاله فيما يوليه من ذلك فيليه الغائب حتى يرى فيه رأيه. قال: وأما الوصي فإنما نقول إن له أن يوصي بما أوصي إليه إلى من رضيه واختاره، فيكون أمر وصي الوصي جائزا فيما كان بيد الوصي على مثل ما كان يجوز فيه للوصي، فيكون في ذلك بمنزلته. فإن لم يوص إلى أحد لم تورث تلك الوصية عنه ولم يكن ولده أحق بالقيام فيما كان يلي أبوهم من أحد إلا بأمر السلطان. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب هذا في أن الوصية والوكالة لا يورثان عمن أوصي إليه أو وكل، وأن للوصي أن يوصي بما أوصي إليه في حياته وعند وفاته، وأن الوكيل ليس ذلك له لا في حياته ولا عند وفاته صحيح " لا اختلاف في شيء منه أحفظه في المذهب، إلا في الوصيين المشتركين في النظر، فإنه اختلف هل لأحدهما أن يوصي بما كان إليه من الإيصاء حسبما مضى القول عليه في نوازل عيسى بن دينار، فلا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. [المتفاوضين إذا باع أحدهما سلعة من رجل بدين إلى أجل ثم افترقا] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب قال سحنون: وسألت أشهب عن الشريكين المتفاوضين إذا باع أحدهما سلعة من رجل بدين إلى أجل ثم افترقا قبل حلول أجل الدين فعلم الغريم بافتراقهما فقضي الذي باع منه السلعة. قال: لا شيء عليه للآخر؛ لأن البائع باع على أنه وكيل الشريك، وهو على ذلك حتى يؤمر ألا يتقاضى.

قيل لأشهب: فإن أمره بأن لا يتقاضى إلا نصيبه ولم يعلم الذي عليه الدين بما أمره به؟ فقال: إن كان قضى الذي عليه الدين الذي باع منه بعد ما نهي الذي باع أن يقتضي من الذي عليه الدين فعليه غرم نصيب الشريك الآخر؛ لأن البائع هنا متعد في القبض. قيل لأشهب: فإن قضى الذي لم يبعه وقد علم الذي عليه الدين بافتراقهما أو لم يعلم؟ فقال: هو ضامن لنصيب الذي باعه؛ لأن الذي لم يبع إنما كان وكيلا لصاحبه في أن يقبض نصيبه إذا كانا شريكين، فإذا افترقا فقد سقطت الوكالة، فليس له أن يقتضي، فإذا اقتضى فهو متعد ولا يبرئ الذي عليه الدين. قلت لأشهب: وكذلك الرجل يوكل الرجل على تقاضي دينه وقبضه ثم يفسخ وكالة الوكيل ولا يعلم الذين عليهم الدين، ويعلم الوكيل بفسخ وكالته ثم يقتضي بعد ذلك. قال: إذا علم الوكيل أنه قد فسخ وكالته ثم يقتضي فإن ذلك لا ينجي الذين عليهم الدين من أن يقضوا ما عليهم؛ لأن الوكيل متعد. وهذا إذا قامت البينة على أنه قد فسخت وكالته وعلم ذلك الوكيل. قيل لأشهب: وإن لم يعلم الوكيل أنه قد فسخت وكالته ولم يعلم الذين عليهم الدين أو علموا؟ فقال أما الذين لم يعلموا فلا شيء عليهم وقد أجزأهم ما أعطوا، وأما الذين علموا أن وكالته قد فسخت فعليهم القضاء ثانية. وكذلك الرجل يوكل الرجل يبيع عبده فيذهب ثم يفسخ وكالته قبل أن يبيعه ثم يبيعه الوكيل، إن الوكيل إن علم بفسخ الوكالة فهو بمنزلة من تعدى على عبد رجل فباعه بغير أمره، وإن لم يعلم الوكيل بفسخ وكالته

ولا الذي اشتراه أنها فسخت فالبيع جائز للمشتري وليس له إلى العبد سبيل وإن لم يفت العبد. قال محمد بن رشد: هذه مسألة تشتمل على مسألتين: إحداهما انعزال الشريك عن وكالة شريكه بانفصالهما عن الشركة، والثانية عزل الموكل وكيله عن الوكالة. فأما مسألة انعزال الشريك عن وكالة شريكه بانفصالهما عن الشركة فقول أشهب في هذه الرواية أنه ينعزل بانفصالهما عن الشركة عن الوكالة فيما باعه شريكه، ولا ينعزل عنها فيما باعه هو حتى يؤمر بألا يتقاضى، هو نحو قول أصبغ من رواية رأيه في أول رسم من سماعه بعد هذا أن الوكيل لا يعزل عن الوكالة بموت الموكل فيما باعه هو، وينعزل بموته فيما باعه الموكل، وذلك خلاف مذهب ابن القاسم في المسألتين جميعا؛ لأن من مذهبه أنه ينعزل عن الوكالة بموت الموكل فيما باعه هو وفيما باعه الموكل على ما قال له في السماع المذكور، وينعزل عنها بانفصالهما عن الشركة فيما باعه هو أيضا وفيما باعه الشريك على ما قاله في كتاب الشركة من المدونة، غير أنه لم ير على الغريم ضمانا فيما دفع إلى أحدهما إذا لم يعلم بانفصالهما عن الشركة. فقوله مخالف لقول أشهب في موضعين: أحدهما قوله إن الغريم لا يضمن ما دفع إلى الذي باع منه وإن علم بافتراقهما من الشركة إلا أن يدفع إليه بعد أن أمره شريكه ألا يتقاضى؛ والثاني أنه يضمن ما دفع إلى الذي لم يبع منه علم بافتراقهما أو لم يعلم؛ لأن ابن القاسم لا يرى عليه ضمانا إذا لم يعلم بانفصالهما عن الشركة، دفع إلى الذي باع منه أو إلى الذي لم يبع منه. فقول أشهب في مسألة الشريكين على أصله في أن الوكالة لا تنفسخ بنفس العزل حتى يعلم الوكيل بعزله، فإذا علم بذلك انفسخت الوكالة في حقه وحق من دفع إليه، ولذلك قال إن الغريم إن قضى الذي لم يبعه فهو ضامن لنصيب الذي باعه، إذ قد انفسخت وكالته بمفاصلة شريكه في الشركة. وكذلك إن قضى الذي باعه بعد أن أمره الذي لم يبع منه ألا يتقاضى فهو ضامن لنصيبه.

وقول ابن القاسم في مسألة الشريكين على أن الوكالة تنفسخ بالعزل في حق الوكيل بوصول العلم إليه، وفي حق الغريم الدافع بوصول العلم إليه أيضا، ولذلك قال إن الغريم إذا لم يعلم بانفصالهما من الشركة فلا ضمان عليه في الدفع، دفع إلى الذي بايعه أو إلى الذي لم يبايعه. وأما مسألة عزل الوكيل عن الوكالة فقول أشهب فيها في هذه الرواية وفي المدونة على أصله. في أن الوكالة لا تنفسخ بنفس العزل حتى يعلم الوكيل بذلك، فإذا علم بذلك انفسخت في حقه وحق من دفع إليه من الغرماء، وكان صاحب الحق بالخيار في الرجوع على من شاء منهما. فإن رجع على الوكيل برئ الغريم، وإن رجع على الغريم كان للغريم أن يرجع على الوكيل. وظاهر مذهب ابن القاسم في المدونة أن الوكالة منفسخة بنفس العزل وإن لم يعلم الوكيل بذلك فيضمن من دفع من الغرماء إلى الوكيل بعد عزله وإن لم يعلم واحد منهما بعزله لأنه أخطأ في دفع مال الرجل إلى غير وكيل. فيأتي على هذا في عزل الوكيل عن وكالته ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يكون معزولا بنفس العزل حتى يصل العلم بذلك إلى الوكيل، وهو قول أشهب، والثاني أنه لا يكون معزولا إلا بوصول العلم بعزله فيكون معزولا في حق الوكيل بوصول العلم بعزله إليه أيضا، وهو قول ابن القاسم في مسألة الشريكين أيضا في كتاب الشركة من المدونة على ما ذكرناه؛ والثالث أنه يكون معزولا بنفس العزل وإن لم يصل العلم بذلك إلى الوكيل ولا إلى الغريم الدافع، وهو ظاهر قول ابن القاسم في كتاب الشركة من المدونة حسبما وصفناه. ومن الناس من تأول قول ابن القاسم في كتاب الشركة من المدونة في مسألة عزل الوكيل فصرفه بالتأويل إلى مذهب أشهب فقال: معناه أن الوكيل علم بعزله، ولذلك قال إن الغريم ضامن لما دفع إليه، وهو فيه محتمل والأول هو الظاهر من قوله، وعلى ذلك حمله الأكثر من أهل النظر، إلا أنه بعيد في المعنى. وقد أجمعوا في الرجل يوكل الرجل على بيع

سلعته ثم يبيعها هو ويبيعها الوكيل بعده وهو لا يعلم بيع صاحبها أنها تكون للثاني إذا قبضها. وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الوكالة لا تنفسخ بنفس الفسخ حتى يعلم الوكيل بفسخه إياها أو يعلم بذلك المشتري. وكذلك اختلف أيضا في تأويل قول مالك وابن القاسم في مسألة موت الموكل الواقعة في أول كتاب الوكالة من المدونة، فقيل: إن قولهما فيها مثل قول أشهب تنفسخ الوكالة في حقهما جميعا بمعرفة الوكيل بموت موكله، وقيل إن قولهما فيها مثل قول ابن القاسم في مسألة انفصال الشريكين عن الشركة الواقعة في كتاب الشركة من المدونة تنفسخ الوكالة في حق الوكيل بمعرفته بموت موكله، وفي حق من بايعه أو دفع إليه بمعرفته بموت الموكل أيضا. فالثلاثة الأقوال كلها التي ذكرناها في عزل الوكيل عن الوكالة داخلة في انفصال الشريكين عن الشركة؛ لأن الانفصال عنها يقتضي فسخ الوكالة، وفي مسألة موت الموكل على القول بأن الوكالة تنفسخ بموته؛ إذ قيل إنها لا تنفسخ بموته وهي باقية حتى يفسخها الورثة، وهو قول مطرف وابن الماجشون؛ وقيل إنها تفسخ فيما وليه الموكل من البيع ولا تنفسخ فيما وليه الوكيل وله قبض ثمن ما باعه ما لم يفسخ الورثة وكالته، وهو قول أصبغ في سماعه بعد هذا من هذا الكتاب. ومن الدليل على هذا أن محمد بن المواز قد ساوى بين عزل الوكيل وموت الموكل فقال: أجمع أصحاب مالك أن ما فعله الوكيل بعد علمه بموت الآمر أو عزله إياه أنه ضامن لما قبض، ولا يبرأ من دفع إليه إذا علم بعزله أو بموت الآمر. وإن دفع قبل علمه بموت الآمر أو عزله فمذهب ابن القاسم أنه لا يبرأ من دفع إليه. قال محمد: وهذا لا يصلح، إذ لا يشاء أحد أن يوكل على تقاضي حقه ببلد آخر ثم يشهد بعزله بعد خروجه، أو بدفعه إليه مالا يدفعه إلى رجل صدقة أو غير صدقة ثم يفسخ وكالته ولا علم له، فهذا غير معتدل. وقال ابن القاسم من رأيه إنه إذا ولي الوكيل البيع ثم فسخ الآمر وكالته فقبض الثمن قبل علمه وعلم المشتري، قال لا يبرأ المشتري وأبى ذلك أصحاب ابن القاسم ولم يروه، وخالفه ابن عبد الحكم وقال نحو ما قلنا. وما حكى ابن المواز من الإجماع فيه لا يصلح؛ إذ قد قيل إن الوكالة لا تنفسخ

مسألة: قال له اشتر لي دابة فلان بغلامي هذا

بموت الموكل، وهو قول مطرف وابن الماجشون. ومن الناس من فرق على مذهب ابن القاسم في المدونة وروايته عن مالك بين موت الموكل وعزل الوكيل فقال إن الوكالة تنفسخ بنفس العزل وإذا لم يعلم الوكيل بذلك على مذهب، ولا تنفسخ بموت الموكل إلا أن يعلم الوكيل بذلك، إذ قد قيل إن الوكالة لا تنفسخ بموته وإنها باقية حتى يفسخها الورثة، وهو قول مطرف وابن الماجشون على ما ذكرناه. [مسألة: قال له اشتر لي دابة فلان بغلامي هذا] مسألة وسمعته يقول: إذا قال الرجل للرجل اشتر لي دابة فلان بغلامي هذا أو اشتر لي دابة موصوفة بغلامي هذا، فباع الغلام ثم اشترى به حمارا ثم اشترى بالحمار الدابة التي أمر بها دابة فلان أو الدابة التي وصفت له فإنه متعد والذي أمره بالخيار إن شاء أخذ قيمة غلامه وإن شاء أخذ منه الذي باعه به، وإن شاء أخذ منه قيمة الحمار، وإن شاء أخذ الدابة التي اشترى له دابة فلان أو الدابة التي وصفت. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه متعد لأنه باع غلامه بما باعه من الثمن وهو لم يأمره إلا أن يشتري له به ما أمره بشرائه. فقوله إن الذي أمره بالخيار إن شاء أخذ قيمة غلامه، وإن شاء أخذ ثمنه الذي باعه به، معناه إن كان الغلام قد فات. ولو وجد غلامه عند المشتري لم يكن له إلا أن يأخذ غلامه أو الثمن الذي باعه به، كمن تعدى على غلام رجل فباعه فوجده صاحبه عند المشتري قائما لم يفت. وقوله: وإن شاء أخذ منه قيمة الحمار، وإن شاء أخذ الدابة التي اشترى له، معناه أنه اشترى الحمار لرب

مسألة: يبضع مع الرجل ببضاعة يشتري له جارية فاشتراها ثم وطئها فحملت

البضاعة وكان قد فات. ولو كان اشتراه لرب البضاعة ووجده عند المشتري له بالدابة التي وصفت له أوامره بشرائها بعينها لم يكن له أن يضمنه قيمة الحمار، وإنما له أن يأخذ حماره بعينه أو الدابة التي اشترى له. وهذا إذا علم أنه اشتراه له. وأما لو لم يعلم ذلك إلا بقوله بعد أن اشترى به الحمار لكان بمنزلة إذا فات، فلا يكون له إلى أخذ الحمار سبيل، وإنما له قيمته أو الدابة التي اشترى به لما تعلق بذلك من حق المشتري له. ولو كان اشترى الحمار لنفسه وباعه ثم قدم لم يكن لرب البضاعة في الحمار شيء إلا أن يقدم به فيكون رب البضاعة مخيرا، فإن شاء أخذ الحمار، وإن شاء ضمنه ما دفع إليه. وقد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم ما فيه بيان لهذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: يبضع مع الرجل ببضاعة يشتري له جارية فاشتراها ثم وطئها فحملت] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يبضع مع الرجل ببضاعة يشتري له جارية فاشتراها ثم وطئها فحملت. فقال: إن وطئها على أنه يأخذها ويشتري له غيرها احتج بذلك وكان هو الذي أراد ولم يطأها على وجه الفسق منه بها، فسيدها مخير. إن شاء أخذها ويأخذ قيمة ولدها ويدرأ عنه الحد، وإن أحب أخذ قيمتها يوم وطئها ولا شيء له في ولدها. قلت له: فإن لم تحمل؟ قال: إن أحب أخذها ولا شيء له في النقصان، وإن شاء ضمنه قيمتها. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم القطعان ورسم العتق من سماع عيسى ومضى القول عليها هناك بما لا مزيد عليه، وبينا أن ما في هذه الرواية من قوله وإن أحب أخذ قيمتها يوم وطئها فلا شيء له في ولدها مفسر لقوله في رسم العتق وإن شاء أسلمها إليه بقيمتها، وأن ما زاده في كل واحد من الرسميين على ما في الآخر وعلى ما في هذه

مسألة: يبضع مع الرجل يشتري له سلعة فلا يجدها فيشتري له شيئا آخر

الرواية في حكم الجارية التي أمسكها المبضع معه ووطئها مفسر له، وأن الخلاف فيما بين الرسميين إنما هو في حكم الجارية التي بعث بها المبضع معه إلى المبضع. وقوله في هذه الرواية في الجارية التي أمسكها المبضع معه ووطئها إنها إن لم تحمل فسيدها بالخيار، إن أحب أخذها ولا شيء له في النقصان، وإن شاء ضمنه قيمتها، هو القول بأن الغاصب يضمن قيمة الجارية بالغيبة عليها، خلاف المعلوم من مذهب ابن القاسم. وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في نوازل عيسى بن دينار من كتاب الغصب، وبالله التوفيق. [مسألة: يبضع مع الرجل يشتري له سلعة فلا يجدها فيشتري له شيئا آخر] مسألة قال وسألت ابن القاسم عن الذي يبضع مع الرجل يشتري له سلعة فلا توجد السلعة ويشتري له بها شيئا آخر. قال: هو بمنزلة المتعدي في الوديعة. ولو كان يوجد تلك السلعة فتركها واشترى غيرها كان المبضع بالخيار: إن أحب أخذ المال الذي بعث به، وإن أحب أخذ منه ما اشترى بالدنانير. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، ومضت المسألة أيضا في آخر رسم أوصى من سماع عيسى. وقوله في هذه الرواية إن المبضع معه إذا لم يجد السلعة التي أبضع معه فاشترى غيرها إنه بمنزلة المتعدي في الوديعة، هو مثل قول أصبغ في رسم الكراء والأقضية من سماعه، خلاف ما تأول على ابن القاسم؛ لأن الحكم فيمن تعدى على وديعة رجل فاشترى بها سلعة فإن كان اشتراها لنفسه فليس لرب الوديعة أخذها، وإن كان اشتراها لرب الوديعة فهو بالخيار بين أن يأخذ أو يضمنه وديعته. وأما إذا وجد السلعة التي أمره بها فاشترى

مسألة: يقول له ابتع لي هذه السلعة بعشرة دنانير وهي لي باثني عشر دينارا

غيرها لنفسه فصاحب البضاعة بالخيار بين أن يأخذها أو يتركها أو يضمنه ماله بمنزلة ما لو اشتراها له. [مسألة: يقول له ابتع لي هذه السلعة بعشرة دنانير وهي لي باثني عشر دينارا] مسألة قال سحنون قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول وسئل عن الرجل يقول للرجل ابتع لي هذه السلعة بعشرة دنانير وهي لي باثني عشر دينارا. قال مالك: إن كان استوجبها للآمر والثمن من عنده نقدا فلا بأس به؛ لأن الربح كان جعلا له، وأنا أرى ذلك إذا كان لم ينقد هو الثمن من عنده. فإن نقد الثمن من عنده من غير شرط فهو مثله، وإن نقده بشرط رد إلى أجر مثله في ابتياعه السلعة له بغير سلف، إلا أن تكون أجرته أكثر مما سأله من الربح. كذلك قال ابن القاسم في البيع والسلف إذا وقع والأجرة في السلف مثله. قال: وإن كان قال له اشترها لي إيجابا على الآمر على أن يكون ثمنها إلى أجل باثني عشر ففعل فإنما هو رجل ازداد في سلفه، فإن لم تفت السلعة فسخ البيع، وإن فاتت كانت للآمر لازمة بالعشرة ويلزم مكانه ردها ولا يؤخر عنه إلى أجل ويطرح عنه ما أربى؛ لأنه كان ضامنا لها حين قال اشترها لي وازداد على الأمر فيما أسلفه. وإن كان قال له اشترها لي بخمسة عشر إلى أجل على أن أدفع إليك عشرة نقدا لم يكن في ذلك خير ولزمت الآمر خمسة عشر إلى أجل ولم يتعجل منه العشرة النقد ولم يلزمه ذلك. وإن قال اشتر سلعة كذا وكذا أو سلعة فلان بعشرة دنانير وأنا أشتريها منك باثني عشر دينارا إلى سنة ففعل فاشتراها منه لزمه الثمن إلى الأجل؛ لأن المشتري المأمور كان ضامنا لها لو تلفت في يديه قبل أن يشتريها منه الآمر.

وقد نزلت بمالك وأنا عنده قاعد واستأثره السلطان فيها فأمره أن يلزمه الثمن، ثم أتى بعد ذلك المشتري وكلمه إرادة أن يطرح عنه ما ازداد علية فلم ير ذلك وألزمه الثمن قال أن يلزمه الثمن وأحب إلى التورع له ألا يأخذ منه إلا ما نقد في سلعته، ولست أقضي به عليه إن أبى وأنا أقضي له بالحق كله، وكذلك سمعت مالكا قضى به. ولو أن رجلا سأل رجلا أن يبتاع طعاما أو متاعا بعينه إلا أنه لم يسم له ما اشترى به ولم يسم له ما يربحه فيه، فإني سمعت مالكا أيضا يقول فيها إني أكره أن يعمل به، فأما أن أبلغ به الفسخ فلا، وأمضاه. قال: هو رأي على مثل قول مالك. قال: ولو كان رجلا قال لرجل اشتر لي بعير فلان بخمسة عشر دينارا إلى أجل عليه، أن أدفع إليك عشرة نقدا لم يكن في ذلك خير، ولزمت الآمر خمسة عشر دينارا إلى أجل ولم يتعجل منه العشرة النقد، ولم يلزمه إذا قال اشترها لي وكان استيجابها له ولزمته الخمسة عشر التي إلى الأجل لأن ضمانها كان منه. ولو قال: اشترها بخمسة عشر إلى أجل وأنا أشتريها منك بعشرة نقدا أو كان وجوبها للمشتري الأول ففات ذلك لم أرده ولم يكن عليه أكثر من العشرة، وأحب إلي أن لو أرده الخمسة الباقية، فإن أبى لم أضمنه الخمسة عشر؛ لأن المشتري إنما اشترى لنفسه وضمن، ولو هلكت قبل أن يشتريها منه الآمر لكانت للمأمور، فلذلك أنفذت البيع بينهما بمنزلة ما أنفذه مالك حين اشترى المأمور بعشرة نقدا وباعها من الآمر باثني عشر إلى أجل لأن العقدة الأولى كانت للمأمور، ولو شاء المشتري لم يشتر، فكذلك إذا أمره أن يشتري لنفسه بدين فيشتري منه بنقد لم يكن على صاحب

مسألة: وكل رجلا على طلب غلامه فلان أو على أمته

النقد الآمر إلا ما نقد في وجه القضاء، فهذا تفسير ما سمعت من مالك، ورأيي، وما يستحسن، والله أعلم. قال محمد بن رشد: هذه المسألة من مسائل العينة المحظورة تتفرع إلى ست مسائل: ثلاث في قوله اشتر لي: أحدها أن يقول له اشتر لي سلعة كذا وكذا نقدا بعشرة وأنا أشتريها منك باثني عشر نقدا، والثانية أن يقول له اشتر لي سلعة كذا وكذا بعشرة نقدا وأنا أشتريها منك باثني عشر إلى أجل، والثالثة عكسها وهي أن يقول له اشتر لي سلعة كذا وكذا باثني عشر إلى أجل وأنا أشتريها منك بعشرة نقدا، وثلاث في قوله اشتر لنفسك أو يقول اشتر ولا يقول لي ولا لنفسك وذلك سواء: إحداها أن يقول اشتر سلعة كذا وكذا بعشرة نقدا وأنا أشتريها منك بعشرة نقدا، والثانية أن يقول اشتر سلعة كذا وكذا بعشرة نقدا وأنا أشتريها منك باثني عشر إلى أجل، والثالثة عكسها وهي أن يقول له اشتر سلعة كذا وكذا باثني عشر إلى أجل وأنا أشتريها منك بعشرة نقدا. وقد مضى شرحها وبيان الحكم فيها إذا وقعت مستوفى في رسم حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، فمن أحب الوقوف على ذلك تأملها هناك. ومن العينة جائزة ومكروهة: فالجائزة أن يمر الرجل بالرجل فيقول له هل عندك سلعة كذا تبيعها مني بدين؟ فيقول له: لا، فيذهب عنه على غير موعد، فيبتاع لنفسه تلك السلعة ثم يلقاه فيقول عندي ما سألت فيبيع ذلك منه بدين. والمكروهة التي إذا وقعت مضت على ما وقعت هي أن يقول الرجل للرجل عندك سلعة كذا تبيعها مني بدين؟ فيقول له لا، فيقول له اشترها وأنا أشتريها منك إلى أجل وأربحك فيها. وقد مضى ذلك أيضا في الرسم المذكور من الكتاب المذكور. [مسألة: وكل رجلا على طلب غلامه فلان أو على أمته] مسألة وسئل عن رجل وكل رجلا على طلب غلامه فلان أو على أمته، فإذا لم يشهدوا على الصفة لم تجز الوكالة. قلت:

مسألة: أبضع مع رجل مالا فخرج إليه اللصوص فلما رمقوه ألقى البضاعة

وكذلك لو وكله على طلب دابة؟ قال: نعم، هو كذلك في جميع الأشياء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الشهادة على الصفة في التوكيل على طلب العبد الآبق والجمل الشارد والدابة الضالة والمسروقة أو السلعة المسروقة تنوب مناب الشهادة على العين لتعذر الشهادة على العين حسبما ذكرناه في نوازل عيسى بيانا لقوله فيها إن الوكيل على طلب العبد الآبق والخصومة فيه لا يمكن من إيقاع البينة عليه أنه للذي وكله حتى يشهد له الشهود إنه وكل على طلب هذا العبد بعينه والخصومة فيه. [مسألة: أبضع مع رجل مالا فخرج إليه اللصوص فلما رمقوه ألقى البضاعة] مسألة وسئل سحنون عن رجل أبضع مع رجل مالا فخرج إليه اللصوص فلما رمقوه ألقى البضاعة في شجرة ليحرزها على صاحبها فذهبت. قال: لا ضمان عليه. قيل: فإن دفعها المستودع إلى فارس ينجو بها ويحرزها حين رأى اللصوص هل يكون ضامنا؟ قال: إذا كان هكذا فلا ضمان عليه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن خروج اللصوص إليه في السفر كخراب منزله في الحضر. وقد مضى هذا المعنى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، وبالله سبحانه التوفيق. [المبضوع معه إذا أراد الإقامة فاشترى له ما أمره به ثم سيره مع من يثق به] من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم فقلت له: أرأيت المبضوع معه إذا بدا له في الإقامة سنته تلك فاشترى له ما أمره به ثم سيره مع من يثق به من أهل الأمانة فذهب ذلك الشيء من يديه؟ قال لا ضمان على واحد منهما، ورواه عيسى عن ابن القاسم في كتاب أسلم وله بنون صغار.

يبضع معه البضاعة هل يستسلف منها

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم شك في طوافة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [يبضع معه البضاعة هل يستسلف منها] من سماع عبد الملك بن الحسن وسؤاله القاسم وأشهب قال عبد المالك: سألت ابن وهب عن الرجل يبضع معه البضاعة، هل ترى بأسا أن يستسلف منها؟ قال: إن كان مليا فلا بأس به، وإن كان غير ملي فلا يستسلف منها. محمد بن أحمد: قوله في الملي لا بأس أن يستسلف من البضاعة التي عنده، يريد مع أن يشهد مع ذلك، قاله في سماع أشهب من كتاب الوديعة بعد أن روجع في ذلك لما سئل عنه فقال: ترك ذلك أحب إلي. وأما غير الملي الذي لا وفاء عنده فلا إشكال في أنه لا يجوز أن يستسلف منها. واختلف إن استسلف منها هل يصدق في أنه ردها على أربعة أقوال قد ذكرناها في سماع أشهب من كتاب الوديعة، إلا أن يقول له صاحبها إن احتجت إلى شيء منها فتسلفه فلا يصدق في ردها قولا واحدا. [يكون له الوكيل في البلد يبيع له متاعه فيموت صاحب المتاع قبل قبض الثمن] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الرجل يكون له الوكيل في البلد يبيع له متاعه فيبيع له ثم يأتي موت صاحب المتاع قبل أن يقبض الثمن إنه لا يدفع إليه ذلك الثمن إلا بوكالة تثبت له بعد ذلك من الورثة وإن كان هو البائع؛ لأن المال قد صار مال الورثة. قال ولأن مالكا قد قال فيمن وكل رجلا لاقتضاء دين له وثبتت له الوكالة ثم مات الذي وكل وهو صاحب المال قبل أن يقبض هذا الوكيل الدين إن وكالته تفسخ ولا يمكن من شيء؛ لأن المال قد صار للورثة. قال أصبغ: مسألة مالك صواب، والتي ناظر ليست لها بنظير، والمسألتان مفترقتان: الأول

هو العامل للمشتري وإليه يدفع المشتري وإن دفع إلى غيره لم يبرئه لأنه هو مبايعه ولا يدري المشتري باعه له أو لغيره. وليس عليه كشف ذلك ولا له علة تنجيه، إذا لذهبت أموال الناس وتبطل وتحبس عن أربابها بالعلل، والثانية الميت هو العامل فهي وكالة بالقبض فقط فهو ما لم يتم حتى صار لغيره وانتقض قضاؤه، ووكالته فيه قضاء من قضائه ينقض إذا صار لغيره إن شاء الله. فهما مفترقتان، وليس للمشتري حبس ذلك عن البائع وهو القابض ما لم يوكل غيره يقبضه بعد موت الميت، ثم السلطان الناظر فيه بعد قبضه إياه لأهله يحسن النظر فيه والتوثيق. قال محمد بن رشد: في الواضحة لمطرف وابن الماجشون أن الوكالة لا تنفسخ بموت الموكل، وأنه على وكالته ويجوز قبضه وخصومته ودفعه حتى يعزله الوارث أو يوكل غيره. وقال أصبغ تنفسخ الوكالة بموت الآمر ولا يجوز خصومته ولا القيام بضيعته حتى يوكله الوارث، إلا أن يموت عندما أشرف الوكيل على تمام الخصومة بالحكم له أو عليه بحيث لو أراد الميت فسخ وكالته ويخاصم هو أو يوكل غيره لم يكن له ذلك. وما كان من يمين كانت تجب على الميت حلفها الوارث إن كان فيهم من قد بلغ علم ذلك، وبقول أصبغ قال ابن حبيب، وهو مثل قول ابن القاسم في هذه الرواية. تفرقة أصبغ فيها قول ثالث في المسألة، وهي تفرقة ضعيفة إذا ثبت أن المال للميت أو علم بذلك الوكيل، وهي نحو قول أشهب المتقدم في سماع سحنون في انفصال الشريكين عن الشركة إن وكالة البائع منهما لا تنفسخ بالانفصال عنها. فإن قضى غريم من الغرماء الوكيل بعد موت الموكل على القول بأن الوكالة تنفسخ بموته وهو عالم بموته ضمن باتفاق؛ لأنه متعلم بالدفع إلى من علم أنه غير وكيل. وأما إن لم يعلم بموته ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه يضمن علم الوكيل بموته أو لم يعلم، وهو الذي يأتي على قياس ظاهر قول ابن القاسم في كتاب الشركة من المدونة وفي عزل الوكيل؛ والثاني أنه لا يضمن علم الوكيل بموته أو لم

مسألة: دفع إلى رجل ثوبا يبيعه له بعشرة فقطعه على نفسه

يعلم، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في كتاب الشركة في مسألة انفصال الشريكين عن الشركة؛ والثالث أنه يضمن إن علم الوكيل بموت الموكل ولا يضمن إن لم يعلم بموته، وهو قول أشهب. وقد تأول ذلك على ابن القاسم في مسألة عزل الوكيل في المدونة. وقد مضى تحصيل هذا الخلاف وتوجيهه في سماع سحنون فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إلى رجل ثوبا يبيعه له بعشرة فقطعه على نفسه] مسألة قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عن رجل دفع إلى رجل ثوبا يبيعه له بعشرة فقطعه على نفسه. قال: يغرم قيمته إن كان أكثر من العشرة وإلا فالعشرة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت والقول عليها مستوفى في رسم استأذن من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [مسألة: يدفع إلى الرجل السلعة يبيعها له ولا يسمي له شيئا فيبيعها له بدراهم] مسألة قال أصبغ وسئل أشهب عن الرجل يدفع إلى الرجل السلعة يبيعها له ولا يسمي له شيئا فيبيعها له بدراهم قال: ذلك جائز. قلت: فإن كانت السلعة نقد مثلها والذي تباع به الدنانير؟ قال لا بأس به، أي لا ضمان عليه. قال أصبغ: مثله إذا باع من الدراهم بصرف ما يباع مثله من الدنانير استحسانا لأن الدراهم عين كالدنانير. قال محمد بن رشد: أجاز أشهب بيعه السلعة بالدراهم ولم يشترط ما اشترط أصبغ من أن يكون باعها من الدراهم بصرف ما تباع به من الدنانير، فظاهره خلاف لقوله وأنه إذا باعها بقيمتها من الدراهم أو بأقل من قيمتها بما يتغابن الناس فيه في البيوع لم يكن عليه ضمان وإن كان ذلك أقل من صرف ما يباع به من الدنانير، ولم يجزه أصبغ أيضا وإن باعها من

مسألة: يأمر الرجل يشتري له سلعة فلان بخمسة عشر فيشتريها بستة عشر

الدراهم بصرف ما تباع به من الدنانير إلا استحسانا من أجل أن الدنانير والدراهم عين، والقياس عنده ألا يجوز ذلك إذا كان البلد لا تباع السلع فيه إلا بالدنانير أو كانت السلعة لا يباع مثلها إلا بالدنانير. وقد رأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة معناها إذا كان ببلد تباع فيه السلع بالدراهم، فأما إن كان البلد لا تباع فيه السلع بالدراهم فلا يجوز ذلك على الآمر. وليس قوله عندي بصحيح؛ لأن الكلام وموضع السؤال إنما هو إذا كان البلد لا تباع السلع فيه بالدراهم أو كانت السلع لا تباع مثلها إلا بالدنانير، فأجاز ذلك أشهب لوجهين: أحدهما أن الدنانير والدراهم عين، والعين هو الثمن، فإذا باع سلعته بما تباع به من العين لم يكن عليه ضمان، والثاني أن صرف الدراهم ليس مما يغبن فيه، وقد كان يقول مالك إنه إذا باع الرجل سلعة الرجل بما يشبه الذهب والورق من العرض التي لا يعنى في بيعها نفذ البيع ولم يرد. وقد قال إنه إذا كان الذي باع به مما يعنى في بيعه فعلى المتعدي بيعه، ثم رجع مالك بعد ذلك فقال إنه لا ينفذ بيعه إذا باع بغير الذهب والورق. وقع هذا الاختلاف في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع في بعض الروايات. وأما إذا كانت البلد تباع فيه السلع بالدراهم فلم يتعد المأمور إذا باع بالدراهم. ويتخرج على ما ذكرناه في بيع السلعة بالدراهم في البلد الذي لا تباع فيه إلا بالدنانير ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك لا يلزم رب السلعة ويأخذ سلعته إن لم يرد أن يجيز البيع إلا أن يفوت فيكون له على المتعدي قيمتها من الدنانير؛ والثاني أن البيع يلزمه وينفذ عليه ويكون من حقه على المتعدي أن يصرف له الدراهم بدنانير، والثالث أن البيع يلزمه وينفذ عليه ولا يكون له فيه كلام؛ لأن الدراهم عين كالدنانير، وبالله التوفيق. [مسألة: يأمر الرجل يشتري له سلعة فلان بخمسة عشر فيشتريها بستة عشر] مسألة وسئل أشهب عن الرجل يأمر الرجل يشتري له سلعة فلان بخمسة عشر فيشتريها بستة عشر ويقول أبى البائع أن يبيع بخمسة

وكل وكيلا يقبض ثمن طعام له فلما حل الأجل قبض الوكيل الثمن وأنفقه

عشر فاشتريتها لنفسي بستة عشر وتركتك. قال: القول قوله وهي له. قال أصبغ: أرى أن يحلف ويكون القول قوله، واستحسن أن يكون الأمر عليه بالخيار إن شاء زاده الدينار وأخذها ولم يصدقه أنه اشتراها لنفسه كما لا يصدق إذا اشتراها بالذي أمره، وإن شاء تركها وضمنه ماله. قال محمد بن رشد: قول أصبغ وأرى أن يحلف خلاف ظاهر وقول أشهب، وهي يمين تهمة، فالاختلاف فيها على الاختلاف المعلوم في لحوق يمين التهمة. وأما استحسانه أن يكون الأمر عليه فيها بالخيار، إن شاء زاده الدينار وأخذها فهو بعيد، إذ لا يلزمه أن يشتريها له بأكثر مما أمره به ويزيد عنه من ماله، وإنما له أن يفعل ذلك إن شاء فلا يكون من حق الآمر أن يلزم المأمور فعل معروف لم يطع به ولا أقر أنه فعله. وقد اختلف إن اشتراها بالذي أمره أن يشتريها به دون زيادة فقال اشتريتها لنفسي وفسخت وكالتك عني، فقيل ليس ذلك له وتكون السلعة للآمر إلا أن يعلمه قبل أن يشتريها أنه لا يشتريها له وإنما يشتريها لنفسه، وهو قول ابن القاسم وأصبغ في الثمانية، وقيل إن السلعة تكون له وإن لم يتبرأ إليه من وكالته إياه إذا أشهد قبل الشراء أنه إنما يشتريها لنفسه. وقع هذا القول في الثمانية أيضا. وروى محمد بن يحيى السبائي عن مالك أن السلعة تكون له إذا زعم أنه اشتراها لنفسه وإن لم يشهد على ذلك قبل الشراء، ويحلف على ذلك إن اتهم. وقد ذكرنا هذا الاختلاف في نوازل عيسى، وبالله تعالى التوفيق. [وكل وكيلا يقبض ثمن طعام له فلما حل الأجل قبض الوكيل الثمن وأنفقه] من كتاب البيع والصرف وسمعته يقول فيمن وكل وكيلا يقبض ثمن طعام له باعه إلى أجل فلما حل الأجل قبض الوكيل الثمن أنفقه، فلما اقتضاه إياه الموكل دعاه الوكيل إلى أن يدفع إليه فيما قبض طعاما أو إداما.

وكيل لرجل في ضياعه يكرى ويبيع قدم عليه وكيل آخر بعزله فأراد محاسبته

قال: لا بأس بذلك، قد كان يجوز له أن يشتري من الوكيل أو من غيره بثمن ذلك الطعام طعاما وإداما. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لا إشكال في جوازه؛ لأنه إنما أخذ الطعام من غير الذي باعه منه بالثمن الذي قبضه له من الطعام الذي باعه، فلا يدخل ذلك وجه من وجوه المكروه في بيوع الآجال، وبالله تعالى التوفيق. [وكيل لرجل في ضياعه يكرى ويبيع قدم عليه وكيل آخر بعزله فأراد محاسبته] ومن كتاب الكراء والأقضية أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن وكيل لرجل في ضياعه له المساكن والمزارع والضياع يكرى ويبيع قدم عليه وكيل آخر بعزله فأراد محاسبته وأخذ ما بقي في يديه من ذلك المال. قال: ذلك له، فزعم الوكيل الأول أن ناسا ممن يقبل منه ادعوا فسخ ما تقبلوا منه وأنهم تقبلوا حراما ويريدون خصومته، وقال: لا أدفع ما بيدي من المال الناض حتى يناقدني القوم. قال: ينظر فإن كان إن خاصموا كانت لهم التباعة فيما في يديه فالقول قوله وذلك له، وإن كان إن خاصموه كانت التباعة له قبلهم أو كانوا كفافا لا فضل لهم عنده كان عليه أن يعطي الوكيل القادم ما في يديه من المال إن شاء وإن أبى ويحمله على ما بقي قبل الناس السكان والمزارعين ويجمع بينهم، فإن أقروا له برئ، وإن لم يقروا له كان على الوكيل الأول البينة. فإن أقام البينة عليهم برئ أيضا وإلا ضمن؛ لأنه أتلف مال الرجل وقد أقر به أنه قبل هؤلاء وهؤلاء يجحدون، فهو ضامن لأنه أتلف حين لم يشهد، بمنزله سلعة دفعها إليه يبيعها له فقال بعتها من فلان بكذا وكذا أو جحد فلان.

مسألة: أبضع من رجل بعشرة دنانير يشتري له بها قمحا فاشترى شعيرا

قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة بينة لا إشكال فيها ولا لبس في شيء من معانيها يفتقر إلى بيان وتفسير. [مسألة: أبضع من رجل بعشرة دنانير يشتري له بها قمحا فاشترى شعيرا] مسألة وسألت ابن القاسم وسئل عن رجل أبضع من رجل بعشرة دنانير يشري له بها قمحا فاشترى شعيرا وقدم به وقال اشتريته لنفسي وضمنت الدنانير إن صاحب الدنانير إن شاء أن يأخذ الشعير أخذه لأنه اشتراه بدنانيره. قال أصبغ: هذا خطأ، إنما يكون ذلك لو اشتراه لصاحب الدنانير على النظر له والتعدي منه والقمح موجود حيث أمره بالاشتراء أو غير موجود. فأما إن اشتراه لنفسه والقمح موجود فهو له؛ لأنه إنما تعدى على دنانير غيره ولم يخالف وهو لحد فيستغل ماله عليه لنفسه دونه. قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن القاسم أنه اشترى الشعير لنفسه وهو يجد القمح الذي أبضع معه فيه، ولذلك قال: إن صاحب البضاعة إن شاء أن يأخذ الشعير أخذه. ولو لم يجد القمح فاشترى بالبضاعة الشعير لنفسه لم يكن لصاحب البضاعة أن يأخذه؛ لأنه كالمعتدي على الوديعة. وقد نص على ذلك ابن القاسم في سماع سحنون، فليس قوله في هذه المسألة بخلاف لقول أصبغ إلا بما تأول عليه لا بما ظهر من قوله ولا هو معلوم من مذهبه، بل المنصوص له مثل قول أصبغ فلا يلزمه تخطيئة أصبغ له، وبالله التوفيق. [تحاكم الواضع والمشتري إلى بعض أهل المشرق فألزم الواضع الوضيعة] ومن كتاب محض القضاء قال أصبغ: سمعت أشهب يقول في الذي يبعث إلى الرجل وقول أشهب في الرواية ولو تحاكم الواضع والمشتري إلى بعض أهل المشرق فألزم الواضع الوضيعة في ماله لأنفذت له الوضيعة على البائع كما

بالسلعة ليبيعها فيبيعها ثم يستوضعه المشتري فيضع له إن الوضيعة باطلة، وإن ربها بالخيار: إن شاء أجاز وإن شاء رجع على المشتري بماوضع له ولم يرجع على البائع الواضع بشيء. ويقول: ولو تحاكما الواضع والمشتري إلى بعض أهل المشرق فألزم الواضع الوضيعة في ماله لأنفذت له الوضيعة على البائع كما حكم ولم أرد حكمه ولم أر لربها على المشتري شيئا. ونزلت هذه به في نفسه وهو المشتري فتحاكما فحكم له على ما وصفنا ثم قدم ربها فتورع أشهب فيها بعد حين فصالح ربها بنصف الوضيعة أو أكثر قليلا وقال تخلج في نفسي شيء منها وإن كنت أراها لازمة للبائع الواضع كما حكم لي، وأعطى صاحبها ما صالحه به بحضرتنا وتحلله وأشهدنا عليه. قال محمد بن رشد: قول أشهب في هذه المسألة إن الوضيعة باطلة وإن ربها بالخيار إن شاء أجاز وإن شاء رجع على المشتري بما وضع له ولم يرجع على البائع الواضع بشيء، يريد إلا يجد عند المشتري فاتبعه به، هو مثل قول غير ابن القاسم في مسألة المحاباة في الكراء إن الأخ يرجع على المحابى مال فيرجع على الأخ المحابي، يريد فيغرم ويتبع بما غرم المحابي، فهو قول أشهب بدليل قوله هذا والله أعلم. ومثل قول ابن القاسم في كتاب الشركة خلاف المشهور المعلوم من مذهبه في كتاب الاستحقاق وكتاب الخصب من المدونة وكتاب كراء الدور منها. وفي رسم العرية من سماع عيسى في الغاصب يغصب الشاة يهديها لقوم ويقوم صاحبها وقد أكلها الذين أهديت إليهم أن الغاصب إن كان بها مليا فهي عليه غرم وليس على الذين أهديت إليهم شيء، يريد وإن كان الغاصب معدما يرجع على الذين أهديت إليهم اتبع الذين أهديت إليهم بذلك الغاصب.

يوكل الرجل على حق له ببلد فيذهب إليه يخاصم له فيه الذي هو عليه

حكم ولم أرد حكمه ولم أر لربها على المشتري شيئا صحيح لأنه حكم باجتهاد فيما لا نص فيه. وهذا الذي حكى عن بعض أهل المشرق من الحكم على الواضع بالوضيعة هو المشهور من مذهب ابن القاسم الذي حكيناه. وفي قول أشهب وإن كنت أراها لازمة للبائع الواضع كما حكم لي وإن كان مذهبه خلاف ذلك دليل واضح على اعتقاده لتصويب المجتهدين فيما اختلفوا فيه باجتهادهم. [يوكل الرجل على حق له ببلد فيذهب إليه يخاصم له فيه الذي هو عليه] من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ وقال أصبغ في الرجل يوكل الرجل على حق له ببلد فذهب إليه يخاصم له فيه الذي هو عليه، فخاصمه وثبت عليه الحق، فقال الذي عليه الحق إني قد قضيته الحق وليس له قبلي شيء فاكتب إلى البلد الذي هو فيه ليوقفه السلطان فيحلفه ما اقتضى مني شيئا، فإن حلف أخذ مني وإن نكل سقط الحق عني. قال أصبغ: ليس ذلك له وأرى أن يقضي عليه الحق وترجأ له اليمين يحلفها إياه إذا شاء ويقضي عليه الساعة بغرم ما ثبت عليه. قلت: فإذا قضيت عليه الساعة بالغرم ثم وجد صاحبه بعد ذلك أيحلف له؟ قال نعم. قيل: فإن نكل عن اليمين؟ قال: إن نكل حلف المطلوب الذي غرم ويبرأه من الحق ويعدى عليه بالذي كان قبض منه وكيله. وإن حلف تم حقه وكان قضاء قد مضى. قيل له: فإن مات الذي كان له الحق قبل أن يحلفه المطلوب الذي غرم وقد كان له أن يحلفه ففاته بالموت؟ قال: يحلف ورثته على علمهم أنهم ما علموه قضاه. قال محمد بن رشد: قوله فخاصمه وثبت عليه الحق يدل على أنه كان منكرا حتى ثبت عليه. وإيجاب اليمين على الطالب له في دعوى

القضاء بعد إنكار الدين أصل قد اختلف فيه قول مالك، من ذلك مسألة رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك في الذي يقول لامرأته أمرك بيدك فتقول قد طلقت نفسي ثلاثا فيقول لم أرد الطلاق ثم يقول بعد ذلك أردت واحدة إنه يحلف على نيته ويلزمه تطلقة واحدة. وأنكر ذلك هناك أصبغ فقال: هذا عندنا وهم من السماع، ولا تقبل منه نيته بعد أن قال لم أرد شيئا، والقضاء ما قضت المرأة من البتات. فإيجابه اليمين على الطالب في هذه المسألة بقوله ويرجأ له اليمين يحلفها إياه إن شاء اختلاف من قوله في هذا الأصل، وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك. من ذلك الذي يدعي عليه الوديعة فيجحدها فتقوم عليه البينة بها فيدعي ضياعها أو ردها. والقولان قائمان من المدونة من كتاب اللعان وكتاب العتق الأول. وقوله إنه يقضي عليه بالحق وترجأ له اليمين يحلفها إياه معناه في البعيد الغيبة على ما قاله محمد بن عبد الحكم، فإنه فرق في ذلك بين قريب الغيبة وبعيدها. ولا اختلاف عندي في القريب الغيبة. وأما البعيد الغيبة فيتحصل فيها أربعة أقوال حسبما مضى القول فيه في رسم حمل صبيا من سماع عيسى قبل هذا، ومضى بيان ذلك أيضا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الأقضية، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك. وقوله: وإن نكل الطالب حلف المطلوب الذي غرم وبرئ من الحق ويعدى عليه بالذي كان قبض وكيله إن كان قد دفعه إليه، وأما إن كان لم يدفعه إليه فقال في رسم حمل صبيا من سماع عيسى: ولا يرجع على الوكيل بشيء مليا كان أو معدما. ومعناه لا يلزمه أن يرجع عليه ويترك الرجوع على صاحب الحق، بل له أن يرجع عليه إن أحب، فإن رجع على صاحب الحق رجع صاحب الحق على الوكيل. أما قوله إذا مات الطالب قبل أن يحلف فإن له أن يحلف ورثته على علمهم أنهم ما علموه قضاه، قيل وإن لم يدع المطلوب عليهم العلم، وهو ظاهر قول أصبغ في هذه الرواية وقول مالك في رسم الطلاق من سماع

مسألة: أبضع مع رجل دنانير فضاعت بعد بلوغه

أشهب من كتاب الطلاق؛ وقيل بل إذا ادعى عليهم العلم على ما في كتاب النكاح الثاني وكتاب بيع الغرر من المدونة. وإنما يجب عليهم اليمين إذا كانوا ممن يظن بهم العلم على ما قال في كتاب العيوب والأقضية من المدونة، فإن نكلوا عن اليمين حلف المطلوب على ما يدعي معرفته من أنه قد دفعه لا على أن الورثة يعلمون أنه قد دفع، فهذه اليمين ترجع على غير الصفة التي نكل عنها الورثة. ولها نظائر كثيرة، فيختلف في لحوق هذه اليمين إذا لم يدع المطلوب عليهم العلم لأنها يمين تهمة، ولا يختلف في رجوعها على المطلوب لعلمه بما يحلف عليه كما يختلف في رجوع يمين التهمة، وبالله التوفيق. [مسألة: أبضع مع رجل دنانير فضاعت بعد بلوغه] مسألة وسئل أصبغ عن رجل أبضع مع رجل دنانير فضاعت بعد بلوغه، فقال المبضع إنما أرسلتها معك تدفعها إلى فلان فلم تدفعها إليه، وفلان ذلك معروف هناك قائم، وقال المبضع معه إنما أرسلتها معي أشتري لك بها ثوبا فضاعت قبل أن أشتري بها أو اشتريت بها فعطب أو غرق. قال أصبغ: أرى القول قول رب الدنانير مع يمينه، وأرى الرسول ضامنا إن لم تكن له بينة، وأرى البينة عليه، وأراه هو المدعي لأنه قد أقر بوصول الدنانير وقبضها منه ودفعه إليه إياها وأنها له، وادعى ما أتلفها عليه، فهو المدعي، والسنة أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. فأرى المدعى عليه صاحب الدنانير لأنه قد ثبتها قبل الدعوة بالإقرار بها. وهذا رأيي فيما فسرت، وقياس على قول كان يقوله ابن القاسم فيمن دفع إلى رجل دنانير يشتري له بها طعاما فاشترى له شعيرا وقال بهذا أمرتني وقال الآخر بالقمح أمرتك. وكنت أعرفه دهره يقول القول قول رب الدنانير لأن هذا قد أقر له بها

مسألة: يبضع مع الرجل بالبضاعة من العروض ليبلغها إلى موضع أمره به

وادعى عليه فيه ما ينقضه وما يضره، وادعى حين تعدى ما لم يأمره فهو المدعي، ثم رجع عنه بعد حين وقال بقول أشهب إن القول قول المأمور ولا يكون القول قول الآمر. ولا يعجبني أنا ذلك، وقوله الأول به أقول: القول قول الآمر وعليه أقيس. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم باع شاة من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [مسألة: يبضع مع الرجل بالبضاعة من العروض ليبلغها إلى موضع أمره به] مسألة وسئل عن الرجل يبضع مع الرجل بالبضاعة من العروض ليبلغها إلى موضع أمره به، فيقدم على الموضع فيسأل عن البضاعة فيزعم أنه تركها بموضع سماه في بعض الطريق مع متاع له أيضا، ويزعم أنه خاف عليها وعلى متاعه فتركها وترك بعض متاعه أو متاعه كله وتخلص ببدنه، وذلك بقوله لا يعرف مما قال منه شي، هل ترى عليه يمينا فيما صنع وتراه مصدقا في قوله؟ وأرأيت إن أمره المبضع أن يبيع البضاعة في بعض الطريق بموضع سماه له ويبلغ بالثمن إلى أهله، فلما أتى الموضع لم يعط بها ثمنا يرضيه فجعلها في الموضع نفسه عند رجل أمره ببيعها ومضى إلى بلده، وهذا كله بقوله، أتراه ضامنا في تركه البيع وتركه البضاعة ولم يؤمر بذلك فضاعت؟ وكيف لو لم يتركها ومضى إلى بلده، وهذا كله بقوله، أتراه ضامنا في تركه البيع وتركه البضاعة ولم يؤمر بذلك فضاعت؟ وكيف لو لم يتركها ومضى إلى بلده حيث أمره بدفع المال فأصيب في الطريق فذهبت منه، أتراه ضامنا أم لا ترى عليه شيئا إذا زعم، أنه إنما أراد النظر لصاحب البضاعة والتوفير عليه إذ لم يجد ثمنا يرضاه؟ وكيف إن

أمره بثمن معلوم فلم يجد لها ذلك الثمن فخرج بها إلى بلده كما أعلمتك؟ وما الذي ترى له أن يصنع إن أتى الموضع الذي أمره بالبيع فيه فلم يجد فيه ثمنا يرضاه أو لم يجد الثمن الذي أمره به إن أمره بثمن؟ وكيف إن أشهد على جميع ما ذكرت لك وكان ما قال معروفا؟ قال أصبغ: أما الأمر الأول في تخليفه إياها ببعض الطريق كما ذكر من عجز أو خوف فلا أرى عليه شيئا، وأرى القول قوله إذا حلف على ذلك وخلفها عند مستودع اختيارا منه وحرزا عنده واجتهادا مع شيته أو غير شيته، كل ذلك سواء، وأراه بريئا على هذا هنا إن شاء الله، وخيرها لصاحبها وشرها عليه. وأما الذي أمره ببيعها فلم يبعها فأرى إن كان سأله ثمنا فلم يجده فلا شيء عليه، وهو مثل الأول إذا عجز وخلفها عن عجز أو عن أمر من صاحبها ألا يتجاوز بها؛ وإن كان لم يسم له ثمنا وقد أمره بالبيع ولا يجاوزه فترك ذلك وجاوزه بالسلعة إلى موضع آخر فأراه ضامنا وإن كان ذلك منه نظرا فيما يقول فلا يصدق. وإن كان لما ترك البيع أقرها بمكانها نظرا ليعاود البيع به ولم يجاوزها لما يرجوه فيما بعد ذلك، فقد لا يبيع الرجل عند أول سوم ويرجو غيره ويترك البيع به ثم لا يجد بعد ذلك بيعا فلا ضمان على هذا إذا كان على هذا هكذا وإنما خلفها لهذا وشبهه. وإن كان إنما أمره بالبيع به ولم يأمره بالتخلف وأهمل له المضي به إن لم يستبع له هناك فخلفها من غير عجز عنها ولا خوف لوجه بين لا يقدر معه على المضي بها وعذر بين فأراه ضامنا أيضا؟ قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة تشتمل على ثلاث مسائل: أحدها أن يبضع معه البضاعة من العروض ليبلغها إلى موضع سماه فيقدم الموضع دونها ويزعم أنه خاف عليها فتركها في الطريق مع متاعه أو بعض

متاعه فخلص ببدنه، ولا يعلم ذلك إلا بقوله، فهذه المسألة جوابه فيها أنه مصدق مع يمينه أنه خلفها ببعض الطريق كما ذكر من عجزه أو خوف عند مستودع اختيارا منه وحرزا عنده واجتهادا مع شية أو غير شية ولا شيء عليه. فأما تصديقه أنه خاف عليها فاستودعها في الطريق نظرا لصاحبها فصواب لا اعتراض فيه، واليمين في ذلك إذا لم يكذبه صاحبه يمين تهمة يجري الأمر فيها على الاختلاف المعلوم في لحوقها من غير تحقيق الدعوى. وأما تصديقه أنه تركها في الطريق لعجزه عن حملها أو إسقاطه عنه الضمان بذلك فهو مثل قول ابن القاسم في رسم شك في طوافة من سماع ابن القاسم في الذي يبضع معه البضاعة إلى بلد آخر فلا يجد لها محملا معه فيعطيها لبعض من يثق به معه أنه لا ضمان عليه، وفيه نظر لأنه شبهه بالحاضر يستودع الوديعة فيستودعها غيره من خراب منزل أو عورة بيت أو ليس عنده من يحفظ منزله أنه لا ضمان عليه، وهي لمسألة المسافر أشبه؛ لأنه إذا دفعها إليه في السفر إنما دفعها إليه لتكون عنده ولا يستودعها غيره. فالذي يأتي فيها على مذهب مالك قياسا على قوله في المدونة في المسافر إنه ضامن للبضاعة إذا دفعها إلى غيره ليحملها وإن لم يجد هو لها محملا. ولهذا الذي ذكرناه لم ير سحنون قول ابن القاسم حسنا على ما قاله في الرسم المذكور. وكذلك يأتي على مذهبه في هذه المسألة أنه إن كان أخذها ليحملها فعجز عن حملها واستودعها في الطريق فتلفت له أنه ضامن لها. وأما المسألة الثانية وهي أن يأمره أن يبيع البضاعة بالطريق بثمن سماه ويبلغ بالثمن إلى أهله فلم يجد الثمن الذي سماه له في ذلك الموضع، فجوابه فيها أنه لا شيء عليه إذا تركها في ذلك الموضع عن عجز أو عن أمر من صاحبها ألا يجاوز بها ذلك المكان، يريد بعد يمينه أنه لم يجد بها في ذلك الموضع ذلك الثمن الذي سماه له، فإن لم يأمره صاحبها ألا يجاوز بها ذلك المكان فتركها فيه وهو غير عاجز عن حملها فتلفت ضمنها، فسواء قال له إن لم تستبع فاحملها أو سكت عن ذلك هو ضامن لها إن تركها في ذلك الموضع وهو قادر على حملها، إلا أن يخاف عليها

مسألة: يوكله على مخاصمة ويشهد أنه جعله فيما أقر به عليه لخصمه كنفسه

في حملها. وإنما ذلك من أجل أنه أمره إن باعها أن يحمل الثمن، فدل ذلك من أمره على أنه أراد إن لم يبعها أن يحملها. ولو أمره أن يبيعها في الطريق ويدفع الثمن هناك إلى من سماه له لوجب أن يكون ضامنا لها إن لم تستبع فحملها مع نفسه إلا ألا يجد من يودعها عنده في ذلك الموضع فيكون ذلك عذرا يسقط عنه الضمان في حملها. وأما المسألة الثالثة وهي أن يأمره أن يبيع البضاعة بالطريق ويحمل الثمن مع نفسه إلى أهله ولا يسمى ما يبيعها به، فهذا جوابه فيها أنه لا شيء عليه في تركه إياها في ذلك الموضع ليعاود بها البيع إذ قد لا يبيع الرجل في أول سوم لما يرجوه من الزيادة وإن كان قد لا يجد فيها ذلك الثمن الذي تركه، وإن كان قال له إن لم تستبع فاحملها مع نفسك أو سكت عن ذلك. وأما إن قال له لا تحملها إن لم تستبع واتركها هناك فحملها فتلفت فهو ضامن لها. ولم يجب على ما سأله عنه إذا لم يجد بها ما يرضاه من الثمن فتركها عند رجل أمره ببيعها ومضى إلى بلده. والجواب في ذلك أنه ضامن لها إن تلفت؛ لأن الوكيل على البيع ليس له أن يوكل غيره عليه. وقد مضى الكلام على هذا في رسم الصرف من سماع يحيى. وقد مضى الكلام إذا لم يستبع فتركها في ذلك الموضع مودعة وأن الحكم في ذلك أن يكون ضامنا لها إن تلفت إلا أن يكون أمره ألا يحملها ولا يتجاوز بها ذلك الموضع أو خاف عليها في حملها. فهذا تفسير قول أصبغ في هذه المسألة، وهو كله صحيح على أصولهم لا اعتراض فيه، إلا فيما ذكرناه في المسألة الأولى. [مسألة: يوكله على مخاصمة ويشهد أنه جعله فيما أقر به عليه لخصمه كنفسه] مسألة قيل لأصبغ: أرأيت الرجل يوكل وكيلا على مخاصمة ويشهد أنه جعله فيما أقر به عليه لخصمه كنفسه، فيقر الوكيل بأشياء. قال أصبغ: إن وكله على خصومة ولم يفسر شيئا فهو وكيل على المرافعة وحدها، وليس له صلح ولا إقرار، وهو وجه

الوكالة أبدأ إذا أبهمت حتى يستثني فيها، فإذا استثنى فيها وكان الاستثناء أن جعل له الصلح أو الإقرار وجعل بمثابة نفسه في الصلح، أو الإقرار إفصاحا كان كذلك، وإلا لم تعد الخصومة إلى الصلح ولا إلى الإقرار لم يجز ذلك عليه ولا يلزمه ذلك إن فعل، كتب في ذلك أنه بمثابته أو لم يكتب، فيحمل مثابته ومحمل نفسه إن جعله في مثابته محمل الخصومة وحدها لا يعدوه ذلك كذلك يكون القضاء وكذلك يعمل عليه الحاكم ويقبل الوكالة ولا يردها ثم ينظر في أمورهم لصاحب الوكالة وعليه كما يكون لخصمه وعليه من جميع وجوه الخصومات والدفاع والثبت والاستحقاق والحكومات والفصل ما عدا الإقرار والمصالحة فلا تلحق الموكل. قال محمد بن رشد: قوله إنه إن وكله على الخصومة ولم يفسر شيئا فهو وكيل على المدافعة وحدها وليس له صلح ولا إقرار وهو وجه الوكالة إذا أبهمت، يريد إذا أبهمت في الخصومة فلم ينص فيها على ما سواها من صلح ولا إقرار. وقوله حتى يستثني فيها، يريد حتى يتبين فيها أنه جعل إليه مع الخصومة ما سوى المرافعة من الصلح أو الإقرار أو غير ذلك، فعبر عن التسمية بالاستثناء على سبيل التجوز في الكلام. وكذلك قوله في آخر المسألة ما عدا الإقرار والمصالحة فلا يلحق الموكل، معناه ولا يلحق الموكل الإقرار المصالحة فعبر عن ذلك بلفظ الاستثناء تجوزا. وقوله إن الحاكم يقبل الوكالة ولا يردها وإن لم يجعل إليه فيها إلا المرافعة فهو خلاف ما ذهب إليه ابن العطار في وثائقه من أن الوكالة لا تقبل منه على الخصام حتى يجعل إليه فيها مع الإنكار والإقرار. ونزلت فقضى فيها لا يقبل منه الوكالة على ذلك إلا أن يحضر مع وكيله ليقر بما وقعه عليه حكمه أو يكون في وقت الحكم قريبا من مجلس القاضي. وقد

مضى في نوازل عيسى ورسم أسلم من سماعه ما فيه بيان لهذه المسألة، وبالله تعالى التوفيق، لا إله إلا هو ولا معبود سواه. تم الجزء الثاني من البضائع والوكالات والحمد لله، وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم.

كتاب العيوب الأول

[كتاب العيوب الأول] [اشترى جارية فأقامت عنده سنين ثم قالت قد ولدت مع سيدي الذي باعني منك] كتاب العيوب الأول

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على محمد، عونك يا الله من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال فيمن اشترى جارية فأقامت عنده سنين ثم قالت قد ولدت مع سيدي الذي باعني منك، فقال لا يحرمها ذلك على سيدها، وذلك عيب ترد منه إن باعها وكتمه. قال سحنون: قال ابن القاسم: يريد إذا باعها للمشتري الذي زعمت له ذلك، فإنه إذا لم يبين ذلك لمشتريها منه أنها قد ذكرت له أنها قد ولدت مع سيدها الأول كان عيبا ترد منه؛ لأن أهل الورع لا يقدمون على مثل هذا. قال محمد بن رشد: قوله إن الجارية لا تحرم على سيدها بقولها

مسألة: يبيع العبد ويقول عهدتك وتباعتك على

له بعد سنين قد ولدت من سيدي الذي باعني صحيح لأنها تدعي الحرية أو عقد عتق إن كان سيدها الذي باعها حيا، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» وتتهم أيضا على إرادة الرجوع إليه وأن ذكرت ذلك بحدثان شرائه إياها، فكيف إذا لم تذكره إلا بعد سنين، إلا أن يرع هو في خاصة نفسه إذا لم تظهر له تهمتها فيما قالته فهو حسن، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه» الحديث، وأخبر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن رضاع امرأة فتبسم وقال: «كيف وقد قيل» ، وذلك بين من قوله إنه عيب إن باعها ولم يبين من أجل أن أهل الورع لا يقدمون على مثل هذا. ولو أخبره قبل أن يشتريها مخبر صدق أنها حرة من أصلها وأن سيدها أعتقها أو أنها ولدت منه لما حل له أن يشتريها من جهة قبول خبر الواحد لا من طريق الشهادة. ولو قالت ذلك في عهدة الثلاث أو في الاستبراء لكان له ردها به على قياس قوله إن ذلك عيب يجب عليه أن يبين به إذا باعها؛ لأن ما حدث من العيوب في العهدة والاستبراء فضمانه من البائع، وبذلك أفتى ابن لبابة وابن مزين وعبد الله بن يحيى وغيرهم من نظرائهم، وقع ذلك في أحكام ابن زياد، خلاف ما روي عن مالك من رواية المدنيين عنه بأن ذلك ليس بعيب ترد منه إذ لا يقبل ذلك منها. وقد روى داود بن جعفر عن مالك نحوه، قال إذا سرق العبد في عهدة الثلاث رد بذلك، وإن أقر على نفسه بالسرقة لم يرد لأنه يتهم على إرادة الرجوع إلى سيده. ومعنى ذلك عندي إذا كانت سرقته التي أقر بها لا يجب عليه القطع فيها، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: يبيع العبد ويقول عهدتك وتباعتك على] مسألة وقال في الذي يبيع العبد ويقول عهدتك وتباعتك على

مسألة: اشترى عبدا فأبق عنده فزعم العبد أنه أبق عند سيده الأول

الذي اشتريته منه، ولعله ليس من أهل البلد ولا المعروف وهو حاضر يشير إليه أو غائب وهو معروف. قال مالك: إن كان معروفا وهو غائب أو حاضر فهو سواء، وشرطه باطل إلا أن يكون عند مواجبة البيع، وهو أحب ما فيه إلي. وقال مالك: كل من اشترط عهدة لم تكن عند الصفقة فهو باطل وتباعته على بائعه. قال محمد بن رشد: قوله: وهو أحب ما فيه إلي دليل على الاختلاف، وفي ذلك ثلاثة أقوال: قيل إن الشرط عامل، وقيل إنه غير عامل، وقيل إنه عامل بالقرب دون البعد. وإذا لم يكن عاملا فقيل إن البيع به فاسد، وقيل يبطل الشرط ويصح البيع، وهو قوله في هذه الرواية، وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم سلم دينارا في ثوب إلى أجل من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال، وسيأتي أيضا في هذا الرسم من سماع عيسى من هذا الكتاب. [مسألة: اشترى عبدا فأبق عنده فزعم العبد أنه أبق عند سيده الأول] مسألة قال مالك فيمن اشترى عبدا فأبق عنده فزعم العبد أنه أبق عند سيده الأول، قال: إن كان بائعه أخبره أنه لغيره فلا يمين عليه، وإن لم يكن أخبره فلا بد من اليمين. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم في هذه المسألة إيجاب اليمين على البائع وإن لم يعلم أنه أبق عند المشتري إلا بقوله، مثل ظاهر روايته هذه عن مالك في قوله: وإن لم يكن أخبره فلا بد من اليمين، إذ لم يفرق فيما بين أن يثبت إباقه عند المشتري أو لا يثبت ذلك عنده، خلاف ما في المدونة، ومذهب أشهب أنه لا يمين عليه في ذلك، مثل

مسألة: اشترى عبدا فوجد به عيبا يرد منه

روايته عن مالك في رسم الأقضية الثاني من سماعه بعد هذا، ومثل ما في المدونة، حكى ذلك ابن المواز عنها وقال هو من رأيه قولا ثالثا إنه لا يمين عليه إلا أن يظهر العيب عند المشتري، فالذي في المدونة إنما هو لأشهب لا لابن القاسم. وكذلك القول في السرقة والزنا والعيوب التي تكون في الأخلاق، وأما [العيوب] التي تكون في الأبدان ويمكن أن تكون حادثة عند المشتري فلا اختلاف في وجوب اليمين فيها على البائع، وإنما يختلف في صفه اليمين، فقيل إنه يحلف علي البت في الظاهر والخفي، وهو قول ابن نافع ورواية يحيى عن ابن القاسم بعد هذا في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر، وقيل إنه يحلف على العلم في الظاهر والخفي، وهو قول أشهب، وقيل إنه يحلف على البت في الظاهر وعلى العلم في الخفي، وهو مذهب ابن القاسم. وأختلف قوله إن نكل عن اليمين فقال في المدونة إنها ترجع علي المبتاع على نحو ما كانت على البائع، وإلى هذا ذهب ابن حبيب وقال في رسم الفصاحة من سماع عيسى إنه يحلف على العلم في الوجهين جميعا. وقد كان بعض الشيوخ يقول ليست هذه الرواية بخلاف لما في المدونة؛ لأنه إنما أوجب فيها اليمين على البائع من أجل قول العبد إنه أبق عند سيده، فهي شبهة وجبت بها اليمين عليه، وذلك غلط ظاهر، لا تأثير لقول العبد في ذلك؛ لأنه يتهم على إرادة الرجوع إلى سيده. [وبالله التوفيق] . [مسألة: اشترى عبدا فوجد به عيبا يرد منه] مسألة قال مالك فيمن اشترى عبدا فوجد به عيبا يرد منه فرأى

صاحبه فأخبره بذلك وأشهد عليه أنه غير راض به وأنه بريء به، فأقبل ليأخذ عبده فوجده قد هلك بعد قول المشتري أو أبى البائع أن يقبضه فذهب المشتري يستأدي عليه فهلك العبد، قال: العبد من المشتري حتى يرده إلى البائع بقضاء السلطان أو بأمر يعرفه صاحب العبد فيقبض عبده. قال ابن القاسم: قال لي مالك إذا قضى به السلطان فهو من البائع وإن لم يقبضه من المشتري. قال محمد بن رشد: قول مالك في آخر المسألة إن السلطان إذا قضى برده فهو من البائع وإن لم يقبضه من المشتري مبين لقوله قبل ذلك حتى يرثه إلى البائع بقضاء من السلطان. وقد اختلف بماذا تدخل السلعة المردودة بالعيب في ضمان البائع علي أربعة أقوال: أحدها أنها تدخل في ضمانه بإشهاد المبتاع على العيب وأنه غير راض به وإن لم يرض البائع بقبض عبده ولا حكم عليه به حاكم، وهو قول أصبغ؛ والثاني أنها لا تدخل في ضمانه حتى يرضى بقبض عبده أو يثبت العيب عند السلطان وإن لم يحكم بعد برده، وهو الذي يأتي على قول مالك في موطأه وعلى قول غير ابن القاسم في الشهادات من المدونة؛ والثالث أنه لا يدخل في ضمانه وإن رضي بقبضه حتى يمضي من المدة ما يمكنه فيه قبضه، وإن ثبت العيب عند السلطان فحتى يقضي برده ويمضي من المدة أيضا ما يمكنه فيه قبضه، وهو معنى قول مالك في هذه الرواية، فإذا قضى برده ومضى من المدة ما يمكنه فيه قبضه دخل في ضمان البائع بالحكم وإن لم يقبضه من المشتري، ولا خلاف في هذا؛ لأن حكم الحاكم لا يفتقر إلى قبض وحيازة، وإنما يختلف إذا رضي البائع بأخذ عبده دون حكم هل يدخل في ضمانه بنفس الرضي دون القبض؟ أو لا يدخل في ضمانه بنفس الرضي حتى يقبضه [أو يمضي من المدة ما يمكنه فيه قبضه؟ أو لا يدخل في ضمانه حتى يقبضه وإن مضى من المدة ما يمكنه فيه قبضه؟ فقيل إنه يدخل في ضمانه بنفس الرضى دون القبض، وقيل إنه لا يدخل في ضمانه بنفس

الرضى حتى يقبضه أو يمضي من المدة ما يمكنه فيه قبضه] وقيل إنه لا يدخل في ضمانه حتى يقبضه وإن مضى من المدة ما يمكنه فيه قبضه، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية أو بأمر يعرفه صاحب العبد فيقبض عنده وهذا هو القول الرابع، وهو علي قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء بيع، وأن على البائع في البيع حق توفيه. ووجه القول الأول أن المبتاع لما كان بالخيار بين أن يرد بالعيب أو يمسك شاء البائع أو أبى لم يكن للاعتبار برضاه معنى ووجب إذا أشهد المبتاع أنه قد رد أن ينتقض البيع فتكون المصيبة من البائع؛ والقول الثاني على قياس القول بأن الرد بالعيب نقض بيع فإذا وجب بثبوت العيب أو بإقرار البائع به وجب أن يكون الضمان من البائع؛ والقول الثالث على قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء بيع وأن البائع ليس عليه حق توفيه، فإذا مضى من المدة ما يمكنه فيه القبض فالمصيبة منه وإن لم يقبض؛ والقول الرابع على قياس القول بأن الرد بالعيب ما لم يقبض المبتاع وإن مضى من المدة ما كان يمكنه فيه القبض. والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في المكيال إذا سقط من يد المشتري وهو يكيل لنفسه بعد أن امتلأ وقبل أن يفرغه في وعائه، فروى يحيى عن ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع للتجارة من كتاب جامع البيوع أن ضمانه من البائع، وعلى هذا يأتي قوله في هذه الرواية فيقبض عبده. وقال سحنون في نوازله من الكتاب المذكور: مصيبة ما في المكيال من المشتري، فعلى قوله يدخل العبد المردود بالعيب في ضمان البائع بنفس رضاه بقبضه. وقد قيل إن على البائع في العروض حق توفية وأنها في ضمانه وإن طال الأمد وكان قد قبض الثمن ما لم يقبضها المبتاع أو يدعوه البائع إلى قبضها فيأبى، وهو قول أشهب في ديوانه، وعلى قياس قوله يأتي القول الرابع حسبما بيناه. وقد قال ابن دحون: قوله في هذه

مسألة: تصدق بعبد أو ثوب ثم اطلع على عيب فيه

الرواية ويقبض العبد قول غريب يوجب أن كل من اشترى شيئا بعينه فمات قبل قبض المشتري له أنه من بائعه، ولا اختلاف في ذلك إلا في هذه القولة النادرة، وليس قوله بصحيح، إذ قد بينا وجه دخول الاختلاف فيه، وأنه قول من رأى على البائع حق توفية في العروض. قال ابن دحون: وإنما الاختلاف إذا احتبسه البائع بالثمن، فابن القاسم يقول حكمه حكم الرهن، وغيره يقول هو من البائع. قال محمد بن رشد: والقولان لمالك في كتاب العيوب من المدونة، قوله فيه: وقد قال مالك بقولهما جميعا بعد أن ذكر اختلاف سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار في ذلك، فلو كان البائع لما رضي بقبض عبده بالعيب أبى المبتاع أن يرجعه إليه حتى يرد إليه الثمن فهلك فيما بين ذلك لجرى الأمر فيه على هذا الاختلاف. [وبالله التوفيق] . [مسألة: تصدق بعبد أو ثوب ثم اطلع على عيب فيه] مسألة قال وسمعت مالكا [يقول] قال فيمن تصدق بعبد أو ثوب ثم اطلع على عيب فيه، قال يأخذ قيمة العبد كما لو أعتقه لأنه قد فات فلا يستطيع رده. قال سحنون وعيسى: قيمة العيب للمتصدق به. محمد بن أحمد: قوله إنه يأخذ قيمة العيب إذا تصدق به أو أعتقه هو المشهور في المذهب، وقد قيل إنه إذا تصدق به أو أعتقه فهو فوت ولا رجوع له بقيمة العيب، روى ذلك زياد عن مالك، ففي قياسه الصدقة على العتق نظر، إذ لا فرق بينهما، الاختلاف فيهما سواء ومن حق القياس أن يقاس ما اختلف فيه على ما اتفق عليه. وفي تعليله أيضا بقوله لأنه قد

باع عبدا له أو وليدة وبه عيب غره أو دلسه

فات فلا يستطيع رده نظر؛ لأنه يفوت بالبيع ولا يستطيع رده ولا يرجع للعيب بشيء على مذهبه، فكان وجه القياس أن يقول يأخذ قيمة العيب كما لو فات لأنه قد خرج من يده بغير عوض. وقول سحنون وعيسى إن قيمة العيب للمتصدق به صحيح على معنى ما في الشفعة من المدونة في الذي يهب العبد لرجل ثم يستحق فيأخذ له ثمنا أنه لا شيء للموهوب له من الثمن، وبالله التوفيق. [باع عبدا له أو وليدة وبه عيب غره أو دلسه] ومن كتاب القبلة قال ابن القاسم وسمعت مالكا قال من باع عبدا له أو وليدة وبه عيب غره أو دلسه إنه يعاقب البائع ويرد عليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن الواجب على من غش أخاه المسلم أو غره أو دلس له بعيب أن يؤدب على ذلك مع الحكم عليه بالرد؛ لأنهما حقان مختلفان، أحدهما لله ليتناهى الناس عن حرمات الله، والآخر للمدلس له بالعيب، فلا يتداخلان ولا ينوب أحدهما عن الآخر، كالقطع في السرقة الذي يجب مع رد السرقة إلى المسروق منه. [مسألة: ابتاع عبدا فأبق منه ثم وجد من يشهد له أنه كان أبق عند الذي باعه] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: من ابتاع عبدا فأبق منه ثم وجد من يشهد له أنه كان أبق عند الذي باعه، فقال الذي باعه لم يأبق منك ولكنك غيبته أو بعته، قال: يحلف بالله ما بعته ولقد أبق مني ثم يأخذ ثمنه من البائع. قال محمد بن رشد: إنما كان القول قول المبتاع إنه أبق عنده،

يبيع الميراث فيبيع الجارية ويقال إن الجارية تزعم أنها عذراء

لأن مصيبته في الإباق من البائع إذا أثبت أنه باعه إياه وهو آبق. وهذا مثل ما حكى بعض الرواة عن سحنون أنه سئل عن الرجل يشتري العبد أو الأمة فيدعي أنه أبق في العهدة ولا بينة له في إباقه، فقال إن ادعى ذلك في الأيام الثلاثة حلف على ذلك، وإن لم يدع ذلك إلا بعد العهدة لم يقبل إلا ببينة، فجعل القول قول المبتاع في إباق العبد بالموضع الذي لو ثبت أنه أبق فيه لكانت مصيبته من البائع، فهو أصل واحد، والله تعالى ولي التوفيق. [يبيع الميراث فيبيع الجارية ويقال إن الجارية تزعم أنها عذراء] ومن كتاب حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها وسئل عن الذي يبيع الميراث فيبيع الجارية ويصاح عليها ويقول الذي يصيح عليها إنها تزعم أنها عذراء ولا يكون ذلك شرطا منهم في ذلك إنما يقولون إنها تزعم ثم يجدها غير عذراء فيريد أن يردها. قال: ذلك له. فقيل له: إنهم يزعمون أنا لم نشترط وإنما قلنا ذلك بأمر زعمته، قال: أرى أن يردها إلا أن يكونوا لم يقولوا له شيئا فأما أن يقولوا مثل هذا ثم يشتري المشتري وهو يظن ذلك فأرى أن يردها، وكذلك إن قال إنها تنصب القدور وتخبز، ويقولون إنها تزعم ولا يشترطون ذلك، فإذا هي ليست كذلك، فإني أرى أن يردها إلا ألا يخبروا شيئا فلا أرى عليهم شيئا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في رسم البيوع من سماع أصبغ بعد هذا، وفي رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه، سواء قال في الجارية أبيعها منك على أنها عذراء أو

مسألة: يشتري العبد فيجده أعسر

على أنها رقامة أو خبازة أو وصفها بذلك فقال أبيعها منك وهي عذراء أو رقامة أو خبازة، وذلك كله كالشرط لأنه إذا قال: إنها تزعم أنها على صفة كذا وكذا، أو قالت هي عند البيع إني على صفة كذا وكذا ولم يكذبها في قولها ولا تبرأ منه فقد أوهم أنها صادقة فيما زعمت، فكأنه قد باع على ذلك وشرطه للمبتاع. وإنما يفترق الشرط من الوصف في النكاح حسبما مضى القول عليه في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح فلا معنى لإعادته. [وبالله التوفيق] . [مسألة: يشتري العبد فيجده أعسر] مسألة وسئل عن الرجل يشتري العبد فيجده أعسر أتراه عيبا؟ قال نعم أراه عيبا وأرى أن يرده به. قال ابن القاسم وإن كان أيسر وانتفع بيديه جميعا فلا أرى أن يرد. قال محمد بن رشد: في حديث عمر أنه كان أعسر أيسر. قال أبو عبيدة هو الذي يعمل بيديه جميعا، وقال والمحدثون يقولون أعسر أيسر وهو خطأ، قال ابن لبابة: الأعسر الذي لا يعمل إلا باليد اليسرى، والأيسر الذي يعمل بيديه جميعا. فإذا كان يعمل بيديه جميعا فليس ذلك بعيب كما قال لأنها زيادة منفعة إلا أن تنقص يمناه في قوتها والبطش بها عن يمنى من لا يعمل بيسراه فيكون ذلك عيبا، قاله ابن حبيب في الواضحة في الأعسر الذي هو أعسر أيسر يعمل بيديه جميعا. وقوله صحيح مفسر لقول ابن القاسم، وبالله التوفيق.

باع غلاما من رجل فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبا كان عند بائعه

[باع غلاما من رجل فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبا كان عند بائعه] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل عمن باع غلاما من رجل فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبا كان عند بائعه، وبالعبد عيب يحدث مثله يكون عند الأول والآخر ولا يدرى متى حدث، قال أرى أنه مردود بالعيب الأول، وليس على الآخر في العيب الذي حدث شيء، وإنما هو مدع فيه أن يقول حدث عندك ومن يعلم ذلك، وليس على المبتاع أكثر من أن يحلف بالله ما علمت أنه حدث عندي. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة صحيحة، إنما كان القول قول المبتاع في العيب الذي يقدم ويحدث إنه ما حدث عنده من أجل أنه قد وجب له أن يرد بالعيب القديم ويأخذ جميع الثمن، فالبائع يريد أن ينتقصه من الثمن بأن يقول حدث عندك العيب فلا ترده إلا أن ترد ما نقصه ذلك، فهو مدع عليه في ذلك، إن نكل المبتاع عن اليمين حلف البائع أنه ما يعلم العيب كان عنده أو ما كان عنده إن كان من العيوب الظاهرة على مذهب ابن القاسم، ثم كان المشتري بالخيار بين أن يرد ويرد ما نقصه العيب، أو يمسك ويرجع بقيمة العيب؛ فإن نكل البائع أيضا لزمه العيبان جميعا، وكان المبتاع مخيرا بين أن يمسك ولا شيء له أو يرد ولا شيء عليه، قاله ابن القاسم بعد هذا في رسم الفصاحة من سماع عيسى، وهو صحيح. [وبالله التوفيق] . [مسألة: الجارية تشترى فتوجد غير مخفوضة] مسألة وسئل عن الجارية تشترى فتوجد غير مخفوضة، أترى أن

ترد؟ قال قد سئلت عن ذلك قبل اليوم، فقيل له فماذا قلت فيه؟ قال: رأيت أنها إن كانت من جواري العرب الذين يخفضون فإنه يردها، وإن كانت من رقيق العجم الذين لا يخفضون لم أر أن ترد منه. فقيل له: فالخدم؟ فقال: لا، ليس الخدم مثل المرتفعات، لا يرد الخدم من رقيق العجم ولا من رقيق العرب. قال محمد بن رشد: وكذلك العبد يشترى فيوجد غير مختون، قاله ابن القاسم بعد هذا في رسم الجواب من سماع عيسى، وزاد أن من طال مكثه في أيدي العرب فهو بمنزلة ما ولد عندهم. وقال في سماع محمد بن خالد بعد هذا: إن الجارية الرائعة ترد إذا وجدت غير مخفوضة، ولم يفرق بين أن تكون من رقيق العرب ولا من رقيق العجم، وينبغي أن يحمل على أن هذا تفسير له، ولا يحمل على ظاهره من الخلاف؛ لأنه يبعد أن يرد رقيق العجم بذلك. وذهب ابن حبيب إلى أنه يرد بترك الختان والخفاض الرفيع والوضيع من بلاد المسلمين، وقال إن ما طال لبثه في أيدي المسلمين من رقيق العجم فهو بمنزلة ما ولد عندهم، يرد بذلك الرفيع والوضيع إلا أن يكونا من الصغر بحيث لم يفت ذلك منهما. وهذا كله في المسلمين من الرقيق، وأما النصارى منهم فلا يردون بترك الختان ولا الخفاض، قاله ابن حبيب. وقال في سماع محمد بن خالد في العبد المسلم يوجد غير مختون إنه يرد بذلك ولم يفرق بين وضيع ولا رفيع، مثل قول ابن حبيب في الواضحة، خلاف ما في رسم الجواب من سماع عيسى. والصحيح في القياس والنظر ألا يفرق في الختان بين رفيع ولا وضيع بخلاف الجواري في الخفاض، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن يرد الرفيع والوضيع من الغلمان والجواري بترك الختان والخفاض، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، والثاني أنه لا يرد بذلك إلا

الغلام يبيعه الرجل ويتبرأ من الإباق في عهدة الثلاث ثم يموت

الرفيع دون الوضيع من الجواري والغلمان جميعا، وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى، والثالث الفرق بين الجواري والغلمان على ما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق. [الغلام يبيعه الرجل ويتبرأ من الإباق في عهدة الثلاث ثم يموت] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل مالك عن الغلام يبيعه الرجل ويتبرأ من الإباق في عهدة الثلاث ثم يموت ولا يعلم أنه مات في العهدة أو بعد ذلك، فقال البائع هو منك وقال المبتاع لا بل هو منك، فقال: أراه من المبتاع ضامنا حتى يأتي عليه ببينة أنه مات في عهدة الثلاث، فإن لم يعلم ذلك وجهل فهو من المبتاع. فقيل له: والعور وغير ذلك من العيوب؟ قال نعم هو من المبتاع إلا أن يعلم أن ذلك أصابه في العهدة. وأخبرني العتبي قال: قال ابن نافع عن مالك: إن المصيبة من البائع حتى تعلم البينة أنه خرج سالما من عهدة الثلاث. قال محمد بن رشد: رواية ابن نافع هذه وقعت في بعض الروايات مختصرة، وهي في المدونة وفي أول سماع أشهب كاملة، قال فيها: إن المصيبة من البائع حتى يعلم أنه خرج من العهدة سالما، ووقع في آخر سماع أشهب أن المصيبة من المبتاع حتى يعلم أنه مات في العهدة مثل رواية ابن القاسم هذه. والخلاف إنما هو إذا عمي أمره فلم تعلم حياته ولا موته أو علم أنه مات ولم يعلم إن كان موته في عهدة الثلاث أو بعدها. وأما إن علم أنه مات في عهدة الثلاث فمصيبته من البائع بلا خلاف، فإن عمي أمره فترادا الثمن على إحدى روايتي أشهب وابن نافع عن مالك في أن المصيبة من البائع، ثم أتى العبد، كان للبائع ولم يرد إلى المبتاع، ولو أتى قبل أن يترادا الثمن كان للمبتاع، حكى ذلك محمد

يبيع السفينة من الرقيق من السند والزنج فتباع جملة فتوجد بينهم جارية حاملة

ابن المواز عن أشهب. ومعنى ذلك عندي إذا تراضيا على ذلك بغير حكم، وأما لو حكم بذلك عليهما لوجب أن يرد العبد إلى المبتاع لانكشاف خطأ الحكم في ذلك بما لا اختلاف فيه، وبالله التوفيق. [يبيع السفينة من الرقيق من السند والزنج فتباع جملة فتوجد بينهم جارية حاملة] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل عن الرجل يبيع السفينة من الرقيق من السند والزنج فتباع جملة فتوجد بينهم جارية حاملة أترد؟ قال: ما أرى ذلك لهم؛ لأنهم وخش. قال محمد بن رشد: قوله فتباع جملة يريد صفقة واحدة وقد عرف عددهم، إذ لا يجوز بيع الرقيق جزافا. ولم ير أن ترد الحامل منهن بعيب الحمل إذ لا ينقص الحمل من جملة الثمن شيئا من أجل أنهم وخش. ولو اشتراها وحدها لكان له أن يردها، قال ذلك في آخر سماع أصبغ على قوله في المدونة وغيرها إن الحمل عيب في الوخش والمرتفعات. وكان القياس إذا كان له أن يردها إذا اشتراها وحدها أن يكون له أن يردها بما ينوبها من الثمن إذا اشتراها مع غيرها جملة كما قال في المدونة وغيرها في السلع تشترى جملة فيوجد ببعضها عيب أن المعيب يرد منها بما ينوبه من الثمن، إلا أنه استحسن هذا في الحمل خاصة مراعاة لقول من لا يرى الحمل عيبا في وخش الرقيق. وممن قال بذلك ابن كنانة، ورآه ابن حبيب فيهن عيبا [اشترى جارية من رجل فسأله عن حيضتها] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل عن رجل اشترى جارية من رجل فسأله عن حيضتها، فقال إنها صغيرة ولم تحض بعد وكانت قصيرة فطمع المشتري أن يكون لها نشوز عند حيضتها، فلما اشتراها لم تقم إلا عشرا أو

مسألة: اشترى من رجل جارية مثلها لا توطأ فوجدها مفتضة

نحوها حتى حاضت. قال: قال مالك: إن كانت قد بلغت ومثلها تحيض ويخاف أن تكون تحيض، فأرى أن يستحلفه أنها ما حاضت عنده، وإن كانت صغيرة فقد ائتمنه على ما قال، ولا أرى أن يستحلفه. قال محمد بن رشد: قوله: إن كانت قد بلغت ومثلها تحيض، معناه: إن كانت قد بلغت في حالها مبلغا يشبه أن يحيض مثلها ويخاف أن تكون [قد] حاضت عنده استحلف ما حاضت عنده، واليمين ههنا يمين تهمة، فيدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في لحوق يمين التهمة، وكذلك إن نكل عن اليمين لجرى الحكم في ذلك على الاختلاف في رد يمين التهمة، ترد عليه في أحد القولين بالنكول دون رد يمين، وفي القول الثاني لا ترد عليه إلا بعد يمين المشتري، والقول الأول هو المشهور، وقوله: وإن كانت صغيرة أي وإن كانت فيما يظهر من حالها أنها صغيرة لا يحيض مثلها فلا يمين عليه، وذلك بيّن على ما قال: لأن حيضتها وهي على هذه الحال علة فيها ومصيبة دخلت عليه، فلا حجة له في ذلك على البائع. [وبالله تعالى التوفيق] . [مسألة: اشترى من رجل جارية مثلها لا توطأ فوجدها مفتضة] مسألة قيل لسحنون: ولو أن رجلا اشترى من رجل جارية مثلها لا توطأ فوجدها مفتضة، قال: إن كانت من وخش الرقيق فليس ذلك بعيب، وإن كانت من علية الرقيق فذلك عيب يردها به، وإن كانت مثلها توطأ فليس ذلك بعيب كانت من علية الرقيق أو من وخشها.

عبد ابتاعه رجل فخرج بائعه إلى مكة ووجد المشتري بالعبد عيبا

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الجارية التي يوطأ مثلها محمولة على أنها قد وطئت فليس له أن يردها إذا وجدها مفتضة، والتي لا يوطأ مثلها محمولة على أنها لم توطأ، وليس ذلك كالشرط فيها، فإذا وجدها مفتضة كان له أن يرد الرفيعة بذلك؛ لأن الافتضاض ينقص من قيمتها، ولم يكن له أن يرد الوخش بذلك؛ إذ لا ينقص الافتضاض من قيمتها إلا أن يشتريها على أنها غير مفتضة بشرط، وذلك قائم من قوله في المدونة: إنه إذا اشترى الجارية البكر فافتضها فليس له أن يبيعها مرابحة يبين إلا أن تكون من الوخش اللواتي لا ينقصهن الافتضاض شيئا فليس عليه أن يبين، وبالله التوفيق. [عبد ابتاعه رجل فخرج بائعه إلى مكة ووجد المشتري بالعبد عيبا] ومن كتاب أخذ يشرب خمرا قال: وسئل مالك: عن عبد ابتاعه رجل فخرج بائعه إلى مكة، ووجد المشتري بالعبد عيبا توقيفا في يده فأتى به السلطان فأشهد عليه، ثم إن الرجل قدم من مكة والعبد مريض، أترى أن يرده؟ قال: نعم، أرى أن يرده إلا أن يكون مرضا مخوفا. قال عيسى بن دينار: قال لي ابن القاسم: فإن كان مرضا مخوفا استؤني به ما لم يدخل في ذلك ضرر، فإن كان برؤه قريبا رده، وإن كان مرضا يتطاول به أو هلك رد إليه قدر قيمة العيب. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في المرض المخوف إنه يستاني به يريد إن رجي برؤه إلى مدة قريبة لا يكون في الاستيناء إليه ضرر، تفسير لقول مالك فإن برئ بالقرب رد، وهو معنى قوله: وإن كان برؤه قريبا رده، وإن لم يبرأ بالقرب وتطاول أمره أو هلك رد إليه قيمة العيب، [ولو كان مرضه مرضا لا يرجى برؤه منه إلى مدة قريبة لم

مسألة: ابتاع جارية من رجل فزوجها فولدت له أولادا ثم وجد بها عيبا

يستأن به على قياس قوله ورجع بقيمة العيب] وفي نوازل سحنون في بعض الروايات أنه يرده مريضا، وإن كان مرضه مرضا مخوفا رده ورد معه ما نقصه عيب المرض المخوف، فقيل: إن الاختلاف في هذا جار على اختلافهم في جواز بيع المريض، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأن الاختلاف في ذلك إنما هو مع تراضي المتبايعين على ذلك، والمردود عليه بالعيب لا يرضى أن يأخذ عبدا مريضا يخشى عليه الموت، ويدل على ذلك أيضا قول مالك: إن المرض المخوف فوت في الرد بالعيب، مع أن مذهبه جواز بيعه، فهو دليل قوله في المدونة في كتاب بيع الخيار في الأمة تشترى بالخيار فتلد في أيام الخيار. وظاهر قوله في كتاب الاستبراء منها وفي رسم الجواب من سماع [عيسى بعد هذا وفي سماع] ، سحنون أيضا، ونص قول أصبغ في الثمانية قال: لا بأس ببيع المريض ما لم يقارب الموت أو ينزل به أسبابه من شدة المرض أو البلاء في جسده، مثل السل والمد ونحو ذلك، خلاف قول ابن الماجشون، واختيار ابن حبيب في أن بيعه لا يجوز إذا بلغ منه المرض مبلغا لو كان حرا لم يجز القضاء له إلا في ثلث ماله، وسحنون يميل أبدا إلى قول ابن الماجشون، فوجه قوله: إنه يرد بالعيب وإن كان مريضا مرضا مخوفا مراعاة قول من يرى الرد بالعيب نقض بيع، وأنه يرجع به إلى البائع المالك الأول. [وبالله تعالى التوفيق] . [مسألة: ابتاع جارية من رجل فزوجها فولدت له أولادا ثم وجد بها عيبا] مسألة وسئل عن رجل ابتاع جارية من رجل فزوجها فولدت له أولادا، ثم وجد بها عيبا كان عند الأول، أترى ولادتها فوتا أو يردها بولدها إن شاء أو يمسك؟ فتفكر فيها، ثم قال: أرى إن أحب أن يردها ردها بولدها، وإن أحب أن يمسك أمسك، ولا أرى له

في العيب شيئا. قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن هذا فقال: ذلك رأيي لم يكن قول ابن القاسم في كتاب سحنون. قال محمد بن رشد: الزيادة في الرقيق في الرد بالعيب تنقسم على قسمين: زيادة في الحال، وزيادة في العين، فأما الزيادة في الحال مثل العبد والجارية يتخرجان أو يتعلمان الصناعات أو يفيدان الأموال، فهذا لا اختلاف فيه أنه ليس بفوت، والمشتري مخير بين أن يرد أو يمسك ولا شيء له؛ وأما الزيادة في العين، فتنقسم على ثلاثة أقسام: زيادة الولد، وزيادة الكبر، وزيادة السمن. فأما زيادة الولد ففيها قولان؛ أحدهما: أن ذلك ليس بفوت وهو مخير بين أن يرد الجارية وولدها إن كانوا على ما قال في هذه الرواية، أو يردها ويجمع ثمنهم إن كان قد باعهم، على ما قال في رسم باع شاة من سماع عيسى، وبين أن يسمك ولا شيء له؛ والثاني: أنه فوت يكون فيه مخيرا بين أن يرد ويرد الأولاد أو ثمنهم إن كان باعهم وبين أن يسمك ويرجع بقيمة العيب، قاله ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية إذا كان قد باع الأولاد، ولا فرق بين أن يبيعهم أو يكونوا قياما على هذا القول، كما لا فرق بين ذلك في القول الأول، وأصبغ يقول: إنه إذا باع الأولاد رد الأم وأخذ حصتها من الثمن كأن البيع وقع عليها معهم يوم ولدوا، وهو بعيد. وأما زيادة الكبر ففيها أيضا قولان؛ أحدهما: أن ذلك فوت يكون المبتاع فيه مخيرا بين أن يرد أو يمسك ويرجع بقيمة العيب، وهو قول ابن حبيب في الواضحة وحكاه عن مالك؛ والثاني: أنه فوت يوجب له الرجوع بقيمة العيب، وليس له أن يرده إلى البائع إلا أن يرضاه، وهو الذي في المدونة، ولا فرق بين زيادة الولد، وزيادة الكبر فيحمل كل واحد منهما على صاحبه، ويدخل فيه من الاختلاف ما دخل فيه، فيكون في زيادة الولد ثلاثة أقوال وفي زيادة الكبر ثلاثة أقوال. وأما زيادة السمن في الجواري فلم يره ابن القاسم فوتا إلا أن فيه أيضا قولين؛ لأن ابن حبيب يراه فوتا يوجب التخيير للمبتاع بين أن يرد أو يمسك ويرجع بقيمة العيب، ويدخل فيه القول الثالث بالمعنى، والله الموفق.

بيع الرجل الأعداد من الكتان والبز

[بيع الرجل الأعداد من الكتان والبز] ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان وسئل مالك: عن بيع الرجل الأعداد من الكتان والبز، تفتح فينظر إلى ثوبين أو ثلاثة أو رطل من الكتان أو رطلين، فيوجد الذي بعده لا يشبهه، قال مالك: إن الأعدال يكون أولها أفضل من آخرها، فإذا فتح العدل فجاء ذلك صنف واحد أو بعضه قريب من بعض، فإن كان الأول الذي نظر إليه هو أجود إلا أنه صنفه أو قريب منه، فإني أرى البيع جائزا عليه، ومثل ذلك الرجل يشتري البيت فيه تمر أو قمح فيكون أوله خيرا من آخره، فإذا جاء في ذلك تغير قريب رأيت ذلك جائزا، وإن جاء أمر فاسد رأيت أن يرد عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مبينة لما في المدونة وغيرها؛ لأن العرف كالشرط عليه يدخل المتبايعان فلا قيام للمبتاع إلا فيما تفاحش وخرج عن العرف. [مسألة: يقدم البلد بالكتان وما أشبهه من المتاع فتكون تلك السلعة من سلع الفسطاط] مسألة وسئل: عن الذي يقدم البلد بالكتان وما أشبهه من المتاع فتكون تلك السلعة من سلع الفسطاط، ويكون لها عمال معروفون بأعمالهم فيقدم بها الرجل البلد، فيقول له بعض من يشتري منه من عمل من اشتريت؟ فيقول: من عمل فلان، وهو عمل قد عرفوه، فيشترونه منه ولا يفتحونه ولا ينظرون إليه. قال مالك: لا أحب لهم أن يشتروا حتى يفتحوه وينظروا إلى شيء منه.

مسألة: بيع الثياب في الجراب بالبراءة

محمد بن أحمد: وهذا كما قال: إن الاختيار ألا يشتروه حتى يفتحوه وينظروا إليه، فإن لم يفعلوا جاز؛ لأنهم إنما اشتروا على ما قد عرفوه وعاينوه، فلا يشبه شراء ذلك على الصفة؛ لأن الشراء على الصفة غرر، إذ لا تقوم الصفة مقام العيان، وإنما جاز عند الضرورة لبيع السلعة الغائبة إذ لا يمكن فيها المعاينة، وكبيع الأحمال على البرنامج [لما في حلها ونشرها على السوام من الضرر على أرباب المتاع] ، [وبالله التوفيق] . [مسألة: بيع الثياب في الجراب بالبراءة] مسألة وقال مالك في بيع الثياب في الجراب بالبراءة: لا خير فيه، وهو مما لا يستطاع أن تدرك معرفته، فلذلك رأيت البراءة لا ينتفع بها فيه إلا أن يكون الشيء غير المضر ولا المفسد. قال محمد بن رشد: يحتمل أن يريد ببيع الثياب في الجراب بيع الأعدال في لفائفها أو أوعيتها على صفة البرنامج، ويحتمل أن يريد بذلك بيع الثوب الرفيع في جرابه الذي يفسده ويغيره إخراجه من جرابه ونشره؛ لأن هذا أجيز بيعه على الصفة لهذه الضرورة على اختلاف في ذلك، وقال: إنه لا خير في البراءة في ذلك من أجل أن معرفته غير مدركة، والمعنى في ذلك: أنه لما كان بيع البراءة إنما جاز من أجل أنه يلزمه أن يبين ما علم ولا يبرأ إلا مما لم يعلم، كره أن يبيع بالبراءة ما يجهل عيوبه، ورأى عيوب الثياب المبيعة على هذه الصفة مما يخفى على البائع ولا تدرك معرفتها فكره البراءة فيها لذلك، وقال: إنها إن وقعت برئ من الشيء اليسير مراعاة لقول من رأى أن البراءة نافعة فيها في القليل والكثير، وهو قول جماعة من السلف وقول ابن وهب من أصحاب مالك واختيار ابن حبيب، وقد كان مالك يراها في الرقيق والحيوان، قاله في موطأه، ثم رجع إلى أنها لا تجوز إلا في الرقيق [وحده] ، وبالله التوفيق.

أيام العهدة في الاستبراء متى هي

[أيام العهدة في الاستبراء متى هي] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وسئل مالك: عن أيام العهدة في الاستبراء متى هي، أبعد الاستبراء أم قبله؟ قال: من يوم تباع تدخل في الاستبراء، ليس بعد الاستبراء عهدة. قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم الأقضية من سماع أشهب، وإنما هذا إذا أقامت في الحيضة ثلاث ليال أو أزيد، وأما إن كان الاستبراء أقل من ثلاث فلا بد من تمام عهدة الثلاث، ولا تدخل عهدة الثلاث في عهدة السنة، قاله مالك في رسم الأقضية المذكور من سماع أشهب. والفرق على قوله بين دخولها في الاستبراء، ودخولها في عهدة السنة أن عهدة الثلاث والاستبراء يتفقان في أن الضمان فيهما من البائع في كل شيء، فوجب أن يدخل الأقل منهما في الأكثر، وعهدة السنة إنما هي من الجنون والجذام خاصة فلم يدخل فيها الاستبراء ولا عهدة الثلاث. وقد قال مالك في الواضحة إن عهدة السنة من يوم عقد البيع، وقاله ابن الماجشون في كتاب ابن المواز، ووجه هذا القول أنه لما كان الاستبراء وعهدة الثلاث وعهدة السنة يتفقان في الجذام والبرص وجب أن يدخل الأقل من ذلك في الأكثر فيما يتفقان فيه، وذهب المشايخ السبعة إلى أن عهدة الثلاث بعد الحيضة، فأحرى على قولهم أن تكون عهدة السنة بعد الاستبراء وبعد عهدة الثلاث، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن العهدتين والاستبراء لا يدخل شيء من ذلك في شيء ويبدأ بالاستبراء، ثم عهدة الثلاث ثم عهدة السنة، وهو قول المشايخ السبعة، والثاني: أنهن يتداخلن جميعا فيكون الاستبراء وعهدة الثلاث وعهدة السنة كلها من يوم عقد البيع، وهو قول مالك في الواضحة، وقول ابن الماجشون في كتاب ابن المواز، والثالث: أن الاستبراء وعهدة الثلاث يتداخلان جميعا فيكونان من يوم البيع وعهدة السنة بعد تمامها جميعا، وهو قول مالك في سماع أشهب ودليل قوله في هذه الرواية، وبالله التوفيق.

يشتري الجارية الفاره فإذا هي لقية

[يشتري الجارية الفاره فإذا هي لقية] ومن كتاب البز وسئل مالك: عن الرجل يشتري الجارية الفاره فإذا هي لقية أتراه عيبا ترد به؟ قال لي: نعم أرى ذلك. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: أن غير الفاره لا ترد بذلك، ومثله في رسم الأقضية الآخر من سماع أشهب، وفي رسم الأقضية الثاني منه أن الرد لا يجب بذلك إلا أن يشترط الرشدة، وابن القاسم يرى الرد في ذلك في الفاره، وغير الفاره وإن لم يشترط، فهي ثلاثة أقوال. [مسألة: باع ثوبا فوجد به المبتاع خرقا فزعم البائع أنه قد بينه له وأنكر المبتاع] مسألة وسئل مالك: عن رجل باع ثوبا فوجد به المبتاع خرقا فزعم البائع أنه قد بينه له وأنكر المبتاع، أترى أن يحلف في هذا عند المنبر؟ قال: لا أرى أن يحلف عند المنبر إلا في ربع دينار فصاعدا. قال محمد بن رشد: ظاهر هذا أنه لا يحلف عند المنبر إلا أن تكون قيمة العيب ربع دينار، وقد روي ذلك عن ابن المواز، وهو بعيد؛ لأنه يجب عليه إذا اختلف المتبايعان فقال البائع: بعت بعشرة دراهم وقال المبتاع: بل ابتعت بتسعة دراهم ألا يحلفا عند المنبر، وذلك لا يصح؛ لأن اليمين إنما هي في فسخ بيع الثوب وثمنه أكثر من ربع دينار، فكذلك الثوب المعيب إنما ينظر إلى قيمته؛ لأنه هو الذي يرد لا إلى قيمة عيبه، فينبغي أن يعدل بالكلام عن ظاهره فيقال: معنى قوله: إلا في ربع دينار فصاعدا، أن تكون قيمة الثوب الذي فيه العيب ربع دينار فصاعدا لا قيمة العيب، أو يقال: معناه إذا فات الثوب ووجب الرجوع بقيمة العيب، وبالله التوفيق.

يشتري الدابة فيسافر عليها فيجد بها عيبا في سفره

[يشتري الدابة فيسافر عليها فيجد بها عيبا في سفره] ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل مالك: عن الرجل يشتري الدابة فيسافر عليها فيجد بها عيبا في سفره، ثم يقدم بها وهي على حالها، أله أن يردها؟ قال: نعم ذلك له. قيل له: وإن ركبها؟ قال: نعم. قيل: أفترى عليه في ركوبها شيئا؟ قال: لا، الحاضر قد يركب فيجد العيب فلا يكون عليه في ركوبها شيء، يريد قبل أن يجد. قال ابن القاسم: وأما المسافر يجد العيب في سفره فليس عليه في ركوبها شيء وليس عليه أن يتكارى عليها من يقودها، ولكن إذا أتى بها على حالها ردها ولم يضره ركوبها، فإن عجفت في سفره كان بالخيار، إن أحب أن يردها ويغرم ما نقص العجف منها، أو يمسكها ويأخذ قيمة العيب. وأما الحاضر فإنه إن ركبها ركوب احتباس لها بعد أن يجد العيب وإقامته عليها لزمته؛ لأن ذلك رضي منه بالعيب، فأما إن كان يركبها ليردها عليه وما أشبهه فلا شيء عليه في ركوبها وليردها. قال محمد بن رشد: ابن القاسم يجيز للمشتري إذا وجد العيب بالدابة اشتراها في سفره أن يمضي في سفره ويركبها ولا يوجب عليه الرجوع بها إلا أن يكون قريبا لا مؤنة عليه في الرجوع، ويستحب له أن يشهد أن ركوبه إياها ليس برضى منه بالعيب، فإن لم يفعل لم يضره ذلك وكان له ردها، هو ظاهر قول مالك في هذه الرواية ومعناه. وابن كنانة يقول: إنه إذا وجد العيب بالدابة في سفره فليشهد عليه ويردها ولا يركبها في ردها ألا أن يكون بين قريتين فيبلغ عليها إلى القرية ليشهد؛ وابن نافع يقول في المدنية: إنه لا يركبها ولا يحمل عليها إلا ألا يجد من ركوبها أو الحمل عليها بدا في السفر أو الغزو، فليشهد على ذلك ويركب أو يحمل حتى إلى الموضع الذي لا يجوز له أن يركبها فيه، يعني حتى يجد حكما وبينة تشهد له بذلك الموضع

باع متاعا بالبراءة

بما يستوجب ردها به، فاعرف أنها ثلاثة أقوال في ركوبها إذا وجد العيب بها في السفر، وأما في الحضر فليس له أن يركبها بعد وجود العيب بها إلا في ردها. وقال ابن حبيب: إن ألجأ بائعها إلى الخصومة فيها فلا بأس أن يركبها في مكانه بالمعروف حتى يحكم له بردها؛ لأن عليه النفقة ومنه الضمان، وكذلك العبد والأمة له أن يستخدمهما بالمعروف، وليس له أن يطأ الأمة ولا يتلذذ بشيء من أمرها ولا يلبس الثوب إن كان الذي وجد العيب به ثوبا، فإن فعل كان رضى منه بالعيب، وليس على من وجد عيبا بدابة اشتراها في غير البلد الذي اشتراها فيه أن يردها إلى البلد الذي فيه صاحبها إلا ألا يجد السبيل إلى ردها عليه حيث هي لعدم بينة أو حكم، والسلعة بخلاف ذلك لما لزمه عن الكراء عليها في حملها من بلد إلى بلد. وروى أبو قرة عن مالك أنه إن دعاه صاحبها إلى ردها كان بالخيار بين أن يردها أو يأخذ قيمة العيب، وكذلك من اشترى سلعة ثقيلة لا بد من الكراء عليها فلما حملها من دار البائع أو من الموضع الذي اشتريت فيه للبيع إلى داره وجد بها عيبا كان مخيرا بين أن يردها إلى الموضع الذي اشتراها فيه أو يمسكها ويرجع بقيمة العيب، إلا أن يرضى البائع أن يأخذها حيث هي ويؤدي إليه ما غرم في حملها فلا يكون للمبتاع أن يمسكها ويرجع بقيمة العيب، وإن كان البائع دلس له بالعيب لزمه أن يأخذها من دار المبتاع ويؤدي إليه أيضا ما غرم على حملها؛ لأنه غره في ذلك، وسواء في حمل السلعة من بلد إلى بلد دلس له بالعيب أم لم يدلس. والفرق بين الموضعين أن الذي يشتري الخابية وشبهها إنما يشتريها لحملها إلى داره قد علم ذلك البائع، فوجب أن يفرق في ذلك بين التدليس وغير التدليس، كالذي يشتري الثوب فيقطعه قطعا يقطع مثله، ثم يجد به عيبا وقد نقصه القطع، وبالله تعالى التوفيق. [باع متاعا بالبراءة] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق قال مالك: من باع متاعا بالبراءة لم تنفعه البراءة فيه إلا أن يكون الشيء التافه غير المضر ولا المفسد يوجد في الثوب أو في

الثياب إذا بيعت بالبراءة

العكم فلا أرى أن يرد، فأما كل شيء مفسد مثل الخرق وما أشبهه، وكل ما كان مضرا بالثياب فإني أرى أن ترد عليه، وإن تبرأ منه بائعه، ولا ينفعه فيه، والجواب مثل ذلك. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام في هذه المسألة في رسم يسلف في المبتاع فلا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. [لا إله إلا الله ولا معبود سواه] . [الثياب إذا بيعت بالبراءة] ومن كتاب مرض وله أم ولد فحاضت قال مالك في الثياب إذا بيعت بالبراءة مثل الأعكام وغيرها فتوجد فيها عيوب، [قال] : إن كانت عيوب مفسدة، فلا أرى البراءة تنفعه، وإن كان خفيفا رأيت ذلك ينفعه في البيع. قال محمد بن رشد: إنما خففه في اليسير؛ لأن ربيعة وغيره أجازه في القليل والكثير المفسد وغير المفسد، وقد مضى ذلك في رسم يسلف فلا معنى لإعادته والحمد لله. [يبيع الفرس فيجد المشتري به رهصة فيريد رده] ومن كتاب مساجد القبائل وسئل مالك: عن الرجل يبيع الفرس فيجد المشتري به رهصة فيريد رده ويقول البائع: اركبه فإنها تذهب إلى يوم أو يومين [قال] : ليس به عيب، قال ابن القاسم: يركب ويرده إن شاء.

يشتري العبد بالبراءة

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله أنه لا يلزمه أن ينتظر زوال العيب ولعله لا يزول، فإن زال قبل أن يحكم له برده لزمه إلا أن يكون عيبا تخشى عاقبته بعد برئه فيكون له أن يرده وإن برئ. [بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. رب أعن] [يشتري العبد بالبراءة] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب البيوع الأول قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك: عن الذي يشتري العبد بالبراءة أيبيعه بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولا يخبرهم أنه اشتراه بالبراءة؟ قال: لا حتى يخبرهم أنه اشتراه بالبراءة. قال محمد بن رشد: الاختيار أن يبيع بالبراءة من اشترى بالبراءة، وأن يبيع بيع الإسلام وعهدة الإسلام من اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فإن باع بيع الإسلام وعهدة الإسلام من اشترى بالبراءة دون أن يبين أنه اشترى بالبراءة فهو مدلس بعيب؛ لأنه إن أعدم ووجد المشتري بالعبد عيبا لم يكن له أن يرده على الذي باعه منه من أجل أنه باع بيع براءة، فذلك عيب فيما اشترى يكون فيه مخيرا بين أن يمسكه أو يرده ولا خلاف في هذا الوجه. وأما إذا باع بالبراءة وقد اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام فهو بيع فيه غرر؛ لأنه ترك أن يكشف عما بالعبد الذي اشترى من العيوب التي يجب له بها القيام على من باعه ليلزم ذلك من باع منه بيع براءة فأضر من باع منه ونفع من ابتاع بمجهول لا يعلم قدره، واختلف في ذلك قول

مسألة: ابتاع سمنا بدينار واستوجبه فإذا هو سمن بقر

مالك، فله قرب آخر هذا الرسم أنه بيع فاسد يفسخ، وله في نوازل سحنون من كتاب الاستبراء إن ذلك يكره ولا يرد إذا وقع، ووقع ذلك أيضا في نوازل سحنون من هذا الكتاب في بعض الروايات. [مسألة: ابتاع سمنا بدينار واستوجبه فإذا هو سمن بقر] مسألة وسئل مالك: عمن ابتاع سمنا بدينار واستوجبه فإذا هو سمن بقر فقال: والله ما أردت إلا سمن غنم، أله أن يرده؟ قال: نعم له أن يرده. قال محمد بن رشد: إنما أوجب له الرد؛ لأنه رأى أن سمن الغنم أطيب وأفضل من سمن البقر، وكذلك قال في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب جامع البيوع إن سمن الغنم ولبنها وزبدها أجود وأطيب من الذي من البقر، وذلك خلاف ما عندنا من أن سمن البقر أفضل من سمن الغنم. فعلى ما عندنا ليس له أن يرد؛ لأنه وجد أفضل الصنفين، وهذا إذا كان سمن الغنم هو الغالب في البلد أو كانا متساويين فيه، فعلى رواية أشهب هذه كل شيء يباع من جنسين متساويين في البلد فالبيع يقع على أفضلهما، فإن وجد الأدنى كان له أن يرده، وإن وجد الأفضل لم يكن له أن يرده إلا أن يكون اشترى على أنه من الصنف الأدنى فوجده من الصنف الأعلى، فيكون له أن يرده بشرطه إذا كان لاشتراطه وجه، كمن اشترى عبدا على أنه نصراني فوجده مسلما فيكون له أن يرده إن قال: إنما اشترطت نصرانيا لأزوجه أمة لي نصرانية أو ليمين علي ألا أشتري مسلما وما أشبه ذلك مما يذكره ويكون له وجه على ما قال في رسم الجواب من سماع عيسى. ولابن حبيب في الواضحة خلاف رواية أشهب هذه، قال: ومن اشترى أمة أو عبدا فألفاه روميا وما أشبهه من الأجناس التي يكرهها الناس ولم يكن ذكر له جنسه، فليس له أن يرده إلا أن يكون البائع نسبه إلى جنس فألفاه من جنس غيره أدنى عند الناس فله أن يرده، وبالله التوفيق.

مسألة: باعوا رقيقا في ميراث فأرادوا أن يكتبوا على أحد البائعين دون أصحابه

[مسألة: باعوا رقيقا في ميراث فأرادوا أن يكتبوا على أحد البائعين دون أصحابه] مسألة وسئل مالك: عن قوم باعوا رقيقا في ميراث فأراد المشترون أن يكتبوا على أحد البائعين دون أصحابه فأبى ذلك عليهم، وقال: إنما بعناكم جميعا فلا أكتب لكم إلا جميعا. فقالوا: إنا نريد أن تكتب لنا نصيبك من ذلك، فقال مالك: ما وجه ما كنا نعرف إلا أن يكتبوا عليهم جميعا. قال محمد بن رشد: الذي يوجبه القياس والنظر أن لا امتناع له من أن يكتبوا عليه ما يصيبه من الثمن الذي قبضه؛ لأن من حقهم أن يقولوا: نحن نثق بسواك من البائعين فلا حاجة بنا إلى الإشهاد عليهم، ومن حقنا أن نشهد عليك بما يصيبك من الثمن، ولا يضرك ترك إشهادنا على سواك ممن باع معك ببقيته. ووجه ما ذهب إليه مالك أنه قد يطرأ غريم بدين له على الميت، فإذا وجد الكتاب عليه بما ابتاع من تركة الميت كان من حقه أن يأخذ حقه منه ويقول له: ارجع على من باع معك ولعلهم ينكرونه، فإذا وجد الكتاب عليهم جميعا أخذ دينه منهم جميعا، وهذا استحسان؛ لأن من حقهم أن يقولوا له: إن كنت تخاف هذا فحصن لنفسك بالإشهاد على من باع تركة الميت معك، وأما نحن فلا حاجة لنا في الإشهاد عليهم، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يباع بيع الإسلام وعهدة الإسلام] مسألة وسألت مالكا: عن العبد يباع بيع الإسلام وعهدة الإسلام

مسألة: ابتاع رأسا وقبضه وصار منه وضمنه

بالبراءة من الإباق فيأبق في عهدة الثلاث، فقال لي: أراه من البائع حتى يعلم أن قد خرج من الثلاث ولم يصبه عطب؛ لأني لا أدري لعله مات في عهدة الثلاث التي يكون فيها من البائع، فأما إباقه في الثلاث فليس له على البائع حجة في ذلك، فأراه من البائع حتى يعلم أنه قد خرج من الثلاثة سالما فإذا علم ذلك كان من المبتاع. ومن ذلك أن يوجد بعد الثلاث بيوم أو يومين فلا يكون للمبتاع رده على البائع وتكون عهدة الثلاث قد مضت على البائع وبرئ منها، وليس عليه أن يضرب فيه عهدة ثلاث أخرى من يوم يوجد، وكذلك لو وجده بعد شهر أراه يرجع إلى المبتاع ولا يكون له في الإباق على البائع شيء؛ لأنه قد تبرأ من الإباق. قال: فقلت له: أرأيت إذا أبق في عهدة الثلاث فرأيته من البائع؛ لأنك لا تدري لعله قد تلف في الثلاثة أيرجع عليه بالثمن من ساعته فيؤخذ منه أم يضرب لذلك أجل حتى يعلم خروج العبد من الثلاثة سالما أو عطبا؟ فقال لي: بل أرى أن يضرب لذلك أجل حتى يتبين من أمر العبد، فإن علم أنه قد خرج من الثلاثة سالما لم يكن على البائع منه شيء وكان ضمانه من المشتري، وإن لم يعلم ذلك كان من البائع؛ لأنه لا يدري لعله عطب في الثلاثة، فهو أبدا في الثلاثة من البائع حتى يعلم أنه قد خرج منها سالما. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ابتاع رأسا وقبضه وصار منه وضمنه] مسألة وسألت مالكا: كمن ابتاع رأسا وقبضه وصار منه وضمنه، أو

كانت جارية فتواضعاها، ثم قبضها حين حاضت، فبقيت عند المشتري ما شاء الله من الزمان، ثم ظهر منها أو منه على عيب يرد منه، فرده أو ردها بذلك العيب، أيكون على الذي رد ذلك العبد أو الجارية في واحد منهما عهدة؟ قال لي: أما عهدة فلا عهدة عليه في واحد منهما، فإن كان ذلك عبدا رده على البائع ولا عهدة فيه وهو من البائع، وإن كانت جارية فلا عهدة فيها أيضا إلا أن ينتظر بها الحيضة [ثم يدفع إليه، ولا عهدة عليه في ذلك، وإنما ينتظر بها الحيضة] إذا كانت من الجواري المرتفعات ذوات الأثمان اللاتي إنما يبتعن للوطء، فأما إن كانت من وخش الرقيق ليست من المرتفعات ردت على البائع ولم ينتظر بها حيضة ولا غيرها. قال: قلت لمالك: أرأيت إن كانت من الجواري المرتفعات فوضعت للحيضة فتلفت قبل الحيضة، ممن ترى ضمانها؟ قال: أرى ضمانها من البائع الذي ردت عليه، [وإنما وضعت ليعلم أحامل هي أم لا، فإذا ماتت ولم يتبين بها حمل فأراها من البائع الذي ردت عليه] ، وإن لم تحض حتى ماتت أو تلفت، قال: فقلت لمالك: إنها إنما أقامت عند المشتري أشهرا، ثم علم بالعيب فردها فوضعت للحيضة، فقال: نعم لا عهدة فيها على المشتري، وضمانها من البائع الذي ردت عليه، إلا أنها توقف حتى يعلم أنها حبلى أم لا، فإن ماتت فضمانها من البائع الذي ردت عليه، قيل له: أرأيت إن كان المشتري قد أصاب الجارية، ثم ظهر منها على عيب فردها على البائع على من

ضمانها؟ فقال: ضمانها على البائع المردودة عليه الجارية إن ماتت قبل أن تحيض، إنما توضع فإن كانت غير حامل فإنما هي للبائع وضمانها عليه، وإن كانت حاملا لزمت المشتري ويرد عليه ما نقص العيب من ثمنها. قال محمد بن رشد: رواية أشهب هذه عن مالك مثل قوله في كتاب الاستبراء من المدونة: إن الرد بالعيب نقض بيع وليس هو ابتداء بيع؛ لأنه لم ير على المبتاع في الجارية مواضعة، وإن وطئ، ورأى ضمانها من البائع، وجعله ابن القاسم فيه ابتداء بيع؛ لأنه رأى المواضعة على المبتاع في الجارية إذا ردها بالعيب بعد أن خرجت من الحيضة وإن لم يطأ، وروي ذلك عن مالك، فكذلك تكون عليه عهدة الثلاث والسنة على قياس هذا القول. وقد رأيت لابن دحون أنه قال: لم يختلف ابن القاسم وأشهب في أن الراد ليست عليه عهدة ثلاث ولا سنة، وإنما اختلفا في الاستبراء على من هو، فابن القاسم يقول: هو على الراد، وأشهب يقول: هو على المردود عليه، فكأنه ذهب إلى أنه لا اختلاف بينهما في أن الرد بالعيب نقض بيع إذ لم يختلفوا على زعمه في أنه لا عهدة ثلاث ولا سنة على المبتاع، وإنما أوجب ابن القاسم المواضعة عليه وجعل الضمان منه إذا ردها بعد أن خرجت من الحيضة، وإن كان لم يطأ فقد حكم له بحكم البائع ابتداء، هذا مما لا إشكال فيه. ومما يدل على صحة الاختلاف في الرد بالعيب هل هو نقض بيع أو ابتداء بيع اختلافهم؛ في الذي يعتق عبده وعليه دين يغترقه فيرد السلطان عتقه ويبيعه عليه في الدين، ثم يجد المشتري به عيبا قديما قد علمه البائع فيرده عليه وقد أفاد مالا، هل يعتق عليه بالعتق الذي كان أعتقه أم لا؟ فمن رأى الرد بالعيب نقض بيع قال: إنه يعتق عليه؛ لأنه قد رجع إليه على الملك الأول وانتقض البيع فكأن لم يكن، قال ذلك ابن القاسم في المدونة، وهو رجوع منه إلى مذهب

مسألة: يقول للرجل قد أوقف عبده للبيع بكم عبدك هذا فيقول بعشرين

أشهب، ومن رأى الرد بالعيب ابتداء بيع قال: إنه لا يعتق عليه؛ لأنه ملك مبتدأ حادث، روي ذلك عن أشهب، وهو رجوع منه إلى مذهب ابن القاسم، فهو أصل اضطربا فيه جميعا، ويأتي الاختلاف أيضا في غير ما مسألة، ووجه قول مالك في رواية أشهب هذه عنه أن ضمان الجارية من البائع إذا ماتت في استبرائها قبل أن يظهر بها حمل، وإن كان المبتاع قد وطئها هو أنه يحملها على السلامة من الحمل، وابن القاسم يخالفه في ذلك ويحملها على الحمل من ذلك الوطء حتى تظهر البراءة منه، فيرى الضمان منه إذا ماتت في استبرائها، وإن كان الملك قد صح وثبت لغيره، قاله في سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق في الذي يستحق أمة له عند رجل اشتراها ويقيم عليها البينة فتموت بعد ذلك أن مصيبتها منه ويرجع المبتاع بالثمن على البائع إلا أن يكون قد وطئ فتكون المصيبة منه من أجل أن ماءه فيها، ويرجع المستحق على البائع بالأكثر من القيمة والثمن إن كان غاصبا فلا يختلف قول ابن القاسم في أن ضمان الجارية المردودة بالعيب من المبتاع إذا كان قد وطئها وماتت في استبرائها، وإن كان قد اختلف قوله في الرد بالعيب هل هو نقض بيع أو ابتداء بيع على ما بيناه، ويلزم على قياس قول أشهب فيمن اشترى جارية رفيعة أو وضيعة وقد وطئها البائع فماتت في المواضعة قبل أن يظهر بها حمل أن ضمانها من المبتاع، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: يقول للرجل قد أوقف عبده للبيع بكم عبدك هذا فيقول بعشرين] مسألة وسئل: عن الرجل يقول للرجل: قد أوقف عبده للبيع بكم عبدك هذا؟ فيقول: بعشرين دينارا، فيقول: قد أخذته بذلك، فيقول البائع مجيبا مكانه: لا أبيعه بذلك، أترى البيع لازما له؟ قال: نعم إني لأرى ذلك له لازما، وليس له أن يأبى أن يعطيه إياه بعشرين

دينارا. وكذلك أصحاب الإبل يوقف أحدهم بعيره في السوق فيقال له: بكم بعيرك؟ فيقول: بعشرين دينارا، فيقول السائم: ضع لي دينارا، فيقول: لا، فيقول: قد أخذته، فأراه له إذا قال أخذته، وليس لصاحب البعير في ذلك قول. قال محمد بن رشد: وكذلك لو قال السائم: أنا آخذه بكذا وكذا، فقال البائع: قد بعتكه بذلك، فقال السائم: لا آخذه بذلك للزمه الشراء على قول مالك هذا، خلاف ما في كتاب بيع الغرر من المدونة من أن ذلك لا يلزم البائع ولا المشتري بعد أن يحلف كل واحد منهما أنه ما ساومه على الإيجاب والإمكان، وإنما كان ذلك منه على وجه كذا وكذا لأمر يذكره وقال أبو بكر الأبهري: إن كان ذلك قيمة السلعة وكانت تباع بمثله لزمهما البيع، وإن كان لا يشبه أن يكون ذلك ثمن السلعة حلف أنه كان لاعبا ولم يلزمه البيع. وهذا الاختلاف إنما هو في السلعة الموقوفة للبيع، وأما إن لقي رجل رجلا في غير السوق فقال له: بكم عبدك هذا أو ثوبك هذا لشيء لم يوقفه للبيع، فقال له: بكذا وكذا، فقال: قد أخذته بذلك فقال رب السلعة: لا أرضى بذلك وإنما كنت لاعبا وما أشبه ذلك، فإنه يحلف على ذلك ولا يلزمه البيع إلا أن يتبين صدق قوله فيسقط عنه اليمين قولا واحدا على ما يقتضيه ما في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب جامع البيوع. وقد ذهب بعض الناس إلى أن الخلاف أيضا في ذلك وإن لم تكن السلعة موقوفة للبيع على ظاهر ما وقع في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، إذ لم يذكر فيه أن السلعة كانت موقفة للبيع، وإلى أنه يتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن البيع لا يلزم وإن كانت السلعة موقوفة للبيع على ما في المدونة. والثاني: أنه يلزم وإن لم تكن السلعة موقفة للبيع على ظاهر ما في رسم سلعة سماها المذكور. والثالث: الفرق بين أن تكون السلعة موقفة للبيع أو لا تكون موقفة له على ما يقتضيه ما وقع في سماع أشهب من كتاب جامع البيوع، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأن مسألة رسم سلعة سماها وإن لم تكن السلعة موقفة للبيع

مسألة: يباع من الرجل وله زوجة قد دلس له بها ولا يعلم المشتري بذلك

فذهاب المشتري بها ليستشير فيها بإذن البائع يخرجها من الخلاف، وقد بين هذا في تفسير ابن مزين. وأما إن قال البائع: قد بعتك بكذا وكذا، وقال المشتري: قد اشتريت منك بكذا وكذا فلا اختلاف في أن ذلك لازم لكل واحد منهما إن أجابه صاحبه بالإمضاء والقبول في المجلس قبل التفرق، واختلف إذا قال المشتري: بعني بكذا وكذا فلما أراد البائع أن يلزمه ذلك أباه، أو قال البائع: خذها بكذا وكذا أو اشترها بكذا وكذا فلما أراد المشتري أن يأخذها بذلك أبى، فقيل: إن ذلك كالمساومة يدخل في ذلك الاختلاف المذكور، وهو الذي يأتي على ما في المدونة؛ لأنه ساوى فيها بين الوجهين، وقيل: إن قول المشتري بعني بكذا بمنزلة قوله: قد اشتريت بكذا، وإن قول البائع: خذها بكذا أو اشترها بكذا بمنزلة قوله: قد بعتك بكذا، يلزم ذلك كل واحد منهما إذا أجابه صاحبه بالقبول والإمضاء في المجلس قبل التفرق، وهو قول ابن القاسم وعيسى بن دينار في كتاب ابن مزين، والقولان لمالك أيضا في كتاب ابن المواز [المذكور] ، وسنذكر ذلك إن شاء الله في سماع أشهب من جامع البيوع. وبالله التوفيق. [مسألة: يباع من الرجل وله زوجة قد دلس له بها ولا يعلم المشتري بذلك] مسألة وسألت مالكا فقلت له: قلت في العبد يباع من الرجل وله زوجة قد دلس له بها ولا يعلم المشتري بذلك حتى يطلق العبد الزوجة أو تموت، ثم يعلم بذلك فيريد رده بذلك على البائع، أله أن يرده بذلك على البائع؟ فقال: نعم قد قلته، وهو الذي أرى ولم يكن مما سئلت عنه قديما فنظرت فيه وما أدرى ما هو إلا أني كذلك أرى. فقيل لمالك: أفرأيت الذي يبتاع الجارية وقد دلس له فيها بالوعك ثم لا يعلم بذلك المشتري حتى تبرأ من ذلك ثم يعلم فيريد ردها، فقال: لا أرى ذلك مثل الأول وهو أخف عندي.

مسألة: يشتري القلنسوة السوداء فإذا ذهب بها وجدها من ثوب ملبوس

قال محمد بن رشد: أما الوعك فلا اختلاف في أنه إذا لم يعلم به المشتري حتى تبرأ منه أنه ليس له أن يرد؛ لأن عيبه يذهب بالبرء منه. وأما عيب الزوجية في الأمة والعبد فاختلف هل يذهب بارتفاع العصمة بموت أو طلاق أم لا على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يذهب بذلك، ولمشتري العبد أن يرده، وإن كان لم يعلم بأن له زوجة حتى ماتت أو طلقها؛ لأنها إن كانت ماتت فاعتياده أن يكون له زوجة عيب به، وإن كان طلقها فهو أشد لما يخشى من تعلق نفسه بها. وكذلك لمشتري الأمة أن يردها، وإن كان لم يعلم بأن لها زوجا حتى مات عنها أو طلقها لبقاء العيب فيها بعد الموت أو الطلاق بما ذكرناه، وهو قول مالك في هذه الرواية. والثاني: أن العيب يذهب بارتفاع العصمة بالموت دون الطلاق، وهو قول أشهب في ديوانه وإليه ذهب ابن حبيب، قال: إلا أن تكون الأمة رائعة فيكون الزوج عيبا فيها وإن مات عنها، وهو أعدل الأقوال. والثالث: أن العيب يذهب بارتفاع العصمة بالموت أو الطلاق، وهذا القول تأوله الفضل على ابن القاسم في قوله في المدونة إذا اشترى الأمة وهي في عدة من طلاق، فلم يعلم بذلك حتى انقضت العدة أنه لا رد له، وليس بتأويل بين، لاحتمال أن يكون قد علم أنه كان لها زوج ولم يعلم أنها في عدة منه. وهذا القول اختار أبو إسحاق التونسي، وقال: لأن العصمة إذا ارتفعت بموت أو طلاق فلم يبق إلا عيب اعتيادها الوطء، وهو لو وهبها لعبده يطؤها ثم انتزعها منه ما كان عليه أن يبين ذلك، ولم ير بين اعتيادها الوطء بالزوجية والتسري فرقا، ولعمري إن بينهما لفرقا؛ لأن للزوجة حقا على زوجها في الوطء إذ لا تكون الزوجية إلا للوطء، ولا حق للأمة على سيدها في الوطء، فهي تسكن إلى زوجها ما لا تسكن إلى سيدها، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري القلنسوة السوداء فإذا ذهب بها وجدها من ثوب ملبوس] مسألة وسئل مالك: عن الذي يشتري القلنسوة السوداء فإذا

مسألة: ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فزعم البائع أنه باعه بالبراءة

ذهب بها وجدها من ثوب ملبوس، فأراد ردها، فقال: إن القلانس لتعمل من الخلقان فأراها له لازمة إلا أن تكون فاسدة جدا، ولقد كان ينبغي للبائع أن يبين مثل هذا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن العرف فيها إذا كان أنها تعمل من الثياب الملبوسة فلا يلزم البائع أن يبين بذلك ويحمل المشتري على العلم به فيلزمه ولا يكون له أن يردها إلا أن يكون الثوب الذي صنعت منه منهوكا جدا ومعفونا ومحروقا فيكون به عيبا يجب به الرد، إلا أن يبين البائع بذلك، ولو بين أنها من ملبوس، وإن لم يكن منهوكا ولا معفونا لكان أحسن مخافة أن يكون المشتري ممن يجهل العرف في ذلك فيشتري وهو يظن أنها من ثوب جديد. وبالله التوفيق. [مسألة: ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فزعم البائع أنه باعه بالبراءة] مسألة وسئل مالك فقيل له: إني ابتعت عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فلما وجب لي وصار إلي قام علي البائع فجاءني فقال لي: إني كنت ابتعت هذا الغلام بالبراءة فلم أعلمك بذلك وبعتكه بيع الإسلام وعهدة الإسلام، وهذا بيع مفسوخ فقال: ما أرى ذلك، وأرى البيع جائزا، وإنما الذي أكره أن يبتاع رجل بالبراءة ويبيعه بيع الإسلام وعهدة الإسلام ويكتمه أنه ابتاعه بالبراءة. فأما من ابتاع بالبراءة وباع بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلا بأس بذلك وأراه جائزا وأرى عليه أن يعلمه أنه ابتاعه بالبراءة، ولا أرى أن يكتمه ذلك، فقال له صاحب السوق: إنك كنت أمرتني ألا يبيع من ابتاع بالبراءة إلا بالبراءة، وألا يبيع من ابتاع بيع الإسلام وعهدة الإسلام إلا بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولا يبيع بالبراءة، فقال له مالك: أما من ابتاع بالبراءة فلا أرى بأسا أن يبيع بيع الإسلام وعهدة الإسلام إذا بين له أنه ابتاع بالبراءة؛ لأنه إنما

يحكم على نفسه ويكون هو المتبع، وأما من ابتاع بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلا يبع بالبراءة؛ لأنه إنما يحكم على غيره يعمد إلى العبد فيشتريه بيع الإسلام وعهدة الإسلام، ولا يجب أن يخبر بشيء من عيوبه ولا يقيم في يديه كبير شيء حتى يعهد إليه فيبيعه بالبراءة فيحكم على المشتري بما لا يدري كيف هو، فامنعهم من ذلك أشد المنع وافسخ ذلك بينهم، من ابتاع منهم بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فلا تدعه يبيع بالبراءة؛ لأن هذا يكون في مثله التدليس، وإنما يبيع بالبراءة، وقد ابتاع بيع الإسلام وعهدة الإسلام لسوء يريده، فأرى أن يمنعهم من ذلك أشد المنع، إلا رجل باع في دين عليه أو ميراث ورثه أو بيع سلطان أو ما أشبه هذا من العذر فلا أرى به بأسا أن تدعهم يبيعوا بالبراءة، وإن كانوا إنما ابتاعوا بيع الإسلام وعهدة الإسلام. قال مالك: وبيع الناس الذي كان فيهم ماضيا يتبايعون بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فقال له صاحب السوق: أرأيت الذي يبيع العبد بالبراءة على ألا يمين على البائع، ثم يجد المشتري بالعبد عيبا قبيحا فيريد أن يستحلف له البائع ما علم هذا العيب، قال: ما أرى ذلك له عليه؛ لأنه قد اشترط عليه ألا يمين عليه ثم قال له مالك: وقد كنت أمرتك ألا تبيح هؤلاء الجلاب الذين يجلبون الرقيق في السفن من مصر أن يبيعوا شيئا من ذلك إلا بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولا يبيعوا ذلك بالبراءة قال: قد فعلت فجاء علي وابن علي وأصحاب له برقيق لهم فأمرتهم ألا يبيعوا إلا بيع

الإسلام وعهدة الإسلام، فقال له مالك: فإنه بلغني أنهم يتبايعون بالبراءة، فقال: باطل، قد منعتهم من ذلك، فقال له: فنعم امنعهم أن يبيعوا بالبراءة فإنهم يبيعون ما لا يعرفون، إنما يقدم عليهم [الرقيق] اليوم ويبيعون من الغد، فامنعهم من ذلك فإنهم يبيعون ما لا يعرفون وهم يجهلونهم. قال محمد بن رشد: إذا باع على ما اشترى من عهدة أو براءة فلا كلام في جواز ذلك، وإذا اشترى بالبراءة جاز أن يبيع بيع الإسلام وعهدة الإسلام إذا بين قولا واحدا. وإذا اشترى بيع الإسلام وعهدته فلا يجوز أن يبيع بالبراءة واختلف إن فعل، فقيل: يفسخ وهو قول مالك هنا، وقيل: لا يفسخ وهو قوله في نوازل سحنون من كتاب الاستبراء، وقد مضى ذلك كله في أول مسألة من السماع. وأما إذا اشترط الذي باع بالبراءة ألا يمين عليه فأعمل ههنا شرطه عموما في المأمون وغير المأمون وفي الذي يبيع لنفسه أو لغيره، إذ لم يفرق بين شيء من ذلك، ولم يعمله في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات إلا في الوصي والوكيل الذي يبيع لغيره، وفي الرجل المأمون، فحصل الاختلاف بين الروايتين في الرجل الذي ليس بمأمون إذا باع لنفسه. وكان من أدركنا من الشيوخ يذهبون إلى أن المعنى في هذه المسألة وفي التي في رسم سلعة سماها من كتاب المديان والتفليس في أن الشرط في التصديق في اقتضاء الدين دون يمين غير عامل، وأن له أن يحلفه سواء لحمل كل واحدة منهما على صاحبتها، فيأتي فيهما جميعا ثلاثة أقوال: إعمال الشرط، وإبطاله، والفرق بين المأمون والذي يبيع لغيره وبين الذي ليس بمأمون ويبيع لنفسه. والصواب: أنهما مسألتان مفترقتا المعنى لا تحمل إحداهما على الأخرى؛ لأن هذه اشترط فيها إسقاط يمين إن كانت قد وجبت حين الشرط ولم يعلما

مسألة: الرقيق يبعث إلينا بهم نصيح عليهم ثلاثا

بوجوبها، ومسألة سلعة سماها في اشتراط التصديق في اقتضاء الدين دون يمين اشترط فيها إسقاط يمين يعلم أنها لم تجب بعد، فالأولى بمثابة أن يقول الرجل: إن كان فلان قد اشترى هذا الشقص بكذا، فقد سلمت له الشفعة، فهذا يلزمه التسليم إن كان قد اشترى؛ والثانية بمثابة أن يقول: إن اشترى فلان الشقص فقد سلمت له الشفعة فهذا لا يلزمه التسليم إن اشترى؛ لأنه أسقط حقه قبل أن يجب له، فلا يدخل الاختلاف في مسألة التصديق في اقتضاء الدين دون يمين من مسألة العيوب هذه ولا فيها نص خلاف. قال في الواضحة: وكل من وضع يمينا قبل أن تجب فهي غير موضوعة، وإنما يدخل الاختلاف فيها بالمعنى؛ لأن إسقاط الحق قبل وجوبه أصل مختلف فيه، من ذلك اختلافهم فيمن شرط لامرأته إن تزوج عليها فأمرها بيدها فأسقطت عنه الشرط وأذنت له بالتزويج، فلما تزوج أرادت أن تقضي، وقد مضى القول على هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح. [وبالله تعالى التوفيق] . [مسألة: الرقيق يبعث إلينا بهم نصيح عليهم ثلاثا] مسألة وقال له صاحب السوق: أرأيت الرقيق يبعث إلينا بهم نصيح عليهم ثلاثا، فأصيح عليهم وأبين لهم أني أصيح ثلاثا، فأصيح يومين فإذا كان اليوم الثالث شغل أهلوهم فلم يرسلوهم إلينا اليوم واليومين والثلاثة، ثم يرسلونهم فيقول الذين كانوا عليهم: قد حبسوا عنا وقد مضت أيام الصياح ولا حاجة لنا بهم، فقال مالك: إذا كان اليوم واليومان وما أشبه ذلك فأرى أن يلزمهم ذلك، وأما إذا كان العشرين ليلة وما أشبه ذلك فلا، فقال له: إن طلحة بن بلال بعث إلي برقيق أبيعهم وأصيح عليهم ثلاثا، فصحت عليهم يومين ثم مات فشغل أهله بموته فلم يبعثوا بهم إلا بعد يومين فأراد الذين كانوا عليهم تركهم، وقالوا: قد حبسوا عنا

ومضت أيام الصياح، فقال له: لا أرى ذلك لهم، وأرى أن يلزمهم إياهم، فقيل له: أيلزم ما كان مثل هذا؟ فقال له: أما اليوم واليومان وشبه ذلك فأرى أن يلزمهم إياهم والعذر عذر، وأرى لمثل هؤلاء عذرا، وأما الشيء الكثير فلا أراه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على ما في المدونة في الذي يشتري السلعة على أنه بالخيار ثلاثا أن البيع لا يلزمه بمغيب الشمس من آخر أيام الخيار، وأن له أن يردها بعد انقضاء أيام الخيار ما لم يتباعد ذلك؛ لأنه إذا صاح على العبد وبين أنه يصيح عليه ثلاثا يطلب الزيادة فكل من أعطى فيه عطاء فقد لزمه الشراء على أن صاحب العبد عليه، بالخيار ما لم تنقض أيام الخيار فلصاحب العبد أن يلزمه الشراء، وإن انقضت أيام الصياح ما لم يتباعد ذلك، وقد قيل: إنه ليس له أن يرد السلعة التي اشترى بالخيار بعد انقضاء أيام الخيار، فعلى هذا ليس له أن يلزمه الشراء في العبد بعد انقضاء أيام الصياح. ولو كان الذي يصاح عليه في بيع المزايدة مما العرف فيه أن يمضي أو يرد في المجلس ولا يشترط أن يصيح عليه أياما لما كان له أن يلزمه الشراء بعد أن ينقلب بالسلعة عن المجلس، وقد روي ذلك عن ابن القاسم سئل عن الرجل يحضر المزايدة فيزيد، ثم يصاح عليها فينقلب بها إلى أهلها، ثم يأتونه من الغد فيقولون له: خذها بما زدت هل يلزمه ذلك؟ فقال ابن القاسم: أما مزايدة الميراث أو متاع الناس فلا يلزمه ذلك إذا انقلبوا بالسلعة أو تركوها في المجلس وباعوا بعدها أخرى، وإنما يلزم هذا في بيع السلطان الذي يباع على أن يستشار السلطان فإن ذلك يلزمه إذا أمضاه السلطان، وجدت هذه المسألة لابن القاسم بخط يد أبي عمر الإشبيلي، وهي صحيحة على أصولهم. ومعنى قوله: إن ذلك يلزمه إذا أمضاه السلطان يريد ما لم يتباعد على ما مضى من قول مالك في مسألة الصياح، وبالله التوفيق.

ابتاع عبدا بالبراءة بيع الميراث

[ابتاع عبدا بالبراءة بيع الميراث] ومن كتاب الأقضية وسئل مالك: عمن ابتاع عبدا بالبراءة بيع الميراث لا عهدة فيه، فأقام عنده ما شاء الله، ثم باع بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولم يخبرهم أنه كان اشتراه بالبراءة، فأراد المشتري أن يرده بذلك، فقال: ما أرى البائع إلا بئس ما صنع، وأن للمشتري أن يرده [بذلك] إن أحب ما لم يبين ذلك له ولو علم المشتري بهذا لم يشتره فأرى له أن يرده إن أحب، قيل له: إنه قد أقام عنده فلم ير إلا خيرا، قال: فما له لم يبين ذلك له، أرى أن يرده إن أحب. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في أول الرسم الذي قبل هذا وفى آخره فلا معنى لتكراره، وبالله التوفيق. [مسألة: عهدة السنة هل هي بعد الثلاث] مسألة وسئل مالك: عن عهدة السنة أمن بعد الثلاث؟ قال: نعم، فقلت له: عهدة السنة إنما هي من بعد الثلاث؟ فقال لي: نعم، وسألت مالكا عن عهدة الثلاث أتدخل في الحيضة أم تكون بعد الحيضة؟ فقال لي: بل أراها تدخل في الحيضة، وذلك أنه يواضعها إياه المشتري حتى تحيض، فإذا حاضت قبضها وخلا بها فصارت منه، فلذلك تدخل الأيام الثلاثة في الحيضة، فقيل لمالك: أفرأيت عهدة السنة؟ فقال: إذا قبضها استقبل السنة، قلت له: فإذا قبضها بعد الحيضة استقبل عهدة السنة؟ فقال لي: نعم، إنما يستقبل عهدة السنة إذا قبضها بعد الحيضة.

عهدة الثلاث والسنة هل يحمل أهل الآفاق عليها

قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته ههنا، وبالله التوفيق. [عهدة الثلاث والسنة هل يحمل أهل الآفاق عليها] ومن كتاب الأقضية الثاني قال أشهب: وسألته عن عهدة الثلاث والسنة أترى أن يحمل أهل الآفاق عليها؟ فقال: ما أرى ذلك، وأرى أن يتركوا على حالهم، وليس في هذا شيء، وهذا مثل بيع البراءة عندنا، وهم ههنا بمكة أقرب إلينا لا يعلمون به، فأرى أن يقروا، وذلك مثل بيع البراءة عندنا، قيل له: أرأيت الجواري؟ فقال: لا أرى أن يبعن كذلك، وأرى فيهن المواضعة في الحيضة بمنى وغيرها. قال محمد بن رشد: عهدة الثلاث والسنة ثابتة معمول بها في بلد الرسول قديما وحديثا، واختلف منها إذا لم تكن جارية في البلد في موضعين؛ أحدهما: وجوب حمل الناس عليها. والثاني: وجوب الحكم بها بينهم، فأما وجوب حمل الناس عليها ففيه قولان؛ أحدهما: رواية أشهب هذه أنه لا يحمل الناس عليها. والثاني: أنه يحمل الناس عليها، وهو قول المدنيين وروايتهم عن مالك، وحكى ذلك ابن حبيب في الواضحة، ومثله في سماع ابن القاسم من كتاب السلطان قوله: وددت ذلك، وأما وجوب الحكم عليهم بها فيما تبايعوه حيث لا يعمل بها قبل أن يحملوا عليها ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يحكم عليهم بها، وإن لم يشترطوها، وهو قول المدنيين وروايتهم عن مالك؛ والثاني: أنه لا يحكم بها بينهم إلا أن يشترطوها، وهي رواية المصريين عن مالك؟ والثالث: أنه لا يحكم بها بينهم وإن اشترطوها، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز، ومحمد بن عبد الحكم يرى عهدة السنة حراما لا يعمل بها، فالعهدة في الرقيق مخالفة للأصول إلا أنها عند مالك سنة سلفه فيها أهل بلده فهو متبع لهم فيها، وسائر فقهاء الأمصار يرون المصيبة في كل ما يحدث بالرقيق بعد الشراء من

المشتري قياسا على سائر الحيوان وعلى العروض، وما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية عقبة بن عامر الجهني أنه قال: «عهدة الرقيق ثلاث ليال» منهم من يضعفه، وأصحاب الشافعي يقولون: معناه في الخيار المشروط، وما اتصل عليه العمل بالمدينة فهو عند مالك أصل يقدمه على القياس، فرواية المدنيين عنه في أنه يحمل الناس عليها ويحكم بها عليهم وإن جهلوها ولم يشترطوها هو الذي يأتي على أصل مذهبه، وسائر ما ذكرناه من الأقوال في ذلك فإنما هي استحسان ومراعاة للخلاف فمن أصل مذهبه مراعاته، فإن باع بالبراءة في بلد قد عرفت فيه العهدة برئ من عهدة الثلاث والسنة ومن كل عيب قديم لم يعلم به البائع، وإن باع بالبراءة في بلد لا تعرف فيه العهدة فمعناه البراءة من كل عيب قديم لم يعلم به البائع. وأما المواضعة: فهي واجبة عند مالك وجميع أصحابه في الأمة التي وطئها سيدها ولم يستبرئها رفيعة كانت أو وضيعة، وفي التي لم يطأها أو وطئها واستبرأها إذا كانت رفيعة يخشى أن تكون حاملا، إلا أن تكون ذات زوج أو زانية؛ لأنها تنفي الخطر والغرر من أجل أن الأمة الرفيعة ينقص الحمل من ثمنها كثيرا إذا لم تكن ذات زوج ولا زانية؛ لأنها إن كانت ذات زوج أو زانية فقد دخل المشتري على أن الحمل لا يؤمن منها فارتفع الغرر منها فيجب الحكم بها على الحاضر والمسافر لم يختلف قول مالك في ذلك كما اختلف في العهدة. وقد سئل عن ذلك في أهل منى وأهل مصر عند الخروج إلى الحج في الغرباء الذين يقدمون فرأى أن يحملوا على ذلك على ما أحبوا أو كرهوا. وإنما وجبت المواضعة فيمن كانت هذه صفتها من الإماء مخافة الحمل إن ظهر بها كسائر ما يظهر من العيوب بالمبيع فيكون المشتري مخيرا بين الرد والإمساك، أو كالجنون والجذام والبرص الذي إن ظهر بالعبد أو الأمة في السنة رد به وجاز البيع من غير

مسألة: بعت وصيفة مولدة من رجل بالبراءة فسئلت الوصيفة عن أبيها فلم تعرفه

مواضعة؛ لأن الجنون والجذام والبرص أمر نادر، وفي توقيف الأمة أو العبد حولا كاملا لاستبراء ذلك ضرر بالمتبايعين، وأما الحمل فليس بنادر بل هو أمر عام؛ لأن جل النساء على الحمل، ومدة إيقافها للمواضعة يسيرة لا ضرر فيها على المتبايعين [وهي تنفي الغرر والخطر وغير ذلك مما لا يجوز من السلف الذي يجر نفعا إن] نقد الثمن، فوجب أن يجب الحكم بذلك [وبالله التوفيق] . [مسألة: بعت وصيفة مولدة من رجل بالبراءة فسئلت الوصيفة عن أبيها فلم تعرفه] مسألة وسئل فقيل له: بعت وصيفة مولدة من رجل بالبراءة فسئلت الوصيفة عن أبيها فلم تعرفه، فسألني أن أكتب له لطيبة وأنا لا أدري لطيبة أم لا وإنما اشتريتها من رجل من أهل اليمامة، فقال: أراك قد شرطت له مولدة، وليست المولدة إلا الطيبة، فأرى أن تحلف بالله لقد بعته وما تدري أمولدة أم لا؛ لأنه يتهمك أن تكون ندمت فيها، فإذا حلفت فإن شاء ردها، وإن شاء أمسكها، قلت: أرأيت إن قال البائع: هو ندم واستغلاها وقد بعته إياها وإنما ابتعتها من قوم لا علم لي بهم؟ فقال: هذا الذي أرى. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه لما باع منه على أنها مولدة، ومعنى المولدة التي هي لرشدة وهي التي تعرف أمها وهي أمة لولادتها في الإسلام، وذلك لا يحل إلا بالتزويج، فقد باع منه على أنه يعرف ذلك فاشترى المشتري على الثقة بقوله، فلما قال له بعد ذلك: إنه لا يعرف ذلك اتهم على أنه أراد أن يزهده فيها بقوله: إنه لا يعرف أنها لرشدة وهو يعرف ذلك، فهي يمين تهمة فيها للمشتري منفعة وهي أنه إن نكل عن اليمين تبين له بنكوله عنها أنه يعرف أنها لرشدة وأنه إنما أراد أن يزهده فيها

مسألة: ابتاع وصيفا فوجده ولد زنى أله أن يرده

رجاء أن يردها عليه فتطيب حينئذ نفسه على إمساكها إن شاء، وجبر على أن يكتب له أنها لرشدة ليقوم عليه بذلك متى ثبت أنها لغير رشدة، وإن حلف لم يجبر على ذلك وكان بالخيار أيضا بين أن يردها من ساعته أو يمسكها فلا يردها إلا أن يثبت أنها لغير رشدة. ومعنى لطيبة أي لأم طيبة المنكح، وأصله التشديد، ولكن يخفف كهين وميت. [وبالله التوفيق] . [مسألة: ابتاع وصيفا فوجده ولد زنى أله أن يرده] مسألة وسئل: عمن ابتاع وصيفا فوجده ولد زنى أله أن يرده؟ قال: نعم إذا كان شرط له لطيبة، فقيل له: ماذا؟ فقال: إن كان شرط له لطيبة ثم وجده ولد زنى فله أن يرده. قال محمد بن رشد: لم ير له الرد في هذه الرواية بذلك ألا إذا اشترى وشرط الرشدة، وابن القاسم يرى الرد في ذلك، وإن لم يشترط الرشدة، وقد مر في رسم البز من سماع ابن القاسم أن العلية ترد بذلك، ومثله في آخر سماع أشهب هذا، فهي ثلاثة أقوال. [مسألة: وقف جارية بالسوق وليس عليها إلا إزار] مسألة وسأله صاحب السوق: عمن وقف جارية بالسوق وليس عليها إلا إزار، فقال للسوام: إني لا أبيعها إلا عريانة أنزع هذا الإزار عنها، فاشتريت على ذلك، فأراد نزع الإزار عنها وقال: هو شرطي عليكم في بيعي فهاتوا ما تلبس جاريتكم حتى آخذ الإزار عنها، أفترى ذلك أم ترى أن يفسخ البيع؟ فقال: بل أراه بيعا جائزا لا يفسخ، ولا أرى له أن يعطيهم إياها عريانة، عليه أن يعطيهم إياها بما يواريها إما بذلك الإزار الذي باعها به وهو عليها، وإما أن

يعطيهم إياها بثوب غيره مما يواريها، وليس له أن يعطيهم إياها عريانة، وإن كان قد اشترط ذلك عليهم، فقال له: فإنه قد أبى أن يعطيهم، وقال: على ذلك بعتهم الجارية، فقال له: أرى البيع ماضيا وأرى أن يكلفه [أن يعطيهم ثوبا يواريها به إزارا أو غيره، فإن أبى فالشرط أرى ذلك عليه وأرى أن يكلفه] إياه، فقال له: فإن رجلا أيضا أتى بجارية فباعها على أن الثياب التي عليها عارية، وأن لها في المنزل خلق ثوبين وإنما أبيعكموها بهما ليس لكم علي غيرهما، فباعها بذلك من الشرط ثم جاء بالثوبين، فإذا هما لا يواريانها، فقال له: ذلك لا أراه له وإن اشترطه، وأرى أن يجاز البيع بينهما ولا يفسخ، ويلزمه أن يعطيها ثوبا يواريها به، فأما خلقا لا يواريها فلا أرى ذلك له، وأرى أن يكلف أن يعطيها إزارا، فقال له: فالقميص؟ فقال: لا أرى ذلك عليه، وأرى أن يعطيها إزارا يواريها وليس له أن يعطيها ذلك الثوبين الخلقين إذا لم يكونا يواريانها، وليس الأخلاق كلها سواء رب ثوب خلق يواري، فأما إذا كان لا يواريها فلا أرى أن تجيز ذلك له، وأرى أن تلزمه أن يعطيها ثوبا أو إزارا يواريها، فقال له: فألزمهم هذا؟ فقال له: نعم، تلزمهم هذا فإن هذا رأيي. قال محمد بن رشد: هذه مسألة مخالفة للأصول؛ لأن الشروط المشترطة في البيوع على مذهب مالك تنقسم على أربعة أقسام: قسم يبطل فيه البيع والشرط، وهو ما آل البيع به إلى الإخلال بشرط من الشروط

مسألة: ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلم يقم عنده إلا شهرا

المشترطة في صحة البيع؛ ومنها ما يفسخ به البيع ما دام مشترط الشرط متمسكا بشرطه؛ وقسم يجوز فيه البيع والشرط، وهو ما كان الشرط فيه جائزا لا يؤول إلى فساد ولا يجر إلى حرام، وقسم يجوز فيه البيع ويفسخ الشرط وهو ما كان الشرط فيه حراما إلا أنه خفيف فلم يقع عليه حصة من [جملة] الثمن، فالذي يوجبه القياس والنظر في الذي باع الجارية على أن ينتزع ما عليها من الثياب ويبيعها عريانة أن يكون البيع جائزا والشرط عاملا جائزا؛ لأنه شرط جائز لا يؤول إلى غرر ولا خطر في ثمن ولا مثمون ولا يجر إلى ربا، ولا حرام، فوجب أن يجوز ويلزم؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون على شروطهم» ، وعلى مذهب جابر بن عبد الله وهو قول عيسى بن دينار في المدنية وروايته عن ابن القاسم أن الرجل إذا اشترط أن يبيع جارية عريانة فذلك له، وبه مضت الفتوى بالأندلس. وأما الذي باع الجارية على أن ينتزع الثياب التي عليها عنها ولا يكون لها إلا ثوبان خلقان في المنزل، فكان القياس والنظر فيها على المذهب أن يكون البيع فاسدا؛ لأن الأخلاق من الثياب تختلف، فوقع البيع على غرر، إذ لم ير المشتري خلق الثوبين ولا وصفا له ولو وصفا له لما وجب أن يجوز البيع على ذلك إلا على اختلاف، إذ ليسا بغائبين عن البلد. فرواية أشهب هذه مضاهية لقول ابن أبي ليلى في أن البيع والشرط إذا وقعا يجاز البيع ويفسخ الشرط جملة من غير تفصيل على ظاهر حديث بريرة. [وبالله التوفيق] . [مسألة: ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلم يقم عنده إلا شهرا] مسألة وسئل: عمن ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلم يقم عنده إلا شهرا] حتى أبق منه، فأراد أن يستحلف البائع ما أبق

مسألة: الصبي الصغير يكون في الكتاب فيأبق فيقيم اليوم واليومين

عنده، فقال: أرى عليه يمينا لعله أن يكون ضربه أو أساء إليه فأبق من ذلك، ما أرى له عليه من يمين إلا أن يأتي بشبهة أو أمر يتهم عليه، فقيل له: ليس إلا أنه اشتراه فلم يقم عنده إلا شهرا حتى سرق أو أبق فاتهمه أن يكون قد كان يفعل عنده مثل هذا فأراد استحلافه على هذا، فقال: ما أرى ذلك له عليه، وذلك يختلف عندي. أما الجليب الذي إنما جلب ثم باعه فإني لا أرى له عليه يمينا، وأما [الغلام] الذي نشأ عنده اعتاده، فإن ذلك عندي مختلف، قيل له: فإنه غلام نشأ بالمدينة وكان بها ليس بجليب باعه هذا من هذا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلم يقم عنده إلا شهرا حتى سرق أو أبق، أفترى له عليه يمينا لما فعل عنده من ذلك شيئا قبل أن يبيعه؟ فقال: ما أرى ذلك عليه إلا أن يكون لذلك شبهة أو أمر يستبين. قال محمد بن رشد: قال: إن الجليب يختلف عنده من غير الجليب في إيجاب اليمين على البائع، ثم رجع عند تحقيق الجواب إلى أنه لا يمين عليه في الوجهين جميعا إلا بشهبة أو أمر يستبين وقد مضت هذه المسألة، والقول عليها في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [وبالله التوفيق] . [مسألة: الصبي الصغير يكون في الكتاب فيأبق فيقيم اليوم واليومين] مسألة وسئل [مالك] عن الصبي الصغير يكون في الكتاب فيأبق فيقيم اليوم واليومين، فإذا بلغ وكبر باعه سيده ولم يبين إلى المشتري من ذلك ويعلمه إياه، ثم يعلم المشتري بعد ذلك

مسألة: يبيع الجارية ولا يعرف أبكر هي أم ثيب

بأمره، أترى له رد العبد على البائع بذلك؟ فقال: نعم، أرى ذلك له عليه ولمثل هذا من الإباق عادة وهو عيب فأرى له رده. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العيوب في الأخلاق عوائد تبقى عاقبتها، فعلى البائع أن يبين بما كان من ذلك عنده وإلا كان مدلسا. [وبالله التوفيق] . [مسألة: يبيع الجارية ولا يعرف أبكر هي أم ثيب] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يبيع الجارية فيقال له: أبكر هي أم ثيب؟ فيقول: والله ما أدري ولكني أبيعكموها بكرا كانت أو ثبيا، فقال: لا أرى بذلك بأسا، قيل له: لا ترى بذلك بأسا؟ قال: نعم لا أرى بذلك بأسا، لا سيما في الجارية الدنية التي لا ثمن لها، قيل له: من جواري الخدمة واللاتي لا بال لهن؟ فقال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الجارية التي يوطأ مثلها محمولة على أنها قد وطئت، فإنما يشتري المشتري على ذلك، وإن سكت البائع ولم يذكر شيئا من ذلك، فكيف إذا تبرأ من معرفة ذلك، وإنما يجب للمشتري أن يردها إذا ألفاها ثيبا واشتراها على أنها بكر، أو كانت ممن لا يوطأ مثلها، وهي من غير الوخش على ما مضى في رسم سن من سماع ابن القاسم. وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: أوقف جارية له بالسوق فسيم بها] مسألة وسئل: عمن أوقف جارية له بالسوق فسيم بها فقال: لا أنقص فيها من ثلاث وعشرين دينارا، فقال له رجل: إن جاريتك عريانة

فضع لي نصف دينار في كسوتها، ففعل، ثم إن الذي اشتراها باعها فقالت الجارية: للذي ابتاعها قد كان لي عند الذي باعني نصف دينار، قال ابن كنانة: قلت له: إن مالكا قد قال فيها يستحلف الذي باعها لقد باعها وهو نازع للنصف دينار منها. قال مالك وأنا أسمع: صدق ابن كنانة قد قلته، ثم أخبرني ابن كنانة بعد أن مالكا نزع عنها وقال: أرى أن يؤخذ من البائع النصف دينار فيدفع إلى الجارية. قال محمد بن رشد: حكم لما وضع البائع للمشتري في كسوة الجارية بحكم كسوتها ولم يحكم له بحكم مالها، إذ حكم مال العبد أن يكون بنفس البيع للبائع إلا أن يشترطه المبتاع على ما جاء في السنة الثابتة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولا أراه مالا من مال المشتري الذي وضعه له، وذلك نحو ما في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، فيقوم من قوله الأول الذي قال فيه: إن البائع يستحلف لقد باعها وهو نازع للنصف دينار منها أن من باع عبدا وله عنده كسوة تشبه لبسته أنها لا تكون إلا بعد يمينه لقد باعها وهو منتزع لها، وكان القياس أن يكون له إذا باعه كسائر ماله إلا أن يشترطه المبتاع أو يشترط ماله فيدخل فيه على ما حملنا عليه ما وقع في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد، وما وقع في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب التجارة لأرض الحرب، ووجه القول الذي رجع إليه أنه حكم للنصف دينار الموضوع في كسوتها بحكم ما كان عليها من الكسوة التي يبتذل مثلها عند البيع فيكون ذلك للمبتاع، وإن لم يشترطه على ما قال في أول سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وهو في القياس بعيد أبعد من القول الأول، وبالله التوفيق.

حضر جارية تباع في السوق فقال له رجل كف عني فيها فإن لي بها حاجة

[حضر جارية تباع في السوق فقال له رجل كف عني فيها فإن لي بها حاجة] ومن كتاب أوله مسائل بيوع ثم كراء وسئل: عمن حضر جارية تباع في السوق فقال له رجل: كف عني فيها فإن لي بها حاجة، فقال: أما الرجل الخاص يقول لصاحبه إن لي بهذه الجارية حاجة [فكف عني فيها] فليس بذلك بأس، أرجو ذلك، فأما الأمر العام فلا أحبه، إن تواطأ الناس بهذا فسدت السلع، فأما الرجل الواحد الخاص فأرجو ألا يكون به بأس. [قيل له: أرأيت إن قال: اكفف عني ولك نصفها؟ فقال: لا، والأول أعجب إلي] . قال محمد بن رشد في المبسوط من رواية ابن نافع عن مالك: أنه كره ذلك في الواحد وقال: لا أراه حسنا؛ لأنه لو قال: لكل من يراه يريد أن يزيد عنه كف عني أضر بذلك بالبائع وأخذ السلعة بحكمه فلا أرى ذلك جائزا لأحد، وذلك قريب مما في الكتاب؛ لأنه إنما كره الواحد من ناحية الذريعة لئلا يتطرق به إلى استجازة ذلك في الجماعة، ولو قال للواحد: كف عني ولك دينار جاز ذلك ولزمه، اشترى أو لم يشتر، ولو كان قوله كف عني ولك نصفها على طريق الشركة لجاز أيضا، وإنما لم يجز ذلك في الرواية إذا أعطاه النصف على طريق العطية، فكأنه أعطاه على ألا يزيد عليه ويكف عنه ما لا يملك فلذلك لم يجزه، والله أعلم، قاله ابن دحون، وهو صحيح إن شاء الله. ولو اشتراها للتجارة فوقف عليه رجل من التجار بها فكف عنه فيها ثم سأله الشركة فيها للزمه ذلك على اختلاف سنذكره إن شاء الله في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع وبالله التوفيق.

مسألة: يبيع الجارية على أن يتخذها أم ولد فيعلم بمكروه ذلك

[مسألة: يبيع الجارية على أن يتخذها أم ولد فيعلم بمكروه ذلك] مسألة قال: وسئل مالك عن الذي يبيع الجارية على أن يتخذها أم ولد فيعلم بمكروه ذلك، فقال البائع: أنا أضع عنك الشرط، أترى أن يمضي البيع إذا وضع عنه؟ قال: لا أرى ذلك، وأرى أن يفسخ البيع ويرد، وليس ذلك مثل الذي يبيع ويشترط سلف عشرة دنانير فيدع السلف، وأرى إذا باعها منه على أن يتخذها أم ولد فيعلم بذلك وقد حملت أن تكون للمشتري بقيمتها يوم اشتراها، والله أعلم. قال محمد بن أحمد: قد ساوى في المدونة بين المسألتين فقال: إنه إذا رضي بترك الشرط جاز البيع كالبيع والسلف، وهو المشهور في المذهب، وجعل في هذه الرواية البيع والسلف أخف من الذي يبيع الأمة على أن يتخذها أم ولد وقد قيل: إنه أشد منه، فيفسخ البيع والسلف على كل حال في القيام، وتكون فيه القيمة في الفوات، بالغة ما بلغت، ولا يفسخ البيع في الذي يبيع الأمة على أن يتخذها أم ولد إذا رضي البائع بإسقاط الشرط، فإن فات البيع كان فيه الأكثر من القيمة أو الثمن على حكم بيوع الثنيا. وقد مضى وجه الفرق بينهما عند من رآهما مفترقين وذكر الاختلاف في ذلك في سماع يحيى من كتاب السلم والآجال، فلا معنى لإعادة ذكر ذلك، وقوله بقيمتها يوم اشتراها معناه إذا كان الشراء والقبض في يوم واحد، وأما إن تأخر القبض عن الشراء فإنما يكون عليه قيمتها يوم قبضها، وبالله تعالى التوفيق. [يبتاع العبد بالبراءة ثم يظهر منه على بياض] ومن كتاب الأقضية وسئل مالك: عن الرجل يبتاع العبد بالبراءة ثم يظهر منه على

بياض فيقول للبائع: احلف ما علمت به هذا البياض، فيقول: لا أحلف ولكن احلف أنت بالله الذي لا إله إلا هو ما رأيته فرضيته بعد الروية، فقال: لا أرى ذلك للبائع على المبتاع، لا أرى له عليه يمينا. قال محمد بن رشد: قال إن البائع يحلف ما علم بالبياض، يريد وإن كان ظاهرا من أجل أنه بيع بيع براءة، وقد نص على ذلك في سماع يحيى، وإنما يختلف إذا لم يكن البيع بيع براءة حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم، ولم يبين هل ثبت قدم البياض الذي ظهر عليه أم لا، وقد اختلف في إيجاب اليمين عليه إن لم يثبت قدمه، فقيل: إنه لا يحلف في بيع البراءة إلا في الموضع الذي يجب الرد به في غير بيع البراءة، وهو أن يثبت قدم العيب عنده، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، ومثله في كتاب ابن المواز، وقيل: إنه يحلف كما يحلف إذا لم يكن البيع بيع براءة وهو ظاهر هذه الرواية، ونص قول ابن القاسم في رسم أول عبد أبتاعه من سماع يحيى بعد هذا، وكذلك اختلف أيضا إن نكل عن اليمين، فقيل: إنه يرد عليه دون يمين، وهو قول مالك في كتاب ابن المواز، ومثله في الواضحة، وهو دليل قوله في هذه الرواية لا أرى له عليه يمينا؛ لأن ظاهره ألا يمين له عليه بحال على ظاهر ما جاء في حديث قضاء عثمان على عبد الله بن عمر من قوله فيه: فأبى عبد الله بن عمر أن يحلف وارتجع العبد. وأما قوله في الرواية: إنه لا يمين له عليه أنه ما رآه فرضيه بعد الروية، فهذا مثل ما في المدونة، قال فيها: إنه لا يحلف له إلا أن يدعي أنه بلغه ذلك أو أن مخبرا أخبره بذلك، قال في العشرة بعد أن يحلف على ذلك فتكون يمينه على ذلك توجب له اليمين. قال بعض المتأخرين: ويحلف لقد أخبره بذلك مخبر صدق، فإن كانت له بينة على إخباره إياه أو أتى بالمخبر فقال: هذا أخبرني سقطت عنه اليمين، وإن كان المخبر الذي أتى به غير عدل.

مسألة: ابتاع من رجل جارية على أنها عذراء فقبضها بكرة وغاب عليها

[مسألة: ابتاع من رجل جارية على أنها عذراء فقبضها بكرة وغاب عليها] مسألة وسئل: عمن ابتاع من رجل جارية على أنها عذراء فقبضها بكرة وغاب عليها، فلما كان بالعشي جاءه بها فقال: لم أجدها عذراء، فقال له البائع: أما أنا فلم أبعك إلا عذراء وقد غبت عليها ولست أدري لعلك افترعتها أو غيرك، فقال مالك: أرأيت لو جاءه بها من ساعته أنه ليس بمثل هذا من خفاء، فأرى أن يريها النساء، فإن قلن: نرى أثرا قريبا من افتراعها حلف البائع بالله الذي لا إله إلا هو [ثم لزمت المبتاع، فإن قلن: ما نرى شيئا، إن هذا فيما نرى لقديم أحلف المبتاع بالذي لا إله إلا هو ثم] ردها؛ لأن النساء لم يشهدن على أنها لم تفترع عند هذا، وإنما قلن: لا نرى شيئا قريبا، فقلت له: افهمني يا عبد الله ما تقول إذا قال النساء: ما نرى أثرا قريبا [من افتراعها] ، وإن افتراعها لقديم غير حديث، فقيل للمبتاع: أحلف فأبى؟ فقال لي: إذا أبى أن يحلف ردت اليمين على البائع ثم لزمت الجارية المبتاع. قال محمد بن رشد: جعل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - شهادة النساء، إذا لم يشهدن قطعا من جهة النظر أنها لم تفترع عند البائع ولا عند المبتاع وإنما قلن: نرى أثرا قريبا وإن افتراعها فيما نرى لقريب، أو نرى أثرا بعيدا وإن افتراعها فيما نرى لبعيد، دليلا يوجب أن يكون القول قول من شهدن له بذلك من البائع أو المبتاع مع يمينه، كالشاهد واليد والرهن وإرخاء الستر ومعرفة العفاص والوكاء وما أشبه ذلك من الأشياء، ولو كان ما رأى النساء من افتراعها أمرا بينا لا يشككن فيه أنه حديث لا يمكن أن يكون عند البائع، أو قديم لا يمكن أن يكون حدث عند المبتاع، فقطعن على ذلك وبتتن

مسألة: اشترى جارية ليتخذها أم ولد فاخبر أنه لا يعرف أبوها

الشهادة فيه، إذ ذلك مما تدرك معرفة حقيقته بالنظر والعيان لكانت شهادتهن في ذلك عاملة دون يمين على ما نص عليه في رسم يدير ماله بعد هذا من سماع عيسى، وعلى ما دل عليه قوله أيضا في هذه الرواية أرأيت لو جاء بها من ساعته أنه ليس بمثل هذا من خفاء، وقد كان جميع من أدركنا من الشيوخ يحملون رواية أشهب هذه على الخلاف لرواية عيسى، وعلى ذلك يحملها أيضا من لم ندرك من الفقهاء المتقدمين فيما بلغنا عنهم، فكانوا يختلفون على ذلك في الحائط يكون بين الدارين لرجلين فيدعيه كل واحد منهما ملكا لنفسه ويشهد الشهود لأحدهما أنه من حقوق داره بدليل عقود البناء وما أشبه ذلك، فهل يقضى بشهادتهم لمن شهدوا أنه من حقوق داره بيمين أو بغير يمين؟ وهي عندي مسألة أخرى لا ينبغي أن يختلف في إيجاب اليمين فيها، إذ لا يمكن الشهود أن يشهدوا أنه ملك لأحدهما من جهته [دليل] البناء، إذ قد يكون لمن لا دليل له فيه بشرط في أصل مقاسمة الدار أو بيع أو هبة أو ما أشبه ذلك، وباليمين كان يفتي أبو عمر الأشبيلي، وهو نص قول عبد الملك بن الماجشون في الثمانية، ولو كان المتداعيان في الحائط، لا يدعيه كل واحد منهما لنفسه ملكا وإنما يقول: إنه من حقوق داره [لوجب أن يقضى به لمن شهدت البينة منهما له أنه من حقوق داره] دون يمين وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى جارية ليتخذها أم ولد فاخبر أنه لا يعرف أبوها] مسألة وسئل مالك: عمن اشترى جارية ليتخذها أم ولد فاخبر أنه لا يعرف أبوها، أله أن يردها؟ فقال: ذلك له [إن كانت ذات ثمن] . قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم

مسألة: اشترى جارية ليتخذها أم ولد فاخبر أن أحد جديها أسود

الأقضية الثاني من هذا السماع وفي رسم البز من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى جارية ليتخذها أم ولد فاخبر أن أحد جديها أسود] مسألة قيل له: أرأيت إن أخبر أن أحد جديها أسود، أله أن يردها؟ فقال: لا أرى ذلك له. قال محمد بن رشد: في الواضحة لمالك أن العلية ترد بذلك، وهو صحيح، لما يخشى من أن ينزع عرقه فيأتيه منها ولد أسود، والأصل في ذلك ما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أتاه رجل فقال: يا رسول الله، إن أهلي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها، قال: حمر، قال: فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا، قال: فأنى ترى ذلك جاءها؟ قال: عرق نزعه، قال: فلعل ابنك نزعه عرق» ولم يرخص له في الانتفاء منه. [مسألة: ابتاع جارية ثم جاء فزعم أنها تبول في الفراش] مسألة وسئل: عمن ابتاع جارية ثم جاء فزعم أنها تبول في الفراش، فأنكر ذلك البائع وكذبه، أيهما يحلف؟ قال: هذا أمر يعرف يضعانها على يدي عدل حتى يعرفوا ذلك منها، وهذا مما يجوز فيه قول النساء، ومما يجوز فيه قول الرجال يجدون

مسألة: عبد بيع بالبراءة من الإباق فعطب أو مات

تحتها البول قيل: أفتراه مما يحدث؟ قال: لا ويسأل عن ذلك أصحاب الرقيق وهم أعرف بهذا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر؛ لأن الجارية تتهم على أن تفعل ذلك عند الذي وضعت عنده لترجع إلى سيدها، وقد قال ابن عبد الحكم في الكتاب المعروف بالمولدات لا يثبت مثل هذا إلا بإقرار البائع؛ لأن العبد يتهم على أن يبول عامدا أو يلقي ماء في فراشه، والصحيح فيها ما حكاه ابن حبيب في الواضحة قال: لا يردها حتى يقيم بينة أنها كانت تبول في الفراش عند البائع؛ لأنه مما يحدث في ليلة فأكثر، ويحلف البائع على علمه ولا يحلف بدعوى المبتاع حتى توضع بيد امرأة أو رجل له زوجة، فيذكر ذلك، ويقبل قول المرأة في ذلك وقول زوجها عليها، فتجب بذلك اليمين على البائع، وليس بمعنى الشهادة [ولو جاء المشتري بقوم ينظرون مرقدها بالغداة مبلولا فلا بد من رجلين؛ لأن هذا من معنى الشهادة] ثم يحلف حينئذ البائع. قال: والغلام مثل هذا، وكذلك قال كل من كاشفت من أصحاب مالك. [مسألة: عبد بيع بالبراءة من الإباق فعطب أو مات] مسألة وسئل عن عبد بيع بالبراءة من الإباق، فعطب أو مات، فقال: إن أقام البينة أنه عطب في الثلاث فهو من البائع، قيل: من يكلف ذلك؟ قال: المشتري، وهو مثل ما لو غاب عليه فعليه البينة أنه مات في الثلاث. قال محمد بن رشد: هذا خلاف روايته عنه في أول السماع مثل رواية ابن القاسم عنه في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وقد مضى هناك القول على ذلك فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

ابتاع شاة فوجد جوفها فاسدا أخضر

[ابتاع شاة فوجد جوفها فاسدا أخضر] ومن كتاب البيوع الأول قال: وسئل عمن ابتاع شاة فوجد جوفها فاسدا أخضر فظن أنه من ضربة ضربت الشاة، أترى له أن يردها؟ فقال: لا والله ما أظن له أن يردها قد يشتري المشتري فيقال له: سمينة ثم تأتي عجفاء فيردها، ويقول: هات الثمن، ما أرى له عليه شيئا، قيل له: فيحلف؟ قال: إن جاء بوجه حلف. قال محمد بن رشد: قوله: فظن أنه من ضربة ضربت الشاة، يدل على أنه لو علم أن ذلك من ضربة ضربت لكان له أن يردها، فلم ير له أن يردها حتى يعلم ذلك؛ لأنه حمل أمرها على أن ذلك بها من غير جناية عليها كالسوس في الخشب لا يعلم به إلا بعد القطع، ولم ير على البائع يمينا أنه ما ضربها ولا علم أنها مضروبة إلا أن يأتي بوجه شبهة، وذلك على القول بأن يمين التهمة لا تلحق دون شبهة. وقوله: قد يشتري المشتري الشاة ويقال له: سمينة ثم تأتي عجفاء إنه لا رد له، معناه أن البائع لم يقل له ذلك، وإنما قاله له غيره فاشتراها وهو يظنها سمينة. وإما لو قال ذلك له البائع وشرط أنها سمينة، فوجدها عجفاء لكان ذلك عيبا فيها يجب له الرجوع بقيمته من الثمن؛ لأن الذبح فيها فوت. وفي المبسوطة لأشهب أنه يرد فيها إلى القيمة، ومعنى ذلك إذا كانت قيمتها سمينة والثمن الذي اشتراها به سواء، فيرجع قوله إلى أن له الرجوع بقيمة العيب من الثمن كما قلناه؛ لأنه لا يرد إلى القيمة بعد الفوات إلا البيع الفاسد، وليس هذا ببيع فاسد، وإنما هو بيع عيب، وقد كان الشيوخ يختلفون من هذا المعنى في الذي يشتري الضحية فيجدها عجفاء، فمنهم من كان لا يرى في ذلك للمبتاع حجة على البائع ويحتج بهذه الرواية، وممن كان يذهب إلى ذلك ابن الفخار وابن القطان، وكان ابن الفخار يقول: ولو رضي البائع أن يأخذها منه مذبوحة ويصرف عليه الثمن لم يجز

مسألة: ابتاع عبدا ولم يستثن ماله عند الاشتراء

له لأنه بيع الحيوان باللحم، وجواز هذا يتخرج على اختلاف قول مالك في سماع أشهب من كتاب السلم والآجال في الذي يبيع من الرجل الثمرة في رؤوس النخل بعد أن بدا صلاحها بدين إلى أجل، فإذا يبست واستجدت أخذها منه بماله عليه من الثمن أو أقل أو أكثر، ومنهم من كان يقول: له أن يردها عليه مذبوحة كمن دلس لرجل بعيب في ثوب ثم اطلع على العيب بعد أن قطع الثوب أنه يرده ولا شيء عليه في قطعه؛ ومنهم من كان يقول: القيام عليه بالعيب يريد فيرجع عليه بقيمته ويرى الذبح فوتا، وإلى هذا كان يذهب ابن عتاب، وقال بذلك ابن مالك وذكر أنه في كتاب ابن شعبان. والذي أقول به في هذا: أنه إن أتى إلى رب الغنم فقال له: أخرج إلي شاة سمينة أضحي بها أو شاة أضحي بها ولم يقل سمينة، فأخرج إليه شاة فسامه فيها واشتراها منه، فلما ذبحها وجدها عجفاء لا تجوز في الضحايا، فله ردها مذبوحة وأخذ ثمنها، وأما إن أتى الغنم فوضع يده على شاة منها فقال له: بعني هذه الشاة أضحي بها فاشتراها منه فلما ذبحها وجدها عجفاء، لا تجوز في الضحايا، فلا قيام له عليه فيها، إلا أن يقر البائع أنه علم أنها كانت مهزولة لا تجوز في الضحايا فيكون له ردها عليه، وكذلك إن لم يقل: أضحي بها إذا كان ذلك في وقت شراء الضحايا وفي سوقها؛ لأن أمره إنما يحمل على أنه إنما اشتراها ليضحي بها إذا لم يكن من أهل التجارة بذلك مثل الجزارين وشبههم وبالله التوفيق. [مسألة: ابتاع عبدا ولم يستثن ماله عند الاشتراء] مسألة وسئل: عمن ابتاع عبدا ولم يستثن ماله عند الاشتراء، ثم جاء بعد الاشتراء إلى البائع فقال له: إنه قد كان لي أن استثني مال العبد فلم أفعل، فأنا أشتري منك الآن ماله ما كان بكذا وكذا، أيصلح ذلك؟ فقال: لا والله ما يصلح. قيل له: أفرأيت الذي يبتاع أصل الحائط وفيه ثمر قد أبر فلم يستثنه عند عقدة الشراء، ثم يجيء بعد ذلك فيريد أن يشتريه، أيجوز ذلك له؟ فقال: لا

والله إذا باع الرجل أصل حائطه وثمره بلح جاز للمشتري أن يستثنيه، فإن لم يستثنه فإنه إنما جاء الآن يشتري بلحا في رؤوس النخل، لا يصلح هذا، وهذا بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، والنخل يباع وفي رؤوسها البلح فيكون للمشتري إذا استثناها، فإذا ذهب يشتريها بعد اشتراء الأصل فقد صار بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وسواء بعد ذلك أو قرب لا يصلح، والعبد بمنزلة ذلك في ماله قرب ذلك أو بعد. قال محمد بن رشد: أجاز ذلك ابن القاسم في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، ولم يفرق في ذلك بين قريب ولا بعيد، ومثل ذلك في الجوائح من المدونة في شراء الثمرة بعد الأصل، وفرق عيسى في ذلك بين القرب والبعد، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم، فمن الناس من يحمل رواية أصبغ عن ابن القاسم وقول عيسى على الخلاف لرواية عيسي ويقول في المسألة ثلاثة أقوال: المنع، والجواز، والتفرقة بين القرب والبعد، ومنهم من يقول: إن قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه مفسر لقوله في رواية عيسى عنه، وإن الاختلاف إنما هو في القرب ولا اختلاف في البعد؛ لأن الأمر إذا طال فليس الذي اشترى هو الذي كان يجوز له أن يستثني، [وقد كنت أقول بذلك ثم بان لي أنه قول ثالث في المسألة؛ لأن كل قول منها له وجه من النظر قد ذكرته وبينته في أول رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع] ، وقد أجاز أشهب في قول شراء ثمر النخل ولم يجز شراء مال العبد، في الجواز من إلحاق مال العبد بالأوإلحاق ثمر النخل بالأصل أبين صل؛ لأن المشتري يضمنها بالعقد؛ لأنها في أصوله، والحادث فيها من النماء إنما حدث بعد أن صارت في ضمانه وفي أصوله، وإنما نهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها لكونها في ضمان البائع وفي أصوله. وقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أرأيت إذا منع الله الثمر ففيم يأخذ أحدكم مال أخيه» ، دليل على هذا.

اشترى من رجل عبدا فمات البائع والمبتاع فوجد ورثة المبتاع بالعبد عيبا

[اشترى من رجل عبدا فمات البائع والمبتاع فوجد ورثة المبتاع بالعبد عيبا] ومن سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها وقال في رجل اشترى من رجل عبدا فمات البائع والمبتاع فوجد ورثة المبتاع بالعبد عيبا كان به عند البائع يشهد بذلك الشهود ولم يعرفوا عدة الثمن، جهلوا ذلك ولم يعلم، والعبد قائم بعينه أو فائت: إن مجهلة الثمن فوت وإن كان قائما، ويرجع بقدر العيب في الوجهين جميعا، ينظركم قيمته يوم قبضه المبتاع، مثل أن تكون أرفع القيمة يومئذ خمسين دينارا وأدناها أربعين دينارا فبين ذلك عشرة دنانير فالعشرة تنقسم بين القيمتين بنصفين، فيكون الثمن خمسة وأربعين، ثم ينظركم العيب من ذلك فيرجع به. قال عيسى: أرى ألا ينظر في شيء من هذا إلى وسط القيمة، ولكن إلى قيمته يوم بيع فتجعل القيمة ثمنه، ثم يرجع بقدر العيب في القيمة، ومجهلة الثمن فوت. قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم أن مجهلة الثمن ليس بفوت، وأنه يرجع بقيمته يوم قبضه قيمة وسطه ويرد العبد، حكى القولين عنه ابن المواز، والقيمة إنما تكون في هذا يوم البيع لا يوم القبض، إذ ليس ببيع فاسد، فقوله: إنه ينظر إلى قيمته يوم قبضه المبتاع معناه إذا كان القبض والبيع في يوم واحد، ولم يذكر في هذا يمينا، واليمين في ذلك واجبة على القول بلحوق يمين التهمة، فلا يكون هذا الذي قاله ابن القاسم من رد العبد والرجوع بقيمته أو إمساكه والرجوع بقيمة العيب من القيمة على هذا القول إلا بعد أيمانهما أو نكولهما، فإن حلف ورثة البائع أنهم لا يعلمون عدة الثمن ونكل ورثة المشتري عن اليمين استبرئ بما يؤدي إليه اجتهاد الحاكم من السجن، ولو تجاهلوا معرفة

مسألة: يشتري الجارية من الرجل فيغيب البائع ويجد بها المشتري عيبا لم يعلم به

الثمن وتصادقوا على أنه لم يقبض والسلعة قائمة لحلفوا جميعا ورد البيع على ما قاله في كتاب تضمين الصناع من المدونة، وإن فاتت كانت على ورثة المشتري بقيمتها، ثم ينظر في العيب بينهم على ما تقدم. ووجه القول بأن مجهلة الثمن فوت هو أنه لما كان فوات العبد بالعيوب المفسدة فوتا في الرد بالعيب لئلا يظلم البائع بأن يؤخذ منه جميع الثمن ويرد إليه العبد معيبا، وزيادته في عينه كالصغير يكبر فوتا لئلا يظلم المبتاع، وجب أن يكون مجهلة الثمن فوتا لئلا يظلم ورثة البائع إن كانت القيمة أكثر من الثمن الذي قبض، أو يظلم ورثة المبتاع إن كانت القيمة أقل من الثمن الذي دفع. ووجه القول بأن ذلك ليس بفوت هو أنه لما كان ذلك لا يحققه أحدهما على صاحبه ولا يدعيه عليه وجب ألا يلتفت إليه. وقول عيسى بن دينار إنه لا ينظر في شيء من هذا إلى وسط القيمة يرجع إلى قول ابن القاسم في المعنى ولا يخالفه إلا في صفة التقويم؛ لأنه لا يقول إنه يقوم أعلى القيم التي لا توجد إلا في النادر على الطالب ولا أدنى القيم التي يبيع بها المحتاج المضطر إلى تعجيل البيع، وإنما يقول: إنه يقوم على الوسط من ذلك، فهو راجع إلى قوله في المعنى، وأما قوله: إنه يقوم يوم البيع فقد ذكرنا أنه معنى قول ابن القاسم وإرادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري الجارية من الرجل فيغيب البائع ويجد بها المشتري عيبا لم يعلم به] مسألة وقال في الرجل يشتري الجارية من الرجل فيغيب البائع ويجد بها المشتري عيبا لم يعلم به وهو نقط برص في غير موضع ولم يطلع منها عند الاستبراء إلا على نقطة واحدة، والبائع غائب، كيف يصنع؟ قال: يقيم البينة عند الإمام أنه اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام لا داء ولا غائلة، قال: فإذا أقام البينة عنده على

ذلك باعها السلطان، وإن كان البائع غائبا، فإن كان نقصانا اتبع به البائع، وليس عليه في الوطء شيء؛ لأنه كان لها ضامنا إلا أن تكون بكرا فيكون عليه ما نقص إن نقص، قيل له: فعليه يمين أنه ما وطئها منذ اطلع على ذلك منها؟ قال: إن كان ممن لا يتهم لم يحلف، وإن كان ممن يتهم كان عليه اليمين أنه ما وطئها منذ رأى ذلك. وسئل عنها سحنون فقال: أخبرني أشهب بن عبد العزيز وابن نافع عن مالك أنه سئل عن رجل يشتري الجارية فيجد بها عيبا فيردها على صاحبها فيريد صاحبها أن يستحلفه أنه ما وطئها منذ رأى العيب بها، فقال مالك: ليس له أن يستحلفه ولا أرى عليه يمينا، واستحسنها سحنون وقال: هي جيدة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يقيم البينة عند الإمام أنه اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام لا داء ولا غائلة، يريد في يوم كذا وكذا من أجل العيوب التي تقدم وتحدث، ويريد: ويقيم البينة عنده أيضا أنه قد نقده الثمن، ويحلف ما بينه العيب الذي قام به، وحينئذ يكون ما قال من بيع العبد على الغائب ودفع الثمن إليه، فإن لم يقم البينة على أن البيع كان بيع الإسلام وعهدة الإسلام حلف على ذلك كما كان يحلف لو ادعى البائع أنه باع بيع براءة، وإن لم يقم البينة على دفع الثمن إلى البائع حلف على ذلك أيضا، وذلك إذا كان قد مضى من المدة ما لو أنكره البائع القبض كان القول قوله مع يمينه أنه قد دفعه إليه، وذلك العام والعامان على ما ذهب إليه ابن حبيب، والعشرون عاما ونحوها على مذهب ابن القاسم؛ لأن السلطان يستقضي للغائب حقوقه ويقوم له بحجته، وقوله: إنه لا يحلف أنه ما وطئها منذ اطلع على ذلك إلا أن يكون ممن يتهم صحيح؛ لأنها يمين تهمة، فلا يحلف فيها من لا يتهم، واحتجاج سحنون برواية أشهب عن مالك على أن الإمام لا يحلفه على ذلك صحيح؛ لأن الإمام إنما يحلفه فيما لو كان حاضرا وأراد أن يحلفه فيه لكان له أن يحلفه، وبالله التوفيق.

بتاع العبد ويشترط على البائع أنه إن أبق فهو منك فيأبق

[بتاع العبد ويشترط على البائع أنه إن أبق فهو منك فيأبق] ومن كتاب أوله استأذن سيده في تدبير جاريته وسألت ابن القاسم عن الرجل يبتاع العبد ويشترط على البائع أنه إن أبق فهو منك فيأبق، قال: هو من المبتاع بالقيمة، وهو مثل ما لو اشترط عليه أنه إن مات في عهدة السنة فهو منك، فهو من المبتاع، قلت له: فلو أعتقه المبتاع؟ قال: إذا فات في يديه بوجه من وجوه الفوت كانت فيه القيمة. قلت: فإن كان العبد معروفا بالإباق أو لم يكن معروفا هو عندك سواء؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه بيع فاسد بما شرط من ذلك يجب فسخه، فإن فات بعد القبض بوجه من وجوه الفوت لزمه بقيمته يوم القبض، وستأتي هذه المسألة في رسم الجواب كاملة. وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري العبد وبه عيب لم يعلم به فيتصدق بنصفه ثم يعثر على العيب] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشتري العبد وبه عيب لم يعلم به فيتصدق بنصفه ثم يعثر على العيب، قال: يرجع بقيمة العيب كله إذا لم يدخله من الفوت في نقصان جسده أكثر من الصدقة، ويكون البائع مخيرا في أن يعطيه قيمة العيب كله ويمضي البيع، وفي أن يعطيه نصف قيمة العيب ويسترد النصف الذي بقي في يد المشتري بنصف الثمن. قلت: ولا يكون المشتري مخيرا في هذا النصف الذي بقي في يديه بين أن يرده ويأخذ قيمة نصف العبد الذي تصدق به وبين أن يمسكه ويرجع بجميع قيمة العيب إذا دخله الفوت بهذه الصدقة؟ قال: لا يكون

في هذا مخيرا، وإنما يكون الخيار فيه للبائع؛ لأنه يقول: إما أن ترد على جميعه، وإما أن تمسك الذي بقي في يديك وأنا أرد عليك ثمن العيب؛ لأني لا أرضى أن يرجع إلي نصف عبد وقد بعته تاما، ولم أكن أرضى أن يكون لي فيه شريك، فإنما الخيار في هذا إلى البائع إن شاء أسلم إليه جميعه وغرم ثمن العيب كله، وإن شاء أخذ النصف الذي بقي في يده وغرم نصف قيمة العيب، ولو في ذلك مخير؛ ألا ترى أنه لولا الصدقة التي دخلته لم يكن للمبتاع إلا أن يرده أو يمسك ولا شيء له في العيب إذا لم يدخله النقصان في بدن، ولو كان دخله مع الصدقة نقصان في بدن لم يكن في ذلك للبائع خيار ولزمه غرم قيمة العيب، وقد قال: لا أرى له خيارا، وكان مما احتج به فيه أن قال: إذا رد هذا النصف الذي بقي في يديه حتى صار أفضل منه كله قال: أنا آخذه وأرد نصف قيمة العيب في النصف الفائت بالصدقة، وإذا نقص قال: لا أرضى أن آخذه معيبا وأرد العيب كله، فلا أرى أن يكون الحكم فيه إلا واحدا، فعليه أن يرد نصف قيمة العيب للنصف المتصدق به فقط. قال محمد بن رشد: أما النصف الذي فات بالصدقة فقد وجب على البائع أن يرد له نصف قيمة العيب لا كلام في ذلك، وأما النصف الذي بقي في يد المشتري لم يتصدق به ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن البائع فيه مخير بين أن يسترده بنصف الثمن، وبين أن يتركه ويرد قيمة نصف العيب الثاني، وهو قوله في المدونة وأول قوله ههنا، والثاني: أنه لا خيار له في أخذه ويلزمه رد جميع قيمة العيب، وهو الذي يدر عليه قوله في أول كلامه، وقد قال: لا أرى خيارا يريد في أخذه، ويلزمه أن يرد جميع قيمة العيب؛ والثالث: أنه لا خيار له في تركه، ويلزمه أن يسترده بنصف الثمن، ويغرم نصف قيمة العيب للنصف الذي تصدق به فقط، وهو ظاهر قوله في

مسألة: يشتري العبد وبه عيب لم يعلم به ثم يبيع نصفه

آخر كلامه. فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، ولا خيار للمبتاع في قول من الأقوال، والله ولي التوفيق. [مسألة: يشتري العبد وبه عيب لم يعلم به ثم يبيع نصفه] مسألة قال: ولو باع نصفه فقط، ثم ظهر على العيب فإنه إن رجع عليه بشيء فيما باع رجع بجميع قيمة العيب، وإن لم يرجع عليه بشيء لم يرجع إلا بنصف قيمة العيب في النصف الذي بقي في يديه، بمنزلة ما لو تصدق بنصفه وباع نصفه لم يرجع إلا بنصف قيمة العيب في النصف الذي تصدق به، ولم يرجع في النصف الآخر بشيء، إلا أن يرجع عليه. قلت: فلو كان باع نصفه وتصدق بنصفه؟ قال: يرجع بنصف قيمة العيب الذي تصدق به، ولا يرجع فيما باع بقليل ولا كثير إلا أن يرجع عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إذا باع نصفه إنه إن رجع عليه بشيء فيما باع رجع بجميع قيمة العيب، يريد بجميع قيمة العيب من ثمنه الذي اشتراه به بالغا ما بلغ، وإن كان ذلك أكثر مما رجع به عليه وأكثر من بقية رأس ماله. هذا ظاهر قوله في هذه الرواية، وقيل: إنه يرجع عليه بالأقل من قيمة العيب من ثمنه أو مما رجع به عليه، [وهو أحد قولي ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وقيل: إنه يرجع عليه بالأقل من قيمة العيب من ثمنه أو مما رجع به عليه أو من بقية العيب من ثمنه أو مما رجع به عليه] ، أو من بقية رأس ماله، وهو اختيار ابن المواز وأحد قولي ابن القاسم في كتابه، مثال ذلك أن يشتري العبد بمائة وبه عيب لم يعلم به، وقيمته من

مسألة: يبيع العبد وبه عيب لا يعلمه المشتري ثم باعه المشتري فحدث به عيب آخر عند مشتريه

الثمن الذي اشتراه به يوم اشتراه فيه ثلاثة دنانير، فيبيعه بتسعة وتسعين، ويفوت عند المشتري فيطلع على العيب وقيمته من الثمن الذي اشتراه به في الوقت الذي اشتراه فيه ديناران، فيرجع عليه بالدينارين، فإنه يرجع على رواية عيسى على الذي باعه العبد بجميع قيمة العيب من ثمنه وذلك ثلاثة دنانير؛ ويرجع عليه في القول الثاني بالدينارين اللذين رجع بهما عليه لا أكثر، ويرجع عليه في القول الثالث الذي هو اختيار ابن المواز بدينار واحد؛ لأنه بقية رأس ماله وهو أقل الثلاثة الأشياء. وقوله: وإن لم يرجع عليه بشيء لم يرجع إلا بنصف قيمة العيب في النصف الذي بقي في يديه، يريد على أحد الثلاثة الأقوال التي ذكرناها في المسألة التي قبل هذه، وعلى القول الثاني فيها يكون البائع مخيرا بين أن يسترد النصف الباقي في يده بنصف الثمن [وبين أن يرد نصف قيمة العيب، وعلى القول الثالث فيها يلزمه أن يسترد النصف الباقي في يدي المشتري بنصف الثمن] ولا خيار في ذلك لواحد منهما ومذهب أشهب، وهو اختيار ابن حبيب، أنه إن باع بأقل من الثمن الذي اشترى به قبل أن يعلم بالعيب رجع على البائع بالأقل من قيمة العيب أو من بقية رأس ماله، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: يبيع العبد وبه عيب لا يعلمه المشتري ثم باعه المشتري فحدث به عيب آخر عند مشتريه] مسألة قلت: أرأيت الذي يبيع العبد وبه عيب لا يعلمه المشتري، ثم باعه المشتري فحدث به عيب آخر عند مشتريه من المشتري، ثم عثر على ذلك العيب، قال: مشتريه من المشتري مخير بين أن يرده ويرد ما نقصه العيب الذي حدث عنده به، وبين أن يحبسه ويرجع بقيمة العيب. قلت: أرأيت إن اختار حبسه ورجع على مشتريه بقيمة العيب ثم يرجع هذا الذي رجع عليه

مسألة: هزال الرقيق نقصانا ولا عيبا

على بائعه الأول؟ ينظر إلى قيمته صحيحا يوم باعه ثم ينظر إلى قيمته يوم باعه وبه ذلك العيب، فإن كانت قيمته صحيحا ذلك اليوم خمسين دينارا وقيمته معيبا ذلك اليوم أربعين دينارا فبين القيمتين عشرة، فعشرة من خمسين خمسها، فيرجع على بائعه الأول بخمس الثمن قل الثمن أو كثر، على حساب هذا يرجع عليه في الثمن، ولا ينظر فيما بين هذا الأوسط وبين بائعه الأول إلى هذا الثمن الذي باعه به هذا الأوسط، وكذلك يرجع هذا الآخر أيضا على هذا الأوسط ينظر إلى قيمته صحيحا يوم باعه هذا الأوسط من هذا الآخر وإلى قيمته يومئذ وبه هذا العيب، فإن كانت قيمته صحيحا ستين وقيمته معيبا خمسين، فبينهما عشرة فهي من الستين سدسها، فالآخر يرجع على الأوسط بسدس الثمن الذي ابتاعه به منه بالغا ما بلغ قل الثمن أو كثر، وإن اختار المشتري الآخر أن يرده ويرد ما نقصه العيب عنده كان ذلك له، وكان هذا الأوسط أيضا مخيرا بين أن يرده ويرد ما نقصه العيب وبين أن يمسكه ويرجع بقيمة العيب على ما وصفت لك. قال محمد بن رشد: قد مضى في المسألة التي قبل هذه تحصيل مذهب ابن القاسم في هذه المسألة وأن له فيها ثلاثة أقوال قد بيناها وشرحناها فلا معنى لإعادة ذكرها وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: هزال الرقيق نقصانا ولا عيبا] مسألة قال ابن القاسم: ولم ير مالك هزال الرقيق نقصانا ولا عيبا يرد معها مبتاعها قيمة الهزال إذا وجد به عيبا يرد به؛ لأن العبد النبيل التاجر قيمته مهزولا وقيمته سمينا واحدة، فكذلك الدابة على ما ذكرت لك من أمر العبد إذا سمنت عنده ثم وجد بها عيبا

عدا على غلام فخصاه فزاد في ثمنه

دلسه البائع أو لم يدلسه فهو مخير إن شاء ردها وأخذ الثمن الذي ابتاعها به ولا شيء له في زيادتها، وإن شاء أمسكها ولا شيء له في العيب، وأما إذا نقصت بعجف أو دبر أو نقصان بدن فإنه يقال له: إن شئت فردها ورد ما نقصها العجف أو العيب الذي أصابها عندك وخذ الثمن، وإن شئت فأمسك وخذ قيمة العيب الذي وجدت بها، والتدليس وغير التدليس في ذلك سواء. قال محمد بن رشد: أما هزال الذكور من الرقيق وسمنهم فلا اختلاف في أن ذلك ليس بفوت، وأما سمن الجواري منهن وعجفهن فلم يختلف قول مالك وابن القاسم في أن ذلك ليس بفوت، ورأى ذلك ابن حبيب فوتا، يكون بذلك مخيرا بين أن يرد أو يمسك ويأخذ قيمة العيب. واختلف قول مالك في سمن الدواب، فمرة رآه فوتا يكون المبتاع فيه مخيرا بين أن يرد أو يمسك ويرجع بقيمة العيب، ومرة لم يره فوتا، وقال: إنه ليس له إلا الرد، واختيار ابن القاسم أن ذلك فوت، وقع ذلك له في رسم أوصى بعد هذا، ولم يختلفوا في هزال الدواب أنه فوت يكون به مخيرا بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، وبين أن يرد ويرد ما نقصه الهزال، فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة، وبالله تعالى التوفيق. [عدا على غلام فخصاه فزاد في ثمنه] ومن كتاب العرية قال ابن القاسم: من عدا على غلام فخصاه فزاد في ثمنه، قال: يقوم على قدر ما نقص منه الخصاء. قال محمد بن رشد: يريد إن لم يرد تضمينه واختار حبسه، ومعنى قوله: على قدر ما نقص منه الخصاء، أي ما نقص منه عند غير أهل الطول من الأعراب وشبههم الذين لا رغبة لهم في الخصيان. وقال سحنون: معناه أن ينظر إلى عبد دنيء ينقص من مثله

العبد يحدث شرب خمر في عهدة الثلاث أو زنى أو سرقة

الخصاء فما نقص منه كان على الجاني في هذا المجني عليه ذلك الجزء من قيمته، وقد تأول بعض الناس ما وقع لمالك في رسم القبلة [من سماع ابن القاسم] ، من كتاب الجراحات إن المعنى في ذلك أن ينظر [إلى] ، ما تقع الزيادة من قيمته فيجعل ذلك نقصانا منها يكون عليه غرمه، وذلك بعيد لا وجه له في النظر، والذي يوجبه النظر أن يكون عليه إن خصاه فقطع أنثييه أو ذكره جميع قيمته، وإن قطعهما جميعا فتبعته فكما يكون عليه في الحر إذا قطع ذكره وأنثييه ديتان قياسا على قول مالك في المأمومة والجائفة والمنقلة والموضحة أنه يكون عليه في ذلك من قيمته بحساب الحر من ديته. وابن عبدوس يقول: إن زاده الخصاء فلا غرم على الجاني، ولا يصح ذلك على المذهب، وإنما يأتي على قياس قول من يقول: إنه لا شيء عليه في المأمومة والجائفة وشبههما مما لا نقصان فيه بعد البرء، والله سبحانه ولي التوفيق. [العبد يحدث شرب خمر في عهدة الثلاث أو زنى أو سرقة] ومن كتاب أوصى لمكاتبه وسئل ابن القاسم: عن العبد يحدث شرب خمر في عهدة الثلاث أو زنى أو سرقة، أيرده بذلك؟ قال: نعم يرده بكل ما أحدث أو أصابه في عهدة الثلاث. قيل له: وكذلك الجارية تحدث شرب خمر في أيام الحيضة أو تزني أو نحو ذلك؟ قال: نعم هي في ذلك مثل العبد فيما أحدثته في حيضتها من هذه الوجوه فإنه يردها بذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب؛ لأن عهدة الثلاث من كل شيء، فلا فرق فيما يحدث فيها في الأبدان وفي الأديان أو في الأخلاق، إلا أن يتبرأ البائع بشيء من ذلك أنه

مسألة: السمانة في الدواب فوتا إذا وجد مشتريها بها عيبا

فعله قبل البيع فبرئ منه، وإن أحدث مثله في العهدة أو بعدها. وفرق أصبغ في ذلك بين الإباق والسرقة وبين الزنى وشرب الخمر فيما أحدثه العبد أو الأمة في الثلاث وفي الإستبراء. قال فضل: وقول أصبغ على رواية أشهب وابن نافع [عن مالك] في الذي يبيع العبد ويتبرأ من الإباق ثم يأبق في عهدة الثلاث، وجعل السرقة مثله؛ لأنه لا يدري ما يؤول إليه من ذهاب الجسد. وبالله التوفيق. [مسألة: السمانة في الدواب فوتا إذا وجد مشتريها بها عيبا] مسألة قال ابن القاسم: أرى السمانة في الدواب فوتا إذا وجد مشتريها بها عيبا يمسكها إن شاء ويأخذ قيمة العيب وهو قول مالك، وقد قال: ليس بفوت، وأحب قوليه إلي أن يكون فوتا. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في آخر رسم استأذن من هذا السماع، فلا وجه لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. [باع عبدا واشترط الخيار ثلاثا] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل: عمن باع عبدا واشترط الخيار ثلاثا، فلما مضت الثلاث أوجب له البيع، أتكون العهدة في أيام الخيار أم عهدة مبتدأة؟ قال: لا بد من العهدة ثلاثة أيام مبتدأة. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب في أن بيع الخيار إذا أمضي فإنما يقع يوم أمضي، ويأتي على ما وقع في كتاب الشفعة من المدونة من أنه إذا أمضى على العقد فكأنه وقع حينئذ في قوله في الذي يشتري شقصا بخيار ثم يباع الشقص الآخر ببيع بت فيختار

مسألة: سام عبدا ليشتريه فأعطاه به مائة دينار فأبى صاحبه أن يبيعه بذلك

الشراء إن الشفعة تكون له في الشقص المبيع بيع بت وإن العهدة تكون في أيام الخيار. [مسألة: سام عبدا ليشتريه فأعطاه به مائة دينار فأبى صاحبه أن يبيعه بذلك] مسألة وسئل: عمن سام عبدا ليشتريه فأعطاه به مائة دينار فأبى صاحبه أن يبيعه بذلك، فأتى رجل إلى صاحبه بغير علم من المشتري، فقال له: لم منعت فلانا غلامك وهو رجل لا بأس به يقع في ملك رجل حسن الملكة بعه منه بما أعطاك وأنا أعطيك عشرين دينارا، ففعل، فعلم بذلك المشتري بعد ذلك فأراد رده، هل تراه عيبا؟ قال: ليس هذا بعيب إلا أن يكون اشتراه على العتق. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا اشتراه للعتق فقد أعان فيه الرجل بعشرين دينارا، فمن حق المشتري أن يقول: لا أريد أن أعتق عبدا يعينني أحد في ثمنه بشيء، فإن علم بذلك قبل أن يعتقه كان له أن يرده، وإن لم يعلم بذلك حتى أعتقه ففي رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا لمالك وابن هرمز جميعا أن ذلك عيب من العيوب يرجع به المشتري على البائع فيأخذه من الثمن ولم يبينا وجه ذلك. قال ابن القاسم: وتعبيره أن ينظركم ثمنه بغير شرط العتق، وكم ثمنه لو شرط فيه العتق، فينظركم بين القيمتين، فإن كان ذلك ربعا أو خمسا أو سدسا رجع إلى الثمن فأخذ بقدر ذلك من البائع، بمنزلة ما لو باعه وعليه دين أو له امرأة أو ولد أو به عيب، وهو تفسير لا وجه له بوجه، وإنما الذي يصح في ذلك ولا يجوز غيره أن ينظر ما تقع العشرون دينارا التي زادها الرجل من جميع الثمن الذي باعه به البائع وهو مائة وعشرون، فوجدنا ذلك السدس فيرجع المبتاع على البائع بسدس المائة التي دفع إليه؛ لأن الذي زاد العشرين قد شاركه في العبد الذي أعتق بسدسه إذ ودى سدس الثمن إلى البائع ولم يعلم بذلك، فصار بمنزلة من اشترى عبدا فأعتقه ثم استحق

مسألة: اشترى جارية فباعها فوجد بها المشتري الثاني عيبا

سدسه بحرية فإنه يرجع على البائع بسدس الثمن الذي دفع إليه، ولو اشتراه على غير العتق لم يكن له في ذلك حجة كما قال، إذ لم يستحق عليه من رقبة العبد شيئا ولا أضر به ما زاد البائع لرغبته في أن يقع العبد عنده لما رجاه له من الخير لحسن ملكته، إذا اشتراه للعتق، وأما إن لم يشتره بشرط العتق فليس له أن يرده إذا علم بما زاد الرجل البائع، ولا يصدق في أنه اشتراه للعتق؛ لأنه يتهم على أنه ندم في شرائه فادعى أنه اشتراه للعتق [ليرده على البائع، وأما إذا لم يعلم بذلك حتى أعتقه فيصدق أنه إنما اشتراه للعتق] ، بما ظهر من عتقه إياه، ويكون له الرجوع على البائع بما وصفناه. وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: اشترى جارية فباعها فوجد بها المشتري الثاني عيبا] مسألة وقال في رجل اشترى جارية فباعها فوجد بها المشتري الثاني عيبا، فأتى بها يردها ويريد الخصومة فيها، فقال البائع الأول للمشتري الثاني: أنا أقيلك فيها فرضي وكان البائع الأول باعها بستين، واشتراها الثاني بثمانين، كم يكون له على البائع الأول الذي قال له أنا أقيلك؟ قال: زعم مالك أنه ليس له إلا ستون، قيل لابن القاسم: أفيرجع على البائع الثاني ببقية ماله؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: إنما هذا إذا كان المشتري قد علم أن البائع الأول كان باعها بستين؛ لأنه إذا علم بذلك فقد رضي أن يأخذ منه الستين، ولو لم يعلم بذلك وعلم هو أنه اشتراها بثمانين للزمه أن يدفع إليه الثمانين، ولو لم يعلم هو بذلك أيضا، وقال: ظننت أنها بستين كما بعتها أنا لحلف على ذلك ولم يلزمه إلا الستون، فإن أراد البائع الثاني أن يدفع إليه

اشترى جارية فوجد المشتري في عينها شعرا فجاء ليردها

بقية ماله لزمته الإقالة، وإن أبى من ذلك انفسخت الإقالة وكان على خصومته معه، وبالله التوفيق. [اشترى جارية فوجد المشتري في عينها شعرا فجاء ليردها] ومن كتاب لم يدرك من صلاة الأمام إلا الجلوس. قال: وقال مالك في رجل اشترى جارية فوجد المشتري في عينها شعرا فجاء ليردها، فقال البائع للمشتري: احلف أنك لم تره، قال مالك: ليس ذلك عليه، وقال: يبيع ولا يبين ويقول: احلف ليس ذلك عليه. قال محمد بن أحمد: هذا مثل ما في المدونة أنه ليس له أن يحلفه إذا لم يدع أنه أراه إياه. قال محمد: أو أنه قد أقر عنده أنه قد رآه إلا أن يدعي أنه قد بلغه أنه رآه ورضيه أو أن مخبرا أخبره بذلك، فإن ادعى ذلك كان له أن يحلفه. قال ابن القاسم في العشرة بعد أن يحلف هو على ذلك، وقد مضى هذا المعنى بزيادة عليه في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، ومعنى هذا إذا كان الشعر الذي وجد في عينها مما قد يخفى عند التقليب، وأما إن كان ظاهرا لا يخفى فلا قيام له به [عليه] على ما قال في المدونة وبالله التوفيق. [مسألة: أراد بيع غلامه فأعطاه رجل يريده رقبة ثمن] مسألة وقال في رجل أراد بيع غلامه فأعطاه رجل يريده رقبة ثمنا، فقال علي المشي إلى بيت الله إن باعه بذلك، فأتاه قوم فقالوا له: اكتب علينا عشرين دينارا نغرمها لك ولا تمنعه العتق، ففعل، فكتبوها هم على الغلام، فاشترى المشتري وهو لا يعلم فأعتقه ثم ظهر على ذلك، فقال: إن كان البائع قد علم أنها للذين تحملوا بها على الغلام سقطت عن الحميلين وعن الغلام، فإن لم

يعلم بذلك وإنما ظن أنهم تحملوا بها في أموالهم كان ذلك له على الحملاء، وكان ذلك للحملاء على الغلام، ورجع مشتري الغلام على البائع بثمن عيب الدين الذي عليه، وهو وجه ما سمعته. قال محمد بن رشد: أما إذا كتبوا العشرين دينارا على الغلام بعلم المشتري فهو عيب قد دخل عليه لا حجة له فيه، وسواء علم بذلك السيد أو لم يعلم، وأما إن لم يعلم المشتري بذلك وعلم به السيد فآل الأمر إلى أنها للسيد على العبد؛ لأنهم إنما كتبوها عليه ليأخذوها منه ويدفعوها إلى السيد بما التزموا له، فقوله: إنها تسقط عن الحميلين وعن الغلام نحوه في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وفي نوازل أصبغ منه. مسألة التحري، وذلك كله خلاف قوله في كتاب الكفالة من المدونة في الذي يبيع عبده وله عليه دين أنه لا يسقط عنه، وهو عيب بالعبد إن شاء أمسكه، وإن شاء رده، إلا أن يسقط عنه السيد دينه. وعلى هذا الأصل كان الشيوخ يختلفون في الذي يبيع داره ومطمر مرحاضها مملوء رحاضة ولا يتبرأ بذلك إلى المبتاع، فمنهم من كان يقول: هو عيب في الدار إن شاء المشتري أمسك وإن شاء رد على حكم العيوب قياسا على مسألة كتاب الكفالة من المدونة في الذي يبيع عبده وله عليه دين، ومنهم من كان يقول: ليس ذلك بعيب في الدار، ويلزم البائع أن يخلي له المطمر قياسا على سائر المسائل المذكورة، وهو الأظهر، بمنزلة أللو كان له زبل في بيت من بيوت الدار. وأما إذا لم يعلم بذلك المشتري ولا السيد، فقال: إنها تثبت لهم على الغلام ويكون عيبا فيه يرجع المشتري بقيمته على البائع إذ قد فات بالعتق، وكان القياس أن تثبت على الحملاء للسيد وتبطل عن الغلام، إذ ليس لهم أن يعيبوا عبده بدين يكتبونه عليه بغير إذنه، فانظر في ذلك، وقد قيل: إنها تسقط عن الغلام على كل حال ويكون البيع فاسدا إن وقع ذلك بعلم المشتري. وبالله التوفيق.

مسألة: أنكر أن يكون باعه بماله وقال المشتري اشتريته بماله

[مسألة: أنكر أن يكون باعه بماله وقال المشتري اشتريته بماله] مسألة قلت: فإن أنكر أن يكون باعه بماله، وقال المشتري اشتريته بماله، قال: القول قول البائع إلا أن يكون للمشتري بينة، قلت: فإن أقام المشتري بينة أنه أرسل إليه رسولا سامه فيه فقال له: إنما يشتريه لما في يديه وإنما يريد عتقه ويريد أن يستغني بماله عن الناس، فسكت البائع وباع على ذلك ولم يقل نعم ولا لا، قال: المال تبع للعبد إذا قال له مثل هذا فسكت وباع على ذلك. قال. محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» فإذا قال له المبتاع: إنه اشتراه بماله فهو مدع على البائع في اشتراط المال، وقد حكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر. وأما إذا قال المساوم إنما يشتريه لماله وليعتقه ويستغني فسكت وباع، فجعل سكوته على قوله رضي ببيعه إياه بماله، وقد روى أشهب عن مالك أن المال للبائع ولا شيء للمشتري فيه، وهذا على اختلافهم في السكوت هل هو كالإقرار أم لا، وهو اختلاف معلوم مشهور موجود في المدونة وغيرها. وبالله التوفيق. [مسألة: ابتاع عبدا فجنى عنده ثم وجد به عيبا يرد بمثله] مسألة وسئل: عن رجل ابتاع عبدا فجنى عنده ثم وجد به عيبا يرد بمثله، قال: المشتري ضامن للجناية إن شاء حملها ورد

مسألة: اشتراه على أن يكون فيه بالخيار ثلاثة أيام فجنى في تلك الثلاثة الأيام

الغلام، وإن شاء أمسك الغلام وأخذ قيمة العيب الذي وجد به. قال محمد بن رشد: قوله: المشتري ضامن للجناية معناه أن ما فداه به إن فداه ولم يسلمه بجنايته لا رجوع له به على البائع؛ لأنه يلزمه أن يضمن جنايته للمجني عليه، وقوله: إن شاء حملها ورد الغلام وإن شاء أمسك الغلام وأخذ قيمة العيب معناه إن شاء رد الغلام ولم يرجع بشيء مما فداه به، وإن شاء أمسكه وأخذ قيمة العيب، وسواء كانت الجناية خطأ أو عمدا على ما ذهب إليه ابن حبيب في قوله: إن العبد إذا زنى أو شرب أو سرق فوجد به المبتاع عيبا أنه ليس عليه أن يرد معه ما نقصه عيب الزنى والسرقة والشرب، بخلاف عيوب البدن، وأما على معنى ما في المدونة إذ لم يفرق في ذلك بين عيوب البدن والأخلاق، وقال: إنه يرد معها ما نقصها عيب النكاح، وإن لم يكن لذلك في البدن تأثير فإنما يكون له أن يرده إذا حمل الجناية خطأ، وأما إن كانت عمدا فلا يرده وإن حمل الجناية عنه حتى يرد معه ما نقصه عيبها فظاهر هذه الرواية يحملها على عمومها في العمد والخطأ مثل ما ذهب إليه ابن حبيب في الواضحة خلاف ما يحمل عليه ما في المدونة. وبالله التوفيق. [مسألة: اشتراه على أن يكون فيه بالخيار ثلاثة أيام فجنى في تلك الثلاثة الأيام] مسألة قيل له: فإن اشتراه على أن يكون فيه بالخيار ثلاثة أيام فجنى في تلك الثلاثة الأيام؟ قال: يرده ولا شيء عليه من الجناية. [قال محمد بن رشد: قوله: إنه يرده ولا شيء عليه من الجناية] بين لا كلام فيه؛ لأن ضمانه من البائع إذ لم يتم البيع فيه، وإنما الكلام إذا اختار أخذه بعيب جنايته فيتخرج ذلك على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك

مسألة: المشتري حجمه أو حلقه في أيام الخيار

لا يجوز له حتى يخير البائع، فإما أن يفتكه وأما أن يسلمه، والثاني: أن له أن يختار ثم يخير البائع، فإن افتكه أخذه المبتاع ولم يكن عليه شيء مما افتكه به، وإن أسلمه كان هو فيه بالخيار أيضا بين أن يفتكه أو يسلمه. وهذان القولان على اختلافهم في استحقاق أكثر الجملة على العدد من يد المشتري هل يكون له أن يأخذ ما بقي بما ينوبه من الثمن أم لا، والثالث أنه إن اختار الأخذ كان هو المخير بين أن يفتك أو يسلم، وهذا على القول بأن بيع الخيار إذا أمضى على العقد فكأنه وقع حينئذ وقد مضى ذلك في رسم أوصى من هذا السماع. [مسألة: المشتري حجمه أو حلقه في أيام الخيار] مسألة قيل له: فإن المشتري حجمه أو حلقه في أيام الخيار، قال: ما أرى فعله ذلك إلا رضي منه به، وأراه ضامنا للجناية. قال محمد بن رشد: قال ابن حبيب في الواضحة: وكذلك إن حلقه على المشط، وإن خضب يدي الأمة بالحك أو ضفر رأسها بالعسل فذلك رضي، إلا أن تفعل الجارية ذلك بغير أمره فلا يكون ذلك رضي، وهذا كله صحيح، على مذهب ابن القاسم في المدونة، فقد قال فيها: إنه إن أتى بالدابة إلى البيطار فهلها أو عزبها أو ودجها فذلك منه اختيار لها خلاف قول غيره فيها من أن السوم بها والرهن والتزويج وإسلامه إلى الصناعات ليس رضى، بعد يمينه أنه لم يفعل ذلك وهو مختار له، وبالله التوفيق. [يقدم بالسلع فيبيعها ويشترط العهدة فيها على رجل يسميه] ومن كتاب سلف دينارا في ثوب إلى أجل. وعن الرجل يقدم بالسلع من الحيوان والعروض فيبيعها ويشترط العهدة فيها على رجل يسميه، كان الرجل الذي سمي معروفا مقرا بالشرط أي غير ذلك أو منكرا فلا خير في هذا كله إلا

مسألة: يشتري المغنية ولا يريدها لعملها ذلك إلا للخدمة

أن يكون رجلا اشترى سلعة فولاها أو باعها عند مواجبة البيع فلا بأس به. قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية: فولاها أو باعها يدل على أن هذه العهدة تكون عليه في التولية والبيع إلا أن يشترطها على الأول، مثل قول مالك في الموطأ وقول أصبغ في نوازله من كتاب جامع البيوع، خلاف قوله في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب السلم والآجال، وقد مضى القول هناك على هذه المسألة مستوفى لمن أحب الوقوف عليه. وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري المغنية ولا يريدها لعملها ذلك إلا للخدمة] مسألة وقال ابن القاسم في الذي يشتري المغنية ولا يريدها لعملها ذلك إلا للخدمة وما أشبه ذلك إذا كان لم يزده في ثمنها لموضع غنائها فلا بأس به. قيل لسحنون: فكيف يجوز بيع المغنية عندك وهو إن باع فبين لعل ذلك يوافق المشتري ويرغب فيه، وإن أمسك عن إعلامه كان مدلسا وكان عيبا؟ فأطرق فيها طويلا قال: كذلك يدخله، فأفضل ذلك أن يعلمه بعد البيع ووجوب الصفقة. قال محمد بن أحمد: قوله في الذي يشتري المغنية ولا يريدها لعملها إلا لحاجته إليها للخدمة: إنه لا بأس بذلك إن لم يزده في ثمنها لموضع غنائها، يريد إذا لم يزده في ثمنها لرغبة في غنائها، وأما إن زاده في ثمنها لحاجته إليها ورغبته فيها لغير غنائها إذا لم يبع منه إلا بزيادة على ثمنها من أجل غنائها فذلك مكروه له من أجل أنه أضاع ماله وأعطاه لمن لا يحل له أخذه فصار بذلك معينا له على الإثم، وقد قال عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]

يشتري أمة على أنها بكر فيزعم أنه لم يجدها بكرا

وقول سحنون في صفة بيع الجارية المغنية حسن صحيح، وإن كانت ممن عرفت بالغناء في ذلك البلد فلا يجوز له أن يبيعها فيه، وليخرجها منه إلى حيث لا تعرف فيه فيبيعها ثم يبين بعيب غنائها بعد البيع، وقد قيل: إن غناءها إذا كان يزيد في قيمتها فليس للمشتري ردها به، وقيل له: ردها إلا أن تكون دنية للخدمة، روى ذلك زياد عن مالك، والصحيح أن له أن يردها بعيب غنائها رفيعة كانت أو وضيعة؛ لأن ذلك عيب فيها ما دامت مقيمة عليه، إلا أن تكون قد تابت عنه فلا يكون له أن يرد بذلك إلا الرفيعة لما يخاف من أن يلحق ولده منها عار ذلك وبالله التوفيق. [يشتري أمة على أنها بكر فيزعم أنه لم يجدها بكرا] ومن كتاب أوله يدير ماله. وسألته عن الرجل يشتري أمة على أنها بكر فيزعم أنه لم يجدها بكرا، قال: ينظر إليها النساء، فإن كان افتضاضها حادثا بالأيام اليسيرة أو قديما فهن يعرفنه وليس يخفى وإنما هي قرحة نكيت فليس يخفى أثرها وهو معروف، فإن زعمن أن ذهاب عذرتها وافتضاضها يعرف أنه لمثل ما قبضها المشتري فهي منه، وإن كان يرى أنه قد كان قبل ذلك عند البائع ردها المشتري، قال: وليس في ذلك يمين على واحد منهما لزم البائع القضاء على ما وصفت لك أو لزم صاحبه، وإنما يقطع في هذا النساء. قال محمد بن رشد: إنما لم يوجب اليمين في ذلك على واحد منهما إذا قطع النساء في شهادتهن، وذلك بين من قوله: وإنما يقطع في هذا النساء، وقد مضى القول على هذا المعنى في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب مستوفى لمن أحب الوقوف عليه، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [باع عبدا فباعه مبتاعه من غيره فوجد به المشتري عيبا كان عند بائعه الأول] ومن كتاب البراءة. قال ابن القاسم: ولو أن رجلا باع عبدا فباعه مبتاعه من

غيره فوجد به المشتري عيبا كان عند بائعه الأول، وقد فلس بائعه الثاني، فأراد المبتاع أن يرده على بائعه الأول أو يرجع عليه بقيمة العيب إن كان قد فات العبد في يديه بعتق، فزعم البائع المفلس أنه ابتاعه بذلك العيب، وادعى البائع الأول أنه باعه به ولا بينة على ذلك، لم يقبل قوله إلا أن يكون له بينة على ما زعم أنه ابتاعه بذلك العيب أو على إقرار منه بذلك قبل التفليس، وأما بعد التفليس فلا يقبل قوله إلا ببينة، وهو يرجع على البائع الأول بقيمة العيب إن كان قد فات أو يرده إن كان لم يفت. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن للمبتاع الثاني أن يرجع على بائع بائعه إذا كان بائعه مفلسا؛ لأن غريم غريمه لو لم يكن مفلسا فرجع عليه لكان له هو أن يرجع عليه، ولا اختلاف في هذا، ونحوه في رسم الصبرة من سماع يحيى وفي رسم البيوع من سماع أصبغ، وقوله: إنه لا يقبل قول البائع الثاني بعد التفليس إن البائع الأول تبرأ إليه من العيب أو إنه باعه بيع براءة صحيح أيضا على أصولهم لا اختلاف فيه، إلا أنه إذا رده على الأول لا يأخذ منه إلا أقل الثمنين، فإن كان الأول باعه من المفلس بعشرة وباعه المفلس بخمسة عشر رجع على الأول بعشرة واتبع المفلس بالخمسة الباقية، وإن كان الأول باعه بخمسة عشر [من المفلس وباعه المفلس من هذا الثاني بعشرة] رجع على الأول بالعشرة التي كان له أن يرجع بها على المفلس، وكانت الخمسة للمفلس قبل الأول يأخذها منه غرماؤه من حقوقهم، وكذلك إن كان العبد قد فات لا يرجع على الأول إلا بالأقل من قيمة العيب من ثمنه الذي اشتراه به من المفلس يوم اشتراه منه أو الأقل من قيمة العيب من الثمن الذي باعه به من المفلس يوم باعه منه. هذا معنى قوله: وإرادته، وبالله تعالى التوفيق.

العيوب التي يرد بها العبد

[العيوب التي يرد بها العبد] ومن كتاب أوله شهد على شهادة ميت. قال ابن القاسم: قال مالك: العبد يرد من ثلاثة أشياء: الولد والزوجة والدين. قال محمد بن رشد: العيوب التي يرد بها العبد أكثر من أن تحصى بعدد، فيحتمل أن قول مالك هذا يكون خرج على سؤال سائل سأل مالكا هل يرد العبد من الولد والزوجة والدين؟ فقال له: نعم يرد من الثلاثة الأوجه: الولد والزوجة والدين فحكى عنه ابن القاسم ما سمع من قوله للسائل الذي سأله عن العيوب الثلاثة، ويحتمل أن يكون أراد به أنه يرد من ثلاثة أوجه يختص به من سبب غيره، وهم الولد والزوجة والدين، وبالله تعالى التوفيق. [يشتري العبد فيجده أغلف هل يرده بذلك] ومن كتاب الجواب. قال: وسألته عن الذي يشتري العبد فيجده أغلف هل يرده بذلك؟ قال ابن القاسم: العبد في ذلك بمنزلة الإماء إن ما كان من رقيق العجم الذين لا يختنون لم يرد، كان من علية الرقيق أو من وخثها، وإن كان من رقيق العرب رد إذا كان من علية الرقيق، قلت له: وأيهم رقيق العرب وما تفسيره عندك وما معناه؟ أهو على تلادهم وما طال مكثه عندهم وفي يديهم؟ قال: نعم تلادهم وما طال مكثه في أيديهم وحتى يستحق وما أشبه ذلك. وأما المجلوب فليس كذلك وإن كان قد ملكته العرب إذا كان بحدثان ذلك ولم تطل إقامته عندهم. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: يشتري العبد النصراني فيجده مختونا هل هو عيب يرد به

[مسألة: يشتري العبد النصراني فيجده مختونا هل هو عيب يرد به] مسألة وسألته: عن الذي يشتري العبد النصراني فيجده مختونا هل هو عيب يرد به؟ قال ابن القاسم: لا يرد به وليس ذلك عيبا فيه. قال محمد بن رشد: في رسم الكبش من سماع يحيى أن ذلك عيب يرد به إذا كان الناس في المجلوب الأغلف أرغب وثمنه أكثر لما يرتجى من تأديبه واستقامته ويخاف من غائلة المختون بأن يكون قد كان ببلد الإسلام ففر منه إلى أرض الحرب، وهو أصح في المعنى وأشبه في النظر. [مسألة: يشتري الأمة على أنها نصرانية فيجدها مسلمة] مسألة وعن الرجل يشتري الأمة على أنها نصرانية فيجدها مسلمة غره بها، هل يردها بذلك وهو يقول: أردت تزويجها غلاما لي نصرانيا أو غير ذلك؟ قال ابن القاسم: إن عرف ما قال وعرف لذلك وجه من حاجته إلى النصرانية ليزوجها عبده وما أشبه ذلك رأيته عيبا لردها به إن شاء؛ لأن ذلك يضطره إلى شراء غيرها لما لا بد له منها للحاجة إليها، وإنما اشتراها على ذلك ليكف عنه شراء غيرها، فأراه عيبا يرد به إن شاء، وإن لم يعرف تصديق ما قال، ولم يكن لذلك وجه لم أر أن يردها ولم أره عيبا. قال أصبغ بن الفرج: أو ليمين عليه ألا يملك مسلمة وما أشبه ذلك واشترطه له فله شرطه، وهو عيب عند ذلك. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما قال في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب النكاح في المسلم يغر النصرانية فينكحها ويقول لها: أنا على دينك فتطلع بعد أن دينه غير ذلك أن فراقه بيدها. وقد روى ابن نافع عن مالك: أن النكاح ثابت ولا خيار لها، وهو قول ربيعة إن الإسلام

مسألة: يشتري العبد وهو آبق فيقول له البائع إن أبق عندك فأنا له ضامن

ليس بعيب، فعلى هذا لا يكون للرجل أن يرد الأمة إذا وجدها مسلمة وقد اشتراها على أنها نصرانية؛ لأنه إذا لم ير للنصرانية أن ترد الزوج إذا وجدته مسلما وقد كانت تزوجته على أنه نصراني فأحرى بألا يكون للمسلم أن يرد العبد إذا وجده مسلما وقد كان اشتراه على أنه نصراني، والصحيح أن له أن يرده بالشرط الذي شرط لغرضه الذي قصد، وإن كان أدنى عن الذي وجد، وكذلك من اشترى أمة على أنها من جنس فوجدها من جنس آخر أرفع منه كان له أن يردها إذا كان لاشتراطه وجه، وقيل: ليس له أن يردها، وإن كان لاشتراطه وجه، وهو الذي يأتي على رواية ابن نافع المذكورة قبل، وقيل له أن يرد بالشرط، وإن لم يكن لاشتراطه وجه، روى ذلك جبلة عن سحنون، فهي ثلاثة أقوال. [مسألة: يشتري العبد وهو آبق فيقول له البائع إن أبق عندك فأنا له ضامن] مسألة وسألته: عن الرجل يشتري العبد وهو آبق معلوم فيقول له البائع: إن أبق عندك فأنا له ضامن، أو لعله لا يكون عرف بإباق فجعل له هذا الشرط أن ما حدث من إباق فهو ضامن له، أو يبيعه وهو مريض فيجعل له مثل هذا إن مات من ذلك المرض فهو له ضامن، أو بعينه ضرر فيزعم أنه من رمد فيجعل له هذا الشرط أن ما جر إليه ذلك من بياض أو غير ذلك فهو له ضامن، قال ابن القاسم: لا يحل هذا كله، وهذا كله بيع فاسد؛ لأن البائع لا يدري ما باع ولا المشتري ما اشترى، وهو الخطار أيضا بعينه [والغرر، ويدخله البيع والسلف أيضا إذا كان ينقد بمنزلة الذي يبيع السلعة الغائبة] ويشترط النقد، فإن سلمت السلعة أخذها، [وإلا رد عليه الثمن فهو من السلف الذي يجر المنافع،

مسألة: الفرائين يعملون الفرى فإذا فرغوا منها تربوا وجوهها بالتراب

لأنه إن سلمت السلعة أخذها] وإن لم تسلم ردها فكان سلفا جر منفعة، ومسألتك على كل حال فاسدة؛ لأنها من بيع الخطار والغرر؛ لأنه يزيده في الثمن لمكان الضمان الذي شرطه عليه وضمنه له. وقال أصبغ بن الفرج مثله، وقال: لا خير فيه انتقد أو لم ينتقد، ولا يحل على حال، ولا يترك إن نزل، ويفسخ متى ما علم به، سلم مما شرط له أو فعله، كان أو لم يكن، فإن أبق عند المشتري أو مات فالضمان منه؛ لأنه قد قبضه والبيع بينهما مردود، والقيمة على حالته يوم تبايعا آبقا كان أو مريضا أو غير ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى لا وجه للقول فيها، غير أن قوله فيها والقيمة على حالته يوم تبايعا آبقا كان أو مريضا، معناه إذا كان القبض والبيع في يوم واحد، ولو تأخر القبض عن العقد لكانت القيمة يوم القبض؛ لأنه بيع فاسد، فالقيمة فيه يوم القبض، بخلاف البيع الصحيح، وقد مضت هذه المسألة مختصرة في أول رسم استأذن، وفي قوله: أو يبيعه وهو مريض دليل على جواز بيع المريض، ومثله في سماع سحنون بعد هذا، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم. [مسألة: الفرائين يعملون الفرى فإذا فرغوا منها تربوا وجوهها بالتراب] مسألة وسألته: عن الفرائين يعملون الفرى فإذا فرغوا منها تربوا وجوهها بالتراب لتحسن وتزيد في أثمانها، وربما غيب ذلك بعض ما فيها من العيوب، والمشتري يعلم أو لا يعلم، هل ترى بذلك

باع الرجل عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فوجد المشتري عيبا

بأسا؟ قال ابن القاسم: لا يعجبني أن تترب وجوهها ولا أراه يحل ولا يصلح وأراه غشا إذا كان على ما وصفت لي، وأرى أن يزجروا على ذلك، وإن اشترى أحد منها على ما وصفت فإن كان ممن يعلم ذلك كما ذكرت أنها تترب وأن ذلك ربما غيب بعض ما فيها من العيوب فليس له أن يرد، وإن اشترى منها من لا يعلم ذلك ولا يعرفه رأيت له أن يرد إن شاء وجد عيبا أو لم يجد، علم أنه كان فيها قبل التتريب عيبا أو لم يعلم إذا كان التتريب يغيب بعض عيوبها كما ذكرت. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن ذلك من الغش الذي لا يحل ولا يجوز، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من غشنا فليس منا» ، فإن لم يعلم المشتري بذلك كان بالخيار بين أن يمسك أو يرد، فإن فاتت قبل أن يعلم كان عليه فيها الأقل من القيمة أو الثمن على حكم الغش في البيوع، وإن علم المشتري بذلك ودخل عليه لم يكن له أن يرد كما قال: معناه بحكم الغش إذ قد علمه ودخل عليه، فإن وجد عيبا كان له الرد، وكذلك قال ابن القاسم في الواضحة، وذلك بين لا إشكال فيه والحمد لله. [باع الرجل عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فوجد المشتري عيبا] ومن كتاب الفصاحة قال عيسى بن دينار: قال ابن القاسم: إذا باع الرجل عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام لا داء ولا غائلة فوجد المشتري عيبا لا يحدث في مثل ما كان فيه عند المشتري بمعرفة أهل البصر لقرب ذلك أو بينة قامت أنه كان به قديما عند بائعه أو اعتراف

فإنه يرده، إلا أن يكون حدث به عند مشتريه عيب آخر مفسد فيخير، وإن وجد به المشتري عيبا مثله يحدث بطول ما كان في يد المشتري ولا يقدم مثله، فإنه لازم للمبتاع ولا يمين على البائع، وإن وجد به المشتري عيبا مثله يحدث ويقدم في مثل ما كان عند المشتري نظر، إن كان عيبا مثله يخفى حلف البائع بالله [لباعه] ، وما يعلم به هذا العيب ثم لا شيء عليه، وإن كان عيبا يرى أن مثله لا يخفى على البائع حلف بالله الذي لا إله إلا هو على البتات لباعه وما به هذا العيب، فإن نكل عن اليمين في الوجهين جميعا ردت اليمين على المشتري فحلف بالله ما يعلمه حدث عنده، ثم يكون مخيرا بين أن يرده ولا شيء عليه أو يمسكه ولا شيء له، وإن نكل المشتري عن اليمين بعد نكول البائع لزم المشتري أخذه. قال ابن القاسم: وإن حدث به عند المشتري عيب مفسد ووجد به عيبا مثله يكون قديما ومثله يحدث في مثل ما كان فيه عند المبتاع فإنه يقول للبائع: احلف أنك ما بعت وأنت تعلم هذا العيب، فإن حلف لزم المشتري، وإن نكل قيل للمبتاع: احلف أنك لا تعلم هذا العيب حدث عندك، فإن حلف كان مخيرا بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، وبين أن يرد ويرد قيمة العيب المفسد الذي حدث عنده، فإن نكل لزمه العيب. [قال ابن القاسم: قال مالك: إن وجد المشتري به عيبا قديما لا يحدث في مثل ما كان عنده أو مثله يحدث إلا أن البينة تشهد أنه كان به عند البائع، وحدث به عند

يبيع الجارية بلا ولد فتلد عند المبتاع أولادا فيبيع أولادها

المبتاع عيب آخر مثله يحدث ويقدم قيل للمبتاع: احلف فإن حلف رده، ولا شيء عليه، وإن نكل عن اليمين قيل للبائع: احلف أنك لا تعلم هذا العيب كان عندك فإن حلف لزم المبتاع ذلك العيب الذي نكل عنه المشتري أولا، وكان المشتري مخيرا بين أن يرده بالعيب ويرد قيمة العيب وبين أن يمسكه ويأخذ قيمة العيب القديم، وإن نكل البائع أيضا لزمه العيبان جميعا وكان المبتاع مخيرا بين أن يمسكه ولا شيء له وبين أن يرده ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة حسنة في المعنى، ولا اختلاف في شيء منها إلا في صفة اليمين في العيب الذي يحدث ويقدم هل يكون فيها على البت أو على العلم، وكيف ترجع على المبتاع إذا وجبت على البائع فنكل عنها حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم؛ لأن العيب القديم يجب الرد به، والحادث يلزم المشتري ولا كلام له فيه، والعيبان أحدهما قديم والآخر حديث يكون المشتري مخيرا بين أن يرد ويرد ما نقصه العيب الحادث عنده، وبين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، والعيب الذي يحدث ويقدم القول فيه قول البائع إلا أن يكون فيه عيب آخر قديم فيكون القول في الذي يحدث ويقدم قول المبتاع لوجوب الرد له بالعيب القديم، هذا قوله في هذا الرسم، وقد مضى مثله في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة، ولا اختلاف في شيء من هذا كله وبالله التوفيق. [يبيع الجارية بلا ولد فتلد عند المبتاع أولادا فيبيع أولادها] ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها وسألته: عن الذي يبيع الجارية بلا ولد فتلد عند المبتاع أولادا فيبيع أولادها، ثم يجد بها عيبا فيريد ردها وثمن هل يردها ولدها أو لا يردها إلا وحدها؟ قال: يردها وثمن الولد؛ لأن مالكا قال لي: يردها

باع عبدا فهو في وقف الثلاث إذا أصاب ربحا في صفقة أصابها

وولدها ولم يره فوتا ووافقته عليه، فقلت له: أتراه فوتا؟ قال: لا، وقال: يردها وولدها إن أحب أو يمسكها ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: قوله في آخر المسألة: أو يمسكها ولا شيء عليه، يريد ولا شيء على البائع، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم لمن أحب الوقوف منها على الشفاء، وستأتي أيضا في سماع موسى [بن معاوية] ، والله تعالى الموفق. [باع عبدا فهو في وقف الثلاث إذا أصاب ربحا في صفقة أصابها] ومن كتاب العتق قال عيسى: سئل ابن القاسم عن رجل باع عبدا فهو في وقف الثلاث إذا أصاب ربحا في صفقة أصابها، لمن يكون ذلك المال؟ أو أوصي له بوصية وهو في ذلك الوقف؟ قال: أما ما كان من ربح في صفقة أو ما أوصي له] ، به فهو للمشتري، وهو بمنزلة ما نما من ماله، وذلك إذا اشتراه بماله، وإن كان لم يشتره بماله فجميع ما حدث له من مال فهو للبائع ما كان في عهدة الثلاث؛ لأن مصيبته من البائع. قال محمد بن رشد: أما ما ربح العبد في عهدة الثلاث في ماله فبين أن ذلك تبع للمال يكون للمشتري إن كان استثنى ماله وللبائع إن كان لم يستثنه. وأما ما أوصي له به أو وهبه فكان القياس ألا يعتبر فيه بالمال، إذ ليس المال بسبب له كما هو للربح، وأن يكون للبائع؛ لأن الضمان منه، وإن استثنى المبتاع ماله. فقوله: إنه يكون للمبتاع إذا استثنى ماله استحسان

مراعاة لقول من لا يرى العهدة ويرى الضمان من المبتاع في الرقيق بعقد البيع كالحيوان والعروض، وبالله التوفيق والحمد لله لا رب غيره ولا خير إلا خيره. [تم كتاب العيوب الأول بحمد الله وعونه]

كتاب العيوب الثاني

[كتاب العيوب الثاني] [يشتري العبد على أنه إفرنجي بلغته ثم يتبين أنه فصيح بالعربية] كتاب العيوب الثاني

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم تسليما من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش [قال] يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشتري العبد على أنه إفرنجي بلغته فيقيم أياما ثم يتبين له أنه فصيح بالعربية، هل ذلك عيب يرد به؟ أو وجده مختونا، وإنما اشتراه مجلوبا من أرض العدو فيما يرى؟ فقال: كل أمر إذا علم به المشتري كان عيبا عند أهل البصر في البيع والاشتراء فهو مردود، وإن كان الذي ظهر منه أفضل مما كان عليه حين اشترى، ولا حجة للبائع بأن يقول الفصيح أفضل من الأعجمي والمختون أفضل من الأغلف؛ لأن الناس لعلهم في المجلوب الأغلف أرغب لما يرجى من استقامته وصلاحه في تأديبهم إياه منهم في فصيح قد صار إلى أرض العدو بعد الفصاحة فيستراب بذلك وتخشى غائلته، والمختون كذلك، فإنما ينظر في مثل هذا إلى ما يكون عيبا عند أهل البصر مما ينقص الرقيق عندهم من أثمانها إذا علموا بالذي كتم المشتري مما ظهر له بعد في العبد.

مسألة: يشتري الجارية فيدعي أنها مجنونة فتوضع عند رجل ليستبرئ ذلك منها

قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم الجواب من سماع عيسى أن ذلك ليس بعيب، وهذا القول أظهر. [وبالله التوفيق] . [مسألة: يشتري الجارية فيدعي أنها مجنونة فتوضع عند رجل ليستبرئ ذلك منها] مسألة [قال] يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشتري الجارية فيدعي قبل السنة أنها مجنونة فتوضع عند رجل ليستبرئ ذلك منها فلا يظهر خنقها إلا بعد السنة وقد رفع أمرها إلى السلطان قبل انقضاء عهدة السنة، غير أن حقيقة الجن لم يتبين للعدول إلا بعد السنة، أيستوجب الرد برفعه أمرها إلى السلطان قبل السنة أم لا؟ فقال: ليس له أن يردها حتى يثبت له أنها جنت في عهدة السنة، ولا ينظر إلى رفعه أمرها ولكن ينظر إلى وقت خنقها، فإن كان بعد السنة فقد انقطعت العهدة عن البائع، ولا يضره دعوى المشتري ولا ما كان خفي عليها قبل السنة وادعى أنه بها مما لم يظهر حتى مضت العهدة وانقضى أجلها، قلت: أرأيت لو خاف المشتري على العبد أو الأمة أن يكون مجذوما أو ظهر به سبب من برص والذي يتهم به من الجذام والبرص قبل انقضاء السنة، فإذا سئل عنه أهل العدل من أهل البصر، قالوا: لا نشهد أنه جذام أو برص بين، ولكننا لا نشتري مثل هذا ولا نبيعه للخوف عليه ولما تبين من أسباب ذلك به، قال: ليس للمشتري أن يرده بما يخاف أو يتقى ولا بما يترك

يبيع العبد وبه عيب قد علم به البائع وكتمه ثم باعه المشتري من رجل آخر

التجار من بيع مثله واشترائه، ولا يكون له الرد حتى يشهد فلان أنه جذام بين أو برص بين. قال محمد بن رشد: قوله: غير أن حقيقة الخنق لم تتبين للعدول إلا بعد السنة دل أنه قد تبين لهم من أسبابه ما لم يتحققوا أنه خنق، ثم لم ير له ردة بتحققه بعد السنة، ويلزم مثل هذا في الجذام، [وقد حكاه ابن حبيب عن ابن كنانة وابن القاسم في الجذام] ، أيضا، وحكاه ابن المواز عن ابن القاسم أيضا خلاف ما في رسم الأقضية بعد هذا من هذا السماع، وخلاف ما ذهب إليه ابن المواز وابن حبيب وحكاه عن ابن وهب وأشهب وأصبغ ولا اختلاف في أنه لا يرد في السنة بما يستراب دون أن يتحقق من جنون أو جذام أو برص، ولا بما يتحقق من ذلك بقرب انسلاخ السنة إذا لم تظهر دلائله في السنة، ويرد على ما في المدونة من الجنون وذهاب العقل وإن لم يكن ذلك من مس جنون إذا لم يكن ذلك من جناية، وذهب ابن حبيب إلى أنه لا يجب رده إلا من الجنون، وذهب ابن وهب إلى أنه يرد بذهاب العقل، وإن كان ذهابه بجناية عليه، فهي ثلاثة أقوال، وبالله التوفيق. [يبيع العبد وبه عيب قد علم به البائع وكتمه ثم باعه المشتري من رجل آخر] ومن كتاب الصبرة وسئل: عن الرجل يبيع العبد وبه عيب قد علم به البائع وكتمه، ثم باعه المشتري من رجل آخر فأعتقه أو أحدث فيه ما يفوت به، كيف يترادون قيمة العيب؟ فقال: الذي غر والذي جهل في الغرم سواء، على كل واحد منهما أن يغرم لصاحبه ما بين قيمة العبد معيبا وقيمته صحيحا، قلت: أرأيت لو لم يتبع

البائع الآخر بقيمة العيب أكان له أن يتبع [البائع] ، الأول بقيمة ذلك العيب؟ قال: لا؛ لأنه قد باعه، فإن لم يتبع لم يتبع. قلت: أرأيت إن مات العبد من العيب الذي كان به كيف يترادون الثمن؟ فقال: يعدى المشتري الأول على البائع الأول بالثمن الذي أخذه منه ثم يدفعه إلى المشتري الآخر، فإن كان باعه بأكثر مما كان اشتراه به غرم ذلك للمشتري الآخر، فإن كان باعه بأقل مما اشتراه به حبس فضل ذلك لنفسه، قلت: فإن كان البائع الأول معدما فهل يعدى المشتري الآخر على بائعه بالثمن الذي أخذه منه؟ فقال: لا، ليس له عليه إلا قدر قيمة العيب، ويتبع المشتري الآخر البائع الأول بالثمن الذي أخذ من البائع الثاني حتى يستكمل الثمن الذي أخذ منه بائعه، وليس له على بائعه إذا كان البائع الأول معدما إلا قدر قيمة العيب. قال محمد بن رشد: قوله: إن العبد إذا فوته المشتري الثاني بعتق أو ما أشبهه، يريد أو مات في يده من غير عيب التدليس إن الذي دلس والذي لم يدلس سواء، على كل واحد منهما أن يغرم لصاحبه ما بين قيمة العبد معيبا وقيمته صحيحا، يريد من الثمن الذي باعه به يوم باعه منه، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن التدليس وغير التدليس سواء في وجوب الرد في القيام أو القيمة في الفوات، وإنما يفترق التدليس من غير التدليس في خمسة أشياء قد ذكرناها في غير هذا الكتاب؛ أحدها: موت العبد من العيب، وقوله: إنه إن لم يتبعه المشتري الثاني الذي اشترى منه بقيمة العيب لم يكن له هو أن يتبع البائع الأول الذي باع منه بشيء، هو المعلوم من مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها أن من باع ما اشترى قبل أن

يعلم بالعيب فلا رجوع له فيه، إذ لم ينقص بسبب العيب شيئا، ولو نقص بسببه شيئا مثل أن يبين به وهو يظن أنه حدث عنده أو يبيعه وكيل له فبين به لكان له أن يرجع على بائعه بقيمة العيب، وإن كان قد باعه بمثل الثمن الذي كان اشتراه به أو أكثر، على قياس ما حملنا عليه قول ابن القاسم في رسم استأذن من سماع عيسى خلاف ما ذهب إليه ابن المواز من أنه يرجع [بالأقل مما نقص بسبب العيب أو من بقية رأس ماله وقد مضى هناك الاختلاف لما يرجع به] ، إذا رجع عليه، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا، وأشهب يرى إذا باع ولم يعلم بالعيب فله أن يرجع على البائع بالأقل من قيمة العيب أو من بقية رأس ماله [وقد مضى] ، وكان القياس أن يرجع عليه بقيمة العيب بالغة ما بلغت؛ لأنه قد بقي له عند البائع فلا يسقط رجوعه عليه بقيمة ربحه في الباقي، وإنما هو في التمثيل بمنزلة من اشترى خمسة أثواب فدفع إليه البائع أربعة وأوهمه أنه دفع إليه خمسة كما اشترى منه، فله أن يرجع عليه بما يجب للثوب الذي بقي عنده من الثمن الذي دفع إليه، وإن باع هو الأربعة الأثواب التي أخذ منه بمثل الثمن الذي اشترى به منه الخمسة أو أكثر. [وأما إذا مات العبد عند المشتري الثاني من العيب الذي دلس به البائع الأول ففي ذلك أربعة أقوال؛ أحدها: قوله في هذه الرواية: إن المشتري الأول يعدى على البائع الأول بجميع الثمن الذي أخذ منه، فيدفع منه للمشتري الثاني جميع الثمن الذي أخذ منه، ويكون له الفضل إن كان باعه بأقل مما كان اشتراه به، فإن كان باعه بأكثر مما كان اشتراه به غرم ذلك أي تمام ما أخذ منه، يريد إلا أن يكون ذلك أكثر من قيمة العيب فليس عليه أن يدفع إليه أكثر من قيمة العيب؛ لأنه لم يدلس له، فإن كان الأول معدما فأخذ الثالث من الثاني قيمة العيب على ما ذكر ثم أيسر الأول فلم يتبعه الثالث ببقية الثمن لم يكن للثاني على الأول إلا قدر قيمة العيب؛ لأنه لا مطالبة له بالتدليس إذ لم يطالبه به الثالث والثاني: أنه

العبد يشترى وله مال فيصاب ماله في أيام العهدة فيريد المشتري أن يرده بذلك

يؤخذ الثمن من المدلس فيدفع منه للثاني قيمة العيب لا أكثر، وهو قول أصبغ والثالث: أن المشتري الثاني يرجع على المشتري الأول بقيمة العيب [من الثمن] ، الذي اشتراه به، ويرجع المشتري الأول على البائع الأول بالأقل مما رجع به عليه المشتري الثاني أو من جميع الثمن الذي باعه به، وهو قول محمد بن المواز. والرابع: ما ذهب إليه أبو إسحاق التونسي، وقال: إنه القياس، هو أن يرجع الآخر بقيمة عيبه ويرجع المدلس عليه على المدلس بقيمة العيب من ثمنه أيضا أو بالأقل على القول الآخر. والذي هو القياس عندي في هذه المسألة والنظر أن تكون مصيبة العبد إذا مات من العيب المدلس به من البائع الأول الذي دلس به، وتنتقض البيعتان جميعا، فإن كان الأول المدلس باعه بمائة [وباعه الثاني بمائة] وعشرين أخذت من الأول المائة التي أخذ، ومن الثاني العشرون التي استفضل، فيدفع ذلك إلى المشتري الثاني، وإن كان الأول المدلس باعه بمائة وباعه الثاني بثمانين أخذت من الأول المائة التي أخذ فدفع منها إلى البائع الثاني العشرون الذي خسر وإلى المشتري الثاني الثمانون التي وزن، والله تعالى هو الموفق. [العبد يشترى وله مال فيصاب ماله في أيام العهدة فيريد المشتري أن يرده بذلك] ومن كتاب الصلاة وقال في العبد يشترى وله مال فيصاب ماله في أيام العهدة فيريد المشتري أن يرده بذلك ويراه كالعيب يحدث به في العهدة إن ذلك ليس له، واشتراؤه له لازم، ولا يعيب العبد في مثل هذا شيء من ذهاب ماله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المال تبع للعبد ولا حصة له من الثمن لو استحق لم يجب للمبتاع بذلك رجوع على البائع،

يشتري الجارية فيتغير منظرها ويقبح حالها قبل السنة

ولو تلف العبد في العهدة وبقي ماله انتقض البيع ولم يكن للمبتاع أن يختار البيع فيحبس المال ويدفع الثمن، وبالله التوفيق. [يشتري الجارية فيتغير منظرها ويقبح حالها قبل السنة] ومن كتاب الأقضية وسألته: عن الذي يشتري الجارية فيتغير منظرها ويقبح حالها قبل السنة حتى إذا نظر إليها الناظر ظن أن بها جذاما لخفة حاجبها وسوء منظرها، ثم ينظر إليها أهل البصر بها فيقولون: هو بها فيما نظن ولا نستيقن ذلك؛ لأن أول ما يبدأ لها فيشك الناظر إليها فيحول الحول وتمضي أيام عهدة السنة ولا يردها السلطان على بائعها لموضع الشك، ثم يصير أمرها إلى أن يتحقق بها جذام بين بعد السنة، فقال: أما إذا اشتريت في العهدة ورفع أمرها إلى القاضي ورأى أهل البصر أن الذي بدا بها سبب الجذام ويخاف عليها، فأرى إن استحق ذلك بها على قرب من انسلاخ السنة، وبحد ثان مضي العهدة أن يرد بالذي كان اشتريت [منه] لأن تلك التهمة اتصلت بالحقيقة، قال: وإن طال زمانها بعد انقضاء عهدة السنة لم أر أن ترد بتلك التهمة. قال محمد بن رشد: هذا [مثل] ، ما ذهب إليه ابن المواز وابن حبيب خلاف ما حكي عن ابن القاسم وابن كنانة من أنه لا يجب ردها إلا أن يتحقق أنه جذام بين أو برص بين في داخل السنة، وقد مضى في رسم الكبش قبل هذا لابن القاسم دليل على ما حكى عنه ابن حبيب، وهو الذي يوجبه النظر، وذلك أنه لما كان يكمن ويخفى ولا يتحقق عند أول ما يبدأ جعلت السنة حدا لما يستتر فيه من أول ابتدائه إلى حين تحققه، فإذا تحقق في السنة حمل أمره على أن ابتداءه كان منذ سنة وهو في ملك البائع، وإذا

العبد يشترى بالعهدة إلا أن البائع تبرأ من الإباق، فأبق العبد في الأيام الثلاثة

لم يتحقق إلا بعد السنة وجب أن يحمل أمره على ابتدائه كان منذ سنة من يومئذ وهو في ملك المشتري، وبالله التوفيق لا رب سواه. [العبد يشترى بالعهدة إلا أن البائع تبرأ من الإباق، فأبق العبد في الأيام الثلاثة] ومن كتاب أوله أول عبد أبتاعه فهو حر وسئل: عن العبد يشترى بالعهدة إلا أن البائع تبرأ من الإباق، فأبق العبد في الأيام الثلاثة ثم لم يدر أمات في أيام العهدة أم لا وقد تبين أنه مات في إباقه ذلك، قال: سمعت مالكا يقول: هو من المشتري حتى يتبين أنه مات في أيام العهدة، قال: ولكن إن باعه بالعهدة ولم يتبرأ من إباقه فأبق في أيام العهدة فضمانه من البائع مات أو عاش، وذلك أنه لو وجده كان له رده، وإباقه في أيام العهدة من البائع. قال محمد بن رشد: أما إذا باعه بالبراءة من الإباق فأبق في عهدة الثلاث ولم تعلم حياته من موته أو علم أنه مات ولم يعلم إن كان مات في العهدة أو بعدها، فقوله ههنا: إنه من المشتري هو مثل إحدى روايتي ابن نافع وأشهب عن مالك في سماعه، ومثل ما في رسم طلق من سماع ابن القاسم خلاف الرواية الثانية لأشهب وابن نافع عن مالك في [المدونة في أول] سماعه، وقد مضى القول على ذلك في المواضع المذكورة، فلا وجه لإعادته. وأما إذا باعه بالعهدة ولم يتبرأ من الإباق فأبق في العهدة فضمانه من البائع كما قال؛ لأن ما أصاب العبد من العيوب في أيام العهدة فهو من البائع، والمبتاع فيه بالخيار، والإباق عيب من العيوب، فإذا أبق في العهدة فالمبتاع فيه بالخيار، فإذا مات قبل أن يختار وجب أن يكون ضمانه من البائع وإن كان موته بعد أيام العهدة كالعبد يموت في أيام الخيار، وكذلك إن غاب في العهدة ولم يرجع وجب على البائع أن يرد

مسألة: يبيع العبد بالعهدة ثم يجد به المشتري عيبا بعد العهدة يرد منه ولا يجد البينة

الثمن ويطلب عبده، وكذلك إن دلس له بالإباق فأبق بعد العهدة ولم يرجع. [وبالله التوفيق] . [مسألة: يبيع العبد بالعهدة ثم يجد به المشتري عيبا بعد العهدة يرد منه ولا يجد البينة] مسألة وسألته: عن الرجل يبيع العبد بالعهدة ثم يجد به المشتري عيبا بعد العهدة يرد منه ولا يجد البينة أنه كان بالعبد عند البائع، كيف يحلف البائع على البت أن ذلك العيب لم يكن بالعبد يوم باعه أم على علمه؟ فقال: أما كل عيب ظاهر يرى أنه لم يكن يخفى عليه وأنه قد دلس به فيما يرى وهو مما لا يحدث مثله في قدر ما كان عند المشتري، فإنه يرد بلا بينة ولا يقبل فيه يمين البائع إذا كانت معرفة ذلك ثابتة عند الناس أن العيب قديم وأنه بموضع لم يكن ليخفى مثله على البائع في طول ما ملكه وكان في يديه. قال: وأما العيب الظاهر فإن رئي أن مثله لا يخفى غير أنه مما يحدث مثله في قدر ما كان العبد عند المشتري فإنه يحلف بالله لقد باعه وما به هذا العيب على البت، ولا ينفعه أن يقول ما علمت [به، فإن نكل حلف المشتري بالله الذي لا إله إلا هو ما حدث عندي على البت أيضا ولا ينفعه أن يقول: ما علمته حدث عندي] ثم يرده إن شاء، فإن نكل لزمه حبسه. قال: وكذلك يحلف البائع أيضا فيما يخفى من العيوب التي تحدث على البت أيضا [ولا ينفعه أن يقول: ما علمته حدث عندي ثم يرده إن شاء] ، فإن نكل حلف المشتري أنها لم تحدث عنده على

مسألة: يشتري العبد بالبراءة ثم يجد به عيبا

البت أيضا، وأما ما يخفى مما يرى أنه بالعبد قديم فهو مثل ما يظهر مما يرى أنه بالعبد قديم إذا ثبت معرفة ذلك عند الناس رده بلا بينة، ولا يقبل للبائع في ذلك يمين. قال محمد بن رشد: رواية يحيى هذه في وجوب اليمين على البت فيما يخفى مما يحدث ويقدم من العيوب خلاف المشهور في المذهب، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم، ومضى طرف منه في رسم الفصاحة من سماع عيسى لمن أحب الوقوف عليه فلا معنى لإعادته. [وبالله التوفيق] . [مسألة: يشتري العبد بالبراءة ثم يجد به عيبا] مسألة قال: قلت: فالذي يشتري العبد بالبراءة ثم يجد به عيبا أو خفيا مما يحدث أو مما لا يحدث مثله كيف يحلف؟ فقال: كل عيب يوجد بعبد اشتري بالبراءة كان ظاهرا أو خفيا مما يرى أنه بالعبد قديم فإن البائع يحلف فيه على علمه بالله الذي لا إله إلا هو لباعه ولا يعلم به هذا العيب ثم يبرأ، فإن نكل حلف المشتري بالله ما علم أن هذا العيب حدث عنده ثم رده. قال: وكذلك يحلف أيضا فيما يحدث ويقدم على علمه ثم لا شيء عليه؛ لأنه قد تبرأ عند البيع من عيوبه [كلها] فكل عيب لا يثبت عليه أنه علمه وإن كان بالعبد يوم باعه فإنه منه بريء، فلذلك لم يحلف إلا على علمه، قلت: أرأيت إن كان بالعبد شيء ظاهر لا يشك أنه قد علم به فيما يرى الناس، أتنفعه البراءة في مثله؟.

العبد يجرح موضحة فيبين سيده قبل أن يبرأ أو يحكم له بأرشها

قال محمد بن رشد: أما بيع البراءة فلا اختلاف أعلمه في أن الأيمان فيها إنما تكون على العلم سواء كانت العيوب مما تخفى أو مما لا تخفى، وإنما اختلف في بيع الإسلام وعهدته حسبما مضى القول فيه في أول سماع ابن القاسم، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب لمن أحب الوقوف عليه، وأما إذا كان العيب ظاهرا لا يشك أن البائع قد علمه وباع بالبراءة فلم يقع في ذلك في الرواية جواب، والجواب في ذلك: أن البراءة لا تنفعه في ذلك، كذلك روى زياد عن مالك، قال: ومن باع عبدا بالبراءة فوجده المشتري مقعدا أو قد ذهب يده أو رجله أو عينه أو وجده أعمى ونحو هذه العيوب التي يرى أن صاحبه قد علمها وكتمه لم تنفعه البراءة وكان بيعا مردودا، ومثله في كتاب أصبغ عن ابن القاسم، ومعنى هذا إذا كان غائبا فباعه على الصفة، وأما إذا كان حاضرا فرآه المشتري عند الشراء فليس شيء من هذا بعيب؛ لأنها ظاهرة ترى على ما قال في المدونة [وبالله التوفيق] . [العبد يجرح موضحة فيبين سيده قبل أن يبرأ أو يحكم له بأرشها] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم: عن العبد يجرح موضحة فيبين سيده قبل أن يبرأ أو يحكم له بأرشها، قال: هذا بيع فاسد إلا أن يكون قد باعه وقد برأ الجاني من الجرح، وأما إن لم يبرئه فمات العبد في يد المشتري أيرجع بالقيمة فهذا غرر لا يدري العبد اشترى أو ما يأخذ من القيمة؟ وإن كان البائع برأ الجاني لم أر به بأسا؛ لأنه قد باعه عبدا به عيب، فإن مات فهي مصيبة، وإن بقي فهو عبده، قلت له: فلو أراد سيده البائع قبل أن يبيعه أن يتعجل أرش الموضحة أكان ذلك له؟ قال: لا. قال سحنون:

وروى التونسيون في الرجل يشتري العبد المجروح موضحة أن البيع لا يجوز؛ لأنه إن سلم كان له العبد، وإن مات كانت له القيمة، فيدخله الخطر، وسألت ابن القاسم عنها فقال: البيع جائز وهو بمنزلة ما أصابه في عهدة الثلاث، وكلمت فيها أشهب فقال: البيع جائز ويوقف الثمن، فإن سلم كان للمشتري، وإن مات كان من البائع بمنزلة مواضعة الجارية للاستبراء، فكنت أستحسن قول أشهب، إلا أنه يدخله إلى أن الاستبراء له أمر معروف يوقف به، وإن زادت وتمادى بها الاستبراء كان عيبا وكان له الرد، وهذا لا أمد له ينتهي إليه إلا إلى البرء، ولعله يطول فيكون فيه ضرر؛ ولأن هذا اشترى فبان بما اشترى، وهذا باع فانتقد ثمن ما باع، فدخله هذا فوجدت الخطر أملك به. قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم: أولا في العبد المجروح موضحة إن بيعه لا يجوز إلا أن يكون قد برأ الجاني من الجرح؛ لأنه إن باعه ولم يبرأ الجاني من الجرح كان غررا، إذ لا يدري هل يسلم العبد فيكون له أو يموت فتكون له القيمة مثل رواية التونسيين؛ وقال في القول الآخر: إن البيع جائز ويكون بمنزلة ما أصابه في عهدة الثلاث، يريد أنه إن مات كانت قيمته للبائع وانفسخ البيع، وإن سلم كان للمشتري، وكان الأرش للبائع، كما إذا أصابه ذلك في عهدة الثلاث فرضي المشتري بأخذه إن مات كانت قيمته للبائع وانفسخ البيع، وإن سلم كان للمشتري وكان الأرش للبائع، فلا يجوز النقد في ذلك بشرط، كما لا يجوز في المواضعة ولا في عهدة الأيام الثلاث ولا في أيام الخيار، وقول أشهب: إن الثمن

موقف [هو على] معنى الاختلاف في وجوب توقيف الثمن في الاستبراء، وسيأتي القول على هذا في أول سماع ابن القاسم من كتاب الاستبراء إن شاء الله، ولو وقع البيع على أنه إن سلم أخذه المبتاع، وإن مات كانت القيمة على الجاني لم يجز باتفاق، وإنما الاختلاف إذا وقع البيع على غير بيان أو على أنه إن مات كانت القيمة للبائع على الجاني وانفسخ البيع، فمرة أجيز البيع قياسا على مواضعة الجارية في الاستبراء، ومرة لم يجز وفرق بين الموضعين من أجل أن الاستبراء له أمد معروف وهذا لا أمد له إلا إلى البرء، وقد تكون السنة أو أكثر من السنة، ولا نص خلاف في أن ذلك إذا أصابه في عهدة الثلاث يكون المشتري مخيرا بين أن يرده من ساعته أو يأخذه إن سلم ويكون الأرش للبائع. وقال الفضل: الصواب ألا يكون للمشتري أن يقبل العبد مجنيا عليه إلا أن يسقط البائع تبعته عن الجاني، وإلى هذا ذهب ابن عبدوس فقال: كل ما لا يجوز ابتداؤه فلا يجوز أخذه بعد الخيار وكأنه ابتداء شراء. وقد أنكر سحنون على ابن القاسم قوله في الكافر يشتري العبد الكافر على أنه بالخيار فيسلم العبد في أيام الخيار إنه إن اختار بيع عليه، وقال: لا يجوز أن يختار الشراء بعد إسلام العبد؛ لأن يصير مشتريا لعبد مسلم، وهذا أصل مختلف فيه، فمنه اختلافهم في الذي يشتري العبيد جملة فيستحق أكثرهم هل له أن يأخذ ما بقي بما ينوبهم من الثمن أم لا؟ اختلف في ذلك قول ابن القاسم، وفي إجازة شراء العبد المجروح موضحة إذا أبرأ السيد الجارح جواز شراء المريض، وقد مضى مثل هذا في رسم الجواب من سماع عيسى، ومضى ذكر الاختلاف في هذا في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم لمن أحب الوقوف عليه. وأما قوله: إنه ليس له أن يتعجل أرش الموضحة ففي ذلك اختلاف، قيل: إن له أن يتعجلها، فإن مات العبد منها وفي تمام قيمته، وهو مذهب

العهدة في العبد المقرض والعبد المسلف فيه

ابن الماجشون وسحنون. فهذا حكم الجناية على العبد في عهدة الثلاث، وأما جنايته فيها على غيره ففيها تفصيل على معنى ما في [الأمهات] ، المدونة والواضحة وغيرهما، سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات، وبالله التوفيق. [العهدة في العبد المقرض والعبد المسلف فيه] من نوازل سئل عنها سحنون [بن سعيد] قال سحنون: لا عهدة ثلاث ولا سنة في العبد المقرض ولا في العبد المسلف فيه ولا المصالح به، ولا في العبد الغائب يشترى على صفة، ولا العبد المأخوذ من دين، ولا في العبد المنكح به، ولا في العبد المخالع به، ولا العبد المقاطع به من كتابة المكاتب، ولا العبد المأخوذ من دم عمد، وهذا كله على مذهب ابن القاسم؛ قال: وعلى ما روى أشهب في العبد المنكح به أن فيه عهدة الثلاث وعهدة السنة. قال محمد بن رشد: أما العبد المقرض فلا اختلاف في أنه لا عهدة فيه إذ ليس ببيع، والعهدة إنما جاءت فيما اشتري من الرقيق. وأما العبد المسلف فيه فابن حبيب يرى فيه العهدة؛ لأنه مشترى، ووجه قول ابن القاسم: أنه ليس مشترى بعينه وإنما هو ثابت في الذمة بصفته فأشبه القرض. وأما المصالح به فمعناه المصالح به على الإنكار، وأما المصالح به على الإقرار فهو بيع من البيوع تكون فيه العهدة، وإنما لم تكن في المصالح به على الإنكار عهدة؛ لأنه أشبه الهبة في حق الدافع؛ ولأنه

يقتضي المناجزة؛ لأنه أخذه على ترك خصومة فلا يجوز لهما التأجيل فيه، ولو استحق لما رجع بالعرض على حكم البيوع. وأما المأخوذ من دين أو دم عمد فإنما لم تكن في ذلك العهدة لوجوب المناجزة في ذلك اتقاء الدين بالدين. أما العبد المشترى على الصفة، فإنما لم يكن فيه عهدة؛ لأن وجه البيع يقتضي إسقاطها لاقتضائه التناجز إذا كان الناس يتبايعون الغائب على ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من المبتاع، فإن اشترط الصفقة لم تكن فيه عهدة؛ لأن بيع الصفقة موجز قاطع للضمان والعهدة، وإن لم يشترطها فمرة حمل مالك البيع على ذلك، ومرة رأى السلعة في ضمان البائع حتى يقبضها المبتاع فيكون قبضه لها على هذا القول قبضا ناجزا لا عهدة فيه. وأما العبد المنكح به فوجه وجوب العهدة فيه قياسه على البيوع، وقد قال مالك: أشبه شيء بالبيوع النكاح. ووجه إسقاطها فيه هو أن طريقه المكارمة، ويجوز فيه من الغرر والجهول ما لا يجوز في البيوع، وقد سماه الله نحلة، والنحلة ما لم يعتض عليه، فوجب ألا تكون فيه عهدة. وأما العبد المخالع به: فإنما لم تكن به عهدة؛ لأن طريقه المناجزة؛ لأن المرأة لما كانت تملك نفسها بالخلع ملكا تاما ناجزا لا يتعقبه رد ولا فسخ وجب أن يملك الزوج في العرض ملكا ناجزا [لا يتعقبه رد ولا فسخ] . وأما العبد المقاطع به: فإنما لم تكن فيه عهدة؛ لأنه إن كان عبدا بيعنه فكأنه انتزعه منه وأعتقه، وإن كان بغير عينه فأشبه المسلم فيه الثابت في الذمة فسقطت فيه العهدة. وقد اختلف في العهدة في العبد المستقال منه، فقال ابن حبيب وأصبغ: فيه العهدة، وقال سحنون: لا عهدة فيه، وهذا

يشتري الشاة وهي حامل فتلد عنده فيأكل لبنها وسخلتها ثم يجد بها عيبا ترد منه

عندي إذا لم ينتقد، وأما إذا كان قد انتقد فلا عهدة في ذلك قولا واحد؛ لأنه كالمعبد المأخوذ من دين. وقال ابن العطار: إنه لا عهده في العبد إذا كان رأس مال المسلم، وقوله صحيح؛ لأن السلم يقتضي المناجزة، وقد قيل: لا يجوز أن ينعقد السلم على أن يتأخر رأس مال السلم اليوم واليومين والثلاثة، وإنما يجوز أن يتأخر إلى هذا المقدار إذا وقع على المناجزة، وهذا القول قائم من المدونة [بدليل] ، وعلى قياس قوله: لا عهدة فيما بيع من الرقيق بدين إلى أجل، واعترض ابن الهندي على ابن العطار قوله ورأى فيه العهدة، وحكى ابن حبيب في الواضحة أنه لا عهدة في العبد الموهوب على الثواب. والوجه في ذلك أنه بيع على المكارمة لا على المكايسة، فأشبه العبد المنكح به يدخل فيه من الاختلاف ما دخل في العبد المنكح به، والله أعلم، [وبالله عز وجل التوفيق] . [يشتري الشاة وهي حامل فتلد عنده فيأكل لبنها وسخلتها ثم يجد بها عيبا ترد منه] من سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم قال موسى بن معاوية: قال ابن القاسم في الرجل يشتري الشاة وهي حامل فتلد عنده فيأكل لبنها وسخلتها ثم يجد بها عيبا ترد منه، قال: إن أحب أن يردها ويقاص بقيمة ولدها الذي أكل من ثمنها فذلك له، وإن أحب أن يمسكها ويأخذ قيمة العيب من بائعها فذلك له، وإنما كان له أن يأخذ قيمة العيب ويمسكها؛ لأن، الولد ربما جاء من ثمنه ما هو أكثر من ثمنها الذي ابتاعها به، فيصير إن قاصه لم يرجع على البائع بشيء حينئذ، فلذلك يكون له أن يحبسها ويأخذ قيمة العيب، وما أكل من لبن أو لبإ أو شعر انتفع به لم يقاص بشيء منه؛ لأنه كان له بالضمان، وهو بمنزلة الغلة؛ لأنه لو فلس صاحبها فأدركها وولدها أخذهما، ولو وجد لها لبنا أو شعرا قد أخذ منها لم يكن له منه شيء.

الفصوص يشتريها الرجل فيحكها فيظهر بها عيوب

قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم لمن أحب أن يتأمله فلا وجه لإعادته، ومضى أيضا في رسم باع شاة من سماع عيسى، والله المعين. [الفصوص يشتريها الرجل فيحكها فيظهر بها عيوب] من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم [قال] محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن الفصوص يشتريها الرجل فيحكها فيظهر بها عيوب عند الحك لم يكن بها قبل ذلك في الظاهر، فقال: قال مالك: المبتاع لها ضامن، وكذلك كل ما يباع فكان المبتاع والبائع في معرفته سواء لا يظن أن البائع قد عرف من سلعته ما لم يعرف المبتاع، فإن المبتاع لما اشترى من ذلك ضامن ليس له إلى رده سبيل، قال: ومن ذلك الخشب والجوز والرانج، قال مالك: والبيض مخالف لهذا، وذلك؛ لأن فسادها يعرف، فما وجد فيه من فاسد رده. قال مالك: [وإن الناس ليردون القثاء إذا وجدوه مرا كأنه يراه بمنزلة ما ذكرنا مما معرفة المبتاع فيه والبائع سواء] . وقال ابن نافع وداود مثل ذلك، غير أن ابن نافع قال في الجوز إذا اشتراه الرجل فوجد عامته فاسدا: إنه يرده ويأخذ الثمن من بائعه، وإن كان فساده يسيرا لم يرده ولزمه ما اشترى، وقال محمد بن خالد: وقوله في الجوز أحب إلينا. قال محمد بن رشد: الأصل في هذا أنه لا يرد من العيوب إلا ما يمكن أن يعرفه الناس، فيكون البائع غارا به ومدلسا فيه، فأما ما لا يمكن

مسألة: الجارية تشترى وهي لم تخفض

أن يعرفه الناس ويستوي في الجهل بمعرفته البائع والمبتاع ولا يمكن الوصول إلى العلم به بوجه من وجوه الاختبار، ولا كان من سبب حادث يمكن أن يعلم ولا من سوء صنعة، فإنه لا يجب الرد بشيء من ذلك ولا القيام به، مثل العفن يكون في داخل العود والخشبة من قبل القطع لا يعلم به إلا بعد نشره وشقه، ومثل الجذري يكون في الجلود لا يتبين إلا بعد إدخالها في الدباغ، ومثل الجوز والرانج يباع فيوجد فيه إذا كسر فاسدا أو معفونا، ومثل القثاء يباع فيوجد فيها مرا وما أشبه ذلك، فأما ما أمكن معرفته بالاختبار مثل القثاء والقثاتين توجد مرة فإنها ترد؛ لأنها يوصل إلى معرفة مرارتها من غير أن تقطع بالعود يدخل فيها، فإن الرد يجب بذلك، قاله أشهب، أو مثل الأحمال من القثاء توجد مرة كلها أو الجوز يوجد فاسدا كله فإنها ترد؛ لأن هذا مما لا يمكن أن يخفى على البائع، أو كان فساده من سبب حادث مثل الجلود تفسد من حرارة الشمس أو قلة الملح، أو ماء بحر يصيبها، على ما قال ابن حبيب، أو سوء صنعة مثل العره أو الجبنة على ما قال ابن مزين، فإن الرد يجب بذلك كله، وكذلك كل ما كان القدم يفسده مثل البيض وما أشبهه فإن الرد يجب بذلك كله، وهذا كله لا اختلاف فيه، فقول ابن نافع ليس بخلاف لقول ابن القاسم، وإنما قال ابن خالد: وقوله: أحب إلينا؛ لأنه رأى قول من فسر أحسن من قول من أجمل، ويتخرج في المذهب قولان فيما كان الفساد فيه لا يعرف ولم يكن من الأصل ولا كان حادثا بسبب يعلم، فعلى ما ذهب إليه ابن حبيب يحب الرد بذلك، قال: لأن هذا مما يمكن أن يعلمه بعض الناس، وعلى ظاهر ما في هذه الرواية وغيرها لا يجب به الرد، والله أعلم. [وبالله التوفيق] . [مسألة: الجارية تشترى وهي لم تخفض] مسألة قال: وقال ابن القاسم: قال مالك في الجارية تشترى وهي

مسألة: يشتري العبد المسلم فيجده أغلف

لم تخفض يريد أنها لم تختن إنها إذا كانت فارهة ردت؛ لأنه عيب من العيوب. قال محمد بن أحمد: معناه إذا كانت من رقيق العرب الذين يخفضون على ما مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم وفي رسم الجواب من سماع عيسى. [مسألة: يشتري العبد المسلم فيجده أغلف] مسألة قال: وسألت ابن نافع عن الرجل يشتري العبد المسلم فيجده أغلف، قال يرده بذلك عليه؛ لأنه عيب. قال محمد بن رشد: معناه إذا كان من رقيق العرب الذين يختنون ولم يكن مجلوبا من رقيق العجم على ما مضى أيضا في سماع ابن القاسم وفي سماع عيسى، وظاهر قوله أن الرفيع والوضيع في ذلك بمنزلة سواء مثل قول ابن حبيب في الواضحة خلاف ما مضى في سماع عيسى، وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [يبيع البقرة على أنها حامل] من سماع عبد الملك بن الحسن من أشهب قال عبد الملك: سئل أشهب عن الذي يبيع البقرة على أنها حامل، فقال: إذا لم توجد حاملا ردت، قيل: فالجارية تباع على أنها حامل فتوجد غير حامل، فقال: ذلك يختلف إن كانت من الجواري المرتفعات اللاتي ينقصهن الحمل فإنما ذلك تبري وليس عليه شيء، [وإن كانت من الجواري اللاتي يزيدهن الحمل فوجدها غير حامل ردها] .

يشتري العبد ثم يظهر منه على عيب يرد منه

قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا في بيع البقرة والجارية التي يزيدها الحمل على أنها حامل إن البيع جائز ويردها إن لم تكن حاملا خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك، لا يجوز على مذهبهما بيع الشاة ولا البقرة ولا الجارية الدنية التي يزيدها الحمل على أنها حامل وإن كانت ظاهرة الحمل، والبيع على ذلك مفسوخ، وذلك بين من قوله في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وأجاز ذلك سحنون إذا كانت ظاهرة الحمل، وقال ابن أبي حازم في المدنية: البيع جائز ولا يردها إن لم يجدها حاملا، قال ذلك في الذي يبيع الرمكة ويشترط أنها عقوق إذا باعها وهو يرى أنها كما قال، قال: ولو باعها وهو يعلم أنها على غير ذلك بمعرفته أن الفحل ينزو عليها لكان للمشتري أن يردها؛ لأنه قد غره بما أطمعه من عقاقها، فإذا لم يعلم بأنها عقوق فشرط له أنها عقوق فالبيع جائز ولا يلزمه ما شرط إذ لا علم له به ولا للمشتري، فكلاهما في عمى، فالبيع ماض ولا ينتقض، فتحصل في المسألة أربعة أقوال: أظهرها قول سحنون: أن البيع فاسد إلا أن يكون الحمل ظاهرا، وقال ابن عبد الحكم: لا خير في أن بيع الرجل الدابة ويشترط عقاقها، ولو قال: هي عقوق ولم يشترط ذلك لم يكن به بأس. [يشتري العبد ثم يظهر منه على عيب يرد منه] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيوع قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يشتري العبد ثم يظهر منه على عيب يرد منه، فيقول البائع: بعته بعشرين، ويقول المشتري: بل بثلاثين، وكيف إن قال البائع: بعتكه بعرض؟ قال: القول قول البائع في جميع ذلك مع يمينه إلا أن يأتي بما لا

مسألة: باع من رجل سلعة ثم باعها المشتري من آخر ثم غاب

يشبه. قال أصبغ: فيرجع القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه، فإن أتى أيضا هو بما لا يشبه ولا يعادل ولا يقارب رأيت الثمن بقدر قيمة العبد يوم قبضه معيبا يرد ذلك البائع على المشتري ويرد عليه العبد، وما سمعت فيه شيئا وهو رأيي. قال محمد بن أحمد: قوله: إنهما إذا اختلفا في الثمن عند وجود العيب إن القول قول البائع إذا أتى بما يشبه صحيح؛ لأنه مدعى عليه منكر لما ادعى عليه المشتري، وقد أحكمت السنة أن البينة على المدعي واليمين على من أنكره، وقول أصبغ: فإن أتى بما لا يشبه رجع القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه صحيح أيضا لا إشكال فيه ولا اختلاف، وأما قوله: فإن أتى أيضا بما لا يشبه رأيت الثمن بقدر قيمة العبد يوم قبضه معيبا، فإنه كلام ليس على ظاهره؛ لأن البائع لم يقبض الثمن فيه إلا على أنه صحيح فإنما تكون القيمة فيه على أنه صحيح، فمعنى قوله: إن الثمن يكون بقدر قيمة العبد صحيحا يوم قبضه معيبا أي يوم باعه معيبا، إلا أن يكون البيع والقبض في يوم واحد، وذلك أيضا بعد أيمانهما جميعا أو نكولهما جميعا، فإن حلف أحدهما، ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما، وإن كان لا يشبه؛ لأن صاحبه قد مكنه من دعواه بنكوله وبالله التوفيق. [مسألة: باع من رجل سلعة ثم باعها المشتري من آخر ثم غاب] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن رجل باع من رجل سلعة، ثم باعها المشتري من آخر ثم غاب ثم أتى من استحق السلعة، فقال المشتري الثاني للبائع الأول: أنت بعتها من بيعي هذا، هل يعدى

مسألة: باع من رجل ثوبا بنصف دينار وأحال على المشتري غريما له بالنصف

عليه أم لا؟ قال: نعم يرجع عليه، وقاله أصبغ، قال أصبغ: وكذلك العيوب إلا أن عليه في العيوب أن يقيم البينة أنه اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام بغير براءة، فإن أقام ذلك رجع على البائع الأول ورد عليه ماله حتى يقيم هو البينة أنه بايع صاحبه بيع البراءة أو تبرأ إليه منه؛ لأن الأوسط لو كان حاضرا فرد عليه لكان له الرد على صاحبه حتى يثبت عليه التبرئة والمعاملة عليها فهو في مقامه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الأول غريم غريمه فيكون عليه في الاستحقاق والرد بالعيب ما كان يكون لغريمه عليه لو رجع عليه، فيرجع عليه في الاستحقاق بأقل الثمنين، وكذلك إذا رد عليه بالعيب إنما يأخذ منه أقل الثمنين، فإن كان ثمنه أكثر من الثمن الذي باعه به الأول اتبع الذي باعه هو ببقية ثمنه، وكذلك إذا كان قد فات فإنما يرجع عليه بالأقل من قيمة العيب من الثمن الذي باعه [يوم باعه، أو الأقل من قيمة العيب من الثمن الذي باعه] به الأول يوم باعه، وقد مضى هذا في رسم البراءة من سماع عيسى [لمن أحب الوقوف عليه فلا وجه لإعادته] . وقال أصبغ: إن عليه أن يقيم البينة على أنه اشترى بيع الإسلام وعهدته، وسكت عما يجب عليه من إقامة البينة على أنه نقد الثمن، وقد مضى ذلك والحكم فيه إذا عجز عن إقامته في رسم نقدها من سماع عيسى لمن أحب الوقوف عليه فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: باع من رجل ثوبا بنصف دينار وأحال على المشتري غريما له بالنصف] مسألة قال ابن القاسم في رجل باع من رجل ثوبا بنصف دينار وأحال على المشتري غريما له بالنصف فأعطاه فيه عشرة دراهم،

مسألة: باع عبدا وبه عيب إباق دلسه فباعه مشتريه فأبق عند المشتري الثاني

ثم وجد المشتري بالثوب عيبا بم يرجع على البائع؟ قال: بنصف دينار وليس بالدراهم، وقاله أصبغ إتباعا، وفيه غمز وضعف. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه يرجع عليه بالدراهم، وقد مضت هذه المسألة، ووجه الاختلاف فيها مستوفى في أول مسألة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف فلا معنى لإعادته [هنا مرة أخرى، وبالله تعالى التوفيق] . [مسألة: باع عبدا وبه عيب إباق دلسه فباعه مشتريه فأبق عند المشتري الثاني] مسألة وسألت ابن القاسم: عمن باع عبدا وبه عيب إباق دلسه فباعه مشتريه فأبق عند المشتري الثاني، فمات في ذلك الإباق أو لم يمت والبائع الأول والثاني قيام بأعينهما، إلا أن البائع الثاني عديم، فقال: إن الثمن يؤخذ من البائع الأول المدلس، يؤخذ منه قدر الثمن الذي اشترى به الثاني، فيدفع إلى المشتري الثاني، ثم إن شاء المشتري الأول اتبعه ببقية ماله إن كان فيه فضل، وإن شاء ترك، فإن كان البائع الأول قد فات رجع المشتري الثاني على المشتري الأول بما بين القيمتين، ولا يرجع بالثمن كله؛ لأنه لم يدلس؛ فإن وجد البائع الأول يوما ما أخذ منه الثمن فأتم للمشتري الثاني منه بقيمة حقه الذي اشتراه به، وكان ما بقي للمشتري الأول. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم الصبرة من سماع يحيى، وذكرنا أنه يتحصل في ذلك خمسة أقوال، فلا معنى لإعادة شيء منها ههنا. وبالله التوفيق.

مسألة: باع جارية وشرط البائع أنها حامل

[مسألة: باع جارية وشرط البائع أنها حامل] مسألة وسئل ابن القاسم: عن رجل باع جارية وشرط البائع أنها حامل، قال: لا يجوز هذا الشرط والبيع مفسوخ. قال محمد بن رشد: معناه إذا كانت الجارية غير رائعة مما يكون الحمل زيادة في ثمنها، وقد مضى ذلك وتحصيل القول فيها في سماع عبد الملك فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: باع جارية وقال إنها تزعم أنها بكر فألفيت ثيبا] مسألة وإن باع جارية، وقال: إنها تزعم أنها بكر فألفيت ثيبا، فإن مالكا قال: ترد لأنه قد قال قولا رغب الناس فيها وازداد في ثمنها. قال أصبغ: وكذلك لو قال: إنها تزعم أنها طباخة أو رقامة فلم توجد كذلك فإنها ترد. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وقد مضى القول على ذلك هناك فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يشترى فيوجد ضرسه منزوعة أو به كي] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل عن العبد يشترى فيوجد ضرسه منزوعة أو به كي أن الضرس خفيف إلا أن ينقص من ثمنه، مثل الجارية الرائعة وما أشبهها فيكون ذلك ينقص من ثمنها فيكون عيبا ترد منه. وأما الكي فهو خفيف إلا أن يخالف اللون فيرد به، وقاله أصبغ. قال أصبغ: ويكون الكي الفاحش أو الكثير المترق، وإن لم يخالف اللون وفي المواضع التي يراد من

باع عبدا بالبراءة فباعه المشتري فظهر منه الثالث على عيب

الجارية الفرج وما والاه أو في الوجه يسمج مما يخاف فإذا ظهر كان سمجا ونقصانا فهذه عيوب كلها ترد بها، وإلا فلا. قال محمد بن رشد: قال في السن الواحدة الناقصة: إنها عيب في الجارية الرائعة، زاد ابن حبيب وسواء كان في مقدم الفم أو في مؤخره، قال: وليس هو عيب في غير الرائعة ولا في العبد إن كان في مؤخر الفم، وما زاد على السن الواحدة فهو عيب في كل العبيد والإماء كان في مقدم الفم أو في مؤخره، وهو تفصيل حسن، قال: وأما السن الزائدة فهو عيب في العبد والجارية رفيعين كانا أو وضيعين. وقوله فتي الكي نحو ما في الواضحة، حكى ابن حبيب فيها عن مالك أنه قال: ما كان من العيوب لا ينقص ثمنا ولا يخاف عاقبته مثل الكي غير الفاحش يكون بالعبد أو الأمة فلا يرد به، وإن كان عند النخاسين عيبا، قال: وإنما يرد العبد والأمة من كل عيب ينقص الثمن أو يخاف عاقبته، وقال هو من رأيه في الكية الواحدة إنه عيب في الأمة الرائعة إن كان لها أثر قبيح، وليس بعيب في غير الرائعة وفي العبد إلا أن يكون كيا كثيرا منتثرا، وقال ابن دحون: من اشترى عبدا فوجد به كيا، فقال أهل المعرفة: إنه كوي لعلة لم يرده إن كان بربريا ويرده إن كان روميا؛ لأن الروم لا يكتوون إلا لعلة، وهو حسن من القول، وبالله التوفيق. [باع عبدا بالبراءة فباعه المشتري فظهر منه الثالث على عيب] ومن كتاب البيع والصرف قال أصبغ: قال ابن القاسم فيمن باع عبدا بالبراءة، فباعه المشتري فظهر منه الثالث على عيب قامت عليه به البينة عند الأول إن المشتري يرده على الأوسط، وليس على الأول إلا اليمين ما علمه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، وهو مما لا إشكال فيه ولا وجه للقول.

مسألة: بيع ولد المجذومين

[مسألة: بيع ولد المجذومين] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن ولد المجذومين يباع، هل تراه عيبا إذا كان] ، يرد به؟ أو هل يختلف إذا كان أبواه جميعا أو أحدهما؟ قال: نعم أراه عيبا يرد به؛ لأن الناس يكرهونه كراهية شديدة، وليس كل الناس يقدم عليه، فأراه عيبا كانا جميعا الأبوان أو أحدهما، وهو أمر يخاف والناس له كارهون إذا علموا به، فكل أمر إذا علمه الناس كانت فيه الكراهة عندهم فأراه عيبا، وقاله أصبغ [بن الفرج] ، وقال: هو مما يخاف وإن لم يخف خوفا عاما في الناس فأراه عيبا، وقال سحنون مثله. قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب عن مالك: أنه عيب في الرائعة وغير الرائعة، خلاف ما حكى عنه في التي يوجد أحد أبويها أسود أنه لا ترد بذلك إلا الرائعة، وقد ذكرنا ذلك، والأصل فيه في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، وقد روى داود بن جعفر [عن مالك] في ولد المجذومين أنه ليس بعيب ولا يوضع عنه شيء، وبه قال ابن كنانة، ووجه ذلك التعلق بظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا عدوى» ولا وجه للتعلق به في هذا؛ لأن المعنى إبطال ما كانوا يعتقدون من أن المريض يعدي الصحيح، ولم ينف وجود مرض الصحيح عند حلول المريض عليه غالبا بقضاء الله تعالى وقدره دون أن يكون للمريض في ذلك تأثير فعل، ألا ترى أنه لما قيل له: يا رسول الله، «إن الإبل تكون في

الدابة تباع فتوجد عثورا

الرمل مثل الظباء فيرد عليها البعير الأجرب فتجرب كلها» ، لم يكذب قول من قال ذلك، وقال له: فمن أعدى الأول يريد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الله تبارك وتعالى الذي أجرب الأول هو الذي أجرب جميع الإبل عند حلول الجرب عليها من غير تأثير كان له فيها، فإذا كان الأمر على هذا كان للمبتاع أن يرد العبد أو الأمة إذا علم أن أبويه أو أحدهما كان مجذوما لما يخشى من أن يصيبه الجذام بقضاء الله وقدره إذا كان أبوه مجذوما وإن لم يكن لجذام أبويه أو أحدهما في ذلك تأثير، إذ قد أبطل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك بقوله: «لا عدوى» . وقال محمد بن دينار: سئل أهل العلم عن ذلك، فإن كان ذلك مرضا يعم الأقارب حتى لا يخطئ أحدا وخيف عليها ولم يؤمن ذلك عليها فأرى أن يردها، وإن كان مرضا لا يعم النسب وربما أصاب وربما لم يصب فإني لا أرى له سبيلا إلى ردها، والصحيح: أنه عيب من أجل أن الناس يكرهونه فينقص ذلك من قيمته، وإن قال أهل المعرفة بذلك إن ذلك لا يخشى ولا يتقى ولا يخاف، وبالله التوفيق. [الدابة تباع فتوجد عثورا] ومن كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الدابة تباع فتوجد عثورا، قال: إن قامت له بينة أنها كانت عثورا ردها، وإن لم تكن له بينة وكان في مثل ما غاب عليها المشتري مما يقول أهل المعرفة والعلم أنه يحدث في مثله حلف البائع أنه ما علمه عنده، فإن نكل حلف المشتري بالله ما علمه ويردها، وإن كان في مثل ما غاب عليها لا يحدث في مثله في معرفة الناس أو يكون بها أثر في قوائمها أو غير ذلك يعرف أن ذلك من أثره ويستدل به ردها،

مسألة: يشتري جملة من الرقيق الوغد

فقد يشتري الرجل الدابة فينصرف بها أو لعله يركبها ساعة فيجد ذلك بها من قريب، فإن قال أهل المعرفة: إن مثل هذا في قربه لا يحدث ردها، وإن كان يرى أن مثله يحدث حلف على ما فسرت لك وقاله أصبغ كله وهو الصواب [إن شاء الله] . قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا في عثار الدابة إن البائع يحلف ما علمه كان بها عنده إن أمكن أن يكون حادثا عند المشتري على حكم العيب الذي يحدث ويقدم، هو على أصل قوله وروايته عن مالك في العبد يأبق عند المبتاع إن له أن يحلف البائع ما أبق عنده خلاف رواية أشهب عن مالك، فعلى قياس روايته عنه لا يمين على البائع في عثار الدابة إذا أمكن أن يكون حادثا عند المشتري، وقد قال ابن كنانة في المدنية: إن علم أنها كانت عثورة عند البائع فهي رد عليه، وإن لم يعلم ذلك وكان عثارها قريبا من بيعها حلف البائع بالله ما علم بها عثارا. قال: وإن كان عثارها بعد البيع بزمان وفي مثل ما يحدث العثار في مثله فلا يمين على بائعها، وقول ابن كنانة هذا في تفرقته بين القرب والبعد قول ثالث في المسألة. [مسألة: يشتري جملة من الرقيق الوغد] مسألة قال أصبغ: أخبرني ابن القاسم عن مالك في الذي يشتري جملة من] ، هذا الرقيق الوغد مثل السودان أو السند فيجد فيهم جارية حاملا ليس له أن يردها وهي تلزمه، ولو اشتراها وحدها رأيت أن يردها. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم مستوفى لمن أحب الوقوف عليه فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: يشتري العبد فيقبضه وينقد ثمنه ثم يأتي به يرده بعيب ظهر مثله

[مسألة: يشتري العبد فيقبضه وينقد ثمنه ثم يأتي به يرده بعيب ظهر مثله] من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ قال أصبغ بن الفرج في الرجل يشتري العبد فيقبضه وينقد ثمنه ثم يأتي به يرده بعيب ظهر مثله يحدث في الشهر وما أشبهه ولا يحدث فيما هو أقل منه، فيزعم البائع أنه باعه منذ سنة، ويقول المشتري إنما اشتريته منك منذ عشرة أيام، أو يأتي به مجنونا أو مجذوما فيزعم أنه في داخل السنة ويقول البائع بل بعتكه منذ سنين، أو يموت فيدعى أنه مات في العهدة، أو الجارية تشترى فتموت في يد المشتري فيزعم المشتري أنها لم تحض وأنها لم تقم عنده بعد الاستبراء إلا أياما لا يكون في مثلها الاستبراء، ويقول البائع بعتكها منذ أشهر، هل يكون القول قول البائع في جميع ما ذكرت مع يمينه؟ وهل يختلف عندك إن لم ينقد؟ قال: القول في كل ما سألت عنه سواء أمر واحد، والقول قول البائع مع يمينه؛ لأنها دعوى بينهما، والمدعى عليه ههنا هو البائع؛ لأنه المدعى عليه النقصان للاسترجاع منه أو الرد والضمان، فكلها دعوى عليه، والمشتري مدعيها، فهو المدعي، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهو المدعى عليه، فاحمل كل شيء تجده من الدعوى خالصا على ذلك، فمسألتك من ذلك وليس في هذا كلام. وسواء في مسألتك انتقد أو لم ينتقد، وأظنك في النقد وغير النقد وحيرك مسألة ابن القاسم في العيب يوجد وقد فات الرأس فيرجع فيه إلى قيمة العبد لمعرفة قيمة العيب، فإن ابن القاسم قال فيها: إن كان انتقد فالقول قول البائع في الصفة؛ لأنه رأى أن البائع ههنا المدعى عليه

ليسترجع منه، وهو صواب، وزعم أنه إذا لم ينتقد فالقول قول المشتري [وهذا خطأ. وكذلك قال أيضا في مسألة العبدين يبيعهما صفقة واحدة ففات أحدهما من يد المشتري ووجد بالآخر عيبا فجاء ليرده بما يصيبه من الثمن مع صاحبه إن القول في قيمة الفائت وصفته زعم قول المشتري] إذا لم يكن نقد؛ لأنه رأى أن المشتري ههنا مدعى عليه وهو خطأ من قوله، وجعل المدعى عليه مدعيا وهو المشتري إذا كان قد نقد، وليس ذلك المدعي ههنا هو المشتري على كل حال والمدعى عليه البائع؛ لأن البائع وإن لم يكن انتقد فقد وجب له الثمن الذي تبايعا به، والمشتري ينتقصه منه، وقد سألت عنها أشهب فخالفه فقال مثل قولي، وإنما بنيت مسألتك على قول ابن القاسم هذا وأردت أن أبين فأرى أن قد أصبت في سؤالك ووقوفك على ما اشتبه عليك إلى علمه، والله الموفق لنا ولك. قال محمد بن رشد: قد قال أصبغ في هذه المسألة: إن القول قول المبتاع؛ لأن العهدة قد لزمت البائع فهو مدع أنها قد انقضت، روى ذلك عنه عبد الأعلى، وعلى ذلك يأتي قوله في نوازله من كتاب طلاق السنة في النصرانية تسلم تحت النصراني ثم يسلم زوجها بعدها فيريد رجعتها فتزعم أنها قد حاضت ثلاث حيض بعد إسلامها وأن إسلامها كان أكثر من أربعين يوما لما يحاض في مثل ذلك ثلاث حيض، ويزعم الزوج أن إسلامها كان منذ عشرين ليلة لما لا يحاض في مثله ثلاث حيض؛ وفي الذي يطلق امرأته واحدة ثم يريد رجعتها ويقول: إنما طلقتها أمس تقول هي: بل طلقتني منذ شهرين وقد حضت ثلاث حيض أن القول قول الزوج، إذ

مسألة: يبتاع العبد بيع الإسلام وعهدة الإسلام فيعتقه المشتري

لا فرق بين دعوى انقضاء العهدة ودعوى انقضاء العدة، وإلى هذا القول ذهب سحنون فقال في قول أصبغ في هذه النوازل: إن القول قول البائع، هذا خلاف ما أجمع عليه سلفنا في معرفة المدعي من المدعى عليه، ومن لزمته العهدة والاستبراء فزعم أنهما قد انقضتا فمثله طلب المخرج منهما؛ لأن من قال قد كان فهو المدعي، وقد احتج بقوله في نوازله هذه، ولكلا القولين حظ من النظر، وقول سحنون أظهر. ومن حجته على أصبغ أنه قد خطأ قول ابن القاسم في قوله: إن القول قول المبتاع إذا لم ينقد، فقال: وإن كان لم ينقد فقد وجب عليه النقد فهو مدع فيما يسقطه، فيقال له وكذلك البائع عليه العهدة ولزمه رد الثمن فيما ظهر من موت العبد أو جنونه أو جذامه فهو مدع فيما يسقط ذلك عنه، وسواء على مذهب سحنون نقد أو لم ينقد، القول قول المبتاع، وهو الظاهر من قول ابن القاسم في كتاب الوكالات من المدونة في الذي رد نصف حمل طعام اشتراه بعيب وجد به فقال البائع: بل بعتك حملا كاملا أن القول قول المبتاع، والظاهر أنه قد نقد لقوله إذا حلف البائع لم يرد من الثمن إلا نصفه، وإن كان قد تؤول أن معنى قوله يرد بحكم الحاكم في النصف، فالتفرقة بين النقد وغير النقد في هذه المسألة قول ثالث. وبالله التوفيق. [مسألة: يبتاع العبد بيع الإسلام وعهدة الإسلام فيعتقه المشتري] مسألة قال أصبغ عن ابن القاسم في الرجل يبتاع العبد بيع الإسلام وعهدة الإسلام فيعتقه المشتري، أو يشتري الجارية فيطؤها فتحمل ثم يظهر بها جنون أو جذام أو برص في عهدة السنة لا أرى أن يرجع بما بين القيمتين وأن عتقه العبد

وإيلاده الجارية قطع منه للعهدة. قال أصبغ: أرى أن يرجع بالعيب؛ لأن عيب العهدة كعيب كان به عند البائع في السنة لازما فيصرف به المبتاع على البائع. ألا ترى أنه لو لم يعتقه ولم تحمل الجارية رده به وهو حادث ولم يكن عليه أيضا لنقصانه شيء يرده معه، فالحمل فوت والعتق فوت لا رد معهما، وله الأرش بعدهما، وكذلك لو أعتقه في عهدة الثلاث لم يكن عتقه قطعا لتلك العهدة إن أصابه فيها أمر قد كان يرد بمثله ويلزم البائع أرشه، وهذا رأي، قال سحنون مثله. وقال: أصل ما أحدث له عهدة الثلاث الحمى الربع، وأصل عهدة السنة استقصاء الجنون والجذام والبرص والعيوب القديمة. قال أصبغ: وكان ابن كنانة يقول في العبد يشتريه الرجل فيعتقه فيجذم في داخل السنة، قال: ينظر فيه فإن كان له ثمن معروف عرفت ثمنه ثم رجع المشتري على البائع بما بين ثمنه أجذم وثمنه صحيحا، وإن كان ليس له ثمن أصلا رجع بجميع الثمن ومضى فيه العتق، فإن مات العبد المعتق عن مال أخذ منه البائع الثمن الذي غرم للمبتاع وكان ما بقي بعد ثمنه للمبتاع، وإن كان المشتري لم يرجع بجميع الثمن وبقي له في العبد درهم فما فوقه فجميع ميراثه له. وسئل ابن كنانة: عن الرجل يبتاع العبد بيع الإسلام وعهدة الإسلام فيعتقه ثم يظهر به جذام قبل السنة، قال: يرجع عليه بما بين القيمتين، وكذلك الجارية إذا حملت من سيدها أنه يرجع بما بين القيمتين. قال ابن القاسم: وقد كان مالك يقول: يرد العتق

ويأخذ المشتري الثمن كله، ولست أرى هذا القول ولا قول ابن كنانة، ولا أرى عتقه إلا قطعا لعهدة السنة، ولا أرى أن يرجع عليه بشيء، ولو كنت أقول أحد القولين لقلت برد عتقه ويأخذ جميع الثمن، ولكني لست أرى ذلك، وأرى عتقه قطعا لعهدة السنة. قال محمد بن رشد: معنى قول مالك الذي حكاه عنه ابن القاسم من أن العتق يرد ويأخذ المشتري الثمن كله إنما هو إذا لم يكن للعبد مجنونا أو مجذوما ثمن أصلا، وأما إذا كان له ثمن فيرجع على البائع بما بين القيمتين من الثمن ويمضي العتق كما قال ابن كنانة، وإنما يخالف مالك لابن كنانة إذا لم يكن له ثمن أصلا، وإنما وقع الإشكال في قول مالك لوقوعه إثر قول ابن كنانة قبل كماله، وكان من حقه أن يقع إثره بعد كماله على ما وقع أولا متصلا بقوله فجميع ميراثه له. فالذي يتحصل في هذه المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن عتقه العبد وإيلاده الجارية قطع لعهدة الثلاث ولعهدة السنة ولا يرجع على البائع بشيء وهو قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه. والثاني: أن عتقه العبد وإيلاده الجارية لا يكون قطعا لعهدة الثلاث ولا لعهدة السنة ويرجع على البائع بقيمة العيب، وهو قول أصبغ وسحنون ههنا، إلا أن يكون لا ثمن له أصلا، فقال ابن كنانة: يرجع المبتاع على البائع بجميع الثمن ويمضي فيه العتق، فإن مات العبد المعتق عن مال أخذ البائع منه الثمن الذي دفع إلى المبتاع وكانت بقيته للمبتاع، وقال مالك: يرد العتق ويأخذ المشتري الثمن كله. والثالث: أن عتقه العبد وإيلاده الجارية في عهدة الثلاث قطع لعهدة الثلاث ولا رجوع له على البائع بما أصابه فيما بعد العتق، وأن ذلك لا يكون قطعا لعهدة السنة، ويرجع على البائع بما أصابه في السنة بعد العتق من الجنون والجذام والبرص، يقوم صحيحا أو مجنونا أو مجذوما أو مبروصا فيرجع

على البائع بقدر ما بين القيمتين من الثمن، وهو قول سحنون في نوازله من هذا الكتاب في بعض الروايات، فإن لم يكن له ثمن أصلا فعلى ما تقدم من قول مالك وابن كنانة، وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله. [تم كتاب العيوب بحمد الله وحسن عونه]

كتاب المرابحة

[كتاب المرابحة] [نصراني ابتاع لرجل سلعة ثم احتاج إلى بيعها مرابحة] كتاب المرابحة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم كتاب المرابحة من سماع ابن القاسم من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك في نصراني ابتاع لرجل سلعة ثم احتاج إلى بيعها مرابحة أن عليه أن يبين لمن ابتاعها منه أن نصرانيا ابتاعها له وغاب على أمرها، قال سحنون وعيسى: لا يحل لمسلم أن يوكل نصرانيا يشتري له سلعة ولا يبيعها، وقال مالك: ولا أحب لمسلم أن يبيع سلعة مرابحة اشتراها له مسلم حتى يبين أن غيره اشتراها له. قال محمد بن رشد: أما إذا ابتاع النصراني للمسلم سلعة وغاب على أمرها [فلا ينبغي له أن يبيعها مرابحة ولا مساومة حتى يبين أن نصرانيا ابتاعها له وغاب على أمرها] لأنه إذا لم يحل للمسلم أن يوكل نصرانيا يشتري له سلعة ولا يبيعها له كما قال سحنون وعيسى وعلى ما في المدونة وغيرها، لقول الله عز وجل: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] فمن حجة

يشتري المتاع فتحول السوق فيريد أن يبيع مرابحة

المشتري أن يقول: لا أريد سلعة ابتاعها نصراني فلعله قد اشتراها شراء حراما أربى فيه وأنا لا أستبيح مثل هذا فيكون ذلك له؛ لأن أهل الورع من الناس يجتنبون مثل هذا ويتقونه، ولا يقام من قول مالك إن عليه أن يبين إذا احتاج إلى بيعها مرابحة دليل على أنه ليس عليه أن بين إذا باعها مساومة ويجعل جوابه على أنه خرج على سؤال سائل سأله عن بيع المرابحة فأجاب عليه، ولو سئل عن بيع المساومة لقال أيضا: عليه أن يبين والله أعلم، إلا أن ذلك عليه في بيع المرابحة آكد على قوله: إن عليه أن يبين فيها إذا ابتاعها له مسلم أنه لم يل هو شراءها؛ لأن من حجة المشتري على هذا القول أن يقول له: إنما اشتريتها منك مرابحة بما ذكرت من الثمن لعلمي ببصرك في الشراء، وأنك لا تخدع فيه، ولو علمت أنها ليست من شرائك لما اشتريتها منك، وقد استخف ذلك في رواية أشهب عنه في هذا الكتاب وفي كتاب البضائع والوكالات فلم ير عليه أن يبين أن غيره اشتراها له [إذا اشتراها له] مسلم، وقال: أرأيت كل من ابتاع شيئا أهو الذي يشتريه لنفسه؟ فلم يجعل على هذه الرواية شراء المشتري مرابحة على أن البائع هو الذي ولي شراء ذلك حتى يشترطه، فإن باع مرابحة أو مساومة ما ابتاعه له نصراني وغاب عليه ولم يبين ذلك أو باع مرابحة ما ابتاعه له مسلم ولم يبين على القول بأن عليه أن يبين، وهو قوله في هذه الرواية، كان المشتري مخيرا ما كانت السلعة قائمة بين أن يمسك أو يرد، فإن فاتت بوجه من وجوه الفوات الذي يفوت به البيع الفاسد رد فيها إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن، وهو حكم الغش في البيوع، وبالله التوفيق. [يشتري المتاع فتحول السوق فيريد أن يبيع مرابحة] ومن كتاب حلف ألا يبيع سلعة سماها وسئل مالك: عن الرجل يشتري المتاع فتحول السوق فيريد أن يبيع مرابحة، قال: لا يعجبني ذلك إلا أن يتقارب ذلك، يريد من اختلاف الأسواق، قيل له: أفيبيع مساومة؟ قال: أما إن تطاول

ذلك من شأن شراء المتاع فلا أرى ذلك؛ لأن الرجل قد يأتي في الزمان قد رخص فيه المتاع وقد طال شراؤه وحال عن حاله فيساومه فيظن أنه من شراء ذلك اليوم فلا يعجبني في المساومة ولا في المرابحة إذا كان على ما وصفت لك إلا أن يبين ذلك. قال محمد بن رشد: تحصيل هذا أنه إن كان طال مكث المتاع عنده فلا يبيع مرابحة ولا مساومة حتى يبين، وإن لم تحل أسواقه؛ لأن التجارة في الطري أرغب وهم عليه أحرص من أجل أنه إذا طال مكثه لبث وحال عن حاله وتغير، وقد يتشاءمون بها لثقل خروجها، هذا وجه ما ذهب إليه من المدونة، وكرهه ههنا مخافة نقصان قيمتها بتغيرها وحوالة أسواقها؛ لأن البائع إنما يسامح في البيع على قدر رخص السلع عنده، فلو علم المبتاع أن سلعة غالية من شراء غير ذلك الوقت لما اشترى منه شيئا مرابحة ولا مساومة، وهذا بين إن كانت الأسواق حالت بنقصان، وأما كانت حالت بزيادة فلعل زيادة أسواقها لا تفي بتغيرها بطول مقامها، وإن وفت بذلك أو زادت عليه فمنع منه بكل حال للذريعة. وأما إن كان لم يطل مكث المتاع عنده فإنما عليه أن يبين في بيع المرابحة إن كانت الأسواق قد حالت بنقصان، وليس عليه أن يبين فيها إن كانت الأسواق حالت بزيادة ولا في بيع المساومة أصلا، فإن باع مرابحة أو مساومة وقد طال مكث المتاع عنده ولم يبين فهو بيع غش وخديعة يكون المبتاع مخيرا في قيام السلعة بين الرد والإمساك، فإن فاتت رد فيها إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن، وإن باع مرابحة وقد حالت الأسواق بنقصان ففي ذلك قولان؛ أحدهما: أنه يخير في القيام بين الرد والإمساك، ويرد في الفوات إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن على حكم الخديعة والغش في البيع، وهو مذهب ابن القاسم، والثاني: أنه يحكم له بحكم من باع وزاد في الثمن وكذب فيه، وتكون القيمة في ذلك يوم البيع كالثمن الصحيح في بيع الكذب، فتكون فيه القيمة إذا فات يوم القبض، إلا أن يكون أقل من قيمتها يوم البيع فلا ينقص من ذلك، أو أكثر من الثمن الذي باع به فلا يزاد عليه، وهو مذهب سحنون.

يقدم بالمبتاع فيعطي القوم البرنامج فيقول هذا برنامجي ولا أبيعكم مرابحة

وفي ذلك من قوله نظر، والقياس فيه إذا حكم له بحكم الكذب أن تقوم السلعة يوم اشتراها البائع وتقوم يوم باعها هذا البائع وينظر ما بين القيمتين فيهما من أكثر القيمتين ويحط ذلك الجزء من الثمن، فما بقي بعد ذلك كان هو الثمن الصحيح، فإن كانت السلعة قائمة كان المبتاع بالخيار بين الرد والإمساك، إلا أن يشاء البائع أن يلزمها إياه بما قلنا فيه إنه هو الثمن الصحيح، وإن كانت قد فاتت وأبى البائع أن يردها إلى الثمن الصحيح كانت فيه القيمة إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي باع به فلا يزاد البائع عليه، أو تكون أقل من الثمن الصحيح فلا ينقص المبتاع منه شيئا، وبالله التوفيق. [يقدم بالمبتاع فيعطي القوم البرنامج فيقول هذا برنامجي ولا أبيعكم مرابحة] ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما مال وسئل [مالك] عن الرجل يقدم بالمبتاع فيعطي القوم البرنامج فيقول هذا برنامجي ولا أبيعكم مرابحة، قال مالك: لا أحب أن يعطيهم البرنامج إذا كان شأنه ألا يبيعهم مرابحة لأنه يدخل في ذلك الخديعة. قال محمد بن رشد: الخديعة التي خشي في ذلك هي أنهم يقتدون ببرنامجه فيبلغونه بسببه من الثمن ما لم يكونوا يبلغوه إياه لولاه، ولعل متاعه لا يبلغ تلك القيمة وإنما يفعل ذلك إذا خشي ألا يساوي ما اشتراه به، ولعله أيضا لما عزم أن يبيع مساومة ولا يبيع مرابحة لم يتثبت فيما كتب في برنامجه فزاد أو نقص، فيكون بمنزلة من رقم على ثيابه أكثر من شرائها وباع مساومة، وذلك من الغش والخديعة، فإن أعطاهم البرنامج وباعهم مساومة كان ذلك من البيع المكروه، ولم يجب فيه فسخ ولا خيار، إلا أن يكون البرنامج كتبه على غير صحة فيكون حكم البيع حكم بيع الخديعة والغش، وقد وصفناه في الرسم الذي قبل هذا، وبالله التوفيق.

يشتري الثوبين جميعا بثمن في صفقة واحدة

[يشتري الثوبين جميعا بثمن في صفقة واحدة] ومن سماع أشهب وابن نافع من كتاب البيوع قال سحنون: قال ابن نافع وأشهب: سئل مالك عن الرجل يشتري الثوبين جميعا بثمن في صفقة واحدة، أيجوز أن يبيع أحدهما مرابحة؟ قال: نعم إذا بين ذلك للمبتاع، أرأيت الذي يبتاع العدل كما هو أليس يبيعه ثوبا ثوبا، أيبيعه جميعا؟ فقال: لا بأس به أن يبيعه مرابحة إذا بين ذلك للمبتاع. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه يجوز أن يبيع أحدهما مرابحة إذا بين ولا يكون للمبتاع في ذلك خيار إلا أن يتبين أنه وضع على أحدهما من الثمن أكثر مما ينوبه منه وباعه على ذلك، فيكون حكمه حكم الكذب في بيع المرابحة في القيام والفوات، ويكون ما نابه من الثمن على صحة هو الثمن الصحيح الذي إذا أراد البائع أن يلزم المبتاع البيع به لزمه ولم يكن له خيار، والذي لا ينقص للمبتاع منه في الفوات إن كانت القيمة أقل، وأما إن لم يبين فيكون الحكم فيه حكم البيع بالغش والخديعة على مذهب ابن القاسم، وحكم الكذب في زيادة الثمن على مذهب سحنون، وتكون قيمته يوم اشتراه البائع هو الثمن الصحيح؛ لأن الجملة قد يزاد فيها، وإن وضع على أحد الثوبين أكثر مما ينوبه من الثمن وباع مرابحة ولم يبين شيئا من ذلك فيجتمع في البيع على هذا الوجه عند ابن القاسم غش وكذب، فإن كانت السلعة قائمة كان مخيرا بين الرد والإمساك، ولم يكن للبائع أن يلزمه إياها بأن يحط عنه الكذب؛ لأنه يحتج عليه بالغش، وإن فاتت طالب المبتاع البائع بحكم الغش؛ لأنه أفضل له من المطالبة بحكم الكذب، فترد له السلعة إلى قيمتها إن كانت القيمة أقل من الثمن، وبالله التوفيق.

مسألة: يبضع بالبضاعة يشتري له بها ثم يريد أن يبيع مرابحة

[مسألة: يبضع بالبضاعة يشتري له بها ثم يريد أن يبيع مرابحة] مسألة وسئل [مالك] عن الرجل يبضع بالبضاعة يشتري له بها ثم يريد أن يبيع مرابحة، أعليه أن يبين ذلك إذا باع مرابحة؟ فقال: أرأيت كل من ابتاع شيئا أهو الذي يشتري لنفسه؟ لا أرى ذلك عليه إذا كان أمرا صحيحا لا دخل فيه. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [اشترى سلعة مرابحة للعشرة أحد عشر وكان أصل اشتراء السلعة مائة دينار] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب استأذن سيده [في تدبير جاريته] قال عيسى: سألت ابن القاسم عن رجل اشترى سلعة] مرابحة للعشرة أحد عشر، وكان أصل اشتراء] السلعة مائة دينار فصارت مائة وعشرة، فالربح للعشرة أحد عشر، ثم إن بائعها مرابحة استوضع صاحبه فوضع عنه عشرة دنانير، قال: إن شاء بائعها رد عليه العشرة التي وضعت له وثبت البيع؛ لأن السلعة قد صارت بتسعة وتسعين حين وضع عنه عشرة صار رأس ماله تسعين والربح تسعة، للعشرة أحد عشر، فإن أبى أن يرد عليه أحد عشر، وقال: لا أرد عليه شيئا ولو كنت أعلم أن صاحبي يضع عني عشرة لم أرض أن أبيعها للعشرة أحد عشر، قيل للمشتري: إن شئت

فأمسك ولا شيء لك، وإن شئت فرد السلعة وخذ رأس مالك دنانيرك، قلت: فإن كانت السلعة فاتت من يد المشتري؟ قال: يقال للبائع: رد الأحد عشر التي وضعت لك، فإن أبى وقال: لا أفعل ولم أكن أرضى أن أبيع سلعتي للعشرة أحد عشر لو علمت أن عشرة توضع عني، قيل له: فلا بد إذا من القيمة فتقوم السلعة، فإن كانت قيمتها عشرة ومائة فلا شيء له، وان كانت قيمتها خمسة ومائة رد عليه خمسة، وإن كانت قيمتها مائة رد عليه عشرة، وإن كانت قيمتها تسعة وتسعين رد عليه أحد عشر، وإن كانت قيمتها أدنى من تسعة وتسعين ما كان ليرد عليه إلا أحد عشر؛ لأنه قد رضي أولا أن يأخذها للعشرة أحد عشر، وهو لو رد عليه في أول أحد عشر لزمه البيع ولم يكن عليه غيرها. قال محمد بن رشد: قوله: إن وضع البائع عن [المبتاع] عشرة وما ينوبها من الربح لزمت المشتري، وإن أبى كان له أن يردها، وكذلك إن فاتت فأبى أن يضع عنه العشرة التي وضعت له وما ينوبها من الربح، وإلا كانت فيه القيمة إلا أن تكون أقل من تسعة وتسعين فلا ينقص المبتاع أكثر من أحد عشر، أو تكون أكثر من مائة وعشرة فلا يزاد، خلاف ظاهر ما في المدونة، لا يلزم البائع على ظاهر ما في المدونة أن يضع عن المبتاع إلا ما وضع عنه خاصة، وهو عشرة، فإن فعل لزم المبتاع البيع، فإن أبى كان له الرد، وإن فاتت وأبى البائع أن يضع عنه العشرة كانت فيها القيمة ما بين مائة وعشرة ومائة، ولا يزاد البائع على عشرة ومائة إن كانت القيمة أكثر، ولا ينقص المبتاع من مائة إن كانت القيمة أقل، وقد حكى ابن المواز القولين جميعا عن ابن القاسم واختار ما في المدونة، وقال: إن القول الآخر إغراق، وإياه اختار ابن سحنون عن أبيه، واختار ابن حبيب قوله في

اشترى جرار سمن أو زيت موازنة فوزنت له ثم أراد أن يبيعها مرابحة

هذه الرواية، ولم يبين فيها متى تكون القيمة ولا بما تفوت السلعة، ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أنها تفوت بما يفوت به البيع الفاسد من حوالة الأسواق فما فوقه، وتكون فيها القيمة يوم القبض. وقوله في رواية علي بن زياد عن مالك فيها: إنها تفوت بالنماء والنقصان، وتكون القيمة فيها يوم البيع، وهذا إذا كان الذي وضع عن البائع ما يحط مثله في البيوع، وأما إن حط عنه ما لا يحط في البيوع مثله فهي هبة له لا يلزمه فيها للمبتاع شيء، قاله في المدونة، ولا اختلاف في ذلك، وبالله التوفيق. [اشترى جرار سمن أو زيت موازنة فوزنت له ثم أراد أن يبيعها مرابحة] ومن كتاب العتق قال عيسى: سمعت ابن القاسم يقول: اشترى جرار سمن أو زيت موازنة فوزنت له ثم أراد أن يبيعها مرابحة أو غيرها قبل أن تفرغ وتوزن ظروفها فذلك حلال لا بأس به؛ لأن ضمانها منه، ولأنه قد قبضها ووزنها وزن قبض ليس في هذا شك، فإن انكسر منها ظرف فضمان ما فيه منه، إلا إن وزن الظروف بوزن فخارها فيطرح ذلك منه فلا بأس أن يبيعها مرابحة أو غيرها، وهي على الوزن في ذلك كله إن باعها يزنها للمشتري منه أيضا ذلك عليه إلا أن يكون بيعه على أن يأخذها بوزنها الأول ويصدقه في ذلك، وقال أصبغ عن ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: قوله: اشترى جرار سمن أو زيت موازنة معناه أنه اشترى سمن الجرار [كل رطل بكذا، فهذا جائز مثل شراء الصبرة على الكيل كل قفيز بكذا، فإن شاء إذا اشترى سمن جرار] على هذا أن

يفرغ السمن ويزنه، وإن شاء أن يزنه بجراره ثم يزن الجرار فيطرح وزنها من وزن الجميع فيعلم بذلك وزن السمن كل ذلك جائز، وهو مثل ما في كتاب الغرر من المدونة. وقوله: إنه إن وزن السمن بجراره على أن يزن الجرار فيطرح وزنها من وزن الجميع جاز أن يبيعه مرابحة أو غير مرابحة قبل أن يزن الظروف، يريد ولا يكون ذلك بيعا له قبل استيفائه؛ لأنه قد استوفاه بوزنه بظروفه وصار ضمانه منه. وقوله: إن ضمانه منه وإن لم يعلم وزنه حتى توزن الظروف بعد ذلك يأتي على ما في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع في الذي باع عشرة فدادين من قمح زمن زرعه وواجبه، فذهب إلى غد ليقيسه له فأصيب الزرع بنار فاحترق أن المصيبة منهما، وعلى ما روى ابن أبي أويس عن مالك في الذي يبتاع الزرع وقد استحصد مزارعة وهو قائم كذا وكذا ذراعا بدينار، وإنما يذارعه بعد أن يحصده، ثم يخلي بينه وبينه فتصيبه جائحة قبل أن يحصده أن المصيبة من المشتري، قال: وكذلك روايا الزيت يبتاعها الرجل وزنا فيفرغها حتى يزن الظرف بعد ذلك فيطرح وزنها من وزن الزيت بظروفه، وهو خلاف ما في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع في الذي يشتري الحائط على عدد نخل تعدله أو الدار على أدرع مسماة تدرع له أن ضمانها من البائع، وقعت هذه المسألة على نصها من هذا الرسم بعينها من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، وزاد فيها قال أصبغ: ويحلفان جميعا. ومعنى قوله: إنه يحلف المشتري الأول والمشتري من المشتري إذا انكسرت الظروف عنده أن الظروف ظروف البائع إذا أنكرها، وقال: إنها ظروفه على ما في المدونة أنهما إن اختلفا في الظروف أن القول قول من كانت الظروف عنده، وإذا لم يفت السمن أعيد وزنه على المشتري إن كانت الظروف عند البائع، وعلى البائع إن كانت الظروف عند المشتري؛ لأن من كانت عنده الظروف منهما يقول: أنا مصدق أن هذه هي الظروف، فإن كنت تقول أنت إني ابتدلتها فأعد وزن السمن،

ما يشترى من جميع الأشياء مما لا يوزن أو يكال فيباع بعضه مرابحة

فإن أعاد وزنه ثم انكشف أن الآخر كان أبدل الظروف رجع عليه بإجارة إعادة وزنه إن احتاج في ذلك إلى استئجار؛ لأنه أوجب عليه ببدل الظروف ما لم يكن واجبا عليه. وقوله: إنها على الوزن في ذلك كله صحيح؛ لأن من اشترى طعاما فاكتاله أو وزنه فباعه فعليه أن يكيله على المشتري أو يزنه، إلا أن يصدقه في كيله أو وزنه، فيجوز ذلك إن باعه بالنقد ولم يبعه بالدين، قاله في كتاب بيوع الآجال من المدونة. فإن أراد أن يرجع إلى الكيل بعد أن اشتراه على التصديق لم يكن ذلك له، واختلف إن اشتراه على التصديق هل يبيعه على التصديق أو على الكيل؟ حكى الاختلاف في ذلك ابن حبيب، وقد مضى القول على ذلك في هذا الرسم من كتاب جامع البيوع بما يغني عن إعادته، ولو اشترى السمن أو الزيت وظروفه معه في الوزن جاز ذلك في الزقاق ولم يجز في الجرار؛ لأنها قد تختلف في الرقة والخشانة اختلافا متباينا، قاله في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق. [ما يشترى من جميع الأشياء مما لا يوزن أو يكال فيباع بعضه مرابحة] ومن كتاب حبل حبلة قال ابن القاسم: ما اشتريت من جميع الأشياء مما لا يوزن أو يكال فبعت بعضه فلا تبع ما بقي منه ولا جزءا مما بقي منه مرابحة حتى تبين أنك قد بعت منه، فإن لم تفعل وبعت مرابحة وكتمت للمشتري أنك قد بعت منه كان بيعا مردودا يرده إن أحب، وإن فات كانت فيه القيمة، وما اشتريت من جميع الأشياء مما يكال أو يوزن من الطعام أو غيره كيلا أو وزنا فبعت بعضه فلا

يستولي الرجل السلعة فيقول قد وليتك على دينارين فيعطيه دينارين ويأخذ السلعة

بأس أن تبيع ما بقي مرابحة ولا تبين أنك قد بعت منه شيئا وليس عليك أن تبين. قال محمد بن رشد: قوله: إنه إذا اشترى ما لا يكال ولا يوزن فباع بعضه إنه لا يجوز له أن يبيع الباقي مرابحة حتى يبين صحيح؛ لأنه في معنى من اشترى سلعتين في صفقة واحدة، أنه لا يجوز له أن يبيع إحداهما بما ينويها من الثمن إلا أن بين، وقد مضى [ذلك] في سماع أشهب فلا معنى لإعادة القول فيه، وأما قوله: إن من اشترى ما يكال أو يوزن فباع بعضه إنه لا بأس أن يبيع ما بقي مرابحة ولا يبين، فهو مثل ما في المدونة، وعلى ما ذهب إليه ابن عبدوس من أن الجملة قد يزاد فيها لا يجوز بيع الباقي أيضا إلا أن يبين، وبالله التوفيق. [يستولي الرجل السلعة فيقول قد وليتك على دينارين فيعطيه دينارين ويأخذ السلعة] ومن كتاب باع شاة وسألته: عن الرجل يستولي الرجل السلعة فيقول: قد وليتك فيقول كم رأس مالك؟ فيقول ديناران فيعطيه دينارين ويأخذ السلعة، ثم يعثر عليه أنه ما أخذها إلا بدينار وقد فاتت السلعة أو لم تفت، أو قال له: قد وليتكها بدينارين، أذلك كله سواء، افترق الكلام فيه أو لم يفترق؟ أو الرجل يبيع مرابحة فيزيد في رأس ماله أو يقول: أبيعك كما بعت فلانا فيبيعه على ذلك فيجده قد كذب وقد فاتت السلعة أو لم تفت؟ قال ابن القاسم: إن لم تفت السلعة فهو بالخيار إن شاء حبسها بالدينارين وإن شاء ردها وإن فاتت نظر إلى قيمتها، فإن كانت قيمتها أدنى من دينارين

اشترى طعاما بعينه غائبا عنه غيبة قريبة

رد عليه ما بين قيمتها والدينارين، وإن كانت قيمتها دينارين فأكثر فلا شيء عليه، وسواء قال: وليتك ثم سأله بعد ذلك عن رأس ماله فأخبره أو قال له: قد وليتك بدينارين في كلمة واحدة، والكذب وبيع المرابحة كله سواء مثل هذا من أجل أنه لو قال: قد وليتك وقد وجبت عليك لم يحل ولم تلزمه التولية حتى يخبره برأس ماله ويرضى، فإنما كان البيع والوجوب حين أخبره برأس ماله، فسواء عليه قدم القول أو آخر. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، لا فرق بين أن يبيع السلعة مرابحة على أكثر من شرائها، أو يوليها على أكثر من شرائها، أو يقول: أبيعك كما بعت فلانا فيبيعه بأكثر من ذلك، إن الحكم في ذلك كله حكم من زاد في الثمن في بيع المرابحة بخطإ أو عمد، إن كانت السلعة قائمة كان المشتري بالخيار بين أن يرد أو يمسك إلا أن يحط عنه البائع الكذب وما ينوبه من الربح في المرابحة، أو ما زاد على الثمن في التولية، أو ما زاد على ما كان باع به من فلان، فيلزمه البيع؛ فإن فاتت أو أبى أن يحط ذلك كانت فيها القيمة ما بين الأمرين، لا يزاد البائع على ما باع ولا ينقص المبتاع من الثمن الصحيح، وبالله التوفيق. [اشترى طعاما بعينه غائبا عنه غيبة قريبة] من سماع يحيى بن يحيى [من ابن القاسم] ، من كتاب الصلاة قال يحيى: قال ابن القاسم: لا يجوز للرجل إذا اشترى طعاما بعينه غائبا عنه غيبة قريبة أن يولي منه آخر، وإنما تجوز التولية في الطعام الحاضر يراه المولي أو من تسليف مضمون إلى

مسألة: تولية الطعام الغائب الذي اشتري بعينه

أجل. قلت له: أرأيت إن كان المتولي قد رأى الطعام الغائب كما رآه المشتري المولي أو وصف له كما وصف للمشتري، أذلك عندك في الكراهة مثل الذي لم يره ولم يوصف له إلا أنه يتولاه من المشتري على معرفة المشتري به؟ قال: ذلك عندنا سواء، لا تجوز التولية من الطعام الغائب. قال محمد بن رشد: إنما لم تجز التولية في الطعام الغائب المشترى في الصفة لاختلاف الذمم؛ لأن المشتري لم ينقد؛ إذ لا يجوز له النقد لغيبة الطعام؛ لأن معنى قوله غيبة قريبة مما [لا] يجوز النقد فيه. وكذلك ذكر ابن حبيب في الواضحة أنه لا يجوز التولية إذا كانت غيبة بعيدة لا يصلح فيها النقد، أو يكون إنما تكلم في هذه الرواية على أن النقد لا يجوز في الغائب وإن قربت غيبته، وهذا التأويل أشبه بظاهر الكتاب، ثم لما ولاه رجلا لم ينتقد الثمن، والاختلاف الذي في مسألة من اشترى طعاما بثمن إلى أجل فولاه رجلا قبل استيفائه داخل في هذه المسألة، والله أعلم، وقد وقع في التفسير الأول. [مسألة: تولية الطعام الغائب الذي اشتري بعينه] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عما كره مالك من تولية الطعام الغائب الذي اشتري بعينه لم كرهه؟ فقال: لأن الدين بالدين يدخله، ألا ترى أنه قد وجب للمشتري وصار أحق به من البائع إن سلم، فهو بمنزلة دين له قد وجب، فإذا ولاه رجلا لم يجز النقد فيه؛ لأنه غائب بعينه، واشتراء الغائب لا يصلح فيه النقد، فإذا صار يبيع غائبا قد وجب له بثمن لا يتعجل قبضه فقد صار

بيعهما دينا بدين، قال: وكذلك لو استقال منه يدخله الدين بالدين؛ لأنه قد وضع عن نفسه ثمنا قد وجب عليه بسلعة قد وجبت له غائبة لم يقبضها، فإذا لم يجز له أن يقبل منه ودخله الدين بالدين، فالتولية أحرى أن يدخلها الدين بالدين، وكذلك البيع قال فلا يجوز بين البائع والمشتري في ذلك إقالة ولا بيع في العروض ولا في الطعام لما يدخله من الدين بالدين وبيع الطعام قبل أن يستوفى في الطعام؛ قال: ولا بأس في العروض أن يبيعها المشتري أو يوليها أو يشرك فيها، وإنما يكره ذلك في الطعام لما يدخله من بيع الطعام قبل أن يستوفى. قال محمد بن رشد: هذا الذي وقع في التفسير متناقض غير صحيح: قال أولا: إن تولية الطعام الغائب المشترى على الصفة يدخله الدين بالدين من أجل أن الطعام قد وجب للمشتري وهو غائب فصار دينا له باعه من الذي ولاه إياه بدين، إذا لم ينتقد من أجل أن النقد لا يجوز فيه؛ لأنه غائب. ولو كان هذا دينا بدين لكان بيع الرجل سلعته الغائبة دينا بدين، فلم يجز بيع الشيء الغائب الذي لا يجوز النقد فيه بحال، ولو كان دينا بدين لوجب ألا يجوز ذلك في العروض، وقد أجاز ذلك فيها في آخر قوله، وأجاز فيها الشركة والبيع أيضا، قال: وإنما لم يجز ذلك في الطعام لما يدخله من بيع الطعام قبل أن يستوفى، وهذا تناقض بيّن لا خفاء فيه: قال أولا: إنه يدخله الدين بالدين، وقال آخرا: إنه لا يدخله إلا بيع الطعام قبل أن يستوفى، ولا يتصور دخول بيع الطعام قبل أن يستوفى فيها إلا على الوجه الذي ذكرناه من اختلاف الذمم، وقوله: إذا لم تجز الإقالة فأحرى ألا تجوز التولية وَهْمٌ بَيِّن؛ لأن الإقالة يدخلها فسخ الدين بالدين من أجل أن الثمن قد وجب للبائع على المبتاع إن كانت السلعة سليمة يوم البيع، فإذا أقاله منها فقد قبض البائع فيما وجب له على المبتاع من الثمن سلعة غائبة لم يتنجز قبضها، وهذا بيّن لا إشكال فيه على القول بأن السلعة الغائبة

أراد أن يشتري سلعة مرابحة

تدخل في ضمان المشتري بالعقد إن كانت سليمة يوم وقوعه، وأما على القول بأنها في ضمان البائع حتى يقبضها المبتاع، فسحنون يجيز الإقالة فيها؛ لأن البائع لم يتحول من الثمن الذي وجب له على المبتاع إلا إلى سلعة هي في ضمانه بعد، فقد تنجز قبضها، وابن القاسم لا يجيز ذلك؛ إذ ليس في ضمانه باتفاق، فهو يراعي في ذلك الاختلاف، والتولية لا يدخلها شيء من ذلك؛ لأنها إنما هي بيع من غير الذي اشترى منه بالثمن الذي اشترى به، فكما يجوز له أن يبيع العرض الغائب من غير الذي اشتراه منه قبل أن يقبضه، فكذلك يجوز له أن يولي الطعام الغائب قبل أن يقبضه إذا انتقد من الذي ولاه مثل ما نقد، فلا وجه لما كره مالك من تولية الطعام الغائب سوى ما ذكرناه، وبالله التوفيق. [أراد أن يشتري سلعة مرابحة] من نوازل سئل عنها سحنون وسئل سحنون عن رجل أراد أن يشتري سلعة مرابحة، فقال للبائع: بكم اشتريتها؟ فقال: اشتريتها بستة عشر، ولم يقل: قامت علي، وإنما كان اشتراها بثمانية، وصبغها بثمانية، ثم علم بذلك المشتري، فقال: إن كانت السلعة لم تفت، فإن المشتري بالخيار أن يأخذها ويضرب له الربح على ستة عشر فيها وبين أن يردها، فإن كانت قد فاتت فلا بد من أن يضرب له الربح على ستة عشر درهما. قال محمد بن رشد: هذه مسألة لم يجر فيها سحنون على أصل؛ لأنه إذا أوجب عليه أن يبين ذلك ورآه إن لم يفعل غاشا من أجل أن السلعة قد تشترى مقامة تامة بما لا تقام به، فأوجب للمبتاع الخيار بين الرد والإمساك في القيام، وجب على قياس ذلك إذا فاتت السلعة أن

اشترى بدينار قائم قمحا فلما وجب البيع لم يجد إلا دينارا ناقصا

يرد المبتاع فيها إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن. وفي قوله: ولم يقل: قامت علي؛ دليل على أنه لو قال قامت علي لم يكن للمشتري حجة وعمل فيه على ما يجب من ألا يحسب رأسا أو يحسب ولا يحسب له ربح، أو يحسب ويحسب له ربح على ما في كتاب ابن المواز، والصواب أن العقد يكون فاسدا إذا أبهم ولم يبين، وبالله التوفيق. [اشترى بدينار قائم قمحا فلما وجب البيع لم يجد إلا دينارا ناقصا] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب الوصايا والأقضية قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: وسئل مالك عن رجل اشترى بدينار قائم قمحا، فلما وجب البيع لم يجد إلا دينارا ناقصا، فأراد أن يضع بقدر النقصان، ويأخذ منه دينارا ناقصا، فكره ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت في مواضع من كتاب الصرف، قال فيها في رسم القبلة، من سماع ابن القاسم: لا ينبغي ذلك، وقال في رسم المحرم منه: لا خير في ذلك، وقال في رسم إن خرجت، من سماع عيسى: هذا حرام لا خير فيه، وقال هاهنا: أكره ذلك، والمكروه فيها بين، وقد يتجوز في العبارة فيعبر عما لا يجوز، والتحريم فيه بين بالكراهة. وقال ابن حبيب: إنه يدخل ذلك أربعة أوجه: التفاضل بين الذهبين، والتفاضل بين الطعامين، وبيع الطعام قبل أن يستوفى، والأخذ من ثمن الطعام طعاما، يريد إن كان الطعام قد قبضه المبتاع وافترقا. وأما إن قبضه ولم يفترقا فلا يدخله الأخذ من ثمن الطعام طعاما، ولا بيع الطعام قبل أن يستوفى. والعلتان الثابتتان إنما هو التفاضل بين الذهبين وبين الطعامين، وأما الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما، والبيع قبل الاستيفاء، فلا

اشترى من عبده جارية هل يبيعها مرابحة

يجتمعان؛ لأن الطعام إن كان قبض، فلا يدخله البيع قبل الاستيفاء، وإن كان لم يقبض، فلا يدخله الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما، وإن كان قد قبض ولم يفترقا فلا يدخله واحدة منهما، وقد ذكرنا ذلك كله في رسم القبلة، من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف، بزيادات تتعلق بالمسألة لمن أحب الوقوف عليها، وبالله التوفيق. [اشترى من عبده جارية هل يبيعها مرابحة] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: قال ابن القاسم في رجل اشترى من عبده جارية، أترى أن يبيعها مرابحة؟ قال: إن كان العبد يعمل بمال نفسه فلا بأس به، وإن كان يعمل بمال سيده، فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: أما إذا كان العبد يعمل بمال سيده، فبين أنه لا يجوز له أن يبيعها مرابحة؛ لأن شراءها منه ليس بشراء، فهو كمن ورث سلعة، ثم باعها مرابحة بثمن سماه فيها، فإن فعل ذلك وكانت السلعة قائمة خُير المشتري بين الرد أو التماسك، وإن فاتت رد فيها إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن؛ لأنه غش وخديعة في البيع، وأما إذا كان العبد يعمل بمال نفسه فقال: إنه لا بأس أن يبيعها مرابحة على أصل المذهب في أن العبد يملك، وفي ذلك نظر؛ لأنه لا يملك ملكا مستقرا، ولسيده انتزاع ماله إذا شاء، فقد لا يبالي السيد بما يشتري منه الجارية من أجل أن له أن ينتزع منه ماله متى شاء، فكان الأظهر أن يكون عليه أن يبين، والله أعلم. [مسألة: قامت عليه سلعة بعشرة فقال له أربحك فيها دينارا قال لا إلا أن تشرك فلانا] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل قامت عليه سلعة بعشرة

دنانير فقال له رجل: أربحك فيها دينارا، قال: لا إلا أن تشرك فلانا يكون معك فيها شريكا، كم يأخذ من هذا؟ قال: يأخذ من كل واحد منهما خمسة ونصفا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه لما شرط عليه أن يشركه قبل البيع فكأنه إنما باع منهما جميعا، فيأخذ من كل واحد منها نصف الثمن. تم كتاب المرابحة والحمد لله.

كتاب بيع الخيار

[كتاب بيع الخيار] [يشتري منه ثوبا ثم يشتري من رجل آخر ثوبا ثم يشترط عليهما]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم من سماع ابن القاسم من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال في الرجل يشتري من الرجل ثوبا، ثم يشتري من رجل آخر ثوبا، ثم يشترط عليهما أن ينظر منهما فينقلب بثوبيهما فيخلطهما، فلا يعرف ثوب هذا من ثوب هذا، وينكر أحدهما أو كلاهما، قال: أرى أن يلزماه بالثمن إلا أن يعرف ثوب كل واحد منهما بعينه، فيحلف ويرده، أو يعرفه غيره. قال محمد بن رشد: قوله: وينكر أحدهما؛ معناه أن يقول أحدهما: ليس ثوبي واحدا من هذين الثوبين، ويدعي الآخر أحدهما، وقوله: أو كلاهما؛ معناه أن يقول كل واحد منهما: ليس ثوبي واحدا من هذين الثوبين اللذين جئت بهما. فأما إذا أنكر كل واحد منهما أن يكون له واحد من هذين الثوبين، فعليه أجاب بقوله: أرى أن يلزماه بالثمن، يريد بعد أن يحلف كل واحد منهما أن ثوبه ليس واحدا من هذين الثوبين، فإن حلفا أخذ

يأتي البزاز في ابتياع ثوب بدينار

الثوبين وأدى إلى كل واحد منهما الثمن الذي أخذ به ثوبه، وإن نكلا عن اليمين حلف هو أن الثوبين هما اللذان أخذ منها إلا أنه لا يعرف أيهما لهذا، ولا أيهما لهذا، وبرئ لهما من الثوبين، فكانا فيهما شريكين بقدر أثمان ثيابهما، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين، دفع إلى الذي حلف الثمن الذي أخذ به ثوبه، وحلف أن هذين الثوبين هما اللذان أخذ منهما، وقيل للذي نكل عن اليمين: ليس لك إلا أن تأخذ أيهما شئت. وأما إذا أنكر أحدهما أن يكون ثوبه واحدا من هذين الثوبين، وادعى الآخر أحدهما، فلم يجب في الرواية على ذلك، والجواب في ذلك أن يغرم للذي أنكر الثمن الذي أخذ به ثوبه، ويأخذ الذي ادعى أحد الثوبين الثوب الذي ادعاه، ولا يمين على واحد منهم. هذا تمام جواب ما وقع عنه في المسألة، وسيأتي في رسم يشتري الدور والمزارع، من سماع يحيى إذا تداعيا جميعا في أحدهما، وأما إن قال كل واحد منهما: لا أدري أيهما ثوبي؛ لأنك خلطتهما، فيحلف كل واحد منهما أنه ما يدري أيهما ثوبه، ويأخذ منه الثمن الذي دفع إليه به ثوبه، وأما إن قال أحدهما: هذا ثوبي لأحدهما، وقال الآخر: لا أدري أيهما ثوبي، أخذ الذي عرف ثوبه ثوبه، وحلف الآخر أنه لا يدري أيهما ثوبه، وأخذ منه الثمن الذي دفعه به إليه، وبالله التوفيق. [يأتي البزاز في ابتياع ثوب بدينار] من سماع عيسى بن دينار من كتاب العرية قال عيسى: وسألته عن الذي يأتي البزاز في ابتياع ثوب بدينار، فيخرج إليه ثيابا، فيأخذ ثوبين؛ كلاهما بدينار دينار، فيقول البزاز: اذهب بهما وقد وجب عليك أحدهما، فيذهب بهما فيضيع الثوب الواحد، ويزعم أنه قد كان اختار هذا الباقي ورضيه، أو قال: لم أكن اخترت شيئا. قال: إن قال: قد كنت اخترت هذا الباقي ورضيته، أحلف بالله على ما قال، وسقط عنه ضمان الذاهب؛

لأنه كان أمينا. وإن قال: لم أكن اخترت شيئا؛ فإنه يتهم ولا يقبل قوله، فأرى أن يغرم نصف الثوب الذاهب؛ لأنه لو ذهب الثوبان جميعا، وادعى أنه لم يختر؛ لم يصدق، وكان ضامنا لنصف كل ثوب؛ لأنه كان أمينا في نصف كل ثوب؛ فكل من اشترى على أن يستشير، أو على أنه بالخيار، فغاب عليه، فذهب فهو ضامن، قلت: فلو كان أخذ ثوبين بيعا حراما أحدهما بدينار، والآخر بدينارين، قد وجب عليه أحدهما، فضاع أحد الثوبين، قال: العمل فيهما أيضا كذلك؛ لأن كل من اشترى بيعا حراما فهو ضامن له حتى يرده، إنما يضمن في ذلك أيضا واحدا. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم فيمن أخذ ثوبين على أن يختار أحدهما، قد وجب عليه بثمن سماه، ويرد الآخر أنه ضامن لأحدهما بالثمن الذي سماه إن تلفا جميعا قبل أن يختار أحدهما، وضامن لنصف التالف منهما إن تلف أحدهما قبل أن يختار أيضا، وسواء قامت بينة على ما تلف، أو لم تقم هو مصدق في ذلك؛ لأنه أخذ واحدا منهما على الشراء، والآخر على الأمانة، إلا أن يقر على نفسه أنه كان اختار الذي تلف، وإن أشهد أنه قد اختار أحدهما ثم تلف الآخر بعد ذلك، فلا ضمان عليه فيه. وقول ابن القاسم في هذه الرواية: إنه مصدق مع يمينه؛ على أنه قد كان اختار هذا الثاني قبل تلف الآخر، هو مثل قوله وروايته عن مالك في الرجل يملك امرأته أمرها؛ فتقول: قضيت فيما ملكتني، ويناكرها ذلك: إن القول قولها خلاف قول أشهب، وقد ذكر في المدونة أنها نزلت فاختلف فيها أهل المدينة، ومن هذا المعنى هو تصديق المأمور فيما أمره به الآمر من إخلاء ذمته، أو تعمير ذمة الآمر، فذهب أشهب إلى أن المأمور لا يصدق في ذلك، وجوابه في مسألة المرأة تدعي أنها قضت فيما ملكت فيه على أصله. واختلف قول ابن القاسم في ذلك، فجوابه في مسألة المرأة المملكة؛ تدعي

القضاء، وفي هذه المسألة على أحد قوليه في هذا الأصل، من ذلك قوله في كتاب السلم الثاني، من المدونة، فيمن له على رجل طعام من سلم، فقال له: كله واجعله في غرائرك، أو في ناحية من بيتك، فقال: قد فعلت وضاع: إنه لا يصدق على أنه قد كاله، حتى يقيم البينة على ذلك؛ وقال فيمن كان له على رجل دين فقال: ابتع لي به حيوانا أو سلعة فقال: قد فعلت وتلف ذلك: إنه مصدق في ذلك، وذلك مثل قوله في مسألة اللؤلؤ، من كتاب الوكالات من المدونة، ومثل قوله في مسألة الرسول، من كتاب الرواحل والدواب، ومثل قوله في مسألة البنيان، من آخر كتاب الدور خلاف قول أشهب فيهما. وأما قوله: وإن قال: لم أكن اخترت شيئا، فإنه يتهم ولا يقبل قوله، فأرى أن يغرم نصف الثوب الذاهب؛ لأنه لو ذهب الثوبان جميعا وادعى أنه لم يختر لم يصدق، وكان ضامنا لنصف ثوب كل واحد منهما؛ لأنه كان أمينا في نصف كل ثوب، فإنه وهم منه؛ لأنه إنما يضمن الواحد إذا تلفا جميعا، ونصف التالف إن تلف أحدهما على مذهبه، من أجل أنه أخذ الثوب الواحد على الشراء والضمان، والآخر على الأمانة؛ فلا معنى للتهمة في هذا الموضع عنده، وإنما ذهب وهمه إلى مسألة الذي يشتري الثوب من الثوبين، على أن يختار أحدهما، وهو فيه بالخيار يردهما جميعا إن شاء، فهاهنا يضمن بالتهمة، ولا يصدق أن التلف كان بعد أن لم يختر واحدا منهما، وكان على صرفهما، ولو كان الضمان ساقطا عنه فيما تلف قبل أن يختار؛ لوجب أن يصدق في ذلك، وسقط عنه الضمان على قياس قوله في أنه يصدق إذا ادعى أنه قد كان اختار هذا الباقي، فهذا ما لا إشكال فيه. وسحنون يذهب إلى أن ما تلف في هذه المسألة قبل الاختيار، وقامت على تلفه بينة، فالمصيبة فيه من البائع، بمنزلة الثوب المشترى بالخيار يضيع في أيام الخيار؛ لأنه جعل ذلك، وإن كان قد وجب على المبتاع أحدهما بمنزلة من اشترى شيئا على الكيل، فتلف قبل الكيل، يقوم ذلك من قوله في المدونة؛

باع سلعة وادعى البائع أو المبتاع فيها الخيار

ومعناه إن تلف الدينار لم يعلم إلا بقوله في مسألة الذي أخذ ثلاثة دنانير ليقتضي واحدا منها، ويرد الاثنين، فتلف أحدهما: إنهما شريكان، وسواء - على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك - علم تلف الدينار ببينة قامت على التلف، أو لم يعلم ذلك إلا بقوله، وبالله التوفيق. [باع سلعة وادعى البائع أو المبتاع فيها الخيار] ومن كتاب جاع فباع امرأته وسألته عن رجل باع سلعة، وادعى البائع أو المبتاع فيها الخيار، قال: يلزمهما البيع، وقولهما باطل، وقال أصبغ عن ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: هكذا وقع في هذه الرواية، وادعى البائع أو المبتاع، وسقط الألف في أصل السماع، وكذلك هي ساقطة في سماع أصبغ، وفي سماع أبي زيد، وثبوتها وهم؛ إذ لا يأتي على ثبوتها الجواب، وذيل أصبغ في سماعه بعد هذا روايته هذه، عن ابن القاسم بكلام فيه إشكال، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في ذلك الموضع إن شاء الله، وبالله التوفيق. [يأخذ الثوبين من الرجلين ثوب أحدهما بعشرة والآخر بخمسة على أنه فيهما بالخيار] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب يشتري الدور للتجارة قال: وسئل ابن القاسم عن الرجل يأخذ الثوبين من الرجلين؛ ثوب أحدهما بعشرة، والآخر بخمسة، على أنه فيهما

بالخيار، فردهما وقد خلطهما، فتداعيا في الأجود، فقال: إن نص لكل واحد منهما ثوبه حلف وبرئ إليه منه، وإن قال: لا أدري أيهما لهذا، ولا أيهما لهذا، غير أن هذا لأحدهما، إنما أخذت ثوب هذا بعشرة، وثوب الآخر بخمسة، نصهما نصا، ولست أدري أي الثوبين ثوب هذا من ثوب هذا، فإنه يقال له: قد ضمنتهما جميعا بخمسة عشر دينارا، فإن شئت فادفع إلى أحدهما أيهما شئت الثوب الرفيع، وأعط الآخر ثمن الثوب الذي أقررت به، فإن أعطى الثوب الرفيع الذي كان يزعم أنه أخذ منه ثوبه بعشرة، دفع إلى الآخر خمسة دنانير وبرئ، فإن أعطى الثوب الرفيع الذي أخذ ثوبه بخمسة احتياطا على نفسه، وخوفا من أن يكون ثوبه، غرم لصاحب الثوب الآخر العشرة التي أقر أنه أخذ ثوبه بها. قال: وإن قال: لا أدري أيهما ثوب هذا، ولا ثوب هذا، ولا أدري أيهما أخذت ثوبه بخمسة، قيل له: اغرم إلى كل واحد منهما عشرة، وشأنك بثوبيك؛ لأنك قد أقررت أنك قد أخذت من أحدهما ثوبا بعشرة، فلما ادعياه جميعا، ولم تنص لأحد منهما ثوبه، فتبرأ بذلك من ضمانه باليمين، ولا أنت نصصت كل واحد منهما في دعواهما حتى يجعل صاحب الخمسة أحدهما، فتبرأ مما ادعى عليك من الفضل مع يمينك، فكلا دعواهما في عشرة عشرةٍ، وأنت غير مكذب لهما؛ إذ لا تنص أيهما ادعى أكثر من حقه فتحلف وتبرأ. قال محمد بن رشد: قوله: إنه إذا نص لكل واحد منهما ثوبه، يحلف ويبرأ إليه منه صحيح؛ لأنه مؤتمن لكل واحد منهما، فالقول

قوله فيما يقر أنه قبض منه، فإن نكل عن اليمين حلف كل واحد منهما، وأخذ منه ما دفع إليه به ثوبه، وأما إذا تداعيا في الأجود، ولم يعلم المشتري لمن هو منهما، وعلم بما دفع إليه كل واحد منهما ثوبه، فقال: إنه يضمن الثوبين بالثمنين، ويكون له أن يعطي الثوب الأجود لمن شاء منهما، ويعطي الآخر ما أقر أنه دفع إليه به ثوبه بعد يمينه، وإن نكل عن يمينه حلف الآخر وأخذ منه عشرة. وقال: إنه إذا لم يعلم لمن هو منهما، ولا علم ثوب من كان منهما أكثر ثمنا من ثوب الآخر؛ أنه يضمنهما جميعا، ويعطي لكل واحد منهما أكثر الثمنين، ولم يقل: إن له أن يعطي الثوب الأجود لمن شاء منهما، كما قال في المسألة الأولى، ولا فرق بين المسألتين. له أيضا إن شاء أن يعطي الثوب الجيد لمن شاء منهما، ويعطي الآخر الأكثر من الثمنين، ولا حجة لواحد منهما في ذلك عليه؛ لأن كل واحد منهما يدعي أن الثوب الجيد ثوبه، فإذا أعطاه إياه لزمه، وإن أعطى الآخر أكثر الثمنين لزمه أيضا، ولم يكن له كلام. ولابن كنانة في المدنية أنهما إذا تداعيا في أحدهما، وجهل لمن هو منهما، يحلفان جميعا على الثوب الذي تداعيا فيه، ويقتسمانه فيما بينهما، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر؛ كان الثوب لمن حلف منهما، وقد برياه من الثوب الآخر، فليذهب به حتى يطلب على وجهه. وسحنون في نوازله من كتاب القراض، في الذي يأخذ من الرجلين مالا قراضا، ويشتري بمال كل واحد منهما سلعة في إحداهما ربح، وفي الثانية وضيعة، فتداعى صاحبا المال في السلعة التي فيها الربح، وجهل هو بمال من اشتراها منهما، أنه لا ضمان عليه لهما، وتكون السلعة التي تداعيا فيها بينهما بعد أيمانهما، وذلك نحو قول ابن كنانة، وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد، من الكتاب المذكور: إنهما إن شاءا أن يضمّناه أموالهما، ويتركا له السلعتين؛ فعلا، وإن شاءا أن يأخذا السلعتين جميعا، ويعطي كل

يشتري الغنم وفيها شاة بها علة فيقول المشتري أنا بالخيار في هذه العليلة عشرة أيام

واحد منهما رأس ماله، ويعطي المقارض ربحه، وهذا على أصله في هذه المسألة، وسنتكلم على مسألتي القراض المذكور في موضعهما إن أعاننا الله على الوصول إليهما برحمته وفسحته في الأجل، وهو الموفق. [يشتري الغنم وفيها شاة بها علة فيقول المشتري أنا بالخيار في هذه العليلة عشرة أيام] ومن كتاب المكاتب قال يحيى: وسئل ابن القاسم عن الرجل يشتري الغنم، وفيها شاة بها علة، فيقول المشتري: أنا بالخيار في هذه العليلة عشرة أيام، فإن صحت فهي لي، وإن لم تصح رددتها بما يصيبها من الثمن، فقال: هذا بيع غير جائز؛ فقلت له: ولم؟ قال: لأنه لو اشترى شاة واحدة عليلة على أنها له إن صحت إلى عشرة أيام، وإن لم تصح ردها لكان بيعا مفسوخا غير جائز. قيل له: فإنها غير عليلة، إلا أنه استثنى الخيار في شاة منها أياما، فقال: وهذا أيضا غير جائز. قلت: ولم كرهت هذا؟ قال: لأنه لو اشترى شاة، إن حبسها تم البيع بجميع الثمن الذي اشتريت به الغنم كلها، وإن ردها بالقيمة، والقيمة لا تعرف حتى تقوم الشاة والغنم، فكأنه لا يدري إن رد الشاة بكم تبقى عليه الغنم الباقية، فهي أحيانا بجميع الثمن، وأحيانا بثمن لا يدري كم هو. قال محمد بن رشد: قد بين ابن القاسم وجه فساد البيع عنده بما لا مزيد عليه من أن المبتاع لا يدري بكم تبقى عليه الغنم بعد رد الشاة العليلة بما يصيبها من الثمن إن ردت، وبأن الشاة العليلة لا يجوز شراؤها

اشترى الرجل السلعة في الحيوان أو غيره على أنه بالخيار إلى أربعة أشهر وقبضها

على أنها إن صحت إلى عشرة أيام لزمه البيع فيها، ولا على أنه فيها بالخيار عشرة أيام، وإن كانت صحيحة، يريد من أجل أن الخيار في الشاة لا يجوز إلى هذا الأمد، وأحسب أن أبا إسحاق التونسي ذهب إلى أنه بيع جائز على القول بأن جمع الرجلين سلعتيهما في البيع جائز؛ لأن جملة الثمن معلوم، وما ينوب كل واحد منهما مجهول، وكذلك هذه المسألة، جملة الثمن فيها معلوم، وما ينوب باقي الغنم إن ردت الشاة مجهول، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأن الفساد فيها من وجهين؛ أحدهما: الجهل بما تبقى به الغنم عليه من الثمن إن ردت الشاة، والثاني: هو شراؤه هذه الشاة العليلة على أنها إن صحت إلى عشرة أيام لزمه البيع فيها، وهذا لا اختلاف في أنه لا يجوز، وإذا جمعت الصفقة الواحدة ما يجوز وما لا يجوز لم تجز، فكيف إذا جمعت ما لا يجوز، وما يختلف في جوازه؟ وإنما كان يجوز هذا البيع على ذلك المذهب لو اشترى الغنم على أنه بالخيار في شاة منها اليوم واليومين، بين أن يأخذها أو يردها بما ينوبها من الثمن، أو على أن البائع يأخذ منها شاة بما ينوبها من الثمن، وبالله التوفيق. [اشترى الرجل السلعة في الحيوان أو غيره على أنه بالخيار إلى أربعة أشهر وقبضها] من سماع سحنون من ابن القاسم قال سحنون: وقال ابن القاسم: إذا اشترى الرجل السلعة في الحيوان أو غيره على أنه بالخيار إلى أربعة أشهر وقبضها، واشترط عليه النقد أو لم يشترط عليه فيها نقدا، فماتت بعد، فمصيبها من البائع؛ لأنه وإن كان فاسدا، فإن البيع لم يكن تم فيه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن البيع الفاسد إنما يدخل في ضمان المشتري بالقبض إذا لم يكن فيه خيار، والضمان من البائع في بيع الخيار إذا كان صحيحا، فكيف إن كان فاسدا، وبالله التوفيق.

يشتري قرية يشترط البائع الخيار للمشتري ثلاث سنين أو أربعا

[يشتري قرية يشترط البائع الخيار للمشتري ثلاث سنين أو أربعا] ومن كتاب نوازل سئل عنها سحنون وعن الرجل يشتري قرية أو دارا، يشترط البائع الخيار للمشتري ثلاث سنين أو أربعا مما لا يجوز فيه الخيار من طول الوقت، فبنى المشتري وغير ببناء، أو غرس في هذه السنين التي جعلا فيها الخيار، هل يكون في ذلك فوت؟ فقال: إذا كان الخيار للبائع على المشتري، فلا يكون ما بنى في الخيار فوتا ولا ما هدم، والبائع يرتجعها، والبيع فيها منقوض. قيل له: فهل يرجع عليه المشتري بقيمة ما بنى؟ فقال: لا يرجع عليه بشيء؛ لأنه فعل ما لا يجوز له؛ لأنه لم يكن له ليبني فيها حتى يمضي أمد الخيار الذي جعلاه بينهما، ولا يأخذه إلا منقوضا. قيل له: فإن بنى بعدما خرج أمد الثلاث التي جعلا إليها الخيار؟ قال: يكون هذا الذي بنى فوتا، ويرجعان جميعا إلى القيمة يوم خرج وقت الخيار، وقال: وكذلك إن اشترى جارية بالخيار أياما، يجوز له، واشترط النقد ثم لم يعلم بمكروه ذلك حتى خرجت أيام الخيار، وحتى فاتت الجارية بنماء أو نقصان، إنما يرجعان إلى قيمتها يوم خرجت أيام الخيار؛ لأنه كان له حينئذ صار ضامنا، وكذلك تكون المصيبة من البائع حتى تمضي أيام الخيار؛ لأنه أدخل في الخيار شرطا يفسد البيع باشتراط النقد. قال محمد بن رشد: هذا كله صحيح بين على ما قال في المدونة وغيرها: إن الخيار إذا كان للبائع والبيع فاسد إما بشرط النقد فيه، وإما بأن

مسألة: باع من رجل جارية فلم يقبض منه الثمن وخرج في سفر

يكون أمده بعيدا، لا يجوز الخيار إليه، أو بما سوى ذلك مما يفسد البيع، فلا يكون ما أحدثه المشتري في أيام الخيار فوتا في البيع الفاسد، كما لا يكون إذا لم يكن في البيع فساد اختيارا منه للبيع، ولا يكون له فيما بنى إلا قيمته منقوضا؛ لأنه متعد بالبناء فيما لا خيار له فيه، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس لعرق ظالم حق» ، وإنما يكون ذلك تفويتا له إذا فعله بعد انقضاء أيام الخيار، وتكون القيمة فيه يوم انقضت أيام الخيار؛ لأن بيع الخيار إنما يتم حين يمضي لا حين يعقد، وبالله التوفيق. [مسألة: باع من رجل جارية فلم يقبض منه الثمن وخرج في سفر] مسألة وسئل عن رجل باع من رجل جارية، فلم يقبض منه الثمن، وخرج في سفر، وقد كان المشتري بالخيار ثلاثا، فمرضت الجارية فلم يأت السلطان، ولم يشهد أنه لا يريد أخذ الجارية حتى ماتت بعد عشرة أيام، قال ابن القاسم: إذا قبض المشتري الجارية والخيار له، ثم أقامت في يديه بعد وقت الخيار، ولم يشهد على القبول ولا الرد؛ أن كونها في يديه رضا منه بها. قال سحنون: وهذا في وخش الرقيق. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها من أن السلع المبيعة بالخيار إذا كانت بيد المبتاع والخيار له، فلم يردها حتى مضت أيام الخيار، ولا أشهد على ردها، فقد لزمته ودخلت في ضمانه بانقضاء أيام الخيار، كما أنها إذا كانت بيد البائع والخيار له حتى انقضت أيام الخيار، ولم يشهد على إمضائها، فقد بطل البيع وبقيت ملكا له، وقول سحنون: وهذا في وخش الرقيق صحيح، يريد إذ لا مواضعة فيها بعد زوال الخيار، فيكون الضمان فيها من البائع، وبالله التوفيق.

اشترى منه سلعة فاختلفا في وقت شرط الخيار

[اشترى منه سلعة فاختلفا في وقت شرط الخيار] من سماع أصبغ بن الفرج من عبد الرحمن بن القاسم من كتاب القضاء العاشر قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عمن اشترى سلعة، فادعى البائع أنه شرط الخيار حين باع، وادعى المشتري أنه شرط الخيار حين اشترى، قال: البيع بينهما ثابت لازم لهما، والخيار ساقط عنهما. قال أصبغ: ويحلفان جميعا، فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا فهو ذلك، فإن حلف واحد ونكل الآخر، فالقول قول الحالف مع يمينه، ولا أبالي بأيهما بدأ في الحكم باليمين، وأعجب إلي أن يبدأ المشتري هاهنا؛ لأنه كأنه أوكد في الدعوى، وكلاهما مدع، فإن حلف تم له الأخذ، وكان البائع بالخيار أن يحلف ويسقط، أو لا يحلف فيسلمه، كما لو تداعيا في الثمن، وكان البائع هو المدعى عليه أولا؛ لأن البيع قد ثبت ووجب له الأخذ، فهو يحلف ويتم له حتى يحلف صاحبه فيسقط، أو لا يحلف فيعطيه الثمن. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم البيع بنيهما ثابت لازم لهما، والخيار ساقط عنهما، معناه بعد يمين الذي أراد إمضاء البيع منهما أن الخيار كان له دون صاحبه؛ لأنهما إن اجتمعا على رد أو إجازة، فلا تنازع بينهما، ولا موضع لليمين، فإن اختلفا فأراد أحدهما إمضاء البيع، وأراد الآخر رده، فالذي أراد منهما إمضاء البيع مسقط لدعواه الخيار؛ إذ لا يريد الرد به،

والذي أراد رد البيع منهما متمسك بدعواه الخيار؛ لأنه يريد الرد به، فرجعت المسألة إلى أنها بمنزلة إذا ادعى أحدهما أن البيع بت، وقال الآخر: بل كان على أن الخيار لي. ومذهب ابن القاسم في ذلك أن القول قول مدعي البت؛ لأن الآخر يريد رد البيع بما يدعي من أن له فيه الخيار، فعليه يأتي قوله في رواية أصبغ هذه. وروى أبو زيد بعد هذا في هذا الكتاب، ومثله في سماعه، من جامع البيوع: أن البيع ينتقض ولا يقبل دعوى البائع ولا المشتري، ومعناه أيضا بعد يمين الذي أراد الرد منهما أن الخيار كان له دون صاحبه؛ لأنهما إن اجتمعا أيضا على رد أو إجازة، فلا تنازع بينهما، وإن أراد أحدهما الرد، والآخر الإجازة، فقد رجعت المسألة إلى أنها بمنزلة إذا ادعى أحدهما أن البيع كان بيع بت، وقال الآخر: بل كان على أن لي الخيار حسبما بيناه، ومذهب أشهب في ذلك أن القول قول مدعي الخيار، فرواية أبي زيد هذه على قول أشهب في هذه المسألة، ورواية أصبغ وعيسى المتقدمة على قول ابن القاسم فيها، فهي أصلها. وقول أصبغ: ويحلفان جميعا إنما معناه إذا لم تنقض أيام الخيار، وأراد كل واحد منهما أن يوجب لنفسه الرأي والنظر إلى انقضاء أيام الخيار دون صاحبه، فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا سقط خيار كل واحد منهما، ولزمه البيع على مذهب ابن القاسم في المسألة التي ذكرنا أنها أصل هذه المسألة، وثبت الخيار لكل واحد منهما على مذهب أشهب فيها. ورواية أبي زيد في هذه المسألة أن البيع ينتقض حسبما بيناه، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت الخيار للحالف منهما دون صاحبه، وكان له الارتياء والنظر إلى انقضاء أيام الخيار. وأما إذا انقضت أيام الخيار، فإنما يحلف أحدهما، إما الذي يريد إمضاء البيع على رواية أصبغ، وهي رواية عيسى المتقدمة؛ لأن الألف فيها وهم حسبما ذكرناه؛ وإما الذي يريد رده على رواية أبي زيد التي ذكرنا على أصل مذهب أشهب، فإن نكل

باع سلعة، فقال البائع بعتك وأنا بالخيار ولست أنت بالخيار وعارضه المشتري

حلف الآخر على حكم المدعي والمدعى عليه، ولا يتصور أن يحلفا جميعا على حكم المتداعيين، إلا إذا كانت أيام الخيار لم تنقض حسبما بيناه، فهو وجه القول في هذه المسألة، ومعنى قول أصبغ فيها، وقد كان الشيوخ يعترضونه ويقولون: إنه لا وجه له يصح، وإن تنظيره هذه المسألة باختلاف المتبايعين تنظير فاسد، وبالله تعالى التوفيق. [باع سلعة، فقال البائع بعتك وأنا بالخيار ولست أنت بالخيار وعارضه المشتري] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: قال عبد الرحمن بن القاسم في رجل باع سلعة، فقال البائع: بعتك وأنا بالخيار، ولست أنت بالخيار، وقال المشتري: اشتريت منك بالخيار، ولست أنت بالخيار، قال: ينتقض البيع، ولا أقبل دعوى البائع ولا المشتري. قال محمد بن رشد: قوله: ينتقض البيع؛ معناه بعد يمين الذي أراد الرد إذا لم يتفقا على رد ولا إجازة، حسبما ذكرناه قبل هذا في سماع أصبغ، وبينا أنه يأتي على مذهب أشهب. وقوله: ولا يقبل دعوى البائع، ولا المشتري؛ صحيح لأن أيام الخيار إذا كانت لم تنقض، فليس أحدهما أحق من صاحبه بأن يكون القول قوله، والحكم في ذلك أن يحلفا جميعا، ويثبت الخيار لكل واحد منهما على قوله في هذه الرواية، وقياس قول أشهب. وإن كانت قد انقضت، ولم يتفقا على رد ولا إجازة، حلف الذي أراد الرد، ورد على هذه الرواية خلاف رواية أصبغ المتقدمة. [مسألة: بيع الفقع بالقمح] مسألة قال: ولا بأس بالفقع بالقمح. قال محمد بن رشد: يحتمل أن يريد بالفقع شراب الفقع الذي

كان يعمل في الأعراس، وروي عن مالك: أنه كره شربه، إلا أن يكون الذي يعمله مأمونا في دينه. وقال ابن وهب: هو حلال لا بأس به، قد شربه السلف وأجازوه، ورأيت الليث بن سعد يشربه كثيرا ويجيزه، ويقول: ليس من الخليطين في شيء، ولا يدخل تحت النهي. وقال سحنون وأصبغ: لا بأس به، ومن كرهه إنما كرهه من جهة الطب، لا من جهة العلم، وهو عندي من الحلال البين، وهو شراب أصله من العسل، ويجعل فيه خمير القمح وأفاوه من الطيب، وأجاز بيعه بالقمح يدا بيد، ولم يعتبر بما فيه من خمير القمح؛ لكونه يسيرا فيه، مستهلكا في حيز اللغو والتبع، ويحتمل أن يريد بذلك الذي يتولد في زمان الربيع في أصول الشجر والمواضع الرطبة، ويأكله النساء وبعض الناس نيئا ومشويا، وإن كان أراد ذلك فمعناه أنه لا بأس به بالقمح يدا بيد أو إلى أجل؛ لأنه وإن كان يوكل فأكلا ضعيفا لا يحكم له بحكم الطعام، والأول أظهر، والله أعلم، وبه التوفيق. تم كتاب الخيار، والحمد لله.

كتاب الجعل والإجارة

[كتاب الجعل والإجارة] [استأجر عاملا من العمال وقد عرف أنه يعمله بيده أو اشرط عليه أنه يعمله بيده]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: حدثني ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول فيمن استأجر عاملا من العمال: إما نساجا، وإما خياطا، أو ما يشبه ذلك من الأعمال، وقد عرف أنه يعمله بيده، أو اشرط عليه أنه يعمله بيده، فسأله أن يقدم له أجرة، وهو يقول: لا أعمل في عمله إلى شهر، قال: إذا كان إنما يعمل بيده فيما يعرف منه، أو اشترط ذلك عليه، فلا يصلح له أن يقدم إليه أجرة حتى يبدأ في عمله، فإن بدأ في عمله فليقدم إليه أجرة إن شاء، فإن مات قبل أن يفرغ من عمله أخذ منه بقية رأس ماله على حساب ما عمل وما استأجره عليه، ولم يكن له في مال العامل تمام ذلك العمل استأجره عليه أياما مسماة، أو قاطعه عليه مقاطعة. قال محمد بن رشد: الإجارة على عمل شيء بعينه، كنسج الغزل وخياطة الثوب تنقسم على قسمين؛ أحدهما: أن يكون العمل مضمونا في

ذمة الأجير. والثاني: متعينا في عينه. فأما إذا كان مضمونا في ذمته، فلا يجوز إلا بتعجيل الأجر أو الشروع في العمل؛ لأنه متى تأخرا جميعا كان الدين بالدين، فلا يجوز إلا تعجيل أحد الطرفين أو تعجيلهما جميعا، وأما إذا كان متعينا في عينه، فيجوز تعجيل الأجر وتأخيره، على أن يشرع في العمل، وإن لم يشرع في العمل إلى أجل لم يجز النقد إلا عند الشروع في العمل. فإن وقعت الإجارة بتصريح على أن العمل في ذمة الأجير مضمونا عليه مثل أن يقول له: أستأجرك على خياطة هذا الثوب أو نسج هذا الغزل إجارة ثابتة في ذمتك، إن شئت عملته بيدك، وإن شئت استعملته غيرك، وما أشبه ذلك من صريح الألفاظ، أو متعينا في عينه مثل أن يقول له: أستأجرك على أن تخيط لي هذا الثوب، أو تنسج لي هذا الغزل بنفسك، وما أشبه ذلك من صريح الألفاظ؛ كان للمضمون حكم المضمون، وللمعين حكم المعين، على ما وصفناه. وإن لم يقع على تصريح، وكان اللفظ الذي وقعت به ظاهره المضمون، مثل أن يقول له: أعطيك كذا وكذا على خياطة هذا الثوب، فلا اختلاف في أنه يحمل على المضمون، إلا أن يكون قد عرف منه أنه يعمله بيده، أو يكون إنما قصده بالعمل لرفقه وإحكامه. وأما إن لم يقع على تصريح، وكان اللفظ الذي وقعت به ظاهره التعيين، مثل أن يقول له: أستأجرك على خياطة هذا الثوب، أو على أن تخيطه، ولا يقول: أنت، ففي ذلك قولان؛ أحدهما: أنه محمول على المضمون، إلا أن يعلم أنه يعمله بيده، أو يكون إنما قصد بالعمل لرفقه وإحكامه، وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية، وحكاه ابن حبيب في الواضحة، عن أصبغ، وقال: إنه مذهب مالك، وهو المشهور في المذهب على الذي يأتي على ما في النذور من المدونة، وعلى ما في سماع يحيى، من كتاب الأيمان بالطلاق، وعلى ما في رسم القبلة، من سماع ابن القاسم، من كتاب الرواحل والدواب، والثاني: أنه محمول على ظاهر اللفظ من التعيين، وهو الذي يأتي على ما في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، من كتاب الأيمان بالطلاق. وتنفسخ الإجارة في المعين بموت الأجير، ولا تنفسخ في المضمون بموته، ويكون العمل في ماله، أو ما بقي منه، واختلف هل ينفسخ في الوجهين جميعا بهلاك المتاع

المستأجر عليه أم لا؟ فالمشهور أنها تنفسخ على ما يأتي في هذا الكتاب، في رسم المحرم، من هذا السماع، خلاف ما في رسم يشتري الدور والمزارع، من سماع يحيى منه. وقوله: فإن بدأ في عمله، فليقدم إليه أجره إن شاء، يدل على أنه لا يجب عليه تقديم الأجرة إلا بشرط أو عرف، فإن لم يكن شرط ولا عرف لم يلزمه دفع الأجرة إلا بعد تمام العمل، قاله في كتاب الجعل والإجارة من المدونة، وذلك بخلاف الأكرية. وقوله: إنه إذا لم يعمل في عمله إلى شهر، فلا يجوز أن يقدم إليه إجارته يدل على جواز الإجارة، إذا لم يقدم الإجارة، وهو نحو ما في كتاب الرواحل والدواب من المدونة، من أنه يجوز كراء الراحلة بعينها على أن يركبها إلى شهر إذا لم ينقد، وقد قال ابن حبيب: إن من استأجر أجيرا حرا أو عبدا على أن يشرع في عمله إلى أيام، فلا يجوز من ذلك إلا الأيام القلائل، مثل الجمعة وما لا يطول، فيحتمل أن يكون معنى ذلك مع النقد، فتتفق الأقوال. وفي قوله: استأجره عليه أياما مسماة، أو قاطعه عليه مقاطعة نظر؛ لأن من استأجر أجيرا على شيء بعينه كخياطة ثوب أو نسج غزل أو طحن قمح وما أشبه ذلك، مما الفراغ منه معلوم؛ فلا يجوز أن يستأجره عليه إلى أجل معلوم خوفا أن ينقضي الأجل قبل تمام العمل، فإن كان الأمر في ذلك مشكلا، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز، وإن كان لا إشكال في أن العمل يمكن تمامه قبل انقضاء الأجل، فقد قيل: إن ذلك جائز، وهو ظاهر قوله في هذا اللفظ الواقع هاهنا، وقول ابن القاسم في سماع عيسى بعد هذا، في رسم العرية، ودليل قوله في المدونة في الذي استأجر ثورا على أن يطحن له كل يوم إردبين، فوجده لا يطحن إلا إردبا، أن له أن يرده؛ لأنه جعل له في الإردب الذي طحن ما ينوبه، ولم تنفسخ الإجارة، وهو قول ابن حبيب في الواضحة؛ لأنه أجاز فيها أن يشارط المعلم في تعليم الغلام القرآن على الحدقة، نظرا أو ظاهرا، سميا في ذلك أجلا أو لم يسمياه، وعزاه إلى مالك

مسألة: تكارى غلمانا يخيطون الثياب في كل شهر بشيء مسمى

وحكاه عن أصبغ، والمشهور أن ذلك لا يجوز كذلك، قال: وهذا في هذا السماع، في رسم سلف، ورسم المحرم، وفي أول سماع أشهب، وفي غير ما موضع، ويحتمل أن يريد بقوله: استأجره عليه أياما مسماة، أي استأجره فيه، وأن يريد به أنه استأجره به عليه أياما مسماة، ولا يريد به التعيين له، وإنما يريد أنه ضمنها بعمله الأيام المسماة، فإن أكمله قبل تمام الأيام استعمله في مثله، وبالله التوفيق. [مسألة: تكارى غلمانا يخيطون الثياب في كل شهر بشيء مسمى] مسألة وقال مالك فيمن تكارى غلمانا يخيطون الثياب في كل شهر بشيء مسمى، وهو يقاضي عليها الناس، ويقطعها وهم يخيطون، فربما طرح على إنسان منهم شيئا من الثياب ليخيطها في يوم على إن فرغ منها في يوم أو بعض يوم، فله بقية يومه ذلك، وإن لم يفرغ منها في يومه كان عليه في يوم آخر لا يحسبه في شهوره. قال: إن كان ذلك شيئا يسيرا يوما، وما أشبهه والعمل يعرف أنه إن اجتهد فيه فرغ منه في يوم، وإن فرط لم يفرغ من ذلك، لم أر بذلك بأسا، وإن كثر ذلك، فإني أكرهه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن ذلك خفيف لا بأس به في اليسير، ومكروه في الكثير. والكراهية فيه بينة؛ لأنه إذا استأجره في الشهر مثلا بثلاثين درهما، ثم أعطاه ثيابا فقال له: إن خطتها في أقل من عشرة أيام فبقيتها لك، وإن خطتها في أكثر من عشرة أيام لم يحسب له في شهوره ما زاد على العشرة الأيام، كان ذلك غررا بينا؛ لأنه إن خاطها في خمسة أيام استوجب ثلاثين درهما في عمل خمسة وعشرين يوما، وإن خاطها في خمسة عشر يوما لم يستوجب ثلاثين درهما، إلا في خمسة وثلاثين يوما، فعادت أجرته مجهولة؛ إذ لا يدرى في كم من يوم يستوجب الثلاثين درهما.

فإن وقع ذلك وخاطها في أقل من عشرة أيام، لم يلزمه أن يعمل بقيتها للمستأجر؛ لأنه يقول: إنما أتممتها في أقل من عشرة أيام؛ لأني أجهدت نفسي ما لم يكن يلزمني لك في استئجارك إياي، وبكرت في الابتداء، وأخرت في الانتهاء، وكذلك إن خاطها في أكثر من عشرة أيام، لم يلزم المستأجر أن يحسب له تلك الأيام الزائدة على العشرة الأيام؛ لأنه يقول له: فرطت وتوانيت، ولذلك لم تتمها في العشرة الأيام، ولو اجتهدت الاجتهاد الذي كان يلزمك لي في إجارتك لفرغت منها في أقل من عشرة أيام، وكان وجه الحكم في ذلك أن ينظر إلى تلك الأثواب، فإن قال أهل البصر والمعرفة بالعمل: إنها تتم على الاجتهاد المعروف في خمسة أيام؛ لزم الأجير أن يعمل لرب العمل بقيمة العشرة الأيام، وإن قالوا: إنها لا تتم في أقل من عشرة أيام على الاجتهاد المعروف، لم يلزمه أن يعمل له ما بقي منها؛ وكذلك إن عملها في أكثر من عشرة أيام، فقال أهل البصر والمعرفة: إنها لا تتم في أقل مما خاطها فيه على الاجتهاد المعروف، لزم المستأجر أن يحسب له تلك الأيام الزائدة على العشرة الأيام، وإن قالوا: إنها تتم في العشرة الأيام، أو في أقل منها لم يلزمه أن يحسب له تلك الأيام في شهوره. ولو أعطاه الثياب فقال له: إن خطتها في أقل من عشرة أيام، فبقيتها لك، وإن لم تتمها في عشرة أيام، لم يلزمك شيء، لجرى ذلك على الاختلاف في الرسول يزاد بعد عقد الإجارة على الإسراع في السير والبلوغ إلى البلد في وقت كذا وكذا حسبما يأتي القول فيه في رسم سلف من هذا السماع بعد هذا. ووجه تخفيف ذلك اليسير اليوم ونحوه الذي يعلم أنه إن اجتهد فيه فرغ منه بين؛ لأنه إن لم يفرغ منه علم أنه فرط، ولم يجتهد الاجتهاد الذي كان يلزمه، فكان من حق المستأجر ألا يحسب له من اليوم الآخر ما أتمه فيه، وإن فرغ قبل تمامه علم أنه كان لإجهاده نفسه، فكان له بقية يومه، وبالله التوفيق.

مسألة: بعث رجلا ليقتضي له دينا على أن له من كل شيء اقتضاه منه نصفه أو ثلثه

[مسألة: بعث رجلا ليقتضي له دينا على أن له من كل شيء اقتضاه منه نصفه أو ثلثه] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال في رجل بعث رجلا، ليقتضي له دينا على أن له من كل شيء اقتضاه منه نصفه أو ثلثه، قال: لا بأس بذلك على وجه الجعل، ومثل ذلك الرجل يقول للرجل: اخرج في طلب عبيد لي أبقوا، أو إبل لي ضلت، فما جئتني به من عبد أو بعير فلك فيه دينار، وليس يشبه قوله: ما جئتني به من عبد أو بعير فلك نصفه؛ لأن العبد والبعير يزيدان وينقصان، وأن الدنانير لا تزيد ولا تنقص ما اقتضى من دينار فله نصفه أو ثلثه، فهذا باب لا يزول. قال محمد بن رشد: قوله في الذي بعث رجلا ليقتضي له دينا، على أن له من كل شيء اقتضاه منه نصفه أو ثلثه: إن ذلك لا بأس به على وجه الجعل؛ صحيح لأن المعاملة على اقتضاء الدين بجزء منه إذا لم يسم له عدده لا يجوز إلا على وجه الجعل. وقوله: اقبض مالي على فلان، ولك من كل شيء تقتضي منه نصفه أو ثلثه محمول على الجعل، وإن لم يصرحا بذلك لا يلزم المجعول له، وإن شرع في التقاضي، وله أن يترك متى شاء، ويلزم الجاعل قيل بالعقد، وقيل بشروع المجعول له في الاقتضاء على ما سيأتي القول فيه في رسم العتق، من سماع عيسى، وأما إذا سمى عدده، فتجوز المعاملة على اقتضائه بجزء منه على وجه الإجارة، بأن يقول: أستأجرك على اقتضاء مائة دينار لي على فلان بنصفها أو بثلثها؛ فتكون إجارة لازمة لهما، ليس لأحدهما أن يرجع عنها بعد العقد، إلا أن يشترط أن يترك متى شاء، فتكون إجارة له فيها الخيار. وهذا إذا كان قدر العمل في اقتضائها معروفا، وأما إن لم يكن معروفا، فلا تجوز الإجارة في ذلك إلا بضرب الأجل: يقول أستأجرك شهرا على أن تقتضي لي مائة دينار لي على فلان بنصفها، أو بكذا وكذا، فإن مضى الشهر وجب له أجره اقتضى الجميع أو بعضه، أو لم يقتض شيئا، وإن

اقتضاها قبل الأجل، كان له من أجره بحساب ما مضى منه على حكم الاستئجار، على بيع السلعة سواء في جميع الوجوه. ويجوز أيضا على وجه الجعل بأن يقول: أجاعلك على أن تقتضي لي مائة دينار لي على فلان بنصفها أو بثلثها، وما اقتضيت من شيء فبحساب ذلك، فإن لم يقل: فما اقتضيت من شيء فبحساب ذلك لم يجز، وكان جعلا فاسدا. واختلف إذا لم يصرح بذكر الإجارة ولا الجعل، وقال: اقتض لي مائة دينار على فلان، ولك نصفها، فقيل: إن ذلك محمول على الإجارة، وقيل: إنه محمول على الجعل، فمن حمله على الإجارة قال: ذلك جائز؛ لأنه يجوز للرجل أن يستأجر الرجل على أن يقتضي له مائة دينار له على فلان بنصفها أو بجزء منها، وهو معنى قول ابن القاسم في أول رسم، من سماع أصبغ، ودليل قول ابن وهب فيه؟ ومن حمله على الجعل قال: ذلك غير جائز، قيل: لأنه جعل فاسد؛ إذ لم يقل فيه: وما اقتضيت من شيء فبحسابه، وقيل: لأن الجعل على اقتضاء الديون بالجزء منها، لا يجوز على حال، وهو قول أشهب في سماع أصبغ، وأما إن قال: اقتض لي مائة على فلان، ولك نصفها، وما اقتضيت من شيء منها فعلى حسابه، فلا اختلاف بينهم في أن ذلك محمول على الجعل، وأن ذلك جائز إلا على مذهب أشهب الذي لا يرى المجاعلة على اقتضاء الديون جائزة، وإن سمى عددها، وشرط أن له مما يقتضي منها بحساب ذلك. وقوله: إنه يجوز أن يقول الرجل للرجل: اخرج في طلب عبيد لي أبقوا، أو إبل لي ضلت، فما جئتني به من ذلك فلك نصفه بين لا إشكال فيه، ولا اختلاف؛ لأن الجعل في المجاعلة لا يكون مجهولا، وإنما يجوز المجهول فيها في العمل، وفي إجازتهم المجاعلة على حصاد الزرع وجذاذ النخل واقتضاء الديون، ولقط الزيتون على أن له من كل ما يحصد، أو يجذ، أو

يقتضي، أو يلتقط جزءا نصفا أو ثلثا نظر، فقد رأيت في مسائل منتخبة لابن لبابة، قال ابن القاسم: كل ما جاز بيعه جاز الاستئجار به، وجاز أن يجعل جعلا، وما لم يجز بيعه، لم يجز الاستئجار به، ولا أن يجعل جعلا لرجل إلا خصلتان في الذي يجعل لرجل على أن يغرس له أصولا، حتى تبلغ حد كذا، ثم هي والأصل بينهما، فإن نصف هذا لا يجوز بيعه؛ وفي الذي يقول: القط زيتوني، فما لقطت من شيء فلك نصفه، فإن هذا يجوز، يريد وبيعه لا يجوز. قال: وقد روي عن مالك: أنه لا يجوز، ولم يختلف قوله في الرجل يكون له على الرجل مائة دينار، فيقول: ما اقتضيت من شيء من ديني فلك نصفه، وهما سواء. قال محمد بن رشد: ما هما سواء، والفرق بينهما أن اللقط أوله أسهل وأيسر من آخره؛ لأنه كلما خف وقر الزيتون قل ما يلتقط منه في اليوم، ألا ترى أنه إذا كان كثير الوقر لقط على العشر وأقل من ذلك، وإذا كان خفيف الوقر لقط على النصف وأكثر من ذلك، فإذا جاعله على أن يلقط منه ما شاء بالثلث أو الربع كان غررا؛ لأنه لا يدري إن كان يستوفي لقط جميعه، أو يترك له منه بعضه، وهو إن ترك له منه اليسير لم يستأجر على لقطه إلا بالكثير، ولعل الإجارة على لقطه تستغرقه، فالأظهر من القولين ألا تجوز المجاعلة على لقطه بالجزء منه على حال، ولا تجوز في ذلك إلا الإجارة على جميعه بأن يقول: القطه كله ولك نصفه أو ثلثه. وأما المجاعلة على اقتضاء الدين بجزء مما يقتضي منه، فأشهب لا يجيزه، والأظهر أنه جائز؛ إذ لا فرق بين أوله وآخره في العناء في اقتضائه. وأما الحصاد والجذاذ، فلا خلاف بينهم في جواز المجاعلة فيه على الجزء منه، بأن يقول له: جذ من نخلي ما شئت، أو احصد من زرعي ما شئت على أن لك من كل ما تحصد أو تجذ جزءا كذا لجزء يسميه، ووجه جواز ذلك باتفاق هو أن الحكم فيه أن الجعل عليه لا يلزم واحدا منهما، للمجعول له أن يخرج متى شاء، وللجاعل أن يخرجه متى شاء؛ إذ لو كان الحكم فيه أن يلزم الجاعل، ولا يلزم المجعول له لما جاز؛ لأن الجعل كان

مسألة: جعل لرجل في عبد له أبق جعلا إن جاء به وقد أنفق عليه نفقة

يكون فيه ما لا يجوز بيعه، وذلك غرر لو أراد رجل أن يبيع نصف ما يحصد رجل في يوم أو يومين، أو نصف ما يجذ في ذلك، لم يجز. وكذلك الحكم في قوله: القط زيتوني هذا، فما لقطت منه من شيء فلك نصفه، فإنما لم يجز على القول بأنه لا يجوز لما ذكرناه من أنه لما كان للمجعول له أن يترك متى شاء، وأوله أيسر في اللقط من آخره، دخله الغرر؛ إذ لا يدري الجاعل هل يستوفي المجعول له لقط جميعه، أو يترك منه بعضه، فيلزم على ما قلناه في المجاعلة على اقتضاء الديون بالجزء مما يقتضي منها، إذا كان الحكم فيها أن يلزم الجعل للجاعل بشروع المجعول له، ألا يجوز الجعل في ذلك؛ لأن الجعل فيه يكون غررا؛ ألا ترى أنه لو أراد بيع ما يقتضي المجعول له في يوم أو يومين لم يجز، ولهذه العلة لم يجز ذلك أشهب، والله أعلم، لا لما قاله أصبغ من أنه رآه من باب الجعل في الخصام؛ إذ قد يكون مقرا بالديون، فلا يكون فيه خصام، وإن كان الحكم في ذلك ألا يلزم واحدا منهما كالحصاد واللقط، وإنما لم يجز ذلك أشهب؛ لأنه رأى اقتضاء أول الدين أيسر من آخره، فأشبه اللقط عنده، ولذلك لم يجزه، وهذا أظهر من التأويل الأول، وبالله التوفيق. [مسألة: جعل لرجل في عبد له أبق جعلا إن جاء به وقد أنفق عليه نفقة] مسألة قال ابن القاسم، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من جعل لرجل في عبد له أبق جعلا إن جاء به، وقد أنفق عليه نفقة، فالنفقة من الذي جاء به، والجعل له فقط، وإن أرسله بعد أن أخذه تعمدا ضمن العبد. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الجعل إنما جعله

مسألة: أعطى رجلا متاعا يبيعه فيها على أنه إن باعه فله جعل قد سماه

له على أن يأتيه به ويوصله إليه، فلا يلزم الجاعل للمجعول له إذا أتاه بعبده سوى الجعل الذي جعل له فيه، وإن وجده في مكان بعيد من سيده يستغرق الإنفاق عليه إلى أن يصل إلى سيده الجعل الذي جعل له فيه، أو لعله يزيد على ذلك، فليرفع ذلك إلى قاضي ذلك الموضع ينظر فيه لسيده بما يراه من سجنه أو بيعه، ويحكم له بجعله، فإن لم يفعل وأرسله بعد أن أخذه ضمن كما قال؛ لأنه قد أتلفه عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: أعطى رجلا متاعا يبيعه فيها على أنه إن باعه فله جعل قد سماه] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك فيمن أعطى رجلا متاعا يذهب به إلى بلد آخر يبيعه فيها على أنه إن باعه فله جعل قد سماه، وإن لم يبع فلا شيء له، قال: لا خير في هذا إلا بأجر معلوم، ولا يشبه هذا أن يدفع رجل متاعا إلى رجل معه في بلد واحد، فيتعرض به في السوق، فإن باعه فله جعل مسمى، وإن لم يبع فلا شيء له، فهذا لا بأس به؛ لأن هذا متى ما شاء أن يرد السلعة ردها، ولا يلزمه بيعها، ولم يدخل عليه في ردها مئونة، وأن الذي يخرج بالبز أو الطعام أو الدواب إلى بلد آخر، إن بدا له في تركها لم يخرج منها إلا بمئونة وعلاج حتى يردها إلى صاحبها أو إلى من أمره، فلا أحب هذا إلا بأجر معلوم ثابت، ولا يجوز في الحاضر في الثياب الكثيرة مثل العكام وما أشبهه، وأما الثوبان أو الثلاثة وما أشبه ذلك، فلا بأس به. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز الجعل على بيع الثياب في بلد

مسألة: استؤجر على رقيق يأتي بهم فلم يجدهم

آخر؛ لأن حكم الجعل ألا يلزم المجعول له التمادي على العمل، وإن شرع فيه من أجل أنه غرر، ومن شروطه ألا يجوز فيما يكون للجاعل فيه منفعة قبل تمام العمل، فإن خرج بالثياب إلى ذلك البلد، ثم أراد ترك بيعها انتفع الجاعل بحمله إياها إلى ذلك البلد، وإن ردها لزمه في ردها مئونة وعلاج فيما لا منفعة له فيه، فكان الغرر والفساد حاصلا على أي وجه كان من الوجهين، فوجب ألا يجوز، وإنما لم يجز الجعل على بيع الثياب الكثيرة في البلد؛ لأنه إن بدا له في بيعها وردها إلى صاحبها كان قد انتفع بحفظه لها طول كونها في يديه، ليس من أجل أن الجعل لا يجوز في الكثير، وإن كان قد قال ذلك عبد الوهاب وغيره، فليس بصحيح، والصحيح أن الجعل يجوز في الكثير من الأعمال التي لا يكون للجاعل فيها منفعة إلا بتمام العمل، كطلب الإباق وحفر الآبار، ولذلك قال ابن المواز: إن المجاعلة على حفر الآبار لا تكون إلا فيما لا يملك من الأرضين، ولا يجوز في القليل منها التي يكون للجاعل فيها منفعة قبل تمام العمل، فهذا هو الأصل الذي يطرد ولا ينخرم، ألا ترى أنه لا تجوز المجاعلة على خياطة الثوب، ولا عمل اليوم، ولا على اقتضاء الدين اليسير بجزء منه إذا لم يكن له من كل ما يقتضيه بحسابه، من أجل أنه إذا لم يتم العمل انتفع الجاعل بما مضى منه، وبالله التوفيق. [مسألة: استؤجر على رقيق يأتي بهم فلم يجدهم] مسألة وقال مالك: من استؤجر على رقيق يأتي بهم، فلم يجدهم فقد وجب حقه، وإن وجدهم ببعض الطريق، فللذي استأجره أن يبعثه إلى ذلك المكان أو يستأجره في مثله. قال مالك: وكذلك الرجل يتكارى الدابة إلى حاجة، فتأتيه الحاجة، فيلزمه

الكراء، وتكون له الدابة يكريها إلى الموضع الذي تكاراها إليه إن شاء الله. قال ابن القاسم: ومن استؤجر على مثل هذا، واشترط عليه النقد على أن يحاسبه إن جاء برقيقه، أو وجد متاعه ببعض الطريق، فلا خير فيه. قال ابن القاسم: وإن لم يشترط شيئا من ذلك فالكراء لهما جميعا لازم إلى ذلك الموضع. قال محمد بن رشد: قوله فيمن استأجر على رقيق يأتي بهم فلم يجدهم إن حقه وجب، معناه إن كان استؤجر على أن يأتي بهم مشاة أو على دواب المستأجر، وأما إن كان استؤجر على أن يأتي بهم على دوابه، فلم يجدهم فالحكم في ذلك حكم من أكرى دابة على أن يسوق له طعاما من بلد آخر وسيره إلى وكيله، فذهب الكري فلم يجد الوكيل. وفي وجه الحكم في ذلك تفصيل سيأتي القول عليه إن شاء الله في موضعه، وهو أول رسم من سماع ابن القاسم، من كتاب الرواحل والدواب. وأما قوله: إنه إن وجدهم ببعض الطريق، فللذي استأجره أن يبعثه إلى ذلك المكان، أو يواجره في مثله، فمساواته فيه بين أن يبعثه إلى ذلك المكان أو يواجره في مثله؛ خلاف أصله في المدونة، في أن من أكرى دابة إلى موضع، فليس له أن يركبها إلى غيره إلا برضا المكتري، فعلى قوله في المدونة، ليس له أن يواجره في مثله إلا برضاه، فإن لم يرض بذلك ولم يبعثه إلى ذلك المكان بعينه رجع، وكان له كراؤه كاملا، وعلى قول غيره في المدونة: لا يجوز أن يواجره في غيره، وإن رضي بذلك؛ لأنه فسخ دين في دين، فإما أن يبعثه إلى ذلك الموضع بعينه، وإلا رجع وكان له كراؤه كاملا، وعلى هذا

مسألة: أوصى أخا له أن يشتري له شيئا بالمديونة فابتاعه بدرهم ونصف

اختلفوا فيمن اكترى دابة إلى بلد، فرجع من الطريق، هل له أن يركبها في مثل ما بقي منه، فقال ابن نافع: ليس ذلك له، وعليه الكراء كاملا، وقال ابن القاسم: إن كان إنما سار البريد والبريدين وما أشبههما، فله أن يركبها أو يكريها إلى مثل ما قصر عنه من سفره، إلا أن يتراضيا على شيء معلوم، وإن كان سار جل الطريق، ثم ردها رأيت جميع الكراء لصاحبها. وقع قول ابن نافع، وابن القاسم هذا، في آخر سماع عيسى، من كتاب كراء الرواحل والدواب في بعض الروايات، وقد اختلفوا على هذا الأصل فيمن استعار دابة إلى موضع، فركبها إلى موضع غيره مثله في الحزونة والسهولة والبعد فهلكت، روى علي بن زياد، عن مالك، في سماع سحنون، من كتاب العارية، أنه لا ضمان عليه، وقاله عيسى بن دينار في المبسوطة، وقال ابن القاسم فيها: إنه ضامن، وقوله: إنه إن اشترط عليه النقد على أن يحاسبه إن جاء برقيقه أو وجد حاجته في بعض الطريق؛ أنه لا خير فيه بين لا إشكال فيه على أصولهم؛ لأنه يدخله الأجرة والسلف، ولو اشترط عليه النقد، ولم يشترط المحاسبة سكت عنها لجاز على كلا القولين؛ لأن ما يوجبه الحكم من المحاسبة على أحد القولين، إذا لم يشترطاه لا يتهمان عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى أخا له أن يشتري له شيئا بالمديونة فابتاعه بدرهم ونصف] مسألة وقال مالك: من أوصى أخا له أن يشتري له شيئا بالمديونة، فابتاعه بدرهم ونصف، وأعطى في النصف حنطة، قال: يأخذ منه في النصف درهم فلوسا أو عروضا، فإن أخذ حنطة، فلا يأخذ إلا مثل كيل طعامه الذي أعطى.

الخلالة تجمع على النصف

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الحنطة التي أعطى في نصف الدرهم إنما هي سلف منه له، فهو يجوز له أن يأخذ منه فيها ما شاء من الفلوس أو العروض أو الطعام المخالف للحنطة، فإن أخذ منه طعاما من صنف الحنطة، فلا يأخذ إلا مثل كيلها، وبالله التوفيق. [الخلالة تجمع على النصف] ومن كتاب قطع الشجر وسئل عن الخلالة تجمع على النصف، فكره ذلك، ونهى عنه وقال: هذا غرر لا يدري كم ذلك، ولا ما هو؛ لأنه لا يراه ولا يعرفه، وليس هذا مثل الزرع والثمر الذي ينظر إليه، فيقول: ما حصدت من شيء أو جنيته فلك ربعه. والخلالة ما سقط من التمر، ووجد بين الكرانيف والسعف، فهو يخرج ويجمع ويسقط فيه تمر، وهذا الباب والباب الأول مختلف. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن ما لا يجوز بيعه فلا يجوز الاستئجار عليه بالجزء منه، ولا المجاعلة عليه بجزء منه، ولا إشكال في أن بيعه لا يجوز؛ إذ لا يحاط بقدره لاختفائه بين الكرانيف والسعف، فهو من بيع الغرر، فكذلك الاستئجار عليه بجزء منه، والمجاعلة عليه بجزء منه؛ إذ من شرط صحة المجاعلة أن يكون الجعل فيها معلوما. فإن قيل: أليس يجوز أن يقول الرجل للرجل ما اقتضيت من مالي الذي لي على فلان، فلك نصفه أو ثلثه، ولا يسمي مبلغه؟ فإذا جاز أن يقتضي الدين على جزء منه مع الجهل بمبلغه جاز أن تجمع الخلالة على الجزء منها مع الجهل بمبلغها. قيل له: الدين وإن لم يعلم مبلغه عند المجاعلة على اقتضائه بجزء منه لغيبة ذكر الحق عنهما حينئذ، وما أشبه ذلك، فهو لا

مسألة: قوم اشتروا سلعة ثم أرادوا يتبايعونها فأرادوا أن يكتبوا من حضرهم

يعمل في الاقتضاء حتى يعلم مبلغه؛ إذ لا يصح أن يقتضي مجهولا، والخلالة مجهولة أبدا، فهو لا يعمل فيها إلا على مجهول يطبه أبدا فافترقا، وبالله التوفيق. [مسألة: قوم اشتروا سلعة ثم أرادوا يتبايعونها فأرادوا أن يكتبوا من حضرهم] مسألة وسئل مالك عن قوم اشتروا سلعة، ثم أرادوا يتبايعونها، فأرادوا أن يكتبوا من حضرهم، فقال رجل منهم: اجعلوا لي حظا مثل حظي، أو مثل حظ رجل من الربح، وأنا أكتب لكم الناس، فقال: هذا مكروه بين، وذلك أنه يصير أجيرا بشيء لا يدري ما هو بربح، إن كان في السلعة ربح، وإن لم يكن ربح، فليس له شيء، وذلك أن الربح أيضا يقل ويكثر، فهذا غرر لا يصلح. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: لا إشكال فيه ولا وجه للقول، وبالله التوفيق. [الخياط الذي بيني وبينه الخلطة ولا يكاد يخالفني] ومن كتاب سلعة سماها وسئل مالك عن الخياط الذي بيني وبينه الخلطة، ولا يكاد يخالفني أستخيطه الثوب، فإذا فرغ منه وجاء به أراضيه على شيء أدفعه إليه، قال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه مما قد استجازه الناس ومضوا عليه، وهو من نحو ما يعطى الحجام من غير أن يشارط على عمل قبل أن يعمله، وما يعطى في الحمام، والمنع من مثل هذا وشبهه تضييق على الناس، وحرج في الدين وغلو فيه؛ قال الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]

رجل يهلك ويترك ميراثا فيشارط رجل على بيعه وتقاضيه ويجعل له فيه جعل

، وقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة: 77] ، ومما يدل على جوازه من السنة ما ثبت من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجمه أبو طيبة، فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه» . وقد كره النخعي أن يستعمل الصانع حتى يقاطع على عمله بشيء مسمى، وكره ذلك ابن حبيب أيضا، وقال: إنه لا يبلغ به التحريم، والأمر في ذلك واسع إن شاء الله، وبه التوفيق. [رجل يهلك ويترك ميراثا فيشارط رجل على بيعه وتقاضيه ويجعل له فيه جعل] ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك عن رجل يهلك ويترك ميراثا فيشارط رجل على بيعه وتقاضيه، ويجعل لي فيه جعل، قال: إني لأكره ذلك، ولعل ثمنه يكثر، وليس تقاضي ما كثر منه مثل تقاضي ما يقل، ولا يعجبني أن يعمل به وكرهه. قال محمد بن رشد: المكروه في هذه المجاعلة بين، والفساد فيها ظاهر، والمنع منها واجب. وقوله فيها: أكره ذلك، ولا يعجبني أن يعمل به، تجوز منه في العبارة على عادته في قوله، في كثير من مسائله، أكره هذا، ولا أحبه، ولا يعجبني فيما لا يجوز عنده ولا يحل. والعلة في أن ذلك لا يجوز ما مضى القول فيه في أول رسم من أن الجعل لا يجوز فيما يكون للجاعل فيه منفعة قبل تمام العمل الذي يجب به الجعل للمجعول له؛ لأن المجعول له لا يلزمه التمادي على العمل من أجل أنه لا يدري، هل يتم له

يجعل للرجل يصيح على الرقيق يبيعهم فيمن يزيد

أم لا يتم، فإذا لم يلزمه وتركه أخذ الجاعل ما مضى من عمله باطلا بغير شيء، وذلك من أعظم الغرر، وبيان ذلك أنه إذا شارطه على بيع جميع الميراث، وتقاضى ثمنه، وهو غير ما شيء من عروض وأثاث وأصول، وما أشبه ذلك بجعل يسميه له على ذلك، قد يبيع الأكثر ويتقاضى ثمنه، ثم يكره بيع الباقي، أو يعجز عنه، أو يموت فيذهب عناؤه باطلا، ويحصل الورثة عليه دون شيء يلزمهم؛ إذ لا شيء للمجعول له من الجعل إلا بتمام العمل، فهذه العلة في أن ذلك لا يجوز. وقوله: ولعل ثمنه يكثر، وليس تقاضي ما كثر منه مثل تقاضي ما يقل، معناه أن الغرر في الكثير من ذلك أكثر من الغرر في القليل، لا أن ذلك يجوز في القليل، بل لو جاعله على بيع أشياء كثيرة يسيرة الثمن لا تباع صفقة واحدة بجعل واحد لما جاز؛ لأنه إن باع الأكثر، وعجز عن الأقل لم يكن له شيء، وحصل الجاعل على ما مضى من عمل باطلا بغير شيء. وإنما يجوز الجعل على أشياء كثيرة إذا سمى في كل شيء منها جعلا معلوما، وكذلك لو جاعله على بيع أشياء كثيرة، وسمى لكل شيء بيع منها جعلا مسمى؛ لجاز إن لم تكن عنده، فكان يستقل بها عن حوائجه، ويكفي ربها مؤنتها، وكانت عند ربها كلما باع منها شيئا بما سمى له فيه من الثمن، أو بما رآه استوجب فيه جعله، وأخذ سواه فعرضه للبيع، فإن باعه استوجب فيه جعله أيضا حتى يأتي على آخرها، إلا أن يشاء أن يترك فيكون ذلك له، وبالله التوفيق. [يجعل للرجل يصيح على الرقيق يبيعهم فيمن يزيد] ومن كتاب أوله حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان وسئل مالك عن الرجل يجعل للرجل يصيح على الرقيق يبيعهم فيمن يزيد، فما باع فله في كل رأس درهم، قال: أرأيت إن لم يبع فهل له شيء؟ قيل: لا، قال: فهذا لا يصلح إلا أن يجعل له شيئا معلوما باع أو لم يبع في ساعة أو يوم أو يومين. قيل له: أفرأيت الثوب يبيعه على أن له درهما؟ قال: ليس الثوب

مثله، هو ينتفع بمنافع غيره عسى أن يكون معه أثواب غيرها يبيعها وينتفع بغير ذلك، وإن هذا لا ينتفع بشيء وهو يشغله عن حوائجه كلها، فلا يصلح إلا بإجارة معلومة باع أو لم يبع إلى أجل معلوم يبيعه في ساعة أو يوم أو يومين، ولم يره مثل الدابة والثوب يقول الرجل للرجل: صح عليه وإن بعته فلك درهم، قال: لا بأس بهذا، قال سحنون جيدة جدا. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز أن يجعل الرجل للرجل الجعل في الصياح على الرقيق، فيمن يزيد على أن له في كل رأس يبيعه درهما لوجهين؛ أحدهما: أن الرقيق الكثير يشتغل بحفظها فتمنعه من حوائجه، ويكون قد كفى صاحبها مئونتها في ذلك، فإن ردها ولم يبعها كان صاحبها قد انتفع بذلك، والجعل لا يجوز فيما يكون للجاعل فيه منفعة قبل تمام العمل الذي يجب به الجعل للمجعول له؛ والثاني أنه لم يسم له ثمنا، ولا فوض ذلك إلى اجتهاده، فهو يصيح عليها في مناداتها، ولا يدري هل يعطى فيها ما يرضى به ربها أم لا، فلذلك قال: إن ذلك لا يجوز إلا على الإجارة في ساعة أو ساعتين، أو يوم أو يومين، باع أو لم يبع، وأجاز أن يعطيه الدابة أو الثوب، فيقول له: صح عليه، فإن بعته فلك درهم، ومعناه إذا سمى له ثمنا أو فوض إليه الاجتهاد في ذلك، ولم يكن على يقين من إمكان بيعه في الحين، وأما إن كان على يقين من وجود الثمن فيه، وبيعه في الحين فلا يجوز في ذلك الجعل؛ لأن الجعل لا يكون إلا في المجهول من الأعمال، أو ما طال منها مما لا منفعة للجاعل فيها إلا بتمامها، وسيأتي هذا من قول ابن القاسم، في سماع محمد بن خالد، وبالله التوفيق.

الصياح على رأس يبيعه على جعل معلوم

[الصياح على رأس يبيعه على جعل معلوم] ومن المدنية من كتاب أوله الرجل يحلف بطلاق امرأته قلت: عندنا ربما واجرنا الصياح على رأس يبيعه على جعل معلوم، يقال له: صح حتى أرضى بالبيع، وأبيع فردده أياما، قال: لا خير في هذا، يقوله ابن القاسم. قال محمد بن رشد: هذا الرسم والمسألة الواقعة فيه وقعت في بعض الروايات، والمعنى فيها صحيح، وهي تدل على صحة تأويلنا في المسألة التي قبلها، فإن وقع ذلك كان له أجر مثله باع أو لم يبع، وبالله التوفيق. [الآبق يجعل فيه الرجل الجعل] من كتاب حديث طلق بن حبيب وسئل مالك عن الآبق يجعل فيه الرجل الجعل، يقول: إن وجدته فلك كذا وكذا، وإن لم تجده فلك نفقتك وطعامك وكسوتك، فقال: لا خير في هذا. قال ابن القاسم: فإن وقع هذا رأيت أن يعطى جعل مثله إذا وجده. قال ابن القاسم: وإن لم يجده فله أجر مثله، أصبغ عن ابن القاسم: لا أجرة فيه. قال محمد بن رشد: اختلف في الجعل الفاسد إذا وقع على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يرد إلى حكم نفسه فيكون له جعل مثله إن أتى به، ولا يكون له شيء إن لم يأت به، وهي رواية أصبغ، عن ابن القاسم هذه. والثاني: أنه يرد إلى حكم غيره، وهي الإجارة التي هي الأصل، فيكون له أجر مثله أتى به أو لم يأت به؛ والثالث: أنه إن كان لم يخيبه إن لم يأت به كنحو هذه المسألة التي قال له فيها، فإن لم تجده فلك نفقتك، وإن وجدته

مسألة: يبعث مع الرجل بالخادم يبلغها إلى موضع ويجعل له في ذلك جعلا

فلك كذا وكذا، كان له إجارة مثله أتى به أو لم يأت به، وإن كان لم يسم له شيئا إلا في الإتيان به، كان له جعل مثله إن أتى به، ولم يكن له شيء إن لم يأت به. وجه القول الأول: أن الجعل لما جوزته السنة صار أصلا في نفسه، فوجب أن يرد فاسده إلى صحيحه قياسا على سائر العقود الجائزة من البيع والإجارة. ووجه القول الثاني: أن الجعل إجارة بغرر جوزته السنة، ويخصص من أصله إذا وقع على الشروط التي أجازته بها، فإذا لم يقع عليها رجع إلى أصله، فكان إجارة فاسدة، يحكم فيها بحكم الإجارة الفاسدة. ووجه القول الثالث: أنه إنما هو جعل إذا جعل له الجعل على الإتيان به خاصة، وأما إن جعل له في الوجهين، فليس بجعل، وإن سمياه جعلا، وإنما هو إجارة، فيحكم له بحكم الإجارة الفاسدة، وهذا القول أظهر الأقوال، وإياه اختار ابن حبيب، وحكاه عن مالك، وعن مطرف، وابن الماجشون. وهذه الثلاثة الأقوال راجعة على الأصل، وجارية على قياس، وأما قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن له جعل مثله إذا لم يجده، فليس يرجع إلى أصل، ولا يجري على قياس، وكذلك قوله في المدونة في الذي يقول للرجل: إن جئتني بعبدي الأبق فلك نصفه أنه يكون له إجارة مثله إن أتى به، وإن لم يأت به، فلا جعل له ولا إجارة لا حظ له في القياس والنظر، وبالله التوفيق. [مسألة: يبعث مع الرجل بالخادم يبلغها إلى موضع ويجعل له في ذلك جعلا] مسألة وسئل مالك عن الرجل يبعث مع الرجل بالخادم يبلغها إلى موضع، ويجعل له في ذلك جعلا، فينام في بعض الطريق فتهرب فتأبق منه، أترى عليه ضمانا؟ قال: لا ضمان عليه. قيل له: أتكون له أجرة؟ قال: يكون له بحساب ما بلغ. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنها إجارة، ولذلك أوجب له من أجرته بحساب ما بلغ؛ لأن الجعل في ذلك لا يجوز على ما مضى في أول رسم من السماع، ولو كانت جعلا لم يجب له فيما سار

شيء إلا على القول بأن الجعل الفاسد، إذا فات يرد فيه إلى إجارة مثله. وكذلك من استأجر رجلا على تبليغ كتاب، فسقط منه في الطريق يكون له من أجرته بحساب ما سار، ولو كان جعلا لم يكن له فيما سار شيء، ولو قال له: إن بلغته في يوم كذا وكذا، فلك كذا وكذا، فهذا إن بلغه في ذلك اليوم وجب له جعله، وإن قصر عنه لم يكن له شيء. قال ابن حبيب: إلا أن يكون تقصيره عنه بالأمر القريب الذي لا ينقطع فيه انتفاع الجاعل بالتبليغ، فتكون له إجارة مثله. قاله ابن حبيب، وهو على أحد الأقوال في الذي يجعل للرجل في حفر بئر، فيحفر بعضها ثم يتركها، فيتم صاحبها حفرها بإجارة أو مجاعلة حسبما يأتي القول فيه في الرسم الذي بعد هذا. ولو وقع الجعل على هذا أي الإجارة، فنام في بعض الطريق، فذهبت الخادم لم يكن له شيء فيما مضى من الطريق؛ لأن له سببا في ذهابها، ولو ماتت في بعض الطريق لوجب له من جعله بحساب ما مضى منه؛ إذ لا سبب له في موتها، فمعنى قوله في المسألة: ويجعل له في ذلك جعلا؛ أي ويسمي له في ذلك أجرا؛ لأنها إجارة على ما ذكرناه. وقوله: إنه لا ضمان عليه في إباقها منه صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن الأجير لا يضمن ما تلف مما استؤجر عليه، إلا أن يضيع أو يفرط، وهو محمول على غير التفريط حتى يثبت عليه التفريط والتضييع، فإن لم يثبت ذلك عليه فالقول قوله مع يمينه أنه ما ضيع ولا فرط. وأما قوله: إنه يكون له من أجره بحساب ما بلغ؛ ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن له الأجرة كلها ماتت أو أبقت، ويستعمله المستأجر في مثل ما بقي من الطريق، وهو قول ابن القاسم وأصبغ في أول رسم من سماع أصبغ بعد هذا؛ والثاني: أن الإجارة تنفسخ ماتت أو أبقت، ويكون له من إجارته بقدر ما سار من الطريق، وهو قول ابن وهب في أول رسم من سماع أصبغ بعد هذا، وقول ابن القاسم وأصبغ في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ، من كتاب الرواحل والدواب؛ لأنهما قالا فيها: إن الإجارة تنفسخ بتلف الشيء المستأجر على حمله، وإن لم يكن للأجير في تلفه

مسألة: يستأجر الرجل يحرس له بيتا فينام فيسرق من البيت شيء

سبب، فهو إذا كان له في تلفها سبب من نوم أو غفلة أحرى أن ينفسخ. والثالث: الفرق بين أن تموت أو تأبق، وهو قول مالك في أول رسم من سماع أصبغ بعد هذا، وينبغي أن يحمل على التفسير؛ لقوله في هذه الرواية؛ لأنه تكلم فيها على الإباق وسكت عن الموت، وهذه التفرقة نحو تفرقته في المدونة بين أن يأتي تلف الحمل الذي استؤجر على حملانه من قبل الله تعالى، أو من قبل ما عليه استعمل، إلا أنه قال: لا ضمان عليه ولا كراء له، فهو قول رابع في المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: يستأجر الرجل يحرس له بيتا فينام فيسرق من البيت شيء] مسألة وسئل مالك عن الرجل يستأجر الرجل يحرس له بيتا، فينام فيسرق من البيت شيء، أترى عليه ضمانا؟ قال: لا. قيل له: أفترى له إجارة؟ قال: نعم. وكذلك الذي يستأجر يحرس النخل والغنم والإبل، ليس عليه ضمان وله أجرته. قيل لابن القاسم: فما الذي يضمن الأجير؟ قال: لا يضمن إلا ما ضيع أو فرط أو تعدى. قيل له: فما ترى الضيعة؟ قال: من الضيعة أن يترك ما وكل به ويذهب إلى غير ذلك حتى يذهب ما وكل به ونحو هذا من الضيعة، وأما الرقاد يغلبه أو الغفلة يغفلها، فليس هذا من الضيعة. قال محمد بن رشد: قوله: إن الأجير لا يضمن إلا أن يفرط أو يضيع أو يتعدى صحيح لا اختلاف فيه، وهو محمول على غير التضييع حتى يثبت عليه التضييع حسبما ذكرناه في المسألة التي قبل هذه. وأما قوله: إن له أجرته فمعناه أن له أجرته كلها، ويستعمله المستأجر بقية المدة في مثل ما استأجره عليه، ولا اختلاف في هذا، بخلاف المسألة التي قبلها؛ لأن

يستأجر الرجل بدينار في السنة ويقدم إليه الدينار ثم لا يتفقان وقد عمل عنده الشهر

الاستئجار على الحمل بخلاف الاستئجار على الحراسة والرعي، يختلف في الإجارة على الحمل في انتقاض الإجارة بتلف الشيء المستأجر على حمله، ولا يختلف في أنه لا يحتاج في شيء من ذلك إلى اشتراط الخلف، ولا يختلف في الاستئجار على الحراسة والرعي في انتقاض الإجارة بتلف الشيء المستأجر على حراسته ورعيه، ويختلف في وجوب اشتراط الخلف في عقد الإجارة على ذلك إذا عين، ولم يتكلم في هذه الرواية على ذلك، فيحتمل أن يكون تكلم فيها على غير التعيين. وأما إن كان متاع البيت أو الغنم أو النحل - بالحاء غير المعجمة - معينا فلا تجوز الإجارة على حراسة شيء من ذلك على مذهب ابن القاسم في المدونة إلا بشرط الخلف، خلاف قول سحنون وابن حبيب، وقول أشهب في سماع أصبغ، وأما الاستئجار على حراسة أصول النخل، فلا يحتاج فيها إلى شرط؛ لأنها مأمونة لا يخشى عليها التلف، وبالله التوفيق. [يستأجر الرجل بدينار في السنة ويقدم إليه الدينار ثم لا يتفقان وقد عمل عنده الشهر] ومن كتاب الشريكين وسئل مالك عن الرجل يستأجر الرجل بدينار في السنة، ويقدم إليه الدينار ثم لا يتفقان، وقد عمل عنده الشهر فيتحاسبان، ويرد إليه بقية ما عليه دراهم، قال: لا يعجبني مثل هذا، ثم قال بعد ذلك: أرجو أن يكون خفيفا إذا صح أمرهما. وقال ابن القاسم: وهذا الآخر أحب إلي. قال محمد بن رشد: اختلف قول ابن القاسم في استئجار الرجل بعينه وكراء الراحلة بعينها، والدار والأرض وما أشبه ذلك، فمرة حمله محمل السلم الثابت في الذمة، ومحمل الإجارة المضمونة من أجل أن المنافع تقتضي شيئا بعد شيء، فهي غير معينة في أن الإقالة فيها لا تجوز، وإن لم يكن فيها بمجردها فساد إذا ظهر المكروه فيها بإضافتها إلى الصفقة الأولى؛ لأنه اتهمهما على القصد إلى ذلك، والعمل عليه، فمنع من ذلك حماية للذرائع. وعلى هذا يأتي قوله الأول في الرجل يستأجر الرجل بدينار في

شارط رجلا على عين يحفرها على خمسة آلاف ذراع

السنة، ويقدم إليه الدينار ثم لا يتفقان، وقد عمل عنده الشهر فيتحاسبان، ويرد إليه بقية ما عليه دراهم؛ أن ذلك لا يعجبه؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن دفع المستأجر إلى الأجير دينارا، وأخذ منه فيه عمل شهر ودراهم، فيتهمان على القصد إلى ذلك والعمل عليه، ومرة حمله محمل العروض المعينات في أن الإقالة فيها جائزة إلا أن تنعقد بمجردها على ما لا يجوز، وعلى هذا يأتي قوله الآخر بعد ذلك في المسألة المذكورة أرجو أن يكون خفيفا؛ إذ لا فساد في الإقالة بمجردها، وإنما يوجد المكروه فيها باجتماع الصفقتين على ما بيناه، فلم يتهمهما في هذا القول على القصد إلى ذلك من أجل أنه أجير بعينه، كما لا يتهمهما في ذلك في السلعة المعينة. وفي قوله: إذا صح أمرهما نظر؛ لأن الأمر إذا صح منهما، ولم يقصدا إلى ذلك، ولا عملا عليه، فلا اختلاف في أنه لا حرج عليهما في ذلك فيما بينهما وبين خالقهما، وكذلك إذا ظهر من أمرهما ما يدل على صحة فعلهما؛ لا ينبغي أن يختلف في أن ذلك لا يفسخ، مثل أن يظهر من الأجير خيانة وما أشبه ذلك، فيعلم أن تقايلهما إنما كان بسبب ما ظهر منه على ما قاله بعد هذه في رسم العرية، من سماع عيسى، وقد ذكرنا في غير هذا الكتاب ما يجوز الإقالة في ذلك مما لا يجوز ملخصا مستوفيا، وبالله التوفيق. [شارط رجلا على عين يحفرها على خمسة آلاف ذراع] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا وسئل مالك عن رجل شارط رجلا على عين يحفرها على خمسة آلاف ذراع، وما وجد في الأرض من صفا، فعلى صاحب العين أن يشقه، فعمل فيها فوجد في الأرض نحو مائة ذراع فشقها

الرجل، فلما فرغ قال له الرجل: اعمل لي بدلها، وموضعه الذي يعمل هو أكثر عملا من الموضع الذي وجد فيه الصفا، فقال: لقد دخلت في أمر لا خير فيه، فأرى عليك قدر ذلك الموضع الذي شقه ذلك الرجل تغرمه، وليس عليك أن تعمل له بذلك، يريد أن ينظر إلى قدركم ذلك من الأرض من قدر العمل، فيرد منه بقدر ذلك مما أخذ. قال ابن القاسم: لست آخذ فيه بقول مالك، فأرى أن يعطى أجرة مثله. قال سحنون: وهو رأيي، وقوله فيها أفضل وأجود. قال محمد بن رشد: هذه مسألة مشكلة، وقد التبس على كثير من الناس معناها، فوهم في تأويلها منهم ابن لبابة، فإنه ذهب إلى أن ابن القاسم أخطأ على مالك في تفسيره بجوابه لقوله يريد أن ينظر إلى قدر كم ذلك من الأرض من قدر العمل، فيرد منه بقدر ذلك مما أخذ. قال: لأن مالكا إنما أجاب على أن رب العين جعل للرجل جعلا على حفر خمسة آلاف ذراع في التراب، وما خرج في الأرض من صفا شقه رب العين، فخرج في الأرض مائة ذراع من صفا فشقها العامل، فأوجب له مالك على رب العين قيمة عمله في شق الصفا، إذ لم يكن ذلك عليه، ولم يوجب له عليه أن يعمل له مثله في التراب، وسكت عما يجب للعامل في بقية عمله، وإن كان يجب عليه حفر بقية الخمسة آلاف ذراع في تراب أم لا. قال: فتأول ابن القاسم على مالك أنه أجاب على أن صاحب الأرض هو الذي حفر الصفا، وأن حفرها كان مشترطا على العامل، فلما عمل ذلك صاحب العين وجب أن يحط من الجعل قدره، ولذلك قال: يريد أن ينظر إلى قدركم ذلك من الأرض من قدر العمل، فيرد منه بقدر ذلك مما أخذ. قال: وهذا محال من التأويل، إنما كان شق الصفا على رب الأرض، وذلك فسر في السؤال

قوله فيه، فشق ذلك العامل، وليس هو عليه، فطلب من رب الأرض أن يشق له من الأرض بعد الصفا مثل الذي شق العامل. قال محمد بن رشد: وإنما المحال ما تأول هو على ابن القاسم، من أنه حمل عليه قول مالك؛ إذ يبعد في القلوب أن يكون مالك أجاب على غير ما سئل عنه، وأن يكون ابن القاسم تأول ذلك عليه، إذ قد بين في السؤال أن المعاملة إنما وقعت بينهما على أن يشق رب الأرض ما وجد فيها من صفا، وأن العامل هو شقها، بدليل قوله: فلما فرغ قال: اعمل لي بدلها؛ إذ لو كان رب الأرض هو الذي شقها على ما اشترط على نفسه، لم يكن له في شقها شيء على أحد. ووجه جواب مالك على السؤال، وتفسير ابن القاسم له بين، وذلك أن المعنى في المسألة أنها إجارة لا جعل، وأن معنى قوله شارط رجلا على عين يحفرها على خمسة آلاف ذراع: استأجر رجلا على عين يحفرها على خمسة آلاف ذراع، وشرط له على نفسه أنه ما وجد فيها من صفا شقه، ولم يبين في عقد الإجارة إن كان أراد أن يشق رب الأرض ما وجد في الأرض من صفا، وتكون للعامل أجرته كاملة، وإن كان أراد أن يشقها، ويحط عنه من الإجارة بحسابها من الخمسة آلاف ذراع، فكره مالك الإجارة ابتداء لما وقعت عليه من إبهام، ومراعاة لقول من يرى الإجارة فاسدة، وإن وقعت ببيان أن يحط عنه من الإجارة بقدر ما يقع الصفا الموجودة فيها إن وجدت من الخمسة آلاف ذراع من أجل الجهل بما انعقدت عليه الإجارة من عدد الأذرع؛ إذ لا يدري ما يجد فيها من الصفا التي لم تقع عليه الإجارة، فصار ذلك كشراء الصبرة جزافا على الكيل، وعبد العزيز بن أبي سلمة لا يجيز ذلك، وكالذي يتكارى الكري على بز يسوقه له من بلد كذا على أنه إن وجده في الطريق رجع، وكان له من إجارته بحسابه ما سار من الطريق، وسحنون لا يجيز ذلك وإن لم ينقد، وقال لهما: لقد دخلتما في أمر لا خير فيه، وحملهما لما وقعت وفاتت بالعمل على أنهما أرادا أن يشق رب الأرض ما وجد فيها من صفا، ويحط عنه من الإجارة بحسابها، فأمضاها

على أصله في جواز شراء الصبرة على الكيل وما أشبه ذلك، وقال: أرى عليك - يريد على رب الأرض - قدر ذلك الموضع، يريد قيمة عمل ذلك الموضع الذي شقه ذلك الرجل، يريد الذي شقه العامل يغرمه له، ولم ير عليه أن يعمل له بدله، ولو رضي بذلك لما جاز؛ لأنه إنما وجبت له عليه القيمة، فلا يجوز له أن يأخذ منه فيها عملا؛ لأنه فسخ الدين في الدين. وسكت مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن تمام الحكم في المسألة، وفسره ابن القاسم على ما فهم من مذهبه في إمضاء الإجارة إذا فاتت فقال: يريد أن ينظر إلى قدركم ذلك الموضع من قدر العمل، فيرد منه بقدر ذلك مما أخذ، ومعنى ذلك أن ينظر ما تقع الصفا التي شقها العامل من جملة الخمسة الآلاف ذراع، فيرد من الأجرة التي قبض ذلك الجزء؛ إذ لا فرق بين أن يشق صاحب العين الصفا على ما شرطه على نفسه أو يشقها العامل فيأخذ حقه في شقها. وإن كان ما وجب للعامل في شقه الصفا من جنس الأجرة التي قبض قاصه بذلك فيما يجب عليه رده منها، فمن كان له منهما في ذلك فضل رجع به على صاحبه. وحمل ابن القاسم وسحنون الإجارة لما وقعت مبهمة على ظاهرها من أنهما أرادا أن يشق رب الأرض ما وجد في الأرض من صفا، ولا يحط عنه بذلك من الإجارة شيء فقالا: إن الإجارة فاسدة، والفساد فيها إذا حملت على هذا الوجه بين، وقد تحتمل المسألة وجوها من التأويل غير هذا قد ذكرته في غير هذا الكتاب، وهذا أولى ما حملت عليه. وأما ما ذهب إليه ابن لبابة، فهو بعيد على ما قد بينته، وكذلك قوله: إنها جعل لا يصح؛ إذ لو كان جعلا لما أمضاه مالك إذا وقع؛ لأنه جعل فاسد من وجهين: أحدهما أن الجعل لا يكون فيما يملك من الأرضين، وذلك غير جائز على المشهور في المذهب، وقد نص على ذلك ابن المواز قال: لا يكون الجعل في شيء إذا أراد المجعول له ترك العمل بعد أن شرع فيه يبقى من عمله شيء ينتفع به الجاعل، مثل البناء والحفر فيما

مسألة: يقول للرجل احفر لي هاهنا بئرا حتى أدرك الماء ولك كذا وكذا

يملك من الأرضين. وقد وقع في كتاب ابن حبيب ما يدل على إجازة الجعل على حفر البئر فيما يملك من الأرضين. والثاني: الغرر المقصود إليه فيه؛ لأن معناه إن حفرت لي ما وجدت من تراب في هذه الخمسة آلاف ذراع فلك كذا وكذا، وذلك ما لا يجوز في الجعل. وقد يحتمل أن يكون ابن القاسم وسحنون حملا المسألة على هذا، ولذلك قالا: إن له أجرة مثله. ولولا تأويل ابن القاسم على مالك؛ لكان الأظهر من قوله قد دخلتما في أمر لا خير فيه أن العقد فاسد، ويكون للعامل أجرة مثله في شق الصفا، وفي سائر عمله، ويرد جميع الأجرة إن كان قبضها، وتسقط عنه إن كان لم يقبضها؛ لأنه إنما تكلم على ما يجب للعامل في شق الصفا وسكت عن تمام الحكم في المسألة، إلا أن ابن القاسم أحق بتبيين إرادة مالك في المسألة لمشافهته إياه فيها، وقد بينا وجه قوله على ما فهم ابن القاسم من إرادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول للرجل احفر لي هاهنا بئرا حتى أدرك الماء ولك كذا وكذا] مسألة وسئل مالك عن الرجل يقول للرجل: احفر لي هاهنا بئرا حتى أدرك الماء، ولك كذا وكذا، فيعمل فيها ما شاء الله، ثم يبدو له فيترك العمل، ثم يستأجر عليه صاحب البئر آخر، أترى للأول شيئا فيما عمل؟ قال: إن انتفع الآخر بها حتى يخرج الماء رأيت أن يعطى في ذلك. فقيل له: ما الذي يعطى في ذلك؟ قال: على قدر ما يرى مما انتفع به، يجتهد في ذلك، وليس لذلك حد؛ رب أرض شديدة تكون حجرا، وأخرى رخوة فيكون ربما يحفر الحجر أولا، والذي احتفر يعد ذلك رخوة، أو يكون حفر رخوا والذي حفر بعده حجرا، فإنما يعطى في ذلك على قدر ما انتفع به فيما يجتهد له من ذلك

يجعل للرجل على حفر بئر فيحفر فيها أذرعا ثم يعجز عنها ثم يحفرها آخر

[يجعل للرجل على حفر بئر فيحفر فيها أذرعا ثم يعجز عنها ثم يحفرها آخر] من سماع عيسى بن دينار، من كتاب المكاتب وسألت ابن القاسم عن الرجل يجعل للرجل على حفر بئر، فيحفر فيها أذرعا، ثم يعجز عنها، ثم يحفرها آخر بعد ذلك حتى يخرج الماء، قال مالك: يكون للآخر جعله كله، ويكون للأول الجعل بقدر ما انتفع بحفره في البئر، ولقد كنت قلت أنا: يكون له قيمة ما عمل يوم عمل. وقال ابن كنانة: بل قيمة ما عمل اليوم، فدخلنا على مالك فقال: بل يعطى على قدر ما انتفع بحفره. قلت: أرأيت جعلهما جميعا في الجعل الأول؟ قال: بل يعطى الآخر جميع ما جعل له، وينظر قيمة ما انتفع به من عمل الأول فيعطاه، ولا يلتفت إلى الجعل الأول. قلت: أرأيت إن كان الجعل الأول عشرة دنانير، فلما نظرنا إلى ما انتفع به من عمله كانت قيمته خمسة عشر دينارا؟ قال: فله ذلك، زاد الجعل الأول أو نقص، ولا يلتفت إلى الجعل الأول. قال محمد بن رشد: معنى قول مالك ينظر إلى قيمة ما انتفع به من عمل الأول فيعطاه، هو أن ينظر إلى ما جعل على تمامها للثاني، وإلى ما كان يجعل على حفرها كلها لو لم يتقدم فيها حفر لأحد يؤخذ ذلك، فيكون للأول ما زاد على ما جعل على تمامها للثاني؛ لأن ذلك هو الذي انحط عنه بعمل الأول فانتفع به. وكذلك إن استأجر على تمامها، ولم يجاعل على ذلك، فينظر إلى ما استأجر به على تمامها، وإلى ما كان يستأجر به على جميعها، فيكون للأول ما زاد الاستئجار على جميعها على الاستئجار على بقيتها؛ لأن ذلك هو الذي انتفع به، قل ذلك أو كثر، وإن كان أكثر

يستخيط الثوب بدرهم ثم يقول له هل لك أن تعجل لي ثوبي وأزيدك

من الجعل الأول، وهو أظهر من قول ابن القاسم وابن كنانة؛ لأنه لما كان لا يجب عليه شيء إذا لم ينتفع وجب ألا يكون عليه إذا انتفع إلا قدر ما انتفع، وإنما يشبه أن يكون عليه قيمة عمله يوم انتفع به أو يوم عمله، إذ انتفع به كما هو دون أن يتمه بإجارة أو مجاعلة في وجه من وجوه المنافع؛ من كنيف يحدثه فيه أو ما أشبه ذلك. والقياس أن يكون له في هذا الحساب ما عمل من جعله الذي كان جعل له فيه، ومما يشبه هذا الدلال يجعل له الجعل على بيع الرأس من الرقيق فيسوقه، ثم يبيعه صاحبه بغير حضرته، ولو باعه له دلال آخر بجعل أخذه منه؛ لوجب أن يكون الجعل بين الدلال الأول والثاني على قدر عنائهما؛ لأن الدلال الثاني هو المنتفع بتسويق الأول دون صاحب السلعة؛ إذ قد أدى إلى الثاني جعلا كاملا، لم ينحط عنه منه شيء بسبب الأول، وذلك على قياس ما وقع في سماع عيسى، من كتاب اللقطة، في الرجل يجعل للرجل الجعل في طلب عبد أبق فيجده، ثم يأتي به فينفلت منه ويذهب ويجعل صاحبه عليه جعلا آخر لرجل آخر فيأتي به، أنه إن كان أفلت بعيدا من مكان سيده، فالجعل كله للثاني ولا شيء للأول، وإن كان أفلت قريبا من مكان سيده، فالجعل بينهما على قدر شخوص كل واحد منهما بما يرى، وبالله التوفيق. [يستخيط الثوب بدرهم ثم يقول له هل لك أن تعجل لي ثوبي وأزيدك] ومن كتاب أوله سلف في المتاع والحيوان وسئل مالك عن الرجل يستخيط الثوب بدرهم، ثم يقول له بعد ذلك: هل لك أن تعجل لي ثوبي اليوم وأزيدك نصف درهم؟ قال مالك: لا أرى به بأسا، وأرجو أن يكون خفيفا، ولم يره مثل الرسول يزاد لسرعة السير بعد إيجاب أجرته. وسئل مالك عن الرجل يتكارى الرجل على أن يسير له

بكتاب إلى ذي المروة على أن يسير له في يومين، ويدفع إليه دينارين، فكره ذلك وقال: لا يعجبني هذا الكراء، أرأيت إن تأخر كيف يصنع؟ ما يعجبني هذا. قال ابن القاسم: ويعطيه على اجتهاده. وكذلك الإبل تتكارى والدواب ليس يضرب في ذلك أجل. وسألته عن الرجل يتكارى الرجل بدينار على أن يبلغ له كتابا إلى بلد، فيقول: أما الدينار فلك ثابت، وإن بلغته يوم كذا وكذا فلك زيادة نصف دينار، قال: لا أحب ذلك وكرهه. قال سحنون: لا بأس بذلك بعد وجوب الكراء. قال محمد بن رشد: أما الذي يستخيط الرجل الثوب بأجر مسمى ثم يزيده بعد ذلك على أن يعجله له، فلا إشكال في أن ذلك جائز؛ لأن تعجيله ممكن له، ولا ينبغي له أن يتعمد تأخيره ومطله إضرارا به لغير سبب، وله أن يتسع في عمله ويؤخره لعمل غيره قبله، أو للاشتغال بما يحتاج إليه من حوائجه على ما جرى من عرف الصناع في التراخي في أعمالهم، فإذا زاده على أن يتفرغ له ويعجله جاز؛ لأنه أخذ ما زاده على فعل ما يقدر عليه ويجوز له، ولا يلزمه. وأما الذي يزيد الأجير على تبليغ الكتاب بعد عقد الإجارة زيادة على أن يسرع السير، فيبلغه في يوم كذا وكذا، فكرهه مالك ورآه بخلاف الزيادة على تعجيل الثوب، ومعناه إذا لم يكن على يقين من أنه يدرك الوصول به ذلك اليوم إذا أسرع السير؛ لأنه يجهد نفسه في الإسراع ما لا يلزمه على غير يقين من حصول الزيادة له في ذلك، وهو غرر، ولو كان على يقين من أنه يدرك إذا أسرع لجاز بمنزلة الثوب. ولو قال له في الثوب: إن أتممت خياطته اليوم فلك زيادة نصف درهم، وهو لا يدري إذا أجهد نفسه في

قال له: دل على من يشتري مني جاريتي ولك كذا وكذا

إتمامه هل يتم أم لا؛ لكان ذلك مكروها على ما قاله في الرسول، وبين ذلك قوله في التفسير ليحيى: إن ذلك مكروه إذا كانت الثياب كثيرة؛ إذ لا فرق في الثياب الكثيرة والثوب الواحد إلا أن الثياب الكثيرة لا يدري إذا اجتهد فيها هل يفرغ منها قبل الوقت الذي وقته له في الأغلب من الأحوال، بخلاف الثوب الواحد، فالمسألتان، تحمل كل واحدة منهما على صاحبتها، وإجازة سحنون ذلك في الرسول معناه، والله أعلم، إذا كان على يقين من أنه يدرك الموضع في ذلك اليوم إذا أسرع، فعلى هذا ينبغي أن تحمل أقوالهما، ولا يجعل ذلك اختلافا من القول. وأما قوله في استئجار الرسول على أن يسير له بالكتاب إلى ذي المروة في يومين ويدفع إليه دينارين: إن ذلك لا يعجبه وهو مكروه، وكذلك ضرب الأجل في اكتراء الدواب إلى البلدان، فهو المشهور في المذهب، وقد مضى القول فيه في أول رسم، وبالله التوفيق. [قال له: دل على من يشتري مني جاريتي ولك كذا وكذا] ومن كتاب البز قال ابن القاسم: قال مالك: من قال: دل على من يشتري مني جاريتي ولك كذا وكذا، فدل عليه، فذلك لازم له. ولو قال: دلني على من أواجره نفسي ولك كذا وكذا فذلك له. ومن قال: دلني على امرأة أتزوجها ولك كذا وكذا، فلا شيء له. قال سحنون: كل ذلك عندي واحد ليس بينها فرق، وأرى أن يلزمه في النكاح مثل ما يلزمه في البيع والأجرة، وقال أصبغ في كتاب البيع والصرف من سماعه، مثل قول سحنون. قال محمد بن رشد: إنما فرق مالك بين أن يجعل الرجل

للرجل جعلا على أن يدل عليه من يشتري منه سلعة أو يبيعها منه أو يواجره نفسه، وبين أن يجعل له جعلا على أن يدله على امرأة يتزوجها من أجل أنه لا يلزمه أن يدل عليه من يشتري منه، ولا من يبيع منه، ولا من يواجره نفسه ولا شيئا من الأشياء، ويلزمه هو أن يدله على امرأة تصلح له؛ لأن معنى قوله: دلني على امرأة أتزوجها، أي أشر علي بامرأة تعلم أنها تصلح لي وانصح لي في ذلك، وهذا لو سأله إياه دون جعل للزمه أن يفعله؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدين النصيحة؛ قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأيمة المسلمين وعامتهم» ، ألا ترى أنه لو قال رجل لرجل: دلني على امرأة تصلح لي أتزوجها، فإني محتاج إلى النكاح، فقال له: أنا أعلمها، ولكن لا أعلمك بها، ولا أدلك عليها إلا أن تعطيني كذا وكذا لما حل ذلك له. ولو قال له: دل علي امرأة أتزوجها، أو دل علي رجلا أزوجه ابنتي، ولك كذا وكذا، فدل عليه لكان له الجعل، فالأصل في هذا أن الجعل لا يجوز فيما يلزم الرجل أن يفعله، وإنما يجوز فيما لا يلزمه أن يفعله، مثل أن يقول: دلني على امرأة أتزوجها واسع لي في نكاحها على ما يأتي في رسم البراءة من سماع عيسى، وإنما قال سحنون وأصبغ: إن الجعل يلزم في قوله: دلني على امرأة أتزوجها، كما يلزم في قوله: دل على من يشتري مني جاريتي أو أواجره نفسي؛ لأنهما حملا قوله، والله أعلم، دلني على امرأة أتزوجها أنه أراد بذلك ابحث لي على امرأة تصلح لي، ودلني عليها، ولك كذا وكذا، فأوجبا له الجعل؛ إذ لا يلزم الرجل أن يبحث للرجل على من يصلح له من النساء فيدله عليها، ويلزمه إذا استرشده في أمر قد علمه أن يدله وينصح له ولا يكتمه. ولو قال له: دلني على من أبيع منه سلعتي، أو أواجره نفسي، ولك كذا وكذا لكان له الجعل، بخلاف قوله: دلني على امرأة أتزوجها، ففي هذا يفترق البيع من النكاح؛ إذ لا يلزم الرجل أن يدل الرجل على من يشتري منه سلعة إذا سأله ذلك، وإن كان عالما بمن يصلح له، ويمكن أن يشتريها منه، ويلزمه أن يدله على امرأة يتزوجها إذا سأله ذلك، وكان عالما بامرأة

البناء يستأجر على البناء مقاطعة

تصلح له ويمكن أن تتزوجه. والفرق في هذا بين النكاح والبيع أن البيع مباح، والنكاح مندوب إليه، وقد يكون واجبا. ولو اضطر الرجل الغريب في موضع لا سوق فيه إلى بيع سلعة في أمر لا بد له منه، فقال لرجل: دلني على من يشتري مني سلعتي، وهو يعلم من يمكن أن يشتريها منه لما حل له أن يقول: لا أدلك إلا أن تعطيني كذا وكذا لوجوب ذلك، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وعلى هذا تتفق الروايات ولا يكون بين النكاح والبيع فرق، وإن كان ابن حبيب قد حكى من قول ابن القاسم، وروايته عن مالك أن الجعل في الدلالة على النكاح لا يلزم، وحكى عن غير واحد من أصحاب مالك إجازته، وأنه سمع ابن الماجشون يجيزه، ويروي إجازته عن مالك، فذلك تأويل منه في أن ذلك اختلاف من القول، وتأويلنا أظهر، والله أعلم، وبه التوفيق. [البناء يستأجر على البناء مقاطعة] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل مالك عن البناء يستأجر على البناء مقاطعة، قال: لا بأس بذلك، لم يزل بذلك عمل الناس، فإن طال لك ضرب له أجل أيام. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا بأس بالاستئجار على البناء مقاطعة صحيح، ولا يصح فيما قل، وكان يفرغ منه في بعض اليوم إلا مقاطعة، وأما فيما كثر فيجوز مقاطعة إذا وصف العمل بغير النقد، وبالنقد إذا شرع في العمل على ما مضى في أول السماع، ويجوز أن يستأجره فيه بالأيام. فمعنى قوله فإن طال ذلك ضرب له أجل أيام، أي فإن طال ذلك، جاز أن يستأجره فيه بالأيام، لا أنه إذا طال يجوز أن يستأجره على عمله إلى تمامه ويضرب له في ذلك أجل أيام؛ لأنه قد منع من ذلك في

مسألة: استأجر أجيرا على عمل بعينه هل يجوز فيه الأجل

المسألة التي بعدها، وفيما مضى في رسم سلف، وفي ذلك اختلاف قد مضى القول فيه في أول السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: استأجر أجيرا على عمل بعينه هل يجوز فيه الأجل] مسألة قال: ومن استأجر أجيرا على عمل بعينه، فلا يجوز فيه الأجل؛ لأن الفراغ من العمل هو الأجل، فلا يستقيم أن يستأجره إلى أجلين بشيء واحد، وإن تلف ما استأجره عليه لم يجبر الأجير على أن يعمل مثله، ولم يلزم رب العمل أن يأتي بمثله، ولا بأس بالنقد في مثل هذا. قال محمد بن رشد: قوله: إنه من استأجر أجيرا على عمل بعينه، فلا يجوز فيه الأجل هو المشهور في المذهب، وقد مضى في أول مسألة من السماع ما فيه من الخلاف، فلا معنى لإعادته. وقوله: إنه إن تلف ما استأجره عليه لم يجبر الأجير على أن يعمل مثله، ولم يلزم رب العمل أن يأتي بمثله، يدل على أنهما إن رضيا بذلك جاز، ومعناه إذا لم يكن نقد؛ لأنه يدخله فسخ الدين في الدين إن كان نقدا، وهذا هو المشهور في المذهب، وقد قيل: إنه يستعمله في مثل ما استأجره فيه ولا تنفسخ الإجارة، وهو قول ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى بعد هذا، وبالله التوفيق، اللهم عونك. [يتكارى الخياط على أن يخيط له ثيابا يسميهما] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل مالك عن الرجل يتكارى الخياط على أن يخيط له ثيابا يسميهما، فقال مالك: أما الملاحف وما أشبهها فإنه يعرف نحوها، وأما الخز فإنه يكون فيها المرتفع ثمن الخمسة عشر،

يقول للرجل اعمل لي في هذا التراب لبنا بيني وبينك

فأحب إلي أن يريه ثوبا يخيط عليه، إلا أن يكون صفة قد عرفها، فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يجوز أن يستأجره على أن يخيط له صنفا من الثياب يسميه إذا كان الصنف يختلف فتكون خياطة بعضه أسهل من خياطة بعض؛ إذ لا بد في الاستئجار على الأعمال من وصف العمل أو عرف يقوم مقام الوصف، وإن أراه ثوبا يخيط عليه فهو أبلغ من الوصف وأتم، والدليل على أن العرف يقوم مقام الوصف؛ ظاهر قول الله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] ، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استأجر أجيرا فليواجره بأجر معلوم إلى أجل مسمى» ، فذكر الأجرة والأجل وسكت عن وصف العمل؛ إذ قد يستغني عنه بالعرف المعهود فيه، وبالله التوفيق. [يقول للرجل اعمل لي في هذا التراب لبنا بيني وبينك] من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب البيوع الأول قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك عن الرجل يقول للرجل: اعمل لي في هذا التراب لبنا بيني وبينك، فقال: ما يعجبني ذلك. قال أشهب: رأيت السائل يسأله، وسمعت من مالك الجواب، ولم أفهم ما سأل السائل عنه؛ لأنه أخفى من صوته، فسألت عما سأل، فقيل لي عن هذا.

قال محمد بن رشد: إنما كره مالك هذه الإجارة في هذه الرواية من أجل أنه لا يدري كيف يخرج اللبن، فكأنه استأجره بشيء لا يدري ما هو، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره» ، وقال: «من استأجر أجيرا فليواجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم» ، فلا يجوز للرجل أن يستأجر الرجل إلا بما يجوز بيعه، ولا يجوز على هذه الرواية بيع اللبن قبل أن يعمل، كما لا يجوز بيع الثوب قبل أن ينسج، ولا أن يستأجر على عملها بنصفها، كما أنه لا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على دباغ الجلود بنصفها، ولا على نسج الغزل بنصفه. وسواء قال له: اعمل هذا التراب لبنا يكون بيني وبينك، أو قال له: اعمل فيه لبنا، فما عملت فهو بيني وبينك؛ لأن الأول إجارة وهذا جعل، والجعل في المجاعلة لا يكون إلا معلوما، كما أن الأجرة في الإجارة لا تكون إلا معلومة، فإن وقع ذلك وفات بالعمل كانت اللبن لصاحب التراب، وكان عليه للعامل أجر مثله في عمله، وإن لم يعثر على ذلك حتى قبض الأجير نصفها، وفاتت في يديه بما يفوت به البيع الفاسد؛ لزمته قيمته يوم خروجها من العمل؛ لأنه حينئذ كان قابضا لنصفها، ويكون له أجر مثله في عملها كلها. وكراهية مالك في هذه الرواية لهذه الإجارة خلاف أصل ابن القاسم في أن ما لا يعرف وجه خروجه، ويمكن إعادته للعمل بمنزلة ما يعرف وجه خروجه في أنه يجوز بيعه قبل أن يعمل على أن يعمله البائع، وفي أنه يجوز الاستئجار على عمله بالجزء منه، فقد أجاز في رسم أسلم، من سماع عيسى: أن يستأجر الرجل الرجلَ على بناء البقعة بنصفها؛ لأن البناء تمكن إعادته إن لم يخرج على الصفة، وذلك لا يجوز على قياس قول مالك في هذه الرواية، وعلى قياس قول مالك في هذه الرواية يأتي قول سحنون أن كل بيع وأجرة تكون الأجر فيه في نفس المبيع لا يجوز، وبالله التوفيق.

مسألة: الحجام أيشارط على عمله

[مسألة: الحجام أيشارط على عمله] مسألة وسئل مالك عن الحجام أيشارط على عمله؟ قال: لا بأس بذلك أن يشارط، فيقول: أحجمك بدرهم، أحجمك بنصف درهم. قال محمد بن رشد: قوله: لا بأس بذلك، أي لا بأس بالأجرة المأخوذة في ذلك؛ لأن السؤال إنما وقع عن ذلك؛ لما جاء في كسب الحجام، فقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه سحت وأنه خبيث، وأنه حرام» والمعنى فيه فيما روي عنه من ذلك أنه كسب دنيء ينبغي التنزه عنه في مكارم الأخلاق، بدليل ما ثبت من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «احتجم وأعطى الحجام أجرة» ، ولو كان حراما لما أعطاه إياه. وقد قيل: إن ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك منسوخ بما روي عن محيصة بن مسعود الأنصاري، أحد بني حارثة أنه «استأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إجارة الحجام فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال: أعلفه نضاحك» يعنى رقيقك، والأول أظهر أنه إنما نهاه أولا عنها على سبيل التنزيه له عنها لدناءتها، لا لأنها حرام، فلما ألح عليه في الاستئذان أذن له في أن يطعمه رقيقه ونضاحه. وفي إذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يطعمه نضاحه ورقيقه، دليل بين على أنها ليست بحرام؛ لأن ما لا يحل للرجل أكله لا يحل له أن يطعمه رقيقه ولا نضاحه. فقول مالك: لا بأس به؛ معناه أنه لا إثم عليه، ولا حرج في أكله، وإن كان التنزه عنه أفضل؛ لحض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك، ولم يرد أنه لا بأس باستئجار الحجام على هذا الوجه؛ إذ لا وجه لاستئجاره على الحجامة سواه، وبالله التوفيق. [مسألة: يستخيط الخياط الثوب يقول له إن أعطيتنيه بعد غد فلك فيه ثلاثة دراهم] مسألة وسئل مالك عن الذي يستخيط الخياط الثوب، يقول له: إن

أعطيتنيه بعد غد، فلك فيه ثلاثة دراهم، فقال: لا خير فيه، وليس هذا من بيوع الناس. فقل له: إن هذا من عمل الناس، فقال: لا والله إلا أن يكونوا بالإسكندرية، وما هذا من بيوع الناس، وهذا باب عظيم يأتيه فيقول له: خط لي ثوبي هذا بثلاثة دراهم، وتعطينيه غدا، فلا يعطيه إياه غدا، فكيف يصنع إذا لم يعطه إياه غدا؟ فليس هذا من بيوع الناس. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور أن الإجارة على هذا غير جائزة، هو قوله في رسم المحرم، ورسم سلف، من سماع ابن القاسم، وقد قيل: إن ذلك جائز إذا كان لا إشكال في أن العمل يمكن تمامه قبل الأجل، وقد ذكرنا ذلك في أول مسألة من سماع ابن القاسم، فعلى القول بأن ذلك لا يجوز يكون للأجير إن فاتت الإجارة بالعمل إجارة مثله بالغة ما بلغت على تعجيلها أو تأخيرها. وأما على القول بأن ذلك جائز، فإن فرغ منه في اليوم الذي سمى كانت له الإجارة المسماة، وإن لم يفرغ منه إلا بعد ذلك كانت له إجارته على غير التعجيل؛ لأن المستأجر إنما رضي بما رضي به من الأجرة على التعجيل، فإذا أخطأه ذلك لم ينبغ أن يؤخذ ماله باطلا، قال ذلك أصبغ في الواضحة، وقال: إنه ليست الإجارة على هذا من شرطين في شرط، إذ لم يعاقده على أنه إن أعطاه إياه غدا، فإجارته كذا، وإن لم يعطه إياه غدا فله إجارة مثله. وقد تحدث في الإجارات والبيوع أحداث كثيرة تردهما إلى غير الثمن الأول والأجرة الأولى. إنما أراد بقوله: لا والله إلا أن يكونوا بالإسكندرية استنقاص أهل الإسكندرية؛ لأنها محرس تشبه البادية، وبالله التوفيق.

مسألة: العامل بيده يقول للرجل العامل مثله أعني خمسة أيام وأعينك خمسة أيام

[مسألة: العامل بيده يقول للرجل العامل مثله أعني خمسة أيام وأعينك خمسة أيام] مسألة وسئل مالك عن العامل بيده يقول للرجل العامل مثله: أعني خمسة أيام، وأعينك خمسة أيام، قال: لا بأس بذلك؛ لأن الناس يسألون عن مثل هذا كثيرا، يأتي الرجل إلى أخيه فيقول له: أعني على حصاد زرعي وعمله أياما، وأعينك مثل ذلك على حصاد زرعك ودراسه وعمله، فلا أرى بذلك بأسا تستعينه في أيام شغلك حتى يفرغ، ثم تعينه بعد فراغك في أيام شغل هذا الآخر أيضا، فلا أرى بهذا بأسا، والناس يتعاونون على الأعمال، إذا كثر عمل هذا أعانه هذا، وإذا كثر عمل هذا أعانه هذا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه جائز لا بأس به؛ لما في ذلك من الرفق بالناس للتعاون على أعمالهم، وقد يكون العمل مما لا يقدر الواحد على عمله منفردا، فلو منع من هذا لأضر ذلك بالناس، وتعطلت عليهم أعمالهم إذا كان الكثير منهم لا يقدر على الاستئجار على عمله، وإن قدر مما استغرقته الإجارة، فكانت هذه ضرورة تبيح ذلك، وإنما يجوز ذلك فيما قل وقرب من الأيام، وإن اختلفت الأعمال، ففي رسم البيع والصرف من سماع أصبغ عن أشهب أنه قال: لا بأس أن يقول الرجل للرجل: أعطني عبدك النجار يعمل لي اليوم، وأعطيك عبدي الخياط يخيط لك غدا. وقد سئل سحنون عن الرجل يقول للرجل: احرث لي اليوم، وأحرث لك غدا، قال: لا بأس بذلك. قيل له: فإن قال له: احرث لي في الصيف وأحرث لك في الشتاء؟ قال: لا خير فيه. قيل له: فالمرأة تقول للمرأة: انسج لي اليوم، وأنسج لك غدا، قال: لا بأس به، وإن قالت: انسج لي اليوم، وأغزل لك غدا. قال: إذا وصفت المغزل الذي تغزل به فلا بأس بذلك، وإلا لم يجز، وبالله التوفيق.

مسألة: يكون له الزرع قد طاب وحل بيعه يأتيه الرجل فيقول له احصده لي وادرسه على النصف

[مسألة: يكون له الزرع قد طاب وحل بيعه يأتيه الرجل فيقول له احصده لي وادرسه على النصف] مسألة وسئل مالك عن الرجل يكون له الزرع قد طاب وحل بيعه، يأتيه الرجل فيقول له: احصده لي وادرسه على النصف، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما في الجعل والإجارة من المدونة، وفي رسم يشتري الدور والمزارع، من سماع يحيى بعد هذا، من أنه لا يجوز أن يقول الرجل للرجل: احصد زرعي هذا، وادرسه واذره، ولك نصفه، وإنما يجوز إذا قال له: احصده ولك نصفه، وعلى رواية أشهب هذه يأتي ما ذهب إليه أصبغ في آخر رسم البيع والصرف من سماعه، من كتاب جامع البيوع، وقد تكلمنا على ذلك هنالك. وقد ذهب ابن لبابة إلى أن الخلاف إنما هو إذا قال له: احصده وادرسه ولك نصفه، وأنه لا خلاف إذا قال له: احصده وادرسه واذره، في أن ذلك لا يجوز، كما أنه لا خلاف إذا قال له: احصد ولك نصفه، في أن ذلك جائز، وليس ذلك بصحيح، لا فرق بين أن يشترط عليه الذر مع الدرس، أو لا يشرط عليه معه، والجواز في ذلك أظهر؛ لأن نصف الزرع يجب له بعقد الإجارة بعمل النصف الآخر، فسواء كان الحصاد وحده، أو الحصاد والدرس، أو الحصاد والدرس والذرو؛ لأن ذلك كله معلوم، لو استأجر عليه بالدنانير والدراهم لجاز، فكذلك إذا استأجر عليه بنصف الزرع. فإن قيل: إنه إذا اشترط عليه الدرس والذرو صار كأنه استأجره بما يخرج منه، وذلك غرر. قيل له: لا يلزم هذا؛ إذ لو لزم لما جاز، وإن لم يشترط عليه إلا الحصاد وحده؛ إذ قد علم أنه لا يأخذ أجرته إلا حبا؛ إذ لا يصح قسمة الزرع محصودا حتى يدرس ويذرى ويصفى، وهذا لو وعى، ويتبع لما جاز بيع نصف الزرع بالدنانير والدراهم؛ إذ قد علم أنه لا يأخذه إلا حبا بعد التصفية، ولكنه جاز ذلك؛ لأنه بنفس الشراء يجعلان فيه شريكين كما لو

مسألة: استأجر أجيرا خمسة عشر عاما

زرعاه أو وهب لهما، فكذلك يحصلان فيه شريكين بعقد الإجارة بالعمل، كان الحصاد وحده أو الحصاد والدرس والذرو. ولا اختلاف بينهم في أنه لا يجوز أن يبيع الرجل زرعه على أن عليه حصاده ودرسه أو حصاده ودرسه وذروه. وقد ذهب أبو إسحاق التونسي إلى ما يتخرج عليه جواز ذلك، وذلك أنه قال: قد أجازوا أن يبيع الرجل زرعه على أن عليه حصاده، ومن قولهم: إنه لا يجوز أن يباع القمح بعد أن يحصد في سنبله، فإن قيل: إن ذلك جائز من أجل أنه قد رآه قائما قبل أن يحصد، قيل له: يلزم على هذا أن يجوز بيعه على أن على البائع حصاده ودرسه وذروه، وهذا الذي قال أبو إسحاق التونسي غير صحيح؛ لأن بيع القمح بعد أن يحصد في سنبله جائز؛ لأنه إذا جاز بيعه وهو قائم قبل أن يحصد، فأحرى أن يجوز بيعه وهو في سنبله بعد أن حصد، وإنما الذي لا يجوز أن يباع بعد أن يحصد ويدرس، وبالله التوفيق. [مسألة: استأجر أجيرا خمسة عشر عاما] مسألة وسئل مالك عمن استأجر أجيرا خمسة عشر عاما، فقال: هذا كثير، فلا أرى هذا يصلح، ولكن لا بأس أن يستأجره سنة وينقده إجارته. قال محمد بن رشد: قوله: ولكن لا بأس أن يستأجره سنة، وينقده إجارته، دليل على أنه إنما كره الخمسة عشر عاما مع النقد، وظاهر ما في كتاب الجعل والإجارة من المدونة، من قوله: إجارة النقد في الخمسة عشر عاما خلاف قول غيره فيه: إنه لا يجوز إجارة العبيد السنين

قوم يتكارون الدليل للطريق فيخطئ بهم ويريد أن يأخذ أجرته

الكثيرة؛ لأنه غرر، والدواب أكثر غررا؛ لأنها تتغير، فلا يجوز كراؤها السنين، وبالله التوفيق. [قوم يتكارون الدليل للطريق فيخطئ بهم ويريد أن يأخذ أجرته] ومن كتاب الأقضية وسئل مالك عن قوم يتكارون الدليل للطريق، فيخطئ بهم، ويريد أن يأخذ أجرته، فقال مالك: أما الرجل العالم بذلك فما أرى عليه شيئا، وأرى له الكراء، وأما الجاهل الذي لا يعرف يغرهم فيقول لي دلالة ومعرفة، وليس كذلك، فوالله ما أرى له شيئا. قال أشهب: ليس لهما جميعا شيء. قال محمد بن رشد: الاختلاف في هذه المسألة كالاختلاف في أجرة الذي يستأجر على انتقاد الدراهم، فيخطئ ولا يغر من نفسه، وقد مضى القول على هذا المعنى مشروحا مبينا مستوفى في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، من كتاب الصرف، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: حفار القبور يستحفر القبر بشيء معلوم وينهار] مسألة وسألته عن حفار القبور يستحفر القبر بشيء معلوم وينهار، فيأتي ويطلب ما جعل له؟ قال لي: أما إن كان انهار قبل أن يفرغ منه؛ فإن عليه أن يحفر لهم قبرا ثانيا، وأما إن كان انهار بعد فراغه منه، فأرى جعله له، ولا شيء عليه؛ لأنه قد فرغ من عملهم، وبرئ منهم، فإن شاءوا أبطئوا بصاحبهم، وإن شاءوا عجلوا به.

إجارة المعلمين

قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا اختلاف فيها على أصولهم في أن المجعول له لا شيء له إلا بتمام العمل، وبالله التوفيق. [إجارة المعلمين] ومن كتاب البيوع الأول قال: وسئل مالك على إجارة المعلمين، فقال: لا بأس بذلك يعلم الخير. قيل: إنه يعلم مشاهرة، ويطلب ذلك، فقال: لا بأس به ما زال المعلمون عندنا بالمدينة. وسألته عن تعليم أبناء اليهود والنصارى الكتاب بغير قرآن، فقال: لا والله ما أحب ذلك يصيرون إلى أن يقرءوا القرآن. قال: وسألته عن تعليم المسلم عند المعلم النصراني كتاب المسلمين أو كتاب الأعجمية، فقال: لا والله، وكرهه، لا يتعلم مسلم عند النصراني، ولا النصراني عند المسلمين؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] . قال محمد بن رشد: قوله: لا بأس بإجارة المعلمين معلوم من مذهبه ومذهب أصحابه في المدونة وغيرها. وقد أجمع على ذلك أهل المدينة. فهم الحجة على من سواهم ممن خالف في ذلك، فلم يجز أخذ الثواب على تعليم القرآن، ولا اشتراط الأجرة في ذلك، وأجاز أخذ الثواب ومنع من اشتراط الأجرة. والحجة لمالك ومن تابعه من جهة الأثر إباحة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجعل للذي اشترطه على الرقي بكتاب الله تعالى، على ما جعل في النفر من أصحابه الذين مروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فلم يضيفوهم، فلدغ سيدهم فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فأتوهم فقالوا لهم: إن سيدنا لدغ، وقد سعينا بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال أحدهم: نعم والله، إني لراق، ولكنا قد استضفناكم فلم

تضيفونا، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا، فجعلوا له قطيعا من الغنم، فجعل يتفل عليه، ويقرأ بأم الكتاب، فبرئ كأنما أنشط من عقال. فأقبل بالغنم يسوقها، فسأله أصحابه أن يقتسموها فأبى حتى يسأل عن ذلك النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فسألوه فقال: «اقسموا، واضربوا لي معكم بسهم» . وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي سأله أن يزوجه المرأة التي وهبت له نفسها: «قد أنكحتكها بما معك من القرآن» إذ لم يجد شيئا يصدقها إياه، على ما جاء في بعض الآثار من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فعلمها إياه» . ومن جهة النظر أنه لما كان الجلوس لتعليمهم القرآن غير واجب على الرجل، ولا لازم له، جاز له أخذ الأجرة عليه، وإن كان فيه قربة؛ أصل ذلك الاستئجار على بناء المساجد، وما أشبه ذلك، وحديث عبادة الذي استدل به المخالف قال: «كنت أعلم ناسا من أهل الصفة القرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوسا على أن أقبلها في سبيل الله، فذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "إن أردت أن يطوقك الله به طوقا من نار فاقبلها» تأويله في مبتدأ الإسلام، وحين كان تعليم القرآن فرضا على الأعيان؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بلغوا عني ولو آية» ، وأما إذ قد حصل التبليغ، وفشا القرآن، وصار مثبتا في المصاحف، محفوظا في الصدور، فليست الأجرة على تعليمه أجرة على تبليغه، وإنما هو أجرة على الجلوس لتعليمه، والاشتغال بذلك عن منافعه. وقوله: إن ذلك كالأجرة على تعليم الصلاة، ليس بصحيح؛ لأن تعليم

الجاهل الصلاة واجب، وليس بواجب على أحد الجلوس لتعليم القرآن، وهذا بين والحمد لله، فالأجرة على تعليم القرآن جائزة مشاهرة ومقاطعة على جميع القرآن، أو على جزء معلوم منه نظرا أو ظاهرا، ووجيبة لمدة معلومة من الشهور أو الأعوام، فالمشاهرة غير لازمة لواحد منهما، لأب الصبي أن يخرج ابنه متى شاء، وللمعلم مثل ذلك أيضا. وأما الوجيبة والمقاطعة فلازمتان لكل واحد منهما، ليس للأب أن يخرج ابنه قبل انقضاء الوجيبة، أو قبل تمام المقاطعة، إلا أن يؤدي إليه جميع الأجر، وأجاز ابن حبيب أن يسمي في المقاطعة أجلا، وحكاه عن مالك، وذلك خلاف المشهور من قوله على ما مضى القول فيه، في أول رسم من سماع ابن القاسم وفي غيره، وقال: إنه يقضى للمعلم بالحذقة في النظر، والظاهر قدر حال الأب ويسره، وقوة حفظ الصبي وتجويده؛ لأنها مكارمة جرى الناس عليها، إلا أن يشترط الأب أنه لا شيء عليه سوى الخراج، فإن أخرج الأب ابنه، وقد تدانت الحذقة لزمته، وإن كان بينه وبينها ماله بال مثل السدس ونحوه، لم تكن عليه الحذقة، ولا على حساب ما مضى منها. وأما إن اشترط المعلم الحذقة، فلا تجوز منبهمة دون تسمية، ومتى أخرج الأب ابنه قبل البلوغ إليها لزمه منها بحساب ما مضى قل أو كثر، وسيأتي في نوازل سحنون من هذا المعنى، وقال: إنه لا يقضى بالأخطار في الأعياد، وإن كان ذلك مستحبا فعله في أعياد المسلمين، ومكروه في أعياد النصارى مثل النيروز والمهرجان، فلا يجوز لمن فعله، ولا يحل لمن قبله؛ لأنه من تعظيم الشرك. ووجه تفرقة ابن حبيب بين الأخطار والحذقات، وإن كان القياس ألا فرق بينهما إذا جرى العرف بهما، هو أن الحذقة إنما بلغ الصبي إليها بتعليم المعلم واجتهاده، فكان لمكافأته على ذلك وجه، وبلوغ الصبي عنده إلى العيد لا عمل فيه للمعلم، فلم يكن لمكافأته على ذلك وجه، والله أعلم. وأما تعليم المسلم أبناء اليهود والنصارى، أو تعلمه عندهم؛

مسألة: أكل خراج الحجام

فالكراهة في ذلك بينة، وقد قال ابن حبيب: إن ذلك سخطة فيما فعله، مسقطة لإمامته وشهادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أكل خراج الحجام] مسألة قال: وسئل مالك عن أكل خراج الحجام، فقال: لا بأس به، وما زال الناس بالمدينة يأكلونه ويتخذونهم. قال محمد بن رشد: قول مالك: هذا صحيح على أصله في أن العمل المتصل يقضي على أخبار الآحاد العدول، فقد حكى عن ربيعة أنه كان يقول في كسب الحجام وما جاء فيه النهي: إنهم كانوا في ذلك الزمان، والذي في أيديهم الشيء اليسير، فلما وسع الله، وكثر العبيد، اتخذهم الناس، وحكى عن الليث عنه أنه قال: لا بأس به، وقد كان للحجامين سوق معلومة على عهد عمر بن الخطاب، ولولا أن يأنف رجال لأخبرتك بآبائهم كانوا حجامين، وما أقره عمر بن الخطاب، ولم ينكره بمحضر الصحابة، فقد حصل أصلا بإجماع الصحابة عليه، فوجب القول به، والمصير إليه، وقد مضى في أول سماع أشهب بيان في هذا المعنى، وبالله التوفيق. [مسألة: كسب البيطار] مسألة وسئل مالك عن كسب البيطار، فقال: ما أرى به بأسا، يعالج الدواب. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا بأس بذلك؛ لما في معالجتها من الأدواء التي تنزل من استدامة الانتفاع بها، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء» ، والله الموفق.

مسألة: آجر عبده شهرا بعشرة دراهم على أن للعبد راحة يومين

[مسألة: آجر عبده شهرا بعشرة دراهم على أن للعبد راحة يومين] مسألة وسئل مالك عمن آجر عبده شهرا بعشرة دراهم على أن للعبد راحة يومين، فيبطل العبد أياما سوى اليومين، فأراد سيد العبد أن يعطيه قيمة تلك الأيام من ثلاثين يوما، وقال المتكاري: لا بل من ثمانية وعشرين يوما. فقال: الذي أرى الآن، ويأخذ بقلبي، وما هو عندي بالبين أنه إن كان اشترط عليه طعام اليومين اللذين يطلبهما حسب على الشهر، وإن كان ليس عليه طعام اليومين حسب، على ثمانية وعشرين يوما، وإنما ذلك إذا اشترط عليه طعام اليومين اللذين يبطلهما حسب على الشهر، وإن كان ليس عليه طعام اليومين قال: فإنما ذلك إذا اشترط طعام اليومين حسب على ثمانية وعشرين، كقوله: أواجرك اليوم تتركه بعض النهار سويعة. قال محمد بن رشد: هذه التفرقة استحسان لا يحملها القياس، والذي يوجبه القياس أن يحسب بطالة الأجير من ثمانية وعشرين يوما على كل حال، كانت عليه نفقة اليومين أو لم تكن، فإن كانت عليه نفقة اليومين كانت قيمة النفقة فيهما مضافة إلى الأجرة. مثال ذلك أن يستأجره للشهر بسته وعشرين درهما، ونفقته في جميع الشهر على أن له راحة يومين ينفق عليه فيهما ولا يخدهما، فينظر إلى قيمة نفقة اليومين، فإن كانت درهمين كان كأنه استجاره ثمانية وعشرين يوما بثمانية وعشرين درهما ونفقته فيها، فإن تبطل سوى اليومين، ولم يأخذ في الأيام التي تبطل فيها نفقة حاسبه من إجارة الثمانية وعشرين درهما بدرهم عن كل يوم، وإن كان أخذ في الأيام التي تبطلها نفقة حاسبة بدرهم عن كل يوم وبقيمة نفقته فيه، وبالله التوفيق.

مسألة: عصر الجلجلان والفجل بكناسهما

[مسألة: عصر الجلجلان والفجل بكناسهما] مسألة وسئل مالك عن عصر الجلجلان والفجل بكناسهما، وعن طحن القمح بنخالته، أيصلح ذلك؟ قال: لا يعجبني، ووجه مكروه ذلك، لا يدري كم يصل إليه من ذلك، ويكون بعض ذلك أجود من بعض، النخالة هاهنا تباع وبعضها أجود من بعض. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله أن ذلك لا يجوز؛ لأنها أجرة مجهولة القدر والصفة، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استأجر أجيرا فليواجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم» ، وبالله التوفيق. [يقول أستأجرك شهرا بعشرة دنانير على أن تبيع لي كل ما جاءني] من سماع عيسي من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: قال ابن القاسم في الذي يقول: أستأجرك شهرا بعشرة دنانير على أن تبيع لي كل ما جاءني، فإن لم يجئني شيء، فلك العشرة إجارتك كما هي، إنه لا خير فيه، ولا يصلح حتى يكون شيئا ثابتا، يقول: أستأجرك شهرا على أن تبيع لي، فإن جاءه ما يبيع له باع، وإلا كان له أن يواجره في مثل ذلك، لا خير فيه حتى يكون هذا، ورآه من الغرر إذا كان على غير شرط. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا اشترط عليه ألا يبيع له إلا ما جاءه، فإن لم يجئه شيء لم يكن له أن يستعمله في شيء، ووجبت له أجرته كاملة كان غررا، وإن لم يقع في الإجارة شرط ولا تسمية؛ لما جاء كانت جائزة؛ لأن الحكم يوجب أن يستعمله في مثل ما استأجره فيه، ولا

يستأجر الأجير سنة بعينها أو شهرا بعينه فيروغ عنه

خلاف في ذلك؛ إذ لم يستأجره لشيء معين. فقوله: وأراه من الغرر إذا كان على غير شرط، معناه إذا عين له ما يبيع له بقوله ما جاءني. ولو قال: ما يأتي من بلد كذا، أو من عند رجل سماه؛ لكان أبين في التعيين، ولم يجز على غير شرط، وهذا على أصله في استئجار الأجير لرعاية الغنم بأعيانها؛ أن ذلك لا يجوز إلا بشرط الخلف، وسحنون يجيزها، ويرى أن الحكم يوجب الخلف، فإن اشترط الخلف جاز باتفاق، وإن اشترط ألا خلف، وأن تكون له الأجرة كاملة، لم يجز باتفاق، وإن لم يشترط الخلف جاز على الاختلاف، ولو اشترط ألا يبيع له إلا ما جاءه، فإن انقطع المجيء عنه أو قل كان له من الأجرة بحساب ما جاءه، فإن نقد لم يجز باتفاق، وإن لم ينقد جاز على قول ابن القاسم في الذي يكتري الجمال على أن يسوق له بزا من بلد كذا، فإن وجده في الطريق رجع، وكان له من الأجر بحسابه إن ذلك جائز، ولم يجز على قول سحنون إن ذلك لا يجوز، وبالله التوفيق. [يستأجر الأجير سنة بعينها أو شهرا بعينه فيروغ عنه] ومن كتاب العرية وسألته عن الرجل يستأجر الأجير سنة بعينها، أو شهرا بعينه، أو يوما بعينه، يعمل له عملا مثل الخياطة والجزارة والبناء واستقاء الماء والطحين ونحو ذلك، فيروغ عنه في تلك السنة بعينها، أو الشهر بعينه، أو اليوم بعينه، ثم يأتي بعد ذلك. قال: يفسخ العمل ويرد عليه ما أخذ منه، وإن كان عمل له شيئا حاصه بقدر ذلك. وإنما الذي يلزمه من ذلك، وإن راغ ثم جاء مثل أن يقول له: اطحن لي هذا اليوم ويبة، أو اطحن لي في هذا الشهر كل يوم ويبة، أو في هذه السنة، فإن هذا وإن كانت سنة بعينها أو شهرا بعينه، أو يوما بعينه، فإنه إذا راغ في ذلك، ثم جاء لزمه عمل

الذي سمى؛ لأن هذا لم يقع على اليوم كله، ولا على السنة كلها، ولا على الشهر كله، وإنما وقع على عمل مسمى، فهذا يضمن ما سمى إذا أخذ، وإن كان قد راغ في تلك الأيام بعينها، وهو مثل أن يقول الرجل للسقاء: اسكب لي في هذا الشهر ثلاثين قلة في كل يوم قلة، فيغيب في ذلك الشهر، ثم يقدم، فإنما عليه ثلاثون قلة، ولا تفسخ الإجارة. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يستأجر الأجير سنة بعينها، أو شهرا بعينه لخدمة أو عمل، فيروغ في تلك السنة بعينها، أو الشهر بعينه: إن الإجارة تنفسخ في الأيام التي راغ فيها، ويرد من الإجارة ما نابها صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن من استأجر أجيرا لشهر بعينه، فمرضه أو مرض بعضه، أو راغ فيه لا يلزمه أن يقضيه في يوم آخر، بل لا يجوز وإن رضيا به إذا كان قد نقد إلا فيما قل؛ لأنه فسخ دين في دين. وأما قوله: وإنما الذي يلزمه من ذلك، وإن راغ ثم جاء مثل أن يقول له: اطحن لي هذا اليوم ويبة، أو اطحن لي في هذا الشهر كل يوم ويبة، أو في هذه السنة إلى آخر قوله في المسألة، فإنه خلاف المشهور في المذهب من أنه لا يجوز في الإجارة مدتان في مدة؛ لأن اليوم أو الشهر أو السنة التي سمى مدة، وما شرط عليه أن يطحنه في ذلك الأجل الذي سمى من عدد الويبات، أو يسكبه له فيه من عدد القلال مدة، فأجاز ذلك، وجوازه إنما يأتي على قول ابن القاسم في المدونة، في الذي استأجر الثور على أن يطحن له كل يوم إردبين، فوجده لا يطحن إلا إردبا؛ لأنه أجاز الإجارة على ذلك؛ إذ جعل له في الإردب الذي طحن ما يجب له بحساب ما اكترى،

مسألة: استأجر عبدا من رجل شهرا بقمح

ولم يقل: إن له فيه كراء مثله، وعلى ما قاله ابن حبيب، وحكاه عن مالك وأصبغ في إجارة المعلمين. ومن حق المستأجر علي هذا القول ألا يلزمه فيما يأخذ من ذلك، وراغ عنه إلا بعد الأجل إلا القيمة إن كانت أقل من الثمن؛ لأن من حقه أن يقول: إنما رضيت بالزيادة على القيمة من أجل التعجيل حسبما ذكرناه، في أول رسم من سماع أشهب، والذي يأتي في هذه المسألة على المشهور في المذهب من أنه لا يجوز في الإجارة مدتان في مدة، وهو قول مالك في رسم سلف ورسم المحرم، من سماع ابن القاسم، وأول رسم من سماع أشهب، أن تفسخ الإجارة فيما بقي، وتصحح بالقيمة فيما مضى، وبالله التوفيق. [مسألة: استأجر عبدا من رجل شهرا بقمح] مسألة وعن رجل استأجر عبدا من رجل شهرا بقمح، فلما عمل عنده نصف شهر سأله أن يقاصه ويأخذ نصف الحنطة، أو يأخذ منه ثمن نصف ما عمل عنده غلامه. قال: إن كان قد نقد القمح، فلا يصلح ذلك بمنزلة الدنانير؛ لأنه إجارة وسلف، إلا أن تجيء من الأجير خيانة أو ما أشبه ذلك، فأرجو أن يكون خفيفا، لا يبيع الأجير ما أجر به نفسه من الطعام حتى يستوفيه، وإن كان لم ينقد، فلا بأس به، ولا يأخذ إلا قمحا. قال محمد بن رشد: مساواته بين الطعام والدنانير في أن الإقالة من نصف الشهر الثاني لا تجوز إذا كان قد نقد صحيح؛ لأن ما يرد من الشهر إجارة، فيدخله في الوجهين جميعا إجارة، وسلف دخولا واحدا، فيتهمان على القصد إلى ذلك، والتحيل لإجازته بينهما بما أظهراه من الإجارة والإقالة، إلا أن يظهر في أمرهما ما يرفع التهمة عنهما في القصد إلى ذلك من خيانة تجيء من الأجير، أو ما أشبه ذلك من الأسباب التي تكون سببا

مسألة: قال لرجل أعطني عرصتك هذه أبنيها بعشرة دنانير

للإقالة، وهذا على القول بأن محمل الإجارة المعينة محمل الإجارة المضمونة، ومحمل السلم الثابت في الذمة، وقد مضى ذكر اختلاف قول مالك في هذا الأصل في رسم الشريكين، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وأما إذا لم ينقد فجائز أن يقيله من نصف الشهر الثاني، ويأخذ منه نصف الحنطة في نصف الشهر الذي عمل، ولا يجوز له أن يأخذ منه في نصف الشهر الذي عمل إذا أقاله فيما بقي منه غير الطعام، لا يأخذ منه دنانير ولا دراهم ولا عروضا ولا طعاما مخالفا للطعام الذي استأجره به، ولا مثله أقل مما وجب له ولا أكثر؛ لأنه يدخله في ذلك كله بيع الطعام قبل أن يستوفى. وإنما يجوز أن يقيله من نصف الشهر الباقي على نصف الطعام إذا كانت قيمة عمل نصف الشهر الأول وقيمة عمل نصفه الآخر متساويين، وأما إن كانت قيمة أحدهما أكثر من الآخر، فلا يجوز إلا على ما يجب لما عمل، ولما بقي من الطعام على اختلاف في ذلك؛ لما قد يدخل من الغلط في التقويم فيكون بيع الطعام قبل أن يستوفى، بين هذا مسألة سماع أبي زيد، من كتاب السلم والآجال، وقد مضت والقول عليها، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لرجل أعطني عرصتك هذه أبنيها بعشرة دنانير] مسألة قال ابن القاسم في رجل قال لرجل: أعطني عرصتك هذه أبنيها بعشرة دنانير، أو بما دخل فيها على أن أسكنها في كل سنة بدينار حتى أوفي ما غرمت فيها وأصلحت. قال: إن سمى عدة ما يبنيها به، وما يكون عليه في كل سنة، فذلك جائز، وإن لم يسم فلا خير فيه.

يقول من جاءني بعبدي الآبقين فله عشرة دنانير فيؤتى بأحدهما

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في رسم البز، من سماع ابن القاسم، من كتاب كراء الدور، وهو كما قال؛ لأنه إن سمى عدة ما يبنيها به، ولم يسم ما يكون عليه في كل سنة؛ كان كراء مجهولا، وإن سمى ما يكون عليه في كل سنة، ولم يسم ما يبنيها به، كان الكراء معلوما، وأمده مجهولا، وإذا سمى الوجهين كان كراء معلوما إلى أجل معلوم فجاز، وإنما جاز وإن لم يبين هيئة بناء العرصة، والأغراض في ذلك مختلفة، من أجل أن المكتري كالوكيل له على ذلك، فإذا بنى العرصة على الهيئة التي تشبه أن تبنى عليها لزمه، كمن وكل رجلا أن يشتري له ثوبا أو جارية، فاشترى له ما يشبه أن يشتري له من ذلك لزمه. ولو وصف البنيان وعدد ما يسكنها من السنين لجاز، وإن لم يسم عدة ما يبنيه به، ولا ما يكون عليه في كل سنة، بل لا يجوز إذا اكتراها منه سنين معلومة ببناء موصوف أن يسمي للبنيان عددا معلوما؛ لأنه يعود بذلك غررا، ويكون من بيعتين في بيعة، وبالله التوفيق. [يقول من جاءني بعبدي الآبقين فله عشرة دنانير فيؤتى بأحدهما] ومن كتاب يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول: من جاءني بعبدي الآبقين، فله عشرة دنانير، فيؤتى بأحدهما. قال ابن القاسم: لا أحب هذا الجعل حتى يجعل في كل واحد منهما جعلا معروفا. قلت: فإذا وقع؟ قال: إذا وقع وكانت أثمانهما سواء، رأيت له نصف العشرة، وإن اختلفت أثمانهما كان له من العشرة بقدر ثمن الذي جاء به من ثمن صاحبه؛ لأنه إذا جاء بأدناهما ثمنا، قال صاحبه: لم أكن أرضى أن أجعل في هذا خمسة دنانير، وإنما ثمنه عشرة. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: هذا خلاف قوله في المدونة أنه جعل فاسد، ويكون له في الذي أتى به منهما قيمة عمله على قدر عنائه

وطلبه، وخلاف قول ابن نافع فيها: إنه يكون له في الذي أتى به منهما نصف العشرة، وجعل مجاعلة الرجل الرجل في العبدين الآبقين جعلا واحدا، لا يخلو من أربعة أوجه؛ أحدها: أن يجعل له فيهما جعلا واحدا عشرة في التمثيل على أنه إن أتى بهما فله العشرة، ولا شيء له إن أتى بأحدهما دون الآخر. والثاني: أن يجعل له فيهما عشرة دنانير على أنه إن جاء بأحدهما فله نصف العشرة، أو على أنه إن أتى بفلان منهما فله من العشرة كذا وكذا، وإن أتى بفلان منهما فله كذا وكذا. والثالث: أن يجعل له فيهما عشرة على أنه إن جاء بأحدهما، فله فيه من العشرة على قدر ثمنه من ثمن صاحبه. والرابع: أن يجعل له فيهما عشرة دنانير دون بيان ما يكون له إن أتى بأحدهما دون الآخر. فأما الوجه الأول فلا اختلاف في أن الجعل فيه فاسد، ويكون له فيه إن أتى بأحدهما إجارة مثله، أو جعل مثله، على ما مضى في رسم طلق ابن حبيب، من سماع ابن القاسم، من الاختلاف في الجعل الفاسد إذا وقع وفات بالعمل، هل يرد إلى حكم نفسه وهو الجعل؟ أو إلى حكم غيره وهو الإجارة؟ وأما الوجه الثاني فهو جعل جائز على سنة الجعل الجائز. وأما الوجه الثالث فاختلف فيه، فقيل: إنه جعل فاسد، وهو قول مالك في المبسوطة، وقيل: إنه جعل جائز. والاختلاف في هذا مبني على اختلافهم في إجازة جمع الرجلين سلعتيهما في البيع؛ لأن جملة الثمن معلوم، وما يقع لكل سلعة منهما لا يعلم إلا بعد التقويم، كما أن جملة الجعل في العبدين معلوم، وما يقع لكل عبد منهما لا يعلم إلا بعد التقويم. وأما الوجه الرابع وهو أن يقع الجعل منهما دون بيان ما يكون له إن جاء بأحدهما، فاختلف على ما يحمل من الأوجه الثلاثة، فحمله ابن القاسم في المدونة على ظاهره، من أنه لا شيء له من العشرة إلا أن يأتي بهما جميعا، وحكم له بحكم الجعل الفاسد، وحمله في هذه الرواية إذا وقع، وأتى بأحدهما مع كراهيته لوقوعه ابتداء دون بيان على أنهما إنما قصدا إلى أن يكون له فيمن جاء به منهما ما يقع له من الجعل على قدر قيمته من قيمة صاحبه، فأوجب له في الذي أتى به منهما ما يقع له من الجعل، على ما ظهر إليه من قصدهما على أحد قوليه في إجازة جمع الرجلين

مسألة: قال لرجل إن بعت هذه السلعة بعشرة دنانير فلك من كل دينار سدسه

سلعتيهما في البيع. وحمله ابن نافع في المدونة إذا وقع وفات على أنهما إنما قصدا إلى ما يجوز من أن يكون له إذا أتى بأحدهما نصف العشرة، فأوجب ذلك له، فهذا وجه الاختلاف في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لرجل إن بعت هذه السلعة بعشرة دنانير فلك من كل دينار سدسه] مسألة قلت: فرجل قال لرجل: صح على هذه السلعة، فإن بعتها بعشرة دنانير، فلك من كل دينار سدسه. قال: هذا حلال لا بأس به؛ لأنه قال له: إن بعت هذه السلعة بعشرة دنانير فلك دينار وثلثان. قلت: فإن باعها بأكثر من عشرة؟ قال: فليس له إلا الدينار والثلثان الذي جعل له أولا، وإن باعها بعشرين. قلت: أفيجوز له أن يقول: بع وصح على هذه السلعة، فما بعتها به من دينار، فلك من كل دينار سدسه، ولم يوقت له ثمنا؟ قال: هذا حرام لا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن من شروط صحة الجعل أن يكون الجعل معلوما، فإذا كان الجعل ثابتا لا يزيد بزيادة الثمن، ولا ينقص بنقصانه جاز، وإن كان يزيد بزيادته وينقص بنقصانه لم يجز؛ لأنه مجهول، وبالله التوفيق. [استأجر أجيرا ينسج له أو يعمل له عملا من الأعمال فينجز عمله] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده قال ابن القاسم: من استأجر أجيرا ينسج له أو يعمل له عملا من الأعمال، فينجز عمله؛ أنه لا بأس أن يرسله يعمل للناس، ويأتيه بما عمل أو يكريه في مثل ما استأجره عليه.

مسألة: ينزي البغل على البغلة إذا استودفت

قال محمد بن أحمد: هذا كما قال: إنه إذا استأجره على عمل غير معين، فينجز عمله، كان من حقه أن يواجره من غيره، ويأخذ إجارته؛ لأنه قد استحق منافعه بالاستئجار، فله أن يستعملها في عمل نفسه، وفي عمل غيره، ولا يلزم الأجير أن يذهب فيواجر نفسه من الناس، ويأتيه بالأجر إذا لم يستأجره على ذلك، فإن رضي بذلك لم يكن به بأس كما قال. ولا اختلاف في شيء من هذا، وإنما اختلف إذا استأجره على عمل بعينه، فتلف ما استأجره عليه، على ما مضى القول فيه في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، ولا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ينزي البغل على البغلة إذا استودفت] مسألة وقال ابن القاسم: لا أرى بأسا أن ينزي البغل على البغلة إذا استودفت، ورأيته كأنه يكره الإجارة في نزوه؛ لأنه لا يعق له، وقال: ليس فيه منفعة، ثم قال: لا أدري ما هو. قال عيسى: لا أرى به بأسا إذا كانت قدادته، وإن استأجره إذا كان لا يجد من ينزي له باطلا. قال محمد بن رشد: لم يستبن لابن القاسم أولا وجه المنفعة في ذلك، فكره الإجارة فيه، ثم ظهرت له ولم يتحققها فقال: لا أدري ما هو. وقول عيسى هو البين؛ لأن المنفعة في ذلك معلومة للمستأجر بصلاح بغلته، وإن لم تعق، والله تعالى الموفق. [مسألة: أجر القابلة على من هو] مسألة وسئل عن أجر القابلة على من هو أعلى الرجل، أم على

المرأة؟ قال: إن كان أمرا لا يستغني عنه النساء فهو على الرجل، وإن كان أمرا يستغني عنه النساء، فهو على المرأة، ولا شيء على الزوج منه. قال أصبغ: قيل لابن القاسم: فإن كانت المنفعة لهما جميعا، والمضرة عليهما جميعا على المرأة والصبي؟ قال: هذا عليهما جميعا على المرأة وعلى الزوج. قيل له: بالنصف والنصف؟ قال: لا، كأنه يقول فيه على قدر منفعة كل واحد منهما في ذلك. قال أصبغ: أراه على الأب كله، قال الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، ففرض لهن ذلك بالولد، والولد هبة منهما لهما جميعا، وكذلك نوائب الولد ومخرجه ومصالحه كلها التي يخرج بها، ويحتاج إليها. قال محمد بن رشد: في آخر أول رسم من سماع أشهب، من كتاب طلاق السنة، من قول مالك ما يقتضي أنه على المرأة، فهي ثلاثة أقوال في المسألة، لكل قول منها حظ من النظر، قاس ذلك أصبغ على نفقة الحمل، فرآه على الأب، وإن كانت فيها منفعة للمرأة، كما أن النفقة عليه بسبب الولد، وإن كانت فيها منفعة للمرأة؛ ولم يقس ذلك ابن القاسم على نفقة الحمل، ورآه على من يستبد بمنفعته منهما، فإن اشتركا في المنفعة به كان عليهما جميعا؛ إذ قد كان القياس في نفقة الحمل أن يكون عليهما جميعا لانتفاع كل واحد منهما بها لولا النص، فيتبع النص في موضعه ويرجع إلى القياس فيما سواه. ووجه قول مالك اتباع ظاهر القرآن؛ لأن الله عز وجل يقول: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف: 15] ، فأخبر تعالى أنها هي تحمله وتضعه، فوجب أن تكون مؤنة ذلك كله عليها، ولا يكون على الأب منه إلا ما أوجب الله عليه من النفقة عليها إلى أن تضعه، وبالله تعالى التوفيق.

جعل في عبد له عشرة دنانير لمن جاء به فجاء به رجل لم يسمع بالجعل

[جعل في عبد له عشرة دنانير لمن جاء به فجاء به رجل لم يسمع بالجعل] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار قال ابن القاسم في رجل جعل في عبد له عشرة دنانير لمن جاء به، فجاء به رجل لم يسمع بالجعل. قال: إن كان ممن يأتي بالأباق فله جعل مثله، وإن كان ممن لا يأتي بالأباق، فليس له إلا نفقته، وإن سمع فكان ممن لا يأخذ الأباق، أو ممن يأخذ الأباق فله العشرة. قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب في الواضحة: أن له الجعل المسمى، علم به أو لم يعلم إذا وجده بعد أن يجعل فيه تكلف طلبه، أو لم يتكلف عن ابن الماجشون وأصبغ وغيرهما من أصحاب مالك، وذكر أنه قول مالك. ووجه قول ابن القاسم أن الذي أتى به لم يعمل على طلبه، على الجعل المسمى؛ إذ لم يعلم به فوجب ألا يجب له، ووجه ما حكى ابن حبيب أن الجاعل قد أوجب على نفسه ما سمى من الجعل لمن جاء به، فوجب أن يكون له وإن لم يطلبه، أو كان أكثر من جعل مثله إن طلبه، وكان ممن يطلب الأباق. وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن الجاعل أراد بقوله: من جاءني بعبدي فله عشرة دنانير تحريض من يسمع قوله على طلبه، فوجب ألا تجب العشرة الدنانير إلا لمن سمع قوله، فطلبه بعد ذلك لا لمن لم يسمع قوله، ولا لمن سمعه، فوجد العبد دون أن يطلبه، فلا اختلاف في أنه لا حق في الجعل لمن وجد العبد قبل أن يجعل فيه الجعل؛ إذ قد وجب عليه رده إلى صاحبه قبل أن يجعل فيه الجعل، واختلف فيمن وجده بعد أن جعل فيه الجعل على قولين؛ أحدهما: أنه لا شيء له فيه إلا أن يسمع الجعل ويطلب العبد، وهو قول ابن القاسم. والثاني: أن الجعل يكون له، وإن لم يسمع الجعل ولا طلب العبد، وهو القول الذي حكى ابن حبيب، وبالله التوفيق.

مسألة: تكون له شجرة التين فيقول له احرسها واجنها ولك نصفها

[مسألة: تكون له شجرة التين فيقول له احرسها واجنها ولك نصفها] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل تكون له شجرة التين قد طابت، فيقول لرجل: احرسها واجنها واحتفظ بها، ولك نصفها، أو ثلثها، أو جزء منها. فقال: لا بأس بذلك؛ لأنه لا بأس أن يكرى بما حل بيعه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعرفه؛ لأنه إذا كان ذلك في الزرع جائزا، وإن كان لا يمكن أن يقسم إلا بالكيل بعد أن يدرس ويصفى على ما مضى القول فيه، في أول رسم من سماع أشهب، فهو في هذا أجوز، وبالله التوفيق. [جعلت لرجل دينارا على أن يتقاضى لي من غريم لي ستة دنانير كانت لي عليه] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار قال عيسى: سأل رجل ابن القاسم وأنا جالس فقال: إني جعلت لرجل دينارا على أن يتقاضى لي من غريم لي ستة دنانير كانت لي عليه. قال: لا خير في هذا إلا أن يجعل له مما يتقاضى له من ذلك الحق من قليل أو كثير بقصاص الدينار من ذلك الحق. قال الرجل: فإن كنت جعلت له مما يتقاضى بقصاص ذلك من الدينار، فأردت أن أوخره بالحق، أو أتحول به على غيره، أيكون له من الدينار شيء؟ فقال: له الدينار كله. فقال: إنه لم يقم عليه إلا اليوم. قال: وإن. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه لا يجوز أن يجعل الرجل للرجل دينارا على أن يتقاضى له ستة دنانير، إلا أن يجعل له فيما

مسألة: يعطيه العرصة يبني فيها بيوتا بذرع معروفة على نصف ذلك بأصله

يتقاضى ما يجب له من الدينار؛ لأنه إن لم يجعل له فيما يتقاضى ما يجب له من الدينار، لم يجب للمجعول له شيء إلا بتقاضي جميع الستة دنانير، فإن تقاضى بعضها، وبقي بعضها، كان الجاعل قد انتفع قبل أن يتم المجعول له العمل؛ ولا يجوز الجعل فيما يكون للجاعل فيه منفعة قبل تمام العمل، هذا ما لا خلاف فيه، ويجوز أن يستأجره على تقاضي الستة دنانير بدينار، وإن لم يشترط أن له فيما يتقاضى منها ما يجب له من الدينار؛ لأن الحكم يوجب ذلك في الإجارة التي هي لازمة لهما جميعا، وإن لم يشترطاه، وقد مضى القول على هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم. وأما قوله: إن الجعل يلزم الجاعل إن أخر الذي عليه الدين، أو تحول به على غيره، فصحيح على أصولهم في أن الجعل لازم للجاعل، فليس له أن يبطله على المجعول له إلا أن يوفيه جميع جعله، وهذا من قول ابن القاسم يبين ما وقع في رسم الأقضية الثاني، من سماع أشهب، من كتاب تضمين الصناع، وبالله التوفيق. [مسألة: يعطيه العرصة يبني فيها بيوتا بذرع معروفة على نصف ذلك بأصله] مسألة وقال ابن القاسم: لا بأس أن يعطي الرجل الرجلَ العرصة يبني فيها بيوتا بذرع معروفة وصفة معروفة، على نصف ذلك بأصله، أو ثلثه، أو جزء منه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا مثل قوله في رسم شهد من سماع عيسى، من كتاب السداد والأنهار، مثل قول عيسى بن دينار في نوازله منه، في الرحى الخربة، يعامل صاحبها فيها رجلا على بنائها بجزء منها، وعلى أصله في المدونة في جواز الاستئجار على حصاد الزرع

مسألة: لم موضع دابة رجل ضالة فيقول اجعل لي فيها كذا وكذا وآتيك بها

وجذاذ النخل بجزء منه، وقوله في رسم إن خرجت قبل هذا، في مسألة شجرة التين. وإنما جاز بناء العرصة بجزء منها، ولم يجز نسج الغزل بجزء منه، ولا دبغ الجلود بجزء منها من أجل أنه لا يعرف وجه خروج الثوب من النسج، ولا وجه خروج الجلود من الدباغ والبناء إن لم يخرج على ما وصفاه، يقدر على إعادته حتى يخرج على الصفة. والأصل في هذه المسألة أن كل ما يجوز من العمل اشتراطه على البائع في الشيء المبيع، يجوز الاستئجار عليه بالجزء منه، وذلك جائز عند ابن القاسم فيما يعرف وجه خروجه، وفيما لا يعرف وجه خروجه مما يمكن إعادته للعمل إن خرج على غير الصفة. وسحنون لا يجيز ذلك على حال، فيأتي على مذهبه أن الاستئجار على بناء العرصة بالجزء منها لا يجوز، وهو الذي يأتي على قول مالك في أول سماع أشهب، في مسألة الذي يقول للرجل: اعمل لي بناء في هذا التراب بيني وبينك، وقد تقدم القول عليها هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: لم موضع دابة رجل ضالة فيقول اجعل لي فيها كذا وكذا وآتيك بها] ومن كتاب العشور قال عيسى: سئل ابن القاسم عن الرجل يعلم موضع دابة رجل ضالة، فيقول: اجعل لي فيها كذا وكذا وآتيك بها، ولم يخبره علمه بمكانها، فجعل له جعلا فأخبره قال: لا ينبغي ذلك، وإنما ذلك في المجهول، ولا أراه يثبت له هذا الجعل، ولا ينبغي له أن يكتمه موضعها، وأرى أن يعطى قيمة عنائه إلى ذلك الموضع إن جاء بها، ولا جعل له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن طلب الآبق مجهول، فلا يجوز الجعل فيه إلا مع استوائهما في الجهل بموضعه، ومتى علم أحدهما موضعه، وجهل الآخر، كان العالم منهما قد غر صاحبه، كالصبرة لا يجوز

أبق منه غلام له فبلغه أنه ببلد فاستأجر رجلا بكراء معلوم إلى تلك البلدة في طلبه

بيعها جزافا، إلا مع استوائهما في الجهل بكيلها. فإن علم أحدهما كيلها، وجهل الآخر، كان العالم بكيلها قد غر الآخر، فيكون المغرور منهما الذي لم يعلم بكيلها، بالخيار بين أن يرد أو يجيز. فإن فاتت كان فيها الأكثر من القيمة أو الثمن، إن كان المبتاع هو الذي علم كيلها، والأقل من القيمة أو الثمن إن كان البائع هو الذي علم كيلها وغر المبتاع بذلك. وكذلك مسألة الجعل في طلب الضالة والآبق، إن كان المجعول له علم بموضعها، فغر الجاعل بذلك، فعلم قبل أن يخرج في طلبه، كان بالخيار بين أن يمضي الجعل أو يرده، وإن لم يعلم بذلك حتى جاء بالعبد كان عليه الأقل من قيمة عنائه إلى ذلك الموضع أو الجعل الذي جعل له، هذا معنى قوله، لا أنه يكون له قيمة عنائه إلى ذلك الموضع، كان أقل من الجعل أو أكثر؛ إذ ليس بجعل فاسد فيرد فيه إلى إجارة مثله بالغا ما بلغ، وإنما هو جعل غبن المجعول له الجاعل بما كتمه من علمه بمعرفة موضع العبد. ولو كان الجاعل هو الذي علم بموضع العبد أو الضالة، فكتم المجعول له ذلك، كان له الأكثر من قيمة عنائه في طلبه أو الجعل الذي جعل له، وبالله التوفيق. [أبق منه غلام له فبلغه أنه ببلد فاستأجر رجلا بكراء معلوم إلى تلك البلدة في طلبه] ومن كتاب النسمة وسئل ابن القاسم عن رجل أبق منه غلام له، فبلغه أنه ببلد، فاستأجر رجلا بكراء معلوم إلى تلك البلدة في طلبه، فقال له: إن جئتني به أو بخبره فلك تلك الإجارة، فلما خرج الأجير خالفه العبد إلى مولاه من قبل أن يبلغ الأجير البلدة، فانصرف حيث بلغه أن العبد رجع، ماذا له من الإجارة؟ قال ابن القاسم: له الكراء التام ويرسله إن شاء في مثل ما قصر من الطريق. قال محمد بن رشد: قوله فاستأجر رجلا بكراء معلوم إلى تلك البلدة، يقضي على قوله: إن جئتني به أو بخبره فلك تلك الإجارة، ويبين أن

مسألة: الطبيب يشارط المريض يقول أعالجك فإن برئت فلي من الأجر كذا وكذا

معناه، ولك الإجارة كاملة وجدته في البلد، أو لم تجد فيها إلا خبره، فهو شرط جائز في الإجارة؛ لأنه هو الذي يوجبه الحكم فيها، وليس معناه أنه لا شيء له من الإجارة إن لم يأته به أو بخبره، ولو اشترط ذلك بإفصاح أو حمل الشرط عليه؛ لكانت الإجارة فاسدة. وأما قوله إذا انصرف الأجير من حيث بلغه أن العبد رجع؛ أن له الإجارة كاملة، ويرسله المستأجر إن شاء فيما قصر من الطريق، فقد قيل: إنه ليس له أن يرسله في مثل ما قصر فيه من الطريق إلا برضاه، وقد قيل: إن ذلك لا يجوز، وإن رضي بذلك الأجير؛ لأنه فسخ دين بدين، وإنما له أن يبعثه في بقية الطريق بعينه أو يعطيه إجارته كاملة، وقد مضى القول على هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم. فإذا لم يجز له أن يبعثه في مثل ذلك الطريق على القول بأن ذلك لا يجوز، أو لم يرض الأجير بذلك على القول بأن ذلك لا يلزمه إلا برضاه، فيكون له من إجارته بقدر ما سار من الطريق إلى الموضع الذي رجع منه؛ إذ قد فات برجوعه أن يسير له في بقية الطريق بعينه. ولو عثر على ذلك قبل أن يرجع من الطريق لما كان للمستأجر على هذين القولين إلا أن يسيره في بقية الطريق بعينه، أو يدفع إليه إجارته كاملة، وبالله التوفيق. [مسألة: الطبيب يشارط المريض يقول أعالجك فإن برئت فلي من الأجر كذا وكذا] مسألة وسئل ابن القاسم، وابن وهب عن الطبيب يشارط المريض يقول: أعالجك، فإن برئت فلي من الأجر كذا وكذا، وإن لم تبرأ غرمت لي ثمن الأدوية التي أعالجك بها إذا أخبره بالثمن قبل أن يعالجه. فقالا: الناس ينهون عن كل بيع، وأجرة

قال اسع لي في نكاح بنت فلان اشخص لي في ذلك ولك كذا وكذا

يكون فيه شرطان؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى عن بيعتين في بيعة» . وقد أجاز لنا مالك علاج الطبيب إذا شارطه على شيء معلوم، فإن صح أعطاه ما سمى له، وإن لم يصح من علاجه لم يكن له شيء. قال ابن القاسم: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن ذلك لا يجوز من أجل أنه دخل تحت «نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيعتين في بيعة» ، والذي يدخله من المكروه الجهل بالإجارة والغرر فيها؛ لأن الطبيب لا يدري ما يحصل له إن كان الجعل الذي سمى له أو ثمن أدويته، فإن وقع ذلك فسخ متى ما عثر عليه، وكان له ثمن أدويته التي عالجه بها، وقيمة عمله هو في علاجه، والله الموفق. [قال اسع لي في نكاح بنت فلان اشخص لي في ذلك ولك كذا وكذا] ومن كتاب البراءة قال عيسى: قلت لابن القاسم: فإن قال: اسع لي في نكاح بنت فلان، اشخص لي في ذلك، ولك كذا وكذا؟ قال: إذا سعى في ذلك، وكان حيث هو في حاضرته، ولم يشخص فيها إلى بلد، فلا بأس به إن شاء الله، وذلك يلزمه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن الجعل في ذلك جائز ولازم؛ لأنه جعل في أمر مباح لا يلزم المجعول له فعله، وقد مضى بيان هذا المعنى في رسم البز، من سماع ابن القاسم، ومضى في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب جامع البيوع، ورسم الجواب من سماع عيسى، من كتاب النكاح القول على قوله: ولني إنكاح وليتك، ولك كذا وكذا؛ أن الجعل في ذلك جائز ولازم؛ لأنه جعل في أمر مباح، لا يلزم المجعول

يحضرون بيع الميراث فيمن يزيد فيزيد الرجل في الثوب

له فعله، أو ولني بيع دارك ولك كذا وكذا، وبينا المعنى في الفرق في ذلك بين النكاح والبيع، فإن المعنى في ذلك خلاف المعنى في هذه، فلا معنى لإعادة ذلك. وأما شرطه في هذه المسألة أن يكون ذلك في حاضرته، ولا يشخص فيه إلى بلد آخر، فلا وجه له؛ إذ لا منفعة للجاعل في شخوصه إلى بلد آخر إن لم يتم له النكاح، وهو يشخص في ذلك رجاء أن يصح له الجعل بتمامه كما يشخص في طلب الآبق من بلد إلى بلد رجاء أن يجده، فيجب له بتمامه كما يشخص في طلب الآبق من بلد إلى بلد، رجاء أن يجده، فيجب له الجعل الذي جعل له فيه. وذلك بخلاف الرجل يجاعل الرجل على أن يبيع له ثوبه ببلد آخر؛ لأنه إن لم يقدر على بيعه بذلك البلد انتفع الجاعل بحمله سلعته إلى ذلك البلد. فهذه هي العلة في أن ذلك لا يجوز حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم، وهي معدومة في مسألة النكاح هذه، فوجب أن تجوز، وبالله التوفيق. [يحضرون بيع الميراث فيمن يزيد فيزيد الرجل في الثوب] ومن كتاب القطعان وسئل ابن القاسم عن القوم يحضرون بيع الميراث فيمن يزيد فيزيد الرجل في الثوب، فيقول المنادي بدينار ودرهم، فينادي عليه بذلك، ولا يصفق ويطلب الزيادة، ثم يبدو للذي زاد. قال: البيع يلزمه. قيل له: فالرجلان يزيدان في الثوب، فيقول: هذا بدينار، وهذا بدينار يقع عليهما بشيء واحد، فيطلب الصائح الزيادة، فلا يزاد، فوجب لهما فيبدو لهما. قال: أرى البيع لهما لازما وأراهما فيه شريكين، وقال عيسى: لا يعجبني هذا من قوله، وأراه للأول، ولا أرى للصائح أن يقبل من أحد مثل الثمن الذي قد أعطاه

غيره، وإنما يقبل الزيادة، ولها ينادي، فهو للأول حتى يزاد إلا أن يكونا جميعا قد أعطياه دينارا معا، هما فيه شريكان. قال محمد بن رشد: البيع على المزايدة جائز خارج عما نهى عنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من أن يسوم الرجل على سوم أخيه. والأصل في جوازه ما روي «أن رجلا من الأنصار أتى إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فشكا إليه الفاقة، ثم عاد فقال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لقد جئت من عند أهل بيت ما أرى أن أرجع إليهم حتى يموت بعضهم. قال: انطلق هل تجد من شيء، فانطلق فجاء بحلس وقدح، فقال: يا رسول الله، هذا الحلس كانوا يفترشون بعضه ويلتفون ببعضه، وهذا القدح كانوا يشربون فيه، فقال: من يأخذهما مني بدرهم؟ فقال رجل: أنا؛ فقال: من يزيد على درهم؟ فقال رجل آخر: أنا آخذهما بدرهمين، فقال: هما لك، فدعا بالرجل فقال: اشتر بدرهم طعاما لأهلك، وبدرهم فأسا، ثم ايتني ففعل، ثم جاء فقال: انطلق إلى هذا الواعي، فلا تدعن فيه شوكا ولا حطبا، ولا تأتي إلا بعد عشر، ففعل، ثم أتاه فقال: بورك فيما أمرتني به، فقال: هذا خير لك من أن تأتي يوم القيامة في وجهك نكت من المسألة، أو خموش من المسألة» ، الشك من بعض رواة الحديث. والحكم فيه أن كل من زاد في السلعة لزمته بما زاد فيها إن أراد صاحبها أن يمضيها له بما أعطى فيها ما لم يسترد سلعته، فيبيع بعدها

حمل شيئا فصدم أو رمي فانكسر ما عليه

أخرى، أو يمسكها حتى ينقضي مجلس المناداة، وهو مخير في أن يمضيها لمن شاء ممن أعطى فيها ثمنا، وإن كان غيره قد زاد عليه. هذا الذي أحفظ في هذا من قول الشيخ أبي جعفر بن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو صحيح في المعنى؛ لأن حق صاحب السلعة أن يقول للذي أراد أن يلزمها إياه، إن أبى من التزامها، وقال له: بع سلعتك من الذي زاد علي فيها؛ لأنك إنما طلبت الزيادة وقد وجدتها: أنا لا أحب معاملة الذي زاد في السلعة عليك، وليس طلبي الزيادة فيها، وإن وجدتها إبراء مني لك فيها. فمعنى قول ابن القاسم: أرى البيع لهما لازما، وأراهما شريكين فيها، إذا أسلم البائع السلعة لهما، ولم يكن له اختيار في أن يلزمها أحدهما دون صاحبه. وكذلك قال أصبغ: إنها للأول، معناه إذا قال: قد أمضيتها لمن هو منكما أحق بها. وقول ابن القاسم هو القياس؛ لأن الأول لا يستوجب السلعة بما أعطى فيها إلا أن يمضيها له صاحبها. وكذلك الثاني فلا مزية فيها لأحدهما على الآخر. وقول أصبغ استحسان. والوجه فيما ذكره من أنه إنما طلب الزيادة لا ما قد أعطى فيها، فالاختيار له ألا يقبل الزيادة. فإذا قبل من الثاني مثل ما أعطاه الأول كانا في وجه القياس سواء. وقد مضى من معنى هذه المسألة في آخر أول رسم من سماع أشهب، من كتاب العيوب، وبالله التوفيق. [حمل شيئا فصدم أو رمي فانكسر ما عليه] ومن كتاب العتق وقال ابن القاسم في حمال حمل شيئا: إنه إن صدم أو رمي فانكسر ما عليه، فالذي رماه أو صدمه ضامن لما عليه، وللأجير أجرته، ويسيره فيما بقي.

مسألة: قال أستأجرك بدينار على أن تذهب إلى إفريقية تبيع دابتي هذه

قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب أن من استأجر أجيرا على حمل شيء بعينه، فتلف، أن الإجارة لا تنقض، وهو قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة، وإليه ذهب محمد بن المواز فقال: تعبير الحمل إنما هو صفة لما يحمل. ومثله في رسم القبلة، من سماع ابن القاسم، من كتاب الرواحل والدواب، وفي رسم طلق، من سماع ابن القاسم، من هذا الكتاب، وفي أول رسم من سماع أصبغ منه. وقد قيل: إن الإجارة تنتقض بتلفه، وهو قول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في رسم الكراء والأقضية من سماعه، من كتاب كراء الرواحل والدواب. وقد مضى تحصيل القول في الاختلاف فيها، في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال أستأجرك بدينار على أن تذهب إلى إفريقية تبيع دابتي هذه] مسألة قلت: أرأيت إن قال: أستأجرك بدينار على أن تذهب إلى إفريقية تبيع دابتي هذه، أو ثيابي، أو رقيقي، فقال: إن كان استأجره على أنها إن هلكت أو ذهب الثوب انفسخ الكراء بينهما، فلا خير فيه، وإن كان إن تلف هذا كان عليه أن يسيره في مثله، وإن هلكت الدابة أخلف له مكانها أخرى، وكان ذلك إلى أجل معلوم، فلا بأس به. قال ابن القاسم في الرجل يستأجر الأجير يعمل له سنة على دابة بعينها. قال: لا خير فيه، إلا أن يكون إن نفقت الدابة أخلف

له مكانها أخرى. قلت له: أرأيت الرجل يتكارى الدابة بعينها إلى المكان؟ قال: لا بأس بذلك. قلت: أرأيت إن هلكت الدابة؟ قال: يرجع على صاحبه بما بقي من الطريق، فيأخذ حصته من ذلك من الكراء. وكذلك إن استأجر الخادم تخدمه سنة، فتموت هو مثل الدابة. قلت: فما فرق بين هذا وبين الأول؟ قال: لأن هذا إنما هلك الذي استأجر بعينه، والأول إنما هلك غير المستأجر، وغير المستأجر يقول: إنما هلك ثوب لم أكركه، أو دابة لم أكركها؛ وهاهنا إنما هلكت الدابة بعينها والغلام بعينه، فكل إجارة تكون إذا مات غير المستأجر أو المواجر انفسخت، فلا خير فيها. قال محمد بن رشد: الاستئجار على الأعمال في الأشياء المعينات تنقسم على أربعة أقسام: أحدها: أن يستأجره على عمل في شيء بعينه، لا غاية له إلا بضرب الأجل فيه، وذلك مثل أن يستأجره على أن يرعى له غنما بأعيانها، أو يتجر له في مال بعينه شهرا أو سنة، وما أشبه ذلك، فهذا اختلف في حد جواز الإجارة فيه، فقيل: إنها لا تجوز إلا بشرط الخلف، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وقيل: إنها تجوز بغير شرط الخلف، والحكم يوجب الخلف، وهو قول سحنون، وابن حبيب، وأشهب في رسم البيوع والصرف، من سماع أصبغ. فهذا حكم هذا الوجه، إلا في أربع مسائل؛ فإن الإجارة تنفسخ فيها بموت المستأجر له؛ أحدها: موت الصبي المستأجر على رضاعه. والثانية: موت الصبي المستأجر على تعليمه. والثالث: موت الدابة المستأجر على رياضتها. والرابعة: من استأجر رجلا على أن ينزي له أكواما معروفة على رمكته، فتعق الرمكة قبل تمام الأكوام؛ فإن الإجارة

تنفسخ فيما بقي منها، ولا يقال للمستأجر: جئني بمثل الرمكة؛ لما بقي من الأكوام. والثاني: أن يستأجره على عمل شيء بعينه لا غاية له إلا بتسمية الموضع، وهو الاستئجار على حمل شيء بعينه، فهذا الاختلاف في جواز الإجارة فيه، وإن لم يشترط الخلف، واختلف إن تلف على ثلاثة أقوال قد مضى تحصيلها في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، المشهور منها: أن الحكم يوجب الخلف، ولا تنتقض الإجارة حسبما ذكرناه في المسألة التي قبل هذه. والثالث: أن يستأجره على عمل شيء بعينه له غاية مجهولة، فلا بد فيه من ضرب الأجل. وذلك مثل أن يستأجره على أن يبيع له هذا العبد، أو هذا الثوب، أو هذه الأثواب في هذا الشهر في ذلك البلد، أو بلد آخر بثمن سماه أو بما رآه، فهذا قال فيه في هذه الرواية: إنه إن استأجره على أنه إن تلف العبد أو الثوب انفسخت الإجارة لم يجز، وإن استأجره على أنه إن تلف العبد أو الثوب كان عليه الخلف جاز. وسكت عن حكم الإجارة إن وقعت مبهمة، والظاهر من مذهبه في المدونة جواز الإجارة ووجوب الخلف، والذي يأتي فيها على قياس قوله في الاستئجار على رعي غنم بأعيانها أن الإجارة لا تجوز إلا بشرط الخلف، فإن باع العبد أو الثوب قبل تمام الأجل انفسخت الإجارة فيما بقي من الشهر، وكان له من إجارته بحساب ما مضى منه. هذا قوله في المدونة، والنقد في هذه الإجارة بشرط لا يجوز، والذي يأتي على مذهب سحنون في هذه المسألة أن الإجارة لا تنفسخ فيما بقي من المدة، ويستعمله بقية الشهر فيما يشبه ذلك من العمل، فإن اشترط أن تنفسخ الإجارة فيما بقي من الشهر إن باع قبل تمامه لم يجز عنده، وإن لم ينقد على ما قاله في الرجل يكتري الدابة في حاجة إلى بلد، ويشترط إن وجد حاجته في الطريق رجع، وكان عليه بحساب ما مضى من

مسألة: قال جذ نخلي هذه ومتى شئت أن تخرج فاخرج ولك نصف ما عملت

الكراء. ولو استأجره على أن يبيع له الدابة أو الثوب بذلك البلد أو ببلد آخر على أن له أجرته باع أو لم يبع لجاز، وإن لم يسم للتسويق والبيع أجلا؛ لأن قدر ذلك معروف، قاله أشهب في آخر أول رسم من سماع أصبغ، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع ابن القاسم، وهو نحو ما يأتي في سماع محمد بن خالد. والرابع: أن يستأجره على عمل شيء بعينه له غاية معلومة، فلا يجوز ضرب الأجل فيه؛ لأنه مدتان في مدة، ويضارع ما نهي عنه من بيعتين في بيعة إلا على وجه ما قد مضى بيانه في أول سماع ابن القاسم. وذلك مثل أن يستأجره على خياطة ثوب بعينه، أو على طحن قمح بعينه، أو على حصاد زرع بعينه وما أشبه ذلك. فهذا الاختلاف في جواز الإجارة فيه دون شرط الخلف، وإن تلف قبل العمل أو بعد أن مضى بعضه، فالمشهور في المذهب أن الإجارة تنفسخ فيه، أو فيما بقي منه، وهو قول مالك في رسم المحرم، من سماع ابن القاسم، وفي رسم الدور والمزارع من سماع يحيى في مسألة الزرع أن الإجارة لا تنفسخ ويستعمله في مثله، وهو شذوذ. والنقد في هذه الإجارة جائز؛ لأن التلف نادر فلا يعتبر به، وأما من استأجر عبدا بعينه، أو تكارى دابة بعينها، أو ثوبا بعينه، وما أشبه ذلك، فلا اختلاف في أن الإجارة تنفسخ بالموت والتلف، والنقد فيها جائز، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: قال جذ نخلي هذه ومتى شئت أن تخرج فاخرج ولك نصف ما عملت] مسألة قلت: أرأيت إن قال: جذ نخلي هذه يوما أو يومين، ومتى شئت أن تخرج فاخرج ولك نصف ما عملت. قال: لا خير فيه. قلت: لم؟ قال: لأنهما سميا يوما، ثم جعل له الخروج متى شاء، فكان الأجر قد وقع على اليوم بعينه، فإذا وقع على اليوم بعينه لم يحل إلا بشيء ثابت لا يزول. ألا ترى أنه لو قال: تقاض لي مالي الذي لي على فلان إلى شهر ولك نصفه، فما تقاضيت منه

فبحسابه لم يصلح. أرأيت أنه لم يتقاضه إلى رأس الشهر، وهو متى شاء أن يخرج خرج، أليس يبطل عمله ويذهب عناؤه، ولعله أن يكون قد أشفى عليه، فإذا ضرب له أجلا فلا خير فيه، وإن لم يضرب له أجلا فإنما هو جعل، وليس بأجر، فمن قبل ذلك جاز؛ لأنه ليس لرب المال أن يمنع العامل العمل فيه، وللعامل أن يخرج متى شاء، والمستأجر ليس للذي استؤجر أن يخرج، وليس له إن انقضى الشهر أن يعمل فيه، فيكون العمل قد ذهب باطلا. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز أن يقول الرجل للرجل: جذ نخلي هذه يوما أو يومين، ومتى شئت أن تخرج خرجت، ولك نصف ما علمت؛ لأن قوله: جذ نخلي هذه يوما أو يومين، ولك نصف ما جذذت إجارة فاسدة؛ لأنه استأجره يوما أو يومين بنصف ما يجذ في ذلك، وهو مجهول. ألا ترى أنه لو أراد أن يبيع ما يجذ يوما أو يومين لم يجز لأنه مجهول، وما لا يجوز بيعه لا يجوز الاستئجار به. فإذا كانت الإجارة على هذا فاسدة، فلا يصلحها اشتراط الخروج متى شاء بنصف ما جذ؛ لأن ذلك خيار اشترطه لنفسه في الإجارة الفاسدة، والعقد الفاسد لا يصلحه اشتراط الخيار فيه، وهذا التعليل بين من قوله؛ لأنهما سميا يوما، ثم جعل له الخروج متى شاء، فكأن الأجر وقع على اليوم بعينه إلى آخر قوله، ولو قال له: إن جذذت في هذا اليوم، أو في هذين اليومين من نخلي هذه شيئا، فما جذذت منها فلك نصفه؛ لكان ذلك جائزا، والفرق بينهما أن هذا جعل له حكم الجعل، والأول إجارة له حكم الإجارة. فإن قال قائل: إن هذه الإجارة إذا اشترط فيها الخيار على هذا الوجه عادت جعلا؛ لأنه في الوجهين جميعا لا يلزمه العمل، وإن عمل فله نصف ما عمل. قيل له: إن استويا في هذا فيفترقان في وجه آخر، وهو أن الإجارة لا تنفسخ بتلف الشيء المستأجر عليه إلا على اختلاف، والجعل ينفسخ بتلف

الشيء المجعول فيه باتفاق، فوجب ألا تعود الإجارة بشرط الخيار فيها جعلا، وأن تبقى إجارة على حالها. وإذا بقيت إجارة، وكانت فاسدة، فلا يصلحها الخيار. وقد كان من أدركنا من الشيوخ، ومن لم ندرك منهم فيما بلغنا عنهم، يحملون هذه المسألة على أن قول ابن القاسم فيها خلاف قوله في المدونة في الذي يقول للرجل: بع لي هذا الثوب اليوم، ولك درهم: إن ذلك جائز إذا اشترط أن يترك متى شاء، وليس ذلك بصحيح من قولهم؛ لأن استئجار الرجل الرجلَ يوما بدرهم على أن يبيع له فيه ثوبا جائز؛ لأن الأجر فيه معلوم، فإذا جازت الإجارة في ذلك جاز اشتراط الخيار فيها، بأن يترك متى شاء، ويكون له من الدراهم بحساب ما مضى من اليوم، إذا لم ينقد، وقد نص على جواز هذا في أول كتاب الجعل والإجارة من المدونة. وأما المسألة التي نظرها بهذه، وهي أن يقول له: تقاض لي مالي الذي لي على فلان إلى شهر ولك نصفه، فما تقاضيت فبحسابه، فلا يجوز فيها مع تسمية الأجل إجارة ولا جعل، أو قال: إن قبضت لي في هذا الشهر شيئا من ديني الذي لي على فلان، فلك نصفه لم يجز؛ لأنه قد يتقاضاه ويشفي عليه، فينقضي الأجل قبل أن يقبض، فيذهب عناؤه باطلا، فيجوز أن يستأجر الرجل الرجلَ على حصاد زرعه بنصفه، وأن يشترط أن يتركه متى شاء، ويكون له نصف ما حصد، ولا يجوز أن يستأجره على حصاد يوم بنصف ما يحصد فيه، وإن اشترط أن يترك متى شاء، ويكون له نصف ما حصد. ولا يجوز له أن يجاعله على حصاد زرعه بنصفه إلا أن يشترط أن يكون له إن ترك نصف ما حصد، وكذلك لا يجوز أن يجاعله على حصاد يوم بنصف ما يحصد فيه، إلا أن يشترط أن يكون له إن ترك نصف ما حصد، والمواجرة والمجاعلة على بيع الثوب بدرهم خلاف ذلك، لا يجوز أن يواجره على بيع الثوب بدرهم إلا أن يضرب لذلك أجلا، والمجاعلة عكس ذلك، لا يجوز أن يجاعله بدرهم على بيع الثوب إذا لم يضرب لذلك أجلا، فحمل ابن القاسم قول الرجل: بع لي هذا الثوب، ولك درهم على الجعل، فأجازه إذا لم يضرب أجلا، ولم يجزه إذا ضرب أجلا إلا أن

مسألة: يكون له العبد الخياط أو النجار فيستأجره الرجل في غير عمله

يشترط متى شاء أن يتركه تركه، يريد ويكون له من الدرهم بحساب ما مضى من الأجل؛ لأنه إذا اشترط ذلك، فقد أفصحا بأنها إجارة صحيحة بخيار فجازت. وقد أجاز ذلك، وإن لم يشترط متى شاء أن يتركه تركه. وقال سحنون في المدونة: إنه جل قوله الذي يعتمد عليه. فالوجه في ذلك أنه حمل قوله: بع لي هذا الثوب اليوم، ولك درهم على الإجارة. وقد قيل في تأويل ذلك غير ما قول قد ذكرته في غير هذا الكتاب. وقوله: إنه ليس لرب المال أن يمنع العامل العمل فيه، يقتضي ظاهره أن الجعل لازم للجاعل بالعقد، وإن لم يشرع المجعول له في العمل، وهو أحد قولي ابن حبيب في الواضحة، خلاف قول سحنون في سماعه، ورواية علي بن زياد، عن مالك فيه، ورواية أشهب عنه في سماعه، من تضمين الصناع من أن الجعل لا يلزم الجاعل حتى يشرع المجعول له في العمل. وجه القول الأول أن الجاعل لما كان ما أخرج معلوما، ولم يجز أن يكون مجهولا لزمه، وأن المجعول له لما كان ما أخرج يجوز أن يكون مجهولا لم يلزمه، ألا ترى أن الإجارة لما كانت معلوما في معلوم لزمتهما جميعا، ولم يكن لواحد منهما الرجوع، ووجه القول الثاني: أن المجعول له لما كان لا يلزمه الجعل، وجب ألا يلزم الجاعل إلا أن يشرع المجعول له في العمل، فيلزمه؛ لئلا يبطل عليه ما مضى من عمله، وهذا القول أظهر، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون له العبد الخياط أو النجار فيستأجره الرجل في غير عمله] مسألة ولقد سئل مالك عن الرجل يكون له العبد الخياط أو النجار، فيستأجره الرجل في غير عمله، إما يستحمله شيئا، أو ينتقل لبناء أو غير ذلك من الأعمال، فيصاب فيه العبد، هل على من استأجره

ضمان؟ قال: لا ضمان على من استأجره. وذلك أن الرجل قد يرسل عبده يعمل في البنيان، ويضرب عليه الخراج، فلا يجد العبد العمل، فيستأجره رجل في غير عمله، فلا أرى عليه ضمانا إن أصابه شيء في ذلك، إلا أن يستعمله في عمل مخوف فيه غرر ومخاطرة، فلا يفعل ذلك إلا بإذن سيده. قال ابن القاسم: أو يبعثه سفرا. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا: إنه لا ضمان على من استأجر العبد بغير إذن سيده في غير عمله، فعطب فيه، إلا أن يكون العمل الذي استعمله فيه مخوفا فيه غرر ومخاطرة، مثل قول ربيعة في المدونة، ومالك في رواية ابن وهب عنهما، خلاف قوله فيها وروايته عن مالك في أنه ضامن، إذا كان العمل يعطب في مثله، وإن لم يكن مخوفا ولا غررا. وقوله في هذه الرواية على ما ذهب إليه ربيعة ومالك في رواية ابن وهب عنهما، أنه لا ضمان عليه، وإن كان العمل يعطب في مثله، ما لم يكن مخوفا وغررا هو الصحيح في النظر؛ لأنه لم يتعد على سيد العبد في استئجاره عبده فيما زعم العبد أنه أذن له فيه، وإنما المتعدي عليه في ذلك عبده. فهو كمن استأجر عبدا من غاصب، وهو لا يعلم، فتلف فيما استأجره فيه. وإنما يضمن إذا استعمله عملا مخوفا فيه غرر؛ لأنه كأنه قصد إلى إتلافه، وذلك إذا كان العبد لا يعمل في مثل ذلك العمل، وأما إن كان يعمل مثل ذلك العمل، فلا ضمان عليه فيه؛ حكى ابن حبيب عن ربيعة أنه سمع رجلا، قال لسعيد بن المسيب: استأجر معاوية بن عبد الله بن جعفر غلاما، فأنزله في بئر له، فأسر الغلام فيها فمات، فخاصمه سيد الغلام إلى عمر بن عبد العزيز، فقال له سعيد: فماذا قضى به عمر؟ قال: أغرمه إياه. قال سعيد: فهل كان يعمل مثل ذلك العمل؟ قال: لا لم يكن يعمله. قال سعيد: فقد أصاب عمر. وقد كان يشبه ألا يضمن، وإن كان لا يعمل مثل ذلك إذا لم يعلم ذلك من حاله، وقال له العبد: إني أعمل مثل هذا العمل، وسيدي أذن لي في إيجار نفسي فيه فصدقه؛ لأن له في ذلك شبهة. ووجه قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أنه ضامن له إذا

عطب فيما يعطب في مثله من الأعمال، وإن لم يكن عملا مخوفا هو أنه أخطأ على سيده في استعماله فيما لم يأذن فيه من الأعمال، وأموال الناس تضمن بالعمد والخطأ، وفارق ذلك من استأجر عبدا من غاصب أو اشتراه منه فتلف في عمله، أن السيد ليس له على من يرجع إذا أجر العبد نفسه؛ إذ لا يضمن العبد لسيده، وله في الغصب على من يرجع على الغاصب، وكان يلزم على قياس هذا أن يضمن، ولو كان العمل لا يعطب في مثله؛ لأنه وضع عليه يده خطأ في موضع ليس فيه من يضمن لسيده، فوجب أن يضمن؛ لأن من تعدى أو أخطأ يضمن بمجرد النقل دون الاستعمال، إلا أن يقال: إن هذا القدر من النقل، يمكن أن يتصرف فيه العبد لو لم يواجر، فصار المستأجر له كأنه ما نقله من موضع إلى موضع، وإنما استعمله في موضعه، فوجب ألا يضمن إلا أن يكون عملا يعطب في مثله، وسواء على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة استأجره أو استعمله، لا يضمن إلا أن يكون العمل يعطب في مثله خلاف قول ربيعة فيها: إنه يضمن إذا استعانه في أمر تنبغي فيه الإجارة، وإن كان قد أذن له في الإجارة، وهو أظهر؛ لأنه وإن كان قد أذن له في الإجارة، فلم يؤذن له في هبة منافعه، وقد اختلف فيمن استأجر عبدا، وهو يظنه حرا، ودفع إليه إجارته فاستحقه سيده، وقد أتلف الإجارة، فحكى عبد الحق عن بعض شيوخه القرويين أنه لا رجوع له بالإجارة على المستأجر، إذا كان العبد ظاهر الحرية؛ لأنه لم يتعد في الدفع إليه، وقال ذلك غيره إذا طالت إقامة العبد بالبلد، واستفاضت حريته، قال: وإن لم تطل إقامته، فليغرم المستأجر الأجرة ثانية، وخالف ذلك غيره، وقال: إنه يغرم الأجرة ثانية على كل حال؛ لأن العبد بائع لسلعة مولاه وهي خدمته، وهو غير ما دون له بذلك، فلا يبرأ من دفع إليه؛ لأنه دفع لغير مستحق. قال محمد بن رشد: يريد إذا كانت الأجرة مساوية لقيمة العمل.

انقطع إلى رجل فأقام معه مدة يقوم في حوائجه ثم مات فطلب المنقطع أجرا

وأما إن كانت أقل أو أكثر، فليأخذ منه القيمة. قال عبد الحق: وهو عندي أقيس، والأول أشبه بمذهبه في المدونة، قياسا على من مات فأنفذت وصاياه، وبيعت تركته، ثم استحقت رقبته، وقد كان معروفا بالحرية أو غير معروف. قال محمد بن رشد: وهو كما قال عبد الحق: القياس أن يغرم المستأجر الأجرة ثانية لسيد العبد؛ لأن منافع العبد الذي بذل له العوض فيها قد استهلكها، وانتفع بها، فوجب أن يغرم قيمتها لسيده قياسا على قولهم فيمن اشترى طعاما فأكله، أو ثوبا فاستهلكه، ثم استحق أن سيده مخير بين أن يضمن المبتاع قيمة ذلك لاستهلاكه إياه، وبين أن يجيز البيع، فيأخذ الثمن من البائع. وقد قال في كتاب الغصب من المدونة فيمن استأجر ثوبا فاستعمله، ثم استحق أن للمستحق أن يضمنه ما نقصه استعماله وله، على قياس ما ذكرناه، أن يأخذ منه قيمة الاستعمال، وبالله التوفيق. [انقطع إلى رجل فأقام معه مدة يقوم في حوائجه ثم مات فطلب المنقطع أجرا] ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته وكتب إليه صاحب الشرطة، يسأله عن رجل انقطع إلى رجل، فأقام معه ثلاثة أشهر يقوم في حوائجه، ثم مات المنقطع إليه وقام المنقطع يطلب أجر ما أقام معه، وله بينة على عدد الشهور، فكتب إليه إن كان يرى أن مثله إنما ينقطع إليه، رجاء أن يثيبه في قيامه ونظره، فأحلفه ما أتى به بشيء، ثم أعطه أجرة مثله في أمانته وقيامه وجرأته، فإن الناس قد يكونون في الأمانة سواء، وبعضهم أجرأ من بعض، وأكفأ وأحسن نظرا، فأعطه بعد أن يحلف أجر مثله في حاله. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن له أن يرجع عليه بإجارة مثله بعد يمينه أنه ما أتى به على شيء من تصرفه له، يريد ويزيد في يمينه ما كان قيامه معه، وتصرفه له احتسابا، إلا ليرجع عليه بحقه إن لم

الوصيفة تكون للرجل وأبوها حر فيتركها السيد عند أبيها حتى تكبر ثم يريد أخذها

يثبه على ذلك، يبين هذا قوله في أول مسألة من سماع يحيى بعد هذا، ونحو هذا في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، من كتاب الرهون، وبالله التوفيق. [الوصيفة تكون للرجل وأبوها حر فيتركها السيد عند أبيها حتى تكبر ثم يريد أخذها] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى: وسألته عن الوصيفة تكون للرجل وأبوها حر فيتركها السيد عند أبيها حتى تكبر، ثم يريد أخذها فيطلب أبوها السيد بما أنفق عليها، أيكون ذلك له؟ قال: أرى أن يحلف بالله ما كان إنفاقه عليها احتسابا، ولا أراد وضع ذلك عن السيد، ثم يعدى به عليه. قلت: فإذا كان له أن يأخذ السيد بما أنفق عليها، أيكون للسيد أن يأخذ الأب بأجرة مثلها؟ قال: لا أرى ذلك على الأب. قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن يحلف بالله ما كان إنفاقه عليها احتسابا، ولا أراد وضع ذلك عن السيد، يبين اليمين في مسألة رسم جاع قبل هذا. وقوله: إنه لا أجرة لسيدها على أبيها، معناه إذا لم يستعملها لنفسه في مثل الغزل والصناعة، وإنما كان ينتفع بها في تصرفها له في حوائجه في البيت الذي لو لم تتصرف له فيها، لم يحتج إلى الاستئجار عليها، وهو استحسان. والقياس أنه إذا رجع على سيدها بالنفقة رجع سيدها عليه بقيمة انتفاعه بها؛ لأن من حقه أن يقول: إنما تركتها له ينتفع بها ليكفيني مئونة نفقتها كالمخدمة التي تكون نفقتها على المخدم، فإذا قال: ذلك حلف على هذا، ورجع عليه بقيمة انتفاعه بها، وأما إذا استعملها لنفسه في مثل الغزل والصناعة، فلا إشكال في أن له الرجوع عليه بالأجرة في ذلك، يبين ذلك ما وقع في سماع زونان، من كتاب الرهون، وبالله التوفيق.

يستأجره في حصاد الزرع فيقول له احصد هذا الزرع كله على أن لك نصفه

[يستأجره في حصاد الزرع فيقول له احصد هذا الزرع كله على أن لك نصفه] ومن كتاب أوله يشتري البذور والمزارع وقال ابن القاسم في الرجل يستأجر أجيرا في حصاد الزرع فيقول له: احصد هذا الزرع كله على أن لك نصفه، فيحصده أو بعضه، ثم تصيبه نار فتحرقه، أو بعض ما يتلفه: إن ضمانه منهما جميعا. وعلى الأجير إن كان لم يحصده كله أن يستعمله رب الزرع في حصاد مثل ما كان بقي منه؛ لأن الإجارة قد كانت ثبتت عليه في حصاد نصف الزرع بنصفه. قال: وإن قال له: احصد منه ما شئت، فما حصدت فلك نصفه، فيحصد بعضه، ثم هلك الزرع، فضمان ما حصد منهما، وضمان ما بقي من صاحبه، ولا يتبع واحد منهما صاحبه بشيء؛ لأنه لم تجب عليه إجارة في شيء بعينه، وإنما كان له أن يحصد ما شاء، ويترك ما شاء. قال: وإن قال له: احصده كله، وادرسه كله، وصفه كله، ولك نصفه، فيحصده أو بعضه، ثم هلك الزرع، فضمانه كله من صاحبه، وللأجير أجرة مثله فيما عمل؛ لأن الإجارة كانت فاسدة. ولا يصلح لرجل أن يستأجر أجيرا في شيء من الأعمال بنصف ما يخرج من زرعه بعد أن يصفيه؛ لأن ذلك بيع لا يحل. قال محمد بن رشد: أما إجازته الاستئجار على حصاد الزرع بعد يبسه بنصفه أو بجزء منه معلوم، فمثله في المدونة ولا اختلاف فيه. وقوله: إن مصيبته منهما جميعا إن تلف بنار أو غيره مما يتلف به الفدان

بعد أن يحصد بعضه، يريد أو قبل أن يحصد شيء منه صحيح؛ لأن نصفه يجب للأجير بعقد الإجارة، ويحصلان فيه شريكين. وأما قوله: وعلى الأجير إن كان لم يحصده كله أن يستعمله رب الزرع في حصاد مثل ما كان بقي منه؛ لأن الإجارة قد كانت ثبتت عليه في حصاد نصفه بنصفه، فهو خلاف المشهور في المذهب، من أن الإجارة تفسخ بتلف الشيء المستأجر على عمله بعينه حسبما مضى في رسم المحرم، من سماع ابن القاسم، ورسم العتق من سماع عيسى. والواجب في هذه المسألة على المشهور في المذهب من أن الإجارة تنفسخ بتلف الشيء المستأجر عليه بعينه إذا تلف الزرع أن يكون على الأجير قيمة نصفه، أو قيمة نصف ما بقي منه إن كان تلفه بعد حصاد بعضه؛ لأنه يدخل في ضمانه بعقد الإجارة، فإذا تلف جميعه وجب أن يرد قيمة نصفه كما لو اشترى نصفه بعرض فتلف جميعه بعد الشراء، ثم استحق العرض. وأما قوله: إنه إن استأجره على حصاده ودرسه وتصفية نصفه، فهي إجارة فاسدة، فهو مثل قوله في المدونة، خلاف ما مضى في أول رسم من سماع أشهب. وقد مضى القول على ذلك هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته. وإذا كانت الإجارة فاسدة، فالضمان من البائع ما لم يحصد؛ لأن الفساد فيه لا في الثمن، ولو كان الفساد في الثمن لدخل بالعقد في ضمان المبتاع، على ما مضى في آخر سماع سحنون، من كتاب جامع البيوع. هذا هو المشهور في المذهب. وقد قيل: إن البيع الفاسد ضمانه من البائع، وإن قبضه المبتاع، وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد، من جامع البيوع، فقوله في هذه الرواية: إن الزرع إذا هلك بعد أن يحصده أو يحصد بعضه، فضمانه كله من صاحبه، وللأجير أجرته فيما عمل؛ لأن الإجارة كانت فاسدة، إنما يأتي على رواية أبي زيد هذه الشاذة في المذهب. والذي يأتي في هذه المسألة على المشهور فيه من دخول المبيع في البيع الفاسد، في ضمان

يقول للرجل: قم لي بطلب شفعتي ولك إن استحققتها نصف سهمي

المشتري بالقبض، أن يكون على الأجير نصف قيمة ما هلك من الزرع بعد حصاده، ويكون له نصف أجرة مثله في حصاده، وإن كان أخذ منه شيئا كان عليه نصف مكيلته، أو نصف قيمته إن لم تعرف مكيلته، وكذلك وقع لابن القاسم في الدمياطية، وبالله التوفيق. [يقول للرجل: قم لي بطلب شفعتي ولك إن استحققتها نصف سهمي] ومن كتاب أوله أول عبد أبتاعه فهو حر قال: وسألته عن الرجل يقول للرجل: قم لي بطلب شفعتي ولك إن استحققتها نصف سهمي، ونصف ما تأخذ لي بالشفعة في قيامك لي. قال: لا يصلح الجعل في الخصومة، وذلك أنه لا يعرف للفراغ منها قدر، فأنا أحب لمن استأجر رجلا يطلب حقا له بالخصومة أن يقطع لذلك أجرة وزمانا ينتهي إليه قيامه بطلب ذلك الحق، وإلا لم يصلح ما يتجاعلان عليه. قال: وأما الذي سألت عنه في صاحب الشفعة فهو مكروه؛ لأن الجعل في الخصومة إن كان حلالا لم يجز له أن يجعل جعله ما لا يملك بعد، والجعل من باب الإجارة، والإجارة بيع، ولا يجوز لأحد أن يبيع ما لا يملك، وما ليس في يديه ألا ترى أن طالب الشفعة وإن كانت ثابتة فهو لا يبيعها قبل أن يحكم له بها؛ لأن ضمانها من الذي هي في يديه، فمن استأجر بها رجلا فهو كمن باعها؛ لأنه قد باعها لأجير بعمله وقيامه بالذي تعاملا به غير جائز من غير وجه واحد. قال محمد بن رشد: أما الجعل في الخصومة على إن أفلح فله

جعل مثله، وإن لم يفلح فلا شيء له، فإن اختلاف قول مالك في جواز ذلك، واقع في آخر كتاب الجعل والإجارة من المدونة، وقد اختلف في ذلك أيضا قول ابن القاسم: روى يحيى عنه في أول رسم من سماع يحيى، من كتاب البضائع والوكالات إجازة ذلك، خلاف قوله في هذه الرواية، وفي سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات. والأظهر إجازة ذلك؛ لأن الجعل على المجهول جائز، وإنما كرها ذلك في أحد قوليهما إذا كثر الجهل فيه استحسانا، وأما إذا قل وكان الشيء الذي يخاصم فيه شيئا معروف القدر، خفيف الخطب، وجه الشخوص فيه لا يكاد يختلف فهو جائز، كذلك قال ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات. وقوله: فأنا أحب لمن استأجر رجلا على طلب حق له بالخصومة أن يقطع لذلك أجرة وزمانا ينتهي إليه قيامه بذلك الحق، صحيح على ما قال، لا بد في الإجارة على ذلك من ضرب الأجل، كالذي يستأجر الرجل على بيع الثوب، لا بد فيه من ضرب الأجل، فإذا بلغه استوجب أجرته ظفر أو لم يظفر، قاله مالك في كتاب ابن المواز، وهو صحيح على معنى ما في المدونة. قال ابن القاسم: ثم ليس له تركه حتى يستخرجه. وقال أصبغ: يجوز وإن لم يضرب أجلا إذا كان لذلك وقت قد عرفه الناس، كالإجارة على بيع السلعة، والأجل على كل حال أحسن. وأما قوله: ولو كان الجعل في الخصومة حلالا لم يجز له أن يجعل جعله ما لا يملك ففيه نظر؛ لأنه إنما لم يجز للرجل أن يبيع ما لا يملك أو يستأجر به؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد باعه أو استأجر به على أن يتخلصه للمبتاع أو للأجير من ربه، وذلك غرر بين؛ إذ لا يدري بما يتخلصه به، ولعله لا يقدر على أن يتخلصه، فيرد إلى المبتاع ماله إن كان قد نقده، فيكون مرة بيعا ومرة سلفا؛ والجعل لا ينقد فيه، ولا يستحق إلا بتمام العمل.

يستأجر الرجل شهرا يحرث له فينكسر المحراث أو يموت الزوج

وإذا تم العمل في هذه المسألة تقرر الملك في الجعل للجاعل، ووجب للمجعول له. فلما كان لا يجب الجعل على الجاعل إلا بعد تقرر الملك له فيه، وجب أن يجوز لعدم التخليص الذي هو العلة في أنه لا يجوز للرجل بيع ما لا يملك، ولقد أجاز في رسم المكاتب، من سماع يحيى، من كتاب جامع البيوع أن يبيع ما لم يملك بعد إذا كان قد أعطى صاحبه فيه ثمنا وقارب أن يشتريه منه، فكيف بهذا؟! وبالله التوفيق. [يستأجر الرجل شهرا يحرث له فينكسر المحراث أو يموت الزوج] من سماع سحنون بن سعيد من عبد الرحمن بن القاسم قال ابن القاسم في الرجل يستأجر الرجل شهرا يحرث له، فينكسر المحراث، أو يموت الزوج، أو يمطر فيحتبس اليوم وما أشبهه. قال: أما كسر المحراث وموت الزوج فإن الكراء فيه لازم؛ لأن حبسه جاء من قبل المحراث، ورب الزوج. وأما المطر فهو منع من الله، وهو بمنزلة المرض، فليس للأجير في ذلك إجارة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن المستأجر كان يقدر أن يعد زوجا غيرها، أو محراثا غيره، فإذا لم يفعل وجب للأجير أجره كاملا؛ لأن الحبس جاء من قبله، بخلاف المطر الذي هو من الله لا صنع لأحد فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: جعل لرجل جعلا في اقتضاء دين له في القرية التي هو فيها] مسألة قال سحنون: قال علي بن زياد، سئل مالك عن رجل

مسألة: دفع إلى رجل فرسا على أن يعلفه سنة بستة دنانير

جعل لرجل جعلا في اقتضاء دين له في القرية التي هو فيها، ثم قدم صاحب الدين، فأراد أن ينزع عما جعل له، ويجعل لغيره، فقال مالك: لا أرى ذلك له إذا أخذ المجعول له في التقاضي والعمل. قال سحنون: كل من جعل لرجل جعلا، فشرع المجعول له في ذلك الشيء، فليس للجاعل أن يخرجه على حال، وللمجعول له أن يخرج متى شاء، ولا يلزمه شيء. قال محمد بن رشد: هذا بين أنه ليس له أن ينزع بعد أن شرع المجعول له في التقاضي والعمل؛ لأنه يبطل بذلك ما مضى من عمله، وإنما الخلاف هل له أن ينزع قبل أن يشرع المجعول له في العمل، أو ليس ذلك له، ويلزمه الجعل بالعقد؟ وقد مضى القول على ذلك في رسم العتق من سماع عيسى. وأما المجعول له فلا يلزمه التمادي على العمل، وإن شرع فيه؛ إذ لا ضرر على الجاعل في تركه العمل بعد شروعه فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إلى رجل فرسا على أن يعلفه سنة بستة دنانير] مسألة وقال سحنون: سئل ابن القاسم عن رجل دفع إلى رجل فرسا على أن يعلفه سنة بستة دنانير، هل يجوز له؟ قال: نعم، لا بأس بذلك في الفرس، وفي العبد يعطيه سيده رجلا على أن يكفيه الرجل عوله من عنده سنة بكذا وكذا، فذلك جائز لا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة من

مسألة: خاصم في القرية على أن له ثلثا ثم تصدق عليه بذلك الثلث

إجازة كراء الدابة بعلفها، والأجير بطعامه، وإن لم توصف النفقة، ولا سيما كيل علف الدابة؛ لأن ذلك معروف عند الناس، فاستغني فيه عن الوصف بالعرف، وبالله التوفيق. [مسألة: خاصم في القرية على أن له ثلثا ثم تصدق عليه بذلك الثلث] مسألة قال ابن القاسم في مسألة الجعل في الذي خاصم في القرية على أن له ثلثا، ثم تصدق عليه بذلك الثلث، وقبضه وحازه، ثم قاموا عليه فقالوا: إن الجعل لا يجوز، وقال: إنما هي صدقة، فأقام البينة على صدقته، وأقاموا البينة على أنه أقر أنه إنما أخذه على جعله في الخصومة، وهم مقرون بالصدقة، وذلك أنهم قالوا: إنما فعلنا؛ لأنا ظننا أن ذلك يلزمنا، وإنما قاموا عليه بعد سنين. فرأى أن إقراره لم يضره، ولم ير ما ادعوا من الجهالة في الصدفة ما ينتفعون به، وقال: كأنهم أعطوه إذ تصدقوا به عليه فيما كان وجب له من جعله. وذلك أنه إذا كانت تصير له إجارة، فكأنهم أعطوه هؤلاء الإجارة، ولم يعذرهم بالجهالة؛ لأنه قد أقام يحوزها سنين. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة هاهنا ملخصة محذوفة السؤال والجواب، ووقعت في رسم الأقضية، من سماع يحيى، من كتاب الصدقات والهبات بكمالها، وبعض ألفاظها مخالفة لما لخصت به هنا، والمعنى فيها أن الرجل خاصم في القرية لأربابها، فلما استحقها

مسألة: الصياح على المتاع في السوق على جعل

لهم تصدقوا عليه بثلثها، فقبض الثلث وحازه، ثم إنهم قاموا عليه بعد سنين فقالوا: إنا كنا جاعلناك على الخصام في القرية بثلثها الذي دفعناه إليك، وذلك لا يجوز لك؛ لأنه جعل فاسد لا يجوز، وأقاموا البينة على إقراره بأنه أخذه على جعله، وقال: هو إنما أخدته بالصدقة، وأقام البينة على الصدقة، فأقروا بها، وقالوا: إنما تصدقنا عليك به؛ لأننا ظننا أن ذلك يلزمنا بالجعل الذي شارطنا عليه، فلم ير ابن القاسم إقراره بأنه أخذه على جعله ضائرا له؛ لأن بإزائه إقرارهم له بالصدقة التي ادعى، ولم يعذرهم فيها بالجهالة مع احتمال إقراره بأنه أخذه على جعله أنه أخذه فيما وجب له من الجعل، لا على أنه جاعلهم على ذلك. واستظهر على ذلك في سماع يحيى، من كتاب الصدقات والهبات باليمن، على أنه لم يقاطعهم بالثلث قبل الخصومة، وإنما طاعوا له بها بعدها شكرا ومكافأة عليها، من أجل ما تضمنه السؤال من أنه شهد عليه أنه ادعى عند القاضي أنه جاعلهم على الخصام عنهم في القرية على ثلثها، فلا يعد ذلك اختلافا من قوله، وسنتكلم على رواية يحيى إذا مررنا بها إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق. [مسألة: الصياح على المتاع في السوق على جعل] مسألة قال سحنون في الرجل يستأجر على الصياح على المتاع في السوق على جعل: إن ذلك الجعل فاسد؛ لأنه يصيح النهار كله، وليس إليه إمضاء البيع وإمضاؤه إلى رب المتاع، فهذا جعل فاسد لا يدري أيعطى في السلعة ما يرضى به صاحب السلعة أم لا. ولو كان إمضاء البيع والنظر إلى الصائح، لم يكن بالجعل بأس، وقال سحنون: وهذه المسألة جيدة.

مسألة: البيع والإجارة في الشيء المبيع

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة جيدة على ما قال سحنون، ولا يجوز الجعل على البيع إلا على أحد وجهين؛ إما أن يسمي له ثمنا، أو يفوض إليه البيع بما يراه، ولا اختلاف في هذا، ومثله لابن القاسم في بعض الروايات، في رسم حلف من سماع ابن القاسم، ذكر ذلك في المدنية من كتاب أوله الرجل يحلف بطلاق امرأته، وبالله التوفيق. [مسألة: البيع والإجارة في الشيء المبيع] مسألة وسئل سحنون عن البيع والإجارة، فقال: جائز في غير ذلك الشيء، ولا يجوز في ذلك الشيء بعينه. قال محمد بن رشد: هذا معلوم مشهور من مذهب سحنون، أن البيع والإجارة في الشيء المبيع لا يجوز عنده على حال، وهو جائز على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك فيما يعرف وجه خروجه بعد العمل كالثوب، على أن على البائع خياطته وما أشبه ذلك، وفيما لا يعرف وجه خروجه إذا كان يمكن إعادته للعمل، كالصفر على أن يعمل منه البائع قدحا، وما أشبه ذلك. وأما ما لا يعرف وجه خروجه، ولا يمكن إعادته للعمل كالغزل على أن على البائع نسجه، أو الزيتون على أن على البائع عصرها، أو الزرع على أن على البائع حصده ودرسه، وما أشبه ذلك فلا يجوز باتفاق، وقد مضى هذا المعنى في غير ما موضع من هذا الكتاب، ومن كتاب جامع البيوع، والله الموفق. [يعلم الصبيان الكتاب ولا يشارط] ومن كتاب جامع البيوع من مسائل نوازل سئل عنها سحنون بن سعيد وسئل سحنون عن الرجل يعلم الصبيان الكتاب، ولا يشارط

على شيء من تعليمه، فيجري له في الشهر الدرهم والدرهمين، ثم يحذقه المعلم فيطلب منه الحذقة، ويأبى الأب أن يغرم، ويقول: إن حقك فيما قبضت. قال سحنون: إنما ينظر في هذا إلى حال البلد وسنتهم في ذلك، فيحملون على ذلك، إلا أن يكون رجلا اشترط شيئا فله شرطه. وأما الحذقة فليس فيها شيء معروف، إلا على قدر الرجل وحاله. قال محمد بن رشد: إنما سئل أولا عن الحذقة، هل يقضي بها، فقال: إنه ينظر في ذلك إلى حال البلد وسنتهم، فيحملون على ذلك، فقوله بعد ذلك: وأما الحذقة فليس بوجه الكلام؛ إذ عليها تكلم أولا، فكان من حق الكلام أن يقول: وليس فيها شيء معروف إلا على قدر الرجل وحاله. وإيجابه القضاء بالحذقة إذا كانت جارية بالبلد، وإن لم تشترط هو على أحد قولي مالك في رسم القبائل، من سماع ابن القاسم، من كتاب النكاح، وفي رسم لم يدرك، من سماع عيسى منه، في أن هدية العرس يقضى بها، وإن لم تشترط إذا كانت جارية بالبلد، ولم يحكم بها في قوله: إنه يقضى بها بحكم الصداق كالمشترطة، ولا بحكم الهبة، وإنما حكم لها بحكم الصلة التي يراد بها عين الموصول، فأبطلها بموت من مات منهما. وكذلك يجب في الحذقة على قياس قوله ألا يقضى بها لورثته إن مات على الأب، ولا على ورثة الأب إن مات المعلم، وإنما يقضى بها للمعلم على الأب في حياتهما، وعلى هذا يأتي قول ابن حبيب؛ لأنه فرق بين الحذقة المشترطة والواجبة بالعرف في موت الصبي أو إخراجه قبل بلوغه إلى الحذقة حسبما مضى القول فيه في رسم البيوع الأول من سماع أشهب، وبالله التوفيق.

مسألة: حمل طعاما في سفينة فغرقت بعد أن بلغت الساحل

[مسألة: حمل طعاما في سفينة فغرقت بعد أن بلغت الساحل] مسألة وقال في رجل حمل طعاما في سفينة، فلما انتهت السفينة نصف البحر غرقت بعد أن بلغت الساحل. قال: لا كراء لصاحب السفينة. قلت: فلو حمل طعاما من الإسكندرية إلى الفسطاط في سفينة، فغرقت في بعض الطريق، فاستخرج بعض الطعام، فحمل على غيرها إلى الفسطاط؟ قال: لرب السفينة التي غرقت من كراء الطعام الذي أخرج بقدر ما انتفع به صاحبه من بلوغه إلى الموضع الذي غرقت فيه السفينة. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما قال ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة في أن كراء السفن على البلاغ، وعلى هذا يأتي ما في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، من كتاب الرواحل والدواب، في أنه لا كراء لصاحب المركب فيما ألقى من المتاع في البحر لهو له، وإليه ينحو قول أصبغ في نوازله من الكتاب المذكور. وسيأتي الكلام عليه في موضعه إن شاء الله. والقياس قول ابن نافع في المدونة أن لها بحساب ما بلغت؛ لأن الكراء على البلاغ أخذ بشبه من الجعل والإجارة، وليس بجعل محض، ولا بإجارة محضة، فهو استحسان. وكذلك قول ابن القاسم في المدونة: إن ما عثرت به الدابة أو الحمال على ظهره فتلف؛ أنه لا ضمان عليه، ولا كراء له هو استحسان أيضا، والقياس قول غيره أن له كراء ما سار من الطريق؛ لأن الضمان إذا سقط عنه، فهو بمنزلة ما تلف بأمر السماء، وبالله التوفيق. [مسألة: استأجروا أجيرا يحرس لهم أعدال متاع] مسألة وسئل عن قوم استأجروا أجيرا يحرس لهم أعدال متاع لكل

رجل منهم العشرة الأعدال، والخمسة، والثلاثة، هل تكون الإجارة على قدر عدد ما لكل رجل منهم من الأعدال، أو تكون على عدد القوم؟ قال: الإجارة في مثل هذا تكون على عدد الرجال، ولا تكون على عدد الأعدال؛ لأن الحارس يتمون في القليل من المتاع، أو في النظر إليه، ويرد النوم عنه، كما يتمون في الكثير. قيل له: وكذلك لو استأجروا أجيرا يحرس لهم حبال مقاثي، وهي مختلفة الطول والعرض والعدد، يكون لأحدهم حبلان، وللآخر ثلاثة، والكرم يكون لهم على هذه الحال، وبعضها أكبر من بعض، وأكثر عددا؟ قال: نعم، الجواب واحد في المسألتين جميعا. قلت: أرأيت إن استأجروه على أن يجمع لهم ثمر هذه الكروم والحمال والمقاثي، أو على أن يحرسها ويجمع ثمرتها، وهي في القرب واحد بعضها قريبة من بعض، بدراهم مسماة جملة واحدة؟ قال: إذا استأجر قوم أجيرا على عمل مختلف مثل أن يكون لأحدهم عشرة فدادين، ولآخر خمسة، ولآخر واحد، فهذا عمل، وعمل القليل والكثير ليس بسواء، وهو عندنا فاسد؛ لأن عمله يكون على كل قوم بقدر قيمة ماله فيقسم الكراء على ذلك، فلا يدري ما أجر نفسه به من كل واحد إلا من بعد القيمة، مثل الرجلين يبيعان العبدين بمائة دينار من رجل، وهما مختلفا القيمة، فيكون كل واحد منهما لا يدري بما باع به سلعته إلا بعد القيمة، فكذلك الأجير لا يدري ما يتبع به كل واحد إلا من بعد القيمة، وقد

مسألة: كراء أحواض الملح أشهرا معلومة بالدنانير والدراهم أو العروض

قال ابن القاسم في مسألة العبدين: إنه جائز، وذكر عن مالك ما يشبه، وهو قول أشهب: إنه جائز في الشراء. قال محمد بن رشد: قوله في أجرة الأجير على حرز الأعدال للجماعة من الناس: إنها تكون على عدد الرءوس لا على عدد الأعدال، هو على قول ابن القاسم في كتاب الأقضية من المدونة في أجرة القيام: إنها تكون على عدد الرءوس لا على قدر الأنصباء، وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم، فروى يحيى عنه في أول سماعه من كتاب البضائع والوكالات في أجرة الأجير على الخصام، أنها تكون على قدر الأنصباء لا على عدد الرءوس، وهو الأظهر، وإليه ذهب أصبغ في نوازله، من كتاب السداد والأنهار. وقال به محمد بن عبد الحكم، واحتج بقوله: إن الأجرة إن جعلت على عدد الرءوس ربما صار على القليل النصيب من الأجرة أكثر من قيمته، وهو كما قال. وأما إذا استأجره جماعة على جمع ثمار كرومهم، فقوله: إن ذلك غير جائز، وهو فاسد عندئذ، جار على اختلافهم في إجازة جمع الرجلين سلعتيهما في البيع، فهو بين على ما قال، فلا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: كراء أحواض الملح أشهرا معلومة بالدنانير والدراهم أو العروض] مسألة وسئل سحنون عن الرجل يكون له الأحواض من الملح، ويكون له شرب معروف من بين، فيريد أن يقبلها لأشهر معلومة بالدنانير والدراهم، قال: إذا كان كما ذكرت من معرفة شربها، فلا بأس بذلك. قلت: فإن أراد يقبلها أشهرا بملح يكون عليه مضمونا،

أترى بذلك بأسا؟ قال: إذا كان مضمونا على المستأجر، فلا بأس بذلك. قلت: فلو استأجره بثلث ما يرفع فيها أو النصف؟ قال: ذلك جائز. قال محمد بن رشد: هذه المسائل الثلاث عابها الناس قديما وحديثا، واعترضوها وقالوا: إنها مخالفة للأصول، والأولى أخفها. ووجه الاعتراض فيها أنه قد علم أن الحر إذا اشتد كثر عقد الملح، وإذا خف قل عقده، فكراؤها أشهرا معلومة بالدنانير والدراهم أو العروض ينبغي ألا يجوز، كما لا يجوز شراء ما أطعمت المقثاة أشهرا؛ لأنه إذا اشتد الحر كثر حملها، وإذا كان البرد قل حملها. ووجه تفرقة سحنون بين المسألتين أن نبات المقثاة لا عمل للمشتري فيه، وإنما يكون على قدر ما يكون في تلك المدة من الحر أو البرد، وأما عقد الملح، فإن كان يكثر بشدة الحر، ويقل بقلته، فإن لخدمة المكتري في ذلك تأثيرا، فقد تقل الملاحة بكثرة الخدمة مع قلة الحر، أكثر مما تقل مع كثرة الحر، وقلة الخدمة، وإن تركت خدمتها أصلا، ولم يجلب الماء إلى أحوضها، لم يكن فيها من الملح قليل ولا كثير. وهو فرق بين، والإجازة فيها أظهر من المنع. أو أما كراؤها لجميع مدة الملح من العام بالدنانير والدراهم والعروض نقدا وإلى أجل، فلا اعتراض في ذلك، ولا إشكال في أن ذلك جائز، وأما كراؤها أشهرا مسماة بكيل من الملح، يكون على المكتري مضمونا، أو بجزء مما يخرج منها، فأجاز سحنون ذلك في هذه الراوية، وروى زياد عن مالك أنه قال: أكره أن يعطي الرجل ملاحته على النصف أو الثلث، أو ببعض ما يخرج منها. ووجه رواية زياد في كراهيته لكرائها أشهرا معلومة بكيل من الملح

يكون على المكتري مضمونا، هو أن الملح الذي يأخذه المكري من المكتري، هو من الماء الذي دفع إليه، فأشبه ذلك من سلف كتانا في ثوب كتان أو صوفا في ثوب صوف. ووجه ما ذهب إليه سحنون من إجازة ذلك، وتفرقته بين المسألتين، هو أن جل الكراء إنما وقع على الأحواض؛ إذ لا منفعة له في الماء دونها والماء تبع لها؛ إذ لو اكترى منه الأحواض دون الماء على أن يسوق إليها الماء، لم ينتفع صاحب الماء بمائه؛ إذا لم تكن له أحواض يسيره إليها، فكان ذلك بخلاف الذي أسلم كتانا في ثوب كتان أو صوفا في ثوب صوف؛ لأنه يعطيه الثياب من عين ما دفع إليه من الكتان أو الصوف، وإنما تشبه المسألتان لو باع منه شرب الملاحة دون الأحواض على أن يسوقه المبتاع إلى أحواض نفسه بكيل من الملح يكون عليه مضمونا. وأما كراؤها بالجزء منها، فوجه الكراهة فيها أنه كراء بثمن مجهول؛ لأن الجزء قد يقل ما يحصل فيه من الملح وقد يكثر، ووجه ما ذهب إليه سحنون من إجازة ذلك، هو أن المعنى في ذلك أنه لم يعتبر لفظ الإجارة، ورآها شركة كالمزارعة، جعل صاحب الملاحة أحواضه وشربه من الماء، وجعل الآخر خدمته في ذلك على أن يكون ما أخرج الله فيها من الملح بينهما بنصفين، أو على الثلث، أو الثلثين، أو ما أشبه ذلك، فوجب أن يجوز؛ لأن الشرب من الماء كالبذر في المزارعة، وهو توجيه فيه ضعف لإفصاحهما بلفظ الإجارة، ولو لم يفصحا بلفظ الإجارة، وأفصحا بلفظ الشركة لوجب أن يجوز، كما لو تزارع الرجلان على أن يجعل أحدهما الأرض، والبذر والآخر العمل وحده؛ لكانت مزارعة جائزة، فكذلك الملاحة. فتحصيل القول في هاتين المسألتين أنهما إن أفصحا فيهما بلفظ الإجارة لم يجز، وإن أفصحا في مسألة الملاحة بلفظ الشركة، وفي الثانية

مسألة: يأتي بدابته لينزي عليها فيقول لصاحب الفحل أنزه على هذه الدابة مرتين بدرهم

بلفظ المزارعة جازتا جميعا، وإن أتيا في كل واحدة منهما بلفظ محتمل للوجهين، تخرج ذلك على قولين، وبالله التوفيق. [مسألة: يأتي بدابته لينزي عليها فيقول لصاحب الفحل أنزه على هذه الدابة مرتين بدرهم] مسألة وسئل عن الرجل يأتي بدابته لينزي عليها، فيقول لصاحب الفحل: أنزه على هذه الدابة مرتين بدرهم، فيرضى صاحب الفحل فينزيه له ضربة فتعق الدابة، أترى له عليه نزوة أخرى إن أراد أن يأتي بدابة أخرى، أم ماذا له في ذلك؟ قال سحنون: أرى أن يرجع عليه بنصف الأجرة؛ لأن ذلك عندي بمنزلة المرضع تستأجر على رضاع صبي سنة فترضع ستة أشهر، ثم يموت الصبي، فإنها تأخذ بحساب ما أرضعت، ولا يكون لها ولا لهم أن يأتوها بصبي آخر. قال محمد بن رشد: هذه المسألة إحدى المسائل الأربع التي تنفسخ الإجارة فيها بذهاب الشيء المستأجر له. وقد مضى القول في هذا المعنى مقسما ملخصا مستوفى في رسم العتق، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أعطى رجلا ثوبا ليبيعه له بجعل فلما قبض الدنانير ضاعت من عنده] مسألة وسئل سحنون عن رجل أعطى رجلا ثوبا ليبيعه له بجعل، فلما قبض الدنانير ضاعت من عنده. هل يكون له الجعل الذي جعل له؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا بين كما قال؛ لأنه لما باع الثوب وجب له الجعل، فليس ضياع الثمن منه بعد ذلك بالذي يسقط له ما وجب له من

الصائح على الدقيق والعقار يقال له صح عليه فإن بعت فلك كذا وكذا

الجعل. ووقع في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، من كتاب الرواحل والدواب، فيمن تكارى حمالا، وبعث معه بدنانير إلى موضع ليبتاع له بها طعاما، فرجع وزعم أن الدنانير ضاعت منه أنه يحلف لقد ضاعت منه الدنانير، ولا يكون له فيها مواجرة. فذهب بعض الناس إلى أن المسألتين متعارضتان، وليس ذلك بصحيح؛ لأن مسألة سحنون جعل على بيع، فوجب للمجعول له جعله بالبيع، ومسألة مالك إجارة على الذهاب بالمال إلى بلد آخر، وشراء سلعة به، فلما ضاع منه المال بالطريق قبل الشراء لم يكن له فيما مضى منه أجرة؛ لأن تلف المال جاء منه، وذلك على أصله في المدونة في الذي يستأجر الحمال على حمل شيء بعينه، فيعتر به فيذهب، أنه لا ضمان عليه ولا كراء له، خلاف قول غيره، وبالله التوفيق. [الصائح على الدقيق والعقار يقال له صح عليه فإن بعت فلك كذا وكذا] من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن الصائح على الدقيق والعقار يقال له: صح عليه، فإن بعت فلك كذا وكذا، وإن لم تبع فلا شيء لك. قال ابن القاسم: ذلك مختلف، أما مثل الرأس الذي يؤمر ببيعه، أو الدار تباع، فإن ذلك يجوز فيه هذا؛ لأنه قد صاح فيه أياما كثيرة، وهو ينظر في حوائجه في خلال ذلك. قال ابن القاسم: وأما كل ما يباع من عاجل، فذلك لا يكون إلا بأجرة. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم شك في طوافه، وفي رسم حلف، من سماع ابن القاسم بيان وجه الكراهة في المجاعلة على الصياح، على الرقيق والثياب الكثيرة، فلا معنى لإعادة ذلك، وكذلك العقار الكثير، وأما الثوب والثوبان، والرأس والرأسان، فالمجاعلة على بيع ذلك جائز، إذا سمى لكل ثوب أو رأس منها جعلا، وكان مما لا يباع من عاجل؛ إذ ما يباع من عاجل ويتيقن وجود الثمن فيه، لا يجوز فيه الجعل على ما قال؛ لأن الجعل إنما يكون فيما إن بلغه المجعول له استحق جعله، وإن قصر عنه لم يكن له شيء، وبالله التوفيق.

قال لرجل اقتض ما لي على فلان ولك ثلثه أو نصفه

[قال لرجل اقتض ما لي على فلان ولك ثلثه أو نصفه] من سماع أصبغ من كتاب البيوع الثاني قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عن رجل قال لرجل: اقتض ما لي على فلان وهو كذا وكذا، فما اقتضيت من شيء فلك ثلثه أو نصفه، فمات المجعول له، وقد اقتضى بعض المال، أو لم يقتض شيئا، أو مات الجاعل، أو مات الذي عليه الحق. فقال: إن مات الذي جعل له، وقد عمل فورثته مكانه، يقومون مقام أبيهم إن كانوا أمناء، ما دام صاحب الحق حيا، وإن كان المجعول له مات قبل أن يقتضي شيئا، فلا حق لورثته بمنزلة القراض سواء، يريد إذا لم يعمل الميت بالقراض، ولم يشغله، ولا شيئا منه، فلا شيء لورثته، فهذا مثله، وإن مات رب المال الجاعل، لم يكن للذي جعل له استتمام ما لقي، ولا لورثته إن هو مات؛ لأنه أمر إنما كان يلزم الجاعل ما دام حيا، فإذا مات فقد صار المال لغيره، وانفسخ عنه ما جعل له؛ لأنها لم تكن إجارة لازمة، وقد كان المجعول له متى شاء أن يخرج خرج. ومما يبين ذلك، أن لو هلك رب المال، وعليه دين يحيط بماله، فأراد المجعول له أن يقوم بالتقاضي كما هو، وأبى ذلك الغرماء، وقالوا: قد صار المال مالنا، وليس لك أن تنقصنا من أموالنا لما جعل لك، فإن ذلك لهم. وكذلك لو فلس رب المال الجاعل

لسقط جعل الأجير، يريد من ذي قبل فيما لم يقبض، وكان لغرمائه يقتسمونه، وكذلك الورثة بمثابتهم؛ لأن المال خرج إلى ورثة رب المال. قال: وإن مات الذي عليه الحق، وقد اقتضى المجعول له بعض الحق قبل أن يموت، وفات أو مات الذي عليه الجعل، فهو على جعله الذي جعل له صاحب الحق، يقوم بتقاضيه إن أحب، كان اقتضى قبل ذلك شيئا أو لم يقتض، وهو بمنزلة ما لو أراد صاحب الحق أو غيره من غرماء الميت الذي عليه الحق أن يفلسوه، كان المجتعل على جعله، فالموت في هذا والفلس واحد، وورثة الأجير هاهنا بمنزلته إذا كانوا أمناء مثل القراض. قاله أصبغ كله على الاتباع والاستحسان، وفي بعضها بعض المغمز والانكسار على القياس والكلام. قال محمد بن رشد: تفرقته في موت المجعول له بين أن يموت قبل أن يقتضي شيئا، يريد قبل أن يعمل في الاقتضاء، وبين أن يموت، وقد عمل في الاقتضاء، يريد وإن لم يقتض شيئا بعد، وتنظيره إياه بالقراض صحيح على القول بأن الجاعل يلزمه الجعل بالعقد، وإن لم يشرع المجعول له في العمل؛ فيكون لورثة المجعول له إن كانوا أمناء، أو أتوا بأمين أن يقوموا مقام مورثهم. وأما قوله: إنه إن مات رب المال الجاعل لم يكن للذي جعل له

استتمام ما بقي، ولا لورثته إن هو مات، فالمعنى في ذلك عندي إذا كان قد اقتضى البعض، وبقي البعض، لأن ما اقتضى قد وجب له فيه جزؤه، فلم يخسر عناءه جملة. وهذا الموضع هو الذي قال فيه أصبغ: إنه استحسان، وإن فيه مغمزا وانكسارا على وجه القياس. وهو كما قال؛ لأنه إذا اقتضى البعض، فقد لزم الجاعل الجعل، وإذا لزمه لم يسقط عنه بموته، ولزم ورثته من ذلك ما لزمه في وجه النظر والقياس على الأصل. وأما لو مات الجاعل بعد أن عمل المجعول له في الطلب والشخوص والقيام، وقبل أن يقتضي شيئا، لما صح أن يبطل حقه في ذلك بموت الجاعل فيذهب عناؤه باطلا، ولوجب أن يكون له ولورثته إن مات القيام مكانه في اقتضاء ما كان قام عليه فيه، وأشرف على اقتضائه منه دون خلاف، كما أنه لو كان الجعل في غير اقتضاء الديون، مثل أن يجعل له جعلا في طلب آبق، أو في حفر بئر، فمات الجاعل بعد أن حفر المجعول له بعض البئر، أو خرج في طلب الآبق؛ للزم ذلك ورثته، ولم يقع في ذلك خلاف. ولو كان الجعل في مثل الحصاد، واللقط بأن يقول له: ما حصدت من زرعي هذا، أو لقطت من زيتوني هذا، فلك نصفه أو ثلثه، فمات الجاعل بعد أن حصد بعض الزرع، أو لقط بعض الزيتون، لم يكن للمجعول له التمادي على الحصاد، ولا على اللقط دون رضا ورثة الجاعل بلا خلاف؛ لأن ما حصد أو لقط قد وجب له حقه فيه، وما لم يحصد ولم يلقط، فليس له فيه عمل يذهب بخروجه، فقف على افتراق أحكام هذه المسائل الثلاث لافتراق معانيها، والجعل على الاقتضاء يكون لورثة الجاعل أن يمنعوا المجعول له من التمادي على الاقتضاء في الاستحسان دون القياس. والجعل على الحفر وطلب الآبق وشبهه ليس لهم أن يمنعوه من التمادي على الحفر والطلب في استحسان ولا قياس. والجعل على الحصاد

مسألة: يقول اقتض لي مائة على فلان ولك نصفها

واللقط وشبهه لهم أن يمنعوه من التمادي على الحصاد واللقط في الاستحسان والقياس. وقوله: إن الجعل على الاقتضاء لا ينفسخ بموت الذي عليه الدين، ولا بتفليسه صحيح لا وجه للقول فيه، والله الموفق. [مسألة: يقول اقتض لي مائة على فلان ولك نصفها] مسألة قال أشهب في كتاب البيع والصرف في الرجل يقول: اقتض لي مائة على فلان، ولك نصفها، فقال: لا يعجبني. فقيل له: فإن قال: وما اقتضيت من شيء فعلى حسابه؟ قال أشهب: لا يعجبني على حال. قال أصبغ: كرهه لأنه من باب الجعل في الخصومة. وقال ابن وهب مثل قول ابن القاسم إذا قال: اقبض لي مائة دينار على فلان ولك نصفها أو ما اقتضيت من شيء، فلك نصفه فلا بأس به. وقال ابن وهب: إذا قال: اقبض ما لي على فلان، ولم يقل: فهي كذا وكذا، ولك نصفها، فلا خير فيه، أو هو بمنزلة الرجل يعطي الرجل الثوب، فيقول له: بعه بما وجدت، ولك من كل دينار درهم، فلا خير فيه، وهذا مثله. وإن قال له: بعه بخمسة دنانير، ولك في كل دينار درهم لم يكن به بأس. قال أصبغ: والذي آخذ به قول ابن القاسم فيها، سمى عدة الدنانير أو لم يسم. قال أصبغ: وسواء في موت رب المال عمل المجعول، وكان اقتضى شيئا، أو لم يقتض ينفسخ ما بقي إن كان عمل بعضه

أو كله، أو لم يكن عمل في قول ابن القاسم. وهذا رأيي كله. قال محمد بن رشد: هكذا وقع في هذه المسألة من قول ابن وهب، وابن القاسم إذا قال: اقبض لي مائة دينار على فلان، ولك نصفها، أو ما اقتضيت من شيء فلك نصفه. ووقع في بعض الكتب، وما اقتضيت من شيء بإسقاط الألف. فإذا ثبتت الألف اقتضى ثبوتها أنه يجوز عند ابن القاسم، وابن وهب أن يقول الرجل للرجل: اقبض لي مائة دينار على فلان، ولك نصفها، وإن لم يقل، وما اقتضيت من شيء فلك نصفه. وإذا أسقطت الألف اقتضى سقوطها أنه لا يجوز عندهما أن يقول الرجل للرجل: اقبض لي مائة دينار على فلان، ولك نصفها، إلا أن يقول: وما اقتضيت من شيء فلك نصفه، والاختلاف في هذا إنما يرجع إلى الاختلاف فيما يحمل عليه اللفظ؛ إذ ليس بصريح في الجعل ولا في الإجارة، فمن حمله على الإجارة أجازه، ومن حمله على الجعل لم يجزه. وأما إن قال: وما اقتضيت من شيء، فلك نصفه، فلا اختلاف بينهم في أن ذلك محمول على الجعل، وأن ذلك جائز إلا على مذهب أشهب، الذي لا يرى المجاعلة على اقتضاء الديون جائزة على حال، وإن سمى عددها، وشرط أن له مما اقتضى منها بحساب ذلك. وأما إن لم يسم عدد الدين، فلا تجوز المعاملة على اقتضائه بجزء منه، إلا على وجه الجعل بأن يجعل له من كل شيء يقتضيه بحساب ذلك، فلا يجوز أن يقول: اقبض ما لي على فلان، إذا لم يقل: وهو كذا وكذا، ولك نصفه إلا أن يقول: وما اقتضيت من شيء فلك نصفه، فإذا قال ذلك حمل على الجعل باتفاق وجاز. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي هذا بيان، وبالله التوفيق.

مسألة: استؤجر على خادم يبلغه فمات في بعض الطريق أو أبق

[مسألة: استؤجر على خادم يبلغه فمات في بعض الطريق أو أبق] مسألة قال: وقول مالك فيمن استؤجر على خادم يبلغه، فمات في بعض الطريق أو أبق، فإن أبق حوسب، وإن مات فله الأجرة كلها، وقال ابن القاسم فيه الموت والإباق عندي واحد، نرى أن تكون له الأجرة كلها. قال ابن وهب: له من الأجرة إلى حيث بلغ فقط، وقاله أصبغ، إلا أن للمستأجر أن ير يستعمله في مثل ذلك حتى يبلغ ويتم، أو يواجره في مثله حتى يتمه. قال محمد بن رشد: قول مالك: إن له الأجرة كلها في الموت، وقول ابن القاسم: إن له الأجرة كلها في الموت والإباق، معناه: ويكون للمستأجر أن يستعمله في مثل ذلك على ما قاله أصبغ. فالصواب في قوله أن يكون متصلا بقول ابن القاسم على سبيل التفسير له، لا بقول ابن وهب. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الإجارة لا تنفسخ لا في الموت ولا في الإباق، ويستعمله المستأجر في مثل ما بقي، وتكون له أجرته كاملة، وهو قول ابن القاسم. والثاني: أنها تنفسخ فيهما جميعا، ويكون له من الأجرة إلى حيث ما بلغ فقط، وهو قول ابن وهب هاهنا، وقول ابن القاسم وأصبغ في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ، من كتاب الرواحل والدواب. والثالث: الفرق بين الموت والإباق، وهو قول مالك. ويتخرج في المسألة قول رابع: أنها تنفسخ في الإباق، ولا يكون له فيما مضى من الطريق شيء، ولا تنفسخ في الموت، وذلك على ما في المدونة لمالك في تلف الشيء المستأجر على حمله من قبل ما عليه استحمل؛ لأن الإباق للأجير فيه سبب بترك التوثق والتعاهد. وقد مضى القول على هذا في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

مسألة: قال من يحفر لي بئرا طولها وعرضها كذا فله كذا فحفر رجل نصفها

[مسألة: قال من يحفر لي بئرا طولها وعرضها كذا فله كذا فحفر رجل نصفها] مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عمن قال: من يحفر لي بئرا طولها كذا وكذا، وعرضها كذا وكذا فله كذا وكذا، فحفر رجل نصف ذلك، ثم يعتل. قال: لا أرى له حقا إلا أن ينتفع بها صاحبها، فإن انتفع بها أخذ قدر ما عمل مما انتفع به. قيل له: فلو قال: من جاءني بخشبة من موضع كذا وكذا فله كذا، فحملها رجل إلى نصف الطريق؟ قال: هو مثله لا أرى له شيئا إلا أن يحملها صاحبها فينتفع بها، فإذا انتفع بها فله أجره على قدر ما حملها من الطريق. قال محمد بن رشد: قال في البئر: إنه يكون للمجعول له فيما حفر من البئر إذا انتفع بذلك صاحبها قدر ما عمل مما انتفع به، ولم يبين وجه العمل في ذلك، وفيه تفصيل، وقد مضى بيانه في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وكذلك قال أيضا في الخشبة: إنه يكون له أجره على قدر ما حملها من الطريق، فأجمل القول في ذلك دون بيان، وقد مضى بيانه في الرسم المذكور، من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يستأجر بدينار على دابة يبيعها له وله الدينار باع أو لم يبع] مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب، وسئل عن الذي يستأجر بدينار على دابة يبيعها له بالإسكندرية، وله الدينار باع أو لم يبع. قال: لا بأس بذلك. قيل له: وإن لم يسم للتسويق والبيع هناك أجلا؟ قال: نعم. قيل له: فما البيع؟ قال: على قدر بيع مثلها. ثم قال:

استأجر أجيرا أشهرا في علوفة دواب فماتت قبل الشهر فأراد أن يستعمله في غيره

أرأيت لو أعطاه هاهنا ثوبا يبيعه بخمسة دراهم، فالقيام بالبيع معروف في كل سلعة وفي كل بند، وقال هو معروف. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا صحيح، وهو نحو ما مضى لابن القاسم، في سماع محمد بن خالد، فليس بخلاف لما في المدونة، ولا فيما مضى في رسم العتق، من سماع عيسى، وقد مضى القول على ذلك هناك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [استأجر أجيرا أشهرا في علوفة دواب فماتت قبل الشهر فأراد أن يستعمله في غيره] ومن كتاب البيع والصرف وسئل أشهب عن رجل استأجر أجيرا أشهرا في علوفة دواب، فماتت قبل الشهر، فأراد أن يستعمله في غيره. قال: ليس ذلك له، إما جاءه بمثل تلك الدواب يقوم بعلوفتها، وإلا فلا شيء للمستأجر على الأجير، والإجارة له كلها. قيل له؛ فإن رضي الأجير أن يتحول إلى عمل آخر غيره؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: أجاز أشهب الإجارة على علوفة دواب بأعيانها، وإن لم يشترط الخلف، ورأى أن الحكم يوجبه، وذلك خلاف مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها، مثل قول سحنون وابن حبيب، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم العتق، من سماع عيسى. وأما قوله: إنه إن رضي الأجير أن يتحول إلى عمل آخر غيره، فلا بأس به، معناه فيما يشبه العلوفة لا يتباعد. قال ذلك ابن أبي زيد، وهو صحيح على معنى ما في المدونة أن من اكترى دابة إلى موضع، فليس له أن يركبها إلى موضع غيره، وإن كان مثله في الحزونة والسهولة، إلا أن يرضى بذلك الكري، خلاف قول مالك في آخر أول رسم من سماع ابن

مسألة: استأجر أجيرا يخدمه واشترط عليه السفر إن احتاج إليه

القاسم، وخلاف ما في الواضحة من أن من اكترى أجيرا لعمل يسميه، فله أن يستعمله فيه، وفيما يشبهه من الأعمال؛ إلا أن يشترط الأجير ألا يستعمله إلا في العمل الذي سمى بعينه. وأما فيما لا يشبه العلوفة، فلا يجوز وإن رضيا؛ لأنه فسخ دين في دين، وسواء كان قد انتقد، أو لم ينتقد في هذه المسألة؛ لأن الخلف فيها واجب، والكراء بينهما قائم، فيدخله فسخ الدين في الدين، وإن كان لم ينتقد. ولو استأجره شهرين على أن يعمل الشهر الأول في عمل سماه، والشهر الآخر بعده في عمل آخر سماه بعيد منه، جاز على مذهب ابن القاسم إن لم ينتقد، ولم يجز على مذهب ابن الماجشون. والقولان قائمان من المدونة من مسألة: من أكرى راحلة بعينها فركبها بعد شهر، وبالله التوفيق. [مسألة: استأجر أجيرا يخدمه واشترط عليه السفر إن احتاج إليه] مسألة وسئل أشهب عمن استأجر أجيرا يخدمه، واشترط عليه إن احتجت إلى سفر شهرا أو شهرين في السنة سافرت بك. قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: إنما أجاز إذا استأجر الأجير لخدمته أن يشترط عليه أن يسافر به من أجل أنه قد وقت السفر شهرا أو شهرين، وإذا قال شهرا أو شهرين، فالمشترط عليه إنما هو شهران؛ لأن الأجير إنما يدخل على الأكثر الذي يلزمه بالشرط. ولا يضر أن يكون المستأجر بالخيار في أن يسافر به أقل من شهرين، وفي إلا يسافر به أصلا؛ لأن ذلك حق له تركه بعد انعقاد الأجرة على شيء معلوم. والأصل في جواز هذا، وما كان في معناه قول الله عز وجل: {أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} [القصص: 27]

مسألة: يقول للرجل أعطني عبدك يعمل لي اليوم وأعطيك عبدي غدا

لأن الأجير هاهنا يقول: قد أجرتك نفسي على أن أسافر معك شهرين، إلا أن تخفف عني السفر أو بعضه، فذلك من عندك تفضل منك علي. واشتراطه عليه السفر به شهرين من السنة دون أن يسميهما يتخرج على قولين؛ فيجوز على مذهب ابن القاسم الذي يجيز أن يشترط عليه السفر في أول السنة، أو بعد مضي بعضها، ولا يجوز على مذهب ابن الماجشون، الذي لا يجيز أن يشترط عليه السفر إلا في أول السنة، أو فيما قرب من أولها، ولا يجوز بعد مضي شهر منها أو أكثر، ولو شرط عليه أن يسافر به إن احتاج إلى السفر، ولم يوقت مقداره، لم يجز عند جميعهم، وهو قوله في المدونة وغيرها: إن ما تباعد من الأعمال لا يجوز أن يستأجره عليها دون بيان، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول للرجل أعطني عبدك يعمل لي اليوم وأعطيك عبدي غدا] مسألة وسئل أشهب عن الذي يقول للرجل: أعطني عبدك النجار يعمل لي اليوم، وأعطيك عبدي الخياط يخيط لك غدا. قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في أول رسم من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [يجعل جعلا لرجل في طلب عبد له أبق فيأتي به فيستحقه مستحق] ومن كتاب محض القضاء وسئل أشهب عن الذي يجعل جعلا لرجل في طلب عبد له أبق، فيأتي به فيستحقه مستحق، قبل أن يقبض الجعل، وقبل

أن يقبض العبد ربه، على من ترى الجعل؟ قال: على الجاعل، وليس على المستحق شيء. قيل له: وكذلك إن استحق بحرية؟ قال: نعم. فقيل له: فإن استحق بحرية كانت من الأصل ألا يرجع به عليه، أو قال السائل على مستحقه من الأصل. قال: لا. قال أصبغ: ولا على أحد ويبطل. قال محمد بن رشد: في كتاب ابن المواز بإثر هذه المسألة: قال محمد: وأجوز ذلك عندي أن يكون الجعل على الجاعل ثابتا عليه يغرمه، ويكون على مستحقه جعل مثله يغرمه للجاعل، إلا أن يكون أكثر مما غرمه الجاعل، وقد ناظرت فيها من أرضى فقال لي مثله. قال محمد بن المواز: وهو بين إن شاء الله؛ لأن كل آبق جاء به من تكلف طلبه لم يصل إليه حتى يدفع جعل مثله، ولا نفقة له في ذلك، وإن جاء به من لم يطلبه، فلا جعل له ولا نفقة. وقول ابن المواز: وإن جاء به من لم يطلبه، فلا جعل له، ولا نفقة خلاف ما في المدونة من أنه ليس له إلا نفقته. وقد بين محمد بن المواز وجه ما ذهب إليه من الرجوع على المستحق بجعل مثله، والأظهر ما روى أصبغ عن ابن القاسم أن الجعل على الجاعل؛ لأن المنفعة فيه له من أجل أن ضمان العبد منه، فلو لم يوجد لخسر الثمن الذي أدى فيه، وإذا وجده فأخذه صاحبه المستحق له، رجع على البائع الذي أدى فيه، والمستحق إن لم يجد العبد لا تكون مصيبته منه؛ لأن له أن يجيز البيع، فيأخذ الثمن من البائع. وهذا الاختلاف إنما هو إذا أخذ المستحق العبد، وأما إن أجاز البيع، وأخذ الثمن، فالجعل على الجاعل قولا واحدا، وروى ابن أبي جعفر الدمياطي، عن ابن القاسم فيمن دفع إليه ثوب يبيعه، بجعل فباعه، ثم استحق أنه لا جعل له. وهذا بيّن على ما قال؛ لأن المستحق إذا أخذ ثوبه انتقض البيع، فوجب رد الجعل، وأما إن أجاز البيع، وأخذ الثمن، فينبغي أن يكون الجعل للمجعول له على الجاعل، ويرجع الجاعل به على المستحق، وقد مضى في رسم الفصاحة، من سماع عيسى، من كتاب جامع البيوع من معنى هذه المسألة ما فيه بيان لهذه، وبالله التوفيق.

مسألة: بعث رجلا إلى المعدن ينفق عليه ويعمل له وما أصاب له ثلثه

[مسألة: بعث رجلا إلى المعدن ينفق عليه ويعمل له وما أصاب له ثلثه] مسألة وسمعت أصبغ، وسئل عن رجل بعث رجلا إلى المعدن ينفق عليه، ويعمل له، فما أصاب كان له منه ثلثه أو نصفه، أو جزء مما يتراضيان عليه، وإن لم يصب شيئا ذهبت نفقته باطلا. قال أصبغ: لا يصلح ذلك، وذلك فاسد لا شك فيه، وهو من الغرر، وهو منقوض ما لم يفت بالعمل والخروج، فإن فات فهو مثل ما كانوا يتعاملون به في معدن الزبرجد قديما، مما قد عرفتم، وعرف الناس عندكم كيف كانوا يبعثون، ويخرجون عليه على مثل هذا. ونزل عندنا في أيامه كثيرا، ونحن حينئذ نتبع أصحابنا ومشايخنا الفقهاء في زمان ابن القاسم وأشهب، وابن وهب كانوا يسألون عنه ويتكلمون فيه مما ينزل، ويختلفون ويختلف فيها القول من الناس، فكان الذي استقر عليه قولنا كقول أكثرهم وأكابرهم أنها أجرة، وهي أجرة فاسدة، يكون المكتسب فيها، والنيل إن فات وعمل، ووجد للباعث الذي عليه النفقة، كمن استأجر أجيرا على أن ما اكتسب في عمله فهو له، فالإصابة له والحرمان عليه، وليس للأجير إلا إجارة مثله في شخوصه، وفي عمله، وإقامته وكثرته. فإن وفرت عليه إجارة مثله على أن مئونته على نفسه حوسب بما أكل وشرب وأنفق. وإن شاءوا قوموا الإجارة على أن طعامه وشرابه على المستأجر، فكان له في القضاء أقل من القيمة الأولى، ودخل هذا في هذا المعنى، فعلى أي الوجهين قومت به، فهو سواء، وهو صواب، وله إجارة مثله على كل حال أصاب أو لم يصب؛ لأنه لو أصاب الكثير كان للأول الباعث، وكذلك إذا لم

يصب إلا القليل، أو لم يصب شيئا، فعليه مثل الذي له، ولهذا إجارته كاملة على قدر عمله. فإجارة مثله ليس بمثل ما سمى له، إن كان سمى له تسمية مع ما يصيب؛ لأن الإجارة فسدت بالجزء الذي استثنى مما يصيب، فلا يدري أيصيب أم لا؟ فصارت مخاطرة؛ كالذي يستأجر في الزرع، وعمله بجزء مما يخرج، وصار حراما فاسدا، وكذلك هذا. ولو كانت الإجارة من نفقته وطعامه وشرابه فقط أو تسمية مسماة من العين دونها أو معها، وليس له في الإصابة شيء كان حلالا، وكان جائزا، وكان مما يبين أن الكسب كله للباعث، وكان بمنزلة الأجير يستأجر بقدر له، ويعمل بشيء مسمى فذلك جائز، وبمنزلة الرجل يستأجر الأجير يوما على أن يصيد له صيد البحر أو البر بشيء مسمى، فذلك له جائز، ما أصاب فهو له، وما لم يصب ليس عليه فيه غرم، وليس عليه إلا اجتهاده؛ لأنه إنما استأجره على أن يعمل ما يعمل الصائد من نصب، وإلقاء شبكة، أو نصب حبالة أو غيره مما يعرف، فهو كالصانع فلا بأس به. قال محمد بن رشد: أما إذا استأجره على أن يعمل في المعدن بجزء مما يخرج منه على أن له نفقته، فالمكروه فيها بين، والفساد فيها ظاهر؛ لأن الغرر فيها موجود في جهة كل واحد منهما؛ لأن الأجير يعمل على شيء مجهول، لا يدري ما هو، ولا ما يحصل له فيه، والمستأجر ينفق على أن يأخذ في نفقته جزءا مما يخرج من المعدن، فكأنه باع نفقته بذلك، وهو غرر بين. فقول أصبغ: إنها إجارة فاسدة، يكون النيل للمستأجر، ويكون للأجير أجرة مثله إن فاتت الإجارة بالعمل صحيح، والاختلاف الذي ذكر أنه وقع فيها بعيد. وإنما الاختلاف المعلوم في ذلك إذا استأجره على

استأجر حصادين على أن يحصدوا له زرعا فذهبوا فحصدوا زرعا لغيره

العمل فيه بجزء مما يخرج منه على أن نفقته على نفسه، فقيل - وهو المشهور -: إنها إجارة فاسدة؛ لأن الأجير يعمل فيها على شيء مجهول لا يعلم قدره، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استأجر أجيرا فليؤاجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم» وقيل: إنها إجارة جائزة؛ لأن ما لا يجوز بيعه يجوز الاستئجار عليه بالجزء منه قياسا على المساقاة والقراض؛ لأن الثمرة لما لم يجز بيعها قبل بدو صلاحها، جازت فيها المساقاة، ولأن العين لما لم يجز فيه الكراء جاز فيه القراض، وهو قول ابن القاسم في أصل الأسدية، قال فيها: إن ما ظهر في أرض الصلح من المعادن، إن لهم أن يمنعوها الناس، ولهم أن يأذنوا لهم في عملها، ويكون لهم ما يصالحون الناس عليه من الخمس أو غير ذلك. وكذلك قال في كتاب ابن المواز: إن لهم أن يعاملوا الناس فيها بالثلث والربع، وأنكر محمد معاملتهم فيها بالثلث والربع، ووقف عنه، وبالله التوفيق. [استأجر حصادين على أن يحصدوا له زرعا فذهبوا فحصدوا زرعا لغيره] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من عبد الرحمن بن القاسم وسئل ابن القاسم عن رجل استأجر حصادين على أن يحصدوا له زرعا، فذهبوا فحصدوا زرعا لغيره، وهو قريب من زرعه. قال: إن كان الخطأ جاء من قِبل الأجراء، فإنه ينظر إلى صاحب ذلك الزرع، فإن كان له عبيد أو أجراء، ويريد أنه لا يحتاج إلى الإجارة في حصاد زرعه، لم يكن عليه شيء وبطل عملهم، وإن كان لا أجراء له ولا عبيد ولا يجد بدا من أن يستأجر على حصاد زرعه كان عليه قيمة ما حصدوا. وإن كان الخطأ جاء

مسألة: استأجر أجراء يحرثون له أرضا فذهبوا يحرثون أرضا لغيره

من قبل صاحب الزرع قال لهم: احصدوا لي هذا الزرع، وهو يظن أنه زرعه، وكان صاحب الزرع لا أجراء له ولا عبيد، ولا يجد بدا من أن يستأجر على حصاد زرعه، فإن عليه أن يدفع للذي استأجر الحصادين قيمة عمل الأجراء، ويكون للأجراء على الذي استأجرهم أجرتهم التي استأجرهم عليها. قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة سواء. وقد قيل: إنهم لا شيء لهم عليه، وإن لم يكن له عبيد ولا أجراء؛ إذ لم يستأجرهم، وهو ظاهر قول ابن القاسم في أول مسألة من سماع يحيى، من كتاب البضائع والوكالات والخصام. وقال محمد بن جعفر: إنه إن كان له عبيد وأجراء، فله أن يستعملهم في مثل ما عملوا له، وهو قول له وجه، وبالله التوفيق. [مسألة: استأجر أجراء يحرثون له أرضا فذهبوا يحرثون أرضا لغيره] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل استأجر أجراء يحرثون له أرضا، فذهب الأجراء يحرثون أرضا إلى جنب أرضه وهم لا يعلمون، وإنما جاء الخطأ من قبل الأجراء، أترى على صاحب الأرض الذي حرثت له أرضه أجرة ما عملوا؟ قال: إن زرعها وانتفع بذلك الحرث كان ذلك عليه، وإن لم ينتفع به، وقال: لم أرد أن أزرعها، وإنما أردت أن أكريها، فلا أرى عليه شيئا. قال محمد بن رشد: قال في هذه المسألة: إنه إن زرع الأرض وانتفع بحرثها كان عليه الأجرة للذي أخطأ في حرثها. ومعنى ذلك إذا لم يكن له بقر وعبيد وأجراء على ما قاله في المسألة التي قبلها، وقد مضى القول فيها. ومن الناس من حمل هذه المسألة على ظاهرها، فقال في المسألة ثلاثة أقوال؛ إيجاب الأجرة على كل حال، وسقوطها على كل

مسألة: استأجر بناء يبني له دارا فيذهب البناء فيجد البقعة قد استحقت

حال، والفرق بين أن يكون له عبيد وأجراء، أو لا يكون، وبالله التوفيق. [مسألة: استأجر بنّاء يبني له دارا فيذهب البنّاء فيجد البقعة قد استحقت] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل استأجر بنّاء يبني له دارا بالريف بموضع معروف على صفة معروفة، فيذهب البنّاء إلى الريف، فيجد البقعة قد استحقت فيرجع. قال: أرى له إجارته ذاهبا، ولا أرى له شيئا في رجوعه. قال محمد بن رشد: وكذلك من استأجر أجيرا أياما على عمل بعينه في غير الموضع الذي استأجره فيه، فله الأجرة في ذهابه؛ لأنه ذهب إلى عمله، ولا أجرة له في انصرافه؛ لأنه انصرف إلى غير عمله، حكى ذلك ابن حبيب عن ابن الماجشون، وحكى عن أصبغ: أنه لا شيء له إلا منذ يبلغ الموضع الذي فيه العمل. قال الفضل: ولو انصرف لمحاسبة بينه وبين المستأجر؛ لكانت له الأجرة في منصرفه، وهذا إذا لم يكن عند الناس في ذلك عرف، فإن كان فيه عندهم عرف وجب الحكم به، وبالله التوفيق. تم كتاب الجعل والإجارة، والحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه وسلم. يتلوه إن شاء الله كتاب كراء الدور والأرضين.

كتاب كراء الدور والأرضين

[كتاب كراء الدور والأرضين] [: تكارى أرضا ثلاث سنين ليزرعها فزرع سنة أو سنتين] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. كتاب كراء الدور والأرضين

من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون من كتاب القبلة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم، قال: سمعت مالكا يقول: من تكارى أرضا ثلاث سنين يزرعها فزرع سنة أو سنتين ثم استقال صاحبه فأقاله وفيها زرع لم يبلغ صلاحه، فأراد صاحب الأرض أن يقلع زرعه، قال: ليس ذلك له، ولكن يقر زرعه ويسقي من الماء ما يصلحه حتى يدرك ويحسب ذلك عليه من حساب الثلاث سنين وكرائها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا استقال صاحبه فيما بقي من أمد اكترائه وفي الأرض زرع قد زرعه أن الإقالة إنما تقع على ما بقي من المدة بعد خروج الزرع الذي في الأرض؛ لأن الأرض قد فاتت في تلك المدة بالزرع الذي زرعه فيها. ألا ترى أنه لو اكترى منه الأرض مسانهة

أو مشاهرة كل سنة بكذا، أو كل شهر بكذا فزرع فيها لكان الكراء قد لزمهما جميعا إلى خروج الزرع، ليس لرب الأرض أن يقول للمكتري اقلع زرعك واخرج، ولا للمكتري أن يقلع زرعه ويخرج إذا أبى من ذلك رب الأرض، فكذلك إذا تقايلا فيما بقي من المدة وفي الأرض زرع، ليس لرب الأرض أن يقول للمكتري اقلع زرعك واخرج لأنك قد استقلت في الأرض، ولا للمكتري أيضا أن يقلع زرعه ويخرج إذا أبى من ذلك رب الأرض. فإن وقعت الإقالة بينهما على ذلك بإفصاح جازت ولزمهما إلا أن يكون الزرع قد قارب أن يأخذ الحب فيمنعان من ذلك لمنفعة العامة، كما يمنع من بيع الفتى من البقر للذبح وما أشبه ذلك. وإن اختلفا ولم يبلغ الزرع الحد الذي يمنعان من قلعه فقال أحدهما: إنما وقعت الإقالة بيننا من وقت الإقالة على قلع الزرع بإفصاح، وأنكر ذلك الآخر وادعى الإبهام، أو أن الإقالة إنما وقعت بينهما من بعد خروج الزرع، فالقول قول المنكر منهما مع يمينه. وهذا إذا لم ينقد، وأما إن كان قد نقد فلا تجوز الإقالة في ذلك إلا على اختلاف سيأتي القول فيه في رسم الشريكين من هذا السماع، ورسم حمل صبيا من سماع عيسى. وقوله: ويحسب ذلك عليه من حساب الثلاث سنين وكرائها، معناه: من حسابها على القيمة لا على عدد الشهور. وهذا إذا كانت الأرض على السقي يعمل فيها الشتاء والصيف؛ لأن الكراء في ذلك مختلف. وكذلك قال في

: كراء الأرض من أرض الجزية والزيادة فيها

المدونة. وأما إن كانت الأرض للزرع فانقضاء السنة رفع الزرع منها. فإن تكاراها ثلاث سنين فاستقاله بغد أن زرع في أول سنة فالإقالة تقع في السنتين الباقيتين، وإن استقاله بعد أن زرع في السنة الثانية فالإقالة إنما تقع في السنة الثالثة. وقال في المدونة: إن الكراء لا يقسم فيها على السواء وإنما يقسم على قدر النفاق والتشاح، وذلك بين إن كان الكراء نقدا أو مؤخرا كله؛ لأن ما يتعجل منفعته من الأرض أكثر كراء مما يتأخر منه. وأما إن لم يكن الكراء نقدا ولا مؤخرا وكان الحكم فيه أن ينقده كراء كل سنة عند تمام الزرع فيها، فقال في كتاب ابن المواز: إنه ينقده في كل سنة ثلث الكراء إن كان الكراء لثلاثة أعوام خلاف ظاهر ما في المدونة أن الكراء يفض على قدر النفاق والتشاح، وهو الأظهر؛ لأن السنة الأولى تعجلت منفعتها وتعجل نقدها، وكل سنة بعدها تتأخر منفعتها بقدر تأخر النقد فيها، فوجب أن يقسم الكراء عليها بالسواء إذا حدث ما يوجب سقوطه من إقالة أو غرق أو عطش وما أشبه ذلك. ووجه ما في المدونة أنه قد يكون ما تعجل عقده وقبضه ونقده أنفق مما تعجل عقده وتأخر قبضه ونقده، وهو صحيح إن كان ذلك عند الناس كذلك، وبالله التوفيق. [: كراء الأرض من أرض الجزية والزيادة فيها] ومن كتاب أوله حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها وسئل: عن الرجل يتكارى الأرض من أرض الجزية ويزداد

في أرضها أشياء يكتمها، أتحب أن يشترى من قمحه؟ قال: إني لأكره ذلك وما يعجبني، وأكره هذه القطائع التي في أرض مصر التي أقطعها من أقطعها. ولم ير أن يقطع لأحد فيها ولا أن يشترى من قمحها. قال محمد بن رشد: أما أخذ المسلم من الذمي أرض الجزية بما عليها من الخراج يكتبه على نفسه فلا ينبغي ذلك ولا يحل، وقد سئل ابن عمر عن ذلك فقال: لا يحل لمسلم أن يكتب على نفسه الذلة والصغار، وروى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من خلع رقبة ذمي فجعلها في عنقه فقد استقال هجرته وولى الإسلام ظهره» وأما اكتراؤه إياها منه كراء صحيحا دون أن يأخذها بما عليها من الجزية فكره ذلك مالك لما فيه من معنى ذلك، ولقد قال: لا أحب لأحد أن يزرعها بعارية وأرى ذلك من باب حماية الذرائع، وأما كراهيته لشراء قمح الذي يكتري أرض الجزية ويزداد فيها ما ليس منها، فالمعنى فيه بين، وذلك أن الذي يكتم من الأرض ويزرعه مع أرض الجزية الذي اكتراه على أنه منها وهو يعلم أنه ليس منها في حكم المغصوب من الأرض.

وقد قال جماعة من أهل العلم أن من غصب أرضا فزرعها لنفسه بطعامه أن الزرع لصاحب الأرض؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس لعرق ظالم حق» فمن ذهب إلى هذا لم يحل عنده شراء ذلك الطعام منه؛ لأنه في حكم العين المغصوب، ومن لم ير للمغصوب منه الأرض إلا كراء أرضه يكره شراء ذلك الطعام منه حتى يصلح شأنه مع رب الأرض لمخالطة الحرام ماله ومراعاة لقول المخالف وهو قول مالك. وأما كراهيته الإقطاع في أرض مصر فالمعنى في ذلك أنها افتتحت عنده عنوة، ومن مذهبه أنه لا يجوز الإقطاع في أرض العنوة، وهو قول ابن حبيب في باب زكاة المعادن من كتاب الزكاة، وإنما يجوز للإمام أن يقطع على مذهب مالك فيما جلى عنه أهله بغير قتال، وفي الفيافي البعيدة من العمران وحده، ما لم تنله أخفاف الإبل للمرعى. وعند أبي حنيفة أن يصيح صائح في طرف العمران فلا يسمعه، وأما ما قرب من العمران من الموات، فقيل: إنه لمن أحياه، وقيل: ليس لأحد أن يحييه إلا بإذن الإمام، وهو قول مالك في المدونة، واختلف إن أحياه بغير إذنه على هذا القول، فقيل: يكون الإمام مخيرا بين أن يمضيه له أو يعطيه قيمته منقوضا ويخرجه منه، وقيل: إن له أن يمضي له مراعاة للاختلاف فيه وهو ظاهر المدونة،

: كرى داره بدينار في السنة ثم أراد بعد ذلك أخذ دراهم

وقيل: إنه بين أهل القرى هم أحق به، وقد قيل في مصر: إنها افتتحت صلحا. حكى ذلك الليث عن يزيد بن أبي حبيب، وعبيد الله بن أبي جعفر، يعني أن الصلح وقع على أن تكون الأرض للمسلمين كما فعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ببعض أرض أهل الحجاز، لا على أنها تركت لأهلها، فعلى هذا يجوز الإقطاع فيها. وقد اختلف في سبب دخول الليث فيها. فقيل بالاشتراء، وقيل بالاكتراء، وقيل بالإقطاع، وإنكار الليث أن تكون أخذت عنوة يدل على أن مذهبه في أرض العنوة أن تخمس وتقسم، وقيل: إنها افتتحت صلحا، ثم نقضوا فأخذها عمرو بن العاص عنوة. ورأيت للخمي أن إقطاع أرض العنوة جائز على مذهب مالك وذلك خلاف هذه الرواية وبالله التوفيق. [: كرى داره بدينار في السنة ثم أراد بعد ذلك أخذ دراهم] ومن كتاب أوله سلف في المتاع والحيوان وسئل مالك: عمن أكرى داره بدينار في السنة ثم أراد بعد ذلك بشهر أو شهرين أن يأخذ دراهم فكره ذلك، وقال: لا يأخذ منه أكثر مما حل عليه، ولكن ينظر إلى قدر ما سكن من السنة، فيأخذ به دراهم جزءا، وما لم يسكن فلا يأخذ منه ورقا قبل أن يحل، ولكن إن حل فليأخذه أجزاء مقطعة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إنه لا يجوز له أن يأخذ منه دراهم بأكثر مما حل له عليه من الدينار؛ لأنه إذا فعل ذلك كان قد باع ما لم يحل له من الذهب بدراهم معجلة، فدخله الصرف المتأخر، وأنه يجوز له أن يأخذ منه دراهم بالجزء الذي حل له عليه من الدينار، ويبقى له

مسألة: رجلان في منزل ضاق بهما هل يخرج الآخر مقابل عوض

عليه ما بقي من الدينار. فإذا حل أخذ به منه ما شاء ولا يجوز له أن يأخذ به منه قبل أن يحل إلا عرضا معجلا، أو مثل الذهب الذي له عليه في عينه ووزنه وطيبه، أو أفضل من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: رجلان في منزل ضاق بهما هل يخرج الآخر مقابل عوض] مسألة وسئل مالك: عن رجلين كانا في منزل من منازل الإمارة فضاق بهما، فقال أحدهما لصاحبه: هل لك أن أعطيك كذا وكذا وتخرج عني؟ فقال مالك: لا أراه يحسن وكرهه؛ لأنه لا يدري متى يخرج منه، يعني بذلك أنه يعطي ولا يدري متى يخرج منه ليس إلى أجل، ثم قال: لو كان لك لم أر به بأسا. وأما منازل الإمارة فلا أراه لموضع الأجل. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه لا يدري كل واحد منهما متى يعزل عن الإمارة فيخرج عن الدار باشتراء المشتري ما لا يدري ما لا يدوم له وباع البائع ما كان لا يدري ما لا يدوم له، والذي يجوز لهما أن يفعلاه في ذلك إذا ضاقت عن سكناهما جميعا أن يكروها - قليلا قليلا ويقتسما الكراء أو يتقاومانها فيما بينهما كذلك لمدة قريبة العام والعامين ونحوهما على معنى ما في الوصايا الثاني من المدونة فإن انقضت قبل أن يخرجا منها تقاوماها ثانية، وإن أخرجا

: الرجل يتكارى الدار وينقد كراءها فيسكن أشهرا ثم يبدو له الفسخ

منها قبل انقضاء الأمد الذي تقاوماها إليه رجع الباقي في الدار بالمقاومة على الخارج عنها بما ينوب ما بقي من المدة، ويجوز أن يكرياها السنين الكثيرة ويتقاوماها السنين الكثيرة بغير نقد على معنى ما في رسم الأقضية الرابع من سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات، وبالله التوفيق. [: الرجل يتكارى الدار وينقد كراءها فيسكن أشهرا ثم يبدو له الفسخ] ومن كتاب أوله الشريكان لهما مال وسألت مالكا: عن الرجل يتكارى الدار وينقد كراءها فيسكن أشهرا ثم يبدو لهما أن يتفاسخا ويرد صاحب الدار على المكتري ما بقي له. قال مالك: لا خير فيه. قلت له: أليس يشبه الرجل يتكارى للحمولة ثم يحملها حتى إذا كان في بعض الطريق فأراه مثل الرجل يحج أو ما أشبه ذلك؟ فقال مالك: لا، هو مخالف. وسئل ابن القاسم عما فرق بينهما، فقال: لأنه ليس يتهم أحد ممن يحمل مثل أن يدبر إبله أو يفلس أو يقع بينهم الشراء ويهلك الكري أو المتكاري فرخص في ذلك؛ لأنه ليس فيه تهمة، فلذلك أرخص فيه، قال: فأما ما لا عمل فيه فإنه إنما هو بمنزلة السلع المضمونة إلى الآجال فيصير بيعا وسلفا إلا ألا ينتقد فيها فلا بأس به. قال محمد بن رشد: اختلف قول مالك وابن القاسم في استئجار الرجل بعينه وكراء الراحلة بعينها والدار والأرض وما أشبه ذلك، فمرة حمله محمل السلم الثابت في الذمة ومحمل الإجارة المضمونة من أجل أن

: رجلان تكاريا أرضا ليزرعاها فبدا لأحدهما كراء حصته منها

المنافع تقتضي شيئا بعد شيء فهي غير معينة في أن الإقالة فيها لا تجوز، وإن لم يكن فيها بمجردها فساد إذا ظهر المكروه فيها بإضافتها إلى الصفقة الأولى؛ لأنه اتهمهما على القصد إلى ذلك والعمل عليه فمنع من ذلك حماية للذرائع، وهو قوله في هذه الرواية، ومرة حمله محمل العروض المعينات في أن الإقالة فيها جائزة إلا أن تنعقد بمجردها على ما لا يجوز. وقع اختلاف قول مالك في ذلك في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الجعل والإجارة، واختلاف قول ابن القاسم فيه في رسم حمل صبيا من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب، وهذا الاختلاف إنما هو إذا تقايلا بغير سبب يرفع التهمة عنهما، وأما إذا وقعت الإقالة بينهما لسبب يعلم أنهما لم يقصدا في عقد الكراء إليه كالتفليس أو الموت أو الشراء أو دبر البعير أو ما أشبه ذلك مما يرفع التهمة عنهما، فالإقالة بينهما جائزة إذا سلمت في نفسها من الفساد، فلا فرق في شيء من ذلك كله بين كراء الدار والراحلة والأجير، وبالله التوفيق. [: رجلان تكاريا أرضا ليزرعاها فبدا لأحدهما كراء حصته منها] ومن كتاب اغتسل على غير نية وقال في رجلين تكاريا أرضا ليزرعاها فبدا لأحدهما أن يكري حصته منها، قال: أرى شريكه أولى بها، وكذلك لو أن رجلين وهبت لهما ثمرة شجر عشر سنين حبسا عليهما، ثم أراد أحدهما أن يبيع حصته من ذلك بعدما تطيب، قال: أرى

شريكه أولى بها ممن أراد شراءها بالذي بذلها به. قال سحنون: قال مالك: لا شفعة في الأكرية، وقاله ابن القاسم. قال محمد بن رشد: قول مالك أرى شريكه أولى بها في مسألة الكراء وفي مسألة الثمرة، يريد أولى بها من المشتري بالثمن الذي بذل فيها، لا أنه يأخذ الثمرة من المشتري بالشفعة بعد تمام الشراء والكراء من المكتري بالشفعة بعد تمام الكراء، فليس ما قاله مالك في مسألة الثمرة والكراء بخلاف لما حكى سحنون عن مالك وابن القاسم من أنه لا شفعة في الأكرية؛ لأنهما مسألتان. فالمسألة الأولى: وهي أن الشريك أولى بالثمرة وبالكراء بما بذل المشتري والمكتري فيها من الثمن والكراء لا خلاف فيها، وكذلك يجب في كل شيء مشترك لا شفعة فيه، ومثله قول مالك في الذي تكون تحته الأمة لقوم فتلد منه فيبيعونها وولدها أنه أحق بها بما يعطى فيها، وقد مضى القول في ذلك في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب النكاح. والمسألة الثانية: وهي هل تكون له الشفعة في الكراء بعد تمامه وفي الثمرة بعد الشراء أم لا؟ فيها اختلاف، اختلف في ذلك قول مالك، وقع اختلاف قوله في الثمرة في المدونة وفي الكراء في الواضحة، وأخذ بوجوب الشفعة في ذلك ابن الماجشون وابن عبد الحكم، وبأن لا شفعة في ذلك ابن القاسم ومطرف وأصبغ، وبه أخذ ابن حبيب، وكذلك اختلف قول مالك أيضا في الشفعة في الكتابة والدين يباعان، هل يكون للمكاتب والذي عليه الدين الشفعة في ذلك أم لا؟ فقال مرة: إن لهما الشفعة في ذلك، وأخذ به مطرف وابن الماجشون وابن وهب، وأشهب

مسألة: تكارى أرضا فنبت الزرع فيها ثم جاء سيل فذهب به

وأصبغ وابن عبد الحكم، وإليه ذهب ابن حبيب، وحكى في ذلك حديثا من مراسيل سعيد بن المسيب أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الشفعة في الكتابة والدين» ، وحكي عن مالك من رواية ابن القاسم عنه: أنه استحسن الشفعة في ذلك، ولم ير القضاء بها، وبالله التوفيق. [مسألة: تكارى أرضا فنبت الزرع فيها ثم جاء سيل فذهب به] مسألة وقال مالك في رجل تكارى أرضا فزرعها فنبت الزرع فيها، ثم جاء سيل فذهب به، قال: لا أرى للمتكاري أن يرجع إلى صاحب الأرض يأخذ منه كراءه، وإنما ذلك بمنزلة الزرع تصيبه الجائحة. قال محمد بن رشد: إنما هذا إذا ذهب به السيل بعد إبان الحرث أو في إبان الحرث فانكشف السيل عن الأرض في وقت يمكنه فيه إعادة الزرع، وأما لو ذهب به في إبان الحرث فلم ينكشف السيل عنها حتى فاته أن يعيد زرعه لكان له أن يرجع بكرائه على صاحب الأرض على معنى ما في المدونة. وبالله التوفيق. [كراء الدار التي فيها خراب مدة سنين مع اشتراط إعمارها] ومن كتاب البز وسئل مالك: عن رجل أكرى من رجل دارا له وفيها خراب وأكراها إياه سنين فاشترط المتكاري على صاحب الدار مواضع أراها إياه يعمرها من كرائها، فلما وجب ذلك بينهما ندم صاحب الدار، وقال للذي تكارى: قد بدا لي، لا أريد أن أعمر شيئا، فإن بدا لك أن تسكن بغير عمران فاسكن. قال مالك: أليس قد أراه

مسألة: كراء العرصة الخربة على أن ينفق عليها

ذلك؟ قال: بلى، قال مالك: فإن ذلك لازم له في الكراء، وهو جائز. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة من أنه يجوز أن يكتري الرجل الدار بعشرين دينارا على أنها إن احتاجت إلى مرمة رمها من العشرين دينارا، زاد في النوادر في هذه المسألة، قال محمد: إذا عرف البناء؛ لأن البناء ليس كالمرمة، يريد محمد: أن ذلك لا يجوز إلا أن يصف البناء الذي يبني به تلك المواضع ويعمرها به من الكراء بخلاف المرمة، والذي أقول به أن ذلك جائز وإن لم يصف البناء كالمرمة، سواء من أجل أن المكتري كالوكيل له على ذلك، فإذا بنى تلك المواضع وعمرها بالبناء على الهيئة التي تشبه أن تبنى عليها لزمه، كمن وكل رجلا أن يشتري له ثوبا أو جارية فاشترى له ما يشبه أن يشتري له من ذلك لزمه، ولو وصف البنيان لكان أتم وأحسن، وقد مضى هذا المعنى في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الجعل والإجارة، وبالله التوفيق. [مسألة: كراء العرصة الخربة على أن ينفق عليها] مسألة وسئل مالك: عن رجل تكارى عرصة خربة على أن ينفق عليها ويكون كراؤها كذا وكذا، قال مالك: أرى أن يسمى ما ينفق فيها ويقاصه بذلك في كراء ما تكارى به من السنين، فقيل له: أفيجعل كراءها دراهم؟ قال: بل أجزاء يجعل نفقته عشرة دنانير وكراءه إياها عشرين سنة في كل سنة نصف دينار، أو أقل من ذلك أو أكثر من السنين والأجزاء، فعلى هذا يتكارى المتكاري ويكري صاحب الدار.

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى؛ لأن مآلها إن أكراه العرصة عشر سنين سنة بعشرة دنانير على أن يبني بها العرصة لربها، إذا شرط أن يقاصه بالنفقة في الكراء، ولو لم يشترط أن يقاصه بالنفقة في الكراء لم يجز؛ لأنه إذا لم يكن الكراء بالنقد لم يوجب الحكم المقاصة به، ووجب أن يتبعه بنفقته سلفا حالا عليه ويؤدي إليه الكراء بقدر ما سكن شيئا بعد شيء على ما يوجبه الحكم في ذلك. قال ابن المواز: وهذا إذا كان البناء لرب العرصة ويسمى ما بنى به وكان ذلك من الكراء لا يزيد عليه، وشرط ابن المواز أن يكون ذلك من الكراء لا يزيد عليه صحيح مثل ما في المدونة (لأنه إن شرط أن ينفق في العرصة أكثر من كرائها كان الزائد على الكراء سلفا منه لرب العرصة، فدخله كراء وسلف. قال ابن المواز: وأما إن كان البناء للمكتري فلا يحتاج إلى تسمية ما يبنى، ولا ما ينفق، ولا أحب شرطه في أصل الكراء إلا) أنه إن بنى فمتى ما خرج فلرب العرصة أن يعطيه قيمته مقلوعا أو يأمره بقلعه. وقول ابن المواز إن البناء إذا كان للمكتري فلا أحب اشتراطه في أصل الكراء صحيح بين؛ لأنه إذا اشترط ذلك عليه فقد وقع الكراء على أن يأخذ المكري من المكتري بنيانه بقيمته مقلوعا عند انقضاء أمد الكراء، وذلك غرر لا يجوز، وإنما لم ير في الرواية أن يجعل كراءها دراهم إذا كان ينفق فيها دنانير ويقاصه بها في الكراء لأنه يدخله عدم المناجزة في الصرف، إذ لا يحل الكراء عليه إلا بالسكنى شيئا بعد شيء، ولو قال:

: العبد يستأجره الرجل شهر بعشرة وشهر بخمسة

أكتري منك العرصة لعشرين سنة بعشرة دنانير نصف مثقال لكل سنة على أن أنفق فيها مائة درهم من مالي تكون مقاصة بالكراء، أو قال: أكتري منك العرصة بمائة درهم لعشرين سنة على أن أنفق فيها عشرة دنانير تكون مقاصة بالكراء لجاز ذلك، وإن سمج القول؛ لأن الأمر يئول فيه إلى صحة الفعل، وهو كراء العرصة عشرين عاما بالعدد الذي سمى أنه ينفق فيها، وبالله التوفيق. [: العبد يستأجره الرجل شهر بعشرة وشهر بخمسة] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل مالك: عن العبد يستأجره الرجل هذا الشهر بعشرة دراهم وهذا الشهر بعده بخمسة دراهم، قال مالك: إن كان ذلك شيئا واحدا فلا بأس به، كأنه كل شهر بسبعة دراهم ونصف، وإن كان أراد أن يجعل هذا الشهر بعشرة دراهم إن أصاب العبد أمر حاسبه على ذلك ويرد عليه خمسة بحسابه فلا خير فيه إن ثبت هذا الأول بعشرة والآخر بخمسة حتى يكونا جميعا في كراء واحد، ويكون الكراء كله على الشهرين نصفين. قال ابن القاسم: وهذا من وجه بيعتين في بيعة؛ لأن العبد لو هلك في الشهر الأول غبن الكري المستكري، فإن هلك في الشهر الآخر غبن المستكري الكري، فهذا خطر لا يصلح، قال ابن القاسم: وكذلك الأرضون والدور والدواب وكل ما يتكارى.

قال محمد بن رشد: أما إذا سمى لأحد الشهرين اللذين جمعتهما الصفقة أقل مما ينوبه من الإجارة أو الكراء وللثاني أكثر مما ينوبه من ذلك أو لأحد الثوبين اللذين اشتراهما صفقة واحدة أقل مما ينوبه من جملة الثمن وللآخر أكثر مما ينوبه منه على أنه متى وقع استحقاق في أحدهما أو ما يوجب الرجوع بمنابه من الثمن رجع بما سمى له من الثمن فلا اختلاف في أن البيع فاسد، وأما إن وقع البيع بينهما بالتسمية على أنه إن وقع استحقاق في أحدهما أو بما يوجب الرجوع بمنابه من الثمن إذا فض على قيمتهما لا بما سمى له منه، فلا اختلاف في أن البيع جائز. واختلف إذا عري الأمر من بيان، فقيل: إن التسمية لغو والبيع صحيح، وإن وقع استحقاق في أحدهما فض الثمن عليهما ورجع بما ينوبه، ولم يلتفت إلى التسمية، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وقول سحنون وأصبغ، وقيل: إن التسمية مراعاة والبيع فاسد إن كان سمى لأحدهما أقل مما ينوبه من جملة الثمن وللآخر أكثر مما ينوبه منه، وهو أحد قولي مالك في رواية ابن القاسم عنه في رسم باع غلاما من هذا الكتاب في بعض الروايات، وقال: سئل: عمن تكارى دارا سنتين فتكارها هذه السنة بستة وهذه بأربعة وكراؤه مختلف في السنتين، قال: الكراء فاسد وقد سكن سنة. قال: يرد الكراء ويكون لصاحب الدار قيمة سكناه في تلك السنة وأراه فاسدا. قال سحنون: الكراء جائز لا بأس به، ووقع الاختلاف في ذلك أيضا في الدمياطية، قال: وسئل ابن القاسم عن

قول مالك في الرجل يتكارى الدار أو الحمام أو العبد شهرين في صفقة واحدة بكراءين مختلفين شهرا بعشرة وشهرا بعشرين، لم كرهه مالك وقد بيع الرجل الثوبين صفقة واحدة، والعبدين والدارين بثمنين مخلفين؟ قال: إنما كره مالك من ذلك ما كان بيعتين في بيعة، وذلك أن يكون الكراء في الشهرين متقاربا، فلما أراد أن يجمعهما بسعر واحد خاف المكتري أن يجيء فيما اكترى دعوى تخرجه من يده في بعض أجل الكراء فخاطره بأن يجعل كراء هذا الشهر الأول بعشرة، وكراؤه المعروف بخمسة عشر، فإن سكن الدار شهرا فاستحقت فأخرج أو أصابها هدم أو حريق كان كراء الشهر الماضي بعشرة، وسقط عنه الشهر الثاني عشرون، ولو جمعهما كان من الكراء عليه خمسة عشر، وعسى أن يحدث في الدار أو الحمام في الشهر الأول ما يمنعه منه ثم ينتفع به الشهر الثاني فيغرم له عشرين فيكون قد حمل عليه خمسة دنانير فوق كراء ذلك الشهر للمخاطرة التي أدخلا، فلهذا نهى عنه مالك ورآه من بيعتين في بيعة. قيل: ويدخل مثل هذا في بيع الثوبين والدارين؟ قال: نعم، انظر أبدا إلى كل ما جمع في البيوع فأضيف بعضه إلى بعض في الصفقة واختلف فيه الأثمان، فإن كان ما وضع على كل صنف ما يرى أنه ثمنه أو كراؤه لو أفرد دون صاحبه فلا بأس به، وإن جمعته الصفقة فليس يدخله بيعتان في بيعة، وإن رأيت أنه قد وضع على أحدهما مالا يسوى وخفف عن الآخر حتى يأتي من ذلك أمر

مسألة: رجل كان يسكن منزلا فأنفق فيه مالا ثم أرادوا إخراجه

بين يدل على أنهما أرادا الخطار على مثل ما وصفت لك من أمر الكراء فلا خير فيه، وهو من بيعتين في بيعة. قال الوليد: وسألت أصبغ عن بيع الدارين والثوبين، فقال: لا بأس بالبيع فيهما على حال صفقة واحدة سمى لهما ثمنا أو لم يسمه، كان الثمن يشبه ما سمى لكل واحد منهما أو أقل منهما أو أكثر فهو سواء، والبيع جائز، وإن وجد عيبا فض الثمن على قيمتهما، ولم يلتفت إلى التسمية على حال، وليس تفسد التسمية في هذا ولا يلتفت إليها؛ لأنه يرجع إلى أن يفض وليس في هذا عندنا اختلاف. هذا نص ما وقع في الدمياطية، وهو يبين موضع الاختلاف في المسألة على ما ذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل كان يسكن منزلا فأنفق فيه مالا ثم أرادوا إخراجه] مسألة وسئل مالك: عن رجل كان يسكن منزل رجل فأنفق فيه مائتي درهم ثم أرادوا أن يخرجوه فلم يكن عند صاحب المنزل الدراهم، فقال رجل: أنا أقضي عنك فأعطاه فيها ثلاثة عشر دينارا، ثم قال له بعد ذلك أنا آخذ منك هذا المنزل بدرهمين كل شهر حتى ينفد مالي عليك، قال مالك: لا خير في هذا الكراء، وأرى أن يفسخ وأرى أن يكون له على صاحب البيت ثلاثة عشر دنانير ويقوم كراء مسكنه فيما سكن ثم يدفع إلى صاحب المنزل. قال محمد بن رشد: قوله إنه كراء لا خير فيه يفسخ بين؛ لأنه فسخ دين في دين، فسخ ما له عليه من الذهب التي أدى عنه في سكنى

: كراء الأرض بالحنطة ليزرعها قمحا

منزل لا ينتجز قبضه، وذلك جائز على مذهب أشهب الذي يرى أن قبض الشيء المكترى ليستوفي فيه الكراء قبض لجميع الكراء، فيجيز لمن له على رجل دين أن يأخذ منه به عبدا يخدمه إلى أجل ما، أو دابة يركبها إلى أجل ما. وقد اختلف قول مالك في هذا الأصل وقع اختلاف قوله في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب، وسيأتي القول على ذلك هنالك إن شاء الله. وأما قوله إذا فسخ الكراء إنه يكون له على صاحب البيت ثلاثة عشر دينارا فهو كما قال، إن كان دفع عنه الدنانير بأمره، وأما إن كان أمره أن يقضي عنه المائتي درهم فأعطاه فيها ثلاثة عشر دينارا، فقيل: إن ذلك لا يجوز، ويفسخ القضاء ويرجع بما دفع، ويبقى الدين على صاحب المنزل كما كان، وقيل: إن ذلك جائز، ويرجع بالأقل من ذلك يكون الآمر مخيرا بين أن يدفع إليه ما دفع، أو ما أمره بدفعه، وقد مضى تحصيل القول في هذا المعنى في أول مسألة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف. وأما قوله إنه يكون عليه كراء المسكن لصاحب المنزل على ما يقوم به فهو بين لا إشكال فيه؛ لأنه سكنه على كراء فاسد فيكون عليه فيه القيمة. [: كراء الأرض بالحنطة ليزرعها قمحا] ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل مالك: عن الرجل يتكارى الأرض بالحنطة فيزرعها، فيزرعها قمحا، أترى أن يشتري منه ذلك القمح؟ قال: تركه أحب إلي. قال محمد بن رشد: إنما كره مالك أن يشتري منه ذلك القمح؛ لأن مكتري الأرض بالحنطة كأنه مشتر للقمح الذي رفع من الأرض بالحنطة

مسألة: كراء الدار سنة بعشرة واشتراط المحاسبه بما سكن إن لم يكمل المدة

التي دفع إذ عرضه في اكتراء الأرض ما يخرج له منها فوجب على قياس هذا أن يكون القمح لرب الأرضين، والصحيح على الأصول أن يكون القمح للمكتري ويكون عليه قيمة كراء الأرض ذهبا أو ورقا ويرجع بحنطته بشراء القمح منه على هذا جائز، وإنما كره مالك شراءه منه تورعا للمعنى الذي ذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: كراء الدار سنة بعشرة واشتراط المحاسبه بما سكن إن لم يكمل المدة] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يتكارى الدار سنة بعشرة دنانير ويشترط على صاحبها إن بدا له أن يخرج قبل السنة حاسبه بما سكن، إلا أنه يشترط عليه سنة، قال: لا بأس بذلك إذا لم ينقد في كرائه، فإذا نقد فلا خير فيه، قال: وكذلك الرجل يتكارى سنين، ويقول: متى ما بدا لي أن أخرج خرجت فيقيم سنتين أو ثلاثا. قلت له: أفتراه مثله؟ فقال: نعم، قال: وكذلك الدواب. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه كراء بخيار، فلا يجوز إذا نقد؛ لأنه إن خرج قبل انقضاء الأمد رد عليه كراء ما بقي من الأمد، فدخله كراء وسلف، ويجوز إذا لم ينقد، وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد، وقول ابن القاسم وروايته عن مالك في أول كتاب الجعل والإجارة من المدونة، وقول مالك في رسم الشجرة، ورسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب كراء الرواحل والدواب، قياسا

: كراء البئر لسقي الزرع حتى حصاده فتهورت بعد السقي

على البيع الذي يجوز أن يكون أحد المتبايعين فيه بالخيار. وقال سحنون: لا يجوز؛ لأنه كراء إلى أجل مجهول، وقول ابن القاسم وروايته عن مالك أظهر؛ لأنه بمنزلة أن يقول الرجل للرجل قد بعتك من صبرتي هذه ما شئت، كل قفيز بدرهم، وبالله التوفيق. [: كراء البئر لسقي الزرع حتى حصاده فتهورت بعد السقي] من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب الأقضية الأول قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع، قالا: سألنا مالكا عمن أكرى بيره رجلا سنة يسقي بها زرعه، أو أكراه إياها حتى يحصد زرعه، فتهورت بيره بعدما يسقي، فقال: يكون له من الكراء بقدر ما سقى من السنة أو من الأيام التي يحصد فيها زرعه، مثل العبد يؤاجره شهرا فيعمل بعضه ثم يموت، فكذلك بير الزرع إذا سقى به بعض السنة ثم تهور البير أخذ مما آجره به إياها بقدر ما سقى من السنة إن كان انتفع بما سقى من زرعه استكراها صيفة وشتاء، فسقى صيفة وحصد زرعه ثم هارت البير فله كراء الصيفة بحسب ما أكراه من الصيفة والشتاء؛ وإن كان سقى زرعه ثم هارت البير ولم يحصد شيئا من زرعه، ولم ينتفع به فمات الزرع لم يكن له

عليه فيما سقى شيء، ورد عليه الكراء كله؛ لأنه لم ينتفع به، وأما إذا انتفع بمائه وسقى عليه وحصد ثم هارت البير فإنه يأخذ منه من الكراء بحسب ما آجره السنة بعشرة دنانير فسقى ستة أشهر ثم هارت البير فإنه يرد عليه نصف كرائه ويأخذ كراءه على ما أحب أو كره، ليس عليه أن يرد إلا ذلك قط. وعمارة البير شديدة، وربما أنفق عليها المال الكثير والعين كذلك، فإن قال الذي كان له الزرع هات العشرة دنانير من كراء البير أعمر بها البير فذلك له، فإن زاد من عنده عشرين دينارا فليس له على صاحب البير من ذلك شيء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة جيدة صحيحة على معنى ما في المدونة وغيرها؛ لأن الحكم في تهور البير المكتراة لسقي الزرع كالحكم في تهور البير في الأرض المكتراة للزرع في أن جميع الكراء يبطل، وإن سقى بعض السنة إذا بطل الزرع ولم ينتفع بما سقى، وفي أن له أن ينفق في إصلاح البير كراء سنة واحدة؛ لأنه يحيي بذلك زرعه ولا ضرر فيه على رب البير أو الأرض، وفي أنه إن سقى بعض السنة فانتفع بما سقى كان عليه من الكراء بحساب ذلك. وقوله فإن زاد من عنده عشرين دينارا فليس له على رب البير من ذلك شيء، يريد: إلا أن يكون له فيه نقض قائم من حجر أو آجر وشبهه فله قيمته مقلوعا، إلا أن يخلي بينه وبين قلعه، وبالله التوفيق.

: تهور البئر المؤجرة قبل انقضاء المدة ورفض صاحب الأرض تعميرها

[: تهور البئر المؤجرة قبل انقضاء المدة ورفض صاحب الأرض تعميرها] ومن كتاب الأقضية قال: وسألته عمن تكارى أرضا ونقد كراءها فزرع في الأرض فبلغ الزرع حتى سنبل ثم تهور البير فأبى صاحب الأرض أن يعمرها، فقال لي: إن شاء المتكاري أخذ منه كراء سنة واحدة مما دفع إليه فعمر به البير وليس له أن يأخذ كراء السنين كلها، ليس له أن يأخذ إلا كراء سنة، فإن كره ذلك ترك الزرع يبطل وأخذ كراءه كله، ولم يكن لصاحب الأرض شيء. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة أن البير إذا تهورت بعد أن يزرع المكتري فأبى رب الأرض من إصلاح البير كان من حق المكتري أن ينفق فيها كراء تلك السنة وحدها، وإن كان قد نقده فيؤخذ من رب الأرض وينفق في إصلاح البير، وإن كان قد استهلكه ولم يوجد له مال، كان للمكتري أن ينفقه عنه، ويكون له سلفا عليه، وإن لم يكن في كراء السنة ما يقوم بإصلاح البير، وأراد المكتري أن يزيد فهو متطوع بالزيادة، لا شيء له فيها إلا أن يكون فيما أخرج من ذلك شيء قائم فيكون له أن يأخذه إلا أن يعطيه رب الأرض قيمته مقلوعا، وإن انهارت البير قبل أن يزرع وأبى رب الأرض من إصلاح البير انفسخ الكراء ولم يكن للمكتري أن ينفق من كراء الأرض في البير شيئا، فإن أنفق فهو متطوع فيما أنفق يكون لرب الأرض كراؤه كاملا للسنين كلها التي كان الكراء إليها أو لما كفى الماء الذي عاد في البير بنفقة المكتري فيها منها، أعني من السنين المكتراة ولا شيء له فيما أنفق إلا في نقض قائم

: بناء المؤجر الدار التي تهدمت قبل انقضاء المدة بما عليه من الكراء

من حجر أو آجر أو شبه ذلك، فيكون له أن يأخذه إلا أن يعطيه رب البير والأرض قيمة ذلك مقلوعا، هذا معنى ما في كتاب ابن المواز والمدونة وغيرهما والذي يأتي على أصولهم، وبالله التوفيق. [: بناء المؤجر الدار التي تهدمت قبل انقضاء المدة بما عليه من الكراء] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب العرية قال عيسى بن دينار: سئل ابن القاسم: عن الرجل يكتري داره من الرجل سنة فلم يقم فيها إلا شهرين حتى تهدمت فقام الذي تكارها فبناها بما عليه من الكراء وصاحب الدار غائب فلما سكن السنة جاءه صاحب الدار يطلب منه الكراء، وادعى الآخر أنه بناها ما ترى فيها؟ قال ابن القاسم: يكون لصاحب الدار من الكراء بقدر ما سكن المتكاري قبل أن تهدم، ويكون له كراء العرصة فيما بعد الهدم وليس للمتكاري إلا نقض بنيانه إلا أن يعطى قيمته نقضا. فإن كان ليس فيه نقض ينتفع به مثل الجص والتزويق والتراب، فليس له فيه شيء، وكل نقض لا ينتفع به إذا قلع مثل الجص والتزويق والتراب فلا شيء فيه. قال محمد بن رشد: الذي يأتي على أصولهم في الدار المكتراة ينهدم منها ما يذهب أكثر منافعها أو منفعة البيت الذي هو وجهها أو يكشفها بانهدام حائطها وما أشبه ذلك أن المكتري يكون في ذلك مخيرا بين

أن يسكن بجميع الكراء أو يخرج، فإن أراد أن يسكن على أن يحط عنه ما ينوب ما انهدم من الكراء لم يكن ذلك له إلا أن يرضى بذلك رب الدار فإن رضي بذلك رب الدار جرى جوازه على الاختلاف في جمع الرجلين سلعتهما في البيع، وإن بنى المكري الدار قبل أن يخرج المكتري منها لزمه الكراء ولم يكن له أن يخرج، وإن بناها بعد أن خرج لم يكن عليه الرجوع إليها إلا أن يشاء، وإن سكت وسكن الدار مهدومة لزمه جميع الكراء. هذا الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة. فقوله في هذه الرواية إنه يكون لصاحب الدار كراء العرصة فيما بعد الهدم خلاف مذهبه في المدونة. وأما قوله وليس للمتكاري إلا نقض بنيانه إلى آخر قوله فهو صحيح على مذهبه. والهدم في الدار المكتراة ينقسم على قسمين: أحدهما: أن يكون يسيرا، والثاني: أن يكون كثيرا، واليسير على ثلاثة أقسام: يسير لا مضرة فيه على الساكن ولا ينقص من كراء الدار شيئا، ويسير لا مضرة فيه على الساكن، إلا أنه ينقص من قيمة كراء الدار، ويسير فيه مضرة على الساكن إلا أنه لا يبطل من منافع الدار شيئا. والكثير على ثلاثة أقسام أيضا: كثير يعيب السكنى وينقص من قيمة الكراء، ولا يبطل من المنافع شيئا، وكثير يبطل اليسير من منافع الدار كالبيت ينهدم منها وهي ذات بيوت، وكثير يذهب أكثر منافعها أو منفعة البيت الذي هو وجهها أو يكشفها بانهدام حائطها، أو ما أشبه ذلك، وقد ذكرنا حكم هذا الوجه، وأما حكم سائر الأقسام فلها موضع غير هذا تذكر فيه، وبالله التوفيق.

: كراء منازل فيها علو ليس له سلم

[: كراء منازل فيها علو ليس له سلم] ومن كتاب يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسئل: عن رجل اكترى منازل سنة، وفي المنازل علو ليس له سلم، فقال لصاحب المنازل اجعل للعلي سلما فإنا لا نخلص إليه فتوانى فيه فلم يجعل له سلما ولم ينتفع به المتكاري حتى انقضت السنة، قال: ينظر إلى ما يصيب ذلك العلو من الكراء، فيطرح عن المتكاري. قال محمد بن رشد: إنما قال إنه إذا لم يجعل المكري للمكتري سلما يخلص به إلى الانتفاع بالعلو حتى انقضت السنة أنه لا كراء عليه فيه؛ لأنه باع منه جميع منافع الدار، فعليه أن يسلمها إليه، وإسلامه للعلو هو بأن يجعل له سلما يرقى عليه، والكراء في هذا بخلاف الشراء، لو باع منه الدار، وفيها علو لا يرتقى إليه إلا بسلم لم يكن عليه أن يجعل له سلما يرتقي عليه، كما لا يلزمه أن يجعل له دلوا وحبلا يصل به إلى ماء البير؛ لأن ما باع منه قد أسلمه إليه فهو إن شاء أسكنه وإن شاء هدمه وإن شاء باعه وفعل به ما يفعله ذو الملك في ملكه، لا يمنعه من التصرف فيه بما شاء من هذه الوجوه كونها دون سلم. وقد ذهب ابن العطار في وثائقه قياسا على هذه المسألة إلى أن من باع دارا لها علو وفيها سلم ينقل من موضع إلى موضع أنه للمشتري وإن لم يشترطه، وليس قوله بصحيح، بل لا يكون للمشتري إلا أن يكون سلما من خشب في هيئة الدرج متخذا لذلك العلو، ولو صح قياس الشراء على الكراء لوجب أن يكون على البائع أن يأتيه بسلم للعلو من الدار وإن لم يكن في الدار سلم يوم البيع، وهذا ما لم يقله ابن العطار، فما أصاب في قوله ولا في قياسه، ولا يلزم في الكراء أن يأتيه بدلو وحبل لاستقاء الماء من البير، كما يلزمه أن يأتيه بسلم

مسألة: كراء الدار سنة واختلاف المتكاريين في دفع الأجرة

يرقى عليه إلى علية الدار. فالفرق بين الموضعين أنه باع منه منافع العلية ولم يبع منه ماء البير، وإنما أكرى منه دارا فيها بير لها ماء ينتفع بما شاء منه إن شاء، وذهب ابن العطار أيضا إلى أن من باع دارا وفيها مطاحن مبنية يكون للمبتاع السريد والحجر الأسفل وللبائع الحجر الأعلى قياسا على ما قاله بعض الشيوخ أن معنى قوله في المدونة: لا شفعة في الأرحى، إنما يعني بذلك الحجر الأعلى، وأما الحجر الأسفل ففيه الشفعة؛ لأنه من البناء كقدر الحمام، وهي تفرقة لا وجه لها، إذ لا ينتفع بأحد الحجرين دون الآخر، فعلى ما في المدونة لا شفعة فيهما، وعلى رواية عيسى عن ابن القاسم في رقيق الحائط فيهما الشفعة، وأما المطاحن المبنية في الدار المبيعة فالصواب أنها للبائع، ولا يعتبر بكونها مبنية في الدار إذ ليست من بناء الدار ولا من أنقاضه، وإنما هي عروض للبائع لا يستحقها المبتاع بكونها منصوبة في الدار التي ابتاع، وبالله التوفيق. [مسألة: كراء الدار سنة واختلاف المتكاريين في دفع الأجرة] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: إذا تكارى الرجل الدار سنة بعينها فسكن سنة ثم جاء صاحب الدار عند انسلاخ السنة يطلب منه الكراء، فقال: قد قبضته مني، لم يقبل قوله عليه، وعليه كراء تلك السنة، إلا أن يأتي منه ببراءة إذا قام عليه بحدثان ذلك، وإن طال ذلك بعد انسلاخ السنة ثم جاءه بعد ذلك يطلب منه كراء السنة، فقال: قد دفعته إليه، كان القول قوله، ولم يكن لصاحب

الدار عليه إلا يمينه بالله لقد قضى إليه دنانيره، فلا يبالي خرج من الدار أو كان فيها إذا طال ذلك، القول قوله مع يمينه ويبرأ، ولو كان أكراه السنة بعينها فسكن بعد ذلك تسع سنين وصاحب الدار ينظر إليه لم يواجبه على كراء، ثم جاء بعد عشر سنين يطلب كراء السنة الأولى وكراء التسع سنين التي كانت بعد السنة فلا شيء له في كراء السنة الأولى، إذا قال قد دفعته، وله قيمة كراء التسع سنين إذا قام بحدثان انسلاخها إلا أن يأتي الساكن ببراءة تبرئه من الكراء، وإلا لم يقبل قوله. وإن خرج من الدار وطال ذلك ثم جاء يطلب الكراء فلا شيء له لا كراء السنة، ولا كراء التسع سنين، إذا زعم أنه قد دفع ذلك ويحلف ويبرأ، فإذا قام يطلب ذلك بحدثان ذلك، فله كراء التسع سنين وإن كان قد خرج من الدار، وإذا سكن الدار عشر سنين، وكان صاحب الدار يجدد عليه الكراء كل سنة ويشهد عليه ثم جاء بعد ذلك يطلب كراء تلك العشر سنين كلها فلا شيء له إذا زعم أنه قد دفع ذلك إليه إلا كراء السنة الأخيرة إن كان قام بحدثان ذلك، وإن كان قد خرج وطال ذلك ثم قام يطلب فلا كراء له فيما مضى ولا في السنة الأخيرة. وإنما يكون له كراء السنة الأخيرة إذا قام بحدثان انسلاخها، وأما إذا طال ذلك فلا

شيء له، وتجديد كراء السنة بعد السنة براءة من التي قبلها مع يمين الساكن. وأما إذا أكراها عشر سنين مسجلة فلما انسلخت جاء يطلب الكراء فإنه إن جاء يطلبه بحدثان انسلاخ العشر سنين فله الكراء إلا أن يأتي الساكن منه ببراءة تبرئه، فإن قام يطلب ذلك بعد طول زمان، فالقول قول الساكن مع يمينه ويبرأ. قلت: فلو استكرى منه سنة، فلما سكن ستة أشهر جاءه يطلب الكراء، فقال: قد دفعت إليك جميع كراء السنة، أيكون القول قوله أم ماذا العمل فيه؟ ولأي شيء جعلت القول قول رب الدار إذا قام يطلب ذلك بحدثات السكنى؛ قال: لا يقبل قوله في السنة ولا بحدثان ذهابها، وكذلك قال مالك؛ لأنه أمر ليس فيه فوت. قال محمد بن رشد: مراعاة العرف في دعوى المتكاري دفع الكراء أصل متفق عليه في المذهب لا اختلاف فيه عند مالك وأصحابه، فجوابه في هذه الرواية على أن العرف كان عندهم أن من اكترى دارا سنة بكذا، أو كل سنة بكذا، ولم يقل كل شهر بكذا أو سنين مسماة بكذا، ولم يقل كل شهر بكذا أو كل سنة بكذا أن الكراء إنما يدفعه عند انقضاء السنة التي اكترى، أو عند انقضاء السنين التي اكترى، ولذلك قال: إنه لا يصدق إذا ادعى دفع كراء السنة التي اكترى أو السنين التي اكترى بحدثان انسلاخها، وإنما يصدق إذا ادعى دفع ذلك بعد طول زمان، خرج من الدار أو كان ساكنا فيها، ولو كان العرف بالبلد دفع الكراء شهرا بشهر وإن كان اكترى منه سنة أو سنتين على ما هو العرف عندنا لوجب أن يكون

القول قول المكتري في دفع كراء ما مضى من الأشهر، والقول قول رب الدار في الشهر الآخر ما لم يطل الأمر بعد انقضائه. والذي جرى به العمل أنه إذا مضى أكثر الشهر كان القول قول المكتري في دفع كراء الشهر الذي قبله، وإذا لم يمض منه أكثره كان القول قول رب الدار إنه ما قبض كراء الشهر الذي قبله، وقيل: إن القول قوله ما قبض كراء الشهر الفارط ما لم ينقض الشهر الذي هما فيه. وأما قوله في هذه الرواية إذا أكرى منه السنة بعينها ثم سكن بعد ذلك تسع سنين وصاحب الدار ينظر إليه لم يواجبه فيها على كراء، ثم قام بعد انقضاء العشر سنين يطلبه بكراء السنة الأولى وكراء التسع سنين أنه إن قام بحدثان انسلاخها فله قيمة كراء التسع سنين، ولا شيء له من كراء السنة الأولى، وإن قام بعد طول فلا شيء له، لا كراء السنة ولا كراء التسع سنين، إذا زعم أنه قد دفع ويحلف ويبرأ. فقوله فيها إن له قيمة كراء التسع سنين لا على حساب كراء السنة الأولى، وهو مثل قوله في كتاب كراء الرواحل والدواب من المدونة فيمن اكترى دابة يوما فبحسبها شهرا أن عليه في التسعة وعشرين يوما كراء مثلها على قدر ما استعملها لا على حساب كراء اليوم، ومثل ما اختاره في رسم إن خرجت بعد هذا، ولا يعتبر في هذه المسألة على هذا القول بالعرف إن كان العرف بالبلد تأدية الكراء فيه سنة بسنة إذا لم يواجبه في التسع سنين على كراء معلوم، ويعتبر به على القول الآخر وعلى مذهب غيره، وهو أشهب الذي يرى عليه الكراء في التسع سنين

: سكوت المكري عن الأجر الذي أخبره به المؤجر

على حساب كراء السنة، لكونه حاضرا معه لأنه كأنه قد واجبه في كراء التسع سنين على مثل كراء السنة الأولى، وهو نص قوله في الدمياطية، قال: القول قول المكتري لما مضى من السنين، ويغرم السنة التي هو فيها. ولو سكن التسع سنين وصاحب الدار غائب لم يواجبه فيها على كراء لكان القول قول صاحب الدار أنه ما قبض كراء التسع سنين إذا قام بحدثان انقضائها وإن كان العرف بالبلد قبض الكراء فيه سنة بسنة على قولهما جميعا، وإنما يختلفان فيما يجب على الساكن في التسع سنين. فمذهب أشهب أنه يجب عليه فيها الأكثر من كراء مثلها أو على حساب كراء العام الأول، ومذهب ابن القاسم أنه يجب عليه فيها كراء مثلها بالغا ما بلغ كان أكثر من كراء السنة أو أقل، وهذا على أصل قد اختلف فيه قوله على ما سنذكره في رسم إن خرجت بعد هذا، إن شاء الله، وبه التوفيق. [: سكوت المكري عن الأجر الذي أخبره به المؤجر] ومن كتاب أوله أوصى بعتق أمهات أولاده وسئل: عمن استكرى بيتا يسكنه، فقال المكري: هو بدينار ونصف في السنة، وقال المستكري: لا والله لا أعطيك إلا دينارا، فإن رضيت سكنت على هذا، وإلا انتقلت، فسكت ولم يجبه بشيء، فلما انقضت السنة لزمه بدينار ونصف، قال ابن القاسم: لا أرى له إلا دينارا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة تبين ما مضى في نوازل

: كراء الدار مدة أخرى بدون اتفاق مع صاحبها

سحنون من كتاب جامع البيوع، وقد مضى القول عليها هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: كراء الدار مدة أخرى بدون اتفاق مع صاحبها] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل: عن رجل أكرى من رجل دارا سنة فلما انقضت السنة سكن الداخل في الدار بعد السنة ستة أشهر ولم يواجب صاحب الدار على كراء، ثم طلب صاحب الدار الكراء ماذا يأخذ منه؟ أبحساب ما تكارى منه للسنة الماضية؟ أم قيمة كراء الستة أشهر؟ فقال: قد قيل فيها القولين جميعا، وأحب إلي أن يقوم كراء الستة أشهر التي سكن ويعطي كراءها. قال محمد بن رشد: الاختلاف في هذه المسألة جار على اختلاف قوله: هل السكوت كالإقرار أم لا؟ فعلى القول بأن السكوت كالإقرار إذا علم رب الدار بسكناه في الدار بعد انقضاء العام، كان عليه فيما سكن بحساب كراء العام؛ لأنه يحمل كل واحد منهما على الرضا به، وإن لم يعلم رب الدار بسكناه فيها بعد انقضاء العام، مثل أن يكون غائبا، فيكون على الساكن فيما سكن بعد انقضاء العام الأكثر من كراء المثل، أو على حساب كراء العام؛ لأنه يحمل على الساكن الرضا بحساب كراء العام إن كان كراء المثل أقل، وهو أحد قولي ابن القاسم وقول غيره في المدونة، وقول ابن الماجشون في الواضحة، قال: أما ما كان مما يرجع به إلى ربه، فيحوزه بغلق من دار وبيت وحانوت، ورب ذلك ساكت حاضر عالم لا ينكر

: يكتري الأرض فإذا استحصد زرعه أتاه برد فأوقع حبه كله في الفدان

فله بحساب الكراء الأول، وما قال مثل المزرعة وما إذا فرغ من الوجيبة بقي براحا لا جدار عليه ولا غلق ولا آلة ترد إلى صاحبها، فله فيما زاد الأكثر من القيمة أو الوجيبة؛ لأنه تعدى عليه بغير أمره ولا علمه، واختار ذلك ابن حبيب وعلى القول بأن السكوت لا يكون كالإقرار يكون على الساكن فيما سكن بعد انقضاء العام كراء المثل بالغا ما بلغ، كان أقل من حساب كراء العام أو أكثر، كان رب الدار حاضرا أو غائبا، وهو أحد قولي ابن القاسم واختياره في هذه الرواية، وبالله التوفيق. [: يكتري الأرض فإذا استحصد زرعه أتاه برد فأوقع حبه كله في الفدان] ومن كتاب الثمرة وقال، في رجل يكتري الأرض فيزرعها، فإذا استحصد زرعه أتاه برد فأوقع حبه كله في الفدان فأخلف وصار فيه زرع، لمن يكون الزرع؟ قال: الزرع لرب الأرض وليس للمتكاري فيه قليل ولا كثير؛ لأن سنته قد انقضت؛ لأن مالكا سئل عن رجل بذر أرضه، فأتى سيل فذهب بالبذر كله إلى أرض غيره، فنبت وصار زرعا، قال: الزرع لرب الأرض، وليس لصاحب البذر قليل ولا كثير، فمسألتك مثله. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في مسألة الذي انتثر زرعه في أرض اكتراها لسنة فنبت فيها في عام قابل: إنه لصاحب الأرض - هو مثل قوله في كتاب كراء الأرضين من المدونة، وقياسه لذلك على قول مالك في الذي يبذر أرضه فيجر السيل بذره إلى أرض جاره فينبت فيه: إنه لصاحب الأرض صحيح، إذ لا فرق بين المسألتين؛ لأن البذر مستهلك

مسألة: أجر الحمام برقيقه فمات الرقيق قبل انقضاء المدة

في المسألتين لا يقدر صاحبه على أخذه من أرض صاحب الأرض، وهذا مثل ما في المدونة سواء؛ لأن معنى قوله فيها فحمل السيل زرعه إلى أرض رجل آخر، فنبت فيه، معناه: فحمل السيل بذره إلى أرض رجل آخر فنبت فيه، إذ لا ينبت الزرع وإنما ينبت البذر، وبدليل هذه الرواية أيضا؛ لأنه نص فيها على أن السيل إنما ذهب بالبذر لا بالزرع بعد نباته، وقد اختلف إذا ذهب السيل بالزرع إلى أرض الرجل بعد أن نبت وظهر على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لصاحب الأرض أيضا، وعليه قيمته مقلوعا، إن كانت له قيمة، روي ذلك عن سحنون. والثاني: أنه لربه، وعليه كراء الأرض ما لم يجاوز كراؤها الزرع فلا يكون عليه أكثر منه، يريد أنه يكون مخيرا بين أن يتركه لرب الأرض، وبين أن يكون له ويكون عليه كراء الأرض. قاله سحنون في كتاب المزارعة، وقال في كتاب ابنه: ولا يكون كالمخطئ، والمخطئ كالعامد، ولا يكون أسوأ حالا من المكتري للأرض مدة فتتم المدة، وله فيها زرع أخضر، وقد علم حين زرع أنه لا يطيب في المدة. فقال مالك: له الزرع وعليه كراء زيادة المدة. والثالث: أنه إذا لم يكن فيه منفعة فهو للذي جره السيل إليه، وإن كانت فيه منفعة وله قيمة فهو لصاحبه وعليه كراء الأرض، روى ذلك ابن وضاح عن سحنون، وقد قيل: إنه إذا جره السيل وهو بذر قبل أن ينبت أنه لصاحبه وعليه كراء الأرض وهو بعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: أجَّر الحمَّام برقيقه فمات الرقيق قبل انقضاء المدة] مسألة وسئل: عن الرجل يكون له الحمام، وفيه الرقيق يقومون بأمره، فأكراه رجلا سنة برقيقه فماتت الرقيق إلى ستة أشهر،

هل يفسخ جميع الكراء، أو انهدم الحمام وبقيت الرقيق؟ قال: إن ماتت الرقيق قبل السنة وبقي الحمام كان الكراء بحاله في الحمام إلى تمام السنة ونظر إلى كراء الرقيق من جملة الكراء، فإذا عرف كراؤهم قوم كراؤهم فيما عملوا من السنة، فكان لسيدهم ورد ما بقي، وإن كان الحمام انهدم والرقيق باقية انفسخ الكراء في الرقيق والحمام، ونظركم كراء الحمام والرقيق فيما مضى من السنة ففض على جميع الكراء الثمن فكان ذلك له. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا اكترى الحمام برقيقه ليقوموا له بأمره فانهدم الحمام لم ينتفع بالرقيق، فسواء انهدم الحمام في أول السنة أو بعد أن مضى أكثرها، له رد الرقيق، وينفسخ الكراء في الجميع لما بقي من المدة، ولا يقال إذا انهدم الحمام بعد أن مضت أكثر السنة إنه ليس له أن يرد الرقيق فيما بقي من السنة وإن كان قد سلمت له جل صفقته، إذ لا منفعة له فيهم إذا انهدم الحمام؛ لأنه إنما هو بمنزلة من اكترى دارا فلما سكن أكثر المدة انهدم منها بيت يضر به في سكناه، فله أن يرد الدار لما بقي من المدة، ولو كان اكترى الحمام ورقيق صاحب الحمام ليخدموه في غير الحمام فانهدم الحمام بعد أن مضت أكثر المدة لم يكن له أن يرد الرقيق؛ لأنه قد سلمت له جل صفقته فنال وجه ما طلب، كما أنه لو اكترى حمامين أو دارين فانهدم أحدهما وقد مضت أكثر المدة لم يكن له أن يرد الآخر، وإن كان الذي انهدم منهما هو جلهما من أجل أنه قد سلمت له جل صفقته إذ قد مضت أكثر المدة فنال وجه ما طلب. ويدخل في هذا الوجه اختلاف بالمعنى من مسألة من اشترى عبدين في صفقة

: كراء الدار التي فيها نخل إلى سنة ثم انهدمت الدار

واحدة، أحدهما تبع لصاحبه، فاستحق جل الأدنى منهما؛ لأن ابن القاسم يرى له رده، خلاف ما ذهب إليه سحنون فتدبر ذلك. وأما إذا مات الرقيق الذين اكتراهم مع الحمام لخدمة الحمام وبقي الحمام فلا ينفسخ الكراء في الحمام إلا أن يكونوا ماتوا في أول السنة وهم الجل في الكراء، مثل أن يكون كراء الحمام برقيقه خمسين، ودون الرقيق عشرة، وما أشبه ذلك، وبالله التوفيق. [: كراء الدار التي فيها نخل إلى سنة ثم انهدمت الدار] ومن كتاب حمل صبيا على دابة قال ابن القاسم: إذا اكترى الرجل دارا إلى سنة وفيها نخل تبع للدار واشترطها المكتري فسكن ستة أشهر ثم انهدمت الدار فإنه يقوم كراء الدار، فإذا عرف قيمتها نظر ما قيمة النخل من تلك القيمة إن كانت ثلثا أو ربعا أو أدنى من ذلك فيأخذ من كراء السنة ذلك الاسم، ثم ينظر ما قيمة كراء تلك الستة الأشهر التي سكن، وقيمة كراء الستة الأشهر الباقية، فيفض ما بقي من الكراء بعد إخراج قيمة النخل على الستة الأشهر التي سكن والستة التي بقيت. قال محمد بن رشد: يريد وتكون الثمرة للمكتري إن كانت قد طابت ويكون عليه ما وقع عليها من الكراء مع ما يجب للستة الأشهر التي سكن، وأنها ترجع لرب الدار إن كانت لم تطب ويحط عن المكتري ما يقع عليها من الكراء وعلى ما بقي من المدة، فإن كانت الثمرة تقع في الثلث من الكراء وانهدمت الدار بعد أن سكن ستة أشهر كانت الثمرة للمكتري إن كانت قد طابت، وكان عليه ثلثا الكراء، وإن كانت لم تطب

مسألة: يكتري الدار سنة وفيها نخل أو دالية غلتها أدنى من الثلث فيشترطها

رجعت إلى رب الدار، وكان على المكتري ثلث الكراء على ما يأتي له في سماع أبي زيد. وذهب محمد بن المواز إلى أن الثمرة ترجع إلى ربها طابت فيما مضى من المدة أو لم تطب، ويكون على المكتري من الكراء إن كان سكن ستة أشهر نصف ما يقع منه على الدار إذا فض عليه وعلى الثمرة. يريد محمد: إلا أن تكون الثمرة قد طابت في الستة الأشهر التي سكن وهي تبع لها، وذلك بأن تكون الثمرة تقع من كراء السنة السدس فأقل، فتكون للمكتري ويكون عليه ما نابها من الكراء مع ما يجب لما سكن. وقول محمد بن المواز أظهر، ومثله حكى ابن حارث عن أشهب، ووجه قول ابن القاسم أن أصل العقد لم يكن فيه تهمة إذ كانت الثمرة حينئذ تبعا، ولا يعتبر بما يطرأ من الهدم بعد صحة العقد، وقد كان يجب على هذا أن تكون الثمرة له وإن لم تطب، وذلك ما لا يقوله ابن القاسم ولا غيره، فهو دليل على صحة قول محمد وأشهب. ولو استحقت الدار إلا موضع الشجرة لرجعت الثمرة إلى المكتري طابت أو لم تطب، بخلاف الهدم؛ لأنه بمنزلة من باع ثمرة قبل طيبها حين ضمها إلى ما ليس له، قاله ابن حبيب، وقد قال في الذي يشتري الأرض ويستثني الزرع ثم تستحق الأرض وقد استحصد الزرع: إنه يكون للمشتري ويمضي البيع فيه؛ لأن أصله كان جائزا، ولا فرق بين الشراء والكراء، فعلى هذا تكون الثمرة إذا طابت للمكتري في الهدم والاستحقاق، وعلى قول محمد وأشهب ترجع الثمرة إلى ربها وإن طابت في الهدم والاستحقاق، وتفرقة ابن حبيب بين الهدم والاستحقاق قول ثالث، فقف على ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يكتري الدار سنة وفيها نخل أو دالية غلتها أدنى من الثلث فيشترطها] مسألة قال ابن القاسم، في الرجل يكتري الدار سنة وفيها

نخل أو دالية غلتها أدنى من الثلث فيشترطها فيسكن ستة أشهر ثم يستقيله صاحب الدار أو المتكاري وقد نقد الكراء أو لم ينقد، والثمر بحالها لم تطب، إنه سواء نقده أو لم ينقد أيهما استقال فلا بأس به إذا كانت الثمرة يوم يستقيله تبعا لكراء الستة الأشهر التي يقيله منها بمنزلة أصل الكراء فيكون كله كأنه كراء حادث، فإن كانت الثمرة قد طابت فليصنعا ما أحبا، وسواء نقده أو لم ينقده في الدار، وليس ينزل النقد في الدور بيعا وسلفا، رجع ابن القاسم، وقال: هذا إذا لم ينقده، فإن كان نقده كان بيعا وسلفا، كذلك قال لي مالك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة تحصيل القول فيها أن الثمرة لا تخلو أن تكون في حين الإقالة قد طابت أو لم تطب، فإن كانت قد طابت وتركها لرب الدار، فذلك جائز بكل حال، وإن أبقاها لنفسه فذلك جائز إن كانت تبعا للستة الأشهر التي سكن، مثل أن يكون السدس من جميع كراء السنة فأقل، فيكون الثلث من الستة الأشهر التي سكن أو أقل، وإن كانت لم تطب وأبقاها لنفسه فلا يجوز بحال، وإن تركها لرب الدار جاز إن كانت تبعا لما بقي؛ لأنه يصير كابتداء كراء اكتراه المكري من المكتري، ولم يجز إن لم يكن تبعا للستة الأشهر الباقية، وقد مضى في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم وجه الاختلاف في الإقالة من بقية السكنى بعد النقد، وإن إجازة ذلك قياسا على السلع المعينة وكراهيته تشبيها بما في الذمم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

: اكترى دارا سنة ولم ينقد الكراء فسكن شهرين ثم سأله المكتري أن يقيله فأبى

[: اكترى دارا سنة ولم ينقد الكراء فسكن شهرين ثم سأله المكتري أن يقيله فأبى] ومن كتاب حبل حبلة وسئل: عن رجل اكترى دارا سنة باثني عشر دينارا ولم ينقد الكراء فسكن شهرين، ثم سأله المكتري أن يقيله فيما بقي من السنة فأبى، فقال: أقلني وأنا أعطيك في الشهرين ستة دنانير كراء نصف سنة، قال: لا خير فيه، وهذا من وجه ضع وتعجل، ورواها أصبغ، وقال: يفسخ إن وقع عملهما على هذا. قال محمد بن رشد: قوله: وهذا من وجه ضع وتعجل صحيح، إذ ليس بحقيقة ضع وتعجل، وإنما هو فعل قد يدخله ما يدخل ضع وتعجل من الزيادة في السلف، ويدخله أيضا البيع والسلف، وبيع عرض وذهب بذهب إلى أجل، وذلك إذا كان الكراء مؤخرا بشرط، أو كانت سنة الكراء عندهم على التأخير؛ لأنه إذا أكرى منه داره سنة باثني عشر دينارا مؤخرة عليه إلى انقضاء السنة فأقاله بعد شهرين على أن يعطيه ستة دنانير في الشهرين كان رب الدار قد أخذ منه دينارين واجب الشهرين اللذين سكنهما وتعجل أربعة دنانير من العشرة الباقية عليه من كراء العام إلى انقضائه، على أن يأخذ منه في تمام العشرة داره لبقية العام، ولعل كراءها لبقية العام لا يساوي إلا أربعة دنانير، فيكون كأنه قد تعجل ثمانية دنانير من عشرة مؤجلة، وإن كان كراء العشرة الأشهر الباقية قيمته ستة دنانير فأكثر لم يدخله ضع وتعجل؛ لأنه لم يضع شيئا، ويدخله بيع وسلف وذهب وعرض بذهب إلى أجل على كل حال؛ لأنه أخذ منه سكنى الدار عشرة أشهر بستة دنانير من العشرة التي بقيت له عليه إلى أجل على أن عجل له أربعة دنانير سلفا منه له، وباعه العشرة دنانير التي له عليه إلى أجل بأربعة دنانير معجلة وسكنى داره العشرة الأشهر التي بقيت من السنة. وأما لو كان الكراء على النقد بشرط، أو على أنه يحل عليه شيئا بعد شيء بقدر ما سكن أو مبهما

مسألة: يقول له أؤاجرك داري أو إبلي كل سنة أو كل شهر بكذا وكذا

مما يكون الحكم فيه هذا فسكن أشهرا ثم استقال من زيادة لم يكن به بأس؛ لأن ما حل له من الكراء ليس بمحسوب له في الإقالة، ولا من الزيادة، وهذا كله بين، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول له أؤاجرك داري أو إبلي كل سنة أو كل شهر بكذا وكذا] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول في الرجل، يقول للرجل: أؤاجرك داري أو إبلي أو غلماني كل سنة أو كل شهر بكذا وكذا، أو في السنة أو في الشهر بكذا وكذا: إن ذلك كله لا يلزم واحدا منهما، ومتى ما أحب المتكاري أن يخرج خرج، أو متى ما أحب المكري أن يخرجه أخرجه، قال مالك: إلا أن يقول: أكريك سنة بكذا وكذا أو شهرا بكذا وكذا، فليس لأحدهما أن يترك الكراء، ليس للمتكاري أن يخرج، وليس للمكري أن يخرجه حتى تنقضي سنة. قال ابن القاسم: وأنا أرى في الذي يقول أكريك السنة بكذا وكذا، مثل ما قال مالك في وكل. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها؛ لأن الكراء في الرباع على وجهين: أحدهما: أن يعقده المتكاريان لمدة معينة معلومة، والثاني: أن يسميا الكراء ويتفقان عليه ولا يتواجبان على مدة معينة معلومة، فإذا عقداه لمدة معينة معلومة لزمهما جميعا ولم يكن للمكتري أن

يخرج ولا للمكري أن يخرجه حتى تنقضي المدة، وهي تتعين بأربعة ألفاظ: أحدها: أن يقول: أكري منك هذا الشهر أو هذه السنة. والثاني: أن يقول: أكري منك شهر كذا، أو سنة كذا. والثالث: أن يقول: أكري منك شهرا أو سنة. والرابع: أن يقول: أكري منك إلى وقت كذا. وما تفترق فيه هذه الألفاظ مع تساويها في لزوم الكراء بها مذكور في غير هذا الكتاب، وإذا اتفقا على الكراء وسمياه ولم يتواجبا على مدة معلومة معينة وذلك مثل أن يقول أكري منك الشهر بكذا، أو السنة بكذا، أو يقول: أكري منك في كل شهر بكذا، أو كل سنة بكذا، أو يقول: أكري منك في الشهر بكذا، أو في السنة بكذا، كان للمكتري أن يخرج متى شاء وللمكري أن يخرجه متى شاء كان في أول الشهر أو وسطه، ويؤدي من الكراء بحساب ما سكن، ولا يلزم واحدا منهما الكراء في الشهر الأول، ولا فيما بعده، إلا أن يقع بينهما شرط ألا يخرج أو ألا يخرجه أو يعجل الكراء، وهذا على مذهب ابن القاسم. وذهب ابن الماجشون إلى أنهما يلزمهما الكراء في الشهر الأول إذا قال: الشهر بكذا، أو في كل شهر بكذا، وكذلك على مذهبه السنة الأولى إذا قال: السنة بكذا، أو كل سنة بكذا. وروى ابن أبي أويس عن مالك في البيوت التي تكرى شهرا بشهر فيخرج قبل ذلك أن كراء ذلك الشهر عليه، وإنما يكون عليه بحساب ما سكن إذا

تكارى كل يوم بدرهم، ففي كراء الدار مشاهرة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يلزم الشهر الأول، ولا ما بعده، والثاني: أنه يلزم فيه الشهر الأول ولا يلزم ما بعده من الشهور، والثالث: أنه يلزمه الشهر الأول، وكراء ما بعده من كل شهر بسكنى بعضه. وقول ابن القاسم: وأنا أرى في الذي يقول أكريك السنة بكذا وكذا، مثل ما قال مالك في وكل صحيح، ومعناه: أن السنة لا تتعين عنده بقوله أكريك السنة بكذا وكذا، كما لا يتعين عند مالك بقوله أكريك في السنة بكذا وكذا أو أكريك في كل سنة بكذا وكذا، وإنما لم تتعين السنة بقوله أكريك السنة بكذا وكذا لأن الألف واللام لم يدخلا على السنة لتخصيصها من غيرها في لزوم الكراء فيها، وإنما دخلا عليها لتخصيص السنة من غيرها في مقدار ما يجب لها من الكراء، وهذا هو معنى الكلام الذي يسبق إلى فهم السامع ولا يصح فيه خلاف بوجه من الوجوه. وقد حكى ابن سهل في أحكامه أنه رأى في حاشية كتاب بعض شيوخه أنه إن قال أكريك السنة بكذا - بنصف السنة - كان سنة لازمة، وإن قال أكريك السنة بكذا - بالرفع - كان مثل قوله: كل سنة بكذا، على رواية ابن القاسم، واستحسنه، ولا وجه عندي لاستحسانه إياه؛ لأنه إذا قال أكريك السنة بكذا بنصب السنة احتمل أن يريد بذلك أكريك داري هذه السنة بكذا، وأن يريد بذلك أكريك داري هذه ما سكنت من حساب السنة بكذا، وإذا كان الكلام محتملا لهذين الوجهين وأحدهما يلزم به كراء السنة، والثاني لا يلزم به كراؤها لم يصح أن يحمل إلا على الوجه الذي لا يلزم به كراؤها؛ لأن الأصل براءة الذمة من لزوم الكراء، فلا يلزم إلا بيقين. وأما إذا قال أكريك السنة كذا بالرفع فليست بمسألة يتكلم عليها، إذ لا إشكال في أن كراء السنة لا يلزم بذلك، وما تكلم ابن القاسم عليها، وإنما تكلم على الذي قال أكريك السنة بكذا بالنصب فرأى الكراء بذلك غير لازم في

مسألة: كراء الأرض بمثل نظيرتها دون تحديد قدر الأجرة

السنة للمعنى الذي قلناه، ولما كان الكراء لازما في السنة لمن قال أكريك سنة بكذا ولم يكن لازما فيها لمن قال: أكريك السنة بكذا، للمعنى الذي ذكرناه، قال: من أراد أن يغرب إن الكراء إذا عرف تنكر، وإذا نكر تعرف، وذلك قول فيه نظر؛ لأنه لو قال أكريك السنة كل شهر بكذا للزم كراء السنة لتعرفها بالألف واللام. وإنما لزم الكراء في السنة لمن قال أكريك سنة، بكذا وكذا، وإن كانت منكرة، من أجل أن الكراء لا يجوز عقده على سنة غير معينة، فيحمل أمرهما على أنهما أرادا سنة كاملة من يوم العقد، وبالله التوفيق. [مسألة: كراء الأرض بمثل نظيرتها دون تحديد قدر الأجرة] مسألة ومن سماع سحنون من عبد الرحمن بن القاسم، قال سحنون: سئل ابن القاسم: عن الرجل يكري الأرض يزرعها بمثل ما يزرع غيرها وهما لا يعرفان كم كراء تلك الأرض الأخرى، قال: لا خير فيه، وعلى الزارع مثل كراء تلك الأرض، قيل له: فإن أراد حارث الأرض أن يأخذ مثل طعامه أو دراهم أو عرضا أو دنانير من رب الأرض ويترك له الزرع، قال: لا خير فيه، وهو بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الكراء على هذا لا يجوز لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بيع الغرر، وإنه لا يجوز للمكتري أن يأخذ من رب الأرض مثل طعامه الذي زرع، أو دراهم أو دنانير أو عرضا من العروض ويترك له الزرع لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بيع الحب في سنبله حتى يبيض في أكمامه، فكيف يبيعه وهو زرع قبل أن يسنبل؛ لأن الزرع له، وعليه كراء المثل في الأرض، فلا يجوز له أن يبيعه من رب الأرض، كما لا يجوز له أن

مسألة: انفضاض ماء البئر المكتراة أثناء الإجارة

يبيعه من غير رب الأرض، وبالله التوفيق. [مسألة: انفضاض ماء البئر المكتراة أثناء الإجارة] مسألة وسئل سحنون: عن الرجل يكتري العين أو البير فينقص ماؤهما، قال: إن كان ذلك يسيرا مثل ما يعرف من نقصان الماء مع قلة الأمطار وزيادته مع كثرة المطر فإن ذلك لازم لهما إلا أن يأتي من نقصان الماء ما يضر بالمكتري لقلته وعوزه فتنتقض به الإجارة، وكذلك نقصان اللبن من قلة الخصب مثل نقصان العين من قلة المطر أمرهما واحد، فخذ هذا على هذا الباب. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع الأول وهو مبين لما في المدونة؛ لأن النقصان المعروف قد دخل عليه المبتاع فلا رجوع له به، وإنما يرجع بالنقصان المتفاحش الخارج عما جرت به العادة، وقد مضى القول على هذا في سماع أشهب من الكتاب المذكور، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: إرادة المؤجر أخذ الأجرة المؤجلة قبل موعدها] من سماع أصبغ من كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: سألت ابن القاسم: عمن تكارى منزلا بأربعة دنانير سنة واشترط المكري نقد دينارين، وأخذ نصف الكراء، فأراد بعد شهر أن يأخذ ما حل له في ذلك أيضا. قال: ذلك له ويفض الديناران على السنة كلها، فينظر ما يصيب كل شهر

يفض ما قبضه، ويفض ما بقي على السنة كلها، فينظر ما يصيب كل شهر من ذلك، فيأخذه كلما حل له شهر، وذلك نصف كراء الشهر من جميع الكراء، فيكون ما قبض، ويعجل على ما سكن وما لم يسكن، وما تأخر بمنزلة ذلك، ومما يبين ذلك أرأيت لو قبض دينارين وسكن ستة أشهر ثم فلس المتكاري، أليس يرد دينارا ويكون الديناران اللذان قبض على السنة كلها ويأخذ الأشهر الباقية؛ لأنها سلعته بعينها، فكذلك هذا، وإنما هو شيء اشترط تعجيله فلا يكون فيما سكن وحده، وهو على السنة كلها، وسواء اشترط نقد دنانير سماها، فكانت نصف الكراء، أو اشترط نصف الكراء مسمى فهو سواء. قال أصبغ: جيدة كلها وإنما يلغى ما قبض عندما يحل عليه شيء فيصير الباقي من الكراء الذي لم يقبضه كأنه كراء السنة كلها، يقسم ويفض عليها فيأخذ لكل شهر ما يصيبه منها بحسابه. وقول ابن القاسم يرجع إلى هذا، وهذا يرجع إليه، وهو وجه واحد لا يزول. وإن قسمت السنة على الدينارين اللذين قبض، والدينارين اللذين لم يقبض صار كراء كل شهر ثلث دينار فقد أخذ لكل شهر سدسا في الدينارين اللذين اشترط تعجيلهما ويبقى من كراء كل شهر سدس. وإن قسمت السنة على الدينارين الباقيين فقط، وجعلاهما الكراء لأنهما بقية الكراء، فإنما يصير لكل شهر سدس يأخذه، فهذا هو، وهذا كله واحد، وإنما هو رجل اشترط من كراء كل شهر تعجيل سدس لجميع الأشهر مكانه، ويبقى من كراء كل شهر سدس إذا حل شهره.

: نبت الحب المخبوء في الأرض بعد انقضاء الإجارة

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قالا؛ لأنه إذا اشترط تعجيل بعض الكراء ولم يسمه لشهر أو لشهور بأعيانها من أول العام أو من آخره وجب أن يحمل على جميعها ويفض عليها كلها، ويأخذه عند انقضاء كل شهر ببقية واجبة، وبالله التوفيق. [: نبت الحب المخبوء في الأرض بعد انقضاء الإجارة] ومن كتاب المجالس وسأله رجل من أهل الريف، فقال: إني كنت زرعت أرضا لي كمونا فلم ينبت، وأبطأ نباته عن إبانه حتى لم يشك الناس أنه قد هلك البذر الذي بذرت من بعض غمرات الماء، أو برد، أو غير ذلك، ويئست من نباته، وأكريت، أرضي تلك من رجل غرس فيها مقثاة فنبتت المقثاة والكمون معا نباتا واحدا، ما ترى في ذلك؟ قال أصبغ: أرى الكمون لك والمقثاة لغارسها، ويفض الكراء الذي اكتريت به الأرض على قدر انتفاعكما بها، أنت في كمونك، والمكتري في مقثاته، فما أصاب الكمون من ذلك سقط عن المكتري من الكراء. قيل له: أرأيت إذا أضر الكمون بالمقثاة وغمها حتى نقصها في نباتها وحملها، فقال ربها: اقلع عني الكمون فإنه قد أضر بي، وأبطل مقثاتي، أذلك له؟ قال: ليس ذلك له، فإن كان ذلك كذلك ونقصت المقثاة من سبب الكمون وضع عنه من حصته من الكراء مقدار ما نقص من المقثاة من قليل أو كثير؛ لأن هذا من سبب الأرض، قال: وكذلك إن أبطلها كلها وأحرقها كان مصيبتها منه، ورجع بالكراء كله فأخذه، أو سقط عنه بمنزلة ما لو غرسها فلم تنبت أصلا فلا كراء لرب الأرض؛ لأن الهلاك جاء من سبب الأرض.

قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة حسنة صحيحة مبنية على أصولهم؛ لأن رب الأرض لما أكرى أرضه وهو يرى أن كمونه قد بطل وجب ألا يكون للمكتري أن يقلعه، إذ لم يغره، وإنما فعل ما يجوز له، كمن زرع في أرض اكتراها وهو يظن أنه يتم قبل انقضاء أمده، فانقضى الأمد قبل تمام الزرع. لا يكون لرب الأرض أن يقلع زرعه، وإذا لم يكن له أن يقلعه وجب أن يحط عنه من الكراء بقدر ما أضر به الكمون في مقثاته، وإن أبطل الكمون المقثاة سقط عنه جميع الكراء؛ لأن بطلانها جاء من قبل الأرض بالكمون الذي عابها، ولم يكن من قبل رب الأرض، إذ لم يتعد فيما صنع، فأشبه نقصان الزرع في الأرض المكتراة، أو بطلانه من قبل القحط وقلة الماء. ومن هذا المعنى مسألة وقعت في سماع عيسى من كتاب المزارعة في بعض الروايات؛ قال ابن القاسم: من أعطى رجلا أرضا له عارية فزرع فيها قطنا فأثمر في عامه، وجناه وبقيت أصوله فنما وأثمر في عام قابل فتنازعاه، فقال رب الأرض: إني لم أمنحك إلا العام الأول، وقال زارع القطن: هو لي ومن زريعتي. قال: إن كان القطن في البلد يزرع كل عام كالزرع فحكمه حكم الزرع وهو لرب الأرض. ثم قال بعد ذلك: إن القطن لمن غرسه. وعليه كراء ما شغل القطن من الأرض، إلا أن يكون الكراء أكثر من القطن، فلا يلزمه أكثر منه، وثبت على هذا، وقال: لأنه أصول، وقال بعد ذلك، في الزرع إذا لم ينبت في أول سنة ونبت في الثانية: إنه كالغاصب في حاله كله، إلا أن يكون الكراء أكثر من الزرع، فليس عليه أكثر من الزرع، قال: وإن كان القطن أصولا تنبت في الأرض السنين الكثيرة، كما ينبت في السواحل، فأراه لرب القطن، فإن أراد رب الأرض إخراجه ولم تقم له بينة أنه أعاره سنة واحدة، وحلف رب القطن على دعوى رب الأرض، فليعط رب الأرض لرب القطن قيمة الأصول، وذكر هذه المسألة من أولها ابن سحنون عن أبيه مثله.

: طلب صاحب الأرض من الزارع المتعدي قلع الزرع

قال أبو محمد في النوادر: أراه جعل اختلافهما في مدة العارية شبهة أوجب له بها قيمته أصولا لا مقلوعا بعد يمين المستعير، وكان الغرس كالحيازة بخلاف اختلافهما في مدة سكنى الدار، وبالله التوفيق. [: طلب صاحب الأرض من الزارع المتعدي قلع الزرع] نوازل أصبغ بن الفرج وسئل أصبغ: عن رجل تعدى على أرض رجل فزرعها فجاء رب الأرض وقد فات أوان الحرث، وقد اشتد الزرع وكبر، فقال للزارع: اقلع زرعك فإني أحتاج إلى أرضي أغرسها مقثاة أو أزرعها بقلا فأنتفع بها، والأرض أرض سقي وهو يمكنه الانتفاع بها. فهل ترى ذلك له؟ فقال: لا أرى ذلك له، وليس فيها إلا الكراء؛ لأنه قد فات إبان الزرع وهو إن قلع زرعه لم يستطع أن يزرع فيها زرعا آخر، لفوات إبان الزرع، فليس له أن يقلع زرعه وأرى هذا من الضرر بعد أن خرج من إبان الزرع، قلت: أرضه هذه ليست من أرض المطر، إنما هي من أرض السقي وهو يسقيها متى ما أحب، وقد بقيت له فيما بقي من السنة منفعة عظيمة من مقثاة يضعها أو بقل يزرعه، أو ما أشبه ذلك، ومع ذلك أيضا أنه يريد قلبها ليزرعها من قابل فهو إن ترك زرع هذا فيها لم يقدر على أن يزرعها من قابل؛ لأن الأرض إذا لم تقلب عندنا لم يتنعم زرعها ولم يجد ولم يخاطر الزارع فيها إلا بزريعة علوفة البقر والدواب وعليه في ذلك أعظم المضرة. قال: إذا ذهب إبان يزرع فيها مثل الزرع الذي هو فيها اليوم فليس له أن يقلعه ليزرع فيها بقلا ولا مقثاة، وليس له إلا الكراء. قال: وأما ما ذكرت من القليب الذي

يفوته فيها فإن الذي يفوته من ذلك يستوفيه في كرائها؛ لأن كراءها إنما يحسب على قدر ما حبسها عنه وما منعه من منفعتها، وعلى قدرها وكرمها فهو يستوفي جميع ذلك في الكراء. قال محمد بن رشد: قوله إنه ليس له أن يقلع زرع الغاصب من أرضه بعد خروج إبان الزرع وإن كانت له في أرضه منفعة بقلعه من مقثاة يضعها أو بقل يزرعه هو ظاهر ما في المدونة وغيرها من أن زرع الغاصب لا يقلع بعد خروج إبان الحرث، والقياس أن يكون ذلك له إذا كان الأرض مما تصلح للمقاثي والبقل، وتبين أن رب الأرض لم يقصد إلى الإضرار بالغاصب بقلع زرعه، وأنه إنما رغب في الانتفاع بأرضه للمقثاة أو البقل، إذ قد تكون المنفعة بذلك أكثر من المنفعة بالزرع، وقد يدل على ذلك قول ابن الماجشون في المجموعة عن مالك، وقول المغيرة: إذا سنبل الزرع فلا يقلع؛ لأن قلعه من الفساد العام للناس، ويمنع من ذلك، كما يمنع من ذبح الفتايا مما فيه الحمولة من الإبل، والحرث من البقر، وذوات الدر من الغنم؛ لأن الزرع إذا كان يقلع عندهما ما لم يسنبل، ولا شك في أن إبان حرث الزرع ينقضي قبل أن يسنبل الزرع بكثير، فقد أوجبا قلع الزرع بعد خروج الإبان، وذلك لا يكون إلا لمنفعة تكون لصاحب الأرض في أرضه بقية العام من مقثاة يضعها فيها أو بقل أو ما أشبه ذلك، والله أعلم. وقد روى ابن وهب،

عن مالك: أن له أن يقلع الزرع سواء قدر أن يزرع أم لا، قال: والأول أحب إلينا، وظاهر قوله أن له أن يقلع الزرع وإن لم يقدر أن يزرع في الأرض شيئا أصلا، ومعنى ذلك عندي إذا كان ينتفع بذلك لحمام أرضه، أو لوجه من وجوه المنافع غير الزرع؛ لأنه إذا لم يكن له في ذلك منفعة بحال فهو بقلعه قاصد إلى الإضرار، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» ، وإذا لم يكن للغاصب في زرعه إذا قلعه منفعة فليس له أن يقلعه ويكون لصاحب الأرض؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس لعرق ظالم فيه حق» وإذا كانت له في قلعه منفعة إن قلعه فيلزمه أن يقلعه، وليس له أن يتركه لرب الأرض إلا برضاه، إذ من حقه ألا يقبل معروفه. واختلف إن أراد رب الأرض أن يعطيه قيمته مقلوعا ويأخذه، فقيل: إن ذلك غير جائز؛ لأنه بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه، وهو دليل ما في سماع سحنون من كتاب المزارعة، وقيل: إن ذلك له، وهو جائز؛ لأنه في أرضه ويدخل بالعقد في ضمانه وهو ظاهر ما في كتاب كراء الأرضين من المدونة، ولو رضي المستحق أن يترك الزرع للغاصب بكراء يواجبه عليه الغاصب لم يحل، قاله ابن المواز، إذا كان الزرع صغيرا جدا لا منفعة فيه للغاصب إن قلعه؛ لأنه قد وجب لرب الأرض فيدخله بيع زرع لم يحل مع كراء. قال ابن أبي زيد: ولو كان الزرع ينتفع به الغاصب لو قلعه لجاز ذلك؛ لأن الزرع قد

مسألة: استثناء الشجر من الأرض المؤجرة

وجب للغاصب، فجاز أن يكتري الأرض من ربها على أن يقر زرعه فيه ولا يقلعه، وبالله التوفيق. [مسألة: استثناء الشجر من الأرض المؤجرة] مسألة وسئل أصبغ عن الرجل يكتري الدار أو الأرض وفيها شجر هي تبع لكراء الدار وكراء الأرض فأراد أن يستثني الشجر مع الأرض ولم تطب، قال: إن كانت الشجر تطيب قبل أن ينقضي كراء الدار أو الأرض فلا بأس أن يستثنيها وإن كانت الثمرة لا تطيب إلا بعد أن يمضي أمد الكراء الذي أكرى فلا يجوز استثناؤه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في الواضحة، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه إنما أجيز للمكتري أن يستثني ثمر الشجر قبل طيبها للضرورة التي تدخل عليه في دخول البائع عليه لاجتناء الثمرة، فإذا كانت لا تطيب إلا بعد انقضاء أمد الكراء ارتفعت علة الجواز فوجب المنع، قال ابن حبيب في الواضحة، وإن اكتراها لأعوام، واستثنى ثمرتها فانقضت السنون، وفيها ثمرة قد طابت أو لم تطب، فهي للمكتري بشرطه، ولا أعرف ما يخالف قوله، ووجهه أن الكراء قد صح على الشرط من أجل ما يطيب من الثمرة في مدة الكراء، فوجب أن يكون له ما يطيب بعد انقضائه، وبالله التوفيق. [: كراء مبذر أردب من الأرض] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: وقال ابن القاسم في رجل تكارى من رجل

مبذر إردب من أرضه، قال: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن مساحة مبذر الإردب من الأرض غير معلومة، ولذلك قال في الكراء: إنه لا خير فيه، يبين هذا رواية عيسى عن ابن القاسم في المدنية والمبسوطة فيمن اشترى من أرض الرجل مبذر أمداد مسماة أنه إن كان بذر الأمداد معروفا عند الناس ليس فيه زيادة ولا نقصان وكانت الأرض في الكرم واحدا ليس بينها تفاضل فلا بأس به، يريد: إذا وقع الشراء على أن يأخذ من حيث أحب ولو كانت مساحة مبذر الإردب معلومة عندهم لجاز الكراء وإن اختلفت الأرض إذا وقف المكتري على الأرض وأحاط علما بطيبها من دنيئها إذا وقع مسكوتا عليه ولم يشترط أن يأخذ من حيث أحب، وأما إن وقع على أن يأخذ من حيث أحب، فيجوز عند ابن القاسم على قوله في المدونة: إن كانت الأرض مستوية ولا يجوز عند غيره فيها، وإن كانت مستوية؛ لأن معنى ما تكلمنا عليه فيها إذا وقع الكراء، على أن يأخذ المكتري حيث أحب، فاختلفا على اختلافهم في الرجل يشتري عشرة ثياب يختارها من مائة، فابن القاسم لا يجيز ذلك إذا كانت الثياب أصنافا مختلفة، ويجيزه إذا كانت صنفا واحدا وإن كان بعضها أفضل من بعض، وغيره لا يجيز ذلك، وإن كانت صنفا واحدا إلا أن تكون مستوية؛ لأن الأرض وإن استوت في الكرم فقد تختلف أغراضها في النواحي، وبالله التوفيق.

مسألة: ثمرة النخل في الدار المؤجرة إذا انقطعت الإجارة

[مسألة: ثمرة النخل في الدار المؤجرة إذا انقطعت الإجارة] مسألة قال ابن القاسم في رجل اكترى دارا وفيها نخل هي الثلث فاشترط ثمرتها فسكن نصف سنة ثم انهدمت الدار، قال: إن كانت الثمرة قد طابت قومت الدار بالثمرة، وقومت بغير ثمرة، فإن وجدت الثمرة الثلث أخذ الساكن الثمرة وغرم ثلثي الكراء، وإن كانت لم تطب الثمرة أسلمها إلى رب الدار وأدى إليه ثلث الكراء على هذا يحسب. قال محمد بن رشد: هذه الرواية تبين ما مضى في رسم حمل صبيا من سماع عيسى، وقد مضى القول عليها هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: اختلاف المتكاريين في قدر الأجرة أثناء الإجارة] مسألة وقال فيمن تكارى منزلا بعشرة دنانير، فسكن ثلاثة أشهر، ثم قال الساكن: إنما أكريت منك السنة بخمسة، وقد نقد الخمسة، قال: يتحالفان ويتفاسخان على كراء عشرة في السنة ولا يستتم السكنى ستة أشهر، وهذا مخالف لكراء الحمولة، وكذلك الذي يسلف دينارين في مائتي سلٍّ فيأخذ بعضها، ثم يقول البائع إنما بعتك مائة بدينارين وقد قبض دينارا وأخذ أربعين سلًّا: إنهما يتحالفان ويتفاسخان، ويرد عليه من الدينار بقدر ما أخذ من حساب مائة بدينارين، والسلفة تشبه كراء الدور.

قال محمد بن رشد: في بعض الكتب والسلفة تشبه كراء الدور وهو أحسن، ويريد أنه يشبهها في أن البيع ينتقض في السلعة إذا تخالفا فيما زاد على الأربعين سلا التي قبض، كما ينتقض في كراء الدار إذا تخالفا فيما زاد على الستة الأشهر التي سكن، بخلاف كراء الحمولة، للضرر الداخل على المكتري في انتقاض الكراء في بعض الطريق. ولو كان اختلافهما في بلدة لا يعدم فيه الكراء لانتقض إذا تخالفا فيما بقي من الطريق كالسلعة وككراء الدار. وقوله: إنهما يتحالفان ويتفاسخان على كراء عشرة في السنة - لفظ وقع على غير تحصيل؛ لأن الواجب على أصولهم أن يتحالفا ويتفاسخا على كراء خمسة في السنة، كما ادعى الساكن إذا أشبه ما قال، أشبه ما قال رب الدار أو لم يشبه، فتقسم الخمسة على ما سكن وما لم يسكن، فيرد حصة ما بقي، فلا يلزم الساكن في الستة الأشهر التي سكن إلا ديناران ونصف؛ لأنه مدعى عليه في الزائد، وإنما يتحالفان ويتفاسخان على كراء عشرة في السنة كما ادعى رب المنزل إذا أشبه ما قال، ولم يشبه ما قال الساكن، فتقسم العشرة على ما سكن وما لم يسكن، فلا يرد الدار شيئا من الخمسة التي قبض؛ لأنها واجبة له في الستة الأشهر التي سكن على حساب عشرة في السنة، ولو لم يشبه قول واحد منهما لكان لرب الدار بعد أيمانهما كراء المثل في الستة الأشهر التي سكن، ويرد الزائد على ذلك من الخمسة التي قبض. وكذلك قوله في مسألة السلفة: إنه يرد عليه من الدينار بقدر ما أخذ من حساب مائة بدينارين لفظ وقع على غير تحصيل؛ لأن الواجب أن يرد من الدينار ما زاد على ما يجب للأربعين التي قبضها المشتري على حساب مائتي سل بدينارين إذا أشبه ما قال، أشبه ما قال البائع أو لم يشبه، فيقسم الدينار على المائتي سل، فلا يلزم المبتاع في الأربعين التي قبض إلا خمسا دينار. وإنما يرد من الدينار على حساب مائة سل بدينارين، كما ادعى البائع إذا أشبه ما قال، ولم يشبه ما قال المبتاع، فيلزم المبتاع على هذا في الأربعين التي قبض أربعة أخماس دينار، وبالله التوفيق.

مسألة: أخذ الأجرة ذهبا مكان الطعام

[مسألة: أخذ الأجرة ذهبا مكان الطعام] مسألة وسئل: عن رجل حمل على نوتي طعاما ودفع إليه الكراء فنقص الطعام فأراد أن يأخذ من النوتي ذهبا. قال: لا خير فيه؛ لأنه يصير ذهبا وطعاما بذهب، إلا أن لا يكون دفع إليه من الكراء شيئا، فلا يكون به بأس، ولكن ليأخذ منه إذا ذهب من قمحه شيء وقد دفع إليه الكراء قمحا أو شعيرا إن كان شعيرا. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال على أصله في الحكم بالمنع من الذرائع لأنهما يتهمان على أنهما عملا على أن يكون ما دفع إليه من الكراء بعضه ثمنا لحمل الطعام، وبعضه سلفا يرده إليه فيدخله البيع والسلف، ولا حرج على فاعل ذلك فيما بينه وبين الله إذا لم يقصد إلى ذلك، ولا عقدا أمرهما عليه، ولو أخذ منه في النقصان عرضا معجلا أو صنفا آخر من الطعام لجاز. وبالله التوفيق. [مسألة: تلف البعير المؤجر بسبب تجاوز المكتري في الحمل] مسألة وقال في رجل اكترى بعيرا يحمل عليه ثلاثمائة رطل إلى بلد، فحمل عليه أربعمائة رطل، فقدم البلد وقد عجف البعير فنحره صاحبه، ثم علم بالزيادة التي حملت عليه، قال: فصاحب البعير مخير بين أن يكون له كراء ما زاد، أو يكون له ما بين القيمتين، يريد: فيما رأيت ما بين قيمته يوم تعدى، أو ما بين قيمته يوم قدم به. قال محمد بن رشد: قوله ما بين قيمته يوم تعدى، قال بعض

مسألة: سكنى المكتري في الدار بعد انقضاء المدة بلا إجارة

الشيوخ: معناه في الموضع الذي تعدى فيه، وذلك غير صحيح، إذ لا تصح أن تكون القيمة في ذلك يوم تعدى، ولا في الموضع الذي تعدى فيه، إذ قد تكون قيمته يوم تعدى وفي الموضع الذي تعدى فيه غير عجف مثل قيمته يوم قدم أعجف أو أكثر من ذلك، فيذهب عداؤه باطلا لا يجب عليه فيه شيء، وإنما الواجب أن يكون عليه ما بين قيمته يوم قدم على الحال التي كان عليها يوم تعدى عليه وبوم قدم به، فيقوم على الحالتين جميعا يوم قدم به فيغرم ما بين القيمتين، وبالله التوفيق. [مسألة: سكنى المكتري في الدار بعد انقضاء المدة بلا إجارة] مسألة وقال في رجل اكترى بدينار منزلا في السنة فانقضت السنة ثم سكن فيها عشر سنين أخر من غير أن يكون أكراه ولا تكارى منه إلا السنة الأولى، قال: كراء السنة دينار على ما أكرى منه ويلزمه قيمة كراء التسع سنين، ولا يحسب كراء التسع سنين على السنة الأولى. قال: والساكن مصدق إذا قال قد دفعت إليك الكراء إذا كانت السنة قد انقضت. وقال ابن القاسم: كتابة كراء السنة الثانية براءة للساكن، إذا قال: قد دفعت إليك كراء السنة الأولى. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم يوصي لمكاتبه، ورسم إن خرجت من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل دفع لرجل دابة له يعمل عليها يوما لصاحب الدابة ويوما للعامل] مسألة وسئل ابن القاسم: عن رجل دفع إلى رجل دابة له، يعمل عليها يوما لصاحب الدابة، ويوما للعامل. قال: لا بأس

به، قيل: أرأيت لو أن العامل أخذ الدابة فعمل عليها أول يوم لنفسه فنفقت الدابة من الغد قبل أن يعمل عليها اليوم الذي لصاحب الدابة؟ قال: أرى على العامل لصاحب الدابة كراء دابته ذلك اليوم، قال: وإن كان أول يوم عمل عليها لصاحب الدابة (فنفقت الدابة) قبل أن يعمل عليها اليوم الذي له؟ قال: أرى على صاحب الدابة أن يدفع إلى العامل أجرته فيما عمل ذلك اليوم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة أجازها ابن القاسم، وفي إجازته إياها نظر من وجهين: أحدهما: أنه لم يبينا في عقدهما إن كان يبدأ العامل بيومه أو بيوم صاحب الدابة، والأعراض في ذلك تختلف، فكان ينبغي إذا عري الأمر في ذلك من بيان أو نية أن يتبع ظاهر اللفظ في أن يقدم من بدأ بتقديمه فيه، وإن كانت الواو لا توجب رتبة، إذ قد قيل: إنها توجب الرتبة، وإن اختلفا في ذلك بتصريح يدعيه كل واحد منهما، أو نية تحالفا على دعواهما، أو على نياتهما. فإن حلفا أو نكلا انفسخ الأمر بينهما، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما. والظاهر من قوله أنه حمل أمرهما على أنهما قصدا في تعاملهما أن يكون الخيار للعامل في أن يقدم يوم من شاء منهما، فهو الذي يدل عليه قوله إن عمل عليها أول يوم لنفسه، فالحكم في ذلك كذا، وإن عمل عليها أول يوم لرب الدابة فالحكم في ذلك كذا. والوجه الثاني: أن المعنى في تعاملهما أن صاحب الدابة أكرى من العامل دابته يوما يعمل فيه عليها لنفسه على أن يعمل له عليها يوما آخر، فكأنه قال (له) : انتفع بدابتي اليوم وانتفع بعملك غدا

عليها، فكان القياس إما ألا يجوز ذلك إلا بشرط الحلف، وإما أن يكون الحكم يوجب الحلف وإن لم يشترطه، فقوله إنه إن عمل عليها أول يوم لنفسه فنفقت الدابة من الغد قبل أن يعمل عليها اليوم الذي لصاحب الدابة أن على العامل لصاحب الدابة كراء ذلك اليوم، ليس بصحيح على أصولهم، إذ لا اختلاف بينهم في أن من استأجر أجيرا ليعمل له على دابة بعينها أو ليرعى له غنما بأعيانها لا تنتقض الإجارة بموت الدابة أو الغنم، فالصحيح الذي يأتي على أصولهم أن الدابة إذا نفقت قبل أن يعمل عليها اليوم الذي لصاحب الدابة أن على صاحب الدابة أن يأتيه بدابة يعمل عليها اليوم الذي له. وقد ذكر ذلك ابن أبي زيد في النوادر عن ... وكذلك لو نفقت قبل أن يعمل عليها يأتيه بدابة يعمل عليها لنفسه ولرب الدابة. وأما قوله: إنها إن نفقت قبل أن يعمل عليها اليوم الذي له، فعلى صاحب الدابة أن يدفع إلى العامل أجرته فيما عمل ذلك اليوم فهو صحيح؛ لأن من اكترى دابة بعينها فنفقت قبل أن يركبها انتقض الكراء ورجع به إن كان قد دفعه أو في قيمته إن كان عرضا مستهلكا، كإجارته فيما عمل ذلك اليوم، وكذلك الحكم في هذا لو قال له: اعمل عليها يومين لك ويومين لي أو ثلاثة أيام لي، وثلاثة أيام لك، أو ما أشبه ذلك من الأمد القريب، ولو قال له: اعمل عليها شهرا لنفسك وشهرا لي لوجب أن يجوز ذلك إن بدأ بالشهر الذي لنفسه وأن لا يجوز إن بدأ بالشهر الذي لصاحب الدابة؛ لأنه بمنزلة من اكترى دابة بكراء نقده على أن يركبها بعد شهر، وذلك ما لا يجوز عند جميعهم. وقد ذهب بعض الناس إلى أن هذه المسألة معارضة لما في المدونة من أنه لا يجوز أن يقول الرجل للرجل: اعمل على هذه الدابة ولك نصف ما تكسب عليها إذ لم يقل فيها إنها إجارة وكراء،

مسألة: ضمان الجرة التي تنكسر من المكتري

كأنه أكرى منه نصفها بنصف عمله على نصفها فيكون الكسب بينهما كأنهما فيه شريكان، وليس ذلك بصحيح، والمسألتان مفترقتان؛ لأنه فصل في هذه المسألة ما يعمل على الدابة لنفسه مما يعمل عليها لرب الدابة، فوجب أن يجعل كراء الدابة في يوم العامل ثمنا لأجرته في يوم رب الدابة، ولم يفصل بين ذلك في مسألة المدونة فوجب ألا يجوز؛ لأنه إما أن يكون صاحب الدابة أكرى دابته بنصف ما يكسب العامل عليها، وإما أن يكون استأجر العامل ليعمل عليها بنصف ما يكسب في عمله، وذلك غرر بين في الوجهين، والله الموفق. [مسألة: ضمان الجرة التي تنكسر من المكتري] مسألة وقال، في الذي يستحمل الجرة فيعثر فتكسر وهو قوي على حملها: لا ضمان عليه ولا جعل له وإن لم يكن معه صاحبه فهو مصدق أنه عثر بها، وقد يكون معه فيعثر ولا يعلم بذلك صاحبه، فهو مصدق على قوله إنه عثر، قال: وإن كان كسرها معروفا فلا أجرة له ولا ضمان عليه، وإن كان غير معروف فله الأجرة إذا ضمن. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن ما أتى تلفه من قبل ما عليه استحمل من عثار إنسان أو دابة لم يغرمها فلا ضمان على الأجير فيه ولا كراء له؛ لأنه حمل ذلك على البلاغ كالسفينة، وقد قيل: إنه إذا سقط عنه الضمان لزم رب

مسألة: ضياع العين المستأجر حملها من الأجير

المتاع أو الطعام أن يأتي بمثله يحمله ويكون له كراؤه، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة وهو أشهب، وقيل: إن له بحساب ما بلغ ولا يلزم رب المتاع والطعام أن يأتي بمثله، وهو الذي يأتي على قول ابن نافع في المدونة في السفن أن له بحساب ما بلغت، وإذا ظهر الكسر فهو مصدق في العثار كما قال. وأما إذا لم يظهر الكسر وكان غير معروف فقوله إن له الأجرة إذا ضمن، معناه: أنه لا يصدق فيما ادعاه من العثار والتلف، ويضمن مثله في أقصى الغاية وتكون له أجرته كاملة، وهذا في الطعام، وأما في المتاع فالقول قوله في دعواه تلفه، وإن لم يعلم ذلك إلا بقوله، وابن الماجشون لا يصدقه في أنه عثر به وإن ظهر الكسر، وقد مضى القول على ذلك في نوازل سحنون من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق. [مسألة: ضياع العين المستأجر حملها من الأجير] مسألة وقال، في رجل تكارى من نوتي على أن يذهب إلى الريف فيحمل له قمحا بذهب فحمل ثم أقبل فلقيه لصوص في بعض الطريق فأخذوا القمح. قال ابن القاسم: أرى للنوتي أن يرفع ذلك إلى السلطان ثمة حتى يكون هو الذي ينظر في أمره، فإن جاء وقدم ولم يرفع ذلك إلى الوالي رأيت أن يرجع إلى الموضع الذي أصيب فيه فيحمل من ذلك الموضع بمثل ما حمل عليه.

مسألة: تعذر بلوغ المكان المحدد لأمر خارج عن إرادة الأجير

قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة أنه إن انصرف فارغا وترك الرفع إلى السلطان أو التلوم والإشهاد إن كان في موضع لا سلطان فيه فيلزمه الرجوع إلى ذلك الموضع ليحمل (له) مثل ذلك القمح. وسواء على مذهب ابن القاسم، كان الكراء موجودا بذلك المكان أو غير موجود، وقال ابن وهب: إن كان الكراء بذلك الموضع موجودا انفسخ الكراء فلم يكن له كراء ولا كان عليه أن يرجع ثانية، وإن كان الكراء بذلك الموضع غير موجود كان له كراؤه ولم يكن عليه أن يرجع ثانية، وسيأتي القول على هذه المسألة مستوفى في (أول) سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب، إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق. [مسألة: تعذر بلوغ المكان المحدد لأمر خارج عن إرادة الأجير] مسألة وقال، في رجل تكارى من نوتي إلى الإسكندرية، فلما بلغ المليوس وقف المركب من قلة الماء، قال: يحاسبه على قدر ما بلغ من الكراء، قيل له: فإن النوتي ظن أنه يلزمه حمولته إلى الإسكندرية، فاكترى على ذلك المتاع من المليوس بمثل كرائه حتى بلغ به الإسكندرية، قال: لا شيء للنوتي لو شاء لم يفعل؛ لأن ذلك ليس عليه هو في موضع يجد السلطان فيخاصمه إليه حتى يفسخ عنه، قيل له: أرأيت لو أن المركب وقف في موضع ليس فيه أحد ولا يجد فيه سلطانا فخشي أن يهلك ذلك المتاع

مسألة: الزيادة والنقص في مدة الإجارة

واكترى عليه؟ قال: لعل هذا وهذا لا يشبه عندي الأول؛ لأنه في موضع يخشى وهو لا يجد السلطان. قال محمد بن رشد: إذا كان الحكم إذا وقف المركب في الطريق من قلة الماء أن يأخذ صاحب المتاع متاعه بذلك الموضع ويحاسب الكري فيكون له من كرائه على قدر ما سار من الطريق، فالنوتي في كرائه على المتاع وحمله محط على صاحبه فيه، فإذا كان صاحب المتاع لا بد له من الكراء على المتاع من حيث وقف المركب إلى حيث أكرى عليه النوتي. فقول ابن القاسم: إنه لا شيء له فيما حمله لو شاء لم يفعل - معارض لقوله في الذي يكري على حمل الحمل، فيخطئ ويحمل غيره أنه (إن) أراد أخذ الحمل لم يكن له إلا أن يغرم له الكراء، وفي الذي استأجر حصادين على أن يحصدوا زرعا له، فحصدوا زرعا لغيره أو استأجر أجراء ليحرثوا له أرضا فحرثوا أرضا لغيره أن على الذي حُصد زرعه أو حُرثت أرضه أن يغرم للأجراء قيمة عملهم إن كان لا بد له من الاستيجار على ذلك، مثل قول أشهب في نوازل أصبغ في مسألة الكري يخطئ فيحمل غير الحمل الذي اكترى على حمله. وأما إن كان المركب وقف في موضع ليس فيه سلطان ولا أحد، وخشي النوتي أن يهلك المتاع فأكرى عليه، فوجوب الكراء له على صاحب المتاع بيّن، على قول مالك في المدونة وغيرها في الذي يلتقط المتاع، فيحمله إلى موضع من المواضع، أن ربه لا يأخذه إلا أن يدفع إلى الذي حمله الكراء الذي حمله به، وبالله التوفيق. [مسألة: الزيادة والنقص في مدة الإجارة] مسألة قال ابن القاسم، في رجل تكارى دارا سنة بدينار فإن زاد

مسألة: خطأ الحمال في الحمل

فبحسابه، وإن نقص من السنة فبحسابه، قال: لا بأس بهذا ما لم ينقد الدينار. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول عليها في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: خطأ الحمال في الحمل] مسألة قال ابن القاسم، فيمن تكوري منه على حمولة متاع فأخطأ الحمال فحمل غيره، فصاحب المتاع مخير بين أن يدفع الكراء أو يكون له قيمة متاعه في البلد الذي حمل منه، قال: فإن كان ذلك من الحمال تعديا كان صاحب المتاع مخيرا بين قيمة متاعه أو يأخذ متاعه بالبلد الذي حمل إليه، ولا كراء للحمال على صاحب المتاع. قال محمد بن رشد: أما إذا تعدى الحمال فحمل ما لم يستأجر على حمله فلا اختلاف في أن صاحب الحمل بالخيار بين أن يضمن الحمال قيمة الحمل بالموضع الذي حمله منه، وبين أن يأخذه في الموضع الذي حمله إليه ولا يكون للحمال في حمله كراء لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس لعرق ظالم حق» ، وأما إذا أخطأ في حمله وظن أنه هو الذي استحمل إياه فلصاحب الحمل أن يضمنه قيمته بالموضع الذي حمله منه، واختلف إن أراد أن يأخذه في الموضع الذي حمله إليه، هل عليه أن يغرم للحمال كراءه أم لا؟ - على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يأخذه إلا أن يغرم الكراء للحمال، وهو

مسألة: كنس مراحيض الدور المكتراة على من يكون

قول ابن القاسم هاهنا، وفي نوازل أصبغ من كتاب الرواحل والدواب، وقول ابن وهب ومطرف فيه. والثاني: أن له أن يأخذه ولا شيء عليه من غرم الكراء، وهو قول أشهب في نوازل أصبغ من كتاب الرواحل والدواب، وقياس قول ابن القاسم فوق هذا في مسألة المركب يقف في بعض الطريق من قلة الماء، وظاهر قوله في أول مسألة من سماع يحيى من كتاب البضائع والوكالات في مسألة الخصام. والثالث: أن له أن يأخذه ولا كراء عليه إلا أن يكون عازما على أن يبلغه إلى ذلك المكان فيكون عليه إذا اختار أخذه كراء مثله إلى ذلك المكان لا الكراء الذي أكراه به، وهو قول ابن حبيب في الواضحة وقياس قول ابن القاسم بعد هذا في مسألة الذي يستأجر الأجراء لحصاد زرعه أو حرث أرضه فيخطئون فيحصدون زرعا لغيره، أو يحرثون أرضا لغيره، وحكى ابن حبيب عن أصبغ أن لرب الحمل أن يكلف الحمال رد الحمل الذي أخطأ به إلى البلد الذي حمله منه، ويكون في ضمانه حتى يرده إلى موضعه. ولا اختلاف بينهم أن على الحمال أن يرجع فيحمل الحمل الذي تكوري على حمله، وبالله التوفيق. [مسألة: كنس مراحيض الدور المكتراة على من يكون] مسألة وقال: كنس المراحيض على السكان إلا أن تكون دور الفنادق فإن كنس مراحيضها على المكري. قال محمد بن رشد: اختلف في كنس مراحيض الدور المكتراة، فقيل: إنها على السكان، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية. وقيل: إنها

مسألة: تأجير القارب على قدر غير معلوم من الصيد

على أصحاب الدور، وهو قول ابن القاسم في رواية ابن أبي جعفر عنه أن كنس التراب والمرحاض على صاحب المنزل، إلا أن يكون اشترط ذلك على الساكن. قال: ولا يجوز أن يشترطه عليه إلا أن يكون نقيا وهو قول أشهب إنه على صاحب الدار إذا لم يكن لهم في ذلك سنة يحملون عليها، ولم يختلف في هذا قول أشهب ولا اضطرب في أصله، وقد ذكرنا ذلك في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، وفي المدونة دليل على القولين جميعا. وأما دور الفنادق التي تكرى مشاهرة إلى غير أمد معين من المسافرين وغيرهم، فلا اختلاف في أنه لا شيء من ذلك على السكان فإن أكرى صاحب الفندق فندقه جملة لعام أو أعوام من متقبل يكريه من السكان فيه دخل الاختلاف المذكور في ذلك، هل يكون الكنس على صاحب الفندق؛ أم على المتقبل له للعام أم للأعوام؟ وبالله التوفيق. [مسألة: تأجير القارب على قدر غير معلوم من الصيد] مسألة وعن رجل كان له قارب وشبكة فدفعها إلى صياد على أن يصيد له يومين ولنفسه يوما، قال: أرجو أن يكون خفيفا إن كان ذلك قريبا، قيل: شهرين، فرأيته يستكثر شهرين. قال محمد بن رشد: قد مضى قبل هذا في هذا السماع من

مسألة: أخطأ الحصادون فحصدوا زرعا غير محل الإجارة

تكلمنا على الذي يدفع دابته إلى الرجل على أن يعمل عليها يوما له ويوما لصاحب الدابة - ما يغني عن القول في هذه المسألة لاتفاقهما في المعنى، وبالله التوفيق. [مسألة: أخطأ الحصادون فحصدوا زرعا غير محل الإجارة] مسألة وسئل: عن رجل استأجر حصادين على أن يحصدوا زرعا له فذهبوا فحصدوا زرعا لغيره هو قريب من زرعه. قال: إن كان الخطأ جاء من قبل الأجراء فإنه ينظر إلى صاحب ذلك الزرع، فإن كان له أجراء وعبيد، يريد أنه لا يحتاج إلى الإجارة في حصاد زرعه لم يكن عليه شيء وبطل عملهم، وإن كان الخطأ جاء من قبل صاحب الزرع، قال لهم: احصدوا لي هذا الزرع، وهو يظن أنه زرعه، وكان صاحب ذلك (الزرع) لا أجراء له ولا عبيد، ولا بد له من أن يستأجر على حصاد زرعه، فإن عليه أن يدفع إلى الذي استأجر الحصادين قيمة عمل الأجراء، ويكون للأجراء على الذي استأجرهم أجرتهم التي استأجرهم عليها. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة والقول فيها في آخر كتاب الجعل والإجارة فلا معنى لإعادة القول فيها، والله الموفق.

مسألة: أخطأ الحراثون فحرثوا زرعا غير محل الإجارة

[مسألة: أخطأ الحراثون فحرثوا زرعا غير محل الإجارة] مسألة وسئل: عن رجل استأجر أجراء يحرثون له أرضا فذهب الأجراء فحرثوا أرضا إلى جنب أرضه وهم لا يعلمون وإنما جاء الخطأ من قبل الأجراء، أترى على صاحب الأرض التي حرثت أرضه أجر ما عملوا؟ قال: إن زرعها وانتفع بذلك الحرث كان عليه ذلك، وإن لم ينتفع به وقال لم أرد زرعها وإنما أردت أن أكريها، فلا أرى عليه شيئا. قال محمد بن رشد: وهذه أيضا قد تقدمت في آخر كتاب الجعل والإجارة متكررة والقول فيها، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: تعذر البناء في البقعة محل الإجارة] مسألة وسئل: عن رجل استأجر له بنّاء يبني له دارا بالريف بموضع معروف على صفة معروفة، فذهب البناء إلى الريف فيجد البقعة قد استحقت فيرجع، قال: أرى له إجارته ذاهبا، ولا أرى له في رجوعه شيئا. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة أيضا قد مضت متكررة في آخر كتاب الجعل والإجارة، ومضى القول عليها هناك، فلا معنى لإعادته وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. تم كتاب كراء الأرضين بحمد الله تعالى.

: كتاب الرواحل والدواب

[: كتاب الرواحل والدواب] [: الإجارة على رد الضالة أو الآبق]

من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم، قال: سمعت مالكا قال في رجل تكارى دابة في طلب ضالة أو آبق وسمى بلدة من البلدان بكراء مسمى على أنه إن وجد دابته أو غلامه دون ذلك الموضع رجع، وكان عليه بحساب ذلك من الكراء بقدر ما تكارى وقدر ما سار من الطريق. قال: لا أرى به بأسا إذا لم ينقد، فأما إن قال: إن وجدت حاجتي بمكان كذا وكذا فلك كذا وكذا، وإن لم أجدها بمكان كذا وكذا فلك كذا وكذا، وذلك بحثان فأنا أكرهه وأراه مخاطرة. قال محمد بن رشد: أما إذا اكترى الدابة إلى بلد مسمى في حاجة أو طلب دابة أو آبق على أنه إن وجد حاجته أو ضالته بالطريق

رجع وسقط عنه من الكراء بحساب ما بقى من الطريق. فقوله: إن ذلك جائز إذا لم ينقد - هو عند مالك على مذهبه بترك الاعتبار بعلة الأطماع مثل قوله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب كراء الدور والأرضين في الذي يكتري الدار سنة على أنه إن خرج قبل السنة حاسبه بما سكن، ومثل قوله بعد هذا في هذا الكتاب في رسم الشجرة، ورسم باع غلاما من هذا السماع، ومثل ما في المدونة أيضا من قول ابن القاسم وروايته عن مالك في الذي يستأجر الأجير شهرا على أن يبيع له ثوبا، على أن المستأجر متى شاء أن يترك ترك، إن ذلك جائز إذا لم ينقد لأنها إجارة بخيار. وسحنون لا يجيز هذه المسألة على ما قاله في رسم الشجرة بعد هذا، وإن لم ينقد، ولا مسألة المدونة، بخلاف مسألة الذي يكتري الدار سنة على أنه متى شاء أن يخرج خرج، هذا جائز عنده وعند الجميع ما لم ينقد، وإنما لم تجز هذه المسألة عند سحنون ولا مسألة المدونة المذكورة؛ لأنه يراه مجهلة في الكراء والإجارة. وقال الفضل في مسألة المدونة: إنما لم يجز ذلك عند سحنون؛ لأنه كراء بخيار إلى أمد بعيد، وليس كما قال؛ لأنه إنما هو بالخيار في الجميع الآن، وكلما مضى من الشهر شيء كان بالخيار فيما بقي، فليس كالسلعة التي يشتريها على أنه بالخيار فيها مدة طويلة؛ لأنه يحتاج إلى توقيفها إلى انقضاء أمد الخيار، فلذلك لا يجوز، وليس ذلك في الإجارة والكراء، إلا أن يكتري الدابة على أن يركبها بعد شهر، أو يستأجر الأجير على أن يخدمه بعد شهر على أنه بالخيار في الإجارة والكراء إلى انقضاء الشهر، وإنما لم يجز ذلك عند سحنون لأنه عنده غرر وإن لم ينقد لانفساخ الإجارة فيما بقي من الشهر ببيع الثوب، كما أن كراء الدابة عنده إلى بلد في حاجة على أنه إن

وجد حاجته دون البلد (رجع) وكان له بحساب ما سار غرر لانفساخ الكراء فيما بقي من الأمد، فهذه هي العلة عنده في المسألتين جميعا، لا الخيار إلى أمد بعيد كما قال الفضل؛ لأنه إذا جاز أن يكتري الرجل الدار سنة بكذا على أن كل واحد منهما بالخيار يخرج المكتري متى ما أراد ويخرجه رب الدار متى ما أراد جاز على أن أحدهما بالخيار قياسا على البيع الذي يجوز على أن أحد المتبايعين فيه بالخيار كما يجوز على أنهما جميعا فيه بالخيار، وأما إذا اشترط في كراء الدابة إلى البلد المسمى أنه إن لم يجد حاجته بالبلد الذي تكارها إليه تقدم بها إلى موضع آخر، ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز إلا أن يسمى الموضع الذي شرط أنه بالخيار في أن يتقدم إليه ويكون تبعا للكراء الأول وبحسابه، فإن لم يكن تبعا للكراء الأول أو كان بخلافه أرخص أو أغلى أو مبهما لا يدرى إن كان بحسابه أم لا؟ إلا بعد (النظر) لم يجز. وهو مذهب ابن الماجشون لعلة الأطماع، وذلك أنه لم يكر منه الوجيبة الأولى إلا رجاء في الثانية، وليس على يقين منها لكون المكتري بالخيار فيها. والثاني: أن ذلك جائز إذا سمى الموضع الذي شرط أن يتقدم إليه إن شاء أو كان وجهه معروفا وإن لم يسمه وكان بحساب الكراء الأول، وإن لم يكن تبعا وهو ظاهر قول مالك في أول رسم من سماع أشهب بعد هذا، وما في رسم أوصى من سماع عيسى بعد هذا. ووجه هذا: أن علة الإطماع عنده ضعيفة فلم يعتبرها إلا مع اختلاف الكراء. والثالث: أن ذلك جائز إذا سمى الموضع الذي شرط أن يتقدم إليه إن شاء أو كان وجهه معروفا وإن كان بخلاف الكراء الأول وغير تبع له، وهذا مذهب ابن القاسم على أصله في ترك الاعتبار بعلة الإطماع، وقد اختلف في علة المنع من اجتماع الجعل

مسألة: اشتراط شرط جزائي في الإجارة

والإجارة في صفقة واحدة، فقيل: إنها جارية على هذا الأصل، وإن الاختلاف يدخل منه فيها بالمعنى؛ لأن الإجارة لازمة بالعقد، والجعل غير لازم، وقد وقع لسحنون في المغارسة إجازة اجتماعهما في صفقة، وقيل: إنه إنما لم يجز اجتماعهما في صفقة من أجل أنهما أصلان مفترقا الأحكام، كالبيع والنكاح والصرف، لا من جهة علة الأطماع، والله أعلم به. [مسألة: اشتراط شرط جزائي في الإجارة] مسألة وقال، في الرجل يتكارى الدابة ويقول الذي اكترى الدابة: إن تأخرت بها عني عن يوم سماه فكل يوم بعد ذلك بدرهم ما أقمت، قال: هذا مكروه من الكراء، والشرط مفسوخ، فإن فات فتأخر عن ذلك لم يكن له إلا كراء ذلك، ولم ينظر في شرطه، وكذلك المتعدي ضامن وليس على هذا خيار ولا ضمان. قال محمد بن رشد: قوله: هذا مكروه من الكراء والشرط مفسوخ - يدل على أنه إنما فسخ الشرط لا العقد، والوجه في ذلك: أنه رأى أنه لن

مسألة: نقصان شيء من مال أحد المتكارين بعد استيفاء أولهم ماله

يقصد بالشرط إلا ألا يحبس عنه الدابة بعد انقضاء الكراء إلا إلى المغاررة فيه فوجب أن يمضي إذ لم يكن للشرط الفاسد فيه تأثير، كما قالوا في الذي يبيع الثمرة ويشترط البراءة من الجائحة؛ لأن الشروط المقترنة بالبيوع (تنقسم) عند مالك على أربعة أقسام: شرط فاسد له تأثير في الثمن يفسخ به البيع، وشرط فاسد لا تأثير له في الثمن، يفسخ دون البيع، وشرط صحيح يجوز فيه البيع والشرط، وشرط يقتضي التحجير على المشتري فيما اشترى يفسخ فيه البيع ما دام مشترط الشرط متمسكا بشرطه، فإن رضي بترك الشرط جاز البيع، وإن فات كان فيه الأقل من الثمن أو القيمة إن كان المبتاع هو مشترط الشرط، أو الأكثر من القيمة أو الثمن إن كان البائع هو مشترط الشرط، وقد فسرنا هذه الوجوه وما فيها من الاختلاف في غير هذا الكتاب، وبالله التوفيق. [مسألة: نقصان شيء من مال أحد المتكارين بعد استيفاء أولهم ماله] مسألة وقال مالك، في النفر يتكارون السفينة فيحملون فيها طعاما لهم، فإذا بلغوا قال أول من يمر بمنزله منهم: أنا آخذ طعامي، فأخذ طعامه، ثم إن السفينة غرقت، قال: ليس عليه تبعة لأصحابه أذنوا في ذلك أو لم يأذنوا، وليس عليه أن يبلغ معهم بطعامه ثم يرجع إلا أن يكتالوا فينقص الكيل فيكون عليه بقدر طعامه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنهم اكتروا السفينة على أن يحملوا فيها الطعام إلى منازلهم، فوجب كلما مر أحد منهم

: كرى الوكيل لنفسه بلا إذن من موكله

بمنزله أن يأخذ طعامه؛ لأنه على ذلك حمله معهم، فإن نقص الطعام بعد ذلك كان عليه من النقصان بحساب طعامه يرجع به عليه؛ لأنه حمله معهم على سبيل الشركة، وكذلك لو وجد أسفل القمح قد اسود وفسد لموج ركبه، إلا أن يعلم أن فساده إنما كان بعد أخذه طعامه فلا يكون عليه في ذلك تبعة كما لو غرق المركب بعد أن أخذ طعامه فذهب بما فيه. وأما لو حملوا الطعام في سفينة إلى بلد واحد لتجارة أو لغير تجارة فخلطوه أو اختلط لم يكن لواحد منهم أن يأخذ طعامه بالطريق إلا برضا أصحابه، مخافة أن يكون أسفل الطعام فاسدا أو يفسد بعد ذلك، أو ينقص في الكيل، فإن أخذ طعامه في الطريق برضا أصحابه لم يكن لهم عليه تابعة إن ألفوه فاسدا أو نقص كيله على ما قاله في رسم الأقضية الثاني من سماع (أشهب) من كتاب الشركة وما يأتي له بعد هذا في رسم حلف وفي رسم أخذ يشرب خمرا، ومن الناس من ذهب إلى أن رواية أشهب في كتاب الشركة معارضة لرواية ابن القاسم هذه، والصحيح أنه لا تعارض بينهما ولا اختلاف على ما بيناه، وبالله التوفيق. [: كرى الوكيل لنفسه بلا إذن من موكله] مسألة وسئل مالك: عن رجل تكارى ظهرا ثم سيره إلى وكيل له يحمل له من عنده طعامه فذهب الكري بظهره فلم يجد الوكيل فكري لنفسه، ثم رجع فقال لصاحبه: لم أجد وكيلك

فأكريت لنفسي، فقال الذي اكتراه: أنا أحق بالكراء الذي أكريت منك لأني أرسلتك. قال: الكراء لصاحب الظهر، وعليه أن يرجع لصاحبه مرة أخرى، ولو أنه إذ لم يجده تلوم وطلبه وكلم إمام ذلك البلد، وأشهد على ذلك من أمره لم يكن عليه أن يعود ثانية، ولو لم يفعل ذلك فأكرى ظهره لصاحبه، وقال: طلبت وكيلك فلم أجده وأكريت أنا لك، فهذا كراؤك، لوجب ذلك على صاحب الطعام، فأخذ ما جاء به من الكراء ولم يكن له عليه غير ذلك. قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: إذا كان في الكراء فضل إذا أكراه صاحب الظهر لصاحبه رأيته للمكري، فإن كان في الكراء نقصان كان على المتكاري. قال ابن القاسم: وكأني رأيته وجه ما ذهب إليه من فضل ما قد أعطاه أن يأخذ منه أكثر من ذلك، ولو أن إماما أكرى ذلك له بعد أن رفعه إليه لكان للمكتري غنمه وعليه نقصانه. قال ابن القاسم من قول مالك: لو أن السلطان تلوم له وطلب له الكراء فلم يجده خلى سبيله، فكان له الكراء كله الذي تكارى عليه وإن لم يحمل على ظهره شيئا، ومما يبين ذلك أن الرجل يتكارى إلى الحج فيهلك في بعض الطريق، فإنه يتلوم له في شقه ساعة فيطلب له كراء، فإن وجد له كراء أكرى شق الميت، وإن لم يوجد له كراء لم ينقص الكري من حقه شيئا. قال سحنون: إذا أكرى صاحب الظهر على وجه

النظر له بأكثر مما كان أكرى منه أو بأقل فإنه ينظر، فإن كان أكرى بأكثر كان المتكاري بالخيار، إن شاء أخذ منه قدر رأس ماله وأعطاه الفضل فتكون إقالة، وإن شاء رده وكان الكراء كله للمتكاري، وإن كان أكرى بأقل لم يضمن، وكان له كراؤه، وكان عليه الرجوع ثانية، إلا أن يتراضيا على شيء فيكونان على ما اصطلحا عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة وقعت هاهنا، وفي الرواحل والدواب من المدونة وهي تتفرع إلى وجوه تنقسم إليها في بعضها اختلاف. وتحصيل القول فيها: أنه إن ترك الكري الرفع إلى السلطان أو التلوم والإشهاد في موضع ليس فيه سلطان فلا يخلو أمره من أن يكون أكرى إبله راجعا أو رجع بها فارغا، فإن أكراها راجعا فلا يخلو من أن يكون أكراها لنفسه أو للمكتري، وإن رجع بها فارغا فلا يخلو أيضا من أن يكون الكراء موجودا أو غير موجود، فأما إذا أكرى لنفسه فالكراء له، وعليه الرجوع ثانية قولا واحدا، وأما إذا أكرى للمكتري، فقيل: إن المكتري مخير، إن شاء أخذ الكراء كله إن كان لم ينقد أو قدر رأس ماله منه إن كان نقد، وإن شاء رده على الطعام وهو قول سحنون هاهنا. ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك على ما في المدونة. وقيل: يفسخ الكراء الأول ويلزم المكتري الكراء الثاني، إلا أنه لا يأخذ الفضل إن كان نقد وهو ظاهر رواية ابن وهب عن مالك في المدونة. وظاهر هذه الرواية أيضا، وإن كان

: عطب الدابة أو السفينة المكتراه قبل بلوغ المحل

قد قال أبو إسحاق التونسي: (إن) معناها إذا رضي بما فعل، ولو لم يرض بفعله لكان (الكراء) الأول قائما بينهم وهو صحيح في المعنى، غير أن ظاهر اللفظ لا يساعده. وأما إذا انصرف بإبله فارغا والكراء موجود، فقيل: يلزمه الرجوع عن الطعام وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وقيل: يفسخ الكراء ولا يكون له شيء، وهو ظاهر رواية ابن وهب عن مالك في المدونة. وأما إذا انصرف بإبله فارغا والكراء غير موجود، فعلى مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك: يلزمه الرجوع ثانية، وعلى رواية ابن وهب عن مالك: لا يلزمه الرجوع ويكون له جميع الكراء. والتلوم والإشهاد في موضع لا سلطان فيه يقوم مقام الرفع إلى السلطان إذا أكرى (الكري) للمكتري، أو لم يجد كراء فانصرف فارغا بغير كراء. فأما إن أكرى لنفسه، فقال ابن حبيب: إن المكتري مخير، إن شاء أسلم إليه الكراء ورده بحمل متاعه، وإن شاء أخذ الكراء، فإن شاء أخذه، فانظر فإن كان فيه فضل فالفضل للمكري، وإن كان فيه نقصان فعلى المتكاري وهو صحيح في النظر على أصولهم ولا تأثير للتلوم والإشهاد في موضع يكون فيه سلطان يمكن الرفع إليه. وإذا انصرف بإبله فارغا، وقال: لم أجد كراء - فيلزمه إقامة البينة على ذلك عند مالك على رواية ابن وهب. [: عطب الدابة أو السفينة المكتراه قبل بلوغ المحل] ومن كتاب القبلة قال مالك، في رجل تكارى من رجل وله دابة أو سفينة لا يعلم له غيرها، فتكارى منه إلى بلد مسمى، ولم يشترط عليه

مسألة: سرقة المتاع قبل بلوغ الحمال به المحل

أنك تحملني في سفينتك أو على دابتك، ثم تصاب السفينة أو الدابة بعدما يركب، قال: لا أرى إلا أنه ضامن، على الكري أن يبلغ المتكاري إلى حيث يشترط عليه إلا أن يكون قال: دابتي هذه، أو سفينتي هذه. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب أن الكراء محمول على المضمون، وإن قال: دابتك أو سفينتك حتى يعينها بالتسمية لها أو الإشارة إليها، فيقول: دابتك الفلانية أو دابتك هذه، وهو معنى ما في نذور المدونة، وفي سماع يحيى من كتاب الإيمان بالطلاق خلاف ما يقوم من رسم لم يدرك من سماع عيسى منه، وقد مضت هذه المسألة مستوفاة في أول سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة، وبالله التوفيق. [مسألة: سرقة المتاع قبل بلوغ الحمال به المحل] مسألة وقال مالك، فيمن تكارى على حمل متاع بعينه يريد المكري إلى بلد معلوم، فسرق ذلك المتاع قبل أن يخرج به أو بعدما سار به بعض الطريق، إن ذلك سواء خرج أو لم يخرج، الكراء له لازم، إن شاء جاء بمثل ذلك المتاع، وإن شاء أكرى ذلك البعير لمن يحمل عليه، وسواء كان ذلك قبل أن يخرج أو بعدما خرج إن كان صاحبه معه. قال محمد بن رشد: هذا قول ابن القاسم وروايته عن مالك في

: النفقة على البعير المتخلف عن الكري

المدونة، أن الكراء لا يفسخ بتلف الشيء المستأجر على حمله وهو المشهور في المذهب، خلاف ما في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ من هذا الكتاب أن الكراء يفسخ. وهذه المسألة يتحصل فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يفسخ بتلفه جملة من غير تفصيل. والثاني: أنه لا يفسخ بتلفه جملة أيضا من غير تفصيل. والثالث: الفرق بين أن يتلف بأمر من الله، أو من قبل ما عليه استحمل، فإن تلف بأمر من الله لم يفسخ الكراء، وإن تلف من قبل ما عليه استحمل انفسخ الكراء فيما بقي ولم يكن له شيء فيما مضى. وقيل: (إنه) بحساب ما سار، وقد مضى هذا في سماع أبي زيد من كتاب كراء الدور، وقد مضى أيضا تحصيل هذا في غير ما موضع من كتاب الجعل والإجارة، من ذلك ما وقع في رسم طلق من سماع ابن القاسم، ورسم العتق من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [: النفقة على البعير المتخلف عن الكري] ومن كتاب حلف ألا يبيع سلعة سماها وسئل: عن قوم تكاروا من كري تخلف عنهم ببعض الطريق فأنفقوا على إبله في علفها، أو مات بعير فتكاروا عليه،

أترى ذلك يلزمه؟ فقال: نعم أرى أن يلزمه ذلك إذا كان الذي صنعوا يشبه ما ينفق عليها، ثم قال: أرأيت لو كان معهما، أليس (كان) ينفق عليها ويتكارى؟ فقيل له: إنهم اشتروا بعيرا، قال: لا أدري ما الاشتراء، أرأيت لو ماتت كلها أكانوا يشترون إبلا؛ إنكارا أن يكون عليه شيء. قال ابن القاسم: وذلك رأيي في الاشتراء. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن الكري إذا تخلف عن المكتري فأنفق على إبله أن له أن يرجع (عليه) بما أنفق عليها؛ لأنه لما غاب وترك إبله عنده، فكأنه قد أذن له في الإنفاق عليها، إذ قد علم أنها لا تستغني عن الإنفاق عليها، وأنه إذا اشترى عليه بعيرا لا يلزمه، إذ لا يجب الحكم عليه بذلك لو رفعه إلى السلطان. وأما إذا اكترى عليه فإن كان بعد أن تلوم وأشهد في موضع لا سلطان فيه فبين أنه يرجع عليه بما اكترى به عليه. وأما إن كان اكترى عليه دون أن يرفع إلى السلطان أو دون أن يتلوم ويشهد إن كان في موضع ليس فيه سلطان، فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أنه يلزمه الأقل مما أكرى به عليه أو قيمة ذلك، ويكون له كراؤه. والثاني: أنه لا يلزمه ذلك، ولا يكون له كراء. والقولان يقومان من الاختلاف الذي ذكرناه في مسألة (الكري) لا يجد وكيل المكتري فيكري الإبل له دون أن يرفع ذلك إلى السلطان، أو دون أن يتلوم له ويشهد إن كان في بلد ليس فيه سلطان.

مسألة: الشركة في المتبقي من الطعام التالف من الحمال

[مسألة: الشركة في المتبقي من الطعام التالف من الحمال] مسألة وسئل: عن رجل حمل طعاما من الريف في سفينته فمر بأخ له في قرية أخرى، فقال: أفي سفينتك فضل تحمل لي مائة إردب؟ قال: نعم، وقد كان الأول حمل فيها خمسمائة إردب فألقى قمحه من فوق طعام صاحبه فانخرق المركب، فدخل الماء من أسفله فأصاب منه نحوا من خمسين إردبا. وهو يعلم أنه لم يصل إلى طعام الرجل الذي كان حمله فوق طعامه الأول. قال: أراهما في ذلك شريكين. قلت: إنه لم يصل إلا إلى الأول، قال: قد حملاه على وجه الشركة وخلطاه. قال محمد بن رشد: قد مضى من القول في معنى هذه المسألة في أول رسم من السماع ما يغني عن القول فيها، ويوضح معناها، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: تخفيف أحمال السفينة لينجو أهلها] مسألة وسئل: عن المركب يخاف أهله الغرق فيطرحون مما فيه شيئا لينجوا؟ قال: أراهم فيه إسوة. قلت: أفعلى قيمته يوم حمل؟ أو ثمنه الذي اشتري به؟ أو قيمته حين يطرح؟ قال: بل على ثمنه الذي اشْتُرِيَ به إذا كان إنما اشترى بمكان واحد بصنعاء أو بالفسطاط، فالثمن أعجب إلي، وقال: ابتداء منه في قيمته بموضعه الذي طرح فيه، كم قيمته في ذلك الموضع؟ وهل يشتري أحد ثمة وليس له ثمة قيمة؟ قيل له: أفترى على جرم المركب شيئا؛ لأنهم يقولون لو لم نطرح منه شيئا لهلك في ذلك وغرق، قال: لا شيء عليه، ولو ذهبوا تحاصوه لكان جل الغرم

عليه، مثل أن يكون قسيمة المركب الشيء الكثير فيريدون أن يحاصوه بقيمة ذلك، فلا أرى عليه شيئا. قال ابن القاسم: ليس على من في المركب من قومته غرم، كانوا عبيدا أو أحرارا، وإن كانوا عبيدا للتجارة فعليهم. قال سحنون: سألت ابن القاسم عن تفسير قول مالك في المتاع الذي يكون في المركب فيخاف أهله الغرق فيطرح بعضه أن الذي يطرح متاعه يكون شريكا لهؤلاء في متاعهم بثمن متاعه الذي اشتراه به، قلت: ما معنى قوله الذي اشتراه به؟ قال: إن كان المتاع إنما هو شراء من موضع واحد مثل أن يكون من الفسطاط نفسها. وأما أن يكون اشترى بعضهم بالفسطاط وبعضهم من أسواق أو من بعض نواحي مصر، فإن هذا ليس مثل الأول، فإذا كان مثل هذا فإنما ينظر إلى ما يشترى به، هذا كله ما طرح وما بقي مما لم يطرح، بكم يُشترى مثل هذا المتاع التالف، والباقي في الموضع الذي حمل منه في البحر مثل القلزم وجدة ونحو ذلك، فيكون شريكا بقدر ما يُشترى به متاعه في ذلك الموضع على قدر ما يصيب متاعه ومتاعهم، واختلاف الأزمنة مثل اختلاف البلدان في الشراء، مثل أن يشتري منذ سنة، وهذا منذ شهر، فينظر إلى ثمن مثله منذ شهر فيكون شريكا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن لمن طرح من المركب متاعه في البحر رجاء نجاته أن يرجع على من لم يطرح متاعه فيشاركهم

: اشتراط أيام مسماة لتوصيل الحمل لمحله

فيه بقدر متاعه ومتاعهم، إذ ليس بعضهم أولى بطرح متاعه من بعض مع انتفاع جميعهم بذلك، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، وإنما اختلف قول مالك في صفة التقويم في الاشتراك، فقال في المختصر مرة: إنه ينظر إلي قيمة المتاع المطروح والباقي في الموضع الذي حمل منه، وقال مرة: في الموضع الذي يحمل إليه، وقال مرة: في الموضع الذي طرح فيه، ورواه أشهب عنه، وقوله هاهنا: إنهم يشتركون فيه على الثمن الذي اشتروه به، وذلك إذا اشْتُرِيَ في وقت واحد وموضع واحد، وصفة واحدة من النقد والدين، وعلى غير محاباة، فإن اختلف شراؤهم في شيء من ذلك اشتركوا بقيمة متاعهم يوم حملوه في الموضع الذي حملوه منه على ما فسر به ابن القاسم قوله، والقول قولهم فيما زعموا أنهم اشتروه به دون يمين إذا تبين صدقهم إلا أن يتهم أحد منهم فيحلف، قاله سحنون بعد هذا في رسم أخذ يشرب خمرا. وقوله: إنه لا يمين عليهم إذا تبين صدقهم - صحيح، كما أنه إذا تبين كذبهم وأتوا بما لا يشبه لا يمكنون من اليمين، وينظر إلى قيمة ذلك يوم الشراء فيكون شريكا بذلك. وأما إذا لم يتبين صدقهم ولا كذبهم، فيتخرج تحليفهم إذا دعا إلى ذلك بعضهم على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، وبالله التوفيق. [: اشتراط أيام مسماة لتوصيل الحمل لمحله] ومن كتاب شك في طوافه وسئل: عن رجل يتكارى الأجير يخرج له بكتاب يحمله

: اشتراط شرط قاطع لمدة الإجارة

إلى بلد ويشترط عليه أياما مسماة، قال مالك: ما هذا من كراء الناس وما يعجبني. قال محمد بن رشد: أما إذا كان الوصول إلى البلد إلي الأجل الذي اشترط على الأجير مشكلا يمكن أن يبلغه وألا يبلغه - فلا اختلاف في فساد الأجرة على ذلك، وأما إذا كان أجلا يعلم أنه يبلغ فيه إلى البلد، فالمشهور أن الإجارة غير جائزة، وقد قيل: إنها جائزة، وقد مضي القول في هذه المسألة مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة، وفي أول رسم من سماع أشهب منه، وفي غير ما موضع سواه من الكتاب المذكور، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: اشتراط شرط قاطع لمدة الإجارة] ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل: عن رجل يتكارى الدابة إلى الإسكندرية أو إلى الموضع ويضرب له في ذلك أجرا مسمى فيشترط إن عثر على الرجل في الطريق رجع وكان له بحساب ما بلغ على حساب ما تكارى منه. قال: لا بأس بذلك، وهذا يكون عندنا في الإباق وغير ذلك، فلا بأس به إذا لم ينقد، أنكرها سحنون، وقال: كيف يجوز هذا وقد أكرى دابته بما لا يدري.

: الرجل يتكارى بدينار ونصف فيعطي الكري دينارين ويأخذ منه نصفا

قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول مسألة من السماع، فلا معنى لإعادته. [: الرجل يتكارى بدينار ونصف فيعطي الكري دينارين ويأخذ منه نصفا] ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا وسئل مالك: عن الرجل يتكارى بدينار ونصف فيعطي الكري دينارين ويأخذ منه نصفا. قال: ما أرى بذلك بأسا. قال ابن القاسم: وقد كان ثقله ثم رجع إلى هذا، وقال: لا بأس به إذا انتقد حمولته وهو أحب ما فيه إلي. قال محمد بن رشد: الاختلاف في جواز هذا الكراء جار على اختلافهم فيمن كان له على رجل دين، هل يجوز له أن يأخذ منه به دابة يركبها، أو غلاما يخدمه أو دارا يسكنها، ويكون قبض الدابة أو الغلام أو الدار ليستوفي ركوبها، أو استخدامه أو سكناها - استيفاء للركوب أو الاستخدام أو السكنى أم لا؟ وقد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف، وفي سماع أبي زيد منه، فلا معنى لإعادة ذلك، والله الموفق. [مسألة: رجوع الأجير فيما اتفق عليه مع المؤجر] [مسألة قال: وسئل مالك: عن الكري يرى غرائر الرجل، فيقول له صاحب الغرائر: زنها، فيأبى ذلك، ويحملها حتى إذ كان ببعض الطريق أراد أن يزن عليه، قال: لا أرى ذلك له، قد حملها ورضي بها.

مسألة: دفع عربون لحين حضور الظهر المؤجر

قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال، إذ ليس له أن يرجع فيما قد سلمه ورضي به] . [مسألة: دفع عربون لحين حضور الظهر المؤجر] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يتكارى من الحمال، ويكون كراؤه مضمونا ويعربن الدينار إلى أن يأتي الظهر، قال: لا بأس بذلك، وقال في ذلك: كم من كري قد أعطي كراءه فهرب وترك أصحابه. قال محمد بن رشد: إنما أجاز أن يؤخر النقد في الكراء المضمون إلى أن يأتيه بالظهر وإن بعد الأمد للضرورة إلى ذلك، إذ ليس بحرام بين، كفسخ الدين في الدين الذي يضاهي الربا المحرم بالقرآن. ألا ترى أنه يجوز فيه تأخير رأس مال السلم اليوم واليومين والثلاثة، فأما في غير الكراء فلا يجوز تأخيره فوق الثلاث؛ لأنه الدين بالدين، وبالله التوفيق. [: دعوى الأجير ضياع مال استؤجر على الشراء به] ومن كتاب طلق ابن حبيب وسئل مالك: عن حمال تكوري وبعث معه بدنانير إلى موضع

مسألة: تضمين الأكرياء

ليبتاع بها طعاما لمن استأجره فرجع فزعم أن تلك الدنانير ضاعت منه، أتراه ضامنا؟ قال: لا ضمان عليه فيها، وإنما هو إلى أمانته، وأرى أن يحلف في ذلك لقد ضاعت منه، قيل له: أفترى له فيما عني أجرة؟ قال: لا أرى له شيئا، قد ضاعت الدنانير، ويريد أن يأخذ أجرا، ما أرى له في ذلك شيئا. قال محمد بن رشد: إنما لم ير له أجرة فيما شخص إذا ضاعت الدنانير من أجل أنه استوجر على حملها إلى ذلك البلد وشراء الطعام بها، وجاء تلفها من قبله، وذلك على أصله في المدونة في الذي يستأجر الحمال على حمل شيء فيعثر به فيذهب أنه لا ضمان عليه ولا كراء له، خلاف قول غيره فيها، فليس قول مالك هذا بمعارض لقول سحنون في نوازله من كتاب الجعل والإجارة في الذي يعطي رجلا ثوبا ليبيعه له بجعل، فلما قبض الدنانير ضاعت منه أن له جعله لأن هذا في مسألة سحنون جعل على بيع فوجب للمجعول له جعله بالبيع، وبالله التوفيق. [مسألة: تضمين الأكرياء] مسألة قيل له: لِمَ ضَمِنَ الأكرياءُ الطعامَ الذي يحملونه؟ قال: إنهم مثل الصناع الصباغ والخياط، فلذلك ضمنوا إلا أن يأتوا

: دعوى المكتري ضياع الدابة المكتراة

فيما تلف منهم على هلاكه بأمر يعرف، فلا يكون عليهم ضمان، مثل أن ينشق زق زيت، أو تهلك راحلته، أو ما أشبه هذا من الوجوه التي (يدل) على هلاكها أمر يعرف، فلا شيء عليه. قيل: فالخياط والصباغ إذا سرق بيته، أيصدق؟ قال: ما أدركت الناس إلا على أنهم يضمنونهم، ولا يجعلونه في مثل هذا مثل ما ينشق من الحمال أو يهلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إنما ضمن الأكرياء الطعام لحاجة الناس إليهم في ذلك كالصناع، إلا أن يظهر الهلاك بانشقاق زق أو عثار راحلة وما أشبه ذلك، وليس ذلك كدعوى الصناع السرقة؛ لأن ذلك لا يعرف إلا بقولهم، وإنما هو كالفران يأتي بالخبز محروقا، أو الصباغ يأتي بالثوب محروقا فيسقط عنه الضمان؛ لأن النار تغلبه، فأشبه عثار الأجير الذي لا يقصده، وبالله التوفيق. [: دعوى المكتري ضياع الدابة المكتراة] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال مالك، في دابة تكاراها رجل إلى موضع ثم أتى فزعم أنها نفقت - قال مالك: إن كان في جماعة رأيت أن يكلف البينة، وإن كان وحده أحلف ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، فلا معنى لإعادته.

: ما يترتب على طرح الأمتعة من السفينة

[: ما يترتب على طرح الأمتعة من السفينة] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا قال: وقال مالك، في السفينة التي طرحوا منها متاعا، وفسد بعض القمح وبقي بعض لم يصبه شيء، وكراء ما طرح: إنه ليس على الجرم شيء مما طرحوا. قال: ولو كان جرمه ظرفا فارغا نجا، وإنما كان طرحهم نجاة لمتاعهم، فلا أرى عليه فيه شيئا، وقال فيما طرح: لا أرى لأهل المركب فيه كراء ما أكروهم فيه، وإنما لهم على حساب ما بقي مما أكروا، وقال في الطعام الذي فسد بعضه ولم يفسد بعض: إن كان محجوزا كل واحد منهم طعامه على حدته، قد حازه بشيء جعله حجزا فيما بين القمح، فأرى أن من سلم منهم فله ما سلم، وما أصيب منه بما أصابه، أو اسود لموج ركبه فمصيبته من صاحبه، وإن كانت تلك التي حجزوا بها قد انخرق بعضها إلى بعض حتى اختلط الطعام كانوا شركاء جميعا فيما فسد لهم وصلح، يأخذ كل واحد منهم بحصة طعامه. وأما ما ذكرت في أثمان متاعهم بأي شيء يتراجعون في ذلك؛ فإنما يتراجعون بالثمن الذي ابتاعوه بالقلزم، ولا ينظر إلى ثمنه في الجار، ولا قيمته في الموضع الذي طرح فيه، ولكن ثمنه بالقلزم الذي ابتاعوه به، إلا أن يكون أحد منهم اشترى شيئا بدين فزاد لذلك، فإنما يحسب له على النقد لا زيادة فيه، أو يكون حوبي أحد في شراء خفف

عنه، فلا يحمل عليه ما حوبي به من ذلك، ولكن يتم له ثمنه الذي يسوى بالقلزم. وسئل عنها سحنون: هل يقبل قول كل واحد منهم في ثمن ما قام عليه متاعه من غير بينة ولا يمين؟ فقال لي: نعم، يقبل قولهم، ولا بينة عليهم، ولا يمين إذا تبين صدق قولهم، إلا أن يتهم أحد منهم فيحلف. قال محمد بن رشد: قوله: إنه ليس على جرم المركب شيء فيما طرحوا من المتاع للنجاة على ما قاله، وقد بين العلة في ذلك أنه لو كان ظرفا فارغا لنجا، وكذلك ليس على صاحب السفينة شيء في القلوع والأطراف التي تخلص بها السفينة. وأما ما كان في جوف المركب من قارب وحبال ومواجل فإن ذلك أيضا يقوم على صاحب السفينة، قاله بعض أهل العلم، وهو صحيح على أصل مذهب مالك، في أنه ليس على جرم المركب شيء. وأما قوله: إنه لا كراء لصاحب المركب فيما طرح من المتاع، فهو على قوله في المدونة، أن كراء السفن على البلاغ، خلاف قول ابن نافع فيها، أن لها بحساب ما بلغت. وقوله: إن الطعام إذا انخرق ما حجز به بين طعام كل واحد منهم من طعام صاحبه فاختلط، أنه يحكم بينهم فيما فسد منه بحكم الشركة فهو صحيح، إذ لا فرق بين أن يحملوه على الشركة، أو يختلط بغير اختيارهم فيما يجب من أن يكونوا فيه شركاء بحساب ما لكل واحد منهم. وقد مضى في رسم حلف ذكر اختلاف قول مالك إن كانوا يشتركون فيما طرحوا على الأثمان، أو على القيم، ومتى تكون القيمة في ذلك، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

: اشتراط رجوع الدابة المكتراة حيث وجد ما يدعو لذلك

[: اشتراط رجوع الدابة المكتراة حيث وجد ما يدعو لذلك] ومن كتاب أوله باع غلاما وسئل مالك: عن الرجل يكون له بالإسكندرية البز فيستبطئه فيتكارى الدابة من الفسطاط بدينار إلى الإسكندرية، ويقول لصاحب الدابة: أشترط عليك إن لقيت بزي في الطريق رجعت معه وأعطيتك بحساب ما ركبت، قال: لا بأس بذلك، ولا أحب النقد فيه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول السماع، فلا معنى لإعادة ذلك، وتكررت أيضا في رسم الشجرة. [: إعطاء المكتري دابة أخرى بدل التي تلفت] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت وسئل مالك: عن الرجل يتكارى الدابة بعينها إلى موضع، فتهلك الدابة في موضع في بعض الطريق فيريد أن يعطيه بها دابة أخرى يركبها مكان الدابة التي هلكت، قال: لا أحب ذلك، وأراه بمنزلة الدين بالدين. قال ابن القاسم: قال لي مالك بعد ذلك: إلا أن يكون أصابه ذلك بفلوات الأرض والصحاري والموضع الذي لا يوجد فيه كراء فلا أرى به بأسا. وأما في الموضع الذي يوجد فيه الكراء فلا أحبه. قال محمد بن رشد: إنما لا يجوز هذا إذا كان قد نقد؛ لأن الكراء ينفسخ في الراحلة بعينها بموتها، ويجب للمكتري الرجوع على الكري بما ناب ما بقي من المسافة فإن أخذ منه بذلك دابة أخرى غير معينة كان قد فسخ ما وجب له به عليه الرجوع من الكراء في ركوب لا يتعجله، وكان

: سأل المتكاري كراء جديدا بما له عند الآخر من مال

ذلك حراما لا يحل ولا يجوز بإجماع، وإن أخذ منه في ذلك دابة معينة يركبها إلى انقضاء كرائه جاز على مذهب أشهب، وأحد قولي مالك في رسم حلف المتقدم، ولم يجز على المشهور في المذهب. قال ابن حبيب: إلا حيث لا يجد غنى عن ذلك إلى الموضع الذي يجد فيه غنى عنه، كالمضطر إلى أكل الميتة، وهو كما قال إذا فسخ ما بقي له من الكراء في راحلة بغير عينها، وأما إذا فسخه في راحلة بعينها ففيه بعض السعة لما ذكرته من الاختلاف في ذلك، وعلى هذا تكلم في هذه الرواية، والله أعلم، ولذلك قال فيها: لا أحب ذلك، وأراه من الدين بالدين، ولو تكلم على أنه فسخ ما بقي له في دابة بغير عينها، لقال: لا يحل ذلك ولا يجوز؛ لأنه فسخ الدين بالدين، وهو أشد من الدين بالدين. وقوله: ثم قال (لي) بعد ذلك: إلا أن يكون أصابه ذلك بفلوات الأرض والصحاري، ليس بقول آخر، وإنما هو تفسير لقوله الأول، إذ لا اختلاف في جواز ذلك عند الضرورة. ولو كان لم ينقد لجاز ذلك من غير ضرورة باتفاق، وبالله التوفيق. [: سأل المتكاري كراء جديدا بما له عند الآخر من مال] ومن كتاب المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل مالك: عن رجل أكرى رجلا فبقي له عنده بقية كراء، فسأل الكري رجلا آخر أن يحمله بالكراء الذي له عليه ويزيده مع ذلك زيادة. قال: هذا مكروه وأرجو أن يكون خفيفا. قال ابن القاسم: ما أراه بضيق وفيه شيء، وأرجو أن يكون خفيفا. قال ابن القاسم: وإن سأل المتكاري أن يحتال على المكري الأول ورضي بذلك المكري أن يحتال عليه ويزيده مع ذلك فلا خير في ذلك أنكرها سحنون ورآها دينا بدين.

قال محمد بن رشد: هذه مسألة مشكلة، إذ لم يبين فيها هل كان الكراء الذي بقيت منه البقية مضمونا أو معينا؛ ولا هل كانت البقية منه ركوبا على المكري، أو كراء علي المكتري، وتأويلها يصح على الوجهين، من أن الكراء مضمون ومعين. فأما إن كان الكراء مضمونا فالمعنى فيها أن المكري عجز عن توصيل المكتري إلى البلد الذي أكراه إليه، وله على المكتري بقية من كرائه لم يستوفها منه، فأكرى له من يوصله إلى ذلك البلد بالبقية التي بقيت له على المكتري وبزيادة يزيده إياها من عنده، فكره ذلك مالك وابن القاسم وخففاه جميعا، ووجه الكراهة في ذلك أنه دين بدين؛ لأن المكتري انتقل في كرائه من ذمة المكري الأول إلى ذمة المكري الثاني. ووجه التخفيف فيه: أن المكري الأول لما كان هو الذي سأل المكري الثاني أن يحمله بما كان له وعليه وبما زاده، فكأنه اكترى منه ذلك لنفسه، ووجب الكراء له، فلم ينتقل المكتري بذلك عن ذمته إلى ذمة المكري الثاني. وقول ابن القاسم: وإن سأل المتكاري أن يحتال على المكري الأول إلى آخر قوله، معناه: أنه عجز عن توصيله إلى ذلك البلد، وقد انتقد، فاكترى المكتري من يوصله إلى ذلك البلد بالركوب الذي بقي له على المكري الأول، يحتال به عليه وبزيادة زاده إياها، فلم يجز ذلك؛ لأنه الدين بالدين كما قال سحنون؛ لأن المكتري اكترى ركوبا غير ناجز بالركوب الذي بقي له على المكري الأول وهو غير ناجز أيضا. وقد قيل: إن المعني في ذلك أن المكري عجز عن توصيله إلى ذلك البلد، وقد انتقد فاكترى المكتري من يوصله إلى ذلك البلد ولم يشترط النقد، ولا كانت سنة الكراء على النقد، فأراد أن يحيله على المكاري الأول بما وجب له به الرجوع عليه، لعجزه عن حمله، فلم

يجز ذلك؛ لأنه يستحيل بما لم يحل له، وهذا تأويل ابن لبابة، والأول هو الصواب؛ لأن الكراء المضمون لا ينفسخ بالعجز، وهو ثابت ما لم يفسخ بالحكم، لضرر يكون على المكتري في إمضائه بفوت الإبان كالحج وشبهه، فعلى هذا التأويل يكون ابن القاسم إنما تكلم على غير المسألة التي تكلم عليها مالك؛ لأنه تكلم على المكري قد انتقد، فلم يبق له بقية من الكراء وبقيت عليه بقية من الركوب، وتكلم مالك على أنه لم ينتقد جميع الكراء، فبقيت له بقية منه، وبقيت عليه بقية من الركوب. وأما إن كان الكراء معينا فالمعنى فيما كرهه مالك وابن القاسم وخففاه جميعا أن الدابة المكتراة بعينها هلكت قبل الوصول إلى البلد الذي اكتريت إليه، وقد انتقد المكتري كراءه، فوجب أن يرد منه نوب ما بقي من المسافة فاكترى للمكتري دابة بعينها لما بقي من الركوب إلى ذلك البلد بما وجب عليه أن يرده من الكراء وبزيادة زادها، فكرها ذلك جميعا؛ لأن المكتري فسخ ما وجب له به الرجوع على المكري في ركوب دابة إلى ذلك البلد، وخففاه جميعا لانتقاد الدابة وهي معينة، وهذا على ما مضى من اختلاف قول مالك في أول مسألة من رسم حلف. والمعنى في قول ابن القاسم وإن سأل المتكاري أن يحتال على المكري الأول ورضي بذلك الكري أن يحتال عليه، ويزيده مع ذلك فلا خير فيه، أن المكتري لما ملكت الدابة اكترى دابة لنفسه على ذمته بمقدار ما يجب له به الرجوع على المكري وبزيادة، ثم أحاله على المكري بما وجب له به الرجوع عليه، فوجب ألا تجوز الحوالة؛ لأنه احتال بما لم يحل، إذ لا يجب تعجيل الكراء إلا بشرط أو عرف، وهو معنى الدين بالدين، كما قال سحنون، ولو اكترى المكتري الدابة لنفسه بالدين الذي له على المكري

مسألة: الكري تكون له الإبل يحمل عليها وهو يدملها تحتهم بحملهم عليها فيفلس

وبزيادة لجاز، إذ يجوز لمن له دين على رجل أن يبيعه من رجل بتمر لم يبد صلاحه، وبجارية تتواضع، وبركوب دابة، وسكنى دار، وما أشبه ذلك، فعلى هذا يكون ابن القاسم إنما تكلم على المسألة التي تكلم عليها مالك، لا على مسألة أخرى، فهذا وجه القول في هذه المسألة مستوفى وتأويلها على الوجه الأول من أن الكراء مضمون أظهر وأولى، والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة: الكري تكون له الإبل يحمل عليها وهو يدملها تحتهم بحملهم عليها فيفلس] مسألة وسئل مالك: عن الكري تكون له الإبل يحمل عليها وهو يدملها تحتهم بحملهم عليها فيفلس، وتحت أحدهم بعير منها، أتراه أحق به من سائرهم؟ قال: نعم، أرى ذلك له. قال ابن القاسم: وذلك رأيي. وسئل عنها سحنون، فقال: جيدة، قيل له: سواء كان الكراء في إبل بأعيانها أو كراء مضمونا يكون كل رجل أولى بما تحته من صاحبه إذا فلس الجمال؟ قال: نعم، من أجل أنه لما قدم الكري إلى رجل جملا فكأن كراءه وقع عليه، قلت: فلو أن الجمال تسلف من بعضهم أو تعاين ورهنه ما تحته وتحت أحماله، أترى المرتهن أحق به من سائر أصحابه؟ قال: نعم، قلت: فلو رهنه بعض ما تحت غيره من الجمال، أتراه رهنا جائزا، ويكون أولى به من الغرماء؟ قال: نعم، وهو كالرهن يوضع على يدي عدل. قيل لسحنون: هل يكون أصحاب الأحمال أولى بما تحت أحمالهم من الإبل كما يكون في

المحامل؟ قال: نعم، قيل له: فإن أراد الحمال أن ينقل تلك الإبل ويديلها بينهم، وأبى ذلك أصحاب الأحمال والمحامل. قال: لا يكون ذلك للجمال إلا عن رضا من أصحاب الحمولة والمحامل (وهذا في الكراء المضمون وغيره سواء، وكل واحد من أصحاب الحمولة والمحامل) أولى بما في يديه من غيره. قلت: فلو أن الحمال احتاج فأراد أن يتسلف من بعض الحمولة على أن يرهنه ما بيديه من الإبل أيجوز ذلك؛ وتراه رهنا مقبوضا؟ قال: نعم، ألا ترى إلى قول مالك في الجمال يفلس أن كل واحد منهم أولى بما تحته من غيره من الغرماء ومن أصحابه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إن الجمال إذا فلس فالمكتري منه كراء مضمونا أحق بالجمل الذي أسلم إليه لركوبه، أو لحمل متاعه من غيره من المكترين ومن الغرماء، ومثله في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس، وفي الرواحل والدواب من المدونة للعلة التي ذكرها من أنه إذا أسلم إليه، فكأن كراءه وقع عليه، إذ ليس له أن يعوضه منه بغيره، فصار كالرهن بيده، فوجب أن يكون أحق به، وهذا إذا كان قد نقد، وأما إذا لم يكن نقد فهو مخير بين أن ينقد ويكون أحق بالجمل، وبين أن يفسخ الكراء عن نفسه ويكون أحق بما عليه. ولو فلس الجمال قبل أن يسلم إليه الجمل كان إسوة الغرماء إن

: تداخل الكراء

كان قد نقد، فما صار له في المحاصة أكرى له به ما بلغ، واتبعه ببقية حقه، ويكون مخيرا إن كان لم ينقد بين أن ينقد ويحاص الغرماء، وبين أن يفسخ الكراء عن نفسه ويكون أحق بما عليه، وهذا ما لا أعلم فيه اختلافا إلا ما وقع من قول غير ابن القاسم في المدونة، وليس الراحلة بعينها كالمضمون، إذ قد قيل: إنه أراد ليست المضمونة كالمعينة في أنه يكون أحق بها في التفليس، وقيل: إنه إنما أراد ليست كالمعينة في اختلافهما في الكراء. والظاهر أنها ليست عنده كالمعينة في كلا الوجهين. وأما المعينة فالمكتري إذا فلس الجمال أحق بها قبضها أو لم يقبضها، نقد أو لم ينقد، وهو إذا لم ينقد بالخيار بين أن ينقد ويكون أحق بها، وبين أن يفسخ الكراء ويكون أحق بما عليه. وأما إجازته أن يرهنه ما تحته وتحت أحماله بما أسلفه فهو بعيد، لكونه في منفعة الراهن، وإجازته أن يرهنه ما تحت غيره من الجمال أبعد؛ لأنه في منفعة الراهن وفي أجرة غيره. وقوله فيه: إنه كالرهن يوضع على يد عدل ليس ببين، وقد نص في المدونة على أنه لا يكون قبض المستأجر قبضا للموهوب له، فهو أحرى أن لا يكون قبضا للمرتهن، وبالله التوفيق. [: تداخل الكراء] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من الكتاب الأول من البيوع قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع، قال: سئل مالك: عن الرجل يتكارى من الكري بمصر إلى الحج، فإذا ركب موجها، قال للكري: أكر لي إلى مصر، فيتكارى منه وينقده الكراء، فإن بعض أصحابنا تكارى من هاهنا إلى إيلة.

مسألة: كراء الدواب يوما بيوم

أفرأيت إن بدا لهم أن يتكاروا منه في الطريق إلى مصر وينقدوه الكراء فيما بينهم وبين أن يبلغوا إلى إيلة؟ فقال: لا أرى بذلك بأسا، قيل له: لا ترى بذلك بأسا؟ قد: نعم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا جاز أن يكتري منه من مصر إلى الحج ذاهبا وراجعا في صفقة واحدة جاز إذا اكترى منه أولا للذهاب خاصة أن يكتري منه للرجوع وهو في الطريق قبل أن يبلغ الحج، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه، وبالله التوفيق. [مسألة: كراء الدواب يوما بيوم] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يتكارى الدابة إلى مكة، كل يوم بدرهم؟ فقال: ما هذا من بيوع الناس، لعله سيمكث بذلك شهرين، فليس هذا من بيوع الناس، ولكن لو ضرب لذلك أجلا لم يكن بذلك بأس، قيل لمالك: أرأيت لو قال له أتكاراها منك شهرا كل يوم بدرهم؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: أما إذا تكاراها شهرا كل يوم بدرهم فلا كلام ولا إشكال في جواز ذلك، وأما إذا أكراها منه إلى مكة كل يوم بدرهم فلم يجز ذلك هاهنا، وأجاز في المدونة كراء الراحلة بعلفها إلى موضع، وذلك اختلاف من القول، إذ لا فرق بين المسألتين؛ لأنه إن أبطأ في السير كثر عليه العلف، وإن عجل فيه قل العلف، فآل ذلك إلى الجهل بمبلغ

مسألة: احتساب أجرة ما انقضى من كراء المنزل

الكراء. ولو أكرى منه الدابة إلى مكة بعلفها، أو كل يوم بدرهم أسرع في السير أو أبطأ فيه، لم يجز باتفاق؛ ولو أكراها منه إلى مكة بعلفها، أو كل يوم بدرهم على أن يسير سير الناس المعتاد لجاز ذلك باتفاق، فالخلاف إنما هو إذا وقع الكراء مبهما دون بيان، فحمله في هذه الرواية على الظاهر من الوصول إلى مكة، قرب أو بعد فلم يجزه، وحمله في المدونة على الوصول على السير المتعارف فأجازه؛ لأنه إذا كان المعروف عند الناس أن الوصول إلى مكة على السير المتعارف يكون على التمثيل في شهر، فكأنه إنما أكرى منه إلى مكة بثلاثين درهما أو بعلف ثلاثين ليلة، فوجب أن يكون ذلك جائزا، وبالله التوفيق. [مسألة: احتساب أجرة ما انقضى من كراء المنزل] مسألة قيل له: أرأيت من تكارى منزلا شهرا بكذا وكذا، فما سكن فبحساب ذلك؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قوله فما سكن فبحساب ذلك، يريد أن له أن يخرج متى ما شاء، ويلزمه فيما سكن بحساب ذلك، فعلى هذا يكون الكراء في الشهر لازما لصاحب المنزل غير لازم للساكن، وفي ذلك اختلاف قد مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم الشجرة، وفي رسم باع غلاما منه، ولو لم يكن الكراء لازما لواحد منهما في الشهر لجاز باتفاق، كمن أكرى داره مشاهرة، وقد مضى القول على هذا في رسم حبل حبلة من سماع عيسى من كتاب كراء الدور والأرضين، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: كراء شق محمل ثم التحول منه إلى الشق الآخر

[مسألة: كراء شق محمل ثم التحول منه إلى الشق الآخر] مسألة وسئل مالك: عمن تكارى من جمال شق محمل بدنانير دفعها إليه ثم أراد أن يتحول من الشق المحمل إلى الزاملة ويرد عليه الجمال من كرائه دنانير، قال: أرجو أن يكون هذا خفيفا. قيل لمالك: إنه قد كان هذا اكترى شق محمل فطلب منه الكراء كله، فأراد بيع بعض متاعه فلم يجد ثمنا. فقال له: حولني في زاملة فإنها أقل كراء بدينار، قال: لا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: خفف في هذه الرواية لمن اكترى شق محمل بدنانير فنقدها - أن يتحول من الشق إلى زاملة ويرد عليه الكري من الكراء الذي انتقد دنانير، وهذا في الكراء المعين على ما مضى من اختلاف قوله وقول ابن القاسم في هذا الأصل في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب كراء الدور والأرضين، ورسم حمل صبيا من سماع عيسى منه، ولو كان الكراء مضمونا لم يجز ذلك باتفاق على ما يأتي في رسم العرية من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب. وأما إذا لم ينقد فجائز أن يتحول من الزاملة إلى المحمل، ومن المحمل إلى الزاملة بزيادة ممن كانت منهما، كان الكراء مضمونا أو معينا، وبالله التوفيق.

مسألة: كراء دابة لموضع معين والأجر على قدر العمل

[مسألة: كراء دابة لموضع معين والأجر على قدر العمل] مسألة وسألت مالكا: عمن تكارى دابة إلى موضع بعينه يسميه له على إن تقدم بها فبحساب ما تكارى منه، قال: لا بأس بذلك إذا كان موضعا يسميه، يقول له: إن تقدمت إلى موضع كذا وكذا فبحساب ما تكاريت منك أو كان أمرا معروفا، فهذا لا بأس به. فقلت له: فكيف يعرف؟ فقال له: يقول له: إنه بلغني أن عبدا لي أبق فهو بذي المروة، فأكر لي إليها دابتك بكذا وكذا، وما تقدمت فبحساب ذلك، أو يقول أكر لي دابتك إلى السفرة ألتقي الأمير عليها، فما تقدمت فبحساب ذلك، فهذا لا بأس به؛ لأنه أمر له وجه يعرف، فلا بأس بما تكارى هكذا إذا كان له وجه يعرف به، أو تكارى على أنه إن تقدم إلى موضع كذا وكذا فبحساب ذلك. فهذان جميعا لا بأس بهما إن سمى، وإن لم يسم إذا كان لما لم يسم من ذلك وجه يعرف. فأما أن يقول: أتكارى منك دابتك إلى موضع كذا وكذا بدينارين على أني ما بلغت من الأرض كلها بحساب ذلك، فأرى هذا لا خير فيه، مرة يذهب إلى العراق، ومرة يذهب إلى المغرب، فهذا لا خير فيه، ولا يصلح حتى يكون إلى موضع معلوم إذا بلغه كان بحساب ما تكارى منه، أو يكون أمر له وجه يعرف به، مثل أن يقول: ألتقي الأمير إلى ذي خشب بكذا وكذا، فإن تقدمت فبحساب ذلك، فهذا له وجه يعرف، لا بأس به وإن لم يسم موضعا يعرف بعينه؛ لأن وجه

: نقص الطعام من الحمال الذي يحمله

ذلك ونحوه معروف لا بأس به. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: نقص الطعام من الحمال الذي يحمله] ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل: عن رجل يحمل الطعام فينقص عليه، قال: أرى أن يترك لهم من ذلك ما ينقص من بين الكيلين من الطعام، قيل له: أرأيت إن جاءه به ينقص أكثر مما ينقص بين الكيلين فأراد أن يستحلفه ويغرمه فضل ذلك؟ فقال: ليس له ذلك، إذا أراد أن يغرمه فلا يستحلفه. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال: إنه إذا نقص الطعام فليس له أن يرجع عليه إلا بما نقص زائدا على ما يعرف أنه ينقص بين الكيلين. وقوله: إنه إن أغرمه فليس له أن يستحلفه - صحيح؛ لأن الطعام لا يعرف بعينه إذا غيب عليه، فهو لو نكل عن اليمين لم يكن عليه إلا المثل، فلما كان نكوله ويمينه بمنزلة سواء، لم يكن ليمينه معنى، بخلاف من وجب عليه ضمان ما يعرف بعينه إذا غيب عليه من العروض، هذا يحلف ويغرم؛ لأنه يتهم على أنه أراد أن

: كراء الدابة لطائفة لا يدرون متى انصرافهم

يأخذ العرض بقيمته، فإن حلف غرم القيمة، وإن نكل عن اليمين حبس حتى يحلف أو يرد العرض بعينه، ولا كان حمله في مركب فجاء به مبلولا ضمن إن كان بللا مفسدا، ولو لم يكن مفسدا لم يلزمه ضمانه، وكان عليه تجفيفه، وإن كان بلله يزيد فيه لزمته اليمين إنه ما تعمد بله؛ لأنه يتهم أن يكون قد سرق منه، ثم بله ليزيد فيه ما سرق منه، وإن كان البلل لا يزيد فيه فلا يمين عليه ولا ضمان عليه، إلا أن يكون البلل مفسدا، والرواية بذلك كله موجودة عن مالك، ذكرها ابن أبي زيد في النوادر، وبالله تعالى التوفيق. [: كراء الدابة لطائفة لا يدرون متى انصرافهم] وفي كتاب أوله مسائل بيوع ثم كراء وسئل مالك: عن الرجل يكري دابته إلى الصائفة وهم لا يدرون متى ينصرفون، فقال: قد عرفوا وجه ذلك وأرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: إنما أجاز الكراء في الصائفة إلى رجوعها؛ لأنه رأى ذلك معروفا على عادة قد جروا عليها لا تختلف في أغلب الأحوال، فإن وقع الكراء على ما يعرفون فتأخرت عن القدر المعروف أو تعجلت عنه لأمر عرض كان له كراء مثله فيما زاد، وحط من كرائه بقدر ما نقص. والصائفة: العسكر الذي يغزو بلاد العدو في الصائفة، وبالله التوفيق. [: مخالفة المكترين لشرط الكراء] ومن كتاب الأقضية وسئل مالك: عن الرجل يتكارى من أكرياء أهل مصر إلى

مسألة: نقص الطعام من الحمال الذي يحمله

الحج ولا يشترط عليهم أن يمروا به على المدينة، ثم يريد منهم ذلك ويأبوا إلا أن يتساحلوا، أترى ذلك للمتكاري عليهم؟ قال: نعم، في رأيي إلا أن يخاف فوات الحج. قال محمد بن رشد: إنما رأى ذلك للمتكاري عليهم بالعرف الجاري في ذلك، والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة: نقص الطعام من الحمال الذي يحمله] مسألة قال: وسئل: عمن استحمل كريا طعاما فنقص عليه أكثر من الذي يوضع في النقصان بصاعين أو ثلاثة، فقال رب الطعام: أنا آخذ هذا النقصان وأستحلف حامل الطعام على ما نقص من نقصان الناس ما خانه، فقال: إن أغرمته فلا تحلفه، وإن أحب رب الطعام أن يحلفه ولا يأخذ شيئا فذلك له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه ليس له أن يحلفه في النقصان المعروف ما خانه؛ لأن ذلك معروف، فلا يلزمه فيه غرم ولا يمين. وأما الزائد على النقصان المعروف فواجب عليه غرمه، ولا يحلف مع الغرم للمعنى الذي قد ذكرناه قبل هذا في رسم الأقضية الثاني، ولا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: كراء السفينة] ومن البيوع الأول وسئل: عمن أكرى سفينة بكذا وكذا دينارا، وله عليه

مسألة: رجوع مكتري الدابة من بعض الطريق

ضربتان: ضربة في الشتاء، وضربة في الصيف، قال: لا بأس بذلك، قيل له: يا أبا عبد الله، إنما مسيرها بالريح فإن طابت الريح أسرعت، وإن ركدت أبطأت، حتى ربما أقامت في المرسى العشرة الأيام، فقال لي: إن كان ذلك شيئا يختلف فلا خير فيه، وإن كان لا يختلف فلا بأس به. قلت له أيضا: إنما مسيرها بالريح، فإن طابت الريح أسرعت وإن ركدت أبطأت. فقال: إن كان هكذا فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه أكرى سفينة للعام بكذا وكذا، واشترط على المكتري أن يسافر بها سفرتين إلى موضع معلوم، سفرة في الشتاء، وسفرة في الصيف، فوجب ألا يجوز الكراء إلا أن يكون مقدار ما تقيم السفينة في السفرتين معلوما كما قال؛ لأن المعلوم متى استثني منه مجهول كان الباقي مجهولا، وبالله التوفيق. [مسألة: رجوع مكتري الدابة من بعض الطريق] مسألة قال: وسئل: عن الذي يتكارى الدابة من المدينة إلى مكة فيسير بعض الطريق ثم يبدو له أن يرجع إلى المدينة، أيكون لصاحب الدابة الكراء كله؟ قال: إي لعمري، قيل له: أرأيت إن أراد أن يركبها إلى موضع آخر مثل مكة؟ فقال: إن كان مثل الموضع الذي تكارى إليه في السهولة فذلك له، ربما كان المكانان أحدهما أقرب من الآخر، وهو أعلى كراء للحزونة والحجارة، فإن كان مثله فذلك له. قال محمد بن رشد: أوجب في هذه الرواية على المتكاري الكراء كله إذا رجع من الطريق، وقال: إن له أن يركبها إلى موضع آخر مثل مكة

يريد مثل ما قصر عنه من البلوغ إلى مكة في طريق مثله في السهولة، ولم يفرق بين أن يكون قد سار قبل أن يرجع أقل الطريق أو أكثره، خلاف قول ابن القاسم في رسم كتاب المدينين من آخر سماع عيسى في تفرقته بين أن يكون رجع بعد أن سار من الطريق الشيء اليسير، مثل البريد والبريدين، أو بعد أن سار جله، وهذا الاختلاف مبني على القول بأن من أكرى دابة إلى موضع فله أن يركبها إلى موضع آخر إذا كان مثله في السهولة أو الحزونة، والقياس على ذلك قول مالك. وجعل ابن القاسم رجوعه بعد أن سار جل الطريق رضا منه بترك باقي حقه. وليس ذلك ببين في القياس؛ لأنه يقول ما تركت بقية حقي ولا رجعت إلا على أن أركب في طريق آخر مثل ما قصرت عنه إلى البلد الذي اكتريت إليه، ونهاية ما عليه أن يحلف ما رجع إلا على ذلك، ولا رضي بترك بقية حقه على القول بلحوق يمين التهمة، إذ لا يمكن للمكري أن يدعي علم نيته. وأما على القول بأن من اكترى دابة إلى موضع فليس له أن يركبها إلى موضع آخر وإن كان مثله في السهولة والحزونة إلا برضا صاحب الدابة وهو قول ابن القاسم في المدونة، أو بأنه ليس له أن يركبها إلى موضع آخر وإن رضي بذلك صاحب الدابة؛ لأنه دين بدين، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة، فيلزمه جميع الكراء إذا رجع من الطريق وإن لم يسر منه إلا يسيرا، وليس له أن يركب الدابة ولا

مسألة: اشتراط الضمان على الحمال

يستعملها في شيء، وهو قول ابن نافع في رسم المدينين المذكور، وقد مضى هذا المعنى في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة، وبالله التوفيق. [مسألة: اشتراط الضمان على الحمال] مسألة وسئل: عمن حمل على جمال من الفسطاط إلى القلزم مائة إردب، وقال له: أضمنها، فقال: لا أفعل المائة تنقص أربعة أرادب، وهو بالنقصان الذي يحاز لهم، فيقول له صاحب الطعام: فأنا أعطيك الأربعة الأرادب النقصان، وتضمن المائة الأرادب توفينيها بالقلزم وأكتبها عليك، (وقال) - بعد إطراقه -: أرأيت إن نقصت المائة (الأرادب) إردبا واحدا، أيربح الكري لنفسه ثلاثة أرادب يذهب بها إلى بيته. لا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن ذلك لا يجوز؛ لأنه أخذ للضمان ثمنا وهو ما استوفر له من الأربعة الأرادب التي زاده على المائة من أجل النقصان المعروف فيما بين الكيلين، وبالله التوفيق. [مسألة: الصلح في الكراء] مسألة وسئل: عمن تكارى من كري ظهرا إلى الحج فلما كان

من أمر حميس ما كان وأرادوا الخروج إلى مكة، وتراجع الناس من الطريق جاءه الكري، فدعاه إلى الخروج فأبى أن يخرج معه، فذهب الرجل إلى السلطان، فقال له: اخرج مع كريك بعض المناهل أو دعه لي حتى تجتمعا، فخاف أن يقضي عليه السلطان فصالح الكري على أن يقيله ويؤخره بالكراء إلى الجذاذ، هل له أن يأخذ كراءه الآن؛ لأنه خاف من حميس وخاف أن يقضي عليه بذلك السلطان؟ فقال: ما أرى ذلك له، وأرى ذهبه إلى أجلها الذي أخذها إليه؛ لأنه لم يقض عليه سلطان، فجاء يخاصم في قضائه، إنما صالحه طائعا بذلك، فأرى ذلك له لازما، وهو رجل صالح صلحا فهو له لازم، وأنا أرى ذلك الكراء غير لازم لهما في مثل هذه الفتنة، أتقحمهم على الفتن؟ فلذلك رأيت ألا بأس عليه أن يؤخره دنانيره إلى الجذاذ، إنما له دنانيره يأخذها إلى الجذاذ فلا بأس به. ولو كان الكراء عندي لازما لم يصلح أن يفسخ كراؤه في دنانيره إلى الجذاذ، ولكن إنما رأيت له دنانيره فأخذها إلى الجذاذ. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الحكم يوجب فسخ الكراء من أجل الفتنة الواقعة المانعة من الخروج، وأن يأخذ دنانيره التي نقده إياها معجلة، فتأخيره إياها معروف صنعه ليس له أن يرجع فيه، ولا عذر له فيما اعتذر به مما خاف من جور السلطان في أن يقضي عليه بالخروج، ولعله لا يفعل. وإنما كان يكون له الرجوع في التأخير لو أخره بعد أن قضى عليه بالخروج، وبالله تعالى التوفيق لا رب غيره.

: اختلاف المتكاريين في رد العين المؤجرة

[: اختلاف المتكاريين في رد العين المؤجرة] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب استأذن سيده في تدبير جاريته وسئل ابن القاسم: عن الرجل يستكري الدابة أو الشيء ثم يدعي أنه قد رده ويدعي صاحبه أنه لم يرده، قال: إذا دفعه إليه ببينة فهو له لازم إلا أن يرده ببينة، وإن كان دفعه إليه بغير بينة فقوله مقبول ولا غرم عليه، وهو بمنزلة المؤتمن. قيل له: فلو قال المكتري: ذهب مني، قال: إذا يصدق ولا يكون عليه غرم شيء، كان مما يغاب عليه أو مما لا يغاب عليه؛ لأنه لا ضمان عليه فيه، وفي العارية إذا ادعى الرد فإن كان مما يغاب عليه فهو ضامن، قبضه ببينة أو بغير بينة، وإن كان مما لا يغاب عليه فادعى الرد، فقوله مقبول إذا كان قبضه بغير بينة، فإذا كان قبضه ببينة لم يبرئه إلا بالبينة، وقد سمعت مالكا، وسئل: عن رجل اكترى حمارا وعليه سرج ولجام فزعم أن السرج واللجام سرقا، وقال: لا شيء عليه. وقال ابن القاسم: ولو أن رجلا استعار دابة بسرجها ولجامها ثم زعم أنها هلكت أو سرقت كان ضامنا لسرجها ولجامها ولم يكن عليه ضمان في الدابة، قال ابن القاسم: والعارية مخالفة للكراء إذا كان مما يغاب عليه فادعى الهلاك في العارية غرم ولم يصدق. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة كلها على معنى ما في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك. وتحصيل القول فيها: أن الأشياء المقبوضة من أربابها على غير وجه الملك لا تخلو من أن تكون

مسألة: اشتراك متكاريين في دابة بالتناوب

قبضت لمنفعة أربابها خاصة كالودائع والبضائع وشبه ذلك، أو لمنفعة القابضين لها خاصة؛ كالعواري والرهون، أو لمنفعتهما جميعا كالقراض، والشيء المستأجر. فأما ما قبض لمنفعة أربابها خاصة فالقابض فيها مؤتمن مصدق في دعوى التلف دون يمين إلا أن يتهم فيستحلف، عينا كان أو عرضا أو حيوانا لا يغاب عليه، وكذلك ما قبض لمنفعتهما جميعا كالقراض، والشيء المستأجر؛ لأنه تغلب فيه منفعة أربابها من أجل أنه أملك بمتاعه لو شاء لم يدفعه. وأما ما قبض لمنفعة القابض كالعواري والرهون فالقابض ضامن لما يغاب عليه من ذلك، إلا أن يقيم البينة على التلف، ومصدق فيما لا يغاب عليه من الحيوان يدعي أنه قد تلف مع يمينه إلا أن يتبين كذبه. وما كان من ذلك يصدق فيه في دعوى التلف من الوديعة والبضاعة والقراض والشيء المستأجر، وما لا يغاب عليه من الرهون والعواري فالقول فيه قوله في دعوى الرد مع يمينه، إلا أن يكون قبضه ببينة. وقد روى أصبغ عن ابن القاسم في أول سماعه بعد هذا أن القول قول المستأجر في أنه قد رد ما استأجر وإن كان قبضه ببينة، وكذلك يلزم على قوله في القراض والوديعة خلاف ما تأول عليه أصبغ، وما كان من ذلك لا يصدق فيه في دعوى التلف مما يغاب عليه من العواري والرهون، فلا يكون القول فيه قوله في دعوى الرد، وعليه إقامة البينة في ذلك إلا ما يدل عليه ما وقع في آخر سماع أبي زيد من كتاب الوديعة من أنه يصدق في رد الرهن إذا قبضه بغير بينة، وأشهب يراه ضامنا لما يغاب عليه من العواري والرهون وإن أقام البينة على التلف، وقد روى ذلك عن مالك، وكذلك يلزم على قياس قوله فيما لا يغاب عليه من الحيوان، وبالله التوفيق. [مسألة: اشتراك متكاريين في دابة بالتناوب] مسألة وسئل: عن رجلين تكاريا شق محمل واشتريا حمارا على أن

مسألة: جعل المكتري مالا لمن يأتيه الدابة الضالة

يركبا الحمار بالدول: هذا يوم وهذا يوم، فأتى يوم واحد منهم في عقبة إيلة فأكرى الحمار ومشى راجلا، لمن يكون الكراء وصاحب المحمل قد مشى أيضا راجلا؟ قال: الكراء للذي كان يومه في ركوب الحمار، وليس لصاحب المحمل في الكراء شيء وإن كان مشى راجلا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه حقه في ذلك اليوم في ركوب الحمار، فإن شاء ركبه وإن شاء أكراه وأخذ كراءه، وبالله التوفيق. [مسألة: جعل المكتري مالا لمن يأتيه الدابة الضالة] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يكري دابته الرجل أو يعيرها فتضل منه فيجعل المكتري جعلا لمن يأتيه بها فيأتيه بها، على من يكون ذلك الجعل؟ قال: على صاحبها إلا أن يشاء أن يسلمها بجعلها. قال محمد بن رشد: يريد أنه يكون الجعل للمجعول له على المكتري الجاعل، ويكون صاحب الدابة بالخيار، إن شاء أخذ دابته وأدى الجعل، وإن شاء أسلمها له بجعلها، وهذا إذا كان الجعل الذي جعل للرجل فيها جعل مثله فأقل، وأما إن كان جعل له أكثر من جعل مثله فيلزمه

: سؤال المكتري الحمال الزيادة والتغيير في الحمل

للمجعول له ما جعل، ولا يكون له على صاحب الدابة إلا جعل مثله إن أراد أن يفتك دابته. وقد مضى في رسم القضاء المحض من سماع أصبغ من كتاب الجعل والإجارة لمحمد بن المواز ما يدل على هذا، فقف على ذلك وتدبره، وبالله التوفيق. [: سؤال المكتري الحمال الزيادة والتغيير في الحمل] ومن كتاب العرية وسئل: عن الرجل يتكارى الزاملة إلى مصر، فلما ركبها سأل الجمال أن يحوله في محمل ويزيده دينارا، أو كان تكارى محملا فسأل الجمال أن يحوله إلى زاملة ويرد عليه دينارا، أو الحمال هو الذي سأله ذلك ويكون قد نقد الكراء أو لم ينقد، ويكون قد ركب أو لم يركب، قال ابن القاسم: لا بأس بكل ذلك، إلا أن يكون نقد، فإن كان نقد لم يصلح للجمال أن يزيد شيئا إلا أن يكون ركب وسار بعض الطريق فلا بأس بزيادة الجمال؛ لأن الجمال إذا زاد شيئا قبل الركوب كان سلفا وكراء، وإذا ركب وسار بعض الطريق خرجا من التهمة. فأما أن يزيده الراكب ويحمل على محمل فلا بأس به، ركب أو لم يركب، نقد أو لم ينقده. قال محمد بن رشد: في بعض الروايات: فإن كان نقد لم يصلح للجمال أن يرد شيئا، وفي رواية ابن لبابة: أن يزيد كما وقع هاهنا،

والمعنى في ذلك سواء؛ لأنه إذا زاد فهو يرد الزيادة مما قبض، وهذا لا يجوز في الكراء المضمون باتفاق، ويجوز في المعين على اختلاف. فإن كان تكلم في هذه الرواية على كراء معين فهو خلاف ما مضى من قول مالك في أول رسم من سماع أشهب، والأولى أن يحمل هذا على الكراء المضمون، فلا يكون خلافا لما مضى في سماع أشهب؛ ولم ير انتقاله من المحمل إلى الزاملة، ومن الزاملة إلى المحمل فسخ دين في دين؛ لأنه ركوب في الوجهين جميعا، فيقرب بعضه من بعض، ولو أراد أن يتحول من الزاملة أو المحمل إلى جمل الأحمال والأعكام أو من جمل الأحمال والأعكام إلى ركوب زاملة أو محمل بزيادة من أحدهما أو من غير زيادة لم يجز؛ لأنه فسخ دين في دين على ما قاله في أول سماع أصبغ بعد هذا، ويجوز ذلك على مذهب ابن الماجشون فيما حكى عنه ابن حبيب من أنه يجوز أن يتكارى الرجل من المدينة إلى مكة دواب بأعيانها صفقة واحدة لمحامل وركبان ورجعته بأحمال مجلدة، أو الأحمال المجلدة هي الأول، والمحامل والركبان في الرجعة؛ لأن ذلك كله مشتبه، ولا يجوز أن يتكارى منه ظهرا بعينه لسقي شجر أو زرع مدة معلومة ومن بعدها حجة أو عمرة، أو لحجة وعمرة ومن بعدها سقي زرع أو شجرة وجيبة واحدة؛ لأنهما شيئان متباينان مختلفان. وتحصيل هذا أن الكراء ثلاثة أجناس متوالية: أولها الركوب، ثم الحمل، ثم السقي والحرث، فيجوز أن يحول الركوب بعضه في بعض وإن اختلفت صفاته فكان بعضه زوامل وبعضه محامل، والحمل بعضه في بعض وإن اختلفت صفاته فكان بعضه أخفى من بعض وأكثر كراء، والحرث والسقي بعضه في بعض وإن اختلفت أيضا؛ لأن كل جنس منها يقرب بعضه من بعض، ولا يجوز على مذهب ابن القاسم تحويل جنس من هذه الأجناس في الآخر، ويجوز على مذهب ابن الماجشون تحويل الركوب في الحمل لقرب ما بينهما، وتحويل الحمل في السقي والحرث لقرب ما بينهما أيضا، ولا يجوز عنده تحويل الركوب في السقي والحرث لبعد ما بينهما. وهذا في الكراء المضمون، ولا يجوز شيء منه في الكراء المعين إلا على القول بأن قبض أوائل الكراء قبض

مسألة: زيادة حمل أدى إلى عطب البعير بدون علم صاحبه

لجميع الكراء، وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك على ما مضى في رسم حلف من سماع ابن القاسم، وسواء في ذلك كله كان بزيادة أو بغير زيادة إلا أن تكون الزيادة من المكري على اختلاف حسبما ذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: زيادة حمل أدى إلى عطب البعير بدون علم صاحبه] مسألة وقال في رجل اكترى بعيرا له من رجل يحمل عليه فزاد على حمله ما يعطب في مثله، ثم رد البعير إلى صاحبه وقد أنقصه وأهزله، فلما رأى صاحبه نحره، ثم علم بعد بزيادة الرجل وعطب البعير إلى صاحبه من ذلك، فما ترى؟ قال ابن القاسم: ينظر إلى قيمة البعير يوم أتى به، وينظر إلى فضل ما بين قيمته يوم تعدى ويوم رده إليه، فيكون صاحب البعير مخيرا إن أحب أن يرجع بفضل ما بين القيمتين فذلك له، وإن أحب أن يكون له الكراء ما تعدى مما زاد فذلك له، وذلك أن مالكا قال في الرجل يكتري من الرجل بعيره على حمولة فيزيد عليها فيعطب - قال: إن كانت تلك الزيادة لا يعطب في مثلها فليس له إلا كراء ما زاد مع الكراء الأول، وإن كان يعطب في مثلها فهو مخير في قيمة البعير يوم تعدى، أو كراء ما زاد، فمسألتك إذا نحره قبل أن يعلم فله فضل ما بين القيمتين، أو كراء ما زاد إن أحب، ورواها أصبغ. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في سماع أبي زيد من كتاب كراء الدور والأرضين، وتقدم القول عليها هناك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: تلف الحمل بسبب عثر الدابة أو عطبها

[مسألة: تلف الحمل بسبب عثر الدابة أو عطبها] مسألة وسئل: عن الرجل يكري للبان يحمله على الإبل والدواب أو لحمولة شيء فتعثر الدابة أو ينقطع الحبل، أو تربض الدابة فينكسر ما عليها؟ قال مالك: كل ما جاء من سبب الحمال من قطع حبل أو عثر دابة أو ربضها أو نحو ذلك أو سفينة تغرق، فكل هذا إذا وقع فلا شيء للكري على رب المتاع فيما حمل ولا فيما بقي ويفسخ الكراء فيما بينهما، فإن كان غر الكري من دابته وهو يعرفها عثورا أو ربوضا أو نحو ذلك، أو غر من حبله فهو ضامن لما تلف ولا كراء له، وكل شيء أصاب المتاع من غير سبب الحمال من لصوص ذهبوا بالمتاع، أو سيل أو حرق فإن جميع الكراء لازم لرب المتاع فيما حمل وفيما بقي، ويقال له: احمل مثل متاعك الذي ذهب إلى المكان الذي اكتريت إليه، فإن شاء حمل، وإن شاء ترك، وجميع الكراء لازم له. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات وهي صحيحة على قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وقد مضى في سماع أبي زيد من كتاب كراء الدور والأرضين من القول عليها ما فيه كفاية، وبالله التوفيق. [: طرء الكراء على الكراء] ومن كتاب أوصى أنه ينفق على أمهات أولاده قال ابن القاسم: ولا بأس أن يكتري الرجل إلى طرابلس

مسألة: ضمان العطب الناشئ عن زيادة الحمل

بشيء مسمى لكل حمل أو كل محمل وينقد كراء طرابلس فقط، ويشترط أنه إذا جاء طرابلس فإن بدا له أن يبلغ إلى إفريقية فبحساب ذلك، وذلك لازم للكري إن أراد ذلك المستكري، فإن بدا له أن يتاركه تاركه. وأما أن يكتري إلى إفريقية وينقد كراء إفريقية ويشترط إذا جاء طرابلس فتركه حاسبه، أو يكتري إلى طرابلس ويشترط إذا جاءها فإن بدا له أن يمضي إلى إفريقية مضى، وإن أراد أن يتاركه تاركه وينقد الكراءين جميعا: كراء طرابلس، وكراء إفريقية، فهذا لا يحل، وهذا بيع وسلف إلا ألا ينقد الكري شيئا، فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في أول سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ضمان العطب الناشئ عن زيادة الحمل] مسألة وقال في الذي يكتري على حمولة أرطال مسماة فيزيد عليها زيادة يعطب في مثلها: إنه ضامن في الإبل كلها، وإنما مثل ذلك كرجل اكترى دابة إلى الإسكندرية، ثم تعدى بها يريد إلى ترنوط فهلكت فهو ضامن، يريد: ولو خطوة واحدة. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة أن التعدي في الزيادة، بخلاف التعدي في المسافة، لا يضمن إذا عطب في الزيادة، إلا أن تكون زيادة يعطب في مثلها، ويضمن إذا عطب في الزيادة في المسافة وإن قلت، وكان لا يعطب في مثلها؛ لأن ذلك عداء صرف لم يؤذن له فيه، بخلاف إذا عطبت من الزيادة؛ لأنه مأذون له في تسييرها حيث

مسألة: الرجل يريد أن يعقب الرجل في شق محمله ويأبى الحمال

عطبت. وقد قال أبو إسحاق التونسي: إنه لا فرق بين الموضعين على التحقيق؛ لأنه إنما أذن له في تسييرها على صفة فوجب أن يضمنها إذا سيرها على غير الصفة التي أذن له في تسييرها عليها، وهو مخير بين أن يضمنه القيمة أو يأخذ منه كراء ما زاد في المسافة بالغة ما بلغت، أو كراء الزيادة بالغة ما بلغت بأن يقوم كراء الحمل دون زيادة وبالزيادة، فيكون له عليه ما بين القيمتين إن أراد أن يترك تضمينه، قاله في المدونة وغيرها، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يريد أن يعقب الرجل في شق محمله ويأبى الحمال] مسألة وقال، في الرجل يريد أن يعقب الرجل في شق محمله ويأبى الحمال ذلك، قال: ذلك له إذا حمل مثله وليس للحمال أن يمنعه. قال أصبغ: إن أعقب راكبا مريحا، كان ذلك له؛ لأنه مثله، وإن أعقب ماشيا فليس ذلك له؛ لأن ركوبهما مختلف، هو يكون أضر على البعير وأثقل عليه. قال محمد بن رشد: الظاهر من قول ابن القاسم أن له أن يعقب ماشيا إذ لا غرض لأحد في أن يعقب راكبا، وقول أصبغ هو القياس، ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم أن ذلك أمر معروف قد جرى عليه الناس، فكأن الكري قد دخل عليه، وذلك إذا فعله المرة بعد المرة في الفرط على ما جرت به العادة، وكذلك قال مالك في كتاب ابن المواز: إذا كان عقبة بعد العقبة، وبالله التوفيق. [: اختلاف المتكاريين في محل انتهاء الكراء] ومن كتاب سلف دينارا في ثوب إلى أجل وقال في الذي يتكارى من الرجل، فيختلفان، فيقول الكري:

أكريتك إلى المدينة، ويقول المتكاري: تكاريت منك إلى المغرب - إن القول قول الكري ويتحالفان ويفسخ الكراء بينهما، وذلك إذا كانا في البلد لم يخرجا، وإن قال: تكاريت منك إلى مكة، وقال الكري: أكريتك إلى المدينة تحالفا وفسخ الكراء بينهما إلا أن يشاء المتكاري أن يركب إلى حيث سمى الحمال، وإن قال: أكريت منك إلى مكة، وقال الحمال: أكريتك إلى المدينة، وقد خرجا وسارا بعض الطريق فإن كان الحمال قد قبض الكراء فالقول قوله يمضي به حيث قال الحمال، ليس للمتكاري غير ذلك. وإن كان لم يقبض الكراء فالقول قول المتكاري، وعلى الحمال أن يحمله إلى المدينة ويتحالفان ويتفاسخان من ذلك المكان، ثم يقسم الكراء فينظر كم بين المدينة إلى مكة، وكم هو من البلدة التي اكتري فيها إلى البلد الذي قال الحمال وتحالفا فيها، فإن كان الذي ركب ثلاثة أرباع الطريق دفع إلى الحمال ثلاثة أرباع الكراء وحبس الربع، فعلى هذا يحسب. قلت: فإذا تناكرا في الكراء، فقال هذا: عشرة، وقال صاحب الظهر: خمسة عشر، وقد سارا أو لم يسيرا، فقال: إن كانا لم يسيرا تحالفا وتفاسخا، وإن كانا قد سارا فالقول قول المتكاري، وصاحب الظهر مدع؛ لأن المتكاري قد انتقد حمولته، قال: فإن قال: أكريتك إلى المدينة، وقال المتكاري: أكريت منك إلى مكة، وذلك في أيام الحج، فالقول قول المتكاري إذا كان في أيام الحج، ويحلف إذا كانت حمولته محامل وزوامل، فأما إن كان عكوما وأعدالا فالقول قول الكري إذا كان قد انتقد. وإن تكارى منه كراء مضمونا إلى أجل ثم اختلفا بحضرة إيجاب

الكراء، أو قرب ذلك في عدة الرواحل تحالفا وتفاسخا، وإن لم يختلفا حتى حل الأجل الذي يركب إليه فاختلفا، فقال: أكريت منك عشرة رواحل بمائة دينار، وقال الآخر: بل أكريت منك خمس رواحل بمائة دينار، فالقول قول الكري إذا كان يشبه، وكذلك لو سلف مائة دينار في قمح إلى أجل، فلما حل الأجل قال: إنما أسلفتكها في ثلاثمائة إردب. وقال البائع: بل في مائتي إردب، فالقول قول البائع إذا كان يشبه، فإن لم يكن يشبه فالقول قول المشتري إذا جاء أيضا بما يشبه، فإن لم يشبه نظر إلى سلم الناس يوم تبايعا فحملا عليه. قال محمد بن رشد: قال: إذا اختلف المتكاريان في غاية المسافة، مثل أن يقول الكري أكريتك إلى المدينة، ويقول المتكاري: تكاريت منك إلى المغرب، يريد: والمدينة في طريق المغرب، أو يقول الكري: أكريتك إلى المدينة، ويقول المتكاري: تكاريت منك إلى مكة أنهما يتحالفان ويتفاسخان إذا كانا في البلد لم يخرجا، يريد: وكذلك إن خرجا إلى موضع قريب لا ضرر عليهما في الرجوع منه، وصفة أيمانهما أن يحلف الكري ما أكرى منه إلى المغرب، وما أكرى منه إلى مكة وليس عليه أن يزيد في يمينه، ولقد أكرى منه إلى المدينة، ولا أن يحلف ما أكرى منه إلا إلى المدينة، إلا أن يشاء ذلك، رجاء أن ينكل صاحبه عن اليمين، فلا يحتاج أن يحلف مرة أخرى، فإن حلف حلف المكتري، ما أكرى منه إلى المدينة، وليس عليه أن يزيد في يمينه ولقد اكترى منه إلى مكة أو إلى المغرب، ولا أن يحلف ما اكتريت منه إلا إلى مكة أو ما اكتريت منه إلا إلى المغرب، إذ لا فائدة لحلفه على ذلك، فإن حلفا جميعا انفسخ الكراء بينهما، وكذلك إن نكلا جميعا على مذهب ابن القاسم وهو قول شريح في المدونة فإن حلفا ترادا، وإن نكلا ترادا، وعلى ما ذهب إليه ابن

حبيب أنهما إن نكلا كان القول قول المكري دون يمين على حكم المدعي والمدعى عليه أن القول قول المدعى عليه دون يمين إذا نكل المدعي بعد نكوله، وكما يكون القول قول من أقام شاهدا على حقه دون يمين إذا نكل المدعى عليه بعد نكوله بعد أن يحلف لقد أكرى منه إلى المدينة وهو صحيح من التأويل؛ لأن اليمين التي نكل عنها إنما هي التي ألزم إياها، وهي ما أكرى منه إلى مكة، وأما يمينه لقد أكرى منه إلى المدينة فلم ينكل عنها إذا لم يمكن منها، ولا ألزم إياها، وإنما يحلفها باختياره، نظرا لنفسه حسبما ذكرناه، وقد ذكرنا هذا المعنى في رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب جامع البيوع. وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما، إن نكل المكري أولا حلف المكتري لقد اكترى منه إلى مكة أو إلى المغرب ووجب له ذلك، وإن حلف المكري أولا ثم نكل المكتري عن اليمين لزمه الكراء إلى المدينة إن كان المكري حلف أولا أنه أكراه إلى المدينة أو أنه ما أكراه إلا إلى المدينة. وأما إن كان حلف ما أكراه إلى مكة أو إلى المغرب فلا بد له أن يحلف إذا نكل المكتري ثانية بالله لقد أكراه إلى المدينة، وسواء في هذا على مذهب ابن القاسم انتقد المكتري الكراء أو لم ينتقد. وقال غيره في المدونة: إن كان انتقد فالقول قوله، وسواء في هذا أتيا بما يشبه (أو بما لا يشبه) أو أتى أحدهما بما يشبه والثاني بما لا يشبه على المشهور في المذهب، وقال ابن وهب: إن أتى أحدهما بما يشبه والثاني بما لا يشبه كان القول منهما قول من أتى بما يشبه، وقد روى هذا القول عن مالك، ويقوم ذلك من قول ابن القاسم في هذه الرواية أنهما إذا اختلفا فقال الكري: أكريتك إلى المدينة، وقال المكتري: اكتريت منك إلى مكة - إن القول قول المكتري، إذا كان ذلك في أيام الحج، وكانت حمولته

محامل وزوامل، ولم تكن عكوما وأعدالا لأنه رأى بذلك قول أشبه، وقول الكري لا يشبه، واختلف هل ينفسخ الكراء بينهما بتمام التحالف أم لا ينفسخ حتى يفسخه الحاكم بينهما اختلافا كثيرا قد ذكرناه مستوفى في رسم الصبرة من سماع يحيى، من كتاب جامع البيوع، وأما إن كانا قد خرجا وسارا من الطريق ما يكون عليهما في الرجوع منه ضرر، فقال في الرواية: إن الحمال إن كان قبض الكراء فالقول قوله، يمضي به إلى المدينة، وليس للمتكاري غير ذلك، ومعنى ذلك إذا كانا جميعا قد أتيا بما يشبه، أو كان الكري منهما قد أتى بما يشبه، فإن نكل حلف المكتري، وكان القول قوله في الركوب بما نقد إلى الغاية التي ادعى، وأما إن أتيا جميعا بما لا يشبه فإنهما يتحالفان ويتفاسخان في الغاية التي اختلفا فيها وهي ما بين المدينة إلى مكة أو إلى المغرب، ويكون للمكري على المكتري في ركوبه إلى المدينة كراء المثل، فإن كان ذلك أكثر مما نقده وفاه البقية، وإن كان أقل مما نقده رد عليه المكري الزيادة، وكذلك إن نكلا جميعا، فإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان القول قول الحالف منهما. وأما إن أتى المكتري بما يشبه والمكري بما لا يشبه، فإنهما يتحالفان ويفض الكراء المنقود على المسافتين، فما ناب المسافة التي اتفقا عليها كان للمكري، وما ناب المسافة التي اختلفا فيها صرفه الكري على المكتري، وكذلك إن نكلا جميعا. فإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما. وقال في الرواية: إن الحمال إذا كان لم يقبض الكراء فالقول قول المتكاري، وعلى الحمال أن يحمله إلى

المدينة، ويتحالفان ويتفاسخان من ذلك المكان، ثم يقسم الكراء، فينظر كم بين المدينة إلى مكة، كم هو من البلدة التي اكتري فيها إلى البلد الذي قال الحمال ويتحالفان فيها، فإن كان الذي ركب ثلاثة أرباع الطريق دفع إلى الجمال ثلاثة أرباع الكراء وحبس الربع، فعلى هذا يحسب. وكذلك الحكم إذا نكلا جميعا، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما، فإن كان المكتري هو الذي نكل كان الكراء كله للكري فيما أقر به من المسافة، وإن كان المكري هو الذي نكل كان للمكتري الركوب إلى حيث ادعى، ومعنى ذلك إذا كانا جميعا قد أتيا بما يشبه، أو كان المكتري منهما قد أتى بما يشبه، وأما إذا لم يشبه قول واحد منهما فإنهما يتحالفان ويتفاسخان في المسافة التي اختلف فيها، ويكون للمكري في المسافة التي اتفقا عليها كراء مثلها، وكذلك الحكم أيضا إن نكلا جميعا، فإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان القول قول الحالف منهما وإن لم يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه من دعواه بنكوله عن اليمين. وأما إن أشبه قول الكري دون المكتري فالقول قوله مع يمينه على دعوى المكتري، فإن نكل المكري عن اليمين كان القول قول المكتري، ويركب إلى حيث ادعى وإن لم يشبه؛ لأن الكري قد أمكنه من ذلك بنكوله. وقال بعد ذلك: إذا اختلفا في الكراء واتفقا على المسافة إنهما يتحالفان ويتفاسخان إن لم يسيرا إلا يسيرا، وإن كانا قد سارا كثيرا فالقول قول المتكاري، وصاحب الظهر مدع لأن المتكاري قد انتقد حمولته وذلك صحيح، مثل قوله في المدونة وعلى أصل قوله فيها، وروايته عن مالك في اختلاف المتبايعين؛ لأن المتكاريين إذا اختلفا في الكراء ولم يسر المكتري أو سار يسيرا بمنزلة المتبايعين إذا اختلفا في ثمن السلعة ولم يقبض المشتري السلعة فوجب أن يتحالفا ويتفاسخا، وإذا اختلفا بعد أن

سار المكتري كثيرا وإن لم يبلغ المسافة فهو بمنزلة إذا اختلف المتبايعان في ثمن السلعة بعد أن قبضها وفاتت، وإنما كان الركوب الكثير فوتا بمنزلة بلوغ المسافة من أجل أن التفاسخ لا يمكن في بعض الطريق إلا بضرر يدخل عليهما. وهو معنى ما أراد بقوله؛ لأن المتكاري قد انتقد حمولته، يقول: لأنه قد وجب له الركوب إلى تمام غايته، وسواء كان الكراء مضمونا أو معينا، قاله في المدونة، ولغيره فيها ليس الراحلة بعينها كالمضمون. يريد، والله أعلم: أن القول قول المكتري في الكراء في الراحلة بعينها إذا قبضها وإن لم يسر إلا يسيرا، كما يكون القول قول المشتري في الثمن إذا قبض السلعة وإن لم تفت على قياس رواية ابن وهب عن مالك، وأنه لا يكون القول قوله في الكراء في الراحلة بغير عينها إلا فيما مضى من الطريق، ويكون القول قول الكري فيما بقى منه. وإن كان دفع إليه جملا يركبه فلا يكون أحق به من الغرماء إن فلس، خلافا لابن القاسم في الموضعين. وقوله: وإن قال: أكريتك إلى المدينة، وقال المتكاري: أكريت منك إلى مكة وذلك في أيام الحج، فالقول قول المتكاري، ويحلف إذا كان في أيام الحج وكانت حمولته محامل وزوامل يقوم منه أن المتبايعين إذا اختلفا في ثمن السلعة قبل القبض، وأتى أحدهما بما يشبه دون الآخر، وأن المتكاريين إذا اختلفا في الكراء أو في المسافة قبل الركوب، وأتى أحدهما بما يشبه دون الآخر أن القول قول الذي أتى منهما بما يشبه، ولا يتحالفان ويتفاسخان، وهو خلاف المشهور في المذهب. وقد روي ذلك عن مالك، وهو قول ابن وهب في الدمياطية،

قال في الذي يقول: اكتريت إلى الإسكندرية، ويقول المكري: أكريتك إلى الكريون، قال: ينظر، فإن كان الكراء يشبه كراء الإسكندرية حلف المتكاري، وكان القول قوله، وإن كان يشبه الكريون حلف المكري وكان القول قوله، وهو قول ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات، وإليه ذهب ابن حبيب في بعض مسائله، منها إذا اختلفا في صفة النقد، وإذا ادعى أحدهما حلالا والآخر حراما. وأما قوله: فأما إن كان عكوما أو أعدالا فالقول قول الكري إذا كان قد انتقد، فهو من قوله خلاف قوله في المدونة مثل قول غيره فيها: إن النقد المقبوض فوت، ومثل ما في رسم الصبرة من سماع يحيى من جامع البيوع، والمعنى في ذلك: إذا كانت حمولته عكوما وأعدالا، أشبه قول كل واحد منهما؛ لأن كونهما في إبان الحج يشهد للمكتري، وصفة الأحمال تشهد للكري، فوجب أن يتحالفا ويتفاسخا إلا أن يكون قد انتقد الكراء فيكون القول قوله، وذلك نص قول غير ابن القاسم في المدونة: إن النقد المقبوض فوت. وقوله: إذا تكارى منه كراء مضمونا ثم اختلفا في عدة الرواحل إنهما يتحالفان ويتفاسخان إن كان ذلك بحضرة إيجاب الكراء أو قربه، وأنه يكون القول قول الكري إن كان اختلافهما بعد حلول الأجل، وأن ذلك بمنزلة من سلف دنانير في قمح فاختلفا في عدد المسلم فيه من القمح - هو نص ما في المدونة، وفي ذلك أربعة أقوال: أحدها: أن النقد المقبوض فوت. والثاني: أنه لا يكون فوتا إلا بعد الغيبة عليه. والثالث: أنه لا يكون فوتا إلا بعد الطول في السلع المعينات وحلول الآجال في السلم والكراء المؤجل. والرابع: أنه لا يكود فوتا وإن طال وحل الأجل؛ لأن رد مثله كرد عينه. وقد

: اشتراط المقاصة عند موت أحد المتكاريين

مضى القول على هذا وبيانه في رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب جامع البيوع، وفي نوازل سحنون الثانية منه. وأما قوله فإن لم يشبه نظر إلى سلف الناس يوم تبايعا فحملا عليه، فمثله في أصل الأسدية، وفي كتاب ابن المواز، دليل ما في المدونة أنهما يتحالفان ويتفاسخان إذا أتيا جميعا بما لا يشبه، ويرد مثل الدنانير التي قبض وهو القياس والنظر؛ لأنه لا يقال إذا اختلفا في ثمن السلعة وقد فاتت، فقال البائع: بعتها بعشرة إلى شهر، وقال المشتري: اشتريتها بخمسة إلى شهر، وأتيا جميعا بما لا يشبه أنه يكون على المبتاع ما يباع به مثل تلك السلعة إلى شهر، وإنما تكون عليه قيمتها يوم قبضها، فكما يكون عليه قيمة السلعة، ولا يراعى الأجل الذي اتفقا عليه، فكذلك يكون عليه في السلم أن يرد الدنانير التي قبض ولا يراعي الأجل، والله أعلم وبه التوفيق. [: اشتراط المقاصة عند موت أحد المتكاريين] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وقال ابن القاسم: لا خير في أن يكتري الرجل الدابة أو البعير أو غيره ويشترط على صاحب الدابة أو البعير أنه إن مات ببعض الطريق قاصه بما ركب وأخذ دابته أو بعيره. قال محمد بن رشد: إنما قال: لا خير في ذلك من أجل أنه شرط فاسد مخالف للسنة في أن الكراء لا ينفسخ بموت أحد المتكاريين وإن كان ابن دينار يرى أن الكراء ينفسخ بموت المكتري فهو شذوذ، فالحكم فيه إذا وقع أن يفسخ الشرط ويجوز الكراء؛ إذ لا يؤول الكراء على الشرط إلا إلى الجهل بمبلغ مدة الكراء، لا إلى الجهل بقدر الكراء؛ لأنه يأخذ بحساب ما سار، وذلك في القياس كالصبرة تُشترى جزافا كل

: دعوى المكتري صيال الدابة عليه

قفيز بدرهم؛ لأن الثمن معلوم، وعدد المبيع من الأقفزة مجهول، وعبد العزيز بن أبي سلمة لا يجيز ذلك، فعلى قياس قوله الكراء على هذا الشرط فاسد يفسخ، وتكون فيه القيمة إن لم يعثر عليه حتى فات والله أعلم. وهذه المسألة تشبه في المعنى مسألة الرجل يكون له البز في البلد فيكري الدابة إليه، على أنه إن وجد بزه في الطريق رجع وكان له بحسابه، إلا أنها عند ابن القاسم أشد منها من أجل أنه شرط في الكراء خلاف سنته، ولذلك قال: لا خير فيه في هذه وأجاز تلك، وسحنون لا يجيز تلك فأحرى ألا يجيز هذه، ويأتي على مذهبه فيها أن يفسخ الكراء، فإن فات كانت فيه القيمة، ويشبه أن يكون الحكم فيها على مذهب ابن القاسم أن يفسخ ما لم يفت بالركوب؛ لقوله فلا خير في ذلك، فإن فات بالركوب مضى بالثمن وفسخ الشرط، وبالله التوفيق. [: دعوى المكتري صيال الدابة عليه] ومن كتاب حمل صبيا على دابة قال ابن القاسم: ومن اكترى دابة فقال: قامت علي بالطريق فتركتها فهو مصدق ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: يريد بقوله ولا شيء عليه، أي لا غرم عليه؛ لأنه إنما يصدق مع يمينه إلا أن يتبين كذبه، مثل أن يكون في رفقة وجماعة من الناس فلا يعلم أحد ما يقول على ما مضى في رسم "سن" من سماع ابن القاسم، وقد مضى في رسم "باع شاة" من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع القول في هذا المعنى مستوفى فلا وجه لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله تعالى التوفيق. [: طلب المكتري الإقالة من المؤجر] ومن كتاب جاع فباع امرأته وسألته عن الرجل يكتري الظهر وينقد الكراء، ثم يبدو له

: سقوط شيء من الحمل أدى لتلف الدابة المؤجرة

فيستقيل صاحب الظهر، فيقول صاحب الظهر: أنا أقيلك على أن تؤخرني. قال: لا خير فيه إلا أن ينقده ركب أو لم يركب. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه وجب عليه ركوب، فإذا أقاله على أن يؤخره بما نقده كان قد فسخ الركوب الذي وجب له عليه في دنانير إلى أجل، وسواء ركب أو لم يركب كما قال؛ لأن الفساد في نفس الإقالة، وإنما يفترق ذلك فيما لا يوجد الفساد فيه إلا بمجموع الكراء والإقالة، فيتهمان على العمل على ذلك والقصد إليه إذا كان ذلك قبل الركوب، وإن كان بعد الركوب ارتفعت التهمة بينهما عند ابن القاسم، خلافا لأشهب، وما يجوز فيه الإقالة من الكراء مما لا يجوز يتفرع إلى اثنى عشر وجها في الكراء المضمون، وأربعة وعشرين وجها في المعين. وقد فرغنا من تفسير ذلك في المقدمات فأغنى ذلك عن ذكره هنا، وبالله التوفيق. [: سقوط شيء من الحمل أدى لتلف الدابة المؤجرة] ومن كتاب النسمة وسئل ابن وهب عن رجل استأجر دابة يحمل عليها خشبة فحمل عليها الخشبة فانفلتت من يد المتكاري فسقطت وهي على الدابة فكسرت رجل الدابة، هل يضمن؟ قال: أرى عليه ضمان تلك الدابة إن كانت بطلت، وإن كان الذي أصابها شيئا خفيفا ينقص من ثمنها، فأرى عليه ما نقص من ثمنها؛ لأن ذلك من الخطأ الذي جاء على يديه.

: تعذر الوصول إلى محل الكراء

قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنها جناية منه، وخطأ جاء على يديه، وأموال الناس تضمن بالعمد والخطأ، وإنما يفترق العمد من الخطأ في العقوبة يؤدب من تعمد، ولا يؤدب من أخطأ، ولو ضرب الدابة ضربا يجوز له فجاء من ذلك ما جر إلى عطبها لم يكن عليه ضمان، ولو أخطأ في ضربها فضرب عينها ففقأها، ونحو هذا عليه الضمان؛ لأنها جناية منه، وبالله التوفيق. [: تعذر الوصول إلى محل الكراء] ومن كتاب أوله إن أمكنتني وقال في الرجل يكري السفينة إلى الإسكندرية فيركب ويحمل عليها ويأتي الخليج فيجده ليس فيه ماء، قال: يكون له من الكراء على قدر ما سار. قيل لسحنون: وكذلك الذي يتكارى الدابة إلى موضع فإذا سار نصف الطريق بلغه عن الموضع الذي يريده فتنة وأنه لا يستطيع دخولها؟ قال لي: نعم هي مثلها، ينفسخ الكراء بينهما ويكون له من الكراء بقدر ما سار من الطريق. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أنه إذا حال بينه وبين الوصول إلى البلد الذي اكترى إليه، خوف لا يختص به من فتنة وما أشبه ذلك، أو قلة ماء منع المركب من المسير أن له بحساب ما مضى وينفسخ الكراء فيما بقي. وقد مضى هذا في آخر سماع أشهب، وفي سماع أبي زيد من كتاب كراء الدور والأرضين، وبالله التوفيق. [: الكراء على شرط طرح ما ينتقص منه] ومن كتاب القطعان قال ابن القاسم في الذي يستحمل الحمال مائة إردب

: طلب تعجيل الحمولة بزيادة قبل بلوغ الأجل

على أن يوفيه بالقلزم سبعة وتسعين، ويطرح عنه ثلاثة أرادب لما ينقص في المركب، على ذلك يعقدون الكراء: إن ذلك مكروه لا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال، وقد تقدم مثله في رسم البيوع الأول من سماع أشهب، ومضى القول فيه فلا معنى لإعادته. [: طلب تعجيل الحمولة بزيادة قبل بلوغ الأجل] ومن كتاب العتق وقال فيمن سلف في حمولة إلى شهر، ثم سأل المتكاري الكري قبل محل الشهر أن يعجل له الحمولة ويزيده: إن ذلك لا يحل من قبل ضع وتعجل. قال محمد بن رشد: قوله إن ذلك لا يحل من قبل ضع وتعجل، يريد أن ذلك يدخله من المكروه ما يدخل ضع وتعجل بالمعنى؛ لأن ضع وتعجل إنما لم يجز؛ لأن الذي عليه الدين عجل للذي له الدين بعض دينه قبل أن يحل أجله، فكأنه أسلفه إياه على أن يقتضيه من نفسه لنفسه في دينه إذا حل أجله على أن يحط عنه بقيته، وحطيطته إياه عنه عطية منه له، فكان ذلك الزيادة في السلف محضا، فكما لا يجوز أن يعجل له بعضه على أن يعطيه بقيته، فكذا لا يجوز له أن يعجل له جميعه على أن يزيده زيادة؛ إذ لا فرق في المعنى بين أن يعجل له بعض دينه على أن يضع عنه بقيته، وبين أن يعجله له على أن يعطيه شيئا آخر، فإذا لم يجز أن يعجل له بعض دينه على أن يعطيه شيئا آخر، كان أحرى ألا يجوز أن يعجل له جميعه على أن يعطيه شيئا من الأشياء يزيده إياه، وبالله التوفيق.

مسألة: طلب تعجيل الحمولة بزيادة قبل بلوغ الأجل

[مسألة: طلب تعجيل الحمولة بزيادة قبل بلوغ الأجل] مسألة وقال فيمن كانت له حمولة حالة فسأله الكري أن يحمل وأقلقه، فقال له: أخر عني ذلك شهرا أو أياما ولك عشرة دنانير: إن ذلك لا خير فيه لمكان الضمان، زاده على أن يضمن له بمنزلة رجل سلف في ثوب إلى شهر، فلما حل قال له: أزيدك دينارا أو درهما وأخره عني إلى شهر تضمنه لي إلى ذلك الأجل لأسواق يرجوها عنده، أو نفاق وما أشبه ذلك. ولكن لو كان صاحب الحمولة (قد حمل وسار) بعض الطريق، فسأله أن يقيم عليه بالموضع أياما وما أشبه ذلك ويزيده لم يكن بذلك بأس. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: لأن من حق من كان عليه دين حال أن يقضيه فتبرأ ذمته منه، فلا يجوز للذي له الدين أن يعطيه شيئا على أن يبقيه في ذمته، ويحرزه في ضمانه كائنا ذلك الدين ما كان. كما أنه لا يجوز لمن عليه عرض مؤجل أن يعطي صاحب الدين شيئا على أن يقبض دينه منه قبل محل الأجل فيبرئ ذمته منه ويحط ضمانه عنه. وأما إعطاء الذي عليه الدين صاحب الدين شيئا على أن يؤخره بدينه فذلك الربا المحرم بالقرآن، وعكس ذلك إعطاء صاحب الدين الذي عليه الدين شيئا على أن يعجل له دينه قبل حلول أجله على ما مضى في المسألة التي قبل هذه وبالله التوفيق. [: رجوع المكتري من بعض الطريق] ومن كتاب المدينين قال: وسئل ابن القاسم عن الرجل يكري الدابة من المدينة

: تعدي الحمال ببيع الطعام الذي يحمله

إلى مكة فيركبها، ثم يرجع قبل أن يبلغ إلى مكة، هل عليه جميع الكراء؟ وهل له أن يركبها في مثل ما قصر عن مكة؟ فقال ابن نافع: قد لزمه جميع الكراء، وليس له أن يركبها في مثل ما قصر عن مكة. وقال ابن القاسم: إن كان إنما سار البريد والبريدين وما أشبههما فله أن يركبها ويكريها إلى مثل ما قصر عنه من سفره، إلا أن يتراضيا على شيء معلوم، وإن كان سار جل الطريق ثم ردها، رأيت جميع الكراء لصاحبها. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات، وقد مضى القول عليها مستوفى في رسم البيوع الأول من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته والله الموفق. [: تعدي الحمال ببيع الطعام الذي يحمله] من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى: سئل ابن القاسم عن الرجل يستكري السفينة أو الإبل على حمل طعام فدفعه إلى الجمال أو إلى صاحب السفينة ويكيله عليه فتعدى الحمال، أو صاحب السفينة في بعض الطريق فباع الطعام، ماذا يجب لصاحب الطعام؟ فقال: يخير، فإن شاء أخذ الثمن الذي باعه به، أو مكيلة طعامه، هو في ذلك بالخيار. قلت: فإن اختار مكيلة طعامه فأين يجب له أخذه؟ أحيث تعدى عليه المتعدي؟ أم في البلد الذي كان عليه أن يحمله إليه؟ فقال: بل في البلد الذي كان عليه أن يحمله إليه. قيل: فإن اختار أخذ الثمن أيأخذ الثمن الذي باعه بعينه أو يأخذ قيمة طعامه حيث تعدى عليه المتعدي؟ قال: بل الثمن بعينه، وليست له القيمة؛ لأنه إذا كره أخذ الثمن لم يكن له إلا المكيلة، وإذا رجع إلى أخذ المكيلة وجب له أخذها في البلد الذي استكراه أن يحمل له

إليه. قيل: أرأيت إن اختار أخذ الثمن أيغرم الكراء كله أم بقدر ما حمله المتعدي؟ قال: بل الكراء (كله) وله أن يستحمل مثله من الموضع الذي تعدى فيه على بيع الطعام إلى الموضع الذي كان له استحمله الطعام أولا. قال محمد بن رشد: قوله في الكري يتعدى على الطعام فيبيعه في بعض الطريق إن رب الطعام مخير بين أن يأخذ الثمن الذي باع به طعامه أو مثل مكيلة طعامه، وأنه يجب له أخذ مكيلة طعامه إن اختار أخذ المكيلة في البلد الذي كان عليه أن يحمله إليه، معناه عندي على القول بأن الكراء لا ينفسخ بتلف الشيء المستأجر على حمله إذا دعا إلى ذلك الجمال؛ لأن الواجب أن يغرم له مثل الطعام في الموضع الذي تعدى عليه فيه، ويحمله له إلى غايته، فإذا قال له الكري: خذ مني مثل طعامك في البلد الذي علي أن أحمله إليه لم يكن لامتناع رب الطعام من ذلك وجه؛ لأن في ذلك ضررا عليه وعلى الجمال. أما هو فوجه الضرر الداخل عليه في ذلك أنه قد يتلف في الطريق ببينة على تلفه فيخسره. وأما الجمال فوجه الضرر الداخل عليه في ذلك أنه قد يتلف في الطريق فلا تقوم له بينة على تلفه فيغرمه، وقد يشتريه أيضا في الموضع الذي تعدى عليه فيه بأكثر مما يشتريه في الموضع الذي كان عليه أن يحمله إليه، وهو إن قام عليه في البلد الذي استكري إليه أمن في الضرر على كل واحد منهما. فإذا كان ما دعا إليه الجمال جائزا وما دعا إليه رب الطعام جائزا أيضا، إلا أن فيه ضررا على كل واحد منهما وجب أن يجاب الجمال لما دعا إليه؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لا ضرر ولا ضرار» ". وأما إذا أراد الجمال أن يغرم لرب الطعام مثل طعامه في الموضع الذي تعدى عليه فيه ويحمله له إلى غايته

: بيع الدابة المكتراه

فذلك له؛ لأنه هو الذي يوجبه الحكم، وليس لرب الطعام أن يضمنه إياه في البلد الذي كان عليه أن يحمله إليه. وأما على القول بأن الكراء يفسخ بتلف الشيء المستأجر على حمله فلا يجوز أن يأخذ منه مثل الطعام في البلد الذي كان عليه أن يحمله إليه وإن رضيا بذلك جميعا؛ لأنه يكون قد اشترى منه الطعام بذلك البلد بالطعام الذي وجب له حيث تعدى عليه، وبالكراء الذي يجب له به الرجوع عليه. وقد قيل: إن قول ابن القاسم في هذه المسألة على القول بأن الثوب إذا تلف عند القصار قبل أن يقصره أو بعد أن قصره يغرم قيمته مقصورا، ويكون له أجر قصارته خلاف مذهبه في المدونة؛ لأنه قال فيها: إنه ليس لرب الثوب أن يضمنه قيمته مقصورا ويغرم له أجر قصارته، فأنزل الجمال على حمل الطعام منزلة الصانع لكونه ضامنا له، فقال: إنه يضمن مثل الطعام في البلد الذي كان عليه أن يحمله إليه، ويكون له الكراء كما يكون على الصانع قيمة الثوب مصنوعا ويكون له أجره. ومثله قول ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب تضمين الصناع أن الطحان يضمن ما نقص من الدقيق دقيقا، ويكون له أجرته، ويأتي القول على هذا مستوفى في موضعه من السماع المذكور إن شاء الله، والتأويل الأول في مسألتنا أصح وأظهر من جهة المعنى، والتأويل الثاني أسعد بظاهر اللفظ إلا أنه بعيد من جهة المعنى. [: بيع الدابة المكتراه] ومن كتاب الصلاة وسئل عن رجل باع دابة له من رجل وقد كان البائع أكراها من مصر إلى الرقة واشترط البائع على المبتاع أن عليك

: تعذر الوصول لموضع الكراء بسبب اللصوص

حمل ما وجب على الذي استكرى مني الدابة ضامنا عليك لحمله على أي دوابك شئت، قال: أرى هذا بيعا جائزا، إنما باعه الدابة بالثمن الذي أخذ منه وبحمولة مضمونة، وليس هذا عندي بمنزلة الذي يبيع الدابة ويستثني ظهرها مكانا بعيدا. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه كان أكراها إلى مصر ولم يعينها بالإشارة إليها فكان الكراء مضمونا، وإن كان قال له: أكري منك دابتي على ما مضى في رسم القبلة وهو المشهور في المذهب حسبما مضى به القول هناك. [: تعذر الوصول لموضع الكراء بسبب اللصوص] من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن القاسم قال عبد المالك بن الحسن سئل ابن القاسم عن الرجل يتكارى الدابة إلى موضع يسميه فيقطع به اللصوص أو يسرق له متاع، أو يقطع به شيء لا يقدر من أجله على المسير، قال: الكراء لصاحب الدابة، فإن شاء المتكاري أن يسير وإن شاء فليقم، وله أن يستكريها في مثل ذلك، وسئل عنها سحنون، فقال: إنما هذا في الذي يقطع به اللصوص أو يسرق له المتاع فالكراء له لازم كما قال، وأما الذي يتكارى الدابة إلى موضع فيبلغه عنه شيء لا يقدر على دخوله ولا التخلص إليه فالكراء ينفسخ بينهما. قال محمد بن رشد: قول سحنون صحيح، مفسر لقول ابن القاسم، وقد مضى مثله في آخر سماع أشهب، وفي رسم إن أمكنتني من سماع عيسى، وفي سماع أبي زيد من كتاب كراء الدور والأرضين.

مسألة: هلاك الدابة المكتراه في الطريق

[مسألة: هلاك الدابة المكتراه في الطريق] مسألة قال عبد الملك: وسألت ابن وهب عن الذي يتكارى دابة بعينها فتهلك ببعض الطريق، فقال ابن وهب: قال مالك: إذا هلكت بموضع يجد فيه كراء حاسبه ورد عليه ما بقي من كرائه، وإن ماتت بموضع لا يجد فيه كراء ويخاف على نفسه أن يضيع وتدخل عليه ضرورة، فأرى أن يحمله على بعض ما معه من الدواب فذلك جائز. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم مرض من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته والله الموفق. [: الزيادة على الأجرة من أجل التحول من شق لشق] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يكتري زاملة يركبها بخمسة دنانير فيزيد شيئا على أن يتحول إلى شق محمل أنه لا بأس به، وأنه إن تكارى على حمل الأعكام ثم أراد أن يحول ذلك إلى محمل ويزيده، قال: لا خير فيه. وقاله أصبغ لأن الذي يتحول من الأعدال إلى المحامل أمر يبعد بعضه من بعض، ولا يتقارب خفته، فهو كالذي يسلف في شقة بصفة ثم يتحول إلى رابطة ينسجها ويزيده، وقد كرهه مالك وابن القاسم، والذي يتحول من الزاملة إلى المحمل كالذي يتحول من رابطة ست في ثلاث، إلى سبع في أربع، فهو الأصل كما هو، فهو خفيف، وقد أجازه مالك.

مسألة: دعوى المكتري رد الشيء الذي اكتراه

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم العارية من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: دعوى المكتري رد الشيء الذي اكتراه] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يكتري الشيء مما يغيب عليه، أو مما لا يغيب عليه، ثم يدعى أنه قد رده إليه أنه مصدق، دفع ذلك إليه ببينة أو بغير بينة، وليس بمنزلة العارية ولا الصناع يدعون الرد؛ لأن أولئك عليهم الضمان لو ادعوا تلفا، فكل من كان يكون عليه الضمان إذا ادعى التلف فلا يصدق إذا قال رددت، وكل من لا ضمان عليه إذا ادعى تلفا وكان يصدق فهو مصدق إذا ادعى الرد. قال أصبغ: بئس ما قال ولا (يعجبني) هذا، وأراه خطأ من الحجة، والرأي الوديعة والقراض لا يكون عليه فيهما ضمان إذا ادعى تلفا، وإذا أنذر فيهما بالبينة فدفعا إليه بالبينة لم يخرجه من الرد إلا البينة وهو قول مالك فيهما، فكذلك الاكتراء إذا أنذر بالبينات ودفع بالإشهاد رد كذلك، وإلا ضمن ولم يصدق، وهذا أصل خطأ يبنى عليه. قال محمد بن رشد: قوله إنه مصدق في رد الشيء المكترى قبضه ببينة أو بغير بينة خلاف ما مضى في أول سماع عيسى أنه إذا قبضه ببينة فعليه أن يرده ببينة، وخلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها أنه يلزمه أن يرد الوديعة ببينة إذا قبضها ببينة؛ لأن الذي يأتي على قول ابن القاسم في هذه الرواية أن يكون مصدقا في رد الوديعة والقراض إن كان قبضهما ببينة، إذ لا فرق بين القراض وبين

: يقول أكتري منك المواد إلى مكة بخمسة دنانير فإن بدت لي الرجعة فبذلك الكراء

الشيء المستأجر؛ لأنهما قبض كل واحد منهما لمنفعة الدافع والقابض، ولأنه إذا كان يصدق في رد الشيء المستأجر وإن كان قبضه ببينة فأحرى أن يصدق في رد الوديعة وإن كان قبضها ببينة؛ لأن الشيء المستأجر قبض لمنفعة القابض والدافع، والوديعة لم تقبض إلا لمنفعة الدافع وحده، وقد كان يشبه أن يفرق بين الوديعة والشيء المستأجر، بأن الإشهاد على الشيء المستأجر يحتمل أن يكون القصد به إنما هو الإشهاد على الأجرة لا على الشيء المستأجر، بخلاف الوديعة التي لا تحتمل أن يكون الإشهاد فيها على ما سوى الشيء المودع، لولا أن هذا ينتقض بالقراض، لاحتمال أن يكون الإشهاد فيه إنما قصد به الإشهاد على جزء القراض، فلا يلزم ابن القاسم اعتراض أصبغ عليه بالقراض والوديعة، إذ لا يفرق بين شيء من ذلك، وإن كان قد وقع لابن القاسم في النوادر ما ظاهره أنه فرق بين الشيء المستأجر وبين الوديعة والقراض، مثل ما تأول عليه أصبغ في هذه الرواية وهو بعيد، وقد مضى تمام القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع عيسى. [: يقول أكتري منك المواد إلى مكة بخمسة دنانير فإن بدت لي الرجعة فبذلك الكراء] ومن كتاب البيع والصرف قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الذي يقول: أكتري منك المواد إلى مكة بخمسة دنانير فإن بدت لي الرجعة فبذلك الكراء، قال: لا بأس بذلك إذا كان الوزن والحمولة والكراء واحدا، وليس في شيء من ذلك زيادة، وقاله أصبغ ما لم يقدم شيئا من كراء الرجعة على أنه إن رجع فيه وإن لم يرجع استرده، فإذا كان هكذا فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم أوصى من

مسألة: موت الدابة المكتراه ببعض الطريق

سماع عيسى، ومضت أيضا والقول عليها مستوفى في أول سماع ابن القاسم. وبالله التوفيق. [مسألة: موت الدابة المكتراه ببعض الطريق] مسألة قال أصبغ فيمن تكارى دابة إلى موضع بنصف ثوب أو ثوب، فركب الدابة فماتت ببعض الطريق، أو بلغ عليها إلى الموضع الذي أكراها إليه، فماتت واستحق نصف الثوب. قال: إذا استحق نصف الثوب وركب الدابة نصف الطريق فإن الكري يأخذ ربع النصف الباقي الذي بيده، ويرجع على المكتري بربع كراء دابته إلى الموضع الذي ركب إليه كراء مثله، وكذلك النصف على هذا القياس. قال محمد بن رشد: قوله فإن الكري يأخذ ربع النصف الباقي بيده ويرجع على المكتري بربع كراء دابته إلى الموضع الذي ركب إليه كراء مثله غلط بين لا يصح، وإنما يأخذ نصف النصف الباقي بيده ويرجع على المكتري بنصف قيمة ما سار من الطريق، وذلك أنه لما ماتت الدابة بنصف الطريق استوجب نصف الثوب الذي وقع الكراء به ورجع نصفه إلى المكتري فصارا فيه شريكين، فلما استحق نصفه على الإشاعة دخل الاستحقاق على الكري في نصفه، فوجب أن يرجع على المكتري بما يقابله من الركوب الفائت، وهو نصف قيمة كراء دابته إلى الموضع الذي ماتت فيه، إلا أن يشاء أن يرد ما بقي بيده من الثوب ويرجع بجميع قيمة ما سار من الطريق فيكون ذلك له، للضرر الداخل عليه باستحقاق نصف الثوب من يده. وقوله: وكذلك النصف على هذا القياس، يريد

: تكارى دابة مشاهرة فسافر عليها فاعتلت في السفر ولم يستطع ركوبها

وكذلك إذا أكرى منه دابته بنصف ثوب فماتت الدابة بنصف الطريق، واستحق نصف الثوب، والواجب في ذلك على قياس ما قلناه وصححنا عليه المسألة أن يكون للمكتري من الثوب نصف ما بقي بيده منه بعد الاستحقاق، وهو الثمن بركوب المكتري دابته بنصف الطريق، ويرجع عليه بنصف قيمة ما سار من الطريق إلا أن يشاء أن يرد ويرجع بجميع الركوب؛ ولو استحق نصف ما وقع الكراء به من جميع الثوب أو من نصفه قبل الركوب؛ لانتقض نصفه، وكان للمكتري أن يركب نصف الطريق، إلا أن يشاء أن يرد النصف ويفسخ الكراء عن نفسه للضرر الداخل عليه بالاستحقاق فيكون ذلك له؛ ولو استحق جميعه قبل الركوب لانتقض جميع الكراء وبالله التوفيق. [: تكارى دابة مشاهرة فسافر عليها فاعتلت في السفر ولم يستطع ركوبها] ومن كتاب القضاء العاشر قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم، وسئل عمن تكارى دابة مشاهرة فسافر عليها فاعتلت في السفر ولم يستطع ركوبها، قال: إن كانت له بينة بذلك فما أقامت في ذلك سقط عنه وحوسب بما قبل ذلك من قدر الكراء. قال محمد بن رشد: قوله اكتراها مشاهرة فسافر عليها معناه أنه سافر عليها بإذن ربها بعد وجوب الكراء وانعقاده على الصحة بينهما، إذ لا يجوز للرجل أن يكري الدابة مشاهرة للتصرف والركوب على أن يسافر بها سفرا يسميه، وإنما يجوز أن يكريها للركوب والتصرف ويشترط أن يسافر عليها سفرا يسميه إذا أكراها لسنة أو لمدة معروفة مؤقتة فيعرف مقدار ما يقع منها السفر الذي اشترطه، ولو اشترط أن يسافر عليها إن احتاج إلى

مسألة: كراء دابة برقيق ثم ظهر استحقاقه للغير

السفر ولم يؤقت مقدار السفر لم يجز، وقد مضى بيان هذا في رسم البيع والصرف من كتاب الجعل والإجارة، ولو اكتراها لمدة معلومة أو مشاهرة للاختلاف بها في الأسفار إلى بلاد يسميها لجاز. وقوله: إنه إن كانت له بينة على اعتلالها سقط عنه من كرائها قدر ما اعتلت فيه من مدة الكراء صحيح لا إشكال فيه؛ لأن المصيبة في مرض الأجير واعتلال الدابة المكتراة على الأجير والمكري، لا على المستأجر والمكتري. [مسألة: كراء دابة برقيق ثم ظهر استحقاقه للغير] مسألة قال أصبغ فيمن تكارى دابة إلى موضع بعبد أو بجارية فلما سار بعض الطريق استحق العبد أو الجارية، قال أصبغ: فإن له من الكراء بقدر ما حمله وسار به من الطريق بكراء مثله؛ لأنها سلعته، والثمن الذي أعطاه في العبد والجارية وجده فائتا فليرجع بقيمته هو، والدليل على ذلك أن لو بلغ الموضع كله ثم استحق العبد أو الجارية أكان يرجع بقيمتها؟ لا، ولكن بقيمة الكراء، كما لو لم يسر شيئا حتى استحقها بطل الكراء؛ لأنها سلعته اشتراها بسلعة بعينها فلم يتم له البيع فرجع إلى سلعته، ولم يكن له أن يقول: آخذك بقيمة العبد أو الجارية التي استحقت من يدي على ما أحببت وكرهت، وليس في هذا كلام. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة ليس فيها كلام ولا إشكال ولا اختلاف، والمسألة التي مضت في الرسم الذي قبل هذا تزيدها بيانا وبالله التوفيق. [: مال حمل شيئا فصدم أو رمي فانكسر ما عليه] ومن كتاب الكراء والأقضية وسمعته يقول في حمال حمل شيئا فصدم أو رمي فانكسر ما

: طلب المتكاري العدل بالحمل من مكان لآخر

عليه، فالذي رماه أو صدمه ضامن لما عليه، وللأجير أجرته بقدر ما بلغ من الطريق. وقاله أصبغ وليس على صاحبه أن يأتيه بمثله ويكمل له الأجرة؛ لأنه شيء محمول بعينه. قال محمد بن رشد: هذا خلاف المشهور في المذهب من أن الإجارة لا تنفسخ بتلف الشيء المستأجر على حمله، وقد مضت هذه المسألة وتحصيل القول فيها في رسم القبلة من سماع ابن القاسم، وفي المواضع المذكورة فيه، فلا وجه لإعادة ذلك. [: طلب المتكاري العدل بالحمل من مكان لآخر] ومن كتاب محض القضاء وسئل عن كري حمل أحمالا من الشام إلى مصر إلى الفسطاط، فلما بلغ الفرماء قال له المتكاري: اعدل بأحمالي إلى الأشتوم أحملها في البحر ففعل، ثم أراد أن يرجع على الكري بما بين الفرماء إلى الفسطاط. قال: ليس ذلك له إلا أن يكون المتكاري استثنى ذلك عليه، فقال له: اطرح أحمالي هاهنا وحاسبني وأعطني ما بقي، فإن لم يكن كذلك فلا شيء له على الكري والكراء كله للمكري، أرأيت لو قال له في بعض الطريق: ضع لي بعض متاعي هاهنا، فوضعه ألم يكن له كراؤه كله؟ . قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا أخذ أحماله في بعض الطريق فليس له أن يرجع على الكري بما يجب لما بقي من الطريق صحيح لا اختلاف فيه، وإنما الخلاف هل له أن يحمل على الإبل مثل تلك الأحمال

: اكترى شق محمل إلى مكة فمات بالطريق

في مثل ما بقي من الطريق أو يكريها في مثله؟ أم ليس ذلك له؟ على حسب ما مضى في رسم المدنيين من سماع عيسى وتقدم القول عليه في رسم البيوع الأول من سماع أشهب. وأما قوله إلا أن يكون استثنى ذلك عليه، يريد المحاسبة، فإنما يجوز ذلك إن كان المكري لم ينتقد الكراء، وأما إن كان قد انتقد فلا يجوز ذلك في الكراء المضمون باتفاق. ولكن الكري يرد عليه مما قبض منه ما يجب لما بقي من الطريق، فيكون ذلك سلفا ومعه كراء. فمعنى قوله: وأعطني ما بقي أي أسقطه عني ولا تأخذني به، ويجوز ذلك في الكراء المعين على اختلاف حسبما مضى القول فيه، في أول سماع أشهب وفي غيره من المواضيع. [: اكترى شق محمل إلى مكة فمات بالطريق] ومن كتاب الجامع وسئل عن رجل اكترى شق محمل إلى مكة فمات بالطريق فلم يجد وليه كراء فأراد أن يطرح في شقه حجارة. قال: ليس ذلك له، وهذا مضار به، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار، ومن ضار أضر الله به» ، فهذا مضار، إلا أن يكون له في تلك الحجارة منفعة، فإن لم تكن له فيها منفعة فليس ذلك له. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه إذا لم يجد وليه كراء شق محمل وليه فهي مصيبة دخلت عليه، فليس له أن يضار الكري بحمل ما لا منفعة له فيه للحديث الذي ذكره، فهو أصل جليل في هذا المعنى وشبهه. ومحمد بن دينار يرى المحاسبة واجبة بموت المكتري. وقع قوله في المدنية. قال سئل محمد بن دينار عن الرجل يتكارى الدابة إلى بلد فيموت الذي اكتراها في بعض الطريق. قال: يحاسب بما

: القوم يكترون السفن ويريدون الرجوع فتردهم الريح بعد مدة للموضع الذي خرجوا منه

ركبها على ما كان اكتراها فيعطيه بقدر ذلك وهو شذوذ من القول، ويحتمل أن يكون معناه إذ رضي بالمفاسخة، فلا يكون ذلك مخالفا لقولهم وبالله التوفيق. [: القوم يكترون السفن ويريدون الرجوع فتردهم الريح بعد مدة للموضع الذي خرجوا منه] نوازل أصبغ وسئل أصبغ عن القوم يكترون السفن تجارا ويريدون الرجوع إلى بلدهم فتردهم الريح بعد شهر أو أقل أو أكثر إلى الموضع الذي خرجوا منه، فيطلب أصحاب المركب كراء ما ساروا ويحتج الركاب بأن الريح ردتهم إلى الموضع الذي ركبوا منه، وقالوا: نحن بمنزلة من لم يسر شيئا، وهل يختلف عندك إن كانوا لم يزالوا ملججين في البحر منذ ضجوا لم يرسوا إلى قرية ولم يحاذوها؟ أو كيف إن أرسوا بقرية ثم قلدوا منها فردتهم الريح؟ أو كيف لو حاذوا قرية وعرفوا الموضع الذي حاذوه، وكانوا قادرين على الإرساء بالقرية أو لا يقدرون لشدة الريح، فعصفت الريح فردتهم إلى موضعهم الذي خرجوا منه؟ قال أصبغ: أما الذين ذكرت أنهم لم يزالوا ملججين في البحر منذ خرجوا حتى ردتهم الريح إلى موضعهم فليس يلزم هؤلاء كراء؛ لأنهم لم ينتفعوا بشيء، ولا بلغوا مكانا انتفعوا بركوبهم إليه فيلزمهم لذلك الكراء إلى ذلك الموضع، وأما الذين أرسوا بقرية ثم قلدوا بعد، فأرى على هؤلاء أن يحاسبوا بقدر الموضع الذي أرسوا به؛ لأنهم قد كان لهم سعة على المركب ومندوحة وقادرون على

النزول والذهاب حيث شاءوا فلما رفعوا من ذلك الموضع فكأنهم ابتدأوا الركوب الساعة من ذلك الموضع، فيجب عليهم الكراء بقدر الموضع الذي بلغوه، وهم عندي بمنزلة ما لو انكسر المركب في هذا الموضع الذي ذكرت فسلم متاعهم أو بعضه فيجب عليهم من الكراء بقدر ذلك وبقدر ما انتفعوا به، فهذا هو ما فهمه. وأما الذين حاذوا قرية ولم ينزلوا وكانوا قادرين على النزول أو لا يقدرون، فإن كانوا بقرب البر جدا وصاروا إلى موضع الأمن لا يخافون فيه من الريح شيئا قد أمنوا لقربهم من البر، وتعلقهم بالمرسى، ولو شاءوا أن يرسوا لأرسوا، ثم قلدوا فردتهم الريح فهؤلاء عندي بمنزلة من أرسى يحاسبون أيضا. وأما إن كانوا حاذوا ولم يكونوا بهذه المنزلة من القرب والأمن، غير أنهم يخافون ويرجون فلا أرى عليهم كراء؛ لأن البحر سلطانه عظيم، ولا يؤمن تقلبه. قيل: أرأيت إن كانت الريح غير غالبة لهم ولكن ردهم فزع اللصوص أو الروم، وكانوا ملججين أو غير ملججين قد عرفوا موضعهم أو لا يعرفون موضعهم؟ أو كيف إن كان الركاب بدالهم في الرجوع فغلبوا أصحاب المركب وقهروهم على الرد إلى موضعهم على ما وصفت لك من المسألة؟ قال أصبغ: أما إذا رجع أصحاب المركب فإن كان ذلك بسؤال من الركاب وطلب ردهم فالكراء عليهم، وإن كان على إكراه من أصحاب المركب فلا شيء لهم من الكراء، وإذا كان الركاب هم الطالبون الرجوع فالكراء كله عليهم وافر، وإن كان الركاب هم الطالبون لذلك

لعذر غلب من عدو أو بحر أو فزع اللصوص أو الروم فإن الكراء كله يبطل، ويصير بذلك كمن لم ينتفع ولم يرح، وذلك إذا كان ليس دون مرجعهم إلى حيث ركبوا مستعتب ينزلون فيه من مأمن ومنتفع به فيما خرجوا له، فإن كان كذلك فليس لهم في البدء أن يرجعوهم إلى مخرجهم إذا لم يكن يقدر على التقدم بهم وأنزلوا هناك وأعطوا أصحاب المركب قدر ما انتفعوا به في حمولته وتجارته، وإذا كان الركاب هم الذين مضوا بالمركب حين خافوا على أنفسهم إلى موضعهم الأول وأكرهوهم ألا يطرحوهم دونه، فأرى عليهم عند ذلك الكراء واجبا، وأحب إلي أن يكون كراء الذهاب إلى حيث انتهوا بقدره من الكراء الأول، وكراء الرجعة بالقيمة، وإن كان الأكرياء هم الذين أكرهوا الركاب ولم ينزلوهم إلا إلى مخرجهم الأول فلا كراء لهم أيضا. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أن كراء السفن على البلاغ كالجعل الذي لا يجب للمجعول له إلا بتمام العمل، وسواء على مذهبه كان الكراء على قطع الموسطة أو الريف وذلك معلوم من مذهبه فيما روي عنه أن من أكرى سفينة من الإسكندرية إلى الفسطاط فغرقت في بعض الطريق فأخرج نصف القمح فحمل في غيرها أن لصاحب السفينة من كراء ما أخرج من القمح بقدر ما انتفع به ربه في بلوغه إلى الموضع الذي غرقت فيه؛ لأن الكراء من الإسكندرية إلى الفسطاط إنما هو في النيل الشط، فلم ير لصاحب السفينة كراء فيما ذهب من الطعام ورأى له فيما سلم منه بقدر ما انتفع صاحبه ببلوغه إلى حيث بلغ، وذلك على قياس ما قالوا في الجعل على

حمل خشبة إلى بلد يوصل إلى بعض الطريق ثم يحملها صاحبها فينتفع بما حملها المجعول له، فعلى مذهب ابن القاسم إذا غرقت السفينة أوردها الريح إلى الموضع الذي خرجت منه أو خوف اللصوص أو العدو وإن كان ذلك بطلب الركاب من أجل الخوف فلا كراء لصاحب السفينة كانوا ملججين أو غير ملججين، محاذين لقرية أو غير محاذين، قادرين على النزول فيها أو غير قادرين. وقال ابن نافع في المدونة: لها بحسب ما بلغت، ورواه ابن أبي جعفر عن ابن القاسم، فعلى هذا إن غرقت السفينة في لجة البحر، أوردتها الريح أو خوف العدو أو اللصوص إلى حيث أقلعت منه يكون لها من الكراء بحساب ما بلغت كان الكراء على قطع البحر أو الريف الريف. وذهب يحيى بن عمر إلى أنها إذا أكريت على قطع البحر فهي على البلاغ، وإن أكريت الريف الريف على الساحل فلها بحساب ما بلغت. وتفرقة أصبغ في نوازله هذه بين أن يكونوا ملججين في البحر أو غير ملججين، محاذين لقرية قادرين على النزول فيها أو غير قادرين قول رابع في المسألة، وسواء على الظاهر من قوله كان كراؤهم على قطع البحر أو الريف الريف، وهو استحسان على غير قياس، وكذلك تفرقة يحيى بن عمر. وقول ابن نافع ورواية ابن أبي جعفر عن ابن القاسم أظهر في القياس من قول ابن القاسم في المدونة لأن رد الكراء إلى حكم الإجارة أولى من رده إلى حكم الجعل، وقد اختلف في جواز النقد في كراء السفن على القول بأنها على البلاغ، فقيل: إن ذلك لا يجوز، كما لا يجوز نقد الجعل في المجاعلة بشرط. وقيل: إن ذلك جائز. والوجه في ذلك أن الغالب فيه السلامة فلم يتهموا في ذلك على القصد إلى الكراء والسلف إن غرقت السفينة، كما لا يتهمون على ذلك في موت الدابة والأجير وبالله التوفيق.

مسألة: اكترى على طعام فقال الكري بعني هذا الطعام وافسخ الكراء

[مسألة: اكترى على طعام فقال الكري بعني هذا الطعام وافسخ الكراء] مسألة قيل لأصبغ: أرأيت رجلا اكترى على طعام ليحمله إلى بلد فلما كال صاحب الطعام على الكري الطعام قال الكري: بعني هذا الطعام وافسخ الكراء فيما بيني وبينك، ففعل ذلك وباعه الطعام بكيله بنقد أو مؤخر. قال: إن كان الكراء كان بنقد ولم ينقد حتى باعه وفاسخه على نقد فلا بأس به، وإن كان الكراء بتأخير فلا يجوز لأنه بمنزلة من باع عوضا معجلا ودينا له مؤخرا بذهب معجلة أو مؤخرة، فللعرضين من الدنانير حصة، وللدنانير من العرضين حصة، فصار ما أصاب العرض المؤخر وهي الحمولة إلى دنانير مؤخرة إلى أن يقبضها، فصار كالئا بكالئ، وإن كان الكراء كان نقدا وانتقد فهو زيادة في السلف فلا خير فيه، كان البيع بنقد أو بتأخير؛ لأن ما يزيده من ثمن الطعام زيادة في نقد الكراء الذي قبضه وانتفع به ورده مع ثمن الطعام، وإن كان الثمن بتأثير فهو أشد، ويدخله ما فسرت لك. قال محمد بن رشد: أما إذا كان الكراء بنقد ولم ينقد حتى باعه وفاسخه على نقد فلا إشكال في أن ذلك جائز على ما قال؛ لأن المكتري باع من الكري الحمولة التي له عليه وهي مؤجلة، والطعام الذي أعطاه بالدنانير التي أخذ منه في الطعام أو بالدنانير التي وجبت له قبله من الكراء حالة، فصار إلى أن باع طعاما مؤجلا وحمولة مؤجلة بدنانير معجلة، قبض بعضها من نفسه، وبعضها من الكري فجاز ذلك. وأما إذا كان الكراء بنقد وانتقد فلا إشكال في أن ذلك لا يجوز، كان الثمن نقدا أو مؤخرا؛ لأنه الزيادة في السلف؛ لأن المكتري إذا كان قد نقد الكري الكراء فباع

مسألة: التنازع بين المتكاريين في تعيين الحمل

منه الطعام على أن يقيله صار المكتري قد دفع إلى الكري دنانير وطعاما وأخذ منه دنانير أكثر من التي دفع إليه، بعضها قضاء للدنانير التي دفع إليه، وبعضها ثمن للطعام، فدخله البيع والسلف، كان ثمن الطعام نقدا أو مؤجلا ويدخله في المؤجل مع البيع والسلف الدين في الدين على مذهبه، ولذلك قال: فهو أشد. وأما إذا كان الكراء بتأخير يعرف أو شرط، فقوله إن ذلك لا يجوز يأتي على القول بأن انحلال الذمم بمنزلة انعقادها في مراعاة آجالها، وذلك أن المكتري باع الحمولة التي له وهي مؤجلة، والطعام المؤجل بالكراء الذي عليه وهو مؤجل، وبالثمن الذي قبضه بالطعام فيدخله الدين بالدين. وأما على القول بأن انحلال الذمم بخلاف انعقادها لا يراعى فيها الآجال لأن الذمم تبرأ ولا يكون لواحد منهما قبل صاحبه شيء، فيجوز ذلك؛ لأنه بفسخ هذه الإقالة تسقط الحمولة عن المكري، والكراء عن المكتري وتبرأ ذمتهما، ولا يكون لواحد منهما على صاحبه شيء يطلبه به إلى أجل فتكون دينا بدين، وهذا أظهر القولين. وقد اختلف في ذلك قول ابن القاسم وابن حبيب، وقد بينا هذا المعنى في غير ما موضع، ومن ذلك ما ذكرناه في رسم القبلة من سماع ابن القاسم كتاب السلم والآجال فقف على ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: التنازع بين المتكاريين في تعيين الحمل] مسألة قال إسماعيل الغافقي: نزلت بقوم من أهل طرابلس مسألة تشاجروا فيها، وذلك في رجل اكترى من رجل على حمل بعينه يحمله له من طرابلس إلى مصر فأخطأ الجمال فأخذ غير الحمل الذي اكتري عليه فحمله إلى مصر فلما أتوا مصر عثر على

ذلك من أمره وتنازعوا في ذلك، وكان فتيان القائم بأمورهم، والسائل عن مسألتهم، فسئل عن ذلك أشهب، فقال: أما الحمل الأول الذي اكتري الجمال على حمله فأرى على الجمال حملانه إلى مصر يرجع إليه صاغرا فيحمله كما اشترط عليه وليس خطؤه بالذي يضع عنه حملانه، وأما هذا الحمل الذي أخطأه الجمال فأرى صاحبه مخيرا إن أحب أن يأخذه بمصر بلا غرم عليه من كرائه كان ذلك له، وإن أحب أن يضمنه بمصر قيمته بطرابلس فعل وأخذه بالقيمة، وليس للجمال في ذلك قول إن قال: أنا أرد الحمل إلى طرابلس، وليس لصاحب الحمل أن يلزم الحمال حملان الحمل ورده إلى اطرابلس، وإنما له الخيار فيما وصفنا (قال) : وسئل ابن وهب وابن القاسم عن ذلك فاجتمعا جميعا على أن صاحبه مخير إن أحب أن يغرمه بمصر قيمة الحمل باطرابلس كان ذلك له ولم يكن للجمال في ذلك قول، وإن أحب أن يأخذ الحمل بمصر لم يكن له بد من أن يغرم كراءه للجمال؛ لأن قيمته وجبت عليه ساعة أخطأ. قال: واجتمعوا كلهم: ابن القاسم وابن وهب وأشهب على أنه ضامن لقيمته قد وجبت عليه لصاحب الحمل، قالوا: والقيمة اللازمة عليه قيمة الحمل بالموضع الذي أخطأ به، وليس بالموضع الذي حمله إليه. وسئل عنها مطرف فقال: صاحب الحمل مخير إن شاء ضمنه قيمة الحمل يوم أخطأ به، وإن شاء أخذ الحمل وغرم كراءه للحمال، وليس للحمال أن يقول: أنا أرده للموضع الذي حملته منه؛ لأن القيمة قد لزمته، وليس

مسألة: هلاك الدابة بعد بلوغها موضع الكراء

لصاحب الحمل بد من غرم الكراء إن رضي بأخذ الحمل، وأخذ قيمته بالموضع الذي حمله منه. مثل قول ابن القاسم. قال محمد بن رشد: إنما خالف أشهب ابن القاسم وابن وهب ومطرفا في هذه المسألة في موضع واحد، وهو إذا أراد صاحب الحمل أن يأخذ حمله بمصر، فقال أشهب: يأخذه ولا كراء عليه فيه إذ لم يكره عليه، وقال ابن القاسم وابن وهب ومطرف: ليس له أن يأخذه إلا أن يغرم كراءه؛ لأنه لما ترك أن يضمنه قيمته باطرابلس، واختار أخذه بمصر، فكأنه قد أذن له في حمله إليها، وحكى ابن حبيب عن أصبغ في ذلك قولا ثالثا قد ذكرته في سماع أبي زيد من كتاب كراء والأرضين، واتفقوا كلهم أن على الجمال أن يرجع فيحمل الذي تكوري على حمله، ولا اختلاف أيضا بينهم أنه ليس للحمال أن يقول أنا أرد الحمل الذي أخطأت فيه إلى اطرابلس، وإنما لم يكن ذلك له؛ لأن الحكم قد تعين عليه بالقيمة، فلا يلزم أن يؤخر ما يوجبه الحكم من ذلك بما يدعو إليه، ولو بادر فرد الحمل إلى اطرابلس قبل أن يقدم عليه صاحبه لم يكن له إلا أن يأخذ حمله؛ لأن المعنى الذي من أجله كان يلزم القيمة فيه قد ذهب، كما لو غصب الحمل فحمله إلى بلد آخر ثم رده إلى موضعه، لم يجب للمغصوب منه إلا أخذ حمله؛ لأنه بحاله، وكما لو غصب رجل عبدا فحدث به عيب ثم ذهب العيب لسقطت القيمة عن الغاصب، ولم يجب للمغصوب منه إلا أخذ عبده، وقد مضى في سماع أبي زيد من كتاب كراء الدور والأرضين في هذه المسألة ما فيه زيادة بيان وبالله التوفيق. [مسألة: هلاك الدابة بعد بلوغها موضع الكراء] مسألة وقال مطرف: من تكارى دابة من مصر إلى مكة فلما بلغ المدينة هلكت الدابة، وقال المكتري: اكتريت منك هذه الدابة بعينها وقد انقضى الكراء بيني وبينك لموتها فاردد علي من الكراء بقدر ما قصرت الدابة عنه، وقال صاحب الدابة: لا أرد عليك

شيئا، وإنما لك علي أن أبلغك إلى مكة؛ لأني لم أكرك دابة بعينها، وإنما أكريتك كراء مضمونا علي وهذه دابة أخرى فاركبها، إن القول قول الراكب المكتري، وعلى صاحب الدابة أن يرد عليه بقدر ما قصرت عنه الدابة. ووجه الحجة في ذلك أن الكراء ينقطع بينهما بموت الدابة إذا اكتريت بعينها، فهذه الدابة لما هلكت فقد انقطع الكراء بينهما، ووجب للراكب من الكراء بقدر ما قصرت عنه الدابة، فإن قال صاحب الدابة: لم أكركها بعينها وإنما أكريتك كراء مضمونا علي، قلنا له: أنت مدع فيما تقول، فهات البينة على أن الأمر كما ذكرت، فأما الأمر عندنا فقد تبين لنا أن الكراء بينهما قد بطل. ألا ترى أن الراكب لو قال لصاحب الدابة: لم أكتر منك هذه الدابة بعينها ولكني أكتريت منك كراء مضمونا عليك أن تبلغني مكة، وقال صاحب الدابة: إنما أكريتك هذه الدابة بعينها وقد انقضى الكراء بيني وبينك، إن الراكب مدع فيما يقول إن ادعى هذا؛ لأن الكراء قد انفسخ بينهما لموت الدابة، فلما ادعى ركوبا مضمونا قلنا له: أنت مدع فيما تقول فهات البينة، والحجة أيضا في ذلك أن رجلا لو اكتري دابة ثم اختلفا فقال صاحبها: أكريتك هذه الدابة بعينها وهذه الدابة الأخرى، وقال المتكاري: بل إنما أكريت منك هذه الدابة وحدها لإحدى تينك الدابتين أنهما يتحالفان ويتفاسخان، فكذلك الذي أكرى دابته فلما هلكت قال: أكريتك كراء مضمونا إنما هو رجل قال: أكريتك تلك الدابة ودابة أخرى، وقال الآخر: بل أكريت منك تلك الدابة بعينها. فلا بد من أن يتحالفا ويتفاسخا

ويدل على هذه ويبين صوابها قول مالك في الذي اكترى من مصر إلى مكة، فلما بلغا المدينة اختلفا، فقال الجمال: لم أكرك إلا إلى المدينة. وقال الراكب: بل إلى مكة، فانظر في قول مالك فيها فإنك تستدل به على هذا القول ويتبين لك صوابه إن شاء الله وبه التوفيق. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الدابة إذا ماتت فقال المكتري إنه اكترى كراء مضمونا صار مدعيا، على الكري ركوبا في ذمته والكري ينكره في ذلك، والأصل براءة الذمة، فوجب أن يكون القول قوله، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» . فإن قال المكري لما هلكت الدابة: أكريتك كراء مضمونا وهذه دابة أخرى فاركبها صار مدعيا على المكتري في أن يلزمه ركوب دابة ينكر أن يكون اكتراها، فوجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه. ألا ترى أنهما إذا اختلفا قبل الركوب فادعى أحدهما كراء مضمونا، وادعي الثاني كراء دابة بعينها، وجب أن يتحالفا ويتفاسخا؛ لأن كل واحد منهما مدع على صاحبه، كان المكري هو الذي ادعى المضمون والمكتري هو الذي ادعى المعين، أو الكري هو الذي ادعى المعين والمكتري هو الذي ادعى المضمون، فيحلف كل واحد منهما على تكذيب صاحبه. فإذا ماتت الدابة التي ادعى أحدهما أن الكراء وقع عليها بعينها حلف الذي ادعى منهما أن الكراء كان مضمونا؛ لأنه هو المدعي عليه وحده، كان الكري أو المكتري، ولم يجب على الذي ادعى منهما أن الكراء وقع على الدابة المعينة يمين إذ قد ماتت الدابة فانفسخ الكراء فيها بموتها، وهذا بين لا إشكال فيه وبالله التوفيق، لا رب غيره ولا خير إلا خيره.

: كتاب الأقضية الأول

[: كتاب الأقضية الأول] [: موت القاضي قبل بلوغ الكتاب إلى من أرسله له]

من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب أوله حلف يرفعن أمرا إلى السلطان أخبرني محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن أحمد العتبي عن سحنون عن ابن القاسم قال: سئل مالك عن رجل يأتي بكتاب من والي مكة إلى والي المدينة مثل القاضي والأمير وما أشبهه فلا يصل إلى المدينة حتى يموت الذي كتب له الكتاب وقضى له بالحق، قال مالك: فأرى لصاحب المدينة أن ينفذ ذلك الكتاب، ويقضي له بما فيه، أرأيت لو أن قاضيا قضى لرجل ثم هلك لجاء آخر بعده أكان ينقض مم قضى ذلك؟ . قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة جارية على الأصول مثل ما في المدونة والواضحة وغيرهما لا اختلاف فيها ولا إشكال في معناها؛ لأنه لما كان الأصل أن القاضي ينفذ ما يثبت عنده من قضاء حكام البلاد وإن كانوا قد ماتوا أو عزلوا كما ينفذ ما ثبت عنده من

قضاء الحاكم قبله ببلدة الميت أو المعزول، وجب أن تنفذ كتبهم وإن كانوا قد ماتوا أو عزلوا قبل وصول كتبهم إليه وقبل انفصالها عن ذلك البلاد، فيصل حكمه بحكمهم ويبنيه عليه، كما ينفذ ما ثبت عنده أنه مضى من عمل الحاكم قبله الميت أو المعزول فيصل حكمه بحكمه ويبنيه عليه، ولا يأمر الخصمين باستيناف الخصام عنده إن كان الشهود قد شهدوا عند الميت أو المعزول فأشهد على ذلك أو كتب به إلى حاكم بلد آخر ثم مات أو عزل، نظر الذي ولي بعده أو المكتوب إليه فيما شهدوا به، كما كان ينظر في ذلك الميت أو المعزول، ولم يأمر بإعادة الشهادة عنده، وإن كانوا قد شهدوا عنده قبلهم أعذر إلى المشهود عليه فيما شهدوا به دون أن ينظر في عدالتهم، وإن كانوا قد شهدوا عنده فأعذر في شهادتهم إلى المشهود عليه فعجز عن الدفع فيما أمضى الحكم عليه بها دون أن يستأنف الإعذار إليه مرة أخرى وهذا بين، إذ لا فرق إذا ثبت عند القاضي حق لرجل على رجل بين أن يشهد شهودا أنه قد ثبت عندي لفلان على فلان كذا وكذا، بشهادة فلان وفلان فشهد أولئك الشهود بما أشهدهم به من ثبوت ذلك الحق عنده عند قاضي بلد آخر بعد موته أو عزله، وبين أن يكتب بذلك إلى قاضي بلد آخر، فلا يصل إليه الكتاب إلا بعد موته أو عزله، فيما يجب من إعمال الأمرين إذا كان الكتاب قد ثبت عنده بشهادة شاهدين أنه كتابه. قاله ابن القاسم وابن الماجشون، وقال أشهب: لا تجوز شهادتهما أنه كتابه حتى يشهدا أنه قد أشهدهما عليه، ولا يكتفي في ذلك بالشاهد الواحد، ولا بالشهادة على أن الكتاب بخط القاضي، ولا أن الختم ختمه. وهذا في الكتب التي تأتي من كورة إلى كورة، ومن مثل المدينة إلى مكة، ومثل مكة إلى المدينة. وأما إذا جاء من أعراض المدينة إلى قاضي المدينة كتاب بغير بينة فإنه يقبله بمعرفة الخط وبمعرفة الختم، وبالشاهد الواحد إذا لم يكن هو صاحب القضية، لقرب المسافة واستدراك ما يخشى من التعدي. قاله ابن حبيب في الواضحة، وقال ذلك أيضا ابن

كنانة وابن نافع في الحقوق اليسيرة خلاف ظاهر قول ابن حبيب، وقد كان يعمل فيما مضى كتاب القاضي بمعرفة الخط والختم دون بينة حتى حدث ما حدث من اتهام الناس فأحدثت الشهادة على كتاب القاضي، قال في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب الوصايا أول من أحدثه أمير المؤمنين وأهل بيته. وفي البخاري أن أول من سأل البينة على كتاب القاضي ابن أبي ليلى، وسوار بن عبد الله العنبري. والأصل في هذا أن قول القاضي مقبول فيما أخبر أنه ثبت عنده أو قضى به، ينفذ ما أشهد به من ذلك على نفسه ما دام قاضيا لم يعزل، فإذا كتب بذلك إلى قاض غيره وجب على المكتوب إليه أن ينفذه ويصل نظره به إذا كتب إليه بذلك؛ لأنه في كتابه إليه به في معنى المخبر لا في معنى الشاهد، ولو خاصم الرجل عند القاضي فكلفه إثبات الشيء من الأشياء فأتاه بكتاب قاض أنه قد ثبت عنده ذلك الشيء، أو أنه قد قضى له به لم يجز ذلك؛ لأنه هاهنا شاهد، وشهادته لا تجوز فيما حكم به إلا أن يشهد على حكمه به عنده شاهدان سواه وذلك بين من قول ابن القاسم وأصبغ في رسم محض القضاء من سماع أصبغ بعد هذا، وهو معنى ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وابن وهب وأصبغ من أن القاضي لا يمكن المشهود له من أن يعدل شهوده عند قاضي بلد من البلدان، فيكتب إليه بعدالتهم، إلا أن يكتب هو إلى ذلك القاضي يسأله عنهم. وقد ذكر أيضا في أول ذلك الباب أن القاضي إذا كتب بعدالة شاهد من أهل عمله إلى القاضي الذي شهد عنده شاهد جاز، وإن كان المشهود له سأله ذلك فكتب له به ابتداء دون أن يكتب إليه القاضي الذي شهد عنده الشاهد يسأله عنه، وحكى ذلك أيضا عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ وهو بعيد. وإذا كتب إليه يسأله عن الشاهد الذي شهد عنده اكتفى في جوابه إليه بمعرفة الخط دون الشهادة على الكتاب، قاله ابن حبيب في الواضحة، ما لم يكن فيما سأله عنه فكتبه إليه فيه قضية قاطعة، والقياس لا يكتفي في شيء من ذلك

مسألة: الانتفاع بالمقابر التي اندرست

بمعرفة الخط إلا فيما قرب من أعراض المدينة على ما تقدم، وسيأتي من معنى هذه المسألة في آخر سماع عيسى وبالله التوفيق. [مسألة: الانتفاع بالمقابر التي اندرست] مسألة وسئل عن فناء قوم كانوا يرمون فيه، وفيه عرض لهم، ثم إنهم غابوا عن ذلك فاتخذ مقبرة ثم جاءوا فقالوا: نريد أن نسوي هذه المقابر ونرمي على حال ما كنا نرمي فيه، قال مالك: أما ما قدم منها فأرى ذلك لهم، وأما كل شيء جديد فلا أحب لهم درس ذلك. قال محمد بن رشد: أفنية الدور المتصلة بطريق المسلمين ليست بملك لأرباب الدور كالأملاك المحوزة التي لأربابها تحجيرها عن الناس لما للمسلمين من الارتفاق بها في مرورهم إذ ضاق الطريق عنهم بالأحمال وشبهها، إلا أنهم أحق بالانتفاع بها فيما يحتاجون إليه من الرمي وغيره، فمن حقهم إذا اتخذت مقبرة في مغيبهم أن يعودوا إلى الانتفاع بها بالرمي فيها إذا قدموا، إلا أنه يكره لهم درسها إذا كانت جددا مسنمة لم تدرس ولا عفت، لما جاء في درس القبور، روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لأن يمشي أحدكم على الرضف خير له من أن يمشي على قبر أخيه» . وقال: «إن الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته» . وقال ابن أبي زيد: إنما كره درسها لأنها من الأفنية، ولو كانت من الأملاك المحوزة لم يكره ذلك، وكان لهم الانتفاع بظاهرها. وروي عن

: من كانت له شجرة في أرض رجل فله موضعها من الأرض

علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: واروا في بطنها وانتفعوا بظاهرها. قال الإمام: ولو كانت من الأملاك المحوزة فدفن فيها بغير إذنهم لكان من حقهم نبشهم منها وتحويلهم إلى مقابر المسلمين، وقد فعل ذلك بقتلى أحد لما أراد معاوية إجراء العين التي إلى جانب أحد. روي عن جابر بن عبد الله قال: لما أراد معاوية إجراء العين التي إلى جانب أحد أمر مناديا فنادى في المدينة، من كان له قتيل فليخرج إليه ولينبشه وليحوله، قال جابر: فأتيناهم فأخرجناهم من قبورهم رطابا يبتسمون، يعني شهداء أحد وبالله التوفيق اللهم عونك يا معين. [: من كانت له شجرة في أرض رجل فله موضعها من الأرض] ومن كتاب أوله حديث طلق بن حبيب وسئل مالك عن رجل كانت له شجرة في أرض رجل فسقطت فنبتت لها خلوف أتراها لصاحبها؟ قال: نعم، قيل له: أفترى لصاحبها أن يغرس مكانها شجرة أخرى؟ قال: نعم، أرى ذلك له. قال محمد بن رشد: قوله: إن الخلوف التي نبتت من الشجرة التي سقطت لصاحب الشجرة صحيح، ومعناه إذا نبتت في موضع الشجرة؛ لأن من كانت له شجرة في أرض رجل فله موضعها من الأرض، وليس لقدر ذلك حد معروف مؤقت عند مالك، وهو بقدر ما يحتاج إليه الشجرة في شربها، وما «روي أن رجلين اختصما إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حريم نخلة فقطع منها جريدة ثم ذرعها فإذا هي خمسة أذرع. قال أبو طوالة أحد رواه الحديث أو سبعة أذرع فجعلها حريمها» ، معناه عند من أخذ بالحديث

مسألة: رفض العبد المبعض السفر مع مالك نصفه

(من) أهل العلم في النخلة التي يغرسها الرجل في الموات الذي يجوز له استحياؤه، فيستحق بذلك منه القدر المذكور في الحديث، وهو ما تحتاج إليه النخلة من الأرض، وحمل الحديث على عمومه في الموات وغير الموات أولى والله أعلم. وأما إن نبت الخلوف خارجة عن قدر حق صاحب الشجرة من الأرض، فإن كان لصاحب الشجرة فيها منفعة ليغرسها في حقه كان له أن يقلعها، وإن لم تكن له فيها منفعة لغرسها لم يكن له أن يقلعها، وكانت لرب الأرض بقيمتها حطبا إن كانت لها قيمة، أو باطلا بغير شيء إن لم تكن لها قيمة، إلا أن يكون إقرارها مضرا بأهل الشجرة فيكون له أن يقلعها على كل حال، إلا أن يشاء الذي ظهرت في أرضه أن يقطع العروق المتصلة بالشجرة حتى لا يضربها فيفعل ذلك ويعطيه قيمتها حطبا إن كانت لها قيمة، وهذا معنى قول ابن القاسم في رسم الثمرة من سماع عيسى من كتاب السداد والأنهار، وفي المجموعة. وقوله: إن له أن يغرس مكانها شجرة أخرى صحيح، ومعناه شجرة لا تكون أكثر انتشارا وأضر بالأرض من التي سقطت على ما قال في القسمة من المدونة وبالله التوفيق. [مسألة: رفض العبد المبعض السفر مع مالك نصفه] مسألة وسئل مالك عن العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا فيريد الذي له فيه الرق أن يسافر به ويأبى الغلام ذلك، ويقول: تقطعني على عملي، قال: إن كان سفرا قريبا رأيت ذلك له، وإن كان سفرا بعيدا رأيت أن يكتب له بذلك القاضي كتابا يكون معه إن خاف في ذلك أن يباع أو يركب بظلم يكون معه وثيقة له، وقد أشرت بذلك على قاض كان عندنا استشارني فيه فأمرته أن يكتب

لهم بذلك كتابا وهو عثمان بن طلحة. قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن قول مالك في العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا، قال: إذا أراد به سيده سفرا سافر به، فإن كان بعيدا كتب له كتابا لئلا يسترق. قلت: ولأي شيء ألزمه ذلك؟ قال: لأن مالكا يقول ويرى الحرية تبعا للرق وهذا عنده من الأصول. قال محمد بن رشد: قوله: رأيت أن يكتب له بذلك القاضي كتابا يكون معه وثيقة له، كلام ليس على ظاهره؛ لأن العبد لا ينتفع في المكان الذي يذهب إليه بكتاب يكون بيده لا بينة عليه، إذ لا يحكم له بكتاب القاضي دون بينة تنقله إليه وتشهد عليه، فالمعنى في ذلك أن يكتب له الكتاب إلى قاضي البلد الذي يسافران إليه مع شاهدين ممن يسافر مع العبد، فيشهدهما على الكتاب وعلى عين العبد. وفي سماع أشهب عن مالك من كتاب الشركة، أن السيد إذا لم يكن مأمونا لم يكن له أن يخرج به، وإذا قضي له بالخروج به كانت عليه النفقة والكراء في سفره حتى يقر قراره في موضع يكون له فيه عمل ومكتسب، فتكون له أيام وللسيد أيام، وروى البرقي عن أشهب أنه ليس له أن يخرج به وإن كان مأمونا وكان العبد متعديا؛ لأنه ملك من نفسه ما يملك الشريك، فصار شريكا في نفسه، ولا ينكحه إلا برضاه كالشريك، وحكى ذلك أيضا عنه ابن المواز وابن حبيب، قال ابن حبيب: وأما لو أراد الانتقال به إلى قرية يسكنها فإن كانت من الحواضر فذلك له وإن كره العبد ففي سفره به إلى غير الانتقال ثلاثة أقوال: أحدها أنه ليس له أن يسافر به وإن كان مأمونا، وهو قول أشهب ومحض القياس. والثاني أن له أن يسافر به ويكتب له كتابا إن لم يكن مأمونا، وهو قول مالك في هذه الرواية. ووجه ما استدل به من أن الحرية تبع للرق، بدليل إجماعهم أن أحكامه أحكام الرق ما كانت فيه شعبة من الرق. والثالث أنه إذا كان مأمونا كان له أن يسافر به، وإن لم

: معاقبة القاضي للخصم الألد

يكن مأمونا لم يكن له أن يسافر به، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه استحسان على غير حقيقة قياس والله الموفق. [: معاقبة القاضي للخصم الألد] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس وسئل مالك عن الرجلين إذا اختصما وألد أحدهما بصاحبه فعرف ذلك القاضي منه أترى أن يعاقبه؟ قال: نعم إذا تبين ذلك منه ونهاه فأرى أن يعاقبه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن إلداد أحد الخصمين بصاحبه إذاية له وإضرار به، وواجب على الإمام أن يكف أذى بعض الناس بعضا ويعاقب عليه بما يؤديه إليه اجتهاده، ومثله في آخر أول رسم من سماع أشهب وفي سماع أصبغ وبالله التوفيق. [مسألة: للقاضي الفاضل العدل الحكم لنفسه بالعقوبة على من يتناوله بالقول وأذاه] مسألة فقيل له: أرأيت الذي يتناول القاضي بالكلام فيقول: لقد ظلمني، فقال: إن ذلك يختلف ولم يجد فيه تفسيرا إلا أن وجه ما قال إذا أراد بذلك أذاه وكان القاضي من أهل الفضل أن يعاقبه، وما ترك ذلك حتى خاصم أهل الشرف في العقوبة في الإلداد. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن للقاضي الفاضل العدل أن يحكم لنفسه بالعقوبة على من يتناوله بالقول وأذاه بأن نسبه إلى الجور والظلم مواجهة بحضرة أهل مجلسه، بخلاف ما شهد به عليه أنه أذاه به وهو غائب عنه؛ لأن ما واجهه به من ذلك هو من قبيل الإقرار، وله

مسألة: للقاضي أن يقف على الحقوق بنفسه وبمن معه من أهل العلم فيما التبس

أن يحكم بالإقرار على من انتهك ماله فيعاقبه به ويتحول المال بإقراره، ولا يحكم بشيء من ذلك بالبينة. والأصل في ذلك قطع أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يد الأقطع الذي سرق عقد زوجته أسماء لما اعترف بسرقته، وإن كان في حديث الموطأ فاعترف به الأقطع أو شهد عليه على الشك فالصواب ما في غير الموطأ أنه اعترف من غير شك، إذ لو لم يعترف ويقر على نفسه لما قطعه بالبينة، كما لو كان المسروق له، إذ لا فرق بين كونه له أو لزوجته في هذا؛ لأن متاعها كمتاعه، والدليل على ذلك قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لعبد الله بن عمرو الحضرمي لما جاء بغلامه، فقال: إن هذا سرق مرآة لامرأتي. فقال له: لا قطع عليه، خادمكم سرق متاعكم. ألا ترى أن الرجل لا يجوز له أن يشهد لزوجته كما لا يجوز أن يشهد لنفسه، فإذا كان يحكم بالإقرار في ماله كما يحكم به في مال غيره كان أحرى أن يحكم بالإقرار في عرضه كما يحكم به في عرض غيره، لما يتعلق في ذلك من الحق لله؛ لأن الاجتراء على القضاة والحكام بمثل هذا توهين لأمرهم، وداعية إلى الضعف عن استيفاء الحقائق في الأحكام، فالمعاقبة في مثل هذا أولى من التجافي عنه والعفو فيه، وهو دليل قوله: وما ترك ذلك حتى خاصم أهل الشرف في العقوبة في الإلداد، وكذلك قال ابن حبيب في الواضحة: إن العقوبة في هذا أولى من العفو فيه وبالله التوفيق. [مسألة: للقاضي أن يقف على الحقوق بنفسه وبمن معه من أهل العلم فيما التبس] مسألة وكان بين رجلين خصومة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قريبا من المدينة في أرض لهما حتى ارتفع الشأن بينهما فركب عثمان

في ذلك وكانت خصومتهما في زمن عثمان وركب معه رجال فلما ساروا قال رجل: إن عمر قد قضى فيها. فقال عثمان: لا أنظر في أمر قد قضى فيه عمر ورجع. قال القاضي: وقعت هذه الحكاية في آخر الزكاة الأول من المدونة وفائدتها والذي فيها من الفقه أن القاضي يستحسن له أن يركب ويقف على الحقوق بنفسه وبمن معه من أهل العلم فيما التبس وأشكل، وقد يكون هذا كثيرا في الضرر وشبهه، ولو أمكنه أن يقف على جميع الأمور بنفسه لكان أحسن، ولكن هذا لا يمكنه فيستنيب من يوجهه مكانه لذلك في الحيازات وشبهها، والواحد في ذلك يجزئ كما قال في المدونة في الذي يرسله لتحليف المرأة، والاثنان أحسن. وإنما رجع عثمان وترك ذلك لأن المحكوم عليه كان يريد فسخ قضاء عمر فيه، وذلك ما لا يجوز. ففي الحديث من الفقه أن القاضي إذا بلغه أن قاضيا قضى في أمر لم يكن له أن ينظر فيه، وهذا ما لا اختلاف فيه إذا كان القاضي الذي قضى في ذلك الأمر عدلا، والذي قال ذلك لعثمان هو معاوية، وكانت الخصومة بين علي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله في ضفير بين ضيعتيهما كان علي يحب أن يثبت، وطلحة يحب أن يزال، فوكل علي عبد الله بن جعفر فتنازعا الخصومة في ذلك بين يدي عثمان وهو خليفة، فقال لهما: إذا كان غدا ركبت في الناس معكما حتى أقف على الضفير فأقضي فيه بينكما معاينة، فركب في المهاجرين والأنصار، وجاء معهم معاوية، فقال وهما يتنازعان الخصومة في الطريق: لو كان منكرا لأزاله عمر، فكان قوله سبب توجه الحكم لعبد الله على طلحة، فوقف عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والناس معه على الضفير فقال: يا هؤلاء أخبرونا أكان هذا أيام عمر؟ فقالوا: نعم، قال: فدعوه كما كان أيام عمر وانصرف. قال

مسألة: تنازع الورثة على أرض مع الاختلاف في الحدود

عبد الله: فجئت من فوري إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقصصت عليه القصة حتى بلغت إلى كلام معاوية فضحك ثم قال: أتدري لما أعانك معاوية؟ قال: قلت: لا. قال: أعانك بالمنافسة، قم الآن إلى طلحة، فقل له: إن الضفير لك فاصنع به ما بدا لك، فأتيته فأخبرته فسر بذلك، ثم دعا بردائه ونعليه وقام معي حتى دخلنا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرحب به، وقال: الضفير لك أصنع به ما شئت، فقال: قد قبلت، وإنما جئت شاكرا ولي حاجة ولا بد من قضائها، فقال له علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سل حتى أقضيها لك، فقال طلحة: أحب أن تقبل الضيعة مع من فيها من الغلمان والآلة والدواب، فقال علي: قد قبلت، ففرح طلحة وتعانقا وتفرقا. قال عبد الله: فوالله ما أدري أيهما أكرم في ذلك المجلس، أعلي إذ جاد بالضفيرة؟ أم طلحة إذ جاد بالضيعة بعد ضنه بمسقاة؟ روى الشعبي أنه قال: أول من جرى جريا أي وكل وكيلا من الصحابة علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكل عبد الله بن جعفر، فقيل له: لم وكلت عبد الله بن جعفر وأنت سيد من سادات الناطقين؟ فقال: إن للخصومات فحما. قال عبد الله: فنازعني طلحة في ضفير كان بين ضيعة لعلي وضيعة لطلحة، ثم ساق بقية الحكاية وإن كان فيها بعض الخلاف لحكاية مالك، فالمعنى المقصود منها وهو استحسان ركوب القاضي فيما أشكل، ووجوب إمضاء أحكام من قبله لا خلاف فيه وبالله التوفيق. [مسألة: تنازع الورثة على أرض مع الاختلاف في الحدود] مسألة وسئل مالك عن رجل هلك وله ورثة وولد وترك أرضا فخاصم ولده قوم فيها فأقاموا البينة أنها أرضهم، ولم يشهدوا على الحدود، وشهد قوم على حدود تلك الأرض ولم يشهدوا على

: حرق كتب الخصومات التي طال عهدها

أنها لهم، وقالوا: لا علم لنا لمن هي. قال مالك: إذا شهدوا على الحدود ثبتت شهادة الذين شهدوا أنها لهم ورأيتها لهم. قال القاضي: هذا كما قال من أن الشهادة في الأرض على الملك تلفق إلى الشهادة فيها على الحد؛ لأن المعنى في ذلك إنما هو في الأرض المشهورة المعلومة المسماة المنسوبة التي تتميز بالنسبة والتسمية عن سواها عند من عرف حدودها، فإذا قال الشهود: نعلم الأرض الفلانية لفلان ولا نحدها. وقال غيرهم: نحن نعلم حدودها ولا ندري لمن هي وجب أن تلفق الشهادة في ذلك، إذ لا يقدح في علم من شهد أنها لفلان جهله بحدودها، ولا يقدح في علم من شهد بمعرفة حدودها جهله بمالكها، وهذا في التمثيل كالحرم الذي يعلم الفقهاء تحريمه والحكم بما يلزم فيه مما لا يلزم، ويجهلون حدوده، ويعلم غير الفقهاء من أهل الحرم حدوده، ويجهلون أحكامه، فيصح امتثال أمر الله تعالى فيه بتلفيق شهادتهم، إذ لا يقدح في معرفة من علم أحكامه الجهل بحدوده، ولا في معرفة من علم حدوده الجهل بأحكامه، فكذلك مسألتنا في الأرض يصح الحكم بها لمن شهد بملكها بتلفيق الشهادة على الملك إلى الشهادة على الحدود، وهذا بين لا خفاء به وبالله التوفيق. [: حرق كتب الخصومات التي طال عهدها] ومن كتاب أوله حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها قال مالك: وقد كان قاض في زمن أبان بن عثمان بن عفان رفع إليه كتب قد تقادم أمرها والتبس الشأن فيها، فأخذها فأحرقها بالنار، فقيل لمالك: أيحسن ذلك؟ قال: نعم، إني لأراه حسنا، هذه أمور لا أدري ما هي.

: التنازع على ملكية حائط موروث

قال محمد بن رشد: معنى هذه الكتب أنها كتب في الخصومة طالت المحاضر فيها والدعاوي، وطالت الخصومة حتى التبس أمرها على الحاكم، فإذا أحرقت قيل لهم: بينوا الآن ما تدعون، ودعوا ما تلبسون به من طول خصوماتكم واستأنفوا العمل، وهو حسن من الحكم على ما استحسنه مالك وبالله التوفيق. [: التنازع على ملكية حائط موروث] ومن كتاب أوله سلف في المتاع والحيوان وسئل عن رجلين ورثا دارا أو حائطا، ثم إن أحد الرجلين تزوج امرأة وهلك عنها، فقال أخوه الباقي: إنما له من الدار كذا وكذا، فقالت له امرأته: لأي شيء كان لك سائرها؟ أنحلك إياها أبوك؟ فقال: هي لي وليس لزوجك منها إلا كذا وكذا، قال: لا يقبل قوله في ذلك. قال القاضي: هذا بين على ما قال؛ لأن ذلك محمول على أنه بينهما على حسب ما ورثاه، فلا يقبل قول الذي ادعى أن له من ذلك أكثر من أخيه الهالك، إلا ببينة تقوم له على تحقيق ما يدعي، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «البينة على من ادعى» " وبالله التوفيق. [مسألة: النظر في قضاء أنفذه قاض قبله] مسألة قال: ورأيته كتب إلى عامل في قضاء كان قد أمضاه عاملان قبله، فنظر فيه العامل الثالث، فجاءه رجل يستعين بالكتاب إليه فيه، فكتب إليه إن كان من قبلك أمضاه بحق فأنفذه لصاحبه. قال محمد بن رشد: هذا يدل على أن للفقيه المقبول القول أن

يكتب إلى الحاكم بالفتوى ويعلمه ما يصنع وإن لم يسأله الحاكم، وهذا في غير القضاة، وأما القضاة فلا ينبغي أن يكتب إليهم بما يفعلون إلا أن يسألوه؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى أنفة تؤذي، وفي كتابه إليه أن ينفذ ما أمضاه من قبله إن كان ما أمضاه بحق دليل على أنه أمران ينظر فيما أمضاه من قبله، فإن كان أمضاه بحق أنفذه، فحمل على هذا أحكام العمال على الرد حتى يتبين أنها كانت أمضيت بحق فتجاز. وهذا خلاف ما وقع من قوله في المدونة فيما قضت به ولاة المياه أن ذلك جائز، إلا أن يكون جورا بينا لأن ذلك من قوله يقتضي أن تكون أحكامهم على الإجازة فلا ينظر فيها ولا تتعقب وتجاز ما لم يتبين فيها الجور البين. وهذا الاختلاف إنما يصح في غير العدل من الولاة، فمرة رأى أحكامهم جائزة ما لم يتبين فيها الجور وهو مذهب أصبغ، وتارة رآها مردودة ما لم يتبين فيها الحق وهو اختيار ابن حبيب قياسا على الشهادة، وأما العدل منهم فلا اختلاف في أن أحكامهم محمولة على الجواز، وأنه لا يرد منها إلا ما يتبين فيه الجور، ويحتمل أن يحمل ما في المدونة على العدل، وما في هذه الرواية على غير العدل، فلا يكون في هذا اختلاف من قول مالك، وإن جهل حاله. فالذي أقول به أن ينظر إلى الأمير الذي ولاه، فإن كان عدلا فهو محمول على العدالة، وإن كان جائرا يولي غير العدول فهو محمول على غير العدالة، وإن كان غير عدل إلا أنه لا يعرف بالجور في أحكامه ولا بتوليته غير العدل جرى ذلك على الاختلاف في جواز أحكامه، واختلف الشيوخ عندنا في أحكام ولاة الكور مثل القواد، وتنازعوا في ذلك، فأمضاها أبو إبراهيم ولم يجزها اللؤلؤي حتى يجعل إليه مع القيادة والنظر في أمور الكورة النظر في الأحكام، واستحسن ابن أبي زمنين إذا كان للكورة قاض قد أفرد للنظر في الأحكام ألا يجوز حكم الولاة، وإن لم يكن لها قاض أن يجوز حكمهم لما في ذلك للناس من الرفق والانتصاف، وهو أحسن الأقوال وأولاها

مسألة: رمي الغير بالكفر

بالصواب؛ لأنه إذا ولى مع القائد حكم في الكورة فقد بان بذلك أنه قد حجر عليه الحكم في الأحكام، وإذا لم يول معه فيها حكم وجب أن يجوز حكمه كما قال مالك في ولاة المياه، وسيأتي من معنى هذه المسألة في رسم أسلم من سماع عيسى وفي رسم الصبرة ورسم المكاتب من سماع يحيى، وفي رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ وبالله التوفيق. [مسألة: رمي الغير بالكفر] مسألة وقال عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا قال أحدكم لأخيه كافرا فقد باء بها أحدهما» . قال محمد بن رشد: هذا حديث يحتاج وجوها من التأويل: أحدها أن يكون معناه أن من قال لصاحبه يا كافر معتقدا أن الذي هو عليه هو الكفر، فأحدهما على كل حال كافر، إما المقول له إن كان كافرا، وإما القائل إن كان المقول له مؤمنا؛ لأنه إذا قال للمؤمن يا كافر معتقدا أن الإيمان الذي هو عليه كفر فقد حصل هو كافر باعتقاده إيمان صاحبه كفرا، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5] وأما إن قال لمؤمن يا كافر وهو يظنه كافرا ولا يعلم أنه مؤمن فليس بكافر، وإنما هو غلط. والثاني أن يكون معناه النهي عن أن يكفر الرجل صاحبه باعتقاد ما لا يتحقق أنه باعتقاده كافر؛ لأنه إن لم يكن باعتقاده ذلك كافرا كان القائل له قد باء بإثم ما رماه به من الكفر. والثالث أن يكون معناه النهي عن أن يظن المسلم بأخيه المسلم أنه يعتقد الكفر ويظهر

: رجل كانت بينه وبين أبيه خصومة فأراد أن يحلفه

الإسلام فيقول له يا كافر؛ لأنه إن لم يكن كذلك باء بإثم تكفيره، وهذا التأويل أشبه بمراد مالك؛ لأن الظاهر أنه احتج بالحديث على كتابه إلى العامل أن ينظر فيما أمضاه من قبله، إذ لم ير أن يكتب إليه برد ذلك من فعله مخافة أن يبوء بإثم حمله حكمه على الجور دون بغي وبالله التوفيق. [: رجل كانت بينه وبين أبيه خصومة فأراد أن يحلفه] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك عن رجل كانت بينه وبين أبيه خصومة فأراد أن يحلفه فكره ذلك. قال محمد بن رشد: هذا من قول مالك يدل على أن له أن يحلفه، ولا يكون عاقا له بتحليفه إياه، إذ لا إثم في فعل المكروه، وإنما يستحب تركه، وهو قول ابن الماجشون في الثمانية أن تحليفه إياه في حقه ليس بعقوق له، وهو ظاهر قول ابن القاسم وأصبغ في المبسوطة أنه يقضى له بتحليفه إياه، ولا يكون عاقا بذلك، وقال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وسحنون: إنه لا يقضى له بتحليفه إياه، ولا يمكن من ذلك إن دعا إليه، ولا من أن يحده في حد يقع له عليه؛ لأنه من العقوق وهو مذهب مالك في المدونة في اليمين في كتاب المديان، وفي الحد في كتاب القذف وهو أظهر الأقوال، لقوله عز وجل: {وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] . ولما جاء من أنه ما بر والديه من شد النظر إليهما أو إلى أحدهما. وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمين للولد على والده، ولا للمملوك على سيده» ويشهد لصحته قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك» . قد روى أصبغ عن ابن القاسم في كتاب الشهادات أنه

مسألة: طلب الجار من جارهنزع الخشب من جداره

يقضى له أن يحلفه في حق يدعيه عليه، وأن يحده في حد يقع له عليه، ويكون عاقا بذلك ولا يعذر فيه بجهل وهو بعيد؛ لأن العقوق من الكبائر، فلا ينبغي أن يمكن أحد من ذلك، وهذا فيما يدعيه الولد عليه، وأما إن ادعى الوالد عليه دعوى فنكل عن اليمين وردها عليه، أو كان له شاهد على حقه عليه، فلا اختلاف في أنه لا يقضي له عليه في الوجهين إلا بعد يمينه، وكذلك إن تعلق بيمينه حق لغير ابنه فإنه يلزمه اليمين باتفاق، كالأب يدعي تلف صداق ابنته والزوج يطلبه بالجهاز أو كالرجل يدعي على أب زوجته نحلة انعقد عليها نكاحه وهو منكر، وانظر إذا قام الأب طالبا لابنه بالنفقة عليه وأثبت العدم هل يقضي له بالنفقة عليه دون يمين من أجل أنه لا يمين للولد على والده؟ أو لا يقضي له عليه بها إلا بعد يمينه؛ لأنها يمين الحكم، وهي يمين يأخذ بها؟ والأمر في ذلك محتمل، وأحسب أني قد رأيت الخلاف في ذلك، والأظهر في ذلك عندي وجوب الحكم عليه باليمين وبالله التوفيق. [مسألة: طلب الجار من جارهنزع الخشب من جداره] مسألة وسئل عن رجل كانت له خشب في حائط رجل أدخلها بإذن منه، ثم إن الذي له الحائط وقع بينه وبين الذي له الخشب شحناء، فقال: أخرج خشبك من حائطي. قال مالك: ليس ذلك له، على مثل هذا يخرجها على وجه الضرر، ولكن ينظر في ذلك، فإن كان احتاج إلى حائطه ليهدمه أو لينتفع به فهو أولى به. قال محمد بن رشد: لم ير مالك في هذه الرواية لمن أذن لجاره أن يضع خشبة على جداره أن يرجع فيما أذن له من ذلك ويأمره برفع خشبته عن جداره إلا أن يحتاج إلى حائطه ليهدمه أو لينتفع به، ومثله في سماع

أشهب من كتاب العارية، وقال في المدونة وغيرها إن من أذن لرجل أن يبني في أرضه أو يغرس فيها فلما بنى وغرس فيها أراد أن يخرجه إن ذلك له ويعطيه قيمة ما أنفق في بنيانه وغرسه. فذهب ابن لبابة وابن أيمن وغيرهما من الشيوخ إلى أن ذلك اختلاف من القول، إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى. وحكى العتبي عن سحنون أنه قال: إنما فرق بين المسألتين لحديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يمنعن أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره» . يريد أن من أهل العلم من يرى القضاء بالحديث، ويحمله على ظاهره في الوجوب، وهو قول ابن كنانة من أصحاب مالك، وإن لم يأذن صاحب الجدار، فكيف إذا أذن؟ وحكى ابن حبيب عن مالك وغيره من رواية مطرف وابن الماجشون أنه إذا أرفق جاره بوضع خشبة على جداره فليس له إلى رفعها ولا إلى هدم الحائط سبيل، طال الزمان أو قصر، احتاج إليه أو استغنى عنه، لا هو ولا ورثته بعده، ولا أحد ممن اشترى منهم إلا أن يهدم الجدار ثم يعيده صاحبه لهيئته فليس لصاحبه أن يعيد خشبة عليه إلا بإذن مستأنف، قالوا: وكذلك كل ما أذن فيه مما يقع فيه العمل والإنفاق من البنيان في حق الإذن والغرس والإرفاق بالماء من العيون أو البيار لمن ينشئ عليه غرسا ويبتدئ عليه عملا فلا رجوع فيه، عاش أو مات، باع أو ورث احتاج أو استغنى، وهو كالعطية. ولو اشترط أن يرجع في ذلك متى شاء لبطل الإذن على هذا الشرط قبل العمل، ولبطل الشرط بعد العمل، لما فيه من الضرر بالعامل. قالوا: وما كان لا يتكلف فيه عمل ولا كبير إنفاق، مثل فتح باب أو فتح طريق إلى مختلف في فناء الأذن، أو أرضه، أو إرفاق بماء لشفه أو لسقي شجر قد أنشئت وغرست قبل ذلك فنضب ماؤها، أو غارت آبارها، فهذا مما للآذن فيه الرجوع إذا شاء، إلا أن يكون يوم أذن له بهذه الأشياء قد حد له حدا، ووقت له وقتا من

الأجل فيلزمه إلى مدته، أو يكون المأذون له قد باع واشترط للمشتري فيما أذن له فيه بعلم الآذن فيكون ذلك لازما له، إلا أنهم قالوا فيمن أذن لرجل أن يسوق على أرضه ماءه أو ماء من النهر، أو من ماء الآذن إلى أرض المأذون له، فليس له أن يرجع في ذلك وإن كان المأذون له لم يتكلف في ذلك كبير نفقة، مراعاة لإلزام ذلك عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة لعبد الرحمن بن عوف بغير إذنه وعلى غير طوعه، وإن كان العمل ليس عليه، واختار هذا ابن حبيب، وحكى عن أصبغ أن ذلك كله عنده سواء ما تكلف فيه عمل وإنفاق، وما لم يتكلف فيه ذلك، للآذن أن يرجع فيه إذا أتى عليه من الزمان ما يكون إلى مثله عارية مثل هذا، إلا في الذي أذن لرجل أن يغرس غرسا على مائة، فلما غرسه أراد أن يقطع الماء عنه فلا يكون ذلك له، قال: وهو على مذهب ابن القاسم. فيتحصل في هذه المسألة ستة أقوال: أحدها أنه ليس للآذن في شيء من ذلك كله أن يرجع فيه إلا أن يحتاج، وهو الذي يأتي على ما حكيناه على ابن لبابة وابن أيمن في تأويل الرواية. والثاني أنه ليس له أن يرجع في شيء من ذلك وإن احتاج. والثالث أن له أن يرجع في ذلك وإن لم يحتج ويدفع إلى المأذون له فيما كان له من ذلك عمل قيمة نفقته. والرابع أن للآذن أن يرجع في ذلك إذا مضى له ما يعار إلى مثله. والخامس الفرق بين الإذن في وضع الخشب على الجدار وبين سائر ذلك للحديث الوارد بالنهي عن المنع من ذلك. والسادس الفرق بين ما تكلف المأذون له فيه نفقة، وبين ما لم يتكلف فيه نفقة، وهذا الاختلاف كله إنما هو في الإذن المبهم الذي لم يصرح فيه بذكر هبة ولا عارية، فمنهم من حمله على الهبة فلم ير فيه رجوعا، ومنهم من حمله على العارية فرأى فيه الرجوع إذا مضى من الأمد ما يكون عارية ذلك الشيء إلى مثله، ومنهم من جعله من ناحية العدة التي لا تلزم، فرأى الرجوع فيه متى شاء، ومنهم من حمله فيما فيه نفقة على الهبة، وفيما لا نفقة فيه على العارية، على اختلافهم في العارية إذا لم يسم لها

مسألة: مؤنة إصلاح السقف المنكسر بين الشريكين

أجلا، هل تلزم أو لا تلزم؟ ومنهم من فرق بين الإذن في وضع الخشب على الجدار، وبين سائر الأشياء للحديث. ويختلف إذا غرس على مائه وهو ساكت، ثم أراد أن يقطع عنه الماء. قيل ذلك له بعد أن يحلف أن سكوته لم يكن رضى، وقيل: إن سكوته كالإذن ويجري الأمر في ذلك على ما ذكرناه من الاختلاف في الإذن المبهم وبالله التوفيق. [مسألة: مؤنة إصلاح السقف المنكسر بين الشريكين] مسألة وسئل مالك عن الرجلين يكون بينهما المنزل، لأحدهما الأسفل وللآخر العلو، فينكسر السقف الأدنى الذي هو سقف البيت الأسفل، على من ترى إصلاحه؟ قال: على الأسفل. فقلت له: الخشب تريد؟ قال: نعم، قيل له: إن الأسفل يحتج فيقول: هو أرضك للأعلى، وأنت الذي تمشي عليها. قال: بل هو سقفه، وعليه أن يبنيه وهو مثل جداره الأسفل، وكذلك لو انهدم كان عليه أن يبنيه من أسفله حتى يسقفه يكون ذلك عليه كله. فقيل له: والحجر عليه؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مثل ما في المدونة وغيرها ولا اختلاف أعلمه فيها، والدليل على صحتها قول الله عز وجل: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] . فلما أضاف عز وجل السقف إلى بيوتها وجب أن يحكم بالسقف لصاحب البيت إذا اختلف فيه مع صاحب الأعلى فادعاه كل واحد منهما لنفسه، وأن يحكم عليه أنه له، فيلزم بنيانه إذا نفاه كل واحد منهما عن نفسه وادعى أنه لصاحبه ليوجب عليه بنيانه، فإما أن يبني وإما أن

: تجديد دعوى بعد موت من قضى فيها بحكم

يبيع ممن يبني على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك. وقال سحنون: يجبر على أن يبني ولا يجوز أن يبيع ممن يبني إلا أن يعجز عن بنيانه لأن في البيع على هذا الشرط عنده غررا فلا يجوز إلا عند الضرورة وبالله التوفيق. [: تجديد دعوى بعد موت من قضى فيها بحكم] ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل مالك عن الرجلين يختصمان في الدار ويحضرهما رجال، فيقول القاضي لأحدهما: قد نظرت في أمرك فلا أرى لك حقا، فانصرفا وأقاما حتى مات، أترى ذلك قضاء؟ ثم قام بعد ذلك أولادهما يختصمون في ذلك، فأقام ولد الذي خاصمه البينة أنه قال له القاضي: لا أرى لك حقا. قال مالك: إن مما يبين ذلك عندي أن يكون ذلك في يد الميت حتى مات. فقلت له: لم يزل ذلك في يده حتى مات. قال: فأرى ذلك قضاء ولا أرى لهم شيئا. قال محمد بن رشد: لا يفتقر حكم القاضي إلى حيازة على ما يأتي في رسم أسلم من سماع عيسى، وفي رسم المكاتب من سماع يحيى، إلا أنه لما لم يكن قول القاضي لأحد الخصمين قد نظرت في أمرك فلا أرى لك حقا إفصاحا منه بالقضاء عليه بالتعجيز، استدل على ذلك بكون الدار في يد خصمه إلى أن توفي، فأمضى عليه الحكم بالتعجيز، ولم ير لورثته بعد ذلك قياما. وقد اختلف فيمن أتى ببينة بعد الحكم عليه بالتعجيز هل تقبل منه أم لا؟ على ثلاثة أقوال -: أحدها أنها لا تقبل منه كان الطالب أو المطلوب، وهو قول ابن القاسم في رسم النكاح من سماع أصبغ كتاب النكاح في تعجيز الطالب، وإذا قاله في الطالب فأحرى أن يقوله في المطلوب، ودليله قول مالك في هذه الرواية. والقول الثاني أنها تقبل منه كان الطالب أو المطلوب إذا كان لذلك وجه،

: القضاء على الغائب

وهو ظاهر ما في المدونة إذ لم يفرق فيها بين تعجيز الطالب والمطلوب، وقال: إن القاضي يقبل منه ما أتى به بعد التعجيز إذا كان لذلك وجه. والقول الثالث أن ذلك يقبل من الطالب ولا يقبل من المطلوب، وهو ظاهر قول ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات؛ لأنه إنما قال ذلك في الطالب، والمطلوب بخلافه، إذ المشهور فيه أنه إذ عجز فعجز وقضي عليه مضى الحكم، ولم يسمع منه ما أتى به بعد ذلك، وإلى هذا ذهب ابن الماجشون في المطلوب، وفرق في الطالب بين أن يعجز في أول قيامه قبل أن يجب على المطلوب عمل، وبين أن يعجز بعد أن وجب على المطلوب عمل، ثم رجع عليه، ففي تعجيز المطلوب قولان، وفي تعجيز الطالب ثلاثة أقوال قيل: هذا في القاضي الحاكم دون من بعده من الحكام. وقيل: ذلك فيه وفيمن بعده من الحكام، وهذا الاختلاف إنما هو إذ أعجزه القاضي بإقراره على نفسه بالعجز، وأما إذا عجزه السلطان بعد التلوم والإعذار وهو يدعي أن له حجة فلا يقبل منه ما أتى به بعد ذلك من حجة؛ لأن ذلك قد رد من قوله قبل نفوذ الحكم عليه، فلا يسع بعد نفوذه عليه وبالله التوفيق. [: القضاء على الغائب] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل مالك عن الرجل الغائب هل يقضى عليه؟ فقال مالك: أما الدين فإنه يقضي عليه، وأما كل شيء كانت فيه حجج فإنه لا يقضى عليه. قال سحنون: والدين مثله يكون فيه الحجج. قال القاضي: الغائب في مذهب مالك على ثلاثة أقسام: أحدها غائب قريب الغيبة على مسيرة اليوم واليومين والثلاثة، فهذا يكتب إليه وبعذر إليه في كل حق. فإما وكل وإما قدم، فإن لم يفعل

حكم عليه في الدين، وبيع فيه ماله من أصل وغيره، وفي استحقاق العروض والحيوان والأصول وجميع الأشياء من الطلاق والعتاق وغير ذلك، ولم يرج له حجة في شيء من ذلك. والثاني غائب بعيد الغيبة على مسيرة العشرة الأيام وشبهها، فهذا يحكم عليه فيما عدا استحقاق الرباع والأصول من الديون والحيوان والعروض، وترجى له الحجة في ذلك. والثالث غائب منقطع الغيبة مثل مكة من إفريقية والمدينة من الأندلس وخراسان، فهذا يحكم عليه في كل شيء من الديون والعروض والحيوان والرباع والأصول، وترجى له الحجة في ذلك، فالغائب الذي تكلم عليه في المدونة هو الغائب على مسيرة العشرة الأيام وشبهها؛ لأن هذه الغيبة هي التي يقضى عليه فيها عند مالك في الديون والحيوان والعروض، ولا يقضى عليه فيها في الرباع والأصول التي تكون فيها الحجج، ولم يتكلم في الرواية على الحيوان والعروض، وإرادته أنه يحكم عليه فيها كالديون، وهو نص قول ابن القاسم في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ، وترجى له الحجة عند مالك فيما يقضي به عليه من ذلك، فإن جرح البينة التي حكم عليه بها بإسفاه أو عداوة رجع فيما حكم به عليه من الحيوان والعروض، وفيما قضى عنه من الديون، ولم يرد ما بيع عليه فيها؛ لأنه بيع بوجه شبهة. وذهب سحنون إلى مذهب ابن الماجشون في أنه يقضى عليه في هذه الغيبة في الرباع وغيرها، وإلى مذهبه هذا نحا بقوله: والدين مثله يكون فيه الحجج. يقول: إنه يقضى عليه في الرباع وإن كانت فيها الحجج كما يقضى في الدين، إذ قد يكون فيه الحجج ولا يرجع في شيء من ذلك عندهما بتجريح البينة التي حكم عليه بها بعداوة أو إسفاه، إلا أن ينكشف أنهم عبيد، أو على غير

مسألة: ما تغلظ فيه اليمين من الأموال

الإسلام، أو مولى عليهم، فإن انكشف أنهم على شيء من هذه الأحوال، رجع فيما قضى به عليه من الأصول والعروض والحيوان، وفيما قضى عنه من الديون، ولم يرد ما بيع عليه فيها من ماله؛ لأنه بيع بوجه شبهة، فعلى قولهما يوكل للغائب وكيل يحتج عنه، ويعذر إليه، فلا يرجى له حجة، وعلى مذهب ابن القاسم لا يوكل له وكيل، وترجى له الحجة. وأهل العراق لا يرون أن يقضى على الغائب في شيء من الأشياء، وسيأتي في نوازل سحنون الحجة عليهم في ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: ما تغلظ فيه اليمين من الأموال] مسألة قال: مالك: إذا كان على القوم ربع دينار بذكر حق واحد لم أر أن يحلفوا عند المنبر. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها من أنه لا يحلف عند المنبر إلا في ربع دينار فصاعدا، وهذا ما لا إشكال فيه ولا اختلاف؛ لأن يمين كل واحد منهم إنما هي على ما يصير عليه من ربع الدينار، وهذا إذا لم يكونوا شركاء، ولا كان بعضهم حميلا ببعض، وأما لو كان ربع الدينار لقوم على رجل واحد من ذكر حق واحد لوجب إن قاموا عليه جميعا أن يحلفوه يمينا واحدة عند المنبر، وإن افترقوا حلف لكل من قام عليه منهم فيما ينوبه من ربع الدينار حيث ما قضى عليه لا عند المنبر، هذا معنى قول ابن المواز عندي في مساواته بين أن يكون ربع الدينار لرجلين أو لرجل على رجلين في أن اليمين في ذلك لا يكون في المسجد الجامع ولا عند المنبر، وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أنه لا

يحلف عند المنبر وإن قاموا عليه جميعا فحلفوه يمينا واحدة، وهو ظاهر قول ابن المواز، والذي يوجبه النظر أن يحلف يمينا واحدة عند المنبر، قاموا عليه معا أو مفترقين على قياس ما قالوا في الرجل يدعي عليه ورثة الرجل أنه غاب لهم من تركة الميت على شيء أنه يحلف لجميعهم يمينا واحدة، وأنه إن قام أحدهم عليه فحلفه كانت اليمين لجميعهم، ولم يكن لمن بقي منهم أن يحلفه ثانية؛ لأن اليمين إذا كانت بأمر حكم فهو حكم ماض وفصل، وممن نص على ذلك ابن الهندي في وثائقه. وقوله: عند المنبر يريد منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لأنه لا يرى الاستحلاف عند المنبر إلا في منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لقوله: «من حلف على منبري إثما تبوأ مقعده من النار» وأما في غير المدينة فإنما يحلف في المسجد الجامع عند المنبر، لحرمة موضعه من المسجد لا لحرمته في نفسه، إذ لو نقل عن موضعه إلى موضع سواه من المسجد أو غيره لم تنقل اليمين عن موضعها إلى حيث المنبر، بخلاف منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك، فاليمين في المدينة عند منبره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حيث ما كان من المسجد، وليس هو عند محرابه؛ لأنه زيد في قبلته فبقي المنبر في موضعه، وفي غير المدينة من جوامع الأمصار عند المحراب، وفي مكة ما بين الركن والمقام. والشافعي لا يرى اليمين عند المنبر بالمدينة ولا بين الركن والمقام بمكة إلا في عشرين دينارا فصاعدا، وحجته ما روي أن عبد الرحمن بن عوف أبصر قوما يحلفون بين الركن والمقام، فقال: أعلى دم؟ قيل: لا، قال: أفعلى أمر عظيم؟ قيل: لا، قال: لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام. وفي بعض الروايات أن يهات الناس بهذا المقام أي يأنس الناس به، يقال يهات به إذا أنست به. وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أنه لا يجب

: التغليظ بالحلف في المسجد الجامع على الأموال

الاستحلاف عند منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولا فيما بين الركن والمقام على أحد في قليل الأشياء ولا كثيرها، ولا في الدماء ولا في غيرها. قالوا: وإنما يحلف الحكام من وجبت عليه اليمين في مجالسهم. قالوا: وقد أبى زيد بن ثابت أن يحلف على المنبر، فالأخذ بمذهبه أولى من اتباع مروان على رأيه. وليس قولهم بصحيح؛ لأن زيدا علم أن ما حكم به مروان عليه هو الحق، وكره أنه يصير يمينه عند المنبر، ولو كانت اليمين عنده لا تجب عند المنبر لأنكر على مروان قضاءه عليه بذلك، كما أنكر عليه غير ذلك من الأشياء والله أعلم وبه التوفيق. [: التغليظ بالحلف في المسجد الجامع على الأموال] ومن كتاب القبلة قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: يحلف في المسجد الجامع في الأيمان إذا كان ذلك يبلغ ربع دينار فصاعدا. وأما الشيء التافه فإنه يحلف في مقامه، وحيث ما قضي عليه باليمين. قال مالك: ويحلفون قياما. قال محمد بن رشد: هذه مسألة وقعت في بعض الروايات، وقوله فيها: إنه يحلف في المسجد الجامع إذا كان ربع دينار فصاعدا خلاف ظاهر ما في المدونة. لأنه إنما ذكر فيها ربع الدينار في الحلف عند منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال: إنه يحلف في المسجد الجامع فيما له بال، معناه وإن كان أقل من ربع دينار على تأويل الشيوخ فيه. وقوله: ويحلفون قياما يحتمل أن يحمل على مما في التفسير لما في المدونة؛ لأنه إنما قال فيها: إن الحالف لا يستقبل به القبلة. وفي المبسوطة لمالك أنه يحلف قائما دبر الصلاة. وقد قيل: إنه يحلف قائما مستقبل القبلة، وهو مذهب ابن الماجشون، وقيل: ليس عليه أن يحلف قائما. وهو قول ابن كنانة، وفي صفة اليمين أيضا اختلاف كثير، والمشهور ما في المدونة أنه يحلف

: خلط القمح الجيد بالرديء

بالله الذي لا إله إلا هو، لا يزيد على ذلك. وقد قيل: إنه يزيد في يمينه عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. وهو قول ابن كنانة في المدونة. وفي مختصر ابن شعبان أن من حلف عند المنبر فليقل: ورب هذا المنبر، وقد روي عن مالك وابن القاسم أن الحالف في القسامة يقول: أقسم بالله الذي أحيا وأمات. وقع ذلك في النوادر، وقاله ابن حبيب، ولو حلف والذي لا إله إلا هو وحده لم يجز، قاله أشهب في كتاب ابن المواز. [: خلط القمح الجيد بالرديء] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب البيوع قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن الرجل تكون معه السفينة فيشتري القمح الأسمر المتغير ويشتري القمح الأبيض فيصب بعضه على بعض. قال: ما أحب ذلك، قال: كل واحد منهما على حدته أحب إلي. قال القاضي: هذا ما لا اختلاف فيه أنه لا يجوز خلط الجيد بالرديء من الطعام كله، ولا مما يكال أو يوزن من غير الطعام، وإن سن ذلك عند البيع؛ لأنه من الغش، وقد قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من غشنا فليس منا» . قال مالك في كتاب ابن المواز: ويعاقب فاعله، وكذلك البر والشعير، والسمن والعسل، فإن خلط ذلك لقوته كره له بيع ما فضل منه وإن قل. وقال ابن القاسم: إذا لم يتعمد خلطه للبيع فأرجو أن يكون خفيفا. وقاله مطرف وابن الماجشون في الواضحة. فقوله في هذه الرواية: ما أحب ذلك، كل واحد منهما على حدته أحب إلي

مسألة: الشهادة على السماع بالقضاء

هو على عادته في أن يقول في الحرام الذي لا يحل ولا يجوز: أكره ذلك ولا أحبه؛ لأنه كان يكره أن يقول حرام إلا على ما نص على تحريمه في الكتاب والسنة. وستأتي المسألة في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب السلطان ونتكلم عليها بأوعب من هذا الكلام إن شاء الله عز وجل وبه التوفيق. [مسألة: الشهادة على السماع بالقضاء] مسألة وسئل عن فريقين اختصموا فقضي على أحد الفريقين فخرج المقضى عليهم يحدثون الناس علانية أنه قد قضي عليهم، ثم احتيج إلى قضاء ذلك القاضي فلم يوجد عند أحد منهم علم إلا الذين كان المقضي عليهم يقولون عندهم قد قضي علينا فيسألوا الشهادة بذلك، فقالوا: أما أنه لا يشهد بها. قال: أرى أن يشهدوا بذلك على وجه يقولون سمعناهم يذكرون ذلك، فلا ندري أكان ذلك أم لا؟ قال: ولربما قال المرء قد قضي علي وما قضي عليه، وإني لأرى هذه الشهادة ضعيفة. قال محمد بن رشد: وقع في هذه المسألة في بعض الروايات أمانة لا يشهد بها، وفي بعضها أم أنه لا يشهد بها وهو أظهر في المعنى. وقوله فيها: إنهم يشهدون بما سمعوا منهم على وجه ما سمعوه منهم صحيح، لا يجوز لهم سوى ذلك وهي ضعيفة على ما قال، لا يصح الحكم بها، إذ ليس بإقرار صريح منهم على تنفيذ الحكم عليهم، إذ قد يقول المرء قضي علي لما يرى من أسباب وجوه تنفيذ القضاء عليه وقرب ذلك عنده وإن لم يكن بعد، على عادة العرب في تسمية الشيء باسم ما قرب منه ألا

مسألة: الهروب من تولي منصب القضاء

ترى أنه قد سمي المأمور بذبحه من ابني إبراهيم ذبيحا ولما يذبح لقربه من الذبح، وهو في اللسان أشهر من أن يخفى. ووجه قوله: إنهم يشهدون بها وإن كانت ضعيفة لا يحكم بها عنده، هو أنه قد يكون الحاكم ممن يرى إجازتها. وهذا مثل قوله في المدونة في الذي يرى خطه ولا يذكر الشهادة أنه يؤديها كما علم ولا ينتفع، وهو يدل من مذهبه على تصويب المجتهدين، وللقول على هذا موضع غير هذا وبالله التوفيق. [مسألة: الهروب من تولي منصب القضاء] مسألة قال: وقال عمر بن حسين: ما أدركت قاضيا استقضي بالمدينة إلا كآبة القضاء وكراهيته في وجهه إلا قاضيين سماهما. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه الحكاية بين؛ لأن القضاء محنة ومن دخل فيه فقد ابتلي بعظيم؛ لأنه قد عرض نفسه للهلاك إذ التخلص منه على من ابتلي به عسير، روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: " وددت أني أنجو من هذا الأمر كفافا لا لي، ولا علي " وروي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين» . وقال أبو قلابة: مثل القاضي العالم كالسابح في البحر، فكم عسى أن يسبح حتى يغرق، وأحق ما اغتم به المسلم وبدت الكراهة والكآبة فيه عليه ما علم أنه مرتهن به، ومسؤول عنه، ومشدد عليه المسألة فيه. روي أنه «ما من قاض يأتي يوم القيامة إلا ويداه مغلولتان إلى عنقه فلا

مسألة: حظير الحائط المشتمل على مال للغير

يحلهما إلا عدله» . وقال رسول الله: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته» الحديث وبالله التوفيق. [مسألة: حظير الحائط المشتمل على مال للغير] مسألة وسئل عمن له ممر في حائط رجل إلى مال له وراء ذلك الحائط، ولم يكن الحائط محظرا، فأراد صاحب الحائط أن يحظر حائطه ويجعل عليه بابا. فقال: ما أرى ذلك له إلا أن يرضى بذلك الذي له الممر في الحائط؛ لأنه إذا كان محظرا مبوبا لم يكن يدخل الذي له الممر في الحائط متى شاء، ويوشك أن يأتي ليلا فلا يفتح له، ويقال له: مثل هذه الساعة لا نفتح لأحد، وإذا كان المطر لم يقعد صاحبه الثاني حتى يأتي، فما رأى ذلك إلا أن يرضى صاحب الممر. قيل له: أرأيت إن حظر ولم يجعل على الحائط بابا يغلق؟ قال: إذا حظر ولم يجعل له بابا يغلق، كيف يدخل منه ويخرج ولا يغلق، فيوشك أن يأتي من يريد الممر إلى حائط هذا الذي له الممر ممن كان يمر فيه ويأتيه منه، فإذا رأى الحائط قد حظر لم يمر، ويوشك أن يطول هذا فينسى حق هذا، ويجعل على ذلك الباب بابا (ويقال)

مسألة: جلد الخصم الألد

للذي له الممر هل تعلم أحدا يشهد على أن ذلك علينا ممرا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى، قد أوضح مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه قوله فيها إيضاحا ارتفع به منها الإشكال، واستغنى به فيها عن الشرح والكلام. وفي قوله في آخر المسألة: فيوشك أن يأتي من يريد الممر إلى حائط هذا الذي له الممر إلى آخر قوله دليل على أن من أحدث بابا أو ممرا أو أضلاعا فوجب قطع ذلك أنه لا يترك لشيء من ذلك أثر دليل على شيء منه، ولا يجزئ في ذلك قطع الضرر إذا بقيت آثاره، وفي هذا اختلاف؛ لأن ما اعتل به من الطول يقدر على رفعه بالإشهاد على ما قاله في رسم الأقضية الرابع من سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات وبالله التوفيق. [مسألة: جلد الخصم الألد] مسألة قال ابن نافع: قال مالك: أخبرني رجل صالح قديم، قال: أدركت الناس وإذا خاصم الرجل الظالم الرجل الملد جلده. قال محمد بن رشد: هذه المسألة تقدمت والقول فيها في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [: قضاء القاضي بفهمه] ومن كتاب الأقضية الثالث قال: وسئل مالك عن القاضي إذا اختصم إليه الخصمان، أترى أن يقضي بينهما بما حضر ساعتئذ من الفهم؟ فقال: ذلك يختلف، أما الأمر الذي عرفه ومر عليه وقضى به فذلك يقضي فيه

بما رأى، وأما الأمر الذي لا يدري ما هو ولم يقبله بفهمه فلا أرى ذلك حتى يثبت فيه وينظر. وقال عمر بن عبد العزيز: لا ينبغي للقاضي أن يقضي إلا أن يكون عالما بما مضى من أقضية الناس مستشيرا لأولي الأمر. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن الأمر الذي قد مر عليه، وقضى به وعرف وجه الحكم فيه يقضي بما قد تقرر عنده من نص كتاب أو سنة أو إجماع أو اجتهاد، وليس عليه فيما علم الحكم فيه من طريق النظر والاجتهاد إعادة النظر، والاجتهاد كلما تكررت عليه النازلة بعينها، وأما ما نزل به مما لم يمر عليه فالواجب عليه أن يطلب وجه الحكم فيه في محكم كتاب الله، فإن لم يجده ففي ما جاء عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صحبته الأعمال، فإذا كان خيرا صحبت غيره الأعمال قضى بما صحبته الأعمال، وهذا معلوم من أصول مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العمل مقدم على أخبار الآحاد العدول، وكذلك القياس مقدم عنده على أخبار الآحاد العدول على ما ذهب إليه أبو بكر الأبهري، فإن لم يجد في السنة في ذلك شيئا نظر في أقوال الصحابة فقضى بما اتفقوا عليه، فإن اختلفوا قضى بما صحبته الأعمال من ذلك، فإن لم يصح عنده أيضا اتصال العمل بقول بعضهم تخير من أقوالهم ولم يخالفهم جميعا. وقد قيل: إن له أن يجتهد وإن خالفهم جميعا، وكذلك الحكم في إجماع التابعين بعد الصحابة، وفي كل إجماع ينعقد في كل عصر من الأعصار إلى يوم القيامة، فإن لم يجد في النازلة إجماعا قضى فيها بما يؤديه إليه النظر والاجتهاد في القياس على الأصول بعد مشورة أهل العلم، فإن اجتمعوا على شيء أخذ به، وإن

مسألة: القضاء على الغائب في الأرض المتنازع عليها

اختلفوا نظر إلى أصح أقوالهم عنده، وإن رأى خلاف رأيهم قضى بما رأى إذا كان نظيرا لهم، وإن لم يكن من نظرائهم فليس ذلك له. قاله ابن حبيب، والصواب له أن يقضي بما رأى وإن كانوا أعلم منه إذا كان من أهل الاجتهاد؛ لأن التقليد لا يصح للمجتهد فيما يرى خلافه بإجماع، وإنما يصح له التقليد عند من يرى التقليد ما لم يتبين له في النازلة حكم، ولا خلاف في هذا، وإنما الخلاف هل للمجتهد أن يترك النظر والاجتهاد ويقلد من قد نظر واجتهد أم ليس ذلك له؟ فقيل: إن ذلك له، وقيل: إن ذلك ليس له إلا أن يخاف فوات النازلة. وأما إن لم يكن من أهل الاجتهاد ففرضه المشورة والتقليد، فإن اختلف عليه العلماء قضى بقول أعلمهم. وقيل: بقول أكثرهم على ما وقع في المدونة من اختلاف الرواية في الحكاية عن الفقهاء السبعة، والأول أصح. وقيل: إن له أن يحكم بقول من شاء منهم إذا تحرى الصواب بذلك ولم يقصد الهوى، أو له أن يكتفي بمشورة واحد من العلماء، فإن فعل ذلك فالاختيار أن يشاور أعلمهم، فإن شاور من دونه في العلم وأخذ بقوله فذلك جائز إذا كان المشاور من أهل النظر والاجتهاد وبالله التوفيق. [مسألة: القضاء على الغائب في الأرض المتنازع عليها] مسألة قال سحنون: أخبرنا أشهب قال: كتب ابن غانم إلى مالك بن أنس سأله عن الخصمين يختصمان إليه في الأرض فيقيم أحدهما على الآخر بينة بأنها له، فإذا علم بذلك الذي قامت عليه البينة هرب وتغيب فطلب فلم يوجد، أيقضي عليه وهو غائب؟ فقال مالك: اكتب إليه إذا ثبتت عندك الحجة وسألته عن كل

مسألة: النزاع في دعوى المال للغائب

ما تريد أن تسأله عنه واستقر علم كل ما تريد أن تسأله عنه عندك فلم ينض له حجة فتغيب فاقض عليه وهو غائب. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إنه إذا تغيب بعد أن استوفى جميع حججه وهرب فرارا من القضاء عليه أنه يقضي عليه ويعجزه، ولا يكون له إذا قدم أن يقوم بحجته، بمنزلة أن لو قضى عليه وهو حاضر، إلا على القول بأن المحكوم عليه إذا أتى بحجة لها وجه بعد الحكم عليه يسمع منه. وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم نذر سنة يصومها من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وأما إن هرب وتغيب قبل أن يستوفي جميع حججه، فالواجب في ذلك أن يتلوم له، فإن لم يخرج وتمادى على مغيبه واختفائه قضى عليه من غير أن يقطع حجته وبالله التوفيق. [مسألة: النزاع في دعوى المال للغائب] مسألة قال: وسألته عن الرجل يموت ويترك زوجته فيكون بيديها ماله ورباعه ودوابه وكل قليل له وكثير، وللهالك أخ غائب فيقوم ابن الأخ الغائب فيقول: أنا أثبت أن هذا المال الذي بيدها كله لعمي ليس لها منه شيء، وإني وارثه فأنا أريد خصومتها، فيقول له: أقم وكالة، فيقول: أنا أثبت ذلك لعمي، فإذا قضي له به وثبت، فضعوه على يدي عدل ولا تدفعوه إلي، أو يقوم في ذلك الرجل بمنزلة ابنه، فيقول مثل مقالته، فقال: أما الابن فإنني أرى أن يمكن من ذلك، فإذا ثبت ما قال لم يدفع إليه، ووضع على يدي عدل إن كان أبوه حيا يوم مات عمه، فأما الرجل غير ذلك

فلا أدري ما هذا، ولكني أرى ذلك للابن إن كان أبوه حيا يوم مات عمه، فما ثبت لم يدفع إليه ووضع على يدي عدل. قال محمد بن رشد: أجاز في هذه الرواية للابن أن يخاصم عن أبيه الغائب في رباعه وحيوانه وجميع ما له دون توكيل، وكذلك الأب فيما ادعي لابنه وقع ذلك في الجدار. وقال في الواضحة: إن ذلك في الأب أبين منه في الابن، ولم يجز ذلك لمن سوى الأب والابن من القرابة والعشيرة على ما يأتي له في الرسم الذي بعد هذا، وفي رسم الكبش من سماع يحيى، غير أنه زاد فيه أنه يمكن من إيقاع البينة وإثبات الحق لا أكثر، فليس ما في رسم الكبش مخالفا لهذه الرواية، وقد حملها بعض أهل النظر على الخلاف، وليس ذلك بصحيح، فإذا أثبت ذلك لأبيه أو لابنه ووضع له على يدي عدل، فجاء فادعاه أخذه بلا يمين، ولا فرق في هذا بين الربع والحيوان وغيره، كما لو كان حاضرا فنازعته زوجته فيه وأقام البينة عليه أنه له، بخلاف ما يدعيه وهو بيد غيره، ذلك لا يتم له استحقاقه إلا بعد يمينه أنه ما باع ولا وهب حاشى الأصول على اختلاف في ذلك، وإن جاء فأقر أنه لا حق له في شيء من ذلك رد إلى المرأة، إلا أن يكون عليه دين يغترق ماله، فلا يجوز إقراره أنه لا حق له فيه، وإن مات قبل قدومه ورث ذلك عنه ورثته، وإن قام عليه غرماؤه قبل قدومه قضي لهم به وأعدوا فيه، وكذا يجب في أحد الورثة يدعي دارا لموروثه وسائر الورثة غيب، فيثبتها على القول بأنه يقضى له بحصته ويوقف حصص الغيب، وهو قول مالك في الرسم الذي بعد هذا، ورواية ابن غانم عنه في الشهادات من المدونة وكتاب الولاء والمواريث منها، خلاف قول ابن القاسم فيهما أنه لا يقضي له إلا بحصته خاصة، ولا يوقف للغيب شيء، وقد اختلف في هذا على أربعة أقوال: أحدها ما حملنا عليه هذه الرواية،

وما في رسم الكبش من سماع يحيى من التفرقة بين الأب والابن، وبين سائر القرابة والأجنبيين. والثاني أنه يمكن من قام عن غائب يطلب حقا له من المخاصمة عنه في ذلك دون توكيل وإن كان أجنبيا، ذهب إلى هذا سحنون، وإلى أن القاضي يوكل من يقوم للغائب بحقه، وتأول ما روي عن مالك من أنه لا يمكن من ذلك أحد إلا بوكالة، فقال: معناه فيما طال من الزمن ودرس فيه العلم، وهو أحد قولي ابن الماجشون، وروي ذلك عن أصبغ. والثالث أنه لا يمكن من إقامة البينة، ولا يمكن من الخصومة. والرابع أنه لا يمكن من إقامة البينة ولا من الخصومة، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة ومطرف، وقد قيل: إن القريب والأجنبي يمكن من المخاصمة في العبد والدابة والثوب دون توكيل؛ لأن هذه الأشياء تفوت وتحول وتغيب، ولا يمكن من المخاصمة فيما سوى ذلك من الدين وغيره إلا الأب والابن. حكى هذا ابن حبيب في الواضحة عن مطرف، وهو قول خامس في المسألة. واختلف إذا أمكن القائم عن الغائب من المخاصمة عنه فيما يدعيه له دون توكيل على القول بأنه يمكن من ذلك. هل ذلك في القريب الغيبة دون البعيد؟ أو في القريب والبعيد؟ فقيل: إن ذلك في القريب والبعيد سواء، وهو الظاهر من رواية أشهب هذه، إذ لم يفرق فيها بين قرب الغيبة من بعدها، وكذلك حكى أبو زيد عن ابن الماجشون في الحيوان يدعيه للغائب ابنه أو أجنبي، ويقيم عليه البينة أن السلطان يوقفه له على يدي عدل ويكتب إليه، قال: لا لأن السلطان ينظر للناس حاضرهم وباديهم ولم يميز قريبا من بعيد. وقيل: إن ذلك في القريب الغيبة دون البعيد، وإلى هذا ذهب سحنون وابن حبيب فيما حكى عن مطرف، وذلك أنه روي عن مالك أن الابن يمكن من طلب دين أبيه دون توكيل. فقال: وذلك إذا كان المدعي له قريبا، فإذا أتى بالبينة أعدى

السلطان عليه بالمال فأتى به ووقفه للغائب، وضرب له أجلا. فإن جاء وطلبه أخذه، وإن قال: قد كنت تقاضيه، أو لم يأت إلى الأجل رد إلى الغريم، وإن كان بعيدا لم يوقف له شيء ولم يعوض للغريم إلا بتوكيل. قال: ولو كان حين جحده الغريم فأمكن من إقامة البينة عليه أقام شاهدا واحدا وعجز عن آخر حلف الغريم وبرئ إلى قدوم الغائب، فإن قدم حلف مع شاهده وأخذ حقه، وإن نكل لم يكن له شيء، وإن نكل الغريم أولا أخذ منه الحق معجلا ووقف للغائب فإذا قدم أخذه بلا يمين، كالصغير والسفيه يقوم له على حقه شاهد واحد، وكذلك قال في الحيوان والعروض إنه لا يمكن أحد من طلب ذلك للغائب دون توكيل إلا فيما قربت غيبته. قال: ولو كان المطلوب بالدين مقرا به ترك، ولم يعرض له كانت غيبة الأب قريبة أو بعيدة إلا بتوكيل. وقول مطرف هذا في الدين هو نحو ما حكى ابن عبدوس عن سحنون أن من غاب في سفره وترك ماله أو عقاره بيد أحد أن السلطان لا يعرض له، قال: ولو كان لم يتركه بيد أحد فقام عليه رجل فأخذه، فإن القاضي ينتزعه منه ويوكل عليه، ولا يمكن أهل العداء من عدائهم، وقال ابن كنانة: ذلك إلى اجتهاد السلطان. قال محمد بن رشد: وإنما لا يعرض السلطان لمن غاب وترك مالا له بيد رجل أو دينا له قبله إذا سافر كما يسافر الناس، وأما إذا طالت غيبته وانقطع خبره فالسلطان ينظر له ويحرز عليه ماله، على ما وقع في كتاب طلاق السنة من المدونة. وأما قول سحنون: إذا لم يكن المال في يديه بخلافه أن السلطان ينتزعه منه ويوكل عليه فهو على أصله في أن الأجنبي يمكن من الخصومة عن الغائب دون توكيل. وقد مضى القول في تحصيل الاختلاف في ذلك وبالله التوفيق.

مسألة: القضاء بقول وكيل القاضي

[مسألة: القضاء بقول وكيل القاضي] مسألة وسألته عن القاضي يأتيه القوم بينهم الخصومة في قسم شيء بينهم فيولي رجلا حساب ذلك بينهم وهو عنده عدل رضى ثقة فيأتيه فيخبره بما صار لكل واحد منهم، أفيجوز له أن يقسم بينهم بقوله؟ أو لا يجوز ذلك حتى يعلم مثل ما علم الحاسب؟ فإن ذلك قد كان عندنا ولم أقبل إلى أن كتبت إليك بأن أكون دفعت شيئا من ذلك بقول أحد من القسام حتى أعلم منه مثل الذي علموا، فإن كان ذلك شيئا لا بد منه صبرت عليه، وإن كان شيئا لي منه سعة فإن ذلك أرفق بي، فقال: اكتب إليه، إنه ليس على القضاة تفتيش مثل هذا ولا علمه، فأرجو أن يكون من مثل هذا في سعة إذا كان الرجل عدلا، وليكن من شأنك أن تدعو الورثة فتأمرهم يرتضون رجلا، فإذا ارتضوه وليته أمرهم يحسب بينهم، فإني قد رأيت بعض من عندنا يفعل ذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن القاضي يقبل قول القاسم الذي قدمه للحساب والقسمة بين القوم فيما أخبره أنه صار لكل واحد منهم، فيمضي ذلك ويقضي به ويشهد عليه، وإن لم يعلم صحته إلا بما أخبره به ولا حضر ذلك ولا شاهده، إذ ليس ذلك عليه ولعله ليس من أهل الحساب، فلو حضر وشاهد لم ينتفع بحضوره، وكذلك كل ما لا يباشره القاضي من الأمور بنفسه، فقول مأموره في ذلك مقبول عنده؛ لأن يده في ذلك كيده، وفعله كفعله، ولو اختلف الورثة في القسمة وتنازعوا في حدودها بعد أن قضى القاضي بها ونفذها بينهم على ما أخبره به القاسم الذي قدمه للقسمة فدعاهم القاضي بأصل القسمة التي أشهد عليها وقضى بها فلم توجد، أو وجدت وشهودها قد بادوا أو لم يتبين منها ما

تنازعوا فيه، والقاسم حي لقبل قوله، وأمضى شهادته وحده؛ لأنه بمنزلته في ذلك لو كان هو الذي ولي القسمة [التي أشهد عليها وقضى بها] ، بينهم بنفسه، ولو كان القاضي الذي أمره بالقسمة بالقسمة قد مات أو عزل فشهد عند غيره على ما قسم لم تجز شهادته في ذلك وحده ولا مع غيره، كما لا تجوز شهادة القاضي بعد عزله على ما مضى من حكمه. وهذا معنى ما وقع في الأقضية من المدونة، من أنه لا تجوز شهادة القسام فيما قسموا. وقوله: وليكن من شأنك أن تدعو الورثة فتأمرهم يرتضون رجلا، فإذا ارتضوه وليته أمرهم، هو أمر يستحب له أن يفعله، وليس ذلك بواجب عليه وجوبا يكون شرطا في صحة قضائه بالقسمة، إذ قد لا يجتمعون على الرضى بأحد، فإذا قدم القاضي من يرضاه جاز، وإن لم يرتضوا به كلهم أو بعضهم، وإنما يقدم القاضي قاسما يقسم بين القوم إذا تنازعوا في القسمة فدعى إليها بعضهم وأباها بعضهم، أو كان فيهم صغير أو غائب. وأما إن كانوا كبارا حضورا راضين بالقسمة فليس على القاضي أن يقدم لهم قاسما إن دعوا إلى ذلك، وليقدموا لأنفسهم من يقسم بينهم محتسبا أو بإجارة، وإذا قدم القاضي قاسما يقسم بين القوم لإباية بعضهم، أو لصغره أو لمغيبه فقسم فلا ينبغي للقاضي أن يشهد على إمضاء فعله حتى يعرضه على الكبار منهم، وعلى من قدمه للصغير، أو للغائب إن كان فيهم صغير أو غائب فيسلموه ولا يعترضوا فيه، ويراه هو صوابا في ظاهره وإن لم يقف على صحة باطنه، فإن اعترضوا فيه جميعا، أو أحدهم نظر في ذلك،

: تعديل بعض الشهود وترك الآخرين

وكذلك إنما يقدم من يحسب لهم إذا كانوا لا يقومون بالحساب، أو كان بعضهم لا يقوم به، أو كان فيهم الصغير أو الغائب. وأما إن كانوا كبارا يقومون به فإنهم يؤمرون أن يجتمعوا على الحساب ولا يقدم لهم حاسبا إلا أن يختلفوا في الحساب ويتنازعوا فيه مع اتفاقهم على أصول المواريث وبالله التوفيق. [: تعديل بعض الشهود وترك الآخرين] ومن كتاب الأقضية لابن غانم قال ابن القاسم: وسأل ابن كنانة مالكا عن الرجلين يختصمان إلى القاضي في الأرض فيقيم هذا بينة من أهل قراه معروفين فيعدلوا على أنها له، ويقيم هذا بينة من أهل قرى وجبال حولها منتحية عنها ولا يأتي لهم بتعديل فيقول هم معروفون في مواضعهم بالعدالة، وهم عندنا غرباء ليس أحد يعرفهم. فقال: إن كانت مواضعهم من عمله فليكتب إليهم فيهم. قال له ابن كنانة: ألا يقضي لهذا الذي جاء بالبينة العادلة؟ فقال: وهذا أيضا قد جاء ببينة. فقال له ابن كنانة: ولكنهم لم يعدلوا. فقال مالك: يقول الخصم هم عدول حيث يعرفون، أكتب إليه إن كان هؤلاء في عمله عليهم وال، فليكتب إليه في أمرهم، وإن كان غير ذلك فليدعهم ولا يقضي بينهم بشيء. فقال له ابن كنانة: إن هؤلاء قد عدلوا ولم يعدل هؤلاء. فقال: إن الأحب إلى أن يدعهم ولا يقضي بشيء. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الأرض ليست

في يد واحد منهما، ولو كانت في يد أحدهما لكان هو المدعى عليه، ولوجب أن تبقى الأرض في يده مع تكافؤ البينتين، أو إلى أجل يضرب له في تعديل بينته إذا عدلت بينة صاحبه. وقيل: إنها توقف إذا عدلت بينة صاحبه حتى يعدل هو بينته. وقوله: فليدعهم ولا يقضي بينهم بشيء، يريد ما لم يطل على ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ أنه قال: وهذا أحسن؛ لأن خصومتهم في ربع، ولا أرى أن يدعهم هملا أبدا، وليكشف وليستأن، فإذا طال ذلك ولم يأت صاحب البينة المجهولين بشيء قضى لصاحب البينة المعروفين المعدلين. ولو كان الاختصام في غير ربع لم أر أن يبلغ به هذا الاستيناء، ورأيت أن يقضي لصاحب البينة المعروفين بعد تلوم ليس بطويل، وفي قوله: إن كانت مواضعهم من عمله فليكتب إليه فيهم، دليل على أنه إن لم تكن مواضعهم من عمله لم يلزمه أن يكتب إلى قاضي موضعهم في تعديلهم، ومثله في رسم الأقضية من سماع يحيى من كتاب الشهادات نصا، وهو عندي ظاهر ما وقع في رسم الكبش منه، وفي سماع زونان من كتاب الشهادات المذكور، وقد حمل بعض أهل النظر ما في رسم الكبش وما في سماع زونان على أنه يلزمه أن يكتب في تعديلهم إلى قاضي موضعهم، وإن لم يكن من عمله كما لو كان من عمله، وهو من التأويل البعيد؛ لأنه إنما يلزمه أن يكتب إلى قاضي موضعهم في تعديلهم إذا كان المطلب في حق هو لله، من طلاق أو

مسألة: رجل ورثه أربعة فخاصم رجل منهم في دار حتى استحقها وإخوته غيب

عتاق وشبهه؛ لأنه يلزمه أن يحتاط في الفروج بما يجد إليه السبيل من الكتاب إلى من يعلم عدالته من القضاة. وأما ما لم يكن فيه حق لله فلا يلزمه السؤال عن الشاهد إلا في موضعه، ويستحب له أن يكتب فيه إلى أهل عمله على ما جاء في هذه الرواية وبالله التوفيق. [مسألة: رجل ورثه أربعة فخاصم رجل منهم في دار حتى استحقها وإخوته غيب] مسألة وسئل مالك عن رجل ورثه أربعة ولد له فخاصم رجل منهم في دار حتى استحقها هو، وإخوته غيب، أتخرج من يد المقضي عليه، وتدفع إلى الذي قضي له بها؟ فقال: لا تدفع إلى الذي قضى له بها، إلا بوكالة، فقيل له: إنهم إخوته، فقال: لا تدفع لأحد إلا بالوكالة، ولكن تنتزع من يد الذي قضي عليه فتوضع على يدي عدل اكتب إليه بذلك. قال محمد بن رشد: قوله إنه ينزع من يد الذي قضي عليه حظ إخوته الغيب فيوقف لهم على يدي عدل هو مثل رواية ابن غانم عنه في الشهادات والولاء والمواريث من المدونة وهو على قياس القول بأن الحكم يتم في استحقاق الأصول دون يمين، وقول ابن القاسم في المدونة: إنه لا يوقف للغيب شيء، يأتي على قياس القول بأن الاستحقاق لا يتم في ذلك للمستحق إلا بعد يمينه ما باع ولا وهب كالعروض والحيوان، فإذا وقفت لهم حظوظهم على هذه الرواية أعدي فيها غرماؤهم، وكانت لهم إن جاءوا فادعوها وورثت عنهم إن ماتوا، وإن جاءوا فأقروا أنه لا حق لهم فيها ردت إلى الذي كانت بيديه إلا أن يكون عليهم من الديون

مسألة: بيع بعض الورثة أرضهم دون الآخرين

ما يغرقها فلا يجوز إقرارهم؛ لأن ذلك من ناحية الهبة. وأما على القول بأنه لا يقضي للقائم إلا بحقه ويترك حظ الغيب بيد المدعى عليه يبيع ويغتل ويفعل فيه ما شاء، وهو مذهب ابن القاسم، فلا يعدى فيه غرماؤهم، ولا يورث عنهم إن ماتوا قبل أن يعلم ادعاؤهم له، واختلف على قياس هذا القول إن جاءوا فادعوه أو ماتوا فادعاه ورثتهم على ثلاثة أقوال: أحدها أن يكون ذلك لهم ولورثتهم بالحكم المتقدم دون بينة ولا استيناف خصومة، وهو قول ابن الماجشون، والثاني أنه يكون ذلك لهم بالحكم المتقدم دون بينة ولا استيناف خصومة، ولا يكون ذلك لورثتهم إلا باستيناف الحكم بعد الخصومة، وهو ظاهر ما في كتاب الولاء والمواريث من المدونة. وقول أصبغ فيما حكى عنه ابن حبيب. والثالث أنه لا يكون ذلك لهم، ولا لورثتهم بعدهم بالحكم المتقدم دون استيناف الخصام وإعادة البينة وهو القياس، إلا في إعادة البينة، فإنه لا وجه له. وقد أنكر ذلك سحنون في كتاب ابنه. وإن جاءوا فقالوا: لا حق لنا في ذلك، فقد قال ابن الماجشون: إن ذلك يترك بيد المطلوب، إلا أن يكون أحدهم مفلسا قام عليه غرماؤه، فلا ينظر إلى قوله، بخلاف ما يوجب للمفلس، والذي يوجبه القياس والنظر أن يترك حظ الغائب بيد المطلوب، إذا أقر أنه لا حق له فيه وإن كان إقراره بذلك بعد التفليس، إلا أن يدعي الغرماء ذلك له فيستأنف به الحكم لهم وبالله التوفيق. [مسألة: بيع بعض الورثة أرضهم دون الآخرين] مسألة وسئل مالك عن رجل توفي عن أرض كانت عفاء براحا: لا ماء فيها ولا غراس فاقتسمها الورثة فباعوا من غير واحد وخرجت من أيديهم على ذلك، فاغترس المشترون، ومنهم من اشترى ماء

فساقه، ومنهم من اكترى، فأقاموا بذلك نحوا من أربعين سنة أو أكثر حتى حيي ذلك وبلغت النخيل، ثم إن بعضهم باع حظه، فقال المشتري حيث اشترى لمن يمر منهم عليه بمائه: لا أدعك تمر به علي، وقال الذي يمر به عليه: هذا الماء لم يزل هكذا منذ أربعين سنة، لا نعرف إلا ذلك. فهل للمالك يمر بمائه في أرضه؟ فقال: نعم، فقال مالك: أرى أن يدعوهم القاضي بأصل قسم ما قاسموا عليه، فإن أتوا به حملهم عليه، وإن لم يكن إلا ما هم عليه أقروا على ذلك، ولم يكن له أن يمنعه. أرأيت الذي باعه لو جاء الآن يمنعهم؟ ما أرى شيئا الآن أمثل أن يقروا على حالهم إذا لم يكن قسم معروف. قال محمد بن رشد: قوله أرى أن يدعوهم القاضي بأصل قسم ما قاسموا عليه، فإن أتوا به حملهم عليه، يريد أنه إن كان في أصل ما اقتسموا عليه مرور الماء على البائع لزمه، ولم يكن للمشتري في ذلك كلام، إلا أن يكون لم يعلم بذلك فيكون عيبا فيما اشتري، إن شاء أن يمسك وإن شاء أن يرد به؛ وإن لم يكن في أصل ما اقتسموا أن يمر الماء عليه لم يلزمه ذلك، وكان للمشتري أن يمنع منه، فلم ير على هذا في هذه الرواية مرور الماء على البائع في أرضه أربعين سنة حيازة عليه، وهذا على القول بأن الضرر لا يحاز، وقد مضى الاختلاف في ذلك في نوازل أصبغ من جامع البيوع في مسألة المجرى في العرصة، ولا جعل بيعه للأرض رضى منه بترك القيام على المار بمائه فيها، وذلك خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ في أن من أحدث عليه ضرر فلم يتكلم فيه حتى باع لزم المشتري، ولم يكن له فيه قيام، فأحل المشتري محل البائع في القيام عليه بما كان للبائع أن يقوم

مسألة: ادعى دارا ومنزلا له في يده لطول غيبة المالك أتأذن لعشيرته في مخاصمته

به عليه، إذ قال: إن القاضي ينظر له بما كان ينظر به للبائع من أن يدعو بأصل القسم فيحملهم عليه. ويدخل في هذا اختلاف بالمعنى؛ لأنه إذا لم يجعل بيعه رضي بترك القيام فهو بمنزلة ما إذا باع ولم يعلم بما أحدث عليه، أو باع بعد أن علم في حال الخصام قبل أن يقضى له، وقد قال في كتاب النكاح الأول من المدونة في الذي يتزوج عبده بغير إذنه فيبيعه قبل أن يعلم، إن المشتري بالخيار بين أن يمسك أو يرد، ولا يكون له من الخيار في التفرقة ما كان للبائع، وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ أنه إذا باع في حال الطلب والخصام قبل أن يتم له القضاء أن المشتري ينزل منزلة البائع، ويكون له من الطلب ما كان له. فما في كتاب النكاح الأول معارض لهذه الرواية ولما في الواضحة. ويتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن بيعه بعد العلم رضى بترك القيام. والثاني أنه ليس برضى، ويقوم المشتري بما كان للبائع أن يقوم به. والثالث أنه ليس برضى من البائع، ولا قيام للمشتري، وإنما له الرد على البائع بالعيب، إن لم يعلم به، فإن رد عليه كان للبائع القيام، وكذلك إن باع السيد العبد الذي تزوج بغير إذنه بعد أن علم بتزويجه يدخل في ذلك الثلاثة الأقوال وبالله التوفيق. [مسألة: ادعى دارا ومنزلا له في يده لطول غيبة المالك أتأذن لعشيرته في مخاصمته] مسألة وسألته عن عشيرة رجل أتوك فذكروا لك أن رجلا منهم بالأندلس، وأن في يد رجل منهم لصاحبهم منزلا ودارا. وأنه قد ادعى ذلك لنفسه لطول غيبة صاحبهم، وينكر الذي في يده الدار والمنزل الذي ادعوا من ذلك أن يكون لصاحبهم في يده حق، ويسألك عشيرة الرجل الغائب أن تأذن لهم لمخاصمته وإثبات البينة

مسألة: ضرب الأجل للمحكوم عليه فيما يدعي من إقامة البينة على حجته

عليه بحق الغائب قبل هلاك من يعلم ذلك ويشهد عليه، وليست في أيديهم منه خلافة. قال: هل ترى أن يأذن لهم في ذلك؟ فقال: أرى ألا يأذن لهم في ذلك، وألا يخليهم إلا بوكالة أو أمر يعرفه. قال القاضي: هذا مثل ما حكى ابن حبيب في الواضحة من رواية ابن غانم عن مالك، ومن رواية أصبغ عن ابن القاسم عن مالك. وزاد عن ابن القاسم أنه قال: فإن جهل القاضي فأمره بالمخاصمة فحكم عليه أو له لم يجز ذلك عليه ولا له. قال: وقال ابن نافع مثله. وقد مضى القول على هذه المسألة محصلا مستوفى في الرسم الذي قبل هذا، فلا معنى لإعادة شيء منه، وبالله التوفيق. [مسألة: ضرب الأجل للمحكوم عليه فيما يدعي من إقامة البينة على حجته] مسألة وسألته عن الرجل يدعي المنزل في يد الرجل ويأتيه ببينة على ما يستحقه به فيما يحضرنا، فسأل الذي المنزل في يديه عن حجته فذكر حجة لو جاء عليها بالبينة كان أولى بالمنزل من المدعي، وسألنا أن نضرب له أجلا يجلب بينته على ما احتج به فأؤجله الأجل الواسع الشهر والشهرين والثلاثة، فيمضي الأجل ولا يحضرنا شيئا، ويذكر غيبة شهوده وتفرقهم، هل ترى أن يضرب له أجل آخر أم يقضى عليه؟ قال: أما الرجل المصدق المؤمن الذي لا يتهم على أن يدعي باطلا ولا يقوله فإني أرى أن تزيده في الأجل، ويستأنى له. وأما الرجل الملد الذي يرى أنه إنما يريد الإضرار بخصمه وتأخير حقه عنه، فلا

مسألة: احتكم إلى القاضي خصوم أعاجم فلا بد أن يترجم عنهم رجل ثقة مسلم

أرى له أن يمكنه من ذلك إلا أن يذكر أمدا تقارب شأنه، ثم يختبر كذبه في مثله فيستبرئ ذلك الأمر، القريب، ثم يقضي عليه بما يرى. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن ضرب الأجل للمحكوم عليه فيما يدعي من إقامة البينة على حجته مصروف إلى اجتهاد القضاة بحسب ما يظهر إليه من حال المضروب له الأجل وصدقه فيما يدعي، والأصل في ذلك ما في كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري من قوله: واجعل لمن ادعى حقا غائبا، أو بينة أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينة أخذت له بحقه، وإلا استحللت عليه القضية فإنه أنفى للشك وأجلى للعمى والذي مضى عليه عمل الحكام في التأجيل في الأصول ثلاثون يوما، يضرب له عشرة أيام، ثم عشرة، ثم يتلوم له بعشرة؟ أو ثمانية، ثم ثمانية، ثم ثمانية، ثم يتلوم له بستة؟ أو خمسة عشر يوما، ثم ثمانية ثم أربعة، ثم يتلوم له بثلاثة تتمم ثلاثين يوما، أو يضرب له أجلا قاطعا من ثلاثين يوما يدخل فيه التلوم، والآجال. كل ذلك قد مضى من فعل القضاة والحكام، وهذا مع حضور بينة في البلد. وأما إذا كانت غائبة عن البلد فأكثر من ذلك على ما تضمنته هذه الرواية من اجتهاد الحكام وبالله التوفيق. [مسألة: احتكم إلى القاضي خصوم أعاجم فلا بد أن يترجم عنهم رجل ثقة مسلم] مسألة (وقال) : إذا احتكم إلى القاضي خصوم يتكلمون بغير

العربية ولا يفقه كلامهم فإنه ينبغي له أن يترجم عنهم رجل ثقة مأمون مسلم، واثنان أحب إلي في ذلك من الواحد، والواحد يجزئ، ولا تقبل ترجمة أحد عنهم من أهل الكفر ولا العبيد ولا المسخوطين، ولا بأس أن تقبل ترجمة المرأة إذا كانت من أهل العدل، وكان الحق مما يقبل فيه شهادة النساء، وامرأتان ورجل أحب إلي؛ لأن هذا موضع شهادة؛ لأن القاضي إذا لم يفهم كلام الخصوم كان بمنزلة من لم يسمعه. قال محمد بن رشد: هو كما قال؛ لأن كل ما يبتدئ به القاضي فيه بالبحث والسؤال كقياس الجراحات والنظر إلى العيوب والاستحلاف والقسم بين الورثة واستنكاه من أنكر سكره وما أشبه ذلك من الأمور يجزئ فيه الواحد كذا قال في المدونة في الذي يحلف المرأة أنه يجزئ فيه رسول واحد، وكذلك قال في سماع أصبغ من كتاب الحدود في الاستنكاه وهو مما لا اختلاف فيه، والاختيار في ذلك كله اثنان عدلان ويجزئ فيه الواحد العدل. وقوله: إنه لا يقبل ترجمة أحد من أهل الكفر ولا العبيد ولا المسخوطين معناه مع وجود العدول المرضيين. ولو اضطر إلى ترجمة الكافر أو المسخوط أو العبد لأعمل قوله وحكم به، كما يحكم بقول الطبيب النصراني وغير العدل فيما يضطر فيه إلى قوله من جهة معرفته بالطب، وقد حكى فضل عن سحنون أنه قال: لا تقبل ترجمة الرجل الواحد، واحتج بقول مالك: القاضي إذا لم يفقه لسانه كان

مسألة: لا يكلف العبد من العمل إلا ما يطيق

بمنزلة من لم يسمع، ومعناه أنه لا ينبغي له أن يكتفي بترجمة الرجل الواحد ابتداء، لا أنه إن فعل ذلك لم يجز، وكان حكمه بترجمة الواحد مردودا هذا ما لا يصلح أن يكون أراده والله أعلم به. [مسألة: لا يكلف العبد من العمل إلا ما يطيق] مسألة قال مالك: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف العبد من العمل إلا ما يطيق» . قيل لمالك: أفترى أن يقضى على سيده ألا يكلفه من العمل إلا ما يطيق؟ قال: أرى أن يقضي بذلك عليهم ألا يكلفوا من العمل إلا ما يطيقون. قال محمد بن رشد: قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف» الحديث، هو حديث الموطأ من رواية أبي هريرة، ومعنى قوله فيه بالمعروف أي غير إسراف ولا إقتار، وعلى قدر سعة مال السيد وما يشبه حال العبد أيضا. فليس الوغد الأسود الذي هو للخدمة والحرث كالنبيل التاجر الفاره فيما يجب لهما على سيدهما من الكسوة سواء، وفي هذا دليل ظاهر على أنه لا يلزم الرجل أن يساوي بين عبده ونفسه في المطعم والملبس على ما ذهب إليه بعض أهل العلم لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون» . وقد روي

عن أبي اليسر الأنصاري، وأبي ذر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهما كانا يفعلان ذلك، وهو محمول منهما على الرغبة في فعل الخير، لا على أن ذلك واجب عليهما، إذ لم يقل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطعموهم مثل ما تأكلون، واكسوهم مثل ما تلبسون، وإنما قال: مما تأكلون ومما تلبسون، فإن أطعمه وكساه بالمعروف من بعض ما يأكل من الخبز والإدام ويلبس من الصوف والقطن والكتان، فقد شاركه في مطعمه وملبسه، وامتثل بذلك قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإن تفضل عليه في ذلك فلم يكن ملبسه مثل ملبسه، ومطعمه مثل مطعمه سواء. فعلى هذا تحمل الآثار ولا يكون بينها تعارض. وقد سئل مالك في سماع أشهب من كتاب الجامع أيصلح أن يأكل الرجل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه، ويلبس ثيابا لا يكسوهم مثلها؟ قال: إي والله، إني لأراه من ذلك في سعة. فقيل له: أرأيت ما جاء من حديث أبي الدرداء؟ قال: كان الناس يومئذ ليس لهم ذلك القوت. ويقضى للعبد على سيده إن قصر عما يجب له عليه بالمعروف في مطعمه وملبسه، بخلاف ما يملكه من البهائم، فإنه يؤمر بتقوى الله في ترك إجاعتها، ولا يقضى عليه بعلفها. وقد روي عن أبي يوسف أنه يقضى على الرجل بعلف دابته، كما يقضى عليه بنفقة عبده، لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل حائط رجل من الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رق له وذرفت عيناه فمسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدره وذفراه حتى سكن، ثم قال: من رب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال: هو لي يا رسول الله. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أفلا تتقي الله في البهيمة التي ملكك إياها؟ فإنه شكا إلي أنك

مسألة: للمرأة المتزوجة التصرف في ثلث مالها

تجيعه ".» والفرق بين العبد والدابة، أن العبد مكلف تجب عليه الحقوق من الجنايات وغيرها، فكما يقضى عليه يقضى له، والدابة ليست بمكلفة، لا يجب عليها حق ولا يلزمها جناية؛ فكما لا يقضى عليها لا يقضى لها. وكذلك يقضى للعبد على سيده ألا يكلفه من العمل إلا ما يطيق، على ما جاء في الحديث. والأصل في ذلك ما ثبت (من) أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " كان يذهب إلى العوالي كل يوم سبت، فإذا وجد العبد في عمل ثقيل لا يطيقه وضع منه عنه " على ما وقع في الجامع من الموطأ وبالله التوفيق. [مسألة: للمرأة المتزوجة التصرف في ثلث مالها] مسألة وسئل مالك فقيل له: أليس أمر المرأة المتزوجة جائزا في ثلث مالها؟ قال: بلى لذلك وجوه إلا أن تكون ضارة. قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك هذا أنها إذا قصدت بما فعلت الضرر لم يجز، وإن كان أقل من الثلث، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك واختاره، وقد قيل: إن الثلث فما دونه جائز وإن قصدت الضرر، وهو قول سحنون ورواية يحيى عن ابن القاسم، ورواية يحيى عن غير ابن القاسم، وسحنون عن ابن القاسم أنها إذا قصدت بالثلث الضرر لم يجز، بخلاف ما دون الثلث، فلا اختلاف في المذهب أن فعلها في أكثر من ثلث مالها لا يجوز دون إذن زوجها، وإن لم تقصد بذلك ضررا. واختلف إن قصدت بالثلث فما دونه ضررا على ثلاثة أقوال: أحدها

مسألة: ضمان ما أفسدت المواشي من حوائط الغير

أن ذلك لا يجوز. والثاني أن ذلك جائز. والثالث أنه يجوز فيما دون الثلث، ولا يجوز في الثلث. فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة. واختلف هل فعلها محمول على الجواز حتى يرده الزوج؟ أو على الرد حتى يجيزه؟ فحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون أنه محمول على الرد حتى يجيزه الزوج، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يجوز للمرأة قضاء في ذي بال من مالها إلا بإذن زوجها» . وهو ظاهر قول مالك في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب العتق، فعلى قياس هذا إذا تصدقت أو أعتقت أكثر من الثلث فلم يعلم بذلك زوجها حتى مات عنها أو طلقها لم يلزمها ذلك، وقد روى ذلك عن بعض أصحاب مالك، وإن ادعت أنه الثلث أو أقل من الثلث كان عليها إقامة البينة، وحكي عن ابن القاسم أنه محمول على الإجازة حتى يرده الزوج، وهو قول سحنون في سماع ابن القاسم، فعلى قياس هذا إذا لم يرده الزوج حتى مات عنها أو طلقها لزمها، وإن ادعى الزوج أنه أكثر من الثلث كان عليه إقامة البينة. ومن أهل العلم من لا يجيز للمرأة قضاء في شيء من مالها قل أو كثر بغير إذن زوجها، لما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يجوز للمرأة أمر في مالها إلا بإذن زوجها» . ومنهم من يجيز لها القضاء في جميع مالها بغير إذن زوجها استدلالا بظواهر آثار مروية في هذا المعنى، تركت ذكرها اختصارا، فما ذهب إليه مالك في مراعاة الثلث عدل بين القولين وبالله التوفيق. [مسألة: ضمان ما أفسدت المواشي من حوائط الغير] مسألة وسئل عما أفسدت المواشي بالليل والنهار من الحوائط التي يحرسها أهلها بالليل أو قد عطلوها لا تحرس أذلك عندك سواء؟

فقال: نعم، هو سواء، ما أفسدت المواشي من الحوائط ومن الزرع محظورا عليه أو غير محظور، تحرس أو لا تحرس، فعلى أهل المواشي ما أفسدت بالليل، وما أفسدت بالنهار فليس عليهم فيه شيء، وما أفسدت المواشي أو الدواب بالليل فهو ضمان على أهلها وإن كان ذلك أكثر من قيمة المواشي يغرم له قيمة ما أفسدت بالغا ما بلغ. قيل: أرأيت إن كانت لم يبد صلاحها؟ قال: يغرم قيمتها يوم أصيبت وأفسدت لا يوم تصلح. قيل له: أرأيت الدابة لو أفلتت فوطئت على رجل نائم بليل أيغرم صاحبها؟ قال: لا، إنما أريد بهذا الحديث الحوائط الزرع والحرث. قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب، والأصل فيه ما جاء من أن «ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أهل الحوائط حفظها بالنهار» ، وما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها، وإنما يسقط على رب الماشية ضمان ما أفسدت ماشيته بالنهار من الزرع والحوائط إذا أخرج ماشيته عن جملة الزرع والحوائط بذائد يذودها إلى مراعيها فشذ منها شيء ورجع إلى الزرع أو الحائط فأفسد فيها أو رعى بها فيما بين الزرع والحائط بذائد يذودها عنها فوقع منها شيء في الزرع أو الحوائط دون تفريط ولا تضييع من ذائدها. وأما إن أهملها بين الزروع والحوائط دون راع أو براع فضيع أو فرط حتى أفسدت فهو ضامن لما أفسدت، والضمان في ذلك على الراعي المضيع المفرط لا على رب

الماشية، إذ ليس على رب الماشية أكثر مما صنع. وقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها ليس على عمومه في جميع ما أفسدت أو قتلت بالليل، وإنما المراد به الحوائط والزرع والحرث، كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. إما لأنه رأى الحديث مقصورا على سببه، وإما بدليل الإجماع أنها لو هدمت حائطا أو قتلت رجلا لم يضمن صاحبها شيئا؛ لأن الإجماع يخصص العموم، وما بقي من عموم هذا الحديث بعد التخصيص وهو ما أفسدت المتفلتة بالليل بالرعي من الحوائط والزرع والحرث مخصص من عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جرح العجماء جبار» . فهذا تحصيل القول على مذهب مالك في ترتيب هذين الأثرين. وأهل العراق لا يرون على أهل المواشي ضمان ما أصابت ماشيتهم المنفلتة بالليل والنهار في شيء من الأشياء، ويجعلون قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جرح العجماء جبار» ناسخا لقضائه أن ما أفسدت المواشي بالليل ضمان على أهلها. والصحيح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن النسخ إنما يكون بما يتعارض، ولا يمكن الجمع بينه بتخصيص بعضه ببعض وبيانه له. وقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن ما أفسدت المواشي ضامن على أهلها على ما قصه الله علينا في محكم كتابه من شرع داود وسليمان في قوله: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] لأن النفش بالليل والهمل بالنهار لأنهما حكما جميعا بالتضمين، فإنما خالف شرعنا شرعهما في صفة التضمين، كما اختلف اجتهادهما - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - في ذلك، فقضى داود بالغنم لصاحب الحرث، وقضى سليمان لصاحب الحرث بأن يأخذ الغنم فيستغلها حتى يستوفي من غلتها ما كان يخرج له ما أفسد من حرثه، فقضاء سليمان الذي أثنى الله تعالى عليه بقوله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] مخالف لشرعنا بعيد منه، لا يحتمل أن يصرف بالتأويل إليه. وأما قضاء داود فيحتمل أن يكون ذلك موافقا لشرعنا، بأن

يكون ما أفسدت مستغرقا لقيمة الغنم ولا يكون له مال سواها. وقوله: إن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها وإن كان ذلك أكثر من قيمتها، يريد وليس له أن يسلم المواشي بقيمة ما أفسدت، بخلاف العبيد فيما جنوا؛ والفرق بين المسألتين أن العبد هو الجاني؛ لأنه مخاطب مكلف مأمور منهي، فلا يلزم السيد من جنايته أكثر من أن يسلمه، والماشية ليست هي الجانية، إذ ليست بمخاطبة، وإنما الجاني هو، إذ لم يتوثق منها حتى لا يمكنها الانفلات، وإن أفسدت الزرع وهو صغير أخضر فيكون على ربها قيمته لو كان يحل بيعه على الرجاء والخوف، قاله في رسم نقدها بعد هذا من سماع عيسى، وهذا مما لا اختلاف فيه، إذ كان لا يرجى أن يعود إلى هيئته. وأما إن كان رعيه صغيرا يرجى أن يعود إلى هيئته، فحكى ابن حبيب عن مطرف أن القيمة تكون في ذلك، ولا يستأنى به إن نبت كما يصنع بسن الصغير، ويأتي على مذهب سحنون أنه لا يستأنى به؛ لأنه قال في كتاب ابنه في الذي يقطع شجرة الرجل من فوق أصلها أنه لا يقضى عليه الساعة، ولكن ينتظر الشجرة فإن عادت لهيئتها كما كانت أولا فلا شيء على القاطع، وإن هي عادت ولم تتم على حالها الأول غرم ما نقص. . قال: ولا يرجع عليه بأجر السقي والعلاج كالجرح الخطأ إذا عاد على غير عثم فلا شيء على الجارح، ولا يغرم أجر المداوي، خلاف قول الفقهاء السبعة أن عليه أجر المداوي (قال مطرف) : فإن عاد الزرع لهيئته بعد الحكم مضت القيمة لصاحب الزرع ولم يرد، وهو الذي يأتي على قول أشهب في سماع أصبغ من كتاب الديات في الذي يضرب فيذهب عقله فيقضى له بالدية بعد الاستيناء ثم يعود عليه عقله أنه حكم قد مضى، وقد قيل: إن القيمة ترد، وهو الذي يأتي على

: للقاضي يسمع من البينة قبل وقت وجوب الحكم بها

ما في الجراحات من المدونة في الذي يعود إليه بصره بعد أن قضي له بالدية إنه يردها. قال مطرف: فإن تأخر الحكم حتى عاد الزرع إلى هيئته سقطت القيمة، ولم يكن على المفسد إلا الأدب، إلا أن يكون ما أفسد من ذلك يرعى وينتفع به فيكون عليه قيمته ناجزا علي ما ينتفع به، وليس على الرجاء والخوف، وقال أصبغ: يقوم على الرجاء والخوف نبت أو لم ينبت، كان ذلك قبل الحكم أو بعده وبالله التوفيق. [: للقاضي يسمع من البينة قبل وقت وجوب الحكم بها] من سماع عيسى بن دينار من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وسئل عيسى ابن القاسم عن رجل ادعى وكالة ولم يثبتها بعد، وشهود الحق الذي وكل فيه حضور، أيقبل القاضي شهادتهم؟ قال: إن خاف أن يخرجوا إلى موضع وكان لذلك وجه قبل القاضي شهادتهم ثم ثبتت الوكالة بعد، وإلا فلا حتى تثبت الوكالة. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها من قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن القاضي يسمع من البينة قبل وقت وجوب الحكم بها. من ذلك قوله في كتاب طلاق السنة منها: إن القاضي يسمع البينة على المفقود بأنه أوصى بوصية أو أوصى إلى رجل قبل الحكم بتمويته. ويأتي على قول مطرف وابن الماجشون أن القاضي لا يقبل من أحد بينة ولا يسمعها إلا في حال يحكم بها للطالب أو يدفع بها عن المطلوب أنه لا يسمع من بينته حتى تثبت وكالته، وإن خشي مغيب بينته أشهد على شهادتهم وبالله التوفيق.

مسألة: إخراج المدعى به من اليد عند انعدام البينة

[مسألة: إخراج المدعى به من اليد عند انعدام البينة] مسألة وعن رجل أتى إلى القاضي فقال: إن الحاكم قبلك حكم بدار كذا لي على فلان، وأثبت ذلك بشهيدين، والدار في أيدي قوم غير المسمى الذي حكم عليه، فقالوا: لا علم عندنا بما يقول، وهذه الدار في أيدينا منذ كذا وكذا قبل الحكم وهي لنا. قال: أرى أن يخرجها القاضي من أيديهم ويدفعها إلى الذي قامت له البينة إذا كان الشهيدان عدلين، وأرى أن ينفذ قضاء الحاكم الذي قبله إذا كان قد شهد على ذلك شهيدان عدلان. قال محمد بن رشد: إنما يدفعها إلى من أثبت الحكم فيها بعد الإعذار إلى من هي في يديه، وهذا إذا كان الحكم الأول بغير إقرار من الذي حكم عليه، وأما إن كان بإقرار من المحكوم عليه أولا فلا تخرج من يدي من هي الآن في يديه إلا بحكم موثق، وهذا بين قائم من المسألة التي تحتها وبالله التوفيق. [مسألة: إقرار الرجل بمال لغيره] مسألة وعن الحاكم يأتيه الرجلان فيدعي كل واحد منهما أرضا بالصحراء، ثم يقر أحدهما أنها لصاحبه من غير بينة، كيف ينبغي للحاكم أن يشهد؟ أيشهد أنه حكم بهذه الأرض لفلان وهو لا يدري أهي في يديه أم لا؟ قال: بل يشهد له أن فلانا أقر لفلان بهذه الأرض، ولا يشهد أنه قضى له بها، وإنما يشهد على إقراره بما أقر له به، ولا يحكم فيها بشيء إلا أن يقيم البينة له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة المعنى، إذ قد يقر الرجل للرجل بمال غيره، فإن قضى له عليه بإقراره وأشهد أنه قضى له ولم يذكر أنه إنما قضى له عليه بإقراره اقتضى إشهاده أنه قضى له ببينة تثبت عنده أن

مسألة: كيفية ضمان ما اأتلفته البهائم

ذلك الشيء له، فأدى ذلك إلى أن يؤخذ من الرجل ماله باطلا بغير حق وبالله التوفيق. [مسألة: كيفية ضمان ما اأتلفته البهائم] مسألة وسئل عن الزرع الصغير الأخضر تفسده البهائم كيف غرمه؟ قال: يغرم قيمته لو كان يحل بيعه على الرجاء فيه والخوف. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في آخر رسم من سماع أشهب قبل هذا، فلا معنى لإعادة شيء منه ولله التوفيق. [: رجل وجد جبا في أرضه وباب الجب في أرض غيره] ومن كتاب أوله استأذن سيده في تدبير جاريته وسئل عن رجل وجد جبا في أرضه، وباب الجب في أرض غيره، قال: الجب لمن الباب في أرضه؛ لأن منفعته له كانت وهي خطته، وكذلك العلي يكون للرجل، والسفل لآخر، وباب ذلك إلى ناحية [وباب ذا إلى ناحية] أخرى، فليس بالعلى يستحق السفل، فالجب لصاحب الباب، وما عليه لصاحب الأرض، وهذا بين إن شاء الله. وقال في غير هذا الكتاب من سماع عيسى بن دينار وهو في كتاب العتق: إن لكل واحد أن يأخذه من أرضه وينتفع به ويسده فيما بينه وبين صاحبه ولا يستحقه بالباب. قال محمد بن رشد: اختلاف قول ابن القاسم في هذه المسألة جار على اختلافهم فيمن اشترى أرضا أو دارا فوجد فيها شيئا لم يعلم

به هو ولا البائع من صخر أو رخام أو عمد وما أشبه ذلك، هل يكون له أم لا؟ فالمعلوم من مذهب ابن القاسم أنه لا حق في ذلك للمبتاع، وهو للبائع إن ادعاه وأشبه أن يكون له بميراث، وإلا كان سبيله سبيل اللقطة، وذهب سحنون وابن حبيب وابن دينار إلى أنه للمبتاع، فقول ابن القاسم في هذه المسألة: إن الجب لصاحب الباب ولا حق فيه لصاحب الأرض وهو على مذهبه المعلوم في أن المبتاع لا حق له فيما وجد في الأرض الذي ابتاع، وأنه للبائع إذا أشبه أن يكون له، وإذا حكم بالجب لصاحب الباب بدليل كون الباب في أرضه وجب أن يكون الذي الجب في أرضه مخيرا في رد الدار على من اشتراها منه إن كانت في يديه بشراء؛ لأنه عيب فيها، وإن شاء حبسها ورجع بقيمة ما استحق من أرضه، وهو موضع الجب منها، وإن كان الذي حكم له بالجب بدليل كون الباب في أرضه ابتاع الأرض ولم يعلم بالجب الذي وجد بابه فيها كان للبائع أن يرجع في البيع؛ لأنه يقول: لو علمت بالجب لم أبعها بهذا الثمن. وقوله الثاني إن له أن يأخذ الجب من أرضه وينتفع به ويسده فيما بينه وبين صاحبه هو على مذهب سحنون وابن حبيب وابن دينار، وإذا حكم له بما قابل أرضه من الجب على هذا القول لم يكن له على البائع منه رجوع إن كان الجب يعيب أرضه ولا للبائع عليه رجوع إن كان الجب يزيد في ثمن الدار، ولو تقاسم رجلان أرضا فوجد تحت حظ أحدهما جب بابه في حظ صاحبه انتقضت القسمة على القول بأن الجب لصاحب الباب، كما لو وجد الجب ببابه في أرض أحدهما، وعلى القول الآخر تنبت القسمة بينهما ويكون الجب للذي وجد في حظه، وإن كان بابه في حظ صاحبه. هذا الذي أقول به في معنى هذه المسألة، وقد مضى في آخر مسألة من جامع البيوع بيانه. وقد رأيت لابن دحون أنه قال: إذا اقتسم رجلان أرضا فوجد تحت حظ أحدهما جب بابه في حظ صاحبه، فقيل: إن القسمة

مسألة: درء الحد عمن وطىء جارية بشبهة ملك

تنتقض على القول بأن الجب لمن الباب في أرضه، وعلى القول بأن لكل واحد منهما ما تحت أرضه، وقيل: إنها لا تنتقض على القولين جميعا. والصحيح ما ذهبنا إليه من أنها تنتقض على القول بأن الجب لصاحب الباب، ولا تنتقض على القول بأن لكل واحد منهما ما تحت أرضه منه؛ لأنه لا يكون لكل واحد منهما ما تحت أرضه منه إلا على القول بأنه لو وجد أحدهما في حظه جبا أو بيرا أو صخرا أو عمدا أو ما أشبه ذلك كان له، ولم يكن لصاحبه نقض القسمة وبالله التوفيق. [مسألة: درء الحد عمن وطىء جارية بشبهة ملك] مسألة وسئل عن الرجل يدعي جارية في يد رجل فيقول: اشتريتها من سوق المسلمين ويقيم البينة المدعى أنها له، ويقر الذي هي في يديه بوطئها ويزعم أنه اشتراها في سوق المسلمين ولا بينة له، هل يحد؟ قال: يدرأ عنه الحد، قيل له: فلو قال: اشتريتها منك ولا بينة له، قال: أرى أن يدرأ عنه الحد إذا كان ممن لا يتهم. قال محمد بن رشد: أما الذي يدعي الجارية في يد رجل ويقيم البينة أنها له ويقر الذي هي في يديه بوطئها، أو تقوم عليه بينة بوطئها ويزعم أنه اشتراها في سوق المسلمين فلا اختلاف في أن الحد يدرأ عنه في الوجهين، وإن عجز عن إقامة البينة على ما ادعى من شرائها في سوق المسلمين، وقضى لمدعيها بها بالبينة التي أقامها أنها له. وأما الذي يقر بوطء أمة الرجل ويدعي أنه اشتراها من سيدها ولا بينة له على ذلك،

: أجر المعازف واللهو إذا اختصم فيه أيقضى به

والسيد منكر فإنه يحلف ما باعها منه، ويحد عند ابن القاسم، هذا قوله في المدونة وغيرها - وقال أشهب: يدرأ عنه الحد؛ لأنه لم يقر بزنى وإنما أقر بوطء حلال، وهو على أصله في أنه لا يؤخذ أحد بأكثر مما أقربه على نفسه، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وحديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يرد ذلك في الذي أقر بوطء جارية امرأته، وادعى أنها وهبتها له فقال: لتأتيني بالبينة أو لأرمينك بأحجارك، فاعترفت المرأة بذلك فخلى سبيله، إذ لا يحتاج على هذه الرواية وعلى قول أشهب إلى اعتراف المرأة. وأما إن أقر له سيدها بما ادعاه من اشترائها أو نكل عن اليمين فحلف هو أو استحقها فلا اختلاف في أنه يدرأ عنه الحد فيها. وأما إن شهد عليه بوطئها فادعى أنه اشتراها من سيدها، وسيدها منكر، فلا اختلاف في أنه يحد إذا حلف سيدها أنه ما باعها منه، واختلف إن صدقه فيما ادعى من شرائه إياها منه، أو نكل عن اليمين، يحلف هو واستحقها. فقال ابن القاسم: إنه يدرأ عنه الحد؛ لأن الوطء مما يستخفى به، بخلاف الذي تقوم عليه البينة بالسرقة فيدعي أن المتاع متاعه فيصدقه رب المتاع، أو ينكل عن اليمين فيحلف هو ويستحق المتاع، إذ لا يأخذ أحد متاعه سرا على وجه السرقة، وفي ذلك اختلاف، وقال أشهب: يحد إن لم تقم بينة على ما ادعى من الشراء ولا يسقط عنه الحد بتصديق السيد على الشراء ولا بنكوله على اليمين وحلفه هو، ولا بشاهد على الشراء مع يمينه، ولا يلحق به الولد، وتكون الأمة أم ولد إن استوجبها بشيء من ذلك لإقراره لها بذلك: واستحسن أشهب إن أقام رجلا وامرأتين أن يلحق به الولد ويدرأ عنه الحد وليس بالقياس وبالله التوفيق. [: أجر المعازف واللهو إذا اختصم فيه أيقضى به] ومن كتاب أوله أوصى وسئل عن أجر المعازف واللهو إذا اختصم فيه أيقضى به؟

: هدم الحائط الساتر للغير للضرورة

قال: أما للهو الذي يجوز ورخص فيه مثل الدف، فأرى أن يقضى به، وأما مثل المزمار والعود فلا أرى الإجارة به يقضى به. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إن ما يجوز من اللهو ورخص فيه يقضى فيه بالإجارة، وإن ما لا يجوز منه لا يقضى فيه بإجارة، وقوله: إنه لا يقضى فيه بإجارة، كلام فيه إجمال يفتقر إلى تفصيل وشرح وبيان. أما إذا عثر على ذلك قبل استيفاء الإجارة بالعمل، فلا اختلاف في أن الإجارة تفسخ وتبطل الأجرة عن المستأجر، ولا يكون عليه منها شيء إن كان لم يدفع، ويتخرج الأمر إن كان قد دفع على وجهين: أحدهما أنها ترد عليه، والثاني أنها تؤخذ من الأجير فيتصدق بها على المساكين أدبا له، وأما إن لم يعثر على ذلك حتى فاتت الإجارة بالعمل فيؤدبان جميعا ويتصدق بالإجارة على المساكين على كل حال، قبضت أو لم تقبض، إذ لا يحل للأجير ولا ينبغي أن يترك للمستأجر إن كان لم يدفعها، ولا أن ترد إليه إن كان دفعها، إذ قد قبض عوضها. هذا وجه القول في هذه المسألة على أصولهم في المسلم يشتري الخمر والخنزير من المسلم، وقد مضى القول على ذلك في رسم نقدها نقدها من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع وغيره وبالله التوفيق. [: هدم الحائط الساتر للغير للضرورة] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار قال ابن القاسم: وإذ كان حائط لرجل سترة لرجل آخر فليس له أن يهدمه إلا لوجه يرى أن لهدمه وجها لم يلتمس به ضرره، فإن انهدم من أمر من السماء فقال له صاحب الدار: ابن

حائطك واستر علي فإنه إن شاء بنى وإن شاء ترك، ولا يجبر على ذلك، وقيل للذي يطلب السترة: إن شئت فاستر على نفسك، وإن شئت فدع، قال عيسى: وإن هدمه للضرورة وترك أن يبنيه رأيت للسلطان أن يجبره على إعادته كما كان، لا يسوغه الضرر، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» فإن هدمه لوجه منفعة أو لتجديده، ثم عجز عن ذلك فاستغنى عنه فليس بجبر على إعادته، ويقال لجاره: إن شئت فاستر على نفسك في أرضك، وإن شئت فدع، قال سحنون: يجبر على كل حال. قال محمد بن رشد: قول عيسى بن دينار: وإن هدمه للضرورة رأيت للسلطان أن يجبره على إعادته، يريد كان له مال أو لم يكن له مال، كالحائط بين الشريكين. إما أن يبني، وإما أن يبيع ممن يبني، وهو مفسر لقول ابن القاسم. فتحصيل قوله في هذه الرواية، أنه إن انهدم من أمر من السماء أو هدمه خوف سقوطه، لم تلزمه إعادته وإن كان له مال، وقيل لجاره: استر على نفسك في حظك أو دع، وإن هدمه ليجدده أو لوجه منفعة أجبر على إعادته إن كان له مال، ولم يلزمه شيء إن لم يكن له مال، وإن هدمه للمضرة بجاره أجبر على إعادته كان له مال أو لم يكن له مال كالحائط بين الشريكين. إما أن يبني أو يبيع ممن يبني، وهذا أمثل ما في سماع يحيى من كتاب السلطان، وسوى في رسم الصلاة من سماع يحيى من هذا الكتاب بين أن ينهدم أو يهدمه لوجه منفعة في أنه إنما يجبر على إعادته إن كان له مال. وحكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون أنه كالحائط بين الشريكين، سواء هدمه أو انهدم يجبر على أن يبنيه أو يبيعه ممن يبنيه إن لم يكن له مال، وهو ظاهر قول

مسألة: هدم العوج الضار بجدار الجار

سحنون: يجبر على كل حال. قال ابن الماجشون في الثمانية: فإن لم يكن له مال بيع عليه من داره ما يقيمه به، وإن لم تكن الدار ملكا له، وكانت صدقة. أو عمرى كان لصاحبه أن يبنيه من ماله، ويتبعه به دينا في ذمته. قال ابن رشد: ومعنى ذلك عندي إذا أبى أن يسلم إليه ماله في الدار من سكناها حياته. وأما إن رضي بذلك فلا يلزمه أكثر من ذلك، فإذا استوفى من كرائها نفقته رجعت الدار إليه على ما كانت. وقال أصبغ: لا يجبر صاحب الجدار أن يبنيه على حال، وله أن يهدمه إن شاء ويجعلها عرصة، وإن شاء صاحبه ستر، وإن شاء ترك. قال: وهو قول مالك. قال محمد بن رشد: والقياس قول أصبغ، وتفرقة ابن القاسم استحسان، وقول ابن الماجشون إغراق وبالله التوفيق. [مسألة: هدم العوج الضار بجدار الجار] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يبني بنيانا مستعليا فيعوجه في العلو ويميله على هواء غيره، فيبني الذي له الهواء في أرضه، فإذا انتهى إلى العوج منه ولم يستطيع أن يقوم حائطه إلا بهدم العوج هل ترى أن يهدم ذلك؟ قال: نعم يهدم وليس له أن يدخل في هواء غيره. قيل له: إن الهدم يكون فيه تلف نفقة

: استئناف الخصومة بعد موت من قضى فيها

عظيمة قد أنفق على ذلك البنيان. قال: نعم يهدم كانت النفقة ما شاءت أن تكون. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة، لا اختلاف فيها ولا إشكال في شيء من معانيها؛ لأن من ملك بقعة من الأرض فهو يملك ما فوقها من الهواء وما تحتها من الثرى، فليس لأحد أن يدخل عليه في شيء من ذلك بغير رضاه، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» وبالله التوفيق. [: استئناف الخصومة بعد موت من قضى فيها] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وسئل عن القاضي يقضي لرجل فلا يحوز المقضي له ما قضي له به حتى يموت القاضي أو يعزل، هل يستأنف الخصومة في ذلك الأمر أم لا ينفعه ما كان قضي له به؟ وإن لم يكن حازه أو إن قضى له به، ثم أقام سنة أو أكثر من ذلك حتى يموت القاضي أيضا أو يعزل؟ قال ابن القاسم: يمضي القضاء الذي قضى به القاضي الأول، ولا ينظر فيه القاضي الثاني، إلا أن يكون جورا بينا فينقضه، وهذا أمر قد بلغنا أنه كانت منكم فيه زلة عظيمة، فالقضاء ماض ولا يستأنف فيه قضاء، وهذا أمر لا اختلاف فيه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال من أن حكم القاضي لا يفتقر إلى حيازة، وهو مما لا اختلاف فيه، وقد مضى نحوه والقول فيه في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، ويأتي أيضا في رسم المكاتب من سماع

: طلب تعديل من يعلم القاضي بجرحه

يحيى، وفي رسم الصبرة منه القول على ما يفسخ القاضي من أقضية من قبله من القضاة مما لا يفسخ مستوفى إن شاء الله تعالى. [: طلب تعديل من يعلم القاضي بجرحه] ومن كتاب أوله يدير ماله قال ابن القاسم في قاض شهد عنده رجل وهو يعلم منه الجرحة وغير العدالة أيأمره أن يأتي بمن يعدله؟ قال: لا ينبغي له أن يقبل ذلك ولا يلتفت إلى شيء من ذلك إذا كان يعلم منه غير العدالة. قال: وتفسير ذلك عندي أن ذلك إذا شهد عنده بحدثان ما علم منه فلا يسأله تعديلا، ولا يقبل له شهادة. فأما إذا كان زمان ذلك قد طال أو تقادم ولا يدري حالته في اليوم الذي شهد عنده عنه، فلا أرى أن تطرح شهادته بما علم منه إذا كان على ما وصفت، وأنا أرى أن يسأل عنه، فلعله قد تاب وظهرت توبته، وعرف منه التزيد في البر واجتهاد في الخير والتزيد فيه. قال محمد بن رشد: هو كما قال؛ لأن أمر الشهود في عدالتهم وجرحتهم إلى القاضي هو يعمل في أمرهم بعلمه فيهم، لقول الله عز وجل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] فالرضى في هذا إنما هو إلى الحاكم، فإذا كان الحاكم عالما بعدالة الشاهد حتى لو لم يكن حاكما لزمه أن يعدله وجب عليه قبول شهادته، ولا يستعدله سرا ولا علانية، وإن سأله ذلك المشهود عليه، وإن جرح عنده لم يقبل التجريح فيه إلا بعداوة، قاله محمد. وإنما يقبل التجريح فيمن لم يعرفه بعدالة حتى عدل عنده، وإذا كان عالما بجرحة الشاهد لم يقبل فيه التعديل، إلا أن يكون الأمر الذي علمه من الجرحة به قد طال، فيسأل عنه، ويقبل فيه التعديل كما قال في التفسير، ومعنى ذلك إذا ثبت عنده توبته من الجرحة التي علمه بها بشهادة

: تصرف الحامل في مالها في حدود الثلث

شاهدين عدلين، وإخبار ممن يوثق بقوله، وقال ابن كنانة: إذا عرفه القاضي بجرحة ووجد من يعدله فليرفع ذلك إلى الإمام يكون هو الناظر فيه؛ لأنه يستشنع من القاضي أن يرد شهادته وهو يجد من يعدله. وقال عيسى بن دينار: لا يرفع شهادته ويردها كما قال ابن القاسم، ولا يحكم بشهادة الشاهدين، وإن علم أنهما شهدا بحق، إذا علم بجرحتهما؛ لأنه إذا فعل ذلك كان قد حكم بعلمه لا بشهادة الشهيدين وبالله التوفيق. [: تصرف الحامل في مالها في حدود الثلث] ومن كتاب الجواب وسئل عن الحمل بأي شيء يعلم أن لحملها ستة أشهر حتى تحجب عن القضاء في مالها بمنزلة المريض، وفي غير ذلك، أبقولها أم بماذا؟ قال ابن القاسم: نعم بقولها، ولا يرى ذلك النساء، ولا يسألن عنه، ولا يلتفت إلى قولهن فيه، القول قولها، وهي بنفسها أعلم، قال أصبغ: وبإثقالها إذا أثقلت، قال عز وجل: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} [الأعراف: 189] . فهو مرض. قال محمد بن رشد: هذا مثل قول مالك في موطأه إن الحامل إذا مضى لحملها ستة أشهر لم يجز لها قضاء إلا في ثلث مالها، وإنما تصدق في الإثقال إذا أقرت به على نفسها قبل الصدقة وما أشبهها مما لا يجوز للمريض فعله. وأما إذا ادعت ذلك بعد، فلا تصدق إلا أن يعلم صدق قولها، وقد مضى في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك زيادة في معنى هذه المسألة وبالله التوفيق.

مسألة: أقر لجارية بمهر وصدقة

[مسألة: أقر لجارية بمهر وصدقة] مسألة قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن رجل ابتاع جارية فولدت منه أولادا. وقد كان الرجل يخبر الناس أنها امرأته تزوجها، وقد كان يحلف بطلاقها ثم مرض الرجل فأشهد لها أن لها قبله خمسين دينارا بقية من مهرها، وتصدق عليها بأشياء في مرضه، ثم صح الرجل فعاش بعد ذلك نحوا من سنة، ولا يذكر من ذلك شيئا، ثم مرض فمات. قال ابن القاسم: لها ثمنها في ماله، وهي امرأته، يرثها وترثه، ولها ما كان أقر لها به في مرضه الأول من بقية مهرها، تأخذه من ماله إذا كان قد صح من مرضه الأول كما ذكرت، وأما ما كان تصدق به عليها في مرضه الأول فليس لها منه قليل ولا كثير، إلا أن تكون قد قبضته منه في صحته وحازته فهو لها. قال: وإن مات في مرضه الأول الذي أقر لها فيه بما أقر، وتصدق عليها به بما تصدق، فلا مهر لها ولا صدقة. إلا أن يجيزهما الورثة، ولها الميراث بما كان شهد لها عليه من إقراره قبل ذلك في صحته أنها امرأته، وأنه قد كان يحلف بطلاقها. قال محمد بن رشد: في قول ابن القاسم في هذه المسألة لها ثمنها في ماله، وهي امرأته يرثها وترثه، نص جلي على أنه رآهما زوجين يتوارثان بإقراره في صحته بنكاحها إلى ما كان يحلف به من طلاقها مع كونها في ملكه وتحت حجابه، وأنها قد ولدت له أولادا بعد إقراره بنكاحها وإن لم يعلم منها في حياته إقرار له بالنكاح. وقد قيل: إن

الميراث إنما وجب لظهور الولد بينهما بعد إقراره بنكاحها، لا لكونها في ملكه وتحت حجابه لكونها على ذلك في الأصل لحق الملك وهو صحيح من التأويل، ولو كانت بائنة عنه في مسكنها لم يرث واحد منهما صاحبه إذا لم تقم بينة على أصل النكاح إلا أن يكونا متقاررين جميعا على النكاح في صحتهما مع طول الأمر واشتهاره. قاله ابن القاسم في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب النكاح، وفي ذلك اختلاف قد ذكرناه هناك وسيأتي تحصله في رسم الأقضية من سماع يحيى من كتاب الشهادات إذا مررنا به إن شاء الله. وقوله: إن لها الخمسين دينارا التي أقر لها بها في مرضه من بقية مهرها إذا لم يمت من ذلك المرض صحيح، إذ لا فرق بين أن يقر لها به وهو صحيح، وبين أن يقر لها به وهو مريض ثم يصح بعد ذلك وقوله: إنها لا شيء لها مما تصدق به عليها وهو مريض، وإن صح بعد ذلك إلا أن تقبض ذلك في صحته صحيح؛ لأن الصدقة تفتقر إلى الحيازة في صحة المتصدق، كانت على وارث أو أجنبي، بخلاف الإقرار بالدين، ذلك ينفذ في الصحة للوارث وغير الوارث، وفي المرض إلا لمن يتهم عليه من الورثة، ففي قوله وإن مات من مرضه الأول الذي أقر لها فيه بما أقر وتصدق عليها به بما تصدق فلا مهر لها نظر، لما في المسألة من أنه قد ولد له منها أولاد، وإن لها الثمن، والولد يرفع التهمة عنه في إقراره لها ببقية الصداق إذا لم يتهم فيها بصبابة وميل إليها، إلا أن يكون بعضهم صغيرا منها وبعضهم كبيرا، أو جميعهم صغار منها وهن إناث، ويبعد أن يكون أراد ذلك، فمعنى ما تكلم عليه والله أعلم، إذا كان الولد الذي ولد له منها قد مات فورث بغير ولد وبالله التوفيق.

مسألة: إنكار المقر بعد إقراره المكتوب

[مسألة: إنكار المقر بعد إقراره المكتوب] مسألة وسألته عن القاضي يقر عنده الرجل فيكتب إقراراه، ثم ينكر الرجل أن يكون أقر عنده بشيء، وهل يقضي عليه بإقراره عنده؟ أو هل يختلف إن قال القاضي: أقر عندي من قبل أن استقضى؟ قال ابن القاسم: رأيي والذي آخذ به في ذلك وهو الذي سمعت، أنه لا يقضي عليه حتى يشهد على إقراره عنده شاهدان عدلان سوى القاضي، وإلا لم يقض عليه بشيء، وإنما هو بمنزلة ما اطلع فيه عليه من الحدود يعلمها، فهو لا يقيمها عليه إلا أن يكون معه شاهدان عدلان سواه، فإن لم يكن كذلك رفعه إلى من هو فوقه، وكان هو شاهدا، وسواء في هذا أقر عنده فيما زعم القاضي وهو قاض، أو قبل أن يستقضي، وإن عزل القاضي فشهد عليه بإقراره عنده، فهي شهادة يعمل بها، كما يعمل بها لو شهد بها عليه عنده غيره قبل أن يعزل، إن كان معه أحد سواه ثمت، وإن لم يكن غيره سقطت، إلا أن يكون من الأشياء التي تكون فيها اليمين مع الشاهد، فيحلف المشهود له مع شهادته أن حقه حق، ثم يستحق حقه، وهو بمنزلة شاهد من المشهود، وإن جهل القاضي فقضى عليه بإقراره عنده، فإني أرى له أن يرد ذلك ما كان على القضاء بحاله ويرجع فيه، فإن عزل لم أر أن يرد ذلك من يكون بعده ولا يفسخ قضيته، كان جهل ذلك أو تعمده؛ لأن مما يختلف إلا أن يكون إقراره عنده إنما هو من قبل أن يستقضي، فلما استقضى حكم عليه بذلك الإقرار،

فإن هذا يرد ويفسخ على كل حال، وهو في غير هذا يختلف؛ لأن إقراره عنده وهو قاض قد اختلف الناس فيه، والآخر لم يختلف الناس فيه، إنه ليس بشيء ولا يقطع به. قال محمد بن رشد: حكم القاضي على الرجل بما أقر به عنده دون بينة تشهد عليه بإقراره عنده، ينقسم على ثلاثة أقسام: أحدها أن يقر عنده قبل أن يستقضي. والثاني أن يقر عنده في غير مجلس الحكم بعد أن استقضى. والثالث أن يقر بين يديه لخصمه في مجلس حكمه، فأما إذا أقر عنده قبل أن يستقضي فلا اختلاف بين أحد من أهل العلم في أنه لا يجوز له أن يحكم عليه بذلك الإقرار، فإن فعل رد ذلك الحكم وفسخه هو ومن بعده من القضاة والحكام، وأما ما أقر به عنده بعد أن يستقضي في غير مجلس القضاء فلا اختلاف في المذهب في أنه لا يجوز له أن يحكم عليه بذلك الإقرار دون بينة تشهد به عليه. وأهل العراق يقولون إنه يقضي عليه بذلك الإقرار دون بينة، بخلاف الحدود على ما قال في المدونة من أن أهل العراق فرقوا بين الإقرار والحدود، فقالوا: ينفذ الإقرار في ولايته، ولا ينفذ الحدود، وقد حكى عنهم أنه يقضي بعلمه في الحدود وهو بعيد، فإن قضى عليه بذلك الإقرار نقض حكمه بذلك ما لم يعزل على المشهور في المذهب، ولم يرده من بعده من القضاة والحكام مراعاة لقول أهل العراق. وأما ما أقر به عنه أحد الخصمين في مجلس قضائه ثم جحده ولا بينة عليه فالاختلاف فيه موجود في المذهب، وإن كان ابن المواز قد ذكر أنه لا اختلاف في ذلك بين أصحاب مالك. قال ابن الماجشون: الذي عليه قضاتنا بالمدينة، وقاله علماؤنا، ولا أعلم مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال غيره، أنه يقضي عليه بما سمع منه وأقر به عنده، وإليه ذهب مطرف وأصبغ وسحنون.

قال محمد بن رشد: وهو بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحديث الصحيح «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون. الحديث إلى قوله: فأقضي له على نحو ما أسمع منه» لأنه قال: على نحو ما أسمع منه، ولم يقل على ما يثبت عندي من قوله. والمشهور في المذهب أنه لا يقضي عليه إذا جحد، وهو قوله في هذه الرواية، إلا أن يشهد عليه عنده من حضر مجلسه فيحكم عليه بالشهادة دون إعذار، قاله ابن العطار (وفي ذلك اختلاف) . وقوله: فإن جهل القاضي فقضى عليه بإقراره عنده فإني أرى له أن يرد ذلك ما كان على القضاء بحاله، معناه إن ظن ذلك هو الصواب لجهله بالنظر، فقضى بذلك دون اجتهاد إذ ليس من أهل الاجتهاد، ودون تقليد أيضا، إذ لا يقال فيمن قضى باجتهاده وهو من أهل الاجتهاد فيما سبيله الاجتهاد إنه جهل وإن خالفه في ذلك مخالف، وإنما يقال لمن خالفه إنه أخطأ لتقصيره في الاجتهاد، كما لا يقال أيضا فيمن لم يكن من الاجتهاد فقضى بتقليد إنه أخطأ إذ لم يكن منه الخطأ، وإنما كان من الذي قلده، واختلف إذ رأى ذلك باجتهاده فقضى به ثم رأى خلافه، فالمشهور في المذهب أن القاضي إذا قضى بقضاء، ثم رأى ما هو أحسن منه فإنه ينقضه ويرجع إلى ما رأى ما دام على ولايته وإن كان الذي قضى به أولا مما اختلف الناس فيه. وقال ابن عبد الحكم: لم أسمع أحدا من أصحابنا اختلف في ذلك، وأنا لا أراه، وأرى قضاءه وقضاء غيره سواء، لا يرجع عما اختلف فيه إلى ما هو أحسن منه حتى يكون الأول خطأ بينا صراحا. واستحسن ابن حبيب ما أجمع عليه أصحاب مالك، ولم يعجبه ما انفرد به ابن عبد الحكم، وقد اختلف في تأويل ما وقع (في)

المدونة من قول ابن القاسم، وإنما لا يرجع فيما قضت فيه القضاة مما اختلف الناس فيه، هل هو مثل الذي قال ابن عبد الحكم؟ أو مثل ما أجمع عليه أصحاب مالك سواه؟ فذهب الفضل إلى أنه ملائم لقول ابن عبد الحكم، وقال غيره: إنه مخالف له مثل ما أجمع عليه أصحاب مالك سواه، والأمر محتمل على رواية من روى وإنما لا يرجع - بفتح الياء - وأما على رواية من روى يرجع بضم الياء على ما لم يسم فاعله، فلا يحتمل أن يكون مثل قول ابن عبد الحكم. قال سحنون: إنما يرجع في قضائه بما اختلف فيه إذا قضى به وهما أو نسيانا وهو يرى خلافه. وأما إن كان ذلك رأيه يوم قضائه فلا يرجع فيه ويقضي في المستقبل بما رأى. قال القاضي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: والذي أقول به إن الخلاف في رجوعه عنه ما دام على القضاء بحاله إنما هو إذا قضى به وهو يراه باجتهاده يوم قضى به، وإن الخلاف في هذا جار على اختلافهم في تصويب المجتهدين، وأما إذا قضى بذلك وهلا أو جهلا أو نسيانا فلا يقع الخلاف في أنه يجب عليه أن يرجع عنه إلى ما رأى إذ قد تبين له خطؤه أولا، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد وقضى بذلك بتقليد فلا يسع الخلاف في أنه لا يصح له الرجوع عنه إلى تقليد آخر، فقف على أنها ثلاثة أوجه: وجه يرجع فيه، ووجه لا يرجع فيه، ووجه يختلف رجوعه فيه. ولا اختلاف في أنه يرجع ما دام على قضائه فيما قضى به مما لم يختلف فيه على أي وجه، كان من اجتهاد أو جهل، أو وهل أو نسيان، وكذلك لا اختلاف في أنه يرجع فيما قضى به من قبله من القضاة إذا كان الذي قضى به خطأ لم يختلف فيه، فإن كان الذي قضي به مما قد اختلف فيه لم يرده من بعده.

وقيل: إنه يرده إن كان الخلاف فيه شاذا. وذهب ابن الماجشون إلى أنه يرده وإن كان الخلاف فيه قويا مشهورا إذا كان ذلك خلاف سنة قائمة، واختلف في الحكم بترك الأمر وتجويزه، هل هو كالحكم في أنه لا يكون لمن بعده من الحكام أن يعرض فيه إلا أن يكون خطأ صراحا لم يختلف فيه أم لا؟ فذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أنه كالحكم، لا يكون لمن بعده من القضاة أن يرده إلا أن يكون خطأ بينا لم يختلف فيه. وقع ذلك في النكاح الأول منها، وذهب ابن حبيب إلى أنه ليس كالحكم، ولمن بعده أن يرده، وإن كان قد اختلف فيه. وقد روي عن أشهب أن القاضي إذا قضى على الرجل بإقراره عنده بعد أن يستقضي فهو بمنزلة قضائه عليه بإقراره عنده قبل أن يستقضي في أنه حكم مفسوخ يرده هو ومن بعده من القضاة وهو بعيد، لا سيما ولم يفرق بين أن يكون إقراره عنده بعد أن استقضى في مجلس القضاء، أو في غير مجلس القضاء. وقال في هذه الرواية: إن القاضي يكون شاهدا عليه عند غيره بما أقر (به) . عنده على نفسه لخصمه، وفي ذلك اختلاف. ذكر محمد بن المواز في كتابه أن قول ابن القاسم اختلف في ذلك، فقال: لا يجوز، وقال: يجوز، والأول أحب إلينا لأنه كأنه يثبت حكم نفسه. وأما شهادته عليه بإقراره عنده في غير المخاصمة فلم يختلف في إجازتها. قال القاضي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يريد أن قول ابن القاسم لم يختلف في إجازتها. وقد اختلف قول مالك في ذلك، روى عنه ابن الماجشون أن الرجل لا يشهد على الرجل بما سمح من إقراره على نفسه وإن استوعبه إلا أن يشهده على نفسه، وإلى هذا الاختلاف أشار في المدونة بقوله: وأما قول مالك الأول. فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها لا يشهد بما أقر به عنده في المخاصمة ولا في غير المخاصمة.

: ما يرفع للقضاة من أموال اليتامى هل يستودعها لهم أم يضمنها لهم

والثاني أنه يشهد عليه في الوجهين. والثالث أنه يشهد (عليه) بما أقر عنده في غير المخاصمة، ولا يشهد عليه فيما أقر به عنده في المخاصمة، وهو اختيار محمد بن المواز، وبالله التوفيق. [: ما يرفع للقضاة من أموال اليتامى هل يستودعها لهم أم يضمنها لهم] ومن كتاب العتق قال عيسى: وسألت ابن القاسم عما رفع إلى القضاة من أموال اليتامى، هل يستودعها لهم أم يضمنها لهم؟ فقال: إن الضمان الذي يصنع بعض الناس وأهل العراق أن يضمنوه أقواما يكون لهم ربحها وعليهم ضمانها حرام لا يحل، والسنة فيها أن يستودعها من يثق به إذا لم يكن لهم أوصياء، فإن كان (لهم) وصي لم تخرج من يده إن كان ثقة، وإن كان غير ثقة أخذها القاضي واستودعها من يثق به، وأرى أن يدفعها إلى من يتجر لهم بها، ويكون ذلك نظرا لهم، إذا لم يكن لهم وصي والقاضي وصي من لا وصي له. قال القاضي: هذا بين على ما قال إن الوجه في أموال اليتامى أن ينظر لهم فيها بأن تدفع إلى من يتجر لهم فيها تطوعا ابتغاء الأجر والثواب، أو على سبيل القراض إن لم يوجد من يتطوع بذلك لهم، لقول عمر بن الخطاب: " اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة " فإن لم يكن ذلك أودعت عند من يوثق به، فإن تعدى عليها المودع فتسلفها ضمنها، وسقطت عن اليتامى زكاتها، ولم يحل أن يضمن أحدا على أن يكون للذي يضمنها ربحها؛ لأن ذلك سلف لغير الله، لم يبتغ به المقرض إلا منفعة لنفسه لا

مسألة: الرجل يجحد نسب رجل أنه أخوه

منفعة المقرض، فحرم ذلك «لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن سلف جر منفعة» . . . . " إذ هو في معنى الربا المحرم بنص التنزيل، وهو أن يكون للرجل على الرجل الدين فإذا حل قال له: إما أن تقضي، وإما أن تربي، فإذا لم يحل أن يؤخره بدينه على أن يزيده فيه؛ لأنه سلف قصد به منفعة نفسه، فكذلك لا يحل أن يسلف الرجل الرجل الذهب ليحرزه في ضمانه، ومن فعل ذلك فهو مُرْب آثم. [مسألة: الرجل يجحد نسب رجل أنه أخوه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يجحد نسب رجل أنه أخوه، فقال: ينبغي للقاضي أن يسأله، فإن أنكر وجحد ثم ثبت له ذلك قبله ببينة أخذ له بحقه، ولا عقوبة على هذا في إنكاره. قال محمد بن رشد: رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: إنما سقط الحد عن الأخ المنكر له؛ لأنه لم يقصد قصد القذف، وإنما دفعه عن مال، فكان معنى جحوده إياه أي ليس لك معي في هذا المال حق، وليس ذلك بصحيح، وإنما معنى المسألة أنه قال ذلك في أخ طرأ عليه، لم يكن مقرا به قبل، ولذلك قال: إنه لا عقوبة على هذا في إنكاره، ولو جحد نسب أخ كان مقرا به قبل لوجب عليه الحد، ولم يكن له عذر في أنه لم يقصد القذف، وإنما دفعه عن مال، وكذلك قد قال محمد وهو بين، فقد قال في المدونة: إن من قال لرجل: لست أعرف أباك وهو يعرفه فعليه الحد، وهذا بين منه، وقد أوجبوا في التعريض الحد، فكيف بهذا وهو تصريح وبالله التوفيق.

مسألة: الوكالة في الخصومة عن الغائب

[مسألة: الوكالة في الخصومة عن الغائب] مسألة وسئل عن الشريكين يدعيان قبل رجل شيئا فأمرهما القاضي أن يستخلفا أو يخاصمه أحدهما يوصيان بذلك فيقولان من حضر منا فهو خليفة الغائب أينما حضر، فهو يخاصم عن صاحبه، قال: لا يمكنهما من ذلك؛ لأني سمعت مالكا، وسئل عن رجل خاصم رجلا في حق له، وقاعده عند السلطان ثم أراد أن يوكل، قال: ليس ذلك له إلا من علة؛ وسئل عن ورثة رجل ادعوا منزلا بيد رجل وهم جماعة، أيخاصمه كل واحد منهم لنفسه؟ قال: بل يرتضون جميعا بمن يخاصمه، ويدلوا إليه بحججهم يخاصم عنهم، وليس يخاصمه هذا وهذا؛ لأنه أمر واحد، أو يحضرون إليه جميعا فيدلون بحججهم، فأرى ذلك لهم، فأما أن يتعاوروه، هذا يوم وهذا يوم، فليس ذلك لهم. قال القاضي: هذا بين على ما قال؛ لأن الورثة فيما يطلبون عن موروثهم، والشركاء فيما يطلبون عن أنفسهم بمنزلة الرجل الواحد، فكما لا يجوز للرجل الواحد أن يوكل وكيلين على الخصام يتعاوران خصمه إذا غاب أحدهما حضر الآخر، ولا أن يوكل وكيلا يخاصم معه إذا غاب حضر وكيله، وإذا غاب وكيله حضر هو، فكذلك لا يجوز للشركاء (ولا للورثة) أن يتعاوروا خصمهم بالخصام؛ لما في ذلك من الإضرار به؛ لأنه يخاصم أحدهم حتى إذا انتفى عليه ويوجه له القضاء غاب عنه، وأتى صاحبه بحجة يستحدثها. ولهذا المعنى لم يكن لمن ناشب خصمه الخصام وقاعده عند السلطان أن يوكل من يخاصم عنه، ولا أن يعزل وكيلا قد وكله فيوكل غيره، أو يتولى هو الخصام بنفسه، إلا أن يكون له عذر من

مسألة: تسمية القاضي للشهود العدول

سفر حضر، أو مرض حدث، أو يكون خصمه قد أسرع إليه واستطال عليه، فيحلف ألا يخاصمه فيكون له أن يوكل، أو يكون قد ظهر إليه من وكيله ميل مع خصمه ومسامحة في حقه، فيكون له أن يعزله ويولي غيره، أو يخاصم لنفسه. وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، ومعنى قوله: وقاعده عند السلطان، يريد المرات الثلاث ونحوها أو يكون قد انتفى عليه فيما دونها. هذا معنى قوله الذي حمله عليه كل من ألف في الأحكام من المتأخرين، وبالله التوفيق. [مسألة: تسمية القاضي للشهود العدول] مسألة وسئل عن القاضي يكتب إلى القاضي في الحقوق والأنساب والمواريث وما أشبه ذلك، فيكتب أتاني فلان بشهود عدلوا عندي، وقبلت شهادتهم، ولا يسميهم في كتابه، أيجوز؟ قال: نعم يجوز، وهذا قضاء القضاة. أرأيت إن سماهم له ليعرفهم؟ أم يبتغي عدالة أخرى ويسأل عنهم؟ أم يستأنف فيهم حكما غير ما قد حكم فيه وفرغ منه؟ ليس ذلك كذلك. قال العتبي: قد قيل: إنه ينبغي له أن يسمي البينة في الحكم على الغائب ليجد سبيلا إلى دفع شهادتهم عنه، وهو عندي بيّن إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قوله، إنه ليس على القاضي إذا كتب إلى القاضي بما ثبت عنده من الحقوق والأنساب والمواريث أن يسمي له في كتابه الشهود الذين ثبت بهم ذلك عنده صحيح؛ إذ لا ينظر القاضي المكتوب إليه في عدالتهم، وإنما يمضي ما أخبره به في كتابه من ثبوت ذلك عنده فيقضي به على المحكوم عليه عنده، إلا أنه يجب عليه إذا خاطب بذلك أن ينفذه عند نفسه بتسمية الشهود، ويضع ذلك في ديوانه؛ لأن من حق المحكوم عليه إذا قضى عليه القاضي المكتوب إليه أن يذهب

إلى القاضي الكاتب فيعذر إليه في الشهود الذين ثبت عنده بهم ذلك الحق الذي خاطب به، فإن جرحهم وأبطل شهادتهم رجع فيما حكم به عليه، هذا الذي ينبغي له أن يعمل إن كان لم يثبت عنده ما خاطب به في عقد. وأما إن ثبت ذلك عنده في عقد، فوجه الحكم أن يدرج إليه ذلك العقد أي كتابه، وبذلك جرى العمل، فيأخذ المحكوم عليه ذلك العقد، أو نسخته، فيذهب به إلى القاضي الكاتب ليبطل عنده البينة عن نفسه فيرجع بما حكم به عليه إذا أراد ذلك وقدر عليه. وقول العتبي قد قيل إنه ينبغي أن يسمي البينة في الحكم على الغائب إلى آخر قوله، وقع في بعض الروايات، ويسمى فيه في هذا الموضع على المسألة المتقدمة غلط، إذ ليس فيها أن البينة لا تسمى في الحكم على الغائب؛ لأن كتاب القاضي إلى القاضي بما يثبت عنده على رجل في بلد المكتوب إليه ليس بحكم على غائب، فهي مسألة أخرى، والحكم فيها ما قد ذكرته بلا خلاف. وأما الحكم على الغائب فلا بد من تسمية البينة فيه على القول بأن الحجة ترجى له، ليجد سبيلا على رد القضية على نفسه بتجريح البينة وهو المشهور في المذهب المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، فإن لم يسم البينة في الحكم عليه فالقضية مردودة تفسخ ويستأنف الخصام فيها، قال ذلك أصبغ في الواضحة وغيرها، وهو صحيح على قولهم أن الحجة ترجى له. وأما الحكم على الحاضر فلا يحتاج إلى تسمية الشهود فيه، إذ قد أعذر فيهم إلى المحكوم عليه إلا أن تسميتهم أحسن. قاله أصبغ، وبذلك مضى العمل. قال ابن أبي زمنين: الذي عليه الحكام تسمية الشهود، وهذا في الحاضر، وأما الغائب والصغير فلا بد من تسميتهم. وقد روي عن سحنون في المجموعة أن تسميتهم أيضا في الحكم على الغائب لا يلزم، وإن كان ذلك أحسن، وهذا من قوله إنما يأتي على مذهب ابن الماجشون في أن الغائب إذا حكم عليه لا

مسألة: تسمية القاضي الشهود المجروحين لغيره

ترجى له حجة، ولا مخرج له مما حكم به عليه بجرحة الشهود، إلا أن يكونوا نصارى أو عبيدا أو مولى عليهم. وقد مضى ذلك في رسم سن من سماع ابن القاسم، وقد روى عن سحنون أن ترك تسميه الشهود في الحكم على الغائب أفضل، قال: لأنه قد يحكم القاضي بشهادتهم وهم عدول، ثم يحدث منهم أحوال قبيحة يعودون معها إلى الجرحة، فإذا عزل ذلك القاضي أو مات ادعى المحكوم عليه أن القاضي جار عليه وقبل غير عدول، وهذا على الأصل في أن الغائب المحكوم عليه لا ترجى له حجته، واستحسان أصبغ الذي جرى به العمل من تسمية الشهود في الحكم على الحاضر، معناه على القول بأنه يعجز، ولا تسمع له بينة بعد الحكم إن أتى بها مراعاة لقول من يقول لا يعجز ويسمع له ببينة لم يعلم بها، وهذا من نحو قول مالك في الذي يرى خطه في الكتاب ولا يذكر الشهادة أنه يؤديها ولا تنفع، وأما على القول بأن بينته يسمع منه بعد الحكم عليه فلا بد من تسمية البينة وبالله التوفيق. [مسألة: تسمية القاضي الشهود المجروحين لغيره] مسألة قال عيسى: وسئل ابن القاسم فقيل: لأي شيء وضعوا تسمية من يجرح من الشهود في كتابه، قال: لا أعرف من قضاء أحد أن قاضيا كتب إلى قاض بتسمية من يجرح عنده ولا سمعت به. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن القاضي ليس عليه أن يكتب في حكمه على الغائب إذا خاطب بذلك إلى قاضي موضع وكان قد شهدت له بينة فجرحت، وذلك مثل أن يثبت رجل

مسألة: وجود أكثر من شاهد بنفس الإسم والصفة

دينا على ميت وأحد ورثته غائب فيدعي الحاضر أن الميت قد قضاه ويقيم على ذلك بينة فيجرحها المدعي فيقضي له القاضي بحقه بعد اليمين أنه ما قضاه ويكتب له إلى موضع الوارث الغائب بتسمية من يجرح عنده من الشهود إن كانوا قد جرحوا عنده لأن الشهود إذا جرحوا لا يعمل فيهم التعديل؛ لأن شهادة المجرحين أعمل من شهادة المعدلين، فلم يكن للمحكوم عليه في تسميتهم وجه منفعة، وإذا عدل الشهود عمل فيهم التجريح، فلذلك يجب أن يكتب أسماء الذين عدلوا ولا تكتب أسماء الذين جرحوا، وجب عليه أن يكتب أسماء المجرحين لهم؛ لأنه إذا سماهم في الحكم عليه وجد سبيلا إلى تجريحهم فسقطت الجرحة بذلك على شهوده وبقوا على أصل العدالة، وهذا في الحكم على الغائب، وفي كتابه إلى القاضي بذلك. وأما في الحكم على الحاضر فقد مضى في المسألة التي قبل هذه أن تسمية الشهود الذين عدلوا لا تجب في ذلك، إذ لم يحكم عليه إلا بعد الإعذار إليه، فكيف في تسمية الذين جرحوا، وبالله التوفيق. [مسألة: وجود أكثر من شاهد بنفس الإسم والصفة] مسألة وسئل عن القاضي يكتب إلى القاضي في رجل بصفته واسمه ونسبه في حق عليه، فيجد القاضي رجلين أو ثلاثة في ذلك البلد أسماؤهم وصفاتهم متفقة، أيختار صاحب الكتاب ويأخذ من ذكر أنه منهم أم ماذا يصنع فيه؟ فقال: لا يختار صاحب الكتاب أحدا منهم، ولا يكون له شيء حتى يثبت أنه أحدهم، أو لا يكون في ذلك البلد أحد غيره كذلك، فحينئذ يستوجبه عليه حقه، إلا أن تكون له حجة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أنه إذا وجد بالبلد رجلين أو ثلاثة على تلك الصفة أنه لا يصدق في الذي يدعي منهم إلا أن يثبت ذلك؛ واختلف إن سأل من الذي يدعى عليه منهم أنه هو حميلا حتى يأتي بالبينة. فقيل: إنه لا يعدي عليه بحميل. وهو قول ابن

مسألة: استحلاف صاحب الحق حين خروجه أو توكيله

القاسم في المدونة. وقيل: إنه يعدي عليه إن لم يؤمن غيبته، ولم يكن من أهل الوفر والملإ، وهو قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وإذا وجد بالبلد رجل واحد على تلك الصفة كشف القاضي على الأمر، فإن لم يوجد بالبلد على تلك الصفة غيره أعداه عليه، وإن وجد به سواه لم يكن له على واحد منهما سبيل إلا أن يثبت على أحدهما أنه هو، وإن ترك القاضي ما يؤمر به من الكشف عن ذلك، فقيل: إنه لا يؤخذ بالحق حتى يثبت الطالب أنه ليس بالبلد من هو على تلك الصفة سواه، وهو دليل قول ابن وهب في سماع زونان، والشهادة في هذا لا تكون إلا على العلم، وقيل: إنه يؤخذ به إلا أن يثبت هو أن بالبلد من هو على تلك الصفة، وهو ظاهر قول أشهب في سماع زونان بعد هذا، ورواية عيسى عن ابن القاسم في المدونة وسيأتي هناك بقية الكلام على المسألة إن شاء الله. [مسألة: استحلاف صاحب الحق حين خروجه أو توكيله] مسألة وسئل عن الرجل يثبت حقا له عند القاضي على رجل غائب ويريد الخروج في ذلك أو يوكل، أيستحلفه؟ قال: يستحلفه في الوجهين جميعا خرج أو وكل أنه ما اقتضى ولا أحال ولا قبضه بوجه من الوجوه، ثم يكتب له بوكالته إن وكل ويثبت عنده. وقاله أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم.

قال القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد قيل: إنه ليس على الإمام أن يستحلفه في الوجهين جميعا خرج أو وكل، ويكتب له دون يمين؛ لأنه يقول للإمام لا تحلفني فلعله لا يدعي علي أنه قضى لي منه شيئا، وهو ظاهر ما في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات، وما في نوازل أصبغ منه، فإن كتب لوكيله على هذا القول دون أن يستخلفه فقدم عليه، فادعى أنه قد دفع إليه جميع الدين أو بعضه، فإن كانت غيبته قريبة على مسيرة اليومين ونحوهما أخر حتى يكتب إليه فيحلف، وإن كانت غيبته بعيدة لم يؤخر، وقضى عليه بالدين، ولم يؤخر إلى لقاء صاحبه، وهو نص قول محمد بن عبد الحكم، ومعنى قول ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات، وقول أصبغ في نوازله منه، وعلى ما في نوازل عيسى من كتاب البضائع والوكالات في الذي يوكل الرجل على طلب عبد له في بلدة أخرى فيقيم عليه البينة أنه للذي وكله أن الإمام لا يقضي له به حتى يحلف الموكل أنه ما باع، ولا وهب، فإن كان قريبا أمر أن يأتي به حتى يحلف، وإن كان بعيدا كتب إلى إمام بلده الذي ثبت عنده توكيله، وأمره أن يحلفه، فإذا أتاه جواب كتابه بأنه قد حلفه قضى به لوكيله، لا يقضي للوكيل بالدين حتى يكتب إليه فيحلف في موضعه الذي هو فيه. وقد ذهب بعض المتأخرين إلى التفرقة بين المسألتين بأن قال: إن اليمين في مسألة العبد من تمام الشهادة فهي يمين يوجبها الحكم فلا يقضى له بالعبد إلا بعد اليمين، وفي مسألة الدين ليس اليمين من تمام الشهادة ولا مما يوجبها الحكم، وإنما تجب بدعوى الغريم القضاء، فيقال له: أد الدين إلى الوكيل واستحلف صاحبك، إذ الغيبة بدعواك. وذهب ابن أبي زيد إلى حمل المسألتين بعضهما على بعض، وهو بين من مذهب أصبغ؛ لأن ابن حبيب حكى عنه في الواضحة في مسألة العبد أنه يقضى به للوكيل في غيبة الموكل إذا كانت بعيدة، ولا

مسألة: كتاب القاضي كتابا لصاحب الحق

يحبس عنه من أجل اليمين. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أنه يقضى للوكيل في المسألتين جميعا ولا يؤخر القضاء له بسبب اليمين. والثاني أنه لا يقضي له في المسألتين جميعا حتى يكتب إليه فيحلف. والثالث الفرق بين مسألة العبد، ومسألة الدين؛ وفي المسألة قول رابع أن الوكيل يحلف على العلم وحينئذ يقضي له، قاله ابن كنانة في المجموعة، وابن القاسم في المدونة وهذا كله في الغيبة البعيدة، وأما الغيبة القريبة فلا اختلاف في أنه لا يقضى له إلا بعد يمينه في المسألتين جميعا هذا تحصيل القول عندي في هذه المسألة وبالله التوفيق. [مسألة: كتاب القاضي كتابا لصاحب الحق] مسألة وسئل عن الرجل يثبت حقه عند القاضي، أيعطيه كتابا إلى أي قضاة الآفاق كان ولا يسمى فيه أحدا، لا قاضيا بعينيه ولا بلدا بعينه؟ قال: نعم، وأرى ذلك يجوز إذا أثبت البينة عند القاضي الذي دفع إليه الكتاب أنه كتاب القاضي الذي بعث به وكتبه، مثل الرجل يطالب غريمه ولا يدري بأي الآفاق هو أو أين يلقاه، أو العبد الآبق وما أشبه ذلك، وقاله أصبغ عن ابن القاسم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أنه إذا لم يدر حيث هو غريمه الذي أثبت دينه قبله، أو حيث يجد عبده الآبق فإن الإمام يكتب له دون تسمية، يقول في كتابه: كتابي إلى من ورد عليه كتابي هذا من القضاة والحكام بأي بلد كان من البلدان، فيكون حقا على كل من ورد عليه ذلك الكتاب من القضاة أن يقضي به وحمله دون خلاف، كما لا

اختلاف أيضا (أنه) إذا كتب له إلى قاضي موضع فوجد ذلك القاضي قد مات أو عزل وولى غيره مكانه أنه يجب له إنفاذ ذلك الكتاب والعمل به. واختلف إذا كتب له إلى قاضي بلد بعينه وهو يظن غريمه بذلك البلد فألفاه بغير ذلك البلد، ورفع ذلك الكتاب إلى قاضي ذلك البلد، وهو غير القاضي المكتوب إليه. فروى أصبغ عن ابن القاسم أنه لا ينظر له فيه، وقال أصبغ: إنما معنى ذلك أنه لا يعرف بذلك البلد، ولو أثبت المدعي بينة في ذلك البلد أنه الرجل الذي حكم عليه القاضي الكاتب أنفذه هذا. قال محمد بن رشد: والمعنى الذي ذهب إليه أصبغ أن من تمام الصفة أن يقول فيه الساكن ببلد كذا، أو الملتزم في صناعته كذا، فلا يوجد بذلك البلد، وفي تلك الصناعة بتلك الصفة والنسبة والتسمية سواه فيلزمه، فإذا رفع الكتاب إلى قاض بغير ذلك البلد لم يدر لعل صاحبه في بلد المكتوب إليه، فوجب ألا يحكم له على من وافقت صفته من أهل بلده الصفة المذكورة في الكتاب حتى يثبت عنده أنه هو بعينه، وهو معنى صحيح، والظاهر من مذهب ابن القاسم أنه لا ينظر (له) بحال؛ لأن الذي كتب إليه الكتاب حتى يثبته عنده ويخاطبه به وبالله التوفيق.

: كتاب الأقضية الثاني

[: كتاب الأقضية الثاني] [: كرم بين أشراك تساقطت حيطانه فدعا بعضهم إلى إصلاحه وكره بعضهم]

من سماع يحيى بن يحيى من كتاب الكبش قال يحيى: سألت ابن القاسم عن كرم بين أشراك تساقطت حيطانه فخافوا عليه الفساد فدعا بعضهم بعضا إلى العمل وإصلاح ما تساقط من حدوده وكره بعضهم. فقال: إن كان لكل رجل منهم حصة معروفة إلا أن الغلق كان واحدا فانهدم، فإن العمل لا يلزم من كرهه، ويقال لمن خاف الفساد وأحب العمل: إن شئت فحصن كرمك ودع ما ليس لك، وإن شئت فدع. ولا يجبر الكاره للعمل على شيء بحصته، قال: وإن كان مشاعا غير مقسوم فإنه يقال لهم إذا اختلفوا في إصلاحه ومرمة حيطانه اقتسموا ويجبروا على الاقتسام إذا دعا إلى ذلك بعضهم، ثم شأن كل واحد منهم وحصته ليحصنها أو ليدع، قلت له: فإن كان انهدم الحائط وهو مشاع، وفي الكرم ثمرة تمنعهم من الاقتسام وترك إصلاح الحيطان ذهاب للثمرة وفساد للكرم، ما الأمر فيه؟ قال: إن كانت الثمرة قد طابت قيل له: حصن معهم أو

بع حصتك من الثمرة ممن يحصن، فإن كانت الثمرة لم تطب، قيل لهم: إن شئتم فحصنوا وتكونوا أملك بحظه من الثمرة حتى تستوفوا من ذلك ما أنفقتم، فإن كان ما أنفقوا أكثر من ثمن الثمرة لم يكن لهم عليه شيء سوى الثمرة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، إنه إن كانت حصة كل واحد منهم معروفة فلا يلزم العمل من كرهه، إذ لا ضرر في ذلك على سواه، لقدرته على تحصين حصته، وإنه إن كان مشاعا ينقسم ولم تكن فيه ثمرة تمنعهم من الاقتسام أجبروا على الاقتسام، وكان كل رجل منهم بالخيار في حصته، إن شاء حصنها، وإن شاء تركها. وأما إذا كان في الحائط ثمرة تمنعهم من الاقتسام ففي قوله: إن كانت الثمرة قد طابت قيل له: حصن معهم أو بع حظك من الثمرة ممن يحصن نظر؛ لأن الظاهر من قوله: إنه لا يلزمه أكثر من أن يبيع حظه من الثمرة في التحصين، أو يسلمها إليهم، وقد لا يكون في ثمن حظه من الثمرة ما ينوبه من نفقة التحصين. والقياس إذا لم يف حظه من الثمرة بما يلزمه في التحصين أن يقال له: لا بد لك من أن تحصن مع أشراكك أو تبيع حظك من الأصل والثمرة ممن يحصن معهم، فإن لم يف حظه من الأصل والثمرة بما يلزمه من التحصين لم يلزمه أكثر من أن يسلم إليهم أصل الحائط بثمرته فيما يلزمه من التحصين معهم. وكذلك قوله: إن الثمرة إذا لم تطب يقال لهم: إن شئتم حصنوا وتكونوا أملك بحظه من الثمرة إلى آخر قوله: الظاهر منه أنه إذا أبى أن يحصن معهم لم يلزمه ذلك، ولم يكن عليه أكثر من أن يسلم إليهم حظه من الثمرة فيكونوا أملك بها حتى يستوفوا منها نفقتهم، فإن لم يف ثمن الثمرة بالنفقة لم يكن عليه شيء سوى ذلك، وهو على قياس قوله: إذا طابت الثمرة من أنه لم يلزمه في التحصين أكثر منها،

والقياس إذا لم تطب الثمرة أن يقال له: إما أن تحصن معهم، وإما أن تبيع حظك من الأصل والثمرة ممن يحصن معهم، وكذلك قال في أول سماع ابن القاسم من كتاب السداد والأنهار في الحائط يكون بين القوم فينهار ماؤه وفيه زرع وشجر مثمر فيمنعهم من الاقتسام أن من أبى أن يعمل يجبر على ما أحب أو كره أن يعمل أو يبيع ممن يعمل، فهو خلاف لرواية يحيى هذه، وقد اختلف إذا أبى أن يعمل هل يجبر على أن يبيع ممن يعمل، أو لا يجبر على ذلك؟ فقيل: إنه يجبر على ذلك، ويباع عليه من حظه بقدر ما يلزمه من العمل فيما بقي من حقه بعدما بيع عليه منه، وهو قول مالك في رسم الصلاة من سماع (يحيى) بعد هذا، ودليل ما في كتاب القسمة من المدونة. وقيل: إنه يجبر على ذلك، وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب السداد والأنهار، خلاف قول يحيى فيه، من رأيه أنه لا يباع عليه. وأصح القولين في القياس أنه لا يجبر على ذلك، وعليه ينبغي أن يتأول ما في سماع ابن القاسم من كتاب السداد والأنهار، فيقال قوله فيه يجبر على ما أحب أو كره أن يبيع ذلك ممن يعمل معهم، معناه أنه يجبر على العمل إلا أن يبيع ذلك ممن يعمل، يريد فإن أبى من الوجهين جميعها، ولا مال له بيع عليه من حظه بقدر ما يجب عليه في العمل بغير شرط، فإن أبى المبتاع أيضا من العمل حكم بما حكم على البائع، وهو قول سحنون: إن البيع على الشرط إنما جاز على وجه الضرورة إذا لم يكن للبائع مال، وليس قوله ببين، إذ لا ضرورة تدعو إلى ذلك؛ لأنه يقدر على أن يباع عليه من حظه دون شرط بقدر ما يلزمه من الإنفاق في عمل ما بقي عليه من نصيبه وبالله التوفيق.

مسألة: امرأة وإخوتها ورثوا عن أبيهم منزلا فباع أحد إخوتها المنزل كله

[مسألة: امرأة وإخوتها ورثوا عن أبيهم منزلا فباع أحد إخوتها المنزل كله] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن امرأة وإخوتها ورثوا عن أبيهم منزلا فباع أحد إخوتها المنزل كله وهو غير وصي فباع ذلك على إخوته وأخواته وتعدى عليهم، فأقام المنزل في يد مشتريه زمانا، أو مات مشتريه وبقي المنزل في يدي ورثته، وأخت البائع يوم باع المنزل أخوها بكر فتزوجت بعد، وأقامت بعد تزويجها زمانا، أو هي يوم باع أخوها متزوجة والمنزل في جوارها أو على أميال يسيرة، الثلاثة ونحوها، فادعت حقها من المنزل بعد عشر سنين أو خمس عشرة سنة أو أكثر من ذلك، وزعمت أنها لم تعلم ببيع حظها، أو أقرت أنها علمت بالبيع ولم تجد من يتوكل لها بطلب حقها، أو ادعت أن زوجها ممن لم يكن يدخل على عياله أحد لشرفه وشدة غيرته، وهو ممن لا يتوكل مثله على طلب حقوق امرأته، ولا يلتفت إلى ما ضاع من حقوقها وأموالها، أترى أن تعذر في طلب حقها في نصيبها؟ قال: أما التي ادعت وهي بكر أو غير بكر أنها لا علم لها أن حقها بيع، فإنها تحلف على ما ادعت من الجهالة ببيع حقها إذا جاءت بأمر يستدل به على صدق قولها، ثم تكون أحق بنصيبها، إلا أن يأتي المشتري بالبينة على علمها بيع أخيها حظها، ويطول سكوتها على طلب حقها زمانا طويلا، وهي قادرة على الطلب والتوكيل ليست في حجاب يمنعها من اتخاذ وكيل يطلب لها، ولا ممنوعة من

الخروج أو الإرسال إلى من أحبت، فإن كانت بهذه الحال وطال تركها لطلب حقها فلا شيء لها، إلا أن يكون سكوتها زمانا يسيرا. قلت: أترى العشر سنين ونحوها التي لا عذر لها طويلا؟ قال: نعم، لا عذر لها. قال: وأما الذي ذكرت من شرف زوجها وشدة حجابه وتهاونه بالنظر لها، فإن بلغ من شأن زوجها ما يتبين به للناظر في أمرها عذرها نظر لها وإن طال الزمان، فلا يضرها أن تكون عالمة ببيع أخيها إذا كان الزوج يبلغ من حجابه ما ذكرت واعتذرت به وكان بذلك معروفا. قال القاضي: قوله في هذه الرواية: أما التي ادعت وهي بكر أو غير بكر أنها لا علم لها أن حقها بيع فإنها تحلف على ما ادعت من الجهالة، كلام وقع على غير تحصيل والله أعلم؛ لأن البكر لا يمين عليها أنها لم تعلم، إذ لو أقرت أنها علمت لم يلزمها ذلك عند ابن القاسم، فإنما أراد أن البكر وغير البكر سواء في أن البيع لا يلزمها إلا في وجوب اليمين عليها، وإنما تستوي البكر وغير البكر في وجوب اليمين عليها على مذهب سحنون الذي يرى أفعال البكر اليتيمة جائزة عليها ولازمة لها. وقوله: إذا جاءت بأمر يستدل به على صدق قولها. كلام ليس على ظاهره ومعناه إذا لم تأت بأمر يستدل به على كذبها؛ لأنها محمولة على غير العلم حتى يثبت عليها العلم. وقد روى أشهب عن مالك في كتاب الاستحقاق في التي باع عليها زوجها وأبوها دارها فأقامت أربعة عشر عاما ترى الدار بيد المشتري يهدم ويبني، ثم قامت فقالت: لم أعلم بالبيع، وظننت أنه كان اكتراها، إن القول قولها في ذلك مع يمينها. وقوله: إلا أن يأتي المشتري

بالبينة على علمها ببيع أخيها حظها وبطول سكوتها عن طلب حقها الزمان الطويل وهي قادرة على الطلب، معناه إذا علمت بالبيع بعد أن وقع، فلم تقم حين علمت حتى طال الأمر دون عذر يمنعها من القيام، وقال في العشرة الأعوام: إنها طول يبطل قيامها في الدار لما سأله عن ذلك، فلا دليل في ذلك على أن ما دون العشرة الأعوام ليس بطول؛ لأن الكلام إنما خرج على السؤال، فبطل بذلك الدليل، والعام في مثل هذا طول. روي ذلك عن أصبغ في نحو هذه المسألة، وقد ذهب بعض الشيوخ إلى أن الشهر والشهرين في هذا طول، وإذا طال الأمر العام ونحوه لزمها البيع، وكان لها الثمن على أخيها البائع، ولو ادعى أخوها البائع أن الدار داره، قد كانت (خلصت) له بقسمة وما أشبه ذلك لم يصدق في ذلك إلا أن تسكت بعد علمها بالبيع مدة تكون فيها الحيازة أقلها عشرة أعوام، ولو كان أخوها قد باع الدار وهي حاضرة ساكتة، فلما فرغ من البيع أنكرت وقالت: إنما سكت لأني علمت أن ذلك لا يلزمني، كان القول في ذلك قولها مع يمينها على معنى مسألة كتاب النكاح الأول من المدونة، ولو سكتت بعد البيع حتى انقضى المجلس ثم قالت بعد ذلك في مجلس آخر أو بعد يوم أو يومين لم أرض بالبيع، لم يكن لها في ذلك قول، ولزمها البيع، وكان لها الثمن. ولو ادعى أخوها البائع أن الدار له انفرد بها دونها بمقاسمة أو بيع لم يصدق في ذلك، إلا أن يطول الأمر، والطول في هذه السنة ونحوها، بخلاف التي لم تشاهد الصفقة، وإنما أعلمت بالبيع بعد وقوعه، هذا إن ادعى البائع أن الدار له لم يصدق في ذلك، إلا إن سكتت عن القيام إلى مقدار ما تكون فيه الحيازة من المدة على ما ذكرناه، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق.

مسألة: الرجل يرفع للسلطان أن حقا لقوم غيب في دار ونحوها

[مسألة: الرجل يرفع للسلطان أن حقا لقوم غيب في دار ونحوها] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يرفع إلى السلطان أن حقا لقوم غيب من قرابته أو غيرهم في دار، أو في أرض، أو في غير ذلك بأيدي قوم يخاف على ذلك الحق الهلاك لتقادمه في أيديهم، وطول مغيب أهله عنه، ويخاف موت من علم ذلك قبله، أو نسيانهم لطول الزمان، هل يجوز للسلطان أن يوكله على الغيب فيقوم لهم باستحقاق حقوقهم، وإحيائه لهم، والخصومة عنهم؟ قال: أما الخصومة عنهم ومواضعة الحجج فلا أرى أن يوكل على ذلك وكيلا يقوم به عن الغائب، وذلك أنه إذا قضى للذي ادعى الحق قبله على هذا الذي وكله السلطان عن الغائب لم يلزم ذلك الغائب إذا قدم، وكان له أن يخاصم في حقه ويبتدئ له النظر في طلبه، فإذا كان ما يقع على الوكيل لا يلزم الغائب فيما له وعليه، فلا ينبغي للقاضي أن يشخص هذا الذي الحق في يديه فيطول عناؤه، ويطول اختلافه، فإذا قضى عليه فلعل الغيب أن يقروا بخلاف ما طلب هذا لهم، وإن قضى له ثم جاء الغيب لم ينتفع هذا بالقضاء له، وعاد في خصومة مبتدأة. قال: ولكن إن كان الذي رفع مثل هذا إلى السلطان خاف هلاك هذا الحق بموت الشهود أو نسيانهم لطول الزمان فلا بأس أن يأذن له السلطان ويأمره أن يأتي بأولئك الشهود فيسمع منهم ويوقع شهادتهم، فإن كانوا عدولا أشهد القاضي

: أيستأنف النظر فيما حكم فيه القاضي المعزول

رجالا أنه قد أجاز شهادتهم وقبلها لعدالتهم عنده، ويطبع على الكتاب الذي أوقع فيه شهادتهم، ويشهد العدول أنه كتابه وأنهم عدول عنده، يجيز شهادتهم، فإن جاء الغائب يوما (ما) أو وكيله فخاصم عنده وقد مات الشهود فاحتاج إلى علمهم اكتفى بالذي كانوا شهدوا به عنده فقطع الحق بهم، وإن جاء الغائب أو وكيله يوما لطلب ذلك الحق، وقد مات القاضي أو عزل، أو مات الشهداء كان حقا على القاضي الذي خلف مكانه إذا جاء الغائب أو وكيله بالكتاب الذي كتب القاضي الأول فيه شهادة الذين شهدوا عنده على إثبات حق الغيب، فأثبتوا عند القاضي الثاني أنه كتاب الماضي الأول بعينه (وأن القاضي الأول) قد أجاز شهادتهم ورضي عدالتهم، أجاز ذلك القاضي الثاني، ولم يسألهم تعديلهم، واكتفى بالذي كان ثبت عند الأول، وأشهد به للغيب، ثم أجاز شهادتهم. قال أصبغ بن الفرج: وإن رأى القاضي الأول إذا صحت هذه الأشياء عنده للغيب شهادة قاطعة وأمورا ثابتة، ولم يكن للحاضر فيها حجة ولا مدفع أن يوقفها عنه أوقفها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى موعبا محصلا في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [: أيستأنف النظر فيما حكم فيه القاضي المعزول] ومن كتاب الصبرة وسألته عن القاضي يعزل لسوء حال يظهر منه أو يموت، وقد كان معروفا بالجور في أحكامه، أيستأنف النظر فيما كان

حكم به؟ فقال: نعم، ولا يحل لأحد من القضاة أن ينفذ له حكما إذا كان من غير أهل العدل، قلت: وكيف يكشف القاضي الذي ولي بعده أحكامه؟ أيتصفح قراءة ما كان سجل به للناس، وأشهد لهم عليه مما كان حكم به لهم؟ أم يقال للخصماء: استأنفوا الخصومة؟ فقال: إذا كان من غير أهل العدل، وخيف أن يكون كان يقبل من الشهداء غير العدول، أو يجور في أحكامه أو ما أشبه هذا، نقضت أحكامه، وأمر الخصوم باستئناف الخصام، وذلك أن القاضي إذا كان جائرا فإنه لا يكاد يكتب للناس كتب أقضيته لهم إلا صحيحة الظاهر، مستقيمة الحكم، قال: ولكن إذا كان القاضي ممن لا يتهم بتعمد الجور، ولا تجويز شهادة غير العدول وهو مجتهد في العدل، غير أنه جاهل بالسنن، تارك للاستشارة لأهل العلم يحكم باستحسانه، ويقطع الأحكام برأيه، فهذا الذي يتصفح أحكامه ويقرأ ما أشهد للناس عليه في سجلاته لهم، فإن كانت صوابا في ظاهرها أنفذت للذي أمن جوره وعرف من صلاح حاله، وإن كان منها خلاف كتاب الله، أو سنة ماضية غير مختلف فيها فسخ ذلك من أحكامه للذي عرف منه من الجهالة، وحكم به بخلاف السنة، وإن كان الذي حكم به أمرا قد اختلف فيه أهل العلم حمل من ذلك ما يحمل للذي جاء فيه من الاختلاف إذا كان أخذ بأحد الأقاويل، ولم يرد مثل هذا من أحكامه.

قال القاضي: هذا كما قال إن القاضي المعلوم بالجور في أحكامه تنقض أحكامه كلها، ويؤمر الخصمان باستئناف الخصام، وإن كانت مستقيمة في ظاهرها، إلا أن يثبت في شيء منها أنها كانت صحيحة مستقيمة في الباطن حسبما هي عليه في الظاهر، وإن القاضي العدل الذي لا يتهم بتعمد الجور إلا أنه جاهل، يحكم برأيه دون مشورة أهل العلم تتصفح أحكامه، فما كان منها صوابا في ظاهرها، أو خطأ قد اختلف فيه أنفذت، وما كان منها خطأ لم يختلف فيه نقضت، وذلك أن القضاة ثلاثة: قاض لا تتصفح أحكامه ولا ينظر فيها إلا على وجه التجويز لها إن احتيج إلى النظر إليها لعارض يعرض من وجه خصومة أو اختلاف في حد لا على وجه الكشف عنها والتعقب لها إن سأل ذلك المحكوم عليه فتنفذ كلها، إلا أن يظهر في شيء منها عند النظر إليها على الوجه الجائز أنه خطأ ظاهر لم يختلف فيه، فيرد ذلك من حكمه، وهو القاضي العدل العالم. وقاض لا تتصفح أحكامه، وترد كلها، وإن كانت مستقيمة في ظاهرها إلا أن يثبت صحة باطنها، وهو القاضي الجائر. وقاض تتصفح أحكامه كلها فما كان منها صوابا أو خطأ فيه اختلاف نفذت، وما كان منها خطأ لا اختلاف فيه ردت، وهو القاضي العدل الجاهل، ويختلف في أحكام القضاة الذين لا ترضى أحوالهم ولا تجوز شهادتهم إذا لم يعلموا بالجور في أحكامهم، وفي أحكام أهل البدع والأهواء، فحكم لها ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون بحكم القاضي الجائر في أنها تفسخ كلها، ولا يمضي منها إلا ما علم صحة باطنه بالبينة العدلة، وحكم لها أصبغ بحكم القاضي العدل الجاهل في أنها تتصفح فينفذ منها ما كان صحيحا في الظاهر. وحكى الفضل عن ابن الماجشون أن القاضي الجائر تتصفح أحكامه كالقاضي الجاهل، وهو شذوذ وبالله التوفيق.

مسألة: أيجوز لقاضي الجماعة الأعلى أن ينفذ أحكام القاضي غير العدل

[مسألة: أيجوز لقاضي الجماعة الأعلى أن ينفذ أحكام القاضي غير العدل] مسألة قلت: أرأيت القاضي يوليه الأمير في بعض الكور، وهو غير عدل ولا رضا، ولا يؤمن جَوْره ولا جهله، أيجوز لقاضي الجماعة الذي هو فوقه أن ينفذ أحكامه، ويرد إليه من أراد الخصومة عنده من أهل الكورة؟ قال: لا أرى أن يدفع إليه خصما، ولا يكتب إليه في تعديل شاهد، ولا يمضي له حكما، ولا أراه في سعة من ذلك. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن من لم يكن من أهل العدل والرضا، فلا يؤتمن في شيء من الأشياء؛ لقول الله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، وبالله التوفيق. [: النزاع في إقامة حائط منهدم بين جارين] ومن كتاب الصلاة وسئل عن حائط لرجل يكون فاصلا ما بينه وبين جاره فينهدم، فيقول صاحبه: ما أنا محتاج إلى الاستتار به ولا رفعه، ويقول جاره: اردده كما كان، فإنه سترة فيما بيني وبينك. قال: سمعت مالكا يقول: إن كان هو الذي هدمه، وهو قوي على رده بحاله، وإنما يترك عمله للضرر بجاره، فعليه عمله، وإن كان انهدم وهو على عمله قوي فكذلك أيضا، وإن هدمه أو انهدم، فضعف عن رفعه عذر، وقيل لجاره: استر على نفسك وضع جدراك في حظك ودارك، أو اترك.

مسألة: البيت يكون بين الرجلين ينهدم أو البير تكون بين حائطين فتنهدم

قال محمد بن رشد: ساوى في هذه الرواية بين أن ينهدم أو يهدمه لوجه منفعة، في أنه إنما يجبر على إعادته إذا كان له مال، وذلك خلاف لما مضى في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، وقد مضى هناك تحصيل القول في ذلك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: البيت يكون بين الرجلين ينهدم أو البير تكون بين حائطين فتنهدم] مسألة قيل له: فالبيت يكون بين الرجلين ينهدم، أو البير تكون بين حائطين فتنهدم قال: قال لي مالك: أما البيت وما أشبه ذلك، فإن كان مما ينقسم اقتسماه فبنى من شاء، وترك من كره، وإن كان مما لا ينقسم مثل البير وما أشبهها، فإنه يقال للذي لا يريد العمل: إما أن تعمل مع شريكك، وإما أن تقاومه، أو تبيع ممن يعمل، وإلا بعنا عليك من حقك بقدر ما ينفق في عمل ما بقي من حقك، ولا يمنع شريكك من الانتفاع بحظه ضررا منك له وتضييقا عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يقال لمن أبى العمل إذا كان لا ينقسم إما أن تعمل مع شريكك، وإما أن تقاومه أو تبيع ممن يعمل، وإلا بعنا عليك يبين أنه لا يحكم عليه بالبيع، كما لا يحكم بالمقاومة على من أباها منهما، وأن الذي يوجبه الحكم إذا لم يتفقا على المقاومة، وأبى هو البيع أن يباع عليه من حظه بقدر ما ينفق في عمل ما بقي منه، وهو صحيح في المعنى، على معنى ما في كتاب القسمة من المدونة، خلاف ما في رسم الكبش، من سماع يحيى، من كتاب السداد والأنهار، وقد مضى القول على هذا قبل هذا في أول مسألة من هذا السماع، فلا معنى لإعادته.

: القاضي يحكم للرجل فيستأني في الحوز بالقضاء حتى يموت القاضي أو يعزل

وقول مالك في هذه الرواية: أما البيت وما أشبهه فإن كان مما يقسم اقتسماه، فيبني من شاء، ويترك من كره، ينحو إلى مذهب ابن القاسم في المدونة أن البيت لا ينقسم إلا أن يكون في نصيب كل واحد من الشركاء بقدر ما ينتفع به، خلاف قول مالك فيها، وبالله التوفيق. [: القاضي يحكم للرجل فيستأني في الحوز بالقضاء حتى يموت القاضي أو يعزل] ومن كتاب المكاتب وسألته عن القاضي يحكم للرجل، ويسجل له بذلك، ويشهد له به عدول، فيستأني في الحوز بالقضاء حتى يموت القاضي أو يعزل، فقال: القضاء له جائز تام، ولا يضره إلا أن يكون قبض. قلت له: ذو العذر عندك فيما أخر من حيازة ما قضى له به، ومن لا عذر له سواء. قال: نعم، لا يقطع حقه تأخير الحوز، ولا موت القاضي الحاكم له، ولا عزله. قلت: أرأيت إن مات المقضي له قبل أن يحوز ما قضى له به أيكون ورثته بمنزلته؟ قال: نعم، قلت: وإن مات المقضي عليه قبل أن يقبض الحق منه، أو يؤخذ من ورثته، وقد طال ترك المقضي له ذلك الحق في يد المقضي عليه، قال: نعم، ليس في موت واحد منهما، ولا موت القاضي، ولا عزله قطع لحق المقضي له، إلا أن يكون تركا طويلا جدا حتى يكون كقبض ما يستحق بالتقادم وما أشبه ذلك. قلت له: وما طول ذلك؟ قال: قدر ما يخشى أن يكون من يعرف ذلك الحق قد هلك، أو ينسى لطول زمنه.

قال القاضي: قوله: إن حكم القاضي لا يفتقر إلى حيازة، وإنه إذا قضى، وأشهد لرجل بالقضاء، فلم يمض ولا حاز حتى مات أو عزل أن حقه لا يبطل بموت القاضي ولا عزله، صحيح لا اختلاف فيه، وقد مضى هذا المعنى في رسم نذر سنة، من سماع ابن القاسم، ورسم أسلم من سماع عيسى، وكذلك قوله: إن المقضي عليه لا ينتفع بحيازة ما قضى به عليه السنين الكثيرة التي تكون بها الحيازة قام عليه المقضي له في حياته أو ورثته بعد وفاته، إلا أن يطول ذلك جدا؛ صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن الحيازة لا ينتفع الحائز بها إلا أن يجهل أصل دخوله فيها، وأما إذا علم أن أصل دخوله فيها كان على وجه ما، من غصب أو عارية أو إسكان أو إرفاق أو إمساك ما حكم عليه به، فهو محمول على ذلك لا ينتفع في طول حيازته له، إلا أن يطول زمان ذلك جدا، ولم يحد في هذه الرواية في ذلك حدا، إلا أنه قال: قدر ما يخشى أن يكون من يعرف ذلك الحق قد هلك، أو نسي لطول زمنه، فقد يتأول في هذا أن الطول عشرون عاما على ما وقع في سماع عيسى، من كتاب القسمة أن في عشرين سنة يبيد الشهود، وحد ابن حبيب فيه الخمسين سنة، وحكاه عن مطرف وأصبغ، ويأتي على مذهب ابن الماجشون في إجازة شهادة السماع أن الطول في ذلك خمسة عشر عاما، وهذا عندي إذا ادعى بعد هذا الطول أنه قد صار إليه بعد الحكم عليه بوجه كذا، لوجه يذكره مما يصح به انتقال الأملاك، وأما أن يكون طول مقامه بيده يحق له ملكه دون أن يدعى تصييره إليه ملكا فلا. والبيع والهبة والإصداق، والصدقة والبناء والغرس على ما حكى ابن حبيب، ومطرف، وابن الماجشون، وأصبغ كالطول في ذلك. واختلف إذا مات المقضي عليه، وأورث ذلك ورثته، فلم يقم عليهم المقضي له السنين الكثيرة، فقيل: إنهم في ذلك عليه سواء، لا شيء لهم إلا أن يطول زمانه في أيديهم، أو يحدثوا فيه بيعا أو صدقة أو إصداقا، قال ابن الماجشون: لو

مسألة: الرجل يكون أندره لاصقا بأرض رجل فيريد أن يبني دارا تضر بالأندر

قسمه، في أحد قوليه، والمقضي له حاضر، فيدعوه ملكا لهم بوجه حق غير الوراثة، ويحتجوا عليه بالحيازة، فيكون لهم، وهو قول ابن الماجشون، وأصبغ، ومذهب ابن القاسم فيما حكى عنه ابن عبدوس، ودليل قوله في هذه الرواية، وقيل: إنهم في ذلك بخلاف المقضي عليه، ويستحقونه على المقضي له بحيازتهم إياه بحضرته مدة الحيازة، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يكون أندره لاصقا بأرض رجل فيريد أن يبني دارا تضر بالأندر] مسألة وسألته عن الرجل يكون أندره لاصقا بأرض رجل، فيريد صاحب الأرض أن يبني فيها دارا، والبنيان يضر بالأندر، ويمنع صاحبها من الريح عند الذري، حتى يكون في ذلك إبطاله، أيجوز ذلك لصاحب الأرض؟ قال: لا يجوز له أن يبني بموضع يبطل به أندر رجل قد تقادم انتفاعه به ودراسته فيه، ولا أن يضر به في قطع المنفعة عنه. قلت: أفيمنع الرجل من البناء في أرضه لموضع الضرر بصاحب الأندر؟ قال: نعم، يمنع من ذلك إذا أضر ذلك بصاحب الأندر، وإنما الأنادر المتقادمة عندنا كالأفنية وما أشبهها، لا يجوز لأحد التضييق على أهلها، ولا قطع منفعتهم منها. وسئل سحنون عن الرجل يكون له الأندر يدرس فيه، وفي جوار أندره أرض لرجل، فيبني الرجل في أرضه دارا أو بيوتا، فأضر ذلك بصاحب الأندر، وأكنه من الريح، ويمنعه ذلك من أن يدرس فيه، وكيف إن كان البناء قبل الأندر، ثم أحدث هذا الأندر فأضر ذلك بصاحب البنيان، ووقع تبنه في داره؟ وكيف

إن كانت جنانا أو مقصلة، فأضر تبنه بجنان هذا أو مقصلته؟ قال: ليس لصاحب الأندر أن يحدث على صاحب البنيان أندرا، إذا كان ذلك يضر به كما وصفت لك، وهو مثل الذي يحدث في جوار الرجل الأفران والحدادين، فيضر ذلك بجاره، فإنه يمنع من ذلك، ويقضى عليه بذلك، ثم ينظر في صاحب الأندر، فإن كان الأندر قبل البنيان، فلا يغير الأندر عن حاله، ولصاحب البنيان أن يبني، ولا يمنع من البنيان بما ذكرت من ريح ولا دراس، وإنما نظيرتها عندي لو بنى رجل، فرفع بنيانه حتى يمنع جاره الضوء والريح والشمس، لم يمنع من رفع بنيانه، قيل: فلو أن أندر الرجل في جوار أندر رجل نصب فيه قشاقيره، فقال له جاره: إن قشاقيرك تمنعني من الريح في أندري، فاقلعها عني، إن ذلك ليس له، ولا يقلع عنه زرعه إذا كان، إنما ينازعه في أرضه بعضه فوق بعض، وهو الصواب إن شاء الله. وقال ابن نافع: لا أرى لأحد ممن لا حق له في الأندر أن يحدث عليه بنيانا يضر فيه بأصحاب الأندر، وليس للرجل أن يحدث على جاره بنيانا يضر به في أندره، ولينح ذلك إلى مكان لا ضرر فيه على صاحب الأندر. وقال عبد الله بن نافع: وسواء احتاج إلى البنيان، أو لم يحتج إليه؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ضرر ولا ضرار» ، قال سحنون مثل هذا القول يمنع من أراد أن يبني دارا من ناحية الريح، إذا كان الأندر قديما قبل بناء هذا، وهو أحسن من قوله الأول.

قال محمد بن رشد: ما يحدثه الرجل في ملكه مما يضر بغيره؛ ينقسم على ثلاثة أقسام؛ منه ما يمنع باتفاق، ومنه ما لا يمنع باتفاق، ومنه ما يختلف في وجوب الحكم بالمنع منه، فما يمنع باتفاق أن يحدث الرجل الأندر في جوار دار الرجل، أو جنانه فيضر به ما يقع في داره، أو جنانه من تبن أندره عند الذرو، ومن ذلك ضرر الدخان، مثل أن يحدث بقرب داره حماما، أو فرنا. ومنه ضرر الروائح القبيحة مثل الدباغ يؤذي جاره بما يحدثه عليه من الدباغ، ومنه ما يضر بالجدرات، مثل أن يحدث كنفا إلى جانب حائط جاره، أو أرحية تضر بجدراته وما أشبه ذلك، ومنه ضرر الاطلاع، مثل أن يحدث كوة أو بابا يطلع منه على دار جاره، أو يتخذ عليه قصبة يشرف منها على عياله، وفي هذا اختلاف شاذ، قيل: إنه لا يمنع، ويقال لجاره: استر على نفسك في حقك إن شئت، روي ذلك عن أشهب وابن الماجشون، ومحمد بن مسلمة المخزومي، ومحمد بن صدفة الفدكي، من أصحاب مالك. ومما لا يمنع باتفاق أن يحدث فرنا على مقربة من فرن آخر أو حماما على مقربة من حمام آخر، فيضر به في قلة عمارته وانتقاص غلته، ومن ذلك أن يبني في داره بناء يمنع به الضوء والشمس والريح عن دار جاره، ومن ذلك ضرر الأصوات كالحداد، والكماد، والنداف؛ حكى ابن حبيب: أنه لا يمنع، وقاله مالك في رواية مطرف عنه، وفي هذين الوجهين اختلاف شاذ. روى ابن أبي دينار، عن ابن نافع أنه يمنع من ضرر منع الضوء والريح والشمس، وذهب بعض الفقهاء

المتأخرين إلى أنه يمنع من ضرر الأصوات، واستدل بما روى من قول سعيد بن المسيب لبرد: اطرد هذا القارئ عني، فقد آذاني، يعني عمر بن عبد العزيز، وهذا لا دليل فيه، وقد مضى القول عليه في سماع أشهب، من كتاب الصلاة. ومما يختلف في وجوب المنع منه أن يحدث الرجل في أرضه بناء بقرب أندر جاره، يمنعه به الريح عند الذرو، فقال ابن القاسم وابن نافع: إنه يمنع، واختلف فيه قول سحنون على ما وقع هاهنا، والأصل في هذا الاختلاف ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا اجتمع ضرران نفى الأصغر الأكبر» ومنع الرجل من البناء في أرضه ضرر به، وإباحة ذلك له إذا حبس به الريح عن أندر جاره ضرر بجاره، فمن رأى باجتهاده ترك الرجل الانتفاع بالبناء في أرضه أحق عليه من ترك صاحب الأندر الانتفاع بأندره منعه من ذلك، ومن رآه أشد عليه لم يمنعه منه، والأظهر ألا يمنع من ذلك؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد قال فيما روي عنه: «كل ذي مال أحق بماله، وكل ذي حق أحق بحقه، وكل ذي ملك أحق بملكه» ، فوجب ألا يمنع أحد من البناء في حقه، والانتفاع بملكه، إلا بيقين أن ذلك يضر بجاره أكثر مما يضر به هو؛ ترك ذلك. ولا يقين في ذلك، بل الأظهر أن الضرر عليه في ذلك أشد؛ لأن المنفعة بالبنيان في البقعة متصل في جميع الأزمان، والانتفاع بالأندر إنما هو في زمان خاص من الأزمان، ووجه القول الآخر أن صاحب الأندر قد حاز منفعته بالسبق إليها، فليس لأحد أن يبطلها عليه، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: لم يختلف في الكماد

: يقضي له القاضي بقرية ثم يموت القاضي أو يعزل قبل حوز المقضي به

والطحان بجوار الرجل أنهما لا يمنعان، وإن كان ذلك محدثا، يضر بأسماع الجيران، فإن أضر بالبناء منعا. قال: وكذلك الدباغ والدقاق لا يمنعان، وإن أضرت الرائحة بالجيران، فإن أضرت بالبناء منعا. قال: فأما الفرن والحمام فإنهما يمنعان إذا كانا محدثين؛ لأن الدخان يسود الحيطان والأبواب والسقف، ولم يمنعا من أجل الضرر بأنوف الجيران، وإنما منعا من أجل الضرر بفناء الدار، وعلى هذا قياسه. فأما من أحدث بناء يستر عن جاره الضوء والريح وغيره، فلا يمنع من ذلك، إنما الريح حق في الأندر وحده. هذا نص قوله، وليس بصحيح على ما قد بان بما أوردته، وبالله التوفيق. [: يقضي له القاضي بقرية ثم يموت القاضي أو يعزل قبل حوز المقضي به] ومن كتاب الأقضية قال: وسألته عن الرجل يقضي له القاضي بنصف قرية أو بجزء من أجزائها، ثم يموت ذلك القاضي، أو يعزل قبل أن يحوز المقضي له بذلك القضاء، وإنما قضى له بجزء مفروز معروف ينسب إلى رجل كان المقضي له بذلك اشتراه من ذلك الرجل، فلما أراد الحوز والقبض لم يجد بينة تحوز له ذلك الجزء بعينه، وينكر أهل تلك القرية أن يكون للمقضي له أو المقضي عليه في تلك القرية حق، فيقوم له البينة أن ذلك الجزء كان معروفا للمقضي عليه إلى أن باعه من المقضي له، فيريد أن يقاسم أهل القرية كلهم؛ إذ لا يجد من يحوز جزءه ذلك، وقد ثبت له به

القضاء والاشتراء، قال: نعم، أرى له أن يقاسمهم، فيكون شريكا في جميع القرية بحسب ذلك الجزء، قلت له: أرأيت أهل القرية الذين بيد كل واحد منهم حق له معروف؛ إذ أمرت هذا المقضي له بمقاسمة أهل القرية كلهم أيأخذ من كل إنسان منهم سدس ما بيده إن كان الذي ثبت له من جميع القرية سدسها؟ أو على هذا الحساب في قدر ما قضي له به؟ وكيف إن خلطت الأرض كلها، فيقسم له منها الجزء الذي قضي له به، فوقع في ذلك الجزء الذي قسم له حظوظ رجال من أهل القرية، وبقي سائرهم لم يؤخذ مما في يديه شيء؟ فلم يجب في ذلك بشيء، ولم يفسر لي فيها وجها يقسم به. قال القاضي: المعنى في هذه المسألة أن المقضي عليه كان له في القرية جزء مشاع سدس أو ربع أو نصف، أو ما كان من الأجزاء، فقاسم أشراكه في القرية، وقبض جزءه مفروزا، وحازه وباعه من رجل، ثم أنكر البيع فحاكمه إلى القاضي، وأثبت عنده ملك البائع لذلك الجزء بعينه، وأنه كان معروفا له وفي يديه، إلى أن باعه منه، فحكم له بذلك الجزء بعينه على ما يجب، وأشهد له على حكمه، فتوانى في القبض والحوز إلى أن مات القاضي أو عزل، فلما قام بعد موته أو عزله ليقبض ذلك الجزء الذي حكم له القاضي به أنكره أهل القرية، وقالوا: لم يكن للمقضي عليه في هذه القرية حق، فأقام البينة على حكم القاضي له بذلك الجزء بعينه على المقضي عليه بما ثبت عنده من أنه كان له إلى أن باعه منه، ولم يجد بينة تحوز له، فوجب أن يقاسمهم كما قال، فيكون شريكا لهم في جميع القرية بحساب ذلك الجزء، وكان وجه العمل في ذلك أن يكون شريكا

خاصم لبني أخيه في شيء فلم يحوزوا بذلك القضاء حتى مات القاضي

لكل واحد منهم بما بيده من القرية بحساب ذلك الجزء، على ما قاله في الرسم الذي بعد هذا، ولا تعاد القسمة في الجميع؛ إذ لم تنتقض القسمة فيما بينهم، وإنما وجب له منهم في القرية بوجه لا مدفع لهم فيه، فوجب أن يأخذ مما بيد كل واحد منهم سدسه، إن كان السهم السدس أو ما كان، كان أقل من ذلك أو أكثر، وإن كان بعض أهل القرية ورثة المقضي عليه، وفي أيديهم من القرية مثل ذلك الجزء، فأكثر أخذ المقضي له ذلك الجزء مما في أيديهم، ولم يكن له دخول على من سواه من أهل القرية على ما قاله أيضا في الرسم الذي بعد هذا. وذهب سحنون في هذه المسألة إلى أنه لا شيء للمقضي له فيما في يد الأجنبيين إلا من كان في يده منهم زيادة على ذلك الجزء، أخذ المقضي له تلك الزيادة، فلو كانت القرية لرجلين بيد كل واحد منهما نصفها لم يقض له على واحد منهما بشيء، وكذلك لو كانت لثلاثة أنفس لكل واحد منهم ثلثها، والجزء الذي حكم له به الثلث فأقل لم يقض له على واحد منهم بشيء. هذا قول سحنون، ووجه ما ذهب إليه أن كل واحد منهم يقول: لا تأخذ مما بيدي شيئا إلا أن يثبت أن حقك فيه؛ إذ لعل حقك إن كان لك حق إنما هو في يد غيري، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأنه قد ثبت أن حقه في القرية، فلا بد أن يوصل إليه، وليس بعضهم بأحق أن يؤخذ ذلك منه من بعض، فوجب أن يؤخذ من جميعهم، وبالله التوفيق. [خاصم لبني أخيه في شيء فلم يحوزوا بذلك القضاء حتى مات القاضي] ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حر قال: وسألته عن رجل خاصم لبني أخيه في نصف منزل كان لهم حتى قضي به، فلم يحوزوا بذلك القضاء حتى مات القاضي الذي حكم لهم به، ومات المقضي عليه، فلما طلب بنو أخي الرجل قبض ما قضي لهم به منعهم رجل من أهل القرية، وقال:

لم يكن للخصم الذي قضي عليه عندنا في هذه القرية قليل ولا كثير، فإن كان قضي لكم عليه بشيء كان بيده، فهاتوا بينة تحوز لكم وشأنكم به، وقال المقضي لهم: قد ثبت لنا القضاء بنصف المنزل، فإذا غيرتم حوزنا، ولا نجد من يقوم بحوزه لنا، فنحن أشراك لكم في جميع المنزل بالنصف. فقال ابن القاسم: ينظر في القضاء الذي قضي به لهم، فإن كان قضي لهم بنصف المنزل، وهو معروفا في يد المقضي عليه وله، فقد ثبت لهم ما كان له، فإن كان الذي في يد المقضي عليه في يد ورثته، أو قوم قد اشتروه منهم دفع ذلك النصف الذي كان في يد الخصم المقضي عليه إلى هذا المقضي له، فإن تجاهل فيه أهل القرية وأخفوا حوزه نظر في أمرهم، فإن كان بعضهم ورثة الميت، وفي أيديهم مما ورثوا عنه نصف جميع المنزل فأكثر، أعطى المقضي له نصف جميع المنزل مما في أيدي ورثة المقضي عليه، وإن كانوا كلهم أجنبيين، وقد ثبت عليهم أن نصف المنزل الذي قضي لهؤلاء به كان معروفا في يد المقضي عليه حتى استحقه هؤلاء بالقضاء، فإنه شريك في جميع حوز المنزل الذي قضي به لهؤلاء، ولا يجمع له النصف في إحدى ناحيتي المنزل، ولكن يؤخذ من كل رجل من أهل تلك القرية نصف ما في يديه؛ لأنا لو جمعنا له النصف استوعب ما في أيدي بعضهم، ورجع بعضهم على بعض بأمر عسير في القسمة لا يحاط به، فأعدل ذلك أن يأخذ من كل رجل نصف ما بيده، حتى يوقعه على نصفه

: الجارية أو العبد يدعي الحرية وشهوده غير حضور

بإقرار منهم وإظهار لحوزه، قال: وإن لم تقم له بينة أن نصف ذلك المنزل كان في يد المقضي عليه، ولا معروفا له يوم حكم به عليه، فلا شيء له في المنزل؛ لأنه إنما قضي له حينئذ على رجل بحق لا يملكه، وليس بشريك لأهل المنزل فيه، ولو جاز مثل هذا عند القضاة لم يشأ رجل أن يصنع لنفسه خصما، فيقضى له عليه بما ليس في يديه من أموال الناس ورباعهم إلا فعل، فلا أرى أن يلزم أهل القرية ما فسرت لك من مقاسمة المقضي له، حتى يثبت البينة أن ذلك الحق كان في يد الخصم وهو يوم قضي عليه. قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة كالقول في التي قبلها، وما فيها من الزيادات عليها فنبينها، وإنما قال: إنه لا شيء للمقضي له بهذا الحكم، إلا أن تقوم بينة أن ذلك كان في يد المقضي عليه معروفا له يوم الحكم عليه به؛ لأن القضاء عليه إنما كان ما به باعه منه، إما ببينة قامت عليه بذلك، وهو منكر، وإما بإقراره به على نفسه، والبيع لا يوجب الملك للمشتري؛ إذ قد يبيع البائع ما ليس له، فإذا لم يجب الملك للمشتري بالشراء إلا بعد ثبوت ملك البائع لما باع يوم باع لم يتم القضاء للمحكوم له بالشراء إلا بعد ثبوت الملك للمحكوم عليه يوم الحكم، وقد مضى بيان هذا في أول رسم من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [: الجارية أو العبد يدعي الحرية وشهوده غير حضور] من سماع عبد الملك بن الحسن وسؤاله ابن القاسم وابن وهب وأشهب قال عبد الملك بن الحسن: سئل ابن القاسم عن الجارية أو العبد يدعي الحرية فيقال له: إيت بشهودك، فيقول: شهودي

في موضع كذا وكذا، وبها قاض فارفعني وإياه، فيقول صاحب الغلام أو الجارية: لا أرتفع معك، ولكن إيت بشهودك هاهنا، فيقول العبد: أنا أضعف عن ذلك، وليس أحد يقوم لي، ولا تأتيني ببينة، فهل يرفع إلى موضع بينته كان قريبا أو بعيدا، أحب ذلك السيد أو كره؟ وكيف الأمر في ذلك؟ قال ابن القاسم: لا أرى أن يرفع مع العبد، ولو جاز هذا للعبيد خرجوا من أيدي أربابهم بالتبطل عن أعمالهم، ولكن إن كان الذي ذكره العبد قريبا مسيرة اليوم ونحوه، فعسى به إن جاء بأمر يعرف، فلعل هذا يكتب له، أو يأتي بشاهد عدل وحميل بقيمته كتب له برفع بينته، وكذلك سمعت مالكا يقول: وإن لم يأت بحميل لم يمكن من ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة ناقصة ملتبسة، وتلخيص وجه الحكم فيها يفتقر إلى تفصيل، وذلك أنه لا يخلو ما ادعت الجارية أو العبد من الحرية أن يسببا له سببا، مثل الشاهد الواحد العدل، أو الشهود غير العدول، أو لا يسببان لذلك سببا. فأما إذا سببا لذلك سببا؛ فإن السيد يوقف عن الجارية، ويؤمر أن يكف عن وطئها، إن كان مأمونا، وإن لم يكن مأمونا وضعت على يدي امرأة، ويضرب في ذلك أجل الشهرين أو الثلاثة، قاله مالك في رسم سلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب الاستحقاق، وإن سألت أن ترفع مع سيدها إلى موضع بينتها، كان ذلك لها إن كان الموضع قريبا، وإن ادعت أن بينتها بموضع بعيد، فقيل: ترفع مع سيدها إلى موضع بينتها. وهو قول أصبغ في الواضحة، وقيل: إنه لا يلزم سيده أن يرفع معه إلى موضع بينته، ويقال له: ضع حميلا بقيمتك، واذهب إلى موضع بينتك، وهو ظاهر قول ابن وهب في رسم الأقضية، من سماع يحيى، من كتاب الشهادات، وإن لم يأت بحميل

طرح في السجن، ووكل من يقوم بأمره، قاله مالك فيما سأل عنه ابن كنانة لابن غانم، ومعناه إذا دعا لذلك السيد، وقال: أخشى أن يهرب لادعائه الحرية، وأما إذا لم يسبب لذلك سببا من بينة، ولم يأتيا بسوى الدعوى، فلا يخلو من أن يكون لما ادعيا وجه يشبه، ويعرف مثل أن يدعيا أنهما من أهل بلد، قد عرف واليه بالتعسف على أهل ذمة ذلك البلد وبيعه لهم، أو ينتسب إلى قوم معروفين، ويأتي على ذلك بأمارة ظاهرة وما أشبه ذلك، أو لا يكون لدعواهما وجه يشبه ويعرف، ولا يخلو من أن يكون موضع بينتهما قريبا، فإن الإمام يأخذ من سيدهما حميلا ألا يخرج به ولا يفوته، ويكتب له كتابا إلى ذلك الموضع. فإن جاءه جواب كتابه بما يستوجب به الرفع مع سيده، أو الذهاب بحميل يأخذه منه بقيمته حكم بذلك، وإن لم يكن لما ادعيا وجه يعرف، وكان موضع بينتهما بعيدا لم يلزم سيدهما بشيء. واختلف إن لم يكن لما ادعيا وجه، وكان الموضع قريبا، فقيل: لا يلزم السيد بشيء، وهو دليل ابن القاسم في هذه الرواية، إن كان الذي ذكره العبد قريبا على مسيرة اليوم ونحوه، فعسى به إن جاء بأمر يعرف، فلعل هذا يكتب له، يريد ويؤخذ من سيده حميل، وهو قول ابن الماجشون، وقيل: يكتب لهما ويتخذ على سيدهما حميل ألا يفوتهما، وهو قول عيسى في كتاب الجدار. واختلف أيضا إن كان لما ادعيا وجه، وكان الموضع بعيدا، فقيل: إنه لا يلزم السيد شيء، وهو دليل هذه الرواية؛ لأنه لم ير أن يكتب له إلا أن يكون الموضع قريبا، ويأتي بأمر يعرف، وقيل: إنه يكتب لهما، ويؤخذ من سيدهما حميل بهما، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، عن مطرف وأصبغ. وانظر إذا أخذ من العبد حميل بقيمته، فذهب إلى موضع بينته فهرب أو مات في الطريق، أو قتل، أو حدث به عيب، ولم يصح له من دعواه شيء ما يكون الحكم في ذلك؟ والذي أراه فيه على ما يوجبه النظر والقياس أن يضمن الحميل قيمته إن أبق، أو قتل وما حدث به من العيوب بسبب سفره، ولا

مسألة: رجل أراد أن يطلب حقا له من مورث أو غيره ببلد غير بلده

يكون عليه شيء فيما حدث به من العيوب بغير سبب سفره، ولا في موته إن مات، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل أراد أن يطلب حقا له من مورث أو غيره ببلد غير بلده] مسألة وسألت عبد الله بن وهب عن رجل أراد أن يطلب حقا له من مورث أو غيره ببلد غير بلده، فخاف أن يجهل أمره، ويكلف البينة على معرفته بعينه واسمه ونسبه، وله بينة يعرفونه على مسيرة يومين أو ثلاثة، ممن لا يعرف بالبلد الذي أراد الخصومة فيه، فذهب إلى موضع بينته تلك، وبها قاض من قضاة المسلمين، فأتى بشهوده أولئك الذين يعرفونه باسمه وعينه، ونسبه إلى قاضي ذلك البلد، فشهدوا عنده على معرفة الرجل بعينه ونسبه، وعلى أنه ورث الذي يطلب المورث من قبله، فقبلهم ذلك القاضي بمعرفة، أو بعدالة من عدلهم عنده، ثم كتب له بما ثبت عنده من نسبه بشهادة أولئك الشهود إلى القاضي الذي يطلب ببلده مورثه أو حقه، وذلك على مسيرة يومين أو ثلاثة، هل يرى القاضي الذي ورد عليه بذلك الكتاب أن يقبل ما أتاه به من ذلك الكتاب، ويكون ذلك الرجل بكتابه ذلك ثابت المعرفة والنسب، وخصمه الذي يطلب قبله ذلك الحق الذي ثبت له بذلك النسب، يقول للقاضي الذي ينظر في أمرهما: إن البينة التي أثبتت نسب هذا حتى جاز له بهم مخاصمتي، لم أحضر شهادتهم، ولعلي أن أدفع علمهم لو حضرته، ويقول له خصمه: إن بينتي لا تعرف إلا ببلدهم، وإنما هو نسبه أثبته عند ذلك القاضي، وكتب به إلى القاضي الذي أنا وأنت نختصم إليه؛ أترى على القاضي الذي يخاصمه إليه أن يكلفه البينة على معرفته ونسبه عنده، حتى تشهد

البينة بحضرة خصمه، ولا يكتفي بالكتاب الذي أتاه به؟ وكيف إن كانت تلك البينة التي شهدت على معرفته بعينه ونسبه، إنما يشهدون أن قاضيا من القضاة مثل قاضي إفريقية، أشهدهم أنه قد ثبت عنده معرفة فلان بن فلان بعينه ونسبه، وهم من موضع القاضي الذي يختصم إليه في هذا الأمر بمنزلة الإسكندرية من مصر، فشهد أولئك الشهود عند قاضي الإسكندرية أن قاضي إفريقية أشهدنا على أنه قد ثبت عنده معرفة فلان بن فلان بعينه ونسبه، وعرفهم به، فلما قدم عليهم ذلك الرجل، واحتاج إلى علمهم الذي أشهدهم عليه قاضي إفريقية، قاموا بشهادتهم عند قاضي الإسكندرية، فكتب بعلمهم قاضي الإسكندرية إلى قاضي مصر، فهل يثبت نسبه ومعرفته بذلك الكتاب؟ أو حتى يشهد أولئك الشهود بأعيانهم عند قاضي أهل مصر، حيث الخصومة وموضع الطلب بحضرة الخصوم؟ أو يكتفي القاضي بما أتاه في هذا وأشباهه بكتب القضاة، ويكون في إنفاذها سعة له؟ قال له: قد فهمت ما ذكرت، والشأن فيه أن يقبل القاضي ما جاءه به من ذلك، ويثبت عنده من ذلك، وأن يكتب له به حيث أحب، وأن يجيز ذلك المكتوب إليه به، ويحكم به إن كان الحكم فيه عنده، أو يكتب به أيضا إلى غيره إن كان إليه هكذا وإن كثر، وهذا أمر القضاة، وشأن الإسلام، لا يختلف في هذا أهل العلم ولا ينكرونه، وليس لمن جاءه بمثل هذا من القضاة أن يعنت بأن يقول: لا أعرف من شهد لك أو ثبتهم عندي، أو أشخصهم إلي كما ذكرت مما طلب الخصم وسأل، بل يمضي له ما كتب إليه به على ما كتب به القاضي

الكاتب أنه ثبت عنده، ثم شأن الخصم المقضي عليه بعد ذلك إن كان عنده مدفع لأولئك الشهود بدفع الحق، ويخرج إليه ما قضى له به، ثم يشخص إلى بلد الشهود والقاضي الكاتب، فيبطل ذلك عن نفسه إن شاء إن كان عنده مدفع، فإن فعل رجع في بينته، وإلا لم تكن له حجة، ولم يحبس هذا بحقه، ويظلم فيه حتى يجلب بينته كما قال الخصم، وسواء أقام ذلك عند قاضي إفريقية بما ثبت له عنده، فيكتب له به، أو أقام ذلك عنده، على الشهادة على قاضي مصر أنه أشهدهم أنه قد ثبت ذلك له عنده على ما سمى وفسر أنفذه له، فيحكم بذلك قاضي إفريقية، ويكتب له بذلك إلى حيث شاء يطلب صاحبه به. وقال أشهب: إذا ثبت عند قاض من القضاة معرفة رجل بعينه ونسبه ببينة عدول، أنه فلان ابن فلان، فكتب بذلك القاضي إلى القاضي الذي بلده كذا طلبه الرجل أو مورثه، فإنه ينبغي للقاضي الذي ورد عليه بذلك الكتاب أن يكون بكتابه إليه ذلك الرجل ثابت المعرفة والنسب عنده، لا يكلفه إحضار بينة عنده إذا أتاه بكتاب من يرضاه من القضاة، ولا يبالي كان إثبات معرفته بعينه ونسبه عند قاضي إفريقية، وعند قاضي الإسكندرية إذا شهدت البينة عند قاضي الإسكندرية أن قاضي إفريقية أشهدنا أنه قد ثبت عنده معرفة فلان ابن فلان ونسبه، وعرفهم به كتب قاضي الإسكندرية إلى قاضي مصر بما ثبت عنده من شهادة الشهود الذين أشهدهم قاضي إفريقية، فكان ذلك الرجل عند قاضي مصر بكتاب قاضي الإسكندرية ثابت المعرفة والنسب، لا ينبغي للقاضي إذا أتاه كتاب

مسألة: الرجل يأبق منه العبد فيقضى فيه في بلد آخر

من يرضى من القضاة على معرفة رجل أن يقول له: أحضر البينة عندي، حتى يشهد بمحضر خصمك. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا مثل قول ابن وهب سواء، فلو قال فيه: وقال أشهب مثله؛ لكان أحسن، وهو كله صحيح لا إشكال فيه، ولا اختلاف بين أحد من أهل العلم في أن القاضي يعمل بخطاب غيره من القضاة، ويحكم بما خاطبه به أنه ثبت عنده، أو أنه خاطبه به غيره، كان ذلك القاضي الذي خاطب من خاطبه قد ثبت ذلك عنده، أو خاطبه به أيضا غيره، وإن كثرت المخاطبات في ذلك من قاض إلى قاض، وليس للذي ورد عليه الخطاب بثبات حق لرجل على رجل أن يكلف الذي له الحق بشهادة البينة عنده بمحضر خصمه، بل يلزمه أن يقضي له عليه بحقه، إلا أنه يقول له: إن كان عندك مدفع فيمن شهد على الكتاب فادفع، فإن دفع بأمر تسقط به شهادتهم لم يحكم عليه، وإن لم يدفع حكم عليه، ويقول له أيضا: إن كان عندك مدفع في الذين شهدوا بنسب الطالب لك أو بحقه عليك، فائت بهم، فإن جاء بأمر تسقط به شهادتهم لم يحكم عليه، وإن ادعى المدفع في البلد الذي كتب فيه الكتاب بثبات النسب أو ثبوت الحق، قيل له: أد هاهنا ما ثبت عليك وامض، فإن دفعت شهادة من شهد لخصمك رجعت بما حكم به عليك، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يأبق منه العبد فيقضى فيه في بلد آخر] مسألة وقال: سألت ابن وهب عن الرجل يأبق منه العبد، فيقع ببلده على مسيرة الأيام ثلاثة أو نحو ذلك، فيبلغ ذلك سيده، فيأتي إلى

قاضي بلده فيعلمه بإباق عبده، وبموضعه الذي هو به، ويأتيه ببينة عدول، يشهدون أنهم يعرفون له غلاما، يسمى فلانا من صفته كذا وكذا، ويصفون صفته يعرفونه في يديه حتى نشده آبقا. هل ترى لذلك القاضي إذا شهد عنده العدول بهذا أن يكتب إلى قاضي البلد الذي به ذلك العبد إن وافقت صفته ما وصفه به الشهود أن يدفعه إلى سيده الذي يشهدون له أنه أبق منه، وإن كان العبد منكرا هنالك؛ لأن يكون الذي لحقه بموضعه ذلك كان سيده؟ أو لا ترى شهادتهم قاطعة حتى ينظروا إلى العبد فيعرفونه بعينه؟ وكيف إن ادعى العبد الحرية بالموضع الذي ألفي فيه، وقال: هذه بينتي على حريتي، وأقر أنه سيده، وقال سيده: لا أخاصمك هاهنا؛ لأنك إنما خرجت من يدي آبقا، فأنا أردك إلى مكاني الذي كنت به في يدي، ثم إن كانت لك بينة أو حجة فقم بها عند قاضينا؟ هل ترى أن يرد العبد في يد سيده حتى يرده إلى مكانه؟ أو يؤمر بمخاصمة العبد حيث أدركه، وحيث يزعم أن بينته به على حريته؟ وهل المعرفة به، وهو إن رد إلى مكان سيده لعله ألا يجد بينة تتبعه، وإن اتبعته لا يجد البينة من يعرفها، ولا يعدلها هنالك؟ ففسر لنا هذا الأمر فإنه كثير ببلدنا، أو يلفى العبد في يد رجل يزعم أنه غلامه، هل ينتفع طالبه بالبينة التي شهدت على صفة العبد واسمه، وهو غائب عن البينة، ويرد بذلك في يد سيده الذي أبق منه؟ فقال: نعم، إذا شهدوا عنده

على صفة وتحلية وجنس واسم، وكانوا عدولا، وشهدوا أن العبد الذي بهذه الصفة عبد لفلان ابن فلان، هذا المشهود له، لا يعلمونه باع ولا وهب ولا خرج من يده بوجه من وجوه الملك، أحلفه مع ذلك ما خرج من يده بوجه من وجوه الملك، ثم يكتب له إلى قاضي البلد الذي يزعم أنه بها، وأشهد له على الكتاب، وأنه قد أمضى له الحكم فيه، فإذا أتى الكتاب القاضي المكتوب إليه نظر، فإن لم يكن في البلد من هو بتلك الصفة والجنس والحلية غيره أمكنه منه ودفعه إليه، وإن كان العبد عبدا لرجل غيره بتلك البلدة أو حرا، يدعي الحرية كما ذكرت، فينظر له القاضي المكتوب إليه الذي هو بين ظهرانه في حجته وبينته، ولا يلجئه إلى غيره ولا يشخصه معه إن كانت له بينة، فإن صحت له بينة بحريته أعتقه وأطلقه حرا، وأبطل كتاب المستحق، وما ثبت له عند القاضي، وإن لم يثبت له ذلك دفعه إليه إن لم يكن في البلد بتلك الحالة التي كتب بها أحد غيره كما وصفت، فإن كان بها غيره بتلك الصفة لم يستحق شيئا، ولم يكن له شيء حتى يشهد له الشهود على بعضهم بعينه، وإنما مثل ذلك مثل الدين يثبته الرجل عند قاضي مصر على رجل بإفريقية يسمونه باسمه ونسبه وصفته، فيكتب له بذلك إلى قاضي إفريقية، فإن قاضي إفريقية إذا جاءه ذلك الكتاب كشف، فإن لم يجد بها أحدا غيره على ذلك الاسم والنسب والصفة أعداه عليه وأخذ له بحقه منه، وإن كان

بها غيره لم يعده على أحد منهم حتى يثبت حقه بإثبات من هذا من بينة تقدم له على رجل بعينه وما أشبه ذلك، وقال أشهب: أراه له إلا أن يكون بذلك البلد عبد يسمى بذلك الاسم، وله تلك الصفة، فلا يكون ذلك له، أو يدعي العبد الحرية من الذي استحقه في كتاب القاضي، فيقيم على ذلك البينة فيعتق. قال القاضي: قول ابن وهب هذا: إن القاضي يكتب له بما أثبت عنده من صفة عبده الآبق، كما يكتب له في الدين يكون له على الغائب باسمه ونسبه وصفته، فتقوم الشهادة في ذلك على الصفة مقام الشهادة على العين، ويحكم له بها المكتوب إليه هو قول مالك وجميع أصحابه، حاشا ابن كنانة في المدنية: فإنه لم يجز في شيء من ذلك كله الشهادة على الصفة، وأجازها ابن دينار في الدين، ولم يجزها في الآبق، والفرق بينهما عنده أن الآبق لا يعرف موضعه، ومن تمام الصفة ذكر الموضع؛ ليستحسن هل في ذلك الموضع على تلك الصفة سواه أم لا؟ ولا تتم الشهادة حتى يقولوا: إنهم يعرفونه في يديه ملكا له، لم يزل ملكه عنه في علمهم حتى أنشده آبقا، ثم يحلفه القاضي أنه ما باع ولا وهب ولا تصدق، ثم يكتب له عند ذلك كتابا باستحقاقه لعبد صفته كذا وكذا، فإن كتب له ولم يحلفه حلفه القاضي وقضى له، وإن مضى بالكتاب وكيله لم يقض له به القاضي المكتوب إليه حتى يكتب إلى قاضي بلده، فيحلفه ويأتيه بذلك كتابه. وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم العتق، من سماع عيسى، وإذا وصل بالكتاب إلى قاضي الموضع الذي هو به العبد؛ فإن الأمر لا يخلو من أربعة أحوال؛ أحدها: أن يجد العبد محبوسا، قد حبسه

القاضي بما ثبت عنده أنه آبق، أو غير محبوس إلا أنه يقر بالإباق، وينكر أن يكون هذا الذي لحقه هو سيده ولا يسمى سيده. والثاني: أن يقول: أنا عبد لفلان رجل حاضر أو غائب. والثالث: أن يقر للذي لحقه أنه عبده، ويدعي عليه أنه أعتقه. والرابع: أن يدعي الحرية. فأما الوجه الأول فلا اختلاف في أن القاضي يحكم له به، ويدفعه إليه، على مذهب من يجيز الشهادة على الصفة، وعلى مذهب من لا يجيزها؛ لأنه لو ادعاه ووصفه دون بينة لأعطاه إياه بعد التلوم له واليمين؛ لأنه كاللقطة، وعلى ما في الآبق من المدونة في الأمتعة المسروقة. وأما الوجه الثاني وهو أن يقول: أنا عبد لفلان رجل حاضر أو غائب، فإن كان حاضرا فقال: لا حق لي فيه، دفعه إلى طالبه، وإن ادعاه قيل له: إيت بالبينة، فإن أتى بها كان أحق به، وإن لم يأت ببينة قضي به للطالب، وإن كان غائبا كتب السلطان إلى ذلك الموضع، فإن كان كما قال، وإلا أسلم إليه العبد. وأما الوجه الثالث فكما قال، إن كانت له بينة بحريته أعتقه، وأبطل كتاب المستحق، وإلا دفع إليه عبده. وأما الوجه الرابع وهو أن يدعي الحرية، فقال في المدونة: إن القاضي المكتوب إليه الذي هو بين ظهرانيه ينظر له في حجته وبينته، ولا يلجئه إلى غيره. ووجه العمل في ذلك أن ينظر، فإن كان واقعا بالبلد، ولم يكن من أهله معروفا بالحرية من أصله، ولم يكن له بذلك البلد من يشبهه في صنفه وجنسه واسمه، سئل المخرج بما ثبت عليه من رق هذا، فإن أتى بالمخرج عن ذلك بأن يثبت أنه حر من أصله، أو أنه أعتقه من

مسألة: وكل رجلا على القيام له والخصومة عنه في حظ له ببلد من البلدان

كان ملكا له بطل عنه الكتاب، وإن لم يأت بشيء دفع إلى هذا عبدا إلا أن يكون في البلد من يشبهه في صفته وجنسه واسمه، فلا ينتفع بالكتاب حتى تشهد البينة أنه هذا بعينه، ومثل هذا حكى ابن حبيب عن مطرف وأصبغ، وهو خلاف مذهب ابن القاسم؛ لأن من مذهبه على ما حكاه الفضل أن الشهادة على الصفة لا تتم إلا بذكر الموضع، والآبق لا يعرف له موضع. وقوله: إن القاضي المكتوب إليه يكشف هل في ذلك البلد من هو على تلك الصفة والاسم سواه في الآبق والدين؛ صحيح لا اختلاف في أن هذا هو الذي يؤمر به أن يفعله، كما يؤمر بالسؤال والكشف عن أحوال الشهود عنده، فإن لم يفعل كان على المشهود له أن يعدل عنده شهوده الذين شهدوا له، فإن لم يكشف هو عن ذلك، فظاهر قول أشهب أن الحق لازم للموجود على تلك الصفة والاسم في البلد، إلا أن يثبت أن في البلد من هو على تلك الصفة سواه، وهو قول ابن القاسم في المدونة. وقيل: إنه لا يعدى طالب الحق عليه، إلا أن يثبت أنه ليس في البلد من هو على تلك الصفة سواه، وهو الذي يدل عليه قول ابن وهب، معناه على العلم. وقد مضى ذلك في رسم العتق، من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: وكل رجلا على القيام له والخصومة عنه في حظ له ببلد من البلدان] مسألة وسألته عن رجل وكل رجلا على القيام له والخصومة عنه في حظ له ببلد من البلدان، وفوض إليه ببيع حظه ذلك إذا استحقه له، وجعل لوكيله ذلك إن أحب أن يشتري ذلك الحظ بما يعطي فيه فذلك له، وإن كره أن يشتري باعه له واجتهد فيه،

فيقدم وكيله ذلك البلد الذي فيه طلب الرجل الذي وكله، فألفى حانوتا مما كان فيه حق لذلك الغائب قد بيع، فأثبت وكالته من ذلك الغائب عند القاضي وتفويضه إليه، وإن سهم ذلك الغائب في ذلك الحانوت، وكان رجل قد ابتاع الحانوت من غير ذلك الغائب، فتداعيا وكيل الغائب، والذي ابتاع الحانوت إلى الصلح في الحانوت فاصطلحا على أن أخذ الوكيل للغائب نصف قاع الحانوت وعلو الحانوت كله، فلما أحضر الشهود لوثيقة أحدهما من صاحبه، أشهدهم الوكيل أنه صالح على أنه أخذ لصاحبه نصف قاع الحانوت وعلو الحانوت، وأسلم للذي كان الحانوت في يديه نصف القاع، وشهد له بذلك الوكيل، وأشهد في ذلك المجلس أنه أخذ لنفسه ما صالح عليه الذي وكله من نصف القاع والعلو بكذا وكذا دينارا مع الصلح، فقال: إنني أصالحه على أن آخذ لصاحبي ما سميت، وإني اشتريت ذلك لنفسي بكذا وكذا، ولم يكن فيه شرط مصالحة، ثم أشهد أني أخذته لنفسي بكذا وكذا، فزعم الذي صولح على نصف القاع أنه قد صار شريكا لذلك الغائب بوكالته إياه، فهل ترى أن تكون الشفعة فيما اشترى صاحبه من حظ الغائب بنصف قاع الحانوت، وأن له في مثل هذا شفعة على ما فسرت لك في الوجهين جميعا أم لا؟ فقال: قد فهمت ما ذكرته، والشفعة لازمة للشريك ثابتة وهو عندي بين، وقال أشهب: لا أرى الشفعة فيه، وإنما منعه من الشفعة أنه بيع مفسوخ، إلا أن يجيز الذي له نصف الحانوت، ولو كان البيع جائزا؛ لكانت الشفعة للشريك في الحانوت، ولم

تكن له شفعة في علوه؛ وذلك لأن الشركة بينهما في بطن الحانوت، ولم تكن بينهما في علوه، وإن كان الصلح بينهما إنما وقع على أن يأخذه لنفسه، والصلح بينهما أيضا منتقض؛ لأن الشريك إنما رضي بمصالحته ليأخذ بالشفعة، فصار الوكيل قد أخذ لما أسلم إليه من الشفعة ثمنا، وذلك غير جائز. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر من قول ابن القاسم، وقول أشهب في مواضع، منها أنه أمضى الصلح على الموكل، ولم يذكر في التوكيل، ومن قولهم: إنه ليس للوكيل أن يتجاوز ما سمي له في التوكيل، ومنها أنه أمضى البيع عليه، وإنما أذن له أن يأخذه بما يعطي فيه، فأخذه بما أراد دون أن يسوقه أو يعطي فيه شيئا، ومن ذلك أنه أوجب للمصالح الشفعة إيجابا مجملا، ولم يخص سفلا من علو، والشفعة إنما تصلح أن تكون في السفلى الذي حصلت الشركة بينهما فيه بنفس الصلح، لا في العلو؛ إذ لا شركة بينهما فيه، فيصح قول ابن القاسم على أن يتأول على أنه أراد بقوله: إن الشفعة لازمة للشريك ثابتة، أي في نصف السفلى بما يقع عليه من الثمن إذا فض على العلو ونصف السفلى، فيصير للمصالح الشفيع جميع السفلى، نصفه بالصلح ونصفه بالشفعة، ويبقى للوكيل جميع العلو، ويكون معناه إذا أجاز الغائب للوكيل الصلح والبيع؛ لأن من حقه ألا يجيز شيئا من ذلك، وله أن يجيز جميعه، وله أن يجيز الصلح ويرد البيع، وهذا كله بين. وقول أشهب: إنه لا شفعة في ذلك إلا أن يجيز الغائب البيع صحيح. وأما إجازته الصلح إذا تقدم البيع، ولم يكن معه في صفقة واحدة ففيه نظر على ما قلناه؛ إذ لم يذكر الصلح في التوكيل. وأما قوله: إنه إن وقع الصلح مع البيع في صفقة واحدة فهو منتقض، معناه إن أراد الغائب أن ينقض البيع، ولم يرد أن يجيزه للعلة التي ذكرها، وبالله التوفيق.

: الرجل يكون له الزرع فتعبر فيه دواب الناس فتفسده

[: الرجل يكون له الزرع فتعبر فيه دواب الناس فتفسده] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب الأقضية والحبس قال أصبغ بن الفرج: سألت ابن القاسم عن الرجل يكون له الزرع فتعبر فيه دواب الناس فتفسده، فيريد صاحب الزرع أن يحفر حول زرعه حفيرا لمكان الدواب، وقد تقدم إلى أصحابها وأنذرهم، فيحفر فيقع بعض تلك الدواب في ذلك الحفر فتموت، أترى عليه ضمانا؟ قال: لا شيء عليه، ولو لم ينذرهم، ولم يتقدم إليهم. وقاله أصبغ، وهو قول مالك إن شاء الله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إنما فعل ما يجوز له أن يفعله من الحفير في أرضه وحقه تحصينا على زرعه، لا لإتلاف دواب الناس، ولو فعل ذلك لإتلاف دواب الناس للزمه الضمان على ما قاله في المدونة، في الذي يصنع في داره شيئا ليتلف فيه السارق أو غير السارق أنه ضامن له، وبالله التوفيق. [: الدار يكون لواحد سفلها وللآخر علوها على من يكون كنس تراب القاعة] ومن كتاب الأقضية والوصايا قال أصبغ بن الفرج: سألت أشهب بن عبد العزيز عن الدار يكون لواحد سفلها، وللآخر علوها، على من يكون كنس تراب القاعة وما يجتمع فيها؟ قال: على الأسفل، وليس على الأعلى منه شيء. قال أصبغ: وإنما ذلك ما يجتمع فيها من كناستها من غير ما يطرحه الأعلى من عليته فيها، وليس للأعلى أن يلقي فيها من ترابه ولا كناسته شيئا ولا شيئا مما يلقيه، وكذلك قال لنا أشهب: إنه ليس له أن يطرح فيها شيئا، ولا إن كان يعز له

في موضع من سفلها ليحمله، فليس ذلك له، هذا معناه، ولا يشغل منها موضعا على صاحب الأسفل، إلا أن يكون له في قسمته أو حقه المرتفق بالقاعة أو المنافع فيها. وقال أصبغ: سئل أشهب على من عليه غلق باب الدار، قال: على الأسفل، وليس على الأعلى منه شيء. قال أصبغ: وسئل أشهب عن كنس المرحاض إذا كان المرحاض واحدا. فقال: على الأسفل، وليس على الأعلى منه شيء؛ لأنه للأسفل، وإنما للأعلى الحق فيه يطرح سقاطته، وإنما هو بمنزلة السقف، على الأسفل إصلاحه؛ لأنه سقفه، وللأعلى الانتفاع به فقط. قال أصبغ: مثله كله إلا كنس الكنيف، فإنه على الأسفل والأعلى على قدر الجماجم والمستعمل. قال أصبغ مثله. وسألت ابن وهب عن كنس المرحاض، فقال: أراه بينهما على الجماجم، وهو أحب القولين، وما سمعت إلي. قال محمد بن رشد: أما أشهب فجرى على أصل واحد في غلق الباب، وكنس الكنيف، وكنس قاعة الدار، يريد إن من حقه في أصل ما اقتسموا عليه أن يرتفق بطرح سقاطته في قاعة الدار، أن ذلك كله على صاحب الأسفل، وعلى أصله هذا أوجب تنقية كنيف الدار المكتراة على رب الدار، وأما تفرقة أصبغ بين غلق الباب وكنس الكنيف فليس بقياس؛ لأن غلق الباب منفعة لهما جميعا، كما أن الكنيف منتفع لهما جميعا، فوجب أن يكون عليهما جميعا، ألا ترى أنه لو ترك صاحب

: القاضي يقضي بما يختلف فيه وينفذه ثم يريد بعد ذلك تغييره

الأسفل غلق بابه لاستغنى به عنه؛ لكون أسفله خاليا من متاعه أو منه، ومن متاعه لم يجبر على ذلك عند أصبغ، وأما على مذهب أشهب فيجب عليه غلق الباب على كل حال، وقد قال ابن القاسم مثل قول أشهب في مسألة رسم باع شاة، من سماع عيسى، من كتاب جامع البيوع، وعليه يأتي ما روي عنه من أن كنس مراحيض الدور المكتراة على أرباب الدور. والمشهور عنه خلافه أن ذلك على المكتري، وهو على قياس قول أصبغ وابن وهب في هذه الرواية. وقد مضى القول على ذلك كله هناك، وبالله التوفيق. [: القاضي يقضي بما يختلف فيه وينفذه ثم يريد بعد ذلك تغييره] ومن كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن القاضي يقضي بما يختلف فيه وينفذه، ثم يريد بعد ذلك تغييره، قال: ذلك له يغيره إذا رأى أحسن منه. قلت: فإن عزل وولي غيره أيكون له أن يغيره؟ قال: لا، قلت: فإن عزل هو ثم رد، فأراد تغييره؟ قال: ليس ذلك له، وقاله أصبغ كله. وقال: عزله ورده كعزله وتولية غيره فيما يرجع وما لا يرجع، تولى بعد ذلك فأقره غيره بعد عزله قبل رده، أو رد بولاية ثانية قبل غيره، فذلك سواء، وليس له تغييره بعد ذلك، ولا ذلك من الفقه. قال القاضي: لا اختلاف في أن الحكم الخطأ الصراح الذي لم يختلف فيه يرثه هو ومن بعده من القضاة والحكام، وأما ما اختلف فيه، فيرده هو إذا رأى أحسن منه على مذهب أصحاب مالك كلهم، حاشا ابن عبد الحكم، ولا يرده من بعده إلا أن يكون خلاف سنة قائمة، أو يكون الخلاف شاذا فيختلف في ذلك، وقد مضى القول على هذا المعنى مستوفى في رسم الجواب، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. وقوله

مسألة: يخرج لسفر فيستخلف على ماله رجلا فيأتي مستحق له

هاهنا: إن رده بعد عزله كتولية غيره فيما يرجع فيه، وما لا يرجع صحيح، لا أعلم فيه اختلافا، وبالله التوفيق. [مسألة: يخرج لسفر فيستخلف على ماله رجلا فيأتي مستحق له] مسألة قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عن الرجل يخرج إلى سفر، فيستخلف على داره وأرضه رجلا، أو يستودعه غلاما أو دابة، ثم يأتي من يستحق بعض ذلك، هل يمكن منه؟ قال: أما الدابة والغلام فنعم، ينتزع منه للمستحق إذا ثبت حقه، ويدفع إليه؛ لأن الفوت يدخل ذلك، وأما الدار والمنزل فيستأنى به، ويكتب إلى الموضع الذي هو به لعله يكون له فيه خصومة أو حجة؛ لأنه أمر مأمون، إلا أن يطول زمان ذلك جدا ولا يوجد، أو تكون غيبته بالموضع البعيد المنقطع من الأرض، مثل الأندلس وخراسان، وما أشبه ذلك من المواضع التي لا يطمع فيمن به، فإني أرى السلطان أن ينظر في ذلك. قال أصبغ: نظر السلطان عند ذلك أن يمكنه من إثبات حقه ويسمع منه، ويجعل للغائب وكيلا إن لم يكن له وكيل يدفع عنه، ويقضي للطالب وعليه كمثل الغريم، وكمثل القضاء على غائب في الأموال وغيرها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم سن، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك. وقول أصبغ: إذا حكم على الغائب البعيد الغيبة في الأصول يقيم له وكيلا هو مذهب ابن الماجشون، وعلى أصله في أن الغائب إذا حكم عليه لا

: القاضي يشهد على قضاء قضائه وهو معزول أو غير معزول أتقبل شهادته

ترجى له حجة؛ لأنه قد أعذر إلى الوكيل الذي أقيم له، فكان ذلك كالإعذار إليه، خلاف ما ذهب إليه ابن القاسم أنه لا يقام له وكيل، ويكون على حجته، وكذلك على مذهبه يقيم للغائب المحكوم عليه في غير الأصول وكيلا يعذر إليه، فلا تكون له حجة إذا قدم، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن الوكيل المقدم له قد يجهل وجوه منافعه، فيكون الضرر الداخل عليه بانقطاع حجته إذا قدم أكثر من انتفاعه بالدفع عنه، وبالله التوفيق. [: القاضي يشهد على قضاء قضائه وهو معزول أو غير معزول أتقبل شهادته] ومن كتاب القضاء المحض قال أصبغ: وقال لي ابن القاسم في القاضي يشهد على قضاء قضائه وهو معزول أو غير معزول، أو يرفعه إلى إمام غيره: إن شهادته لا تقبل، ولا يجوز ذلك القضاء إلا بشهيدين عليه، غيره أنه قد قضى به، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: هذه مسألة وقعت في بعض الروايات، وهي مسألة صحيحة، وفيها معنى خفي، وهو أن قول القاضي وهو على قضائه: حكمت لفلان بكذا لا يصدق إذا كان يعني الشهادة. قوله مثل أن يتخاصم الرجلان عند القاضي فيكون من حجته أن يقول: قد حكم لي قاضي بلد كذا وكذا بكذا وكذا، فيسأله البينة على ذلك، فيذهب إليه فيأتيه من عنده بكتابه: إني قد حكمت لفلان على فلان بكذا وكذا، أو أنه قد ثبت عندي لفلان على فلان كذا وكذا، فلا يجوز هذا، من أجل أنه على هذا الوجه شاهد. ولو أتى الرجل ابتداء إلى القاضي، فقال له: خاطب لي قاضي بلد كذا بما ثبت لي عندك على فلان، أو بما حكمت لي به عليه، فخاطبه بذلك؛ لجاز من أجل أنه مخبر، وليس بشاهد، كما يجوز قوله، وينفذ فيما يسجل له على نفسه ويشهد من الأحكام ما دام على قضائه.

مسألة: المخالطة التي يستوجب بها المدعي على المدعى عليه اليمين ما هي

وقد روى لابن الماجشون ومطرف وأصبغ في الأقضية من الواضحة ما يعارض رواية أصبغ هذه، وقد ذكرنا ذلك في أول سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: المخالطة التي يستوجب بها المدعي على المدعى عليه اليمين ما هي] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل عن المخالطة التي يستوجب بها المدعي على المدعى عليه اليمين ما هي؟ قال: يسالفه فيبيعه ويشتري منه، فقيل: أرأيت إن ادعى عليه وجاء شهود يشهدون أنه باع منه أمس، واشترى منه سلعة بمائة دينار، فقبض هذا المائة وهذا السلعة وتفاصلا؟ قال: لا أرى هذا مخالطة، إلا أن يكون قد باعه مرة ومرة ومرارا، فأرى هذا مخالطة، وإن كانا يتقابضان في ذلك كله الثمن والسلعة، ويتفاصلان قبل أن يتفرقا، فإن شهد عليه بذلك فأراها مخالطة، وقاله أصبغ، قال: وكل ما خالطه فثبت بتاريخ قديم يمكن المعاملات بينهما، ليس بعدهما، وإن لم تتصل وانقطعت فهي عندي مخالطة، ويستحلف بها بالله إن شاء الله، وسئل عنها سحنون فقال مثله، قال سحنون: ولا تكون المخالطة إلا في البيع والاشتراء بين الرجلين، ولو ادعى أهل السوق بعضهم على بعض لم تكن مخالطة حتى يقع البيع بينهم، قيل: فمثل أهل منزلك ومسجدك يجتمعون فيه للصلوات والأنس والحديث، فادعى بعضهم على بعض؟ قال: لا تكون هذه مخالطة إلا بمثل ما وصفت لك.

قال القاضي: مذهب مالك وكافة أصحابه: أن اليمين لا يحكم بها للمدعي على المدعى عليه بمجرد الدعوى دون خلطة، على ما جاء عن عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من أنه لم يكن يحلف من ادعى على رجل دعوى، إلا أن تكون بينهما مخالطة وملابسة، وهو قول جماعة من علماء المدينة. روي عن القاسم بن محمد منهم أنه قال: إذا ادعى الرجل الفاجر على الرجل الصالح شيئا يعلم الناس فيه أنه كاذب، ولا يعلم أنه كان بينهما أخذ ولا عطاء لم يستحلف، فلم يحملوا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» على عمومه، في أن كل من ادعى على أحد دعوى وجبت له عليه اليمين، وخصصوا من ذلك من لم تكن له خلطة، فلم يشبه قوله وغلب على الظن كذبه، كما خصصوا من ذلك يمين الزوج والسيد في دعوى الطلاق والعتق. وقد قال إسماعيل القاضي: إن معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على من ادعى، واليمين على المدعى عليه» أنه لا يقبل قول المدعي فيما يدعيه مع يمينه، وأن المدعى عليه يقبل قوله مع يمينه، وإن لم تقم عليه بينة، لا أنه أراد بذلك العموم في كل من ادعى عليه دعوى أنه يجب عليه اليمين، فلا يجب اليمين على مذهب مالك وكافة أصحابه بمجرد الدعوى دون خلطة إلا في خمسة؛ الغريب في البلد يدعي أنه أودع الرجل الفاضل من أهل البلد وديعة؛ لأن الغريب يعمد إلى من بلغه عنه خير، فيودعه

وإن لم يعرفه قبل، والمسافر يدعي أنه قد أودع أحدا من أهل رفقته؛ إذ قد يفزع في سفره إلى من لم يخالطه، فيستودعه لأمر يخافه من آفات السفر، والرجل يدعي على الصانع الذي قد نصب نفسه للعمل أنه دفع إليه متاعا يصنعه، والرجل الغريب، أو من أهل البلد يدعي على أحد من أهل الأسواق الذين قد نصبوا أنفسهم للبيع والشراء أنه عامله باع منه أو اشترى. روي ذلك عن سحنون، وهو دليل قوله في هذه الرواية، ولو ادعى أهل الأسواق بعضهم على بعض، لم تكن مخالطة حتى يقع البيع بينهم؛ لأن في ذلك ما يدل على أن دعوى غير أهل الأسواق على أهل الأسواق، خلاف دعوى أهل الأسواق بعضهم على بعض؛ لأن أهل الحوانيت والأسواق إنما نصبوا أنفسهم للبيع والشراء من غير أهل الأسواق، لا من أهل الأسواق، والرجل يذكر في مرضه الذي مات منه أن له دينا على رجل، ويوصي أن يتقاضى منه، فإن لورثته أن يحلفوه إن أنكر دون خلطة؛ إذ لا يعرفون من يشهد لهم بها. روي ذلك عن مالك، ومثله في سماع عيسى، من كتاب المديان والتفليس، وقال في هذه الرواية: إن المبايعة الواحدة ليست بخلطة توجب اليمين حتى يبايعه مرة ومرة ومرارا، وفي بعض الكتب مرة ومرة ومرَّة، وهو صواب الكلام، وفي رسم الصبرة من سماع يحيى، من كتاب الشهادات ما ظاهره أن المعاملة الواحدة خلطة توجب اليمين، خلاف هذه الرواية. وقيل: إن رواية يحيى تفسير لهذه، فيكون المعنى فيها أنها قد تضاف إلى معاملة قبلها، فيصير بذلك خلطة. قال محمد بن رشد: ولا أقول: إنها مخالفة لها، ولا مفسرة لها، وإنما أقول: إنها مسألة أخرى؛ لأنه تكلم في هذه الرواية على أنهما تقابضا وتناجزا، وتكلم في سماع يحيى على المبايعة بالدين، والمبايعة الواحدة لا توجب الخلطة إذا كانت بالنقد والتناجز على ما هاهنا، وتوجبها إذا كانت

المبايعة بالدين على ما في سماع يحيى، وإنما الخلاف عندي إذا كانت المبايعة الواحدة بالنقد، فلم يقع النقد ولا حصل التناجز، ففي الشهادات من المدونة: أنها ليست بخلطة، وفي كتاب ابن المواز: أنها خلطة، إلا أنه لم يوجب اليمين إذا لم يثبت ما قاله الغائب. وقوله: وجاء بشهود يشهدون، الظاهر منه أن الخلطة لا توجب اليمين حتى يثبت بما يثبت به الحقوق من شاهدين أو شاهد وامرأتين، ومثله في نوازل سحنون من كتاب الشهادات، وفي المبسوطة لابن كنانة، وابن القاسم أن شهادة الشاهد الواحد بها توجب اليمين. وقال في سماع حسين بن عاصم، من كتاب الشهادات في بعض الروايات: إن شهادة شاهد واحد وامرأة واحدة بالخلطة توجب اليمين، وقد قيل: إنها توجب باليمين مع الشاهد. وقد روي ذلك عن ابن نافع، وابن كنانة، وإذا ثبتت الخلطة، فلا يرتفع حكمها بانقطاعها على قول سحنون في هذه الرواية، وفي أحكام ابن زياد عن أصبغ وسحنون: أن اليمين لا تجب إلا بخلطة متصلة، وفي المبسوطة لابن نافع أنه قال: لا أدري ما الخلطة، ولا أراها، ولا أقول بها، وأرى الأيمان واجبة للمسلمين عامة بعضهم على بعض؛ لحديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكره» . وذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور؛ إلى أن اليمين واجبة بمجرد الدعوى في جميع الدعاوي من الأموال وغيرها، وحجتهم حديث ابن عباس: «لو يعطى ناس بدعواهم؛ لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» ؛ لأنهم تعلقوا بظاهره، فحملوه على عمومه، ولا حجة لهم

مسألة: الملد من الخصوم يعاقب

على مالك في تعلقهم بعموم الحديث؛ إذ لا بد لهم من أن يخصصوه في بعض المواضع بالمعنى الذي خصصه به مالك حيث خصصه، وذلك في مثل أن تريد المرأة أن تحلف زوجها في يوم واحد مرارا أنه ما طلقها، وإذا كان ذلك على عمومه كذلك، فلم تبق لهم حجة إلا مجرد قولهم بأن نظرهم أصح من نظره، وهذا ينعكس عليهم، فلا يجدون عن الخروج عنه محيصا، وبالله التوفيق. [مسألة: الملد من الخصوم يعاقب] مسألة وقال أصبغ في الملد من الخصوم، وأخبر بمحضرنا عن أبي الطاهر بن حزم القاضي أنه علقه على رجل واحد، فقيل لأشهب: أترى ذلك؟ فقال: أما الملد الظالم فنعم. قال القاضي: هذا كما قال؛ لأن إلداد أحد الخصمين بصاحبه إضرار به، وواجب على الإمام أن يمنع من ذلك، ويعاقب عليه بما يؤديه اجتهاده إليه، وقد تقدم مثل هذا في رسم تأخير صلاة العشاء، من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يحضر ببينة أيوقعها له القاضي بغير محضر الخصم] مسألة وسئل عن الرجل يحضر ببينة أيوقعها له القاضي بغير محضر الخصم؟ فقال: ما أرى بذلك بأسا، قيل له: فإن أتى بعد ذلك الخصم، فقال للقاضي: اعرض علي شهادتهم، فإن كان فيها ما يضرني دفعته. فقال: أرى ذلك له. فقيل له: بغير محضر صاحبه؟ فقال: ما أبالي حضر أو لم يحضر، قال أصبغ: مثله، وهذا محض القضاء.

: تخاصم النصرانيان إلى الأسقف فأبى الحكم وردهما لحكم المسلمين

قال القاضي: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن من حق المشهود عليه أن يعرض عليه ما شهد به عليه، ويعذر إليه فيه، ولا حق للمشهود له في أن يكون ذلك بحضرته، كما أنه لا حق للمشهود عليه في أن يشهد الشهود عليه بحضرته، والله الموفق لا شريك له، اللهم عونك. [: تخاصم النصرانيان إلى الأسقف فأبى الحكم وردهما لحكم المسلمين] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون قال سحنون: إذا تخاصم النصرانيان إلى الأسقف، فأبى الأسقف أن يحكم بينهما، وردهما إلى حكم المسلمين؛ فإنه من الجور عليهما، إذا كان النصرانيان لا يريدان أن يحكم بينهما حكم المسلمين، فلا يكون ذلك للأسقف، ولا ينبغي لحاكم المسلمين أن يحكم بينهما، وإن رضي النصرانيان جميعا أن يحكم بينهما حكم المسلمين، وأبى الأسقف أن يردهما إلى حكم المسلمين لم يكن ذلك له، وكان للنصرانيين أن يحكم بينهما حكم المسلمين، ولا يحكم بينهما الأسقف. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه لا يجوز لحكم المسلمين أن يحكم بينهما برضا الأسقف إذا أبياهما من ذلك أو أحدهما، وأما إذا رضي النصرانيان أن يحكم بينهما حكم المسلمين، وأبى الأسقف، فقول سحنون: أنه لا يلتفت إلى إباية الأسقف، ولحكم المسلمين أن يحكم بينهما إذا رضيا وإن كره أسقفهما، وروى عيسى، عن ابن القاسم في رسم العارية من كتاب السلطان أنه لا يحكم بينهما إلا برضا منهما ومن أساقفتهما، وذلك يحمل على التفسير لما في المدونة؛ لأن تفسير قوله بقوله أولى

من تفسيره بقول سحنون، وهذا في البيوع والطلاق والعتق والحدود. وأما فيما يتظالمون به، فلا اختلاف بين أحد من أهل العلم في أنه يجب عليه أن يحكم بينهم فيه، وإن لم يتحاكموا إليه، ولا رضوا بحكمه، وقد ذهب بعض أهل العراق إلى أنه يجب عليه أن يحكم بينهم إذا جاءوه ورضوا بحكمه، ومنهم من قال: إنه يجب عليه أن يحكم عليهم في الحدود شاءوا أو أبوا، وإن لم يحكموه ولا رضوا بحكمه. ففي الحدود التي يجب على الإمام أن يحكم فيها على المسلمين وإن لم يترافعوا إليه فثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يجب عليه أن يحكم عليهم فيها، وإن لم يحكموه. والثاني: أن ذلك لا يجب عليه إلا أن يحكموه. والثالث وهو مذهب مالك: أن ذلك لا يجب عليه وإن حكموه. وفي البيوع والنكاح والمعاملات وما أشبه ذلك، مما لا يجب على الإمام أن يحكم فيه على المسلمين إلا أن يترافعوا إليه قولان؛ أحدهما: أنه يجب عليه أن يحكم بينهم فيما إذا ترافعوا إليه ورضوا بحكمه. والثاني وهو مذهب مالك: أن ذلك ليس عليه بواجب، وله أن يحكم؛ لقول الله عز وجل: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: 42] الآية وأما ما يتظالمون به، فلا خلاف بين أحد من المسلمين في أنه يجب عليه أن يحكم عليهم فيه، ويمنع من التظالم بينهم، شاءوا أو أبوا. وقد مضى في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، من كتاب التجارة إلى أرض الحرب في هذه المسألة زيادة بيان، وبالله التوفيق، وهذه المسألة وقعت في بعض الروايات في أول نوازل سحنون هذه.

مسألة: قامت المرأة طالبة النفقة على مال زوجها فيحكم لها بالنفقة وهو غائب

[مسألة: قامت المرأة طالبة النفقة على مال زوجها فيحكم لها بالنفقة وهو غائب] مسألة قال سحنون: من الحجة على أهل العراق في القضاء على الغائب أن يقال لهم: أرأيت إذا قامت المرأة طالبة النفقة على مال زوجها، فمن قولهم: إنه يحكم لها بالنفقة وهو غائب، ومن الحجة عليهم أن الغائب لو وكل وكيلا على بيع ماله، فأقام الوكيل على وكالة الغائب إياه البينة، أيكون له البيع؟ فمن قولهم: أن نعم، فإذا أمكن الوكيل من البيع والتقاضي، فقد أجازوا الحكم على الغائب. قال محمد بن رشد: أهل العراق لا يرون أن يحكم على الغائب، لا في الأصول، ولا في العروض، وسحنون يذهب إلى أنه يحكم عليه في جميع ذلك، وحجته على أهل العراق ما ذكره، ومالك يرى أن يحكم عليه في العروض، ولا يحكم عليه في الأصول، إلا أن تكون الغيبة بعيدة منقطعة، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة، في رسم سن، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، ومضى أيضا في رسم الكراء والأقضية، من سماع أصبغ، طرف من التكلم عليها، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل إذا أوجب نفقة أبوية أواجب عليه أن يضحي عنهما] مسألة قلت: فالرجل إذا أوجب نفقة أبوية، أواجب عليه أن يضحي عنهما؟ قال: لا، وليس عليه أن يضحي عن امرأته، وذلك قول مالك.

مسألة: القاضي يشهد عند ابنه أو ولد ولده على رجل

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الضحية ليست من النفقة التي تجب عليه لأبويه إذا ألزم نفقتهما ولا لزوجته، وإنما هي سنة لا ينبغي له تركها، فإن أدخل زوجته في ضحيته أجزأها، وإلا كان عليها أن تضحي عن نفسها من مالها، وفي سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة أن السلطان لا يكره أحدا على أن يحجم أباه، ولا على أن ينكحه، وقد مضى القول على ذلك هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: القاضي يشهد عند ابنه أو ولد ولده على رجل] مسألة قال سحنون في القاضي يشهد عند ابنه أو ولد ولده على رجل: لا أرى أن تجوز شهادته، إلا أن يكون الولد أو ولد الولد مبرز العدالة، بين الفضل، لا يشك فيه، فحينئذ أرى أن تجوز شهادته. قال محمد بن رشد: شهادة الأب عند ابنه، أو الابن عند أبيه، وشهادة كل واحد منهما على شهادة صاحبه، وشهادة كل واحد منهما على حكم صاحبه، وشهادة كل واحد منهما مع شهادة صاحبه، هذه الأربعة مسائل الحكم فيها كلها سواء، والاختلاف فيها كلها واحد. قيل: إن ذلك جائز، وهو قول سحنون؛ لأنه أجاز في نوازله من كتاب الشهادات شهادة الأب على قضاء ابنه بعد عزله، وأجاز هنا شهادته عنده، إلا أنه شرط أن يكون مبرزا في العدالة، وذلك ينبغي أن يحمل على التفسير؛ لقوله في سائر المسائل المذكورة، فكذلك يجوز على مذهبه شهادته على شهادته،

مسألة: القوم يكونون في المنزل فيحجر الرجل على حق له وأرض يغرسها

وشهادته مع شهادته إذا كان مبرزا في العدالة، وهو قول مطرف؛ لأنه أجاز في الواضحة شهادة كل واحد منهما مع شهادة صاحبه، وشهادته على قضائه بعد عزله، وشهادته على شهادته، فكذلك شهادته عنده، لا فرق بين ذلك. وقيل: إن ذلك لا يجوز، وهو قول أصبغ؛ لأنه لم يجز في نوازله من كتاب الشهادات شهادة واحد منهما على شهادة صاحبه، وذلك الذي يأتي على مذهبه في سائر المسائل المذكورة، وفرق ابن الماجشون بين شهادة كل واحد منهما مع صاحبه، وشهادته على شهادته، وبين شهادته على حكمه بعد عزله، فأجاز شهادته مع شهادته، ولم يتهم الآخر منهما على أنه إنما أراد إتمام شهادة ابنه وأبيه وتحقيقهما، وشهادته على شهادته، ولم يتهمه على أنه إنما أراد إحياء شهادته، ولم يجز شهادته على حكمه بعد عزله، وذلك تناقض من قوله. وأما تعديل واحد منهما لصاحبه، فلا يجوز عند واحد من أصحاب مالك فيما علمت، إلا ابن الماجشون فإنه قال: إذا لم يكن التعديل نزعه، وليس له قام، وإنما الذي نزعه وقام به أحيا شهادته، فلا بأس أن يصفه بالذي تتم به شهادته من عدالته، وفيه بعد، والله أعلم. [مسألة: القوم يكونون في المنزل فيحجر الرجل على حق له وأرض يغرسها] مسألة وسألته عن القوم يكونون في المنزل، فيحجر الرجل على حق له، وأرض يغرسها، وقد كان أهل المنزل يسلكون طريقا فينهاهم وغيرهم، فقاموا عليه فقالوا: قطعت طريقنا فأنكر أن يكون طريقا لهم لازمة، فتنازعوا إلى الحكم، فأتى الذين زعموا أنها طريق لهم ببينة، فشهدوا أنهم يعرفونها طريقا يسلكها الناس منذ عشرين سنة، ويأتي الذي في أرضه الطريق ببينة، فشهدوا أنها طريق محدثة بلا حق، فأي البينتين أحق أن يقبل؟ قال

مسألة: يكون له الداران على فيريد رفع غرفة على جداري داريه

سحنون: هذا كثير ما يكون بين المنازل، ويختصر الناس في الأراضي، وربما قطعها الحرث حتى ربما كانت القرية تؤتى من غير طريق، وربما تساهل الناس في أرضهم لاستبعادهم عن ذلك، فإذا ثبت أن هذه الطريق من تلك الأرض، فليست بلازمة لصاحب الأرض، إلا أن تكون الطريق الحاملة التي تركت من غير وجه، ويطول ذلك ويقطع مدة كونه الزرع في اتساعها، وطول زمانها الخمسين والستين سنة. فأما الطريق المختصرة فليست بحجة على صاحبها، إذا ثبت ذلك كما ذكرت لك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى، لا أعرف ما يخالفها، ولا ما يعارضها، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون له الداران على فيريد رفع غرفة على جداري داريه] مسألة قال سحنون في الذي يكون له الداران عن يمين الطريق ويساره، فيريد أن يرفع على السكة غرفة، أو يتخذ عليها مجلسا على جداري داريه، فقال: ذلك له، وهذا ما لا يمنع منه أحد أن يتخذه، إنما يمنع من الإضرار في التضييق في السكة إذا أدخل عليها ما أضر بها أو يضيقها، فأما ما لا ضرر فيه على السكة، ولا على أحد من المسلمين فلا يمنع. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن ذلك له، ولا يمنع منه؛ إذ لا ضرر في ذلك على الطريق، ولا على المارين فيه إذا رفع البناء رفعا يتجاوز رءوس المارة فيه من الركبان، ونحو هذا في الزاهي لابن شعبان،

مسألة: الذين يعتقون على الرجل إذا ملكهم هم أهل الفرائض في كتاب الله

قال: والأجنحة الشارعة ترفع عن رءوس الركبان رفعا بينا، وإذا اختلف البانيان المتقابلان في الفحص فيما يجعل للطريق أو تشاحا، فأراد كل واحد منهما أن يقرب جداره من جدار صاحبه جعلا الطريق سبع أذرع بالذراع المعروفة بذراع البنيان، فإن شاكل واحد منهما فيما يبني ميزابا على الطريق للمطر لم يمنع، وبالله التوفيق. [مسألة: الذين يعتقون على الرجل إذا ملكهم هم أهل الفرائض في كتاب الله] مسألة قال سحنون: الذين يعتقون على الرجل إذا ملكهم هم أهل الفرائض في كتاب الله هم: ولده، وولد ولده من قبل الرجال والنساء، والدراية يلزمه في ولده، وولد ولده، والتغليظ يلزمه في ولده وولد ولده من الرجال والنساء، ولا ينعقد نكاحه في كل ملك هو لهم، وينعقد نكاحهم في ملك هو له، ولا يكون لهم دراية في ماله، ولا يلزمهم تغليظ فيما فعلوا، وحالهم في هذا حال الأجنبي، ولا تجوز شهادته لمن ذكرت من ولده وولد ولده من قبل الرجال والنساء ولا شهادتهم له، وكذلك إذا كان قاضيا، ووقف موقف الشهادة. قال محمد بن رشد: قوله الذين يعتقون على الرجل إذا ملكهم هم أهل الفرائض في كتاب الله: ولده وولد ولده من قبل الرجال والنساء، كلام غير محصل ولا صحيح؛ لأن قوله الذين: يعتقون عليه إذا ملكهم ولده وولد ولده من قبل الرجال والنساء يقتضي أنه لا يعتق عليه سواهم، ولا اختلاف عند الجميع في أنه يعتق عليه أبواه، ولا في مذهب مالك في أنه يعتق عليه جميع إخوته، فهو كلام خرج على غير تحصيل. وقوله في ولده

وولد ولده من قبل الرجال والنساء: إنهم أهل الفرائض في كتاب الله تعالى غير صحيح؛ لأن أولاد البنات لا يرثون عند الجميع؛ فليسوا من أهل الفرائض في كتاب الله، وقد وقع هذا اللفظ في المدونة؛ أعني قوله: وهم أهل الفرائض في كتاب الله، إلا أنه ذكره فيها بعد أن ذكر الإخوة فيصح قوله فيها، وهم أهل الفرائض في كتاب الله تعالى بإعادته إلى الآخر أقرب المذكرين إليه دون من سواهم ممن ذكر معهم ممن لا يرث، فكلام سحنون هذا، إنما يصح بإسقاط الذين، وإسقاط هم أهل الفرائض في كتاب الله، ويكون الوجه فيه على ما وقع أنه قاله بعد أن ذكر الآباء والأجداد والإخوة وهم أهل الفرائض، فأراد أن الذين يعتقون على الرجل سوى هؤلاء المذكورين ولده وولد ولده من الرجال والنساء. وقوله: إنه يعتق عليه ولده وولد ولده من قبل الرجال والنساء، هو ظاهر ما في المدونة، ونص ما في سماع أشهب، من كتاب العتق، وكذلك يعتق عليه أجداده وجداته كلهم من قبل الأم، ومن قبل الأب على ما في المدونة والواضحة وغيرهما، وما في سماع أبي زيد من كتاب الولاء أنه يعتق عليه الجدات الأربع، وقوله: والدراية يلزمه في ولده وولد ولده، معناه أنه يدرأ عنه الحد إن وطئ أمة واحد منهم بالشبهة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك» ، وقوله: والتغليظ يلزمه في ولده وولد ولده من الرجال والنساء؛ يريد أنه يغلظ عليه الدية في جنايته عليهم عمدا، قيل في ماله، وقيل على العاقلة، ويدرأ عنه القصاص إلا أن يعمد إلى ذلك، مثل أن يضجعه فيذبحه، أو يأخذ منه سكينا فيقطع يده، وما أشبه ذلك، وهو مذهب ابن الماجشون. ووقف ابن القاسم في الجد للأم، ورآه أشهب كالأجنبي في وجوب القصاص منه، فعلى قياس قوله: لا يعتق عليه، وينعقد نكاحه في ملكه، والله أعلم.

مسألة: القاضي يثبت عنده الحق للرجل فيريد أن يسجل له كتابا بما ثبت عنده

[مسألة: القاضي يثبت عنده الحق للرجل فيريد أن يسجل له كتابا بما ثبت عنده] مسألة قال سحنون في القاضي يثبت عنده الحق للرجل، فيريد أن يسجل له كتابا بما ثبت عنده بمحضر خروج الإمام غازيا، فيأمر القاضي بأن لا ينظر لأحد إلى انصرافه، فيكون من رأى القاضي الإشهاد والتسجيل لصاحب الحق، فيفعل بعد تقدم الإمام إليه، أذلك له جائز؟ أم لا ترى حكمه ماضيا؟ قال: نعم، أراه لازما ماضيا. قال القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا بين على ما قال؛ لأنه لم يعزله، وإنما نهاه عن الحكم، والتسجيل ليس بحكم، فله أن يسجل بما قد تقدم حكمه قبل أن يأمره بالتوقف عن الحكم، وفي الواضحة أن الإمام إذا أمر القاضي أن يدع الحكم في أمر قد شرع فيه عنده، فله أن يدع ذلك إن لم يتبين له حق أحدهما، وإن تبين له حق أحدهما، فلا يدع ذلك إلا أن يعزل، وهو قول سحنون، هذا وبالله التوفيق. [مسألة: القاضي يأتيه رجلان بكتاب مكتوب مختوم فيه شهادتهما] مسألة وسألته عن القاضي يأتيه رجلان بكتاب مكتوب مختوم فيه شهادتهما، فيجد في داخله أن فلان ابن فلان أوصى إلى هذين الرجلين الذين أتياه بالكتاب بما كان له من مال أو غير ذلك، أترى للقاضي أن يجيز شهادتهما، ويقرهما على الوصية أم كيف الأمر فيه؟ قال سحنون: أرى أن يقول لهما القاضي أتقبلان الوصية؟ فإن قالا: نعم، لم تقبل شهادتهما، وإن قالا: لا، نقبلها، أمضى شهادتهما في الوصية، ووكل القاضي عليهما من رآه أهلا.

قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا صحيح بين على قياس القول بأنه لا تجوز شهادة الرجل أن الميت أوصى إليه بالنظر في تنفيذ وصيته، وهو المنصوص عليه في المدونة. قال فيها: لا تجوز شهادة الموصى إليه، وإن كان طالب المال غيره. وقال فيها أيضا: إن شهادة الشاهدين لا تجوز بأن الميت أوصى لابنه، وإذا لم تجز شهادتهما بأنه أوصى لابنه فشهادتهما بأنه أوصى إليه أحرى ألا تجوز، وقد قيل: إن شهادتهما بذلك جائزة، وهو دليل قوله في المدونة في الذي شهد أن الميت أوصى لقوم بوصايا، وأوصى للشاهد. قال ابن القاسم: فسمعت مالكا يقول: إن كان الذي شهد به لنفسه تافها يسيرا لا يتهم عليه، فشهادته جائزة، فأجاز شهادته إن كان الذي شهد به لنفسه يسيرا مع أنه أوصى إليه، فعلى هذا تجوز شهادتهما في الوصية قبلاها أو لم يقبلاها، فإن قبلاها نظرا فيها، وإن لم يقبلاها وكل القاضي عليها من رآه أهلا لها، والله الموفق لا رب غيره، تم الكتاب الثاني من الأقضية، بحمد الله.

: كتاب السلطان

[: كتاب السلطان] [: ليس للرجل أن يبيع في السوق الذي يجلب إليه الطعام بدون بيع الناس]

من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا، قال: لا أرى للرجل أن يبيع في السوق الذي يجلب إليه الطعام أن يبيع بدون بيع الناس، قال سحنون: يريد ما يباع من صنف سلعته في جودتها مما قد جرى سعره، وقام على شيء، وليس الرديء من هذا في شيء أن يبيع الجيد بسعر الرديء، ليس ذلك عليه، ولكن ذلك بمثله. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يجوز للرجل أن يبيع الطعام في السوق بدون بيع الناس، معناه بدون بيع الناس في المثمون لا في الثمن، وذلك مثل أن يكون الناس يبيعون مثل ذلك الطعام أربعة بدرهم، فلا يجوز له هو أن يبيع ثلاثة بدرهم، وقد بين ذلك في رسم باع شاة، من سماع ابن القاسم، وهو بين أيضا من تفسير سحنون. قوله يريد ما يباع من صنف سلعته في جودتها، وليس عليه أن يبيع الجيد بسعر الرديء، يقول: إنه إذا كان الناس يبيعون أربعة بدرهم، وكان طعامه هو أجود من طعامهم، فليس عليه أن يبيع طعامه الجيد بما يبيعون به طعامهم الرديء، وكذلك قال ابن

مسألة: حلف ليجلدن امرأته خمسين سوطا

حبيب: إنما ذلك إذا استوى الطعام أو تقارب، وأما إن اختلف فزاد صاحب الجيد على صاحب الرديء الدرهم والدرهمين في المدي، فلا يمنع من ذلك، وتحديده الدرهم والدرهمين في المدي فيما بين الجيد والرديء إنما هو على ما يعرف بالأندلس من أنه ليس بين قمحها من الاختلاف مثل ما بإفريقية، ولا مثل ما بمكة حيث يجتمع والمحمولة قاله الفضل وهو صحيح، وإذا كان الرديء كان الاختلاف بزيادة اليسير الواحد والاثنين والثلاثة ونحو ذلك، أقر الأكثر على ما يبيعون، فيضم الأقل إليهم حتى يكونوا كثيرا، فإن كانوا كثيرا قيل للباقين وإن كانوا أكثر منهم: إما أن تبيعوا كما يبيع هؤلاء، وإما أن ترفعوا من السوق، فلا يرد الكثير إلى القليل، ويرد إلى الكثير القليل، والكثير إذا كان الكل قليلا، فالأقل منهم تبع للأكثر إذا كان الأكثر يبيعون أرخص، وإن كان الأكثر هم الذين يبيعون أغلى، ترك كل واحد منهم على ما يبيع، وقد ذهب بعض الناس تأويلا على رواية ابن القاسم هذه، وما كان مثلها أن الواحد والاثنين من أهل السوق ليس لهم أن يبيعوا بأرخص مما يبيع أهل السوق؛ لأنه ضرر بهم. وممن ذهب إلى ذلك أبو محمد عبد الوهاب بن نصر البغدادي، وهو غلط ظاهر؛ إذ لا يلام أحد على المسامحة في البيع، والحطيطة فيه، بل يشكر على ذلك إن فعله لوجوه الناس، ويؤجر فيه إذا فعله لوجه الله، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ليجلدن امرأته خمسين سوطا] مسألة وسئل مالك عمن حلف ليجلدن امرأته خمسين سوطا، قال: لو استشارني السلطان لأمرته أن يمنعه من ضربها، ولأمرته أن يطلقها، ولا آمره أن يجلدها أجعلها به.

قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن يمينه كانت بطلاق امرأته ليجلدنها خمسين سوطا، فألزمه الطلاق الذي حلف به، ولم يمكنه من البر بضربها خمسين سوطا، وكذلك حكى ابن حبيب في الواضحة أن من حلف بطلاق امرأته ليضربنها أكثر من عشرة أسواط مثل الثلاثين أو نحوها أن السلطان يطلقها عليه إذا كان ذلك لغير شيء تستوجبه، وإن لم يرفع ذلك إليه حتى فعل بر، وعوقب بالزجر والسجن، ولم تطلق عليه إلا أن يكون بها من الضرر آثار كثيرة مشتهر بمثلها من الحرائر، فتطلق عليه للضرر إذا تبين ذلك وتفاحش، ولو حلف بطلاقها ليضربنها العشرة الأسواط ونحوها يريد ويصدق في أنها قد صنعت ما تستوجب به ذلك الأدب، لا أنه يكون له ذلك دون سبب، وكذلك من حلف بحرية عبد ليضربنه ضربا يسيرا دون شيء أذنبه، لم يمكن من ذلك، وقد قال ابن أبي زيد: إنه يمكن من ذلك، وهو بعيد، فلا يصح أن يقال ذلك في الحرة، والله أعلم. وقول: أجعلها به معناه، أجعل به الطلاق الذي حلف به وألزمه إياه، وكذلك لو كانت يمينه بطلاق امرأة له أخرى، أو بعتق عبده أو ما أشبه ذلك، مما يقضى به عليه، لجعل السلطان ذلك به وحنثه، ولم يمكنه من البر بضرب خمسين سوطا، إلا أن يثبت عليها أنها فعلت ما تستوجب به ذلك، ولو كانت يمينه على ذلك بالله، أو بصيام، أو بمشي، أو صدقة، أو ما أشبه ذلك، مما لا يقضى به عليه إذا حنث فأبت المرأة من المقام معه، مخافة أن يضربها ليسقط عن نفسه بضربها ما حلف به من الصيام أو المشي أو الصدقة أو الكفارة؛ لوجب أن يكون ذلك لها من أجل أنه لا يؤمن على غيبها، وأن يطلقها عليه السلطان طلقة بائنة كالخلع، وقد وقع في بعض الكتب ولأمرته أن يطلقها، ولا آمره أن يجلدها أخلعها به، وهو يتأول على هذا؛ إذ لم يذكر في المسألة يمينه ما هي، وبالله التوفيق.

مسألة: ليس للرجل أن يعطي الحجام شعر رأسه

[مسألة: ليس للرجل أن يعطي الحجام شعر رأسه] مسألة قال: وسمعته قال: أكره أن يعطي الرجل الحجام شعر رأسه؛ لأنهم يجعلون منه القصص. قال محمد بن رشد: يريد أنهم يصنعون منها القصص المنهي عنها في حديث معاوية؛ «إذ خطب الناس بالمدينة، فتناول قصة من شعر كانت بيد حرسي فقال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "ينهى عن مثل هذه، وقال: إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم» ، وهي تشبه الجمة تضعها المرأة التي لا شعر لها على رأسها، ترى أنه شعرها، وقد لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الواصلة والمستوصلة» ، وهذا من ذلك المعنى، فإذا كان الحجام يأخذ منه الشعر ليصنع ذلك منه، فلا ينبغي أن يترك ذلك له، كما قال مالك؛ لأنه فعل ما نهى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن فعله، وذلك ما لا يحل ولا يجوز، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . [: البدوي يقدم فيسأل الحاضر عن السعر هل يخبره] ومن كتاب أوله حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها وسئل عن البدوي يقدم فيسأل الحاضر عن السعر أترى أن يخبره؟ قال: يكره ذلك، قيل: أفترى أن يشري له؟ قال: لا بأس بذلك، إنما يكره أن يبيع له، فأما الاشتراء له فلا بأس. قال محمد بن رشد: لم يختلف أهل العلم جميعهم في أن المعنى

عن نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن أن يبيع حاضر لباد، إنما هو إرادة نفع أهل الحاضرة ليصيبوا من أهل البادية بجهلهم بالأسعار، وقد جاء هذا مفسرا في بعض الآثار أنه قال: «لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس، يرزق الله بعضهم من بعض» . فإذا كان المعنى في أنه لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي، إنما هو ليصيب أهل الحاضرة غرة أهل البادية لجهلهم بالأسواق، وجب أن لا يجوز أن يخبروا بالأسعار لما في ذلك من الضرر بأهل الحاضرة في قطع المرفق الذي جعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهم في الإصابة منهم؛ لأنهم إذا لم يعلموا السعر لعلهم أن يرضوا بالبيع بأقل من القيمة، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه في مذهب مالك، وذهب الأوزاعي إلى أنه لا بأس أن يخبره بالسعر، وإن لم يجز أن يبيع له، وأما أبو حنيفة وأصحابه فذهبوا إلى إجازة بيع الحاضر للبادي، وقالوا: قد عارض النهي عن ذلك قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدين النصيحة لكل مسلم» وهذا لا يلزم؛ لأن الخاص يقضي على العام، فقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يبع حاضر لباد» يخصص عموم قوله: «الدين النصيحة» ، ويبينه ولا يعارضه، وأجاز مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يشتري له؛ لأن النهي إنما ورد في البيع له، فلم يقس عليه الشراء، ومنع من ذلك ابن الماجشون قياسا على البيع، وإياه اختار ابن حبيب قال: لأن العرب تقول بعت في معنى اشتريت. قال طرفة: ويأتيك بالأنباء من لم تبع له لتاتا يعني من لم تشتر له زادا. وقال الحطيئة: وبعت لذبيان العلاء بمالك يقول اشتريت الشرف لقومك بمالك، قال مع أنه قد روي أيضا: «لا يشتر حاضر لباد» ، وقول مالك أولى؛ لأن الصحيح في الحديث «لا يبع حاضر

مسألة: رجل فجر في السوق بغش الميزان

لباد» ، والسنة إذا عارضها أصل وجب أن تستعمل في موضعها، ولا يقاس عليها. واختلف قول مالك في أهل البادية الذين لا يجوز للحضري أن يبيع لهم على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنهم أهل العمود خاصة دون أهل القرى المسكونة التي لا يفارقها أهلها، وهي رواية أبي قرة موسى بن طارق عنه. والثاني: أنهم أهل العمود، وأهل القرى دون أهل المدن. والثالث: أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للجالب، وإن كان من أهل المدن والحواضر، فرأى على هذا القول أن المعنى في النهي إنما هو على أن يبيع الحاضر للباد؛ ولأن قوله: «لا يبع حاضر لباد» ، إنما خرج على الأعم في أن أهل البادية هم الذين يجلبون إلى الحاضرة، وهذان القولان في رسم تأخير صلاة العشاء بعد هذا، واختلف أيضا في حكم بيع الحاضر للبادي إذا وقع، وسيأتي القول فيه في رسم يوصي، من سماع عيسى إن شاء الله، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل فجر في السوق بغش الميزان] مسألة قال مالك: سألني صاحب السوق عن رجل فجر في السوق، يريد جعل في مكياله زفتا، فأمر به أن يخرجه منه ولا يتركه فيه، وذلك أشد عليه من الضرب. قال محمد بن رشد: قوله: وذلك أشد عليه من الضرب، يريد أن ذلك أردع لهم؛ لأن أهل الفجور والغش قلما ينكلهم الضرب، وظاهر قوله: أنه يخرج من السوق أدبا له، وإن لم يكن معتادا للغش، خلاف ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: أن من غش في أسواق المسلمين يعاقب بالسجن والضرب وبالإخراج من السوق إن كان معتادا للغش، ولا يرجع إلى السوق حتى تظهر توبته وتعرف. وقول ابن حبيب: إن المعتاد للغش، يريد الذي قد أدب عليه، فلم يردعه الأدب عنه، وعاد إليه

مسألة: نهي الناس عن التزوج على الشروط والاكتفاء بالدين والأمانة

يخرج من السوق، ولا يرجع إليه حتى تظهر توبته وتعرف، صحيح إذ لم يخرج من السوق أدبا له، وإنما أخرج لقطع ضرره عن الناس؛ إذ قد أدب فلم ينفع فيه الأدب، وأما إذا أخرج عنه أدبا له من غير أن يكون معتادا للغش على ظاهر قول مالك هذا، فلا يمتنع أن يرد إليه بعد مدة يرجى أن يكون قد تأدب بها، وإن لم تظهر منه توبة. قال بعض أهل النظر: وإنما يؤدب الغاش بالإخراج من السوق إذا كان لا يمكن أن يرجع إليه دون أن يعرف، وأما إذا كان يمكن أن يرجع إليه، ولا يعرف ذلك لاتساع السوق؛ فإنه يؤدب بالضرب، والأصل في إخراج المعتاد بالغش عن السوق ما جاء من أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب إلى أمير الأجناد ألا يتركوا النصارى بأعمالهم في أسواق المسلمين جزارين ولا صرافيين؛ لأنه يخشى من المعتاد للغش أن يغش المسلمين بما ظهر من استباحته له، كما يخشى من النصراني أن يربي مع المسلمين بما يعلم من استحلاله له، وقد قال سحنون قياسا على قول عمر بن الخطاب: إنه يمنع من السوق من لا يبصر البيع من المسلمين حياطة له وللمسلمين، فالذي يغش المسلمين، وقد اعتاد ذلك، وأدب عليه، فلم يردعه الأدب أحق بذلك وأولى، وبالله التوفيق. [مسألة: نهي الناس عن التزوج على الشروط والاكتفاء بالدين والأمانة] مسألة قال مالك: أشرت على قاض منذ دهر أن ينهى الناس أن يتزوجوا على الشروط، وألا يتزوجوا إلا على دين الرجل وأمانته، وأنه كان كتب بذلك كتابا، وصيح به في الأسواق وعابها عيبا شديدا. قال محمد بن رشد: يريد الشروط اللازمة بيمين كطلاق الداخلة،

مسألة: التبن يجعل تحت القمح عندما يخزن

وعتق السرية، وما أشبه ذلك، فهذه الشروط هي التي يكرهها مالك، فإذا وقع النكاح عليها مضى، ولم يفسخ قبل الدخول ولا بعده، ولزم الشرط. ووجه الكراهة في ذلك أن المرأة قد حطت من صداقها بسبب الشروط، ولا يدرى هل يفعل ذلك الزوج أم لا؟ فأشبه ذلك الصداق الفاسد، وقد روي عن سحنون لهذه العلة أنه نكاح فاسد يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده، ويكون فيه الصداق المسمى، وللخروج من هذا الاختلاف يعقد الناس هذه الشروط في صدقاتهم على الطوع، وذلك إذا وقع الشرط في أصل النكاح على تسمية الصداق، وأما إذا أنكحها نكاح تفويض على الشرط، فلا اختلاف في أن النكاح لا يفسخ. وأما الشروط التي ليست مقيدة بيمين، فهي كلها غير لازمة، ومنها ما لا يفسد به النكاح، ومنها ما يفسد به فيفسخ قبل وبعد، ومنها ما يفسد به فيفسخ قبل ولا يفسخ بعد، ومنها ما يختلف في فساد النكاح بها، ومنها ما يختلف في الفسخ فيه، هل يكون قبل وبعد، أو إنما يفسخ قبل ويقر بعد، وليس هذا موضع ذكرها؛ إذ قد مضت في مواضعها من كتاب النكاح، ومن الشروط المقيدة بتمليك ما يختلف في فساد النكاح بها اختلافا كثيرا، وهي التي تتزوج على أنه إن لم يأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا فأمرها بيدها، أو على إن رأت منه ما تكره فأمرها بيدها، وقد مضى القول على ذلك في سماع ابن القاسم، من كتاب النكاح في أول رسم منه، وفي رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه، فلا معنى لذكر شيء من ذلك هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: التبن يجعل تحت القمح عندما يخزن] مسألة وسئل عن التبن يجعل تحت القمح عندما يخزن، فقال: لا

مسألة: صاحب السوق يريد أن يسعر على الناس السوق

بأس بذلك، وليس هذا مثل الذي يغشون به، وقد أخبرت أن أصحاب السفن يعملون ذلك عندما يحملون، ولم أر بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا بأس به؛ لأنه إنما يفعل للإصلاح، لا للغش والفساد، ومثله ما في سماع أشهب بعد هذا من طرح الماء في اللبن لاستخراج زبده، ومن طرح الماء في العصير ليتعجل به تحليله، ومضى مثله أيضا من قول مالك في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق. [مسألة: صاحب السوق يريد أن يسعر على الناس السوق] مسألة وسئل مالك عن صاحب السوق يريد أن يسعر على الناس السوق، فيقول لهم: إما بعتم بكذا وكذا، بسعر يسميه لهم، وإما قمتم، قال: لا خير في هذا. قيل له: إنه يأتي الرجل يكون طعامه ليس بالجيد، وقد بدل سعرا فيقول لغيره: إما بعتم مثله، وإما رفعتم، قال: لا خير في ذلك، ولكن لو أن رجلا أراد بذلك فساد السوق، فحط عن سعر الناس لرأيت أن يقال له: إما لحقت بسعر الناس وإلا رفعت، فأما أن يقول للناس كلهم، فليس ذلك بالصواب، وذكر حديث عمر بن عبد العزيز في أهل أيلة حين حط سعرهم لمنع البحر، أن كتب في ذلك أن خل بينهم وبين ذلك، فإنما السعر بيد الله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا بأس به، أما الجلاب فلا اختلاف في أنه لا يسعر عليهم شيء مما جلبوه للبيع، وإنما يقال لمن

شذ منهم، فحط من السعر، أو باع بأغلى مما يبيع به عامتهم: إما أن تبيع بما يبيع به العامة، وإما أن ترفع من السوق، كما فعل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بحاطب بن أبي بلتعة، إذ مر به وهو يبيع زبيبا له في السوق، فقال له: إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا؛ لأنه كان يبيع بالدرهم أقل مما كان يبيع به أهل السوق، وأما أهل الحوانيت والأسواق الذين يشترون من الجلاب وغيرهم جملا، ويبيعون ذلك على أيديهم مقطعا مثل اللحم والأدم والفواكه، فقيل: إنهم كالجلاب لا يسعر عليهم شيء من بياعتهم، وإنما يقال لمن شذ منهم وخرج عن الجمهور: إما أن تبيع كما يبع الناس، وإما أن ترفع من السوق، وهو قول مالك في هذه الرواية، في رسم باع شاة، من سماع عيسى. وممن روي ذلك عنه من السلف عبد الله بن عمر، وقيل: إنهم في هذا بخلاف الجلاب، لا يتركون على البيع باختيارهم إذا غلوا على الناس ولم يقنعوا من الربح بما يشبه، كان على صاحب السوق الموكل على مصلحته أن يعرف بما يشترون، فيجعل لهم من الربح ما يشبه، وينهاهم أن يزيدوا على ذلك، ويتفقد السوق أبدا، فيمنعهم من الزيادة على الربح الذي جعل لهم كيف ما تقلب السعر من زيادة أو نقصان، فمن خالف أمره عاقبه بما يراه من الأدب، وبالإخراج من السوق إن كان معتادا لذلك مستسرا به، وهو قول مالك في رسم البيوع الأول، من سماع أشهب، وإليه ذهب ابن حبيب، وقاله من السلف جماعة منهم: سعيد بن المسيب، ويحيى بن سعيد، وهو مذهب الليث، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ولا يجوز عند أحد من العلماء أن يقول لهم: لا تبيعوا إلا بكذا وكذا، ربحتم أو خسرتم من غير أن ينظر إلى ما يشترون به، ولا أن يقول لهم فيما قد اشتروه لا تبيعوه إلا بكذا وكذا مما هو مثل الثمن الذي اشتروه به أو أقل، وإذا ضرب لهم الربح على قدر ما يشترون به،

مسألة: خمر تعمل من القز ثم يبل لها الخبز فيرش عليها لتشتد وتصفق

مثل أن يقول لهم: تربحون في المدي كذا وكذا، فلا يتركهم أن يغلوا في الشراء، وإن لم يزيدوا في الربح؛ إذ قد يفعلون ذلك، ويتساهلون فيه؛ إذ لا ينتقصهم بذلك من ربحهم شيئا، وإذا علم ذلك منهم ضرب لهم الربح على ما يعلم من مبلغ السعر، وقال لهم: لا سبيل لكم أن تبيعوا إلا بكذا وكذا، فلا تشتروا إلا على هذا، وهو قول مالك في رسم البيوع الأول، من سماع أشهب: ليس بأيديكم شيء تعتلون به، اشتروا على ثلث رطل يسعره عليكم من الضأن، وعلى نصف رطل يسعره عليكم من الإبل؛ لأن ذلك إنما يجوز له أن يفعله إذا علم أنهم يتساهلون في الشراء، ويزيدون على القيمة، ويقولون له: لا حجة لك علينا؛ إذ لا نربح أكثر مما سميت لنا، فهذا تأويل الرواية، والله أعلم. [مسألة: خمر تعمل من القز ثم يبل لها الخبز فيرش عليها لتشتد وتصفق] مسألة وسئل عن خمر تعمل من القز، ثم يبل لها الخبز، فيرش عليها لتشتد وتصفق. قال: لا خير في هذا، هذا غش ولا يعجبني. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إن ذلك من الغش؛ لأن المشتري يظن أن شدتها إنما هو من ذاتها وصفاقة نسجها، فإن علم المشتري أنها مرشوشة بماء الخبز، وأن ذلك يشدها ويصفقها لم يكن له كلام، وإن لم يعلم أنها مرشوشة بذلك كان بالخيار بين أن يمسك أو يرد، فإن فاتت ردت إلى القيمة إن كانت القيمة أقل من الثمن، وكذلك إن علم أنها مرشوشة بذلك، ولم يعلم أن ذلك يشدها ويصفقها. وسيأتي في رسم البيوع الأول، من سماع أشهب نحو هذا، وهذا على ما قاله ابن حبيب من أن ما يصنعه حاكة الديباج من تصميغها غش؛ لأنه وإن كان التصميغ لا يخفى على المشتري، فقد يخفى عليه قدر ما أحدث فيه من الشدة

مسألة: الرجل يبيع نصف الوصيفة أو نصف الدابة ويشترط عليه نفقتها سنة

والتصفيق، وقد قال في الفراء يترب وجوه الفراء ليحسنها، ويغيب ما فيها من العيوب أن المشتري إن علم بتتريبها، فليس له ردها إلا أن يجد بها عيبا. وقاله ابن القاسم في رسم الجواب، من سماع عيسى، من كتاب العيوب؛ لأنه رأى تأثير التتريب غير خاف على من علم التتريب، بخلاف التصميغ، والله أعلم، ومما يشبه هذا ما قاله ابن حبيب أن من الغش ما يفعل النعال من تغليظهم حواشيها قبل أن تحذا ليواروا بذلك رقتها، ويزيدوا في تحسينها. قال: وعلى الإمام العادل تأديب من فعله، وللمشتري أن يرد ما اشترى منها قبل حذوها وبعد حذوها، والله الموفق. [مسألة: الرجل يبيع نصف الوصيفة أو نصف الدابة ويشترط عليه نفقتها سنة] مسألة وسئل عن الرجل يبيع نصف الوصيفة أو نصف الدابة من الرجل، ويشترط عليه نفقتها سنة، وأن له عليه إن ماتت الدابة أخذ ذلك منه، أو باعهما أو ماتتا، فذلك له عليه ثابت، وإن بقيت إلى ذلك، فهو حقه استوفاه منه، قال: لا بأس بذلك. أنكرها سحنون. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة متكررة في هذا الرسم من هذا السماع، من كتاب جامع البيوع، ومضى القول عليها هناك مستوفى، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [: تلقي الركبان] ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك عن النفر من التجار يخرجون إلى الريف، فيشترون أغناما فيأتون بها قريبا من الفسطاط على قدر الميل ونحوه، فيجعلونها في مراعٍ ترعى فيه، ويشتد عليهم دخولها

مسألة: العبد يشكو العزبة فيسأل سيده أن يبيعه لذلك

الفسطاط، ويكون ذلك أرفق بهم، فيدخل الرجل المدينة، فيدعو رجلا منهم يأمنه فيبيعه إياها، ثم يدخل المشتري لها قليلا قليلًا فيبيعها هو، قال: إني أخاف أن يكون من التلقي، وعندنا رجال يفعلونه ببلدنا؛ قلت له: أفتكرهه؟ قال: نعم، أكره أن يعمل به، وأراه من تلقي السلع. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن ذلك من تلقي السلع؛ لأن المعنى في النهي عن تلقي السلع عند مالك، إنما أريد به نفع أهل الحاضرة، كما أريد بالنهي عن أن يبيع حاضر لباد نفع أهل الحاضرة بأن يكون البادي والجالب هو المتولي البيع في السوق على ما هو عليه من الجهل بالسوق، فيشتري أهل الحاضرة منه في السوق بما يرضى به من قليل الثمن وكثيره، فإذا باع الغنم الجالب لها من رجل من أهل الحاضرة قبل أن يصل إلى السوق، فكان هو الذي يقوم بها ويبيعها على معرفة، فقد قطع عن أهل الحاضرة الحق الذي جعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهم في ذلك، والله الموفق. [مسألة: العبد يشكو العزبة فيسأل سيده أن يبيعه لذلك] مسألة وسئل عن العبد يشكو العزبة، فيسأل سيده أن يبيعه لذلك، ويقول: قد وجدت موضعا، قال: ليس ذلك على سيده، ولو جاز ذلك لقال ذلك الخدم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أنه ليس على الرجل واجبا أن يبيع عبده ممن يزوجه إذا سأله ذلك وشكا العزبة، وإنما يرغب في ذلك، ويندب إليه، وليس امتناعه منه من الضرر الذي يجب به بيعه عليه، كما ليس عليه أن يزوجه واجبا إذا سأله ذلك؛ لأن قول الله تعالى:

مسألة: الرجل يكتب ذكر الحق في المسجد

{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] ليس على الوجوب، إنما هو أمر بالإنكاح على سبيل الحض والترغيب، وإنما يباع عليه إذا تبين ضرره به في تجويعه وتعريته وتكليفه من العمل ما لا يطيق، وضربه في غير حق، إذا تكرر ذلك منه، أو كان شديدا منهكا. وسيأتي هذا المعنى في رسم حلف ليرفعن أمرا، ورسم صلى نهارا، وفي سماع أصبغ، عن أشهب، وهذا ما لا أعلم فيه اختلافا، والله أعلم. [مسألة: الرجل يكتب ذكر الحق في المسجد] مسألة وسئل مالك عن الرجل يكتب ذكر الحق في المسجد، قال: أما ما كان خفيفا، فلا بأس به، وأما الشيء يطول فلا أحبه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن المساجد إنما وضعت لذكر الله والصلاة، قال الله عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور: 36] {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] فواجب أن ترفع وتنزه عن أن تتخذ لغير ما وضعت له، وقد اتخذ عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رحبة بناحية المسجد، فقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا، أو يرفع صوته، فليخرج إلى هذه الرحبة، وكان عطاء إذا مر به بعض من يبيع في المسجد دعاه فسأله ما معه، وما يريد، فإذا أخبره أنه يريد أن يبيعه، قال: عليك بسوق الدنيا، فإنما هذا سوق الآخرة، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يشتري الزعفران فيجده مغشوشا هل يرده] مسألة وسئل مالك عن الرجل يشتري الزعفران فيجده مغشوشا؛

أترى أن يرده؟ قال: نعم، أرى أن يرده، وليس عن هذا سألني صاحب السوق، إنما سألني أنه أراد أن يحرق المغشوش بالنار لما فيه من الغش، فنهيته عن ذلك. وسئل مالك عما يغش من اللبن، أترى أن يراق؟ قال: لا، ولكن أرى أن يتصدق به على المساكين من غير ثمن إذا كان هو الذي غشه. قيل له: فالزعفران أو المسك أتراه مثله؟ قال: ما أشبهه بذلك إذا كان هو الذي غشه، فأراه مثل اللبن. وسئل ابن القاسم عن هذا، فقال: أما الشيء الخفيف من ذلك فلا أرى به بأسا، وأما إذا كثر ثمنه فلا أرى ذلك، وأرى على صاحبه العقوبة؛ لأنه يذهب في ذلك أموال عظام. قال محمد بن رشد: لم ير مالك أن يحرق الزعفران المغشوش، ولا أن يراق اللبن المغشوش بالماء على الذي غشه، قال في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب: وأرى أن يضرب من أنهب أو انتهب، وأرى أن يتصدق بذلك على المساكين أدبا له، وسواء على مذهبه كان ذلك يسيرا أو كثيرا؛ لأنه ساوى في ذلك بين الزعفران واللبن والمسك، والمسك قليله كثير، وخالفه ابن القاسم، فلم ير أن يتصدق من ذلك إلا بما كان يسيرا، وذلك إذا كان هو الذي غشه، وأما من وجد عنده من ذلك شيء مغشوش لم يغشه هو، وإنما اشتراه أو وهب له أو ورثه، فلا اختلاف في أنه لا يتصدق بشيء من ذلك، والواجب أن يباع ممن يؤمن أن يبيعه من غيره مدلسا بذلك، وكذلك ما وجب أن يتصدق به من المسك والزعفران على الذي غشه، يباع ممن يؤمن أن يغش به ويتصدق بالثمن أدبا للغاش الذي غشه. وقول ابن القاسم في أنه لا يتصدق من ذلك على الغاش إلا بالشيء اليسير أحسن من قول مالك؛ لأن الصدقة بذلك من العقوبات في الأموال،

مسألة: أصحاب القلانس يجعلون مع القطن صوفا يخلطونه به

والعقوبات في الأموال أمر كان في أول الإسلام، من ذلك ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في مانع الزكاة: «إنما آخذها منه وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا» ، وما روي عنه فيه: «حريسة الجبل أن فيها غرامة مثليها وجلدات نكال» ، وما روي عنه من «أن من أخذ بصيد في حرم المدينة شيئا، فلمن أخذه سلبه» ، ومن مثل هذا كثير، ثم نسخ ذلك كله بالإجماع على أن ذلك لا يجب، وعادت العقوبات في الأبدان، فكان قول ابن القاسم أولى بالصواب استحسانا، والقياس أن لا يتصدق من ذلك بقليل ولا كثير، وبالله التوفيق. [مسألة: أصحاب القلانس يجعلون مع القطن صوفا يخلطونه به] مسألة وسئل عن أصحاب القلانس، يجعلون مع القطن صوفا يخلطونه به، أو يجعلونه من تحته، قال: لا خير في هذا، وأراه من الغش، فقيل له: فالقطن الخلق مع الجديد، قال: لا خير فيه. قيل له: فإن أهل الحار يقدمون علينا بالقمح مغلوثا، يريد الكثير التبن، فيؤمرون بغربلته قبل أن يبيعوه، قال: هو من الحق، قال: وأرى أن يؤخذ الناس به. قال محمد بن رشد: أما خلط الصوف مع القطن، أو القطن الخلق مع الجديد، أو جعله من تحته في القلانس أو غيرها، فلا إشكال في أن ذلك من الغش الذي لا يحل ولا يجوز، ولو اشترى رجل قلنسوة فوجد

مسألة: البساتين تكون حوالي الفسطاط يشتريها التجار ويبيعونها في الفسطاط

حشوها صوفا؛ لكان له أن يردها، وكذلك لو وجد حشوها قطنا باليا إلا أن تكون من القلانس التي العرف فيها أنها لا تحشى إلا بالقطن البالي، فلا يكون له أن يردها على قياس ما قال في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب العيوب، في الذي يشتري القلنسوة السوداء فيجدها من ثوب ملبوس، وقد مضى القول على ذلك هناك، وأما غربلة القمح من التبن والغلث عند البيع، فذلك واجب إن كان التبن والغلث فيه كثير، يقع في أكثر من الثلث؛ لأن بيعه على ما هو عليه من الغرر، ويستحب إن كان التبن والغلث فيه يسيرا، وبالله التوفيق. [مسألة: البساتين تكون حوالي الفسطاط يشتريها التجار ويبيعونها في الفسطاط] مسألة وسئل مالك عن أجنة النخيل والأعناب التي تكون حوالي الفسطاط، فيخرج التجار إليها فيشترونها، ويحملونها في السفن فيبيعونها في الفسطاط، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا خلاف قوله في رواية أشهب عنه في أول سماعه بعد هذا، مثل قول أشهب فيه من رأيه، ولكلا القولين وجه: فوجه قول مالك هذا اتباع ظواهر الآثار في أنها إنما وردت في تلقي الجلب قبل وصوله، ووجه قول أشهب مراعاة معنى الآثار في أن المعنى فيها نفع أهل الحاضرة، بأن يتولى الجالب إليها بيع ما يجلب، فيبيع بما يرضى به من قليل الثمن وكثيره، علم سعر الحاضرة أو جهله، وبالله التوفيق.

مسألة: الطحانون يشترون الطعام فيغلون بذلك أسعار الناس هل يمنعون

[مسألة: الطحانون يشترون الطعام فيغلون بذلك أسعار الناس هل يمنعون] مسألة وسئل مالك عن الطحانين يشترون الطعام فيغلون بذلك أسعار الناس، قال: أرى أن كل ما أضر بالناس في أسعارهم أن يمنعه الناس، فإن أضر ذلك بالناس منعوا منه. قال محمد بن رشد: في شراء الطحانين الطعام جملة من الجلاب، وبيعه على أيديهم دقيقا، رفقا بعامة الناس؛ لمشقة الطحين عليهم إذا اشتروا القمح، فإن كان ذلك يغلي عليهم الأسعار، فالواجب أن ينظر السلطان في ذلك، فإن كان لا يفي المرفق الذي للعامة في ذلك بما يغليه من أسعارهم منع من ذلك، وإن كان يفي به أو يزيد عليه فيما يراه باجتهاده لم يمنع من ذلك، وأما شراء أهل الحوانيت الدقيق من الجلاب وبيعه على أيديهم من الناس، وشراء الطعام وبيعه على أيديهم غير مطحون، فلا وجه من الرفق في ذلك لعامة الناس، فينبغي أن يمنع من ذلك إذا كان فيه تغلية للأسعار، ويباح إذا لم يضر ذلك بالأسعار على مذهب من يجيز فيه الاحتكار، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وعليه يأتي إباحة ذلك في رسم يسلف بعد هذا، وقد قال ابن حبيب: إنه يمنع من ذلك في كل ما لا يجوز احتكاره من الطعام، وقد مضى تحصيل الاختلاف فيما يجوز احتكاره من الطعام مما لا يجوز في رسم البيوع الأول، من سماع أشهب، من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق. [: لبس الحزام للأنباط] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك عن الحزم للأنباط؛ أترى أن يلزموا ذلك؟ قال: إني أحب لهم الذلة والصغار، فقال: قد كانوا يلزمون ذلك فيما مضى. قيل له: أفيكنون؟ قال: إني لأكره أن نرفع بهم، وقد كان قبل ذلك يرخص فيه. قال ابن القاسم: وأنا أرجو أن

يكون خفيفا. وحدثني مالك، عن هشام بن حكيم بن حزام مثل ما حدثني به أول، قال كان عمر بن الخطاب إذا سئل الأمر الذي لا ينبغي يقول: أما ما بقيت أنا وهشام فلا يكون ذلك، وقال هشام لبعض أمراء الشام وقد رأى نبطيا قد أقيموا في الشمس لخراجهم، فقال لهم: أشهد لسمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله ليعذب في الآخرة الذين يعذبون الناس في الدنيا» ، وكان هشام قد تبتل وترك نكاح النساء، وكان في حاله شبيها بالسياحة، لا أهل له ولا مال. قال محمد بن رشد: ما رأى مالك من أن يلزم الأنباط الحزم صحيح لوجهين؛ أحدهما: ما ذكره من استحباب الذلة والصغار لهم؛ لقوله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . والثاني: أن يعرفوا بذلك من المسلمين حتى لا يبدءوا بالسلام؛ لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن ذلك، على ما جاء من أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنا راكبون غدا إن شاء الله إلى يهود، فلا تبدءوهم بالسلام، وإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم» ، وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها» ، وقال إبراهيم النخعي: لا بأس إذا كانت لك حاجة إلى النصراني الكحال، فأتيته أن تبدأه بالسلام، قال عبد

الملك: هي رخصة عند الاضطرار، وكذلك ينبغي في سائر أهل الذمة من اليهود والنصارى أن يلزم النصارى منهم الحزم، واليهود علامة يعرفون بها، إذلالا لهم وصغارا، وحذرا للمسلمين من أن يظنوهم من المسلمين فيبدءوهم بالسلام. روي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أمراء الأجناد يأمرهم أن يختموا في رقاب أهل الجزية بالرصاص، ويظهروا مناطقهم، ويجزوا نواصيهم، ويركبوا على الآكاف عرضا، ولا يدعونهم يشبهون المسلمين في لباسهم، وكراهيته لتكنيتهم صحيح أيضا؛ لأن تكنيتهم إكرام لهم، وترفيع بهم، وذلك خلاف ما يستحب من إذلالهم وإصغارهم لمحادتهم الله ورسوله، قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22] . وترخيصه قبل ذلك في ذلك قريب من كراهيته لذلك؛ لأن الترخيص إنما يكون في المكروه لا في المباح، وكذلك قول ابن القاسم: وأنا أرجو أن يكون خفيفا هذا نحو قول مالك من أجل أن المكروه لا إثم في فعله، ويؤجر تاركه على تركه، ولا حجة لأحد في إباحة ذلك دون كراهة؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصفوان بن أمية: «انزل أبا وهب» ؛ لأنه إنما قال له ذلك استئلافا له رجاء إسلامه، وكذلك قوله للذي كان يقبل عليه بحديثه من عظماء المشركين؛ إذ دخل عبد الله بن أم مكتوم: «يا أبا فلان، هل ترى بما أقول بأسا؟» لأنه إنما أقبل عليه بحديثه وكناه رجاء إسلامه وإسلام من وراءه بإسلامه، وإنما تكون تكنية الكافر مباحة إذا لم يقصد بذلك ترفيعه، وكانت الكنية كالاسم الذي يعرف به، وقد قال الله في كتابه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] ، فذكره بكنيته، ولم يكن ذلك ثناء من الله عليه بذلك، ولا ترفيعا له، بل مقته بذلك، وأوعده بما أوعده به، وبالله التوفيق.

مسألة: الأدب للناس في حلفهم بالطلاق

[مسألة: الأدب للناس في حلفهم بالطلاق] مسألة وسئل عن الأدب للناس في حلفهم بالطلاق، فقال: لقد سألني زياد عن الذي سألتني عنه، فقلت له: إنه الناس عن ذلك، فقال لي: إنهم لن ينتهوا إلا أن أضربهم، فقلت له: فافعل، اضربهم. قال محمد بن رشد: الأدب في ذلك واجب لوجهين؛ أحدهما: ما ثبت من قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» ، وما روي عنه أنه قال: «لا تحلفوا بالطلاق والعتاق، فإنهما من أيمان الفساق» ، ذكر ذلك ابن حبيب في الواضحة. والثاني: أنه من اعتاد الحلف به لم يكد يخلص من الحنث به، فتكون زوجته تحته مطلقة من حيث لا يشعر، وقد قال مطرف وابن الماجشون: إن من لزم ذلك واعتاده فهو جرحة فيه، وإن لم يعرف حنثه، وقيل لمالك: إن هشام بن عبد الملك كتب أن يضرب في ذلك عشرة أسواط، فقال: أحسن إذ أمر فيه بالضرب، وروي أن عمر كتب أن يضرب في ذلك أربعين سوطا، وبالله التوفيق. [مسألة: إتلاف الخمر لأهل الذمة] مسألة قال سحنون: وحدثنا ابن القاسم قال: حدثنا مالك أن أبا أيوب الأنصاري نزل منزلا من قرى الشام وكان فيها مواليه، وكان ينهى عن الخمر فمرت به قطار تحمل الخمر، فقام إليها برمحه فبعج تلك الزقاق التي فيها الخمر فذهب ما فيها، فقال صاحب

مسألة: البيع على الوصف

تلك الأرض: يا أبا أيوب، إن هذا يكسر خراجها، فقال أبو أيوب: لن أسكنها وخرج عنها. قال محمد بن رشد: كان القطار التي مرت بأبي أيوب لأهل ذمة تلك القرية، والله أعلم، وإنما بعجها لإظهارهم الخمر في قرية يسكنها المسلمون معهم، وهذا هو الواجب ألا يباح لأهل الذمة إظهار الخمر والخنازير في موضع يسكنها المسلمون معهم، إلا أن يكونوا هم الغالبين عليهم، وإنما معهم من المسلمين الواحد والاثنان والقليل. وذلك فيما بعد من الحاضرة على ما يأتي بعد هذا، في رسم البيوع الثاني، من سماع أصبغ، وكذلك لا يباح لهم أن يحملوها من قرية من قراهم إلى قرية من قراهم، إلا بعد أن لا يسلكوا بها على شيء من حواضر الإسلام وقراهم. وما ظهر إلى الإمام من خمرهم، فعليه أن يهرقها ويضرب حاملها، كان منهم أو من غيرهم، وإن خرج منهم رجل سكران في جماعة المسلمين كان عليه أن يضربه على ذلك، وكذلك يمنعون من إظهار صليبهم في أعيادهم واستسقائهم في جماعة المسلمين، فإن فعلوا كسرها وضربهم، قاله ابن حبيب وغيره. وقول صاحب الأرض لأبي أيوب: إن هذا يكسر خراجها، يقول: إذا فعل هذا بأهل القرية ضعفوا عن أداء ما لزمهم من الخراج، فأحفظه قوله غضبا لله، وحلف ألا يسكنها تنزها عن سكنى موضع تظهر فيه الخمر وتورعا عن ذلك رحمة الله عليه ورضوانه. [مسألة: البيع على الوصف] مسألة وسئل عن الرجل يبيع البز والطعام والغنم، وغير ذلك من

: حكم نفخ اللحم كما يصنع الجزارون

السلع، فإذا كان ذلك على مسيرة اليوم واليومين جاءه خبر ذلك وصفته، فيخبر الناس بذلك فيقول له رجل بعينه: أفترى ذلك جائزا؟ قال: لا أراه جائزا، وأراه من التلقي، قيل له: فالبز من هذا. قال: نعم، البز مثل الطعام، ولا ينبغي أن يعمل في أمر واحد بأمرين مختلفين، وأكره ذلك، وأراه من تلقي السلع، ولا أرى أن يباع حتى يقدم به. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة كالمعنى في أول مسألة من رسم شك في طوافه، وقد مضى القول عليها هناك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: حكم نفخ اللحم كما يصنع الجزارون] ومن كتاب أوله حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان وسئل مالك عن نفخ اللحم كما يصنع الجزارون، فقال: إني لأكرهه، وأرى أن يمنعوا، وهو يغير طعمه، وقال أشهب في كتاب العتق: سمعت مالكا يقول: أرى أن يؤدب الجزارون الذين ينفخون اللحم، وأرى أن يمنعوا من ذلك. قال محمد بن رشد: يعني بهذا النفخ، النفخ بعد السلخ الذي إنما يفعلونه ليظهر اللحم به سمينا، فيكره لوجهين؛ أحدهما: ما ذكره من أنه يغير طعم اللحم. والثاني: أنه من الغش المنهي عنه في البيوع؛ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من غشنا فليس منا» ، أي ليس على هدينا وطريقتنا، ولو اشترى

مسألة: الدراهم النقص يبتاع الناس بها في أسواقهم هل تغير

المشتري اللحم المنفوخ، ولم يعلم أنه منفوخ؛ لكان له أن يرده من ناحية الغش، ومن ناحية تغيير رائحته أيضا، ورده من جهة الغش أبين. وأما نفخ الذبيحة قبل السلخ، فلا كراهة فيه؛ لأنه يحتاج إليه، وفيه صلاح ومنفعة، وبالله التوفيق. [مسألة: الدراهم النقص يبتاع الناس بها في أسواقهم هل تغير] مسألة وسئل مالك عن الدراهم النقص يبتاع الناس بها في أسواقهم، أترى أن تغير؟ فقال: بل أرى أن تترك، وأرى في ذلك رفقا للناس، حتى إن الرجل ليأتي بالدرهم الوازن، فما يعطى به إلا شبه ما يعطى بالناقص، والمرأة تأتي بغزلها وما أشبهه، فأرى أن يتركوا ولا يمنعوا، وهو مرفق بالناس. قال محمد بن رشد: رأى تغيير الدراهم الناقصة ومنع الناس من التجارة بها تضييقا على الناس؛ لأنهم يتسامحون فيها، فإن قطعت بارت على الناس، فلم ينتفعوا بها، ولا سومحوا فيها، والمسامحة في البيع والشراء محمودة، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رحم الله عبدا سمحا إن باع، سمحا إن ابتاع، سمحا إن قضى سمحا، إن اقتضى. . .» ، وقوله: والمرأة تأتي بغزلها يريد أن المرأة قد تأتي بغزلها تبيعه، وتأخذ الدينار الناقص لجوازه بجواز الوازن، أو قرب ما بينهما، فإن غيرت النواقص وقطع التجر بها بار عليها دينارها الناقص الذي أخذته في مغزلها، فأضر ذلك بها، فليس للإمام أن يمنع الناس من أن يتجروا بالناقص، ويأخذوه باختيارهم، ولا له

مسألة: عجوز أكلت لحم جاريتها

أيضا أن يلزمهم أن يتجروا به، ويأخذوه بغير اختيارهم، وذلك بين في رسم يسلف بعد هذا من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: عجوز أكلت لحم جاريتها] مسألة وقال مالك في عجوز أكلت لحم جاريتها قيل له: يا أبا عبد الله نيبته؟ قال: لا، ولكن مضغته وأثرت بجلدها - وأشار بيده - أثرا شديدا، فأمرت صاحب السوق أن يبيعها، ولم ير في ذلك عتقا. قال محمد بن رشد: ولو نيبتها لم تعتق، قال ذلك أشهب وسحنون، ومثله في كتاب ابن المواز أن المثلة إنما تكون فيما لا ينجبر، وأما العضة والتنيب، فليس بمثلة تعتق بها، ولكن يؤدب السيد، وكذلك الحرق بالنار لا يكون مثلة إلا أن يتفاحش منظره، قاله في المدونة، وكذلك حلق رأس الجارية، ولحية الغلام ليس بمثلة، إلا في العبد النبيل التاجر، والأمة الرائعة. قاله ابن الماجشون، عن مالك في الواضحة، وإن كتب في جبهة عبده بنار أو مداد وإبرة عبد فلان عتق عليه، وقال أشهب: لا يعتق عليه، ولا اختلاف في أنه يعتق عليه إذا قطع جارحة من جوارحه أنملة فما فوقها، إلا الضرس الواحدة والسن الواحدة، فإن أصبغ لم ير ذلك مثلة، وقال: لا يعتق عليه إلا في جل الأسنان وجل الأضراس، وأما بيعها عليه فهو صحيح؛ لأن ما فعلته بها ضرر بين بها، فالواجب أن تخرج عن ملك من أضربها، كما تطلق المرأة على زوجها إذا أضر بها ولم يؤمن على غيبها، وبالله التوفيق.

: ليس للرجل أن يجعل على الرحبة نجافا وبابا ليختص بمنفعتها

[: ليس للرجل أن يجعل على الرحبة نجافا وبابا ليختص بمنفعتها] ومن كتاب أوله حديث طلق وسئل مالك عن رجل له داران، وهما في رحبة وأهل الطريق ربما ارتفقوا بذلك الفناء إذا ضاق الطريق على الأحمال وما أشبهها، فدخلوا فيه، فأراد أن يجعل عليه نجافا وبابا حتى تكون الرحبة له فناء، ولم يكن على الرحبة باب، ولا نجاف، قال: ليس ذلك له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه ليس له أن يجعل على الرحبة نجافا وبابا ليختص بمنفعتها، ويقطع ما للناس من الحق في الارتفاق بها؛ لأن الأفنية لا تتحجر، إنما لأربابها الانتفاع بها، وكراؤها فيما لا يضيقها على المارة فيه من الناس، ولا يضر بهم فيه على ما يأتي في رسم تأخير صلاة العشاء بعد هذا، وقد اختلف أن يحجر من الفناء الواسع الشيء اليسير الذي لا يضر تحجيره بمن يمر في الطريق، هل يقر ذلك له أو يهدم عليه على ما يأتي في سماع زونان، وسماع أصبغ بعد هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: بيع العهدة أترى أن يحمل عليها أهل الأمصار] مسألة وسألته عن بيع العهدة أترى أن يحمل عليها أهل الأمصار؟ فقال: وددت ذلك، ولكنهم لا يعبئون بها، ولقد كان ربيعة يقول: لوددت أن أمير المؤمنين جمع العلماء فاستشارهم في أمر الأحكام حتى يكتب لهم كتابا يجعله في الناس، يحملهم عليه كلهم حتى يكون ذلك أمرا واحدا، وقال مالك في بيع الجواري

مسألة: المرأة تسأل زوجها أن تسلم على أخيها أو أبيها فيمنعها من ذلك

اللائي يراد بهن الوطء، ينبغي للإمام أن يتقدم إلى الناس في ذلك حتى يحملوا على المواضعة، وذكر ذلك عندما كلمته في بيع أهل منى، وأهل مصر عند الخروج إلى الحج في الغرباء الذين يقدمون فداء أن يحملوا على ذلك على ما أحبوا أو كرهوا. وروى أشهب عن مالك في كتاب الأقضية الثاني، قال: سألت مالكا عن عهدة السنة والثلاث، أترى أن يحمل أهل الآفاق على ذلك؟ فقال: ما أرى ذلك، وأرى أن يتركوا على حالهم، وليس في مثل هذا شيء، وهذا مثل بيع البراءة عندنا، وهم هاهنا بمكة أقرب إلينا لا يعملون به، وأرى أن يقروا، وذلك مثل بيع البراءة عندنا، قلت له: أرأيت الجواري؟ قال: لا أرى أن يبعن كذلك، وأرى فيهن المواضعة في الحيضة بمنى وغيرها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم الأقضية الثاني، من سماع أشهب، من كتاب العيوب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تسأل زوجها أن تسلم على أخيها أو أبيها فيمنعها من ذلك] مسألة وسئل مالك عن المرأة تسأل زوجها أن تسلم على أخيها أو أبيها، فيمنعها من ذلك، أترى ذلك له؟ قال: لا، ليس له أن يمنعها من ذلك، ما لم تكن تكثر، وللأمور التي يريد أن يمنعها

لها وجوه، وليس كل النساء سواء، فأما المرأة المتجالة، فلا أرى ذلك له، ورب امرأة لا تؤمن في نفسها، فأرى ذلك له، فقيل له: أفتأذن له في ذلك وإن كره؟ قال: نعم، وإن هذا الأمر عندنا كثير يختصمون فيه، ولقد استشرت فيه، فرأيت أن يؤذن لهن إلا أن يكثرن من ذلك، أو يأتي من ذلك أمر لا يؤمن فيه، ولقد جاءني رجل فقال لي عن امرأة كان لها مال، وكانت تعطف به على زوجها، ثم إنها قطعت ذلك عنه، وأراد سفرا، وكانت في دار ليس معها فيها أحد إلا ذو محرم منها، فقال لها عند خروجه، وحرم عليها ألا تخرج من عتبة بيته، فأمرتها أن تخرج إليهم، ورأيت ذلك ضررا من فعله. قال محمد بن رشد: قوله: إنه ليس له أن يمنع زوجته من الخروج إلى أبيها وأخيها، وأنه يقضى عليه بذلك، هو مثل ما في رسم الطلاق الثاني، من سماع أشهب، من كتاب الأيمان بالطلاق، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أنه لا يقضى عليه حتى يمنعها من الخروج إليهم، ويمنعهم من الدخول إليها، فحينئذ يقضى عليه بأحد الوجهين، كما أنه لا يحنث إذا حلف حتى يحلف على الطرفين، فيحنث في أحدهما، وهذا الخلاف عندي إنما هو في الشابة المأمونة، وأما المتجالة فلا اختلاف في أنه يقضى لها بالخروج إلى زيارة أبيها وأخيها، وأما الشابة غير المأمونة في نفسها فلا اختلاف في أنه لا يقضى لها بالخروج إلى ذلك ولا إلى الحج. وروى ذلك ابن عبد الحكم عن مالك، والشابة محمولة على

مسألة: للشرط المتصرفين بين أيدي القضاء في أمور الأحكام رزق من بيت المال

أنها مأمونة حتى يثبت عليها بأنها غير مأمونة، هذا تحصيل القول في هذه المسألة على ما تدل عليه هذه الرواية وغيرها، ويلزم الرجل أن يأذن لامرأته في أن يدخل عليها ذوات رحمها من النساء، ولا يكون ذلك من الرجال إلا في ذي المحرم منهم خاصة، وقد مضى في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب الصلاة، تحصيل القول في خروج النساء إلى الجنائز والمساجد والعيدين، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: للشرط المتصرفين بين أيدي القضاء في أمور الأحكام رزق من بيت المال] مسألة قال مالك: كان زياد بن عبيد الله يبعث شرطا في الأمر يكون بين الناس في المناهل، ويجعل لهم في أموالهم؛ فنهيته عن ذلك، وقلت: إنما هذا على السلطان يرزقهم، قيل له: فإن صاحب السوق جعل لمن ولي عليهم شركا معهم فيما اشتروا، فقال: ما أشرت به ولا أمرته بذلك، ثم قال: إن هذه الأمور يخاف فيها ما يخاف، وفسر فيها تفسيرا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الواجب أن يجعل للشرط المتصرفين بين أيدي القضاء في أمور الأحكام رزقا من بيت المال؛ لأن ذلك من المنافع التي تعم المسلمين، فإن لم يفعل كان جعل الغلام المتصرف بين الخصمين على الطالب في إحضار خصمه المطلوب، إلا أن يلد المطلوب ويختفي ويغيب تعنيتا بالطالب، فيكون الجعل في إحضاره عليه، وأما جعل صاحب السوق لمن ولى على أهل السوق شركا معهم فيما اشتروا فالمكروه فيه بين، وذلك أنه إذا كان له معهم شرك فيما اشتروا سامحهم في الفساد لما له فيه من النصيب، وبالله التوفيق.

: الاشتراء من أهل الذمة وهم يلزمون بالخراج

[: الاشتراء من أهل الذمة وهم يلزمون بالخراج] ومن كتاب أوله سن رسول الله وسئل مالك عن الاشتراء من أهل الذمة، وهم يلزمون بالخراج، فقال: إني لأكره الاشتراء منهم على هذه الحال، وعلى وجه الضغطة، فأما إذا لم يكن على هذه الحال، فلا أرى به بأسا، وقال ابن القاسم: قال مالك في الذي يضغط في الخراج، فيبيع بعض متاعه على وجه الضغطة. قال ابن القاسم: أرى أن يرد عليه ما باع بغير ثمن يؤخذ منه إذا كان بيعه إياه على عذاب أو ما أشبهه من الشدة؛ لأن أخذه الذهب على تلك الحال ليس بأخذ، ولا أرى لمشتري ذلك أن يستحله، ولا يحبسه. قال محمد بن رشد: إنما يرد عليهم ما اشترى منهم على وجه الضغطة إذا كان الذي يطلبون به ويضغطون فيه ظلما وتعديا، أو كانوا فقراء لا يلزمهم ما وجب عليهم حتى يوسروا، فيبيع عليهم ما لا يلزم بيعه، كثوب يستتر به وشبهه، فهذا يلزم مشتريه رده؛ لأنه بيع عليه ظلما، فأما أن يباع عليه شيء في حق واجب عليه من جزيته أو من غير جزيته تحت الضغط والإكراه، فلا يرد عليه، وهو سائغ لمن اشتراه منه، وقد كان ينبغي أن يترفق بهم في تقاضي ذلك منهم، وألا يعذبوا، وسبيل المضغوط من المسلمين على بيع متاعه في غير حق سبيل الذمي في رد ماله عليه بغير ثمن، بل هو في المسلم أشد؛ لأن حرمته أعظم، قال ذلك ابن حبيب، وحكاه عن مالك من رواية ابن القاسم عنه، وعن مطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ. وسواء علم المشتري في ذلك أنه مضغوط أو لم يعلم، قال ذلك ابن القاسم، عن مالك في المبسوطة، وسواء وصل الثمن من المبتاع إلى المضغوط، فدفعه المضغوط إلى الظالم، أو جهل هل دفعه إليه أو أدخله في منافعه، أو كان الظالم هو الذي تولى قبضه من المبتاع، للمضغوط في

مسألة: لا تترك المرأة الشابة تجلس إلى الصناع

ذلك كله أن يأخذ ماله من المشتري، أو ممن اشتراه من المشتري بغير ثمن، ويرجع المشتري من المشتري من المضغوط على المشتري من المضغوط، والمشتري من المضغوط على الظالم الضاغط، إلا أن يعلم أن البائع أدخل الثمن في منافعه، ولم يدفعه إلى الظالم، فلا يكون له إلى ذلك سبيل حتى يدفع الثمن إلى المشتري. قال ذلك كله ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن مطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ، وذهب سحنون إلى أنه إذا كان المضغوط هو البائع القابض للثمن، فلا سبيل له إلى ما باع إلا بعد غرم الثمن، وحكاه عن مالك، وقال ابن كنانة: بيعه لازم له، غير مفسوخ عنه، وهو أحرى لوجوبه عليه ولزومه إياه؛ لأنه أنقذه مما كان فيه من العذاب والسجن، والذي مضى عليه عمل القضاة أنه من تصرف للسلطان في أخذ المال وإعطائه، أنه إذا أضغط فيه فبيعه جائز، ولا رجوع له فيه، وإن كان ممن لم يتصرف في أخذ المال وإعطائه، فلا يشتري منه إذا أضغطه، فإن اشترى منه، فله القيام، وهو صحيح؛ لأنه إذا ضغط فيما خرج عليه من المال الذي تصرف فيه، أو تبين أنه حصل عنده، فلم يضغط إلا فيما صار عنده من أموال المسلمين، وذلك حق، وبالله التوفيق. [مسألة: لا تترك المرأة الشابة تجلس إلى الصناع] مسألة قال مالك: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم، وأرى ألا تترك المرأة الشابة تجلس إلى الصناع، فأما المرأة المتجالة، والخادم الدون التي لا تتهم على القعود، ولا يتهم من تقعد عنده، فإني لا أرى بذلك بأسا.

: يكره أن ينقش البسر بالمدية حتى يصير رطبا

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال من أنه يجب على السلطان تفقد مثل هذا والنظر فيه؛ لأنه مسئول عنه، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والعبد راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته؛ ألا وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» ، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما تركت أضر على الرجال من النساء» ، وقال: «باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء» ، وبالله التوفيق. [: يكره أن ينقش البسر بالمدية حتى يصير رطبا] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا وسئل مالك وكلم صاحب السوق في رطب يبيعونه مغمقا أن يتقدم إليهم إلا يبيعوه، وأن يضرب الذي استعمله عليهم إن غيب لهم في ذلك، وقد قال أيضا في كتاب أوله حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان: وأنا أكره أن ينقش البسر بالمدية حتى يصير رطبا، وإنما كرهه لموضع الفساد للثمرة ورأى ذلك فسادا للثمرة، وقوله ينقش يعجلها عن إبلاغ طيبها من غير رش، وقوله مغمقا يرشونه بالخل، ويغمونه ليسرع طيبه. قال محمد بن رشد: وقع هذا التفسير في بعض الكتب، وهو صحيح؛ لأن النقش هو أن يؤثر في البشرة أثرا كالجرح، فيسرع إليها الترطيب، والتغمم هو أن يرش البسر بالخل، ثم يغم فيسرع إليه الترطيب، وذلك كله فساد وغش للثمرة في الموضع الذي يرطب فيه البسر إذا

: الذين يبيعون على أيديهم يشترون الطعام والقطاني من أهل السوق فيبيعون

ترك، وأما في مثل الأندلس الذي لا يرطب فيه البسر، ويفسد إن ترك فجائز أن يجد بسرا، ويغم بعد الرش بالخل، وأن ينقش؛ لأن ذلك صلاح له، وليس بغش فيه، لاستواء معرفة الناس في ذلك، وهذا نحو ما قال في سماع أشهب، من كتاب جامع البيوع، من أن الموز الذي لا يطيب حتى يقطع جائز أن يباع قبل أن يطيب، وقد مضى القول على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادة ذكر ذلك، وبالله التوفيق. [: الذين يبيعون على أيديهم يشترون الطعام والقطاني من أهل السوق فيبيعون] ومن كتاب أوله يسلف في المتاع والحيوان وسئل مالك عن أهل السوق الذين يبيعون على أيديهم، يشترون الطعام والقطاني من أهل السوق فيبيعون؛ قال مالك؛ لم يزل ذلك من أمر الناس، ولا أرى به بأسا مثل أهل الحوانيت الذين يبيعون بالفلوس، ويشترون من أهل السواحل، أو أهل الجمل. قال محمد بن رشد: إنما أجاز ذلك، ولم ير به بأسا إذا كان ذلك لا يضر بالأسعار على أصل مذهبه في إباحة الاحتكار في الطعام في وقت كثرته، إذا لم يغل ذلك الأسعار على المسلمين، ولا كان فيه ضرر عليهم، وقد مضى هذا المعنى وذكر الاختلاف فيه في آخر رسم شك، فلا معنى لإعادته، والله الموفق. [مسألة: كراهة تعليم الرجل ابنه كتاب العجم] مسألة وقال مالك: أكره للرجل المسلم أن يحضر ابنه في كتاب العجم، فيتعلم الوقف كتاب الأعجمية، وأكره للمعلم المسلم أن يعلم أحدا من النصارى الخط أو غيره.

مسألة: صياح الإمام في الناس بجواز ذهبهم كلها

قال الإمام القاضي أبو الوليد: الكراهية في هذا كله بينة، أما تعليم الرجل ابنه كتاب العجم، فللاشتغال بما لا منفعة فيه، ولا فائدة له، عما له منفعة وفائدة مع ما فيه من إدخال السرور عليهم بإظهار المنفعة بكتابهم والرغبة في تعليمه، وذلك من توليهم، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] ، وأما تعليم المسلم النصراني، فلما فيه من الذريعة إلى قراءتهم القرآن مع ما هم عليه من التكذيب له والكفر به، وقد قال ابن حبيب في الواضحة: إن ذلك ممن فعله مسقط لإمامته وشهادته، وقد مضى ذلك في سماع أشهب، من كتاب الجعل والإجارة، والله الموفق. [مسألة: صياح الإمام في الناس بجواز ذهبهم كلها] مسألة وسئل مالك عن صياح الإمام في الناس بجواز ذهبهم كلها، فقال: ما يعجبني ذلك، وما أرى أن يفعل ذلك بالناس، ولا أحب أن يكره الناس على ذلك، وأرى أن لا يكره الناس إلا بما أحبوا من النقد، فقلت له: يا أبا عبد الله: إن عندنا دنانير دمشقية توضع في عيونها درهم لكل دينار، وذلك أن الصيارفة ردوها ليأخذوا على عيوبها، وهي عندكم جارية، فلا ترى مثل هذا للإمام أن يقصر الناس عليه. قال مالك: لا أرى ذلك يبيع الرجل بأي نقد أحب، ولا يكره أحد على شيء. قال محمد بن رشد: معنى ما سأله عنه من صياح الإمام في الناس بجواز ذهبهم كلها هو أن يجوزوا فيما بينهم جميع الأذهاب إذا لم تكن مغشوشة، ولا يردوا منها شيئا، وإن اختلفت أعيانها، فكره الصيارفة

مسألة: أيام الحصاد يدخل الناس أطعماتهم بالفسطاط ويخزنونها

بعضها، وردوها إذا كان ردهم إياها لغير غش. وقوله في المنع من ذلك صحيح؛ إذ لا يلزم أحدا أن يبيع إلا بما يرضى به من النقد، قال تعالى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، وقد مضى هذا المعنى في رسم حلف، وبالله التوفيق. [مسألة: أيام الحصاد يدخل الناس أطعماتهم بالفسطاط ويخزنونها] مسألة وسألت مالكا عن أيام الحصاد يدخل الناس أطعماتهم بالفسطاط ويخزنونها، ثم يحتاج إليها بعد ذلك أهل الريف والسواحل، أترى أن يتركوا أن يشتروا من الفسطاط؟ فقال: إن كان عندهم ما يغنيهم، فلا أرى ذلك، وإن لم يكن عندهم ما يغنيهم، واحتاجوا إلى الطعام رأيت أن يشتروا. قال محمد بن رشد: قوله في أهل الريف والسواحل: إنه إن كان عندهم ما يغنيهم، فلا أرى أن يتركوا أن يشتروا من الفسطاط؛ ظاهره أنه إن كان عندهم ما يغنيهم، فلا يتركوا أن يشتروا للحكرة من الفسطاط، وإن لم يضر ذلك بأهل الفسطاط، ولا غلى عليهم أسعارهم، ومذهبه في المدونة أنهم لا يمنعون أن يحتكروا من الفسطاط إن لم يضر ذلك بهم، ولا غلى عليهم أسعارهم، فعلى ما في المدونة يحتكر أهل الريف والسواحل من الفسطاط، إن لم يضر ذلك بهم، كما يحتكر أهل الفسطاط من الريف والسواحل، وعلى هذه الرواية لا يحتكر أهل السواحل والريف من الفسطاط، ويحتكر أهل الفسطاط من الريف والسواحل. ووجه ذلك أن الحواضر فيها يوجد الطعام عند الشدائد، فهي غياث للبوادي، وقوله: وإن لم يكن عندهم ما يغنيهم، يريد أهل السواحل والريف واحتاجوا، رأيت أن يشتروا، يريد وإن أضر ذلك بأهل الفسطاط، وأما أهل القرى التي فيها الأسواق فحكمها حكم

مسألة: كنائس الفسطاط المحدثة في خطط الإسلام هل تغير وتهدم

الفسطاط، وقد نص على ذلك في المدونة، فلا يحتكر هؤلاء من هؤلاء، ولا هؤلاء من هؤلاء، إذا أضر ذلك بهم، وغلى عليهم أسعارهم، ومن احتاج منهم، ولم يكن عنده ما يغنيه؛ كان له أن يشتري ما يحتاج إليه لقوت هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء، وإن أضر ذلك بهم، وغلى عليهم أسعارهم؛ لأن المواساة بين جميع المسلمين واجبة عند الحاجة، وبالله التوفيق. [مسألة: كنائس الفسطاط المحدثة في خطط الإسلام هل تغير وتهدم] مسألة وسئل مالك عن الكنائس التي في الفسطاط المحدثة في خطط الإسلام، إن أعطوهم العراض، وأكروها منهم يبنون فيها الكنائس، قال مالك: أرى أن تغير وتهدم، ولا يتركوا ذلك، ولا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه، والأصل في ذلك ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ترفعن فيكم يهودية ولا نصرانية» يعني البيع والكنائس، وإنما يكون لأهل الصلح أن يحدثوا الكنائس في قراهم التي صالحوا عليها، وأن يرموا كنائسهم القديمة، إذا كانوا منقطعين عن دار الإسلام وحريمه، ولم يسكن المسلمون معهم في موضعهم، وإن لم يشترطوه. قال ذلك ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن مطرف، وابن الماجشون، وما إذا كانت قراهم في بلاد الإسلام، فليس ذلك لهم، إلا أن يكون لهم أمر أعطوه، قاله مالك في المدونة، واختلف في أهل العنوة، فقال ابن القاسم: ليس ذلك

: المدني يقدم بتجارة لمصرأيقوم معه المصري في بيعها

لهم، وقال غيره: ذلك لهم، والقولان في الجعل والإجارة من المدونة، وبالله التوفيق. [: المدني يقدم بتجارة لمصرأيقوم معه المصري في بيعها] ومن كتاب أوله تأخير صلاة الإمام في الحرس وسئل مالك عن الرجل من أهل المدينة يقدم بتجارة إلى مصر، أيقوم معه المصري في بيعها؟ قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبيع حاضر لباد» قيل: أفترى مصريا باديا؟ قال: وكذلك المدني يقدم مصر، فيقوم معه في بيع سلعته، فلا أرى أن يقوم مصري مع مدني، ولا مدني مع مصري يبيع له، ولا يشير عليه، قيل له: أويبتاع له؟ قال: إني لأخفف أن يبتاع له، ولا أحب أن يبيع له، قال ابن القاسم: وقد قال لي مالك قبل ذلك: إنما أكره من المدنيين والمصريين غير أهل المدائن، فأما من كان منهم من القرى الذين يشبهون أهل البادية، فأولئك عندي مثل أهل البادية، ولا أرى أن يباع لهم، فأما في أهل المدائن، ويبيع بعضهم لبعض، فأرجو أن يكون ذلك خفيفا، وهو أحب قوله إلي. قال ابن القاسم: ومن كان من أهل البادية أو القرى الذين يشبهون أهل البادية، فلا يباع لهم، ولا يشار عليهم، ولا بأس أن يشترى لهم.

مسألة: كراء الأفنية التي في طريق المسلمين

قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في أول رسم من كتاب حلف ليرفعن رجلا، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: كراء الأفنية التي في طريق المسلمين] مسألة وسئل مالك عن الأفنية التي تكون في الطرق يكريها أهلها، أترى ذلك لهم، وهي طريق للمسلمين؟ فقال: أما كل فناء ضيق إذا وضع فيه شيء أضر ذلك بالمسلمين في طريقهم، فلا أرى أن يمكن أحد من الانتفاع به وأن يمنعوا، وأما كل فناء إن انتفع به أهله لم يضيق على المسلمين في ممرهم شيئا لسعته، لم أر بذلك بأسا. قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» فإذا وضع في طريق المسلمين ما يضيق به عليهم، فقد أضر بهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن لأهل الأفنية أن يكروها ممن يضع فيها ما لا يضيق به الطريق على المارة فيه؛ لأنه إذا كان لهم أن ينتفعوا بها على هذه الصفة، وكانوا أحق بذلك من غيرهم، كان لهم أن يكروها؛ لأن ما كان للرجل أن ينتفع به كان له أن يكريه، وهذا ما لا أعلم فيه اختلافا، وإنما الذي لا يباح لصاحب الفناء أن يقتطعه ويدخله في داره، فإن فعل وكان ذلك يضر بالطريق هدم عليه، وأعيد إلى حاله، واختلف إن كان لا يضر، فقيل: إنه يهدم عليه أيضا، وهو قول أشهب وابن

مسألة: النصراني يستكتب أي يتخذ كاتبا

وهب في سماع زونان، وقيل: إنه لا يهدم عليه، وهو قول أصبغ وروايته عن أشهب في رسم الأقضية والحبس، من سماع أصبغ، وقد مضى ذكر هذا في رسم طلق قبل هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: النصراني يستكتب أي يُتخذ كاتبا] مسألة وسئل عن النصراني يستكتب، فقال: لا أرى ذلك، إن الكاتب يستشار، فيستشار النصراني في أمور المسلمين وغير ذلك، فما يعجبني أن يستكتب. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، ومثله في الأقضية من المدونة، ولا ينبغي أيضا أن يستكتب القاضي من المسلمين إلا العدول المرضيين، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يقضي الرجل ذهبا في المسجد] مسألة وسئل عن الرجل يقضي الرجل ذهبا في المسجد، فقال: لا أرى به بأسا، وأما ما كان على وجه التجارة والصرف، فلا أحبه. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما مضى في رسم شك في طوافه، في كتاب ذكر الحق في المسجد، والمعنى فيه بين، على ما ذكرته هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: النظر في النجوم وعلم الحساب] مسألة وسئل عن الرجل ينظر في النجوم فيقول: الشمس تكسف

غدا، والرجل يقدم غدا، أو ما أشبه هذا. قال: أرى أن يزجر عن ذلك، فإن لم يفعل أدب في ذلك، ثم قال: وإني لأرى هؤلاء المعالجين الذين يعالجون المجانين، ويزعمون أنهم إنما يعالجون بالقرآن، وقد كذبوا ليس كما قالوا، ولو كانوا يعلمون ذلك لعلمته الأنبياء، قد صنع لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سم، فلم يعرفه حتى أخبرته الشاة، وإني لا أرى هذا ينظر في الغيب، وإنها عندي لمن حبائل الشيطان. قال محمد بن رشد: ليس قول الرجل الشمس تكسف غدا، أو القمر ليلة كذا، من جهة النظر في النجوم وعلم الحساب بمنزلة قوله من هذا الوجه فلان يقدم غدا في جميع الوجوه؛ لأن الشمس والقمر مسخران لله تعالى في السماء، يجريان في أفلاكهما من برج إلى برج على ترتيب وقدر وحساب لا يتعديانه، قال الله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] ، وقال: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] ، وقال: {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] ؛ فالقمر سريع الذهاب يقطع جميع برج السماء في شهر واحد، ولا تقطعها الشمس إلا في اثني عشر شهرا، فهو يدرك الشمس في آخر كل شهر، ويصير بإزائها من البرج الذي هي فيه، ثم يخلفها، فإذا بعد عنها استهل، وكلما زاد بعده منها زاد ضوؤه، إلى أن ينتهي

في البعد ليلة أربعة عشر، فتكمل استدارته وضوؤه لمقابلته الشمس، ثم يأخذ في القرب منها، فلا يزال ضوؤه ينقص إلى أن يدرك الشمس فيصير بإزائها على ما أحكمه خالق الليل والنهار، لا إله إلا هو. فإذا قدر الله تعالى على ما أحكمه من أمره وقدره من منازله في مسيره أن يكون بإزاء الشمس في النهار فيما بين الأبصار وبين الشمس ستر جرمه عنا ضوء الشمس كله إن كان مقابله، أو بعضه إن كان منحرفا عنها، فكان ذلك هو الكسوف للشمس، آية من آيات الله تعالى، يخوف الله بها عباده، كما قال عز وجل: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] ، ولذلك أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالدعاء عند ذلك، وسن له صلاة الكسوف، فليس في معرفة وقت الكسوف بما ذكرناه من جهة النجوم وطريق الحساب ادعاء علم غيب، ولا ضلالة وكفر على وجه من الوجوه، ولكنه يكره الاشتغال به؛ لأنه مما لا يعني، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وفي الإنذار به قبل أن يكون ضرر في الدين؛ لأن من سمعه من الجهال يظن أن ذلك من علم الغيب، وأن المنجمين يدركون علم الغيب من ناحية النظر في النجوم، فوجب أن يزجر عن ذلك قائله، ويؤدب عليه كما قال؛ لأن ذلك من حبائل الشيطان. وأما قوله: فلان يقدم غدا، فهو من التخرص في علم الغيب والقضاء بالنجوم، وقد اختلف في المنجم يقضي بتنجيمه، فيقول: إنه يعلم متى يقدم فلان، ووقت نزول المطر، وما في الأرحام، وما يستتر الناس به من الأخبار، وما يحدث من الفتن والأهوال، وما أشبه ذلك من المغيبات، فقيل: إن ذلك كفر يجب به القتل دون استتابة؛ لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا} [الفرقان: 50]

ولقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: قال تعالى: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» . وقيل: إنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. روي ذلك عن أشهب، وقيل: إنه يزجر عن ذلك ويؤدب عنه، وهو قوله في هذه الرواية، والذي أقول به: إن هذا ليس باختلاف قول في موضع واحد، وإنما هو اختلاف في الأحكام بحسب اختلاف الأحوال، فإذا كان المنجم يزعم أن النجوم واختلافها في الطلوع والغروب هي الفاعلة لذلك كله، وكان مستسرا بذلك، فحضرته البينة قتل بلا استتابة، فهو كافر زنديق، وإن كان معلنا بذلك غير مستتر به يظهره ويحاج عليه استتيب، فإن تاب وإلا قتل كالمرتد سواء، وإن كان مؤمنا بالله تعالى مقرا بأن النجوم واختلافها في الطلوع والغروب لا تأثير لها في شيء مما يحدث في العالم، وأن الله تعالى هو الفاعل لذلك كله، إلا أنه جعلها أدلة ما يفعله، فهذا يزجر عن اعتقاده ويؤدب عليه أبدا حتى يكف عنه ويرجع عن اعتقاده ويتوب عنه؛ لأن ذلك بدعة يجرج بها، فتسقط إمامته وشهادته على ما قاله سحنون في نوازله، من كتاب الشهادات، ولا يحل لمسلم أن يصدقه في شيء مما يقول، وأنى يصح أن يجتمع في قلب مسلم تصديقه مع قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65] ، وقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26]

{إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] ، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] ، وروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من صدق كاهنا أو عرافا أو منجما، فقد كفر بما أنزل على قلب محمد» ، ويمكن أن يصادف في بعض الجمل وذلك من حبائل الشيطان، فلا ينبغي أن يغتر أحد بذلك، ويجعله دليلا على صدقه فيما يقول، كما لا ينبغي أن يصدق المعالجون الذين يعالجون المجانين فيما يزعمون من أنهم يعالجون بالقرآن، فلا يعلم الأمور الغائبة على وجهها وتفاصيلها إلا علام الغيوب، أو من أطلعه عليها علام الغيوب؛ ليكون ذلك دليلا على صحة نبوته، قال عز وجل في كتابه حاكيا عن عيسى ابن مريم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 49] . فادعاء معرفة ذلك، والإخبار به على الوجه الذي تعرفه الأنبياء، وتخبر به تكذيب لدلالتهم، وفي دون هذا كفاية لمن شرح الله صدره وهداه، ولم يرد إضلاله وإغواءه، والذي ينبغي أن يعتقد فيما يخبرون من الجمل، فيصيبون مثل ما روي عن هرقل أنه أخبر أنه نظر في النجوم، فرأى ملك الختان قد ظهر إن ذلك إنما هو على معنى التجربة التي قد تصدق في الغالب، من نحو قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة» ، وبالله التوفيق.

: الطبيب يسقي النصراني أو المسلم الدواء فيموت منه

[: الطبيب يسقي النصراني أو المسلم الدواء فيموت منه] ومن كتاب أوله كتاب عليه رجل ذكر حق وسئل مالك عن طبيب عالج رجلا فأتى على يديه فيه، قال: إن كان الطبيب ليس له علم، ووجد بينة أنه دخل في ذلك ظلما وجرأة، وأنه ليس ممن يعمل مثل هذا، وليست له به معرفة، فأرى أن يستأذن عليه، وإني لأحب للإمام أن يتقدم إلى هؤلاء الأطباء في قطع العروق وما أشبهه، ألا يقدم أحد منهم على عمله إلا بإذنه، فإني لا أزال أسمع بطبيب قد عالج رجلا فقطع عرقه أو صنع به شيئا، فأعنته فمات منه، ثم قال: أتى على يدي، ولم أره يجعل على الذي عرف بالعلاج فيعالج بما يعرف شيئا، ولكنه يستحب أن ينهى عن الأشياء التي فيها هلاك الناس إلا بإذن الإمام. قال عيسى: غر من نفسه أو لم يغر ذلك خطأ، وديته على عاقلته. قال محمد بن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة أن الطبيب إذا عالج الرجل فسقاه، فمات من سقيه، أو كواه فمات من كيه، أو قطع منه شيئا فمات من قطعه، أو الحجام إذا ختن الصبي فمات من ذلك، أو قلع ضرس الرجل فمات من ذلك، فلا ضمان على واحد منهما في ماله ولا على عاقلته إذا لم يخطئا في فعلهما، إلا أن يكون قد تقدم السلطان إلى الأطباء والحجامين ألا يقدموا على شيء مما فيه غرر إلا بإذنه، ففعلوا ذلك بغير إذنه، فأتى على أيديهم فيه بموت أو ذهاب حاسة أو عضو، فيكون عليهم الضمان في أموالهم، هذا ظاهر ما في رسم العقول بعد هذا في سماع أشهب. وقال ابن دحون: إن ذلك يكون على العاقلة إلا

فيما دون الثلث، وذلك خلاف الرواية المذكورة، وأما إذا أخطأ في فعلهما مثل أن يسقي الطبيب المريض ما لا يوافق مرضه، فيموت من ذلك، أو تزل يد الخاتن أو القاطع فيتجاوز في القطع، أو يد الكاوي فيتجاوز في الكي، أو يكون ما لا يوافقه الكي فيموت منه، أو يقلع الحجام غير الضرس التي أمر بها، وما أشبه ذلك، فإن كان من أهل المعرفة، ولم يغر مع نفسه فذلك خطأ يكون على العاقلة، إلا أن يكون أقل من الثلث فيكون ذلك في ماله، وأما إن كان لا يحسن وغر من نفسه، فعليه العقوبة من الإمام بالضرب والسجن، واختلف في الدية، فقيل: إنها تكون عليه في ماله، ولا يكون على العاقلة من ذلك شيء، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية، وقيل: إن كان ذلك خطأ يكون على العاقلة، إلا أن يكون أقل من الثلث، فيكون ذلك في ماله، وأما إن كان لا يحسن وغر من نفسه، فعليه العقوبة من الإمام بالضرب والسجن. واختلف في الدية، فقيل: إنها تكون عليه في ماله، ولا يكون على العاقلة من ذلك شيء، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية، وقيل: إن كان ذلك خطأ يكون على العاقلة، إلا أن يكون أقل من الثلث، فيكون في ماله، وهو قول عيسى بن دينار هاهنا، وظاهر رواية أصبغ عن ابن القاسم في كتاب الديات؛ لأنه قال في الطبيب يسقي النصراني أو المسلم الدواء فيموت منه: إنه لا شيء عليه إلا أن يعلم أنه أراد قتله؛ لأن تأويل ذلك أن الدية على عاقلته مثل قول عيسى هاهنا، وظاهر رواية أصبغ عن ابن القاسم، والكفارة تابعة للدية، حيث ما لزمت الدية العاقلة؛ لكون القتل خطأ محضا أو في المال؛ لما فيه من شبهة العمد لزمت الكفارة، وحيث ما لم تلزم الدية لم تلزم الكفارة إلا استحسانا، حسبما قاله مالك في رسم البز، من سماع ابن القاسم، من كتاب الديات في الصبي تسقيه أمه الدواء، فيشربه فيموت. وإذا تقدم السلطان إلى الأطباء ألا يداوي أحدهم ما يخاف منه، وفيه غرر إلا بإذنه، فوجه العمل في ذلك إذا استؤذن أن يجمع أهل تلك الصناعة، فإن رأوا أن يداوى العليل بذلك الدواء المخوف داواه به؛ لم يكن عليه شيء، ولا على عاقلته إن مات منه، وإن رأوا ألا يجبر عليه بذلك الدواء المخوف نهاه عن سقيه إياه، فإن تعدى ضمن في ماله، وقيل على العاقلة، وبالله التوفيق.

: التناجش أن يكون الرجل يعطي الرجل السوم وهو ليس من حاجته

[: التناجش أن يكون الرجل يعطي الرجل السوم وهو ليس من حاجته] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وقال مالك: التناجش أن يكون الرجل يعطي الرجل السوم، وهو ليس من حاجته؛ لأن يقتدي به أحد من أهل الاشتراء، فيغتر به؛ فهذا التناجش. قال محمد بن رشد: فإن فعل ذلك أحد ليس من قبل البائع، ولا كان له فيه سبب؛ لزم المشتري البيع، ولم يكن له فيه خيار، وباء الناجش بالإثم في ذلك، وأما إن كان البائع دس الناجش ليزيد في سلعته، أو كان من سببه مثل عبده أو أجيره أو شريكه، أو ما أشبه هؤلاء ممن هو من ناحيته، فالمشتري بالخيار في رد السلعة إن كانت قائمة أو التمسك بها بالثمن الذي اشتراها به، وإن فاتت في يديه ردت إلى القيمة إن كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتراها به، قال ذلك ابن حبيب في الواضحة، وهو صحيح على أصولهم، وبالله التوفيق. [مسألة: تفسير لا يبع حاضر لباد] مسألة وقال مالك في تفسير «لا يبع حاضر لباد» : أهل البادية وأهل القرى، وأما أهل المدائن من أهل الريف؛ فإنه ليس بالبيع لهم بأس ممن يرى أنه يعرف السوم، إلا من كان منهم يشبه البادية، فإني لا أرى لأحد أن يبيع لهم. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والاختلاف فيها في رسم، أو له تأخير صلاة العشاء في الحرس، ومضى تحصيله في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

: بيع المدر الذي يأكله الناس

[: بيع المدر الذي يأكله الناس] ومن كتاب البز وسئل مالك عن بيع المدر الذي يأكله الناس، فقال: ما يعجبني ذلك أن يباع ما يضر بالناس، فإنه ينبغي للإمام أن ينهى الناس عما يضرهم في دينهم ودنياهم، ثم قال يقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أفالطين من الطيبات؟ إني لأرى لصاحب السوق أن يمنعهم من بيعه وينهى عنه. قال الإمام القاضي أبو الوليد: هذا كما قال: إنه إذا كان الناس يأكلونه، وهو مضر بهم، فلا ينبغي أن يباع، ويجب على الإمام أن ينهى عن ذلك، وهذا إذا لم يكن له وجه إلا الأكل؛ لأنه إذا لم يكن له وجه إلا الأكل، وكان يضر الآكلين له بكل حال، فهو كالسم الذي قد أجمع الناس على تحريم بيعه، وقال سحنون في كتاب الشرح: لا يحل بيعه، ولا ملكه. وأما إن كانت به منفعة لغير الأكل، فلا ينبغي أن يمنع بيعه جملة، وإنما ينبغي أن يباع ممن يصرفه في غير الأكل، ويؤمن أن يبيعه ممن يأكله. وقد قال ابن المواز: أكره أكله، فأما بيعه فلا أدري، قد يشترى لغير وجه. وقال ابن الماجشون: أكله حرام، وفي احتجاج مالك بالآية التي احتج بها على أنه لا يستباح إلا ما أحل الله نحو قول ابن الماجشون. وروى عنه ابن القاسم في الجامع قال: كل أمر أحله الله فاتبعوه، ونهي نهى الله عنه فاجتنبوه، وعفو عفا الله عنه فدعوه، وقد قيل: إن المسكوت عنه مباح، وإلى هذا ذهب أبو الفرج. وجه القول الأول من طريق النظر أنه قد ثبت أن الأشياء ملك لمالك، والأصل أنه لا يستباح ملك أحد إلا بإذنه، ووجه القول الثاني: أن خلق الله تعالى له دليل على الإباحة؛ إذ لا يجوز أن يخلقه عبثا لغير وجه منفعة، وبالله التوفيق.

: إذا غلا الطعام واحتيج إليه وبالبلد طعام يأمر الإمام أهله فيخرجوه للسوق

[: إذا غلا الطعام واحتيج إليه وبالبلد طعام يأمر الإمام أهله فيخرجوه للسوق] ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا قال مالك: إذا غلا الطعام، واحتيج إليه، وكان بالبلد طعام، فلا أرى بأسا أن يأمر الإمام أهله فيخرجوه إلى السوق، فيباع إذا احتاج الناس إليه، وإنما يكون ذلك عند حاجة الناس، وليس في كل زمان. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في كتاب ابن المواز، وهو أمر لا أعلم فيه خلافا؛ لأن هذا وشبهه مما يجب الحكم فيه للعامة على الخاصة؛ إذ لا يصح أن يترك الناس يجوعون، وفي البلد طعام عند من لا يريده إلا للبيع، ومما يشبه هذا من منفعة العامة قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يبع حاضر لباد» ، «ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق» ، فلما رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ذلك يصلح للعامة أمر فيه بذلك، ولما حكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة للشريك على المشتري، ووجب أن يؤخذ منه الشقص الذي اشترى بالثمن شاء أو أبى لمنفعة الشريك بذلك، وإزاحة ضرر الشركة عنه، كان أحق أن يؤخذ الطعام من الذي هو عنده بالثمن لمنفعة عامة الناس بذلك، وإزاحة الضرر عنهم، ولا ضرر في ذلك على البائع؛ إذ لم يؤخذ منه إلا بالثمن الذي يسوى في السوق، وبالله التوفيق. [مسألة: يمنع من السوق كل من لا يبصر البيع من المسلمين] مسألة قال مالك: كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد: إن

: الأمة إذا استباعت من ساداتها

الله قد أغنى بالمسلمين، فلا تجعلوا النصراني في أعمالكم، يريد ألا يكونوا جزارين ولا صرافين مع المسلمين؛ لأن الله قد أغنى بالإسلام وكثروا. وفي أهل الإسلام ما جزأ من تباعاتهم. قال سحنون: ويمنع من السوق كل من لا يبصر البيع من المسلمين. قال محمد بن رشد: هذا من معنى ما تقدم في المسألة التي قبلها في الحكم على الخاصة بما فيه منفعة للعامة، وإزاحة الضرر عنهم؛ لأنه إذا كان يجب النظر لهم على الخاصة في أمور الدنيا كان في أمر الدين أولى؛ لأن النصارى يستحلون الربا والجهال يقعون فيه؛ إذ لا يمكنهم التوقي منه بجهلهم، وذلك يضر بعامة الناس، فوجب أن يحكم لهم بذلك عليهم، ولهذا المعنى يجب إخراج من تعود الغش من المسلمين، ولم يردعه الأدب عنه من السوق، وقد مضى هذا المعنى في رسم حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها، وبالله التوفيق. [: الأمة إذا استباعت من ساداتها] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك عن الأمة إذا استباعت من ساداتها، قال: ينظر في ذلك، فإن كان ضررا بيعت، وإن كان ليس بضرر ما هي فيه لم تبع. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ إذ ليس في مقدار الضرر الذي يجب به أن تباع على ساداتها حد إلا الاجتهاد، وقد مضى هذا المعنى في رسم شك، ورسم حلف ليرفعن أمرا ويأتي أيضا في سماع أصبغ، وبالله التوفيق.

: حكم قتل الكلاب

[: حكم قتل الكلاب] ومن كتاب أوله مساجد القبائل وسئل مالك عن قتل الكلاب أترى أن تقتل؟ قال: نعم، أرى أن يقتل ما يؤذي منها في المواضع التي لا ينبغي أن يكون فيها. قلت له: في مثل قيروان الفسطاط، قال: نعم، أرى أن يؤمر بقتل ما يؤذي منها. وأما كلاب الماشية فلا أرى ذلك. قال محمد بن رشد: ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قتل الكلاب إلى ما رواه في موطئه عن نافع بن عبد الله بن عمر: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقتل الكلاب» ، ومعنى ذلك عنده وعند سواه ممن أخذ بالحديث في الكلاب المنهي عن اتخاذها، وقد جاء ذلك مفسرا في الأحاديث، فلا اختلاف في أنه لا يجوز قتل كلب الماشية، والصيد والزرع. ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه لا يقتل من الكلاب إلا الكلب الأسود البهيم؛ لما روي عن عبد الله بن عقل قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها؛ فاقتلوا منها الأسود» وقال: من ذهب إلى هذا المذهب: الأسود البهيم من الكلاب أكثر أذى وأبعدها من تعلم ما ينفع. وروى أيضا أنه شيطان، أي بعيد من الخير والمنافع، قريب من الضرر والأذى، وهذا شأن الشياطين من الجن والإنس، وقد كره الحسن وإبراهيم صيد الكلب الأسود، وقال طائفة: إنه يقطع الصلاة، وذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يقتل من الكلاب أسود ولا غيره، إلا أن يكون عقورا

: السوق إذا أفسده أهله حطوا سعره أترى لمن وليه أن يسعره

مؤذيا، وقالوا: الأمر بقتل الكلاب منسوخ، بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا» فعم ولم يخص كلبا من غيره، واحتجوا بالحديث الصحيح في الكلب الذي كان يلهث عطشا، فسقاه الرجل فشكر الله له وغفر له، وقال: «في كل ذي كبد رطب أجر» قالوا: فإذا كان الأجر في الإحسان، فالوزر في الإساءة إليه، ولا إساءة إليه أعظم من قتله. قالوا: وليس في قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الكلب البهيم شيطان» ما يدل على قتله؛ لأن شياطين الإنس والجن كثير، ولا يجب قتلهم، وقد رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا يتبع حمامة فقال: «شيطان يتبع شيطانة» ، وما ذهب إليه مالك أولى، فإن الأمر بقتلها قد جاء عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعبد الله بن عمر، وبالله التوفيق. [: السوق إذا أفسده أهله حطوا سعره أترى لمن وليه أن يسعره] ومن كتاب أوله نذر سنة بصومها وسئل مالك عن السوق إذا أفسده أهله حطوا سعره، أترى لمن وليه أن يسعره، ويخيرهم أن يبيعوا أو يقوموا، أو لا يلزم من ذلك؟ فكره التسعير، ولم يره، وأنكره. قال محمد بن رشد: معنى قوله: حطوا سعره؛ أي حطوا من

: ما يعصر النصارى من الخمر فيتخلل أيوكل

المثمون لا من الثمن؛ لأن إفساد السوق لا يكون إلا بذلك، لا بالحط من الثمن، وقد مضى القول على ذلك في أول مسألة من السماع، ومضى في الرسم الذي بعده التكلم على حكم التسعير، وما يجوز منه مما لا يجوز، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [: ما يعصر النصارى من الخمر فيتخلل أيوكل] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل مالك عما يعصر النصارى من الخمر فيتخلل أيوكل؟ قال: نعم. قيل له: أفبلغك أن عمر بن عبد العزيز كتب في كسر معاصير الخمر؟ قال: نعم. قيل: معاصير المسلمين وأهل الذمة. قال: لا أرى ذلك إلا في التي للمسلمين. قال محمد بن رشد: قوله: إن ما تخلل من خمر النصارى يؤكل صحيح بين لا إشكال فيه؛ إذ لا اختلاف في أن الخمر إذا تخللت تؤكل، فسواء كانت لمسلم أو نصراني، إلا ما ذهب إليه ابن لبابة من أن الخمر مختلف في نجاستها، وأنها لا تؤكل إذا تخللت إلا على القول بأنها طاهرة لا تنجس ما وقعت فيه من ماء أو طعام، وهو غلط ظاهر، وقوله: في المعاصر التي كتب عمر بن عبد العزيز أن تكسر لا أراها إلا في التي للمسلمين صحيح؛ لأن معاصير أهل الذمة لا يجب كسرها عليهم؛ لأنهم إنما بذلوا الجزية على أن يقروا في ذمتهم على ما يجوز لهم في دينهم، فلا يمنعوا من عصر الخمر إذا لم يظهروها في جماعة المسلمين، وقد مضى هذا في رسم الشجرة، وبالله التوفيق.

: شراء الثمار في الحوائط وبيعها في المدينة

[: شراء الثمار في الحوائط وبيعها في المدينة] ومن سماع أشهب وابن نافع عن مالك من كتاب الأقضية مسألة في شراء الثمار في الحوائط، وبيعها في المدينة، قال أشهب وابن نافع: قيل لمالك سئل الأمير عن منع هؤلاء الذين يشترون الثمار في الحوائط، ثم يدخلون بها المدينة يبيعونها على أيديهم، فأشار عليه بعضهم بمنعهم من ذلك، وأشار عليه بعضهم ألا يفعل، فقال مالك: بأي ذلك أخذ؟ فقال: بمنعهم، فقال مالك: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تلقي السلع حتى يهبط بها الأسواق» ، فمن التلقي أن يذهب هؤلاء إلى أهل الحوائط، فيشترون منهم، ثم يأتون به هاهنا فهذا منه، «ونهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبيع حاضر لباد» ؛ فمنه أن يذهب هذا الحاضر إلى هذا البادي، فيشتري منه، ثم يأتي فيبيع، أرى أن يمنعوا من ذلك، قيل له: أفترى من التلقي أن يخرج أهل المدينة إلى أهل الحوائط فيشترون منهم؟ قال: ما أشبههم به، قال أشهب: لا بأس به، وليس هذا بتلق، ولكنه اشترى من موضعه، وإنما التلقي أن يتلقى الجلاب قبل أن يهبط بذلك الأسواق كائنا ذلك الجلب ما كان، طعاما أو حيوانا أو غير ذلك من الأشياء كلها. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم شك في طوافه، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: حكم شراء الخصيان

[مسألة: حكم شراء الخصيان] مسألة وسئل مالك عن شراء الخصيان، فقال: أما الرجل يشتري لنفسه الخصي والاثنين، فلا أرى بذلك بأسا، وأما أن ينفق لهم فلا أحبه، قد رغب فيهم الملوك، وأكثر الناس منهم. قيل لمالك: أفتكره أن يقف الرجل المسلم على الرومي، فيقول: أخص هذا؟ فقال: وما بأس هذا؟ قيل: إنهم يقولون: إذا قلت هذا ذهبوا بهم فخصوهم، قال: هم أعلم بهذا منك. قال محمد بن رشد: قوله أن ينفق لهم معناه يشتريهم للتجارة، ويتخذهم متجرا، وهذا مثل ما في سماع أشهب، من كتاب جامع البيوع. قوله فيه ترك التجارة في الخصيان أحب إلي. وأما تحريمه فلا، قيل له: لأن شراءهم قوة على خصائهم، قال: نعم، وذلك بين على ما قاله، ولم ير شراء الرجل الواحد والاثنين مما ينفقهم، ويكون قوة على خصائهم، أي سببا للإكثار من ذلك؛ لأنه قد علم أنه لا يشتريهم ويتخذهم إلا القليل من الناس، فإذا كان القليل من الناس لا يشتري منهم إلا الواحد والاثنين لم يكن ذلك تنفيقا لهم، وقد كان لمالك خصي، ولعمر بن عبد العزيز، وبالله التوفيق. [مسألة: خلط الناس اللبن بالماء لاستخراج زبدة] مسألة وسئل عما يخلط الناس اللبن بالماء لاستخراج زبدة ما ترى به بأسا؟ قال: لا بأس بذلك، وذلك يصنع عندنا، وأما الذي أكره من ذلك الذي يخلط به الماء بعد ذلك، فأما هذا الذي يصلح به، فلا بأس به.

: إفراغ صاحب السوق اللبن الممزوج بماء وإنهابه متاع أهل السوق إذا خالفوه

قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن خلط الماء باللبن لاستخراج زبدة، وبالعصير ليتعجل تخليله لا بأس بذلك؛ لأنه إنما يفعل للإصلاح لا للغش والإفساد، وكذلك التبن يجعل تحت القمح عندما يخزن على ما مضى في رسم حلف، من سماع ابن القاسم، ولما صحت عند سحنون علة مالك في جواز خلط الماء باللبن، لاستخرج زبدة، قاس عليها خلط الماء بالعصير لاستعجال تخليلة، فإنما قاس على علته لا على مجرد قوله دون الاعتبار بعلته، فقوله قياسا على قول مالك معناه قياسا علة قول مالك، وقد وقع ذلك لمالك نصا في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب جامع البيوع، وهو دليل على صحة قياس قول سحنون، وبالله التوفيق. [: إفراغ صاحب السوق اللبن الممزوج بماء وإنهابه متاع أهل السوق إذا خالفوه] ومن كتاب الأقضية الثاني وسألته عن إفراغ صاحب السوق اللبن إذا مزج بماء، وإنها به متاع أهل السوق إذا خالفوا ما أمرهم به، فقال: لا يحل ولا ينبغي أن ينتهب مال أحد، ولا يحل ذلك في الإسلام، ولا يحل ذنب من الذنوب مال الإنسان ما يحل ماله، وإن قتل نفسا، وأرى أن يضرب من أنهب، ومن انتهب. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا المعنى والقول فيه في رسم شك في طوافه، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم

[: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل مالك فقيل له: إن أمورا تكون عندنا علانية من حمل المسلم الخمر علانية، ومشيه مع المرأة الشابة في الطريق يحادثها، فإذا كلم فيها قال: هي مولاتي، أليس يجب أن يتقدم في مثل هذا، ويمنع منه؟ فقال: وددت أن يعض الناس يقوم في مثل هذا ويمنع منه، وإني لأحب ذلك وأراه. قيل له: أرأيت إن كان بعض من يريد القيام في مثل هذا لا يقوى عليه إلا بسلطان، فأتى سلطانا فأنهى ذلك إليه وأخبره بعظيمه، فقال له السلطان: ما أجد لهذا أحد أثق به فدونك، فقبل ذلك منه على أنه لا يجلس في موضع معروف، ولا ينظر في حد، ولا يوقع حدا، ولكن أمر ونهي؛ أتحب له أن يدخل في ذلك بأمر السلطان؟ فقال: إن قوي على ذلك، وأصاب العمل فما أحس ذلك فليفعل. قال محمد بن رشد: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم بثلاثة شروط؛ أحدها: أن يكون عالما بالمعروف والمنكر؛ لأنه إن لم يكن عارفا بهما لم يصح له أمر ولا نهي؛ إذ لا يأمن أن ينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر. والثاني: أن يأمن من أن يؤدي إنكاره المنكر إلى منكر أكبر منه، مثل أن ينهى عن شرب خمر فيئول نهيه عن ذلك إلى قتل نفس وما أشبه ذلك؛ لأنه إن لم يأمن ذلك لم يجز له أمر ولا نهي. والثالث: أن يعلم أو يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له، وأن أمره بالمعروف مؤثر ونافع؛ لأنه إن لم يعلم ذلك، ولا غلب على ظنه لم يجب عليه أمر ولا نهي، فالشرطان الأول والثاني مشترطان في الجواز، والشرط الثالث مشترط في الوجوب، فإذا عدم الشرط الأول والثاني لم يجز

أن يأمر ولا ينهى، وإذا عدم الشرط الثالث ووجد الشرطان الأول والثاني جاز له أن يأمر وينهى، ولم يجب ذلك عليه، والدليل على وجوب ذلك بالشرائط المذكورة قول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] ، وقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41] ، وقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليصرفن الله قلوب بعضكم على بعض، ويلعنكم كما لعن بني إسرائيل، كان إذا عمل العامل منهم بالخطيئة نهاه الناهي تغريرا، فإذا كان من الغد جالسه وآكله وشاربه، وكأنه لم يره على خطيئة بالأمس، فلما رأى الله ذلك صرف قلوب بعضهم على بعض، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى صلى الله عليهما {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78] » وحمل الرجل الخمر علانية ومشيه مع المرأة الشابة يحادثها وما أشبه ذلك من المناكر الظاهرة، لا يقدر عنى تغييرها جملة إلا السلطان، فواجب عليه أن ينكرها ويغيرها جهده، بأن يولي من يجعل إليه تفقد ذلك والقيام به، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم» . ويستحب لمن دعاه الإمام إلى ذلك أن يجيبه إليه إذا علم أن فيه قوة عليه كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لما في ذلك من التعاون على فعل الخير، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]

ومن لم يدع إلى ذلك، فيجب عليه أن ينكر من ذلك ما أطلع عليه مما مر به واعترضه في طريقه على الشرائط الثلاث. وأما الانتداب إلى ذلك، والقيام بتفقده وتغيره، فلا يجب على أحد في خاصة نفسه سوى الإمام، وإنما يستحب ذلك له إذا قوي عليه، وهو قول مالك في هذه الرواية، وددت أن بعض الناس يقوم في مثل هذا ويمنع منه، وقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] معناه في الزمان الذي لا ينتفع فيه بالأمر بالمعروف ولا بالنهي عن المنكر، ولا يقوى من ينكره على القيام بالواجب في ذلك، فيسقط عنه الفرض فيه، ويرجع أمره إلى خاصة نفسه، ولا يكون عليه سوى الإنكار بقلبه، ولا يضره مع ذلك من ضل، يبين هذا ما روي عن أنس بن مالك قال: «قيل: يا رسول الله، متى نترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل، قيل: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهر الادهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الملك في صغاركم، والفقه في أراذلكم» . والذي كان ظهر في بني إسرائيل هو ما تقدم في الحديث الذي قبل هذا، ويريد بالملك السلطان الذي إليه إقامة أمر الإسلام من إقامة الجمعة والجماعات، وجهاد العدو، وسائر ذلك مما يرجع أمر الشرع إلى الإمام، فليزم العامة الاقتداء به، وما روى عن أبي أمية قال: «سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت: كيف نصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] فقال

مسألة: لا يتجر هؤلاء ولا يبيعون في سوقنا ينقصون المكيال والميزان

لي: أما والله، لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرا لا يدلك به، فعليك بنفسك، وإياك أمر العوام، إن من ورائكم أيام الصبر فيهن صبر على مثل قبض على الجمر، للعامل يومئذ منهم كأجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله» ، وما أشبه زماننا بهذا الزمان، تغمدنا الله بعفو منه وغفران، فإذا كان الزمان زمانا يوجد على الحق فيه معين لله، فلا يسع أحدا السكوت على المناكر وترك تغييرها، قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، يوشك أن يعمهم الله بعقاب» ، وبالله التوفيق. [مسألة: لا يتجر هؤلاء ولا يبيعون في سوقنا ينقصون المكيال والميزان] مسألة قال مالك: وحدثني العلاء بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب قال: لا يتجر هؤلاء، ولا يبيعون في سوقنا ينقصون المكيال والميزان. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذا المعنى في رسم حلف ليبيعن رجلا سلعة سماها، ورسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، والله الموفق.

: الذي يكون منزله على طريق الجلاب يشتري منهم

[: الذي يكون منزله على طريق الجلاب يشتري منهم] ومن كتاب مسائل البيوع قال: وسألته عن الذي يكون منزله على طريق الجلاب يشتري منهم، قال: لا يعجبني أن يشتري منهم إلا الضحايا، وما يريد أن يأكل، فأما أن يشتري ما يريد بيعه، فلا أرى ذلك، وذلك من التلقي. قلت له: أفرأيت الذي يخرج من المدينة، فيتلقى السلع فيشتري، ثم يقدم بها المدينة فيبيع أو يمسك؟ قال: لا خير فيه باع أو أمسك، إنما يجوز ذلك للذي يكون على طريقها منزله يشتري لغير البيع لنفسه، وإنما كره التلقي في أن يذهب الرجل من البلد قد عرف أسعارها فيشتري، ثم يقدم فيبيع على معرفة. وسألته عن تلقي السلع في داخل المدينة بأفواه الطرق، فقال: إن ذلك ليفعل بالمدينة يتلقون بأفواه الطرق، فلا أرى أن يصلح ذلك، وأرى أن يمنعوا منه حتى يهبط بها إلى السوق، وبعض من يحدث يقول في حديثه: حتى يهبط بها الأسواق: فلا أرى ذلك حتى يهبط بها إلى السوق فينالها الضعيف والقوي. قال محمد بن رشد: أجاز للذي يكون منزله على طريق الجلاب وبينه، يريد أو بين المدينة والحاضرة. الأميال أن يشتري منهم ما يحتاج إليه ليأكله أو يضحي به؛ لما عليه من المشقة في النهوض إلى الحاضرة، ولم يجز لمن كان في الحاضرة أن يشتري ما مر به من ذلك؛ إذ لا مئونة عليه في النهوض إلى السوق لقربه منه، وكذلك لا يجوز له أن يتلقى شيئا منها بالمدينة بأفواه الطرق؛ لأن ذلك بمنزلة أن يخرج من الحاضرة إلى الطرق، فيشتري ما يأتي من الجلائب وهو التلقي المنهي عنه في الحديث. وأما ما يريد به التجارة، فلا يشتريه بالطريق، وإن مر به

: من يلقى الجزر أتحب أن يشتري من لحمها

في منزله بقريته، وبينه وبين الحاضرة التي توجه بالمتاع نحوها الأميال. قال ابن حبيب في الواضحة أو الأيام، وقد مضى بيان هذا، والقول فيه في رسم حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها، من كتاب الضحايا، وسيأتي في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى بعد هذا، من هذا الكتاب القول في الحكم في ذلك إذا وقع، وبالله التوفيق. [: من يلقى الجزر أتحب أن يشتري من لحمها] ومن كتاب البيوع الأول قال: وسألته عمن يلقى الجزر؛ أتحب أن يشتري من لحمها؟ قال: لا أحب أن يشتري من لحمها. قال محمد بن رشد: إنما كره الشراء من لحمها مراعاة لقول من يرى أن البيع فاسد يجب فسخه، وأن البيع الفاسد كلا بيع، ولا ينتقل به ملك البائع، وتكون المصيبة منه إن تلف عند المشتري ببينة هو قول شاذ، إلا أنه موجود في المذهب، رواه أبو زيد عن ابن القاسم في كتاب جامع البيوع، ويقوم أيضا من سماع يحيى، من كتاب الجعل والإجارة، فيكون على هذا القول من اشترى منه كأنه اشترى لحم شاة مغصوبة، والقياس أن الشراء من لحمها جائز على المشهور في المذهب من أنها تعرض على أهل الأسواق؛ إذ قد فات ذلك فيها بالذبح، وعلى القول أيضا بأنه بيع فاسد لمطابقته للنهي؛ إذ قد فات بالذبح أيضا، ووجب أن يمضي بالثمن، أو ترد إلى القيمة، فإنما اشترى من لحم شاة قد صح ملكه لها، ودخلت في ضمانه، ولم يكن في عينها حق لبائعها، ولا لأهل السوق، وبالله التوفيق. [مسألة: التجارة في عظام على قدر الشبر] مسألة وسئل مالك عن التجارة في عظام على قدر الشبر يجعل لها

وجوه، فقال الذي يشتريها ما يصنع بها؟ فقيل: يبيعها. فقيل: ما يصنع بها؟ قيل: يلعب بها الجواري يتخذنها بناتا. قال: لا خير في الصور، ولا هذا من تجارة الناس. قال محمد بن رشد: قوله: لا خير في الصور، وليس هذا من تجارة الناس يدل على أنه كره ذلك ولم يحرمه؛ لأن ما هو حرام لا يحل، فلا يعبر عنه بأنه لا خير فيه؛ لأن ما لا خير فيه فتركه خير من فعله، وهذا هو حد المكروه؛ لأن المكروه ما في تركه ثواب، وليس في فعله عقاب، فهو لا خير فيه، ومعنى ذلك إذا لم تكن صورا مصورة مخلوقة مخروطة مجسدة على صورة الإنسان، وإنما كانت عظاما غير مخلوقة على صورة الإنسان، إلا أنه عمل فيها شبه الوجوه بالتزويق، فأشبه الرقم في الثوب، وإلى هذا نحا أصبغ في سماعه، من كتاب الجامع، فقال: ما أرى بأسا ما لم تكن تماثيل مصورة مخلوقة مخروطة، إلا أنه علل ذلك بعلة فيها نظر، قال: لأنها تبقى، قال: ولو كانت فخارا أو عيدانا تنكسر وتبلى رجوت أن تكون خفيفة إن شاء الله، كمثل رقوم الثياب بالصور لا بأس بها؛ لأنها تبلى وتمتهن، والصواب ألا فرق في ذلك بين ما يبقى أو ما يبلى، فلا يبقى مما هو تمثال فجسد، له ظل قائم مشبه بالحيوان الحي؛ لكونه على هيئته، وإنما استخفت الرقوم في الثياب من أجل أنها ليست بتماثيل مجسدة، لها ظل قائم تشبه الحيوان في أنها مجسدة على هيئتها، وإنما هي رسوم لا أجساد لها ولا تحيا في العادة ما كان على هيأتها، فالمحظور ما كان على هيئة ما يحيا ويكون له روح بدليل قوله في الحديث: «إن أصحاب هذه الصور يعذبون، ويقال لهم يوم القيامة: أحيوا ما خلقتم» . والمستخف ما كان

مسألة: التسعير على أهل السوق

بخلاف ذلك مما لا يحيا في العادة ما كان على هيئته، فالمستخف من هذه اللعب المصورة للعب الجواري؛ لما جاء من «أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت تلعب بها بعلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا ينكر ذلك عليها» ، بل كان ينتدب الجواري إليها، ما كان مشبها بالصورة، وليس بكامل التصوير، وكلما قل الشبه قوي الجواز، وكلما جاز اللعب به جاز عمله وبيعه، قال ذلك أصبغ في سماعه من الجامع، وبالله التوفيق. [مسألة: التسعير على أهل السوق] مسألة وسأله صاحب سوق المدينة عنه إن جاء إلى أهل السوق فقال: ليس بأيديكم شيء تعتلون به علينا. اشتروا على ثلث رطل يسعره عليكم من الضأن، وعلى نصف رطل يسعره عليكم من الإبل، وإلا فأخرجوه من سوقنا، ولا تشتروا شيئا. فقال: والله ما كنت أرى بهذا بأسا إذا سعر عليهم شيئا يكون قدر لحمهم واشترائهم، ولم يشتط عليهم، وعلى قدر ما يقوم لهم، لا أرى بهذا بأسا، ولكن أخاف أن يقوموا من السوق. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى، في رسم سلعة سماهما من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: التسعير على أصحاب السفن] مسألة وقيل لمالك: إن صاحب الجار أراد أن يسعر على أصحاب

: الذي يسقيه الطبيب فيموت

السفن، فذهبوا إلى جدة، فقال: بيس ما صنع صاحب الجار إن كان فعل. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أنه لا يسعر على الجلاب، وقد مضى ذلك في رسم سلعة سماها، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: الذي يسقيه الطبيب فيموت] ومن كتاب العقول قال: وسألته على الذي يسقيه الطبيب فيموت، وقد سقى أمة بالمدينة، فماتت من ساعتها، أعليه غرم؟ فقال: ما أرى عليه غرما، ولكن لو تقدم إليهم الآن في ذلك ضمنوا؛ لكان نعم الشيء، يقال لهم: أيما طبيب سقى إنسانا أو بطة فمات فعليه الضمان، وأرى أن يفعل ذلك بهم، ويتقدم إليهم ألا يداوي أحد لا يعلم، يعمد أحدهم إلى الصحيح الذي ليس به بأس فيسقيه شيئا فيقتله، قال مالك: قال لي ربيعة غير مرة ولا مرتين: ولا تشرب من دواء هؤلاء الأطباء إلا شيئا تعرفه. قال مالك: وإني بذلك لمستوص. قال مالك: وإني لأرى للإمام أن لو نهى هؤلاء الأطباء عن الدواء إلا طبيبا معروفا، وأرى أن يقول لهم: من داوى إنسانا فمات فعليه ديته، وأرى ذلك عليهم إذا أنذر مثل أن يسقي إنسانا صحيحا فيموت مكانه فهذا سم، فأرى إذا تقدم إليهم أن يغرموا، ومثل الذي يقطع عرقا، فلا يزال يسيل دمه حتى يموت، فأما الذي يداوي المريض؛ فمنهم من يموت، ومنهم من

: يشتري المتاع فيه الخلل فيستأجر عليه فيكمدونه حتى ينسد الخلل ثم يبيعونه

يعيش فليس ذلك هذا، وهذا سقى جارحة بها بهق، فماتت من ساعتها، فهل هذا إلا سم؟ قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم كتب عليه ذكر حق، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: يشتري المتاع فيه الخلل فيستأجر عليه فيكمدونه حتى ينسد الخلل ثم يبيعونه] ومن كتاب البيوع الأول قال أشهب وابن نافع سئل مالك عن الذي يشتري المتاع فيه الخلل والسقط، فيستأجر عليه كما دين فيكمدونه حتى يصفق، فينسد كل خلل أو سقط، ثم يبيعونها أترى بذلك بأسا؟ قال: لا خير في الغش، وأنا أكره مثل هذا. قيل له: أفرأيت الرجل يأتي بطعامه التمر وما أشبهه فيصبره صبرا، فيكون حشفة، داخله وظاهره، فيجمع ما على وجه الصبرة فيلقيه ناحية، لا يدخله في جوف الصبرة؟ قال: لا يفعل مثل هذا. هذا التزيين ولا يعجبني ذلك، قلت: أرأيت الذي يصب صبرته فيها الحشف فيكون في داخلها وعلى وجهها؟ قال: لا بأس بذلك إذا لم يزين أعلاها، فيكون داخلها مخالفا لخارجها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن كمد المتاع ليصفق وينسد ما فيه من سقط وخلل من الغش الذي لا ينبغي، فيكون للمشتري أن يرد إن لم يعلم أن الكمد يصفقه ويسد خلله وسقطه ما كان المتاع قائما، فإن فات رد إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن على ما مضى في رسم سلعة سماها في مسألة خمر القز ترش بماء الخبز لتشتد وتصفق، وكذلك تنقية ظاهر الصبرة من الحشف؛ لأن المشتري يظن أن باطنها في

: القضاة يتخذون رجلا لقياس جراحات الناس

النقاء من الحشف مثل ظاهرها، وأما إذا لم ينق أعلى الصبرة من الحشف، فلا كلام للمشتري؛ لأنه يستدل بظاهرها على باطنها، وبالله التوفيق. [: القضاة يتخذون رجلا لقياس جراحات الناس] ومن كتاب أوله القراض وسأل ابن كنانة مالكا لابن غانم، فقال: إن القضاة كانوا قبلي يتخذون رجلا لقياس جراحات الناس، فما رفع إليهم قبلوه منه، أترى أن يجزي في ذلك رجل واحد، أم لا يجزي فيه إلا رجلان؟ فقال: اكتب إليه إن وجد رجلين فيجعلهما، ويقبل ذلك منهما، وإن لم يجد إلا رجلا واحدا، فأرى ذلك مجزئا عنه إذا كان عدلا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة في استخلاف المرأة، ومثل ما مضى في رسم الأقضية لابن غانم، من سماع أشهب، من كتاب الأقضية في الترجمان، ومثل ما في سماع أصبغ من كتاب الحدود في الاستنكاه، وهو مما لا اختلاف فيه، إن كان ما يبتدئ القاضي فيه بالسؤال، ولم يكن على وجه الشهادة، فيكتفي فيه بالواحد، والاثنان أولى وأحسن، وبالله التوفيق. [: حكم حلاق الصبيان قصة وقفاء] ومن كتاب الجامع وسئل مالك عن حلاق الصبيان قصة وقفاء، فقال: ما يعجبني، قلت له: من الجواري والغلمان. فقال: ما يعجبني من الجواري ولا من الغلمان إن كانوا يريدون أن يدعوا شعره كله فليدعوه، وإن كانوا يريدون أن يحلقوه فيحلقوه كله، وقد كاتبت

في ذلك بعض الأمراء، وأمرته أن ينهى عن القصة، فسئل عن القصة وحدها بلا قفاء، فقال مثل قوله في القصة والقفاء. قال محمد بن رشد: حلاق الصبي قصة وقفاء، هو أن يحلق وسط رأسه، ويبقى مقدمه مقصوصا على وجهه، ومؤخره مسدولا على قفاه، وحلاقة قصة بلا قفاء، هو أن يحلق وسط رأسه إلى قفاه، ويبقى مقدمه مقصوصا على وجهه، وذلك كله مكروه للصبيان كما قال، لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى عن القزع» ، وهو حلق بعض الرأس دون بعض، فعم ولم يخص صغيرا من كبير، ولم يكره مالك القصة للصغيرة إذا لم يحلق بعض رأسها على ظاهر هذه الرواية كما كرهه للكبيرة، ففي كتاب جامع المسائل والحديث لأصبغ قال: سمعت ابن القاسم يقول: كره مالك القصة لشعر المرأة كراهية شديدة. قال: وكان فرق الرأس أحب إلى مالك فيما أظن. قال محمد بن رشد: وإنما كره ذلك لها، والله أعلم؛ لما جاء من أن أهل الكتاب كانوا يسدلون شعورهم، وكان المشركون يفرقون، «وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، فسدل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناصيته ثم فرق بعد» ، "وروى عيسى، عن ابن القاسم، عن مالك قال: رأيت عامر بن عبد الله بن الزبير، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهشام بن عروة، يفرقون شعورهم، وكان لهشام جمة إلى كتفيه ". وروي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرسا يجزون كل من لم يفرق شعره، وقد روي: «أن شعر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان دون الجمة وفوق الوفرة» ، وروي: "أنه «كان إلى شحمة

مسألة: إحفاء الشوارب

أذنه» . وروي: «أنه كان بين أذنه وعاتقه» ، وروي: «أنه كان يضرب منكبيه» ، وهذا يدل على أن اتخاذ الشعر أحسن من جزه وإحفائه، وذهب الطحاوي إلى أن جزه وإحفاءه أحسن من اتخاذه واستعماله، واحتج بما روي من «أن أبا وائل بن حجر "أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد جز شعره، فقال له: هذا أحسن» . قال: لأن ما قال فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه أحسن، فلا شيء أحسن منه، ومعقول أن قد صار إليه، وترك ما كان عليه قبل ذلك؛ إذ هو أولى بالمحاسن كلها من جميع الناس، وهذا في الرجال، وأما في المرأة فلا اختلاف في أن جز شعرها مثلة، وفي كتاب المدينين سئل ابن نافع هل كره للمسلمة أن تفرق قصتها كما يصنع نساء أهل الكتاب؟ قال: لا، وبالله التوفيق. [مسألة: إحفاء الشوارب] مسألة وسئل مالك عمن أحفى شاربه، فقال: يوجع ضربا، وليس هذا حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالإحفاء، وكان يقال: يبدو حرف الشفتين الإطار. وقال: لم يحلق شاربه. هذه بدع تظهر في الناس، وذكر زيد بن أسلم أن عمر كان إذا أكربه أمر نفخ يقول: أواه أواه، قال: فجعل رجل يراده وهو يفتل شاربه بيده، قال: فلو كان شاربه منموصا ما وجد ما يفتل. هذه بدع قد ظهرت في الناس. قال محمد بن رشد: إنما سئل مالك عمن أحفى شاربه لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بإعفاء اللحاء، وإحفاء الشوارب» ، والإحفاء الاستئصال بالحلق. وجمله جماعة من العلماء على ظاهره وعمومه، منهم أبو حنيفة

والشافعي وأصحابهما. فقالوا: إحفاء الشوارب أفضل من قصها، وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل، فكان يحفي شاربه إحفاء شديدا. ويقول: السنة فيه أن يحفي كما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحفوا الشوارب» ، وذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن السنة فيه أن يقص ويؤخذ منه حتى يبدو طرف الشفة: الإطار، ولا يستأصل جميعه بالحلق؛ لأنه روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من لم يأخذ شاربه فليس منا» ، وأنه قال: «خمس من الفطرة؛ فذكر منها قص الشارب» ، فجعل ذلك من قوله مبينا لأمره بإحفاء الشوارب، فقال: معناه أن يقص حتى يحفي منه الإطار لا جميعه. وقوله صحيح؛ لأن استعمال الأحاديث وحمل بعضها على التفسير لبعض أولى من الأخذ ببعضها، والاطراح لسائرها، لا سيما وفي العمل المتصل من السلف بالمدينة بترك إحفاء الشوارب دليل واضح على أنهم فهموا عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه إنما أراد بإحفاء الشوارب قصها، والأخذ منها، وألا تعفى كما يفعل باللحاء، وهو دليل واضح، لذلك قال: إن حلق الشارب مثلة، وحكم له بأنه بدعة، ورأى أن يؤدب من فعل ذلك لما فيه من تقصير السلف المتقدم في مخالفتهم ظاهر الحديث والجهل به، وهم ما جهلوه ولا خالفوه، لكنهم تأولوه على ما تأوله عليه مالك، والله أعلم. ولا يصح أن يكون المتأخر أعلم بمراد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من السلف المتقدم، وقد قال بعض المتأخرين: إن الشارب لا يقع إلا على ما يباشر به شرب الماء، وهو الإطار، فذلك الذي يحفى، والصحيح أن الشارب ما عليه الشعر من الشفة العليا، إلا أن المراد بإحفائها إحفاء بعضها، وهو الإطار منها لا إحفاء جميعها، بدليل الحديثين الآخرين، وقد روي عن ابن القاسم أنه كان يكره أن يؤخذ من أعلاه،

: حكم بيع وتداول المصحف بقراءة ابن مسعود

ويقول تفسير حديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في إحفاء الشارب إنما هو الإطار، والأظهر أن ذلك ليس بمكروه، وأنه مستحسن، فيقص جميع الشارب؛ لما جاء في الحديث من أن قصه من السنة، ويحفى الإطار منه؛ لما جاء في الحديث من الأمر بإحفاء الشوارب. [: حكم بيع وتداول المصحف بقراءة ابن مسعود] من سماع عيسى بن دينار من كتاب نقدها نقدها قال: وسمعته يقول في المصحف بقراءة ابن مسعود التي تذكر عنه، قال: أرى أن يمنع الإمام من بيعه ويضرب من قرأ به يمنعهم أن يقرءوا به ويظهروه. قال محمد بن رشد: إنما قال ذلك لأنها قراءة لم تثبت؛ إذ إنما نقلت نقل آحاد، ونقل الآحاد غير مقطوع به، والقرآن إنما يؤخذ بالنقل المقطوع به، وهو النقل الذي تنقله الكافة عن الكافة بما لم يقطع عليه أنه قرآن؛ لمخالفته مصحف عثمان المجتمع عليه، لا تباح قراءته على أنه قرآن؛ إذ حكمه حكم ما يروى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الأحاديث والأخبار، فلا تجوز الصلاة به، وكذلك قال في المدونة أن من صلى خلف من يقرأ بقراءة ابن مسعود أعاد في الوقت وبعده، وإن علم وهو في الصلاة قطع وخرج، فوجب على الإمام من أجل هذا أن يمنع منه ويضرب عليه، ولا يثبت قراءة سوى ما ثبت بين اللوحين في مصحف عثمان، وقد قيل في القراءة التي تنسب إلى ابن مسعود: إنها قراءة كان يقرؤها على وجه التفسير لأصحابه، لا على أنها قرآن، فإن كان كذلك، فالمعنى في المنع من قراءة المصحف المكتوب على هذا، وبيعه بين لا يخفى، وبالله التوفيق.

: منع النصارى واليهود من الوصايا في أموالهم

[: منع النصارى واليهود من الوصايا في أموالهم] ومن كتاب أوله العرية قال عيسى: وقال ابن القاسم: لا أرى لحكم المسلمين أن يمنع النصارى واليهود من الوصايا في أموالهم، وإن أحاطت الوصايا بأموالهم ويتركون على شرائعهم، وإن تحاكموا إلى المسلمين، ورضي الخصمان وقساوستهم حكم بينهم بحكم الإسلام، ولم يجز وصاياهم إلا في الثلث، وكذلك مواريثهم، وكذلك كل شيء رضي به النصارى فيما بينهم بحكم الإسلام، فلا يكون ذلك، ولا يحكم بينهم إلا برضا من أساقفتهم، فإن كره أساقفتهم ذلك، فلا يحكم المسلمون بينهم، وإن رضي أساقفتهم بحكم الإسلام، وأبى ذلك الخصمان أو أحدهما لم يحكم المسلمون عليهم، وسئل عنها سحنون، وقيل له: النصراني أله أن يوصي بجميع ماله؟ فقال: ذلك يختلف، أما إذا كان من أهل العنوة، فليس ذلك له؛ لأن ورثته المسلمون إذا مات، فليس له أن يفر بميراثه وماله؛ لأنه من أهل العنوة، ومن كان أيضا من أهل الصلح ممن عليه الجزية على جمجمته، وكل واحد إنما عليه شيء يؤديه عن نفسه ليس يؤخذ غنيهم بمعدمهم، فإن ذلك أيضا ليس له أن يوصي بجميع ماله، وليس له أن يوصي إلا بثلثه إذا كان لا وارث له من أهل دينه؛ لأن ورثته المسلمون، وأما إذا كان من أهل الصلح صالحوا على أن عليهم وظيفة معلومة من الخراج، ليس ينقصون منه أبدا لموت من مات منهم، أو عدم من أعدم منهم، وبعضهم مأخوذ ببعض، فليس يعرض لهم في وصاياهم، وليس لنا أموالهم إن مات منهم أحد ولا وراث له، وكان لأهل خراجه يتقوون به في خراجهم؛ لأنهم هم المأخوذون بخراجه، وبعضهم قوة لبعض في الخراج.

قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: إنه لا يمنع النصارى ولا اليهود من الوصايا في أموالهم، وإن أحاطت بجميع أموالهم، معناه إذا كان لهم ورثة من أهل دينهم، وهو صحيح؛ إذ لا اختلاف في أن ميراثهم لورثتهم من أهل دينهم، فلا ضرر على المسلمين فيما يوصون به من أموالهم، وسواء كانوا من أهل الصلح أو من أهل العنوة على مذهب ابن القاسم، فهو نص قوله في سماع يحيى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، ومن كتاب الاستلحاق أنهم في مواريثهم، وأهل الصلح سواء، وهو على قياس رواية عيسى عنه في كتاب التجارة إلى أرض الحرب أن لهم حكم الأحرار في دية من قتل منهم، وفي تزويج نسائهم والنظر إلى شعورهن، ويأتي على قياس ما في سماع سحنون من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، من أنهم في حكم العبيد المأذون لهم في التجارة أن يكون ميراثهم للمسلمين، وإن كان لهم ورثة من أهل دينهم، وألا يجوز لهم وصية بثلث ولا غيره، وهو ظاهر قول سحنون؛ لأنه لم يقصد إلى التكلم على الوصية بجميع المال، فيكون في قوله دليل على إجازة الوصية بالثلث، وقد يتأول قوله على أنه لا وارث لهم من أهل دينهم، فلا يكون قوله خلافا لقول ابن القاسم. وقوله: وإن تحاكموا إلى المسلمين، ورضي الخصمان وقساوستهم حكم بينهم بحكم الإسلام، ولم تجز وصاياهم إلا في الثلث، معناه إن شاء أن يحكم بينهم؛ إذ لا يلزمه ذلك على مذهب مالك؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] وإنما يخالف في هذا بعض أهل العراق، وقد مضى هذا في نوازل سحنون من كتاب الأقضية، ومضى تحصيل القول فيه في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وشرط ابن القاسم رضا قساوستهم مع رضاهم يحمل على التفسير لما في المدونة، خلاف قول سحنون في نوازله من كتاب الأقضية: إنه لا يلتفت في ذلك إلى رضا أساقفتهم إذا رضوا هم بأن يحكم

: الرجل يتلقى السلعة فيشتريها

بينهم حكم المسلمين، وإذا لم يكن لليهودي أو النصراني ورثة من أهل دينه، فليس له أن يوصي بأكثر من ثلثه؛ لأن ورثته المسلمون. وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا، قال: إذا أوصى النصراني بجميع ماله في الكنيسية ولا وارث له، قال: يدفع ثلثه إلى أساقفتهم، فيجعله حيث أوصى به، ويكون ثلثاه للمسلمين، وهذا إذا كان من أهل العنوة، أو من أهل الصلح والجزية على جماجمهم، وأما إن كان من أهل الصلح والجزية مجملة عليهم لا ينقصون عنها لموت من مات منهم، ولا لعدم من أعدم، فيجوز له أن يوصي بجميع ماله لمن شاء؛ لأن ميراثه لأهل دينه على مذهب ابن القاسم، وهو قول سحنون خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أن ميراثه للمسلمين إذا لم يكن له وارث من أهل دينه على كل حال، وبالله التوفيق. [: الرجل يتلقى السلعة فيشتريها] ومن كتاب أوله يوصى لمكاتبه وسئل عن الرجل يتلقى السلعة فيشتريها، قال ابن القاسم: إذا أدركت في يده، وكانت من السلع التي ليس لها أهل راتبون في السوق، فيشترونها في حوانيتهم ويبيعونها من الناس، وإنما جل أمرها وشأنها إنما يبيعها جالبها من الناس كافة، فإنها تؤخذ من يده، وتوقف للناس في السوق ليشتروها بما اشتراها به، لا يزيدونه شيئا، فإن لم يجدوا من يشتريها إلا بأنقص من ذلك الثمن ردت عليه، وإن كانت من السلع التي لها أهل راتبون في السوق يشترونها ممن يجلبها ويبيعونها من الناس، فإنها تؤخذ منه، ويشرك فيها أهل تلك السلعة الذين يشترونها من أهلها ويبيعونها

من الناس إن أحبوها، وإن أبوها بالثمن ردت عليه. قلت: فإن فاتت بيده؟ قال: إن كان متعودا لذلك أدب وزجر، وإن كان ليس متعودا نهي وأمر ألا يعود. قلت: أفلا ترى أن يتصدق بربح إن كان فيها؟ قال: ما أراه بالحرام البين، ولو احتاط فتصدق به لم أر به بأسا. قال سحنون سألت ابن القاسم عن الذي يتلقى الركبان فيشتري منهم، قال: أرى أن تعرض السلعة على أهل الأسواق بالثمن الذي اشتراها به، فإن أخذوها به، وإلا ردوها عليه، ولم أردها على بائعها، وأود به ضربا وجيعا إلا أن يعد بالجهالة، وقال لي غير ابن القاسم يفسخ البيع في هذا، وفي بيع الحاضر للبادي، وفي الذي يسوم على سوم أخيه، وفي هذه الأشياء كلها، وترد السلع على أربابها. قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عمن تلقى سلعة أو باع لباد، فقال: أما الذي تلقى فأرى أن تعرض في السوق لمن احتاج من أهل تلك السلعة أو غيرها ممن يشتري، فتباع لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تلقي السلع، وأما من باع لباد، فأرى أن يفسخ البيع؛ لأن المشتري ابتاع حراما، قد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه، وسئل عن البيع للبدوي هل يختلف عندك إن كان حاضرا معه أو غائبا؟ قال: البيع له مكروه، حضر البادي أو غاب عنه. روى أصبغ عن ابن القاسم في كتاب البيوع والعيوب، قيل لابن القاسم: أترى أهل نبا، وأبو صير من أهل البوادي؟ قال: لا؛ لأنهما أهل مدائن، إنما يراد بها أهل القرى، يريد به الحديث الذي جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يبع حاضر لباد» . ونبا وأبو صير كورتان من كور أهل مصر. قال عيسى: وقال ابن القاسم: إذا باع الحاضر للبادي فسخ البيع إن

أدرك. قلت: فإن فات، قال: إن كان رجلا متعودا بذلك أدب وزجر، وإن كان على غير ذلك نهي عن ذلك، ولم يكن عليه شيء، وسئل عنها سحنون فقال: سألت عنها ابن القاسم، فقال: إذا باع حاضر لباد، فأرى أن يمضي البيع، وأن يؤدب أهله، قال زونان: وسئل ابن وهب عن الحاضر يبيع للبادي عالما بمكروهه، أو غير عالم، هل ترى للسلطان أن يؤدبه؟ فقال: لا يؤدب، ولكن يزجر عن ذلك. قال الإمام القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فرق ابن القاسم في رواية عيسى وأصبغ عنه بين شراء المتلقي وبيع الحاضر للبادي، فأجاز شراء المتلقي، ولم يفسخه، إلا أنه رأى أن تعرض السلعة على أهل تلك التجارة بالثمن الذي اشتراها به إذا أدركت في يده، أو على جميع الناس بالسوق، إن لم يكن لها أهل. وقوله: إن أدركت بيده معناه إذا أدركت بيده قائمة إن لم يكن لها أهل، واختلف بماذا تفوت في ذلك، فقيل: إنها تفوت فيه بما يفوت به البيع الفاسد، وقيل: إنها لا تفوت إلا بالعيوب المفسدة، ولم يجز بيع الحاضر للبادي، فقال: إنه يفسخ ما لم يفت، يريد ما يفوت به البيع الفاسد، وساوى في رواية سحنون عنه بين البيعتين أنهما لا يفسخان إذا وقعتا؛ إذ لا غرر فيهما، ولا فساد في ثمن ولا مثمون، إلا أنه رأى في شراء المتلقي أن تعرض السلعة على أهل الأسواق بالثمن الذي اشتراها به، ويلزم على قياس ذلك في بيع الحاضر للبادي، أن يكون للمشتري الرد إن شاء، إذا لم يعلم أن حاضرا باع له، وقال: ظننته باديا أشتري منه رخيصا، ولم ير ذلك له في ظاهر قوله، وذلك تعارض بين الوجهين، وساوى غير ابن القاسم بينهما في أنهما يفسخان، قال: وكذلك الذي يسوم على سوم أخيه، وهو قول مالك في رواية ابن نافع وأشهب عنه، فقول ابن القاسم في سماع سحنون عنه على القول بأن النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه، وقول غيره ومالك في رواية أشهب، وابن نافع عنه على القول بأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، فقد قيل: إنه يقتضيه من جهة وضع اللغة؛ لأن

النهي ضد الأمر، فلما كان الأمر يدل على الجواز والصحة، وجب أن يدل النهي على عدمهما ووجوب ضدهما، وهو البطلان والفساد، وقيل: إنما يقتضيه بدليل الشرع، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من عمل عملا ليس على أمرنا فهو رد» . فوجب أن يرد كل بيع نهى عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما لم تقترن به قرينة تدل على جوازه، وأما تفرقة ابن القاسم في رواية عيسى عنه، فلا يحملها القياس؛ لأنه جعل النهي مقتضيا للفساد في بيع الحاضر للبادي، ولم يجعله مقتضيا له في البيع من التلقي، فهي استحسان، ووجهها أن النهي عن أن يبيع حاضر لباد متناول للبيع نصا، والنهي عن تلقي الركبان لا يتناول البيع نصا، وإنما يتناوله بالمعنى، ولا يقوى المعنى قوة النص، مع أنه قد اختلف في فساد البيع بمجرد النص، وكذلك قول من قال: إن البيوع المطابقة للنهي دون أن يخل فيها شرط من شروط صحتها تفسخ ما لم تفت، فإن فاتت مضت بالثمن هو استحسان على غير قياس. وتحصيل الاختلاف في هذا النوع من البيوع أن نقول فيها ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن البيع يفسخ فيها كلها. والثاني: أنه لا يفسخ في شيء منها. والثالث: أنه يفسخ فيما تناول النهي فيه منها البيع نصا، ولا يفسخ فيما تناوله منها بالمعنى. واختلف على القول بأنه يفسخ إلى أي حد يفسخ؟ فقيل: إنه إنما يفسخ ما كان قائما، فإن فات بما يفوت به البيع الفاسد مضى بالثمن، وقيل: إنه يفسخ في القيام، ويرد إلى القيمة في الفوات، واختلف على القول بأنه لا يفسخ، هل يكون فيه حق لمن كان النهي بسببه أم لا؟ كالنهي عن تلقي الركبان، وعن أن يبيع حاضر لباد؛ لأن المعنى في النهي عن ذلك إنما هو الرفق على أهل الحاضرة عند مالك وجميع أصحابه. فقيل: إن له في ذلك حقا، وتعرض السلعة في التلقي على أهل الحاضرة في السوق بالثمن، فإن قبلوها وإلا ردت عليه،

للحق الذي لهم في ذلك، ويكون المشتري في بيع الحاضر للبادي بالخيار بين أخذها وردها، إن لم يعلم أن حاضرا باعها منه للحق الذي له في ذلك أيضا. وقيل: إنه لا حق له في ذلك، فلا تعرض السلعة في التلقي على أهل السوق، ولا يكون للمشتري من البادي إذا باع منه حاضر، ولم يعلم خيار في ردها. وقد حكى ابن حبيب أن بيع الحاضر للبادي يفسخ؛ لأن عقده وقع بما نهى عنه رسول الله إلا أن يشاء المشتري أن يتمسك، قال: وهو قول مالك، وقوله بعيد خارج عن الأصول؛ لأن العقد إذا كان فاسدا بالنهي، فلا يجوز للمشتري التمسك به، وإنما الكلام إذا لم يكن فاسدا بالنهي على القول بأن النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه، فقيل: إنه يلزم المشتري ولا خيار له، وقيل: إنه يكون بالخيار إذا لم يعلم أن حاضرا باع منه على ما ذكرناه. وقد ذهب بعض الشيوخ إلى أن يجعل قول ابن حبيب مفسرا لرواية أصبغ وعيسى عن ابن القاسم في هذا الرسم، وذلك غير صحيح؛ لأنه قد نص فيها أنه بيع حرام؛ لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عنه، فكيف يصح أن يقال في البيع الحرام: إن المشتري فيه بالخيار، فرواية سحنون عن ابن القاسم مخالفة لرواية عيسى وأصبغ عنه في ثلاثة مواضع؛ أحدها: أن بيع الحاضر للبادي لا يفسخ. والثاني: إيجاب الأدب فيه، وفي بيع التلقي إذا لم يعذر بجهل؛ لأن ابن القاسم في رواية عيسى وأصبغ عنه لا يرى في ذلك الأدب، إلا أن يكون معتادا بذلك، وهو قول ابن وهب في رواية زونان عنه. والثالث: ما ذكرته من تعارض قوله في وجوب عرض السلعة في التلقي على أهل السوق. وأما قوله في رواية أصبغ في أهل نبا وأبو صير أنهما كورتان من كور أهل مصر، فهما كأهل المدائن في جواز البيع لهم، فقد مضى الاختلاف في ذلك، والقول فيه في رسم حلف، وفي رسم تأخير صلاة العشاء، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

مسألة: الحضري يأتي البدوي في باديته فيسأله عن سعر السوق هل يخبره

[مسألة: الحضري يأتي البدوي في باديته فيسأله عن سعر السوق هل يخبره] مسألة قال زونان: وسئل أشهب عن الحضري يأتي البدوي في باديته، فيسأله عن سعر السوق - سوق السلع - هل ترى للحضري أن يخبره ويشير عليه؟ قال: لا أرى ذلك، وسألت عنها ابن وهب فقال لي مثله. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ إذ لا فرق بين أن يخبره بذلك في باديته، أو في الحاضرة إذا قدم، وقد مضى القول على ذلك في رسم حلف، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: هل للحاضر أن يبيع سلعة البادي للضرورة] مسألة وسئل أشهب وأنا أسمع عن رجل من أهل البادية أتى بسلعة إلى الحضر، فعرضت له علة؛ هل ترى للحاضر أن يبيع سلعته؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا أصابته علة يقدر على أن يتربص ببيع سلعته حتى تذهب علته، أو يدفع إلى من قدم معه من أهل البادية يبيعها له، إلا أن تكون من السلع التي تفسد إن بقيت، وليس معه من جيرانه ورفقائه من أهل البادية من يتولى بيعها له، فتكون هذه ضرورة تبيح للحاضر بيعها له إن شاء الله، وبالله التوفيق. [: حكم بيع أشياء يغش بها المسلمون] ومن كتاب أوله الرهون وسئل ابن القاسم عن بيع أشياء يغش بها المسلمون، قال:

: غش النساء يصنعنه فيضعنه على رءوسهن ثم ينزعنه كهيأة القلنسية ولكنه شعر

ما كان من ذلك ليس له وجه إلا الغش، فلا أحب لأحد أن يبيعه، وما كان من ذلك فيه منفعة؛ فمن أراد أن يغش به أحدا، فلا بأس أن يبيعه ممن لا يدري ما يصنع به، فإذا علم أنه يريد به الغش فلا يبيعه منه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن ما كان لا منفعة فيه إلا الغش به، فلا يجوز بيعه على حال، وذلك بخلاف الدرهم المغشوش بالنحاس؛ لأنه يمكن أن يسيله فيجعل فضته على حدة، ونحاسه على حدة، فيجوز أن يبيعه ممن يكسره، وممن يعلم أنه لا يغش به إلا على اختلاف ضعيف، ويكره أن يبيعه ممن لا يأمن أن يغش به، ويختلف هل يجوز أن يبيعه ممن لا يدري ما يصنع به، فأجاز ذلك ابن وهب وجماعة من السلف، ولم يجزه ابن القاسم، وقد مضى القول على ذلك كله في رسم النسمة، من سماع عيسى، من كتاب الصرف، وأما ما كان فيه منفعة، ويمكن أن يغش به، فجائز أن يباع ممن لا يدري ما يصنع به، ويكره أن يباع ممن يخشى أن يغش به، ولا يجوز أن يباع مما يعلم أنه يغش به، وبالله التوفيق. ٍ [: غش النساء يصنعنه فيضعنه على رءوسهن ثم ينزعنه كهيأة القلنسية ولكنه شعر] ومن كتاب الجواب وسألته عن الغش غش النساء يصنعنه، فيضعنه على رءوسهن، ثم ينزعنه كهيأة القلنسية، ولكنه شعر، قال ابن القاسم: لا خير في ذلك كان من شعر أو وبر، فإن النساء يضعنه من وبر الإبل كما زعموا فلا خير فيه، كان من شعر أو وبر، قيل لأصبغ: فشيء يعمله النساء في رءوسهن يسمينه النونة، أترى به بأسا؟ قال: ما

مسألة: خلط اللحم السمين بالمهزول

أرى به بأسا ما لم يعظمنه جدا كأسنة البخت العجاف، فهي إذا عظمت شبيهة بذلك، فأما ما كان مقتصدا، فلا بأس بذلك كان شكل النساء عندنا قديما ثم تركنه، وأراه من شكل نساء العرب قديما. قال محمد بن رشد: أما الغش الذي ذكر أن النساء يضعنه، فالكراهة فيه بينة؛ لأنه القصة المنهي عنها في حديث معاوية؛ إذ خطب الناس بالمدينة، فتناول قصة من شعر كانت بيد حرسي، فقال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن مثل هذه، وقال: «إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم» ، وهي شبه الجمة من الشعر أو الوبر، تضعها المرأة التي لا شعر لها، أو التي لها شعر لطيف على رأسها تراءى به أنه شعرها، وقد لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الواصلة والمستوصلة، هذا من ذلك المعنى. وإنما النونة التي لم ير بها أصبغ بأسا للمرأة ما لم تعظمه جدا حتى يكون كسنام البعير الأعجف، فهو شيء كان النساء يصنعنه فيضعنه على رءوسهن تحت أخمرتهن هيئة من هيئاتهن، لا تشبه به أنه شعرها، فلا وجه للكراهة فيه، وإنما كره ما عظم منه لخروجه عن شكل نساء العرب، وكونه تشبه شكل نساء العجم، والتزيي بزي العجم مكروه للنساء كما هو للرجل، فهذا وجه قوله عندي، والله أعلم. [مسألة: خلط اللحم السمين بالمهزول] مسألة وسئل عن الجزار يكون عنده اللحم السمين، واللحم

المهزول فيخلطهما جميعا فيبيعها بوزن واحد مخلوطا، والمشتري يرى ما فيه من المهزول والسمين، غير أنه لا يعرف وزن هذا من هذا، قال ابن القاسم: إذا كانت الأرطال اليسيرة الخمسة والستة، ومثل ما يشتري الناس على المجاز بالدرهم والدرهمين ونحو ذلك، فلا أرى به بأسا، وإن كثرت الأرطال مثل العشرين والثلاثين وما أشبه ذلك فلا خير فيه، وأرى أن يمنع الجزارون من مثل هذا أن يخلطوا السمين والمهزول، وأراه من الغش، ولا أرى ذلك يجوز لهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن البيوع لا تنفك عن الغرر اليسير فهو مستخف فيها مستجاز، ومن الدليل على ذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع الغرر،» والبيع لا يوصف بأنه بيع غرر حتى يكون الغرر ظاهرا فيه وغالبا عليه، وإنما يجوز شراء الأرطال اليسيرة من اللحم المخلوط السمين بالمهزول إذا اشتراه كله، فرأى ما فيه من السمين والمهزول، وإن لم يعرف حقيقة ما يقع من هذا؛ لأن الغرر في هذا خفيف يسير، فأما إن كان إنما يشتري منه وزنا معلوما على أن يعطيه إياه من السمين والمهزول وهو لا يدري قدر ما يعطيه من كل واحد منهما، ولا يراه حتى يزنه فلا يجوز قليلا كان أو كثيرا، إلا أن يقع شراؤه على أنه في الخيار فيه حتى يفرزه ويزنه، وعلى هذا المعنى يجوز عندنا شراء التين الأخضر على العد؛ لأنه لو اشترى منه من جملة تينه مائة تينة في التمثيل على أن يعدها له البائع، أو على أن يعدها المبتاع لنفسه ليختارها لم يجز

مسألة: خلط الزيت الرديء بالجيد

لأن البيع إن وقع بينهما على أن يعدها له البائع كان غررا، إذ لا يدري المبتاع ما يعطيه البائع لأنه يتفاوت تفاوتا بعيدا في الصغر والكبر والنضج والطيب، وإن وقع بينهما على أن يعدها المبتاع لنفسه ويختار دخله التفاضل فيما لا يجوز التفاضل فيه، وبيع الطعام قبل استيفائه؛ لأنه مخير بين أن يأخذ الصغير أو الكبير فكأن قد باع أحدهما بالآخر، فلا يجوز البيع في ذلك إلا على أن يكون المبتاع بالخيار حتى (يعد) له ما يعد فإن رضي أخذ وإلا ترك، وهذه المسألة تحمل على جواز صبرتين صغيرتين مختلفتين في الجودة، أو في النوع على كل واحد، فإن كانتا كبيرتين لم تجز لأنه خطر، إذ لا يدرى قدر ما في كل واحدة، فإن كثرت الجيدة غبن البائع، وإن قلت غبن المشتري، فإن صغرتا حتى يعلم قدر كل واحدة جاز على ما قال في اللحم، فهو قياسه، وبالله التوفيق. [مسألة: خلط الزيت الرديء بالجيد] مسألة وسألته: عن الرجل يخلط الزيت الرديء بالجيد، والقمح الرديء بالجيد، هل يحل شيء من هذا؟ قال ابن القاسم: لا خير في هذا ولا يحل، وهذا من الغش فلا يحل، وإن كان يريد أن (يبين) إذا باع فلا خير في ذلك، ولا يحل له خلطه، ولا أدري كيف سألت عن هذا؟ وقال لي مالك مرة في شيء سألته عنه: أنت حتى الساعة هاهنا تسأل عن مثل هذا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن خلط الجيد بالرديء للبيع من الغش الذي لا يجوز لأحد أن يفعله، وإن بين عند البيع أنه مخلوط،

وينبغي للإمام أن يمنع منه ويضرب عليه، فإن فعل كان للمشتري أن يرد وإن بين أنه مخلوط جيد برديء، إلا أن يبين مقدار الرديء الذي خلطه بالجيد وصفتهما جميعا قبل الخلط حتى يستوي علمهما فيه، فلا يكون للمشتري حينئذ أن يرد، ويكون هو قد باء بالإثم في خلطه، إذ قد يغش به غيره؛ لأنه مما يمكن الغش به، وإنما يجوز له أن يبيعه على هذا البيان التام ممن يعلم أنه لا يغش به، أو ممن لا يدري ما يصنع به، ويكره له أن يبيعه ممن يخشى أن يغش به، ولا يجوز له أن يبيعه ممن يعلم أنه يغش به على ما مضى القول فيه في رسم الرهون. وهذا في الصنف الذي يختلط ولا يمتاز بعد الخلط جيده من رديئه كالزيت والسمن والعسل وشبه ذلك، وأما الصنفان اللذان يمتازان بعد الخلط إلا أنه لا يعلم مقدار كل واحد منهما من صاحبه كالقمح والشعير، أو السمن والعسل أو الغلث والطعام وما أشبه ذلك فإن كان أحد الصنفين منهما يسيرا جدا تبعا لصاحبه جاز أن يبيع ولا يبين؛ لأن المشتري يراه ويعرفه، وإن لم يكن أحدهما يسيرا ولا تبعا لصاحبه، فلا يخلو من أن يكون يمكن تمييزه أو لا يمكن تمييزه، فإن كان مما يمكن تمييزه كالغلث مع الطعام، واللحم السمين مع المهزول وما أشبه ذلك، فلا يجوز أن يباع الكثير من ذلك على ما هو عليه حتى يميز أحدهما عن صاحبه، ويجوز أن يباع القليل منه على ما هو عليه على ما قاله في المسألة التي قبل هذه في اللحم السمين والمهزول، وإن كان مما لا يمكن تمييز أحدهما من صاحبه كالسمن من العسل، والقمح من الشعير، والماء من اللبن، وما أشبه (ذلك) ممن يأكله ويؤمن أن يغش به. قاله ابن حبيب في الواضحة في اللبن والعسل المغشوش بالماء، وقيل: إن ذلك لا يجوز، وهو قول مالك في الواضحة. وكتاب ابن المواز: أن من خلط قمحا بشعير لقوته فيكره له أن يبيع ما فضل له منه، يريد إلا أن يبين مقدار الشعير فيه من القمح، وقيل: إن كان خلطه للبيع لم يجز أن يبيعه، وإن كان خلطه للأكل جاز له أن يبيعه، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن

مسألة: البدوي يبعث للحضري بمتاع يبيعه له هل يصح

المواز، وقيل: إنه لا يجوز له أن يبيعه إلا أن يكون يسيرا خلطه للأكل، وهو قول مطرف وابن الماجشون في الواضحة، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: البدوي يبعث للحضري بمتاع يبيعه له هل يصح] مسألة وسألته: عن البدوي يبعث إلى الحضري بمتاع يبيعه له، هل يصلح له ذلك؟ قال ابن القاسم: لا يصلح أن يبيعه له، ولا يشير عليه في البيع إن قدم، ولا بأس أن يشير عليه في الاشتراء، وأن يشتري له، وأن يجهز له عليه، ورواها أصبغ، وقال: لا بأس أن يشتري لرسوله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إنه لا يجوز له أن يبيع له متاعه الذي بعث به، كما لا يجوز (له) أن يبيعه له إذا قدم به؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى أن يبيع حاضر لباد» (فعم) ولم يخص حاضرا من غائب، فوجب أن يحمل على عمومه (في الوجهين) الاشتراء لرسوله يجوز كما يجور الاشتراء له، وقد مضى القول على ذلك في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: لا بأس أن يقطع الرجل الدنانير والدراهم حليا لنسائه] ومن كتاب القطعان وقال ابن القاسم: لا بأس أن يقطع الرجل الدنانير والدراهم حليا لبناته ونسائه، وقال ابن وهب مثله.

مسألة: الذي يعمل الدوامات للصبيان يبيعها منهم

قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الكراهية في قطع الدنانير إنما هي لما يوجب ذلك من فساد النقود التي يبتاع الناس بها، وقد مضى في رسم شك في طوافه، ورسم تأخير العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف بيان ما لا يجوز من ذلك (وما يكره) وما يجوز منه وما يتفق عليه من ذلك، وما يختلف فيه، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك هاهنا، فقطعها ليعمل منها حلي خارج عن ذلك كله جائز باتفاق، ولا وجه للكراهية فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يعمل الدوامات للصبيان يبيعها منهم] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الذي يعمل الدوامات للصبيان يبيعها منهم، فقال: أكرهها له. قال محمد بن رشد: إنما كره ذلك له من أجل بيعه إياها من الصبيان، ولا يدري هل أذن لهم في ذلك آباؤهم أم لا؟ إلا أنه لما كان الأظهر أنهم مطلقون على ذلك ليسارة ثمنه، كرهه ولم يحرمه، ولو علم رضا آبائهم بذلك لم يكن لكراهيته وجه، وإن اللعب مباح لهم لا يمنعون منه، قال ذلك ابن شعبان وهو صحيح، لقول الله تعالى، حاكيا عن إخوة يوسف لأبيهم في يوسف أخيهم: (أرسله معنا غدا نرتع ونلعب) ، وبالله التوفيق. [: السوق وما يباع فيه هل يقوَّّّّّّّّّم على أهله] ومن كتاب أوله باع شاة وسئل عن السوق وما يباع فيه، هل يقوم على أهله؟ قال ابن القاسم؛ قال مالك: لا يقوم عليهم شيء، وإنما يصنع فيه

: الأجذم الشديد الجذام أيحال بينه وبين وطء رقيقه

كما صنع عمر بن الخطاب بحاطب بن أبي بلتعة، قلت: فالبقول والكراث والبصل والزيت والعسل واللحم وجميع الأشياء لا يقوم عليهم شيء من ذلك؟ قال: لا، قلت: لا على أصحاب الحوانيت ولا على غيرهم؟ قال: نعم، لا على أصحاب الحوانيت ولا غيرهم، وإنما يقال لمن حط السعر وأدخل على الناس فسادا: إما أن تلحق بأسعار الناس وإما أن ترفع من سوقنا. قلت: فلو أن واحدا قام واللحم ثلاثة أرطال فباع أربعة، هل يقام له الناس؟ قال: لا يقام له الناس، لا لواحد ولا لاثنين ولا لثلاثة ولا لأربعة ولا لخمسة، ولو رفع لواحد لاشترى سلع الناس بحكمه، إذ لا يبيع معه أحد، فيدخل على الناس في ذلك ضرر، ولكن يبيع هو ويبيع الناس معه، ولا يقام لواحد، وإنما يقام الواحد والاثنان إذا كان جل الناس على سعر، فقام الواحد أو الاثنان فحطوا من السعر فأدخلوا الفساد فأولئك يقامون من السوق أو يلحقون بسعر الناس. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق. [: الأجذم الشديد الجذام أيحال بينه وبين وطء رقيقه] ومن كتاب العتق وسئل ابن القاسم: عن الأجذم الشديد الجذام، أيحال بينه وبين وطء رقيقه؟ فقال: نعم، إذا كان في ذلك ضرر، رأيت أن يمنع من ذلك، وإنما فرق بينه وبين الحرة حين حدث ذلك به،

وهي عنده لموضع الضرر، وسئل عنها سحنون غير مرة، فقال: لا أرى أن يحال بين الأجذم ووطء إمائه. (قال محمد) بن رشد: قياس ابن القاسم الأمة في هذا على الحرة صحيح، فهو أظهر من قول سحنون، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا عدوى ولا هام ولا صفر ولا يحل الممرض على المصح وليحل المصح حيث شاء"، قالوا: يا رسول الله، وما ذاك؟ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنه أذى» ، وما نهى عنه رسول الله، وقال فيه: إنه أذى فالمنع منه واجب، وقد مر عمر بن الخطاب بامرأة مجذومة وهي تطوف بالبيت، فقال لها: "يا أمة الله، لا تؤذي الناس لو جلست في بيتك " فجلست. وإذا وجب بهذا وما أشبهه من الأحاديث أن يحال بين المجذومين وبين اختلاطهم بالناس لما في ذلك من الإذاية لهم والضرر بهم كان منع الرجل المجذوم من وطء إمائه أوجب؛ لأن الضرر بذلك عليهن أكثر، ووجه قول سحنون إن المجذوم يحتاج إلى النساء، فرأى الضرر الداخل على المجذوم في ترك وطء إمائه أكثر من الضرر الداخل

: الإجبار على هدم الجدار المائل

عليهن في وطئه إياهن، إذ قد يئول ذلك به إلى العنت، فرأى ألا يحال بينه وبين ذلك لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا اجتمع ضرران نُفِيَ الأصغر للأكبر» ، وبالله التوفيق. [: الإجبار على هدم الجدار المائل] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن جدار رجل بين داره ودار جاره مال ميلا شديدا حتى خيف انهدامه، أترى للسلطان إذا شكا، ذلك (جاره) وما يخاف من ضرره وإذائه أن يأمر صاحبه بهدمه؟ فقال: نعم، ذلك واجب عليه أن يأمره بهدمه، قلت: فعلى من بنيانه؟ قال: يقال لجاره إن شئت فاستر على نفسك أو دع، ولا يجبر صاحب الجدار على بنيانه، قيل له: أيبني جاره ما يستتر به في موضع الجدار؟ فقال: ليس ذلك له، وإنما يقال له: إن شئت أن تبني في أرضك وحوز دارك وتستر وإلا فدع. قيل: فإن شكا إليه ما يخاف من انهدام الجدار فلم يهدمه حتى انهدم على إنسان أو دابة أو بيت لضيق به، فقتل أو هدم ما سقط عليه أيضمن ذلك صاحب الجدار؟ قال: نعم، يضمن كل ما أصاب الجدار بعد الشكاية إليه والبيان له. قال يحيى: وإن لم يكن ذلك بسلطان فإنه ضامن إذا تقدم إليه وأشهد عليه. قال محمد بن رشد: قوله إن الحائط إذا هدمه بأمر السلطان خوف سقوطه أنه لا يلزمه إعادته، خلاف قوله في سماع يحيى من كتاب الأقضية، ومثل قوله في رسم إن خرجت من سماع عيسى منه، وقد مضى

: الرجل يفتح في جداره الكوة إلى الدار فيحجبها آخر

هناك تحصيل القول في هذا المعنى فلا وجه لإعادته. وقول يحيى إنه ضامن لما أفسد الحائط إن انهدم بعد التقدم إليه والإشهاد عليه، وإن لم يكن ذلك بسلطان مفسر لقول ابن القاسم، ومثل ما في المدونة. وقد قيل: إنه لا ضمان عليه إلا فيما فسد بانهدامه بعد أن قضى عليه السلطان بهدمه ففرط في ذلك، وهو قول عبد الملك، وقول ابن وهب في سماع زونان بعد هذا من هذا الكتاب، وقد قيل: إنه ضامن لما أصاب إذا تركه بعد أن بلغ حدا كان يجب عليه هدمه وإن لم يتقدم في ذلك إليه ولا أشهد عليه، وهو قول أشهب وسحنون. وما أصاب الجمل الصئول والكلب العقور في الموضع الذي يجوز اتخاذه فيه يجري على هذا الاختلاف، والضمان في ذلك لا يتعدى المال إلى العاقلة عند ابن القاسم، كذلك روى عيسى عنه في رسم لم يدرك من كتاب الديات، وهو ظاهر قوله في ظاهر هذه الرواية، وروى زونان في سماعه عن ابن وهب أن العاقلة تحمل من ذلك الثلث فصاعدا، وهو قول مالك، رواه عنه أشهب وابن عبد الحكم، وبالله التوفيق. [: الرجل يفتح في جداره الكوة إلى الدار فيحجبها آخر] ومن كتاب المدينين قال: وسئل: عن الرجل يفتح في جداره الكوة إلى الدار أو الزقاق للضوء والشمس فيبني رجل آخر جداره فيرفعه حتى تظلم تلك الكوة أو لا تدخلها الشمس. قال مالك: ذلك له، لا يحال بينه وبين ذلك، ولو كان ذلك لا يجوز كان أول ما يفتح الكوة تسد عليه. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة،

: الذي يبيع على بيع أخيه أو يخطب على خطبته

وفي ذلك اختلاف قد مضى تحصيله وذكره في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الأقضية فأغنى ذلك عن إعادة ذكره هاهنا، وبالله التوفيق. [: الذي يبيع على بيع أخيه أو يخطب على خطبته] ومن سماع سحنون من ابن القاسم قال سحنون: سألت ابن القاسم: عن الذي يبيع على بيع أخيه، أو يخطب على خطبة أخيه، أو يتلقى الركبان فيشتري منهم، أو يبيع حاضر لباد. قال: أما إذا باع على بيع أخيه أو خطب على خطبة أخيه لم أر أن يفسخ، ورأيته أن يؤدب صاحب هذا، وأما أن يبيع حاضر لباد، فأرى أن يمضي البيع وأن يؤدب أهله، وأما إذا تلقى الركبان فإني أرى أن تعرض السلعة على أهل الأسواق بالثمن الذي اشتراها به، فإن أخذوها وإلا ردوها عليه، ولم أردها على بائعها، وأؤدبه ضربا وجيعا إلا أن يغرر بالجهالة، وقال غيره: تفسخ هذه الأشياء كلها وترد السلع على أربابها. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم يوصي من سماع عيسى فلا معنى لإعادته مرة أخرى، وبالله التوفيق. [مسألة: بيع العنب ممن يعصره خمرا] مسألة وسئل: عن الذي يبيع العنب ممن يعصره خمرا أو يكري حانوته ممن يبيع الخمر، أو يكري دابته إلى الكنيسة، أو يبيع شاته ممن يذبحها لأعياد النصارى، قال: أما بيع العنب من يعصره خمرا، أو كراء البيت ممن يبيع الخمر، فأرى أن يفسخ

الكراء ويرد البيع ما لم يفت، فإن فات تم البيع ولم أفسخه، وأما كراء الدابة، وبيع الشاة فإنه يمضي ولا يرد، وقد اختلف في كراء الدابة قول مالك، فمن ثم رأيت له ذلك. وبلغني عن أشهب أنه سئل عن الذي يبيع كرمه من النصراني، فقال: أرى أن تباع على النصراني، بمنزلة شرائه العبد المسلم. قال محمد بن رشد: إنما قال في الذي يبيع العنب ممن يعصره خمرا أو يكري حانوته ممن يبيع فيه الخمر إن الكراء يفسخ، والبيع يرد ما لم يفت، فإن فات مضى ولم يفسخ، من أجل أنه بيع وكراء لا غرر فيه ولا فساد في ثمن ولا مثمون، فأشبه البيع الذي طابقه النهي، كالبيع يوم الجمعة بعد النداء، وبيع الحاضر للبادي، وما أشبه ذلك من البيوع التي لا تجوز مع سلامتها من الغرر والمجهول، فيدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في هذه البيوع، قيل: إنها تمضي بالثمن إذا فاتت، وقيل: إنها ترد إلى القيمة، وقيل: إنها لا تفسخ وإن كانت قائمة. فعلى قياس هذا القول لا يفسخ بيع العنب ممن يعصر خمرا، ولا كراء الحانوت ممن يبيع فيه الخمر وإن أدرك قبل الفوت، فإن كان المشتري نصرانيا منع من بيع الخمر في الحانوت، وبيع عليه العنب، وإن كان مسلما منع من جميع ذلك ولم يفسخ منه شيء، وقال: إن البيع إذا فات تم ولم يفسخ، ولم يتكلم على ما يجب على البائع والمكري في الثمن والكراء، فأما ثمن العنب فيسوغ له، إلا أن يكون ازداد فيه بسبب بيعه للعصر فيجب أن يتصدق بالزيادة، وأما الكراء فيتصدق بجميعه، قيل: لأنه لا يحل له كثمن الخمر، وقيل: أدبا له، لا من أجل أنه عليه حرام كثمن الخمر، وهو ظاهر هذه الرواية. وسواء في العنب باعه ممن يعصره خمرا بتصريح، أو باعه منه وهو يعلم أنه يعصره خمرا. وأما كراء البيت فقال ابن حبيب فيه:

: الوالي يلي بعد وال آخر كان قبله فيزيد في المكائل

إنه إن أكراه وهو يعلم أنه يبيع فيه الخمر لهم، يفسخ الكراء بخلاف العنب، والفرق بينهما عنده أن العنب يغاب عليه فلا يمكن (منعه) من عصره، بخلاف بيع الخمر في الحانوت، وقال ابن القاسم: يفسخ الكراء في الحانوت إذا أكراه وهو يعلم أنه يبيع فيه الخمر، كما يفسخ البيع في العنب إذا باعه ممن يعلم أنه يعصر خمرا، وقد مضى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح والصيد وجه اختلاف قول مالك في كراء الدابة وبيع الشاة والحكم في ذلك إذا وقع، فمن أحب الوقوف عليه هناك تأمله هناك، وقياس بيع الكرم من النصراني على بيع المسلم منه صحيح قاسه أشهب عليه، فقال: إنه يباع عليه على مذهبه في أنه يباع عليه العبد المسلم إذا اشتراه ولا يفسخ فيه البيع، وقاسه سحنون عليه في نوازله من كتاب جامع البيوع فقال: إن البيع يفسخ على مذهبه في أنه إذا اشترى العبد المسلم فسخ البيع فيه، وبالله التوفيق. [: الوالي يلي بعد وال آخر كان قبله فيزيد في المكائل] ومن سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم قال محمد: سألت ابن القاسم: عن الوالي يلي بعد وال آخر كان قبله فيزيد في المكائل، قال: إن كان في ذلك للمسلمين نظر بموافقة حق لا يكره الناس على البيع به فلا أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إنه إذا كان في ذلك نظر للمسلمين بموافقة حق كان له أن يفعله، وأما قوله: لا يكره الناس على البيع به ففيه نظر؛ لأن له أن يحمل الناس على التبايع به إذا رأى ذلك نظرا للمسلمين، فمعنى قوله لا يكره الناس على البيع به، أي: لا يحجره جملة حتى لا يجيز لأحد بيعا إلا به، وبالله التوفيق.

مسألة: الدابة الصئول تعدو على الصبي المملوك فتقتله

[مسألة: الدابة الصئول تعدو على الصبي المملوك فتقتله] مسألة من سماع عبد الملك بن الحسن قال عبد الملك: سألت ابن وهب: عن الدابة الصئول تعدو على الصبي المملوك فتقتله، وقد كان جيران صاحب الدابة شكوا إلى صاحبها أمر دابته وما كانوا خافوا منها على صبيانهم وأنفسهم قبل ذلك، وتقدموا واستنهوا منها فلم يبعها حتى عدت على صبي مملوك فقتلته، أو كانت مربوطة أو أفلتت من رباطها فقتلت الصبي، أو كان سلطان تقدم إلى صاحب الدابة حين استنهى جيرانه منها، وقال له: إن آذت بعد يومها هذا ضمنتك ما آذت فيه، فهل الأمران واحد إذا قدم السلطان إليه أو جيرانه أو أشهدوا عليه؟ وهل يضمن صاحب الدابة ما عقرت دابته بعد هذا؟ فقال: الدابة الصئول عندي في هذا بمنزلة الكلب العقور، لا ضمان على ربها حتى يتقدم إليه السلطان، فإذا تقدم إليه بعد المعرفة بالصئول والعقر فلم يحبسها عن الناس، أو يغربها عنهم فعقرت ضمن، وهو قول مالك في الكلب على ما وصفت لك، فإن كان دون الثلث ففي ماله، وما كان الثلث فصاعدا حملته العاقلة، وهو من الخطأ إن كان المعقور حرا، وإن كان عبدا ففي مال رب الدابة والكلب على كل حال. وقول أشهب: لا ضمان على صاحب الدابة على أي الوجوه، كان تقدم السلطان إليه أو استنهى جيرانه (منه) .

مسألة: وجد في زرعه مهرين فساقهما إلى داره فأدخلهما داره فتلفا

قال محمد بن رشد: قوله: لا ضمان على صاحبها حتى يتقدم إليه السلطان خلاف ما في المدونة وخلاف ما مضى في سماع يحيى قبل هذا من أنه يضمن إذا أنهى إليه وأشهد عليه وإن لم يكن ذلك بسلطان، وقيل: إنه ضامن وإن لم يتقدم إليه ولا أشهد عليه، قاله أشهب وسحنون في الحائط إذا بلغ مبلغا يجب عليه هدمه فتركه، وكذلك يجب على مذهبهما في الدابة الصئول والكلب العقور إذا علم بحالهما فلم يغربهما ولا حبسهما حتى عديا على أحد فقتلاه. وقول أشهب هاهنا (في الدابة) قول رابع في المسألة. ووجهه: أنه حمل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جرح العجماء جبار» على عمومه في كل حال. وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا حبس الدابة الصئول حيث يجوز له حبسها فيه، واتخذ الكلب العقور حيث يجوز له اتخاذه فيه، وأما إن اتخذ الكلب العقور أو حبس الدابة الصئول حيث لا يجوز له فهو ضامن لما أصابا، وإن لم يتقدم إليه قولا واحدا، وقد مضى في سماع يحيى ذكر الاختلاف في هل تحمل العاقلة من ذلك في الأحرار ما بلغ الثلث، فلا معنى لإعادته. [مسألة: وجد في زرعه مهرين فساقهما إلى داره فأدخلهما داره فتلفا] مسألة قال: وسألت ابن وهب: عن رجل وجد في زرعه مهرين فساقهما إلى داره فأدخلهما داره، فلما كان من جوف الليل خرقا داره أو خرقا زرب الدار فخرجا منها فعقرتهما السباع، فهل يضمنهما الذي ساقهما إلى داره؟ أو إن كانا في داره وعقرهما

مسألة: الرجل يبني في داره غرفة فيفتح لها بابا على دار جاره فيشتكي جاره

السبع في الدار أيضمنهما صاحب الدار؟ قال: أراه ضامنا إذا عقرا أو أصيبا في الأمر الذي سببه وأصله منه، ولم يكن له سوقهما وحبسهما في داره، وإنما له إتيان السلطان إذا كان السلطان قريبا والاستنهاء إلى صاحبهما أو ردهما عن زرعه، فإذا ترك ذلك وساقهما إلى داره وربطهما أو حبسهما فأراه متعديا، وأرى عليه ضمانهما إن أصيبا في ذلك، وقال أشهب: فهو ضامن لهما أبدا حتى يرجعا إلى صاحبهما ماتا في داره أو عقرا خارجا من داره. قال محمد بن رشد: قول أشهب مثل قول ابن وهب، فلو قال فيه وقال أشهب مثله لكان أحسن، والمسألة كلها بينة لا موضع للقول فيها إلا قوله: إنما له إتيان السلطان إن كان السلطان قريبا. فمعناه: إذا كان الإذاء والرعي في الليل أو بالنهار في موضع لا يصح إهمال الأنعام والمواشي فيها دون راع يذودها. وأما إذا كان ذلك بالنهار في موضع لأصحاب المواشي إهمال مواشيهم فيه دون رعاة يرعونها وذواد يذودونها، فليس له إتيان السلطان ولا رفع الأمر إليه؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن على أهل الحوائط والزرع حفظهما بالنهار، وأن على أهل المواشي حفظها بالليل، فما أفسدت فيه ضمنوه، وقد مضى بيان هذا والقول فيه في رسم كتاب الأقضية لابن غانم من سماع أشهب من كتاب الأقضية فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يبني في داره غرفة فيفتح لها بابا على دار جاره فيشتكي جاره] مسألة قال: وسألت ابن وهب: عن الرجل يبني في داره غرفة فيفتح لها بابا على دار جاره فيشتكي جاره ضرورة ذلك الباب، هل يمنع صاحب الغرفة من ذلك الباب ويؤمر بسده أم لا؟ قال: إن كان فتحه الباب مضرا لجاره مثل أن يكون ليس له مصرف ولا مدخل

ولا مخرج إلا بالتشريف عليه والنظر في منزله والتطلع على عياله منع ولم يكن له فتحه. وإن كان ليس كذلك، وإنما هو أمر يخاف أن يتطلع منه، وليس على ما وصفت لك لم يمنع من ذلك، وقيل له: استر على نفسك إن شئت، أو يعلم ما قلت من تطلعه فيمنع من ذلك ويزجر عنه ويؤدب عليه بعد التقدمة ولا يغلق بابه على حال، وإنما ذلك بمنزلة ظهر القصر وسطحه، والبنيان يرفعه عليه فيحتج أيضا فيقول: أخاف أن يتطلع عليَّ منه، أو الكوة يفتحها الرجل في منزله للضوء والروح فيحتج بمثل ذلك فليس له في ذلك حجة إذا كان على ما وصفت لك. وقال أشهب: إذا كان يناله المار فأرى أن يمنع من ذلك حتى يرفع بقدر ما لا يناله، وإن نظر منه المار لم يكن ذلك له، فإن تطلع منه أو تشرف لغير حاجة فإنه يمنع من ذلك. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب إن كان فتحه الباب مضرا بجاره مثل أن يكون ليس له مصرف ولا مدخل إلا بالتشريف عليه والنظر في منزله والتطلع على عياله منع، هو مثل قول أشهب إن كان يناله المار فأرى أن يمنع، ومثل ظاهر ما في كتاب حريم البير من المدونة على معنى ما جاء عن عمر بن الخطاب أنه كتب في ذلك أن يوضع وراء تلك الكوة سرير ويقوم عليه رجل فإن كان ينظر إلى ما في دار الرجل منع من ذلك، وإن كان لا ينظر لم يمنع من ذلك؛ لأن الأسرة مما يتخذها الناس في بيوتهم، فإذا كان من قام عليها اطلع على جاره منع من ذلك، فالمعنى في هذا كله أن ما كان من الاطلاع لا يصل إليه المطلع إلا بكلفة ومئونة وقصد إلى الاطلاع بتكلف صعود لا وجه له إلا ذلك لم يمنع من ذلك،

وقيل للذي يشكو الاطلاع: استر على نفسك، فإن أثبت عليه أنه اطلع عليه بقصد إلى ذلك كان حقا على الإمام أن يؤدبه على ذلك ويزجره حتى لا يعود إليه. وقد أفتى الشيوخ عندنا فيمن فتح في قصبة له بابا لا يطلع منها على دار جاره إلا بأن يخرج رأسه من الباب (ليطلع) أو يخرج إلى السقف بين يدي الباب، أو يجعل على الباب شرجيا وثيقا يمنع من أن يخرج منه إلى السقف، أو يخرج أحد منه رأسه ليطلع، وهو حسن من الفتوى، فإذا ثبت الاطلاع فقيل: يحكم بسده وإزالة أثره لئلا يكون له بعد مدة دليلا على القدم فيكون له إعادته، يقوم ذلك من قول مالك في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الأقضية. وقال ابن الماجشون في الواضحة: لا يلزمه سده، ويكون له أن يجعل أمام ذلك ما يستره ويواريه، وقد قيل: إن الاطلاع ليس من الضرر الذي يجب قطعه على حال، وعلى الذي يطلع عليه أن يستر على نفسه بما يقدر عليه، وقد ذكرنا ذلك في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الأقضية، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك. وإنما يمنع من ضرر الاطلاع ما كان محدثا، قال في كتاب تضمين الصناع من المدونة: ومن كانت له على جاره كوة قديمة أو باب قديم فليس له سد ذلك عليه، وإن لم يكن له في ذلك منفعة وعليه فيه مضرة، وكذلك قال ابن الماجشون: إن الأبواب والكوى التي يطلع منها إن كانت قديمة قبل بناء الدار المطلع عليها لم يمنع من ذلك. قال: ولو أراد صاحب العرصة أن يمنعه من فتح باب على عرصته قبل بنائها لضرر ذلك عليه إذا بنى لم يكن ذلك له، وقال مطرف: له أن يمنعه قبل البناء وبعده؛ لأنه حق له يذب عنه. قال: ولو ترك أن يمنعه قبل أن يبني كان له أن يمنعه إذا بنى ولا يكون تركه الذب على حقه قبل أن يبني مانعا له

مسألة: الرجل تكون داره لاصقة بسكة فأراد تحويل باب داره من موضعه

منه إذا بنى إلا أن يكون صاحب العرصة اشتراها على ذلك، فليس له أن يسدها عليها، وإنما له أن يمنعه من الإحداث. وقال أصبغ بقول مطرف، واختاره ابن حبيب، واختلف على معنى ما في المدونة إن أشكل هل هو قديم أو حادث؟ ففي أحكام ابن زياد أنه محمول على أنه محدث حتى يثبت أنه قديم، وفي كتاب ابن سحنون أنه محمول على أنه قديم حتى يثبت أنه محدث، والله تعالى الموفق. [مسألة: الرجل تكون داره لاصقة بسكة فأراد تحويل باب داره من موضعه] مسألة وسألت ابن وهب: عن الرجل تكون داره لاصقة بسكة نافذة أو غير نافذة، فأراد أن يحول باب داره من موضعه ذلك إلى موضع من داره هو أرفق به فمنعه جاره الذي يلي داره، وقال: إن ما بين بابك وبابي مجلس وموقف لدابتي ومنزل لأحمالي، فإذا أدنيت بابك مني لم أقدر على أن أقعد على بابك ولا تقف دابتي على بابك وانقطع عني المرفق الذي كنت أرتفق به فيما بين بابي وبابك، وقال الآخر: الجدار جداري كله لي، وهو لاصق بالطريق فأنا أفتح في جداري إلى طريق بابي، ولا أمنع من مرفقي لما تريد أنت أن توسع على نفسك في الفناء، وهما جميعا في ناحية واحدة من الطريق متجاوران، فهل يمنع فتح بابه حيث يريد؟ فقال: إن كانت السكة غير نافذة، وكان فتحه الباب قبالة باب صاحبه حتى يكون الداخل والخارج وما يكون بقاعة الدار وخلف الباب بعينه، أو كان الفتح قريبا من بابه وكان مضرا به

ضررا بينا يعرف ويستبان منع من ذلك، ولم يكن له فتحه ولا تحويله عن حاله إلى مثل هذا، وإن كان طريقا سالكا وسكة واسعة حتى يكون هو وغيره من المارة في فتح داره وإن فتح والمرور بها والنظر سواء، ولا يكون مضرا به في غير ذلك لم يمنع من ذلك وخلي بينه وبينه. وقال أشهب: إذا كان تقديمه ذلك يضر بجاره على ما وصفت فليس ذلك له، وإن كان إنما تقديمه تقديما يكون فيما بقي ما لا يقطع عليه فيه المرفق، ويتسع هو حتى لا يكون مضطرا إلى أكثر منه، فليس له أن يمنعه إذا سد الباب الأول، وذلك إذا كان في زقاق غير نافذ، فأما إن كان في سكة مسلوكة فله أن يفتح ما شاء من أبواب في جداره، ويقدم ما شاء من باب ويؤخره. قال: وسألت ابن وهب: عن الرجل يفتح في ناحية من داره حوانيت إلى سكة من سكك الناس ولرجل مقابل تلك الحوانيت دار وباب مفتوح في ذلك الزقاق مقابل الحوانيت التي فتح عليها جاره فشكا أن الحوانيت تضره فيمن يخرج من خدمه وأهله إلى حوائجهم، وأهل الحوانيت قوم مرابطون لا يديمون، فهل له سبيل إلى ذلك أم يمنع منه؟ فقال: سبيل الحوانيت سبيل ما وصفت لك قبل ذلك في السكة النافذة وغير النافذة على ما فسرت لك، إن شاء الله. قال أشهب: له أن يفتح ما شاء من حوانيت، ويفعل ما أراد إن كانت سكة نافذة. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب وأشهب هذا في تحويل الباب وفتحه في السكة النافذة وغير النافذة مثل قول ابن القاسم وروايته عن

مالك في آخر كتاب القسمة من المدونة حاشا موضعين: أحدهما: قول ابن وهب، وإن كان طريقا سالكا وسكة واسعة لم يمنع من ذلك، وخلَّى بينه وبينه إذ لم يشترط في المدونة سعة السكة، وإنما قال فيها: وإن كانت السكة نافذة فله أن يقيم ما شاء، ويحول بابه إلى أي موضع شاء. والموضع الثاني: قول أشهب في الزقاق الذي ليس بنافذ: إن له أن يحول بابه إلى موضع لا يضر بجاره إذا سد الباب الأول؛ لأن في قوله إذا سد الباب الأول دليلا على أنه ليس له أن يفتح فيه بابا زائدا على حال، وإنما له أن ينقله من موضعه إلى موضع لا ضرر فيه ولا تضييق على جاره. ودليل ما في المدونة: أن له أن يفتح فيه بابا زائدا في موضع لا ضرر فيه على جاره، وأن ينقل بابه إليه، وقد قيل في الزقاق النافذ: إنه لا يجوز لأحد أن يفتح فيه بابا، ولا يتخذ مجلسا قبالة باب جاره إلا أن ينكب عن ذلك قليلا، وهو قول سحنون، روى ذلك (عنه) حبيب وابنه محمد، وذهب ابن زرب إلى أنه لا يجوز لأحد في الزقاق الذي ليس بنافذ أن يفتح فيه بابا ولا أن يحول بابه فيه من موضع إلى موضع على حال إلا بإذن جميع أهل الدرب، قال: لأنهم كلهم مشتركون فيه، بدليل ما قال في المدونة في الدارين تكون إحداهما في جوف الأخرى، ولأهل الدار الداخلة الممر في الدار الخارجة، فيقسم أهل الدار الداخلة دارهم فيريد كل واحد منهم أن يفتح لداره بابا في الدار الخارجة: إن ذلك ليس لواحد منهم، وإنما لهم الممر الذي كانوا يمرون عليه قبل القسمة. فيتحصل في فتح الرجل الباب أو تحويله عن موضعه في الزقاق الذي ليس بنافذ ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز بحال إلا بإذن جميع

مسألة: الرجل يتزيد في داره من طريق المسلمين ذراعا أو ذراعين

أهل الزقاق، وهو الذي ذهب إليه ابن زرب قياسا على مسألة المدونة المذكورة، وبه جرى العمل بقرطبة. والثاني: أن ذلك له فيما لم يقابل دار جاره ولا قرب منه فقطع به مرفقا عنه وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقول ابن وهب هاهنا. والثالث: أن له تحويل بابه على هذه الصفة إذا سد الباب الأول، وليس له أن يفتح فيه بابا لم يكن قبل بحال، وهو دليل قول أشهب هاهنا. ويتحصل أيضا في فتح الرجل بابا أو حانوتا في مقابلة باب جاره في الزقاق النافذ ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك له جملة من غير تفصيل إلا أن ينكب عن ذلك وهو قول سحنون. والثالث: أن ذلك له إذا كانت السكة واسعة، وهو قول ابن وهب هاهنا، والسكة الواسعة ما كان فيها سبعة أذرع فأكثر، لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الطريق سبعة أذرع» وقع ذلك في مسند ابن أبي شيبة من رواية ابن عباس، فوجب أن يكون ذلك حد سعة الطريق، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتزيد في داره من طريق المسلمين ذراعا أو ذراعين] مسألة وسألته: عن الرجل يتزيد في داره من طريق المسلمين ذراعا أو ذراعين، فإذا بنى جدارا وأنفق فيه وجعله بيتا قام عليه جاره الذي هو مقابله من جانب الطريق فأنكر عليه ما يريد، ورفعه إلى السلطان وأراد أن يهدم ما زاد من الطريق، وزعم أن سعة الطريق كان رافقا به؛ لأن ذلك كان فناء له ومربطا لدابته، وفي بقية الطريق ممر للناس، وكان فيما بقي من سعة الطريق ثمانية أذرع أو تسعة أذرع، هل لذلك الجار إلى هدم بنيان جاره الذي بنى سبيل؟ أو رفع ذلك بعض من كان يسلك تلك الطريق وفي بقية

سعته ما قد أعلمتك؟ فقال: نعم، يهدم ما بنى كان في سعة الطريق ثمانية أذرع أو تسعة على ما وصفت، لا ينبغي لأحد التزيد من طريق المسلمين، وينبغي للقاضي أن يتقدم في ذلك إلى الناس ويستنهي إليهم ألا يحدث أحد بنيانا في طريق المسلمين، وذكر أن عثمان بن الحكم الجذامى حدثه عن عبيد الله بن عمر عن أبي حازم أن حدادا ابتنى كيرا في سوق المسلمين قال: فمر عمر بن الخطاب فرآه، فقال: لقد انتقصتم السوق ثم أمر به فهدمه، قال أشهب: نعم يأمر السلطان بهدمه رفع ذلك إليه من كان يسلك الطريق أو رفع ذلك جيرانه، لا ينبغي لأحد التزيد من طريق المسلمين، كان في الطريق سعة أو لم تكن، كان مضرا ما تزيد أو لم يكن مضرا ويؤمر بهدمه، وينبغي للسلطان أن يتقدم في ذلك إلى الناس ألا يزيد أحد من طريق المسلمين. قال محمد بن رشد: اتفق مالك وأصحابه فيما علمت أنه لا يجوز لأحد أن يقتطع من طريق المسلمين شيئا فيزيده ويدخله في بنيانه وإن كان الطريق واسعا جدا لا يضره ما اقتطع منه، ولم ير بذلك مالك بأسا في المسجد، وحكى ابن وهب عن ربيعة في المجموعة أنه لا يجوز لمن بنى مسجدا في طائفة من داره أن يتزيد فيه من الطريق. واختلفوا إن تزيد في داره من الطريق الواسعة جدا ما لا يضر بها ولا يضيقها على المارة فيها. فقال ابن وهب وأشهب هاهنا: إنه يهدم عليه ما تزيد من الطريق وتعاد على حالها، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، وقول

مطرف وابن الماجشون في الأبرجة يبنيها الرجل في الطريق ملصقة بجداره، واختار ابن حبيب على ظاهر ما جاء عن عمر بن الخطاب في الكير الذي ابتني في السوق فأمر به فهدم. وقيل: إنه لا يهدم عليه ما يزيد من الطريق إذا كان ذلك لا يضر بها لسعتها لماله من الحق فيه، إذ هو فناؤه له الانتفاع به وكراؤه على ما مضى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم. والأصل في ذلك ما جاء من أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بالأفنية لأرباب الدور، أفنيتها ما أحاط بها من جميع نواحيها، فلما كان أحق بالانتفاع به من غيره لم يكن لأحد أن ينتفع به إلا إذا استغنى هو عنه وجب أن لا يهدم عليه بنيانه، فيذهب هدرا ماله وهو أعظم الناس حقا في ذلك الموضع، بل لا حق لأحد معه فيه إذا احتاج إليه، فكيف إذا لم يوصل إلى أخذه منه مع حاجته إليه إلا بهدم بنيانه وتلف ماله، وهذا بين، لا سيما ومن أهل العلم من يبيح له ذلك ابتداء، في المجموعة من رواية ابن وهب عن ابن سمعان أن من أدرك من العلماء قالوا في الطريق يريد أهلها بنيان عرصتها أن الأقربين إليها يقتطعونها على قدر ما شرع فيها من رباعهم بالحصص، فيعطى صاحب الربع الواسع بقدره، وصاحب الصغير بقدره، ويتركون لطريق المسلمين ثمانية أذرع. قال محمد بن رشد: وإنما قالوا ثمانية أذرع احتياطا والله أعلم ليستوفي فيها السبعة الأذرع المذكورة في الحديث على زيادة الذراع ونقصانه. ووجه القول: أن الطريق حق لجميع المسلمين كالحبس، فوجب أن يهدم على الرجل ما يزيده في داره منها، كما يهدم عليه ما يزيد من أرض محبسة على طائفة المسلمين، أو من ملك لرجل بعينه، والقول الأول أظهر، والقائلون بالثاني أكثر، وكل مجتهد مصيب. وقد نزلت بقرطبة قديما واختلف الفقهاء فيها فأفتى ابن لبابة وأبو صالح أيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد بالقول الأول ألا يهدم ما تزيد من الطريق إذا كان ذلك لا يضر بها،

مسألة: الرجل يغرس في داره شجرة فتطول حتى يشرف على دار جاره

وأفتى عبيد الله بن يحيى وابنه يحيى، ويحيى بن عبد العزيز، وسعد بن معاذ وأحمد بن بيطير بالقول الثاني أن يهدم ما تزيد منه على كل حال، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يغرس في داره شجرة فتطول حتى يشرف على دار جاره] مسألة وسألت ابن وهب عن الرجل يغرس في داره شجرة فتطول حتى يشرف على دار جاره، فإذا طلع فيها من يجني ثمرها نظر إلى ما في دار جاره، أو يغرسها قريبا من جدار جاره فيزعم جاره أن موضع الشجرة مضر به، وهو يخاف أن يطرق من تلك الشجرة فيدخل عليه في داره، وهو يشتكي من يطل عليه منها، هل يقطع عنه ما يؤذيه من طولها؟ أو تقطع الشجرة التي يخاف أن يطرق منها لقربها من جداره أم لا؟ وتكون الشجرة قد تقادمت ومضى لها أعوام وهي تزيد في كل عام، فإذا رفع أمرها وما أضرت به إلى السلطان هل يؤمر بقطعها لما يؤذيه ويشرف منها على عياله؟ فقال: إن لم يكن ضرره إلا ما شكا وذكر مما يخاف من الطروق من ناحيتها، أو طلوع من يجنيها لم يكن ذلك شيئا ولم تكن له فيه حجة، ومنع من يجنيها من التطلع والإضرار إن علم ذلك منهم، وأما قطعها فليس له قطعها ولكن إن انتشرت وعظمت حتى تخرج فروعها من أرض صاحبها وحدوده وتقع في أرض جاره وحدوده ويضر به قطع ذلك الذي أضر به ووقع في حده وأذاه فقط. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن

مسألة: مبتلى له في منزل سهم وله حظ في شرب فأراد من معه إخراجه منه

الرجل إذا غرس في داره شجرة فلجاره أن يقطع ما طال من أغصانها فأذاه في جداره ودخل في حصته وهوائه - له أن يقطع الشجرة أيضا إن كان غرسها بموضع يضر غرسها بالجدار لقربها منه، وأما ما يخاف من أن يطرق منها، أو من يطلع عليه منها من يجنيها فلا حجة له في ذلك، وأما إن كانت الشجرة قديمة من قبل بناء الجدار فليس له أن يقطعها وإن أضرت بالجدار. واختلف هل له أن يقطع ما طال من أغصانها فأضر بجدار جاره؟ فقال ابن الماجشون: ليس ذلك له؛ لأنه قد علم أن هذا يكون من شأن الشجرة، فقد صار ذلك من حريمها وهوائها قبل بناء الجدار، وقال مطرف وأصبغ: ذلك له، وهو أظهر، وإياه اختار ابن حبيب، وإذا كانت لرجل شجرة في أرضه، وإلى جانبها أرض لجاره فله أن يقطع ما طال وانبسط وامتد من فرعها على أرضه، ومن كانت في أرضه شجرة لغيره فليس له أن يقطع ما طال وانبسط منها، قاله ابن القاسم وغيره. [مسألة: مبتلى له في منزل سهم وله حظ في شرب فأراد من معه إخراجه منه] مسألة وسئل: عن المبتلى يكون في منزل له فيه سهم، وله حظ في شرب فأراد من معه في المنزل إخراجه منه، وزعموا أن استسقاء الماء من مائهم الذي يشربون منه مضرة بهم فطلبوا إخراجه من المنزل؟ فقال ابن وهب: إذا كان له مال أمر بأن يشتري لنفسه من يقوم بأمره، ويخرج له في حوائجه ويلزم بيته ولا يخرج. قيل: فإن لم يكن له مال؟ قال: يخرج من المنزل إذا لم يكن فيه شيء وينفق عليه من بيت مال المسلمين.

قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا كان له مال أمر بأن يشتري لنفسه من يقوم بأمره ويخرج له ويستسقي له ماءه أو يستأجر له من يفعل له ذلك كله، فإن لم يكن له مال كان من الحق على الإمام أن يقوم له بذلك من بيت مال المسلمين؛ لأن استسقاءه الماء معهم من مائهم ضرر بهم، فإن لم يكن ثم إمام يقوم له بذلك لم يمنعوا من استسقاء الماء فيموتوا عطشاء، ولا من مخالطة الناس في مجتمعاتهم وأسواقهم لسؤالهم وقضاء حوائجهم فيهلكون ضياعا، وإنما اختلف في منعهم من المساجد والجوامع. فقال عيسى بن دينار في نوازله من هذا الكتاب، وفي بعض الروايات: إنهم لا يمنعون من ذلك بحكم؛ لأن عمر بن الخطاب لم يعزم بالنهي على المرأة المجذومة التي رآها تطوف بالبيت مع الناس، وإنما قال لها: يا أمة الله لو جلست في بيتك كان خيرا لك. ونحو ذلك حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون: أنهم لا يمنعون من مساجد الجماعة لشهود الجمعة المفروضة لأنها على من قوي على شهودها، كما هي على غيرهم، قال: وأما غير الجمعة فلا بأس أن يمنعوا إلا الواحد بعد الواحد، وقال سحنون فيه: يمنعون من ذلك وتسقط إلا الواحد بعد الواحد، وقال سحنون فيه: يمنعون من ذلك وتسقط الجمعة عنهم، واستدل على ذلك بحديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مساجدنا يوفينا بريح الثوم» . وبحديث عمر في قوله للمرأة المجذومة: لو جلست في بيتك كان خيرا لك؛ لأنه قضى في طلبها فجلست في بيتها، فلما مات قيل لها: إن الذي نهاك قد مات، فقالت: ما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا. وقوله أظهر؛ لأن المنع من إذاية

مسألة: بيع رقيق اليهود من النصارى والعكس

المسلمين واجب، وإذا كان المنع من إذايتهم بريح الثوم واجبا بالسنة، فأحرى أن يكون واجبا من إذايتهم بمخالطة الجذماء لهم، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حلول الممرض على المصح، وفي قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للمجذومة: يا أمة الله لا تؤذي الناس - دليل على أنه أراد بقوله لها: لو جلست في بيتك، الأمر لها بذلك والقضاء عليها به، لكنه رفق بها في الأمر رحمة بها وحنانا عليها، وتوسم فيها أنها تكتفي بذلك وتنتهي فلم تخب فراسته فيها وأطاعته حيا وميتا. واختلف في إخراجهم عن الحاضرة إلى ناحية منها، قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: أما الواحد والنفر القليل من المرضى فلا يخرجون عن حاضرة ولا عن قرية، ولا عن سوق ولا عن مسجد جامع ولا غير جامع، فإذا كثروا في الحاضرة اتخذوا لأنفسهم موضعا كما صنع بمرضى مكة عند النعيم موضعهم وبه جماعتهم، وأما مرضى القرى فإنهم لا يخرجون عنها وإن كثروا، إلا أنهم يمنعون من أذاهم في مسجدهم إذا شكوا ضرر ذلك بهم، وقال أصبغ: لا يقضى عليهم في الحاضرة بالخروج إلى ناحية منها ولكن إن كفوا مؤناتهم يجرى ذلك عليهم منعوا من مخالطة الناس بلزوم بيوتهم أو التنحي ناحية. قال عبد الملك: والحكم عليهم بتنحيتهم ناحية إذا كثروا أحب إلي، وهو الذي عليه الناس. قال مطرف وابن الماجشون: ولا يمنعون من الأسواق لتجارتهم وما يحتاجون إليه من حوائجهم والتطرق للمسألة إلا أن يجري عليهم الإمام أرزاقهم من فيء المسلمين، وبالله التوفيق. [مسألة: بيع رقيق اليهود من النصارى والعكس] مسألة وسئل ابن وهب: عن بيع رقيق اليهود من النصارى أو بيع رقيق النصارى من اليهود، فقال: أكرهه للعداوة التي بينهم، وسئل عنها سحنون فقال مثله.

: العبد يستبيع من سيده لضرورته

قال محمد بن رشد: قد مضى التكلم على قول ابن وهب في هذا السماع من كتاب جامع البيوع فإنه وقع هنالك أكمل وأبين، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك، والله الموفق لا رب غيره. [: العبد يستبيع من سيده لضرورته] من سماع أصبغ بن الفرج قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن العبد يستبيع من سيده لضرورته، فقال: إن كان ضررا قد عرف وكثر بيع عليه، وإن كان إنما هي الزلة والفلتة من سيده كف عنه ونهى حسبة، قال: مرة بعد مرة، فإن عاد بيع عليه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله وقد مضى هذا المعنى في رسم شك في طوافه، ورسم حلف ليرفعن أمرا ورسم صلى نهارا ثلاث ركعات، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: المدبر يضربه سيده ويؤدبه] مسألة وسئل: عن المدبر يضربه سيده ويؤدبه، قال: يخرج من يديه ويؤاجر عليه، قال أصبغ: ولا يباع لأن المدبر لا يباع على حال في الحياة، ولا تنقض الضرورة التدبير لأنه عتق. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله قياسا على مدبر النصراني يسلم أنه يؤاجر ولا يباع عليه، كما يباع عليه عبده إذا أسلم، وبالله التوفيق. [: الرجل يهدم داره وله الفناء الواسع فيزيد فيها من الفناء] ومن كتاب الأقضية والحبس قال أصبغ: سألت أشهب: عن الرجل يهدم داره وله الفناء الواسع فيزيد فيها من الفناء يدخله من بنيانه ثم يعلم بذلك، قال:

: النصارى يبيعون الخمر

لا يعرض له إذا كان الفناء واسعا رجراجا لا يضر الطريق، وقد كرهه مالك، وأنا أكرهه ولا آمر به، ولا أقضي عليه أن يهدمه إذا كان واسعا رجراجا ولا يضر ذلك بشيء منه ولا يحتاج إليه ولا يقاربه المشي، قال أصبغ في الرجل يبني دارا له فيأخذ من طريق المسلمين شيئا يزيده فيها، كان ذلك مضرا بطريق المسلمين أو لا يضر: أترى ذلك جائزا، وهل تجوز شهادة من فعل مثل هذا؟ قال أصبغ: إن كان اقتطعه اقتطاعا مما يضر بالطريق والمسلمين وأدخله في بنيانه، وكان إدخاله فيما يرى بمعرفة لا بجهالة، أو وقف عليه فلم ينته، فلا أرى أن تجوز شهادته ويهدم بنيانه إذا أضر جدا، وإن كانت الطريق واسعة جدا كبيرة، وكان الذي أخذ الشيء اليسير جدا الذي لا يضر ولا يكون فسادا في صغير ما أخذ وسعة الطريق وكثرته فلا أرى أن يهدم بنيانه ولا يعرض له، وقد سألت أشهب عنها بعينها ونزلت عندنا فكان هذا رأيي فيها، فسألته عنها فقال لي مثله. قال محمد بن رشد: هذا من قول أصبغ وروايته عن أشهب خلاف ما مضى قبل هذا في سماع زونان، وقد مضى القول على ذلك هنالك مجودا مستوفى فلا وجه لإعادته هنا، والله الموفق. [: النصارى يبيعون الخمر] ومن كتاب البيوع الثاني قال أصبغ: وسمعته يقول: لا يترك النصارى يبيعون الخمر بالجزيرة؛ لأن الجزيرة من الفسطاط، قلت له: فالقنطرة؟ قال: لا ولا القنطرة. قلت: فيتركون في قراهم يبيعونها، قال: نعم، قلت: وإن كان فيها مسلمون؟ قال: نعم، فمتى علم أنه يبيع من المسلمين منع، قال أصبغ: هذا في غير المدن من القرى التي

: رجل حلف ليقضين رجلا حقه فيأبى أن يقبله

هي مساكنهم، وهم الغالبون عليها، ليس للمسلمين فيها إلا قليل فلا يعرض لهم. قال محمد بن رشد: قول أصبغ سمعت أشهب يقول في رجل حلف، يحمل على التفسير لقول ابن القاسم، وتفسير قوله أن ما كان من مواضعهم قريبا من الفسطاط، كالجزيرة والقنطرة فلا يتركون أن يبيعوا فيها الخمر وإن لم يكن معهم فيها من المسلمين أحد مخافة أن يتناولها منهم أحد من الفسطاط. وما بعد من قراهم عن الفسطاط، فكان منها على مثل الميل، وإن كان دون فرسخ فلا يمنعون من إدخالها وبيعها وشربها وبيعها بعضهم من بعض، وإن كان بين أظهرهم مسلمون. قال ذلك أصبغ في مجالسه، وهو قوله هاهنا. وقال أيضا في مجالسه: إنه لا يباع لهم ذلك إلا ألا يسكن معهم في قراهم أحد من أهل الإسلام، وقد مضى هذا في رسم الشجرة من قول ابن القاسم، وبالله التوفيق. [: رجل حلف ليقضين رجلا حقه فيأبى أن يقبله] ومن كتاب الجامع قال أصبغ: سمعت أشهب، يقول في رجل حلف ليقضين رجلا حقه فيأبى أن يقبله، أتراه في سعة من هذا؟ قال: هذا يأتي السلطان، قيل له: أفيجبر السلطان صاحبه على أخذه؟ قال: نعم، صاغرا ويقيمه. قال محمد بن رشد: لا يخلو الحالف ليقضين رجلا حقه من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون معنى ما حلف عليه وأراده أن يقضيه حقه ليبرئ ذمته من دينه. والثاني: أن يكون معنى ما حلف عليه وأراده ألا يحبس عليه حقه ويمطله به، مثل أن يقضيه حقه فيقول: أقضيكه غدا، فيقول: أخشى

مسألة: رهن قدحا بكساء ثم تنازع فيه

ألا تفعل، فيحلف ليقضينه غدا وما أشبه ذلك. والثالث: ألا يكون ليمينه بساط يحمل عليه، ولا يكون له فيها نية ولا إرادة، فأما الوجه الأول فلا يبر فيه إلا بأن يقبض منه حقه، فإن أبى من قبوله كان من حقه أن يجبر على ذلك ليبرئ ذمته من دينه فيبر في يمنيه. وأما الوجه الثاني: فيبر فيه بأن يأتيه بحقه قبله أو لم يقبله، فإن كانت يمينه بطلاق أو عتاق أو ما أشبه ذلك مما يقضي به عليه القاضي فأتاه بحقه فأبى قبوله أشهد عليه بذلك ولم يلزمه شيء. وأما الوجه الثالث: فيتخرج على قولين: أحدهما: أنه لا يبر إذا أبى من قبوله إلا بأن يرفع ذلك إلى السلطان يدفع إليه حقه شاء أو أبى. والثاني: أنه يبر إذا أتاه بحقه فأبى أن يقبله منه دون أن يجبره على قبضه منه، وقد مضى ما يبين هذا المعنى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق. [مسألة: رهن قدحًا بكساء ثم تنازع فيه] مسألة وسئل: عن رجل أتى بمكة إلى زمزم فوجد رجلا معه قدح، فقال: ناولني قدحك هذا، فقال: إني أخاف عليه، فقال: هذا كسائي عندك حتى أعود إليك به، فوضع الكساء وأخذ القدح ثم رجع فلم يجد الرجل، قال: لو أتى السلطان حتى يأمره إن كان صادقا أن يبيع القدح ويقبض ثمنه من ثمن الثوب، قيل له: هو صادق، وهذا صحيح ألا يقبضه لنفسه دون السلطان؟ قال: لا، قيل له: ويأمره السلطان؟ قال: نعم، يأمره من غير حكم على الغائب، ويقول له: إن كنت صادقا فافعل، فإن جاء الرجل كان على خصومته. قال محمد بن رشد: هذه المسألة وقعت في بعض الروايات وهي صحيحة على أصولهم، وعلى معنى ما في كتاب طلاق السنة من المدونة،

فاسد يأوي إليه أهل الفسق والخمر ما يصنع به

وعلى ما في نوازل سحنون من كتاب المديان والتفليس، فإن باع القدح بأمر السلطان وقبض ثمنه من ثمن كسائه، أي: من قيمته فقدم صاحب القدح بالكساء وأقر بما قال البائع للقدح بأمر السلطان لم يكن له إلا ما باع به القدح لبيعه إياه بأمر السلطان، ولو باعه بغير أمره كانت له قيمته، وإن ادعى القدح وأنكر رهن الكساء حلف في الكساء وأخذ قدحه، وإن أقر بالكساء وادعى القدح وأنكر الرهن فيه حلف على إنكار الرهن ورد الكساء، وأخذ قيمة قدحه أيضا، وهذا خلاف ما جرى به العمل من أن القاضي لا يحكم للمرتهن ببيع الرهن حتى يثبت عنده الدين والرهن وملك الراهن له ويحلف مع ذلك أنه ما وهب دينه ولا قبضه ولا أحال به وأنه لم يزل في ذمته إلى حين قيامه، والذي جرى به العمل من هذا هو على أصل مطرف وابن الماجشون في كتاب طلاق السنة من المدونة التي أشرنا إليها، وبالله التوفيق. [فاسد يأوي إليه أهل الفسق والخمر ما يصنع به] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: قال ابن القاسم: سئل مالك عن فاسد يأوي إليه أهل الفسق والخمر ما يصنع به؟ قال: يخرج من منزله وتحرز عليه الدار والبيوت، فقال: فقلت: لا تباع، قال: لا، فلعله يتوب فيرجع إلى منزله، قال ابن القاسم: يتقدم إليه مرة أو مرتين، فإن لم يتب أخرج وأكرى عليه. قال محمد بن رشد: قد قال مالك في الواضحة: إنها تباع عليه، خلاف قوله في هذه الرواية، وقوله فيها يصح لما ذكره من أنه قد يتوب فيرجع إلى منزله، ولو لم تكن الدار له وكان فيها بكراء أخرج منها وأكريت

عليه ولم يفسخ كراؤه فيها، قاله في كراء الدور من المدونة وقد روي عن يحيى بن يحيى أنه قال: أرى أن يحرق بيت الخمار، وقال: وقد أخبرني بعض أصحابنا أن مالكا كان يستحب أن يحرق بيت المسلم الذي يبيع الخمر، قيل: وقيل النصراني يبيع الخمر من المسلمين، قال: إذا تقدم إليه فلم ينته فأرى أن يحرق عليه بيته بالنار، قال: وحدثني الليث أن عمر بن الخطاب حرق بيت رويشد الثقفي لأنه كان يبيع الخمر، وقال له: أنت فويسق ولست رويشد، وبالله التوفيق. تم الكتاب بحمد الله.

: كتاب الشهادات الأول

[: كتاب الشهادات الأول] [: شهد عليه رجال بحق فحلف بالطلاق إن كانوا شهدوا علي بحق وإنه لباطل] كتاب الشهادات الأول

من سماع ابن القاسم عن مالك بن أنس من كتاب أوله قطع الشجر قال: أخبرنا سحنون، عن ابن القاسم، عن مالك، أنه قال فيمن شهد عليه رجال بحق فحلف بالطلاق إن كانوا شهدوا علي بحق، وإنه لباطل، قال: لا يفرق بينه وبينها، فإن شهد عليه غيرهم طلقت عليه امرأته، قال ابن القاسم: وأصل قول مالك في هذا أن من حلف تكذيبا للشهود سموا أو لم يسموا، ثم شهدوا أنه لا يلزمه ذلك الطلاق، مثل أن يقال له: إن فلانا وفلانا يشهدان عليك، وإن ثم شهودا يشهدون عليك، فيقول: امرأته طالق البتة إن شهدوا علي إلا بزور، وإن لم تكن شهادتهم باطلا، أو كذبوا علي في شهادتهم، ثم شهدوا فلا شيء عليه، وإن شهدوا فقال هذا القول بعدما شهدوا فلا شيء عليه، فأما أن يقول امرأتي طالق البتة إن كنت تسألني حقا أو إن كنت شربت خمرا، ولا فعلت

كذا وكذا، مثل أن يقول: لم أدخل دار فلان ولم أكلم فلانا، ثم شهد عليه قوم أنه فعله حنث. قال ابن القاسم: قال لي مالك: ولو أنه أقر أنه فعل شيئا من ذلك عند نفر ثم حلف بطلاق امرأته البتة إن كان فعله دين ولم يكن عليه طلاق، ولو أنه أقر أنه حلف بطلاق امرأته على شيء ألا يفعله، ثم شهد عليه أنه قد فعله، ثم زعم أنه قد كذب بما أقر به طلق عليه ولم يصدق، ولو شهد عليه نفر في حق فحلف بعدما شهدوا أن امرأته طالق إن كان له علي شيء لم يلزمه طلاق، قال ابن القاسم: لأن يمينه هاهنا بعدما شهدوا تكذيبا للشهادة، وسمعت مالكا يقول: ولو سئل عن أمر ذكر له أنه حلف فيه بالطلاق ألا يفعله، وقد رئي يفعله فجحده ثم أقر بعد ذلك أنه قد كان قاله، يريد الذي قال إني قد كنت حلفت، لزمه الطلاق. قال محمد بن رشد: هذه المسائل صحاح كلها، وأصلها في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة وتكررت في رسم يشتري الدور والمزارع للتجارة من سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق بزيادة اليمين في الموضع الذي يدين فيه منها، ومثله في المدونة ولا اختلاف في شيء أحفظه منها. وتلخيصها أن اليمين على الفعل بالطلاق كان ببينة أو بإقرار إذا تقدم على الإقرار بالفعل أو الشهادة عليه به طلقت عليه امرأته، وإن تقدم الإقرار بالفعل أو الشهادة به عليه على اليمين كان ببينة أو بإقرار لم تطلق عليه، والفرق بين أن يتقدم اليمين على الفعل، أو الفعل على اليمين، هو أن اليمين إذا تقدم ببينة أو بإقرار فقد لزم حكمه، ووجب ألا

مسألة: شهادة الأخ لأخيه في الفرية

يصدق في إبطاله، وإذا تقدم الفعل بيمينه أو بإقرار لم تثبت اليمين بتكذيب ذلك حكما إذا لم يقصد الحالف إلى إيجاب حكم الطلاق الذي حلف به على نفسه، وإنما قصد إلى تحقيق نفي ذلك الفعل، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة الأخ لأخيه في الفرية] مسألة قال مالك: لا تجوز شهادة الأخ لأخيه في الفرية، ولا في الحد وأشباه ذلك. قال محمد بن رشد: يريد بالفرية هاهنا الفرية التي لا توجب الحد وإنما توجب الأدب، مثل أن يقول له: يا سارق أو يا شارب الخمر أو يا آكل الربا وما أشبه ذلك، بدليل قوله: ولا في الحد، يريد بالحد مثل أن يقذف في بدنه أو ينفى عن أبيه، وإن كان ليس بأخيه لأبيه، قال في رسم أول عبد ابتاعه من سماع يحيى: أو يقذف أمه وإن كان ليس بأخيه لأمه، ومعنى ذلك إذ قام بحدها إما بعد موتها وإما في حياتها بتوكيلها، وكما لا تجوز شهادته له في الحدود لا تجوز في نفيها عنه، مثل أن يشهد عليه أنه قذف رجلا فشهد هو أن ذلك الرجل عبد أو ما أشبه ذلك، ويريد بقوله: وأشباه ذلك ما يشبه في وقوع الحمية فيه والتهمة بالعصبية، مثل أن يجرح عمدا. قال في الرسم المذكور من سماع يحيى أو يقتل، يريد عمدا وإن كان له أولاد فكان إنما يشهد لهم؛ لأن القتل مما تقع فيه الحمية، وأجاز أشهب في سماع زونان شهادة الأخ لأخيه في الجراح خطئها وعمدها، وإذا أجازها في جراح العمد ولم يراع ما يقع في ذلك من الحمية فيلزم على قياس قوله إجازتها في الحدود والقتل، وأما جراح الخطأ وقتل الخطأ فتجوز شهادته له في ذلك؛ لأنه مال ولا اختلاف في جواز شهادته له في الحقوق والأموال وإن عظمت، إذا لم يكن الشاهد منهما لأخيه في عيال المشهود له، ولا يضر أن يكون المشهود له في عيال الشاهد، وقيل: إذا كان مبرزا

في العدالة وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقيل: إذا كان جائز الشهادة لا بأس بحاله وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، ولم يفرقوا في شهادته له بالمال بين أن يكون أبواه حيين أو لا يكونا حيين، والذي يأتي على قياس قول ابن القاسم في أنه لا تجوز شهادة الرجل لزوجة ابنه، ولا لزوجة أبيه، ولا لابن زوجته، ولا لأبيها، ولا تجوز شهادته له إذا كان أبواه حيين أو أحدهما، أو أبوه إذا كان أخاه لأبيه، أو أمه إذا كان أخاه لأمه؛ لأنه يجر بذلك نفعا إلى أبويه، أو إلى أحدهما فيها فيدخل عليهما من السرور بالشهادة لابنهما، وهذا هو المعنى عنده في أنه لا تجوز شهادته لابن زوجته ولا لأبيها ولا لزوجة ابنه، خلاف مما ذهب إليه سحنون على ما يأتي من اختلاف قولهما في ذلك في رسم جاع من سماع عيسى. وأجاز ابن القاسم شهادته له في النكاح، ومنع من ذلك سحنون إذا نكح إلى من يتزين بنكاحه إليهم، وهو يحمل على التفسير لقول ابن القاسم، وإلى هذا ذهب ابن دحون، وخالفه غيره في ذلك وذهب إلى أنه خلاف له، قال: لأنه يشهد له في المال وهو مما يشرف به، وليس بصحيح؛ لأنه لا يشرف هو بشرف أخيه بالمال ويشرف بشرفه بالنكاح، هذا مما لا يخفى الوجه به. واختلف في تعديله ونفي التجريح عنه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يعدله ويجرح من جرحه وهو الظاهر من مذهب ابن القاسم ومن قول مطرف وابن الماجشون في الواضحة. والثاني: أنه لا يعدله ولا يجرح من جرحه، وهو قول ابن نافع وأشهب وأصبغ وأحد قولي ابن الماجشون. والثالث: أنه يعدله ولا يجرح من جرحه وهو قول ابن الماجشون في الواضحة، واختيار ابن حبيب. وهذا إذا جرح بالإسفاه، وأما إذا جرح بالعداوة فيجوز أن يجرح من جرحه بها. قال (ذلك) سحنون في نوازله، وهو صحيح على مذهب من يجيز تعديله، وبالله التوفيق.

مسألة: سئل عن شهادة عنده وهو مريض فأنكرها

[مسألة: سئل عن شهادة عنده وهو مريض فأنكرها] مسألة قال مالك، فيمن سئل عن شهادة عنده وهو مريض فأنكرها، وقال: كل شهادة أشهد بها بين فلان وفلان فهي باطل، ثم شهد بها بعد ذلك بينهما، قال: يسأل لم قال ذلك؟ فإن قال: كنت مريضا فخشيت ألا أكون أثبت ما أشهد به وما أشبه هذا من القول الذي له وجه يعرف، فأرى أن تجوز شهادته إذا كان عدلا لا يتهم. قال القاضي: قوله إذا كان عدلا لا يتهم معناه إذا كان عدلا مبرزا في العدالة. وهذا إذا كان إنما سئل في مرضه عن الشهادة لتنقل عنه إلى الحكم أو ليشهد على شهادته بها تحصينا لها، وكذلك إذا سئل عنها عند الحكم ليشهد بها فأنكرها، وقال: لا علم عندي منها، ثم جاء يشهد على ما في رسم الكبش من سماع يحيى. وأما لو لقيه الذي عليه الحق فقال له: بلغني أنك تشهد علي بكذا، فقال: لا أشهد عليك بذلك ولا عندي منه علم، وإن شهدت به عليك فشهادتي باطلة، ثم جاء فشهد، لم يقدح ذلك في شهادته ولم يضرها، وإن كان على قوله بينة، قال ذلك ابن حبيب في الواضحة، وهو يحمل على التفسير لقول مالك هذا، ولقول ابن القاسم في سماع يحيى. والفرق بين الموضعين أن له أن يقول في الوجه الثاني إنما قلت ذلك معتذرا ولم أزل عالما بما شهدت به، وفي الوجه الأول لا عذر له فيما أقر به على نفسه من الجهل بالشهادة فوجب أن تبطل شهادته، إلا أن يأتي بأمر يشبه من أنه تذكر الشهادة بعد ذلك، وأنه خشي ألا يقوم بها في مرضه فيصدق في ذلك إذا كان مبرزا في العدالة، وكذلك إذا زاد في شهادته أو نقص منها بعد أن شهد بها لا تجوز شهادته إلا أن يكون مبرزا

مسألة: أقر الشاهد ببطلان شهادته

في العدالة، وهذه إحدى المسائل الست التي يشترط فيها التبريز في العدالة على مذهب ابن القاسم. والثانية: شهادة الأخ لأخيه. والثالثة: شهادة الأجير لمن استأجره إذا لم يكن في عياله. والرابعة: شهادة المولى لمن أعتقه. والخامسة: شهادة الصديق الملاطف لصديقه. والسادسة: شهادة الشريك المفاوض لشريكه في غير مال المفاوضة. وسيأتي في أول رسم الكبش من سماع يحيى القول على الذي يزيد في شهادته أو ينقص منها قبل الحكم بها أو بعد ذلك مستوفى إن شاء الله تعالى. [مسألة: أقر الشاهد ببطلان شهادته] مسألة قيل لسحنون: أرأيت رجلا شهد عليه رجل فلقيه المشهود عليه فقال: بلغني أنك شهدت علي بكذا وكذا، فقال له الشاهد: إن كنت شهدت عليك بذلك فأنا فيه مبطل. وقد كان شهد بذلك، هل ترى شهادته ساقطة؟ قال: أرى هذا رجوعا إذا كان على قوله بينة، وتسقط شهادته، ولا تجوز ولا يثبت بها شيء إذا كان رجوعه قبل القضاء، وإن كانت هذه المعاملة منه بعد القضاء ضمن ما استهلك من المال. قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب في هذه المسألة عن مطرف وابن الماجشون وأشهب وأصبغ أن قوله هذا لا يضره في شهادته ولا يكون رجوعا عنها، وإن كانت عليه بينة إلا أن يرجع عن شهادته رجوعا بينا، كما إذ قال ذلك له قبل أن يشهد لما وقفه على ما بلغه عنه من أنه يريد أن يشهد عليه، ووجه ما حكاه عنهم أن قوله لما كان محتملا أن يكون أراد به تكذيب نفسه في الشهادة والرجوع عنها، وأن يكون لم يرد به شيئا من ذلك، وإنما قاله معتذرا وجب ألا يبطل الحاكم شهادته إلا بيقين، ولم يجب عليه أن يسأله هل أراد بذلك الرجوع عن شهادته أم لا؟ إذ لو

مسألة: رجل طلب من رجل حقا له عنده فشهد له رجل به وأنه حميل به

أراد ذلك لفعله، إذ لا ضرر عليه فيه؛ لأنه لا يضمن إذا رجع قبل نفوذ الحكم، ولم يصدقه سحنون أنه أراد بذلك الاعتذار، وجعله رجوعا يريد بعد الإعذار إلى المشهود له في البينة التي شهدت عليه بذلك القول، ولو شهد عليه أنه قال ذلك ابتداء دون أن يعاتب على الشهادة لكان ذلك رجوعا عنها باتفاق بعد الإعذار إلى المشهود له إن كان قبل الحكم، وإلى الشاهد إن كان ذلك بعد الحكم؛ لأنه ضامن، والحكم ماض على قوله في هذه الرواية، وفي المدونة خلاف ما في أول رسم من سماع عيسى من أنه لا يضمن إذا شبه عليه ولم يتعمد الزور، وسيأتي القول على ذلك هنالك إن شاء الله، وبه التوفيق. [مسألة: رجل طلب من رجل حقا له عنده فشهد له رجل به وأنه حميل به] مسألة وقال مالك: لو أن رجلا طلب من رجل حقا له عنده فشهد له رجل أنه ظل يسأله ذلك الحق وأنه حميل به، رأيت شهادته غير جائزة، ولا يبطل ما أقر به من الحمالة، ويغرم ما أقر به الحميل، قال ابن القاسم: إن كان هذا المدعي قبله الحق مليا جازت شهادة الحميل، وإن كان عديما لم تجز شهادة الحميل، وإنما بطلت شهادته لأن الحميل إذا غرم المال أعديناه عليه، فكانت تهمة. قال محمد بن رشد: الاختلاف في جواز شهادة الحميل بالدين الذي أقر أنه تحمل به جار على اختلافهم في لزوم الحمالة له، إذا كان الذي عليه الدين منكرا، وقد اختلف في ذلك، فقيل: تلزمه الكفالة ويجب عليه الغرم ولا يكون له أن يرجع على الغريم إلا أن يثبت عليه الدين، وهو قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه من كتاب الكفالة والحوالة، فعلى هذا إن

شهد الحميل بالدين لم تجز شهادته؛ لأنه يشهد لنفسه ليسقط عنه الغرم، أو ليرجع على الغريم بما غرم، وهو قول مالك في هذه الرواية. وقيل: إنه لا تلزمه الكفالة لإنكار الذي عليه الدين، وقد تأول ذلك على ما في كتاب الكفالة من المدونة وليس هو عندي بتأويل صحيح، فعلى هذا القول إن شهد الحميل بالدين جازت شهادته، إذ لا يجر إلى نفسه بها منفعة، بل يوجب عليها مضرة، وهي لزوم الحمالة له، وهي رواية أشهب عن مالك، وقيل: تلزمه الكفالة، ولا يؤخذ بها إلا في عدم الغريم، بمنزلة أن لو كان مقرا على ما اختاره ابن القاسم من قولي مالك في ذلك، فعلى هذا إن شهد الحميل بالدين جازت شهادته إن كان الغريم مليا، ولم تجز إن كان معدما، وهو قول ابن القاسم في الرواية، وقد تأول على ما في سماع عيسى من كتاب الكفالة والحوالة، أن الحوالة لا تلزمه وإن أقر الغريم بالحق حتى يثبت عليه، وأقامه بعض الناس من قوله في المدونة إذا أثبت ما بايعه به في مسألة من قال أنا ضامن لما بايعت به فلانا، وذلك كله عندي غير صحيح؛ لأنها مسائل مفترقة لا اختلاف من القول، فإذا قال الرجل أنا كفيل لفلان بمائة دينار له على فلان، وفلان منكر لزمه غرم المائة، وقيل: لا يلزمه غرمها إذا كان منكرا. وقيل: يلزمه غرمها إذا كان معدما وإن كان منكرا، وإذا قال الرجل: لي على فلان مائة دينار، فقال له رجل: أنا لك بها كفيل، لم يلزمه غرمها بالكفالة إلا أن يقر بها المطلوب قولا واحدا، وإذا قال الرجل: لي على فلان حق، فقال له الرجل: أنا لك به كفيل، فقال المطلوب له: على مائة دينار لم يلزم الكفيل غرم المائة دينار بالكفالة إلا أن تثبت المائة على المطلوب بالبينة قولا واحدا أيضا، بمنزلة من قال لرجل: أنا ضامن لما بايعت به فلانا، فهذا تحصيل القول في هذه

مسألة: شهادة الوارث في العتاقة والصدقة

المسألة والله الموفق. [مسألة: شهادة الوارث في العتاقة والصدقة] مسألة قال عبد العزيز بن أبي سلمة في شهادة الوارث في العتاقة والصدقة: إنها جائزة في حصته منها، وإن كان عدلا جازت شهادته على من تصدق به عليه، فأما العتق فلا يحلف فيه ولا يقوم عليه، قال ابن القاسم، وقال مالك: لا يعتق منه شيء إلا أن يشتريه فيعتق عليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن العتق لا يحلف فيه العبد مع الذي شهد له بالعتق من ورثة سيده؛ لأن العتق لا يكون فيه شاهد ويمين، وقد اختلف فيما يلزم الشاهد في حظه من العبد إذا لم تجز شهادته لانفراده بها، أو لكونهما إن كانا اثنين غير جائز في الشهادة، أو متهمين في شهادتهما بجر الولاء إلى أنفسهما دون من يرث الميت ممن لا ولاء له على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يعتق عليه حظه منه، ويستحب له أن يبيعه فيجعله في عتق، فإن ملك العبد يوما ما عتق عليه إن حمله الثلث، أو كانت الشهادة في الصحة، وهو قول مالك هاهنا وفي المدونة. والثاني: أنه يعتق عليه حظه منه، وهو قول عبد العزيز بن أبى سلمة هاهنا، وقول المغيرة قرب آخر نوازل سحنون. والثالث: أنه يعتق عليه حظه منه، ويقوم عليه حظوظ أشراكه فيه، وهو الذي يأتي على قول أصبغ في نوازله في الرجلين يشتريان العبد من الرجل ثم يشهد أحدهما على البائع أنه قد كان أعتقه، ولكل قول منها حظ من النظر، فوجه قول مالك أن العتق لا يصح تبعيضه للضرر الداخل في ذلك على العبد وعلى الأشراك فيه، فإذا لم يلزم أن يقوم على الشاهد نصيب أشراكه إذ ليس بمعتق لحظه وإنما هو شاهد على غيره وجب ألا يعتق عليه حظه لِمَا في ذلك من الضرر بالعبد

: شهادة البدوي للحضري في الحقوق والجراح

وسائر الورثة. ووجه قول عبد العزيز والمغيرة أن الحر لا يحل ملكه لمن علم أنه حر وهو مقر أن حظه من العبد حر، فوجب أن يعتق عليه، إذ لا يحل ملك الحر، ولم يلزم أن يقوم عليه بقيته إذ ليس بمعتق، وقول عبد العزيز على قياس القول بأن من أعتق حظه من عبد يقوم عليه حظ شريكه على أن نصفه حر، ووجه قول أصبغ أنه متهم في شهادته على أنه إنما أراد أن يعتق حظه من العبد، ولا يقوم عليه بقيته، والاختلاف في وجوب تقويم حظوظ أشراكه عليه جار عندي على اختلافهم في الولاء لمن يكون؟ هل له أو للمشهود عليه؟ وأما شهادة الوارث على الميت بالصدقة فلا اختلاف في أنها لازمة له في حظه إن كان مالكا لأمر نفسه، وجائزة على سائر الورثة للمتصدق عليه إن كان جائز الشهادة، يحلف معه ويستحق جميع الصدقة على ما قاله عبد العزيز. ومعنى قوله: وإن كان عدلا جازت شهادته على من تصدق به عليه، أي جازت شهادته لمن تصدق به عليه، فحلف معه واستحق صدقته، والعرب قد تبدل حروف الخفض بعضها من بعض، فعلى هذا يخرج هذا اللفظ، والله تعالى هو الموفق المعين بفضله. [: شهادة البدوي للحضري في الحقوق والجراح] ومن كتاب القبلة وقال، في شهادة البدوي للحضري في الحقوق والجراح: أما في الحقوق فإني لا أراها جائزة، وذلك أن الناس لم يتركوا أن يتوثقوا لأنفسهم ويشهدون العدول، والذي يشهد بدويا ويترك جيرانه من أهل الحاضرة عندي مريب، وأما الجراح فإني أرى إن كان البدوي عدلا أن تجوز شهادته، وذلك لأن الجراح تلتمس لها الخلوة وموضع غير أهل العدل من الشهداء، ولا يستطيع من أصابه ذلك أن يحضر لذلك شهداء، فهذا موضع لشهادته، قال ابن القاسم: وتجوز شهادتهم -يريد: أهل البادية- في رؤية الهلال إذا كانوا عدولا. وسئل مالك: عن قروي خرج إلى بادية فسكن فيها معهم، قال: إذا كان قد انقطع إليهم وسكن معهم فأرى شهادتهم

له جائزة، فقيل له: إنه في معدن، فقال: أين أهل ذلك المعدن؟ فقال: انتقلوا وانقطع نيله وسكنه الأعراب، قال: إذا كان ذلك المعدن بهذه الحال فشهادتهم جائزة. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن أهل البادية لا تجوز شهادتهم فيما يقصد إلى إشهادهم عليه دون أهل الحاضرة فيما يقع في الحاضرة من المبايعات والمناكحات والهبات والأكرية والإجارات والوصايا والعتق والتدبير وما أشبه ذلك؛ لأن القصد إلى إشهادهم دون أهل الحاضرة ريبة، فلا شهادة للبدوي في الحضر على حضري ولا على بدوي لحضري إلا في الجراح والقتل والزنا والشرب والضرب والشتم، وما أشبه ذلك مما لا يقصد إلى الإشهاد عليه، وتجوز شهادتهم فيما يقع في البادية من ذلك كله على الحضري، والبدوي للحضري والبدوي إذا كانوا عدولا لا ريبة في القصد إلى شهادتهم في البادية. هذا تحصيل القول في هذه المسألة على معنى هذه الرواية مما حكاه ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وغيرهما من أصحاب مالك وعن مالك أيضا، فعلى هذا الأصل لو حضر أهل البادية شيئا مما يقع في الحاضرة بين أهلها وغيرهم من المعاملات وغيرها دون أن يحضروا لذلك أو يقصد إلى إشهادهم فشهدوا بما حضروه لجازت شهادتهم إذا كانوا عدولا، وقد وقع في المبسوطة من رواية ابن القاسم عن مالك، وقول ابن وهب من رأيه خلاف هذا، أنه لا تجوز شهادة البدوي على الحضري لما في ذلك من الظنة والتهمة، يريد والله أعلم إذا شهد على حضري لبدوي مثله في شيء من الأشياء كان في الحاضرة أو البادية. قال ابن وهب فيها: وقد اختلف في شهادة الحضري على البدوي، فرأى قوم أنها لا تجوز، وأنا أرى أنها جائزة، إلا أن يدخلها ما دخل شهادة البدوي على الحضري من الظنة فلا

: غلام بالبادية ادعى على سيده الميت التدبير وأقام شهودا من البادية

تجوز حينئذ، ومن الدليل على هذا القول ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تجوز شهادة البدوي على القروي» . وقد قال بعض من أجاز شهادته عليه، وصحح الحديث: معناه في أهل البادية الذين لا يجيبون إذا دعوا، وليسوا على شرط أهل العدالة من أهل الحاضرة، وليس ذلك ببين، إذ لو كان معنى الحديث هذا، لقال فيه لا تجوز شهادة البدوي مطلقا. ومن هذا المعنى شهادة العالم على العالم، وقع في المبسوطة من قول عبد الله بن وهب لا تجوز شهادة القارئ على القارئ؛ لأنهم أشد الناس تحاسدا وتباغيا، وقاله سفيان الثوري ومالك بن دينار. [: غلام بالبادية ادعى على سيده الميت التدبير وأقام شهودا من البادية] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق وسئل مالك: عن رجل كان يتجر في البادية فهلك بها، فقام غلام له كان معه فادعى التدبير، وأقام شهودا من البادية، فقال: إذا كانوا عدولا جازت شهادتهم. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال وهو مما لا اختلاف فيه، وقد مضى في المسألة التي قبل هذه بيان ذلك، فلا معنى لإعادته، بالله التوفيق. [: الرجل يأتي بشهداء عدول على الرجل في حق فيجرحهم الآخر] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك: عن الرجل يأتي بشهداء عدول على الرجل في حق، ويأتي المشهود عليه بشهود على الذين شهدوا عليه أنه بينه وبينهم عداوة فترد شهادتهم عنه، أفترى أن يحلف؟ قال: إذا ردت شهادتهم فهم بمنزلة من لم يشهد عليه، وكأنه رأى أن لا يحلف، وقال سحنون مثله.

مسألة: شهد عليه وبينهما عداوة فاحتاج أهل الشهادة إليها فأخبرهم أنه عدو له

قال محمد بن رشد: لم ير مالك في هذه الرواية البينة إذا سقطت بالتجريح شبهة توجب اليمين كالخلطة، ومثله في رسم العتق من سماع عيسى في نوازل سحنون، وقد قيل: إن ذلك آكد من الخلطة فيجب عليه به اليمين، ذكر ذلك ابن أبي زيد في المختصر، وبه قال أبو بكر بن محمد، والاختلاف في هذا عندي جار على اختلافهم في الخلطة هل لا تثبت إلا بما ثبت به الحقوق من شاهدين أو شاهد وامرأتين أو يجتزأ فيها بالشاهد الواحد والمرأة الواحدة حسبما مضى القول فيه في رسم القضاء المحض من سماع أصبغ من كتاب الأقضية، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد عليه وبينهما عداوة فاحتاج أهل الشهادة إليها فأخبرهم أنه عدو له] مسألة وسئل مالك: عن رجل شهد على رجل بينه وبينه عداوة فاحتاج أهل الشهادة إليها فأخبرهم أنه عدو له، قالوا: فإنا نحب أن تشهد لنا، قال مالك: فإني أرى أن يشهد ويخبر مع شهادته بعداوته إياه لا يكتم ذلك. قال القاضي: هذا مثل ما في رسم من سماع عيسى، خلاف ما في سماع سحنون ونوازله. وأصح القولين في النظر أنه لا يجوز له أن يخبر بعداوته إياه؛ لأنه يجرح بذلك نفسه فتسقط شهادته، ويبطل حق ما يعلم صحته، ووجه القول الأول: أنه لا ينبغي له أن يقر الحكم بإعمال شهادة من لا تجوز شهادته، وهو ضعيف، وبالله التوفيق. [مسألة: تنازعا في شيء يظنانه لهما وكل واحد منهما يظنه لنفسه] مسألة وقال في الرجلين يدعيان الشيء فيقول أحدهما: قد رضيت

بشهادة فلان بيني وبينك، فيشهد الرجل على أحدهما، فيقول المشهود عليه: ظننت أنك تقول الحق الذي تعلم أنه الحق، فأما إذ شهدت علي بغير الحق فلا أرضى فذلك له، والشهادة غير جائزة. قال سحنون: وقال ابن دينار: إذا تنازع رجلان في شيء يظنانه لهما، وكل واحد منهما يظنه لنفسه من غير يقين، فيسألان الرجل فيشهد أنه لأحدهما، قال: ذلك جائز ولا يشبه ذلك مسألة مالك وهو الذي تعلمناه. قال محمد بن رشد: حكى ابن عبدوس عن ابن كنانة نحو قول ابن دينار إنه إن كان نازعه في شيء ليس عنده علم مثل حدود أرض، أو دين على أبيه، أو ما أشبه ذلك، قال له: فلان يشهد لي، فقال: إن شهد لك فقد رضيت، فشهد لزمه، وإن كان نازعه في قول قاله، أو فعل فعله، زعم صاحبه أن فلانا رآه حين فعله أو سمعه حين قاله، فقال له: إن شهد علي فلان بذلك فقد رضيت على وجه التبكيت له والإنزاه عن الكذب، كالقائل: إن فلانا لا يقول ذلك فشهد عليه بذلك لم يلزمه. وقال ابن القاسم في المبسوطة: لا يلزمه ذلك في الوجهين، وهو قول عيسى بن دينار، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عنه، وعن ابن الماجشون وأصبغ، وعليه يأتي ما في رسم يوصي من سماع عيسى من هذا الكتاب على ما نتأوله عليه إذا وصلنا إليه إن شاء الله، وحكى عن مطرف: أن له أن ينزع عن الرضا به ما لم يشهد، فإذا شهد عليه لم يكن له أن ينزع، ولزمه ما شهد به عليه، قال: وسواء نفر إليه لعلمه بما جهلاه مما اختصما فيه، أو لمعرفته بحدود ذلك إن كانت أرضا أو على أي وجه نفر إليه ما لم يكن على وجه التبكيت لصاحبه والتنزيه للشاهد عن الكذب.

والذي يتحصل في هذه المسألة أنه إن قال ذلك على وجه التبكيت لصاحبه والإنزاه للشاهد عن الكذب فلا اختلاف في أنه لا يلزمه ما شهد به عليه، وإن لم يقل ذلك على وجه التبكيت، ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يلزمه ما شهد به عليه كان يحقق علم ما نازع فيه خصمه من ذلك أو لا يحققه إلا أن يحكم به عليه مع شاهد آخر أو مع يمين المدعي، وهو قول ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ وعيسى بن دينار. والثاني: أنه يلزمه ما شهد به عليه نازعه فيه خصمه، ولا يلزمه إن كان يحقق معرفة ذلك، وهو قول ابن دينار وابن كنانة، واختيار سحنون هذا، وقوله في آخر نوازله: وسواء كان الشاهد في هذا كله عدلا أو مسخوطا أو نصرانيا، وقد قيل: لا يلزم الرضا بشهادة النصراني، بخلاف المسخوط، وإذا لم يتبين من صورة تراجعهما التبكيت من غير التبكيت فهو فيما نازعه فيه من قول قاله، أو فعل فعله محمول على التبكيت حتى يتبين منه الرضا بقوله، والتزام الحكم به على نفسه على كل حال، وفيما نازعه من حدود أرض أو دين على أبيه أو ما أشبه ذلك محمول على غير التبكيت حتى يتبين منه التبكيت. ولا اختلاف في أن له أن يرجع على الرضا بقوله في جميع الوجوه قبل أن يشهد، وذلك بخلاف الرضا بالتحكيم في الوجهين، إذ لا يختلف في أنه ليس لواحد منهما أن ينزع بعد الحكم، ويختلف هل يكون لمن شاء منهما أن ينزع قبل الحكم؟ فقال مطرف: له النزوع قبل الحكم، وقال ابن الماجشون وأصبغ عن ابن القاسم: ليس ذلك له، ولا يجوز أن يحكم النصراني ولا الصغير الذي لا يعقل، واختلف في العبد والمرأة والمسخوط والمولى عليه، والصغير الذي يعقل، فأجاز أصبغ تحكيمهم كلهم، ومنع مطرف من تحكيمهم كلهم، وأجاز ابن الماجشون في أحد قوليه تحكيم المرأة والعبد منهم، وكذلك المولى عليه على قياس قوله، وأجاز أشهب تحكيم المرأة والعبد والمولى عليه والمسخوط. فلمن يصح تحكيمه - على مذهب مطرف - سبعة أوصاف، وهي: البلوغ، والعقل، والإسلام، والحرية، والعدالة، والذكورية، وعدم الولاية. وعلى مذهب أصبغ وصفان، وهما: العقل،

مسألة: الذي يأتي بشاهد واحد في حق لأبيه كيف يحلف

والإسلام. وعلى مذهب أشهب ثلاثة أوصاف وهي: البلوغ، والعقل، والإسلام. وعلى مذهب ابن الماجشون أربعة أوصاف، وهي: البلوغ، والعقل، والإسلام، والعدالة. ومن معنى هذه المسألة أعني مسألة الرضا بشهادة الشاهد مسألة رسم العتق من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب في الذي يوصي أن ما شهد به عليه ابنه من دين أو شيء فهو فيه مصدق، وسيأتي الكلام عليها في موضعها إن شاء الله. [مسألة: الذي يأتي بشاهد واحد في حق لأبيه كيف يحلف] مسألة وسئل مالك: عن الذي يأتي بشاهد واحد في حق لأبيه كيف يحلف؟ أعلى البتات أم على العلم؟ قال: على البتات إنه حق، ولكن إن جاء بشاهدين أحلف بالله إن أباه اقتضاه، ويحلف مع الشاهد على الحق بالبتات، ومع الشاهدين على العلم. قال محمد بن رشد: قوله إنه يحلف مع الشاهد على البتات صحيح؛ لأن يمينه تقوم مقام الشاهد الآخر، فكما يشهد الشاهد على البت، كذلك يحلف هو على البت إن الحق حق، كما شهد به الشاهد، لا يحكم له بالحق إلا بذلك، ولا يقبل منه أن يحلف على العلم، فيقول: بالله ما نعلم الشاهد شهد لي بباطل، ولا يصح له فيما بينه وبين خالقه أن يحلف على البتات إلا أن يوقن بصحة ما شهد به الشاهد بأسباب يقع له اليقين بها هو أعلم بها فيدين في ذلك، ويمكن من اليمين. وقد مضى هذا في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق. وأما قوله: إنه يحلف مع الشاهدين على العلم فلا يصح ذلك إذا كان المشهود عليه منكرا، وإنما يصح إذا أقر بما شهدا به عليه، وادعى أنه قد قضى الميت، وهذا كبير يظن أنه قد علم به، وقد قيل: إنه لا يمين عليه إلا

مسألة: رجلان شهدا لرجل في مسكن له فشهد رجل أنه مسكنه والآخر أنه حيزه

أن يدعي عليه العلم، والقولان في المدونة، وإن كان الدين ثبت على ميت لميت وارثه كبير حلف على القول الأول، وإن لم يدع ورثة الذي ثبت الدين عليه أنه قد كان قضاه، وأن وارثه قد علم، ولم يحلف على القول الثاني إلا أن يدعوا قضاء وأن هذا قد علم، والاختلاف في هذا على اختلافهم في لحوق يمين التهمة دون تحقيق الدعوى، وفي المكان الذي يجب فيه اليمين مع الشاهدين ما علم أنه اقتضاه، لا بد أن نزيده في يمينه مع الشاهد الواحد، فهذا بيان هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: رجلان شهدا لرجل في مسكن له فشهد رجل أنه مسكنه والآخر أنه حيزه] مسألة وسئل مالك: عن رجلين شهدا لرجل في مسكن له، فشهد رجل أنه مسكنه، وشهد آخر أنه حيزه، أترى هذه شهادة واحدة؟ فإن خصمه احتج بأن يقول له إن هذه شهادة مختلفة؟ قال مالك: أرى حيزه ومسكنه شهادة واحدة لا تفترق، وربما كانت الشهادة الكلام فيها مختلف، والمعنى فيها واحد، وأراها شهادة واحدة، ولا أرى أن يدفع عن حقه لما اختلف من الكلام والمعنى واحد، وأراها شهادة واحدة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة منصوصة في كتاب الغصب من المدونة بينة المعنى؛ لأن الأحكام إنما تتعلق بالمعاني، لا بالألفاظ، فإذا اختلف اللفظ في الشهادة واتفق المعنى فيها لفقت باتفاق، مثل أن يشهد الشاهدان للرجل، فيقول أحدهما: أشهد أن الدار

مسألة: إذا شهد عليه شاهدان أنه كتابه بيده يؤخذ منه الحق

داره، ويقول الآخر: أشهد أن المنزل منزله، أو يشهد في الطلاق على الرجل أحد الشاهدين ببراءة والثاني بخلية وما أشبه ذلك كثيرا، وإن اختلف اللفظ والمعنى، واتفق ما يوجبه الحكم مثل أن يشهد أحد الشاهدين في دار بيد رجل أنها لرجل، ويشهد آخر أنه غصبها إياه؛ لأن الحكم يتفق في كلتي الشهادتين على أن يقضي للمشهود له بالدار، وإن كان للغصب أحكام تختص به دون الاستحقاق من غير غصب، ومثل أن يشهد شاهد على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا، ويشهد آخر أنه صالحها؛ لأن الحكم يتفق في كلتي الشهادتين على إيجاب التفرقة بينهما. وإن اختلف فيما سوى ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: إذا شهد عليه شاهدان أنه كتابه بيده يؤخذ منه الحق] مسألة وسئل مالك: عن رجل كتب عليه رجل ذكر حق، وأشهد فيه رجلين، فكتب الذي عليه الحق شهادته على نفسه بيده في ذكر الحق، فهلك الشاهدان، ثم جحد، فأتى رجلان فقالا: نشهد أنه كتابه بيده، قال مالك: إذا شهد عليه شاهدان أنه كتابه بيده، رأيت أن يؤخذ منه الحق، ولا ينفعه إنكاره، وإنما ذلك عندي بمنزلة ما لو أقر ثم جحد وشهد عليه رجلان بإقراره، فأرى أن يغرم، فقال له رجل: ألا ترى هذه تشبه رجلا يشهد عليه رجلان بشهادة فأنكرها فلم تجز شهادة الرجلين؟ قال: لا يشبه، قيل له: أترى عليه يمينا مع شهادة الرجلين على شهادته بكتابه بيده أنه كتابه؟ قال: لا يمين عليه، وإنما اليمين مع الشاهد، وهذا قد استوجب حقه، ولا يمين عليه، وأرى أن يغرم له.

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن شهادة الرجل على نفسه إقرار عليها، وإقراره على نفسه شهادة عليها، فإذا كتب الرجل شهادته في ذكر الحق المكتوب عليه، أو كتب ذكر الحق ولم يكتب فيه شهادته، فقد أقر على نفسه، إذ لا فرق بين أن يكتب لفلان علي كذا وكذا، أو لفلان على فلان كذا، ويسمي نفسه، وإن كتب ذكر الحق على نفسه بيده، فقال: فيه لفلان على فلان كذا وكذا ثم كتب فيه شهادته، فهو أقوى في الإقرار؛ لأنه إقرار بعد إقرار، وإنما يختلف إذا كتب شهادته في ذكر حق على أبيه، ثم مات أبوه، وهو وارثه، فقام صاحب الحق عليه بذكر الحق على أبيه، وفيه شهادته فأقر بالشهادة، وزعم أنه كتبها على غير حق، أو أنكرها، فشهد على خطه، فقال مطرف وأصبغ: يؤخذ بالحق؛ لأن مال أبيه لما صار إليه فكأن الشهادة على نفسه. وقال ابن الماجشون: ليس ما شهد به على غيره وإن صار ماله إليه كما لو شهد على نفسه، ولا يؤخذ منه الحق إلا بإقرار سوى خط شهادته، ومحمله محمل الشهادة لا محمل الإقرار، واختار ابن حبيب قول مطرف وأصبغ، وقول ابن الماجشون أقيس. والشهادة على خط المقر كالشهادة على إقراره، سواء عند من يجيز الشهادة في ذلك على الخط أن يشهد على خطه شاهد واحد كانت مع شهادته اليمين، وإن شهد على خطه شاهدان أخذ المشهود له حقه بشهادتهما دون يمين، والمشهور في المذهب أن الشهادة على الخط في ذلك جائزة عاملة لم يختلف في ذلك قول مالك ولا قول أحد من أصحابه فيما علمت، إلا ما يروى عن محمد بن عبد الحكم من أنه قال لا تجوز الشهادة على الخط مجملا، ولم يخص موضعا من موضع. ونزلت هذه المسألة في أيام ابن لبابة فأفتى فيها جميع معاصريه بإعمال الشهادة، وقال هو: إنها لا تجوز، وحكى ذلك عن مالك من رواية ابن نافع، وفي المبسوط من قول ابن نافع وروايته عن مالك أنها جائزة، كالمعلوم من مذهبه، خلاف ما حكاه عنه ابن لبابة، فأرى حكايته غلطا، والله أعلم. وأما الشهادة على خط الشاهد الميت أو الغائب، فلم يختلف في الأمهات المشهورة قول مالك في إجازتها وإعمالها، وقد قيل: إنها لا تجوز، وروي ذلك عن مالك، وإلى هذا ذهب محمد بن المواز،

وجعل الشهادة على خطه كالشهادة على شهادته إذا سمعها منه ولم يشهده عليها بقول، فكما لا يجوز له أن يشهد على شهادته إذا سمعها يقول لفلان على فلان كذا وكذا حتى يشهده على قوله، إذ قد يخبر الرجل بما لا يتحقق تحققا يتقلد الشهادة به، فكذلك لا يجوز له أن يشهد إذا رأى شهادته بخط يده في وثيقة بحق لفلان على فلان حتى يشهده على خطه، إذ قد يكتب شهادته من لا يتقلد الشهادة بها، ومن إذا دعي إليها استراب فيها وتوقف عنها. ومن لا يعرف المشهود عليه إلا بعينه، وقد لا يعرفه بعينه ولا باسمه. ووجه من أجاز الشهادة على خطه، وفرق بين ذلك وبين الشهادة على شهادته إذا سمعها منه ولم يشهده عليها: أن الرجل قد يخبر بما لا يتحققه، ولا ينبغي للرجل أن يكتب شهادته حتى يتحقق ما يشهد عليه ويعرف من أشهده بالعين والاسم، مخافة أن يموت أو يغيب فيشهد على خطه، فأشبه ذلك من سمع رجلا يؤدي شهادته عند الحكم، أو يشهد عليها غيره أنه يشهد على شهادته بما سمع منه، وإن لم يشهده عليها، والقول الأول أظهر، إذ قد قيل، وهو قول ابن المواز: إنه لا يجوز له أن يشهد على شهادته حتى يشهده عليها وإن سمعه يؤديها عند الحكم، أو يشهد عليها غيره، مع أن وضع الشاهد شهادته في الكتب لا تقوى قوة ذلك، وقد قال ابن زرب: لا تجوز الشهادة على خط الشاهد حتى يعرف أن المشهود على خطه كان يعرف من أشهده معرفة العين، وذلك صحيح لا ينبغي أن يختلف فيه، لما قد تساهل الناس فيه من وضع لشهادتهم على من لا يعرفون. وقد اختلف في حد الغيبة التي تجوز فيها الشهادة على خط الشاهد عند من يجيزها، فقيل: ما تقصر فيه الصلاة، وهو قول ابن الماجشون، وقال ابن سحنون عن أبيه: الغيبة البعيدة، ولم يحد قدرها، وحدها أصبغ فيما حكى عنه ابن مزين، فقال: مثل أفريقية من مصر، أو مكة من العراق، أو نحو ذلك. والذي جرى به العمل عندنا على ما اختاره الشيوخ إجازتها في الأحباس، وما جرى مجراها مما هو حق لله وليس بحد. وأما شهادة الشاهد على خطه إذا لم يذكر الشهادة فكان مالك أول زمانه يقول: إنه يشهد إذا كان الكتاب نقيا ولم يكن فيه شيء ولا محو يريبه، ثم رجع فقال: لا يشهد وإن صف خطه حتى يذكر

الشهادة أو بعضها، أو ما يدله على حقيقتها وينفي التهمة عنه فيها، فأخذ بقوله الأول عامة أصحابه: مطرف، وابن الماجشون، والمغيرة، وابن أبي حازم، وابن دينار، وابن وهب وإليه ذهب ابن حبيب، وهو اختيار سحنون في نوازله. قال مطرف: وعليه جماعة الناس. قال مطرف وابن الماجشون: وليقيم بالشهادة تامة بأن يقول ما فيه حق، وإن لم يحفظ مما في الكتاب عددا ولا مقعدا ولا يعلم السلطان بأنه لا يعرف غير خطه، فإن أعلمه بذلك وأنه لم يرتب في شيء لزم الحاكم رده. وروى ابن وهب عن مالك في موطأه أنه إذا قال: هذا كتابي ولا يذكر الشهادة أنه يجيزها ويحكم بها. وأخذ ابن القاسم وأصبغ بقول مالك الآخر أنه لا يشهد وإن عرف خطه حتى يذكر الشهادة، واختلف على هذا القول، هل يرفع شهادته أم لا؟ فقال مالك في المدونة: إنه يؤديها كما علم ولا تنفع، وهذا من مذهبه يدل على القول بتصويب المجتهدين، وقال ابن المواز: إنه لا يرفعها، وهو القياس على قول من قال: إن المجتهد قد يخطئ الحق عند الله، وإن لم يقصر في اجتهاده وامتثل أمر الله فيه، واختلف كيف يؤديها؟ فقيل: إنه يقول: هذه شهادتي بخط يدي ولا أذكرها. وفي رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب يقول: أرى كتابا يشبه كتابي، وأظنه إياه، ولست أذكر شهادتي، ولا متى كتبتها، وعلى معنى هذا الاختلاف يأتي اختلافهم في الشهادة على خط المقر؛ لأن المعنى في ذلك إنما هو هل الخط رسم يدرك بحاسة البصر أم لا؟ وهذه المسألة يتحصل في المذهب فيها خمسة أقوال: أحدها: أنها شهادة جائزة يؤديها ويحكم بها. والثاني: أنها شهادة غير جائزة فلا يؤديها ولا يحكم بها إن أداها. والثالث: أنها شهادة غير جائزة إلا أن يؤديها ولا يحكم بها. والرابع: أنها إن كانت في كاغد لم يجز له أن يشهد، وإن كانت في رق جاز له أن يشهد، يريد - والله أعلم - إذا كانت الشهادة في بطن الرق، ولم تكن

مسألة: شهادة المولى لمولاه جائزة

على ظهره؛ لأن البشر في ظهر الرق أخفى منه في الكاغد، والخامس: أنه إن كان ذكر الحق والشهادة بخطه جاز له أن يشهد، وإن لم يكن بخطه إلا الشهادة لم يجز له أن يشهد، حكى هذين القولين ابن الحارث، وقد ذكر سحنون في نوازله أن جميع أصحاب مالك يقولون شهادته جائزة إذا كان هو خط الكتاب وكتب شهادته، وهذه التفرقة استحسان، والقياس أن لا فرق بين أن يكون بخطه ذكر الحق والشهادة، وبين ألا يكون بخطه إلا الشهادة على المعنى الذي ذكرناه في الخط، هل هو رسم يدرك بحاسة البصر أم لا؟ فالوجوه التي تختلف في إجازة الشهادة على الخط فيها ثلاثة: الشهادة على خط المقر وهو أقواها في جواز الشهادة، وتليها الشهادة على خط الشاهد، وتليها شهادة الشاهد على خط نفسه وهو أضعفها في إجازة الشهادة، فمن لا يجيز الشهادة على خط المقر لا يجيز الشهادة على الخط في شيء من الوجوه الثلاثة، ومن يجيز شهادة الشاهد على خط نفسه يجيز الشهادة علي الخط في الوجوه كلها. ويتحصل في الجملة أربعة أقوال: أحدها: أن الشهادة على الخط لا تجوز في شيء من الأشياء، والثاني: أنها لا تجوز إلا على خط المقر على نفسه، والثالث: أنها لا تجوز إلا على خط المقر على نفسه وعلى خط الشاهد، والرابع: أنها تجوز في الثلاثة المواضع على خط المقر على نفسه، وعلى خط الشاهد الميت أو الغائب، وشهادة الشاهد على خط نفسه، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة المولى لمولاه جائزة] مسألة وسئل مالك: عن رجل أشهد لمولى له هو أعتقه وعنده أخوات له، هل ترى أن موضع أخواته عنده ممالك مما يخرج شهادته؟ قال: إن كان غير متهم وهو عدل مرضي جازت شهادته.

مسألة: من صور الشهادة على الشهادة

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن شهادة المولى لمولاه جائزة على ما في المدونة وغيرها إذا كان مبرزا في العدالة، وهو معنى قوله في هذه الرواية إذا كان عدلا مرضيا غير متهم، ولا يقدح في شهادته له كون أخوات المشهود له مماليك له، إذ لا ينجر إليه بذلك منفعة، والله الموفق. [مسألة: من صور الشهادة على الشهادة] مسألة وسئل: عن الرجلين يشهدان على الرجل، فقال أحدهما: حرام علي ما حل لي إن فرق بيني وبينك إلا ابن أبي سلمة، فشهد واحد على هذه الشهادة، وشهد الآخر أنه قال: إن استأذنت عليك إلا ابن أبي سلمة، فأنكر وقال: إنما قلت إن فارقتني حتى تعطيني حقي، قال: أرى أن يحلف أن الذي قالا ليس بحق، ولا أعرفه؛ لأني إنما أردت ألا تفارقني حتى تعطيني حقي. قال القاضي: وقع في هذه المسألة في الأم إن استأذنت عليك ابن أبي سلمة، فقال فيه ابن أبي زيد: إنه غلط وأصلحه إلا ابن أبي سلمة، وهو على ما قاله مسألة فيها نظر؛ لأن المعنى في قوله: إن فرق بيني وبينك إلا ابن أبي سلمة أو إن استأذنت عليك إلا ابن أبي سلمة سواء، وهو قد قال في السؤال: إن الحالف المشهود عليه أنكر الشهادة، وقال: إنما قلت إن فارقتني حتى تعطيني حقي، فكان الواجب في ذلك على أصولهم ألا ينفعه إنكاره، ويلزمه ما شهدا به عليه، وإن اختلف لفظهما في الشهادة، إذ قد اتفق المعنى فيها، فتحرم عليه امرأته إن فارق غريمه ولم يستأذن عليه ابن أبي سلمة، ولا يقبل منه نية إن كان قضاه قبل أن يفارقه، فقال: إنما

مسألة: شهادة الأعمى

نويت إن لم تقضني حقي من أجل أنه قد أنكر، إلا أنه قد قيل: إنه تقبل منه البينة بعد الإنكار، وهو قول مالك في كتاب التخيير والتمليك من المدونة، وفي رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، وفي رسم الطلاق من سماع أشهب، وفي رسم الكبش من سماع يحيى منه، ومن كتاب الأيمان بالطلاق، فيحتمل أيضا أن يتأول جوابه في هذه المسألة على هذا القول؛ لأنه قال فيه: أرى أن يحلف أن الذي قالا ليس بجوابي الذي شهدا به علي من أني قد حنثت فيما حلفت به، إذ قد فارقت غريمي ولم أرفعه إلى ابن أبي سلمة ليس بحق؛ لأني إنما أردت ألا يفارقني حتى يعطيني حقي، فنواه في يمينه وهو قد أنكرها، وساق يمينه على المعنى، والنص فيها أن يقول: بالله ما أردت أن استئذاني عليه إلا إن لم يعطني، وذلك هو الذي نويت في يميني، وقد أعطاه إياه فلا حنث عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة الأعمى] مسألة وسئل مالك: عن شهادة الأعمى هل تجوز شهادته؟ قال: نعم، إذا عرف ذلك وأثبته، وقد كان ابن أم مكتوم رجلا أعمى إماما مؤذنا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا أثبت الأعمى ما شهد عليه جازت شهادته، قال مالك: وكذلك الرجل إذا شهد على المرأة من وراء الستر قد عرفها، وعرف صوتها، وأثبتها قبل ذلك فشهادته جائزة عليها. قال مالك: وقد كان الناس يدخلون على أزواج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد موته وبينهم حجاب يسمعون منهن ويحدثون عنهن، وقد سأل أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأبوه، عائشة وأم سلمة، وهما من وراء الحجاب، ثم أخبرا عنهما. قال الإمام القاضي: مثل هذا في كتاب اللعان من المدونة

الرجل يشهد للرجل على رجل وللشاهد على المشهود له حق

وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، وما احتج به مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - من إجازة شهادة الرجل على المرأة بما سمع منها من وراء الستر إذا كان قد عرف صوتها ليحدث أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعد موته بما سمعوا منهن من وراء الحجاب صحيح، لا خروج لأحد عنه، وكذلك احتجاجه على إجازة الشهادة على الصوت بكون ابن أم مكتوم مؤذنا إماما صحيح؛ لأن الإمام يقتدى بأذانه من يسمعه ولا يراه في أوقات الصلوات وطلوع الفجر في رمضان إذا علم عدالته، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» . فألزم الناس الاعتبار بأذانهما على ما عرفوا من أصواتهما، ولا معنى لقوله: وقد كان ابن أم مكتوم رجلا أعمى؛ لأن الحجة إنما هي في كونه إماما مؤذنا يقتدي به في صلاته وأذانه من لا يراه إلا في كونه رجلا أعمى، وقد قال ربيعة: لو لم تجز شهادة الأعمى ما جاز له وطء أمته ولا زوجته، وقوله صحيح ظاهر؛ لأنه لا يعرفها إلا بكلامها. قال المغيرة: وسواء ولد أعمى أو لم يولد، شهادته مقبولة، والله الموفق ولا رب غيره ولا خير إلا خيره. [الرجل يشهد للرجل على رجل وللشاهد على المشهود له حق] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وسئل مالك: عن الرجل يشهد للرجل على رجل وللشاهد على المشهود له حق، قال: لا يضر ذلك شهادته وهي جائزة، قال ابن القاسم: بلغني عنه أنه إذا كان المشهود له موسرا قبلت شهادته، وإن كان معدما لم تقبل؛ لأنه إنما شهد لنفسه. قال سحنون: قال ابن القاسم: وكذلك لو شهد رجل لرجل وللمشهود له على الشاهد حق أنه إن كان مليا جازت شهادته، وإن كان معدما لم تقبل ولم تجز.

قال محمد بن رشد: ما بلغ ابن القاسم عن مالك من تفرقته إذا كان الدين للشاهد على المشهود له بين أن يكون المشهود له مليا أو معدما مفسر لما سمعه منه من إجازته شهادته له مجملا، إذ لا يصح أن يختلف في أن شهادته له لا تجوز إذا كان معدما؛ لأن شهادته إنما هي لنفسه، وهذا إذا كان الدين حالا أو كان حلوله قريبا، وأما إن كان حلوله بعيدا فشهادته له جائزة كما تجوز إذا كان مليا، وشهادته له جائزة، فيما عدا الأموال، قال ذلك بعض أهل النظر وهو صحيح. وأما إن كان الدين للمشهود له على الشاهد فأجاز أشهب في سماع زونان شهادته له مليا كان أو معدما، خلاف قول ابن القاسم هاهنا: إن شهادته لا تجوز إذا كان معدما، يريد: والدين حال أو قريب الحلول؛ لأنه يتهم أن يكون إنما شهد له ليوسع عليه في الدين ويؤخره به، وسواء كانت شهادته له بمال أو بغير مال، ولم ير أشهب هذه تهمة ترد بها شهادة الشاهد العدل، وأما إن كان الدين للشاهد على المشهود عليه، أو للمشهود عليه على الشاهد، أو للمشهود له على المشهود عليه، أو للمشهود عليه على المشهود له، فلا يقدح شيء من ذلك في الشهادة. واختلف في المال القراض يكون بيد المشهود له للشاهد، أو بيد الشاهد للمشهود له - على ثلاثة أقوال: أحدها: أن شهادة كل واحد منها لصاحبه جائزة، مليا كان العامل بالمال أو معدما، وهو ظاهر قول أشهب وقول ابن القاسم في سماع أصبغ عنه. والثاني: أنه إن كان العامل بالمال مليا جازت شهادته لرب المال، وشهادة رب المال له، وإن كان معدما لم تجز شهادة واحد منهما لصاحبه، وهو الذي يأتي على قول ابن وهب. والثالث: أن شهادة كل واحد منهما لا تجوز لصاحبه إن كانت قبل أن يحرك العامل المال وينشبه في سلع، ويجوز له إن كان قد حركه وشغله في سلع؛ لأن المال إن كان ناضا في يد العامل اتهم في شهادته لرب المال أن يقر المال بيده ولا يأخذه منه، واتهم رب المال في شهادته له أن يعمل

: شهادة الابن لأبيه على أمه

بالمال ولا يصرفه عليه، وهو الذي يأتي على قياس قول سحنون، فهذا معنى ما وقع من ذلك كله في سماع زونان من هذا الكتاب، وبالله التوفيق. [: شهادة الابن لأبيه على أمه] من سماع أشهب وابن نافع عن مالك قال سحنون: قال لي أشهب، وابن نافع: سئل مالك عن شهادة الابن لأبيه على أمه، فقال: لا يجوز ذلك؛ لأن الابن يهاب أباه ويتقيه، وربما ضربه، قيل له: فشهادته لأمه على أبيه، قال: لا تجوز أيضا شهادته على أبيه، لا تجوز لأبيه ولا لأمه، إلا أن يكون الرجل العدل المنقطع في الصلاح جدا، وإنما تجوز شهادته لهما إذا كان الوالد عدلا منقطعا في الصلاح إن كان الذي شهد عليه الشيء اليسير، وذلك يختلف في القليل والكثير. قال محمد بن رشد: لا خلاف أعلمه من قول مالك وأصحابه أن شهادة الرجل لا تجوز لأبويه، ولا لأحد من أجداده وجداته وإن علوا، ولا لولده الذكور والإناث، ولا لأحد من أولادهم وإن سفلوا، والأصل في ذلك قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار إلى نفسه» . والظنين المتهم فرأى أهل العلم أن الرجل متهم في شهادته لأبويه وأجداده وجداته وإن علوا وولده وولد ولده، فإن سفلوا فلم يجيزوا شهادته لواحد منهم، ولا شهادة واحد منهم له، وأجازوا شهادته على كل واحد منهم، وشهادة كل واحد منهم عليه إذا لم يكن بين الشاهد والمشهود عليه

مسألة: يختصمان في خصومة ثم يمكثان مدة فيشهد أحدهما على صاحبه

عداوة تعرف، أو يكون يجر إلى نفسه بشهادته نفعا، مثل أن يشهد على أبيه أنه قتل عمدا، أو أنه زنى وهو محصن وله مال أو ليس له مال وهو فقير قد ألزمه السلطان نفقته؛ لأنه يتهم على إرادة ميراثه والاستراحة من النفقة عليه. وأما شهادته بعضهم على بعض ففي ذلك تفصيل، قال في هذه الرواية: لا تجوز شهادة الرجل لأبيه على أمه، ولا لأمه على أبيه، إلا أن يكون الرجل العدل المنقطع في الصلاح جدا ويكون الذي شهد به لأحدهما على الآخر شيئا يسيرا؛ لأن معنى قوله: وإنما تجوز شهادته لهما، أي لأحدهما على الآخر، وأما شهادته لأحدهما على أجنبي فلا تجوز على حال يسير ولا كثير. وحكى ابن عبدوس عن ابن نافع: أن شهادة الابن لأمه على أبيه أو لأبيه على أمه جائزة، إذا كان عدلا، إلا أن يكون الابن في ولاية الأب أو يكون الأب تزوج على الأم فأغارها فيتهم الابن، أو يكون غضب لأمه ووجد لها فلا تجوز شهادته حينئذ لها، وسيأتي في رسم يوصي من سماع عيسى القول في شهادته على أبيه بطلاق أمه أو غيرها من نسائه. ولو شهد لأبيه على ولد أو لولده وليس في حجره على أبيه لتخرج ذلك على الاختلاف المذكور في شهادته لأحد أبويه على الآخر، ولو شهد لأبيه على جده أو لولده على ولد ولده لا ينبغي ألا تجوز شهادته قولا واحدا، ولو شهد لجده على أبيه أو لولد ولده على ولده لا ينبغي أن تجوز شهادته قولا واحدا، وقد اختلف في شهادته لبعض ولده على بعض إذا لم يكن المشهود له في ولايته، فقيل: إنها جائزة، وقيل: إنها لا تجوز على ما يأتي في رسم الجواب من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: يختصمان في خصومة ثم يمكثان مدة فيشهد أحدهما على صاحبه] مسألة وسئل: عن الرجلين يختصمان في الخصومة ثم يمكثان بعد ذلك سنين، ثم يشهد أحدهما على صاحبه بشهادة، قال: إن كان

أمرهما آل إلى سلامة وصلح، فذلك جائز. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن مجرد الخصومة في القليل والكثير توجب العداوة بين المتخاصمين وتسقط شهاده أحدهما عن صاحبه؛ لأنه لم يرها جائزة عليه وإن طال الأمد حتى يئول أمرهما إلى سلامة وصلح، وهو أن يرجعا إلى ما كانا عليه قبل الخصومة، ومثله في سماع سحنون ونوازل أصبغ. ولو سلم كل واحد منهما على صاحبه، ولم يعودا إلى ما كان عليه قبل المحاكمة من التكلم لم تجز شهادة أحدهما على صاحبه، ولم يخرجه ذلك من الهجران إذا لم يكن مؤذيا له على ما يأتي في رسم باع شاة من سماع عيسى، وقال مطرف وابن الماجشون: إذا لم يكن الذي بينهما خاصا فيخرج بالسلام عن الهجرة وتجوز عليه شهادته وإن ترك كلامه، وقد قيل: إن شهادة كل واحد منهما على صاحبه بعد الخصومة جائزة في غير الشيء الذي تخاصما فيه، إلا أن تكون خصومتهما في الأمر الجسيم الذي يورث الحقد والعداوة، وهو قول ابن كنانة، قال: وهذا تفسير الحديث: «لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين» . واختلف في الظنين، فقيل: هو المتهم في دينه. وقيل: هو المتهم في شهادته. وقد قيل: إن شهادة كل واحد منهما على صاحبه جائزة بعد الخصومة وإن لم يصطلحا ما لم يقع بينهما فيها مشاتمة، وهو قول يحيى بن سعيد في نوازل سحنون من هذا الكتاب، قال: وإذا كانت بينهما عداوة معلومة فاصطلحا جازت شهادة كل واحد منهما على صاحبه، وقال مطرف وابن الماجشون، وابن عبد الحكم وأصبغ: وذلك إذا طال الأمر واستحق الصلح وظهرت براءتهما من دخل العداوة؛ لأنه يتهم إذا شهد عليه بقرب ما صالحه على أنه إنما صالحه ليشهد عليه، فلا تجوز شهادته عليه، وسيأتي في رسم باع شاة من سماع عيسى إذا كان الشهود أعداء لا في المشهود

مسألة: السؤال عن الشهود سرا

عليه أو لوصيه، وبالله التوفيق. [مسألة: السؤال عن الشهود سرا] مسألة وسئل: عن المسألة عن الشهود سرا، أترى ذلك؟ قال: نعم، ولكن لا يسأل إلا العدول. قال محمد بن رشد: المسألة عن العدول في السر تعديل السر وهو مما ينبغي للقاضي أن يفعله، ولا يكتفي بتعديل العلانية دونه، وله أن يكتفي بتعديل السر دون تعديل العلانية، وحكى هذا ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، ومعناه في الاختيار دون اللزوم على ما في المدونة وغيرها. وتعديل السر يفترق من تعديل العلانية في وجهين: أحدهما: أنه لا إعذار في تعديل السر. والثاني: أنه يجزي فيه الشاهد الواحد، وإن كان الاختيار اثنين بخلاف تعديل العلانية في الوجهين، وقد روي عن سحنون: أنه لا يقبل في تزكية السر إلا اثنان، وهو ظاهر ما في المدونة ومعناه في الاختيار، فلا اختلاف في أن الشاهد الواحد يجزي في تعديل السر، وإن كان الاختيار اثنين، وقد حمل ذلك بعض الناس على أنه اختلاف من القول وليس بصحيح، وإنما كان تعديل السر أقوى من تعديل العلانية؛ لأن الشاهد قد يسأل التزكية فيستحيي من التوقف عنها، وروي عن ابن شبرمة أنه قال: أنا أول من سأل في السر، كان الشاهد إذا أتى القوم ليزكوه استحيوا منه، وتعديل السر هو أن يبتدئ القاضي بالسؤال عن الشاهد، فيسأل عنه من يظن أنه خبير بحاله من جيرانه وأهل خلطته ومكانه، أو يتخذ رجلا يوليه السؤال عن الشهود فيقبل ما أخبره به وحده، ولا

مسألة: المولى عليه هل تجوز شهادته وهو عدل

ينبغي له هو أن يكتفي بسؤال رجل واحد مخافة أن يكون بينه وبين الشاهد عداوة، وتعديل العلانية هو أن يقول القاضي للمشهود له: لا أعرف شهودك، فعدلهم عندي، فهذا لا يجوز فيه إلا شاهدان، ويلزم الإعذار فيهما إلى المشهود عليه، هذا معنى ما في المدونة والواضحة وغيرهما من الدواوين، ولا خلاف في شيء منه، والله الموفق. [مسألة: المولى عليه هل تجوز شهادته وهو عدل] مسألة وسئل عن المولى عليه، هل تجوز شهادته وهو عدل؟ فقال: إن كان عدلا فماله لم يدفع إليه ماله؟ قيل له: هو عدل وشهادته نزلت، فقال: إن كان عدلا جازت شهادته. قال محمد بن رشد: مثل هذا في كتاب ابن المواز لمالك من رواية ابن عبد الحكم عنه، وهو على قياس المعلوم من قول ابن القاسم في ترك الاعتبار بالولاية على اليتيم البالغ في جواز أفعاله وردها، والذي يأتي على المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك وأصحابه في أن المولى عليه لا تنفذ أفعاله وإن كان رشيدا في جميع أحواله ألا تجوز شهادته، وإن كان مثله لو طلب ماله أعطيه، وهو نص قول أشهب في المجموعة، ونحو قوله في سماع أصبغ من كتاب النكاح أنه لا يكون وليا في النكاح، وإن كان عدلا، وقد حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وأصحابه أن القاضي إذا حكم بشهادة المولى عليه أو العبد ثم انكشف ذلك بعد الحكم ردت القضية، بخلاف إذا انكشف أنه مسخوط أو سفيه، وروى مثله أبو زيد عن ابن الماجشون، وقال أصبغ: إذا قضى بشهادته ثم تبين أنه مولى عليه مَارِقٌ فَاسِدٌ بَيِّنُ الفساد، أو مسخوط بين الفسق

مسألة: الشاهد يعدله رجلان ويأتي المشهود عليه برجلين يجرحانه

والفساد ردت قضيته كما ترد إذا تبين أنه عبد، والله الموفق. [مسألة: الشاهد يعدله رجلان ويأتي المشهود عليه برجلين يجرحانه] مسألة وسئل: عن الشاهد يعدله رجلان، ويأتي المشهود عليه برجلين يجرحانه بأي ذلك يؤخذ؟ قال: ينظر في ذلك إلى الشهود أيهم أعدل، اللذان عدلاه أم اللذان جرحاه؟ قيل له: ألا ترى أن شهادة اللذين جرحاه أثبت؛ لأنهما علما ما لم يعلم الآخران؟ قال: لا، هذا رجل عدل أيقبل قولهما؟ ولكن يقال لهما: أي شيء تجرحانه به؟ فينظر في ذلك أمعروف مشهور ذلك؟ ولعل الذي يجرحانه به شيء قديم، وقال ابن نافع: إذا كان هذان اللذان يجرحانه عدلين فهما أولى ويسقط التعديل، وقال سحنون مثله. قال محمد بن رشد: قول ابن نافع وسحنون: هو دليل ما في كتاب السرقة من المدونة ورواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك، وفي المسألة قول ثالث حكاه صاحب المبسوطة عن مطرف وابن وهب، وهو أن التعديل أولى من التجريح، والتزكية بالفضل أولى من القول بالشر، وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يبين المجرحون الجرحة وتعارضت الشهادة في الظاهر بأن يقول المعدلون: هو عدل جائز الشهادة، ويقول المجرحون: هو مسخوط غير جائز الشهادة، فأما إذا بين المجرحون الجرحة فلا اختلاف أن شهادتهم أعمل من شهادة المعدلين وإن كانوا أقل عدالة منهم، ولكل قول منها وجه، فوجه القول بأنه يؤخذ بأعدل البينتين هو أن الشاهد المجهول الحال ليس بمحمول على الجرحة ولا العدالة، إذ لو حمل على العدالة لجازت شهادته دون تعديل، ولو حمل على الجرحة لما جازت شهادته وإن

: الشهادة بما في كتاب يزاد فيه شهود

عدل؛ لأن المعدل لا يقطع أنه لا جرحة فيه، وإنما يشهد بما يظهر إليه من عدالته، وإن جرح ردت شهادته. فوجب إذا قال قوم: إنه عدل، وقال آخرون: إنه مسخوط - أن ينظر إلى أعدل البينتين، فإن استوتا في العدالة سقطتا، وبقي على ما كان عليه قبل الشهادة من التوقيف في أمره. ووجه القول أن شهادة المجرحين أعمل: هو أن المجرحين كأنهما قد زادا في شهادتهما؛ لأنهما علما منه ما لم يعلم المعدلون، وهذا هو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، ووجه القول بأن شهادة المعدلين أعمل: هو أن شهادتهم توجب حكما وهو قبول الشهادة، وشهادة المجرحين لا توجب حكما؛ لأن شهادة الشاهد المجهول الحال غير مقبولة حتى يُعَدَّل، فوجب أن تكون شهادة من أوجب الحكم أعمل من شهادة من نفاه، وبالله التوفيق. [: الشهادة بما في كتاب يزاد فيه شهود] ومن كتاب الأقضية الثاني قيل: أرأيت إن أُتيت بكتاب، فقيل لي: اشهد فيه، وذهب بالكتاب يزاد فيه شهود، ثم أقام عني يوما أو يومين، ثم أتيت به أشهد فيه؟ فقال: أليس تعرف الكتاب؟ قال: بلى، قال له: فاشهد فيه. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لأن الكتاب عرض من العروض يعرف بعينه إذا غيب عليه، فإذا عرف أنه هو بعينه شهد فيه، وإن شك لم يشهد، وإن كان إنما يعرفه بالخط فيدخل في ذلك من الخلاف ما دخل في الشهادة على خط المقر، وقد مضى بيان ذلك في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، والله الموفق.

مسألة: كيف يوقف الذي يشهد في ذكر الحق

[مسألة: كيف يوقف الذي يشهد في ذكر الحق] مسألة قال أشهب: وسئل مالك: كيف يوقف الذي يشهد في ذكر الحق؟ أيجزي عنه أن يقول هذه شهادتي أعرفها بخط يدي؟ فقال: يقال له: أتشهد أن حق هذا حق؟ فإما أن يقول إذا أشهد: إن هذه شهادتي بخط يدي، وإن هذا كتابي، فلا يقال له: إن كنت تحفظ شهادتك فاشهد أن حقه لحق، فإما أن تشهد أن هذا كتابه فلا، قال: مالك: وكان شريح القاضي إذا جاءه الشاهدان بشهادة، قال لهما: إني بشهادتكما أقضي أتشهدان الحق لهذا؟ فإذا قالا: نعم، أجاز شهادتهما. قال محمد بن رشد: لم يجز مالك للشاهد في هذه الرواية أن يثبت الشهادة على الحق من جهة معرفته بالخط، ولا أجازها إن شهد على معرفة الخط ولم يثبت الشهادة، وهو الذي ذهب إليه شريح فيما حكى عنه مالك من قوله للشاهدين. وقد اختلف في الوجهين جميعا، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: شهدا في وصية أوصي لأحدهما فيها بستين دينارا وللآخر فيها بثوبين] مسألة قال مالك، عن رجلين شهدا في وصية أوصي لأحدهما فيها بستين دينارا وللآخر فيها بثوبين، قال: أما الذي أوصي له بالستين فلا تجوز شهادته، وأما الذي أوصي له بالثوبين فإن كانا ثوبين لهما بال مرتفعين لم تجز شهادته أيضا إذا كان الشيء الذي له

بال، وإن كان الشيء التافه اليسير فإنها جائزة، قيل له: فإن الذي أوصى له بالستين دينارا شهد في وصيته بعدما أحدثها الميت وأوصى فيها لناس ولم يوص فيها للشهداء بشيء، وقد أوصى لهم في الأولى، قال: ولا تجوز شهادتهما في الآخرة إذا كان قد أوصى لهم في الأولى، قيل له: إنه ليس لهما في الوصية الآخرة شيء، إنما وصيتهما في الأولى، فقال: لا تجوز شهادتهما في الآخرة كما لم تجز في الأولى، قيل له: إنه ليس لهما في الآخرة شيء، فقال: لكن في الأولى، فهو يقول أنا أشهد في أخرى، ثم في أخرى، قيل له: فإن الذي أوصى له بالثوبين معه شاهد عدل على تلك الوصية، فقال: إن كان الثوبان يسيري الثمن لا بال لهما، وكان الشاهد الذي معه عدلا فأرى الشهادة جائزة. قال محمد بن رشد: قوله إن الذي أوصى له بالستين لا تجوز شهادته، وكذلك الذي أوصى له بالثوبين إن كانت قيمتهما مرتفعة يريد أنه لا تجوز شهادته لنفسه ولا لغيره، وهو المشهور من الأقوال، ويأتي على قياس قول أصبغ في نوازله في العبدين يشهدان بعد عتقهما أن الذي أعتقهما غصبهما من رجل مع مائة دينار، إن شهادتهما تجوز في المائة، ولا تجوز في غصب رقابهما؛ لأنهما يتهمان أن يريدا إرقاق أنفسهما أن تجوز شهادة الموصى له بالستين لغيره، ولا تجوز لنفسه. وقوله: وإن كان الشيء التافه اليسير فإنها جائزة، يريد أن الوصية تثبت بشهادتهما ويأخذ هو ماله بغير يمين، فإن لم يكن على الوصية شاهد غيره حلف الموصى لهم مع شهادته أن ما شهد به من الوصية حق، فتثبت الوصية بشهادته مع أيمانهم، ويأخذ هو ماله فيها؛ لأنه يسير في حيز التبع لجملة الوصية، هذا معنى قوله، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، ورواية مطرف عن مالك

في الواضحة، أن شهادته تجوز له ولغيره، وقد قيل: إن شهادته تجوز لغيره ولا تجوز لنفسه، فإن كان وحده حلف الموصي لهم مع شهادته، واستحقوا وصاياهم ولم يكن له هو شيء، وإن كان معه غيره ممن أوصى له فيها أيضا بيسير تثبت الوصية بشهادتهما لمن سواهما، فأخذوا وصاياهم بغير يمين، وحلف كل واحد منهم مع شهادة صاحبه فاستحق وصيته، وإن كان معه من لم يوص له فيها بشيء تثبت الوصية بشهادتهما لمن سواه وحلف هو مع شهادة صاحبه واستحق وصيته، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة، وقيل أيضا: إن شهادته تجوز له ولغيره إن كان معه شاهد غيره، ولا تجوز له، وتجوز لغيره إن لم يكن معه شاهد غيره، فإن كان معه شاهد غيره ثبتت الوصية بشهادتهما، وأخذ هو ماله فيها بغير يمين، فإن لم يكن معه شاهد غيره حلف غيره مع شهادته واستحق وصيته ولم يكن له هو شيء، وهو قول يحيى بن سعيد في المدنية. وفي المسألة قول رابع: إن شهادته لا تجوز لنفسه ولا لغيره لأنه يتهم في اليسير كما يتهم في غير الوصية، وهي رواية ابن وهب عن مالك في المدونة، وهذا كله إذا كانت الشهادة على وصية مكتوبة في كتاب، وللشاهد فيها وصية، وأما إن كان الموصي أشهد على وصية لفظا بغير كتاب، فقال: لفلان كذا ولفلان كذا، ولفلان كذا، والشاهد أحدهم، فإن كان الذي شهد به لنفسه يسيرا لم تجز شهادته لنفسه وجازت لغيره، وقد يقال: إنه لا تجوز شهادته لنفسه ولا لغيره بتأويل ضعيف، وأما إذا كان الذي شهد به لنفسه كثيرا فلا تجوز شهادته لنفسه باتفاق، ولا لغيره على رواية أشهب هذه؛ لأنه قال فيها: إن الذي أوصى له بالستين لا تجوز شهادته في وصية بعدما أحدثها الميت، وهو قول ابن المواز: إنها لا تجوز في الثانية، إلا أن يشهد أنه نسخ الأولى، وتجوز لغيره على قول مطرف وابن الماجشون في الواضحة. وإذا جازت عندهما لغيره والوصية في مجلس واحد فأحرى أن تجوز لغيره في وصية أحدثها الميت بعد ذلك، وهو قول سحنون إن الشهادة إنما سقطت في الأولى بالظنة، فلا ينبغي أن تسقط في الثانية، خلاف رواية أشهب هذه، وبالله التوفيق.

مسألة: توهين الشهادة

[مسألة: توهين الشهادة] مسألة وسئل: أترى إذا شهد القوم عند القاضي وعدلوا أن يقول للذي شهدوا عليه دونك فجرح، فقال: إن فيها لتوهينا للشهادة، ولا أرى إذا كان عدلا أو عدل عنده أن يفعل، قال ابن نافع: أرى أن يقول ذلك للمشهود عليه، ويمكنه من التجريح؛ لأن الرجل ربما كان عدلا، فلعله أن يكون بينه وبين المشهود عليه عداوة أو ما أشبه ذلك. قال الإمام القاضي: لم ير مالك للإمام أن يقول للمشهود عليه: دونك فجرح، لما في ظاهر قوله هذا من إغرائه بتجريحهم، وإنما الواجب أن يبيح له ذلك، ويمكنه منه بأن يقول له: قد شهد عليك فلان وفلان، فإن كان عندك ما تدفع بشهادتهم عن نفسك فجئ به وإلا حكمت عليك، ويعلمه بأن له أن يجرحهم إن كان ممن يجهله على ما قاله في كتاب السرقة من المدونة، وهذا ما لا اختلاف فيه، ولم ير ابن نافع قول القاضي للمشهود عليه دونك فجرح إغراء له بتجريحهم، فرأى أن يقول ذلك له على سبيل الإعلام بما يجب له من تجريحهم إن شاء، والتمكن له من ذلك، فحصل الخلاف بينه وبينه في جواز نص القول المذكور لا في شيء من معنى المسألة، والله أعلم. ومن الدليل على ذلك أن في المجموعة لمالك مثل قول ابن نافع، وإذا كان الشاهد مبرزا في العدالة فلا يباح للمشهود عليه أن يجرحه بالإسفاه إن دعا إلى ذلك وإنما يباح له تجريحه بالعداوة والهجرة إذ قد يكون ذلك في الصالح

مسألة: الرجل يشهد أيجرح شهادته رجل واحد

البارز في الفضل والصلاح، قال ذلك أصبغ في الواضحة، وهو تفسير لقول من أجمل القول في ذلك كسحنون في نوازله وغيره من أصحاب مالك، وقد روي عن مالك: أنه لا يباح تجريح المبرز في العدالة بعداوة ولا غيرها وهو بعيد والله أعلم، ويجرح الشاهد بالعداوة من هو مثله وفوقه ودونه، واختلف في تجريحه بالإسفاه، فقال ابن الماجشون: لا يجرح به إلا من هو فوقه في العدالة، وهذا إذا نصوا في الجرحة على التجريح، وأما إن قالوا: هو غير عدل ولا جائز الشهادة فلا يجوز ذلك إلا للمبرزين في العدالة العارفين بوجوه التعديل والتجريح، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يشهد أيجرح شهادته رجل واحد] مسألة وسئل: عن الرجل يشهد أيجرح شهادته رجل واحد؟ قال: لا. قال الإمام القاضي: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أن الحاكم إذا أعذر إلى المشهود عليه في شهادة من شهد عليه فلا يجرحه إلا بشاهدين عدلين، وإنما يجرح بالواحد ويعدل به إذا كان الحاكم هو الذي يبتدئ بالسؤال فيسأل عن الشاهد من يثق به، قال ذلك ابن حبيب في الواضحة وحكاه أصبغ عن ابن القاسم وهو صحيح على أصولهم، واختلف إن أراد الشاهدان على الجرحة أن يشهدا سرا لما يجر ذلك من العداوة بينهما وبين المجرح، فقال ابن حبيب: لا تقبل الشهادة منهما إلا علانية لأنهما شاهدان، ولا بد من الإعذار في شهادتهما إلى المشهود له الأول، وحكى ابن عبدوس عن ابن القاسم أن الشهادة تقبل منهما في السر لعلة العداوة، وهو قول سحنون، قال: التزكية علانية والتجريح سرا ولا آمرهم أن يسبوا الناس، وبالله التوفيق.

: امرأة حلفت بعتق رقيقها إن كلمت إنسانا سنة وكان عندها أربع نسوة

[: امرأة حلفت بعتق رقيقها إن كلمت إنسانا سنة وكان عندها أربع نسوة] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل: عن امرأة حلفت بعتق رقيقها إن كلمت إنسانا سنة، وكان عندها أربع نسوة، فقلن لها: إنك قد استثنيت في يمينك، فقالت: إلا أن أرى خيرا من رأيي هذا، أترى أن تكلمه؟ فقال: لا أدري ما قولهن لها، لا أرى لها أن تعمل بشهادتهن في ذلك، ولا أرى أن يقبل قولهن، ولا أرى أن تعمل بشهادتهن. قال الإمام: قوله: لا أرى أن يقبل قولهن، ولا أن تعمل بشهادتهن إن كانت لا تخشى أن يحكم عليها بالعتق إن كلمته - استحسان، لا إيجاب؛ لأن قولهن لها قبل أن تكلمه إنما هو إخبار لا شهادة، فلها أن تعمل بما أخبرنها به إن كن عدولا، أو واحدة منهن، وإنما كان يكون قولهن شهادة لو قلن ذلك لها بعد أن كلمته ووجب عليها العتق بكلامه؛ لأن العتق إذا وجب لم يصح رده إلا بشهادة شاهدين عدلين، ويحتمل أن يريد بقوله: لا أرى أن يقبل قولهن ولا يعمل بشهادتهن مخافة أن تؤخذ بالعتق إن كلمته فلا تنتفع بشهادة النساء، وقد مضى في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب النذور، وفي رسم العرية من سماع عيسى منه ما يشبه هذا المعنى ويؤيد تأويلنا في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يؤتى بخط يده على شهادة ولا يذكر منها شيئا] مسألة وسئل: عن الرجل يؤتى بخط يده على شهادة ولا يذكر منها شيئا. قال: أرى أن يرفع شهادته إلى السلطان على وجهها، قيل له: يقول هذه شهادتي بخط يدي إلا أني لا أذكر من

مسألة: امرأة تشهد بشهادة أيقبل في تزكيتها النساء

الشهادة شيئا، قال: بل يقول أرى كتابا يشبه كتابي، وأظنه إياه ولست أذكر شهادتي ولا متى كتبتها فيرفع شهادته على وجهها. قيل له: أرأيت إن كان جلدا أبيض لا محو فيه ولا شيء، وعرف خطه؟ قال: إنه ربما ضرب على الخط والكتاب، فأرى أن يرفع شهادته إلى السلطان على وجهها. قال محمد بن رشد: يريد ولا يحكم بها إذا رفعها على هذه الصفة كذا قال في المدونة إنه لا يحكم بها إذا رفعها على هذه الصفة وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: امرأة تشهد بشهادة أيقبل في تزكيتها النساء] مسألة وسئل: عن امرأة تشهد بشهادة، أيقبل في تزكيتها النساء؟ فقال: لا، في رأيي لا تقبل إلا تزكية الرجل. قال القاضي مثل هذا في آخر سماع عيسى، وفي سماع سحنون، وفي كتاب الشفعة من المدونة أن النساء لا تقبل تزكيتهن في وجه من الوجوه لا فيما تجوز فيه شهادتهن، ولا فيما لا تجوز فيه، لا يزكين الرجال ولا النساء. وإنما لم يجز أن يزكين الرجال فيما تجوز شهادتهن فيه على القول بأن شهادتهن جائزة فيما جر إلى المال، كالوكالة على المال وشبه ذلك؛ لأن الشاهد إذا زكي شهد في المال وغير المال فيئول ذلك إلى إجازة شهادتهن في غير المال، وقد قيل: إنهن يزكين الرجال إذا شهدوا فيما

مسألة: حكم شهادة النساء في الارتجاع

تجوز شهادتهن فيه، وهو قول ابن الماجشون، وابن نافع في المبسوطة. وأما تزكيتهن النساء فكان القياس أن تجوز على قياس قول مالك بأن شهادتهن تجوز في الوكالات على الأموال وما جر إليها؛ لأن النساء إذا زكين لا يشهدن على عتق ولا طلاق فلا تئول تزكيتهن النساء إلى إجازة شهادتهن فيما لا تجوز فيه شهادة النساء على حال، والفرق عنده بين الموضعين أن التزكية يشترط فيها التبريز في العدالة، وهي صفة تختص بالرجال لنقصان مرتبة النساء في الشهادة، إذ جعلت شهادة امرأتين كشهادة رجل واحد، ولم تجز في عتق، ولا طلاق، ولا نكاح، ولا حد، وبالله التوفيق. [مسألة: حكم شهادة النساء في الارتجاع] مسألة وسئل: عن شهادة النساء في الارتجاع، أتجوز؟ قال: لا. قال القاضي: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الارتجاع من ناحية النكاح، وشهادتهن في النكاح لا تجوز، وبالله التوفيق. [مسألة: امرأة أشهدت على رقيق لها أنهم صدقة على ابنتها] مسألة وسئل: فقيل له: إن امرأة دعتنا فشهدتنا على رقيق لها أنهم صدقة على ابنتها، وكتبنا شهادتنا على أنها أمانة عندنا بأمانة الله، لا نشهد بها أبدا ما دامت حية حتى تموت، فشهدنا على ذلك، وكتبنا شهادتنا على أنها أمانة فاحتاجت إلى تلك الشهادة ابنتها التي كانت الصدقة عليها. أترى لنا أن نقوم بها؟ قال: أراها قد قالت لكم لا تشهدوا بها حتى أموت، وهذه الشهادة لا تنفع ابنتها، فقيل: لا تنفع ابنتها، قال: لا. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في كتاب الصدقات والهبات، والمعنى في بطلان هذه الشهادة بين؛ لأنها لما تصدقت بالرقيق

مسألة: الرجل يشهد له الرجل والمرأة على أنه وارث أيحلف مع الشهادة

على ابنتها وأبت من الإشهاد لها إلا على هذا الشرط، دل على أنها لم ترد أن تبتلها لها في حياتها وإنما أرادت أن تصيرها إليها بعد موتها من رأس مالها: وذلك لا يحل لها ولا لابنتها، إذ ليس لها بعد موت أمها من مالها إلا ما فرضه الله لها من ميراثها، فلا يحل للشاهد أن يقوم بهذه الشهادة ولا يشهد بها في حياتها ولا بعد وفاتها، والله الموفق. [مسألة: الرجل يشهد له الرجل والمرأة على أنه وارث أيحلف مع الشهادة] مسألة وسئل: عن الرجل يشهد له الرجل والمرأة على أنه وارث فلان لرجل قد مات، أيحلف مع شهادتهما ويكون له الميراث؟ فقال: يستأني بمثل هذا حتى يأتي ببينة ويطلب، قيل له: فإذا طلب فلم يجد إلا هذين، أترى أن يحلف معهما ويكون ذلك له؟ قال: نعم، ذلك له أن يحلف ويكون ذلك له، قال أشهب: سمعت المسألة كلها، وجواب مالك إلا قول السائل يشهد أنه وارث فلان فإني لم أسمعه، فأخبرني السائل وغيره أنه هكذا سأل. قال أشهب: وإنما يحلف الرجل في مثل هذا مع الشاهد الواحد، والشاهد والمرأة إذا كان نسبه قبل ذلك ثابتا لازما لهذا الهالك، فيكون هذا الشاهد يشهد أنه وارثه لا يعلم له وارثا غيره، فيحلف مع شهادته، ويكون ذلك له؛ لأنه إنما يشهد له على مال، ولم يشهد له على نسب، وأما لو شهد له على نسب لم يثبت له، ولم تجز له شهادته أبدا، ولو شهد مع الشاهد مائة امرأة؛ لأنه لا تجوز شهادة الرجل الواحد في الأنساب ولا شهادة النساء.

: كتب القضاة يقدم عليها بشهادة قوم يشهدون إنا لا نعلم لفلان وارثا إلا فلانا

قال محمد بن رشد: قول مالك إنه يحلف مع شهادة الرجل والمرأة، ويستحق الميراث وإن لم يثبت له النسب بعد الاستيناء واليأس من أن يجد شاهدا آخر يثبت له به النسب هو مثل قوله في كتاب الشهادات من المدونة، وكتاب الولاء والمواريث منها في الميت يدعي رجل أنه مولاه ويأتي على ذلك بشاهدين على السماع، أو بشاهد واحد على أنه مولاه أعتقه - أنه يحلف مع الشاهد الواحد أنه أعتقه، أو مع الشاهدين على السماع، فَيُقْضَى له بالمال بعد الاستيناء، ولا يجر بذلك الولاء وذهب أشهب إلى أنه لا يقضي له بالمال إلا بعد ثبوت النسب أو الولاء وإلى أن الولاء يثبت بشهادة السماع، هذا قوله في كتاب الولاء والمواريث من المدونة، فقوله هاهنا وإنما يحلف الرجل في مثل هذا مع الشاهد الواحد، والشاهد والمرأة إلى آخر قوله هو على أصله، وقياس قوله خلاف لقول مالك المتقدم في هذه الرواية، وخلاف لقول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وبالله التوفيق. [: كتب القضاة يقدم عليها بشهادة قوم يشهدون إنا لا نعلم لفلان وارثا إلا فلانا] ومن كتاب الأقضية لابن كنانة وسأل ابن كنانة مالكا: عن كتب القضاة يقدم عليها بشهادة قوم يشهدون إنا لا نعلم لفلان بأرض مصر وارثا إلا فلانا، وذلك الميت مات بإفريقية، قال: اكتب إليه لا تجوز شهادتهم إلا أن يقولوا: نشهد إنا لا نعلم لفلان وارثا من الناس في شيء من الأرض إلا فلانا وفلانا، فيدفع ذلك إليه نفسه ويستحلف، ولا أرى أن يدفع ذلك إلى وكيله إذا قدم عليهم بالمغرب.

قال محمد بن رشد: قوله إن شهادتهم لا تجوز إلا أن يقولوا نشهد أنا لا نعلم لفلان وارثا من الناس في شيء من الأرض إلا فلانا صحيح؛ لأن في قولهم لا نعلم له وارثا بأرض مصر إلا فلانا دليلا أنهم يعلمون له وارثا سوى فلان في غير أرض مصر، فإذا شهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا من الناس في شيء من الأرض إلا فلانا، وأنهم لا يعلمون له وارثا إلا فلانا ولم يقولوا في شيء من الأرض صحت الشهادة، ووجب أن يدفع إليه ميراثه، قال في الرواية: ويستحلف، قيل: على البت في الموضع الذي شهد فيه الشهود على العلم، قياسا على يمين المستحق ما باع ولا وهب، من أجل أن الشهود إنما شهدوا بذلك على العلم، فيقول في يمينه: بالله الذي لا إله إلا هو ماله وارث غيري، أو ماله وارث غيري في شيء من الأرض، ولما وجب عليه اليمين على هذا لم ير أن يدفع المال إلى وكيله حتى يكتب إلى موكله، فيحلف في الموضع الذي هو فيه. وفي نوازل عيسى من كتاب الوكالات بيان هذا، والذي أقول به: إنه لا يحلف إلا على العلم، فيقول: بالله الذي لا إله إلا هو ما نعلم له وارثا غيري، إذ لا يصح له القطع على أنه ليس له وارث غيره. وقد قال ابن دحون: قوله: ويستحلف - حرف سوء حائل، كيف يستحلف من شهد له أكثر من واحد على ميراث، وقالوا في شهادتهم: لا نعلم له وارثا من الناس في شيء من الأرض إلا فلانا، لا اختلاف أنه لا يحلف مع بينته، وقوله لا يدفع ذلك إلى وكيله قول حائل، كيف لا يوكل من له مال غائب على قبض ماله، لا اختلاف في جواز ذلك إذا أثبت الوكالة على سنتها قبض الوكيل مال الموكل من ميراث كان أو غيره. قال محمد بن رشد: وإنكار ابن دحون اليمين، وقوله لا اختلاف أنه لا يحلف مع بينته ليس ببين لأن لإيجاب اليمين عليه وجها ظاهرا وذلك

مسألة: شهادة الرجل على من لا يعرف

أنه لو ادعى أحد أنه وارثه، وادعى عليه أنه يعلم ذلك للزمته اليمين أنه ما يعلم أنه وارثه باتفاق، ولو لم يدع عليه العلم بذلك للزمته اليمين على اختلاف في لحوق يمين التهمة، فلما كانت اليمين تجب عليه لو ادعى ذلك أحد عليه كان من تمام الحكم إيجاب اليمين عليه بذلك كيمين الاستحقاق، ومن أثبت دينا على غائب أو مفلس لا يقضي له به إلا بعد اليمين يحلف في الاستحقاق أنه ما باع ولا وهب، وفي الدين أنه ما قبض ولا أحال ولا وهب، والذي جرى به العمل ألا يمين في ذلك، ولا وجه لما أنكر أيضا من قول مالك: لا يدفع ذلك إلى وكيله إذا قدم عليه بالمغرب؛ لأنه لم يرد أن الوكالة لا تصح في ذلك، ولا يجب له القبض بها، وإنما أراد أنه لا يدفع إليه المال حتى يحلف موكله بما وجب عليه به اليمين حسبما ذكرنا، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة الرجل على من لا يعرف] مسألة وسئل مالك: أترى أن يشهد الرجل على من لا يعرف؟ قال: إن أحب إلي ألا يفعل، وإن الناس يشهدون بكون بعضهم يعرفه وفي ذلك بعض السعة. قال الإمام القاضي: أما إذا أشهد الرجل على نفسه جماعة يعرفه بعضهم، فلمن لا يعرفه منهم أن يضع شهادته عليه، وهو من ذلك في سعة إذ قد أمن بمعرفة بعضهم له أن يكون تسمى باسم غيره، وأما إذا لم يكن يعرفه أحد منهم فيكره لهم أن يضعوا شهادتهم عليه في الكتاب، مخافة أن يكون قد تسمى باسم رجل غيره، فيقر أنه قد باع داره من هذا، أو يقر له على نفسه بحق فيكتبون شهادتهم عليه، فيشهد على خطوطهم بعد موتهم فتجوز الشهادة، وتؤخذ الدار من صاحبها، أو الحق بغير حق، قال ذلك

مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ. وذلك على مذهب من يجيز الشهادة على خط الشاهد، وقد مضى الاختلاف في ذلك في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم. وقد قال ابن عبدوس: يخشى في ذلك أن يجد الرجل شهادته في كتاب على من لا يعرف ويكون الشاهد قليل المعرفة، فيقول: أشهد على ما في الكتاب، والعلة الأولى هي الصحيحة؛ لأنه وإن كان ممن لا يجهل أنه لا يجوز له أن يشهد على خطه، وهو لا يعرف عين الذي أشهده فلا يأمن أن يموت فيشهد على شهادته، وهو لا يعرف عينه، وإذا كتب الرجل شهادته على من لا يعرفه بالعين والاسم فلا يصح له أن يشهد بها بعد موته، ولا يؤدي إلا في حياته على عينه، وكذلك لا يشهد على شهادته بها إلا على عينه، وهذا كله مما لا اختلاف فيه، فإن علم أنه لا يقف على عين المشهود له إذا غاب عنه فهي شهادة لا منفعة فيها، وإنما تسامح العلماء والخيار في موضع شهادتهم على من لا يعرفونه بعين ولا اسم سياسة منهم في نفع العامة، ولئلا ينهوهم على وَهْنِ شهادةِ مَنْ أوقع شهادته على من لا يعرف، فيجترئون على جحد الحقوق المنعقدة عليهم، إذا علموا أن الشهادة عليهم لا تصح إذا أنكروا، ففي جهلهم بالحقيقة في ذلك صلاح عظيم، وتحصين للحقوق؛ لأن المشهود عليه يهاب الوثيقة ويسبق إليه أن كلهم يشهد عليه إن جحد فيقر ولا يجحد، قال ابن القاسم في المجموعة: وإذا دعا الرجل ليشهد على امرأة لا يعرفها ويشهد عنده رجلان أنها فلانة فلا يشهد، قال في سماع حسين بن عاصم في بعض الروايات: لا يشهد إلا على شهادتهما، وقال ابن نافع فيه: أن يشهد، وذكره عن مالك. قال القاضي: والذي أقول به: إنه إن كان المشهود له أتى بالشاهدين ليشهد له عليها بشهادتهما عنده أنها فلانة فلا يشهد إلا على شهادتهما، وإن كان هو سأل الشاهدين فأخبراه أنها فلانة فليشهد عليها،

مسألة: اجتماع الشهادتين

وكذلك لو سأل عن ذلك رجلا واحدا يثق به أو امرأة لجاز له أن يشهد، ولو أتاه المشهود عليه بجماعة من لفيف النساء فشهدن عنده أنها فلانة لجاز له أن يشهد إذا وقع له العلم بشهادتهن، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: اجتماع الشهادتين] مسألة وسأله رجل، فقال: شهد لي شاهدان أني وارث فلان، فشهد أحدهما أنه لا وارث له غيري، وشهد الآخر أني وارثه ولا وارث له غيري وامرأته، فقد اجتمعت الشهادتان أني وارثه، فقال: أرى أحدهما يكذب الآخر، وما أرى أن تقبل شهادة من شهد هكذا بحتم، فقال: لا أشهد أن فلانا وارث فلان، لا وارث له غيره ما يدريه بهذا، ولربما كان ذلك في العبد الآبق، والجمل الشارد، فإذا وجد عند بعض من اشتراه جاء صاحبه الأول بمن شهد له أنه عبده أو جمله، ما باع ولا وهب ما يدريهم بهذا، فلا أرى شهادة من شهد هكذا تجوز، ولا أرى أن يشهد في مثل هذا إلا أنه لا يعلم له وارثا غيره، أو أنه جمله أو عبده لا نعلم أنه وهبه ولا باعه، فإذا شهدوا هكذا رأيت الشهادة جائزة جيدة، ومن القضاة من يكلف الناس البينة، ولا أرى ذلك جائزا ولا يقبل منهم هذا الأخذ، وهذا الذي أرى أنا جائزا. قال: فإذا شهدوا هكذا على العلم كان جائزا. قال: نعم، فقيل له: فإن شهد هذان الرجلان، فقال أحدهما: أشهد أنه وارثه ولا أعلم له وارثا غيره،

وقال الآخر: أشهد أنه وارثه ولا أعلم له وارثا غيره وزوجة له، قال: هذا جائز، وأرى أن يوقف المال حتى يتبين من ذلك أنه مع الوارث زوجة أم لا. قيل له: إنما مات بمصر، قال: يكتب إلى ذلك البلد حتى يتبين ذلك، قلت: ولا يحبس حق الزوجة فقط، ويدفع إلى هذا حظه، قال: لا، ولكن يحبس المال كله حتى يتبين من ذلك، قال أشهب: أرى الوارث بالخيار، إن شاء حلف مع شهادة الذي شهد له أنه لا يعلم له وارثا غيره، وأخذ المال كله، فإن أبى اليمين عزل من المال ما كان ينوب الزوجة لو كانت ثبت لها أنها زوجته، وصار للوارث ما بقي من المال بغير يمين. قال سحنون: سئل ابن القاسم: عن الشاهدين يشهدان أن فلانا وارث فلان لا يعلم له وارثا غيره، ويقول أحدهما أو كلاهما وزوجة بموضع كذا وكذا، فقال: إن شهدا على الزوجة كلاهما ثبتت شهادتهما، ولم يقسم شيء من المال حتى تحضر الزوجة أو توكل أو يقسم لها القاضي، وإن كان أحدهما قال ذلك لم يعجل في قسم شيء من المال حتى يتبين ما قال الشاهد، فإن طال ذلك أعطي الوارث المال كله. قال محمد بن رشد: لم يجز في هذه الرواية شهادة الشهود إذا شهدوا أنه لا وارث لفلان إلا فلان، وذلك يقضي بصحة تأويل من حمل ما في كتاب الشهادات وكتاب العارية من المدونة على ظاهره، من

أن شهادة الشهود إذا شهدوا أنه ما باع ولا وهب شهادة لا تجوز، إذ قال فيها: إنها غموس وباطل، خلاف ما ذهب إليه ابن لبابة من أنها على مذهبه جائزة، وإن سماها غموسا وباطلا بدليل قوله عقب ذلك: وأرى أن يحلف. والأظهر أن قوله: وأرى أن يحلف - إنما يعود على ما قبل ذلك من الشهادة الصحيحة، فوقع في الكلام تقديم وتأخير. وابن الماجشون من أصحاب مالك لا يجيز الشهادة في ذلك على العلم بأن يقولوا في الاستحقاق ما نعلمه باع ولا وهب، وفي الوراثة ما نعلم له وارثا غيره، ولا يرى الحكم بها حتى يشهدوا أنه ما باع ولا وهب ولا وارث له غيره، وهو مذهب أهل العراق؛ لأنهم يقولون: العلم كيفما وصل وكيفما أمكن وصوله من معرفة أو غلبة ظن يؤدي إلى اليقين، والقولان محتملان، وذلك أنه لا يصح للشاهد في الوراثة أن يشهد أن فلانا وارث فلان لا يعلم له وارثا غيره، إلا أن يكون قد تيقن أنه لا وارث له سواه (يقينا) لا يدخله فيه شك ولا ارتياب، فإن دخله في ذلك شك أو ارتياب من وجه من الوجوه، أو لم يداخله فيه شك ولا يحصل فيه عنده يقين لم يصح له أن يشهد أنه لا يعلم له وارثا سواه، وإن كان صادقا في قوله إنه لا يعلم له وارثا غيره، فخشي ابن الماجشون إذا شهد أنه ما يعلم له وارثا غيره ألا يكون عنده بذلك يقين، ولذلك لم يجز شهادته حتى يشهد أنه لا وارث له سواه، ولم يجز له مالك أن يشهد أنه لا وارث له سواه، إذ لا يصح له القطع على ذلك، لاحتمال أن يكون له وارث لم يعلم به، واكتفى منه بهذه العلة

أن يشهد أنه ما يعلم له وارثا سواه. وقول ابن الماجشون أظهر؛ لأن اليقين يقرب من العلم، وإن لم يكن حقيقته علما، ولا حرج على من قال فيما يتيقنه ولا يصح أن يعلمه علما يصح له به القطع عليه أعرف كذا وكذا، مثال ذلك: أن الرجل يشهد في الرجل المسلم الظاهر الخير والصلاح أنه مؤمن عدل رَضِيٌّ، فلا يكون كاذبا في قوله بحصول اليقين عنده بإيمانه وعدله، وإن كان لا يقطع على حقيقة أمره، لاحتمال أن يبطن خلاف ما يظهر، ولا يعلم ما يبطن سواه إلا الله عز وجل المطلع على ما في القلوب من الاعتقادات. ولو قيل في هذه المسألة: إن الشهود إن كانوا ممن يعلم أن الشهادة على العلم لا تصح إلا مع اليقين قبلت منهم على العلم، وإن كانوا ممن يجهل ذلك لم يقبل منهم إلا على البت؛ لأن الجاهل يظن ما يتيقنه ويعتقد صحته بغالب ظنه علما لكان قولا، فبهذا أقول، وإذا شهد أحد الشاهدين في الميت أنه لا يعلم له وارثا غير فلان، وشهد الآخر أنه لا يعلم له وارثا غيره وغير امرأته، فاتفقت رواية أشهب عن مالك وسحنون عن ابن القاسم أن المال كله يوقف حتى يتبين أمر الزوجة، فإن طال ذلك أعطى الوارث المال كله على ما قاله ابن القاسم، وهو مفسر لقول مالك، يريد بعد أن يحلف أنه ما يعلم له زوجة، واليمين هاهنا لا ينبغي أن يختلف فيها من أجل الشاهد بالزوجة، سواء لم توجد المرأة حتى طال الأمد أو وجدت ولم تجد شاهدا آخر يشهد لها حتى طال الأمد لأن الوارث قد ثبت نسبه بشهادة الشاهدين فوجب أن يعطى جميع المال إذا طال الأمد. ولو لم يكن للميت وارث ثابت النسب فادعت امرأة أنها زوجته، وشهد لها بذلك شاهد واحد لحلفت مع شاهدها وأعطيت ميراثها بعد الاستيناء على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وما مضى في آخر الرسم الذي قبل هذا من قول مالك خلاف قول أشهب، وإنما لم ير أن يوقف حق الزوجة خاصة ويدفع إلى الوارث حقه مخافة أن يتلف ما وقف لها فتجد شاهدا آخر وقد استهلك الوارث ما قبضه وهو عديم فيذهب حقها، ويكون هو قد ورث دونها. وأما قول أشهب: إن الوارث بالخيار بين أن يحلف مع شاهده الذي شهد له أنه لا يعلم له وارثا غيره، ويأخذ المال

مسألة: حكم شهادة الرجل المرضي ولكنه يشرب النبيذ

كله، وبين أن يأخذ منه ما سوى حق الزوجة بغير يمين، فالوجه فيه: أن الذي شهد له أنه لا يعلم له وارثا غيره شهد له بجميع المال، والذي شهد أنه يعلم له زوجة، شهادته بالزوجة لا تجوز؛ لانفراده بالشهادة لها بحصول شهادته أنه شهد له بثلاثة أرباع المال، أو بسبعة أثمانه إن كان ابْنًا، فَأَشْبَهَ ذلك الرجل يشهد له شاهد بمائة وشاهد بخمسين أنه إن شاء حلف مع شاهده بالمائة ويأخذها، وإن شاء أخذ الخمسين بغير يمين، وقوله: إنه إن شاء أن يأخذ ما سوى حق الزوجة بغير يمين، خلاف قول مالك في أول الرسم لابن كنانة أنه يستحلف، وقد مضى القول على ذلك، وقول مالك وابن القاسم أصح من قول أشهب وأولى بالصواب؛ لأن الذي شهد بالزوجية علم ما لم يعلم الشاهد الآخر فيبعد أن يحلف الوارث مع الشاهد الآخر، وأن يقاس ذلك على الذي شهد له شاهد بمائة وشاهد بخمسين؛ لأن الذي شهد بالمائة بت له الشهادة بها، وزاد في شهادته على الذي شهد بالخمسين، والذي شهد أنه لا يعلم له وارثا غيره لم يبت له الشهادة بجميع المال، ولا زاد في شهادته على الآخر بل نقص، إذ لم يعلم من أمر الزوجة ما علم هو، وبالله التوفيق. [مسألة: حكم شهادة الرجل المرضي ولكنه يشرب النبيذ] مسألة وسئل: عن الرجل المرضي في كل حالة لا تعرف له زلة إلا أنه يشرب نبيذ التين، قال: إن كان مسكرا فأرى أن ترد شهادته. قال محمد بن رشد: قوله فأرى أن ترد شهادته إن كان يسكر، يريد: إن كان النبيذ يسكر، فأرى أن ترد شهادته وإن شرب منه قليلا لا

الرجل يأتي على الرجل بشاهد واحد هل يحلف معه

يسكر، وهذا بين على ما قال، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» ، وهذا إذا شربه غير متأول ولا متمذهب بمذهب من أباح منه ما دون السكر، وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، فأما إذا شربه متمذهبا بمذهبهم معلوم بالصلاح والفضل، غير متهم باستباحة ما لا يحل له، فلا ترد شهادته إلا أن يسكر منه، وهكذا قرأناه إن كان يسكر بضم الياء وكسر الكاف، ويحتمل أن يقرأ يسكر بفتح الياء والكاف، أي: كان هذا الرجل الذي يشرب النبيذ المسكر فيسكر، فأرى أن ترد شهادته، وإن كان على الصفة التي وصفت من الرضا في جميع أحواله، إذ لا اختلاف بين الأمة في أن السكر من جميع الأنبذة حرام كالسكر من خمر العنب والتمر، وبالله التوفيق. [الرجل يأتي على الرجل بشاهد واحد هل يحلف معه] ومن كتاب القضاء لأشهب وسئل: عن الرجل يأتي على الرجل بشاهد واحد أنه شتمه أيكون له أن يحلف مع شاهده ويستحق ذلك عليه؟ أم يستحلف المدعى عليه ويبرأ؟ فقال: ما أرى أن يحلف في مثل هذا مع الشاهد، وليس في هذا يمين مع الشاهد، ولكن أرى إن كان الشاتم معروفا بالشتم والسفه أن يعزر، ولا يكون على المدعي يمين مع شاهده، ولا أرى أن يحلف مع الشاهد في مثل هذا، قلت: إنك لا ترى في مثل هذا يمينا مع الشاهد، أفترى على المدعى عليه يمينا؟ قال: نعم، ولعسى به أن أكون أرى عليه

اليمين، ولعساني أن أكون أراه، ولكن ليس كلما أُرِيَ المرء أراد أن يجعلوه سنة يذهب به إلى الأمصار. قال محمد بن رشد: تفسير قول مالك في هذه الرواية هو أن الرجل إذا ادعى على الرجل أنه شتمه، وأقام على ذلك شاهدا واحدا لم يحلف مع شاهده، ونظر في المدعى عليه فإن كان معروفا بالشتم والسفه عزر ولم يستحلف، وإن لم يكن معروفا بذلك استحلف، إلا أنه ضعف اليمين، فقال: ولعساني أن أكون أرى اليمين ولكن ليس كلما أُرِيَ المرء أراد أن يكون سنة يذهب بها إلى الأمصار. والأظهر على أصولهم إيجاب اليمين، فتضعيفها ضعيف، وقد قيل: إن المدعى عليه يستحلف إذا كان للمدعي شاهد على دعواه، كان معروفا بالشتم والسفه أو لم يكن، وهو ظاهر ما في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود، وما في رسم الحدود من سماع أصبغ منه، فإن حلف برئ، وإن نكل ففي سماع ابن القاسم المذكور أنه يسجن أبدا حتى يحلف، وفي سماع أصبغ المذكور: أنه إن طال سجنه جدا ولم يحلف خلي سبيله ولم يؤدب. وقال أصبغ: إن كان معروفا بالأذى والفحش أدب، وإلا فأدبه حبسه الذي حبس، فهذه الرواية موافقة لما في السماعين المذكورين من كتاب الحدود في أن المدعي لا يحلف مع شاهده مخالفة لما فيهما من إيجاب اليمين على المدعى عليه على ضعف في حال دون حال، وقد قيل: إنه يحلف مع شاهده ويحد له، وروي ذلك عن مطرف، وهو شذوذ أن يحد في الفرية بالشاهد مع اليمين. ويتخرج في المسألة قول ثالث: إنه لا يحلف مع شاهده في الفرية، ويحلف معه فيما دون الفرية من الشتم الذي يجب به الأدب. وكذلك اختلف في القصاص من الجراح العمد بالشاهد مع اليمين، على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يقتص بالشاهد مع اليمين، وهو قول مالك في كتاب الأقضية من المدونة، والثاني: أنه لا يقتص بالشاهد مع اليمين،

مسألة: كتب إليها زوجها بطلاقها مع من لا شهادة له هل تشهد على الخط

وهو قول ابن القاسم في كتاب الشهادات منها، والثالث: أنه يقتص بالشاهد مع اليمين فيما صغر من الجراح ولا يقتص بذلك فيما عظم منها، مثل قطع اليد وشبهه، وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك واختيار سحنون. وكذلك اختلف أيضا إن لم يأت المدعي بشاهد ولا سبب على دعواه في الشتم أو في جراح العمد على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يمين على المدعى عليه، وهو قول مالك في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود، قاله في دعوى الفرية. والثاني: أن عليه اليمين، وهو قول مالك في رسم العقول والجنائز من كتاب الجنايات. والثالث: أنه لا يمين عليه إلا أن يكون مشهورا بذلك، وهو قول ابن القاسم في أول سماع أصبغ من كتاب الجنايات. فإن حلف على رواية أشهب، أو على رواية أصبغ إذ كان مشهورا بذلك برئ، وإن نكل عن اليمين سجن حتى يحلف ما لم يطل ذلك، فإن طال خلي سبيله ولم يؤدب، وقال أصبغ: إنه يؤدب إن كان معروفا بالأذى على أصله المتقدم، قال: وإن كان مبرزا في ذلك أي مشتهرا به مبرزا فيه خلد في السجن، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وتلخيصه، وبالله التوفيق. [مسألة: كتب إليها زوجها بطلاقها مع من لا شهادة له هل تشهد على الخط] مسألة وسئل مالك: عن امرأة كتب إليها زوجها بطلاقها مع من لا شهادة له، فوجدت المرأة من يشهد أن هذا خط يد زوجها، فقال: إن وجدت من يشهد لها على ذلك نفعها ذلك. قال محمد بن رشد: مثل هذا في مختصر ابن عبد الحكم، وحكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ: أن الشهادة على الخط لا تجوز في طلاق، ولا عتاق، ولا نكاح، ولا حد من

مسألة: رجل شهد على رجل أنه حلف بطلاق زوجته في حق عليه فحنث

الحدود، ولا في كتاب القاضي إلى القاضي، ولا في كتاب القاضي بالحكم، ولا تجوز إلا فيما كان مالا من الأموال كلها خاصة، ووقعت الشاهدة عليها بعينها، وحيث لا تجوز شهادة النساء ولا اليمين مع الشاهد فثم لا تجوز الشهادة على الخط، وحيث يجوز هذا، يجوز هذا، فكان يمضي لنا عند من أدركنا من الشيوخ أن ما حكى ابن حبيب من هذا عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ فهو مذهب مالك لا خلاف فيه، وإن صح معنى قوله في هذه الرواية، وفي مختصر ابن عبد الحكم بمعنى ذلك، أي: يكون لها شبهة توجب لها اليمين على الزوج أنه ما طلق. والذي أقول به: إن معنى ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ إنما هو أن الشهادة لا تجوز على خط الشاهد في طلاق ولا عتاق ولا نكاح، لا أنها لا تجوز على خط الرجل أنه طلق أو أعتق أو نكح، بل هي جائزة على خطه بذلك، كما تجوز على خطه بالإقرار بالمال، وذلك بين من قوله: ولا تجوز إلا فيما كان مالا من الأموال ووقعت الشهادة عليها بعينها إلى آخر قوله. فالصواب أن يحمل قول مالك: نفعها ذلك - على ظاهره من الحكم لها بالطلاق عليه إذا شهد على خطه به شاهدان عدلان، وذلك إذا كان الخط بإقراره على نفسه بأنه قد طلق زوجته، مثل أن يكتب إلى رجل يعلمه أنه قد طلق زوجته، أو يكتب لزوجته بذلك على هذا الوجه فيشهد لها فيه على خطه. وأما إن كان الكتاب إنما هو بطلاقه إياها ابتداء فلا يحكم عليه به إلا أن يقر أنه كتبه مجمعا على الطلاق. وفي قبول قوله: إنه كتبه غير مجمع على الطلاق بعد أن أنكر أن يكون كتبه - اختلاف، والله الموفق. [مسألة: رجل شهد على رجل أنه حلف بطلاق زوجته في حق عليه فحنث] مسألة وسئل: عن رجل شهد على رجل أنه حلف بطلاق زوجته في حق له عليه ليرفعنه إليه فحنث، فقال: ما هو بجائز الشهادة عليه.

مسألة: شهادة الصبيان المماليك بعضهم على بعض في الجراح

قال محمد بن رشد: ليس إسقاط شهادته في هذا ببين، وكان الأظهر أن تجوز شهادته عليه إذا شك عليه أنه قد حنث؛ لأن وقوع الطلاق عليه لا يدعوه إلى أن يعجل له حقه، وإنما يدعوه إلى ذلك اليمين بالطلاق ليقضينه إلى أجل مخافة أن يقع عليه الطلاق إن لم يقضه قبل الأجل، لكنه لما كان لو شهد عليه بذلك قبل أن يحنث والحق عليه لم يدفعه لم تجز شهادته، لاتهامه أن يكون إنما شهد عليه ليعجل له القضاء فلا يحنث، لم تجز شهادته عليه إذا شهد عليه أنه قد حنث، لاحتمال أن يكون قد ادعى ذلك عليه قبل الحنث فأراد أن يحقق دعواه عليه قبل الحنث بشهادته عليه بعد الحنث، وهو ضعيف، والله الموفق. [مسألة: شهادة الصبيان المماليك بعضهم على بعض في الجراح] مسألة وسئل: عن شهادة الصبيان المماليك، وشهادة الصبيان الجواري بعضهم على بعض في الجراح، أتجوز شهادتهم فيما بينهم كما تجوز شهادة الصبيان الأحرار بعضهم على بعض في الجراح فيما بينهم؟ فقال: لا تجوز شهادة بعضهم على بعض، ولا الصبيان من الجواري، ولا تجوز إلا شهادة الغلمان الأحرار بعضهم على بعض. قال محمد بن رشد: أما الصبيان المماليك فلا أحفظ في المذهب اختلافا في أن شهادتهم لا تجوز، وكذلك الصبيان من أهل الذمة، وإنما تجوز شهادة الغلمان الأحرار من المسلمين. قيل: في الجراح دون القتل، وهو دليل هذه الرواية، وقول غير واحد من كبار أصحاب مالك في المدونة. وقيل: في الجراح والقتل وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، ولا يجوز على مذهبه وروايته عن مالك في ذلك

شهادة صبي واحد، ولا شهادة الإناث، وقد قيل: إنه تجوز شهادة صبي واحد مع يمين المشهود له، قيل: إذا بلغ، وقيل: يحلف والده عنه ويستحق له ما شهد له به الشاهد من ذلك، وقع ذلك لابن الماجشون وابن نافع في المبسوطة. وقيل أيضا في شهادة الإناث: إنها جائزة في الجراح دون القتل، وقيل: بل في القتل والجراح، وهو قول المخزومي في المدونة على أحد التأويلين في قوله، قيل: وحدهن دون صبي، كما تجوز شهادة امرأتين دون رجل فيما لا يحضره الرجال، وهو قول ابن الماجشون، وقيل: لا تجوز منهن شهادة اثنتين إلا مع صبي وهو قول مطرف، وقول سحنون في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب. فوجه من لم يجز شهادتهن بحال هو أن السنة إنما جاءت عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير في شهادة الصبيان، وهم الذين يقع بينهم الجراح في غالب الأحوال، ونفي الصبايا على الأصل في المنع من قبول شهادتهن. ووجه من أجاز شهادتهن دون صبي هو أن العادة عنده أنهن لا يختلطن مع الصبيان في لعبهن، فوجب أن تجوز شهادة اثنتين منهن دون صبي، إذ ليس موضعا يحضره الصبيان في الغالب. ووجه من لم يجز شهادتهن إلا مع صبي هو أن العادة عنده أنهن يختلطن مع الصبيان في اللعب، فوجب أن تقام الصبيتان مقام صبي فلا تجوز إلا مع صبي، وإنما تجوز شهادة الصبيان الذكور دون الإناث، وكل واحد منهما دون صاحبه، أو الإناث مع الذكر الواحد ما لم يتفرقوا أو يخببوا، فإن تفرقوا فلا تجوز شهادتهم إلا أن يكون قد أشهد العدول على شهادتهم قبل أن يتفرقوا، وهذا ما لا اختلاف فيه. واختلف هل من شرط جواز شهادتهم ألا يحضره غيرهم من الرجال العدول؟ فذهب ابن حبيب إلى أن ذلك من شرط جواز شهادتهم، وهو مذهب ابن سحنون في نوازله، خلاف ما يقوم من قول أصبغ في نوازله،

وخلاف ما في ظاهر المدونة عندي، ولا تجوز شهادة الصبيان عند من أجازها الكبير على كبير، وتجوز الصغير على صغير، واختلف في إجازتها لكبير على صغير، ولصغير على كبير، فلم يجز ذلك ابن القاسم، وأجازه ابن الماجشون، وقد وقع لمطرف في المبسوطة أن الصبيان لا تجوز شهادتهم بحال لا على صغير ولا على كبير في جرح ولا قتل؛ تعلقا بظاهر قول الله عز وجل {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، إذ ليس الصبي يرضى في شهادته، وذلك خلاف المشهور في المذهب المعلوم فيه. ووجه إجازتها على المعلوم في المذهب: الإتباع لما جاء في ذلك عن السلف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، مع أن له حظا من النظر، وهو أن الشهادة لما كان طريقها اليقين لغالب الظن بصحتها، دون العلم بمغيبها جاز أن يكتفي فيها بشهادة الصبيان في الموضع الذي لا يحضره إلا الصبيان، كما يكتفي بشهادة النساء في الموضع الذي لا يحضره إلا النساء، وإن شهد الصبيان على الصبي أنه جرح صبيا فَنُزِيَ فِي جرحه فمات لم يكن في ذلك قسامة عند ابن القاسم، خلاف قول ابن نافع في المدونة. واختلف إن شهد رجل على صبي أنه قتل رجلا أو صبيا، فقيل: لا قسامة في ذلك، وهو ظاهر ما في المدونة ونص ما في الأسدية، وقيل: فيه القسامة، وهو قوله

في كتاب ابن المواز، وأما إن شهد رجل على كبير أنه قتل صبيا أو كبيرا فلا اختلاف في وجوب القسامة في ذلك، وبالله التوفيق والحمد لله رب العالمين وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم.

: كتاب الشهادات الثاني

[: كتاب الشهادات الثاني] [مسألة: شهدا على رجل بمائة دينار فحكم عليه القاضي ثم رجع أحدهما]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم قال: سألت ابن القاسم عن الرجلين شهدا على رجل بمائة دينار فحكم عليه بها القاضي وقبضت منه، ثم رجع أحدهما فقال: وهمت أو قال: قد كان قبضها، فقال: إن قال: كان قد قبضها ولكن وهمت فلا شيء عليه، ولا يرد القضاء، وإن قال: إني شهدت بزور فعليه نصف الحق، قال ابن القاسم: وإنما يغرم الشاهد فيما تعمد إلا في الديات، قلت: ففي القتل إذا ادعى الشهود الوهم أو الشبه أيكون ذلك على العاقلة؟ قال: لا يكون من ذلك على العاقلة شيء. قال محمد بن رشد: قوله: إنما يغرم الشاهد فيما تعمد إلا في الديات فإنه يغرم في العمد والخطأ؛ لأنه استثناء منقطع، وتقديره على الاتصال وإنما يغرم الشاهد فيما تعمد ولا يغرم فيما لم يتعمد إلا في الديات، وقوله: إنه لا يغرم فيما عدا الديات إلا أن يتعمد الشهادة بزور هو خلاف ظاهر ما في كتاب السرقة من المدونة؛ لأن الظاهر من قول ابن القاسم فيه أن الشاهد يضمن ما أتلف بشهادته من المال، ويكون في الديات الدية في ماله إذا رجع عن شهادته بعد الحكم، وإن زعم أنه شبه عليه ولم يتعمد الزور، وهو ظاهر ما مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم ونص

ما حكاه ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن القاسم وأصبغ خلاف رواية عيسى هذه في الأموال وموافق لها في الحدود، وتفرقته في الأموال بين أن يتعمد الزور أو يشبه عليه هو قول ابن الماجشون، حكى ذلك ابن حبيب عنه، وأنه قال: وهو قول جميع أصحابنا المغيرة وابن دينار وابن أبي حازم وغيرهم. وأما الديات ففيها أربعة أقوال؛ أحدها: أن الدية في مال الشاهدين إذا رجعا عن شهادتهما بعد الحكم تعمدا الزور أو شبه عليهما، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وفي الواضحة وقول مطرف وأصبغ فيها، وظاهر ما في كتاب السرقة من المدونة. والثاني: أنه إن تعمدا كان عليهما القصاص، وإن شبه عليهما كانت الدية في أموالهما، وهو قول ابن نافع وأشهب، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. والثالث: أنهما إن تعمدا كانت الدية من أموالهما، وإن شبه عليهما كانت على عواقلهما، وهو قول أصبغ في سماعه من كتاب الديات. والرابع: أنهما إن تعمدا كانت الدية في أموالهما، وإن شبه عليهما كان هدرا، وهو قول ابن الماجشون والمغيرة وابن دينار وابن أبي حازم وغيرهم، فيتحصل في التعمد قولان؛ أحدهما: القصاص، والثاني: الدية في المال، وفي التشبيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الدية في المال، والثاني: أنها على العاقلة، والثالث: أنها هدر، وإذا رجع أحد الشاهدين بعد الحكم فوجب عليه الغرم غرم نصف المال أو نصف الدية، فإن كان الشهود ثلاثة فرجع أحدهم لم يلزمه شيء، واختلف إن رجع بعد ذلك أحد، فقيل: يكون عليه وعلى الراجع قبله نصف المال، وهو قول ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون وأصبغ، وقيل: يكون عليهما ثلثا المال، وهو قول ابن وهب وأشهب، فإن رجعوا ثلاثتهم كان المال عليهم أثلاثا، فلا خلاف إذا رجع الشهود كلهم في أن المال يكون عليهم على عددهم، ولا اختلاف أيضا في أنه لا شيء على من رجع إذا بقي من الشهود شاهدان فأكثر، وإنما الاختلاف إذا كان الشهود أكثر من اثنين مثل أن يكونوا عشرة فيرجع منهم تسعة فقيل: إنه يكون عليهم نصف المال، فإن رجع العاشر كان جميع المال على جميعهم بالسواء، وقيل: بل يكون عليهم تسعة أعشاره، فإن رجع العاشر كان عليه العشر الباقي على

مسألة: قولهما إنا رأينا فلانا يزني ومعنا فلان وفلان

حسب ما ذكرناه، واختلف أيضا فيما استحق بشاهد ويمين فرجع الشاهد بعد الحكم وأقر أنه شهد بزور فقيل: عليه نصف الحق؛ لأن اليمين مقام الشاهد الآخر، وهو قول ابن الماجشون، وقيل: عليه جميع الحق، وهو قول ابن القاسم وابن وهب واختيار ابن حبيب. وإذا رجع الشاهد عن شهادته وكان قد شهد بزور ولم يشبه عليه فلا تجوز شهادته فيما يستقبل كان رجوعه قبل الحكم أو بعده، وأما إن كان شبه عليه ولم يتعمد الزور فلا ترد شهادته فيما يستقبل كان رجوعه قبل الحكم أو بعده، هذا قول ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ وهو قول سحنون في سماع يحيى من هذا الكتاب، وظاهر ما في كتاب الأقضية من المدونة أن شهادته لا تجوز فيما يستقبل إذا كان رجوعه بعد الحكم، وإن كان قد شبه عليه ولم يتعمد الزور، وبالله التوفيق. [مسألة: قولهما إنا رأينا فلانا يزني ومعنا فلان وفلان] مسألة وعن رجلين شهدا على رجل بالزنى، وقالا: معنا شاهدان آخران فلان وفلان وهما في البلد هل يمكنا أن يأتيا بهما أم يحدان إذا لم يأتوا جميعا، قال: أرى أن يحدا، وذلك أن قولهما: إنا رأينا فلانا يزني ومعنا فلان وفلان إنما يقولان: سلوا فلانا وفلانا يصدقان ما قلنا فإن قالا: نعم ثبتت شهادتهما، وإن قالا لا كانا قاذفين، فليس هذا وجه الشهادة إلا أن يأتوا جميعا، وقد بلغني ذلك عن مالك. قال القاضي: علل ابن القاسم في هذه المسألة ضعف الشهادة وإيجاب الحد على الشاهدين بعلتين؛ إحداهما: تفرق الشهود في الشهادة فقال: ليس وجه الشهادة إلا أن يأتوا جميعا، والثانية: قول الشاهدين اللذين شهدا معنا فلان وفلان؛ لأنهما حصلا بقولهما هذا في معنى من قام على رجل بالزنى وشهد عليه به فلا يجزئه أن يأتي بثلاثة شهود سواه، ويحد إلا أن يأتي بأربعة شهداء، فكذلك هذان يحدان إن لم يأتيا على تصديق

مسألة: طلق امرأته وأشهد رجلين فأمسكا عن ذلك زمانا ثم أرادا أن يشهدا

شهادتهما عليه إلا بشاهدين، وقوله: فإن قالا: نعم ثبتت شهادتهما، وإن قالا: لا كانا قاذفين هو من قول ابن القاسم على سبيل الإنكار بعد تمام ما حكي من معنى قولهما، كأنه قال: أثبتت شهادتهما إذا قالا نعم، وإلا كانا قاذفين هذا ما لا يصح، بل هما قاذفان على كل حال يحدان، وقد قيل: إن الشهادة على الزنى جائزة وإن تفرق الشهود ولم يأتوا معا، وعلى هذا القول يأتي ما وقع لابن القاسم في أول رسم المكاتب من سماع يحيى بعد هذا، وهو قول ابن الماجشون، واختلف أيضا إن كان الشهود في الزنى هم القائمون على المشهود عليه به، فقال ابن القاسم في رسم أوصى من هذا السماع: إن شهادتهم لا تجوز، وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ أن شهادتهم جائزة، وإن كانوا هم القائمين بذلك مجتمعين جاءوا أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريبا بعضهم من بعض، وبالله التوفيق. [مسألة: طلق امرأته وأشهد رجلين فأمسكا عن ذلك زمانا ثم أرادا أن يشهدا] مسألة وعن الرجل يطلق امرأته ويشهد على ذلك رجلين فأمسك الشاهدان عن ذلك زمانا وكانا مسخوطين أو غير ذلك، ثم أرادا: أن يشهدا فقالا: إن أعلمنا الحاكم أنه طلق منذ كذا وكذا لم تقبل شهادتنا، ولكننا نثبت الشهادة عليه الساعة؛ لأنا نشك أنه طلق ألبتة، قال: لا أرى أن يشهدا إلا على ما شهدا يسوقان ذلك على وجهه. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم خلاف ما في سماع سحنون ونوازله، والذي يأتي على ما في سماع سحنون ونوازله، وهو أصح القولين إن أثبتوا الشهادة عليه بالطلاق ولا يجبروا فيها بما يسقطها ويؤدي إلى إبطالها فيستباح بذلك وطء الحرام ووجه القول الآخر: أنه لا ينبغي للشاهد أن يقر الحكم بإعمال شهادة من لا تجوز شهادته، وهو ضعيف، وبالله التوفيق.

مسألة: يشهد عليه فيقول المشهود عليه للقاضي سله عن الوضوء

[مسألة: يشهد عليه فيقول المشهود عليه للقاضي سله عن الوضوء] مسألة وعن الرجل يشهد على الرجل فيقول المشهود عليه للحكم سله لي عن الوضوء والتيمم فهل يسأله؟ قال: لا، وإنما هذا من كلام أهل الأهواء. قال محمد بن رشد: يريد سله عن الوضوء والتيمم والصلاة هل ذلك واجب أم لا؟ فهل ترى أن يسأل الشاهد عن ذلك إذ لا يقول: إن ذلك غير واجب إلا أهل الأهواء، يريد المرجئة منهم، ولا يتهم من ظهر منه الخير والصلاح باعتقاد البدعة إلا أن يظهر منه ما يوجب اتهامه بذلك أو يذكر عنه أنه من أهل الأهواء في دينه مثل الإباضية والمرجئة فلا تقبل شهادته إذا توطأ الكلام عليه بذلك، وإن لم يتحقق ذلك بشهادة العدول إلا أن تأتي منه توبة ونزوع ظاهر بيِّن، حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة وحكاه عن مطرف وابن القاسم وأصبغ، وبالله التوفيق. [مسألة: يستفتي العالم فيذكر له من أمره ما يوجب عليه طلاقا] مسألة وعن الرجل يأتي مستفتيا في أمر ينوّى فيه ولو أقر بذلك عند الحاكم أو قامت عليه بينة فرق بينه وبين امرأته فيفتى أن لا شيء عليه، ومن كتاب كراء الدور والمزارع من سماع يحيى بن يحيى عن ابن القاسم قال يحيى: وسألته: عن المفتي يأتيه الرجل مستفتيا فيخبره أنه ابتلي بيمين يسأله عنها فيرى عليه حنثا أو يسأله عن أمر ارتكب أو عامل فيه أحدا يجب عليه فيما ساق من قضيته التي زعم أنه صاحبها حق لبعض الناس ثم يناكر صاحبه فيستشهد صاحبه بالمفتي أيلزمه أن يشهد عليه أم لا؟ فقال: نعم، ذلك واجب عليه، قال يحيى: وقلت له: وعلى من حضره حين سأل؟ قال: نعم إذا سمعوا القصة كلها حتى لا يخفى عليهم منها ما إن

تركوه خافوا أن يكون في ذلك ما يفسد الشهادة، فربما سمع الرجل آخر كلام الرجل وفيه مقطع حق، ولو سمع الأول كان الأول يسقط الآخر فلا أرى لأحد أن يشهد عليه حتى يسمع الكلام كله أو يستشهد على شيء بعينه فيقوم به. قال القاضي: أما الذي استفتى العالم في أمر ينوى فيه إذا أتى مستفتيا ولا ينوى إذا حضرته البينة فلا اختلاف في أنه لا يجوز له ولا لمن حضر استفتاءه إياه أن يشهد عليه أنه حلف بكذا، فإن شهدا عليه أو أحدهما باء بالإثم وكانا قد شهدا بزور إذا لم يؤديا الشهادة على وجهها بأن يقول العالم: استفتاني فلان في كذا وكذا ويقول الذي حضر سمعت فلانا يستفتي فلانا في كذا وكذا فلا يقطع شهادتهما عليه على هذا الوجه ما يجب من تنويته في يمينه، وأما الذي يستفتي العالم فيذكر له من أمره ما يوجب عليه طلاقا أو عتاقا أو حدا أو حقا لأحد من الناس فقال في رواية يحيى: إن العالم يلزمه أن يشهد عليه بما أقر به عنده إذا دعي إلى الشهادة عليه، وكذلك من حضره إذا سمع القصة كلها واستوعبها ولم يفته منها ما يخشى أن يكون فيه إبطالا للشهادة فليس رواية يحيى بخلاف لرواية عيسى؛ لأنهما مسألتان: مسألة رواية عيسى لا يجوز له أن يشهد فيها باتفاق، ومسألة رواية يحيى يلزمه أن يشهد فيها، وكل من سمع القصة واستوعبها، وذلك على مذهب ابن القاسم في المدونة، وأحد قولي مالك فيها؛ لأن مالكا لا يجيز في قوله الآخر للشاهد أن يشهد على الرجل بما سمع منه، وإن استوعب كلامه حتى يشهده على نفسه، وهي رواية ابن الماجشون عن مالك وقوله وقول ابن أبي حازم [وقع] في الثمانية، قال عبد المالك:

مسألة: قالا سمعنا فلانا يذكر أنه شاهد لفلان في كذا وكذا وقد مات

كان رجل من قريش صديقا لي، وكانت بينه وبين وكيله محاسبة، وأجلسني مع رجل من أصحابنا لها ثم قال للوكيل: تكلم، فقال: قبضت منك كذا وكذا، ودفعت أيضا كذا وكذا، فقال القرشي: ما دفعت إلي شيئا، ثم قام وقال لي ولصاحبي: اشهدا لي بما سمعتما منه، فإنه كان جحدني حقي، فقلت له: لا والله ما لك عندنا شهادة ولا جلسنا لها ولا نشهدها، قال: فاذهب بنا إلى مالك، فإن أمرك أن تشهد فاشهد وإلا فدع، فقلت: لو أمرني أن أشهد ما شهدت؛ لأني لم أقعد للشهادة، فقمت معه إلى مالك، فلقيني عبد العزيز بن أبي حازم فقال له: يا أبا تمام، إن عبد الملك يكره أن يشهد لي وقص عليه القصة، فقال: ليس لك عنده شهادة، ثم دخلنا على مالك فقص عليه القصة فقلت: أمتع الله بك يا أبا عبد الله، الأمر على ما ذكر، فقال لي: يا عبد الملك، لا تشهد له، قال أصبغ: قال ابن القاسم: قال مالك: لا يعجلا بالشهادة حتى يريا صاحبه فيعلماه [أنه] إن لم يفعل شهدا عليه، فإن أضرم ولم ينصف شهدا عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: قالا سمعنا فلانا يذكر أنه شاهد لفلان في كذا وكذا وقد مات] مسألة قال عيسى: قال ابن القاسم في رجلين قالا: سمعنا فلانا يذكر أنه شاهد لفلان في كذا وكذا، وقد مات، أيشهدان على ذلك؟ قال: ما أحب أن يشهدا. قيل: فإن شهدا أتقبل شهادتهما؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وهو أمر متفق عليه، لا اختلاف في أنه لا يجوز لأحد أن يشهد على شهادة أحد بما سمع منه دون أن يشهده، وإنما اختلف إذا سمعه يشهد غيره على شهادته،

مسألة: شهد رجلان على كتاب رجل

[فقيل: إنه يجوز له أن يشهد على شهادته إذا سمعه يشهد على شهادته بها، وقيل: إنه لا يجوز أن يشهد على شهادته] حتى يشهده هو، وقد مضى القول على هذا المعنى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد رجلان على كتاب رجل] مسألة وقال: إذا شهد رجلان على كتاب رجل جاز، وحلف مع ذلك، وإن شهدا على كتاب اثنين جاز وكانا بمنزلة الشاهدين، قال: فإن شهد رجل على كتاب ذكر حق أنه كتاب الذي عليه الحق بيده حلف صاحب الحق مع ذلك، وإن شهد على ذلك اثنان جاز وسقطت اليمين عنه، كذلك قال مالك. قال القاضي: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفًى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: يشهدعليه أنه طلق في رمضان ويشهد آخر أنه طلق في شوال] ومن كتاب العرية وسئل: عن رجل شهد على رجل أنه صالح امرأته وشهد آخر أنه طلقها واحدة، قال: لا شهادة لهما؛ لأن شهادتهما قد افترقت، وليس هذا مثل الذي يشهد عليه أنه طلق في رمضان ويشهد آخر أنه طلق في شوال؛ لأن شهادة هؤلاء على الطلاق نفسه وشهادة هذين في أمرين مختلفين مثل أن يقول أحدهما: إنه حلف بالطلاق إن دخل دار فلان، وشهد آخر أنه حلف بالطلاق ألا يكلم رجلا فكلمه، فشهادتهما باطلة؛ لأنهما شهدا على أمرين مختلفين، قال:

ويحلف مع شهادة كل واحد منهما على تكذيبه. قال أصبغ عن ابن القاسم: وكذلك لو شهد شاهد أنه طلقها ألبتة وشهد آخر أنه صالحها، قال ابن القاسم: لا تجوز شهادتهما في ذلك كله ولا شيء منه؛ لأنه قد اختلف، وقال أصبغ مثله. قال الإمام القاضي: هذه المسائل وما كان في معناها من الشهادة على الأقوال تنقسم على أربعة أقسام: قسم تلفق فيه الشهادة باتفاق، وهو أن يختلف اللفظ ويتفق المعنى، وقسم لا تلفق فيه الشهادة باتفاق، وهو أن يختلف اللفظ والمعنى وما يوجبه الحكم، وقسم المشهور فيه [أن الشهادة] تلفق، وقيل: إنها لا تلفق، وهو أن يتفق اللفظ والمعنى، وتختلف الأيام والمجالس، وقسم المشهور فيه أن الشهادة لا تلفق، وقيل: إنها تلفق، وهو أن يختلف اللفظ والمعنى ويتفق ما يوجبه الحكم، فقوله في الرجلين يشهد أحدهما على رجل أنه صالح امرأته ويشهد الآخر أنه طلقها واحدة أنه لا شهادة لهما صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنه من القسم الذي يختلف فيه اللفظ والمعنى وما يوجبه الحكم، والحكم في ذلك أن يحلف على تكذيب كل واحد منهما، فإن نكل عن اليمين حبس حتى يحلف، وقيل: تطلق عليه طلقة بائنة، وذلك على اختلاف قول مالك في المدونة، وقوله: وليس هذا مثل الذي يشهد عليه أنه طلق في رمضان، ويشهد هذا أنه طلق في شوال يريد أنه ليس مثله على المشهور من أن الشهادة تلفق في ذلك، إذ قد قيل: إنها لا تلفق على ما ذكرناه، وهو قول ربيعة في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، ويقوم ذلك من قول ابن القاسم في رسم حمل صبيا من سماع عيسى بعد هذا أنه إذا شهد عليه شاهدان أنه طلق في يوم كذا وشاهدان أنه طلق في كذا لزمته ثلاث تطليقات ولم ينو، وقوله: وشهادة هذين في أمرين مختلفين مثل أن يقول أحدهما: إنه حلف بالطلاق إن دخل دار فلان وشهد

آخر أنه حلف بالطلاق أن لا يكلم فلانا فكلمه إلى آخر قوله يريد أنه مثله على المشهور من أن الشهادة لا تلفق في ذلك، إذ قد قيل: إنها تلفق على ما ذكرناه؛ لأنه من القسم الذي يختلف فيه اللفظ والمعنى ويتفق ما يوجبه الحكم، فعلى القول المشهور إنها لا تلفق يحلف المشهود عليه مع شهادة كل واحد منهما على تكذيبه حسبما قاله فيكون عليه يمينان وقوله من رواية أصبغ عن ابن القاسم: وكذلك لو شهد شاهد أنه طلقها البتة وشهد آخر أنه صالحها لم تجز شهادتهما يريد أيضا على المشهور من أن الشهادة لا تلفق في ذلك، إذ قد قيل: إنها تلفق على ما ذكرناه؛ لأنها من القسم الذي يختلف فيه اللفظ والمعنى ويتفق ما يوجبه الحكم؛ لأن شهادتهما متفقة على وجوب التفرقة بينهما فيفرق بينهما بشهادتهما على هذا القول، ويحلف على رواية أصبغ أنه صالحها وأنه ما طلقها، فإن نكل طلقت عليه بالبتات، وقيل: يحبس حتى يحلف، فإن طال سجنه خلي سبيله ولم يكن عليه شيء، اختلف في ذلك قول مالك، ومثله مسألة سماع سحنون ومحمد بن خالد في الصبي يموت أبوه فيقوم له شاهد عدل أن أباه تصدق عليه بعبد وقبضه له، وشهد له شاهد آخر أنه نحله إياه؛ لأن شهادتهما متفقة على وجوب العبد له مختلفة في اللفظ والمعنى، فيقضى له به دون يمين على القول بأن الشهادة تلفق، وهو قول ابن الماجشون على قياس قوله في سماع محمد ابن خالد في الشاهدين يشهدان لرجل بمائة دينار فيقول أحدهما: هي من بيع، ويقول الآخر: هي من سلف أن الشهادة تامة؛ لأنهما قد اجتمعا على إخراجها من يد المشهود عليه، ولا يقضى له به حتى يبلغ فيحلف مع أي الشاهدين شاء على القول بأن الشهادة لا تلفق، وهو قول ابن القاسم في سماع محمد بن خالد؛ لأن معنى قوله فيه يحلف مع شاهده على الصدقة إنما هو إذا ادعى أن الشاهد على الصدقة هو المحق منهما مخافة أن يكون أبوه قد أشهد في صحته على اعتصاره، فإذا حلف على الصدقة بطل إشهاد أبيه به على الاعتصار، ومثله مسألة سماع أبي زيد وفي رسم القضاء المحض

: الأب يشهد على ابنه في حقوق أو طلاق أو عتاق

من سماع أصبغ فيمن شهد عليه شاهد واحد أنه حلف على شيء أنه إن فعله فامرأته طالق وشهد آخر أنه إن فعله فإحدى امرأتيه طالق؛ لأنها شهادة اختلف فيها المعنى واللفظ واتفق ما يوجبه الحكم، فقال ابن القاسم: إنه لا شهادة لهما على قياس القول بأن الشهادة لا تلفق، وقال أصبغ على قياس القول بالتلفيق إنهما يطلقان جميعا إن أنكر كما لو أقر ولا نية له، وهو مذهب ابن الماجشون على ما وقع له في سماع محمد بن خالد، ومن هذا المعنى ما قال ابن سحنون عن أبيه إذا جرح الشاهد رجلان كل واحد بمعنى غير الآخر قال: هي جرحة لاجتماعهما على التجريح إنه رجل سوء، وقد قال أيضا: إنه لا يجرح حتى يجتمع رجلان على معنى واحد إما كذاب، وإما شارب خمر، أو آكل حرام، ونحوه، والله الموفق. [: الأب يشهد على ابنه في حقوق أو طلاق أو عتاق] ومن كتاب يوصي بمكاتبه وسألته: عن الأب يشهد على ابنه أو الابن يشهد على أبيه في حقوق أو طلاق أو عتاق، قال: أما شهادة الأب على ابنه فهي تجوز في جميع ما ذكرت إلا أن تكون عداوة تعلم، وشهادة الابن على أبيه جائزة في الحقوق والعتاق، وأما في الطلاق فإنه إن شهد على أمه أو على غير أمه إذا لم تكن أمه حية فهي جائزة إلا أن تكون عداوة تعلم، وإن شهد على غير أمه وأمه حية كانت تحته أو طلقها فلا تجوز شهادته عليه في طلاق التي تحته، قال سحنون: إذا شهد على أبيه أنه طلق أمه فإن كانت أمه مدعية للفراق طالبة له فلا تجوز شهادته، فإن كانت منكرة لذلك جاحدة

له جازت شهادته؛ لأنه شهد عليهما جميعا، وإذا كانت الأم طالبة لذلك لم تجز؛ لأنه شاهد لأمه. قلت: أرأيت إن شهد رجل على امرأة من نساء أبيه أنه طلقها وهي من ضرائر أمه هل تجوز شهادته؟ فقال: لا تجوز شهادته إلا أن تكون المرأة هي الطالبة للفراق فتجوز شهادته، قال أصبغ: شهادة الابن على أبيه بطلاق أمه جائزة إلا أن يكون بينهما عداوة أو يعلم أنها طالبة للفراق فلا تجوز شهادة الابن لها، فإن كانت عداوة الابن بينه وبينهما جميعا سقطت عنهما بالعداوة كالأجنبيين، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14] قال القاضي: لا اختلاف في جواز شهادة الأب على ابنه والابن على أبيه في الحقوق والعتاق، وأما شهادته عليه في الطلاق فقوله: إنه إن شهد على أمه أو غير أمه إذا لم تكن أمه حية فهي جائزة إلا أن تكون عداوة تعلم معناه إلا أن تكون أمه مدعية للطلاق على ما قاله سحنون وأصبغ؛ لأن قولهما تفسير لقوله، وقوله: إن شهد على غير أمه وأمه حية كانت تحته أو طلقها فلا تجوز شهادته عليه في طلاق التي تحته معناه إلا أن تكون المرأة هي الطالبة للفراق على ما قاله بعد ذلك؛ لأن قوله يبين بعضه بعضا، فلا خلاف بين ابن القاسم وأصبغ وسحنون في شيء من هذا كله، ولأصبغ في الواضحة إن شهادته على أبيه بطلاق غير أمه جائزة وإن كانت أمه حية إذا لم تكن في عصمته، فتحصيل هذه المسائل أن شهادته على أبيه بطلاق أمه جائزة إلا أن تكون طالبة للطلاق، وأن شهادته عليه بطلاق غير أمه جائزة إن كانت أمه ميتة، وغير جائزة إن كانت حية في عصمته إلا أن تكون المرأة هي الطالبة للفراق، والنظر عندي ألا تجوز شهادته عليه

مسألة: المشهود على شهادته إذا أنكر الشهادة وزعم أنه لم يشهدهما عليه

بطلاقها وإن كانت هي الطالبة للفراق إذا كانت [أمه] حية في عصمته، واختلف إن كانت أمه حية في غير عصمته، فقيل: إن شهادته لا تجوز إلا أن تكون المرأة هي الطالبة للفراق وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وقول مطرف وابن الماجشون، وقيل: إنها جائزة وإن لم تكن طالبة للطلاق، وهو قول أصبغ. وقد قال بعض أهل النظر على قياس قول ابن القاسم في هذه المسألة: ولو شهد الابن على أبيه أنه طلق زوجتيه جميعا إحداهما أمه، فإنه ينظر في ذلك، فإن كانت أمه غير طالبة للطلاق والزوجة الأخرى طالبة له طلقتا جميعا، كانت الشهادة واحدة أو مفترقة، إذ لا تهمة في ذلك، وإن كانت الأم طالبة للطلاق والأخرى غير طالبة له لم تطلق واحدة منهما، كانت الشهادة واحدة أو مفترقة؛ لأنه يتهم في أمه أن يشهد لها فيما ترغب، ويتهم في ضرة أمه أن يشهد عليها بما تكره طلبا لرضا أمه إذ هي ضرتها، وإن كانتا جميعا كارهتين للطلاق لم تجز شهادته إن كانت الشهادة واحدة؛ لأنها تسقط في زوجة أبيه للتهمة فيها بسبب أمه، وتسقط في أمه لاتهامه في بعض الشهادة، وتجوز إن كانت مفترقة في أمه، ولا تجوز في الأخرى للتهمة فيها بسبب أمه، وإن كانتا جميعا طالبتين للطلاق لم تجز شهادته إن كانت الشهادة واحدة؛ لأنها تسقط في أبيه للتهمة فيها، وتسقط في الأخرى لاتهامه في بعض الشهادة، وتجوز إن كانت الشهادة مفترقة لغير أمه فتطلق إن كان معه غيره، ويحلف أبوه إن لم يكن معه غيره، ولا تجوز لأمه؛ لأنه شاهد لها بالطلاق الذي تطلبه، وبالله التوفيق. [مسألة: المشهود على شهادته إذا أنكر الشهادة وزعم أنه لم يشهدهما عليه] مسألة قال ابن القاسم: إذا شهد الرجلان على شهادة رجل غائب فقطع بشهادتهما الحق مع شاهد ويمين وصاحب الحق إن كان

شاهد شيء يجوز فيه شاهد ويمين أو شاهدان ثم جاء الذي شهد على شهادته فأنكر أن يكون شهد بتلك الشهادة، قال: الحكم ماض، ولا غرم عليهما إن [قال] : شهدا علي بباطل. قلت: فلو كان قدم قبل شهادتهما؟ فقال: هذا القول قال: فلا شهادة لهما، ويستحلف صاحب الحق مع شهادة الباقي منهما. قال محمد بن رشد: هذه المسألة وقعت في بعض الروايات في أثناء المسألة التي قبلها فكتبتها بعدها ليتصل الكلام فيها بعضه ببعض، ووقعت أيضا في سماع أبي زيد وفي رسم الأقضية من سماع يحيى، وزاد فيها في سماع يحيى من قول مالك: إن القضاء يفسخ خلاف قول ابن القاسم، فوجه قول ابن القاسم أنه جعل إنكار المشهود على شهادته للشهادة بعد الحكم كرجوع الشاهد عن الشهادة بعد الحكم في أن الحكم لا يرد لاستواء المسألتين في أن الحاكم حكم بما يجوز له من الشهادة، ولم يكن منه تفريط، فوجب ألا يرد حكمه، ووجه قول مالك في الفرق بين المسألتين هو أن المشهود على شهادته إذا أنكر الشهادة وزعم أنه لم يشهدهما عليه لا يخلو من أن يكون صادقا أو كاذبا، فإن كان صادقا بطلت الشهادة بصدقه أنهما كذبا عليه في الشهادة، وإن كان كاذبا بطلت شهادته لكذبه، إذ لا تجوز شهادة الكاذب، فلما كانت تبطل في كل وجه ولم يمكن أن يضمن الشاهدان على الشهادة لثبوتهما على شهادتهما ولا المشهود على شهادتهما إذا لم يثبت عليه أنه أشهدهما على شهادته ثم رجع عنها وجب أن يرد القضاء لئلا يتلف على المقضي عليه ماله، والشاهدان إذا رجعا عن شهادتهما مقران على أنفسهما بالعداء على المحكوم عليه فوجب أن يضمنا، ولم يصح للحاكم أن يرد الحكم

مسألة: يوصي له ببقية الثلث فتحوط الوصايا بالثلث وهوشاهد على الوصية

برجوعهما؛ لأن الجرحة ثبتت عليهما بنفس الرجوع، فوجب ألا يصدقا فيه كما لا يصدقان فيما يشهدان به بعد ذلك، وأما إذا أنكر المشهود على شهادته الشهادة قبل أن يحكم بها وقطع على أنه لم يشهد عليها فلا اختلاف في أنه لا يحكم بها، ولو لم ينكرها ولا قطع على أنه لم يشهد عليها، وإنما قال: لا أذكرها وأنا شاك فيها لتخرج ذلك على اختلافهم في العمل بالحديث إذا رواه الراوي فتوقف فيه المروي عنه وشك فيه ولم يقطع على أنه لم يحدث به، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي له ببقية الثلث فتحوط الوصايا بالثلث وهوشاهد على الوصية] مسألة وسألته: عن رجل يوصي له ببقية الثلث فتحوط الوصايا بالثلث وهو شاهد على الوصية هل تجوز شهادته ولم يبق له من الثلث شيء؟ قال ابن القاسم: إن كان الميت رجلا يداين الناس ويشك في أمره أن يكون له ديون على الناس يقينا فلا أرى شهادته تجوز، وإن كان لا يداين الناس فشهادته جائزة. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لأنه متهم في شهادته، وإن أحاطت الوصايا بالثلث إذا كان مما يرجى أو يطرأ له مال يبقى له من ثلثه بقية، وبالله التوفيق. [مسألة: النصرانيين يختصمان إلى حكم المسلمين في مال فرضيا بشهادة نصرانيين] مسألة وسألته: عن النصرانيين يختصمان إلى حكم المسلمين في مال فرضيا بشهادة نصرانيين، قال ابن القاسم: لا يحكم بينهما

بشهادة النصري ويتراضيان فيما بينهما على ما أحبا. قلت: وكذلك المسلمان يرضيان بشهادة المسخوطين؟ قال: لا يحكم بينهما بشهادة المسخوطين وليرضياهما بما أحبا، قلت: فإن تراضيا بشهادة مسخوطين ثم أبى أحدهما بعدما شهدا عليهما؟ قال ابن القاسم: إذا علما بشهادتهما ورضيا فإن ذلك يلزمهما، وليس لهما أن ينكصا، وهما بمنزلة ما لو رضيا بغير شهادتهما. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يحكم بينهما بشهادة النصري، ولا بشهادة المسخوطين معناه إذا رضيا أن يحكم بينهما بشهادتهم دون تعيين بأن يقولا: قد رضينا أن يحكم بيننا بشهادة شاهدين من النصارى أو ممن لا تجوز شهادته من المسخوطين المسلمين، وهذا ما لا اختلاف فيه؛ لأن رضاهما بذلك غرر، والحكم به لا يجوز؛ لأنه خلاف ما أمر الله به من استشهاد من يرضى من الشهداء، وأما لو رضيا بما يشهد به عليهما شاهدان مسخوطان سمياهما في أمر اختلفا فيه فلما شهدا عليهما أبى أحدهما، فقال ابن القاسم في هذه الرواية: إذا علما بشهادتهما ورضيا فإن ذلك يلزمهما يريد أن ذلك إنهما يلزمها إذا رضيا بما شهدا بعد الشهادة والعلم بما شهدا، وقد قيل: إنهما إذا رضيا قبل الشهادة بما يشهدان لزمهما ما يشهدان به ولم يكن لهما ولا لأحدهما أن ينكصا عن ذلك، وقد

: صاحب السوق أخذ سكران فسجنه وشهد عليه هو وآخر معه

مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: صاحب السوق أخذ سكران فسجنه وشهد عليه هو وآخر معه] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وقال في صاحب السوق أخذ سكران فسجنه وشهد عليه هو وآخر معه، قال: لا أرى أن تجوز شهادته؛ لأنه قد صار خصما حين سجنه، ولو رفعه إلى غيره قبل أن يسجنه وشهد مع الرجل جازت شهادته. قال محمد بن رشد: إنما جازت شهادته عليه وإن أخذه فرفعه ما لم يسجنه؛ لأن ما فعل من أخذه ورفعه لازم له من أجل أنه موكل بالمصلحة ولو لم يكن صاحب سوق موكلا بالمصلحة فأخذه سكران فرفعه إلى غيره لم تجز شهادته عليه على ما قال في المسألة التي بعدها، وبالله التوفيق. [مسألة: أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنى فتعلقوا به فأتوا به إلى السلطان وشهدوا عليه] مسألة وقال في أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنى فتعلقوا به فأتوا به إلى السلطان وشهدوا عليه فقال: لا أرى أن تجوز شهادتهم، وأراهم قذفة، ورواها أصبغ في كتاب الحدود. قال محمد بن رشد: إنما لم تجز شهادتهم عليه؛ لأن ما فعلوا من أخذه وتعلقهم به ورفعهم إياه إلى السلطان لا يلزمهم ولا يجب عليهم، بل هو مكروه لهم؛ لأن الإنسان مأمور بالستر على نفسه وعلى غيره، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله تعالى، فإنه من يبدلنا صفحته نقم عليه كتاب الله» ، وقال لهزال: «يا هزال، لو سترته بردائك لكان خيرا لك» ، فلما فعلوا ذلك كانوا طالبين له ومدعين

مسألة: شهادة النساء على الولادة والاستهلال

الزنى عليه وقذفة له، فوجب عليهم الحد له إلا أن يأتوا بأربعة شهداء سواهم على معاينة الفعل كالمرود في المكحلة، ولو كانوا أصحاب شرط موكلين بتغيير المنكر ورفعه أو أحدهم فأخذوه فجاءوا به وشهدوا عليه لقبلت شهادتهم؛ لأنهم فعلوا في أخذه ورفعه ما يلزمهم على قياس قوله في المسألة التي قبلها، وفي الواضحة لمطرف وابن الماجشون وأصبغ أنه إذا شهد أربعة بالزنى على رجل جازت شهادتهم وإن كانوا هم القائمين بذلك مجتمعين جاءوا أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريبا بعضه من بعض، ووجه ذلك أنه لما كان ما فعلوا من قيامهم عليه مباحا لهم، وإن كان الستر أفضل لم يكونوا خصما إذ لم يقوموا لأنفسهم، وإنما قاموا لله، فوجب أن تجوز شهادتهم، وقد مضى هذا الاختلاف مجردا على التوجيه، في أول رسم من السماع، ولو كانت الشهادة فيما يستدام فيه التحريم من حقوق الله كالطلاق والعتق لجازت شهادتهما [في ذلك] وإن كانا هما القائمين بذلك؛ لأن القيام به متعين عليهما، وقد قال بعض المتأخرين: لا يجوز ذلك على مذهب ابن القاسم وقوله في هذه المسألة خلافا لمطرف وابن الماجشون، ووجهه بأن كل من قام في حق يريد إتمامه فمتهم أن يزيد في شهادته ليتم ما قام فيه، وهو عندي بعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة النساء على الولادة والاستهلال] مسألة وسئل: عن المرأتين تشهدان على استهلال الصبي أتجوز شهادتهما؟ قال: نعم، قيل: فشهدتا أنه غلام [أتجوز] ؟ قال: لا

أراه إلا وسيكون مع شهادتهما اليمين كأنه يرى ذلك، قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: والقياس أن لا تجوز شهادتهما؛ لأنه يصير نسبا قبل أن يصير مالا. قلت: مات بأي شيء يرث ويورث؟ قال: بأدنى المنزلتين إلا أن يكون لا يبقى ويخاف عليه الحوالة إن احتبس إلى أن يوجد رجال يشهدون على رؤيته فتجوز شهادة النساء فيه حينئذ، قال ابن القاسم: وكذا المرأة تلد ثم تهلك هي وولدها في ساعة يحلف أبو الصبي أو ورثته مع شهادة النساء أن الأم ماتت قبله فيستحقون ميراثه من أمه؛ لأنه مال، قال سحنون: وإنما تجوز شهادة النساء على الولادة والاستهلال إذا كان البدن قائما ورأى الناس أن قد تم أمره وكمل جسده، وكذا شهادتهن في القتل. قال محمد بن رشد: أجاز ابن القاسم في هذه الرواية شهادة امرأتين على استهلال الصبي وعلى أنه غلام مع اليمين، وهذا يدل من مذهبه على أن شهادتهما على الاستهلال جائزة وإن غاب البدن وفات، إذ لو كان حاضرا لاستغنى عن شهادة النساء فيه إنه غلام بنظر الرجال إليه، وكذلك القتل الخطأ لا يشترط في إجازة شهادة النساء فيه حضور البدن على مذهبه، قال في المدونة: لأنه مال، وشهادة النساء في المال جائزة خلاف قول ربيعة وسحنون في المدونة إن شهادة النساء لا تجوز على الاستهلال ولا على أهل الخطأ إلا مع حضور البدن، وعلى قولهما لا تجوز شهادتهن في أنه ذكر أو أنثى، وهي رواية مطرف عن مالك وأشهب عن مالك أيضا في كتاب ابن سحنون، وهو قول ابن هرمز، وهو القياس

مسألة: الشهادة على الشهادة في الزنى

على ما قاله ابن القاسم ههنا في رواية أصبغ عنه؛ لأنه في الاستهلال فيصير نسبا قبل أن يصير مالا على ما قاله وفي القتل الخطأ، وإن كان مالا، فإذا جوزت شهادة النساء فيه مع مغيب البدن آل ذلك إلى جواز شهادتهن فيما عدا المال من الموت الذي يقطع العصمة بينه وبين أزواجه فيكون لهن أن يتزوجن، وقد يكون له أمهات أولاد ومدبرون فيعتقون، وقد يوصى بعتق وبتزويج بناته فتؤول إجازة شهادتهن في مثل الخطأ إذا لم يعرف الموت بحضور البدن ميتا إلى أن تجوز في ذلك كله، وشهادتهن فيما عدا المال لا تجوز ففي ذلك من قول ابن القاسم نظر، وهو استحسان، والقياس قول سحنون وربيعة ألا تجوز شهادتهن إلا في صفة القتل إذا عرف الموت لا في القتل إذا لم يعرف الموت، وكذلك الشاهد الواحد يشهد على مثل الخطأ فلا تجوز إلا أن يعرف الموت بحضور البدن ميتا، وأما شهادة النساء في المرأة تلد ثم تهلك هي وولدها في ساعة على أيهما مات أولا فلا اختلاف في إجازتها؛ لأنها شهادة على مال لا تتعدى إلى ما سوى المال، وقول سحنون وكذلك شهادتهن في القتل يريد في القتل الخطأ على ما مضى القول فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: الشهادة على الشهادة في الزنى] مسألة قال ابن القاسم: في الشهادة على الشهادة في الزنى لا تجوز حتى يشهد أربعة على أربعة في موضع واحد ويوم واحد وساعة واحدة في موقف واحد على صفة واحدة. قال محمد بن رشد: ليس من شرط صحة الشهادة على الزنى تسمية الموضع ولا ذكر اليوم والساعة، وإنما من شرط صحتها عند ابن

القاسم ألا تختلف الشهود في ذلك، فإذا شهد أربعة على رجل بالزنى فقالوا: رأيناه معا يزني بفلانة غائبا فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة تمت الشهادة، وإن قالوا: لا نذكر اليوم ولا نحد الموضع، وإن قالوا في موضع كذا وساعة كذا من يوم كذا كان أتم في الشهادة، وإن اختلفوا في الموضع أو في الأيام فقال بعضهم: كان [ذلك] في موضع كذا، وقال بعضهم: بل كان في موضع كذا، أو قال بعضهم: كان في يوم كذا، وقال بعضهم: بل في يوم كذا بطلت شهادتهم عند ابن القاسم وجازت عند ابن الماجشون، قال: لأنهم اختلفوا فيما لو لم يذكروه لتمت الشهادة ولم يلزم الحاكم أن يسألهم عنه، فيحتمل أن يريد أنه لا يلزمه أن يسألهم عن ذلك إذا اتفقوا على أن رؤيتهم إياه إنما كانت معا في زنى واحد، ويحتمل أن يريد أنه لا يلزمه أن يسألهم عن ذلك بحال إذا شهدوا عنده فقال كل واحد منهم: إنه رآه يزني كالمرود في المكحلة، ويكون من مذهبه أن الأفعال تلفق في الشهادة كما تلفق الأقوال خلاف ما ذهب إليه ابن القاسم من أنها لا تلفق كما تلفق الأقوال، والأول أبين، ولا تجوز شهادة أربعة على أربعة في الزنى إلا إن شهد الأربعة معا على شهادتهم كل واحد من الأربعة أنهم رأوه معا يزني بفلانة فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة، وإن تفرق إشهادهم لهم مثل أن يشهدوا اليوم أحدهم، وغدا الثاني، وبعد غد الثالث، والذي يليه الرابع، وأما إن تفرقوا في الإشهاد مثل أن يشهد أحدهم اليوم على شهادته جميع الأربعة ثم يشهدهم الثاني غدا، ثم الثالث بعد غد ثم الرابع في الذي يليه فلا يجوز ذلك إلا على القول بجواز تفرق الشهود في تأدية الشهادة على الزنى، وقد مضى ذكر الخلاف في ذلك في أول رسم من هذا السماع؛ لأن الإشهاد على الشهادة كتأدية الشهادة فيما يلزم فيها، وإن لم يسمع الأربعة من جميع الأربعة وإنما سمعوا من بعضهم

جاز أن يسمع من الباقين شاهدان كان الباقون واحدا أو اثنين أو ثلاثة، فلا بد في الشهادة على الشهادة من أربعة على جميع الأربعة أو اثنين اثنين على كل واحد منهم إن تفرقوا فلا يجزئ أقل من أربعة، ولا يحتاج [إلى] أكثر من ثمانية، ويجوز في تعديلهم أيضا اثنان على كل واحد منهم أو أربعة على جميعهم، هذا مذهب ابن القاسم، وبه قال ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، وقال مطرف عن مالك: لا يجوز في الشهادة على الشهادة في الزنى إلا ستة عشر شاهدا أربعة على كل واحد من الأربعة تفرقوا أو اجتمعوا، ولا يجزئ في تعديلهم إلا أربعة على كل واحد منهم فيكونون ثمانين فيما بين الشهود والمعدلين، ويريد ابن القاسم بقوله في موضع واحد ويوم واحد وساعة واحدة أن يكون الزنى الذي شهد عليه الأربعة زنى واحدا، ويريد بقوله في موقف واحد أن يشهدوا كلهم معا على شهادتهم لكل واحد من الشهود الأربعة وأن يؤدي الشهود الأربعة الشهادة على الشهادة عند الحكم معا غير مفترقين، وقد قيل: إنهم إن تفرقوا في ذلك جاز، وقد تقدم ذكره، فإن شهد أربعة على أقل من أربعة أو أقل من أربعة على أربعة كانوا قذفة يحدون إلا أن يأتوا بما يوجب الحد على المشهود عليه، وذلك أربعة سواهم يشهدون على شهادة أربعة أو على معاينة الزنى على القول: بأنه لا يجوز تفرق الشهود في تأدية الشهادة في الزنى، وأما على القول بأنه جائز فيجزئهم إن كانوا ثلاثة أن يأتوا بشاهد يشهد معهم على شهادة الأربعة أو على شهادة نفسه، وقد زدنا هذا المعنى بيانا وتحصيلا في كتاب الرجم من كتاب المقدمات، وبالله التوفيق.

: أمي قرئ عليه كتاب فقال أشهد على ما فيه

[: أمي قرئ عليه كتاب فقال أشهد على ما فيه] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار سئل عن رجل أمي قرئ عليه كتاب فقال: أشهد على ما فيه، أتجوز شهادته وهو لا يصف ما فيه حتى يقرأ عليه؟ قال: نعم، تجوز شهادته، وليس كل الناس يسوقون كل ما أشهدوا عليه وإن كان ممن يكتب حتى يقرأ الكتاب، فإذا قرأه عرف شهادته وحفظها، ولو قيل له بعدما يقرأها أيستظهرها ما استظهرها، فإن كان عدلا وأثبت ما قرئ عليه جازت شهادته. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه ليس على الشاهد أن يستظهر الكتاب الذي وضع فيه شهادته، وحسبه أن يعرف ما تضمنه إذا قرئ أو قرأه فيقول: أشهد بما فيه، وهذا في الاستراعاءات التي تكتب على معرفة الشاهد فيضع فيه شهادته ثم يشهد بما تضمنت، وهذا إذا كان الشاهد من أهل اليقظة والفهم بمعاني ما تضمنه الكتاب إذا قرأه أو قرئ عليه، وأما إذا كان على غير هذه الصفة فلا ينبغي للحاكم أن يجيز شهادته إلا أن يؤديها لفظا فيقيدها عند الحاكم أو كاتبه على ما يشهد بها، وأما ما يشهد به المتعاملان على أنفسهما فليس على الشاهد أن يقرأ الكتاب ولا أن يقرأ عليه إن كان أميا، وحسبه إذا ذكر الشهادة أن يقول: أشهدني فلان وفلان على ما في هذا الكتاب عنهما وإن لم يقرأه ولا عرف ما فيه إلا أن يكون الشاهد من أهل العلم فيستحسن له إذا شهد على شيء مكتوب في كتاب أن يقرأه لئلا يكون فيه فساد، فإن رأى فيه فسادًا نبّه عليه فاستدرك فسخه قبل فواته، وبالله التوفيق.

مسألة: الذي يبيع الخمر لا تجوز شهادته

[مسألة: الذي يبيع الخمر لا تجوز شهادته] مسألة سئل: عن رجل شهد بشهادة على رجل فقال المشهود عليه: إن هذا الشاهد علي له حوانيت يؤاجرها من الخمارين، وأتى عليه بشهيدين، وذكر الشاهد أنه [قد] حبس تلك الحوانيت على امرأته وأتى عليه بشهود، قال: إن شهدوا عليه أنه يتولى كراءها ردت شهادته ولم تقبل ولا نعمى عين؛ لأن الذي يلي الحرام لغيره كالذي يليه لنفسه، بل الذي يليه لنفسه لو كان يعذر لكان أعذر فلا تقبل شهادته ولا ينعم عينا. قال محمد بن رشد: في هذه المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: هذا أنها جرحة تبطل شهادته. والثاني: قول محمد بن إبراهيم بن دينار الذي في المدونة والمبسوطة أنها ليست بجرحة تبطل شهادته، قال: أما الذي يبيع الخمر فلا تجوز شهادته ولا ينعم عينا، وعليه العقوبة الموجعة، وأما الذي يكري بيته فلا أرى أن ترد شهادته. والثالث: قول ابن القاسم في المدنية والمبسوطة أيضا أن شهادته لا تجوز إلا أن يعذر بجهل، قال: أما الذي يكري بيته من خمار أو يبيعه ممن يبيع فيه خمرا فإنها لا تقبل شهادته

إلا أن يعذر بجهل، وإنما لم يجز ابن القاسم شهادة من يكري حانوته ممن يبيع فيها خمرا؛ لأن فعل ذلك عون على ما لا يحل من بيع الخمر التي لعن الله عز وجل على لسان نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من استباحه فقال: «لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وساقيها وآكل ثمنها» فالعون على ما لا يحل لا يحل، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . لا أنه رأى الكراء عليه حراما كثمن الخمر، وذلك بين من قوله: لأن الذي يلي الحرام لغيره مثل الذي يليه لنفسه إلى قوله: لكان أعذر؛ لأن الكراء لو كان عليه حراما كثمن الخمر لكان الذي يتولاه لنفسه أشد من الذي يتولاه لغيره لا محالة، ولما لم يكن الكراء عليه حراما كثمن الخمر لم يسقط ابن دينار شهادته، وجعله من الذنوب التي لا تسقط الشهادة، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن مثل هذا ليس من شيم أهل العدالة لا سيما وقد قيل: إن الكراء عليه حرام لا يحل له كثمن الخمر، والأظهر أنه ليس هو عليه حرام كثمن الخمر، وإنما يؤمر بالصدقة به على سبيل التورع ويفعل ذلك الإمام به على سبيل الأدب له، ووجه قول ابن القاسم في المدنية والمبسوطة أنه لما كان هذا الفعل قد يمكن أن يظن الجاهل أنه سائغ له وأن الإثم فيه إنما هو على بائع الخمر في الحانوت لا عليه؛ لأنه أكرى منه ما يجوز له كراؤه من غير عذره بالجهل، وهو أعدل الأقوال وأولاها بالصواب، وأما الذي يبيع الخمر فلا اختلاف في أن شهادته لا تجوز، وكذلك في كتاب الرجم من المدونة أن الذي يعصر الخمر ويبيعها لا تجوز شهادته وإن كان لا يشربها، قال مالك في المجموعة وكتاب ابن المواز ولو باعها عصيرا لم ترد شهادته، وبالله التوفيق.

مسألة: شهادة الشريك على شريكه

[مسألة: شهادة الشريك على شريكه] مسألة وسئل: عن الرجلين يكونان شريكين جميعا متفاوضين يبيع أحدهما من رجل سلعة ويوجهها له وشريكه حاضر شاهد على بيعه ثم يخالف إلى السلعة ذلك الشريك الذي باعها فيبيعها من رجل آخر وينفذها له فيبيع المشتري الأول السلعة وليس له شاهد على الشراء إلا الشريك في السلعة الذي حضر حين باعها، هل ترى شهادته جائزة؟ أم هل ترى له أن يأخذ من فضل ما باعها به شريكه على الثمن الأول الذي كان باعها به أولا إذا جحد شريكه البيع وهو شاهد عليه؟ وكيف إن كان للمشتري الأول بينة على الشراء وقد باع المشتري السلعة بفضل هل يكون له ذلك الفضل؟ فقال: شهادة الشريك غير جائزة على شريكه، وأرى إن كان قد باعها شريكه بأكثر من الثمن الأول أن لا يأخذ من ذلك الفضل شيئا وإن كان للمشتري بينة على الشراء منه وقد فاتت [السلعة] من يد الذي اشتراها بفضل باعها به فأرى ذلك الفضل للمشتري الأول؛ لأنه ثمن سلعته، والمشتري مخير إذا كانت له بينة، وقد فاتت في قيمتها وفي الثمن الذي باعها به يكون مخيرا في ذلك على بائعها. قال القاضي: قوله: إن شهادة الشريك غير جائزة على شريكه يريد في نقض البيع الثاني ورد السلعة إلى المشتري الأول صحيح؛ لأن ما باع شريكه فكأنه هو قد باعه؛ لأن شريكه وكيل له على البيع، ويد الوكيل كيد الموكل فصار في شهادته كمن باع سلعة من رجل ثم شهد لغيره أنه باعها

مسألة: توفي فقامت تدعي ما في البيت من متاع النساء والرجال

منه قبل ذلك، وأما شهادته على الفضل للمشتري الأول فذلك جائز؛ لأنه شهد على نفسه وعلى شريكه بفضل في أيديهما أنه للمشتري الأول، فعليه أن يدفع إليه حصته من الربح ويحلف مع شهادته على الشريك فيأخذ منه نصف الربح الآخر؛ لأن السلعة سلعته فله أن يجيز البيع ويأخذ الثمن، وهذا بين، وأما إن كان للمشتري بينة على الشراء منه وقد فاتت السلعة من يد الذي اشتراها بفضل باعها به، فقوله: إن الفضل للمشتري الأول؛ لأنه ثمن سلعته بين صحيح، وقوله: إن المشتري مخير إذا كانت له بينة وقد فاتت في قيمتها وفي الثمن الذي باعها به يريد في قيمتها يوم تعدى عليها البائع وفي الثمن الذي باعها به وإن كان المبتاع الثاني قد باعها ففاتت في يد المبتاع الثالث كان مخيرا في أخذ أي ثمن شاء، وفي أن يضمن البائع الأول قيمتها، فإن ضمن البائع الأول قيمتها وأخذ منه الثمن جازت البيعتان جميعا، وإن أخذ الثمن الثاني انتقضت البيعة الأولى؛ وإن ألفاها قائمة بيد المشتري الثالث كان مخيرا بين أن يأخذ سلعته فتنتقض البيعتان جميعا أو يأخذ الثمن [الأول فتجوز البيعتان جميعا، أو يأخذ الثاني] فتنتقض البيعة الأولى، وبالله التوفيق. [مسألة: توفي فقامت تدعي ما في البيت من متاع النساء والرجال] مسألة وسئل: عن الذي يشهد لامرأته إن كان شيء تغلق عليه باب بيتها فهو لها، فقال: سواء أشهد لها أو لم يشهد لها، ما في البيت مما يعرف أنه متاع النساء فهو لها إلا أن يكون اشترى لها من متاع الرجال شيئا فأشهد لها أنه إنما يشتريه لها. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن المشهد لامرأته بهذه الشهادة توفي فقامت تدعي ما في البيت من متاع النساء والرجال فلم ير لها فيما أشهد لها به منفعة إذ لم يشهد لها على شيء بعينه أنه لها،

: قال امرأته طالق واحدة إن دخل دار عمرو بن العاص

وإنما أشهد لها بما في بيتها، ولعل ما تدعيه من متاع الرجال لم يكن في بيتها يوم الإشهاد فقال: سواء أشهد لها أو لم يشهد لها، ما في البيت مما يعرف أنه من متاع النساء فهو لها، يريد وما كان فيه من متاع الرجال فهو لورثته إلا أن يكون اشترى لها من متاع الرجال شيئا فأشهد لها أنه إنما يشتريه لها، وفي قوله: إلا أن يكون اشترى لها إلى آخر قوله، دليل على أنه لو أشهد لها على شيء بعينه من متاع الرجال أنه لها لم يكن لها، وفي ذلك نظر؛ لأنه إن لم يعلم أصل الملك له صح الإقرار لها، وإن علم أصل الملك له كان إقراره هبة تصح لها بحيازتها إياها؛ لكونها في بيتها وتحت يدها إلا على ما في سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات في نحو هذه الحيازة والقياس على مذهب ابن القاسم؛ لأن يد الزوج عنده هي المغلبة على يد الزوجة إذا اختلفا فيما هو من متاع الرجال والنساء، ولو قامت في حياته تدعي ما في بيتها من متاع الرجال وتحتج بما أشهد لها به من أن جميع ما في بيتها لها، فناكرها في ذلك وادعاه لنفسه وزعم أنه لم يكن في بيتها يوم أشهد لها بما أشهد وأنه إنما اكتسبه بعد ذلك لوجب أن ينفعها الإشهاد ويكون القول قولها مع يمينها إلا أن يقيم هو البينة أنه اكتسب ذلك بعد الإشهاد، ويحتمل أن يكون معنى المسألة أنه أشهد لها بذلك في مرضه الذي مات منه فلا يكون في بطلان الشهادة إشكال، ولا في أنها لا يكون لها من متاع الرجال إلا ما أشهد عند اشترائه أنه إنما يشتريه لها كلام، وبالله التوفيق. [: قال امرأته طالق واحدة إن دخل دار عمرو بن العاص] ومن كتاب حمل صبيا على دابة قال ابن القاسم في رجلين شهدا على رجل أنه أشهدهما في رمضان أنه طلق امرأته واحدة، وشهد رجلان آخران أنه أشهدهما في شوال أنه طلق امرأته واحدة، وشهد رجلان آخران

أنه أشهدهما في ذي القعدة أنه طلق امرأته واحدة أنها ثلاث تطليقات، ولا يدين إذا اختلفت الأيام والمجالس، وكذلك إذا شهدوا أنه أشهدنا على طلقة طلقة لزمت ثلاث ولا يدين، قال: وكذلك أيضا لو قال امرأته طالق واحدة إن دخل دار عمرو بن العاص، ثم قال من الغد عند قوم آخرين امرأته طالق واحدة إن دخل دار عمرو بن العاص، ثم قال من الغد عند قوم آخرين امرأته طالق واحدة إن دخل دار عمرو بن العاص أنه تلزمه ثلاث تطليقات، وهو بمنزلة لو أن رجلا أشهد على نفسه قوما أن عليه لفلان مائة دينار، ثم أشهد آخرين من الغد أن لفلان عليه مائة دينار، ثم أشهد آخرين من الغد أن عليه لفلان مائة دينار أنه يلزمه ثلثمائة دينار إن طلبها ولي الحق، وفي سماع أصبغ في النكاح الأول قال أصبغ: يعني إذا شهدوا عليه بمائة ثم مائة مفترقين وادعى أنها مائة واحدة، قال أصبغ: وأنا أرى غير ذلك كله، أما الطلاق فأرى أن يحلف ويدين ولا يكون عليه إلا طلقة واحدة إلا أن يجدد الطلاق عند كل شهيدين فيقول: اشهدوا أنها طالق ويقع الإشهاد عليه كذلك فتكون الشهادات طلاقا طلاقا فيكون بتاتا، وأما أن يقول: اشهدوا أني قد طلقتها فيدين ويترك، وأما الحق فإني أرى إن كان له كتاب في كل شهادة فهي أقوال مختلفة، وإن كان كتابا وأحدا فهو حق واحد، وإن كان بغير كتاب أصلا إنما كان يشهد مجملا ههنا وههنا فمائة واحدة ويحلف، وكذلك إذا تقارب ما بين ذلك مثل أن يشهد ههنا، ثم يقوم إلى موضع آخر، فيشهد، ثم يتحول إلى موضع آخر فيشهد آخرين.

قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية: إنه يلزمه ثلاث تطليقات ولا يدين إذا شهد عليه شاهدان بطلقة وشاهدان بطلقة وشاهدان بطلقة في أوقات مختلفة [يأتي على قياس قول ربيعة في المدونة أنه إذا شهد عليه شاهد بطلقة وشاهد بطلقة وشاهد بطلقة في أوقات مختلفة] إن الشهادة لا تلفق في ذلك ويحلف ما طلق ولا يلزمه شيء، وأما على القول بأن الشهادة تلفق فيلزمه طلقة واحدة لاجتماع الشاهدين عليها ويحلف فيما زاد، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، وقوله في رسم القطعان بعد هذا فينوى في هذه المسألة، وهو قول مالك في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، وقد مضى القول على ذلك هنالك مستوفى، وكذلك قوله في هذه الرواية إن الرجل إذا أشهد على نفسه شهودا بمائة دينار لفلان ثم أشهد آخرين من الغد بمائة، ثم أشهد من الغد آخرين له بمائة تلزمه ثلثمائة إن طلبها ولي الحق يأتي على القول بأن الشهادة لا تلفق إذا شهد للرجل شاهد أن فلانا أقر له بمائة في يوم كذا، وشهد شاهد آخر أنه أقر له من الغد بمائة وشهد ثالث أنه أقر له من الغد بمائة فيحلف مع كل شاهد ويستحق ثلثمائة، وأما على القول بأن الشهادة تلفق في هذه المسألة فيأخذ مائة واحدة باجتماع الشهود عليها بتلفيق الشهادة ويحلف المطلوب ما له عليه شيء، أو ما له عليه إلا مائة واحدة أشهد له بها شاهدا بعد شاهد بعد شاهد ولا يلزمه شيء غيرها فيأخذ في مسألة الكتاب مائة واحدة ويحلف المطلوب أنه ما له عليه إلا مائة واحدة أشهد له عليها شهودا بعد شهود، فإن نكل عن اليمين حلف الطالب أنها ثلاثة حقوق وأنها ثلثمائة، وإن أنكر أن يكون له عليه شيء أصلا أدى الثلثمائة ولم يكن على الطالب يمين، وقوله في الكتاب: إنه يلزمه ثلثمائة إن طلبها ولي الحق يريد بعد يمينه أنها ثلاثة حقوق، فإن نكل عن اليمين حلف المطلوب أنها حق واحد وأدى مائة واحدة. وتفرقة أصبغ بين أن يقول أشهدكم أنها طالق أو

: خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها

أشهدكم أني قد طلقتها واحدة ينبغي أن يحمل على التفسير لقول ابن القاسم، وإن كانت مخالفة لظاهره، وأما تفرقته في الحق بين أن يكون كتاب واحد في جميع الشهادات أو كتاب في كل شهادة فهي تفرقة صحيحة لا اختلاف في أن الرجل إذا أتى [إلى القوم] بكتاب عليه فيه مائة دينار فأشهدهم على نفسه به، ثم أشهد على الكتاب بعينه بعد مدة قوما آخرين، ثم بعد مدة قوما آخرين أنه حق واحد، وكذلك لا اختلاف في أن الرجل إذا أتى بكتاب عليه فيه مائة دينار إلى قوم فأشهدهم على نفسه به، ثم أتى بكتاب آخر إلى قوم آخرين عليه أيضا فيه مائة دينار فأشهدهم على نفسه به، ثم أتى بكتاب آخر إلى قوم آخرين [عليه] فيه أيضا مائة دينار فأشهدهم على نفسه فقام الطالب بالكتب الثلاثة أنه يقضي له بثلثمائة دينار، وإنما مسألة الخلاف إذا أشهد شهودا بعد شهود بغير كتاب وبينهما مدة من الزمان، وإن كتب صاحب الحق بما أشهد عليه كل جماعة كتبا على حدة لم يخرج بذلك عن الخلاف، وبالله التوفيق. [: خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها] ومن كتاب أوله شهد على شهادة ميت وسئل عن شاهد شهد على مال من الأموال غير الفروج والحرية من حيوان أو عقار يعلمه لرجل ويرى الذي هو بيده يبيعه ويهبه ويحوله عن حاله فلا يقوم بعلمه ثم يشهد عند القاضي أن هذه الدار والعرية يعلمها لفلان، فيقول له القاضي: ما منعك أن تقوم حين رأيت هذا المتاع يباع ويحول عن حاله بهبة أو صدقة؟ فيقول له الشاهد: لم يسألني أحد عن علمي، ولم أر فيها فرجا يوطأ ولا حرا يستخدم، ولم أكن علي أن أقاتل الناس ولا

أخاصمهم، هل تدفع شهادته بذلك؟ أم هل الفروج والأموال في ذلك سواء؟ قال ابن القاسم: لا أرى شهادته مقبولة إذا كان حاضرا يرى الدار تباع والعقار لا يقوم بعلمه، وكذلك هو أيضا في الفروج والحيوان وغير ذلك إذا كانت هذه الأشياء تحول عن حالها بعلمه، وقال ابن وهب: بلغني عن ربيعة أنه قال في رجل شهد في عتق أو طلاق فأخفى شهادته حتى يبيع العبد واستحل في ذلك الحرام ثم جاء بعد ذلك يشهد وهو عدل لا بأس به قال: لا شهادة له إذا كان عالما أنه لا شهادة عنده لما أقر وأخبر ثم شهد [بعد ذلك] أن عنده شهادة فهو الذي لا شهادة له، ولعله ألا يسلم لما اجتمع من قوله وعلمه. قال القاضي: قوله: لا أرى شهادته مقبولة إذا كان حاضرا يرى الدار تباع والعقار لا يقوم بعلمه معناه إذا كان المشهود [له] حاضرا لم يعلم بشهادة الشاهد؛ لأنه إن كان حاضرا عالما بشهادة الشاهد فهو الذي أضاع ماله إذ لم يقم بحقه فيدعو الشاهد إلى تأدية الشهادة إذ لا اختلاف في أنه لا يلزم الشاهد أن يقوم بشهادته لحاضر في المال حتى يدعوه إلى ذلك، قال الله عز وجل: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وإنما الذي يلزمه ويحق عليه إذا رأى المال يفوت ويحول عن حاله أن يعلمه بأن له عنده شهادة، فإن لم يفعل كان ذلك جرحة فيه وبطلت شهادته على هذه الرواية، وكذلك قال مطرف وابن الماجشون، إنما تسقط شهادة الشهود إذا لم يكن عند طالب الحق علم بذلك، وأما إذا علم طالب الحق بعلمهم ولم يقم بهم فلا يضرهم، فقولهما تفسير لهذه الرواية في أن شهادة الشهود لا تبطل بتركهم القيام بالشهادة؛ إذ لا يصح لهم القيام بها مع حضور المشهود له

حتى يدعوهم إلى القيام بها، وإنما تبطل بتركهم إعلامه بشهادتهم له، وكذلك الشاهد الواحد أيضا تبطل شهادته إذا أمسك عن أن يعلمه بشهادته على القول بالقضاء باليمين مع الشاهد في الأموال، وهو مذهب مالك لم يختلف فيه قوله، وأما على قول من لا يرى القضاء باليمين مع الشاهد فلا تبطل شهادته إذا أمسك عن إعلامه إلا أن يعلم أن معه شاهدا آخر، وما لم ير الشهود العقار والمال يفوت ويحال عن حاله فلا تبطل شهادتهم بالإمساك عن إعلام؛ لأن الإخبار بشهادتهم في هذا الموضع ليس بواجب وإنما هو مستحب؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها» ، قال غير ابن القاسم في المجموعة وكذلك إذا كان المشهود له غائبا تبطل شهادة الشهود إذا رأوا المال والعقار يباع ويحول عن حاله فلم يقوموا بشهادتهم. قال محمد بن رشد: وهذا على القول بأن السلطان يوكل من يقوم للغائب بحقه، وهو أحد قولي ابن الماجشون، وروي ذلك عن أصبغ، وأما على القول بأن السلطان لا يمكن أحدا من القيام على غائب في حق يطلبه له ولا يسمع له بينة إلا بوكالة يثبتها عنده، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة وقول مطرف حسبما مضى القول فيه في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب الأقضية، فإنما على الشهود أن يخبروا الجيران بتعدي من تعدى على مال الرجل ويشهروا ذلك ويذيعوه، فإن فعلوا ذلك لم تبطل شهادتهم، وقد وقع لأشهب في المبسوطة ما ظاهره أن شهادة الشهود لا تبطل بالإمساك عن القيام بالشهادة كان الحق لله تعالى في طلاق أو حرية أو لمخلوق في مال من الأموال خلاف قول ابن القاسم في هذه الرواية في الوجهين، وهو بعيد؛ لأن ما يستدام فيه التحريم يلزم الشاهد القيام فيه بشهادته، ويأتي على ظاهر قول أشهب أنه لا يلزمه أن يقوم في ذلك بشهادته حتى يدعى إليها، وفي المسألة قول ثالث وهو الفرق بين حقوق الله تعالى وحقوق المخلوقين، وهو قول سحنون، قال: لست أرى

ما قال ابن القاسم من ذلك يريد هذه الشهادة، ولا أرى ذلك إلا فيما هو لله وما يلزم الشاهد أن يقوم به وإن كذبه المدعي لذلك ويلزم الحاكم الحكم به، وذلك في الحرية والطلاق وأشباه ذلك، وأما العروض والرباع والحيوان التي يدعيها بعض الناس على بعض فلا تبطل شهادته في ذلك من قبل أن صاحبها إن كان حاضرا يرى ماله يباع ويوهب فهو الذي أضاع حقه وتركه، وإن كان رب المال غائبا لم يكن للشاهد شهادة إن قام بها، فمن أجل ذلك لم يضره ترك القيام بشهادته، وقول سحنون هذا هو أظهر الأقوال؛ لأن الحرية والطلاق وما أشبههما من حقوق الله يلزم الشاهد القيام بشهادته في ذلك، وإن لم يدع إلى القيام بها؛ لأنه يعلم بما عنده من الشهادة أن الحرام يستدام بإمساكه عن الشهادة ويقطع على ذلك فهو بتركه القيام مبيح للحرام، فالجرحة بذلك بينة، وما سوى ذلك من حقوق المخلوقين التي لا يتعلق لله بها حق كالعقار يعلمه للرجل فيراه بيد غيره يتصرف فيه بما يتصرف ذو الملك في ملكه لا يقطع بما عنده من الشهادة أنه ظالم ومتعد لاحتمال أن يكون الذي يعلمه له قد باعه منه أو وهبه له فلا يكون لهذا الاحتمال مجرحا بترك إعلام المشهود له بما له عنده من الشهادة إن كان حاضرا ولا بترك رفع شهادته إلى السلطان إن كان غائبا، وبيان هذا الذي ذكرناه أن الشهادة تنقسم على خمسة أقسام: شهادة لا يصح القيام بها إلا بعد الدعاء إليها وهي الشهادة للحاضر بالمال، فهذه الشهادة تبطل شهادة الشاهد فيها على هذه الرواية بتركه إعلامه المشهود له لا بترك رفعه شهادته إلى السلطان، وشهادة يلزم الشاهد القيام بها وإن لم يدع إليها وهي الشهادة بما يستدام فيه التحريم من الطلاق والعتق وشبه ذلك، فهذه تبطل شهادة الشاهد فيها بتركه رفع شهادته إلى السلطان إلا على ظاهر قول أشهب، وشهادة يختلف في وجوب القيام بها وفي رفع شهادته إلى السلطان إلا على ظاهر قول أشهب، وشهادة يختلف في وجوب القيام بها وفي صحته إذا لم يدع إليها، وهي الشهادة بالمال لغائب، فهذه الشهادة في بطلان شهادة الشاهد فيها بتركه الرفع إلى السلطان على القول بوجوب الرفع وصحته قولان، وشهادة لا يلزم القيام بها إذا لم يدع إليها وهي

مسألة: الولادة لا يشهد فيها إلا النساء

الشهادة على ما مضى من الحقوق التي لا يتعلق بها حق لمخلوق كالزنى وشرب الخمر وما أشبه ذلك، فهذا لا يلزم فيه القيام ويستحب فيه الستر إلا في المستهتر فلا تبطل شهادة الشاهد في ذلك بترك رفع شهادته إلى السلطان وإن كان المشهود عليه مستهترا باتفاق، وشهادة لا يجوز للشاهد القيام بها وإن دعي إليها وهي الشهادة التي يعلم الشاهد من باطنها خلاف ما يوجبه ظاهرها، وذلك مثل أن يأتي الرجل إلى العالم فيقول: حلفت بالطلاق ألا أكلم فلانا فكلمته بعد ذلك بشهر إلا أني كنت نويت في يميني ألا أكلمه شهرا، فهذا إن دعته امرأته إلى أن يشهد لها فيما أقر به عنده من أنه حلف بالطلاق ألا يكلم فلانا وأنه كلمه بعد شهر لم يجز له أن يشهد عليه بذلك، وقد مضى هذا في أول رسم من سماع عيسى، والله تعالى الموفق. [مسألة: الولادة لا يشهد فيها إلا النساء] مسألة قال ابن القاسم: ومن قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت توأما فأرى شهادة النساء فيه جائزة؛ لأن الولادة لا يشهد فيها إلا النساء، وكذلك الاستهلال وكل ما لا يحضر ذلك من أمور النساء إلا النساء فإن شهادتهن جائزة وإن لم يثبت النساء شهادتهن لعتقا؛ لأنه يعتق من كل واحد منهما نصفه، فإذا كان يعتق من كل واحد منهما نصفه بالقضاء عتق عليه النصف الثاني بالسنة، كذا يقول أهل العلم. قال القاضي: قوله: إن شهادة النساء تجوز فيمن ولد منهما أولا صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن الولادة لا يحضرها إلا النساء، فجازت شهادتهن

مسألة: الشهيدين يشهدان عند القاضي فيزكي أحدهما صاحبه

في ذلك كما تجوز في الاستهلال، وقوله: إنهما يعتقان جميعا إذا لم يثبت النساء أيهما ولد أولا صحيح أيضا، وأما تعليله لذلك بأنه لما كان يعتق من كل واحد منهما نصفه بالقضاء عتق عليه النصف الباقي بالسنة فهو تعليل غير صحيح، وإن كان ابن الماجشون قد جامعه عليه، فقال: يعتق نصف كل واحد منهما بالقول الأول ويعتق النصفان الباقيان بالاستتمام كمن أعتق نصف عبده فإنه يعتق عليه كله، وذلك أنه لم يعتق نصف كل واحد منهما، وإنما أعتق الذي ولد منهما أولا، فلما لم يعلم من ولد منهما أولا وجب أن يعتقا جميعا؛ إذ لا يحل استرقاقهما مع العلم بأن أحدهما حر، ولا استرقاق أحدهما لاحتمال أن يكون هو الذي وجبت له الحرية بولادته أولا، كمن أعتق أحد عبديه أو طلق إحدى امرأتيه ثم شك فلم يدر أي عبديه أعتق ولا أي امرأتيه طلق أن العبدين يعتقان وأن المرأتين تطلقان، وكمن قال: أول عبيدي يدخل هذه الدار فهو حر فدخلها عبيده واحدا بعد واحد وجهل الأول منهم أنهم يعتقون كلهم، ولو كان يعتق أنصافهما بالقول الأول وباقيهما بالاستتمام لوجب إن لم يحكم بذلك حتى مات ألا يستتم عتقهما بعد الموت، وهذا لا يصح في هذه المسألة، فبان بهذا ضعف هذا التعليل، ومن أهل العلم من يقول: إنهما يعتقان جميعا ويكون عليهما نصف قيمتهما، ولم ير ذلك مالك ولا قال به هو ولا أحد من أصحابه، وبالله التوفيق. [مسألة: الشهيدين يشهدان عند القاضي فيزكي أحدهما صاحبه] مسألة وعن الشهيدين يشهدان عند القاضي فيزكي أحدهما صاحبه هل يجوز ذلك؟ قال: لا تجوز تزكيته له؛ لأن التزكية شهادة، وقال مالك: لأنه إذا شهد وزكى فإنما هو الذي أثبت الحق وحده. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لأنه إذا زكى أحد الشاهدين صاحبه فلم يتم الحكم إلا بشهادة المزكي وحده، ولو زكيا جميعا شاهدا وشهد على شهادة آخر في ذلك الحق جاز ذلك على ما في نوازل سحنون، وبالله التوفيق.

: القاضي إذا عزل وقد شهد الشهود عنده وأثبت ذلك في ديوانه ولم يقم على ذلك بينة

[: القاضي إذا عزل وقد شهد الشهود عنده وأثبت ذلك في ديوانه ولم يقم على ذلك بينة] ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته وسئل: عن القاضي يأمر ببيع التركة فتباع أو يقضي بالقضية ثم يعزل هل تجوز شهادته فيما قضى أو أمر به من بيع التركة؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادته وحده ولا مع غيره، قيل له: فإن قام شاهد واحد على أمر القاضي وقضائه هل يحلف مع شاهده؟ قال: لا يحلف مع شاهده على شهادته ولا يجوز في ذلك إلا شهيدان؛ لأنه من وجه الشهادة على الشهادة، والشهادة على قضاء القاضي شهادة على شهادة، فلا يجوز في ذلك إلا شهيدان. قال الإمام القاضي: قوله: إن القاضي لا تجوز شهادته إذا عزل فيما قضى فيه أو أمر به من بيع التركة هو مثل ما في كتاب الأقضية من المدونة، وليس في ذلك ما يدل على أنه تجوز شهادته في ذلك قبل أن يعزل، بل لا تجوز في ذلك شهادته عزل أو لم يعزل، وإنما يجوز له قبل أن يعزل أن يسجل فيما قضى به ويشهد على ذلك ويخاطب بذلك ابتداء على وجه الإعلام والإخبار لا على وجه الشهادة، وقد مضى بيان هذا في رسم القضاء المحض من سماع أصبغ من كتاب الأقضية، وأما قوله: إن المقضي له لا يحلف مع الشاهد على أمر القاضي وقضائه فهو على خلاف أصله في المدونة؛ لأنه قال في الأقضية منها: إن القاضي إذا عزل وقد شهد الشهود عنده، وأثبت ذلك في ديوانه ولم يقم على ذلك بينة إن المشهود عليه يحلف بالله ما هذه الشهادة في ديوان القاضي مما شهدت به الشهود علي، فإن نكل عن اليمين حلف المشهود له وثبت له الشاهدان، فإذا كان يستحق ذلك باليمين مع النكول فأحرى أن يستحقه باليمين مع الشاهد، ولا فرق بين ذلك وبين الحكم؛ لأنه شعبة من الحكم، ونحوه ما في كتاب النكاح الثاني منها أن الزوجين إذا اختلفا في فريضة القاضي كان القول قول الزوج إذا أتى بما يشبه، فإن لم يأت بما يشبه يريد أو نكل عن اليمين كان القول قول المرأة إن أتت بما يشبه، فإذا كانت المرأة تستحق القضاء باليمين مع النكول

مسألة: الصبي يكون له شاهد على حقه فيستحلف له الذي عليه الحق

وجب أن تستحقه باليمين مع الشاهد، وقد تأول بعض الناس أن مذهب ابن القاسم في هذه المسألة أنه لا يمين على الزوج إذا أتى بما يشبه، ولا على الزوجة إذا ادعى الزوج ما لا يشبه وأتت هي بما يشبه، قاله على قياس قول ابن القاسم في هذه الرواية، وفي الواضحة بأن حكم الحاكم لا يستحق باليمين مع الشاهد، وهو من التأويل البعيد، فالظاهر من مذهبه في المدونة أن حكم الحاكم يستحق باليمين مع الشهادة بخلاف الشهادة على الشهادة، وهو قول مطرف وأصبغ والأظهر في النظر؛ لأن اليمين مع الشاهد على الحكم يمين على المال لاستحقاقه بذلك المال بخلاف اليمين مع الشاهد على الشهادة إذ لا يستحق بذلك المال، ويجوز في الشهادة على حكم القاضي على مذهب ابن القاسم شاهد وامرأتان؛ لأنه إذا أجاز ذلك في الشهادة على الشهادة وفي الشهادة على الوكالة فأحرى أن يجيزه في حكم القاضي إذ قد أجيز فيه الشاهد واليمين، ولا اختلاف في أنه لا يجوز شاهد ويمين في الشهادة على الشهادة ولا في الشهادة على الوكالة، وسحنون وابن الماجشون لا يجيزان شاهدا وامرأتين في شيء من ذلك كله على أصلهما في أنه لا يجوز شاهد وامرأتان إلا فيما يجوز فيه شاهد ويمين، وأما كتاب القاضي إلى القاضي فلا اختلاف في أنه لا يجوز في ذلك شاهد ويمين؛ لأنه كالشهادة على الشهادة، وقد وقعت المسألة لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا الرسم في بعض النسخ، قال مالك في كتاب القاضي إلى القاضي لا يشهد عليه إلا شاهد واحد فيريد صاحب الحق أن يحلف مع شاهده قال: لا يجوز في هذا إلا شاهدان، وذلك لأنها شهادة على شهادة، فليس يكون في مثل هذه الشهادة على الشهادة شاهد ويمين، ولا ينفذ إلا بشهيدين، وبالله التوفيق. [مسألة: الصبي يكون له شاهد على حقه فيستحلف له الذي عليه الحق] مسألة وسئل: عن الصبي يكون له شاهد على حقه فيستحلف له الذي عليه الحق فيكبر الغلام فيقول له: احلف مع شاهدك وخذ،

فيقول: أنا أريد أن أحلف ويبرأ فقال: ليس عليه أن يحلف ثانية، قد حلف مرة. قال القاضي: وقعت هذه المسألة في رسم البيوع من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، وزاد فيها قال أصبغ: لأنه قد برئ يوم حلف وهو بريء أبدا حتى يحلف الصبي فيكون حلفه كالشهادة الحادثة القاطعة، فعلى قول أصبغ هذا لا يجب توقيف الدين، وقد قيل: إنه إذا حلف الذي عليه الحق أخذ الدين منه فوقف حتى يكبر الصبي فيحلف ويأخذه، ومعنى ذلك إذا لم يكن مليا وخيف عليه العدم، وهو في القياس صحيح، إذ لو كان المدعي فيه شيئا بعينه لوجب توقيفه أو بيعه وتوقيف ثمنه إن خشي عليه على ما يأتي لابن القاسم في سماع محمد بن خالد، وإذا وقف الدين أو العرض فضمانه من الصبي إن حلف ومن الغريم إن نكل ولم يحلف؛ لأنه إنما وقف لمن يجب له منهما بتمام الحكم ببلوغ الصغير، فإن حلف لم يجب لأحدهما على صاحبه شيء حلف أو نكل؛ لأنه إن حلف وجب له وكانت مصيبته منه، وإن نكل عن اليمين وجب للمدعى عليه وكانت مصيبته منه، وقد قيل: إنه يحلف ثانية إذا بلغ الصبي فأبى أن يحلف، وهو بعيد، ووجهه أن يمينه أولا لما لم تكن واجبة ليسقط عنه بها الحق كانت إنما أفادت تأخير الحكم إلى بلوغ الصغير، فإذا بلغ استؤنف الحكم، واختلف إن بلغ الصغير وهو سفيه فينكل عن اليمين وحلف الذي عليه الحق وبرئ هل له إذا رشد أن يحلف؟ فقال: ليس ذلك له لأنه ما كان له أن يحلف مع شاهده بخلاف الصغير له أن يحلف مع شاهده، وهو قول ابن القاسم وأصبغ في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ، وقيل ذلك له مثل الصغير؛ لأنه يقول: إنما نكلت لسفهي، وهو قول ابن كنانة ومطرف، ولا اختلاف في أن الذي عليه الحق إذا نكل يغرم، ولا يجب على الصغير إذا بلغ أن يحلف؛ لأن نكوله كالإقرار، وكذلك الوكيل الغائب يقيم شاهدا واحدا على حق الغائب فيقضى على الذي عليه الحق باليمين إلى أن يقدم

مسألة: شهادة الرجل لابن امرأته

الغائب فيحلف مع شاهده أنه إن نكل عن اليمين غرم ولم يكن على الغائب إذا قدم وليس لولي الصغير أن يحلف مع شاهده ويستحق له حقه، واختلف هل ذلك للأب أم لا؟ فالمشهور المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن ذلك ليس له، وقال ابن كنانة: ذلك له لأنه يمونه وينفق عليه، وهذا فيما لم يل الأب أو الوصي المعاملة؛ لأن ما ولي أحدهما فيه المعاملة فاليمين عليه واجبة؛ لأنه إن لم يحلف غرم، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وقد وقع في كتاب تجمعت فيه أقضية مالك والليث أن الصغير يحلف مع شاهده كالسفيه، وهو بعيد؛ لأن القلم عنه مرفوع فلا يحرج من الحلف على باطل، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة الرجل لابن امرأته] مسألة وسئل: عن شهادة الرجل لابن امرأته فقال: لا أرى أن تجوز ولا شهادته لامرأة أبيه ولا لامرأة ابنه؛ لأنه كأنه إنما يشهد لامرأته أو لابنه أو لأبيه؛ لأنهم يجرون في ذلك لأنفسهم، وليس ذلك بمنزلة شهادة الأخ لأخيه، وشهادة الأخ لأخيه قد تجوز وتسقط، وإنما تجوز إذا كان منقطعا عنه وليس في عياله ولا يناله معروفه ولا صلته، وكانت له الحال الحسنة، وكان عدلا، فليس يتهم هذا إذا كان بهذه الصفة أن يجر إلى نفسه، وقد خرج من التهمة، وأولئك التهم فيهم بينة ولهم لازمة وإن كانوا منقطعين عمن شهدوا له؛ لأنهم يستجرون ذلك إلى من يتهمون عليه، قال سحنون: تجوز شهادة الرجل لأم امرأته ولأبيها ولولدها إلا أن تكون المرأة ممن ألزم السلطان ولدها النفقة عليها لضعف زوجها عن النفقة عليها، وتجوز شهادة الرجل لزوج ابنته ولابن زوجها ولأبيه وأمه. قال محمد بن رشد: أما شهادة الرجل لابن زوج ابنته وأبويه فلا

: يشهد لبعض ولده على بعض

يخالف ابن القاسم سحنون في أن شهادته لهم جائزة؛ لأن التهمة فيهم بعيدة، وإنما يخالفه في شهادته لزوج ابنته ومن أشبهه، وقد مضى القول في معاني هذه المسألة كلها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: يشهد لبعض ولده على بعض] ومن كتاب الجواب وسألته: عن الرجل يشهد لبعض ولده على بعض لصغير على كبير أو لكبير على صغير، قال: إن شهد لصغير أو لكبير سفيه في حجره على كبير فلا يجوز؛ لأنه يتهم بالجر إلى نفسه لمكان الذي في حجره وولايته، وإن شهد لكبير على صغير أو لكبير على كبير جازت شهادته إذا كان عدلا إلا أن يكون المشهود له ممن يتهم على مثله لانقطاع يكون منه إليه والأثرة له والحب له على غيره والآخر ليس بتلك المنزلة عنده أو عرف منه الشنآن له والجفوة عنه دون الآخر فلا يجوز ذلك، وروى سحنون عن ابن القاسم مثله، وقال سحنون: وأنا أقول: لا تجوز شهادة الأب لابنه على حال لا لكبير على صغير ولا لصغير على كبير. قال محمد بن رشد: أما إذا شهد لصغير أو سفيه في حجره على كبير أو لمن له إليه انقطاع على من ليس له إليه انقطاع، أو كانت بينه وبين المشهود عليه من بنيه عداوة فلا اختلاف في أن شهادته في ذلك كله غير جائزة، وإنما الاختلاف إذا شهد لكبير على كبير، أو على من في حجره من صغير أو سفيه، أو لمن في حجره من صغير على من في حجره من صغير أو سفيه، فأجاز ذلك ابن القاسم ولم يجزه سحنون، وحكى ابن عبدوس عنه أنها جائزة مثل قول ابن القاسم، وله في كتاب ابنه أنه رجع عن ذلك فقال: لا تجوز مثل قوله ههنا، ولو شهد لولده على ولد ولده لم نجز شهادته له قولا واحدا، ولو شهد لولد ولده على ولده جازت شهادته له

مسألة: الفار من الزحف هل تجوز شهادته

قولا واحدا والله أعلم، ومن هذا المعنى شهادته لأحد أبويه على الآخر، وشهادته على أبيه بطلاق أمه أو غير أمه وأمه حية، وشهادته لأبيه على ولده أو لولده على أبيه، وقد مضى هذا القول على ذلك كله مستوفى في أول سماع أشهب وفي رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى هذا، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: الفار من الزحف هل تجوز شهادته] مسألة وسألته: عن الفارّ من الزحف هل تجوز شهادته؟ وهل ترد حتى يتوب؟ أم لا تقبل أبدا؟ وهل على الناس إذا فروا من الزحف شيء إذا فر إمامهم؟ قال ابن القاسم: تقبل شهادته إذا تاب وعرفت توبته وظهرت وإلا لم تقبل شهادته إذا فر مما لا يفر من مثله، وحد الفرار من الزحف الفرار من الضعف كما قال الله عز وجل: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] إلى قوله: {مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] فلا يحل الفرار من المثلين، فإذا زادوا على ذلك وكثروا فلا بأس بالفرار إذا خافوا الضعف، ولا يحل للناس إذا فر إمامهم أن يفروا إذا كانوا مثليهم على ما فسرت لك. وتجوز شهادة الفار من الزحف إذا تاب وعرفت التوبة منه والاجتهاد والبر واختبر بزحف ثان بعد ذلك فلم يفر منه أو لم يختبر به غزا بعد ذلك أو لم يغز إذا ظهرت توبته وعرفت، قال أصبغ عن ابن القاسم مثله.. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الفرار من الزحف إذا كان

العدو ضعف المسلمين في العدة على هذه الرواية أو في الجلد والقوة على قول ابن الماجشون وروايته عن مالك من الكبائر، وقد روي ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن أتى كبيرة من الكبائر وجب ألا تجوز شهادته حتى تعرف توبته منها، ومن الناس من ذهب إلى أنه ليس من الكبائر، وأن قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16] خاص في أهل بدر؛ لأنهم لم يكن لهم أن يتركوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وينهزموا عنه، فأما فيما بعد ذلك فلهم الانهزام. قال يزيد بن حبيب: أوجب الله عز وجل لمن فر يوم بدر النار، ثم كانت أحد بعدها فأنزل الله فيها: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155] ثم كانت حنين بعدها فأنزل الله فيها: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: 25] إلى قوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 27] فنزل العفو فيمن تولى من بعد يوم بدر، والصحيح أن الفرار من الزحف ليس بمخصوص بيوم بدر وأنه عام في كل زحف إلى يوم القيامة، وكان الله تعالى به نبيه موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وشرعه له على ما جاء عن النبي عليه

مسألة: قبلت شهادته في أمر ثم شهد بعد ذلك في أمر آخر

السلام في تفسير قوله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] ثم لم ينسخه بعد ذلك حتى صار من شريعتنا، ومن الدليل على أن الوعيد المذكور في الآية ليس بخاص لأهل بدر ما روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: «كنت في سرية من سرايا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحاص الناس حيصة فكنت ممن حاص، فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا: لو دخلنا المدينة فبتنا فيها وعرضنا أنفسنا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال: من القوم؟ فقلنا: نحن الفرارون فقال: بل أنتم العكارون» يريد بالعكارين الكرارين؛ لأن عبد الله بن عمر إنما لحق بالمقاتلة يوم الخندق بعد أن رده النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل ذلك، وهذا بعد بدر، فدل ذلك على أن حكم الفرار من الزحف بغير تحرف إلى قتال أو تحيز إلى فئة باق إلى يوم القيامة وداخل في الكبائر، والله الموفق. [مسألة: قبلت شهادته في أمر ثم شهد بعد ذلك في أمر آخر] مسألة وسألته: عن رجل قبلت شهادته في أمر ثم شهد بعد ذلك في

أمر آخر فطلب المشهود عليه أن توضع فيه العدالة هل ترى أن توضع فيه العدالة؟ قال ابن القاسم: إن كان ذلك قريبا من شهادته الأولى وتعديله فيها الأشهر وما أشبهها ولم يطل ذلك جدا فلا أرى ذلك، وإن كان قد طال رأيت أن توضع فيه وأن يسأل عنه طلب ذلك المشهود عليه أو لم يطلبه، والسنة عندي في مثل هذا طويل كثير؛ لأن في ذلك ما تتغير الحالات وتحدث الأحداث. قال أصبغ: إلا أن يكون الرجل المعروف بالخير المشهور الذي لا يحتاج مثله إلى ابتداء السؤال فلا يسأل عنه ثانية ولا ينصب عنه. قال محمد بن رشد: قوله: وسألته عن رجل قبلت شهادته في أمر معناه وسألته عن رجل مجهول الحال غير معروف بالعدالة فقبلت شهادته في أمر بعد أن عدل، ثم شهد بعد ذلك في أمر آخر هل يكتفي بالتعديل الأول أو يطلب فيه التعديل ثانية؟ فقال: إن كان ذلك قريبا من شهادته الأولى بالأشهر اكتفي بالتعديل الأول، وإن كان الأمر قد طال طلب فيه بالتعديل ثانية؛ لأن الأحوال قد تتغير في الطول من الزمان والسنة طول، وفي نوازل سحنون أن التعديل يطلب فيه كلما شهد قرب ذلك أو بعد حتى يكثر تعديله وتشتهر تزكيته، وقول ابن القاسم استحسان، وأما قول سحنون فإنه إغراق في الاستحسان، فإن طلب القاضي التعديل فيه ثانية بعد السنة على قول ابن القاسم أو بالقرب والبعد على قول سحنون فعجز المشهود له عن أن يعدله ثانية إذ لعله لا يعرفه غير الذين عدلوه أولا وقد ماتوا أو غابوا وجب أن تقبل شهادته ولا يردها فيبطل حقا وقد شهد به من قد زكى وثبتت عدالته؛ لأن ما فعل من طلب العدالة إنما هو استحسان غير واجب، والقياس في ذلك أن يكون محمولا على التعديل الأول ما لم يتهم بأمر أو يغمز

: شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته أو فرية أو شرب الخمر في أيام مختلفة

بشيء أو يستراب في أمره لوجه يظهر منه، وهو قول مطرف وابن الماجشون في الواضحة، وأما الشاهد المعروف بالعدالة الذي قبل من غير تزكية فلا يطلب فيه تزكية إذا شهد ثانية كما لم يطلب فيه أولا، فقول أصبغ مفسر لقول ابن القاسم غير مخالف له، ومثله لمالك في كتاب ابن سحنون قال: أما الرجل المشهور عدالته فلا يكلف التعديل ثانية، وإن لم يعرفه القاضي إلا أنه صح عنده أنه عدل شهرته وبالله التوفيق. [: شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته أو فرية أو شرب الخمر في أيام مختلفة] ومن كتاب القطعان قال ابن القاسم: قال مالك: إذا شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته أو فرية أو شرب الخمر في أيام مختلفة فقال هذا: أشهد أنه طلق امرأته، أو رأيته يشرب الخمر، أو قذف فلانا في شوال، وشهد آخر على مثل ذلك إلا أنه قال في رمضان، فإنه يضرب في الفرية والخمر ويطلق عليه، وكذلك رأى ابن القاسم. قال الإمام القاضي: إذا اختلف الوقت في شهادة الشهود على القول لفقت الشهادة وجازت على المشهور من مذهب ابن القاسم حسبما ذكرناه في رسم العرية، وإذا اختلف الوقت في شهادة الشهود على الفعل لم تلفق الشهادة وبطلت عند ابن القاسم حسبما ذكرناه في آخر رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده، فإنما قال ابن القاسم في هذه الرواية إنه يحد في الشرب إذا قال أحد الشاهدين: رأيته شرب الخمر في شوال، وقال الآخر: رأيته يشربها في رمضان من أجل أن الشهادة في هذا على الفعل مسندة إلى القول إذ هو المعتبر به فيها؛ لأنه إنما يجب عليه في الشرب حد القذف؛ لأنه كما قال علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى فلم يخرج ابن القاسم في هذه المسألة عن أصله في أن الأفعال لا تلفق إذا اختلفت الأوقات، وهذا نحو قوله في الأيمان

: الحكم لو شهد رجل وغابت المرأتان فشهد على شهادتهما امرأتان

بالطلاق من المدونة إذا شهد شاهدان على رجل أنه حلف بالطلاق أن لا يدخل دار عمرو بن العاص، وشهد أحدهما أنه دخلها في رمضان، وشهد آخر أنه دخلها في ذي الحجة أنها تطلق عليه؛ لأنه لفق الفعل لما كان ما يوجبه مسندا إلى القول، قال مالك في المبسوطة: وأما شهادة أحدهما على أنه شرب في رمضان والثاني في شوال بمنزلة أن لو قال أحدهما: رأيته يشرب الخمر بقدح نضار، وقال الآخر: بل كان شربها في قدح قوارير، ومحمد بن مسلمة وابن نافع يقولان: إنه لا يحد في الشرب حتى يجتمع الشاهدان فيه على وقت واحد، وهو الأظهر على حقيقة أصل ابن القاسم في أن الأفعال لا تلفق، وبالله التوفيق. [: الحكم لو شهد رجل وغابت المرأتان فشهد على شهادتهما امرأتان] ومن كتاب العشور قال ابن القاسم في امرأتين شهدتا على شهادة امرأتين ومع ذلك رجل شاهد في أصل الحق يشهد مع المرأتين الغائبتين: إنه لا يجوز ذلك إلا أن يكون مع المرأتين رجل، وإنما تجوز شهادة المرأتين بأبدانهما فلا بد أن يكون مع المرأتين رجل، قال: واحتج في ذلك بشهادة الرجل أنها لا تجوز ببدنه ويحلف معه، وإنه إذا غاب بدنه لم يجز أن يشهد على شهادة رجل واحد إلا رجلان، ثم يكون ذلك كشاهد يحلف معه، وفي سماع أصبغ من كتاب القضاء المحض قال أصبغ: وأنا لا أرى ذلك ولا يعجبني أرى ما جازت فيه شهادتهن تامة بلا رجل ولا يمين مثل الاستهلال وعيوب النساء وما تحت الثياب أن تجوز شهادتهن فيه على شهادة مثلهن بلا رجل معهن كما لو شهدن هن أنفسهن. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: إن الحق إذا كان عليه شاهد وامرأتان فشهد الرجل وغابت المرأتان فشهد على شهادتهما امرأتان أن ذلك لا يجوز إلا أن يكون معهما رجل كما أن الشاهد الواحد إذا غاب لا يشهد

: إقرار المريض في مرضه بدين لمن لا يتهم عليه

على شهادته إلا رجلان، يريد أو رجل وامرأتان، هو معنى ما في الشهادات من المدونة، بل نصه خلاف قول ابن الماجشون وسحنون في أن شهادة النساء لا تجوز إلا فيما يجوز فيه شاهد ويمين، ولم يتكلم ابن القاسم في الشهادة على شهادة النساء فيما تجوز فيه شهادتهن دون رجل إلا أن في قول أصبغ في كتاب القضاء المحض: وأنا لا أرى ذلك ولا يعجبني وأرى أن تجوز شهادتهن فيه على شهادة مثلهن بلا رجل معهن كما لو شهدن هن أنفسهن يدل على أن الذي رواه عن ابن القاسم أنه لا بد في الشهادة على شهادتهن من رجلين أو رجل وامرأتين، وأنه لا يجوز في ذلك شهادة النساء وحدهن، وهو القياس؛ لأن شهادتهن إنما جازت على الأصل وحدهن بلا رجل للضرورة إلى ذلك ولا ضرورة إلى انفرادهن في الشهادة على شهادتهن فوجب ألا يجزئ في ذلك إلا رجلان أو رجل وامرأتان، وظاهر قول أصبغ أنه يجزئ في ذلك امرأتان على امرأتين؛ لقوله كما لو شهدن هن أنفسهن، وقد قال بعض أهل النظر وأراه ابن لبابة: معنى قول أصبغ: أنه لا تقوم امرأتان بشهادة امرأتين حتى، يكن أربعة فيقمن بشهادة امرأتين على مذهب أصبغ، وهو تأويل بعيد لا وجه له في النظر، ووجه ما ذهب إليه أصبغ أن المرأتين لما أقيمتا فيما لا يحضره الرجال مقام رجلين أقام هو المرأتين في الشهادة على شهادتهما مقام رجلين، وليس ذلك بصحيح؛ لأن شهادة الرجال على شهادتهن غير ممتنع، فوجب ألا ينفردن بذلك دونهم، وبالله التوفيق. [: إقرار المريض في مرضه بدين لمن لا يتهم عليه] ومن كتاب أوله باع شاة وسألته: عن رجل أقر عند موته أنه شهد على فلان هو وفلان وفلان فقطعت يده وأنا شهدنا بالزور فما لزمني فأدوه عني، قال ابن القاسم: لا أرى عليه شيئا؛ لأنه قد بقي على الشهادة اثنان، فالشهادة قائمة، ولو أقر واحد من الشهيدين الباقيين بعد إقرار هذا كان نصف دية اليد على الميت وعلى النازع منهما، ولو أقر الثالث كان على كل واحد منهم ثلث الدية، وكان الذي أقر به

الميت في رأس ماله، قلت: فلو كان لم يقر أحد غيره وبقيت الشهادة قائمة كما هي حتى قسم مال الميت ثم نزع أحد الشهيدين الباقيين؟ قال: يكون ذلك بمنزلة دين طرأ على الميت يؤخذ ما ينوبه من ذلك من الذي للورثة، كذلك القتل لو أقر أنه شهد على رجل مع رجلين فقتل بشهادتهم ثم نزع عند الموت. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم في أن إقرار المريض في مرضه بدين لمن لا يتهم عليه جائز، فإذا كان هذا الذي أقر له بأنه شهد عليه بالزور فقطعت يده ممن لا يتهم على الإقرار له في مرضه وجب أن يؤخذ من رأس ماله ما يلزمه بالإقرار، وليس في قوله: وأنا شهدنا عليه بالزور دليل على أنه لو قال: إنا شبه علينا لم يلزمه شيء؛ لأن ذلك إنما هو في السؤال لا في الجواب، فلا دليل فيه، وهو سواء على مذهبه، قال: إنا شهدنا بالزور أو شبه علينا، وقد مضى هذا والاختلاف فيه في أول سماع عيسى، وقوله: لا أرى عليه شيئا؛ لأنه قد بقي على الشهادة اثنان صحيح لا اختلاف فيه، قد ذكر ذلك صاحب الاتفاق والاختلاف أن هذا مما أجمع عليه مالك وأصحابه، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: وقد قيل: إنه يلزمه ثلث دية اليد في ماله، فإن رجع آخر لزمه الثلث أيضا، فإن رجع الثالث لزمه الثلث، وأما قوله: ولو أقر واحد من الشهيدين الباقيين بعد إقرار هذا كان نصف الدية على الميت وعلى النازع منهما فإن هذا موضع يختلف فيه؛ لأن ابن وهب وأشهب يقولان: إنه يلزمهما الثلثان، وفي قوله: إنه لو نزع أحد الشهيدين الباقيين بعد أن قسم المال كان ما ينوب المقر من ذلك كدين طرأ بعد القسمة يؤخذ ما ينوبه من ذلك من الذي للورثة ما يدل على أنه لا يلزم توقيف شيء من المال لإقراره على نفسه أنه شهد بالزور مخافة أن يقر الشهيدان الباقيان أو أحدهما بمثل ما أقر به هو، إذ ليس في رجوعه هو دليل على أنه سيرجع من سواه منهما، وكذلك لو نزع الشاهد الباقي بعد ذلك لكان فضل ما بين الثلث والربع كدين طرأ أيضا عليه يؤخذ ذلك من ورثته، وذلك أنه يجب عليه برجوع أحد الشهيدين نصف الدية،

مسألة: شهادة المختفي

وهو الربع، ويجب عليه برجوع الشاهد الثاني ثلث جميع الدية، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة المختفي] مسألة وسئل: عن رجلين أدخلهما رجل في بيت وأمرهما أن يسمعا ويحفظا ما سمعا، ثم قعد برجل آخر من وراء البيت فاستنطقه حتى أقر له بماله عليه، فشهد الرجلان بذلك، هل يلزمه ما شهدا به عليه على هذه الصفة أم لا يلزمه حتى يقر على نفسه بالمال وهو ينظر إلى الرجلين اللذين يشهدان عليه؟ قال: أما الرجل الذي يشهد عليه مثل الضعيف أو المخدوع أو الخائف الذي يخاف أن يكون إنما استجهل أو استضعف أو خدع فلا أرى ذلك ثابتا عليه، ويحلف ما أقر بذلك إلا لما يذكر ولا يدري ما يقول، وأما الرجل الذي يقر على غير ما وصفت لك ولإقراره ذلك وجه من الأمر عسى أن يقول في خلوته تلك أنا أقر لك خاليا ولا أقر لك عند البينة بأمر يعرف وجه إقراره وناحية ما طلب منه فإنه عسى أن يثبت ذلك عليه، وقال عيسى بن دينار: أرى ذلك ثابتا عليه. قال محمد بن رشد: لا إشكال في أنها لا تجوز على القول بأن شهادة السماع لا تجوز، وهي أن يشهد الشاهد على الرجل بما سمع من إقراره دون أن يشهده على نفسه، وهو أحد قول مالك في المدونة وقول ابن أبي حازم وابن الماجشون وروايته عن مالك في المدنية ومثله لمالك في كتاب ابن المواز قال: لا يشهد الرجل على الرجل بما سمع من إقراره على نفسه دون أن يشهده على ذلك إلا أن يكون قاذفا، فإنما اختلف في شهادة المختفي الذين يجيزون شهادة السماع، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أن الشاهد يشهد على الرجل بما

سمع من إقراره وإن لم يشهده إذا استوعب كلامه، وهو قول أشهب وسحنون وعيسى بن دينار، وعامة أصحاب مالك وأكثر أهل العلم، فهؤلاء منهم من أجاز شهادة المختفي على الإطلاق وأباح له الاختفاء بحملها، وهو قول عمرو بن حريث، حكى ذلك البخاري عنه في كتابه، قال: وكذلك يفعل بالكاذب الفاجر، واحتج لإجازة ذلك بحديث ابن عمر: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انطلق وأبي بن كعب يوما إلى النخل التي فيها ابن صياد، حتى إذا دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحائط طفق يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه وابن صياد مضطجع في فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة فرأت أم ابن صياد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد: أي صاف هذا محمد فتناهى ابن صياد، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لو تركته بين» ومنهم من لم يجزها على

مسألة: يشهدان على صبي أنه جرح إنسانا والشاهدان أعداء لوصي الصبي

الإطلاق، وإلى هذا ذهب سحنون، وذلك أنه سئل عن شهادة المختفي فقال: حدثني ابن وهب أن الشعبي وشريحا كانا لا يجيزانها، ومنهم من كره له الاختفاء لتحملها وقبلها إذا شهد بها وهم الأكثر، وهو ظاهر قول عيسى بن دينار ههنا خلاف قول ابن القاسم في تفرقته بين من يخشى أن ينخدع لضعفه وجهله بما يقربه على نفسه، وممن يؤمن ذلك منه لنباهته ومعرفته بوجه الإقرار على نفسه، ولعله يقول: إنما أقر لك حيث لا يسمعني أحد، فيتبين أنه إنما يذهب إلى اقتطاع حقه، ولو أنكر الضعيف الجاهل الإقرار جملة للزمته الشهادة به عليه، وإنما يصدق عنده مع يمينه إذا قال إنما أقررت لوجه كذا مما يشبه، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهدان على صبي أنه جرح إنسانا والشاهدان أعداء لوصي الصبي] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجلين يشهدان على صبي أنه جرح إنسانا والشاهدان أعداء لوصي الصبي هل تجوز شهادتهما؟ قال ابن القاسم: أرى شهادتهما جائزة، وكذلك أيضا إذا شهدا على الميت بدين عليه أن شهادتهما جائزة، ولا ينظر إلى عداوة الشهداء للوصي، وأما إذا شهدا على صغير أو كبير حائز لأمره والشهداء أعداء لأبي المشهود عليه فشهادتهما غير جائزة ولو كانا مثل أبي شريح وسليمان بن القاسم، قيل لسحنون: فإن شهد رجل بيني وبينه عداوة على أبي أو على ابني أو على أخي بمال هل تجوز شهادته عليه؟ فقال: نعم شهادته على والدك وابنك وأخيك جائزة بالمال، قيل: فإن شهد عليهم بقصاص أو حد؟ قال: لا تجوز شهادته وليس القصاص كالأموال، وكذلك في الجرحة لا تجوز شهادته في تجريح أبيك أو ابنك أو أخيك. قال محمد بن رشد: معنى إجازة ابن القاسم شهادة أعداء الوصي على الصبي بجرح إذا لم يكن له بيد الوصي مال يؤخذ منه دية الجرح، أو

مسألة: يشهد على الرجل بأربعين دينارا ثم يقول الحق خمسون

إذا كانت دية الجرح الثلث فصاعدا؛ لأن عمد الصبي خطأ، فالعاقلة تحمل منه ما بلغ الثلث، وكذلك إجازته لشهادتهم بدين على الميت معناه إذا كانت الشهادة قبل أن يصير المال بيد الوصي، وأما إذا شهدوا بعد أن صار المال بيده فشهادتهم عليه غير جائزة؛ لأنهم يتهمون على إخراج المال من يده بالعداوة، وكذلك حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وذلك تفسير لقول ابن القاسم، وأما شهادة أعداء الرجل على ابنه أو على أبيه فقال ابن القاسم فيها: إنها غير جائزة يريد في المال والجراح، وذلك على أصله الذي تقدم له في رسم جاع من أن شهادة الرجل لا تجوز لامرأة أبيه ولا لامرأة ابنه ولا لزوج ابنته [ولا لابن زوجته] ولا لأبويها، وقال سحنون فيها: إنها جائزة في الأموال دون الجراح والقتل والحدود، وذلك على أصله أيضا في أن شهادة الرجل تجوز لامرأة أبيه وامرأة ابنه وزوج ابنته وابن زوجته وأبويها في المال، إذ لا فرق بين شهادة الرجل لولد من لا تجوز له شهادته وبين شهادة الرجل على ولد من لا تجوز عليه شهادته، فمنع ابن القاسم من إجازة الشهادة في الوجهين، وأجازها سحنون في الوجهين، ولا اختلاف بينهما في أنها لا تجوز فيما عدا المال من الجراح والقتل والحدود، وحكى محمد بن سحنون: أن محمد بن رشيد خالف أباه سحنونا في الجراح فساوى بينها وبين المال في جواز الشهادة بخلاف القتل والحدود فلا اختلاف بينهم في أنها لا تجوز في القتل والحدود، وأما التجريح في ذلك فيجري على الاختلاف في ذلك ولا يخالف ابن القاسم سحنونا في أن شهادة العدو تجوز في المال على أخي عدوه، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهد على الرجل بأربعين دينارا ثم يقول الحق خمسون] مسألة قال عيسى: سألت ابن القاسم عن الذي يشهد على الرجل

مسألة: يهجر الرجل فيسلم عليه ولا يكلمه هل تراه قد خرج من الشحناء

بأربعين دينارا فيقضى عليه بشهادته، ثم يأتي بعد ذلك فيقول: الحق خمسون، ولكني نسيت، وقد كان ادعى ذلك صاحب الحق أو لم يدعه، هل يقبل ذلك منه وتقبل شهادته؟ قال ابن القاسم: إن كان عدلا مشهور العدالة ممن لا يتهم رأيت أن تجوز؛ لأنه يقول: ذكرت وإن كان على غير ذلك لم أر أن تجوز. قال القاضي: هذه مسألة ستأتي بكمالها في أول سماع يحيى، فهناك يأتي الكلام عليها إن شاء الله، وقد مضى طرف منه في أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: يهجر الرجل فيسلم عليه ولا يكلمه هل تراه قد خرج من الشحناء] مسألة وعن الرجل يهاجر الرجل ثم يبدو له فيسلم عليه من غير أن يكلمه في غير ذلك وهو مجتنب لكلامه هل تراه قد خرج من الشحناء؟ قال: سمعت مالكا يقول: إن كان مؤذيا له فقد برئ من الشحناء، قال ابن القاسم: وأرى إن كان غير مؤذ له أنه غير بريء من الشحناء، قلت: فهل ترى شهادته غير جائزة عليه باعتزاله وهو غير مؤذ له؟ فقال: لا تقبل شهادته عليه. قال الإمام القاضي: معنى قول مالك وابن القاسم: إن المسلم يخرج من الشحناء إن كان المسلم عليه مؤذيا للذي ابتدأ بالسلام ولم يضر الذي ابتدأ بالسلام تركه لكلام المؤذي، وإن كان المسلم عليه غير مؤذ للذي ابتدأ بالسلام فلا يخرج الذي ابتدأ بالسلام سلامه من الشحناء حتى يكلمه إذ لا عذر له في ترك كلامه، فإذا كان مؤذيا له جازت شهادته عليه إذا سلم عليه، وإن لم يكن مؤذيا له لم تجز شهادته عليه حتى يرجع إلى كلامه، وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون أنه إن كان الذي بينهما خاصا فلا يخرج من الهجران ولا تجوز شهادته عليه حتى يرجع إلى كلامه، وإن لم يكن الذي بينهما خاصا برئ من الهجران بالسلام وإن لم

: بينهما عبد فشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه وهما منكران جميعا

يكلمه وجازت شهادته عليه، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [: بينهما عبد فشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه وهما منكران جميعا] ومن كتاب العتق وسئل ابن القاسم: عن رجلين بينهما عبد أو عبدان فشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه وهما منكران جميعا، قال: لا أرى أن تجوز شهادة واحد منهما على صاحبه، وبلغني عن مالك أنه قال ذلك. قلت لابن القاسم: فيحلفان؟ قال: لا أرى موضع اليمين؛ لأنه لا تجوز شهادة واحد منهما على صاحبه، قال: وقد قال مالك: كل من شهد على رجل بشهادة فكان غير عادل في شهادته أو متهما فيها فإنه لا يمين على المشهود عليه بشهادته. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن شهادة كل واحد منهما غير جائزة على صاحبه إذا لم يكن لهما مال سوى العبد إذ لا تهمة على الشاهد منهما في شهادته على صاحبه إذا لم يكن للمشهود عليه مال، فإن كان معه شاهد آخر تمت الشهادة وقضي عليه بعتق نصيبه، وإن لم يكن معه شاهد غيره لزمته اليمين بشهادته أنه ما أعتق نصيبه، ولا اختلاف أيضا في أن شهادة كل واحد منهما على صاحبه بعتق نصيبه لا تجوز إذا كان للمشهود عليه مال يلزمه فيه التقويم؛ لأن الشاهد يتهم على أنه إنما شهد عليه ليقوم له عليه نصيبه [وإنما الاختلاف إذا لم تجز شهادته هل يعتق عليه نصيبه أم لا؟ فقيل: إنه لا يعتق عليه، وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية، ودليل قول غيره في العتق الثاني من المدونة ودليل أحد قولي ابن القاسم فيه أيضا، وقيل: إنه يعتق عليه نصيبه] لأنه مقر على نفسه بوجوب عتقه

مسألة: حضره الموت فقال ما شهد به ابني علي من دين فهو مصدق

على شريكه بالتقويم، وهو المنصوص لابن القاسم في المدونة وفي رسم المكاتب من سماع يحيى بعد هذا من هذا الكتاب، واختلف إذا لم تجز شهادته عليه لملائه هل تلزمه اليمين بشهادته أم لا؟ فقيل: إنه لا تلزمه يمين، وهو قوله في هذه الرواية وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم المتقدم وفي نوازل سحنون، وقيل: إن ذلك آكد من الخلطة فتجب عليه اليمين، وقد مضى القول على ذلك في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم المتقدم فلا معنى لإعادته. [مسألة: حضره الموت فقال ما شهد به ابني علي من دين فهو مصدق] مسألة وسئل مالك: عن رجل قال عند موته أو في حياة منه وصحة: ما شهد به علي فلان فهو مصدق في ديون الناس قبلي، والمسمى عبد له أو لغيره أو رجل محدود أو نصراني أو امرأة قال: سمعت مالكا يقول في رجلين تنازعا في أمر فقال أحدهما لصاحبه: فلان يشهد عليك بما أقول، فقال الآخر: اشهدوا أن ما قال فلان حق وأنا أرضى به، فسئل فشهد فقال: ما أقر ولا أرضى به ولا ظننت يشهد بمثل هذا، قال مالك: لا يلزمه شيء مما قال، قال ابن القاسم: يريد أن يرد إلى وجه ما يحكم به الحاكم، ولا يلزمه رضاه بالرجل، وسئل عن رجل حضره الموت فقال: ما شهد به ابني علي من دين أو شيء فهو مصدق من دينار إلى مائة دينار أو لم يوقت وقتا ثم مات فشهد ابنه بذلك لقوم بديون، وشهد لبعض الورثة بدين أيضا، قال: لا يثبت ذلك عندي إلا بيمين إن كان عدلا قال: ومذهبه عندي مذهب القضاء، قال: وإن لم يكن عدلا أو نكل المشهود له عن اليمين لزم الشاهد قدر ميراثه من هذا

الدين، وإن كان سفيها لم يجز إقراره في ميراثه ولم يحلف طالب الحق. قلت: وهذا قول مالك في السفيه إن إقراره لا يلزمه؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: كذا وقعت هذه المسألة: وسئل مالك عن رجل قال عند موته أو في حياة منه وصحة: ما شهد به علي فلان فهو مصدق إلى آخر السؤال، وهو غلط؛ لأن المسئول إنما هو ابن القاسم، وذلك أنه سئل عن الرجل يشهد على نفسه في صحته أو في مرضه أن فلانا مصدق فيما يشهد به علي من ديون الناس، فذهب إلى أن ذلك لا ينفذ عليه ولا على ورثته بعده ولا يلزمهم ذلك إلا على وجه ما يحكم به من شهادة الشاهد العدل، واحتج لذلك بما سمعه من مالك في الرجلين يتنازعان في الأمر فيرضى أحدهما فيه بشهادة رجل أن ذلك لا يلزمه، وقد مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم تحصيل الاختلاف في مسألة الرجلين يتنازعان في الشيء فيرضى أحدهما في ذلك بشهادة رجل هل يلزمه ما شهد عليه أم لا؟ ولا يدخل شيء من ذلك الاختلاف عندي المسألة التي سئل عنها ابن القاسم؛ لأن قوله في صحته أو في مرضه: ما شهد به علي فلان وهو ممن تجوز شهادته أو لا تجوز من ديون الناس قبلي فهو مصدق في ذلك حكم على ورثته، فلا يجوز له أن يوصي بذلك، ولم يرد ابن القاسم بما احتج به من قول مالك المساواة بين المسألتين، وإنما وجه ما ذهب إليه أن مالكا إذا قال في مسألة المتنازعين إن التصديق لا يلزم فيه وإن كان قد قيل: إنه يلزم فأحرى ألا يلزم في مسألة الذي أوصى أن يصدق فلان فيما يشهد به عليه من الديون، وكذلك مسألة الذي حضره الموت فقال، ما شهد به ابني علي من دين أو شيء فهو مصدق من كذا إلى كذا أو دون توقيف لا يدخل الاختلاف المذكور فيه لما ذكرنا من

مسألة: هلك وترك ابنين فاختلفا في وصية ألف دينار لرجل

أنه حكم على ورثته وإن كان أصبغ قد أنكر هذه الرواية في الواضحة، وقال: لا أعرفها من قوله، ولكن يصدق من جعل إليه التصديق كان عدلا أو كان غير عدل كقول مالك فيمن قال: وصيتي عند فلان فما أخرج فيها فأنفذوه أن ذلك نافذ، وما استثنى مالك عدلا من غير عادل، وذلك سواء ما لم يسم من يتهم عليه تهمة بينة من أقاربه ممن هو كنفسه فإنكاره ليس بصحيح إذ لا يشبه مسألة الوصية التي شبهها بها مسألة التصديق في الشهادة بالدين لوجوه منها أن الثلث له حيا وميتا، فله أن يوصي به لمن شاء من غير الورثة بخلاف إقراره بالديون، وأيضا فإن الوصية قد خفف أمر الشهادة فيها بخلاف غيرها فأجيز فيها شهادة الموصى له فيها بالشيء اليسير، وأجاز بعض أهل العلم فيها شهادة الكافر في السفر، وقول أصبغ: إن مالكا لم يشترط العدالة في مسألة الوصية ليس بصحيح أيضا؛ لأن الذي له في رسم البر من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا اشتراط العدالة، وسحنون هو الذي قال: إن قول الذي قال الميت صدقوه مصدق عدلا كان أو غير عدل وهو ظاهر ما في المدونة والموازية، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وترك ابنين فاختلفا في وصية ألف دينار لرجل] مسألة وسألته: عن رجل هلك وترك أربعة من الولد فشهد اثنان لرجل بألف دينار، وقال الآخران: هي لفلان لغير ذلك الرجل وصية، قال: يقضى بأعدل الشهود، قلت: فإن استويا في العدالة؟ قال: تقسم الألف بينهما، قلت له: فرجل هلك وترك ابنين فاختلفا في وصية ألف دينار لرجل قال أحدهما: هو فلان، وقال الآخر: بل فلان؟ قال: يدعى اللذان أوصى لهما بالألف إلى الأيمان فإن حلفا كلاهما مع شهادة الابنين لهما اقتسما الألف، وإن نكل أحدهما كانت الألف لمن حلف منهما. قلت: فإن نكلا عن اليمين وقالا: لا علم لنا؟ قال: أرى أن يدفع كل واحد منهما من الابنين الذي يصيبه من الألف إذا قسمت على الورثة إلى من

شهد له، قال: وإن لم يكن غيرهما وكانت تخرج من الثلث أذياها، وإن كان معهما غيرهما لم يكن عليهما أكثر مما صار في أيديهما منها. قال محمد بن رشد: قوله في المسألة الأولى يقضى بأعدل الشهود صحيح على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها؛ لأن البينة قد كذبت بعضها بعضا في عين المشهود له وفيما شهدت له به إن كان دينا أو وصية، وأما قوله: إن الألف تقسم بينهما إذا استويا في العدالة فمعناه إن حملها الثلث ولم يكن للميت وارث غيرهم، مثال ذلك أن يترك المتوفى ثلاثة آلاف دينار ولم يترك من الورثة سوى الأربعة بنين، فإنه يقال للابنين اللذين شهدا بالوصية: ادفعا إلى الذي شهدتما له خمسمائة دينار ثلث ما ورثتماه، ويقال للآخرين اللذين شهدا بالدين: ادفعا إلى الذي شهدتما له نصف دينه؛ لأنكما قد ورثتما نصف مال المتوفى؛ وذلك لأن البينتين إذا تكافأتا في العدالة سقطتا ووجب على كل واحد من الشهود أن يعطي الذي شهد له ما يجب له في حظه من الميراث لو ثبت ما شهد له به ولم يجب على سائر الورثة شيء إن كان للميت وارث سواهم، بيان هذا أنه لو ترك المتوفى ألفي دينار وأربعمائة دينار وترك ثمانية من الولد فشهد اثنان منهم لرجل بألف دينار، وقال آخران منهم: بل هي لفلان لغير ذلك الرجل وصية لوجب على اللذين شهدا بالوصية أن يدفعا إلى الذي شهدا له بها ثلث ما يجب لهما بالميراث وذلك مائتا دينار؛ لأنه يجب لكل واحد منهما ثلثمائة دينار، ولو وجب على اللذين شهدا بالدين أن يدفعا إلى الذي شهدا له ربع ما يجب لهما بالميراث، وذلك مائة وخمسون دينارا خمسة وسبعون من نصيب كل منهما؛ لأنه يجب لكل واحد منهما ثلثمائة دينار، ولم يجب على سائر البنين فيما ورثاه شيء إذا لم تثبت الشهادة لواحد منهما وبطلت بتكذيب بعضها بعضا، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: ولو كان الثلث لا يحمل الألف لبطلت شهادة اللذين شهدا أنها وصية، وكانت الألف للذي شهد له الآخران بها دينا؛ لأن اللذين شهدا أنها وصية يجران إلى أنفسهما؛ لأن ما لم يحمل الثلث من الألف يكون على قولهما ميراثا لهما ولسائر الورثة

فيتهمان على ذلك، وهما كما قال إذا تقدمت الشهادة بالدين، وأما إن تقدمت الشهادة بالوصية أو جاء الشهود معا فلا وجه للتهمة في ذلك، ويأتي على رواية المدنيين عن مالك أن تعمل الشهادتان جميعا حمل الثلث الألف أو لم يحملها، فيقضي بالألف من رأس المال للذي شهد له الابنان أنها دين له، ويقضي بالألف من ثلث بقية المال للذي شهد له الآخران أنها له وصية إن حملها الثلث وإلا فما حمل منها، ولو كان المشهود له رجلا واحدا فقال الابنان: أوصى له بألف دينار وصية، وقال الآخران: بل أقر له بها دينا لكانت له الألف بشهادتهما جميعا حملها الثلث أو لم يحملها على القول بأن الشهادة تلفق إذا اتفقت فيما يوجبه الحكم وإن اختلفت في اللفظ والمعنى، وعلى القول بأنها لا تلفق يقضي بأعدل البينتين فإن استوتا في العدالة سقطتا ووجب على كل واحدة من البينتين للمشهود له ما يجب له في نصيبه بإقراره له، وكذلك لو كانا ابنين فشهدا له بألف، وقال أحدهما: هي وصية، وقال الآخر: بل هي دين لتخرج الأمر أيضا على الاختلاف في تلفيق الشهادة، فعلى القول بأنها تلفق تكون له الآلف بشهادتهما إن حملها الثلث، وإن لم يحملها الثلث كان المشهود له بالخيار إن شاء أخذ ما حمل الثلث من الألف دون يمين، وإن شاء حلف مع شهادة الذي شهد له بها أنها دين وأخذ جميعها، وعلى القول بأنها لا تلفق لا بد له من اليمين فيحلف مع أيهما شاء ويأخذ ما وجب له بشهادته، وقد مضى في رسم العرية تحصيل القول فيما يلفق من الشهادات المختلفات مما لا يلفق منها فلا معنى لإعادته، وأما المسألة الثانية فهي صحيحة بينة في المعنى، وفيما مضى ما فيه بيان لها؛ لأن الشهود إذا اختلفوا في أعيان المشهود لهم فقد أكذب بعضهم بعضا، وإنما قال: إن الموصى لهما يحلف كل واحد منهما مع شهادة الابنين لهما أو يحلف كل واحد منهما مع الذي شهد له منهما؛ لأن الشاهدين لا تبطل شهادتهما بتكذيب بعضهما بعضا، ولو كانوا أربعة فشهد اثنان منهم أنه أوصى لرجل بألف، وقال الآخران: بل إنما أوصى بها لفلان رجل آخر لسقطت الشهادتان جميعا ولم يكن لواحد من المشهود لهما إلا ما يجب له في نصيب الذي شهد له بإقراره، وبالله التوفيق.

مسألة: الشهادة لا تثبت إلا برجلين أو رجل وامرأتين

[مسألة: الشهادة لا تثبت إلا برجلين أو رجل وامرأتين] مسألة وسألته: عن امرأتين شهدتا على شهادة رجل وشهد معهما امرأتان على حق من الحقوق هل يجوز ذلك؟ قال مالك: تسقط شهادة المرأتين على شهادة الرجل ويحلف صاحب الحق مع شهادة المرأتين اللتين شهدتا على أصل الحق، قال: ولا تجوز شهادة النساء على شهادة رجل لو كن ألفا إلا مع رجل؛ لأن الشهادة لا تثبت إلا برجلين أو رجل وامرأتين، وامرأتان وألف امرأة سواء حيث لا تجوز شهادتهن إلا مع رجل. قال محمد بن رشد: هذا معلوم مشهور من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها أنه لا تجوز شهادة امرأتين على شهادة رجل إلا مع رجل، ولا شهادة امرأتين على شهادة امرأتين إلا مع رجل، فلا يشهد على شهادة رجل ولا على شهادة امرأتين إلا رجلان أو رجل وامرأتان خلاف مذهب ابن الماجشون وسحنون في أن شهادة النساء لا تجوز ألا فيما يجوز فيه شاهد ويمين، وقد مضى هذا في رسم العشور. [مسألة: شهد على شهادة نفسه] مسألة وسألته: عن رجل شهد على شهادة نفسه وشهد مع آخر على شهادة رجل في ذلك الأمر نفسه، قال: لا أرى أن تجوز شهادته إلا على شهادة نفسه، وأما على شهادة رجل يشهد بمثل ما شهد به فلان فإنه لا يجوز؛ لأنه كأنه عاد في تحقيق شهادته. قال القاضي: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إذا شهد بشهادة وشهد مع آخر على شهادة رجل بتلك الشهادة فلم يتم الحكم إلا بشهادته وحده، وهذا نحو ما تقدم في رسم شهد على شهادة ميت في الشاهدين بالحق يزكي أحدهما صاحبه.

مسألة: تعديل الأخ أخاه وشهادته له

[مسألة: تعديل الأخ أخاه وشهادته له] مسألة قلت لابن القاسم: هل يجوز أن يعدل الرجل امرأته والمرأة زوجها والأخت أخاها والأخ أخته؟ قال مالك: لا تعدل المرأة أحدا لا امرأة ولا رجلا لا فيما تجوز شهادتهن ولا في غيره، قال: والرجل لا يقبل منه تعديل امرأته كما لا تجوز شهادته لها. قلت: فالأخ لأخته؟ قال: نعم؛ لأن شهادته تجوز لها إذا كان عدلا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه من لا يجوز للرجل أن يشهد له فلا يجوز له أن يعدله؛ لأنه إذا اتهم في شهادته له فهو أحرى أن يتهم في تعديله إياه، ألا ترى أنه قد اختلف في تعديل الأخ أخاه وشهادته له جائزة، وقد مضى تحصيل الاختلاف في ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: شهادة الوارث فيما وهب من مال موروثه في مرضه] مسألة وسألته: عن رجل حضره الموت وله أخوان شاهدان في ذكر حق، فقال لهما: إنه لا شاهد لي غيركما، وأنتما ترثاني وابنتي فلانة، فلو أسلمتما لها ميراثكما مني أو وهبه أحدكما صاحبه ليكون الواهب شاهدا ففعل وتصدق على أخيه بموروثه، ثم هلك الرجل، قال: لا تجوز شهادته؛ لأنه حق قد ثبت لهما في المرض، فلا أراه يجوز. قال محمد بن رشد: لم يجز ابن القاسم في هذه الرواية شهادة الوارث فيما وهب من مال موروثه في مرضه، وأعتل لبطلانها بأن ذلك حق وجب له في مرض الميت فلم تجز شهادته فيه إذ لا تجوز شهادة أحد فيما وهب من ماله لابنه؛ لأنه يتهم في تصحيح هبته، وفي قوله لأنه حق قد ثبت لهما في المرض نظر إذ لا يجب لهما الميراث إلا بعد موته، وإنما يجب

لهما في مرضه التحجير فيما زاد على الثلث، وفي الوصية لوارث، وقد أجاز أصبغ في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب شهادتهما في ذلك، وأعتل لهما بأنهما خرجا عنه بالهبة قبل أن يصير إليهما بالملك التام، فتأول بعض الناس عليه أن الهبة على تعليله لا تلزمهما، وليس ذلك بصحيح، إذ لو لم تلزمهما الهبة إلا أن يجيزاها بعد موته لما صح أن تجوز شهادتهما؛ لأن إجازتهما لهبتهما بعد موته كابتداء الهبة، وإجازته لهبتهما ولشهادتهما بين من قوله فلا أعرف نص خلاف في أن هبة الوارث لميراثه في مرض الموروث جائزة وهو بين من قول ابن القاسم في هذه الرواية ونص من قوله في رسم الأقضية والحبس من سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات؛ لأنه قال فيه: إن ذلك يلزمه إلا أن يقول: كنت أظنه يسيرا لا أعلم أنه يبلغ هذا القدر ويشبه ذلك من قوله فيحلف على ذلك ولا يلزمه، ومثله لمالك في الموطأ؛ لأنه قال فيه: إن الميت إذا قال لبعض ورثته إن فلانا- لأحد من ورثته- ضعيف، وقد أحببت أن تهب له ميراثك فأعطاه إياه أن ذلك جائز إذا سماه له الميت، إذ لا فرق بين أن يهب أحد الورثة ميراثه لمن سواه من الورثة أو لأجنبي من الناس ولا بين أن يسميه له الميت أو لا يسميه له، وما في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات محتمل للتأويل على ما سنذكره إذا مررنا به إن شاء الله، ومن الناس من ذهب إلى أن هبة الوارث لميراثه هي مرض الموروث لا تجوز؛ لأنه وهب ما لم يملك بعد على ما في المدونة من أن المريض إذا استأذن ورثته في أن يوصي لبعضهم، فأذنوا له لزمهم إذ لم يحكم له بحكم المالك في الميراث للمرض، وإنما كان له التحجير على موروثه فيه، فإذا رفع عنه التحجير بالإذن لزمه وإن لم يكن مالكا للمال، وقال: إن ذلك يقوم أيضا من قول مالك في الموطأ إن الوارث إذا وهب لموروثه في مرضه ميراثه منه فمات قبل أن يقضى فيه أنه يرد إليه، إذ لو أجاز هبته له لقال: إنه لا يكون له من ذلك إلا ميراثه منه، قال: فكما لا تجوز هبته له من أجل أنه لم يتقرر له

مسألة: من كان عدلا مؤتمنا فلا يحتاج إلى اختبار صدقه

عليه ملك فكذلك لا تجوز لغيره، وليس ذلك بصحيح، والفرق بينه وبين غيره أنه إذا وهبه له فقد علم أن القصد في ذلك إنما هو ليرفع الحجر عنه في أن يصرفه إلى من أحب من الورثة، إذ لا يحتاج إلى هبته إن صح ولا ينتفع بها إن مات، فإذا لم يقض فيها بشيء حتى مات رجعت إلى الواهب، وإذا وهبه لغيره فقد ملكه بالهبة ما وهبه إياه، ولا يقال إن ذلك لا يجوز من أجل أنه وهبه ما لم يملكه بعد؛ لأنه لم يثبت له الآن، وإنما وهبه له بشرط ملكه له بموت موروثه، كما لو قال: إن ملكت فلانا فهو حر أو إن ملكته فهو لفلان، فلا فرق في وجه القياس بين صحة الموروث ومرضه في هبة الوارث لميراثه منه، والتفرقة في ذلك بين الصحة والمرض استحسان، ويتحصل على هذا في المسألة ثلاثة أقوال: الجواز، والمنع، في الحالين، والفرق بينهما وبالله التوفيق. [مسألة: من كان عدلا مؤتمنا فلا يحتاج إلى اختبار صدقه] مسألة وسئل: عن رجل يعرف الدابة أو الرأس ويشهد له على ذلك هل يجمع له دواب أو رقيق فيدخل فيهم، ثم يقول للشهود أخرجوها؟ قال: لا ليس ذلك على أحد في دواب ولا رقيق ولا ثياب ولا غير ذلك، وهذا خطأ ممن يفعله إذا كان الشهود عدولا لا يشك في عدالتهم قبل شهادتهم، ولم يلتمس منهم غير ذلك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن من لا يؤتمن في قوله حتى يختبر صدقه من كذبه فليس ممن تجوز شهادته، ومن كان عدلا مؤتمنا في قوله مقبول الشهادة فلا يحتاج إلى اختبار صدقه من كذبه، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد لرجل بحق على رجل وعلى الشاهد نفسه حق عليهما جميعا] مسألة وسئل: عن شاهد شهد لرجل بحق على رجل وعلى الشاهد

مسألة: الترجيح بين البينتين هل يكون بزيادة العدالة خاصة

نفسه حق عليهما جميعا وليس للمشهود له عليهما أيهما شاء أخذه بحقه قضاه أحدهما ثم شهد له صاحبه، قال: تجوز شهادته إذا كان عدلا على ما ذكرت، وليس في هذا تهمة إذ لم تقع شهادته على المشهود عليه بشيء ينتفع به الشاهد أو يكون عليه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إذا لم يكن بعضهما حميلا ببعض فلا منفعة للشاهد الذي لم يقض ما عليه في قضاء صاحبه ما عليه، إذ لا يلزمه إلا ما عليه، قضى صاحبه ما عليه أو لم يقض، وبالله التوفيق. [مسألة: الترجيح بين البينتين هل يكون بزيادة العدالة خاصة] مسألة وسئل ابن دينار: عن الرجلين يدعيان الشيء فيأتي كل واحد منهما ببينة لا يعرفها الإمام إلا بالتعديل فيعدل هل يقضي بذلك الشيء لمن هو أعدل معدلين بمنزلة الشهداء إذا كان بعضهم أعدل من بعض، فقال: ما علمت ذلك إلا في الشهداء ولا أرى ذلك في المعدلين. قال محمد بن رشد: هذا قول ابن الماجشون في الواضحة، وروى مطرف عن مالك فيها أنه يؤخذ بأعدل المعدلين، وهذا الاختلاف مبني على الترجيح بين البينتين هل يكون بزيادة العدالة خاصة أو بزيادة العدالة وبما يغلب به على الظن صحة الشهادة من كثرة الشهود وما أشبه ذلك، فمن ذهب إلى أن الترجيح لا يكون إلا بزيادة العدالة خاصة وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك يقول: إنه يقضي بأعدل المعدلين؛ لأن زيادة عدالة [أحد] المعدلين لا يفيد زيادة عدالة المعدلين، وإنما يفيد زيادة غلبة

الظن بصحة عدالة المعدلين، وهو قول ابن الماجشون وابن دينار، ومن ذهب إلى أن الترجيح يكون بزيادة العدالة وبما يغلب به على الظن صحة الشهادة من كثرة العدد وما أشبه ذلك يقول إنه يقضى بأعدل المعدلين؛ لأن زيادة عدالتهم وإن لم تفد زيادة عدالة المعدلين، فإنها تفيد زيادة غلبة الظن بصحة عدالتهم ككثرة العدد الذي يفيد زيادة غلبة الظن بصحة الشهادة، وهو قول مالك في رواية مطرف عنه في هذه المسألة، وبالله تعالى التوفيق. تم كتاب الشهادات الثاني بحمد الله تعالى

: كتاب الشهادات الثالث

[: كتاب الشهادات الثالث] [: العدل يشهد عند القاضي ثم يعود فيزيد في شهادته أوينقص] كتاب الشهادات الثالث

من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: سألت ابن القاسم عن العدل يشهد عند القاضي ثم يعود فيزيد في شهادته أو ينقص، فقال: إذا كان منقطع العدالة ممن لا يتهم في عقله فما زاد أو نقص قبل أن يقع الحكم بعلمه فهو مقبول منه، وأما ما رجع عنه أو نقصه فيما كان شهد به أو زاد كلاما فيه نقص الشهادة الأولى وذلك بعد أن يحكم بشهادته فهو غير مقبول، ولا يفسخ الحكم الذي كان من تحويله شهادته، ولا لما زاد أو نقص، وأما ما زاد بعد الحكم مما زعم أنه كان نسيه مثل أن يكون شهد لرجل على رجل بثلاثين دينارا ثم يذكر أنها كانت خمسين فجاء يشهد بتمام الخمسين، فإن ذلك يقبل منه وتجوز شهادته فيه. قال محمد بن رشد: قوله: إذا كان منقطع العدالة ممن لا يتهم في عقله فما زاد أو نقص قبل أن يقع الحكم بقوله فهو مقبول منه، يريد أنه يقبل قوله في أنه شبه عليه فتجوز شهادته فيما يستقبل ولا يؤدب، ولو كان على غير ذلك من ظهور عدالته لم يقبل قوله في أنه شبه عليه وردت شهادته فيما يستقبل، هذا دليل قوله في هذه الرواية وظاهر ما في كتاب السرقة من المدونة، قال فيه ولو ودب لكان لذلك أهلا، ومثله حكى ابن حبيب في

مسألة: ادعى عليه أنه شهد في ذكر حق له على فلان فقال ما أذكر ثم ذكر

الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ إلا أنه لم يذكر الأدب خلاف ظاهر ما في كتاب الأقضية من المدونة أنه يقبل قوله في أنه شبه عليه، وإن لم يكن مبرزا في العدالة فتجوز شهادته فيما يستقبل إلا أن يعرف منه كذب في شهادته فترد شهادته في هذا وفيما يستقبل، يريد ويؤدب، وقال سحنون: لا يؤدب الراجع عن شهادته قبل الحكم لئلا يمتنع من شهد على باطل عن الرجوع عن شهادته خوف العقوبة، كالمرتد إذا تاب لم يعاقب، وقوله: فهو غير مقبول في الذي رجع بعد الحكم عن شهادته أو نقص شيئا منها أو زاد كلاما فيه نقص الشهادة يريد أن قوله: لا يقبل في أنه شبه عليه فيسقط عنه الغرم، بل يغرم وإن شبه عليه، وهو ظاهر ما في أول رسم من سماع ابن القاسم ومثل ما في كتاب السرقة من المدونة، وقيل: معناه أن قوله غير مقبول في فسخ الحكم؛ لأنه يمضي ولا يفسخ برجوعه عن شهادته باتفاق، وقيل: معناه أن شهادته لا تقبل فيما يستقبل، وإن شبه عليه، وهو قول مالك في كتاب الأقضية من المدونة خلاف قول سحنون: إنها لا ترد فيما يستقبل إذا شبه عليه، فتحصيل القول في هذه المسألة أن الشاهد إذا رجع عن شهادته، وقد كان شبه عليه فإن كان ذلك قبل الحكم بشهادته قبل رجوعه وجازت شهادته فيما يستقبل، وإن كان ذلك بعد الحكم بها لم يرد الحكم، واختلف هل يضمن أم لا؟ وهل ترد شهادته فيما يستقبل أم لا؟. ويقبل قوله إنه شبه عليه إذا كان مبرزا في العدالة باتفاق، وإذا لم يكن مبرزا فيها على اختلاف، وإذا رجع عن شهادته أو عن شيء منها ولم يأت في رجوعه بما يشبه وتبين أنه تعمد الزور أدب ولم تقبل شهادته فيما يستقبل كان رجوعه قبل الحكم أو بعده، وقيل: إنه لا يؤدب إذا كان رجوعه قبل الحكم ويضمن ما أتلف بشهادته إذا كان رجوعه بعد الحكم، ولا يرد الحكم، وبالله التوفيق. [مسألة: ادعى عليه أنه شهد في ذكر حق له على فلان فقال ما أذكر ثم ذكر] مسألة قلت: فإن سئل وهو عند القاضي فقيل له: إن فلانا قد ادعى أنك تشهد في ذكر حق له على فلان، فقال: ما أذكر أنه

مسألة: استقال الشاهد قبل القضاء أو بعده وادعى أنه غلط ثم تذكر

أشهدني عليه بشيء وماله عندي علم، ثم انصرف فذكر فعاد إلى القاضي بعد أيام فشهد في ذلك الحق أيقبل قوله؟ قال: نعم، وتجوز في ذلك شهادته إن كان ممن لا يشك في عدله ولا يتهم في شيء من علمه، ومثل ذلك المريض يسأل في مرضه عن علم كان عنده فيقول: مالك عندي علم، فيصح فيشهد في ذلك الحق، فيقال: ما منعك أن تشهد إذ سألك وأنت مريض؟ فيقول: خفت على نفسي الخطأ والوهم في الزيادة والنقصان لشدة ما كان بي من المرض إن ذلك يقبل منه إذا كان لا يتهم لعدله وصلاح حاله، فتجوز في ذلك الحق شهادته. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته مرة ثانية، وبالله التوفيق. [مسألة: استقال الشاهد قبل القضاء أو بعده وادعى أنه غلط ثم تذكر] مسألة قال سحنون: وأنا أقول إذا استقال الشاهد قبل القضاء أو بعد القضاء وادعى أنه غلط ثم تذكر أو شبه عليه قبل قوله، وأقيل في شهادته فيما يستقبل إذا كان عدلا مرضيا. قال محمد بن رشد: أما إذا كان ذلك قبل القضاء فلا اختلاف في أنه يقبل قوله فتجوز شهادته فيما يستقبل ولا يؤدب إذا كان عدلا مرضيا، وأما إذا استقال بعد الحكم فقيل: إنه لا تجوز شهادته فيما يستقبل وإن شبه عليه، وهو قول مالك في الأقضية من المدونة خلاف قول سحنون هذا إنه تجوز شهادته فيما يستقبل إذا شبه عليه، وكذلك يختلف أيضا في وجوب الغريم [عليه] إذا شبه عليه، وأما الأدب فلا يجب عليه إذا شبه عليه، وقد مضى فوق هذا القول على ذلك كله مستوفى، وبالله التوفيق.

مسألة: للقاضي أن يكتب في تعديل من شهد عنده

[مسألة: للقاضي أن يكتب في تعديل من شهد عنده] مسألة وسألته: عن القاضي يشهد عنده الرجل من بعض أهل الكور التي قد استقضى لأهلها قاض، فإن سأله من يعدله لم يقدر الشاهد على ذلك، ولعله أن يكون من أهل العدالة حيث يعرف بكورته، أترى للقاضي أن يكتب إلى قاضي بلده أن يعدل عنده ثم يكتب إليه بالذي ثبت عنده من تعديله، والقاضي الذي شهد عنده يخاف أن يكون قضاة الكور غير محتاطين في تعديل من قبلهم، فلعل الشاهد إن كان غير عدل أن يتعدل لضعف حال القضاة، فقال: لا ينبغي للقاضي إذا شهد عنده من لا يعرف أن يكتب في تعديله إلا إلى قاض يرضى حاله ويثق باحتياطه ويكون على يقين من حسن نظره لنفسه في دينه، وما حمل من أمر من ولي النظر له، فإن كان لا يثق به حتى لا يكون في نفسه مأمونا في دينه فطنا في نظره غير مخدوع لغفلة فلا يكتبن إليه في تعديل أحد يشهد عنده، وإن كان في الكور رجال يرضى القاضي حالهم ويعرف صلاحهم فليكتب إليهم سرا أن يسألوا له عن الشاهد سؤالا حثيثا، قال: فإن كان عندهم مشهورا بالعدالة معروفا بالصلاح فكتبوا إليه بذلك وهو بناحيتهم واثق أجاز شهادته وإلا تركه حتى يتعدل عنده بمن يرضى. قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية وفي سماع زونان بعد هذا إنه لا يجوز للقاضي أن يكتب في تعديل من شهد عنده إلا إلى قاض يرضى حاله ويثق باحتياطه ولم ينص في شيء من ذلك هل يلزمه أن يكتب إليه في تعديل من شهد عنده إذا كان من أهل العدالة والرضى أم لا يلزمه ذلك، والذي أقول به أنه يلزمه ذلك إذا كان ذلك القاضي من أهل عمله على ما قاله في رسم الأقضية لابن غانم من سماع أشهب من كتاب

مسألة: القاضي لا يقبل الشاهد إذا لم يعرفه

الأقضية، ولا يلزمه ذلك إلا أن يشاء إذا لم يكن ذلك القاضي من أهل عمله على ما يأتي في رسم الأقضية من هذا السماع بعد هذا، إلا أن يكون المطلب في حق هو لله من طلاق أو عتق أو ما أشبه ذلك؛ لأنه يلزمه أن يحتاط في الفروج بما يجد إليه السبيل من الكتاب إلى من يعلم عدالته من القضاة، وأما ما لم يكن فيه حق لله فلا يلزمه السؤال عن الشاهد إلا في موضعه، ويستحب له أن يكتب إلى أهل عمله من القضاة وإلى عدول موضع الشاهد؛ لأن الكشف عن البينة على القاضي الذي شهدت عنده، فإذا عجز عن ذلك كلف المشهود له تزكيتهم عنده، فهذه الروايات كلها يفسر بعضها بعضا، وقد حمل بعض أهل النظر ما في هذا الرسم من هذا السماع وما في سماع زونان على أنه يلزمه أن يكتب في تعديل من شهد عنده إلى قاضي موضعه، وإن لم يكن من أهل عمله كما لو كان من أهل عمله، وهو من التأويل البعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: القاضي لا يقبل الشاهد إذا لم يعرفه] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الشاهد لا يعرفه القاضي بعدالة منقطعة ولا بحال فاسدة وهو ممن يشهد الصلوات في المساجد ولا يعرف بأمر قبيح، أيجيز شهادته أم لا؟ فقال: لا ينبغي له أن يقبل إلا عدلا ثابت العدالة. قلت له: فصف لي الذين ينبغي أن يجيز شهادتهم على علمه بهم والذين يردهم على علمه بهم ومن يجوز له الوقوف في أمره حتى يعدل عنده فقال: من عرفه بعدالة ممن لو لم يكن قاضيا لزمه أن يعدله عند غيره إذا شهد ولم يسعه الوقوف في تعديله أجاز شهادته إذا شهد عنده، ومن عرفه بسوء حال ممن لو لم يكن قاضيا لزمه أن يجرحه عند غيره إذا استشهد به عليه رد شهادته إذا شهد عنده، ومن كان لا يجيزه حسا فهو يرى ظاهرا

صالحا وليس بمداخل له ولا مختبرا حاله ولا هو في نفسه بحال رضى ولا هو مطلع منه على شيء قبيح فليسأله من يعدله ممن هو أخبر به منه، فإن لم يأت بمعدلين ممن يرضى وسعه ألا يجيز شهادته. قال محمد بن رشد: قوله: إن القاضي لا يقبل الشاهد إذا لم يعرفه بعدالة ولا سخطة، وإن كان ظاهر الصلاح بمشاهدة الصلوات في المساجد، وبأنه لا يعرف بأمر قبيح هو قول جمهور أهل العلم ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه لا اختلاف بينهم فيه؛ لقول الله عز وجل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] إذ لا يرضى إلا من تعرف عدالته، ومن أهل العلم من قال: إن الشاهد محمول على العدالة بظاهر الإسلام فتجوز شهادته ويحكم الحاكم بها إلا أن يجرحه المشهود عليه، وهو قول الحسن ومذهب الليث بن سعد على ظاهر قول عمر بن الخطاب: " المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة "، وقد أجاز ابن حبيب شهادة من ظاهره العدالة بالتوسم فيما يقع في الأسفار بين المسافرين من المعاملات والتجارات والأكرية بينهم وبين المكارين مراعاة لهذا القول، وحكي ذلك عن مالك وأصحابه، وهو خلاف ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة إذ لم تجز شهادته للقرباء دون أن تعرف عدالتهم إلا أنه رخص في وجه تعديلهم فأجاز فيهم التعديل على التعديل، وروي عن يحيى بن عمر أنه أجاز شهادة من لم تعرف عدالته في الشيء اليسير، وذلك أيضا استحسان مراعاة لقول الليث ومن ذهب مذهبه، ولما سأله عن حد العدالة التي إذا علمها القاضي من الشاهد لزم قبول شهادته، قال: هو الذي يعلم من عدالته ما لو دعي إلى

تزكيته لزمه أن يزكيه، وليس بجواب مقنع؛ لأن السؤال يبقى عليه في حد العدالة التي إذا عرفها لزمته التزكية، وأحسن ما يقال في حد العدالة التي تلزم بها التزكية وإجازة الشهادة هو أن يكون الرجل مجتنبا للكبائر، متوقيا من الصغائر، متصاونا عن الرذائل؛ لأن ارتكاب شيء من الكبائر فسوق، فمن أتى بكبيرة من الكبائر لم تجز شهادته حتى تعرف توبته منها، والصغائر لا يمكن السلامة منها من جميعها بدليل قول الله عز وجل لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] وقول الخضر لموسى: واستكثر من الحسنات، فإنك لا بد مصيب السيئات، واعمل خيرا فإنك لا بد عامل شرا، فمن لم يتوق منها ولا بالى بها لزمه اسم الفسق بالإكثار منها، والكبائر قيل فيها: إنها سبع لحديث أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وآكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» وسقط عن الراوي لهذا الحديث السابع وهو الزنى على ما جاء في غيره من الأحاديث، وقد جاء أن من الكبائر عقوق الوالدين وأكل الربا وشهادة الزور واستحلال بيت الله الحرام، ومما لا يختلف فيه أنه من الكبائر شرب الخمر والحرابة والسرقة، وما أشبه ذلك كثير، وقد جاء عن بعض أصحاب «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل عن الكبائر فعد منها سبعة وقال: هن إلى السبعين أقرب» ولا يقال في شيء مما يعصي الله به إنه صغير إلا بالإضافة إلى ما هو أكبر منه؛ لأن كل ما استوجب به فاعله العقاب عليه من الله فهو كبير، هذا تحقيق القول في الصغائر والكبائر، وإنما شرطنا في صفة الشاهد أن يكون متصاونا عن الرذائل؛ لأن صيانة العرض من الدين فمن لم يصن عرضه لم يصن دينه، والله أعلم، وقوله ولم يسعه الوقوف عن تعديله يدل على أن من دعي إلى تعديل شاهد يعلم عدالته وجب عليه أن يعدله فرضا واجبا كما أنه

: القاضي يضرب الرجل ثم يعزل فيشهد على المضروب في حق يعلمه قبله

يلزمه فرضا واجبا أن يشهد بما علمه إذا دعي إلى الشهادة لقول الله عز وجل: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وهو نص قول ابن القاسم في المبسوطة، قال: إن وجد من يعدله غيره فهو في سعة وإلا لم يسعه إلا أن يعدله ولا يبطل حق امرئ مسلم، وقال ابن نافع: إن أراد الذي يعرفه أن يعدله فحسن، ووجه ذلك أنه لما كانت العدالة لا يقطع بها، وإنما يشهد أنه عدل بما يظهر إليه من حاله بطول اختباره وسعة التوقيف عن الشهادة لاحتمال أن يكون حاله على خلاف ما اختبر منه، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن الشهادة في هذا طريقها غلبة الظن، إذ لا سبيل فيها إلى حقيقة العلم، فإذا غلب على ظنه عدالته بطول الاختبار وجب عليه أن يزكيه كما يجب عليه أن يقبله ويحكم بشهادته إذا شهد عنده، وبالله التوفيق. [: القاضي يضرب الرجل ثم يعزل فيشهد على المضروب في حق يعلمه قبله] ومن كتاب الصبرة وسألته عن القاضي أو غيره من أهل العدل من ولاة السوق أو الشرطة يضرب الرجل على ما ثبت عنده من نية ثم يعزل فيشهد على المضروب في حق يعلمه قبله فيريد رد علمه عنه للذي كان من ضربه إياه أيكون ذلك له؟ فقال: إن كان القاضي أو صاحب الشرطة أو صاحب السوق من أهل القناعة والعدل ممن لا يتهم أن يكون ضربه تعديا عليه ولا يضرب مثلهم إلا في حق واجب على من ضربوا فشهادة كل واحد منهم جائزة على من ضرب إذا شهد عليه بعد عزله أو في ولايته. قلت له: أرأيت إن كان إنما شهد عليه في الأمر الذي

مسألة: العدل يشهد على الرجل فيريد المشهود عليه أن يجرحه

ضرب فيه أو لذلك الخصم الذي ضربه له في تلك الخصومة بعينها أترى شهادته جائزة عليه؟ قال: لا أرى ذلك ولا أحب أن أجيز علمه عليه في تلك الخصومة ولا ما جر إليها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إذ لا تهمة عليه في شهادته عليه في غير ما ضربه فيه، ويتهم إذا شهد عليه في الخصومة التي ضربه فيها أو في شيء مما جر إليها أنه إنما شهد عليه ليحقق عليه المعنى الذي ضربه من أجله فيسقط عن نفسه الظنة في ضربه إياه، قال أصبغ في الواضحة: ولو شهد المضروب عند وال غيره على حق فأعلمه أنه غير عدل، وأني قد ضربته حدا من حدود الله فإني أرى أن ترد شهادته بقوله وحده، وأما بعد عزله فلا يجوز ذلك عليه شهادته ليجرحه بذلك؛ لأنه يريد أن ينفذ حكمه عليه بشهادته، وقول أصبغ هذا نحو قول ابن الماجشون في كتاب القاضي إلى القاضي بتعديل الشاهد من أهل عمله معارض لرواية أصبغ عن ابن القاسم في كتاب الأقضية، وقد مضى القول على ذلك مشروحا فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: العدل يشهد على الرجل فيريد المشهود عليه أن يجرحه] مسألة وسألته عن الرجل العدل يشهد على الرجل، فيريد المشهود عليه أن يجرحه بأن زعم أن الشاهد ينتمي إلى أب لم يلحق به نسبه فيكشف القاضي أمره، فإذا الشاهد ابن أمة رجل مات عنها وقد ولدت هذا الشاهد في حياته أو هي حامل فولدت بعد موته فزعمت أن حملها كان من سيدها فأقره الورثة وأقروا أمه ولم يقروا لها [بإلحاق] هذا الشاهد بأبيهم ولم يقسموا له ميراثا غير أنهم

مسألة: يدعي المقضي عليه أنه وجد عدولا يجرحون بعض الذين قطع القاضي بشهادتهم

لم يدعوا رقبته ولا رقبة أمه، سكت الورثة عنها فانتسب لهذه الشبهة، ولم ينكر عليه بنو الرجل إذ لم يكلفهم سهمه فكان أمرهم على أن سكت بعضهم عن بعض. فقلت: أتراه مجرحا بهذا الانتماء وهو معروف بالعدالة؟ فقال: أرى أن يسأل عنه بنو الميت، فإن أقروا له بالنسب لم يضره ترك الميراث وجازت شهادته، وإن لم يقروا له ولم تقم له بينة على إقرار الميت بوطء الأمة رأيته مجرحا بهذا؛ لأن عتاقته لا تثبت إلا بثبات النسب. قلت: أرأيت إن كان الورثة أعتقوه وأمه وهم ينكرون نسبه وهو عدل غير أنه مقيم على الانتماء إلى الميت أترى ألا تجوز شهادته ما كان مقيما على الانتماء الذي لم يثبت له؟ قال: إني أراه مستحقا بذلك وما أحب أن تمضي شهادة مثل هذا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، والمعنى فيها أن الأمة كانت ممن لا تصلح للفراش، فلذلك لم يلحق السيد ولدها، ولو كانت ممن تصلح للفراش للحقه الولد وورث إلا أن يشهد عليه أنه مات على استبرائها أو أنه لم يطأ فلا يلزمه الولد حيا كان أو ميتا وإن كانت تصلح للفراش، قاله ابن دحون، وهو صحيح، وبالله التوفيق. [مسألة: يدعي المقضي عليه أنه وجد عدولا يجرحون بعض الذين قطع القاضي بشهادتهم] مسألة وسألته: عن القاضي يقضي للرجل ويسجل له بذلك ويشهد له عليه فيدعي المقضي عليه أنه وجد عدولا يجرحون بعض الذين قطع القاضي بشهادتهم ذلك الحق عليه، أترى أن يمكنه من ذلك؟ فقال: نعم، إن رأى القاضي لذلك وجها فيما يحتج به الخصم ويدعيه مثل أن يقول: والله ما كنت علمت بسوء حال

هؤلاء الذين شهدوا علي، ما كان سكوتي عنهم إلا جهالة بحالهم، فلما أنبأني بحالهم عدول ممن يعرفهم ادعيت فسادهم، فإذا ادعى هذا ونحوه وتبين للقاضي أنه غير ملد نظر له. قلت: أرأيت إن مات القاضي أو عزل أيجوز للذي ولي بعده أن يدعو بالتجريح الذي كان ادعاه عند الأول؟ قال: نعم، هو في ذلك بمنزلة الذي كان قبله، قال: ولو لم يدعه القاضي الأول بالتجريح ما كان للذي خلف مكانه أن يمكنه من ذلك ولا يتعقب النظر في قضاء قاض عدل قد أنفذه قبله، قلت: أرأيت إن ادعى عند القاضي الذي ولي بعد الأول الجهالة بحال الشهداء مثل الذي ادعى عند الأول حين رأيت أن ينظر له الأول بعده، فادعى مثل ذلك عند القاضي الثاني أترى أن ينظر له ولم يدع ذلك عند الأول؟. قال الإمام القاضي: قوله: إن القاضي يمكن المقضى عليه بعد التسجيل عليه بالقضاء من التجريح إذا كان لما ادعاه وجه هو مثل ما في الأقضية من المدونة، وسكت عن الجواب إذا قام بذلك عند من ولي بعده دون أن يدعي ما قام به عند الأول، وفي ذلك اختلاف، قيل: إنه يمكنه مما دعا إليه كما كان يمكنه الأول منه، وكذلك وقع في بعض الروايات، يفعل في هذا مثل ما كان يفعل في الأول، وقال ابن المواز وغيره ليس ذلك له؛ لأنه حكم قد وقع، وقد قيل: إن الأول لا يمكنه من ذلك بعد أن ابتدأ الحكم عليه بالقضاء، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يمكنه من ذلك هو ومن بعده. والثاني: أنه لا يمكنه من ذلك لا هو ولا من بعده. والثالث: أنه يمكنه من ذلك هو ولا يمكنه منه من بعده، وهذا في المطلوب، وأما الطالب ففيه قول رابع سوى هذه الثلاثة الأقوال، وهو قول

مسألة: شهادة شاهدين من المسلوبين على الذين سلبوهم

ابن الماجشون؛ لأنه فرق بين أن يعجز في أول قيامه قبل أن يجب على المطلوب عمل، وبين أن يعجز بعد أن وجب على المطلوب عمل ثم رجع على الطالب، وقد مضى هذا في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح، وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا عجزه القاضي بإقراره على نفسه بالعجز، وأما إذا عجزه السلطان بعد التلوم والإعذار وهو يدعي أن له حجة فلا يقبل منه ما أتى به بعد ذلك من حجة؛ لأن ذلك قد رد من قوله قبل نفوذ الحكم عليه، فلا يسمع منه بعد نفوذه عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة شاهدين من المسلوبين على الذين سلبوهم] مسألة وسئل: عن الرجلين يعرض لهما اللصوص فيسلبونهما فيشهدان أن هؤلاء اللصوص سلبونا هذا المتاع وهذه الدواب لمتاع أو دواب قائمة في أيدي اللصوص بعينها، فقال: يقام عليهم بشهادتهما حد المحاربين ولا يستحقان ذلك المتاع والدواب إلا بشهيدين سواهما أو بشاهد يحلفان معه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة اختلف في تأويلها، فقيل فيها: إنها مخالفة لما في المدونة إذ لم يقل فيها: إنه يحلف كل واحد منهما مع شهادة صاحبه ويستحق متاعه ودوابه على قياس قوله في كتاب السرقة منها إنه يقام على المحاربين الحد بشهادة الذين شهدوا عليهم أنهم قطعوا عليهم الطريق وأخذوا أموالهم ويعطوا المال بشهادة بعضهم لبعض ولا يقبل شهادة أحد منهم في مال نفسه أنه أخذ منه، وقيل: إنها ليست مخالفة لها والمعنى فيها أنهما شريكان في المتاع والدواب، فلذلك لم تجز شهادة واحد منهما لصاحبه، إذ لا يختص بشيء من المتاع والدواب دونه، وقيل: إنهما يستحقان الدواب والمتاع بشهادتهما، وإن كانا شريكين فيهما، وهو الذي يأتي على ما حكى ابن حبيب عن مطرف وروايته عن مالك في أن شهادة شاهدين من المسلوبين على الذين سلبوهم جائزة في الحد وفي المال لأنفسهما ولأصحابهما؛ لأن شهادتهما إذا جازت في الحد جازت في المال

لأنفسهما ولغيرهما، إذ لا يصح أن يجاز بعض الشهادة ويرد بعضها، وقد قيل: إن شهادتهما لا تجوز في الحد ولا في المال لغيرهما إذا لم تجز لأنفسهما؛ لأن من اتهم في بعض شهادته بطلت [شهادته] كلها، وهو قول أصبغ، فيتحصل في شهادة المسلوبين على السالبين بالسلب والمال أربعة أقوال؛ أحدها: أن شهادتهم عليهم جائزة بالسلب والمال لأنفسهم ولمن سواهم فيقام الحد على السالبين بشهادتهم ويقضى بما شهدوا به من المال لهم ولمن سواهم، وهو قول مطرف وروايته عن مالك. والثاني: أن شهادتهم لا تجوز لا في الحد ولا في المال لا لأنفسهم ولا لمن سواهم، وهو قول أصبغ. والثالث: أن شهادتهم تجوز في الحد وفي المال لغيرهم ولا تجوز لأنفسهم، فإن كان الشهود أربعة قضي للاثنين منهم بشهادة الاثنين وللاثنين بشهادة الاثنين، وإن كانوا اثنين قضي لكل واحد منهما بشهادة صاحبه مع يمينه، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة. والرابع: أنه لا يجوز في ذلك أقل من أربعة شهداء، وإنما تجوز شهادتهم في الحد وفي أموال الرفقة ولا تجوز في أموال الشهداء، وهذا كله إنما هو إذا شهدوا فقالوا: سلبونا فأخذوا منا هذا المال وهذا المتاع والجارية لفلان والدابة لفلان والثوب لفلان وكذا لفلان وكذا لفلان وكان الذي شهد به الشهود من ذلك لأنفسهم كثيرا، وأما إن كان الذي شهدوا به لأنفسهم من ذلك يسيرا لا يتهمون عليه فشهادتهم جائزة في الجميع لهم ولغيرهم، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي في الوصية لموضع الضرورة في ذلك ولموضع الضرورة فيه وقع الاختلاف المذكور إذا كان الذي يشهد به الشاهد لنفسه كثيرا، فمن لم يراع الضرورة وأعمل التهمة أبطل الشهادة في الجميع، ومن راعى الضرورة وأسقط التهمة أعمل الشهادة في الجميع، وعلى هذا يأتي ما في المدونة؛ لأنه لم يبطل شهادة الشاهد لنفسه من جهة التهمة، وإنما أبطلها من أجل أنه لا تجوز في السنة شهادة أحد لنفسه، والشهادة إذا بطل بعضها للسنة لم يبطل جميعها على المشهور في

مسألة: الشهود الأربعة إذا اختلفوا في الطلاق

المذهب، ولو شهد على السالبين بالسلب دون المال لم يختلف في إجازة شهادتهم عليهم في الحد ولا في شهادة بعضهم لبعض بعد ذلك فيما وجد بأيديهم من المال، وسيأتي من هذا المعنى في نوازل سحنون ونوازل أصبغ، وبالله التوفيق. [مسألة: الشهود الأربعة إذا اختلفوا في الطلاق] مسألة قال: وسمعت مالكا قال في أربعة نفر كانوا في مجلس واحد فأتوا السلطان فشهد رجلان منهم أن رجلا كان معهم جالسا حلف بطلاق امرأته البتة أو اثنتين، وقال الآخران: نشهد أنه ما طلق إلا واحدة، وكلهم يزعم أن طلاقه الذي سمعوا منه إنما كان في كلام واحد، فقال: تطلق عليه بشهادة اللذين أثبتا الأكثر من الطلاق، وكذلك لو قال اثنان: نشهد أنه أعتق غلاميه زيدا وميمونا، وقال الآخران: نشهد لما تقول ولا تكلم بغير عتاقة زيد وحده إنه يعتق عليه زيد وميمون بشهادة اللذين أثبتا ذلك عليه، قال: وإنما مثل ذلك عندنا كمثل رجل ادعى أنه أسلف رجلا عشرين دينارا فجاء بأربعة شهداء عدول مرضيين أشهدهم عليه في مجلس واحد حين دفع السلف إليه فشهد اثنان بالله لأسلفه عشرين دينارا بحضرتنا جميعا، وقال الآخران: نشهد بالله لما أسلفه يومئذ بحضرتنا حتى افترقنا إلا عشرة دنانير، فوجه الجواب الذي مضى به الأمر في هذا أن يؤخذ بالعشرين الدينار؛ لأن اللذين شهدا له بها أثبتا وحفظا ما أغفله الآخران أو نسياه، فالشاهدان بالأكثر أحق بالتصديق؛ لأن البينة على المدعي فيما جاء به من شاهد على تصديق دعواه حكم له بشهادته إذا كان عدلا، قال ابن القاسم:

ولكن لو أن أربعة نفر شهد منهم رجلان على رجل أنه طلق امرأته وشهد الآخران أنه لم يتفوه في مجلسه ذلك بشيء من الطلاق ولكنه حلف بعتق غلام له سمياه لم أر لهم شهادة أجمعين لا في طلاق ولا في عتاق؛ لأن بعضهم أكذب بعضا، وهو الذي سمعناه، قال: وإن اختلفوا فقال بعضهم: نشهد أنه طلق امرأته فلانة أو أعتق غلامه فلانا، وقال الآخران: نشهد أنه ما ذكر امرأته فلانة حتى تفرقنا، وما حلف بطلاقها، ولكنه حلف بطلاق امرأته فلانة يريدون امرأة أخرى، وقالوا: نشهد ما أعتق الذي شهدتم له بالعتاقة، دلكنه أعتق فلانا آخر فإن الشهادة تبطل وتسقط من قول الأولين والآخرين في العتاق والطلاق على هذا النحو؛ لأن بعضهم أكذب بعضا. قال محمد بن رشد: قوله: في الشهود الأربعة إذا اختلفوا في الطلاق فشهد الاثنان منهم أنه حلف بطلاق امرأته البتة أو اثنتين، وقال الآخران: لم يطلق إلا واحدة أنه يؤخذ بشهادة اللذين أثبتا الأكثر من الطلاق يدل على أن البتة عنده تتبعض، وهو قول أشهب وسحنون، وعليه يأتي ما في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة من تلفيق شهادة الشهود إذا شهد أحدهم بالثلاث والآخر بالبتة خلاف قول أصبغ في نوازله من كتاب الأيمان بالطلاق وما حكى ابن حبيب عن ابن القاسم وما في كتاب ابن المواز وفي المبسوطة لمالك من أن البتة لا تتبعض، وقوله: إنه يؤخذ بشهادة اللذين أثبتا الأكثر من عدد الطلاق أو عدد المال هو المشهور من مذهب ابن القاسم، وقد رأى ذلك في أحد قوليه تكاذبا وتهاترا، والقولان قائمان من المدونة، وفي المسألة قول ثالث وهو الفرق بين أن تكون الزيادة بزيادة لفظ مثل أن يشهد الشاهدان أنه أقر له بعشرين، ويقول الآخران: بل أقر له بأحد وعشرين، أو بغير زيادة لفظ مثل أن يقول الشاهدان: أقر له بتسعة عشر، وقال الآخران: بل أقر له بعشرين، وهي تفرقة لها وجه من النظر. وفي قوله: شهد اثنان بالله لأسلفه، وقال الآخران: نشهد بالله لما أسلفه إجازة الشهادة

مسألة: تكون بينهما الجارية فيشهد أحدهما أن شريكه وطئها فأحبلها

مع اليمين خلاف ما في كتاب ابن شعبان من أنه لا تقبل شهادة من شهد وحلف، والصواب: أن لا تبطل بذلك شهادته إلا أن يتبين من يمينه أن له شهودا قبل المشهود عليه؛ لأن الله تبارك وتعالى قد أمر نبيه باليمين فيما أمره به من الشهادة في غير ما آية من كتابه فقال: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] وقال: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس: 53] وأما إذا شهدت إحدى البينتين بخلاف ما شهدت به البينة الأخرى مثل أن تشهد إحداهما بعتق، والثانية بطلاق، أو إحداهما بطلاق امرأة، والثانية بطلاق امرأة أخرى، أو إحداهما بعتق عبد والثانية بعتق عبد آخر، أو إحداهما بعرض والثانية بعتق وما أشبه ذلك فهذا لم يختلف فيه قول ابن القاسم ولا قول مالك في رواية المصريين عنه في أن ذلك تكاذب وتهاتر يحكم به بأعدل البينتين، فإن تكافأتا في العدالة سقطتا جميعا. وروى المدنيون عن مالك أنه يقضي بالبينتين جميعا استوتا في العدالة أو كانت إحداهما أعدل من الأخرى، وقد مضى هذا المعنى في نوازل أصبغ من كتاب التخيير والتمليك، وسيأتي في نوازل سحنون من هذا الكتاب، وبالله التوفيق. [مسألة: تكون بينهما الجارية فيشهد أحدهما أن شريكه وطئها فأحبلها] مسألة وسئل: عن الرجلين تكون بينهما الجارية فيشهد أحدهما أن شريكه وطئها فأحبلها، قال ابن القاسم: إن كان المشهود عليه مليا فلا سبيل للشاهد إليها؛ لأنه إنما جحده ما كان يحكم عليه به من نصف قيمتها، وإن كان معدما كان له نصف رقبتها ولم يكن له إلى ولدها سبيل، واتبعه بنصف قيمة الولد إن أقر به يوما ما. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة إن المشهود عليه إن كان مليا فلا سبيل للشاهد إليها؛ لأنه إنما جحده ما كان يحكم له به

مسألة: يأتي القوم بذكر حق كتبه على نفسه لرجل غائب فيشهدهم على نفسه بما فيه

عليه من نصف قيمتها صحيح لا يدخل فيه اختلاف قول ابن القاسم في هل يعتق نصيبه عليه إذا شهد على شريكه أنه أعتق نصيبه وهو موسر أم لا يعتق عليه ويبقى بيده ملكا له حسبما مضى القول فيه في رسم العتق من سماع عيسى، وسيأتي في رسم المكاتب من هذا السماع، إلا أنه لم يبين ماذا يكون الحكم في نصيبه إذا لم يكن له إليه سبيل، والحكم في ذلك أن يكون موقوفا؛ لأنه مقر لشريكه وشريكه ينكر ذلك، ويقول: بل هو لك ملكا، فإن أقر الشريك بأنه أحبلها كانت أم ولد له وغرم له نصف قيمتها، وإن لم يقر حتى يموت عتق حينئذ النصف الموقوف، وإنما لم يعتق في حياة المشهود عليه من أجل أنه إن أقر كانت له أم ولد وغرم القيمة للشاهد فكيف يعتق أم ولد رجل لكن يوقف ذلك النصف ويبقى نصفها الثاني بيد المشهود عليه رقيقا يبيعه إن شاء ويفعل به ما شاء مما يفعله ذو الملك في ملكه هو وورثته بعده. وأما قوله: إن كان معدما كان له نصف رقبتها واتبعه بنصف قيمة الولد إن أقر به يوما ما فهو على القول بأن الأمة بين الشريكين إذا وطئها أحدهما فأحبلها ولا مال له يباع نصفها للذي لم يطأ في نصف القمة، فإن كان فيه نقصان عن نصف قيمتها يوم حملت اتبعه بما نقص من نصف القيمة واتبعه أيضا بنصف قيمة الولد، وأما على القول: بأنه يتبعه بنصف قيمتها يوم حملت ولا يكون له عليه شيء من قيمة الولد فالجواب في ذلك على ما تقدم إذا كان مليا سواء، وهذان القولان في الأمة بين الشريكين يطؤها أحدهما فتحمل ولا مال له لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في آخر كتاب أمهات الأولاد من المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: يأتي القوم بذكر حق كتبه على نفسه لرجل غائب فيشهدهم على نفسه بما فيه] مسألة وقال في رجل يأتي القوم بذكر حق كتبه على نفسه لرجل غائب فيشهدهم على نفسه بما فيه، قال: لا أرى للقوم أن يكتبوا شهادتهم في الذكر الحق يكون على هذا الوجه في غيبة من كتب لأني أخاف أن يريد هذا الكتاب الذي كتبه على نفسه للغائب أن

مسألة: يوصي بثلث ماله لرجل ولم يشهد إلا شاهد واحد

يستوجب مخالطته لتجب عليه اليمين إن ادعى بشيء عليه يريد أن يعنته بتلك اليمين فعسى أن يفتدي منه بأضعاف ما أقر له به على نفسه مما لم يحضره ولم يقبل إقراره له فيه، ولكن ليكتب القوم القصة على حالها يذكرون إقراره لهذا الغائب بما أقر له به ويذكرون مغيب الآخر عنه، فإن جاء الغائب فصدقه وأراد قبض ما أقر له به لزم المقر إقراره ولزمت الغائب بذلك مخالطته واستوجب به إن ادعى قبله شيئا استحلافه، وإن أنكر ما كان من إقراره له وترك اقتضاءه ذلك لم يلزمه بالذي صنع المقر خلطة يستوجب بها إحلافه إن ادعى شيئا قبله، وهي في سماع ابن القاسم في كتاب أوله حلف ألا يبيع سلعة سماها. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن المعاملة الواحدة خلطة توجب اليمين خلاف رواية أصبغ عن ابن القاسم في رسم القضاء المحض من سماع أصبغ من كتاب الأقضية، وقد قيل: إن رواية يحيى هذه تفسير رواية أصبغ فيكون المعنى فيها أنها قد تضاف هذه المعاملة إلى معاملة قبلها فتصير بذلك خلطة، ولا أقول إنها مخالفة لها ولا إن رواية أصبغ مفسرة لها، وإنما أقول إنها مسألة أخرى؛ لأنه تكلم في رواية أصبغ على أنهما تقابضا وتناجزا، وتكلم في هذه الرواية على المبايعة بالدين، فالمبايعة الواحدة لا توجب الخلطة إذا كانت بالنقد والتناجز على رواية أصبغ يوجبها إذا كانت بالدين على هذه الرواية، وإنما الخلاف عندي إذا كانت المبايعة الواحدة بالنقد فلم يقع النقد ولا حصل التناجز، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في سماع أصبغ المذكور من كتاب الأقضية، فلا معنى لإعادة شيء منه، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بثلث ماله لرجل ولم يشهد إلا شاهد واحد] مسألة وقال في الرجل يوصي بثلث ماله لرجل: إنه إن لم يقم

بذلك إلا شاهدا واحدا حلف الموصى له مع شاهده واستحق الوصية، قال: وإن أوصى به في سبيل الله أو المساكين أو القبيلة من القبائل أو ما أشبه ذلك من الأمر المفترق والذي لا يحاط بعدة أهله ولا يشهد على الوصية إلا شاهد واحد إنه ليس لأحد من الغزاة أن يحلف مع الشاهد ويستحق بذلك ما أوصى به الرجل في سبيل الله، وليس لأحد من المساكين أن يحلف عن جميع المساكين ولا عن نفسه يريد أن يستحق الوصية بيمينه مع الشاهد؛ لأنه لا يدري ما يصير له من ذلك لو ثبت، وكذلك ما أوصى به لقبيلة أو لكل ما لا يحصى عددهم ولا يحاط بعلمهم.. قال الإمام القاضي: أما الموصى له الواحد فلا اختلاف أنه يحلف مع الشاهد ويستحق وصيته، وكذلك الجماعة المعينون المسمون يحلف كل واحد منهم ويستحق حقه من الوصية، وإن مات واحد منهم حلف كل واحد من ورثته واستحق ما يجب له من الوصية، وأما إذا أوصى للمساكين أو في السبيل أو لبني زهرة أو لبني تميم أو لقريش أو للأنصار أو ما أشبه ذلك مما لا يحصى ولا يعرف، وإنما الواجب أن تكون الوصية لمن حضر منهم على الاجتهاد، فلا اختلاف في أنه لا يمين في ذلك مع الشاهد، ويختلف إذا أوصى لمن يحصرهم العدد كإلى فلان ومساكين إلى فلان وما أشبه ذلك، فقيل: إنه يحلف جلهم ويستحقون الوصية لأنفسهم ولمن غاب منهم، وقيل: إنه لا يمين في ذلك مع الشاهد، والقولان قائمان من كتاب الوصايا الثاني من المدونة في الذي يوصي لأخواله وأولادهم، وكذلك يختلف في الحبس المعقب، ففي كتاب ابن المواز أن اليمين لا تصلح فيه مع الشاهد، وقال عبد الملك عن مالك إذا حلف الجل منهم نفذت الوصية عليهم وعلى غائبهم إن قدم ومولودهم إذا ولد وفي السبيل بعدهم، وروى عنه ابن حبيب قال: يحلف من أهل الصدقة رجل واحد مع

: الصبي يقوم له شاهد أن أباه كان تصدق عليه بغلام ويشهد آخر أن أباه كان نحله إياه

الشاهد وتنفذ له ولأهلها ولمن يأتي. قال عن مالك أيضا: وإن باد شهودها ولم يثبت إلا بالسماع حلف أيضا واحد من أهلها مع الذين شهدوا بالسماع بأنهم لم يزالوا يسمعون من العدول أنها حبس على بني فلان ثم تستحق حبسا، وبالله التوفيق. [: الصبي يقوم له شاهد أن أباه كان تصدق عليه بغلام ويشهد آخر أن أباه كان نحله إياه] ومن كتاب كراء الدور والمزارع قال يحيى: قال ابن القاسم في الصبي يقوم له شاهد أن أباه كان تصدق عليه بغلام ويشهد آخر أن أباه كان نحله إياه. قال محمد بن رشد: هذه المسألة وقعت ههنا ساقطة الجواب، ووقعت في سماع سحنون ومحمد بن خالد كاملة الجواب، وقد مضى القول عليها مستوفى في رسم العرية من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهدان على حكم قاض فيقول أحدهما بشهادتي حكم القاضي مع غيري] مسألة وفي الشهيدين يشهدان للرجل أن قاضيا من القضاة مات أو عزل وقضى له بكذا وكذا، وأن ذلك القاضي إنما قضى بذلك الحق بشهادتهما فيه، قال: أرى شهادتهما جائزة، وما أرى أمرا أتهمهما فيه، قيل له: أما ترى أنهما قد شهدا لأنفسهما بأن القاضي الأول قد قبل شهادتهما وقطع الحق بهما فيتهمان من أجل ذلك؟ فقال: ما أرى هذه تهمة أرد بها شهادتهما، وما أراهما جرا إلى أنفسهما شيئا يتهمان فيه، وسئل عنها سحنون فقال: سمعت ابن القاسم يقول في الرجلين يشهدان على حكم قاض فيقول أحدهما بشهادتي حكم القاضي مع غيري فلا تجوز شهادتهما على الحكم؛ لأنه يريد إمضاء شهادته، قال ابن القاسم: ولو كان اللذان شهدا على الحكم قالا بشهادتهما حكم القاضي عليه وأشهدنا على

: ثلاثة نفر شهدوا على رجل أنهم رأوه يزني فجلدوا الحد فجاء من الغد رابع

حكمه رأيتها جائزة؛ لأنه كان يحكم بشهادتهما لو لم يشهدا على الحكم، فمن ثم رأيتها جائزة. قال القاضي: ظاهر رواية سحنون أن شهادتهما لا تجوز على الحكم وتجوز على أصل الشهادة فيحكم القاضي الذي شهدا عنده بشهادتهما، وهو قول مطرف في الواضحة، وقال ابن الماجشون وابن نافع وأصبغ لا تجوز في ذلك شهادتهما على حال لا على أصل الشهادة ولا على [أصل] الحكم بها؛ لأنها إذا سقطت في الحكم بما اتهما فيه سقطت كلها، واختار ذلك ابن حبيب، وظاهر رواية يحيى أن الشهادة على الحكم جائزة، بل هو نص جلي، فهي ثلاثة أقوال في المسألة أظهرها كلها رواية يحيى لبعد التهمة فيها؛ لأن قولهما إن ذلك القاضي إنما قضى بذلك الحق بشهادتهما فيه زيادة لو سكتا عنها لم تفتقر إليها الشهادة فوجب ألا تؤثر في إبطال الشهادة، ولبعد التهمة فيها قصرها في رواية سحنون على موضعها خاصة ولم يعدها إلى أصل الشهادة كما لا تعد إلى غيرها، ووجه القول الثالث: أن أصل الشهادة وفرعها كشيء واحد، فإذا بطلت في البعض بطلت في الكل، وبالله التوفيق. [: ثلاثة نفر شهدوا على رجل أنهم رأوه يزني فجلدوا الحد فجاء من الغد رابع] ومن كتاب المكاتب قال يحيى: وسألته عن ثلاثة نفر شهدوا على رجل أنهم رأوه يزني فجلدوا الحد فجاء من الغد رابع عدل زعم أنه كان معهم إذ رأوه يزني، أترى أن تقبل شهادتهم بعد الضرب ويكونون عدولا على حالهم قبل أن يضربوا؟ فقال: نعم، تقبل شهادتهم وتشهر عدالتهم ويعلم الناس أن قد سقط التجريح عنهم وتمت شهادتهم بالرابع. قال الإمام القاضي: هذا خلاف ما مضى من قوله في أول رسم من

مسألة: يشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه وينكران ذلك

سماع عيسى، فليس هذا وجه الشهادة إلا أن يأتوا جميعا، فالذي يأتي على ما في سماع يحيى أن يحد الرابع إلا أن يأتوا جميعا، وهو قول محمد بن المواز، ولو جاء الشاهد الرابع على رواية يحيى هذه قبل أن يحد الثلاثة سقط الحد عنهم وحد المشهود عليه بالزنى، وقد نص على ذلك ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وقد مضى بقية القول في هذه المسألة في سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه وينكران ذلك] مسألة وسألته: عن الشريكين في العبد يشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه وينكران ذلك، فقال: إن كان لا مال لهما غيره فلا شيء على واحد منهما، وإن كانا موسرين فلا ينبغي لواحد منهما أن يسترقه، وذلك أن كل واحد منهما مقر أنه حر يعتق على صاحبه يغرم نصف قيمته، فإنما كل واحد منهما متبع لصاحبه بالقيمة التي لو أقر بالذي شهد به عليه غرمها له وكان العبد حرا كله، قال: وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فلا شيء على الموسر، وأما المعسر فلا ينبغي أن يسترق منه شيئا؛ لأنه قد شهد أنه حر على صاحبه، قلت: أرأيت إن ملكه أحدهما يوما ما ملكا تاما؟ قال: أراه عتيقا كله وولاؤه لشريكه الذي كان شهد هو عليه إلا أن يملكه الموسر الذي شهد على المعسر فلا يعتق منه إلا النصف الذي كان تملكه المعسر، وذلك أنه لو أقر بالذي شهد عليه لم يعتق عليه منه إلا نصفه. قال محمد بن رشد: قوله: إنهما إن كانا موسرين لم يسترق واحد منهما نصيبه، وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا استرق الموسر نصيبه ولم يسترق المعسر نصيبه هو [مثل] أحد قولي ابن القاسم في كتاب

: شهادة السائل المتكفف

العتق الثاني من المدونة، وقد مضى القول على هذا المعنى مبينا مشروحا في رسم العتق من سماع عيسى، وقوله: أرأيت إن ملكه أحدهما يوما ما ملكا تاما [معناه أرأيت إن ملك الشاهد منهما نصيب المشهود عليه قبل أن يعتق عليه نصيبه إن كان المشهود عليه موسرا فكمل جميعه له] قال: أراه عتيقا كله وولاؤه لشريكه الذي كان شهد هو عليه، معناه أنه يعتق كله عليه، نصف القديم بالشهادة على شريكه أنه أعتق نصيبه وهو موسر لما يوجب ذلك من تقديمه عليه وعتقه فكان إنما جحده القيمة، والنصف الذي اشتراه من شريكه بإقراره أنه حر يعتق شريكه إياه وولاؤه كله للشريك المشهود عليه؛ لأنه مقر أنه حر من عتاقته، وأما إن كان المشهود عليه معسرا فاشترى الشاهد نصيبه فلا يعتق عليه إلا النصف الذي اشتراه من شريكه المعسر كما قال لأن نصيبه الذي كان له أولا لا شيء عليه فيه بشهادته على معسر، وبالله التوفيق. [: شهادة السائل المتكفف] ومن كتاب الأقضية قال يحيى: وسألت ابن وهب عن الرجل الحسن الوجه الظاهر الصلاح يسأل الصدقة مما يتصدق به على أهل الحاجات، أو يأتي الرجل الشريف فيسأله أن يتصدق عليه، أتجوز شهادته وهو لا يتكفف الناس إذا كان عدلا، وهو معروف بالمسألة غير أنه لا يتكفف العامة، قال: إذا كان معروفا بالمسألة فهو غير جائز الشهادة، وإن لم يتكفف وإن كان عدلا، وسألته بعد يوم أجاب في ذلك فكان فيما كتب إليه أن سأله عن الرجل الذي لا بأس به وهو ممن يتصدق عليه ويطلب الأخذ من الصدقة إذا خرجت من عند إمام أو فرقت وصية الرجل أو ما أشبهه، يطلب الأخذ من مثل

هذا الوجه بكل ما يقدر عليه وليس يتكفف الناس، فقال: ما أرى مثل هذا إلا متعففا عن المسألة غير متكفف الناس ولا يسأل في عامتهم، فلا أرى أن ترد شهادة مثل هذا إذا كان عدلا وإنما ترد شهادة السائل المتكفف، فأما المعترض لإخوانه المتعفف والآخذ من مثل ما وصفت فلا أرى أن ترد شهادته بذلك. قال محمد بن رشد: إنما اختلف جواب ابن وهب في هاتين المسألتين لاختلاف السؤال فيهما، وذلك أنه سأله في السؤال الأول عن الذي يسأل سؤالا مصرحا دون تعريض حتى يعرف بالسؤال فرأى ألا تجوز شهادته، ومعنى ذلك إذا سأل لغير سبب يعرف فقال في المجموعة: وأما من نزلت به مصيبة ألجأته فيسأل بعض إخوانه وليس بالمشهور بالمسألة فلا ترد شهادته، وقال ابن كنانة في المجموعة وكتاب ابن سحنون وكذلك إن رزىء برزية مثل دية وقعت عليه وشبهه من العذر لم ترد شهادته بذلك إذا كان عدلا. وسأله في السؤال الثاني عن الذي يأخذ من الصدقات ويطلب الأخذ منها بكل ما يقدر عليه من التلطف والتعرض مع التستر عن السؤال المصرح المكشوف فرأى أن تجوز شهادته، وهذا بين من ألفاظ المسألتين إذا اعترت، وقد ذهب بعض الشيوخ إلى أن ذلك اضطراب من قول ابن وهب في هذه المسألة فقال: اضطرب ابن وهب في هذه المسألة، وجواب الآخر أشكل بالأولى وجواب الأولى أشكل بالأخر فإن كان ثقل عليه سؤال الرجل الأول من الرجل الشريف أو ما يتصدق به على أهل الحاجة فكان ينبغي أن يثقل عليه أكثر طلب الثاني من وصية أو إمام كما ذكر أو ما أشبه ذلك بكل ما يقدر عليه، وكلاهما سائل لا محالة،

مسألة: شهادة لمتعرض للولاة الطالب لجوائزهم

والأول أعذر عندي وأخف؛ لأنه ليس في قوله بكل ما يقدر عليه، قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا} [البقرة: 273] إلى قوله: {إِلْحَافًا} [البقرة: 273] فدل على أنهم يسألون بغير إلحاف، والعائد على نفسه وعلى عياله بالحلال هو في سبيل الله، وهذه صفة عنهم، والله أعلم، مع أنه قد توجهت المدحة من الله عز وجل لهم، والذي أرى أن لا ترد شهادتهما إذا كانا عدلين، وفي هذا كفاية إن شاء الله. قال محمد بن رشد: هذا نص قول محمد بن حارث في هذه المسألة، وإلى قوله كان يذهب من أدركنا من الشيوخ في تأويل [قول] ابن وهب فيقولون: المسألة العامة تبطل شهادة الشاهد باتفاق، والمسألة الخاصة تبطلها على أحد قولي ابن وهب، ولا يميزون بين التصريح بالسؤال وبين التعريض به والتلطف فيه مع التستر به، وما ذهبنا إليه في تأويل المسألة من أن من عرف بالتصريح بالسؤال في خاص أو عام ردت شهادته إلا أن يكون لذلك سبب يعذر به، ومن لم يصرح بالسؤال جازت شهادته، وإن أخذ الصدقات بكل ما يقدر عليه من التعريض والإلطاف مع التستر عن السؤال أولى، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة لمتعرض للولاة الطالب لجوائزهم] مسألة وسألته: عن المتعرض للولاة الطالب لجوائزهم على حال ما يلتمس قبلهم من الصلات والأعطية إذا كان عدلا أترى أن ترد شهادته بما تعرض مما في أيديهم؟ فقال: إن طالب ما في أيدي الولاة المتعرض لهم المعروف به لغير عدل عندي؛ لأن حالات

مسألة: لشاهد يشهد عند القاضي فيسأله المشهود له أن يكتب إلى قاضي الكورة

الولاة في زمانك ما تعلم، [فإذا كان بالطلب منهم والتعرض لهم معروفا فما أرى إلا أن ترد شهادته. قال محمد بن رشد: أحاله من أمر الولاة على ما يعلم بقوله: لأن حالات الولاة في زمانك ما تعلم] ولم يبين ما ذلك الذي يعلم، والذي أراد، والله أعلم، قبح أحوالهم وسوء طريقتهم فيما يحمون، وتعديهم في كثير مما يأخذون مع تفويض الأمر إليهم في قسمة المال وإعطاء الجائزة منه لمن يستحقها، ولذلك شرط في رد شهادة من قبل جوائزهم أن يكون معروفا بالطلب لهم يريد مكثرا للأخذ منهم، ولو كانوا على غير هذا من التحجير عليهم في إعطاء المال باجتهادهم لسقطت شهادة من قبل جوائزهم وإن لم يتكرر ذلك من فعلهم إلا أن يعذروا في ذلك بجهلهم، وما يأتي لسحنون في آخر سماعه بعد هذا يبين هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: لشاهد يشهد عند القاضي فيسأله المشهود له أن يكتب إلى قاضي الكورة] مسألة وسألته عن الشاهد يشهد عند القاضي فيسأله المشهود له أن يكتب إلى قاضي الكورة التي يعرف بها الشاهد أن يعدل عنده ثم يكتب إليه بما ثبت من أمره أيلزم القاضي أن يفعل ذلك به؟ فقال: لا يلزم القاضي الذي شهد عنده الرجل أن يكتب إلى غيره من القضاة في تعديل الشاهد، وليس مثل هذا عليه، وعلى من شهد له شاهد بموضع من المواضع وعند قاض من القضاة أن بعدل شاهده حيث شهد وعند من شهد، ولكن استحب في حال النظر من القاضي المتفقد الذي يريد أن ينتهي إلى استبراء

مسألة: ادعت ما لا يثبت إلا بشهادة شهيدين فإن جاءت بشاهد عدل

ما استراب أن يتخذ في نواحي الكور رجالا عدولا مرضيين ممن يثق بحسن نظرهم ويأمن غفلتهم فيكتب إليهم يسألهم عن صلاح من شهد عنده من أهل نواحيهم، فإن جاءه بما يرضى من عدالة الشاهد أمضى بذلك شهادته، وإن لم يكن في كور الشاهد من يفزع إليه ويأمن ناحيته ويرضى صلاحه ممن يريد مساءلته عن الشاهد عنده فلا يكتبن إلا إلى أهل القناعة والرضى، وعلى المشهود له أن يعدل شاهده حيث شهد أو يدع. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم الكبش قبل هذا فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ادعت ما لا يثبت إلا بشهادة شهيدين فإن جاءت بشاهد عدل] مسألة وسألت ابن وهب: عن الجارية تدعي الحرية والمرأة الضعيفة تدعي حقا فتزعمان أن بينتهما ببلد من نواحي الكور تريد أن ترفع إلى موضع شهادتها؛ لأنها لا تقدر لضعفها على جلب البينة أفترفع أم لا يلزم ذلك خصمها؟ فقال: أما الأمة فإن جاءت بشاهد واحد عدل استوجبت به الرفع إلى موضع شاهدها الآخر ويتخذ عليها حميل ثقة بقيمتها إلى الأجل الذي يوقفها السلطان حين يرفعها، وإن لم تأت بشاهد عدل على ما ادعت من حريتها لم تستوجب ما أرادت من رفعها ولم تخرج من يد سيدها ولم يمنع من شيء مما أحله الله له منها إذا لم يكن إلا دعواها فقط، وأما المرأة التي تدعي حقا فإن كان ما تدعي مما يستحق باليمين مع

مسألة: يكون في يده المنزل فيدعيه رجل

الشاهد فإن جاءت بشاهد واحد حلفت مع شاهدها واستحقت حقها، مضت بذلك السنة، ولا رفع في مثل هذا؛ لأنها لا تستوجب الرفع إلا بعد شهادة شاهد، فإذا شهد لها شاهد استحقت حقها باليمين مع الشاهد واستغنت عن الرفع، وإن كانت ادعت ما لا يثبت إلا بشهادة شهيدين فإن جاءت بشاهد عدل استوجبت الرفع إلى موضع شاهدها، وإن لم تأت بشاهد عدل لم ترفع. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى بيانها وتحصيل القول فيها في سماع عبد الملك بن الحسن من كتاب الأقضية، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون في يده المنزل فيدعيه رجل] مسألة وسألته: عن الرجل يكون في يده المنزل فيدعيه رجل ويزعم أنه غصبه إياه وغلبه عليه، فيسأله السلطان البينة على ما ادعى فيأتي بشهداء عدول على ما ادعى من الغصب، فيدعي الذي هو في يده أنه اشتراه من الذي قامت له البينة على الغصب اشتراء صحيحا، فيسأله السلطان البينة على ما ادعى من اشترائه فيأتيه على ذلك ببينة عدول لعلهم أعدل من الذين شهدوا على الغصب، قال: قلت: أيهما أحق بالمنزل؟ قال: أرى أن من حاز منزلا وصار معروفا في يده وقامت له بينة على اشترائه من مدعيه قبله بالغصب الذي ذكرت أحق به وأولى بالقضاء له فيه من المدعي له قبله ليس في يديه شيء، وإن جاء بالبينة على الغصب لحيازته إياه وعدالة شهدائه على اشترائه منه. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الغصب فقال فيها: إن بينة الشراء أحق وأولى وإن

علم أن الغصب كان قبل الشراء، وحكى ابن حبيب في الواضحة مثله عن مطرف وابن القاسم وأصبغ إلا أنه [زاد] من قولهم متصلا بآخر المسألة إلا أن يكون الشهود الذين شهدوا على الشراء إنما شهدوا أنه اشترى منه وهو مغصوب بحاله لم يرد إليه ولم يملكه فيكون شراء مفسوخا مردودا بالغصب الذي كان قبله، ويرد الثمن الذي أخذ فيه، وقال محمد فيها: وهذا إذا علم أنه اشتراه وهو في ملك المستحق، وروى زياد عن مالك: أن من غصب منزلا أو شيئا من الأشياء فلا يجوز له أن يشتريه حتى يرده في يد أهله ويخرج منه، وقاله المدنيون، وتحصيل القول في هذه المسألة عندي أن شراء الغاصب الشيء المغصوب وهو في يده لا يخلو من ثلاثة أحوال؛ أحدها: أن يشتريه وهو على حاله من الامتناع به عن صاحبه يعلم أنه لا يرده إليه إن لم يبعه منه، فهذا لا اختلاف في أنه بيع فاسد. والثاني: أن يشتريه وهو قد طاع برده إلى صاحبه يعلم أنه إن لم يبعه منه صرفه عليه، فهذا لا اختلاف في أنه بيع صحيح. والثالث: أن لا يتحقق هل صحت عزمة الغاصب على رد الشيء المغصوب على ربه قبل الشراء أم لا؟ فهذا هو موضع الخلاف في المسألة، يحكم بفساد البيع فيه على رواية زياد عن مالك، وبذلك حكم ابن بشير في أرحا الخزان التي عند قرطبة، ولم يبح للسلطان شراءها حتى صحت لصاحبها ستة أشهر، فحكم فيه بجوازه على ظاهر هذه الرواية ورواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الغصب وظاهر ما في كتاب الصرف والغصب من المدونة وعلى ظاهر ما حكاه ابن حبيب أيضا عن مطرف وابن القاسم وأصبغ من أن البيع جائز وإن كان في يد الغاصب إلا أن يكون الشهود شهدوا أن الشراء وقع والغصب قائم بحاله، وقول محمد وهو إذا اشتراه وهو في ملك المستحق محتمل للقولين، وقد قيل: إن قوله في هذه الرواية اشتراء صحيحا معناه بالشهادة على أن البيع وقع بعد رجوعه إلى يد ربه، فهو مثل رواية زياد عن مالك، والتأويل الأول أظهر، وأما بيع الشيء المغصوب من غير الغاصب وهو في يد الغاصب فإن

مسألة: يشهدون على شهادة رجل غائب فيقطع الحق بشهادتهم على شهادته

كان الغاصب ممن لا تأخذه الأحكام مقرا بالغصب أو منكرا له فالبيع فاسد، وإن كان مقرا بالغصب ممن تأخذه الأحكام فالبيع جائز، وإن كان منكرا للغصب ممن تأخذه الأحكام يخرج ذلك على اختلاف في جواز شراء ما فيه خصومة، والقولان قائمان من المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهدون على شهادة رجل غائب فيقطع الحق بشهادتهم على شهادته] مسألة وسألته: عن القوم يشهدون على شهادة رجل غائب فيقطع الحق بشهادتهم على شهادته ثم يقدم الشاهد الغائب فينكر أن يكون قبله من ذلك العام شيئا أو يكون أشهد أحدا على شهادته فيما شهدوا به على شهادته أيمضي القاضي القضاء بهذه الشهادة؟ قال: سمعت مالكا يقول: يفسخ القضاء الذي قضى به في مثل هذا الوجه، وقال: كيف يقطع حق شهادة على شهادة رجل وهو ينكرها وينكر أن يكون أشهدهم عليها؟ فلا أرى أن يجوز مثل هذا ولا يمضي به حكم، وقد قال ابن القاسم في سماع عيسى: إذا شهد رجلان على شهادة رجل فقطع بشهادتهما الحق مع شاهد أو يمين صاحب الحق إن كان شيئا يجوز فيه شاهد ويمين أو شاهدان ثم جاء الذي شهد على شهادته فأنكر أن يكون شهد بتلك الشهادة، قال: الحكم ماض ولا غرم عليهما ولا يقبل قول الشاهد إنهما شهدا عليه بباطل، قلت: فلو كان قدم قبل أن يحكم بشهادتهما فقال هذا القول فقال: لا شهادة لهما، ويستحلف، صاحب الحق مع شهادة الثاني. قال الإمام القاضي: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في

مسألة: لا نكاح إلا بولي وشهيدي عدل

رسم يوصى لمكاتبه من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: لا نكاح إلا بولي وشهيدي عدل] مسألة قال يحيى: سألت ابن وهب عن رجل كان مقرا في صحته بنكاح امرأة وتسأل المرأة أيضا عما يزعم الرجل من نكاحه إياها فتصدقه وتقر بمثل إقراره وليس على أصل تناكحهما بينة، فمات الرجل وهو مقيم على إقراره بنكاحها فطلبت ميراثها منه أيجب لها ميراث بهذا الإقرار؟ قال: لا ميراث بينهما إلا أن تقوم بينة على أصل النكاح أو يطول زمان ذلك جدا وهما مقران كما ذكرت ومناكحتهما فاشية بقول الجيران وظاهر الذكر فأرى الميراث بينهما بذلك الذكر الفاشي مع طول الزمان، وإلا فلا ميراث بينهما، قلت: أرأيت إن كانت المرأة تخبر في حياة الرجل وصحته بما يدعيه من نكاحها ويقر به من ذلك فتنكر قوله وتجحد دعواه، فلما مات أقرت وطلبت ميراثها؟ قال: لا شيء لها؛ لأنها إنما طلبت مالا تريد أخذه بدعواها بلا بينة تقوم على أصل نكاحها، وسألت عن ذلك ابن القاسم فقال لي مثل قول ابن وهب غير أنه لم يستثن مع إقرارهما طول الزمان وظهور ذكر ذلك في الجيران ولم يره نكاحا حتى يثبت أصله بالبينة لقول عمر بن الخطاب: "لا نكاح إلا بولي وشهيدي عدل " وسألت عن ذلك أشهب فقال لي مثل قول ابن القاسم غير أنه لم يذكر قول عمر ولم يحتج به. قال محمد بن رشد: أما الولي فهو شرط في صحة العقد، وأما الإشهاد فليس بشرط في صحته ولكنه لا يتم عند المناكرة إلا به، فقول عمر بن الخطاب: " لا نكاح إلا بولي وشهيدي عدل " معناه لا نكاح يتم عند المناكرة إلا أن يكون بولي ويشهد عليه شاهدان، فإذا تقار الرجل والمرأة

على النكاح ولم تقم على أصله بينة وهما غير طارئين فلا يخلو الأمر من وجهين؛ أحدهما: أن تكون المرأة في ملكه وتحت حجابه. والثاني: أن تكون بائنة منه منقطعة عنه، فأما إذا كانت في ملكه وتحت حجابه فالميراث بينهما قائم والزوجية بينهما ثابتة إذا طال كونه معها واشتهر؛ لأنه إذا لم يطل ذلك ويشتهر فوجوده معها ريبة توجب عليهما الأدب والحد إن تقارا على الوطء ولم تكن لهما بينة على النكاح على اختلاف في وجوب الحد إذا لم يقرا بزنى، وإنما أقرا بما لو أقاما عليه البينة لم يكن عليهما شيء، ولا يؤخذ أحد بأكثر مما أقر به على نفسه، وهو أصل أشهب، وكذلك إن لم يعلم منها إقرار بما كان يقر هو به ويذكره من نكاحها بكون الميراث بينهما قائما والزوجية بينهما ثابتة؛ لأن كونها في ملكه وتحت حجابه كالإقرار منها بالنكاح أو أقوى، وأما إذا كانت بائنة منقطعة عنه فقال: إنه لا ميراث بينهما وإن طال ذلك وفشا ذكره في الجيران، و [هو] ظاهر قول ابن القاسم وأشهب في هذه الرواية، وهو بعيد؛ لأن النكاح مما تصح فيه الشهادة على السماع إذا طال الأمر ومضى من الزمان ما يبيد فيه الشهود على اختلاف بينهم في حد ذلك، وقيل: إنهما يتوارثان إذا طال ذلك وفشا ذكره في الجيران فشهدوا فيه على السماع، وهو قول ابن وهب في هذه الرواية أن الميراث بينهما بالذكر الفاشي مع طول الزمان يريد الطول الذي يبيد فيه الشهود، وأما إن لم يمض من المدة ما يبيد فيه الشهود وتجوز فيه شهادة السماع فلا اختلاف في أن الميراث لا يكون بينهما إلا أن تقوم بينة على أصل النكاح، ولو اشتهر الأمر اشتهارا يخرج عن حد الشهادة على السماع إلى حد التواتر الذي يوجب العلم لجاز للشاهد أن يشهد بذلك على انقطاع قولا واحدا، وإن لم يطل الأمر، فالاختلاف إنما هو إذا طال الأمر وشهد الشهود العدول فيه على السماع لا على القطع من ناحية

: لم يكن له شاهد فقضي على المدعي عليه باليمين فنكل عنها

السماع، ويحتمل أن يكون ابن وهب تكلم على أن الأمر اشتهر واستذاع حتى يشهد فيه الشهود على القطع، وأن ابن القاسم وأشهب إنما تكلما إذا شهد الشهود على السماع لا على القطع فلا يكون بينهما اختلاف، ويحتمل أن يكون الخلاف بينهما إنما يرجع إلى حد الطول الذي يجوز فيه شهادة السماع لا إلى نفس إجازة شهادة السماع في ذلك. وقوله في الرواية: إن المرأة إذا كانت في حياته تنكر قوله وتجحد دعواه فلما مات أرادت أن ترثه بإقراره لها بالنكاح إن ذلك لا يكون لها، يريد وإن طال ذلك وفشا في الجيران فشهد به على السماع، صحيح بين لا إشكال فيه ولا كلام لأنها قد كذبت البينة وأقرت على نفسها أنه لا ميراث لها فيه، وإنما الكلام إذا لم يعلم منها في حياته إقرار ولا إنكار، فلما مات ادعت صحة ما كان يقر به من نكاحها مع طول ذلك واشتهاره في الجيران والشهادة [به] على السماع، فالصحيح في النظر أنها ترثه بذلك إذا لم يعلم منها إنكار أو يرثها هو أيضا بذلك أعني بالشهادة على السماع مع الطول خلاف ظاهر ما في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب النكاح، وقد مضى هناك، وفي رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الأقضية طرف من القول على هذه المسألة، وبالله التوفيق. [: لم يكن له شاهد فقضي على المدعي عليه باليمين فنكل عنها] ومن كتاب أوله: أول عبد ابتاعه فهو حر وسألته: عن الرجل يقيم الشاهد الواحد على حق له قبل رجل فقال له: احلف واستحقه، فيرد اليمين على المطلوب فيحلف ويبرأ، ثم يجد صاحب الحق شاهدا آخر أيلحقه بشهادة الأول ويستحق حقه أم لا يكون ذلك له؟ فقال: ليس ذلك له إذا عرض عليه استحقاق حقه بيمينه مع شاهده فلم يقبل بذلك قطع

بحقه، وليس هو مثل الذي لا يجد بينة أو تغيب بينته فيقضي على خصمه باليمين ثم يجد البينة على حقه، أو يقدم شهداؤه الغيب فهذا الذي يستحق حقه لما يحدث له من إحضار بينته. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها أربعة أقوال؛ أحدها: ظاهر قوله في هذه الرواية إن نكوله عن اليمين مع شاهده ويمين صاحبه قطع بحقه فلا يكون له شيء، وإن أتى بشاهدين سوى الأول، وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المبسوطة. والثاني: أنه إن جاء بشاهدين سوى الأول قضي له بهما، وإن أتى بشاهد واحد لم يقض له بشيء. والثالث: أنه إن أتى بشاهدين سوى الأول قضى له بهما وإن أتى بشاهد واحد قضى له به مع الشاهد الأول وأخذ حقه دون يمين، وهو قول عيسى بن دينار ورواية ابن الماجشون عن مالك. والرابع: أنه إن أتى بشاهدين قضى له بهما، وإن أتى بشاهد واحد سوى الأول استؤنف له الحكم فحلف معه، واختلف على هذا القول إن نكل عن اليمين، فقيل: يحلف المطلوب ثانية، روي ذلك عن ابن القاسم، وقيل: لا يرد اليمين على المطلوب ثانية؛ لأنه قد حلف عليه مرة، وهو قول أحمد بن ميسر، وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يعلم أن له شاهدا سوى شاهده أو علم به وهو بعيد الغيبة في الموضع الذي يكون له أن يقدم ببينته إذا استحلف المدعى عليه ولا شاهد له. قال ابن دحون: فإن اشترط عند يمين المطلوب أنه يقوم إن وجد شاهدا آخر أو شاهدين على ذلك وحلف المطلوب فله ذلك عند الجميع، ومعنى قوله عندي إذا رضي المطلوب أن يحلف على ذلك، وأما إن لم يرض فلا يلزمه الرضى كما لا يلزمه الرضى بذلك إذا لم يكن للطالب شاهد، بل هو هنا أحرى ألا يلزمه، واختار أصبغ القول الأول، قال: ومما يبين ذلك أن لو لم يكن له شاهد فقضي على المدعي عليه باليمين فنكل عنها فردت على المدعي فنكل عنها فلم يأخذ شيئا ثم وجد بينة على دعواه أنه يقضى له بها. قال أصبغ: وهذا الذي لا أعرف غيره من قول أصحاب مالك يريد أصبغ أن المدعي كان قادرا على أن يأخذ حقه بيمينه عند نكول المدعى عليه كما كان قادرا على أخذ حقه ببينة مع شاهده، وتنظيره بين المسألتين صحيح، وإن لم

مسألة: يقتل أخوه وللمقتول أولاد هم ورثته فشهد الأخ على رجل أنه قتل أخاه

يوجد في المسألة التي احتج بها نص اختلاف بين أصحاب مالك كما زعم فإن الاختلاف عندي داخل فيها بالمعنى، فعلى قياس القول الأول لا يقضى له ببينة إن جاء بها ولا بشاهد مع يمينه، وعلى القول الثاني يقضى له ببينته إن جاء بها ولا يقضى له بشاهد مع يمينه لنكوله أولا عن اليمين، وعلى القول الثالث يقضى له ببينته إن جاء بها وشاهد مع يمينه إن جاء بشاهد واحد، وكذلك أيضا لو نكل المدعى عليه عن اليمين فغرم بعد يمين المدعي ثم وجد بينته على القضاء أو شاهدا واحد فأراد أن يحلف معه ويسترجع ما غرم لجرى الأمر في ذلك على الأقاويل الثلاثة، وقد ذهب بعض الناس إلى أن هذه المسألة معارضة لأول مسألة من رسم المكاتب، وليس ذلك عندي بصحيح، والفرق بين المسألتين أن الطالب في هذه المسألة قد رضي بترك حقه في أن يحلف مع شاهده واستحلف المطلوب فصار ذلك حكما له باليمين فلا تبطل على أحد القولين، ومسألة كتاب المكاتب الحق فيها إنما هو لله، ولا يجوز فيه إلا أربعة شهداء، فإذا شهد فيه أقل من أربعة شهداء لم تجز شهادتهم ولا كان لها حكم يتعلق بالمشهود عليه ولا بالمشهود له القائم بالشهادة، فوجب إذا جاء شاهد رابع أن يضاف إلى الثلاثة فيقام الحد على المشهود عليه ولا يحد الثلاثة إن كانوا لم يحدوا بعد، وهذا على القول بأنه ليس من شرط صحة الشهادة على الزنى أن يأتي الشهود جميعا؛ لأنه على هذا القول بمنزلة من أقام شاهدا واحدا على نسب أو على عتق فلم يحكم بشهادته، إذ لا يجوز في ذلك أقل من شهادة شاهدين حتى جاء بشاهد آخر، ولا اختلاف في أنه يضاف إلى الشاهد الأول فيحكم بشهادتهما، وقد مضى في رسم الصبرة القول في إتيان المحكوم عليه ببينة لم يعلم بها، وهي من شرح هذه، وبالله التوفيق. [مسألة: يقتل أخوه وللمقتول أولاد هم ورثته فشهد الأخ على رجل أنه قتل أخاه] مسألة وسألته: عن الأخ العدل المشهور بالصلاح يقتل أخوه وللمقتول أولاد هم ورثته، فشهد الأخ على رجل أنه قتل أخاه

: أربعة أولاد لرجل شهدوا على أبيهم بالزنى وأبوهم معدم وهم عدول

ذلك أتجوز شهادته؟ قال: لا أرى ذلك، قلت: لم؟ وإنما وارثه بنو أخيه، فشهادته الآن ليست لأخيه، إنما هي لبني الأخ، قال: أعظم إجازة شهادته في دم أخيه أو ما يجر إلى ذلك، قال: ولا تجوز شهادته أيضا في الحدود إن قذف في بدنه أو قذفت أمه، وإن كان ليس بأخيه لأمه، قال: وأجيز شهادته له في النكاح والحقوق إذا كان عدلا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: أربعة أولاد لرجل شهدوا على أبيهم بالزنى وأبوهم معدم وهم عدول] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب قال سحنون: سئل أشهب عن أربعة أولاد لرجل شهدوا على أبيهم بالزنى، وأبوهم معدم، وهم عدول، قال: يرجم الأب، قيل لأشهب: فإن كان الأب موسرا؟ قال: لا تجوز شهادتهم لمكان الميراث، وقال أصبغ: إلا أن يكون الأب إذ زنى كان بكرا فتقبل شهادتهم مليا كان أو معدما ويجلد، قال سحنون: قلت لأشهب: وكذلك لو شهدوا على أبيهم أنه قتل فلانا عمدا؟ قال: نعم والمعسر أيضا لا تجوز شهادتهم عليه؛ لأنهم يريدون الاستراحة منه لمكان النفقة عليه. قال محمد بن رشد: مساواة أشهب في هذه المسألة بين أن يشهدوا على أبيهم بزنى أو بقتل فيها نظر؛ لأن شهادتهم عليه بالقتل إذا دعوا إلى الشهادة عليه واجبة عليهم، لقول الله عز وجل:

{وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] الآية، ومستحبة لهم إذا لم يدعوا إليها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها الحديث» فوجب إذا شهدوا عليه بالقتل أن تجوز شهادتهم عليه دعوا إلى الشهادة عليه أو لم يدعوا إليها إلا أن يتهموا بجر ميراثه إلى أنفسهم، أو بالاستراحة من النفقة عليه، وشهادتهم عليه بالزنى مكروه لهم؛ لأنهم مأمورون في ذلك بالستر على أنفسهم وعلى الناس، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإنه من يبدلنا صفحته نقم عليه كتاب الله» وقال لهزال: «يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك» فالصواب أن لا تجوز شهادتهم عليه بالزنى؛ لأن ذلك عقوق منهم له إلا أن يعذروا في ذلك بجهل أو يكونوا قد دعوا إلى الشهادة عليه مثل أن يقذفه رجل بالزنى فيقوم عليه بحده فيسأل القاذف بنيه أن يشهدوا له بزناه ليسقط عنه حد القذف، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول أشهب، والله أعلم، وإذا سقطت شهادتهم عنه بأي وجه سقطت وجب الحد عليهم، وقد قاله سحنون إذا سقطت شهادتهم بالظنة، ولا فرق بين أن تسقط بالظنة أو بالجرحة، ورأى ابن لبابة شهادتهم عليه مما يوجب قتله جائزة مليا كان أو معدما، قال: ولا يتهم العدول بالميراث ولا بطرح النفقة، وهو قول له وجه في المبرز في العدالة

مسألة: الصغير يموت أبوه فيقوم له شاهد عدل أن أباه تصدق عليه بعبده فلان

البائن في الفضل في الموضع الذي يتعين عليه فيه الشهادة، ويأتي على قياس قول ابن القاسم في الإمام يشهد عنده على المرأة المحصنة أربعة بالزنى أحدهم زوجها فلا يعلم بذلك حتى يقيم عليها حد الرجم إن له الميراث منها ويحد إلا أن يلاعن خلاف قول أصبغ في أنه لا ميراث له منها، وبالله التوفيق. [مسألة: الصغير يموت أبوه فيقوم له شاهد عدل أن أباه تصدق عليه بعبده فلان] مسألة قال ابن القاسم في الصغير يموت أبوه فيقوم له شاهد عدل أن أباه تصدق عليه بعبده فلان وقبضه له وشهد له آخر أن أباه نحله إياه، قال: لا أرى شهادته واحدة، وأراها مختلفة؛ لأن النحل يعتصر، والصدقة لا تعتصر، فهذان أمران مختلفان، ثم قال: أرأيت لو أن رجلا قام له شاهد على رجل أنه أسلفه مائة دينار وقام آخر فشهد له أيضا أن له عليه مائة دينار من ثمن جارية، فكذلك مسألتك الأولى، وأرى أن يحلف مع شاهديه مع كل واحد منهما ويستحق مائته. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة ههنا وفي سماع محمد ابن خالد، ووقعت أيضا في رسم كراء المزارع والدور من سماع يحيى ساقطة الجواب، وقد مضى القول عليها مستوفى في رسم العرية من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل الواحد هل يعدل الرجل أو يجرحه] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل الواحد هل يعدل الرجل أو يجرحه؟ قال مالك: لا، قلت له: فالقاضي إذا كان له من يسأل في السر؟ قال: لا أحب للقاضي أن يسأل في السر أقل من اثنين، ولا يقبل في التعديل أقل من اثنين، ولا يقبل في السر إلا اثنين، وكذلك في العلانية.

مسألة: تزكية النساء

قال الإمام القاضي: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في أول رسم من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: تزكية النساء] مسألة وقال ابن القاسم: لا تجوز تزكية النساء ولا تجريحهن ولا شهادتهن في الهلال في رمضان ولا في الحج ولا في الفطر. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب وفي غيره من المواضع، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ثبوت شهادة الشاهد بشاهد ويمين] مسألة وقال أشهب في الرجل يقيم شاهدا على رجل أن فلانا وكله على حق له يطلبه قبل هذا الرجل أيحلف الوكيل مع شاهده أنه وكيل قال: لا يحلف الوكيل مع شاهده، وكذلك سمعت، ولا تثبت الوكالة إلا بشاهدين. قال محمد بن رشد: قوله: إن الوكالة لا تثبت بشاهد ويمين يريد وإن كانت الوكالة في المال صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها من أنه لا يجوز أن يشهد على شاهد ويحلف المدعي مع هذا الشاهد على شهادة ذلك الشاهد؛ لأن المعنى فيهما جميعا سواء، ألا ترى أن سحنون علل في المدونة المنع من ثبوت شهادة الشاهد بشاهد ويمين بأن الشاهد ليس بمال، فكذلك الوكالة ليست بمال، فعلى تعليله لا تثبت بشاهد ويمين كما لا تثبت شهادة الشاهد بشاهد ويمين، وقد قال ابن دحون: إنه يلزم من أجاز شهادة النساء على الوكالة في المال أن يجيز شاهدا ويمينا على الوكالة في المال؛ لأنها تئول إلى المال، وليس ذلك بصحيح، إذ ليس كل موضع يجوز فيه شاهد وامرأتان يجوز فيه شاهد ويمين، وإنما الذي يقول سحنون

مسألة: يشهد على الرجل وهو من أهل العدل فلا يحكم القاضي بشهادته

وابن الماجشون أن كل موضع يجوز فيه شاهد ويمين يجوز فيه شاهد وامرأتان، وهما لا يجيزان شهادة النساء في الوكالة على المال إنما يجيزانها على نفس المال وفيما لا يحضره إلا النساء، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهد على الرجل وهو من أهل العدل فلا يحكم القاضي بشهادته] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشهد على الرجل وهو من أهل العدل فلا يحكم القاضي بشهادته حتى يقع فيما بينه وبين المشهود عليه خصومة، أترى أن ترد شهادته بذلك؟ قال: لا وإنما يرد كل ما شهد به بعد الخصومة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع أشهب وفي رسم باع شاة من سماع عيسى، ويأتي في نوازل أصبغ فنتكلم عليها إذا مررنا بها إن شاء الله، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهد عليه أنه وجد به ريح شراب فيقول المتهم للقاضي إنه عدو لي] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يشهد على الرجل أنه وجد به ريح شراب فيقول المشهود عليه للقاضي إنه عدو لي مصارم، فيسأل القاضي عن ذلك رجلا والرجل يعلم أن الشاهد عدو للمشهود عليه والشاهد عدل، أترى أن يجيزه بذلك؟. قال: نعم، قيل له: فإن كان الرجل المسئول قد أقر عنده الذي وجد به ريح شراب أنه شراب أترى إذا سأله القاضي عن الشاهد أنه عدو للمشهود عليه أترى أن يجيزه بذلك؟ قال: لا يجيز بذلك حتى يقام على المشهود عليه الحد، ثم قال: أرأيت لو أن رجلا أقر عنده رجل أن لفلان عنده دنانير فشهد على ذلك الرجل بذلك الحق رجال هم أعداؤه وهم عدول، فقال المشهود عليه هم أعدائي فسأل القاضي الذي أقر عنده أهم أعداؤه وهو يعلم أينبغي

مسألة: شهادة امرأتين في جراح العمد

له أن يعلمه بذلك؟ فقال: لا أرى ذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما يأتي لسحنون في نوازله بعد هذا وخلاف ما مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم وفي أول رسم من سماع عيسى، وقد مضى القول على ذلك في الموضعين، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة امرأتين في جراح العمد] مسألة قال ابن القاسم: لا تجوز شهادة امرأتين في جراح العمد إنما تجوز في جراح الخطأ وقتل الخطأ، وسئل عنها سحنون، فقيل له: إنها ذكرت بمصر فقال: شهادة النساء في جراح العمد جائزة، وأصل قولنا في هذا أن كل ما جاز فيه اليمين مع الشاهد فشهادة النساء فيه جائزة، وما لا تجوز فيه اليمين مع الشاهد فشهادة النساء فيه ساقطة، فوجدنا اليمين مع الشاهد جائزة في جراح العمد، فمن ثم جازت شهادة النساء فيه، وهو قول ابن الماجشون، وكذلك لو شهدت امرأتان ورجل، أن رجلا أوصى بوصية للمساكين لم تجز الوصية؛ لأنه ليس فيها يمين مج الشاهد؛ لأن النساء إنما تجوز شهادتهن في كل موضع يكون فيه اليمين مع الشاهد، وهذا موضع لا يجوز فيه اليمين مع الشاهد. قال محمد بن رشد: هذا الأصل الذي التزمه سحنون وابن الماجشون من أن كل موضع يجوز فيه اليمين مع الشاهد تجوز فيه شهادة النساء لم يلتزمه ابن القاسم؛ لأنه لم يجز في هذه الرواية شهادة امرأتين في جراح العمد وهو يجيز القصاص في جراح العمد باليمين مع الشاهد، ويحتمل أن يتأول مذهبه على ذلك؛ لأن قوله اختلف في القصاص من

الجراح باليمين مع الشاهد على ما ذكرنا وحصلنا القول فيه في رسم القضاء من سماع أشهب، واختلف قوله أيضا في إجازة شهادة النساء في ذلك أيضا فقال في هذه الرواية: إن شهادتهن لا تجوز في ذلك، ووقع في المجموعة وكتاب ابن سحنون اختلاف قول ابن القاسم في ذلك، وأن الذي رجع إليه أنها لا تجوز، فيحتمل أن يقال: إنه إنما أجاز شهادة النساء في ذلك على القول بأن اليمين تكون في ذلك مع الشاهد، وأنه إنما منع من إجازة شهادة النساء في ذلك على القول بأن اليمين مع الشاهد لا يكون في ذلك [عنده] وأما قول ابن الماجشون في المنع من إجازة شهادة النساء في الوصية بالمال للمساكين فهو إغراق على طرد أصله، وليس بثابت في جميع الروايات، والصواب إجازة شهادة النساء في ذلك على أصله؛ لأن اليمين مع الشاهد إنما امتنع من أجل أن صاحب الحق غير معين لا من أجل أن الوصية بالمال لا تستحق باليمين مع الشاهد، فمذهب ابن الماجشون وسحنون أن شهادة النساء لا تجوز إلا فيما يجوز فيه الشاهد واليمين، وأن الشاهد واليمين لا يجوز إلا فيما يجوز فيه شهادة النساء، فكل موضع يجوز فيه هذا يجوز فيه هذا، وكل موضع لا يجوز فيه هذا لا يجوز فيه هذا. وأما على مذهب ابن القاسم المشهور عنه فكل موضع يجوز فيه اليمين مع الشاهد يجوز فيه شهادة النساء، وليس كل موضع يجوز فيه شهادة النساء يجوز فيه اليمين مع الشاهد، فما يجوز فيه شهادة النساء أعم وأكثر مما يجوز فيه الشاهد واليمين؛ لأن شهادة النساء تجوز عنده على الوكالة في المال وعلى شهادة الشاهد بالمال، ولا يجوز عنده في شيء من ذلك شاهد ويمين، وإذا قلنا على، مذهبه في هذه الرواية إنه يجيز القصاص باليمين مع الشاهد ولا يجيز شهادة النساء في ذلك فليس أيضا كل موضع يجوز فيه اليمين مع الشاهد تجوز فيه شهادة النساء، فعلى هذا من الأشياء ما يجوز فيه هذا وهذا، ومنها ما لا يجوز فيه هذا ولا هذا، ومنها ما يجوز فيه هذا ولا يجوز فيه هذا، وبالله التوفيق.

مسألة: لاعب الشطرنج أما المدمن عليها فلا تجوز شهادته

[مسألة: لاعب الشطرنج أما المدمن عليها فلا تجوز شهادته] مسألة وكتب إلى سحنون يسأل عن الحديث الذي ذكر عن عمر في قوله: " والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مضروبا حدا أو مجرحا في شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة " وكتب يقول: ما الحال التي يستوجب بها الرجل المسلم أن يكون عدلا يلزم من عرفه من الحكام قبول شهادته ويلزم من عرفه من أهل العدل تعديله حتى يقول فيه عند القاضي هو عندي عدل، وأنتم لا تجيزون من المعدل غير هذا القول، فقد يكون الرجل ظاهر الصلاح من أهل المساجد، وربما كان مع ذلك من أهل الحج والجهاد لا يعلم منه من جاوره إلا خيرا، أو لعله لم يخالطه في الأخذ والإعطاء فيعرف به قبح دينه، وربما كان على هذه الصفة وهو يقارب بعض الأشياء المكروهة غير الكبائر والمستشنع من الأمور، فإن قلت: إنه لا يجوز لمن قارب الذنوب أن يوصف بالعدالة والرضا، فمن هذا الذي يسلم من مقاربة الذنوب والزلل، وقد قيل: اتقوا زلة العالم، وانتظروا فيئته، فما هي هذه الزلة من العالم؟. وهل هو إذا واقعها بها مجرح ساقط الشهادة، فقد ذكر في وصية الخضر لموسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث يقول: «واستكثر من الحسنات فإنك مصيب السيئات واعمل خيرا فإنك لا بد عامل شرا» ، وهو نبي مرسل، فكيف بمن دونه من الناس؟ وقد يكون الرجل يقبل

صلة السلطان ويأكل طعامه، وسلاطين هذا الزمان من قد علمت، أتراه [لذلك] مجرحا ساقطا الشهادة؟ فإن قلت: إن ذلك لجرحة في شهادته فقد قبل جوائز السلطان من قد علمت من أئمة الهدى والعلم، قد أخذ ابن عمر جوائز الحجاج، والحجاج من قد علمت، وأخذ ابن شهاب جوائز عبد الملك بن مروان وغيره من الخلفاء، وأخذ مالك جوائز أبي جعفر، فإن قلت: إنهم كانوا يأخذون ذلك على الخوف فإن منهم من يأمن السلطان بترك الأخذ منه فلم ير إلا خيرا، وقد ذكر أن أبا جعفر أمر لمالك بثلاث صرر دنانير فاتبعه الرسول [بها] . فسقطت منها صرة في الزحام، فلما أتاه بالصرتين سأله عن الثالثة، فأنكر أن يكون أخذ غير الصرتين فلزمه مالك بالثالثة وألح عليه فيها حتى أتى بها بعض من وجدها فدفعها إليه، فمالك لم يفعل هذا إلا متطوعا، فإن رأيت طرح شهادة من أخذ من السلطان فجميع القضاة منه يرزقون وإياه يأكلون، قال سحنون: اكتب إليه: أما قولك: ما الحال التي يستوجب بها الرجل المسلم أن يكون عدلا يلزم الحكم قبول شهادته فهو الرجل المشهور بالعدالة في بلده المتواتر عليه بهذا الذي يكون عند الحكم من معرفته مثل الذي يكون عند الذي يريد تعديله وقد جازت شهادته وعرفت عدالته، وقد قال مالك: من الرجال رجال لا يسأل عنهم لشدة عدالتهم والاجتماع على ذلك منهم، فأما قولك ويلزم من عرفه عدالته ويكون الرجل ظاهر الصلاح من أهل المساجد والجهاد فلا يزكيه بذلك حتى يعرف باطنه كما عرف ظاهره ويثبت عنده من معرفة باطنه مثل الذي ثبت من

معرفة ظاهره، ولن يكون ذلك ولا يوقع على حقيقته إلا بالصحبة الطويلة والمعاملة والأخذ والإعطاء، فإذا فعل ذلك زكاه. [وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان يقال إذا مدح الرجل الرجل: أصحبته في سفر؟ أخالطته في ماله؟ كأنه يرى أنه لا يوقع على صحة معرفته إلا بالمخالطة والسفر. وأما قولك: وربما قارب بعض الأشياء المكروهة وقارب بعض الذنوب فإن ذلك لن يسلم منه أحد، وليس أحد بمعصوم من الخطأ والزلل، فإذا كان الأمر الخفيف من الزلة والفلتة لم يضره ذلك في عدالته، وقد كان مالك يقول: من الرجال رجال لا تذكر عيوبهم، يقول: يكون العيب خفيفا، والأمر كله جميل حسن، فلا يذكر اليسير الذي ليس أحد منه بمعصوم مع هذا الصلاح الكثير] وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في لاعب الشطرنج: أما المدمن عليها فلا تجوز شهادته، فإن كان ذلك منه على غير الإدمان وكان الأمر الخفيف قبلت شهادته، فلو كان من قارب هذه الذنوب التي لا يسلم منها أحد لا تقبل شهادته ما قبلت لأحد شهادة، قال: وقال الله لنبيه: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] وقد كان يقال: ليس المتقي لحدود الإسلام كاللاعب فيها، وأما قولك فقد كان يقال: اتقوا زلة العالم فزلته عندنا والله أعلم أن يبتدع بدعة فيتبع عليها، ألا ترى أنه قد قيل: اتقوا زلة العالم، فإنه إذا زل زل بزلته عالم كثير، وإذا فعل ذلك من العمال عمال أمير المؤمنين المضروب على أيديهم فهو ساقط الشهادة عندنا، وأما

الأكل فمن كان ذلك منه الزلة والفلتة فغير مردود الشهادة، وهذا من الذنوب التي وصفت لك، وأما المدمن الأكل عندهم فساقط الشهادة، وأما ما احتججت به من قبول ابن شهاب ومالك لجوائز السلطان فقد قست بغير قياس، واحتججت بما لم يحتج به من قبل أن قبول مالك لها من عند من تجري على يديه الدواوين وهو أمير المؤمنين، وجوائز الخلفاء جائزة لا شك فيها على ما شرط مالك لاجتماع الخلق على قبول العطاء من الخلفاء ممن يرضى منهم وممن لا يرضى، وجل ما يدخل بيوت الأموال بالأمر المستقيم، والذين يظلمون قليل في كثير، ولم نعلم أحدا من أهل العلم أنكر [أخذ] العطاء من زمن معاوية إلى اليوم. وأما قولك في القضاة فإنما هم أجراء للمسلمين أجروا أنفسهم [للمسلمين] فلهم أجرهم من بيت مال المسلمين، وأما ما ذكرت عن ابن عمر فقد سمعت علي بن زياد ينكر ذلك عن ابن عمر ويدفعه. قال محمد بن رشد: لم يجب سحنون على السؤال الأول من هذه المسائل في معنى ما ذكر عن عمر بن الخطاب من أن «المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا مضروبا حدا» إلى قوله وهو كلام ظاهره أن الشاهد محمول على العدالة لمجرد الإسلام، وقد تعلق بذلك أبو حنيفة، فقال: إن مجرد الإسلام يقتضي العدالة، وإن كل من أظهر الإسلام يحكم له بالعدالة وتقبل شهادته حتى يعرف فسقه، وحكى عنه أبو بكر الرازي أن ذلك في زمن أبي حنيفة؛ لأن القرن الثالث الذي أثنى عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وأما بعد القرن الثالث، فلا يكتفي في عدالة الشاهد بمجرد الإسلام، والصحيح ما ذهب إليه مالك والشافعي وأصحابهما من أن الشاهد لا تقبل شهادته بمجرد إسلامه حتى تعرف عدالته بكونه على الأحوال المرضية فيه لقول الله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فنقول: إن قول عمر بن الخطاب هذا ليس على ظاهره من وجوب قبول شهادة الشاهد بمجرد إسلامه؛ لأنا لو اتبعنا ظاهره لوجب أن نجيز شهادة المسلم وإن علمنا فسقه إذا لم يتهم في ولاء، ولا قرابة ولا علمت منه شهادة زور ولا كان مجلودا في حد، إذ لم يستثن في الحديث إلا هؤلاء الثلاثة، فلما لم يصح ذلك بالإجماع وجب ألا يحمل الحديث على ظاهره، وأن يكون المعنى الذي قصد فيه أن الإسلام شرط في قبول شهادة الشاهد كما أن البلوغ والحرية شرط في قبول شهادته، فمعنى قوله على هذا التأويل أن المسلمين هم الذين تجوز شهادة بعضهم على بعض لا الكفار، ويدل على صحة هذا التأويل قوله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول " ويحتمل أن يريد بقوله رضي

الله عنه: «المسلمون عدول بعضهم على بعض» الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لأنهم محمولون على العدالة بتعديل الله إياهم حيث يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] الآية وبقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: 29] الآية وبقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» فلما كان هذا أحكام الصحابة كان الأمر في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر على أن كل مسلم عدل؛ لأنهم كانوا أصحابه، فلما بعد العهد في آخر خلافة عمر وظهرت شهادة الزور فيمن شهد من غير الصحابة فأخبر بذلك ولم يكن ظن به قال: "والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول " وهذا التأويل أسعد بالظاهر والله أعلم، ومن تعلق بظاهر قول عمر هذا في حمل الشاهد على العدالة حتى تعرف جرحته يلزمه أن يحكم بشهادة الشاهد المجهول الحال دون تعديل في الحدود والقصاص وهو لا يقول بذلك فقد نقض أصله وسقط قوله، وإنما تبتغى العدالة في الشاهد حيث لا يعدم العدول في أغلب الأحوال، وأما حيث يعدمون كشهادة الصبيان فيما يقع فيما بينهم من الجراح والقتل، وكشهادة أهل الرفقة فيما يقع بينهم في السفر ففي ذلك اختلاف وتفصيل ليس هذا موضع ذكره، وأما قول سحنون

في صفة الشاهد الذي يجب على الحاكم قبول شهادته ويجب على من عرفه تعديله إنه المعروف بالعدالة وإن قارب بعض الذنوب والأشياء المكروهة، فإنه قول صحيح بين لا اختلاف فيه، وقد اختلف فيما يحد به العدالة من الألفاظ، وأحسن ما رأيت في ذلك أنه المجتنب للكبائر، المتوقي من الصغائر؛ لأن من واقع الكبائر فهو فاسق، ومن لم يبال بالصغائر ولا توقى منها فليس بعدل؛ لأن كل صغيرة إذا انفردت فهي كبيرة إذ قد استوجب عليها عقاب الله إلا أن يغفر له، فلا يقال فيها إنها صغيرة إلا بإضافتها إلى الكبيرة لكنه لما لم تمكن السلامة منها لم يخرج عن العدالة بالوقوع في شيء منها، وأما الأنبياء - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فهم معصومون من الكبائر، وأما الصغائر فقيل: إنهم غير معصومين منها بدليل قول الله عز وجل لنبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] والذي أقول به أنهم معصومون من القصد إلى إتيان الصغائر، كما أنهم معصومون من القصد إلى إتيان الكبائر إلا أنهم يؤاخذون لمكانتهم ومنزلتهم بما ليس بكبائر ولا صغائر في حق من سواهم، وهذا نحو قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اللهم إن هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» سأل الله عز وجل ألا يؤاخذه فيما ليس في وسعه ولا يدخل تحت طاقته وقدرته، وأن يغفر ذلك له، وإن كان الله قد تجاوز لعباده عنه بقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وقول سحنون: إن قبول الجوائز من العمال المضروب على أيديهم جرحة تسقط الشهادة والعدالة صحيح، ومعناه عندي إذا قبضوا ذلك من العمال على الجباية الذين إنما جعل عليهم قبض الأموال وتحصيلها دون وضعها في وجوهها ومواضعها

بالاجتهاد في ذلك، وأما الأمراء الذين فوض إليهم الخليفة وخليفة الخليفة قبض الأموال وجبايتها وتصريفها باجتهادهم في وجوهها ومواضعها كالحجاج وشبهه من الأمراء على البلاد المفوض جميع الأمور فيها إليهم فقبض الجوائز منهم كقبضها من الخلفاء، فإن صح أخذ ابن عمر جوائز الحجاج فهذا وجهه، وأما القضاة والأجناد والحكام فلهم أن يأخذوا أرزاقهم من العمال المضروب على أيديهم أعني العمال الذين فوض إليهم النظر في ذلك وضرب على أيديهم فيما سوى ذلك من إعطاء مال الله لمن يرونه بوجه اجتهادهم، وقد روي عن مالك أنه قال: لا بأس بجوائز الخلفاء، فأما جوائز العمال ففيها شيء، يريد، والله أعلم، العمال الذين ظاهر أمرهم أن الأمور كلها مفوضة إليهم، وأن الخليفة قد أنزله في جميعها منزلته ولم يتحقق ذلك، فلذلك قال: إن في أخذ الجوائز منهم شيء يريد أن ذلك مكروه فتركها أحسن، ولو تحقق ذلك لم يكن لكراهة أخذ الجوائز منهم وجه، كما أنه لو تحقق أنه لم يؤذن لهم في إعطاء المال باجتهادهم لمن لم يعمل عليه عملا لم يكن لتسويغ أخذ الجوائز منهم وجه، فإذا كان المجبي حلالا وعدل في القسمة فاتفق أهل العلم على جواز أخذ الجوائز منه، [وإذا كان المجبي حلالا ولم يعدل في القسمة فيه، فمنهم من أجاز الجوائز منهم..] ، وهم الأكثر، ومنهم من كرهه حتى يعدل في القسمة فيه، وإذا كان المجبي يشوبه حلال وحرام فمنهم من كره أخذ الجوائز منه وهم الأكثر، ومنهم من أجازه، وإذا كان المجبي حراما فمنهم من حرم أخذ الجوائز منه والأرزاق على عمل من الأعمال، روي هذا القول عن مالك، ومنهم من أجازه، ومنهم من كرهه، وإن كان الغالب عليه الحرام فله حكم الحرام، وإن كان الغالب عليه الحلال فله حكم الحلال، وفيه كراهة ضعيفة، وإن كان الخليفة يجبي الحلال والحرام، فمن أخذ مما يعلم أنه حلال فله ما ذكرناه من حكم المجبي الحلال، ومن أخذ ما يعلم أنه حرام

: تضعان في ليلة فيختلط الصبيان

فله ما ذكرناه من حكم المجبي الحرام، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله تعالى التوفيق. [: تضعان في ليلة فيختلط الصبيان] من نوازل سحنون من كتاب الشهادات وسئل: عن رجل استودع صبية ثم غاب صاحب الصبية عنه زمانا ثم قدم وقد مات المستودع فقامت البينة للرجل أن الميت أقر أن لفلان عندي وصيفة وديعة وهاتان الجاريتان ابنتاي فقال الشهود: قد أشهدنا الميت أن واحدة من هؤلاء الجواري [الثلاث] ، جاريتك والجاريتان ابنتاه إلا أنا لا نعلم أيتهن جاريتك منهن، قال: لا تجوز شهادتهم، ولا شيء للمدعي؛ لأن الشهادة لا تكون إلا قاطعة بتة على شيء بعينه، وهم لا يعرفون ما يشهدون عليه ولا يحدونه ولا يقصدون قصد الصبية بعينها. قال محمد بن رشد: لم يقل سحنون في هذه المسألة إنه يحكم فيها بالقافة كما قال في أول مسألة من نوازله من كتاب الاستلحاق في الرجل يسافر بامرأته فينزل على الرجل في قريته ومعه أم ولد له حامل وامرأة ضيفه حامل فتضعان في ليلة فيختلط الصبيان فلا يعرف كل واحد منهما ولده فيدعي كل واحد منهما صبيا منهما، يقول هذا ولدي، ويقول الآخر هذا ولدي، وكلاهما لا يدعي منهما صبيا بعينه لأنهما قد اختلطا ولا يعرفان إنه يدعي لهما القافة، فقيل إن ذلك اختلاف من قوله، ولا فرق بين المسألتين، وقيل: إن قوله في كتاب الاستلحاق مبين لقوله في هذه المسألة

مسألة: شهادة القائف الواحد على ما يقول

لأنه زاد فيها من وجوب الحكم بالقافة ما سكت عنه في هذه، وقيل وهو الأظهر: إنهما مسألتان مفترقتان حكم في تلك بالقافة؛ لأنه مجرد إثبات نسب كل واحد منهما من أبيه، ولم يحكم في هذه بالقافة؛ لأن ذلك يئول إلى القضاء برق إحداهن والحكم بها لمدعيها ملكا، وذلك ما لا يجوز إعمال قول القافة فيه، ألا ترى أنه لو ادعى رجل ولد أمة رجل فقال زوجتنيها فولدت هذا الولد مني وأنكر ذلك سيد الأمة وادعى أن الولد له ولدته من زنى لم يجز أن يحكم به لمدعيه لقول القافة، وهذا بين، والله أعلم. [مسألة: شهادة القائف الواحد على ما يقول] مسألة وسئل سحنون: أترى للقاضي أن يقضي بقائف واحد؟ فقال: لا يقضي بواحد ولا يلحق به نسبا، قيل: فإن لم يجد إلا قائفا واحدا؟ قال: يكتب إلى البلدان ويرسل حتى يأتيه قائف آخر، قيل له: فإن كتب ولم يجد؟ قال: يكتب أيضا وينتظر أبدا ولا يقضي بقائف واحد وقد أخبرني ابن نافع عن مالك قال: لا يجوز من القافة إلا اثنان، قيل له: فيقضي بغير العدول من القافة؟ قال: لا يكون القائف الذي يقضي به إلا عدلا وإلا لم يجز، وفي سماع محمد بن خالد قال: قلت لابن القاسم: هل تقبل شهادة القائف الواحد على ما يقول؟ فقال: أما مالك فقد كان يقول: لا يقبل إلا اثنان عدلان، قال ابن القاسم: ويرى أن شهادة الواحد مقبولة إذا كان عدلا. قال محمد بن رشد: القياس على أصولهم أن يحكم بقول القائف الواحد وإن لم يكن عدلا؛ لأنه علم يؤديه وليس من طريق الشهادة كما يقبل قول النصراني الطبيب فيما يحتاج إلى معرفته من ناحية الطب كالعيوب والجراحات، فاشتراط ابن القاسم فيه العدالة استحسان، وقد روى ابن وهب عن مالك إجازة القضاء بقول الواحد منهم ولم يشترط في ذلك

عدالة، ووجه قول سحنون ورواية ابن نافع عن مالك في أنه لا يجوز أن يقضي منهما إلا باثنين عدلين مراعاة للاختلاف، إذ من أهل العلم من لا يرى الحكم بالقافة أصلا، وهو مذهب أبي حنيفة، إذ لا يصح عنده القطع من ناحية الشبه على أن الولد لمشبهه، وإنما هو دليل قد يخطئ ويصيب فلا يجب عنده أن يحكم بالولد لمن تقول القافة إنه من نطفته، ويجوز لمن يقع في قلبه مثل ذلك ولمن يعلم حقيقة الأمر فيه أن يسر به، وإن لم يكن مع ذلك وجوب حكم ولا قضى كما «فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ دخل مجزز المدلجي عليه فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض» وهذا الحديث أصل عندنا في وجوب الحكم بقول القافة، والوجه فيه عند أبي حنيفة ما ذكرته، ولمالك في سماع أشهب من كتاب الاستلحاق أنه لا يقضى من القافة إلا بقول قائفين، فظاهره مثل رواية ابن نافع هذه إلا أنه علل ذلك بأن الناس قد دخلوا ولم يشترط في ذلك عدالة فدل ذلك من تعليله على ما ذكرنا

مسألة: دعي إلى أن يستحفظ الشهادة أو يؤدي ما حفظ

من أن ذلك ليس على حكم الشهادة، وإنما استحب أن يكونا اثنين استظهارا في الحكم للمعنى الذي ذكره، فانظر في ذلك وتدبره، وبالله التوفيق. [مسألة: دعي إلى أن يستحفظ الشهادة أو يؤدي ما حفظ] مسألة وسئل سحنون عن قول الله تعالى: [ {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] فقال: إذا كان للرجل عندك علم قد أشهدك عليه، وأما إذا لم يكن له عندك علم، وإنما يريد أن يشهدك ابتداء فأنت في سعة إذا كان يجد في البلد غيرك من يشهده. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن القيام بالشهادة الذي أمر الله به] حيث يقول: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] و {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] ينقسم على وجهين؛ أحدهما: أن يدعى ليشهد على الشهادة ويستحفظ إياها. والثاني: أن يدعى أن يشهد بما علمه استحفظ إياه أو لم يستحفظ. أما الوجه الأول وهو أن يدعى ليشهد ويستحفظ الشهادة فإن ذلك واجب وفرض على الجملة يحمله بعض الناس عن بعض كالجهاد والصلاة على الجنائز وما أشبه ذلك، فإذا كان الرجل في موضع ليس فيه من يحمل ذلك عنه تعين عليه الفرض في خاصته؛ لأن الله قال: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] فإذا قيم بها فقد امتثل الأمر وسقط الفرض، إذ لا معنى لقيام من قام بها بعد ذلك. وأما الوجه الثاني وهو أن يدعى ليشهد بما علمه واستحفظ إياه فإن ذلك واجب عليه لقول الله عز وجل:

مسألة: كيف يعدل الرجل عند القاضي

{وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وقوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] فمن كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يكتمها ويلزمه إذا دعي إليها أن يقوم بها، وأما إن لم يدع إلى القيام بها فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها» وهذا فيه تفصيل قد مضى القول فيها مستوفى في رسم شهد على شهادة ميت من سماع عيسى، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يجب على كل من دعي إلى شهادة أن يجيب سواء دعي إلى أن يستحفظ الشهادة أو يؤدي ما حفظ لقول الله عز وجل: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وليس ذلك بصحيح؛ لأن الشاهد لا يصح أن يسمى شاهدا إلا بعد أن يكون عنده علم بالشهادة، وأما قبل أن يعلم فليس بشاهد ولا داخل تحت قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] إلا من هو شاهد، وهذا بين، وبالله التوفيق. [مسألة: كيف يعدل الرجل عند القاضي] مسألة وسئل سحنون: كيف يعدل الرجل عند القاضي؟ فقال: يقولون للقاضي هو عندنا من أهل العدل والرضى جائز الشهادة، قيل له: فإن لم يقولوا: وهو عندنا عدل رضا إلا أنهم قالوا هو عندنا عدل فلم يزيدوا عدى هذا؟ فقال: وهذه تزكية أيضا، قيل له: فهل ينبغي للقاضي أن يقول لهم ترضون بشهادته لكم وعليكم؟ فقال: ليس عليه أن يسألهم عن هذا. قال محمد بن رشد: قوله: إن الشاهد يقول في تعديل الشاهد هو عندي من أهل العدل والرضى أو هو عندي من أهل العدل ولا يزيد على ذلك صحيح، وإنما جازت شهادته بأن يقول: هو عندي من أهل العدل ولم

مسألة: لا يجوز في التزكية إلا المبرز الناقد الفطن الذي لا ينخدع في عقله

يلزمه أن يقول هو من أهل العدل؛ لأن القطع على ذلك لا يصح، وإنما يشهد الشاهد بما يغلب على ظنه من عدالته بما ظهر إليه من أحواله، وهذا نحو قول أصبغ: لا أرى أن يقول الرجل في تعديل الرجل هو عدل، وليقل أراه عدلا، ولو قال: هو عدل ولم يقل: عندي كما قال في هذه الرواية ولا قال أراه عدلا كما قال أصبغ لجازت شهادته ولم تكن غموسا وإن كان ظاهر القطع بما لا يصح القطع عليه؛ لأن المعنى في ذلك عند الشاهد ما يغلب على ظنه من عدالته، ولا يدخل في هذا عندي الاختلاف الحاصل فيمن شهد لمستحق عرض من العروض أنه ما باع ولا وهب حسبما مضى القول فيه في رسم الأقضية لابن كنانة من سماع أشهب، واختار أن يقول المعدل في تعديل الشاهد هو عندي من أهل العدل والرضى فجمع بين اللفظين؛ لأن الله قال في موضع: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . وقال في موضع: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فإن اقتصر على أحذ اللفظين اكتفي به؛ لأن الله قد ذكر كل لفظ منهما على حدة فكان ذلك كافيا في صفة الشاهد الذي يجوز قبول شهادته؛ لأن من كان من أهل العدل فهو من أهل الرضى ومن كان من أهل الرضى فهو من أهل العدل، وبالله التوفيق. وقوله: أليس على القاضي أن يسأل الشهود المزكين هل يرضون بشهادته لهم وعليهم صحيح أن ذلك ليس عليه، بل الأظهر أن ذلك لا ينبغي له إذ قد يكونون عنده من أهل العدل والرضى ولا يرضى بشهادتهم عليه لعداوة بينه وبينهم، وبالله التوفيق. [مسألة: لا يجوز في التزكية إلا المبرز الناقد الفطن الذي لا ينخدع في عقله] مسألة قيل: أرأيت كل من تجوز شهادته هل تجوز تزكيته؟ قال: لا ليس هو كما ذكرت، وتجوز شهادة الرجل ولا تجوز تزكيته،

مسألة: هل ينبغي للقاضي أن يسأله التعديل كلما شهد

ولا يجوز في التزكية إلا المبرز الناقد الفطن الذي لا ينخدع في عقله ولا يستنزل [في رأيه، ولا ينبغي لأحد أن يزكي رجلا إلا رجلا قد خالطه في الأخذ والعطاء وسافر معه ورافقه، قال مطرف بن عبد الله: لا يجوز في الجرحة والتعديل إلا كل عدل منقطع، وليس كل من جازت شهادته تجوز في الجرحة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال] ، وهو مما لا اختلاف فيه من أنه لا يجوز في العدالة إلا العدل الرضى المبرز في العدالة العارف بوجوه التعديل والتجريح، فإنه لا ينبغي للرجل أن يزكي الرجل حتى يختبره فيعرف من باطنه ما عرف من ظاهره، ولا يكون ذلك إلا بالمخالطة في الأخذ والإعطاء والسفر والمرافقة، وقد مضى ذلك في سماع سحنون، وأما قول مطرف بن عبد الله فمعناه إذا لم ينص الجرحة ما هي، وإنما قال: أشهد أنه ليس من أهل الرضى والعدالة، وأما إذا نص على الجرحة ما هي مثل أن يشهد عليه أنه شارب خمر أو صاحب قيان أو عدو للمشهود عليه، أو ما أشبه ذلك فشهادته بذلك جائزة إذا كان جائز الشهادة وإن لم يكن مبرزا في العدالة، وذلك منصوص له ولأصبغ في الواضحة، قالا: ويجرح الشاهد لمن هو مثله وفوقه ودونه في الإسفاه والعداوة، وقال ابن الماجشون: ولا يجرح في الإسفاه بمن هو دونه، وقد مضى ذلك في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: هل ينبغي للقاضي أن يسأله التعديل كلما شهد] مسألة وسئل سحنون: عن الرجل يشهد عند القاضي فيسأله التعديل فيعدل عنده ثم يأتي بعد ذلك بشهر أو شهرين أو سنة أو سنتين فيشهد عنده أيضا هل ينبغي للقاضي أن يسأله التعديل كلما شهد

مسألة: الشهادة على الشهادة في العدالة

عنده أو يجتزئ بالعدالة الأولى؟ فقال: نعم يسأله التعديل إذا شهد عنده بعدما عدل بشهر أو شهرين أو سنة أو سنتين، كلما شهد عنده سأله العدالة حتى يكثر تعديله وتشتهر تزكيته مرة بعد مرة ويكثر ذلك عند القاضي فإذا كثر ذلك عنده رأيت ألا يسأله تزكية فيما يستقبل، وفي سماع عيسى من كتاب الجواب إذا شهد بحدثان ما عدل فلا يسأله تعديلا، وإذا طال ذلك فأرى أن يسأله التعديل والثبت. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم الجواب من سماع عيسى مستوفى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: الشهادة على الشهادة في العدالة] مسألة وسئل عن الشهادة على الشهادة أتجوز في العدالة كما تجوز الشهادة على الشهادة في الأموال؟ قال: وما معنى قولك في الشهادة على الشهادة في العدالة لعلك تريد العدالة على العدالة؟ فقيل له: إنما أردت أن يكون لي قِبَل رجل علم وأنا أخاف أن يسألني القاضي تعديله، فلا أجد من يعدله إلا رجلين مرضيين أخاف عليهما الموت أو رجلين خارجين في سفر فقلت لهما: اشهدا لي أن فلانا عندكما عدل ورضى، فأشهدا لي على ذلك رجلين، ثم سألني القاضي عدالة شاهديّ، فشهد الشاهدان أن فلانا وفلانا أشهدانا أن فلانا من أهل العدل والرضى، فقال: يطلب القاضي من الخصم من يعدله غيرهما، فإن لم يجد جازت الشهادة فيهما على الشهادة إذا كان الغيب الذين زكياه من

مسألة: شهد هذان الرجلان وهذان الرجلان لرجلين بحقوق مختلفة وزكى هؤلاء هؤلاء

أهل الحضر ولم يكونا من أهل البادية؛ لأن البدوي لا يعدل الحضري، وهو الذي سألت عنه من العدالة على العدالة، قيل له: فالتجريح أتجوز فيه الشهادة على ما وصفت لك في العدالة في غيبة الشهود أو مرضهم، فقال: نعم ذلك جائز. قال محمد بن رشد: في الواضحة لمطرف وابن الماجشون خلاف قول سحنون هذا في أن الشهادة على الشهادة جائزة في التعديل والتجريح، وذلك أنهما قالا: إن العدالة لا تكون في الشاهد إلا عند السلطان من بعد أن يشهد في الحين الذي يقطع بشهادته، فأما أن يسترعي الرجل تعديله الرجل ويشهد على ذلك منه كما يفعل في الشهادة تكون عنده إذا أراد أن يشهد عليها أو يكون الشاهد يحمل شهادته لا يعرفه بالعدالة ولا بغيرها فيعدله عنده من يثق به؛ فهذا الذي لا يجوز ولا علمنا أحدا قاله ولا عمل به إلا أن يشهد شاهد على شهادة شاهد غائب أو ميت فيخبر بعلمه بعدالته مع شهادته على شهادته بالحق الذي أشهد به عليه، ولو أن شاهدا شهد عند حاكم فاستعدله فكان رجل مريض يعدله لا يستطيع بمرضه أن يبلغ إلى القاضي فأراد أن يبعث إلى القاضي تعديله إياه مع رجلين عدلين يشهدهما على أنه عدل فذلك جائز؛ لأن الشهادة قد وقعت عند الحاكم، والعدالة ههنا إنما هي عند القطع بالشهادة، وقال به أصبغ واستحسنه، وقد ذكر ابن سحنون أن أباه رجع عن الشهادة على الشهادة في العدالة والتجريح إلا في تعديل البدوي فذلك جائز، وما رجع إليه سحنون وقاله مطرف وابن الماجشون في الواضحة هو الصواب إن شاء الله؛ لأن التعديل لا يكون إلا بعد الشهادة، ولو جاز قبل الشهادة لجازت شهادة غير العدل؛ لأن الناس قد تتغير أحوالهم فإنما يعولون عند الشهادة، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد هذان الرجلان وهذان الرجلان لرجلين بحقوق مختلفة وزكى هؤلاء هؤلاء] مسألة وسئل سحنون: عن الرجل يأتي بشهيدين على رجل بحق ثم يأتي بشاهدين آخرين يشهدان له أيضا بذلك الحق على الرجل

مسألة: الجرحة على السماع

الذي شهد عليه الشاهدان الأولان فيزكي الشاهدان الآخران الأولين، قال: شهادتهما جائزة وتزكيتهما، وقد ثبت الحق على من شهدا له، قيل له: لم؟ قال: من قبل أن الشاهدين قد ثبتا لا محالة؛ ولأن الشاهدين الآخرين زادا صاحب الحق خبرا، أرأيت لو جاءوا مجيء مزكين ألم تثبت تزكيتهم؟ فلما قالوا: شهدنا أن هؤلاء شهدوا بحق وأن الحق لهذا فقد زادوه قوة وتثبيتا لحقه، قيل له: فلو شهد هذان الرجلان وهذان الرجلان لرجلين بحقوق مختلفة، وزكى هؤلاء هؤلاء؟ فقال: تزكيتهم وشهادتهم جائزة، والحق حق لمن شهدوا له. قال الإمام القاضي: هاتان المسألتان صحيحتان بينتا المعنى فلا وجه للقول فيهما، وبالله التوفيق. [مسألة: الجرحة على السماع] مسألة قيل لسحنون: أرأيت لو أني سمعت رجلين يقولان: نشهد أن فلانا عندنا غير عدل ولا رضى، فشهد ذلك الرجل عند القاضي فأمكن القاضي المشهود عليه من تجريح الشاهد فلم يجد اللذين عرفاه بالجرحة حضورا، هل يجوز لي أن أجرحه على شهادة هؤلاء؟ فقال: لا تجوز الجرحة على السماع، قلت: وكذلك لو سمعت رجلين يقولان: نشهد أن فلانا عدل رضى؟ قال لي: نعم كذلك لا يجوز أن تعدله على السماع. قال الإمام القاضي: قوله: لا تجوز الجرحة على السماع، وكذلك لا يجوز أن يعدله على السماع، معناه أنه لا تجوز الجرحة على السماع على الوجه الذي ذكره من أن يسمع رجلين يقولان: فلان عندنا غير عدل ولا

مسألة: عدله أربعة وجرحه رجلان

رضى، أو فلان عندنا عدل رضى فيشهد على ما سمعه منهما؛ لأن ذلك إنما هو شهادة على شهادة ليست بشهادة سماع، ولا يجوز للشاهد أن يشهد على شهادة الشاهد حتى يشهده أو يسمعه يؤديه عند الحاكم أو يشهد عنده على شهادته على اختلاف في ذلك، وأما شهادة السماع في ذلك فهي جائزة، وهي أن يسمع الشاهد من أهل العدل وغيرهم أن فلانا عدل رضى، أو أنه غير عدل ولا رضى فيشهد على السماع بذلك ولا يسمى من سمع منهم فتكون الشهادة بذلك جائزة، وهذا مما لا أعلم فيه اختلافا إلا أنه قد قيل: إن الشهادة على السماع لا تجوز بأقل من أربعة شهداء، وأما العدالة على العدالة فهي جائزة إذا كان الشهود على الأصل غرباء، وإن كانوا من أهل البلد لم يجز ذلك حتى يأتوا بتعديلهم أنفسهم، وسواء كان مُعدِّل الغرباء غريبا أو من أهل البلد، غير أنه إن كان المعدلون من أهل البلد فعدلهم ناس من أهل البلد فلم يُعرفوا لم يجز بعد على أولئك تعديل، ولو كان المعدلون الأولون غرباء فعدلهم ناس من أهل البلد فلم يعرفوا، ثم عدل أولئك غيرهم من أهل البلد فلم يُعرفوا جاز أيضا أن يعدلهم غيرهم ثم لم تجز بعد عليهم، هذا نص [قول] ما ذكره ابن حبيب في الواضحة، وهو غلط، والصواب ولو كان المعدلون الأولون غرباء فعدلهم ناس من أهل البلد فلم يعرفوا جاز أيضا أن يعدلهم غيرهم، ثم لم يجز بعد عليهم غيرهم، فإذا سقط المضروب عليه فيما نص عليه ابن حبيب صحت المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: عدله أربعة وجرحه رجلان] مسألة قيل له: فإن عدله أربعة وجرحه رجلان، وقد تكافؤا في العدالة والأربعة أعدل من الرجلين اللذين جرحاه إلا أنهم كلهم عدول، بشهادة من تأخذ من ذلك؟ قال: آخذ بشهادة المجرحين؛ لأن اللذين جرحاه قد اطلعا منه على شيء لا علم للمعدلين به.

مسألة: معروفا بالعدالة قال المجرحون نشهد أنه غير عدل ولا رضى

قال محمد بن رشد: قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: معروفا بالعدالة قال المجرحون نشهد أنه غير عدل ولا رضى] مسألة قيل: فلو أن المجرحين قالوا للقاضي: نشهد أنه عندنا غير عدل ولا رضى ولم يصفوه بزنى ولا أَنْبِذَةٍ ولا بِقِيَان هل يكون ذلك تجريحا؟ قال: نعم يكون تجريحا إذا كان الشهود من أهل الانتباه والمعرفة بما يجرح به الرجل، قال أشهب: إذا كان الرجل معروفا بالعدالة مشهورا فيها؟ فقال المجرحون: نشهد أنه غير عدل ولا رضى لم يقبل منهم حتى يبينوا جرحتهم إياه ما هي وينصوها إلا أن يكون الرجل ليس بمشهور في العدالة، وإنما استخبر بمن يعدله فيجزي المجرحين بأن يقولوا: نعلم غير عدل ولا رضى كما يقول المعدلون له نعلمه عدلا رضى. قال محمد بن رشد: تفرقة أشهب بين من كان مشهور العدالة وبين من لم يقبل إلا بتعديل لها وجه من النظر، وقول سحنون في مساواته بين الوجهين أظهر، والله أعلم؛ إذ قد قيل: إنه ليس للحاكم أن يكشف عن السبب الذي جرحوا به الشاهد؛ لأنهم قد يقولون: زنى وهم أربعة فيرجم إن كان محصنا أو يقولون: شرب خمرا فيحد فستر الحاكم على الشاهد وترك كشفه وإسقاط شهادته لتجريح من جرحه من العدول أولى من الكشف عن أمر قد تسوء العاقبة فيه، وستر المعترف بالذنب أولى من كشفه إلى حكم؛ لأنه إذا بلغ إليه لم يكن له إلا إقامة الحد ولا عفو له ولا شفاعة تنفع إذا رفع إليه والستر عليه يختار ما لم يبلغ إلى حاكم لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

مسألة: شهادة من يستحلف أباه جاهلا في الحقوق

لهزال: «يا هزال، لو سترته بردائك؛ لكان خيرا لك» . وقوله: «من أصاب من هذه القاذورات شيئا، فليستتر بستر الله؛ فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله» ، وقوله لصفوان إذ عفا عن سارق ردائه بعد أن رفعه إليه: «فهلا قبل أن تأتيني به» وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة من يستحلف أباه جاهلا في الحقوق] مسألة قيل لسحنون فالذي يقطع الدنانير والدراهم هل يكون هذا جرحة؟ فقال: ليس هذا جرحة عندي وأراه خفيفا، قال أصبغ: قال ابن القاسم في الذي يقطع الدراهم جاهلا بكراهيتها، أو يستحلف أباه جاهلا في الحقوق أنه عقوق، وأنه لا تجوز شهادته، وإن كان جاهلا. قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم في كتاب ابن المواز في الذي يقطع الدنانير أنه ترد شهادته، إلا أن يعذر بجهل، فهي ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك ليس بجرحة، وإن لم يكن جاهلا، وهو ظاهر قول سحنون. والثاني: أن ذلك جرحة، وإن كان جاهلا يظن أن ذلك جائز له، وهو قول ابن القاسم، في رواية أصبغ عنه هذه. الثالث: أن ذلك جرحة إلا أن يعذر بجهل، وهو قول ابن القاسم، في كتاب ابن المواز، وهذا الاختلاف عندي إنما هو إذا قطع الدنانير والدراهم وهي وازنة، فردها ناقصة

مسألة: هل يمكن القاضي المشهود عليه من التجريح في كل الشهود

في البلد الذي لا تجوز فيه الناقصة، وهي تجري فيه عددا بغير وزن على أن ينفقها، ويبين بنقصانها ولا يغش بها، فلم ير سحنون قطعه إياها على هذا الوجه جرحة، إذا كان لا يغش بها غيره، ورأى ابن القاسم في رواية أصبغ ذلك جرحة، وإن جهل أن ذلك لا يجوز له؛ لأن المكروه في ذلك بيِّن، لا يصدق أحد في أنه جهله، ورأى ابن القاسم، في كتاب ابن المواز أنها جرحة إلا أن يعذر بجهل، وهذا أعدل الأقوال، وأما إن قطعها وردها ناقصة، وغش بها، فلا إشكال، ولا اختلاف في أن ذلك جرحة، تسقط عدالته وشهادته، وأما إن قطعها وهي مقطوعة أو غير مقطوعة، إلا أنها لا تجوز بأعيانها، وإنما يتبايع بها بالميزان، فلا إشكال ولا اختلاف في أن ذلك ليس بجرحة، وإن كان عالما بمكروه ذلك، ويحتمل أن يكون تكلم سحنون على قطع الدنانير المقطوعة، أو التي ليست بمقطوعة، وهي تجري بالميزان، وتكلم ابن القاسم في رواية أصبغ عنه على قطع الدنانير التي تجوز بأعيانها وردها ناقصة ليغش بها، وتكلم فيما حكى عنه ابن المواز على أنه فعل ذلك، وبين بنقصانها، ولم يغش بها، فلا يكون في شيء من ذلك اختلاف، وقد مضى تحصيل القول فيما يجوز من قطع الدنانير والدراهم، مما لا يجوز في قول أصبغ من سماع ابن القاسم وغيره، من كتاب الصرف، فمن أحب الوقوف على الشفاء من ذلك تأمله في تلك المواضع، وسيأتي في آخر رسم القضاء المحض، من سماع أصبغ، القول في تحليف الرجل أباه هل هو جرحة أم لا؟ وبالله التوفيق. [مسألة: هل يمكن القاضي المشهود عليه من التجريح في كل الشهود] مسألة قيل لسحنون: أرأيت التجريح هل يمكن القاضي المشهود عليه من التجريح في كل الشهود إذا طعن الخصم في ذلك، أو طلب إليه أن يمكنه من التجريح، هل يمكنه في الرجل البائن

مسألة: المرء يجرح أخوه بأنه عدو

الفضل المبرز في العدالة؟ قال: نعم، يمكنه من ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم الأقضية الثاني، من سماع أشهب، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: المرء يجرح أخوه بأنه عدو] مسألة قال سحنون: إذا جاءت الجرحة في الإخوة والعم الأدنى ذي الرأي والشرف والتجمل؛ فإنه لا يجرح أخ من جرح أخاه ولا عمه الذي هذه حالهما؛ لما يدافع من عيب من هو وجهه ولسانه، ومن جرحته له سبة، وعيب عليه، وهذا كله يرجع من الموالي أنه كان يدفع ذلك عن نفسه، قال: وأما سوى هؤلاء فجرحته وشهادته وعدالته له جائزة، قلت: أفيجرح المرء عن ابن أخيه وعن ابن عمه؟ قال: نعم، هذا ... ولا يشتم أحد بابن عمه أنه غير عدل، ولا يدخل منه حشمة ولا عيب إلا ما هو بعيد، لا ترد من أجله شهادته ولا تقوى به تهمته، وسئل عن المرء يجرح أخوه بأنه عدو، هل يجرح أخ المجروح من جرح أخاه؟ قال: نعم، لا عيب في العداوة، ولا حشمة وصير جرحة بالعداوة قليل، ألا ترى أن شهادته في أعظم من الجرحة بالعداوة نفعا وخطرا جائزة، وهو أن يشهد له بالمال العظيم، ويخرجه عنه من

شهد عليه بالمال العظيم ذلك جائز منه، لا اختلاف فيه عند أحد من علمائنا. قال محمد بن رشد: قول سحنون: إن هذا الشاهد يجرح من جرح أخاه بعداوة صحيح على القول بأنه يعدله، وأما على القول بأنه لا يعدله، فلا يجرح من جرح أخاه بعداوة ولا بإسفاه، وقد قيل: إنه يجرح من جرحه بعداوة أو بإسفاه على القول بأنه يعدله، وهو ينحو إلى قول من يجيز شهادته له فيما عدا الأقوال مما تقع فيه الظنة بالعصبية والحمية من القتل والحدود، فقول سحنون هذا في تفرقته بين أن يجرح من جرحه بعداوة أو بإسفاه قول ثالث في المسألة، فلا يجوز على مذهبه لمن جرح أخوه بفسق، أن يجرح من جرحه بفسق ولا بعداوة، ويجوز لمن جرح أخوه بعداوة أن يجرح من جرح أخاه بفسق وبعداوة، ولا اختلاف في أن للرجل أن يجرح من جرح عمه بعداوة؛ إذ لا اختلاف في أنه يعدله، وإنما يختلف في تجريح من جرحه بإسفاه على قولين، فإنما يتحصل الثلاثة الأقوال في تجريح الرجل من جرح أخاه، ورأيت لابن دحون أنه قال: معنى قول سحنون إذا جرح عمك وأخوك بفسق، فلا يجوز لك أن تجرح من جرحه بفسق، ويجوز لك أن تجرحه بعداوة، وإن جرح عمك أو أخوك بعداوة، جاز لك أن تجرح من جرحه بفسق أو عداوة، وهو بعيد غير صحيح في المعنى، فتدبره. وقد مضى في أول رسم، من سماع ابن القاسم، تحصيل القول فيما تجوز فيه شهادة الأخ لأخيه مما لا تجوز، والأصل في هذا الاختلاف كله قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار إلى نفسه» والظنين المتهم، فاختلافهم إنما يعود إلى ما يغلب على ظن كل واحد منهم في أنه متهم في المعنى الذي شهد فيه أو غير متهم فيه؛ إذ هو الذي تعبد

مسألة: يشهد عليه فيقيم المشهود عليه البينة أنه عدو له مهاجر له

الحاكم كما أنه تعبد في أن يقبل شهادة الشاهد، إذا غلب على ظنه عدالته، ويردها إذا غلب على ظنه أنه غير عدل، أو لم يكن له به علم؛ إذ لا طريق له إلى العلم بذلك والقطع عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهد عليه فيقيم المشهود عليه البينة أنه عدو له مهاجر له] مسألة وسئل سحنون عن الرجل يشهد عليه الرجل، فيقيم المشهود عليه البينة أنه عدو له مُهَاجِر له، هل تسقط عنه شهادته؟ فقال: إن كان عدوا له أصل عداوتهما في أمر الدنيا في الأموال والمواريث والتجارات، ونحو ذلك من أمر الدنيا، فإن شهادته عنه ساقطة، وإن كانت عداوة الشاهد للمشهود عليه إنما هي غضب لله لجرمه وخونه وفسقه، وجرأته على الله، لا لغير ذلك، فأرى شهادته غير ساقطة. قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا صحيح مفسر لجميع الروايات؛ لأن العداوة إن كانت غضبا لله، فهي واجبة، ولا تسقط شهادة الشاهد بما هو مأمور به، وواجب عليه، وإنما تسقط بما هو منهي عنه، ومحظور عليه، من الهجران الذي هو محرم في الشريعة؛ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» ، ولهذا المعنى لم تسقط شهادة القاضي على من أقام عليه حدا، أو ضربه في أمر يوجب عليه الضرب، على ما مضى في أول رسم الصبرة، من سماع يحيى، وبالله التوفيق.

مسألة: بين الرجل وبين آخر خصومة شهادة أحدهما على صاحبه

[مسألة: بين الرجل وبين آخر خصومة شهادة أحدهما على صاحبه] مسألة قال لسحنون: قال ابن وهب: بلغني عن يحيى بن سعيد أنه قال: إن كان بين الرجل وبين آخر خصومة، لم تبلغ تلك الخصومة أن كانت بينهما فيها مشاتمة، فإن شهادة أحدهما على صاحبه جائزة، وإن كان بينهما عداوة معلومة لم تجز شهادته عليه، وإن كانت بينهما عداوة ثم اصطلحا بعد ذلك؛ جازت شهادته عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع أشهب، وفي رسم باع شاة، من سماع عيسى، وتأتي في نوازل أصبغ فنتكلم عليها إذا مررنا بها إن شاء الله. [مسألة: شهادة المنجم] مسألة وسئل سحنون عن شهادة المنجم الذي يدعي أنه يعرف القضاء، هل تجوز شهادته؟ قال: هذه جرحة بينة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يعرف القضاء؛ معناه أنه يدعي أنه يعرف من ناحية النظر في النجوم ما قضى الله به وقدّره قبل أن يكون، والقول بهذا ضلال ليس بكفر، فهي جرحة بينة على ما قال، وقد مضى القول على هذا المعنى مستوفى في رسم تأخير صلاة العشاء، من سماع ابن القاسم، من كتاب السلطان، فمن أحب الوقوف عليه، والشفاء من معرفته، تأمله هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة تارك الجمعة] مسألة قال سحنون عن ابن وهب في تارك الجمعة بقرية يجمع فيها من غير مرض ولا علة، قال: لا أرى أن تقبل شهادته، قال

سحنون: إذا تركها ثلاثا متواليا؛ للحديث الذي جاء، قال أصبغ: قال ابن القاسم في الذي يترك الجمعة، يرى أن ترد شهادته، إلا أن يعرف له عذر، ويساءل عن ذلك ويكشف، فإن علم له عذر من وجع أو أمر أو اختفاء من دين، أو ما أشبه ذلك؛ فأرى ألا ترد شهادته، وإن كان على غير ذلك رأيت أن ترد شهادته إلا أن يكون ممن لا يتهم على الدين ولا على الجمعة لبروزه في الصلاح وعلمه، فهو أعلم بنفسه، قال أصبغ: والمرة الواحدة في ذلك إذا تركها من غير عذر تهاونا بها ترد شهادته، ولا ينتظر به ثلاثا؛ لأن ترك هذه الفريضة ثلاثا وأقل وأكثر سواء، هي فريضة مفروضة مفترض إتيانها كفريضة الصلاة لوقتها، فلو ترك الصلاة لوقتها متعمدا مرة واحدة لم ينتظر به أن يفعل ثلاثا، وكان بمنزلة التارك أصلا للأبد؛ لأنه عاص لله في قليل فعله دون كثيره، ومتعد لحدوده، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14] . والذي قيل فيمن ترك الجمعة ثلاثا طبع الله على قلبه، إنما هو في الإثم والنفاق، وينتظر به الثالثة للتوبة، فإن فعل وإلا طبع الله على قلبه، وليس ذلك في الترك له هملا، ولا في الإبطال لشهادته، لا، بل يطرح ويوقف ويعاقب إن شاء الله، وقد بلغني عن بعض الأمراء ممن مضى من أئمة الدين، أنه كان يأمر إذا فرغ من الجمعة أن من وجد لم يشهد الجمعة ربط في عمود وعوقب، وأراه عمر بن عبد العزيز، قال أصبغ: لا، بل لا أشك فيه أنه عمر بن عبد العزيز، وقد قال تعالى:

{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] عزيمة، وأمر مأمورا به، موجب ليس فيه ترفيه لبعض ببعض. قال محمد بن رشد: قول سحنون: إن شهادة التارك للجمعة بقرية يجمع فيه أهل الجمعة، لا ترد إلا أن يفعل ذلك ثلاثا متوالية أظهر مما ذهب إليه أصبغ، من أنها ترد بالمرة الواحدة، ومعنى ما ذهب إليه سحنون إنما هو إذا لم يعلم له في ذلك عذر، ولم يكن معروفا بالفضل والصلاح على ما قاله ابن القاسم؛ لأن من لم يعلم بالصلاح والفضل إذا ترك الجمعة ثلاثا متواليا لا يصدق فيما يدعيه من العذر، بخلاف من علم بالصلاح والفضل، فليس قول ابن القاسم وسحنون بمخالف؛ لقول ابن وهب، والله أعلم. وإنما قلنا: إن قول سحنون أظهر من قول أصبغ من أجل أن المسلم لا يسلم من مواقعة الذنوب، فإذا ثبت هذا وجب ألا يجرح الشاهد العدل بما دون الكبائر من الذنوب التي يقال فيها: إنها صغائر، بإضافتها إلى الكبائر، إلا أن يكثر منها، فيعلم أنه متهاون بها، وغير متوق منها؛ لأن من كانت هذه صفته فهو خارج عن حد العدالة؛ ولما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر ولا علة؛ طبع الله على قلبه بطابع النفاق» دل على أن ما دون الثلاث بخلاف ذلك في عظم الإثم، وشرط الوعيد، فوجب أن يلحق ذلك بالصغائر، ولا ترد شهادة من ترك الجمعة مرة واحدة اشتغالا بما سواه من أمور دنياه حتى يفعل ذلك ثلاثا متواليات، فيتبين بذلك أنه متهاون بدينه

مسألة: هل يجوز للشهود أن يشهدوا لرجل بحق ويجرحوا له الذين شهدوا عليه

غير متوق فيه، وكذلك القول في تارك صلاة واحدة من الصلوات حتى يخرج وقتها من غير عذر، لا يجب أن ترد بذلك شهادته حتى يكثر ذلك من فعله، واحتجاج أصبغ لرد شهادته بذلك، بقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14] غير صحيح؛ لأن المعنى في ذلك إنما هو لمن عصى الله ورسوله بترك الإيمان، وتعدي حدود الإسلام؛ لأن الخلود في النار، إنما هو من صفات الكفار، وبالله التوفيق. [مسألة: هل يجوز للشهود أن يشهدوا لرجل بحق ويجرحوا له الذين شهدوا عليه] مسألة قيل لسحنون: أرأيت الشهود هل يجيز لهم أن يشهدوا لرجل بحق، ويجرحوا له الذين شهدوا عليه في ذلك الحق؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه؛ لأن ذلك معنيان، فجائز أن يشهدوا له بهما جميعا كما يجوز أن يشهدوا له بحقين مختلفين، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة تارك الحج القادر عليه] مسألة وسئل سحنون عن الرجل يكون قويا على الحج كثير المال لا يحج، هل يكون ذلك جرحة يطرح بها علمه؟ فقال: إن كان قويا على الحج لا يعذر بقلة مال، ولا بضعف بدن، وتطاول زمانه، ووفره متصل، ولم يحج، فلا أرى شهادته جائزة، قيل له: فإنه يعرف، وهو ابن عشرين سنة كثير المال، قوي البدن، لم يزل وفره متصلا

حتى بلغ ستين سنة لم يحج. فقال: إذا تطاول أمره هكذا، أو ما أشبه هذا، فإني أرى شهادته غير جائزة كما أعلمتك، قيل له: أفلا يعذر بالأندلس وبعد الشقة والبحر الذي بينهم وبين الحج؟ فقال: لا، قال الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] ، وهذا إذا كان في موضع يبعد عن الحج، أفلا يرتحل عنها إلى موضع لا يكون بينه وبين الحج بحر، فلا أرى له عذرا، وإن كان بالأندلس. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الحج من أحد دعائم الإسلام الخمس، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا» ، فإذا ترك الرجل الحج حتى طال زمانه الستين سنة ونحوها، وهو قادر عليه بوفور ماله وصحة بدنه مع السبيل الآمنة، وجب أن ترد بذلك شهادته، وإنما شرط الطول في ذلك مع القدرة لاختلاف أهل العلم في الحج هل هو على الفور أم في التراخي، فلا يكون من أخر الحج وهو قادر عليه قد أتى كبيرة؛ إذ من أهل العلم من يقول: إن ذلك جائز له، لا إثم عليه فيه، ولا حرج إلا أن يؤخره تأخيرا كبيرا يغلب على الظن فواته به، والذي أقول به: إن ذلك لا يكون إلا بعد بلوغ حد التعمير، وهو سبعون سنة؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «معترك أمتي ما بين الستين إلى السبعين» فمن ترك الحج بعد السبعين، وهو قادر عليه، فهو عندي

مسألة: شهادة الذي لا يؤدي زكاة ما له

آثم بإجماع مجرح ساقط الشهادة، وإن لم يقم لنا دليل أنه آثم فيما دون السبعين، فإذن أسقط سحنون شهادته فيما قاربها من الستين من أجل أن من شرط الشهادة أن يكون مرضيا بما يظهر من أفعاله؛ لقول الله عز وجل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، ومن أخر الحج تأخيرا كبيرا من غير عذر، فليس بمرضي في ظاهر أمره، وإن لم يكن آثما عند ربه بما له في ذلك من السعة باختلاف أهل العلم، وفي المدنية لابن دينار، وابن القاسم من رواية عيسى عنه أن الشيخ الكبير الذي لم يحج وهو موسر، شهادته جائزة؛ لأنه عسى أن يكون له علة، ويقول: أحج بعد اليوم، وهذا صحيح إذا ادعى أن له علة، وأما إن أقر أنه لا علة له، ولم يحج، وهو شيخ كبير، قد تجاوز حد التعمير؛ فشهادته ساقطة على كل حال؛ لأن للواجب على التراخي حالا يتعين فيها الأداء، وهي الحال التي يغلب فيها على ظن المكلف فوات الفعل بالتأخير، وهو بلوغ حد التعمير في مسألتنا هذه، وقوله في أهل الأندلس: إنه لا عذر لهم في ترك الحج بسبب البحر؛ لقدرتهم على الانتقال إلى موضع لا يكون بينهم وبين الحج بحر؛ معناه أنهم إن كانوا من أهل الأندلس بموضع يتعذر الجواز منه، فإنهم يقدرون على الانتقال منه إلى موضع لا يتعذر الجواز منه، فإنما تكلم والله أعلم على ما وصف له من تعذر الجواز في البحر في موضع دون موضع، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة الذي لا يؤدي زكاة ما له] مسألة وسئل سحنون عن الذي لا يؤدي زكاة ما له، هل يكون ذلك جرحة يطرح بها علمه؟ فقال: نعم، لا شك فيه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا شك فيه؛ لأن الله قد قرن

مسألة: شهد عند القاضي في حق والشاهد غير عدل

الصلاة بالزكاة في غير ما آية من كتابه، وقال أبو بكر الصديق: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فمن لم يؤد زكاة ماله فهو فاسد ساقط الإمامة والشهادة. وهذا إذا أقر على نفسه أنه لا يؤدي زكاة ماله، وأما إذا لم يقر على نفسه بذلك فشهادته جائزة؛ لأن ذلك من السرائر، وعسى إن لم يؤدها ظاهرا خوفا من السلطان أن يؤديها سرا، وهو نص قول ابن دينار، وابن القاسم من رواية عيسى عنه في المدنية، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد عند القاضي في حق والشاهد غير عدل] مسألة وسئل سحنون عن رجل شهد عند القاضي في حق، والشاهد غير عدل، هل يجوز لي أن أجرحه وأنا أعلم أنه شهد علي، وأنا شاهد على ذلك الحق، وأنا أعلم أنه غير عدل؟ فقال: لا يجوز لك أن تجرحه، فكيف يجوز لك أن تجرحه، وأنت ترى حقا قد وقف على الهلاك، إن جرح الشاهد هلك المال، وفي هذا آثار. قال محمد بن رشد: هذا ما مضى في سماع سحنون، وهو أصح مما تقدم في رسم الشجرة، من سماع ابن القاسم، وفي أول رسم من سماع عيسى، وقد مضى القول على ذلك، فلا معنى لإعادته، وقال سحنون: إذا أخبر الشاهد بالدين رجلان أو رجل وامرأتان أنه قضاه، فلا يشهد، ووقف إذا لم يخبره إلا رجل واحد، وبالله التوفيق.

مسألة: شهادة من ضرب في الحد

[مسألة: شهادة من ضرب في الحد] مسألة ابن وهب، عن معاوية بن صالح: أن العلاء بن الحارث حدثه عن مكحول أنه قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تجوز شهادة ستة: مضروب في حد، ومجرب عليه شهادة زور، والخائن، والخائنة، والقانع، وذو الغمر» والغمر الغل. قال محمد بن رشد: ليس في قوله في هذا الحديث: «لا تجوز شهادة ستة» دليل على أنه تجوز شهادة غيرهم، والمعنى في ذلك أنه خرج على سؤال سائل سأل عن هذه الستة فقال: إنه لا تجوز شهادتهم، فسماهم ولم يحصرهم بعدد، وعددهم الراوي، وأخبر بعدد من سمع منه أنه لا تجوز شهادته، وإنما لم تجز شهادة من ضرب في الحد، وإن كانت الحدود كفارات لأهلها على ما جاء في الصحيح من الآثار؛ لأن الحد إنما يرفع الإثم، ويبقى عليه حكم الفسق، فإن تاب وظهرت توبته قبلت شهادته باتفاق، إلا أن يكون حدا في قذف، فقد قيل: إن شهادته لا تجوز وإن تاب؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] ، وهو مذهب أهل العراق، والصحيح أنها جائزة إذا تاب، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه، وصفة توبته عند مالك أن يظهر صلاح حاله أو الزيادة في صلاحها، وعند غيره أن يكذب نفسه، ويقر عليها أنه شهد بالزور، وأما من جربت عليه شهادة زور، فلا تجوز شهادته، وإن تاب، وقيل: إنها تجوز إن تاب، وقيل: إن ذلك ليس باختلاف من القول، والمعنى في ذلك أنه إن أتى تائبا، فأخبر أنه شهد بزور قبلت توبته، وإن عثر عليه أنه شهد بزور لم تقبل توبته، وإن

مسألة: شهادة ذي الظنة والحنة

تاب، وهو الصحيح إن شاء الله، وأما الخائن والخائنة فلا اختلاف في أن شهادتهما غير جائزة؛ لأن الخيانة فسق تبطل به الشهادة، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27] ، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] ، وقال: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72] الآية. وقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من علامات المنافق: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر» الحديث، فمن خان أمانته لن تقبل شهادته، وأما القانع فهو السائل، وشهادته لا تجوز إذا كان يتكفف الناس، ويسأل في عامتهم، إلا الشيء اليسير، وأما إذا لم يسأل في العامة، وإنما سأل سؤالا خاصا، فقد مضى من القول فيه في رسم الأقضية، من سماع يحيى ما فيه كفاية، وأما ذو الغمر فهو العدو، ولا اختلاف في أن شهادته لا تجوز على عدوه إذا كانت عداوته لغير الله على ما مضى فوق هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة ذي الظنة والحنة] مسألة ابن وهب، عن ابن أبي ذئب، عن الحكم بن مسلم السالمي، عن الأعرج، عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه: «قضى ألا تجوز شهادة ذي الظنة والحنة» . قال محمد بن رشد: ذو الظنة هو ذو التهمة، والمتهم في شهادته لا

مسألة: الموقوف على الحد هل تقبل شهادته

تجوز باتفاق، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، ولا جار إلى نفسه» والحنة هي العداوة. وقد مضى القول فيها، وفي بعض الروايات الحنة من الحقوق، وهو تصحيف، والله أعلم. [مسألة: الموقوف على الحد هل تقبل شهادته] مسألة ابن وهب، عن يحيى بن أبي أيوب، عن المثنى بن الصباح، عن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه، ولا موقوف على حد» . قال الإمام القاضي: الموقوف على الحد هو الذي ثبت عليه ما يوجب أن يحد من أجله من زنا أو قذف أو شرب خمر أو ما أشبه ذلك، ولا اختلاف في أن شهادته لا تجوز، وإن تاب؛ لأن توبته لا تسقط عنه الحد، فإذا حد قبلت شهادته إن تاب، وقد مضى هذا قبل هذا، وقد مضى القول في الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه، والله الموفق. [مسألة: شهادة الأخ لأخيه في النكاح] مسألة وقال سحنون: لا تجوز شهادة الأخ لأخيه في النكاح، إذا

مسألة: خاصم في أرض فأتى بالبينة على صاحبه فشهد له شاهد شهادة عليه فيها مضرة

كانت الشهادة على أشراف قوم هم أشرف منهم؛ لأنه يتهم إنما يريد أن يشرف نفسه بتزويج أخيه إليهم، فهو متهم في هذه الشهادة. قال الإمام القاضي: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى، في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: خاصم في أرض فأتى بالبينة على صاحبه فشهد له شاهد شهادة عليه فيها مضرة] مسألة وسئل عن رجل خاصم في أرض أو دار، فأتى بالبينة على صاحبه، فشهد له شاهد شهادة عليه فيها مضرة، وعلى رجل آخر غائب عنهم في البلد، أو غير البلد الذي اختصما فيه، وليس بين الغائب والحاضر الذي شهدت عليه البينة شرك بمورث في الأمر الذي شهدوا فيه، فأتى الغائب فأخبره الحاكم بما شهدت عليه البينة، فيقول الغائب: لم أحضر شهادتهم، فمن البينة التي شهدت له علي، وأنا في البلدان غائب عنهم، أردهم حتى يشهدوا بحضرتي، فإن لي في ردهم منفعة، قال: إذا كان المشهود عليه حاضرا في القرية التي فيها المنازعة أو قريبا منها، فإنه يؤمر بإحضاره لتشهد البينة عليه، وأما الغائب البعيد الغيبة، فلا أرى ذلك، فإن قصد الحاكم في أن يأمر بإحضار الحاضر أو القريب الغيبة، ثم أتى الخصم فسأل إعادة البينة، فإني أرى أن يعيدها إن قدر على ذلك، وإن لم يقدر على ذلك لمغيب البينة، فقد فات ذلك، وصارت حاله إلى حال الغائب البعيد الغيبة، فليدفع شهادتهم بما يقدر عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إن المشهود عليه إن كان حاضرا في القرية التي فيها المنازعة أو قريبا منها، فإنه يؤمر بإحضاره لتشهد البينة عليه استحسان، والقياس ما في كتاب الأقضية من المدونة: أن البينة لا تعاد،

مسألة: النكاح أيجوز للرجل أن يشهد عليه بالسماع

ويعلمه الإمام بهم، وهذا إذا كان المشهود عليه مشهور العين، وأما إذا لم يكن مشهور العين، فلا بد من إعادة الشهادة على عينه إذا أنكر في القريب والبعيد، وهو قول ابن الماجشون وغيره: إن المشهود عليه إذا كان مشهور العين لم يحتج إلى الشهادة على عينه، وبالله التوفيق. [مسألة: النكاح أيجوز للرجل أن يشهد عليه بالسماع] مسألة وسئل عن النكاح أيجوز للرجل أن يشهد عليه بالسماع كما يشهد على الموت؟ قال: أما جل أصحابنا، فإنهم يقولون في النكاح إذا اشتهر الخبر في النكاح أن فلانا تزوج فلانة، وسمع الدفاف، وكثر به القول أن فلانا تزوج فلانة، فإنه يجوز للرجل أن يشهد أن فلانة هي امرأة فلان، وكذلك في الموت يسمع النياحة، ويشهد الجنازة أو لا يشهد، إلا أنه يكثر به القول من الناس: إنا شهدنا جنازة فلان، فالشهادة فيه جائزة أن فلانا مات، وإن لم يحضر الموت، وكذلك النسب يسمع الرجل الناس يقولون فلانا هو ابن فلان، ويكثر بذلك القول أنه يشهد على نسبه، وكذلك القاضي يتولى القضاء ولا يحضره حين ولي إلا بما سمع من الناس، ورآه يقضي بين الناس، فإنه يشهد أنه كان قاضيا، فهذه الأربعة وجوه تجوز فيها الشهادة على السماع. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن هذه الأربعة الأشياء تجوز الشهادة فيها على القطع من جهة السماع إذا انتشر ذلك، واستفاض وكثر به القول حتى وقع العلم به للشاهد من جهة السماع، وكذلك ما عدا هذه الأربعة الأشياء؛ لأن الأخبار المتواترة يقع العلم بها ضرورة فيما طريقه العلم، وغلبة الظن فيما طريقه غلبة الظن، كالتعديل والترشيد وشبه ذلك. وفي قوله: أما جل أصحابنا إلى آخر قوله دليل على أن منهم من لا يقول بذلك، ولا خلاف بينهم في ذلك، وإنما الخلاف بينهم هل تجوز في هذه الأربعة

مسألة: يلزم الشاهد أن يأتي لأداء شهادته

الأشياء، وفيما سواها الشهادة على السماع دون القطع بأن يقولوا: سمعنا سماعا فاشيا من أهل العدل وغيرهم كذا وكذا، ويحكم بذلك، أو لا يجوز ولا يحكم به، فالذي عناه سحنون والله أعلم بقوله في هذه الرواية أما جل أصحابنا، فإنهم يقولون: إن الشهادة في هذه الأربعة الأشياء تجوز على القطع من ناحية السماع، ولا تجوز على السماع دون القطع؛ إذ من شأنها أن تستفيض حتى تصح الشهادة فيها على القطع، وإن غير الجل يجيزون فيها أعني في هذه الأربعة الأشياء شهادة السماع بدون القطع، كما يجيزون ذلك في غيرها، وقد قيل: السماع دون القطع لا يجوز إلا في هذه الأربعة أشياء، فيتحصل فيما تجوز فيه الشهادة على السماع دون القطع أربعة أقوال؛ أحدها: أن الشهادة على السماع دون القطع لا تجوز لا في هذه الأربعة الأشياء، ولا فيما سواها، وهو مذهب ابن القاسم؛ لأنه قال في المدونة: إن شهادة السماع لا يثبت بها النسب ولا الولاء ويقضي له بالمال دون ثبات النسب والولاء، وكذلك لم يرها عامة في الحبس إلا مع القطع على المعرفة بأنها تحترم بحرمة الأحباس، ولا في الشراء المتقادم إلا مع الحيازة. والثاني: أنها تجوز في هذه الأربعة أشياء وفيما سواها، وهو دليل ما حكاه ابن حبيب في الواضحة من إجازة الشهادة على السماع في الملك دون الحيازة، وما تأولناه على سحنون فيما حكاه عن غير الجل من أصحاب مالك. والثالث: أن شهادة السماع تجوز فيما عدا هذه الأربعة أشياء، ولا تجوز في هذه الأربعة أشياء، وهو الذي تأولناه من حكاية سحنون عن جل أصحاب مالك في هذه الرواية. والرابع: أن شهادة السماع تجوز في هذه الأربعة أشياء، ولا تجوز فيما عداها عكس القول الثالث. وقد مضى في آخر رسم الأقضية، من سماع يحيى الاختلاف في إجازة شهادة السماع في النكاح، وسيأتي في سماع أصبغ القول في إجازتها في الضرر بين الزوجين، وبالله التوفيق. [مسألة: يلزم الشاهد أن يأتي لأداء شهادته] مسألة قيل لسحنون: أرأيت الشاهدين يأتيهما صاحب الشهادة أن

يشهدا له فيقولا له: الهبوط إلى الحاضرة يشق علينا، إلا أن تنفق علينا وتعطينا دواب نهبط عليها؟ قال: أما إذا كان مثل الساحل منا، فأرى للقاضي أن يكتب إلى رجل يشهد عنده الشهود، ويكتب شهادتهم، ولا يعني الشهود إليه بالقدوم، قال: ولا ترى هذه ولاية للمشهود عنده؟ قال: لا يستغني القاضي عن مثل هذا، قيل له: وكم بعد الساحل من هاهنا؟ فقال: ستون ميلا، فقال له: فإن كان الشهود على بريد أو بريدين فقال: إذا كان الشهود يجدون الدواب والنفقة، فلا أرى لصاحب الحق أن يعطيهم دواب ولا نفقة، فإن فعلوا فشهادتهم ساقطة؛ لأنهم قد ارتشوا على شهادتهم، قيل له: فلو كانوا لا يجدون النفقة ولا الدواب؟ فقال: لا أرى بأسا أن يكري لهم دواب، وينفق عليهم. قال الإمام القاضي: الأصل في هذه المسألة قول الله عز وجل: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] ؛ لأن معناه عند أهل العلم فيما قرب دون ما بعد، وهذا مما يخصص فيه عموم القرآن بالإجماع، فإذا كان الشاهد بحيث يلزمه الإتيان لأداء شهادته، فواجب عليه أن يركب دابته، ويأكل طعامه، فإن لم يفعل وركب دابة المشهود له، وأكل طعامه سقطت شهادته؛ لأنه قد ارتشى عليها؛ إذ قد أخذ من المشهود له ما يلزمه القيام به من ماله، وخفف ذلك ابن حبيب إذا كان ذلك قريبا وكان أمرا خفيفا، وينبغي أن يحمل على التفسير لقول سحنون، فالقريب الذي يلزم الشاهد أن يأتي لأداء شهادته ينقسم على هذا التأويل قسمين: قريب جدا تقل فيه النفقة ومؤنة الركوب، فهذا لا يضر الشاهد ركوب دابة المشهود له، وإن كانت له دابة، ولا أكل طعامه، وغير قريب جدا تكثر فيه النفقة ومؤنة الركوب فهذا تبطل فيه شهادة الشاهد إن ركب دابة المشهود له، وله دابة أو أكل طعامه عند سحنون، وقد قيل: إنها لا تبطل شهادته بذلك، وهو ظاهر قول ابن

مسألة: شهادة المختفي

حبيب في الواضحة عن مطرف وأصبغ في الشاهد يشهد في الأرض النابتة، فيحتاج إلى تعينها بالحيازة لها، أنه لا بأس أن يركب دابة المشهود له، ويأكل طعامه، وهو الأظهر؛ إذ ليس ما يصير إلى الشاهد من هذا مالا يتموله. فإن قيل: إنه يوفر بأكل مال المشهود له نفقته على نفسه، قيل له: هذا يسير، لا يتهم الشاهد في مثله، وأما إن كان الشاهد لا يقدر على النفقة، ولا على اكتراء دابة، وهو ممن يشق عليه الإتيان راجلا، فلا تبطل شهادته إن أنفق عليه المشهود له، أو اكترى له دابة؛ إذ لم يسقط بذلك عن نفسه ما هو واجب عليه أن يفعله، وقد قيل: إنه تبطل شهادته بذلك إذا كان مبرزا في العدالة، وهو قول ابن كنانة. وأما إذا كان الشاهد من البعد بحيث لا يلزمه الإتيان لأداء شهادته، وليس للقاضي من يشهد عنده بموضعه الذي هو به، فلا يضره أكل طعام المشهود له، وإن كان له مال ولا ركوب دابته، وإن كانت له دابة، وكذلك إذا احتجب السلطان عن الشاهد لم يضره أن ينفق عليه المشهود له ما أقام منتظرا له إذا لم يجد من يشهد على شهادته وينصرف، وقد قيل: إن شهادتهم تبطل بذلك؛ لأنهم يوفرون على أنفسهم النفقة، وهو الأظهر، فانظر على هذا أبدا إذا أنفق المشهود على الشاهد في موضع لا يلزم الشاهد الإتيان إليه والمقام فيه جاز، وإن أنفق عليه في موضع يلزم الشاهد الإتيان إليه والمقام فيه، فلا يجوز ذلك إلا فيما يركب الشاهد إذا لم تكن له دابة، ولم يقدر على المشي، فلا اختلاف في أنه يجوز للشاهد أن يركب دابة المشهود له، إذا لم تكن له دابة، وشق عليه المشي جملة من غير تفصيل بين قريب ولا بعيد، ولا موسر ولا معسر، وإنما يفترق ذلك حسبما ذكرناه في النفقة، وفي الركوب إذا كانت له دابة، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة المختفي] مسألة وسئل سحنون عن شهادة المختفي فقال: أخبرنا ابن وهب، عن أشهل بن حاتم: أن شريحا والشعبي كانا لا يجيزان شهادة المختفي الذي يدخل بيت رجل.

مسألة: يتجر في البادية فهلك فيها وكان معه غلام له فادعى الغلام أن سيده قد دبره

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم باع شاة، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يتجر في البادية فهلك فيها وكان معه غلام له فادعى الغلام أن سيده قد دبره] مسألة قال سحنون: عن ابن القاسم، عن مالك، عن رجل كان يتجر في البادية فهلك فيها، وكان معه غلام له، فادعى الغلام أن سيده قد دبره فأقام شهودا من أهل شهادته على ذلك، فقال مالك: إذا كانوا عدولا جازت شهادتهم له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم القبلة، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ترك عبدا فشهد أحد ولديه بعتق نصف العبد وشهد الآخر بعتقه كله] مسألة وقال في رجلين هلك أبوهما، وترك عبدا، فشهد أحدهما أن أباه أعتق نصفه، وشهد الآخر أنه أعتق كله، فقال: قد اجتمعا على النصف، فهو حر، ويعتق على الذي أقر بالجميع ما يصير له من حصته منه؛ لأنه لا يكون ذلك ضررا على صاحبه؛ لأنه قد أفسد أولا، وليس يزيد ما أعتق منه أيضا فسادا، بل هو حينئذ يزيد خيرا فيعتق من العبد ثلاثة أرباعه، ويكون الربع رقا للذي شهد بعتق نصفه، ولا يعتق عليه؛ لأنه لم يحدث هو عتقا إنما أحدثه أبوه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

: كتاب الشهادات الرابع

[: كتاب الشهادات الرابع] [مسألة: شهدا لرجل بألف درهم قال أحدهما حل له الحق وقال الآخر بل إلى سنة]

قيل لسحنون: أرأيت إن شهد شاهدان لرجل بألف درهم، وقال أحدهما: قد حل له الحق، وقال الآخر: بل إلى سنة؟ فقال: إن شاء صاحب الحق أن يحلف مع شاهده الذي شهد له بحلولها، ويحق حقه فعل، وإن شاء كانت له إلى سنة، ولا يمين عليه، وليس هذا مثل الأول أن يقول المطلوب، فأنا أحلف مع الشاهد الذي يشهد علي بأنها إلى سنة، ويكون شاهدا لي بذلك؛ لأنه إنما شهد على الآخر، ولا يحلف في ذلك مع الشاهد الواحد. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الشاهدين اجتمعا على أن الحق كان إلى سنة، فقال أحدهما: قد انقضت، وقال الآخر: لم تنقض بعد، فوجب أن يحلف الطالب مع شاهده الذي شهد له أنها قد انقضت؛ لأنه هو المدعي لانقضائها، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى، فلما أقام شاهدا على دعواه، كان من حقه أن يحلف مع شاهده، ولم يكن للمطلوب أن يحلف مع شاهده إلا أن ينكل الطالب عن اليمين، فيحلف هو ويكون المال إلى الأجل، ولو اختلف الشاهدان في الأجل، فقال أحدهما: كان إلى ستة أشهر فقد حل، وقال الآخر: كان إلى سنة، فلم يحل؛ لوجب أن يحلف المطلوب مع شاهده الذي شهد له بأن الحق كان

مسألة: شهد له أحدهما بألف وشهد الآخر بخمسمائة

إلى سنة؛ لأن شاهده زاد في شهادته على ما شهد به، شاهد الطالب بدليل أنه لو أقام كل واحد منهما شاهدين على دعواه؛ لوجب أن تكون بينة المطلوب أعمل؛ لأنها زادت، وهذا على المشهور من قول ابن القاسم في أن البينتين إذا اختلفتا في القلة والكثرة كانت البينة التي زادت أعمل، وقد قيل: إن ذلك تكاذب، وينظر إلى الأعدل منهما، وقد فرق بين أن تكون الزيادة في اللفظ، مثل أن تشهد إحدى البينتين بمائة، والثانية بمائة وخمسين، أو في المعنى، واللفظ مختلف، مثل أن تشهد إحداهما بمائة، والثانية بتسعين. وقوله: وليس هذا مثل الأول يريد مسألة جرت بينهما في المجلس لم تذكر، وهي المسألة التي بعد هذه، أو ما كان في معناها، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد له أحدهما بألف وشهد الآخر بخمسمائة] مسألة قلت: أرأيت إن شهد شاهدان لرجل بألف درهم، وشهد أحدهما أنه قضى الطالب منهما خمسمائة درهم، وأنكر الطالب القبض؟ فقال: لا أرى الطالب يستحق بشهادتهما الألف؛ لأن أحدهما أدخل عليه في شهادته ما نقصت خمسمائة، فكأنه في هذا الموضع إنما شهد له أحدهما بألف، وشهد الآخر بخمسمائة، فإن شاء الطالب أخذ الخمسمائة بلا يمين فذلك له، وإن أحب أن يحلف ويستحق ألفا بالشاهد الذي شهد له بالألف، فإذا حلف استحقها إلا أن يحلف المطلوب مع الشاهد له بالقضاء منها خمسمائة أنه قضاه خمسمائة، فإن حلف لم يجب للطالب إلا خمسمائة، قال: وإن أبى المطلوب أن يحلف لم يكن على الطالب يمين؛ لأنه قد حلفه مرة على الذي يريد المطلوب أن يحلفه عليه الآن. قال محمد بن رشد: هذه مسألة مشكلة؛ إذ لا يخلو الأمر فيها من وجهين؛ أحدهما: أن يكون المطلوب مكذبا للشاهدين جميعا، منكرا لجميع

الحق. والثاني: أن يكون مصدقا للشاهدين جميعا، مدعيا ما شهد له به أحدهما، من أنه قبض الطالب منه خمسمائة، فإن كان مكذبا للشاهدين جميعا، منكرا لجميع ذلك، كان وجه الحكم في ذلك أن يوقف الطالب، فإن كذب الشاهد الذي شهد بأن المطلوب قضاه خمسمائة، وقال: إنه شهد بزور، بطلت شهادته له بإقراره أنه شهد بزور، ولم يكن له أن يأخذ الخمسمائة حتى يحلف عليها مع الشاهد الآخر، وإن قال: إنه شبه عليه، ولم يتعمد الزور لم تبطل شهادته له، وأخذ الخمسمائة بلا يمين؛ لاجتماع الشاهدين له عليها، وإن شاء أخذ الألف بيمينه مع الشاهد الذي شهد له بها، ولم يكن للمطلوب أن يحلف مع الشاهد الذي شهد له بالقضاء؛ لأنه مكذب له، وإن صدقه وقال: إنه شهد بحق، أخذ الخمسمائة بلا يمين، ولم يكن له إلا ذلك. وإن كان المطلوب مصدقا للشاهدين جميعا، مدعيا لما شهد له أحدهما من أنه قضى الطالب منها خمسمائة، كان وجه الحكم في ذلك أن يحلف مع شاهده الذي شهد له أنه قضاه خمسمائة، ويبرأ منها، ويؤدي إلى الطالب الخمسمائة الباقية، فإن نكل عن اليمين حلف الطالب أنه ما قضاه شيئا، وأخذ جميع الألف، فالمعنى في المسألة أنه أجاب فيها أولا على أن المطلوب مكذب للشاهدين جميعا، منكر لجميع الحق، وعلى أن الطالب يدعي الألف، وينكر الاقتضاء الذي شهد به أحد الشاهدين، ولا يدعي عليه تعمد الشهادة بالزور، فلذلك قال: إن الطالب مخير بين أن يأخذ الخمسمائة بلا يمين، أو الألف مع اليمين. وقوله بعد ذلك: إلا أن يحلف المطلوب مع الشاهد له بالقضاء أنه قضاه خمسمائة إلى آخر قوله، معناه إن رجع بعد يمين الطالب على الألف إلى الإقرار بأصل الحق، وادعى ما شهد له أحد الشاهدين من القضاء؛ لأنه حينئذ يكون له ما ذكره من أن يحلف مع الشاهد له بالقضاء أنه قضاه خمسمائة، فإن حلف بطلت عنه، ولم يجب للطالب إلا خمسمائة، وإن نكل عن اليمين غرم الألف دون أن يحلف الطالب، وقد تقدمت يمينه، فهذا معنى المسألة عندي؛ إذ لو كان أولا مقرا

مسألة: هل تجوز شهادة بعضهم لبعض فيما تقاضى من الكراء

بأصل الحق، مدعيا لقضاء الخمسمائة لما مكن الطالب من أن يحلف على الألف، ويستحقها إلا بعد أن ينكل المطلوب عن اليمين مع الشاهد الذي يشهد له بقضاء الخمسمائة، ولو كان أحدا متماديا على إنكاره أولا لأصل الحق وتكذيب الشاهدين؛ لما مكن من اليمين مع الشاهد بأنه قضاه خمسمائة لتكذيبه إياه، وهذا كله بين، والحمد لله. [مسألة: هل تجوز شهادة بعضهم لبعض فيما تقاضى من الكراء] مسألة قيل لسحنون: أرأيت قوما تكاروا سفينة، وقدموا الكراء إلى صاحب المركب، فعطب المركب قبل البلاغ، فأرادوا الرجوع على صاحب المركب، فأنكرهم أنه ما تقاضى منهم شيئا، هل تجوز شهادة بعضهم لبعض فيما تقاضى من الكراء؟ فقال: نعم. قال محمد بن رشد: أجاز شهادة بعضهم لبعض على صاحب المركب، وإن كان كل واحد منهم قد شهد لمن شهد له، وفي ذلك اختلاف: قيل: إن شهادة بعضهم لبعض جائزة، وإن كانت في مجلس واحد، وهو ظاهر قول سحنون هذا، وقيل: إنها لا تجوز، وإن كانت في مجالس شتى؛ إذ ليس موضع ضرورة، وكانوا يجدون من يشهد من سواهم إذا أرادوا أن ينقدوا الكراء، وإلى هذا رجع سحنون فيما حكى محمد عنه، وقيل: إنها إن كانت في مجلس واحد لم تجز، وإن كانت في مجالس شتى جازت، وهو قول مطرف، وابن الماجشون، وسواء تكاروا السفينة على أن لكل واحد موضعا بعينه، سماه منها بما سمى له من الكراء أو تكاروها منه جملة واحدة على الاشتراك فيها، والإشاعة إلا أن يشترط عليهم أن بعضهم حملاء عن بعض بما ينوبه من الكراء، فإن اشترط ذلك عليهم لم تجز شهادة بعضهم لبعض، فيما نقد من الكراء؛ لأنه يشهد لنفسه، ولا

مسألة: قال قتلني فلان فجاء المدعى عليه بالبينة أنه كان يوم ضرب ببلدة نائية

اختلاف في هذا؛ إذ ليس بموضع ضرورة، وقد مضى ذكر الاختلاف فيه في موضع الضرورة، في رسم الصبرة، من سماع يحيى، فتأمل ذلك هناك تجده فيه مستوفى، وبالله التوفيق. [مسألة: قال قتلني فلان فجاء المدعى عليه بالبينة أنه كان يوم ضرب ببلدة نائية] مسألة وسئل عمن شهد له بدم على رجل أصابه عمدا، فجاء المشهود عليه بقوم يشهدون أن القاتل كان معهم يريد يوم قتل القتيل ببلدة نائية غير موضعه الذي قتل فيه، قال: وهذا مما وصفت لك في المسألة فوق هذا إذا حق الحق لأهله؛ فلا مخرج من شهادة الشهود إلا بجرحة، وقال أصبغ مثله، قيل: فرجل، قال: قتلني فلان فجاء المدعى عليه بالبينة أنه كان يوم ضرب هذا معهم ببلدة نائية غير موضعه الذي ضرب فيه، قال: يبرئه ذلك ويخرجه؛ لأنه خرج من حد الشهادة، وصار في حد الدعوى إلا أنها دعوى إن لم ترد حلف معها الولاة وقتلوه. قال محمد بن رشد: أما الذي شهد له بدم عمد، فجاء المشهود عليه بشهود يشهدون أنه كان ذلك اليوم ببلد كذا ناء عن الموضع الذي قتل فيه، فالمشهور في المذهب ما قاله سحنون من أن الشهادة عامة على المشهود عليه بالدم لا يبطلها عنه شهادة من شهد أنه كان ذلك اليوم في غير ذلك البلد، وقد ذهب إسماعيل وغيره إلى أن الشهادة بذلك ساقطة، وهو قول محمد بن عبد الحكم، قال في آداب القضاة: الذي كنت أسمع فيما كنا نتناظر فيه مع أصحابنا أن شاهدين لو شهدا على رجل أنه أقر عندهم بعرفات يوم عرفات من هذا العام بمائة دينار لفلان، وشهد آخران أنه كان عندهم بمصر في ذلك اليوم بعينه، أن شهادة الذين شهدوا عليه بالمائة أحق وأولى، وقالوا: لأن هذين شهدا بحق، ولم يشهد الآخران بحق،

مسألة: شهدا على معرفة خط رجلين في كتاب

ولست أعرف لهذا معنى، والذي أرى إن كان الشاهدان اللذان شهدا أنه كان بمصر في ذلك الوقت أعدل، ألا يكون له شيء، ألا ترى أن رجلين لو شهدا على رجل بحق أقر به عندهما في سنة مائتين، وشهد شهود عدول أعدل منهما أنه مات قبل ذلك بشهر أنها جرحة، ولو كانت في العدالة سواء لطرحتها، وكذلك لو شهدا أنه ولد بعد المائتين، ولكلا الوجهين وجه وحظ من النظر، وستأتي هذه المسألة في نوازل أصبغ، فنتكلم عليها إذا انتهينا إليها، إن شاء الله، وأما التدمية والشبهة التي توجب القسامة، فلا اختلاف في سقوطها بالشهادة للمدعى عليه، أو المتهم بالدم أنه كان في ذلك اليوم في غير ذلك البلد، وسيأتي هذا المعنى في سماع يحيى، من كتاب الديات، وبالله التوفيق. [مسألة: شهدا على معرفة خط رجلين في كتاب] مسألة قيل: أرأيت رجلين شهدا على معرفة خط رجلين في كتاب؟ فقال: هي جائزة؛ لأنهما قد شهدا على كل واحد، قيل له: فهل يشهدان أيضا على وكالة في ذلك الحق لمن يخاصم به، وعلى وراثة يأخذها من له ذلك الكتاب الذي شهدا فيه على معرفة كتاب الرجلين؟ فقال: نعم؛ لأنهما في كل هذا شاهدان مبتديان ماضيان، لا ينالهما بشهادتهما شيء؛ لأنهما قد بلغا. . . تمام الشهادة وأفضل ما تؤخذ به الحقوق، ولأنهما اثنان، وبالاثنين تؤخذ الحقوق، وتمضي لأهلها. قلت: فهل يعذلان شاهدا شهد في ذلك، ويشهدان هما على شهادة شاهد معه في ذلك الكتاب؟ قال: نعم، هما في ذلك على مثل حالهما في المسألة التي قبلها.

مسألة: يعرف خطه في الكتاب لا يشك في ذلك أيشهد بما فيه

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى، لا إشكال فيها؛ لأنهما شاهدان، فإذا جاز أن يشهدا للرجل في حقوق مختلفة كان أحرى أن تجوز شهادتهما في الحق الواحد في وجوه مختلفة، وبالله التوفيق، وليس ما أجازه من شهادة الرجلين على شهادة الشاهد، وتعديلهما للشاهد الآخر في ذلك الحق بخلاف لما قاله ابن القاسم في رسم شهد، من سماع عيسى، في الشاهدين يشهدان لرجل بحق، فيعدل أحدهما صاحبه؛ لأن الأمر يئول في ذلك إلى الحكم بشهادة المزكي وحده، وبالله التوفيق. [مسألة: يعرف خطه في الكتاب لا يشك في ذلك أيشهد بما فيه] مسألة قلت: أرأيت الرجل يعرف خطه في الكتاب لا يشك في ذلك، ولا يذكر كل ما فيه؟ فقال: اختلف أصحابنا فيه، والذي أقول به أنه إذا لم ير في الكتاب محوا، ولا لحقا، ولا شيئا يستنكره، ورأى الكتاب خطا واحدا، فأرى له أن يشهد بما فيه، وأن يقول: أشهد بما فيه، وهذا أمر لا يجد الناس منه بدا، ولا يستطيع أحد أن يذكر جميع ما في الكتاب، قيل له: ولو أنه لم يذكر من الكتاب شيئا، إلا أنه يعرف خط الشهادة أنه خط بيده، ولا يشك في ذلك. فقال: هذا أمر لا يجد الناس منه بدا، ومن يستطيع أن يحفظ كل ما في الكتاب؟ وأراه واسعا، وقد أخبرتك باختلاف أصحابنا في هذه المسألة، فاعمل فيها برأيك، وقد أخبرتك أنه إن لم ير في الكتاب شيئا يستنكر، ورآه خطا واحدا أنه يقوم به، قيل له: فلو أنه عرف أنه كتب الكتاب كله، أو عرف خطه في الكتاب

مسألة: أتى بكتاب فيه شهادته ولا يذكر هو شيئا من ذلك

كله، وفيه شهادته، ولم ير شيئا يستنكره، ولم يذكر منه شيئا؟ فقال: أرى أن يشهد بها، ولو أنه أعلم القاضي بذلك لرأيت للقاضي أن يجيز شهادته إذا عرف أن الكتاب كله خط يده، قال سحنون: وجميع أصحابنا يقولون: إن شهادته جائزة، إذا ذكر أنه هو خط الكتاب، وكتب شهادته بيده، ولم ير فيه محوا، ولا يشكون أنها جائزة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مجودا مشروحا مبينا في رسم الشجرة، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة شيء منه، وبالله التوفيق. [مسألة: أتى بكتاب فيه شهادته ولا يذكر هو شيئا من ذلك] مسألة قال سحنون: قال ابن وهب، عن مالك إذا أتى الرجل بكتاب فيه شهادته، فعرف خطه بيده، ولا يذكر شهادته، ولا شيئا منها فيقول بعض الشهود الذي في الكتاب معه، نشهد أنه كتاب يدك، وأنك كتبت معنا، ولا يذكر هو شيئا من ذلك؟ قال: إن كان يستيقن أنه كتابه، وخط يده فعلم ذلك وتيقنه، فليشهد عليه، وإن كان إنما يعلم ذلك بخبر غيره، وقولهم له فلا أرى أن يشهد على ذلك، وإن ارتاب الرجل حين رأى كتابا يشبه كتابه، فيقول: عسى أن يكون إياه، وخاف أن يكون يشبه كتابه، فلا أرى أن يشهد على ذلك، وليخبر بعلمه بالغا ما بلغ، ولا أرى أن يجيز السلطان ذلك إلا أن يشهد الرجل أنه كتابه وشهادته. قال محمد بن رشد: وهذه مسألة أيضا قد مضى القول في معانيها، في رسم الشجرة المذكور، فلا معنى لإعادته.

مسألة: يشهد إذا استيقن أنه خط يده وإن لم يثبت عدة المال

[مسألة: يشهد إذا استيقن أنه خط يده وإن لم يثبت عدة المال] مسألة وقال ابن وهب عن مالك: إنه قال: من عرف خط يده في شهادة ذكر حق، ولم يثبت عدة المال إن استيقن أنه خط يده، وكان لا يثبت عدة المال فليشهد عليه، وينبغي للقاضي القضاء به إذا شهد عنده أنه خط يده، ولم يشهد عنده على عدة المال. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يشهد إذا استيقن أنه خط يده، وإن لم يثبت عدة المال خلاف ما في سماع أبي زيد من أنه لا يشهد، وإن استيقن أن الخط خطه، وذكر أن فلانا أشهده في أمر دار حتى يذكر شهادته، ويثبتها حرفا بحرف، وهذا الاختلاف إنما هو إذا وضع الرجل شهادته على معرفته في عقد استرعاء، وأشهد آخر على نفسه بمال أو بشهادة فيها مال، أو حق فيها سوى المال، يقيد شهادته بخط يده بما أشهد عليه، واستحفظ إياه، فلما دعي إلى أداء الشهادة عرف خط يده واستيقنه، ولم يذكر الشهادة لنسيانه لها بعد ذكره إياها، فوجه القول بأنه يشهد تيقنه صحة الشهادة لمعرفته بخط يده، وأنه لم يضع شهادته في الوقت الذي وضعها فيه، إلا وهو عالم بها، ووجه القول بأنه لا يشهد بها أنه غير ذاكر لها في وقت أدائه إياها، وأما ما أشهد عليه الشاهد من العقود بالمبايعات والإقرارات، فليس على الشاهد أن يقرأها، ولا يحفظ ما فيها، وحسبه أن يتصفح منها عقد الإشهاد، فيجوز له أن يؤدي شهادته على ما أشهد عليه، وإن لم يعرف ما في الكتاب ولا عدد المال إذا عرف أعيان المشهدين له على أنفسهم. قال ابن دحون: فإن عرف الشاهد عين المشهود عليه، ولم يعرف عين المشهود له، فلا يشهد إلا أن يبين، وأما إذا لم يعرفهما جميعا فلا يشهد. قلت: وكذلك إذا عرف المشهود له، ولم يعرف المشهود عليه، لا يشهد ألبتة، وبالله التوفيق. [مسألة: يأتي بذكر حق قد مات شهوده ويأتي بشاهدين عدلين على الكتاب] مسألة وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول في الرجل يأتي

مسألة: الزيادة في صفة الدراهم كالصفة في عددها

بذكر حق قد مات شهوده، ويأتي بشاهدين عدلين يشهدان على كتاب كاتب ذكر الحق، قال: تجوز شهادتهما على كتاب الكاتب، إذا كان عدلا مع يمين صاحب الحق، فإن لم يحلف حلف الذي عليه الحق، فإن نكل عن اليمين غرم، فقيل لمالك: أفرأيت إن مات صاحب الحق وقام ورثته بذلك الكتاب مع شهادة الرجلين على كتاب الكاتب؟ قال مالك: يحلفون بالله ما علموا أن صاحبهم قبض من هذا الذكر الحق شيئا مع شهادة الرجلين، ويقضى لهم بذلك الحق، ومع هذا آثار في موطأ ابن وهب. قال الإمام القاضي: قوله: إنه يحلف مع شهادة الشاهدين على كتاب كاتب ذكر الحق معناه إذا كتب شهادته فيه، فلا مزية في هذا الكاتب ذكر الحق على غيره ممن كتب شهادته فيه إذا شهد على خط، وأما قوله: إن الورثة يحلفون مع شهادة الرجلين على كتاب الكاتب بالله ما علموا أن صاحبهم قبض من هذا الذكر الحق شيئا، فقد مضى من القول فيه في رسم الشجرة، من سماع ابن القاسم، ما لا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: الزيادة في صفة الدراهم كالصفة في عددها] مسألة قلت: أرأيت إن شهد شاهدان لرجل على رجل بألف درهم فقال أحدهما: هي بيض، وقال الآخر: هي سود، وللسود فضل في الصرف على البيض؟ قال: إذا ادعى الطالب السود قلت له: احلف مع شاهدك، وهي لك، فإن أبى أن يحلف ردت اليمين على المطلوب، فقضيت للطالب بالبيض، وذلك لأن البيض أدناهما في الصرف. قال محمد بن رشد: بنى سحنون جوابه في هذه المسألة على أن الزيادة في صفة الدراهم كالصفة في عددها، فجعل شهادة أحدهما أنها بيض، والآخر أنها سود، كشهادة أحدهما: أنها ألف، والآخر أنها ألف وخمسمائة إن

مسألة: شهدا بألف درهم قال أحدهما وزنها خمسة دوانق وقال الآخر بل هي كيل

ادعى الطالب الأكثر في العدد، أو الأفضل في الصفة، أخذه مع يمينه لانفراد أحد شاهديه به، وإن نكل عن اليمين حلف المطلوب أنه ما له عليه إلا الأدنى في الصفة، أو الأقل في العدد، وإن كان منكرا للجميع حلف أنه ما له عليه شيء، وكان للطالب في الوجهين الأقل في العدد أو الأدنى في الصفة؛ لاجتماع الشاهدين على ذلك، وإن نكل المطلوب عن اليمين استحق الطالب عليه الأكثر في العدد، أو الأفضل في الصفة، وإن ادعى الطالب الأقل في العدد، أو الأدنى في الصفة أخذه بلا يمين لاجتماع الشاهدين جميعا عليه، ومساواة سحنون في هذه المسألة بين الزيادة في العدد والزيادة في الصفة، هي على أصل ابن القاسم وروايته عن مالك في السلم الثاني من المدونة، أن القول قول المسلم إليه إذا اتفقا على النوع، واختلفا في الصفة كما إذا اختلفا في العدد، والأظهر في القياس والنظر أن تكون شهادة أحدهما: أنها بيض، والآخر أنها سود كشهادة أحدهما له ببغل، والثاني بحمار، أو كشهادة أحدهما له بدنانير، والثاني بدراهم، فإن كان المطلوب منكرا حلف الطالب مع أي شاهديه شاء، واستحق ما حلف عليه، فإن نكل حلف المطلوب، ولم يكن للطالب شيء؛ لأنه نفى نفسه عن البيض بدعواه السود، وإن كان مقرا بما شهد به عليه أحدهما، فادعى الطالب ما شهد به الشاهد الآخر حلف مع شهادته واستحقه، فإن ادعى الحقين جميعا والشاهدان يقولان: إنه حق واحد بطلت شهادتهما له لتكذيبه إياهما، وحلف المطلوب وبرئ، وبالله التوفيق. [مسألة: شهدا بألف درهم قال أحدهما وزنها خمسة دوانق وقال الآخر بل هي كيل] مسألة قلت: أرأيت لو شهدا بألف درهم فقال أحدهما: وزنها خمسة دوانق، وقال الآخر: بل هي كيل؟ فقال: يحلف الطالب مع شاهده ويأخذها كيلا، فإن نكل عن اليمين رددتها على المطلوب، فإن حلف قضيت للطالب بها على أن وزن كل درهم خمسة دوانق. قال: ومثل ذلك الشاهدان يشهدان لعبد أنه أعتق، فقال

أحدهما: أعتقه إلى سنة، وقال الآخر: بل عتقه بتلا، فقال: يعتق إلى سنة لأدنى ما شهد به، وقد قال مالك في العتق مثل هذا. قيل له: فإن ادعى المالين؟ فقال: إن كان الشاهدان وقفا على أنهما شهدا على مال واحد، فليس ذلك له، ويحلف مع الذي شهد له بأجود المالين، وإن أبى أن يحلف ورد اليمين على المطلوب حلف المطلوب أنه ليس له عليه أجود المالين، وإن شاء حلف أنه ليس له عليه من المالين شيء، وكان للطالب أدنى المالين ولا يمين عليه، وإن كانا لم يوقفا وقفا على شهادتهما إن قدر على إيقافهما، فإن شهدا وزعما أنه مال واحد كان كما وصفت لك، وإن زعما أنه شهد كل واحد منهما على حدة لم يستحق بشهادتهما شيئا من المال إلا بيمينه، فإن شاء حلف على المالين واستحقهما جميعا، وإن شاء حلف على أحدهما واستحقه، ورد اليمين على المدعى عليه في المال الآخر، فهذا وما أشبهه هكذا. قال: ولكن لو شهد لرجل شاهدان؛ فقال أحدهما: أشهد لفلان على فلان ببغل، وقال الآخر: أشهد أن له عليه حنطة زعما جميعا أنها شهادة واحدة أبطلت شهادتهما، إن زعم رب الحق أنهما حقان مختلفان، قال: وإن زعم أن أحدهما محق، أحلفته مع شاهده المحق، وأعطيته ما ادعى مما يشهدان له به، وذلك ما اجتمع له عليه الشاهدان، قال: وإن شهد له ثلاثة فشهد له منهم شاهدان، بأن له عليه بغل، وشهد الآخر بأن له عليه عشرة أرادب حنطة، وزعموا جميعا أنها شهادة واحدة، فإن ادعى الطالب جميع ذلك بطلت شهادتهم جميعا؛ لأنه أكذبهم جميعا في شهادتهم، وإن

ادعى ما شهد له به الرجلان أخذه بلا يمين، وإن ادعى ما شهد له به الشاهد الواحد حلف مع شاهده، واستحق حقه إلا أن يقول الذي شهد بالحق عليه إن الحق هو الذي شهد عليه الشاهدان، فلا يكون له عليه إلا ما شهدا به، وتبطل شهادة الشاهدين؛ لأن الشاهدين صارا مكذبين لشهادة الشاهد الذي شهد له، فإن أبى أن يأخذ ذلك فسأل المطلوب أن يكرهه على أخذ ما شهد به الشاهدان كان ذلك له، وإن لم يكرهه على أخذ ما يجحده فيما شهد به الشاهدان كان ذلك له، وإن لم يكرهه على ذلك لم يجبرهما على شيء، وتركهما على حالهما، قال: ومتى رجع الطالب فيما كان ترك من ذلك، كان له أخذه، ولم أر عليه يمينا فيما يجحده فيما شهد له به الشاهد، وشهادة الشاهدين عليه بإكذابه في شهادته، وذلك أنهما صارا مجرحين له، ألا ترى لو أن رجلا جاء شاهدا على رجل بحق فجرحه المشهود عليه، بطلت شهادته، ولم ألزمه شيئا بشهادته، إلا أن يأتي بشاهد سوى شاهده بخلطة لا يعرف لها منتهى، وليس شهادة الشاهدين عليه توجب اليمين فيما أنكر لأنهما شهدا على شاهد أنه يشهد بباطل، وقد انقطعت الخلطة التي شهد شاهدهما بها، وشهد على انقطاعها، ألا ترى لو شهد رجلان لرجل بمائة دينار، فقضى عليه بها قاض، ثم جاء المدعي من الغد يدعي مالا آخر، لم أحلف له حتى يأتي بالبينة على خلطة، لا يقطع منها شيئا. قال محمد بن رشد: قوله في الشاهدين يشهدان بألف درهم فيقول أحدهما: وزنها خمسة دوانق، ويقول الآخر: بل هي كيل إن الطالب يحلف مع شاهده، ويأخذها كيلا، فإن نكل عن اليمين ردت على المطلوب، فإن

حلف قضي للطالب بها على أن وزن كل درهم خمسة دوانق صحيح، لا اختلاف فيه إن كانت الدراهم لا تجوز بأعيانها، وإنما تجوز بالوزن؛ لأن اختلافهما إنما يعود إلى الزيادة في الوزن والعدد لا في الصفة، فللطالب أن يأخذ الأدنى بغير يمين، أو يأخذ الأكثر بيمينه، وإذا أخذ الأدنى حلف المطلوب على الزيادة، وله رد اليمين على الطالب، ووقع في بعض الروايات: فإن نكل قضيت للطالب بها على أن وزن كل درهم خمسة دوانق، وهو غلط لا وجه له. وأما إن كانت الدراهم تجوز بأعيانها، وتجري عددا دون وزن، فيدخل فيها من الاختلاف بالمعنى ما دخل في المسألة التي قبلها، ويحلف الطالب إن أنكر المطلوب مع أي شاهديه شاء، فإن نكل حلف المطلوب، ولم يكن للطالب شيء؛ لأنه أقر بدعواه التي هي كيل؛ أنه لا شيء عليه من النواقص. وأما قوله في الشاهدين يشهدان للعبد بالعتق، فيقول أحدهما: أعتقه بتلا، ويقول الآخر: أعتقه إلى سنة، أنه يعتق إلى سنة، فهو صحيح؛ لأنهما قد اجتمعا على أنه حر إلى سنة، وانفرد أحدهما بالشهادة على تعجيل العتق، فوجب أن يعتق إلى سنة على ما اجتمعت عليه شهادة الشاهدين بعد يمين السيد أنه ما أعتقه إن أنكر العتق، أو أنه ما عجل عتقه إن أقر أنه أعتقه إلى سنة، فإن نكل عن اليمين عجل عليه العتق، وقيل: إنه يحبس حتى يحلف، ولم يكن للعبد أن يحلف مع الشاهد الذي شهد بتعجيل العتق؛ إذ لا يستحق العبد باليمين مع الشاهد. وقوله: إنه إن ادعى المالين والشاهدان يقولان: إنه مال واحد إن ذلك ليس له، ويحلف مع الذي شهد له بأجود المالين، يريد أن له أن يحلف معه إن شاء، فيستحق ما شهد له به، وإن شاء أن يأخذ أدنى المالين، فيكون ذلك له دون يمين. وقوله في الذي شهد له أحدهما ببغل، والآخر بحنطة، وزعم أن أحدهما محق أنه يحلف مع المحق منهما، ويأخذ ما ادعى مما شهد له به صحيح بين، وأما قوله: وذلك ما اجتمع له عليه الشاهدان، فمعناه وذلك أنه لم يجتمع له عليه الشاهدان على أن ما نافية لا موجبة؛ إذ لم يجتمع له على ذلك الشاهدان، ولو اجتمعا له على ذلك لم يجب عليه يمين. وقوله في الذي يشهد له ثلاثة شهود؛ اثنان منهم ببغل، والثالث بحنطة، وزعموا أنها شهادة واحدة أن

مسألة: شهد له العدل عند القاضي أن هذا المتاع جعله فلان عندي رهنا على أن أبيعه

الطالب إن ادعى الذي شهد به الشاهد الواحد حلف مع شاهده، واستحق حقه لا يصح على مذهب ابن القاسم؛ لأن الشاهدين يسقطان شهادة الشاهد الواحد كما يسقطان شهادة الشاهدين لو كانا أربعة، فشهد اثنان منهم ببغل واثنان بحنطة، وزعموا أنها شهادة واحدة، وإنما يأتي قول سحنون في هذه المسألة على قول مطرف وابن الماجشون في أن شهادتهما جميعا جائزة، فيقضى للطالب بالبغل والحنطة، وأما الشاهد الواحد فلا تسقط بشهادته شهادة الشاهدين إذا خالفهما في الشهادة، ولا شهادة الشاهد الواحد إذا خالفه في الشهادة، وإنما تبطل بتكذيب الطالب إياهم بدعواهم أنهما حقان، وهم يزعمون أنه حق واحد. وأما قوله: ولم أر عليه يمينا فيما يجحده فيما شهد له به الشاهد؛ لسقوط شهادته، فقد مضى القول على ذلك، وذكر الاختلاف فيه في رسم الشجرة، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. وأما قوله: إلا أن يأتي بشاهد سوى شاهده بخلطة، لا يعرف لها منتهى إلى آخر قوله، فقد مضى القول عليه مستوفى في رسم الصبرة، من سماع يحيى، وفي كتاب في سماع أصبغ منه، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد له العدل عند القاضي أن هذا المتاع جعله فلان عندي رهنا على أن أبيعه] مسألة قلت لسحنون: أرأيت الرجل يجعل المتاع على يديه رهنا على أنه إن لم يقض الراهن الدين إلى الأجل باع عليه الرهن هذا الأمين الذي جعل الرهن على يديه، فلما حل الأجل لم يكن لصاحب الحق شاهد على الدين، وعلى الرهن إلا العدل الذي جعل الرهن على يديه، فشهد له العدل عند القاضي أن هذا المتاع جعله فلان عندي رهنا على أن أبيعه، وأقضي ثمنه فلانا غريمه، هل تجوز شهادته؟ قال: أرى شهادته جائزة، ويحلف صاحب الحق مع شاهده إذا شهد بها العدل عند القاضي قبل أن يبيع المتاع، فإن شهد بها بعدما باع المتاع لم تجز شهادته؛ لأنه يريد طرح الضمان عن نفسه، ويشهد لنفسه أنه لم يتعد فيما صنع.

مسألة: شهد له شهود بأنه حاز رهنا وآخرون بأنه لم يحزه

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى، لا وجه للقول فيها، والله الموفق. [مسألة: شهد له شهود بأنه حاز رهنا وآخرون بأنه لم يحزه] مسألة قيل له: فرجل شهد له شهود بأنه حاز رهنا، وشهد له آخرون بأنه لم يحزه، قال: شهادة من شهد له بالحوز هي المأخوذ بها، ولا يخرج حق أحد من يديه بأن يشهد عليه بأنه ليس بيده، وشهادة من أحقه ماضية، إلا أن يخرج من الشهود من لا مخرج له من شهادته إلا بجرحة. قال محمد بن رشد: الجواب في هذه المسألة صحيح؛ لأن المعنى فيها أن المرتهن للرهن قبل قيام الغرماء على الراهن قام بعد قيامهم عليه، والرهن بيده، فادعى أنه حازه حين ارتهنه قبل قيام الغرماء على الراهن، وشهد له بذلك شهود، وشهد آخرون له أنه لم يحزه إلا بعد قيام الغرماء عليه، فوجب أن تكون شهادة من شهد بالحوز القديم أعمل؛ لأنها علمت من الحوز ما جهل الشهود الآخرون منه. وقوله: ولا يخرج حق أحد من يديه بأن يشهد عليه أنه ليس بيديه معناه بأن يشهد عليه، بأنه ليس بيده باحتياز صحيح؛ لأن الشهود لم يشهدوا أنه ليس بيديه، وإنما شهدوا أنه لم يحزه قبل قيام الغرماء على الراهن، ولو ادعى المرتهن أن الرهن بيده، وأقام بينة على أن قد حازه قبل قيام الغرماء على الراهن، فقال الغرماء: ليس الرهن بيده، وأقاموا بينة على أنه لم يحز الرهن لوجب أيضا أن تكون بينة المرتهن أعمل؛ لأنها شهدت له بالحيازة، فهي محمولة على أنها بيده، من حينئذ حتى يثبت رجوعها إلى يد الراهن، وقد اختلف إذا ألفي الرهن بعد قيام الغرماء بيد المرتهن، فادعى أنه احتازه قبل قيام الغرماء وكذبه الغرماء على قولين قائمين

مسألة: الولاء يثبت بالإقرار

من كتاب الهبة والصدقة من المدونة، وهذا كله مبني على القول بأن رهن من أحاط الدين بماله جائز، ما لم يقم عليه الغرماء، وبالله التوفيق. [مسألة: الولاء يثبت بالإقرار] مسألة وسئل سحنون عن رجل مات فأقام رجل البينة أنه مولاه أعتقه، فيعطى ميراثه، ثم يأتي رجل آخر فيقيم البينة أنه مولاه وأنه أعتقه، ولم توقت البينة في شهادتهما وقتا، وكيف إن شهدت بينة الأول على إقراره بالولاء، فأخذ ميراثه، ثم جاء آخر فأقام البينة أنه مولاه أعتقه؟ قال: إذا أتى كل واحد منهما بالبينة مثل بينة صاحبه، كان الميراث بينهما نصفين، ولو أتى أحدهما ببينة على إقراره بالولاء، وأتى الآخر ببينة على أنه أعتقه كانت البينة التي شهدت بالعتق أولى بالميراث من البينة التي شهدت على إقراره. قال محمد بن رشد: قوله: إنه إذا أتى كل واحد منهما بالبينة مثل بينة صاحبه كان الميراث بينهما نصفين، هو مثل ما لابن القاسم في كتاب الولاء والمواريث من المدونة، وقد قيل: إن الميراث لا يخرج من يد الأول الذي أعطاه إلى غيره، إلا أن يأتي ببينة هل أعدل من ببينة الأول، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة، وأما إن أتى كل واحد منهما ببينة مثل بينة صاحبه في العدالة قبل أن يدفع المال إلى أحدهما، فلا اختلاف في أن الميراث يكون بينهما نصفين، إلا أن يكون المولى مقرا بالولاء لأحدهما، فيكون أحق بالميراث إلا أن تكون بينة الآخر أعدل، ولو أتى كل واحد منهما ببينة على إقراره بالولاء؛ لكان الميراث لأعدلها بينة، فإن استوتا في العدالة كان الميراث بينهما نصفين، وهذا إذا لم يعلم لمن أقر له منهما أولا، فإن علم كان الأول أولى، وفي ذلك اختلاف، وكذلك إذا أقر بولاء ثم

مسألة: قال من شهد علي منهما فهو ابن الزانية

أقر بنسب كان الولاء أولى من النسب؛ لأن الولاء يثبت بالإقرار، ولا يثبت النسب بالإقرار، وفي ذلك اختلاف: قد قيل: إن النسب أولى، وهو ظاهر قول أصبغ في العتبية، وهو يدل من مذهبه أن الولاء يثبت بالإقرار، وإذا أقر بابن عم ثم أقر بأخ كان الأخ أحق، وقد قيل: إن ابن العم أحق لأنه المقر له أولا، وكذلك إن أقر بأخ، ثم أقر بعد ذلك بأخ فقيل: إن المقر له الآخر يدخل مع الأول، وقد قيل: إن الأول أحق؛ لأنه المقر له أولا، فيتحصل في إقراره بالولاء لرجل، وبالنسب لآخر ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الولاء أولى من النسب تقدم أو تأخر، وهذا على القول بأن الولاء يثبت بالإقرار. الثاني: أن النسب أولى من الإقرار تقدم أو تأخر. وقيل: المتقدم أولى من المتأخر كان النسب أو الإقرار، وبالله التوفيق. [مسألة: قال من شهد علي منهما فهو ابن الزانية] مسألة قال سحنون: وسئل المغيرة عن رجل كان له على رجل حق فتقاضاه، فأنكر المدعى عليه الحق وجحد، فقال الطالب: إن لي عليك البينة فلان وفلان، فقال: من شهد علي منهما فهو ابن الزانية، فقام الرجلان فشهدا عليه، قال مالك: عليه الحد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه يحصل قاذفا لهما بشهادتهما عليه، ولا يحل لهما أن يكتما شهادتهما إذا دعيا إلى القيام بها؛ لقول الله عز وجل: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وبالله التوفيق. [مسألة: يقول أشهد أن أبي إذ كان قاضيا قضى لفلان بكذا وكذا] مسألة قلت: أرأيت الرجل يقول: أشهد أن أبي إذ كان قاضيا قضى لفلان بكذا وكذا، هل تجوز شهادته على قضاء أبيه؟ قال: نعم.

مسألة: حلف ليدفعن إليه حقه في وقت معين فشهدوا أنه قضاه قبله

قال الإمام القاضي: قد قيل: إنها لا تجوز، وقد مضى القول فيها، وفيما هو في معناها من شهادته عنده أو معه أو على شهادته في نوازل سحنون، من كتاب الأقضية، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ليدفعن إليه حقه في وقت معين فشهدوا أنه قضاه قبله] مسألة وسئل عن رجل حلف لرجل ليدفعن إليه حقه لوقت سماه، ثم جاء بعد الوقت برجل وامرأتين، فشهدوا أنه قضاه قبل الوقت؟ قال: يسقط عنه الحق، ولا يخرجه من الحنث الواجب الماضي لا يخرج منه بشهادة النساء ولا اليمين، قيل: فإن جاء بذلك قبل الوقت؟ قال: يسقط ذلك عنه من قبل أنه إذا حلف مع شاهده أو كانت امرأتان مع شاهد قبل وقت الحنث سقط الحق قبل وقت الحنث، فحل الأجل، وليس عليه شيء يقضيه، وإنما خرج عن اليمين بإسقاط الحاكم عنه الحق، ليس أن شاهدا وامرأتين ولا شاهدا ويمينا أسقط عنه الطلاق أو وقع عليه به. قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، من كتاب الأيمان بالطلاق، فلا معنى لإعادة القول فيه، وهي متكررة في غير ما موضع منه، وبالله التوفيق. [مسألة: تدخل على نفسها رجالا تشهدهم على نفسها بغير إذن زوجها وزوجها غائب] مسألة قال سحنون: للمرأة ذات الزوج أن تدخل على نفسها رجالا تشهدهم على نفسها بغير إذن زوجها، وزوجها غائب، ولا تمنع من ذلك؛ لأنه لو كان زوجها حاضرا، فأرادت أن تدخل على نفسها شهداء لم تمنع من ذلك، إلا أنه لا يدخل عليها الشهداء في مغيب زوجها إلا ومعها ذو محرم منها.

مسألة: شهادة الصبيان فيما بينهم

قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن من حق المرأة أن تدخل على نفسها رجالا تشهدهم على نفسها بغير إذن زوجها، بما تريد أن تشهد به مما يجب عليها، أو يستحب لها؛ لأنها والرجل في ذلك سواء، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] ، وقال: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] ، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما حق امرئ مسلم يكون له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة» وليس للزوج أن يمنع زوجته من شيء من ذلك، فإذا كان من حقها ذلك كان لها أن تفعله في مغيبه، والاختيار كما قال: أن لا تدخل الشهود على نفسها بغير محضر زوجها، إلا مع ذي محرم منها؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة، إلا مع ذي محرم منها» فإن لم يكن لها ذو محرم منها، قام أهل الصلاح والفضل في ذلك مقامهم، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة الصبيان فيما بينهم] مسألة وسئل سحنون ما الذي يؤخذ به في شهادة الصبيان فيما بينهم، أتراها جائزة في الجراح والقتل، أم لا تجوز إلا في الجراحات وحدها؟ فقال: قد اختلف أصحابنا فيها بالروايات عن مالك، واختلف فيها آراؤهم، فمنهم من يقول: شهادتهم في الجراح

جائزة، ولا تجوز في القتل، ومنهم من يقول: شهادتهم جائزة في القتل والجراح، وكل رواية عن مالك، والذي آخذ به من ذلك، وأراه حسنا، وهو أعدل عندي، ولا توفيق إلا بالله، أن تجوز شهادتهم صغارا حيث تجوز كبارا، قيل له: فلم لا تجوز شهادة الواحد منهم، ويحلف مع شهادته كما تجوز شهادة الكبير، ويحلف معه صاحب الحق ويستحق حقه؟ فقال: إن شهادة الصبيان لا تجوز على العدالة، وإنما تجوز على الاضطرار إذا لم يكن معهم كبير، ألا ترى أنهم إذا خالطوا الناس، وخيف عليهم أن يخببوا، فلا تجوز شهادتهم؛ لأنها لم تكن على أصل عدالة، ولو كانت على أصل عدالة لم يضرهم مخالطة الناس؛ لأن مخالطة الناس لا تزيل العدالة حيث كانت بعد ثبتها، ولا يزيلها بعد أن تثبت إلا حدث ينقضها، قيل له: فالصبايا هل ترى أن تجوز شهادتهن في الجراحات صغارا كما تجوز كبارا؟ قال: نعم؛ إذا كان معهن ذكر جازت شهادتهن، فإنما يعتبر ذلك فيهن صغارا بشهادتهن كبارا، فشهادتهن في الجراحات والقتل جائزة إذا كان ذلك خطأ؛ لأنه يصير مالا، فشهادتهن في الأموال جائزة، فحيث تجوز شهادتهن كبارا جازت شهادتهن فيه صغارا، وهذا في الجراحات خطأ والقتل خطأ، ولا تجوز في غير هذا، قيل له: لم لمْ تقبل شهادة الصغار من الذكور والإناث في الحقوق كما قبلتها في الجراحات، وأنت تقول: شهادتهن صغارا جائزة، حيث تجوز

شهادتهن كبارا؟ فقال: قد أخبرتك أن شهادتهن لم تجز إلا على الاضطرار، فإذا زال الاضطرار لم تجز شهادتهن، والحقوق غير الجراحات؛ لأن الحقوق قد يحضرها الرجال والنساء ويشهدون عليها، والجراحات والقتل بين الصبيان لا يحضرها غيرهم؛ لأن الكبار لا يكون معهم الصبيان حيث كانوا، ألا ترى أن الصغار إذا شهدوا على الكبار أن شهادتهم غير جائزة؛ لأنها مواضع يحضرها الكبار، فلا تجوز شهادة الصبيان فيها، وإنما تجوز شهادة الصبيان حيث لا يحضرهم غيرهم، أولا ترى لو أن رجلا صغيرا وكبيرا شهدا على جرح خطأ أو قتل خطأ لم تجز شهادة الصغير؛ لأن الكبير قد حضره، فليس مع الكبير شهادة للصغير، ويقال لصاحب الحق: احلف مع شاهدك الكبير، واستحق حقك، وإلا بطل ما ادعيت. قال أصبغ: لا تجوز شهادة الإناث من الصبيان في الجراح فيما بينهم، وهو قول ابن القاسم أيضا، قيل: فالعبيد الصغار، لمَ لم تجز شهادتهم في الجراحات والقتل إذا لم يكن معهم غيرهم على الاضطرار، كما جوزت شهادة الأحرار الصغار؟ فقال: لأن شهادتهم كبارا غير جائزة، وإذا كانوا صغارا كانت أحرى ألا تجوز. قلت: أرأيت الصبيتين إذا شهدتا على الجراح الخطأ، هل يحلف مع شهادتهما كما يحلف مع الكبار في الحقوق؟ فقال: لا يحلف مع شهادتهما؛ لأن شهادتهما ليست على أصل العدالة، ألا ترى أن الغلام الصغير إذا شهد وليس معه غيره أنه لا يحلف مع شهادته؛ لأنه ليس بعدل، فموقف الصبيتين والثلاث والأربع، وأكثر من ذلك بموقف الصبي، ولا يكن أمثل منه حالا، ولا تجوز شهادته، وكما لا تجوز شهادته وحده، ولا يحلف

الرجل معه، فكذلك لا تجوز شهادة الصبيات، ولا يحلف معهن، وإنما جاءت الآثار عن علي بن أبي طالب أنه كان يحكم بشهادة الصبيان فيما بينهم، والصبيان لا يكونون إلا اثنين فصاعدا، واسم الصبيان بجمع الذكور والإناث، والإناث وإن كثرن مقامهن مقام صبي واحد، والصبي لا يحلف مع شهادته، فكذلك ما سألت عنه، ولا تجوز شهادة الصبيان إذا حضر معهم رجل كبير واحد، فإذا شهد الصبيان في الجراح، وشهد معهم رجل لم تجز شهادة الصبيان؛ لأنه إنما تجوز شهادة الصبيان في الضرورة، فإذا كان رجل فقد ذهبت الضرورة، ولا تجوز شهادة الصبي؛ لأن الحديث إنما جاء بجواز شهادة الصبيان، والصبي لا يقال له صبيان، وسئل عن شهادة الصبيان إذا قيدت قبل أن يفترقوا ويخببوا، فأشهد عليه العدول، ثم بلغ منهم من هو عدل رضا قبل أن يحكم بها، فرجع عما كان شهد به؛ إذ قد كان صبيا، أتكون شهادته باطلا؟ فقال: هي شهادة لم يحكم بها، فإذا رجع عنها بعد بلوغه سقطت، وكان في رجعته عنها كشهود عدول شهدوا أن الذي شهد به الصبيان لم يكن، وشهادة الصبيان إنما الجرحة فيها أن يشهد العدول أنها لم تكن؛ لأن جرحتهم، لم تكن بالأحداث ولا خلاف العدول في حالهم؛ لأنهم لم يؤخذوا على العدل والرضا، ولم تجز شهادتهم بالعدالة، فجرحتهم إنما هي أن يشهد العدول أن الذي شهدوا به لم يكن، ولو كانت شهادتهم بالعدل ثبتت ومضت، وعلى ذلك. . . ما سقطت إلا بالجرحة أنهم غير عدول؛ لأن

الشاهد العدل الكبير لا يجرح بأن الذي شهد به لم يكن، ولا يجرح إلا بما يكون به غير عدل فيما شهد به من الظنون والأسفاه، قيل له: فإن سئل الذي شهد، وهو صبي عن شهادته بعد بلوغه وعدله، وقبل الحكم بها، فشك فيها هل يضرها ذلك؟ فقال: لا يسأل عنها، ولو شك ما ضرها ذلك؛ لأنه لا يحتاج منه فيها يوم يشك إلى شيء، ولأن الشك منه ليس بشهادة منه على نفسه بأنه شهد بباطل، وإنما جعلت رجعته عنها كمثل شهادة الكبير بأن الذي شهد به الصبي لم يكن، فهو حين شك لم يشهد بباطل ما كان قيد من شهادته وهو صغير، قال: ولو كان قيدت شهادتهم على أمر، ثم شهد قبل الحكم، وبعد البلوغ والعدل منهم اثنان، أن الذي شهدنا نحن وهم به من ذلك الأمر باطل أسقطت شهادتهما، الشهادات كلها منها ومن غيرها؛ لأن شهادة الصبيان إذا شهد كبير أو عدلان أنها لم تكن تسقط. قيل له: فإن كان صبيان جميعا اختلفوا، فشهد اثنان بأن صبيا قتل صبيا، وشهد آخران ليس منهما القاتل أن دابة أصابته جبارا؟ فقال: تمضي شهادة الصبيين اللذين شهدا على الصبي بالقتل؛ لأنهم إذا كانوا صبيانا جميعا في حال شهادتهم كانوا كالكبار، لا يبطل ما شهد به الكبير بأن يشهد كبير مثله أن الذي شهد به لم يكن قبل، فشهادة الصبيين اللذين شهدا في صغرهما أنه أصابته دابة جبارا لو شهدا أيضا بعدما بلغا أن الذي شهد به الصبيان اللذان شهدا أن صبيا قتله باطل أن دابة أصابته فقتلته، كما كانا شهدا، وهما صبيان، فلم يؤخذ بقولهما، وأخذ بقول غيرهما، قال: لا تكون شهادتهما اليوم جائزة؛ لأنه من شهد فلم تؤخذ شهادته في حال، ثم حدث له حال غيرها، فشهد بما لم يكن أخذ من شهادته مثل عبد شهد، فلم يقبل فيعتق فجاء بها لا تؤخذ منه، ومثل من شهد وهو غير عدل، فلم يقبل فحسنت حاله

مسألة: شهد أخوها وزوجها معه أنها كانت حلفت في شيء بعتق لتفعلنه

فشهد بذلك فلا يقبل، ولا من كل من شهد لما يحسن من حال نفسه يوم يشهد بالشهادة الآخرة، قال: ولا شهادة للصبيان في موضع يحضره الكبار؛ لأنهم إنما جازت شهادتهم بحال الضرورة إليها. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة، في آخر سماع أشهب مستوفى، فليس لإعادته معنى، وهو قول سحنون في صدر هذه المسألة، في شهادة الصبايا أن ذلك يعتبر فيهن صغارا بشهادتهن كبارا، فشهادتهن في الجراح والقتل جائزة، إذا كان ذلك خطأ؛ لأنه يصير مالا، فشهادتهن في الأموال جائزة، فحيث تجوز شهادتهن كبارا، جازت شهادتهن فيه صغارا خلاف ما تقدم له في أول سماعه، من أن شهادة النساء في جراح العمد جائزة، وحيث يكون اليمين مع الشاهد، وقد مضى هنالك من تحصيل مذهبه في ذلك، ومذهب ابن القاسم، ما لا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. وقوله بعد ذلك: ولا تجوز شهادة الصبيان إذا حضر معهم رجل كبير واحد معناه إذا كان عدلا، وكذا في الواضحة لابن الماجشون، وهو مذهب سحنون؛ لأنه متبع له فيه في جميع وجوهه، من ذلك قوله: إن شهادة الصبيان بجرح بأن يشهد العدول، بأنها لم تكن خلاف قول أصبغ في نوازله بعد هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد أخوها وزوجها معه أنها كانت حلفت في شيء بعتق لتفعلنه] مسألة وسئل المغيرة عن المرأة تتوفى، وليس لها وارث إلا بنات، فشهد أخوها وزوجها معه أنها كانت حلفت في شيء بعتق لتفعلنه، وأنها لم تفعله حتى ماتت، أتجوز شهادة أخيها، وزوجها معه أو ترد لجره الولاء إلى نفسه بشهادته؟ قال: لا تجوز شهادته، قلت: فهل يعتق عليهما حصتهما في الرقيق؟ فقال: نعم، يعتق عليهما، قيل: فهل يقوم عليهما ما بقي؟ قال: لا، وكان مالك لا يرى أن يعتق عليهما.

مسألة: شهادة الغني إذا مطل

قال محمد بن رشد: قول المغيرة هذا مثل قول عبد العزيز بن أبي سلمة، في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم، خلاف مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك فيه، وفي المدونة وغيرها، وقد مضى في السماع المذكور تحصيل القول في هذه المسألة، وتوجيه الاختلاف فيها، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة الغني إذا مطل] مسألة وسئل سحنون عن قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مطل الغني ظلم» أترى أن تجوز شهادة الغني إذا مطل، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن مطله ظلم؟ " فقال: لا أرى أن تجوز شهادته إذا مطل؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى مطل الغني ظلما، فمن كان ظالما، فلا ينبغي أن تجوز شهادته. قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قاله من أن المعروف بالمطل من غير ضرورة، لا ينبغي أن تجاز شهادته؛ لأن مطل الرجل بحقه إذاية له في ماله، ولا يحل إذاية الرجل المسلم في ماله، كما لا يحل إذايته في دمه، ولا في عرضه، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خطبته بعرفة: «ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» ، وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] ، وبالله التوفيق.

مسألة: عبد وحر شهدا على رجل بقتل فقتل ولم يعلم السلطان ثم تبين له بعد ذلك

[مسألة: عبد وحر شهدا على رجل بقتل فقتل ولم يعلم السلطان ثم تبين له بعد ذلك] مسألة وقال في عبد وحر شهدا على رجل بقتل فقتل، ولم يعلم السلطان ثم تبين له بعد ذلك، فقال: الذي قام بالدم فعليه الدية. قال محمد بن رشد: قوله: إن الذي قام بالدم فعليه الدية معناه عندي، إن كان علم أنه عبد، ولم يعلم الشاهد الحر، ولو علم الشاهد الحر أيضا؛ لوجب أن تكون الدية عليهما، وإن لم يعلم القائم بالدم، وعلم الشاهد الحر كانت الدية عليه، وإن لم يعلم واحد منهما كانت الدية على عاقلة الحاكم؛ لأن ذلك من خطئه، هذا الذي يأتي في هذه المسألة على ما لمالك في كتاب الرجم من المدونة في الإمام، يقيم الحد على المرجوم، ثم يعلم أن أحد الشهود كان عبدا، والذي يوجبه النظر أن تكون الدية إذا لم يعلم واحد منهم على جميعهم: القائم بالدم، والشاهد الحر، والإمام لأنهم متشاركون في قتله خطأ؛ لأن شهادته لم ترد أولا فيستوجب الرد اليوم، ولكنها كانت جائزة. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما يأتي في سماع أبي زيد من أن الحق يرد ولا يقطع، ووجه قول سحنون أن شهادة العبد لما لم ترد أولا، لم يتهمه في إعادتها، وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد أظهر؛ لأن الحكم بشهادة العبد حكم مردود، فإن أعاد العبد شهادته بعد عتقه اتهم في أن يريد إجازة شهادته التي قد وجب ردها، ونقض الحكم الذي وقع بها، وبالله التوفيق. [مسألة: الحدود تدرأ بالشبهات] مسألة وعن أربعة شهدوا على رجل أنه زنى، وهو صحيح العقل، وشهد رجلان من غير الأربعة أنه زنى في ذلك اليوم الذي شهد فيه الشهود في ذلك الموضع، أنه قد كان ذاهب العقل، ليس معه عقله؟ قال سحنون: إن كانوا قاموا به إلى الحاكم وهو صحيح

العقل، فالشهادة ماضية عليه بالحد، إذا صححوا الشهادة بما يثبت به الحد، وقول الشاهدين ليس ذلك بالذي يزيل ما ثبت من الحدود، وإن كان الرفع إلى الحاكم والرجل مجنون ذاهب العقل، فقد قال بعض أصحابنا: إنه يصرف عنه الحد؛ لأن الحد لله، وليس ذلك كحقوق الناس إذا رفع وبه الجنون. قال محمد بن رشد: تفرقته بين أن يقام إلى الحاكم وهو صحيح، أو مجنون استحسان على غير قياس ولا أصل، والذي يأتي على الأصول أن يصرف عنه الحد، قاموا به إلى الحاكم، وهو صحيح أو مجنون؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وأي شبهة أقوى من أن يشهد له شاهدان عدلان أنه كان في وقت زناه مجنونا ذاهب العقل، وأما الحقوق، فالقياس فيها أن شهادة الصحة أعمل؛ لأنها أثبتت الحكم، وعلمت ما جهلته البينة الأخرى على ما في سماع أبي زيد في القوم، يشهدون أن المرأة أوصت في مرضها بكذا وكذا، وهي صحيحة العقل، ويقول آخرون: إنها كانت موسوسة، وما لأصبغ في سماعه من كتاب العتق، وقد قيل: إنه ينظر إلى أعدل البينتين، فإن استوتا في العدالة بطلت الوصية؛ لأن تكافؤهما يوجب سقوطهما جميعا، وإذا سقطتا حصل الشك في صحة عقله في حين إشهاده، وعلى هذا يأتي قول ابن القاسم في سماع أبي زيد، من كتاب الوصايا، وفي سماع أصبغ من كتاب العتق في الذي يقول: إن مت من مرضي فغلامي فلان حر، وإن صححت منه فغلامي فلان حر لآخر، فشهد شاهدان له أنه صح من مرضه، وشهد آخران أنه لم يصح منه، معناه وتكافئوا في العدالة، أنه يعتق من كل واحد منهما نصفه؛ لأنه رأى الشك في صحته من مرضه حاصلا بتكافؤ البينتين، فأعتق من كل واحد منهما نصفه؛ إذ لا يدري من هو الذي وجب له العتق منهما، ويتخرج في المسألة قول ثالث: إن شهادة المرض أعمل؛ لأنهم قالوا: رأينا منه اختلاطا في ذمته حين أشهدنا. وقال الآخر: لم نر منه اختلاطا؛ فوجب أن تكون شهادة من أوجب الاختلاط أولى من شهادة من نفاه، وبالله التوفيق.

مسألة: شهادة الذي يطأ الجارية يشتريها قبل أن يستبرئها

[مسألة: شهادة الذي يطأ الجارية يشتريها قبل أن يستبرئها] مسألة وسئل سحنون عن الرجل يشتري الجارية فيطؤها قبل أن يستبرئها، أترى تقبل شهادته؟ فقال: لا، قال: وأرى أن يؤدب مع طرح الشهادة أدبا موجعا إذا كان عالما بمكروه ذلك، قيل له: فإن كانت صبية لم تبلغ المحيض فوطئها قبل أن يستبرئها؟ فقال: إذا كان مثلها يوطأ، فلم يستبرئها، فسبيلها سبيل التي قد حاضت من طرح الشهادة والعقوبة. قال محمد بن رشد: أما سقوط شهادة الذي يطأ الجارية يشتريها قبل أن يستبرئها، وهي ممن يحمل مثلها، ووجوب الأدب عليه إذا كان ممن لا يجهل فبين؛ لأن ذلك أمر متفق على تحريمه بوجهين؛ أحدهما: نص النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من المنع من ذلك بقوله: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض» ؛ والثاني: القياس على ما أوجبه الله تعالى على الحرة من عدة الطلاق والوفاة بقوله: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] فنهى عن العقد لما كان سببا إلى الوطء، فكيف بالوطء؛ لأن المعنى في ذلك في الحرة والأمة سواء، وهو ما يخشى من اختلاط الأنساب، وأما الصبية التي لم تبلغ المحيض ومثلها يوطأ، فإن كان الحمل مأمونا عليها، فلا تسقط شهادة من وطئها قبل أن يستبرئها؛ إذ قد قيل: إنه لا استبراء فيها، روى ذلك علي بن زياد، عن مالك، قال: وهو الأمر عندنا، وهو أحسن ما سمعت، ومعنى ما ذهب إليه سحنون أن التي لم تبلغ المحيض إذا كان مثلها يوطأ، فلا يؤمن أن يكون ذلك الوقت حد بلوغها، ومحيضها، فتحمل قبل أن تحيض، والله أعلم.

مسألة: كتاب قاض إلى قاض في الزنا

[مسألة: كتاب قاض إلى قاض في الزنا] مسألة قال سحنون: لا يثبت كتاب قاض إلى قاض في الزنا إلا بأربعة شهداء على أنه كتابه، كما أنه لا تقبل شهادة على الزنا إلا بأربعة، فكذلك لا يثبت فيه كتاب قاض إلا بأربعة، قلت له: من يقول هذا؟ قال: أنا أقوله من قبل أنه لا يجوز للقاضي المكتوب إليه أن ينفذ كتاب القاضي الكاتب إليه إلا بشهادة من يجوز على أصل الحق، ولا بينة عنده بأقل من ذلك. قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا يأتي على رواية مطرف عن مالك في أن الشهادة على الشهادة في الزنا لا تجوز فيها إلا أربعة على كل واحد من الأربعة، اجتمعوا على الشهادة على جميعهم، أو افترقوا مثل أن يشهد ثلاثة على الرؤية، ويغيب واحد، فلا تثبت شهادته إلا بأربعة، وابن القاسم يقول: يجوز أن يشهد على شهادته اثنان، وهو مذهب ابن الماجشون، فيأتي على قولهما أنه يجوز أن يشهد على كتاب القاضي في الزنا شاهدان، وهو الذي يوجبه القياس والنظر؛ لأن الشهادة قد تمت على الزنا بأربعة شهداء، فلا يحتاج إلى إثبات قول القاضي بكتابه ينبغي أن يثبت في الزنا بما يثبت في غير الزنا؛ إذ لا فرق ببن الموضعين فيما يلزم الشاهد في تحمل نقله؛ لأنه قول في الوجهين، وبالله التوفيق. [مسألة: الفقيه يخرج إلى الصيد منتزها هل يجرح مثل هذا شهادته] مسألة قال سحنون: وسألته عن الرجل الفقيه الفاضل الصالح يخرج إلى الصيد منتزها، هل يجرح مثل هذا شهادته؟ فقال: لا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ذلك ليس بحرام، إنما هو مكروه، فتركه أحسن، ومن أهل العلم من أجازه ولم ير فيه كراهة، وبالله التوفيق.

مسألة: يتداعيان في الشيء لا يعرفانه فقالا جميعا قد رضينا بشهادة فلان

[مسألة: يتداعيان في الشيء لا يعرفانه فقالا جميعا قد رضينا بشهادة فلان] مسألة قال في رجلين يتداعيان في الشيء لا يعرفانه، فقالا جميعا: قد رضينا بشهادة فلان، قال سحنون: يلزمهما ما شهد به فلان عليهما. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم الشجرة، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [مسألة: شهادة من ثبت عليه حد من الحدود] مسألة وسئل سحنون عن المحدودين في القذف أو الزنا هل تجوز شهادتهما في القذف والزنا؟ والمحدود في شرب الخمر والسرقة هل تجوز شهادته في شرب الخمر والسرقة إن تابوا؟ قال: لا تجوز شهادة من ثبت عليه حد من الحدود، كائن ما كان وأقيم عليه في مثله الحد، وهو يجري مجرى شهادة ولد الزنا أنه لا تجوز، وهو كان أبعد في الغيرة، وإنما ترد فيه بالتهمة أن يكون الناس له أسوة، وقاله أصبغ، قلت: فرجل جنى على رجل جناية فاقتص لتلك الجناية، هل تجوز شهادته في مثل الجرح الذي اقتص به منه؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: قول سحنون: إنه لا تجوز شهادة أحد فيما حد فيه من الحدود، وإن تاب هو أحد قولي مالك، روى عنه مطرف وابن الماجشون أنها لا تجوز، وروى عنه ابن نافع وابن عبد الحكم أنها جائزة، وهو قول ابن كنانة وظاهر ما في الديات من المدونة، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما، واختلف في ذلك أيضا قول أصبغ، فله في الواضحة مثل قول سحنون، ورواية مطرف، وابن الماجشون، وفي الثمانية مثل قول ابن كنانة، ورواية ابن نافع وابن عبد الحكم، وشهادة ولد الزنا في الزنا، وفي

مسألة: شهادة الصبيان في القتل

نفي الرجل عن أبيه جارية على هذا الاختلاف، والمشهور من قول ابن القاسم أنها لا تجوز، فهو قوله في سماع أبي زيد من هذا الكتاب، وفي سماع عيسى، من كتاب الحدود، وظاهر ما في الديات من المدونة أنها جائزة، واختلف إذا شهد أربعة على الزنا أحدهم ولد زنا، فقيل: إنهم يحدون كما لو كان أحدهم عبدا، وهو قول أصبغ ومذهب ابن القاسم في المدونة؛ لأنه قال فيها إذا شهد على المرأة أربعة شهود بالزنا؛ أحدهم زوجها جلد الثلاثة، ولاعن الزوج، ولا فرق بين المسألتين، وقيل: إنهم لا يحدون بخلاف إذا كان أحدهم عبدا، وهو قول ابن أبي حازم في المبسوطة واستحسان ابن القاسم فيها، وأما إن لم يعثر على أنه زوجها، أو على أنه ولد زنا حتى أقيم الحد، فيدرأ الحد عن الثلاثة، ويحد ولد الزنا والزوج إلا أن يلاعن، واختلف هل يرثها إن كانت رجمت؟ فقال ابن القاسم: إنه يرثها إلا أن يعلم أنه تعمد الزور، أو يقر بذلك على نفسه له قتلها. قال غيره: لأن الله فرض له الميراث، فلا يمنع منه بظن، وقال أصبغ: لا يرثها؛ لأن عليه اللعان وهو يجرحه من أن يكون شاهدا، وأرى فيه تهمة العامد لقتل وارثه، والسنة ألا يرث عامد من دية من قتل شيئا، ولا من ماله، وهذا الاختلاف يدخل بالمعنى في إجازة شهادة الأب على ابنه الموسر بقتل عمدا أو زنا، وهو محصن، وقد مضى القول على ذلك في أول سماع سحنون. وأما قول سحنون في أن شهادة الرجل لا تجوز في جرح اقتص منه في مثله، فهو شذوذ أغرق فيه في القياس، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة الصبيان في القتل] من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال محمد بن خالد: سمعت ابن القاسم يقول: إن شهادة الصبيان تجوز في القتل كما تجوز في الجراحات. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في آخر سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وإنما تجوز شهادتهم في القتل إذا

مسألة: شهدا لرجل بمائة دينارأحدهما أنها له من بيع باعه إياه والآخر من سلف

شهد العدول على رؤية البدن مقتولا، روى ذلك ابن القاسم عن مالك، وقاله غير واحد من أصحابه، ولا يدخل في هذا عندي الاختلاف الذي ذكرناه في رسم أوصى، من سماع عيسى، في شهادة المرأتين في الاستهلال وقتل الخطأ لضعف شهادة الصبيان، وبالله التوفيق. [مسألة: شهدا لرجل بمائة دينارأحدهما أنها له من بيع باعه إياه والآخر من سلف] مسألة قال ابن القاسم في رجل توفي وترك ولدا صغيرا وورثة معه، فقام لولده الصغير شاهدان على غلام من غلمان أبيه، فقال أحدهما: إن أباه تصدق عليه به في حياته، وشهد آخر أنه نحله إياه في صحة منه، إن كان الغلام قد بلغ الحلم حلف مع شاهده على الصدقة ثم يستحقها، وإن كان صغيرا لم يبلغ، وخيف على الغلام بيع ووقف المال حتى يبلغ الحلم، فإن حلف استحق ثمنه، وإن نكل عن اليمين كان ميراثا، قال: فكلمت ابن القاسم في ذلك وقلت له: إنهما قد اجتمعا له، وإن كان قد اختلفا في بعض الشهادة على قطع الحق، فقال: لا أرى أن تثبت له الصدقة إلا بيمين، وقال: أرأيت لو أن شهيدين شهدا لرجل بمائة دينار، فشهد أحدهما أنها له من بيع باعه إياه، وشهد الآخر أنها له قبله من سلف أسلفها إياه؟ قال ابن الماجشون: الشهادة تامة، وذلك أنهما قد اجتمعا على إخراجها من يديه بغير شيء يجب على المدعي. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تقدمت في سماع سحنون،

مسألة: شهادة الغائب الواحد

ووقعت أيضا في رسم الدور والمزارع من سماع يحيى دون جواب، ومضى القول عليها مستوفى في رسم العرية، من سماع عيسى، لما اقتضاه من القول فيها، فذلك يغني عن إعادته، وإنما يكون له على قول ابن الماجشون أخذ المائة دون يمين، إذا ادعى ما قاله أحدهما، وأما إن ادعى المائتين جميعا، فقد أكذبهما إذا قالا: إنها شهادة واحدة، وقد مضى القول على هذا مستوفى في نوازل سحنون، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة الغائب الواحد] مسألة قال محمد بن خالد: سمعت ابن القاسم يقول: شهادة الغائب الواحد مقبولة إذا كان عدلا. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة، في أول نوازل سحنون، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [: شهد كل واحد منهما لصاحبه أن الميت أوصى له] نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج قال: سئل أصبغ عن رجلين شهدا على وصية، فشهد أحدهما: أن الميت أوصى لصاحبه بوصية مال بكذا وكذا، وشهد الموصى له أيضا أن الميت أوصى للشاهد بوصية مال أيضا، فشهد كل واحد منهما لصاحبه أن الميت أوصى له، قال: إن كانا شهدا على كتاب واحد، وفيه هذه الوصايا لهما جميعا، فشهادتهما باطلة؛ لأن كل واحد منهما شهد لنفسه ولغيره، والوصية لها بال؛ لأنهما يشهدان على جميع ما في الكتاب ويثبتان الوصية بشهادتهما، وفيها وصية لكل واحد منهما لها بال وقدر، فهما متهمان في شهادتهما، فشهادتهما ساقطة في جميع الوصية يسقط ما كان فيها من وصاياهما وغير وصاياهما، قال: وأما لو شهدا على غير

كتاب ولا وصية مكتوبة فيها هذه الوصايا، ولكن أتى هذا فشهد أن الميت أوصى لفلان بكذا وكذا، ثم قام المشهود له بالوصية، فشهد عند ذلك القاضي أن الميت أوصى لفلان الذي شهد له بالوصية بكذا وكذا، رأيت شهادتهما جائزة، شهادة كل واحد منهما لصاحبه لا تهمة على واحد منهما فيها؛ لأنهما لم يشهدا على كتاب تجتمع فيه الوصايا، فيتهمان بأن يثبتا وصاياهما ووصايا غيرهما، وإنما شهد كل واحد منهما منفردا بالشهادة لغيره ليس لنفسه فيها شيء، فأرى أن يحلف كل واحد منهما مع صاحبه الذي شهد له، ويستحق حقه ووصيته. قال محمد بن رشد: أما إذا شهد كل واحد من الشاهدين لصاحبه أن الميت أوصى له بوصية لها قدر وبال، والوصية لهما بكتاب واحد، فما قاله من أن شهادتهما باطلة لا تجوز وتسقط لهما ولغيرهما هو المشهور في المذهب، وقد قيل: إن شهادتهما تجوز لغيرهما، وهو الذي يأتي على قياس قول أصبغ بعد هذا في هذه النوازل في العبدين، يشهدان بعد عتقهما أن الذي أعتقهما غصبهما من رجل مع مائة دينار إن شهادتهما تجوز في المائة، ولا تجوز في غصب رقابهما؛ لأنهما يتهمان أن يريدا إرقاق أنفسهما، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة، في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب. وأما إذا شهد كل واحد منهما لصاحبه أن الميت أوصى له بكذا وكذا بغير كتاب، أو كانت وصية كل واحد منهما في كتاب على حدة، ففي ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن شهادة كل واحد منهما لصاحبه جائزة، يحلف معه، ويستحق وصيته، وإن كانت شهادة كل واحد منهما لصاحبه في مجلس واحد، وهو ظاهر قول أصبغ هذا، وظاهر قول سحنون في نوازله. والثاني: أنها لا تجوز وإن كانت في مجالس شتى، وهو أحد قولي سحنون حكاه ابنه عنه. والثالث: الفرق بين أن تكون شهادتهما في

مسألة: هلك وترك ابنته وأخوين له فأسلم الأخوان ميراثهما لابنته

مجلسين، أو في مجلس واحد، وهو قول مطرف وابن الماجشون، وقد مضى هذا في نوازل سحنون، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وترك ابنته وأخوين له فأسلم الأخوان ميراثهما لابنته] مسألة وسئل أصبغ عن رجل هلك وترك ابنته وأخوين له، فأسلم الأخوان ميراثهما لابنته، وخرجا عنه إليها في مرض أبيها، وقبل موته، وبعد أن حجب ماله عنه، وذلك أن الابنة طلبت ذلك إليهما وسألتهما أن يسلما إليها مالهما في ميراث أبيها ففعلا ذلك بها وأسلما ذلك إليها كل ما تصير إليهما من ميراث أخيهما، فلما مات الأب وجدت الابنة ذكر حق لأبيها على رجل بشهادة الأخوين اللذين أسلما الميراث إليها. هل تجوز شهادتهما لها، وقد كان هذا الذكر الحق مما خرجا منه إليها مع ما بقي من ميراثه؟ قال: نعم، شهادتهما جائزة لا تهمة عليهما فيها؛ لأنهما لا يجران إلى أنفسهما بذلك شيئا؛ لأنهما قد خرجا من جميع ذلك، وذلك قبل أن يصير إليهما بالملك التام؛ لأنه إنما كان محجوبا عن ماله لهما إن مات ليس أنهما أولى بماله منه، ولو كان المال وجب لهما وجوب ملك كما يملك الرجل ماله، ثم وهباه لرجل لم يكن لهما فيه شهادة. قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى معناها في رسم العتق، من سماع عيسى، والكلام عليها مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد لامرأة بشهادة وأثبتها القاضي ولم يحكم بها حتى تزوج الشاهد تلك المرأة] مسألة وسألته عن رجل شهد لامرأة بشهادة، وأثبتها القاضي، ولم يحكم بها حتى تزوج الشاهد تلك المرأة، أترى أن يحكم القاضي بها؟ قال أصبغ: نعم، وليس هذا مثل الذي يوصي لرجل بوصية

وليس هو وارثه، ثم يكون وارثه بعد ذلك، فلا تجوز تلك الوصية. . . على هذا فرق بين ذلك أن الشاهد إنما كانت ترد شهادته بالظنة، والظنة هاهنا إنما حدثت بعد الشهادة، ألا ترى لو أن رجلا شهد على رجل بشهادة، ولم يقض بها حتى كانت بينه وبين المشهود عليه خصومة ودعوى لم يبطل ذلك شهادته، وجازت عليه إذا كان قد شهد بها قبل الخصومة والظنة والتهمة، وإن كانت لم تنفذ فهي الآن تنفذ، ولا ترد لما ذكرت إن شاء الله. قال محمد بن رشد: شهادة الشاهد تسقط بوجهين؛ أحدهما: التهمة في الشهادة بالعداوة وبالظنة؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، ولا جار إلى نفسه» . والثاني: الجرحة في الدين؛ لقول الله عز وجل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . فإذا شهد الرجل بشهادة وهو مجرح في دينه، أو متهم في شهادته؛ لم تجز شهادته، وأما إن شهد بشهادة وهو عدل غير متهم في ظاهر أمره، فقبلت شهادته، ثم حدث بعد قبولها، وقبل الحكم بها ما لو علم قبل قبولها لم يقبل، ففي ذلك تفصيل، أما التهمة بالعداوة تحدث، والظنة تقع، فلا يؤثر ذلك في إجازة الشهادة إلا أن يعلم لذلك سبب قبل أدائها مثل أن يشهد الرجل للمرأة، ثم يتزوجها، فيشهد عليه أنه كان يخطبها قبل أن يشهد لها وما أشبه ذلك، فإن شهادته تبطل بدليل قول ابن القاسم في سماع حسين بن عاصم في الرجل يشهد على الرجل أنه حلف بطلاق امرأته البتة إن تزوجها قبل أن يتزوجها، فأتى

مسألة: شهد أن هذه الدار لأبيه مات وأوصى بها لفلان

المشهود عليه ببينة تشهد له أن الشاهد كان يخطب هذه المرأة قبل أن يتزوجها، هو أن شهادته تبطل، ولأصبغ في ثمانية أبي زيد أن الشاهد إذا خاصم المشهود عليه بعد الشهادة لم تبطل شهادته، إلا أن يقر أن الذي يطالبه به من ذلك كان قبل إيقاع الشهادة، وأما الجرحة بالأحداث يظهر منه مثل أن يقتل، أو يجرح، أو يزني، أو يسرق، أو يشرب خمرا، أو يقذف حرا، وما أشبه ذلك؛ ففيه اختلاف، قيل: إن ذلك كله يبطل الشهادة، وهو قول مطرف وأصبغ، وروايته عن ابن القاسم، وقيل: إنه ما كان من ذلك يستسر به كالزنا والسرقة والشرب وما أشبه ذلك؛ بطلت به الشهادة؛ إذ لا يؤمن أن يكون قديما قبلها، وما كان منه لا يستسر به، ويعلم أنه كان خلوا منه يوم شهد كالقتل والجراح والقذف وما أشبه ذلك، لم تبطل به الشهادة كما لا تبطل بالخصومة والتزويج، وهو قول ابن الماجشون، وظاهر قول أصبغ هذا أن مجرد الخصومة في القليل والكثير توجب العداوة بين المتخاصمين، وتسقط شهادة أحدهما على صاحبه، وهو ظاهر ما في أول سماع أشهب أيضا، وفي ذلك اختلاف قد مضى تحصيله هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد أن هذه الدار لأبيه مات وأوصى بها لفلان] مسألة وسئل عن رجل شهد أن هذه الدار لأبيه، مات وأوصى بها لفلان، والدار في يد رجل ينكر ذلك، أترى أن تجوز شهادته، والدار تخرج من الثلث؟ قال أصبغ: لا، أرى أن تجوز شهادته مخافة أن يطرأ على أبيه دين، فيرجع في الدار، فيكون قد انتفع بذلك، ولقد كان وقع في قلبي منها شيء ثم تبين لي بعد ذلك أنه لا تجوز شهادته في هذا. قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قاله؛ لأن الموصى له إنما يأخذ وصيته على ملك الميت الموصي إن قبلها، وإن لم يقبل كانت لجميع الورثة، فهو بشهادته جار إلى نفسه، وبالله التوفيق.

مسألة: يقول الرجل في تعديل الرجل هو عدل

[مسألة: يقول الرجل في تعديل الرجل هو عدل] مسألة قال أصبغ: لا أحب أن يقول الرجل في تعديل الرجل: هو عدل، وليقل: أراه عدلا. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في أول نوازل سحنون، فلا معنى لإعادته. [مسألة: شهد عند القاضي بشهادة لرجل على رجل] مسألة وسئل عن رجل شهد عند القاضي بشهادة لرجل على رجل، والمشهود عليه قائم يسمع، فلما فرغ من شهادته تحول إلى المشهود عليه فقال له والقاضي يسمع: إنك تشتمني وتشبهني بالمجانين، وتهددني، وما أشبه ذلك من الكلام، ألا ترى أن يطرح القاضي بهذا الكلام شهادته عنه؟ فقال: لا أرى أن يطرح شهادته عنه بهذا الكلام وما أشبهه، إلا أن يثبت بينهما عداوة قديمة بينة، فتطرح شهادته عليه، وأما مثل هذا الكلام فما أراه شيئا. قال محمد بن رشد: لأصبغ في الثمانية أن قوله هذا إن كان على وجه الشكوى والاستنهاء من الأذى، ولم يكن على وجه مطلب خصومة، ولا سمى السمة، فلا أراه شيئا، وإن سمى السمة، وهي مما إن قام بها كان في مثلها خصومة ومطالبة، أو كان ذلك منه على وجه الطلب له بالخصومة، وإن لم يسم السمة ساعته، فأرى شهادته ساقطة، وهو مفسر لقوله هاهنا، ولابن الماجشون في الثمانية أن شهادته تبطل بهذا القول، ولا تجوز؛ لأنه قد أخبر أنه عدوه، فكيف تجوز شهادته عليه؟ قال: فلو قال ما هو أدنى من

مسألة: ليس لحر أن يرق نفسه

هذا؛ لكان فيه طرح شهادته، وقول ابن الماجشون أظهر وأولى بالصواب، والله أعلم. [مسألة: ليس لحر أن يرق نفسه] مسألة وعن رجل هلك ولم يترك وارثا غير ابن عم له فيما يرى الناس، فأعتق ابن العم غلامين مما ورث عن الهالك، فشهدا بعد عتقهما أن سيدهما أشهدهما في حياته أن جاريته فلانة حامل منه، ثم ولدت الجارية، قال أصبغ: لا شهادة لهما؛ لأن شهادتهما ترقهما، وليس لحر أن يرق نفسه، وليس هذا من الشهادة التي يقال لا يتهمان فيها فتجوز، ولا من الأشياء التي يؤخذ فيها بإقرارهما بالعبدية. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إلا أن في إجازة شهادتهما إبطال عتقهما، وفي إبطال عتقهما رد شهادتهما، فإذا كانت الإجازة توجب الرد، وجب أن تكون مردودة، وبالله التوفيق. [مسألة: اشتريا من رجل عبدا ثم ادعى أحدهما أن البائع كان أعتقه] مسألة وقال أصبغ في رجلين اشتريا من رجل عبدا، ثم ادعى أحدهما: أن البائع كان أعتقه، قال: لا تجوز شهادته على البائع، وأرى أن يعتق عليه نصابه منه بشهادته، ثم أرى أن يقوم عليه ما بقي من العبد؛ لأني أتخوف أن يكون إنما أقر بهذا احتيالا؛ لئلا يقوم عليه ما بقي من العبد، قال: والولاء للمشهود عليه أنه كان أعتقه.

مسألة: بينة شهدت على رجل أنه زنى بمصر وأخرى بالعراق

قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها: أن الشاهد لا يعتق عليه نصيبه للضرر الداخل على أشراكه، وعبد العزيز بن أبي سلمة يقولان: إنه يعتق عليه نصيبه، ولا يقوم عليه نصيب شريكه، وقول أصبغ هذا قول ثالث في المسألة، وقد مضى ذكر هذا في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: بينة شهدت على رجل أنه زنى بمصر وأخرى بالعراق] مسألة وسئل أصبغ عن بينة شهدت على رجل أنه زنى بمصر في المحرم يوم عاشوراء، وشهدت بينة أخرى أنه كان يومئذ بالعراق، قال أصبغ: هذا حد قد ثبت لا تزيله هذه البينة التي شهدت أنه كان بالعراق؛ لأنها لم تشهد على فعل آخر، إنما شهدت أن الذي قالت البينة الأولى لم يكن، فذلك غير مقبول، قيل له: فلو شهدت بينة أنه زنى بمصر يوم عاشوراء، وشهدت بينة أنه سرق ذلك اليوم بالعراق، أتوجب عليه الحدين جميعا؟ قال: لا، بل تطرح كلتا الشهادتين؛ لأنهم شهدوا على أمر مختلف وفعلين لا يمكنان جميعا، فإن قلنا: إن إحدى البينتين قد شهدت بحق، فإنا لا ندري أيهما هي، فسقطت الشهادة بالشك، قيل: وكذلك لو قالت هذه البينة: إنه زنى بمصر يوم عاشوراء، وقالت الأخرى: إنه قتل إنسانا بالعراق؟ قال: أطرحهما جميعا، قلت: فشهدت إحدى البينتين أنه زنى بمصر يوم عاشوراء، وشهدت بينة أخرى أنه زنى ذلك اليوم بعينه بالعراق، أتطرح هذه أيضا؟ قال: لا، بل أثبت عليه حدا واحدا؛ لأن كلتا البينتين إنما شهدت بالزنى، فحد الزنى حد واحد؛ لأني أعلم أن إحدى البينتين صادقة، فقد وجب عليه الحد إما بهذه وإما بهذه؛ فلا بد من إقامة الحد عليه بأحد الزنائين، قال: وكذلك لو شهدت أيضا بينة أنه قتل فلانا بمصر، وشهدت أخرى أنه قتل

فلانا بالعراق، وقام أولياء المقتولين جميعا قتلته بهما؛ لأن إحدى البينتين صادقة. قال محمد بن رشد: تفرقة أصبغ هذه في اختلاف البينتين، إذا شهدت إحداهما على رجل أنه زنى بمصر في المحرم يوم عاشوراء، بين أن تقول البينة الأخرى: إنه كان ذلك اليوم بالعراق، أو إنه سرق أو قتل ذلك اليوم بالعراق، أو. . . إنه زنى ذلك اليوم بالعراق، أيضا فإن قالت: إنه كان بالعراق، وإنه زنى بالعراق؛ أقيم عليه حد الزنى، وإن قالت: إنه زنى أو قتل بالعراق، سقط عنه الحدان جميعا، هو على قياس المشهور من مذهب ابن القاسم في أن البينتين إذا اختلفتا بالزيادة كانت التي زادت أعمل، وإن اختلفتا في الأنواع سقطتا جميعا، إلا أن تكون إحداهما أعدل من الأخرى، فيقضى بالأعدل، وقد قال ابن القاسم: إن البينتين إذا اختلفتا بالزيادة سقطتا، إلا أن تكون إحداهما أعدل؛ فيقضى بالأعدل كاختلافهما في الأنواع، فيلزم على قياس هذا إذا قالت إحدى البينتين: إنه زنى بمصر في المحرم يوم عاشوراء، وقالت البينة الأخرى: إنه كان ذلك اليوم بالعراق، أو إنه زنى ذلك اليوم بالعراق؛ أن تسقط البينتان جميعا، إلا أن تكون إحداهما أعدل من الأخرى، فيقضى بها، كما لو قالت: إنه سرق ذلك اليوم بالعراق أو قتل، وهو الذي يوجبه القياس والنظر؛ لأن كل بينة منهما مكذبة لصاحبتها في الوجوه كلها؛ إذ لا يمكن أن يكونا جميعا صادقين، فإذا لم يمكن ذلك وجب أن يسقطا جميعا، إلا أن تكون إحداهما أعدل من الأخرى، فيقضى بالأعدل؛ لأن الظن يغلب أنها هي الصادقة، وقول أصبغ: إنه يقام عليه حد الزنى إذا قالت إحدى البينتين: إنه زنى بمصر في المحرم يوم عاشوراء، وقالت البينة الأخرى: إنه زنى في ذلك اليوم بالعراق، وإنه يقتل إذا قالت إحدى البينتين: إنه قتل فلانا بمصر في المحرم يوم عاشوراء، وقالت البينة الأخرى: إنه قتل فلانا لرجل آخر ذلك اليوم بالعراق، وقام أولياء القتيلين جميعا بعيد، لا سيما في الزنى؛ لما جاء من أن الحدود تدرأ بالشبهات. وتعليله لإقامة الحد والقتل عليه بما قال

مسألة: صبيين شهدا على صبي أنه قتل هذا الصبي الساعة وشهد رجلان أنه لم يقتله

من أنه يعلم أن إحدى البينتين صادقة غير صحيح؛ لأنه إذا علم أن إحداهما كاذبة، واحتمل أن تكون كل واحدة منهما هي الكاذبة، احتمل أن تكونا جميعا كاذبتين، وإذا احتمل أن تكونا جميعا كاذبتين، وأن تكون إحداهما صادقة، والثانية كاذبة، لم يصح أن يحكم بأن إحداهما صادقة إلا أن تكون هي أعدل، فيغلب على الظن صدقها، وإلى هذا نحا محمد بن عبد الحكم على ما قد ذكرناه عنه، في نوازل سحنون، ويأتي على قياس قول مطرف وابن الماجشون عن مالك في أن البينتين إذا شهدت إحداهما، بخلاف ما شهدت به البينة الأخرى، واستوتا في العدالة أنه يقضي بما شهدتا به جميعا، أنه يحد حد الزنى، ويقطع في السرقة إذا شهدت إحدى البينتين أنه زنى بمصر يوم عاشوراء، وقالت البينة الأخرى: إنه سرق في ذلك اليوم بالعراق، وهو بعيد جدا، والله الموفق. [مسألة: صبيين شهدا على صبي أنه قتل هذا الصبي الساعة وشهد رجلان أنه لم يقتله] مسألة وسئل أصبغ عن صبيين شهدا على صبي أنه قتل هذا الصبي الساعة، وشهد رجلان أنه لم يقتله، وأنهما كانا حاضرين حتى سقط الصبي فمات، وأن الصبي الذي شهد عليه الصبيان لم يضربه ولم يقتله، قال أصبغ: أرى شهادة الصبيين تامة، ولا يلتفت إلى شهادة الكبيرين، وإنما ذلك عندي بمنزلة أن لو شهد كبيران أنه قتله، وشهد كبيران آخران أنه لم يقتله على نحو مسألتك، فشهادة من شهد بالقتل أولى، قيل له: أو لا ينظر إلى العدالة في هذا؟ قال: اعلم أن الدماء والجراح والعتاق والطلاق والحدود، كلها لا ينظر فيها إلى العدالة بعد أن يكون من شهد عليه عدلا مرضيا في شهادته، فهي أولى من شهادة من تعرض لها بالرد، وإن كانوا أعدل. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا إغراق في القياس على أصل

مسألة: شهد على شهادة أبيه

غير مسلم الصحة، فقد ذكرنا في المسألة التي قبل هذه، أن الذي يوجبه القياس والنظر أن ينظر إلى أعدل البينتين إذا اختلفتا، وإن كانت الواحدة موجبة والثانية نافية، فكيف إذا كانت إحداهما صبيانا، فقول سحنون في نوازله: إن شهادة الصبيان تسقط بتكذيب الكبار لهم، هو أولى بالصواب، والله أعلم. [مسألة: شهد على شهادة أبيه] مسألة وسئل عمن شهد على شهادة أبيه وأبوه عدل مرضي مشهور العدالة، لا يحتاج إلى تزكية، فيأتي الابن فيشهد على شهادة أبيه، قال: لا تجوز شهادة الابن على شهادة أبيه، ولا شهادة الأب على شهادة ابنه، انظر أبدا كل من لا يجوز لك أن تعدله، فلا يجوز لك أن تشهد على شهادته، وإن كان المشهود على شهادته عدلا. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا: إنه لا تجوز شهادة أحدهما على شهادة صاحبه، بخلاف ما مضى لسحنون في نوازله من إجازة شهادة الابن على قضاء أبيه؛ لأنه إذا جاز أن يشهد الابن على ما قضى به أبوه، والأب لو شهد في ذلك، لم تجز شهادته، كان أحرى أن تجوز شهادته على شهادة أبيه؛ إذ لو شهد الأب في ذلك لقبلت شهادته، وقد مضى في نوازل سحنون من كتاب الأقضية تحصيل القول في هاتين المسألتين، وفيما هو في معناهما من شهادة كل واحد منهما عند صاحبه ومعه، فلا معنى لإعادته. [مسألة: أعتق عبدين ثم إن العبدين شهدا أن هذا المعتق غصبهما من هذا الرجل] مسألة وسمعته سئل عن رجل أعتق عبدين، ثم إن العبدين شهدا أن هذا المعتق غصبهما من هذا الرجل، وغصب معهما مائة دينار، قال: لا يرجعان في الرق للذي شهدا أن هذا المعتق غصبهما منه بشهادتهما؛ لأنه لا يجوز لحر أن يرق نفسه، وتجوز شهادتهما في

مسألة: شهد لابنه ولأجنبي بحق على رجل فدفع الغريم الحق حين شهد الأب

المائة التي يزعمان أنه غصبها معهما، قلت: وكيف يجوز بعض الشهادة ويبطل بعض؟ قال: هو بمنزلة امرأتين شهدتا في وصية رجل بوصايا وعتق، فأجيز شهادتهما في الوصية، وأبطلها في العتق. قال الإمام القاضي: لسحنون في كتاب ابنه أنه لا تجوز شهادتهما في المائة ولا لأنفسهما، وهو الأظهر؛ لأن شهادتهما على غصب المعتق لهما إنما لم تجز من أجل أنهما يتهمان على أنهما أرادا إرقاق أنفسهما، والشهادة إذا رد بعضهما للتهمة ردت كلها بخلاف إذا رد بعضها للسنة، فساوى أصبغ في هذا بين أن يرد بعضها للتهمة، أو للسنة في أنه يجوز من الشهادة التي فيها التهمة ما لا تهمة فيه، كما يجوز من الشهادة التي فيها ما لا يجوز في السنة ما يجوز فيها، وقد قيل: إن الشهادة إذا رد بعضها للسنة ردت كلها، فالمشهور إذا رد بعض الشهادة للتهمة أن ترد كلها، وقد قيل: إنه يرد منها ما لا تهمة فيه، وهو قول أصبغ هذا، والمشهور إذا رد بعض الشهادة للسنة أن يجوز منها ما أجازته السنة، وقد قيل: إنها ترد كلها، وذلك قائم من المدونة، من قوله في شهادة النساء للوصي: إن الميت أوصى إليه أن شهادتهن لا تجوز إن كان فيها عتق وأبضاع النساء، وكذلك المشهور في المذهب أيضا أن الشهادة إذا رد بعضها لانفراد الشاهد بها دون غيره؛ أنها تجوز فيما تصح فيه شهادة الشاهد الواحد، وتبطل فيما لا يصح إلا بشهادة شاهدين، مثال ذلك: أن يشهد الرجل على وصية رجل وفيها عتق ووصايا لقوم، فإن الموصى لهم بالمال يحلفون مع شهادة الشاهد، وتكون وصاياهم فيما بعد قيمة المعتق، وقد قيل: إن الشهادة كلها مردودة، حكى ذلك السدي عن أشهب وجميع جلسائه، وأما إذا لم يأت الشاهد بالشهادة على وجهها، وسقط عن حفظ بعضها؛ فإنها تسقط كلها بإجماع، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد لابنه ولأجنبي بحق على رجل فدفع الغريم الحق حين شهد الأب] مسألة وسئل عن رجل شهد لابنه ولأجنبي بحق على رجل، فدفع

الغريم الحق حين شهد الأب، وظن أن ذلك يلزمه، أو دفع إلى الأجنبي حصته، وحكم عليه بذلك، فلما اقتسماه هو والابن، وبان به الأجنبي، طلب الغريم نقض ذلك، وتكلم في شهادة الأب، قال أصبغ: ذلك له، يرد ذلك الحكم؛ لأنه حكم خطأ وخلاف السنة وظلم؛ لأن شهادته لابنه كشهادته لنفسه، وشهادته للأجنبي كشهادته لابنه؛ لأن أمرهما واحد، لا يكون للأجنبي شيء إلا كان لابنه فيه نصيب، فهو مردود كله، وهذا إنما قلنا إذا سقط بعض الشهادة سقطت كلها، فإذا نقض، فإن كان مع الأب شاهد غيره حلف مع شهادته واستحقا، وإلا فلا، قلت: فإن كان الغريم دفع من غير قاض ولا سلطان حكم عليه، ولكنه دفع من قبل نفسه، وقال: ظننت أن شهادة الأب جائزة، إذا شهد لأجنبي مع ابنه فدفعت إليه، ولم أرد أن ألجئهم إلى السلطان، ثم أخبرت أن شهادة الأب لا تجوز، فأنا أريد الرجوع. قال: ليس له رجوع، ولا كلام في هذا، وأراه بمنزلة الذي ينفق على المطلقة قبل أن يستبين بها حمل، أو يقول: ظننت أنه كان يلزمني، فليس له رجوع عليها إن انفش حملها، وقبل أن ينفش لما قد تقدم، وإنما له لما يستقبل، فأما إذا دفع ومضى، فليس له فيه رجوع، قلت: وكذلك إن شهد شاهد لرجل بحق على رجل، فدفع إليه بغير يمين، ثم أتى بعد ذلك يتعقبه بيمين وقال: لم أظن أن لي عليه يمينا، فأنا أريد أن أستحلفه أيكون ذلك له؟ فإن لم يحلف رد ما أخذ أو كيف؟ فقال لي: هذا أبعد وأبعد، لا يكون له قول ولا رجوع. قال محمد بن رشد: إنما لم يكن له رجوع إذا دفع بشهادة الأب؛ لأنه حمل عليه أنه علم أن ذلك لا يلزمه، ولم يصدقه فيما ادعى من أن ظن أن ذلك يلزمه، وقد قيل: إنه يصدق في ذلك إذا كان ممن يشبه أن يجهل مثل هذا، وهذا الذي يأتي على ما في كتاب الصلح، في الذي يصالح عن

مسألة: يشهدان أن رجلا طلق امرأته البتة وأنهما رأياه بعد ذلك يزني بها

دم الخطأ، وهو يظن أن الدية تلزمه، وفي كتاب الشفعة في الذي يثيب على الصدقة، وهو يظن أن الثواب يلزمه، وكذلك اليمين إذا تطوع بتركها، فليس له فيها رجوع؛ لأنه لا يصدق فيما ادعى من أنه ظن أنه لم يكن عليه يمين، ويدخل في ذلك من الاختلاف ما دخل في الذي دفع بشهادة الأب، ولو حكم عليه بالدفع بشهادة الأب؛ لوجب أن يرجع بماله؛ لأنه حكم خطأ يجب فسخه، وكذلك لو حكم عليه بالدفع بالشاهد الواحد دون يمين؛ لكان من حقه أن يستحلفه، فإن نكل عن اليمين حلف واسترجع ماله، ولا خلاف في ذلك أعلمه. وأما الذي ينفق على المطلقة قبل أن يستبين حملها، ثم يتبين أنه لم يكن بها حمل، فقد قيل: إنه لا رجوع له عليها، وإن أنفق عليها بقضاء، وهو قول مالك في كتاب النكاح لابن المواز، ومعنى ذلك عندي إذا لم تقر الزوجة أنه لم يكن بها حمل، وادعت أنها أسقطته، وفي مسألة الذي ينفق على المطلقة، ثم يتبين أنه ليس بها حمل أربعة أقوال؛ الرجوع من غير تفصيل، وأن لا رجوع من غير تفصيل، والفرق بين أن ينفق بقضاء أو بغير قضاء على وجهين، وقد مضى القول على هذه المسألة في سماع ابن القاسم، من كتاب طلاق السنة، وفي أول سماع أصبغ، ورسم المكاتب منه من كتاب النكاح، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهدان أن رجلا طلق امرأته البتة وأنهما رأياه بعد ذلك يزني بها] مسألة قال أصبغ في الشاهدين يشهدان أن رجلا طلق امرأته البتة، وأنهما رأياه بعد ذلك يزني بها كالمرود في المكحلة، فقال: تسقط شهادتهما في الطلاق؛ لأنهما قاذفان حين رمياه بالزنا، وعليهما له الحد بقذفهما إياه، قلت: ولم حملت عليهما الحد، وإنما شهدا أنه وطئ امرأته التي أثبتها أنت تحته، ولم تقض بطلاقها؟ قال: ألا ترى أنهما يزعمان أنها ليست بامرأته، وأنه وطئها زانيا بها، وهما على ذلك، وأنها ليست له بامرأة، فلذلك رأيت عليهما الحد قائما لا يزول، قال ابن الماجشون: الحد ساقط

عنهما لسقوط شهادتهما في الطلاق؛ لأنه إذا سقط في الطلاق، فإنما شهدا أنه وطء امرأته، وهي امرأته كما هي لم تزل، قال أصبغ وعبد الملك: ولو شهدا عليه بطلاق امرأته البتة، وشهدا أنهما رأياه على بطنها أو في لحاف عريانين جميعا فيما دون ما يحق الزنا، فالطلاق لازم، يفرق بينهما، ويؤدبان فيما فعلا من ذلك. وسئل سحنون عنها فقال: الشهادة ساقطة، ولا حد عليهما؛ لأنهما لما سقطت شهادتهما في الطلاق، ولم تجز فيه لم يجب عليهما الحد، ونظيرتها الرجل يهلك، ويترك أخاه، وأمة حاملا، وعبدين، فأعتقهما الأخ، فشهد العبدان أن الأمة حامل من سيدها، وأن الأمة ولدت غلاما أن الشهادة ساقطة؛ لأنها لو ثبتت رد عتقهما، وصارا رقيقين، فلما بطلت الشهادة لم يلزمهما من إقرارهما بالرق شيء، وقاله أصبغ. قيل لأصبغ: فلو بتل عتقهما في مرضه، وله مال مأمون، أو كان ذلك لهما من الهالك بوصية عتقا بعد موته، فشهدا بهذه الشهادة بعد تنفيذ الوصية لهما، أو قبل تنفيذها لهما بالعتق؟ فقال: أما الذي بتل عتقهم قبل موته، أو كان ذا مال مأمون، وأوصى لهم بالعتق، وحملهما الثلث، فشهادتهما جائزة، يرد بها الأمر كله إلى سبيل ما شهدوا به، ولا يضرهما ذلك؛ لأن عتقهما تام ماض، كان هذا، أو لم يكن، والموصى بعتقهم إذا كان في ثلث الميت ما يحملهم فهم كالمبتلين قبل موته، وشهادتهما جائزة لا يرقون هاهنا بشهادتهم شيئا من أنفسهم، قلت: فلو كان الثلث لا يحملهم فأتمه الوارث عن نفسه وأمضاه لهما؟ قال: لا تجوز شهادتهما، وكان مثل أول المسألة؛ لأن الشهادة إن أجيزت رجع الرق عليهما فيما فضل عن الثلث، فسقطت شهادتهما، وصارا بمنزلة ما لو ابتدئ عتقهما.

قال الإمام القاضي: قد قيل: يلزمه الطلاق ويحد الشاهدان، وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وعلى مذهب أكثر أصحاب مالك، في أن شهادة القاذف لا تجوز قبل الحد ولا بعده، وقال: هو قبل الحد هو شر منه بعد الحد؛ لأن الحدود كفارات لأهلها، فكيف تقبل شهادته في شر حاليه، وليس قوله بصحيح؛ لأن الله تعالى إنما نهى عن قبول شهادته بعد الحدود، لا على قبولها قبل الحد بقوله: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] ؛ إذ من حقه أن يعذر إليه ليأتي بما يصدق قوله، وقول ابن الماجشون وأصبغ وسحنون في هذه المسألة على ما ذهب إليه الشافعي من سقوط شهادة القاذف بنفس القذف قبل إقامة الحد عليه، وهو قول أصبغ في إيجاب الحد على الشهيدين، وإن سقطت شهادتهما في الطلاق أظهر من قول ابن الماجشون وسحنون، وإن كان محمد قد تابعهما على قولهما فقال: إن الحد لا يلزمهما إلا بعد القضاء عليه بالطلاق؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] . والإذاية قد حصلت بما رمياه به من وطئه إياها بعد طلاقها البتة، والمسألة التي نظرها سحنون بها فقال: إنها نظيرة لها، لا تشبهها؛ لأن الشهادة فيها لما ردت من أجل أن الشاهدين يتهمان على أنهما أرادا إرقاق أنفسهما، وجب أن يبقيا على حالهما من الحرية، ولا يلزمهما إقرارهما بالرق؛ إذ لا يجوز لحر أن يرق نفسه، والطلاق لما ردت الشهادة فيه من أجل أن الشاهدين يجرحان بما شهدا به من أنهما رأياه يزني بها بعد الطلاق، لم يمنع أن يلزمهما الحد؛ لأنه حق عليهما يجب أن يؤخذا به بخلاف الرق الذي لا يجوز للحر أن يلحقه بنفسه، فالحد في مسألة الطلاق مختلف في وجوبه، والرق في المسألة التي نظرها بها متفق على سقوطه، وذهب ابن

: شهادة غير العدول

كنانة فيهما إلى أن ينفذ حريتهما على الأخ؛ لأنه أعتقهما بشبهة الميراث، وتجوز شهادتهما للأمة، ويلحق نسب ابنها، ويغرم له الأخ القيمة، ويكون الولاء له، قال: لأني إن أجزت شهادتهما في الرق، كنت قد حكمت بشهادة العبيد، وإن لم أجز شهادتهما، ونفذت عتقها قالت الأمة: لمَ لم تحكم لي بشهادتهما وهما حران، فهي مهملة، والجواب فيها ما قلت لك، وكذلك قال فيها القاضي ابن كنانة في رجل ورثه بنو عم له، فورثوا معهم أختا لهم جهالة، فصار لها في حظها عبد فأعتقته، ثم تبين لهم أنهم أخطئوا على أنفسهم، وأنها ليست بعصبة؛ أن العتق ينفذ عليها لشبهة الميراث، وتغرم القيمة لإخوتها، ويكون الولاء لها، وقال يحيى: يرد عتقها؛ لأنها أعتقت ما لم تملك، وهو الصحيح، والله أعلم. [: شهادة غير العدول] من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن القاسم قال عبد الملك: سئل ابن القاسم عن الرجل يحبس في الدم، فيأتي المدعي ببينة ليسوا بعدول، ويكون الشهود جماعة، فيقولون: قد كان هذا الأمر عندنا فاشيا مشهورا، فحبس هذا في الحبس إلى متى يكون حبسه؟ فقال ابن القاسم: شهادة غير العدول بمنزلة من لم تقم القاضي له بينة، فإن كان من أهل الريب فليحبسه الشهر ونحوه، وإن كان بريئا، فلا يحبس إلا أن يكون الذي ادعى عليه قريبا اليوم واليومين ونحوه. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة في المدعى عليه الدم إذا شهد عليه غير العدول، وهو من أهل التهم: إنه يحبس الشهر ونحوه هو مثل ما في سماع عبد الملك من كتاب الديات، خلاف ظاهر ما في سماع ابن القاسم من كتاب الديات، وخلاف نص ما في الواضحة لمالك، من أن

مسألة: لشاهد يشهد عند القاضي فيكلفه العدالة لجهالته به

من ألطخ القاضي بالدم، ووقعت التهمة عليه، ولم يتحقق من ذلك ما تجب به القسامة أنه يحبس الحبس الطويل، ولا يعجل بإخراجه منه، حتى تتبين براءته، أو يأتي عليه السنون الكثيرة، قال مالك: ولقد كان الرجل يحبس في الدم باللطخ والشبهة، حتى إن أهله ليتمنون له الموت من طول حبسه، ولا يطلق إذا سرح بعد الشهر، أو بعد الطول حتى يستحلف خمسين يمينا، قاله في سماع ابن القاسم من كتاب الديات. وقوله: وإن كان بريئا؛ يريد وإن كان غير متهم، فلا يحبس إلا أن يكون الذي ادعى عليه قريبا اليوم واليومين ونحوه، هو مثل ما في سماع عبد الملك من كتاب الديات، خلاف ظاهر ما في سماع ابن القاسم منه، وبالله التوفيق. [مسألة: لشاهد يشهد عند القاضي فيكلفه العدالة لجهالته به] مسألة وسئل عن الشاهد يشهد عند القاضي فيكلفه العدالة لجهالته به، فيقول الشاهد: لست أعرف هاهنا، وأنا معروف في بلدي، فاكتب إلى قاضي بلدي، فأعدل عنده هل ترى أن يكتب في عدالته إلى قاض معروف بتجويز البينة والعدالة، وأنه يقبل كل من شهد عنده ويعدل، فإن بعض القضاة غير موثوق بهم؟ قال ابن القاسم: لا ينبغي للقاضي أن يكتب في مثل هذا، ولا يحل له إلا أن يكون قاضيا عدلا موثوقا بناحيته، ولا يجيز كتاب جائر إذا ثبت ذلك عنده، ولا يحل له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى، في رسم الكبش، من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: العامل ورب المال شهادة كل واحد منهما لصاحبه] مسألة قال: وسألت ابن وهب عن الشاهد يشهد للرجل والذي شهد

مسألة: شهدتا على امرأة أنها ضربت بطن امرأة فألقت مضغة

له في يد الشاهد مال قراض أو سلف، هل ترد لذلك شهادته مليا كان أو معدما؟ فقال: إن كان الشاهد مليا جازت شهادته أسلفه أو قارضه؛ لأن العدم عندي من أعظم التهمة، وقال أشهب: إذا كان عدلا جازت شهادته مليا كان أو معدما، قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في العامل ورب المال: إن شهادة كل واحد منهما لصاحبه جائزة، وسئل عنها سحنون فقال: إذا شهد العامل لرب المال، والمال قائم بيد العامل، لم يشتر به شيئا، فلا تجوز شهادته؛ لأنا نتهمه أن يكون إنما شهد له ليقر المال بيده، فإن كان المال قد صرفه في سلع، فشهادته له جائزة. قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى، في آخر سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: شهدتا على امرأة أنها ضربت بطن امرأة فألقت مضغة] مسألة قال عبد الملك: سئل أشهب وأنا أسمع عن امرأتين شهدتا على امرأة أنها ضربت بطن امرأة فألقت مضغة، قال: تحلف مع شهادتهما، وتستحق دية جنينها. قلت: فهل عليها كفارة؟ قال: لا كفارة عليها. قال محمد بن رشد: قوله: وتستحق دية جنينها؛ معناه وتستحق حقها من دية جنينها، وقد قال ابن دحون: إنما أتى بهذه المسألة على أنه ليس للجنين وارث غير أمه، ولو كان له ورثة غيرها حلفوا كلهم، واقتسموا الغرة على كتاب الله؛ لأنها ليست قسامة، وهو كلام غير معتدل؛ لأنها لا

مسألة: هل يعدل الرجل أخاه

تستحق دية الجنين على قول من يرى أنها موروثة على فرائض الله، وإن انفردت بها، وإنما تستحق منها بيمينها الثلث، ويكون سائرها لبيت المال، وإنما تستحق جميع دية الجنين بيمينها على مذهب من يرى أنها لها خاصة، ليس للأب فيها شيء ولا لغيره؛ لأن الجنين عضو من أعضائها، وهو قول ربيعة، أو على مذهب من يرى أنها للأبوين على الثلث والثلثين، وأيهما انفرد بها فهو أحق بها، وبذلك كان مالك يقول: ثم رجع عنه، وهو قول المغيرة وابن دينار وابن أبي سلمة، وقال ابن الماجشون بقول مالك الذي رجع إليه: إن دية الجنين موروثة على فرائض الله تعالى، وبالله التوفيق. [مسألة: هل يعدل الرجل أخاه] مسألة وسألت أشهب هل يعدل الرجل أخاه؟ فقال: لا يعدله. قلت: فهل تجوز شهادته له في الجراحات خطأ كان أو عمدا؟ فقال: نعم. قال الإمام القاضي: قول أشهب هذا: إن الرجل لا يعدل أخاه؛ خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وفي المبسوطة لابن نافع وابن الماجشون: أنه لا تجوز تزكية الأب لابنه، ولا الابن لأبيه، ولا الزوج لزوجه، ولا الأخ لأخيه، واحتج ابن الماجشون في رد تزكية الأب لابنه بقول الله عز وجل: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} [الأحقاف: 15] ، فجعل صلاح ذريته من صلاحه وصلاحه من صلاحهم، وقال

: يشهد لعمه في حق له على رجل وليس للعم وارث غيره

مطرف بن عبد الله: ليس ذلك على ما قالا، وشهادة الأخ لأخيه إذا كان منقطع العدالة في كل شيء جائزة إلا في الولاء، وقال أبو المصعب الزهري: تجوز شهادته إلا في ولاء أو مال يجره إليه إذا كان فقيرا، وتجوز تزكيته له إذا كان منقطع العدالة، إلا فيما يدفع به عنه عارا، وقال مالك: تجوز تزكية الرجل إذا كان عدلا غير متهم لابنه وأبيه وأخيه ولامرأته إذا زكاهم، روى ذلك عنه ابن نافع وزياد بن عبد الرحمن، والمشهور أنه لا تجوز تزكية الرجل إلا لمن تجوز شهادته له، وبالله التوفيق. [: يشهد لعمه في حق له على رجل وليس للعم وارث غيره] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن الرجل يشهد لعمه في حق له على رجل، وليس للعم وارث غيره، هل تجوز شهادته؟ قال: نعم؛ إذا كان عدلا منقطعا في الشهادة، ولم يكن محتاجا إلى ما في يديه، وليس هو ممن يمونه، ولا يحمل نفقته، قال: ولا تجوز شهادته له في فرية، أو حد جر إليه مما يجمعه، وإياه عصبية أو محمية. قال الإمام القاضي: وهذا كما قال: إن شهادة الرجل لعمه بالمال وإن لم يكن له وارث سواه جائزة؛ لأن التهمة بالميراث ضعيفة، فلا يتهم فيها المبرز بالعدالة، وأما شهادته له في الفرية والحدود، وما تكون فيه العصبية والحمية، فبين أنه لا تجوز شهادته له فيه كالأخ، وبالله التوفيق. [: ابني عم شهدا لابن عم لهما على مال] ومن كتاب الوصايا قال أصبغ: سمعت ابن القاسم سئل عن رجل أوصى لفقراء أقاربه بحائط يغتلونه، فلم يشهد على تلك الوصية إلا أغنياء

: يبعث مع الرجلين بمال يدفعانه إلى رجل ويقول اشهدا أنتما عليه

بني عمه، فقال: لا تجوز شهادتهم خوفا من أن يحتاجوا إلى ذلك يوما ما، إلا أن يكون شيئا تافها يسيرا، لا خطب له، ولا يتهمون في مثله لغناهم، ولعله لا يدركون ذلك، فإذا كان الأمر الخفيف الذي لا يتهمون على جر ذلك لأنفسهم رأيت ذلك لهم، وذلك أني سمعت مالكا سئل عن ابني عم شهدا لابن عم لهما على مال ولأموال، قال: إن كانا قريبي القرابة يتهمان في جر الولاء إليهما، فلا يجوز، وإن كانا من الفخر من الأباعد لا يتهمان على جر ذلك لأنفسهما، رأيت شهادتهما جائزة، وإن كان الولاء يرجع إليهما يوما ما، قال ابن القاسم: وهذه المسألة تشبه مسألتك. قال ابن القاسم: ولأنه لو استغنى بعض فقرائهم، وافتقر بعض أغنيائهم، أخرج من استغنى منهم، ودخل من افتقر، وإنما تقسم على من يكون فقيرا يوم يقع القسم في كل عام، وقاله أصبغ كله إلا أن يتباعد جدا، أو تتباعد التهمة فيما يرى. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى، فلا وجه للقول فيها، والله الموفق. [: يبعث مع الرجلين بمال يدفعانه إلى رجل ويقول اشهدا أنتما عليه] ومن كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يبعث مع الرجلين بمال يدفعانه إلى رجل، ويقول: اشهدا أنتما عليه، فيفعلان ويذكر الذي بعث بالمال إليه أنه لا تجوز شهادتهما عليه؛ لأنهما

مسألة: يأتي بشاهد على حقه وهو كبير سفيه مولى عليه قد احتلم

يدفعان عن أنفسهما غير الغرم من العيب والتهمة وما أشبه ذلك، قال: ولا يكون عليهما غرم؛ لأنه بذلك أمرهما وبعثهما يشهدان عليه، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: هذا كما قال من أن شهادتهما على المبعوث إليه لا تجوز لما يلحقهما في ذلك من الظنة، وأنه لا غرم عليهما؛ لأنه قد أذن لهما في الدفع إليه دون إشهاد، فيحلف المبعوث إليه أنهما ما دفعا إليه شيئا، ويغرم الباعث، ولا شيء على المبعوث معهما، وبالله التوفيق. [مسألة: يأتي بشاهد على حقه وهو كبير سفيه مولى عليه قد احتلم] مسألة وسمعت ابن القاسم يقول في الذي يأتي بشاهد على حقه وهو كبير سفيه مولى عليه قد احتلم، أنه يحلف مع شاهده، وإن كان سفيها، وليس هذا مثل الصبي هاهنا، فإن أبى أن يحلف حلف الآخر وبرئ، فإن نكل غرم، وإن حلف برئ، ولم يستأن به كما يستأنى بالصغير، وقاله أصبغ كله، والسفيه في اليمين بمنزلة العبد والنصراني، وهما يحلفان في حقوقهما، والحقوق تقع عليهما، هذه السنة الثابتة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن الكبير السفيه المولى عليه يحلف مع شاهده، وهذا فيما لم يل وليه المبايعة فيه عليه، وأما ما ولي فيه المبايعة عليه مثل أن يبيع له سلعة، فينكر المبتاع، ويجحد الثمن، فإن كان دفع السلعة حلف هو مع الشاهد باتفاق، فإن نكل عن اليمين حلف المبتاع، وغرم هو؛ إذ لم يشهد، قيل: القيمة؛ على القول بأن الإشهاد لا يلزمه إلا عند دفع السلعة، وقيل: الأكثر من القيمة، أو الثمن؛ على القول بأنه يلزمه الإشهاد على الثمن، وإن لم يدفع السلعة، وإن كان لم يدفع السلعة فقيل: إنه لا يمين عليه مع الشاهد، ويحلف المولى عليه معه، وقيل: إنه هو الذي يحلف، فإن نكل عن اليمين غرم بعد يمين المشتري،

مسألة: شهد عليه رجلان بجرحة فقالا رأيناه سكران

وهذا على الاختلاف في وجوب الإشهاد عليه بالثمن، وإن لم يدفع السلعة، فإن نكل السفيه عن اليمين مع الشاهد في الموضع الذي يحلف فيه معه حلف المطلوب وبرئ، ولم يكن للسفيه أن يحلف إذا رشد كالكبير المالك لأمر نفسه، وقال ابن كنانة: إن نكل عن اليمين حلف المطلوب، وبرئ إلى أن يرشد السفيه، فيحلف ويستحق حقه كالصغير، وبه قال مطرف، وهو أظهر من قول ابن القاسم، وأما الصغير فلا يحلف مع شاهده، ويؤخر عنه اليمين إلى أن يبلغ بعد أن يحلف المطلوب، ولا يحلف مع شاهده، ولا الولي عنه، وقد روي عن مالك أنه يحلف مع شاهده، وهو بعيد شاذ، وعن ابن كنانة أن الأب يحلف عنه. وهذا كله فيما لم يل وليه المعاملة فيه، وأما ما ولي المعاملة فيه فيحلف؛ لأنه إن نكل غرم بما صنع من الإشهاد، وأما العبد المأذون له في التجارة والنصراني، فهما كالكبير كما قال: يحلفان في حقوقهما يريد مع شاهدهما، وفي الحقوق تقع عليهما يريد بالدعوى، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد عليه رجلان بجرحة فقالا رأيناه سكران] مسألة قال: وسمعت ابن القاسم يقول فيمن شهد عليه رجلان بجرحة فقالا: رأيناه سكران، أو رأيناه يسرق؛ فجرحاه بذلك في شهادة شهداها أنه يقام عليه الحد إذا قطعا عند الحاكم بمعاينة، فهو علم ودياه يومئذ، فهي شهادة يؤديانها، ولا يضرهما تركهما قبل ذلك؛ لأن ذلك ستر سترا به عليه. قال محمد بن رشد: في المدنية لمالك من رواية محمد بن صدقة، مثل رواية أصبغ هذه: إنه يقام عليه الحد، وقال عيسى عن ابن القاسم: لا أرى أن يقطع ولا يحد، وقال عيسى: أحب إلي أن يقطع ويحد، وهو الذي يوجبه النظر للعلة التي ذكرها من أن الشاهد لا يضره ترك القيام بشهادته على السارق والزاني؛ لما أمر به من الستر، وبالله التوفيق.

مسألة: الشاهد تجوز شهادته للمشهود له إذا كان موسرا بماله عليه من الدين مليا به

[مسألة: الشاهد تجوز شهادته للمشهود له إذا كان موسرا بماله عليه من الدين مليا به] مسألة قال أصبغ: قال لي ابن القاسم في رجل أقام على ميت بينة بألف دينار، فجاء أولياء المقتول بشهيدين يشهدان أنه أبرأه، فجاء المدعي بشهيدين على هذين الشهيدين أن للميت عليهما دينا، أو له عندهما مالا قراضا أو وديعة؛ أنهما إن كانا موسرين بذلك جازت شهادتهما على ما شهدا، وإن كانا غير موسرين بذلك لم تجز شهادتهما؛ لأنهما يدفعان عن أنفسهما الطلب، وما أشبه ذلك، وإنهما إن أقرا بالدين إلا أنهما معسران، لم ينفعهما ذلك، ولم تجز شهادتهما، وإن قالا في الوديعة والقراض قد ضاع ذلك، فأما الوديعة فأرى شهادتهما جائزة، ولا يستحلفهما إن لم يكونا متهمين، وإن كانا متهمين استحلفا، وسكت عن الجواب في القراض هاهنا، ولم يجب بشيء، قال أصبغ: وأرى أنهما سواء، وذلك إذا كان ذهابهما طريا، مما لا يجري عليهما فيه خصومة ولا حجة، وإن ذكرا ذهابا قديما مما تدخل فيه التهمة والخصومة، لم تجز شهادتهما. قال الإمام القاضي: قوله: إنهما إن كانا موسرين بذلك، جازت شهادتهما على ما شهدا به صحيح لا اختلاف في أن الشاهد تجوز شهادته للمشهود له إذا كان موسرا بماله عليه من الدين مليا به، لا مشقة عليه في إحضاره، كما أنه لا اختلاف عندي في أن شهادته له لا تجوز إذا كان مليا بماله عليه من الدين، إلا أنه لا يمكنه إحضاره إلا ببيع ما يشق عليه من عقاره وعروضه؛ لأنه يتهم أن يكون إنما شهد له ليؤخره إلى أن تأتي فائدته،

: له عليه حق فيلزمه فيطلب من آخر أن يعطيه دنانيره ويشهد على ذلك

فلا يبيع عقاره وعروضه، واختلف إذا كان معدما، فلم ير ابن القاسم شهادته له جائزة، وإن كان الحكم يوجب تأخيره؛ لأنه اتهمه أن يكون إنما شهد له ليترك طلبه وتحليفه، وذلك بين من قوله في هذه الرواية؛ لأنهما يدفعان عن أنفسهما الطلب وما أشبه ذلك، ورأى أشهب شهادته له جائزة على ما مضى له في سماع زونان؛ لأن الحكم يوجب له التأخير، فلم يتهمه في أنه شهد له ليسقط عنه اليمين، ورأى ذلك خفيفا، لا يتهم العدل في مثله، فهذا تحصيل هذه المسألة عندي: وجه تجوز فيه شهادته باتفاق، ووجه لا تجوز فيه باتفاق، ووجه يختلف في جوازها فيه. وقوله: وإن قالا في الوديعة والقراض قد ضاع ذلك، فأما الوديعة فأرى شهادتهما جائزة، ولا يستحلفهما، بين لا إشكال فيه؛ لأنه إذا لم يجب عليهما غرم ولا يمين فلا وجه لإسقاط شهادتهما، وقال: إنهما إن كان متهمين استحلفا، يريد وبطلت شهادتهما؛ إذ لا يتهم بجحد الودائع إلا من ليس بعدل، فإذا ادعى الذي عنده الوديعة أو القراض أنه ضاع منذ مدة لزمته اليمين عند ابن القاسم، وإن كان عدلا، ولم تجز شهادته؛ لأنه يتهم أن يكون إنما شهد ليسقط عنه اليمين، ولزمه الغرم عند أصبغ، قاله في سماعه، من كتاب الوديعة، وعليه يدل قوله هاهنا، وإن كان ذهابها قديما مما تدخل فيه التهمة والخصومة لم تجز شهادتهما؛ لأن وجه الخصومة في ذلك على مذهبه أن يكلف إقامة البينة على أنه قد سمع منه التشكي بتلفها، فإن لم يأت على ذلك ببينة لزمه الغرم، وإن كان التلف قريبا لم تلزمه يمين، وجازت شهادته، ويأتي على قياس رواية ابن نافع عن مالك في إيجاب اليمين عليه، وإن لم يتهم ألا تجوز شهادته، وأشهب يخفف أمر اليمين، فيرى شهادته جائزة، إلا في الموضع الذي يجب عليه فيه الضمان، وبالله التوفيق. [: له عليه حق فيلزمه فيطلب من آخر أن يعطيه دنانيره ويشهد على ذلك] ومن كتاب القضاء المحض قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل له على

مسألة: قوله إحدى امرأتيه أو امرأته وله امرأتان طالق

رجل حق فيلزمه، فقال الملزوم لرجل معه: اذهب ائتني بدنانير، فذهب الرجل فأتاه بدنانير، فدفعها إليه، فقبضها منه، وأوصلها إلى الذي يسأله الحق، ثم لبثوا أياما، فأتى الرجل المرسل إلى صاحب الحق الطالب يسأله شهادته بدفعه الدنانير إلى الذي عليه الحق، وزعم أنها له، وأراد أخذها من الذي عليه الحق، أترى للذي له الحق الطالب أن يشهد؟ وهل ترى شهادته جائزة؟ قال: نعم، أرى شهادته جائزة؛ لأنه قد انقطع ما بينهما، ولا يجر بها إلى نفسه شيئا، وليس للذي كان الحق عليه هاهنا حجة تطرح بها شهادته، ولا يدفعها بشيء، وليس هاهنا تهمة، فأرى شهادته جائزة، وقاله أصبغ، ولو كان إنما هو دفعها إليه عنه لم تجز، ولكنه دفعها إلى صاحبه، فكان هو الدافع عن نفسه إلى الغريم، فشهادته جائزة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى، لا إشكال فيها، فلا معنى للقول فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: قوله إحدى امرأتيه أو امرأته وله امرأتان طالق] مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول فيمن شهد عليه شاهد واحد أنه حلف على شيء أنه إن فعله فامرأته طالق، وشهد آخر أنه قال: إن فعله فإحدى امرأتيه طالق، ففعله وجحد شهادتهما، قال: لا تجوز شهادتهما؛ لأنها قد اختلفت. قال أصبغ: لا يعجبني ما قال ابن القاسم، ولا أدري كيف أجاب فيها بفهم أو بغير فهم، أو علم أو غيره، وأرى قوله: إحدى امرأتيه أو امرأته، وله امرأتان سواء، لا يفترق ذلك؛ لأن الحكم فيه يرجع إلى أمر واحد، وإلى النية والتدين، فإن كانت واحدة وإلا طلقتا جميعا، فهي شهادة مجتمعة غير مفترقة، فإن أقربها وادعى النية فله ذلك، وإن أنكرها كان

مسألة: يشهدون على شهادة الرجل عند القاضي وهم لا يعرفونه والقاضي يعرفه بالعدالة

كمن أقر، ولا نية له، فتطلقان جميعا بالشهادة. قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم العرية، من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهدون على شهادة الرجل عند القاضي وهم لا يعرفونه والقاضي يعرفه بالعدالة] مسألة قال أصبغ: سألت أشهب عن القوم يشهدون على شهادة الرجل عند القاضي، وهم لا يعرفونه، والقاضي يعرفه بالعدالة أو يعدله عند القاضي غيرهم، أتجوز شهادته بعينه؟ قال: نعم؛ إذا عرفه القاضي بالعدالة جازت شهادته، قال أصبغ: ذلك بعد معرفة أخرى بأنه الرجل الذي شهد على شهادته بعينه لا يحتمل اسمه لغيره، فيكون غير الذي عرف القاضي بالعدالة والمعدلون. قال الإمام القاضي: قوله: وهم لا يعرفونه؛ معناه لا يعرفونه بالعدالة، ويعرفونه بالعين والاسم، مع أن يكون مشهورا لا يختلط بغيره، وأما إن كانوا لا يعرفونه بالعين والاسم، أو كانوا يعرفونه بالعين والاسم ولكن ليس بمشهور، فلا تجوز الشهادة؛ لاحتمال أن يكون الذي شهدوا على شهادته غير الذي عرفه القاضي بالعدالة والمعدلون، وهذا معنى قول أصبغ، فهو تفسير لقول ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: تحليف الرجل أباه في حق يدعيه فيه] مسألة وسئل عن الذي يقع له القضاء على أبيه باستحلافه، أو الحد يقع له عليه، فيريد أخذه فيقال له: إنه عقوق أن تستحلفه أو تحده فيستحلفه أو يحده، فقال: لا تجوز شهادته، قيل له: فإن كان جاهلا بأنه عقوق، فرأى ألا تجوز أيضا شهادته وقال: إن عذر بالجهالة في هذا عذر أيضا في أشياء كثيرة من ارتكاب الحرام، وما

: تفتدي من زوجها ويقوم لها بينة يشهدون لها على السماع أن زوجها كان يضربها

أشبه ذلك، فلا أرى أن تجوز شهادته، قال أصبغ: ثم سألته أيضا عمن استحلف أباه في حقه، وحقه حق، قال: أراه عقوقا، وإن كان حقه حقا، فلا أرى أن تجوز شهادته. قال محمد بن رشد: اختلف في تحليف الرجل أباه في حق يدعيه فيه، أو حده على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك مكروه، وليس بعقوق فيقضى له بذلك، ولا تسقط به شهادته. والثاني: أن ذلك عقوق، فلا يقضى له بذلك، وهو مذهب مالك في المدونة في اليمين، في كتاب المديان، وفي الحد في كتاب القذف، وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب؛ لما أوجبه الله من بر الأبوين بنص القرآن، وبما تظاهرت به الآثار، وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمين للولد على والده، ولا للعبد على سيده» . والثالث: أن ذلك عقوق، إلا أنه يقضى له به، وتكون جرحة فيه تسقط به شهادته، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وهو بعيد؛ لأن العقوق إن كان من الكبائر، فلا ينبغي أن يمكن من فعله أحد، وبالله التوفيق. [: تفتدي من زوجها ويقوم لها بينة يشهدون لها على السماع أن زوجها كان يضربها] ومن كتاب النكاح قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عن التي تفتدي من زوجها ويقوم لها بينة يشهدون لها على السماع أن زوجها كان يضربها؛ أتجوز في مثل هذا شهادة السماع؟ قال: نعم، ومن يشهد في هذا إلا بالسماع؟ يسمع في ذلك الرجل من أهله، ومن الجيران، وما أشبه ذلك، ويكون ذلك أمرا فاشيا، قلت: أفيجوز في مثل هذا شاهدان على السماع؟ فقال: السماع البين في مثل هذا، والأمر المعروف أحب إلي، وعسى بهذا أن يجوز، فأرى أن تجوز. قلت: أيحلف مع ذلك؟ قال: لا.

قلت: فإن شهد لها شاهد واحد على البتات، فقطع الشهادة أن زوجها كان يضربها ويضيق عليها، أتحلف معه؟ قال: وكيف يعرف ذلك؟ قلت: يقول سمعته واستبان عندي، قال: إن كان هذا يكون فعسى، وانظر فيه، قال أصبغ: وهو عندي جائز إن لم يكن معه غيره، فكان معه سماعا قاطعا، وإلا حلفت معه، وإن كان معه سماع منتشر، وإن كان غير قاطع رد عليها العطية والوضيعة؛ لأنه مال تحلف عليه مع شاهدها ويمضي الفراق، قال أصبغ: ثم سألته بعد ذلك، فقال: نعم تحلف مع شاهدها، ويرد عليها، وهو مثل الحقوق، وأنا أرى ذلك؛ لأنها إنما تحلف على مال، والطلاق قد مضى بغير ذلك. قال الإمام القاضي: إجازة ابن القاسم في هذه الرواية شهادة السماع في ضرر الزوج بزوجته دون يمين خلاف أصله في المدونة في أن شهادة السماع، لا يثبت بها النسب ولا الولاء، وإنما يستحق بها المال مع اليمين، واختياره ألا يكتفى في ذلك بشهادة الشاهدين، إنما هو مراعاة لما ذهب إليه ابن الماجشون من أنه لا تجوز في شهادة السماع أقل من أربعة شهداء، وقد مضى تحصيل الخلاف فيما تجوز فيه شهادة السماع مما لا تجوز في صدر نوازل سحنون. وأما الشهادة في ذلك على البت من جهة السماع، فلا اختلاف في إجازتها، فإن لم يشهد بذلك إلا شاهد واحد حلفت معه، واستردت مالها على ما قاله في آخر المسألة، ولا وجه لتمريضه ذلك في أول المسألة بقوله: فعسى، وانظر فيه، وقول أصبغ: إنه إن لم يكن مع الشاهد على البت غيره حلفت معه، وإن كان معه سماع قاطع أو منتشر غير قاطع ردت عليها العطية والوضيعة، يدل على أنه أنزل السماع منزلة شاهد آخر على البت، فلو انفردت على مذهبه شهادة السماع لم يستحق بها المال دون يمين، فقوله على قياس قول ابن القاسم، وروايته عن مالك

: شاهد الزورهل تقبل شهادته

في المدونة خلاف روايته عنه في هذه الرواية، فتدبر ذلك وأنعم النظر فيه. [: شاهد الزورهل تقبل شهادته] من سماع أبي زيد من ابن القاسم قال أبو زيد: قال ابن القاسم في شاهد الزور: هل تقبل شهادته؟ قال: إن عرفت منه توبة وإقبال وتزايد في الخير فأرجو، قيل له: إنها سر، قال: إن عرفت بالتزيد، فأرجو أن تقبل شهادته، ولا أظنه إلا قول مالك. قال محمد بن رشد: في بعض الروايات أنها سر، وفي بعضها أنها أشد، وفي بعضها أنها أشر، وفي بعضها أنها أبين، والصحيح في المعنى من ذلك رواية من روى أنها سر يريد أن ما يستسر به لا تقبل توبته منه كالزنديق، وظاهر هذه الرواية خلاف ما في المدونة من أنها لا تجوز أبدا وإن تاب وحسنت حاله، وقد قيل: إن معنى رواية أبي زيد هذه إذا أتى تائبا مستهلا مقرا على نفسه بشهادة الزور، قبل أن تظهر عليه، ومعنى ما في المدونة، إذا عثر عليه أنه شهد بزور، ولم يستهل هو بذلك على نفسه، وهو الأولى، والله أعلم. [مسألة: شهد أحدهما على رجل أنه صالح امرأته وشهد الآخرأنه طلقها طلقة أو البتة] مسألة وقال في رجلين شهد أحدهما على رجل أنه صالح امرأته، وشهد الآخر أنه طلقها طلقة أو البتة، قال: لا شيء عليه. قال محمد بن رشد: معنى قوله: لا شيء عليه، لا طلاق عليه؛ لأن شهادتهما توجب اليمين عليه، وهذه مسألة قد تقدمت في مواضع، ومضى القول فيها مستوفى في رسم العرية، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: يقضى بشاهدي المطلوب

[مسألة: يقضى بشاهدي المطلوب] مسألة وسئل عن رجل أتى بشاهدين يشهدان أن له على فلان عشرين دينارا، وجاء المشهود عليه بشاهدين يشهدان أن هذا المدعى عليه أقر عندنا منذ أشهر أن ليس له قبل فلان شيء، ولا يدري الشاهدان اللذان شهدا على الحق أقبل هؤلاء الشهود أم بعد؟ قال: أرى أن يقضي بشاهدي المطلوب، قيل له: فإن لم يعلم شاهدا المطلوب، ولا شاهدا الطالب متى شهدوا هؤلاء قبل هؤلاء، أم هؤلاء قبل هؤلاء؟ قال: يقضى بشهداء المطلوب. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن المطلوب لم ينكر العشرين، لكنه أقر بها، وادعى البراءة منها، واستظهر على ما ادعاه بإقرار الطالب أنه لا شيء له عنده، فالطالب يقول: إنما أقررت له بأنه لا شيء له عندي قبل أن يجب لي عليه العشرون، والمطلوب يقول: إنما أقر بذلك لبراءتي منها إليه بعد وجوبها له علي، فقيل: القول قول المطلوب، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية؛ لأن قوله يقضى بشاهدي المطلوب، معناه يقضى بأن يكون القول قول المطلوب من أجل شهادة شاهدين، وقيل: القول قول الطالب، وهو الذي يأتي على قول ابن نافع في سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح، وهذا إذا كانت بينهما مخالطة، ولو لم تكن بينهما مخالطة؛ لكان القول قول المطلوب قولا واحدا، ولو كان له قبله حق قديم غير هذا؛ لكان القول قول الطالب قولا واحدا، بدليل ما في سماع أشهب من كتاب الوديعة، ووجه القول الأول هو أن إقرار الطالب أنه لا حق له قبله دليل على أنه قد استوفى حقه منه؛ إذ لا يشهد أحد بأنه لا حق له عند من لم يكن قط عنده حق، ووجه القول الثاني: أن الدين قد وجب على المطلوب بإقراره على نفسه، فلا يسقط عنه إلا بيقين، وهو الأظهر، وكذلك إذا أقر المطلوب بعشرين، وأتى ببراءة بعشرين فقال: هي العشرون التي أقررت لك بها، وقال الطالب: بل هي غيرها، يكون القول قول الطالب إن كان له قبله غيرها، والقول فيها قول المطلوب إن لم يكن كان له قبله

مسألة: شهادة الذي عليه الحق

غيرها، ولا كانت بينهما مخالطة، ويختلف إن لم يكن له قبله حق، وكانت بينهما مخالطة على القولين المذكورين، ولسحنون في نوازله من كتاب المديان والتفليس قول ثالث في هذه المسألة، وهو تفرقته بين أن يأتي المطلوب ببراءة واحدة تستغرق العدد أو ببراءات مفترقات، وهو قول ضعيف، وأما إن كان المطلوب منكرا للعشرين التي قامت عليه البينة بها، فلا إشكال ولا اختلاف في أن القول قول الطالب؛ إذ لا تسقط بينة بأمر محتمل، وإنما يختلف إذا أتى بالبينة أنه قضاه العشرين بعد الإنكار، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة الذي عليه الحق] مسألة وسئل عن رجل يكون له على رجل عشرة دنانير، فيشهد الذي عليه الحق أن طالب العشرة دنانير أقر أنها ليست له، وأنها لفلان، وشهد بذلك عليه رجل آخر مع الذي عليه الحق؟ قال: لا تجوز شهادة الذي عليه الحق، ويحلف ذلك الرجل مع شاهده، ويستحق العشرة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أن شهادة الذي عليه العشرة، لا تجوز للطالب؛ لأنه شاهد لنفسه على المشهود عليه أنه لا حق له قبله، وسواء كان الطالب المشهود عليه حاضرا أو غائبا، بخلاف ما كان حاضرا ليس في الذمة مثل أن يقر الرجل أن المال الذي دفعه إليه فلان هو لفلان، أو أن الشيء الذي وضعه على يديه فلان قد تصدق به على فلان، فهذا يفرق فيه بين أن يكون المشهود له حاضرا أو غائبا على ما في كتاب الشهادات وغيره من المدونة، وبالله التوفيق.

مسألة: قيد الرجل ما أشهد عليه بخط يده ثم نسي بعد ذلك

[مسألة: قيد الرجل ما أشهد عليه بخط يده ثم نسي بعد ذلك] مسألة قلت له: كنت قاعدا عند ضمام، فجاء رجل فأشهدني على شهادة ضمام، فكتبت شهادتي، ثم جاء الرجل بعد حين بكتاب فيه شهادتي، وعرفت خطي، وأثبت أن ضماما أشهدني على شهادته في أمر دار، أذكر ذلك غير أني لا أحفظ أن هذا الكتاب الذي فيه شهادتي قرئ علي، ولا أحفظ أنه أشهدني على هذه الدار التي في هذا الكتاب، قال: إن لم تثبت شهادتك في الكتاب حرفا بحرف، فلا تشهد. قال محمد بن رشد: إنما هذا إذا قيد الرجل ما أشهد عليه بخط يده ثم نسي بعد ذلك، ولم يذكر جميع ما قيده غير أنه يعرف أنه خطه، وفي هذا اختلاف، وقد مضى بيانه في نوازل سحنون قبل هذا، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: شهدوا على رجل فقال بعضهم قال امرأتي طالق وقال آخرون قال غلامي حر] مسألة قال ابن القاسم في نفر جماعة شهدوا على رجل أنه تكلم بكلمة واحدة، فقال بعضهم: إنما قال: امرأتي طالق، وقال آخرون: إنما قال: غلامي حر؛ لا طلاق عليه ولا حرية عليه، وكذلك لو شهد بعضهم أنه أقر لفلان بمائة دينار، وقال الآخرون: إنه أقر له بمائة درهم أنه لا يلزمه الدنانير ولا الدراهم، ولو شهد بعضهم أنه أقر لرجل بمائة دينارا، وشهد الآخرون أنه أقر له بخمسين دينارا قال: يغرم المائة. قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم الصبرة، من سماع يحيى، وفي نوازل سحنون وأصبغ، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

مسألة: ما تكافؤ البينة

[مسألة: ما تكافؤ البينة] مسألة وسئل ابن القاسم: ما تكافؤ البينة؟ قال: أن يكونوا في العدالة سواء، ولا ينظر إلى الكثرة من القلة، قيل: أريت إن كان لي شاهد عدل، وجاء صاحبي بشاهدين عدلين إلا أن شاهدي أعدل من الشاهدين؟ قال: يقضى بالشاهد الواحد مع يمين صاحب الحق، ولا يلتفت إلى شهادة الشاهدين وإن كانا عدلين. قال محمد بن رشد: هذا معلوم من قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة وغيرها أن الترجيح بين البيتين إنما يكون بكثرة العدالة لا بكثرة العدد، وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك: أن البينتين إذا استوتا في العدالة، وإحداهما أكثر من الأخرى، قضى بالأكثر عددا، إلا أن يكون الأقل عددا كثيرا يكتفي بهم الحاكم فيما يلتمس من الاستظهار، فهنالك لا تغني كثرتهم شيئا، ويكون استواؤهم في العدالة كما لو لم يشهد فيه أحد، فإن كان الشيء المشهود فيه بيد أحد المدعيين أقر بيده، وإن لم يكن بيد واحد منهما استحلفا جميعا، وقسم بينهما بعد الاستيناء إن كان مما يرى الحاكم الاستيناء فيه، ومن أهل العلم من لا يرى الترجيح أصلا، لا في العدالة ولا في العدد، ويقول: إذا شهد شاهدان عدلان ممن تنقطع بهما الشهادة لو لم يكن غيرهما، فهما ومن هو أعدل منهما، وأكثر عددا من البينة بمنزلة سواء؛ لأنهما قد أحقا لمن شهدا له ما أحقه أولئك الذين هم أعدل وأكثر، وهو قول المخزومي، قال ابن حبيب: ولو أخذ أحد بهذا ما أخطأ. وأما قول ابن القاسم: إنه يقضى بالشاهد الواحد مع يمين صاحب الحق إذا كان أعدل من الشاهدين، فهو خلاف قوله في سماع أصبغ عنه من كتاب الدعوى والصلح، وخلاف ما حكاه ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون، من أن الشاهدين إذا كانا عدلين أحق من اليمين مع الشاهد الذي هو أعدل أهل زمانه، وهو الأظهر؛ إذ من أهل العلم من لا يرى الحكم باليمين مع الشاهد أصلا، ومن لا يرى الترجيح بين البينتين أصلا، فالقول بأنه يقضى بالشاهد الواحد مع يمين صاحب الحق إذا كان أعدل من

مسألة: يشهد لابن امرأته

الشاهدين، إغراق في القياس، وقد مضى في آخر سماع عيسى القول في الترجيح بين المعدلين، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهد لابن امرأته] مسألة ولا تجوز شهادة رجل يشهد لابن امرأته، وكذلك شهادة المرأة لابن زوجها، أنها لا تجوز. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم جاع، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: شهادة رجل على قضاء قاض أنه قضى لفلان على فلان بهذا الحق] مسألة قال: ولا تجوز شهادة رجل على قضاء قاض أنه قضى لفلان على فلان بهذا الحق حتى يشهد على أنه قضى به شاهدان. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ذكرا أن رجلا استودعهما شهادة والذي استودعهما الشهادة غائب] مسألة وسئل عن رجلين ذكرا أن رجلا استودعهما شهادة، والذي استودعهما الشهادة غائب، فقاما بتلك الشهادة، فشهدا بها وقضى بشهادتهما مع رجل غيرهما، ثم جاء الشاهد الغائب الذي شهد الرجلان على شهادته، فأنكر أن يكون أشهدهما على شيء من هذا الأمر؟ قال: لا ينظر إلى قوله، ويمضي على ما شهدا أولا. قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته هنا، وبالله التوفيق.

مسألة: شهادتهم لمن شهدوا له في مجلسين

[مسألة: شهادتهم لمن شهدوا له في مجلسين] مسألة قيل: أرأيت لو شهدت لرجل أن له على رجل عشرة دنانير، وشهد لي الرجل الذي شهدت له أن لي على رجل عشرة دنانير في مجلس واحد؟ قال: إذا كنتما عدلين لا تتهمان في شهادتكما، جازت شهادتك له، وشهادته لك. قال محمد بن رشد: قد مضى الاختلاف في هذه المسألة في نوازل سحنون، وتحصيله أن في شهادة الشهود لمن شهدوا له في مجلس واحد ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنها لا تجوز. والثاني: أنها جائزة، والثالث: أنها جائزة إن كانت على رجلين، وغير جائزة إن كانت على رجل واحد، وأما شهادتهم لمن شهدوا له في مجلسين فهي جائزة إن كانت على رجلين، وإن كانت على رجل واحد فعلى قولين، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد قطع بشهادة حق فظن أنه حر ولم يعلم بذلك حتى عتق] مسألة وعن عبد قطع بشهادة حق، فظن أنه حر، ولم يعلم بذلك حتى عتق؟ قال: يرد الحق ولا يقطع. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما مضى قرب آخر نوازل سحنون، وقد مضى من القول على ذلك هنالك، ما لا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة ابن الملاعنة في الزنا] مسألة قال ابن القاسم: تجوز شهادة ابن الملاعنة في الزنا، ولا يشبه ولد الزنا.

مسألة: شهدا عليه وأختلفا

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في آخر نوازل سحنون، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: شهدا عليه وأختلفا] مسألة وقال فيمن شهد عليه شاهد واحد في شيء إن فعله فامرأته طالق، وشهد آخر أنه قال: إن فعله فإحدى امرأتيه طالق، ففعله وأنكر شهادتهما، قال: لا تجوز شهادتهما؛ لأنها قد اختلفت. قال محمد بن رشد: هذه مسألة تكررت في مواضع، ومضى القول عليها مستوفى في رسم العرية، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة السماع] مسألة قال: وإنما تجوز شهادة السماع أن يقول: لم أزل أسمع أن فلانا مولى فلان فيرثه، ولا يجر ولاءه، ولا يرث مواليه، ولا بني عمه يريد الميت، ولا عصبته، إنما يرث ما له قط، ولا يجر ولاءه ولا يثبت له نسب، إلا أن يكون أمرا مشتهرا مثل أن يقول: أشهد أن نافعا مولى ابن عمر، وأن عمر هو ابن الخطاب؛ لأن هذا أمر معروف، ولا يختلف فيه أحد، فإذا كان مثل هذا أجزت له الولاء، وأثبت له النسب، قيل له: أنشهد الساعة أنك ابن القاسم، ولا أعرف أباك، ولا أعرف أنك ابنه إلا بالسماع؟ قال: نعم، تقطع بهذه الشهادة، ويثبت بها النسب، ويرث ويورث، ويجر الولاء إذا كان في مثل هذا الأمر المعروف. قال الإمام القاضي: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن السماع إذا كان مشتهرا في الولاء والنسب مثل ما اشتهر من أن نافعا مولى

مسألة: الشهادة على الشهادة في الزنا

ابن عمر، ومن أن عمر هو ابن الخطاب، يثبت به النسب والولاء، ويشهد الشاهد فيه على القطع، فيقول: نشهد أن فلانا هو ابن فلان، وأن فلانا هو مولى فلان، وأما إذا لم يكن السماع بذلك، مشتهرا اشتهارا يصح للشاهد به الشهادة على القطع، فقال في شهادته: لم أزل أسمع من أهل العدل وغيرهم أن فلانا هو ابن فلان، وأن مولى فلان ففي ذلك اختلاف، قيل: إنه يثبت بذلك النسب والولاء، وهو قول أشهب، والذي يأتي على قياس قول ابن القاسم في سماع أصبغ، في إجازة شهادة السماع، في ضرر الزوجين، وقيل: إنه لا يثبت بها النسب ولا الولاء، ويستحق بها الميراث، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية وفي المدونة، ويتخرج في المسألة قول ثالث: أنه لا يثبت بها النسب ولا يستحق بها المال؛ لأن المال لا يستحق إلا بعد ثبات النسب أو الولاء، وقد مضى في صدر نوازل سحنون تحصيل الاختلاف فيما تجوز فيه الشهادة على السماع مما لا تجوز، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا، وبالله التوفيق. [مسألة: الشهادة على الشهادة في الزنا] مسألة قال ابن القاسم تجوز شهادة ثلاثة على ثلاثة في الزنا واثنين على واحد. قال محمد بن رشد: هذا نص قول ابن القاسم في المدونة: أن الشهادة على الشهادة في الزنا لا تتم بأقل من أربعة شهداء إذا شهدوا على كل واحد من الأربعة الذين شهدوا على الرؤية، وكذلك لو شهد منهم اثنان على اثنين، أو اثنان على ثلاثة، أو اثنان على واحد، فإن لم يفرقوا لم يكن بد من اثنين على كل واحد، فيصيروا ثمانية، ويجوز في تعديلهم ما يجوز في تعديل غيرهم اثنان على كل واحد منهم، أو أربعة على جميعهم، وهو مذهب ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ؛ فقول ابن القاسم في

مسألة: شهادة الرجل على الرجل بما سمع منه دون أن يشهده

الرواية: يجوز ثلاثة على ثلاثة في الزنا، واثنين على واحد؛ كلام خرج على سؤال سائل، فلا دليل فيه على أنه لا يجوز عنده أقل من ذلك؛ لأنه يجوز على مذهبه اثنان على الثلاثة، واثنان على الواحد حسبما ذكرناه، وذهب مالك في رواية مطرف عنه إلى أنه لا يجوز في الشهادة على الشهادة في الزنا إلا ستة عشر شاهدا أربعة على كل واحد من الأربعة اجتمعوا أو افترقوا، وكذلك لا يجوز عنده في تعديل الشهود على الزنا إلا ستة عشر شاهدا أربعة على كل واحد من الأربعة، اجتمعوا أو افترقوا، وفي تعديل الشهود على الشهود إلا أربعة وستون أربعة على كل واحد من الستة عشر، اجتمعوا أو افترقوا، ويتخرج في المسألة قول ثالث، وهو أنه واحد من الستة عشر اجتمعوا أو افترقوا، ويتخرج على كل واحد منهم إن افترقوا، وقد مضى طرف من هذا المعنى في آخر نوازل سحنون، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة الرجل على الرجل بما سمع منه دون أن يشهده] مسألة قال ابن القاسم في قاض شهد عنده رجل لرجل أن له على فلان مائة دينار، فذهب فأتى بشاهد آخر، فمات الشاهد الذي شهد وعزل القاضي، فأراد القاضي أن يشهد أنه قد شهد عنده فلان أن له على فلان مائة دينار أتثبت شهادته؟ قال: نعم، إن شهد معه غيره، وإلا فلا. قال الإمام القاضي: شهادة الرجل على الرجل بما سمع منه دون أن يشهده، تنقسم على ثلاثة أقسام؛ أحدها: شهادته عليه بما سمع منه من قذفه لرجل بما يجب له به عليه حد أو أدب. والثاني: شهادته عليه بما سمع منه من إقراره على نفسه لرجل بحق. والثالث: شهادته عليه بما سمع منه من شهادته على غيره، فأما شهادته عليه بما سمعه منه من قذفه لرجل بما يجب له به عليه حد أو أدب، فلا اختلاف في أن شهادته عليه جائزة، وأما شهادته عليه بما سمع منه من إقراره على نفسه لرجل بحق، ففي ذلك قولان: أحدهما: أنه لا يشهد ولا تجوز شهادته إن شهد، وهو أحد قولي مالك في

مسألة: شهدوا على امرأة أنها أوصت بكذا فشهد آخرون أنها كانت موسوسة

المدونة، وقول ابن أبي حازم، وابن الماجشون وروايته عن مالك في المدنية، ومثله لمالك في كتاب ابن المواز، قال: لا يشهد الرجل على الرجل بما سمع من إقراره على نفسه دون أن يشهده على ذلك، إلا أن يكون قاذفا. والثاني: أن شهادته جائزة، وهو أحد قولي مالك في المدونة، واختيار ابن القاسم فيها، وأما شهادته عليه بما سمع منه من شهادته على غيره بحق أو قذف أو زنا، فلا اختلاف في أنه لا يجوز له أن يشهد على شهادته بما سمع منه دون أن يشهده، فإن شهد لم تجز شهادته، وحد إن كان شهد على شهادته في زنا على اختلاف في ذلك، وقد ذكرناه في غير هذا الكتاب، واختلف إن سمعه يؤديها عند الحاكم، أو كان هو الحاكم فشهد بها عنده أو سمعه، يشهد غيره على شهادته، ولم يشهده هو، فالمشهور أن شهادته على شهادته جائزة، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية ورواية حسين بن عاصم عنه في بعض روايات العتبية من هذا الكتاب، والذي يأتي على قياس قوله في المدونة في إجازة شهادة الرجل على الرجل، بما سمع منه إذا استوعب كلامه، وإن لم يشهده، وقد قيل: إنها لا تجوز، وهو الذي يأتي على قياس أحد قولي مالك في المدونة، ورواية ابن الماجشون عنه في المدنية، وما حكاه ابن المواز عنه، وبالله التوفيق. [مسألة: شهدوا على امرأة أنها أوصت بكذا فشهد آخرون أنها كانت موسوسة] مسألة وسئل عن قوم شهدوا على امرأة أنها أوصت بكذا وكذا في مرضها، وهي صحيحة العقل، فشهد آخرون أنها كانت موسوسة؟ فقال: أرى أن تثبت شهادة الذين شهدوا في الوصية، وتطرح شهادة الذين شهدوا أنها موسوسة. قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى التكلم عليها في آخر نوازل سحنون، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: يكون عدوا لرجل فشهد له وعليه بشهادة

[مسألة: يكون عدوا لرجل فشهد له وعليه بشهادة] مسألة قال: وسئل عن الرجل يكون عدوا لرجل، فشهد له وعليه بشهادة، أتجوز له وعليه، أم لا تجوز له، ولا تجوز عليه، كان ذلك في شهادة واحدة أو في شهادات مفترقة؟ قال: يجوز له، ولا يجوز عليه إن كان هذا في شهادات مفترقة، وإن كان في شهادة واحدة، لم يجز له ولا عليه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إنه يجوز له، ولا يجوز عليه إن كانت الشهادتان مفترقتين؛ لأن شهادة الرجل تجوز لعدوه، ولا تجوز عليه، ولا تجوز له ولا عليه إن كانت الشهادة واحدة؛ لأن شهادة الرجل على عدوه لا تجوز لأنه متهم فيها، وإذا سقط بعض الشهادة للتهمة بطل جميعها على المشهور في المذهب، وقد قيل: إنها يجوز منها ما لا تهمة فيه، وهو قول أصبغ في نوازله حسبما بيناه فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: شهادة ابن خمس عشرة سنة] مسألة قال ابن القاسم: لا تجوز شهادة ابن خمس عشرة سنة، إلا أن يحتلم حتى يبلغ ثمان عشرة سنة، فإذا بلغها جازت شهادته، وإن لم يحتلم، وقال ابن وهب: تجوز شهادة الغلام إذا أتى عليه خمس عشرة سنة، وإن لم يحتلم إذا كان عدلا؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أجازهم في القتال يوم الخندق، ولم يجز ابن أربع عشرة سنة يوم أحد، وكان أحد قبل الخندق بسنة. قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم أنه لا تجوز شهادته إذا لم يحتلم حتى يبلغ سبع عشرة سنة، ففي الحد الذي يحكم به لمن لم

يحتلم بحكم من احتلم ثلاثة أقوال ترجع إلى قولين؛ أحدهما: أنه لا يحكم له بالبلوغ إذا لم يحتلم حتى يبلغ من السن ما لا يجاوزه أحد في الغالب، إلا احتلم وهو السبعة عشر عاما، أو الثمانية عشر عاما. والثاني: أنه يحكم له بالبلوغ إذا بلغ من السن سن من قد يحتلم من الناس، وإن لم يكن ذلك غالبا، فأول سن الاحتلام خمسة عشر عاما، وآخره سبعة عشر عاما، أو ثمانية عشر عاما، فيحكم له بالبلوغ عند ابن وهب ببلوغ أول سن الاحتلام، ولا يحكم له به عند ابن القاسم إلا ببلوغ آخره في جميع العبادات قياسا على الشهادات؛ لأنها من العبادات التي خاطب الله عباده بها حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] ، وقوله: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] ، وقوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] ، وهو مصدق فيها إذا ادعى أنه لم يحتلم، كما يصدق في العبادات التي بينه وبين خالقه من الصلاة والصيام وما أشبه ذلك. واختلف هل يصدق أنه لم يحتلم فيما يتعين عليه من الحقوق والحدود في بدنه، فقيل: إنه لا يصدق في ذلك، وقيل: إنه يصدق فيه، وإلى هذا يرجع عندي اختلاف قول مالك في المدونة في وجوب إقامة الحد على من أنبت وإن لم يحتلم؛ لأن الإنبات يكون عند أول سن الاحتلام، فله حكمه، وقد قيل: إن اختلاف قول مالك في المدونة في وجوب الحد على من أنبت، ولم يحتلم لا يرجع إلى التصديق في الاحتلام، وأنه على ظاهره في وجوب الحد بالإنبات، ولزوم جميع العبادات له، وإن أحد قولي مالك في وجوب الحد على من أنبت، وإن لم يحتلم يأتي على قياس قول ابن وهب في إجازة شهادة من بلغ خمس عشرة سنة ولم يحتلم، وهو بعيد؛ لأن قول ابن وهب شذوذ، وحجته بالحديث ضعيفة، فقد قال ابن عبد الحكم وغيره في غير العتبية: إنه إنما أجازه؛ لأنه

مسألة: الشهادتان في مجلس واحد ولفظ واحد اختلفا فيه

رآه مطيقا للقتال، ولم يسأله عن سنه، فلا دليل فيه على أنه حد للبلوغ. وإن ادعى الشاهد قبل أن يبلغ أقصى سن الاحتلام في الغالب أنه قد احتلم لم يصدق؛ لأنه يتهم في إجازة شهادته بخلاف الحدود والعبادات إذا ادعى أنه لم يحتلم، فيصدق في العبادات قولا واحدا؛ لأنه فيما بينه وبين خالقه، وفي الحدود على اختلاف، فوجه القول بتصديقه ما جاء من أن الحدود تدرأ بالشبهات، ووجه القول بأنه لا يصدق اتهامه في إسقاط الحد عن نفسه، وحد جواز الشهادة حد بتوجه الخطاب، ولزوم التكليف؛ لأن من لم يتوجه إليه الخطاب ولا لزمه التكليف، فليس بمتحرز في شهادته؛ إذ ليس يأثم ولا يجرح في الكذب فيها لارتفاع العلم عنه، ولا تجوز شهادة من لا يتحرج في عبادته. [مسألة: الشهادتان في مجلس واحد ولفظ واحد اختلفا فيه] مسألة قال: ولو أن رجلا شهد له أن عند عبد الله عشرة دنانير، وشهد شاهد آخر أن له على عبد الله عشرين دينارا قال: يحلف مع كل شاهد يمينا، وتكون له العشرون والعشرة، ويأخذ منه ثلاثين. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن قول. أحد الشاهدين له عنده خلاف قول آخر له عليه؛ لأن لفظة عنده، تقتضي الأمانة، ولفظة عليه تقتضي الذمة، فكل واحد منهما شهد له على عبد الله بغير ما شهد له به عليه الآخر، فله أن يحلف مع كل واحد منهما، ويستحق الثلاثين، وإن شاء أن يحلف مع أحدهما، ويرد اليمين على المطلوب فيما شهد به الشاهد الآخر، وإن شاء أن يرد اليمين على المطلوب في الجميع، وليس له أن يأخذ العشرة دون يمين؛ إذ لم يجتمع له عليها الشاهدان بخلاف إذا شهد أحدهما أن له عليه عشرة، وشهد الآخر أن له عليه عشرين، هذا له أن يأخذ العشرة دون يمين؛ لاجتماع الشاهدين عليهما، وإن شاء أن يحلف مع

الشاهد الذي شهد له بالعشرين ويأخذها، وهذا إذا كانت الشهادتان في مجلس واحد ولفظ واحد، اختلفا فيه فقال أحدهما: إنه أقر له بعشرة، وقال الآخر: بل أقر له بعشرين، وإن كانت الشهادة في مجلسين، فهما حقان، وله أن يحلف مع كل واحد منهما، ويستحق ما شهد له به، ولو قال الشاهدان اللذان شهد أحدهما: أن له عنده عشرة دنانير، وقال الآخر: إن له عليه عشرين دينارا: إنها شهادة واحدة لبطلت شهادتهما، إن زعم رب الحق أنهما حقان مختلفان، وإن زعم أن أحدهما محق حلف مع الذي ادعى أنه محق، وأخذ ما حلف عليه، وقد مضى في نوازل سحنون بيان هذا في الشاهدين، يشهد أحدهما لرجل ببغل، والآخر بحنطة، ولا فرق بين المسألتين، وبالله التوفيق. كمل كتاب الشهادات بحمد الله وحسن عونه.

: كتاب السداد والأنهار

[: كتاب السداد والأنهار] [مسألة: الماء يكون بين الرجلين فتهور البئر فيقال لأحدهما اعمل ولك الماء كله]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على من لا نبي بعده، ولا شفيع نرجوه سواه، سيدنا محمد من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن تفسير قول مالك في الماء يكون بين الرجلين، فتهور البئر، فيقال لأحدهما: اعمل ولك الماء كله، أو اعمل مع صاحبك إن كل أرض كانت مشتركة لم يقتسمها أهلها من نخل أو أصول أو أرض فيها زرع زرعوه جميعا، فانهدمت أو تهورت البئر، فإنه يقال لصاحبه إذا كان بينهما الأصل: اعمل مع صاحبك، أو بع حصتك من الأصل والماء، أو قاسمه الأصل، فخذ حصتك ويأخذ حصته، فيؤمر من أحب أن يعمل عمل، ومن أحب أن يترك ترك، ومن عمل منهما كان له الماء كله حتى يأتيه شريكه بما يصيبه من النفقة، فيرجع على حقه من الماء، وإن كان بينهما زرع أو شجر مثمر في أرض لهما، فإن من أبى أن يعمل يجبر على ما أحب أو كره، أو يبيع ذلك ممن يعمل معه، وأما كل أرض مقسومة أو شجر مقسومة، أو زرع لرجلين في أرض مقسومة بينهما، إلا أن ماءهما واحد، فتهور البئر، وتنقطع العين، فيأبى أحدهما أن يعمل، ويرضى بهلاك زرعه أو شجره أو أصوله، فإن ذلك له، ولا يكلف النفقة معه، ويقال للآخر: اعمل ولك الماء

كله إلا أن يأتي شريكه بالذي يصيبه من النفقة في حصته، فيرجع على حقه من الماء، وإنما الشريكان في الأصول والزرع إذا انهارت البئر بمنزلة الشريكين في الدار تنهدم، فيأبى أحدهما أن يبني، ويريد الآخر البنيان فيقال له ابن مع صاحبك، أو قاسمه العرصة، فما صار له بنى فيه، وما صار لك صنعت فيه ما شئت، وكذلك الأصول والزرع إذا كان بين الرجلين، قال سحنون: كان ابن نافع يقول والمخزومي: إنما هذا في كل بئر ليس عليها حياة لا زرع ولا نخل ولا غيره، فأما كل بئر عليها حياة أو عين، فتهور فيأبى أحدهما أن يعمل، فإنه يجبر على أن يعمل معه أو يبيع نصيبه ممن يعمل معه بمنزلة السفل، يكون لرجل والعلو لآخر فينهدم، فإن صاحب السفل يجبر على أن يعمل، فإن أبى بيع عليه. قال محمد بن رشد: إذا كان للشريكين في الأرض زرع بينهما قد زرعاه جميعا، فلا تجوز قسمته مع الأرض، والواجب في ذلك إذا أرادا قسمة الأرض أن يقتسماها دون الزرع، ويبقى الزرع مشتركا بينهما إلى أن يحصداه ويدرساه، ويقتسماه بالكيل، فقوله في أول هذه المسألة إن كل أرض كانت مشتركة لم يقتسمها أهلها من نخل أو أصول أو أرض فيها زرع زرعوه جميعا، فانهدمت البئر أو تهورت، فإنه يقال لصاحبه إذا كان بينهما الأصل: اعمل مع صاحبك، أو بع حصتك من الأصل والماء، أو قاسمه الأصل، فخذ حصتك، ويأخذ حصته، فيؤمر من أحب أن يعمل عمل، ومن أحب أن يترك ترك، ومن عمل منهما كان له الماء كله حتى يأتيه شريكه بما يصيبه من النفقة، فيرجع على حقه من الماء، معناه إذا كان الزرع قد استغنى عن الماء، وإنما يحتاج إلى سقي الأرض بعد حصاد الزرع، فأراد أحدهما إصلاح البئر ليسقيا بمائها الأرض بعد حصاد الزرع منها، وأبى الآخر من

ذلك، فحينئذ يكون ما قال من أنه يقال للآبي منهما: اعمل مع صاحبك، أو بع حصتك من الأصل والماء، أو قاسمه الأصل بمنزلة إذا لم يكن في الأرض زرع سواء، وقال: إنه يقال للآبي منهما: إما أن تعمل مع صاحبك، أو تبيع حصتك من الأصل، أو تقاسمه إياه، ولم يقل إذا أبى من الثلاثة الأوجه كلها ماذا يحكم به عليه منها، والذي يحكم به عليه منها القسمة، فكان صواب الكلام أن يقال يقال للآبي منهما: لا بد لك من أن تقاسم شريكك، إلا أن تعمل معه، أو يبيع حصته، فإن باع حصته، وأبى المشتري أن يعمل قيل له ما قيل للبائع: لا بد لك من أن تقاسم شريكك، أو تعمل معه أو تبيع حصتك. وقوله في الرواية بعد ذلك وإن كان بينهما زرع أو شجر مثمر في أرض لهما، فإن من أبى أن يعمل يجبر على ما أحب أو كره، على أن يعمل أو يبيع ذلك ممن يعمل معه، معناه إذا احتاج الزرع أو الثمر إلى السقي، وهو صحيح؛ إذ لا يمكنهما قسمة ذلك مع الأرض، وقال: إن من أبى أن يعمل يجبر على ما أحب أو كره على أن يعمل أو يبيع ذلك ممن يعمل، ولم يقل إذا أبى منهما جميعا على أيهما يجبر منهما، وفي ذلك اختلاف، قيل: إنه يجبر على أن يعمل معه، وقيل: إنه يجبر على أن يبيع ممن يعمل معه، وهو قول ابن القاسم في رسم الكبش، من سماع يحيى، وسيأتي القول على ذلك هنالك إن شاء الله. وقد قيل: إن البيع على هذا الشرط لا يجوز ويباع عليه من حظه بقدر ما يلزمه من العمل فيما بقي من حقه بعدما بيع عليه منه، وهو قول مالك في رسم الصلاة، من سماع يحيى، من كتاب الأقضية، وأصح القولين في النظر، وقد قال سحنون: إن البيع على الشرط إنما جاز على وجه الضرورة إذا لم يكن للبائع مال، وليس قوله ببين؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى ذلك؛ لأنه يقدر على أن يباع عليه من حظه دون شرط بقدر ما يلزمه من الإنفاق في عمل ما بقي من نصيبه، وقد ذكرنا ذلك في رسم الكبش، من سماع يحيى، من كتاب الأقضية. وأما الأرض المقسومة، فإن لم يكن عليها حياة فلا اختلاف في أن الآبي لا يلزمه العمل مع صاحبه،

: الكلأ يختلف باختلاف مواضعه

ويقال لصاحبه: اعمل ولك الماء كله، أو ما زاد تعمله إلى أن يأتيه صاحبه الآبي بما يصيبه من النفقة، ويدخل في كون الماء له إلى أن يأتيه شريكه بحظه من النفقة اختلاف بالمعنى من مسألة نوازل عيسى بن دينار بعد هذا من هذا الكتاب. وأما إذا كان عليها حياة فقال ابن القاسم ذلك بمنزلة إذا لم يكن عليها حياة سواء، وقال ابن نافع والمخزومي: إن الشريك في العين أو في البئر يجبر على أن يعمل معه، أو يبيع نصيبه ممن يعمل معه بمنزلة العلو يكون لرجل والسفل لآخر فينهدم، وهو تنظير غير صحيح؛ إذ لا يقدر صاحب العلو أن يبني علوه حتى يبني صاحب السفل سفله، ويقدر الذي يريد السقي بماء البئر المشتركة بينهما إذا انهدمت أن يصل إلى ما يريده من السقي بأن يصلح البئر، ويكون أحق بجميع الماء إلى أن يأتيه صاحبه بما ينوبه من النفقة، فقول ابن القاسم أصح من قول ابن نافع والمخزومي، والله أعلم، وبه التوفيق. [: الكلأ يختلف باختلاف مواضعه] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا قال: وسئل عن الرجل تكون له الأرض فيها العشب، فيريد أن يحميها، أترى ذلك له؟ قال: نعم؛ إذا كان له بها حاجة، وإن لم تكن له بها حاجة، فلا أرى ذلك له. قال محمد بن رشد: الحكم في الكلأ يختلف باختلاف مواضعه، ومواضعه تنقسم على قسمين؛ أحدهما: أن يكون في أرض غير متملكة. والثاني: أن يكون في أرض متملكة، فأما إذا كان في أرض غير متملكة مثل الصحاري والبراري والفيافي، فلا اختلاف في أن الناس كلهم فيه سواء، ليس لأحد منهم أن يمنعه، ولا أن يبيعه، وهو قائم في موضعه؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يمنع الكلأ» ، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ» ، فنهى عن منعه، وعما هو ذريعة إلى منعه؛ لأن صاحب الماشية إذا

منع من الماء لم يقدر على الإقامة على الرعي، فإن جاء رجلان لرعي كلأ هذا الموضع معا كانا فيه أسوة، واختلف إن سبق أحدهما إليه، فنزله وجعل يرعى ما حوله أو حفر فيه بئرا، هل يكون أحق بقدر حاجته من كلأ ذلك الموضع دون الفضل أم لا على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يكون أحق بشيء من كلئه، والناس معه فيه أسوة، وهو نص قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب حريم البئر من المدونة. والثاني: أنه يكون أحق من الناس بقدر حاجته من كلأ، ذلك الموضع الذي نزله، وجعل يرعى ما حوله، وإن لم يحتفر فيه بئرا، وهو قول أشهب، فرآه أحق بالسبق إلى ذلك الموضع والنزول فيه، ومعناه إذا انتجع إليه، وقصده من بعد، وأما إذا مر به فنزله، فلا يكون لمجرد سبقه إليه أحق بمقدار حاجته من كلئه، والله أعلم، وقد تئول أن قول أشهب ليس معناه أنه جعله بمجرد السبق إلى النزول في ذلك الموضع أحق من الناس بقدر حاجته من كلئه، وإنما معناه أنه جعل رعيه لكلأ ذلك الموضع إحياء له؛ لأنه لما رعاه صار له عليه يد، فيكون أحق بما يحدث فيه من الكلأ مرة أخرى، إلا أن يفضل عن حاجته منه فضل، فيكون الناس في الفضل أسوة، ولا اختلاف في الفضل على حال. والقول الثالث: أنه لا يكون أحق بقدر حاجته من كلأ ذلك الموضع الذي سبق إليه بالنزول، وإن رعاه إلا أن يحفر فيه بئرا، فيكون أحق بقدر حاجته من الكلأ، كما يكون أحق بقدر حاجته من الماء، وهو ظاهر قول المغيرة وأعدل الأقوال وأولاها بالصواب؛ لأنه لا يقدر على المقام على الماء إذا لم يكن له في ذلك الموضع مرعى، فتذهب نفقته في البئر باطلا، وكذلك لو سبق بالنزول في ذلك الموضع، فبنى فيه بنيانا، أو أنفق فيه نفقة؛ لوجب على قياس هذا أن يكون أحق بقدر حاجته من كلأ ذلك الموضع، من غيره؛ لئلا تذهب نفقته باطلا، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» فمن الضرر

البين أن يدخل عليه غيره في قدر حاجته من كلأ الموضع الذي أنفق فيه نفقته، وأما إذا كان الكلأ في أرض متملكة، فإن الأرض المتملكة تنقسم في ذلك على أربعة أقسام؛ أحدها: أن تكون محظرة، قد حظر عليها بحيطان كالجنات والحوائط. والثاني: أن تكون غير محظرة إلا أنها حماه ومروجه التي قد بورها للمرعى، وترك زراعتها من أجل ذلك. والثالث: فدادينه وفحوص أرضه التي لم يبورها للمرعى، وإنما ترك زراعتها لاستغنائه عن زراعتها، وليجمها للحرث، فنبت فيها الكلأ. والرابع: العفا والمسرح من أرض قريبة، فأما الأرض المحظرة التي قد حظر عليها كالحوائط والجنات، فلا اختلاف فيما كان فيها من الكلأ أن صاحبه أحق به، له أن يبيعه ويمنعه احتاج إليه أو لم يحتج إليه، وليس لأحد الدخول عليه، في حائطه لرعي، ولا احتشاش إلا بإذنه، وأما العفا والمسرح من أرض قريبة، فلا اختلاف في أنه لا يبيعه، ولا يمنع الناس عما فضل من حاجته منه، إلا أن يكون عليه في تخلص الناس إليه بدوابهم ومواشيهم ضرر من زرع يكون له حق إليه، فيفسد عليه بالإقبال عليه والإدبار، وأما الأرض التي بورها للمرعى، وترك الانتفاع بزراعتها من أجل ذلك، فقيل له أن يمنع إن احتاج إليه ليرعاه، ويبيع إن لم يحتج إليه ممن يرعاه أو يحتشه، وهو مذهب ابن القاسم وابن الماجشون، فإن لم يحتج إليه ولا وجد من يبيعه منه جبر

: القيمة في العروض المستهلكة

على أن يخلي بين الناس وبينه، ولا يباح له أن يمنع الناس منه، ويترك حتى ييبس ويفسد، وقيل: إن له أن يمنع إن احتاج إليه، وليس له أن يبيع، وهو قول أشهب، وأما فحوص أرضه وفدادينه التي لم يبورها للمرعى، فقال ابن القاسم وأشهب: له أن يمنع إن احتاج، وليس له أن يبيع إن لم يحتج إليه، وقال ابن الماجشون: له أن يمنع إن احتاج، وأن يبيع إن لم يحتج إليه، فأشهب يرى أنه ليس له أن يبيع مراعي أرضه، كان قد بورها للكلأ، أو لم يبورها لذلك، وابن الماجشون يرى أن له أن يبيع مراعي أرضه، كان قد بورها للكلأ، أو لم يبورها لذلك، وابن القاسم يفرق في إجازة البيع له إذا استغنى عنه بين الأرض التي بورها للمرعى، وبين التي لم يبورها للمرعى، فتحصل في مجموع الطرفين ثلاثة أقوال، وفي كل طرف منها على انفراده قولان. وقد اختلف فيما وقع في كتاب حريم البئر من المدونة من قول مالك، إذا كانت لرجل أرض، فلا بأس أن يمنع كلأها إذا احتاج إليها، وإلا فليخل بين الناس وبينه، ومن قوله فيه: لا بأس أن يبيع الرجل خصب أرضه ممن يرعاه عامه ذلك، بعد أن ينبت، ولا يبيعه عامين ولا ثلاثة، فقيل: إن ذلك اختلاف من قوله، مرة رأى أن للرجل أن يبيع خصب أرضه، كان قد وقفها للمرعى، أو لم يوقفها له، مثل قول ابن الماجشون، ومرة رأى أنه ليس له أن يبيعه كان قد وقف الأرض للمرعى، أو لم يوقفها له، مثل قول أشهب، وقيل: ليس ذلك اختلافا من قوله، ومعناه أنه فرق في ذلك بين الأرض التي وقفها للمرعى، والتي لم يوقفها له، مثل قول ابن القاسم، وهو تأويل عيسى بن دينار في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب، وبالله التوفيق. [: القيمة في العروض المستهلكة] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت وقال مالك في خليج لرجل يجري تحت جدار لرجل آخر، فجرى السيل فيه فهدمه، فقال صاحب الحائط لصاحب الخليج:

ابن لي حائطي، وقال الآخر: لا أبنيه، فقال مالك: أريتك لو أراد صاحب الحائط أن يسقي به أكان يدعه؟ قال: لا، قال: فإني أرى أن يقضى ببنيانه على صاحب الخليج الذي أفسد حائط الرجل. قال محمد بن رشد: إنما وجب على رب الخليج بناء الحائط؛ لأنه هو الذي ساق الماء فيه، فأشبه سائق الدابة في وجوب ضمان ما وطئت عليه، فإذا كان لرب الحائط أن يسقي به سقط الضمان عن صاحب الخليج؛ لأن رب الحائط قد ساق الماء فيه معه، فلم ينفد على صاحب الحائط فيما صنعه، وإنما قال: إنه يقضى ببنيانه على صاحب الخليج، ولم يقل: إنه يلزمه قيمته على أصل المذهب في وجوب القيمة في العروض المستهلكة؛ إذ لا قيمة له على انفراده، فإنما يقوم بأن يقول: كم قيمة جميع الحائط قبل أن ينهدم هذا الجدار منه؟ وكم قيمته والجدار مهدوم؟ فتكون قيمة الجدار على الصفة التي كان عليها من البلاء ما بين القيمتين، وقد لا يكون فيما بين القيمتين، ما يقام به الحائط جديدا، فوجب أن يكون على المستهلك للحائط بإجراء الماء في الخليج ما يبنى به الحائط جديدا؛ إذ لا يتحصن لصاحب الحائط حائطه إلا بذلك، وهو معنى

: إقطاع الرجل الرجل العين من واديه هبة من الهبات

قوله: إنه يقضى ببنيانه على صاحب الخليج؛ لأن المراد بذلك أن يكون عليه إجارة الأجراء في بنيانه، وإجارة من يقوم بولاية بنيانه، فيستأجر الأجراء وما يحتاج إليه في ذلك من المواعن والآلات، أو يلي هو ذلك بنفسه، فلا يكون عليه سوى الأجر. وإلزام المستهلك في هذه المسألة أكثر من قيمة ما استهلك شبيه بما قالوا فيمن استهلك، فرد خف لرجل أنه لا يلزمه قيمته على انفراد، وإنما يلزمه ما نقص من قيمتهما جميعا، وكان يمضي لنا عند من أدركنا من الشيوخ أن هذه المسألة من المسائل التي قضى فيها بالمثل في العروض، كشروى الجلود في مسألة الذي باع البعير الذي قام عليه واستثنى جلده، فاستحياه المبتاع، وكرفو الثوب في مسألة الذي خرق ثوبا لرجل خرقا يسيرا، وليس ذلك بصحيح؛ إذ لم يقض على مستهلك الحائط بمثله في صفته من البلاء؛ إذ لا يمكن ذلك، ولا يصح فيكون كمسألة شروى الجلد، فأما مسألة الرفو فليس بقضاء بالمثل؛ لأنه لم يستهلك له رفوا، وإنما خرق له ثوبا صحيحا لا رفو فيه، فلا معنى للمسألة إلا ما ذكرناه فيها، وبالله التوفيق. [: إقطاع الرجل الرجلَ العين من واديه هبة من الهبات] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الأقضية الثاني قال سحنون: قال أشهب وعبد الله بن نافع: سئل مالك عن واد كان لرجل، فأقطع رجلا عينا في الوادي، فمات القاطع

مسألة: حريم الآبار والعيون

والمقطع، فقام ولد المقطع، فأرادوا الرفع في العين، فأبى ابن القاطع، وليس يعرف كيف أقطعهم العين، إلا أنها في أيديهم منذ ستين سنة، فقال مالك: أقطعهم عينا لا هم أحدثوا فيها شيئا بحضرتهم ثم جاءوا يخاصمونهم، فيقولون: قد أحدثنا وأنتم تنظرون، فهم يريدون أن يأخذوا الوادي كله، فليس هكذا يكون، وكذلك لو أعطى رجل رجلا بيتا، فأي بيت هو وما ذرعه؟ قال محمد بن رشد: إقطاع الرجل الرجلَ العين من واديه هبة من الهبات، تفتقر إلى ما تفتقر إليه الهبات من حيازة الشيء الموهوب في صحة الواهب، فالمعنى في هذه المسألة أنه أقطعه من واديه عينا لم يسم له موضعا، ولا حد له مقدارا، فحاز منه قدرا ما في موضع ما، وبقي في يديه ستين سنة بعد موت القاطع، ثم أراد أن يرفع العين إلى أرفع من موضعه ليستكثر فيه من ماء الوادي، فلم ير ذلك لهم؛ إذ لم يفعلوه في حياة القاطع، ولا بعد موته بحضرة الورثة منذ مدة تكون حيازة عليهم، وضعف وجوب ذلك لهم بما ذكره من أن القاطع لم يحد لما أقطعه قدرا معلوما، يقول: فهو لو حد له قدرا معلوما فلم يستوفه في حياته لم يكن له أن يأخذه بعد وفاته، فأحرى إذ لم يحد له حدا ألا يكون له أن يستزيد فيه بعد وفاته شيئا، هذا معنى هذه المسألة عندي، وقوله: لا هم أحدثوا فيها شيئا بحضرتهم، ثم جاءوا يخاصمونهم فيقولون: قد أحدثنا وأنتم تنظرون، معناه لا هم أحدثوا فيها شيئا بحضرتهم، فتكون لهم بذلك حجة عليهم في مخاصمتهم إياهم، وبالله التوفيق. [مسألة: حريم الآبار والعيون] مسألة وسئل عن حريم الآبار والعيون قال: إنما الحريم في الفلوات التي ليست لأحد، فأما الرجل يحتفر في حقه البئر والعين، فذلك له إلا أن يضر ذلك بجاره ضررا بينا، فإن الرجل يعمد إلى

بئر جاره أو عينه، فيحتفر إليها في حده ليستفرغ ماءها، ويصيره إلى بئره، فإذا كان ذلك ضررا بينا، فلا أرى ذلك له، وأما الحريم في الفلوات فليس له أمد معلوم، وذلك يختلف، وربما يصير ذلك إلى الإضرار، فما كان لا يضر فلا بأس به، وله أن يحتفر، وذلك يختلف، أما الأرض الخشخاش الصخور الشديدة، فإن الحفر في ذلك لا يكاد يضر صاحبه، وإن تقاربت الآبار في ذلك، وأما الأرض البطاح اللينة، فإنها إذا تقاربت انتشف بعضها مياه بعض، فأرى أن يبعد عنه بقدر ما لا يضر بمائه، وليس لذلك حد معلوم من الأذرع، إنما ينظر في ذلك إلى الإضرار بأهل تلك الآبار، قال ابن نافع: وقد بلغني في حريم البئر العادية خمسين ذراعا، والبئر البادية خمسة وعشرون ذراعا، أخبرنا به ابن أبي ذؤيب، عن ابن شهاب. قال محمد بن رشد: الأرض الخشخاش هي الأرض الرملة التي تسمع لها جلبة عند المشي عليها، قال الخليل: الخشخشة صوت السلاح والينبوت والصخور الأرض المصخرة، فيريد أن الأرض الرملة المصخرة

: فيما قرب من العمران من الموات الذي يتشاح الناس فيه

الشديدة بخلاف الأرض البطحاء اللينة في انجلاب الماء إليها من قرب، وهذا مثل قوله في المدونة سواء، ومن الآبار آبار تكون في أرض رخوة، وأخرى تكون في أرض صلبة أو في صفا، فإنما ذلك على قدر المضرة بالبئر، فحريم الآبار عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما هو ما يضر بها قرب أو بعد، ولا حد في ذلك، والحد المروي فيه عن ابن شهاب لا وجه له في النظر والقياس، إلا أن يكون ذلك عن توقيف عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجب الوقوف عنده. وقوله في هذه الرواية: إلا أن يضر ذلك بجاره ضررا بينا، هو أن يستفرغ ماء بئر جاره، وذلك خلاف لظاهر ما في المدونة إذ أطلق الضرر فيها من غير تقييد بصفة، وابن كنانة يقول: إن له أن يحفر في داره بئرا، وإن أضر ذلك ببئر جاره، وأشهب يقول: إنه إن كان يجد بدا من احتفار ذلك، وليس بمضطر إليه منع من ذلك، وإن كان مضطرا كان له أن يحفر وإن أضر بجاره، فيتحصل في ذلك أربعة أقوال: له أن يحفر وإن أضر حفره ببئر جاره، وليس له أن يحفر إذا أضر حفره ببئر جاره، والفرق بين أن يستفرغ ماء بئر جاره أو لا يستفرغه، والفرق بين أن يجد مندوحة عن الحفر أو لا يجد، وبالله التوفيق. [: فيما قرب من العمران من الموات الذي يتشاح الناس فيه] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل مالك فقيل له: إن عاملنا أقطعنا أرضا أربعمائة ذراع من حد كذا إلى حد كذا، فغبت عنها، فوثب عليها رجل فعمرها وبنى فيها، ثم قدمت فأردت أخذها فقال: لا أراك

حزت ما قطع لك بعمارة ولا بناء حتى جاء غيرك فعمر وبنى، يقطع أحدهم فيذهب ويدعها، ولا يعمرها حتى يريد منعها بذلك شأن قطيعة هذا ضعيفة لم يحزها بعمارة ولا بناء حتى عمرها غيرك، فقال: إنما عمرها وأنا غائب، فقال له: كم غبت؟ فقال: ثلاثة أشهر، فقال له: فما كان هنالك أحد يعلمه أنك أقطعتها؟ فقال: لا أدري، فقال: وما عمارة هذا لها مؤنة؟ فقال: إي؛ لعمري إن لها لمؤنة، بنى فيها حوانيت، فقال له: ما أرى قطيعتك إلا ضعيفة، لم تحزها حتى عمرها غيرك، وأريت من أقطعك إياها؟ فقال: والينا، فقال: وأريت واليكم أمر أن يقطع أحدا؟ ما أرى أمرك إلا ضعيفا، وارفع أمرك إلى السلطان. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن العامل أقطعه الأربعمائة ذراع من الأرض الموات فيما قرب من العمران، بدليل قوله بنى فيها حوانيت؛ إذ لا تبنى الحوانيت في الفيافي والقفار، وقد اختلف فيما قرب من العمران من الموات الذي يتشاح الناس فيه، فقيل: ليس لأحد أن يحييه إلا بقطيعة من الإمام، فإن فعل نظر الإمام في ذلك، فإن رأى أن يقره له أقره، وإن رأى أن يقره للمسلمين ويعطيه قيمة بنيانه منقوضا أو يأمره بنقضه فعل، وإن رأى أن يقطعه غيره أقطعه، ويكون للأول قيمة بنيانه منقوضا، وهو قول مطرف وابن الماجشون، وهو معنى ما في المدونة إذا قال فيها: إن ما قرب من العمران وما يتشاح الناس فيه، ليس لأحد أن يحييه إلا بقطيعة من الإمام، وقيل: إنه إن فعل أمضى ذلك الإمام مراعاة للخلاف، وهو قول أشهب، فعلى هذا القول تأتي روايته هذه عن مالك في

هذه المسألة؛ لأن معنى ما ذهب إليه فيها أن المقطع لما غاب عنها وتركها هذه المدة؛ دل ذلك من فعله على أنه قد سلمها وترك حقه فيها، فوجب أن تكون للذي عمرها وأحياها ببناء الحوانيت فيها، وإن لم يستأذن الإمام في ذلك على قياس قول أشهب، مراعاة للاختلاف في ذلك؛ إذ قد قيل: إنه ليس على أحد أن يستأذن الإمام في إحياء موات قريب من العمران، ولا ما بعد منه مع ضعف هذا الإقطاع؛ إذ ليس للعامل أن يقطع شيئا من الموات إلا بإذن الإمام، وهذا إذا لم يعلم الثاني بإقطاعها للأول، ولو علم بذلك؛ لكان متعديا، ولم يكن له إلا قيمة بنيانه منقوضا، وإن كانت عمارته إياها قبل أن يحوزها الأول بعمارة، أو بنيان بعض؛ لأن للإقطاع حكما من الأحكام لا يفتقر إلى حيازة على ما يأتي في رسم شراء الدور والمزارع من سماع يحيى من هذا الكتاب، فليس قوله في هذه المسألة، لا أراك حزت ما قطع لك بعمارة ولا بناء حتى جاء غيرك، فعمر وبنى بخلاف لما في سماع يحيى على ما ظنه أهل النظر، فالعلة في سقوط حق الأول فيما أقطع عمارة الثاني له بعد تركه إياها، ومغيبه عنه لما يظهر في ذلك من الرضا بتسليم حقه فيه لا ترك حيازته إياه بالعمارة كما ظن بعض أهل النظر، ولو كان الإقطاع يفتقر إلى حيازة، لوجب أن يراعى في ذلك موت المقطع، وذلك ما لا يصح بوجه من الوجوه؛ إذ لم يقطع ماله فيحتاج إلى أن يحاز عنه في حياته وصحته، وفي قوله: وارفع ذلك إلى السلطان، مع أنه قد رأى أمره ضعيفا دليل على القول بتصويب المجتهدين؛ لأن المعنى في قوله: وارفع ذلك إلى السلطان، فعساه سيرى أمرك قريبا فيقضي لك به بخلاف ما أراه، فلولا أنه يراه إن فعل ذلك باجتهاده مصيبا، وإن كان خلاف ما يراه هو باجتهاده، لما ساغ له أن يأمره بالرفع إليه؛ لئلا يخطئ فيقضي له بخلاف الحق عنده، وهذا نحو قوله في الأقضية من المدونة في الذي يرى خطه في ذكر حق، ولا يذكر الشهادة أنه يؤديها، وإن كانت لا تنفع عنده، وبالله التوفيق.

مسألة: الماء الذي ينزل من السماء في كل زمان يستقر بالأرض

[مسألة: الماء الذي ينزل من السماء في كل زمان يستقر بالأرض] مسألة وسئل عن قول الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18] أهو الخريف فيما بلغك؟ فقال: لا والله، بل هذا في الخريف والشتاء في كل شيء ينزل الله من السماء ماء إذا شاء، ثم هو على ذهاب به لقادر. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن ذلك في كل زمن من الأزمان، لا يخص ذلك بالخريف دون غيره؛ لأنه ظاهر من عموم اللفظ، وموجود بالمعنى؛ لأن الماء الذي ينزل من السماء في كل زمان يستقر بالأرض، فمنه ماء العيون والأنهار والآبار، ولو شاء الله لأذهبه فهلك الناس جهدا وعطشا وجوعا؛ إذ لا نبات ولا حياة إلا بالماء، قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] ولا وجه لمن خصص ذلك بالخريف دون غيره من الأزمان، ولعل الذي قال ذلك تأول أن الماء الذي ينزل بالخريف جل المنفعة به إسكانه في الأرض للشرب والسقي عند الحاجة إليه؛ إذ لا يحتاج أكثر الأرض في ذلك الوقت إلى سقي؛ إذ ليس بوقت سقي زرع، وليس ذلك بصحيح، بل ما ينزل من السماء في كل زمان يستقر بالأرض لمنافع الناس، فجميع مياه الأرض من السماء، ويروى أن في الأرض أربعة أنهار من الجنة، وهي: النيل، والفرات، وسيحان، وجيحان، والجنة في السماء، وقد قيل: إن الماء الذي أخبر الله أنه أنزله من السماء فأسكنه في الأرض، هو ماء الأربعة الأنهار التي ورد الخبر فيها أنها من الجنة، وأن المطر النازل في الأرض إنما هو من البحر؛ بدليل قول

النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة» وبدليل قول أبي ذؤيب الهذلي: شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج وقد قال بعض أهل التأويل في قول الله عز وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] إن طعامه كل ما نبت من الحبوب والثمار؛ لأنه إنما ينبت بما سقاه من ماء البحر، وهو من التأويل البعيد، والصحيح أنه ما حسر عنه ماء البحر من صيده فمات على الأرض؛ لأن ذلك مروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية ابن عباس، وقيل: طعامه ما ملح من صيده، وقال ابن عبد البر: القول بأن ما ينزل من المطر هو ماء السماء من غير البحر، هو قول أهل العلم والدين، والذي أقول به: إن تصحيح شيء من هذا، والقطع عليه من التخرص في علم الغيوب؛ إذ ليس في ذلك في

مسألة: بينهم بئر يسقون عليها فاقتسموها على مناضح خمسة

القرآن، ولا في شيء من السنن والآثار نص جلي يوقف عنده، والذي نشاهده ونعلمه بالمعاينة نزول الماء من السحاب، ولا ندري هل تسوقه من بحور الأرض أو من بحور السماء، أو هل يخلقه الله عز وجل في السحاب عند نزوله، وكيفما كان فالقدرة فيه عظيمة، والاعتبار به واجب، والشكر لله تعالى على إنعامه به على خلقه لازم، واختلف في قوله في هذه الآية: {بِقَدَرٍ} [الحجر: 21] ، فروي عن ابن عباس أنه قال: ما عام بأكثر مطرا من عام، ولكن الله تعالى يصرفه حيث يشاء وقرأ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا} [الفرقان: 50] ، وقيل: معناه مفترقا نثرا، وليس بمجتمع صبا، وهو أظهر، والله أعلم. [مسألة: بينهم بئر يسقون عليها فاقتسموها على مناضح خمسة] مسألة وسئل عن قوم كانت بينهم بئر يسقون عليها، فاقتسموها على مناضح خمسة هكذا، وكل واحد منهم يسقي من منضحته، ثم إن بعضهم انقطع من ناحية منضحته الماء، وارتفع تلقاءه التراب، فلا يقدر على أن يسقي شيئا، يرسل الدلو فيخرج ولا ماء فيه، ومنهم من يسقي على حاله، أفيسقي معهم من مناضحهم، أم يكفوا حتى يسقوا جميعا؟ فإنه قد دعا هو إلى ذلك فأبوا عليه، وقالوا له: اضرب لنفسك، فقال مالك: إني لا أرى لمثل هذا فيه سنة بينهم جارية، فقيل له: قد اختلف في ذلك، فقال: أرى أصوب ذلك أن يقضى عليهم أن يضربوا في البئر حتى يسقوا جميعا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إن لم يكن لهم سنة جارية بينهم من عرف قد عرفوه، واستمر العمل عليه عندهم؛ وجب عليهم

: معدن كان بين رجلين فعطلاه ثم جاء أحدهم إلى والي المعدن فسأله أن يقطعه

جميعا أن ينقوا معه موضع منضحته، حتى يسقي كما يسقون؛ لأن التراب إنما ارتفع تلقاء منضحته من نضحهم جميعا، فعليهم كنس ما أثره نضحهم من ارتفاع التراب تلفا منضحة أحدهم، وبالله التوفيق. [: معدن كان بين رجلين فعطلاه ثم جاء أحدهم إلى والي المعدن فسأله أن يقطعه] ومن كتاب الأقضية الأول وسئل عن معدن كان بين رجلين فعطلاه وتركاه أربعة أشهر، ثم جاء أحدهم إلى والي المعدن، فسأله أن يقطعه فأقطعه إياه، وأن لأهل المعادن قبلنا سنة، فقال مالك: كتبت تسأل عن كذا وكذا، ولست أدري ما سنة أهل المعادن التي ذكرت، فإن جاء أحدهما الإمام بعد تركهما إياه، فسأله أن يقطعه إياه فأقطعه، فإني أرى إن كان شريكه الذي كان معه فيه أولا مقيما بالبلد فأقطعه شريكه، فتركه يعمل، وينظر إن أجابه المعدن، وأدرك فيه نيلا جاءه، وقال: أنا معك فيه كنت لك شريكا، وإن لم يجب وأكدى، فلست منه في شيء، فلا أرى ذلك له، وإن كان جاءه حين أقطعه بحداثة ذلك قبل أن يعمل فيه، أو بعد ما عمل بيسير، فأرى أن يدخل معه، وإن كان غائبا حين أقطع صاحبه، فأرى المعدن للذي أقطعه، ولا أرى للغائب فيه شيئا، كيف يكون له فيه شيء إذا أقطعه شريكه، وهو لو أقطعه غير شريكه لم يكن له فيه شيء، كتب به إلى صاحب المعدن. قال محمد بن رشد: قوله: وسئل عن معدن كان بين رجلين معناه أنه كان بينهما بقطيعة من الإمام لهما، وإقطاع الإمام المعادن ليس على

مسألة: لا تباع مياه المواشي

تمليك الأصل: وإنما هو على وجه الانتفاع بالنيل، فللإمام إذا ترك المقطع المعدن الذي أقطع إياه أو غاب عنه أن يقطعه غيره، وله إذا طال عمله به، وانتفاعه به، أن يقطعه سواه، وإن لم يتركه إلا أن يقطعه إياه حياته، أو إلى أجل، فليس له أن يقطعه لغيره حتى يموت، أو حتى يحل الأجل، ولم يبين في هذه الرواية إن كان قد طال عملهما في المعدن، وانتفاعهما به قبل أن يعطلاه، ويتركا طولا لو شاء الإمام أن يخرجهما منه جميعا ويقطعه سواهما، كان ذلك له أم لا، فقوله: إذا أقطعه أحدهما وشريكه حاضر، فجاء بحدثان ذلك أن له الدخول معه؛ معناه عندي بعد يمينه أنه ما ترك حقه فيه إن كان لم يطل عملهما فيه، وانتفاعهما به؛ لأنه إذا لم يطل عملهما فيه، وانتفاعهما به، فليس للإمام أن يخرجهما منه، ولا أحدهما إلا برضاه، ولو كان قد طال عملهما فيه، وانتفاعهما به؛ لما كان له الدخول معه، وإن جاء بحدثان ذلك؛ إذ للإمام أن يخرجه منه، ويقطعه لغيره شاء أو أبى، وإنما يكون للإمام إذا غاب الذي أقطعه المعدن أن يقطعه لغيره في الغيبة البعيدة، وأما إذا سافر كما يسافر الناس فلا، هذا الذي ينبغي أن تتأول الروايات عليه، واختلف إذا مات على ما مضى تحصيل القول فيه في سماع يحيى من كتاب الزكاة. [مسألة: لا تباع مياه المواشي] مسألة قال: ولا تباع مياه المواشي، وقال: وإنما يشرب بها، ويشرب بها أبناء السبيل، ولا يمنع من أحد، قيل: فهل يصلح فيها عطاء؟ قال: لا. قال الإمام القاضي: مياه المواشي هي الآبار أو المواجل، أو الجباب التي يحفرها الرجل ويصنعها في البراري، أو في المهامه لماشيته؛ فيكون أحق بما يحتاج إليه لماشيته، ويخلى بين الناس وبين الفضل؛ لقول النبي

- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ» فقوله في هذه الرواية: إنما يشرب بها أهلها؛ يريد أهلها، وليشرب أبناء السبيل، ولا يمنع أحد؛ ليس على ظاهره في تساوي حق أهل الماء وغيرهم فيه، وإنما يريد أنه يشرب بها أهلها، ثم يشرب بها أبناء السبيل، فالواو هاهنا على الترتيب لا على التشريك. وقوله: ولا يمنع من أحد؛ يريد لا يمنع الفضل من أحد، فإن تشاح أهل البئر في التبدئة بدئ الأقرب فالأقرب إلى حافرها، قلت ماشيته أو كثرت، وإن استووا في القرب منه استهموا، فإن اجتمعوا والمارة والماء يقوم بهم كلهم بدئ أنفس أهل الماء، ثم أنفس المارة، ثم دواب أهل الماء، ثم دواب المارة، ثم مواشي أهل الماء، ثم مواشي الناس، وبدأ أشهب دواب المسافرين قبل دواب أهل الماء، وإن لم يقم بهم كلهم وتبدئة أحدهم تجهد الآخرين بدئ من كان الجهد عليه أكثر بتبدئة صاحبه، فإن استووا في الجهد فقيل: إنهم يتواسون في ذلك، وقيل: يبدأ أهل الماء لأنفسهم ودوابهم، وأما إن لم يقم بهم كلهم، وخيف على البعض بتبدئة البعض، فيأخذ أهل الماء لأنفسهم بقدر ما يذهب الخوف عنهم، فإن فضل فضلٌ أخذ المسافرون لأنفسهم بقدر ما يذهب الخوف عنهم، فإن فضل فضلٌ أخذ أهل الماء لدوابهم قدر ما يذهب الخوف عنهم، فإن فضل فضلٌ أخذ المسافرون لدوابهم قدر ما يذهب الخوف عنهم، ولا اختلاف في هذا الوجه، والبئر والجب والماجل سواء عند مالك. وذهب المغيرة إلى أن لصاحب الماشية أن يمنع فضلة مائه، ووجه قوله أنه صدقه في أنه احتفر لنفسه لا للصدقة من أجل أنه ليس بمعين بخلاف البئر، ولم يصدقه مالك فيه كما لم يصدقه في البئر، ولو أشهد عند حفره للبئر أنه إنما يحفرها لنفسه لا على وجه الصدقة؛ لكان له أن يمنع فضلة مائها، فالرجل فيما بينه وبين الله في فضلة ماء البئر التي احتفرها في المهامه لماشيته على ما نواه في حفرها، إن كان أراد به الصدقة، لم يجز له

: لا يمنع نقع بئر ولا يمنع رهو ماء

أن يمنعه وأن يبيعه، وعلى هذا يحمل قوله في المجموعة لا يجوز بيع ذلك، وإن كان احتفرها لنفسه، كان له أن يمنعه وأن يبيعه، وعلى هذا يحمل قوله في المدونة أكره بيع ماء بئر الماشية، وقوله في هذه الرواية: لاتباع مياه المواشي؛ معناه لا يباح لأربابها بيعها، ولا يصدقون في أنهم احتفروها لأنفسهم، فعلى هذا التأويل تتفق الروايات، وهو أولى من حملها على التعارض، والله الموفق. [: لا يمنع نقع بئر ولا يمنع رهو ماء] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب العرية قال عيسى: وسألته عن رجل له ماء يسقي به، وفي الماء فضل يجري على قوم تحته في أرضهم فغرس الذي تحته على ذلك الماء غروسا، ثم بدا لهذا الذي له أصل الماء أن يحفر له بركا يحبسه فيها عنهم، قال: ليس له ذلك أن يحبسه عنهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ليس له أن يحبسه عنهم لوجوه ثلاثة؛ أحدها: قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يمنع نقع بئر، ولا يمنع رهو ماء» ؛ لأن من أهل العلم من حمله على عمومه في جميع المياه كلها كانت متملكة، أو غير متملكة، فلم يجيزوا لأحد أن يبيع فضلة مائه، ولا أن يمنعه بحال، وهو قول يحيى بن يحيى في رسم أول عبد ابتاعه، من سماع يحيى بعد هذا، ومنهم من تأوله في الماء يكون بين الشريكين يسقي هذا يوما وهذا يوما، فيروي أحدهما زرعه أو نخله في بعض يومه، فليس له أن يحبس الماء عن صاحبه بقية يومه، وهو معنى هذه المسألة، فهو في حبسه

مسألة: الماء يكون بين الرجلين يعمل أحدهما ويأبى الآخر

عنهم على هذا الوجه داخل تحت النهي على كلا التأويلين. والثاني قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار» ؛ لأن من الضرر البين أن يمنعه ما لا حاجة له به فيضر به فيما لا منفعة له فيه، وقد قيل: إن هذا هو الضرر؛ إذ قد اختلف في الضرر والضرار، فقيل: إنهما اسمان لشيء واحد، وهو أن يضر الرجل بأخيه على وجه من الوجوه، وإن كان بعضه أشد من بعض، وقيل: إن الضرر هو أن يضر بأخيه فيما له فيه منفعة، والضرار أن يضر به فيما لا منفعة له فيه، أو فيما عليه فيه مضرة، وقيل: إن الضرار إنما هو أن يضر بأخيه فيما عليه فيه مضرة، فيكون قد أضر بنفسه وبغيره، والضرر ما عدا ذلك بأن يضر به فيما له فيه منفعة، أو فيما لا منفعة له فيه. والثالث: أنه لما تركه يغرس على فضل مائه، فقد تعين له بذلك حق فيه، فليس له إذا استغنى عنه أن يحبسه عنه، ولا أن يبيعه إلى أن يحفر بئرا أو يستنبط عينا على ما يأتي بعد هذا في رسم البراءة، ويجري هذا على الاختلاف في السكوت هل هو كالإذن أم لا، وأما إن غرس على فضل مائه دون علمه، فله أن يبيعه إن وجد له ثمنا، ويكون هو أولى بالثمن الذي يبيعه به على ما قاله عيسى بن دينار بعد هذا في رسم البراءة، إلا على قول من لم يجز بيع الماء على حال، وليس له أن يحبسه عنه إذا لم يحتج إليه، ولا وجد له ثمنا لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الضرر والضرار، وعن منع نقع البئر، ورهو الماء، وبالله التوفيق. [مسألة: الماء يكون بين الرجلين يعمل أحدهما ويأبى الآخر] مسألة وسئل عن الماء يكون بين الرجلين يعمل أحدهما، ويأبى

: تفقعت الأرض في جنانه عن عرق من أصل الشجرة في جنان آخر

الآخر، فلما عمل نصف العمل أتاه الذي أبى أن يعمل فقال: أنا أعمل الساعة معك، فإن خرج الماء أعطيتك نصف ما أنفقت، وإلا فلا شيء لك، قال: ليس ذلك له، ولا يعمل معه حتى يعطيه نصف ما عمل، ويستقبل العمل معه فيما بقي خرج الماء أو لم يخرج. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إنما كان مخيرا من أول بين أن يعمل معه أو يتركه يعمل، فيكون أحق بالماء إن كان انقطع جميعه أو بما زاد بعمله، إن كان لم ينقطع جميعه حتى يأتيه بنصف ما أنفق، فإذا أبى أن يعمل معه حتى عمل بعض العمل، فليس له أن يعود إلى العمل معه حتى يعطيه نصف ما عمل، ألا ترى أنه لو قال له من أول: اعمل نصف العمل وحدك، وأنا أعمل معك النصف الباقي، فإن خرج الماء أعطيتك نصف ما عملت وحدك، وإلا لم يكن لك علي شيء لم يكن ذلك له إلا برضاه، فكذلك إذا أراد أن يعمل معه بعد أن عمل وحده نصف العمل لم يكن ذلك له، إلا أن يعطيه نصف ما عمل، وهذا بين إن شاء الله عز وجل، وبه التوفيق. [: تفقعت الأرض في جنانه عن عرق من أصل الشجرة في جنان آخر] ومن كتاب الثمرة وسئل ابن القاسم عن الرجل تفقعت الأرض في جنانه عن عرق من أصل الشجرة في جنان آخر، لمن يكون ذلك العرق؟ قال ابن القاسم: إن كان فيه لصاحب الشجرة منفعة إن قلعه،

: المعاملة في الرحى الخربة أو في موضعها من الأرض بجزء منها

غرسه في مكان آخر، فذلك له أن يفعله، وإن كان ليس له فيه منفعة، ولا عليه فيه مضرة، فهو لصاحب الأرض، إلا أن يكون قد بلغ، فهو إن قلع كان له ثمن لخشبه أو حطب، فإنه إن كان كذلك كان له على صاحب الأرض ثمنه مقلوعا، قال عيسى: إلا أن يكون إقراره بحاله مضرا بأصل الشجرة التي هو منها، فلا يكون ذلك له إلا برضا من صاحب الشجرة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، وقول عيسى تفسير لقول ابن القاسم وتتميم له، قال ابن القاسم في المجموعة إلا أن يشاء الذي ظهرت في أرضه أن يقطع عروقها المتصلة بشجر الأول حتى لا يضر بها، ويعطيه قيمتها مقلوعة فذلك له، وهو أيضا تفسير لقول عيسى بن دينار وتتميم له، فالمسألة كلها بينة صحيحة ليس فيها اختلاف ولا كلام، ومن حقه أن يقطع عروقها المتصلة بها، وإن أضر ذلك بالشجرة التي هي منها؛ لأن له أن يقطع ما دخل في أرضه من عروق شجر غيره كما له أن يقطع ما دخل في هواه من أغصان شجر غيره. [: المعاملة في الرحى الخربة أو في موضعها من الأرض بجزء منها] ومن كتاب أوله رجل شهد على شهادة ميت وعن رحى بين ورثة قد خربت، فيقول الورثة لرجل منهم: اعملها مناصفة، فإذا طحنت فلك النصف ولنا النصف، فعملها حتى طحنت، هل يحل له النصف؟ أو يكون له قيمة ما عمل؟ قال ابن القاسم: إن كانوا إنما يريدون نصف الغلة فلا يحل، وهو

: يسدوا مصرف الوادي عن مرج الآخرين حتى يرجع إليهم

حرام، وإن كان إنما يريدون أن للعامل نصف الأرض ونصف الرحى فلا بأس به إذا كان عمل الرحى محدودا معلوما. قال محمد بن رشد: لا اختلاف أحفظه في أن المعاملة في الرحى الخربة أو في موضعها من الأرض بجزء منها [جائز] إذا كان العمل محدودا معروفا كالمغارسة في الأرض بجزء منها قياسا على ما جوَّزته السنة من المساقاة، وليست بإجارة منفردة ولا بجُعْل منفرد، وإنما هي سنةٌ على حيالها، وأصلٌ في نفسها أخذت بشبهة من الإجارة والجعل فهي تشبه الإجارة في لزومها بالعمد، وتشبه الجعل في أن العامل لا يجب له شيء حتى تطحن الرحى، فإن تلف البنيان قبل ذلك بهدم أو غيره حتى لم يبق منه شيء كانت مصيبته منه، ولم يكن من حقه أن يعيده ثانية، ولا لرب الأصل أن يلزمه ذلك، وإن كان بقي منه شيء كان من حقه أن يعيده ثانية، ولم يكن لرب الأرض أن يلزمه ذلك إن أباه، ولا اختلاف أيضا أحفظه في أن المعاملة على بناء الرحى الخربة بجزء من الغلة دون الأصل لا تجوز ولا تحل؛ لأنه غرر؛ إذ قد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر» فإن وقع ذلك وأدرك قبل العمل فسخ، وإن لم يعثر على ذلك إلا بعد العمل كان للعامل أجرة مثله فيما عمل، وكان عليه رد ما اغتل، وبالله التوفيق. [: يسدوا مصرف الوادي عن مرج الآخرين حتى يرجع إليهم] ومن كتاب النسمة وسئل ابن وهب عن القوم يكون لهم مرج يزرعون فيه، وللمرج وادٍ فإذا كانت السيول سقاء مرجهم وإن ذلك الوادي

انصرف عن مرجهم إلى مرج غيرهم فهل [يحل] لهم أن يسدوا مصرف الوادي عن مرج الآخرين حتى يرجع إليهم؟ قال: إن كان الماء دخل أرضهم قبل أن ينصرف فهم أولى به حتى يسقوا به ما عندهم ثم يسرحوا الفضل إلى إخوانهم حتى يسقوا ما عندهم، وإن كان الماء إنما انصرف عنهم قبل أن يدخل شيئا من أرضهم فلا أرى لهم أن يقطعوه عن إخوانهم إلا أن يكون فيه سعة لهم جميعا؛ لأن الماء غيث يسوقه الله إلى من يشاء، وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} [الفرقان: 50] يريد المطر، فإذا صرفه الله إلى قوم فلا ينبغي لأحد أن يقطعه دونهم إلا أن يكون ذلك الماء وقع في أرضهم فهم أولى به حتى يسقوا ما عندهم، فأما أن ينقلوه من مكان بعيد فيصرفوه إليهم دون من هو أقرب إليه منهم فلا، قال ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة، والأصل فيها قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سيل مهزور ومذينب: «يمسك الأعلى إلى الكعبين، ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل» ؛ لأنهما واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر، فقوله في هذه الرواية فهم أولى به حتى يسقوا ما عندهم يريد والحد في ذلك أن يبلغ الماء في مرجهم إلى الكعبين على ما جاء في الحديث، وقد اختلف إذا بلغ الماء إلى الكعبين هل يرسله كله إلى من تحته أو لا يرسل إليه منه إلا ما زاد على الكعبين؟ فقال ابن

القاسم: يرسل جميعه، وقال مطرف وابن الماجشون: لا يرسل منه إلا ما زاد على الكعبين، وهو الأظهر، وروى [علي بن] زياد عن مالك أن معنى الحديث أن يُجري الأول الذي هو أقرب إلى الماء من الماء في ساقيته إلى حائطه بقدر ما يكون الماء في الساقية إلى حد الكعبين حتى يروى حائطه، ثم يفعل الذي يليه كذلك ما بقي من الماء شيء، قال: وهذه السنة فيهما وفيما يشبههما مما لا حق فيه لأحد بعينه أن الأول أحق بالتبدئة، ثم الذي يليه إلى آخرهما رجلا، ويحتمل عندي أن يكون [معنى] رواية [علي بن] زياد هذه إذا كان ماء الوادي كثيرا فوق قدر ما يتأتى السقي به، فيأخذ منه الأول المقدار الذي وصفه فيسقي به حائطه ما احتاج إلى السقي به، ثم الذي بعده من بقية ماء الوادي كذلك، [ثم الذي بعده من بقية ماء الوادي كذلك] ، أيضا إلى أن يتم الماء، وأن يكون معنى رواية من سواه إذا لم يكن في ماء الوادي فضل عما يسقي به واحد بعد واحد فلا تكون رواية [علي بن] زياد عن مالك على هذا التأويل مخالفة لما تقدم، والله أعلم. والأظهر أنه اختلاف من القول في صفة قسم الماء بين الأعلى ومن تحته إذا كان الماء كثيرا، فعلى المشهور يرسل الأعلى جميع الماء في حائطه حتى ينتهي فيه إلى الكعبين، ثم يرسله إلى من تحته فيمسكه أيضا في حائطه حتى ينتهي إلى الكعبين، ثم يرسله إلى من تحته هكذا أبدا ما لم يحتج الأول الأعلى إلى إعادة السقي ثانية فيكون أحق به، ثم الذي تحته، ثم الذي تحته كالسقية الأولى، ما لم يحتج الأول الأعلى أيضا إلى إعادة السقي ثالثة فيكون أحق به، ثم الذي تحته ثم الذي تحته كالسقية

: له بئر عليها زرع ونخل فانهار بئره ولجاره فضل ماء

الثانية ما لم يحتج الأول الأعلى إلى إعادة السقي رابعة فلا يكون في الماء حق لمن لم ينته إليه حتى احتاج الأول الأعلى إلى إعادة السقي، وعلى رواية [علي بن] زياد عن مالك لا يأخذ الأعلى الماء كله لحائطه حتى يبلغ إلى الكعبين، وإنما يأخذ من الماء في ساقيته إلى حائطه حتى يبلغ إلى الكعبين، وإنما يأخذ من الماء في ساقيته إلى حائطه بقدر ما يكون فيها إلى الكعبين، ثم الذي تحته كذلك، ثم الذي تحته كذلك، حتى يتم الماء، وأما إن لم يكن في الماء كله إلا قدر ما يتأتى به السقي لواحد فلا حق للأسفل إلا فيما يفضل عن الأعلى، وبالله التوفيق. [: له بئر عليها زرع ونخل فانهار بئره ولجاره فضل ماء] ومن كتاب البراءة وسئل عن رجل كانت له أرض قريبة من ماء قوم فغرس بمائهم ونبتت عليه الشجر وهم يعلمون، ثم إن أصحاب الماء أرادوا أن يحبسوا ماءهم، فقال صاحب الغرس: تركتموني حتى غرست، ثم تريدون أن تحبسوا عني، وقال أصحاب الماء: إنما غرست عليه وهو ماء لا أستطيع حبسه، قال: ليس لأصحاب الماء أن يحبسوا ذلك عنه إلى أجل يُضرب له لاحتفار بئر أو استنباط عين إلا أن لا يكون في الماء فضل عن حاجة أصحابه وإنه إن [كان] أخذ من مائهم شيئا دخل على أصحاب الماء الضرر والهلاك في غللهم فيكونوا أولى بمائهم، ولقد سمعت مالكا قال في رجل كانت له بئر عليها زرع ونخل فانهار بئره

ولجاره فضل ماء، قال: أرى أن يقضى له على جاره بفضل مائه حتى يصلح بئره بلا ثمن ولا شيء، فهذا يشبهه. قال ابن القاسم: ولو لم يعلموا بذلك فأرادوا صرف مائهم، وفي مائهم فضل أنه إن كان ليس لهم في الفضل منفعة رأيته أولى به، قال: وإن كان لهم فيه منفعة فهم أحق بمائهم، قال: وليس له في ذلك قول وإن باعوه إلا أن يرضوا أن يبيعوه منه، قال عيسى: أرى أهل الغرس أولى بالماء بالثمن الذي يبيعه به أهله. قال الإمام القاضي: قوله فغرس بمائهم يريد فغرس بفضل مائهم، وقوله: ثم إن أصحاب الماء أرادوا أن يحبسوا معناه أرادوا أن يحبسوا فضل مائهم، إذ لا اختلاف في أن الرجل أحق بجميع مائه إذا لم يكن له فيه فضل عما يحتاج إليه، وإنما القول فيما فضل عن حاجته، فإن لم يكن لغيره إليه حاجة إلا ما يريده من ابتداء الانتفاع به بزرع أو خضر يزرعها عليه أو نخل يغرسها عليه فلصاحبه أن يمنعه منه إلا بثمن يواجبه عليه وجد فيه ثمنا عند سواه أو لم يجد، وأما إن كانت لغيره إليه حاجة لسقي نخل قد كان غرسها عليه فنبتت به فإن كان ذلك بعلم صاحب الماء كان أحق به بغير ثمن إلى أن يحفر بئرا أو يستنبط عينا وجد صاحبه به ثمنا عند سواه أو لم يجد، وإن كان ذلك من غرسه النخل على فضلة ذلك الماء بغير علم صاحب الماء كان أحق به بغير ثمن إلى أن يحفر بئرا أو يستنبط عينا إن لم يجد صاحبه فيه ثمنا عند سواه، وإن وجد فيه ثمنا عند سواه كان أحق بفضلة مائه يبيعها ممن شاء، وما لم ينفذ البيع فيه فهو أحق به بالثمن الذي يعطي غيره به على ما قاله عيسى بن دينار، فهذا معنى قوله عندي لا أنه يكون له أن يأخذه بعد نفوذ البيع بالثمن كالشفعة، وسيأتي في

: الرحى تكون بين النفر فتنهدم وتخرب فيدعو أحدهم إلى عملها ويأبى ذلك بعضهم

سماع محمد بن خالد إذا غرس على فضل مائه بعطية منه، وأما إن كانت لغيره حاجة إلى أن يسقي به نخلا أو زرعا قد كان زرعه أو غرسها على أصل ما كان له من بئر فانهار أو عين فجفت فإنه يقضي له به إلى أن يصلح بئره، قيل بثمن وقيل بغير ثمن، والقولان في المدونة، ومعنى ذلك عندي إذا كان يجد له ثمنا عند سواه، وأما إن لم يجد له ثمنا عند سواه فيقضي له بغير ثمن قولا واحدا، وقد قيل: إن ذلك ليس باختلاف من القول، وإنما معناه أنه يقضى له به بغير ثمن إذا لم يوجد له ثمن عند سواه وبثمن إذا وجد له ثمن عند سواه، والأظهر أن ذلك اختلاف من القول إذا وجد له ثمن عند سواه، ووجه هذا الاختلاف اختلافهم في تأويل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يمنع نقع بئر ولا رهو ماء» فمن حمله على هذا الموضع قال: إنه يقضى له به بغير ثمن، ومن حمله على البئر يكون بين الشريكين يسقي به هذا يوما وهذا يوما فيروي أحدهما حائطه في بعض يومه ويستغني عن الماء بقية يومه أنه ليس له أن يمنعه من شريكه في بقية ذلك اليوم، قال: إنه يقضي له به بالثمن، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، والله أعلم. [: الرحى تكون بين النفر فتنهدم وتخرب فيدعو أحدهم إلى عملها ويأبى ذلك بعضهم] من مسائل سئل عنها عيسى بن دينار وسئل [عيسى] عن الرحى تكون بين النفر فتنهدم وتخرب فيدعو أحدهم إلى عملها ويأبى ذلك بعضهم، قال: يقال لمن

أبى منهم العمل إما أن تعمل معه وإما أن تبيع ممن يعمل معه، يجبر على ذلك، وكذلك قال مالك. قلت: فلو عمل بعضهم فأنفق فلما تمت وطحنت قال الذي لم يعمل: هذا نصف ما أنفقت وأكون على حظي منها، قال: ذلك له ويكون على حظه منها مبنيا. قلت: فلو كان العامل اغتل منها غلة كثيرة قبل رده إليه ما أنفق لمن تكون تلك الغلة؟ قال: قد اختلف في ذلك، فقال محمد بن إبراهيم بن دينار المدني: يكون للعامل منها بقدر ما أنفق وما كان له فيها قبل أن ينفق ويكون للذي لم يعمل بقدر ما كان بقي له من قاعتها وبقية سدها وحجارتها وما كان فيها من صلاح، وأما ابن القاسم فقال لي مرة: الغلة كلها للعامل دون من أبى أن يعمل معه حتى يعطي قيمة ما عمل، وهي بمنزلة البئر يغور ماؤها أو ينهدم منها ناحية فيريد أحد الشريكين العمل ويأبى صاحبه، فيقال لمن أبى أن يعمل: اعمل معه أو بع ممن يعمل، فإن أبى وخلى بينه وبين العمل وحده كان الماء كله للعامل حتى يدفع [إليه] نصيبه من النفقة، فكذلك الرحى، قال عيسى: وبهذا القول رأيت ابن بشير يحكم، ثم قال لي ابن القاسم في الرحى: يحاصه بما اغتل فيما أنفق، ولو كان لم يرد عليه نصف ما أنفق حتى اغتل منها جميع نفقته لرجع هذا في حظه ولم يكن عليه شيء. قال عيسى: والذي آخذ به في ذلك أن تكون الغلة كلها للعامل ويكون عليه للذي لم يبن كراء نصيبه من قاعة الرحى وما كان فيها باقيا من العمل فإن أراد الدخول معه فيما بنى دفع إليه

ما ينوبه من قيمة العمل الذي في الرحى قيمته يوم يدخل معه وليس يوم عمله ولا قدر ما ينوبه من النفقة التي أنفق فيها إلا أن يكون ذلك بحدثانه. قال: وبلغني عن ابن وهب أنه قال في الغلة مثل قول ابن دينار أن يكون للعامل من الغلة بقدر ما أنفق فيها وما كان له منها وللذي لم يعمل بقدر ما كان له من قاعتها وباقي غلتها، وتفسير ذلك أن تقام الرحى غير معمولة وتقام معمولة فإن كانت قيمتها قبل أن تعمل عشرة وقيمتها بعد العمل خمسة عشر كانت ثلث الغلة للعامل وثلثاها بينه وبين شريكه، ويكون على الذي لم يعمل ما ينوبه من أجر العامل في قيامه بعملها، ثم إن أراد الذي لم يعمل أن يدخل مع الذي عمل في الرحى دفع إليه ما ينوبه من قيمة الرحى على قدر حظه منها قيمته يوم يدفع ذلك إليه وليس ما ينوبه من النفقة الأولى ولكن قيمته يوم يدخل معه، وقال يحيى بن يحيى مثله كله في اقتسام الغلة ورد القيمة، وقال: به آخذ، قال: وقد سمعت ابن القاسم يقول غير ذلك. قال محمد بن رشد: قوله في أول هذه المسألة إنه يقال لمن أبى أن يعمل إما أن تعمل معه وإما أن تبيع ممن يعمل معه يجبر على ذلك قد مضى القول عليها مستوفى في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وقول محمد بن إبراهيم بن دينار المدني: إن العامل يكون له من الغلة بقدر ما أنفق وما كان له منها قبل أن ينفق ظاهره أن الغلة تفض على منتهى نفقته وقيمة ما كان له من أصل الرحى وعلى قيمة ما كان للذي

لم يعمل من أصل الرحى بأن ينظر كم نفقته التي أنفق في الرحى وكم قيمة قاعة الرحى على ما كانت عليه قبل النفقة فإن كانت النفقة عشرين وقيمة قاعة الرحى قبل النفقة عشرين كان للعامل ثلاثة أرباع الغلة خلاف التفسير الذي فسر الراوي بقوله بأن تقام الرحى غير معمولة وتقام معمولة فإن كانت قيمتها قبل أن تعمل عشرة وقيمتها بعد العمل خمسة عشر كان للعامل ثلثا الغلة وللذي لم يعمل الثلث إذ لو أراد ذلك لقال: إن العامل يكون له من النفقة بقدر ما زادت نفقته في الرحى وبقدر ما كان له فيها قبل النفقة. وقول عيسى بن دينار إن الذي لم يعمل إن أراد الدخول مع الذي عمل فيما عمل يدفع إليه ما ينوبه من قيمة العمل الذي في الرحى قيمته يوم يدخل معه وليس يوم عمله ولا قدر ما ينوبه من النفقة التي أنفق إلا أن يكون ذلك بحدثانه مفسر لقول ابن القاسم الأول الذي قال فيه: إن الغلة كلها للعامل دون من أبى أن يعمل معه حتى يعطي قيمة ما عمل، ولم يبين إن قام عليه بحدثان ما عمل هل يكون عليه أن يعطيه ما ينوبه من النفقة التي أنفق أو من قيمتها، وفي ذلك قولان قائمان من المدونة: أحدهما أنه ليس له أن يدخل معه إلا أن يعطيه ما ينوبه من مبلغ النفقة التي أنفق، والثاني أنه لا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما ينوبه من قيمة النفقة، إذ قد يغبن في استئجار الأجراء وفيما ابتاع من متاع الرحى، وأما إن أراد الدخول معه بعد أن بلي البنيان فلا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما ينوبه من قيمته على حالته التي هو عليها من البلى قولا واحدا، ووجه العمل في ذلك أن يقال: كم قيمة الرحى اليوم على ما هي عليه من البنيان القديم، وكم كانت تكون قيمتها اليوم لو كان هذا البنيان الذي فيها جديدا فينقص ما بين القيمتين من النفقة التي أنفق أو من قيمتها على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك فما بقي كان عليه ما ينوبه منه، وقد قيل: إن ذلك يرجع إلى أن يكون عليه ما ينوبه مما زادت قيمة الرحى بالبنيان على ما هو عليه بأن تقام خربة وعلى ما هي عليه فيكون عليه ما ينوبه مما بين القيمتين إلا أن يكون ذلك أكثر من قيمة ما أنفق فلا يكون عليه أكثر من قيمة ما أنفق، وكذلك حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف أنه يكون عليه الأقل من قيمة البنيان أو من قيمة ما

أنفق، ولا خلاف في أنه لا يلزمه أن يعطيه أكثر مما أنفق، فليس قول عيسى بن دينار بخلاف لقول ابن القاسم الأول إلا فيما ذكر من أنه يقوم عليه للذي لم يبن كراء نصيبه من قاعة الرحى لأن ابن القاسم لا يرى عليه في ذلك كراء. ووجه قوله أن الرحى مهدومة لا كراء لها، وإنما صار لها كراء ببنيانه فوجب ألا يكون عليه في حظ شريكه كراء، ووجه قول عيسى بن دينار أن الكراء فيها موجود إذا أكريت على أن يبني وقد بناها العامل وانتفع بها، فوجب عليه أن يكون في حصة شريكه الكراء، وهو أظهر، والله أعلم. وقوله في آخر المسألة: وقال يحيى بن يحيى مثله في اقتسام الغلة يريد مثل قول ابن دينار، وقوله: وقد سمعت ابن القاسم يقول غير ذلك يريد أحد قوليه المتقدمين، إما أن تكون الغلة كلها له حتى يأتيه شريكه بما ينوبه من قيمة ما عمل من التفسير الذي ذكرناه، وإما أن يحاصه بما اغتل فيما أنفق، وقد روي عن ابن القاسم في المسألة قول ثالث وقع له في المبسوطة، وهو الفرق بين أن تكون الرحى مهدومة فيبنيها أحد الأشراك أو تكون قائمة فينخرق سدها وتتعطل الرحى بسبب ذلك فيأبى أحد الشريكين أن يصلحه ويصلحه الآخر فقال: إنه يحاص بما أنفق في إصلاح السد بما اغتل بخلاف إذا كانت الرحى مهدمة، فتحصيل الخلاف في هذه المسألة أن فيها ثلاثة أقوال: أحدها أنه يحاص بالنفقة في الغلة كانت الرحى مهدومة أو انخرق سدها، والثاني أنه لا يحاص بالنفقة في الغلة في الوجهين، والثالث الفرق بينهما فإذا قلت: إنه لا يحاص بالنفقة في الغلة ففي حكم الغلة ثلاثة أقوال: أحدها أنها تكون كلها للعامل إلى أن يريد الشريك الدخول معه فيأتيه بما يجب عليه في ذلك على التفسير الذي ذكرناه ولا كراء عليه في حظ شريكه من الرحى، وهو قول ابن القاسم، والثاني أن الغلة تكون للعامل أيضا ويكون عليه كراء حصة شريكه من الرحى وهو قول عيسى بن دينار، والثالث أن الغلة تكون بينهما فيكون للذي لم يعمل منهما بقدر قيمة حظه من الرحى على ما كانت عليه، وللذي

مسألة: يكون له رحى قد خربت فيريد أن يعامل رجلا على عملها ومرمتها

عمل بقدر حظه منها أيضا وبقدر عمله على الاختلاف الذي ذكرناه في تأويل ذلك إلى أن يريد الشريك الدخول معه فيأتيه بالواجب عليه فيما عمل على ما ذكرناه من التفسير في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون له رحى قد خربت فيريد أن يعامل رجلا على عملها ومرمتها] مسألة وسئل عيسى عن الرجل يكون له رحى قد خربت أو منصب رحى فيريد أن يعامل رجلا على عملها ومرمتها ما يجوز في ذلك؟ فقال: يجوز في ذلك أن يقول له: ابن لي رحائي هذه على صفة كذا وكذا، بصخر كذا وكذا [وخشب كذا وكذا] فيصف له جميع بنيانها فإذا تمت فنصفها لي ونصفها لك من أصلها أو ثلثاها لي وثلثها لك من أصلها أو كائن ما كان من الأجزاء، فهذا الجائز، أو يقول: ابن لي رحائي هذه على صفة كذا وكذا أو أنفق فيها كذا وكذا وهي لك [بذلك] كذا وكذا. سنة فيجوز ذلك أيضا، وقال حسين بن عاصم مثل ذلك إلا أنه قال: لا يجوز ذلك إلا في النهر المأمون. قلت: فلو قال له: ابن لي رحائي هذه على صفة كذا وكذا فإذا تمت فغلتها بيني وبينك، أو لك من غلتها يوم وليلة في كل جمعة، فعمل العامل على ذلك واغتلاها زمانا جميعا، ثم تبين لهما أن ذلك لا يصلح، كيف يصحح مثل هذا؟ فقال: يكون للعامل فيه قيمة ما أدخل في الرحى من صخرها وحجارتها وخشبها قيمته يوم أدخله في الرحى، وتكون له أجرته فيما

اشتغل في ذلك وقيمة عمل من عمل في الرحى من الأجراء وغيرهم، وتكون الغلة كلها لرب الرحى، يرد العامل إليه ما وصل إليه منها، إن كان الذي أخذ منها طعاما فمكيلته، وإن كان دنانير أو دراهم فعدتها. وإن كان لا يعرف مكيلة ما أخذ من الطعام غرم قيمة خرص ذلك ولا يغرم مكيلة الخرص، قال: وذلك لأن رب الرحى استأجر العامل على عمل الرحى واشترى منه أداتها بأمر غرر لا يجوز فصار للعامل قيمة ما أدخل في الرحى وأجرة عمله، وصارت الغلة كلها لرب الرحى يرد العامل ما أخذ مما لم يجز له ويعطى ما يجوز له من قيمة عمله بمنزلة ما لو قال له: اعمل لي رحى في هذه فإذا تمت فلك نصف غلة رحائي هذه الأخرى، أو لك يوم من غلتها كل جمعة، أو لك ثمر جناني هذه قبل أن يحل بيعها، فهذا إذا وقع وفات كان له قيمة ما أدخل في الرحى وأجرة عمله لأنه اشترى منه الصخر والحجارة وما أدخل في الرحى من الخشب والأداة واستؤجر على عمله بأمر لا يجوز فهو يعطى ما يجوز ويرد الذي أخذ مما لا يجوز له. قال يحيى: سألت ابن القاسم عن ذلك فقال لي: تكون الغلة كلها للعامل [ويكون عليه كراء قاعة الرحى] ، ويكون له قيمة عمله منقوضا، قال يحيى: والذي آخذ به أن يعطى قيمة عمله قائما تاما. قال محمد بن رشد: لا اختلاف أحفظه في المذهب في أن المعاملة في منصب الرحى على إقامتها وعملها بجزء منها جائز إذا كان العمل موصوفا محدودا، كان النهر مأمونا أو غير مأمون حسبما مضى القول فيه في رسم شهد من سماع عيسى، ولا في أن المعاملة على عملها بغلتها

بعد تمام عملها مدة معلومة جائزة أيضا إذا كان النهر مأمونا على ما قاله حسين بن عاصم ولا في أن المعاملة فيها بجزء من غلتها دون شيء من أصلها لا يجوز كان النهر مأمونا أو غير مأمون، واختلف إذا وقع ذلك فلم يعثر عليه حتى فات بالعمل هل يحكم له بحكم الإجارة الفاسدة أو بحكم الكراء الفاسد إذ لم ينصا في معاملتهما كراء ولا إجارة، ولو نصا فيها كراء أو إجارة لكان الحكم فيها على ما نصاه دون خلاف، فقال عيسى بن دينار: إن الغلة كلها تكون لرب الرحى يرد إليه العامل ما أخذ منها، ويكون له إجارة مثلها فيما عمل وقيمة ما أدخل فيها من الخشب والحجارة والأداة على حكم الإجارة الفاسدة، لأنه رأى البناء على ملك رب الرحى، وروى يحيى عن ابن القاسم أن الغلة كلها تكون للعامل يرد عليه رب الرحى ما أخذ منها، ويكون له على العامل كراء قاعة الرحى على حكم الكراء الفاسد، لأنه رأى البناء على ملك بانيه، واختلاف ابن القاسم ويحيى بن يحيى في قيمة البنيان هل يكون له قائما أو منقوضا وجهه أن ابن القاسم لم يعذر الباني بالجهل بفساد المعاملة فجعله كالباني في ملك غيره بغير شبهة، إذ بنى وهو يعلم أنه متى قيم عليه فسخت المعاملة بينهما وأخرج عن الرحى فلم يوجب له إلا قيمة بنيانه منقوضا، وسواء على هذا عثر عليه بالقرب أو بعد أن طالت المدة، وعذره يحيى بن يحيى بالجهل فأوجب له قيمة بنيانه قائما كمن بنى فيما يظن أنه ملكه فاستحق من يده بقرب ذلك أو بعد أن طالت المدة، وهذا عندي فيمن يشبه أن يجهل ذلك وإلا [يضر] بجهله، وأما العالم الذي لا يشبه أن يجهل ذلك فلا يجب له إلا قيمة بنيانه منقوضا عندهما جميعا، والجاهل الذي لا يشبه أن يعلم ذلك له قيمة بنيانه قائما عندهما جميعا، وقد قيل: إن هذا الاختلاف إنما يصح إذا طالت المدة إلى القدر الذي يرى أن الرجل قد يكتري الرحى على أن يبنيها إلى هذه المدة ثم يخرج عند انقضائها فيأتي قول ابن القاسم على أصله فيمن بنى فيما اكترى بإذن صاحب الدار أنه ليس له إذا خرج إلا قيمة

مسألة: يكون له المنصب يصيد فيه الحيتان فيشكو جيرانه أن ذلك يضرهم

بنيانه منقوضا، ويأتي قول يحيى بن يحيى على رواية المدنيين عن مالك أنه من بنى بوجه شبهة على غير وجه التعدي فله قيمة بنيانه قائما، وأما لو عثر على ذلك بحدثان البنيان لوجب أن يكون له قيمة بنيانه قائما قولا واحدا، والتأويل الأول هو الصحيح في المسألة إن شاء الله، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون له المنصب يصيد فيه الحيتان فيشكو جيرانه أن ذلك يضرهم] مسألة وسئل عيسى عن الرجل يكون له المنصب يصيد فيه الحيتان الأعوام ثم يشكو [جميع] جيرانه أن ذلك يضر بهم، أترى أن يمنع [ذلك] من ضررهم وهو يحتج باستحقاقه ذلك عليهم هذه الأعوام؟ قال: نعم لهم أن يمنعوه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إذ ليس لمن يلي النهر من جانبه أن يختص بالصيد فيما يوازي أرضه دون جماعة الناس ولا أن يعمل مصايد فيها يمنع الحيتان أن تجوزها فقال: إنه إن فعل ذلك فشكا جيرانه بعد مدة أن ذلك يضر بهم يريد في أن الحيتان لا تخلص إليهم كان لهم أن يمنعوه، وذلك كما قال، إذ ليس هذا مما يستحق بالقدم لأنه أمر يتكرر ولا يختص جيرانه بالضرر بذلك دون جماعة الناس، وقال: إن لهم أن يمنعوه من الضرر بهم ولم يبين وجه المنع كيف يكون، ووجه الأمر في ذلك أن ينظر إلى ذلك المنصب فإن كان إذا قلع لم يكن له قيمة كانوا بالخيار بين أن يأمروه بقلعه وبين أن يتركوه فيشتركوا في الصيد معه فيه بالسواء، وإن كانت له قيمة إذا قلع كانوا بالخيار بين أن يعطوه قيمته مقلوعا ويشتركون في الصيد فيه معه وبين أن يأمروه بقلعه، هذا الذي يأتي في هذه المسألة على أصولهم. وقد حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون أن أهل هذه المصايد الذين عملوها يبدأون بالاصطياد

مسألة: بنى رحى جزء منها في أرض جاره على أن يطحن له طعامه

فيها، فإذا نالوا حاجتهم خلوا بين الناس وبينها يصطادون فيها وبها، وذلك عندي إذا اتفقوا على أن يقروها ولا يقلعوها وتشاحوا في الصيد فيها فأراد أربابها أن ينفردوا بالصيد فيها دون جماعة الناس، وأراد جماعة الناس أن يكونوا معهم شرعا واحدا. وأما إن أراد جماعة الناس أن يجبروهم على القلع فذلك لهم، وإن أرادوا هم أن يقلعوا مصايدهم فذلك لهم إلا أن يعطوهم قيمتها مقلوعة، وهذا بين إذا كانوا عملوا المصايد في موضع لا شبهة لهم في عمله فيه، وأما إن كانوا عملوها من النهر في موضع يليه أرضهم من الناحيتين فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما أنهم لا يعذرون بالجهل [في ذلك] ، ويكون الحكم فيه على ما تقدم، والثاني أنهم يعذرون بالجهل في ذلك ولا يكون للناس أن يأخذوها منهم بقيمتها مقلوعة إلا بعد أن يستغلوا منها قيمة نفقتهم فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: بنى رحى جزء منها في أرض جاره على أن يطحن له طعامه] مسألة وسئل عن رجل ابتنى رحى فأخرج طرف سده في أرض جاره على أن يطحن طعامه فيها في كل شهر مديا فقال: هذا جائز. قلت له: أرأيت إن لم يوقت الطعام؟ قال: لا يجوز، قيل له: فإذا وقع؟ قال: يعطى صاحب الأرض قيمة ما ترك له من نصف الماء وإخراج السد في أرضه ويكون عليه لصاحب الرحى أجرة ما طحن له على هذا الشرط إذا كان إنما تركه يبني ويخرج سده في

أرضه على أن يطحن له ولولا ذلك لمنعه من ذلك ولسأل أن يقاسمه الماء لأن له نصفه وللعامل نصفه. قيل له: أرأيت لو باع صاحب الرحى رحاه قبل أن يفسخ هذا الشرط واشترط على المشتري أن يحمل شرط صاحب الأرض أو علم المشتري بذلك فاشترى ولم يشترط عليه لعلمه بذلك؟ قال: إذن فسخ شراؤه ويكون العمل بين مبتني الرحى وصاحب الأرض على ما فسرت لك إلا أن تفوت الرحى فتلزمه القيمة. قلت: فلو لم يعلم المشتري بذلك ولم يشترطه؟ قال: إذن يكون البيع جائزا ويكون العمل بين المبتني وصاحب الأرض في ذلك كله كما فسرت لك. قال محمد بن رشد: قوله في الذي أخرج طرف سد رحاه في أرض جاره على أن يطحن له فيها طعامه كل شهر مديا إن ذلك جائز معناه إذا ضرب لذلك أجلا لأنه إذا لم يضرب لذلك أجلا لم يجز لأنه مجهول، ويدخل في ذلك اختلاف بالمعنى على ما سنذكره، وأما إذا لم يوقت ما يطحن له من الطعام في كل شهر ففي ذلك اختلاف بالمعنى يجوز على ما حكاه ابن حبيب عن مالك وأصحابه من أنه يجوز أن يواجب الرجل صاحب الحمام على ما احتاج إليه هو وعياله من النورة ودخول الحمام سنة، وأن يواجب الخياط على خياطة ما احتاج إليه هو وأهله من الثياب سنة، وأن يواجب الفران على طبخ ما احتاج إليه هو وأهله من الخبز سنة، أو على طحين ما يحتاج إليه هو وأهله سنة إذا عرف الفران والخياط والطحان وصاحب الحمام ناحية عياله وما يحتاجون إليه مما عولوا عليه، ولا يجوز على مذهب ابن القاسم في المدونة في أنه لا يجوز شيء من ذلك

إلا أن يشترط منه أمرا معروفا، فقول عيسى بن دينار في هذه المسألة على قياس قول ابن القاسم في المدونة؛ لأن معنى قوله فيها على أن يطحن له فيها طعامه أو ما يحتاج إليه لنفقته ونفقة عياله، فإذا وقع ذلك على الجهل في أحد الطرفين أو في كليهما على مذهبه وقياس ما في المدونة فهو عقد فاسد يجب فسخه إلا أن يفوت فيصحح بالقيمة، وفواته يكون بإنفاذ السد إلى أرضه فلذلك قال: إنه يعطى صاحب الأرض قيمة ما ترك له من نصف الماء وإخراج السد في أرضه ويكون له على صاحب الرحى أجرة ما طحن له على هذا الشرط؛ لأن هذا هو وجه تصحيح عقدهما بالقيمة لفواته، فإذا باع صاحب الرحى رحاه قبل أن يفسخ الشرط واشترط على المشتري ما كان اشترط عليه صاحب الأرض أو علم بذلك المشتري ودخل عليه كان بيعا فاسدا، فإن فات بما يفوت به البيع الفاسد صحح بالقيمة وصحح ما كان انعقد بين البائع وصاحب الأرض بالقيمة أيضا على ما تقدم، وإن لم يفت رد وكان العمل بين البائع وصاحب الأرض على ما تقدم، وإن لم يعلم المشتري بذلك ولا شرط عليه حمل الشرط كان البيع جائزا وكان العمل بين صاحب الرحى وصاحب الأرض على ما تقدم، فالمسألة كلها صحيحة بينة لا إشكال فيها. وقد اختلف في المعاملة على هذا فقيل: إنها بمعنى الارتفاق ولا يكون الثمن في ذلك إلا معلوما، فإن انهدم السد كان صاحب الرحى بالخيار بين أن يعيده أو يترك إعادته فيرجع موضعه من الأرض إلى ربه وقد وجب له الثمن المسمى على كل حال يستوفي بقيته منه إن كان لم يستوفه، وهو قول ابن الماجشون، والقياس على هذا القول أن يجوز إخراج طرف سد رحاه في أرض جاره على أن يطحن له فيها كل شهر مديا أو ما يحتاج إليه على القول بأنه لا يحتاج إلى توقيت الطعام إذا عرف ناحية عياله ما كانت الرحى قائمة طاحنة من غير أن يضرب لذلك أجلا، وقيل: إنها بمعنى البيع في جميع وجوهه فيكون موضع السد من الأرض لصاحب الرحى بما سمى له من الثمن على كل حال لا يرجع إلى صاحبه على حال، وهو قول مطرف وأصبغ، فعلى هذا القول لا بد من تسمية الأجل على كل حال لا يدخل في ذلك اختلاف، وبالله التوفيق.

مسألة: ليس لمن له إحدى ضفتي النهر أن يبني فيها رحى إلا بإذن الآخر

[مسألة: ليس لمن له إحدى ضفتي النهر أن يبني فيها رحى إلا بإذن الآخر] مسألة وسئل عيسى عن رجل ابتنى رحى فأخرج طرف سده في أرض قوم فجعل لهم أياما معلومة من الشهر في الرحى على أن أسلموا له إخراج طرف سده في أرضهم، فقال: إن كان جعلهم شركاء في الرحى بعد أن تتم بقدر تلك الأيام من الشهر وشرطوا للرجل عملا موصوفا ثم يكونون فيه شركاء [من الغلة] ثم يكون عليهم من إصلاحها إذا خربت والقيام بها مثل ما لهم منها من تلك الأيام فذلك جائز، وإن كان إنما لهم غلتها تلك الأيام فقط ولا شيء لهم من أصل الرحى فلا خير فيه، فإذا فات ذلك بإخراج السد فيه فلهم قيمة أرضهم وعليهم أن يردوا ما أخذوا من الغلة. قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قال، إذ ليس لمن له إحدى ضفتي النهر أن يبني فيها رحى وينفذ سده إلى برية غيره الذي له الضفة الأخرى إلا بإذنه ورضاه، فإذا أذن له في ذلك على أن يكون له شرك في أصل الرحى بجزء من الأجزاء يتفقان عليه من نصف، أو ثلث أو ربع أو أقل أو أكثر فذلك جائز إذا تواصفا بنيان الرحى لأنه قد باع منه نصف الماء وموضع إخراج السد في أرضه بالجزء من أصل الرحى مبنية فلا بد أن يكون البناء موصوفا معلوما، ولا يجوز أن يأذن له في ذلك على أن يكون له أيام من الشهر من غلتها دون أن يكون له مقدار ذلك من أصلها لأنه غرر، وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر» ، وقد مضى القول في المسألة التي قبلها إذا أذن له في ذلك على أن يطحن له فيها كل شهر كذا وكذا فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم وذلك يضر برحى الأسفلين

[مسألة: أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم وذلك يضر برحى الأسفلين] مسألة وسئل عيسى عن ساقية بين قوم أعلين وأسفلين، فللأعلين نصفها يسقون بها يومين ثم يسرحون ذلك الماء إلى الأسفلين فيسقون بها يومين، فهذا فعلهم ما احتاجوا إلى السقي، فإن استغنوا سرحوا الماء إلى الأسفلين حتى يقع في النهر الأعظم فأنشأ الأسفلون على الساقية رحى فطحنت زمانا في غير أيام السقي، ثم أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم وذلك يضر برحى الأسفلين فأرادوا دفعهم وادعوا بأنهم سبقوهم إلى العمل، فقال: إن كان أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم أنشأوها إن أحبوا ثم اقتسموا الماء كله كما كانوا يقتسمون يومين يومين، فإذا كان يوم الأعلين طحنوا فيها وسقوا وصنعوا بمائهم ما شاءوا ثم أرسلوا على الأسفلين فطحنوا في يوميهم أيضا وسقوا وصنعوا ما شاؤوا، قال: وإن أراد الأعلون أو الأسفلون قسمة الساقية بنصفين وكره ذلك الآخرون لم يكن لهم أن يقتسموها إلا باجتماعهم لأن في ذلك ضررا عليهم لأنه يصير عليهم ما كانوا يسقون به في يومين لا يسقون به إلا في أربعة فيكثر عناؤهم ويضر ذلك بهم. قال الإمام القاضي: المعنى في هذه المسألة أن الأعلين أرادوا أن يعملوا على ذلك الماء رحى في حقهم وأرضهم على غير الساقية التي يمر عليها الماء إلى الأسفلين أو عليها بعينها على صفة لا يمكن الأسفلين السقي ولا الطحن بما يصل إليهم من الماء حتى يغلقوا رحاهم ويردوا الماء على ساقيته القديمة أو على حالته الأولى أو يمكنهم ذلك بنقص يدخل عليهم فيه، ولهذا قال: إن الأسفلين إذا سبقوا إلى العمل كان للأعلين أن يعملوا فيقتسموا الماء على ما كانوا يقتسمونه عليه، فإذا كان يوم سقيهم صنعوا بمائهم ما شاؤوا من سقي أو طحن، إذا كان يوم الأسفلين عقلوا رحاهم وصرفوا الماء على ساقيته أو حالته إلى الأسفلين فصنعوا به ما شاؤوا

[أيضا] من سقي أو طحن لأن الضرر يرتفع عن الأسفلين بهذا في حقوقهم، ولو لم يرتفع الضرر به عنهم في حقهم لمنعوا من إنشاء الرحى جملة، ولو أراد الأعلون أن ينشئوا في حقهم رحى على هذه الصفة فيطحنوا فيها أيام سقيهم وأيام استغناء الأسفلين عن السقي ابتداء قبل أن ينشئ الأسفلون رحى في أرضهم لكان ذلك لهم على قياس هذه الرواية، ولم يكن ذلك لهم على ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ قالوا: إن الأشياء تتقادم والعلم يدرس فيصير ذلك استحقاقا لهم على الأسفلين وحقا لهم دونهم ولا حجة للأعلين على الأسفلين في إنشاء رحى على ذلك الماء في حقهم بحال؛ لأنهم لا يملكون من الماء ومن استحقاقه إلا ما يأتيهم من الأعلين من شرب يومهم، وهذه المسألة لا تخلو من سبعة أوجه: أحدها أن يكون كل واحد منهما من الأعلى والأسفل إن أنشأ رحى [على الساقية] في حقه طحنا جميعا معا في غير أيام السقي ولم يضر أحدهما بصاحبه في نقص طحن ولا غير ذلك، فهذا لمن شاء منهما أن ينشئ رحى في حقه فيطحن فيها في غير أيام السقي ولا كلام لصاحبه كان الأعلى أو الأسفل لأنه يقدر أن ينشئ رحى في حقه متى شاء فيطحنا جميعا من غير أن يضر أحدهما بصاحبه، والثاني أن يكون كل واحد منهما من الأعلى والأسفل إن أنشأ رحى في حقه لم يمكن صاحبه أن ينشئ رحى في حقه فيمكنه الطحن فيها إلا بهدم الرحى الأولى، فهذا ليس لأحدهما أن ينشئ رحى في حقه إلا بإذن صاحبه ورضاه، فإن بدر وبنى كان لصاحبه أن يهدمها عليه إلا أن يتراضيا على شيء يجوز بينهما، والثالث أن يكون كل واحد منهما من الأعلى والأسفل إن أنشأ رحى في حقه لم يمكن صاحبه أن ينشئ رحى في حقه فيمكنه الطحن فيها إلا بقطع الماء عن الرحى الأولى وتبطيل الطحن فيها فهذا لمن شاء منهما أن

مسألة: نهر إلى جانب قرية يبس من ناحية من نواحيه شيء حتى صار أريضا يعتمل

ينشئ رحى في حقه فيطحن فيها في غير أيام السقي ما لم ينشئ صاحبه رحى في حقه، فإن أنشأ رحى في حقه اقتسما الماء على حقهما يومين يومين أو أقل أو أكثر فيطحن كل واحد منهما في حقه ثم يقطع الماء عن رحاه ويعطلها حتى يطحن صاحبه في حقه هكذا أبدا، والرابع أن يكون إن أنشأ الأعلى رحى في حقه أضر ذلك برحى الأسفل إلا أن يقطع الماء عن رحاه ويعطلها، وإن أنشأ الأسفل رحى في حقه لم يضر ذلك بالأعلى، فهذا هو الوجه الذي تكلم عليه عيسى بن دينار في هذه الرواية، وقد مضى القول عليه، والخامس عكس هذا الوجه الرابع، وهو إن أنشأ الأعلى رحى في حقه لم يضر ذلك بالأسفل، وإن أنشأ الأسفل رحى في حقه أضر ذلك بالأعلى إلا أن يقطع الماء عن رحاه ويعطلها، والجواب فيه عكس الجواب في الوجه الرابع إلا أنه لا يدخل فيه قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ، والسادس أن يكون إن أحدث الأعلى في حقه رحى لم يمكن الأسفل أن يحدث في حقه رحى فيمكنه الطحن فيها إلا بعد هدم رحى الأعلى، وإن أحدث الأسفل في حقه رحى لم يضر ذلك بالأعلى، فهذا ليس للأعلى أن يحدث في حقه رحى ابتداء، ولا بعد أن أحدث الأسفل إلا بإذنه ورضاه، وللأسفل أن يحدث في حقه رحى يطحن فيها في غير أيام السقي ولا كلام للأعلى في ذلك، والسابع عكس هذا الوجه السادس، وهو إن أحدث الأعلى رحى في حقه لم يضر ذلك بالأسفل، وإن أحدث الأسفل في حقه رحى لم يمكن الأعلى أن يحدث في حقه رحى فينتفع بالطحن فيها، والجواب فيه عكس الجواب في الوجه السادس ليس للأسفل أن يحدث في حقه رحى ابتداء ولا بعد إحداث الأعلى، وللأعلى أن يحدث في حقه رحى فيطحن فيها في غير أيام السقي ولا كلام للأسفل في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: نهر إلى جانب قرية يبس من ناحية من نواحيه شيء حتى صار أريضا يعتمل] مسألة وسئل عن نهر إلى جانب قرية يبس من ناحية من نواحيه

شيء حتى صار أريضا يعتمل لمن يكون ذلك؟ قال لصاحب الأرض الذي يلي النهر من الناحية التي يبست إن كانت تلك الأرض لرجل، وإن كانت بور القوم فهي بسبيل البور، قال: ولو كان النهر مال إلى ناحية عن مجراه فصار مجراه في أرض لرجل كان يليه بأرضه فإن الأرض التي انكشف عنها الماء بين الرجلين اللذين كانا يليان النهر بأرضيهما من جانبيه قال سحنون: أرى مجرى النهر مواتا لا يكون لمن يليه بأرضه إلا بقطيعة من الإمام القاضي. قال محمد بن رشد: المعنى في قول عيسى بن دينار أنه حكم بموضع النهر لمن كان يليه من جانبيه لما كان الماء من حقهما أن ينشئا عليه رحى دون غيرهما، فإذا يبس شيء من ناحية من نواحيه حتى صار أرضا يعتمل فهو لمن كان يليه بأرضه من تلك الناحية ما بينه وبين النصف، فإن يبس منه أكثر من النصف كان ما زاد على النصف لمن يلي النهر من الجهة الأخرى كما أنه إذا مال عن مجراه يكون الموضع الذي مال عنه بين الرجلين اللذين كانا يليانه بأرضيهما ويكون للذي صار النهر في أرضه أن ينشئ عليه رحى دون غيره، وهو مذهب ابن الماجشون، حكى ذلك ابن حبيب عنه، وحكي عن مطرف وأصبغ مثل قول سحنون أن مجرى النهر موات لا يكون لأحد إلا بقطيعة من الإمام القاضي يبست ناحية منه أو يبس النهر كله أو تحول عن مجراه إلى مجرى آخر، قال: لأن الأنهار التي لم ينشئها الناس ليست ملكا لأحد، وإنما هي طريق للمسلمين فمواضعها فيء لجميع

مسألة: يبيع الرجل خصب أرضه

المسلمين لا يستحقها من كان يلي النهر من جهته بمالهما من الحق في إنشاء الأرحاء عليها، وبالله التوفيق. [مسألة: يبيع الرجل خصب أرضه] مسألة وسئل عيسى عن قول مالك: إذا كانت لرجل أرض فلا بأس أن يمنع كلأها إذا احتاج إليه، وإلا فليخل بين الناس وبينه، وعن قوله: لا بأس أن يبيع الرجل خصب أرضه عامه ذلك ولا يبيعه عامين ولا ثلاثة، وذلك أن يبلغ مرعاه. قلت: أي خصب هذا الذي أجاز له بيعه؟ وأي خصب الذي أمره إذا لم يحتج إليه أن يخلي بين الناس وبينه؟ فقال: أما الخصب الذي يجوز له بيعه ومنع الناس منه احتاج إليه أو لم يحتج فمروجه وحماه، وأما الذي لا يجوز له منعه الناس إلا إذا احتاج إليه فما سوى المروج والحمى من خصب فدادينه وفحوص أرضه وما أشبهها، فإنه لا يجوز له منعها إذا لم يحتج إليه، ويجبر على أن يخلي بين الناس وبينه إلا أن يكون عليه في تخلص الناس إليه بمواشيهم ودوابهم مضرة مثل أن يكون له الفدان فيه الخصب وحواليه زرع فإن أرادوا التخلص إليه بالمواشي أضر ذلك بزرعه الذي حواليه، فهذا وما أشبهه يكون له منعه، وإن لم يحتج إلى ذلك الخصب ولا يجبر على أن يخلي بين الناس وبينه لما عليه في ذلك من المضرة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في

مسألة: أصول المياه لا تستحق بالانتفاع بها

رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادة شيء منه، وبالله التوفيق. [مسألة: أصول المياه لا تستحق بالانتفاع بها] مسألة وكتب إلى عيسى في رجل يقال له مغيرة ابتاع من رجل ماء ملاصقا لأرض رجل يقال له حارث، وكان الماء في داخل بور ابتاعه مغيرة، فقطع عنه الشجر وغرس عليه الثمار حتى أطعمت منذ عشرين سنة أو نحوها وأغلق عليها بحائط، ثم إن حارثا قام عليه يدعي أنه كان منتفعا بذلك الماء قبل إغلاق مغيرة عليه، وشهدت له بذلك بينة، قال فكتب إليه: نرى أن لا حق لحارث فيما قام به على مغيرة، وأن الحق لمغيرة، ولو كان أيضا أصل الماء لحارث خالصا دون مغيرة فأغلق عليه مغيرة بحائط وغرس عليه الثمار واحتازه وما حوله بالعمل والعمران وحارث شاهد ذلك حتى أتى عليه نحو الذي ذكرت من السنين لكان مغيرة أحق به إذا ادعاه ملكا لنفسه وأبطلت دعوى حارث فيه، فكيف والماء في داخل البور الذي ابتاعه مغيرة؟ وإنما ثبت لحارث أنه كان منتفعا به قبلما أغلق عليه مغيرة، وليس تستحق مياه الفلوات بالانتفاع بها دون استحقاق أهلها، وقد ترد الماشية مياه غير أهلها وترعى مرعى غير أهلها فيريد أهل الماشية أن يستحقوا ذلك بورود ماشيتهم عليه ورعيها فيه، أفيكون ذلك لهم؟ لا يكون ذلك لهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة، قوله فيها إنه لا يستحق حارث أصل الماء الذي في الحائط الذي ابتاعه مغيرة بما شهد له به

: أعطاه موضعا يعمل له فيه رحى على جزء من غلتها

بأنه كان منتفعا به قبل أن يغلق عليه مغيرة بحائط صحيح، لأن أصول المياه لا تستحق بالانتفاع بها، إذ من حق من قرب منها أن ينتفع بما فضل منها بلا ثمن إن لم يجد [له] صاحبه ثمنا باتفاق، وإن وجد فعلى اختلاف. وقوله: ولو كان أصل الماء لحارث فأغلق عليه مغيرة وغرس عليه واحتازه حتى أتى عليه من السنن ما ذكرت لكان مغيرة أحق به إذا ادعاه ملكا لنفسه، معناه إذا ادعاه ملكا لنفسه بأن يقول: اشترته منه أو وهبه لي أو تصدق به علي، أو يقول: ورثته عن أبي أو عن فلان لا أدري بأي وجه تصير إلى الذي ورثته عنه، وأما مجرد دعوى الملك دون أن يدعي شيئا من هذا فلا ينتفع به مع الحيازة إذا ثبت أصل الملك لغيره، وبالله التوفيق. [: أعطاه موضعا يعمل له فيه رحى على جزء من غلتها] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل كان له موضع رحى فأعطاه رجلا يعمل فيه رحى على أن يكون للعامل من غلتها غلة يوم وليلة كل جمعة، فعمل الرجل على ذلك وأقام على تلك الحال نحوا من ثلاثين سنة، ثم تبين لهم أن ذلك لا يصلح، كيف يصحح مثل هذا؟ قال ابن القاسم: تكون الغلة كلها للعامل، ويغرم له صاحب الأرض كل ما أخذ من غلتها إن كان أخذ طعاما فمكيلة ما أخذ، وإن كان أخذ دنانير أو دراهم غرم ذلك كله، وإن كان لا يعرف مكيلة ما أخذ من الطعام غرم قيمة خرص

ذلك كله، ولا يغرم مكيلة الخرص، قال: ويغرم العامل لصاحب الأرض كراء ذلك الموضع لجميع السنين التي انتفع بها فيها. قلت: وكيف يكون كراؤها؟ وإنما يؤخذ الكراء منه اليوم، أترى أن يقوم كراؤه على أن مستكريه أنظر بالكراء ثلاثين سنة؟ فقال: إنما الذي وقع اليوم حكم من الأحكام، ولم يكن فيما مضى كراء مؤخرا فيكون على ما ذكرت، ولكن يقوم الكراء عاما بعام على قدر رغبة الناس فيه أو زهادتهم على حال النقد وبما كان يكري به مثله عاما بعام. قلت: ويصنع بالنقض ماذا؟ قال: يقال لصاحب الأصل إن شئت فاقلع نقضه يرفعه عنك، وإن شئت فأعطه. قيمته مقلوعا وتكون الرحى لك، قال يحيى: لا آخذ بهذا، ولكن يعطى قيمته قائما. قلت: فإن قال: لم أقلع نقضي وإنما وضعته على أمر كنت أراه جائزا بيني وبينك، ولم أغصب ولم أظلم، بل تكون لي قيمته صحيحا، قال: ليس ذلك كذلك، وليس له إلا أن يقلعه أو بأخذ قيمته مقلوعا إن رضي بذلك صاحب الأصل، ولا يجبر على غرم قيمته مقلوعا إلا أن يشاء. قلت: فإن كان للعامل في الموضع شرك فأحب أن يقر عمله ويأخذ الغلة كلها حتى يرد عليه قيمة العمل أيكون له أن يقر ذلك ويغتل الرحى؟ أم يجبر على القلع؟ قال: إن كان الموضع ينقسم قيل له: قاسم صاحبك وأقر عملك في حظك واقلع ما صار في حظ شريكك، وإن لم ينقسم قيل لهما: إن اتفقتما على العمل وإلا أجبر صاحبك على البيع ممن يعمل معك إن كره العمل إذا

لم ينقسم، فإذا باع ممن يعمل معك وأراد هو العمل غرم لك قيمة ما يصير عليه في حظه من نقضك مقلوعا، ولا يغرم قيمته صحيحا، ويكونان شريكين في الموضع والعمل على قدر حقوقهما في الأصل، بهذا يؤمر الشريك إذا أراد العمل، أو المشتري إذا باع الشريك فكره العمل، قال يحيى: لا نأخذ بهذا القول، ولا أرى أن يباع عليه، قال سحنون: إنما جوز هذا البيع لحال الضرر إذا كان البائع لا مال له، ولو كان له مال لما جاز بيعه ممن يبنيه باشتراط ولكان بيعا مكروها لا يجوز، ولكن يجبر على العمل على ما أحب أو كره، وكذلك الجارية يأذن لها سيدها بالإحرام فتحرم ثم يطؤها إن عليه أن يحجها، فإن قام عليه الغرماء وفلسوه باعوها وجاز ذلك بحال الضرر ممن يحجها وحط بذلك عن المشتري، فكل ما ضارع هذا الأصل مما يشبهه فإنما جاز بيعه بحال الضرورة، وكذلك البئر تكون بين الرجلين وعليها لقوم حياة فانهارت فإن من أبى يجبر على البيع أو العمل، وكذلك مسألة الأمة لها الولد الصغير يعتق السيد أحدهما أنه لا يجوز له بيع الرقيق منهما إلا من فلس أو ضرر فحينئذ يكون ما قال ابن القاسم تباع ويشترط على المبتاع ألا يفرق بينه وبين أمه، وهذه مثالها في كتبك كثير مما لا يجوز بيعه إلا على الفلس والضرر وبيع السلطان. قال محمد بن رشد: قد تقدمت رواية يحيى هذه في نوازل عيسى بن دينار مختصرة، وتكلمنا هناك على بعض وجوهها، ووقعت ههنا بكمالها، فنتكلم على ما بقي من وجوهها إن شاء الله. قوله في أول المسألة: وإن كان لا يعرف مكيلة ما أخذ من الطعام غرم قيمة خرص ذلك كله، ولا يغرم مكيلة الخرص معناه إذا لم يدع واحد منهما معرفة ذلك، وأما إن

ادعيا جميعا معرفته واختلفا فيه فالقول قول الغارم العامل، فإن نكل عن اليمين حلف صاحب الأصل وأخذ ما ادعى، وإن ادعى أحدهما معرفة مبلغ ذلك وقال الآخر: لا أدري فالقول قول من ادعى المعرفة منهما، قيل: مع يمينه، وقيل: بغير يمين على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، وإنما قال: إذا جهلا ذلك أنه لا يغرم مكيلة الخرص وإنما يغرم قيمته؛ لأنه إن أخذ مكيلة الخرص من الطعام دخلت المزابنة، إذ لا يدري هل أخذ أقل من حقه من الطعام أو أكثر، فيدخله التفاضل في الصنف الواحد من الطعام مع الغرر والمزابنة، ولو أخذ منه على غير خرص دق الطعام ما لا يشك أنه أقل مما اغتل أو أكثر لجاز ذلك لأنه هبة من أحدهما لصاحبه، وكذلك إذا كان الذي اغتلا دراهم لا يعرفان مبلغها أو دنانير لا يعرفان مبلغها الواجب فيه أن يتحرى مبلغ الدنانير فيأخذ منه دراهم فيها نقدا قبل افتراقهما، وأن يتحرى أيضا مبلغ الدراهم إن كان الذي اغتل دراهم، فيأخذ منه فيها دنانير نقدا قبل افتراقهما بصرف يومهما أو بما يتفقان عليه من الصرف، ولا يجوز أن يأخذ من الدنانير ما تحريت به الدنانير ولا من الدراهم ما تحريت به الدراهم للعلة التي ذكرناها في الطعام إلا أن يأخذ عددا لا يشك أنه أقل من حقه أو أكثر على قياس ما ذكرناه في الطعام، وقال: إن العامل يغرم لصاحب الأصل كراء ذلك الموضع لجميع السنين التي انتفع بها فيها، ولم يبين من أي يوم، ويتخرج ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها أن الكراء يكون عليه من يوم وقعت المعاملة بينهما، والثاني أن الكراء يكون عليه من يوم شرع في البنيان، والثالث أن الكراء إنما يكون عليه من يوم اغتل على الاختلاف في هذا النوع من الفساد في المغارسة. وقوله: إن الكراء إنما يقدر بالنقد عاما بعام صحيح لا إشكال فيه، لأن ما فات من البيع الفاسد إنما يصحح بالقيمة نقدا يوم الفوات وإن تأخر الحكم عن ذلك، وقد مضى في نوازل عيسى بن دينار توجيه اختلاف ابن القاسم ويحيى بن يحيى في النقض هل يكون للعامل قيمته قائما أو منقوضا، فلا معنى لإعادته، وإنما يكون له قيمته قائما عند يحيى على ما هو عليه من البلى، يوم الحكم لا يوم عمله، وقد مضى بيان ذلك والقول فيه في أول النوازل المذكورة، وقد

ذكرنا هناك في ذلك تأويلين: أحدهما أن يحط من نفقته قدر ما بين قيمة البناء جديدا أو باليا، والثاني أن ذلك يرجع إلى أن يكون له في ذلك ما زاد بنيانه في قيمة الرحى على ما هو عليه من البلى، وهذا التأويل أظهر في هذه المسألة، والتأويل الأول أظهر في مسألة النوازل المذكورة، ولم يأت ابن القاسم بحجة فيما اعترض به عليه يحيى بن يحيى بقوله: فإن قال لم أقلع نقضي، وإنما وضعته على أمر كنت أراه جائزا بيني وبينك ولم أغصب ولم أظلم، بل تكون قيمته لي صحيحا إلى قوله: ليس ذلك كذلك، وقد مضى القول على ذلك مستوفى في النوازل المذكورة فلا معنى لإعادته، وسأله إن كان للعامل في الموضع شرك هل يكون من حقه أن يقر عمله وتكون له الغلة حتى يأتيه شريكه بما يجب عليه من قيمة العمل أم لا؟ فلم يعطه في ذلك جوابا بينا، والجواب أن ذلك ليس له عنده، وإنما الواجب في ذلك على مذهبه في أنه ليس للعامل إلا قيمة عمله منقوضا أن يقسم إن كان ينقسم فيقر ما صار من عمله في حظه، ويقلع ما صار منه في حظ شريكه إلا أن يشاء شريكه أن يأخذه بقيمته مقلوعا، وإن كان لا ينقسم أجبر الشريك أن يعطيه قيمة حظه من العمل منقوضا ولم يكن له أن يأمره بقلعه، إذ لا ينقسم، فإن لم يكن له مال بيع عليه في ذلك حظه من الرحى قائما، ولا يجوز أن يبيع حظه من أصل الرحى على أن يؤدي المشتري إلى الشريك العامل قيمة حظ البائع منه من النقض منقوضا لأنه غرر إلا أن يكون ذلك بعد معرفتهما بالقيمة، ويختلف إذا أدى الشريك إلى العامل قيمة حظه من العمل منقوضا وأبى أن يعمل معه فيما يستقبل على ثلاثة أقوال: أحدها أن يقال له: إما أن تعمل معه وإما أن تبيع ممن يعمل معه بشرط، فإن أبى من الوجهين جميعا فقيل: إنه يجبر على أن يعمل معه إن كان له مال إلا أن يبيع حظه بغير شرط فيقال للمبتاع ما قيل للبائع، وقيل: إنه يجبر على أن يبيع ممن يعمل معه، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وإن لم يكن له مال أجبر على بيع حظه ممن يعمل معه بشرط ألا يبذر فيبيعه بغير شرط قبل أن يباع عليه بالشرط فيقال للمبتاع ما قيل للبائع، وهذا على القول بأن البيع على هذا الشرط جائز، وهو مذهب ما في المدونة وقول ابن القاسم

مسألة: قرية بها غامر فأراد أهلها أن ينتفعوا بحرثه كيف يقسم بينهم

في هذه الرواية، والقول الثاني أن البيع على هذا الشرط لا يجوز، ويجبر على العمل معه إن كان له مال، وإن لم يكن له مال بيع عليه من حظه بقدر ما يلزمه من العمل فيما بقي من حظه بعد ما بيع عليه منه، وهو قول مالك في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الأقضية، والقول الثالث: الفرق بين أن يكون له مال أو لا يكون، فإن كان له مال لم يمكن من بيع حظه على هذا الشرط وأجبر على العمل معه، وإن لم يكن له مال مكن من ذلك، وهو قول سحنون إن البيع على هذا الشرط لا يجوز إلا على حال الضرورة، وهو قول يحيى: لا آخذ بهذا القول ولا أرى أن يباع عليه معناه لا آخذ بأن القيمة تكون في ذلك منقوضة على ما تقدم من مذهبه ولا بأن يكون الحكم في ذلك حكم من استحق من يده ما بناه بشبهة فيكون من حقه إذا أبى أن يعطيه قيمة بنيانه قائما أن يعطيه قيمة الأصل، فإن أبى كانا شريكين فيه لأن ذلك يؤول إلى أن يباع على صاحب الأصل أصله وأن يباع عليه هو بنيانه، وإنما الذي يكون من حقه للشريك الذي له في الموضع أن يقر عمله فيه وتكون له الغلة حتى يأتيه شريكه بما يجب عليه من قيمة العمل، ويحتمل أن يريد بقوله: ولا أرى أن يباع عليه إلا أن يكون من حقه إذا أبى شريكه أن يعطيه قيمة بنيانه قائما أن يعطيه هو قيمة الأصل ويكونا فيه شريكين، إذ قد قيل ذلك في حكم الاستحقاق، وهذا التأويل أصح من جهة المعنى، لأن الفسخ من جهة الفساد شبيه بالاستحقاق، والتأويل الأول أظهر من جهة اللفظ، وبالله التوفيق. [مسألة: قرية بها غامر فأراد أهلها أن ينتفعوا بحرثه كيف يقسم بينهم] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن قوم سكنوا قرية لبعضهم فيها أكثر من بعض، وللقرية غامر، فأرادوا أن

يخترقوه وينتفعوا بحرثه كيف يقسم بينهم؟ أعلى قدر مالهم من أصل سهام القرية؟ أم على قدر ما في أيديهم اليوم منها؟ أم على عددهم؟ وعسى أن يكون في القرية من ليس بيده منها إلا مسكنه أو الشيء القليل منها، فقال: إن ادعوا الغامر لأصل القرية وبذلك يجاورون جيرانهم من أهل القرى قسم الغامر على أصل سهام القرية على قدر ما لهم في أصل ذلك، ومن لم يكن له من أصل سهام القرية شيء بميراث ولا باشتراء سهم ولا عطية سهم وإنما اشترى أو أعطي حقولا بأعيانها أو حوزا من الأرض بعينه أو دارا أو مقصلة أو ما أشبه هذا مما يشترى بعينه ليس ما اشترى سهما من السهام يجاري به في القسمة أهل الميراث فلا حق لهؤلاء في الغامر وهو يقسم على كل ذي سهم من أهل الميراث، ومن اشترى أو أعطي شيئا مشاعا فهو يكون به قسيما على قدر سهامهم، قال: وإن ادعوا الغامر أجمعون لأنفسهم وفيهم وارث وغير وارث ومشتري سهم ومعطاه ومشتري غير سهم فتداعوا فيه كلهم فقال كل واحد الغامر لي دونكم فإنه يقسم على أهل القرية كلهم إذا تداعوا فيه أجمعون على عددهم كالشيء الذي يتداعى فيه رجلان فلا يستحقه واحد منهما دون صاحبه، فيقسم بينهما بعد أن يحلفا جميعا على ما ادعياه فيه. قلت له: فالغامر يكون بين عمران قريتين مثل أن تكون

قرية في ناحية الشرق وأخرى في ناحية الغرب وبينهما الميل أو الأميال وفيما بين عمران القريتين ومنتهى ما حرث من مزارعها أرض غامرة فيريد أهل إحدى القريتين حرث ذلك الغامر ويدعونه من حوز أرض قريتهم، ويريد أهل القرية الأخرى مثل ذلك ويدعون مثل دعواهم ولا بينة لهؤلاء ولا لهؤلاء على منتهى حوزهم من الغامر، ولا هل لهم دون أهل القرية الأخرى، فكيف ترى أن يقسم بينهم؟ قال: إن ادعاه هؤلاء لأصل القرية وهؤلاء مثل ذلك قسم بينهم بنصفين، ولا ينظر إلى قلة عمران إحدى القريتين، وإن قل جدا ولا إلى كثرة عمران الأخرى وإن كثر جدا، ثم يقسم أهل كل قرية نصفهم على سهامهم في قريتهم، وإن ادعوه أجمعون لأنفسهم يدعيه كل واحد منهم له دون صاحبه قسم بينهم أجمعين. قلت: فإن كانت القريتان كلتاهما من شق واحد متجاورتين والغامر أمامهما أتقسمه بينهما نصفين أيضا؟ قال: لا ولكن لأهل كل قرية ما كان حذاء غامرها من الغامر قل ذلك أو كثر، وهو عندي بمنزلة الفناء يكون حذاء الدارين [فإنما] يعطى صاحب كل دار من الفناء إذا تداعيا فيه ما كان حذاء بنيان داره قل ذلك أو كثر. قال محمد بن رشد: هذه ثلاث مسائل، قال في الأولى منها: إن لأهل القرية أن يقتسموا غامر قريتهم على قدر سهامهم فيها إن ادعوه لأصل القرية، أو على عددهم إن ادعاه كل واحد منهم لنفسه بعد أيمانهم، ولم

يبين إن كان هذا الغامر داخل القرية أو خارجا عنها، وذلك يختلف، أما إذا كان داخل القرية فلا اختلاف في أنه يقسم بينهم على ما قال بالسهمة على وجه قسمة الأرض بين الأشراك لأنه كالساحة للدار ذات البيوت، ألا ترى أنه لا يجوز للإمام إقطاعه، قيل: إذا اجتمعوا كلهم على قسمته أو جلهم ورؤساؤهم ومن إليه عماد أمرهم كساحة الدار لا تقسم إلا باجتماعهم على قسمتها، وهو قول أصبغ، وقيل: إنه يقسم بينهم وإن دعا إلى ذلك بعضهم كالأرض بين النفر، وهو الصحيح في النظر المشهور في المذهب المعلوم من مذهب مالك وعامة أصحابه ابن القاسم وغيره. وأما إذا كان الغامر خارج القرية فاختلف أصحاب مالك في قسمته، ذهب ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون وابن نافع في أحد قوليه ومالك في رواية محمد بن يحيى السبائي عنه إلى أنه يقسم بينهم على ما يدعونه من أنه من أصل قريتهم، أو على عددهم بعد أيمانهم إن ادعاه كل واحد منهم ملكا لنفسه بالسهمة على وجه القسمة، وذهب ابن وهب وابن كنانة وأصبغ وابن نافع في أحد قوليه إلى أنه لا يقسم وإن اتفقوا على قسمته لما لعامة المسلمين فيه من المرافق باحتطابهم منه ومراعي دوابهم فيه من المارة وغيرهم إلا أن يثبت أنه لهم ومن حيز قريتهم فيقسم بينهم على ما يثبت حقهم فيه بالسهمة أيضا على وجه القسمة، وعلى قياس هذا القول يأتي ما وقع في كتاب الشهادات من المدونة في قوم ادعوا عفوا من الأرض وأقام هؤلاء بينة وهؤلاء بينة وتكافأت البينتان أنه يكون كسائر عفو بلاد المسلمين إذ لم ير أن يقسموه بينهم بعد أيمانهم إذ تكافأت البينتان؟ والمسألة الثانية في الغامر يكون بين قريتين إحداهما في الشرق والثانية في الغرب أو إحداهما في القبلة والثانية في الجوف يأتي على هذا الاختلاف في جواز قسمته، وكذلك إن كان متوسطا بين قرى كثيرة إلا أنه لا يقسم على مذهب من رأى أن قسمته بالسهمة، وإنما يقسم بالتعديل بالقيمة ويجعل نصيب كل قرية مما يليها ليرتفع الضرر بذلك عنهم بدخول بعضهم على بعض، وهذا القول اختار

: ليس له أن يحدث ما يضر بالمخاضة التي هي ممر المسلمين

ابن حبيب وقال: إنه لا تحمل الشعراء المجاورة للقرى أو المتوسطة بينها محمل العفا من الأرض الذي هو لعامة المسلمين، ألا ترى أنه ليس للإمام أن يقطع منها أحدا شيئا لأنه حق من حقوقهم كالساحة للدار أو للدور إنما العفا فيما بعد من العمران مما لا تناله ماشيتهم في غدوها ورواحها، فهذا لا حق فيه لأحد من [أهل] ، القرى التي تجاوره ولا لغيرهم إلا بقطيعة من الإمام القاضي إن رأى إقطاعه بالناس أرفق من إقراره كما هو على حاله، واعترض الفضل قال ابن حبيب: إنه ليس للإمام أن يقطع شيئا من الشعراء التي تكون بين القرى، قال: وأين يقطع الإمام القاضي إلا فيما قرب من العمران، وهذا لا يلزم؛ لأنه إنما أراد أنه ليس للإمام أن يقطع من الشعراء القريبة من القرى جدا لأن إقطاعها ضرر بهم في قطع مرافقهم منها التي كانوا يختصون بها لقربهم منها على ما سنذكره فيما تكلمنا على أول مسألة من رسم الدور والمزارع إن شاء الله عز وجل؛ والمسألة الثانية في الغامر يكون حذاء قريتين متجاورتين تجري أيضا على الاختلاف المذكور في جواز القسمة إلا أنها لا تقسم على مذهب من رأى قسمة الغامر بالسهمة ولا بالتعديل بالقيمة، وإنما يكون لكل قرية من الغامر ما كان حذاء غامرها كما قال، وبالله التوفيق. [: ليس له أن يحدث ما يضر بالمخاضة التي هي ممر المسلمين] ومن كتاب الصبرة قال: وسألته عن الرجل تكون [له] في أرضه مخاضة نهر فيريد أن ينصب في موضعها رحى، وتلك الرحى تغور المخاضة، أو ينصب الرحى تحتها فيغرق بالمخاضة ويقطعها أيجوز ذلك له؟ فقال: ليس ذلك له أن يحدث رحى ولا غيرها بموضع يجر بذلك العمل ضررا على الناس في المخاضة بقطعها ولا تغويرها ولا أمر

يغيرها عن حالها مما يرى أنه ضرر وجر إلى فساد المخاضة التي هي طريق للعامة. قلت: فإن كانت المخائض منها على قرب مثل الميل أو الميلين أو الغلوة أو الغلوتين أيجوز له أن يرد الناس إلى بعض تلك المخائض فينتفع هو بما أحب أن يضع في أرضه وموضع رحاه؟ فقال: لا يجوز له تحويل الناس عن طريقهم إلى غيرها، ولا يجوز للناس منعه مما لا يضر بهم، فإن كان يقدر على عمل الرحى ولا يضر ذلك المخاضة ولا يغيرها عن حالها لم يمنع من العمل، قيل له: إن الضرر لا يتبين إلا بعد فراغه من العمل، قال: يقال له إن الذي يريد من العمل يخاف عاقبته، فإن زعمت أنه غير مضر فاعمل، فإن تبين ضرر عملك أبطلناه عليك ورددنا المخاضة على حالها، فإن شاء أن يعمل عمل على ذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه ليس له أن يحدث ما يضر بالمخاضة التي هي ممر المسلمين من تغديرها أو تغويرها أو توعيرها وإن كانت المخائض منها على قرب مثل الميل أو الميلين أو الغلوة أو الغلوتين لما على الناس من المشقة في خروجهم عن طريقهم الغلوة الواحدة وهي منتهى السهم مائتا ذراع فما زاد على ذلك لقول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» ولو كانت المخائض على القرب جدا لم يمنع من إحداث الرحى على ما قاله في نوازل أصبغ بعد هذا ليسارة المؤونة على الناس في خروجهم عن طريقهم الشيء اليسير، فلا يمنع من منفعته بما يريد أن يحدثه في أرضه لما ليس فيه كبير مشقة على الناس، والأصل في هذا قول رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اجتمع ضرران ينفي الأصغر الأكبر» لأن منع الرجل

: الموات الذي يستحقه الناس بالإحياء

من أن يحدث رحى في أرضه ضرر به، ورد الناس عن طريقهم إلى غيرها ضرر بهم، فأي الضررين رأى أنه أصغر أي أقل ضررا بقي لصاحبه أي لم يلتفت إليه معه، ولا حد في ذلك إلا ما يؤدي إليه الاجتهاد الذي هو أصل في تقييد الأحكام عند عدم النص، «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن واليا: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأي، قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضي رسوله» . وأما قوله إن لم يتبين الضرر بالمخاضة إلا بعد العمل فإنه يقال له اعمل على أنه إن أضر عملك بالمخاضة أبطلناه عليك فهو صحيح، ومعناه إذا رجعت المخاضة إلى حالها بإبطال عمله، ولو كانت المخاضة لا ترجع إلى حالها بإبطال عمله لوجب أن يمنع من العمل بما يخاف أن يضر كما يمنع بما يوقن أن يضر على قياس قوله هذا، وليس بخلاف لما في سماع حسين بن عاصم بعد هذا في نحو هذا أنه لا يمنع من منافعه الحاضرة لشيء لا يدري أيكون أم لا، وسنتكلم على الفرق بين المسألتين هناك إذا وصلنا إليها إن شاء الله، وبه التوفيق. [: الموات الذي يستحقه الناس بالإحياء] ومن كتاب يشتري الدير والمزارع قال يحيى: قلت لابن القاسم: أرأيت ما قرب للأمصار والمدن من الموات الذي لا يجوز للناس أن يستحيوه إلا بأمر الإمام القاضي إذا أقطعه الإمام القاضي رجلا أيورث عنه أو يبيعه إن شاء؟ فقال: نعم.

قلت: ويكون أحق به وإن لم يعمره؟ فقال: نعم، ليست حاله حال المعادن. قال محمد بن رشد: الموات الذي يستحقه الناس، بالإحياء لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» هي الأرض الميتة لا نبات فيها، قال ذلك مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية ابن غانم عنه بدليل قول الله عز وجل: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: 65] فلا يصح الإحياء إلا في البور، والإقطاع يكون في البور والمعمور إلا في معمور أرض العنوة التي الحكم فيها أن تكون موقوفة لا تقسم ولا تملك، فإذا أقطع الإمام القاضي أحدا شيئا من الأرض المعمورة فلا كلام في أن المقطع يستحقه بنفس الإقطاع، وكذلك إذا أقطعه شيئا من الموات ليحييه يستحقه بنفس الإقطاع فيورث عنه ويكون له أن يتصرف فيه بما شاء من بيع أو غيره، إلا أن للإمام أن يأخذه بإحيائه، فإن لم يفعل أو عجز عن ذلك أقطعه سواه، إذ ليس له أن يتحجر ما أقطع عن الناس فلا ينتفع به هو ولا سواه، والأصل في ذلك ما روي من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقطع لبلال بن الحارث من العقيق ما يصلح للعمل فلم يعمله، فقال عمر بن الخطاب: إن قويت على عمله فاعمله وإلا فأقطعه للناس، فقال له: قد أقطعنيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال عمر: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترط عليك فيه شرطا، فأقطعه عمر للناس ولم يكن بلال اعتمل شيئا» فإن باعها أو وهبها أو تصدق بها بعد عجزه عن عمارتها قبل أن ينظر الإمام القاضي في ذلك نفذ ذلك ومضى، لأن الغرض ألا تبقى الأرض محجرة عن الانتفاع بها، والمبتاع والموهوب له والمتصدق عليه يحل محل البائع والواهب، فقوله في الرواية قلت: ويكون أحق بها وإن لم يعمرها؟ قال: نعم معناه أنه أحق بها إذا قال

أنا أعمرها، وأما إن قال: لا أعمرها أو عجز عن عمارتها فللإمام أن يقطعها سواه، ولو أحياها سواه بعد أن عجز هو عن عمارتها بغير قطيعة من الإمام القاضي لجرى ذلك على الاختلاف فيمن أحيا ما قرب من العمران بغير إذن الإمام القاضي هل يمضي ذلك مراعاة للاختلاف في استئذان الإمام القاضي في إحياء ما قرب من العمران أو لا يمضي ويخرج عنها ويكون له قيمة بنيانه منقوضا. وأما لو أحياها سواه قبل أن يعجز هو عن عمارتها وهو عالم بذلك لكان متعديا عليه فيها لأنه قد استوجبها بنفس الإقطاع وإن لم يحزها بالعمارة ولا بالبناء خلاف ما تأول بعض الناس عليه ما وقع في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، وليس ذلك بتأويل صحيح حسبما ذكرناه هناك. وفي قوله فقال: نعم ليست حاله حال المعادن لما سأله هل يكون أحق به وإن لم يعمره نظر لأن الظاهر منه أن المعادن بخلافه في ذلك، وذلك يقتضي ألا يكون الأحق بالمعادن حتى يعمرها، والمعادن لا حق له في أصولها وإن عمرها لأن الإقطاع فيها إنما هو في الانتفاع بنيلها لا في أصولها، فإنما تصح المسألة بأن يعاد قوله: ليست حاله حال المعادن على السؤال الأول، وهو سأله عن الموات إذا أقطعه الإمام القاضي رجلا أيورث عنه أو يبيعه إن شاء؟ فقال: نعم، لا على المسألة التي بعدها الذي أعاده عليه. وقد مضى في رسم الأقضية الأول من سماع أشهب طرف من القول في حكم إقطاع المعادن، وبقية القول في ذلك في سماع يحيى من كتاب الزكاة، ولو أقطعه أصل المعدن بإفصاح لكان حكمه حكم إقطاع الأرض الموات سواء، وحد البعيد من العمران الذي يكون لمن أحياه دون إذن الإمام القاضي ما لم ينته إليه سرح ماشية العمران واحتطاب المحتطبين إذا رجعوا إلى المبيت في مواضعهم من العمران على ما حكى الداودي في كتابه من أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء بعده كانوا يقطعون الأرضين التي جلا عنها أهلها بغير قتال ومن عفا الأرض ما لم تنله أخفاف الإبل في المرعى يريد إذا رجعت إلى المبيت في

مواضعها على ما جرت به عادة الرعاة، وقال أبو حنيفة: هو أن يصيح صائح في طرف العمران فلا يسمعه من ذلك المكان، وما ذكرناه من أن الإقطاع لا يكون في المعمور من أرض العنوة هو ظاهر ما وقع في كتاب الداودي، ومثله حكى ابن حبيب عن مالك من رواية ابن القاسم عنه. قال: لا أرى للإمام أن يقطع أحدا من أرض العنوة المعمورة شيئا، قال ابن القاسم: وإنما الإقطاع في أرض الموات وفيها الخطط مثل أفنية الفسطاط التي بقرب المصلى وبالموقف إذ كانت فلاة لم يكن فيها إلا الحصن فاختط المسلمون ما كان منها صحراء فنزلوه، وبقي الحصن والعمران لم يكن لأحد، ولم يكن فيه خطط، والخطط لا تكون في المعمور كما فسرت لك عن مالك، وإنما لم يجز أن يأذن الإمام القاضي للناس بالاختطاط في قرى العنوة التي لم تقسم أو يقطع أحد منها شيئا لأن عمر بن الخطاب قد أوقفها فيئا لجميع المسلمين ولم يجعلها في المقاسم، ورأيت للخمي أن إقطاعها جائز، وليس ذلك بصحيح على مذهب مالك. وحكم إحياء الموات يختلف باختلاف مواضعه، وهي على ثلاثة أوجه: بعيد من العمران، وقريب منه لا ضرر على أحد في إحيائه، وقريب منه في إحيائه ضرر على من يختص بالانتفاع به، فأما البعيد من العمران فلا يحتاج في إحيائه إلى استئذان الإمام القاضي إلا على طريق الاستحباب على ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون، وأما القريب منه الذي لا ضرر في إحيائه على أحد فلا يجوز إحياؤه إلا بإذن الإمام القاضي على المشهور في المذهب، وقيل: إن استئذان الإمام القاضي في ذلك مستحب وليس بواجب، واختلف إن وقع ذلك بغير إذن الإمام القاضي على القول بأنه لا يجوز إلا بإذنه، فقيل: إنه يمضي مراعاة للخلاف، وهو قول المغيرة وأصبغ وأشهب، وقيل: إنه يخرج منه ويكون له قيمة بنيانه منقوضا، وهو القياس، ولو قيل: إنه يكون له قيمته قائما للشبهة في ذلك لكان له وجه. وأما القريب منه الذي في إحيائه ضرر كالأفنية التي

مسألة: ما يحجر الرجل من الموات البعيد عن المدائن

يكون أخذ شي؟ منها ضررا بالطريق وشبه ذلك فلا يجوز إحياؤه بحال، ولا يبيح ذلك الإمام القاضي، وبالله التوفيق. [مسألة: ما يحجر الرجل من الموات البعيد عن المدائن] مسألة قلت: أرأيت ما يحجر الرجل من الموات البعيد عن المدائن والإمام القاضي حيث يجوز له أن يحييه فيكون أولى به أفيستحقه بالتحجير دون العمل؟ فقال: لا يكون أولى به من أحد حتى يعمل إلا أن يحجر ذلك وهو يريد أن يعمله إلى الأيام اليسيرة حتى يمكنه العمل ولم يتحجر ذلك ليقطع منفعة الناس ويرجيه لأن يعمل يوما ما. قلت: فإن تحجر كثيرا وعمل اليسير؟ فقال: هو مثل الذي يتحجر اليسير ويؤخر عمله ينظر فيما يتحجر فإن كان قويا عليه وإنما أخر عمله لوقت تلين فيه الأرض عليه أو يرخص الأجراء أو ما أشبه ذلك مما يؤخر الناس أعمالهم إليه لمثله من العذر فذلك له، فإن رأى أنه أراد أن يتحجر على الناس ما لا يقوى على عمله فأراد أن يستحق كثير ما تحجر بقليل ما عمل وعمر فليس له إلا عمرانه، ويشرع الناس معه في فضل ذلك فيكون لمن عمره وقوي على عمله.

مسألة: التحجير للموات

قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة حسنة، وفيها اختلاف، حكى ابن حبيب في الواضحة أن الإمام القاضي ينظر فيما تحجر فإن كان به قوة علي عمارته من عامه أو ما قرب من عامه مثل السنتين والثلاث خلاه وإياه، وإلا منعه منه وأقطعه غيره، وقد حكى أشهب عن عمر بن الخطاب في ذلك حديثا أنه ضرب [له] ، أجلا ثلاث سنين، وقد أنكر ابن القاسم في المدونة أن يكون سمع من مالك في ذلك شيئا، وبالله التوفيق. [مسألة: التحجير للموات] مسألة قلت: فلم صار للرجل ما أقطعه الإمام القاضي مبتولا له، وإن لم يعمله ولم يكن لمن تحجر أن يستحق شيئا إلا بعمله؟ قال محمد بن رشد: كذا وقعت هذه المسألة دون جواب عما سأله عنه من الفرق بين المسألتين، والفرق بينهما بيّن واضح، ولوضوحه وبيانه أمسك عن جوابه موبخا له على سؤاله عما لا يشكل، وذلك أن الإقطاع حكم من الإمام القاضي يستحق به المقطع ما أقطع إياه، والتحجير للموات ليس بإحياء له فيستحقه به إذ لا يستحق الموات إلا بالإحياء، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا مواتا فهي له» وبالله التوفيق. [مسألة: استحق مواتا بعمله ثم تركه حتى صار إلى خراب] مسألة قلت: فلم استحق مواتا بعمله ثم تركه حتى صار إلى خراب أليس يكون لمن أحب أن يعمره؟ قال: بلى.

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وقول سحنون معناه فيما بعد من العمران، وأما ما قرب منه فلا يبطل استحقاقه له بتركه إياه حتى يعود إلى حاله الأول، وقوله عندي صحيح على معنى ما في المدونة من أن ما قرب من العمران ليس لأحد أن يستحييه إلا بقطيعة من الإمام القاضي، لأن الإمام القاضي إذا أقطعه إياه صار بمنزلة ما اختط أو اشترى، وقد نص في المدونة على أنه ما استحق أصله بخطط أو شراء لا يزول ملكه عنه بتركه إياه حتى يعود إلى حالته الأولى، ولو أحيا القريب من العمران بغير إذن الإمام القاضي على مذهب من يرى أن ذلك له لبطل حقه فيه بتركه إياه حتى يعود إلى حاله الأولى إذ لا فرق بين القريب والبعيد على مذهب من لا يرى استئذان الإمام القاضي واجبا فيما قرب من العمران ولا فيما بعد منه. وقد روي عن سحنون أن من أحيا مواتا فلا يخرج عن ملكه بتعطيله إياه، وإن عمره غيره كان الأول أحق به، قال ابن عبدوس: قلت له: أو لا يشبه الصيد إذا ند من صائده؟ قال: لا. فيتحصل فيمن أحيا مواتا ثم تركه حتى عاد لحالته الأولى فأحياه غيره ثلاثة أقوال: أحدها أن الثاني أحق به في القريب والبعيد، والثاني أن الأول أحق به في القريب والبعيد، والثالث الفرق بين القريب والبعيد، ولا أعرف نص خلاف في أن من اشترى مواتا أو اختطه لا يزول ملكه عنه بتركه إياه حتى يعود إلى حالته الأولى، إلا أن الاختلاف يدخل في ذلك بالمعنى من مسألة الصيد يند من يد صائده فيستوحش ويصيده غيره، إذ قال محمد بن المواز فيه إن الثاني أحق به، ولم يفرق بين أن يكون الأول قد صاده أو ابتاعه، فيلزم مثل هذا في إحياء الموات، ويتحصل فيه أيضا ثلاثة أقوال: أحدها أن الأول أحق به، والثاني أن الثاني أحق به، والثالث الفرق بين أن يكون الأول أحياه أو اختطه أو اشتراه، فإن كان أحياه كان الثاني أحق به، وإن كان اختطه أو اشتراه كان الأول أحق

: مناصب الأرحية أرحية الأنهار أتقسم

به، ومحمد بن عبد الحكم يرى في الصيد أن الأول أحق به على كل حال، فيأتي فيه أيضا ثلاثة أقوال: أحدها أنه للأول على كل حال، والثاني أنه للثاني على كل حال، والثالث الفرق بين أن يكون الأول صاده أو ابتاعه. وقد يفرق بين الصيد والموات على مذهب محمد بن عبد الحكم بأن الصيد غلب صاحبه على بقائه بيده، والموات لم يغلب صاحبه على ترك عمارته إياه، فيتحصل في مجموع المسألتين خمسة أقوال: أحدها أن الأول أحق من الثاني في الصيد والموات، والثاني أن الثاني أحق من الأول في الصيد والموات، والثالث أن الأول أحق بالصيد والموات إن كان اشتراه، وأن الثاني أحق بهما إن كان الأول صاد الصيد أو أحيا الموات، والرابع الفرق بين الصيد والموات، فيكون الثاني أحق بالصيد، والأول أحق بالموات وهو الذي يأتي على ما حكاه ابن عبدوس، والخامس الفرق بينهما بضد ذلك، فيكون الثاني أحق بالموات، والأول أحق بالصيد، وإنما يكون الثاني أحق بالموات من الأول على قول من يراه أحق به منه حسبما بيناه إذا كانت المدة قد طالت بعد أن عاد إلى حالته الأولى، وأما إن أحياه الثاني بحدثان ما عاد إلى حالته الأولى فإن كان عن جهل منه بالأول فله قيمة عمارته قائمة لأن له في ذلك شبهة، وإن كان عن معرفة منه بالأول فليس له إلا قيمة عمارته منقوضة بعد يمين الأول: إن تركه إياه لم يكن إسلاما منه لحقه فيه، وإنه كان على إعادة عمارته، ولا يصدق إذا طالت المدة أنه لم يسلم حقه فيه وأنه كان على إعادة عمارته له، وبالله التوفيق. [: مناصب الأرحية أرحية الأنهار أتقسم] ومن كتاب المكاتب قال: وسألته عن مناصب الأرحية أرحية الأنهار أتقسم؟ قال: نعم إذا انقسمت فكان فيما يصير للسهم منتفع، وهو موضع معتمل.

قلت: فإن لم تنقسم وأراد أحد الشريكين أو أحد الورثة العمل وضعف الآخرون ماذا يحكم به على من ضعف منهم عن العمل؟ قال: يخير بين أن يقاومه حتى يحصل لأحدهما، أو يبيع معه إن دعا أحدهما إلى البيع يجبر على أحد الأمرين لا بد. قلت: أرأيت إن دعا القوي إلى العمل أو إلى المقاومة ودعا الضعيف إلى البيع وقال: ضعفت عن العمل فكيف أقوى إن قاومتك على الاشتراء منك أيهما ترى أن يجبر؟ وهل فيها من شفعة إن باع أحدهما وهي مما لا ينقسم؟ قال: يجبر الشريك على البيع إذا دعا إلى ذلك شريكه وكره العمل والمقاومة كان قويا على العمل أو ضعيفا واجدا للثمن لو قاومه أو معدما، أيهم دعا إلى البيع أجبر له على ذلك شريكه إذا لم ينقسم، فإن باع أحدهما وهي مما لا ينقسم لم يكن له فيه شفعة، قال: والحكم بين الشريكين في إجبار أحدهما على البيع في كل ما لا ينقسم من الرقيق والدواب والأمتعة مثل ما وصفت لك من موضع الرحى. قال محمد بن رشد: المعنى في سؤاله عن مناصب الأرحية هل تقسم إنما هو في منصب الرحى الواحدة الخربة هل تقسم بين النفر المشتركين فيه أم لا؟ وأما مناصب الأرحية ذوات العدد القائمة أو الخربة تكون بين النفر فلا اختلاف فيه ولا إشكال في أنها تقسم بينهم إذا اعتدلت في القسم فصار لكل واحد منهم رحى على حدة، فقوله في منصب الرحى أنه يقسم إذا كان فيما يصير للسهم منتفع وهو موضع معتمل معناه إذا صار لكل واحد منهم بالسهمة من منصب الرحى ما يمكنه أن يعمل فيه رحى، وما أرى ذلك يتفق، فإن اتفق جازت القسمة وحكم بها على مذهبه في

الدار الواحدة أنها تقسم بين النفر إذا صار لكل واحد منهم منها موضع للسكنى، وكذلك الحمام الخرب يقسم بين النفر على مذهبه إذا صار في حظ كل واحد منهم منه ما يمكنه أن يعمل فيه حماما ولا يراعى في ذلك على مذهب ابن القاسم نقصان الثمن، وانظر هل يقسم على مذهب ابن القاسم الحمام القائم والرحى القائمة، وإن كان في قسمته إبطال لهما إذا كان كل واحد منهما يمكنه أن يعمل في حظه الذي يصير له من الرحى رحى وفي حظه الذي يصير له من الحمام حماما، والأظهر أن ذلك لا يجب على مذهبه، وقال مالك: إنه يقسم وإن لم يصر في حظ أحد إلا قدر قدم وما لا منفعة له فيه، ولم يتابعه على ذلك أحد من أصحابه إلا ابن كنانة، وقال ابن الماجشون: لا يقسم إلا أن يصير في حظ كل واحد منهم ما ينتفع به في وجه من وجوه المنافع، وإن قل نصيب أحدهم حتى كان لا يصير له بالسهمة إلا ما لا منفعة له فيه في وجه من وجوه المنافع لم يقسم، وقال مطرف: إن لم يصر في حظ واحد منهم ما ينتفع به لم يقسم، وإن صار في حظ واحد منهم ما ينتفع به قسم، دعا إلى ذلك صاحب النصيب القليل الذي لا يصير له في نصيبه ما ينتفع به أو صاحب النصيب الكثير الذي يصير له في حظه ما ينتفع به، وقيل: إنه لا يقسم إلا أن يدعو إلى ذلك صاحب النصيب القليل، وقيل: إنما يقسم إذا دعا إلى ذلك صاحب النصيب الكثير. وقوله في هذه الرواية إذا لم ينقسم المنصب ودعا أحد الشريكين إلى العمل وضعف الآخر عنه أنه يخير الذي ضعف عن العمل بين أن يقاومه حتى يحصل لأحدهما أو يبيع معه إن دعا أحدهما إلى البيع يجبر على أحد الأمرين لأنه كلام وقع على غير تحصيل، ففيه نظر، لأن الذي يوجبه الحكم إذا لم ينقسم أن يباع ويقسم الثمن بينهما، فمن دعا إلى ذلك منهما جبر صاحبه عليه وكان من حقه أن يأخذه بالثمن الذي يعطى فيه إن شاء، فإنما يخير الذي ضعف عن العمل أو أباه بين أن يقاوم صاحبه أو يبيع إذا دعاه صاحبه إلى المقاومة، وهذا بين من قوله في بقية المسألة. وقوله: فإن باع أحدهما وهي مما لا ينقسم لم يكن له فيه شفعة هو خلاف مذهبه في المدونة لأن له فيها أن الرحى إذا بيعت من أصلها فإن

مسألة: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر

في الأرض والبيت الذي وضعت فيه الرحى الشفعة بما ينوبها من الثمن، وقوله إنه لا شفعة له في ذلك هو على قياس مذهبه في أن الشفعة لا تكون إلا فيما ينقسم لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا وقعت الحدود فلا شفعة» لأن فيه دليلا على أن الشفعة لا تكون إلا فيما يقع [فيه] الحدود إذ لم يختلف قوله فيما عملت أنه لا شفعة فيما لا ينقسم بحال مثل النخلة أو الشجرة تكون بين النفر، فإنما أوجب الشفعة في الرحى على مذهبه في المدونة مراعاة لقول من يوجب فيها القسمة، وذهب مطرف إلى أن الشفعة في الأصول كلها وإن كانت مما لا ينقسم بحال كالنخلة أو الشجرة بين الرجلين لأنها من جنس ما ينقسم، وعلى ما في المدونة من مذهب ابن القاسم جرى العمل عندنا في الرحى ألا تقسم وأن تكون فيها الشفعة، وهو خلاف قول مالك في القسمة لأنه يوجبها، وخلاف أصل بن القاسم في الشفعة لأنها لا تجب على أصل مذهبه، وهو نص قوله في هذه الرواية، وبالله التوفيق. [مسألة: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر] مسألة قال: وسألته عن الحائط من حجرة الرجل يسقط وفي الحجرة بئر له يشرب منها جيرانه زمانا حتى مات بعضهم، وشرب الأبناء بعدهم حتى طال الزمان، ثم أراد منعهم وردها على حالها الأول، فقال: إن كانت معروفة في غلقه وحجرته حتى انهدم الجدار فتركها شربا لجيرانه ردها إن شاء وإن طال زمانها إلا أن يأتوا بأمر يستحقونها به، وإن كان ما ذكر من أمر الجدار مجهولا

مسألة: الرحى تكون للرجل متقادمة فيريد رجل أن يحدث فوقها رحى أو تحتها

وتقادم الأمر فيها جدا لم يمنع أحد ممن يشرب منها إلا أن تقوم البينة على عارية أو إرفاق أوامر بين يستحقها به دونهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن الأمر محمول على ما هو عليه أو على ما يعرف حتى تقوم البينة بخلافه، فإن عُرف أن البئر كانت في حجرته وفي غلقه فمن حقه أن يعيدها على ما كانت عليه إلا أن يثبت عليه أنه أباحها للناس إباحة مؤبدة، وإن لم يعرف أنها كانت في حجرته وتحت غلقه لم يكن له أن يحجر عليها ويدخلها تحت غلقه إلا أن يثبت أنها كانت في ملكه فأعارها للناس أو أرفقهم بالشرب منها مدة ما، فيكون من حقه أن يعيدها إلى ملكه، والأصل في هذا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» وبالله التوفيق. [مسألة: الرحى تكون للرجل متقادمة فيريد رجل أن يحدث فوقها رحى أو تحتها] مسألة قال: وسألته عن الرحى تكون للرجل متقادمة فيريد رجل أن يحدث فوقها رحى أو تحتها، قال: إن كان ذلك مضرا بالقديمة يغيرها عن حالها في نقص طحين أو يكثر بذلك مؤونة عملها أو شيء مما يضر بصاحبها ضررا يتبين عند أهل المعرفة بالأرحاء منع الذي يريد أن يحدث فوقها أو تحتها رحى لما يخاف من إدخال الضرر على صاحب الرحى المتقادمة. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب، ومثله حكاه

مسألة: إن تشاحا فليس لكل رجل إلا نصف النهر

ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون، وحكي عن أصبغ أنه لا يمنع إلا أن يبطل عليه بذلك رحاه أو يمنعه من جل منفعتها، قال: لأن الانتفاع بالأنهار وحوز منافعها ليس بحق ثابت كحق ذي الخطة إذا بنى عليه في فنائه ما يضر به، وإنما هو كالموات، فإذا كان إن أنشأ الثاني رحاه انتفعا جميعا فلا يمنع، وإن أضر بالأول إلا أن يبطلها أو يذهب بجُل منفعتها، واحتج على ذلك بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سيل مهزور ومذينب «يمسك الأعلى حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل على الأسفل» فقال: ألا ترى لو أراد رجل أن ينشئ في حقه حائطا فوق حائط صاحبه لم يكن لصاحبه الأسفل حجة في أن يقول له لا تنشئ في حقك حائطا فوق حائطي لأنك إذا فعلت ذلك استأثرت بالماء علي حتى تسقي به حائطك فلا يأتيني منه إلا ما يفضل عنك، أو لعله لا يفضل عنك [منه] شيء لقلة الماء، هذا معنى قوله دون لفظه، ولا يلزم ابن القاسم ما احتج به عليه أصبغ من الحديث لأنه يخالفه في تأويله، ومعناه عنده إذا أنشأ الأعلى حائطه قبل الأسفل أو أنشأ حائطيهما معا، وأما إذا أنشأ الأسفل حائطه قبل الأعلى فلا يبدأ عنده الأعلى بالسقي عليه إلا أن يكون فيما يفضل عنه ما يكفي الأسفل، وذلك ظاهر من قوله في [أول] سماع أصبغ بعد هذا على ما سنبينه هناك إن شاء الله، وبه التوفيق. [مسألة: إن تشاحا فليس لكل رجل إلا نصف النهر] مسألة قلت: أرأيت إن كان بعدوتي نهر موضع رحيين والعدوة الواحدة لرجل والأخرى لآخر، وهما متقاربتان إن عمل المنصب الذي بهذه العدوة فنفذ سده إلى العدوة الأخرى أبطل منصب

: المسرح يكون لقوم من حوز منزلهم فيريد بعضهم حرثه ويأبى ذلك بعضهم

الأخرى، وإن عمل الآخر كذلك تبطل هذه الأخرى أترى أن يقتسما الماء أم يجوز لأيهما سبق إلى العمل أن ينفذ سده وإن كان ذلك لا يضر بأرض [أهل] العدوة التي ينفذ إليها السد غير أن في ذلك إبطال منصب الأخرى؟ قال: إن تشاحا فليس لكل رجل إلا نصف النهر، فإن كان في نصفه ما يعمل عليه رحى فذلك له، وليس له أن ينفذ سده إلى برية غيره إلا بإذن أهل تلك البرية، أضر ذلك بهم أو لم يضر، وذلك أن نصف الماء لهم إن تشاحوا إن شاؤوا أن يسقوا به أو يحولوه إلى منافعهم كان ذلك لهم، وإن لم يكن في نصف الماء ما يحمل عمل رحى منعا جميعا من العمل حتى يتراضيا على ما يحل لهما. قال الإمام القاضي: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها، ولا لبس في شيء من معانيها، ولا اختلاف في شيء من وجوهها، فلا معنى لتكلف القول فيما يستغنى عنه، وبالله التوفيق. [: المسرح يكون لقوم من حوز منزلهم فيريد بعضهم حرثه ويأبى ذلك بعضهم] ومن كتاب [أوله] أول عبد ابتاعه فهو حر قال: وسألته عن المسرح يكون لقوم من حوز منزلهم فيريد بعضهم حرثه ويأبى ذلك بعضهم، أترى أن يترك مرعى أم يقسم؟ فقال: الذي يريد أخذ حقه أعذر من الذي يريد أن يبور أرضه للمرعى وأرض شريكه وهو كاره، فأرى أن تقسم، ثم يحرث من شاء، ويرعى من شاء في نصيبه. قال الإمام القاضي: هذا على ما تقدم من مذهب ابن القاسم في

مسألة: أخذ نصيبه وأراد أن يقره مسرحا لماشيته أن يحميه من الناس ويبيع كلأه

قسمة الشعراء في أول رسم هذا السماع، وقد مضى من القول على ذلك هنالك بيان ما يجب قسمته منها باتفاق إذا دعا إلى ذلك أحد الأشراك مما لا يجوز باتفاق ومما لا يجب إلا على اختلاف، والمسارح مقيسة على ذلك، وما وقع في سماع عبد الملك عن ابن وهب من أن المسارح لا تقسم وإنما تقسم الأرضون خلاف قول ابن القاسم هذا، وموضع اختلافهما إنما هو إذا كان المسرح خارجا عن أرض قريتهم هل يقسم بينهم على ما يدعونه من أنه مالهم وملكهم؟ وإذا كان بين القرى هل يقسم بينهم أيضا على ما يدعيه أهل كل قرية من أنه من حيّز قريتهم أم لا؟ وكذلك يختلف أيضا إذا كان بإزاء القريتين أو القرى هل يقسم بينهم إذا ادعوه؟ فقيل: إنه لا يقسم بينهم لما فيه من الحق لغيرهم ممن يمر به فيرعى فيه، وقيل: إنه يقسم بينهم بأن يأخذ أهل كل قرية منه ما كان بإزاء قريتهم فيقسمونه بينهم دون يمين إن اتفقوا أو بعد أيمانهم إن اختلفوا، وأما إن كان داخلا في أرض قريتهم أو خارجا عنها فثبت أنه مالهم وملكهم فلا اختلاف بينهم في وجوب قسمته بينهم، قيل: إذا دعا إلى ذلك بعضهم، وقيل: إذا دعا إلى ذلك جميعهم أو جلهم ومن إليه عماد أمرهم، والأول أظهر، والله أعلم. [مسألة: أخذ نصيبه وأراد أن يقره مسرحا لماشيته أن يحميه من الناس ويبيع كلأه] مسألة قلت: أفيجوز لمن أخذ نصيبه وأراد أن يقره مسرحا لماشيته أن يحميه من الناس ويبيع كلأه؟ قال يحيى: قد كرهه بعضهم وأجازه بعضهم، وقول الذي كرهه أعجب إلي لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ» فقد نهى عن منع فضل الماء فكيف الكلأ بعينه؟ فلا أرى أن يبيعه ولا يمنعه، ثم قال: أربع لا أرى أن يمنعن الماء [للشفة] والنار والحطب والكلأ.

مسألة: المسرح لأهل القرية التي هو في حوزها إن تداعى فيه أهل قريتين

قال الإمام القاضي: قد مضى تفصيل القول في حكم الكلأ وما يجوز من بيعه ومنعه، وموضع الاختلاف في ذلك والاتفاق فيه في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، والحكم في الحطب كالحكم في الكلأ سواء على التفصيل الذي ذكرنا فيه. وأما الماء فالكلام إنما هو في فضلته، فما كان في ملك الرجل منه فاختلف هل له أن يمنع فضلته من جاره فيما يريد من ابتداء الانتفاع أم لا على ثلاثة أقوال: أحدها أن له أن يمنعه إياها إلا بثمن يواجبه عليها، وجدلها ثمنا عند سواه أو لم يجد، وهو المشهور في المذهب، والثاني أنه ليس له أن يمنعه إياها إلا أن يجد لها ثمنا عند سواه، فإن لم يجد لها ثمنا عند سواه لم يكن له أن يحبسها عنه وهو لا يحتاج إليها، والقول الثالث أنه ليس له أن يمنعه إياها بحال، ولا أن يأخذ فيها ثمنا من أحد، وهو الذي ذهب إليه يحيى بن يحيى على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يمنع نقع بئر ولا يمنع رهو ماء» ، وهذا كله في العين أو البئر التي تكون في أرض الرجل ولا ضرر عليه في الدخول إلى الاستقاء منها، وأما البئر تكون في دار الرجل أو في حائطه الذي قد حظر عليه فله أن يمنع من الدخول عليه في ذلك، وقد مضى في رسم البراءة من سماع عيسى القول في منع الرجل فضلة مائه ممن يريد أن يسقي به شجرا أو نخلا قد تقدم غرسه لها فلا معنى لإعادة ذكر ذلك، ومضى في رسم الأقضية الأول من سماع أشهب حكم مياه آبار المواشي التي تحتفر في المهامه فلا معنى لإعادة ذكر ذلك أيضا، وأما النار فلا اختلاف في أنه لا يجوز لأحد أن يمنع من الاقتباس منه إذ لا ضرر عليه في ذلك، ولا يجوز لأحد أن يمنع أحدا ما ينتفع به إذا كان ذلك لا يضر به لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضرر والضرار، وبالله التوفيق. [مسألة: المسرح لأهل القرية التي هو في حوزها إن تداعى فيه أهل قريتين] مسألة قلت لابن القاسم: أرأيت المسارح تكون في بعض القرى

مسألة: يسكن القرية وليس له فيها إلا مسكنه فيعمر من غامرها أرضا ثم يريدون إخراجه

ينتجعها من حولها من أهل القرى بمواشيهم ثم يريدون أن يقتسموها فيدعي فيها كل من كانت ماشيته تسرح فيه وإن كان إنما يتخطى إليه القرى؟ قال: فلا حق فيه لمن كان يتخطى القرى إليه، وقد يسرح الناس بعضهم عند بعض على مسيرة الميل والأميال واليوم والأيام، أفبهذا يستحق أحدهم كل أرض سرحت فيه ماشيته؟ قال: ولكني أرى أن المسرح لأهل القرية التي هو في حوزها، فإن تداعى فيه أهل قريتين أو ثلاثة أو أربعة وكلهم حول ذلك المسرح وهو واسط بينهم ولم يثبت بالبينة لبعضهم دون بعض قسم بينهم على عدة القرى التي يدعيه أهلها وليس على قدر عمران تلك القرى. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إن من كان يتخطى القرى إلى المسرح بماشيته فلا حق له فيه أي لا يقبل دعواه في أنه له مسرح ماشيته فيه، وإنما يقبل فيه دعوى من كان يتصل به من أهل القرى فيقسم بينهم على الاختلاف في ذلك حسبما مضى القول فيه في أول الرسم وفي قسمة الغامر في أول رسم من السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: يسكن القرية وليس له فيها إلا مسكنه فيعمر من غامرها أرضا ثم يريدون إخراجه] مسألة قال: وسألته عن الرجل يسكن القرية وليس له فيها إلا مسكنه أو شيء اشتراه بعينه ليس من أهل الميراث ولا ممن اشترى من أهل الميراث سهما فيعمر من غامرها أرضا يخترق ويزرعها زمانا وأهل القرية حضور لا يغيرون عليه ولا يمنعون من عمله ثم يريدون إخراجه، فقال: ذلك لهم إلا أن تقوم له بينة على اشتراء أو هبة أو حق يترك له به ما عمر إلا أن يطول زمانه جدا.

قلت: أتراه مثل ما يستحق الرجل بعمارته من دار رجل أجنبي وأرضه أو إنما تراه بحال الوارث أو المولى مع مواليه؟ فقال: ينظر السلطان فيه على قدر ما يعذر به أصحاب أصل الأرض في سكوتهم لما يعلم من افتراق سهامهم وقلة حق أحدهم لو تكلم فيه، فإنه يقول: منعني من الكلام سكوت أشراكي وقلة حقي، فلما خفت تطاول الزمان وما يحدث من دعوى الغامر تكلمت، فأراه أعذر من الذي يستحق عليه من خاصة داره أو خاصة أرضه شيء، ولا أبلغ به حد الورثة فيما بينهم ولا حد المولى الذي يرتفق في أرض مواليه أو الصهر في أرض أصهاره إلا أن يكون ذلك الغامر للرجل أو الرجلين أو النفر القليل فلا يعذرون بسكوتهم ويحملون فيما عمر جارهم من غامر أرضهم على ما يحمل عليه من جيز عليه من داره أو أرضه شيء، قال: وهم فيما يعمر بعضهم من غامرهم المشترك أعذر في السكوت وأوجب حقا وإن طال الزمان جدا. قال الإمام القاضي: حكم غامر القرية أن يصدق فيه أهل القرية أنه لهم على أصل سهامهم فيها، فإذا عمر منه شيئا من لا حق له فيه من غير أهل القرية أو ممن ليس له في القرية إلا مسكن بعينه أو حقل بعينه بحضرة أهل القرية كان حكمه حكم من حيز عليه ما له وهو حاضر لا يغير ولا ينكر إلا أنه رأى مدة الحيازة في ذلك على أهل القرية أطول من مدة الحيازة على الرجل الأجنبي لما يعذرون به من افتراق سهامهم وقلة حق كل واحد منهم ودون مدة الحيازة على الأوراث والأصهار، وفي حد ذلك اختلاف كثير سيأتي القول فيه في موضعه من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق إن شاء الله، وإنما يستحق ما عمر بطول المدة التي ذكر إذا ادعى أنه إنما عمر ذلك باشتراء منهم أو هبة أو صدقة، وأما إذا لم يدع ذلك وأراد أن يستحق

ما عمر بعمارته إياهم بحضرتهم فليس ذلك له، هذا الذي يأتي في هذه المسألة على قياس قول ابن القاسم في أن غامر القرية محمول على أنه لأهل القرية، ويأتي على قول ابن وهب ومن قال بقوله في أن غامر القرية لا يصدق أهل القرية أنه لهم ولا يقسم بينهم إلا أن يثبت أنه لهم أن يكون ما عمر لمن عمر بطول المدة التي ذكر بمجرد دعواه أنه له، وفي سماع عبد الملك بن الحسن من كتاب الاستحقاق من قول ابن وهب ما يدل على ما ذكرناه عنه، وقال في الرواية: إنهم إذا قاموا عليه قبل أن تطول المدة فلهم إخراجه، ولم يقل إذا أخرجوه هل يكون له قيمة بنيانه إن كان بنى قائما أو منقوضا، والذي يوجب النظر أن يكون له قيمة بنيانه قائما إن كانوا قاموا عليه بحدثان ذلك، وإن كانوا قاموا عليه بعد أن طالت المدة ولم تبلغ إلى الحد الذي يكون الحيازة فيه عليهم عاملة أن يكون له على مذهب ابن القاسم قيمة بنيانه منقوضا وعلى رواية المدنيين عن مالك قيمته قائما. وأما قوله في آخر المسألة: وهم فيما يعمر بعضهم من غامرهم المشترك أعذر في السكوت وأوجب حقا وإن طال الزمان جدا فمعناه أنهم يحملون في حد الحيازة محمل الأصهار والقرابة من أجل الاشتراك، وقد اختلف في ذلك، فذهب مطرف إلى أن الشركاء فيما حازه بعضهم على بعض بمنزلة الأجنبيين، وقال أصبغ: الشركاء فيما حازه بعضهم على بعض بمنزلة الأوراث والقرابة، هذا الذي ينبغي أن يحمل عليه قوله: وإن طال الزمان جدا لأنه إذا كان الشريك يستحق على شريكه حظه من عامر قريته بطول الحيازة فأحرى أن يستحق عليه حظه من غامرها بذلك فيقول: إن معنى قوله وإن طال الزمان جدا أي طال حتى خرج عن الحد الذي يستحقه به الأجنبي ما لم يتجاوز الحد الذي تكون به الحيازة بين الأصهار والقرابة ولم يشترط سحنون في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب هذا الحد من الطول فقال: إنه يكون لهم إذا كانوا قد عمروه وزرعوه زمانا بعلمهم فلم يرفعوا ذلك إلى السلطان، فهو خلاف مذهب ابن القاسم لأنه يرى سكوتهم إلى الحد الذي تكون فيه الحيازة بين الأجنبيين تبطل دعواهم، ورأى ابن القاسم سكوتهم إلى الحد الذي تكون فيه الحيازة بين القرابة يوجب أن

: تكون له الرحى فيبني تحتها رجل رحى فنقصت رحى الأول من طحينها

يكون القول قول الحائزين في أن الذي حازوه انفردوا به دون أشراكهم، وبالله التوفيق. [: تكون له الرحى فيبني تحتها رجل رحى فنقصت رحى الأول من طحينها] من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم قال محمد: وسألت ابن القاسم عن الرجل تكون له الرحى فيبني تحتها رجل رحى فنقصت رحى الأول من طحينها، قال ابن القاسم: ليس ذلك له إذا أدخل عليه ضررا. قلت له: إنهما يرتفقان جميعا، قال ابن القاسم: قد أضر به فيما صنع لأن رحاه كانت تطحن قبل أن يبني هذا طحينا غير هذا فليس ذلك له. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في رسم المكاتب من سماع يحيى، وهو المشهور في المذهب، وخالف في ذلك أصبغ حسبما ذكرناه عنه هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: من له ماء يسقي به وفيه فضل عنه هل له أن يقطعه عن جيرانه] مسألة وسألته عن الرجل يكون له الماء يسقي به وفيه فضل عنه فيغرس قوم غراسا على فضل ذلك الماء بعطية منه فيطعم الغرس فيريد صاحب الماء أن يقطعه عنهم، قال: ليس له ذلك إلا أن يحتاج إليه فيكون أولى به منهم. قال محمد بن رشد: كان القياس في هذه المسألة ألا يكون لصاحب الماء أن يقطع [عنه] فضلته وإن احتاج إليها لأنه قد أعطاه

: يحتظر على جنانه بجدار ويقطع عمن يرتفق بماء تلك العين ما كانوا يترفقون

إياها، والمعنى في ذلك عندي إنما هو إذا لم يصرح [له] بعطية الفضلة، وإنما قال له: اغرس على فضل مائي أو خذ فضل مائي فاغرس عليه، فيكون من حقه أن يقول: إنما أردت أن يأخذه على سبيل العرية إلى أن أحتاج إليه أو طول ما أستغني عنه فيحلف على ذلك ويأخذه إذا احتاج إليه، وأما إذا صرح بالعطية أو بالهبة فقال: قد وهبتك فضل مائي أو قد أعطيتك إياه فلا يكون له أن يأخذه منه وإن احتاج إليه، ولو صرح بالعرية لكان له أن يرجع فيه إذا انقضت المدة التي أعاره إليها أو إذا مضى من المدة ما يرى أنه أعاره إليها إن كان لم يضرب له أجلا، وقد قال ابن أبي زيد: قوله بعطية يريد العرية لا التمليك، والعرية في هذا على التأبيد إلا أن يحتاج إليه إلا أن هؤلاء أنفقوا وغرسوا وهو يعلم، ولا ماء لهم غيره، فهذا كأنه تسليم والله أعلم، قاله ابن أبي زيد، وقال: أعرف نحوه لسحنون، وقد مضى في رسم البراءة من سماع عيسى زيادات في معنى هذه المسألة، وبالله التوفيق. [: يحتظر على جنانه بجدار ويقطع عمن يرتفق بماء تلك العين ما كانوا يترفقون] من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب قال عبد الملك بن الحسن: سألت ابن وهب عن الرجل يكون له الجنان وليس عليها حائط وفيها عين يغسل فيها من جاورها من النساء ثيابهن، ويقصرن شققهن، ويرتفقون بها كانوا على هذه الحال منذ زمان طويل، فأراد صاحب الجنان أو من ابتاعها منه أن يحتظر على جنانه بجدار ويقطع عمن يرتفق بماء تلك العين ما كانوا يترفقون به من الغسل والوضوء وغير ذلك من حوائجهم، فادعوا أن لهم فيها هذا المرفق، وشهد لهم على ذلك شهود، وزعم صاحب الجنان أن العين له وفي جنانه، وأنه

مسألة: المسرح يكون بين القوم فيريدون اقتسامه

لم يكن ضره من ورد العين لغسل ثوبه وغير ذلك، وأن اختلاف الناس إليها أضر بها، فأراد أن يحظر على جنانه ويجعل العين في حظيره ويقطع طريق من كان يرتفق بها، فهل ذلك له؟ فقال: له أن يمنع ماءها إذا شاء ويبيحه إذا شاء، وليس ما كان يصنع قبل ذلك من إباحته إياه وإرفاقه جيرانه والناس والمارة بالذي يقطع عنه حقه ولا منعه وإصرافه حيث شاء وبيعه إن شاء إذا كان ما كان فيه إنما كان معروفا منه، ولم يكن ذلك منه عن صدقة كانت منه بأصل العين أو بحبس على الناس فله أن يحظره ويقطع ما شاء، وسواء كان مستنبطها أو مشتريها، وإنما هي بمنزلة بئر الزرع والأجنة إلا أني أحب له أن لا يمنع الشرب [بغير] حكم يحكم له به عليه، وقال لي أشهب: نعم ذلك له، وليس عليه أن يدخل في حظيره، ولم يكن له أن يمنعهم قبل أن يحظر من غسل ثيابهم في تلك العين إلا أن يكونوا يغسلون ثيابهم من حائطه في موضع يخاف على بعض ما فيه منهم فيكون له أن يمنعهم وإن لم يكن الحائط محظرا إذا كان على ما وصفت لك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا اختلاف في شيء من معانيها، فلا معنى لبيان ما لا يخفى من وجوهها، وبالله التوفيق. [مسألة: المسرح يكون بين القوم فيريدون اقتسامه] مسألة وسئل ابن وهب عن المسرح يكون بين القوم فيريدون

: لهم قرية يسكنونها ويزرعونها وأمام مزرعتهم مرعى لماشيتهم

اقتسامه هل ذلك لهم؟ فقال: لا يغير عن حاله التي كان عليها، وليس تقسم المسارح إنما تقسم الأرضون. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: لهم قرية يسكنونها ويزرعونها وأمام مزرعتهم مرعى لماشيتهم] من نوازل سئل عنها سحنون بن سعيد وسئل سحنون عن قوم لهم قرية يسكنونها ويزرعونها وأمام مزرعتهم مرعى لماشيتهم فعمد أكثر أهل تلك القرية إلى ذلك المرعى فحرثوه وزرعوه وبقي منهم ناس لم يأخذوا من المرعى شيئا ولم يزرعوا فيه شيئا وزرع الذين اختطوا سنين وزمانا أيكون للذين لم يأخذوا فيه معهم شيء أم لا؟ قال: لا يكون لهم معهم شيء. قلت: ويكون المرعى للذين زرعوا وعملوا؟ قال: نعم إذا كانوا قد عمروه وزرعوه زمانا ولم يرفع ذلك إلى السلطان حتى عمروه كما وصفت فأراه للذين عمروه بالحرث دون الذين لم يعمروا. قال الإمام القاضي: قول سحنون هذا خلاف قول ابن القاسم في آخر سماع يحيى: وهم فيما يعمر بعضهم من غامرهم المشترك أعذر في السكوت وأوجب حقا وإن طال الزمن جدا، وهذه المسألة تتخرج على اختلافهم في غامر القرية ومرعاها إذا كان خارجا عنها، إذ قد قيل: إنه محمول على أنه لأهل القرية على قدر سهامهم فيها إن حاز أحد منهم بالعمارة شيئا، وقيل: إنه محمول على أنه موات لجميع المسلمين إلا أن يدعيه أهل القرية فيصدقون في ذلك، وقيل: إنه محمول على أنه موات

مسألة: العلو يكون لرجل والأسفل لآخر فيخاف على حيطان الأسفل الضعف

لجميع المسلمين إلا أن يثبت أنه لأهل القرية، فعلى القول بأنه محمول على أنه لأهل القرية على قدر سهامهم فيها إن حاز أحد منهم بالعمارة شيئا منه دون سائرهم وهم حضور لا يغيرون ولا ينكرون مدة تكون الحيازة فيها عاملة بين الأقارب أو بين الأجنبيين على الاختلاف فيما حازه بعض الأشراك على بعض هل هم في ذلك بمنزلة الأجنبيين أو بمنزلة الأقارب كانوا أحق بما حازوه إن ادعوا أنهم استخلصوه لأنفسهم من أشراكهم بقسمة أو ابتياع أو هبة أو صدقة مع أيمانهم على ذلك، وعلى القول بأنه محمول على أنه موات لجميع المسلمين إلا أن يدعيه أهل القرية فيصدقون في ذلك إن حاز أحد منهم بالعمارة شيئا منه دون سائرهم وهم حضور لا يغيرون ولا ينكرون مدة تكون فيها الحيازة عاملة بين الأجنبيين، كان القول قول الحائزين مع أيمانهم فيما حازوه أنه مالهم وملكهم وبطل فيه دعوى الحاضرين للحيازة عليهم، وعلى القول بأنه محمول على أنه موات لجميع المسلمين إلا أن يثبت أنه لأهل القرية إن حاز أحد منهم شيئا منه بالعمارة دون سائرهم وهم حضور لا يغيرون ولا ينكرون كان القول قول الحائزين فيما حازوه واعتمروه بمجرد دعواهم أنه لهم دون يمين، وبالله التوفيق. [مسألة: العلو يكون لرجل والأسفل لآخر فيخاف على حيطان الأسفل الضعف] مسألة قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن العلو يكون لرجل والأسفل لآخر فيخاف على حيطان الأسفل الضعف من قبل شقوق بها إن بنى الأعلى، قال: يهدم الأسفل ويبني مثل ما كان أولا. قلت: وعلى من رفد الأعلى؟ قال: على الأسفل. قال محمد بن رشد: في المجموعة لابن القاسم خلاف رواية سحنون هذه عنه أن على صاحب العلو إدعام علوه حتى يبني صاحب

: غرس في واد فجاء رجل آخر فغرس في ذلك الوادي

السفل إذا احتاج إلى ذلك، ولكلا القولين وجه من النظر، ورواية سحنون أبين. [: غرس في واد فجاء رجل آخر فغرس في ذلك الوادي] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب الأقضية والأحباس قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عن رجل غرس في واد فكان ماء ذلك الوادي يسقي به غرسه فجاء رجل آخر فغرس في ذلك الوادي، قال: ليس له أن يحدث على الأول ما يقطع رحاه إلا أن يكون فيه ماء يكفيهما جميعا، قال أصبغ: وذلك إذا اشترك الأول بالإحياء والغرس والانتفاع بالماء. قال محمد بن رشد: قوله فجاء رجل آخر فغرس في ذلك الوادي يريد أنه غرس فوق الأول ليكون أحق بالماء منه على ما يوجبه الحكم في ماء النهر أن يبدأ الأعلى على الأسفل في السقي به حسبما أحكمته السنة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في سيل مهزور ومذينب «أن يمسك الأعلى حتى يبلغ الماء إلى الكعبين ثم يرسله على الأسفل» فلم ير ذلك له إذا لم يكن فيما فضل عنه من الماء ما يكفيه لأنه قال: إن ذلك إنما يكون له إذا كان في الماء ما يكفيهما جميعا، فعلى قوله إذا لم يكن فيما فضل عنه من الماء ما يكفيه بدئ هو بالسقي عليه فكان له هو ما فضل عنه، وقول أصبغ مبين لقول ابن القاسم أن الثاني إنما يمنع أن ينشئ غرسا فوق الأول ينقطع به الماء عنه إذا بدئ بالسقي عليه أو كان لا يفضل عنه ما يكفيه إذا كان غرسه قد انتفع بالماء ونبت به وحيي من أجله، ولأصبغ في الواضحة

مسألة: الفحص العظيم البورليس لأهل المنازل المحيطة به أن يقتسموه

خلاف قول ابن القاسم هو أن للثاني أن ينشئ حائطا فوق حائط الأول وإن لم يكن في الماء إلا ما يقوم به فانقطع السقي عن الأسفل على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يمسك الأعلى حتى يبلغ إلى الكعبين ثم يرسل على الأسفل» إذ عم ولم يخص، فوجب أن يحمل على عمومه إنشاء الأعلى قبل الأسفل أو الأسفل قبل الأعلى. وقول ابن القاسم أظهر وأولى لأن الماء إذا لم يكن فيه إلا ما يسقي به أحدهما فأحدث الثاني حائطا فوق الأول أضر بالثاني وأبطل عليه حائطه ومنعه منفعة قد سبق إليها وحازها، وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضرر والضرار فوجب أن يخص بنهيه هذا عموم قوله: «يمسك الأعلى حتى يبلغ إلى الكعبين ثم يرسل على الأسفل» فيكون مخصصا في الموضع الذي لا ضرر فيه، وهو إذا أنشأ جميعا حائطيهما معا أو أنشأ الأعلى حائطه قبل الأسفل، فإنما ذهب أصبغ بقوله إلى تبيين مراد ابن القاسم وإن كان لا يقول بقوله، وبالله التوفيق. [مسألة: الفحص العظيم البورليس لأهل المنازل المحيطة به أن يقتسموه] مسألة قال: وسئل عن المنازل تكون محيطة بفحص عظيم ويكون لأهل تلك المنازل فيما يلي كل منزل منها أرض غامرة تحرث، وأكثر ذلك الفحص بور يرعى فيه أهل تلك المنازل وغيرهم من المارة ويحتطبون فيه، ولا يزال بعضهم يتزيد إلى أرضه العامرة منه، وكيف إن اجتمعوا على اقتسامه؟ قال: أرى أن يترك على حاله ولا يجوز لهم اقتسامه للمنفعة التي فيه لمن بعدهم ممن يأتي وللمارة التي قد جرت فيه منفعتهم من رعيهم ومناخ إبلهم

: كان يبني رحى فأرادوا منعه لغاشية الرحى وما يردها من الناس

واحتطابهم فيه، فإن فعلوا شيئا من ذلك لم أر لمن زرع منهم أن يدخل معهم في شيء من ذلك، قال أصبغ: ويمنعون ويرد ويترك على حاله، وهو الحق، وهو بحال الماء المورود وسطهم فهو للعامة منهم وغيرهم وليس لهم اقتطاعه ولا ردمه ولا شيء منه ولا لأحد منهم قرب منه أو بعد لا جميعا ولا شتى. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن الفحص العظيم البور الذي يرعى فيه الناس ويحتطبون منه ليس لأهل المنازل المحيطة به أن يقتسموه ولا أن يتزيدوا إلى عامرهم منه فيتملكوه لما في ذلك من قطع منافع الناس منه، وإنما اختلف في قسمة البور الغامر والمسرح والشعراء التي تكون بإزاء القرى متصلا بها حيث يشبه أن يكون من حيزها حسبما مضى القول فيه مستوفى في أول رسم سماع يحيى، وفي رسم أول عبد ابتاعه فهو حر، وبالله التوفيق. [: كان يبني رحى فأرادوا منعه لغاشية الرحى وما يردها من الناس] من نوازل سئل عنها أصبغ وقال أصبغ في رجل كان يبني رحى أو بنى في جوار مغتسل لقوم أو مستقى فأرادوا منعه لغاشية الرحى وما يردها من الناس هل لهم منعه؟ وكيف إن كان على المغتسل طريق سائرة عامرة هل له بذلك حجة عليهم؟ وكيف إن غور صاحب الرحى مجازا فوقها لعامة أو لخاصة قريبا فردهم عنه إلى مجاز فوقه أو تحته هو أخصر لهم أو فيه بعض الجور عليهم إلا أنه لا مضرة عليهم فيه؟ قال أصبغ: الجواب فيه إن شاء الله إن كان يضر بهم وبغاشيتهم ومستقاهم وممرهم أو ينتقص منها شيئا

مسألة: لهم مجرى ماء وهم فيه أشراك فاندفنت الساقية فأرادوا حفرها وتنقيتها

فيفسده عليهم ويغور أرضهم إلى غيرها لم يكن ذلك له على حال إلا أن يكون تحويل الطريق الذي ذكرت الأمر اليسير جدا ليس فيه عطف عليهم في ممرهم ولا عرج عن سعة طريقهم إنما هو اليمنة واليسرة، الظل بالظل، والجنب بالجنب واليمين باليمين، شيء لا يتباعد ولا يضر، فإن كان ذلك كذلك مما لم يلحقهم ضرره ولا عاقبته في طريقهم إذا أقبلوا ولا مخرجه إذا أدبروا من طريقهم هذه الأولى ولا في غاشيتهم ولا في خشونة مستقاهم ولا في مغتسل، فإذا كان هكذا وصح فلا أرى بذلك بأسا، وإن كان عليهم فيها وكف فحيث وجد الضرر على الطالب وجب على السلطان دفع الضرر. قال الإمام القاضي: هذه مسألة جيدة بينة صحيحة، وقد مضى بيانها ووجه الحجة فيها في رسم الصبرة من سماع يحيى فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: لهم مجرى ماء وهم فيه أشراك فاندفنت الساقية فأرادوا حفرها وتنقيتها] مسألة وسئل أصبغ عن قوم لهم مجرى ماء، وهم فيه أشراك، فلبعض الناس عليه أجنة كثيرة، ولبعضهم جنان أو جنانان، لبعضهم أكثر من بعض، فاندفنت الساقية، فأرادوا حفرها وتنقيتها، كيف تحفر على عدة الأجزاء أم على عدة الجماجم؟

قال: لا بل على الأجزاء والأنصباء فيه، والانتفاع فيه، وهو كالشفعة تكون على قدر الحقوق، وهو أيضا بمنزلة حقوق القسام تكون على قدر الحقوق والأنصباء، ولسنا بقول ابن القاسم فيه إنه على الجماجم، ولا نعلم شيئا من هذا يكون على الجماجم في أنواع العلم إلا كنس المراحيض المشتركة لأن الانتفاع بها وفيها سواء، ولا يحاط فيه بعلم معرفة ذلك، فإن اختنقت الساقية واحتاجت إلى الكنس وكان بعضهم ينتفع بأعلاها وبعض بأسفلها فدعا الأسفلون الأعلين إلى الكنس، وقالوا لهم: تكنسون معنا لأن مجرى مائكم علينا، فإن اختنقت عندنا أضرت بكم، وقال الأعلون: لا حاجة لنا بكنسها، وذكروا أنها ليست مضرة لهم فقال: أرى أن يكنسوا معهم لأن مجرى مائهم فيها. قلت: فإن اختنقت في أعلاها فدعا الأعلون الأسفلين إلى الكنس فأبوا عليهم؟ قال: ذلك لهم إلا أن يعينوهم، وإنما أمرنا الأعلين بالكنس مع الأسفلين لأن مجرى مائهم ووسخهم عليهم، وليس للأسفلين على الأعلين مجرى. قال الإمام القاضي: أما إذا اندفنت الساقية في أعلاها قبل أن تصل إلى واحد منهم، وهي إن نقيت وصل الماء إلى جميعهم، وإن لم تنق لم تصل إلى واحد منهم، فالذي ذهب إليه أصبغ من أن حفرها وتنقيتها يكون على قدر الحقوق لا على عدد الجماجم هو الأظهر مما قيل في ذلك لأنه أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم، فله في كتاب الأقضية من المدونة في أجرة القاسم إنما تكون على عدد الرؤوس لا على قدر الأنصباء،

وله في أول سماع يحيى عنه من كتاب البضائع والوكالات في أجرة الأجير على الخصام أنها تكون على قدر الأنصباء لا على عدد الرؤوس، وذلك اختلاف من قوله، إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى والقياس، وهذا الاختلاف داخل في مسألتنا هذه وفي غير ما مسألة، من ذلك مسألة نوازل سحنون من كتاب الجعل والإجارة في القوم يستأجرون الأجير وعلى حرز أعدال متاع أو حرز حبال مقاث ولبعضهم منها القليل، ولبعضهم الكثير، وما أشبه ذلك من المسائل، واختلف أيضا قول ابن القاسم في تنقية الكنف، فالمعلوم من مذهبه الأظهر من الأقوال أنها تكون على عدد الرؤوس، وهو على قياس قوله إنها تكون على قدر الأنصباء، وهو قوله في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، وعليه يأتي ما روي عنه من أن تنقية كنف الدور المكتراة تكون على أرباب الدور، فتفرقة أصبغ بين كنس الكنف وسائر المسائل المذكورة هو أظهر الأقوال، ويتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها تفرقة أصبغ هذه بين تنقية الكنف وما سواها من المسائل، والثاني أن الحكم في جميعها أن يكون على عدد الأنصباء لأن من قال في كنس الكنف إنه يكون على قدر الأنصباء، وهو مذهب أشهب في سماع أصبغ من كتاب الأقضية، وأحد قولي ابن القاسم على ما ذكرناه، فأحرى أن يقول ذلك في سائر المسائل، والثالث أن الحكم في جميعها أن يكون على عدد الرؤوس لأن من قال في أجرة القسام وفيما سواها من المسائل المذكورة إنها تكون على عدد الرؤوس فأحرى أن يقول ذلك في تنقية الكنف، وأما إن اندفنت الساقية بعد أن وصلت إلى واحد منهم فإنه يقال للذي لم تصل إليه: إما أن تعمل مع الذي وصلت إليه، وإما أن يعمل هو وحده ويكون أحق بحظك من الماء حتى تأتيه بما يجب عليك من النفقة على الاختلاف الذي ذكرناه من عدد الجماجم وقدر الأجزاء، وأما إذا اختنقت الساقية بعد أن تجاوزت حظ

مسألة: هل يلزم استئذان الإمام في إنشاء الأرحى على الأنهار

أحدهم وهو الأعلى منهم فلا يلزم الأعلى أن يعمل مع الأسفل إذ لا منفعة له في العمل ولا ضرر عليه في تركه لتأتي السقي له في الحالتين جميعا، هذا الذي يأتي في هذه المسألة على أصولهم، وقوله فيها: فإن اختنقت الساقية فاحتاجت إلى الكنس وكان بعضهم ينتفع وبعضهم بأسفلها لأنها هي الساقية التي يتصور فيها أن ينتفع بعضهم بأعلاها وبعضهم بأسفلها، وأما ساقية ماء السقي فأعلاها ينتفع به الأعلى والأسفل، وأسفلها لا ينتفع به إلا الأسفل وحده، وقد مضى الحكم في ذلك وتفصيل القول فيه. وأما حكم الساقية التي تجري في المحاج بالأثقال والرحاضات فالحكم فيه على ما قال أصبغ في الرواية من أن يعمل الأعلى مع الأسفل ولا يعمل الأسفل مع الأعلى للعلة التي ذكرها من أن ماء الأعلين ووسخهم يجري على الأسفل، وليس للأسفل على الأعلى مجرى، وقد بين ذلك سحنون فيما حكى عنه ابن أبي زيد في النوادر من رواية أبي بكر بن محمد فقال: على الأول أن يكنس وحده حتى يبلغ إلى الثاني، ثم على الأول والثاني الكنس حتى يبلغا إلى الثالث، ثم على الأول والثاني والثالث الكنس حتى يبلغوا إلى الرابع، هكذا أبدا حتى يبلغوا إلى آخرها، وهذا لا اختلاف فيه إذا كانت تجري في الأزقة والطرق، وأما إذا كانت تجري في الدور والأملاك فقيل: إن على كل واحد من أرباب الدور والأملاك أن ينقي ما في داره أو ملكه منها، وهو الذي يأتي على مذهب أشهب وأحد قولي ابن القاسم في أن تنقية الكنف المشتركة على قدر الأنصباء، وتنقية كنف الدور المكتراة على أرباب الدور لا على المكترين، وبالله التوفيق. [مسألة: هل يلزم استئذان الإمام في إنشاء الأرحى على الأنهار] مسألة وسئل عن إمام اغتصب أرحية على نهر، وتلك الأرحية قديمة بذلك الموضع، فعمد الغاصب فخربها وبنى تحتها قريبا من موضع المغصوبة منه أرحية بنقض المغصوبة، فأقامت الأرحية بالموضع الذي أنشأها فيه الغاصب زمانا طويلا خمسين سنة أو

أكثر تداولها أمراء، ثم إن ورثة المغصوب قاموا طالبين بحقهم فأنصفوا منه، وقضي لهم به، وأمر أهل الغاصب ومن كانت تلك الأرحية في أيديهم من ورثة أولئك الأمراء بقطع نقضهم من الموضع الذي أحدث فيه الغاصب الأرحية، وذلك إذ لم تقم لورثة المغصوب البينة على نقض، وقامت لهم البينة على أصل الأرحية فوق هذا الموضع الذي أحدث فيه الغاصب، فأمر بقلع النقص وخراب تلك الأرحية من أجل أن موضع الأول لا يمكن أن تكون فيه أرحية لقرب المحدثة من موضع الأرحية الأولى فشق على أهل الغاصب قلع نقضهم لما يصير عليهم فيه من المؤونة، فباعوا ذلك النقض من المغصوب، فلما اشتراه المغصوب وصار له بالموضع الذي كان الغاصب أحدث فيه أرحية رأى أن يقر النقض على حاله ويبني بذلك الموضع أرحية من قبل أن ذلك الموضع لا يجوز لأحد أن يبني فيه رحى لمكان ضرورته بموضع الأول وإن هذا الموضع ليس لأحد من الناس، وإنما هو نهر للمسلمين عامة، فبنى المغصوب منه بذلك الموضع أرحية وأنفق فيها أموالا عظيمة والإمام والقاضي وجميع الناس ينظرون إليه ينفق ويبني ويعمل حتى فرغ منها بالمؤونة العظيمة، ثم اغتلها بعد ذلك سنتين أو ثلاثا، ثم قام عليه الإمام اليوم بعد ما وصفت لك فأراد

أن يخرب عليه الإمام ما عمل، وقال له الإمام إن هذا الموضع الذي أقررت فيه أرحيتك ليس لك، وإنما هو للناس، وأنا الناظر فيه وموضعك الذي قضى لك فيه فوق هذا، وأراد أن يخرب عليه، فكان من حجة المغصوب في ذلك أن قال: أما موضعي الذي بنيت فيه فإن الغاصب الأول حين أخرق أرحيتي ونقلها من موضعها إلى هذا الموضع أفسد علي المنصب وغدره، وإنما غدره ليصلح على نفسه هذا الموضع الذي نقل إليه النقض، ومع ذلك أيضا إني يوم غصبني هذا الغاصب لو أردت أن أنقلها إلى هذا الموضع لم يكن لأحد أن يمنعني منه، ولا على أحد فيه مضرة، ولا لأحد أن يبني بهذا الموضع أرحى لموضع ضرر ذلك بأرحيتي التي من فوق، وإن الموضع الذي أقررتها به ليس لأحد من الناس، بل أنا أعظم الناس فيه حظا لأني لا أترك أحدا يبني فيه رحى لأنه يبطل علي أرحيتي التي فوق، ومع ذلك أيضا أنه يقول المغصوب منه للإمام: أيها الإمام، أنت تنظر إلي أبني وأنفق الأموال وأستغل الأموال العظام، وأنت قضيت لي بتخريبها، ثم تزعم اليوم أنك أولى الناس بالموضع مني لأنك تزعم الناظر للناس، والإمام القاضي يقول خذ موضعك الذي قضيت لك له به فابن فيه ودع هذا لما يعلم أن ذلك الموضع لا يستقيم فيه أرحية [بعد] لما أفسد فيه الغاصب الأول وغدر ذلك الموضع، قال أصبغ: لا أرى لذلك الإمام القاضي نقضه عليه ولا العرض له، وأراه

جاهلا خاطئا لما يريد أن يفعل من هذا فلا يخطئ ثانية كما أخطأ أولا، فقد أخطأ في الأمر الأول حين فسخه وعرض فيه لأنه لم ينقضه لنقض المغصوب منه بعينه، فقد ذكرتم في المسألة أنه لم تثبت له بينة على النقض أنه له ولا أنه بنيانه، وإنما فسخه لموضع المحدث على موضع الأول، ولم يكن من الصواب ذلك لأن الأول قد مات ما كان أحيا وصار الثاني كمن أحيا مواتا آخر بعده فلا يمات حي لموات قد مات لا يقدر على إحيائه لأنه قد استغدر وصار مواتا ممتنعا من الإحياء، وإنما كان يجوز له أخذ النقض لو كان للأول فيه نقض معروف كان أدخل فيه يوجد قائما أيضا لم يتغير ولم يبل مما كان يكون له منتفع إذا قلع كالسواري تحت البنيان تخرج إلى بنيان غيره إذا غصبت، فأما شيء قد بلي وأكله الماء فلا ينزع وإن كان غصبا لأنه لا ينتفع به، وموضعه [ليس] لصاحبه فينتزعه وصاحبه مضر، وإنما كان ينبغي للإمام أن يقضي في هذا للمغصوب منه بقيمة بنيانه ورحاه يوم هدمها الغاصب الأول، وإن كان الأمر هكذا في بلاء الحجارة والنقض، فإن كان ذهب بحجارتها [مع ذلك] بأمر مشهود عليه قضى له بالقيمة قائمة، وإن لم يذهب قضى له بما بين القيمتين ما نقص الهدم والفساد منها حينه إلى وقت قلعها مبنية، فإذا جهل هذا وأخطأه وأخطأ العمل فيه بصوابه وفسخ وأمر بالقلع وقضى به فاشتراه المغصوب منه وأقره بإقراره إياه وبما زاد فيه واعتمل وبنى فلا أرى أن يعرض له فيه ولا ينقض عليه، ولا ينقض الإمام

حكمه الماضي له به لأنه وجه شبهة من القضاء والفوت، وإنما هذا بمنزلة ما لو قضى له فاشتراه غيره وأرضى صاحبه المنقوض له منه ومن النفقة وأقره لنفسه أو زاد فيه لم ينبغ في الحق أن يفسخ على هذا المشتري الأجنبي لأنه يصير ذلك بمنزلة محي مستأنف في ذلك الموضع، ولا يكون أيضا للإمام عليه خيار في قلعه أو إثباته بالنظر بزعمه للمسلمين، لا أرى هذا له ليس من قبل أنه علم به فأقره فقط، ولكنه من قبل أنه قد كان لهذا أن يحييه يومئذ لو كان معطلا مهدوما من أصله بغير إذن الإمام القاضي وبغير علمه لأن ذلك سنتهم في أنهارهم وعملهم وعملها مباح لهم فيها من أول الإسلام إلى هلم جرا لا يستأذنون إماما فيه لأن أنهارهم إنما هي لهذا ولمثله من المنافع، وهذا الغالب عليها ولمصائدهم كنحو أرحيتهم ليست مساقي في طرق حمالة ولا سيارة ولا مساقي لغيرها من الأرض ولا مركوبة فيمنعون المارة وغيرها فيمنعون حينئذ، وليست لها مصارف إلا هذه المنافع فهي لهم فيها وإن قربت من العمران. قال محمد بن رشد: هذه مسألة أرحى القنطرة بقرطبة لما نزلت كتب فيها إلى أصبغ، فأجاب فيها بهذا الجواب، وهو جواب صحيح على مذهبه في أنه لا يلزم استئذان الإمام القاضي في إنشاء الأرحى على الأنهار فيما قرب من العمران لأن الواجب كان في ذلك على أصله هذا إذا كان الغاصب قد خرب الرحى التي غصبها وغدر موضعها بالرحى التي أحدث تحتها حتى لا يمكن أن تعاد فيها الرحى أن يقر الرحى الثانية للغاصب على حالها، ويكون عليه للمغصوب قيمة رحى مبنية على ما كانت عليه يوم هدمها

: لا ضرر ولا ضرار

من جودة البناء ورداءته، وإنما كان يجب أن يقضي على الغاصب بتخريب الرحى التي أحدثها تحتها إن كان لم يغدرها بذلك، ويمكن إذا خربت أن تعاد على حالها ويكون عليه مع هذا قيمة بنيانها، فيمكن أن يتأول قوله وأمر القاضي أهل الغاصب بقلع نقضهم على هذا، ويقال: إن سكت عن ذكر قيمة البنيان للعلم به فلا يكون الحكم على هذا خطأ كما تأول أصبغ وهو الأولى لأنه يبعد أن يحكم للمغصوب منه بما لا منفعة له فيه من هذه الرحى المحدثة لا أكثر فيمضي مال الغاصب في غير منفعة تصل إلى المغصوب أو أن يحكم له بقيمة رحاه على الغاصب ثم يقضي عليه أيضا بهدم رحاه التي أحدثها، وعلى كلا التأويلين لا يكون للإمام ما ذهب إليه من أن يخرج المحكوم له المغصوب من الرحى المحدثة إذ قد اشترى نقضها من ورثة الغاصب الذين قضى عليهم بقلعه وأقره في موضعه لأنه ينزل بذلك منزلة بانيه الذي قد استحقه ببنيانه إياه لأن ذلك إحياء له على مذهبه وإن لم يستأذن الإمام لا سيما وقد بنى هو بذلك الموضع أرحية بعلم الإمام والقاضي وجميع الناس كما ذكر في السؤال، وقول أصبغ في هذه المسألة: إن من أنشأ رحى فيما قرب من العمران على نهر فليس عليه أن يستأذن الإمام في ذلك بعيد عندي، والصواب أن ذلك لا يكون له إلا بإذن الإمام إذا كانت الضفتان لجميع المسلمين كما لا يكون له إذا كانت الضفتان ملكا لرجل إلا بإذن ربهما، وقد قيل فيمن أحيا مواتا فيما قرب من العمران بغير إذن الإمام: إن للإمام أن يخرجه منه ويعطيه قيمة بنيانه منقوضا، فعلى هذا القياس يكون للإمام في هذه المسألة ما ذهب إليه من أن يخرج المحكوم له من الرحى المحدثة ويعطيه قيمة بنيانه منقوضا، وبالله التوفيق. [: لا ضرر ولا ضرار] من سماع حسين بن عاصم من ابن القاسم قال حسين: سألت ابن القاسم عن سداد الأرحية إذا كانت قد تقادمت في أيدي أهلها أربعين سنة أو خمسين سنة فيشتري قوم خشبا في جبل هو على ذلك الوادي فيريدون المرور بها في

النهر حتى يبلغوها موضع نفاقها أو موضع حاجتهم إليها فيمنعهم أهل الأرحية ويقولون: لا تمروا بها على سدادنا ولا تخرقوها علينا، فيعطونهم على تلك الخشب ليفتحوا لها فرجا في سدادهم ويمتنعون بذلك أصلا فلا يريدون أن يفتحوا لهم لتمر خشبهم، قال ابن القاسم: أرى أن يوكل الإمام القاضي رجلا حازما ممن يخاف الله بهدم ما يضر الناس من تلك السداد في ممرهم بخشبهم وسفنهم ويترك ما وراء ذلك مما لا يضرهم في ممرهم بخشبهم وحوائجهم لسفنهم من سده لينتفع به إذا لم يكن في ذلك مضرة، لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ضرر ولا ضرار» فتفسير ذلك ألا يتخذ أحد ما يضر بأحد ولا يمنع أن يتخذ ما لا يضر بأحد، قال: ولا أرى أن يأخذوا من أحد شيئا مما وصفت لك، وأرى أن يؤمروا بهدمها وتخلية الناس في طريقهم في نهرهم كما وصفت لك، وأرى أن يخرق من ذلك السد لممر القوارب لحوائج الناس في حمولتهم وصيدهم وغير ذلك مما يحتاجون إليه إذا كان النهر تمر به القوارب العظيمة يحمل الناس فيه حوائجهم من أطعماتهم وغير ذلك، وليس لأحد أن يقطع بسده ممر الناس في النهر. قال الإمام القاضي: وهذا كما قال؛ لأن منفعة عامة المسلمين بالمرور في النهر بخشبهم وقواربهم لوجوه منافعهم لا يستحقها عليهم أصحاب

السداد بطول المدة، إذ ليس هو حق لمعين فيحمل عليه بطول السكوت أنه راض بترك حقه في ذلك، فالواجب في ذلك ما ذكر من أن يخرق من السد موضع تمر منه الخشب والقوارب لمنافع الناس من حوائجهم وصيدهم، ولا يهدم جميع السد فيبطل على صاحبه رحاه وإن كان المرور في النهر يسهل بذلك؛ لأن الضرر على صاحب الرحى بإبطال الرحى عليه أكثر من الضرر الذي يلحق المارة في مرورهم على الموضع الذي خرق منه، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اجتمع ضرران نفى الأصغر الأكبر» فتأوله أهل العلم في مثل هذا المعنى، وهو كثير في غير ما وجه واحد، ولو أراد رجل ابتداء أن ينشئ رحى في حقه على النهر ويقطعه بسد لم يكن ذلك له إلا أن يترك بالسد بابا مفتوحا يمر به من احتاج إلى المرور فيه [إذا كان المرور فيه] متصلا، وإن لم يكن متصلا كان له أن يسده في الأوقات التي لا يحتاج الناس إلى المرور عليه لأن النهر كالطريق فلا يباح لأحد أن يحدث فيه ما يقطعه، ولا يمنع من أن يحدث فيه ما ينتفع به مما لا يضر به ولا يقطعه، وأما إن أراد أن يحدث فيه ما يضر به بعض الضرر ولا يقطعه فذلك إلى اجتهاد الإمام القاضي في أي الضررين أكبر إن كان الذي على المارة فيه أو على الذي يمنع من منفعته فيما يريد أن يبني فيه أو ينشئ عليه، وقد وقع في المبسوطة لمحمد بن إبراهيم المدني خلاف قول ابن القاسم هذا، قال: وسئل محمد بن إبراهيم المدني وكتب إليه من الأندلس عن الخشب التي تقطع بالمغرب عندنا فتطرح بالوادي فربما مرت بأصحاب السداد [فيمنعونهم من خرق السداد] وهم يصلحونها كما كانت فقال: إن كان خرقهم إياه يضر بصاحب السد لم أر أن يخرقوا شيئا، وإن كان لا يضر بهم وهم يصلحونه لا يخاف عليه حاله من أجل ما أخرق

مسألة: لا تحجروا على الناس

صاحب الخشب بعد إصلاحهم إياه فأرى أن لا يمنعوا من خرق ما مروا به على ما ذكرت لك، وقول ابن القاسم أظهر لما بيناه، والله أعلم. [مسألة: لا تحجروا على الناس] مسألة قال: وسمعت ابن القاسم يقول في الرجل تكون له الرحى القديمة فيتخذ رجل تحتها رحى فيقول صاحب الرحى القديمة: أنا أخشى أن تضر هذه الثانية برحائي فيبعث معهم رجالا من أهل البصر بالعمل فيقولون: لا فساد على رحاه من الرحى التي تحتها، فيأمر بالعمل ويأذن له بالبنيان، فإذا فرغ أضرت بالرحى العليا وجمعت عليها الماء فلم تتركها تدور، قال ابن القاسم: إذا اجتهد السلطان أولا كما ذكرت ثم أمره بالبنيان بعد أن رأى أهل البصر أنها لا تضر ثم أضرت فلا أرى أن تقلع، ولتقر على حالها، لأنها حكومة قد وقعت، فأنفق بها صاحب الرحى نفقته فلا سبيل إلى ردها، وليصبر صاحب الرحى العليا، قال ابن القاسم: ولو تركه صاحب الرحى العليا فعمل حتى طحنت رحاه وفرغ منها، ثم قام إلى السلطان وذكر ضرها فلم أر للسلطان أن يهدم الرحى عنه لأنه قد تركه حتى أنفق عليها النفقة العظيمة ثم يريد قلع عمله فليس ذلك له إذا كان حاضرا يرى عمله: قال ابن نافع أرى أن لا يمضي الضرر فيها على أحد كان أمر السلطان بالنظر فيه أو لم يأمر، وأرى أن يقلع إذا تبين لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ضرر ولا ضرار» .

قال ابن وهب: إذا رآه يبني حتى طحنت ثم أراد منعه من ذلك لم يكن ذلك له كانت رحاه قائمة أو قد خربت لأنه تركه ينفق ويحوز ما كان هو قد حازه من النهر حتى صار لغيره ثم أراد القيام عليه فيه فليس ذلك له لأن النهر موات، وقد قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا تحجروا على الناس. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب في هذه المسألة زيادة متصلة بقول ابن وهب، وهي: وقال ابن وهب فيمن أحيا مواتا ثم تركه فأحيا غيره فهو لغيره، وفي قول عمر هذا بيان من هذا، قال ابن وهب: فإذا ادعى صاحب الرحى القديمة أنه إنما كان تركه إياه على غير علم بضرورته وكان ذلك لا يخفى على أحد من الناس أنه يضر لم يكن له قول، وأقرت الرحى المحدثة على حالها، وإن كان ذلك يخفى حلف صاحب الرحى القديمة وكان له أن يقلع إن شاء، وفي هذه الرواية بيان لما يتأول عليه قوله بعد هذا إن شاء الله. ومساواة ابن القاسم في هذه المسألة بين الذي يبني بأمر السلطان وحكمه، وبين الذي يبني بحضرة صاحب الرحى العليا وعلمه في أن بنيانه لا ينقض، والمعنى الموجب لذلك مختلف، أما الذي يبني بأمر السلطان وحكمه فإنما قال ابن القاسم إن بنيانه لا يقلع وتقر رحاه على حالها من أجل أن الخطأ في ذلك ليس هو منه وإنما هو من الشهود إذ شبه عليهم فظنوا أن بنيانه لا يضر بالرحى التي فوقها، فكان ذلك بمنزلة الشاهد يرجع عن شهادته بعد نفوذ الحكم فيقول: شبه علي ويدعي الوهم والغلط فمن قولهم إن الحكم لا يرد، وإنما اختلفوا في الشاهد هل يغرم التالف بشهادته أم لا حسبما مضى القول

فيه في أول سماع عيسى من كتاب الشهادات؟ فعلى القول بأن الشاهد يغرم ما أتلف بشهادته وإن ادعى أنه شبه عليه فيها يلزم أهل البصر في هذه المسألة غرم قيمة الرحى العليا إن كانت بطلت، أو غرم ما نقص من قيمتها إن كان نقص بذلك طحينها ولم يبطل جملة، وأما على القول بأن الشاهد لا يغرم ما أتلف بشهادته إذا كان قد شبه عليه فيها ولم يتعمد الزور فلا يلزمهم شيء إلا اليمين إن ادعى عليهم صاحب الرحى العليا أن ذلك كان مما لا يخفى عليهم، وأنهم تعمدوا الزور في شهادتهم على الاختلاف في يمين التهمة، وذلك إذا كان ذلك مما يمكن أن يخفى، وأما إن كان مما لا يمكن أن يخفى على أحد من الناس فيلزمهم الغرم، ولا يمكنوا من اليمين. وأما الذي بنى بحضرة صاحب الرحى العليا وعلمه فإنما قال: إن بنيانه لا يقلع ويقر على حاله من أجل أنه جعل سكوته على البنيان مع العلم به كالإذن له فيه، وهو أصل قد اختلف فيه، قوله حسبما ذكرناه في غير ما موضع من هذا الديوان، وكذلك ساوى ابن نافع أيضا بين المسألتين في أن البنيان يقلع ولا يمضي الضرر على من حصل عليه، ووجه ما ذهب إليه أنه رأى حكم السلطان بذلك خطأ منه إذ قد تبين الضرر فبان له أنه قد أخطأ في حكمه ولم ير السكوت بمنزلة الإذن، وقول ابن القاسم أصح لأنه لم يخطئ في وجه الاجتهاد وإنما أخطأ عليه الشهود، ولو أخطأ في وجه الاجتهاد مثل أن يظن أن من حقه أن يبني رحاه في حقه وإن أبطل ذلك رحى غيره لوجب عليه أن ينقض حكمه بذلك قولا واحدا، إذ لم يختلف في أنه ليس له أن يبني رحى في موضع يبطل به رحى غيره، وإنما اختلف هل له ذلك إذا كان لا يبطلها وينقص من طحينها حسبما مضى القول فيه في رسم المكاتب من سماع يحيى، وفي سماع محمد بن خالد وقول ابن وهب في الذي ترك الرجل يبني رحى في موضع يضر برحاه ثم أراد أن يقوم عليه في ذلك أنه ليس له ذلك موافق لقول ابن

مسألة: لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقر به على نفسه

القاسم في الجواب ومخالف له في العلة، لأنه جعل العلة في ذلك أن النهر موات فمن أنشأ فيه رحى كان كمن أحيا مواتا من الأرض إن تركه حتى عاد إلى حالته الأولى كان لمن أحياه بعده، فجعل تركه إياه يبني رحى في موضع يبطل به رحاه بمنزلة تركه إياه رحاه حتى تبطل، إذ لو ترك رحاه حتى تبطل وتذهب ويعود الموضع إلى حاله قبل أن يبني فيه الرحى لكان لغيره أن يبني في ذلك الموضع بعينه رحى، فكيف فيما قرب منه؟ وهذا إنما يصح فيمن بنى على النهر رحى في موضع لا حق له فيه وإنما هو لجماعة المسلمين، وبالله التوفيق. [مسألة: لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقر به على نفسه] مسألة قال: وسمعته يقول: إذا كانت أرض لرجل على أرض رجل وللأسفل موضع رحى في أرضه ليس له موضع ساقية، فيقول لجاره الأعلى: ائذن لي أشق بالنهر في أرضك فأمر الساقية فيها إلى رحائي، فيأذن له وتطحن الرحى، فيريد صاحب الأرض العليا أن يؤخر الساقية عن أرضه فيقول رب الرحى: قد أنفقت النفقات حتى طحنت رحائي، فلما استقامت أردت أن تبطلها علي، فقال: ينظر في ذلك، فإن كان قد وهبها له لم يكن ذلك له، وإن كان إنما أذن له فيها ولا يعرف أهبة أم شراء أم صدقة أحلف رب الأرض [بالله] لما تصدق عليه ولا وهب ولا كان ذلك الإذن منه إلا عارية، فإذا حلف نظر، فإن كان مضى لذلك من الأجل ما يرى أن مثل تلك العارية تكون إلى مثله في مثل ما اعتمره عاملها أخرج له صاحب الرحى وأعطاه رب الأرض قيمة ما أنشأ على

مسألة: تكون المخاضة في أرضه فيريد أن ينشئ فيها رحى وذلك الرحى توعر المخاضة

تلك الساقية من عمل إن قلع كان له ثمن، وإن لم ينشئ شيئا أكثر من حفر الساقية وإجراء الماء فيها لمنفعته فلا أرى فيها قيمة عمل، وأرى له إخراجه منها، وإن لم يكن سكن مثل الذي يرى أن مثله عمل ذلك العمل إليه ثم أراد إخراجه لم يكن له ذلك حتى يتم أجل مثلها. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الكتب، وقوله فيها إنه إذا لم يعلم على أي وجه أذن له في ذلك إن كان على الهبة أو العارية كان القول قوله مع يمينه أنه إنما أذن له في ذلك على سبيل العارية صحيح لا اختلاف فيه، إذ لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقر به على نفسه، فإن نكل عن اليمين كان القول قول رب الساقية، وهذا إذا تداعيا في ذلك فقال صاحب الساقية: وهبتني، وقال صاحب الأرض: بل أعرتك، وأما إذا لم يدع صاحب الساقية على صاحب الأرض الإفصاح بالهبة وقال: إنما ظننت أنك تريد الهبة، وعلى ذلك حفرت الساقية، ولو علمت أنك لم ترد الهبة لما حفرتها وأراد أن يحلفه على ذلك لجرى ذلك على الاختلاف في لحوق يمين التهمة. وقوله إنه إذا حلف على العارية ومضى لها من الأجل ما يرى أنه أعاره إياه لم يكن له إلا قيمة نقضه منقوضا إن كان له فيما عمل فيها نقض هو مثل ما له في المدونة خلاف رواية المدنيين عن مالك، وأما قوله إن أراد إخراجه قبل أن يمضي من المدة ما يرى أنه أعاره إليه فليس ذلك له فهو خلاف ما له في كتاب العارية من المدونة لأن الذي له فيها إن له أن يخرجه ويعطيه قيمة بنيانه قائما، وبالله التوفيق. [مسألة: تكون المخاضة في أرضه فيريد أن ينشئ فيها رحى وذلك الرحى توعر المخاضة] مسألة وسألته عن الرجل يتخذ في أرضه رحى فيسد النهر حتى إذا انتهى إلى آخر السد إلى البرية عرض له رجل من فوقه جرف فيقول: لا تسد إلى موضع جرفي إني أخاف إذا خنق الماء من

أسفل وجاء السيل أن يحفر الجرف فيذهب أرضي، فنظر فيه فوجد ذلك إذا كان السيل ربما احتفر فكان كذلك، وربما نجا فلم يضر بأرضه ولم يحتفر، قال ابن القاسم: لا أرى أن يمنعه بذلك من سد النهر إلى موضع الجرف لأنه قد احتج بضرورة وعساها ألا تنزل أبدا به فيمنع هذا لما يخاف أن يجيء أو لا يجيء من منافعه الحاضرة لشيء لا يدري أيكون أم لا؟ وأرى أن يعمل ولا يمنع، قال: فأما لو نظر إليه أهل البصر بعمل الأرحية والأنهار فقالوا: إنه لا شك [أنه] إن جاء سيل إن كان على صاحب الجرف فذهب بأرضه لرأيت له قلع ذلك السد وكل ما يخشى ضرره في أرضه مما هو آت لا شك فيه، وليس هذا مثل الأول أن يقول: ربما أفسده البنيان أو ربما سلم، هذا لا يمنع من العمل لشيء لا يدري أيكون أم لا يكون؟ وهذا الأمر الآخر [هو] الذي لا أشك فيه ولا يترك وإنشاء الضرر عليه في أرضه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا في هذه المسألة إنه لا يمنع من منافعه الحاضرة لشيء لا يدري هل يكون أم لا صحيح وليس بمعارض على ما ظنه بعض الناس لما وقع في رسم الصبرة من سماع يحيى في الذي تكون المخاضة في أرضه فيريد أن ينشئ فيها رحى وذلك الرحى توعر المخاضة أو تغرقها أنه يمنع من العمل، فإن لم

مسألة: وجه المنفعة بالماء السقي

يتيقن الضرر بالمخاضة إلا بعد الفراغ من العمل قيل له: إن الذي يريد من العمل يخاف عاقبته، فإن زعمت أنه غير مضر فاعمل، فإن تبين ضرر عملك أبطلناه عليك ورددنا المخاضة على حالها، فإن شاء أن يعمل على ذلك عمل. والفرق بين المسألتين أن الضرر في مسألة سماع يحيى وإن كان لا يتبين قبل العمل فهو يتبين بعده، فإن تبين بعده قدر على إزاحته، وما يخاف ويتقى في هذه المسألة ليس له حد معلوم إذ لا يتبين بتمام العمل، ولعله لا يقع ولا يقدر على إزاحته أيضا إن وقع، ولا يصح أن يقال للذي يريد العمل اعمل على أنه إن وقع ما يخاف لزمك الضمان، إذ لا يدرى متى يقع إن وقع، ولعله لا يقع إلا بعد موته وبعد انتقال الأملاك، وهذا بين والحمد لله. [مسألة: وجه المنفعة بالماء السقي] مسألة وسألته عن النهر الصغير تكون عليه الأرحية والأجنة والكروم والشجر فيسقي بماء ذلك النهر أهل كل قرية شجرهم وأجنتهم والأرحية بعضها فوق بعض إلى آخر النهر والقرى على النهر فيشربون من مائه ويردون عليه بمواشيهم فيقل ماؤه في الصيف من أجل ما كثر عليه من السداد سداد الأرحية فلا يأتي القرى السفلى من الماء ما يسقون به ويردونه بمواشيهم، وربما جفت شجرهم، قال: أرى أن يهدم الوالي تلك السداد إذا علم أن الماء سيأتيهم عامة بهدم السداد ويكون ذلك منفعة للقرى فأرى أن يأمر بخرق السداد إلا أن يخرج من أرض قوم وحوزهم فيكونون أولى بذلك وأحق حتى يفرغوا من حاجتهم، ثم يكون الأسفلون كلهم فيها بالسوية، ثم يقسم أهل كل قرية ماءهم إذا كانوا يحتاجون إليه

مسألة: النهر الكبير الذي يكون عليه السواني والأرحية

على قدر ما لهم في القرية، قال: وإن كان لأحدهم شرب معلوم من أهل القرية الأسفلين أعطيه إذا ثبت ذلك له إذا أحقه ببينة عدول أو أمر بين. قلت: فإن كانوا يردون آبارا لهم وعيونا بمواشيهم وكان نهرهم كما وصفت لك من الأرحية والأجنة والشجر فقل ماء النهر في الصيف أترى أن يخرق تلك السداد ويسقي الناس شجرهم وأجنتهم ويبطل الأرحاء؟ فقال: نعم أرى ذلك إذا كان خرقها يبلغ إليهم ويتمتعون به رأيت ذلك ورأيت ألا يمنعوا منافعهم من ذلك، فإن رأى أن ذلك الخرق في السداد لا ينفعهم ولا يسقون به شيئا لم أر خرق تلك السداد إذ لا ينفعهم ولا يسقون به شيئا. فلا أرى لهم أن يخرقوه. قال الإمام القاضي: وقعت هذه المسألة في بعض الكتب، وهي مسألة صحيحة بينة لا وجه للقول فيها لأن وجه المنفعة بالماء السقي، فهو مقدم على الطحن، فإذا قل الماء ولم يمكن السقي به إلا بهدم السداد وجب أن تهدم، والله الموفق. [مسألة: النهر الكبير الذي يكون عليه السواني والأرحية] مسألة وسألته عن النهر الكبير الذي يكون عليه السواني والأرحية فيكثر ذلك فيقل ماؤه في الصيف فيسد الأعلى رحاه فيحبس الماء ليلة وبعض يوم ثم يرسله فيطحن رحاه ويسقي شجره، ثم يتولاه الذي يليه فيفعل مثل ذلك، فربما بقي الأسفل لا يطحن رحاه أياما يحبس الأعلون الماء عنه، قال: أرى للوالي أن يأمر رجالا أمناء كل قوم بناحيتهم فيمنعون من سد ذلك الماء ولا يدعونهم وذلك، ويرسلونه إذا كان في إرساله للأسفلين في طحينهم

مسألة: اشترى من رجل حظه في قرية من عامرها وغامرها ولم يعرف حد ما اشترى

وأجنتهم منفعة، قال: فإن لم يكن لهم في ذلك منفعة تركوا وذلك ولم أر أن يمنعوا من منافعها إذا لم يضروا بأحد. قال محمد بن رشد: هذه المسألة وقعت أيضا في بعض الكتب، وهي بينة لا وجه للقول فيها، والله ولي التوفيق برحمته. [مسألة: اشترى من رجل حظه في قرية من عامرها وغامرها ولم يعرف حد ما اشترى] مسألة قال ابن القاسم: من اشترى من رجل حظه في قرية من عامرها وغامرها ولم يعرف حد ما اشترى في تلك القرية [من الشعراء] ولا حد ما يصير للبائع ولا كم جزء ينقسم فلا يجوز الاشتراء وأراه بيعا مفسوخا. قلت لابن القاسم: فإن كل المشتري قد غرس من تلك الشعراء ما كان يصير لصاحبه أو دونه قليلا؟ قال: أرى ذلك قد فات بعمارته لأنه قد دخلها نماء ويمضي البيع ويقوم الحظ كله العمران والشعراء والدور على المعرفة بها بعد رؤيتها جميعا ويعطى البائع تلك القيمة ويمضي البيع للمشتري. قلت: فإن كان المشتري عمر من الشعراء الشيء اليسير؟ قال: أرى أن يرد البيع ويفسخ ويعطى هذا قيمة مثله في عمله يوم يحكم فيها، وإنما هو عندي بمنزلة الرجل يشتري دارا بيعا مفسوخا فيهدم منها بيتا أو يبني فيها بيتا فإن ذلك لا يفوت له ردها. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة أيضا في بعض الكتب في بعض الروايات وهي صحيحة، قوله فيها: إن البيع فاسد إذا لم يدر قدر ما

اشترى كما قال، ومعناه إذا لم يعرف البائع أيضا قدر ما باع، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه لأن البيع لا يجوز إلا أن يكون معلوما في معلوم إذ لا يصح فيه المجهول «لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر» ، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع لأنها تنقسم إلى سبعة أقسام، فمن أحب الوقوف عليها وأراد الشفاء منها تأملها في موضعها المذكور، وتفرقته إذا كان البيع في الحظ المشترى فاسدا بين أن يغرس من الشعراء اليسير جدا أو ما له منها قدر وبال صحيح أيضا، وقد مضى بيانه والقول فيه في كتاب جامع البيوع في أول رسم من سماع أشهب منه وفي نوازل أصبغ أيضا فلا معنى لإعادته، والله ولي التوفيق برحمته، وله الحمد كثيرا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله. انتهى كتاب السداد والأنهار بحمد الله وعونه

: كتاب المديان والتفليس الأول

[: كتاب المديان والتفليس الأول] [: العبد يستتجره سيده ثم يفلس وعليه دين للناس] كتاب المديان والتفليس الأول

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس قال ابن القاسم: قال مالك في العبد يستتجره سيده ثم يفلس وعليه دين للناس: إن سيده لا يحاص الغرماء بما كان في يد العبد من المال الذي استتجره به إلا أن يكون أسلفه سلفا أو باعه بيعا فإنه يحاص به الغرماء، فإن باعه بيعا وكتب عليه دينا كثيرا لا يشبه مال العبد فإن الغرماء أولى به إلا أن يكون ارتهن منه رهنا فهو أولى برهنه، وإن كان الذي كتب عليه سيد العبد يشبه مال العبد فهو يحاص الغرماء به، قال سحنون: وإنما يكون أولى بالرهن إلى مبلغ قدر قيمة سلعته وما يشبه أن يكون ثمن سلعته، فأما ما لا يشبه أن يكون ثمن سلعته فلا يكون أولى به إلا بقدر قيمة سلعته، ويسقط الفضل الذي ازداد على قدر قيمة السلعة. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن العبد إذا استتجره سيده ثم

مسألة: إذا خلع الرجل من ماله لغرمائه فإنه يترك له ما يعيش به هو وأهله

فلس وعليه ديون للناس أن سيده لا يحاص الغرماء بما دفع إلى العبد من المال الذي استتجره به ولا فيما أسلفه أو باعه دون محاباة كالأجنبي يحاص الغرماء بما أسلفه وبثمن ما باعه، وإن كان ارتهن منه بذلك رهنا كان أحق به من الغرماء، واختلف إن كان باعه بيعا حاباه فيه العبد على قولين: أحدهما أنه لا يحاص الغرماء بشيء ويبطل جميع دينه، وهو ظاهر هذه الرواية وما في كتاب المأذون له في التجارة من المدونة، والثاني أنه يبطل الزائد على قيمة السلعة ويحاص الغرماء بقيمة سلعته، وقد قيل: إن ذلك ليس باختلاف من القول وإن معنى قوله في هذه الرواية وفي المدونة إن الغرماء أولى به يريد بالزائد على قيمة سلعته وإن له أن يحاصهم بقيمة سلعته، وهو الصحيح في النظر وإن كان ظاهر ما في هذه الرواية وما في المدونة خلافه، واختلف إن كان ارتهن منه رهنا بجميع دينه على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يكون أحق برهنه بجميع ما رهنه به، وهو ظاهر هذه الرواية وما في المدونة، والثاني أنه يكون أحق برهنه إلى قدر قيمة سلعته ويبطل الزائد، وهو قول سحنون، والثالث أن الرهن يفسخ ويكون أسوة الغرماء بقدر قيمة سلعته، وهو قول ابن القاسم من رواية عيسى عنه في سماع ابن القاسم من كتاب الرهون، وقد قيل: إن قول سحنون مفسر لقول ابن القاسم، وهو الصحيح في النظر، فترجع المسألة إلى قولين: أحدهما أنه أولى برهنه إلى مبلغ قيمة سلعته، والثاني أنه لا يكون أولى به ويحاص الغرماء بقيمة سلعته، وبالله التوفيق. [مسألة: إذا خلع الرجل من ماله لغرمائه فإنه يترك له ما يعيش به هو وأهله] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: وإذا خلع الرجل من ماله لغرمائه فإنه يترك له ما يعيش به هو وأهله، وإن واجر نفسه فكذلك، العتبي: وكذلك قال لي سحنون: يترك له قدر كسوته ولا يترك قدر كسوة امرأته، قال ابن القاسم: أرى أن يترك له ما يكفيه أياما هو وزوجته وولده إن كان ولد صغار، وتترك لبسته إلا

مسألة: اكتتب ذكر حق على رجل وأشهد له أنه إذا جاء بذكر الحق فهو براءته

أن يكون فيها فضل عن لبسة مثله، وإن كان ما له من ذلك الشيء اليسير الذي لا خطب له ترك له ما يعيش به الأيام. قال محمد بن رشد: قوله: يترك له ما يعيش به هو وأهله يريد الأيام على ما قاله ابن القاسم وعلى ما في المدونة، وهي العشرة ونحو ذلك، وقال مالك في الواضحة وكتاب ابن المواز قدر الشهر، وليس ذلك عندي باختلاف من القول، وإنما هو على قدر الأحوال وما جرى به العرف من تقوت أهل ذلك المكان، وقد روى ابن نافع عن مالك أنه لا يترك له شيء، وهو قول ابن كنانة ووجه القياس، والأول استحسان، ووجهه أن الغرماء قد علموا أنه ينفق على نفسه وعياله فكأنهم عاملوه على ذلك، وأهله الذين يترك لهم النفقة الأيام أو الشهر على ما ذكرناه من التفصيل في ذلك هم أزواجه وكل من تلزمه النفقة عليه من صغار ولده وأمهات أولاده ومدبراته، ولم ير سحنون أن يترك له قدر كسوة امرأته، وشك مالك في ذلك في المختصر لأنها لا تجب إلا بمعاوضة وبطول الانتفاع بها فيكون ذلك كالنفقة لها بعد المدة المؤقتة، وهذا عندي إنما هو في ابتداء كسوتها، وأما إذا فلس وعلى زوجته كسوة قد كساها إياها لا فضل فيها عن كسوة مثلها وهو قائم الوجه فليس للغرماء أن يستردوها منها قولا واحدا، والله أعلم، لأن الغرماء قد دخلوا معه على ذلك. وقوله في هذه الرواية وإن واجر نفسه فكذلك معناه، وإن واجر نفسه ففضل عن نفقته ونفقة أهله فضل أنه يؤخذ منه وبالله التوفيق. [مسألة: اكتتب ذكر حق على رجل وأشهد له أنه إذا جاء بذكر الحق فهو براءته] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول فيمن اكتتب ذكر حق على رجل وأشهد له أنه إذا جاء بذكر الحق فهو براءته، فجاء به فادعى أنه سرقه فقال: إذا جاء به ترك واحلف بالله ما اغتلته وبرئ، وذلك مما يجوز بين الناس.

مسألة: يبارئ امرأته وهي حامل على أن تكفيه مؤونة رضاع ولدها

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه لأنه لما أشهد له أنه إن جاء به فقد برئ فأتى به وجب أن يكون القول قوله مع يمينه إنه لم يأخذه إلا بعد أن أدى ما عليه فيه لا سيما إذا ادعى عليه [فيه] سرقته وهو ممن لا تليق به السرقة، ولو أتى به فادعى أنه قد أدى ما عليه فيه ولم يكن صاحب الحق أشهد له أنه برئ إن أتى به لما برئ بالإتيان به ولكان القول قول الطالب إن ادعى أنه سرق منه أو ضاع له فسقط إليه وما أشبه ذلك، وكذلك على مذهب سحنون إن ادعى عليه أنه سرقه منه، ومعناه عندي إذا كان ممن يليق به ما ادعاه عليه من السرقة، وأما إن ادعى أنه دفعه إليه ليدفع إليه حقه فلم يفعل فيتخرج في ذلك قولان: أحدهما أن القول قول المطلوب، وهو الذي يأتي على ما في رسم العرية من سماع عيسى من هذا الكتاب في مسألة الذي يقوم على رجل بذكر حق ممحو فيقر أنه محاه وظن أنه قضاه، وعلى ما في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون في مسألة الرهن يوجد بيد الراهن فيدعي أنه قد أدى ما عليه فيه، والثاني أن القول قول الطالب إن كان بالقرب على ما في نوازل سحنون من كتاب الرهون، وإشهاده للذي عليه الحق أنه إن جاء بذكر الحق فقد برئ خلاف إشهاده على أنه من جاء به اقتضى ما فيه على ما يأتي له في رسم سن من هذا السماع ورسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: يبارئ امرأته وهي حامل على أن تكفيه مؤونة رضاع ولدها] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول في شريكين تحاسبا فكتب أحدهما لصاحبه البراءة من أخذ حق قبله ثم جاء بذكر حق قبله لم يقع في أصل البراءة اسمه فادعى صاحب البراءة أنه قد دخل هو وغيره في البراءة، قال: يحلف بالله لقد دخل في حسابنا

مسألة: هلك وقبله ودائع للناس وقراض لا يعرف شيء منها بعينه وعليه ديون

ويبرأ منه لأن القوم إذا تحاسبوا دخل أشباه هذا بينهم، فلو كان كل من جاء منهم بعد ذلك بذكر حق فيه شهد آخر بما فيه لم يتحاسبوا ليبرأ بعضهم من تباعة بعض. قال الإمام القاضي: هذا بين لا إشكال فيه ولا اختلاف لأن ذكر الحق الذي قام الطالب به قبل البراءة، وإذا كان قبلها فالقول قول المطلوب أنه قد دخل في البراءة، لأن الحقوق إذا كانت لرجل على رجل بتواريخ مختلفة فالبراءة من شيء منها دليل على البراءة مما قبله، وهذا من نحو قولهم فيمن أكرى دارا مشاهرة أو مساناة إن دفع كراء سنة أو شهر براءة للدافع مما قبل ذلك، ومثل ذلك ما وقع في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب التخيير والتمليك في الذي يبارئ امرأته وهي حامل على أن تكفيه مؤونة رضاع ولدها ثم تطلبه بنفقة الحمل فقال: إنه لا شيء عليه من ذلك لأنه يعرف أنه لم يكن يمنعها الرضاع ويعطيها هذا، وإنما الاختلاف إذا قام بذكر حق فادعى أنه بعد البراءة، وزعم المطلوب أنه قبل البراءة وأنه قد دخل فيها، وفي ذلك ثلاثة أقوال قد مضى تحصيلها في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات، وسيأتي في الرسم الذي بعد هذا من هذا الكتاب، وفي نوازل سحنون ورسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ منه، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وقبله ودائع للناس وقراض لا يعرف شيء منها بعينه وعليه ديون] مسألة قال: وسمعت مالكا يقول فيمن هلك وقبله ودائع للناس وقراض، وعليه ديون، فلما هلك لم يوجد عنده شيء من ذلك يعرف ولم يوص، قال: يتحاصون جميعا فيما ترك إلا أن يوصي في مال بعينه فيجوز لمن أوصى له به من قراض أو وديعة لمن لا يتهم عليه، قال ابن القاسم: وأما في الفلس فلا يصدق لأنه لو أقر عند الموت بدين لأجنبي جاز إقراره، ولو أقر به في الفلس لم يجز إقراره.

مسألة: قال لامرأتي علي من مهرها كذا وكذا وله ولد من غيرها أو ولد منها

قال محمد بن رشد: قوله فيمن هلك وقبله ودائع للناس وقراض لا يعرف شيء منها بعينه وعليه ديون إنهم يتحاصون جميعا فيما ترك إلا أن يوصي في مال فيجوز لمن أوصى له به من قراض أو وديعة لمن لا يتهم عليه صحيح لا اختلاف في شيء من ذلك كله أعلمه. وأما قوله: إنه لا يصدق في التفليس فيما أقر به من قراض أو وديعة ففي ذلك اختلاف كثير، قيل: إن ذلك جائز يريد مع يمين المقر لهم، وهو أحد قولي مالك في رسم العرية من سماع عيسى، وقيل: إنه لا يجوز، وهو قول ابن القاسم ههنا، وفي آخر كتاب الوصايا الثاني من المدونة، وفي رسم البيع والصرف من سماع أصبغ، وفي رسم الأقضية من سماع أشهب، وقيل: إنه يجوز إن كان على الأصل بينة ولا يجوز إذا لم تكن على الأصل بينة، وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد، وقد قيل في رواية أبي زيد: إنها مفسرة لأحد القولين، ولا اختلاف أنه لا يجوز إقراره بعد التفليس بدين لأجنبي ولا لغيره. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من كتاب تضمين الصناع، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأتي علي من مهرها كذا وكذا وله ولد من غيرها أو ولد منها] مسألة قال: قال مالك: ومن قال: لامرأتي علي من مهرها كذا وكذا، قال: ذلك في مرضه وله ولد من غيرها أو ولد منها لم يتهم أن يولج إليها ذلك دون ولده. قال محمد بن رشد: قوله: ولد من غيرها أو ولد منها كلام مجمل لأن الولد يقع على الصغير والكبير وعلى الواحد والجميع، وعلى الذكر والأنثى، والحكم في ذلك يختلف، ويختلف أيضا باختلاف حاله معها، فالذي يتحصل عندي في هذه المسألة على منهاج قول مالك وأصحابه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أن حال الرجل المقر لامرأته معها لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن يعلم منه ميل إليها وصبابة بها، والثاني أن يعلم منه

: باع من رجل راويتي زيت بعشرين دينارا فقبض عشرة دنانير وبقي عشرة ففلس

الشنآن لها والبغض فيها، والثالث أن يجهل حاله معها ومذهبه فيها، فأما إذا علم منه ميل إليها وصبابة بها فلا يجوز إقراره لها إلا أن يجيز ذلك الورثة، وأما إذا علم منه البغض فيها والشنآن لها فإقراره جائز لها على الورثة، وأما إذا جهل حاله معها في الميل إليها والبغض فيها فلا يخلو أمره من وجهين: أحدهما أن يورث بكلالة، والثاني أن يورث بولد، فإذا ورث بكلالة فلا يجوز إقراره لها، وأما إذا ورث بولد فإن الولد لا يخلو من أن يكونوا إناثا أو ذكورا، صغارا أو كبارا، واحدا أو عددا، منها أو من غيرها، فأما إن كان الولد إناثا يرثنه مع العصبة فسواء كن واحدة أو عددا، صغارا أو كبارا من غيرها أو كبارا منها يتخرج ذلك عندي على قولين: أحدهما أن إقراره جائز، والثاني أنه لا يجوز من اختلافهم في إقراره لبعض العصبة إذا ترك ابنة وعصبة، فإن كن صغارا منها لم يجز إقراره لها قولا واحدا، وأما إن كان الولد ذكرا وكان واحدا فإقراره لها جائز، صغيرا كان الولد أو كبيرا، منها أو من غيرها، وأما إن كان الولد ذكورا عددا فإقراره لها جائز إلا أن يكون بعضهم صغيرا منها وبعضهم كبيرا من غيرها فلا يجوز إقراره لها، فإن كان الولد الكبير في الموضع الذي ترفع التهمة عن الأب في إقراره لزوجه عاقا له لم ترفع التهمة عنه وبطل الإقرار على ما في سماع أصبغ وإحدى الروايتين في المدونة، وإن كان بعضهم عاقا له وبعضهم بارا به يخرج ذلك على ما ذكرته من الاختلاف في إقراره لبعض العصبة إذا ترك ابنة وعصبة، وكذلك الحكم سواء في إقرار الزوجة لزوجها، ولا فرق أيضا بين أن يقر أحدهما لصاحبه بدين أو يقر أنه قبض منه ماله عليه من دين، وبالله التوفيق. [: باع من رجل راويتي زيت بعشرين دينارا فقبض عشرة دنانير وبقي عشرة ففلس] ومن كتاب قطع الشجر من سماع ابن القاسم قال ابن القاسم: وسئل مالك عمن باع من رجل راويتي زيت بعشرين دينارا فقبض عشرة دنانير وبقي عشرة ففلس

المشتري وقد باع راوية وبقيت في يده راوية فأراد البائع أخذها بعينها، قال: أما في هذا الوجه فإني أرى حين اقتضى عشرة أنه قبض نصف ثمن كل راوية، فأرى أن يرد خمسة دنانير نصف ثمن الراوية التي أدرك بعينها، ثم يكون أحق بها من الغرماء، وكذلك أيضا لو باع عشرة روايا زيت بمائة دينار ثم اقتضى خمسين وبقيت له خمسون فأفلس المشتري وقد باعها إلا راوية واحدة فأراد البائع أخذها ولا يدخل الغرماء فيها أنه يرد خمسة دنانير نصف ثمن الراوية هذه التي أدرك، وذلك أنه حين قبض خمسين دينارا فقد اقتضى نصف ثمن كل راوية، فعلى نحو هذا يكون فيما نرى، وما كان من هذا الصنف وما أشبهه من الأعدال التي تباع بالمال العظيم وأثمانها مستوية في جملة واحدة فينتقد بعض الثمن فإنه ما انتقد من الثمن إنما ينتقده من ثمن جميعها إن كان قليلا أو كثيرا، فعلى هذا يحسب إذا نزل مثل هذا الأمر في المفلس، فكل ما كان من هذا النحو فإن الأمر فيه إذا جاءت فيه هذه المنزلة مثل ما وصفنا فيمن وجد ماله بعينه وقد أخذ بعض الثمن وباع بعضا، وقد فسرنا ذلك في موضع غير هذا، فذلك كذلك، قال مالك: إلا أن يشاء الغرماء في الراوية إذا وجدها أن يدفعوا إليه ما بقي من ثمنها ويأخذوها فذلك لهم. قال الإمام القاضي: هذه مسألة فيها في المذهب قولان: أحدهما هذا أن العشرة المقبوضة من ثمن الراويتين تفض على ما باع منها المبتاع المفلس وعلى ما وجد قائما بيده، فلا يكون للبائع أن يأخذ الراوية التي

أدرك بيد المبتاع إلا أن يرد ما نابها من العشرة المقبوضة كما لو باعها على حدة بعشرة فاقتضى من ثمنها خمسة، والقول الثاني أنه ليس للبائع أن يأخذ الراوية التي وجد إلا أن يرد جميع العشرة التي قبض، فإن أراد ذلك قبض الراوية التي وجد وكان أسوة الغرماء بالعشرة الأخرى التي هي ثمن للراوية الفائتة، وهو قول مالك في الموطأ لأنه قال فيه: فإن قبض من ثمن المتاع شيئا فأحب أن يرده ويقبض ما وجده من متاعه ويكون فيما لم يجد أسوة الغرماء فذلك له، وهذا القول أقيس لأنها صفقة واحدة فلا تبعض، ووجه القول الأول أنه لما افترق حكم ما فات مما لم يفت حكم لكل واحد منهما بحكم ما اشترى على حدة بعد أن يقبض الثمن على الجميع، ويأتي على مذهب الشافعي في هذه المسألة أنه يأخذ الراوية التي أدرك بالعشرة التي بقيت له ولا يرد شيئا، وتكون العشرة التي قبض ثمنا للراوية التي فاتت، وأهل الظاهر يقولون: إنه إذا قبض من الثمن شيئا فهو أسوة الغرماء بجميع ما بقي له منها، ولا يكون له حق في أخذ شيء مما أدرك بدليل قوله في الحديث: «أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به» . وقوله في آخر المسألة قال مالك: إلا أن يشاء الغرماء في الراوية التي وجدها أن يدفعوا إليه ما بقي من ثمنها ويأخذوها فذلك لهم صحيح على قياس قوله في أول المسألة، يريد ويضرب بما بقي من دينه معهم، ويأتي على ما في الموطأ أن ذلك ليس لهم حتى يدفعوا إليه جميع دينه، وهو نص قول مالك في رواية ابن وهب عنه، ولو جد الراويتين جميعا وقد قبض بعض ثمنهما كان مخيرا بين أن يسلفهما ويكون أسوة الغرماء بما بقي له وبين أن يرد ما قبض ويكون أحق بهما قولا واحدا في المذهب خلافا لأهل الظاهر في أنه أسوة الغرماء ولا خيار له، وخلافا للشافعي في أنه يكون له من الراويتين بحساب ما بقي له من الثمن، وبالله التوفيق.

مسألة: له على رجل دين فقضاه واكتتب منه براءة

[مسألة: له على رجل دين فقضاه واكتتب منه براءة] مسألة وسئل عمن كان له على رجل دين فقضاه واكتتب منه براءة فيها: وهو آخر حق كان له عليه فيأتيه بعد ذلك بذكر حق لا يعلم أكان قبل البراءة أو بعدها، قال: أرى براءته من ذلك أن يحلف لقد دخل هذا الذكر حق في هذه البراءة ويبرأ من ذلك، ولعله أن يأتي عليه بذلك بعد موته فلا يكون ذلك له. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الطالب أتى بذكر حق أشكل إن كان قبل البراءة أو بعدها إما لكونهما مؤرخين بشهر واحد أو عاريين من التاريخ أو أحدهما فلا يعلم المتقدم من المتأخر منهما، ووقع قوله فيها لا يعلم أكان قبل البراءة أو بعده معرى من الضبط، فإن كان أراد أن الطالب لا يعلم إن كان ذكر الحق الذي قام به قبل البراءة أو بعدها فإيجابه اليمين على المطلوب لقد دخل هذا الذكر حق في هذه البراءة مختلف فيه لأنها يمين تهمة من غير تحقيق دعوى، فيجري على الاختلاف المعلوم في لحوق يمين التهمة وصرفها؛ وإن كان أراد أن الطالب ادعى أن ذكر حقه الذي قام به بعد البراءة وحقق الدعوى بذلك ولم يعلم صحة قوله لالتباس التواريخ فلا اختلاف ولا إشكال في لحوق اليمين في ذلك ولا في وجوب صرفها، إلا أنه اختلف هل يكون القول قول الطالب أو قول المطلوب على ما ذكرناه من الاختلاف في الرسم الذي قبل هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: العروض تكون مختلفة فيبيعها في صفة واحدة ويقبض بعض ثمنها] مسألة وسئل ابن القاسم عن الأثمان إذا كانت مختلفة أو العروض تكون مختلفة فيبيعها في صفة واحدة ويقبض بعض ثمنها ثم

يفلس مشتريها قبل أن يقبض بقيته، قال: يقوم ثم يفض الثمن عليها ثم ينظر إلى ما اقتضى فيوضع على كل سلعة قدر ما يصيبها في المحاصة من قدر الثمن، فإن شاء الغرماء أن يتموا له بقية ثمن السلعة التي وجد على قدر المحاصة كان ذلك لهم، وإن أبوا وشاء البائع أخذها رد بقدر ما اقتضى من ثمنها وأخذ. سلعته، وتفسير ذلك أن يبيع ثلاثة أرؤس بمائة دينار ويقبض من الثمن ثلاثين دينارا ثم يفلس ويكون قيمة العبيد أحدهم نصف الثمن، والآخر ثلاثة أعشار الثمن، والآخر عشري الثمن، فيقسم الثلاثين على قيمة العبيد فيكون لصاحب النصف خمسة عشر، ولصاحب الثلاثة أعشار تسعة دنانير، ولصاحب العشرين ما بقي، فما فات منهم كان له في مال الغريم بقية ثمنه يحاص به الغرماء، إن فات الذي قيمته نصف المائة كان قد اقتضى من ثمنه خمسة عشر وبقي له من ثمنه خمسة وثلاثون يحاص به الغرماء، وإن أدركه فأراد أخذه رد مما قبض خمسة عشر دينارا واحدة إلا أن يرغب الغرماء في حبسه فيعطوه خمسة وثلاثين دينارا تمام الثمن، وكذلك إن أدرك صاحب العشرين فكان قد اقتضى من ثمنه ستة دنانير وبقي له من ثمنه أربعة عشر، وإن أدرك صاحب الثلاثة أعشار كان قد اقتضى من ثمنه تسعة دنانير وبقي له من ثمنه أحد وعشرون، فعلى ما فسرت لك يكون الأمر فيهم، وإن أراد الغرماء أن يأخذوه أعطوه بقية الثمن على ما فسرت لك الغرماء يخيرون عليه. قال الإمام القاضي: هذه المسألة حقها أن تكون متصلة بالمسألة الأولى من الرسم لأنها معطوفة عليها لأنها في المعنى مثلها، إذ لا فرق [في المعنى] بينهما إلا في فض الثمن على ما فات منها، وما بقي فهو

مسألة: أنفق من مال يتيمه في صنيع يصنعه له

يفض في المسألة الأولى على العدد لاستواء المكيل والموزون في الصفة والقيمة، وفي هذه على القيم لاختلاف العروض في الصفة والقيمة، فيدخل فيها من الاختلاف ما ذكرناه في المسألة الأولى، ولا معنى لإعادته، والله الموفق. [مسألة: أنفق من مال يتيمه في صنيع يصنعه له] مسألة وقال فيمن ولي يتيما فزوجه أو ختنه فأنفق في ذلك [من ماله] نفقة عظيمة ودعا لعابين وجعل لهم من ماله جعلا، قال مالك: كل ما أنفق من ماله في باطل فعليه غرم ذلك، وما أنفق في وليمته من نفقة في صنيع معروف بغير سرف فليس بذلك بأس ولا بأس على من دعي إليه أن يأكل منه. قال محمد بن رشد: ساوى في ظاهر قوله بين التزويج والختان في أنه لا ضمان عليه فيما أنفق من مال يتيمه في صنيع يصنعه له في ذلك بغير سرف، وهو في التزويج أبين، لأن الوليمة فيه حق، وقد أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها، فهي مندوب إليها، ومحضوض عليها، ومن أهل العلم من أوجبها بظاهر الأمر بها، والدعوة في الختان ليست بواجبة عند أحد من أهل العلم ولا بمستحبة، وإنما هي من قبل الجائز الذي لا يكره تركه، ولا يستحب فعله، فالوجه في إسقاط الضمان في ذلك عن الوصي ما جرى من العرف والعادة بفعل أهل الثروة ذلك حتى صار ترك ذلك عندهم لوما. وأما ما أنفق من ماله في لعب ولهو فلا إشكال في أنه لذلك ضامن كما ذكر، وبالله التوفيق. [مسألة: الخراج بالضمان] مسألة وقال مالك في الرجل يوصي إلى رجل بولده ويترك ثلاثمائة

دينار ويأمر الوصي أن يتجر لهم فيها فيتجر لهم فيها الوصي فتصير ستمائة دينار ثم يأتي دين على الميت ألف دينار، قال: أرى أن تؤخذ الستمائة دينار كلها في الدين، وذلك أن الثلاثمائة دينار لو أنفقها الوصي على الورثة لم يضمنها له الوصي ولم يضمنها له الورثة المولى عليهم، ولو كان الورثة كبارا كلهم لا يولى عليهم لم يستخلف عليهم وليس مثلهم يولى عليهم باعوا مال الميت ثم تجروا بما نض في أيديهم من المال لم يكن عليهم إلا ما كان نض في أيديهم، ولهم نماؤه وعليهم نقصانه، وكذلك ما غابوا عليه من العين، وأما الحيوان الذي ورثوا مما تلف فإنه ليس عليهم ضمان ما مات من ذلك إذا مات بأيديهم، قال ابن القاسم: أخبرني بهذه المسألة من أثق به عن مالك ولم أسمعها أنا منه. قال محمد بن رشد: قوله وذلك أن الثلاثمائة دينار لو أنفقها الوصي على الورثة لم يضمنها الوصي ولم يضمنها الورثة المولى عليهم هو نص قول مالك في النكاح الثاني من المدونة خلاف قول المخزومي فيه، وإنما قال: إن الستمائة دينار كلها تؤخذ في الدين لأن ربح المال تابع للضمان فيه لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الخراج بالضمان» فلما كان عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضمان الثلاثمائة دينار من الغريم الذي أحيا الدين على الميت تلفت في يد الموصى الذي يتجر بها أو أنفقها على يتيمه وجب أن يكون الربح له، والمخزومي يرى أن الربح للأيتام والضمان عليهم، وسواء كان الذي ترك المتوفى ناضا أو عروضا فباعها الوصي وتجر فيها للأيتام، وفرق ابن الماجشون بين العين والعروض فقال في العين كقول ابن القاسم وفي

: يأخذ الأم ويحاص الغرماء بما وصل إليه من ثمن الولد

العروض إذا باعها الوصي كقول المخزومي، وهذا إذا لم يعلم الوصي بالدين الطارئ، وأما إذا علم به فتجر في المال فهو كالمتعدي في الوديعة يتجر بها فيكون الربح فيها له والضمان عليه، واختلافهم في هذه المسألة مبني على اختلافهم في الدين الطارئ على الميت هل هو متعين في عين التركة أو واجب في ذمة الميت، فمن قال إنه متعين في عين التركة لأن الميت لا ذمة له إذ قد [. . . . . . . . . . . .] قد جعل الربح للغرماء لأن المال قد تعين لهم، ومن قال إنه واجب في الذمة إذ قد يطرأ له مال لم يعلم به فيكون دينهم فيه إن تلف هذا المال جعل الربح للأيتام، والله الموفق. [: يأخذ الأم ويحاص الغرماء بما وصل إليه من ثمن الولد] ومن كتاب سلعة سماها وسئل عن الرجل يبيع الرمكة من الرجل بثمن إلى أجل فيأخذها المشتري فينزي عليها فتنتج عنده فيبيع نتاجها ثم يفلس فيجد البائع رمكته فيقول: أنا أريد أن آخذ رمكتي وأحسب عليهم يريد الغرماء ما باع من نتاجها، وقال الآخرون له: لا ولكن إن شئت فخذها بجميع مالك وإلا فدعها وقاضنا، فتفكر فيها طويلا ثم قال: أريتك لو باع عبدا فاستغله؟ ثم قال: أريتك لو باع منها بأكثر من ثمنها مثل أن يكون ابتاعها بعشرين ثم باع منها بثلاثين دينارا بأي شيء يريد أن يرجع؟ ثم قال: ما أرى له شيئا إلا أن يأخذها بجميع ماله الذي باعها به أو يتركها ويحاص الغرماء.

مسألة: إسقاط الحق قبل وجوبه

قال محمد بن رشد: حكم للولد في هذه المسألة بحكم الغلة إذ قال: إنه [إذا] باع نتاجها ثم فلس أنه ليس للبائع إلا أن يأخذها بجميع ماله الذي باعها به، أو يتركها ويحاص الغرماء، وقد اختلف في ذلك فقيل: إنه يأخذها بما يقع عليها من الثمن، وذلك بأن يفض على قيمتها يوم وقع البيع وعلى قيمة الولد يوم بيعوا ويحاص الغرماء بما يقع على الأولاد منه، وقيل فيه أيضا: إنه يأخذ الأم ويحاص الغرماء بما وصل إليه من ثمن الولد، وهذا القول هو الذي أنكره في هذه الرواية، وأما إذا باع الأمهات وأدرك الأولاد فقيل: إنه يأخذهم بما ينوبهم من الثمن إذا فض على قيمة الأم يوم وقع البيع فيها وعلى قيمة الأولاد يوم بيعوا ويحاص الغرماء بما ناب الأم منه، وهو قول ابن القاسم في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى بعد هذا، ووقع فيه لمالك أن الأم تقوم فيحاص الغرماء بقيمتها ويأخذ الولد، وهو غلط، والله أعلم، فقد رأيت في بعض الكتب أخذ الولد بما يصيبهم من الثمن وحاص الغرماء بما يصيب الأم من الثمن مثل قول ابن القاسم، وهو الصحيح. وأما إذا مات الولد أو الأم فلا اختلاف في أنه ليس له أن يأخذ إلا الباقي منها بجميع الثمن أو يتركه ويحاص الغرماء، فهذا هو تحصيل القول في هذه المسألة. [مسألة: إسقاط الحق قبل وجوبه] مسألة وسئل عن رجل صالح رجلا على دراهم كانت له عليه على أن يدفع إليه خمسة دراهم كل شهر وليس للذي عليه الحق أن يستحلف طالب الحق إن ادعى أنه دفع إليه شيئا لم يأت ببينة عليه، قال مالك: هذا الشرط غير جائز، وإن قيم عليه حلف، ولا ينفعه ما كتب في شرطه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة كان الشيوخ يحملونها على

: تكارى من رجل على محامل كراء مضمونا فلم يحمله حتى هلك المكاري

الخلاف لما في آخر الرسم الأول من سماع أشهب من كتاب العيوب من إعماله الشرط فيه بإسقاط اليمين، ولما في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات من تفرقته في ذلك بين المأمون وغير المأمون، وبين الذي يبيع لنفسه ولغيره، فيحصلون من ذلك في المسألة ثلاثة أقوال: إعمال الشرط، وإبطاله، والتفرقة بين المأمون والذي يبيع لغيره، وبين الذي ليس بمأمون ويبيع لنفسه، والذي أقول به إنها ليست بخلاف لذلك؛ لأن المعنى فيها مختلف: تلك أسقط اليمين فيها إن كانت قد وجبت قبل أن يعلم بوجوبها، وهذه أسقط اليمين فيها قبل وجوبها، فلا يدخل الاختلاف فيها إلا بالمعنى من أجل أن إسقاط الحق قبل وجوبه أصل مختلف فيه في المذهب لا من هذه المسائل، وقد مضى بيان هذا مستوفى في سماع أشهب من كتاب العيوب، فقف على ذلك هناك وتدبره، وبالله التوفيق. [: تكارى من رجل على محامل كراء مضمونا فلم يحمله حتى هلك المكاري] ومن كتاب القبلة وسئل مالك عن رجل تكارى من رجل على محامل أو أحمال كراء مضمونا فلم يحمله حتى هلك المكاري وعليه للناس دين، قال: يكون المتكاري أسوة الغرماء يحاصهم بقدرها كما لو أن رجلا سلف في سلعة موصوفة يضمنها البائع للمشتري ثم مات البائع معدما وترك ديونا حاص المبتاع الغرماء في تركة البائع بقيمة السلعة يوم تكون المحاصة والقضاء حتى يصير له نصف سلعته إن كان يصير للغرماء نصف حقوقهم، وثلثها إن صار لهم ثلث حقوقهم، ولا يدفع إليه ذلك ثمنا، ولكن يشتري له من تلك السلعة على شرطه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، وقوله يحاصهم بقدرها يريد بقيمة الركوب معجلا لا إلى أجل إن كان مؤجلا كما تكون المحاصة بالسلع الثابتة في الذمة إلى أجل بقيمتها حالة يوم تكون المحاصة

: الرجل يرهقه الدين فيقوم غرماؤه عليه فيمكنهم من ماله

والقضاء، هذا قول مالك في هذه الرواية، ومثله في سماع أصبغ بعد هذا خلاف قول سحنون إنه يحاص له بقيمة ذلك إلى أجله فما صار له في المحاصة بقيمة الكراء لا يقضيه ولكن يكتري له به إلى الجهة التي يريد السير إليها، ولا يجوز له أن يأخذ ما وقع له في المحاصة على أن يتبع المكري ببقية حقه لأن ذلك رباء وقيل: إن ذلك جائز لأن التفليس يرفع التهمة، ولو أراد أن يأخذ ذلك بجميع حقه لجاز إن كان ذلك مثل رأس ماله فأقل برضى المكتري لأنه إقالة، ومعنى المسألة أنه لم يقبض الجمال ولا ركب، ولو قبض أو حمل عليها لكان أولى بها، وبالله التوفيق. [: الرجل يرهقه الدين فيقوم غرماؤه عليه فيمكنهم من ماله] ومن كتاب شك وسئل مالك عن الرجل يرهقه الدين فيقوم غرماؤه عليه فيمكنهم من ماله فيبيعونه ويقتسمونه ولا يأتون السلطان، ثم يداينه آخرون فيريدون أن يدخلوا عليهم فيما في أيديهم، قال: ليس ذلك لهم، وأرى إذا بلغوا هذا أن يكون مثل من جاء إلى السلطان، وأرى الآخرين فيه أسوة، وإنما يكون الآخرون أولى من الأولين إذا كان ذلك من كسبه. قال محمد بن رشد: قوله إذا كان ذلك من كسبه يريد إذا كان ذلك مما اكتسبه بالتجارة من أموال الغرماء الآخرين لأن ما اكتسبه ببدنه من إجارة أو عمل صناعة فالأولون يدخلون فيه مع الآخرين، وقوله: إن تفليس غرمائه إياه فيما بينهم دون السلطان تفليس بمنزلة تفليس السلطان هو مثل ما في سماع أصبغ وأبي زيد بخلاف إذا قاموا عليه فلم يجدوا عنده شيئا، وبالله تعالى التوفيق.

: ما يجوز للورثة من المصالحة إذا ترك المتوفى مالا يفي بديون الغرماء

[: ما يجوز للورثة من المصالحة إذا ترك المتوفى مالا يفي بديون الغرماء] ومن كتاب ليرفعن أمرا وسئل مالك عن رجل هلك وعليه دين فقال ابنه لغرمائه: من أراد منكم أن أصالحه على النصف ويكون أبي في سعة فعلت، ففعلوا، أترى أباه قد برئ من الدين وأنه من ذلك في حل؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا كلام، لأن المعنى فيها أن الميت لم يترك مالا فسواء صدقه الغرماء [في] أنه لم يترك مالا أو كذبوه، لأنهم إن صدقوه وقع الصلح على التحليل [خاصة] وإن كذبوه وقع على التحليل وعلى إسقاط اليمين، وإن جاء غريم آخر لم يعلم به لم يلزمه أن يصالحه كما صالح الأولين، ولم يكن له عليه إلا اليمين، ولا كان من حقه أن يدخل على الأولين فيما صالحوا به، وسيأتي في الرسم الذي بعد هذا، وفي رسم يسلف، ورسم البيوع من سماع أشهب القول فيما يجوز للورثة من المصالحة إذا ترك المتوفى مالا يفي بديون الغرماء، وبالله التوفيق. [مسألة: تقرعند الموت بصداق كان على زوجها أنها قبضته منه] مسألة وسئل مالك عن المرأة تقر عند الموت بصداق كان على زوجها أنها قبضته منه أتصدق في ذلك؟ قال: هذه وجوه تختلف، أما كل امرأة يكون لها أولاد قد كبروا وقد يكون بينها وبينه غير الحسن فهذه لا تتهم أن تكون ولجت ذلك إليه، وأرى أن تصدق في ذلك، وأما المرأة التي لا ولد لها ومثلها يتهم فلا أرى ذلك

بجائز، ومثل ذلك الرجل يقر بالدين للرجل، فلو أقر لولد أو لأخ أو لأب أو لمن يتهم أن يصنع ذلك له لانقطاعه إليه من الرجال أو غيرهم لم أر أن يجوز ذلك إليه ولو كان لمن لا يتهم عليه مثل التجار الذين يعرفوا أنهم لم يكن بينهم من الأمور الذين لا يتهمونه على شيء رأيت ذلك جائزا، قال سحنون: وقد يتهم أيضا في صديق ملاطف إذا كان ورثته عصبة. قال الإمام القاضي: قد مضى في آخر أول رسم من السماع تحصيل القول في إقرار أحد الزوجين لصاحبه بدين في المرض، فلا معنى لإعادته، وأما إقرار من سوى أحدهما لصاحبه بدين في المرض فلا يخلو من أربعة أوجه: أحدها أن يقر لوارث، والثاني أن يقر لقريب غير وارث أو صديق ملاطف، والثالث أن يقر لأجنبي، والرابع أن يقر لمن لا يعرف، فأما إذا أقر لوارث والمقر له من الورثة في القرب من المقر بمنزلة من لم يقر له منهم مثل أن يقر لأحد ولده أو لأحد إخوته أو لأحد بني عمه الوارثين له وما أشبه ذلك، أو أقرب منهم مثل أن يقر لابنته وله عصبة أو لأخ شقيق وله أخ لأم أو لأمه وله أخ شقيق، أو لأب أو لأم أو عم أو ابن عم، فإن هذا لا اختلاف في أن إقراره له لا يجوز. قال في كتاب ابن المواز: إذا لم يكن لذلك وجه أو سبب يدل على صدقه وإن لم يكن قاطعا إلا أن يكون المقر له عاقا والذي لم يقر [له] بارا به فقيل: إن إقراره له جائز كالزوجة إذا أقر لها وقد عرف الشنآن والبغض منه لها، وقيل: إن إقراره له غير جائز بخلاف الزوجة على اختلاف الرواية في ذلك

في المدونة، وأما إذا أقر لوارث والمقر له من الورثة أبعد من المقر ممن لم يقر له منهم، مثل أن يقر لعصبة وله ابنة أو لأخ لأم وله أخ شقيق، أو لأخ شقيق أو لأب أو لأم وله أم فإن هذا لا اختلاف في أن إقراره له جائز، واختلف إن كان من لم يقر له من ورثته بعضهم أقرب إليه من المقر له وبعضهم بمنزلته مثل أن يقر لبعض إخوته أو عصبته وله ابنة، أو لبعض بني عمه وله أخت، أو كان من لم يقر له منهم بعضهم أقرب إليه من المقر له وبعضهم أبعد منه، مثل أن يقر لأمه وله ابنة وأخ أو أخت أو ما أشبه ذلك على قولين: أحدهما أن إقراره جائز لأنه لا يتهم على ابنته للعصبة، ولا على ابنته لأمه، والثاني أن إقراره لا يجوز لأنه يتهم على بعض العصبة لبعض وعلى أمه لأخيه أو لأخته، لأنه إذا أقر لبعض العصبة وله ابنة فقد أخذ من الابنة ومن بعض العصبة أو أعطى بعض العصبة، فمرة رأى إقراره جائزا لأنه لا يتهم في أن ينتقص الابنة، ومرة رأى إقراره غير جائز لأنه رأى أن ينتقص بعض العصبة دون بعض. وأما إذا أقر لقريب غير وارث أو صديق ملاطف فالمشهور في المذهب أن إقراره يجوز إن كان يورث بولد، ولا يجوز إن كان يورث بكلالة، وهو قول سحنون هذا، وقيل: إن إقراره جائز كان يورث بكلالة أو ولد، والقولان في المدونة على ما وقع من اختلاف الرواية في كتاب الكفالة منها، وقد قيل: إن كان يورث بولد جاز إقراره من رأس المال، وإن كان يورث بكلالة جاز من الثلث وهذا على ما في كتاب المكاتب من المدونة، وقيل: إن إقراره لا يجوز كان يورث بكلالة أو ولد، وهذا على ما في كتاب أمهات الأولاد من المدونة في الذي يقر في أمة أنها ولدت منه ولا ولد معها. وأما إذا أقر لأجنبي فلا اختلاف في أن إقراره له جائز، فإن طلب ولم يوجد تصدق بها عنه كاللقطة بعد التعريف على ما قاله في رسم اغتسل من هذا الكتاب ومن كتاب الوصايا. وأما إذا أقر لمن لا يعرف فإن كان يورث بولد جاز إقراره من رأس

مسألة: فلس العبد وفي يده مال لسيده

المال أوصى بأن يتصدق به عنهم أو يوقف لهم، واختلف إن كان يورث بكلالة فقيل: إنه إن أوصى أن يحبس ويوقف حتى يأتي لذلك طالب فذلك جائز من رأس المال، وإن أوصى أن يتصدق به عنهم لم يقبل قوله ولا يخرج من رأس المال ولا من الثلث، قال هذا في رسم إن خرجت من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب، وقيل: إنه يكون من الثلث، وهذا القول قائم من كتاب المكاتب من المدونة، وقيل: إنه إن كان يسيرا جاز من رأس المال، وإن كان كثيرا لم يكن في رأس المال ولا في الثلث، وقعت هذه التفرقة في أول سماع عيسى من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق. [مسألة: فلس العبد وفي يده مال لسيده] مسألة وقال مالك: إذا فلس العبد وفي يده مال لسيده لم يؤخذ منه إلا أن يكون استتجره به، فإن كان استتجره به أخذ منه وما كان له من مال، لم يلحق رقبته من ذلك شيء. قال محمد بن رشد: قوله: إذا فلس العبد وفي يده مال لسيده لم يؤخذ منه، يريد أنه لا يؤخذ منه للغرماء، ويكون السيد أولى به، وهذا إذا قامت عليه بينة، وأما إن لم يعرف ذلك إلا بإقرار العبد له فلا يجوز، وإن قامت عليه وفيه محاباة فقد مضى الاختلاف في ذلك في أول رسم من السماع، فلا معنى لإعادته. وقوله: فإن كان استتجره به أخذ منه وما كان له من مالا يريد أنه يؤخذ ذلك منه للغرماء فيتحاصون فيه، ولا يضرب السيد معهم فيه به على ما مضى في أول السماع، ولا اختلاف في ذلك. وقوله: إنه لا يكون في رقبته شيء من ذلك صحيح لا اختلاف فيه لأنه دين

: هلك وترك عليه ثلاثة آلاف دينار ولم يترك من المال إلا ألف دينار

من الديون فهو في ذمته بخلاف الجنايات التي تكون في رقبته، وبالله التوفيق. [: هلك وترك عليه ثلاثة آلاف دينار ولم يترك من المال إلا ألف دينار] ومن كتاب أخذ يشرب خمرا وسئل مالك عن رجل هلك وترك عليه ثلاثة آلاف دينار ولم يترك من المال إلا ألف دينار، ولم يترك وارثا إلا ابنا له، فيقول ابنه لغرمائه: خلوا بيني وبين هذا الألف دينار التي ترك أبي وأنظروني بدين أبي سنتين وأنا ضامن لكم جميع دين أبي، قال: أرأيت إن كان معه وارث غيره وترك مالا لا يعرف أفيه وفاء أم لا؟ . قلت له: قد سمعت منك قولا، قال: فما هو؟ قلت له: إن كان فيه فضل كان بينه وبين ورثته على فرائض الله فلا بأس به، وإن كان فيه فضل كان له بما ضمن من النقصان فلا خير فيه، قال: نعم، قلت له: إنما أردت منك أنه وارث وحده ولم يترك إلا ألف دينار، وعلى أبيه ثلاثة آلاف، فسأل الغرماء أن يؤخروه في الأجل على أن يضمن لهم ما نقص من المال، فقال: أما مثل هذا فلا بأس به، وقد بلغني عن ابن هرمز مثل ذلك. قال محمد بن رشد: رأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة إنها مسألة ردية لولا أن مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - تبع فيها ابن هرمز ما أجازها لأنه أخذ عينا ليعطي إلى أجل أكثر منه، ولأنه ضمن ما على أبيه من دين، وذلك مجهول لا يدري ما يطرأ على والده من دين، فلو قدم غريم لم يعلم به للزمه أن يدفع إليه، ولو اشترط ألا أودي إلا دين من حضر لم يجز لأن الغائب إذا قدم أخذ حصته منه بالحق، فكله مجهول، وكله غرر. وقول ابن دحون هذا غير صحيح، إذ لا يصح أن يتأول على مالك ولا على غيره من أهل العلم أنه أجاز هذه المسألة اتباعا لابن هرمز وهو يرى أنه كمن أخذ عينا ليعطي إلى أجل أكثر منه، وليضمن ما يطرأ على المتوفى من

مسألة: يتيم كان له مال عند رجل فاستهلكه وأفلس الرجل

دين، وهو مجهول، إذ لا يجوز عند أحد من العلماء أن يقلد العالم العالم فيما يرى باجتهاده أنه خطأ، وإنما اختلفوا هل له أن يترك النظر في نازلة إذا وقعت ويقلد من قد نظر فيها واجتهد أم لا؟ ومذهب مالك الذي تدل عليه مسائله أن ذلك لا يجوز، فلم يتابع مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه المسألة ابن هرمز على قوله دون نظر، بل رآها جائزة لا بأس بها بنظره، وحكى ما بلغه عن ابن هرمز من إجازتها استظهارا لصحة نظره، واحتجاجا على من خالفه فيه، والوجه في ذلك أن الألف دينار التي ترك المتوفى لم تدخل بعد في ضمان الغرماء فيكونوا قد دفعوها في أكثر منها إلى أجل بدليل أنها لو تلفت ثم طرأ للميت مال لكانت ديونهم فيه، وكانت مصيبة الألف من الوارث، فلما كانت الألف باقية على ملك المتوفى جاز أن يحل الوارث فيها محله ويعمل مع الغرماء فيها ما كان يجوز له أن يعمله معهم لو كان حيا، ألا ترى أنه لو فلس فلم يوجد له إلا ألف دينار وللغرماء عليه ثلاثة آلاف دينار لجاز أن يتركوا له الألف ويؤخروه بحقوقهم حتى يتجر بها ويوفيهم حقوقهم، ولم يكونوا إذا فعلوا ذلك قد أعطوا ألفا في أكثر منها إلى أجل وإن كانوا قد ملكوا أخذ الألف إذ لم يحصل بعد في ضمانهم، فكذلك حالهم مع الوارث لأنه إذا رضي بذلك فقد أنزل نفسه منزلته، وكأنه أحيا ذمته وأبقاها، فهذا هو الذي ذهب إليه مالك، والذي يدل على ذلك من إرادته أنه لم يجز ذلك لأحد الورثة إذا كانوا جماعة إلا على أن يكون الفضل بينهم، لأن تجارته في الألف التي تركها الغرماء في يده إنما هي على ملك المتوفى، فهذا وجه قول مالك في هذه المسألة، والله أعلم، وسيأتي في رسم البيوع من سماع أشهب مسألة من هذا المعنى سنتكلم عليها إن شاء الله، وبه التوفيق. [مسألة: يتيم كان له مال عند رجل فاستهلكه وأفلس الرجل] مسألة وسئل عن يتيم كان له مال عند رجل فاستهلكه وأفلس الرجل أترى أن يبدأ اليتيم؟ قال: بل أراه أسوة الغرماء.

مسألة: إذا صالحه وهو لا يعرف أن له بينة فله أن يقوم عليه ببقية حقه إذا وجد بينته

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن مال اليتيم إذا استهلكه صار دينا من الديون في ذمته، لا مزية له على سائر الديون، فوجب أن يكون أسوة الغرماء، ولا خلاف في هذا أعلمه عند أحد من العلماء، وبالله التوفيق. [مسألة: إذا صالحه وهو لا يعرف أن له بينة فله أن يقوم عليه ببقية حقه إذا وجد بينته] مسألة وسئل عن رجل كان له على رجل ذكر حق فضاع كتابه منه ونسي شهوده فاقتضاه فجحده بعض الحق وقال: ما لك علي إلا مائة دينار، وقال الآخر: بل لي عليك مائتا دينار ولكن قد ضاع كتابي وما أحفظ ما أشهدت عليك فيه فيصالحه على أن يزيده على المائة ويحط عنه من المائتين، ثم يجد بعد ذلك كتابه وفيه أسماء شهوده فيقوم بذلك، أترى أن له عليه نقض ما كان صالحه عليه؟ قال: إذا عرف هذا من قوله فإني أرى ذلك عليه، وأرى أن يغرم له بقية حقه. قال محمد بن رشد: قوله إذا عرف هذا من قوله يريد إذا عرف من قوله قبل الصلح أن له ذكر حق قد ضاع منه وما يعرف شهوده، ففي هذا دليل على أنه إن لم يعرف ذلك من قوله فلا قيام له عليه في نقض الصلح، وذلك خلاف ما في كتاب الصلح من المدونة أنه إذا صالحه وهو لا يعرف أن له بينة فله أن يقوم عليه ببقية حقه إذا وجد بينته مثل ما في كتاب الجدار لمالك أنه إذا صالحه وهو جاهل ببينته أنه لا حق له، وقد يحتمل أن يكون معنى قوله: إنه إذا عرف هذا من قوله رجع ببقية حقه دون يمين، وإن لم يعرف ذلك من قوله لم يكن له أن يرجع عليه إلا بعد يمينه أنه إنما صالحه وكتابه قد ضاع وهو لا يعرف شهوده، فلا يكون على هذا

مسألة: يكون له على الرجل الحق فيغيب شهوده ثم يطلبه فيجحده أياما

التأويل في هذه الرواية دليل على خلاف ما في المدونة بل يكون مفسرا له في إيجاب اليمين، وقد فرق في كتاب الجدار بين المسألتين، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أنه إذا صالحه فلا رجوع له عليه بوجود ذكر حقه، ولا بعثوره على بينة لم يعلم بها، والثاني أن له الرجوع عليه في الوجهين، والثالث أنه يرجع عليه إن وجد ذكر حقه ولا يرجع عليه إن عثر على بينة لم يكن علم بها. وقد يحتمل أن يقال في هذه الرواية على ظاهرها: إنها ليست بخلاف لما في المدونة وإنما فرق بين المسألتين، فتأتي على هذا التأويل وهو تأويل ظاهر. وفي المسألة قول رابع وهي التفرقة بعكس ما في كتاب الجدار، ولا اختلاف في أنه إذا صالحه ثم أقر له بحقه أن له الرجوع عليه، ولا في أنه إذا صالحه وله بينة غائبة قريبة الغيبة يعلم بها أنه لا رجوع له عليه إذا قدمت بينته، واختلف إذا كانت بعيدة الغيبة فاستحلفه أو صالحه فلما قدمت بينته أراد القيام بها عليه على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا قيام له عليه في الوجهين، والثاني أن له القيام عليه في الوجهين، والثالث أنه له أن يقوم عليه إذا استحلفه وليس له أن يقوم عليه إذا صالحه، وهذا القول هو مذهب ما في المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون له على الرجل الحق فيغيب شهوده ثم يطلبه فيجحده أياما] مسألة وسئل عن الرجل يكون له على الرجل الحق فيغيب شهوده ثم يطلبه فيجحده أياما ثم يدعوه إلى الصلح فيشهد في السر ويقول: إني إنما أصالحه لأنه جحدني وأخاف أن يذهب بحقي ولكن أصالحه فإذا حضر شهودي قمت على حقي، أفترى له ذلك؟ فقال: ما له تعجل يصالحه ثم يجيء يطلب هذا ويقول إنما أردت كذا وكذا؟ فكأنه لم يرد ذلك له، ورأى الصلح

: يهلك ويترك عرضا وعليه دين أكثر من عرضه

جائزا عليه فيما رأيت من تحسين قوله، قال ابن القاسم: وهو رأيي. قال محمد بن رشد: لم يفرق في هذه الرواية بين أن يكون مغيب شهوده قريبا أو بعيدا، فالظاهر فيها أنه لا ينتفع بالإشهاد في السر وإن كانت غيبته بعيدة جدا خلاف ما في نوازل أصبغ من كتاب الدعوى والصلح أنه ينتفع بالإشهاد إن كانت غيبة شهوده بعيدة جدا، ويحتمل أن تتأول هذه الرواية على أن غيبة الشهود فيها ليست ببعيدة فلا يكون في المسألة اختلاف، وهو الأولى، ولا احتمال في أنه لا ينتفع بالإشهاد في السر إذا كانت بينته قريبة الغيبة، وبالله التوفيق. [: يهلك ويترك عرضا وعليه دين أكثر من عرضه] ومن كتاب يسلف في المتاع وقال ابن القاسم: قال مالك في الرجل يهلك ويترك عرضا وعليه دين أكثر من عرضه فيقول بعض ورثته لأهل الدين: لا تكسروا عروضه ونحن نضمن لكم دينكم، قال مالك: لا أرى بأسا إن كانوا إن أصابوا في العروض فضلا عن الدين اقتسموه على فرائض الله فلا أرى به بأسا، وإن كانوا لا يقتسمونه على فرائض الله فلا أحبه، يعني بذلك الذين ضمنوه، قال ابن القاسم: والناض مثل العروض. قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول الرسم الذي قبل هذا، فلا معنى لإعادته. وقوله وإن كانوا لا يقتسمونه على فرائض الله فلا أحبه معناه وإن كانوا لا يقتسمونه على فرائض الله ويكون [ذلك] للذين ضمنوه فلا أحبه، وهو الذي أراد بقوله يعني بذلك

: كان عليه دين فذكر في مال عنده أنه وديعة عنده

الذين ضمنوه وقول ابن القاسم إن الناض مثل العروض يريد أنه مثله في أن ذلك لا يجوز، كان الفضل للذين ضمنوا، وأما إن كان الفضل لجميع الورثة فالعروض أخف من العين، وهو جائز في الوجهين، وبالله التوفيق. [: كان عليه دين فذكر في مال عنده أنه وديعة عنده] ومن كتاب كتب عليه ذكر حق وسئل مالك عن رجل كان عليه دين فذكر في مال عنده أنه وديعة عنده، قال: إن كانت له بينة أو أتى بأمر يعرف فصاحبه أحق به من الدين إلا أن يأتي بأمر لا يعرف. قال محمد بن رشد: قد مضى في آخر أول رسم من السماع أن إقراره بالدين جائز، فهو في الوديعة مثله أو أجوز، فيجوز إقراره بها إلا أن يأتي بأمر لا يعرف، وهو دليل قوله في هذه الرواية، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وعليه دين وترك مالا فأراد الورثة مصالحة امرأته] مسألة وسئل مالك عن رجل هلك وعليه دين وترك مالا وعروضا فأراد ورثته أن يصالحوا امرأته ويخرجوها من الميراث، قال: إن كانت العروض معروفة لم يكن به بأس، وإن كان لا يعرف فلا أحبه، قال مالك: «إن عبد الله بن عمرو بن حرام أبا جابر بن عبد الله صاحب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان استشهد يوم أحد، وإنه كان عليه دين رهقه، فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إذا كان الجداد فأت فآذني، قال: فآذنته، قال: فوضع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه يده ودعا فيه، فكال منه لأهل دينه وبقي بعد ذلك مثل

الذي كان فيه بعد قضاء الدين» . قال محمد بن رشد: هذه مسألة مجملة يفسرها ما في [كتاب] الصلح من المدونة لأن مصالحة الورثة المرأة على أن يخرجوها من الميراث اشتراء منهم لما يجب لها من الميراث فيما تخلفه الميت بعد تأدية الدين بوجوب إخراج الدين قبل الميراث بنص قول الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وبما فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما تخلفه أبو جابر الذي احتج به في الرواية مالك، فلا يجوز ذلك إلا بما يصح التتابع به، فإن لم يكن فيما تخلفه الميت بعد تأدية الدين دنانير ولا دراهم جاز أن يصالحوها بعرض من التركة وبما شاؤوا من أموالهم، وإن كان فيما تخلفه الميت بعد تأدية الدين دنانير ودراهم جاز أن يصالحوها بعرض من التركة ومن أموالهم، ولم يجز أن يصالحوها بدنانير ولا بدراهم من أموالهم ولا من التركة إلا أن يكون ذلك مثل الواجب لها من ذلك أو أقل فتكون واهبة لبقية حقها، وهذا كله على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وأما على ما في رسم البيوع من سماع أشهب فلا يجوز مصالحة

مسألة: لا سبيل للحميل على المحمول عنه حتى يؤدي عنه

الورثة للمرأة علي حال من أجل الدين لقول الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، وبالله التوفيق. [مسألة: لا سبيل للحميل على المحمول عنه حتى يؤدي عنه] مسألة وقال في رجلين اشتريا سلعة تعاقدا عليها، فلما أراد البائع أن يكتب الكتاب عليهما قال أحدهما لصاحبه: أنا أكتب الكتاب علي ولا تكتبه عليك حتى يكون خلوا إن أردت سفرا في متجرنا لم يمنع لمكان الدين، ثم كتب الكتاب على أحدهما، ثم باعا السلعة، فقال الذي لم يكتب الكتاب عليه: ادفع إلي نصف الثمن، فأبى الذي كتب عليه الكتاب وقال: أنا ألزم بهذا الدين وأتخوف أن تأخذه فتفسده أو تقضيه غرماءك، فلا أدفع إليك منه شيئا، [وغلبه على ألا يدفع إليه شيئا] فلما حل الأجل قال الذي عنده المال: سرق مني عشرة دنانير فهي بيني وبينك كما كان يكون الربح بيني وبينك أن لو جاء فيها ربح، قال: أرى أن يغرم العشرة التي كانت عنده الذي حبسها عن شريكه، ولو قال: إنها سرقت مني أو هلك المال كله لم ينفعه ذلك ورأيته غارما لها إذا حبسها عنه، فقيل له: أفرأيت لو استأدى عليه أترى أن يدفع إليه نصف الحق الذي كان عليه للذي كتب عليه الحق؟ قال: لا أرى أن يدفع إليه منه شيئا.

: الغريم إذا غاب وحل أجله وقام غرماؤه يريدون بيع ماله

قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن أحد المشترين طاع لصاحبه أن يكتب جميع الثمن عليه من ثمن السلعة ونصفه حمالة عن شريكه فيها لئلا يكون للبائع أن يطالبه به فيمنعه من سفره، ومعنى ذلك إذا أبرأه البائع ورضي باتباع الحميل دونه على اختلاف في ذلك، فقد قيل: إن ذلك يلزمه ولا يكون له عليه رجوع، وقيل: إنه لا يرجع عليه إلا أن يموت الحميل أو يفلس، وقيل: إن له الرجوع عليه إن شاء وإن لم يمت ولا فلس، وقيل: إنه لا يعدى عليه حتى يبلى الغريم لأنه حمالة وشرطه باطل، فاحتبس المكتوب عليه جميع الثمن من أجل أنه كتب عليه مخافة أن يفسده ويتلفه فلا يجد له مالا يرجع فيه عليه إن أدى عنه فصار متعدلا عليه في إمساك حقه عنه، ووجب أن يكون ضامنا له وأن لا يصدق فيما ادعاه من سرقته، إذ لو حاكمه وأراد أن يقبض حصته من الثمن من أجل أنه تحمل به عنه لم يكن ذلك له، وفي كتاب ابن حبيب أن ذلك له، وهو بعيد، إذ لا سبيل للحميل على المحمول عنه حتى يؤدي عنه، وبالله التوفيق. [: الغريم إذا غاب وحل أجله وقام غرماؤه يريدون بيع ماله] ومن كتاب أوله الشريكين قال مالك في الغريم: إذا غاب وحل أجله وقام غرماؤه يريدون بيع ماله - قال مالك: أرى أن يبيع السلطان ماله ولا يستأنى به قدومه إذا قامت البينة وأرادوا حقوقهم فذلك لهم ولا يستأنى به حجته. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يستأنى به قدومه ولا ينتظر به حجته صحيح لا اختلاف فيه أعلمه، وإنما الاختلاف هل يستأنى به مخافة

مسألة: رجل يباع ماله في دينه

أن يكون عليه دين لغير من قام به فروى ابن وهب عن مالك أنه لا يستأنى به لأن له ذمة بخلاف الميت الذي لا ذمة له، وهو ظاهر هذه الرواية لأنه قال فيها: إذا قامت البينة وأرادوا حقوقهم فذلك لهم، ومعناه بعد أيمانهم، وفي المدونة أن الحي والميت سواء إذا كان معروفا بالدين لم يعجل بقضاء من حضر، وأوقف حتى يستبرأ أمره ويجتمع أهل دينه أو يعرفوا فيضرب لهم بحقوقهم، قال: فهذه أعدل روايتهم، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل يباع ماله في دينه] مسألة قال مالك في رجل يباع ماله في دينه، قال مالك: على الوالي أن يستأني بالعروض مثل الشهر والشهرين مثل الدور وما أشبه ذلك يستأني بها ويتسوق بها ويطلب بها الأثمان، وأما الحيوان فيستأنى بها الشيء اليسير ولا يكون مثل العروض. قال محمد بن رشد: قوله إنه يستأنى بالعروض الشهر والشهرين مثل الدور لفظ مشكل لاحتمال أن يكون أراد أن العروض يستأنى بها الشهر والشهرين كما يستأنى بالدور، ويحتمل أن يكون قوله مثل الدور تفسير للعروض فيكون معنى قوله: إن العروض التي هي الدور يستأنى بها الشهر والشهرين بخلاف الحيوان، ومثله في كتاب ابن المواز أن الدور يستأنى بها الشهر والشهرين، والعروض والحيوان يستأنى بها اليسير، محصل الاختلاف إنما هو في العروض هل يستأنى بها الشهر والشهرين مثل الدور أو الأيام اليسيرة مثل الحيوان، والعلة في الحيوان أنه لا يستأنى بها إلا لشيء اليسير هي ما يتكلف من الإنفاق عليها، وأما العروض فالذي يوجبه النظر فيها أن يستأنى بما كان رفيعا كثير الثمن منها الشهر والشهرين، وبما دون ذلك منها الأيام اليسيرة، ولا يستأنى بما كان يسير الثمن منها شيئا، ويباع من ساعته، مثل الحبل والدلو والسوط وشبه ذلك، وبالله التوفيق.

: من أخذ أموال الناس وتقعد عليها وادعى العدم وأنه أصيب بماله وتبين كذبه

[: من أخذ أموال الناس وتقعد عليها وادعى العدم وأنه أصيب بماله وتبين كذبه] ومن كتاب البز وسئل عن رجل كان يبيع في السوق ويشتري من الناس، وكانت في يده تجارة ثم إنه تفالس وزعم أنه أصيب به وشهد له ناس أنه ليس عنده شيء قال: وكيف يعرف هؤلاء أنه ليس عنده شيء؟ ثم قال: فأين ما كان يرى عنده؟ قال: يزعم أنه أصيب به، قال: فأرى أن يسجنه ولا يعجل سراحه، يريد بذلك أنه ملد ظالم يغيب أموال الناس، وإني لأرى لهؤلاء الذين يصنعون مثل هذا يتفالسون بالأموال من غير أمر يأتون به أن يقاموا من الأسواق ولا يتركوا يبيعون به وأن يخرجوا منه فإنه لا يزال رجل منهم يعمل مثل هذا ثم يقعد بعد ذلك ويظهر له مال ومتاع، فأرى أن يخرجوا ولا يقروا في سوق المسلمين. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إنه من أخذ أموال الناس وتقعد عليها وادعى العدم وأنه أصيب بماله وتبين كذبه فإنه يحبس أبدا حتى يموت في السجن أو يؤدي إلى الناس أموالهم ولا تقبل شهادة من شهد أنه ليس له مال إذا لم يعرف تلاف ماله، وقد قيل: إنه يضرب بالدرة المرة بعد المرة، وهو قول سحنون؛ وأما من اتهم أنه قد خبأ مالا وغيبه فإنه يحبس حتى يؤدي أو يثبت عدمه فيحلف ويسرح، وأما من جهل حاله فإنه يحبس بقدر ما يتلوم له ويختبر فيه حاله ويستكشف فيه عن أمره ثم يخلى سبيله وإن لم يثبت عدمه إذا لم يظهر يسره، وقدر ما يستبرأ أمره فيه يختلف باختلاف الدين فيما روى ابن حبيب عن ابن الماجشون، فيحبس

مسألة: يقر لامرأته بالدين تكون قد أسلفته إياه فيما بينها وبينه ويقول قد قضيتك إياه

في الدريهمات اليسيرة قدر نصف شهر، وفي الكبير من المال أربعة أشهر، وفي الوسط منه شهران، وبالله التوفيق. [مسألة: يقر لامرأته بالدين تكون قد أسلفته إياه فيما بينها وبينه ويقول قد قضيتك إياه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يقر لامرأته بالدين تكون قد أسلفته إياه فيما بينها وبينه ويقول: قد قضيتك إياه، قال مالك: الدين عندي مثل المهر إن لم تكن له بينة غرم، وهو مخالف عندي لما يشتري لها ويبيع لها ويقتضي لها إنما ذلك وكالة، فالرجل توكله امرأته ويدفع إليها ولا يشهد فيما باع لها ولا فيما ابتاع لها ولا فيما اقتضى لها، فليس في هذا إلا يمينه بعد، وهو مخالف عندي لما أقر به من السلف، وأرى إن لم يأت ببينة أن عليه غرم ذلك. قال محمد بن رشد: قوله وهو مخالف عندي لما يشتري لها ويبيع لها ويقتضي لها إنما ذلك وكالة تدل على أنه يحكم له بحكم الوكيل فيما باع واشترى لامرأته وإن لم تثبت وكالته للعرف الجاري من تصرف الرجال لأزواجهم في أمورهن. وقد اختلف في الوكيل يدعي أنه دفع إلى موكله ما قبض له من غرمائه أو ما باع به متاعه على أربعة أقوال: أحدها أن القول قوله مع يمينه جملة من غير تفصيل، وهو قوله في هذه الرواية وفي سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات وفي المدونة، والثاني أنه إن كان لقرب ذلك بالأيام اليسيرة فالقول قول الموكل أنه ما قبض منه شيئا وعلى الوكيل إقامة البينة، وإن تباعد الأمر مثل الشهر ونحوه فالقول قول الوكيل مع يمينه يحلف ويبرأ، وإن طال الأمر جدا لم يكن على الوكيل ولا على الزوج يمين، وهو قول مطرف عن مالك، والثالث أنه إن كان بحضرة ذلك وقربه بالأيام اليسيرة صدق الوكيل مع يمينه، وإن طال الأمر جدا صدق دون يمين، وهو قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم، والرابع تفرقة أصبغ بين

: أحق بزيته إذا عرف أنه هو بعينه وإن خلطه مع غيره

الوكيل على الشيء بعينه وبين الوكيل المفوض إليه، فالوكيل على الشيء بعينه غارم حتى يقيم البينة على الدفع وإن طال الأمر، والوكيل المفوض إليه يصدق في القرب مع يمينه وفي البعد دون يمين، فإن مات الوكيل أو الزوج بحدثان ما جرى ذلك على أيديهما كان ذلك في أموالهما إذا عرف القبض وجهل الدفع، وإن كان موتهما بغير حدثان ذلك وما يكون في مثله المخرج والقضاء والدفع فلا شيء في أموالهما وإن لم يعرف الدفع ولم يذكر، ولا خلاف عندي في هذا الوجه، وأما السلف والمهر فلا يصدق فيه على الدفع في قرب ولا بعد، وبالله التوفيق. [: أحق بزيته إذا عرف أنه هو بعينه وإن خلطه مع غيره] ومن كتاب باع غلاما وقال مالك في روايا زيت باعها صاحبها خمس روايا ثم إن صاحبها صبها في جرار ثم صب معها جرتين أخريين اشتراهما وقد اقتضى نصف ثمن الخمس روايا ثم فلس المشتري وقد باع بعض ذلك أو لم يبع، قال: إذا عرف ذلك أخذه إن وجده بعينه إن لم يبع منه شيئا إذا أبى الغرماء أن يدفعوا إليه حقه، وإن باع منه شيئا وقد اقتضى رد نصف ثمن ما وجد مما اقتضى على حساب الروايا إذا لم يصبها وقد باع بعضها وبقي بعضها وقد وصفناه في موضع آخر. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما مضى في رسم قطع الشجرة وعلى ما في كتاب المأذون له في التجارة من المدونة أنه أحق بزيته إذا عرف أنه هو بعينه وإن خلطه مع غيره. وقوله وإن باع منه شيئا وقد اقتضى رد نصف ثمن ما وجد مما اقتضى على حساب الروايا إذا لم يصبها وقد باع بعضها وبقي بعضها كلام فيه التباس ومراده به أن ما باع من الروايا مفضوض على الخمس روايا وعلى الجرتين اللتين صبهما معها، فإن كان باع منها جرتين وفيها راويتان وبقيت الخمس روايا عنده حتى فلس وقد اقتضى البائع نصف ثمن الخمس روايا كان

مسألة: له على رجل دين بغير بينة

البائع أحق بخمسة أسباع الخمس روايا بعد أن يرد من الثمن [الذي قبض] نصف خمسة أسباعه ويحاص الغرماء بنصف ثمن السبعين الفائتين بالبيع، وبالله التوفيق. [مسألة: له على رجل دين بغير بينة] مسألة وسئل عن رجل كان له على رجل دين بغير بينة، ثم إن الذي عليه الدين وقع له حق على الذي يسأله ولا بينة بينهما، فهلك الذي عليه الدين ولا دين لأحد عليه غيره، فأراد أن يكتم الدين الذي عليه بدينه الذي له حين عرف أن دينه لا يؤدى وحين لم تكن له بينة وحين عرف أنه إن أقر بما عنده أخذ منه، قال مالك: ما أرى أن يكتم ورثته ذلك، ولكن يخبرهم صدق ذلك ويلحقه من ذلك ما لحقه أو يغرم ما غرم. فقلت له: يا أبا عبد الله أيحتسب الذي له ويؤدي؟ قال: نعم، وأخبرني عنه سعد بن عبد الله المعافري في الجحد مثل ذلك إلا أن يجحد من جحده ولم أحضره أنا. قال محمد بن رشد: لم يجز له في هذه الرواية أن يكتم ما عليه ويقتطعه في الدين الذي له وإن لم يكن لأحد عليه دين سواه، وهو معنى ما في كتاب الوديعة من المدونة، وفي ذلك اختلاف كثير، قيل: إن ذلك لا يجوز، وهو قوله في هذه الرواية وفي المدونة، وقيل: إن ذلك له جائز، وهو قول أشهب وابن وهب، وقيل: إنه له مكروه، وقيل: إنه له مستحب، وقيل: إن ذلك جائز إن لم يكن عليه دين، ولا يجوز له إن كان عليه دين

مسألة: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها

إلا أن يأخذ مقدار ما يصير له في المحاصة، وقيل: إنه يجوز له أن يأخذ مما دفع إليه بغير أمانة ولا يجوز له أن يأخذ مما دفع إليه بأمانة، وقد مضى في سماع أصبغ من كتاب النذور القول على هذا المعنى أيضا، فقف عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها] مسألة وسئل عن رجل قال: ما كان لي على قرابتي من حق فهو لهم عند الموت فهلك وكان له عند رجل منهم قراض، قال: أراه له فيما يحضرني والذي أرى. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، وكان الأظهر ألا يكون له القراض إذا كان قائما بيده لأنه في أمانته فهو له عنده، ولا يقال إنه له عليه إلا إذا كان قد استهلكه فثبت له في ذمته، ووجه ما ذهب إليه أنه وإن كان له عنده فعليه أن يؤديه إليه لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فإذا وهبه ماله عليه من الحق في صرفه إليه وجب أن يكون له، وبالله التوفيق. [مسألة: مات وعليه دين يحيط بماله] مسألة وقال مالك: من مات وعليه دين يحيط بماله فإن الكفن مبدأ على الدين، قال: ومن كان له رهن في يد رجل ثم مات ولا مال له غير ذلك الرهن فلا يكفن منه، والمرتهن أحق به من الكفن. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، وقد تكررت في هذا الرسم بعينه من هذا السماع في كتاب الجنائز، ومضى القول عليها هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

: هلك وترك مالا ليس فيه وفاء من دينه

[: هلك وترك مالا ليس فيه وفاء من دينه] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك عن رجل هلك وترك مالا ليس فيه وفاء من دينه فقال ابن له: أنا آخذ هذا المال وأضمن دين أبي، قال مالك: إن كان يضمن دين أبيه وما كان فيه من فضل رده إلى الورثة فلا بأس به إن شاء الله، وإن كان نقصانا كان عليه فلا بأس به، وإن كان يأخذه على أن يكون له الفضل بما ضمن من النقصان فلا خير قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم أخذ يشرب خمرا فلا وجه لإعادته، وتكررت أيضا بالمعنى في رسم يسلف في المتاع، وبالله التوفيق. [: أوصى في مرضه أن لفلان عليه أربعين دينارا] ومن كتاب تأخير صلاة العشاء وسئل عن رجل أوصى في مرضه أن لفلان عليه أربعين دينارا، وأوصى مع ذلك أنه مصدق فيما قال، قال: فادعى الرجل أن له عليه خمسين دينارا، قال: أرى أن يحلف ويأخذ خمسين دينارا. قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن يحلف ويأخذ خمسين يريد يحلف على تحقيق دعواه في الخمسين دينارا، وقال ابن دحون: إنما ألزمه اليمين لأن كل من اقتضى دينا من مال ميت أو مفلس فلا بد له من أن يحلف ولا تنفعه بينته إلا أن يسقط ذلك عنه الورثة أو الغرماء، ولو طرأ غريم غائب كان له أن يحلف من لم يحلف ويحلف هو أيضا، وليس قول ابن دحون بصحيح لأن هذه اليمين لا بد منها، ولا اختلاف فيها، وأما اليمين على تحقيق دعواه في الخمسين دينارا ففيها اختلاف وقع في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا في الرجل يوصي لرجال بديون لهم عليه فيقول: قد كنت أداين فلانا وفلانا فما ادعوه قبلي فهم فيه مصدقون

مسألة: يجبر على أخذها عند الموت والفلس

إن ذلك يكون لهم بلا يمين يستحلفون بها على ما ادعوا فيحلف على هذه الرواية إن له عليه خمسين دينارا، وإنه ما قبضها ولا أسقطها عنه، وإنها لباقية له إلى حين يمينه، ويحلف على ما في رسم البز من كتاب الوصايا إنه ما قبض الخمسين دينارا التي صدقه المتوفى فيها ولا أسقطها عنه، وإنها لباقية له قبله إلى حين يمينه. والاختلاف المذكور في تحقيق دعواه في الخمسين جار على اختلافهم في لحوق يمين التهمة لأن الورثة تتهمه في أن يدعي أكثر من ماله ولا تحقق عليه الدعوى بذلك ولو حققت عليه الدعوى بذلك مثل أن يقول له: قد أقررت عندنا أنه لم يكن لك عليه إلا كذا وكذا للزمته اليمين قولا واحدا، ولم يسقط عنه الميت اليمين وإنما أوصى أنه مصدق فيما يدعيه ولم يقل بيمين ولا بغير يمين، ولو قال: إنه مصدق دون يمين لما سقطت اليمين عنه بإسقاطه إياها عنه على ما في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة ومن كتاب الوصايا حسبما سنبينه هناك إن شاء الله، وسيأتي في رسم أسلم من سماع عيسى ورسم الوصايا الصغير من سماع أصبغ مسائل من هذا المعنى في التصديق في الدعوى نتكلم عليها إذا مررنا بها إن شاء الله، وقد مضى في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الشهادات في التصديق في الشهادة وبينا هناك الفرق بين التصديق في الدعوى وبين التصديق في الشهادة، وبالله التوفيق. [مسألة: يجبر على أخذها عند الموت والفلس] مسألة وسئل عن رجل ابتاع طعاما إلى أجل من رجل فمات الذي عليه الحق فقيل للذي له الحق: خذ حقك، قال ذلك له الورثة، قال: لا حتى يحل حقي، قال: أرى أن يجبر عند موته على أخذه، وذلك أن مال الميت يباع، ولعله ألا يكون فيه وفاء، فأرى أن يجبر على ذلك، قال ابن القاسم في العروض: يجبر على أخذها عند الموت والفلس.

: يوصي لرجل بدين فيطلب فلا يوجد ولا يعرف

قال القاضي: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها لأن الدين يحل على المتوفى بموته، ومن حق من عليه دين أن يؤديه عن نفسه، والله الموفق. [: يوصي لرجل بدين فيطلب فلا يوجد ولا يعرف] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وسئل مالك عن الذي يوصي لرجل بدين فيطلب فلا يوجد ولا يعرف، قال: يتصدق به عنه، قال مالك: ويقول: اللهم هذا عن فلان. قال محمد بن رشد: معنى قوله: ولا يعرف أي لا يعرف موضعه؛ لأنه إذا لم يعرف فلا يصح أن يوجد، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم حلف ليرفعن أمرا، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: الشهادة على خط المقركالشهادة على إقراره] مسألة وسئل عن رجل أوصى عند موته أن ينظر في كتبه فما كان له من حق قبض، وما كان عليه قضي، فلما مات أخرجت كتبه الذكور الحق فإذا في ذكر حق منها ذكر حق فلان على فلان بأربعة عشر دينارا، وفيه شهود، وأسفل منه بخط يد صاحب الحق الميت: قبضت منه ثمانية دنانير مما في كتابي هذا، أعليه أن يحلف ويبرأ من الثمانية دنانير؟ قال مالك: ما أرى عليه من يمين، ولكن يؤخذ منه ما بقي بعد الثمانية بغير يمين. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الشهادة على خط المقر كالشهادة على إقراره؛ سواء عند من يجيز الشهادة في ذلك على

: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر

الخط، والشهادة في ذلك جائزة على المشهور في المذهب لم يختلف في ذلك قول مالك ولا قول أحد من أصحابه فيما علمت إلا ما يروى عن محمد بن عبد الحكم من أنه قال: لا تجوز الشهادة على الخط مجملا ولم يخص موضعا من موضع، وستأتي هذه المسألة في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى، وقد مضى من تحصيل القول في الشهادة على الخط في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات ما فيه شفاء، وبالله التوفيق. [: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر] ومن كتاب مساجد القبائل وسئل عن عبد كان تاجرا وأنه باع متاعا من التجار وكتب عليهم ذكورات حق وأنهم ادعوا أنهم قد دفعوا إلى سيده بعض ما كان له عليهم، قال: أرأيت سيده أكان يقتضي شيئا؟ قال: نعم قد كان السيد يقتضي، وقد كان العبد يقتضي، قال: أما إذا كان يقتضي فإني أرى أن يحلف السيد فيما ادعي عليه ويحلف العبد فيما ادعي عليه. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله [أنه] إذا كانا جميعا يقتضيان لزمت كل واحد منهما اليمين فيما ادعي عليه لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» ولو كان السيد لا يقتضي لم يجب عليه اليمين في دعوى الاقتضاء على القول بأن اليمين لا تلحق بمجرد الدعوى دون خلطة، وهو مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكافة

مسألة: الكري تكون له الإبل يحمل عليها وهو يديلها تحتهم فيفلس

أصحابه، وقد مضى القول في ذلك مستوفى في رسم القضاء المحض من سماع أصبغ من كتاب الأقضية، وبالله التوفيق. [مسألة: الكري تكون له الإبل يحمل عليها وهو يديلها تحتهم فيفلس] مسألة وسئل عن الكَرِيّ تكون له الإبل يحمل عليها وهو يديلها تحتهم فيفلس وتحت أحدهم بعير منها، أتراه أحق به من سائرهم؟ قال: نعم أرى ذلك، قال ابن القاسم: وذلك رأيي. قلت لسحنون: هل يكون أصحاب الكراء المضمون وغيرهم سواء وكل واحد من أصحاب الحمولة أولى بما في يده من غيره؟ قال: نعم. قلت: فلو أن الجمال احتاج فأراد أن يتسلف من بعض أهل الحمولة على أن يرهنه ما في يده من الإبل أيجوز ذلك وتراه رهنا مقبوضا محوزا؟ قال: نعم، ألا ترى أنه لو فلس الجمال كان كل واحد من هؤلاء أحق بما تحته من غيره من الغرماء ومن أصحاب الأحمال؟ قلت لسحنون وأصحاب الأحمال: أولى بما تحت أحمالهم من الإبل كما يكونون في المحامل؟ قال: نعم. قلت: فإن أراد الجمال أن ينقل تلك الإبل ويديلها بينهم وأبى ذلك أصحاب الأحمال؟ قال: لا يكون ذلك للجمال إلا عن رضى من أصحاب الحمولة، وهذا في الكراء وغيره سواء. قال محمد بن رشد: هذه المسألة معروفة لسحنون أجاز أن يرهنه

: البيع على تعجيل الحق

ما تحته وهو في منافع الراهن، وهو بعيد، وكذلك أجاز أن يرهنه جملا تحت غيره يكون قبض راكبه له قبضا للمرتهن، وهو أبعد؛ لأنه كان في قبض غيره ولم يحدث له قبض مستأنف للرهن؛ ولأنه في منافع الراهن وفي أجرة غيره فهو بعيد من حكم الرهن وأصله، وقد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في آخر سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [: البيع على تعجيل الحق] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل عن رجل كان لقوم عليه دين ولرجل منهم أربعة عشر دينارا ونصف، فأراد الخروج إلى موضع، فأراد قضاء دينه، فقضاه أربعة عشر دينار ونصفًا دراهم، قال: لا خير فيه، هذا مكروه أن يعطى في نصف دراهم قبل محل الأجل، ولكن يعطيه في ذلك عرضا، قيل: فيعطيه دينارا ويأخذ منه نصفا فضة؟ قال: أعجب إلي أن يأخذ في ذلك عرضا، كأنه خففه لقلة النصف، قال ابن القاسم: ولا بأس به. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز إذا كان له عليه أربعة عشر دينارا ونصف دينار مؤجلة أن يأخذ منه قبل محل الأجل أربعة عشر دينارا وصرف نصف دينار لأنه لا يجوز له أن يأخذ دراهم عن ذهب لم يحل أجلها؛ لأنه يدخله صرف إلى أجل، وأجاز أن يأخذ منه أربعة عشر دينارا وعرضا بالنصف دينار، وفي ذلك نظر لأنه عجل له الأربعة عشر دينارا على أن باع منه العرض بنصف دينار، والبيع على تعجيل الحق لا يجوز؛ لأنه يدخله: "ضع وتعجل"، ألا ترى أنهما يتهمان على أن يعجل له الأربعة عشر دينارا على أن يأخذ منه بالنصف دينار عرضا لا يساوي إلا ربع دينار فيكون قد عجل له حقه على أن يحط عنه منه ربع دينار، ولم يجز أن يأخذ منه خمسة عشر دينار ويدفع إليه بالنصف الزائد على حقه فضة لأنه صارفه في النصف دينار على أن يعجل له الأربعة عشر دينارا ونصف التي كانت له

: خالط رجلا بمال فكان لأحدهما قبل صاحبه فضل

عليه، وذلك لا يجوز؛ لأنه يخاف أن يكون زاده في صرف نصف المثقال لموضع التعجيل فيدخله: ضع وتعجل، وقد يدخله أيضا: ذهب نقدا بفضة نقدا، وذَهَب إلى أجل؛ لأنه أعطاه خمسة عشر مثقالا نقدا على دراهم معجلة وعن ذهب مؤجل، وخفف إذا أخذ منه خمسة عشر دينارا أن يدفع إليه بالنصف دينار الزائد على حقه عرضا وإن كان يدخله: ضع وتعجل؛ لأنه يخاف أن يكون أعطاه في النصف دينارٍ عرضا قيمته أكثر من نصف دينار على أن يعجل له حقه إلا أنه استخف ذلك ليسارته، ولم ير ابن القاسم به بأسا، وقد كرهه مرة، وقع اختلاف قوله في ذلك في سماع أبي زيد من كتاب الصرف، وقد مضى القول على ذلك هنالك، وبالله التوفيق. [: خالط رجلا بمال فكان لأحدهما قبل صاحبه فضل] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد وسئل مالك: عن رجل خالط رجلا بمال فكان لأحدهما قبل صاحبه فضل، ثم إن الذي غاب بفضل غاب وذهب ولا يعرفه صاحبه بنسب ولا دار إلا الاسم، قال مالك: يتصدق به عنه ويقول حين يتصدق: اللهم هذا عن فلان لمكان الذي له عندي، فإن جاء بعد ذلك دفع إليه حقه. قال محمد بن رشد: قوله يتصدق به عنه، معناه: إن شاء، إذ لا يلزمه ذلك مخافة أن يأتي فيلزمه غرمه؛ إذ هو ثابت في ذمته لا يبرأ منه إلا برده لربه أو بأن يرفع ذلك إلى الإمام ويدفعه إليه فيوقفه الإمام له. وقوله: ويقول حين يتصدق به عنه: اللهم هذا عن فلان، معناه: أنه يقول ذلك في نفسه؛ لأن النية تكفيه في ذلك، وليس عليه أن يحرك بها لسانه. وقوله: إنه إن جاء بعد ذلك دفع إليه حقه صحيح لا يدخل فيه الاختلاف الحاصل بين أهل العلم فيمن تصدق باللقطة بعد التعريف هل يضمنها لصاحبها أم لا؛ لأنها ليست في ذمته بخلاف هذا، وقد جاء في الحديث «أن شأنه بها» ، وبالله التوفيق.

: الذكر حق يكتب ويكتب فيه ومن جاء بذكر الحق اقتضاه فيأتي به غير صاحبه

[: الذكر حق يكتب ويكتب فيه ومن جاء بذكر الحق اقتضاه فيأتي به غير صاحبه] ومن كتاب سن رسول الله وقال مالك في الذكر حق يكتب ويكتب فيه: ومن جاء بذكر الحق اقتضاه فيأتي به غير صاحبه، قال: لا أرى أن يدفع إليه شيئا إلا بوكالة؛ لأني لا أدري بما وصل ذلك الكتاب إليه، لعله وجده وقد سقط من صاحبه أو ما أشبه ذلك فلا أرى أن يعطى إلا بوكالة. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما يأتي في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، وهي مسألة صحيحة لا اختلاف فيها للمعنى الذي ذكره في الرواية وبينه فيها بإشهاد صاحب الحق أن من جاء بذكر الحق اقتضاه غير عامل بخلاف إشهاده للذي عليه الحق أنه إن جاء به فقد برئ، وقد مضى القول على ذلك في أول رسم من السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: جحد رجلا حقا له فأراد صاحب الحق أن يستحلفه] مسألة وسئل: عن رجل جحد رجلا حقا له فأراد صاحب الحق أن يستحلفه: ما أسلفتك شيئا، وقال الآخر: أحلف لك: ما لك عليّ شيء، قال: أرى أن يحلف: ما لك عندي شيء، وما الذي ادعيت عليّ إلا باطلا، فإن أبى أن يحلف حلف صاحب الحق واستحق حقه، وقال هذا مُوَرِّكٌ، قال أصبغ: حضرت ابن القاسم وقد

: يستدين فيزرع وقد استأجر فيه أجراء ثم يعجز فيه فيستدين ثم يفلس

حكم أن يحلف ما أسلفه شيئا. قال محمد بن رشد: قول مالك إنه يحلف: ما له عنده شيء وما الذي ادعى عليه إلا باطلا هو في المعنى مثل ما في المدونة في الشهادات منها، ومثل ما حكى أصبغ أنه حضر ابن القاسم وقد حكم بأن يحلف: ما أسلفه شيئا؛ لأن حلفه: ما الذي ادعى عليه إلا باطلا يستغرق كل دعوى ويكفي من كل لفظ، وقد قيل: إنه يقبل منه أن يحلف: ما له عنده حق، وقع الاختلاف في ذلك في آخر سماع أصبغ من كتاب النذور، وفي غيره من المواضع، والأظهر أنه لا يقبل منه إلا أن يحلف: ما أسلفه شيئا؛ لأن الطالب يقول بمفهوم قوله: إنه يريد أنه قضاني، وهو لو صرح بأنه قضاني لكان القول قولي إني ما قبضت منه شيئا، فيريد أن يأتي بكلام يتحيل فيه أن يكون القول قوله في القضاء، وهو قوله: ما لك عندي شيء، وما أشبه ذلك من الألفاظ. والأصل عندي في هذا الاختلاف اختلافهم في اليمين هل هي على نية الحالف أو على نية المحلوف له، فمن رأى اليمين على نية الحالف قبل من الحالف أن يحلف: ما له قبله حق؛ لأنه يقدر إن استحلفه ما أسلفه [شيئا] أن ينوي أنه ما أسلفه شيئا هو عليه باق له، فلا يكون كاذبا في يمينه كما لو حلف ما له قبله حق، فلما كان يقدر على هذا لم يكن لإيجاب اليمين عليه أنه ما أسلفه شيئا كبير فائدة، ومن رأى اليمين على نية المحلوف له لم يقبل من الحالف إلا أن يحلف ما أسلفه شيئا؛ لأنه إن حلف على ذلك، وقد كان أسلفه فقضاه كان آثما كاذبا، فلزم ذلك لينكل عن اليمين فيكون القول قول الطالب، وبالله التوفيق. [: يستدين فيزرع وقد استأجر فيه أجراء ثم يعجز فيه فيستدين ثم يفلس] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الأقضية الثاني قال سحنون: قال لي أشهب: سئل مالك: عن الذي يستدين

فيزرع وقد استأجر فيه أجراء ثم يعجز فيه فيستدين ثم يفلس، قال: يبدأ صاحب الدين الآخر فالآخر، وإنما يكون ذلك إذا فلس ولم يكن له شيء يحيي به الزرع فاستدان في عمله وحياته، فالآخر يبدأ وهو خير للذي قبله أحياه له ولم يدعه يموت، فإن فضل فضل أخذه وإلا فلا شيء له؛ لأنه كان يموت ويذهب، وكذلك إن كان الأجراء قبل أوجروا فإنه يبدأ الآخر. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه استدان دينا فزرع به زرعا واستأجر في عمل الزرع أجراء بدين فعمل الأجراء ما استأجرهم عليه ثم عجز عن بقية عمل الزرع فاستدان دينا آخر فاستأجر به أجراء على بقية عمل الزرع فيبدأ الدين الآخر على الدين الأول وعلى إجارة الأجراء، فإن فضل فضل عن الدين الآخر بدئ فيه الأجراء على الدين الأول، وهي مسألة صحيحة على معنى ما في الرهون من المدونة في الزرع يرتهن فيخشى عليه الهلاك فيأخذ الراهن من رجل آخر مَالًا فينفقه فيه - أن الآخر يكون أحق بالزرع، فإن فضل فضل كان للمرتهن الأول. وعلى قياس القول [الأول] فإن أجير السقي أحق بالزرع من الغرماء، وقد اختلف في ذلك فقيل: إنه أحق في الموت والفلس، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز وقول ابن الماجشون وأصبغ في الواضحة، وقيل: إنه أسوة الغرماء في الموت والفلس جميعا، وهو قول المخزومي، وقيل: إنه أحق في التفليس دون الموت، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، والقياس قول المخزومي؛ لأنه لم يبع منه الزرع فيكون أحق به، وإنما باع منه منافع قد استهلكت، ولكلا القولين الآخرين وجه من النظر، وذلك أن الزرع لما كان ناميا بسقي الأجير صار كالبائع له ويده عليه إلا أنه في أرض المستأجر المفلس، فمن غلب كون يده عليه رآه أحق به في الموت والفلس، كمن باع سلعته ففلس المبتاع قبل قبضها، ومن غلب كونه

مسألة: يحلف مع شاهده إنه عجوة

في أرض المستأجر رآه أحق به في الفلس دون الموت، كمن باع سلعة ففلس المبتاع بعد قبضها، وهي قائمة بيده، وكذلك اختلف أيضا في رب الأرض إذا فلس المكتري هل يكون أحق بالزرع أم لا على هذه الثلاثة الأقوال؛ لأن المعنى فيها جميعا سواء. واختلف على القول بأن كل واحد منهما أحق إذا اجتمعا، فقيل: إنهما يتحاصان، وقيل: يبدأ رب الأرض، وقيل: يبدأ الأجير، فإن كان الزرع مرهونا كان المرتهن أحق من الغرماء بما فضل عن رب الأرض وأجير السقي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، فعلى هذا إذا اكترى الرجل أرضا فزرع فيها زرعا فخشي عليه الهلاك فاستأجر على سقيه، ثم عجز عنه أيضا فاستأجر على سقيه وإحيائه آخرين، ثم رهنه فإنه يبدأ الساقي الآخر على الأول، والأول على المرتهن، والمرتهن على سائر الغرماء، ورب الأرض على ما ذكرناه فيه من الاختلاف يحاص الأجراء الأولين في قول، ويكون أحق منهم في قول، ويكونون أحق منه في قول، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة. ومعنى قوله: وكذلك إن كان الأجراء قبل أوجروا، فإنه يبدأ الآخر، يريد: أن الأجير في الزرع وإن كان الحكم فيه أن يكون أولى بالزرع من الغرماء فلا يكون في هذه المسألة أولى من الغرماء الآخرين بل يبدأ الغرماء الآخرون عليه؛ لأن الزرع إنما حيي بأموالهم إذا كان صاحبه قد عجز عنه، فكما يبدأ الغريم على الغريم من أجل أن الزرع إنما حيى بالدين المتأخر، فكذلك يبدأ على الأجير من أجل ذلك، وقد وقع في كتاب ابن المواز لمالك: أن الأول من الأجراء يبدأ على الثاني، وهو بعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف مع شاهده إنه عجوة] مسألة وسئل مالك: عمن أتى على امرأة بذكر حق بعد موتها فيه كذا وكذا صاعا من تمر عجوة فمحا الموضع الذي فيه

: جاء بسفينة له اشترى من رجال ولم يدفع إليهم من الثمن شيئا حتى فلس

العجوة في السطر ولم يأت على الذكر حق بشهادة إلا كاتب الصحيفة يشهد أنه يعرف كل ما في الكتاب إلا تسمية العجوة إنه ليس كتابه، وقد محي، ولا أدري أعجوة هو أم لا؟ قال ابن القاسم: قال مالك: أما أنتم فلستم تحلفون إنه غير عجوة فأرى أن يحلف مع شاهده إنه عجوة، وإن هذا الحق له، ثم يعطاه. قال محمد بن رشد: قوله أما أنتم فلستم تحلفون إنه غير عجوة، معناه: أما أنتم فإذا لم تحلفوا إنه غير عجوة فأرى أن يحلف مع شاهده إنه عجوة؛ لأن القول قولهم إنه غير عجوة؛ لأنه لما ثبت له شاهد بالعدة وأنها تمر، قيل له: احلف مع شاهدك على صحة ما شهد به، ثم يقال للورثة: احلفوا على أي صنف من التمر تقرون به، فإن حلفوا على صنف ما أخذه، ولم يكن له غيره، وإن لم يحلفوا، قيل له: احلف على أي صنف تدعيه وخذ، فتكون يمينه يمينا واحدة على الصنف، وعلى أن شاهده شهد بحق، وعلى أنه لم يقبض ذلك، وبالله التوفيق. [: جاء بسفينة له اشترى من رجال ولم يدفع إليهم من الثمن شيئا حتى فلس] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل مالك: عن رجل جاء بسفينة له، فاشترى من هذا قمحا فصبه فيها، ثم اشترى من هذا قمحا فصبه فيها حتى اشترى من رجال فصبه في السفينة كله ولم يدفع إليهم من الثمن شيئا حتى فلس، أتراهم أحق بقموحهم من الغرماء؟ قال: نعم، إن علم ذلك اقتسموه بينهم بالمكيلة على الحصص. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على معنى ما في المأذون له من المدونة وعلى ما مضى في رسم باع غلاما وغيره من سماع

مسألة: يكتب في ذكرحق ومن قام بذكر الحق اقتضاه به ثم يجيء به رجل

ابن القاسم، ولو نقص الكيل وكان من نقصان المركب كان بينهم على الحصص، ولم يكن على المفلس شيء بخلاف إذا نقص ببيع أو تلف أو استهلاك فإنهم يكونون أسوة الغرماء بما ناب ما نقص من الثمن، ولو زاد القمح من نداوة البحر كانت الزيادة بينهم على قدر ما لكل واحد منهم، وبالله التوفيق. [مسألة: يكتب في ذكرحق ومن قام بذكر الحق اقتضاه به ثم يجيء به رجل] مسألة وسئل: فقيل له: قلت في الذي يكتب في ذكر حق، ومن قام بذكر الحق اقتضاه به ثم يجيء به رجل أنه لا يقتضي ما فيه إلا بوكالة يقيمها، فقال: نعم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، وقد تقدمت والعلة فيها في رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [: يشتري سلعة بدين على أن يقضيه من عطائه إذا خرج فلم يخرج] ومن كتاب الأقضية وسئل: عن الرجل يتعين في عطائه فيحبس العطاء وله مال فيه وفاء بما عليه من تلك العينة، أنأخذ ذلك من ماله؟ قال: لا أرى ذلك.

مسألة: بايعه بشرط ألا يقاصه

قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في آخر السماع، والمعنى فيها أنه حكم للعطاء بحكم الدين الثابث في الذمة في أن مصيبته ممن اشتراه إن مات الذي عليه الدين أو فلس، ومعنى ذلك في العطاء المأمون، فإذا تعين على هذا في العطاء بأن يشتري سلعة بدين على أن يقضيه من عطائه إذا خرج فلم يخرج بطل حقه، وإن خرج بعضه حل عليه من الدين بحساب ما خرج منه على ما يأتي في آخر السماع. وكذلك لو اشترى العطاء فلم يخرج لم يكن له على هذا القول شيء، وقد قيل: إنه إذا تعين في عطائه أو باعه كان ذكر العطاء كالأجل وتعلق ذلك بذمته إن لم يخرج العطاء أو مات قبل خروجه، وهو اختيار محمد بن المواز وقول مالك في رواية أشهب عنه في الواضحة، وهذا القول يأتي على قياس قول غير ابن القاسم في المدونة في الذي يشتري السلعة بدنانير له غائبة - أنه ضامن لها إن تلفت وإن لم يشترط الضمان، ويأتي على قياس قول ابن القاسم في هذه المسألة ألا يجوز التعيين في العطاء إلا بشرط الحلف. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أن البيع لا يجوز إلا بشرط الضمان لمن لم يخرج العطاء، والثاني: أنه جائز والحكم يوجب الضمان، والثالث: أنه جائز ولا يلزمه الضمان، وأما العطاء الذي ليس بمأمون فلا يتعين فيه حق من ابتاعه أو تعين فيه باتفاق، ويختلف هل يجوز ذلك بغير شرط الحلف أم لا على قولين، ويحتمل أن يلفق بين الروايات بأن تحمل هذه الرواية على العطاء المأمون، وما في الواضحة واختيار ابن المواز على العطاء الذي ليس بمأمون، فلا يكون في المسألة اختلاف إلا في جواز البيع ابتداء بغير شرط الخلف في العطاء الذي ليس بمأمون. وبالله التوفيق. [مسألة: بايعه بشرط ألا يقاصه] مسألة وسئل: عمن كان له على رجل مال فلقيه ومعه سلعة يبيعها

مسألة: له على رجل دين فقضاه إياه فأقام شهرا ثم جاءه يتقاضاه

فأراد شراءها منه، فقال له البائع: إني أخاف أن تقاصني بثمنها وأنا إنما أريد أن أبيعها لحاجة كذا وكذا، قال: فإني لا أقاصك بثمنها، فاشتراها منه على ذلك، ثم أراد مقاصته بثمنها وللناس عليه ديون سوى دينه كثرة إلا أنه لم يفلس، أترى أن يقاصه؟ قال: نعم، أرى ذلك له إن ألح على ذلك. قيل له: إنه قد اشترى على أن لا يقاصه وعلم أنه إنما يبيعها لأمر سوى أمره فاشتراها على ذلك، فقال: أرى ذلك له، وهو يقول: إنما اشتريت منك لأقاصك ولأستوفي حقي من تحت يدي، فإني أرى ذلك، فروجع فيها، فقال: قد أنباتك بالذي قبلي. قال الإمام القاضي: قد اختلف وجوب الحكم بالمقاصة، فقيل: إنه لا يحكم بها، وهي رواية زياد عن مالك، وظاهر مسألة كتاب الصرف من المدونة، والمشهور أنه يحكم بها. واختلف على هذا القول إذا بايعه بشرط ألا يقاصه على ثلاثة أقوال: أحدها هذا: أن الشرط غير عامل، والثاني: أنه عامل، والثالث: أن البيع فاسد إذا كان الدين حالا؛ لأنه إذا اشترط ترك المقاصة، فكأنه شرط أن يؤخره بالدين فيدخله البيع والسلف. فإذا قلنا: إن البيع جائز والشرط عامل فيلزمه أن يؤخره قدر ما يرى؛ لأن قوله: لا أقاصك، بمنزلة قوله: أؤخرك، إذ لا يكون له أن يترك مقاصته ثم يطالبه برده إليه في الحين، كالذي يسلف الرجل سلفا حالا ثم يطالبه بأدائه في الوقت. وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب النذور، وبالله التوفيق. [مسألة: له على رجل دين فقضاه إياه فأقام شهرا ثم جاءه يتقاضاه] مسألة وسئل: عن رجل كان له على رجل دين فقضاه إياه وأشهد على ذلك شاهدين، فأقام شهرا ثم جاءه يتقاضاه

مسألة: النساج يفلس فيخرج الغزل فيقول هذا لفلان

الدين، فقال له: قد قضيتك وأشهدت عليك بذلك فلانا وفلانا، فقال: ما قضيتنيه، فقال له: أتحلف وأعطيكه؟ فقال له: نعم أحلف، فحلف فقضا إياه. فلما حلف أراد أن يأتي عليه بالشاهدين، أترى ذلك له عليه بعد يمينه ورضاه بها؟ قال: نعم، فليأت بهما. قال محمد بن رشد: مثل هذا في كتاب ابن المواز من رواية ابن عبد الحكم عن مالك، وفي الثمانية من قول مطرف وابن الماجشون. وزاد ابن الماجشون: أنه أثم حين ألجأه إلى اليمين بالباطل وبينته حاضرة يعلمها. وفي الواضحة لمطرف وابن الماجشون خلاف قولهما في الثمانية مثل ما في المدونة: أنه لا قيام له إذا استحلفه وهو عالم ببينته تاركا لها. وجه هذا القول: أنه قد رضي بيمين صاحبه وإسقاط بينته فيلزمه ما رضي به؟ ووجه القول الآخر: أنه يقول لم أرض بيمينه وإسقاط بينتي، وإنما قلت له، وأنا أظن به أنه لا يجترئ على اليمين بالباطل، ولو علمت أنه يجترئ على اليمين لما مكنته منها، فلا يدخل هذا الاختلاف في الصلح. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم أخذ يشرب خمرا، وبالله التوفيق. [مسألة: النساج يفلس فيخرج الغزل فيقول هذا لفلان] مسألة وسئل: عن النساج يفلس أو الصائغ، فيخرج النساج الغزل فيقول هذا لفلان، أو يخرج الصائغ السبيكة فيقول هذه لفلان، فقال: لا، إلا أن يأتي صاحب الحلي بشبهة بشاهد. قيل: إنما أعطاه حليا فجاءه بسبيكة فقال هذه لفلان وهذه لفلان، فقال: ليس هو في ذلك بمصدق، يقال له أفسدت أمانتك، ولعلك أن تكون تخص صديقك أو تواتي هذا ليرد عليك، فلا أرى ذلك له عليه.

: أعطى الابن الغرماء ما نض من مال الميت وصالحهم في الباقي

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، ومضى القول فيها أيضا مستوفى في رسم الشجرة تطعم بطنين من سماع ابن القاسم من كتابه تضمين الصناع، وبالله التوفيق. [: أعطى الابن الغرماء ما نض من مال الميت وصالحهم في الباقي] ومن كتاب البيوع وسئل: عمن توفي وترك عليه مائتي دينار دينا وستين دينارا، وترك من العين مائتي دينار بيع فيها متاعه وما كان له، فقال ابن الميت: أنا أدفع إليكم ما نض وأتحمل لكم بنصف ما بقي وتحللوا أبي من نصفه. فقال: ما يعجبني هذا ولا أحبه، وإنما يجوز هذا بأن يقر مال أبيه بيده ويتحمل بدينه كله، يكبر الصغير وينمو ويصلح ما في يده، ولا يكون ما فضل له ولكن يكون للورثة معه، فهذا الذي يصلح ويجوز. فأما أن ينض المال ويبيع المتاع ويصير عينا فيدفعه إليهم ويصالحهم فيما فضل على أن يتحمل لهم بالنصف ويوضع عن أبيه النصف فلا يعجبني هذا. قلت: أرأيت إن أسلم له كل شيء وتحمل به، ثم جاء بعد هذا الدين دين آخر، فقال الغريم الذي طرأ: أنا أغرمك أيضا قد تحملت عن أبيك، وقال هو: إنما تحملت بهذا الدين الذي قد علمت. فقال: أرى ذلك لازما له أن يغرم لهم. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله أنه إذا أعطى الابن الغرماء ما نض من مال الميت وصالحهم في الباقي على أن يتحمل لهم بنصفه ويضعوا عن أبيه النصف لم يجز. ووجه الكراهة في ذلك أنه إن جاء غريم آخر لم يعلم به كان له أن يدخل على الغرماء فيما قبضوه فيحاصهم

مسألة: له على رجل دين حال فقال له عجل لي سبعين دينارا ولك تأخير غيره

في ذلك بجميع دينه إذ لم يضعوا عن الميت منه شيئا، ولا يكون لهم أن يضربوا معه بجميع دينهم إذ قد وضعوا عن الميت نصف ما كان بقي من حقوقهم، فيكون من حجتهم حينئذ أن يقولوا: لو علمنا أنه يطرأ علينا من يدخل معنا فيما صار إلينا ويحاصنا فيه بجميع دينه لم نرض أن نحط عن الميت شيئا لما في ذلك من انتقاص حقوقنا، فكان في هذا قولا وحجة، فإذا لم تلزمهم الوضيعة لم يلزم الابن الضمان وانتقض الصلح. ويجوز أن يضمن الابن جميع دين أبيه أو نصفه أو ثلاثة أرباعه على أن يقر المال بيده عرضا كان أو عينا، وعلى أن يدفعه إليهم أيضا إذا لم يشترط عليهم وضيعة شيء مما بقي من حقوقهم للعلة التي ذكرناها من طرو غريم لم يعلم به، فلا دليل في قوله: وإنما يجوز هذا بأن يقر مال أبيه بيده ويتحمل بدينه كله فيكبر الصغير وينمو ويصلح ما في يده، على أنه لا يجوز أن يتحمل بالبعض، ولا على أنه لا يجوز إذا دفع إليهم ما اجتمع في تركة الميت أن يتحمل بالباقي في كله أو بما شاء منه إذا لم يشترط عليهم وضيعة شيء من حقوقهم. وقد مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم وجه جواز دفع مال الميت إلى ابنه بشرط ضمان ديون غرمائه فلا معنى لإعادته. وإذا دفع إليه مال أبيه على أن يضمن للغرماء حقوقهم فطرأ غريم لم يعلم به لزمه ضمان دينه، ولو اشترط ألا يضمن دين من طرأ لم يجز إذا كان الضمان على أن أسلم إليه مال الميت، ولو لم يسلم إليه مال الميت ودفع إلى الغرماء لكان له أن يضمن لهم أو لمن شاء منهم دون من يطرأ؛ لأنه متطوع بالضمان، وبالله التوفيق. [مسألة: له على رجل دين حال فقال له عجل لي سبعين دينارا ولك تأخير غيره] مسألة وسئل: عمن كان له على رجل دين حال، فقال له: عجل لي

مسألة: ادعى على الرجل مائة دينار فصالحه منها على خمسين إلى أجل

سبعين دينارا ولك تأخير غيره إلى خمسة أشهر، فجاءه فكتب عليه وأخذ السبعين، ثم قال: إني أراك أحب إليك لو وضعت عنك وعجلتني، فقال: إي والله ولكن لم أطمع بذلك، فقال: فأنا أفعل فانقدني مالي. قال مالك: بعدما وجب ذلك وكتبه لا يصلح ذلك، فإن كان ذلك عند المراوضة قبل وجوب ذلك فلا أرى بذلك بأسا، وإن كان بعد وجوبه ووقوعه فلا خير فيه، ولكن أي شيء أعطاه في تلك الذهب؟ فقيل: طعام، فقال: لو أخذ منه ثيابا أو دواب ولا يضع له بعضا ويأخذ بعضا يتعجله وإن كان ثمن ذلك الثياب والدواب أقل مما اشتراها به، ولا يأخذ منه طعاما ولا إداما وإن كانت حالة. قيل: له أرأيت إن أخذ من صنف طعامه أقل منه؟ فقال: لا يأخذه، يدخلون في الأمور حتى يغيروها عن حالها التي كانت عليها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله أنه إذا أخذه ببعض ما كان له عليه من الدنانير فلا يجوز له بعد ثبوت التأخير أن يضع عنه منه على أن يعجل له، ويجوز له إن كانت الدنانير التي أخره بها من ثمن الطعام أن يأخذ منه بها قبل محل الأجل ثيابا أو دواب قيمتها أقل مما كان له عليه، ولا يجوز له أن يأخذ منه طعاما مخالفا للطعام الذي باعه ولا أفضل ولا أكثر عددا. واختلف: هل يجوز له أن يأخذ أقل من كيل طعامه أو أدنى في الصفة، فلم يجز ذلك في هذه الرواية، وأجازه في غيرها، وبالله التوفيق. [مسألة: ادعى على الرجل مائة دينار فصالحه منها على خمسين إلى أجل] مسألة وسئل: عن رجل له على رجل عشرة دنانير فجحده إياها فأتى عليه بشاهد واحد، فقيل له: احلف مع شاهدك وخذ حقك، فكره اليمين وخلا بغريمه، فقال له: إني قد علمت أنك لم يدعك

أن تجحدني إلا العشرة فاطرح عني اليمين وأنا أكتبها عليك إلى سنة، فقال: ما هذا بحسن، أرأيت لو قال أعطيك قرضا؟ قال محمد بن رشد: قول مالك هذا إنه لا يجوز له أن يطرح عنه اليمين على أن يؤخره بالعشرة دنانير هو على أصله في المدونة، بدليل قوله في كتاب الصلح منها: إن الرجل إذا ادعى على الرجل مائة دينار فصالحه منها على خمسين إلى أجل إن ذلك جائز إذا كان مقرا؛ لأن العلة في أن ذلك لا يجوز عنده إذا كان منكرا إسقاط اليمين عنه على أن يؤخره، إذ من حق المدعي عليه أن ينكل عن اليمين فيردها على المدعي فيكون إنما أخره ليسقط عنه اليمين، خلاف قول ابن القاسم إن ذلك جائز وإن كان منكرا. وقوله أظهر؛ لأن الأيمان إنما هي شرع تعبد الناس بالحكم بها في الظاهر وهي غير واجبة في الباطن، إذ لو كشف لنا عن حقيقة الأمر لم تكن ثم أيمان، فالمدعي يعلم إذا كان محقا أنه لا يمين عليه وأن تحليف المدعى عليه إياه بصرف اليمين عليه ظلم له، فلم يسقط عن نفسه بالتأخير شيئا واجبا عليه. فالذي أقول به في هذه المسألة: إن تأخير الحق عنه على أن يسقط عنه اليمين جائز إن كان المدعى عليه يعلم وجوب الحق عليه، وغير جائز إن كان يشك في ذلك؛ لأن من حقه أن يحلفه إذا كان يشك فيما يدعيه قبله، ولا يحل له ذلك إذا علم أن الحق قبله. ووقع في سماع أشهب من كتاب الحمالة والحوالة مسألة، قال فيها بعض الشيوخ: إنها معارضة لرواية أشهب هذه، وهي أنه سئل: عمن كانت له على رجل مائة درهم فسأله أن ينظره ويتحمل له بها حميل، فقال: لا بأس بذلك. ولا تعارض عندي بين المسألتين؛ لأن المعنى فيهما مختلف. ووجه جواز تأخيره لحقه على أن يتحمل له به حميل: هو أنه لو شاء أخذ منه حقه معجلا، فإذا أخره به على أن يتحمل له به حميل فهو بمنزلة ما لو أسلفه إياه ابتداء على أن يأخذ منه به حميلا. ولو كان معسرا إن قام عليه لم يجد عنده إلا بعض حقه لما جاز أن يؤخره بالجميع على أن يعطيه به حميلا، والله الموفق.

: يوصي فيقول لي عند فلان كذا وكذا

[: يوصي فيقول لي عند فلان كذا وكذا] ومن كتاب الوصايا وسمعته يسأل عن الرجل يوصي فيقول لي عند فلان كذا وكذا، فقال: يحلف المدعى عليه، وإن أبى أن يحلف غرم. قيل له: أيحلف من غير مخالطة؟ قال: ليس في هذا مخالطة ولا شيء. قال محمد بن رشد: قوله: إن المدعى عليه يحلف من غير مخالطة صحيح؛ لأن الورثة لا يعلمون من يشهد لهم بالخلطة. وهذه المسألة هي إحدى المسائل الخمس التي يجب اليمين فيها دون خلطة، وقد مضى القول فيها في سماع أصبغ من كتاب الأقضية. وسواء ادعى الورثة معرفة الدين قبله أو قالوا لا ندري إلا ما ادعاه موروثتا. وأما قوله: وإن أبى أن يحلف أغرم، فمعناه: بعد أيمان الورثة إن ادعوا معرفة الدين قبله، وبالله التوفيق. [: بيع الورثة للتركة إذا لم يعلموا بالدين] ومن البيوع الأول وسئل مالك: عمن توفي وترك مالا قيمته ألفا دينار وترك مائتي دينار دينا عليه، وقام بعض الورثة فباع بعض الأموال لنفسه وقال فيما بقي وفاء لما عليه من الدين، قال: لا يجوز ذلك البيع ويفسخ، ولا ميراث لأحد حتى يقضى الدين، ولعل تلك الأموال ستهلك، فأرى هذا البيع مردودا لقول الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ولعل تلك الأموال ستهلك قبل أن تباع ويقضى الدين، وما يقال إنه يبلغ ألف دينار لا يباع إلا بمائة. قلت: أرأيت إن استقام ذلك وجاء الأمر على العافية أيجوز ذلك البيع؟ فقال: لا أرى ذلك يجوز وأرى أن يرد. قال محمد بن رشد: رواية أشهب هذه أن البيع لا يجوز ويفسخ

مسألة: قال لفلان عشرة دنانيرمن مالي وصية ولي عليه خمسة فأنكر

وإن كان بإذن جميع الورثة من أجل الدين لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، خلاف ما مضى في رسم كتب عليه من سماع ابن القاسم من أن مصالحة الورثة المرأة قبل تأدية الدين جائزة، وخلاف ما في كتاب المديان من المدونة في أن بيع الورثة للتركة إذا لم يعلموا بالدين جائزة. فالبيع والقسمة في شيء من التركة قبل تأدية الدين على رواية أشهب هذه مفسوخ لمطابقة النهي له بمخالفة أمر الله فيه لقوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] لا خيار للغرماء في إجازته، وذلك جائز على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك إذا وفوا الدين من أموالهم أو من بقية التركة. وعلى هذا يأتي قول مالك في الذي يحلف بعتق رقيقه ليقضين غريمه إلى شهر فيمنع من بيع رقيقه حتى يقضي أنه إن باع منهم وقضى الحق من ثمنهم قبل الأجل لسلم من الحنث، واضطرب قول ابن القاسم في انتقاض القسمة إذا كانوا قد قسموا جميع التركة ثم طرأ دين فأبوا أن يخرجوه من أموالهم، وفي هذا تفصيل قد ذكرته في غير هذا الكتاب، وهو كتاب المقدمات، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لفلان عشرة دنانيرمن مالي وصية ولي عليه خمسة فأنكر] مسألة وسئل: عمن أوصى لرجل بمائة درهم أعطوه إياها وخذوا منها خمسة دنانير لي عليه، فقال الموصى له: ما له علي شيء، فأطرق فيها، ثم قال: ما أراه أعطاه المائة درهم إلا على هذا، فلينظر فإذا كان في المائة درهم فضل عن الخمسة دنانير أعطيه الموصى له في رأيي، وإن كانت الخمسة دنانير أكثر من المائة درهم أحلف فيما فضل في رأيي، فإن لم يحلف غرمها. قيل له: يحلف وإن لم تكن بينهما مخالطة؟ فقال: وإن لم تكن بينهما، مخالطة، ليست المخالطة هنا شيئا. ومن سماع عيسى

: يشتري من العبد الشيء اليسير مثل الخفين وما أشبهه

بن دينار في كتاب بع ولا نقصان عليك قال: وقال مالك في الذي يقول عند الموت لفلان عندي عشرة دنانير ولي عنده خمسة دنانير فأنكر الذي أقر له بالعشرة أن تكون عليه الخمسة، قال: يأخذ العشرة وعلى الورثة البينة في الخمسة أنها عليه. قيل: فلو قال لفلان عشرة دنانير من مالي وصية ولي عليه خمسة فأنكر؟ قال: لا يكون له إلا الخمسة؛ لأنه لم يوص إلا بالخمسة حين قال ولي عليه خمسة، قال: وقال مالك كذلك. قال محمد بن رشد: الفرق بين أن يوصي له بعشرة ويدعي أن له عليه خمسة وبين أن يقر له بعشرة ويدعي أن له عليه خمسة بين لا إشكال فيه. وقد مضى القول في إيجاب اليمين عليه دون خلطة فيما أوصى أن له عنده وفي نكوله عن اليمين في رسم الوصايا فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: يشتري من العبد الشيء اليسير مثل الخفين وما أشبهه] ومن كتاب أوله مساجد القبائل قال أشهب: سألت مالكا: عن الرجل يشتري من العبد الشيء اليسير مثل الخفين وما أشبهه، فقال: لا يشتري من العبد إلا أن يكون عبدا يشتري ويبيع، فإن كان عبدا لا يشتري ولا يبيع فلا يشتري منه إلا بإذن أهله ولا يصدقه بقوله قد أذن لي أهلي حتى يسألهم عن ذلك أو يرده عليه ولا يشتريه، وربما باع العبد ثيابه فليرده عليه ولا يشتريه وعسى بأهله أن يكونوا عبيدا. قال محمد بن رشد: في سماع أشهب من كتاب الضحايا أنه يصدق العبد الفصيح الذي مثله يؤتمن فيما ادعى من أن ذلك له وأنه أذن

: اعترف في مرضه لامرأة له بثلاثين دينارا ثم صح فقال إنما أردت أن أولجها إليها

له في البيع، فيحتمل أن تفسر بذلك رواية أشهب هذه، فإن حملت على ظاهرها فذلك على التورع لا على ما يلزم ويجوز بدليل ما روي من أن عبد الله بن عمر مر في بعض أسفاره على راع يرعى على رأس جبل فاشترى منه شاة ضحى بها ولم يسأله عن شيء، وبالله التوفيق. [: اعترف في مرضه لامرأة له بثلاثين دينارا ثم صح فقال إنما أردت أن أولجها إليها] ومن كتاب الوصايا الصغير قال أشهب: وسمعته يسأل عمن اعترف في مرضه لامرأة له بثلاثين دينارا ثم صح، فقال: إنما أردت أن أولجها إليها أتراها تلزمه؟ قال: نعم تلزمه، أقر لها وهو مريض وينكرها وهو صحيح. وسئل عنها سحنون فقال مثله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الإقرار في المرض يلزمه إذا صح، ولا اختلاف في هذا ولا كلام، وإنما الكلام إذا أقر أحد الزوجين في مرضه ثم مات من مرضه ذلك قبل أن يصح منه، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أقرت بقبض المهر وأقر الزوج بأنه لم يدفعه فطلبت المرأة مهرها] مسألة قيل لسحنون: فلو أن امرأة قالت في مرضها إني قبضت مهري من زوجي، ثم إن زوجها مرض، فقال: إني لم أدفع إلى امرأتي مهرها فمات الزوج وبقيت المرأة. وكيف إن لم يمت الزوج وقامت المرأة تطلب مهرها وتزعم أن قولها في مرضها كان محاباة له، وتقول: قد أقر لي زوجي ولم يستحل ما قلت، وقال الزوج: بل كان الكلام الذي تكلمت به في مرضي محاباة لك، فكل واحد منهما يكذب صاحبه. قال سحنون: يلزمها إذا صحت، فإن مات الزوج وأراد ورثته أن يلزموها ذلك كان ذلك

: والي اليتيم يسأله السائل فيعطيه شيئا من زرع يتيمه

لهم، وإن تمادى بالزوجة المرض حتى مات الزوج ثم ماتت بعده فالإقرار يلزمها. قال محمد بن رشد: إذا أقرت المرأة في مرضها أنها قد قبضت مهرها من زوجها ثم مرض هو فأقر أنه لم يدفع إليها مهرها، ثم قامت المرأة تطلب مهرها، فلا يخلو الأمر من ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون طالبة له وهي مريضة لم تصح بعد من مرضها؛ والثاني: أن تقوم طالبة له بعد أن صحت من مرضها؛ والثالث: أن تموت من مرضها فيقوم ورثتها طالبين له بعد موتها. وكل وجه من هذه الوجوه الثلاثة لا يخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: أن تقوم عليه وهو مريض لم يصح بعد من مرضه. والثاني: أن تقوم على ورثته بعد أن مات من مرضه، والثالث: أن تقوم عليه بعد صحته. فأما الوجه الأول: وهو أن تقوم عليه وهي مريضة فإن كان هو مريضا بعد أو قد صح من مرضه كان لها صداقها، وإن كان قد مات من مرضه لم يكن لها شيء. وأما الوجه الثاني: وهو أن تقوم طالبة له بعد أن صحت من مرضها، فإن كان هو مريضا بعد أو قد مات لم يكن لها شيء، وإن كان قد صح من مرضه كان لها صداقها. وأما الوجه الثالث: وهو أن تموت من مرضها فيقوم ورثتها طالبين له بعد موتها، فإن كان هو مريضا بعد أو قد صح من مرضه كان لها صداقها، وإن كان هو قد مات من مرضه ذلك نظرت فإن كانت ماتت قبله كان لها صداقها، وإن مات قبلها فقيل: إن الإقرار يلزمها ولا يكون لها شيء، وهو قول سحنون في هذه الرواية وروي مثله عن مالك، وقيل: إن الإقرار لا يلزمها ويكون لها صداقها، وهو قول محمد بن عبد الحكم، وبالله التوفيق. [: والي اليتيم يسأله السائل فيعطيه شيئا من زرع يتيمه] ومن كتاب الوصايا والحج والزكاة وسمعته يسأل عن والي اليتيم يسأله السائل فيعطيه شيئا من

مسألة: المولى عليه يدان ثم يموت

زرع يتيمه أو غير ذلك، فقال: أرجو ألا يكون بذلك بأس يرجو بركة ذلك لليتيم. قال محمد بن رشد: هذا صحيح، ومعناه: في اليسير الذي جرت العادة بالمسامحة فيه. والأصل في جواز ذلك قول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] فإذا جاز للوصي أن يأكل بالمعروف من مال يتيمه كان أحرى أن تجوز له به الصدقة عن اليتيم لما يرجوه له في ذلك من الأجر والثواب، وبالله التوفيق. [مسألة: المولى عليه يدان ثم يموت] مسألة وسمعته سئل: عن المولى عليه يدان ثم يموت، فقال: لا يقضى دينه ولا يكون في ماله، وهو في موته مثله في حياته، إلا أن يوصي به بثلثه فذلك له إذا أمره به وقد بلغ الوصية. قال محمد بن رشد: قد قيل: إن الدين يكون في ثلثه إذا أقر به في مرضه أو في صحته، ولم يختلف أنه إن أوصى به في ثلثه جاز ولزم ذلك على جهة الوصية إلا ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ أن ذلك جائز ما لم يكثر، والصحيح أنه لا يكون في ثلثه إلا أن يوصي بذلك، فإن أوصى به كان ذلك في ثلثه قل أو كثر، وبالله التوفيق. [مسألة: السفيه في ماله المأمون في نفسه وذاته] مسألة وسمعته يسأل فقيل له: إن ابني تزوج امرأة ولم يوامرني وهو يريد الذهاب معها ويتركني وأنا شيخ كبير لا أقدر على نزع الشوكة من رجلي حتى تنزع عني، فقال: إن كان ابنك قد بلغ وهو

: أسلف رجلا أربعين درهما أمر له بها عند صراف فقبضها منه

يلي نفسه وليس بسفيه ولا ضعيف العقل فذلك جائز، وإن كان لا يلي نفسه وهو سفيه مأخوذ على يديه فليس ذلك له، فقال الرجل: أله أن يخرج عني ويدعني؟ فقال: نعم ذلك له إن كان غير سفيه وهو رجل يسافر ويخرج إلى العراق، فإذا كان قد بلغ ولم يكن سفيها ولا مأخوذا على يديه فذلك له، وإن كان سفيها أو ضعيفا يخاف عليه فليس له ذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن المالك لأمر نفسه له أن يذهب حيث شاء وليس لأبيه أن يمنعه من ذلك، وأما السفيه الذي لا يملك ماله ويخشى منه أبوه أو وليه السفه في ذاته والفجور بانفراده فله أن يضمه إلى نفسه ويمنعه من السفر والمغيب عنه. واختلف في السفيه في ماله المأمون في نفسه وذاته، فقيل: إن للوالي أن يضمه إليه ويمنعه من الذهاب والسفر حيث شاء، وهو قول مالك في هذه الرواية، وقيل: ليس ذلك له، وهو ظاهر قول مالك في كتاب النكاح من المدونة إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء على ما تأوله عليه ابن أبي زيد من قوله، يريد بنفسه لا بماله، وبالله التوفيق. [: أسلف رجلا أربعين درهما أمر له بها عند صراف فقبضها منه] ومن كتاب الأقضية الأول وسئل مالك: عن رجل أسلف رجلا أربعين درهما أمر له بها عند صراف فقبضها منه، فلما تقاضاه إياها قال دفعتها إلى الصراف حسبته لك وكيلا. فقال: ما شأنه وشأن الصراف، ذلك عليه. قيل: أترى أن يحلف له الصراف إن جحده؟ فقال: ذلك يختلف، إن كان متهما رأيت أن يحلف هذه شبهة، وإن لم يكن متهما لم أر أن يحلف. قال سحنون: وقال ابن نافع: ويحلف له الصراف على كل حال.

مسألة: تصدق بمال له وقام الغرماء عليه فلم يجدوا غير ذلك الذي تصدق به

قال الإمام القاضي: قول ابن نافع هو الصحيح في النظر الجاري على الأصول. وأما تفرقة مالك بين المتهم في ذلك فهو استحسان على غير حقيقة القياس، وإنما يرجع الأمر في ذلك إلى اعتبار الخلطة، فإذا قلت إنها قد حصلت بينه وبين الصراف بقبض الدراهم عنده وجبت له عليه اليمين وهو قول ابن نافع، وإن قلت: إنها ليست بخلطة فلا يحلف في وجه القياس كان متهما أو لم يكن، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق بمال له وقام الغرماء عليه فلم يجدوا غير ذلك الذي تصدق به] مسألة وسئل: عن رجل تصدق بمال له أو أعتق عبدا له ثم مكث حينا ثم إن الغرماء قاموا عليه فلم يجدوا له شيئا غير ذلك الذي تصدق به أو العبد الذي أعتق، كيف يفعل به؟ قال مالك: أما الصدقة فإن جاء الغرماء بالبينة أنه تصدق بها يوم تصدق وهو لا وفاء عنده فيما يرون ردت الصدقة ولم تجز وإلا جازت، وأما العبد فلا يرد عتقه؛ لأن شهادته قد جازت وتمت حرمته وصار حرا جرت عليه الحدود وله. قال ابن القاسم في الصدقة: إذا لم يعلموا بالصدقة وأقاموا البينة على أنه لم يكن له وفاء يوم تصدق به ردوا منها قدر حقوقهم وكان ما بقي لمن تصدق به عليه، وإن علموا كانت الصدقة جائزة لمن تصدق بها عليه ولم يرد منها شيئا. قال محمد بن رشد: الذي يعرف من قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن العبد يرد عتقه أيضا إذا أعتقه وهو مستغرق الذمة بغير علم الغرماء كالصدقة سواء، ورواية أشهب هذه أن العتق لا يرد لحرمته وجواز شهادته استحسان، ومعناه: إذا طالت المدة، وهو قول مالك في كتاب ابن المواز إن العتق لا يرد علم الغرماء به أو لم يعلموا إذا طال ذلك وولد له الأولاد. والوجه في ذلك: أن المدة إذا طالت احتمل أن يكون الغريم قد أفاد فيها مالا ثم ذهب ولم يعرف، فلم ير أن يرد العتق الذي قد تمت حرمته إلا بيقين، وهو أن يقوم الغرماء بعقب العتق. وقد تأول أن قول ابن

مسألة: رهن المشتري السلعة من رجل آخر ثم أفلس المشتري قبل الأجل

القاسم ليس بخلاف لهذه الرواية، ومعناه: إذا قام الغرماء بعقب العتق، ومعنى هذه الرواية إذا قاموا بعد المدة الطويلة، فتتفق الروايتان على هذا التأويل. والأظهر أنه اختلاف من القول إذا طالت المدة، فوجه القول في أن العتق يرد أنه عتق عداء، إذ لا يجوز لمن عليه دين أن يتلف ماله بالعتق كما لا يجوز أن يتلفه بالصدقة، فوجب أن يرد العتق كما ترد الصدقة. ووجه القول بأنه لا يرد أن دين الغرماء إنما هو في ذمة السيد لا في عين العبد، إذ لو تلف العبد لم يبطل الدين، فوجب أن ينفذ العتق لحرمته، إذ لا يبطل الدين بعتقه؛ لأنه باق في الذمة، وبالله التوفيق. [مسألة: رهن المشتري السلعة من رجل آخر ثم أفلس المشتري قبل الأجل] مسألة وسئل مالك: عن رجل باع سلعة بدين من رجل إلى أجل، فرهن المشتري السلعة من رجل آخر ثم أفلس المشتري قبل الأجل والسلعة قائمة عند مرتهنها. قال مالك: بائعها بالخيار إن شاء افْتَكَّهَا من مرتهنها بما رهنت عنده ويحاص الغرماء بما افتداها به كان ذلك له، وإن أحب أن يسلمها ويحاص الغرماء بثمنها كان ذلك له. فإن افتداها من المرتهن كان الغرماء بالخيار، إن شاءوا دفعوها إليه، وإن شاءوا أعطوه ثمنها؛ فإن أعطوه ثمنها وتركها حاص في جميع ذلك بما افتداها به، ولا يحاص بثمنها إلا في إسلامها للمرتهن وتركها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى لا وجه للقول فيها. وقد قيل: إنه لا يضرب بما افتك به الرهن كافتكاك رقبة العبد الجاني إذا كان قد باعه وجنى وفلس المشتري قبل أن يفتكه، وهو بعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري بالدين في عطائه فيكتب ذلك في ديوانه فيخرج له نصف العطاء] مسألة وسئل: عن الرجل يشتري من الرجل بالدين في عطائه أو

إلى أول عطاء يخرج له، فيكتب ذلك في ديوانه، فيخرج له نصف العطاء، أيحل حقه كله عليه؟ قال: إن أمثل ذلك عندي لو أخذ منه ما خرج من عطائه فقط. وسئل: عن الرجل يتعين في عطائه فيحبس العطاء وله مال فيه وفاء بما عليه من تلك العينة، أيؤخذ ذلك من ماله؟ قال: لا أرى ذلك. قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم الأقضية من هذا السماع، فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على سيدنا محمد.

: كتاب المديان والتفليس الثاني

[: كتاب المديان والتفليس الثاني] [مسألة: يحبس في الدين ولا مال له]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وسألته عن الرجل يحبس في الدين ولا مال له، قال: ليس على القاضي أن يسأل الذي عليه الحق البينة أنه لا مال له، والذي يشهد في مثل هذا على البتات أنه لا مال له شاهد زور، وإنما يسأل القاضي عنه أهل الخبرة به والمعرفة، فإن لم يجد له مالا أحلفه وخلى سبيله. قال القاضي: قوله وسألته عن الرجل يحبس في الدين ولا مال له، معناه: ولا مال له في ظاهر أمره، إذ لو عرف أنه لا مال له لم يجب سجنه لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] . وقوله: إنه ليس على القاضي أن يسأل الذي عليه الحق البينة أنه لا مال له، ومعناه: أنه ليس ذلك عليه حتى لا يجزئه دونه، إذ له أن يجتزئ في ذلك بأن يسأل عنه أهل الخبرة والمعرفة. وإذا لم يكن ذلك عليه فليس له أن يفعله ويترك السؤال عنه، وإن فعل ذلك مضى. وهذا في المجهول الحال الذي لا يتهم

مسألة: له على رجلين دين فأخذ أحدهما فحبسه في حقه

بتغييب ماله فيحبس حبس تلوم واختبار. وأما من حبس للتهمة بأنه غيب ماله فلا يجوز للقاضي أن يكتفي بالسؤال عنه دون أن يكلفه البينة على عدمه. وصفة الشهادة على العدم أن يقول الشاهد إنه يعرفه فقيرا عديما لا يعلم له مالا ظاهرا ولا باطنا. واختلف إن شهد أنه فقير عديم لا مال له ظاهرا ولا باطنا، فقيل: إنها شهادة لا تجوز؛ لأنها تحمل على ظاهرها من البتات. وقيل: إنها جائزة؛ لأنها تحمل على العلم. وأما إن نص في شهادته على البت والقطع فلا تجوز شهادته قولا واحدا. فقوله في هذه الرواية: والذي يشهد في مثل هذا على البتات أنه لا مال له شاهد زور صحيح لا اختلاف فيه إن كان نص في شهادته على البت والقطع، وإن كان لم ينص على ذلك فيها وإنما قال إنه لا مال له ولم يزد على ذلك فهو أعدل، على أحد القولين. وقد مضى في سماع أشهب من كتاب الشهادات التكلم على هذا المعنى في نظير هذه المسألة، فتأمل ذلك وقابله بقولي هاهنا فإن بعضه مبين لبعض، وبالله التوفيق. [مسألة: له على رجلين دين فأخذ أحدهما فحبسه في حقه] مسألة وسئل: عن رجل له على رجلين دين كتب عليهما وأيهما شاء أخذ بحقه، فأخذ أحدهما فحبسه في حقه، فأراد المحبوس أن يحبس الذي أبى صاحب الحق أن يحبسه. قال ذلك له إذا كان له مال أو يخاف أن يكون قد خبأ مالا، فذلك له يعمل به مثل ما يعمل صاحب الدين بالذي عليه الحق. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه ضامن لنصف الحق عنه، فإذا سجن فيه كان له هو أن يسجن الذي ضمن عنه لما يجب له من الرجوع عليه فيما سجن فيه، وبالله التوفيق.

مسألة: له على رجلين حق فسأله رجل عن حقه فقال ما لي عليهما شيء

[مسألة: له على رجلين حق فسأله رجل عن حقه فقال ما لي عليهما شيء] مسألة وعن رجل له على رجلين حق وأيهما شاء أخذ بحقه، فسأله رجل عن حقه، فقال: ما لي عليهما شيء، ثم ادعى كل واحد منهما أنه قد دفع إليه ذلك الحق، وأقر صاحب الحق أنه قد قبضه من أحدهما، فقال: أراه شاهدا للذي زعم أنه دفع إليه؛ لأنه لم تبق لصاحب الحق تهمة يجر بها إلى نفسه شيئا، فأراها شهادة قاطعة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه شاهد لأحدهما على الآخر بما لا منفعة له فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل قد أشهد هاهنا ثم يزيد شهودا بعد شهود] مسألة وسئل: عن رجل ادعى على رجل مائة دينار وأقر بها الذي ادعيت قبله وأنه قد أوصلها إليه، فأقام شهيدين يشهدان أنه أقر أنه أوصل إليه خمسين دينارا وأقام عليه شهيدين آخرين أنه أوصله خمسين دينارا، وقال الذي له الحق: إنما هي خمسون دينارا ولكني أشهدت له شهودا بعد شهود، أفتراها مائة أم خمسين؟ قال: أراها خمسين؛ لأن الرجل قد أشهد هاهنا ثم يزيد شهودا بعد شهود، فأراها خمسين إلا أن يكون كتب له براءتين، فإن هذا مما يستدل أنه أمران مختلفان وإلا فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: قوله أراها خمسين، يريد مع يمين الذي له الحق أنها خمسون واحدة. وفي رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب

مسألة: ادعى على رجل حقا فقال المدعى عليه ما أعرفك

الشهادات خلاف هذا أن القول قول الذي عليه الحق. وقد مضى القول على ذلك هنالك مستوفى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ادعى على رجل حقا فقال المدعى عليه ما أعرفك] مسألة وعن رجل ادعى على رجل حقا فقال المدعى عليه ما أعرفك ولا كانت بيني وبينك خلطة قط، ثم ادعى بعد ذلك المدعى عليه قبل المدعي بحق وأتى عليه ببينة، هل تنفعه بينته وهو قد أنكر خلطته، فقال: لا أرى أن تنفعه بينته ولا تجوز شهادتهم إلا أن تكون بعد ذلك خلطة. قال الإمام القاضي: هذه مسألة جارية على أصل مختلف فيه في المذهب قائم من المدونة من كتاب اللعان وغيره. وقوله في آخر المسألة: إلا أن تكون بعد ذلك خلطة - لفظ وقع على غير تحصيل، إذ لا تعتبر الخلطة مع قيام البينة. فإذا أقام البينة بحق له عليه من معاملة قديمة قبل إنكاره أن تكون بينه وبينه خلطة لم ينتفع بها، وإن أقام البينة بحق له عليه من معاملة حديثة بعد إنكاره أن يكون بينه وبينه خلطة قضي له بها وإن لم يكن بينهما بعد ذلك خلطة. وإن قالت البينة لا تدري هل كانت المعاملة قبل الإقرار أو بعده فالقول قول الطالب مع يمينه أنها بعد الإقرار. وإنما تعتبر الخلطة مع مجرد الدعوى. فقوله: إلا أن تكون بعد ذلك خلطة إنما يصح إن ادعى قبله دعوى لم يقم عليها بينة من معاملة حديثة بعد أن أنكر خلطته؛ لأنه إن كانت بينهما بعد ذلك خلطة لحقته اليمين، وإن لم تكن بينهما خلطة لم تلحقه، وبالله التوفيق. [: أكراه الدار بستة دنانير فنقده ثلاثة وبقي عليه ثلاثة ففلس المكتري] ومن كتاب استأذن سيده وسألته: عن الذي يكتري الدار سنة بستة دنانير فينقده ثلاثة

دنانير ويبقى عليه] ثلاثة، فلما سكن ستة أشهر فلس المكتري. قال: يخير صاحب الدار، فإن شاء ترك الدار لتمام السنة وحاص الغرماء بثلاثة دنانير في مال المفلس، فإن أبى إلا أن يأخذ داره رد نصف الثلاثة التي قبض وقبض داره وحاص الغرماء بما زاد في مال المفلس؛ لأن الثلاثة التي قبض كانت كراء لما سكن ولما بقي، فلما كانت كراء لما سكن ولما بقي، قيل له: رد ما كان كراء لما بقي من السنة وتأخذ دارك وتحاص الغرماء بنصف كراء ما سكن؛ لأنه قد صار لك عديما بذلك، إلا أن يشاء الغرماء أن يعطوه دينارا ونصفا تمام كراء الستة الأشهر التي بقيت ويأخذوا الدار إلى السنة فيكون ذلك لهم إذا أعطوه دينارا ونصفا؛ لأنه لو أخذ داره كان عليه أن يرد عليهم دينارا ونصفا، فإذا أقروا ذلك في يده وأعطوه دينارا ونصفا فذلك تمام ثلاثة دنانير كراء الستة أشهر التي بقيت، فيكونون أولى بالدار ويحاص بدينار ونصف صاحب الدار في مال المفلس، وذلك تمام ستة دنانير. وكذلك أيضا العمل في البز وفي جميع الأشياء إذا اشترى رجل عدلين ففلس المشتري فلم يوجد عنده إلا عدلا واحدا وقد قبض البائع نصف الثمن كان العمل فيه على ما فسرت لك في كراء الدور وفي كل شيء كذلك العمل فيه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على مذهب ابن القاسم

في المدونة وعلى معنى ما تقدم في رسم قطع الشجر من سماع ابن القاسم، وفي بعض وجوهها اختلاف. فأما قوله: إذا فلس المكتري بعد ستة أشهر إن صاحب الدار يخير فإن شاء ترك الدار إلى تمام السنة وحاص الغرماء بثلاثة دنانير في مال المفلس، فلا أعرف فيه نص خلاف، إلا أنه داخل فيه بالمعنى، وذلك أن هذا إنما يصح على قياس قول أشهب الذي يرى قبض أوائل الكراء قبضا لجميع الكراء، فيجيز أخذ الدار للمكري من الدين. وأما ابن القاسم فالقياس على أصله أن يحاص الغرماء بكراء ما مضى ويأخذ داره، ولا يكون له أن يسلمها ويحاص الغرماء بالثلاثة دنانير. وإذا أسلم الدار وحاص الغرماء ببقية كرائه قبض ما صار له في المحاصة إن كان الكراء وقع بالنقد. وأما إن لم يكن وقع بالنقد ولا كان العرف فيه النقد فلا يجب أن يقبض ما صار له في المحاصة؛ لأنه لم يسلم السكنى، ويوقف، فكلما سكن شيئا أخذ بقدره من ذلك. وأما قوله فإن أبى إلا أن يأخذ داره رد نصف الثلاثة التي قبض وقبض داره، ففيه ثلاثة أقوال في المذهب: أحدها هذا، والثاني: أنه ليس له أن يأخذها إلا أن يرد الثلاثة التي قبض وهو الذي يأتي على ما في الموطأ لمالك، والثالث: أن له أن يأخذ داره ولا يرد شيئا، وتكون الثلاثة التي قبض ثمن الستة التي سكن، روي ذلك عن ابن أبي زيد وهو مذهب الشافعي. وأهل الظاهر يقولون إنه إذا قبض من الثمن شيئا فهو أسوة الغرماء بجميع ما بقي له منه، ولا يكون له حق في أخذ شيء مما أدرك بدليل قوله في الحديث: «أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به» . واختلف إذا أعطاه الغرماء دينارا ونصفا تمام كراء الستة الأشهر التي بقيت وأخذوا الدار إلى تمام السنة، فقيل: إنهم يكونون أحق بها ويحاص صاحب الدار بدينار ونصف في مال المفلس سوى الدار، وهو

: حصد الزرع ودرس وجاء الغرماء فطلب الولد في الزرع إجارة ما حصدوا

قوله في هذه الرواية، وقيل: إنهم يكونون أحق بدينار ونصف من السكنى؛ لأنهم افتدوه بذلك فيكرون به الستة الأشهر الباقية حتى يستوفوه منها كما لو فدوها به من رهن؛ لأنهم حلوا فيها محل ربها، فلما كان أحق بها كانوا أحق منها بما فدوه حتى يستوفوه، وقيل: إنهم لا يكونون أحق بشيء منه ويحاصهم فيه صاحب الدار بالدينار ونصف الباقي له من ثمن الماضي. وقد قال ابن وهب: إنه ليس للغرماء أخذ بقية الكراء حتى يدفعوا إليه جميع دينه من الكراء، وبالله التوفيق. [: حصد الزرع ودرس وجاء الغرماء فطلب الولد في الزرع إجارة ما حصدوا] من كتاب العرية وعن رجل توفي وترك ولدا وترك زرعا قد أفرك، فلما حصد ودرس جاء غرماء الميت ولم يترك مالا غير الزرع فطلب الولد في الزرع إجارة ما حصدوا ودرسوا، هل ترى ذلك لهم؟ قال ابن القاسم: نعم، ذلك لهم يأخذون إجارة ما عملوا فيه. قال محمد بن رشد: هذا بين لا إشكال فيه، إذ لا يلزم الورثة أن يحصدوه ويدرسوه للغرماء من أموالهم، وبالله التوفيق. [مسألة: سلف دنانير في عبد موصوف إلى أجل فمات قبل أن يدفع العبد] مسألة وفي رجل سلف رجلا دنانير في عبد موصوف إلى أجل فمات الذي عليه العبد قبل أن يدفع العبد كيف يحاص أهل الدين؟ وهل يجوز له أن يأخذ ثمنه منه وإن كان اشترى منه قمحا؟ قال ابن القاسم: يحاص أهل الدين بقيمة تلك السلعة ما كانت، فما صار له في المحاصة اشترى له به ما بلغ من حقه، ويكون ما بقي دينا له على الغريم يتبعه به إن بلغ ما صار إليه في

مسألة: رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه

المحاصة نصف عبد أو ثلث عبد اشتري ذلك له، واتبعه بنصف عبد أيضا إن كان الذي صار له في المحاصة نصف عبد، وإن كان أقل أو أكثر من ذلك فإنما يتبعه بما نقص من العبد. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يحاص أهل الدين بقيمة تلك السلعة ما كانت، يريد قيمتها حالة خلاف قول سحنون إنه يحاص له بقيمتها إلى أجلها. وقد مضى هذا المعنى وغيره من معاني المسألة في رسم القبلة من سماع ابن القاسم. وإذا وقف ما صار لهم بالمحاصة ليشتري لهم به ما بلغ من حقوقهم فحال السعر بزيادة اتبعوا الغريم بالنقصان، وإن حال بنقصان لم يرجع الغرماء عليهم بالفضل إلا أن يكون فيما صار لهم أكثر من حقوقهم فيردوا الفضل على الغرماء، قاله ابن حبيب في الواضحة، وهو بيان وزيادة في المسألة، والأصل في ذلك أن الرخص والغلاء للغريم وعليه؛ لأنه موقوف على ملكه، ولو تلف لكانت مصيبته منه ولم يلحق سائر الغرماء من ذلك شيء، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه] مسألة وعن الرجل يفلس فيوقف السلطان ماله ويكون في ماله دابة لرجل، فيموت الغريم الذي عليه الدين قبل أن يقسم السلطان ماله، فيجد صاحب الدابة دابته هل تراه أحق بدابته من الغرماء؟ قال مالك: إذا وقفت له فهو أحق بها وإن مات الغريم قبل أن يقبضها، وإن مات الغريم قبل أن توقف له فهو أسوة الغرماء. قلت: ما يوقف له أليس إذ أفلس ووقف ماله فهو أحق بدابته وإن لم يجيء إلا بعد موت المفلس إذا لم يقسم ماله؟ قال: لا يكون وقف ماله وقفا حتى توقف له الدابة بعينها، يتعلق بها فلس فيقول هذه دابتي وتوقف له حتى يثبتها. قال الإمام القاضي: هذه مسألة صحيحة مفسرة لما في كتاب

مسألة: السكوت هل يعد إذنا في الشيء وإقرارا به أم لا

الهبات من المدونة. والأصل فيها قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيما رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» ؛ لأنه إذا وقف له ليثبته ففد أدركه، وبالله التوفيق. [مسألة: السكوت هل يعد إذنا في الشيء وإقرارا به أم لا] مسألة وسئل: عن رجل جاء قوما فقال أنا أشهدكم أن لي على فلان كذا وكذا دينارا وفلان ذلك مع القوم في المجلس ساكت فلم يقل نعم ولا لا، ولم يسأله الشهود عن شيء، ثم جاء يطلب ذلك قبله فأنكر أن يكون عليه شيء، هل يلزمه شيء؟ قال: نعم، ذلك لازم إذ سكت ولم يقل شيئا. قال محمد بن رشد: اختلف في السكوت هل يعد إذنا في الشيء وإقرارا به أم لا على قولين مشهورين في المذهب منصوص عليهما لابن القاسم في غير ما موضع من كتبه: أحدهما هذا: أنه إذن، والثاني: أنه ليس بإذن، وهو قول ابن القاسم أيضا في سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح وفي سماع أصبغ من كتاب المدبر. وأظهر القولين أنه ليس بإذن؛ لأن في قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها» دليلا على أن غير البكر بخلاف البكر في الصمت. وقد أجمعوا على ذلك في النكاح، فوجب أن يقاس ما عداه عليه إلا ما يعلم بمستقر العادة أن أحدا لا يسكت عليه إلا راضيا به فلا يختلف في أن السكوت عليه إقرار به، كالذي يرى حمل امرأته فيسكت ولا ينكر ثم ينكره بعد ذلك وما أشبه

مسألة: قام بذكر حق له ممحو على رجل فطلبه فادعى أنه قد قضاه

ذلك. وقد مضى هذا في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح وفي غير ما موضع من كتابنا هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: قام بذكر حق له ممحو على رجل فطلبه فادعى أنه قد قضاه] مسألة وسئل: عن رجل قام بذكر حق له ممحو على رجل فطلب منه ما فيه وأقام عليه بما فيه البينة، فادعى الغريم أنه قد قضاه إياه ومحاه عنه، فهل يلزمه الحق أو ما ترى؟ فقال ابن القاسم: يلزمه الحق إذا ثبتت البينة ويحلف بالله ما قضاه ولا محاه عنه. وعن رجل قام بذكر حق على رجل ممحو وأقر صاحب الحق أنه محاه وظن أنه قد قضاه وله بينة على ما في هذا الذكر الحق قال الغريم قد قضيته وما محاه إلا من قبض، فما ترى؟ قال ابن القاسم: يحلف الغريم بالله لقد قضاه ولا شيء عليه، وهذه مخالفة للأولى؛ لأن هذا قد أقر له بأنه محاه. قال محمد بن رشد: الفرق بين المسألتين بين على ما قاله، ولا اختلاف في المسألة الأولى. وأما الثانية فيتخرج فيها بالمعنى اختلاف حسبما ذكرته في أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: يبتاع العبد بماله بدين إلى أجل ففلس مشتريه وقد مات العبد] مسألة وسألته: عن الرجل يبتاع العبد بماله بدين إلى أجل ففلس مشتريه وقد مات العبد في يده وبقي ماله أو بقي العبد وفات ماله. قال: إذا وجد العبد وفات ماله بانتزاع من السيد فاستهلكه أو غير ذلك أو استهلاك من العبد أو بوجه من الوجوه فإنه يقال له إن شئت فخذ العبد ولا شيء لك غيره، وإن شئت فدع وحاص فيه وفي جميع ماله المفلس بمالك عليه، فإن اختار العبد فلا شيء له غيره إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا ماله على المفلس

ويأخذوا العبد فذلك لهم. وإن كان العبد قد فات فوجد ماله فإنه لا سبيل إلى مال العبد ولا خيار له في ذلك وهو أسوة الغرماء في مال العبد والمفلس. قلت له: وإن كان مال العبد رقيقا أو عروضا قائمة معروفة؟ قال: وإن كان معروفا فلا سبيل له إليه، وقال: مال العبد ضعيف، ألا ترى أن مالكا قال: لو أن رجلا ابتاع عبدا بماله فذهب بعض ماله أو كله في عهدة الثلاث لم يكن له أن يرده لما ذهب من ماله، ولو أنه وجد به عيبا وقد ذهب ماله رده ولم يكن عليه فيما ذهب من ماله شيء، إلا أن يكون انتزعه منه فيكون عليه أن يرد معه ما انتزع من ماله مما اشتراه به. قلت: فما اكتسبه عنده أله أن يحبسه إذا رده بالعيب وقد كان انتزعه منه قبل أن يظهر على العيب، أعليه أن يرده مع العبد إذا رده بالعيب؟ قال ابن القاسم: قال مالك: إذا رده رد معه ما اكتسب من ماله كان عنده اكتسبه أو اشتراه به فانتزعه أو كان في يده فإنه يرده ويرد ماله. قال الإمام القاضي: هذه مسألة صحيحة جارية على أصولهم في أن مال العبد تبع له، ولا اختلاف أحفظه في شيء من وجوهها إلا في مجرد انتزاع مال العبد في التفليس هل هو فوت فيه بخلاف الرد بالعيب أو ليس بفوت فيه مثل الرد بالعيب؟ فقيل: إنه ليس بفوت فيه مثل الرد بالعيب. وإذا فلس مشتري العبد بعد أن انتزع ماله وهو قائم بيده لم يتلف ولا استهلكه بعد أن البائع أحق به يأخذه مع العبد إن شاء أخذ العبد وترك محاصة الغرماء، كما أن مشتري العبد إذ وجد به عيبا بعد أن انتزع ماله وهو قائم بيده لم يكن له أن يرده إلا بماله، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية بدليل قوله فيها: وفات ماله بانتزاع من السيد فاستهلكه، إذ لم ير مجرد الانتزاع في المال فوتا فيه إلا أن يستهلكه السيد، وسواء استهلكه بالانتفاع به مثل أن يكون طعاما فيأكله أو ثوبا فيستهلكه باللباس أو بما لا منفعة له فيه، مثل أن يكون

عبدا فيقتله أو يعتقه أو يهبه أو يتصدق به، الحكم في ذلك كله سواء، هو في التفليس فوت بخلاف الرد بالعيب، إذ ليس لمشتري العبد أن يرده بالعيب بعد أن استهلك ماله بشيء من هذه الوجوه إلا أن يرد قيمة ذلك معه. وقيل: إن مجرد الانتزاع فيه فوت. وإذا فلس المشتري بعد أن انتزع المال وهو قائم بيده فليس للبائع أن يأخذه، وهو بالخيار بين أن يأخذ العبد بجميع الثمن وبترك ماله، أو يتركه ويحاص الغرماء بجميع الثمن فيه وفي ماله وفي سائر مال المفلس، بخلاف الرد بالعيب، إذ ليس للمشتري أن يرد العبد بعد انتزاع ماله إلا أن يرثه معه، فإتلاف مال العبد فوت في التفليس وفي الرد بالعيب، تلف قبل الانتزاع أو بعده، يكون الحكم في ذلك كله بمنزلة إذا لم يكن له مال. واستهلاك المشتري إياه قبل الانتزاع أو بعده يفترق فيه التفليس والرد بالعيب، يكون الحكم فيه في التفليس بمنزلة إذا لم يكن له مال، وفي الرد بالعيب لا يرده إلا أن يرد معه قيمة ما استهلك من ماله أو مثله في ماله مثل. ومجرد الانتزاع إذ كان المال قائما بيد المبتاع يختلف فيه في التفليس على قولين: أحدهما: أن الانتزاع فوت كالتلف، والثاني: أنه ليس بفوت فيه ويكون للبائع أن يأخذه مع العبد إن أراد أخذه، وفي الرد بالعيب ليس له أن يرده إلا بماله. وسواء في هذا كله ابتاع المشتري العبد بماله أو اكتسبه عنده بتجارة أو وهب إياه، إلا أن يكون السيد هو الذي وهبه إياه أو اكتسبه عنده من عمل يده فلا يكون للبائع فيه حق لا في التفليس إن أراد أن يأخذه ولا في الرد بالعيب إن رد عليه. والحكم في مال العبد في الاستحقاق بخلاف هذا، للمستحق أن يأخذ مال العبد من يد المشتري وإن كان العبد قد مات عنده قبل الاستحقاق. والفرق في هذا بين الاستحقاق وبين التفليس أن العبد في الاستحقاق لم يخرج عن ملك مستحقه فكان له أن يأخذ ماله سواء وجد العبد أو لم يجده، وكذلك له أن يغرم المشتري الذي استحق العبد من يده

مسألة: الصائغ يفلس فيقر لقوم بمتاع عنده ولا بينة لهم إلا قوله

قيمة مال العبد إن كان قد استهلكه، وجد العبد أو لم يجده، ويأخذه من يد الموهوب له إن كان وهبه، وبالله التوفيق. [مسألة: الصائغ يفلس فيقر لقوم بمتاع عنده ولا بينة لهم إلا قوله] مسألة وعن الصائغ يفلس فيقر لقوم بمتاع عنده ولا بينة لهم إلا قوله، هل يقبل قوله: إذا قال هذا لفلان ولا بينة لهم، أو أقر بدين لرجل عليه وليس له بينة، أيأخذ مع من أقام البينة أم لا؟ قال: سمعت مالكا يقول غير مرة: إن إقراره بالمتاع جائز لأهل المتاع. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في أول رسم من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، ومضى تحصيل القول فيها أيضا في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم من كتاب تضمين الصناع، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يبيع الغزل من الرجل فيستنسجه ثوبا ثم يفلس فيوجد الثوب في يده] مسألة وسألته: عن الصناع إذا صنع أحدهم لرجل عملا فقال له صاحب المتاع: هات ما عملت لي وسآتيك بحقك، أو وخره أياما ثم فلس قبل أن يتقاضى الصانع أجرة عمله، هل يكون الصانع أولى بذلك الشيء الذي عمله فيه من الغرماء إذا وجده بعينه حتى يتقاضى حقه؟ قال: إن كل صنعة صنعها صانع لرجل لم يجعل فيها أكثر من عمل يديه مثل الخياطة والقصارة والصياغة ونحو ذلك من الأعمال، فإذا خرجت من يده بما ذكرت فليس هو أولى بها، وإن وجدها فهو أسوة الغرماء بأجر عمله الذي وجب له عليه في جميع مال المفلس، وكل صانع أخرج من عنده عمله شيئا

سوى عمله فأدخله في ذلك الشيء مثل الصباغ يجعل الصباغ والصيقل يجعل متاع السيف والفراء يسترقع الفرو فيجعل من عنده الجلود، فإن هؤلاء ونحوهم إذا أدركوا السلعة قائمة بعينها نظر إلى قيمة الصبغ الذي في الثوب كم قيمته لا يبالي نقص ذلك الصبغ الثوب أو زاده، ثم ينظر كم قيمة الثوب أبيض وكم قيمة الصبغ. وإنما ينظر قيمة ذلك يوم يحكم فيه، فإن كان قيمة الصبغ خمسة دراهم وقيمة الثوب أبيض عشرة دراهم كان لصاحب الصبغ ثلث الثوب ولغرمائه ثلثاه إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه جميع ما واجبه عليه المفلس من الأجر ويأخذوا الثلث فذلك لهم، أو يرضى هو أن يكون أسوة الغرماء في مال المفلس بجميع حقه فيكون ذلك له. وإن لم يرض أن يكون أسوة الغرماء ولم يرض الغرماء أن يفتكوا ذلك الثوب، فالثلث له بالغ ما بلغ ثمنه وإن زاد على أجره الأول أضعافا أو نقص أضعافا من أجره الأول أضعافا، فإذا أسلم إليه فيه ثلثه فله نماؤه وعليه نقصانه، وهو بمنزلة الرجل يبيع الغزل من الرجل فيستنسجه ثوبا ثم يفلس فيوجد الثوب في يده، فإن صاحب الغزل مخير إن شاء أسلمه وكان أسوة الغرماء، وإن أبى نظر إلى قيمة الغزل وقيمة العمل عمل الثوب، فإن كان قيمة الثوب الغزل خمسة دراهم وقيمة العمل عشرة دراهم أو قيمة العمل خمسة دراهم وقيمة الغزل عشرة دراهم كان هو والغرماء شركاء في الثوب، هذا بقيمة الغزل والغرماء بقيمة العمل، إلا أن يشاء الغرماء أن يعطوه جميع حقه ويستخلصوا جميع الثوب فذلك لهم، وإن أبوا وأسلموا إليه ما

صار له في الثوب كان ذلك له ولم يكن له أكثر من ذلك نقص الثمن الذي صار له في الثوب عن ثمن الغزل أو زاد فذلك له، إذا أسلم إليه كان له نماؤه وعليه نقصانه، وليس له في مال المفلس أكثر مما له في الثوب وإن نقص الذي صار إليه في الثوب أضعاف ثمن الغزل ليس له أكثر من ذلك، وليس ينظر في هذا إلى ثمن الثوب، ربما كان ثمن الثوب أدنى من قيمة العمل وربما كان قيمة الغزل أكثر من جميع الثوب، وإنما ينظر إلى قيمة الغزل وقيمة عمل الثوب فيكونون فيه شركاء في الثلث والثلثين أو النصف أو ما كان فيضربون بذلك السهم في ثمن الثمن، فقس ما يرد عليك من الصناعات والغزل ونحوه مما يعمل على ما فسرت لك، والله الموفق للصواب. قال محمد بن رشد: الأصل في مسألة الصانع يفلس الذي استأجره والشيء الذي استعمل إياه بيده قبل أن يدفعه إليه أو بعد أن دفعه إليه وفي مسألة الغزل التي أدخلها عليها ونظرها بها - قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» ؛ لأن الصانع بائع للصنعة التي استؤجر على عملها، فإذا أفلس المستأجر قبل أن يدفع الأجرة والسلعة بيد الصانع لم يدفعها بعد فلا اختلاف في أنه أحق بالسلعة من الغرماء حتى يستوفي أجرته؛ لأنها كالرهن في يديه، ولا اختلاف في هذا. وأما إذا أفلس قبل أن يدفع الأجرة وقد قبض السلعة معمولة، فإن لم يكن للصانع فيها غير عمل يده مثل أن يكون ثوبا فخاطه أو قصره أو غزلا فنسجه أو فضة فصاغها وما أشبه ذلك، فالمشهور أنه أسوة الغرماء، وهو قوله في هذه الرواية، وقيل: إنه أحق بعمله، فإن شاء أخذه بأجرته وكان شريكا للغرماء في المتاع المعمول بقيمة عمله فيه، وإن شاء

تركه وكان أسوة الغرماء، وهي رواية أبي زيد عن ابن القاسم في هذا الكتاب. وهذا إذا علم أن الصانع لم يأخذ أجرته ببينة قامت على ذلك، مثل أن يكون دفع إليه المتاع معمولا على أن يأتيه بأجرته بحضرة بينة. وأما إن فلس والمتاع بيده معمولا فلا يصدق بعد التفليس أنه لم يدفع الأجرة على أصولهم في أن المفلس لا يجوز إقراره بعد التفليس. وأما إن كان له فيها شيء قد أخرجه من ماله سوى العمل، مثل الصباغ يصبغ الثوب بصبغة أو الرقاع يرقع الثوب برقاعة أو الصيقل يجعل متاع السيف من عنده وما أشبه ذلك فلا اختلاف في أنه أحق بما أخرج من ذلك كله من عنده؛ لأنه قائم بعينه كالسلعة المبيعة يدركها البائع في التفليس قائمة لم تفت. وأما عمل يده المستهلك فيكون أحق به على رواية أبي زيد التي ذكرناها، ولا يكون أحق به على رواية عيسى وهو المشهور في المذهب حسبما ذكرناه. فيكون على قياس رواية أبي زيد إذا أبى الغرماء أن يعطوه جميع أجرته بالخيار بين أن يكون أسوة الغرماء بجميع أجرته، وبين أن يكون أحق بقيمة ما جعل في السلعة من عنده من صبغ أو رقاع وبقيمة عمل يده، يكون بذلك كله شريكا للغرماء في السلعة، بأن يقال كم قيمة السلعة غير معمولة؟ فإن قيل: عشرة، قيل: كم قيمة ما أخرج فيها من عنده وكم قيمة عمل يده؟ فإن كان قيمة ما أخرج فيها من عنده خمسة وقيمة عمل يده خمسة كان شريكا للغرماء فيها بالنصف، والقيمة في ذلك يوم الحكم على ما نص عليه في هذه الرواية. وقد قيل: إنه يكون شريكا فيها بما زاد عمله فيها من صبغ أو غيره، قاله ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وهو بعيد في القياس، إذ قد يزيد عمله فيها أضعاف قيمته وقد لا يزيد فيها إلا بعض قيمة عمله، وقد لا يزيد فيها شيئا، وقد ينقص من قيمتها، فالقياس أن يكون شريكا بقيمة ما أخرج من عنده من صبغ وعمل يوم يحكم بالغا ما بلغ، كما يأخذ البائع في التفليس سلعته إذا وجدها قائمة زادت قيمتها أو نقصت. وأما على قياس رواية عيسى هذه وهو المشهور في المذهب فلا يكون إذا أبى الغرماء أن يعطوه جميع أجرته أحق إلا بقيمة ما أخرج من عنده، وهو الذي يكون به شريكا. وأما قيمة عمل يده فقيل: إنه يكون به

أسوة الغرماء وهو القياس، وقيل: إنه لا يكون له فيه شيء، وإنما يقال له أنت بالخيار بين أن تحاص الغرماء بجميع أجرتك، وبين أن تكون شريكا لهم في السلعة بقيمة ما أخرجت فيها من عندك خاصة دون عمل يدك، وهو ظاهر رواية عيسى هذه، ولا يحمله القياس. ومسألة الغزل التي ساقها على هذه المسألة ومثلها بها صحيحة لا اختلاف أحفظه فيها ولا إشكال في شيء من معانيها، والحجة بها لإيجاب الشركة للصانع فيما أخرج من عنده بينة واضحة، ولم ير النسج في الغزل المبيع فوتا، ومثله البقعة تبنى. وفي كتاب محمد أن الرجل إذا باع جلودا من رجل فقطعها المشتري نعالا ثم فلس فلا يكون البائع أحق بها؛ لأنها قد فاتت، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ في الثوب يقطعه قميصا أو ظهائر، والخشبة يعمل منها توابت وأبوابا. والفرق عندهم بين ذلك وبين الغزل ينسج والبقعة تبنى أن البقعة والغزل قائم بعينه إلا أنه قد زيد فيه غيره، والقطع في الثياب والجلود نقصان فيها وإفاتة لها. وقد وقف مالك في رواية مطرف عنه في الثياب تقطع فقال: ما أدري ما هذا لو كانت أدما فقطعت خفافا أو نعالا وتفاوت هذا لم أره شيئا، وإن كان شيئا متقاربا لم يأت فيه فوت فأراه أحق به من الغرماء. والذي يوجبه عندي فحص القياس على ما أجمعوا عليه في الجارية يصيبها عور أو عمى أو الثوب يخلق أو يبلى أن صاحبه أحق به إن شاء أن يأخذه بجميع الثمن أن لا يكون القطع في الثياب ولا في الجلود فوتا، وأن يكون لصاحبها أن يأخذها مقطوعة ناقصة بجميع الثمن إن شاء، وأن يكون شريكا مع المبتاع فيها بقيمة الخياطة والعمل إن لم يأت حتى خيطت الثياب أو عملت النعال من الجلود، إلا أن يكون القطع فيها فسادا لها مثل أن يقطع الثوب تبابين وهو لا يقطع من مثله تبابين، أو الجلد نعالا وهو لا يقطع من مثله نعال، فيكون ذلك فوتا فيها بمنزلة البلى والفساد في الثوب إذا تفاحش جدا. وإذا كان عور الجارية أو نقصان الثوب من جناية قد أخذ لها المبتاع ثمنا نصف ثمنهما مثلا فإن صاحبها الغريم مخير بين أن يأخذها بنصف حقه ويحاص الغرماء بالنصف الباقي أو يتركها ويحاص الغرماء بجميع حقه، إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه حقه كاملا

: من تقاضى منه شيئا قبل أن يفلس فهو له دون الغرماء

فلا يكون له كلام، وبالله التوفيق. [: من تقاضى منه شيئا قبل أن يفلس فهو له دون الغرماء] ومن كتاب [أوله] يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسألته: عن الرجل يكون عليه دين للناس وقد غرق في الدين إلا أنه لم يفلس بعد ولم يوقف للتفليس ففطن به بعض غرمائه أنه قد غرق في الدين فيبادر إليه فيتقاضى منه حقه ثم يعلم الغرماء بذلك ويقومون على تفليسه. قال: قال مالك: من تقاضى منه شيئا قبل أن يفلس فهو له دون الغرماء، وإن كان قد أحاط الدين بماله وغرق في الدين فمن تقاضى منه شيئا ما دام قائم الوجه وهو يتاجر الناس فهو له. قال ابن القاسم: وإن كان الذي تقاضى منه قد فطن لعدمه وبادر الغرماء فذلك له دون الغرماء. قلت: فلو كان جميع الغرماء قد تشاوروا في فلسه وأرادوا أن يفلسوه إلا أنهم لم يرفعوا ذلك بعد إلى السلطان ولم يقفوه للتفليس بعد إلا أنهم قد تشاوروا في فلسه فخالف بعض الغرماء فتقاضى منه، أيكون له ذلك؟ قال: لا أرى ذلك له، وهو بين جميع الغرماء. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا: إن قضاء الغريم بعض غرمائه بعد أن تشاوروا في تفليسه لا يجوز - هو مفسر لأحد قولي مالك في المدونة، والقول الثاني: أن قضاءه لا يجوز وإن لم يتشاوروا بعد في تفليسه، وأصبغ يرى قضاءه جائزا وإن تشاوروا في تفليسه ما لم يفلسوه، فهي ثلاثة أقوال، أظهرها ما اختاره ابن القاسم من قولي مالك أن قضاءه جائز ما لم يتشاور الغرماء في تفليسه، وبالله التوفيق.

مسألة: يواجر الرجل ببقرة ليدرس له فيدرس النهار ثم يفلس صاحب الزرع

[مسألة: يواجر الرجل ببقرة ليدرس له فيدرس النهار ثم يفلس صاحب الزرع] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يواجر الرجل ببقرة يدرس له زرعا فيدرس النهار وينقلب الليل، ثم يفلس صاحب الزرع، قال: الدارس أولى بالطعام حتى يستوفي إجارته. قال الإمام القاضي: قال ابن المواز: لأنه وإن انقلب في الليل فإن الأندر بحاله لا ينقلب به صاحبه، بخلاف الصانع في دار الرجل مثل الخياطة والصياغة وما أشبه ذلك من الأعمال فينقلب ويتركها، فلا يكون الصانع أحق بها من الغرماء. وقول محمد بن المواز صحيح؛ لأنه ما لم يتم عمل الزرع فله حكم كونه بيده وإن غاب عنه بالليل لما يلزمه من حفظه حين مغيبه عنه. وكذلك لو أكمل عمله ما لم يسلمه إلى ربه بأن يقول له: خذ زرعك فقد أكملت عمله هو أحق به؛ لأنه كالرهن بيده ضمانه منه إن ضيعه. ولو فلس صاحبه بعد أن أسلمه إليه لكان أسوة الغرماء فيه وفيما سواه من ماله بجميع أجرته. ويأتي على قياس رواية أبي زيد في النسج أن يكون أحق من الغرماء بقيمة عمله في الزرع يكون له فيه شريكا. وقد مضى هذا المعنى في الرسم الذي قبل هذا، وتأتي المسألة متكررة في سماع أبي زيد، وسنتكلم عليها إذا مررنا بها إن شاء الله تعالى. [مسألة: الذي أقر بالاقتضاء لا يصدق فيما ادعاه إن كان إقراره على وجه الشكر] مسألة وسئل: عن رجل لقي رجلا فقال: أشهدك أني قد تقاضيت من فلان مائة دينار كانت لي عليه فجزاه الله خيرا فإنه أحسن قضائي فليس لي عليه قليل ولا كثير، فلقي الرجل الذي أشهده الرجل الذي زعم أنه قد قضاه فقال له: قد لقيني فلان فزعم أنك قد قضيته مائة دينار كانت له عليك وقد أشهدني على ذلك، فقال: قد كذب إنما أسلفته مائة دينار، فالقول قول من؟ قال ابن القاسم: القول قول من زعم أنه أسلفه مع يمينه إلا أن يأتي الآخر

ببينة أنه قد تقاضاها في دينه. وقال ابن القاسم: هي بينة. قال أبو حمزة: وكذلك قال المخزومي. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في آخر كتاب المديان من المدونة، ومثل ما في رسم المكاتب من سماع يحيى أن الذي أقر بالاقتضاء لا يصدق فيما ادعاه من أنه اقتضى ذلك من حق واجب له إن كان إقراره على وجه الشكر، قال ذلك في هذه الرواية من قوله في كتاب الشهادات من المدونة. وفي سماع سحنون بعد هذا من هذا الكتاب أن من أقر للرجل أنه أسلفه فقضاه - يصدق في دعوى القضاء إذا كان إقراره بالسلف على وجه الشكر. والفرق عندي بين أن يقر الرجل للرجل أنه أسلفه على وجه الشكر فقضاه فينكر المقر له الاقتضاء، وبين أن يقر أنه اقتضى منه حقا له قبله على وجه الشكر له في أنه أحسن قضاءه فينكر أن يكون كان له عليه حق ويطلبه بما أقر أنه اقتضاه منه - هو أن السلف معروف آتاه الله وفضل تفضل به عليه يلزمه [شكره لقول الله عز وجل: {اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] ، ولقوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] ، ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من آلت إليه يد فليشكرها» الحديث، فحمل عليه أنه إنما قصد إلى أداء ما تعين عليه من الشكر، لا إلى الإقرار على نفسه بوجوب السلف عليه، إذ قد قضاه إياه على ما ذكر، وحسن القضاء واجب على من عليه أن يفعله، فلم يجب على المقتضي أن ينكره، فلما لم يجب ذلك عليه وجب ألا يكون له تأثير في الدعوى وأن يكون القول قول القاضي؛ لأن المقتضي قد أقر بالقبض ويدعى أنه كان له عليه حقا فلا يصدق في ذلك على مذهب ابن القاسم، ويأتي على أصل أشهب في قوله: إنه لا يؤخذ أحد

: المشتري يرد بالعيب فلم يقبض ثمنه من البائع حتى فلس والعبد بيده

بأكثر مما يقر به على نفسه أن يكون القول قول المقتضي؛ لأنه لم يقر أنه قبض منه إلا ما له عليه، وهو قول ابن الماجشون نصا في هذه المسألة بعينها. ويقوم من هذه المسألة أن من كان له حق على رجل بوثيقة فدفع الذي عليه الحق ذلك الحق إلى الذي له الحق ودعا إلى قبض الوثيقة منه أو تخريقها أن ذلك ليس له، وإنما له أن يشهد عليه وتبقى الوثيقة بيد صاحب الدين؛ لأنه يدفع بها عن نفسه، إذ لعل الذي كان عليه الدين يسترعي بينة قد سمعوا إقرار صاحب الدين بقبضه منه أو حضروا دفعه إليه ولم يعلموا على أي وجه كان الدفع، فيدعي أنه إنما دفع إليه ذلك المال سلفا أو وديعة ويقول هات بينة تشهد لك أنك إنما قبضت ذلك مني لحق واجب لك، فبقاء الوثيقة بيده وقيامه بها يسقط عنه هذه الدعوى التي تلزمه. وكان شيخنا الفقيه أبو جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقيم ذلك فيما أخبرني عنه غير واحد من أصحابنا وأنا أشك أن أكون سمعته منه من آخر مسألة من كتاب المديان من المدونة، وهو كلام صحيح، إلا أن محمد بن عبد الحكم يرى أنه من الحق أخذ الوثيقة وقطعها، وهو قول عيسى بن دينار في بعض روايات العتبية، وقول أصبغ في الواضحة مثله في المرأة تقوم على ورثة زوجها بكتاب فيه بقية صداقها وليس بكتاب نكاحها إذا أخذت ما فيه نقدا ولم تأخذ عما فيه أرضا أو عقارا، ولا أعلم من يخالفهم في ذلك نصا، وإنما اختلف أصحاب مالك في كتاب النكاح إذا قامت به على ورثة زوجها وقبضت ما كان لها فيه من حق وأبت من دفعه، فقال مطرف: إن للورثة قبضه منها وقطعه، وقال أصبغ: ليس ذلك لهم. وأما إذا أبى الذي بيده الوثيقة من الإشهاد على نفسه بقبض ما فيها وقال للذي كان عليه الدين خذ الوثيقة أو قطعها فتلك براءتك، فليس ذلك له ويلزمه الإشهاد على نفسه، يقوم ذلك من غير ما مسألة، منها مسألة في رسم العرية من هذا السماع، وبالله التوفيق. [: المشتري يرد بالعيب فلم يقبض ثمنه من البائع حتى فلس والعبد بيده] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وقال في عبد بيع فباعه مشتريه ثم فلس وقد خرج عن ملكه

مسألة: عبد بيع فأبق ثم فلس مشتريه فقال البائع أنا أحاص بالثمن

فحاص بالثمن ثم وجد بالعبد عيبا فرده، فقال: أنا آخذه وأرد ما أخذت، إن ذلك له. قال محمد بن رشد: ويتحاص فيما يرد الغرماء، وهذا على القول بأن الرد بالعيب نقض بيع، وأما على القول بأنه ابتداء بيع فلا يكون ذلك له، وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم وأشهب، فالمشهور عن ابن القاسم أنه ابتداء بيع، والمشهور عن أشهب أنه نقض بيع. وقد مضى بيان هذا في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب. وعلى قياس القول بأنه نقض بيع قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز في المشتري يرد بالعيب فلم يقبض ثمنه من البائع حتى فلس والعبد بيده، فلا يكون الراد له أولى به من الغرماء، ويأتي على قياس القول بأنه ابتداء بيع أن يكون أحق به من الغرماء. وأما من اشترى سلعة شراء فاسدا ففسخ البيع وقد فلس البائع فلا يكون المبتاع أحق بها حتى يستوفي ثمنها، قال ذلك ابن المواز وهو صحيح؛ لأن ردها بالفساد نقض للبيع، ولا يقال فيه إنه ابتداء بيع، لكونهما جميعا مغلوبين على الرد. وقد روي عن سحنون أن المبتاع أحق بها حتى يستوفي ثمنها، فحكم للرد بالفساد بحكم ابتداء البيع لما كان الملك قد انتقل للمشتري بالبيع الفاسد ووجب به الضمان منه، فهو قول له وجه. وإنما يكون الرد بالفساد نقض بيع على الحقيقة دون شبهة ولا اختلاف على القول بأن الملك لا ينتقل بالبيع الفاسد وأن المصيبة فيه من البائع وإن قبض المشتري إذا قامت البينة على التلف، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد بيع فأبق ثم فلس مشتريه فقال البائع أنا أحاص بالثمن] مسألة وقال في عبد بيع فأبق ثم فلس مشتريه، فقال البائع: أنا أحاص بالثمن، فإن رجع العبد يوما ما أو وجد أخذته ورددت ما أخذت. قال: ليس ذلك له، إما أن يرضى أن يتبع العبد ويطلبه ولا شيء له غيره، وإما أن يحاص بالثمن، إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا الثمن إليه.

مسألة: الجارية توهب للثواب وتوطأ

قال محمد بن رشد: هذه المسألة متكررة في سماع أبي زيد وفي آخر أول رسم من سماع أشهب من كتاب السلم والآجال أن البائع مخير بين أن يحاص الغرماء وبين أن يطلب العبد، فإن وجده كان أحق به، وإن لم يجده رجع فحاص الغرماء. وفي ذلك من قوله نظر، إذ لا حد لوقت طلبه يجب له بالبلوغ إليه الرجوع إلى محاصة الغرماء والرجوع على كل واحد منهم بما كان يجب له في المحاصة لو حاصهم إن تحاصوا قبل أن يجده. قال أصبغ: ليس له إلا المحاصة، ولا يجوز له أن يتركها ويتبع العبد؛ لأنه دين بدين وخطار، وهو أظهر الأقوال، ومثله ما في سماع عيسى من كتاب الجنايات أن العبد إذا جرح ثم أبق، فقال المجروح إما أن تدفع إلي قيمة جرحى وإما أن تخلي بيني وبين الغلام أطلبه، أنه لا خير فيه؛ لأنه غرر وخطار، والواجب في ذلك على قوله أن يرجى الأمر إلى أن يوجد العبد فيخير سيده بين أن يسلمه أو يفتكه بدية الجرح، وبالله التوفيق. [مسألة: الجارية توهب للثواب وتوطأ] مسألة وقال في الجارية توهب للثواب إن الوطء فيها إذا وطئها فوت تجب به القيمة، وكذلك الاعتصار إذا وطئها الابن لم يكن للأب أن يعتصرها وإن لم تحمل، [قال ابن القاسم] : ولكن المفلس لو فلس بعدما وطئها أخذها صاحبها وهي سلعته بعينها، وهو أولى من الغرماء. قال محمد بن رشد: في النوادر لسحنون عقب هذه المسألة: لا أدري ما هذا يريد، لا أدري ما الفرق بينهما. وما الفرق بينهما عندي إلا بين، وذلك أن الوطء لو لم يكن في الهبة للثواب ولا في الاعتصار فوتا لآل ذلك إلى عارية الفروج وإحلالها بأن يهب الرجل الجارية لمن له اعتصارها منه أو للثواب فيستمتع بها مدة من الزمان ثم يستردها. والتفليس لا تهمة

: يبيع الأمة من الرجل بدين فيفلس صاحبها وقد ولدت عنده أولادا

في التخيير فيه بعد الوطء؛ لأنه أمر طارئ يوجبه الحكم بالسنة القائمة فيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا يتهمان فيه على القصد إلى المكروه، وبالله التوفيق. [: يبيع الأمة من الرجل بدين فيفلس صاحبها وقد ولدت عنده أولادا] ومن كتاب [أوله] بع ولا نقصان عليك وسئل: عن الرجل يبيع الأمة من الرجل بدين فيفلس صاحبها وقد ولدت عنده أولادا فباعهم، فوجد بائع الأمة أمته. قال: إن وجد أمته خير بين أن يأخذها وليس له في ولدها شيء، وبين أن يتركها ويضرب مع الغرماء بثمنها كله. وأما إذا وجد أولادها وقد باع الأمة قسم الثمن على الأمة وأولادها، فأخذ الأولاد بنصيبهم من الثمن، ويضرب مع الغرماء في مال المفلس بما أصاب الأم من الثمن. فقلت: ففي أي مسألة يكون مخيرا إذا وجد الأولاد ولم يجد الأم بين أن يأخذهم ولا شيء له غيرهم وبين أن يدعهم ويضرب مع الغرماء جميع الثمن؟ قال: ذلك إذا ماتت الأم ووجد الأولاد. قال سحنون: قال ابن القاسم: لو أن رجلا ابتاع جارية أو رمكة فولدت عنده أولادا فباع أولادها وأكل أثمانهم، ثم فلس وقام صاحبها فإنه إن أحب أخذها لم يأخذها إلا بجميع ما باعها به أو يسلمها. ولو وجد ولدها- وقد فاتت الأم بموت- لم يكن له أن يأخذ ولدها إلا بجميع ما باع به أمهم أو يسلمهم فيحاص الغرماء. وقال مالك: إذا فاتت الأمهات في يدي الغريم لم يضمن، وإن كان باع الأم وبقي ولد أخذ الولد وقومت الأم فحاص بقيمتها الغرماء. قال الإمام القاضي: تحصيل القول في هذه المسألة أنه إن فاتت

الأم أو الأولاد بموت لم يكن له أن يأخذ الباقي منهما إلا بجميع الثمن، وأما إن فات الأولاد ببيع ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ليس له إلا أن يأخذ الأم بجميع الثمن أو يترك ويحاص الغرماء، وهو قول ابن القاسم هاهنا وفي الواضحة وروايته عن مالك، والثاني: أنه يأخذ الأم بما يقع عليها من الثمن بأن يفض على قيمة الأم يوم وقع البيع وعلى قيمة الولد يوم بيعوا ويحاص بما وقع على الولد من الثمن؛ والقول الثالث: أنه يأخذ الأم ويحاص الغرماء بما وصل إليه من ثمن الولد، فحكم للولد في القول الأول بحكم الغلة، وحكم له في القول الثاني بحكم أمه، وأما القول الثالث فليس بجار على أصل. وأما إن فاتت الأم ببيع ووجد الأولاد ففي ذلك قولان: أحدهما: أنه مخير بين أن يحاص الغرماء بجميع الثمن وبين أن يأخذ الأولاد بما يصيبهم من الثمن ويحاص الغرماء بما أصاب الأم منه، إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه جميع الثمن، والقول الثاني: أنه يأخذ الولد ويحاص الغرماء بقيمة الأم، وهو قول مالك هاهنا في بعض الروايات، ومعناه: إذا أبى الغرماء أن يدفعوا إليه جميع الثمن وأبى هو من ترك الأولاد ومحاصة الغرماء بجميع الثمن. وفي بعض الروايات: أخذ الولد بما يصيبهم من الثمن وحاص الغرماء بما يصيب الأم من الثمن، مثل قول ابن القاسم. فعلى هذه الرواية لا يكون في هذا الوجه إلا قول واحد، ولم يجر ابن القاسم في هذه المسألة على أصل واحد في القياس؛ لأنه حكم في بعض وجوهها للولد بحكم الغلة، وذلك إذ فات الأولاد ببيع أو موت، وحكم لهم بحكم الأم في بعض الوجوه، وذلك إذا فاتت الأم ببيع أو موت ووجد الأولاد، وإذا وجدهم قياما مع الأم وكان القياس أن يحكم لهم بحكم الغلة في جميع الوجوه، فلا يكون له إذا وجد الأم إلا أن يأخذها وحدها بجميع الثمن أو يحاص الغرماء، كان الأولاد قياما معها أو كانوا قد فاتوا ببيع أو موت، ولا يكون له إلى الولد سبيل وإن وجدهم مع الأم أو دونها، أو أن يحكم لهم في جميع الوجوه، فيكون له إذا وجدهم مع أمهم أن يأخذهم معها بجميع الثمن، وإن وجدهم قياما وقد فاتت أمهم ببيع أو موت كان له أخذهم بما ينوبهم من الثمن، وكذلك إذا وجد الأم قائمة وقد

مسألة: حضرته الوفاة وفي بيته خيش ومسح فقال المسح الشعر أعطوه فلانا

فات الولد ببيع أو موت كان له أن يأخذ الأم بما ينوبها من الثمن إلا أن هذا لم يقولوه، وبالله التوفيق. [مسألة: حضرته الوفاة وفي بيته خيش ومسح فقال المسح الشعر أعطوه فلانا] مسألة وعن رجل حضرته الوفاة وفي بيته خيش ومسح مملوئين طعاما، فقال المسح الشعر أعطوه فلانا، هل يأخذه بالطعام أو بغير الطعام؟ قال: بل بالطعام. قيل: فإن قال: الخريطة الحمراء أعطوها فلانا والخريطة مملوءة دنانير، قال: تكون له الخريطة وما فيها. قال ابن القاسم في الذي يقول أعطوا فلانا زقا كذا وكذا فيوجد الزق ملآن عسلا، قال: يعطاه بالعسل. قيل: فلو كان ملآن دراهم؟ قال: إذا لا يكون له إلا الزق إلا أن يكون عرف أن فيه دراهم فهو له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى لا وجه للقول فيها. وبالله التوفيق. [مسألة: الحكم بالشهادة على الخط] مسألة وسمعته يسأل عن رجل توفى ففتح تابوت له فإذا فيه كيس مكتوب عليه لفلان بن فلان، وفيه مال، فطلب ذلك الرجل الكيس، فقال: أرى إن شهد له أنه خط الميت المستودع وكتابه بيده رأيت أن يدفع إليه، وإن لم يشهد على ذلك لم يدفع إليه إلا ببينة. وإنما هو بمنزلة القرطاس يوجد عنده فيه حساب لفلان عندي كذا وكذا، فإن شهد أنه خط الميت رأيت ذلك له، وإلا لم

: يستأجر البناء يبني له عرصة مقاطعة فيبنيها ثم يفلس صاحبها

يكن له شيء، وقاله أصبغ. أو خط المستودع صاحب المال الذي كتب اسمه عليه مع ما وجد أنه في حوز المستودع حيث أقر فأراه لربه أيضا. قال أصبغ: وهذا لمن يقضي بالخط، والخط عندنا علم ثابت واضح صحيح. وقد بلغنا عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقضي بالخط في شهادة الشاهد، وهو أشد. وأما خط المرء بعينه فهو الإقرار صراحا، وقد قال مالك: إذا شهد على الخط شاهدان لم يكن على صاحب الحق يمين؛ لأن ذلك إقرار، وإن لم يكن له إلا شاهد واحد حلف معه واستحق، وإن يكن شاهد بالحق وشاهد على الخط تمت الشهادة. قال الإمام القاضي: ساوى أصبغ بين أن يشهد أنه خط الميت للمستودع أو خط صاحب الوديعة مع وجودها في حرز الميت المستودع، وقد قيل: إنه لا يقضى بها لصاحب الوديعة إذا شهد أن الخط خطه؛ لأنه يمكن أن يكون بعض الورثة أخرجها إليه فكتب عليها اسمه وأخذ على ذلك جعلا. ولا اختلاف في أنه لا يقضى له بها إذا وجد عليها اسمه ولم يدر من كتبه، ولا في أنه يقضى له بها إذا شهد أنه خط الميت المستودع أو خط صاحب الوديعة إلا على مذهب من لا يرى الحكم بالشهادة على الخط في موضع من المواضع. وقد مضى تحصيل القول في الشهادة على الخط في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات، فمن أحب الوقوف على ذلك تأمله هناك، وبالله التوفيق. [: يستأجر البناء يبني له عرصة مقاطعة فيبنيها ثم يفلس صاحبها] ومن كتاب سلف دينارا في ثوب قال ابن القاسم، في الرجل يستأجر البناء يبني له عرصة مقاطعة كل ذلك من عند البناء فيبنيها ثم يفلس صاحبها: إن البناء أولى بها بمنزلة سلعته بعينها.

مسألة: يشتري الضأن عليها الصوف فيجزها ويزيد في ثمنها ثم يفلس

قال القاضي: قوله كل ذلك من عند البناء، يريد: أن كل ما يحتاج إليه في بنيانها من نقض وقراميد وجص وغير ذلك من عنده. وقد تأول بعض الشيوخ أن العرصة أيضا من عند البناء، لقوله: إن البناء أولى بها، أي: بالدار، إذ لم يفرق بين أن تكون من عنده أو قد أسلمها إلى المفلس، وهو من التأويل البعيد؛ لأن العرصة إذا كانت من عند البناء فالبيع أملك بما تعاملا عليه من الإجارة، وهو قد سماها إجارة. وقوله: إن البناء أولى بها - يحتمل أن يريد: أن البناء أولى بالدار مبينة حتى يستوفي جميع أجرته. ومعنى ذلك: إذا كانت الدار بيده لم يسلمها بعد إلى صاحبها المفلس؛ لأنها كالرهن بيده وإن لم يخرج فيها شيئا من عنده غير عمل يده. ويحتمل أن يكون إنما تكلم على أنه قد أسلم الدار إلى المفلس، فيكون معنى قوله: إنه أولى بها - أنه أولى بقيمة ما أخرج من عنده في بنيانها من نقض وصخر وآجر وقرميد وغير ذلك، كان مما يمكن قلعه وأخذه أو مستهلكا مما لا يمكن ذلك فيه، يكون بذلك كله شريكا للغرماء في العرصة مبنية بقيمته يوم الحكم إلا أن يشاء أن يترك حقه في ذلك ويحاص الغرماء بجميع أجرته، أو يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه جميع أجرته ويستخلصوا الدار، وهو أولى ما حملت عليه المسألة، لقوله فيها كل ذلك من عند البناء، فدل على أنه إنما قال: إنه أولى بها من أجل ذلك؛ إذ لو كانت الدار بيده لم يسلمها بعد لكان أحق بها في أجرته وإن لم يخرج فيها شيئا من عنده غير عمل يده. وإذا شارك الغرماء في الدار مبنية بقيمة ما أخرج فيها من عنده لم يكن له في قيمة عمل يده شيء على ظاهر قوله في رسم العرية من سماع عيسى، والقياس على أصله أن يحاص بذلك الغرماء. وقد قيل: إن من حقه أن يقوم عمل يده مع ما أخرج من عنده فيكون بذلك شريكا في الدار، وهو الذي يأتي على ما في سماع أبي زيد في مسألة النسج، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري الضأن عليها الصوف فيجزها ويزيد في ثمنها ثم يفلس] مسألة وقال ابن القاسم، في رجل يشتري الضأن عليها الصوف

فيجزها ويزيد في ثمنها لمكان الصوف، فيجز صوفها ثم يفلس: إنه ينظر في ذلك كم كان قدر الصوف من رقابها، ولا ينظر إلى ما بلغ ثمن الصوف، ثم يأخذ غنمه بما بقي بعد حصة قيمة الصوف من الثمن، ثم يحاص الغرماء بحصة قيمة الصوف، إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه الذي يأخذ به غنمه فذلك لهم، ويحاص بحصة قيمة الصوف من الثمن، وكذلك الأصول كلها إذا اشتراها وفيها ثمر قد طاب وحل بيعه فيبيع الثمرة ثم يفلس وكذلك الدار لها الغلة قد حلت فاشتراها بغلتها بما تجوز به المبايعة إن كانت غلتها عرضا فاشتراها بعين أو كانت الغلة عينا فاشتراها بعرض، فهو على ما فسرت لك في الغنم يجز صوفها. وإذا اشترى الرجل شيئا من ذلك وليس فيه شيء مثل النخل ليس فيه تمر قد طاب والدار ليست فيها غلة قد حلت، فيغتل المشتري ذلك سنين، أو يفيد العبد مالا عند المشتري فينزعه منه، أو تكتسي الغنم عنده صوفا فيجزها سنين ثم يفلس، فليس للبائع في شيء مما اغتل المشتري شيء، إن شاء أخذ سلعته بعينها بجميع دينه وإن شاء أسلمها وحاص الغرماء بجميع دينه. وإنما يأخذ سلعته يوم يأخذها على نحو ما باعها عليه إن كانت النخل فيها تمر قد طاب يوم يأخذها، فالتمر للغرماء، ويأخذ الأصل كما باعه ليس فيه تمر إن شاء، أو يسلمه ويحاص الغرماء بجميع دينه. والدار كذلك إذا حلت الغلة، فإن أرادَ صاحبُ الأصلِ أَخْذَهَا أَخَذَهَا وكانت الغلة للغرماء مثل التمر. فأما العبد فله أن يأخذه بماله الذي أفاد عند مشتريه، والغنم كذلك له أن يأخذها وعليها صوفها إلا أن يعطيه الغرماء ديته فذلك لهم، ليس غلة الدار وثمرة النخل مثل العبد بماله أو الغنم بصوفها، فرق بين ذلك أن الرجل يشتري الضأن وعليها صوفها ولا يسميه ولا يشترطه ويكون له، ويشتري النخل

وفيها التمر وقد طاب فلا يكون له إلا أن يشترطه، وقد قال مالك في غير هذا الكتاب: إذا باع الحائط ولا ثمر فيه ثم فلس وفيه ثمرة إنه يأخذه بثمره. قال الإمام القاضي: قوله في أول المسألة في الذي يشتري الضأن عليها صوفها فيجزها ثم يفلس إن البائع يأخذ الغنم مجزوزة بما يصيبها من الثمن ويحاص الغرماء بما يصيب الصوف منه، معناه: إذا كان الصوف قد فات بعد الجز، وأما لو أدركه قائما بيد المشتري المفلس لكان أحق به يأخذه إن شاء مع الغنم بجميع الثمن ويؤدي ثمن جزازه؛ لأنه كمشتري سلعتين. ولغير ابن القاسم وهو أشهب في التفليس من المدونة أن الصوف إذا جزه المشتري غلة ليس للبائع إلا أن يأخذها مجزوزة بجميع الثمن أو يتركها ويحاص الغرماء، وهو قول ابن وهب في رواية أصبغ عنه. وأما إن اشترى الغنم ولا صوف عليها فحدث لها صوف ثم فلس فالصوف تبع للغنم ما لم يجز، فإن جز كان غلة، ولا اختلاف في هذا. وأما إن اشترى الأصول وفيها ثمرة قد طابت ثم فلس فالبائع أحق بالنخل والثمرة وإن جذت ما كانت قائمة، كمشتري سلعتين، ولا اختلاف في هذا بين ابن القاسم وأشهب. والفرق عند أشهب بين هذه المسألة وبين الغنم تشترى وعليها صوفها أن الصوف لما كان يدخل في البيع وإن لم يشترط كان في حكم التبع لها، كالأصول تشتري بثمرتها قبل الإبار. وأما إذا اشترى الأصول ولا ثمرة فيها أو فيها ثمرة لم تؤبر ثم فلس ففي ذلك أربعة أقوال: أحدها: أن البائع أحق بالثمرة ما لم تؤبر، وذلك يتخرج على قول أصبغ في الرد بفساد البيع؛ لأنه إذا قال فيه إن الثمرة تبقى للمبتاع وإن لم تطب إذا كانت قد أبرت، فأحرى أن تبقى للغرماء في التفليس، وعلى قول بعض المدنيين في المدونة قول أشهب وأكثر الرواة أنه لا حق للشفيع في الثمرة إذا لم يدركها حتى أبرت. والثاني: أنه أحق بها ما لم تطب، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية. والثالث: أنه أحق بها ما لم تيبس. والرابع أنه أحق بها ما لم تجذ، وهو نص ما في المدونة وظاهر قول مالك في هذه الرواية. وأما إذا اشترى الأصول وفيها ثمرة قد أبرت ولم تطب ثم فلس ففي ذلك

: شهدا على رجل أنه قال لفلان علي مائة دينار أو لفلان لا يدريان أيهما هو

ثلاثة أقوال: أحدها: أن البائع أحق بالثمرة ما لم تطب. والثاني: أنه أحق بها ما لم تيبس. والثالث: أنه أحق بها ما لم تجذ، وهو قوله في المدونة. فسواء على مذهب ما في المدونة اشترى الأصول ولا ثمرة فيها أو اشتراها وفيها ثمرة لم تؤبر أو اشتراها وفيها ثمرة قد أبرت ولم تطب إذا فلس، فالبائع أحق بالثمرة ما لم تجذ. فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [: شهدا على رجل أنه قال لفلان علي مائة دينار أو لفلان لا يدريان أيهما هو] ومن كتاب يدير ماله وقال في رجلين شهدا على رجل أنه قال لفلان علي مائة دينار أو لفلان، لا يدريان أيهما هو. قال: ليس عليه أن يغرم أكثر من المائة ويحلف هذان ويقتسمان المائة بينهما. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة متكررة في رسم البيوع من سماع أصبغ من كتاب الدعوى والصلح، وزاد فيها هناك: قال أصبغ: يحلف كل واحد منهما أنه هو وأن له عليه مائة ثانية، فمن نكل منهما فهي للآخر إن حلف، وإن نكلا جميعا اقتسماها بغير يمين بمنزلة حلفهما جميعا، فإن رجع الشهيدان عن شهادتهما بعد الحكم وزورا أنفسهما غرما ذلك للمشهود عليه إذا كان يوم شهدا منكرا لشهادتهما. وقول أصبغ هذا تفسير لقول ابن القاسم. وفي قوله: فإن رجع الشهيدان عن شهادتهما بعد الحكم وزورا أنفسهما غرما ذلك للمشهود عليه إذا كان يوم شهادتهما منكرا لشهادتهما - دليل على أنه لا فرق فيما يلزم المقر بهذه الشهادة بين أن يكون مقرا بها أو منكرا لها. وإنما يفترق ذلك فيما يلزم الشهيدين من الغرم برجوعهما عن الشهادة. وقد رأيت لابن دحون أنه قال: معنى هذه المسألة أن المقر هو الشاك وأنه أنكر إقراره فيلزمه بالبينة غرم المائة ويحلف الرجلان ويقتسمانها بينهما. ولو كان مقرا بما قال للزمه غرم مائتين، فرد ابن دحون هذه المسألة بالتأويل إلى ما في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح من أن الرجل إذا قال علي مائة دينار دين لا

أدري هل هي لفلان أو لفلان، فادعاها الرجلان جميعا أنهما يحلفان ويغرم لكل واحد منهما مائة مائة، بخلاف الوديعة يقر بها ويقول: لا أدري لمن هي منهما - أنهما يحلفان جميعا ويقتسمانها بينهما. وقد اختلف في الوديعة أيضا على ما وقع لمالك في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب القراض في المقارض بمالين يزعم أنه قد ربح خمسين دينارا ولا يدري من أي المالين الربح نسي ذلك أنه لا شيء له من الخمسين وتكون لصاحبي المالين، لكل واحد منهما خمسة وعشرون. فعلى التأويل الأول يدخل الاختلاف في الدين كما دخل في الوديعة، ويتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يلزمه لكل واحد منهما غرم مائة مائة في الوديعة والدين إذا حلفا أو نكلا، وهو الذي يأتي على ما في رسم القطعان من كتاب القراض في مسألة القراض؛ لأنه إذا لزمه أن يغرم لكل واحد منهما مائة مائة فيما في أمانته، فأحرى أن يلزمه ذلك فيما في ذمته. والثاني: أنه لا يلزمه أن يغرم لهما أكثر من مائة واحدة فيقتسمانها بينهما إن حلفا أو نكلا، وتكون للحالف منهما إن نكل أحدهما عن اليمين، وهو الذي يأتي على ما تأولناه في هذه الرواية؛ لأنه إذا لم يلزمه في الدين الذي هو في ذمته أن يغرم أكثر من مائة فأحرى ألا يلزمه ذلك في الوديعة التي هي في أمانته. والثالث: الفرق بين الوديعة والدين على ما في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الدعوى، وعلى ما تأوله ابن دحون تخرج مسألة الدين من الاختلاف. وقوله لا يدريان أيهما هو، معناه: أنهما لا يدريان ذلك من أجل أن المشهود عليه هو الذي قال لفلان علي مائة دينار أو لفلان من أجل أنه لم يدر لمن هي منهما، فحصل الشك من المشهود عليه لا من الشاهدين. ولو كان الشك من الشاهدين بأن يقولا أشهدنا فلان أن عليه مائة دينار لأحد هذين الرجلين وسماه لنا إلا أننا لا ندري من هو منهما نسيناه، لما جازت شهادتهما على المشهور في المذهب، وحلف لكل واحد منهما إن كان منكرا أو لمن أنكر منهما إن كان مقرا لأحدهما. وقد قيل: إن شهادتهما جائزة يلزمه بها مائة واحدة تكون لمن حلف منهما إن نكل أحدهما، أو لهما

مسألة: تطلق وهي حامل ثم يفلس زوجها الذي طلقها

يقتسمانها بينهما إن حلفا أو نكلا، وهو الذي يأتي على ما وقع في رسم الأسدية من كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة ولابن وهب في رسم الأقضية والوصايا من سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات. وقد قيل في هذا النحو من الشهادة: إنها تجوز في الوصية بعد الموت ولا تجوز على الحي. ويتحصل فيها في الجملة ثلاثة أقوال: إجازتها في الوجهين، وإبطالها في الوجهين، والفرق بين الموضعين، وبالله التوفيق. [مسألة: تطلق وهي حامل ثم يفلس زوجها الذي طلقها] مسألة وقال في المرأة تطلق وهي حامل ثم يفلس زوجها الذي طلقها، قال: لا تحاص بنفقتها الغرماء وإنما هي بمنزلة امرأته التي تكون تحته فيفلس أنها لا تحسب لها نفقة، يريد: أنه لا تحاص بنفقتها الغرماء. قال محمد بن رشد: معناه: لا تحاص بنفقتها فيما يستقبل، وأما ما أنفقت على نفسها فيما مضى فلها أن تحاص به الغرماء إن كانت ديونهم مستحدثة بعد أمد إنفاقها على ما مضى لسحنون في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة. وقد مضى من القول على ذلك هناك ما فيه كفاية، وبالله التوفيق. [: يدفع إلى امرأته نفقة ولدها وقد طلقها ثم يفلس] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار وقال ابن القاسم، في الرجل يدفع إلى امرأته نفقة ولدها وقد طلقها فيدفع إليها نفقة كثيرة ثلاثين دينارا أو نحو ذلك ثم يفلس، قال: إن كان يوم دفع إليها عليه دين يحيط بماله أخذ ذلك كله منها؛ لأنه فار بماله.

مسألة: الغرماء يحلفون مع شاهدهم على إبراء الميت من الصداق ويستحقون حقوقهم

قال القاضي: وقعت هذه المسألة في سماع عيسى من كتاب الرضاع وزاد فيها هناك فإن لم يكن عليه دين لم يؤخذ منها شيء. فأما قوله: إنه إن كان يوم دفع ذلك إليها عليه دين يحيط بماله أخذ ذلك كله منها؛ لأنه فار بماله، فهو صحيح لا اختلاف فيه إذا فلس بحدثان دفعها قبل أن ينفق منها شيء، وأما إن فلس بعد أن أنفق بعضها فإنما يرد ما بقي منها، إذ من حق المديان أن ينفق على ولده مما بيده من المال وإن كانت الديون مستغرقة له ما لم يفلس. وأما قوله في كتاب الرضاع: فإن لم يكن عليه دين لم يؤخذ منها شيء - فإنما يصح على قول أشهب وروايته عن مالك، لا على أصل ابن القاسم. وقد بينا ذلك في السماع المذكور من كتاب الرضاع فتأمل ذلك هناك تجده صحيحا إن شاء الله. [مسألة: الغرماء يحلفون مع شاهدهم على إبراء الميت من الصداق ويستحقون حقوقهم] مسألة وسألته: عن الرجل يهلك فتقوم عليه امرأته بصداق عليه إلى أجل ببينة وقد قام عليه غرماؤه فشهد لهم عليها شاهد واحد أن المرأة صالحت زوجها على أن وضعت عنه ذلك الصداق. قال: يحلف الغرماء مع شاهدهم ويستحقون حقوقهم، فإن أبوا أن يحلفوا حلف من رضي واستحقوا حقهم، قيل له: فإن حلفوا فاستحقوا حقهم. ثم طرأ للميت مال فطلبت المرأة حقها، هل يحلف الورثة مع شاهدهم أيضا ويبطل حق المرأة؟ أم أيمان أهل الدين تجزئهم؟ قال: بل يحلفوا مع شاهدهم ويبطلوا حق المرأة.

قال محمد بن رشد: قوله: إن الغرماء يحلفون مع شاهدهم على إبراء الميت من الصداق ويستحقون حقوقهم، أي: يستحقون حقوقهم في تركة الميت فيتحاصون بها دون المرأة - صحيح على قياس قول مالك في الميت يقوم عليه الغرماء وله دين بشاهد واحد أن الغرماء يحلفون مع الشاهد على الدين فيستحقونه؛ لأنفسهم من ديونهم؛ لأنها يمين مع الشاهد يصلون بها إلى استيفاء حقوقهم في المسألتين جميعا، فلا فرق في المعنى والقياس بين أن يبرئوا الميت من الصداق بحلفهم مع الشاهد فيستحقون تركته في ديونهم وبين أن يثبتوا له الدين بحلفهم عليه مع الشاهد به فيستحقونه في ديونهم. وقد حكى ابن حبيب عن أصبغ أنه لا يحلف الغرماء في إبراء الميت وإنما يحلفون في دين له؛ لأن حلفهم على الدين رجم بالغيب، إذ لا يعلمون ذلك، وهو بعيد قد أنكره ابن المواز، وقال: إن ذلك ليس رجما بالغيب وإنما يحلفون بخبر مخبر كحلفهم على إثبات دين له، وذلك بين لا فرق في هذا المعنى بين الموضعين. وأما قوله: فإن أبوا أن يحلفوا، حلف من رضي منهم واستحقوا حقهم - يريد: ويرجع اليمين على المرأة في حظ من نكل منهم، فيحاص بذلك من حلف. مثال ذلك: أن يترك الميت عشرين دينارا وعليه لامرأته عشرون دينارا، ولغريمين عشرون دينارا، عشرة عشرة لكل واحد منهما، فإن حلف الغريمان جميعا مع الشاهد على إبراء الميت من الصداق أخذا العشرين لأنفسهما فاستوفيا حقوقهما، وإن نكلا جميعا حلفت هي وحاصتهما في العشرين التي ترك المتوفى بجميع حقها، فصار لها عشرة ولكل واحد منهما خمسة خمسة، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر رجعت اليمين عليها في حظ الناكل، فإن حلفت استحقت ما كان يصيب الناكل لو حلف، وذلك خمسة، فيكون لها خمسة وللحالف عشرة وللناكل خمسة. وقد قيل: إن حقها يبطل بيمين من حلف منهم؛ لأنه إنما يحلف أن ما شهد به الشاهد حق، إذ لا يمكن أن تبعض شهادة الشاهد فيحلف على مقدار حقه منها. ويلزم على قياس هذا القول أن يكتفي بيمين أحدهم. وإن لم ينكل واحد منهم فيقال لهم إما أن يحلف واحد منكم أن ما شهد به الشاهد حق، وإما أن يرجع اليمين عليها

فتحلف على تكذيبه وتستحق حقها فتحاصكم بجميعه. والقول الأول أصح أن يحلفوا جميعا فيستحق كل واحد منهم بيمينه قدر حقه مما حلف عليه، كما يحلف جميع الورثة إذا لم يكن عليه دين فيستحق كل واحد منهم بيمينه قدر حقه مما حلف عليه. وكما يحلف جميع الغرماء مع الشاهدين للميت. وقال في هذه المسألة: إن الغرماء يحلفون مع شاهدهم ويستحقون حقوقهم. فالظاهر من قوله أنه بدأ الغرماء بالأيمان على الورثة، وفي هذا تفصيل. أما إذا كان فيما ترك المتوفى فضل عن ديون الغرماء فلا اختلاف في أن الورثة يبدءون بالأيمان، فإن حلفوا بطل دين الميت واستحقوا ما فضل عن ديون الغرماء، وإن أبوا أن يحلفوا حلف الغرماء واستحقوا حقوقهم وحلفت المرأة فاستحقت في دينها ما فضل عن ديون الغرماء، إذ قد نكل الورثة أولا عن اليمين. وإن نكل الغرماء أيضا عن اليمين حلفت المرأة فاستحقت دينها وحاصت الغرماء في جميع ما يخلفه المتوفى. وأما إن لم يكن فيما ترك المتوفى فضل عن ديون الغرماء فاختلف قول مالك فيمن يبدأ باليمين إن كان الورثة أو الغرماء، فالظاهر من قوله في موطأه إن الورثة يبدءون باليمين، وروى ابن وهب عنه أن الغرماء يبدءون باليمين وهو اختيار سحنون وعليه تأول قول مالك في موطأه، فقال: إنما بدأ الورثة باليمين من أجل أن الغرماء لم يحلفوا بعدما قبضوا ديونهم، ولو كانوا قد حلفوا لكانوا هم المبدئين باليمين، وهو تأويل بعيد. والصواب: أن ذلك اختلاف من قول مالك، والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في تعليل الدين الثابت على المتوفى، هل هو متعين في تركة الميت أو في ذمته؟ فمن علل أنه متعين في ذمة الميت بدأ الورثة باليمين، ومن علل أنه متعين في عين التركة بدأ الغرماء باليمين. وهذا الاختلاف في التعليل لا يرجع إلى الاختلاف في الحكم. ووجهه: أن الميت لا يطرأ له مال إلا في النادر، فمن راعى ذلك النادر قال: دين المتوفى متعين في ذمته؛ لأنه إن تلف ما تخلف من المال وطرأ له مال لم يعلم به كان الدين فيه باتفاق، ومن لم

مسألة: البيع والسلف لا يفسخ إذا رضي مشترط السلف بتركه أو رده بعد قبضه

يراع ذلك النادر، قال: الميت لا ذمة له، فالديون التي عليه متعينة في تركته. فوجه تبدئة الورثة باليمين وإن لم يكن في تركته فضل عن ديون الغرماء هو أنه قد يطرأ للميت مال فيكون من حقوقهم أن يحلفوا مع الشاهد على إبطال دين المرأة فيستحقوا ذلك المال الطارئ، وبالله التوفيق. [مسألة: البيع والسلف لا يفسخ إذا رضي مشترط السلف بتركه أو رده بعد قبضه] مسألة وسئل: عن رجل جاء بذكر حق فيه شراء وسلف، فقال صاحب الحق: إنما بعته متاعا بهذه الدنانير وأسلفته إياها بعد بيعي منه، وقال الذي عليه الحق: إنما هو بيع وسلف، قال: القول قول صاحب الحق إلا أن يأتي الذي عليه الحق ببينة، وعلى صاحب الحق اليمين، فإن أبى أن يحلف حلف الذي عليه الحق وفسخ الشراء، وقاله سحنون. قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قاله إذا كان ما قد وقع في ذكر الحق محتملا للصحة والفساد، مثل أن يذكر فيه أنه باع منه سلعة بمائة دينار وأسلفه عشرة دنانير فادعى البائع أنه أسلفه العشرة الدنانير بعد نفوذ البيع على غير شرط، وقال المبتاع: بل شرطت ذلك عليك في عقدة البيع، فوجب أن يكون القول قول البائع؛ لأنه مدعي الصحة، فإن نكل عن اليمين كان القول قول المبتاع على ما ادعى من الفساد. وفي قوله: إن الشراء إذا حلف يفسخ - نظر؛ لأن المشهور من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك: أن البيع والسلف لا يفسخ إذا رضي مشترط السلف بتركه أو رده بعد قبضه على ما وقع في أصل الأسدية وأصلحه سحنون في المدونة، فيحتمل أن يكون قوله في هذه الرواية إن البيع يفسخ على ما روي عنه من أن

البيع والسلف إذا وقع يفسخ على كل حال، ويحتمل أن يكون إنما رأى فسخه من أجل أن السلف قد قبض، مثل قول سحنون وما ذهب إليه ابن حبيب من أن السلف إذا قبض فقد تم الفساد ووجب فسخ البيع ولم يجز إمضاؤه برد السلف. وأما إن كان ما وقع في ذكر الحق ظاهره الصحة على ما ادعى البائع فلا يمين للمبتاع عليه فيما ادعاه من الفساد، إلا أن يقول: كنا أشهدنا على الحلال ومعاملتنا في السر على الحرام، فتلزمه اليمين إن كان ممن يتهم باستحلال مثل هذا، ولا تلزمه اليمين إن كان ممن لا يتهم بذلك. ولو باع منه السلعة بمائة دينار نقدا على أن يسلف البائع المبتاع عشرة دنانير إلى شهر وكتبا بذلك ذكر حق تشاهدا عليه، فقال البائع: إنما بعتك السلعة بمائة دينار على أن أسلفك من ثمنها عشرة دنانير إلى شهر، فالبيع صحيح لا فساد فيه؛ لأن مآله إلى أن بعت منك السلعة بتسعين دينارا نقدا وعشرة دنانير إلى أجل، وقال المبتاع: إنما اشتريت منك السلعة على أن تسلفني عشرة دنانير من غير ثمنها فالبيع فاسد؛ لأنه يدخله بيع وسلف، وذهب وعروض بذهب معجلة ومؤجلة لوجب أن يكون القول قول البائع مع يمينه؛ لأنه مدعي الصحة، فإن نكل عن اليمين فسخ البيع بالنكول دون أن ترجع اليمين على المبتاع لتشاهدهما على الفساد في الظاهر، بدليل ما وقع في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح في مسألة الذي يصالح الوارث على جميع حظه من ميراث رجل وله حظ مجهول في منزل ببلد آخر، فادعى أحدهما على صاحبه أنه علم ذلك الحظ ففسد الصلح لوقوعه عليه، فأنكر أن يكون علم به أو وقع الصلح عليه ليصح فيما عداه مما علما به، فقال: إنه يحلف ما علم به، فإن نكل فسخ الصلح، يريد دون رد يمين؛ لأن الظاهر أن الصلح قد وقع عليه؛ لأنه من المورث وهما قد تصالحا على جميع المورث. وقد قال بعض الشيوخ: إن رد اليمين في هذه المسألة خلاف قوله في مسألة كتاب الدعوى والصلح المذكورة، إذ قال فيها: إن البيع يفسخ دون رد يمين، وليس ذلك بصحيح، بل يرجع اليمين في ذلك في وجه دون وجه على ما فصلناه، وبينا القول فيه وشرحناه، وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى أن عليه دينا لأناس لا يعرفون وأوصى أن يتصدق ببعض متاعه

[مسألة: أوصى أن عليه دينا لأناس لا يعرفون وأوصى أن يتصدق ببعض متاعه] مسألة وسئل: عن رجل أوصى أن عليه دينا لأناس لا يعرفون، وأوصى أن يتصدق ببعض متاعه، يقول: ليس هو لي وليس له صاحب يعرف. قال: يبدأ هذا على الدين إلا أن يقيم بينة على الدين فيبدأ به ثم يبدأ هذا بعده. قال: وهذا كله واحد، فإن كان ورثه ولد قبل قوله في جميع ذلك أوصى بأن يتصدق به عنهم أو يوقف لهم، وإن كان يورث كلالة فأوصى أن يحبس ويوقف حتى يأتي لذلك طالب فذلك جائز عليهم من رأس المال، وإن أوصى بأن يتصدق به عنهم لم يقبل قوله ولم يخرج من رأس المال ولا من الثلث، وهذا ناحية قول مالك. قال محمد بن رشد: قوله: يبدأ هذا على الدين، يريد: أنه تبدأ الأشياء المعينة على الدين، وهذا إذا لم تقم على واحد منهما بينة أو قامت على جميعهما بينة. وأما إن قامت على أحدهما بينة دون الآخر فيبدأ الذي قامت عليه البينة منهما على الذي لم تقم عليه البينة. وقد مضى تمام القول في هذه المسألة مستوفى في رسم ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: يرهقه الدين وفي يده جارية فيزعم أنها قد أسقطت منه] ومن كتاب أسلم وله بنون وسئل: عن الرجل يرهقه الدين وفي يده جارية فيزعم أنها قد أسقطت منه، أيقبل قوله أم تباع للغرماء؟ قال: لا يقبل قوله في ذلك إلا أن تقوم على ذلك بينة من النساء، أو يكون قبل ادعائه بذلك سماع أو أمر قد فشا في الجيران حتى يستدل به على صدقه، فإن كان كذلك قبل قوله، وإلا فقوله باطل وهي تباع للغرماء. وفي رواية محمد بن خالد عن ابن القاسم مثله. قال ابن القاسم: أو يكون قد سمع ذلك منه.

مسألة: للشريك أن يدخل على شريكه فيما اقتضى بغيرإذنه من دين هو بينهما

قال الإمام القاضي: قول ابن القاسم: أو يكون قد سمع ذلك منه قبل أن تستغرق الديون ذمته، وهو ثابت في بعض الروايات دون بعض، والمسألة كلها صحيحة لا اختلاف أعلمه في أنه لا يصدق من استغرقت الديون ذمته في أنه أعتق أمته ولا في أنها ولدت منه إذا لم يكن معها ولد، ولا في أنه يصدق إذا كان معها ولد. واختلف إذا باعها ثم أقر بعد البيع أنها كانت ولدت منه ولا ولد معها، فقيل: إنه لا يصدق كما لا يصدق إذا زعم أنه أعتقها، وقيل: إنه يصدق وترد إليه إذا لم يتهم فيها بخلاف إذا زعم أنه أعتقها. والقولان في كتاب اللقطة من المدونة. واختلف إذا أقر في مرضه الذي مات منه أنها ولدت منه ولا ولد معها على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه إن كان يورث بولد عتقت من رأس المال، وإن كان يورث بكلالة لم تعتق من رأس المال ولا من الثلث؟ والثاني: أنه إن كان يورث بولد أعتقت من رأس المال، وإن كان يورث بكلالة أعتقت من الثلث؟ والثالث: أنها لا تعتق من رأس المال ولا من الثلث كان يورث بكلالة أو ولد. فيتحصل من ذلك في كل طرف قولان: تعتق من رأس المال، ولا تعتق من رأس المال ولا من الثلث إذا ورث بولد، وتعتق من الثلث ولا تعتق من رأس المال ولا من الثلث إذا ورث بكلالة، وبالله التوفيق. [مسألة: للشريك أن يدخل على شريكه فيما اقتضى بغيرإذنه من دين هو بينهما] مسألة قال عيسى: وسألته عن الرجلين لهما الحق على الرجل بذكر حق واحد وللذي عليه الحق حق على أحدهما فيقاصه الشريك الذي عليه للغريم الحق بماله من ذلك الحق المشترك بنصيبه منه بغير إذن صاحبه. أيكون له ذلك؟ فقال: يدخل معه صاحبه فيما اقتضى منه كانت مقاصة أو تقاضيا عن ظهر يد. قلت: وإن كان الذي عليه الحق مليا؟ قال: نعم، وإن كان الذي عليه الحق مليا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إذ لا فرق في المعنى بين أن

مسألة: يوصي بوصايا ويقول من جاء يدعي من دينار لعشرين فاقضوه

يقتضي منه حقه أو يقاصه به، فيما كان له عليه من دين، ولا اختلاف أعلمه في أن للشريك أن يدخل على شريكه فيما اقتضى بغير إذنه من دين هو بينهما دخلا فيه بالطوع منهما. وإنما اختلف إذا باعه بعرض أو كان عرضا فباعه بعين، فقيل: إنه لا يدخل عليه، وهو الذي يأتي على ما في السلم الثاني من المدونة على اختلاف في تأويل ذلك، وقيل: إنه يدخل عليه إن شاء، فيأخذ منه نصف ما أخذ ويكون ما بقي على الغريم بينهما، وقيل: إنه يأخذ منه نصف ما أخذ، فإذا اقتضى حقه رجع عليه بقيمة ما أخذ منه يوم أخذه إن كان أخذ منه عرضا، قيل: بالغا ما بلغ، وقيل: ما لم يكن أكثر من نصف ما بقي على الغريم وبعدد ما أخذ منه إن كان أخذ عينا، ويكون أيضا ما بقي على الغريم بينهما، وقيل: إنه يأخذ منه نصف ما أخذ، فإذا اقتضى حقه رجع عليه شريكه بعدد ما قبض منه. واختلف أيضا إذا كان الدين لهما من ميراث أو جناية لم يدخلا فيه بطوعهما، فقيل: إنه يدخل على شريكه فيما اقتضى منه، وهو قول ابن القاسم، وقيل: إنه لا يدخل عليه في ذلك وهو مذهب سحنون. واختلف إذا صالحه أحدهما ببعض حقه فاختار الرجوع عليه، فقيل: إنه يرجع عليه على حساب ما كان له عليه في الأصل، وقيل: بل إنما يرجع عليه على حساب ما بقي له عليه بعد ما وضع عنه. والقولان في كتاب الصلح من المدونة. قيل: ويتبعان جميعا الغريم، وقيل: بل يتبعه الذي لم يصالح، فإذا قبض حقه رجع عليه الذي صالح بما أخذ منه، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بوصايا ويقول من جاء يدعي من دينار لعشرين فاقضوه] مسألة قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن الذي يوصي بوصايا ويقول من جاء يدعي قبلي من دينار إلى عشرين دينارا فاقضوه بغير بينة، فقال: تكون تلك العشرون دينارا من رأس المال ولا يزاد من ماله على عشرين دينارا أن لو جاء يدعي قبله بأكثر منها، لو ادعى رجل عشرة دنانير وآخر خمسة عشر وادعى قبله من نحو

هذا العدد حتى بلغت أكثر من مائة دينار؟ قال: يتحاصون في العشرين دينارا على قدر ما ادعى كل واحد منهم إن كان عدد ما ادعى كل واحد منهم أدنى من عشرين دينارا. قال ابن القاسم: ولا أرى لمن ادعى قبله أكثر من عشرين دينارا في عشرين دينارا شيئا. قال مالك: وأرى أن لا يعجل في العشرين دينارا حتى يعلم كل من يدعي قبله شيئا. قال: ولا يشاع هذا الأمر ولا يفشى ولا يستتر به. قال ابن القاسم: والدين الذي تكون عليه بينة مبدأ على العشرين دينارا. وفي سماع محمد بن خالد قال ابن القاسم: قال مالك في رجل حضرته الوفاة، فقال عند موته: إنني كنت لابست الناس ووقعت بيني وبينهم ديون، فمن جاء يدعي قبلي شيئا من دينار إلى خمسة وعشرين دينارا فاقضوه إياه: إنه إن جاء أحد يطلب كما ذكر صدق مع يمينه وكان ذلك من رأس ماله. قال الإمام القاضي: قوله في الذي يوصي فيقول من جاء يدعي قبلي من دينار إلى عشرين دينارا فاقضوه بغير بينة، إن العشرين تخرج من رأس ماله دون زيادة عليها، فيتحاص فيها كل من ادعى أدنى من عشرين صحيح في المعنى. والوجه في ذلك أن لفظة من في قوله من جاء يدعي قبلي من كذا إلى كذا، يحتمل أن تكون بمعنى الشرط فيقتضي العموم ويكون بمنزلة قوله كل من جاء يدعي قبلي من كذا إلى كذا فاقضوه، ويكون المعنى المفهوم من إرادته أنه علم أن عليه لجماعة لا يعرف عددهم حقوقا دون العشرين فأراد أن يقضي كل من ادعى أن له عليه أدنى من عشرين ليتخلص من جميع ما عليه من الديون، ويحتمل أن تكون لفظة من في قوله من جاء يدعي قبلي من كذا إلى كذا بمعنى الذي، فلا تقتضي العموم، ويكون ذلك بمنزلة قوله الرجل الذي يدعي قبلي من كذا إلى كذا فاقضوه، ويكون المعنى المفهوم من إرادته أنه علم أن عليه حقا دون العشرين لرجل واحد لا يعرف عينه ولا اسمه، فأراد أن يقضي ذلك

الرجل حقه وجعل العلامة على أنه صاحب الحق إتيانه وادعاءه القدر الذي سمى. فلما كان اللفظ محتملا للوجهين على ما ذكرناه وجب أن يحمل على الثاني منهما الذي هو بمعنى الذي؛ لأنه الأقل على أصولهم في وجوب ترك الحكم بما شك فيه من الوصايا وغيرها. ولو جاء بعد لفظة "مَنْ" بفعل يظهر فيه الإعراب لارتفع في ذلك الإشكال، مثل أن يقول: مَنْ يجئ بالجزم يدعي من كذا إلى كذا فاقضوه، أو مَنْ يِجِيءُ بالرفع يدعي من كذا وكذا إلى كذا وكذا فاقضوه؛ لأن الجزم يدل على الشرط وهو بمعنى العموم بخلاف الرفع، ولا خلاف فيما ذكره من أن العشرين إذا أخرجت من رأس المال يتحاص فيها كل من ادعى أدنى من عشرين، يريد: بعد أيمانهم، وأنه لا حق فيها لمن ادعى أكثر من عشرين. واختلف فيمن ادعى عشرين فقيل: إنه لا شيء له حكى ذلك سحنون عن ابن القاسم، وهو على القول بأن "إلى" غاية لا يدخل ما بعدها فيما قبلها، وقيل: إنه يحاص بها وهو على القول بأن "إلى" بمعنى "مع"، وهو الأظهر في هذه المسألة. وفي ألفاظ المسألة دليل على القولين. وأما من ادعى دينارا فإنه يحاص به في العشرين، قال: من جاء يدعي قبلي دينارا إلى عشرين أو من دينار إلى عشرين. ولو قال: من جاء يدعي قبلي ما بين دينار إلى عشرين لدخل الاختلاف في الدينار أيضا، فقد اختلف أهل العلم فيمن قال لفلان: علي ما بين دينار إلى عشرة، فقيل: إنه يحكم عليه بثمانية، وقيل: بتسعة، وقيل: بعشرة، ولكل قول منها وجه. وقد قيل: إنه لا يحكم عليه بشيء؛ لأنه إنما أقر له بما بين الواحد والعشرة ولا شيء بينهما وهو بعيد. وما في سماع محمد بن خالد عن مالك من رواية ابن القاسم عنه ليس بخلاف لما قبله من قوله في رواية عيسى عن ابن القاسم؛ لأن قوله: إني كنت لابست الناس ووقعت بيني وبينهم ديون - دليل على أنه أراد بقوله من جاء يدعي قبلي حقا من دينار إلى خمسة وعشرين دينارا العموم، بمنزلة ما لو قال: كل من جاء يدعي قبلي حقا من دينار إلى خمسة وعشرين دينارا. وقد رأيت لابن دحون أنه قال: هو

: نكاح اليتيم بغير إذن وصيه

خلاف لما قبله، لا يلزم الورثة في هذه المسألة على ما قبله غير إخراج خمسة وعشرين دينارا فيتحاص فيها كل من ادعى خمسة وعشرين فأقل، وقوله بعيد جدا، لا إشكال عندي في أنه لا يجوز رد هذه المسألة إلى التي قبلها. ولو قال: إن التي قبلها ترد إليها لكان له وجه لما ذكرناه من الاحتمال فيها. وهذا الذي ذهبنا إليه من الفرق بين أن يقول من جاء يدعي قبلي من كذا إلى كذا، وبين أن يقول كل من جاء يدعي قبلي من كذا إلى كذا قد نص عليه ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ، فلم يراع التسمية مع كل إلا أنه قصر ذلك على الثلث بمنزلة ترك التسمية، مثل أن يقول: من ادعى علي حقا فاقضوه إياه، وذلك من قصره إياه على الثلث خلاف لما في العتبية، إذ لم يقصر فيها شيئا من ذلك على الثلث عم أو خص سمى العدد أو لم يسمه. وإيجاب اليمين عليه في سماع محمد بن خالد يجري على الاختلاف في لحوق يمين التهمة حسبما ذكرناه في مسألة رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم. وقد قيل: إن الخلاف في ذلك لا يدخل في هذه؛ لأن المصدق في تلك معين وفي هذه غير معين، والقياس أن لا فرق بينهما؛ لأن المعنى يجمعهما، وهو اتهام الورثة مع تصديق المتهم. ولو نص المتوفى على تصديقهم دون يمين لسقطت عنهم اليمين قولا واحدا، والله أعلم، وبالله التوفيق. [: نكاح اليتيم بغير إذن وصيه] ومن كتاب جاع فباع امرأته وسئل: عن يتيم له وصي واليتيم مصلح وقد بلغ الحلم ومثله لو طلب ماله أعطيه لصلاحه، تزوج بغير إذن وليه، ثم فسد وقبحت حاله بعد النكاح وقبل أن يدخل عليها، وسفه وصار ممن تجوز عليه الولاية فطلقها في سفاهة ثم صالح أختانه على أن أخذ منهم أقل من نصف ما ساق إليها، وذلك بعلم الوصي. قال: لا يجوز أن يضع عنهم شيئا من نصف الصداق وإن أذن بذلك الوصي. قيل له: فإن زعم

ختنه أنه قد دفع إليه أكثر من النصف وأنكر هو ذلك؟ قال: يغرم ختنه نصف الصداق كاملا إلى وصيه وإن أقر له السفيه أنه قد اقتضاه كله لم يبره ذلك وكان عليه غرمه مرة أخرى؛ لأنه لم يكن له أن يعطيه شيئا. وأما نكاحه على ما ذكرت من صلاحه من غير إذن وليه فهو جائز، وهو مثل ما لو أذن له وليه إذا كان يوم تزوج على ما ذكرت من حسن حاله. قال محمد بن رشد: أجاز ابن القاسم نكاح اليتيم بغير إذن وصيه إذا كان في تلك الحال رشيدا في أحواله، وهذا هو المعلوم من مذهبه المشهور من أقواله أن الولاية الثابتة على اليتيم لا يعتبر بثبوتها إذا علم الرشد ولا بسقوطها إذا علم السفه، خلاف للمشهور من مذهب مالك وعامة أصحابه أن المولى عليه بوصي من قبل أب أو مقدم من قبل سلطان لا تجوز أفعاله وإن علم رشده حتى يطلق من الولاية التي لزمته. وقد روى زونان عن ابن القاسم مثل قول مالك، وروى ابن وهب عن مالك مثل قول ابن القاسم. وأما اليتيم الذي لم يوص به أبوه إلى أحد ولا قدم عليه السلطان وليا ولا ناظرا ففي ذلك أربعة أقوال: أحدها: أن أفعاله كلها بعد البلوغ جائزة نافذة رشيدا كان أو سفيها معلنا بالسفه أو غير معلن به، اتصل سفهه من حيت بلوغه أو سفه بعد أن أنس منه الرشد من غير تفصيل في شيء من ذلك، وهو قول مالك وكبراء أصحابه. والثاني: أنه إن كان متصل السفه من حين بلوغه فلا يجوز شيء من أفعاله، وأما إن سفه بعد أن أنس منه الرشد فأفعاله جائزة عليه ولازمة ما لم يكن بيعه بيع سفه وخديعة بينة، مثل أن يبيع ثمن ألف دينار بمائة دينار وما أشبه ذلك، فلا يجوز ذلك عليه ولا يتبع بالثمن إن أفسده من غير تفصيل بين أن يكون معلنا بالسفه أو غير معلن به، وهو قول مطرف وابن الماجشون. والثالث: أنه إن كان معلنا بالسفه فأفعاله غير جائزة، وإن لم يكن معلنا به فأفعاله جائزة، من غير تفصيل بين أن يتصل سفهه أو لا يتصل، وهو قول أصبغ. والرابع: أنه ينظر

: بيع مال الغائب لغرمائه

إلى حاله يوم بيعه وابتياعه وما قضى به في ماله، فإن كان رشيدا في أحواله جازت أفعاله كلها، وإن كان سفيها لم يجز منها شيء من غير تفصيل بأن يتصل سفهه أو لا يتصل، وهو قول ابن القاسم. واتفق جميعهم على أن أفعاله جائزة لا يرد منها شيء إذا جهلت حاله ولم يعلم برشد ولا بسفه. وكذلك اتفقوا أيضا أن على الإمام أن يولي عليه إذا ثبت عنده سفهه فخشي ذهاب ماله، وبالله التوفيق لا شريك له وبه التوفيق. [: بيع مال الغائب لغرمائه] ومن كتاب الجواب وسألته: عن الرجل يغيب ببلد قريب الغيبة أو بعيد فيبيع السلطان ماله لغرمائه، والغائب حي يعرف موضعه ولا يُعْرَفُ عَدَمُهُ وَلَا مَلَاؤُهُ فيجد الرجل السلعة بعينها فيريد أخذها، هل يكون ذلك له؟ قال ابن القاسم: إن كانت غيبته غيبة قريبة الأيام اليسيرة التي ليس فيها ضرر على الغرماء ولا يعرف ملاؤه في ذلك كتب إليه فيه وكشف عن أمره حتى يفلس فيأخذ أصحاب السلع سلعهم، أو لا يفلس. وإن كانت غيبته بعيدة ولا يعرف عدمه فيها ولا ملاؤه، أو يعرف عدمه ولا يدرى أين هو أو لا يعرف موضعه، فهو بمنزلة المفلس يأخذ من وجد سلعته بعينها، ويتحاص جميع غرمائه في ماله الذين حلت ديونهم والذين لم تحل جميعا. وإن كانت غيبته بعيدة، إلا أنه يعرف ملاؤه فيها بموضعه الذي هو فيه لم يفلس ولم يكن مفلسا، وقضي الغرماء الذين حلت ديونهم كما تعدى على مال الغائب ويترك الآخرون إلى آجالهم، ومن وجد سلعته لم يكن له إليها سبيل. ورواها أصبغ عن ابن القاسم،

وقال: هي حسنة إن شاء الله تعالى. وفي آخرها غمز وكسر ولا يحملها القياس، وأشهب يخالفه فيها ويرى أن يفلس وإن كان يعرف ملاؤه في غيبته، سألته عنها فقال لي: واحتج، قال لي: أرأيت رجلا حاضرا بمصر وله مال بالأندلس لا يدرى ما حدث عليه، ألا يفلسوه؟ قال أصبغ: وذلك القياس عندي، وهو أعجب لي. وقد قال في كتاب القضاء المحض: قول ابن القاسم أحب إلي استحسانا، قال: والقياس قول أشهب. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة تكلم فيها على وجهين: أحدهما: بيع مال الغائب لغرمائه، والثاني: تفليسه. فأما بيع ماله لغرمائه فلا اختلاف في وجوب بيع ذلك لهم كما لو كان حاضرا، إلا أنه يختلف هل يُستأنَى بذلك إن خشي أن يكون عليه دين لسواهم أم لا، فقيل: إنه لا يستأنى به؛ لأن له ذمة، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه في بعض روايات المدونة، وظاهر قوله في هذه الرواية، وقيل: إنه يستأنى به ولا يعجل بقضاء من حضر حتى يستبرأ أمره ويجتمع أهل دينه كالميت الذي لا ذمة له، وهو قول ابن القاسم وغيره من الرواة في المدونة. وهذا في الحاضر والقريب الغيبة، وأما البعيد الغيبة فلا اختلاف في وجوب الاستيناء به إذا خشي أن يكون عليه دين. وأما تفليسه حتى يقضى دين من لم يحل دينه ويكون من وجد سلعته أحق بها إذا جهلت حاله فلا اختلاف في أنه لا يقضى بذلك في القريب الغيبة حتى يكتب في أمره ويكشف عن حاله، ولا في أنه يقضى بذلك في البعيد الغيبة. واختلف إن علم ملاؤه في بعد غيبته، فقيل: إنه يفلس، وقيل: إنه لا يفلس، على القولين المذكورين في هذه الرواية. وهذا الاختلاف إنما هو عندي فيما كان على مسيرة العشرة الأيام ونحوها، وأما الغيبة البعيدة على مسيرة الشهر ونحوه وفي مثل مصر من الأندلس فلا اختلاف في أنه يجب تفليسه فيها وإن عرف ملاؤه، وبالله التوفيق.

مسألة: ليس له أن يرجع إلى اليمين بعد أن يردها على المدعي

[مسألة: ليس له أن يرجع إلى اليمين بعد أن يردها على المدعي] مسألة وسئل: عن الرجل يدعي قبل الرجل حقا فيقول: احلف لي على أن ما ادعيت عليك به ليس بحق وابرأ، فيقول المدعى عليه: بل احلف أنت وخذ، فإذا هم المدعي أن يحلف بدا للمدعي عليه، وقال: لا أرضى بيمينك ولم أظن أنك تجترئ على اليمين وما أشبه ذلك، وهل ذلك عند السلطان وغيره سواء؟ قال ابن القاسم: ليس للمدعى عليه أن يرجع، ولكن يحلف المدعي ويحق حقه على ما أحب الآخر أو كره، قد رد عليه اليمين فليس له الرجوع فيها، وسواء كان ذلك عند السلطان أو غيره إذا شهد عليه بذلك أو أقر به. قال الإمام القاضي: هذه مسألة متكررة في هذا السماع من كتاب الدعوى والصلح، ومثله في كتاب الديات من المدونة، ولا اختلاف أعلمه في أن ليس له أن يرجع إلى اليمين بعد أن يردها على المدعي. واختلف هل له أن يرجع إليها بعد أن نكل عنها ما لم يردها على المدعي، فقال: ليس ذلك له، وهو ظاهر ما في الديات من المدونة، ورواية عيسى من ابن القاسم في المدنية. وقيل: ذلك له، وهو ظاهر قول ابن نافع في المدنية، والقولان يحتملان، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة يكون لها على زوجها الصداق فيحيط بماله إلى أجل قريب أو بعيد] مسألة وسمعته يسأل عن المرأة يكون لها على زوجها الصداق يحيط بماله إلى أجل قريب أو بعيد، هل له أن يعتق أو يهب؟ قال ابن القاسم: لا، ليس ذلك له، وهو دين من الديون.

: أقر له بعشرة دنانير فأتاه بدنانير ينقص كل دينار ثلث أو ربع وقال هذا مالك

والدليل على ذلك أن المرأة أسوة الغرماء إذا فلس الزوج أو مات، تضرب مع الغرماء بصداقها، فلما نزلت هذه المنزلة لم يكن لزوجها أن يبطل دينها عليه. قال محمد بن رشد: أما إذا دخل الرجل بزوجته فلا إشكال ولا اختلاف في أنه لا يجوز له أن يهب ولا أن يعتق إذا كان الصداق الذي عليه يحيط بماله إلا أن يدخل الاختلاف في ذلك من اختلافهم في وجوب إسقاط الزكاة به، وهو بعيد. وأما إذا لم يدخل بزوجته فله أن يهب ويعتق إذا لم يحط بماله نصف صداقها؛ لأنه يملك إسقاط نصفه عن نفسه بالطلاق، وبالله التوفيق. [: أقر له بعشرة دنانير فأتاه بدنانير ينقص كل دينار ثلث أو ربع وقال هذا مالك] ومن كتاب العتق وسئل: عن رجل أقر أن لرجل عليه عشرة دنانير نقدا، فأتاه بدنانير ينقص كل دينار ثلث أو ربع، وقال: هذا مالك علي، أيقبل قوله؟ قال: نعم، يقبل قوله ويحلف إذا كان إنما هو بإقراره، وإنما النقصان بمنزلة العدد، بمنزلة ما لو قال: ليس لك إلا خمسة أو ستة وادعى الآخر غير ذلك، فالقول قول المقر. وقد بين أيضا له النقصان في أول. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها ولا لبس في شيء من معانيها، وبالله التوفيق. [: المبتوتة تكون في بيت بكراء فيفلس زوجها] ومن كتاب باع شاة وسألته: عن المبتوتة تكون في بيت بكراء فيفلس زوجها، هل هي أولى من الغرماء؟ قال ابن القاسم: إن كان زوجها قد غرم الكراء فهي أولى به من الغرماء، وإن كان لم يؤد كانت أولى وكان عليها الكراء من مالها.

قال محمد بن رشد: قوله تكون في بيت بكراء، يريد كراء لوجيبة معلومة تستغرق العدة، بدليل قوله: وإن لم يؤد كانت أولى وكان عليها الكراء، إذ لو كان الكراء مشاهرة لكان أهل الدار أحق بدراهم. وقوله: إن كان زوجها قد غرم الكراء فهي أولى به صحيح؛ لأنه إذا غرم الكراء صار السكنى حقا من حقوقه، فوجب أن تكون المرأة أحق به من الغرماء، كما كانت تكون أحق به من الورثة لو مات بعد أن بت طلاقها وهي ساكنة فيها، وكما كانت تكون أحق به منهم في عدة الوفاة. وقوله: إن الكراء يكون عليها من مالها إن كان الزوج لم يؤده قبل أن يفلس صحيح، يريد: ولا تحاص به الغرماء إذ لم يجب لها قبل التفليس، وإنما يجب لها في المستقبل. وقوله هذا يدل على قياس قول ابن القاسم في المدنية في الذي يطلق امرأته طلاقا بائنا ثم يموت: إن حق المرأة لا يسقط في السكنى إن كانت الدار للميت أو كانت بكراء فنقد الكراء، ويسقط إن لم تكن الدار للميت؛ لأن القياس يوجب أن تكون أحق من الغرماء في التفليس في الموضع الذي تكون فيه أحق من الورثة في الموت. ويجب في هذه المسألة إذا فلس الزوج قبل أن ينقد الكراء أن يحاص به الغرماء على قياس قول ابن القاسم في كتاب طلاق السنة من المدونة: إن الكراء لا يسقط عن الزوج بالموت إذا طلق ثم مات؛ لأنه إذا لم يسقط بالموت وكان دينا من الديون يبدأ في الموت على الميراث وجب ألا يسقط في التفليس وأن يكون دينا من الديون يحاص به الغرماء. ويجب في هذه المسألة ألا تكون المرأة أحق بالسكنى وإن كان الزوج قد نقد الكراء على قياس رواية ابن نافع عن مالك في كتاب طلاق السنة من أن السكن الواجب بالطلاق يسقط بالموت، كان المسكن للميت أو لم يكن. ولو طلقها ولا مسكن له فدفع إليها خراج عدتها ثم فلس لتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أن الغرماء أولى بذلك، والثاني: أنها هي أولى به منهم إن كان يوم دفع ذلك إليها قائم الوجه. وقد تكلمنا على وجه تخريج هذين القولين في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب الرضاع فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا، وبالله التوفيق.

مسألة: يشهد لامرأته في صحته بحق لها عليه ثم مكثت سنتين أو ثلاثا ثم فلس

[مسألة: يشهد لامرأته في صحته بحق لها عليه ثم مكثت سنتين أو ثلاثا ثم فلس] مسألة وسئل: عن الرجل يشهد لامرأته في صحته بحق لها عليه ثم مكثت سنتين أو ثلاثا ثم فلس أتحاص الغرماء؟ قال: نعم إذا جاءت ببينة. قال ابن القاسم: إذا قامت عليه البينة على إقراره قبل التفليس حاصت الغرماء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على المشهور في المذهب من أن من أقر بدين لوارث في صحته أن ذلك له في حياته وبعد وفاته، ويأتي فيها على قول ابن كنانة والمخزومي وابن أبي حازم ومحمد بن مسلمة أن ذلك لا يكون له إلا في حياته، ولا يكون له بعد وفاته إلا أن يكون لها أن تحاص بذلك الغرماء بعد التفليس، وبالله التوفيق. [: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر] من نوازل عيسى بن دينار وسئل عيسى: عن رجل كانت له دنانير أو دراهم أو شيء مما يكال أو يوزن مما إذا غاب عليه لم يعرفه بعينه على رجل وعلى أبيه، فدفع الأب ما عليه إلى ابنه ليدفعه إلى الغريم، فقال له: هذا ما لك على أبي، ثم ادعى الغريم بعد ذلك أنه إنما قبضه من الابن قضاء عنه وأنكر ما قال الابن. قال: القول ما قال الغريم مع يمينه، إلا أن يأتي الابن ببينة تشهد له أنه قال له: هذا الحق على أبي. قلت: فإن أتى بالبينة على أمر أبيه إياه أن يدفع ذلك عنه؟ قال: لا ينفعه ذلك حتى يأتي بالبينة على الدفع، كان على الأمر بينة أو لم تكن. قال عيسى: إلا أن تقوم البينة أن ذلك الشيء الذي قضى شيء أبيه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الابن مدع فيما ذكر من أنه قضاه الحق الذي كان له على أبيه، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وبالله التوفيق.

مسألة: يسلف في ضحايا ليوتى بها في الأضحى فلا يأتيه بها إلا بعد ذلك

[مسألة: يسلف في ضحايا ليوتى بها في الأضحى فلا يأتيه بها إلا بعد ذلك] مسألة وسئل: عن الرجل يقول لغريمه وقد حل حقه: إن عجلت لي كذا وكذا من حقي فبقيته عنك موضوع إن عجلت ذلك لي نقدا الساعة أو إلى أجل يسميه، فعجل ذلك له نقدا أو إلى أجل إلا الدرهم والنصف أو أكثر من ذلك يعجز عنه، هل تكون له الوضيعة لازمة؟ فقال: ما أرى الوضيعة تلزمه إذا لم يعجل له جميع ذلك، وأرى الذي له الحق على شرطه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها أربعة أقوال: أحدها: قوله في هذه الرواية وهو قول أصبغ في الواضحة، ومثله في آخر كتاب الصلح من المدونة: أن الوضيعة لا تلزمه إلا أن يعجل له جميع ما شرط إلى الأجل الذي سمى وهو أصح الأقوال. والثاني: أن الوضيعة له لازمة بكل حال، ولا ينتفع صاحب الدين بشرطه، وهو قول ابن الماجشون، ونحوه ما في سماع أشهب من كتاب الضحايا في الذي يسلف في ضحايا ليوتى بها في الأضحى فلا يأتيه بها المسلم إليه إلا بعد ذلك أنه يلزمه أخذها ولا خيار له في تركها، وما في السلم من المدونة في السلم ينعقد على تعجيل رأس المال فيتأخر النقد إلى حلول الأجل بهروب من المسلم وهو عرض أن السلم لازم للمسلم إليه، ولا خيار له فيه. والثالث: أن الوضيعة لا تلزمه إلا أن ينقص الشيء اليسير من شرطه، وهو على ما روى مطرف عن مالك في الذي يسلف في الضحايا على أن يؤتى بها في الأضحى فلا يؤتى بها في الأضحى أنها لا تلزمه إلا أن يأتيه بها بقرب الأضحى بعد اليوم واليومين. والرابع: أنه يلزمه من الوضيعة بقدر ما عجل له من حقه، وهذا يأتي على ما في سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات، وبالله التوفيق.

مسألة: السلطان إذ باع مال الميت فقضى بعض غرمائه وبقيتهم حضور

[مسألة: السلطان إذ باع مال الميت فقضى بعض غرمائه وبقيتهم حضور] مسألة وسئل: عن الرجل يكون له على الرجل الذكر الحق فلا يقوم عليه حتى يموت الذي عليه الحق، فاقتسم ورثته ماله وهذا حاضر ينظر، ثم قام بعد بذكر الحق. قال: فلا شيء له إلا أن يكون له عذر في تركه القيام أو يكون لهم سلطان يمتنعون به أو نحو هذا مما يعذر به فهو على حقه أبدا وإن طال زمانه إذا كان له عذر من بعض ما وصفنا؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم» . قال الإمام القاضي: هذا خلاف قول سحنون في نوازله من هذا الكتاب: إن السلطان إذ باع مال الميت فقضى بعض غرمائه وبقيتهم حضور ثم قاموا عليهم أن لهم الدخول عليهم، ولا يضرهم علمهم بموت صاحبهم وأن ماله بيع لمن قام طالبا لحقه من غرمائه، وفرق بين ذلك وبين بيع مال المفلس يباع لبعض غرمائه وبقيتهم حضور لا يقومون، إن المفلس له ذمة تتبع، فيحمل سكوتهم على أنهم رضوا باتباع ذمته، والميت لا ذمة له فيكون القول قولهم إنهم إنما سكتوا غير راضين بترك حقوقهم، وقد كان شيخنا الفقيه أبو جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: ليس بين المسألتين فرق بين، ولو قيل في هذا الفرق بالعكس لكان راتبه. فتحصل في المسألة على ما كان يذهب إليه أربعة أقوال: ألا قيام في المسألتين، والقيام فيهما جميعا، والفرق بينهما على ما في نوازل سحنون، والفرق بينهما على عكسه حسبما ذكرناه عن الشيخ، وبالله التوفيق. [مسألة: السفيه يبيع قبل أن يولى عليه] مسألة وسئل عيسى: عن السفيه يبيع قبل أن يولى عليه، هل يجوز بيعه؟ قال: أما ابن كنانة وابن نافع وجميع أصحاب مالك فيقولون بيعه قبل أن يولى عليه جائز إلا ابن القاسم وحده فإنه كان يقول

: رجل فلس فأدرك رجل ماله بعينه

بيعه وقضاؤه في ماله قبل أن يولي عليه سواء لا يجوز؛ لأنه لم يزل في ولاية منذ كان وإن لم يكن له ولي؛ لأن السلطان ولي من لا ولي له، فإذا كان في ولاية السلطان حتى ولى السلطان عليه وليا يتولاه ويقوم به، جعل عليه من أمره مثل الذي كان إليه منه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم جاع من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [: رجل فلس فأدرك رجل ماله بعينه] من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الأقضية وسئل عبد الله بن وهب: عن الرجل يفلس فيجد أحد الغرماء متاعه بعينه بيد المفلس فيريد أخذه ويريد الغريم دفعه إليه، فيقول الغرماء: لا ندفعه إليه بل نحبسه عليك لما نرجو فيه من الزيادة وندفع إلى رب السلعة حقه الذي له عليك، فيقول المفلس: إني أخاف أن يهلك قبل أن يباع علي فيبقى حق رب السلعة دينا علي ولم ننتفع بالذي نرجو من الزيادة فيه، فإن حبستموه علي فهو لكم بالثمن وأنا بريء من ضمانه، فيقولون: بل ضمانه منك وزيادته لك، ونحن أحق بحبسه عليك لما نرجو من زيادته لك فيما نقص من حقنا الذي عليك، فيدفعوا (كذا) إلى الغريم حقه ثم تهلك السلعة قبل أن تباع. قال: أرى ضمانها من الغرماء يقاصهم بها المفلس فيما لهم عليه، فإن بيعت وسلمت كان فضلها للمفلس. قال محمد بن رشد: الأصل في هذه المسألة قول النبي عليه

السلام: «أيما رجل فلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» فاتفق مالك وأصحابه لهذا الحديث وما كان في معناه: على أن البائع أحق بسلعته التي باع في التفليس من الغرماء بجميع الثمن الذي باعها به، واختلفوا إن أراد الغرماء أن يأخذوها لفضل يرجونه فيها ويئول إليه ثمنها على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لهم شاء المفلس أو أبى. فعلى هذا القول وهو قول ابن القاسم في سماع أصبغ وروايته عن مالك في المدونة وفي رسم طلق من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب في بعض الروايات تكون مصيبة السلعة إن تلفت من المفلس والنقصان عليه إن بيعت بأقل من الثمن، كما تكون الزيادة له إن بيعت بأكثر من الثمن. فإن كانوا أدوا الثمن إلى البائع من مال الغريم المفلس تحاصوا في ثمنها قل أو كثر، وإن كانوا أدوه من أموالهم فبيعت بأكثر من الثمن أخذ الثمن من أداه منهم أو جميعهم إن كانوا أدوه جميعا وتحاصوا في الفضل مع جملة مال الميت، وإن بيعت بأقل من الثمن أخذه من أداه منهم واتبع الغريم بالبقية فحاص به الغرماء. وإن تلفت اتبعوا الغريم بجميع الثمن الذي أدوه فيها وحاصوا به الغرماء؛ لأنه كان السلف منهم له. والثاني: أن ذلك لا يكون لهم إلا برضا المفلس، فعلى هذا القول وهو قول ابن وهب في هذه الرواية إن رضي كانت المصيبة منه والنقصان عليه كما تكون الزيادة له حسبما مضى تفسيره في القول الأول، وإن كان لم يرض كان الربح والزيادة [لهم حسبما مضى تفسيره في القول الأول، وكانت المصيبة والنقصان منهم. فإن كانوا أدوا الثمن من أموالهم خسروه إن تلف، وخسروا النقصان إن بيعت بأقل من الثمن الذي أدوه فيها. وإن كانوا أدوه من مال المفلس فتلفت السلعة] حوسبوا بجميع الثمن فيما لهم عليه من الديون، فكان ذلك قصاصا منها، وتحاصوا في بقية مال المفلس بما بقي من ديونهم، وهو معنى قوله في هذه الرواية: أرى ضمانها من الغرماء يقاصهم بها المفلس فيما لهم عليه. وإن

: إذا تقاضى الآخرين ادعى كل واحد منهم أنه هو الذي قضاه العشرة

كانوا أدوه من مال المفلس فبيعت السلعة بنقصان حوسبوا أيضا بما انتقص من ثمنها فيما لهم عليه من الديون فكان ذلك قصاصا منها. والقول الثالث: أن ذلك لا يكون لهم إلا أن يزيدوا زيادة يحطونها عن المشتري المفلس من دينهم، وتكون السلعة لهم نماؤها وعليهم بوارها، وهو قول أشهب، وبالله التوفيق. [: إذا تقاضى الآخرين ادعى كل واحد منهم أنه هو الذي قضاه العشرة] ومن كتاب المكاتب وسألته: عن الرجل تكون له ثلاثون دينارا على ثلاثة نفر على كل رجل عشرة، فيقتضي من أحدهم العشرة التي قبله فإذا تقاضى الآخرين ادعى كل واحد منهم أنه هو الذي قضاه العشرة دنانير فيشك المقتضي. قال: إن لم ينص الذي اقتضاها منه باسمه حلف الغرماء كلهم وبرءوا من الثلاثين دينارا. قال الإمام القاضي: وهذا كما قال؛ لأنه قد أقر أنه قبض العشرة من أحدهم، فالقول قول كل واحد منهم مع يمينه أنه هو الذي قبض منه، ولا اختلاف في هذا عندي إذا جاءوا مجتمعين؛ لأنه يحقق الدعوى على اثنين منهم أنهما كاذبان، فلا بد من يمين كل واحد منهم، ولو جاءوا مفترقين لجرى له الأمر في إيجاب اليمين على كل واحد منهم على الاختلاف في لحوق يمين التهمة. ولو جاءوا مجتمعين فنكلوا عن اليمين لوجب على أصولهم أن يحلف هو ما يعلم من دفعها إليه منهم، فلو حلف كانت العشرة بين جميعهم فأدى كل واحد منهم سبعة إلا ثلثا، وإن نكل عن اليمين لم يكن له شيء. وإن حلف واحد منهم ونكل اثنان برئ من حلف ورجعت اليمين على المقتضي، فإن حلف أدى كل واحد من الناكلين سبعة إلا ثلثا، وإن نكل لم يكن له شيء. وإن حلف اثنان منهم ونكل واحد برئ الحالفان ورجعت اليمين على المقتضي، فإن حلف أدى الناكل سبعة

مسألة: ليس للغرماء أن ينتزعوا مال المدبر

إلا ثلثا، وإن نكل لم يكن له شيء. ولو جاءوا مفترقين فنكل كل واحد منهم عن اليمين على القول بإيجابها عليه لغرم العشرة بعد يمين المقتضي على الاختلاف في رد يمين التهمة، ولو جاءوا مجتمعين فحلفوا له ثم تذكر ممن قبض لم ينفعه ذلك ولا كان له طلب على أحد منهم؛ لأنه حكم قد نفذ. ولو وجد بينة لم يعلم بها بالذي قبض منه كان له القيام بها، فإن كان علم بها وحلفهم كان الحكم على قولين: أحدهما: أنه لا قيام له وهو قول ابن القاسم، والثاني: أن له القيام وهو قول مالك في رواية أشهب من هذا الكتاب. [مسألة: ليس للغرماء أن ينتزعوا مال المدبر] مسألة قال يحيى: قلت له: فإن تصدق رجل على رجل مفلس بدنانير يؤديها في دينه فلم يقبل وقال الغرماء: نحن نقبل ذلك عليك فلا ينبغي لك أن تضر بنا في ترك ما تصدق به عليك. قال: لا يجبر على أخذ الصدقة؛ لأنه يقول: لا ألزم نفسي مذمة ولا أوجب علي منة وسيرزقني الله فأؤدي إن شاء الله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة قد أغنى ابن القاسم عن القول فيها بنصه على العلة فيها. ولو قبض الهبة على أنه بالخيار في قبولها وردها فأراد ردها، وقال الغرماء: نحن نقبلها - لتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أن ذلك للغرماء وهو الذي يأتي على ما في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس، والثاني: أن ذلك ليس لهم وهو الذي يأتي على ما في كتاب التفليس من المدونة في أنه ليس للغرماء أن ينتزعوا مال المدبر، فتدبر ذلك، والمسألة متكررة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الهبات والصدقات، وبالله التوفيق. [مسألة: يقر بوطء أمة رجل ويدعي أنه اشتراها منه وينكرسيدها أن يكون باعها منه] مسألة وسئل يحيى عن الرجل يقول للرجل إن لي عليك مائتي

دينار وقد قضيتني منها مائة فاقضني المائة الباقية، فقال الرجل: ما لك علي شيء ولا كان لك عندي شيء قط، ولكنك مقر بأنك قبضت مني مائة دينار، فأثبت أنها كانت لك علي من دين، وإلا فارددها علي. أفترى يرد عليه إذا لم يثبت أنها كانت له دينا عليه؟ أم لا ترى ذلك عليه؟ قال: يقال لهذا المقر له: بأي شيء دفعت إليه ما قال إنه قبضه منك؟ فإن قال: دفعت إليه وديعة وما كان له عندي شيء قط حلف على قوله بالله أنه دفعها إليه وديعة أو سلفا إن ادعاه، ثم يبرأ من الذي ادعاه عليه بعد أن يحلف ما كان له عليه شيء قط ويأخذ المائة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة جارية على أصل اختلف فيه قول ابن القاسم في غير ما مسألة، من ذلك قوله في الرجل يقر بوطء أمة رجل ويدعي أنه اشتراها منه وينكر سيدها أن يكون باعها منه، فالمشهور من قول ابن القاسم في المدونة وغيرها أنه يحد إن لم يقم بينة على الشراء، وروى عيسى عنه في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الأقضية أنه يدرأ عنه الحد بالشبهة، وهو الذي يأتي على قول أشهب أنه لا يؤخذ أحد بأكثر مما أقر به على نفسه، وهو لم يقر بزنا وإنما أقر بوطء من يحل له على زعمه. فجواب يحيى بن يحيى في هذه المسألة على المشهور من مذهب ابن القاسم؛ لأن مدعي المائتين يقر أنه قبض من المدعى عليه مائة ويدعي أنه قبضها من حق واجب له، فعليه أن يقيم البينة على ذلك، فإن عجز عن إقامة البينة حلف المدعى عليه أنه ما له عليه حق وأخذ منه المائة التي أقر أنه قبضها منه. قال في الرواية بعد يمينه على ما يدعي من أنه دفعها إليه وديعة أو سلفا، واعترض ذلك ابن دحون، فقال: لا يلزمه أن يحلف أنها وديعة أو سلف؛ لأن القابض قد أقر بالقبض وادعى أنه قبضها من دين له فليس على البائع أكثر من اليمين أنه ليس له عليه شيء، وليس باعتراض بين؛ لأنه لم يقر أنه قبض المائة إلا من حق واجب له، فإذا لم يصدق في ذلك وكان مدعيا فيه وجب أن يكون القول قول المدعى عليه إنه دفعها إليه

: باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا

وديعة أو سلفا. ويأتي في هذه المسألة على قول ابن القاسم الثاني وعلى قول أشهب وأصله في أنه لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقر به على نفسه أن يحلفا جميعا ولا يكون على واحد منهما شيء، يحلف المدعى عليه المائتين أنه ما له عليه حق، ويحلف المدعي أنه ما قبض المائة التي أقر بقبضها إلا من المائتين التي كانت له عليه على ما زعم. ولو أقر أنه قبض منه مائة ولم يبين فلما طلبها منه وادعى أنه أسلفه إياها أو أودعه إياها قال: إنما قبضتها من مائتين كانت لي عليه دينا لم يصدق في ذلك على أصولهم قولا واحدا، وبالله التوفيق. [: باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا] ومن سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب قال سحنون: سألت أشهب عن قوم اكتروا من جمال ودفعوا إليه دنانيرهم ثم أفلس الجمال قبل أن يركبوا ثم أدرك رجل منهم دنانيره في يده بعينها يشهد له عليها هل يكون أحق بها؟ قال: لا، وليس هذا مثل السلع. قلت: فإن كانوا قد أخذوا عليه حميلا ثم دفع القوم إلى الجمال إلا رجلا منهم واحدا دفع إلى الحميل، ثم فلس والمال في يد الحميل، لمن هو؟ قال: إن كان الجمال لم يأمر الدافع بالدفع إلى الحميل بالمال فإن الدافع لا يدخل عليه أصحابه، وإن كان الجمال أمر الدافع بالدفع فالمال الذي بيد الحميل للغرماءكلهم. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا إن المكتري إذا فلس المكري لا يكون أحق بدنانيره وإن أدركها قائمة بيد المكري يشهد له أنها دنانيره بعينها، هو مثل قوله في كتاب المأذون له بالتجارة من المدونة خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك وعامة أصحاب مالك في أن الرجل أحق بالعين والعرض في الفلس كان العين والعرض من بيع أو قرض، وخلاف ما ذهب إليه ابن المواز من أنه أحق بالعين والعرض إذا

مسألة: المتكاري أولى بالإبل

كانا جميعا من بيع، وأسوة الغرماء فيهما جميعا إذا كانا من قرض. والاختلاف الحاصل بين ابن القاسم وأشهب في العين هل يكون صاحبه أحق به من الغرماء في الفلس جار على اختلافهم في العين هل يتعين أم لا، والصحيح قول ابن القاسم وروايته عن مالك أنه أحق في الفلس بالعرض والعين كانا من بيع أو قرض، بدليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» ؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عم بقوله «فأدرك رجل ماله» ، إذ لم يخص فيه عينا من عرض ولا قرضا ولا بيعا. ووجه ما ذهب إليه ابن المواز: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فهو أحق به من غيره» الحديث؛ لأنه جعل هذا الحديث مخصصا لعموم الحديث الأول ومبينا له في أن المراد به البيع دون القرض، وهو بعيد؛ لأن الخاص لا يحمل على التخصيص للعام إلا إذا كان معارضا له. ووجه قول أشهب أن العين لا يتعين، وهو أبعد الثلاثة الأقوال. وأما تفرقته بين أن يدفع المكتري الدنانير إلى الحميل بأمر الجمال أو بغير أمره، فهي صحيحة على أصله في أن العين لا يتعين؛ لأن قبض الحميل بأمر الجمال كقبض الجمال؛ إذ هو وكيل له فصارت يده كيده.. وإذا دفع إليه بغير أمره فليس بوكيل له، وإنما هو وكيل للدافع، فوجب أن تكون يده كيده وأن يكون أحق بما في يده كالرهن في الموت والفلس قولا واحدا، وبالله التوفيق. [مسألة: المتكاري أولى بالإبل] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يكتري كراء مضمونا إلى مكة ذاهبا وراجعا فإذا أتى مكة نزل عن بعض الإبل التي كانت تحته وأخذ في حجه وخرجت الإبل إلى الرعي ثم فلس الجمال، هل

مسألة: أقر بدين من غير قرض وادعى قضاءه

يكون أولى بها أم تراها إذا خرجت إلى الرعي خروجا من يده فيكون أسوة الغرماء؟ قال: المتكاري أولى بالإبل. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد غمزها محمد بن المواز، وقال: إنما يجب أن يكونوا أولى بالإبل إذا كان الكراء في معين، وقد أجرى أصحاب مالك المعين والمضمون على حكم واحد أنه أولى بما تحته. وقد علم أن الجمال يقبض جماله في كل ليلة ويرعاها ويتصرف فيها. والذي ذهب إليه محمد بن المواز من التفرقة في هذا المعنى بين الكراء المضمون والمعين وهو ظاهر قول غير ابن القاسم في كتاب الرواحل والدواب من المدونة ليس الراحلة بعينها مثل المضمون، وقد مضى الكلام على هذا المعنى مستوفى في آخر سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب، فلا معنى لإعادته، ومضى في رسم القبائل من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب الكلام على طرف منه. [مسألة: أقر بدين من غير قرض وادعى قضاءه] مسألة وقال في الرجل، يقول: كان لفلان علي دينار فتقاضاه مني أسوأ التقاضي فلا جزي خيرا، فيقول المقر له: ما تقاضيت شيئا. قال: أرى الدين على المقر، وليس هو بمنزلة الذي يقر على وجه الشكر. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: وليس هو بمنزلة الذي يقر على وجه الشكر، يريد: أنه ليس بمنزلة الذي يقر بالسلف على وجه الشكر ويدعي القضاء. وقد مضى في رسم يوصي من سماع عيسى الفرق بين الذي يقر بالسلف على وجه الشكر ويدعي القضاء وبين الذي يقر بالاقتضاء على وجه الشكر ويدعي أنه اقتضى حقا كان له. ولو أقر بدين من غير قرض وادعى قضاءه لم يصدق، وروى ذلك ابن أبي أويس عن مالك، قال: قال مالك، في الرجل يقول: كان لفلان علي ألف دينار فقضيته، قال مالك: هو لها ضامن حتى يأتي بالبينة أنه قد قضاه إياها، وسواء عندي كان

مسألة: الصحة تدفع التهمة

إقراره بذلك على شكر أو على غير شكر، إذ ليس بموضع شكر على ما مضى القول فيه في رسم يوصي من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: الصحة تدفع التهمة] مسألة وقال في الرجل يقر في مرضه لبعض من يتهم عليه بدين من وارث أو غيره ممن لو مات لم يكن له، فأوصى بذلك ثم صح بعد ذلك صحة بينة ثم مرض فمات، فذلك الدين ثابت عليه يؤخذ من رأس ماله ويحاص به الغرماء المعروفين الذين لهم البينات. قال الإمام القاضي: هذا كما قال: إن ذلك يكون من رأس ماله؛ لأن الصحة تدفع التهمة، فسواء أقر له وهو صحيح أو أقر له وهو مريض ثم صح. وقوله: إنه يحاص به الغرماء المعروفين الذين لهم البينات، معناه: إذا كان الدين الذي للأجنبيين محدثا بعد الإقرار، وبالله التوفيق. [مسألة: السفيه الذي يموت أبوه ولا يوصي به إلى أحد فيبيع متاعه أو يتلفه] مسألة وسئل: عن السفيه الذي يموت أبوه ولا يوصي به إلى أحد أو مات وصي أبيه ولم يوص به إلى غيره، فيبيع متاعه أو يتلفه ولا ولي له بأمر السلطان ولا وصي له فيليان ماله، أترى ما باع من ماله جائزا لمن اشتراه منه؟ قال ابن القاسم: إذا كان معروفا بالسفه وهو يعرف بالتبذير فباع شيئا لم يجز اشتراؤه لمن اشتراه ورأيته مفسوخا وإن طال زمانه ولا أرى أن يعدى عليه برأس ماله ولا غيره، وهو كمن هو في الولاية؛ لأن حاله مسخوطة فلا أرى أن يجوز من أمره شيء، وذلك رأي من أرضى من أهل العلم والذي آخذ به. قلت له: إن قوما زعموا أن كل ما باع أو بذر من ماله

وهو لا وصي له ولا ولي بأمر القاضي يرد ذلك عليه أنه جائز، قال: لا أرى ذلك له ولم أسمعه ممن أرتضيه، وهذا مما لا ينبغي له أن يقوله ولا يجوزه، وأرى أن يفسخ عنه كل ما باع أو بذر إذا كان حاله على ما أخبرتك. قيل: فإن كان ممن لا يعرف بالتبذير ولا بالخير ولا بالشر إلا أنه يشرب الخمر وهو في ذلك ربما أحسن النظر في ماله، أترى أن بيعه جائز؟ قال: لا أرى مثل هذا جائز الأمر إذا وقع لعله لا يرد فعله إذا لم يكن مولى عليه، وقد يموت الرجل فجأة ولا يوصي ويموت وصيه ولا يوصى به، فإن السلطان وصي من لا وصي له، وقد يغفل القاضي ولا يولي عليه، فلا يجوز لذلك بيع السفيه، ولا يجوز بيعه إذا كانت حاله حالا يسخطه، وقد قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] ، فأرى أن يرد كل ما بذر من ماله ولا يعدى عليه في شيء؛ لأنه ممن وجبت عليه الولاية، إلا أن يجد الرجل ماله بعينه فيكون أحق به منه، وليس يخرجه من حال السفه وإن لم يكن له ولي إلا حال الرشد والصلاح؛ لأنه ممن وجب عليه الولاية فلا أرى بيعه جائزا. قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد تقدمت والقول فيها مستوفى في رسم جاع من سماع عيسى، ومضت أيضا في نوازله فلا معنى لإعادة القول في ذلك.

مسألة: البكر أفعالها لا تجوز حتى تدخل بيتها ويرضى حالها

[مسألة: البكر أفعالها لا تجوز حتى تدخل بيتها ويرضى حالها] مسألة قلت له في البكر تأخذ مبلغها الذي يجوز لها القضاء فيه في مالها، أرأيت إذا بلغت ثلاثين سنة أتراها جائزة الأمر في مالها؟ فقال: لا أراها جائزة القضاء في مالها وإن تزوجت وإن مات عنها أبوها وإن بلغت ما ذكرت حتى تدخل بيتها ويرضى حالها، كذلك قال لي مالك. قلت: فابنة الخمسين والستين وقد وقفت عن الأزواج أتراها بمنزلة التي ذكرت؟ قال ابن القاسم: إذا عنست كما ذكرت وكان لا بأس بنظرها جاز قضاؤها في مالها، وإن كانت على غير ذلك لم يجز ذلك. قال محمد بن رشد: ساوى في هذه الرواية في البكر بين أن تكون ذات أب أو وصي أو يتيمة مهملة في أن أفعالها لا تجوز حتى تدخل بيتها ويرضى حالها، يريد: بأن يشهد العدول على صلاح أمرها، فأفعالهما جميعا على هذه الرواية قبل أن يتزوجهما ويدخل بهما زوجهما ما لم تعنسا مردودة وإن علم رشدهما ما لم يحكم لهما به. وبعد أن تعنسا ببلوغ الخمسين سنة أو الستين سنة أو تتزوجا ويدخل بهما زوجهما مردودة إلا أن يعلم رشدهما وإن لم يحكم لهما به، هذا الظاهر من قول ابن القاسم في هذه الرواية؛ لأنه قال فيها: إنها إذا عنست وكان لا بأس بنظرها جاز قضاؤها في مالها. فالظاهر من قوله أنه لم يجز قضاؤها في مالها بعد التعنيس إلا أن يعلم حسن نظرها، فهما جميعا على هذه الرواية بدخول أزواجهما بهما أو بتعنيسهما قبله ببلوغ الخمسين سنة أو الستين محمولتان على السفه ما لم يعلم رشدهما، وفيما قبل ذلك لا تجوز أفعالهما وإن علم رشدهما ما لم يحكم السلطان لهما بالرشد أو يرشدهما الأب إن كانت ذات أب. وقد تئول على ابن القاسم في هذه الرواية أنها إذا عنست وهي بكر

كانت محمولة على الرشد وجازت أفعالها إلا أن يعلم سفهها، وهو خلاف ما بيناه من ظاهرها. وقد اختلف في هاتين المسألتين اختلافا كثيرا، فقيل في ذات الأب: إنها تخرج بالحيض من ولاية أبيها، وقيل: إنها لا تخرج به من ولايته حتى تتزوج ويدخل بها زوجها ويمر بها بعد دخول زوجها بها العام ونحوه، وقيل: حتى يمر بها بعده العامان، وقيل: حتى يمر بها بعده سبعة أعوام، وقيل: إنها لا تخرج من ولايته وإن طالت إقامتها مع زوجها حتى يشهد العدول على صلاح حالها، وقيل: إنها تخرج من ولايته إذا عنست وإن لم يدخل بها زوجها. واختلف في حد تعنيسها فقيل: أربعون عاما، وقيل: من الخمسين إلى الستين، وقيل: إن أفعالها جائزة بعد البلوغ، وقيل: إنها لا تجوز حتى تتزوج ويدخل بها زوجها ويمر بها بعد دخوله بها العام ونحوه، وقيل: العامين ونحوهما، وقيل: الثلاثة الأعوام ونحوها، وقيل: إنها لا تخرج من الولاية وإن تزوجت ودخل بها زوجها حتى يشهد العدول على صلاح أمرها، وهو الظاهر من هذه الرواية على ما بيناه، وقيل: إنها تجوز إذا عنست وإن لم تتزوج. واختلف في حد تعنيسها من الثلاثين سنة ومما دون الثلاثين إلى الخمسين والستين، وهو حد انقطاع المحيض عنها. فهذه ستة أقوال، ويتخرج فيها قول سابع أيضا وهو أن تجوز أفعالها بمرور سبعة أعوام من دخول زوجها بها. والمشهور في البكر ذات الأب أنها لا تخرج من ولاية أبيها ولا تجوز أفعالها وإن تزوجت حتى يشهد العدول على صلاح أمرها. والذي جرى به العمل عندنا أن تكون أفعالها جائزة إذا مرت سبعة أعوام أو نحوها من دخول زوجها بها على رواية منسوبة إلى ابن القاسم، والمشهور في البكر اليتيمة المهملة أن تكون أفعالها جائزة إذا عنست أو مضى لدخول زوجها بها العام ونحوه، وهذا الذي جرى به العمل. فإن عنست في بيت زوجها جازت أفعالها باتفاق إذا علم رشدها أو جهل حالها، وعلى اختلاف إذا علم سفهها. وإذا مات الأب فإن عنست في بيت زوجها جازت أفعالها باتفاق إن علم رشدها أو جهل حالها، وردت إن علم سفهها. هذا الذي أعتقده في هذه المسألة على منهاج قولهم، وبالله التوفيق.

: ضعيف العقل تزوج فأراد وليه أن يغير ذلك

[: ضعيف العقل تزوج فأراد وليه أن يغير ذلك] من نوازل سحنون قال سحنون، في البكر تعطي زوجها بعض مالها وذلك قبل الدخول بها ليملكها أمرها أو تباريه بشيء من مالها، فقال: إن كان لها أب أو وصي فلا يجوز لها أن تعطيه شيئا من مالها قبل البناء؛ لأنها محجور عليها، ويلزم الزوج الطلاق ويرد عليها ما أخذ منها. ولو كانت البكر يتيمة وكانت لا أب لها ولا وصي حتى لا تكون محجورا عليها في مالها جاز ذلك للزوج ولم يرد ما أخذ منها؛ لأنها عندي بمنزلة السفيه الذي لا وصي له أن أموره كلها جائزة عليه [بياعاته] وأشريته وهبته وصدقته ما لم يحجر عليه، فإذا حجر لم يجز شيء مما صنع، لا بيعه ولا شراؤه ولا هبته [ولا صدقته] ولا أعطايته، فكذلك البكر في عطيتها زوجها ومخالعتها بمالها جائز عليها إن كانت يتيمة ولم تكن محجورا عليها، فإن كان لها أب أو وصي حتى تكون محجورا عليها لم يجز لها شيء مما صنعت وكان مردودا إليها ولزم الزوج الطلاق. قال سحنون: ومما يدل على ذلك أن مالكا سئل: عن رجل ضعيف العقل تزوج فأراد وليه أن يغير ذلك، قال: إن كان مُوَلَّى عليه لم أر نكاحه جائزا فإن كان غير ذلك فهو جائز. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان لها أب أو وصي فلا يجوز لها أن تعطيه شيئا من مالها قبل البناء - فيه نظر، إذ لا فرق في ذلك بين قبل البناء وبعده [في المهملة ولا في ذات الأب والوصي؛ لأن ذات الوصي لا تخرج من ولاية الوصي إلا بإثبات الرشد، وذات الأب لا تخرج من ولاية

مسألة: أقر على نفسه في مرضه أن لفلان علي جل المائة

الأب بنفس البناء دون أن تمضي مدة ما عند أحد من العلماء. فإن خالعت ذات الوصي زوجها دون إذن الوصي قبل البناء أو بعده] رد عليها ما أخذ منها ومضى الطلاق عليه. وإن خالعت ذات الأب زوجها دون إذن أبيها قبل البناء أو بعده بمدة يسيرة رد عليها ما أخذ منها ومضى الطلاق عليه، وإن كان بعده بمدة كثيرة جرى الأمر على ما ذكرناه من الاختلاف قبل هذا في آخر سماع سحنون. واختلف فيما حلفت به أو نذرته من صدقة مالها هل يلزمها ذلك إذا ملكت أمر نفسها أم لا؟ على قولين مرويين عن مالك: أحدهما: في سماع ابن القاسم من كتاب النذور، والثاني: في سماعه أيضا من كتاب النكاح، وقد مضى بيان ذلك هنالك. وأما اليتيمة البكر المهملة دون أب ولا وصي فالمشهور أن خلعها لا يجوز ولا شيء من أفعالها، وهو نص قول أصبغ في نوازله من هذا الكتاب ومن كتاب التخيير والتمليك. وذهب سحنون هاهنا إلى أن خلعها يجوز وكذلك سائر أفعالها قياسا على السفيه اليتيم الذي لا وصي له. فعلى قوله تجوز أفعالها وإن كانت سفيهة معلومة السفه، وهو شذوذ من القول لم يتابعه عليه أحد من أصحاب مالك، وأجمع أصحاب مالك كلهم حاشا ابن القاسم على أن أفعال السفيه جائزة إذا لم يكن في ولاية، وقد روى ابن وهب عن مالك أن أفعاله لا تجوز مثل قول ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: أقر على نفسه في مرضه أن لفلان علي جل المائة] مسألة وسئل: عن رجل أقر على نفسه في مرضه أن لِفُلَانٍ عَلَيَّ جُلَّ المائةِ أو عظم المائة] أو قرب المائة أو أكثر المائة أو نحو المائة أو شبه المائة أو مائةً إلا قليلا، أو مائة إلا شيئا، فقال: الذي سمعت من أصحابنا ورأيت عليه أكثرهم أن قالوا يعطى

مسألة: يقول وصي اليتيمة أبا هذه أوصى بها وبمالها إلي فأنا أبرأ إليه من مالها

المقر له من ثلثي المائة إلى أكثر على قدر ما يرى الحاكم، وقد خالفنا فيه هؤلاء، يعني أهل العراق، وقالوا: يزاد على الخمسين دينارا ودينارين. قال الإمام القاضي: وهذا كما قال؛ لأن هذه الألفاظ كلها تقتضي بأن له عليه أكثر المائة، فوجب ألا يحط عنه منها إلا أقل من ثلثها؛ لأن الثلث هو آخر حد القليل وأول حد الكثير. وقول أهل العراق بعيد، إذ لا يقال في واحد وخمسين ولا في اثنين وخمسين إنها جل المائة ولا إنها أكثر المائة ولا إنها مائة إلا شيئا ولا مائة إلا قليلا. وقد روي عن ابن الماجشون أنه إذا قال له: عندي مائة إلا شيئا - أن الشيء عقد من عقود المائة فما دونها فيعطى تسعين ويجتهد فيما يزاد عليها، وهو قول له وجه. وهذا كله إنما يحتاج إليه في الميت الذي يتعذر سؤاله عن مراده، وأما المقر الحاضر فيسأل عن تفسير ما أرد بقوله ويصدق في ذلك مع يمينه إن نازعه في ذلك المقر له فادعى أكثر مما أقر له به، وتحقق الدعوى في ذلك. وأما إن لم تحقق الدعوى فعلى قولين في إيجاب اليمين عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول وصي اليتيمة أبا هذه أوصى بها وبمالها إلي فأنا أبرأ إليه من مالها] مسألة وسئل: عن الذي يأتي باليتيمة التي قد بلغت أو باليتيم الذي قد بلغ إلى القاضي فيقول: إن أبا هذا أو أبا هذه أوصى به وبماله إلي وقد بلغ مبلغ الرضا فأنا أبرأ إليه من ماله واكتب لي براءة منه، أترى أن يكتب له منه براءة ولا يعرف أنه وصيه إلا بقوله؟ قال: نعم. قيل: كيف تكتب له البراءة؟ قال: يكتب إن فلانا أتى بفتى على صفة كذا وكذا وزعم أنه وصيه وزعم أنه يسمى فلانا،

مسألة: السفيه المولى عليه يبتاع أمة فتحمل منه ثم يعثر على ذلك

أو بامرأة من صفتها كذا وكذا وزعم أنها تسمى كذا فذكر أن أباها أوصى بها إليه وبمالها وأنها قد بلغت مبلغ الأخذ لنفسها والإعطاء منها فسألنا أن نأمره يدفع إليها مالها وأن نكتب له البراءة منه فأمرناه بذلك فدفع ذلك عندنا وهو كذا وكذا، وقد أشهدنا على براءته من المسمى في هذا الكتاب. قيل: ولا يجوز له أن يكتبها إلا هكذا؟ قال: نعم، لا يجوز له أن يكتبها إلا هكذا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم وعلى معنى ما في كتاب طلاق السنة من المدونة وعلى ما جاء في آخر سماع أصبغ من كتاب السلطان في مسألة الذي ادعى أن رجلا رهنه قدحا في كساء أن السلطان يأمره ببيع القدح في الكساء على ما زعم أنه عنده رهن به من غير حكم على الغائب، وفي ذلك اختلاف، قد قيل: إنه لا يأمره ببيعه حتى يثبت عنده ارتهانه إياه، وبذلك جرى العمل، وهو على أصل مطرف وابن الماجشون في مسألة كتاب طلاق السنة التي أشرنا إليها، وعلى قياس ذلك لا يلزم القاضي في هذه المسألة أن يأمر الرجل بدفع شيء ولا أن يكتب له براءة بشيء، ويقول له: شأنك في الدفع إليه والإشهاد عليه إلا أن يثبت عنده ما ذكره من أن أباه أوصى به إليه، وقد قيل: إنه لا يكتب له إلا أن يثبت ما ذكره من أن أباه أوصى به إليه وأنه رشيد، وهذا على القول بأن وصي الأب ليس له أن يرشد إلا بأمر السلطان، وقيل: يكتب له إذا ثبت عنده أنه رشيد وإن لم يثبت عنده أنه وصي عليه، فهي أربعة أقوال في المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: السفيه المولى عليه يبتاع أمة فتحمل منه ثم يعثر على ذلك] مسألة قال أصبغ في السفيه المولى عليه، يبتاع أمة فتحمل منه ثم يعثر على ذلك، فقال: أرى أن ترد الأمة إلى بائعها ويرد البائع

مسألة: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر

الثمن كله على السفيه ويكون الولد ولده ولا يكون عليه من قيمتهم شيء. قال عيسى: ولو أن رجلا أسلف مولى عليه مالا أو أسلمه إياه في شيء أو ابتاع منه شيئا فاشترى به المولى عليه أمة فحملت منه كانت أم ولد ولم يكن للمشتري أن يأخذها بسلفه إياه المال وابتياعه منه شيئا، فإن كان قد قبض منه ما كان ابتاع بالمال رد ذلك الشيء إلى المولى عليه، وأسقط الثمن. قال محمد بن رشد: أما إذا أولد السفيه الجارية التي ابتاعها بمال أسلف إياه أو بثمن سلعة باعها فلا خلاف في أنه لا سبيل للذي أسلفه أو باعه عليها؛ لأنها وإن كانت من أموالهما فليست بعين أموالهما، وهما سلطاه على أموالهما. وأما إذا أولد الأمة التي اشتراها فقيل: إن ذلك فوت أيضا لا سبيل للذي باعه إياها عليها؛ لأنه هو سلطه عليها، فإنما فعل من وطئه إياها بعد الشراء ما يجوز له، والحمل ليس من كسبه إذ لم يقع باختياره ولا هو من فعله، بخلاف العتق الذي هو من فعله وكسبه، وهو قول أصبغ في سماع عيسى من كتاب العتق. وقيل: إن ذلك ليس بفوت وترد الأمة إلى بائعها، وهو قول أصبغ هاهنا وقول عيسى بن دينار في سماعه من كتاب العتق؛ لأنه وإن كان الحمل ليس من كسبه ولا من فعله فالأمة عين مال البائع، وهذا استحسان، والقول الأول هو القياس إلا فرق بين أن يولد الأمة التي اشتراها من مال يسلفه إياه أو من سلعة باعها، كما لا يفترق ذلك في المديان للعلة التي ذكرناها، والله الموفق. [مسألة: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر] مسألة وسئل سحنون: عن الرجل يقر على نفسه أن لفلان عليه مائة دينار ناقصة ويدعي المقر له أنها وازنة، قال: ليس له إلا ما أقر له به. قال محمد بن رشد: يريد ويحلف المقر على ما يذكره من النقصان، وهذا ما لا إشكال فيه ولا اختلاف، إذ لا فرق بين اختلافهما في

مسألة: أتى بذكر حق له على رجل فيه ألف دينار فأتى المشهود عليه ببراءة ألفي دينار

العدد أو في قدر النقصان، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» ، وبالله التوفيق. [مسألة: أتى بذكر حق له على رجل فيه ألف دينار فأتى المشهود عليه ببراءة ألفي دينار] مسألة قيل: أرأيت إن أتى بذكر حق له على رجل فيه ألف دينار فأتى المشهود عليه ببراءة ألفي دينار يزعم أن تلك الألف قد دخلت في هذه المحاسبة والقضاء، قال: يحلف ويبرأ. قيل له: فإن أتى ببراءات مفترقة إذا اجتمعت مع الذكر الحق أو الذكورات الحق كانت أكثر أو أقل، وليس شيء من ذلك منسوبا أنه من الذكورات الحق ولا من غير ذلك؟ فقال: إذا كانت البراءات مفترقة وليس واحدة منها إذا انفردت فيها جميع هذه الذكورات الحق أو الذكر الحق فإني لا أراها براءة مما أثبت قبله، وإن كان في واحد منها جميع هذا الذكر الحق وصارت بقية البراءات زيادة على ما أثبت قبله فإني أرى أن يحلف ويبرأ. قال القاضي: تفرقة سحنون هذه بين أن يأتي المطلوب ببراءة واحدة تستغرق ما في ذكر الحق الذي عليه وبين أن يأتي ببراءات كثيرة تستغرقه إذا جمعت تفرقة ضعيفة لا وجه لها؛ لأن الحق قد يقضى مجتمعا ومفترقا شيئا بعد شيء. وقد روى ابنه محمد عنه أنه رجع عن هذا القول إلى أنه يبرأ بالبراءات المفترقة وإن كانت ليس في كل واحدة منها إذا انفردت كفاف ذكر الحق. ولو قيل: إنه إن كانت البراءة واحدة أو البراءات إذا جمعت مثل ذكر الحق سواء أو أقل كانت براءة، وإن كانت البراءة الواحدة والبراءات إذا جمعت أكثر من ذكر الحق لم تكن براءة لكان لذلك وجه بأن يقال: إن

: رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه

المعنى في ذلك أن المطلوب أنكر المخالطة وزعم أنه لم يبايعه سوى هذه المبايعة التي فيها ذكر الحق وادعاها الطالب، فإذا لم يكن في البراءة الواحدة بانفرادها أو البراءات باجتماعها أكثر من ذكر الحق لم يكن للطالب دليل على ما ادعاه من المخالطة، وأنه قد عامله غير هذه المعاملة التي فيها ذكر الحق، فوجب أن يحلف المطلوب أنه لم يكن له عليه سوى ذكر الحق، وتكون البراءة أو البراءات براءة له منه. وإن كان في البراءة الواحدة أو البراءات زيادة على ذكر الحق كان في ذلك للطالب دليل على ما ادعاه من المخالطة وأنه قد عامله فيما سوى هذا الذكر الحق، فوجب أن يحلف الطالب أنه قد عامله فيما سوى هذا الذكر الحق وأن البراءة أو البراءات التي استظهر بها المطلوب إنما هي من ذلك، فلا يكون شيء من ذلك براءة للمطلوب من الذكر الحق. وقد مضى القول على هذه المسألة في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات ما فيه بيان لها وكشف عن معانيها، وبالله التوفيق. [: رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه] ومن سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال محمد: سألت ابن القاسم عن الرجل يسلف الرجل مالا فيشتري المسلف به متاعا ثم يفلس فيقوم المسلف مع الغرماء فيجد المتاع الذي اشتري بماله، فيقول: هذا المتاع أنا أولى به؛ لأنه ابتيع بمالي. قال ابن القاسم: قال مالك: هو أسوة الغرماء. قال الإمام القاضي: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، إذ ليس المتاع ماله الذي أسلفه بعينه، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» ، وبالله التوفيق.

مسألة: يبيع من الرجل شققا إلى أجل فيقطعها ثيابا ويخيطها ثم يفلس

[مسألة: يبيع من الرجل شققا إلى أجل فيقطعها ثيابا ويخيطها ثم يفلس] مسألة قال: وسألته عن الرجل يبيع من الرجل شققا إلى أجل فيقطعها ثيابا ويخيطها ثم يفلس المبتاع ويجد البائع شققه مقطوعة، كيف الأمر في ذلك؟ قال: يسلك به في ذلك قول مالك في الذي يبيع العرصة فيبني فيها المبتاع ثم يفلس. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في آخر رسم العرية من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة القول في ذلك، وبالله التوفيق.

: كتاب المديان والتفليس الثالث

[: كتاب المديان والتفليس الثالث] [مسألة: السيد لا يحجر على عبده إلا بالسلطان]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول، فيمن دفع إلى عبده مالا يتجر به وأمره ألا يبيع إلا بالنقد ولا يشتري إلا به وحجر عليه في ذلك، فداين العبد الناس: إنهم أحق بما في يده لا شك فيه وإن لم تكن هي أموالهم بعينها. قال أصبغ: وهذا مأذون له إذا أطلقه على البعض فهو الكل، كمثل ما لو وضعه يتجر في البز وحده فتجر في غيره كان لازما له؛ لأنه قد نصبه للناس، وليس كل الناس يعلمون بعضا دون بعض. وقال أصبغ: قلت له: فإن قصر ما في يديه عما عليه، أيكون ما بقي في ذمته أيضا؟ قال: هو الذي أُصْغِي إليه وَأَسْتَحْسِنُهُ ويسبق إليَّ، والله أعلم. وقاله أصبغ على قياس القول الأول في صدر هذه المسألة وطريقها استحسانا، وفيها ضعف إن شاء الله. قال سحنون: هو كما شرط سيده، وليس له أن يتعدى ما أُمِرَ به، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو دفع إلى عبده مالا قراضا أنه يصير بذلك مأذونا له في التجارة وحكم القراض ألا يباع بالدين في الأحرار والعبيد، وكل من قبض

مالا قراضا فليس له أن يبيع بالدين. وكذلك الذي يشترط على عبد هو مأذون له في التجارة ممنوع أن يبيع بالدين، فإذا باع به كان متعديا ولا يجوز على مولاه عداه. قال محمد بن رشد: قوله في صدر هذه المسألة: إنهم أحق بما في يديه - لا شك فيه، وإن لم تكن هي أموالهم بعينها، يريد: أنهم يكونون فيما في يديه أسوة للغرماء إن لم تكن أموالهم بعينها، وإن كانت أموالهم بعينها كان من وجد منهم ماله بعينه أحق به من غيره من الغرماء على حكم الحر إذا فلس. وهذا مما لا إشكال فيه. وفي قوله: لأنه قد نصبه للناس وليس كل الناس يعلمون بعضا دون بعض دليل على أنه لو أشهد بتجارته في البز وحده وأعلن بذلك وعلم به ثم تجر في غيره لم يلزمه في ماله ما داين به، وهو دليل قوله أيضا في المدونة؛ لأنه لا يدري الناس لأي أنواع التجارة أقعده. ويدخل في هذا اختلاف بالمعنى؛ لأنه من باب التحجير، فيأتي على قول مالك في المدونة: إن السيد لا يحجر على عبده إلا بالسلطان أنه لا ينفع إشهاد السيد وإعلانه إنما أذن له بالتجارة في البز وحده. ويأتي على قول سحنون: إن السيد يحجر البيع بالدين على عبده دون السلطان - أن الإشهاد والإعلان ينفعه في ذلك. وقوله: إن ما قصر عنه ما في يده يكون في ذمته، هو مثل ما في المدونة ولا خلاف فيه أعلمه. وقوله: وقاله أصبغ على قياس القول الأول، يريد: أن ما بقي مما لم يف به ما في يديه فيكون في ذمته على قياس القول بأن تحجير البيع بالدين عليه لا يلزمه، ويكون من داينه أحق بما في يديه. والقول الثاني هو قول سحنون الذي حكاه بعد ذلك من أن تحجير البيع بالدين عليه لازم له، فلا يكون من بايعه بالدين أحق بما في يديه، إذ لا يجوز عدوه على سيده. وظاهر قول سحنون أن السيد إذا أذن لعبده في التجارة وحجر عليه الدين أن الغرماء لا يكون لهم حق فيما في يده من المال الذي أذن له بالتجارة فيه وإن لم يعلموا بذلك. ومسألة القراض التي احتج بها لا يلزم ابن القاسم الحجة بها، إذ لا يوافقه عليها بل يخالفه فيها، فيقول: إنه إذا دفع إلى عبده مالا قراضا فداين فيه

مسألة: سلف في ثوب أو دابة ففلس المسلف إليه

الناس تكون فيه ديونهم إلى أن يعلموا أنه بيده قراض فلا يكون لهم فيه شيء. وكذلك الحر أيضا لو دفع إليه مالا قراضا فعلم الغرماء الذين عاملوه فيه بالدين أنه مال قراض بيده لم يكن لهم فيه شيء واتبعوا ذمته بديونهم. وأما إذا لم يعلموا فيفترق الحر من العبد؛ لأن الحر يلزمه ضمان المال فيكون لصاحبه محاصة الغرماء فيه، والعبد لا يضمن لسيده فينفرد الغرماء إذا لم يعلموا بجميعه؛ لأنه فرط حين لم يعلمهم. وقال ابن دحون: قول سحنون ضعيف ليس المأذون له مكان المقارض؛ لأن المأذون له حجر عليه التجارة فيما عدا البز لم يلزمه بخلاف المقارض. وقول ابن دحون ليس بصحيح؛ لأن قول سحنون إنما ضعف من أجل أنه جعل تحجير السيد على عبده الدين لازما للغرماء وإن لم يعلموا بتحجيره المداينة عليه، لا من أجل الفرق بين تحجير الدين على العبد وبين دفع المال إليه على سبيل القراض، إذ قد بينا أنه لا فرق بينهما، وبالله التوفيق. [مسألة: سلف في ثوب أو دابة ففلس المسلف إليه] مسألة قال أصبغ: وسئل: عمن سلف في ثوب أو دابة ففلس المسلف إليه، فقال: الذي اشترى والغرماء أسوة في المال يحاص بقيمة دابته أو ثوبه الذي سلف فيه، فما حصل له في المحاصة اشترى له به شرطه أو ما بلغ شرطه. قال أصبغ: وتفسيره أن يحاص بقيمته وما يساوي مثله يوم التفليس؛ لأنه لو تم المال يومئذ كان يعجل له، فما أدرك في محاصته جعل له في مثله من أجزائه يشترى له يكون به شريكا ثم يبيع بباقيه جزءا نصفا أو ربعا أو ثلثا على مثل ذلك مما ثاب لغرمائه مال، إن شاء الله. وكذلك لو سلف في طعام ففلس المسلف إليه أنه يحاص بقيمة طعامه حالا، فما صار له في المحاصة اشترى له به طعام وما عجز عن حقه اتبعه به في ذمته. وقال سحنون: يحاص بقيمته طعاما إلى أجله.

: الرجل إذا ادعى على الرجل مائة دينار فصالحه منها على خمسين إلى أجل

قال الإمام القاضي: قد مضت هذه المسألة في رسم القبلة من سماع ابن القاسم وفي رسم العرية من سماع عيسى، وقول ابن القاسم أصح من قول سحنون؛ لأنه لا يلزم على قول سحنون إذا كان له على المفلس دين إلى أجل ألا يحاص الغرماء إلا بقيمة الدين إلى أجله. [: الرجل إذا ادعى على الرجل مائة دينار فصالحه منها على خمسين إلى أجل] ومن كتاب البيع والصرف قال: وسئل: عن رجل له على رجل حق فجحده إياه، فأراد إحلافه، فقال: لا تحلفني، وأخرني إلى سنة، وأنا أقر لك، فقال: لا خير فيه، وهو سلف جر منفعة، قلت له: إن وقع أيفسخ التأخير ويثبت الحق معجلا، والمقر يجحده ويقول: إنما أقررت ورضيت بما رضيت به من ذلك على ما جعل لي من التأخير افتداء من اليمين على رءوس الناس والشهرة والشغب والخصومة، ونحو ذلك من القول، وأنا أحلف ما له علي شيء، هل يكون له ذلك أم لا؟ وهل يسقط عنه إذا حلف مع سقوط التأخير الذي أسقطته؟ قال لي: نعم، يكون على رأس خصومته، وأرى ذلك له، ولا يلزمه من ذلك الإقرار شيء. قال محمد بن رشد: قوله في تأخير الحق عنه على أن يسقط عنه اليمين إنه سلف جر منفعة، هو على أصل مالك في سماع أشهب في رسم البيوع، وعلى أصله أيضا في المدونة بدليل قوله في كتاب الصلح منها: إن الرجل إذا ادعى على الرجل مائة دينار، فصالحه منها على خمسين إلى أجل، إن ذلك جائز إذا كان مقرا خلاف قول ابن القاسم فيها: إن ذلك جائز، وإن كان منكرا؛ لأنه إن كان حقه حقا فله تأخيره، وإن كان باطلا فليس له أن يأخذ منه شيئا. وقد مضى في رسم البيوع من سماع أشهب من القول على هذه المسألة ما فيه بيان، إن شاء الله وبه التوفيق.

مسألة: المقارض يفلس بديون عليه فيقر في بعض ما في يديه أنه مال القراض

[مسألة: المقارض يفلس بديون عليه فيقر في بعض ما في يديه أنه مال القراض] مسألة وسألته: عن المقارض يفلس بديون عليه، فيقر في بعض ما في يديه أنه مال القراض. قال: لا يقبل قوله. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب وفي رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة، من سماع ابن القاسم أيضا من كتاب تضمين الصناع، وقلنا: إنها مسألة يتحصل فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أن إقراره جائز، والثاني: أنه لا يجوز، والثالث: الفرق بين أن تكون على أصل القراض بينة أو لا تكون، وهي رواية أبي زيد عن ابن القاسم. ومن الناس من ذهب إلى أن الخلاف في جواز إقراره، إنما هو إذا لم يكن على أصل القراض بينة، وأما إذا كان على أصله بينة فلا اختلاف في أن إقراره جائز، وهذا بعيد؛ لأن الظاهر من هذه المسألة الذي هو كالنص فيها، إنما تكلم على من فلس وقد علم أنه مقارض، وقد قال فيها: إن قوله لا يقبل. ومن ذهب إلى أنه لا خلاف في جواز إقراره إذا كان على الأصل بينة - يقول في هذه المسألة: المعنى فيها أن يقر فيما في يديه مما ليس من تجر القراض أنه من القراض؛ لئلا يباع عليه ثياب أو بسط توجد في داره وهو يتجر بالقراض في الحنطة، فيقول هي من القراض، فلا يصدق. ولو كان يتجر في مال القراض في الثياب أو البسط قبل منه بعد يمينه ولم يبع عليه. ومنهم من ذهب إلى أن رواية أبي زيد في الفرق بين أن يكون على الأصل بينة أو لا تكون مفسرة للقولين جميعا، فلا يكون في المسألة على هذا التأويل اختلاف، وبالله التوفيق. [: المال يباع على العامل إذا قام عليه غرماء صاحب المال] ومن كتاب البيوع قال: وسمعته يقول في رجل أخذ من رجل مالا قراضا فاشترى متاعا وخرج إلى أطرابلس، فقام عليه بأطرابلس، غرماء صاحب المال وغرماء العامل، قال: فرق مالك بين أن يقوم عليه

غرماء صاحب المال، وغرماء العامل، فقال: إذا قام غرماء صاحب المال بيع المتاع، فأعطي العامل حصته من ذلك، وكان ما بقي لغرماء صاحب المال، فإذا قام على العامل غرماؤه، فأرادوا أن يباع فيأخذوا ربحه؛ لأن لهم فيه فضلا، لم يبع حتى يحضر صاحب المال. قال أصبغ مثله؛ لأنه ليس للعامل في المال بعينيه شيء. ولا يجبر العامل على البيع ولا يمنع منه إن شاء ذلك هو عند ذلك أو بعده، فإذا باع ونض فوجد المال قضى لهم صاحب المال دينهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة متكررة في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده من سماع عيسى من كتاب القراض. وقوله: إنه إذا قام على العامل غرماء صاحب المال، بيع المتاع، فأعطى العامل حصته من ذلك، وكان ما بقي لغرماء صاحب المال، معناه: إذا كان لبيعه وجه لا ضرر فيه على العامل، فإن كان عليه فيه ضرر لربح يرتجيه في أسواقه لم يبع عليه حتى يأتي أسواقه، وكذلك في تفسير ابن مزين، وكتاب ابن المواز عن مالك أنه لا يباع إلا أن يرى لذلك وجه ومصلحة، وهو معنى ما في المدونة. وقوله: وقال أصبغ مثله، معناه: وقال أصبغ مثل قول ابن القاسم: إن العامل إذا قام عليه غرماؤه لم يبع عليه مال القراض، حتى يحضر صاحب المال. وعلل ذلك بما ذكره من أنه ليس للعامل في المال بعينه شيء، وهو تعليل صحيح، إذ لا شيء له في المال حتى يباع وينفق إلى رب المال رأس ماله. وقوله بعد ذلك: ولا يجبر العامل على البيع ... إلى آخر قوله - معناه: إذا قام عليه غرماء صاحب المال، بدليل قوله في آخره: قضى لهم صاحب المال دينهم، ومن قوله الذي تقدم: إن المال يباع على العامل إذا قام عليه غرماء صاحب المال، فلا وجه له عندي إلا أن يكون معناه: يجبر على البيع ولا يمنع منه إن شاء ذلك، إذا قام عليه غرماء صاحب المال، ولا وجه لبيعه في ذلك الوقت. وأما إذا قام على العامل غرماؤه،

مسألة: ابتاع عبدا بيعا فاسدا فأعتقه وقيمته أكثر من الثمن وليس له غيره

فلا إشكال في أنه لا يباع المال عليه حتى يحضر صاحبه؛ لأنه لا ربح له في المال حتى يرجع إلى رب المال رأس ماله. وبالله التوفيق. [مسألة: ابتاع عبدا بيعا فاسدا فأعتقه وقيمته أكثر من الثمن وليس له غيره] مسألة قال أصبغ وسحنون: سألنا ابن القاسم: عن الذي يعتق عبيدا له وعليه دين يستغرق بعضهم، ثم يستحدث دينا بعد ذلك، ثم يقوم به الغرماء الأولون الذين أعتق ولهم عليه الدين. قال: يرد من عتق العبيد بقدر الذي كان لهم من الدين يوم أعتق، فيباع ذلك لهم، ويدخل معهم فيه الغرماء الآخرون، ثم يعتق ما بقي من العبيد، ولا يباع منهم شيء بعد ذلك، ولا يباع للأولين. إلا أول مرة على ما فسرته لك فقط. قال أصبغ: وقد قال بعض الناس: إذا دخل الآخرون على الأولين في ثمن ما بيع لهم أولا فحاصوهم فيه حتى ينتقصوهم فيه، بيع للأولين ثانية بقدر ما أخذ منهم، فدخلوا عليهم فيه أيضا بالحصص، ثم يرجع إلى البيع أيضا أبدا هكذا حتى يستوفي الديون أو يستغرق بيع العبيد، فلا يعتق منهم شيء. قال أصبغ: وليس هذا عندنا بشيء فكأن هذا يصير ردا للعتق للآخرين. وليس للآخرين في العتق مقال؛ لأنه قد سبق ديونهم، وإنما يرد للأولين قدر ما تلف من ديونهم يوم قاموا عليه، ثم أعتق ما بقي، وأثبت عتقه، ولا يزول، فإذا بيع ذلك للأولين، صار كأنه مال لهم عليه أقروه في يديه، إلى أن استحدث دينا وفلس، فإنهم يتحاصون جميعا في ماله، وليس ما كان نفذ فيه العتق، مما فضل يوم أعتق على الدين بمال له. ولا لهم وقد سألت ابن القاسم عن هذا القول الذي قاله من قاله، فعرفه ولم يعجبه، ولم يره ولا رآه ظلما ولا أعلم إلا وقد خلا

بصدره، أو قاله مرة ثم رجع عنه على بصيرة وعلم إلى ما كتبت عنه في سؤالي إياه. قال محمد بن رشد: قوله: وقد قال بعض الناس، هو أشهب، والله أعلم. وقد حكى ابن المواز عنه فيمن ابتاع عبدا بيعا فاسدا فأعتقه، وقيمته أكثر من الثمن، وليس له غيره، فإنه يباع منه قدر الثمن فقط؛ لأن القيمة إن كانت أكثر، لم يلزمه إلا بعد القبض ولكن يتبع بالزائد، فقال: إن ذلك من قوله رجوع منه إلى أصل ابن القاسم في غريم قبل غريم، وليس ذلك من قوله بصحيح؛ لأنه إنما تكلم على أن المبتاع أعتق العبد وهو في يد البائع قبل أن يقبضه، وما كان بيده فهو رهن بالثمن الذي وقع البيع به، فلا يصح أن يدخل عليه فيه بحال، ولو أعتقه بعد القبض لنفذ عتقه على أصله، واتبع بالقيمة دينا في ذمته، فلم يختلف قول أشهب فيمن أعتق عبده وعليه دين لا يستغرقه، ثم استدان دينا بعد العتق فدخل الغرماء الآخرون على الأولين فيما بيع لهم من العبد أنه يباع لهم منه ثانية بقدر ما أخذ منهم ثم إن دخلوا عليهم في ذلك بيع لهم منه ثالثة بقدر ما أخذ منهم، وهكذا أبدا حتى تستوفي الديون جميعا أو تستغرق بيع العبد، ولا اختلف قول أصبغ في أنه لا يباع للغرماء الأولين ثانية ما انتقصهم به الآخرون واختلف في ذلك قول ابن القاسم، فكان أولا يقول مثل قول أشهب، ثم رجع فقال: إنه يباع من العبد بقدر ديون الأولين فيدخل عليهم في ذلك الغرماء الآخرون، ولا يباع للأولين إلا قدر ما بيع لهم أولا، واختلف في ذلك أيضا قول مالك، فمرة قال: إنه لا يباع للغرماء الأولين ثانية بما انتقصهم به الغرماء الآخرون، ومرة قال: إنه يباع لهم منه بذلك أبدا حتى تستوفى جميع الديون، أو تستغرق بيع جميع العبد. وهذا القول هو الذي رجع إليه مالك على ما حكاه ابن كنانة وابن نافع عنه في المدونة. وحكى ابن القاسم عنه فيها أن القول الآخر هو الذي رجع إليه، وأقام عليه. حكى عنه القولين فيمن دبر عبده وعليه دين لا يستغرقه، ثم استدان بعد التدبير دينا آخر. ولا فرق في هذا بين التدبير والعتق والصدقة والحبس والهبة.

واختلف في هذه المسألة أيضا قول ابن كنانة، فله في المدنية فيمن دبر عبده وعليه دين ثم استدان بعد التدبير دينا آخر، أنه يباع من المدبر بقدر الدين الذي كان قبل التدبير، فيعطيه أصحاب الدين كان ذلك لهم، ولا يباع للآخرين منه شيء حتى يموت السيد. ورأيت له في مسائل منتخبة لابن لبابة: سئل: عن الرجل يدبر عبده وعليه دين، فيجرح المدبر رجلا حرا، ويقوم أهل الدين عليه بدينهم؟ فقال: لا ترقه الجناية، وإنما يرقه دين سيده، فإن قام غرماؤه يريدون رد تدبيره، بيع منه بقدر دينهم، فإذا بيع قال المجني عليه: أنا أولى بما بيع منه؛ لأن جرحي في رقبته، وديونكم في مال سيده، فيأخذه ثم يباع منه أيضا بقدر ديونهم، فيقول المجني عليه: أنا أولى بما بيع منه؛ لأن جرحي في رقبته، وديونكم في مال سيده، فيأخذ المجروح فلا يزال هكذا يباع ويأخذه المجروح حتى يباع منه بقدر الجرح وبقدر الدين، فإن بقي منه شيء كان مدبرا حتى يموت السيد، فدين السيد يرقه؛ لأنه لا يجوز له تدبير وعليه دين، والمجروح يأخذه؛ لأن جرحه في رقبته، ولولا الدين لم يرق ولم يبع منه شيء، وأخذه المجروح فاختدمه دون الغرماء حتى يموت السيد، فإن كان له مال يعتق فيه عتق واتبعه المجروح ببقية عقل جرحه. وإن لم يكن له مال عتق ثلثه ورق ثلثاه، واتبع العتيق بثلث ما بقي من جرحه، وكان الورثة مخيرين في افتكاك الثلثين بثلثي ما بقي من دية جرحه أو إسلامه، فأي ذلك فعلوا كان لهم. وهذا اختلاف من قول ابن كنانة، إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى والقياس، والذي يلزم في مسألة جناية المدبر هذه على قياس قوله الآخر ألا يباع من المدبر شيء لأهل الدين ثانية، ويكون دينهم في ذمة السيد المدبر، يتبعونه به إلى أن يموت، ويكون أهل الجناية أحق باختدام ما بقي من المدبر بعد الذي بيع منه في الدين واختدموه في جنايتهم، فإن استوفوا بقية جنايتهم من خدمته قبل أن يموت السيد اختدمه أهل الدين أيضا إلى أن يموت السيد، فيباع منه بما بقي من دينهم ويعتق ثلث الباقي. وإن لم يستوف أهل الجناية بقية جنايتهم من خدمته إلى أن يموت سيده، بيع منه لأهل الدين بدينهم، إذ قد ذهبت

ذمته بموته، فكان أهل الجناية أحق بما بيع منه، ثم يباع لهم بدينهم ثانية، فيكون أهل الجناية أحق، هكذا أَبَدًا إلى أن يستغرق ذلك بيع المدبر، أو يفضل منه فضلة فيعتق ثلثها، ويرق للورثة ثلثاها. ولا اختلاف بعد موت السيد في وجوب البيع ثانية للغرماء إذا أخذ منهم ذلك أهل الجناية، وهكذا أبدا إلى أن يباع المدبر كله أو يفضل منه فضلة فيعتق ثلثها، ويرق ثلثاها للورثة. ولو دبر الرجل عبده ثم استدان دينا بعد التدبير، وجنى المدبر جناية، لكان أهل الجناية أحق باختدام المدبر في جنايتهم من أهل الدين، ولا يباع من المدبر شيء حتى يموت السيد، فإذا مات بيع منه لأهل الدين بدينهم، وكان أهل الجناية أحق بذلك، ثم يباع لهم ثانية وثالثة أبدا إلى أن يستغرق البيع جميعه أو تفضل منه فضلة فيعتق ثلثها، ويرق للورثة ثلثاها. مثال ذلك: أن يدبر الرجل عبده، وقيمته مائة دينار، ثم يستدين بعد التدبير عشرة دنانير، ويجني المدبر جناية قيمتها ثمانون دينارا، فيكون الحكم في ذلك أن يستخدم أهل الجناية المدبر في جنايتهم إلى أن يموت السيد، ويكونون أحق بذلك من الغرماء، فإن استوفوا في حياة السيد من خدمة المدبر عشرة دنانير مثلا، ثم مات السيد، كان الباقي لهم من الجناية سبعين دينارا، وللغرماء في ديونهم عشرة دنانير، فيباع لهم من المدبر عشره بعشرة دنانير، ويكون أهل الجناية أحق بذلك، فيأخذوه منهم، ثم يباع لهم منه ثانية أيضا عشره بعشرة دنانير، ويكون أهل الجناية أحق بذلك، فيأخذوه منهم، ثم يباع لهم منه ثالثة أيضا عشره بعشرة دنانير، ويكون أهل الجناية أحق بذلك، فيأخذوه منهم، ثم يباع لهم منه رابعة فيأخذوه أهل الجناية، ثم خامسة، فيأخذوه أهل الجناية، ثم سادسة فيأخذوه أهل الجناية، ثم سابعة، فيأخذوه أهل الجناية، فيستوفوا بذلك جميع جنايتهم، ثم يباع لهم ثامنةً - عشرُهُ بعشرةِ دنانيرَ، فيستوفوا دينهم، ويبقى من المدبر خمسه، فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه للورثة، ولا اختلاف في هذا أعلمه. ورأيت لابن دحون أنه قال: اتفاقهم على هذه المسألة حجة على ابن

القاسم فيما اختاره وأخذ به ورجع إليه في الذي يعتق وعليه دين لا يستغرق العبد المعتق، ثم يستدين بعد العتق دينا آخر، من أنه لا يباع للغرماء الأولين ثانية، بما انتقصهم به الغرماء الآخرون مما بيع لهم، إذ لا فرق بين المسألتين؛ لأن الدين يرد التدبير، والجناية أولى بذلك، وكذلك دين الأولين، يرد العتق، والغرماء الآخرون أولى ببعض ذلك، فإذا وجب في مسألة الجناية أن يباع من المدبر ثانية لأهل الدين بما أخذ منهم أهل الجناية، وجب في مسألة العتق أن يباع للغرماء الأولين ثانية بما أخذه منهم الغرماء الآخرون، فترد المسألة المختلف فيها إلى المسألة المتفق عليها. هذا معنى قوله دون لفظه، وليس قوله عندي بصحيح، والفرق بين المسألتين على ما اختاره ابن القاسم، وأخذ به في مسألة العتق، أن العتق لا يرده الدين الحادث بعده إذا مات المدبر، والمدبر مملوك، والمعتق حر، فلا يعود عليه دين حدث بعد عتقه، ودين الآخرين حدث بعد عتقه، فإذا دخلوا على الأولين، كان ما انتقصهم دينا حدث لهم على المعتق، فلا يرد العتق به؛ لأن الذي حدث للأولين من الدين إنما هو من أخذ الآخرين، ودين الآخرين بعد العتق، فلا يرد العتق من أجله؛ لأن ذلك ظلم للعبيد، وهو قوله في الرواية ورآه ظلما، يريد ظلما للعبيد في أن يرد عتقهم بدين حادث بعد عتقهم. والتدبير بخلاف ذلك؛ لأنه يرده كل دين حدث بعده إذا مات السيد المدبر، ويتخرج في مسألة العتق عندي قول ثالث، وهو ألا يكون للغرماء الآخرين دخول على الغرماء الأولين في ثمن ما بيع لهم من العبد المعتق؛ لأنه إنما بيع لهم، فمصيبة الثمن منهم إن تلف، على معنى ما في المدونة في ثمن الرهن يضيع بيد الذي أمره السلطان ببيعه، أن مصيبته من المرتهن الذي بيع له، لا من الراهن الذي بيع عليه، ويلزم في مسألة العتق على قياس قوله فيما لو تلف الثمن في يد البائع قبل أن يدفع إلى الغرماء الأولين أن تكون مصيبته من الغريم المعتق، فيباع بذلك من العبد المعتق ثانية. ووجه إيجابه للغرماء الآخرين الدخول على الغرماء الأولين في ثمن ما بيع لهم من العبد المعتق أو العبيد المعتقين أنه إنما بيع ذلك لجميعهم، ولو بيع للأولين ولم يعلم بدين الآخرين إلا بعد البيع

: الصبي يكون له شاهد واحد على حقه من مورثه فيستحلف الذي عليه الحق ليبرأ

لوجب ألا يكون لهم عليهم في ذلك دخول قولا واحدا، والله أعلم، وبه التوفيق. [: الصبي يكون له شاهد واحد على حقه من مورثه فيستحلف الذي عليه الحق ليبرأ] ومن كتاب البيوع وسئل: عن الصبي يكون له شاهد واحد على حقه من مورثه فيستحلف الذي عليه الحق ليبرأ؛ لأن الصبي لا يحلف، فيحلف فيكبر الصبي فيقال له: احلف مع شاهدك واستحق، فيرد اليمين على الغريم ويقول له: احلف وتبرأ. قال: ليس عليه أن يحلف ثانية قد حلف مرة، فاليمين ساقطة عنه. قال أصبغ: لأنه قد برئ يوم حلف، وهو بريء أبدا حتى يحلف الصبي فيكون حلفه كالشهادة الحادثة القاطعة. قال محمد بن رشد: قول أصبغ: لأنه قد برئ يوم حلف وهو بريء أبدا حتى يحلف الصبي ... إلى آخر قوله - يقتضي أنه لا يجب توقيف الدين، وقد قيل: إنه إذا حلف الذي عليه الحق أخذ الدين منه ووقف حتى يكبر الصبي فيحلف ويأخذه، ومعنى ذلك إذا لم يكن مليا. وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى من كتاب الشهادات، فلا معنى لإعادته، وسيأتي من معنى هذه المسألة وما يتعلق بها في هذا الرسم، وفي رسم الوصايا والأقضية من هذا السماع ما فيه بيان لها. وقد مضى القول عليها في سماع أصبغ من كتاب الشهادات أيضا، وبالله التوفيق. [مسألة: إقرارالمريض بالدين لمن لا يتهم عليه] مسألة وسألته: عن المريض يكون عليه الدين للناس، فيقضي بعض غرمائه في مرضه، ثم يموت في ذلك المرض ولم يترك مالا، هل يرجع الآخرون على هؤلاء بشيء يحاصونهم؟ فقال: إن

كان مرضا مخوفا فليس له أن يقضي بعضهم دون بعض، وإن كان مرضا ليس بمخوف حتى يحجب عن القضاء في ماله، فقضاؤه جائز. قال الإمام القاضي: تفرقته في هذه الرواية بين أن يكون مرضه مرضا مخوفا أو غير مخوف - مفسر لقول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب المديان من المدونة، في أن المريض إذا كان الدين يغترق ماله لا يجوز له أن يقضي بعض غرمائه دون بعض، خلاف قول غيره فيها: المريض لم تحجر عليه التجارة، وهو كالصحيح في تجارته وإقراره بالدين لمن لا يتهم عليه؛ لأن الظاهر منه أن قضاءه بعض غرمائه جائز، وهو قول سحنون، وأحد قولي مالك، وقع اختلاف قوله في ذلك في كتاب الإقرار من النوادر. فالاختلاف في جواز قضائه بعض غرمائه دون بعض - إنما هو إذا كان مرضه مرضا مخوفا يحجب فيه عن القضاء في ماله. وأما إذا كان مرضه مرضا غير مخوف، لا يحجب فيه عن القضاء في ماله، فلا اختلاف في أن حاله في مرضه ذلك حال الصحيح، وقد اختلف قول مالك في المدونة في رهنه وقضائه. فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أن رهنه وقضاءه جائز وإن كان مريضا؛ والثاني: أن رهنه وقضاءه لا يجوز وإن كان صحيحا؛ والثالث: الفرق في ذلك بين أن يكون مريضا أو صحيحا، وكذلك إقراره بالدين لمن يتهم عليه. وأما إقراره بالدين لمن لا يتهم عليه، فلا اختلاف في جوازه، وإن كان مريضا، وإنما لا يجوز قضاؤه بعض غرمائه دون بعض، على القول بأن قضاءه لا يجوز، إذا كان ما بيده من المال لا يفي بما عليه، وأما إن كان ما بيده من المال يفي بما عليه من الديون، وإن كانت مستغرقة له، فقضاؤه جائز. قال ذلك إسماعيل القاضي، وهو صحيح ينبغي أن يحمل على التفسير لما في المدونة ولهذه الرواية؛ لأنه إذا قضى بعض غرمائه وفيما بقي من ماله ما يفي بحقوق من بقي منهم، فلم يحاب من قضاه على ما لم يقضه، فمعنى قوله في المدونة إذا كان الدين يغترق ماله، أي إذا لم يكن له به وفاء. ومعنى قوله في هذه

مسألة: الأيمان هل تحمل على بساطها

الرواية: يكون عليه الدين للناس، أي: دين لا يفي به ما بيده من المال. وبالله التوفيق. [مسألة: الأيمان هل تحمل على بساطها] مسألة وسألته عن الرجل يكون له الحق على الرجل حالا فيسأله أن يؤخره وينظره به إلى الصدر، فيأبى ويقول: اكتب حقي عليك حالا وأنا أنظرك حتى يتهايا، ففعل، ثم بدا له أن يأخذه به قبل أن يتهايا له، فقال: إن شهد له على أنه قد أنظره إلى أن يتهايا له رأيت ذلك له. وإن كان كتبه له حالا وإنما هو رجل أشهد له بحقه أنه حال وأنظره إلى أن يتهايا له، رأيت ذلك له، إلا أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد يتهايا بعد الصدر وما أراد إلا فيما بينه وبين ذلك إن تهايا إلى ذلك، فإن حلف رأيت ذلك له. قال أصبغ: لا أرى له فيما بينه وبين الصدر شيئا إذا لم يتهايا له بغير مرزية من بيع عقار يلجئه إليه، أو ربع قد كان له، إنما استنظره مخافة ذلك، وذلك في الذي كتبه حالا، فإذا حل الصدر أخذه به ولم يحلف، وأما الوجه الآخر إذا أنظره فيهما إلى أن يتهايا له فهو على الصدر وبعد الصدر متى ما تهايا له، إذا لم يكن في بساط التأخير طلب للذي عليه الحق للصدر، فإذا كان كذلك لم يجاوز الصدر، ولم يتعجل دونه إن شاء الله. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة بين والاختلاف الواقع فيها بين ابن القاسم وأصبغ، جار على أصل مختلف فيه في المذهب، وهو الأيمان هل تحمل على بساطها أو على ما تقتضيه ألفاظها دون الاعتبار بما خرجت عليه من بساطها؟ فجعل ابن القاسم ذكر الصدر الذي خرج التأخير عليه دليلا على صدق قوله فيما ادعى أنه لم يرد أن يؤخره إلى ما بعده، واستحلفه على ذلك. واستحلافه على ذلك جار على

مسألة: هلك وترك دينا له عليه شاهد واحد وترك ولدا كبيرا سفيها مولى عليه

الاختلاف في لحوق يمين التهمة. وجعل أصبغ ذكر الصدر الذي خرج التأخير عليه كالتصريح بأنه إنما أخذه فيما بينه وبين الصدر، ويتخرج في المسألة قول ثالث، وهو أن يلزمه التأخير إلى أن يتهايا له، كان ذلك قبل الصدر أو بعده. وهذا على القول بترك الاعتبار بالبساط ومراعاة ما تقتضيه الألفاظ. وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وترك دينا له عليه شاهد واحد وترك ولدا كبيرا سفيها مولى عليه] مسألة وسألته: عن رجل هلك وترك دينا على رجل له عليه شاهد واحد، وترك ولدا كبيرا سفيها مولى عليه. قال: يحلف ويستحق حقه، فإن نكل حلف المطلوب، فإن حلف برئ وبطل عنه ما ادعى عليه، وإن حسنت حالة السفيه يوما ما لم يكن له أن يحلف ويأخذ، ولو كان يكون ذلك له ما كان له أن يحلف وهو سفيه ويستحق حقه، ولو كان ينتظر به حتى يحسن حاله، بمنزلة الصغير ينتظر به الكبر، وكذلك النصراني يكون له شاهد واحد فيحلف معه، فإن حلف استحق، وإن نكل حلف المطلوب، وليس يقال: وإن أسلم يوما ما حلف، والنصراني حالته شر من السفيه في حالته، ولعله أن يكون نصرانيا سفيها فيؤمر إن أسلم يوما ما أن يحلف بعد أن يترك، ليس هذا بشيء. قال الإمام القاضي: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في هذا السماع من كتاب الشهادات، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى سلعتين مختلفتين ففلس المشتري فوجد البائع إحدى السلعتين] مسألة وسمعته، يقول عن مالك: إنه بلغه عنه أنه قال في رجل اشترى سلعتين مختلفتين ففلس المشتري، فوجد البائع إحدى

مسألة: عليه دين يحيط بماله أو بعضه فتحمل بحمالة وهو يعلم أنه سيغرم

السلعتين في يديه وفاتت الأخرى، فافتك الغرماء السلعة الباقية بثمنها، ودفعوه إليه، أنه يرجع يحاصهم بثمن السلعة الفائتة في ثمن السلعة التي افتكوها. قال أصبغ: وذلك أنها مال من مال المفلس ضمانها منه، ونماؤها له، يعني الغريم، يحط به عنه من دينه، وإنما الثمن الذي افتكوها به سلف منهم له جائز لهم، ماض ذلك عليه في صريح الحكم في قول العلماء والناس. قال القاضي: قوله: فافتك الغرماء السلعة الباقية بثمنها، معناه: بما أصابها من الثمن الذي باعها به مع الأخرى. وقوله: إنه يرجع فيحاصهم بثمن السلعة الفائتة في ثمن السلعة التي افتكوها، يريد: ويضربون معه فيها وفي جميع مال المفلس بما لهم عليه من الديون، وبالثمن الذي افتكوها به، وإن كانوا افتكوها من أموالهم، كما كان يضرب هو به لو أسلمها ولم يؤدوا إليه ثمنها؛ لأن ذلك كالسلف منهم له، على ما قاله أصبغ، وإن كانوا افتكوها من مال المفلس، ضربوا معه فيها وفي سائر مال المفلس بما كان لهم عليه من الديون. وقول أصبغ: وذلك أنها مال من مال المفلس ضمانها منه ونماؤها له، يعني الغريم، تعليل صحيح، وذلك مذهبه. وقوله في المدونة وفي سماع ابن القاسم من هذا الكتاب في بعض الروايات، خلاف ما مضى في أول سماع يحيى من أن الضمان والنقصان من الغرماء، والفضل للمفلس، فعلى هذا لا يضرب الغرماء معه فيها بما افتكوها به من أموالهم إلا إذا سلمت وبيعت بربح. وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول سماع يحيى، وبالله التوفيق. [مسألة: عليه دين يحيط بماله أو بعضه فتحمل بحمالة وهو يعلم أنه سيغرم] مسألة قال أصبغ: سمعته يقول في رجل عليه دين يحيط بماله أو بعضه، فتحمل بحمالة وهو يعلم أنه سيغرم: إنه لا يسعه ذلك فيما بينه وبين الله. قال: والحمالة أيضا عند مالك مفسوخة لا تجوز،

مسألة: فلسه قوم ثم داينه رجل منهم

ورآها من ناحية الصدقة، ولم يرها من ناحية البيع. قال أصبغ: وذلك أن الحمالة معروف. ألا ترى أن حمالة المرأة لا تجوز إذا كانت ذات زوج إذا جاوزت الثلث الذي يجوز قضاؤها فيه؛ لأنها أنزلت كالصدقة. ألا ترى أن حمالة العبد الْْمُسْتَتْجَرِ أيضا لا تجوز؛ لأنها ليست من التجارة، إنما هي معروف وليس المعروف من التجارة التي سلط عليها. قال محمد بن رشد: قوله في الذي عليه دين يحيط بماله أو ببعضه، إنه لا يسعه فيما بينه وبين خالقه أن يتحمل بحمالة وهو يعلم أنه يغرم، وإن الحمالة تفسخ وترد ولا تجوز؛ لأنها من المعروف، صحيح بين لا إشكال فيه. وقوله في الذي لا يحيط الدين إلا ببعض ماله: إن حمالته لا تجوز، معناه: إذا كانت حمالته التي تحمل بها لا يحملها ما فضل من ماله عن الدين الذي عليه، وأما إن كانت الحمالة التي تحمل بها يحملها ما يفضل من ماله بعد ما عليه من الدين، فهي جائزة في الحكم سائغة لمن فعلها، وإذا كان الرجل قائم الوجه يبيع ويشتري ويتصرف في ماله، فحمالته وهبته وصدقته جائزة نافدة، وإن علم أن عليه ديونا كثيرة، ما لم يعلم أنها مستغرقة لماله، فهي على الجواز حتى يثبت أنه لا وفاء له بما فعل من المعروف. وقد مضى هذا المعنى في سماع عيسى من كتاب الرضاع، والمسألة بعينها متكررة في سماع أبي زيد من كتاب الكفالة والحوالة، وبالله التوفيق. [مسألة: فلسه قوم ثم داينه رجل منهم] مسألة قال: وسمعته يسأل عن رجل فلسه قوم ثم داينه رجل منهم، ثم فلس ثانية، فلم يكن في ماله وفاء بدينه الذي أسحره الآخر به، ثم داينه بعد ذلك بشيء آخر، فربح فيه ربحا كثيرا ثم فلس ثالثة، أيكون هذا الذي داينه أولى بجميع ما بيده حتى

مسألة: عليه دين قام عليه الغرماء ولا مال له فجاء من يسلفه أو يعينه إلى أجل

يستوفي دينه الأول والأوسط والآخر؟ قال: لا. ولكن له ماله الذي داينه به آخر مرة، وما فضل فهو والغرماء الأولون فيه أسوة بجميع دينه ما بقي من أول وأوسط، وإنما ذلك بمنزلة ما لو داينه غيره، فكل من فلس ثم داينه آخرون، ثم فلس ثانية، فالذين داينوه بعد تفليسه أولى حتى يستوفوا رءوس أموالهم، ويكون الربح والفضل لجميع غرمائه. قال أصبغ مثله، وهي جيدة صواب كلها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة، فلا وجه للقول فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: عليه دين قام عليه الغرماء ولا مال له فجاء من يسلفه أو يعينه إلى أجل] مسألة قال أصبغ: وسمعته وسئل: عن رجل عليه دين قام عليه الغرماء، ولا مال له، فجاء من يسلفه أو يعينه إلى أجل، أعليه أن يأخذ ذلك فيقضيه الغرماء؟ قال: ليس ذلك عليه، وفي التعيين أبين، والسلف أيضا ليس ذلك عليه، وقاله أصبغ. قال الإمام القاضي: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه أنه لا يلزم المديان أن يستسلف، ولا أن يستوهب، ولا أن يستعين ليؤدي ما عليه من الدين ولا أن يقبل شيئا من ذلك إن طاع له بذلك أحد، لأن الغرماء لم يعاملوه على ذلك ولا دخلوا معه عليه، ولا يلزمه قبول معروف أحد، ولا تحمل مِنَّتِهِ وإن طاع الرجل أن يسلف الطالب فيقضيه ماله على الغريم المطلوب ويرجع به عليه، لزمه ذلك ولم يكن له أن يمتنع منه؛ لأن المعروف إنما هو للطالب ليس للغريم المطلوب، فلا قول له في ذلك ولا وجه لامتناعه منه، هذا قول مالك وجميع أصحابه، خلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من أن من أدى عن رجل مالا بغير أمره فليس له أن يرجع به عليه، وبالله التوفيق.

مسألة: قام عليه غرماؤه ففلسوه فيما بينهم وأخذوا ماله ثم داينه آخرون

[مسألة: قام عليه غرماؤه ففلسوه فيما بينهم وأخذوا ماله ثم داينه آخرون] مسألة قال: وسمعته يقول عن مالك في رجل قام عليه غرماؤه ففلسوه فيما بينهم وأخذوا ماله، ثم داينه آخرون أن الآخرين أولى بما في يديه بمنزلة تفليس السلطان. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: ولو قاموا عليه فلم يجدوا في يديه شيئا فتركوه، لم أر هذا تفليسا ورأيت إن داينه آخرون بعد ذلك ثم فلس، أن يدخل الأولون مع الآخرين، إلا أن يكونوا بلغوا به السلطان وكان هو الذي فلسه، فذلك تفليس وإن لم يوجد له شيء، وذلك أن السلطان يكشفه ويبلغ من كشفه ما لا يبلغ هؤلاء، قال: ولو أعلم أنهم كانوا يبلغون منه مثل ذلك؛ لأنفسهم دون السلطان لرأيت ذلك تفليسا، ولكن لا أحب أن أقوله مخافة ألا يبلغوا ذلك، وقاله أصبغ. قال: وتفليسهم إياه فيما بينهم أليق إذا فعلوا ذلك واجتمعوا فيه وبلغوه، وتبين ذلك تفليسا كالسلطان. ومما يبين ذلك أن يجدوا له الشيء اليسير، أو السقط في الحانوت الذي يكشف فيه ويفلس، فيأخذون ما وجدوا ويقتسمونه على تفليسه، واليأس من ماله، فيطلقونه فهو عندي تفليس كالسلطان سواء، والسلطان هكذا كان يفعل ونحوه. قال محمد بن رشد: هذا هو حد التفليس الذي يمنع من دخول من فلسه على من عامله بعد التفليس. وأما حد التفليس الذي يمنع قبول إقراره، فهو أن يقوم عليه غرماؤه فيسجنوه أو يقوموا عليه فيتستر عنهم فلا يجدوه، قال محمد: ويحولوا بينه وبين التصرف في ماله بالبيع والشراء، والأخذ والعطاء، إلا ألا يكون لواحد منهم بينة، فيكون إقراره جائزا لمن أقر له، إذا كان في مجلس واحد أو قريب بعضه من بعض. قال ابن حبيب: وإن كان المقر لهم ممن يتهم عليه أو إلا أن يكون من له بينة لا

مسألة: تكارى أرضا يزرعها واستأجر أجراء يقومون فيها بسقيها وعلاجها ثم فلس

يستغرق ماله أو إلا أن يكون إقراره عند القيام عليه قبل أن يستسلم ويسكت، فيجوز، إذ لا يقدر على أكثر من ذلك. وقد روي عن مالك أن إقرار المفلس يجوز لمن يعلم منه إليه تقاضيا ومداينة وخلطة مع يمينه، ويحاص من له بينة، ولذلك وجه. واختلف إذا قضى بعض غرمائه بعد أن تشاوروا في تفليسه قبل أن يفلسوه فلم يجزه ابن القاسم، وأجازه أصبغ. وفي قوله في هذه الرواية: وذلك أن السلطان يكشفه ويبلغ من كشفه ما لا يبلغ هؤلاء، ما يقوم منه أن للإمام أن يفتش عليه داره، وكذلك قال ابن شعبان: إنه تفتش عليه داره. وكان الشيوخ المتأخرون يختلفون في ذلك، والأظهر أن يفتش عليه، فما ألفي فيها من متاع النساء فادعته زوجته كان لها، وما ألفي فيها من عروض تجارته بيع لغرمائه، ولم يصدق إن ادعى أنه ليس له. وما ألفي فيها من العروض التي ليست من تجارته فادعى أنها وديعة عنده أو عارية أو ما أشبه ذلك، جرى ذلك على ما قد ذكرته من الاختلاف في ذلك في غير ما موضع، من ذلك ما في رسم البيع والصرف من هذا السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: تكارى أرضا يزرعها واستأجر أجراء يقومون فيها بسقيها وعلاجها ثم فلس] مسألة قال: وسمعته، وسئل: عمن تكارى أرضا يزرعها واستأجر أجراء يقومون فيها بسقيها وعلاجها، ثم فلس، قال: صاحب الأرض والأجراء في الزرع أولى من سائر الغرماء، وأنهم يتحاصون في ذلك رب الأرض والأجراء. وقاله أصبغ. وقال: قلت لابن القاسم: فإن كان استأجر فيها أجراء لسقيها فعجزوا عنها ثم تركوها، فاستأجر غيرهم ثم فلس، ففضل عن رب الأرض والأجراء فضلة، أيكون أولئك الأولون العاجزون أحق بما فضل، أو يكونون كذا أسوة مع من بقي. قال: بل يكونوا (كذا) أحق بما فضل عنهم حتى يستوفوا، وقاله أصبغ؛ لأنهم أحيوا أولا وأول

: الأجير يستأجره الرجل فيستتجره

حياته منهم وبهم، وإنما بدئ هؤلاء عليهم؛ لأن بهم تم بمنزلة الرهن أن لو رهنه قوما فأحيوا بما لهم، ثم عجزوا فرهنه غيرهم، إن الآخرين أحق، وما فضل فللأولين برهنهم وإحيائهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: الأجير يستأجره الرجل فيستتجره] ومن كتاب الصدقة والأحباس وقال مالك في الأجير يستأجره الرجل فيستتجره: إنه لا بأس بذلك، قال: وما استدان في ذلك فإنما يلحق ذمته إذا لم يكن في يديه مال، قيل لابن القاسم: الضمان يقع عليه إذا استأجره وأطلعه في حانوت أجلسه فيه يعمل فيه، فما دخل عليه كان للذي استأجره، قال: نعم، قلت: وترى هذه الإجارة جائزة؟ قال: نعم، قلت له: ألا تراه كأنه استأجره بشرط على أن يضمن له ما تلف؟ قال: لا، وأين الشرط؟ قلت: إذا كان الضمان يقع عليه، فكأنه شرطه في الأصل، قال: لا، وهذه سنة المسلمين لا شك فيها، أرأيت الرجل يستأجر النواتية في سفينته بشيء مسمى يحملون فيها، ويكرونها له، إنه لا بأس به، والضمان عليهم فيما حملوا من الأطعمات، فهذه سنة المسلمين وأجرتهم وعملهم. وكذلك لو تكارى قوما في ظهر له يكرونه ويحملون عليه ويرحلونه، فهم ضامنون لما حملوا من الأطعمة، وكذلك عبده الصانع يضعه للعمل ويستتجره، فما لحقه في ذلك، كان في ذمته. قال الإمام القاضي: قوله في أول المسألة في الأجير يستأجره الرجل فيستتجره: إنه لا بأس بذلك - صحيح، ومعناه: إذا كان العمل الذي استأجره لعمله من نحو العمل فيما استتجره فيه، فيجوز ذلك إذا رضي الأجير ولا

: إقراره بالدين في مرضه الذي مات منه لبعض أبناءه دون بعض

يكون به بأس. وهذا على معنى قوله في كتاب الرواحل من المدونة في أن من أكرى دابة إلى بلد فليس له أن يركبها إلى بلد غيره إلا برضا المكري. وقد قيل: إن له أن يركبها إلى غير ذلك البلد إذا كان الطريق مثله في الحزونة والسهولة، شاء ذلك المكري أو أبى، وهو قول مالك في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة، وقيل: إنه لا يجوز أن يركبها إلى غير ذلك البلد وإن رضي المكري؛ لأنه فسخ دين في دين، وهو قول غير ابن القاسم في كتاب الرواحل والدواب من المدونة. فهذه الثلاثة الأقوال تدخل في هذه المسألة، ولو استأجره على أن يستتجره لجاز ذلك باتفاق إذا لم يضرب عليه خراجا معلوما، ولم يجز باتفاق إذا ضرب عليه خراجا معلوما، ويجوز على اختلاف إذا استأجره على أن يجيئه بغلته وخراجه من غير أن يسمي عليه من ذلك شيئا معلوما. وقوله: إذا استأجره فاستتجره إن ما استدان في ذلك يلحق ذمته إذا لم يكن في يديه مال، معناه: إنه يلحق ذمته منه ما لم يف به ما بيده من المال الذي استتجره فيه، إذ لا يصح أن يستتجره بغير مال. وقوله بعد ذلك متصلا بقول مالك، قيل لابن القاسم: الضمان يقع عليه إذا استأجره وأطلعه في حانوت أجلسه فيه يعمل فيه إلى آخر قوله استئناف مسألة أخرى غير الأولى؛ لأن الأولى في اسْتِتْجَارِ الرجل من استأجره، وقد ذكرنا ما يتخرج في ذلك من الأقوال، والثانية: في الأجير الصانع يجلسه الذي استأجره في حانوت على أن يعمل للناس ويلي معاملتهم، وهذا جائز باتفاق إذا رضي بذلك الأجير الصانع، إذ لا يلزمه بغير اختياره، لما يتمونه في ذلك من الأخذ والإعطاء، ويلزمه في ذلك من الضمان. ولو استأجره على ذلك ابتداء لتخرج ذلك على قولين، كالذي يستأجر الأجير على أن يجيئه بالغلة، وقد ذكرنا ذلك، وبالله التوفيق. [: إقراره بالدين في مرضه الذي مات منه لبعض أبناءه دون بعض] ومن كتاب الوصايا قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، قال في رجل له ولد، كلهم

بار به في حال واحدة، فأوصى أن لبعضهم عليه دينا، قال: لا يجوز إقراره ذلك، وقال: إن كان بعضهم بارا حسن الحال، وآخر عاق خبيث فأوصى لهذا العاق الخبيث بدين له عليه، ذكره من قبل أمه أو بشيء فهو جائز، وإن كان أوصى بذلك للبار لم يجز. قال أصبغ: هي جيدة، وذلك إن التهمة بالتوليج تسقط في العاق ويصير كالأجنبي، وإن التهمة واقعة في الآخر بأن يكون أوصى له بما ليس عليه، فتكون وصية لوارث، وذلك بمنزلة الزوجة يقر لها بدين فإن كان بها صبا معروفا ذلك منه، أو كان يورث كلالة لم يجز وكانت تهمة، وإن كان له ولد وكان بها غير صب وليس الذي بينهما بالحسن لم يتهم وجاز لها؛ لأنه أقر بدين وليس بوصية، وسواء كان الولد منها أو من غيرها إذا لم يتهم فيها بصبابة وميل. قال محمد بن رشد: قوله: إن وصيته للعاق من ولده بدين له عليه جائزة، مثل إحدى الروايتين في كتاب المديان من المدونة. وتحصيل القول في هذه المسألة: إذا كان ولده كلهم مستوين في البر به أو العقوق له، فلا اختلاف في أنه لا يجوز إقراره بالدين في مرضه الذي مات منه لبعضهم دون بعض، وأما إذا كان بعضهم بارا وبعضهم عاقا له، فاختلف في إقراره للعاق على قولين: أحدهما: أنه جائز، وهو قوله في هذه الرواية، وفي إحدى الروايتين من كتاب المديان من المدونة، والثاني: أنه لا يجوز، وهو قوله في الرواية الثانية من المدونة، والوصية بالدين في الصحة أو المرض كالإقرار له بالدين في مرضه الذي توفي منه سواء. وكذلك القول في الإخوة والأخوات وسائر العصبة والقرابات. وأما إقرار أحد الزوجين بدين في مرضه الذي مات منه، أو وصيته له به في صحته أو في مرضه الذي مات منه، ففيه تفصيل قد مضى تحصيله في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. وشهادة الأب لأحد بينه على بعض من هذا

مسألة: يقول في مرضه لفلان علي ثلاثون دينارا وثلاثون من بقية حساب بيننا

المعنى، إلا أن تهمته في الشهادة لبعضهم على بعض أخف من تهمته في إقراره لبعضهم دون بعض بدين في مرضه الذي توفي منه أو وصيته له به، ففي الموضع الذي يتفق على أنه لا يجوز إقراره له، وهو إذا كانوا مستويين في البر به أو العقوق له، يختلف في جواز شهادته له، وفي الموضع الذي يختلف في جواز إقراره له وهو إذا كان بعضهم بارا به، وبعضهم عاقا فأقر للعاق منهم يتفق على جواز شهادته له، إلا أن يكون المشهود له في حجره صغيرا، أو كبيرا سفيها، والمشهود عليه كبيرا، فلا تجوز شهادته له باتفاق؛ لأنه يتهم لحيازته المال. وأما شهادته لبعض ولده على أجنبي، فلا تجوز بحال، وإن كان المشهود له عاقا، وأما شهادته عليه لأجنبي فتجوز، إلا أن يكون عاقا له ومعاديا، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول في مرضه لفلان علي ثلاثون دينارا وثلاثون من بقية حساب بيننا] مسألة وسئل: عن الرجل يقر في مرضه فيقول لفلان علي ثلاثون دينارا، وثلاثون من بقية حساب بيني وبينه، ولم يسم في الأولى شيئا، قال: أرى له عليه ستين دينارا إذا قال: له عليَّ ثلاثون دينارا، وثلاثون دينارا من بقية حساب بيني وبينه، فله ستون يأخذها، سمعته يقولها، وهو رأيي. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه ولا احتمال؛ لأن الشيء لا يعطف على نفسه، إنما يعطف على غيره، وبالله التوفيق. [: العبد تكون تحته الحرة الحجر عليها في مالها] ومن كتاب الوصايا والأقضية قال أصبغ: سألت ابن وهب عن العبد تكون تحته الحرة، الحجر عليها في مالها إلا في الثلث، كما أيحجر الحر على امرأته إلا في ثلثها. قال: وما للعبد وما لها؟ قلت: إنها زوجته، فالمولى

مسألة: الميت يثبت عليه الدين فيجد الوصي براءة منه بشاهد واحد والورثة صغار

يرثها، وليس له على مالها سبيل، ليس له أن يحجر عليها، قيل له: أيتصدق بمالها؟ قال: نعم.. قلت له: لعله يعتق يوما ما. فقال: والله ما اجتمع الناس في الحر رأسا. قلت: أفليس ذلك رأيك في الحر أنه يحجر على امرأته في مالها إلا في الثلث؟ قال: ذلك أحب إلي. قلت: فالحر تحته الأمة يحجر عليها؟ قال: ما للحر وما للأمة؟ الأمة مالها لسيدها. ألا ترى أن الأمة لا تختلع من زوجها إلا بإذن سيدها؟ قال أصبغ: ليس قوله في الحرة تحت العبد بشيء، ذلك له، وهو زوج وهو حق من حقه. قال: وقال مالك في رواية أشهب وابن نافع مثله، ورواية أبي زيد عن ابن القاسم مثل رواية أشهب وابن نافع عن مالك. قال محمد بن رشد: وقعت رواية أشهب هذه في أول سماع أشهب من كتاب النكاح كاملة، ورواية أبي زيد في سماعه من كتاب الصدقات والهبات، وذلك أظهر من قول ابن وهب؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ: «لا يجوز لامرأة قضاء في ذي بال من مالها بغير إذن زوجها» ، فعم ولم يخص زوجا من غير زوج، ولا حرا من عبد، فوجب أن يحمل قوله على عمومه، لا سيما إذا كان لذلك وجه من النظر، وهو ما ذكره في سماع أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: الميت يثبت عليه الدين فيجد الوصي براءة منه بشاهد واحد والورثة صغار] مسألة قال أصبغ: سألت أشهب عن الميت يثبت عليه الدين فيجد الوصي براءة منه بشاهد واحد، والورثة صغار. قال: يحلف

مسألة: أوصى فقال لفلان في هذا الكيس مال

الطالب أنه ما قبض، فإن حلف دفع إليه المال وعجل له، فإذا كبر الصغار حلفوا، فإن حلفوا استرجعوا المال. قال أصبغ: هي جيدة حسنة. وكذلك لو كان الدين لهم عليه بشاهد واحد حلف، فإن حلف برئ إلى مبلغهم. وهذا قول مالك وابن القاسم في هذا، فالآخر مثله. قال الإمام القاضي: قوله: فإن حلف الطالب دفع إليه المال، يدل على أنه لا يؤخذ منه، فيوقف إذا حلف في المسألة الأخرى، وهو دليل قول أصبغ فيها: فإن حلف برئ إلى مبلغهم على ما قد ذكرناه في رسم البيوع من هذا السماع. وقد قيل: إنه يؤخذ منهم فيوقف حتى يكبر الصغار فيحلفوا مع شاهدهم. ومعنى ذلك إذا خيف عليه العدم. وقد مضى القول على هذه المسألة فيما تقدم من هذا السماع، ومن رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى من كتاب الشهادات فلا معنى لإعادته، والله الموفق. [مسألة: أوصى فقال لفلان في هذا الكيس مال] مسألة وسئل: عن رجل أوصى فقال: لفلان في هذا الكيس مال، فقال: أما أنا فأرى أن يعطى عشرين دينارا؛ لأن عشرين دينارا تجب فيه الزكاة، فهي مال، قيل له: أرأيت إن كان فيه مائتا درهم، أترى أن يعطاها؟ قال: نعم بعد أن يحلف. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة، وجهها: أن الله تبارك وتعالى إنما سمى مالا من الأموال ما تجب فيه الزكاة منها، وذلك أنه قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، وعنى بذلك المقادير التي تجب فيها الزكاة بما بينه على لسان رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «ليس فيما دون

: قال كان بيني وبين فلان معاملة فما ادعى من شيء أعطوه وهو فيه مصدق

خمس أواق من الورق زكاة» وليس في عشرين دينارا ناقصة بينة النقصان زكاة، فوجب إذا قال الموصي في وصيته: يعطى فلان من هذا الكيس مال أن يعطى منه أقل ما سماه الله مالا، وهو عشرون دينارا إن كان فيه ذهب، أو مائتا درهم إن كان فيه ورق، وإذا قال له فيه مال أن يعطى عشرين دينارا إن كان فيه دنانير، أو مائتي درهم إن كان فيه دراهم، بعد يمينه على ما ادعى إذا ادعى أن له فيه عشرين دينارا أو أكثر، أو مائتي درهم أو أكثر باتفاق، إن كذبه الورثة وادعوا أن حقه فيه أقل من ذلك، أو على اختلاف إن قال الورثة لا نعلم مقدار ما فيه ونحن نتهمه فيما ادعاه، وكذلك إن ادعى أن له فيه أقل من عشرين دينارا أو أقل من مائتي درهم، فيكون له ما ادعى من ذلك بعد يمينه على ما ادعاه باتفاق، إن كذبه الورثة، أو على اختلاف إن لم يكذبوه واتهموه. وبالله التوفيق. [: قال كان بيني وبين فلان معاملة فما ادعى من شيء أعطوه وهو فيه مصدق] ومن كتاب الوصايا الصغير قال أصبغ: قيل لابن القاسم: فإن أوصى فقال: كان بيني وبين فلان معاملة، فما ادعى من شيء أعطوه، وهو فيه مصدق. فقال: إن ادعى ما يشبه معاملة مثله لمثله أعطيه، وأحسبه رواها عن مالك. قال ابن القاسم: ويكون ذلك من رأس المال. قال: وليس كل الناس في قلتها وكثرتها سواء. قال: وإن ادعى ما لا يشبه بطل ذلك فلم يكن في رأس مال ولا ثلث. قال أصبغ:

: يبيع أرضا أو دارا لولده في حجره

وإنما يبطل عند ذلك الزيادة على ما يشبه، ولا يبطل عنه كل شيء، يعطى ما يشبه مما لا يتبين فيه كذبه، ويحمل محمل الشهادة له وعليه. قال محمد بن رشد: هذه المسألة صحيحة بينة لا اختلاف فيها إلا في اليمين، فإنه سكت عنها. وقد اختلف في وجوبها حسبما مضى القول فيه في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم، ورسم أسلم من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. وقول أصبغ مفسر لقول ابن القاسم، لا خلاف له. ولو قال: أعطوه ما ادعى واحسبوه من ثلثي، لكان له ما ادعى وإن لم يشبه ما لم يتجاوز الثلث، وبالله التوفيق [اللهم لطفك يا مولاي] . [: يبيع أرضا أو دارا لولده في حجره] ومن كتاب الكراء والأقضية وسمعته يقول، في الذي يبيع أرضا أو دارا لولده في حجره، والأب مليء أو مفلس أو سفيه أو لا بأس بحاله، قال: إن كان الأب ليس بسفيه ولا مولى عليه جاز بيعه، ولم يكن للابن أن يرده إن كبر إذا كان نظرا له، ويتبع أباه بثمن ما باع من ماله، ويكون لأبيه أن يحاسبه بما أنفق عليه إن شاء عند ذلك من يوم باع. وإن كان الأب سفيها مثله يولى عليه لم يجز عليه بيعه وإن لم يكن عليه ولي؛ لأنه لو باع لنفسه لم يجز له بيع؛ لأن كل من كان مثله يولى عليه في سفهه إذا مات أبوه أو وصيه، كان بمنزلة المولى عليه؛ لأن جل الناس يهلكون في الأسفار ويموت الرجل فجأة، ولعل ذلك لا يرفع إلى قاض فيستخلف عليه نظرا له، فيبايع مثل هذا فيذهب بماله، فهذا عظيم فيمن كان في مثل هذا الحد ممن قد ولي عليه إن لم يول عليه بمنزلة واحدة. وليس من مات فجأة

أو مات بأرض غربة، أو غفل عن وصية يكون ولده أدنى حرمة ممن أوصي بهم، وهذا عظيم، وهو الذي سمعت من غيري وهو رأيي، والحق بَيِّنٌ نَيِّرٌ. قال الإمام القاضي: الظاهر من قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن كان الأب ليس بسفيه ولا مولى عليه جاز بيعه، أنه إن كان مولى عليه، لم يجز بيعه ولا فعله وإن علم رشده، خلاف ما تقدم من قوله في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى من أن أفعال المولى عليه جائزة إذا علم رشده، فلم يعتبر في رواية عيسى بالولاية ولا بعدمها، واعتبر حاله في حين قضائه، واعتبر في هذه الرواية بالولاية ولم يعتبر بعدمها وهي رواية زونان عنه: أن من لزمته ولاية وصي من أب أو سلطان لا يحلها عنه إلا السلطان. والمشهور من قول مالك أنه يعتبر بالولاية وبعدمها، فلا تجوز أفعال المولى عليه وإن علم رشده، وتجوز أفعال الذي ليس بمولى عليه وإن علم سفهه، فقف على تحصيل هذه الثلاثة الأقوال، فإنها جيدة دقيقة خفية قل من يعرفها ويحصلها. وقوله: ولم يكن للابن أن يرده إن كبر إذا كان نظرا له، يدل على أن الأب في بيع عقار ابنه بخلاف الوصي في بيعه عقار يتيمه، إذ لا يجوز للوصي أن يبيع عقار يتيمه إلا لوجوه معلومة قد حصرها أهل العلم بالعد لها. واختلف الشيوخ المتأخرون هل يصدق الوصي فيها أم لا؟ فقيل: إنه يصدق فيها ولا يلزمه إقامة البينة عليها، وقيل: إنه لا يصدق فيها ويلزمه إقامة البينة عليها. وأما الأب فيجوز بيعه عقار ابنه الذي في حجره إذا كان بيعه على وجه النظر، من غير أن يحصر وجوه النظر في ذلك بعدد، وفعله في ذلك على النظر حتى يثبت خلافه، مليا كان أو مفلسا على ما نص عليه في الرواية. وقوله: ويكون لأبيه أن يحاسبه؛ فما أنفق عليه إن شاء عند ذلك من يوم باع - يدل على أنه لا يكون له عنده أن يحاسبه بما أنفق عليه قبل أن

مسألة: الرجلين إذا أسلما إلى رجل في طعام أو عروض فأقاله أحدهما

يبيع، ومعناه: إذا لم يكتب النفقة، وذلك خلاف لما في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة. وأما النفقة فلا اختلاف أن له أن يحاسبه بها. وقد مضى في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى تحصيل الخلاف في أفعال السفيه الذي ليس في ولاية، وبذلك تتم المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجلين إذا أسلما إلى رجل في طعام أو عروض فأقاله أحدهما] مسألة وسمعته يقول، وسئل: عن رجلين لهما على رجل حق فوكلا عليه وكيلا فقام، فقال: إنما اقتضيت حق فلان، وقال الغريم: بل دفعت لك حق فلان الآخر، والغريم معدم. فقال: إن كان حقهما واحدا مجتمعا فهو بينهما، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: أما إذا كان حقهما مجتمعا فلا إشكال في أن ما اقتضى الوكيل بينهما وإن اتفقا على أنه إنما اقتضى حق أحدهما فكيف إذا اختلفا في ذلك؛ لأن الدين إذا كان بين الشريكين فاقتضى أحدهما منه شيئا كان لصاحبه الدخول معه فيه، ولا خلاف في هذا أحفظه إذا كان ذلك الدين اشتركا فيه بطوعهما لم يصر لهما من ميراث ولا جناية؛ لأن سحنون يفرق بين الوجهين، فيقول: إنما يكون لصاحبه الدخول معه فيما اقتضى إذا كان ذلك الدين اشتركا فيه بطوعهما إلا ما وقع في كتاب السلم الثاني من المدونة في أن الرجلين إذا أسلما إلى رجل في طعام أو عروض فأقاله أحدهما من نصيبه دون صاحبه أن ذلك جائز وإن لم يرض صاحبه. فقيل: إن ذلك اختلاف من القول، وقيل: إن ذلك ليس باختلاف من القول وإنه إنما لم ير مالك لشريكه الدخول على شريكه فيما أخذ من غريمهما؛ لأنه إن دخل عليه في ذلك كان كل واحد منهما قد أقاله من بعض حقه فيصير بيعا وسلفا وبيع الطعام قبل أن يستوفى. فلما لم يجز لم ير مالك الدخول على شريكه فيما أقاله فيه. وفي قوله في المسألة: إن كان حقهما واحدا مجتمعا فهو بينهما - دليل على أنه إذا لم يكن واحدا مجتمعا فلا يكون

مسألة: غاب عن أهله ثم بعث إليهم بمائة دينار نفقة وعليه دين

بينهما. وإذا لم يكن بينهما فالقول قول الوكيل، وهو قول أصبغ، وحكى ذلك ابن لبابة في منتخبه عن ابن القاسم، وروى عيسى عنه في رسم العارية من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات أن ذلك بينهما وإن اختلفا، فقال الغريم قضيت حق فلان، وقال الوكيل بل قبضت منك حق فلان. وكذلك على هذه الرواية لو اتفقا على أنه إنما اقتضى حق أحدهما. ووجه هذا القول أن الوكيل لا يصدق إذا كان الغريم عديما مفلسا على أنه إنما طلب حق أحدهما إذا لم يكن له على ذلك بينة؛ لأنه يتهم على محاباته والجر إليه، كما يتهم الغريم على ذلك، والأظهر أن القول قوله ولا يتهم في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: غاب عن أهله ثم بعث إليهم بمائة دينار نفقة وعليه دين] مسألة وسئل ابن القاسم، عن رجل غاب عن أهله ثم بعث إليهم بمائة دينار نفقة وعليه دين فطلب الغرماء حقوقهم منها، فقال الرسول قد أوصلتها إلى عياله. هل يعدى الغرماء على عياله أو على الرسول أو يقبل قول الرسول قد دفعت؟ فقال: أرى أن يحلف الرسول على الدفع ويقبل قوله ويعدى الغرماء على أهل الرجل فينتزع منهم إن كان أقاموا عليهم بحضرة ذلك، يريد إن أقروا، وإن كانوا إنما أقاموا بعد ما يرى أنهم قد أكلوها واستنفقوها لبعد ذلك وطوله فلا شيء عليهم، وهو بمنزلة ما ينفق الرجل على عياله وعليه دين، وقاله أصبغ كله. وإن ادعى العيال أنهم قضوا منه دينا كانوا أدانوه وفي كراء منزل حين قام الغرماء بحدثان ذلك في الحين الذي يجوز لهم القيام، لم يصدقوا إلا أن يأتوا من ذلك ببرهان أو لطخ أو سبب.

قال الإمام القاضي: قوله أرى أن يحلف الرسول على الدفع ويقبل قوله ويعدى الغرماء على أهل الرجل إن أقروا، خلاف المشهور من قول ابن القاسم المعلوم من مذهبه وروايته عن مالك في أن من دفع مالا إلى رجل وأمره أن يدفعه إلى غيره أن عليه ما على ولي مال اليتيم من الإشهاد بقوله عز وجل: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا} [النساء: 6] ... الآية، وأنه لا يبرأ من المال ولا يصدق بدفعه إلى المأمور إذا أنكر المأمور القبض، مثل قول ابن الماجشون فيمن بعث ببضاعة مع رجل إلى رجل أنه لا يلزمه الإشهاد في دفعها إليه، وهو مصدق وإن أنكر القابض كانت دينا أو صلة. ويمكن أن يقول ابن القاسم مثله في المعنى من مسألة اللؤلؤ الواقعة في كتاب الوكالات من المدونة؛ لأنها تقتضي تعمير ذمة الآمر بقول المأمور قد فعلت ما أمرتني به. وإذا وجب أن يعمرها بقوله قد فعلت ما أمرتني به من الشراء وجب أن تخلى ذمة نفسه بقوله قد فعلت ما أمرتني به من الدفع. وإذا وجب أن تخلى ذمته بقوله فإخلاء أمانته بقوله أوجب. ومن رواية عيسى عنه في كتاب الخيار في الذي يشتري الثوب من الثوبين على أن أحدهما قد وجب عليه يختاره فيضيع أحدهما فيدعي أنه قد كان اختار هذا الباقي ورضيه أنه يصدق في ذلك. وقد رأيت للقاضي ابن زرب في هذه المسألة أنه قال إنما صدق الرسول على الدفع؛ لأنه إنما وكله على دفع نفقتهم على ما كان يدفعها هو، وليس من شأن الأزواج والآباء أن يدفعوا النفقات بالبينات إلا أن تكون الزوجة قد رفعت أمرها إلى الإمام فاستعدته على الزوج. فإن لم يعلم الرسول بذلك ودفع بدون بينة فأنكرت الزوجة حلف وبرئ أيضا، وغرم الزوج للمرأة نفقتها بعد يمينها، ولم يكن له الرجوع على الرسول. وإن كان الرسول قد علم برفع المرأة أمرها إلى الحاكم ودفع دون بينة فأنكرت المرأة ضمن للزوج؛ لأنه حينئذ متعد بتفريطه. قال غيره من الشيوخ على قياس قوله ولو ادعى على الرسول أنه علم برفعها إلى الإمام وأنكر ذلك حلف الرسول ما علم بذلك ثم يحلف

مسألة: يأتي بذكر حق له على آخر بمائة دينار ويأتي المطلوب ببراءة بمائة دينار

على الدفع ويبرأ، وذلك كله لا يصح؛ لأن الزوج إنما يصدق في دفع النفقة إلى امرأته إذا ادعى بعد مضي المدة أنه كان ينفق عليها وأنه كان يدفع إليها نفقتها أو ما تنفق منه شيئا بعد شيء أو جملة واحدة. وأما إن ادعى أنه دفع إليها مائة دينار لتنفق منهما على نفسها فيما يستقبل أو في سنة قد كانت أنفقت على نفسها من مالها فيما مضى وأنكرت ذلك فلا يصدق بإجماع. فحكم الرسول في المائة دينار التي بعثها الزوج معه إلى امرأته لتنفقها حكمه في ألا يصدق في دفعها إليها إذا أنكرت إلا على ما وصفناه من مذهب ابن الماجشون وما يتخرج على قول ابن القاسم في المسائل التي ذكرناها فإنه يصدق على الدفع ويبرأ، أو تصدق هي فيما زعمته من أنها لم تقبض وتأخذ نفقتها من الزوج، ولا يعدى عليه الغرماء بشيء. ولو كان القول قول الزوج في دفع المائة إليها لنفقتها وكان الرسول قد حل محله في ذلك على ما زعم ابن زرب لوجب أن يكون للغرماء أن يأخذوا المائة منها وإن أنكرت إذا حلف الرسول على الدفع. وإلى هذا ذهب وقد خالفه أصبغ بقوله: يريد إن أقروا. فقول ابن زرب خطأ صراح لا خفاء به، ولا وجه للمسألة سوى ما ذكرنا، وبالله التوفيق. [مسألة: يأتي بذكر حق له على آخر بمائة دينار ويأتي المطلوب ببراءة بمائة دينار] مسألة قال: وسمعته وسئل: عن الرجل يأتي بذكر حق فيه شهود على رجل بمائة دينار، ويأتي المطلوب ببراءة بمائة دينار دفعها إليه لا يدري شهودها أكانت قبل ذلك الذكر حق أو بعده، ليس فيها تاريخ. قال: يحلف ويبرأ، يعني صاحب البراءة. قال أصبغ: يعني يحلف أنها قضاء لذلك الحق ويبرأ. وقاله أصبغ، وهذا هو القضاء وصوابه ولا يجعل له مالين، كما لو كان للحق تاريخ والبراءة بعده بمال دفعه وادعى صاحب الحق أنه غيره لم يقبل قوله، وحلف الآخر أنه هو وبرئ. وسئل: عن رجل أتى بذكر حق على رجل فيه ألف دينار،

فأتى المشهود عليه ببراءة بألفي دينار فزعم أن تلك الألف قد دخلت في هذا عند المحاسبة والقضاء، أو أتى ببراءات مفترقة إذا جمعت استوت مع الذكر الحق أو الذكورات الحقوق أو كانت أكثر أو أقل، وليس شيء من ذلك منسوب ليس فيه شيء يشبه أن يكون من الذكورات الحقوق ولا غير ذلك، ويقول في الأكثر قد دخل فيه على الحساب والقضاء مع غيره، فرأى ذلك كله سواء وأنه له براءة يحلف في ذلك إذا ادعى الآخر غير ذلك، وقاله لي قولا لفظا ثابتا، ويتم له بقية الذكورات الحق إذا كانت البراءات أقل من ذلك. قال: وهو أحب إلي، وهو الذي أرى وأستحسن. قال أصبغ: ورددتها عليه مرة بعد مرة فثبت على ذلك، وقاله أصبغ كله. فهذا كله باب واحد، وهو كالطلاق وللطلاق تفسير. قال محمد بن رشد: مساواته في هذه الرواية بين أن تكون البراءة الواحدة أو البراءات أقل من ذكر الحق أو أكثر في أنها براءة للمطلوب، هو المشهور في المذهب الأظهر من الأقوال. وقد قيل: إنها لا تكون براءة له، وهو قول ابن نافع في سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح، وذلك إذا كانت بينهما مخالطة. [وأما إذا لم تكن بينهما مخالطة] فلا اختلاف في أنها تكون له براءة. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات. وتفرقة سحنون في نوازله من هذا الكتاب قول ثالث في المسألة ضعيف لا وجه له. وقد مضى هنالك بيان القول في ذلك. ومعنى قوله وهو كالطلاق وللطلاق تفسير، هو أن يطلق الرجل امرأته فيدعي بعد انقضاء عدتها أنه قد كان راجعها قبل أن تنقضي عدتها ويأتي برجعة مكتوبة قبل ذلك بمدة لا يعلم إن كانت قبل الطلاق أو بعده، فيقول

مسألة: يتزوج بصداق مائة فينقدها خمسين ثم يطلقها قبل الدخول

هي بعد الطلاق، وتقول المرأة هي قبله من طلاق آخر، فيدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في البراءة التي لا يعلم إن كانت متأخرة عن ذكر الحق أو متقدمة عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: يتزوج بصداق مائة فينقدها خمسين ثم يطلقها قبل الدخول] مسألة قال أصبغ: وسألت عن الرجل يتزوج بصداق مائة فينقدها خمسين ثم يطلقها قبل الدخول ويقوم عليه غرماؤه. قال: يقسم ما أخذت على النصفين النصف الذي لها والنصف الآخر؛ لأنها إنما أخذتها على الجميع، فيسترجع منها نصف ما كانت أخذت يأخذه الغرماء منها وتحاصهم المرأة فيها بتمام نصف صداقها، بمنزلة الرجل يبيع السلعتين أو العبدين بمائة دينار فيقتضي الخمسين ثم تستحق إحدى السلعتين أو العبدين ويفوت الآخر في يد المشتري ثم يفلس، فيفض ما كان أخذ على قيمتهما، فما أصاب المستحق من ذلك أخذه الغرماء؛ لأنه إنما اقتضى ما اقتضى عنهما جميعا، ثم رجع البائع فحاصهم فيه ببقية ثمن الفائت وفي جميع مال المفلس، وقاله أصبغ، وهو بمنزلة السلعتين يبيعهما بمائة أو الرأسين فيقتضي خمسين وتفوت واحدة أخرى فيكون أحق بها، فإن أخذها كانت الخمسون التي اقتضى عنها عليهما جميعا، فرد لهذه التي أخذ خمسة وعشرين فكانت مالا من مال المفلس، ودخل فيها وفي غيرها من ماله مع غرمائه بما بقي من ثمن السلعة الفائتة وهو خمسة وعشرون. وهذا قول مالك وأصحابه وأصح أقاويله وأقاويلهم فيها. وكذلك مسألة المرأة، وتفسيرها في المرأة أن الخمسين التي أخذت نصفها للنصف الذي يكون لها بالطلاق، والنصف للذي يسقط عنه به؛ لأنه له، ولا يكون عليه؛ لأنها قد قبضتها على البضع كله حين قبضتها حتى يتمه، فلم يتم البضع

فعليها رد حصة ما لم يتم تتبع به. فالخمسون تقسم نصفين: نصفها لها على نصف صداقها. ويتبقى لها نصفها وهو ربع الصداق وهو خمسة وعشرون، فترد الباقي وهو خمسة وعشرون، ثم تضرب به مع الغرماء دينا في مال الزوج كله كشيء لم يقبض، فكأنها إنما قبضت خمسة وعشرين ثم طلق قبل التفليس فكانت لها في نصف صداقها، وتتبعه بما بقي، وهي حسنة كلها، وهو قول مالك في الرأسين وهي من غر المسائل. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يتزوج المرأة بصداق مائة فينقدها خمسين ثم يطلقها قبل الدخول ويقوم عليه غرماؤه: إن ما أخذت يقسم على النصفين، يريد: النصف الذي يجب لها بالطلاق، والنصف الآخر الذي لا يجب لها إلا بالموت أو الدخول، فيسترجع منه نصفه؛ لأنها قبضته عما لم يجب لها إذا طلقها قبل أن يدخل بها، كان الذي قبضته النصف أو أقل أو أكثر، إنها ترد أبدا نصف ما قبضت إلى الغرماء، ثم تحاصهم فيه وفي جميع مال الزوج المفلس بما يبقى لها من نصف صداقها. ومعنى ذلك عندي إذا قام عليه الغرماء قبل أن يطلقها فطلقها، وأما إن طلقها قبل أن يقوم عليه الغرماء فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أنها ترد نصف ما قبضت أيضا إلا أن يكون الزوج قد سلم لها جميعه قبل أن يقوم عليه الغرماء، وهو الظاهر من هذه الرواية إذ لم يفرق فيها بين أن يكون الطلاق قبل قيام الغرماء عليه أو بعد ذلك، وهو الذي ينقاس أيضا على أصل ابن القاسم. والثاني: أنها لا ترد إلا ما زاد على النصف الذي يجب لها بالطلاق إن كانت قبضت أكثر من النصف؛ لأن ما قبضت قد صار في يدها وحازته كالرهن فوجب أن تكون أحق به، وهو الذي ينقاس على أصل أشهب في أن من صار بيده شيء من مال غريمه فهو أحق به من الغرماء كالرهن وإن لم يرهن إياه. وهذا كله على القول بأن المرأة لا يجب لها بالعقد إلا نصف الصداق وأنها إن قبضت جميعه فالغلة بينهما والضمان عليهما، وأما على القول بأن الغلة لها والضمان منها فلا إشكال في أنها

: يسأل رجلا دينارين فأتاه بدينار فأبى الطالب أخذه إلا جميعا أيجبر على ذلك

لا ترد إذا طلقت وقام على الزوج الغرماء إلا ما زاد على النصف الواجب لها بالطلاق. وقد اختلف إذا فلس الزوج قبل الدخول فحاصت المرأة الغرماء بجميع صداقها ثم طلقها، فقيل: إنها ترد نصف ما صار لها في المحاصة؛ لأنها حاصت بجميع صداقها وإنما كان لها أن تحاص بنصفه، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في المدنية، فقف على افتراق هذه الوجوه الثلاثة إذا طلق قبل أن يقوم الغرماء عليه، أو إذا طلق قبل أن قام الغرماء عليه وقبل المحاصة، وإذا طلق بعد أن قام الغرماء عليه وبعد المحاصة. وأما مسألة الذي يبيع السلعتين بمائة دينار فيقتضي خمسين ثم تستحق إحدى السلعتين وتفوت الأخرى في يد المشتري ويفلس المشتري، فإن فلس قبل استحقاق السلعة فض ما كان أخذ على قيمتها قولا واحدا، وإن فلس بعد استحقاق السلعة فعل ما ذكرناه مما يتخرج في ذلك من الاختلاف إذا فلس الزوج بعد الطلاق وقول أصبغ في المسألة التي ساقها عليها وشبهها بها، وهذا قول مالك وأصحابه، وأصح أقاويله وأقاويلهم كلام فيه نظر؛ لأن قوله: وهذا قول مالك وأصحابه، يقتضي أنهم اتفقوا عليه. وقوله: وأصح أقاويله وأقاويلهم، يقتضي أن أقاويلهم اختلفت في ذلك. فمعنى الكلام: وهذا مشهور قول مالك وأصحابه وأصح أقاويله وأقاويلهم؛ لأن الاختلاف في ذلك معلوم من قوله وقول أصحابه، وقد ذكرنا ذلك في رسم قطع الشجر من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: يسأل رجلا دينارين فأتاه بدينار فأبى الطالب أخذه إلا جميعا أيجبر على ذلك] ومن كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: وسئل: عن رجل يسأل رجلا دينارين، فأتاه بدينار فأبى الطالب أخذه إلا جميعا، أيجبر على ذلك؟ فقال: إن كان الذي عليه الحق موسرا لم يجبر الطالب على أخذ الدينار وأجبر الغريم على دفع الدينارين جميعا إليه، وإن كان معسرا أجبر الطالب على أخذ الدينار وأنظر المطلوب بما بقي، وقاله أصبغ، والحق حقه. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الرجل

: لا توله والدة على ولدها

يكون له على الرجل حق وقد حل فيأتيه ببعض حقه فيقول: لا أقبله منك إلا جملة، أله ذلك، أم يجبر على قبض ما جاءه به؟ قال: أرى أن يجبر على قبض ما جاءه به. قال القاضي: أما إذا كان الغريم معسرا فلا اختلاف ولا إشكال في أنه يجبر الذي له الحق على قبض ما جاءه به وينظره ببقية حقه، لقوله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] . وأما إن كان موسرا ففي ذلك قولان: أحدهما: أنه يجبر على قبض ما جاءه به، وهو قول ابن القاسم في رواية أبي زيد هذه وقول مالك في كتاب ابن المواز. والثاني: أنه لا يجبر على قبض ما جاءه به ويجبر الغريم على دفع جميع حقه إليه، وهو قول أشهب هاهنا وفي كتاب العدة وقول ابن القاسم في كتاب ابن المواز. وكذلك لو كان له عليه دينار مجموع فأتاه بنصف دينار وهو موسر أو معسر. وأما لو كان له عليه دينار دراهم لم يلزمه أن يأخذه منه إلا أن يشاء موسرا كان أو معسرا. وهذا إذا بايعه بالدينار صفقة واحدة. وقد مضى بيان هذا في رسم تأخير العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: لا توله والدة على ولدها] من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ قال أصبغ، في رجل له أمة ولها ولد صغير فدبر ولدها الصغير ثم ادَّانَ ولا مال له غير الأمة وولدها، فقام عليه الغرماء بدينهم فأرادوا بيع الأمة. قال: لا أرى للسلطان أن يبيعها لهم، وذلك أن بيعها تفرقة بينها وبين ولدها، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُوَلَّهْ والدة على ولدها» . ولا يجوز للسلطان أن يبيعها

لهؤلاء الغرماء، وأرى أن تحبس على ولدها موقوفة حتى يبلغ التفرقة، فإذا بلغ بيعت في دين سيدها. وإنما رأيت حسبها على ولدها؛ لأن ولدها لما امتنع فيه البيع للذي سبق فيه من التدبير ولم يجز في السنة التفرقة بينها وبين ولدها صارت كالمدبرة مع ولدها فهي موقوفة عليه تخرج لهم فيتقاضون من خراجها دينهم إلى أن يبلغ ولدها التفرقة كما لو كانت مدبرة، فإن تقاضوا من خراجها دينهم قبل أن يبلغوا التفرقة فذلك، وإن بلغوا التفرقة وبقي من دينهم بيعت أو بيع منها وفاء دينهم، أو يموت السيد قبل ذلك فينظر، فإن كان في الأمة وفاء بالدين بيعت وعتق ثلث المدبر؛ لأنه ثلث ما بقي من ماله، وإن كان في بعضها وفاء لدينه نظر إلى ثلث ما بقي بعد قضاء الدين فيعتق مبلغ ذلك من قيمة الصبي المدبر. قال: وإن كانت هي المدبرة ولا تدبير في ولدها فالجواب فيها سواء تخارج لهم إلى موت سيدها أو يبلغ ولدها التفرقة فيباع لهم في دينهم، فإن كان فيه وفاء وإلا فما بقي من الدين اقتضوه من خراجها إلى أن يموت سيدها فيباع منها بقدر الدين ويعتق منها ثلث ما بقي. قال أصبغ: ولو أن نصرانيا له أمة نصرانية ولها ولد صغير فدبر السيد ولدها الصغير ثم إنها أسلمت لم يجز للسلطان أن يبيعها عليه من المسلمين؛ لأن بيعها تفرقة، ولكن يخارجها عليه وتخرج من خدمته كما كان يفعل بها لو كانت هي المدبرة إلى أن يبلغ ولدها التفرقة ثم تباع من المسلمين، إلا إن رجع النصراني في تدبير الصبي فيباع مع أمه من المسلمين ولا يعرض له في رجوعه عن تدبيره. قال محمد بن رشد: هاتان المسألتان صحيحتان لا وجه للقول فيهما، إذ لا إشكال في شيء من معانيهما، وبالله التوفيق.

مسألة: يكون له عليه مائة دينار فيأتيه رجل يزعم أنه رسول صاحب المائة

[مسألة: يكون له عليه مائة دينار فيأتيه رجل يزعم أنه رسول صاحب المائة] مسألة وسئل: عن الرجل يكون له على الرجل مائة دينار فيأتيه رجل يزعم أنه رسول صاحب المائة إليه أرسله فيقول للذي عليه الدين هات خمسين وأنا أحط عنك خمسين فإن أبى صاحبها الذي أرسلني أن يحطها فهي علي في مالي أنا لها ضامن، أو يزعم أنه وكله على قبض خمسين وقد وضع عنك خمسين فلا يصدقه الغريم فيقول الرسول هات الخمسين وأنا ضامن للخمسين التي أحط عنك إن أنكرها، هل تلزم الرسول الخمسين في الوجهين جميعا إن أنكر صاحب المائة على مثل هذا الشرط؟ أم تراها لازمة له إذا زعم أن الغريم حطها ولا تلزمه إذا حطها هو وضمنها وعلى ذلك قبض الخمسين؟ قال أصبغ: أراهما جميعا سواء إذا كان يقبض على هذا الشرط أن ذلك عليه كله، فأرى أن ينظر في قبضه، فإن كان إنما يقتضي لغائب بعيد الغيبة أو بوجه يطول عليه مكثها عنده إلى ذلك لينتفع بها انتفاعا أو يتقاضى ويقضي فيها ما شاء فلا أراه جائزا وأراه ضامنا للانتفاع وزيادتها له. وإن كان صاحبها قريبا ومفاصلته إياه قريبا وإنما هو كالرسول يأخذ ويذهب به فيعرف ذلك فيرضى أو لا يرضى فيضمن وليس لقبضه إياه عنده مكث كمكث الودائع والبضائع المطول أمرها، فأراه جائزا وأراه لازما، وليس في هذه جريرة زيادة لا ضمان زيادة ولا تهمة فهو عند هذا معروف له. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله أن الضمان لازم له في الوجهين جميعا في حياته وبعد وفاته؛ لأن ذلك يشبه المبايعة، إذ لم يرض الذي عليه الدين أن يدفع إليه الخمسين إلا على أن يضمن له حط الخمسين الأخرى عنه، فإذا كان التزم له ضمانها لانتفاعه بالخمسين التي

مسألة: الذي يبطل من بيع السفيه

قبض لطول كونها في يده جرح فيما بينه وبين خالقه ولم يسقط ذلك عنه ما لزمه من الضمان، ولو كان حطها عنه والتزم له ضمانها في مكان يلزمه دفع الخمسين إليه للزمه ذلك في حياته وسقطت عنه بعد وفاته؛ لأنه معروف على غير عوض، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يبطل من بيع السفيه] مسألة وسئل أصبغ عن البكر تحتاج فتبيع بعض عروضها وتنفق ذلك على نفسها وتصنع في ذلك البيع والإنفاق على نفسها ما كان يصنعه السلطان، أو تبيع ذلك عليها أمها أو واحد ينظر لها من أقاربها وهو غير وصي. ولو أرادت أو أراد من باع ذلك لها رفع ذلك إلى السلطان لم يقدر على ذلك وخاف فيما بين ذلك ضيعة عليها. وكيف إن كانت قادرة على أن ترفع ذلك إلى السلطان أو يرفع ذلك الذي نظر لها فيه فتركت إلا أنها نظرت في ذلك أو نظر لها الناظر بالذي كان ينظر به السلطان من حسن البيع واستقصاء الثمن وبيع ما لم يكن لها بد من أن يباع لها وحسن النظر في الإنفاق، هل يرد مثل هذا السلطان إذا ثبت عنده على هذه الصفة، وهذا الذي اجتهد كان يأمر به لها. قال أصبغ: أما بلوغ المعذرة من السلطان وغير المعذرة فسواء، ليس هذا ينقص ولا يزيد ولا يقدم ولا يؤخر، والقول فيها أنا نرى إن كان الذي باعت أو بيع لها الشيء الذي له بال وقدر مثل العقار الصالح والأمر الكبير من غيره، فهو مردود على كل حال أصله لا يجوز ولا يجاز، وهو بيع سفيه وسفه ومال يتيم لم يبلغ مما لا يباع عليه إلا بالوالي الناظر أو السلطان الناظر بعد النظر والحاجة والاستقصاء، فهو مردود، وأصله لا يجوز: فإذا رد نظر فإن كان الثمن حول في نفقة لا بد منها ولها بيع وأمر لا محيص عنه ولا غناء ولا يرجع

إلى شيء غيره لها بوجه من الوجوه مهما كان لو باعه وصي أو سلطان كان كذلك يبيع، ومما لو رفع إلى القاضي لباع به للحاجة ومما لا بد منه، فأرى حينئذ أن يحسب للمشتري ذلك الذي أكلت أو أنفقت أو أنفق عليها منه في الحد الذي لو كان بيع بصحة أنفق منه وأقيم له، ولا يبطل كله فيكون ظلما، ويكون قد كان غنى لأهله. وإنما الذي يبطل من بيع السفيه ما لا مخرج له منه إذا قبضه حتى يصنع به ما شاء ويبذره ويعمل فيه بشهواته، فهو الذي يكون هدرا كله عنه، فأما ما وصفت لك فلا أرى ذلك وأراه بمنزلة ما لو أدرك في يد السفيه بعد قبضه وقبل تلفه فهو كان يرد إلى المشتري ويفسخ البيع، فكذلك ما دخل في موضعه وجرى فيه فأراه محسوبا له، غير أن أصل بيع العقار يفسخ ويرد وإن كان الذي باع أو بيع بما وصفت خفيفا لا قدر له مثل الدويرة الصغيرة والغلقة والبيت الخرب والأمر اليسير جدا الخفيف باله فبيع لنفقته ومصلحته كما وصفت لك ودخل مدخل ذلك فهو نافذ، وبيع من باع مثل هذا نظر جائز إذا كان موضعه وحقه، ولا يرد أصله إذا كان جعل في نفقة اليتيم ومصلحته وانتفع به في حينه ولم يكن له شيء غيره ونحوه. وقد سألته أنا عنها أو ما يشبههما [إن شاء الله تعالى] . قال محمد بن رشد: فرق أصبغ فيما باعته البكر على نفسها فيما لا بد لها منه من نفقتها أو باعه عليها حاضنها لذلك بوجه السداد الذي لو رفع الأمر فيه إلى الإمام لفعله، بين أن يكون ذلك الشيء الخفيف الذي لا قدر له مثل الدويرة الصغيرة والغلقة والبيت الخرب وما أشبه ذلك، وبين أن يكون الشيء الذي له بال مثل العقار الصالح والأمر الكبير، فقال في الشيء

الخفيف والأمر اليسير من ذلك: إنه يجوز ولا يرد، ومعنى ذلك إذا علمت الحاجة إلى البيع، وأما إن لم تعلم الحاجة فالبيع مردود، وذلك بين من قوله ولا يرد أصله إذا كان جعل في نفقة اليتيم [ومصلحته وانتفع به في حينه ولم يكن له شيء غيره. وقال في الشيء الذي له بال وقدر مثل العقار الصالح والأمر الكبير: إن البيع يرد ولا يجوز على كل حال، غير أنه إن كان الثمن حول في نفقة اليتيم وما] لا بد له منه ولا محيص له عنه لم يبطل عنه وأخذ المشتري من ماله، وفي ذلك من قوله نظر: كيف يرد السلطان بيع ما كان بيعه سدادا وما لو رفع إليه لفعله؟ ووجه ذلك: هو أنه قد يحدث من الأحوال ما يكون رد البيع به يوم يرد هو الحظ لليتيم بخلاف ما كان الأمر يوم وقع البيع به. وفي هذا اختلاف: قد قيل: إن السلطان لا يرد البيع إذا كان سدادا يوم وقع، وقد مضى بيان هذا في رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب التخيير والتمليك. وقول أصبغ: إن اليتيم لا يبطل عنه ثمن ما باع من ماله أو باعه عليه من لا يجوز بيعه عليه إذا أنفقه في مصلحته وما لا بد له منه، خلاف ما روي عن ابن القاسم في المدنية والمبسوطة من أنه لا يتبع به على حال من الحال، أنفقه في فساد أو غير ذلك، مثل قول ابن كنانة فيهما، قال: ولو أن المولى عليه باع سلعة أو ابتاعها من أحد بدين أو أخذ مالا من أحد سلفا فاستهلكه، إن ذلك المال يبطل عنه ولا يتبع به مليا كان أو معدما، إلا أن يكون استنفق ذلك في شيء وقى به النفقة عن ماله، مثل أن يكون اكتسى أو ابتاع به طعاما أو نحو ذلك مما لو لم يكن ابتاعه هو من ذلك المال ابتيع له ذلك من ماله، فأرى أن يكون ذلك في ماله إن كان له مال، وما أنفق منه من قليل أو كثير في فساد فإنه يبطل ولا يتبع به، وهو اختيار عيسى بن دينار، قال: قول ابن كنانة هو الحق الذي لا ينبغي أن يكون غير ذلك إن شاء الله. فيتحصل فيما باع اليتيم دون إذن وصيه أو الصغير من عقاره أو أصوله بوجه من السداد في نفقته التي لا بد له منها إذا كان لا شيء له غير الذي

مسألة: إذا كانت بالغة في السن قد عرف رشدها فباعت أيجوز بيعها

باع أو كان ذلك أحق ما باعه من أصوله ثلاثة أقوال: أحدها: أن البيع يرد على كل حال ولا يتبع بشيء من الثمن، وهو قول ابن القاسم [وهو أضعف الأقوال] . والثاني: أن البيع يرد إن رأى ذلك الوصي، ولا يبطل الثمن عن اليتيم ويؤخذ من ماله، وهو قول أصبغ. والثالث: أن البيع يمضي ولا يرد إلا أن يكون باع بأقل من القيمة أو باع ما غير ذلك أحق بالبيع في نفقته فلا اختلاف في أن البيع يرد وإن لم يبطل الثمن على اليتيم لإنفاقه إياه فيما لا بد له منه. وأما ما باع اليتيم من ماله وأنفق ثمنه في شهواته التي يستغني عنها فلا اختلاف في أنه يرد ولا يتبع بشيء من الثمن كان الذي باع من ماله يسيرا أو كثيرا أصلا أو عرضا، وهو محمول فيما باع وقبض من الثمن أنه أنفقه فيما له منه بد حتى يثبت أنه أنفقه فيما ليس له منه بد. وقد قيل: إن بيع الحاضن على محضونه في نفقته ماله قدر وبال جائز، ذكر ذلك ابن الهندي في وثائقه، وهو الذي يأتي على مذهب من أنزله منزلة الوصي بالحضانة، وهو دليل ما في كتاب القسمة من المدونة ورواية ابن غانم عن مالك أن كل من ولي يتيما قريبا كان أو بعيدا فهو يحوز ما وهب له، وقال ذلك ابن وهب في الأمهات والأجداد والجدات دون سائر القرابات، وقاله ابن كنانة في الأخ أيضا. فيتحصل في ذلك أربعة أقوال: أحدها: أن الحاضن لا يكون كالوصي بحال، والثاني: أنه يكون كالوصي على كل حال، والثالث: أنه يكون كالوصي إذا كان أما أو من الأجداد أو الجدات دون سائر القرابات، والرابع: أنه يكون كالوصي إذا كان من الأجداد أو الجدات أو الإخوة دون سائر القرابات، وبالله التوفيق. [مسألة: إذا كانت بالغة في السن قد عرف رشدها فباعت أيجوز بيعها] مسألة قلت له: يا أبا عبد الله إذا كانت بالغة في السن قد عرف رشدها فباعت، أيجوز بيعها؟ فقال: نعم بيعها جائز إذا بلغت في

مسألة: قال لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف درهم

السن وعرف رشدها وكان بيعها نظرا لنفسها. فقال له رجل من أصحابنا: أترى أن أربعين سنة من السنين لها؟ فقال: نعم، ولم يذكر لنا عقارا ولا غيره. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة وبيانه مستوفى في سماع سحنون، فلا معنى لإعادته، والله الموفق. [مسألة: قال لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف درهم] مسألة قال ابن القاسم: إذا قال الرجل لفلان علي ألف درهم وعلى فلان وفلان، فأراها كلها عليه خاصة وإن كان كلامه نسقا. قال: وإذا قال لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف درهم فلا أرى عليه إلا ثلث الألف؛ لأن الأول قد أقر بألف على نفسه، ثم ندم فأدخل ما أدخل ليسقط بعض ذلك عن نفسه، ولأن الآخر إنما هو إقرار واحد وشهادة واحدة فيؤخذ بحصة ما يلزمه من ذلك ويسقط عنه ما بقي إذ لم تجز شهادته فيما بقي. قال محمد بن رشد: أما الذي قال لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف درهم فلا اختلاف أنه لا يلزمه بإقراره هذا إلا ثلث الألف، وأما إذا قال لفلان علي ألف درهم وعلى فلان وفلان فإن لم يكن ذلك نسقا [لزمته الألف كلها، وإن كان ذلك نسقا] متتابعا فقيل: إنه تلزمه الألف كلها ويحمل ذلك منه على الندم، وقيل: إنه لا يلزمه إلا ثلثها ويصدق فيما ادعاه من أن آخر كلامه مبين لأوله. وقد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى

مسألة: قام عليه غريمه بعد موته فادعى أن له عليه مائة دينار

في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ من كتاب جامع البيوع، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قام عليه غريمه بعد موته فادعى أن له عليه مائة دينار] مسألة قال أصبغ، في رجل قام عليه غريمه بعد موته فادعى أن له عليه مائة دينار فشهد له عند السلطان وطلب مال الميت فلم يوجد له كفاف لدين هذا الطالب، فباع السلطان ماله ثم أوقفه على يدي عدل وضاع المال وجاء غرماء يطلبون دينا كان لهم على الميت وأثبتوا دينهم. قال أصبغ: مصيبة المال من الذي وضع له المال، ويرجع الغرماء عليه فيحاصونه بأخذ كل واحد منهم على قدر دينهم. قال الإمام القاضي: قوله: إن مصيبة المال من الذي وضع له المال صحيح لا اختلاف في أن ما وقف لغريم بعينه في الموت أو في الفلس حتى يدفع إليه أن مصيبته منه إن تلف قبل أن يدفع إليه. وأما قوله: إن الغرماء الذين طرءوا يرجعون عليه فيحاصونه ففي ذلك اختلاف، قيل: إنهم يرجعون عليه، وهو قول أصبغ هذا وظاهر ما في كتاب التفليس من المدونة، وقيل: إنهم لا رجوع لهم عليه، وهو الذي يأتي على ما في كتاب القسمة من المدونة في بعض الروايات أن الذين إذا طرأ على الورثة وقد اقتسموا التركة وتلف جميع ما في يدي بعضهم ببينة قامت على ذلك أن من تلف جميع ما في يديه ببينة فلا يرجع ولا يرجع عليه؛ لأن ما تلف بيد الأمين فهو بمنزلة ما قامت البينة على تلفه، لا فرق بين تلفه بيد الأمين أو ببينة قامت عليه بعد قبضه إياه. وهذا على اختلافهم في الوارث يطرأ على الورثة والغريم على الغرماء أو الموصى له على الموصى لهم وقد تلف ما في أيدي بعضهم ببينة قامت على ذلك، فقيل: إنه لا رجوع له على من تلف ما في يديه ببينة، وقيل: إن له الرجوع عليه، وقيل: يرجع عليه في العين ولا يرجع عليه في العرض، فهي ثلاثة أقوال.

: أجير السقي وصاحب الأرض المكري لها إذا فلس المكتري أو مات

وأما ما وقف في التفليس أو الموقف لاستبراء ما على المفلس أو الميت من الديون، فقيل: إن ضمانه من المفلس عرضا كان أو عينا وهو قول أشهب، وقيل: إن ضمانه من الغرماء عينا كان أو عرضا وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك، وقيل: إن ضمانه من الغرماء إن كان عينا ومن المفلس إن كان عرضا وهو قول ابن القاسم، ومعناه: إذا كانت ديونهم عينا، وأما إن كانت ديونهم مماثلة للمال الموقف فضمانه منهم عينا كان أو عرضا. فتحصيل مذهبه: أن ما يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغريم المفلس؛ لأنه إنما باع على ملكه، وما لا يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغرماء. وقال أصبغ: المصيبة في الموت من الغرماء وفي التفليس من الغريم المفلس، وبالله التوفيق. [: أجير السقي وصاحب الأرض المكري لها إذا فلس المكتري أو مات] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: قال ابن القاسم في أجير يسقي الزرع وأجير يحرز الزرع وصاحب الأرض أنه إذا فلس صاحب الزرع فإن صاحب الأرض والأجير الذي يسقي الزرع أولى من الغرماء يتحاصون بينهم، فإن فضل شيء من حقهم تحاص فيه الغرماء ودخل معهم الأجير الذي يحرز. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن الأجير الذي يحرز الزرع أسوة الغرماء في الموت والفلس جميعا، وإنما اختلف في أجير السقي وصاحب الأرض المكري لها إذا فلس المكتري أو مات، وقد مضى تحصيل هذا الاختلاف وتوجيهه مستوفى في أول سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: النوتي يكون له المركب يحمل عليه القمح ثم يفلس النوتي والمركب له] مسألة وسئل ابن القاسم، عن النوتي يكون له المركب يحمل عليه

مسألة: هو أسوة الغرماء في تلك السلعة ولا يكون أولى بها

القمح ثم يفلس النوتي والمركب له، قال: هو أسوة الغرماء، ولا يكون أولى بالمركب من الغرماء. قال محمد بن رشد: المعنى عندي في هذه المسألة أن صاحب المركب أكرى من الرجل على أن يحمل له طعاما أو متاعا في مركبه ولم يعين له المركب بأن يشير إليه فيقول مركبي هذا أو يسميه فيقول مركبي الفلاني ولا أسلم إليه المركب، فوجب أن يكون المكتري إذا فلس المكري صاحب المركب أسوة الغرماء، كمن اكترى دابة غير معينة لحمل طعام أو متاع ففلس الكري صاحب الدابة قبل أن يسلمها إلى المكتري. وإذا حاص الغرماء اكتري له بما صار له من الكراء ما بلغ واتبعه ببقية حقه. ولو عين المركب لوجب أن يكون أحق به قبض أو لم يقبض على قياس الدابة المعينة. وقد قال بعض أهل النظر في هذه المسألة: إنها مسألة حائلة مخالفة للأصول وليس قوله بصحيح؛ لأن المعنى فيها هو ما حملتها عليه، وبه يصح ويرتفع الاعتراض عنها. وقد مضى القول مستوفى في مسألة الكري يفلس في آخر سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب فلا معنى لإعادته، وتكررت المسألة أيضا في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وبالله التوفيق. [مسألة: هو أسوة الغرماء في تلك السلعة ولا يكون أولى بها] مسألة وسئل ابن القاسم، عن رجل كان لي عليه عشرة دنانير فتقاضيته فأعطى رجلا سلعة يبيعها ويوفيني الثمن، ففلس الرجل الذي لي عليه العشرة قبل أن يبيع ذلك الرجل السلعة. قال: هو أسوة الغرماء في تلك السلعة ولا يكون أولى بها. قال الإمام القاضي: هذه مسألة صحيحة على قياس قول ابن القاسم في الرهون من المدونة أن الراهن ذا قال للمرتهن أنفق على الرهن على أن نفقتك فيه - أنه يكون أحق بما فضل من الرهن عن حقه حتى

مسألة: رجل فلس فأقر فقال هذا مال فلان لرجل قارضه

يستوفي نفقته، إلا أن يكون عليه غرماء فلا يكون أحق ببقية الرهن في نفقته منهم. ولو أراد صاحب السلعة أن يسترد السلعة من عند الذي دفعها إليه ليبيعها ويؤدي ثمنها إلى صاحب العشرة الدنانير لم يكن ذلك له على قياس قول ابن القاسم في مسألة الذي أنفق على الرهن على أن تكون نفقته فيه، وأشهب يرى أنه يكون أحق من الغرماء ببقية الرهن في نفقته لقوله أنفق ونفقتك فيه. فعلى قياس قوله يكون صاحب العشرة دنانير أحق بالسلعة من الغرماء وإن لم ينص على أنها له بيده رهن بحقه، فالخلاف بين ابن القاسم وأشهب قائم من هذه المسألة في الرهن، هل تفتقر صحته إلى التصريح به أم لا؟ فلو دفع رجل إلى رجل سلعة ولم يزد على أن قال له أمسكها حتى أدفع إليك حقك لكانت له رهنا يكون أحق بها من الغرماء عند أشهب، ولم تكن له رهنا يكون أحق بها من الغرماء عند ابن القاسم، لكنه يكون من حقه أن يمسكها حتى يدفع إليه حقه ما لم يقم عليه الغرماء، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل فلس فأقر فقال هذا مال فلان لرجل قارضه] مسألة قال ابن القاسم، في رجل فلس فأقر فقال: هذا مال فلان، لرجل قارضه أو هذا المتاع من ماله القراض - كان مصدقا، وكذلك الموت، هو في ذلك مصدق في التفليس والموت، وصاحبه أولى به إذا كانت له بينة على أصل القراض والوديعة. قلت: أرأيت إن فلس فأقر في شيء بعينه أنه لفلان وأنها سلعته بعينيها وعلى أصل البيع بينة إلا أنهم لا يعرفون السلعة بعينها إنما يشهدون على إقرارهما أنه باع منه عبدا أو جارية أو دابة بكذا وكذا قبل التفليس ثم أقر في التفليس ولا يشهدون أن هذه دابته - أن قوله جائز. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى بيان القول فيها في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ وفي غيره من المواضع المذكورة فيه، فلا وجه لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق.

مسألة: عبد بيع فأبق ثم فلس مشتريه

[مسألة: عبد بيع فأبق ثم فلس مشتريه] مسألة قال ابن القاسم، في عبد بيع فأبق ثم فلس مشتريه، فقال البائع: أنا أحاص بالثمن فإن رجع العبد يوما ما أو وجد أخذته ورددت ما أخذت، قال: ليس ذلك له إما أن يرضى أن يتبع العبد ويطلبه ولا شيء له، وإما أن يحاص بالثمن إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه الثمن. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تكررت في رسم أوصى من سماع عيسى، وقد مضى القول عليها هناك مستوفى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يتحاصان صاحب الأرض والأجير] مسألة وقال، في رجل اكترى أرضا فزرعها واستأجر أجيرا فعمل له فيها فعجز الأجير عن سقيها فاستأجر غيره ثم فلس مكتري الأرض، قال: يتحاصان صاحب الأرض والأجير الآخر، ويكونون أولى من الغرماء، فإن فضل عن حقهم شيء كان الأجير الأول أولى من الغرماء حتى يستوفي حقه. قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول سماع أشهب فلا معنى لإعادته، والله الموفق. [مسألة: دفع إلى رجل ثوبا يصبغه فصبغه ثم دفعه إلى صاحبه ثم فلس صاحب الثوب] مسألة وقال في رجل دفع إلى رجل ثوبا يصبغه أو غزلا ينسجه فصبغه أو نسجه ثم دفعه إلى صاحبه قبل أن يستوفي حقه ثم فلس صاحب الثوب، قال: يكون العامل شريكا في الثوب بقيمة الصبغ

مسألة: يكرى البناء يبني له دارا فيبني ثم يفلس صاحب الدار

والنسج. قيل له: فإن كان الصبغ ينقص الثوب؟ قال: وإن كان ينقص فإنما يكون شريكا بقيمة الصبغ. قال الإمام القاضي: قوله: إنه يكون شريكا بقيمة النسج وهو لم يخرج فيه إلا عمل يده خلاف ما مضى في رسم العرية من سماع عيسى، وقد مضى القول على هذه المسألة هناك مستوفى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يكرى البناء يبني له دارا فيبني ثم يفلس صاحب الدار] مسألة وسئل: عن رجل استأجر صائغا يعمل له في بيته حليا فكان الصائغ يأتي البيت يعمل فإذا كان الليل ترك الحلي ثم انصرف إلى منزله، ففلس صاحب الحلي؟ قال: الصائغ أسوة الغرماء؛ لأنه لا ضمان عليه. قيل له: أرأيت من استأجر أجيرا ببقره يدرس له أندرا، فكان يأتي ببقره فيدرس فإذا كان الليل انقلب ثم فلس صاحب الزرع؟ قال: فهو أولى، ولا يشبه الصائغ. قيل له: فالرجل يكرى البناء يبني له دارا فيبني ثم يفلس صاحب الدار؟ قال: فالبناء أسوة الغرماء. وسئل: عمن دفع عبده إلى رغاف وأعطاه إجارة على تعليمه، فكان عنده يعلمه ففلس السيد؟ قال: المعلم أولى به من الغرماء، يريد: إلا أن يدفعه في عمل ينقلب إلى سيده كل ليلة مثل الصباغ والخياط فإنه يكون أسوة الغرماء. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم يوصى لمكاتبه في سماع عيسى القول في مسألة المستأجر على درس الزرع والفرق بينها وبين مسألة الصائغ يستأجر على أن يعمل في بيت الرجل، فلا معنى لإعادته. وقوله في مسألة البناء: إنه أسوة الغرماء - معناه: إذا لم يخرج في البنيان أكثر

مسألة: أعطى مالا قراضا فادان ديونا فأفلس

من عمل يده، وهو خلاف ما تقدم له قبل هذا في مسألة النسج. وأما إذا جعل شيئا أخرجه من عنده مع عمل يديه فلا اختلاف في أنه يكون أحق به. وقد مضى القول على ذلك مستوفى في رسم سلف من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. وتفرقته في مسألة الذي يدفع عبده إلى رغاف ليعلمه بإجارة معلومة بين أن ينقلب إلى سيده كل ليلة أو لا ينقلب ويكون مأواه ومبيته عند الرغاف صحيحة، ومعناه عندي: إذا فلس سيده وهو عنده لم يرده إلى الرغاف، وأما إذا فلس وهو بيد الرغاف قد رجع إليه من عند سيده على عادته فهو أحق به أيضا؛ لأنه كالرهن بيده. ومعنى قوله: أعطاه إجارة على تعليمه، أي: واجبة عليها، وبالله التوفيق. [مسألة: أعطى مالا قراضا فادان ديونا فأفلس] مسألة وقال، في رجل أعطى مالا قراضا فادان ديونا فأفلس: إن المقارض فيما أعطاه أسوة الغرماء إلا أن يدرك من ماله شيئا بعينه فيكون أحق به، وقول المقارض: إن هذا مال فلان، فلا يقبل قوله في ذلك؛ لأنه مصدق على ما لا يتهم أن يكون في ذمته إلا مثل ما يلزم ذمته من غيره، وهو أيضا يقبل قوله فيما يدعي من وضيعة أو ربح، وذلك لمن يؤذن له في المدانية. قال الإمام القاضي: كذا وقع، وقال في رجل أعطى مالا قراضا فادان ديونا فأفلس، وصواب الكلام في رجل أعطي مالا قراضا فادان ديونا فأفلس؛ لأن المفلس إنما هو المقارض الذي أعطي المال لا المقارض الذي أعطاه، وذلك بين من قوله: إن المقارض فيما أعطاه أسوة الغرماء، ويريد بقوله فيما أعطاه أي بما أعطاه؛ لأنه إذا لم يدرك ماله الذي أعطاه بعينيه كان به أسوة الغرماء في جميع مال المفلس، وإذا أدرك ماله بعينه وقامت بذلك البينة فهو أحق به من الغرماء بلا خلاف. وأما إذا لم تقم بينة ففي تصديق المقارض المفلس في أن هذا هو مال القراض اختلاف قد مضى تحصيله في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ وفي غير ما موضع

مسألة: صاحب السفينة أولى بما فيها من الغرماء

فلا معنى لإعادته. ووقع في هذه الرواية: وقول المقارض إن هذا مال فلان فلا يقبل قوله في ذلك، وفي رواية أخرى: فيقبل قوله في ذلك، وهي الرواية الصحيحة؛ لأنه اعتل لقبول قوله بما ذكره من أنه مصدق على ما لا يتهم أن يكون في ذمته إلا مثل ما يلزم ذمته من غيره، يريد: أن الذي يلزم ذمته قبل قوله أو لم يقبل سواء فلا تهمة عليه في إقراره. بيان ذلك بالمثال: أن يكون مال القراض مائة فيفلس المقارض رجلان لكل واحد منهما عليه مائة مائة فيوجد له مائتان، فيقول المقارض المفلس في إحدى المائتين إنها مال المقارض بعينه. فإن قبل قوله أخذها وكان أحق بها، وكانت المائة الباقية بين الغريمين واتبعاه بمائة خمسين خمسين، وإن لم يقبل قوله تحاصوا ثلاثتهم في المائتين فوجب لكل واحد منهم منها ستة وستون وثلثان واتبعوه جميعا بمائة: ثلاثة وثلاثين وثلث، ثلاثة وثلاثين وثلث، فالتعليل يدل على صحة هذه الرواية، ويدل على صحتها أيضا قوله: وهو أيضا يقبل قوله فيما يدعي من وضيعة أو ربح، إذ لا يصح أن يقول وهو أيضا يقبل قوله وهو قد قال أولا إنه لا يقبل قوله. وقوله في الرواية وذلك لمن يؤذن له في المداينة صحيح إن كان عمل في مال القراض بالدين؛ لأن المقارض لا يجوز له أن يعمل في مال القراض بالدين إلا بإذن صاحب المال، فإن عمل فيه بالدين دون إذن صاحب المال كانت الوضيعة عليه، وإن كان عمل فيه بالدين بإذنه كانت الوضيعة عليه وكان العامل مصدقا فيها كما لو باع واشترى بالنقد فادعى الوضيعة، وبالله التوفيق. [مسألة: صاحب السفينة أولى بما فيها من الغرماء] مسألة وقال في الجمال يتكارى على حمل متاع فيحمل ثم يفلس صاحب المتاع والمتاع على الإبل: إنه أولى به. وسئل: هل يكون صاحب الحانوت أولى بما فيه من الغرماء؟ قال لا. قيل: له فصاحب السفينة أولى بما فيها من الغرماء؟ قال: نعم إنما هي حمولة. قيل: له وكذلك الجمال؟ قال: نعم.

مسألة: اشترى عرصة وبنى فيها فجاء البائع يطلب الثمن فوجده قد فلس

قال محمد بن رشد: قوله في المتكاري يفلس ومتاعه على الإبل التي اكتراها: إن الجمال أولى به حتى يستوفي كراءه - هو نص قوله في المدونة وغيرها، وفي ذلك تفصيل: أما إذا أسلم المتاع إلى الجمال ليحمله على جماله فأفلس صاحب المتاع والمتاع بيد الجمال فلا اختلاف في أنه أحق به في الموت والفلس من الغرماء؛ لأنه كالرهن بيده، وأما إذا أسلم الجمال الإبل إلى المكتري ليحمل عليها متاعه ففلس المكتري قبل أن يصل أو عند وصوله قبل أن يحوز متاعه ويرد الإبل إلى الجمال، فالمشهور أن الجمال أولى بالمتاع حتى يستوفي جميع كرائه، وهو الذي في كتاب التفليس من المدونة. وعلل ذلك بأنه إنما بلغ الموضع على إبله، والعلة الصحيحة في ذلك أنه كالرهن بيده؛ لأن كونه على ظهور إبله قبض ويتخرج في ذلك قولان سواه: أحدهما: أنه أسوة الغرماء في الموت والفلس جميعا، إذ ليس المتاع بيده رهن له قد حازه فيكون أحق به في الموت والفلس جميعا، ولا هو عين ما باعه فيكون أحق به في التفليس دون الموت على ما جاء في الحديث المأثور الصحيح في ذلك، والثاني: أنه أحق في الفلس دون الموت، ووجه هذا القول أن حمل المتاع من البلد إلى البلد على الإبل تنمية له، فأشبه اكتراؤه عليه ابتياعه إياه فوجب أن يكون المكري الجمال أحق به في الفلس دون الموت كما لو باعه منه. وهذا على قياس القول في رب الأرض يكري الأرض فيزرعها المكتري ثم يفلس أن رب الأرض أحق بالزرع من الغرماء في الفلس دون الموت على هذا التعليل الذي وصفناه. وقد مضى في أول سماع أشهب ما يبين ما ذهبنا إليه في هذه المسألة، ومسألة السفينة محمولة على مسألة الدابة؛ لأن المعنى فيهما جميعا سواء. وأما مسألة الحانوت والدار فلا اختلاف في أنه لا يكون واحد منهما أولى بما فيها من المتاع والأثاث إذا فلس المكتري لهما قبل أن يستوفي كراءه منهما لا في الموت ولا في الفلس إذ لم يبعه شيئا من ذلك ولا هو رهن بيده، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى عرصة وبنى فيها فجاء البائع يطلب الثمن فوجده قد فلس] مسألة وسئل: عن رجل باع عرصة فبنى فيها المشتري ثم جاء

مسألة: دفع إلى صائغ سوارين يعملهما له ثم فلس

البائع يطلب ثمن عرصته فإذا الرجل المشتري قد فلس، قال: إن شاء حاص الغرماء بماله وإن أبى نظر كم قيمة العرصة وقيمة البنيان، فإن كانت قيمة العرصة ربع الدار أو ثلثها بيعت الدار فدفع إليه ثلث ثمن الدار أو ربع ثمنها، فعلى هذا يحسب. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا إشكال فيها ولا اختلاف، وهي نظيرة مسألة الغزل التي مضت في رسم العرية من سماع عيسى ومضى التكلم عليها هناك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إلى صائغ سوارين يعملهما له ثم فلس] مسألة وسئل: عن رجل دفع إلى صائغ سوارا يعمله له، ثم دفع إليه سوارا آخر بعد ذلك، فعمل أحدهما فأخذه صاحبه ولم يعطه أجره، فلم يفرغ من الآخر حتى فلس. قال يحيى: السوار الذي في يده بإجارته فيه، ويكون أسوة الغرماء في السوار الآخر الذي دفع إليه كان معا أو مفترقا، يريد دفع السوارين. قلت له: أرأيت إن كان لم يفلس فعمل أحدهما ولم يعمل الآخر فقال الصائغ ادفع إلي إجارة السوارين فقال قد دفعت إليك إجارة الأول الذي أخذته وقال الصائغ لم آخذ منك شيئا؟ قال: إن كان دفعهما جميعا معا والإجارة واحدة كان القول قول الصائغ، فإن كانا مفترقين واحدا بعد واحد حلف صاحب السوارين وكان القول قوله: إلا أن يطلب إجارته بحدثان ذلك، فإن فعل ذلك رأيت القول قول الصائغ مع يمينه. قال محمد بن رشد: قوله في الذي فلس بعد أن قبض أحد السوارين من الصائغ قبل أن يدفع إليه من أجرته شيئا إن الصائغ يكون أحق بالسوار الذي بيده في أجرته فيه ويكون أسوة الغرماء بأجرة السوار

مسألة: حبس في دين فجاء من يشهد للمحبوس أنه ليس له شيء

الذي دفعه، صحيح إذا كان استعماله إياهما في صفقتين. وأما إن كان استعماله إياهما في صفقة واحدة فمن حق الصائغ أن يمسك السوار الذي بيده بجميع أجرته في السوارين كالرهن؛ لأنه ارتهنهما جميعا صفقة واحدة بأجرتهما جميعا، فمن حقه أن يمسك الباقي في يديه حتى يقبض جميع حقه، كمن ارتهن سوارين أو عبدين بعشرين دينارا فدفع أحدهما إلى الراهن ليدفع إليه نصف حقه فلم يفعل حتى فلس أنه أحق بالباقي في يده من السوارين أو العبدين من الغرماء حتى يستوفي جميع حقه. وهذا مما لا إشكال فيه ولا اختلاف. فقوله: كانا معا أو مفترقين - يريد: دفع السوارين، كلام غير صحيح وقع على غير تحصيل. وتفرقته في مسألة اختلافهما في دفع الأجرة بين أن تكون الأجرة وقعت فيهما صفقة واحدة أو في صفقتين يمضي على مسألة التفليس ويبين ما ذهبنا إليه فيها من الفرق بين الوجهين. وقوله: إن الصائغ إذا طلب أجرته بحدثان ما دفع السلعة التي استعمل إياها كان القول قوله مع يمينه وحدثان ذلك هو اليوم واليومان والثلاثة على ما في كتاب الرواحل والدواب من المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: حبس في دين فجاء من يشهد للمحبوس أنه ليس له شيء] مسألة وسئل: عن رجل حبس في دين فجاء من يشهد للمحبوس أنه ليس له شيء، وجاء من يشهد للغريم أن المحبوس موسر بهذا الدين. قال: لا ينظر إلى الذين شهدوا لهذا ولا لهذا، وأرى أن يرسل ويدس في ذلك أهل الصلاح في السر، فإن كان له مال ضيق عليه حتى يؤخذ منه الحق، وإن كان معدما لا شيء له فأرى أن يخلى حتى يرزقه الله تعالى. وإنما يدس في ذلك أهل العدل والمعرفة. قال الإمام القاضي: هذه مسألة وقعت في بعض الروايات، وفيها

إذا اعتبرت اضطراب؛ لأنه قال فيها: إنه لا ينظر إلى الذين شهدوا لهذا ولا لهذا، وأرى أن يرسل ويدس في ذلك أهل الصلاح في السر. وقوله فيها إنه لا ينظر إلى الذين شهدوا لهذا ولا لهذا، يريد إذا تكافأت البينتان في العدالة فوجب أن يبقى مسجونا على الأصل في أنه محمول على الملأ حتى يثبت عدمه، وهو قد قال: إنه يرسل، فيقوم من الرواية قولان: أحدهما: أنه ينظر إلى أعدل البينتين، فإن استوتا في العدالة سقطتا وبقي مسجونا على حاله فكانت بينة العدم على هذا أعمل عند تكافئ البينتين، والثاني: أنه ينظر إلى أعدل البينتين، فإن استوتا في العدالة سقطتا أيضا وأرسل من السجن حتى يسأل عنه في السر فينكشف من حاله ما يوجب أن يعاد إليه، فكانت بينة العدم على هذا أعمل عند تكافئ البينتين. وفي المسألة قولان آخران: أحدهما: أن بينة العدم أعمل وإن كانت أقل عدالة، وقع هذا القول في أحكام ابن زياد لمحمد بن غالب وغيره من معاصيره، قالوا: إن شهادة الذين شهدوا على اليسار أعمل ويحبس بشهادتهم حتى تقوم بينة أنه أعدم بعد ذلك بجائحة أصابته. ووجه ما ذهبوا إليه أنهم رأوا أن الذين شهدوا بملائه علموا من حاله ما جهلته البينة الأخرى التي شهدت بعدمه، فجعلوا ذلك من باب الزيادة في الشهادة. والقول الثاني: أن شهادة العدم أعمل وإن كانت أقل عدالة وهذا القول يتركب على قياس قوله في هذه الرواية إنه ينظر إلى أعدل البينتين؛ لأنه لا ينظر إلى أعدل البينتين إلا عند استوائهما جميعا في ألا مزية عند أحدهما في زيادة معرفة أو علم على الآخر أو إذا لم يجعل للذين شهدوا بالملأ مزيد في العلم والمعرفة على الذين شهدوا بالعدم على مذهبه في هذه الرواية، وهو الصحيح في المعنى، إذ لم يثبتوا الشهادة بأنهم يعرفون له مالا أخفاه وإنما شهدوا أنهم يعلمونه عديما في ظاهر حاله كما شهدت البينة الأخرى أنهم يعلمونه عديما في ظاهر حاله، وجب أن تكون بينة العدم أعمل من بينة الملأ؛ لأن بينة العدم أوجبت حكما وهو إطلاقه من السجن إن كان قد سجن أو ارتفاع السجن عنه فيما ثبت عليه من الدين إن كان لم يسجن، وبينة الملأ لم توجب حكما؛ لأنها أبقته على حكم الأصل من كونه محمولا على الملأ الذي يوجب سجنه بما ثبت

مسألة: المقارض إذا تداين في القراض بإذن رب المال

عليه من الدين حتى يثبت عدمه، اللهم إلا أن تكون الشهادتان بعد أن أطلق من السجن بما بان من عدمه؛ لأن شهادة الملأ هنا هي التي توجب الحكم برده إلى السجن، وشهادة العدم لا توجب إلا بقاءه على حكم الأصل الذي به وجب تسريحه من السجن. ولو قال الشهود بملائه إنهم يعلمون له مالا باطنا أخفاه لما صح أن يختلف في أن شهادتهم أعمل من شهادة من شهد بعدمه، وبالله التوفيق. [مسألة: المقارض إذا تداين في القراض بإذن رب المال] مسألة وسئل: عن رجل أفلس وضرب على يده ولم يكن له مال فأتاه رجل من الناس فأعطاه مالا قراضا وهو يعلم بإفلاسه، فداين به الناس حتى فلس، ثم أراد الذي أعطاه المال أن يأخذ ماله، لم يكن ذلك له؛ لأن الناس إنما داينوه لما في يديه ولم يداينوه في ذمته، فالغرماء أولى بماله. فإن فضل فضل كان له إلا أن يتعدى المقارض في المال بشيء، مثل أن يسلف أو يخالف إلى ما نهاه عنه، فكل ما تعدى فيه كان ضامنا له، بمنزلة ما لو أسلفه إياه فيكون في ذمته، فكذلك ما تعدى فيه. قال ابن القاسم: كذلك قال لي مالك لا ينبغي أن يداين في القراض، فإن أدان فيه فهم أولى به. قال: ولا يحل القراض على أن يقول داين، وإن كان تعدى وماله معروف في الذي تعدى فيه ببينة أو إقرار فهو أحق به من الغرماء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها أن المقارض إذا تداين في القراض بإذن رب المال فالغرماء أولى بالمال منه حتى يستوفوا ديونهم، وإذا تداين فيه بغير إذن رب المال وقد علموا أنه مال قراض فرب المال أولى بماله من الغرماء. وكذلك إذا أسلف منه أو تعدى ما أمره به فهو أحق بماله في جميع ذلك، ولا يجوز على رب المال

مسألة: أجير السقي في الزرع أو النخل إذا فلس صاحب الزرع أو النخل

عداؤه. وقد مضى في أول سماع أصبغ ما فيه بيان لهذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: أجير السقي في الزرع أو النخل إذا فلس صاحب الزرع أو النخل] مسألة قال ابن القاسم، في أجير السقي في الزرع أو النخل إذا فلس صاحب الزرع أو النخل: إن الأجير أولى من الغرماء. وأما الأجير يحرس الزرع أو النخل فهو أسوة الغرماء. قال الإمام القاضي: قد تكررت هذه المسألة في أول هذا السماع ومضى القول عليها مستوفى في أول سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل قام عليه غرماؤه ففلسوه فيما بينهم وأخذوا ماله ثم داينه آخرون] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك، في رجل قام عليه غرماؤه ففلسوه فيما بينهم وأخذوا ماله ثم داينه آخرون: إن الآخرين أولى بما في يديه من الأولين بمنزلة السلطان. قال ابن القاسم: ولو قاموا فلم يجدوا في يديه شيئا وداينوه فلم يجدوا له شيئا فتركوه، لم أر هذا تفليسا، وروايته: إن داينه آخرون بعد ذلك ثم فلس أنه يدخل الأولون من الآخرين إلا أن يكون بلغوا به السلطان وكان السلطان هو الذي فلسه لهم فذلك تفليس، وإن لم يوجد له شيء، وذلك أن السلطان يكشفه ويبلغ من كشفه مَا لَا يَبْلُغُ هؤلاء ولو أعلم أنهم كانوا يبلغون من ذلك لرأيت أَنَا ذلك تفليسا، ولكن لا أحب أن أقوله مخافة ألا يكونوا يبلغون ذلك. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم البيوع الثاني من سماع أصبغ فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: تزوج امرأة وأصدقها عبدين ودفعهما إليها ثم فلست المرأة وطلقها الزوج

[مسألة: تزوج امرأة وأصدقها عبدين ودفعهما إليها ثم فلست المرأة وطلقها الزوج] مسألة وقال في رجل تزوج امرأة وأصدقها عبدين ودفعهما إليها ثم فلست المرأة وطلقها الزوج، قال: هو أحق بأحد العبدين من الغرماء. قال محمد بن رشد: قوله وطلقها الزوج، يريد قبل البناء. وقوله: إنه أحق بأحد العبدين من الغرماء، يريد: أنه يكون شريكا فيهما، قاله ابن أبي زيد وهو صحيح. والمسألة كلها صحيحة لا اختلاف فيها. والأصل في أنه يكون أحق من الغرماء بما وجب له من الصداق إذا أدركه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما رجل فلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» . ولو فات الصداق في يديها باستهلاك منها له لكان له محاصة الغرماء بنصف قيمته، ولو فات في يديها بأمر من السماء لم يكن عليها فيه شيء على مذهب ابن القاسم روايته عن مالك في أنهما شريكين فيه إذا طلقها قبل البناء تكون المصيبة إن تلف منهما والغلة بينهما. وعلى القول بأن الغلة لهما والمصيبة منها إن أصدقها عبدا فمات وطلقها قبل البناء وقد فلست - أنه يحاص الغرماء بنصف قيمته. وقد قال ابن المواز على قياس قول ابن القاسم وروايته عن مالك: إن المرأة إذا طلقت قبل البناء وفلست فإن عرف المهر بيدها فالزوج أحق بنصفه، وإن لم يوجد إلا نصفه فإن عرف هلاكه بغير سببها فليس له إلا نصف ما وجد ولا محاصة له بما بقي، وإن هلك بسببها حاص بنصف ما ذهب فيه وفي سائر مالها، وهو صحيح، وبالله التوفيق. [مسألة: يحاص الذي كان له عليك المائة مع غرماء العبد فيما في يد العبد] مسألة قال ابن القاسم، في عبد كان لي وأذنت له في التجارة

فداين الناس وكان لرجل علي مائة دينار فأحلته بها على عبدي ثم فلس العبد. قال: يحاص الذي كان له عليك المائة مع غرماء العبد فيما في يد العبد. قيل له: فإنه حاص فصار له في المحاصة نصف حقه، قال: يرجع على السيد بنصف الحق ويرجع غرماء العبد على السيد بما صار لغريمه في المحاصة وهو خمسون دينارا؛ لأنه هو الذي أدخله عليهم، فإن لم يكن عنده شيء باعوا من العبد ما كان لهم أن يرجعوا به على السيد. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، ولا تصح إلا على معنى ما، وهو أن يكون السيد أحال غريمه على عبده ولا دين له عليه، فلما فلس العبد لم يعلم إن كانت الإحالة قبل ديون الغرماء فيكون من حق المحال أن يحاص الغرماء ولا يكون للغرماء رجوع على السيد بشيء، أو بعد ديون الغرماء فلا يكون للمحال محاصة الغرماء، والسيد مقر أن الإحالة كانت بعد ديون الغرماء والمحال منكر لذلك ومدع أن الديون إنما لحقت العبد بعد الإحالة. فعلى هذا التأويل تستقيم المسألة. وقد قال فيها ابن دحون: إنها مسألة غير مستقيمة؛ لأنه إن كان أحال الغريم على دين له على العبد فليس للمحال رجوع ولا للغرماء رجوع على السيد بما وقع للمحال في المحاصة، وإن كان أحاله على ماله الذي في يدي العبد فلا يخلو أن يكون ذلك قبل أن يتداين العبد أو بعد أن يتداين، فإن كان قبل أن يتداين فلم يقبض المحال حتى فلس العبد فلا رجوع له ولا للغرماء على السيد بما يقع للمحال في المحاصة؛ لأنه أحد أهل دين العبد، وإن كان بعد أن تداين العبد أحال عليه فذلك لا يجوز على الغرماء؛ لأنهم أولى بما في يدي العبد من السيد وممن أحاله السيد. وليس قوله بصحيح لاحتمال المسألة سوى الوجوه التي قسم المسألة إليها وفسرها على معنى ما في المدونة وما في سماع ابن القاسم من كتاب الكفالة والحوالة. فمن الوجوه التي تحتملها الوجه الذي ذكرنا أنه تصح عليه المسألة، وهو أن السيد أحال غريمه على العبد على غير أصل دين كان له على العبد؛ لأن الحوالة على غير أصل

مسألة: مفلسا ورث أباه أووهب له ماذا يكون للغرماء منه

دين حمالة، وحمالة العبد لسيده إذا لم يكن عليه دين جائزة لازمة له في ذمته، وإن مات أو فلس كالحر سواء. فلما أحاله عليه قبل أن يفلس ثم فلس كان له أن يحاص الغرماء ويرجع على الذي أحاله ببقية حقه لما ذكرناه من أن الحوالة على غير أصل دين حمالة، وكان لغرماء العبد أن يرجعوا على السيد بما صار لغريمه المحال في المحاصة على ما ذكرناه في تأويل المسألة من أن السيد مقر أنه أحاله على عبده بعد أن اغترقت الديون ذمته، وبالله التوفيق. [مسألة: مفلسا ورث أباه أووهب له ماذا يكون للغرماء منه] مسألة قلت: أرأيت لو أن مفلسا ورث أباه أو وهب له ماذا يكون للغرماء منه؟ قال: إن ورثه لم يعتق إذا كان الدين يحيط به وكان الدين أولى به كشيء أفاده. وأما إن وهب له فهو معتق عليه وليس لأهل الدين فيه شيء؛ لأنه لم يوهب له ليأخذه أهل الدين إنما أراد حين وهب له أن يعتقه، فإذا أخذه أهل الدين كان أضر به. قال الإمام القاضي: أشهب يقول: إن العتق أولى به في الميراث كالهبة، وبه قال محمد بن المواز، ولا وجه للتفرقة في ذلك بين الميراث والهبة. واعتلاله لوجوب العتق فيه بالهبة بأنه لم يوهب له ليأخذه أهل الدين، إنما أراد أن يعتقه - اعتلال فاسد، إذ لا يدرى حقيقة ما أراد، فلعله إنما أراد منفعة الموهوب له بأن تؤدى عنه ديونه من ثمنه، لا سيما إن كان ممن يجهل أنه لا يصح له ملكه. ولا يصح في المسألة على مقتضى القياس إلا قولين (كذا) : أحدهما: أنه يعتق في الوجهين جميعا وهو قول أشهب، والثاني: أنه لا يعتق في الوجهين جميعا ويباع للغرماء فيهما. والأصل في هذا الاختلاف اختلافهم فيمن ملك من يعتق عليه هل هو حر بنفس ملكه إياه أو ليس بحر حتى يعتقه أو يعتق عليه، فعلى القول بأنه حر بنفس ملكه إياه يكون حرا في الوجهين جميعا ولا يكون لأهل الدين فيه حق وهو قول أشهب، وعلى القول بأنه لا يكون حرا حتى يعتقه أو يعتق

عليه بدليل ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنه قال: «لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» ، لا يعتق عليه ويباع للغرماء في الوجهين جميعا. وعلى هذا الاختلاف يأتي الاختلاف الواقع في كتاب العتق الأول من المدونة في الذي يشتري أباه وعليه دين يغترقه، هل يرد البيع أو يباع عليه في الدين؟ وإذا اشتراه وليس عنده ثمنه كله هل يرد البيع أو يباع منه ببقية الثمن للبائع ويعتق الباقي؟ فذهب مالك إلى أنه يرد البيع في المسألتين جميعا على قياس القول بأنه لا يصح أن يتقرر له عليه ملك، وذهب ابن القاسم إلى أنه يباع عليه إذا اشتراه وعليه دين ويباع عليه منه ببقية الثمن للبائع وبعتق الباقي إذا اشتراه وليس عنده ثمنه كله. وقد تأول بعض الناس على ما في المدونة لمالك بظاهر قوله فيها إنه فرق بين المسألتين، فقال في الذي يشتري أباه وعليه دين: إنه يباع عليه في الدين، وفي الذي يشتريه وليس عنده ثمنه كله: إن البيع يرد، وليس ذلك بصحيح، إذ لا وجه للتفرقة بين المسألتين كما لا وجه للتفرقة بين الميراث والهبة. وإنما أدخل سحنون قول المخزومي في المدونة حجة لمالك على ابن القاسم في المسألتين جميعا. ويتخرج على قياس القول بأن من ملك من يعتق عليه لا يكون حرا بنفس الملك حتى يعتق عليه أنه لا يحد إن كانت أمة فوطئها عالما بوجوب عتقها عليه خلاف ما في سماع عيسى من كتاب الحدود من أنه يحد إلا أن يعذر بجهالة ولو اشترى الرجل من يعتق عليه من ورثته وهو صحيح أو مريض بثلث ماله فأقل فلم يعلم بذلك حتى مات، ورثه على القول بأنه حر بنفس الشراء، ولم يرثه على القول بأنه لا يكون حرا حتى يعتق. وقد اختلف إذا اشتراه في مرضه بثلث ماله فأقل وعلم بذلك قبل أن يموت، فقيل: إنه يعجل له العتق في مرضه ويرث، وهو ظاهر ما في المدونة، وقيل: إنه لا ميراث له بحال؛ لأن فعل المريض لا ينظر فيه إلا بعد الموت وهو قول أشهب، وقيل: إنه ينظر فيه بعد الموت فإن خرج

مسألة: الجمال يفلس وفي يدي هذا جمل يركبه

من الثلث ورث، وإن لم يخرج من الثلث لم يرث، وهو ظاهر قول ابن القاسم في أول سماع عيسى من كتاب الوصايا. وأما إذا اشتراه في مرضه بأكثر من الثلث فقيل: إنه لا يرث بحال وهو قول أشهب، وقيل: إنه يرث إن حمله الثلث بعد الموت، وهو أحد قولي ابن القاسم، وقيل: إنه إن كان ممن له أن يستلحقه كان له أن يشتريه بجميع ماله ويرث، وإن لم يكن له أن يستلحقه لم يكن له أن يشتريه إلا بالثلث ولا يرث، وقيل: إنه إن كان ممن يحجب جميع الورثة عن الميراث كان له أن يشتريه بجميع ماله ويرث، وإن لم يكن ممن يحجب جميع الورثة عن الميراث لم يكن له أن يشتريه إلا بالثلث ولا يرث، وبالله التوفيق. [مسألة: الجمال يفلس وفي يدي هذا جمل يركبه] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الجمال يفلس وفي يدي هذا جمل يركبه، قال: كل من كان في يديه جمل يركبه كان أولى به من غيره. قال أصبغ: كذلك قال لنا ابن القاسم. قيل له: إنه كان يدخل بينهم يجعل هذا البعير تحت هذا يوما ثم يجعل تحته غيره من الغد، ويجعل ذلك البعير تحت غيره. قال: إنما ينظر إليه حين فلس، فكل من كان في يديه بعير حين فلس كان أحق به وإن كانت تحته أمس غيره. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم القبائل من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب وكتاب الرواحل والدواب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: المريض يبيع في مرضه فيحابي في بيعه بأكثر من الثلث] مسألة قال سحنون: لو أن رجلا مرض فباع في مرضه دارا ثمنها ثلاثمائة دينار بمائتي دينار وحابى بمائة دينار ولا مال له غيرها ثم

أخذ المائتين فاستنفقها ثم مات، فإنه يقال للورثة: إن صاحبكم قد حابى بمائة ولا يحمل ذلك ثلثه من قبل أنه استنفق المائتين، فإما أن تمضوا بيعه وإما أن تختلعوا من ثلثه للمشتري، فإن أجازوا مضى البيع، وإن لم يجيزوا بيع من الدار بقدر المائتين التي استنفقها، ثم يكون للمشتري ثلث ما بقي من الدار بعد الذي بيع منها. قال الإمام القاضي: اختلف في المريض يبيع في مرضه فيحابي في بيعه بأكثر من الثلث، مثل أن يكون له عبد قيمته ثلاثمائة دينار فيبيعه بمائة دينار ثم يموت ولا مال له غيره على ثلاثة أقوال: أحدها: أن الورثة يخيرون ابتداء بين أن يجيزوا البيع وبين أن يمضوا للمشتري من العبد ثلثه بالوصية وثلثه بالمائة التي دفع، وهذا إذا كانت قيمته على حالها والمائة باقية، وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا. والثاني: أنه يمضي منه للمشتري بالثمن قدر ما لا محاباة فيه ثم يخير الورثة في المحاباة فإن شاءوا أجازوها وأمضوها وإلا قطعوا له بثلث الميت وهو ثلث العبد إذ لا مال له غيره، وهذا قول عيسى بن دينار من رأيه، وهو قريب من القول الأول، إذ لا فرق بينه وبينه إلا في تخيير الورثة هل يكون ابتداء أو بعد أن يمضي منه للمشتري بالثمن قدر ما لا محاباة فيه، ولا يئول ذلك إلى اختلاف في المعنى. والقول الثالث: أن الورثة يخيرون ابتداء بين أن يجيزوا البيع وبين أن يردوه ويعطوا المشتري مِئَتَهُ التي كان دفع ويقطعوا له بثلث الميت في العبد المبيع وهو ثلثه إذ لا مال له سواه، وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب الشفعة ورواية أصبغ عن ابن القاسم عن مالك في الواضحة. وعلى هذا القول يأتي قول سحنون هذا في الذي باع في مرضه دارا تساوي ثلاثمائة بمائتين ولا مال له غيرها فأخذ المائتين واستنفقها في مرضه ثم مات؛ لأن الثلث إنما ينظر فيه بعد الموت، فلما مات وهو قد استنفق المائتين التي قبضها من المشتري لم يصح أن يمضي له المائة التي

حاباه بها في مرضه، إذ لا مال به سواها، فوجب ألا يكون له إلا ثلثها يقطع له بذلك في الدار، وكان وجه العمل في ذلك على ما قال، إن لم يجز الورثة البيع أن يباع من الدار للمشتري بالمائتين التي استنفقها الميت على التنقيص بأن يقال للمشترين كم تأخذون من هذه الدار بمائتين؟ فيقول أحدهم: أنا آخذ خمسة أسداسها بمائتين، ويقول الآخر: أنا آخذ أربعة أخماسها بذلك، ويقول الآخر: أنا آخذ ثلاثة أرباعها بذلك، ويقول الآخر: أنا آخذ ثلثيها بذلك، ويقول الآخر: أنا آخذ نصفها بذلك، فإذا وقفت على ما وقفت عليه من الأجزاء بيع منها ذلك الجزء بالمائتين ودفعت إلى المشتري، وكان له ثلث ما يبقى من الدار، السدس إن كان بيع منها بالمائتين النصف، والتسع إن كان بيع منها بالمائتين الثلثان، ونصف السدس إن كان بيع منها بالمائتين الثلاثة الأرباع، ويكون للورثة ما بقي، الثلث أو التسعان أو السدس، وهذا على القول بأن من أوصي له بشيء بعينه فلم يحمله الثلث ولا أجازه الورثة يقطع له بالثلث في الذي أوصي له به. وأما على القول بأنه يكون له شائعا في جميع مال الميت فتباع الدار كلها فيعطى المشتري من ذلك المائتين التي استنفق الميت وثلث ما بقي إذ لا مال له سوى الدار، ولا يكون على ظاهر هذه الرواية للورثة أن يلزموا المشتري أن يأخذ في المائتين من الدار ما يجب لهما منها بغير رضاه ولا له أن يلزمهم ذلك بغير رضاهم، خلاف ظاهر ما في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا. وقد رأيت لابن دحون أنه قال في قول سحنون في هذه المسألة: لا يتم هذا الجواب حتى يكون المشتري يبرأ إليهم بما اشترى ويطلب رأس ماله فهناك تباع الدار ويعطى رأس ماله وثلث ما يبقى، فكأنه ذهب إلى أن يفسر قول سحنون هذا بما في سماع أبي زيد، وما في سماع أبي زيد بقول سحنون، والظاهر أنه اختلاف. واختلف أيضا إن أراد المشتري أن يزيد ما حاباه به الميت زائدا على الثلث ويستخلص البيع هل يكون ذلك له أم لا؟ على قولين: أحدهما: أن ذلك له وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب الشفعة، والثاني: أن ذلك ليس له وهو ظاهر ما في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق.

مسألة: يشتري البيض على أن تفقس

[مسألة: يشتري البيض على أن تفقس] مسألة وسئل مالك: عن الذي يشتري البيض على أن تفقس: أن ذلك جائز. قال محمد بن رشد: قيل في التفقيس إن معناه: أن يكشف عن البيض ليعلم فاسدها من غير ذلك، ويحتمل أن يريد بالتفقيس الكسر، فإن كان اشتراها على أن يختبرها بما يصح اختبارها به من غير كسر فما وجد منها فاسدا رده فلا إشكال في جواز البيع على هذا الشرط، وإن كان اشتراها على أن يكسرها فما وجد منها فاسدا رده مكسورا فذلك جائز أيضا؛ لأن الحكم يوجب له رده إذا وجد فاسدا قبل الكسر وبعده، اشترط ذلك أو لم يشترطه، وبالله التوفيق. [: سجن الرجل في دين امرأته فأراد أن تدخل عليه امرأته في السجن تبيت معه] من نوازل سئل عنها سحنون قال سحنون: إذا سجن الرجل في دين امرأته فأراد أن تدخل عليه امرأته في السجن تبيت معه فإنه لا يكون له ذلك. وكذلك إن سجن لغير امرأته فليس له أن تدخل امرأته عليه في السجن؛ لأنه إنما أدخل تأديبا له وتضييقا عليه، فإذا كان لا يمنع من لذته فلم يضيق عليه. قال الإمام القاضي: قول سحنون هذا صحيح بين في المعنى. وقد قال ابن المواز: إذا حبس الزوجان في دين فطلب الغريم أن يفرق بينهما وطلب الزوجان أن يجمعا فذلك لهما إن كان السجن خاليا، وإن كان فيه غيرها حبست المرأة مع النساء وحبس الرجل مع الرجال، ولا يفرق بين الأب والابن ولا بين الإخوة في السجن. وقول ابن المواز: إن للزوجين أن يجمعا في السجن إذا كان خاليا خلاف لقول سحنون، وقول سحنون أظهر، والله أعلم.

مسألة: لا يجوز أن يشترى دين على الميت

[مسألة: لا يجوز أن يشترى دين على الميت] مسألة قال سحنون: إذا مات الرجل وعليه دين لقوم شتى فقام بعضهم إلى السلطان فأثبت عنده دينه فباع السلطان مال الميت وقضى هؤلاء الذين قاموا بحقوقهم، فقام الآخرون بعد ذلك يريدون الدخول مع الذين اقتضوا فيما اقتضوا: فإن ذلك لهم يدخلون عليهم فيأخذون منهم قدر حقوقهم، ولا يضرهم أن يكونوا علموا بموت صاحبهم، وأن ماله يباع لغرمائه؛ لأنهم يقولون كنا على حقوقنا، وعلمنا أنه لا يبطلها عنا قيام أصحابنا. قيل له: فما الفرق بينه وبين المفلس إذا باع السلطان ماله لبعض غرمائه وبقيتهم حضور لا يقومون فلم ير لهم الدخول على الذين اقتضوا حقوقهم؟ فقال: إن المفلس له ذمة تتبع، وإن الميت قد انقطعت ذمته، فلذلك رأيت لهم الدخول على أصحابهم. وقد أخبرني ابن القاسم أنه قال: لا يجوز أن يشترى دين على الميت؛ لأن الميت لا ذمة له يطلب فيها وقد انقطعت ذمته، وأن المفلس له ذمة يتبع بها، فهذا أيضا يدلك على مسألتك. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في نوازل عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون له على النصراني الدين فيموت ويترك خمرا وخنازير] مسألة وسئل سحنون: عن الرجل يكون له على النصراني الدين فيترك النصراني خمرا أو خنازير هل يجبر ورثة النصراني على بيع الخمر والخنازير حتى يقضوا المسلم حقه؟ قال: لا يجبرهم السلطان على بيعه، ولكن صاحب الدين يتربص بورثة الميت، فإذا باعوا وصارت الخمر والخنازير مالا قضى السلطان على الذين

باعوها بدفع الدين إلى المسلم. وكذلك المركب من الروم يرسي بساحلنا معهم الخمر وغير ذلك أن السلطان لا يجبرهم على بيعها للعشور، ولكن يوكل من يتحفظ بها حتى إذا بيعت أخذ من ثمنها العشور. قال محمد بن رشد: أما قوله في الذي يكون له على النصراني الدين فيموت ويترك خمرا وخنازير: إن السلطان لا يجبر ورثته على بيع الخمر والخنازير، ولكن صاحب الدين يتربص بورثة الميت فإذا باعوا وصارت الخمر والخنازير مالا قضى السلطان على الذين باعوها بدفع الدين إلى المسلم - فهو صحيح بيّن في المعنى؛ لأن دين صاحب الدين ليس في عين الخمر والخنازير، وإنما هو في ذمة الميت، ولو كان في عين الخمر والخنازير لما وجب أن يبيعها ليستوفي حقه منها، ولما كان الواجب في ذلك، إلا أن يأخذ حقه منها المتعين له فيها فيهرق الخمر ويقتل الخنازير أو يسرحها إن لم يقدر على قتلها وتغييب جيفها، وخشي أن يضر ذلك بالناس. وأما قوله في المركب من الروم يرسي بساحل المسلمين ومعهم الخمر وغير ذلك للبيع: إن السلطان لا يجبرهم على بيعها للعشور، ولكن يوكل من يتحفظ بها حتى إذا بيعت أخذ من ثمنها العشر، فهو بعيد، إلا أن يكون معنى ذلك أنهم صولحوا على أن يؤخذ منهم العشر إذا باعوا كأهل الذمة. وأما إن كانوا صولحوا على العشر فالواجب أن يؤخذ منهم عشر ما معهم من الخمر والخنازير فتكسر الخمر وتقتل الخنازير أو تسرح؛ لأن المسلمين أشراك لهم في جميع ما نزلوا به باعوا أو لم يبيعوا، هذا قول ابن القاسم في سماع عيسى وسحنون وأصبغ من كتاب التجارة إلى أرض الحرب. ألا ترى أنهم يمنعون عنده من وطء جواريهم للشرك الذي للمسلمين معهم، وأنهم إن أرادوا الرجوع بمن معهم من الرقيق أو بما معهم من الأموال قبل البيع أخذ منهم العشر من ذلك كله وانطلقوا بما بقي. وقد قال سحنون في نوازله من كتاب القراض في النصراني يقارض النصراني، فيشتري المقارض بمال القراض خمرا أو خنازير ثم يسلم صاحب المال: إن ذلك مصيبة نزلت

مسألة: لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار لنفسه ولا دافع مغرم

به، وينظر إلى قدر فضل النصراني فيها فيعطاه منها، ويهراق ما صار للمسلم. فإذا قال هذا في مال القراض مع أن من حجة صاحب المال أن يقول إنما قارضته بمال ولم أقارضه بخمر، فأنا أنتظر حتى ينض المال فآخذ رأس مالي وحصتي من الربح فأحرى أن يقوله في مال الحربي الذي قدم للتجارة بأمان، فإنما يصح قول سحنون في هذه المسألة على قول ابن وهب في سماع أصبغ من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وما لأشهب في كتاب ابن المواز من أن أهل الحرب إذا قدموا للتجارة لا يؤخذ منهم ما صولحوا عليه من عشر أو غيره حتى يبيعوا كأهل الذمة، وبالله التوفيق. [مسألة: لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار لنفسه ولا دافع مغرم] مسألة وسئل: عن رجلين لهما دين بصك واحد على رجل، فشهد أحدهما أنهما قد تقاضيا دينهما ذلك، قال سحنون: أرى شهادته على شريكه ساقطة، لما يريد أن يدفع عن نفسه من رجوع صاحبه عليه، وأرى أن يرجع على شريكه بما ينوبه ويرجع المشهود عليه بتمام حقه على غريمه، ولا يكون للشاهد الرجوع على أحد. قيل: لسحنون: وترى شهادته ساقطة، كان المشهود عليه مليئا أو معدما؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا بيّن على ما قاله، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جارٍّ لنفسه ولا دافع مغرم» فهو إذا شهد على شريكه في الدين أنه قد قبض حقه منه كما قبض هو يدفع عن نفسه بشهادته عليه ما يجب له عليه من الرجوع عليه بنصف ما قبض وتغريمه إياه ذلك. وإذا بطلت شهادته عنه ورجع عليه لم يكن له هو الرجوع على الذي كان عليه الدين كما قال؛ لأنه مقر أنهما قد استوفيا

مسألة: له دين عليه فقال له اقضني خمسين وأنا أضع عنك الباقي

حقهما منه فلا شيء لهما قبله. وسواء على ما قال كان المشهود عليه مليا أو معدما؛ لأن له الرجوع عليه في الحالتين جميعا، وبالله التوفيق. [مسألة: له دين عليه فقال له اقضني خمسين وأنا أضع عنك الباقي] مسألة وسئل سحنون: عن رجل كان له دين على رجل، فقال له قبل محل الأجل: اقضني من ديني خمسين دينارا وأنا أضع عنك ما بقي، فلم يعلم بمكروه ذلك إلا بعد الأجل أو قبل حلول الأجل. قال: إن علم بذلك قبل حلول الأجل رد ما كان أخذ منه وكان المال إلى أجله، وإن لم يعلم بذلك إلا بعد الأجل فإن رب الحق يرجع بما وضع عنه عليه. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله، وهو مما لا إشكال فيه؛ لأن تعجيل بعض الحق قبل حلول أجله على أن يوضع عنه بقيته سلف جر منفعة، وذلك رِبًا عند مالك وعامة أهل العلم، مقيس على الربا المحرم في التنزيل على ما أجمع عليه أهل التأويل، وهو أن يؤخره بدينه بعد حلول أجله على أن يزيده فيه، فإذا عثر على ذلك قبل حلول الأجل رد إليه ما عجل له؛ لأن التمادي على ذلك إلى الأجل حرام، وإن لم يعثر على ذلك حتى حل الأجل رجع عليه ببقية حقه؛ لأن إسقاطه عنه على أن يعجل له مما عجل ربا ولم يرد عليه شيئا مما عجل له؛ لأن ذلك قد فات، وبالله التوفيق. [مسألة: لرجل على رجل ثلاثمائة درهم فدفع المطلوب منها إلى الطالب مائة] مسألة قلت: أرأيت إن كان لرجل على رجل ثلاثمائة درهم كل مائة منها في صك على حدة، منها صك قرض، وصك منها كفالة عن رجل، وصك منها كفالة عن رجل آخر، ودفع المطلوب منها إلى الطالب مائة، من أيها تكون؟ قال: إن قال الذي عليه الحق

قضيت حق فلان، وقال الطالب: ما قبضت منك إلا مبهما، رأيت أن يكون ثلث ما قبض عن كل صك؛ لأنه كان يقتضيه إياها كلها وهي حالّة. وإن كان قضاه إياها ومنها الحالّ والآجل فهي من الحق الحال وليست من الآجل، وليس يقبل قول القاضي إنما قضيتك حق فلان؛ لأنه الآن يحابي من أحب منهم. ولو أنه حين أتاه بالمال قال: أقضيك حق فلان - كان القول في ذلك قول القاضي؛ لأنه مال يقضي القاضي أيها شاء إلا أن يكون المطلوب مخوفا فيكون المال بينهم. وكذلك لو مات الطالب قبل أن يبين من أي شيء اقتضى كان المال على الصكوك كلها إذا كانت حالّة، وإن ادعى القاضي غير ذلك. قال: فإن ماتا جميعا فكذلك يكون أيضا. قال محمد بن رشد: في بعض الكتب: ولو أنه حين أتاه بالمال قال أقضيك حق فلان كان القول في ذلك قول الطالب؛ لأنه مال فيقتضي القابض أيه شاء. والأول أصح؛ لأن القاضي وهو الدافع أملك بالقضاء، فوجب أن يكون من حقه أن يدفع أيها شاء إذا نازعه الطالب في ذلك عند القضاء. وأما إذا اختلفا بعد القضاء، فقال القاضي: إنما قضيتك حق فلان، وقال الطالب: ما قبضت منك إلا مبهما - فالقول قول الطالب مع يمينه يحلف ما قبض إلا مبهما ويكون ذلك مفضوضا على الصكوك كلها، ولا يصدق الدافع القاضي؛ لأنه مدع ويتهم أيضا بمحاباة الذي يدعي أنه قضى عنه. وكذلك لو قال الطالب: إنما قبضت حق فلان وقال القاضي: بل قضيتك مبهما - كان القول قوله مع يمينه ومضى ذلك على الصكوك كلها. ولو اختلفا فقال الطالب: إنما دفعت إلي حق فلان، وقال القاضي: بل دفعت إليك حق فلان لوجب أن يفض ذلك على الصكوك جميعا بعد يمين كل واحد منهما على دعواه أو نكولهما جميعا عن اليمين، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين كان القول قول الحالف منهما. وهذا كله على قياس قول ابن القاسم في هذه الرواية ومذهبه في المدونة وروايته عن مالك فيهما. وقد

مسألة: أوصى لرجل بألف درهم وقال لي عنده عشرون دينارا فاقتضوها منه

قيل: إن القول قول القاضي المقتضي، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة. وقد قيل: إن القول قول القاضي الذي عليه الحق، وهو قول ابن كنانة ورواية محمد بن صدقة عن مالك في المدنية، فسواء على هذين القولين ادعيا البيان جميعا أو ادعى أحدهما البيان والآخر الإبهام يحلف على القول الواحد الطالب على ما يدعي من البيان أو على ما يدعي من الإبهام، فإن حلف على ما يدعي من الإبهام فض ذلك على جميع الصكوك، ويحلف على القول الثاني المطلوب على ما يدعي من البيان أيضا أو على ما يدعي من الإبهام، فإن حلف ما يدعي من الإبهام فض ذلك على جميع الصكوك، فإن نكل عن اليمين حلف الآخر، وكان القول قوله على حكم المدعي والمدعى عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بألف درهم وقال لي عنده عشرون دينارا فاقتضوها منه] مسألة وسئل سحنون: عمن أوصى عند موته لرجل بألف درهم، وقال: لي عنده عشرون دينارا فاقتضوها منه، فأخبر الموصى له بالوصية، وسئل: عن العشرين فتبرأ، وأنكر أن يكون له قِبَله شيء وطلب الوصية. قال سحنون: يحاسب في الألف بالعشرين ثم يكون له ما بقي. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من هذا الكتاب فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. تم كتاب المديان والتفليس والحمد لله.

كتاب الرهون الأول

[كتاب الرهون الأول] [يبعث مع الرجل بالثوب يرهنه ويأمره بشيء فيزداد لنفسه بغير علم صاحب الثوب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الرهون الأول من سماع ابن القاسم عن مالك من كتاب الرطب باليابس أخبرني محمد بن عمر بن لبابة قال: أخبرني العتبي قال: قال سحنون: قال عبد الرحمن بن القاسم: قال مالك في الرجل يبعث مع الرجل بالثوب يرهنه ويأمره بشيء، فيزداد لنفسه بغير علم صاحب الثوب، فلما حل الأجل طلب المرتهن عشرة، فقال رب الثوب: ما دفع إليّ إلا خمسة، وما أمرته إلا بذلك، فأقر الرسول أو أنكر، فقال: يؤخذ من صاحب الثوب الآمر العشرة إن كان ثمن الثوب ذلك، وتكون الخمسة لصاحب الثوب قبل رسوله، فإن زعم أنه دفعها إليه كلها، حلف وبرئ، وإن أنكر أن يكون أخذ من المرتهن إلا خمسة، كان الغرم كله على صاحب الثوب أيضا، وكان على الرسول اليمين بالله ما أخذها، ويبرأ. قال سحنون وعيسى بن دينار: إذا قال: إنما أمرته بخمسة، وقال الرسول: ما ارتهنته إلا بخمسة، فإن كان للراهن بينة أنه أمره بخمسة غرم خمسة وأخذ رهنه، ولم يكن للمرتهن على الرسول إلا يمينه بالله ما رهنه إلا

بخمسة، ويبرأ، وإن لم تكن له بينة، وإنما هو قوله وقول الرسول، وقال المرتهن: ارتهنته بعشرة، فالقول قول المرتهن فيما بينه وبين أن يحيط بالرهن مع يمينه، ثم يقال لصاحب الرهن: افد رهنك بقيمته أو دعه بما فيه، فإن كان الذي ادعى المرتهن أكثر من ثمن الرهن، أحلف الرسول بالله ما رهنته إلا بخمسة ويبرأ، ولا يكون لصاحب الرهن ولا للمرتهن أن يتبعاه بشيء، فإن قال الرسول: رهنته بعشرة، وما أمرني الراهن أن أرهنه إلا بخمسة، فكان لصاحب الرهن بينة، أنه إنما أمره بخمسة، غرم خمسة، وأخذ رهنه، واتبع الرسول المرتهن بخمسة، وإن لم تكن له بينة، وله البينة على أن الرهن له، أحلف أنه لم يأمره إلا بخمسة، ثم غرم قيمة الرهن إن كانت أدنى من عشرة، وأخذ رهنه، واتبع المرتهن الرسول بما نقص من العشرة، واتبعه الراهن، بما غرم فوق الخمسة. قال: وإن قال الرسول: أمرتني بعشرة، وقال الآمر: ما أمرتك إلا بخمسة، كان القول قول الرسول مع يمينه، وقيل لهذا افتك رهنك أو دعه، فإن فداه لم يتبع الرسول بقليل ولا كثير، إذا حلف أنه أمره بعشرة. قال الإمام القاضي: قول مالك في أول هذه المسألة: إذا طلب المرتهن عشرة، وقال رب الثوب: لم آمره إلا بخمسة، إن العشرة تؤخذ من صاحب الثوب إذا كان ثمنه ذلك. أقر الرسول أو أنكر، معناه: أقر الرسول أنه رهنه بعشرة أو أنكر، وزعم أنه إنما رهنه بخمسة، وهو صحيح؛ لأن الرهن شاهد لمرتهنه بمبلغ

قيمته، فالقول قوله مع يمينه أنه ارتهنه بعشرة، ويأخذ العشرة من صاحب الثوب، ويرجع صاحب الثوب على الرسول، فإن كان مقرا أنه رهنه بعشرة، فاستزاد الخمسة لنفسه، أخذها منه، وإن ادعى أنه إنما رهنه، فالعشرة له، ودفعها إليه، فالقول قوله مع يمينه على ذلك، وفي تصديقه على أنه قد دفع العشرة إليه اختلاف كثير، قيل: إنه يصدق مع يمينه، قرب أو بعد، وقيل: إنه لا يصدق بحال، وقيل: إنه يصدق في القرب مع يمينه، وفي البعد دون يمين، وقيل: إنه لا يصدق في القرب ويصدق في البعد مع يمينه. وإن أنكر وزعم أنه إنما رهنها بخمسة، لم يكن عليه إلا اليمين ويبرأ، وإذا أقر الرسول أنه رهنها بعشرة، وأن الخمسة استزادها لنفسه فرضي المرتهن أن يتبعه بالخمسة سقطت عنه اليمين. والمسألة كلها صحيحة مبنية على أصل مالك ومذهبه، في أن الرهن شاهد لمرتهنه إلى مبلغ قيمته، إذا كان قائما بيده، أو بيد من جعلاه على يده على اختلاف في ذلك، أعني في كونه شاهدا له إذا لم يكن بيده، وإنما جعلاه على يدي عدل بدليل قول الله عز وجل {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ؛ لأنه تعالى لما جعل الرهن عوض التوثق بالكتاب، والإشهاد عند عدم الكتاب، وجب أن ينوب منابه في بعض أحواله، وهو ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، من أن يكون شاهدا له إلى مبلغ قيمته، قيل: ويستحق ذلك في ذمة الراهن، وهو قول مالك في هذه الرواية يؤخذ

من صاحب الثوب الآمر العشرة دينار، خلافا لقول مالك في هذا. وفيما سواه تفسير له. قولهما فإن كان للراهن بينة أنه أمره بخمسة، غرم خمسة، وأخذ رهنه، ولم يكن للمرتهن على الرسول إلا يمينه بالله ما رهنته إلا بخمسة، ويبرأ، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن الراهن إذا أخذ رهنه خرج من الرهن؛ ولم يبق بيد المرتهن ما يكون له شاهدا على دعواه وقولهما: وإن لم تكن له بينة، وإنما هو قوله، وقول الرسول، وقال المرتهن: ارتهنته بعشرة، فالقول قول المرتهن فيما بينه وبين أن يحيط بالرهن مع يمينه صحيح أيضا لا اختلاف فيه في المذهب؛ لأن الرهن إنما هو شاهد للمرتهن بقيمته، وأما قولهما: ثم يقال لصاحب الرهن: افد رهنك بقيمته أو دعه بما فيه، فقد ذكرنا أن ذلك خلاف لما تقدم من قول مالك. وقوله: فإن كان الذي ادعى المرتهن أكثر من ثمن الرهن، يريد مثل أن يكون قيمة الرهن ثمانية، فيدعي أنه ارتهنه منه بعشرة، حلف الرسول بالله ما رهنته إلا بخمسة، ويبرأ، ولا يكون لصاحب الرهن ولا للمرتهن أن يتبعاه بشيء، يريد ويحلف المرتهن، لقد ارتهنته بعشرة، فيستحق بيمينه قيمة الرهن، ويبرأ صاحب الثوب بيمين الرسول الراهن فيما زاد على قيمة الرهن؛ لأن رسوله بمنزلته،

لو كان هو الراهن، ولو نكل الرسول عن اليمين لغرم الخمسة تمام العشرة التي حلف المرتهن عليها؛ لأنه ضيع بتركه الإشهاد، وإن نكل المرتهن عن اليمين، وحلف الرسول، لم يكن له إلا الخمسة التي حلف عليها الرسول قبل صاحب الثوب، والقول قول الرسول أنه دفعها إليه إن أنكر أن يكون قبضها منه، وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك. وقولهما: فإن قال الرسول رهنته بعشرة، وما أمرني الراهن أن أرهنه إلا بخمسة، فكان لصاحب الرهن بينة، أنه إنما أمره بخمسة، غرم خمسة وأخذ رهنه، واتبع الرسول المرتهن بخمسة، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن الراهن إذا أخذ رهنه خرج من الرهن، ولم يبق بيد المرتهن ما يكون له شاهدا على دعواه، حسبما ذكرناه. وقولهما: وإن لم تكن له بينة وله البينة على أن الرهن له، أحلف أنه لم يأمره إلا بخمسة، ثم غرم قيمة الرهن إن كانت قيمته أدنى من عشرة، وأخذ رهنه. واتبع المرتهن الرسول بما نقص من العشرة، واتبعه الراهن، يريد صاحب الثوب الآمر بالرهن بما غرم فوق الخمسة صحيح، وبيانه: أن الرسول قد أقر أنه رهنه بعشرة، وأن صاحب الثوب لم يأمره إلا بخمسة، فإن أراد المرتهن أن يتبع صاحب الثوب بالخمسة التي أقر أنه تعدى فيها، لم يكن عليه يمين، وإن أراد أن يتبع صاحب الثوب بقيمة الرهن، والرسول ببقية العشرة، كما قال، لم يكن ذلك له إلا بعد أن يحلف أنه رهنه إياه

بعشرة، فإن نكل عن اليمين لم يكن له قِبَل صاحب الثوب إلا الخمسة التي أمر بها، ويتبع الرسول بالخمسة التي أقر له بها وإذا حلف وأخذ من صاحب الثوب قيمته، كان لصاحب الثوب أن يرجع على الرسول بما غرم زائدا على الخمسة، لإقراره أنه لم يأمره إلا بخمسة، وأنه تعدى في الخمسة الأخرى، فهذا بيان قوله هذا. وقولهما قال: وإن قال الرسول أمرتني بعشرة وقال الآمر: ما أمرتك إلا بالخمسة، كان القول قول الرسول مع يمينه. وقيل لهذا افد رهنك أو دعه، فإن لم يتبع الرسول بقليل ولا كثير، إذا حلف أنه أمره بعشرة صحيح، إلا أن فيه إجمالا، يفتقر إلى شرح. وبيان ذلك، أن الرسول يحلف لقد أمره بالعشرة التي رهنتها به، ولقد دفعها إليه، فجمع ذلك في يمين واحدة، وقيل: بل يحلف يمينين، فإذا حلف كان صاحب الثوب مخيرا بين أن يفتك ثوبه بقيمته، أو يسلمه، ولم يكن له على الرسول شيء؛ لأنه قد حلف أنه أمره بعشرة، ودفعها إليه، ويرجع المرتهن على الرسول ببقية العشرة التي أقر بقبضها منه إن كانت قيمة الثوب أقل من عشرة، ولو ادعى المرتهن عشرين، وأقر الآمر بخمسة، وقال الرسول خمسة عشر، وقيمة الثوب عشرة، فليحلف المرتهن، ثم يحلف رب الثوب، فإن شاء الآمر ثوبه فليرد عشرة، ثم يحلف الرسول يمينين ويغرم خمسة التي زادت على قيمة الثوب؛ لأنه أقر أنه قبض من المرتهن خمسة عشر، ويحلف للآمر يمينا لقد أوصل إليه عشرة، وأخرى للمرتهن، ما قبضت منك إلا خمسة عشر. قال ذلك في كتاب ابن المواز، وهو صحيح على أصولهم. وبالله التوفيق.

مسألة: ارتهن زرعا فعجز عنه صاحبه فقال له زدني مالا آخر أصلح به زرعي

[مسألة: ارتهن زرعا فعجز عنه صاحبه فقال له زدني مالا آخر أصلح به زرعي] مسألة وقال مالك من ارتهن زرعا فعجز عنه صاحبه، فقال صاحب الزرع: زدني مالا، آخر أصلح به زرعي ليلا، فأبى، فأخذ مالا من غيره. فأصلح به زرعه حتى انتعش، قال: يبدأ الذي أسلفه على المرتهن الأول في الزرع حتى يستوفي حقه. قال محمد بن رشد: هذا نص ما في كتاب الرهون من المدونة في هذه المسألة، ومعناها: إذا أذن المرتهن في ذلك للراهن. وفي كتاب ابن المواز لمالك أن الأول يبدأ ثم الثاني. ولكلا القولين وجه. فوجه القول الأول أن المرتهن لما أذن للراهن أن يستسلف ما يصلح به الزرع ليلّا يهلك، فقد رضي بتبدئته على نفسه، وصار حائزا له. ووجه القول الثاني أن المرتهن الأول قد حاز الزرع لنفسه، فلا يخرج مقدار دينه منه عن يده، ويكون فيه حائزا لغيره إلا بإفصاح وبيان، وحسبه أن يكون بإذنه في ذلك حائزا للثاني ما فضل عن حقه، ولو لم يأذن له في ذلك لوجب أن يكون الثاني أسوة الغرماء فيما فضل من الرهن عن حق المرتهن الأول وبالله التوفيق. [مسألة: باع من غلام له سلعة بدين وارتهن منه رهنا فلحق العبد دين] مسألة وقال مالك في رجل باع من غلام له سلعة بدين وارتهن منه

رهنا فلحق العبد دين. قال: إن كان دين السيد معروفا ببينة، وكان دينه بقدر مال العبد، فهو أحق بالرهن، وإن كان على غير ذلك، ولو قامت له بينة، لم أر أن يكون أحق به من الغرماء. قال عيسى: قال ابن القاسم: أرى أن يفسخ للبائع رهنه؛ لأنه لم يكن ذلك على وجه الرهن، وإنما هو على وجه التاليج، فيحاص بقيمة ما باع عبده الغرماء، فيما ارتهن وفيما بقي من ماله، ولا يكون أولى بالرهن فيما له عليه؛ لأنه كان أوله غير جائز، والأجنبي لا يشبهه؛ لأن الأجنبي لو باع جارية قيمتها خمسون دينارا بألف دينار، وارتهن رهنا، وكان مشتريها من غير أهل السلعة، جاز ذلك، والسيد ليس كذلك في عبده، فهذا فرق ما بين مبايعة السيد عبده، والأجنبي لم يروها سحنون. قال سحنون: إذا تبين في ذلك محاباة، وارتهن به رهنا، كان أولى بالرهن بقيمة السلعة التي باع منه، ولا يكون أولى بالرهن بقيمة السلعة التي باع منه، ولا يكون أولى بالرهن بالزيادة التي ازدادها على قيمة سلعته، ولكنها تسقط الزيادة، وتثبت منه قدر قيمة السلعة ويكون أولى بالرهن بتلك القيمة من الغرماء. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس، فمن أحب الوقوف عليه. تأمله هنالك. وفي قوله: والأجنبي لا يشبهه؛ لأن الأجنبي لو باع جارية قيمتها خمسون دينارا بألف دينار، وارتهن رهنا، وكان مشتريها من غير أهل السفه جاز ذلك، ما يدل على أنه لا قيام على بيع المكايسة بالغبن ولا أعرف في المذهب في ذلك نص خلاف، وكان من الشيوخ من يحمل مسألة سماع أشهب، الواقعة في أول رسم منه على الخلاف، ويتأول منها وجوب القيام بالغبن في بيع المكايسة؛ لقوله فيها: إن كان هذا المال رابحا كثير الفضل على ما باعه

إياه، لا يشبه تغابن الناس في البيوع، فأرى أن يرد عليه ماله ويقضيه دينه، ويقع عليه الحنث، ليس ذلك عندي بصحيح؛ لأنه إنما رأى له الرد بالغبن من أجل اضطراره إلى البيع مخافة الحنث على ما ذكر في الرواية. وهذا من نحو تضعيفهم وكالة الراهن من المرتهن على بيع الرهن، حسبما يأتي القول عليه في الرسم الذي بعد هذا إن شاء الله. وقد حكى بعض البغداديين على المذهب وأراه ابن القصار، أنه يجب الرد بالغبن إذا كان أكثر من الثلث، وليس ذلك بصحيح لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» . وفي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «غبن المسترسل ظلم» دليل أنه لا ظلم في غبن المسترسل، وما لم يكن فيه ظلم، فهو حق لا يحب القيام به. وقد استدل بعض الناس على ذلك بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الأمة «إن زنت فبيعوها ولو بضفير» وبقوله لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لا تشتره ولو باعكه بدرهم» وهذا لا دليل فيه؛ لأنه خرج على التقليل مثل قوله في

مسألة: ارتهن رهنا دارا أو غلة ثم قال المرتهن للراهن استأجرني أتقاضى لك

الحقيقة: «ولو بعصفور» وقوله: «من بنى مسجدا ولو بقدر مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة» (12) وما أشبه ذلك كثير، وإنما الخلاف المعلوم في الرد بالغلط في بيع المكايسة، حسبما مضى القول فيه في الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع. وبالله التوفيق. [مسألة: ارتهن رهنا دارا أو غلة ثم قال المرتهن للراهن استأجرني أتقاضى لك] مسألة وقال مالك في رجل ارتهن رهنا: دارا أو غلة، ثم قال المرتهن للراهن: استأجرني أتقاضى لك، وآخذ الخراج وأتقاضى لك بإجارة معلومة، فما اجتمع من مال فضل عن إجارتي حبسته، فكلما حل شيء من حقي اقتضيته لمحله. قال مالك: لا بأس به إذا لم يتعجل القضاء إلا لمحله، ولم يكن في أصل البيع شرط. قال الإمام القاضي: يلزم على أصولهم أن يكون ما يقتضي مطبوعا عليه، حتى يحل نجم من حقه، فيقتضيه، ويطلع على الباقي حتى يحل نجم آخر هكذا أبدا. وقوله ولم يكن في أصل البيع شرط أي لم يشترط عند عقد الصفقة أنه يستوفي دينه من الخراج؛ لأن هذا لا يجوز، إذ هو مجهول، وإذ لا يدري لعل الغلة لا تصح، إلا أن يشترط عليه ضمان

مسألة: قال للراهن قد حزت لك رهنك وقبضته فهل يضمن بذلك

ذلك، على ما وقع في آخر رسم الرهون من سماع عيسى بعد هذا. وإنما شرط ألا يتعجل القضاء؛ لأنه يخاف أن يكون أرخص عليه في الأجرة، ليعجل له بالقضاء، فيدخل له، ضع وتعجل. وكذلك لو تقاضى له الخراج دون أجر، على أن يستوفيه من دينه قبل محله، لم يجز إذ كان في اقتضائه عناء. وقد أجاز في كتاب حريم البير من المدونة أن يأذن راهن الدار لمرتهنها بعد عقد البيع أن يكريها ويأخذ حقه من كرائها، ومعنى ذلك إذا كان الدين حالا أو لم يكن في ذلك عناء. وبالله التوفيق. [مسألة: قال للراهن قد حزت لك رهنك وقبضته فهل يضمن بذلك] مسألة وقال له لو أن رجلا قال لرجل أراد أن يضع على يديه رهنا لرجل ويسلفه أو يبيعه قد حزت لك رهنك وقبضته، فدفع بقوله: إنه ضامن. قال ابن القاسم: وذلك رأي، إنه ضامن لقيمة الرهن الذي أراد أن يرهنه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لا إشكال في أنه ضامن لقيمة الرهن لأنه قد غره. وبالله التوفيق. [يرهنه الرهن ويقول له إن لم آتك بحقك إلى وقت كذا فأنت موكل ببيعه] ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك عن الرجل يرهن الرجل الرهن، ويقول له: إن لم آتك بحقك إلى كذا وكذا من الأجل، فأنت موكل ببيعه، وتستوفي حقك، ويشهد له بذلك، قال مالك: لا يباع الرهن إلا

بإذن السلطان، كان على يدي أحد، أو على يدي صاحب الرهن، وهو مما يكتبونه في رهونهم، إنه ليس في حرج وما أشبهه. وهذا كله فيه لا يباع رهن، اشترط فيه بيع إلا بأمر السلطان، وشدد في ذلك وقال: لا يباع رهن اشترط فيه بيع إلا بأمر السلطان. قال ابن القاسم: وقد بلغني عن مالك أنه قال: إذا أصاب وجه البيع إنه يمضي، فات أو لم يفت، ثم قال: إذا كان ذلك شيئا تافها رأيت أن يمضي البيع، فات أو لم يفت، وإن كان شيئا له بال، مثل الدور والأرضين وما أشبه ذلك، رد إذا لم يفت، وأحب قوله: إلى أن يمضي البيع إذا أصاب وجهه وكان تافها أو شيئا له بال؛ لأن صاحبه قد ضمن وباع المرتهن ما أذن له فيه فأرى البيع له جائزا إذا أصاب وجه البيع، فات أو لم يفت: قال محمد بن رشد: الرهن وثيقة في يد المرتهن بحقه، وهو باق على ملك ربه، فليس له أن يبيعه إلا بإذنه، فإن أدى وغاب، رفع أمره إلى السلطان فباعه له عليه بعد أن يثبت عنده الدين والرهن. واختلف هل عليه أن يثبت عنده ملك الراهن له؟ على قولين، يتخرجان على المذهب، وذلك عندي إذا أشبه أن يكون له، وأما إذا لم يشبه أن يكون له، مثل أن يرهن الرجل حليا أو ثوبا لا يشبه أن يكون من لباسه ولا من تجارته، أو ترهن المرأة سلاحا أوثوبا لا يشبه أن يكون من لباسها، فلا يبيعه السلطان حتى يثبت عنده ملك الراهن له، فإن لم يكن في البلد سلطان، أو كان وعسر الرفع إليه باعه بحضرة العدول، وجاز البيع على الراهن، ولم يكن له على المشتري فيه سبيل، إلا أن يكون باعه بأقل من قيمته، فيكون له أن يأخذه بالثمن الذي اشتراه به، وهذا في العروض، وأما العقار والأصول فله أن يأخذها من المشتري بالثمن، إذا لم يبعها السلطان، وإنما باعها هو بحضرة العدول، وإن استقصى الثمن وباع بالقيمة، وقال أشهب: إن كان مقتاة أو قضبا أو ثمرا

يجنى شيئا بعد شيء، فيخشى عليه الفساد، فبيع المرتهن له جائز، دون مؤامرة السلطان، ولا ملأ، ولا جماعة. وقوله عندي مفسر لما تقدم. وقد حمله بعض الناس على أنه خلاف لمذهب مالك في رواية ابن القاسم عنه في المدونة وغيرها، واختلف إن شرط المرتهن على الراهن في أصل العقد أنه موكل على بيع الرهن، مثل أن يقول: أبيعك بكذا إلى أجل كذا، على أن ترهنني كذا، وأنا موكل على بيعه دون مؤامرة سلطان، أو يقول له بعد أن حل دينه عليه: أؤخرك بديني إلى أجل كذا، وعلى أن ترهنني كذا وأنا موكل على بيعه دون مؤامرة سلطان أو يقول له بعد أن حل دينه عليه: أؤخرك بديني إلى أجل كذا، على أن ترهنني كذا وأنا موكل على بيعه دون مؤامرة سلطان على قولين: أحدهما إن ذلك جائز لازم، ليس له أن يفسخ وكالته ولا يعزله عن بيعه، لما له في ذلك من الحق، وهو إسقاط العناء عنه في الرفع إلى السلطان، إذ أدى به، وإسقاط الإثبات عنه إن أنكر وكان غائبا، وهو قول إسماعيل القاضي، وابن القصار، وأبي محمد عبد الوهاب. والثاني إن ذلك لا يجوز ابتداء، وله أن يعزله. واختلف على هذا القول إن باع قبل أن يعزله على ثلاثة أقوال: أحدها إن ذلك جائز جملة من غير تفصيل بين الأصول والعروض، وهو قول مالك الأول الذي بلغ ابن القاسم على ما وقع هنا وفي المدونة، واختيار ابن القاسم هنا، وهو قول أصبغ. وهذا إذا أصاب وجه البيع، وأما إن باع بأقل من القيمة، فيكون للراهن أن يأخذه من المشتري بالثمن الذي اشتراه به، فإن تداولته الأملاك كان له أن يأخذه بأي الأثمان شاء على حكم الشفيع يأتي بعد أن تداولت الأملاك بالبيع في الشقص. والثاني إن ذلك جائز في العروض، إذا أصاب وجه البيع، ومردود في الأصول، وإن أصاب وجه البيع، ما لم تفت، يريد بما يفوت به البيع الفاسد في العروض، من حوالة الأسواق فما فوقه، فإن فات بشيء من ذلك،

مضت، ولم يكن للراهن عليها سبيل، وإن كانت قائمة بيد المشتري لم تفت بوجه من وجوه الفوت، كان للراهن أن يأخذها بالثمن، وهو قول مالك الثاني الذي رجع إليه هاهنا. والثالث إن ذلك جائز في العروض إذا أصاب وجه البيع، ومردود في الأصول، فاتت أو لم تفت، وهو قول أشهب؛ لأنه قال: إن فاتت كان بائعها ضامنا. ومعنى قوله عندي: إن له أن يأخذها حيث وجدها، وعلى أي حال وجدها بالثمن الذي باعها به الراهن، واستوفاه لنفسه في حقه. ويكون الرجوع بالدرك عليه إن كان في ذلك درك، مثل أن يجد الدار في يد المشتري مهدومة، وقد اشتراها قائمة بمائة، وقيمتها مهدومة على ما وجدها عليه خمسون، فيدفع إلى المشتري المائة التي اشتراها به، ويرجع على البائع بخمسين، وإن وجدها عند مشتر اشتراها من المشتري من الراهن بأكثر من الثمن الذي باعها به الراهن، أخذها من المشتري الثاني بالثمن الذي اشتراها به المشتري الأول من الراهن، وانتقض البيع الثاني فيها، فرجع المشتري الثاني الذي أخذت من يده الدار، ببقية ثمنه، على الذي باع منه وهو المشتري الأول. وإنما وقع هذا الاختلاف في توكيل الراهن للمرتهن، على بيع الرهن عند حلول الأجل، من غير مؤامرة سلطان، من أجل أنها وكالة اضطرار، لحاجته إلى ابتياع ما اشتري أو إلى استقراض ما اقترض أو إلى التأخير بما حل عليه من الدين بعد حلوله، ولأن الرهن لا يباع على الراهن إلا إذا أدى في بيعه أو بعد غيبته، ولم يوجد له مال يقضى عنه الدين منه فيحتاج إلى البحث عن ذلك وعن قرب غيبته من بعدها، وذلك ما لا يفعله إلا القاضي، فأشبه ذلك حكمه على الغائب. ولو طاع الراهن للمرتهن بعد البيع وقبل حلول أجل الدين بأن يرهنه رهنا ويوكله على بيعه عند حلول أجل دينه دون مؤامرة سلطان لجاز ذلك باتفاق؛ لأن ذلك كله معروف من الراهن المرتهن في الرهن والتوكيل على البيع. وبالله التوفيق.

هلك وعنده سيف رهنا فجاء صاحبه إلى الورثة فقال إنما رهنته بدينار

[هلك وعنده سيف رهنا فجاء صاحبه إلى الورثة فقال إنما رهنته بدينار] ومن كتاب شك في طوافه قال وسئل مالك عن رجل هلك وعنده سيف رهنا فجاء صاحبه إلى الورثة فقال: إنما رهنته بدينار، وقال الورثة لا علم لنا بما رهنته، إلا أن سيفك قيمته خمسة دنانير، قال: أرى أن يحلف ويأخذه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الورثة ينزلون منزلة موروثهم، فإذا لم يدعوا علم ما ارتهنه به، كانوا بمنزلة موروثهم لو كان حيا، فقال: لا أدري بكم ارتهنته، أو أعرف، إلا أني لا أريد أن أحلف، ووجب أن يكون القول قول الراهن فيما يقر أنه رهنه به، وإن كان ذلك أقل من قيمة الرهن، ولو ادعوا علم ما ارتهنه به موروثهم، لوجب أن يكون القول قولهم إلى مبلغ قيمة الرهن. وهذا إذا أقر الورثة بالرهن، أو قامت للراهن به بينة، ولو ادعى أنه رهن ولم يكن له على دعواه بينة، فقال الورثة: لا علم لنا بما تدعيه، وإنما وجدنا هذا المتاع في تركة موروثنا، ولا نعلم لك فيه حقا، لوجب أن يحلف على ذلك من كان منهم كبيرا يظن به علم ذلك على اختلاف في ذلك، إن لم يدع الراهن عليهم العلم، فإن نكلوا عن اليمين على القول بوجوبها عليهم، حلف الراهن، لقد علموا ذلك، على اختلاف في ذلك أيضا. وأما إن ادعى الراهن عليهم العلم، فلا اختلاف في وجوب اليمين عليهم ولا في وجوبها على الراهن إذا نكلوا عن اليمين، وكذلك لا اختلاف في وجوب اليمين على الورثة، ولا في ردها على الراهن إذا أنكروا الرهن وكذبوا الراهن، وادعوا أنهم يعرفون ملك السلعة لموروثهم. وستأتي هذه المسألة في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من هذا السماع، بزيادة، وفي رسم إن أمكنتني من سماع عيسى. وتأتي أيضا في رسم أسلم منه وفي آخر رسم الرهون منه عكس هذه المسألة إذا مات الراهن،

مسألة: رهنت السيف بخمسة فقضيته أربعة وبقي دينار وكان السيف يساوي خمسة

فتداعا ورثته مع المرتهن وسنتكلم عليها إذا مررنا بها إن شاء الله. وبه التوفيق. [مسألة: رهنت السيف بخمسة فقضيته أربعة وبقي دينار وكان السيف يساوي خمسة] مسألة قال ابن القاسم وسمعت مالكا قال: ولو رهنته بخمسة، فقضيته أربعة، وبقي دينار، فكان السيف يساوي خمسة، لم يأخذه حتى يغرم الخمسة، إنما كان على الميت اليمين، وقد سقطت عنه حين مات، فلا يأخذه حتى يؤدي الخمسة، من رواية عيسى عن ابن القاسم، وأما سحنون فلم يروه عن أحد وقد أجازه برأيه، قال ابن القاسم: وإنما ذلك للإقرار بأصل الدين. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: وكان السيف يساوي خمسة، لا فائدة له؛ لأن الغرم يلزمه، كان يساوي خمسة أو أقل أو أكثر، لإقراره أنه رهن بخمسة، وادعائه أنه قد قضى الأربعة، ويلزم من كان مالكا أمر نفسه من الورثة أن يحلف ما علم أن الميت قبض الأربعة التي ادعى أنه دفعها إليه، على اختلاف في لزومها له، وفي وجوب ردها عليه، إلا أن تحقق عليه الدعوى بالعلم، فتجب عليه اليمين ويكون له ردها باتفاق. وقد مضى بيان هذا قبل هذا وبالله التوفيق. [مسألة: كانت له جارية ولها بنت صغيرة فأراد سيدها أن يرهن الصبية] مسألة وسئل عن رجل كانت له جارية، ولها بنت صغيرة بنت ست سنين أو أقل، فأراد سيدها أن يرهن الصبية من رجل، ويخرج بأمها إلى بلد وهي جارية يطؤها ويستمتع منها، وتخدمه، قال مالك: لا خير في ذلك، إلا أن تكون قد أثغرت وكأنه رأى إذا لم تثغر إثغارا يعجل عليها وضرب لذلك مثلا فقال: ابنة مخاض، وابنة لبون،

ليستا سواء، كلها بنات المخاض، ولا بنات اللبون، وقال له رجل: إنه لا يبيعها، وهو يفتكها،. قال: ليس هذا بشيء أرأيت لو مات في سفره أو فلس ألم يبعها الغريم في حقه؟ ليس يصلح هذا. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا خير في أن يرهن الرجل عبده ابن أمته الصغير، ويخرج بأمه إلى بلد آخر، صحيح، لا إشكال فيه، إذ لا كلام في أنه لا يجوز أن يفرق بين الوالدة وولدها في الحوز وإن جمعهما الملك، وإنما الكلام هل يفرق بينهما في الملك إذا جمعهما الحوز، فأجازوا ذلك في الهبة والصدقة، لما كان طريقها المعروف، ولم يجيزوه في البيع لما كان طريقه المكايسة، وكذلك لو رهنه عبده الصغير، لم يجز أن يحوزه إياه وحده دون أمه وإن لم يخرج بها عن البلد. وإذا رهن الرجل الرجل عبده الصغير دون أمه، فلا يخلو ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها أن يرهنه إياه بشرط أن يحوزه إياه دون أمه، والثاني أن يرهنه إياه على أن يحوزه إياه مع أمه. والثالث أن يرهنه إياه دون شرط، فأما إذا رهنه إياه بشرط أن يحوزه إياه دون أمه، فهو رهن فاسد لا يجوز، ويفسخ، وأما إذا رهنه إياه على أن يحوزه إياه مع أمه، فهو رهن جائز، إلا أنه يختلف هل يكره ذلك ابتداء أم لا؟ فكره ذلك كله مالك في سماع يحيى بعد هذا، ولم ير ابن وهب به بأسا، وهو الأظهر، إذ لا يخرج الرهن بارتهانه عن ملك راهنه على أن تكون أمه معه في الرهن، فلم يفترقا في ملك ولا حوز، وكرهه مالك لوجهين ضعيفين: أحدهما أنه رأى المرتهن كأنه قد ملك الرهن لما كان أحق به من الغرماء، والثاني أنه لما كان لا يجوز أن يباع منفردا دون أمه، لم يكن فيه من الحق إلا ما يقع عليه من الثمن إذا بيع أمه، وذلك لا يعرف إلا بعد التقويم، فأشبه ذلك رهن الغرر، إذ قد اختلف فيه حسبما يأتي بيانه في تكلمنا على أول مسألة من سماع أصبغ إن شاء الله. وأما إذا رهنه إياه دون شرط، فإنه يجبر على أن يحوز معه أمه، وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد. بعد هذا، قال: أمه تكون معه في الرهن؛ لأن معناه أنها تكون معه في الحوز، لا داخلة معه في الرهن ويتخرج

أسلف رجلا سلفا ورهنه عبدا ووضعه على يدي رجل وشرط عليه

في ذلك قول آخر على معنى ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة، وهو أنه إذا أبى الراهن، أن يحوز الأم معه، وأبى المرتهن إلا أن يحوز رهنه أن يباعا جميعا من رجل واحد، فيكون للمرتهن رهنا ما ناب الولد من الثمن. وقوله: إن الإثغار ليس بحد لجواز التفرقة إلا إذا لم يعجل، صحيح في المعنى، منصوص عليه في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة. وبالله التوفيق. [أسلف رجلا سلفا ورهنه عبدا ووضعه على يدي رجل وشرط عليه] ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل عن رجل أسلف رجلا، سلفا ورهنه عبدا ووضعه على يدي رجل، وشرط الذي أسلف على الذي وضع الرهن على يديه، أنك ضامن لما أصاب الرهن، فهلك العبد، أتراه ضامنا؟ قال: نعم، أراه ضامنا، قيل له: فإن قال: ما نقص رهنك، قال ما أحراه أن يضمن، وأراه ضامنا، قال لا: ولكن الآخر أبين، وما أراه أن يضمن. قال الإمام القاضي: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول رسم، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [يرهن الدار من رجل ويضعها على يديه ثم يطلب أن يعطى في ذلك أجرا] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل مالك عن الرجل يرهن الدار من رجل ويضعها على يديه، ويقتضي غلتها، ويقوم في ذلك، ثم يطلب أن يعطى في ذلك أجرا فيما قام به، قال: من الناس من يكون ذلك له، فأما الرجل الذي مثله يشبه أن يعمل، ومثله يؤاجر نفسه في مثله، فإن

وضع حائطا مرهونا على يدي رجل فأراد الذي وضع على يديه أن يساقيه صاحبه

طلبه فأرى ذلك له، وأما من مثله يعين فلا أرى ذلك له. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما في رسم جاع فباع امرأته من كتاب الجعل والإجارة، أنه تكون له إجارة مثله إن كان يشبه أن يكون مثله يعمل بالإجارة، وإنما يكون ذلك له بعد يمينه أنه ما قام في ذلك وعني فيه احتسابا، وأنه إنما فعل ذلك ليرجع بحقه فيه، على معنى ما قاله في أول سماع يحيى من الكتاب المذكور، وبالله التوفيق. [وضع حائطا مرهونا على يدي رجل فأراد الذي وضع على يديه أن يساقيه صاحبه] ومن كتاب أخذ يشرب خمرا قال: وسئل عن رجل رهن رجلا حائطا له ووضعه على يدي رجل، فأراد الذي وضع على يديه أن يساقيه صاحبه الذي هو له، قال: أراه عيبا، وأراه قد رهن رهنه وكأنه لا يراه رهنا، فقيل له: أفيساقيه الذي له الدين من الذي وضع على يديه؟ قال: ما أرى بذلك بأسا، قيل له: أفيضع الرهن على يدي ابن الذي له الحائط؟ قال: أراه قد رهن رهنه، وضعفه، وقال: لا يعجبني أن يضعفه على يدي ابنه ولا امرأته ولا أخيه، وقال: هذا وهن للرهن وضعف له، فلا خير فيه. قال سحنون: معناه في الابن أنه صغير، ولو كان كبيرا بائنا عنه جاز. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إن العدل إذا ساقى في الحائط الراهن بطل الرهن، وإذا ساقى المرتهن صاحب الدين لم يكن بذلك بأس؛ لأن الرهن لا يكون رهنا إلا أن يحاز عن الراهن، لقول الله عز وجل

مسألة: أراد الذي له الدين أن يبيعه بيعا ويرتهن منه رهنا ويجعل آجالها واحدة

{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فإذا رجع إلى الراهن بأي وجه كان من مساقاة أو عارية أو إجارة بطل، وإذا رجع من العدل إلى المرتهن لم يؤثر ذلك في صحة الرهن، إذ لو حازه لنفسه من أول لجاز ذلك؛ لأن حيازته لنفسه أقوى من حيازة غيره له؛ لأنه إذا حاز لنفسه، كان الرهن شاهدا له على اتفاق في المذهب، وإذا حازه له غيره، لم يكن شاهدا إلا على اختلاف، وهو أحق به من الغرماء في الوجهين جميعا قولا واحدا، وقول سحنون في الابن، معناه: أنه صغير ولو كان كبيرا بائنا عنه جاز صحيح، مفسر لقول مالك، فقوله: إنه لا يعجبه أن يضع الرهن على يدي ابن الراهن، معناه: إذا كان ساكنا معه، وأما إذا كان بائنا عنه غير ساكن معه، فحيازته له جائزة إن كان كبيرا، أو غير جائزة إن كان صغيرا. هذا قول سحنون ها هنا. وقول ابن الماجشون في الواضحة والقياس أن يستوفي الصغير والكبير في أن حيازتهما للرهن جائزة إذا كانا بائنين عنه، كما يستويان في أن حيازتهما ليست بجائزة، إذا كانا ساكنين معه، وكذلك الزوجة والأخ لو كانا بائنين عن الرهن جاز أن يوضع الرهن على أيديهما. وقد نص على ذلك ابن الماجشون في الزوجة، وكذلك إن كانا ساكنين معه، فحازا ذلك في غير موضع سكناهما وبالله التوفيق. [مسألة: أراد الذي له الدين أن يبيعه بيعا ويرتهن منه رهنا ويجعل آجالها واحدة] مسألة وسئل عن رجل كانت له أذهاب إلى آجال مختلفة، فأراد الذي له الدين أن يبيعه بيعا، ويرتهن منه رهنا، ويجعل آجالها واحدة في الرهن، قال: لا خير فيه، فقيل له: أفيبيعه بيعا ويرهنه رهنا ويجعل فيه دينه كله الذي له عليه؟ قال: لا خير فيه، قال ابن القاسم: وإنما كره ذلك؛ لأن الرجل لو كان له على رجل دين إلى

أجل، فقال له الذي له الحق، هل لك أن أعطيك دينارا أو دراهم على أن ترهنني بحقي الذي لي عليك أو أضع من حقي الذي عليك، على أن ترهنني، لم يكن في هذا خير، وهو وجه من وجوه الربا، كأنه ازداد في حقه، فإذا باعه بيعا على أن يرهنه رهنا بدين له آخر، فقد صار بمنزلة ما وصفت لك؛ لأنه يضع له من ثمنه على أن يرهنه، وهو أيضا يشبه الحمالة بالجعل، فالرهن والحمالة في هذا سواء، وهما قول مالك جميعا. قال الإمام القاضي: أما إذا كانت له عليه أذهاب إلى آجال مختلفة فباعه بيعا على أن يرهنه رهنا بثمن ما باعه منه وبالأذهاب التي له عليه إلى آجال مختلفة، على أن يكون إلى أجل واحد، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز؛ لأنه يدخله البيع والسلف، شرط أن تكون الأذهاب حالة، أو إلى أقرب الآجال أو إلى أبعدها، أو مؤخرة عن ذلك؛ لأنه إن شرط أن تكون معجلة أو إلى أقرب الآجال، كان السلف من المبتاع، وإن شرط أن تكون إلى أبعد الآجال، أو مؤخرة عن ذلك، كان السلف من البائع، ولا يجوز البيع على شرط السلف من أحد المتبايعين، وأما إن باعه بيعا على أن يرهنه رهنا بثمن ما باع منه، وبالأذهاب التي له عليه إلى آجالها بأعيانها فقال في هذه الرواية: إنه لا خير في ذلك؛ لأن قوله أفيبيعه بيعا ويرهنه رهنا ويجعل فيه دينه كله الذي له عليه؟ معناه: يجعله فيه كله إلى أجله، لا يعجله له ولا يؤخره هو عنه، وهو مثل ما في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال. وعلى قياس ما قاله ها هنا من أنه لا يجوز أن يعطيه شيئا، ولا أن يضع عنه

أسلف رجلا مالا ورهنه دارا ووضعها على يدي رجل

من دينه الذي له عليه شيئا على أن يرهنه به رهنا؛ لأنه إذا باعه على أن يرهنه، فقد وضع عنه من ثمن ما باعه، على أن يرهنه، وقد أجاز ذلك كله في رسم القضاء المحض من سماع أصبغ من كتاب الكفالة والحوالة، وهو الأظهر؛ لأن قوله في هذه الرواية: وهو وجه من وجوه الربا كأنه ازداد في حقه، ليس ببين، إنما العلة في ذلك الغرر في الرهن، حسبما بيناه في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال، فيحتمل أن يكون أراد أن الغرر في الرهن، هو الذي ازداده في حقه بما زاد في ثمن السلعة التي ابتاع، أو في قيمة التي باع، فرأى ذلك مما يضارع الربا، وهو بعيد، والأظهر فيه الجواز، والله أعلم. وقوله أيضا: وهو شبه الحمالة بالجعل، ليس بشبه بين؛ لأن الحمالة بالجعل إنما هي أن يعطي الحميل شيئا، أو يضع عنه شيئا، على أن يتحمل عنه، وإنما أعطى أو وضع للمحتمل عنه على أن يعطيه حميلا أو رهنا، ولا يظهر للفساد في ذلك وجه، سواء ما بينه في رسم أوصى من سماع عيسى من الكتاب المذكور، والشبه الذي رآه بينهما، هو أنه ابتياع غرر في المسألتين جميعا، إلا أنه في الحمالة بالجعل، غرر في حق المتبايعين جميعا، وفي إعطاء العرض على أخذ الرهن غرر من جهة أخذ الرهن، لا من جهة معطيه. والله أعلم. [أسلف رجلا مالا ورهنه دارا ووضعها على يدي رجل] ومن كتاب كتب عليه ذكر حق وسئل مالك عن رجل أسلف رجلا مالا ورهنه دارا ووضعها على يدي رجل، وقال الذي وضعت على يديه: أنا حميل بما نقص من رهنك، وأسلفه سلفا آخر، وأرهنه رهنا آخر، ووضع على يدي

الرجل الذي وضع على يديه الرهن الأول الذي يحمل له بما نقص من رهنه، فحل أجلهما فقضاه بعض حقه، ثم لقيه بعد ذلك فقال: إنما قضيت لك الحق في الحمالة التي فيها الرهن، وقد أعلمتك ذلك عند القضاء، فأنكره ذلك وقال: بل هذا من الآخر. قال: قال مالك: أرى أن يقسم الذي اقتضى بينهما، فإن كان الأول ستين، والآخر ثلاثين، كان قد اقتضى من الأول عشرين؛ ومن الآخر عشرة، للأول الثلثين، وللآخر الثلث، يقسم عليهم بالحصص إذا كان مثل هذا، فعلى مثل هذا النحو يكون فيه الأمر. قال محمد بن رشد: قوله: إنما قضيت لك الحق في الحمالة التي فيها الرهن غلط، وإنما صوابه في الرهن الذي فيه الحمالة؛ لأن السلفين في كل واحد منهما رهن، ولا حمالة إلا في أحدهما، وقوله: أرى أن يقسم الذي اقتضى بينهما، يريد بعد أيمانهما، يحلف كل واحد منهما على ما ادعاه، فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا، قسم ما اقتضى بين المالين كما ذكر، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف. ووجه ذلك، أنه لم ير واحدا منهما أشبه بالدعوى فوجب إلا يبدأ أحدهما على صاحبه باليمين، وهذا مثل ما في كتاب الكفالة من المدونة في الجعل، أحدهما من قرض، والآخر من كفالة، ومثل ما في كتاب الرهون منها في الحقين يكون في أحدهما رهن دون الآخر. وقد قيل: إن القول قول القابض مع يمينه، وهو قول غير ابن القاسم في كتاب الكفالة من المدونة وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس. وقيل: إن القول قول الدافع مع يمينه، وهو قول ابن كنانة ورواية محمد بن صدقة بن حبيب عن مالك، وكذلك لو اختلفا عند القضاء، في أي الحقين يبدأ بالقضاء؟ لجرى الأمر فيه عندي على هذا الاختلاف، إلا أنه لا يمين في شيء من ذلك. وقد فرق في سماع أبي زيد، من كتاب المديان والتفليس، بين اختلافهما عند القضاء، وبعد القضاء، على اختلاف وقع في ذلك في الرواية، فانظر ذلك، وأنعم النظر فيه. وبالله التوفيق.

مسألة: الغلام أو الدار المرهونة توضع على يد رجل أيكريها

[مسألة: الغلام أو الدار المرهونة توضع على يد رجل أيكريها] مسألة وسألت مالكا عن الرهن: الدار، أو الغلام يؤاجره، أو يكري الدار الذي وضع على يديه الرهن، أم المرتهن، أم صاحب الدار، أو الغلام؟ قال ليس لصاحب الدار أن يكريها، ولا يؤاجر غلامه، والمرتهن أولى بإكرائها من الذي وضعت على يديه ومن صاحبها، وكيف حيازة الرهن أن يكري المرتهن الدار أو الغلام، أو الذي وضعت على يديه؟ وإلا لم تعرف له حيازة حتى يرى يكريها ويرهنه ديون أخرى، فلا أرى لصاحبها أن يكريها، والحيازة أن يكريها المرتهن، أو الذي وضعت على يديه، إلا أنهم يجمعون له الغلة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، لا اختلاف فيها ولا إشكال في شيء من معانيها، فلا وجه للقول فيها. وبالله التوفيق. [مسألة: رهن رهنا ووضعه على يدي رجل واشترط أنه حميل بما نقص] مسألة وسئل مالك عن رجل رهن رهنا ووضعه على يدي رجل، فاشترط الذي وضع على يديه أنه حميل بما نقص رهنه، فحل الحق، فأمره السلطان أن يبيع الدار في حقه، فبيعت فنقص من حقها وأمره أن توقف بعد البيع شهرين، يطلب بها الزيادة، فقال صاحب الحق للذي تحمل له يما نقص من الرهن: قد بيعت الدار، وليس فيها وفاء، فاقضني ما نقص، وقال الحميل: قد ضرب لي أجل شهرين لطلب الزيادة في الدار، فإن وجدت الزيادة وإلا غرمت إليك، وأبى صاحب الحق. قال: أرى ذلك للذي وضع الرهن على يديه الذي تحمل بما نقص من الرهن أن يؤخر عنه ذلك الشهرين الذين ضرب السلطان.

مسألة: رهن رجلا جارية إلى أجل وهو معسر فأيسر صاحب الجارية

قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات، وهي مسألة ضعيفة؛ لأنه ضمن الحميل ما تقص عن حقه. وهو إنما ضمن ما نقص من رهنه. وقد مضى القول على هذا المعنى مستوفى في أول رسم من السماع فلا معنى لإعادته. وستأتي هذه المسألة في نوازل أصبغ بزيادة معنى سنتكلم عليه إذا مررنا به - إن شاء الله - وبالله التوفيق. [مسألة: رهن رجلا جارية إلى أجل وهو معسر فأيسر صاحب الجارية] مسألة وسئل مالك عن رجل رهن رجلا جارية إلى أجل، وهو معسر، فأيسر صاحب الجارية، فقال لصاحب دينه: أنا أعطيك رهنا من هذه الجارية: أصلا أو دارا أو ما أشبهه، وادفع إلي الجارية، فإني أريد أن أبيعها، فإنها ليست لي بموافقة، فقال: ليس ذلك إلا برضى صاحب الحق. قيل له: فإنه باعها. قال: إن كان باعها رأيت أن يعطى المرتهن الثمن في حقه، حل الأجل أو لم يحل، ويمضي عليه البيع. قال محمد بن رشد: قوله: إنه ليس للراهن أن يعوض المرتهن من الرهن الذي رهنه إياه برهن آخر إلا بإذنه ورضاه، بين صحيح لا إشكال فيه؛ لأنه قد تعين له حق في عينه، فهو يقول: لا يخرج من يدي بعوض سواه، وإن كانت قيمته أكثر؛ لأني أخشى أن يستحق العوض من يدي وأنا أعني في بيعه إن كان أصلا لا يباع إلا بعد التقصي في طلب الزيادة فيه. وقوله: إن الراهن إذا باع الرهن يريد بغير إذن المرتهن يعطي المرتهن الثمن في حقه، حل الأجل أو لم يحل، ويمضي عليه البيع، نص في أنه لا خيار له في أن يفسخ البيع، ومعناه: إذا باعه بمثل حقه فأكثر؛ إذ لا منفعة له في نقص البيع، بل فيه ضرر عليه وعلى الراهن، وأما إن باعه بأقل من حقه،

فله أن ينقض البيع، ويبقى له رهنا بحاله؛ لأنه يقول: أنا أرجو أن ترتفع أسواقه إلى وقت بيعه عند حلول الأجل، أو ينمو إلى ذلك إن كان حيوانا، وأما ما وقع في المدونة من قوله: إن البيع لا يجوز إلا أن يجيزه المرتهن، معناه. إذا باعه بأقل من حقه، أو كان الدين عرضا؛ إذ لا يلزمه قبض العرض قبل حلوله، إلا أن يكون ... ولو كان الرهن عينا، فباع الراهن الرهن بعرض، لكان المرتهن بالخيار، بين أن يرد البيع أو يجيزه، فيوقف له العرض رهنا إلى حلول الأجل، فليس ما في المدونة بخلاف لهذه الرواية على ما تأولناه فيهما وذهب أشهب إلى أن بيع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن إذا لم يجز بيعه بمنزلة عتقه، يعجل للمرتهن حقه من ثمن الرهن إن كان فيه وفاء أو من مال الراهن إن لم يكن فيه وفاء، ويمضي البيع، ولا يكون للمرتهن خيار في رده إذا تمسك به أحد المتبايعين، وإن لم يكن في ثمنه وفاء بحقه، إذا كان للراهن مال يفي بما نقص من حقه، وإن أجاز بيعه بقي دينه إلى أجله، ووقف له الثمن رهنا إلا أن يأتي الراهن برهن ثقة يشبه الرهن الذي باع. وذهب سحنون إلى أنه إن لم يأت برهن يشبه الرهن الذي باع، عجل له الثمن، إذ لا فائدة في توقيفه، وهو ظاهر ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة في مسألة النصراني يرهن عبده بعد أن يسلم؛ لأنه قال فيها: يباع فيقضي الغريم دينه، إلا أن يأتي برهن ثقة، وكذلك روى ابن وهب والحكم عن مالك، أنه يعجل الثمن إذا لم يأت برهن، خلاف قوله في كتاب الرهون من المدونة. قاله فيها في الراهن يبيع الرهن بإذن المرتهن، فقال: لم آذن له في بيعه ليأخذ الثمن، لا فرق بين أن يبيعه بإذنه أو بغير إذنه، فيجيز البيع، وبالله التوفيق.

دفع إلى رجل رهنا ثم قضاه ثم جاء صاحب الدين بعد ذلك يدعي أنه أعطاه الرهن

[دفع إلى رجل رهنا ثم قضاه ثم جاء صاحب الدين بعد ذلك يدعي أنه أعطاه الرهن] ومن كتاب الشريكين يكون لهما مال قال: وقال مالك في رجل دفع إلى رجل رهنا ثم إنه قضاه، ودفع إليه رهنه، ثم جاء صاحب الدين بعد ذلك، يدعي أنه أعطاه الرهن، وأنه لم يوفه حقه كله، وقد أعطاه بعضه. قال مالك: أرى أن يحلف الراهن، ويسقط عنه ما ادعاه عليه الذي أسلفه. قال محمد بن رشد: وكذلك لو أنكر المرتهن أن يكون قبض منه شيئا من حقه، وقال: دفعت إليه الرهن على أن يأتيني بحقه، فلم يفعل، لكان القول قول الراهن على هذه الرواية، خلاف ما في نوازل سحنون بعد هذا من أن القول قول المرتهن إذا كان قيامه عليه بالقرب، ولا اختلاف بينهم إذا طال الأمر، إن القول قول الراهن، إذ لا فرق بين اختلافهما في جميع الحق أو في بعضه، ولكلا القولين وجه، والاختلاف في هذا جار عندي على اختلاف قول مالك في المتبايعين يختلفان في الثمن بعد قبض السلعة، فقول مالك هذا على قياس رواية ابن وهب عن مالك: إن القول قول المشتري في الثمن إذا قبض السلعة، وهذا القول أظهر؛ لأن القبض باب من الأيمان. قال الله عز وجل: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] وقول سحنون في نوازله على قياس رواية ابن القاسم عن مالك إنهما يتحالفان ويتفاسخان، وإن قبض المشتري السلعة، وهو على خلاف أصله في نوازله من كتاب جامع البيوع، لاختياره فيها رواية ابن وهب، على رواية ابن القاسم. وقد روى ابن القاسم عنه الروايتين جميعا. ولو لم يقر المرتهن بدفع الرهن إلى الراهن، وادعى أنه تلف له، فسقط إليه، لكان القول قوله قولا واحدا إذا كان قيامه عليه بالقرب. وقد مضى في أول رسم من سماع ابن

مسألة: تسلف من امرأته سلفا ورهنها جارية كانت تخدمها

القاسم من كتاب المديان، بيان هذا مع نظائر لها هناك. وبالله التوفيق. [مسألة: تسلف من امرأته سلفا ورهنها جارية كانت تخدمها] مسألة وقال مالك في رجل تسلف من امرأته سلفا ورهنها جارية كانت تخدمها، هل يكون ذلك حيازة للرهن أو قبضا له؟ قال: أحب إلي أن لو جعلها بين غيرها. قال محمد بن رشد: قوله: أحب إلي أن لو جعلها بين غيرها، تضعيف منه لحيازتها إياها عنه، لكونها معه في منزل واحد، وهو نحو ما يأتي في سماع أصبغ من هذا الكتاب، خلاف قول ابن وهب في سماع زونان وخلاف قول سحنون في آخر سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وكذلك اختلف أيضا إذا تصدق عليها بها أو وهبها وهي معها تخدمها، هل تصح حيازتها لها عنه أم لا؟ على قولين فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك جائز في الرهن والصدقة، وهو قول سحنون في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات؛ لأنه إذا رأى الحيازة عاملة في الرهن، فأحرى أن يراها عاملة في الصدقة. والثاني أن ذلك غير جائز فيهما جميعا وهو قول مالك في هذه الرواية، وقوله في سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات؛ لأنه إذا ضعف الحيازة في الصدقة، فأحرى أن يضعفها في الرهن. والثالث الفرق بين الصدقة، والرهن، وهو قول ابن القاسم في سماع أصبغ بعد هذا من هذا الكتاب، وكذلك لو تصدقت هي بالخادم التي تخدمها على زوجها، أو رهنته إياها، بدليل ما وقع في سماع أشهب، من كتاب الصدقات والهبات، من استدلاله بهبتها له، على هبته لها؛ لأن أيديهما جميعا على الخادم، فمرة غلب يده، ومرة غلب يدها، والأظهر أن تغلب يده، فيفرق بين أن يكون هو الذي وهبها أو رهنها، أو تكون هي التي وهبتها ورهنته لأن يده أقوى من يدها، بدليل أنه يختلف قول مالك وابن القاسم، في أن القول قول الزوج إذا اختلفا في متاع البيت، وهو مما يكون

مسألة: ارتهن في حقه مصفحا أو كتبا ثم احتاج أن يقرأ فيها

للرجال والنساء. وقد قيل: إنه لا يد لها مع الزوج، والقول قوله إذا اختلفا في متاع البيت، وإن كان ذلك من متاع النساء. وبالله التوفيق. [مسألة: ارتهن في حقه مصفحا أو كتبا ثم احتاج أن يقرأ فيها] مسألة وقال مالك في رجل ارتهن في حقه مصفحا أو كتبا فيها علم، أو سلاحا، ثم احتاج أن يقرأ في المصحف أو الكتاب، أو نزل به عدو، فاحتاج إلى السلاح، فقال: لا ينتفع بشيء من الرهن. قال الإمام القاضي هذه الرواية تدل على جواز بيع كتب العلم، خلاف ما في المدونة من أنه كره بيعها، إذ لا يصح أن يرهن ما لا يجوز بيعه بحال، وهو قد أجاز رهنها، إذ لم يمنع إلا من الانتفاع بها بعد رهنها. وقوله: ثم احتاج أن يقرأ في المصحف أو في الكتب، أو يقاتل بالسلاح، ثم احتاج الراهن إلى ذلك، فقال: إنه لا ينتفع بشيء من الرهن، ولم يبين إن فعل، هل يبطل الرهن بذلك أم لا؟ وفي هذا تفصيل. أما المصحف والكتب، فإن قرأ فيها عند المرتهن دون أن يخرجها من يده، فلا يبطل الرهن فيها بذلك أذن فيها المرتهن أو لم يأذن، إلا أن يكون رهنه إياها على ذلك، وأما إن أخذها من عنده، فقرأ فيها عند نفسه، فإن كان بغير إذن المرتهن لم يبطل الرهن بذلك، وإن كان بإذنه كان ذلك حكم المرتهن لغير الرهن إن قام عليه الغرماء قبل أن يرده كان إسوة الغرماء. واختلف هل من حقه أن يرده إليه رهنا كما كان أم لا؟ فقيل: ذلك من حقه، وهو قول أشهب في كتبه، وقيل: ليس ذلك من حقه، إلا أن يكون أعاره على ذلك، وهو قول ابن القاسم في المدونة في رسم العتق من سماع عيسى بعد هذا. وقول أشهب

أظهر؛ لأن من حكم العارية أن ترجع إلى المعير بعد انقضاء أمد العارية إن كان لها أمد، أو بعد أن يمضي من المدة ما يرى أنه أعارها إليه إن لم يكن لها أمد، فإذا رجعت إليه على مذهب أشهب الذي يوجب صرفها إليه، كانت رهنا على حالها الأول. واختلف إن ردها إليه باختياره على القول بأنه لا يجب عليه ردها، هل يكون رهنا أم لا؟ على قولين: أحدهما أنها لا تكون رهنا، وهو قول مالك في رسم العتق بعد هذا من سماع عيسى. والثاني ألا تكون رهنا على حالها الأول، وهو قول ابن القاسم فيه. والاختلاف في هذا يرجع إلى اختلافهم في الرهن، هل تفتقر صحته إلى التصريح به أم لا؟ فيفتقر إليه على قول مالك هذا. وقول ابن القاسم في المدونة: إن المرتهن لا يكون أحق بما أنفق على الرهن من الغرماء، وإن قال له الراهن: أنفق على أن نفقتك في الرهن حتى يقول له: أنفق على أن نفقتك الرهن بها أيضا، ولا تفتقر إليه على قول ابن القاسم ها هنا وقد مضى القول على هذا المعنى في أول سماع أبي زيد، من كتاب المديان والتفليس وحكم السلاح يقاتل به إلى الراهن حكم الكتب، يقرأ فيها عند نفسه على ما ذكرناه. وأما انتفاع المرتهن بالرهن فلا يجوز بغير إذن الراهن، ويجوز بإذنه إذا كان ذلك شرطا في أصل البيع في الدور والأرضين باتفاق. وفي الحيوان والثياب على اختلاف، ولا يجوز ذلك بعد عقد البيع ولا في السلف بحال. وهذا كله منصوص عليه في المدونة وبالله التوفيق.

رجل أوصى عند موته أن متاعا كذا وكذا لفلان عندي ولم يسم الثمن

[رجل أوصى عند موته أن متاعا كذا وكذا لفلان عندي ولم يسم الثمن] ومن كتاب صلى نهارا وسئل عن رجل أوصى عند موته أن متاعا كذا وكذا لفلان عندي ولم يسم الثمن الذي رهنه به عنده، فسئل صاحب المتاع فقال: صدق، متاعي عنده رهن بكذا وكذا عشرة دنانير، وقد قضيته خمسة دنانير من ذلك، فقال مالك الرهن: يسوى ذلك، قال: نعم، الرهن يسوى أكثر من ذلك. قال: لا يصدق فيما قال: إني دفعت إليه، ولكن يأخذه حتى يدفع إليه العشرة دنانير، ثم قال: أرأيت لو قال قضيته إياها أكان يصدق؟ إنما كانت على الميت يمين. وقد ذهب، وسقطت عنه اليمين حين مات، قيل له: أيحلف الورثة أن أباهم لم يقبض الخمسة؟ قال مالك: إن كان فيهم من يتهم أنه يعلم ذلك أحلف. قال محمد بن رشد: سؤال مالك في هذه المسألة السائل، هل يسوى الرهن ما زعم الراهن أنه رهنه به أم لا؟ لا تأثير له في حكم المسألة؛ لأنه قد أقر أنه رهنه بعشرة، فسواء كان الرهن يساوي عشرة أو لا يساويها لا يصدق فيما زعم أنه قضاه منها. وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في أول رسم شك في طوافه الثاني قبل هذا فلا معنى لإعادته. وقوله: إن كان فيهم من يتهم أنه يعلم ذلك أحلف, هذا على القول بلحوق يمين التهمة دون تحقيق الدعوى. والقولان قائمان من المدونة من كتاب النكاح والغرر والسرقة. وبالله التوفيق. [مسألة: يهلك وعنده رهن لرجل فيقول صاحب الرهن هو رهن في دينار] مسألة قال سحنون: وسألت أشهب عن رجل يهلك، وعنده رهن لرجل، فيقول صاحب الرهن: إنما هو رهن في دينار، وقيمته

ترك رهنا رأسا وهلك ولم يكن مال يكفن فيه

عشرة دنانير. قال: إن لم يكن أحد يدعي فيه شيئا ولا يعرف إلا بقول الراهن أحلف وأخذ رهنه، فقلت له: فإن كان في عشرة دنانير، وقد قبضت خمسة وبقيت خمسة، قال: أراه ضامنا لعشرة، وأرى على الورثة إن كان فيهم أحد بالغ يرى أن مثله يعلم ما قال الراهن، فاليمين عليه أنه لا يعلم أن أباه اقتضى شيئا، وأما من كان غائبا أو صغيرا فلا يمين عليهم. قال محمد بن رشد: هذه المسألة والتي قبلها سواء. وقد مضى القول فيهما وبالله التوفيق. اللهم لطفك. [ترك رهنا رأسا وهلك ولم يكن مال يكفن فيه] ومن كتاب اغتسل على غير نية وفي رجل ترك رهنا رأسا وهلك، ولم يكن مال يكفن فيه هل ترى أن يؤخذ من ثمن الغلام ما يكفن به، أم الرهن أولى؟ قال: أرى أولى من الكفن. قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس، ومن كتاب الجنائز. ومضى القول عليها في كتاب الجنائز، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [ارتهن بدين له على رجل عبدا له بعينه ووضعه على يدي ابنه] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الأقضية قال سحنون: قال لي ابن نافع وأشهب: سئل مالك عمن

مسألة: رهن الأمة الحامل

ارتهن بدين له على رجل عبدا له بعينه ووضعه على يدي ابنه وضمن له ابنه دينه، والابن مع أبيه في منزله، فوثب علي الغرماء يريدون محاصتي، فقال له: رهنك ضعيف، وابنه معه في المنزل، والعبد يخدمه، فهم يقولون: لم تحز رهنك، فإن كان ابنه الذي تحمل لك هذا ليس مولى عليه، فهو ضامن لما خس من حقك، إن دخل عليه الغرماء في العبد فذلك لك عليه، وإنما تكتب الحمالات في الرهون مخافة مثل هذا، فأنا أرى ذلك عليه إن لم يكن مولى عليه، فقال له: إن الابن يقول: إنما تحملت لك، وبيدي العبد، فهذا العبد أنا أدفعه إليك وأسلمه بيدك، فقال مالك: ليس ذلك له، وهو لما خس من حقك ضامن. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أن الابن ضامن لما نقص من حقه إذا دخل عليه الغرماء في الرهن، من أجل أنه ضمن دينه وفرط في الرهن إذا لم يجزه عن أبيه الراهن له. وبالله التوفيق. [مسألة: رهن الأمة الحامل] مسألة وسئل عن الأمة الحامل ترهن، أيجوز أن يشترط، فيقول: ليس ولدها معها في الرهن؟ قال: لا يجوز ذلك لأحد. قال محمد بن رشد؛ رأيت لبعض أهل النظر، أنه قال: إنما لم يجز أن يستثنى الولد في الرهن؛ لأنه لا يجوز أن يستثنى في البيع، وليس ذلك ببين؛ لأن الأمة الحامل، إنما لم يجز له أن يستثني جنينها لأنه يصير مشتريا للجنين بما وضع من ثمن الأم، فكأنه باع الأمة بالثمن الذي سما فيها وبالجنين الذي اشترطه، فصار بائعا للأمة، مبتاعا للجنين في صفقة واحدة، وهذا بين على القول بأن المستثنى مشترى، وأما على القول بأنه مبقى على

مسألة: له عليه دين وارتهن منه حائطا له وأحلف بالطلاق ليوفينه الثمن إلى أجل

ملك البائع، فلا علة في ذلك تفسره، وعلى هذا أجازه من أجازه من أهل العلم. وهذا لا يدخل. في الرهن؛ لأن الأمة وجنينها باقيان على ملكه، وإن رهن أحدهما دون الآخر؛ لأنه لما لم يجز أن يرهن الجنين دون أمه ابتاعها على غير قياس، لم يجز أن ترهن الأم دون الجنين استحسانا أيضا دون قياس. فهذا وجه المنع من رهن الأمة دون جنينها. ولقد كان القياس أن يجوز رهن كل واحد منهما دون الآخر قياسا على جواز رهن الثمرة التي لم تؤبر دون الأصل، ورهن الأصل دونها، وإن كان ذلك لا يجوز في البيع؛ لأنه غرر، فلا يدخل على التحقيق في رهن الأمة دون جنينها، إلا ما يدخل في رهن الأمة لها الولد الصغير، دون ولدها عند من كره ذلك، فينبغي أن يدخل في رهن الأمة دون جنينها الذي في بطنها، ذلك الاختلاف. وقد مضى تحصيله في رسم شك في طوافه الثاني فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: له عليه دين وارتهن منه حائطا له وأحلف بالطلاق ليوفينه الثمن إلى أجل] مسألة وسئل عمن له على رجل دين، وارتهن منه حائطا له، وأحلف بالطلاق ليوفينه الثمن إلى أجل سماه له، فلما دنا الأجل وخاف الحنث، باعه تلك النخل التي ارتهنه إياها بذلك الدين، ثم قال له: إنما بعته حين خفت الحنث، وأنا أظنه سيرد علي مالي وأقضيه حقه، وقال المشتري: ابتعت منك بالشهود والبينة، فقال مالك: أرأيت هذا الذي يطلب رد هذا الحائط عليه، أطيب النفس بالحنث؟ فقيل له: نعم، فقال: إن كان هذا المال مالا رابحا كثير الفضل على ما باعه إياه، لا يشبه تغابن الناس في البيوع، فأرى أن يرد عليه ماله الذي باع، ويقضيه دينه، ويقع عليه الحنث. قال الإمام القاضي: اعترض ابن دحون هذه المسألة فقال فيها:

مسألة: توفي وترك رهونا لا يعرف أصحابها ولا يدرى كم فيها

إنها مسألة ضعيفة، كيف يفسخ البيع للغبن، وذلك جائز بين كل متبايعين، إلا من خصته السنة بالرد؟ لو اشترى رجل من غير مولى عليه ما يساوي مائة درهم بدرهم، لزم ذلك ولم يفسخ، ولم يختلف في ذلك. وقد مضى القول في توجيهها وما يتعلق بها في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: توفي وترك رهونا لا يعرف أصحابها ولا يدرى كم فيها] مسألة وسئل عمن توفي وترك رهونا لا يعرف أصحابها، ولا يدرى كم فيها؟ ولذلك زمان، قال: أرى أن تباع هذه الرهون، ثم يحبس ثمنها سنة أو نحوها ينتظر الخبر، وأن يعرف أصحابها، قيل له: سنة، قال: ليس في ذلك وقت ينتظر فيهم إلا قدر ما يرى، فإن لم يأت لها طالب يستحقها، قبضها الغرماء في حقوقهم، فإن جاء بعد ذلك طالب يستحق شيئا رجع على الغرماء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة؛ لأن المعنى فيها أنه قد علم أنها رهون ببينة أو بإقرار الورثة بذلك، وإنما يباع ويوقف أثمانها إذا كان لذلك وجه، مثل أن يخشى الفساد عليها وما أشبه ذلك، وأما إن لم يخش الفساد عليها، فتوقيفها أولى من توقيف أثمانها، إذ قد يحتاج إلى الشهادة على أعيانها، ويريد من استحق منها شيئا متاعه بعينه، وإذا بيعت ووقفت أثمانها فتكتب صفاتها، فإن جاء من يدعي شيئا منها فعجزعن إقامة البينة عليه ووصفه، استحقه بيمينه على الصفة، فأخذه وودى ما أقر أنه رهنه به مع يمينه على ذلك أيضا. وبالله التوفيق. [مسألة: غريم لم يكن فيمن علم به الابن من غرماء أبيه وكان الابن قد دفع إليه مال أبيه] مسألة قيل له: أرأيت إن جاء غريم لم يكن فيمن علم به الابن من غرماء أبيه، وكان الابن قد دفع إليه مال أبيه، وتحمل بما على أبيه

ارتهن حائطا فأصابت الريح نخلا فطرحتها فأراد صاحب الأصل بيع الخشب

من دين أيغرمه له الابن؟ فإنه يقول: لم أعلم أن هذا عليه، وإنما تحملت بما علمت، قال مالك: إن جاء غريم لم يكن الابن علم به، فإن الغريم يأخذ ماله على أبيه من ابنه؛ لأنه قد رضي بذلك. قال الإمام القاضي هذه مسألة مقطوعة، وأصلها في رسم البيوع من سماع أشهب من كتاب المديان والتفليس، وفي رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم منه. وقد غمزت إن كانت التركة عينا والدين عينا، فقيل كيف يجوز للابن أن يسلم إليه عينا ليؤدي عينا أكثر منه إلى وقت، أو يؤدي ذهبا وقد أخذ فضة، أو فضة وقد أخذ ذهبا؟ وقد بينا هذه المسألة في الموضعين المذكورين من كتاب المديان بيانا شافيا، وبينا منه قول مالك فيها بيانا لائحا، ينفي اعتراض المعترض عليه فيها. وبالله التوفيق. [ارتهن حائطا فأصابت الريح نخلا فطرحتها فأراد صاحب الأصل بيع الخشب] ومن كتاب الأقضية الثاني قال وسئل عمن ارتهن أصل حائط، فأصابت الريح نخلا فطرحتها، فأراد صاحب الأصل أن يبيع الخشب، فمنعه صاحب الرهن، وقال: هي من رهني، فقال: ذلك له، وقد صدق فأرى أن تباع ويوضع الثمن على يدي عدل حتى يحل حقه فيقضيه؛ لأن من الخشب ما إن ترك فسد. قلت: أرأيت إن كان خشبا لا يفسد إلى حلول الأجل؟ قال: إن كان من الخشب ما إن ترك فسد. قلت: أرأيت أن يترك ولا يباع حتى يحل الحق، إلا أن يجتمع رأي صاحب المال وصاحب الأصل جميعا على البيع، فيباع ويوضع الثمن على يدي عدل إلى الأجل، فإن لم يجتمع رأيهما

على ذلك، ترك دينا ولم يبع حتى يحل الأجل. قال الإمام القاضي: قوله: إن القول قول المرتهن في أن النخل من الرهن، وقد صدق، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن النخل تبع للأصل في الرهن، بمنزلة البيع، إذا باعه الأصل دخل فيه النخل، كذا قال في المدونة: إن النخل تبع للأصل والأصل تبع للنخل، وكذلك قوله: إنه يباع إذا خشي عليه الفساد صحيح، لا اختلاف فيه؛ لأن تركه حتى يفسد، من إضاعة المال المنهي عنه، فمن دعا إلى ذلك منهما، كان ذلك له، بخلاف إذا لم يخش عليه الفساد، لا يباع إلا أن يجتمع رأيهما على ذلك، بخلاف المتقارضين يختلفان في بيع سلع القراض. إن الإمام ينظر في ذلك، وإنما قال: إن الثمن يوضع على يدي عدل، وإن كان الأصل بيد المرتهن؛ لأن من حق الراهن أن يقول: أنا لا أئتمنه على الثمن، وإن كنت أئتمنته على الأصل، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي يدخل في الرهن إذا أراد المرتهن أن يكون في يديه وأبى ذلك الراهن، على ما يأتي القول قيه في رسم الصلاة من سماع يحيى. وأما قوله: إنه يكون على يدي العدل حتى يحل الأجل، فمعناه إلا أن يأتي الراهن برهن مثله، فيكون من حقه أن يأخذ الثمن، فإن لم يأت برهن مثله ففي ذلك اختلاف. قيل: إن الثمن يوقف إلى الأجل، وهو قوله ها هنا، وقوله في المدونة في الرهن يبيعه الراهن بإذن المرتهن، إذ لا فرق بين أن يبيعه بإذنه، أو يبيعه بوجه نظر، يحكم له به عليه وقيل: إنه يعجل له حقه، إذ لا فائدة في تأخيره، وهو قول سحنون. ودليل ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة وقول مالك في رسم الأقضية الثالث بعد

الأمة ترهن ولها ولد صغير بغير ولدها

هذا من هذا السماع، وقول أشهب في سماع أصبغ من كتاب الخدمة، وأما إن باعه بغير إذنه، فلا اختلاف في أنه يعجل له حقه إذا كان فيه وفاء، واختلف إذا لم يكن فيه وفاء، فقيل إنه يعجل له بقية حقه من ماله، بمنزلة العتق، وهو قول أشهب، وقيل: إنه لا يقضي بقية حقه حتى يحل الأجل. وقد مضى هذا المعنى في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [الأمة ترهن ولها ولد صغير بغير ولدها] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل عن الأمة ترهن، ولها ولد صغير، بغير ولدها، أجائز هو؟ قال: نعم ذلك الرهن جائز، وقد ترهن الوليدة ولها أولاد صغار يبيعونه فيكون الرهن جائزا، فإذا بيعت الوليدة في الرهن، بيع معها ولدها، فكان له في رهنه ثمن الوليدة، ولم يكن له ثمن أولادها في الرهن، إلا أن يفضل فضل عن ثمن الوليدة، فيكون أسوة الغرماء في ثمنهم. قيل له: ترى الرهن ماضيا. وإذا بيعت الأم بيع أولادها معها، فقال: نعم إلا أن يشتريها سيد ولدها، قلت له: إنما فلس، قال: تباع بولدها، ثم يكون ثمنها للمرتهن في حقه. قال محمد بن رشد: أجاز مالك في هذه الرواية أن يرهن الرجل الرجل أمته، ولها ولد صغير، يريد ويكون الولد معها في حوز المرتهن، وكره ذلك في سماع يحيى. وقد مضى القول على ذلك في آخر رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، إذ لا فرق بين الولد دون الأم أو الأم دون

مسألة: الرجل يبيع جاريته من جار معه في الدار ولها ولد صغير

الولد. وقوله في آخر المسألة إلا أن يشتريها سيد ولدها، لا يستقيم على المسألة التي ذكر، وهو أن تكون الأمة وولدها للراهن الذي عليه الدين، بدليل قوله فيها: إلا أن يفضل فضل عن ثمن الوليدة، فيكون أسوة الغرماء في ثمنهم؛ لأنها لم تخرج عن ملكه والدين عليه، وكيف يشتريها؟ وإنما يبيعها مع ولدها فيما عليه من الدين، أو تباع عليه مع ولدها في التفليس، فيكون أحق من الغرماء بما ناب الأم، فإن فضل من دينه فضل عما ناب الأم، كان أسوة الغرماء فيما ناب الولد. وإنما يستقيم على وجهين: أحدهما أن تكون الأمة وولدها لغير الذي عليه الدين، فيرهن الأم منها دون الولد، عند الذي له الدين، عن الذي عليه الدين؛ لأن الحكم في ذلك إذا حل الأجل أن تباع الجارية مع ولدها، فيكون للمرتهن ما ناب الأم من الثمن، وللراهن ما ناب الولد منه إلا أن يشاء أن يأخذها بما ينوبها مما يعطى فيها مع ولدها، فيكون ذلك له، وتبقى الجارية على ملكه مع ولدها، ويدفع ما ناب الأم من الثمن إلى المرتهن، ويتبع به الذي عليه الدين والوجه الثاني، أن يكون الولد لغير الراهن الذي عليه بهبة أو صدقة، مثل أن يكون لرجل فيهب أحدهما لرجل، أو يهب الأم لرجل، والولد لآخر؛ لأن الحكم في ذلك أن يقرا على ما هما عليه من افتراق الملك، ويقضى عليهما بأن يجمعا بينهما في حوز واحد، فإن رهن صاحب الأمة الأمة فيما عليه من الدين، جاز ذلك، وحاز المرتهن الأمة مع ولدها إن رضي بذلك سيد الولد، وإن لم يرض بذلك كانت الأم عنده مع ولدها، فكان من ذلك حائزا للمرتهن، فإذا حل الأجل بيعت الجارية مع ولدها من رجل واحد، فكان ما ناب الأم للمرتهن، وما ناب الولد لصاحبه، إلا أن يشتري الأم سيد الولد على ما قال، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يبيع جاريته من جار معه في الدار ولها ولد صغير] مسألة قيل له: أفرأيت الرجل يبيع جاريته من جار معه في الدار، ولها ولد صغير، يختلف إليها، ويكون معها؟ قال: لا أرى ذلك،

لا أرى أن يباعا إلا جميعا في واحد، إن ذلك الجار قد ينتقل ويموت، فتباع الجارية، فلا أرى أن يباعا إلا جميعا. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يجوز أن يبيع الرجل أمته دون ولدها الصغير، من جار معه في بيت واحد، صحيح على أصله، في أنه لا يجوز في البيع أن يجمع بينهما في حوز واحد، بخلاف الهبة والصدقة، فإنه أجاز فيهما الجمع في حوز واحد. هذا مذهبه في المدونة. وقوله في المسألة التي قبل هذه: والقياس ألا فرق بينهما؛ لأن العلة التي اعتل بها في البيع، من أن ذلك الجار ينتقل ويموت، موجودة في الهبة والصدقة، ووجه التفرقة بينهما على ضعفها، أن البيع على سبيل المكايسة، ويمكن رده، والهبة والصدقه على سبيل المعروف، ولا يمكن رده، فاستخف في الهبة والصدقة من الجمع في حوز واحد لهذه العلة، ما لم يستحف في البيع. وقال ها هنا في بيع الأم دون ولدها الصغير: لا أرى ذلك، ولم يقل ما يكون الحكم فيه إذا وقع. وقد اختلف في ذلك على قولين: أحدهما أنه بيع فاسد، لمطابقة النهي، والثاني أنه ليس ببيع فاسد، لإمكان زوال المعنى الذي من أجله منع منه، كاشتراء النصراني مصحفا أو مسلما. واختلف على القول بأنه بيع فاسد إذا فات، فقيل: إنه يمضي بالثمن، وقيل: إنه يرد إلى القيمة ويباع عليهما جميعا من رجل واحد مضى بالثمن أو رد إلى القيمة. واختلف أيضا على القول بأنه ليس ببيع فاسد، فقيل: إنهما يؤمران أن يجمعا بينهما في ملك أحدهما، فإن أبيا رد البيع، وقيل: إنهما يؤمران بذلك، فإن أبيا بيع عليهما، ولم يرد البيع، وقيل: إنهما يؤمران أن يجمعا بينهما في ملك أحدهما، أو يبيعاهما من رجل واحد، فإن أبيا من ذلك رد البيع، فالقول الأول على قياس المنع من جمع الرجلين سلعتيهما في البيع؛ لأنه على هذا القول إذا أبيا أن يبيع أحدهما من صاحبه، لم يكن بد من رد البيع، وإن لم يكن فاسدا. والقول الثاني على قياس إجازة جمع الرجلين سلعتيهما في البيع؛ لأنه إذا أمكن أن يجمع بينهما في ملك واحد، بأن يباعا عليهما من

مسألة: ابتاع من رجل بيعا بدنانير إلى ستة أشهر ورهنه بذلك رهنا

رجل واحد، لم يرد البيع، إذ ليس ببيع فاسد، ووجه القول الثالث أنه رأى رد البيع أيسر من جمع الرجلين سلعتيهما في البيع، فحكم بذلك إذا أبيا من الجمع بينهما على حال. وبالله التوفيق. [مسألة: ابتاع من رجل بيعا بدنانير إلى ستة أشهر ورهنه بذلك رهنا] مسألة وسئل عن رجل ابتاع من رجل بيعا بدنانير إلى ستة أشهر، ورهنه بذلك رهنا قبضه، وحازه، ثم ابتاع بعد ذلك بأيام من رجل آخر بيعا بدنانير إلى أجل شهر، ورهنه، فضل ذلك الرهن الذي رهنه الأول، وقال له: فلان مبدأ عليك في الرهن، ثم ما فضل لك رهن بحقك، فحل أجل المرتهن الآخر قبل الأول المبدإ عليه في الرهن، فقال مالك: ألم يعلم المرتهن الآخر أن حق الغريم الأول إلى ستة أشهر؟ فقيل له: لم يعلم أن أجل حق المرتهن الأول إلى ستة أشهر، فقال: أرى أن يباع ويعطى حقه من ثمنه. فقيل له: إذا بيع هذا العبد المرتهن، أيعطى الذي لم يحل حقه جميع حقه، ثم يعطى هذا ما فضل؟ أو يوضع له حقه حتى يحل الأجل، ويعطى المرتهن الآخر ما فضل في حقه؟ فقال بل يعطى صاحب الحق الذي لم يحل حقه كله، أحب إلي، ثم يعطى هذا ما فضل. قال محمد بن رشد: لم يذكر في هذه الرواية أن المرتهن الأول علم بما فعل الراهن من رهنه فضلة الرهن الذي بيده لغيره، وقال: إن فضلة الرهن تكون له، واعترض ذلك ابن دحون فقال: إن ذلك من قوله خارج عن الأصول، كيف يصح أن تكون له فضلة الرهن ولم يقبضها له المرتهن الأول؟ ولا يلزم عندي هذا الاعتراض؛ لأن المسألة محتملة للتأويل. وقد اختلف فمن رهن رجلا رهنا قبضه وحازه ثم رهن فضلته من آخر، فقيل: إن الفضلة تكون له رهنا وإن لم يعلم المرتهن الأول بذلك، وهو قول أشهب في

الواضحة وغيرها، وقول ابن القاسم في المبسوطة، وقيل: إنها لا تكون رهنا له، إلا أن يعلم بذلك المرتهن الأول، ويرضى به، وهو المشهور المعلوم من قول مالك في المدونة وغيرها، وهذا إذا كان الرهن بيد المرتهن الأول، وأما إن كان موضوعا على يدي عدل فالاعتبار في ذلك إنما هو بعلمه بدون علم المرتهن صاحب الحق. ومن مذهب مالك في المدونة أن قبض المحرم قبض للموهوب له وكذلك المودع على مذهبه، وإن لم يعلم خلاف ما في سماع سحنون من كتاب الصدقات والهبات، فالظاهر من مذهب مالك أنه فرق في هذا المعنى بين الرهن والهبة؛ لأن الرهن أقوى في الحيازة. فيأتي في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك حيازة في الرهن والهبة، والثاني أن ذلك ليس بحيازة لا في الرهن ولا في الهبة، والثالث أن ذلك حيازة في الهبة، وليس بحيازة في الرهن. وفائدة هذا الاختلاف، إنما هو إذا قام الغرماء على الراهن، هل يكون المرتهن الثاني أحق بالفضلة من الغرماء أم لا؟ وأما إذا قام المرتهن الأول والثاني على الراهن، ولم يكن له غرماء أو قبل قيام الغرماء، فلا كلام في أن فضلة الرهن تكون له، إذ لا ينازعه فيها أحد، فيتحمل أن يكون إنما تكلم في هذه المسألة على أن المرتهن الثاني، قام يريد قبض فضلة الرهن في حقه الذي حل أو لم يحل بعد حق المرتهن الأول، ولا غرماء على الراهن، فلا يلزم على هذا التأويل اعتراض ابن دحون على المسألة. وقول مالك: ألم يعلم المرتهن الآخر، أن حق الغريم الأول إلى ستة أشهر؟ يدل على أن القصد بالسؤال، إنما هو إلى هل يكون للثاني أن يأخذ فضلة الرهن، إذ قد حل حقه أم لا يكون ذلك له حتى يحل المرتهن الأول فيأخذ حقه؟ إذ هو مبدأ عليه في الرهن، لا إلى هل يكون المرتهن الآخر أحق بالفضلة من الغرماء أم لا؟ ولو كان القصد عنده بالسؤال إلى هذا السائل، هل علم المرتهن الأول بذلك ورضي به أم لا؟ على

مسألة: يرهنه رهنا ويشهدان على ذلك ثم يأتي الراهن فيزداد منه سرا

المعلوم من مذهبه، في أن المرتهن لا يكون حائزا لغيره فضلة الرهن إلا أن يعلم بذلك ويرضى به، ولو علم المرتهن الثاني بأجل المرتهن الأول، لم يبع الرهن له حتى يحل أجله؛ لأنه على ذلك دخل، وقوله: إنه إذا بيع الرهن يعطى الذي لم يحل حقه كله، ولا يوضع له، إلا أن يحل أجله، معناه: إذا لم يأت برهن يشبه الرهن الأول، وهو خلاف ما مضى في رسم الأقضية الثاني من هذا السماع، مثل قول سحنون، وظاهر ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة ويشبه أن يقال في هذه المسألة: إنه يعجل للمرتهن فيها حقه باتفاق، ولا يكون للراهن أن يأتي برهن آخر؛ لأنه أدخل على المرتهن بيع رهنه، فأشبه ذلك إذا باع الرهن بغير إذن المرتهن، وهو الأظهر، وما يبقى من الرهن بعد أن يباع منه بحق الأول مجهول، فيقوم من هذه المسألة جواز رهن الغرر في أصل البيع، وقد اختلف في ذلك، والقولان قائمان من المدونة، يقوم ذلك من اختلاف قول مالك وابن القاسم فيها في المرتهن يشترط في أصل البيع الانتفاع بالرهن، وهو ثياب أو حيوان، وبالله التوفيق: [مسألة: يرهنه رهنا ويُشهدان على ذلك ثم يأتي الراهن فيزداد منه سرا] مسألة وسئل عن الرجل يرتهن من الرجل رهنا بعشرة دنانير، ويُشهدان على ذلك شهودا عدولا، ثم يأتي صاحب الرهن إلى المرتهن سرا، فيزداد منه فيه خمسة دنانير، فإذا تقاضاه حقه قال: إنما رهنتك الرهن بعشرة دنانير، وقال الذي في يديه الرهن، بل رهنتنيه بخمسة عشر دينارا، جئتني سرا، فازددت مني فيه خمسة دنانير، فقال مالك: على الذي في يديه الرهن بذلك البينة، وإلا حلف الراهن ما ازداد منه فيه شيئا، وكان القول قوله في الخمسة دنانير التي تداعيا فيها. قيل له: أرأيت الذي يرهن الرجل رهنا بلا بينة، ثم يتداعيان فيه، فيقول الذي في يديه الرهن: ارتهنته بخمسة عشر، ويقول الراهن: بل رهنه بعشرة دنانير؟ قال: فالقول قول

العبد المرتهن يجرح

الذي في يديه الرهن، ويحلف، ويقبل قوله، وليس هذا مثل الأول الذي سأل عنه الرجل. قلت: أليس إنما يكون في هذا القول قول الذي في يديه الرهن ويحلف إذا كانت قيمة الرهن مما ادعا فيه المرتهن؟ قال لي: إنما يصدق الذي في يديه الرهن في مثل هذا فيما بينه وبين قيمة الرهن، وليس هذا مثل الأول. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة مفسرة لجميع المسائل، إنما يكون القول قول المرتهن إلى مبلغ قيمة الرهن على مذهب مالك وأصحابه إلى أن الرهن شاهد لمرتهنه إلى مبلغ قيمته، وخالفه أهل العراق فقالوا: القول قول الراهن؛ لأنه مدعى عليه، والمرتهن مدع، وليس قولهم بصحيح؟ إذ ليس كل مدعى عليه يكون القول قوله، بل قد يكون القول قول المدعي إذا كان له دليل على دعواه، والقرآن دليل لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه. وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الكتاب. ومن أهل العلم من قال: إن القول قول المرتهن وإن ادعا أكثر من قيمة الرهن وهو قول شاذ. ففي المسألة ثلاثة أقوال وبالله التوفيق. [العبد المرتهن يجرح] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى بن دينار: قال ابن القاسم في العبد المرتهن يجرح: إن المرتهن أولى بجرحه حتى يستوفي حقه لأن ذلك نقص من رقبته. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن ما يغرمه الجارح ثمن ما نقص منه. وأما ما يغرمه الجارح في الجراح التي

الرجل يأمر الرجل أن يرهن له رهنا بدينارين فذهب فرهنه له بخمسة

لها ديات، ولا ينقص من قيمته شيئا، مثل المأمومة، والمنقلة، والموضحة والجائفة، فهي للسيد، ولا حق للمرتهن فيها، إلا أن ينقص ذلك من قيمته، فيكون له مما أخذ السيد قدر ما نقص من قيمته. وبالله التوفيق. اللهم لطفك. [الرجل يأمر الرجل أن يرهن له رهنا بدينارين فذهب فرهنه له بخمسة] ومن كتاب العرية وسألته عن الرجل يأمر الرجل أن يرهن له رهنا بدينارين، فذهب فرهنه له بخمسة، فجاءه صاحب الرهن يطلب رهنه، فقال المرتهن: ارتهنته بخمسة وقال صاحب الرهن: إنما أمرته بدينارين، وقال الرسول: إنما رهنته بدينارين. قال: إن كان لصاحب الرهن بينة إنما أمره بدينارين، غرم دينارين وأخذ رهنه، ولم يكن للمرتهن على الرسول إلا يمينه بالله ما رهنته إلا بدينارين ويبرأ وإن لم تكن له بينة، وإنما هو قوله وقول الرسول. وقال المرتهن: ارتهنته بخمسة دنانير، فالقول قول المرتهن فيما بينه وبين أن يحيط بالرهن مع يمينه، ثم يقال لصاحب الرهن افد رهنك بقيمته أو دعه بما فيه، فإن كان الذي ادعى المرتهن أكثر من ثمن الرهن، أحلف الرسول بالله ما رهنته إلا بدينارين، ثم يبرأ، ولا يكون لصاحب الرهن ولا للمرتهن أن يتبعاه بشيء، قلص: ولم لا

يتبع المرتهن الرسول بثلاثة دنانير، إذا أقام صاحب الرهن البينة أنه إنما أمره بدينارين، والرهن يساوي خمسة؟ لم لا يصدق المرتهن فيما بينه وبين أن يحيط بثمن الرهن، فيكون لهذا رهنه يغرم الدينارين، ويرجع المرتهن فيتبع الرسول بثلاثة دنانير، إذا كانت قيمة الرهن خمسة دنانير كما ادعى المرتهن؟ قال: لأن الرسول إنما يدعي أنه رهنه بدينارين فالمرتهن مدع قبله بثلاثة دنانير؛ لأن الرهن الذي كان يصدق عليه فيه قد أخرجه صاحب الرهن من يديه، فكل رهن استحق في يدي المرتهن، فأخرج من يديه، فالقول قول الراهن فيما يزعم أنه رهنه مع يمينه، ألا ترى أن مالكا قال: لو أن رجلا رهن عند رجل عبدا فمات العبد في يديه، وقيمته عشرون دينارا، فقال المرتهن: ارتهنته بعشرة دنانير، وقال الراهن رهنته بدينارين، كان القول قول الراهن مع يمينه إذا مات العبد، ولا يلتفت إلى قيمة العبد يوم مات، ولو أن رجلا مات وفي يديه رهن يوم مات، فقال لورثته: هذا الرهن لفلان، ولم يسم بكم رهنه، ثم مات، كان القول قول الراهن مع يمينه، ولا يلتفت فيه إلى قيمة الرهن، وكل وديعة أو عارية أو شيء من الأشياء رهنه رجل فاستحقه صاحبه في يدي المرتهن، بوجه من الوجوه، حتى أخرجه من يده، فالقول قول الراهن فيما زعم أنه رهنه به مع يمينه، ولا يلتفت إلى الرهن، وإن من قول جميع العراقيين، إن القول قول الراهن في الرهن، وإن كان الرهن قائما في يدي المرتهن لم يستحقه أحد؛ لأنهم يرون أن المرتهن مدع فكيف يرى أيضا أن القول قول المرتهن إذا خرج من يديه؟ فهذا هو الصواب إن شاء الله. قلت: فإن قال الرسول رهنته بخمسة، وقال المرتهن ارتهنته بخمسة، وقال صاحب الرهن: إنما رهنته بدينارين، قال: إن كان

لصاحب الرهن بينة، أنه إنما أمره بدينارين، غرم دينارين، وأخذ رهنه، واتبع المرتهن الرسول بثلاثة دنانير، وإن لم تكن له بينة على ما أمره به وهو مدع أنه أمره بدينارين، وله البينة على أن الرهن له، والرسول يقول: إنما أمرتني بدينارين، ورهنته بخمسة، أحلف أنه لم يأمره إلا بدينارين، ثم غرم قيمة الرهن إن كانت قيمته أدنى من خمسة دنانير، وأخذ رهنه، واتبع المرتهن الرسول بما نقص من الخمسة دنانير، واتبعه صاحب الأصل بما غرم فوق الدينارين التي زعم أنه رهنه بهما، وإن كان قال الرسول: أمرتني بخمسة، وقال الآمر: لم آمرك بدينارين، كان القول قول الرسول مع يمينه، وقيل لهذا: افد رهنك أو دعه. فإن فداه لم يتبع الرسول بقليل ولا كثير، إذا حلف أنه أمره بخمسة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول سماع ابن القاسم، والأصل فيها أن الرهن شاهد لمرتهنه إلى مبلغ قيمته إذا اختلف مع الراهن فيما رهنه به عنده، والرهن قائم بيده، أو بيد من جعلاه على يده، لم يستحق، ولا تلف تلافا لا يلزمه غيره، ولا يخلو اختلافهما من أربعة أحوال: أحدها: أن يدعي المرتهن أكثر من قيمة الرهن، والراهن أقل من قيمة رهنه، والثاني: أن يدعي المرتهن قيمة الرهن فأقل، والراهن أقل من ذلك، والثالث: أن يدعي المرتهن أكثر من قيمة الرهن والراهن قيمة الرهن. والرابع: أن يدعيا جميعا أكثر من قيمة الرهن. فأما إن ادعى المرتهن أكثر من قيمة الرهن، والراهن أقل من قيمته. مثال ذلك: أن تكون قيمته عشرة، فيدعي، المرتهن أنه ارتهنه بخمسة عشر، ويقول الراهن: بل رهنته إياه بخمسة، فالحكم في ذلك أن يقال للمرتهن: احلف لقد أرهنته بخمسة عشر، فإن حلف على ذلك، قيل للراهن: احلف لقد رهنته إياه بخمسة، فإن حلف على ذلك، فقيل: إنه يلزمه غرم قيمة

ارتهن منه رهنا وشرط عليه أن يجعل الرهن على يدي عدل

الرهن، ويأخذ رهنه، وهو ظاهر قول مالك في أول سماع ابن القاسم، وقيل: إنه يكون مخيرا بين أن يفتك رهنه بالعشرة، وبين أن يتركه للمرتهن بما فيه، وهو المشهور من قول ابن القاسم، وروايته عن مالك؛ لأن الرهن لا يشهد على ما في الذمة، وقيل: إنه يكون مخيرا بين أن يترك الرهن بما فيه أو يفتكه بالخمسة عشر التي حلف عليها المرتهن، وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى بعد هذا من هذا الكتاب. وأما إن ادعى المرتهن قيمة الرهن بأقل، وقال الراهن: بل رهنته إياه بأقل من ذلك. مثال ذلك أن تكون قيمة الرهن عشرة، فيدعي المرتهن أنه ارتهنه بعشرة أو بثمانية، ويقول الراهن: بل رهنته بخمسة، فالحكم في ذلك أن يحلف المرتهن، لقد ارتهنته منه بعشرة أو بثمانية، فإن حلف بذلك لزم الراهن، أداء ذلك إليه على قياس ظاهر قول مالك في أول سماع ابن القاسم، وأما على المشهور من قول ابن القاسم، وروايته عن مالك، من أن الرهن لا يكون شاهدا إلا على نفسه، لا على ما في الذمة، بدليل أنه لو تلف تلفا ظاهرا لم يكن للمرتهن شاهد، فيقال للراهن: إما أن تؤدي للمرتهن ما حلف عليه، وتأخذ رهنك، وإلا فاحلف وابرأ. وأما إن ادعى كل واحد منهما أكثر من قيمة الرهن، أو ادعى المرتهن أكثر من قيمة الرهن، وادعى الراهن قيمة الرهن، فلا اختلاف في المذهب في أن القول قول الراهن. وبالله - تعالى - التوفيق. اللهم لطفك. [ارتهن منه رهنا وشرط عليه أن يجعل الرهن على يدي عدل] ومن كتاب أوصى بوضع نجم من نجومه وسئل عن رجل باع من رجل بيعا، وارتهن منه رهنا وشرط المرتهن على الراهن عند عقده البيع، أنه يجعل الرهن على يدي عدل، ثم زعم المرتهن أن الرهن ضاع عند الذي وضعه على يديه،

وصدقه الذي زعم أنه وضعه على يديه، وقال الراهن: لم تضعه على يدي أحد، وإنما هلك عندك، وليس للمرتهن بينة على أنه وضعه على يدي الذي زعم أنه وضعه على يديه، إلا قوله وقول الذي زعم أنه وضعه على يديه. قال ابن القاسم: إن كان الذي زعم أنه وضعه على يديه عدلا، فلا ضمان عليه، ويرجع بجميع حقه على الراهن. قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب في هذه المسألة بعينها عن ابن القاسم، من رواية أصبغ عنه. وحكى عن أصبغ أنه قال: أراه ضامنا، وإن أقر له الأمين، ولا يبرأ إلا ببينة على دفع ذلك إليه، وإياه اختار ابن حبيب. وقول ابن القاسم عندي أظهر؛ لأنه لما رهنه عنده بشرط أن يجعله عند غيره، لم يحصل في ضمانه، لكونه كالرسول به، فوجب أن يصدق في دفعه إليه إذا أقر بقبضه، وادعى تلفه على أحد قولي ابن القاسم في المودع يؤمر بإيداع الوديعة عند غيره، فيزعم أنه أودعها وتلفت عند المودع، ويقر بذلك المودع، وهو مذهبه في المدونة خلاف ما في كتاب ابن المواز وقوله: إن كان الذي زعم أنه وضعه على يديه عدلا، فلا ضمان عليه صحيح؛ لأنه إنما أذن له أن يدفعه إلى عدل، فإن وضعه على يدي غير عدل لزمه الضمان، وإن قامت البينة على تلفه عنده، فإن ادعى أنه لم يعلم أنه غير عدل، وأنه إنما دفعه إليه وهو يظنه عدلا، صدق في ذلك، إلا أن يكون معلنا بالفسق، مشهورا به عند الناس، وهو قول ابن القاسم في الدمياطية سئل عن رجل قال لرجل ادفع هذه الدنانير إلى ثقة يدفعها إلى أهلي، فدفعها الرجل إلى رجل عنده ثقة فيما يرى، فتلفت، قال: إن قال: إنه كان عند ثقة، لم أر عليه شيئا، ولا ضمان على الموضع على يديه بحال، كان عدلا أو غير عدل وسواء سمى له العدل الذي شرط عليه أن يضعه على يديه، أو لم يسمه له فيما يجب من تصديقه في دفعه إليه، وقد قال ابن دحون: إنه إن سماه له لم يصدق في

ارتهن رهنا وحازه فترة ثم أتى رجل فزعم أنه قد ارتهنه قبله وحازه

الدفع إليه إذا ضاع عنده، وإن صدقه، بخلاف إذا لم يسمه له، ولا وجه لتفرقته في ذلك. ووجه قول أصبغ الذي اختاره ابن حبيب، أن المرتهن لما كان ضامنا للرهن الذي قبضه، إذا ادعى تلفه ولم يأت على ذلك ببينة، أشبه من دفع من ذمة إلى أمانة، فأقر القابض وادعى التلف؛ لأن المشهور في هذا أن الدافع ضامن، إلا إن قيم البينة على معاينة الدفع، ويتخرج على قول ابن القاسم في مسألة اللؤلؤ، من كتاب الوكالات من المدونة، إنه مصدق في ذلك مع يمينه وبالله التوفيق. [ارتهن رهنا وحازه فترة ثم أتى رجل فزعم أنه قد ارتهنه قبله وحازه] ومن كتاب بع ولا نقصان عليك وسئل عن رجل ارتهن رهنا وحازه، فمكث في يديه سنة أو سنتين، ثم أتى رجل، فزعم أنه قد ارتهنه قبله وحازه، وأقام البينة على الرهن والحيازة، وادعى أنه لم يعلم برهن هذا، قال أرى أن يبدأ الأول ويكون لهذا الآخر ما بقي عن الأول دون الغرماء، فقال له صاحب الحق الآخر: إن الرهن كان دارا فباعها القاضي في حقي، فاشتريتها ثم أتى الذي استحقها بالرهن الأول بعد اشترائي إياها، فقلت: إذا استحقها هذا برهنه، فافسخ الاشتراء عني، قال: يمضي الاشتراء عليك، ويبدأ بهذا المرتهن الأول، ويكون لك ما فضل بعده، قال عيسى: قلت لابن القاسم: كيف جعلت ما فضل عن المرتهن الأول لهذا دون الغرماء، وأنت تقول: من رهن رهنا فليس له أن يرهن فضلته من آخر إلا بإذن المرتهن؟ قال: هذا قد حاز وقبض، فأرى أن ينفعه حيازته وقبضه. قال محمد بن رشد: في هذه المسألة معنى خفي، يجب أن يوقف عليه، وهو أن الرهن لا يبطل برجوعه إلى الراهن بعد أن حازه المرتهن، إلا

أخذ سوارين لامرأته من غير أمرها فرهنهما

أن يعلم بذلك فيسكت، ولا يقوم برد رهنه إلى حوزه؛ لأنه لم ير رهن الراهن الرهن من الثاني بعد أن كان رهنه الأول. وحوزه إياه إبطالا لرهنه، إذ لم يعلم بذلك، فجعله أحق برهنه إلى مبلغ حقه، وجعل للثاني ما فضل منه عن حقه؛ لأنه قد حازه لنفسه، بمنزلة من ارتهن رهنا فحازه ثم استحق منه بعضه، ولا يلزم ابن القاسم ما اعترض به عليه عيسى؛ لأنه إنما احتيج إلى علم المرتهن الأول في رهن فضلة الرهن، فيكون حائزا له إياها، لا لنفسه، وفي مسألة المرتهن الثاني قد حازها لنفسه، إذ حاز جميع الرهن، فلو علم الأول بذلك وأذن فيه لبطل رهنه جملة، وكان الثاني أحق بجميعه. وقوله: إن الاشتراء يمضي عليه صحيح؛ لأنه بيع وقع بحكم حاكم على صاحب الدار الراهن، ولم يستحق المرتهن الأول من رقبة الدار شيئا، فيفسخ البيع فيه، وإنما استحق ارتهان الدار في حقه، فيكون أحق بثمنها الذي بيعت به حتى يستوفي حقه، ويكون للآخر ما فضل عنه. وبالله - تعالى - التوفيق. اللهم لطفك يا مولاي. [أخذ سوارين لامرأته من غير أمرها فرهنهما] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل عن رجل أخذ سوارين لامرأته من غير أمرها، فرهنهما، فافتقدت المرأة سواريها، فقال لها زوجها: أنا أخذتهما ورهنتهما، وسأفتكهما، فأقامت زمانا تنتظر افتكاكهما، فلما طال ذلك عليها، تعلقت بسواريها عند المرتهن، قال: إن قامت بحدثان ما علمت، بذلك، فذلك لها، وتحلف بالله ما دفعتهما إليه، ولا علمت بأمرهما حتى افتقدتهما، وإن تطاول ذلك بعد علمها بذلك، فلا شيء لها. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: فأقامت زمانا تنتظر

جاء بثوب فقال هذا رهن عندي قد هلك صاحبه ولي عليه دينار

افتكاكهما، كلام وقع في السؤال حكاية لقول المرتهن، ودعواه من غير أن تكون المرأة مقرة بذلك، إذ لو أقرت المرأة أنها أقامت منتظرة لافتكاكه إياهما، لما كان إليهما سبيل، وإن قامت بحدثان ذلك، وإنما يكون لها أن تقوم. فيهما بحدثان ذلك، إذا سكتت حين أعلمها، فقالت: لم أسكت إلا على أن أقوم بحقي، لا راضية بما فعلت، ولا منتظرة لفكه إياهما. فقوله: وإن قامت بحدثان ما علمت بذلك فذلك لها، وتحلف بالله ما دفعتهما إليه، ولا علمت بأمرهما حتى افتقدتهما، يريد وتزيد في يمينها، إنها ما سكتت منذ علمت، إلى حين قيامها، إلا على أن تقوم بحقها، لا رضي منها بفعله، ولو قامت ساعة علمت، لم يكن عليها أن تزيد ذلك في يمينها، والقول قولها إنها لم تعلم إلا حين قيامها، فإن ادعى عليها أنها علمت قبل ذلك وسكت، حلفت على ذلك، واختلف إن طال سكوتها بعد علمها، فقال: ها هنا: إن ذلك يبطل قيامها، ووقع في سماع أصبغ، ما ظاهره أن لها أن تقوم بعد طول الزمان، وتحلف ما رضيت، ولا كان سكوتها تركا لحقها، والذي ها هنا أظهر، والله أعلم. وهذا كله إذا كانت علمت بعد الارتهان ولم تحضره، وأما إذا كانت حاضرة الارتهان، فإن أنكرت في الحال، لم يلزمها ذلك، وإن سكتت حتى تم التواجب بينهما على الارتهان، ثم أنكرت بعد ذلك قبل انفصالهما من المجلس، جرى ذلك على الاختلاف في السكوت، هل هو كالإقرار أم لا؟ وأما إن لم تنكره ولا تكلمت حتى انقضى المجلس، وانفصلا عنه، فليلزمها ذلك قولا واحدا. والله أعلم. [جاء بثوب فقال هذا رهن عندي قد هلك صاحبه ولي عليه دينار] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وعن رجل جاء بثوب، فقال هذا رهن عندي قد هلك صاحبه، ولي عليه دينار، وليس له بينة، والورثة لا يعرفون الثوب، ولا

ارتهن جارية وضعها على يدي رجل فعمد الرجل فأرسلها إلى الراهن

يعرفون ما يقول الرجل، قال: أرى إن أنكر الورثة وزعموا أنهم لا يعرفون شيئا مما يدعي من الرهن، حلفوا على علمهم، وأخذوا رهنهم، ولا يقبل قوله إلا ببينة. قال محمد بن رشد: إنما يحلف الورثة إذا كان فيهم من يتهم أن عنده من هذا علما فأما الغائب منهم وشبهه ممن يعلم أنه لا علم عنده، فلا يمين عليه. وسيأتي هذا المعنى في آخر رسم الرهون. وقد مضى في رسم شك في طوافه، ورسم صلى نهارا ثلاث ركعات، من سماع ابن القاسم، عكس هذه المسألة، إذا اختلف ورثة المرتهن مع الراهن. ويأتي أيضا في رسم إن أمكنتني من هذا السماع، وبالله التوفيق. [ارتهن جارية وضعها على يدي رجل فعمد الرجل فأرسلها إلى الراهن] ومن كتاب حبل حبالة وسئل عن رجل ارتهن جارية، وضعها على يدي رجل، فعمد الرجل الذي وضعت على يديه، فأرسلها إلى الراهن وردها إليه فوطئها، فحملت. قال ابن القاسم: إن كان للغريم مال، أخذ منه الحق، فدفع إلى صاحب الحق، وكانت الأمة أم ولده، وإن لم يكن للغريم مال، أخذ قيمة الأمة من الأمين يوم وطئها إن كان له مال، واتبع الأمين الغريم بما أدى عنه، وإن لم يكن لسيد الأمة ولا للأمين مال، بيعت الأمة إذا وضعت، وقضي حق الغريم إن كان الحق محيطا بقيمتها، أو بيع منها قدر حق الغريم، واعتق ما بقي. قال: والولد يتبع أباه، ولا يباع مع أمه على حال. وهذا إذا كان المرتهن لم يعلم بوطئه إياها.

قلت لابن القاسم: فلو لم تحمل وهو يطؤها حتى فلس سيدها، هل كانت تكون خارجة من الرهن ويكون الأمين ضامنا؟ قال: إن كان للأمين مال، كان ضامنا لقيمتها، وكان مع الغرماء فيها وفي غيرها من ماله أسوة، وكانت القيمة للمرتهن. قال عيسى: وإن لم يكن للأمين مال كان المرتهن أحق بالجارية. وهذا كله إذا لم يعلم المرتهن بالرد، فإذا علم فلا رهن له. قال محمد بن رشد: الأمين الموضوع على يديه الجارية المرتهنة، متعد على الراهن في دفعها إلى المرتهن، وعلى المرتهن في صرفها إلى الراهن، فإن صرفها إليه ضمن للمرتهن ما انتقص من حقه بسبب ذلك إن حملت من الراهن، أو قبلها، أو دخل عليه الغرماء فيها، على القول بأنها تخرج من الرهن بإسلامه إياها إلى الراهن. وقد اختلف في ذلك، قيل: إنها تخرج من الرهن، ويكون المرتهن فيها أسوة الغرماء إن قاموا بتفليسه، والجارية بيده قبل أن يقوم فيها المرتهن فيقبضها، وهو قول عيسى بن دينار ومحمد بن المواز، وقيل إنها لا تخرج من الرهن، ويكون المرتهن أحق بها، وهو مذهب ابن القاسم، وقول أصبغ. وهذا إذا لم يعلم المرتهن برد العدل إياها إلى الراهن، وأما إذا علم بذلك، فلا اختلاف في أنه لا رهن له فيها. والقول بأنها لا تخرج من الرهن على قياس القول بأن كون الرهن بيد العدل، ككونه في يد المرتهن يكون له شاهدا، والقول بأنها تخرج من الرهن على قياس القول: بأن الرهن لا يكون شاهدا للمرتهن إذا كان بيد عدل، فإذا دفع العدل الجارية إلى الراهن بغير إذن المرتهن فوطئها، فحملت نظر، فإن كان للغريم الراهن مال، يفي بحق المرتهن، أخذ منه الحق، فدفع إليه، وكانت الأمة أم ولد للغريم الراهن، وإن لم يكن للغريم مال، قال في الرواية: أخذ قيمة الأمة من الأمين يوم وطئها، يريد، إلا أن يكون الحق أقل من ثمنها، فلا يؤخذ منه إلا الحق، فيدفع ذلك إلى المرتهن، ويتبع الأمين للغريم الراهن، وإن لم يكن لسيد الأمة مال، ولا للأمين، قال

في الرواية: بيعت الأمة إذا وضعت، وقضي حق الغريم إن كان الحق محيطا بقيمتها، أو بيع منها قدر حق الغريم، وأعتق ما بقي، يريد، إلا أن لا يوجد من يبتاع منها بقدر حق الغريم، فتباع كلها ويقضي المرتهن من ذلك حقه، ويتصدق الراهن بالفضل؛ لأنه ثمن لأم ولده، وقد قيل: إنها تباع كلها، وإن وجد من يبتاع منها بقدر حق الغريم، من أجل الضرر الذي عليها في تبعيض عتقها، ولا تباع إن كان الحق مؤجلا حتى يحل الأجل، قاله محمد بن المواز. وهذا على القول بأن الرهن لا يخرج من الرهن بإسلام العدل إياه إلى الراهن بغير إذن المرتهن، وهو نص قول أصبغ في آخر هذه الرواية، وأما على القول بأنه يخرج من الرهن فلا تباع، وتكون أم ولد للراهن، ويتبع المرتهن بحقه إياهما أيسر أولا، من الراهن أو الأمين، فإن أخذ حقه من الأمين، رجع به الأمين على الراهن، وإن أخذه من الراهن لم يكن له رجوع على أحد. وقوله: إنه يعتق من الأمة ما بقي إن كان الحق لا يحيط بقيمتها، هو على قياس قول ابن القاسم في كتاب أمهات الأولاد من المدونة وعلى قياس قول غيره فيه: يبقى الباقي أم ولد، فمتى ما اشترى ما بيع منها حلت له، وأما إذا دفعها إليه بغير إذن المرتهن، فلم تحمل، فعلى القول بأنها لا تكون خارجة من الرهن يكون المرتهن أحق بها، وعلى القول بأنها تكون خارجة من الرهن، يكون المرتهن فيها أسوة الغرماء، ويكون له الرجوع على الأمين فيما انتقص من حقه في كونه فيها أسوة الغرماء. وتفسير ذلك أن ينظر كم دين المرتهن؟ فإن كان عشرين، ودين الغريم الآخر عشرين، وقيمة الرهن عشرون، كان الرهن بينهما بنصفين، ورجع المرتهن على الأمين بعشرة؛ لأن ذلك هو الذي انتقصه من حقه بالمحاصة، ولو كان قيمة الرهن عشرة، وللغريم عشرة، ودين كل واحد منهما عشرون، لرجع المرتهن على الأمين بثلاثة وثلث؛ لأن مال الغريم على هذا التنزيل عشرون: عشرة نقدا وعشرة قيمة الرهن، فيصير لكل واحد منهما من ذلك بالمحاصة عشرة، عشرة، نصف حقه، ويقول المرتهن للأمين: لو كان الرهن بيدك لكنت

أحق به، ولحاصصت في العشرة، ببقية حقي، وهو عشرة، فصار لى منها ثلاثة وثلث، فادفعها إلي فإنها هي التي انتقص من حقي بالمحاصة، ولو كان الرهن قد أفاته الراهن على الأمين، ووجدا له عشرين دينارا، فتحاصا فيها، وصار لكل واحد منهما منها عشرة، عشرة، لرجع المرتهن على الأمين بسبعة إلا ثلثا؛ لأنه يقول له: لو كان الرهن حاضرا بيدك، لأخذته وكنت أحق، وحاصصت الغريم في العشرين ببقية حقي، وهو عشرة، فصار لي منها سبعة إلا ثلث، فادفعها إلي، فإنها هي التي انتقص من حقي بالمحاصة، بجميع حقي في العشرين، إذ تلف الرهن الذي فوته علي، وكنت أحق به، ولو طرأ للغريم مال بعد المحاصة؛ لأنتقضت المحاصة، وتحاصا ثانية في جميع مال الغريم، مثال ذلك، أن يكون الأمر على ما ذكرناه، من أن قيمة الرهن عشرة، للغريم عشرة، ولكل واحد منهما عشرون، فتحاصا في ذلك على ما ذكرناه، ورجع المرتهن على الأمين بثلاثة وثلث، ثم طرأ للغريم عشرة، فإنه ينتقض المحاصة الأولى، ويتحاصان ثانية، على أن مال الغريم ثلاثون: عشرة قيمة الرهن، وعشرة كانت بيده، وعشرة طرأت له بعد المحاصة، فيصير لكل واحد منهما خمسة عشر، ثلاثة أرباع حقه، ثم يقول المرتهن للأمين: لو كان الرهن بيدك، لكنت أحق به، ولحاصصت في العشرين الباقية، ببقية حقي، وهو عشرة، فصار لي منها سبعة إلا ثلثا، فجملة ما كان يصير لي سبعة عشر إلا ثلثا، وأنا قد أخذت خمسة عشر، وبقي لي ديناران إلا ثلثا فادفعها إلي، وأرد عليك الثلاثة إلا ثلثا التي قبضت منك بالمحاصة الأولى التي انتقضت، أو قاصني بها وأرد عليك الباقية وذلك دينار. وكذلك كل ما طرأ بعد ذلك يستأنف فيه العمل، وينتقض ما تقدم. ولما سأله في الرواية هل تكون الأمة خارجة من الرهن إذا فلس سيدها وهو يطؤها ولم تحمل؟ لم يعطه في ذلك جوابا بينا، وقال: إن كان للأمين مال، كان ضامنا لقيمتها، وكان مع الغرماء فيها وفي غيرها من ماله إسوة، وكانت القيمة للمرتهن، ولا كلام في أن الأمين لا يكون أحق بها من الغرماء فيما

يرجع به على الغريم، إذا رجع عليه المرتهن، إذ ليست له برهن، وإنما الخلاف هل يكون المرتهن أحق بها؟ فمذهب ابن القاسم أنها لا تكون خارجة من الرهن، ويكون المرتهن أحق بها، بدليل قوله: إنها تباع إذا حملت منه ولا مال له ولا للأمين، بمنزلة إذا تسور عليها فوطئها وهي عند المرتهن فحملت، على ما في المدونة. وقال عيسى: إن لم يكن للأمين مال، كان المرتهن في الجارية إسوة الغرماء، وقال أصبغ: إن لم يكن له مال، كان المرتهن أحق بالجارية، وكذلك إن كان للأمين مال، كان المرتهن في الجارية عند عيسى إسوة الغرماء إن لم يرد الرجوع على الأمين، وعند أصبغ أحق بها إن لم يرد الرجوع عليه، إذ لا فرق في كون المرتهن أحق بالجارية بين أن يكون الأمين مليا أو معدما، إذا لم يرد الرجوع عليه. وإنما تكلم كل واحد منهما على أنه إن كان مليا لا يختار الرجوع إلا عليه، فلا يقام من قول واحد منهما دليل على أن الملي عنده في ذلك بخلاف المعدم، وقد ذهب إلى ذلك بعض الناس، فيأتي في هذه المسألة على ما ذهب إليه أربعة أقوال: أحدها أن المرتهن أحق بالجارية من الغرماء في ملإ الأمين وعدمه؟ والثاني أنه إسوة الغرماء فيها في ملائه وعدمه، والثالث أنه أحق بها في ملائه، وإسوة الغرماء فيها في عدمه، وهو قول عيسى؛ والرابع بعكس ذلك أنه أحق بها في عدمه، وإسوة الغرماء في ملائه. وهو بعيد، وبالله التوفيق.

كتاب الرهون الثاني

[كتاب الرهون الثاني] [غلة الحائط المرهون والدار والعبد] من سماع عيسى من كتاب الرهون قال في غلة الحائط المرهون والدار والعبد: إنها للراهن، وإنها لا تكون رهنا مع الرهن، إلا أن يشترط ذلك المرتهن في رهنه، ولا يصلح للمرتهن أن يشترط أن يتقاضى في البيع غلة الرهن في كل عام؛ لأن ذلك ليس بشيء ثابت معلوم، إنما ذلك يكون مرة ويخطئ مرة أخرى، ويكثر مرة، ويقل أخرى، ولا بأس به في السلف، ولا يلزم المرتهن في الوجهين جميعا كلاهما عمل الحائط، ولا مرمة الدار ولا إصلاحها، ولا نفقة العبد ولا كسوته، اشترط المرتهن الغلة أو لم يشترطها، وإنما ذلك على الراهن الذي له الغلة، يلزمه ذلك المرتهن، اشترط ذلك أو لم يشترطه عليه، ولا يترك الراهن وخراب الرهن وهلاكه؛ لأن ذلك يدخل على المرتهن في هلاك حقه وذهابه ضررا ووهنا. وقد كان الرهن وثيقة من حقه، ومن أجل ذلك جعلت الغلة في السنة للراهن؛ لأنه لا يقوى على عمل الراهن وإصلاحه ونفقته إلا بالغلة، وليس للمرتهن

رهنا له غلة أن يحول بين الراهن وبين استعمال رهنه، وليس للراهن أن يفعل ذلك إلا بإذنه وعلمه، وإن لم يشترط المرتهن الغلة رهنا مع الأصل؛ لأن المرتهن قد قبض رهنه من الراهن، وحازه دونه أو وضع له على يد من حازه له وقبضه، فلو جاز للراهن أن يعامل في الحائط من أحب أو يكري الدار أو يؤاجر العبد ممن أحب، لأدخل عليه الراهن بذلك في رهنه ضررا إذ صار يقضي عليه بإذنه وبغير إذنه. وقال ابن القاسم: المرتهن هو الذي يعامل في عمل الحائط، ويبيع الغلة، ويؤاجر الدار، وليس للراهن في ذلك أمر. قال الإمام القاضي قوله في غلة الحائط المرهون والدار والعبد: إنها للراهن، وإنها لا تكون رهنا مع الرهن، إلا أن يشترط ذلك المرتهن في رهنه، هو المشهور في المذهب، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الرهن لمن رهنه، له غنمه، وعليه غرمه وغنمه وغلته» . وقد وقع في المبسوطة من رواية ابن القاسم عن مالك، أنه سمعه يقول: من استرهن دارا أو عبدا قبضه أو لم يقبضه، فإن إجارة العبد وكراء الدار، لجمع لا يصل إلى الراهن ولا إلى المرتهن حتى يفك الرهن، فيكون تبعا للرهن، فإن كان في الدار أو العبد كفاف الحق، كانت الإجارة للراهن، قال ابن الماجشون: لا أعرف هذا، والخراج والكراء للراهن، إلا أن يشترطه المرتهن، وقال ابن نافع مثله، وزاد، إنما يجوز له أن يشترطه من مبايعة لا من سلف، وهذه الرواية عن مالك شاذة، لا تعرف في المذهب، وقول ابن

الماجشون هو المعلوم، وأما قول ابن نافع: إنما يجوز للمرتهن أن يشترط ذلك من مبايعة لا من سلف، فهو غلط. والله أعلم؛ لأن ذلك إنما هو إذا اشترط ذلك المرتهن لنفسه، كذا وقع في المدونة وغيرها في اشتراط المرتهن الانتفاع بالرهن، وأما اشتراطه أن يكون الرهن رهنا معه، فلا اختلاف في جواز ذلك في أصل البيع وبعده، وفي أصل السلف وبعده، ولا تدخل الثمرة في رهن الأصول، إلا باشتراط المرتهن، كانت قد أبرت أو لم توبر، وإنما يفترق ذلك في البيع، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من باع نخلا قد أبرت فثمرهما للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» . فدل ذلك من قوله على أنها للمبتاع، إذا كانت لم تؤبر، كما يكون له ما ينبت بعد الابتياع والسنة قد أحكمت أن الغلة في الرهن للراهن، فوجب أن تكون له الثمرة أبرت أو لمن تؤبر أو نبتت بعد الارتهان، إلا أن يشترط ذلك المرتهن في الرهن، والجنين داخل في الرهن وإن لم يشترط، بخلاف الثمرة التي لم تؤبر، وإن استويا في البيع والفرق بين الجنين والثمرة التي لم تؤبر في الرهن، أن السنة قد أحكمت أن غلة الرهن للراهن، والجنين ليس بغلة، وإنما هو عضو من أعضاء أمه، فوجب أن تكون معه في الرهن، كما تدخل في البيع، والأصل في هذا أن النماء في الرهن على وجهين: متميز عن الرهن وغير متميز عنه، فأما غير المتميز عنه، فلا اختلاف في أنه يدخل في الرهن، وذلك مثل سمن الدابة والجارية، وكبرهما، ونماء النخل، وكبرها. وأما المتميز عنه فإنه على وجهين: أحدهما أن يكون على صورته

وخلقته، والثاني ألا يكون على صورته وخلقته. فأما ما كان على صورته وخلقته، كالولد من بني آدم ومن سائر الحيوان، وكفسلان النخل، فإنه داخل مع الأصول في الرهن وإن لم يشترط وأما ما كان على غير صورته وخلقته، فإنه لا يدخل في الرهن إلا بشرط، كان متولدا عنه، كثمرة الحائط ولبن الغنم وصوفها، أو غير متولد عنه ككراء الدار، وخراج الغلام. هذا على ما ذكرناه من المشهور في المذهب. ودهب أبو حنيفة إلى أن ذلك كله داخل في الرهن، كان متميزا عنه أو غير متميز، متولدا عنه على خلفته وصورته، أو على غير خلقته وصورته، قياسا على نسل الحيوان، وعلى النماء المتصل بالرهن الذي لا يتميز منه. وذهب الشافعي إلى أنه لا يدخل في الرهن من النماء، إلا ما كان غير متميز منه كسمن الدابة والجارية وكبرهما. وأما قوله: إنه لا يصلح للمرتهن أن يشترط أن يتقاضى في البيع غلة الرهن في كل عام؛ لأن ذلك ليس بشيء ثابت معلوم؛ لأنه يكون ويخطئ ويقل ويكثر، ولا بأس به في السلف فهو صحيح، ومثله في كتاب حريم البئر من المدونة أن ذلك لا يجوز في عقد البيع، وهو جائز في أصل عقد السلف وبعده. وأما قوله ولا يلزم المرتهن عمل الحائط ولا مرمة الدار، ولا إصلاحها ولا نفقة العبد ولا كسوته، اشترط المرتهن الغلة أو لم يشترطها، وإنما ذلك على الراهن الذي له الغلة، فهو أمر صحيح لا اختلاف أعلمه فيه، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الرهن لمن رهنه،

له غنمه وعليه غرمه» وقوله: وليس للمرتهن رهنا له غلة أن يحول بين الراهن وبين استعمال رهنه، معناه: ليس له أن يحول بينه وبين مؤاجرته إن كان ممن يؤاجر، وكرائه إن كان ممن يكرى وأما استعماله بأن يستخدم العبد، أو يلبس الثوب، أو يركب الدابة وما أشبه ذلك، فله أن يمنعه منه؛ لأن ذلك إن أذن له فيه، خروج من الرهن، وقد وقع في هذه الرواية اضطراب ألفاظ فيمن يلي مؤاجرة ذلك وكراءه، فقال في أول كلامه: ليس للمرتهن رهنا له غلة أن يحول بين الراهن وبين استعمال رهنه، يريد ليس له أن يحول بينه وبين ولاية عقد الإجارة والكراء فيه. قال: وليس للراهن أن يفعل ذلك إلا بإذنه وعلمه، فدل ذلك من قوله على أن الراهن هو الذي يلي ذلك بإذن المرتهن، وقال في آخر المسألة: والمرتهن هو الذي يعامل في عمل الحائط، ويبيع الغلة، ويؤاجر الدار، وليس للراهن في ذلك أمر، فدل ذلك من قوله على أن المرتهن الذي يلي ذلك. والذي أقول به في تفسير ذلك، أنه إن كانت الغلة للراهن، لم يشترطها المرتهن، ولي المرتهن الكراء، ولم يجز أن يليه الراهن؛ لأنه إذا ولي الكراء بإذن المرتهن، وأخذ الغلة، فقد صار منتفعا بالرهن، وبطلت حيازة المرتهن، وهذا نص قوله في المدونة: إنه إذا أذن له أن يكري الدار، فقد خرجت من الرهن، معناه عندي: إذا أذن له أن يكريها ويأخذ كراءها، وعلى هذا يحمل قوله في آخر المسألة: والمرتهن هو الذي يعامل في ذلك، وليس للراهن فيه أمر، وإن كانت الغلة رهنا باشتراط المرتهن، وعلى هذا

مسألة: رهن لرجلين يقوم أحدهما ببيع الرهن وقد كان الآخر أنظره بحقه سنة

يلي الراهن عقد الكراء والإجارة لها بإذن المرتهن، وعلى هذا يحمل قوله في أول الكلام: وليس للراهن أن يفعل ذلك إلا بإذنه وعلمه. فيتحصل من هذا أنه لا يجوز للراهن أن يلي عقد الكراء والإجارة بغير إذن المرتهن، ويجوز أن يلي ذلك بإذنه إن كانت الغلة رهنا مع الأصل، ولا يجوز إن لم تكن الغلة رهنا مع الأصل؛ وأما ولاية المرتهن لعقد الكراء دون إذن الراهن ففي ذلك اختلاف. قال محمد بن المواز: لا يكري المرتهن الرهن إلا بإذن الراهن، معناه: إذا كان الكراء للراهن، ومثله في حريم البئر من المدونة، قال: إن لم يأمره الراهن أن يكري ترك ذلك ولم يكر، وإن أمره بذلك أكراه، وكان الكراء لرب الأرض، وأما إن كان الكراء في الرهن باشتراط المرتهن له، فله أن يكريه بغير إذنه، وليس للراهن أن يمنعه من كرائه؛ لأن ذلك من حقه. قال ذلك أشهب، وعلى ذلك تحمل رواية ابن عبد الحكم، أن للمرتهن أن يكري الرهن دون إذن صاحبه. وقد قيل: إن ذلك يجب على المرتهن، فإن لم يفعل ضمن إذا كان الرهن مما يتخذ للكراء، وله قدر، وهو قول ابن الماجشون. وقال أصبغ: لا ضمان عليه، وهو ظاهر ما في المدونة وغيرها من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، إذ لم يفرق في شيء من ذلك بين ما كان متخذا للكراء، أو غير متخذ له، وبالله التوفيق. [مسألة: رهن لرجلين يقوم أحدهما ببيع الرهن وقد كان الآخر أنظره بحقه سنة] مسألة وقال في رجلين يكون لهما رهن بينهما، فيقوم أحدهما على بيع الرهن في حقه، وقد كان الآخر أنظره بحقه سنة، إنه إن كان

يقدر على قسم الرهن بما لا ينقص الذي قام على أخذ حقه قسم، ثم بيع له نصف الرهن فأوفي حقة، وأوقف النصف الآخر للذي أنظره بحقه إلى الأجل. قلت: فإن كان لا يقدر على قسم الرهن إلا بما ينقص حق الذي قام على أخذ حقه، بيع الرهن كله، فأعطي الذي قام على الأخذ بحقه حقه كله من ذلك، فإن طابت نفس الذي أنظر بحقه سنة، أن يدفع بقية ثمن الرهن إلى الراهن إلى أن يحل حقه، دفع إلى الراهن، فإن كره أحلف بالله ما أنظرته بحقي إلا ليوقف في رهنه على هيئته، ثم أعطي حقه ولم يحبس عنه، ولم يوقف له إلى الأجل وقد بيع رهنه؛ لأن إيقاف الرهن على المرتهن في غير منفعة تصل منه إلى الراهن، وهو له ضامن، فدفع الحق إلى المرتهن، وإبراء الراهن من ضمانه خير لهما جميعا. قال ابن القاسم: قال مالك: إلا أن يأتي الراهن برهن يكون فيه وفاء بحق الذي أنظره، فيكون له أخذ ثمن الرهن إلى الأجل. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم عن مالك: إلا أن يأتي الراهن برهن يكون فيه وفاء بحق الذي أنظره، فيكون له أخذ ثمن الرهن إلى الأجل صحيح مبين لما تقدم من قوله ". والمسألة كلها صحيحة بينة، وهي متكررة في سماع أبي زيد، ولا اختلاف في شيء منها إلا إذا لم يأت الراهن برهن يشبه الرهن الأول يكون فيه وفاء بحق الذي أنظره، هل يوقف الثمن إلى الأجل الذي أنظره إليه أم يعجل له؟ فقيل: إنه يعجل له كما قال ها هنا، وقيل: إنه يوقف إلى الأجل ولا يعجل له، لعل الغريم يجد في باقي الأجل رهنا يضعه في مكان الثمن وينتفع به إلى الأجل. وقد مضى الاختلاف في ذلك في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن

مسألة: ضمان المرتهن ما ضاع من الحلي والثياب والمتاع عنده

القاسم، وفي رسم الأقضية الثاني والثالث من سماع أشهب. والقولان قائمان من المدونة من كتاب الرهون وكتاب التجارة إلى أرض الحرب، وبالله التوفيق. [مسألة: ضمان المرتهن ما ضاع من الحلي والثياب والمتاع عنده] مسألة قال ابن القاسم: وإنما يضمن المرتهن ما ضاع من الحلي والثياب والمتاع عنده قيمة ما ضاع عنده يوم ضاع وليس قيمته يوم ارتهنه. قال الإمام القاضي: قال ها هنا إنه يغرم المرتهن قيمة ما ضاع عنده من الحلي والثياب يوم ضاع، وقال فيما يأتي قرب آخر هذا الرسم: إنه يغرم قيمته يوم ارتهنه، وليس ذلك عندي اختلافا من القول، ومعنى ما ها هنا أنه ظهر عنده المتاع والحلي في الوقت الذي ادعى أنه ضاع فيه، فعلم أنه لم يضع قبل ذلك؟ ومعنى ما يأتي في آخر هذا إذ لم يعلم متى ضاع ولا ظهر عنده منذ ارتهنه، وغاب عليه، فيلزمه قيمته يوم ارتهنه، إذ لا يصدق في وقت ضياعه، كما لا يصدق في ضياعه، إلا أن تكون قيمته في الوقت الذي ادعى أنه تلف فيه أكثر من قيمته يوم ارتهنه، فيلزمه قيمته يوم ضاع؛ لأنه مقر على نفسه، وكذلك لو ظهر عنده بعد ارتهانه إياه بمدة، لسقطت عنه قيمته يوم ارتهنه، إذ قد علم بظهوره عنده سقوط الضمان عنه فيه فيما مضى من المدة، ولزمته قيمته يوم ظهر عنده، ولم يصدق إن ادعى أنه تلف بعد ذلك بمدة، إلا أن تكون قيمته في اليوم الذي ادعى أنه تلف فيه أكثر. وذهب ابن دحون إلى أن ذلك اختلاف من القول. فقال: أكثر أقواله، إن الضمان إنما يكون يوم ارتهنه، قال: وهو القياس؛ لأن في ذلك اليوم دخل في ضمانه، وكل من دخل في ضمانه شيء ثم ضاع بعد ذلك بمدة، فإنما عليه قيمته يوم دخل ذلك في ضمانه كالغاصب والصانع ونحوهما، وليس قوله بصحيح، أما الغاصب فهو كما قال، وأما الصانع والمرتهن فالحكم فيهما بخلاف ما

مسألة: ارتهن رهنا في حق له إلى أجل فأتى رجل يطلبه بدين قبل محل الأجل

ذكر. وقد قال غيره: إنما يلزم المرتهن قيمة الرهن يوم ضاع، إذا لم يعلم قيمته يوم الرهن ولا بعده، فلم يجعل ذلك اختلافا من القول، ورد ما ها هنا بالتأويل، إلى الذي يأتي بعد هذا، من أن على المرتهن في الرهن إذا هلك عنده قيمته يوم ارتهنه، خلاف ما ذهبنا إليه من رد ما يأتي بعد هذا إلى ها هنا، من أن المرتهن يلزمه إذا ضاع الرهن عنده قيمته يوم ضاع بما ذكرنا من التأويل، فإن جهل وقت الرهن، كان القول فيه قول المرتهن، فإن ادعى أنه تلف بعد ذلك بمدة، وقيمته في ذلك الوقت أقل من قيمته يوم الرهن، لم يصدق في ذلك، على ما ذكرناه. وفي سماع أصبغ من كتاب الوديعة ما يبين ما ذهبنا إليه في هذه المسألة. وبالله التوفيق. [مسألة: ارتهن رهنا في حق له إلى أجل فأتى رجل يطلبه بدين قبل محل الأجل] مسألة وقال فيمن ارتهن غريمه دارا أو رقيقا في حق له إلى أجل، فيأتي رجل يطلبه بدين قبل محل الأجل، أجل المرتهن، إنه إن كان في الرهن فضل عما رهن فيه بيع فقضى صاحب الحق والغريم الذي جاء، وإن لم يكن في الرهن فضل لم يبع حتى يحل الحق الذي رهن فيه؛ لأنه رهن. قال الإمام القاضي: هذا مثل ما تقدم في المسألة التي قبل هذه المسألة، مسألة في تعجيل الحق قبل حلول الأجل. وقد مضى ذكر الخلاف في ذلك هنالك، وفي المواضع المذكورة فيه. ومعنى هذا: إذا كان الدين الذي لم يحل عينا أو عرضا من قرض، وأما إن كان عرضا من بيع لم يبع إلا أن يحل أجل المرتهن. وبالله التوفيق. [مسألة: رهنه رهنا فأتى الراهن إلى رجل فقال له بعني سلعتك هذه بدين إلى أجل] مسألة قال في رجل رهن رجلا رهنا في سلعة له: عليه إلى أجل، فأتى الراهن إلى رجل فقال له: بعني سلعتك هذه بدين إلى أجل،

مسألة: الرهن يحل بيعه وصاحبه ناء عن السلطان فيأمره ببيعه

لأفتك به رهنا لي عند فلان، فسأله البائع حميلا، فلم يجد إلا صاحب رهنه، فلا ينبغي للمرتهن أن يتحمل عنه شيئا يصير من حقه إليه، كما لا ينبغي له أن يبيع له شيئا يصير له قضاء من حقه. قال محمد بن رشد: تنظيره مسألة الذي سأل الرجل أن يتحمل عنه بثمن شيء يصير من حقه إليه، بمسألة الرجل يبيع الرجل شيئا يصير له قضاء من حقه، ليس بتنظير صحيح؛ لأنهما مسألتان متغايرتان متباينتان مفترقتا المعنى، أما مسألة الحمالة فالعلة فيها أن الحميل تحمل بالرجل، رجاء أن يقضيه المتحمل عنه السلعة التي اشتراها فأشبه الحمالة بالجعل. وأما مسألة الذي يبيع الرجل شيئا يصير له قضاء من حقه، فمعناها أن يبيعه شيئا بثمن إلى أجل، يصير له قضاء من حقه الذي قد حل له. والعلة فيها أنه يدخلها فسخ الدنانير في أكثر منها إلى أجل، وهو الربا المحرم بالقرآن، مثال ذلك: أن يكون للرجل على الرجل عشرة دنانير حالة، فيبيعه سلعة قيمتها عشرة دنانير، بخمسة عشر إلى أجل، ليبيعها بعشرة، ويقضيها إياه، فيكون البائع قد رجع إليه ثمن سلعته، فكأنه باعها من غيره أو منه بعشرة دنانير، وأخره بالعشرة الحالة التي كانت عليه إلى أجل، على أن يزيده فيها خمسة دنانير ربا، ووجه التنظير بينهما على تغايرهما وافتراقهما، أن المكروه في كل واحدة من المسألتين، لم يشترطاه، وإنما رجواه، ولو اشترطاه، فقال الحميل: إنما أتحمل عنك بثمن السلعة، على أن تقضيني إياها في حقي، وقال البائع للشيء: إنما أبيعك إياه بالدين، على أن تبيعه أنت بالنقد، وتوفيني ثمنه فيما لي عليك، لكان المكروه في كل واحدة منهما أشد وأبين. وبالله التوفيق. [مسألة: الرهن يحل بيعه وصاحبه ناء عن السلطان فيأمره ببيعه] مسألة وعن الرهن يحل بيعه، وصاحبه ناء عن السلطان، فيأمره ببيعه، فلا يجد أحدا يعنى فيه إلا بجعل، على من يكون الجعل،

مسألة: رهنه عبدا لامرأته بعلم منها فقال رجل للمرتهن أنا آخذه وأضمنه لك

أعلى صاحب الرهن أم على المرتهن؟ فقال: الجعل على من طلب البيع منهما والتقاضي، قال عيسى ما أرى الجعل إلا على الراهن. قال محمد بن رشد: قول عيسى بن دينار أظهر من قول ابن القاسم لأن الراهن مأمور بالقضاء، واجب عليه فعله، فهو أولى بغرم الإجارة على ما يتوصل به إلى أداء الواجب عنه. ووجه قول ابن القاسم: إن الراهن يقول: أنا لا أريد بيع الرهن؛ لأني أرجو أن يتيسر لي الحق دون بيع الرهن، فإذا أردت أنت تعجيله، فأد الجعل على بيعه. وبالله التوفيق. [مسألة: رهنه عبدا لامرأته بعلم منها فقال رجل للمرتهن أنا آخذه وأضمنه لك] مسألة وقال في رجل رهن رجلا عبدا لامرأته بعلم منها ورِضى، فقام رجل غير الذي عليه الحق، فقال للمرتهن: أنا آخذ هذا الرهن، فيكون بيدي وأضمنه لك من كل شيء إلا الموت، فإن حل الأجل أعطيتك حقك، فرضي بذلك صاحب الحق، وأقر الحميل العبد عند المرأة، ولم يقبضه، ولم يحزه، فلما حل الأجل، قام الحميل على العبد لبيعه في قضاء الحق، فحالت المرأة دونه، وقالت: غلامي بيدي، لم يفارقني ولم يقبضه، واحتج الحميل بإذنها في رهن العبد ورضاها، قال: يغرم الحميل لصاحب الرهن ما ضيع حين لم يقبض الرهن، وغر المرتهن من الرهن، ويطلب الحميل زوج المرأة بما غرم عنه وليس له قبل المرأة في عبدها شيء؛ لأن الرهن ليس مقبوضا. ولو باعت المرأة العبد أو أعتقته، جاز ذلك لها، ولم يرد، ولو أن الحميل أقر العبد عند المرأة أياما، ثم قام على أخذه قبل محل الأجل، لم يكن للمرأة تحول بينه وبين

مسألة: اشترى من رجل أرضا إلى أجل على أن يعطيه كل شهر دينارا

قبض العبد؛ لأنه يقدر في مثل هذا بالشغل يعرض له والسفر، فأما إذا أخر قبضه حتى يحل الحق، فإنه يعلم أن ليس ذلك برهن مقبوض؛ لأن الناس إنما يأخذون الرهن لأن يكون لهم وثيقة من حقوقهم إذا حلت. قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قاله، من أن الحميل الضامن للرهن يلزمه أن يغرم لصاحب الرهن ما ضيع حين لم يقبض الرهن وتركه بيد المرأة حتى حل الأجل؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد رضي بتركه عندها وإبطال حق المرتهن فيه، بخلاف إذا تركه عندها الأيام اليسيرة، ثم قام على قبضه حسبما قاله. وقد مضى في أول سماع ابن القاسم، القول فيما يلزم الضامن للرهن إذا قال أنا ضامن لرهنك، أو لما نقص من رهنك، أو لما نقص من حقك، أو لما أصاب رهنك مستوفى، فلا معنى لإعادته. والله الموفق. [مسألة: اشترى من رجل أرضا إلى أجل على أن يعطيه كل شهر دينارا] مسألة وعن رجل اشترى من رجل أرضا إلى أجل، على أن يعطيه كل شهر دينارا، فإذا حل الأجل أعطى له بقية الحق، وجعله له رهنا بحقه على يدي رجل، فهلك المشتري قبل أن يحل أجل الحق، ولا مال له، إلا الأرض، وليس في ثمن الأرض وفاء بحقه ذلك، وعليه ديون للناس، سوى هذا الحق، فأراد الورثة أن يعطوه دينارا كل شهر، على ما كان اشترط عند البيع، ولا يكسر عليهم أرضهم. قال: أما إذا مات الذي عليه الحق، فقد حل عليه كل حق عليه إلى أجل، وإن لم يأت ذلك الأجل، وتباع الأرض بما قامت، وإن لم يكن في ثمنها وفاء للحق الذي رهنت فيه، والمرتهن أولى بثمنها من الغرماء؛ لأنها رهنت في حقه.

قال الإمام القاضي: وكذلك لو اشترط تكون الأرض رهنا بيده إلى ذلك الأجل، لجاز ذلك؛ لأن الأرض يجوز أن تباع على أن تقبض إلى أجل، بخلاف العروض والحيوان التي لا يجوز أن تباع على أن تقبض إلى أجل، فلو باع رجل شيئا من الحيوان أو العروض بثمن إلى أجل، واشترط أن يبقى ذلك بيده رهنا إلى ذلك الأجل لم يجز، وكان بيعا مفسوخا. كذلك روى ابن وهب عن مالك في الحيوان، قاله ابن القاسم في العروض، ولو وضع هذه الأشياء التي لا يجوز ارتهانه إياها عند بيعها على يدي غيره، لكان ذلك جائزا، وكان أحق به من الغرماء. وقد قيل: إنه لا يجوز أن يبيع الرجل شيئا من الأشياء بثمن إلى أجل، على أن يكون له رهنا بحقه وإن وضعه على يدي عدل، قال ذلك أصبغ ورواه عن أشهب في سماع سحنون من كتاب السلم، والآجال، وعلى قياس ذلك يأتي ما حكى ابن حبيب في الواضحة من رواية أصبغ عن ابن القاسم، أنه لا يحل أن يتواضع الثمن في البيع المضمون، ولا بأس بالرهن والحميل من البائع إذ انتقد الثمن، والعلة في ذلك عندهما أنه إذا حل الأجل وأعسر بالثمن، بيع الدار، فإن كان فيها فضل كان للمشتري، وإن كان نقصان فعليه، فكأنه باع منه دارا أو شيئا لا يقبضه، على أن يكون له ما زاد، وعليه ما نقص، وقد اختلف إذا وقع على هذا القول، فقيل: إنه بيع فاسد، يسلك به مسلك البيع الفاسد في كون الغلة للمشتري بالضمان، وسائر أحكام البيع الفاسد، وقيل: أنه ليس ببيع فاسد، وإنها هي إجارة فاسدة، كأن رب الدار استأجره على أن يبيعها له بثمن سماه، على أن يكون له ما زاد على الثمن إجارة له، فإن باعها كان الثمن لرب الدار، وكان للذي باعها أجر مثله، في بيعه إياها، وإلى هذا ذهب أصبغ، على ما اختاره من اختلافهم في الذي يبيع من الرجل السلعة على ألا نقصان عليه، فقد قيل فيها القولان جميعا، اختلف في ذلك قول مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة. وقد مضى القول على هذا في سماع سحنون من كتاب السلم والأجال.

مسألة: باع رجلا بيعا فرهنه خدمة مدبر

وفي رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق. وبالله التوفيق. [مسألة: باع رجلا بيعا فرهنه خدمة مدبر] مسألة وقال في رجل باع رجلا بيعا فرهنه خدمة مدبر له، فقال: لا يعجبني هذا، إلا أن يكون مؤاجرا أو مخارجا، فيرهنه أجرته. قال محمد بن رشد: إنما لم يُجز خدمة المدبر لأن ذلك غرر إذ لا يدري مبلغ ما يوأجره به، ومعنى ذلك، إذا كان الرهن في أصل البيع، على القول بأن رهن الغرر لا يجوز في أصل البيع، والمشهور أن ذلك جائز، وهو الظاهر من قول ابن القاسم في المدونة في إطلاقه إجارة رهن الثمرة التي لم يبد طلاحها، والزرع الذي لم يبد صلاحه، وقد أجاز في كتاب المدبر منها رهن المدبر، ولم يفرق بين أن يكون ذلك في أصل البيع وبعد عقده. وإذا جاز رهن المدبر مع ما فيه من الغرر، إذ لا يباع للمرتهن في حياة الراهن، وجاز ارتهان الثمرة قبل أن يبدو صلاحها فما الذي يمنع من ارتهان خدمة المدبر؟ وهو يقدر على أن يؤاجره في الوقت، فتكون إجارته رهنا له، وذلك أخف في الغرر والجعل من رهن الثمرة التي لم يبد صلاحها، والزرع الذي لي يبد صلاحه، وأما رهن إجارته إذا كان مؤاجرا فلا إشكال في جواز ذلك. والحيازة تصح في ذلك بإشهاد المرتهن على الراهن بحضرة المستأجر، فإذا حلت الإجارة عليه قبضها المرتهن، وطبع عليها عنده، لئلا ينتفع بها، وجعلت على يدي عدل، وفي قوله: إلا أن يكون مخارجا نظر؛ لأن كونه مخارجا هو أن يكون السيد قد ضرب عليه خراجا معلوما يأخذه منه مياومة أو مشاهرة، وإذا كان ذلك، فلا يصح ارتهانه؛ لأن الرهن لا يصح إلا بالحيازة لقول الله عز وجل: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ولا يصح أن يكون العبد حائزا

مسألة: الرهن إذا لم يقبض من الراهن ويحز عنه بأمر الراهن فيه

للمرتهن ما عليه من الخراج؛ لأن يده كيد سيده الراهن فيما ضرب عليه من الخراج. وبالله التوفيق. [مسألة: الرهن إذا لم يقبض من الراهن ويحز عنه بأمر الراهن فيه] مسألة قال ابن القاسم: وكل رهن لم يقبض من الراهن ويحز عنه بأمر الراهن فيه جاز، إن أعتق أو وطئ أو باع أو وهب أو نحل أو تصدق، وكل ما صنع فيه من شيء فهو جائز له إذا كان موسرا، ويؤخذ منه ما عليه من الدين، ويعطى صاحبه، وإن لم يكن موسرا لم يجز منه شيئا، إلا أن يطأ أمة فتحمل منه، أو شيئا فيبيعه فينفذ بيعه، فأما عتق أو هبة أو صدقة فإنه لا يجوز له أن يكون موسرا لأنه لم يقبض منه فليس هو برهن، وإن أفلس الراهن قبل أن يقبض المرتهن رهنه، ويقوم عليه، كان المرتهن فيه إسوة الغرماء، فإن قام المرتهن على قبضه وحوزه قبل أن يحدث الراهن فيه شيئا مما يفوت به، كان للمرتهن أن يخرجه من يد الراهن حتى يكون له رهنا مقبوضا يجعله المرتهن على يديه أو يدي من يرضى به، إن كره الراهن أن يكون على يدي المرتهن، ولم يكن المرتهن اشترط ذلك على الراهن عند ارتهانه الرهن، بجعله المرتهن على يدي من يرضى به، وكذلك كل من اشترط رهنا في بيع أو سلف، ولم يشترط قبضه، ثم طلب ذلك قبل أن يفوت الرهن، فإن ذلك له، وإن كره الراهن أن يكون في يدي المرتهن، فقال لا أرضى أن يكون رهني في يديك وضع لهما على يدي من يرضيان به جميعا، ولم يجعل على يدي المرتهن؛ لأنه لم يشترط ذلك على الراهن عند ارتهانه إياه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا

اختلاف في شيء من وجوهها ومعانيها. وقوله فيها: فإما عتق أو هبة أو صدقة، فإنه لا يجوز له، إلا أن يكون موسرا، معناه: موسرا بما عليه من الدين وقوله: إن للمرتهن أن يقوم على الراهن، بأن يخرج الرهن من يديه، حتى يكون له رهنا مقبوضا يجعله المرتهن على يديه، أو يدي من يرضى به، إن كره الراهن أن يكون بيد المرتهن، معناه: إذا رضي الراهن أن يكون بيد الذي رضي المرتهن أن يكون بيده، فإن لم يرض بذلك وضعه السلطان بيد من يرضى به إذا لم يتفقا جميعا على من يكون بيده، يبين هذا قوله في آخر المسألة: وضع لهما على يدي من يرضيان به جميعا، وإنما جاز تفويت الراهن للرهن بعد أن رهنه بما ذكره وإن كان الرهن يلزم بالعقد، ويحكم للمرتهن بقبضه، مراعاة لقول من يقول: إنه لا يكون رهنا، ولا يلزم الحكم به، وإن تشاهدا عليه، ما لم يقبض، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] والرهن في هذا بخلاف الهبة والصدقة ومن وهب أو تصدق، فلا يجوز له بيع ما وهب، ولا هبته لغيره، وإن لم يحز عنه ولا قبضت منه؛ لأن الحيازة في الرهن ألزم منها في الهبة والصدقة. قد قال ناس في الهبة والصدقة: إنهما لا يفتقران إلى حيازة، ولم يقل ذلك، أحد في الرهن، لقول الله عز وجل: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] . فصل وهذا إذا أطاع الراهن للمرتهن بالرهن بعد عقد البيع، أو بعد عقد السلف، وأما إن باعه بيعا أو أسلفه سلفا على أن يرهنه عبدا أسماه فباعه أو أعتقه قبل أن يقبضه المرتهن، فإن كان فرط في قبضه حتى باعه الراهن أو أعتقه، فلا حق للمرتهن فيه، ولا شيء له على الراهن المبتاع لأنه قد ترك رهنه بتفريطه في قبضه، وإن كان أعتقه أو باعه بفور رهنه إياه، دون أن يطول، ولم يكن من المرتهن تفريط في قبضه، مضى البيع والعتق أيضا، وكان للمرتهن أن يفسخ البيع عن نفسه؛ لأنه إنما بايعه على ذلك الرهن بعينه، فلما فوته عليه كان أحق بسلعته إن كانت قائمة، أو قيمتها إن كانت فائتة. هذا معنى ما في كتاب الرهون من المدونة. وقد قيل: إن الثمن يوضع

مسألة: ارتهن رهنا فكتب أنه قبضه المرتهن وحازه ولم يفعل ثم باعه صاحبه

له رهنا. قاله أبو إسحاق التونسي، على قياس قول أشهب في الراهن يكاتب العبد الرهن قبل أن يقبضه المرتهن إن الكتابة تكون رهنا. وفي كتاب ابن المواز: إنه يوضع له رهن مكانه، وقد سأله في المدونة عن هذا فلم يجبه عليه، وهذا إذا كان المرتهن قد دفع السلعة أو السلف، وأما إن كانت سلعته لم تخرج من يده ولا سلفه فهو أحق بسلعته أو سلفه، سواء فرط في القبض أو لم يفرط، ولم يختلفوا إذا دبر قبل الحوز أن خدمة المدبر، لا تكون رهنا؛ لأنها نحلة ولم يكن ارتهن شيئا من الغلة. وبالله التوفيق. [مسألة: ارتهن رهنا فكتب أنه قبضه المرتهن وحازه ولم يفعل ثم باعه صاحبه] مسألة ومن ارتهن رهنا فكتب أنه قبضه المرتهن، وحازه ولم يفعل، ثم إن صاحبه باعه، فبيعه جائز؛ لأنه ليس برهن مقبوض، فأمر صاحبه فيه جائز، وليس كتاب المرتهن أنه قبضه وحازه ولم يفعل بشيء. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الشاهد في الرهن على الحيازة والقبض، لا معنى له في وجه من الوجوه، إذا علم أن ذلك لم يكن بإقرار المرتهن بذلك، ولو تشاهدا على القبض والحيازة، ولم تعاين البينة ذلك، ثم باع الراهن الرهن، فادعى المرتهن أنه باعه تعديا عليه، ومناقصة له فيه بعد أن قبضه منه على ما تشاهدا عليه، لوجب أن ينفذ البيع ويبطل الرهن، إن كان الرهن بيد الراهن أو بيد المبتاع، وأن لا ينفذ على اختلاف إن كان بيد المرتهن، وكذلك لو قام الغرماء على الراهن، فألفي الرهن بيد المرتهن، فقال: قبضته حين تشاهدنا على ذلك قبل قيام الغرماء، وقال الغرماء: بل قبضته بعد قيامنا، لكان المرتهن أحق به على اختلاف. والقولان في هذين الوجهين يتخرجان على القولين القائمين بين كتاب الهبة والصدقة من المدونة في الذي يهب الجارية لرجل، ويشهد له أنه قد

مسألة: ارتهن رهنا بحق له إلى أجل واشترط وضع الرهن على يد رجل

قبضها وحازها ولم تعاين البينة القبض والحيازة، ثم مات الواهب وألفيت الجارية في يد الموهوب له، فقال: قبضتها في صحة الواهب، حين أشهد لي بقبضها، وقال الورثة: بل قبضتها بعد موته، ولما تشاهدا على الرهن والهبة دون القبض والحيازة، فألفي الرهن بيد المرتهن، أو الهبة بيد الموهوب له بعد الموت أو بعد قيام الغرماء، فادعيا أنهما قبضا ذلك، لم يصدق واحد منهما في ذلك باتفاق، إلا أن تكون لهما بينة على ذلك، ولا ينتفع في الرهن بإقامة البينة على أنه قد مضى قبضه وحازه قبل قيام الغرماء إلا أن تشهد البينة أنه قبضه وحازه بأمر الراهن وإذنه، والرهن في هذا بخلاف الهبة؛ لأن القبض فيه أوجه لقول الله عز وجل: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ولأن من أهل العلم من يقول: لا يكون رهنا حتى يكون مقبوضا. وبالله التوفيق. [مسألة: ارتهن رهنا بحق له إلى أجل واشترط وضع الرهن على يد رجل] مسألة ولو أن رجلا ارتهن من رجل رهنا بحق له إلى أجل، واشترط وضع الرهن على يد رجل ضمن للمرتهن قبضه وحوزه، وتحمل له مع ذلك بالحق إلى الأجل الذي رهن الرهن إليه فيه، فتركه عند الراهن ولم يقبضه، فقام صاحب الحق على قبض الرهن وحوزه، فقال الحميل: أنا أخرته عند الراهن، إرادة الرفق به، وأنا له وللحق ضامن إلى الأجل، فإن الحجة في ذلك إلى المرتهن؛ لأنه يقول: أخاف أن يفلس الحميل، والذي عليه الحق، فيدخل معي في الرهن عندي ولا آخذ من حقي وفاء فأرى أن يؤمر الحميل بقبض الرهن من الراهن، فإن لم يفعل نزع منه، ووضع للمرتهن على يدي غيره. والحمالة بالحق عليه كما هي. قال محمد بن رشد؛ هذه مسألة بينة صحيحة، لا وجه للقول فيها، إذ لا إشكال في شيء من وجوهها ومعانيها. وبالله التوفيق.

مسألة: المرتهن يفتات على الراهن في بيع الرهن فيفوت

[مسألة: المرتهن يفتات على الراهن في بيع الرهن فيفوت] مسألة وقال في المرتهن يفتات على الراهن، في بيع الرهن، فيفوت، ولا يعرف له الراهن ولا المرتهن صفة ولا قيمة يؤخذ بها، ولا بينة بينهما، واختلفا على ذلك، واجتمعا على الحق، ولم يختلفا فيه: إن المرتهن يحلف على ما باع به الرهن، ثم يجعل ذلك ثمنه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة: أن الراهن يدعي أن قيمة الرهن رهنه أكثر مما باعه به المرتهن، والمرتهن يقول: بل قيمته ما بعته به، وهذا وجه قوله: واختلفا على ذلك، ويحتمل أن يكون وجه اختلافهما أن كل واحد منهما يدعي على صاحبه أنه يعلم صفته، فالراهن يقول للمرتهن: صفه فيتبين من وصفك إياه أنك بعته بأقل من قيمته، والمرتهن يقول للراهن: صفه أنت فيتبين من وصفك إياه أني بعته بقيمته. ووجه الحكم في ذلك إن ادعى الراهن أن قيمة الرهن أكثر مما باعه المرتهن، ولم يدع واحد منهما على صاحبه أنه يعلم صفته، أن يحلف المرتهن ما كانت قيمته أكثر مما باعه به، ويزيد في يمينه: ولقد باعه بكذا وكذا إن لم يكن له بينة على معرفة ما باعه به، فإن نكل عن اليمين حلف الراهن أن قيمته كذا وكذا، واستوجب ما حلف عليه، وأما إن ادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه يعرف صفته، فيحلف كل واحد منهما على صاحبه أنه يعرف صفته لصاحبه ابتداء أنه ما يعلم صفته، فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا أو حلف الراهن، ونكل المرتهن عن اليمين، كان الحكم في ذلك على ما وصفت لك من يمين المرتهن، إن لم يدع واحد منهما على صاحبه أنه يعرف صفته، وإن حلف المرتهن أنه ما يعلم صفته، ونكل الراهن عن اليمين أنه ما يعلم صفته، لم يجب على المرتهن اليمين، بأن يحلف ما كانت قيمته أكثر مما باعه به، ويحلف لقد باعه بكذا وكذا، إن لم تكن له بينة على معرفة ما باعه به، وقوله

مسألة: الراهن والمرتهن يختلفان في الرهن بعينه

في الرواية: إن المرتهن يحلف على ما باع به الرهن، ثم يجعل ذلك ثمنه، معناه: إذا لم تكن له بينة على معرفة ما باعه ولم يدع عليه الراهن أنه باعه بأقل من قيمته، ولو ادعى ذلك عليه، لوجب أن يزيد في يمينه وما كانت قيمته أكثر من ذلك، ولو لم يدع ذلك عليه وكانت له بينة على معرفة ما باعه، لم يجب عليه يمين. ووقع في بعض الكتب في هذه المسألة مكان واختلفا على ذلك: وحلفا على ذلك، ومعناه: إذا ادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه يعلم صفته على ما ذكرناه، ورأيت لابن دحون أنه قال في ذلك: يمين الراهن لا معنى لها، هو يأخذ ما أقر به المرتهن من الثمن إذا جهلا الصفة، فلا معنى ليمين الراهن، وإنما يصح قوله إذا لم يدع واحد منهما على صاحبه، أنه يعرف صفته، وإنما اختلفا في مبلغ ما باع به الرهن. وظاهر الكلام خلاف هذا لأن قوله على ذلك، إنما هو إشارة منه إلى ما تقدم من أن كل واحد منهما يقول: لا أعرف صفته ومعناه، ويقول لصاحبه: وأنت تعرفها، فلا وجه للمسألة غير ما ذكرناه فيها. وبالله التوفيق. [مسألة: الراهن والمرتهن يختلفان في الرهن بعينه] مسألة وقال في الراهن والمرتهن يختلفان في الرهن بعينه فيقول الراهن: رهنتك ثوبا جديدا ويقول المرتهن: بل رهنتنيه ثوبا خلقا، وهو هذا بعينه، ولا بينة بينهما، واجتمعا على الحق، كان القول قول المرتهن مع يمينه. قال محمد بن رشد: أما إذا اتفق الراهن والمرتهن على الرهن بعينه، واختلفا في صفته يوم رهنه إياه، فقال الراهن: كان جديدا وقال المرتهن: كان خلقا على ما هو عليه، فلا اختلاف ولا إشكال في أن قول المرتهن، في أنه رهنه إياه خلقا على ما هو عليه؛ لأن الراهن مدع عليه أنه

مسألة: رهن عبدا فأعتقه الراهن أو دبره

لبس الثوب حتى أخلقه، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر. وأما إن أتى المرتهن بالثوب خلقا فقال الراهن: ليس هذا ثوبي؛ لأني رهنتك ثوبا جديدا وقال المرتهن: بل هو ثوبك بعينه، رهنتنيه إياه خلقا على ما هو عليه، قال ابن القاسم ها هنا: إن القول قول المرتهن، ظاهر قوله أشبه أن يكون ذلك الثوب خلقا على ما هو عليه، يرهن في مثل ذلك الحق، أو لم يشبه، إذ لم يفرق بين ذلك، خلاف قول أصبغ في نوازله بعد هذا ومثل قول أشهب. وبالله التوفيق. [مسألة: رهن عبدا فأعتقه الراهن أو دبره] مسألة وعن رجل رهن عبدا فأعتقه الراهن أو دبره، إن الراهن إذا كان موسرا بما عليه دفع إلى المرتهن حقه، وجاز عتقه أو تدبيره وإن كان غير موسر بما رهنه، فلا عتاقة ولا تدبير له، والمرتهن أحق برهنه حتى يستوفي حقه. قال محمد بن رشد: ساوى في هذه الرواية بين العتق والتدبير، في اليسر والعدم، فقال: إن كان موسرا بما رهنه به، عجل له حقه، وجاز عتقه أو تدبيره، وإن كان غير موسر بذلك، فلا عتاقة له ولا تدبير، وفرق بينهما في المدونة في اليسر والعدم أيضا، فقال في التدبير: إنه جائز، ويكون رهنا بحاله؛ لأن للرجل أن يرهن مدبره. قال محمد بن المواز: فإذا حل الأجل ولا مال له بيع، يريد: وإن كان موسرا يوم رهنه، بخلاف ما قاله في العتق، والذي يوجبه النظر الصحيح في هذه المسألة، أن يفرق فيها بين أن يكون الراهن يوم دبره موسرا بما رهنه فيه، أو غير موسر بذلك، فإن كان موسرا بذلك، عجل له حقه وجاز تدبيره على ما قاله في هذه الرواية، خلاف ما في المدونة؛ لأن التدبير إن أجيز على ما في المدونة دون أن يعجل للمرتهن حقه، فحل الأجل ولا مال للراهن غير

المدبر، فإن لم يبع للمرتهن من أجل أن الراهن كان موسرا يوم دبره، والتدبير لا يرد. في حال الحياة الدين الحادث بعده دخل عليه ضرر في رهنه، وإن بيع له في رهنه على ما قاله محمد بن المواز، كان ذلك إبطالا للتدبير الذي قد توجه تنفيذه بإجازته، وإن لم يكن موسرا بذلك، جاز تدبيره على ماله في المدونة خلاف قوله في هذه الرواية: إنه إن كان غير موسر بما رهنه فلا عتاقة ولا تدبير له؛ لأنه إن لم يكن موص بما رهنه يوم دبره بما رهنه على المرتهن ضرر في تدبيره، إياه؛ لأن من حقه أن يباع له في دينه إذا حل أجله وإن كان قد دبره؛ لأن دينه قد سبق التدبير، فلا وجه لرد تدبيره إذا لم يكن موسرا يوم دبره بما رهنه به، وكذلك اختلف، إذا كاتب الراهن عبده بعد أن رهنه، فقال محمد بن المواز يبقى مكاتبا، وفي هذا نظر؛ لأنه قد يعسر يوم حلول الأجل، فلا يكون في ثمن الكتابة إذا بيعت وفاء بالدين، فتبطل الكتابة. وقال في المدونة: إن ذلك بمنزلة العتق، إن كان للسيد مال، أخذ منه ومضت الكتابة، يريد: وإن لم يكن له مال نقضت الكتابة، إلا أن تكون قيمة الكتابة مثل الدين، فيجوز بيع الكتابة في دينه، وإن لم يكن في قيمة الكتابة وفاء بالدين، نقصت كلها؛ لأنه لا يكون بعضه مكاتبا، بخلاف المدبر إذا كان بعضه يفي بالدين؛ لأنه يجوز أن يكون بعضه مدبرا عند ابن القاسم. وقال محمد: لا يكون بعضه مدبرا، كما لا يكون بعضه مكاتبا. والذي في المدونة من أن الكتابة في هذا بمنزلة العتق هو الصواب المشهور في المذهب، ولم يختلفوا في العتق أنه إن كان له مال أخذ منه الحق معجلا، ومضى العتق، وإن لم يكن له مال، وكان في العبد فضل، بيع منه، وقضي الدين، وأعتق الفضل، وإن لم يكن فيه فضل لم يبع حتى يحل الأجل، لعله أن يكون فيه حينئذ فضل، فقوله في هذه الرواية: وإن كان غير موسر بما رهنه، فلا عتاقة له ولا تدبير، معناه: إن لم يكن فيه فضل للعتق أو للتدبير، وقال أبو الزناد: إذا لم يكن مع السيد مال، فقضى العبد ما هو فيه مرهون أعتق ولم يتبع سيده بشيء من ذلك، والصواب أن يتبع سيده بذلك، إذا أداه

مسألة: يرتهن الجارية فيزوجها غلاما له بغير إذن سيدها فتلد وتموت

عنه على سبيل السلف لأنه لما تعدى بعتق العبد، فقد رضي ببقاء الدين في ذمته، فلو رضي المرتهن بإجازة العتق واتباع ذمته بحقه، لكان ذلك له، ولو أدى ذلك الدين أحد عنه سلفا، لكان له أن يتبعه له، ويمضي عتق العبد، ولم يكن له في ذلك كلام، إذ قد رضي بعتق العبد، وبقاء الدين في ذمته. فلو رضي المرتهن بإجازة العتق واتباع ذمته بحقه، لكان ذلك له، ولو أدى ذلك الدين أحد عنه سلفا، لكان له أن يتبعه به ويمضي عتق العبد، ولم يكن له في ذلك كلام، إذ قد رضي بعتق العبد وبقاء الدين في ذمته، فكذلك العبد إذا أراد أن يسلف سيده المال، ويتبعه به دينا في ذمته. ووجه ما ذهب إليه أبو الزناد، أن عتقه لما لم يتم إلا بقضاء الدين، صار كأنه أداه، وهو في ملك سيده. وفي هذا نظر، قد ذكره أبو إسحاق التونسي في كتابه فمن شاء وقف عليه فيه. هذا كله إذا أعتق الراهن العبد المرهون أو دبره بعد أن حازه المرتهن. وقد مضى القول في هذا الرسم إذا فوت الراهن الرهن بشيء من وجوه الفوت، قبل أن يحوزه المرتهن، فلا وجه لإعادته، بالله التوفيق. [مسألة: يرتهن الجارية فيزوجها غلاما له بغير إذن سيدها فتلد وتموت] مسألة وعن الرجل يرتهن الجارية فيزوجها غلاما له، بغير إذن سيدها، فتلد له، فتموت من نفاس أو لا تموت، إن ولدها لسيدها، وهم رهن مع أمهم، ويفسخ نكاحها، وأما إن ماتت من نفاس نكاحها ذلك، فلا ضمان عليه. قال ابن القاسم بلغني هذا عن مالك ولست آخذ به، وأراه ضامنا لها إذا ماتت من قبل الحمل. قال محمد بن رشد: قد قال مالك في غير هذا الكتاب: إنه ضامن، مثل قول ابن القاسم. وقال أشهب: لا ضمان عليه في الموت من

مسألة: رهن رهنا في حق له إلى أجل فأقاما الرهن بأربعة دنانير فضاع الرهن

الولادة؛ لأن الحمل ليس بإرادة المرتهن. وقال أصبغ: لأنه إنما تعدى في النكاح لا في الوطء. وقول ابن القاسم، هو الصحيح؛ لأن الحمل سببه الوطء، وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جل النساء على الحمل، فإذا زوجها المرتهن، فقد أباحها للوطأ وعرضها للحمل. وقد قالوا فيمن طرد صيدا من الحرم إلى الحل؛ إن عليه الجزاء، من أجل أنه عرضه للصيد. وهذا مثله في المعنى وبالله التوفيق. [مسألة: رهن رهنا في حق له إلى أجل فأقاما الرهن بأربعة دنانير فضاع الرهن] مسألة وقال في رجل رهن رجلا رهنا في حق له إلى أجل، فأقاما الرهن بأربعة دنانير، فضاع الرهن، فأرى قيمة الرهن، ما قوماه به، إلا أن يكونا قصرا في قيمة الرهن أو زادا فيه، فيرد إلى قيمته إذا علم ذلك. قال ابن القاسم: كل من ارتهن رهنا مما يغاب عليه، فالقيمة فيه يوم رهنه، وإن تداعيا في الحق والرهن قائم، فالقيمة فيه يوم يتداعيان فيه. قال محمد بن رشد: قال ها هنا في الرهن الذي يغاب عليه إذا أهلك عند المرتهن: إن عليه قيمته يوم ارتهنه. وقال فيما تقدم في هذا الرسم: إن عليه قيمته يوم ضاع عنده. وقد مضى القول على ذلك هناك مستوفى فلا معنى لإعادته. وإذا وجبت عليه قيمته يوم ارتهنه على ظاهر هذه الرواية، أو على ما حملناها عليه، وكانا قد قوما الرهن يوم الارتهان، فالواجب أن تكون قيمته ما قوماه به، إلا أن يكونا قصرا في تقويمه كما ذكر. وبالله التوفيق. [مسألة: ارتهن رهنا بغير بينة ثم زعم أنه قد رده إلى صاحبه وأخذ حقه منه] مسألة ومن ارتهن رهنا بغير بينة ثم زعم أنه قد رده إلى صاحبه، وأخذ حقه منه، فينكر ذلك صاحب الرهن، إن صاحب الرهن

مسألة: كان عنده رهن فمات المرتهن والرهن عنده

يحلف على ما قال، ويضمن المرتهن الرهن. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن ما كان لا يصدق في دعوى الضياع فيه من العواري والرهون التي يغاب عليها، فلا يصدق في دعوى الرد فيه، سواء قبض ذلك ببينة أو بغير بينة. وهذا ما لا اختلاف فيه لحفظه في المذهب، إلا ما وقع في آخر سماع أبي زيد من كتاب الوديعة، فإن فيه دليلا على أنه يصدق في دعوى رد الرهن إذا قبضه بغير بينة، وهو بعيد، فلعله إنما تكلم على الرهن الذي لا يغاب عليه، فتصح المسألة وتأتي على الأصل. وقد مضى في أول سماع عيسى وسماع أصبغ من كتاب الرواحل والدواب، تحصيل القول في هذا الأصل. وبالله التوفيق. [مسألة: كان عنده رهن فمات المرتهن والرهن عنده] مسألة ولو أن رجلا كان عنده رهن فمات المرتهن والرهن عنده، واستخلف رجلا فأعطى الخليفة الرهن بعض ما يلي ممن استخلفه عليه من ورثة الميت أن يقتضي له دين أبيه، فانطلق المأمور برهنه، فطلب الخليفة نقض ذلك، وأخذ الرهن، قال: يحلف الخليفة بالله أنه لم يأمره أن يرهنه ثم يأخذه: قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إنه ليس له أن ينقض ذلك ويأخذ الرهن، إلا بعد يمينه أنه لم يأمره أن يرهنه إن ادعى عليه المرتهن أنه أمره بذلك، وحقق الدعوى وأما إن لم يحقق عليه الدعوى بذلك وأراد أن يحلفه من غير تحقيق الدعوى، فيجري ذلك على الاختلاف في وجوب لحوق يمين التهمة. وبالله التوفيق. [مسألة: جاء إلى ورثة رجل فقال إن أباكم رهنني سيفه هذا بكذا] مسألة وعن رجل جاء إلى ورثة رجل، فقال لهم: إن أباكم رهنني

مسألة: باع من رجل سلعة بثلاثين درهما وارتهن بها منه غلاما

سيفه هذا بكذا وكذا، فهاتوا حقي، وخذوا سيف أبيكم، فقال الورثة: ما نعلم ما تدعي من الحق والرهن، فهات سيف أبينا، فقال: إن جاء ببينة على ما ذكر من الحق والرهن، أخذه، وإن لم يأت ببينة لم يصدق، ودفع السيف إلى أهله، وحلفوا إن كان فيهم من يظن أنه يعلم ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، على معنى ما في المدونة وغيرها. وقد تقدمت في رسم أسلم من سماع عيسى. والقول فيها. وبالله التوفيق. [مسألة: باع من رجل سلعة بثلاثين درهما وارتهن بها منه غلاما] مسألة وعن رجل باع من رجل سلعة بثلاثين درهما إلى شهر، وارتهن بها منه غلاما يغل كل يوم درهما، واشترط أنه يطرد حقه كل يوم في خراج غلام، وإن لم يجد الغلام كل يوم درهما، أخذه من سيده، وكان له ضامنا. قال: إذا كان مضمونا كما ذكرت، إن لم يجده عند الغلام أخذه من الراهن، كان جائزا لا بأس به، ولو لم يكن البيع على ذلك من الشرط أنه يضمن له درهما كل يوم، إلا أنه ارتهن العبد في حقه إلى محله، فطاع له الراهن بدرهم كل يوم من خراج غلامه، لم يكن بذلك بأس أيضا ما لم يرد المرتهن العبد على سيده لذلك فيكون الراهن إنما فعل ذلك للذي رد عليه من رهنه. قال عيسى: وهذا كله في البيع، فأما في السلف فلا بأس فيه. قال الإمام القاضي: أما إذا وقع البيع على أن يرهنه العبد وهو يغل كل يوم درهما على أن يقتضي غلته من حقه، فلا يجوز، إلا أن يكون السيد ضامنا لذلك، إن لم يجد عند الغلام الدرهم كل يوم أخذه من السيد الراهن. ولو رهنه الغلام بعد عقد البيع، وطاع له أن يأخذ غلته من حقه، لجاز ذلك

يموت المرتهن ويأتي الراهن ببينة أنه رهنه ولا يشهد له بكم رهنه

من غير ضمان. وأما السلف فذلك جائز فيه من غير ضمان، كان شرطا في أصل السلف أو طوعا بعد ذلك، إلا أن يطوع له بذلك على أن يرد عليه العبد، فلا يجوز بحال، لا في البيع ولا في السلف، وإن التزم السيد ضمان ذلك، إلا أن يكون الأجل قد حل ففي قول عيسى بن دينار: وهذا كله في البيع، فأما في السلف فلا بأس به، وفيه نظر، إذ إنما يفترق البيع من السلف في موضع واحد، وهو أن يشترط ذلك في أصل البيع وأصل السلف، ولا يجوز في أصل البيع. وهو نص قول مالك في كتاب حريم البئر من المدونة وعلى هذا الوجه خاصة، ينبغي أن يرد قول عيسى بن دينار، ولا يحمل على عمومه في كل المواضع. وبالله التوفيق. [يموت المرتهن ويأتي الراهن ببينة أنه رهنه ولا يشهد له بكم رهنه] ومن كتاب إن أمكنتني من حلق رأسك وسألته عن الرجل يرهن الرهن ثم يموت المرتهن، ويأتي الراهن ببينة، أنه رهنه ولا يشهد له بكم رهنه، ويزعم أنه رهنه بدينار، أو يسمى شيئا هو أدنى من الرهن، ويقول للورثة: لا علم لنا بما رهنه به عندك، القول قول من يكون؟ قال ابن القاسم سمعت مالكا يقول في المرتهن يموت: إن القول قول الراهن فيما زعم، أنه رهنه به، إذا لم يكن الميت ذكر شيئا، ولم يدع الورثة علما، ويحلف على ذلك، وإن كانت قيمة الرهن أكثر مما ذكر. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة. وقد تقدمت والقول فيها في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم. ومضت أيضا في رسم شك منه. ومضى في الرسم الذي قبل هذا من هذا السماع، وفي رسم أسلم منه إذا أنكر الراهن ما ادعاه ورثة المرتهن من الرهن، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك. وبالله التوفيق.

يرتهن الرهن على من يكون كراء موضعه

[يرتهن الرهن على من يكون كراء موضعه] ومن كتاب العتق وسئل عن الرجل يرتهن الرهن، على من ترى كراء موضعه؟ قال: أما ما يحوزه المرتهن في منزله، مثل الرأس والثوب وما أشبه مما لا يكون في مثله مؤونة فلا كراء فيه لأن هذا يرتهنه الرجل ويحوزه معه في منزله، وعلى هذا أمر الناس، وأما إن كان الشيء له قدر وبال، مثل الشيء يخزنه وما أشبهه، فكراؤه على صاحبه؛ لأن هذا من النفقة، ونفقة الرهن على صاحبه. قال الإمام القاضي: أما الشيء الكثير مثل الطعام يختزن، أو المتاع أو العدد من العبيد الذين يحتاجون إلى مسكن يكونون فيه، فلا اختلاف ولا إشكال في أن الكراء في ذلك كله على الراهن، كما قال. وأما مثل الرأس وشبهه الذي يحوزه الرجل في منزله ولا يشغل له مكانا لكرائه، قدر وقيمة. فقال في هذه الرواية: إنه لا كراء للمرتهن في ذلك. وقال الشيوخ: إن هذا معارض لقول ابن القاسم في المدونة: إن للحاضنة على الأب السكنى مع النفقة والكسوة، يريد على عدد الجماجم، مثل قول ابن وهب في الدمياطية وأحد قولي ابن القاسم فيها: إنه لا سكنى لها ولا خدمة والاختلاف في هذا عندي جار على اختلافهم في الحضانة، هل هي من حق الحاضن، أو من حق المحضون؟ فمن رآها من حق الحاضن، لم يوجب نفقة ولا سكنى؛ إذ لا يستقيم أن يكون من حقه أن يكفله ويؤويه إلى نفسه ويجب له بذلك حق، ومن رآها من حق المحضون، أوجب له السكنى والنفقة، أجرة لحضانته فيجب على قياس هذا الذي قلناه أنه إن كان المرتهن اشترط كون العبد الرهن بيده فأخذه لحقه وحازه في بيته أن لا يكون له كراء إن طلبه، وإن كان لم يشترط كونه بيده فدفعه إليه الراهن بطوعه، ليحوزه لنفسه في بيته أن يكون له الكراء إن طلبه. وبالله التوفيق.

مسألة: يستعير الثوب من رجل ليرهنه بعشرة دنانير فرهنه بها ثم تلف الثوب

[مسألة: يستعير الثوب من رجل ليرهنه بعشرة دنانير فرهنه بها ثم تلف الثوب] مسألة وسئل عن الرجل يستعير الثوب من رجل ليرهنه بعشرة دنانير، فرهنه بها ثم تلف الثوب، فقال: يضمن المرتهن للراهن، ويضمنه الراهن لصاحبه، وهو بمنزلة ما لو بيع في حقه؛ لأنه يقص به عن الراهن في حق المرتهن، فإذا كان يحط به من دينه لمكانه، فهو يغرم ذلك لصاحبه. قال الإمام القاضي: المعنى في هذه المسألة: أن الثوب ضاع بيد المرتهن، ولذلك قال: إنه يضمنه للراهن، ولو جعله الراهن المستعير للمرتهن بيد عدل فضاع عنده لضمنه الراهن لربه، ولم يكن على المرتهن شيء، ولو جعلاه جميعا المعير والمستعير للمرتهن بيد عدل فضاع عنده، لكان ضمانه من ربه المعير، ولم يكن على المستعير ولا على المرتهن شيء. وقال أشهب: إنه إذا ضاع عند المرتهن ضمن قيمته للراهن، وضمن الراهن المستعير قيمته لربه المعير يوم طلبه به، يريد أشهب والله أعلم إن المرتهن يغرم للراهن من قيمته يوم ضاع، إذا علم أنه كان عنده يوم ادعى ضياعه على ما ذكرناه في رسم الرهون، وفي قوله: إن المستعير يغرم للمعير قيمته يوم يطلبه نظر، فتدبره. قال: وإذا بيع للمرتهن في حقه، فليس على المستعير من ثمنه إلا ما قضى عنه منه، إن كله فكله، وإن بعضه فبعضه، ويرد الباقي إلى المستعير، يريد فيدفعه إلى المعير وإن ذهب عند الأمين الذي باعه بأمر السلطان، فضمانه من المعير، وليس على المستعير إلا ما قضى عنه منه. وبالله التوفيق. [مسألة: يرتهن الرهن ثم يعيره للراهن لبعض حوائجه فيغيب به الأيام ثم يرجع] مسألة وسئل عن الرجل يرتهن الرهن، ثم يعيره المرتهن الراهن، لبعض حوائجه، فيغيب به الأيام الثلاثة أو أقل أو أكثر، ثم يرجع،

فيريد المرتهن قبضه على رهنه كما هو، ويأبى ذلك الراهن، ويقول: قد فسخت رهنك، وعاريتك إياي ترد، قال: لا أرى له رهنا ولا أرى له أخذه، إلا أن يرده إليه طائعا، وإن فلس قبل أن يرده إليه، لم يكن له رهن، وكان إسوة الغرماء، وقد اختلف في إن رده إليه بعد ذلك وفلس، هل يكون رهنا أو لا يكون رهنا؟ فمالك قال: ليس برهن، والغرماء أولى به، وهو معهم إسوة، وأما أنا فأحب إلي أن يكون رهنا إن هو حازه قبل أن يفلس. وفي كتاب أسد: قلت لابن القاسم: أيكون على الراهن أن يرده ويكون للمرتهن أن يقوم على الراهن فيأخذ رهنه؟ قال: لا إلا أن يكون أعاره على ذلك. قال محمد بن رشد: الرهن لا يكون إلا مقبوضا لقول الله عز وجل {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فإذا صرف المرتهن الرهن إلى الراهن بعارية أو إجارة أو إيداع، فقد نقض رهنه، وأبطله وأخرجه عن أن يكون رهنا، فإن أراد أن يقوم عليه بعد ذلك، فيأخذ منه رهنه ليرده إلى حالته الأولى، فأما في العارية فليس له ذلك، أراد أن يأخذه منه قبل أن ينتفع به الراهن القدر الذي يرى أنه إنما أعاره إياه لذلك، ولا اختلاف في هذا، بخلاف إذا أعار الرجل متاعه لرجل، ثم أراد أن يأخذه منه قبل أن ينتفع به، فقد قيل: إن ذلك له، وهو الذي يأتي على ما في كتاب العارية من المدونة؛ لأنه قال فيها: إن الرجل إذا أعار أرضه رجلا على أن يبني فيها، إن له أن يخرجه منها قبل أن يبني، وبعد أن يبني، ويعطيه قيمة بنيانه قائما إلا أن يكون قد مضى في المدة ما يرى أنه أعاره إلى مثله، فيكون له قيمة بنيانه منقوضا. وقيل إنه ليس له أن يخرجه منها بنى أو لم يبن حتى يمضي لعاريته من الأجل، ما يرى أنه أعاره إلى مثله. وأما إن أراد أن يأخذه منه بعد أن انتفع به الراهن القدر الذي يرى أنه أعاره إليه لذلك، ففي ذلك اختلاف. قال ابن القاسم في هذه الرواية: وفي المدونة

ليس ذلك له. وقال أشهب: ذلك له، وأما إن كان أراد أن يأخذه منه بعد انقضاء أجل العارية، وقد كان ضرب لها أجلا فذلك له باتفاق، بمنزلة إذا أعاره إياه، على أن يرده إليه، فإن رده إليه في الموضع الذي يلزمه أن يرده إليه باتفاق، رجع رهنا على حاله باتفاق، وكذلك يرجع رهنا على حاله إن رده إليه في الموضع الذي يختلف هل يلزمه أن يرده إليه أم لا؟ على مذهب من يرى أنه يلزمه أن يرده إليه. واختلف إن رده إليه باختياره في الموضع الذي لا يلزمه أن يرده إليه باتفاق، أو في الموضع الذي يختلف هل يلزمه أن يرده إليه أم لا؟ على قول من يرى أنه لا يلزمه أن يرده إليه هل يرجع بمجرد رده إليه رهنا على حاله الأول أم لا؟ فأما مالك فقال في هذه الرواية: إنه لا يكون رهنا، يريد أنه لا يرجع بمجرد رده إليه، إلا أن ينص على أنه قد رهنه إياه برده إليه، إذ قد خرج من الرهن الأول بعاريته إياه، وأما ابن القاسم فقال فيها: إنه يكون رهنا، يريد أنه يرجع بمجرد رده إليه رهنا على حاله الأول، فالاختلاف في هذا راجع إلى الرهن، هل تفتقر صحته إلى التصريح به أم لا؟ ومن مذهب ابن القاسم في المدونة أن صحته تفتقر إلى التصريح به حسبما بيناه في سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس، لكنه راعى في هذه المسألة تقدم الرهن، فأقام ذلك مقام التصريح به، فليس قوله بخلاف لمذهبه في المدونة من أن الرهن تفتقر صحته إلى التصريح به، وأما مالك فلم يراع تقدم رهنه، إذ قد بطل برده إلى الراهن، فرأى أنه إذا رده إليه لا يكون رهنا حتى يصرح بذكر الرهن، ويجب على مذهبه إذا لم يكن رهنا أن يكون أحق به، ما لم يكن ثم غرماء، على معنى ما في المدونة وفي سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس، وأما إذا رد المرتهن الرهن إلى الراهن بإجارة، فله أن يقوم عليه ويأخذه منه، فيكون رهنا بيده على حاله الأول إذا انقضت الإجارة، وأما إن قام عليه فأراد أخذه منه قبل انقضاء أجل الإجارة، فليس ذلك له، وقد قيل: إنه إن ادعى أنه جهل أن ذلك يكون نقضا لرهنه، وأشبه ما قال، إنه يحلف على ذلك، ويكون له رده، ما لم يقم عليه

مسألة: يرتهن الدار وللدار طريق لجميع الناس فيسلكها الراهن معهم

الغرماء، وأما إذا رده إليه بإيداع، فلا أقف في وقتي هذا على نص الرواية في ذلك، والذي أقول به: إن له أن يقوم عليه فيأخذه منه، ويكون له رهنا. إن لم يكن عليه دين يستغرقه باتفاق، أو ما لم يقم عليه الغرماء على اختلاف قول مالك فيمن رهن رهنا وعليه دين محيط بماله. وبالله سبحانه التوفيق. [مسألة: يرتهن الدار وللدار طريق لجميع الناس فيسلكها الراهن معهم] مسألة وسئل عن الرجل يرتهن الدار، وللدار طريق لجميع الناس، فيسلكها الراهن معهم، فقال: إذا حاز المرتهن البيوت وأكراها، فلا يضره؛ لأنه حق لغير صاحب الدار. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إنما رهنه البيوت التي له، ولم يرهنه الطريق الذي ليس له من الحق فيه إلا ما لغيره من المرور فيه. وبالله التوفيق. [يرتهن الحيوان فيهلك في يديه فيدعي أنه ارتهنه بعشرين دينارا] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصلاة قال يحيى وسألت ابن القاسم عن الرجل يرتهن الحيوان فيهلك الرهن في يديه، فيدعي أنه ارتهنه بعشرين دينارا، أو يزعم الراهن أنه رهنه إياه بعشرة دنانير، والبينة تثبت أن قيمة الرهن الذي هلك عشرون دينارا، إن البينة على المرتهن فيما ادعى فوق العشرة دنانير التي أقر بها الراهن؛ لأنه لا يقاص شيء من قيمة الرهن الهالك، وهو فيها ادعى فوق العشرة، كمن ادعى مثل ذلك فيمن لم يرتهن شيئا، فليس له إلا ما أقر به غريمه إذا هلك الرهن في يديه. قيل له: أرأيت الذي يرهن المتاع الذي يغيب عليه، فتقوم البينة على هلاكه وقيمته، والقيمة عشرون دينارا، وادعى أنه ارتهنه

بعشرين دينارا؛ وأنكر الراهن أن يكون رهنه بأكثر من عشرة دنانير؟ فقال: إذا هلك الرهن هلاكا ظاهرا يشهد به العدول حتى يبرأ بذلك المرتهن من ضمان الرهن، فلا حق له على الغريم الراهن، إلا ما أقر له به مع يمينه، أو ما أثبتته البينة، وإنما جعله مالك مصدقا فيما يدعي فيما بينه وبين قيمة الرهن، إذا كان هلاك الرهن غير معروف، ووجب ضمانه على المرتهن، فعند ذلك يصدق المرتهن مع يمينه فيما ادعى ما بينه وبين قيمة الرهن. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في سماع عيسى من أن الرهن إنما يكون شاهدا لمرتهنه إذا كان قائما بيده لم يفت، أو كان قد فات وادعى ضياعه، وهو مما يغيب عليه، فلزمته قيمته؛ لأن القيمة الثانية في ذمته، كالرهن القائم في يديه. وأما إن استحق من يده أو تلف تلفا ظاهرا؛ كان مما يغاب عليه، أو ادعى ضياعه وهو مما لا يغاب عليه، فصدق في ذلك مع يمينه، وسقط عنه ضمانه، فلا يكون شاهدا له. وهذا مما لا أعرف فيه نص خالف في المذهب، وهو بين، على القول بأن الرهن لا يكون شاهدا على ما في الذمة، وإنما يشهد على نفسه، وأما على القول بأنه يشهد على ما في الذمة، وهو ظاهر قول مالك في أول سماع ابن القاسم على ما ذكرناه هناك، فيتخرج على قياسه أن يكون شاهدا له بقيمته يوم رهنه، كان قائما بيده لم يفت باستحقاق ولا غيره، أو كان قد استحق أو تلف لزمته قيمته أو لم تلزمه، وهو القياس، إن كانوا لم يقولوا ذلك؛ لأنه إنما يكون شاهد له من أجل أنه يدل على صدق دعواه؛ لأنه يقال للراهن: إذا قال: إنه رهنه بخمسة في التمثيل، وادعى المرتهن أنه ارتهنه بعشرة، والرهن يساوي عشرة، قول المرتهن أشبه من قولك، إذ لو لم يكن له عليك إلا خمسة فما رهنته بها رهنا قيمته عشرة، فوجب على هذا التعليل، ألا يلتفت إلى ما أصاب الرهن بعد ذلك من نقصان قيمته بحوالة الأسواق، أو تلافه، أو استحقاقه. وبالله التوفيق.

مسألة: تواضعا الرهن بيد أمين ثم اختلفا فيمن رهن به ولا بينة

[مسألة: تواضعا الرهن بيد أمين ثم اختلفا فيمن رهن به ولا بينة] مسألة قيل له: أرأيت لو أن الرهن كان سالما ظاهرا بيد المرتهن، وقيمته خمسة عشر دينارا؟ فقال: إنما ارتهنته منك بعشرين دينارا، وقال الراهن بل رهنتكه بعشرة دنانير، فصدق المرتهن فيما ادعى إلى أن بلغ قيمة الرهن الخمسة عشر دينارا، فقال الراهن: أنا آخذ رهني وأقضيك الخمسة عشر التي صدقت بها، أيكون ذلك له؟ فقال: لا يكون له أن يأخذ الرهن إلا أن يعطيه العشرين التي ادعى كلها، قيل له: فإذا لم يكن ذلك له، فإن قال المرتهن للراهن: أنا أتطوع لك به على أن تعطيني الخمسة عشر التي صدقت بها، فكره ذلك الراهن، وقال: بل احبس رهنك بجميع حقك علي، فقال إن يرى المرتهن إلى الراهن بالرهن لم يكن له عليه إلا العشرة دنانير التي أقر بها. قال أصبغ: وكذلك لو تواضعا الرهن بيد أمين، ثم اختلفا فيمن رهن به، ولم تكن بينهما بينة: إن القول قول المرتهن مع يمينه؛ لأنه لم يتله في يديه ولم يقبضه على الائتمان. قال محمد بن رشد: لم ير ابن القاسم في هذه الرواية إذا اختلف الراهن والمرتهن في مبلغ ما رهن فيه الرهن، فادعى المرتهن أكثر من قيمته، وادعى الراهن أقل من قيمته، فحلف كل واحد منهما على ما ادعاه من حق الراهن على المرتهن أن يفتك الرهن منه بقيمته، ولا من حق المرتهن على الراهن، أن يسلمه إليه بقيمته، ورأى الراهن إذا حلفا جميعا بما فيه، ليس للراهن أن يأخذه من المرتهن، إلا أن يدفع إليه جميع ما ادعاه، وحلف عليه، ولا للمرتهن أن يسلمه إلى الراهن، ويأخذ منه قيمته، وإنما له أن يمسكه او يأخذ من الراهن ما أقر. وهذا هو حقيقة القياس، على القول بأن

مسألة: يرهن الرجل أمته ولها ولد صغير

الرهن لا يكون شاهدا إلا على نفسه، خلاف قول عيسى بن دينار وقول سحنون في سماع ابن القاسم، وقول ابن القاسم في أول رسم العرية، من سماع عيسى إن الراهن مخير بين أن يفتك الرهن بقيمته، أو يتركه بما فيه، وخلاف ظاهر ما في المدونة، وما في أول سماع ابن القاسم من قول مالك: إن الراهن يلزمه أن يفتك الرهن بقيمته، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها قول مالك: إن الراهن يلزمه افتكاك الرهن بقيمته، والثاني: إنه مخير بين أن يكون يفتكه بقيمته، أو يسلمه، وهو قول سحنون وعيسى بن دينار وروايته عن ابن القاسم. والثالث إنه مخير بين أن يفتكه بما حلف عليه المرتهن، أو يسلمه، وكلا هذين القولين: الثاني والثالث، قد تؤولا على ما في الموطأ. وأما قول أصبغ: إن القول قول الراهن فيما رهن فيه الرهن، إذا وضع بيد أمين، فهو دليل ما في الموطأ خلاف المشهور في المذهب الذي تدل عليه ظواهر الروايات في المدونة وغيرها. وقد نص على ذلك ابن المواز في كتابه فقال: إن القول فيه قول المرتهن، وإن وضع بيد أمين. وحكى ذلك إسماعيل القاضي عن مالك في أحكام القرآن. وهو القياس، إذ لا فرق في كونه دليلا على صدق المرتهن، بين أن يكون في يديه، أو على يدي عدل، ويلزم على قياس قول أصبغ أن يكون من حق المرتهن الرهن، أن يكون على يديه، ليكون له شاهدا وإن كره ذلك الراهن، خلاف ما مضى في رسم الرهون من سماع عيسى. وبالله التوفيق. [مسألة: يرهن الرجل أمته ولها ولد صغير] مسألة قال يحيى: قال ابن القاسم: وسمعت مالكا كره أن يرهن الرجل أمته ولها ولد صغير، لا يجوز له أن يفرق بينهما، وينهى عن ذلك. قال يحيى: وسألت عنه ابن وهب فلم ير به بأسا. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم شك في طوافه الثاني من سماع ابن القاسم، وفي رسم الأقضية الثالث

يرتهن الرهن بحق له على أن يضمن له رجل ما نقص الرهن من حقه

من سماع أشهب فلا معنى لإعادة شيء من ذلك. وبالله التوفيق. [يرتهن الرهن بحق له على أن يضمن له رجل ما نقص الرهن من حقه] ومن كتاب يشتري الدار والمزارع وسئل عن الرجل يرتهن الرهن بحق له على أن يضمن له رجل ما نقص الرهن من حقه، فحالت الأسواق حتى قل ثمن الرهن جدا، أو دخله عيب أعطبه أو نقصه نقصانا فاحشا أو هلك، ماذا يضمن الحميل للمرتهن؟ قال: إن هلك الرهن بعطب أصابه من مرض أو مات، ضمن الحميل جميع الحق، وكذلك يضمن ما دخله من النقصان، قل أو كثر كان ذلك النقصان من عيوب حدثت به، أو حوالة الأسواق. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إنه إذا ضمن ما نقص الرهن من حقه، إنه ضامن لما نقص من حقه إذا بيع الرهن، ولكل ما أصاب الرهن، ولا اختلاف في ذلك. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [يسأل الرجل سلفا ويأتيه برهن مما يغاب عليه ليدفعه إليه] ومن كتاب المكاتب قال وسألته عن الرجل يسأل الرجل سلفا ويأتيه برهن مما يغاب عليه ليدفعه إليه، فيقول له المستسلف: ضع رهنك عندي وعد إلي غدا أدفع إليك ما سألتني من السلف، فإذا غدا إليه ليقتضي ما وعده، وجد الرهن قد هلك عند الذي قبضه، أتراه له. ضامنا أو يكون مؤتمنا فيه؟ قال: بل يضمنه، وذلك أنه إنما أخذه على حال

يرتهن الثمرة فتهور البئر

الاستيناف، فما أراد أن يسلفه، ولم يؤتمن عليه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إنما دفعه إليه، ليكون عنده رهنا له، فيما وعده به من السلف، وهو أبين في الضمان، من مسألة كتاب تضمين الصناع من المدونة، في الصانع يفرغ من عمل الثوب، فيقول لصاحب الثوب: خذه، فلا يأتي حتى يضيع عنده إنه ضامن له على حاله. [يرتهن الثمرة فتهور البئر] ومن كتاب الأقضية قال: وقال ابن القاسم في الذي يرتهن الثمرة، فتهور البئر، إن إصلاحه على الراهن حتى تتم الثمرة ويتم الرهن لصاحبه، قيل له: فإن أبى أن يصلح، قال: يجبر على ذلك إن كان له مال، فإن لم يكن له مال، نظر، فإن رأى أن يبيع بعض الأصل خير له، بيع منه ما يصلح به بئره، فإن تطوع المرتهن في بنيانها، فإن رأى أن تطوعه خير لرب الأرض، قيل للمرتهن: إذا تطوعت فابن وأنفق، ويكون الأصل رهنا لك بالذي تنفق في البئر، قيل له: فبماذا يطلب الراهن، أبما أنفق بعينه أو بقيمته ما وضع من الجص والحجارة وأشباه ذلك مقلوعا أو قيمته قائما؟ فقال: بالذي أنفق كاملا؛ لأنه كالسلف على الراهن. قال محمد بن رشد: قوله: إن الراهن يجبر على إصلاح البئر حتى تتم الثمرة ويتم الرهن لصاحبه، إلى آخر قوله، خلاف ما في المدونة إن

باع سلعة من رجل وارتهن عبدا فاستحق من يده

الراهن إذا أبى أن يصلح البئر، كان للمرتهن أن يصلحها ليحيى رهنه، ولا يرجع بذلك على الراهن، وتكون نفقته في الرهن مبدأة على الدين، فإن وفى الرهن بالنفقة والدين، وفضل منه فضل، كان للراهن، وإن لم يكن في الرهن إلا مقدار النفقة، رجع المرتهن بذمته على الراهن، وإن لم يف الرهن بالنفقة لم يرجع على الراهن بما بقي له من نفقته، قال أشهب: ويكون أولى بماء البئر، حتى يعطيه بقية نفقته، فإذا أعطاه إياها أخذ البئر بمائها، ولم يكن له عليه بما انتفع من مائها شيء؛ لأنه كان ضامنا له بنفقته، لو غار ماؤها ذهبت نفقته، فيكون له الماء بالضمان. فقول ابن القاسم في المدونة: إن المرتهن إذا أنفق في إصلاح الرهن لا يرجع بشيء من ذلك على الراهن، وإنما تكون نفقته في الرهن مبدأة على الدين، فإن لم يف الرهن بها، لم يتبعه بالبقية، يدل على أن الراهن عنده لا يلزمه إصلاح البئر، وإن كان له مال، خلاف رواية يحيى هذه، إن ذلك يلزمه إن كان له مال، ويأتي على مذهبه بأن ذلك يلزمه أن المرتهن إن تطوع بإصلاحها فلم يف الرهن بنفقته في إصلاحها، اتبع الراهن بما بقي من نفقته مع دينه، ويحتمل أن نتأول في هذه الرواية على أن الرهن كان مشترطا في أصل البيع أو السلف، فلا يكون ذلك اختلافا من القول. وبالله التوفيق. [باع سلعة من رجل وارتهن عبدا فاستحق من يده] من سماع سحنون من ابن القاسم قلت لسحنون: بلغني عنك أنك تقول في رجل باع سلعة من رجل، وارتهن عبدا فاستحق من يده، فقلت: إن كان الراهن غره به، كان الحق عليه كله معجلا، وهو بمنزلة ما لو كان باعه ثقة، وإن كان لم يغره كان بمنزلة موته، أفأنت تقوله؟ قال نعم، أنا أقوله، فقلت: له: فسواء عندك أن كان بايعه على رهن بعينه، أو بغير عينه، فقال: ليس ذلك عندي سواء، إن كان الرهن بعينه، فهو على ما ذكرت لك، وإن كان بغير عينه، أتاه برهن آخر من حقه.

يرتهن السلعة منه بحق له عليه إلى أجل ويشهد له على ذلك

قال محمد بن رشد: فوت الرهن المعين واستحقاقه، إذا لم يغر به، بمنزلة سواء، إذا كان ذلك قبل لبعض المرتهن له، كان بالخيار بين أن ينقض البيع، أو يمضيه برهن غيره إن طاع له بذلك المبتاع، أو بغير رهن، وإن كان قد دفع السلعة استردها إن كانت قائمة، أو قيمتها إن كانت فائتة. قال عبد الملك: وله إن شاء إذا فاتت بالعيوب المفسدة، أن يجيز البيع إلى الأجل، وهو بعيد؛ لأنه يكون على هذا مخيرا بين عشرة نقدا وخمسة عشر إلى أجل، وإن كان ذلك بعد قبض المرتهن له كانت مهيبته منه ولم يكن له على الراهن شيء، وأما إذا غره به، فاستحق من يده بعد قبضه، ففي ذلك اختلاف. قال سحنون في هذه الرواية: يعجل للمرتهن حقه بمنزلة ما لو باعه. وقال عبد الملك يكون عليه رهن مثله. قال محمد: فإن لم يفعل، رجع في سلعته. إن كانت قائمة، أو قيمتها إن كانت فائتة، إلا أن يشاء أن يجيز البيع بلا رهن. وفي تخييره في إمضاء البيع إذا فاتت السلعة بعد، على ما تقدم، وأما إن استحق من يده قبل قبضه، فعلى ما تقدم، إذا لم يغره به، إذ لا فرق في استحقاقه قبل قبضه بين أن يغر منه أو لا يغر. وبالله التوفيق. [يرتهن السلعة منه بحق له عليه إلى أجل ويشهد له على ذلك] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون قيل لسحنون: أرأيت الرجل يرتهن السلعة من رجل بحق له عليه إلى أجل، وأشهد له على ذلك الحق إلى أجله، ودفع الرهن إليه، فلما حل الأجل قام طالب الحق بحقه، فألفى الرهن بيد المرتهن، وزعم أنه دفع إليه الحق وأخذ رهنه، ويقول: لم يكن ليعطيني الرهن إلا بقبض الحق، وقد بريت إليه بحقه، ورأيت قبض الرهن براءة لي، فذلك منعني من الإشهاد على الدفع، وصاحب الحق يقول؛ سرقه مني أو اختلسه من يدي، أو أعرته

إياه، أو أخذه مني على أن يأتيني بالحق فلم يفعل، فإن القول قول المرتهن بجميع ما ذكر من العذر، إذا كان قيامه ومطالبته بحدثان حلول الأجل، وفي فوره مع يمينه، فإن نكل حلف الراهن وبرئ وهو عندي مثل الصناع يحملون الأمتعة للناس، ويدفعونها إليهم، ثم يقومون يطلبون الأجر. فقول أصحابنا وقولنا: إن كان قيامهم بحدثان دفعها إلى أربابها بالأيام القليلة صدقوا، وكان القول قولهم إن طلبوا ذلك بعد الرفع بالأيام الكثيرة، والبعد والأمر المتفاوت، وما يري أن مثل ذلك من معاملتهم ينقطع إلى ذلك الوقت، كان القول قول أهل الأمتعة، وكذلك المرتهن عندي في تباعد قيامه بطلب الحق عند الأجل، مثل ما ذكرت في أمر الصناع: إن القول قول الراهن مع يمينه، وهو بريء، فإن نكل حلف المرتهن واستحق، قيل: أرأيت إن كانا لم يضربا أجلا لحلول الحق، ومسألتي على حالها، وجعلاه حالا، متى شاء صاحب الحق أخذه فألفي الرهن بيد الراهن، وقال: دفعه إلي منذ شهر، ودفعت إليه الحق، وقال المرتهن: دفعته إليه بالأمس، مثل الذي ذكرت لك في أول المسألة، ثم يتوصل إلى معرفة قرب دفع المرتهن الرهن إلى الراهن، فقال: ينظر في ذلك ويكشف عنه ويستخبر، فإن عرف كان الأمر فيه على ما فسرت لك، فإن عمي أمرهما، فلم يعلم ذلك، كان القول قول المرتهن مع يمينه؛ لأن قيامه عليه كحلول الأجل ساعتئذ، فإن نكل عن اليمن حلف الراهن وبرئ. قال محمد بن رشد: في المختصر لابن عمر الحكم مثل قول سحنون فيمن دفع إلى رجل ذهبا برهن، ثم قضاه ودفع إليه رهنه، ثم ادعى أنه لم يوفه إياه كله، وأعطاه رهنه إلى المرتهن، يحلف ويسقط عنه ما ادعاه عليه الراهن، وساوى سحنون في هذه الرواية بين أن يدعي المرتهن على

الراهن إذا ألفى الرهن بيده بعد حلول الأجل أنه دفعه إليه ليأتيه بحقه فلم يفعل، أو أنه أعاره إياه، وأنه سرقه منه أو اختلسه من يده، في أن القول قول المرتهن إذا كان ذلك بقرب حلول الأجل، وذلك يفترق، أما إذا ادعى أنه دفعه إليه ليأتيه بحقه فلم يفعل، فيتخرج ذلك على قولين، قد مضى توجيههما في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم. وأما إذا ادعى عليه أنه أعاره إياه، فيتخرج ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: إن القول قول المرتهن، يحلف أن حقه باق عليه ويأخذه، وليس عليه أن يحلف لقد أعاره إياه، وهو الذي يأتي على قول سحنون في هذه الرواية؛ لأنه لو أقر له بما ادعاه عليه من أنه دفعه إليه ليأتيه بحقه، لكان القول قوله أيضا على مذهبه، إنه لم يقبض منه حقه إذا كان بالقرب، فلا معنى ليمينه على ذلك. والقول الثاني إنه يحلف على الوجهين جميعا، فإن نكل عن اليمين على الوجهين جميعا، أو على أنه ما قبض منه، حلف الراهن، لقد دفعه إليه وبرئ، وإن نكل أن يحلف لقد أعاره وقال: أنا أحلف ما قبضت حقي، لم يمكن من اليمين على ذلك، وحلف الراهن ما أعاره إياه، وما قبضه منه إلا بعد أن وفاه حقه. أو ما قبضه منه إلا على أن يأتيه بحقه، وأنه قد أتاه به ودفعه إليه، وهذا القول يأتي على ما في سماع الشريكين من سماع ابن القاسم من أن القول، قول الراهن، إنه قد أدى إليه حقه إذا أقر المرتهن أنه دفع إليه الرهن، على أن يأتيه بحقه، وادعى أنه لم يأت به. والقول الثالث: إن القول قول الراهن، يحلف على الوجهين جميعا، فإن نكل عنهما جميعا أو عن أن يحلف أنه ما دفع إليه حقه، حلف المرتهن ما أخذ حقه منه وأخذه، وإن قال: أنا أحلف لقد دفعت إليه حقه، ولا أحلف ما قبضت الرهن على سبيل العارية، لم يمكن من اليمين على ذلك، وحلف المرتهن على الوجهين جميعا، أنه ما دفع إليه الرهن إلا على سبيل العارية، وأنه لم يقبض حقه ويأخذه منه، وكذلك إذا ادعى المرتهن على الراهن أنه سرق منه الرهن أو اختلسه من يده، وكان ممن يشبه منه السرقة، والاختلاس، يدخل في ذلك الثلاثة الأقوال،

مسألة: ارتهن الكرم فإذا كان إبان حفره أتاه الراهن بالحفار والعمال ليحفره

التي ذكرتها في دعوى العارية، وهذا كله إذا كان اختلافهما بالقرب، وأما إذا طال ذلك، فلا اختلاف في أن القول قول الراهن إذا أقر المرتهن أنه دفع إليه الرهن، على أن يأتيه بحقه فلم يفعل. وأما إذا ادعى أنه أعاره إياه، أو أنه سرقه منه أو اختلسه من يده، وهو ممن يليق به ذلك، فالقول قول الراهن مع يمينه أنه ما سرقه منه، ولا أعاره إياه، وأنه ما قبضه منه حتى وفاه حقه أو أنه إنما قبضه منه على أن يأتيه بحقه، وأنه قد فعل، فإن نكل عن اليمين حلف المرتهن أنه أعاره إياه، أو أنه سرقه منه، وما قبض منه حقه، ويأخذه منه. وأما إن كان الراهن ممن لا يليق به السرقة والاختلاس، فلا يمين عليه للمرتهن في دعوى ذلك عليه، فإن كان ذلك بالقرب، جرى ذلك على القولين في تصديق الراهن في الدفع، إذا أقر المرتهن أنه دفع. إليه الرهن على أن يأتيه بحقه، وادعى أنه لم يفعل. وأما إن كان ذلك بعد طول، فالقول قول الرهن: لقد دفع إليه حقه قولا واحدا. وأما إذا قال المرتهن: إنه تلف له أو سرق منه، فحصل عند الراهن، فالقول قول المرتهن في القرب، وقول الراهن في البعد، ولا يتصور في هذا عندي خلاف. وقد مضى بيانه في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب المديان. وبالله التوفيق. [مسألة: ارتهن الكرم فإذا كان إبان حفره أتاه الراهن بالحفار والعمال ليحفره] مسألة وسئل عن الرجل يرتهن الكرم، فإذا كان إبان حفره، أتاه الراهن بالحفار والعمال ليحفره، فقال لا يحضر حفره ولا يدخل الحفار فيه، وإنما يدخل الحفار في الكرم المرتهن، هو الذي يأمرهم أن يحفروا ويأمرهم من حيث يبدؤون، وكذلك حرث الأرض إذا رهنت. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه ولا

مسألة: رهن دارا فمات الراهن ولا مال له غير الدار

اختلاف؛ لأن حيازة الرهن إنما يكون بارتفاع يد الراهن عنه وحصوله في يد المرتهن، أو في يد الأمين يقبضه للمرتهن بإذنه أو بإذن الراهن والمرتهن، فإذا تولى الراهن حفر الكرم الرهن فلم ترتفع يده عنه ووجب أن يبطل الرهن فيه. وبالله التوفيق. [مسألة: رهن دارا فمات الراهن ولا مال له غير الدار] مسألة وسئل عن رجل رهن دارا فمات الراهن ولا مال له غير الدار، والدين يحيط بجميع الدار، فلم يترك الميت مالا يكفن فيه، هل يكفن من الدار أم يكون من فقراء المسلمين؟ فقال: لا يكفن من ثمن الدار، إذا كان الدين يحيط بجميع الدار وهو من فقراء المسلمين. قال الإمام القاضي: قد مضت هذه المسألة متكررة في سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وفي كتاب الجنائز، في رسم باع غلاما منهما وهي مسألة صحيحة، لا اختلاف فيها؛ لأن الرهن قد تعين حق المرتهن فيه، فوجب أن يكون أحق به من الميت في كفنه، كما هو أحق به من الحي في كسوته، وكذلك بخلاف الرجل يموت وعليه دين قد استغرق ماله، إن له أن يكفن فيما يستره من ماله من غير سرف لأن ماله لم يحزه الغرماء، والرهن قد حازه الغرماء، ولا اختلاف في هذا أحفظه إلا ما يروى عن سعيد بن المسيب، من أن الكفن من الثلث، فعلى قوله لا يكفن الميت من ماله إذا استغرقه وهو شذوذ من القول. وقد مضى من القول على هذه المسألة في كتاب الجنائز ما فيه كفاية. وبالله التوفيق.

مسألة: أسلف رجلا ورهنه عبدا ووضعه على يدي رجل

[مسألة: أسلف رجلا ورهنه عبدا ووضعه على يدي رجل] مسألة قال سحنون: سئل مالك عن رجل أسلف رجلا سلفا ورهنه عبدا ووضعه على يدي رجل وشرط الذي أسلف على الذي وضع الرهن على يديه أنه ضامن لما أصاب الرهن، فهلك العبد أتراه ضامنا؟ قال: أراه ضامنا. قيل له: فإن قال له: ما نقص من رهنك ضمنته، قال ما أراه أن يضمن الرهن، قال سحنون: قال ابن القاسم: إذا جعل الرهن على يدي رجل واشترط صاحب الحق على الذي وضع الرهن على يديه، أنه ما نقص من الرهن من كفاف الحق، فأنت له ضامن، فهلك الرهن في يدي الذي جعل على يديه أنه ضامن لجميع المال. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه إذا ضمن ما أصاب الرهن , يضمنه إن كان عبدا فمات، وكذلك إن ضمن ما نقص الرهن من حقه، يضمنه إن مات، مع ما نقص من الحق. وإنما الاختلاف إذا قال: أنا ضامن لرهنك، أو لما نقص من رهنك. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم. فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: عليه لرجل دين فباع له سلعة إلى أجل] مسألة وقال سحنون عن ابن القاسم: إنه قال في رجل عليه لرجل دين. فباع الذي عليه الدين، الذي له الدين سلعة إلى أجل، وارتهن في ثمنها الدين الذي عليه إلى الأجل الذي باع إليه السلعة، إنه إن كان ذلك إلى الأجل الذي عليه الدين لصاحب الدين أو أدنى، لم يكن بذلك بأس، وإن كان بيعه سلعته إلى أجل، أبعد من

مسألة: بينهما أرض فرهن أحدهما نصيبه من رجل آخر فأعسر بالثمن

أجل الدين الذي عليه، فاشترط أن يكون ما عليه من الدين رهنا في يديه إلى الأجل الذي باع إليه سلعته، لم يحل ذلك؛ لأنه يصير بيعا وسلفا؛ لأنه حين اشترط حبس ما عليه من الدين بعد حلول أجله، إلى حلول أجل دينه، فكأنه سلف من الذي له الدين أسلفه إياه، على أن باع منه سلعته إلى الأجل الذي سمى، وهذا تفسير لقول مالك: وإن كان دين المشتري قد حل فاشترى سلعته من البائع على رهن البائع منه في ثمنها دينا للمشتري عليه، لم يحل ذلك أيضا، ودخله البيع والسلف، إلا أن يوضع ذلك على يدي عدل إلى حلول أجل الدين، فيجوز ذلك. وهذا تفسير قول مالك. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله: إنه إذا باع منه سلعته بدين إلى أجل على أن يرهن في ذلك دينا له عليه حالا أو إلى أجل، دون الأجل الذي باع السلعة إليه، فلا يجوز؛ لأنه يدخله البيع والسلف، إلا أن يشترط وضع الدين عليه على يدي عدل إلى أن يحل الدين الذي له. وقد اختلف إن وقع البيع على هذا، فقيل: إنه يفسخ على كل حال، فإن فات كانت فيه القيمة بالغة ما بلغت، وقيل إنه يفسخ إلا أن يرضى البائع بإسقاط ما اشترط من ارتهان الدين الذي عليه أو بأن يوضع على يدي عدل، إن كان حالا أو عند حلول أجله، إن لم يكن حالا بفور ذلك إن كان الدين حالا أو عند حلول الأجل إن كان مؤجلا قبل أن ينتفع لبقاء الدين في ذمته. وقيل: إن البيع يجوز، إن لم يعثر عليه بفور ذلك، إذا رضي بإسقاط الشرط، أو وضع الدين على يدي عدل، فإن لم يرض بذلك فسخ البيع، إن كانت السلعة قائمة، وإن فاتت كان فيها الأقل من القيمة أو الثمن. وبالله التوفيق. [مسألة: بينهما أرض فرهن أحدهما نصيبه من رجل آخر فأعسر بالثمن] مسألة قال سحنون وسئل مالك عن رجلين كانت بينهما أرض فرهن

مسألة: ادعى حقا فقضي له به فسأله المقضي عليه أن يجعله له رهنا

أحدهما نصيبه من رجل آخر، فلما حل الحق أعسر الرجل بالثمن، فقال صاحب الحق: بعني نصيبك، قال له الذي عليه الحق: ما ينفعك، إن بعتك، أخذه شريكي بالشفعة، فأنا أتكارى منك نصيبك سنين، وأقاصك بما أسلفتك حين أستوفي حقي. قال: لا خير في هذا. قال الإمام القاضي: إنما لم يجز هذا؛ لأنه أخذ من دينه شيئا لا يتعجل قبضه، فدخله الدين بالدين، وقد قيل إن ذلك جائز؛ لأنه لم يتحول من دينه إلا إلى أرض بعينها، يستوفي حقه من كرائها، فكان قبض ما يستوفي منه الكراء، كقبض الكراء. وهذا القول قائم من كتاب الزكاة الأول من المدونة في قوله: إن الذمي إذا أكرى إبله بالمدينة، راجعا إلى الشام، إنه يؤخذ منه العشر بالمدينة، وإن لم يستوف المكري بعدما اكترى لأنه جعله يقبض ما يستوفي منه ما اكترى في حكم القابض لما اكترى، وهذا بين. ولو اكترى المرتهن النصيب الذي ارتهن من غيره فأحاله الراهن عليه بحقه لجاز ذلك. وبالله التوفيق. [مسألة: ادعى حقا فقضي له به فسأله المقضي عليه أن يجعله له رهنا] مسألة قال سحنون عن أشهب في رجل ادعى قبل رجل حقا فقضي له به عليه، فسأل المقضي عليه المقضي له أن يؤخره ويجعل في يديه رهنا حيوانا ففعل، فمات الحيوان عند المرتهن، فأقر المقضي له، إن دعواه وما قضي له به كان باطلا. قال أشهب: هو ضامن للرهن؛ لأنه أخذ منه رهنا في غير حق، فكأنه غصبه إياه. قال محمد بن رشد: قول أشهب في هذه المسألة: إن المرتهن ضامن للحيوان الذي ارتهن صحيح؛ لأنه قد أقر على نفسه بالعدو على الراهن فيها في ارتهانه إياها منه دون حق وجب له عليه، ولو قامت للراهن بينة على

كان عنده غلام فرهنه ثم ادعى بعد ارتهانه أنه ابنه ثم مات

بطلان ما ادعاه قبله لما أن يلزمه ضمانها إذ لم يأخذها على الضمان، ولا ادعاها ملكا لنفسه، بخلاف الأمة تكون بين الشريكين، فيجحد أحدهما نصيب صاحبه، ويدعيها ملكا لنفسه، فتموت عنده، ثم يقيم شريكه البينة أنها بينهما، فقيل: إنه يضمن، وهو ظاهر ما في آخر كتاب الشركة من المدونة إذا لم يفرق في ذلك بين الحيوان وغيره. وروى أصبغ عن ابن القاسم أنه لا ضمان عليه في الحيوان. وفي رسم قطع الشجر من سماع ابن القاسم من كتاب الدعوى أنه لا ضمان عليه فيمن مات من أولادها، وهو بين؛ لأن الغاصب للأمة يضمن ما مات من أولادها عند ابن القاسم، خلاف قول أشهب إنه ضامن لقيمة الأولاد يوم ولدوا، كما يضمن الأم إذا ماتت يوم غصبها، ولم يتكلم في الرواية على ضمان نصف الجارية للشريك لو ماتت، فقيل: إن مراده فيها إنه ضامن لذلك على ظاهر ما في آخر كتاب الشركة من المدونة. وقيل: إنه لا ضمان عليه فيها على رواية أصبغ عن ابن القاسم. وهذا الاختلاف عندي إذا لم يمر الشريك بالغصب ولا قامت به عليه بينة، وإنما قامت البينة على أنها بينهما، يفيد هذا ما وقع في رسم حمل صبيا من سماع عيسى، من كتاب الاستحقاق في الرجل يدعي على الرجل أنه استودعه أمة أو غصبه إياها، فيجحد ذلك ثم يموت، ويقيم البينة عليه بعد موتها بالإيداع أو الغصب، إنه ضامن. وبالله التوفيق. [كان عنده غلام فرهنه ثم ادعى بعد ارتهانه أنه ابنه ثم مات] من سماع عبد الملك بن الحسن وسؤاله ابن القاسم قال عبد الملك: سئل ابن القاسم وأنا أسمع عن رجل كان عنده غلام فرهنه، ثم ادعى بعد ارتهانه أنه ابنه، ثم مات، قال: يلحق به، ويكون ابنه، ويبيعه صاحب الحق بماله، إن كان له مال، وإن لم يكن له مال، كان دينا يتبع به، متى ما ظهر له على

مسألة: ترتهن من زوجها خادما له في حق لها عليه

مال أخذ ماله، قال الإمام القاضي هذا كما قال، وهو صحيح على أصولهم في أن لحوق النسب يرفع التهمة، فهو بخلاف الرجل يكون عنده العبد، فيرهنه ثم يقر بعد أن رهنه أنه حر فلا يقبل قوله، إلا أن يكون له مال، فإن كان له مال، عجل للمرتهن حقه، وإن كان لم يحل. والله الموفق. [مسألة: ترتهن من زوجها خادما له في حق لها عليه] مسألة وسألت ابن وهب عن المرأة ترتهن من زوجها خادما له في حق لها عليه، فتقيم في بيتها أعواما، فلما اقتضت من زوجها دينها، أراد أن يحاسبها بأجرة خادمه، فيما عملت لها، فقالت: إن الخادم كانت في عملي وعملك، وكان عليك أن تخدمني خادما، فكيف يكون له أجرها؟ وقال الزوج: إنك لم تسلني الخدمة، فتلزمني لك الخدمة، إذ سألتنيها، فإذا تركت طلب ذلك مني، فهي موضوعة عني، فهل يكون عليها أجرة الخدمة؟ فقال: إن كانت الخادم إنما تعمل للمرأة خاصة، أو تستخدمها خاصة، مثل أن تشغلها بالعمل لنفسها، مثل الغزل والصناعة، أو خارجا من بيتها، فعليها الأجرة له، وليس للمرتهن استعمال الرهن ولا غلته دون صاحبه، وإن كانت الخادم إنما كانت تخدم خدمة البيت معهما بحال ما كانت قبل الرهن، وما أشبه ذلك، فلا أري ذلك شيئا، ولا أرى له في ذلك أجرة. والله أعلم وقال أشهب لا أجرة له. قال محمد بن رشد: تفرقة ابن وهب في إيجاب أجرة الخادم للزوج الراهن، بين أن تعمل لها خاصة في غير خدمة بيتها، وبين أن تعمل لها فيما، هو من خدمة بيتها، صحيح لا ينبغي أن يختلف في ذلك، لقول

يبيع البيع ويرتهن الدار أو العبد ويشترط الانتفاع به إلى أجل معلوم

النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الرهن ممن رهنه، له غنمه، وعليه غرمه» لأن إجارته من غنمه. ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الرهن محلوب ومركوب بنفقته» معناه عندهم: أن حلبه وأجر ركوبه للراهن، كما أن عليه نفقته. فقول أشهب لا أجرة له، ليس بخلاف لقول ابن وهب؛ لأن معناه: إنما هو لا أجرة له فيما عملت لها مما هو من خدمتها وعمل بيتها، وذلك بين على القول بأن على الزوج أن يخدم زوجته، وأما على القول بأن عليها الخدمة الباطنة، من الكنس والفرش والخبز والطبخ واستقاء الماء، إذا كان في داخل الدار، فالقياس أن يحلف أنه لم يتركها تخدمهما إلا على أن يتبعها بأجرته، ويكون ذلك له، ويشبه ألا يكون ذلك له مراعاة للخلاف، وأما ما عملت لها من غير عمل بيتها، فللزوج في ذلك الأجرة دون يمين. وقد قال ابن دحون: إن الأجرة لا تجب لها إلا بعد أن يحلف أنه ما أباح لها خدمة الخادم، وهو بعيد، إلا أن تدعي ذلك عليه. وفي إجازة ابن وهب: الرهن في الخادم وإن كانت في البيت معها في خدمتها، اختلاف قد مضى تحصيله في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [يبيع البيع ويرتهن الدار أو العبد ويشترط الانتفاع به إلى أجل معلوم] من سماع أصبغ وسؤاله ابن القاسم من كتاب البيع والصرف قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن الذي يبيع البيع ويرتهن الدار أو العبد أو الثوب، ويشترط الانتفاع به إلى أجل معلوم، قال: لا بأس به، قيل له: فإن كان ذلك إلى أبعد من أجل الرهن أو قبله، قال: نعم لا بأس به. قال محمد بن رشد: إجازته في هذه الرواية، أن يرتهن في أصل البيع دارا أو عبدا أو ثوبا، ويشترط الانتفاع بذلك إلى أجل معلوم، هو مثل

قوله في المدونة خلاف قول مالك فيها من أن ذلك يجوز في الرباع والأصول، ولا يجوز في الحيوان والثياب، إذ لا يدري كيف يرجع ذلك؟ واحتج ابن القاسم عليه في قوله: إذ لا يدري كيف يرجع ذلك؟ بأن الإجارة في ذلك جائزة، وإن لم يدر كيف ترجع، ولا حجة على مالك في ذلك؛ لأنه لم يكره ذلك من ناحية الغرر في الإجارة، كما ظن ابن القاسم، وإنما كرهه من ناحية الغرر في الرهن، إذ لا يدري ما تكون قيمته بعد استعماله، قال أبو إسحاق التونسي: فيأتي على قوله في هذه المسألة: إنه لا يجوز رهن الغرر، مثل الثمرة التي لم يبد صلاحها والزرع الذي لم يبد صلاحه في أصل البيع خلاف ظاهر الروايات في ذلك، في المدونة وغيرها وكره ذلك مالك في المدونة ولم يقل ماذا يكون الحكم فيه إذا وقع، ويتخرج في ذلك أربعة أقوال: أحدها: إنه يفسد البيع والرهن، فلا يكون أحق به من الغرماء، والثاني: إنه يفسد البيع ولا يبطل الرهن، فيكون رهنا بالأقل من القيمة أو الثمن، والثالث: إنه لا يفسد البيع ولا الرهن، وإنما يكره ذلك ابتداء، فإذا وقع نفذ ومضى، وهو الظاهر من مذهب مالك في المدونة، والرابع: إنه يصح البيع ولا يفسد، ويبطل الرهن، فلا يكون أحق به من الغرماء. وما قاله أبو إسحاق التونسي من أنه يأتي على قياس قول مالك في هذه المسألة، إنه لا يجوز رهن الغرر، مثل الثمرة التي لم يبد صلاحها في أصل البيع ليس بصحيح، والصواب جواز الثمرة التي لم يبد صلاحها في أصل البيع وفيما بعده، والفرق بين المسألتين، أن الغرر في هذه المسألة في الرهن إنما كان غررا فيما شرطاه فيه من الشرط الفاسد، وذلك مثل أن يشترط أنه إن جاءه بحقه إلى أجل كذا وكذا، وإلا فالرهن له بما فيه، أو مثل أن يشترط أنه رهن بيده إلى أجل كذا وكذا، فإذا انقضى الأجل، خرج الرهن من أن يكون رهنا وما أشبه ذلك. والثمرة التي لم يبد صلاحها، لا صنع لهما فيها، ولا يقدران على رفع الغرر عنها. وهذا هو المشهور في المذهب، أن ارتهان الثمرة التي لم يبد صلاحها جائز في أصل العقد. وفي المبسوطة لمالك من رواية ابن القاسم عنه أن ذلك

لا يجوز، وأما ارتهان ما في بطون الإناث، فلا يجوز على ما في كتاب الصلح من المدونة. وأجاز ذلك أحمد بن عيسى، وهذا الاختلاف إنما هو إذا كان الارتهان في أصل البيع، وأما ارتهان ذلك بعد عقد البيع، فلا اختلاف في جوازه. وحكى عبد الحق عن الشيخ أبي الحسن، أنه قال: إنما كره مالك في الثياب؛ لأنها تضمن في الرهن، ولا تضمن في الإجارة، فكره اجتماعهما للشك فيما يكون الحكم فيها لو ادعى المرتهن تلفها، قال: وأما الحيوان، فقد اختلف قوله في وجوب ضمانها على المرتهن إذا ادعى تلفها، فلعل قوله في هذه المسألة على قوله في أن المرتهن ضامن للحيوان، وليس قوله بصحيح؛ لأن مالكا قد بين أنه إنما كره ذلك من أجل أنه لا يدري كيف يرجع إليه الدابة أو الثوب؟ ولو ادعى المرتهن تلف الثوب لوجب أن يغلب في ذلك حكم الرهن، فلا يصدق في تلفه. وقد قال أبو إسحاق التونسي: إن الذي ينبغي في ذلك أن ينظر إلى القدر الذي يذهب منه بالإجارة، مثل أن يقال: إذا استؤجر شهر، أينقصه الربع؟ فيكون قدر ربعه غير مضمون، ولأنه مستأجر، وثلاثة أرباعه مضمونة؛ لأنه مرتهن، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه لم يستأجر منه ربع الثوب، وارتهن ثلاثة أرباعه، فيكون ما ذكر هو الحكم فيه. وإنما ارتهن جميعه، واستأجر جميعه، فإما أن يحكم له في دعوى الضياع بحكم الإجارة، وإما أن يحكم له بحكم الرهن. والصواب ما ذكرناه، من أن يغلب فيه حكم الرهن، فلا يصدق فيما ادعى من تلفه، ويغرم قيمته على ما هو عليه يوم يحكم عليه بضمانه، فإن ادعى ضياعه بقدر ارتهانه إياه قبل استعماله، غرم قيمته على ما كان عليه يوم رهنه إياه، وسقط عنه ذلك القدر من الإجارة، ونظر ذلك القدر كم هو من الجملة؟ فيرجع بجزئه من قيمة ثوبه المبيع، أو يشاركه فيه إن كان قائما على اختلاف في ذلك لضرر الشركة، وإن ادعى ضياعه بعد انقضاء الأجل الذي شرط الانتفاع به إليه ضمن قيمته ناقصا على ما يقدر أن الاستعمال نقصه، وتلزمه الإجارة، ولا يصدق إن ادعى بعد حلول الأجل أنه تلف قبل ذلك على مذهب ابن القاسم لأنه يقول:

أخذ الزوج الحلي فرهنه ثم أعلم الزوجة فحسبته ثم سكتت ومات الزوج

إذا ادعى المستأجر ضياع الثوب المستأجر، حين حل الأجل وأن ضياعه كان قبل ذلك لم يصدق في إسقاط الإجارة عنه، ولزمه جميع الإجارة، إلا أن تقوم له بينة على الضياع، أو على التفقد والطلب، وخالفه في ذلك غيره. وبالله التوفيق. [أخذ الزوج الحلي فرهنه ثم أعلم الزوجة فحسبته ثم سكتت ومات الزوج] ومن كتاب البيوع وقال في امرأة أخذ زوجها لها حليا فرهنه، ثم أعلمها بذلك، وقال لها: أنا أفكه، قال فحسبته قال: فسكتت حين مات الزوج، ثم طلبته، قال: تحلف بالله ما رضيت، ولا كان سكوتها تركا لذلك، وتأخذه حيث وجدته، ويتبع المرتهن مال الميت، قال أصبغ: وذلك إذا عرف أن الشيء شبيها أو ثبتت عليه بينة. قال محمد بن رشد: في بعض الكتب في هذه المسألة مكان فحسب فخشيته، فعلى رواية من روى فحسبته، تأتي هذه الرواية، خلافا لما تقدم في رسم خرجت من سماع عيسى؛ لأنه لم يوجب لها هناك الرجوع إذا طال الأمر بعد علمها، وأما على رواية من روى فخشيته، فليست بمخالفة لها: لأنها تعذر بالخوف على نفسها من زوجها، ويكون لها أن تأخذ حقها بعد يمينها أنه لم يكن سكوتها حتى مات زوجها إلا لخوفها إياه على نفسها، وإن لم يعرف ما ادعته من مخافتها إياه، فذلك على ما يعلم من حالها معه في غلظ الحجاب والشدة والسطوة، فإن جهل ذلك، فالقول قولها. وقد مضى القول في هذه المسألة في الرسم المذكور من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

ارتهنت خادما من زوجها ببقية صداقها قبل الدخول

[ارتهنت خادما من زوجها ببقية صداقها قبل الدخول] ومن كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عن امرأة ارتهنت خادما من زوجها ببقية صداقها قبل الدخول، وأقامت أشهرا بعد ارتهانها إياها، ثم دخلت على زوجها ودخلت بالخادم معها بيت زوجها، فكانت تخدم، فتعدى عليها الزوج، فسرقها، فباعها، قال: بيعه جائز، وذلك أن الرهن قد انفسخ، قلت: وترى دخولها بها على زوجها، وإنما دخلت بها تخدمها ردا للرهن؟ قال: نعم، حتى يضعها عند غيرها، أرأيت لو ارتهنتها وهي تحته، فتركتها معه في البيت أذلك رهن؟ ليس ذلك برهن، قلت: إنها حازتها قبل الدخول، قال: قد ردتها. انظر كل أمر إذا ابتدئ فلا يكون ذلك حوزا، فهو إذا فعل بعد حوز، فدخله فوات، فقد انفسخ الحوز، وذلك مخالف للصدقة والهبة، إذا وهب الزوجان، كل واحد منهما لصاحبه، وتصدق عليه بخادم، فدفعها إليه، فكانت في البيت تخدمهما، فذلك حوز لكل واحد منهما. وأصل هذا من قول مالك: في أن من حبس حبسا فقبضه المحبس عليه، وحازه سنين، ثم أسكن فيه المحبس، فإن ذلك يبطل حبسه، والصدقة مثل ذلك، وأن من ارتهن رهنا فقبضه وحازه ثم رده إلى صاحبه، فإن ذلك يبطل رهنه، ويفسده ويفسخه. وقد قال لي مالك في امرأة ارتهنت من زوجها خادما فكانت معها في البيت تخدمها وتخدمه: إن ذلك ليس برهن، حتى يخرجها. وقال أصبغ: كله المسألة كلها، وهو رأي، وهي صحيحة جيدة - إن شاء الله - مع الاتباع لأهل العلم.

مسألة: الرهن إذا لم يصفه الراهن ولا المرتهن

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادتها. وبالله التوفيق. [مسألة: الرهن إذا لم يصفه الراهن ولا المرتهن] مسألة قال أشهب في الرهن إذا لم يصفه الراهن ولا المرتهن، قال: فليس له شيء، يعني الراهن، إنه لا شيء له ولا للمرتهن، وأن الرهن بما فيه. قال أصبغ: وذلك إذا عمي أمره، وكذلك الحديث: «الرهن بما فيه» إذا هلك الرهن وعميت قيمته وكذلك قال ابن القاسم. قال محمد بن رشد: هذا كما قالا، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب، إن الرهن يذهب بما فيه إذا ادعى المرتهن هلاكه، وهو مما يغاب عليه وعميت قيمته، ولم يصفه هو ولا الراهن، وحمل الحديث «الرهن بما فيه» ، على هذا الموضع على ما حمله عليه أصبغ حسن. وأما إذا عرفت قيمته، فإنهما يترادّان فيما بينهما، وكذلك إن اختلفا في صفته، يترادان على ما يحلف عليه المرتهن، وإن قامت بينة على تلفه، فمصيبته من الراهن وقد روى عن مالك أن ضمانه من المرتهن، وإن قامت البينة على تلفه، ويتقاصان فيما بينهما. وأما ما لا يغاب عليه من الحيوان والأصول، فالمصيبة فيه من الراهن، والقول قول المرتهن فيما يغاب من الحيوان فيما يدعي من موته، أو إباقه مع يمينه، إلا أن يتبين كونه فيما يدعي في ذلك من الموت؛ إذ لا يخفى ذلك إذا كان في جماعة. هذا تحصيل ما في المذهب في هذه المسألة. ومن أهل العلم من رأى أن الرهن يذهب بما فيه إذا تلف، كان مما يغاب عليه أو مما لا يغاب عليه، قامت بينة على تلفه أو لم تقم، على ظاهر

مسألة: وضع على يديه رهن وتحمل به من جميع ما نقصه إلا الموت

قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرهن بما فيه» ومنهم من رأى ضمانه من المرتهن على كل حال، ومنهم من قال: يذهب بما فيه إذا كانت قيمته مثل الدين أو أكثر، وإن كانت قيمته أقل من الدين، رجع المرتهن على الراهن ببقية حقه. ومنهم من رأى ضمانه من الراهن على كل حال؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه» كان مما يغاب عليه أو مما لا يغاب عليه. وهو مذهب الشافعي. والصحيح ما ذهب إليه مالك من الفرق بين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه، ومن الفرق فيما يغاب عليه بين أن تقوم بينة على هلاكه، أو لا تقوم. وبالله التوفيق. [مسألة: وضع على يديه رهن وتحمل به من جميع ما نقصه إلا الموت] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يوضع على يديه رهن ارتهنه رجل، وتحمل به للذي ارتهنه من جميع ما نقصه مما ارتهنه به إلا الموت، وكان حيوانا، فمات، قال: ينظر إلى قيمته يوم رهنه، فإن كان فيه كفاف لما تحمل به، فلا شيء عليه، وإن عجز عما تحمل به غرم فضل ذلك الذي تحمل له، واتبع بذلك الغريم، وكانت قيمته للذي ارتهنه على الغريم، ولا يلزم المتحمل شيء إلا بعد قيمته يوم ارتهنه. قال أصبغ: لا بل قيمته يوم يموت، ليس يوم تحمل؛ لأنه الذي كان ينظر فيه من أمره، ويقضي به عنده، ولو بقي الرهن ولم يفت، وهو الذي يراد بالحمالة، ولو كان إلى قيمته يوم ارتهنه لم يؤخذ، فهو على قيمته يوم يموت، حتى يشترط قيمته يوم الحمالة والرهن، اشتراطا ممن يستثني ذلك لنفسه منها، مثل أن يستثنيه المرتهن، مخافة النقصان، والعيوب تدخله، والجناية والجروح، أو ما يستثنيه الضامن، مخافة الزيادات والنماء، فذلك

يرتهن الحائط فيضعه على يد أجيره في الحائط أو مساقيه

له، وهو رأي. قال محمد بن رشد: لكلا القولين وجه من النظر، وقول أصبغ أظهر؛ لأن الرهن على ملك الراهن فكما يكون على الحميل قيمته يوم يموت إذا ضمن قيمته إن مات، فكذلك تسقط عنه قيمته يوم يموت إذا ضمنه ما نقصه من حقه، إلا أن يموت. ووجه قول ابن القاسم، أن الظاهر مما التزمه أن يغرم له ما نقصه من حقه بعد قيمته يوم التزامه؛ لأنه على هذا يكون قد التزم معلوما، وحمل التزامه على المعلوم أولى من حمله على المجهول. وقد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم من القول على هذه المسألة ما فيه بيان لهذا. وبالله التوفيق. [يرتهن الحائط فيضعه على يد أجيره في الحائط أو مساقيه] ومن كتاب القضاء المحض قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يرتهن الحائط، فيضعه على يد أجيره في الحائط أو مساقيه: إنه ليس برهن حتى يحوزه ويجعله على يد غير من في الحائط. محمد بن أحمد: هذا بين على ما قال؛ لأن المرتهن إذا وضع الحائط الذي ارتهنه بيد أجير الرهن أو مساقيه، فليس برهن مقبوض، إذ لم يرتفع يد الراهن عنه بكونه في يد أجيره أو مساقيه. وهذا مثل ما في المدونة فيمن أجر عبده ثم وهبه إن المؤاجر ليس بقابض للموهوب له، وكذلك وكيل الواهب، لا يكون حائزا للموهوب له. وقد وقع في سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب، ومن كتاب المديان والتفليس في رسم مساجد القبائل ما يعارض هذه المسألة. وهو قوله: إن للجمال أن يرهن المكتري فيما تسلف منه ما تحته من الجمال، وتحت غيره من المكترين، وهو بعيد. وقد مضى القول عليه في السماع المذكور، من الكتابين. وبالله التوفيق.

ارتهن رهنا بألف دينار فلما جاء ليقضيه الألف أخرج إليه ثوبا ثمنه مائة دينار فقال هذا رهنك

[ارتهن رهنا بألف دينار فلما جاء ليقضيه الألف أخرج إليه ثوبا ثمنه مائة دينار فقال هذا رهنك] من نوازل سئل عنها أصبغ قال أصبغ في رجل ارتهن رهنا من رجل بألف دينار فلما جاء ليقضيه الألف ويدفع إليه رهنه، أخرج إليه ثوبا ثمنه مائة دينار، فقال: هذا رهنك، وقال الراهن: لا والله ما هذا رهني، وما كنت أنت لتأخذ رهنا بألف دينار، وهو لا يساوي إلا مائة دينار، وما أشبه ذلك، ولقد كان رهني الذي رهنتك بهذه الألف ثوبا وشِيًّا صفته كذا وكذا صفة يشبه مثلها، وأن يكون يسوى الألف أو نحوها. قال أصبغ: إذا تصادقا فيما رهن به الرهن، واختلفا في الرهن على فعل هذين، حتى يتباين هكذا ويتفاوت، رأيت القول قول الراهن؛ لأن قوله يشبه أن يكون مثل هذا الثوب الذي ادعى برهن، بألف. وقد أقر المرتهن أنه ارتهن منه الثوب بألف، وجاء بثوب لا يساوي إلا مائة دينار، فقد تبين كذبه فيما زعم، فالقول قول الراهن؛ لأنه ادعى ما يشبه، فله أن يحلف على صفة ثوبه الوشي، ويحاسبه بقيمته، وسقط عنه قول المرتهن؛ لأنه قد تبين كذبه حين ادعى ما لا يشبه، وكذلك كل متداعيين في الرهن والبيوع، إذا ادعى أحدهما ما يشبه، وادعى الآخر ما لا يشبه، فالقول أبدا قول الذي يشبه، وسقط قول الذي لا يشبه. قال أصبغ: وقد قال لي أشهب: إن القول قول المرتهن، وإن لم يسو إلا درهما، وهو باطل، ليس شيئا، وهو إغراق في العلم. قال الإمام القاضي: الأشبه في هذه المسألة، ألا ينظر فيها إلى دعوى الأشباه، على ما قاله أشهب، وهو مذهب ابن القاسم، وظاهر قوله في رسم الرهون سماع عيسى بخلاف اختلاف المتبايعين في ثمن السلعة الفائتة؛ لأنه يبعد أن يبيع الرجل ما قيمته مائة، بعشرة، وأن يشتري المشتري ما قيمته

مسألة: يرتهن العبد من رجل ويضعه على يدي رجل

مائة بعشرة، وأن يشتري المشتري ما قيمته عشرة بمائة فوجب أن ينظر في ذلك إلى الأشباه، ولا يبعد أن يرتهن الرجل ما قيمته عشرة في مائة، وما قيمته مائة في ألف؛ لأن الرهن وإن قلت قيمته، يسلم المرتهن بارتهانه إياه، من محاصة الغرماء فيه، فهو بمثابة ما لو أقر أنه اقتضى ذلك القدر من حقه، وادعى الذي عليه الحق أنه دفع إليه أكثر من ذلك، فوجب أن يكون القول في ذلك قول المرتهن؛ لأن لما ادعاه وجها، وهو المدعى عليه. وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر. وكذلك القياس، إذا جاء المرتهن بثوب قيمته دينار، فادعى أنه ارتهنه في مائة دينار، أو في ألف دينار، على ما قاله أشهب، إلا أنه إغراق فيه، كما قال أصبغ. والعدول عنه في هذا الموضع إلى مراعاة الأشباه، أنه يبعد أن يرتهن الرجل في مائة دينار أو ألف ما قيمته دينار، أولى وأظهر من قول أشهب استحسانا؛ لأن الاستحسان في العلم أغلب من القياس. فقد قال مالك: تسعة أعشار العلم الاستحسان، وإذ أدى طرد القياس إلى غلو في الحكم ومبالغة فيه، كان العدول عنه إلى الاستحسان أولى، ولا تكاد تجد التغرق في القياس إلا مخالفا لمنهاج الشريعة. وبالله التوفيق. [مسألة: يرتهن العبد من رجل ويضعه على يدي رجل] مسألة قال أصبغ في الرجل يرتهن العبد من رجل ويضعه على يدي رجل، وضمن الذي وضع العبد على يديه، لصاحب الحق العبد، حتى يستوفي حقه، فمات العبد، أو استحق، أو بيع بأقل مما رهن فيه، قال: هو ضامن، إلا في النقصان قال لي بعد: وفي النقصان اختلاف، وأحب إلي أن يضمن. قال محمد بن رشد: أما إذا استحق الرهن فلا اختلاف في أنه ضامن له؛ لأن سببه من قبل الراهن؛ إذ لعله غره به وخدعه. وأما الموت

مسألة: يرتهن الرهن فيأتي الراهن ليفتكه فيختلفان فيما رهن فيه

فالاختلاف فيه منصوص عليه في أول رسم من سماع ابن القاسم. وأما النقصان، فإن كان من شيء أصاب الرهن من عيب أو مرض وشبهه، فيجري ذلك على اختلاف قول مالك في الموت، وأما إن لم يكن النقصان من شيء أصاب الرهن، وهو الظاهر من مراده في هذه الرواية، فالمعلوم أنه لا يلزم الضامن ضمانه إذا قال: أنا ضامن لرهنك، أو ما نقص من رهنك، وإنما يلزمه ضمان ذلك، إذا قال: أنا ضامن لرهنك، وما نقص منه حقك. وقد وقع في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، أنه ضامن للنقصان، إذا قال: أنا ضامن لما نقص من رهنك. وأما الاختلاف الذي حكاه في هذه المسألة فلا يبعد، لقوله فيها: إنه ضامن له، حتى يستوفي حقه، ولو قال: إنه ضامن له. ولم يقل حتى يستوفي حقه، لما صح دخول الاختلاف في ذلك، إلا على ما وقع في رسم كتب عليه. وهو بعيد، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم. وبالله التوفيق. [مسألة: يرتهن الرهن فيأتي الراهن ليفتكه فيختلفان فيما رهن فيه] مسألة وسألته عن الرجل يرتهن الرهن، فيأتي الراهن ليفتكه، فيختلفان فيما رهن فيه، فيقول المرتهن: ارتهنتُه بمائة دينار، وقيمة الرهن ما ادعاه أو أكثر، ويقول الراهن: ما ارتهنتَه إلا بمائة إردب اشتريته منك، أو تسلفته. من ترى أن يصدق؟ قال أصبغ: إن كانت المائة الإردب تكون أكثر من المائة الدينار، فإن القول قول الراهن، وقبضت منه وبيعت، وفي هذا مائته. وإن كانت أقل فالقول قول المرتهن واختلافهما في هذين النوعين، كاختلافهما في النوع الواحد في الأقل والأكثر: إن القول قول المرتهن إن كان الرهن حينئذ يسوى ما قال المرتهن، فافهم تصب إن شاء الله. قلت: فسواء عندك كان اختلافهما في جميع الأشياء، مثل

الثياب والحلي والطعام، والإدام يسلك بذاك مسلك ما ذكرت في أول المسألة، قال: نعم. قال الإمام القاضي: لا تخلو المائة الإردب في هذه المسألة من ثلاثة أحوال: أحدها أن تكون قيمتها أكثر من المائة دينار التي ادعى المرتهن، والثاني أن تكون قيمتها مثل المائة والثالث أن تكون قيمتها أقل من المائة، فأما إن كانت قيمتهما أكثر من المائة، فقال في الرواية: إن القول قول الراهن، وتقبض منه وتباع، فيوفى المرتهن مائته، يريد: ويوقف الباقي؛ لأن كل واحد منهما مقر به لصاحبه، فأيهما يدرأ إلى تكذيب نفسه، وتصديق صاحبه أخذه. وفي هذا اختلاف هو مذكور في غير هذا الكتاب. وقال بعض أهل النظر: قوله. إن القول قول الراهن، معناه: إن القول قوله بغير يمين، إذ لا معنى ليمينه؛ لأنه سواء حلف أو نكل، لا بد أن يباع من الطعام بمائه دينار للمرتهن، ويوقف الباقي، وليس قوله بصحيح، بل لا بد من يمينه؛ لأنه إن حلف بيع الطعام على ملك المرتهن، وإن نكل على اليمين، حلف المرتهن وبيع الطعام على ملك المرتهن، ولو بدر السلطان فباعه قبل أن يحلف الراهن، ووقف البقية، لمضى ذلك من حكمه ولم يحتج في ذلك إلى أن يتعقب حكمه بيمين، ولو تلف الطعام، في حال بيعه، لم يكن بد من الرجوع في ذلك إلى الأيمان. فإن حلف الراهن كانت مصيبته من المرتهن، وإن نكل عن اليمين وحلف المرتهن، كانت مصيبته من الراهن. وأما إن كانت قيمته مثل المائة، فالقول قول الراهن مع يمينه، يحلف، ولا يكون للمرتهن إلا المائة إردب، فإن نكل عن اليمين حلف المرتهن، وأخذ المائة، ولا كلام في هذا الوجه لأن الرهن لا يشهد للمرتهن بصفة الدين إذا اختلفا في نوعه، وإنما يشهد في مبلغه إذا اختلفا في قدره، على اختلاف بين أهل العلم في ذلك، قد مضى ذكره، وأما إن كانت قيمتها أقل من المائة التي ادعى المرتهن، وهي قيمة الرهن، فوجه الحكم في ذلك

مسألة: الرجل يكون للرجلين عليه حق إلى أجل فيرهنهما

أن يحلفا جميعا؛ لأن كل واحد منهما في حكم المدعي والمدعى عليه: الراهن مدعى عليه في الدنانير التي لم يقر بها، وهو في حكم المدعي على المرتهن فيما نقص من قيمة الرهن؛ لأنه يصدق في ذلك مع يمينه، لشهادة الرهن له، والمرتهن مدع في الدنانير التي لم يقر له بها الراهن وهو في حكم المدعى عليه فيما نقص من قيمة الرهن؛ لأن القول قوله في ذلك مع يمينه، لشهادة الرهن له بذلك، فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا دفع الراهن إلى المرتهن المائة الإردب، ووفاه قيمة ما نقصت قيمتها من المائة دينار. وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف منهما، إن كان الراهن هو الحالف، لم يكن للمرتهن إلا المائة إردب، وإن كان المرتهن هو الحالف، كانت له المائة دينار على الراهن. فقوله: واختلافهما في هذين النوعين كاختلافهما في النوع الواحد، ليس على عمومه؛ لأن القول قول الراهن في النوع الذي يقر به على كل حال. وإنما معناه: أن الرهن للمرتهن شاهد إلى مبلغ قيمته، اتفقا على النوع أو اختلفا فيه. وسواء كان اختلافهما في عين وعرض، أو في نوعين من العروض، أو في دنانير أو دراهم، الحكم في ذلك كله سواء، على ما تقدم. وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يكون للرجلين عليه حق إلى أجل فيرهنهما] مسألة من سماع أبي زيد بن الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: قال ابن القاسم في الرجل يكون للرجلين عليه حق إلى أجل، فيرهنهما ذكر حق على رجل، على أن أحدهما مبدأ على صاحبه في أول ما يتقاضاه من الحق الذي رهنهما فيجمع بينهما وبين الذي عليه الحق، ويقر لهما به: إن ذلك جائز على ما اشترطا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا علة تمنع من جوازها. وبالله التوفيق.

مسألة: يكون لهما رهن بينهما فيقوم أحدهما على بيع الرهن في حقه

[مسألة: يكون لهما رهن بينهما فيقوم أحدهما على بيع الرهن في حقه] مسألة وقال في رجلين يكون لهما رهن بينهما، فيقوم أحدهما على بيع الرهن في حقه، وقد كان الآخر أنظره لحقه سنة: إنه إن كان يقدر على قسم الرهن مما لا ينقص حق الذي قام على أخذ حقه قسم، ثم بيع له نصف الرهن، فأوفى حقه ووقف النصف الآخر للذي أنظر لحقه إلى الأجل، وإن كان لا يقدر على قسم الرهن إلا بما ينقص حق الذي قام على أخذ حقه، بيع الرهن كله، فأعطي الذي قام على أخذ حقه حقه من ذلك، فإن طابت نفس الذي أنظر بحقه سنة أن يدفع بقية ثمن الرهن إلى الراهن، إلى أن يحل حقه، دفع إلى الراهن، وإن كره أحلف بالله، أنظرت بحقي، إلا ليوقف لي رهني على هيئته ثم أعطي حقه من ذلك، ولم يحبس عنه حقه، ولا يوقف له إلى الأجل. وقد بيع رهنه؛ لأن إيقاف حقه ضرر على المرتهن في غير منفعة تصل منه إلى الراهن، وهو له ضامن، ودفع الحق إلى المرتهن وإبراء الراهن من ضمانه خير لهما جميعا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة وأصلها في الموطأ. وقد مضت متكررة في رسم الرهون من سماع عيسى، ومضى هناك القول على الموضع المختلف فيه منها فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: ارتهن من رجل دارا إلى أجل ثم أكراها المرتهن من رجل بدينار إلى أجل] مسألة وعن رجل ارتهن من رجل دارا، إلى أجل، ثم إن المرتهن أكراها من رجل بدينار إلى أجل برضى من صاحب الدار، ثم إن الذي اكتراها أكراها من الراهن إلى ذلك الأجل، فهل يفسخ هذا رهنه؟ وكيف يصنع؟ قال ابن القاسم: إن كان ذاك من سبب

صاحب الدار فالكراء له لازم، وذلك فساد لرهنه، ولا رهن له فيها ما دامت في يديه، وإن كان ذلك من أجنبي من الناس، وصح ذلك، فذلك جائز. قال الإمام القاضي قوله: إنه كان المكتري الذي اكتراها من المرتهن، فأكراها من الراهن من سبب الراهن، فالكراء لازم له، والرهن يفسخ، صحيح على ما في المدونة، من أن من حلف ألا يبيع من رجل سلعة، فباعها من رجل اشتراها للمحلوف عليه، إنه حانث، إن كان الرجل الذي باعها منه من سبب المحلوف عليه؛ لأنه إذا أكراها ممن هو من سبب الراهن، فكأنه قد أكراها من الراهن، وهذا بيّن إذا علم أنه من سببه، وأما إذا لم يعلم أنه من سببه، فيجري الأمر في انفساخ الرهن على الاختلاف في تحنيث الحالف، فأشهب يقول: إنه لا حنث عليه، وروى ذلك عن مالك، وظاهر ما في المدونة أنه حانث. والاختلاف في هذا عندي إنما يرجع إلى تصديقه في دعواه أنه لم يعلم أنه من سببه. وفي قوله: ولا رهن له فيها ما دامت في يديه، دليل أنه إن انقضى الكراء، فرجعت إلى المكتري الأول، الذي أكراها منه المرتهن، أو إلى المرتهن، ترجع على الرهن، وهذا مما لا اختلاف فيه، بخلاف إذ أراد الراهن إليه باختياره، قبل انقضاء أجل كرائه. وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك، وتوجيهه في رسم العتق من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. وأما قوله: وإن كان ذلك من أجنبي وصح فذلك جائز، فالمعنى في ذلك أن الكراء يجوز ولا ينفسخ الرهن، وإنما لم ينفسخ الرهن وإن كان قد صار بيد الراهن؛ لأن المرتهن مغلوب على ذلك بما لزمه من عقد الكراء، فأشبه ما لو سرقه الراهن، فلم يعلم المرتهن بذلك حتى قام عليه الغرماء، إن الرهن لا ينفسخ، أو لو كان عبدا فأبق من عند المرتهن، فأخذه الراهن، ولم يعلم بذلك المرتهن. وقد مضى بيان هذا في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

مسألة: ارتهن عبدا إلى أجل ثم جاءه الراهن فسأله أن يرد العبد

[مسألة: ارتهن عبدا إلى أجل ثم جاءه الراهن فسأله أن يرد العبد] مسألة قال: ولو أن رجلا ارتهن من رجل عبدا إلى أجل، ثم جاءه الراهن، فسأله أن يرد العبد ويعطيه مكانه رهنا غيره، فلا بأس. قال محمد بن أحمد: هذه مسألة بينة لا إشكال فيها ولا كلام. وبالله التوفيق. [مسألة: ارتهن حائطه بعشرة دنانير ثم رهن نصف الحائط ثانية] مسألة وقال في رجل ارتهن رجلا حائطه بعشرة دنانير، ثم رهن نصف الحائط ثانية من رجل آخر بإذنه بعشرة دنانير، ثم قضى الأول، فأراد أن يرهن نصف حائطه من رجل آخر، يريد النصف الذي قضى عنه ما كان رهنه به، قال: ذلك له. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما رهن الثاني نصف الحائط، فلا حجة له بمنعه بها من أن يفك النصف الأول من المرتهن الأول، ويرهنه من غيره؛ لأنه إذا فعل ذلك حل المرتهن الثالث في النصف الذي افتكه من المرتهن الأول، فحل الذي افتكه منه، وارتفعت يد الراهن عنه، فصحت الحيازة في الحائط للمرتهنين، كان الحائط بيد أحدهما أو بأيديهما جميعا، ولو أن صاحب الحائط لما افتك النصف الذي رهنه من الأول، بقي بيده، لبطل رهن الثاني، فلا يصح رهن الثاني إذا افتك صاحب الحائط النصف الذي رهنه من الأول، إلا أن يسلمه إليه، فيحوز جميعه، أو يجعلانه جميعا على يدي عدل. وقد اختلف إن أكرياه جميعا، فقيل: يصح الحوز، وقيل: لا يصح حتى يقتسماه، فيكري المرتهن نصيبه، وكذلك إن عمراه جميعا على الإشاعة، يتخرج ذلك على القولين في الرجل يتصدق بجزء من أرض، على الإشاعة، فيعمر المتصدق عليه الأرض مع المتصدق، على وجه التقصي لحقه، والتشاح إلى أن يموت المتصدق، فرأى ذلك ابن القاسم

مسألة: اشترى من رجل عبدا بمائة دينار إلى أجل ورهنه دارا إلى أجل

حيازة، وخالفه في ذلك أصبغ والأظهر في الصدقة أن تكون حيازة، وفي الرهن ألا يكون حيازة؛ لأن الحيازة أقوى في الرهن منها في الصدقة والهبة، لقول الله عز وجل: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى من رجل عبدا بمائة دينار إلى أجل ورهنه دارا إلى أجل] مسألة وعن رجل اشترى من رجل عبدا بمائة دينار إلى أجل، ورهنه دارا إلى أجل، ثم قال له: أنا أرهنك في عبدك ما بعد مائة دينار، من ثمن الدار، يقول: إذا بعت الدار، فابدأ بأخذ مائة، فما كان بعد المائة فهو رهن لك من حقك، فقال: لا يجوز هذا الرهن. قال محمد بن رشد: قال ابن المواز عن مالك: إنه على شرطه، ولغرمائه المائة، وما بعدها رهن. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة وما كان في معناها في تكلمنا على أول مسألة من سماع أصبغ، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: رهن النحل ولمن يكون العسل] مسألة وقال في رجل ارتهن نحلا لمن يكون العسل؟ قال: للراهن، وهو مثل النحل: قال محمد بن رشد: يريد: إن النحل تكون له بأجباحها ولا يكون له عسلها، إلا أن يشترطه، وهذا مما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الرهن محلوب ومركوب بنفقته» فكما يكون

مسألة: دار بين رجلين فرهن أحدهما حصته ووضعها على يدي الآخر

للراهن لبن الغنم المرهونة، فكذلك له عسل النحل المرهونة، وكذلك لو رهنه الأجباح، لكانت له بنحلها، ولا يكون له عسلها الذي فيها يوم الرهن، ولا ما يصير فيها بعد ذلك، إلا أن يشترطه على حكم البيع إذا باع النحل دخلت الأجباح في البيع دون ما فيها من العسل، وإذا باع الأجباح دخلت النحل فيها دون ما في الأجباح من العسل. وبالله التوفيق. [مسألة: دار بين رجلين فرهن أحدهما حصته ووضعها على يدي الآخر] مسألة وقال في دار بين عبد الله وعبد الرحمن، فرهن عبد الله حصته من رجل بعشرة دنانير، ووضع حصته من الدار على يدي عبد الرحمن، وهو ساكن في الدار كلها. قال: أليس يسكن في حصته عبد الله بكذا؟ قال: نعم. قال لا بأس به. محمد بن أحمد: هذه المسألة من مسائل المجالس لم تتدبر وفيها نظر؛ لأن حيازة الرهن لا يكون إلا بأن يوضع على يدي عدل، أو يكريه المرتهن بإذن الراهن، إن كان له الكراء، أو بغير إذنه، إن كان لم يشترط الكراء في رهنه، وأما إن أكراه الراهن بإذن المرتهن، أو بغير إذنه، والكراء له، لم يشترطه المرتهن في رهنه، فقد بطلت حيازة الرهن. وهذا نص قوله في المدونة: إنه إذا أذن له أن يكري الدار، فقد خرجت من الرهن. فقوله في هذه الرواية: أليس يسكن في حصته عبد الله بكراء؟ قال نعم. قال: لا بأس به، يدل على أنه لو سكن فيها بغير كراء، لم يجز. وصواب هذا أن يكون بالعكس، إذا وضع حصته التي رهن بيد شريكه على أن يسكن فيها بالكراء، لم يجز على ما بيناه من أن الراهن إذا أكرى الدار التي رهن، بطلت الحيازة فيها، وإن كان أكراها بإذن المرتهن. إذا كان الكراء له، وإذا وضعها بيده على أن يسكن فيها بغير كراء، بإذن المرتهن، جاز ذلك، وكان الشريك حائزا؛ لأنه كالعدل الموضوع على يديه الرهن، فلا تصلح المسألة إلا على تأويل فيه بُعد، وهو أن يحمل على أن الراهن وضع حصته من الدار، بيد

مسألة: رهن رجلا دابة أو عبدا فماتا في يدي المرتهن

شريكه فيها قبل الرهن، ثم رهنها وهي بيده، فإن كانت بيده بكراء، ورهنها بكرائها جاز، وإن كانت بيده بغير كراء على سبيل الائتمان له عليها، ورهنها، لم يجز، إلا أن يُخرجها من يده؛ لأن كونها بيد أمينه، ككونها بيده؛ لأن يده كيده؛ لأنه متى حملت المسألة على أن الراهن وضع حصته التي رهن من الدار بيد شريكه بعد الرهن، لم يستقم قوله بحال، إلا أنه إن كان وضعها بيده بغير إذن المرتهن، تكون حيازة، كان وضعه إياها بيده بكراء أو بغير كراء، وإن كان وضعها بيده بإذن المرتهن؛ تكون حيازة، إن كان وضعها إياه بغير كراء، ولا تكون حيازة، إن كان وضعها بيده بكراء إلا أن يكون الكراء رهنا، وهذا كله خلاف قوله، فتدبره، وبالله التوفيق. [مسألة: رهن رجلا دابة أو عبدا فماتا في يدي المرتهن] مسألة وعن رجل رهن رجلا دابة أو عبدا، فماتا في يدي المرتهن، واختلفا فيما رهن فيه، فقال: القول قول الذي عليه الحق، وليس هو إذا مات بمنزلة إذا كان حيا، والذي في يديه الرهن إذا كان حيا مصدق فيما بينه وبين قيمة الدابة. محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، وقد مضى القول فيها في أول سماع ابن القاسم، في رسم العارية، من سماع عيسى، وفي رسم الصلاة، من سماع يحيى مستوفى، وبالله التوفيق. [مسألة: له على رجل حق فرهنه حائطا له ووضعه على يدي رجل وأراد أن يساقيه] مسألة وقال في رجل له على رجل حق، فرهنه حائطا له، ووضعه على يدي رجل، وأراد الذي وضع على يديه، أن يساقيه الذي له الحق. قال: لا بأس بذلك. قيل له: فأراد الذي وضع على يديه أن يأخذه مساقاة قال: لا يأخذها مساقاة إلا برضا منهما جميعا.

مسألة: يرهن العبد بمائة دينار ثم يجرح العبد فيخير السيد في أن يسلمه أو يفتديه

قال محمد بن رشد: مساقاة العدل للحائط الذي وضع على يديه، ككرائه للدار التي وضعت على يديه سواء، فإذا أكرى الدار من المرتهن، أو ساقاه في الحائط، جاز ذلك؛ لأن كون ذلك في يديه بالمساقاة أو الكراء، أبين في الحوز من كونه بيد غيره بذلك، ولا يلزم الراهن ذلك، إلا أن يرضى به؛ إذ من حقه أن لا يساقي فيه، وأن يستأجر عليه من ماله، فيكون جميع الثمرة له. وأما قوله: إن الذي وضع الحائط على يديه، لا يأخذ مساقاة من ربه، إلا برضاهما جميعا، ففيه نظر؛ إذ لا فرق بين عقد المساقاة في ذلك، وبين عقد الكراء، ولا بين أن يعقد ذلك الراهن بالعدل، أو مع غيره، فلا يجوز أن يلي الراهن عقد المساقاة، وإن أذن له في ذلك المرتهن؛ إذا كانت الثمرة له، وأما قوله: إن الذي وضع الحائط على يديه للراهن، لم يشترطها المرتهن في رهنه، قياسا على عقد الكراء، وإنما يلي العقد في ذلك، مع العدل المرتهن إذ أرضى الراهن صاحب الحائط، بأن يساقي؛ إذ من حقه أن يستأجر عليه من ماله، فيكون جميع الثمرة له، ولا يساقي فيه، حسبما ذكرناه، فقوله: إلا برضاهما جميعا معناه: مع أن يكون المرتهن منهما هو الذي العقد فيه معه، وقد مضى فوق هذا من هذا السماع، وفي رسم الرهون، من سماع عيسى تحصيل القول فيمن يلي عقد الكراء في الرهن، وهو بين ما ذكرناه في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: يرهن العبد بمائة دينار ثم يجرح العبد فيخير السيد في أن يسلمه أو يفتديه] مسألة وعن رجل يرهن العبد بمائة دينار، ثم يجرح العبد، فيخير السيد في أن يسلمه أو يفتديه، فيسلمه، هل يحل عليه الدين إذا فات الرهن وهو مليء بالحق؟ فقال: لا يحل عليه الحق، قلت له: فكيف يكون؟ أيكون عليه الدين إلى أجله، قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ إذ لا يحل عليه الدين بإسلام العبد الرهن بجنايته؛ إذ لا يلزمه أن يفتكه، فلم يتعد فيما صنع، إلا أن من

مسألة: رهن جارية ووضعها على يدي رجل فأرسلها إلى الراهن فوطئها فحملت

حق المرتهن أن يفتكه بجنايته، فيكون أحق به فيما فداه به رب الدين الذي له، ويباع معجلا إن شاء، فإن كان فيه فضل عما فداه به، نَضّ له من دينه، واتبعه ببقية دينه إلى أجله، وإن لم يف بما فداه، لم يكن على سيده من ذاك شيء، وإن أراد أن يؤخر بيعه إلى أن يحل أجل الدين، كان ذلك له، ولم يكن للراهن في ذلك كلام؛ لأن المرتهن يقول: إن أراد تأخير بيعه، أرجو أن تزيد قيمته إلى الأجل، فيكون فيه وفاء بالدين، وبما افتككته به، وإن أراد تعجيل بيعه، أخشى أن يتلف أو تنحط قيمته، فأخسر ما افتككته به، ولو أبى الراهن أولا من افتكاكه، وأراد أن يباع، فيؤدي ما من ثمنه الجناية، ويأخذ المرتهن الباقي من دينه، لم يكن ذلك له، إلا أن يرضى المرتهن بذلك رهنا. قال في المدونة: إنه لا يباع حتى يحل أجل الدين، وبالله التوفيق. [مسألة: رهن جارية ووضعها على يدي رجل فأرسلها إلى الراهن فوطئها فحملت] مسألة وقال ابن القاسم في رجل رهن جارية ووضعها على يدي رجل، فعمد الذي جعلت على يديه، فأرسلها إلى الراهن، أو ردها إليه، فوطئها فحملت، قال: الأمين ضامن لقيمتها يوم أحبلها، وليس لجميع الرهن، ولكن لقيمتها يوم أحبلها، وتكون أم ولد لسيدها، ويتبع الأمين السيد، إلا أن لا يكون للأمين مال، فإن لم يكن للأمين مال، كان المرتهن أحق بالجارية، وهذا كله إذا لم يعلم المرتهن بالرد، فإذا علم فلا رهن له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تكررت في رسم حبل حبلة من سماع عيسى، ومضى الكلام عليها مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: رهن رجلا رهنا ووضعه له على يدي عدل فباع ذلك العدل الرهن

[مسألة: رهن رجلا رهنا ووضعه له على يدي عدل فباع ذلك العدل الرهن] مسألة وعن رجل رهن رجلا رهنا، ووضعه له على يدي عدل، فباع ذلك العدل الرهن، وقضى الغريم كما أمره، فاستحق الرهن عند المشتري، على من يرجع المشتري بالثمن؟ قال: إن كان لصاحبه الذي رهنه مال، رجع عليه، وإلا رجع على الذي بيع له، فأخذ الثمن منه، وإنما هو بمنزلة الذي يفلس، فيباع ماله، فيستحق شيء منه، فإنما يرجع على الغرماء؛ إذا لم يكن لصاحبه شيء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها، ولا لبس في شيء من معانيها، فلا تفتقر إلى التكلم عليها، والله الموفق. [مسألة: أخذ منه رهنا في حقه ووضعه له على يدي رجل فحل الأجل وغاب المدين] مسألة وعن رجل كان له على رجل حق إلى أجل، وأخذ منه رهنا، ووضعه له على يدي رجل، ورضيا به جميعا فحل الأجل، وغاب الذي عليه الحق، فجاء صاحب الحق إلى الذي وضع الرهن على يديه، فقال له: قد حل حقي، فادفع إلي الرهن، حتى أبيعه وآخذ حقي، فدفعه إليه، فضاع منه الرهن، قال: يضمن الذي وضع الرهن على يديه، ولا شيء على صاحب الحق الذي ضاع الرهن منه؛ لأنه إنما اؤتمن عليه، فلا يلزمه شيء. قلت: وإن كان الرهن مما يغيب إليه، قال: نعم. قال الإمام القاضي: اعترض ابن دحون هذه المسألة فقال فيها: إنها غير جيدة، كيف يضمن الأمين؟ وإنما جعل الرهن على يديه ليبيعه عند حلول الأجل. والمسألة عندي صحيحة، ولا وجه لاعتراض ابن دحون، بما اعترضها به؛ لأن العدل الذي وضع على

مسألة: ارتهن جارية فوضعت على يدي رجل فأعارهها للسيد فوطئها فحملت

يديه الرهن، ليس له أن يبيعه؛ إذ لم يجعل إليه بيعه، ولا ارتُهن إلا على أن يجوزه للمرتهن، ولو جعل إليه بيعه؛ لكان متعديا في دفعه إلى صاحب الحق، وائتمانه عليه، ولوجب أن يكون ضمانه إن تلف عنده من العدل الذي دفعه إليه، كمن دفع إلى رجل سلعة لبيعها، فدفعها إلى غيره ليبيعها، فتلفت منه، وبالله التوفيق. [مسألة: ارتهن جارية فوضعت على يدي رجل فأعارهها للسيد فوطئها فحملت] مسألة وقال في رجل ارتهن جارية، فوضعت على يدي رجل، ثم إن سيدها سأل الذي وضعت على يديه أن يعيره إياها في عمل فأعاره، فوثب عليها فوطئها فحملت منه. قال: إن كان سيدها مليا غرم الحق، ودفع إلى صاحب الحق، وإن لم يحل الأجل، إلا أن يكون الذي عليه طعام أو عرض، فيغرم رهنا مكانه إلى ذلك الأجل، وإن لم يكن مليا أخذ من الذي وضعت على يديه قيمتها، ورجع هو على سيدها. قال محمد بن رشد: قوله: إلا أن يكون الذي عليه طعام أو عرض، فيغرم رهنا مكانه، إلى ذلك الأجل، معناه: إلا أن يرضى المرتهن بقبضه قبل حلول أجله، فيجبر الراهن على تعجيله. وهذا إذا كان الطعام والعرض من بيع؛ إذ ليس لمن عليه طعام أو عرض من بيع أن يعجله لصاحبه، قبل محل الأجل، إلا برضاه. وأما إن كان الطعام أو العرض من قرض، فهو بمنزلة العين، يجبر الراهن على تعجيله، لتعديه على الرهن بما أفاته به. وقد مضت هذه المسألة فوق هذا في هذا السماع، وتكررت أيضا في رسم حبل حبلة، من سماع عيسى، ومضى القول عليها مستوفى، وبالله التوفيق.

مسألة: رهن وصيفا له يرضع

[مسألة: رهن وصيفا له يرضع] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل رهن وصيفا له يرضع، قال: أمه تكون معه في الرهن. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم شك في طوافه، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أرهن رهنا إلى سنة ثم رهنه أيضا من آخر إلى شهر برضا من الأول] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل أرهن رهنا إلى سنة، ثم رهنه أيضا من آخر إلى شهر برضا من الأول، فجاء الشهر وطلب المرتهن الآخر حقه، قال: إذا كان ليس فيه فضل، لم يبع الرهن إلى ذلك الأجل، وإن كان في الرهن فضل عما رهنه عند الأول، بيع الرهن، فأعطي للأول حقه قبل حلول الأجل، فما بقي أعطي الآخر منه حقه، قال: فإن قال قائل: لم يبدأ هذا اليوم، وأجله الذي إليه دينه لم يحل، قال: فإنه يقال له: لأن هذا كان مبدأ عليك، فهو يأخذ قبلك، فما فضل كان لك، وإن لم يكن في الرهن فضل شيء كان على حاله إلى ذلك الأجل. قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة: ثم رهنه أيضا من آخر إلى شهر برضا من الأول، كلام ليس على ظاهره، ومراده به: ثم رهن أيضا فضلته من آخر إلى شهر برضا الأول؛ لأنه إذا رهن الرهن من رجل ثم رهنه من آخر برضا من الأول، بطل رهن الأول، وأما إذا رهن فضلته من آخر، فهو كما قال في المسألة. وقد مضى القول على ارتهان فضلة الرهن مستوفى في أول رسم الأقضية الثالث، من سماع أشهب، وفي رسم بع ولا نقصان عليك، من سماع عيسى، فقف على ذلك في الموضعين، وبالله التوفيق.

مسألة: رهن العبد

[مسألة: رهن العبد] مسألة وقال في العبد الرهن يخرج إن عقله رهن مع رقبته، ويوضع على يدي الذي وضع الرهن على يديه؛ لأنه ينقص من رهنه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه؛ لأن ما نقصت الجناية عنه كعضو من أعضائه، فوجب أن يكون رهنا معه، وبالله التوفيق. [مسألة: رهن عندي سوارا فقال صاحب الرهن لا أدري بكم رهنته] مسألة وقال في رجل رهن عندي سوارا، فقال صاحب الرهن: لا أدري بكم رهنته؟ وقلت: لا أدري بكم ارتهنته؟ قال: أرى أن ترجع إليه قيمة الرهن، ثم أنت أعلم بعد، إن شئت فخذ، وإن شئت فدع، إلا أنه يقض على صاحب الرهن بأن لا يأخذه حتى يدفع قيمته. قال محمد بن رشد: الجهل بما رهن فيه الرهن، كالجهل بمبلغ قيمة الرهن سواء، فإذا مضى الرهن بما فيه؛ إذا جهلت قيمته على ما لأشهب، في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ، وجب أن يمضي بما فيه من الدين إذا جهل مبلغ ذلك الدين، ولم يكن للراهن أن يأخذه حتى يدفع قيمته إلى المرتهن، ويوزع المرتهن في أخذها، أو أخذ شيء منها لجهله بمبلغ حقه منها، وبالله التوفيق.

كتاب الاستحقاق

[كتاب الاستحقاق] [أرض بين رجلين فاحتفر أحدهما بيرا فيريد الآخر أن يدخل معه] من سماع ابن القاسم من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك، في أرض بين رجلين، فاحتفر أحدهما بيرا، أو غرس فيها غرسا، فيريد الآخر أن يدخل معه؛ أنه يكون عليه في البير بقدر ما له في الأرض. محمد بن رشد: قال مالك في هذه الرواية: إن الشريك إذا أراد أن يدخل مع شريكه فيما بنى أو حفر أو غرس، يكون عليه في البير بقدر ما له في الأرض، ولم يبين إن كان يكون عليه في ذلك قدر حظه من النفقة التي أنفقها، أو من قيمة العمل قائما، أو من قيمته منقوضا، وفي ذلك تفصيل؛ إذ لا يخلو الأمر من ثلاثة أحوال؛ أحدها: أن يكون بنى وغرس واحتفر، وشريكه غائب، بغير إذن منه ولا علمه. والثاني: أن يكون بنى وغرس به، واحتفر بحضرة شريكه، دون أن يأذن له في ذلك. والثالث: أن يكون بنى وغرس واحتفر بإذن شريكه، فأما إذا كان بنيانه وغرسه وحفره، وشريكه غائب بغير إذنه ولا عمله، فيتخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: أن الشركة بينهما في الأرض شبهة، توجب أن يكون له قدر حظ شريكه من قيمة عمله قائما، إلا أن يكون قدر حظه من النفقة التي أنفقها أقل من ذلك،

فلا يزاد عليه، يقوم هذا القول مما وقع لابن القاسم في رسم القطعان، من سماع عيسى، من كتاب الشركة. والقول الثاني: أن الشركة ليست بشبهة، فلا يكون له فيما بنى أو غرس أو احتفر، إلا قيمة ذلك منقوضا. وقول ابن القاسم في المسألة التي تلي هذه، ويقوم ذلك أيضا مما وقع في سماع سحنون، من كتاب المزارعة. وأما إذا كان بنيانه وغرسه وحفره بحضرة شريكه وعلمه، دون أن يأذن في ذلك، فيتخرج ذلك على الاختلاف في السكوت، هل هو كالإذن أم لا؟ فعلى القول بأنه كالإذن إن كان قد مضى من المدة ما يراه أنه إذن له إلى مثلها، كان عليه قدر حظه من ذلك قائما. ويختلف على هذا القول، هل يكون له كراء في حصته، لما مضى من المدة أم لا؟ فقيل: إنه لا كراء له، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في آخر هذا الرسم، وقيل: إن له الكراء بعد أن يحلف أنه ما رضي بترك حقه من الكراء في ذلك، وهو قول عيسى بن دينار من رأيه في آخر سماعه، من كتاب الشركة. وعلى قول بأنه ليس كالإذن، يكون له كراء حصته لما مضى من المدة قولا واحدا، ويكون عليه قدر حظه من البنيان منقوضا، وإن لم يمض من المدة ما يرى أنه ينهى إلى مثلها. وأما إذا كان بناؤه وغرسه وحفره بعلم شريكه وإذنه له في ذلك، فالحكم في ذلك على ما ذكرناه؛ إذا سكت ولم يأذن له، على القول بأن السكوت كالإذن. وهذا كله إذا رضيا بالمقام على الشركة، أو كان ذلك مما لا ينقسم، وأما إذا دعوا جميعا إلى القسمة، وكان ذلك مما ينقسم، فالحكم في ذلك على ما قاله ابن القاسم بعد هذا متصلا بقول مالك، ولو دعا إلى ذلك أحدهما لدخل الخلاف فيه عندي من مسألة كتاب الشفعة من المدونة حسبما نذكره بعد هذا إن شاء الله.

مسألة: غرس أو بنى في أرض بينه وبين شريك له وشريكه غائب

[مسألة: غرس أو بنى في أرض بينه وبين شريك له وشريكه غائب] مسألة قال ابن القاسم: من غرس أو بنى في أرض بينه وبين شريك له، وشريكه غائب، فإنهما يقسمان الأرض، فإن كان بنيانه فيما صار له من الأرض، كان له وكان عليه من الكراء بقدر ما انتفع من نصيب صاحبه، وإن كان البنيان والغرس في نصيب غيره، خير الذي صار في حظه بين أن يعطيه قيمته منقوضا، وبين أن يسلم إليه نقضه ينقله، ويكون له أيضا من الكراء على الباني بقدر ما انتفع به من مصاب صاحبه الغائب. قال عيسى: قال ابن القاسم: ولو بنى بمحضر شريكه، لم يكن لشريكه كراء؛ لأنه كالإذن. قال محمد بن رشد: لم ير ابن القاسم في هذه الرواية الشركة بينهما في الأرض شبهة للباني منهما؛ إذ قال: إنه إذا بنى وشريكه غائب، يقتسمان الأرض، فإن حصل البناء بالقسمة في حظ شريكه، لم يكن له عليه فيه إلا قيمته منقوضا؛ يريد طال زمان ذلك أو لم يطل. وقد ذكرنا الاختلاف قبل هذا في كون الشركة بينهما في الأرض شبهة للباني منهما فيما بنى. وظاهر قوله: إن الحكم يكون في ذلك على ما ذكره من قسمة الأرض إلى آخر قوله، سواء اتفقا على القسمة ابتداء أو دعوا إليها، أو اختلفا إليها أحدهما ابتداء، أو دعا الآخر إلى أن يحكم بينهما في الغرس والبناء قبل القسمة، ولا اختلاف إذا اتفقا على القسمة، ودعوا إليها ابتداء، وأما إذا اختلفا في ذلك، فالذي يأتي في هذه المسألة على ما في آخر كتاب الشفعة من المدونة في الدار تكون بين الرجلين، فيبيع أحدهما طائفة منها بعينها أن يشتركا في البنيان، بأن يعطي الذي يبنى للباني من قيمته منقوضا، قدر حظه من الأرض، ثم يقتسمان بعد أو يتركان، ولو بنى بإذن شريكه أو بعلمه وهو ساكت لا يغير ولا ينكر، على القول بأن السكوت كالإذن؛ لوجب على مذهبه، وروايته عن مالك أن يكون له قيمة بنيانه قائما إن اقتسما، فصار

ابتاع أمة فقبضها ثم ادعت الجارية الحرية عنده وسمت بلادها وقبيلتها

البنيان في حظ شريكه أو قيمة حظه منه قائما، إن رضيا بالبقاء على الشركة، أو كانت الأرض لا تنقسم، إلا أن تطول المدة إلى أن يمضي منها ما يرى أنه إذن له في البناء إلى مثلها، فتكون القيمة فيه منقوضا، خلاف رواية المدنيين عن مالك في أن القسمة لا تكون في ذلك إلا قائما، سواء طال زمان ذلك أو قصر؛ إذا بنى بإذنه أو بعلمه وهو ساكت؛ إذ لا يكون على روايتهم عنه لمن بنى قيمة بنيانه منقوضا، إلا أن يكون بنى متعديا على غير وجه شبهة، ورواية عيسى عن ابن القاسم في قوله، في آخر المسألة: إنه لو بنى بمحضر شريكه، لم يكن لشريكه كراء؛ لأنه كالإذن خلاف قوله من رأيه في سماعه من كتاب الشركة، وقد ذكرنا ذلك في المسألة التي قبل هذه. والمسألة كلها متكررة في رسم إن خرجت من سماعه من هذا الكتاب بالمعنى، وإن اختلف اللفظ، وبالله التوفيق. [ابتاع أمة فقبضها ثم ادعت الجارية الحرية عنده وسمت بلادها وقبيلتها] ومن كتاب القبلة وقال مالك في رجل ابتاع أمة فقبضها، ثم ادعت الجارية الحرية عنده، وسمت بلادها وقبيلتها ونسبت أهلها في بلدة بعيدة أو قريبة، قال: يرفع ذلك إلى الوالي، فإن كان ما ادعت شيئا له وجه، كتب بأمرها حتى يستبري ذلك، وما كان من ذلك من نفقه أو مئونة فعلى المشتري، ولا ترد على البائع بقولها، ولا يلزمه شيء من النفقة في طلب استبراء ما ذكرت، فإن تبين صدق ما قالت، رد البائع على المشتري الثمن، ولم يلزم البائع شيء مما أنفق، وإن سمت بلادا بعيدا، ولم تنتسب نسبا لعرف، ولا شيئا بينا إلا ملتبس، لم يكن من ذلك على البائع شيء، وإن هي نزعت عن قولها، بطل

ذلك، إلا أن يخاف أن تنزع عن خوف. قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية: إنه إن كان ما ادعت شيئا له وجه، كتب بأمرها، حتى يستبرأ ذلك، يريد: بعد أن يؤخذ من سيدها حميل. ولم يفرق في هذا بين القرب والبعد، بل يريد التسوية بينهما. وقد قيل: إنه لا يلزم السيد شيء إذا كان الموضع بعيدا، وهو دليل ما في سماع عبد المالك بن الحسن، من كتاب الأقضية. وحد القرب في ذلك باليوم ونحوه. وقد مضى هناك تحصيل القول في هذه المسألة، بما لا مزيد عليه. وقوله: إن ما كان في ذلك من نفقة أو مئونة فعلى المشتري؛ معناه: إنه ليس له أن يرجع بشيء من ذلك على البائع على حال، ثبتت حريتها، أو لم تثبت؛ إذ لا يجب شيء من ذلك عليه، إلا أن يتطوع به، وإنما يجب ذلك على الإمام من بيت المال. وقوله: إنها لا ترد على البائع بقولها، صحيح؛ لأنه عيب حدث عند المشتري، فإن باعها هو ولم يبين بأنها ادعت الحرية عنده، كان ذلك عيبا يجب به الرد عليه. قال ذلك في أول سماع ابن القاسم من كتاب العيوب. وقوله: وإن سمت بلدا بعيدا، ولم تنتسب نسبا يعرف، ولا شيئا بينا إلا ملتبس، لم يكن من ذلك على البائع شيء، كلام فيه نظر؛ إذ لا اختلاف ولا إشكال في أنها لا ترد على البائع بدعواها الحرية عند المشتري، وإن أشبه ما ادعته من ذلك، ولا يرجع عليه المشتري بما أنفق في استبراء ما ادعته، فينبغي أن يتأول على أنه إنما أراد أنه إن باعها ولم يبين بدعواها الحرية عنده، لم ترد عليه إن كانت سَمَّت بلدا بعيدا، أو لم تنتسب نسبا يعرف، بخلاف إذا أتت من ذلك بأمر يشبه، والله أعلم. وإذا استحقت الجارية بحرية لم يلزمها الذهاب مع المشتري إلى موضع بائعه، ليسترجع منه ثمنه، وإنما يكتب له القاضي بصفتها، ذكر ذلك ابن عبدوس، عن ابن القاسم، وذكر ابن حبيب في وثائقه على ما حكى عنه الفضل: إن من حق المشتري الذي استحق من يده، أن ترفع معه ليأخذ رأس ماله من البائع، مثل ما لو استحق برق، وقال ابن كنانة: ترفع معه إن كانت غرت، ولا ترفع معه إن كانت لم تغر،

الرجل يعترف الدابة بالبلد فيقيم شاهدا واحدا ويسأل أن توقف له

وهو جيد، فينبغي أن يحمل قوله على التفسير لقول ابن القاسم وقول ابن حبيب. وقد مضى هذا المعنى بزيادة فيها بيان، في آخر سماع عيسى، من كتاب الجهاد، فقف على ذلك وتدبره، وبالله التوفيق. [الرجل يعترف الدابة بالبلد فيقيم شاهدا واحدا ويسأل أن توقف له] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك عن الرجل يعترف الدابة بالبلد، فيقيم شاهدا واحدا، ويسأل أن توقف له، حتى يأتي بشاهد آخر، فيوقف في طلب ذلك، فيقيم فيه أياما ثم يستحق ذلك بعد، على من ترى نفقتها في إقامتها؟ قال: والجواري كذلك، ثم قال: أرى النفقة ممن تكون له الدابة. قال محمد بن رشد: قوله: أرى النفقة ممن تكون له الدابة، هو مثل ما في المدونة، إن النفقة على الشيء المدعى فيه في حال التوقيف ممن يقضى له به، يريد: إن المدعى عليه ينفق في حال التوقيف ممن يقضى له به، فإن قضي به للمدعي رجع عليه صاحبه بالنفقة، وقد قيل: إنهما ينفقان عليه جميعا لمن قضى له به منهما، ورجع عليه صاحبه بنصف النفقة. وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت، من كتاب الدعوى والصلح، وفي المجموعة. وقد اختلف في الحد الذي يدخل به الشيء المستحق في ضمان المستحق، وتكون الغلة له، ويجب التوقيف به على ثلاثة أقوال؛ أحدها: إنه لا يدخل في ضمانه، ولا تجب له الغلة، حتى يقضى له به. وهو قول ابن القاسم في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، من كتاب الدعوى والصلح، والذي يأتي على قول مالك في المدونة: إن الغلة للذي في يديه حتى يقضى بها للطالب، وعلى قول سحنون في نوازله، من كتاب الغصب: إن المصيبة من المشتري حتى يحكم به للمدعي، وعلى هذا القول لا يجب توقيف الأصل المستحق، توقيفا يحال بينه وبينه، ولا توقيف غلته، وهو قول ابن القاسم في

المدونة: إن الرباع التي لا تحول ولا تزول، لا توقف، مثل ما يحول ويزول، وإنما توقف وقفا يمنع من الأحداث فيها. والثاني: إنه يدخل في ضمانه، وتكون له الغلة، ويجب توقيفه وقفا يحول بينه وبينه؛ إذا ثبت له بشهادة شاهدين، أو شاهد وامرأتين. وهو قول مالك في رسم مرض بعد هذا من هذا السماع. وظاهر قوله في موطئه إذ قال فيه: إن الغلة للمبتاع إلى يوم يثبت الحق، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة؛ إذ قال: إن التوقيف يجب إذا أثبت المدعي حقه، وكلف المدعى عليه المدفع. والقول الثالث: إنه يدخل في ضمانه، وتجب له الغلة، فالتوقيف بشهادة شاهد واحد، وهي رواية عيسى، عن ابن القاسم، في رسم العرية، من سماع عيسى، من كتاب الدعوى والصلح؛ أنه يحلف مع شهادة شاهده، وتكون المصيبة منه. وإن كانت يمينه بعد موتها، فإن قيل: كيف يحلف لتكون المصيبة منه، ويستحق المستحق بينه الرجوع على بائعه بالثمن؟ قيل: ألا يحلف؛ لأنه إن نكل عن اليمين على هذه الرواية، يحلف المستحق منه الذي مات العبد عنده، أنه لا حق للقائم فيه، ولقد ادعى باطلا، ويرجع عليه بقيمته؛ لأنه أحق عليه يمينه العدا في توقيفه عليه بغير حق، ويؤيد هذا ما يأتي في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى بعد هذا. وقول أشهب في نوازل سحنون، من كتاب الرهون: فليست يمين المستحق على هذه الرواية ليستحق غيره، وهو المستحق منه الرجوع على بائعه بالثمن، وإنما هي لينفي عن نفسه العدا في التوقيف الذي يدعيه عليه المستحق منه، فإن نكل عن اليمين حلف هو، وأغرمه القيمة؛ فما وقع في أحكام ابن زياد من أن التوقيف يجب في الدار بالقفل، وتوقيف الغلة بشهادة الشاهد الواحد، يأتي على هذا القول الثالث. وكذلك النفقة أيضا، القول فيها يجري على هذا الاختلاف، فعلى القول الأول لا يجب للمقضي عليه الرجوع بشيء من النفقة على المقضي له؛ لأنه إنما أنفق على ما ضمانه منه، وغلته له. وعلى القول الثاني يجب له الرجوع عليه بما أنفق بعد ثبوت الحق بشهادة شاهدين، أو شاهد وامرأتين؛ لوجوب الضمان عليه، وكون

العبد يدعي الحرية ويذكر بينة غائبة والجارية مثل ذلك

الغلة له من حينئذ. وعلى القول الثالث يجب له الرجوع عليه بما أنفق منذ وقف، بشهادة الشاهد الواحد، لوجوب الضمان عليه، وكون الغلة له من حينئذ. وقد فرق في رسم حمل صبيا من رواية عيسى، عن ابن القاسم، من كتاب الدعوى والصلح، بين النفقة والضمان والغلة. فقال: إن النفقة ممن تصير إليه، والغلة للذي هي في يديه؛ لأن الضمان منه، وساوى بين ذلك عيسى من رأيه، وهو القياس، وكذلك ظاهر المدونة أنه مفرق بين النفقة والغلة. والصواب أن لا فرق بينهما، وفي أن يكونا تابعين للضمان، إما من يوم وجوب التوقيف بشهادة شاهد واحد، وإما من وجوبه بشهادة شاهدين، وإما من يوم القضاء والحكم، وبالله التوفيق. [العبد يدعي الحرية ويذكر بينة غائبة والجارية مثل ذلك] ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان المضمون قال مالك في العبد يدعي الحرية ويذكر بينة غائبة، والجارية مثل ذلك، قال مالك: لا أرى أن يقبل قول العبد، إلا أن يأتي ببينة، أو أمر يشبه فيه وجه الحق، فإن أتى بذلك، رأيت له ذلك، وإني لأستحب في الجارية أن يوقف صاحبها عنها، وإن كان مأمونا أمر أن يكف عن وطئها، وإن كان غير مأمون؛ إذا جاءت بأمر قوي في الشهادة، رأيت أن توضع علي يدي امرأة، ويضرب في ذلك أجل الشهرين والثلاثة، مثل الشاهد والعدل البين العدالة. قال محمد بن رشد: قوله لا أرى أن يقبل قول العبد إلا أن يأتي ببينة، أو أمر يشبه فيه وجه الحق، فإن أتى بذلك، رأيت له ذلك، كلام وقع على غير تحصيل؛ إذ لا يصح أن يقبل قول العبد فيما ادعاه من الحرية، إلا إذا أتى على ذلك ببينة عدلة، لا إذا أتى على ذلك ببينة غير عدلة، أو بأمر يشبه فيه وجه الحق، والحكم في ذلك يفترق بين أن يأتي على دعوى بينة غير عدلة، أو بشاهد واحد عدل، وبين ألا يأتي بمن يشهد له ويشبه قوله، وبين

مسألة: تكون بيده الأرض يزرعها في حياة أبيه زمانا يحوزها ثم يهلك أبوه

أن لا يأتي بمن يشهد له، ولا يشبه قوله، حسبما مضى تحصيل القول فيه في سماع عبد المالك بن الحسن، من كتاب الأقضية، وقد مضى منه في رسم القبلة قبل هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: تكون بيده الأرض يزرعها في حياة أبيه زمانا يحوزها ثم يهلك أبوه] مسألة وسئل مالك عن الرجل تكون بيده الأرض يزرعها في حياة أبيه زمانا يحوزها، ثم يهلك أبوه، فيقول: قد حزتها، وهي لي، قال مالك: ليس له ذلك إلا ببينة، أرأيت لو كان أبوه حيا، ثم قال ذلك، أكان ذلك له إلا ببينة؟ ومن ذلك أن يكون الولد في مال أبيه يدبر أمره، فهو وغيره ممن لا يدبر، بمنزلة واحدة، فقيل له: يا أبا عبد الله، فإن كان أجنبيا من الناس، قال ذلك أقوى أن يقول: اشتريت، ومات الشهود، وطال الزمان، فقيل له: أفترى ذلك للأجنبي؟ فوقف ولم يقض فيها بشيء، وكان رأيه أن يراه قويا. قال ابن القاسم: وهو رأيي، قال الإمام القاضي: مجرد الحيازة، لا ينقل الملك عن المحوز عليه إلى الحائز باتفاق، ولكنه يدل على الملك، كإرخاء الستر، ومعرفة العفاص والوكاء، وما أشبه ذلك من الأشياء، فيكون القول بها قول الحائز مع يمينه؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من حاز شيئا عشر سنين فهو له» ؛ لأن المعنى عند أهل العلم في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هو له، أي إن الحكم يوجبه له بدعواه، فإذا حاز الرجل مال غيره في وجهه مدة تكون فيها الحيازة عاملة، وهي عشرة أعوام، دون هدم ولا بنيان، أو مع الهدم والبنيان، على ما نذكره من الخلاف في ذلك بعد هذا وادعاء ملكا لنفسه، بابتياع أو هبة أو صدقة، وجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه. واختلف إن كان هذه الحائز وارثا، فقيل: إنه بمنزلة الذي ورث ذلك عنه، في مدة الحيازة،

أقسام الحيازات

وفي أنه لا يتبع بها، دون أن يدعي الوجه الذي تصير به ذلك إلى مورثه، وهو قول مطرف وأصبغ، وقيل: تكون مدته في الحيازة أقصى، وليس عليه أن يسأل عن شيء؛ لأنه يقول: ورثت ذلك، ولا أدري بما تصير ذلك إليه، وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم إن خرجت، من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب. وقول ابن الماجشون: وقوله عندي بين في أنه ليس عليه أن يسأل عن شيء، وأما المدة فينبغي أن يستوي فيها الوارث والمورث؛ لعموم قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من حاز شيئا عشر سنين هو له» ، وتضاف مدة حيازة الوارث إلى مدة حيازة المورث، مثل أن يكون الوارث قد حاز خمسة أعوام ما كان مورثه، قد حاز خمسة أعوام، فيكون ذلك حيازة على الحاضر. وقد اختلف على القول بأن العشرة الأعوام ليست بحيازة؛ إذا لم يكن هدم ولا بنيان، أو مع الهدم والبنيان إن طالت حيازته مدة تبيد فيها الشهود، وهي العشرون عاما على اختلاف في ذلك، فقيل: إن القول قوله في البيع والهبة والصدقة، وهو قول ابن القاسم في رسم البراءة، من سماع عيسى، من كتاب القسمة، وقيل: إن القول قوله في البيع، لا في الهبة والصدقة والنزول. وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من هذا الكتاب. [أقسام الحيازات] والحيازات تنقسم على ستة أقسام؛ لأنها على مراتب ست، أضعفها حيازة الأب على ابنه، والابن على أبيه، ويليها حيازة الأقارب الشركاء بالميراث أو بغير الميراث، بعضهم على بعض، وتليها حيازة القرابة بعضهم على بعض، فيما ليس شرك بينهم فيه،

والموالي والأختان الأشراك بمنزلتهم، وتليها حيازة الموالي والأختان بعضهم على بعض فيما لا شرك بينهم فيه، وتليها حيازة الأجنبيين الأشراك بعضهم على بعض، فيما لا شرك بينهم فيه، وهي أقواها، وقد قال: إن سبب الشركة أقوى من سبب القرابة، فالحيازة بينهم أضعف وهو بعيد، وإنما الذي يشبه أن يستوي السببان، وسنزيد هذا المعنى بيانا في رسم الكبش، من سماع يحيى، إذا وصلنا بالشرح إن شاء الله. والحيازة تكون بثلاثة أشياء: أضعفها السكنى والازدراع، ويليها الهدم والبنيان، والغرس والاستقلال، ويليها التفويت بالبيع والهبة، والصدقة والنحل والعتق، والكتابة والتدبير والوطء، وما أشبه ذلك مما لا يفعله الرجل إلا في ماله، والاستخدام في الرفيق، والركوب في الدواب، كالسكنى فيما يسكن، والازدراع فيما يزرع، والاستقلال في ذلك كله كالهدم والبنيان في الدور، وكالغرس في الأرضين. فأما حيازة الابن على أبيه، والأب على ابنه، فلا اختلاف في أنها لا تكون بالسكنى والازدراع، ولا في أنها تكون بالتفويت من البيع والهبة والصدقة، والعتق والتدبير والكتابة والوطء، واختلف هل يحوز كل واحد منهما على صاحبه بالهدم والبنيان والغرس أم لا على قولين؛ أحدهما: أنه لا يحوز عليه بذلك، إن ادعاه ملكا لنفسه، قام عليه في حياته أو بعد وفاته، وهو قول مالك في هذه الرواية، والمشهور في المذهب، يريد والله أعلم، إلا أن يطول الأمر جدا إلى ما تهلك فيه البينات، وينقطع فيه العلم. والثاني: أنه يحوز عليه بذلك، قام عليه في حياته أو على سائر ورثته بعد وفاته؛ إذا ادعاه ملكا لنفسه، وكان لا ينتقل بالحيازة

من موضع إلى موضع، وهو قول ابن دينار في كتاب الجدار، وفي الواضحة وقول مطرف في الواضحة أيضا. وأما حيازة الأقارب الشركاء بالميراث، أو بغير الميراث، فلا اختلاف في أنها لا تكون بالسكنى والازدراع، إلا على ما تأوله بعض الناس على ما في المدونة في قوله: وهذا من وجه الحيازة الذي أخبرتك من أنه لا فرق على مذهبه في المدونة في الحيازة بين الأقارب والأجنبيين، وهو بعيد، ولا في أنها تكون حيازة بالتفويت من البيع والهبة والصدقة، والعتق والكتابة والتدبير والوطء، وإن لم تطل المدة. فصل: وهذا الذي ذكرناه من أنه لا اختلاف في أن الحيازة تكون بين أهل الميراث بالتفويت من البيع والهبة والصدقة والعتق، والكتابة والتدبير، وما أشبه ذلك من الوطء، الذي لا يصح للرجل أن يفعله إلا فيما خلص من ماله، وإن لم تطل المدة، هو أمر متفق عليه في الجملة، ويفترق الحكم فيه على التفصيل؛ إذ لا يخلو من أن يكون فوت بذلك كله الكل أو الأكثر، أو الأقل أو النصف، وما قاربه. فأما إذا فوت الكل بالبيع، فإن كان المحوز عليه حاضر الصفقة، فسكت حتى انقضى المجلس، لزمه البيع في حصته، وكان له الثمن، وإن سكت بعد انقضاء المجلس، حتى مضى العام ونحوه، استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه أنه انفرد بالوجه الذي يذكره من ابتياع أو مقاسمة أو ما أشبه ذلك، وإن لم يعلم بالبيع إلا عند وقوعه، فقام حين علم، أخذ حقه، وإن لم يعلم إلا بعد العام ونحوه، لم يكن له إلا الثمن، وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة، لم يكن له شيء، واستحقه الحائز بما ادعاه بدليل حيازته إياه. وأما إذا فوته بالهبة أو الصفقة، أو التدبير أو العتق، فإن كان حاضرا فسكت حتى انقضى المجلس، لم يكن له شيء، وإن لم

يكن حاضرا، فقام حين علم، كان على حقه، وإن لم يقم إلا بعد العام ونحوه، كان القول قول الحائز، وإن لم يكن له هو شيء. وأما إذا فوته بالكتابة، فيتخرج ذلك على الاختلاف بالكتابة، هل تحمل محمل البيع، أو محمل العتق؟ وقد مضى القول في كل واحد منهما، وكذلك إذا حاز الكل بالوطء والاتحاد بعلم المحوز عليه من الورثة فهي حيازة، وإن لم تطل المدة، فإن حاز شيئا مما ذكرناه الأكثر، كان الحكم فيه على ما تقدم، ويختلف في الباقي على قولين؛ أحدهما: أنه يكون تبعا للأكثر، فيستحقه الحائز بحيازته الأكثر، مع يمينه على ما ادعاه من أنه صار به إليه. وهو قول ابن القاسم قرب آخر رسم الكبش، من سماع يحيى بعد هذا، إلا أنه لم يذكر اليمين. والقول الثاني: أنه لا يكون تبعا له، فيكون للمحوز عليه حقه فيه بعد يمينه على تكذيب صاحبه في دعواه، وهو ظاهر قول ابن القاسم في سماع سحنون؛ إذ لم يفرق في ذلك بين القليل والكثير، فكان الشيوخ يحملونه على الخلاف لما في سماع يحيى. وإن حاز بشيء مما ذكرنا الأقل، فقيل: إنه يستحقه بحيازته إياه، ولا يكون تبعا لما لم يحز، وهو ظاهر قول ابن القاسم أيضا في سماع سحنون بعد هذا، وقيل: إنه لا يستحقه بحيازته إياه بذلك، ويكون تبعا لما لم يحز، فيأخذ المحوز عليه حقه فيه، إن كان عبدا فأعتق كان له قيمة حظه على الذي أعتقه، وإن بيع كان له حظه من الثمن الذي بيع به، وإن وهب أو تصدق به أخذ حظه منه، إلا أن لا يجده فيكون له قيمة حظه منه على الذي وهب أو تصدق به. وهو قول ابن القاسم قرب آخر رسم الكبش، من سماع يحيى بعد هذا. وأما إذا فوت بشيء من ذلك كله النصف أو ما قاربه، فلا اختلاف في أنه لا يكون بعض ذلك تبعا لبعض، فيستحق الحائز بحيازته ما

حاز منه، ويكون ما لم يحز منه بينهما على سبيل الميراث. فيتأول ما في سماع سحنون على أن الذي حازه الوارث بهذه المعاني متناصفا أو متقاربا، فلذلك قال: إنه لا يكون القليل تبعا للكثير، لا فيما حاز ولا فيما لم يحز، فلا يكون على هذا ما في سماع سحنون مخالفا لما في سماع يحيى، ولا يكون خلاف في أن القليل تبع للكثير فيما حيز وفيما لم يحز، على ما وقع في سماع يحيى. وهو أول من حمل ذلك على الخلاف على ما كان يحمله عليه الشيوخ، وكذلك القول فيما حازه الوارث على أوراثه بالهدم والبنيان، أو الاستغلال العشرة الأعوام، على القول بأن ذلك يكون حيازة بين الأوراث، يختلف هل يكون القليل من ذلك تبعا للكثير فيما حيز، وفيما لم يحز على ما ذكرناه، ولا فرق في مدة حيازة الوارث على أوراثه بين الرباع والأصول والثياب والحيوان والعروض، وإنما يفترق ذلك في حيازة الأجنبي مال الأجنبي بالاعتمار والسكنى والازدراع في الأصول، والاستخدام والركوب واللباس في الرقيق والدواب والثياب، فقد قال أصبغ: إن السنة والسنتين في الثياب حيازة إذا كانت تلبس وتمتهن، وإن السنتين والثلاث حيازة في الدواب إذا كانت تركب، وفي الإماء إذا كن يستخدمن، وفي العبيد والعروض فوق ذلك، ولا يبلغ في شيء من ذلك كله بين الأجنبيين إلى العشرة الأعوام كما يصنع في الأصول قال: وما أحدث الحائز الأجنبي فيما عدا الأصول من بيع أو عتق أو تدبير أو كتابة أو صدقة أو إصداق أو وطء في الإماء بعلم مدعيه أو بغير علمه، فلم ينكر ذلك حين بلغه استحقه الحائز بذلك. هذا كله معنى قول أصبغ دون نصه، واختلف قول ابن القاسم في حيازة الشركاء بالميراث بعضهم على بعض بالهدم والبنيان، فمرة قال: إن العشر سنين في ذلك

حيازة، ومرة قال: إنها لا تكون حيازة إلا أن يطول الأمر أزيد من الأربعين سنة، كحيازة الأب على ابنه والابن على أبيه، وقع اختلاف قوله في رسم الكبش، من سماع يحيى، من هذا الكتاب. وأما حيازة القرابة بعضهم على بعض فيما لا شرك بينهم فيه، فمرة جعله ابن القاسم كالقرابة الأشراك، فرجع عن قوله في أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان، إلى أنه لا حيازة بينهم في ذلك إلا مع الطول الكثير، وهو نص قوله في الرسم المذكور، من سماع يحيى بعد هذا؛ ومرة رآهم بخلاف القرابة الأشراك، فلم يرجع عن قوله في أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان، وهو دليل قوله في الرسم المذكور من رواية يحيى. ثم رجع ابن القاسم فيما يحوزه الوارث على أشراكه بالهدم والبنيان؛ لأن فيه دليلا أنه لم يرجع عن قوله فيما سواهم من الموالي والأصهار والقرابة، الذين لا شركة بينهم، فيتحصل على هذا فيهما جميعا ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان حيازة فيهما جميعا. والثاني: أنها ليست بحيازة فيهما، إلا مع طول المدة. والثالث: الفرق بينهما، وأما حيازة الموالي والأختان والأصهار، فيما لا شركة لهم فيه، فمرة جعلهم ابن القاسم كالأجنبيين، تكون الحيازة بينهم بالعشرة الأعوام، دون هدم ولا بنيان، وهو قوله في رسم شهد، من سماع يحيى بعد هذا من هذا الكتاب، وقوله في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، من كتاب الدعوى والصلح، ومرة جعلهم كالقرابة الذين لا شركة بينهم، فيتحصل فيهم ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الحيازة تكون بينهم في

ابتاع جارية فتصدق بها على رجل ثم توفي واعترفت الجارية حرة

العشرة الأعوام، وإن لم يكن هدم ولا بنيان. والثاني: أنها لا تكون الحيازة بينهم في العشرة الأعوام إلا مع الهدم والبنيان. والثالث: أنها لا تكون الحيازة بينهم بالهدم والبنيان، إلا أن يطول الزمان جدا. وأما الأجنبيون الأشرك، فلا حيازة بينهم في العشرة الأعوام. إذا لم يكن هدم ولا بنيان، وتكون في العشرة الأعوام حيازة مع الهدم والبنيان، ولا يدخل اختلاف قول ابن القاسم في ذلك، الواقع في الرسم المذكور من سماع يحيى، بدليل قوله فيه بين الورثة يحاص، وقد قيل: إنه يدخل اختلاف قول ابن القاسم في ذلك، وهو تأويل عيسى بن دينار في كتاب الجدار، وسنزيد هذا المعنى بيانا في رسم الكبش، من سماع يحيى إن شاء الله. وأما حيازة الأجنبيين بعضهم على بعض فيما لا شركة بينهم فيه، فالمشهور في المذهب، أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام، وإن لم يكن هدم ولا بنيان، وفي كتاب الجدار لابن القاسم، أنها لا تكون حيازة إلا مع الهدم والبنيان، وهو قول ابن القاسم في رواية حسين بن عاصم عنه، ودليل ما في رسم إن خرجت من سماع عيسى بعد هذا، من هذا الكتاب، ويشهد لهذا القول ما وقع في الموطأ من قول ابن عبد الرحمن بن عوف في الأرض التي مكثت في يد أبيه سنين، فما كنت أراها إلا لنا من طول ما مكثت في يديه. ولا اختلاف في أنها تكون حيازة بينهم مع الهدم والبنيان، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق، اللهم لطفك. [ابتاع جارية فتصدق بها على رجل ثم توفي واعترفت الجارية حرة] ومن كتاب أوله سلعة سماها وسئل عن رجل ابتاع جارية، فتصدق بها على رجل، ثم إن

يشتري السلعة فتوجد مسروقة فيقيم الذي اعترفها البينة عليها

الذي ابتاعها توفي، واعترفت الجارية حرة، فأخذ الثمن من البائع، لمن تراه؟ الورثة المتصدق، أم للذي تصدق بها عليه؟ قال: بل لورثة الذي تصدق بها، وليس للذي وهبت له من الثمن شيء. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب الشفعة من المدونة زاد فيها، وكذلك لو اشترى دارا فوهبها لرجل، فأتى رجل، فاستحق نصفها، وأخذ النصف الباقي بالشفعة، لم يكن للموهوب له من نصف الثمن الذي يأخذه المستحق بالشفعة شيء؛ لأن الواهب إنما وهب له الدار، ولم يهب الثمن، بخلاف إذا اشترى شقصا من دار، فوهبه لرجل، وهو يعلم أن لها شفيعا؛ لأن الواهب قد علم أن الشفيع إن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فليس له من الثمن شيء، ولو لم يعلم أن لها شفيعا لكان الثمن له، وقد اختلف هل هو محمول على العلم أو على غير العلم؟ وفي الشفعة من المدونة دليل على القولين جميعا، وبالله التوفيق، اللهم لطفك. [يشتري السلعة فتوجد مسروقة فيقيم الذي اعترفها البينة عليها] ومن كتاب الشريكين قال مالك في الرجل يشتري السلعة فتوجد مسروقة، فيقيم الذي اعترفها البينة عليها أنه ما باع ولا وهب في عملهم، ويحلف على ذلك ثم يعطاها، فإن أراد الذي اعترفت في يديه، أن يذهب بها إلى صاحبها الذي اشتراها منه ليأخذ ثمنها، فإن ذلك له، ولكن يضع قيمتها للذي استحقها، ثم تدفع إليه حتى يستخرج حقه، ولا بد له من ذلك، فإن دخل السلعة تلف من موت أو نقصان، لحق أو

شهدوا في السرقة تسرق من رجل

غيره ضمنها، وكانت قيمتها للذي اعترفها، فإن تلفت القيمة، فهي من الذي كانت تصير إليه. قال مالك: وإن كانت جارية لم يأمنه عليها، رأيت أن يلتمس قوما ممن يخرج إلى تلك البلاد، فتدفع إليهم يكونون معها حتى يبلغونها، ويستخرج حقه، وإن لم يجد أحدا رأيت أن يستأجر عليها من يؤمن عليها، يخرج بها معه. قال ابن القاسم: وتكون تلك الأجرة على من يطلب بها حقه. قال محمد بن رشد: قوله: فيقيم الذي اعترفها البينة عليها، أنها ماله وملكه، وأنه ما باع ولا وهب في علمه، يريد فيقيم الذي اعترفها البينة عليها، أنها ماله وملكه، وأنه ما باع ولا وهب في علمهم. وقوله: ويحلف على ذلك صحيح؛ لأن ما تشهد البينة فيه على العلم، فاليمين عليه من تمام الشهادة، وسقط في بعض الروايات من هذه المسألة في علمهم، وإذا سقط ذلك كان الظاهر أن البينة شهدت بذلك على القطع، وفي ذلك اختلاف، قد مضى القول فيه مستوفى في رسم الأقضية، من سماع أشهب، من كتاب الشهادات، فمن أحب الوقوف عليه، والعثور على حقيقة القول فيه، تأمله هناك، وسائر وجوه المسألة كلها بينة صحيحة لا اختلاف فيها، ولا إشكال في شيء من معانيها، وأصلها في المدونة وغيرها، وقد مضى طرف منها في رسم القبلة قبل هذا، وبالله التوفيق؛ اللهم لطفك. [شهدوا في السرقة تسرق من رجل] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وقال مالك في الشهود: إذا شهدوا في السرقة تسرق من رجل، قال: يشهدون أنهم ما علموه باع، ولا وهب على العلم. قال ابن القاسم: هذا في الاستحقاق، ولا يقطع السارق بهذه الشهادة،

وجد جاريته عند رجل قد ابتاعها وادعى أنها مسروقة فشهد عدلان أنها جاريته

ولا يقطع حتى يشهد أنهم رأوه يسرق. قال محمد بن رشد: قوله: يشهدون أنهم ما علموه باع ولا وهب، معناه: أنهم يزيدون ذلك في شهادتهم على معرفة الملك بالبت؛ إذ لا بد من الشهادة على معرفة الملك بالبت، وأما الزيادة على ذلك بأنهم لا يعلمونه باع ولا وهب، فهو من كمال الشهادة. ومما ينبغي للقاضي أن يوقف الشاهد على ذلك ويسأله عنه، فإن أبى أن يزيده في شهادته بطلت، ولم يصح الحكم بها، وإن قصر القاضي عن توقيف الشهود على ذلك، وسؤالهم عنه حتى ماتوا، أو غابوا حكم بشهادتهم مع يمين الطالب؛ إذ لا يصح للشاهد أن يشهد بمعرفة الملك، إلا مع أن يغلب على ظنه أنه لم يبع ولا وهب، فهي محمولة على الصحة. وقول ابن القاسم: إن السارق لا يقطع بهذه الشهادة، ولا يقطع إلا بالشهادة على معاينة السرقة بين واضح، لا إشكال فيه ولا اختلاف، وبالله التوفيق. [وجد جاريته عند رجل قد ابتاعها وادعى أنها مسروقة فشهد عدلان أنها جاريته] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد وقال مالك في رجل وجد جاريته عند رجل قد ابتاعها، وادعى أنها مسروقة، فأقام رجلين عدلين، فشهدا أنها جارية له، ثم هلكت بيد الذي هي بيده، ولم يقض له بها. قال: أراها من الذي قامت له البينة بأنها مسروقة منه، ولا أرى له في ثمنها شيئا، وأن مصيبتها منه. قال ابن القاسم: ويرجع الذي كانت الجارية في يديه على بائعه بالثمن، وذلك إذا كان الذي استحقت في يده منتفيا من وطئها، ومن حمل إن كان بها، وأما إذا كان مقرا بوطئها ولم يدع الاستبراء، فماتت قبل أن تستبرأ فمصيبتها من الذي استحقها في يديه؛ لأن كل من كان عليه أن يستبرأ منه، فمصيبتها منه حتى يستبرئ.

قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية، وروايته عن مالك في أن الأمة المستحقة إذا ماتت في يد المستبرئ، بعد أن أثبتها المستحق؛ أن ضمانها منه، ويرجع المستبرئ الذي كانت بيده على بائعها منه بالثمن: هو قول مالك في موطاه، وقول غير ابن القاسم في كتاب الشهادات من المدونة. وقد مضى في رسم الشجرة تحصيل الاختلاف في الحد الذي يدخل به الشيء المستحق في ضمان المستحق، فلا معنى لإعادة ذلك. وقول ابن القاسم: ويرجع الذي كانت الجارية في يديه على البائع بالثمن، وذلك إذا كان الذي استحقت في يديه منتفيا من وطئها إلى آخر قوله، مفسر لقول مالك، ويأتي على ما في سماع أشهب من كتاب العيوب، في أن ضمان المردودة بالعيب من البائع، وإن كان المبتاع الراد لها بالعيب قد وطئها إذا ماتت قبل أن يتبين بها حمل أن يكون ضمان الجارية المستحقة من المستحق إذا ماتت بعد أن أثبتها على هذه الرواية، أو بعد أن حكم له بها على القول بأنها لا تدخل في ضمانه حتى يحكم له بها، وإن كان المبتاع المستحق منه قد وطئها إذا كان موتها قبل أن يتبين بها حمل. وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في الموطوءة هل هي محمول على الحمل حتى يتبين أنه ليس بها حمل، أو على غير الحمل حتى يتبين أن بها حملا؟ فذهب ابن القاسم إلى أنها محمولة على الحمل حتى يتبين أنه ليس بها حمل، وهو المشهور، وقد قال مالك في المدونة: جل النساء على الحمل. وذهب أشهب إلى أنها محمولة على غير الحمل، حتى يتبين بها حمل، فهذا وجه القول في هذه المسألة، ولو أقام المستحق البينة عليها بعد موتها؛ لكانت مصيبتها من الذي كانت في يديه، ويرجع المستحق لها بالثمن على البائع أو بالقيمة إن كانت أكثر من الثمن إن كان غاصبا، قاله ابن القاسم في سماع عيسى، من كتاب الدعوى والصلح نصا. وذلك ما لا اختلاف فيه، وبالله التوفيق.

وقع له ميراث لابنته فتزوجت ودخل بها زوجها ثم أراد أبوها بيع الدار

[وقع له ميراث لابنته فتزوجت ودخل بها زوجها ثم أراد أبوها بيع الدار] من سماع أشهب من مالك من كتاب الأقضية وسئل عمن وقع له ميراث لابنته في دار، فتزوجت الابنة، ودخل بها زوجها، ثم أراد أبوها بيع الدار، فقيل له: لا نشتري، نخاف أن لا تكون ابنتك راضية، فجاء زوجها فقال: إنها قد وكلتنا، فباعاها جميعا، فأقامت الدار في يد المشتري أربع عشرة سنة، يبني ويهدم، وهي مقيمة معه في البلد، ثم جاءت بعد أربع عشرة سنة فقالت: ما وكلتهما ولا علمت بالبيع، ولقد كانا يقولان لي إذا سألتهما عنها: أكريناها هي بكراء، فقال مالك: مقيمة أربع عشرة سنة بالبلد، يبنون ويهدمون لا تعلم؟ فقيل: كذلك تقول، قال مالك: فلعلها ممن يجوز عليها بيعهما. فقيل له: قد تزوجت ودخل بها زوجها، فقال له: قد يدخل بالمرأة زوجها وهي مولى عليها، ويجوز عليها أمر وليها، بقول الله تبارك وتعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] ، فلعلها لم يونس منها رشد. فقيل له: كيف ترى إن كانت ممن لا يجوز عليها أمرهم؟ فقال: تطلب البينة عليها أنها وكلتهم بالبيع، وإلا حلفت بالله ما علمت بذلك ورد البيع. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: فلعلها ممن يجوز عليها بيعهما؛ معناه: فلعلها ممن يجوز عليها أمر أبيها، فينفذ عليها بيعهما معا. وقوله في آخر المسألة: تطلب البينة عليها أنها وكلتهم على البيع، يريد أو على أنها علمت به فسكتت عميه ولم تنكره، فإن قامت عليها البينة أنها

مسألة: ابتعت دارا فبنيتها وعمرتها ثم جاء رجل فاستحقها

وكلتهما على البيع، نفذ عليها، قامت بالقرب أو بالبعد، وأما إن لم تقم عليها البينة، إلا أنها علمت بالبيع فسكتت عليه ولم تنكره، ففي ذلك تفصيل، أما إذا كانت مشاهدة للبيع، فأنكرته قبل انقضاء المجلس، حلفت ولم يلزمها، وإن لم تنكره حتى انقضى المجلس، لزمها وكان لها الثمن، وإن لم تنكره حتى طال الأمر بعد انقضاء المجلس العام فما زاد، فادعى الأب أن الدار ماله وملكه، قد كانت خلصت له بوجه كذا مما يذكره، حلف على ذلك، وكان له الثمن، وأما إن لم تشاهد البيع، وإنما علمت به بعد يمينها أنها لم ترض به، وإن قامت بعد العام، ونحوه لزمها البيع، وكان لها الثمن، وإن قامت بعد مدة تكون فيها الحيازة عاملة، فادعاء الأب أن الدار قد كانت خلصت له بوجه، كان فيما يذكره، حلف على ذلك، وكان له الثمن. وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع يحيى من كتاب الأقضية، وبالله التوفيق. [مسألة: ابتعت دارا فبنيتها وعمرتها ثم جاء رجل فاستحقها] مسألة وسئل فقيل له: ابتعت دارا فبنيتها وعمرتها، ثم جاء رجل من الأندلس فاستحقها، فقال مالك: لك عليه ما عمرت من عمل الناس، فأما بنيان الأمراء، فلا أدري ما هو. قلت: أرأيت ما حسنته من عمل الناس؟ فقال: ذلك لك، قيل أرأيت ما هدم، أيكون عليه غرمه؟ فقال: يقيم البينة خربا حتى يقدم هذا من الأندلس يحدث الرجل البير ويغرس الشجر، ويقطع النخل، ما أرى عليه شيئا إذا كان ما يعمل الناس، قيل له: أفيكون للباني على القائم قيمة البنيان أم نفقته؟ فقال: لا، بل نفقته. قال محمد بن رشد: قوله: إن للمشتري على المستحق ما عمر

من عمل الناس صحيح لا إشكال فيه؛ لأنه عمل ما يجوز له، فوجب أن يرجع بذلك على المستحق فيما يجب له به الرجوع عليه فيما عمره وبناه تفصيل واختلاف، أما إذا كان ذلك بحدثانه قبل بلاه، ففي ذلك قولان؛ أحدهما: أن له النفقة، وهو قوله في هذه الرواية. والثاني: أن له قيمة النفقة. والقولان في المدونة على اختلاف الرواية فيها. وقد قيل: إن ذلك ليس باختلاف من القول، والمعنى في ذلك أن له النفقة إن كان لم يغبن فيها، وقيمتها إن كان غبن فيها، فيرجع ذلك إلى أنه يكون عليه الأقل من النفقة، أو من قيمتها، وأما إن كان ذلك بعد أن طال الأمر وبلي البنيان، فلا يكون له على المستحق إلا قيمة بنائه قائما على حالته التي هو عليها قبل البلى قولا واحدا. وهو قول مالك في رسم مسائل وبيوع من سماع أشهب، من كتاب الشفعة. ووجه العمل في ذلك أن يقال: كم قيمة الدار اليوم على ما هي عليه من هذا البنيان القديم؟ وكم كانت تكون قيمتها اليوم، لو كان هذا البنيان الذي فيها جديدا؟ فينقص ما بين القيمتين من النفقة التي أنفق، أو من قيمتها على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك، فما بقي كان هو الذي يجب به الرجوع للمشتري على المستحق، فإن أبى أعطاه المشتري قيمة النفقة، فإن أبى كانا شريكين، وقد قيل: إنه إن أبى المستحق أن يعطيه قيمة البناء، كانا شريكين، ولم يكن للمشتري أن يعطي رب الدار قيمة النفقة، ويخرجه عنها. والقولان في آخر كتاب الغصب من المدونة، ولم ير عليه غرم ما هدم من البناء، ولا ما قطع من النخل؛ إذا كان لما فعل من ذلك وجه، ولم يكن عبثا، هذا مذهبه في هذه الرواية، بدليل قوله: ما أرى عليه شيئا إذا كان ما يعمل الناس، وقوله يقيم البيت خربا حتى يقدم هذا من الأندلس، معناه: أنه لما كان له هدمه ليصلحه، ولم يكن عليه أن يبقيه، لم يكن عليه في هدمه ضمان، وضعف أن يكون له رجوع فيما بنى من بنيان الأمراء بقوله: لا أدري ما هو قوله صحيح؛ لأنه أتلف ماله لما أنفقه فيما لا يسوغ له من السرف المنهي عنه، وبالله التوفيق.

الحر يتزوج الأمة ويشترط أن ولده منها حر فتلد ثم يستحقها رجل

[الحر يتزوج الأمة ويشترط أن ولده منها حر فتلد ثم يستحقها رجل] من سماع عيسى من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وسألته عن الرجل الحر يتزوج الأمة، ويشترط أن ولده منها حر، فتلد أولادا، ثم يستحقها رجل، قال: إن أولادها رقيقا، قلت: أفيكون لأبيهم أن يفتديهم بالقيمة؟ قال: لا، إلا أن يشاء السيد. قلت: فإن أراد ذلك السيد، وأبى الأب، أيكون ذلك للسيد؟ قال: لا. قال الإمام القاضي: قوله: إن الولد رقيق صحيح؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل ذات رحم فولدها بمنزلتها» ولم ير لأبيهم أن يفتديهم قيمتهم من سيد الأمة المستحق لها؛ إذ لم يغره منها، وهو المخطئ على نفسه فيها، ولو لم يستحق الأمة؛ لكان الولد أحرارا بالشرط، ويفسخ النكاح على كل حال. وقد مضى القول على هذا في رسم سن، من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وفي رسم الجواب، من سماع عيسى منه، وبالله التوفيق. [ابتاع عبدا فادعاه رجل في يديه فاستحقه وأخرجه من يديه] ومن كتاب أوله عبد استأذن سيده وسألت ابن القاسم عن رجل ابتاع عبدا فادعاه رجل في يديه، فاستحقه وأخرجه من يديه، فزعم المبتاع أنه من تلاد البائع، هل يرجع على بائعه بالثمن، هو يشهد أنه من تلاده؟ والبائع يقول: لم

ترجع علي بالثمن، وأنت تعلم أني إنما بعتك عبدي وتلادي، وإنما هذا رجل استحقه ظلما، أو ابتاع ثوبا من رجل فاستحقه رجل في يديه، فشهد المبتاع مما حاك البائع، أو ابتاع منه دارا، فاستحقت في يديه، فشهد المبتاع أنها دار البائع، ودار أبيه وجده. من قبله حطهم، هل يرجع على صاحبه بالثمن في هذا كله؟ وصاحبه يقول: أنت تعلم إنما بعتك مالي، وإنما هذا ظالم، أخرج هذا الحق من يديك، قال: لا أرى أن يرجع عليه في جميع هذه الأموال بشيء؛ إذا كان يعلم أنها أخرجت من يديه بظلم، وأن الحق حق البائع. قال محمد بن رشد لأشهب في المجموعة: إن له أن يرجع على البائع، وإن علم صحة الظلم الذي قام به المستحق، ولا يضره ذلك؛ لأن البينة قد شهدت أن البائع باع ما ليس له، وذلك مثل قوله، وقول ابن وهب، في سماع عبد المالك، من كتاب الكفالة والحوالة، على ما كان يذهب إليه الشيوخ في ذلك. والذي أقول به: إن مسألة سماع عبد المالك لابن وهب وأشهب، لا تعارض هذه المسألة؛ لأنها مسألة أخرى خارجة عن هذا الاختلاف، على ما سنبينه إن شاء الله. ومثله لسحنون في نوازله، من كتاب جامع البيوع، ولعيسى بن دينار في نوازله، من كتاب الدعوى والصلح، في بعض الروايات. وقد قال بعض أهل النظر: إنما لابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الكفالة والحوالة في الحميل يدفع ما تحمل به بحضرة الغريم، فيجحد ويغرمه ثانية؛ أنه يرجع على الغريم بما أدى أولا وثانية، هو على قياس قول أشهب في هذه المسألة، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه إنما أرجعه على الغريم بالعشرة الأولى والثانية، لما دفع كل واحدة منهما بحضرته، من أجل أنه رأى الإشهاد يتعين عليه، من أجل أن الدفع كان عنه بحضرته، خلاف ما في سماع عيسى في الكتاب المذكور، من أن الإشهاد في ذلك إنما يتعين

العبد يبني في أرض سيده بنيانا فسمى ذلك البنيان باسم العبد ثم يعتقه

على الكفيل الدافع، وإن كان الدفع بحضرة الغريم الذي عليه الدين، فليست هذه المسألة من مسألتنا بشيء، ولكلا القولين في مسألتنا وجه من النظر، فوجه هذه الرواية، أن المشتري لا يصح له أن يرجع على البائع بما يعلم أنه لا يجب عليه، ووجه القول الثاني: أن البائع أدخل المشتري في ذلك، فعليه أن يبطل شهادة من شهد عليه بباطل، حتى لا تؤخذ السلعة من يد المشتري، ويتهم إذا لم يفعل ذلك أنه قصر في الدفع؛ إذا علم أن المشتري لا يتبعه، فأراد أن يكلفه من الدفع في البينة، مما هو ألزم له منه، وبالله التوفيق. [العبد يبني في أرض سيده بنيانا فسمى ذلك البنيان باسم العبد ثم يعتقه] ومن كتاب العرية وسئل عن العبد يبني في أرض سيده بنيانا، فسمى ذلك البنيان باسم العبد، وبه يعرفه الناس، بنيان فلان، ثم يعتقه سيده عند الموت، فيقول العبد: هذه الدار لي، وإنما يعرفها الناس لي، ويقول ورثة الميت: بل هي لنا. قال ابن القاسم: أما الأرض فهي لورثة الميت، وليس للعبد فيها كلام، وأما النقض، فهو للعبد، مالا من ماله يتبعه. محمد بن أحمد هذا كما قال: إن النقض للعبد؛ إذا كانت له بينة أنه هو ولي بنيانه، أو أقر له الورثة بذلك، وادعوا أنه إنما بناه بمال سيده موروثهم، غير أنه إن أقروا له بولاية البنيان، وادعوا أنه إنما بناه بمال سيده، حلف أنه إنما أنفق فيه ماله لا مال سيده، ويأخذ نقضه، إلا أن يشاء ورثة السيد أن يأخذوه بقيمته منقوضا، وسواء على مذهب ابن القاسم، أنكر الورثة أن يكون ولي البنيان فأقام البينة على ذلك، أو أقروا بذلك، وادعوا أنه إنما بناه بمال

استحق عبد من الرقيق أو عبدان أو شيء من الرقيق يسيرا في عددهم

سيده موروثهم، إلا في إيجاب اليمين عليه؛ إذا أقروا له بولاية البنيان، ويأتي على قياس قول ابن وهب في سماع زونان، من كتاب الدعوى والصلح، في الرجل يبني في أرض امرأته أنهم إن أقروا له بولاية البنيان، وادعوا أنه إنما بناه بمال امرأته، حلف واستحق نفقته، وإن لم يقروا له بولاية البنيان، فأقام البينة على ذلك، استحق نقضه، لا النفقة التي أنفق؛ إذ لا فرق بين المسألتين؛ لأن العبد قد استحق ماله بحريته، وبالله التوفيق. [استحق عبد من الرقيق أو عبدان أو شيء من الرقيق يسيرا في عددهم] ومن كتاب يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه قلت لابن القاسم: إذا استحق عبد من الرقيق، أو عبدان أو شيء من الرقيق يسيرا في عددهم، أيلزم البيع إذا كان الاستحقاق من عبيد بأعيانهم؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن كان الاستحقاق اليسير بينهما، استحقه الرجل في جميع الرقيق، فقد منع من الوطء والسفر، إن كان فيها جارية، قال: سواء استحق في جميعها سهما أو عبيدا بأعيانهم، إن كان يسيرا لزمه البيع، وقيل له: قاسم شريكك انظر أبدا كل شيء يستحق، وهو يقسم، رقيقا كان أو غير ذلك، فإذا كان الذي استحق منه يسير ألزمه البيع، وإن كان مالا ينقسم في الرقيق والحيوان رده إن شاء، كان الذي استحق منه قليلا أو كثيرا. قيل: أرأيت لو كان في غير الحيوان الذي لا ينقسم، مثل الشجرة يشتريها الرجل، أو الثوب أهو كذلك؟ قال: نعم، وهو قول مالك وتفسير قوله.

الرجل والمرأة يقران بالمملكة فيباعان فتوطأ المرأة فتلد وقد مات بائعها

قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة بين فيها أن استحقاق اليسير من الأجزاء فيما ينقسم، كاستحقاق اليسير من العدد، لا يكون للمشتري إلا الرجوع بقيمة ما استحق، بخلاف استحقاق اليسير من الأجزاء فيما لا ينقسم، هذا يكون للمشتري رد الجميع لضرر الشركة، فهي تفسر سائر الروايات. واليسير النصف فأقل، والكثير الجل، وهو ما زاد على النصف. وهذا في العروض عند ابن القاسم، بخلاف الطعام وما كان في معناه من المكيل والموزون، فإنه يرى فيه استحقاق الثلث، فما زاد كثيرا، وساوى بين ذلك أشهب، إلا أنه يقول في مثل العبيد إذا تساوت أثمانهم، أو تقاربت أنه لم يشتر أحدهم لصاحبه؛ فيلزمه من بقي منهم بما ينوبه من الثمن، خلاف مذهب ابن القاسم؛ إذ لا فرق عنده إذا استحق الجل من العدد بين أن تستوي قيمتهم أو تختلف، وبالله التوفيق. [الرجل والمرأة يقران بالمملكة فيباعان فتوطأ المرأة فتلد وقد مات بائعها] ومن كتاب لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس وسئل عن الرجل والمرأة صغيرين أو كبيرين، يقران بالمملكة فيباعان، فتوطأ المرأة فتلد، وقد مات بائعها أو فلس، أيكون دينا على الكبيرين؟ قال ابن القاسم: أرى ذلك دينا على الكبيرين، وأما الصغيران فلا أرى ذلك عليهما. قال محمد بن رشد: على هذه الرواية، التزم الموثقون أن يكتبوا في عقد الرقيق؛ إذا كان العبد أو الأمة قد بلغا إقرارهما بالرق لبائعهما؛ ليكون للمشتري اتباعهما بأثمانهما إن استحقا بحرية، وثبت عليهما العلم بذلك، والبائع ميت أو عديم، وهو ضعيف؛ لأن السكوت عند ابن القاسم في هذه المسألة كالإقرار، يجب به للمشتري الرجوع، وذلك منصوص له في رسم الجواب من سماع عيسى، من كتاب الجهاد.

يكون بيده المسكن فيقيم رجل عليه بينة أنه مسكنه ويدعي هو أنه باعه منه

وقد مضى القول على هذه المسألة هناك مستوفى، وذكرنا الاختلاف في وجوب الغرم عليها، وأنه جار على مجرد الغرور بالقول، هل يلزم به غرم أم لا؟ وبالله التوفيق. [يكون بيده المسكن فيقيم رجل عليه بينة أنه مسكنه ويدعي هو أنه باعه منه] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل عن الذي يكون بيده المسكن أو الأرض، فيقيم رجل عليه بينة أنه مسكنه أو أرضه، أو يقر له بذلك الذي هو بيده، ويدعي الذي هو بيده أنه باعه منه أو تصدق به عليه، أو وهبه، أو ما أشبه ذلك، ولا يأتي ببينة على شيء من دعواه. قال ابن القاسم: القول قول الذي هو بيده؛ إذا كان قد حازه الزمان الذي يعلم في مثله أن قد هلكت البينة على البيع مع يمينه، وأما الصدقة والهبة والنزول، فإني أرى أن يحلف صاحب المنزل بالله الذي لا إله إلا هو ما وهب ولا تصدق، ولا أنزل، ولا كان ذلك منه إلا على وجه التماس الرفق به، فيرد إليه بعد أن يدفع إليه قيمة ما أحدث فيه نقضا إن أحب، وإن أبى أسلم إليه نقضه مقلوعا قال: وإن كان الذي الأرض أو المسكن في يديه ورثها عن أب هالك أو غيره، فالقول قوله مع يمينه، إلا أن يكون مدعيها غائبا طرأ، فيقيم البينة أنها له أو لجده، فيسأل الذي هي في يديه البينة، على اشتراء أو سماع، فيكون أولى به، وإن لم يأت بشيء من ذلك، قضى به للقادم؛ إذا أقام البينة أنها لأبيه أو لجده. قال محمد بن رشد: دليل هذه الرواية، أنه لا حيازة بين الأجنبيين في العشرة الأعوام؛ إذا لم يكن هدم ولا بنيان؛ إذ لم يجعل القول قول الحائز فيما حازه إذا ادعى ابتياعه من الذي حازه عليه، إلا أن تطول المدة، إلى ما تهلك فيه البينات.

مسألة: يرثون المنزل فيقوم رجل منهم فيعمل في تلك الأرض بيتا قبل أن يقتسم

وتفرقته في هذا بين البيع والهبة والصدقة والنزول، خلاف قوله في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب القسمة، فإنه ساوى بين البيع والهبة والصدقة، في أن القول قول الحائز فيما ادعاه من ذلك كله؛ إذا طالت مدة حيازته إياه، في وجه صاحبه إلى ما تهلك فيه البينات. وقوله: وإن كان الذي الأرض أو المسكن في يديه، ورثها عن أب هالك أو غيره، فالقول قوله مع يمينه يريد فيما ادعاه من أنه صار به إلى أبيه، من بيع أو هبة أو صدقة، وكذلك لو قال: لا أعلم بما تصير إلى أبي، إلا أني ورثته عنه وحزته عليك هذه المدة؛ لكان القول قوله مع يمينه أنه ماله وملكه ورثه عن أبيه لا يعلم بأي وجه تصير إليه على ظاهر هذه الرواية، وهو قول ابن الماجشون، خلاف قول مطرف وأصبغ، وأما إذا كان المدعي غائبا طرأ، فأقام البينة، فلا ينتفع المقام عليه، بمجرد حيازته، دون أن يقيم البينة على الشراء بالقطع أو السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: يرثون المنزل فيقوم رجل منهم فيعمل في تلك الأرض بيتا قبل أن يقتسم] مسألة وسئل عن الإخوة يرثون المنزل، فيقوم رجل منهم فيعمل في ذلك المنزل أو الأرض بيتا قبل أن يقتسم أو يغرس، ثم يقسم، كيف الأمر فيها؟ قال: يقسم، فإن صار ذلك للذي بناه كان له، وإن صار لغيره، خير الذي صار له ذلك، فإن أحب أعطاه قيمته منقوضا، وإن أحب أسلمه إليه فقلعه. قلت: فإن استغل من ذلك شيئا قبل القسم، قال: إن كانوا حضروا فلا شيء لهم؛ لأنهم بمنزلة لو أذنوا له، وإن كانوا غيبا فلهم من ذلك بقدر كراء الأرض البيضاء، يكون عليه لهم ما ينوبهم، صارت له أو لغيره إذا كانوا غيبا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق، لا رب سواه.

عبد باع أرضا لسيده أو أعارها رجلا فبنى فيها أو غرس

[عبد باع أرضا لسيده أو أعارها رجلا فبنى فيها أو غرس] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وسئل عن عبد باع أرضا لسيده، أو أعارها رجلا، فبنى فيها أو غرس، ثم ظهر السيد على ذلك، فأخذ الأرض، هل ترى على السيد قيمة فيما بنى أو غرس أو الثمن الذي باعها به العبد إن كان باعها منه؟ قال: ليس على السيد قيمة فيما بنى أو غرس، إلا أن يريد أن يمسك البناء أو الغرس، فيعطي الباني أو الغارس قيمة ذلك مقلوعا، ولا يكون للباني أو الغارس إن باينا عليه؛ إذا أعطاهما قيمة ذلك مقلوعا؛ لأن قلعه من الفساد، فلا يترك الفساد، ويكون الثمن الذي اشترى به الأرض، له على العبد يتبعه في ذمته، إن كان له يوما ما مال هو في ذمة العبد لا يعدو ذلك ذمته إلى رقبته. قال محمد بن رشد؛ المعنى في هذه المسألة أنه إنما تكلم فيها على أن العبد تعدى على أرض سيده دون إذنه ولا علمه، فأعارها رجلا بنى فيها أو غرس، أو باعها منه، فبنى فيها أو غرس، وهو عالم بعداء العبد في ذلك على سيده، فلذلك حكم له بحكم الغاصب. فقال: إن لرب الدار سيد العبد أن يأخذ أرضه، ولا يكون عليه فيما بنى أو غرس شيء، إلا أن يحب أن يأخذ البناء والغرس بقيمته منقوضا، ويرجع المشتري على العبد في الشراء بالثمن الذي دفعه إليه، فيتبعه به في ذمته، ولا يعدو ذلك ذمته إلى رقبته، ويكون للسيد أن يسقط ذلك من ذمته، وقد قيل: إن ذلك يكون في رقبته، وهو بعيد. ولو كان مأذونا له في التجارة لم يكن له أن يسقط ذلك عن ذمته، ولو لم يعلم المشتري أو المعار، بتعدي العبد على سيده، وظن أنه ماله، وأنه مأذون له في التجارة، لو أن سيده أمره أن يبيع له أرضه أو يعيرها؛ لوجب أن يكون ذلك شبهة للباني والغارس، فلا يكون للسيد أن يأخذ الأرض في

يشتري الدابة بثوبين مستويين قيمتهما واحدة فيستحق أحدهما والدابة قائمة

العارية قبل انقضاء أجلها، إلا بقيمة ما فيها من الغرس والبناء قائما، بعد يمين المعار، أنه لم يعلم بتعدي العبد، ولا من المشتري، إلا بعد أن يدفع إليه قيمة بنيانه وغرسه قائما، على حكم من استحق أرضا من يد مبتاع، وقد بنى أو غرس بعد يمين المشتري أيضا، أنه لم يعلم بتعدي العبد في ذلك على سيده، فإن نكل عن اليمين حلف السيد إن كان حقق عليه الدعوى، وترك النقض للباني ينقضه، إلا أن يحب أن يأخذه بقيمته منقوضا، وبالله التوفيق. [يشتري الدابة بثوبين مستويين قيمتهما واحدة فيستحق أحدهما والدابة قائمة] ومن كتاب الثمرة وسألته عن الرجل يشتري الدابة بثوبين مستويين، قيمتهما واحدة، فيستحق أحدهما، والدابة قائمة لم تتغير ولم تفت، بماذا يرجع؟ أبنصف قيمة الدابة؟ أم يكون شريكا معه في الدابة بنصفها؟ قال ابن القاسم: لا يكون شريكا معه فيها، وإنما عليه نصف قيمة الدابة فاتت أو لم تفت. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: أن البيع لا ينفسخ باستحقاق أحد الثوبين المستويين، هو مثل قوله وقول غيره في العيوب من المدونة في العبدين المتكافيين: إنه لم يشتر أحدهما لصاحبه، وقد قيل: إن البيع ينفسخ باستحقاق أحدهما، وهو قوله في آخر كتاب الاستحقاق من المدونة في بعض الروايات، في الذي أسلم ثوبين في فرس، فيأتي على هذا أن استحقاق النصف من العروض كثير كالطعام، ويتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: المساواة بين العروض والطعام، في أن استحقاق النصف منهما كثير. والثاني: المساواة بينهما في أن النصف يسير، وهو مذهب أشهب، واختيار سحنون. والثالث: الفرق بين الطعام والعروض في أن النصف والثلث من الطعام كثير، ومن العروض يسير، وهو المشهور المعلوم

من مذهب ابن القاسم. وأما قول ابن القاسم: إنه لا يكون شريكا معه فيها، وإنما عليه نصف قيمة الدابة فاتت أو لم تفت؛ يريد يوم الحكم، وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي. وقيل: إنه القياس، فمعناه إذا كانت الدابة قائمة لم تفت، إن ذلك من حق المشتري للدابة من أجل الضرر الداخل عليه في مشاركة البائع له فيها، وأما إن أبى من ذلك، فليس للبائع إلا أن يشاركه فيها، وقد قيل: إن ذلك ليس له، وهو مخير إذا شاركه البائع فيها، بين أن يمسك باقيها أو يرده، فينفسخ البيع، وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى، من كتاب الشفعة. وقد قيل: إن البائع يشاركه في الدابة، شاء أو أبى، ولا خيار له في رد ما فيها ورد البيع، وهو قول أشهب، فهي أربعة أقوال ترجع في التحصيل إلى قولين؛ أحدهما: أن من حق المشترى للدابة ألا يشاركه البائع فيها، وإن كانت قائمة لم تفت للضرر الداخل عليه بالشركة. والثاني: أن ذلك ليس من حقه، وللبائع أن يشاركه فيها شاء أو أبى. واختلف على القول بأن ذلك من حقه، هل تكون عليه القيمة يوم البيع أو يوم الحكم؟ واختلف بأن ذلك من حقه، هل يكون له رد الباقي إذا شاركه البائع أم لا؟ والقياس قول أشهب: إن للبائع أن يشاركه فيها، وأنه ليس له أن يرد باقيها؛ لأن استحقاق بعضها عليه ليس من سبب البائع، وإنما هو من سببه، بخلاف من اشترى دابة، فاستحق عليه بعضها، إن له ردها على البائع قولا واحدا؛ لأن الاستحقاق من سببه. ووجه رواية يحيى أن رجوع البائع عليه ببعض الدابة التي اشترى منه، استحقاق منه لبعضها، فوجب أن يكون له رد بقيتها، كما لو استحقها غيره. والقول الأول أصح؛ لأنه إذا استحقها غيره، فللبائع في ذلك سبب؛ لأنه أدخله فيها، وباع منه ما ليس له، وإذا استحقها البائع، فلا سبب له في ذلك، بل السبب في ذلك للمبتاع، فوجب ألا يكون له عليه رجوع. والقول بأنه يرد باقيها عليه، وإن لم يكن له سبب في استحقاق ما استحق منها، هو على قياس قوله في كتاب كراء الدور من المدونة في الذي يكتري الحمامين، والحانوتين، فينهدم أحدهما؛ أن له أن يرد الباقي إذا كان

الذي انهدم هو وجه ما اكتوى، والأظهر أنه ليس له أن يرد الباقي، قياسا على ما أجمعوا عليه، في الذي يشتري الثمرة فتذهب الجائحة بجلها، إنما ليس له أن يرد الباقي منها، وقول ابن القاسم: إنه لا يكون شريكا معه في الدابة بقدر ما استحق منها، ويكون عليه قيمة ذلك، هو استحسان على غير قياس، وإن كان المشهور من قول ابن القاسم، والأظهر على طرد هذا القول، أن تكون القيمة في ذلك يوم الحكم، لا يوم البيع، وظاهر ما في كتاب الاستحقاق من المدونة أنه إنما يكون عليه قيمة الثوب المستحق؛ إذا كان يسيرا، لا قيمة ما ينوبه من قيمة الدابة، وهو بعيد، فهو قول خامس في المسألة، ووجود العيب بأحد الثوبين فيما يجب لمشتريهما بالدابة من الرجوع فيها، أو في قيمتها، إن أراد رده بالعيب، كالاستحقاق سواء، فإن كان أحدهما أرفع من الآخر، مثل أن تكون قيمة أحدهما عشرة، وقيمة الثاني عشرين، فاشتراها بدابة، ثم وجد بأحدهما عيبا، فلا يخلو من أن يجد العيب بالأرفع منهما، أو بالأدنى، والعبد قائم أو فائت، فإن وجده بالأدنى منهما والعبد قائم لم يفت، فسواء كان القائم قائما أو فائتا، وفي ذلك من الاختلاف ما قد ذكرته في استحقاق أحد الثوبين، وذلك قولان؛ أحدهما: أن من حق المشتري للدابة بالثوبين إلا يرجع في عين الدابة، للضرر الداخل عليه بالشركة، ويختلف على هذا القول هل يكون عليه ما ناب المردود بالعيب من قيمة الدابة، وهو الثلث على ما نزلناه من أن قيمة الأدنى عشرة، وقيمة الأرفع عشرون يوم البيع أو يوم الحكم. والثاني: أن من حق المشتري للثوبين بالدابة أن يرجع بما ناب المردود بالبيع بالعيب في عين الدابة، ويختلف على هذا القول هل يكون من حقه رد الباقي من الدابة، وينفسخ البيع إذا شاركه البائع فيها، أم لا؟ وإن وجده بالأرفع منهما، والعبد أيضا قائم لم يفت بوجه من وجوه الفوت، وكان الأدنى قد تلف أو فات بالعيوب المفسدة، رد قيمته مع العبد الأرفع الذي وجد له العيب، وأخذ دابته، وإن كان الأدنى قائما لم يفت، أو فات بحوالة سوق، أو نقص، ردهما جميعا وأخذ عبده، وإن وجد

يدعي العبد أو الدابة قبل الرجل ويزعم أنه استودعها إياه

العيب بأحد الثوبين، والدابة قد فاتت بحوالة سوق فما فوقه، فوجد العيب بأدناهما، فإنه يرجع بما ينوبه من قيمة العبد، كان الأرفع قائما أو قد تلف. واختلف إن وجد العيب بالأرفع منهما، وقد فات الأدنى بالموت أو العيوب المفسدة، فقيل: إنه يرد الذي وجد به العيب، وقيمة الأدنى ويأخذ قيمة عبده. وقيل: إنه يرجع بما ينوبه من الثمن في قيمة العبد، وأما إن كان الأدنى قائما، أو لم يفت إلا بحوالة سوق، أو نقص يسير، فإنه يرده مع المعيب، ويأخذ قيمة عبده. وأما إذا وجد العيب مشتري الدابة بالدابة، فلا يخلو الأمر من ثلاثة أحوال؛ أحدها: أن يكون الثوبان قائمين، لم يفوتا بوجه من وجوه الفوت، فيرد الدابة ويأخذ ثوبيه، وأما إن كانا قد فاتا، أو فات الأرفع منهما بحوالة سوق فما فوقه؛ فليس له إذا رد الدابة إلا قيمة ثوبيه، وأما إن كان الأدنى منهما هو الذي فات، فيرد العبد ويأخذ الثوب الأرفع وقيمة الثوب الأدنى الذي فات. فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [يدعي العبد أو الدابة قبل الرجل ويزعم أنه استودعها إياه] ومن كتاب حمل صبيا وقال في رجل يدعي العبد أو الدابة قبل الرجل، ويزعم أنه استودعها إياه، وينكر أن يكون يعرف شيئا مما طلب، فيخاصمه فيموت العبد أو الدابة قبل أن يستحقها صاحبها ثم يستحقها. قال: الجاحد غارم لقيمتها؛ لأنه حين جحدها صار ضامنا، قال: وكذلك الدار يجحدها ثم يستحقها صاحبها، وقد انهدمت أو غرقت أو احترقت بعد الجحود؛ أن الجاحد ضامن لقيمتها يوم جحدها، وليس يوم يقضى عليه؛ إذا ثبت ذلك عليه بوديعة أو غصب الغصب يوم غصبه، والوديعة يوم جحدها.

مسألة: يعمر في أرض أبيه أو مولاه حتى يهلك

قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال: إنه إذا ادعى عليه الغصب أو الإيداع فأنكر ذلك، ثم ماتت الأمة، فأقام المدعي البينة بعد موتها بما ادعاه من الغصب أو الإيداع، أو أقر بذلك على نفسه؛ أنه ضامن. ولو تداعيا فيها، ولم يدع أحدهما على صاحبه فيها غصبا ولا إيداعا فماتت، ثم أثبت أنها له، ولم يثبت غصبا ولا إيداعا، لم يلزمه ضمانها باتفاق. ولو ادعى عليه الغصب أو الإيداع، فأنكره ثم ماتت، فأقام البينة بعد موتها؛ أنها له، ولم يقم البينة على ما ادعاه من الغصب أو الإيداع، يتخرج ذلك على قولين؛ فقف على افتراق هذه الوجوه الثلاثة، وقد مضى بيان ذلك في نوازل سحنون، من كتاب الرهون، وبالله التوفيق، لا رب سواه، اللهم لطفك. [مسألة: يعمر في أرض أبيه أو مولاه حتى يهلك] ومن كتاب شهد على شهادة ميت وعن الرجل يعمر في أرض أبيه أو مولاه، حتى يهلك أو الختن يعمره في أرض ختنه، ولا يأتي بينة على هبة ولا عطية. قال ابن القاسم: أما الولد فلا شيء له، إلا أن يأتي ببينة على عطية أو صدقة أو هبة، وأما المولى والختن فإنهما مثل الأجنبيين، إذا عمروا أو غرسوا بمحضر صاحب الأرض، ولا يغير عليهم، ولا يشهد بعارية، ولا بغير ذلك، فإن ذلك لهم إذا عمروا زمانا طويلا، وذلك نحو من عشر سنين أو تسع أو ثمان إذا بنوا بنيانا معروفا بعلم صاحب الأرض. قال محمد بن رشد: رواية عيسى هذه، في أن المولى والختن في الحيازة بمنزلة الأجنبيين، خلاف رواية يحيى عنه في أول رسم من سماعه من هذا الكتاب، في أنهما بمنزلة القرابات، ومثله في آخر مسألة من هذا الكتاب في المولى.

مسألة: يحوز على أبيه في حياته الحيوان الرأس أو الدابة حتى يموت أبوه

وقد مضى تفصيل القول في الحيازات بين الأجنبيين والموالي والأصهار والأشراك والقرابات، في رسم سلف من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. ودليل هذه الرواية أنه فرق فيها في مدة الحيازة بين الأجنبيين، بين أن تكون بعمارة دون هدم ولا بنيان، وبين أن يكون بهدم أو بنيان، فلم ير ما دون العشر سنين، بالعام والعامين حيازة، إلا مع الهدم والبنيان، وفي الواضحة لابن القاسم خلاف هذا؛ أن الثمار سنين حيازة، وإن لم يكن هدم ولا بنيان. وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في القول بدليل الخطاب، فمن قال به لم ير مجرد الحيازة عاملة فيما دون العشرة الأعوام؛ لأن في نص النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على العشرة الأعوام دليلا على أن ما دونها بخلافها، وهو دليل هذه الرواية عن ابن القاسم، ورواية يحيى عنه في أول رسم من سماعه بعد هذا، ومن لم يقل به، حكم لما قرب من العشرة الأعوام، بحكم العشرة الأعوام؛ لأن المعنى الموجود في العشرة الأعوام وهو المشاحة، موجود فيها قرب منها، وهو قول ابن القاسم، فيما حكى ابن حبيب عنه. وأما ما نص عليه في هذه الرواية من أن الحيازة بين الأجنبيين فيما دون العشرة الأعوام، بالعام والعامين عاملة مع الهدم والبنيان، فهو صحيح لا ينبغي أن يقع فيه اختلاف؛ لأن المشاحة فيما قرب من العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان أكثر منها في العشرة الأعوام، دون هدم ولا بنيان. ولا تعلق لمن ذهب للخلاف في ذلك، بدليل الخطاب في الحديث؛ إذ لم يأت إلا في مجرد الحيازة، وما لا تكون فيه الحيازة عاملة إلا مع الهدم والبنيان، فلا يكتفى فيها بما دون العشرة الأعوام قولا واحدا، وإنما يختلف في العشرة الأعوام، على ما يأتي في أول رسم من سماع يحيى بعد هذا، والله الموفق. [مسألة: يحوز على أبيه في حياته الحيوان الرأس أو الدابة حتى يموت أبوه] مسألة وعن الرجل يحوز على أبيه في حياته الحيوان الرأس، أو

يشتري العبد فيكاتبه ويأخذ كتابته ثم يستحق حرا

الدابة حتى يموت أبوه، وذلك الحيوان في يد ابنه، فيموت الأب، فيقول الورثة: هذا الرأس لأبينا، وهده الدابة له، ولا بينة له على صدقة ولا عطية بينة، هل ينتفع بطول تقادمه في يديه، والأصل معروف؟ قال ابن القاسم: لا ينتفع بطول تقادمه في يديه، إلا أن يأتي على ذلك بينة. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم، مثل ما تقدم من قول مالك في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم، في أن الابن لا ينتفع بحيازة الأرض على أبيه بالازدراع والاعتمار إذا ادعاها ملكا لنفسه دون بينة، وقد مضى القول على ذلك هنالك مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [يشتري العبد فيكاتبه ويأخذ كتابته ثم يستحق حرا] ومن كتاب أوله يريد ماله وسئل عن الرجل يشتري العبد فيكاتبه، ويأخذ كتابته، ثم يستحق حرا، أله أن يرجع بما أخذ منه من كتابته؟ قال: لا إنما ذلك بمنزلة الخراج يخارجه عليه، والإجارة يأخذها له، والخدمة يستخدمها إياه، والعمل يستعمله فيه، فليس للعبد وإن استحق بعد ذلك حرا أن يرجع عليه بما أخذ منه من إجارته وخراجه، ولا بما خدمه وعمل له، وكذلك الكتابة، قال ابن القاسم: ولكن لو كان انتزع منه مالا كان له، لكان له أن يرجع عليه بالذي انتزع منه فيأخذه، كان ذلك المال مما اشتراه له معه، أو أفاده عنده من فضل خراجه أو عمله، أو ما تصدق به عليه، أو وهب له، فانتزعه منه فذلك سواء، يرجع به عليه، وذلك أن رقبته لم تزل حرة، لم يدخلها ملك، فماله الذي كان ملكه وحازه، ليس لأحد انتزاعه،

بمنزلة حرية رقبته، ليس لأحد أخذه بغير حق، وكذلك لو كان جرح، فأخذ له السيد عقلا، ثم استحق حرا؛ فإنه يرجع على السيد بما كان أخذ من عقل جراحه؛ لأنه لم يكن ضامنا له لو مات عنده لرجع على بائعه بالثمن؛ إذا علم أنه حر، فإن قال قائل: فما بال الخراج والعمل والخدمة لا تكون بمنزلة الانتزاع يرجع به أيضا؛ لأنه كان في جميع ذلك لا يضمنه، وكان يرجع بالثمن إن هلك عنده إذا علم بحريته؟ فليس كما قال فرق بين ذلك، أن كل من اشترى عبدا فإنما يشتريه للغلة والمخارجة والخدمة والعمل، ولذلك يتخذ الناس العبيد، لأخذ أموالهم، لا ليعرضوهم الجنايات، ليأخذوا لها عقلا، وجل العبيد الذين يباعون ويشترون ويملكون، ليست لهم أموال، وإنما يكون ذلك من الخاص من العبيد. فهذا فرق ما بينهما عندي، والله أعلم. ولكن لو كان مشتريه وهب له مالا أو جارية أو شيئا ثم استحق حرا، كان للسيد أن يأخذ ذلك كله؛ لأنه يقول: إنما أعطيته ذلك حين كنت أرى أنه عبدي أستطيب بها نفسه لينصحني، وليحفظ عليّ مالي، وما أفاده عنده أيضا مما استتجره به، فإن له أن يأخذه؛ لأنه يقول: إنما هو فضلة مالي به اكتسبه، ولأني استتجره بمالي يوم استجرته به، وتركته في يديه يوم تركته، وأنا أرى أنه عبد وأنه مالي؛ إذا ما شئت انتزعه، فأراه يرجع عليه به، بمنزلة ما وهب له؛ لأنه إنما أفره بيده، بعد اكتسابه إياه، فكأنه هبة منه له، فأرى له أن يرجع فيه كما يرجع بغيره، مما وصفت لك، والله أعلم. قال ابن القاسم: وذلك إذا استتجره لنفسه، فله أن يأخذ الفضل، وأما إذا قال له: خذ هذا المال فاتجر به لنفسك، فلا أرى له أكثر من رأس ماله. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: إن الكتابة كالخراج،

والعمل لا يرجع المكاتب على سيده إذا استحق حرا بما أدى إليه من الكتابة، كما لا يرجع العبد على سيده؛ أنه استحق حرا بما أدى إليه من خراجه، ولا بقيمة عمله صحيح، على أصل مذهب مالك في أن الكتابة جنس من الغلة، وأن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء، وإنما يفترق ذلك على مذهب من يرى أن المكاتب حر بعقد الكتابة، غريم بما كوتب به، فيأتي على هذا المذهب أن له أن يرجع على سيده إذا استحق حرا بما أدى إليه من الكتابة، بخلاف الخراج والعمل. وفي الخراج وقيمة العمل اختلاف، قيل: إنه يرجع به، وهو قول ابن نافع في المدنية قال: إلا أن يكون خراجا لم يقبضه السيد، فهو للعبد، وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة؛ لأنه علق العلة فيها بالضمان، ولا ضمان عليه في هذا العبد؛ لأنه لو مات ثم استدل بحرية؛ لكان له أن يرجع بالثمن الذي أدى فيه إلى البائع منه، وكذلك الأصل إذا استحق بحبس من يد مشتر يجري الأمر في وجوب الرجوع عليه بالغلة على هذين القولين؛ لأنه لو غرق أو انهدم، ثم استحق بحبس؛ لكان له أن يرجع بالثمن، فلا فرق بين المسألتين في القياس، وإنما وقع الاختلاف فيهما من أجل أن الضمان قد يكون وقد لا يكون؛ إذ قد يجد على من يرجع بالثمن، وقد لا يجد، ألا ترى أنه ما يضمن فيه المقتل بكل حال في الموت والتلف تكون له الغلة في الضمان قولا واحدا؟ كالمشتري يشتري الشيء فيقتله، ثم يستحق من يده بملك، وما لا يضمن فيه بكل حال، يرد الغلة قولا واحدا، كالوارث يستقل ما ورثه، ثم يأتي من يشاركه من الميراث، أو من يكون أحق به منه. وقد اختلف في الغاصب، هل يرد الغلة أم لا؟ اختلاف كثير قد ذكرناه في غير هذا الديوان، من أجل أن الضمان قد يكون وقد لا يكون؛ إذ قد يرجع عليه المغصوب منه بالقيمة إن تلف، وقد لا يرجع؛ فقف على هذه الأوجه الأربعة، وهي: وجه ترد فيه الغلة باتفاق، ووجه لا ترد فيه باتفاق، ووجهان يختلف في وجوب رد الغلة فيهما؛ لضعف الضمان فيهما الذي هو الأصل في هذه المسألة؛ لما ثبت من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخراج

بالضمان» ، ولا اختلاف في أن العبد إذا استحق بحرية، أن يرجع على سيده بما انتزع من ماله، وبما أخذه من عقل جرحه؛ إذ ليس شيء من ذلك بغلة، فتكون للسيد بشبهة الضمان على أحد القولين، وإنما هو بمنزلة رقبته التي قد وجبت حريتها، فليس لأحد أخذه بغير حق، وتعليله لذلك بأنه لم يكن ضامنا له لو مات عنده، لرجع على بائعه بالثمن؛ إذا علم أنه حر، ليس بصحيح على أصله؛ لأنه يلزمه عليه ما ألزمه القائل من أن يكون له أن يرجع عليه بالخراج والعمل، وتفرقته بين ذلك بأن العبيد يتخذون للغلة والمخارجة والعمل والخدمة، لا لأخذ أموالهم، وديات الجنايات عليهم، تفرقة ضعيفة، لا وجه لها؛ إذ لا يخلو من أن يكون ذلك غلة، فيكون حكمه حكم الخراج والخدمة، على الاختلاف الذي ذكرناه أو لا يكون غلة، فيكون له الرجوع به على سيده قولا واحدا، وهو الذي اخترناه وصوبناه. وقوله: إن للسيد أن يرجع عليه بما وهبه من المال، وبما أفاده من المال الذي استتجره به إذا استحق بحريته، وكان إنما استتجره لنفسه، كما فسر ابن القاسم، صحيح، لا أعرف في شيء من ذلك كله اختلافا. ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة في كتاب الصدقات والهبات منها، عن مطرف، وابن القاسم، وابن الماجشون، في العبد إذا استحق بحرية أو ملك أيضا، وقال: إنه إن أعمره أو حبس عليه، فلا رجوع له عليه في ذلك قبل أن يستحق، ولا بعد أن يستحق بالملك أو الحرية، ولا لمستحقه بالملك. قالا: وذلك يصحبه أيام حياته كذلك، قال مالك والمغيرة وغيره من علمائنا أيضا قالا: وله ولمن صار إليه العبد أن يأخذا منه إن أحبا ما صار إليه من ثمرة الحبس أو غلته، بعد أن يصير ذلك إليه، وفي يديه؛ لأنه كماله، وهو بعيد، لا وجه عندي للتفرقة بين الهبة وبين العمرى والحبس، واختلف إذا أعطاه أو تصدق عليه، ثم أعتقه بعد ذلك، فاستحق بعد العتق بحرية أو ملك، فقيل: له الرجوع عليه بما أعطاه أو

غاب عن دار له فدخلها رجل بعد غيبته فسكنها ثم مات عنها

تصدق به عليه، إلا أن تكون عمرى أو حبسا. وقيل: ليس له أن يرجع عليه بشيء من ذلك، واختلف أيضا إذا أعطاه بعد أن أعتقه، وهو يرى أنه مولاه، ثم استحق بحرية أو ملك، فقال ابن الماجشون: له أن يرجع عليه بما أعطاه، وقال مطرف وأصبغ: ليس ذلك له، واختار ابن حبيب قول ابن الماجشون، وبالله التوفيق. [غاب عن دار له فدخلها رجل بعد غيبته فسكنها ثم مات عنها] ومن كتاب الجواب وسألته عن رجل غاب عن داره أو أرض له، فدخلها رجل بعد غيبته، فسكنها زمانا، ثم مات عنها، وبقي ورثته فيها، فقدم الغائب، فادعى ذلك، وأصله معروف له، والبينة تشهد أنه إنما دخل فيها الميت، بعد مغيب هذا، وإن كان يختلف، إن كان يسمع من الهالك يذكر أنه اشترى أو لم يسمع ذلك منه، وإن طال زمان ذلك، أو لم يطل. قال ابن القاسم: القادم أولى بها إذا كان على ما ذكرت، كان الداخل فيها حيا أو ميتا، ولا يلتفت إلى ما كان يسمع من الداخل الهالك، يذكر أنه اشترى، والقادم أحق بأرضه إذا كان الأصل معروفا له، والبينة تشهد له على ما ذكرت من دخول هذا بعد مغيبه، طال زمان ذلك، أو لم يطل، إلا أن تكون للداخل بينة على اشتراء أو هبة أو صدقة أو سماع، صحيح على اشتراء مع طول زمان وتقادم، فإن لم يكن ذلك، فالأرض أرض القادم على ما شهد له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، من أنه لا حيازة على غائب، فإذا قدم والأصل معروف له، وشهدت له البينة بدخول البيت فيها بعد مغيبه كما ذكر، كان على ورثته البينة، على ما ادعوا من اشتراء أو صدقة أو هبة أو سماع على ذلك، فيما

مسألة: الحيازة على الغائب

طال من السنين، ولو عرف الأصل للغائب، ولم يشهد له بدخول الميت فيها بعد مغيبه، وادعى ذلك، فقال ورثته: بل دخل فيها بحضورك قبل مغيبك، فحيازتنا عليك عاملة؛ لوجب أن يكون القول قوله مع يمينه، أنه ما دخلها إلا بعد مغيبه، ويزيد في يمينه، على ما في المسألة التي بعدها أنه ما علم بذلك في غيبته، إلا أن تكون غيبته بعيدة، وليس عليه أن يزيد ذلك في يمينه على ما في المسألة التي تليها؛ لأنه عذره فيها بالمغيب وإن كان قريبا، والله الموفق. [مسألة: الحيازة على الغائب] مسألة قال ابن القاسم: وأما الغائب الذي ذكرت على مسيرة الثمانية الأيام، وقد حيزت أرضه عليه، فليست تلك حيازة، ولا حيازة على غائب، إلا أن يكون قد علم بذلك وعرفه، فترك ذلك، ولم يطلبه ولم يخرج إليه حتى طال زمان ذلك، كما أخبرتك مما تكون فيه الحيازة، وهو تارك لذلك، عالم به، فلا شيء له بعد ذلك. قال الإمام القاضي: جعل مسيرة الثمانية الأيام في هذه المسألة قريبا، ولم يعذره بمغيبه إذا علم، وذلك خلاف قوله في المسألة التي بعدها، مثل قوله في رسم الأقضية، من سماع يحيى بعد هذا، من هذا الكتاب، والله الموفق. [مسألة: يغيب مدة ورجل يعمل أرضه عشر سنين ويموت عنها] مسألة قال عيسى: قلت لابن القاسم: فالرجل يغيب الغيبة غير البعيدة، مثل مسيرة أربعة أيام ونحوها، ورجل يعمل أرضه عشر سنين أو عشرين سنة، ويموت عنها العامر، ويرثها ولده، فلا يطلق ذلك، ولا يوكل، وهو تبلغه عمارته، ولا يذكر شيئا، فيقدم

ابتاع دارا فاستحق رجل فيها سهما من عشرة

يطلب ذلك بعد عشرين سنة، وقد صارت بيد وارث، قال: ذلك له، ولا يقطع ذلك عنه الأمر القريب، وليس كل الناس يقرب ذلك عليهم. وللناس معاذير في ذلك، من ضعف البدن، والنظر في صنعته، والضيعة تكون من النبات، ولا يستطيع مفارقتهن، قلت له: فإن لم يكن عذر ولا ضعف يعرفه الناس، قال: كم فيمن لا يتبين عذره للناس، وهو معذور، فلا أرى أن يقطع ذلك عنه شيء، متى ما قام، كان على حجته. قال محمد بن رشد: عذره ابن القاسم في هذه المسألة بمغيبه، وإن كان قريبا، فلم ير الحيازة عليه عاملة، خلاف قوله في المسألة التي قبلها. وفي أول رسم الأقضية، من سماع يحيى بعد هذا، من هذا الكتاب، وقد حكى عيسى في كتاب الجدار اختلاف قول ابن القاسم في هذه المسألة، ثم قال: وأحب قوله إلي أن يكون على حقه، إلا أن يقوم وحقه في يد الذي حازه في غيبته، فعلم بذلك، ثم رجع ولم يذكر شيئا حتى قام اليوم، وقد طال زمان ذلك بعد أن علم، فهو كالحاضر الذي يستحق عليه الأشياء بالحيازة، فيما فسرت لك، والله أعلم. وهذا الاختلاف في القريب إنما هو إذا علم، وأما إذا لم يعلم فلا حيازة عليه، وإن كان حاضرا غير أنه في القريب محمول على غير العلم حتى يثبت عليه العلم، وفي الحاضر محمول على العلم حتى يتبين أنه لم يعلم، والقريب في هذا الذي اختلف فيه هذا الاختلاف، ما كان على مسيرة الثمانية الأيام ونحوها، والبعيد مثل الأندلس من مصر، أو مصر من المدينة على ما قاله في رسم الأقضية، من سماع يحيى، ولم يختلف في البعيد الغيبة، أنه لا يحاز عليه بطول المدة، وإن علم، وبالله التوفيق. [ابتاع دارا فاستحق رجل فيها سهما من عشرة] ومن كتاب العتق وسئل عن رجل ابتاع دارا، فاستحق رجل فيها سهما من عشرة

بنى وغرس في أرض كانت في يديه، فاشتراها فاستحقها رجل

أو أقل أو أكثر، فهل ينقض ذلك شراءه؟ قال: قال مالك: فإن كان الذي استحق منها يسيرا، قلت العشر، قال: ربما كان العشر فيها يضر، وفيها ما لا يضر، فإنما ينظر في ذلك الوالي على الاجتهاد، فإن رأى ضررا رده، وإن لم ير ضررا أمضى البيع، ورد عليه قدر ذلك من الثمن. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن استحقاق العشر من الدار قد يضر ببقية الدار، وقد لا يضر، فإن كانت لا تنقسم أعشارا، فلا شك في أن ذلك ضرر له، رد جميعها، وأما إن كانت تنقسم ببيت يحصل للمستحق من الدار، والمدخل على باب الدار، والساحة مشتركة، فإن كانت دارا جامعة كالفنادق التي تكرى ويسكنها الجماعة من الناس، فليس ذلك بضرر، فيرجع بقدره من الثمن، ولا يرد الجميع، وإن كانت دارا للسكنى، فذلك ضرر. وأما إن كانت تنقسم بغير ضرر ولا نقصان من الثمن، ويصير لكل نصيب حظه من الساحة، وباب على حدة، فليس ذلك بضرر، إلا أن يكون المستحق على هذه الصفة الثلث فأكثر، والدار الواحدة في هذا، بخلاف الدور، ولأنه إذا اشترى الدور، فاستحق بعضها، لا يرد جميعها، إلا أن يكون الذي استحق منها أكثر من النصف، وهو الخل، هذا الذي يأتي في هذه المسألة على مذهب مالك؛ لأنه قد نص في المدونة في القسمة، وفي النكاح الثاني منها أن استحقاق ثلث الدار الواحدة كثير. وقد مضى في رسم يوصي من هذا السماع ما فيه بيان لهذه المسألة، وبالله التوفيق. [بنى وغرس في أرض كانت في يديه، فاشتراها فاستحقها رجل] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل بنى وغرس في

أرض كانت في يديه، فاشتراها، فاستحقها رجل، فقيل للذي استحقها: اغرم له قيمة غرسه وعمله، فقال: ما بيدي ما أعطيه اليوم، وما أريد إخراجه، فليسكن حتى يرزق الله ما أودي إليه، ولينتفع بعمله حتى يأخذ حقه، فكره صاحب الغرس تأخير ذلك، وقال: أما إذا قضى علي بالخروج، وصار ما في يدي لغيري، فلست أقيم فيما لا حق لي فيه، مع ما أخاف من نقصان قيمة عملي بتأخير أخذ القيمة منه. قال: يغرم المستحق ما وجب عليه من القيمة، ولا يؤخر للعشرة، فإن كره أو كان معدما، قيل للعامل في الأرض: ادفع إليه قيمة أرضه، ثم تكون لك وما أحدثت فيها؛ فإن أبى أو كان معدما، كانا شريكين في الأرض والعمارة، على قدر قيمة الأرض، وقدر قيمة العمران، وأمرهما مثل الذي استحق في يديه أرض عمرها وهو يراها مواتا. قال: وإن رضي ذلك الذي عمر الأرض أن يؤخر المستحق، على أن يقره ينتفع بعمارته ما حل ذلك بينهما؛ لأن حقه قد وجب معجلا، فهو يؤخره على الانتفاع، فهو بالأرض والعمران الذي قد صار للمستحق بالقيمة التي يؤخره بها، وهو كالسلف الذي يرضى لصاحبه بتأخيره. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها. ورواية المدنيين فيها عن مالك، أن صاحب العمارة لا يخير، ويكونان شريكين إن أبى المستحق أن يعطي صاحب العمارة قيمة عمارته، خلاف مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك، وقوله: ولو رضي الذي عمر أن يؤخر المستحق، على أن يقره ينتفع بعمارته، لم يحل؛ لأنه سلف جر منفعة؛ صحيح على ما قاله، ولو أكراه منه المستحق بما وجب له عليه من قيمة البناء، لم يجز عند ابن القاسم؛ لأنه الدين بالدين، ويجوز على مذهب أشهب؛ لأن قبض أوائل الكراء كقبض جميعه، وبالله التوفيق.

مسألة: ورثوا منزلا فهلك بعض الورثة وادعى ولد الذين ماتوا أن المنزل لم يقسم

[مسألة: ورثوا منزلا فهلك بعض الورثة وادعى ولد الذين ماتوا أن المنزل لم يقسم] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن ورثة ورثوا منزلا، فهلك بعض الورثة، وترك أولادا، فادعى ولد الذين ماتوا بعد موت الأول، أن المنزل الذي هلك عنه جدهم بينهم لم يقسم، وادعى الباقون من ولد الجد، أنه ليس في أيديهم غير حقهم، وأنهم عايشوا إخوتهم، حتى مات منهم، وكلهم مقيم على ما في يديه من المنزل، راض به، والذي في أيديهم من المنزل، فيختلف في أيدي بعضهم القليل، وفي أيدي بعضهم الكثير، وعسى أن يكون فيهم من ليس في يديه منه شيء، وقد تعايشوا على تلك الحال، الثلاثين سنة ونحوها، فلما مات منهم من مات، أراد ورثته أخذ سهم أبيهم، أترى ذلك لهم؟ ولعلهم قد كانوا اقتسموا، فإن طلبوا على ذلك بينة لم يجدوها؛ لطول الزمان، وما يحدث على الشهداء من الموت والنسيان، فقال: أما كل دار أو مزرعة لم يحدث فيها الوارث الذي هي في يديه، أو فيما كان في يديه منها غرسا ولا بنيانا حتى يكون بما أحدث حائزا له دون ورثته، وإنما الدار بحال ما هلك عنها الجد، غير أن بعضهم يسكن منها أكثر مما يسكن بعض، أو يكون في أيدي بعضهم دون بعض، أو المزرعة يزرعها أحدهم دون الآخرين، أو يزرع منها بعضهم أكثر من بعض، فلا أرى أن يستحق أحدهم شيئا من ذلك بطول السكنى والازدراع، وإن طال زمان ذلك جدا، وليسوا فيما حازه بعضهم عن بعض، من غير إحداث عمارة ببنيان أو كراء، كأن يقبضه لنفسه ويكريه باسمه بحضرة إخوته وعلمهم، كما يحوزه الأجنبي من مال الرجل. قلت: فكم ترى طول حيازة الأجنبي مال الرجل الذي يستحقه به، لا تسأله البينة على ما في يديه منه، وإن لم يبن ولم يغرس، غير أنه سكن

الدار وازدرع الأرض، أو ما أشبه ذلك؟ فقال: العشر سنين ونحوها، يبطل عندي دعوى من ترك رجلا يحوز عليه أرضه وداره بالسكنى والازدراع، وهو حاضر لا ينكر ولا يمنع، قال: وأبين ذلك عندي أن يبني ويغرس. قلت: أترى الإخوة فيما بينهم من ميراثهم ومن معهم من سائر الورثة إذا كان ما يحوزه بعضهم عن بعض العشر سنين ونحوها بإحداث الغرس والهدم والبنيان والكراء الذي يكريه باسمه، ويتقاضاه دونهم، وتنتسب تلك الدور والأرضون إذا أكروها إلى بعضهم دون بعض. أترى أن يكونوا في هذه الحالة بمنزلة الأجنبيين فيما ذكرت من العشر سنين ونحوها؟ فقال: نعم. حاله عندي فيما يحوزه بعضهم دون بعض بالهدم والبنيان والغرس، بمنزلة ما يحوزه الرجل من مال الرجل. والتقادم عندي فيه الذي يستحقه به حيازة العشر سنين ونحوها، فقال: والموالي والأصهار، يساكنون الرجل في داره المعروفة له، أو يحرثون أرضه فيعايشهم على ذلك زمانا، فيدعيها بعضهم بالتقادم، أو يموت ويدعي ذلك ورثته؟ أرى أن لا يستحقوا شيئا مما سكنوا واحترثوا بتقادم ذلك في أيديهم، إلا أن يغرسوا أو يهدموا أو يبنوا، فيكون حينئذ حالهم عندي على ما وصفت لك، مما يحوزه الأجنبي، من أرض الرجل أو داره. قال يحيى: ثم رجع ابن القاسم فيما يحوزه الوارث على إشراكه بالهدم والبنيان والغرس، فلم ير ذلك يقطع حق الوارث من ميراثه، وثبت فيما حازه الوارث، عن موارثتهم وإن حازها بعضهم عن بعض بغير ما ذكرت لك من الوطء والهبة، وما أشبه ذلك طول الزمان، إلا أن يطول جدا. قال: ولم ير الأربعين سنة وما دونها بطويل جدا بين الورثة بخاصة، وسواء عندنا فيه أخوان حازه أحدهما دون صاحبه، أو مات أحدهما، أو ماتا جميعا فتداعيا فيه أبناؤهما

أو أبناء الأبناء، الأمر فيه هو ألا يقطعه إلا طول الزمان جدا. قال: وكل ما حازه المولى من دار مولاه، أو أرضه، أو الأصهار أو الولد، فهو بهذه المنزلة، لا يقطع ذلك حق الذي تعرف له الأرض بطول عمارتهم وإن هدموا وبنوا، إلا أن يطول جدا، مثل ما وصفنا من أمر الورثة فيما يحوزه بعضهم دون بعض، الذي يعرف الناس به من التوسع للمولى والصهر والولد، إلا أن يحوز ذلك بالبيع والعطايا أو الهبات أو الصدقات، وما أشبه ذلك مما لا يصنعه المرء إلا في خاصة ماله. قال: وأبناؤهم وأبناء أبنائهم بمنزلتهم، لا حق لهم فيما عمر الأب، والجد من دار مواليه أو أرضه أو داره أو ابنه أو جده، إلا أن يطول الزمان جدا، ولا ينفعه أن يقول: ورثت عن أبي، وأبي عن جدي، لا أدري كيف كان هذا الحق بأيديهم، ويدي بعدهم، حتى يأتي بالبينة على شراء الأصل أو عطية، أو أمر يستحق به ما عمر، أو عمر أبوه أو جده. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة، وقد مضى من قولنا في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم ما فيه بيان أكثر وجوها، ونزيد هاهنا بيانا بالتكلم على ما يقتضيه بعض ألفاظها، من ذلك قوله فيها لما سأله عن طول الحيازة التي يستحق بها الأجنبي ما حازه من مال الأجنبي، دون أن يسأل البينة على ما في يديه منه، وإن لم يبن ولا غرس العشر سنين ونحوها، يبطل عندي دعوى من ترك رجلا يحوز عليه أرضه وداره بالسكنى والازدراع، وهو حاضر لا ينكر ولا يمنع؛ لأنه كلام فيه احتمال. وقد قال بعض أهل النظر: إن فيه دليلا على أنه إذا حاز الرجل الدار أو الأرض بحضرة القائم، المدة المذكورة، أنه لا يلزمه أن يكشف عن أصل الملك؛ لأنه لو ألزم ذلك، وقال: صار إليّ بهبة أو صدقة، ثم ضعف عن إثبات ذلك، فقد أعان على إبطال حقه. قال هذا القائل، وقد قيل: إنه يلزم المقوم عليه، أن يقول: من أين صار بيده؟ قال:

والأول أحسن، والذي أقول به: إن هذا مما لا ينبغي أن يختلف فيه، وإنما يختلف الجواب في ذلك بحسب اختلاف الوجوه فيه. فوجه لا يسأل الحائز فيه عما في يديه، من أين صار إليه؟ وتبطل دعوى المدعي فيه بكل حال، فلا توجب يمينا على الحائز المدعى عليه، إلا أن يدعي عليه أنه أعاره إياه، فتجب له عليه اليمين على ذلك. وهذا الوجه هو إذا لم يثبت الأصل للمدعي، ولا أقر له الحائز الذي حازه في وجهه العشرة الأعوام ونحوها، ولو ادعى عليه فيما في يديه، أنه ماله وملكه، قبل أن تنقضي مدة الحيازة عليه في وجهه؛ لوجبت له عليه اليمين. ووجه يسأل الحائز فيه عما في يديه من أين صار إليه؟ ويصدق في ذلك مع يمينه، ولا يكلف البينة على ذلك، وهو: إذا ثبت الأصل للمدعي، أو أقر له به الحائز، ولو ثبت الأصل للمدعي، وأقر له به الذي هو في يديه، قبل أن تنقضي مدة الحيازة عليه؛ لوجب أن يسأل من أين صار إليه؟ ويكلف البينة على ذلك. وقوله في هذه الرواية: العشر سنين ونحوها معناه: العشر سنين وما قرب منها، يريد والله أعلم بالشهر والشهرين والثلاثة، وما قرب منها مما هو ثلث العام وأقل. وقد قيل: إن ما قرب من العشرة الأعوام بالعام والعامين حيازة. وقد مضى القول على ذلك في رسم شهد، من سماع عيسى قبل هذا، فلا معنى لإعادته، وفي قوله في هذه الرواية، ثم رجع ابن القاسم فيما يحوزه الوارث على إشراكه بالهدم والبنيان والغرس، دليل على أنه لم يرجع فيما حازه القرابة بعضهم على بعض، مما لا شركة بينهم فيه العشرة الأعوام، بالهدم والبناء. وقد دل على ذلك أيضا قوله: قال: ولم ير الأربعين سنة، وما دونها بطويل جدا بين الورثة بخاصة. وقد رأيت لبعض أهل النظر، أنه قال في قوله في هذه الرواية بين الورثة بخاصة دليل على أن الأشراك من غير الوراثة، بخلاف شركة الوراثة، وتأول مثل ذلك أيضا على ما قاله يحيى بن يحيى بعد هذا في رسم الأقضية، قال: وفي كتاب الجدار لعيسى: أن ابن القاسم يفرق بين الأشراك في الوراثة وغير الوراثة، كانت بابتياع أو غيره،

وجعل ذلك كله في حكم القرابة على اختلاف قول ابن القاسم. وهو الذي حكاه من كتاب الجدار، من أن حكم الأوراث والأشراك في الحيازة، بمنزلة سواء، هو قول مطرف وأصبغ في الواضحة، وقد روي عن مطرف أن الأشراك بمنزلة الأجنبيين، وبعد عندي في النظر أن يكونوا بمنزلة الأجنبيين من أجل أنهم أشراك، وأن يكونوا بمنزلة الأوراث؛ إذ ليسوا بقرابة، وإنما الذي يشبه، أن يكون حكم الإشراك الأجنبيين، كحكم القرابة من غير أهل الميراث، الذين ليسوا بأشراك، فيدخل في ذلك اختلاف ابن القاسم في القرابة الذين ليسوا بأشراك، فيتحصل فيهما جميعا أعني بها القرابة الأشراك وغير الأشراك ثلاثة أقوال؛ أحدهما: أن العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان حيازة بينهم، كانوا أشراكا أو لم يكونوا. والثاني: أنها لا تكون حيازة بينهم، كانوا أشراكا أو لم يكونوا. والثالث: أنها تكون حيازة بينهم إن لم يكونوا أشراكا، وتكون حيازة إن كانوا أشراكا. وقوله: إلا أن يحوز ذلك بالبيع والعطايا أو الهبات أو الصدقات، أو ما أشبه ذلك مما لا يصنعه المرء إلا في خاصة ماله، يريد فتكون العشرة الأعوام في ذلك حيازة، وعلى ما دل عليه ما مضى من المسألة. ومعنى ذلك في البيع؛ إذا لم يعلم به إلا بعد وقوعه، فلم يقم حتى مضت مدة الحيازة، ولو قام بعد قبل مضيها بعد العام ونحوه، لحلف، وكان الثمن له، ولو قام بحدثان ما علم؛ لكان له رد البيع، ولو كان حاضر البيع فسكت، ولم يقم إلا بعد العام ونحوه؛ لكان ذلك عليه حيازة، ولم يكن له شيء. وقد مضى هذا المعنى بأبين من هذا في سماع أشهب، وهذا إذا باع الجميع، وكذلك إذا باع الجل، وإنما يختلف إذا باع الجل في القليل الباقي. فقيل: إنه تبع للجل المبيع، يستحقه الحائز بالحيازة، وهو قوله بعد هذا في هذا الرسم، وقيل: إنه لا يكون تبعا له، وهو قول ابن القاسم، في سماع سحنون بعد هذا، وكذلك اختلف أيضا إذا باع اليسير وهو حاضر، فلم يقم إلا بعد العام ونحوه، أو لم يعلم به إلا بعد وقوعه، فلم يقم حتى مضت مدة الحيازة، هل يكون تبعا للباقي أم لا؟ فقيل: إنه لا يكون تبعا له، ويستحقه

مسألة: يكون صهرا لي فيعمر أرضا في قريتي في وجهي عشر سنين

البائع بالحيازة، ويكون الثمن له، وقيل: إنه يكون تبعا له، ولا يستحقه البائع بالحيازة، ولا يكون له الثمن، ويكون للذي ثبت له الأصل، وأما الهبات والصدقات والأعطية، فإن وقعت في الكل أو في الجل، أو في اليسير مضت، إلا أن يقوم بحدثان ما علم، فيكون له رد ذلك. وأما الباقي فيكون له إن كان الأكثر باتفاق، وإن كان الأقل، فعلى الاختلاف الذي ذكرناه في البيع إن كان قيامه بعد أن مضت مدة الحيازة من يوم علم بذلك، أو بعد مضي العام ونحوه، إن كان مشاهدا لذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون صهرا لي فيعمر أرضا في قريتي في وجهي عشر سنين] مسألة قلت لسحنون: أرأيت الرجل يكون صهرا لي يكون زوج عمتي، أو زوج أختي، فيعمر أرضا في قريتي، في وجهي عشر سنين أو نحوها، والقرية معروفة لي خاصة، ليست لأبي ولا لجدي، هل تنفعه حيازتها في وجهي عشر سنين أو نحوها، وتكون له كما تكون للبعيد من الناس، إذا أعمروها عشر سنين؟ قال: الصهر عندي بمنزلة القرابة، لا يستحقها بعمارة عشر سنين، كما يستحقها الأجنبي، وقد اختلف فيها أصحابنا، وهذا الذي أعلمتك عندي أحسن؛ أن الصهر بمنزلة القرابة والورثة قيل: فموالي الذين من فوق الذين أعتقوني، قال: الموالي الذين أنعموا عليك، والموالي الذين أنعمت عليهم في ذلك سواء، بمنزلة القرابة. قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا: إن الصهر بمنزلة القرابة، هو مثل ما تقدم في هذا الرسم عن ابن القاسم، خلاف ما مضى في رسم شهد، من سماع ابن القاسم. وأما قوله في أن الموالي الأعلين والأسفلين في ذلك سواء، فهو مثل ما في سماع أصبغ، بعد هذا، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه، وبالله التوفيق.

مسألة: أصدق المرأة عن ابنه منزلا فلما دخل ابنه بالمرأة أخذت المنزل

[مسألة: أصدق المرأة عن ابنه منزلا فلما دخل ابنه بالمرأة أخذت المنزل] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل أصدق المرأة عن ابنه منزلا، فلما دخل ابنه بالمرأة أخذت المنزل، إلا حقولا يسيرة تركتها في يد حموها، فلم تزل في يديه حتى مات بطول زمان، ثم أرادت المرأة أخذها، فمنعها ورثة الحمو، وقالوا: قد عايشته زمانا من دهرك، وهي في يديه، ولا تشهدين عليه بعارية ولا كراء، ولا ندري لعلك أرضاك من حقك، أترى للمرأة في ذلك حقا؟ قال: نعم، لها أن تأخذ تلك الحقول التي هي مما كان أصدقها الحمو عن ابنه، ولا يضرها طول ما تركت ذلك في يد الحمو؛ لأنها ليست بالصدقة، فيلزم حيازتها، وإنما الصداق ثمن من الأثمان. قال: وكذلك لو تركت كل ما أصدقت في يد الحمو، لم يضرها ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا إشكال فيها ولا اختلاف؛ لأنه حقها، تركته في يد حموها، فلا يضرها ذلك، طال الزمان أو قصر؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم» ، وليس هذا من وجه الحيازة التي ينتفع الحائز بها، ويفرق بين القرابة والأجنبيين والأصهار فيها؛ إذ قد عرف وجه كون الأحقال بين الحمو، فهي على ذلك محمولة حتى يعرف تصيرها إليه بوجه صحيح؛ لأن الحائز لا ينتفع بحيازته، إلا إذا جهل أصل مدخله فيها، وهذا أصل في الحكم بالحيازة، وبالله التوفيق. [مسألة: الأرض تكون بيد الرجل فيدعيها رجل فيستحقها وقد قلبها الآخر] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الأرض تكون بيد

الرجل، فيدعيها رجل، ويخاصمه فيها، فيستحقها، وقد قلبها الذي كانت في يديه، وأنعم حرثها ليزرعها. قال: المستحق بالخيار، إن شاء أعطاه قيمة عمله وأخذها، فإن أبى قيل للذي استحقت في يديه: إن شئت فاغرم كراءها، وإن شئت فأسلمها بما فيها من العمل، ولا شيء عليك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة لم يجر فيها ابن القاسم على الأصل؛ لأنه إذ لم يلزم المستحق أن يعطي المستحق من يديه الأرض قيمة حرثه وعمله فيها، كما يلزم مستحق الحائط أن يعطي الذي استحق من يديه قيمة سقيه وعلاجه، إن كان سقاه وعالج فيه، وجعل من حق الذي استحقت من يده الأرض إذا أبى المستحق أن يدفع إليه قيمة حرثه وعمله، أن يدفع إليه قيمة أرضه، ويكون أحق بها، كما يكون ذلك له إذا استحقت من يديه وبناها؛ لأن منفعة حرثه، يستوي جميعها في ذلك العام، بخلاف أن يعطيه كراءها لذلك العام، يريد غير محروثة، ليصل بذلك إلى حقه في حرثه وعمله، فيلزمه أن يقول أيضا: إنه إن أبى من ذلك، كانا شريكين في كراء ذلك العام محروثة، المستحق بقيمة كرائها غير محروثة، المستحق منه بقيمة حرثه وعمله. وإنما لم يكن من حق المستحق منه إذا أبى المستحق أن يدفع إليه قيمة حرثه وعمله، أن يدفع إليه قيمة أرضه، ويكون أحق بها، كما يكون ذلك له إذا استحقت من يده وبناها؛ لأن منفعة حرثه، يستوي جميعا في ذلك العام، بخلاف البنيان الذي تبقى منفعته الأعوام. ولأصبغ في الثمانية أنه لا شيء للذي حرث الأرض في حرثه على المستحق؛ لأنه ليس شيء وضعه فيها لو شاء أن يأخذه أخذه كذلك، قال سحنون: إنه لا شيء له، وإن زبلها؛ لأن ذلك مستهلك فيها، فيأخذها المستحق على ما هي عليه، كالدابة العجفى تسمن، والصغير يكبر، والاختلاف في هذه المسألة على اختلافهم في الرجوع في الاستحقاق بقيمة السقي والعلاج، فجواب ابن القاسم على أصله في وجوب الرجوع بذلك، وهو مذهب أشهب، وقول

مسألة: هلك زوجها وترك مالا وولدا فعايشت ولده ثم تزوجت بعده ثم هلكت

سحنون في ذلك على أصله، في أنه لا يجب الرجوع بذلك، وهو مذهب ابن الماجشون، وقول ابن القاسم أصح؛ إذ ليس بمتعد، وإنما عمل على وجه بشبهة، فلا تظلم عمله، ألا ترى أنه إذا بنى تكون له قيمة بنيانه قائما؟ وإن كان البنيان والعمل مستهلكا، لا يقدر على أخذه، ويلزم سحنون على أصله في الحرث والزبل، لا يكون له في البنيان، إلا قيمته منقوضا. وهذا ما لم يقله هو ولا غيره فيما أعلم، ولا يلزم ابن القاسم ما احتج به سحنون، من الدابة العجفاء تسمن، والصغير يكبر؛ لأن النفقة عليهما بإزاء الانتفاع بهما؛ إذ لو رجع بها، لرجع عليه بقيمة الاستخدام والركوب، وذلك ما لا يصح؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخراج بالضمان» ، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك زوجها وترك مالا وولدا فعايشت ولده ثم تزوجت بعده ثم هلكت] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن امرأة هلك زوجها، وترك منزلا وولدا ورقيقا، فعايشت المرأة ولد الرجل من غيرها زمانا، وتزوجت بعده زوجا أو زوجين، ثم هلكت، فقام ولدها من زوجها الذي تزوجها بعد الأول، يطلب مورثها من زوجها الأول، في رباعه ورقيقه، فقال ولد زوجها الأول: قد عايشتنا أمكم زمانا طويلا، وكانت أعلم بموضوع حقها، ووجه خصومتها، وذلك منذ عشرين سنة لم تطلب قبلنا شيئا حتى ماتت. قال: لا أرى أن يقطع سكوتها بما ذكرت من الزمان حقها، من مورث معروف لها، وولدها في القيام بطلبه على مثل حجتها، لا يقطع حقها ولا سكوتها في مورثها من زوجها الأول؛ لأن حال الورثة في هذا عندي مخالف لغيرهم، إلا أن يكونوا اقتسموا بعلمها، حتى حاز كل أحد نصيبه من الأرض، ودان بحقه من أثمان ما باعوا، وبحقه مما اقتسموا من

الرقيق والعروض، وهي ساكتة عالمة، لا تدعي شيئا ولا تطلبه، فهذا الذي يقطع حجتها، ويبطل طلبها. قلت: فإن لم يقسموا شيئا ببينة ثبتت، ولكن قد اقتطع كل وارث أرضا زرعها وتنسب إليه، أو دارا يسكنها، أو رقيقا يخدمهم، أو بقرا أو غنما يحتلبها، أو دواب يستغلها، فكل وارث قبض مما قصصت لك شيئا قد بان بمنفعة دون أشراكه، فإليه ينسب، وله يعرف، ولما كلفوا البينة على الاقتسام، لم يجدوها لطول الزمان، وليس في يد المرأة من ذلك شيء، وعسى أن يكون في يديها الشيء اليسير، أترى هذا إذا طال الزمان يقطع حقها من المورث؟ قال: لا أرى هذا يمنعها من أخذ حقها، إلا أن يكون كل واحد منهم يعتق من الرقيق، ويدبر، ويبيع، ويتصدق، ويكاتب، فإن صنعوا ذلك وما أشبهه فيما في أيديهم، رأيت ذلك حيازة لكل واحد منهم؛ لما بقي في يديه، وقطعا لدعوى المرأة وغيرها من أهل الميراث، فمن ترك الأخذ بحقه زمانا، وهو يرى ما يحدث هؤلاء الأشراك فيما في أيديهم، لا يغيرون عليهم، ولا ينكرون فعلهم قال: وإذا صنعوا مثل هذا بعلم المرأة، وإن طال الزمان، فهو قطع لحقها إذا لم تنكر عليهم، ويعرف منعها إياهم، وقيامها بأخذ حقه قبلهم، بحداثة ما أحدثوا مما لا يحدثه المرء إلا في خاصة ماله، قلت: أرأيت إن لم يعتقوا أو يدبروا أو يتصدقوا أو يبيعوا إلا الرأس أو الرأسين، من جماعة رقيق وحده، أيبطل سكوتها عنهم حقها، من جميع الميراث؟ فقال: لا، ولكن تأخذ حقها، فيما أعتقوا أو باعوا إذا كان الذي أحدثوا من ذلك في أيسر الميراث وأقله؛ لأنها تصف بالسكوت عن اليسير؛ لكثرة المورث، وما تأخر من القسم؛ لأنها تقول: قد يصير لهم أضعاف ما أحدثوا فيه مما سكت عنه. قال:

وكذلك لو أحدثوا مثل ما وصفت في جل الميراث وأكثره، وبقي يسير لم يحدثوا فيه شيئا، فإن حقها يبطل من القليل الباقي، فإنه تبع للكثير الذي استحقوه بما أحدثوا مما حازه بعضهم عن بعض. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: لا أرى أن يقطع سكوتها بما ذكرت من الزمان، فإن حقها من مورث معروف لها ولولدها في القيام بطلبه على مثل حجتها، لا يقطع حقهم طول سكوتها من مورثها، من زوجها الأول؛ لأن حال الورثة في هذا عندي مخالف لغيرهم. هو مثل ما تقدم من قوله قبل هذا من أنه لا حيازة بين الأقارب، بخلاف الأجنبيين. وأما قوله: إلا أن يكونوا قد اقتسموا بعملها حتى حاز كل واحد نصيبه من الأرض، وبان بحظه من أثمان ما باعوا، وبحقه مما اقتسموا من الرقيق والعروض، وهي ساكتة لا تدعي شيئا ولا تطلبه، فهذا الذي يقطع حجتها، ويبطل طلبتها عندي ففيه تفصيل. أما إذا كانت شاهدة للقسمة حين وقوعها، فيبطل حقها بسكوتها بعد ذلك العام ونحوه، على قياس ما ذكرنا من البيع قبل هذا، وفي سماع أشهب؛ لأن القسمة بيع من البيوع. وقد قيل: إنها تمييز حق، فبطلان حقها بمرور الحول على ذلك أحرى، وأما إن لم تشاهد القسمة، وإنما علمت بها بعد وقوعها، فلا يبطل حقها إلا بمرور مدة الحيازة، وقوله بعد ذلك في الرواية قلت: فإن لم يقسموا شيئا ببينة ثبتت، ولكن قد اقتطع كل وارث أرضا يزرعها، وتنسب إليه أو دارا يسكنها أو رقيقا يختدمهم، أو بقرا أو غنما يحتلبها، أو دواب يستغلها، فكان كل وارث قبض مما نصصت لك شيئا، قد بان بمنفعته دون أشراكه، فإليه ينسب وله يعرف، ولو كلفوا البينة على الأقسام لم يجدوها لطول الزمان. وليس في يد المرأة من ذلك شيء، وعسى أن يكون في يدها الشيء اليسير، أترى هذا إذا طال الزمان يقطع حقها من المورث؟ قال: لا أرى هذا يمنعها من أخذ حقها، هو كما قال، ولا اختلاف فيه أعلمه، إلا ما تأوله بعض الناس، على ما في المدونة، حسبما ذكرناه في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم، حاشا قوله أو دواب يستغلها؛ فإن

مسألة: يغرس في أرض امرأته أو يبني فيها أو في دارها ثم يموت أحدهم

قول ابن القاسم، اختلف في الاستغلال، هل هو بمنزلة الانتفاع بالسكنى والاستخدام، لا تقع الحيازة به بين الأوراث، أو بخلاف ذلك، فتقع الحيازة بينهم، وقع اختلاف قوله في ذلك في رسم الأقضية بعد هذا من هذا السماع، وأظن أنه قد وقع في بعض الكتب، أو دواب يستعملها، وهو أطرد على ما ذكره، وأما قوله بعد ذلك في الرواية: إلا أن يكون كل وارث منهم يعتق من الرقيق إلى آخر المسألة، فقد مضى القول عليه مستوفى في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يغرس في أرض امرأته أو يبني فيها أو في دارها ثم يموت أحدهم] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يغرس في أرض امرأته، أو يبني فيها أو في دارها، ثم يموت أحدهم، أيكون قيمة ذلك البنيان أو الغراس على المرأة، أو ورثتها؟ قال: نعم، قيمة ذلك عليها، أو على ورثتها إن ماتت واجب للزوج أو لورثته إن مات، وإنما حاله فيما غرس من مال المرأة حال المرتفق به، كالعارية التي يغرس فيها ويبني، إلا أن يكون للمرأة أو لورثتها بينة، أنه إنما كان ينفق في عمارة ما عمر من ذلك، من مال امرأته، ولها كان يصلح، فتكون أحق بأرضها، وما عمر لها الزوج فيها بمالها، قال: وإنما يعطي الزوج إذا لم تأت المرأة بالبينة على ما ذكرت لك، قيمة ما عمر مقلوعا، وليس قيمته قائما، وكذلك القضاء في قيمة كل عمران يضعه مستعيرا، أو مسترفق من غرس أو بنيان، وإنما يعطي قيمة كل عمران قائما صحيحا من عمر مواتا ثم استحق، أو عمر باشتراء فاستحق، أو اشتراء فعمر، ثم أخذ ذلك منه بالشفعة، فأما كل من أسكن دارا أو أعمرها، أو أرفق في مزرعة أو غيرها، أو أعمر جنانا أو أرضا حيازة أحدهما، أو إلى أجل من الآجال، أو إلى غير الأجل فعمر هؤلاء بالبنيان أو الغرس، ثم خرجوا طوعا قبل أجل

السكنى أو العمرى، أو خرجوا عند انقضاء الأجل، فإنما يعطوا قيمة ما عمروا مقلوعا، وكذلك قال لي مالك والليث. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: وإنما حاله فيما غرس وبنى من مال امرأته حال المرتفق به، كالعرية التي يغرس فيها ويبنى، بين أنه بمنزلته عنده إذا كان يرتفق بذلك في أنه لا تكون له إلا قيمته منقوضا، سواء أذنت له في البنيان والغرس، أو لم تأذن في ذلك، إلا أن تأذن له فيه، ثم تقدم عليه بحدثان ما بنى لتمنعه من الارتفاق، فلا يكون ذلك لها، إلا أن تعطيه قيمة ذلك قائما. وأما إذا كان لا يرتفق بمالها فبنى فيه لها أو غرس، فيفترق القول بين أن تأذن له في ذلك أو لا تأذن، فإن أذنت له في ذلك، كان له عليها ما أنفق، أو قيمة ذلك، وإن لم تأذن له لم يكن إلا قيمة بنيانه منقوضا، وسواء على مذهب ابن القاسم إذا لم تأذن أقرت له بالبنيان أنه بنى، وادعت أنه إنما بناه بمالها، فحلف أنه إنما بناه بماله، لا بمالها أو أنكرت، أن يكون بناه، فأقام البينة على ذلك، لا يكون له إلا قيمته منقوضا، وفرق ابن وهب في سماع عبد الملك زونان، في كتاب الدعوى والصلح بين الأمرين، فقال: إنه تكون له نفقته؛ إذا أقرت له بالبنيان، وادعت أنه إنما بناه بمالها، فأنكر ذلك، وحلف أنه بناه بماله. وقوله صحيح على قياس قول مالك، في رسم حلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب البضائع والوكلات، ورسم البز من سماعه أيضا من كتاب المديان والتفليس، في أن تصرف الرجل في مال زوجته، محمول على الوكالة لا على التعدي، ويأتي على قياس قول ابن القاسم: إنه محمول على التعدي حتى تعرف الوكالة، ولو أقرت المرأة أنها أذنت أن يبنيه بمالها، فبناه به، وقال: هو إنما بنيته بمالي، وحلف على ذلك؛ لكانت له نفقته عندهما جميعا، وقد مضى القول في سماع أشهب على قوله، وإنما يعطي قيمة كل عمران قائما صحيحا من عمر مواتا فاستحق، فلا معنى لإعادته. وقوله: وأما كل من أسكن دارا أو أعمرها، أو أرفق في مزرعة أو غيرها، أو أعمر جنانا أو أرضا حياة أحدهما، أو إلى أجل من الآجال، أو إلى

يفتات على الرجل فيبيع أمته وهو غائب

غير أجل، فعمر هؤلاء بالبنيان أو الغراس، ثم خرجوا طوعا قبل أجل السكنى أو العمرى، وخرجوا عند انقضاء الأجل، فإنما يعطوا قيمة ما عمروا مقلوعا، وكذلك قال لي مالك والليث، يريد: سواء أذن له في البنيان أو لم يأذن، وقد نص على ذلك في المدونة، خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك من رواية مطرف وابن الماجشون، قال: كل من بنى في أرض قوم أو غرس بإذنهم وعلمهم، فلم يمنعوه، فله قيمة ذلك قائما كالباني بشبهة، وكذلك كل من تكارى أرضا أو منحها إلى أجل أو غير أجل، ثم بنى فيها بإذنهم وعلمهم، أو لم يستأذنهم ولم يمنعوه ولا نهوه، فإن له قيمته قائما إذا أراد أن يخرج؟ وكذلك من بنى في أرض بينه وبين شريكه بعمله، فله قيمته قائما، وكذلك من بنى في أرض امرأته وبعلمها، قال مطرف وابن الماجشون: ما علمنا اختلف فيه قول مالك ولا أحد من أصحابه؛ ابن أبي حازم، وابن دينار، والمغيرة، وغيرهم، وبه القضاء بالمدينة، وقاله ابن كنانة، وابن مسعود، وابن نافع، وشريح، وروى ابن وهب فيه حديثا للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وبالله التوفيق. [يفتات على الرجل فيبيع أمته وهو غائب] ومن كتاب الصلاة وقال في الرجل يفتات على الرجل، فيبيع أمته وهو غائب، فإذا علم بذلك المشتري، أراد تعجيل ردها، فقال البائع: لا أقبلها حتى يقدم سيدها، فإنه سيمضي البيع، قال: يلزمه تعجيل ردها وغرم الثمن؛ لأن المشتري لا يحول له وطء فرج لا يدري أيمضي السيد بيعها أم لا؟ قلت له: أرأيت إن لم يعلم المشتري حتى قدم سيد الأمة، فأمضى البيع؟ قال: يثبت البيع ويمضي، ولا حجة للمشتري في ردها إن قدم سيدها قبل أن يعلم المشتري بالذي غر به من شأنها. قال: وكذلك النفر يكونون شركاء في الأمة، فيغيب رجل منهم، فيفتات عليه الآخرون، فيبيعون جميع الأمة، ثم يعلم

بذلك المشتري؛ أنه يردها، ولا ينتظر قدوم الغائب، قال: فإن حبسها حتى يقدم الغائب، فيأخذ نصيبه منها، ويريد أشراكه الباعة أن يلزموا المشتري حظوظهم من حساب باعوا منه جميع الأمة، لم يكن ذلك لهم إلا برضا المشتري، وذلك أنه يقول: إنما رغبت فيها؛ إذا كان ملكها لي تاما يحل لي فرجها، فأما إذا شركني فيها غيري، فلا حاجة لي بحظوظهم، قال: ولو أنهم باعوا كلهم الجارية من رجل، فاستحق رجل حظ أحدهم، فأراد المشتري أن يردها بذلك، بأن يقول: لا أحبس أمة لا يحل لي وطؤها، من أجل من شركني الآن فيها، فإن ذلك ليس له، من أجل أنه إنما اشترى حظ كل أحد من الشركاء، من صاحب ذلك الحظ نفسه، فلا حجة له على من لم يستحق حظه بما استحق من حظ غيره. قيل له: أرأيت إن استحقت الأمة حرية ثلثها، وإنما باعها ثلاثة نفر، أيلزم المشتري حبس ما بقي؟ فقال: لا؛ لأن الذي استحق من حريتها، كان ثلثا أو ربعا أو خمسا، فهو يقع في جميع رقبتها، فمن حجته على الباعة أجمعين أن يقول لكل رجل منهم: قد استحق من يدي من حظك الذي بعتني من الأمة بعضه، ولا أريد أمة يشركني فيها غير ويحرم علي فرجها، لذلك، فلا حاجة لي بها، فهي رد على جميعهم، إلا أن يرضى أن يحبس ما بقي طائعا، قلت: أرأيت إن استحق من رقبة الأمة جزء من الأجزاء، مثل ما استحقت هي من حريتها، أيجوز له ردها؟ قال: نعم، وإنما يلزمه حبس ما بقي من الأمة إذا استحق بعضها؛ إذا كان الذي يستحق إنما هو حظ رجل من الشركاء بعينيه فقط. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يبيع أمة رجل وهو غائب: إن للمشتري تعجيل ردها، وليس عليه أن ينتظر رأي صاحبها، من أجل أنه لا

يحل وطء فرج، لا يدري أيمضي السيد بيعها أم لا؟ صحيح، مثل ما في كتاب الغصب من المدونة، ولا خلاف فيه أعلمه، وأما إذا قدم سيدها فأمضى البيع، وأراد المشتري الرد، فيتخرج ذلك على الاختلاف في العهدة، هل تنتقل عن البائع إلى سيد الأمة أم لا؟ وفي ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنها لا تنتقل على البائع، وهو قول سحنون، فعلى قياس هذا القول، يأتي قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن البيع يلزم المشتري، وليس له أن يرد. والقول الثاني: إن العهدة تنتقل عن البائع إلى سيد الأمة، روى ذلك أصبغ عن ابن القاسم، وحكاه أيضا عنه سحنون. فعلى قياس هذا القول يكون للمشتري أن يرد الأمة، وإن قدم سيد الجارية، فأجاز البيع؛ لأن من حجته أن يقول: لا أرضى أن تكون عهدتي عليك؛ لأني إنما رضيت بذمة البائع مني، لا بذمتك، وهو قول وحجة، وفي العهدة قول ثالث، وهو تفرقة أصبغ بين أن تكون الأمة، قد فاتت أو لم تفت، وهو قول له وجه في النظر؛ إذ من حق سيد الأمة أن يضمن البائع الغاصب قيمتها إذا فاتت، فإذا كان ذلك من حقه، فكأنها قد وجبت للغاصب، فلا تنتقل العهدة عنه، فعلى قياس هذا القول، إن جاء بها فأجاز البيع، وهي قائمة لم تفت، كان للمشتري الرد، وإن جاء وقد فاتت، فأجاز البيع، لم يكن للمشتري أن يرد؛ لأن عهدته باقية على الذي اشترى منه ويشبه أن يقال: إن له الرد على كل حال، انتقلت العهدة عن البائع الغاصب أو لم تنتقل؛ لأنها إن انتقلت عنه قال: لم أرض إلا بذمته، وإن لم تنتقل عنه قال: لم أرض بذمة غاصب، ويشبه أن يقال: إن ابن القاسم لم ير للمبتاع حجة في العهدة؛ يجب له بها الرد، ولذلك قال: ليس له أن يرد مع أن الموجود له أن العهدة على سيد الأمة إن أجاز البيع، فيتحصل على هذا في الرد أربعة أقوال؛ أحدها: أنه لا يرد بحال. والثاني: أن يرد بكل حال. والثالث: أنه يرد على القول بأن العهدة على سيد الأمة، ولا يرد على القول بأن العهدة على البائع الغاصب. والرابع: أنه يرد إن جاء سيدها، فأجاز البيع بعد أن فاتت، على قياس تفرقة أصبغ في العهدة بين الوجهين، على هذا كان من

الأرض تستحق بالعدول ولا يثبتون حوزها فيشهد على حوزها غير عدول

تقدم من الشيوخ يحمل الاختلاف في انتقال العهدة في هذه المسألة. والذي يوجبه النظر في ذلك، أن الاختلاف في انتقالها، إنما هو إذا فات العبد أو الأمة فواتا يوجب للمستحق تضمين الغاصب القيمة، ولا اختلاف في أنها تنتقل إذا لم يجب للمستحق إلا أخذه، أو إجازة البيع وأخذ الثمن، ولا في أنها لا تنتقل إذا لم يجب له أخذه لفواته، حسبما نذكره في كتاب الغصب عند تكلمنا على رواية أصبغ، فيه إرث لثمنه، وتفرقته في الجارية تكون بين الشركاء، بين أن يغيب أحدهم فيبيع الباقون جميعا، فيأتي الغائب فيستحق نصيبه، وبين أن يبيعوها، فيأتي رجل فيستحق نصيب أحدهم في أن للمشتري أن يرد ما بقي من الجارية على الذين باعوها منهم، إن كانوا باعوا منه جميعا، وليس له أن يرد ما بقي في يديه منها، على الذين باعوه إياه؛ إذا كانوا لم يبيعوا منه جميعا، وإنما باعوا منه حصصهم لا أكثر، صحيحة؛ إذ لا حجة له عليهم في استحقاق ما باع منه غيرهم، وإنما له الحجة عليهم في استحقاق ما استحق مما باعوا منه. وقد وقع في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، من كتاب البضائع والوكالات، مسألة حملها بعض الناس على أنها مخالفة لهذا، في أن المشتري ليس له أن يرد الباقي على البائعين منه، وإن كانوا هم باعوا منه جميع الأمة، وليس ذلك بصحيح من التأويل، على ما لعلنا سنذكره إذا مررنا به في موضعه إن شاء الله. وكذلك استحقاق جزء من الأمة بالحرية مثله، سواء أن كانوا باعوا جميعها، كان للمشتري أن يرد الباقي عليهم، كما ذكر ولو كان أحدهم قد أعتق نصيبه وهو معدم، فلم يقوم عليه نصيب أشراكه، ثم باعوا كلهم الأمة، فاستحق نصيب الذي أعتق نصيبه بالحرية، لم يكن للمشتري أن يرد الباقي منها على أشراكه البائعين منه؛ إذ لم يبيعوا هم منه الحظ المستحق بالحرية، وبالله التوفيق. [الأرض تستحق بالعدول ولا يثبتون حوزها فيشهد على حوزها غير عدول] ومن كتاب المكاتب قال: وسألته عن الأرض تستحق بالعدول، ولا يثبتون

حوزها، فيشهد على حوزها من الجيران غير عدول، أيتم بذلك الحكم لمدعيها مع يمينه؟ فقال: لا يشهد في الحوز وغيره غير العدول، ولا أرى أن يتم استحقاقها إلا بهم. قلت: فإن الغاصب ربما خلط دورا وعور حوزها حتى لا يثبتها أحد، ممن كان يعرفها لأهلها، ويحوزها لهم، فقال: يحوز المدعى عليه ما أقر به، ويحلف على ذلك، ثم لا شيء عليه غيره. قلت: إذا يقال ذلك جدا قال: أما إذا لم يقر موضع الباب أو ما يرى أنه ليس بشيء، فلا يقبل قوله: وإما أن يقربا بالبيت ونحوه، فليس عليه إلا ذلك مع يمينه، إلا ما حاز العدول للمدعي المغتصب. قلت: فإن لم يقر إلا بموضع الباب أو نحوه، وأنت لا تعطى المغتصب إلا ببينة عادلة حائزة لما شهدوا عليه، فماذا يلزم الغاصب إذا لم يقر إلا بموضع باب أو جدار؟ فقال: أما إذا استدل على أن الغاصب يكتم مواضع الحوز بما يستنكر من أمره، حاز المدعى، فاستحق ما حاز بيمينه، مع ما ثبت له من البينة على أصل الغصب. قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف، وزاد قال: فإن قال المدعي: لا أعرفه قد غير حدودها، وعمى معلومها، حيل بينه وبين الأرض جميعها حتى يقر له بحقه منها، قال: وقد قال ذلك مالك في غير الغاصب، فالغاصب أحق بالحمل عليه؛ لأنه غاصب، مع ما يلزمه من الأدب الموجع والعقوبة البالغة، والسجن الطويل، فيما ثبت عليه من الغصب واهتضام المسلمين حقوقهم. قال: وهذا إذا كان ممن له في تلك القرية أو حول تلك الأرض حق قبل ذلك ثم غصب هذه الأرض، فضمها إلى حقه. وأما لو ثبت أن أول دخوله فيها، بسبب هذا الغصب الذي

ثبت عليه، اكتفي المشهود له من شهوده بأن يشهدوا له، وأنه غصبه الأرض، وإن لم يجدوها، ولم يسأل المشهود عليه، كم لهذا منها. وأخرج منها جميعا حتى يأتي ببينة على ما ادعاه فيها بعد دخوله من شراء صحيح، أو حق يثبت له. وقد قيل: إن الشهود إذا لم يثبتوا حوز الأرض بتعوير الغاصب لها كان القول قول المغصوب منه، حكى ذلك يحيى بن يحيى عن غير ابن القاسم في المبسوطة وأخذ به، واستحسنه بعد أن حكى عن ابن القاسم مثل قوله هاهنا، وعن ابن وهب أيضا، وكذلك قال ابن كنانة ومطرف في الغاصب ينتهب من رجل مالا في صرة، والناس ينظرون فيطرحه حيث لا يوجد، إن القول قول المنتهب منه، خلاف قول مالك في رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم، من كتاب الغصب في المسألة بعينها، وخلاف هذه الرواية؛ إذ لا فرق بينها وبينها في المعنى، وقد قيل: إن الشهادة باطل إذا لم يحقق الشهود ما شهدوا به ولا حازوه، وقيل: إن المشهود عليه يسجن بهذه الشهادة، ويضيق عليه، حتى يبين له بحقه، ويحلف عليه، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم، في كتاب الغصب؛ قال أصبغ: وإن أنكر الجميع بعد الحبس أحلف كما يحلف المدعى عليه، بغير شهادة، وقيل: إذا لم يدر الشهود كم حقه من الأرض، نزلوا على ما لا يشكون فيه، ثم دفع إلى المشهود له، وهو قول ابن كنانة، وكذلك إذا شهد الشهود للرجل أن رجلا غصبه أرضا في قرية لا يعرفون موضعها، يختلف في ذلك أيضا هل تبطل الشهادة، أو يكون القول قول الغاصب؛ أو قول المغصوب منه؟ وقد فرق في المجموعة ابن القاسم بين أن يشهد الشهود أنه غصبه أرضا لا يعرفون موضعها، أو أنه غصبه أرضا بعينها، لا يثبتون حوزها، وذلك أنه ذكر فيها أعني في المجموعة نص رواية عيسى عنه، في رسم الجواب، من سماع عيسى من كتاب الغصب؛ أن الشهادة باطل، وزاد عليها قال: ولو شهدوا على الأرض ولم يثبتوا الحوز، فذكر نص رواية يحيى، هذه حرفا بحرف، فبان بهذا افتراق المسألتين عنده، فعلى هذا ليست رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الغصب بمخالفة لرواية أصبغ

مسألة: يدعي القرية فيستحقها بالعدول ثم يحوز الشهود غيرها

فيه، ولا لرواية يحيى هذه، وإنما الخلاف بين هذه الرواية، ورواية أصبغ في كتاب الغصب. ويتحصل في المسألة ستة أقوال؛ أحدها: أن الشهادة باطل، لا توجب حكما. والثاني: أنها توجب الشهادة على المشهود عليه. والثالث: أن البينة تستنزل إلى ما لا يشك فيه. والرابع: أن القول قول المغصوب منه. والخامس: أن القول قول الغاصب، إلا أن يأتي بما لا يشبه، فيكون القول قول المغصوب منه، على ما وقع في رواية يحيى هذه. والسادس: الفرق بين أن يشهد الشهود على الأرض بعينها، ولا يعرفون حدودها، وبين أن لا يعينوا الأرض، وإنما يشهدون أنه غصبه في القرية أرضا لا يعرفونها، وبالله التوفيق. [مسألة: يدعي القرية فيستحقها بالعدول ثم يحوز الشهود غيرها] مسألة قال: وسئل عن الرجل يدعي القرية فيستحقها بالعدول، فلما أمر الشهود أن يحوزوا ما شهدوا له عليه، حازوا القرية بحدودها، وقرية إلى جنبها في أيدي قوم لم يخاصموا، فقال: القوم الذين حيز ما في أيديهم، ممن لم يخاصم: نشهد أن الذي في أيدينا، والذي قضى به لفلان، ليس لنا فيه شيء، ولا للمقضي عليهم، ولا للمقضي له، ولكنه كله يجوز حدوده لرجل ذكروه غائب تركه في أيدي آبائنا أجمعين إرفاقا منه لهم، يريدون أباهم وأبا المقضي عليهم، والمقضي له، وهم عدول غير متهمين، أتجوز شهادتهم أم لا؟ قال: لا شهادة لهم؛ لأنهم مرتفقون، يجرون إلى أنفسهم بشهادتهم، ويريدون أن يقر بأيديهم ما أرفقوا به، فشهادتهم عندي غير جائزة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إن الشهادة غير جائزة؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجوز شهادة خصم، ولا ظنين، ولا جار لنفسه» ، وبالله التوفيق.

يموت عن منزل ويترك ورثة غيبا في بلد غير بلده الذي هلك فيه

[يموت عن منزل ويترك ورثة غيبا في بلد غير بلده الذي هلك فيه] ومن كتاب الأقضية وسألته عن الرجل يموت عن منزل ويترك ورثة غيبا في بلد غير بلده الذي هلك فيه، بعيدا أو قريبا، فمكث المنزل زمانا طويلا، نحوا من أربعين سنة، ثم يقدم ورثة الهالك، فيجدون المنزل في أيدي قوم قد ورثوه عن أبيهم، ولعل أباهم قد ورثه عن جده، فيدعيه ورثة الهالك الغائب عنه الذي كان أصله له معروفا، فيقول: هذا منزل أبينا، ورثناه عنه ونحن غيب، لم ندخل هذا البلد منذ هلك إلى اليوم، ويقول الذين في أيديهم المنزل: لم ندر من أنتم، ولا ما تقولون، غير أن هذا المنزل ورثناه عن أبينا، فهو في أيدينا منذ زمن طويل، ولعل أبانا إن كان أصل المنزل لكم كما تقولون، قد اشترى منكم بمكانكم الذي كنتم فيه، ولا علم لنا بشيء من أمره، إلا أنا ورثناه. قال: الأمر فيه إن شاء الله، أن يسأل الذي زعم أن أصله له معروف، إلى أن هلك فيه أبوه وهو غائب، بغير ذلك البلد، البينة على ذلك، فإن جاء بها أو أقر بذلك الذين في المنزل، وكانت غيبتهم عنه ببلد بعيد، مثل أن يكون المنزل بالأندلس، أو ما أشبهها، والذين ادعوها بمصر، أو بالمدينة، أو نحو ذلك من البعد، فيسأل الذين هم فيه، من أين صار لهم بعد وفاة الذي ورثه هو لا الغائب عنه؟ فإن أحقوا حقا باشتراء أو غيره، مما يستحق به المدعي ما ادعى، كان ذلك لهم، فإن لم يثبت لهم اشتراء ولا هبة، ولا وجه يستحقونه به، إلا ما ادعوا من تقادم ذلك في أيديهم، وتوارث ذلك بعضهم عن بعض، فإني لا أرى لهم حقا، والحق فيه لصاحب أصله إذا قامت له بالأصل بينة أو أقر له بذلك خصماؤهم؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا

يهلك حق امرئ مسلم، وإن قدم» مع ما رأيت لأهل أصل المنزل من العذر لغيبتهم في بعد بلدهم عن ذلك المنزل، وأما إن كانت غيبتهم قريبة، بحيث يعلمون أن منزلهم قد صار إلى غيرهم، وأنه يتوارث وينشأ فيه العمل، وينسب إلى غيرهم، فلا يقومون بتغيير ذلك، ولا ينكرونه، حتى يطول الزمان كما ذكر، فلا أرى له فيه حقا، وهو لمن كان بيده، ورث ذلك عن أبيه وجده، أو لم يرث بعد أن تطول عمارته له وحيازته إياه بمثل ما ذكرت من الزمان وشبهه، فإن علم الغيب في بعدهم، ما صار إليه منزلهم من حيازة قوم له، فتركوا الخروج إلى قبضه، وتركوا الاستخلاف على ذلك، بعد عملهم بما صار إليه، من حيازة من حازه، وهم قادرون على الخروج إلى حقهم لقبضه، والاستخلاف على ذلك حتى يطول الزمان، فأراهم فيما ضيعوا من حقهم، بمنزلة الحضور، لا حق لهم فيه إذا طال زمان حيازة القوم بعمارته، وإن كان لهم في ترك ذلك عذر يتبين للسلطان بأن يضعفوا عن الخروج، ويطلبون من يستخلفون، فيعجزهم ذلك، ولا يقدرون عليه، فأراهم على حقهم، وإن قدم زمانه وتطاول أمره، لبعد بلدهم، وما ظهر للسلطان من عجزهم. محمد بن أحمد: لم يعذر المحوز عليه في هذه الرواية بقرب الغيبة، وقد تقدم مثل هذا وخلافه في رسم الجواب من سماع عيسى، ومضى من القول على ذلك هنالك، ما فيه كفاية، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: يرثون المنزل عن أبيهم فيكون في يد بعضهم على غير قسم

[مسألة: يرثون المنزل عن أبيهم فيكون في يد بعضهم على غير قسم] مسألة قال: وسألت ابن وهب عن الإخوة يرثون المنزل عن أبيهم، والمنزل إنما هو أرض بيضا تحرث، فيكون في يد بعضهم نصف المنزل وثلثه، أو ربعه على غير قسم، يحرث كل رجل منهم في ذلك المنزل بقدر قوته، فيكونون على هذا الحال، حتى يموت أحدهم، وفي يده أكثر القرية، فإذا أراد من بقي من الإخوة أن يقسموا المنزل على سهامهم، منعهم ولد أخيهم الميت مما في أيديهم، وقالوا: هذا ما كان في يد أبينا، وقد صار موروثا لنا دونكم، وقد كان أبونا يحوزه دونكم وأنتم حضور، ويقول أعمامهم: إنما كنا تركناه على وجه المرفق، ولم نكن قسمنا شيئا، فكان كل واحد يرتفق فيه بقدر حاجته. قلت: أيستحق ولدا لهالك من الإخوة ما هلك عنه أبوهم على هذا الوجه، حتى لا يكون فيه للأعمام حق؟ قال: أرى إذا لم يكن لبني الأخ فيه دعوى غير حيازة أبيهم له، ووراثته ذلك عنه، وهم مقرون بالأصل لجدهم، أو تقوم به البينة عليهم، أن يقسم على الأعمام، ولا يكون لبني الأخ الهالك إلا نصيب أبيهم على كتاب الله، بعد أن يحلفوا الأعمام بالله ما باعوا من أخيهم الميت، ولا وهبوا له، ولا صار له فيه، إلى أن هلك عنه، إلا سهمه الذي ورث معهم عن أبيهم، ثم يقسمونه على فرائض الله. قال: وسألت عن ذلك ابن القاسم، فقال لي مثل ما قال ابن وهب، غير أنه قال: إلا أن يكون الأخ الهالك وهب شيئا من تلك الأرض أو تصدق بها، أو نحلها أو أصدقها، أو باعها أو صنع أشباه هذا مما لا يقضي به الرجل إلا في خاصة ماله، فيكون أحق لما أحدث فيه

بعض هذه الوجوه، إذا صنع ذلك بحضرة إخوته وعلمهم، فلم ينكروه عليه، قال: قلت له: أرأيت ما كان يكرى من تلك الأرض باسمه، ويغل كراءها لنفسه دونهم، أيستحق ذلك بذلك الكراء أم لا؟ فقال لي مرة: نعم، هو له دونهم؛ إذا كان يكريه باسمه، فلا ينكرون ذلك عليه، ثم سألته يوم سألت ابن وهب، فأمسك عنه، ومرضه، وكأنه لم يره حوزا يستحق به دونهم شيئا. قال الإمام القاضي: قوله في هذه المسألة: قال: أرى إذا لم يكن لبني الأخ فيه دعوى غير حيازة أبيهم له، ووراثة ذلك عنهم، وهم مقرون بالأصل لجدهم، أو تقوم به البينة عليهم، أن يقسم على الأعمام، ولا يكون لبني الأخ الهالك إلا نصيب أبيهم على كتاب الله، دليل على أنه لو كان لهم فيه دعوى، بأن يقولوا قد ابتاعه أبونا منكم، أو قد صار إليه من قبلكم بوجه كذا وكذا، لاستحقوه بحيازتهم، وهو خلاف المشهور في المذهب من أن الأوراث لا حيازة بينهم بالسكنى والاعتمار والازدراع، مثل ما تأوله بعض الناس على ظاهر ما في المدونة حسبما ذكرناه في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم. وقوله بعد أن يحلف الأعمام، هو على الاختلاف المعلوم في لحوق يمين التهمة؛ إذ قد نص أنهم لم يدعوا عليهم بحقيق دعوى في بيع ولا غيره. وقول ابن القاسم: إلا أن يكون الأخ الهالك وهب شيئا من تلك الأرض، أو تصدق بها أو نحلها، أو أصدقها أو باعها، أو صنع أشباه هذا، مما لا يقضي به الرجل إلا في خاصة ماله، فيكون أحق لما أحدث فيه بعض هذه الوجوه، معناه: إذا فعل ذلك في الأكثر. وقد مضى تفصيل القول في ذلك وتفصيله في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. واختلاف قوله في الاستغلال، كاختلاف قوله

مسألة: يساكنه أختانه ومواليه زمانا طويلا حتى مات فأراد أن يستحقوا ذلك

في الهدم والبنيان، مرة رأى الحيازة بذلك عاملة بين الأوراث، ومرة لم ير ذلك، والله الموفق. [مسألة: يساكنه أختانه ومواليه زمانا طويلا حتى مات فأراد أن يستحقوا ذلك] مسألة وسألت ابن وهب عن الرجل يساكنه في داره المعروفة له، أو القرية، أختانه ومواليه، عتاقه زمانا طويلا، أو يسكنهم دورا أو قرى فيعايشونه زمانا، وذلك في أيديهم حتى مات، فأراد أن يستحقوا ذلك بتقادمه في أيديهم، وقالوا: ليس علينا أن نسأل عما في أيدينا من أين هو لنا؟ قلت: وكيف إن ماتوا؟ فقال ورثتهم: لا علم لنا كيف كان هذا الحق في أيدي آبائنا؟ أو مات صاحب الحق والذين أسكنوا، فتداعى فيه ورثته، وورثة الذين أسكنوا، فقال ابن وهب: كل ما سألت عنه من هذا الوجه عندنا، بمنزلة واحدة، الحق فيه لصاحب المسكن، ولورثته، مات هو أو مات الذين أسكنوا أو مات هو وهم، فلم يبق منهم إلا ورثتهم، إلا أن يأتوا ورثة الذين أسكنوا بأمر يستحقون به ما كان بأيدي آبائهم من عطية أو صدقة أو اشتراء، أو وجه من وجوه الحق، ينظر لهم فيه، فإما تقادم ذلك في أيديهم أو أيدي آبائهم قبلهم، والأصل معروف للمسكن، فإنهم لا يستحقون بذلك شيئا. وسألت عن ذلك ابن القاسم، فقال لي مثل قول ابن وهب، غير أنه قال: إنما يكون ذلك على هذا الوجه؛ إذا كان أهل ذلك الموضع، يعرف منهم التوسع للموالي والأختان، ومن يساكنهم، فأما أهل بلد لا يعرف فيهم أن يحوز أحد منهم مال أحد إلا باشتراء أو عطية أو أشباه ذلك، فإني أقول: إن الحائز لما سألت عنه أولى بما حاز؛ إذا كانت حيازته العشر سنين أو ما قاربها إلا ما حيز على غائب، فإنه أولى بحقه، لا يقطعه تقادم ذلك في يد

مسألة: الأجنبيين إذا حازوا من مال غائب أو حاضر أجنبي

من حازه في مغيب صاحب أصله، ألا يأتي الحائز ببينة على أصل اشتراء أو سماع فاش، أو شيء يذكر به اشتراء ذكرا ظاهرا، فيكون أحق بما حاز مع تقادم ذلك في يديه. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن وهب، وابن القاسم، في الأختان والموالي: إنهم في الحيازة بمنزلة القرابة، مثل ما تقدم من قول ابن القاسم في أول رسم من هذا السماع، خلاف قوله في رسم شهد من سماع عيسى؛ أنهم بمنزلة الأجنبيين، وقول ابن القاسم: إنما يكون ذلك على هذا الوجه؛ إذا كان أهل ذلك الموضع يعرف منهم التوسع، إلى آخر قوله، تفسير ما أجمل من قوله: لا اختلاف عندي أنهم بمنزلة القرابة؛ إذا عرف منهم التوسع من بعضهم لبعض، وأنهم بمنزلة الأجنبيين؛ إذا عرف منهم التشاح بينهم، وإنما الاختلاف المذكور؛ إذا أجهل حالهم على ما يحمل أمرهم، فمرة حملهم محمل القرابة، ومرة حملهم محمل الأجنبيين، وبالله التوفيق. [مسألة: الأجنبيين إذا حازوا من مال غائب أو حاضر أجنبي] مسألة قال ابن القاسم: ولم يكن مالك يرى الأجنبيين فيما حازوا من مال غائب، أو حاضر أجنبي، بمنزلة الأقارب، كان مالك يقول: ليس بينهم حوز وإن قدم. قال يحيى: معناه عندي فيما ذكر من الأقارب، إنما يريد أهل الميراث فيما حازوا بعضهم عن بعض فيما ورثوا. محمد بن أحمد قوله: ولم يكن مالك يرى الأجنبيين فيما حازوا من مال حاضر أو غائب، بمنزلة الأقارب، يريد: من مال غائب قريب الغيبة، أو حاضر؛ لأن الغائب القريب الغيبة، هو الذي يحوز عليه الأجنبي، كما يحوز على الحاضر على اختلاف

قدمنا القول فيه في رسم الجواب، من سماع عيسى. فقول مالك هذا مثل أحد قولي ابن القاسم، في أن القريب الغيبة، بمنزلة الحاضر، يحوز عليه الأجنبي، وأما البعيد الغيبة، فلا اختلاف في أنه لا يحوز عليه في مغيبه القريب ولا البعيد. وقوله: كان مالك يقول: ليس بينهم حوز، وإن قدم، يريد: وإن هدموا وبنوا وهو مثل القول الذي رجع إليه فيما تقدم في رسم الكبش، وهو قوله فيه، ثم رجع ابن القاسم فيما يحوزه الوارث على أشراكه بالهدم والبنيان والغرس، فلم ير ذلك يقطع حق الوارث من ميراثه. وقوله وقول يحيى معناه: فيما ذكر من الأقارب إنما يريد أهل الميراث فيما حازوا بعضهم عن بعض فيما ورثوا، هو نص قول ابن القاسم في رسم الكبش المتقدم: إن ذلك بين الورثة بخاصة، وفي قوله: بين الورثة بخاصة؛ دليل هو كالنص، في أن القرابة إذا لم يكونوا أوراثا مشتركين في الحيازة بعضهم على بعض، بخلاف الأوراث المشتركين، فيحوز بعضهم على بعض بالعشرة الأعوام، مع الهدم والبنيان. وقد اختلف قوله في ذلك، فنص في المسألة التي بعدها على أن القرابة غير الأشراك، والموالي والأختان، بمنزلة القرابة الأشراك أهل الميراث، لا حيازة بينهم بطول العمارة، وإن هدموا وبنوا إلا أن يطول ذلك جدا، يريد فوق الأربعين سنة، كما قال في الأوراث، وقد قال بعض أهل النظر: إن قول يحيى في هذه الرواية، معناه إلى آخر قوله، وقول ابن القاسم في رسم الكبش بين الورثة بخاصة، إنما يدل على أن الأوراث في حيازة بعضهم على بعض ما ورثوه، بخلاف الأشراك الأجنبيين في ذلك. وقد مضى تمام القول في هذا المعنى في رسم الكبش المذكور، فلا معنى لإعادته، والله الموفق.

مسألة: يموت ويترك بنيه وأباه فيقر الجد بني ابنه بمالهم لا يقبض منهم شيئا

[مسألة: يموت ويترك بنيه وأباه فيقر الجد بني ابنه بمالهم لا يقبض منهم شيئا] مسألة قال: وسألت ابن وهب عن الرجل يموت ويترك بنيه وأباه فيقر الجد بني ابنه بمالهم، لا يقبض منهم شيئا من ميراثه، حتى يموت، فيطلب ذلك بنوه الذين ورثوه، وهم إخوة الميت الأول، أعمام الذين الحق في أيديهم، أيكون سكوت الجد عن طلب سهمه، حتى مات إبطالا له أم لا؟ فقال: حدثني من أرضى أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: «لا يهلك حق امرئ مسلم وإن قدم» فأرى سهم الجد لورثته على كتاب الله، إلا أن يأتي بنو ابنه بالبينة أنهم بروا إليه من ذلك، أو تصدق به عليهم، أو باعه منهم، فأما أن يستحقوا ذلك بتقادمه في أيديهم وسكوت الجد عنه، فلا أرى ذلك. قال يحيى: وقال ابن القاسم مثل قول ابن وهب. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم وتكرر، ومضى القول فيه من أنه لا حيازة بين الأوراث، وإن طالت المدة، إلا أن يهدموا ويبنوا ويغرسوا على اختلاف في ذلك، فإن كان البنون لم يحدثوا فيما بأيديهم هدما ولا بنيانا ولا غراسا، فلورثة الجد سهمه باتفاق، وإن كانوا أحدثوا ذلك فيما في أيدلهم، كان لورثة الجد سهمه على مواريثهم، على قول ابن القاسم الذي رجع إليه، على ما مضى له في رسم الكبش، إلا أن تطول المدة مع ذلك بالدهور، إلى ما فوق الأربعين عاما، وقوله في الرواية: إلا أن يأتي بنو ابنه بالبينة أنهم بروا إليه من ذلك، أو تصدق به عليهم غلط، وصواب الكلام، إلا أن يأتي بنوه بالبينة أنه بري إليهم من ذلك، وبالله التوفيق، اللهم لطفك.

تداعيا في أرض فبذرها أحدهما فولا والآخر قمحا على فول صاحبه

[تداعيا في أرض فبذرها أحدهما فولا والآخر قمحا على فول صاحبه] ومن كتاب أول عبد ابتاعه فهو حر قال: وسألته عن الرجلين تداعيا في أرض، فبذرها أحدهما، فولا، ثم أعقب الآخر فبذرها قمحا على قول صاحبه، وقلب ما نبت منه، فاستهلك بذلك الفول، ثم اختصما، فاستحقها الذي كان بذرها فولا، فقال: إن كان استحقها في أول عمل، كان كراؤها له على الذي بذر القمح، ويكون زرعها للذي بذره، ويغرم صاحب الحق لرب الأرض الذي استحقها مع كرائها، قيمة الفول الذي استهلك، وذلك أنه كان زرعها على ما كان يدعي من حقه في الأرض، ولم يكن غاصبا لها. قال: وإن استحق الأرض ربها، وقد فات أوان العمل، فلا كراء لمستحقها، على الذي بذر قمحا، والقمح للذي بذره، وعليه غرم قيمة الفول الذي استهلك على كل حال. قلت: ما الذي أوجب عليه كراء الأرض إن استحقت في أوان العمل، ووضع ذلك عنه إن استحقت، وقد فات أوان عملها فقال: لأنها حين استحقها في أوان العمل، كان أحق بأرضه والانتفاع بها، فلما وجدنا فيها بذر رجل بشبهة، لم يجز لنا أن نأمر مستحقها بفساد ذلك البذر، وأمضيناه للذي بذره بالشبهة، وأغرمنا لرب الأرض، كراء الأرض لما منع من الانتفاع بها، وقد استحقها في أوان عملها، ولو كان غاصبا أمر مستحقها بطرح ما فيها، ولم يحل بينه وبين الانتفاع بأرضه، إلا أن يشاء أن يقر البذر لصاحبه، ويأخذ كراء أرضه؛ فذلك له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الرجلين إذا تداعيا في أرض، وهي بأيديهما جميعا، وليست في يد واحد منهما، فزرعاها جميعا،

أحدهما بعد الآخر، فأفسد الآخر زرع الأول؛ إن للأول على الثاني قيمة زرعه الذي أفسده؛ لأنه زرعه بوجه شبهة على ما يدعي من حقه، وليس له أن يقنع زرع الباقي، وإن استحق الأرض في الإبان؛ لأنه زرعه أيضا بوجه شبهة على ما يدعي من حقه. وقوله: إن الثاني يغرم للأول قيمة الفول الذي أفسد عليه على كل حال، استحق هو الأرض، أو استحقها الذي أفسد الفول، يريد قيمة الفول على الرجاء والخوف، كأن أفسدها بعد أن نبتت، ولو كان حرث الأرض وزرعها قبل أن ينبت الفول؛ لكان عليه مكيلة الفول إن علمت، أو قيمة ما يزرع في مثلها من الفول إن جهلت، ولا يدفع إليه فولا، مخافة أن يكون أقل أو أكثر، فيدخله التفاضل فيما لا يجوز التفاضل فيه. هذا إذا اتفقا على الجهل بالمكيلة، وأما إن تداعيا في ذلك، وادعى كل واحد منها المعرفة، فالقول قول الغارم مع يمينه، إلا أن لا يشبه قوله، فيكون القول قول صاحبه، إن أشبه قوله أيضا، وإن لم يشبه قول واحد منهما حلفا جميعا، وكان عليه قيمة ما يزرع في مثل الأرض من الفول، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف منهما، وإن لم يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه من دعواه بنكوله، وإن ادعى أحدهما المعرفة وذلك يشبه، كان القول قوله. وقوله: إنه ليس للذي استحق الأرض أن يقلع زرع الثاني، وإن كان الإبان لم يفت، صحيح، لا اختلاف فيه؛ لأنه زرع بوجه شبهة على ما يدعي من حقه في الأرض، ولو لم تكن له شبهة في دعواه؛ لكان حكمه حكم الغاصب، مثل أن يأتي إلى الأرض رجل بيده، فيزرعها في مغيبه، ويدعي أنها له بوجه يذكره، ولا يأتي على ذلك بينة ولا سبب. وقوله في الرواية: ولو كان غائبا أمر مستحقها بطرح ما فيها، ولم يحل بينه وبين الانتفاع بأرضه، صحيح، وهذا إذا كانت له قيمة منفعة إن قلعه، ولو لم تكن له فيه منفعة إن قلعه، لما كان له أن يقلعه، ويكون لرب الأرض، ولو أراد إذا كانت له فيه منعة، أن يتركه لرب الأرض لم يكن ذلك له، إلا أن يرضيه؛ إذ لا يلزمه قبول معروفه، ولو أراد رب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا؛ لكان ذلك له؛ لأنه في أرضه،

مسألة: يسكن القرية فيعمر أرضا يخترقها ويدللها ويزرعها زمانا

ويدخل بالعقد في ضمانه، وهو ظاهر ما في كتاب كراء الأرضين من المدونة، وقيل: إن ذلك لا يجوز؛ لأنه بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه. وهو دليل ما في سماع سحنون، من كتاب المزارعة. وإذا قلعه وقد مضى من الإبان بعضه، كان عليه قيمة ما مضى من الإبان، وهو ما بين قيمة كراء الأرض في أول الإبان، وفي الوقت الذي قلع فيه زرعه، وقد قيل: إن من حق المستحق أن يقلع الغاصب زرعه، وإن خرج الإبان ما لم يسنبل الزرع، وقد مضى ذلك ووجه القول فيه في نوازل أصبغ، من كتاب كراء الأرضين، وقوله: إلا أن يشاء، أن يقر البذر لصاحبه، ويأخذ كراء أرضه، فذلك له، معناه: إذا رضي بذلك الغاصب، ولو لم يكن للغاصب فيه منفعة؛ إذا قلعه لما للمستحق أن يترك الأرض بالكراء، وإن رضيا؛ لأنه بيع للزرع بالكراء؛ إذ قد وجب للمستحق. قال ذلك محمد، وبالله التوفيق. [مسألة: يسكن القرية فيعمر أرضا يخترقها ويدللها ويزرعها زمانا] مسألة قال: وسألته عن الذي يسكن القرية، وليس له فيها إلا مسكنه أو شيء اشتراه بعينه، ليس من أهل الميراث، ولا ممن اشترى من أهل الميراث سهما، فيعمر من عامرها أرضا يخترقها ويدللها ويزرعها زمانا، وأهل القرية حضور، لا يغيرون عليه، ولا يمنعونه من عمله، ثم يريدون إخراجه، قال: ذلك لهم، إلا أن تقوم له من عمله، ثم يريدون إخراجه، قال: ذلك لهم، إلا أن تقوم له بينة على اشتراء أو هبة أو حق، يترك له به ما عمر، إلا أن يطول زمانه أو أرضه، أم تراه بحال الوارث، أو المولى مع مواليه؟ قال: ينظر فيه السلطان، على قدر ما يعذر به أصحاب الأصل في سكوتهم، لما يعلم من افتراق سهامهم، وقلة حق أحدهم لو تكلم فيه، فإنه يقول: منعني من الكلام سكوت أشراكي، وقلة حقي، فلما خفت تطاول الزمان، وما يحدث من دعوى العامر، تكلمت فيه، فأراه

أعذر من الذي يستحق عليه من خاصة داره، أو خاصة أرضه شيئا، ولا أبلغ به حد الورثة فيما بينهم، ولا حد المولي الذي يرتفق في أرض مواليه، أو الصهر في أرض أصهاره، إلا أن يكون ذلك العامر للرجل أو الرجلين، أو النفر القليل، فلا يعذرون بسكوتهم، يحملون فيما عمر جارهم من غامر من أرضهم، على ما يحمل عليه من حين عمله عليه من داره أو أرضه شيء قال: وهم فيما يعمر بعضهم من غامرهم المشترك، أعذر في السكوت، وأوجب حقا، وإن طال الزمان جدا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة، قد بين ابن القاسم فيها وجه قوله في تفرقته بين الوجهين، وجعله الذي عمر من غامر القرية، وهو ممن لا سهم له فيها بين المنزلتين، بما لا مزيد عليه. وقد مضى القول على كل واحد منهما بانفراده في رسم الكبش وغيره من هذا السماع، وفي رسم يسلف من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك. وقوله: وهم فيما يعمر بعضهم من غامرهم المشترك، أعذر في السكوت، يريد إن الورثة فيما حازه بعضهم على بعض من الغامر أعذر في السكوت على ما حازوا من العامر، وذلك بين؛ لأن التشاح من المعمور، أكثر من التشاح في البور، ورأيت لبعض أهل النظر، تنبيها على هذه المسألة، قال: انظر إن كان بنى في هذه الأرض التي أحياها أو غرس، ولم يكن له فيها حق إن كان يأخذ قيمة ذلك قائما عند خروجه عنها أو مهدوما منقوضا، والذي أقول به في ذلك على أصولهم، ومنهاج قولهم؛ أنه إن كان بنى في ذلك الغامر على أنه حق له يدعيه بوجه من الوجوه، التي يصح بها الملك، واحتج عليهم في ادعائه ذلك ملكا لنفسه بسكوتهم عنه، فله قيمة بنيانه قائما لشبهة الملك الذي يدعيه، وقد مضى بيان هذا في المسألة التي قبل هذه، وأما إن كان لم يدع ذلك ملكا، وإنما أراد أن يستحقه عليهم

يهلك ويترك ولدا فيطأ الجواري ويبيع العبيد

بسكوتهم عنه، وحيازته ذلك عليهم، فيتخرج ذلك على الاختلاف في السكوت، هل هو كالإذن أم لا؟ فعلى القول بأنه كالإذن إن قاموا عليه بحدثان ما بنى كان له قيمة بنيانه قائما، وإن لم يقوموا عليه حتى مضى من المدة ما يرى أنه بنى لينتفع بنيانه إلى مثله، كان له قيمة بنيانه منقوضا، وعلى القول بأنه ليس كالإذن يكون له قيمة بنيانه منقوضا على كل حال، وهذا على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وأما على رواية المدنيين عن ملك، فيكون له قيمة بنيانه قائما على كل حال. وقد مضى بيان ذلك في آخر مسألة من رسم الكبش، وبالله التوفيق. [يهلك ويترك ولدا فيطأ الجواري ويبيع العبيد] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وقال ابن القاسم في الرجل يهلك ويترك ولدا صغارا وكبارا، فيكون في أيدي بعض الورثة بعض القرى المساكن، والعبيد والحيوان، فيطأ هذا الوارث بعض الجواري، ويبيع بعض العبيد، ويبني ويغرس في القرى، ويكري المساكن أو بعضها وإخوته حضور، لا يغيرون ولا ينكرون، ثم قاموا وقالوا: ميراثنا من أبينا، فيقول هذا الوارث: قد كان أبي تصدق علي بهذا كله، وكانت بينتي حاضرة، فلما ماتت أو ذهبت، وذلك بعد أعوام، وقد كنت أبيع وأطأ وأفعل ما يفعله الرجل في حقه، وأنتم حضور، تريدون أن تقوموا علي، فقال: لا أرى لهم حقا ولا حجة؛ إذا كان يفعل هذه الأشياء وهم حضور. قلت: قلت لابن القاسم: أرأيت ما لم يبع من العبيد، ولم يطأ من الجواري، ولم يفوت من الرباع بالبناء والغرس، لم لا يكون بينهم؟ قال: هو بينهم. قال: وأما ما باع وقد فات بوطء، فليس لهم فيه شيء وأما ما بنى وغرس، وهم حضور أو

مسألة: هلك وترك ثلاثة من الولد وثلاثة أرؤس فمات واحد واستحق آخر

استغل، فإن ذلك لا يقطع حقوقهم؛ لأن حوز القرية فيما بينهم ليس مثل الأجنبيين، وفي العدا شك. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة في السؤال: ويبني ويغرس في القرى أو يكري المساكن، مع قوله في الجواب: لا أرى لهم حقا ولا حجة إذا كان يفعل هذه الأشياء وهم حضور، هو خلاف قوله في آخر المسألة: وأما ما بنى وغرس وهم حضور، أو استغل؛ فإن ذلك لا يقطع حقوقهم؛ لأن حوز القرابة فيما بينهم ليس مثل الأجنبيين، وقوله وفي العدا شك يريد، وفي البعد الذين ليسوا من القرابة، ولهم اختصاص بالحوز عليه كالموالي والأختان ففيهم شك، هل هم كالقرابة أو كالأجنبيين؟ ولهذا الشك اختلف قوله فيهم، فجعلهم في رسم شهد، من سماع عيسى كالأجنبيين، وجعلهم في رسم الكبش من سماع يحيى كالقرابة. وقد مضى اختلاف قول ابن القاسم في البناء والغرس، يريد البناء الذي لا يشبه الإصلاح في رسم الكبش، من سماع يحيى، ومضى اختلاف قوله في الاستغلال في رسم الأقضية منه، وأما قوله فيما لم يفوت من ذلك بما ذكره من وجوه الفوت؛ أنه بينهم، وفيما فوت من ذلك أنه يستحقه بتفويته، فكان الشيوخ يحملونه على ظاهره في القليل والكثير، خلافا لما في قرب آخر رسم الكبش منه. وقد مضى تحصيل القول في هذا المعنى في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وترك ثلاثة من الولد وثلاثة أرؤس فمات واحد واستحق آخر] مسألة قال ابن القاسم في رجل هلك وترك ثلاثة من الولد، وترك ثلاثة أرؤس، فاقتسموا، فأخذ كل واحد منهم رأسا، فمات منهم في يد الورثة واحد، واستحق آخر، وبقي آخر. قال: ليس على الذي مات العبد في يديه غرم شيء، وليس له أن يرجع على الذي بقي

العبد في يديه بشيء، ويرجع هذا الذي استحق العبد من يده على أخيه الذي بقي العبد في يديه، فيأخذ منه ثلثه، ويبقى ثلثاه، فإن أخذ لهذا المستحق ثمن، كان ثلثا الثمن للذي استحق العبد من يديه، وثلثه للذي بقي العبد عنده، فإن لم يؤخذ له ثمن لم يكن للذي استحق العبد في يديه إلا ثلث العبد الباقي. قال الإمام القاضي: المعنى في هذه المسألة أن العبيد الثلاثة، تساوت قيمتهم، فأقسموهم بالقرعة؛ لأن القسمة بالقرعة هي التي يختلف فيها، هل هي تمييز حق أو بيع من البيوع؟ ويتخرج فيها على القول بأنها تمييز حق ثلاثة أقوال؛ أحدها قول ابن القاسم هذا، وهو قول مالك في سماع أشهب، من كتاب القسمة؛ أن كل واحد منهم يضمن حقه الذي تميز له بالقسمة، فتكون مصيبته منه إن مات في يديه، فاستحق نصيب أحدهم، لم يكن للمستحق منه أن يرجع عليه بشيء، ولا كان له هو أن يرجع على من بقي حظه في يديه بشيء؛ لأن القسمة قد مضت فيما بينه وبينهما جميعا، لتلاف جميع حظه الذي تميز له بالقسمة في يديه بغير سببه، وتنتقص القسمة فيما بين الذي استحق نصيبه من يديه، وبين الذي بقي العبد في يديه، فيرجع عليه بثلثه؛ لأنه باع منه ثلثه بثلث العبد الذي استحق من يديه، فإن أخذ لهذا العبد المستحق ثمن، كان ثلثاه للمستحق منه، وثلثه للذي رجع عليه بثلث العبد، فيكون للمستحق منه العبد، ثلث العبد، الباقي، وثلثا الثمن، فاستويا لانتقاص القسمة فيما بينهما. وهذا إذا كان الثمن مثل قيمة العبد فأقل، وأما إن كان أكثر من قيمة العبد، فالزائد على قيمته بينهم أثلاثا. قال ذلك ابن عبدوس، وهو صحيح؛ لأن الزائد على قيمته لم يدخل في القسمة، وقد اختلف على هذا القول؛ إذا لم يمت العبد، وإنما

فوته الذي هو بيده بالهبة أو الصدقة أو العتق أو البيع، فقيل: إنه يضمنه بالتفويت للمستحق منه، فيكون له أن يرجع عليه بالقيمة يوم القسمة، وهو قول أشهب، وقيل: إنه لا يضمنه بشيء من ذلك، وإنما للمستحق منه في أن يرجع في عينه إن وجده عند الموهوب له، أو المتصدق عليه، وكذلك يرجع في عينه إن كان قد أعتق، ويقوم على المعتق إن كان موسرا، ويكون في البيع مخيرا بين أن يرجع في عين العبد عند المشتري، فيرجع المشتري بما ينوب ذلك من الثمن على البائع، وهو قول سحنون. والقول الثاني: إن القسمة تنتقص فيما بين المستحق منه، وبين الذي بقي العبد في يديه، وفيما بين المستحق منه، وبين الذي مات العبد في يديه، ولا تنتقص فيما بين الذي مات العبد في يديه، وبين الذي بقي العبد في يديه، فيكون على هذا القول ضمان ثلث العبد الذي مات من المستحق منه، وضمان ثلثيه من الذي مات في يديه؛ لأنه مات وثلثه للمستحق منه العبد، فمنه ضمانه، وثلثاه من الذي مات العبد في يديه، ثلث هو له، فكانت مصيبته منه، وثلث عاوض به الذي بقي العبد في يديه، فكانت مصيبته منه أيضا؛ لأن القسمة فيما بينه وبين لم تنتقص، فإن قبض للعبد المستحق ثمن على هذا القول، كان بين جميعهم أثلاثا، ويكون للمستحق العبد من يديه ثلث العبد الباقي، فيصح له ثلث العبد، وثلث الثمن. وللذي بقي العبد في يديه، ثلثا العبد وثلث الثمن، وللذي مات العبد فيه ثلث الثمن. حكى هذا القول ابن عبدوس، ولم يسم قائله. والقول الثالث: إن القسمة تنتقص بين جميعهم، فتكون مصيبة العبد الذي مات منهم كلهم، ويكون العبد الباقي بينهم، وإن قبض في العبد المستحق ثمن كان بين جميعهم أيضا. وهذا هو مذهب ابن الماجشون، أو أبيه عبد

العزيز، على ما وقع من اختلاف الرواية في ذلك، في سماع يحيى من كتاب القسمة، وكذلك على هذا القول إن استحق من نصيب أحدهم يسيرا أو كثيرا، وجد بحظه عيبا تنتقص القسمة بين جميعهم. وأما على القول بأن القسمة بيع من البيوع، فلا اختلاف في أن الذي استحق العبد من يديه، يرجع على العبد، بقي العبد في يديه بثلثه، وعلى الذي مات العبد في يديه، بثلث قيمته يوم صار إليه بالقسمة، فإن قبض للمستحق ثمن كان بين جميعهم أثلاثا، وإنما يختلف على هذا القول؛ إذا استحق اليسير من نصيب أحدهم أو الكثير، فقيل: إذا استحق الكثير؛ أن القسمة تنتقض، ويرد المستحق منه ما بقي في يديه، ويرجع على أشراكه فيما في أيديهم، إن كان قائما، أو في قيمته إن كان فائتا. وقيل: إنها لا تنتقض، فلا يكون له أن يرد الباقي في يديه، وإنما له أن يرجع على أشراكه فيما في أيديهم، فيشاركهم فيه، إن كان قائما بقدر ما استحق من يديه، وإن كان قد فات ما بأيديهم، رجع عليهم بقيمة ذلك، دنانير أو دراهم. وأما إذا استحق اليسير، فلا تنتقض القسمة، ويرجع على أشراكه فيما في أيديهم، فيشاركهم فيه بقدر ما استحق من نصيبه، إن كان ما بأيديهم لم يفت بوجه من وجوه الفوت، فإن كان قد فات رجع عليهم بقدر ذلك دنانير أو دراهم، وقيل: ليس له أن يرجع عليهم فيما في أيديهم، فيشاركهم فيه، وإن كان قائما، وإنما له الرجوع عليهم بقيمة ذلك دنانير أو دراهم، وهذا الاختلاف كله في هذا الوجه في المدونة. وكذلك اختلفا أيضا في القسمة على التراضي بعد التعديل والتقويم، بغير قرعة، هل هي تمييز حق أو بيع من البيوع؟ وأما القسمة على التراضي دون تقويم ولا تعديل، ولا قرعة، فلا اختلاف في أنها بيع من البيوع، فلها

كان بيده فرن إلى أن مرض فأوصى بذلك الفرن لامرأة بحضرة إخوته

حكمه في العيوب والاستحقاق، على ما قد ذكرناه في القسمة بالقرعة على القول بأنها بيع من البيوع، والأظهر في قسمة القرعة أن تكون تمييز حق، وفي قسمة التراضي بعد التعديل والتقويم أن تكون بيعا من البيوع، وبالله التوفيق. [كان بيده فرن إلى أن مرض فأوصى بذلك الفرن لامرأة بحضرة إخوته] من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب قال عبد الملك بن الحسن: سألت عبد الله بن وهب عن رجل كان بيده فرن يغتله بحضرة إخوته، إلى أن مرض، فأوصى بذلك الفرن لامرأة من الناس، بحضرة عامة إخوته، فلم ينكروا عليه، ولم يدعوا فيه، ثم صح من ذلك المرض، فاحترق سقف الفرن، فأنفق فيه وحده، وأصلح بعض الفرن وزاد فيه، وكان يأخذ خراجه، ويرفق فيه من أحب إلى أن هلك، فلما هلك ادعى إخوته أن الفرن بينهم وبين أخيهم الهالك، وأقاموا البينة أن الفرن كان لأبيهم. واحتج ورثة الهالك أن الفرن كان في يديه حتى هلك بما نصصت من وصيته فيه، بحضرة عامتهم، وإصلاحه إياه وحده، وأخذه خراجه دونهم، فهل يكون الفرن للذي كان بيده على هذه الحال دون ورثة أبيه أم لا؟ قال: إن كان يلي الفرن بجميع ما وصفت، وكانوا كبارا يلون أنفسهم ليسوا بصغار أو سفهاء، يولى عليهم، وكان حوزه ذلك السنين التي تكون حيازة، العشرة ونحوها وما أشبهها أو أكثر منها، فهو له إذا كان حيا، وادعاه دونهم، ولورثته من بعده إن كان ميتا، وإن أقاموا البينة على الأصل أنه لأبيهم لم ينتفعوا بذلك؛ إذا كان كذلك، وإن لم يكن على ما وصفت لك في الحيازة أو كانوا صغارا لا ينظرون إلى أنفسهم، أو تحت يديه أو غيبا غيبة طويلة أو بعيدة، وأثبتوا أن أصله كان لأبيهم، مات وترك ميراثا بين

مسألة: يكونون في المنزل وفيه بور فزرع البعض ذلك بحضرة أشراكه

جميعهم، ثبتت حقوقهم فيه، ولم يضرهم ما كان من ولايته إياه، وقيامه به. وقال أشهب: أرى أن الفرن للمرأة التي أوصى لها به، ولا أرى للميت فيه شيئا ولا لإخوته؛ لأنه قد حازه دونهم. قال محمد بن رشد: إنما لم ير ابن وهب وصيته بالفرن بحضرة عامة إخوته حيازة عليهم، والله أعلم من أجل أنه لم يعين ولا سمى من لم يحضر ذلك منهم ولا علم؛ لأن كل واحد منهم يقول: أنا ممن لم أحضر ولا علمت، ولو ثبتت عليهم كلهم أنهم حضروا وصيته له، فلم يغيروا، ولا أنكروا ولا ادعوا فيه حقا؛ لكان ذلك حيازة عليهم، أو على من ثبت عليه ذلك منهم، وإن كانت الوصية قد بطلت عنده فيه بإصلاحه إياه، وتعبيره له بالزيادة فيه، خلاف ما ذهب إليه أشهب. وهذا على الاختلاف فيمن أوصى لرجل ببقعة ثم بناها، هل يكون ذلك نقضا للوصية أم لا يكون ذلك نقضا لها؟ ويكون الموصى له شريكا فيها مبنية بقيمة القاعة، وكذلك يكون الورثة مع الموصي لها بالفرن أشراكا فيه بالزيادة، على مذهب أشهب، لا بما أنفق في إصلاحه؛ إذ لا اختلاف في أن الوصية بالدار أو الفرن ونحوه، لا تبطل بالرم والإصلاح، وقول ابن وهب: إن العشرة الأعوام حيازة في الفرن بين الإخوة الأوراث، مع التغيير بالبنيان، والانفراد بالاستغلال، هو مثل القول الذي رجع عنه ابن القاسم، في رسم الكبش من سماع يحيى. وقد مضى القول على ذلك هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته. وقد مضى القول في مراعاة تحديد العشرة الأعوام في الحيازة في رسم شهد، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته ذكر ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يكونون في المنزل وفيه بور فزرع البعض ذلك بحضرة أشراكه] مسألة وسألت عبد الله بن وهب عن القوم يكونون في المنزل، ولذلك المنزل بور وشعر، فاخترق بعض أهل ذلك المنزل في ذلك

البور خرقا فزرعه وعمره بحضرة أشراكه، وأقام في يديه، نحوا من ثمان سنين أو عشرة، أو أكتر من ذلك إلى ما بينه وبين عشرين سنة، بحضرة أشراكه لم يغيروا عليه ولم ينكروا، ثم بدا لهم في طلب ذلك البور، ومحاصة صاحبه فيه وأرادوا أن يردوه بورا، ومرعى لعامتهم، كما كان أول مرة، فاحتج صاحب البور بعمارته له، منذ زمان طويل بحضرتهم، وهو مقر أنه كان بورا، وقال: هي أرض اعتمرتها منذ زمان طويل بحضرتكم، أو كان صاحب تلك الأرض قد هلك وورثها ورثته، فادعوا أنهم ورثوا عن أبيهم أرضا، كان يعتمرها منذ زمان، بحضرتكم فقامت عليهم البينة، أن تلك الأرض كانت من البور الذي كان بين أهل القرية كلهم، حتى اخترقها أبوهم الهالك، فهل ترد إليه حاله الأول بورا، كما كان أول، أو يستحقه الذي هو في يديه بطول عمارته؟ فقال: إن كانت الشعر أو البور معروفا للقوم، أو كان المخترق مقرا بذلك، أعطوه قيمته صحيحا إن كان اعتمر بذلك بعلمهم ومعرفتهم، وهم يرونه لا يغيرون عليه، وذلك إذا كانوا كبارا هالكين لأنفسهم، فإن كانوا صغارا ليس لمثلهم إذن، فقيمته منقوضا، وإن كان البور ليس معروفا لهم، ولا مشهودا عليه، وأنكر وهو في يديه، يحوزه ويعتمله السنين التي في مثلها الحيازة، فلا حق لهم فيه. قال محمد بن رشد: قوله: فاخترق بعض أهل ذلك المنزل في ذلك البور يدل على أن للمخترق فيه حقا؛ إذ هو منهم. وهذا هو الذي قال فيه ابن القاسم في آخر سماع يحيى: إنهم فيه أعذر في السكوت منهم في الأرض العامرة. وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، ولم ير مشاركتهم لهم في الشعر شبهة، توجب أن يكون له

مسألة: تكون في يديه دابة فتعرفها رجل يزعم أنها سرقت منه ويقيم البينة

قيمة ما عمر فيها قائما، إن كان عمره بغير علمهم ولا إذنهم. وهذا مثل ما مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم. وفي ذلك اختلاف قد ذكرناه، هناك. وقوله: إنه إن كان عمره بعلمهم ومعرفتهم أعطوه قيمته صحيحا ظاهره، طالت المدة أو قصرت، فهو خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في تفرقته بين أن يقوموا عليه بحدثان البنيان، أو بعد أن يمضي من المدة ما يرى أنه بني إلى مثلها، مثل رواية المدنيين عن مالك، في أن من بنى في أرض رجل بإذنه أو بعلمه، فله قيمة بنيانه قائما، وفي قوله في آخر المسألة: وإن كان البور ليس معروفا لهم، ولا مشهودا عليه، فأنكر وهو في يده، يحوزه ويعتمله السنين التي في مثلها الحيازة، فلا حق لهم فيه؛ نظرا لأن البور؛ إذا لم يكن لأهل المنزل فيه حق، فهو موات، يكون لمن أحياه بالعمارة، والإحياء على حكم إحياء الموات، فيما قرب وفيما بعد، حسبما مضى القول فيه في رسم القضية من سماع أشهب من كتاب السداد، والأنهار ولا يستحق شيئا من ذلك على جماعة المسلمين، بطول الحيازة، كما يستحق على الواحد منهم بها ماله وملكه، وبالله تعالى التوفيق لا رب غيره. [مسألة: تكون في يديه دابة فتعرفها رجل يزعم أنها سرقت منه ويقيم البينة] مسألة قال: سألته عن الرجل تكون في يديه دابة، فتعرفها رجل، يزعم أنها سرقت منه، فقيم عليها البينة، أنها مسروقة منه، وأنها منتوجة عنده، أو عند الذي ابتاعها منه، فيزعم الذي ألفيت في يديه أنه ابتاعها من رجل من أهل بلدة أخرى، فيكتب له القاضي إلى قاضي البلد، الذي زعم أن بائعه بها، بما قامت عنده لمدعيها من البينة عليها، وأنها منتوجة عنده، أو عند من ابتاعها منه إلى أن أنشدها

مسروقة، وأنه قد قضي بها له، ليرد بذلك رأس ماله من بيعه، فإذا ورد بذلك الكتاب على القاضي، أتاه ببيعه، فعرف الدابة وأقر ببيعها أعداه عليه بما كتب به إليه ذلك القاضي، ثم يزعم الذي أعدى عليه، أنه ابتاعها من رجل في كورة أخرى، ويسأل أن تدفع إليه الدابة، ويضع قيمتها على يدي عدل، ليدرك رأس ماله بها. وكتب له القاضي الذي كتب إليه بعد وضع قيمتها، إلى قاضي البلد الذي زعم أن بائعه به، فيأتيه ببائع الدابة فيعرفها، ويقر ببيعها، ويزعم أنها منتوجة عنده، ويقيم عليها البينة أنها منتوجة عنده، فكتب ذلك القاضي إلى الذي كتب إليه، أنه لم يجد سبيلا إلى الإعداء عليه، بما قامت عنده من البينة أنها، منتوجة عنده، فيلتمس هذا أن يرجع بما غرم من قيمتها على من أخذ ذلك منه. ويحتج ذلك بدعوى الأول، وما قامت عليه بينة، فأي الأمرين يحملها عليه؟ قال: إن كانت بينة الأول الذي أقام عند القاضي الأول على النتاج أعدل من بينة الآخر الذي أقام أيضا البينة على النتاج عند القاضي الآخر، أو كانتا في العدالة سواء، فالأول أحق بها، ترد إليه، ويعدى مشتريها والمستحقة من يديه على بائعه، وبائعه على بائعه على ذلك الأصل أبدا كما هو، وإن كانت بينة الآخر على النتاج أعدل البينتين وأبرزها في الصلاح والعدالة، فالحق حقه، ولا حق للأول وينفذ البيع بين من تبايعاهما أجمعين، ويرد إلى المستحق من يديه، ويتم البيع فيه بينهم على ما تبايعوا من واحد إلى واحد. قال محمد بن رشد: المسئول في هذه المسألة ابن وهب، والله أعلم؛ لأنه قال في أولها: وسألته عطفا على المسألة المتقدمة له. وقول فيها: إنه إن تكافأت البينتان في العدالة، فالبينة بينة الأول، وهو أحق بها، وينفذ البيع بينهم بالأثمان، وتبطل بينة الثاني خلاف مذهب ابن القاسم

وروايته عن مالك؛ لأن المال المتنازع فيه، لا يكون عندهما مع تكافئ البينتين للذي هو في يديه، إلا إذا جهل أصل كونه في يديه، والأول الذي أقام البينة على النتاج، قد علم أصل كون الدابة في يديه، وهو قضاء القاضي الأول له بها بما ثبت عنده من ملكه لها، وأنها منتوجة عنده قبل الإعذار إلى هذا الآخر الذي أقام أيضا البينة على النتاج، فهو حكم لم يتم بعد، فلا تراعى يده؛ لأن اليد على الحقيقة إنما هي للثاني؛ لأنه المدعى عليه لما قد باعه مما كان في يديه بوجه مجهول، فهو بمنزلة المستحقة من يديه الدابة، لو كان هو الذي أقام البينة على النتاج، فالواجب في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك؛ إذا تكافأت البينتان في العدالة، أن تكون البينة بينة الثاني التي أقام على النتاج، وتبطل بينة الأول، وترد الدابة إلى الذي استحقت من يديه أولا، وينقض الحكم الذي حكم به القاضي الأول للمدعي الذي أقام البينة عنده على النتاج، ويرجع كل من رجع عليه بما أخذ منه على الذي أخذه منه، وقول ابن وهب في هذه المسألة، هو مثل قول غير ابن القاسم في كتاب الولاء والمواريث من المدونة في الذي يأخذ مال رجل، ويدعي أنه وارثه، ثم يأتي رجل آخر غيره، ويدعي أنه وارثه، ويقيمان جميعا البينة على دعواهما أن البينة بينة للذي المال بيده. وقد وقع في المبسوطة لأصبغ وسحنون: أن الدابة تكون بينهما إذا تكافأت البنيتان في العدالة، يريدان فينفذ الاستحقاق في نصفها، ويكون التراجع بينهم فيه، على حكم من ابتاع دابة فاستحق من يديه نصفها، ويكون مخيرا بين أن يرد النصف الباقي في يده، ويرجع بجميع الثمن، وبين أن يمسك النصف، ويرجع على البائع منه بنصف الثمن، ثم يرجع هو على من باع منه بنصف الثمن الذي دفع إليه أيضا، وهو قول ثالث في المسألة، على غير الأصول؛ لأن المال المدعى فيه لا يكون بين المتداعيين، عند تكافئ البينتين إلا إذا كان بأيديهما جميعا، أو لم يكن بيد واحد منهما، واليد التي يجب اعتبارها في مسألتنا هذه، إنما هي يد الثاني على ما بيناه. أرأيت لو كان حاضرا عند إقامة الأول البينة عليها أنها

اشترى عبدا معينا وقبضه وآخر موصوفا إلى أجل فاستحق العبد القائم

منتوجة عنده، فأقام هو البينة عليها أيضا أنها منتوجة عنده، أليس كانت تكون بينته أعمل؟ فلا فرق بين أن يغيب حتى يحكم له بها، وبين أن يكون حاضرا؛ لأن الحجة قد أرجئت له لمغيبه. وهذا كله بين، والحمد لله. وإذا كانت بينة الثاني أعمل، وجب أن ترجع الدابة إلى الذي كانت استحقت من يديه، فيرد كل واحد منهم الدابة إلى الذي أخذها منه، ووضع له فيها القيمة، فيأخذ منه الثمن الذي دفع إليه، والقيمة التي وضع له، حتى ترجع الدابة إلى الذي استحقت من يديه، فيأخذ القيمة التي وضع لمستحقها، وإن تلفت القيمة الموضوعة في شيء من هذا، فمصيبتها من الذي وضعها إذا كانت على يدي عدل، وإن كانت عنده ضمنها، إلا أن تكون له بينة على ضياعها، على حكم ما يغاب عليه من الرهان، وإن تلفت الدابة في شيء من هذا بيد أحد ممن سار بها، فلربها المستحقة من يده أكثر القيم الموضوعة، ولهذا الوجه تفسير دقيق، قد فرغنا من بسطه وشرحه في مسألة مشخصة، سئلت عنها منذ مدة، فبينت وجه القول فيها بيانا شافيا، فتركت ذكر ذلك هنا اختصارا واكتفاء لما مضى من القول؛ إذ لم أقصد في هذا الشرح إلى تفريع مسائله، كراهة التطويل، وبالله التوفيق، اللهم لطفك. [اشترى عبدا معينا وقبضه وآخر موصوفا إلى أجل فاستحق العبد القائم] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن رجل اشترى عبدا قائما بعينه وقبضه، وعبدا آخر موصوفا معه إلى أجل، بمائة دينار، فاستحق العبد القائم، قال: ينظر في قيمة الذي نقد، والذي إلى أجل، كم كان نصيب كل واحد منهما من المائة؟ على قدر بعد الأجل وقربه، وعلى صفة ذلك إن اختلفت الصفة، ثم يقسم ذلك بينهما، ثم يرد ما أصاب الذي استحق بقدر ذلك، ويثبت البيع فيما

له عبد مملوك وكان في يديه منزل فيه بنيان وغرس معروف

بقي، إلا أن يكون هذا المستحق وجه الشراء وكثرته، وفيه الفضل فيما يرى الناس، فينفسخ البيع كله، وترد المائة. وقاله أصبغ بن الفرج، وهي حسنة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، ووجه العمل في ذلك أن يقوم العبد القائم يوم وقع الشراء، ويقوم العبد المسلم فيه، بأن يقال: كم يسلف في عبد على تلك الصفة إلى مثل ذلك الأجل، وإلى من تكون ذمته في الأمانة والثقة؟ مثل ذمة المسلم إليه في العبد، فإن كانت قيمة العبد في التمثيل ثلاثين، وما يسلم في مثل العبد المسلم فيه على ما وصفناه ستين، ثبت السلم له على المسلم إليه، ورجع عليه بثلث المائة للعبد المستحق، وإن كانت قيمة العبد ستين، وما يسلم في مثل العبد المسلم فيه ثلاثين، كان بالخيار بين أن يرجع بجميع المائة، وينتقض السلم، وبين أن يرجع بثلثي المائة، ويثبت له السلم، وبالله التوفيق. [له عبد مملوك وكان في يديه منزل فيه بنيان وغرس معروف] ومن كتاب الأقضية قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم، وسئل عن رجل له عبد مملوك، وكان في يديه منزل فيه بنيان وغرس معروف؛ إنه لمولاه، فأعتقه وفي يديه ذلك المنزل والأرض، ثم أقام بعد عتقه عشرين سنة، يبني ويهدم ويزرع حتى مات، وترك أولادا صغارا، فطلب مولاه المنزل، وهل ينتفع الموالي بحوزهم؟ قال: إن المولى أحق به، ولا ينتفع الموالي بالحوز في مثل هذا إذا عرف ذلك كان لمولاه، وليس الموالي والولد مثل الأجنبيين، شأنهم أضعف من ذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم لابن القاسم في رسم الكبش، من سماع يحيى، من أن المولى الأسفل في الحيازة، بمنزلة المولى

الأعلى، وبمنزلة الأختان والأصهار على حكم القرابة خلاف ما مضى في رسم شهد، من سماع عيسى، من أن الموالي والأصهار في الحيازة، بمنزلة الأجنبيين. وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. تم كتاب الاستحقاق بحمد الله تعالى، وحسن عونه.

كتاب الغصب

[كتاب الغصب] [ترك رجلا يبني في أرضه وهو حاضر ثم قام عليه حين فرغ] من سماع عبد الرحمن بن القاسم من مالك رواية سحنون من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك في رجل ترك رجلا يبني في أرضه، أو يغرس فيها وهو حاضر يراه، ثم قام عليه حين فرغ من بنيانه أو غرسه: إن للعامل قيمة ما أنفق. قال ابن القاسم: وذلك في فيافي الأرض، وحيث لا يظن تلك الأرض لأحد، فإذا بنى في مثل ذلك المكان وصاحبه ينظر، ثم جاء ليخرجه، فلا يخرجه إلا بقيمته مبنيا. ولو بنى أيضا في مثل ذلك المكان بحوز، استحيا مثله، ولم يعلم صاحبه، لم يكن له أن يخرجه أيضا، إلا أن يغرم له القيمة مبنيا. وأما من دخل على رجل متعديا بمعرفة، فإنه يهدم بنيانه، ويقلع غرسه، إلا أن يحب صاحب الأرض أن يغرم ثمن نقضه وغرسه، بعد أن يطرح مقلوعا، وليس للذي تعدى أن يأبى ذلك. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: وذلك في فيافي الأرض،

وحيث لا تظن تلك الأرض لأحد؛ مخالف لما ذهب إليه مالك، غير مفسر له؛ لأن الذي ذهب إليه مالك؛ أن تركه يبني في أرضه ويغرس فيه وهو حاضر، يراه إذن منه له بذلك، فسواء على مذهبه كان ذلك في فيافي الأرض، وحيث لا تظن تلك الأرض لأحد، أو لم تكن، وكان في الحاضرة أو فيما قرب منها، إن قام عليه بحدثان ما بنى أو غرس، لم يكن له أن يخرجه عن الأرض، إلا أن يعطيه قيمة ما أنفق، أو ما أنفق على الاختلاف القائم من المدونة، وقد ذكرت وجهه في سماع أشهب، من كتاب الاستحقاق. وإن لم يقم عليه حتى مضى من المدة ما يرى أنه إذن بالغرس والبناء إلى مثلها، كان له قيمة بنيانه وغرسه منقوضا مطروحا بالأرض، على ما في كتاب العارية من المدونة فيمن أذن الرجل أن يبني في أرضه أو يغرس فيها، ويوقت له أجلا. وإن قام عليه بعد مدة، إلا أنها لم تبلغ الحد الذي يرى أنه أذن له بالبناء إلى مثلها، لم يكن له أن يخرجه إلا أن يعطيه قيمة بنيانه وغرسه قائمة. ووجه العمل في ذلك أن يقال: كم قيمة البقعة مبنية، على ما هي عليه من هذا البناء على حالته التي هو عليها من التغير فيما مضى من المدة؟ وكم قيمة بنيانها أيضا لو كان البناء جديدا كما فرغ منه؟ فينقص ما بين القيمتين من قيمتها، أنفق في البنيان أو مما أنفق فيه، على الاختلاف الذي قد ذكرته فيما بقي من ذلك، كان هو قيمة البنيان قائما الذي يجب له عليه، إن أراد إخراجه من الأرض. وذهب ابن القاسم في هذه الرواية إلى أن تركه يبني في أرضه وهو حاضر يراه، ليس بإذن منه له في ذلك على أحد قوليه؛ إذ قد اختلف قوله في هذا الأصل، فإذا لم يكن إذن له عنده، فلا يكون له على مذهبه في بنيانه قيمة ما أنفق فيه، كما قال مالك، إلا إذا كان ذلك في فيافي الأرض، وحيث لا يظن ذلك الأرض

مسألة: يتسوق بسلعة فيعطيه غير واحد بها ثمنا ثم يعدوا عليها رجل فيستهلكها

لأحد، ولذلك قال متصلا بقول مالك: إنه إن قام عليه حين فرغ من بنيانه أو غرسه؛ أن للعامل قيمة ما أنفق، وذلك في فيافي الأرض ... إلخ قوله؛ يريد عنه وعلى مذهبه؛ لأن بنيانه إن لم يكن في فيافي الأرض، فلا يجب له فيه على مذهبه في هذه الرواية، إلا قيمته منقوضا. هذا وجه القول في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك خلاف رواية المدنيين عن مالك، في أن من بنى فله قيمة بنيانه قائما، وإن انقضت المدة، وعلى ذلك يأتي قول مطرف وابن الماجشون في الواضحة عن مالك في أنه من بنى في أرض بينه وبين شريكه، وشريكه حاضر لا ينكر، فهو كالإذن، ويعطيه قيمة البناء قائما، كالباني بشبهة. وقد مضى تحصيل القول في مسألة أحد الشريكين، يبني في الأرض التي بينه وبين شريكه على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في أول سماع ابن القاسم، من كتاب الاستحقاق، وبالله التوفيق. [مسألة: يتسوق بسلعة فيعطيه غير واحد بها ثمنا ثم يعدوا عليها رجل فيستهلكها] مسألة وقال مالك في الرجل يتسوق بسلعة، فيعطيه غير واحد بها ثمنا، ثم يعدوا عليها رجل، فيستهلكها، قال: أرى أن يضمن ما كان يعطى بها، ولا ينظر في قيمتها. قال: وذلك إذا كان عطاء قد تواطأ عليه الناس. ولو شاء أن يبيع باع. قال سحنون: لا يضمن إلا قيمتها. قال عيسى: يضمن الأكثر القيمة أو الثمن. قال محمد بن رشد: قول مالك: إنه يضمن ما كان يعطى بها إذا كان عطاء قد تواطأ الناس عليه، ولا ينظر إلى قيمتها. معناه: إلا أن تكون القيمة أكثر من ذلك، فتكون له القيمة. وهو نص قول مالك في سماع عيسى من كتاب العتق، مثل قول عيسى بن دينار من رأيه: إن له الأكثر من القيمة أو الثمن. فقوله مفسر لقول مالك، خلاف لقول سحنون، الذي لا يرى له إلا

انتهب من رجل مالا والناس ينظرون فطلبه فادعى صاحبه عددا وكذبه الآخر

القيمة، كانت أقل من الثمن أو أكثر. فالمسألة راجعة إلى قولين، وبالله التوفيق. [انتهب من رجل مالا والناس ينظرون فطلبه فادعى صاحبه عددا وكذبه الآخر] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وسئل مالك عن رجل انتهب من رجل مالا في صرة في يده، والناس ينظرون إليه، قد رأوها قبل ذلك في يد صاحبها، فطلب، فطرحها مطرحا لم توجد، فادعى صاحبها عددا وكذبه الآخر، ولم يفتحها، ولم يدر كم هي؟ ولعله ألا يطرحها لعجزه هربا فيذهب بها، ثم يختلفان في العدد قال مالك: إذا اختلفا في العدد، فاليمين على المنتهب، ومطرف، وابن كنانة يقولان في هذا وشبهه: القول قول المنتهب منه؛ إذا ادعى ما يشبه، وأن مثله يملكه. قال محمد بن رشد: قول مالك هو القياس؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» ، فالقول قول المنتهب مع يمينه، أنه لم يكن فيها أكثر من كذا وكذا؛ إذ حقق أنه لم يكن فيها أكثر من ذلك، وإن لم يدع معرفة عدد ما فيها، وذلك إذا أتى بما يشبه، فإن أتى بما لا يشبه، لم يكن له إلا ما أقر به المنتهب. وأما قول مطرف وابن كنانة، فإنه استحسان، ووجهه أن عداء المنتهب وظلمه قد ظهر، فوجب أن يسقط حقه، في أن يكون القول قوله؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس لعرق ظالم حق» ، والظالم أحق من حمل عليه " فكان القول قول المنتهب منه إذا ادعى ما

الزرع تأكله الماشية

يشبه، فإن ادعى ما لا يشبه، كان القول قول المنتهب؛ إذا أقر بما يشبه، فإن لم يقر إلا بما لا يشبه، يسجن، فإن طال سجنه ولم ينتقل عن قوله، استحلف على ذلك وأخذ منه، وبالله التوفيق، لا رب سواه، اللهم لطفك. [الزرع تأكله الماشية] ومن كتاب أوله حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان قال: وقال مالك في الزرع تأكله الماشية، قال: يقوم على حال ما يرجى من تمامه ويخاف من هلاكه لو كان يحل بيعه. فإن قال قائل: كيف يقوم ما لا يحل بيعه؟ فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد قضى في الجنين بغرة، فالجنين لا يحل بيعه فهذا مثله. قال محمد بن رشد: قوله في الزرع تأكله الماشية: إنه يقوم على الرجاء والخوف؛ معناه فيما أفسدت وأكلت بالليل؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قضى أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها» ، ولا اختلاف في وجوب تقويمه على الرجاء والخوف؛ إذا يئس من أن يعود لهيئته، وإما إن رعى صغيرا، ورجا أن يعود لهيئته، فاختلف هل يستأنى به أم لا؟ فقال مطرف: إنه لا يستأنى به،

الأمة الراووقة الفارهة تتعلق برجل تدعي أنه غصبها نفسها

وذهب سحنون، إلى أنه يستأنى به. قاله في الثمرة، وهو في الزرع أحرى. واختلف على القول بأنه لا يستأنى به، إن حكم بالقيمة فيه، ثم عاد لهيئته بعد الحكم، هل ترد القيمة أم لا؟ واختلف أيضا على القول بأنه لا يستأنى به إن لم يحكم فيه، حتى عاد لهيئته، فقيل: تسقط القيمة فيه، وهو قول مطرف، وقيل: لا تسقط فيه، ويقوم على الرجاء والخوف على كل حال، إن نبت وعاد لهيئته قبل الحكم، وهو قول أصبغ. وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في آخر سماع أشهب، من كتاب الأقضية، والله الموفق. [الأمة الراووقة الفارهة تتعلق برجل تدعي أنه غصبها نفسها] من سماع أشهب وابن نافع من مالك ورواية سحنون من كتاب الأقضية قال أشهب: قيل لمالك: رأيت الأمة الراووقة الفارهة، تتعلق برجل تدعي أنه غصبها نفسها، أتصدق عليه بما بلغت من فضيحة نفسها يمين أو بغير يمين؟ فقال: تصدق عليه، ويكون ذلك لها بغير يمين، ما سمعت أن عليها في ذلك يمينا، فأرى أن تصدق، بكرا كانت أو ثيبا إذا تشبثت به وبلغت فضيحة نفسها، وهي تدمى إن كانت بكرا، ولم أسمع أن عليها في ذلك يمينا. قال محمد بن رشد: في هذه المسألة أن الرجل إذا ادعت عليه أنه غصبها نفسها، ممن يليق به ما ادعت عليه من ذلك، فهاهنا يسقط عنها حد القذف للرجل باتفاق وحد الزنا، وإن ظهر بها حمل لما بلغته من فضيحة نفسها، وكذلك الوغدة. قال ذلك محمد بن المواز: واختلف في وجوب الصداق لها على ثلاثة أحوال؛ أحدها: أنه يجب لها، وهو قول مالك في رواية أشهب هذه. والثاني: أنه لا يجب لها، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه، من كتاب الحدود، في

القذف. قال: ولو كان أشر من عبد الله الأزرق في زمانه. والثالث قول ابن الماجشون في الواضحة: أنه يجب لها الصداق إن كانت حرة، ولا يجب لها إن كانت أمة، واختلف إذا وجب لها الصداق بدعواها مع ما بلغت إليه من فضيحة نفسها، هل يجب بيمين أو بغير يمين؟ فقال مالك في رواية أشهب هذه: إنها تأخذه بغير يمين، وذهب ابن القاسم إلى أنها لا تأخذه إلا بيمين وهو أصح. وهذا الاختلاف في وجوب اليمين إنما هو والله أعلم في الجارية الفارهة، وأما الوغدة فلا تأخذ الصداق على القول بأنها تأخذه بدعواها مع التشبث بالمدعى عليه، إلا بعد اليمين. وتحصيل القول في هذه المسألة باستيفاء وجوهها أنه إذا ادعت المرأة على الرجل أنه اغتصبها نفسها، ولم تأت متشبثة به، فإن كان الرجل معلوما بالصلاح، ممن لا يشار إليه بالفسق، حدت له حد القذف، كانت من أهل الصون أو لم تكن، وحدت الزنا إن ظهر بها حمل. وأما إن لم يظهر بها حمل، فيتخرج وجوب الحد عليها على الاختلاف فيمن أقر بوطء أمة رجل، وادعى أنه اشتراها منه، أو بوطء أمة، وادعى أنه تزوجها، فتحد على مذهب ابن القاسم، إلا أن ترجع عن قولها، ولا تحد على مذهب أشهب، وهو نص قول ابن حبيب في الواضحة، وإن كان معلوما بالفسق لم تحد له حد القذف، كانت من أهل الصون أو لم تكن، ولا حد الزنا لنفسها، إلا أن يظهر بها حمل، وينظر الإمام في أمره، فيسجنه، ويستحس عن أمره، ويفعل فيه بما ينكشف له منه، فإن لم ينكشف له في أمره شيء استحلف، فإن نكل عن اليمين حلفت المرأة، واستحقت عليه صداق مثلها، وإن كان مجهول الحال، حدت له حد القذف إن كانت مجهولة الحال أيضا، أو لم تكن من أهل الصون، وأما إن كانت من أهل الصون، وكان هو مجهول الحال، فيتخرج وجوب حد القذف عليها له على قولين. ويحلف بدعواها على القول بأنها لا تحد له. فإن نكل عن اليمين حلفت هي وكان لها صداق مثلها، وأما إن ادعت عليه أنه غصبها نفسها، وجاءت متعلقة به،

تدمى إن كانت بكرا، فإن كان من أهل الصلاح لا يليق به ما ادعته عليه، سقط عنها حد الزنا، إن ظهر بها حمل، لما بلغته من فضيحة نفسها، واختلف هل تحد له حد القذف أم لا؟ فذهب ابن القاسم إلى أنها تحد له حد القذف. وحكى ابن حبيب في الواضحة أنها لا تحد له حد القذف، ولا يمين لها عليه، على القول بأنها تحد له. وأما على القول بأنها لا تحد له، فيحلف على تكذيب دعواها. فإن نكل عن اليمين حلفت واستحقت عليه صداق مثلها، وهذا إذا كانت ممن تبالي بفضيحة نفسها، وأما إن كانت ممن لا يبالي بفضيحة نفسها، فتحد له قولا واحدا. وإن كان معلوما بفسق من يليق به ذلك سقط عنها حد القذف للرجل، وحد الزنا، وإن ظهر بها حمل. واختلف في وجوب الصداق لها على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يجب لها، وهي رواية أشهب عن مالك في كتاب الغصب؛ لأنه إذا وجب للأمة ما نقضها، فأحرى أن يجب للمرأة صداق مثلها. والثاني: أنه لا يجب لها، وهي رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الحدود في القذف. قال: ولو كان أشر من عبد الله بن الأزرق في زمانه. والثالث قول ابن الماجشون في الواضحة: أنه يجب لها الصداق إن كانت حرة، ولا يجب لها شيء إن كانت أمة، واختلف إذا وجب لها الصداق بدعواها مع ما بلغت إليه من فضيحة نفسها، هل يجب لها بيمين أو بغير يمين، فروى أشهب عن مالك أنها تأخذ بغير يمين، وذهب ابن القاسم إلى أنها لا تأخذ إلا بعد اليمين، وهو أصح، والله أعلم. وإن كان مجهول الحال لم تحد له قولا واحدا، إذا كانت ممن تبالي بفضيحة نفسها، واستحلف هو، فإن نكل عن اليمين حلفت هي، واستحقت صداقها، وإن كانت ممن لا تبالي بفضيحة نفسها، يخرج إيجاب حد القذف عليها على قولين، ويحلف على القول بأنها لا تحد له، فإن نكل عن اليمين حلفت هي واستحقت صداقها، ويحلف على القول بأنها تحد له ولا يجب لها شيء. هذا تحصيل القول في هذه المسألة، والله الموفق.

يبذر الناس الحبوب فربما أخطأ المرء فزاد على حده من حد جاره

[يبذر الناس الحبوب فربما أخطأ المرء فزاد على حده من حد جاره] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل مالك فقيل له: إن أرض مصر ينكشف عنها الماء، وبعضها لضيق بعض، فإذا بذر الناس الحبوب فربما أخطأ المرء، فزاد على حده من حد جاره، الفدان والفدانين، فبذر فيه، ثم ينظر بعد ذلك، فيوجد قد بذر في غير حقه، فيقول رب الأرض: أنا أعطيك بذرك، وكراء بقرك، قال مالك: ما أرى ذلك ولا أظنه، قال: فقيل له: فترى أن تكون تلك الأرض التي وقع فيها بذره له بكرائها؟ قال: نعم، أراها له بكرائها، وله الزرع. قال محمد بن رشد: قوله: ما أرى ذلك، ولا أظنه؛ معناه: ما أرى ذلك بحوز، ولا أظنه يحل؛ لأنه صدقه فيما ادعاه من الخطأ والغلط، وعذره ذلك بالجهل، فوجب أن يكون له الزرع، ويكون عليه كراء الأرض؛ لأنه زرعه وهو يحسب أنه زرعه في حقه، بعد يمينه على ذلك، حسبما قاله أصبغ في نوازله من كتاب المزارعة، فلما وجب له الزرع، لم يجز لرب الأرض أن يأخذه ويعطيه بذره، وكراء بقره؛ لأنه يكون مبتاعا له بذلك، وسحنون لا يعذره في ذلك بالجهل، ولا يصدق فيما ادعاه من الغلط، ويحمله محمل الغاصب، فيرى الزرع لصاحب الأرض، ولا يرى للزارع شيئا إلا أن يقدر أن يجمع حبه من الفدان حسبما ذكرنا عنه في نوازل أصبغ من كتاب المزارعة، ولا خلاف في أنه لا يعذر في الغلط إذا تجاوز حده بالبنيان في البقعة، وبالله التوفيق. [عبد اغتصب فباعه مغتصبه أو سارقه فمات في يدي مشتريه] من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن عبد اغتصب أو سرق،

فباعه مغتصبه أو سارقه، فمات في يدي مشتريه، وترك مالا ثم جاء سيده فاستحقه، قال: يخير سيده، فإن شاء أخذ ماله الذي ترك، ورجع المشتري على البائع بالثمن، وإن شاء رجع على هذا المغتصب بالثمن أو بالقيمة، فأخذه منه، ويسلم ماله للمشتري، قال: وكذلك لو كانت أمة اغتصبت، أو رمكة فولدت أولادا ثم ماتت الرمكة أو الوليدة؛ أن سيدها إن شاء أخذ ولدها، ولم يكن له غير ذلك، وإن شاء ترك ولدها، وأخذ الثمن أو القيمة. وهو قول مالك. قال محمد بن رشد: قوله: إن لسيد العبد المغصوب إذا مات عند المشتري، وترك مالا أن يأخذ ماله، ويرجع المشتري بالثمن على البائع الغاصب، صحيح، لا اختلاف فيه أحفظه؛ لأن العبد لم يخرج عن ملكه، فله أن يأخذ ماله، سواء وجد العبد أو لم يجده، وكذلك له أن يغرم المشتري الذي استحق العبد من يده قيمة مال العبد، إن كان قد استهلكه، وجد العبد أو لم يجده، وكذلك له أن يأخذ من يد الموهوب له، إن كان وهبه، وسواء كان المشتري ابتاع العبد بماله أو كسبه عنده بتجارة، أو وهب إياه، إلا أن يكون سيده هو الذي وهبه إياه، واكتسبه عنده من عمل يده، فلا يكون للمستحق فيه شيء، وإذا اختار المستحق أخذ مال العبد من يد المشتري، وترك الرجوع على الغاضب البائع، رجع عليه المشتري بالثمن، ولو تلف المال عند المشتري، ووجد العبد على حاله عنده، لم يكن له أن يتركه، ويرجع على الغاصب، وحكم الأولاد في ذلك كله حكم المال لا ضمان على المشتري في تلف شيء من ذلك عنده، وله الرجوع بالثمن إذا أخذ منه المال، وقد تلف العبد، أو أخذ منه الأولاد، وقد تلفت الأمهات، ولو تلف الأولاد عند المشتري، ووجد الأمهات عنده على حالها، لم يكن له أن يتركهم ويرجع على الغاصب. واختلف إن تلف الأولاد أو المال عند الغاصب، فقال ابن القاسم: لا ضمان عليه في ذلك. وقال أشهب: عليه فيه الضمان، وبالله التوفيق.

يشتري السلعة في سوق المسلمين فيدعيها رجل قبله ويقيم البينة

[يشتري السلعة في سوق المسلمين فيدعيها رجل قبله ويقيم البينة] ومن كتاب أوله استأذن سيده في تدبير جاريته وسئل ابن القاسم عن الرجل يشتري السلعة في سوق المسلمين، فيدعيها رجل قبله، ويقيم البينة أنها اغتصبت منه، فيزعم مشتريها أنها هلكت، قال: إن كانت حيوانا فهو مصدق، وإن كانت مما يغيب عليه لم يقبل قوله، وأحلف بالله الذي لا اله إلا هو أنه هلك، ويكون عليه قيمتها، إلا أن يأتي بالبينة على هلاك من الله إياه، مثل اللصوص والغرق والنار ونحو ذلك، فلا يكون عليه شيء، قيل له: فإن قال: بعتها بكذا وكذا، ولم يكن على ذلك بينة، إلا قوله، أيصدق على ذلك، أم لا يصدق إلا بينة تقوم؟ قال: قوله مقبول في ذلك؛ لأنه قد يعرف الشيء في يديه، ثم يتغير عنده قبل أن يبيعه بكسر أو عور أو شيء يصيبه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة صحيحة، وإنما قال: إنه يحلف إذا ادعى تلاف السلعة التي اشترى ويغرم قيمتها، مخافة أن يكون غيبها، ومثل هذا يجب في المرتهن والمستعير والصانع يدعون تلف ما يغاب عليه. وقوله في آخر المسألة: إنه إن أتى بالبينة على الهلاك لم يكن عليه شيء، معناه أن يشهد البينة على معاينتها لهلاك ذلك، وهو ظاهر ما في كتاب بيع الخيار من المدونة، ونص قول مالك في رواية ابن القاسم عنه، سئل عن الصناع تحترق منازلهم، فيدعون أمتعة الناس احترقت، مثل الصباغ والخياط والحائك والصواغ، وما أشبه ذلك، قال: لا يصدقون، وذلك من أمر الحريق؛ لأنهم يتهمون أن يخبئوا أمتعة الناس، ويحرقون الحصير وما أشبه، فلا أرى أن يقبل قولهم، إلا أن يأتوا بشيء معروف، ومقال مالك في كتاب ابن المواز في الصانع يسرق بيته، ويعلم ذلك، فيدعي أن المتاع ذهب مع ما ذهب، أنه لا يصدق، قال: وكذلك لو احترق بيته، فرأى ثوب الرجل

مسألة: أقر بغصب عبد رجل زعم أنه غصبه ورجلان سماهما معه

يحترق، فهو ضامن، وكذلك الرهن، قاله مالك، حتى يعلم أن النار من غير سببه. أو سيل يأتي، أو ينهدم البيت. فهذا وشبهه يسقط الضمان، وبالله التوفيق. [مسألة: أقر بغصب عبد رجل زعم أنه غصبه ورجلان سماهما معه] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: لو أن رجلا أقر بغصب عبد رجل، زعم أنه غصبه هو، ورجلان سماهما معه، وصدقه صاحب العبد أنهم غصبوه ثلاثتهم. قال: عليه غرم قيمته كله، ولم ينظر إلى من غصبه معه، إلا أن يكون يقرون كما أقر، أو تقوم عليهم بينة، فأما إذا لم يقروا ولم تقم عليهم بينة، فهو ضامن لجميع العبد، ولو أقر جميعهم أو قامت عليهم بينة، فوجد بعضهم معدمين، وبعضهم مليا، فإنه يأخذ جميع قيمته من الملي، ويطلب هو وأصحابه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا موضع للقول؛ لأن القوم إذا اجتمعوا في الغصب أو السرقة أو الحرابة، فكل واحد منهم ضامن لجميع ما أخذوه، كأن بعضهم قوي ببعض؛ فهم كالقوم يجتمعون على قتل الرجل، فيقتل جميعهم به، وإن ولي القتل أحدهم. وقد قال عمر بن الخطاب: لو تمالى عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا، وبالله التوفيق. [يغصب الرجل الشاة فيهديها لقوم ثم يطلبها صاحبها فيجدهم قد أكلوها] ومن كتاب العرية وسألته عن الرجل يغصب الرجل الشاة، فيهديها لقوم، ثم

يقوم صاحبها على الذين أهديت إليهم، وقد أكلوها، قال: إن كان الغاصب بها مليا، فهي عليه غرم، وليس على الذين أهديت إليهم شيء، وإن كان معدما أخذ قيمتها من الذين أكلوها، قيل له: فإن كان ذبحها الغاصب، ثم سيرها إليهم مذبوحة، قال في كلا الوجهين: إن كان الغاصب مليا فقيمتها عليه، وليس على الذين أهديت إليهم شيء، وإن كان معدما وقد سيرها مذبوحة، كان على الذين أكلوها قيمتها مذبوحة، وكان ما بين قيمتها مذبوحة وقيمتها حية على الغاصب، مليا كان أو معدما. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان الغاصب لها مليا فهي عليه غرم، وليس على الذين أهديت إليهم شيء، وإن كان معدما أخذ قيمتها من الذين أكلوها، هو مثل قوله في كتاب الاستحقاق من المدونة في مسألة محاباة الوارث في الكراء، ومثل قوله أيضا في كتاب الغصب، وفي كتاب كراء الدور منها: وإذا أخذت قيمتها من الذين أكلوها، كان لهم على قياس قوله أن يرجعوا بها على الغاصب، وإن أخذت أولا من الغاصب، لم يكن له أن يرجع بها على الذين أهديت إليهم؛ لأنه لما أهداها فقد التزم ضمانها، وإن كانوا جميعا عدما رجع على من أيسر منهم أولا، فإن أيسر الذين أهديت إليهم أولا، فرجع عليهم، كان لهم الرجوع على الواهب الغاصب، وإن أيسر الواهب أولا فرجع عليه، لم يكن له أن يرجع على الذين أهديت إليهم. وعلى قول غير ابن القاسم في مسألة كتاب الاستحقاق من المدونة، وهو أشهب، بدليل قوله في رسم محض القضاء من سماع أصبغ من كتاب البضائع والوكالات، وقول ابن القاسم في كتاب الشركة من المدونة، يرجع أولا على الذين أهديت إليهم إن كان لهم مال، فإن لم يكن لهم مال، رجع على الغاصب، فإن رجع على هذا القول على الغاصب، رجع الغاصب على الذين أهديت إليهم؛ وإن رجع على الذين أهديت إليهم، لم يرجع الذين أهديت إليهم على الغاصب

اغتصبت أم ولد رجل فماتت عند المغتصب

بشيء، عكس القول الأول، فإن كانوا جميعا عدما، رجع على من أيسر أولا منهم. وقد قال ابن القاسم في كتاب كراء الدور من المدونة: إنه إن كان الواهب عديما، فرجع المتعدى عليه على الموهوب له، لم يكن للموهوب له أن يرجع على الواهب، وهو خلاف ما يوجبه القياس، فيتحصل في المسألة خمسة أقوال بقول أشهب، وقد روى ابن عبدوس عنه: أن الغاصب إذا وهب الثوب أو الطعام لمن استهلكه، كان للمستحق أن يتبع من شاء منهما. قال ابن عبدوس: وسمعت سحنون يستحسن قول أشهب، ويحتج بالبيع لو ابتاع الطعام فأكله، كان له أن يضمن من شاء منهما: الغاصب أو المشتري، فكذلك الموهوب له، وبالله التوفيق، اللهم لطفك. [اغتصبت أم ولد رجل فماتت عند المغتصب] ومن كتاب أوله يوصي بمكاتبه بوضع نجم من نجومه قال ابن القاسم: إذا اغتصبت أم ولد رجل، فماتت عند المغتصب، كان عليه غرم قيمتها لسيدها أمة ليس فيها عتق. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا صحيح، على قياس قوله وروايته عن مالك في أن على قاتل أم ولد الرجل، قيمتها أمة لسيدها، خلاف قول سحنون: إنه لا قيمة عليه فيها؛ إذ ليس لسيدها فيها إلا الاستمتاع بوطئها، ولا قيمة لذلك، وكذلك إذا غصبها فماتت عنده؛ لأنه لا ضمان عليه فيها، كالحرة يغتصبها فتموت عنده. وقول ابن القاسم وروايته عن مالك أصح؛ لأن أم الولد أحكامها أحكام أمة حتى يموت سيدها فتعتق بموته، فلا تشبه الحرة، ألا ترى أن الحرة لا يضمنها بالنقل بخلاف الأمة ومن فيها بقية رق. وقد روي عن مالك فيمن غصب حرا فباعه أنه يكلف طلبه، فإن أيس منه، ودى ديته إلى أهله. ونزلت بطليطة، فكتب القاضي بها إلى محمد بن بشير بقرطبة،

مسألة: مسلم أو نصراني عدا على سفينته مسلم فحمل عليها خمرا

فجمع القاضي ابن بشير أهل العلم بها، فأفتوه بذلك، فكتب إليه أن أغرمه إليه ديته كاملة، فقضى عليه بذلك. ومن معنى هذه المسألة، اختلافهم فيمن غصب جلد ميتة، فقال في المدونة: إن عليه قيمته دبغ أو لم يدبغ، وقال في المبسوطة: لا شيء عليه فيه وإن دبغ؛ لأنه لا يجوز بيعه. وقيل: إنه لا شيء فيه، إلا أن يدبغ، فتكون فيه القيمة. وقيل: إن دبغ لم يكن عليه إلا قيمة ما فيه من الصنعة. وهذا يأتي على ما له في السرقة من المدونة، والصواب أن يلزمه في ذلك كله قيمة الانتفاع به، وبالله التوفيق. [مسألة: مسلم أو نصراني عدا على سفينته مسلم فحمل عليها خمرا] مسألة وسألته عن مسلم أو نصراني عدا على سفينته مسلم، فحمل عليها خمرا، أيأخذ لها كراء؟ قال: أما إذا كان تعدى عليها نصراني، فله أن يأخذ لها كراء، ويتصدق به. قلت: فالمسلم قال: له أن يأخذ كراء سفينته فيما أبطلها، ولا ينظر إلى كراء الخمر. قال محمد بن رشد: قوله: إذا كان الذي تعدى نصرانيا، فله أن يأخذ لها كراء، معناه: كراء مثلها، على أن يحمل فيها الخمر، أن لو أكراها نصراني من نصراني لذلك. وأما قوله: يتصدق به، فهو بعيد أن يجب ذلك عليه، إلا أن يعلم بتعديه، فلا يمنعه من ذلك، وهو قادر على منعه، وأما إن علم بذلك، ولم يقدر على منعه، فلا يجب عليه أن يتصدق إلا بالزائد على قيمة كرائها، على أن يحمل عليها غير الخمر، بمنزلة أن لو أكراها منه على أن يحمل فيها غير الخمر، فحمل عليها خمرا، فإنه إن كان علم بذلك، فلم يمنعه تصدق بجميع الكراء، قاله ابن حبيب، وأما إن لم يعلم بذلك، فلا يجب عليه أن يتصدق إلا بما زادت قيمة كرائها، على أن يحمل عليها الخمر، على الكراء الذي أكراها به، وأما إذا كان عدا عليها مسلما، فقوله: إنه يأخذ كراء سفينته فيما أبطلها، ولا ينظر إلى كراء الخمر: معناه: أنه يكون له كراء المثل في السفينة

خلط قمحا لرجل بشعير لآخر وذهب فلم يعرف

على أن يحمل عليها غير الخمر، ويقوم له أيضا ما افتدى في سفينته بتنجيسها بالخمر الذي حُمل عليها مع الأدب على الوجهين جميعا: العداء وحمل الخمر، وأما النصراني فلا يلزمه الأدب إلا على العداء خاصة، والله الموفق. [خلط قمحا لرجل بشعير لآخر وذهب فلم يعرف] ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل ابن القاسم عن رجل خلط قمحا لرجل بشعير لآخر، وذهب فلم يعرف قال: أرى أن يباع ويقسموا ثمنه على ثمن ما يسوى ذلك اليوم، ما يسوى القمح والشعير، ولا أحب أن يقتسموه على الكيل. قال محمد بن رشد: إذا ذهب الذي خلطها، أو لم يعرف، فهو بمنزلة إذا اختلط من غير عَدّ، والذي يوجبه الحكم في ذلك، أن يقتسماه بينهما مخلوطا على قيمة القمح والشعير يوم الخلط، ويقوم غير معيب، بدليل ما في المدونة خلاف ما ذهب إليه سحنون من أنه يقوم القمح معيبا، والشعير غير معيب. والذي يدل عليه ما في المدونة أظهر؛ إذ لو وجب أن يقوم القمح على أنه مخلوط بالشعير، لوجب أن يقوم الشعير أيضا على أنه مخلوط بالقمح، وذلك ما لم يقله سحنون. فقوله: أرى أن يباع فيقسموا ثمنه، على ما يسوى القمح والشعير استحسان؛ إذ لا مانع يمنع من اقتسامه بعينه على القيم، ولو لم يجز اقتسامه بعينه على القيم، لما جاز اقتسام ثمنه على ذلك؛ لأنه إنما يباع على ملكهما، فإنما يأخذ ثمن ما كان له أخذه، وإنما قال: لا أحب أن يقسموه على الكيل، يريد الطعام المخلوط؛ لأنه لما كان الحكم يوجب أن يقتسماه بينهما على القيم، لم يجز أن يقتسما على الكيل؛ لأنه يدخله التفاضل فيما لا يجوز فيه التفاضل من القمح والشعير. وقوله: لا أحب، تجاوز في اللفظ، وتساهل فيه، وكان الواجب أن يقول في ذلك: لا يجوز، وكذلك الثمن

مسألة: جارية بين رجلين تعدى عليها أحدهما فباعها ففاتت عند المبتاع

لا يجوز لهما أن يقسماه على الكيل؛ لأنه إنما يباع على ملكهما، فلا فرق في ذلك بين الثمن والمثمون، هذا وجه القول باختصار، في هذه المسألة، وقد أفردنا الكلام عليها في مسألة مشخصة، استوعبنا فيها جميع وجوهها لمن سأل ذلك من نبلاء الطلبة، فهي تبين هذه لمن شاء أن يتأملها، والله الموفق. [مسألة: جارية بين رجلين تعدى عليها أحدهما فباعها ففاتت عند المبتاع] مسألة قال ابن القاسم في جارية بين رجلين تعدى عليها أحدهما فباعها، ففاتت عند المبتاع بحمل أو عتق؛ أن شريكه إن شاء رجع على المبتاع بنصف القيمة، فإن فعل رجع المبتاع على البائع بنصف الثمن، ليس عليه غير ذلك، وإن شاء ترك المبتاع ورجع على البائع، فكان مخيرا عليه في نصف الثمن الذي باع به، أو نصف القيمة، أي ذلك شاء ألزمه إياه، وإن فاتت بيد المبتاع ببيع، لم يكن على المبتاع إلا نصف الثمن الذي باعها به، أو يرجع المتعدي فيكون مخيرا في نصف الثمن الذي باع به، أو نصف القيمة يوم باعها. فإن ماتت لم يكن له على المشتري بشيء، ورجع على البائع، فكان مخيرا عليه في نصف الثمن أو نصف القيمة، فإن فاتت بنماء أو نقصان، ولم تحمل ولم تعتق، فهو مخير، إن شاء أخذ نصفها، وإن شاء أسلمها، واتبع المتعدي بنصف الثمن، وليس له إلى القيمة سبيل؛ إذا وجدها بحالها أو أفضل حالا، فإن فاتت بنقصان فهو مخير، إن شاء أخذ نصفها من المشتري، وليس له عليه قيمة، وإن شاء تركها واتبع المتعدي بنصف الثمن، أو نصف القيمة، وذلك أنها حالت عن حالها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، أوجب للشريك المستحق لنصف الجارية على المبتاع؛ لما أفاتها

بحمل أو عتق قيمة النصف الذي استحق، إن شاء أن يأخذه بذلك، ويترك الشريك المتعدى عليه في بيعها؛ لأن القيمة قد لزمته في النصف بعتق جميعها، أو اتخاذها أم ولد، بمنزلة الجارية بين الشريكين، يعتقها أحدهما أو يتخذها أم ولد، وله مال، فإن فعلها رجع المبتاع على البائع بنصف الثمن، وإن شاء أن يترك المشتري ويتبع البائع، فيجيز البيع ويأخذ منه الثمن، أو يضمنه القيمة لفواتها عند المشتري، كان ذلك له، ولو تعدى رجل على رجل في جاريته، فباعها فأفاتها المبتاع بعتق أو حمل؛ لكان له أن ينقض العتق، ويأخذ جاريته إن كان أعتقها، واختلف إن كان أولدها، فقيل: يأخذها وقيمة ولدها، وقيل: إنه يأخذ قيمتها يوم الحكم، وقيمة ولدها، وقيل: إنه يأخذ قيمتها يوم أفاتها بالحمل، ولا شيء عليه في الولد، والثلاثة الأقوال كلها مروية عن مالك، وأما إذا باعتها المبتاع، فليس للمستحق عليه إلا الثمن الذي باعها به، إن كان استحق جميعها، أو نصف الثمن إن كان استحق نصفها، كما قال. وقوله: إذا باعها المبتاع؛ أن له أن يرجع على البائع إن شاء، فيكون مخيرا في نصف الثمن الذي باع به، أو نصف القيمة يوم باعها؛ معناه: إن غاب بها المشتري الثاني، وأما إن وجدت بيده على حالها، فليس له أن يضمن الشريك المتعدي فيها، ببيعها نصف قيمتها، وإنما له أن يأخذ جاريته أو يخير، أي بيع شاء، ويأخذ الثمن، فإن أجاز البيع الأول، وأخذ الثمن من الشريك، مضى البيع الثاني، وإن أجاز البيع الثاني وأخذ الثمن من البائع الثاني رجع البائع الثاني على البائع الأول بالثمن الذي دفع إليه. وأما قوله: إن فاتت عند المشتري بنقصان؛ أن له أن يتركها ويرجع على المعتدي بنصف الثمن أو نصف القيمة؛ لأنها قد حالت عن حالها، ظاهره وإن كان النقصان يسيرا، وهو نص ما في كتاب الغصب من المدونة. وقد وقع فيه دليل على أنه ليس له أن يضمن المتعدي القيمة؛ إلا أن تفوت بالعيوب المفسدة، والنص يقضي على الدليل، وقد كان الشيوخ يحملون ذلك على أنه اختلاف من القول، وأما المشتري فلا اختلاف في أنه

يغتصب العبد فيقطع يده الغاصب أو يقطعه أجنبي فتذهب يده

لا يضمن الموت ولا النقصان بأمر من السماء، وإنما يضمن بجنايته عليه عمدا، وقد اختلف في جنايته عليه خطأ، حسبما يأتي القول فيه في الرسم الذي بعد هذا إن شاء الله، وبالله التوفيق. [يغتصب العبد فيقطع يده الغاصب أو يقطعه أجنبي فتذهب يده] ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس وسألته عن الرجل يغتصب العبد فيقطع يده الغاصب، أو يقطعه أجنبي، أو يصيبه أمر من السماء، فتذهب يده، هل يكون في جميع هذه الوجوه الثلاثة، صاحبه مخيرا إذا استحقه في قيمته وفي أن يأخذه وما نقصه القطع؟ قال: أما إذا قطعه الغاصب عمدا كان أو خطأ، ثم استحقه سيده، فسيده مخير بين قيمته وبين أن يأخذه وما نقصه القطع؛ وأما إذا قطعه أجنبي، فسيده أيضا مخير بين أن يأخذه ويأخذ عقل يده، إن كان أخذ الغاصب عقلا، وبين أن يأخذ قيمته ويترك العبد. قلت: فإن كان أصابه أجنبي، فعفا الغاصب عن قطع اليد، قال: إن اختار أخْذه أخذه، وأخذ من الأجنبي ما نقص القطع. قلت: فإن فات الأجنبي، قال: سيده مخير بين أن يأخذه مقطوعا ولا شيء له على الغاصب؛ لأنه لم يأخذ بيده عقلا، وبين أن يأخذ قيمته، وإذا أصاب يده أمر من السماء، فذهبت يده، فلا شيء له إلا قيمته، أو يأخذه مقطوعا، ولا شيء له على الغاصب، قلت: فإن كان الغاصب باعه من رجل، فقطع المشتري يده، فاستحقه سيده بيد المشتري قال: إن كان قطعه عمدا، فسيده مخير بين أن يأخذه ويأخذ منه ما ينقصه القطع، ويرجع هو على الغاصب

بالثمن، وبين أن يأخذ قيمته من الغاصب، أو ثمنه الذي باعه به، وإذا قطعه خطأ لم يكن له إلا قيمته على الغاصب، أو يأخذه مقطوعا، ولا شيء له في القطع على الغاصب ولا على المشتري. قال الإمام القاضي: قوله: إن الغاصب إذا قطعه عمدا أو خطأ، فسيده مخير بين أن يأخذ قيمته، يريد يوم الغصب، وبين أن يأخذ وما نقصه القطع، يريد يوم الجناية، هو قول ابن القاسم في المدونة. والوجه في ذلك، أنه بالخيار بين أن يطالبه بحكم الغصب، فلا يكون له عليه إلا قيمته يوم الغصب، وبين أن يسقط عنه حكم الغصب ويطالبه بحكم الجناية، فيكون له أن يأخذ العبد، وما نقصه القطع يوم الجناية، وإذا أسقط عنه حكم الغصب، وطالبه بحكم الجناية، فيدخل في ذلك الاختلاف، فيمن تعدى على ثوب رجل فحرقه، فإن كانت الجناية يسيرة، كقطع الأنملة، وطرف الأذن أخذ عبده، وما نقصه قولا واحدا، وإن كانت الجناية كثيرة كقطع يد أو رجل أو ما أشبه ذلك، فقيل: ليس له أن يأخذه وما نقصه، وقيل: هو مخير بين أن يأخذه وما نقصه، وبين أن أخذه ويضمنه قيمته. وقيل: هو مخير بين أن يأخذه ولا شيء له، وبين أن يضمنه قيمته يوم الجناية، وكذلك إذا قتله الغاصب على قياس هذا القول، له أن يسقط عنه حكم الغصب، ويضمنه قيمته يوم الجناية، وهو نص قول ابن القاسم في رواية ابن أبي جعفر الدمياطي عنه: إنه مخير في قيمة العبد يوم اغتصبه، أو في قيمته يوم قتله، خلاف ما لابن القاسم في المدونة، من أن الغاصب إذا قتل العبد، فليس لسيده إلا قيمته يوم الغصب، فالقولان قائمان من المدونة على هذا التأويل الذي ذكرناه، وقد تأول ما في المدونة من قوله: إن

الغاصب إذا قطع يد الجارية المغصوبة، فلربها أن يضمنه ما نقصه القطع، ويأخذها؛ أن معنى ذلك ما نقصها القطع يوم الغصب، فعلى هذا التأويل لا يقوم الاختلاف من المدونة، ولا يكون للمغصوب منه على مذهب ابن القاسم فيها أن يسقط عن الغاصب حكم الغصب، ويأخذه بالجناية مثلها، أو قطع يدها، وإلى هذا ذهب سحنون، فقال: ليس له أن يضمنه ما نقصها القطع، وإنما له أن يأخذها ناقصة، أو يضمن الغاصب قيمتها يوم غصبها. وقوله: إذا قطعه أجنبي فسيده أيضا مخير بين أن يأخذ عقل يده، إن كان أخذ الغاصب عقلا، وبين أن يأخذ قيمته ويترك العبد؛ يريد قيمته يوم الغصب، وهذا على القول بأنه مخير بين أن يطالب الغاصب بحكم الغصب ليأخذ منه قيمة عبده يوم غصبه، وبين أن يبرئ الغاصب من حكم الغصب، ويأخذ عبده وعقل الجرح، وعلى القول الثاني الذي لا يرى له الخير في ذلك، ليس له إلا أن يضمن الغاصب قيمته يوم غصبه، أو يأخذ عبده، ولا شيء له من عقل جرحه، وكذلك إذا عفا الغاصب عن قطع اليد على القول بأنه ليس له إلا أن يتبع الغاصب بحكم الغصب، يأخذ منه قيمة عبده يوم الغصب، ويأخذ العبد كما هو، ولا سبيل له إلا أن يضمن الغاصب قيمته يوم غصبه، أو يأخذ عبده، ولا شيء له من عقل الجرح، وكذلك إذا عفا الغاصب عن قطع اليد على القول بأنه ليس له إلا أن يتبع الغاصب بحكم الغصب، يأخذ منه قيمة عبده يوم غصبه، أو يأخذ العبد كما هو، ولا سبيل له على الجاني للجناية، وعلى القول بأن له أن يسقط عن الغاصب حكم الغصب، يأتي ما ذكره في الرواية من أنه إن اختار أخذه، وأخذ من الأجنبي ما نقصه القطع، فيكون إذا فعل ذلك قد أسقط عن الغاصب حكم الغصب، وإن لم يرد أن يسقط

عنه حكم الغصب، أخذ منه قيمة عبده يوم غصبه إياه، وكذلك إن فات الأجنبي، ولم يرد أن يسقط عن الغاصب حكم الغصب، يأخذ منه قيمته يوم الغصب، وإن أراد أن يسقط عنه حكم الغصب، فقال في الرواية: إنه يأخذ عبده مقطوعا، ولا شيء له على الغاصب؛ لأنه لم يأخذ لسيده عقلا، وذلك معارض لقوله فيما تقدم في رسم العرية، في الذي يغتصب الشاة فيهديها لقوم؛ أن صاحبها يرجع على الغاصب، فيغرمه قيمتها، وليس على الذين أهديت إليهم شيء، ولقوله أيضا في كتاب الاستحقاق من المدونة في مسألة المحاباة، في الكراء، ومعارض لقول أشهب أيضا في المدونة، وفي سماع أصبغ من كتاب البضائع والوكالات، والذي يأتي في هذه المسألة إن فات الأجنبي الجاني، ولم يوجد على قياس قول ابن القاسم، في هذه المسائل أن يرجع رب العبد على الغاصب بما ترك للجاني من قيمة الجناية على العبد، ولا يتبع الغاصب بذلك الجاني، والذي يأتي فيها على قياس قول أشهب، ألا يرجع رب العبد على الغاصب بما ترك للجاني من قيمة الجناية، ويتبع بذلك الغاصب الجاني، وقوله: إنه إذا أصاب يده أمر من السماء، يريد والعبد عند الغاصب، فذهبت يده، فلا شيء له إلا قيمته، يريد يوم غصبه، أو يأخذه مقطوعا ولا شيء له على الغاصب، صحيح، لا اختلاف فيه من قول ابن القاسم وتفرقته إذا باعه الغاصب فجنى عليه المشتري بقطع يده، بين أن تكون جنايته عليه عمدا أو خطأ تفسير ما وقع له في المدونة؛ إذ لم يفرق فيها في ذلك بين العمد والخطأ، وأن له أن يأخذه منه وما نقصته جنايته عليه وإن كانت خطأ، ويرجع هذا

أكرى داره سنة فسكنها المتكاري فعدا عليه السلطان فأخرجه من الدار

على البائع بالثمن، ووجه هذا القول أن البيع لما كان بيع غرر، فكأن ملك صاحبه لم ينتقل عنه، فكان من حقه أن يأخذ عبده، وما نقصته الجناية، عمدا كانت أو خطأ. فهذا القول على قياس القول بأن البيع على الرد حتى يجاز، والقول الأول على قياس القول بأن البيع على الإجازة حتى يرد، وبالله التوفيق، اللهم يا مولاي لطفك. [أكرى داره سنة فسكنها المتكاري فعدا عليه السلطان فأخرجه من الدار] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار وسئل ابن القاسم عن رجل أكرى داره سنة، فسكنها المتكاري، أو لم يسكنها، فعدا عليه السلطان، فأخرجه من الدار، فطلب المتكاري القصاص مما سكن، وقال رب الدار، الكراء كله عليك، والمصيبة منك، وكيف بمثل هذا إذا نزل في كراء ظهر مضمون أو بعينه. قال ابن القاسم: قد نزل هذا بين أظهرنا في المسودة الذين قدموا فسكنوا عندنا، فقضى فيها الحزمي أن تكون المصيبة على أهل الدور، ويقاصونهم بما سكنوا قط. قال ابن القاسم: وبلغني أن مالكا سئل عنها فقال مثل قوله وهو رأيي، والظهر مثل ذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، قالوا: لأن السكنى والركوب فيما يأتي، وإن كان المكتري قد اشتراه فلم يقبضه بعد، ولا يقدر على قبضه جملة، وإنما يقبضه شيئا بعد شيء، على ملك صاحب الدار، وصاحب الدابة، فوجب إذا اغتصبه غاصب أن يكون الضمان منه، بمنزلة ما لو انهدمت الدار أو ماتت الدابة. وقد قيل في السلعة بعينها: إن ضمانها من البائع حتى يقبضها المبتاع، وإن كان قبضه لها ممكن، فكيف بالسكنى

تقوم له البينة أن رجلا غصبه أرضا له فيأتي الذي استحق عليه الغصب بالبينة

والركوب الذي لا يمكنه قبضه جملة؟ وقد وقع في المجموعة لابن القاسم وعبد الملك فيمن اكترى دارا أو أرضا، فغصبها منه رجل، فسكن وزرع؛ أن الكراء على المكتري، إلا أن يكون سلطان ليس فوقه سلطان، يمنع منه إلا الله، وليس السلطان كغيره، وهو عندي تفسير لما تقدم، ولأنه إذا أخرجه من الدار، من يقدر على الامتناع منه برفعه إلى من يحول بينه وبينه، فلم يفعل فكأنه قد سلم له الدار، وأما إذا غصبه فيها وأخرجه عنها من لا يقدر على الامتناع منه، فهو كانهدامها الذي لا صنع له فيه، ولا قدرة له على الامتناع منه، وكذلك الدابة سواء. وقد حكى ابن حارث أنه رأى في بعض الكتب عن سحنون، أن المصيبة من المكتري، وهو بعيد، فإن قيل: إن ذلك على القول بأن قبض أوائل الكراء، قبض لجميع الكراء، عورض بجميعهم، على أن انهدام الدار من رب الدار. قال ابن حارث: وينبغي أن ينظر في الغصب إن كان قصد به رقبة الدار أو السكنى، فإن كان غصبه لرقبة الدار، فهو كالانهدام، وإن كان للسكنى فهو من المكتري، والله أعلم. وهي تفرقة لا وجه لها في هذا، وإنما تفترق فيما يضمن الغاصب على ما روى أصبغ عن ابن القاسم في الذي يغتصب السكنى قط، فتنهدم الدار في سكناه، مثل هؤلاء المسودة الذين ينزلون على الناس، أنه لا ضمان عليه للهدم، ولا يجب عليه إلا قيمة الكراء. وقاله أصبغ؛ لأنهم لم يغصبوا رقاب الدور، إلا أن تنهدم من طول سكناهم، وفي هذا بيان. والحزمي قاضي مصر أيام الهادي والرشيد، اسمه عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمر بن حزم الأنصاري، يكنى أبا الطاهر الأعرج، والله الموفق. [تقوم له البينة أن رجلا غصبه أرضا له فيأتي الذي استحق عليه الغصب بالبينة] ومن كتاب الجواب وسألته عن الرجل تقوم له البينة أن رجلا غصبه أرضا له،

فيأتي الذي استحق عليه الغصب بالبينة، أنه اشتراها منه، ولا تدري البينة متى كان الاشتراء، بعدما ادعاه من الغصب أو قبل، أو يعلم ذلك، ويثبت أن الغصب كان قبل الاشتراء. قال ابن القاسم: بينة الاشتراء أحق وأولى وأثبت، علم أن الغصب قبل أو لم يعلم؛ لأنه إن كان الغصب قبل الاشتراء، فقد اشترى بعد الغصب وبطل الغصب وما فيه، وإن كان الاشتراء قبل الغصب، فشهادة الذين شهدوا على الغصب باطل، ولا حجة له فيها، فشهادة الاشتراء أحق وأثبت. قال محمد بن رشد: زاد ابن حبيب في الواضحة في هذه المسألة متصلا بآخرها: إلا أن يكون الشهود الذين شهدوا على الشراء، إنما شهدوا أنه اشتراها منه، وهو مغصوب بحاله، ولم يرد إليه، ولم يملكه، فيكون شراء مفسوخا مردودا بالغصب الذي كان قبله، ويرد الثمن الذي أخذ فيه عن مطرف وابن القاسم وأصبغ. وهذا الذي زاد ابن حبيب في الواضحة، في هذه المسألة، وحكاه عمن حكاه من أصحاب مالك، صحيح، ينبغي أن يحمل على التفسير للمسألة؛ لأنه إذا اشتراها منه قبل أن يردها إليه ردا صحيحا بين بها، وينقطع خوفه عنه فيها؛ لكونه على حاله من الظلم والتعدي والقدرة على الامتناع من جريان الحق عليه، فهو شراء فاسد؛ لأنه مغلوب على بيعها منه، وإن كان مقرا له بها؛ إذ لا يقدر على أخذها منه، وأما إن كان اشتراها بعد أن عزل وعاد ممن تأخذه الأحكام، فالشراء صحيح؛ لأنه لا يشتريها منه إلا وهو مقر له بها، وإذا أقر له بها، وأنه غصبه إياها، وهو ممن تأخذه الأحكام، فلا فرق في جواز شرائه إياها منه، وهي بيده قبل أن يردها إليه، أو بعد أن ردها إليه، وقد أجاز ابن القاسم في الصرف من المدونة شراءه الجارية منه إذا كان مقرا بقبضها، وإن كانت غايته قد حملها إلى بلد آخر إذا وصفها، من أجل أنه ضامن لما أصابها، واعترض ذلك سحنون من أجل مغيبها

مسألة: يشهدون للرجل أن فلانا غصبه أرضا له ولا يعرفون موضع الأرض

فقال: قول أشهب فيها أحسن، وهو ألا يجوز بيعها إلا بعد معرفتها بقيتها، فإذا كانت حاضرة ارتفع الاعتراض، ولم يكن في جواز شرائه إياها من صاحبها كلام؛ إذا كان حينئذ ممن تأخذه الأحكام، وعلى هذا تحمل مسألة المدونة، وكذلك إذا باعها صاحبها من غير الغاصب، وهي في يد الغاصب، إن كان ممن له السلطان، ويقدر على الامتناع، فلا يجوز البيع بإجماع؛ لأنه غرر، كالعبد الآبق والجمل الشارد؛ إذ لا يدري مشتريه متى يصل إليه؟ وهو نص قول مالك في رواية زياد عنه. قال: من ابتاع عبدا أو قرية في يد إمام ظالم، من صاحب الأصل، لم يجز ذلك البيع، وكان مردودا؛ لأنه غرر، قال مالك: فإن فات مضى بالقيمة، وأما إن كان ممن تأخذه الأحكام، ولا يقدر على الامتناع، وهو غائب أو حاضر، منكر للغصب، ففي ذلك في الحاضر المنكر قولان؛ أحدهما وهو المشهور في المذهب: أن ذلك لا يجوز؛ لأن شراء ما فيه خصومة غرر. والثاني: أن ذلك جائز، وهو قول ابن القاسم في الشهادات من المدونة، وفي الغائب ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك لا يجوز. والثاني: أن ذلك جائز. والثالث: الفرق بين أن يكون على الغصب بينة أو لا يكون، وقد قيل: إن الخلاف إنما هو إذا كان على الغصب شهود، وأما إذا لم يكن عليه شهود، فلا يجوز قولا واحدا، ومن هذا المعنى شراء الدين على الحاضر المنكر؛ إذا كانت عليه بينة، أو على الغائب. وقد مضى تحصيل القول فيه في نوازل أصبغ من كتاب الجامع البيوع، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهدون للرجل أن فلانا غصبه أرضا له ولا يعرفون موضع الأرض] مسألة وسألته عن البينة تشهد للرجل أن فلانا غصبه أرضا له في قرية تسمى فلانة، ولا يعرفون موضع الأرض منها، غير أنهم يشهدون أنه غصبه فيها أرضا، والغاصب منكر لما شهد به عليه. قال ابن القاسم: شهادتهم باطل، ولا شهادة لهم؛ لأنهم لا يشهدون على

غصب جارية فباعها في سوق المسلمين فاتخذها المشتري ثم تستحق

شيء معروف ولا محدود، ولا شيء بعينه، والمشهود عليه منكر لذلك، فشهادتهم ساقطة، لا يقطع عليه بشيء. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في المجموعة لابن القاسم بعينها على نصها، وزاد فيها، قال: ولو شهدوا على الأرض، ولم يثبتوا الحوز، فذكر نص رواية يحيى عنه في كتاب الاستحقاق حرفا بحرف، فبان بهذا أنه فرق بين المسألتين، وأن رواية عيسى هذه ليست مخالفة لرواية يحيى المذكورة، ولا لرواية أصبغ من هذا الكتاب، وأما رواية أصبغ، فهي مخالفة لرواية يحيى. وقد قيل: إنه لا فرق بين المسألتين، وأن الخلاف داخل في مسألة رواية عيسى هذه. وقد مضى تحصيل هذه المسألة في رسم المكاتب، من سماع يحيى، من كتاب الاستحقاق، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [غصب جارية فباعها في سوق المسلمين فاتخذها المشتري ثم تستحق] من نوازل سئل عنها عيسى بن دينار قال عيسى: من غصب جارية فباعها في سوق المسلمين، فاتخذها المشتري، ثم أتى ربها فاستحقها، فإنه مخير على الغاصب في وجهين، وعلى المشتري في وجهين، إن شاء أخذ من الغاصب قيمتها يوم غصبها، وإن شاء فالثمن الذي باعها به، فإن أخذ الثمن أو القيمة مضت الجارية للمشتري، فإن أبى المستحق، أخذ القيمة أو الثمن من الغاصب، فهو مخير على المشتري، إن شاء أخذ منه جاريته، وإن شاء ترك الجارية وأخذ منه قيمتها وقيمة الولد، فإن أخذها وقيمة ولدها، أو أخذ قيمتها وقيمة ولدها رجع المشتري على البائع بالثمن الذي دفع إليه فقط، ولا يرجع عليه للولد بشيء، وإن ماتت الأم عند المشتري، فأراد المستحق أن يأخذ منه قيمتها، وقيمة ولدها، فليس ذلك له، وإنما له عليه قيمة

ولدها فقط، إن أراد، وإن كره فله الثمن، أو القيمة على الغاصب، قال: وإن وجد ولدها قد ماتوا، فلا شيء له فيهم، وإن قتلوا فدياتهم لأبيهم، وقيمتهم عليه للمستحق، إلا أن تكون دياتهم أقل من قيمتهم، فلا يكون عليه غيرها قال: وإن كان المشتري إنما زوجها فولدت، فالولد للمستحق مع الأمة، إن أراد أخذهم وأخذ الأمة، وإن أبى ذلك فليس له على المشتري شيء، ويرجع على الغاصب، فيأخذ منه الثمن أو القيمة. قال: وإن كانت الأمة إنما ولدت عند الغاصب، فسواء ولدت منه أو من زوج زوجها إياه الغاصب، فالمستحق مخير، إن شاء أخذ من الغاصب قيمتها يوم غصبها، وإن شاء أخذها وأخذ ولدها، وكان على الغاصب الحد؛ إذا كان الولد منه، وإن مات ولدها عند الغاصب منه كانوا منه أو من غيره، ثم استحق مستحق الأمة، فأراد أخذها أو أخذ قيمة الولد، فليس ذلك له، قال أشهب: عليه قيمة الولد يوم ولدوا. قال أصبغ: وبه آخذ. قال عيسى: وإنما له قيمتها يوم غصبها، أو يأخذها وحدها، وكذلك لو ماتت هي وبقي ولدها، فأراد أخذ الولد، لم يكن له غيرهم. وإن أباهم فله قيمة الأم يوم غصبها، قال: فإن وجد الأمة عند الغاصب لم تلد، وهي بحالها وأحسن حالا، فليس له غيرها، وإن أراد تركها وأخذ قيمتها، فليس ذلك له، وإن وجدها قد نقصت، فأراد أخذها وأخذ ما نقص، فليس ذلك له، وليس له إلا أن يأخذها بعينها، أو يدعها ويأخذ قيمتها يوم غصبها، إلا أن يكون نقصانها من شيء صنعه بها الغاصب، من قطع يد أو رجل، أو فقي عين، أو قطع أذن، أو شيء جاء من قبل الغاصب، فيكون له حينئذ أن يأخذها ويأخذ ما نقصها، الذي صنع بها، أو يدعها ويأخذ قيمتها يوم غصبها، وإن كان ذلك من فعل غير

الغاصب، فليس له إلا أن يأخذها ناقصة، ويتبع الذي فعل ذلك بها، أو يدعها ويأخذ قيمتها يوم غصبها، ويتبع الغاصب الذي فعل ذلك بها، قال: وإن وجدها عند المشتري الذي اشتراها وهي بحالها وأحسن حالا، فليس له إلا الثمن الذي باعها به، أو يأخذها بعينها من المشتري، وإن وجدها وقد باعها المشتري من آخر، ثم باعها الآخر من آخر أيضا، وهي بحالها وأحسن حالا فهو بالخيار في أخذ أي ثمن شاء من أثمانها التي بيعت بها، وتمضي الجارية لمشتريها، ويأخذ ذلك الثمن من الذي قبضه ويرجع الذي أخذ منه الثمن الذي باعه به إياها وإن شاء المستحق أخذ جاريته، وليس له أن يضمن الغاصب قيمتها. قال محمد بن رشد: قول عيسى بن دينار في هذه المسائل كلها صحيح، على المشهور من مذهب ابن القاسم، ونص قوله وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وفي بعضها اختلاف من قول ابن القاسم وغيره، من ذلك قوله في أول المسألة في الغاصب إذا باع الجارية فاتخذها المشتري أم ولد: إن صاحبها المستحق لها، مخير على الغاصب في وجهين: إن شاء أخذ منه قيمتها يوم غصبها، وإن شاء الثمن الذي باعها به، ويجبر عليه أيضا في وجه ثالث، وهو أن يأخذ منه قيمتها يوم باعها، على قياس قوله بعد هذا، وقول ابن القاسم أيضا في المدونة في الغاصب يجني على العبد الذي غصبه: إن سيده يخير بين أن يأخذ قيمته منه يوم غصبه، وبين أن يسقط عنه حكم الغصب، ويطالبه بحكم العداء عليه بالجناية، فيأخذه وما نقصته جنايته عليه؛ لأن البيع عداء آخر، بعد الغصب، فيكون له أن يسقط عنه حكم الغصب، ويطالبه بحكم العداء عليه بالبيع فيكون من حقه أن يضمنه قيمته يوم البيع إن شاء؛ لأنه قد فات عنه المشتري، بمنزلة من عدا على رجل فباعه، ففات عند المشتري، إنه مخير بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن، وبين أن

يضمنه قيمته يوم باعه. وقوله: إنه مخير على المشتري في وجهين، إن شاء أخذ جاريته وقيمة ولدها، يريد يوم الحكم، وإن شاء أخذ قيمتها وقيمة ولدها، يريد يوم الحكم أيضا، ويخير عليه أيضا في وجه ثالث، وهو أن يأخذ منه قيمتها يوم وطئها ولا شيء له من قيمة ولدها، حسبما بيناه في رسم القطعان، من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات. وإلى هذا القول رجع مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه حكم عليه في أم ولده محمد. وقد حكى ابن عبدوس عن ابن كنانة أن الذي كان عليه مالك حتى مات، إنه يأخذها وقيمة ولدها، ولا اختلاف فيما ذكره من أنه ليس له أن يضمن المشتري قيمة من مات من الولد أم الأم إذ ليس المشتري بغاصب ولا متعد وإنما له أن يأخذ الأم، أو قيمتها، إن كان الأولاد هم الذين ماتوا، أو قيمة الأولاد إن كانت الأم هي التي ماتت، وما ذكره من أن الولد إذا مات عند الغاصب لا ضمان عليه فيهم، وأنه ليس لمستحق الأمة أن يأخذها وقيمة ولدها وإنما له أن يأخذها وحدها، أو يأخذ قيمتها يوم غصبها، معناه: إذا عرف موتهم، وهو مذهب ابن القاسم، لم يختلف قوله في أنه يلزمه رد الولد مع الأم، إن كانوا أحياء، وكذلك إن كان أكلهم أو استهلكهم ولا في أنه لا تلزمه القيمة فيهم، إذا ماتوا وعرف موتهم، وأما إذا ماتت الأمهات وبقي الأولاد، فليس له عنده أن يأخذ الأولاد ولا قيمتهم إن أكلهم أو استهلكهم ويضمنه قيمة الأمهات؛ لأنه إذا ضمنه قيمة الأمهات يوم الغصب، كان الولد إنما حدث فيما قد ضمن بالقيمة، وإن أراد أن يسقط عنه حكم الغصب، فيأخذ الأولاد أو قيمتهم، إن كان أكلهم أو استهلكهم يوم أكلهم أو استهلكهم، كان ذلك له، وكذلك الغلل المتولدة عن الشيء المغصوب عنده، يلزمه ردها إن كانت قائمة بعينها، ويضمنها إن أكلها أو استهلكها وإن تلفت ببينة، لم يكن للمغصوب منه أن يأخذ الأصول، ويضمنه قيمة الغلل التي تلفت، وإنما له أن يأخذ الأصول وحدها. وأما إن تلفت الأصول، فليس له أن يأخذ الغلة إن كانت قائمة، ولا قيمتها إن كان أكلها أو استهلكها،

ويضمنه قيمة الأصول؛ لأنه إذا ضمنه الأصول يوم الغصب، كانت الغلة إنما حدثت فيما قد ضمن بالقيمة، فوجب أن يكون له، وإن أراد أن يسقط عن الغاصب حكم الغصب، فيأخذ الغلة إن كانت قائمة، أو قيمتها إن كان قد أكلها أو استهلكها، كان ذلك له. وقد قيل في الغلل المتولدة عن الشيء المغصوب: إنها للغاصب لا يلزمه ردها إن كانت قائمة، ولا رد قيمتها إن كان أكلها؛ لأنه كان ضامنا للأصول لو تلفت، فكانت له بالضمان على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الخراج بالضمان» بخلاف الأولاد لا اختلاف في أن للمغصوب منه أن يأخذ الأولاد أو قيمتهم، إن أكلهم الغاصب أو استهلكهم، وأشهب يحكم الأولاد والغلل بحكم الأصول، فيضمنه القيمة في ذلك كله، وإن قامت البينة على تلف الولد يوم ولدوا، والغلل يوم صارت بيده، فيتحصل في الأولاد قولان: أحدهما: أنهم كالأمهات، والثاني: أنه لا يلزمه ضمانهم، إن ماتوا وعرف ذلك، ويلزمه ردهم مع الأمهات أورد قيمتهم إن أكلهم أو استهلكهم. وإن تلفت الأمهات، كان له الأولاد إذا ضمن قيمة الأمهات يوم الغصب، ويتحصل في الغلل المتولدة عن الشيء المغصوب ثلاثة أقوال: هذان القولان اللذان في الأولاد، والقول الثالث: إن الغلة تكون للغاصب بحكم الضمان وإن كان الأصل قائما لم يتلف. وأما الغلل التي ليست بمتولدة عن الشيء المغصوب، كالأكرية والخراجات، فيتحصل فيها ستة أقوال: أحدهما: إن حكمها حكم الأصول المغصوبة، فيلزمه ضمانها وإن تلفت ببينة؛ والثاني: إنها تكون له بالضمان، فلا يلزمه ردها جملة من غير تفصيل؛ والثالث: إنه يلزمه ردها جملة من غير تفصيل بين أن يكري أو يبيع أو يعطل؛ والرابع: إنه يلزمه ردها إن أكرى ولا يلزمه إن انتفع أو عطل؛ والخامس: إنه يلزمه إن أكرى أو انتفع ولا يلزمه إن عطل؛ والسادس: الفرق بين الحيوان والأصول، فتكون له الغلة في الحيوان بالضمان، ولا تكون في الأصول لأنها مأمونة. وقوله: إنه إن وجد الأمة عند الغاصب لم تلد، وهي بحالها أو

أحسن حالا، فليس له غيرها، وإن أراد تركها وأخذ قيمتها فليس ذلك له، هو مذهب ابن القاسم. ظاهر قوله إن كانت رائعة إذ لم يفرق في ذلك بين أن تكون رائعة أو غير رائعة. وكذلك قال فيمن اشترى جارية من غاصب فأجاز ربها البيع، وقال المشتري: لا أقبلها لأنها غصب، إن البيع يلزمه، ولم يفرق بين أن تكون رائعة أو غير رائعة، وعلى ما ذهب إليه ابن حبيب لا يلزمه؛ لأنه يقول: لا أرضى بجارية غيب عليها غصبا، وقد قيل في الجارية: إنه يضمن قيمتها بالغيبة عليها. حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون، وقال: إنه قول مالك وجميع أصحابه، ولم يفرق في ذلك أيضا بين أن تكون رائعة أو غير رائعة. قال أصبغ: وذلك إذا كانت رائعة، وقوله في التفرقة بين الرائعة وغير الرائعة في ذلك جيد. وأما العبيد والدواب فلا يلزم الغاصب قيمتهم إلا أن يفوتوا عنده بنقصان في أبدانهم، فيلزمه قيمتهم يوم الغصب. هذا مذهب ابن القاسم، وفي ذلك اختلاف كثير، قيل: إن حوالة الأسواق بالنقصان فوت يلزمه به قيمتهم يوم الغصب، وقيل إن طول الزمان فوت وإن لم تحل الأسواق أو حالت بزيادة يلزمه به قيمتهم يوم الغصب، وإلى هذا نحا ابن القاسم في المدونة بقوله: ولولا ما قال مالك لجعلت على الغاصب والسارق مثل ما أجعل على المستعير والمتكاري من تضمينه قيمتها بحبسه إياها على أسواقها أو أخذها وكراء ركوبه إياها، وقيل إنها إذا حالت بزيادة فلصاحبها أن يضمنه أرفع القيم؛ لأنه كان عليه أن يردها في كل وقت، فهو غاصب لها في الأوقات كلها، فيكون من حق صاحبها أن يضمنه قيمتها أي وقت شاء من الأوقات التي مرت عليه وهي عنده. حكى هذا القول ابن عبدوس عن ابن وهب وأشهب وذهب بعض المتأخرين إلى الفرق بين أن تكون إلى التجارة أو القنية، فإن كانت للتجارة كان عليه أرفع القيم كأنه حرمه بيعها في ذلك الوقت، وإن كانت للقنية لم يكن له شيء. وهذا نحو ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ فيمن غصب دارا فأغلقها أو أرضا فبورها أو دابة فوقفها أن عليه كراء ما حصل

مسألة: غاصب الأرض يحفر فيها حفرة تضر بالأرض أيؤمر بردمها

عليه من ذلك كله؛ لأنه حال بينه وبين كرائها ومنعه من ذلك. وقد حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ في الغاصب إذا سافر على الدواب التي اغتصبها السفر البعيد ثم ردها، فصاحبها مخير في القيمة يوم غصبها وإن كانت اليوم أحسن حالا؛ لأنه قد رمى بها القدر وعرضها الفوت، وفي أخذ دابته بعينها مع كراء ركوبه إياها. ومثل هذا حكى أبو زيد عن ابن الماجشون، وزاد قال: وإنما هو بمنزلة المكتري إن تعدى على ما اكترى، فانظر حيث يلزم المكتري القيمة فألزم ذلك الغاصب، أمرهما واحد. ولو كان الغاصب أمسكها في داره أياما كثيرة قدر ما لو سافر بها لزمته قيمتها، لم يلزمه في حبسه إياها قيمته إذا جاء بها صحيحة من غير سفر وإن كان قد حبسها عن أسواقها. وتفرقة ابن الماجشون هذه إذا حبس الغاصب الدابة عن أسواقها وأتى بها على حالها بين أن يسافر عليها في المدة التي حبسها فيها أو لا يسافر، قول خامس في المسألة، وسائر ما ذكره عيسى في الرواية بين لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: غاصب الأرض يحفر فيها حفرة تضر بالأرض أيؤمر بردمها] مسألة قال: وسئل عن غاصب الأرض يحفر فيها حفرة تضر بالأرض أيؤمر بردمها إذا أستحقها صاحبها، قال: نعم، عليه ردمها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الأرض يمكن إصلاحها بردم ما احتفر فيها، فوجب ألا تفوت بذلك وأن يكلف الغاصب إصلاح ما أفسد منها. وهذا أبين من الثوب الذي يتعدى عليه الرجل فيحرقه حرقا يسيرا أنه يكلف إصلاحه وغرم ما نقصه بعد الإصلاح، ولو كانت الأرض إذا ردمها الغاصب لا تعود إلى حالها وينقص ذلك من قيمتها يتخرج ذلك على قولين: أحدهما: إنه ليس له إلا أن يأخذها على حالها أو يضمنه قيمتها يوم غصبها، والثاني: إن له إن يسقط عن حكم الغصب، ويطالبه بحكم العداء، فيكون من حقه أن يكلف ردمها وغرم ما نقصها ذلك بعد الردم،

مسألة: ظالم أسكن معلما في دار رجل ليعلم له فيها ولده ثم مات الظالم

بمنزلة الثوب يتعدى عليه الرجل يحرقه، ولو كانت الحفرة مما ينتفع بها لاختزان الطعام لكانت للمستحق ولم يكن عليه فيها شيء للغاصب، إذ لا ثمن لذلك منقوضا، وإن استغنى عنها كان من حقه أن يأمر الغاصب بردمها. وبالله التوفيق. [مسألة: ظالم أسكن معلما في دار رجل ليعلم له فيها ولده ثم مات الظالم] مسألة قال عيسى في ظالم أسكن معلما في دار رجل ليعلم له فيها ولده ثم مات الظالم ومات المعلم، إن صاحب الدار مخير في كراء داره، إن شاء أخذه من مال الظالم، وإن شاء أخذه من مال المعلم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أسكن المعلم في الدار على وجه الإسكان ثوابا على تعليم ولده فيها، فصار قد اشترى سكنى الدار منه بتعليم ولده فيها، فوجب لرب الدار أن يأخذ كراء داره ممن شاء منهما، بمنزلة من أخذ طعام رجل فباعه من رجل وأكله المشتري، أن لرب الطعام أن يضمن طعامه لمن شاء منهما، فإن ضمن البائع صح الشراء للمشتري، وإن ضمن المشتري كان له أن يرجع بالثمن على البائع، وكذلك صاحب الدار في هذه المسألة، إن أخذ الظالم بكراء داره لم يكن له رجوع على المعلم، وإن أخذ المعلم به كان له أن يرجع على الظالم بقيمة تعليم ولده أو بما يقع من التعليم للكراء إن كان أكراه على تعليم ولده بالسكنى في الدار وبزيادة زاده على ذلك. وسواء علم المعلم بتعديه على الدار أو لم يعلم؛ لأنه منتفع، وهذا إذ لم يغصب الظالم رقبة الدار، وإنما غصب سكناها فقط. وأما إذا غصب الرقبة فليس لربها من كرائها شيء على واحد منهما، على القول بأن الغلة للغاصب جملة من غير تفصيل. وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذا قبل هذا في هذه النوازل. وبالله التوفيق.

المعروف بالظلم يدعي الرجل أنه ظلمه في أرض غلبه عليها ولا يجد عدولا

[المعروف بالظلم يدعي الرجل أنه ظلمه في أرض غلبه عليها ولا يجد عدولا] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم، عن الرجل المعروف بالظلم للناس والتعدي عليهم في أموالهم، من ذوي السلطان والولاة، يدعي الرجل أنه ظلمه في أرض غلبه عليها، أو غير ذلك من الأموال، ولا يجد على دعواه عدولا من البينات، وهو يجد شهودا لا يعرفون بعدالة، ولا يوصفون بسخطة حال، أيقبل مثل هؤلاء على من عرف بالظلم والتعدي، أو لا يقبل عليه، إلا مثل من يقبل على غيره من عدول الشهداء؟ فقال: لا تجوز شهادة غير العدول على أحد من الناس، كان المشهود عليه ظالما أو غير ظالم. قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فلا ينبغي لغير العدول أن تجوز شهادتهم على أحد من الناس. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه في المذهب، إن شهادة المجهول الحال لا تجوز شهادته حتى يعدل لقول الله عز وجل {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ولا يرضى إلا من عرفت عدالته، غير أن ابن حبيب أجاز شهادة المجهول الحال، على التوهم فيما يقع بين المسافرين في السفر للضرورة إلى ذلك، قياسا على إجازة شهادة الصبيان فيما بينهم في الجراح، ومراعاة للاختلاف، إذ من أهل العلم من يحمل الشاهد على العدالة حتى تعرف جرحته، على ظاهر قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حر ومجربا عليه شهادة زور" وهو قول الحسن ومذهب الليث بن سعد. وقد

مسألة: عرفوا بالغصب لأموال الناس ثم جاء إليه بوال أنصف منهم

اتفقوا في الحدود والقصاص، على أن الشهادة لا تجوز في ذلك إلا بعد المعرفة بعدالة الشاهد، وهذا يقضي على ما اختلفوا فيه إن شاء الله. ومن أصحابنا المتأخرين من أجاز شهادة الشاهد المجهول الحال، في الشيء اليسير من المال، وهو استحسان على غير قياس، لقول الله عز وجل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قوله: "والذي نفسي بيده، لا يوسر رجل في الإسلام بغير العدول". وبالله التوفيق. [مسألة: عرفوا بالغصب لأموال الناس ثم جاء إليه بوال أنصف منهم] مسألة قلت: إن قوما عرفوا بالغصب لأموال الناس، من ذوي الاستطالة بالسلطان ثم جاء إليه بوال أنصف منهم، وأعدى بالحقوق عليهم، فربما سئل طالب الحق قبل أحدهما البينة أنه اغتصبه الذي يدعي قبله، فلا يجدها على حضور الغصب ومعاينته، وهم يشهدون أنهم كانوا يعرفون الحق للمدعي وفي يديه، إلى أن صار إلى المطلوب ذلك قبله الظالم المعروف بالغصب، لا يدرون كيف صار ذلك إليه؟ إلا أن صاحب ذلك الحق كان يشكو أنه غصبه إياه، وكانوا يسمعون ذلك من جيرانهم، أو عسى أن لا يذكروا شيئا غير أنهم عرفوا ذلك في أيدي المدعي إلى أن صار إلى المطلوب به اليوم لا يدرون كيف صار ذلك إليه، أترى أن يعدى عليه بمثل هذه الشهادة؟ فقال: إذا كان المطلوب معروفا بما وصفت من التعدي على أموال الناس والقهرة لهم عليها، وهو ممن يقدر على ذلك، رأيت الذي وصفت من شهادة الشهداء، إذا كانوا عدولا، يوجب للمدعي أخذ حقه من المطلوب إلا أن يأتي الظالم ببينة على اشتراء صحيح أو عطية ممن كان يا من ظلمه وتعديه عليه، أو يأتي بوجه حق ينظر له فيه.

قلت: أرأيت إن جاء بالبينة أنه اشترى منه، فزعم المدعي أن ذلك البيع إنما باعه منه من شدته وسطوته، وهو ممن يقدر على ضرره وعقوبته، لو امتنع من مبايعته؟ قال: أرى أن يفسخ ذلك البيع إذا ثبت عند القاضي أن المشتري موصوف بمثل ما زعم البائع من استطالته وظلمه، وأنه قد عمل ذلك بغيره. قلت: فإن زعم البائع أنه إنما دفع إليه الثمن في العلانية، ثم دس إليه من يأخذه منه سرا، ولو لم يفعل لقي منه شرا قال: لا أرى أن يقبل قوله، وعليه دفع الثمن بعد أن يحلف الظالم بالله لقد دفع إليه الثمن ثم لم يرتجعه ولم يأخذه بعد دفعه إياه إليه. قال محمد بن رشد: أما ما ذكره من أن الظالم المعروف بالغصب لأموال الناس والقهرة لهم عليها، لا ينتفع بحيازته مال الرجل في وجهه، ولا يصدق من أجلها على ما يدعيه من شراء أو هبة أو صدقة، وإن طال في يديه أعواما إذا أقر بأصل الملك لمدعيه أو قامت له بذلك بينة، فهو صحيح لا أعلم فيه اختلافا؛ لأن الحيازة لا توجب الملك وإنما هي دليل عليه توجب تصديق غير الغاصب فيما ادعاه من تصييره إليه؛ لأن الظاهر أنه لا يحوز أخذ مال أحد وهو حاضر لا يدعيه ولا يطلبه إلا وقد صار إلى الذي هو بيده إذا حازه في وجهه العشرة الأعوام ونحوها، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من حاز شيئا عشر سنين فهو له» معناه عند أهل العلم بدعواه مع يمينه، وأما الغاصب فلا دليل له في كون المال بيده وإن طالت حيازته له في وجه صاحبه، لما يعلم من غصبه لأموال الناس والقهرة لهم عليها. وأما إن أثبت الغاصب الشراء ودفع الثمني، فادعى البائع أنه أخذه منه في السر بعد أن دفعه إليه، فهو مدع لا دليل له على دعواه، فوجب أن يكون القول قول الغاصب المدعى عليه، كما قال في

يغتصب العبد فيستحقه عنده المغتصب منه وقد جنى جناية

الرواية، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» وقد روي عن يحيى بن يحيى أنه قال: إذا ادعى البائع أنه أعطاه الثمن في الظاهر، ودس عليه من أخذه منه، فإنه ينظر إلى المشتري فإن عرف بالعداء والظلم والتسلط، فإني أرى القول قول البائع مع يمينه، لقد دفع إليه المال قهرة وغلبة، ويردها عليه بغير أن يرد إليه الثمن. وقاله ابن القاسم، ومع ذلك في بعض الروايات، وهو إغراق إذا أقر أنه قد دفع إليه الثمن، ثم ادعى أنه أخذه منه. وأما لو لم يقر أنه قبض الثمن، وقال: إنما شهدت له على نفسي بقبضه، تقية على نفسي، وخوفا منه، أشبه أن يصدق في ذلك مع يمينه، في المعروف بالغصب والظلم، وإنما يكون ما قال يحيى من تصديق البائع فيما ادعاه من أنه دس إليه في السر من أخذ الثمن منه، إذا شهد له أنه قد فعل ذلك بغيره. وبالله التوفيق اللهم لطفك. [يغتصب العبد فيستحقه عنده المغتصب منه وقد جنى جناية] ومن كتاب الصبرة وسئل ابن القاسم عن الرجل يغتصب العبد، فيستحقه عنده المغتصب منه، وقد جنى جناية عند المغتصب، فقال: صاحب العبد بالخيار، إن شاء أسلم العبد إلى المجروح، وأخذ قيمة عبده من الغاصب يوم غصبه إياه، وإن شاء افتدى عبده بعقل ما جنى وينظر إلى ما يرى أن الغاصب كان يغرمه لصاحب العبد من قيمة العبد لو اختار ذلك، وما يلزمه من عقل جناية العبد، إن أراد افتداءه، فيغرم لرب أقل ذينك الغرمين، وذلك أن الغاصب لا بد له من غرم أحدهما مع إسلام العبد لربه، أو للمجروح إن أراد سيد العبد أخذ قيمته، فلما ألزم الغاصب غرم قيمة العبد لسيده، وافتداء

العبد من المجروح أو إسلامه إليه، رأينا سيد العبد أولى برقبته، وأغرمنا الغاصب لعداه وظلمه لسيد العبد، ما لم يكن له بد من غرمه لغيره، وأخذنا في ذلك بالأقل؛ لأنه وإن ظلم، فقد كان إن اختار سيد العبد قيمة عبده، أن يخرج عقل الجناية، فيفتدي بها العبد أو يسلمه أو يبرأ. قلت له: فإن قال الغاصب: أنا أفتك العبد حتى يصير غير معيب ولا مأخوذ بعقل جناية، ولا متبع بها، ثم يأخذه سيده سليما كما اغتصبه إياه بها ذلك له. وهذا يشد القول الأول. أو لا نرى أن الغاصب الآن حين طلب العبد لسيده قد خرجت الرقبة من يده إلى سيد العبد وغرم عقل الجناية للمجروح فما حجة من زعم أن ليس للسيد إلا أن يأخذ بجنايته؟ فيكون قد خرجت الرقبة من يديه إلى المجروح وغرم القيمة للسيد، فالسيد أحق برقبة عبده، وبأقل الغرمين اللذين لا يجد الغاصب بدا من غرمهما على حال من الحال، غير أن السيد إن اختار القيمة وترك الرقبة لم يكن له إلا ذلك فقط، قال: وإن كانت جنايته عمدا. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن سيد العبد إن ترك أن يضمن الغاصب قيمة العبد يوم غصبه إياه، وافتدى عبده بعقل ما جنى يرجع على الغاصب بالأقل من قيمة العبد أو مما افتكه به، استحسان على غير حقيقة القياس، وقد ذكر وجهه بما لا مزيد عليه. والقياس قوله في كتاب الرهون من المدونة: إن سيد العبد بالخيار، إن شاء سلم العبد للغاصب وأخذ منه قيمته يوم اغتصبه، وإن شاء أن يفتكه بدية الجناية، ولا يتبع الغاصب بشيء مما وداه، وذلك أن جناية العبد المغصوب نقصان من

يعدو على أرض الرجل فيزرعها ثم ينصف صاحب الأرض فيعدى على حقه

قيمته، فلا فرق في القياس بين أن يجني جناية تكون نصف قيمته، أو تنقص من قيمته نصفها بعيب حدث فيه، فكما ليس لسيده أن يأخذه ويضمن الغاصب قيمة العيب الذي حدث به عنده، فكذلك ليس له أن يأخذه ويرجع عليه بما افتكه به. قال في الرواية: وإن كانت جناية عبد أو سكت عن الجواب في ذلك. وحكم العمد في ذلك حكم الخطأ، سواء إن كانت الجناية عمدا لا قصاص فيها، بأن تكون على حر أو عبد في الجراح التي هي متالف، كالجائفة والمنقلة والمأمومة؛ لأن سيده مخير بين أن يفتكه بجناية أو يسلمه بها، وكذلك إن كانت جنايته على عبد فيها القصاص، فلم يرد سيد العبد المجني عليه أن يقتص وأراد أن يأخذه بجنايته على عبده؛ لأن الخيار يرجع في ذلك إلى سيد العبد المجني عليه من العبد المغصوب فيما دون النفس من فقء عينه أو قطع يده وما أشبه ذلك، فليس لسيد العبد عليه من المغصوب منه إلا أن يأخذ عبده كما هو، أو يضمن الغاصب قيمته يوم غصبه. وبالله التوفيق. [يعدو على أرض الرجل فيزرعها ثم ينصف صاحب الأرض فيعدى على حقه] ومن كتاب أول عبد أبتاعه فهو حر قال: وسألته عن الرجل يعدو على أرض الرجل فيزرعها، ثم ينصف صاحب الأرض فيعدى على حقه، في أوان لو شاء أن يعمل فيه أرضه أمكنه ذلك، ولم يمنع منها، فيترك الزرع، حتى إذا أمكن تنازع فيه الذي زرعه، والمقضي له بالأرض المتعدى عليه، فأراد أن يأخذه، ويغرم للمتعدي بذره أو قيمة بذره، فقال: صاحب البذر أحق بزرعه؛ لأن صاحب الأرض إذا أمكن من أرضه في أوان عمل فترك الزرع فيه، فهو الذي بذره وعليه كراء الأرض لربها. قال: وإن دعا رب الأرض الغاصب إلى إن يقلع نباته ليزرعها رب الأرض، فترك الغاصب نزع نباته يابسا من منفعته، فبرئ من ذلك

إلى رب الأرض، وقال: لا حاجة لي به فاصنع به ما شئت، فقال رب المال: أما إذ لا حاجة لك فيه فأنا أقره في أرضي ليكون لي منفعته، فلما بلغ تنازعا فيه. قال: أراه لصاحب الأرض؛ لترك الغاصب إياه يابسا من الانتفاع به لو نزعه؛ لأن رب الأرض إنما ترك عمل أرضه بما ترك له الغاصب من بنيانه. قال الإمام القاضي: وهذا كما قال: إنه إذا أعدى على حقه، وهو أن يقلع زرع الغاصب ويزرع أرضه فلم يفعل، حتى أمكن الزرع، فليس له إلا كراء أرضه؛ لأنه لما ترك زرع الغاصب في أرضه، فقد رضي بأخذ الكراء منه فيها، ولا كلام في أنه إذا دعا رب الأرض الغاصب إلى أن يقلع زرعه فأبى من قلعه، إذ لا منفعة له فيه، وبرئ منه إلى رب الأرض، فقال له: اصنع له ما شئت إذ لا حاجة لي به، أن لرب الأرض أن يقره في أرضه ويكون له، بل ليس للغاصب أن يقلعه إذا لم يكن له فيه منفعة إن قلعه، ومن حق صاحب الأرض أن يجبر على قلعه، وإن لم تكن له فيه منفعة، إذ لا يلزمه قبول معروفه. واختلف إن كانت له فيه منفعة إن قلعه، هل يكون لرب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا فيقر في أرضه، ويحوز ذلك، أم لا؟ على قولين. وقد قيل: إن الزرع لصاحب الأرض، وليس للغاصب أن يقلعه، وإن كانت له فيه منفعة إن قلعه؛ لأنه هو أهلك ماله. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس لعرق ظالم حق» حكى ذلك ابن عبد الحكم في مختصره عن مالك قال: والأول أحب إلينا. وقد مضى القول على هذه المسألة في نوازل أصبغ من كتاب كراء الأرضين وفي رسم أول عبد أبتاعه فهو حر، من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق مستوفى. وبالله التوفيق.

يغتصب من الرجل صبرة من قمح فيريد الغاصب أن يصالح المغصوب

[يغتصب من الرجل صبرة من قمح فيريد الغاصب أن يصالح المغصوب] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب قال سحنون: وسألت أشهب عن الرجل يغتصب من الرجل صبرة من قمح، فيريد الغاصب أن يصالح المغصوب على كيل من القمح، فقال أشهب: إن كان قد لزم الغاصب القيمة بحكم أو بصلح اصطلحا عليه، ثم أراد أن يأخذ منه بالقيمة التي وجبت له كيلا من القمح، فلا بأس به، قلت لأشهب: ولم قلت: إن كان ألزم القيمة وهو حين غصبها كانت له القيمة لازمة؛ لأنها مجهولة، وليست بكيل معلوم؟ ألا ترى لو أن المغصوب منه أتى بشاهدين يشهدان فيها عشرين إردبا لا شك فيها، فقال المغصوب منه: أعطني عشرين إردبا أعطيته، فمن ثم لا يجوز له أن يصالحه على كيل إلا بعد ما يلزمه القيمة، إلا أن يصالحه من الكيل، على ما لا شك فيه، قال أشهب: وكذلك إذا غصب خلخالي فضة أو غير ذلك، من هذا الوجه، وهو يحكم عليه في الخلخالين بقيمتهما من الذهب. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، أما إذا صالحه على قيمة اتفقا عليها فيها، أو حكم عليه بها، فجائز أن يصالحه على ما شاء من الطعام، من صنف طعام الصبرة التي اغتصبها، أو من غير صنفها. وعلى ما شاء من العروض والحيوان، أو على دنانير إن كانت القيمة التي وجبت عليه دراهم، أو دراهم إن كانت القيمة دنانير، يعجل ذلك كله، ولا يؤخر شيئا منه؛ لأنه يكون آخره فسخ الدين بالدين، أو ذهبا بورق إلى أجل، وما لم يصطلحا على القيمة، فيجوز أن يصالحه في القيمة التي تجب له عليه في الصبرة بما شاء من العروض والطعام المخالف للصبرة، إذا تعجل ذلك، ويجوز له أن يصالحه على قمح من صفة قمح الصبرة، لا أرفع منه، إذا لم

مسألة: البر والقمح والرقيق يسرق فيجدها ربها في غير بلده

يشك أنه أقل مما كان في الصبرة من الكيل. واختلف هل يجوز أن يصالحه على أدنى من طعام الصبرة، مثل أن يصالحه على شعير، أو على محمولة، والصبرة سمراء، فأجاز ذلك أشهب، واختلف فيه قول ابن القاسم، فله في كتاب الصرف من المدونة: إنه لا يجوز أن يأخذ محمولة من سمراء أو أقل من مكيلته، ولا شعيرا من قمح، لأنه من بيع الطعام بالطعام متفاضلا، إذ قد يكون الشعير أنفق من القمح، والمحمولة أنفق من السمراء، لاختلاف الأغراض في ذلك، وروى يحيى عن ابن القاسم، في رسم الصبرة من سماعه من كتاب الدعوى والصلح، أن ذلك جائز، مثل أشهب، خلاف قوله في المدونة: ولو صالحه على سمراء أدنى من سمراء الصبرة المستهلكة أو على محمولة أدنى من محمولة الصبرة المستهلكة، لا يشك أنه أقل من كيل الصبرة، لجاز ذلك عندهما جميعا، إذ لا يمكن أن يكون رديء المحمولة أنفق من طيبها ولا رديء السمراء، أنفق من طيبها. وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: البر والقمح والرقيق يسرق فيجدها ربها في غير بلده] مسألة وقال ابن القاسم: قال مالك في البر والقمح والرقيق يسرق، فيجدها ربها في غير بلده: قال: أما البر فالمسروق منه بالخيار، إن أحب أخذ بره، وإن أحب أخذ قيمته في الموضع الذي سرق منه، وأما الرقيق، فإنما له أن يأخذهم ليس له أكثر من ذلك، فأما الطعام فإنما يكون له في الموضع الذي سرق منه. قال محمد بن رشد: تفرقته بين البر والرقيق، معناه في الرقيق الذين لا يحتاج إلى الكراء عليهم، فحكمهم على قول مالك هذا في نقل الغاصب لهم من بلد إلى بلد، حكم السلع، يكون ذلك فوتا يوجب للمغصوب منه أن يضمن الغاصب القيمة في ذلك كله يوم غصبه في البلد الذي غصبه فيه، وإن شاء أخذ متاعه بعينه ورقيقه بأعيانهم حيث وجدهم، وأما الرقيق الذي لا يحتاج إلى الكراء عليهم، والدواب التي إنما تركب أو تكرى فهي

مسألة: استودع قمحا فتعدى عليه فحمله إلى بلد فأثأر به فأصابه وقد باعه المستودع

عنده بخلاف السلع، لا تفوت في الغصب بحملها من بلد إلى بلد، فليس للمغصوب منه إلا أخذها حيث وجدها. وسحنون لا يفرق في ذلك بين الدواب والرقيق والسلع، ويرى نقل ذلك من بلد إلى بلد، كاختلاف الأسواق، فلا يوجب للمغصوب منه في ذلك كله، إلا أخذ متاعه بعينه، حيث ما وجده من البلاد. ولأصبغ في سماعه بعد هذا من قوله، وظاهر روايته عن أشهب، ضد قول سحنون، إن ذلك كله فوت يكون المغصوب فيه بالخيار بين أن يضمنه القيمة في ذلك كله يوم الغصب في البلد الذي اغتصبه فيه، وبين أن يأخذ متاعه فيه بعينه، حيث ما وجده من البلاد، فهي ثلاثة أقوال: قولان متضادان، وتفرقة، وأما الطعام إذا حمله الغاصب من بلد إلى بلد، ففيه ثلاثة أقوال أحدها قول ابن القاسم، وروايته هذه عن مالك، إنه ليس للمغصوب منه إلا مثل طعامه في البلد الذي اغتصبه فيه. والثاني: إن المغصوب بالخيار، بين أن يأخذ طعامه بعينه حيث وجده، وبين أن يضمنه مثله في البلد الذي اغتصبه فيه منه. وهو قول أشهب في رواية أصبغ عنه في سماعه بعد هذا من هذا الكتاب، والثالث تفرقة أصبغ فيه، بين أن يكون البلد الذي نقله إليه الغاصب قريبا أو بعيدا. فإن كان قريبا كان له أن يأخذ طعامه بعينه، وإن كان بعيدا لم يكن له وبالله التوفيق. [مسألة: استودع قمحا فتعدى عليه فحمله إلى بلد فأثأر به فأصابه وقد باعه المستودع] مسألة وقال مالك في رجل استودع قمحا فتعدى عليه، فحمله إلى بلد، فأثأر به، فأصابه وقد باعه المستودع، أله أن يجيز البيع ويأخذ الثمن، أو يأخذ قمحه بعينه؟ قال: ليس ذلك له، وإنما له قمحه في الموضع الذي استودعه فيه. قلت: لم؟ قال: لأن في ذلك زيادة، فليس له أن يأخذ منه الزيادة وإن كان متعديا؛ لأنه يقدر على مثله في مثل الموضع الذي استودعه فيه. قلت: فإن رضي رب الطعام والمتعدي، أن يعطيه

مسألة: يبيع العبد غصبا ثم يموت سيد العبد فيكون الغاصب وارثه

مثل طعامه في الموضع الذي استحقه فيه، أو طعاما إن كان لم ينفقه، أو الثمن الذي بيع به الطعام قال: إذا رضيا فلا بأس به. قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة كالقول في المسألة التي قبلها سواء، إذ لا فرق في هذا بين الوديعة والغصب والسرقة، يدخل في ذلك كله، الاختلاف الذي ذكرناه. وقد مضت هذه المسألة في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الوديعة، والكلام عليها هناك مستوفى أيضا. وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: يبيع العبد غصبا ثم يموت سيد العبد فيكون الغاصب وارثه] مسألة وقال ابن القاسم في الرجل يبيع العبد غصبا ثم يموت سيد العبد، فيكون الغاصب وارثه، ثم يريد أن يرجع في العبد، قال: ذلك له، وكذلك الدار بين الرجلين، فيبيعها أحدهما كلها، ثم يموت الآخر، وهو لا يدري. وهذا وارثه، فيريد الرجوع في النصف، والأخذ بالشفعة. قال: ذلك له. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن الوارث يحل محل الموروث، وينزل منزلته في الحقوق الواجبة له، فإذا ورث الغاصب العبد الذي غصبه، بعد أن باعه قبل أن يعلم المغصوب منه بيعه إياه، فيختار إجازة البيع وأخذ الثمن، كان للغاصب ما كان للمغصوب منه من أخذ العبد وفسخ البيع، وكذلك قال في آخر كتاب بيع الغرر من المدونة في المودع، يتعدى على الوديعة فيبيعها، ثم يموت المودع. وهذا وارثه. إن له أن يرد البيع ويأخذ الوديعة التي باع، لنزوله في ذلك بالميراث منزلة المودع الموروث. وهي كمسألة الغصب سواء والميراث، بخلاف الشراء، لو باع الغاصب العبد الذي اغتصبه ثم اشتراه من المغصوب منه لزمه البيع، ولم يكن أن يرده ويأخذ العبد. قاله في كتاب الغصب من المدونة. والفرق بين المسألتين أن الميراث

الأمير الغاصب لأموال الناس إذا عزل فقام الناس يدعون مما في يديه

أمر أوجبه الله، لم يجره هو إلى نفسه، والشراء هو جره إلى نفسه باختياره، وليس له أن يتسبب إلى نقض البيع بذلك، وأيضا فإن شراءه إياه منه بحال منه من صنيعه. وإذا أخذ منه الثمن فيه، فكأنه قد أخذ منه القيمة، وهذا كله بين، وكذلك الدار تكون بين الأخوين، فيبيعها أحدهما كلها، ثم يموت الآخر، وهو وارثه، فينزل منزلته بالميراث في أن له أن يأخذ نصف الدار بالاستحقاق، فينقض فيه البيع، ويرد ثمنه إلى المبتاع، ويأخذ النصف الثاني بالشفعة، وإن أراد أن يأخذ النصف بالاستحقاق، ويترك الأخذ بالشفعة، كان ذلك له، وإن أراد أن يمضي البيع ويترك الدار كلها للمشتري كان ذلك له. وبالله التوفيق: لا رب سواه. [الأمير الغاصب لأموال الناس إذا عزل فقام الناس يدعون مما في يديه] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون وسئل عن الأمير الغاصب لأموال الناس، إذا عزل، فقام الناس يدعون مما في يديه شيئا، فقال: إذا أثبتوا شيئا من أموالهم، فإن الأمير يكلف البينة بأي شيء تصير إليه ذلك الشيء، فإن أتى بالبينة، وإلا لم يكن له شيء. قيل له: فإن أقام الأمير البينة أنه قد حاز هذه الدار والقرى عشر سنين، والخمس عشرة سنة، والعشرين، في وجوه هؤلاء الذين ادعوها، ولم يأت ببينة أنه اشترى، فقال: ليس يستحق بحوزه، وهو سلطان غاصب شيئا، وهو كمن لم يحز. قيل له: وإن لم يشهد الطالب في طول ولايته في السر، أي إنما ترك القيام خوفا منه، لم يضره ذلك في حيازة السلطان في وجهه، فقال: نعم، لا يضره. ولو كان أشهد في السر، لكان أفضل وأقوى، قيل له؛ فإن مات الأمير وهو أمير بحاله، لم يعزل حتى مات، ثم قام على ورثته مكانه حين مات، فأثبت أن هذه الدار كانت له، هل يكلف الورثة ما كلف أبوهم أن

يثبتوا بأي شيء تصير إلى أبيهم؟ فقال: لا يكلفون ما كلف أبوهم، وعلى الطالب البينة أن السلطان كان غصبه منه، بعد أن قيم البينة أن هذا الشيء كان له، قيل له: وما يكون حال هذا الأمير فيما أكل من هذه القرية وغرس وبنى؟ أيأخذه مقلوعا وتكون عليه الإجارة، ويكون كالرجل الغاصب، أم لا؟ وإنما أقام المستحق البينة أن هذا الشيء له، ولم يقم البينة أنه غصبه، وقد قلت: إنه إذا أثبت البينة أن الشيء شيئه سألت الأمير البينة بأي شيء صار في يديه؟ فإن أتى ببينة أنه تصير إليه بحق من الحقوق كان ذلك له، وإلا جعلت الأموال للذي أثبت أصلها، ولم يكلفه البينة، أنه غصبها ولا غير ذلك، وجعلتها له، قال: لا يكون حاله حال الغاصب فيما اغتل وفيما غرس، إلا أن يقيم المستحق البينة أن السلطان غصبها منه، وإلا لم تكن له غلة ما استحق ولا كراء، وللأمير الغاصب قيمة ما بنى وغرس قائما لا مقلوعا، فإن طلب المستحق أن يعطيه ذلك مقلوعا قيل له: فأثبت البينة أنه غصبك هذه الأشياء، فيكون لك ما يكون للمغصوب منه. ويكون عليه ما يكون على الغاصب، وإلا لم يكن لك إلا أرضك، وله ما بنى وغرس قائما. قال محمد بن رشد: قوله إن السلطان المعروف بالغصب لا ينتفع بحيازة مال الرجل في وجهه مدة تكون الحيازة فيها عاملة إذا أقر بالملك لغيره أو ثبت ذلك عليه وادعى أنه اشترى منه، صحيح مثل ما تقدم لابن القاسم في أول رسم من سماع يحيى. وقد مضى هناك بيان وجه ذلك، فلا معنى لإعادته. وأما قوله: إن ورثته لا يكلفون ما كلف أبوهم من إقامة البينة على الوجه الذي صار إليه به، وإن كان قام عليهم مكانه حين مات، ففيه نظر؛ لأنه جعلهم ينتفعون بحيازته، وهي غير عامدة على القائم من أجل أنه ظالم، فكان القياس أن يكلفوا إقامة البينة على الوجه الذي تصيرت به الدار إلى موروثهم كما كان

مسألة: يقول للرجل كنت غصبتك ألف دينار إذ كنت صبيا

يكلف ذلك موروثهم، إلا أن يكون قيامه عليهم بعد أن مات أبوهم بمدة تكون لهم حيازة، فلا يلزمهم ذلك، ويكون القول قولهم مع أيمانهم: لقد اشتراها وما غصبها، أو ما يعلمون بأي وجه صارت إلى أبيهم، ولا أنه غصبها على الاختلاف في هل ينتفع الورثة بحيازتهم دون أن يدعوا الوجه الذي تصيرت به إلى موروثهم، أو لا ينتفعون بها، إلا أن يدعوا ذلك كموروثهم سواء؟ إلا أن يأتي المستحق بالبينة أنه غصبها، فإن أتى بذلك استحق داره إلا أن يأتوا ببينة تشهد لهم أنه اشتراها منه بعد الغصب شراء صحيحا بعد أن ردها إليه، أو وهو قد عاد ممن تجري عليه الأحكام. وقد مضى بيان هذا المعنى في أول رسم من سماع يحيى. وأما قوله: إن الأمير المعروف بالغصب لا يكون حاله حال الغاصب، لا فيما استغل ولا فيما بنى وغرس، فهو صحيح أيضا؛ لأن الغلة قد قيل إنها للغاصب، وإن ثبت الغصب عليه لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الخراج بالضمان» ؛ لأنه لفظ عام مستقل بنفسه، فيحمل على عمومه فيما كان بوجه شبهة وبغير وجه شبهة، على القول بأن اللفظ العام المستقل بنفسه الوارد على سبب يحمل على عمومه، ولا يقصر على سببه الذي خرج عليه من الرد بالعيب، فكيف إذا لم يثبت عليه الغصب؟ وكذلك ما بنى وغرس له قيمة ذلك قائما كما قال، ما لم يثبت عليه الغصب لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس لعرق ظالم حق» وبالله التوفيق. [مسألة: يقول للرجل كنت غصبتك ألف دينار إذ كنت صبيا] مسألة وسئل سحنون عن الرجل يقول للرجل: كنت غصبتك ألف دينار إذ كنت صبيا، قال: تلزمه. قيل له: فإن قال كنت أقررت لك بألف دينار إذ كنت صبيا، فقال: يلزمه أيضا، وهو عندي مثل الأول. قال محمد بن رشد: أما الذي قال: كنت غصبتك ألف دينار إذ كنت صبيا، فلا اختلاف في أن ذلك يلزمه؛ لأنه أقر أنه فعل في صباه ما يلزمه، إذ لا اختلاف في أن الصبي ضامن لما أفسد وكسر، وكذلك ما اغتصب فأتلف.

مسألة: أكره رجلا أن يدخل بيت رجل يخرج منه متاعا فأخرج له ما أمره

وأما الذي قال: كنت أقررت لك بألف دينار إذ كنت صبيا فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما وهو الأصح: أنه لا يلزمه ذلك إذا كان كلامه نسقا متتابعا. وعلى ذلك يأتي قول ابن القاسم في المدونة: إذا قال لزوجته قد طلقتك وأنا صبي إنه لا يلزمه شيء، وكذلك إذا قال لها: قد طلقتك وأنا مجنون إذا كان يعرف بالجنون. وإذا أقر بالخاتم لرجل وقال: الفص لي أو بالبقعة وقال البنيان لي وكان الكلام نسقا؛ والثاني: أنه يلزمه وإن كان الكلام نسقا متتابعا؛ لأنه يتهم أن يكون استدرك ذلك ووصله بكلامه ليخرج عما أقر به. وعلى ذلك قول ابن القاسم في سماع أصبغ عنه في تفرقته بين أن يقول: لفلان علي ألف دينار وعلى فلان وفلان، وبين أن يقول: لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف دينار، قال: لأن الأول أقر على نفسه بألف دينار، فلا يقبل قوله بعد ذلك، وعلى فلان وفلان وإن كان الكلام نسقا متتابعا. وعلى قول ابن القاسم في هذه المسألة يأتي قول سحنون في هذه الرواية، وهو قول ضعيف، وما في المدونة أصح وأولى بالصواب. فالمسألتان مفترقتان، وإنما كان يكون قوله: كنت أقررت لك بألف دينار، إذ كنت صبيا، مثل قوله: لو قال كنت استسلفت منك ألف دينار، إذ كنت صبيا؛ لأن الوجهين جميعا، يستويان في أنهما لا يلزمانه في حال الصبا. وبالله التوفيق. [مسألة: أكره رجلا أن يدخل بيت رجل يخرج منه متاعا فأخرج له ما أمره] مسألة وسئل سحنون عن رجل من العمال، أكره رجلا أن يدخل بيت رجل يخرج منه متاعا يدفعه إليه، فأخرج له ما أمره به، فدفعه إليه، ثم عزل ذلك العامل الغاصب، ثم أتى المغصوب منه المتاع، يطلب ما غصب منه. هل يكون له أن يأخذ بماله من شاء وإن شاء الآمر وإن شاء المأمور؟ فقال: نعم له أن يأخذ بماله من شاء منهما. قيل له: فإن أخذ ماله من الذي أكره

مسألة: اغتصب دابة رجل فاستعملها فأغرمه رب الدابة الكراء

على الدخول هل يرجع هذا الذي غرم على العامل الذي أكرهه على الدخول؟ فقال: نعم. قيل له: فإن عزل الأمير الغاصب، وغاب المغصوب منه المتاع، فقال: هذا المكره على الدخول في بيت الرجل على الأمير الغاصب بهذا المتاع، ليغرمه إياه، ويقول المأخوذ به إذا جاء صاحبه هل يعدى عليه؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الإكراه على الأفعال التي يتعلق بها حق لمخلوق، كالقتل والغصب، لا يصح بإجماع، وإنما يصح فيما لا يتعلق به حق لمخلوق من الأقوال باتفاق، ومن الأفعال على اختلاف. وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق. وأما قوله بأنه يقضي للمكره على الدخول في بيت الرجل، على العامل بالمال؛ لأنه هو المأخوذ به، ففيه نظر، والذي يوجبه النظر أن يقضي له بتغريمه إياه، ولا يمكن منه، ويوقف لصاحبه. وبالله التوفيق. [مسألة: اغتصب دابة رجل فاستعملها فأغرمه رب الدابة الكراء] مسألة وسئل عن رجل اغتصب دابة رجل، فاستعملها، فأغرمه رب الدابة الكراء، كراء ما استعملها، هل يحاسب الغاصب بالعلف؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا إذا قوم كراؤها على أن علفها على صاحبها، وأما إن قوم كراؤها على أن علفها على المكتري، فلا يحاسبه بالعلف؛ لأنه قد انحط قدره من الكراء، وعلى هذا يجب أن يقوم، فهو أولى وأقل عمى. وفي وجوب الرجوع عليه بكراء ما استعملها اختلاف قد مضى تحصيله في نوازل عيسى فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

مسألة: يغتصب الدابة ولا يعملها في شيء ولا يكريها ثم استحقها ربها

[مسألة: يغتصب الدابة ولا يعملها في شيء ولا يكريها ثم استحقها ربها] مسألة قال سحنون في الرجل يغتصب الدابة ولا يعملها في شيء، ولا يكريها وإنما حبسها على مذودها، ثم استحقها ربها هل يكون له من كرائها شيء؟ قال: لا يكون له كراء مثلها إذا لم يسخرها. قال محمد بن رشد: إنه يجب عليه كراء ما عطلها. وهو قول ابن الماجشون. وقد مضى هذا في نوازل عيسى فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: يكون له بيضة من دجاجة ميتة أو دجاجة حية فيغصبها منه رجل] مسألة وسئل سحنون عن رجل يكون له بيضة من دجاجة ميتة، أو دجاجة حية فيغصبها منه رجل، فيحضنها تحت دجاجة، فيخرج منها فرخ. قال: الفرخ لرب البيضة، وللغاصب عليه قدر ما حضنت دجاجته، كانت البيضة من ميتة أومن حية. قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة على أصله، في أن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر، وهي رواية ابن غانم عن مالك، ويأتي فيها على قياس القول بأن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب العمل والأرض، إن الفرخ للغاصب، ويكون عليه لرب البيضة مثلها، وعلى هذا يأتي قول ابن القاسم في سماع سحنون، من كتاب الشركة، في الرجل يأتي بحمامة أنثى والآخر بحمامة ذكر، على أن تكون الفراخ بينهما، وفي الرجل يقول للرجل: اجعل هذا البيض تحت دجاجتك، فما كان من فراخ فهو بيننا، إن الفراخ تكون لصاحب الدجاجة، ولصاحب البيض بيض مثله. وبالله التوفيق.

مسألة: غصب عبدا فأتى رب العبد بالبينة أنه غصبه

[مسألة: غصب عبدا فأتى رب العبد بالبينة أنه غصبه] مسألة قال سحنون: قال مالك في رجل غصب عبدا فأتى رب العبد بالبينة أنه غصبه، وهو في رجل اشتراه من الغاصب، فلما أقام البينة مات العبد في يدي المشتري، فقال: المصيبة من الذي استحقه، قال سحنون: وأنا أقول: إن المصيبة من المشتري حتى يحكم به للذي غصبه. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا هو مذهبه في موطئه وقول ابن القاسم وروايته عنه في رسم مرض من سماع ابن القاسم، من كتاب الاستحقاق، وقول غير ابن القاسم في كتاب الشهادات من المدونة. وقول سحنون، هو قول ابن القاسم، في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، وهو قول أشهب في المبسوطة والذي يأتي على قول مالك في المدونة: إن الغلة للذي هي في يديه، حتى يقضى بها للطالب، فهي مسألة اضطرب فيها قول مالك، وابن القاسم. وقد مضى تحصيل الاختلاف في الحد الذي يدخل به الشيء المستحق في ضمان المستحق، في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، من كتاب الاستحقاق، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: اغتصب عبدا فجنى العبد عند الغاصب فأتى سيده فأخذه] مسألة قال سحنون في رجل اغتصب عبدا فجنى العبد عند الغاصب، فأتى سيده فأخذه، ولم يعلم بجنايته عند الغاصب، ثم جنى العبد عند سيده على رجل آخر، فأتى المجني عليه الأول، إذا كان في يده الغاصب وأتى المجني عليه الآخر، الذي جنى عليه وهو في يدي صاحبه، ما يكون على السيد، وما يكون للسيد

على الغاصب، والجنايتان سواء؟. قال سحنون: يقال للسيد: قد صارت الجنايتان في رقبة العبد،. وصار العبد بينهما، فإن شئت فخذ الغاصب نصف قيمة العبد، ويكون كعبد بين رجلين، جنى فيخيران، فإن أحبا أسلماه، وإن أحبا افتكاه. ومن أحب منهم أن يفتك افتك، ومن أحب أن يسلم أسلم. وإن افتكه السيد بالجنايتين لم يضمن الغاصب شيئا كذلك قال ابن القاسم، وقال غيره: يرجع على الغاصب بالأقل من نصف القيمة، أو نصف الجناية. قال محمد بن رشد: بنى سحنون جوابه في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم في المدونة إن العبد إذا جنى عند الغاصب، فسيده مخير بين أن يضمن الغاصب قيمته يوم غصبه، وبين أن يأخذه مجنيا ولا شيء له على الغاصب، وبنى غيره وهو أشهب، جوابه فيها على قول ابن القاسم في رسم الصبرة من سماع يحيى المتقدم، في أن العبد المغصوب إذا جنى عند الغاصب، فسيده مخير، بين أن يضمن الغاصب قيمته يوم غصبه، وبين أن يفتكه ويرجع على الغاصب بالأقل من قيمته أو ما افتكه به فرأيا أن العبد قد فات نصفه عند سيده بجنايته عنده، لاستواء الجنايتين، فيلزمه بما أخذه به من نصف القيمة، والنصف الثاني هو فيه مخير، بين أن يأخذ قيمته، وبين أن يأخذه مجنيا عليه، ولا شيء له على الغاصب عند سحنون، على مذهب ابن القاسم في المدونة، وعند غيره على مذهب ابن القاسم في سماع يحيى، يرجع على الغاصب بأقل من قيمته أو ما ود في الجناية التي جناها عبده، وهي نصف الجنايتين كما قال، لأنهما مستويتان. وفي ذلك من قولهما جميعا نظر؛ لأن العبد يفوت جميعه عند سيده بجنايته عنده، كرجل ابتاع عبدا فجنى عنده جناية، ثم اطلع على عيب به؛ لأن السيد أخذ العبد بالقيمة الواجبة على الغاصب يوم الغصب، فجنى عنده جناية، ثم اطلع على أنه قد كان جنى عند الغاصب، فالذي يوجبه النظر في ذلك على منهاج قولهم، إن السيد

اغتصب من رجل طعاما بعينيه في غير البلد

يرجع على الغاصب بقيمة عيب الجناية التي جناها عنده. ووجه العمل في ذلك، أن يقوم العبد بعيب الجناية، وسالما منها، فما كان بين القيمتين من الأجزاء، ثلث أو ربع أو خمس، رجع رب العبد على الغاصب في القيمة التي أخذ العبد منه فيها بذلك الجزء، وإن كانت الجناية تستغرقه، ولا قيمة له بها رجع عليه بجميع قيمته، وكان الغاصب مخيرا بين أن يفتكه بجنايتين، أو يسلمه بهما، وهذا إذا كان العبد قد فات عند الغاصب بغير الجناية التي لم يعلم بها، فأخذ عبده وقد كان له أن يضمن الغاصب قيمته يوم الغصب، وأما إن كان لم يفت عند الغاصب فأخذه صاحبه ولم يعلم بالجناية، ثم جنى عنده فاطلع على الجناية التي كان جنى عند الغاصب، فالحكم فيه على ما يوجبه القياس والنظر، أن يكون مخيرا بين أن يرده الغاصب، أو يضمنه قيمته يوم الغصب؛ لأنه يقول: لو علمت أنه جنى لم آخذه، وقد كنت مجبورا على أخذه، إذ لم يسلم بجنايته، ويكون الغاصب فيه مخيرا بين أن يفتكه بالجنايتين جميعا، أو يسلمه لهما، وإن شاء سيد العبد تمسك بعبده، وافتكه بالجنايتين أو أسلمه بهما. فإن أسلمه بهما وهما سواء، رجع على الغاصب بنصف قيمة العبد، وإن افتكه بهما، رجع على الغاصب بالأقل من نصف قيمته، أو نصف الجنايتين، على الاختلاف المذكور في ذلك، وإنما كان يصح جوابهما لو كانا عبدين مغصوبين، فجنى أحدهما عند الغاصب، فأخذهما سيدهما، ولم يعلم بجناية الجاني منهما، ثم جنى الآخر عنده. وبالله تعالى التوفيق. [اغتصب من رجل طعاما بعينيه في غير البلد] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع قال أصبغ: سمعت أشهب، وسئل عمن اغتصب من رجل طعاما بعينيه، في غير البلد، أله أخذه؟ قال: نعم، له أخذه إن شاء، وإن تركه وأخذ منه مثله بتلك البلدة التي اغتصبه فيها. قال أصبغ: قال ابن القاسم: ليس له أخذه، ويؤخذ بمثله يعطيه بموضعه الذي اغتصبه به، ويصنع به هو ها هنا ما شاء. قال

أصبغ: وأنا أرى إن كان البلد البعيد، فالقول ما قال ابن القاسم، وعليه أن يوثق له بحقه، قبل أن يخلى بينه وبينه، وإن كان الموضع القريب، مثل بعض الأرياف والقرى، فأرى له أخذه وإن كره، والظالم يحمل عليه بعض الحمل، ولا كل. قال أصبغ: قيل لأشهب، فالعروض، قال كذلك يأخذها إن شاء، أو يأخذ قيمتها، ثم أن ليس عليه ردها. قال أصبغ: يأخذ العروض إن شاء؛ لأنها سلع بأعيانها، ولا سروالها كالجارية بعينها، والدابة والثوب، ولا شيء عليه من حمولتها، ولا نفقة يغرمها، مع أخذها ولا على المغتصب ردها وحملانها راجعا بها، وإن شاء المغصوب تركها وأخذ قيمتها حيث غصبها، ليس حيث يأخذها، كالعين إذا تغيرت كانت له قيمتها، وما ذلك بالقوي فيه كغيره في القياس والاستحسان أحب إلي، وأرى أن البلدان أغير إذا كانت بعيدة، وإن لم تتغير في الأبدان إذا حملها إلى البلدان والآفاق. قال محمد بن رشد: ساوى أشهب في هذه الرواية بين الطعام والبز والعروض والحيوان في أن للمغصوب منه أن يأخذه حيث ما وجده من البلاد، وذلك خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك، فإنه فرق بين الطعام والعروض والحيوان في ذلك، وفرق أيضا بين العروض والحيوان، مثل الدواب التي لا يكرى على حملها، ووافقه سحنون في الطعام، وخالفه في العروض والحيوان، فيتحصل في العروض والحيوان ثلاثة أقوال، وفي الطعام بتفرقة أصبغ ثلاثة أقوال أيضا. وقد مضى تحصيل ذلك كله، وبيانه وشرحه في سماع سحنون فلا معنى لإعادته. والله الموفق.

سرق عبدا فباعه

[سرق عبدا فباعه] ومن كتاب البيوع والصرف قال أصبغ: سألت ابن القاسم يقول فيمن سرق عبدا فباعه: إن السيد إن أجاز البيع وأخذ الثمن، فلا كلام للمشتري في رده، وهو له لازم، والعهدة في ذلك على السيد، وليس على السارق منه شيء. وقال أصبغ: وذلك ما لم يدخل البيع فوت، ولا العبد، فإن دخل ذلك الفوت حتى يكون المستحق مخيرا في الثمن أو القيمة، ليس في العبد لفواته، فاختار القيمة من السارق، فالعهدة للمشتري على السارق، وإن اختار الثمن، فالعهدة عليه أيضا. قال محمد بن رشد: اختلف في الغاصب أو السارق يبيع الشيء: المغصوب أو المسروق، فيأتي صاحبه فيستحقه، ويجيز البيع، ويأخذ الثمن، هل تنتقل العهدة على الغاصب إليه أم لا؟ على قولين؛ أحدهما: أنها تنتقل إليه، فات العبد أو لم يفت، وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية، إذ لم يفرق فيها بين أن يفوت العبد أو لا يفوت، ودليل ما في كتاب الاستحقاق من المدونة في الذي يستحق الدار من يد المشتري، وقد أكراها السنة مضت منها ستة أشهر، إن له أن يمضي الكراء لباقي المدة، ولا حجة للمكتري في انتقال العهدة إليه، إذ لا ضرر في ذلك عليه من أجل أنه إنما يؤدي بحسب ما يسكن، فإن انهدمت الدار خرج ولم يكن عليه شيء، كما لو كانت عهدته على الأول، وإن كان قد نقد الكراء، كان من حقه أن يسترجع كراءه، فيودي بحساب ما يسكن، إلا أن يكون المستحق مليا أو يأتي بحميل ملي، فيأخذ الكراء. هذا معنى قوله في المدونة دون لفظه، وهذا إذا لم تف البقعة مهدومة إن انهدمت الدار بالكراء، وأما إن وفت بها، فمن حقه أن يأخذ الكراء. قاله بعض شيوخ صقلية، وهو صحيح؛ لأن البقعة تكون في يده، كالرهن فيما قدم من الكراء إن انهدمت الدار. قال: وإنما يكون له أن يأخذ الكراء، إذا كان مليا، إذا كان قد علم بأن المكتري قد نقد الكراء، وكانت

سنة الكراء على النقد، وأما إن لم يعلم بذلك، ولا كانت سنة الكراء على النقد، فليس له أن يأخذ الكراء معجلا، وإنما يأخذ بحساب ما يسكن؛ لأنه يحملك عليه، إذا لم يعلم بذلك، ولا كانت سنة الكراء على النقد، على أنه إنما أجاز الكراء وأمضاه، على أن يأخذ منه بحساب ما يسكن، فليس له أن يتعجل كما كان عجل للأول، والثاني: إن العهدة لا تنتقل عن الغاصب، حكى هذا القول سحنون عن مالك، وعاب ما وقع في المدونة من احتجاج المكتري بانتقال العهدة، قال: إذ لا تنتقل على مذهب مالك، وإنما تنتقل عنده في القيام، فأحرى ألا تنتقل في الفوات، وهو دليل ما وقع في كتاب الغصب من المدونة من أن المستحق إذا أجاز البيع، لزم المشتري الشراء، ولم يكن فيه خيار؛ لأن الذي يوجبه النظر إذا انتقلت العهدة عن البائع إلى المستحق، أن يكون المشتري بالخيار، إن كانت ذمة المستحق معيبة بعدم أو حرام؛ لأن من حقه أن يقول لا أرضى أن أعامل من لا ذمة له، أو من استغرقت ذمته الحرام. فقول ابن القاسم في هذه الرواية: إن أجاز المستحق البيع، انتقلت العهدة إليه، ولزم المشتري الشراء، معناه: إن كانت الذمتان متساويتين، أو كانت ذمة المستحق أوثق من ذمة السارق. وقول أصبغ: وذلك ما لم يدخل البيع فوت، إلى آخر قوله صحيح؛ لأن العبد إذا فات حتى لم يكن للمستحق أخذه، فلا خلاف في أن العهدة على السارق، لا تنتقل عنه إلى المستحق، اختار أخذ القيمة من السارق أو الثمن، ولا سبيل له إلى العبد لفواته، وكان القياس إذا لم يفت العبد بوجه من وجوه الفوت، أو فات بزيادة، ألا يختلف في أن العهدة تنتقل إلى المستحق، إذ ليس له أن يضمن الغاصب قيمته، فكأنه هو البائع له، اللهم إلا أن يقال: إنه إذا باعه على أنه له، فقد رضي بالتزام الدرك. إن جاء له طالب، وهو بعيد. وإنما يتصور الاختلاف في انتقال العهدة إذا أجاز المستحق البيع، إذا كان العبد قد فات، فكان سيده مخيرا بين أن يضمن الغاصب أو السارق قيمته يوم الغصب أو السرقة، وبين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن، وبين أن يأخذ عبده. فوجه القول

بأن العهدة لا تتنقل عن الغاصب، إن العبد قد فات، ووجبت فيه القيمة يوم الغصب، وإنما أخذ الثمن إذ رأي أنه أفضل له من القيمة، ولم يقصد إلى اختيار أخذ العبد وإمضاء البيع فيه. ووجه القول بأن العهدة تنتقل عن الغاصب إلى المستحق، هو أنه لما ترك أن يضمن الغاصب القيمة وأخذ الثمن، فقد قصد اختيار أخذ العبد وإمضاء البيع فيه، فاحفظ، إنها ثلاثة أوجه، إذا أجاز المستحق البيع، وأخذ الثمن، وجه تنتقل العهدة فيه باتفاق، ووجه لا تنتقل فيه باتفاق، ووجه تنتقل فيه على اختلاف، هذا الذي يوجبه النظر الصحيح عندي في هذه المسألة، وقد كان من تقدم من الشيوخ لا يحصلها هذا التحصيل، ويذهب إلى أن في انتقال العهدة عن البائع إلى المستحق، ثلاثة أقوال: قول إنها لا تنتقل وقول إنها تنتقل، والفرق بين أن يكون العبد قائما أو فائتا، ولا يفرق في الفوات بين أن يكون للمستحق أن يأخذه، وبين أن لا يكون له أن يأخذه، وإذا أخذ المستحق القيمة من الغاصب، فالعهدة عليه باتفاق لأن العبد قد وجب له بالقيمة التي أخذت منه فيه، فإن استحق العبد من يد المشتري من الغاصب، على القول بأن العهدة لا تنتقل عن الغاصب، فرجع المشتري على الغاصب بالثمن، رجع به الغاصب على المستحق، فالإعذار فيما أثبته المستحق الثاني على المشتري من الغاصب، إنما يكون على المستحق الأول، الذي يرجع عليه الغاصب، لا على الغاصب؛ لأن من حجته أن يقول: أنا لا أدفع على من أرجع، فإن خاصم ودفع، لم يكن له رجوع إلا على اختلاف قد مضى ذكره في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق. والذي يفوت العبد عند مشتريه من الغاصب فوتا لا يكون للمغصوب أن يأخذه، هو أن تذهب عينه، أو أن يحصل في بيع حال، لا يجوز بيعه من إباق أو مرض مخوف، على القول بأنه لا يجوز بيع المريض؛ لأنه إذا أخذه يكون مبتاعا له بما وجب له على الغاصب من القيمة أو الثمن، ويتخرج في هذا قولان على اختلافهم في الذي يبيع العبد فيابق عند المشتري، ثم يفلس، هل يكون للبائع أن يأخذ عبده

يغتصب أرضا فيقيم عليها البينة فيشهدون له أنها أرضه ولا يعرفون الحدود

ويترك محاصة الغرماء أم لا؟ على ما يوجبه القياس. وبالله التوفيق. [يغتصب أرضا فيقيم عليها البينة فيشهدون له أنها أرضه ولا يعرفون الحدود] ومن كتاب الأقضية والحبس قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يغتصب أرضا فيقيم عليها البينة، فيشهدون له أنها أرضه، ولا يعرفون الحدود، قال: يسجن المشهود عليه، ويضيق عليه مع هذه الشهادة، حتى يبين له حقه، ولا يكون للمشهود له شيء، إلا بشيء يثبت، ويعرف بشهادة أو إقرار، فإن بين له شيئا وقال: هذا حقه، حلف عليه. قال أصبغ: أو يحدها غير المشهود ويشهدون على الحدود فيجوز. قال أصبغ: وإن لم يبين واستبرى بحبس وتشديد، وأنكر الجميع، أحلف كما يحلف المدعى عليه بغير شهادة، ولم يكن للآخر قليل ولا كثير بتلك الشهادات. قال محمد بن رشد: رواية أصبغ هذه، خلاف لرواية يحيى عن ابن القاسم، من كتاب الاستحقاق. وأما رواية عيسى عن ابن القاسم المتقدمة في هذا الكتاب، فهي مسألة أخرى وليست بمخالفة لهذه، ولا لرواية يحيى من كتاب الاستحقاق، بدليل أن أصبغ قد روى عن ابن القاسم في كتاب العروض من مجالسه كرواية عيسى حرفا بحرف. وأن ابن القاسم قال في المجموعة بمثل رواية عيسى، وزاد قال: ولو شهدوا على الأرض، ولم يثبتوا الحوز، فذكر نص رواية يحيى عنه. وقد قيل: إن المسألتين سواء، وإن الخلاف داخل أيضا في مسألة عيسى. وقد مضى تحصيل هذه المسألة وافية من الخلاف في سماع يحيى من كتاب الاستحقاق، فلا معنى لإعادته وبالله تعالى التوفيق. لا شريك له سبحانه وتعالى وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد.

كتاب الحوالة والكفالة

[كتاب الحوالة والكفالة] [يشتركون في صفقة فيريدون بيعها فيعطي أحدهم شيئا على أن تكون عهدته عليه] من سماع ابن القاسم رواية سحنون من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سئل مالك عن القوم يشتركون في الصفقة من الرقيق، فيريدون بيعها، فيعطي أحدهم بعض أصحابه شيئا على أن تكون عهدته عليه. قال: هذا حرام لا يحل، ومن أخذ من ذلك، رده إلى أصحابه، وكانت التباعة على من كانت عليه. وهذه الحمالة بالجعل، وقال مالك: الحمالة بالجعل حرام، وإنما هي بمنزلة من باع من رجل سلعة، فقال رجل أجنبي للبائع: هل لك أن تعطيني دينارين؟ على أنه إن تبع السلعة تباعة لأحد، فأنا ضامن لتلك التباعة، فإن تمت، كان الذهب بالذهب متفاضلا، وإن لم تتم أخذ له باطلا، كأنه قال: أعطني خمسة في خمسين، أغرمها إن تبع السلعة تباعة. قال الإمام القاضي: قوله في هذه المسألة: على أن تكون عهدته عليه، معناه: على أن يكون عليه بما أعطاه ما للمشتري من العهدة عليه، ليرجع عليه إن استحقت السلعة من يديه، بما كان له

أن يرجع به عليه: ثلث الثمن، إن كان له ثلث السلعة أو ربعه إن كان له الربع منها أو أقل من ذلك أو أكثر. وقوله: وهذه الحمالة بالجعل، إذ ليس بحمالة على الحقيقة؛ لأن الحميل إذا أدى يرجع على المتحمل عنه بما أدى عنه. ووجه الشبهة بينهما، أنه جعل على الغرر فيهما جميعا الحميل أخذ الجعل على أنه إن طلب بالحمالة، فإذا رجع بما أدى فكان ذلك ربى وغررا، وملتزم العهدة عن غيره أخذ الجعل على أنه إن استحقت السلعة غرم، ولم يرجع بما غرم، فكان أيضا ربى وغررا، إلا أنه إن غرم كان الذهب بالذهب متفاضلا إلى أجل، وإن لم يغرم كان له الجعل باطلا، واشتراط البائع على المشتري أن تكون عهدته على رجل سماه، يقتضي الانبتات بينهما وأنه لا تباعة له عليه بحال. فهذا على ذلك محمول، حتى يتبين أن ذلك على سبيل الحمالة، هذا ظاهر هذه الرواية، خلاف ما حكى ابن حبيب عن أصبغ من اشترط العهدة على محمول سماه على الحمالة، حتى تبين أنه أراد الانبتات منه. والانبتات له عليه، فيكون البيع فاسدا لأنه ذمة بذمة. وعلى ظاهر هذه الرواية، لو اشترط البائع على المشتري أن عهدته تلي رجلا سماه برضاه دون جعل، جعله له لجاز، وإن شرط الانبتات منه ولم يكن ذلك ذمة بذمة، وهو أظهر، إذ لم ينتقل من ذمة إلى ذمة إذا كان ابتاعه إياه دون البائع مشترطا عليه في أصل البيع، وإنما كأن يكون ذمة بذمة، لو وقع البيع دون شرط ثم تحول بالعهدة على غيره، فإذا تحمل الرجل بجعل يأخذه من الطالب أو من المطلوب بعلم الطالب، سقطت الحمالة ورد الجعل. وأما إن تحمل بجعل يأخذه من المطلوب بغير علم الطالب، فالجعل ساقط، والحمالة لازمة. قاله مطرف وابن الماجشون، وابن وهب وأصبغ في الواضحة، وابن

مسألة: أحاله بحق له على رجل وتبين أنه لم يكن للغريم قبله ذلك المال

القاسم فيهما، وفي كتاب ابن المواز وكذلك إذا التزم العهدة عن البائع للمشتري، بجعل يأخذه من المشتري، أو من البائع، بعلم المشتري، فالجعل مردود والالتزام ساقط، فترجع العهدة على البائع. وأما إن كان الجعل من البائع بغير علم المشتري، فالجعل مردود، والالتزام لازم. فقوله في هذه الرواية: وما أخذه من ذلك رده إلى صاحبه، وكانت التباعة على من كانت عليه، معناه عندي: إذا علم المشتري بما عاقده البائع عليه، وأما إن لم يعلم بذلك، فمن حجته أن يقول: أنا لم أشتر إلا أن تكون تباعتي وعهدتي عليك، فلا أرضى أن تكون على البائع. وقوله في آخر المسألة: وإنما هو بمنزلة رجل باع من رجل سلعة إلى آخر قوله، تنتظر صحيح؛ لأن هذه المسألة التي ذكرها أشبه بمسألة التزام العهدة عن البائع على جعل، من مسألة الحمالة بالجعل؛ لأنه يرجع في الحمالة بما أدى، ولا يرجع في هاتين المسألتين بما يؤدي. وقد مضى في رسم سلم دينارا في ثوب إلى أجل، من كتاب السلم والآجال، تحصيل القول في المشتري يشترط العهدة فيما اشترى، على البائع الأول، وفي حكم التولية والشركة في ذلك، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: أحاله بحق له على رجل وتبين أنه لم يكن للغريم قبله ذلك المال] مسألة وقال مالك فيمن أحال رجلا بحق له على رجل، ثم تبين له أنه لم يكن للغريم قبله ذلك المال كله الذي أحاله به عليه قال: يكون ماله قبله حولا، وما بقي حمالة، يتبع بهما الغريم أيهما شاء. قال محمد بن رشد: جعل في هذه الرواية الحوالة على غير أصل دين كالحمالة، فقال: إن له أن يتبع أيهما شاء، على قول مالك الأول في أن

مسألة: أحال غريما على عبده أو مكاتبه فأفلس أو عجز

للذي له الدين في الحمالة أن يتبع أيهما شاء، وفي ظاهر ألفاظ المدونة في هذا اختلاف، مرة قال: إن ذلك كالحمالة، ولا سبيل له إلى المحال عليه، حتى يوجد للغريم مال، على قول مالك الثاني الذي اختاره ابن القاسم. ومرة قال: يبدأ بالذي أحيل عليه. فإن أفلس رجع على الذي أحاله، وذهب ابن الماجشون إلى أنه لا رجوع له عليه بحال، كالحوالة على أصل دين، وهو بعيد؛ لأنه إذا كان من حق المحال عليه أن يرجع على المحيل بما أدى عنه، فما الذي يمنع صاحب الحق أن يرجع عليه إذا فلس؟ فيتحصل في الحوالة على غير أصل دين أربعة أقوال؛ أحدها: إن له أن يأخذ أيهما شاء، وهو قول مالك في هذه الرواية، والثاني: إنه لا سبيل له إلى المحال عليه، إلا في عدم المحيل، وهو أحد قولي ابن القاسم في المدونة على ما اختاره من قول مالك في تفدية الغريم بالغرم على الحميل في الحمالة. والثالث عكس هذا القول؛ لأنه لا سبيل له إلى المحيل، إلا في عدم المحال عليه. وهو أحد القولين الظاهرين من المدونة ومن قول مالك وابن القاسم في المسألة التي بعد هذا. ووجهه، أنه جعل لفظ الحوالة كشرط التبدئة في الحمالة، والقول الرابع: إنه لا رجوع له على المحيل بحال، كالحوالة على أصل دين. وهو قول ابن الماجشون. وبالله التوفيق. [مسألة: أحال غريما على عبده أو مكاتبه فأفلس أو عجز] مسألة وقال مالك فيمن أحال غريما على عبده أو مكاتبه، فأفلس أو عجز، يرجع على السيد، فيقتضي منه حقه. قال ابن القاسم: وذلك إذا أحاله من غير دين يكون للسيد عليهما، فأما إن كان عليهما دين، والعبد مأذون له في التجارة، فليس له أن يرجع على سيدهما؛ لأن دين عليهما كأنه على أجنبي يحاص الغرماء بما

رهن رهنا وضعه على يدي رجل وأبى الذي وضع على يديه أن يتحمل بالحق

كان له عليهما، إذا أفلسا أو ماتا، وكذلك قال مالك في العبد المأذون له في التجارة: إن سيده يحاص بما كان عليه للغرماء، وإذا لم يكن له عليهما دين يجال به، فهما بمنزلة الحميلين. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم. وذلك إذا أحاله من غير دين يكون للسيد عليهما، مفسر لقول مالك، وفي قول مالك: فأفلس أو عجز إنه يرجع على السيد، فيقضي منه حقه دليل على أنه لا رجوع له عليه، إلا أن يفلس أو يعجز، وذلك خلاف قول ابن القاسم في آخر المسألة. وذلك إذا لم يكن له عليهما دين أحال به فهما بمنزلة الحميلين؛ لأنه إذا كان عنده بمنزلة الحميلين، فلا شيء للغريم المحال عليهما، إلا في عدم السيد المحيل له، على ما اختاره من قولي مالك، أو يكون له أن يأخذ من شاء منهما على قول مالك الأول، وما تقدم من قوله في المسألة التي قبل هذا. وقد مضى القول على ذلك، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [رهن رهنا وضعه على يدي رجل وأبى الذي وضع على يديه أن يتحمل بالحق] ومن كتاب أخذ يشرب خمرا قال: وسئل مالك عن رجل رهن رهنا وضعه على يدي رجل، وأبى الذي وضع على يديه أن يتحمل بالحق، إلا أنه كتب عليه في آخر الكتاب: وعلى فلان إذا طلب فلان ماله، فإن على فلان أن يأتيه به سالما من كل علقة أو تبعة، بنقص حقه من كل أحد من الناس، أتراها حمالة؟ قال: نعم هي حمالة. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الذي أباه أولا قد رجع إليه آخرا بما كتب عليه في آخر الكتاب، وأشهد به على نفسه، مما لا معنى له سوى الضمان. وقد مضى في أول سماع ابن القاسم من كتاب الرهون، القول في إذا

يشتري الجارية من الغريب فإذا كان بعد يوم أو يومين سأله المعرفة

قال: أنا ضامن لرهنك، ولما نقص من رهنك، ولرهنك ولما نقص من حقك. فتأمله، فإن فيه تمام هذه المسألة. وبالله التوفيق. [يشتري الجارية من الغريب فإذا كان بعد يوم أو يومين سأله المعرفة] ومن كتاب أوله مساجد القبائل وسئل مالك عن الرجل يشتري الجارية من الغريب، فإذا كان بعد يوم أو يومين، سأله المعرفة. قال مالك: ليس ذلك له، إلا أن يشترط ذلك عند بيعه. ثم قال: أرأيت أهل منى أيراد منهم معرفة؟ ليس ذلك عليهم. قال محمد بن رشد: معنى قوله: سأله المعرفة أي سأله أن يأتيه بمن يعرفه، مخافة أن يكون قد غصبه الجارية، أو يفتات على صاحبها في بيعها، أو تواطأ معها على بيعها وهي حرة، وما أشبه ذلك، فلم أنظر هذا الوجه. وذلك يلزمه أن يشترط ذلك عليه عند البيع. واستدل على ذلك بالعرف الجاري في أن أهل البادية يأتون بالإبل والغنم، فيبيعونها ولا يكلفون حميلا بمعرفتهم، إذ لا يجدون من أهل الحاضرة من يعرفهم. فقد دخل معهم المشتري على الجهل، وكذلك أهل منى وهم الحاج الذين يقدمون مكة؛ من جميع الآفاق، فلا يكلفون حميلا بمعرفتهم، إذ لا يجدون من أهل مكة من يعرفهم، إلا أن يشترط ذلك عند البيع، فإن اشترط ذلك على أحد منهم عند البيع، أعطاه حميلا بوجهه. قال ذلك ابن دحون، وفي ذلك من قوله نظر؛ لأن حمل الوجه لا يلزمه إلا إحضار الوجه، وقد يكون هذا الذي سرق الجارية أو غصبها، أو افتات على صاحبها في بيعها، أو تواطأ معها على بيعها، وهي حرة وما أشبه ذلك، فلا يكون له منفعة في إتيانه به معدما، وهو لما اشترط المعرفة فقد اشترط الثقة، فيلزمه عندي أن يعطيه حميلا بوجهه، إن لم يكن هو المعتدي فيها، وبالمال إن كان هو السارق لها والمتعدي فيها.. ولو قال له رجل عند البيع: اشتر منه فإنه ثقة، ولم يلزم له

كانت له دنانير على رجل قد حلت ولغريمه مثلها دنانير على رجل إلى شهر

ضمان، فوجد سارقا لها، لجرى ذلك على الاختلاف في الغرور بالقول، هل يضمن به أو لا؟. وبالله التوفيق. [كانت له دنانير على رجل قد حلت ولغريمه مثلها دنانير على رجل إلى شهر] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت وسئل مالك عن رجل كانت له دنانير على رجل قد حلت، ولغريمه مثلها دنانير، على رجل إلى شهر. قال مالك: إن كانت قد حلت فلا بأس به أن يتحول على غير غريمه إلى أجل، وإن كان حقه إلى أجل، فأراد أن يحيله على رجل بدين له عليه. حال. قال مالك: لا أحب ذلك، إلا أن يحتال بما قد حل من دينك فيما حل وفيما لم يحل، ولا يحتل بما لم يحل فيما قد حل وفيما لم يحل، قال ابن القاسم: وقال مالك: احتل بما قد حل من دينك، فيما حل وفيما لم يحل، ولا يحتل بما لم يحل فيما قد حل، وفيما لم يحل. قال ابن القاسم يريد دنانير من دنانير، وثيابا من ثياب تشبه صفته التي حل له، فأما إن كان من غير صفته بذلك الدين، فالدين لا يحل على حال من الحال. قال الإمام القاضي؟ قول ابن القاسم في هذه المسألة: يريد دنانير من دنانير أو ثيابا من ثياب.، تشبه صفته التي حل له، فأما إن كانت من غير صفته، فذلك الدين بالدين لا يحل على حال من الحال. تفسير لقول مالك لأن الحوالة بيع من البيوع، إلا أنها خصصت من عموم «نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "عن بيع الذهب بالذهب والورق بالورق إلا مثلا بمثل يدا بيد» ومن عموم

نهيه عن الدين بالدين بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ومن اتبع على ملي فليتبع» لما كانت على سبيل المعروف، وكما خصصت الشركة والتولية والإقالة في الطعام المكيل والموزون، من عموم نهيه عن بيع الطعام قبل أن يستوفى لما كان على سبيل المعروف، فإن دخل الحوالة وجه من وجوه المكايسة، رجعت إلى الأصل فلم تجز. والحوالة جائزة في جميع الديون إذا تساوت في الوزن والصفة، وحل الدين المحال به؛ لأنه إن لم يحل كان ذمة بذمة، ويدخله ما نهى عنه من الكالئ بالكالئ، إلا أن يكون الدين الذي ينتقل إليه حالا، ويقبض ذلك مكانه قبل أن يفترقا، مثل الصرف فيجوز ذلك، وسواء كانت الديون من بيع أو قرض أو تعد، إلا أن يكونا جميعا طعاما من سلم، فلا تجوز الحوالة بأحدها على الآخر، حلت الآجال أو لم تحل، أو حل أحدهما ولم يحل الآخر؛ لأنه يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى استوت رؤوس أموالهما أو لم تستو، خلافا لأشهب في قوله: إذا استوت رؤوس أموالهما، جازت الحوالة وكانت تولية، فإن كان أحدهما من قرض والآخر من سلم، لم تجز حوالة أحدهما في الآخر، حتى يحلا جميعا عند ابن القاسم. وأجاز ذلك من سواه من أصحاب مالك، إذا حل المحال به، بمنزلة إذا كانا جميعا من سلف، وينزل المحال في الدين الذي أحيل به، منزلة من أحاله، ومنزلته في الدين الذي أحيل به، فيما يريد أن يأخذ به منه أو يبيعه به من غيره. وقد شرحنا هذا في كتاب المقدمات. وبالله التوفيق.

مسألة: كان له على غلام لرجل دين وكان قد تحمل به سيده فباعه

[مسألة: كان له على غلام لرجل دين وكان قد تحمل به سيده فباعه] مسألة وسئل مالك عن رجل كان له على غلام لرجل دين، وكان قد تحمل به سيده، فباعه، وانتزع ماله، فقال غريمه لسيده: اقض حقي قد بعت الغلام، قال: ليس ذلك له حتى يبلغ الأجل، وليس له أن يعطيه قبل الأجل. قال محمد بن رشد: رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: القياس، لا يجوز له نزع ماله؛ لأنه للغرماء ولهم مقال، يقولون: نخاف أن تفلس أنت، وإنما يجوز أن يبيعه بماله ويتبع الغرماء ذمته وماله، كأن بائعه يشترط أن عليه دينا فيما في يديه، فإذا حل الأجل قبض الغرماء دينهم مما في يد العبد، فإن بقي لهم شيء، رجعوا به على بائعه؛ لأنه تحمل به، فإن كان عديما اتبعوا بذلك من شاءوا: العبد أو السيد. وقول ابن دحون صحيح، ولو لم يتحمل به سيده، لم يكن له أن ينتزع ماله إن كان العبد مأذونا له في التجارة؛ لأن من استدان المأذون به في التجارة من دين، يكون فيما كان بيده من المال، قبل أن يأذن له في التجارة. وفيما بقي في يديه بعد خراجه، فليس له أن ينتزع ذلك منه ويبطل الدين، إذ ليس له أن يسقطه عن ذمته. وأما إن كان غير مأذون له في التجارة، فلسيده أن ينتزع ماله؛ لأن ما استدان العبد المحجور عليه من دين بغير إذن سيده، فله أن يسقط ذلك من ذمته، وإذا كان له أن يسقط من ذمته، فأحرى أن يكون له انتزاع ماله. وقول ابن القاسم في المدونة: إن ما لزم ذمة العبد، لا يكون فيما بقي في يديه بعد خراجه، وإنما يكون فيما وهب له أو تصدق به عليه، أو أوصي له به فقبله، معناه: في العبد الذي لم يؤذن له في التجارة، وفيما لزم ذمته مما ليس لسيده أن يسقطه عنه؛ لأن ما لسيده أن يسقط عنه عن ذمته، لا يؤخذ مما وهب له، أو تصدق به عليه، إلا بإذنه، فإن لم يسقط ذلك عن ذمته حتى يعتق، أتبع به دينا بعد العتق. والمأذون له في التجارة، ويكون ما لزم ذمته فيما بقي في

يبيع من الرجلين السلعة ويكتب عليهما أن عليهما حقه ثم سافر أحدهما ومات الآخر

يديه من عمله بعد خراجه إن كان سيده استعمله بخراج معلوم يؤده إليه. فقف على الفرق في هذا بين المأذون له في التجارة وغير المأذون له فيها، وعلى الفرق في غير المأذون له في التجارة بين أن يكون ما لزم ذمته مما للسيد أن يسقط ذلك عنها، أو مما ليس له أن يسقط ذلك عنها. وسيأتي في رسم إن خرجت من سماع عيسى مسألة من معنى هذه. سنتكلم عليها إذا وصلنا إليها إن شاء الله وبه التوفيق. [يبيع من الرجلين السلعة ويكتب عليهما أن عليهما حقه ثم سافر أحدهما ومات الآخر] ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما مال وقال مالك في الرجل يبيع من الرجلين السلعة، ويكتب عليهما أن عليهما حقه، أيهما شاء، أخذ بحقه حيهما عن ميتهما، ثم سافر أحدهما ومات الآخر، قال مالك: أرى أن يأخذ صاحب الدين من مال الميت حقه كله، ويتبع الورثة الآخر بما عليه. قال مالك: ولو أن الميت لم يكن له مال، فأراد صاحب الحق أن يأخذ من الباقي حصته الذي مات، لم يكن له حتى يحل حقه، إنما هو حميل، وليس لورثة الميت أن يأخذوا منه شيئا حتى يحل أجله. قال ابن القاسم: وذلك رأيي. قال محمد بن رشد: قوله: يبيع من الرجلين السلعة، معناه: إلى أجل، على ما ظهر من جوابه في المسألة. وقوله: إذا مات أحدهما أن صاحب الدين يأخذ من مال الميت حقه كله، صحيح؛ لأن النصف عليه في خاصته، فيحل عليه بموته باتفاق، والنصف هو به حميل، فيحل عليه بموته على ما في المدونة. وفي ذلك اختلاف، روى ابن وهب عن مالك، أنه يوقف حق الطالب من مال الميت، فإذا حل الأجل قبضه إن لم يأت الغائب، فإن أتى رد نصف ما أوقف على الورثة،

كانت له عند رجل مائة درهم فسأله أن ينظره ويتحمل له بها حميل

وودى الغائب النصف، وذلك إذا رضي الطالب بذلك. هذا نص رواية ابن وهب عن مالك في هذه المسألة، وفي قوله فيها: يوقف حق الطالب من مال الميت نظر؛ لأن الذي يوجبه النظر ويقتضيه القياس، أن يأخذ نصف حقه معجلا، وهو الذي يجب له على الميت في خاصة نفسه، ويوقف النصف الثاني، وهو الذي يجب عليه بالضمان، حتى يحل الأجل، فإذا حل قبضه إن لم يأت الغائب، فإن أتى رد ما وقف على الورثة، وودى ذلك الغائب وقوله. وذلك إذا رضي بذلك الطالب صحيح، إذ من حقه أن يأخذ ما وقف له، إذا حل الأجل، وإن أتى الغائب وكان مليا، لشرطه أن يأخذ أيهما شاء بحقه. وقوله في الرواية: ولو أن الميت لم يكن له مال، فأراد صاحب الحق أن يأخذ من الباقي حصة الذي مات، لم يكن ذلك له، حتى يحل حقه، هو نص ما في المدونة من أن الكفيل، لا يحق عليه الحق بموت المتكفل به المطلوب، ولا اختلاف في هذا أحفظه، وإنما الاختلاف هل يحل على الرجل بموته ما عليه من الكفالة الموجبة؟ حسبما ذكرناه وقوله في آخر المسألة: وليس لورثة الميت أن يأخذوا منه شيئا حتى يحل أجله، راجع إلى قوله في المسألة الأولى: ويتبع الورثة الآخر بما عليه، فلو اتصل به لاستقام الكلام، وارتفع الإشكال. وبالله تعالى التوفيق. [كانت له عند رجل مائة درهم فسأله أن ينظره ويتحمل له بها حميل] من سماع أشهب وابن نافع رواية سحنون من كتاب أوله بيع ثم كراء قال سحنون: سمعت أشهب وابن نافع يقولان: سئل مالك عمن كانت له عند رجل مائة درهم، فسأله أن ينظره ويتحمل له بها حميل. قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: معناه: إذا كان مليا والوجه في جواز ذلك أنه لو شاء أخذ حقه منه معجلا، فإذا أخذه على أن يتحمل له به حميل، أو يعطيه

مسألة: قال الحميل أنا أتحمل لك وتضع عشرة دراهم

به رهنا، فذلك بمنزلة أن لو أسلفه إياه ابتداء، على أن يأخذ منه به حميلا أو يرهنه به رهنا، ولو كان معسرا، إن قام عليه، لم يجد عنده إلا بعض حقه، لما جاز أن يؤخره بالجميع، على أن يعطيه به حميلا أو رهنا؛ لأنه يصير سلفا جر منفعة، إذ لو لم يؤخره وقام عليه بحقه، لوجب أن يؤخره ببعضه؛ لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فيصير إنما أخره بما كان يجد عنده من حقه، لو قام عليه على أن يعطيه رهنا أو حميلا بالباقي، وذلك لا يجب عليه، وقد وقع في رسم البيوع من سماع أشهب، من كتاب المديان والتفليس، مسألة قال فيها بعض الشيوخ: إنها معارضة لهذه، وليست بمعارضة لها؛ لأن المعنى فيهما مختلف. وقد بينا ذلك هنالك، وبالله التوفيق. [مسألة: قال الحميل أنا أتحمل لك وتضع عشرة دراهم] مسألة قلت: أرأيت لو قال الحميل أنا أتحمل لك، وتضع عشرة دراهم؟ قال: لا يصلح ذلك، بمنزلة أن لو قال: أعطني عشرة دراهم من دينك وأنا أتحمل لك، قال: لا يصلح، وذلك ذمة بذمة. قال محمد بن رشد: الجواب في هذه المسألة صحيح والتعليل فاسد، إذ ليس ذلك ذمة بذمة، إنما هو غرر وجعل على سلف، قد يكون ولا يكون، إذ لا فرق بين أن يتحمل الحميل على عشرة يشترطها لنفسه أو لغيره؛ لأنه إذا فعل ذلك، كان قد أخذ العشرة لنفسه، أو لمن يشترطها له، على أن يؤدي عن المطلوب الحق، إن طلب به على وجه السلف عنه، ثم يرجع به عليه، وذلك ما لا يجوز باتفاق. وقد مضى في أول مسألة من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب،

له عليه ذكر حق فسأله بيعا فأبى إلا بحميل فجاءه بحميل ثم مات الغريم

الحكم في ذلك إذا وقع فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [له عليه ذكر حق فسأله بيعا فأبى إلا بحميل فجاءه بحميل ثم مات الغريم] ومن كتاب الأقضية قال: وسئل فقال له: كان لي على رجل ذكر حق فسألني بيعا فأبيت إلا بحميل، فجاءني بحميل، فكتبت حمالته، وكتبت عليهما ذكر حق، أيهما شئت أن آخذ بحقي أخذته، ثم مات الغريم، فبعت كل شيء هو له، حتى استوفيت ثلثي مالي عليه، ثم سألني ورثته أن أحلله ففعلت، ثم ذهبت أن أتقاضى الحميل، ما كان يحمل لي به، فقال: ليس لك علي شيء قد.... حتى حللت الذي تحملت لك به، فقال مالك: أرى أن يكون ما قد وصل إليك من المالين جميعا، يعني بالحصص، وتحلف بالله ما وضعت إلا للميت، ثم تكون على حقك. محمد بن أحمد: هذه مسألة حايلة إذ لا يصح أن يسقط الدين عن المحمول عنه، ويبقى على الحميل؛ لأن الحميل إنما يؤدي عن المحمول عنه ما يجب عليه ويتبعه به، فإذا أسقط الدين عنه، سقط عن الحميل، وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: إنه إنما ألزمه اليمين، من أجل الدين الذي كان له بغير حمالة، فيحلف أنه ما حلله إلا من دينه الذي كان بغير حمالة، قال: ولو كان الدين كله بحمالة، فأخذ بعضه، وحلل الميت من الباقي، لم يكن له تبع على الحميل، إذ لا حجة له ها هنا، أن

مسألة: كان له ذكر حق على رجل إلى أجل فأخذ منه به حميل

يقول: إنما حللته من ديني الذي كان بغير حمالة، وهو تأويل تصح عليه المسألة، فينبغي أن تحمل عليه، وإن كان بعيدا من ظاهر لفظها، إذ يقتضي أنه حلل الميت من جميع ما بقي له من دينه، ما كان منه بحمالة، فالظاهر من قول مالك: إنه حلفه أنه لم يرد إلا تحليل الميت لا تحليل الحميل، لا على أنه أراد تحليل الميت من بعض الورثة دون بعض وبالله التوفيق. [مسألة: كان له ذكر حق على رجل إلى أجل فأخذ منه به حميل] مسألة وسئل عمن كان له ذكر حق على رجل إلى أجل، فأخذ منه به حميلا، فلما حل الأجل، أخر غريمه بحقه عليه سنة مستقبلة فقال الحميل لصاحب الحق: قد انفسخت حمالتي، أخرته عن الأجل الذي تحملت لك إليه، أيفسخ ذلك الحمالة؟ فقال: لا والله الحمالة عليه كما هي، من تحمل له، لم يقدر أن ينظر غريمه، قيل له: يقول له الحميل: أنت أهلكت حقك، وأنظرته سنة حتى أفلس، وذهب ما في يديه، فقال: من تحمل له لم يستطع أن ينظر غريمه عليه الحمالة لو شاء هو قام عليه. قال محمد بن رشد: هذه المسألة أصلها في المدونة ووقعت ها هنا. وفي رسم أوله عبد ابتاعه من سماع يحيى بعد هذا، وفي ظواهر ألفاظها في المواضع المذكورة اختلاف. وتحصيل القول فيها: إن المطلوب إذا أخره الطالب، فلا يخلو من أن يكون مليا أو معدما، فإن كان معدما، لم يكن للكفيل في ذلك كلام، ولزمته الحمالة قولا واحدا، وهو نص قول غير ابن القاسم في المدونة. وإن كان مليا فلا يخلو الأمر من ثلاثة أوجه: أحدها أن يعلم بذلك فينكر، والثاني أن يعلم بذلك فيسكت، والثالث ألا يعلم بذلك حتى يحل الأجل الذي أنظره إليه، فأما

باع سلعة بعشرين دينارا وأعطاه بها كفيلا وكتب أيهما شاء أخذ بحقه

إن علم بذلك فأنكر، فلا تلزمه الكفالة. ويقال للطالب: إن أحببت أن تمضي التأخير على ألا كفالة لك على الكفيل، وإلا فاحلف أنك ما أخرته إلا أن يبقى الكفيل على كفالته، فإن حلف لم يلزمه التأخير، وإن نكل عن اليمين لزمه التأخير، والكفالة ساقطة على كل حال. هذا مذهب ابن القاسم في المدونة. وإن كان سكت فيها عن اليمين. وقد قيل: إن الحمالة ساقطة بكل حال، وهو قول الغير في المدونة. وقيل: إنها لازمة بكل حال. ففي هذا الموضع على ما بيناه ثلاثة أقوال. وأما إذا علم بذلك حتى حل الأجل، فسكت، فالحمالة لازمة له. قاله في المدونة. وهو ظاهر قوله في هذه الرواية، وفي سماع يحيى بعد هذا. ويدخل في هذا الاختلاف المعلوم في السكوت، هل هو كالإقرار أم لا؟ وأما إن لم يعلم بذلك حتى حل الأجل، فيحلف صاحب الحق ما أخره ليبرأ الحميل من حمالته، وتلزمه الحمالة، فإن نكل عن اليمين سقطت الحمالة. وهذا كله في التأخير الكثير، وأما التأخير اليسير، فلا حجة فيه للكفيل، وأما تأخير الكفيل فإنه تأخير عن الذي عليه الأصل، إلا أن يحلف أنه لم يرد تأخير الذي عليه الأصل، فإن نكل عن اليمين لزمه التأخير. هذا كله في المدونة وبالله التوفيق. اللهم لطفك. [باع سلعة بعشرين دينارا وأعطاه بها كفيلا وكتب أيهما شاء أخذ بحقه] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: سألت ابن القاسم عن رجل باع سلعة بعشرين دينارا، وأعطاه بها كفيلا، وكتب أيهما شاء أخذ بحقه، ثم إن صاحب الحق أمر الكفيل بقبض الكفيل ذلك الحق، فقبضه ثم زعم أنه ضاع، قال: إن كان شرط أيهما شاء أخذ بحقه أخذه، فهو والبيع سواء، فإن كان ذلك منه على وجه الوكالة، يقول: اشهدوا أني قد وكلته بما عليه يأخذه، فهو في الحمالة يبرأ وفي البيع يبرأ من

نصف الحق؛ لأن المبتاع يقول: لا أدفع إليك ما يصيبني لأني أخاف أن تأكله وتفسده، فأتبع به، فإذا دفع إليه على وجه الوكالة من صاحب الحق فقد برئ، وإن كان قال على غير وكالة: خذ لي حقي على وجه التقاضي، لم يقل على وجه الوكالة، فهما ضامنان جميعا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة مشكلة، لإجمالها ونقصان بعض وجوهها، فلا بد من بيان ما أجمله فيها، وإتمام ما نقصه منها. فقوله فيها: إن كان اشترط أيهما شاء أخذ بحقه أخذه، فهو والبيع سواء. معناه: أن الشرط في ذلك عامل، يكون له أن يأخذ بها الغريم المبتاع، فيستويان في وجوب الغرم على كل من طلب منهما، وإن افترقا في حكم الرجوع؛ لأن الكفيل يرجع بما أدى؛ لأنه أدى عن غيره، والمتابع لا يرجع بشيء لأنه أدى عن نفسه، وإعمال الشرط هو المشهور المعلوم من مذهب ابن القاسم، وقد روي عنه أنه لا يجوز إلا في القبيح المطالبة. أو ذي السلطان وقد تؤول عليه أنه إنما أعمل الشرط على عمومه من غير استثناء، إذا كانت الحمالة في أصل البيع، وبالاستثناء إذا كانت الحمالة بعد عقد البيع والأظهر أن ذلك اختلاف من قوله، وابن كنانة وابن الماجشون وأشهب لا يعملون الشروط بحال. فيتحصل في المسألة أربعة أقوال: إعمال الشرط، وإبطاله، والفرق بين أن تكون الحمالة في أصل البيع وبعده، والفرق بين أن يكون الغريم ممن يتعذر الاقتضاء منه أو لا يتعذر، فإن كان ذلك منه على وجه الكفالة فهو في الحمالة يبرأ، يريد: يبرأ من الجميع، وهو صحيح؛ لأنه وكيل للطالب، فهو مصدق على ما يدعي من التلف مع يمينه إن اتهم كالمودع، وإذا صدق فيما يدعي من التلف، كانت المصيبة من الطالب، فيبرأ المطلوب وسقطت الكفالة. وهذا إذا كانت له بينة على معاينة الدفع، فلا يبرأ بتصديق القابض إذا ادعى التلف. ولا اختلاف في هذا إلا أن يدخل فيه الاختلاف بالمعنى من مسألة

اللؤلؤ من كتاب الوكالة من المدونة، وإنما اختلف إذا عدم الدفع هل له أن يرجع على القابض أم لا؟ فقال مطرف.: يرجع عليه لأنه فرط في دفع ذلك إلى الذي وكله حتى تلف. وقال ابن الماجشون: لا يرجع عليه حتى يتبين منه تفريط، وهذا إذا قامت على الوكالة بينة، وأقر بها الموكل. وأما إن ادعاها الوكيل، فقيل: القول قوله، وقيل القول قول الوكيل. وقوله في البيع: يبرأ من نصف الحق؛ لأن المبتاع يقول: لا أدفع إليه ما يصيبني، لأني أخاف أن يأكله أو يفسده، فاتبع به، فإذا دفعه إليه على وجه الوكالة من صاحب الحق، فقد برئ، إشارة منه إلى مسألة لم يتقدم لها ذكر، وهو أن يبيع الرجل السلعة من رجلين، على أن واحدا منهما حميل بما على صاحبه، وله أن يأخذ من شاء منهما بجميع حقه، ولذلك قال: إنه إذا قبض لعدمها الحق كله من صاحبه وعلى سبيل الوكالة من الطالب البائع، يبرأ الدافع إليه من نصف الحق، وهو ما ينوبه منه في خاصته من أصل الدين؛ لأنه دفع إلى وكيل الطالب فيبرأ بدفعه إليه، وإن ادعى تلفه إذا كانت له بينة على معاينة دفعه إليه، على ما بيناه. يريد: ويرجع عليه بالنصف الثاني؛ لأنه أداه عنه بالحمالة إلى الطالب إذا دفعه إليه. وهو وكيل: فصدق فيما ادعاه من تلفه، وكانت مصيبته من الموكل الطالب. وقوله: وإن كان قال على غير وكالة، أخذ لي حقي على وجه الوكالة، فهما ضامنان جميعا، معناه: يضمن كل واحد منهما لصاحبه، فيرجع الطالب على الدافع، ويرجع الدافع على القابض، وإن أراد الطالب أن يرجع على القابض، وترك الدافع كان ذلك له. وإن أراد أن يأخذ من كل واحد منهما ما له عليه، وهو نصف الحق، كان ذلك له؛ لأن كل واحد منهما حميل بصاحبه، وله أن يأخذ من شاء منهما بجميع حقه، فإن رجع على القابض لم يكن أن يرجع على أحد، وإن رجع عليهما جميعا رجع الدافع على القابض بما رجع به عليه، وإن كان قبض أحدهما على وجه الرسالة من الدافع، والمصيبة منه بعد يمين القابض على ما ادعاه من التلف، ويبقى الحق عليهما على ما كان قبل.

مسألة: ضمن عليه طعاما فأتى الحميل إلى الغريم فقال له قد لزمت بما ضمنت

فقف على افتراق هذه الوجوه الثلاثة وهي: أن يقبض أحدهما الحق كله على وجه الوكالة من الطالب، أو على وجه الرسالة من الدافع أو على وجه الضمان. وبالله التوفيق. [مسألة: ضمن عليه طعاما فأتى الحميل إلى الغريم فقال له قد لزمت بما ضمنت] مسألة وعمن ضمن على رجل طعاما فيلزمه به، فأتى الحميل إلى الغريم، فقال له: قد لزمت بما ضمنت عنك، فأعطى دنانير، وقال: ابتع لي بها طعاما، واقضه ووكله، فقال: عندي طعام، أنا أبيعكه، آخذ لك من غلامي وهو يبيع في الساحل، فبعث إلى غلامه فكيل له. قال ابن القاسم: لا يحل حتى يستوفيه الضمين؛ لأنه الموكل، ويصير في ضمان الغريم، ثم يوفيه إياه. وأحب إلي أن لو وكل الغريم غيره يستوفيه منه، ولعل هذا بحوز، وما بحوز إلا رصها. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة، أن الطعام الذي ضمن من بيع لا من قرض؛ لأن الطعام القرض، لا يجوز أن يقضي مما ابتيع قبل أن يستوفي وأن الطعام للعبد لا لسيده الضمين، فهو مبتاعه منه للذي تحمل عنه، يدل على ذلك قوله: آخذ ذلك من غلامي؛ لأن المعنى في ذلك، أشتريه لك منه، فلا فرق على أصل مذهب مالك في أن العبد يملك بين أن يشترى له الطعام من عبد، أو من أجنبي، فلا يحل كما قال، أن يقضيه حتى يستوفيه من غلامه بالكيل، فيصير في ضمان الغريم؛ لأنه وكيل له على ابتياعه له، وقضائه عنه. فيده في ذلك كيده. وقوله في أول

مسألة: تحمل عن رجل بحمالة فقال المتحمل تحملت لك بألف درهم

المسألة: عندي طعام أنا أبيعكه، بحوز في الكلام نسب طعام عبده إلى نفسه، لعلمه أنه لا يخالفه في ابتياعه منه. وأنه يملك انتزاعه منه إن شاء. واستحب أن يوكل الغريم غيره، مراعاة لقول من يقول: إن العبد لا يملك، وأن الطعام للسيد، فكأن الغريم اشتراه منه، فلا يجوز أن يقضيه حتى يستوفيه منه بالكيل، ولو كان الطعام للضامن على ما وقع في سماع أبي زيد، فاشتراه منه المضمون بدنانير فدفعها إليه، لما حل للضامن أن يقضيه عنه، حتى يكتاله له، فيصير في ضمانه. قال: ذلك له في سماع أبي زيد، وضعفه. ومعناه: بعد أن يوكله بعد اكتياله له من نفسه، واختار أن يوكل غيره، وفي جواز قضائه عنه بعد كيله له بتوكيله إياه على ذلك، اختلاف، أجاز ذلك في السلم الثاني في المسألة التي قال فيها: كله لي في غرائرك، أو في ناحية بيتك، ومنع من ذلك في كتاب السلم الثالث، فقال: لا يجوز أن يوكل الذي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقبضه. قال بعض شيوخ القرويين: وإنما يجوز أن بيعه بقبضه على القول بجواز ذلك إذا قامت بينة على اكتياله، ولا يصدق في ذلك إن كان الضمان يرتفع عنه إذا هلك في الوجهين جميعا. وليس قوله عندي بصحيح، بل الخلاف القائم من المدونة في ارتفاع الضمان عنه بقوله: قد كلته وإن لم تقم على ذلك بينة تدخل في جواز بيعه بذلك وبالله التوفيق. [مسألة: تحمل عن رجل بحمالة فقال المتحمل تحملت لك بألف درهم] مسألة وقال في رجل تحمل عن رجل بحمالة، فقال المتحمل: تحملت لك بألف درهم، وقال صاحب الحق: لا بل بخمسمائة دينار. وصدق الغريم الذي عليه الحق صاحب الحق، قال ابن القاسم: يحلف الحميل أنه ما تحمل له إلا بألف درهم، فإذا حلف أخذ من الحميل الألف الدرهم التي أقر بها، فباع بدنانير، فإن بيعت بثلاثمائة دينار، اتبع صاحب الحق الذي عليه الحق بمائتين بقية الخمسمائة دينار، ويرجع الحميل على الغريم بثلاثمائة دينار

مسألة: تحمل له رجل بحمالة وقال تحملت لك بألف إردب قمح

ثمن دراهمه التي بيعت، فيشتري له بها دراهم، فإن بلغت الألف درهم فبسبيل ذلك، وإن زادت فالزيادة للغريم الذي عليه الحق، فإن نقصت حلف الذي عليه الحق للحميل، أنه ما تحمل عنه إلا بخمسمائة، فإن نكل حلف هذا الحميل وأخذ. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، والذي يوجبه القياس فيها والنظر، أن يحلفا جميعا، يحلف الحميل ما تحمل إلا بألف درهم، ويحلف صاحب الحق أنه تحمل عنه بخمسمائة دينار، فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا عن اليمين، كان الجواب فيها على ما ذكر. إلا فيما قال في آخر المسألة: إن الذهب التي ابتيعت بالدراهم، إن نقصت عن الألف درهم، فنكل الذي عليه الحق عن اليمين، أنها تحمل عنه إلا بخمسمائة دينار، يحلف الحميل، ويأخذ، لا يحتاج إليه إذا حلفا جميعا؛ لأنه قد حلف مرة، فلا يلزمه أن يحلف ثانية، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف منهما، إن صدقه الذي عليه الحق، وأما إن كذبه، فيحلف على ما أقر به، ويشتري به للحميل ما أدى، فإن كان في ذلك زيادة، رجعت الزيادة إليه، وإن كان فيه نقصان لم يلزمه أكثر من ذلك؛ لأن الدراهم إذا أخذت من الحميل، إنما تباع على ملكه، ومصيبتها منه إن تلف والأجر إن احتيج في تصديقها إلى أجر عليه، فلا يصلح أن يفعل هذا كله، إذا حلف أنه لم يتحمل عنه إلا بألف درهم، حتى يحلف صاحب الحق أنه ما تحمل عنه بخمسمائة دينار. [مسألة: تحمل له رجل بحمالة وقال تحملت لك بألف إردب قمح] مسألة وقال في رجل تحمل له رجل بحمالة وقال: تحملت لك

بألف إردب قمح، وقال صاحب الحق: لا بل الخمسمائة دينار. وقال الغريم الذي عليه الحق: إنما تحمل عني بألف درهم، قال ابن القاسم: يأخذ من الغريم ألف درهم، فيجعلها قضاء عن الحميل، فينظر كم ثمنها قمحا؟ وكم تبلغ من القمح؟ فإن بلغت مائة إردب، أخذ من الحميل تسعمائة إردب، تمام الألف إردب التي أقر بها، ثم يباع ذلك كله بدنانير فيوفي صاحب الحق الخمسمائة، قال: فإن نقص عن الخمسمائة دينار، لم يكن له على الحميل أكثر منها، وإن زادت على خمسمائة إردب ردت إلى الحميل. قال محمد بن رشد: قوله: وإن نقصت عن خمسمائة، لم يكن له على الحميل أكثر منها، يريد: ولم يكن له ولا للحميل رجوع على الغريم المطلوب بشيء؛ لأنه إنما أقر بألف درهم، وقد غرمها، فهي مصيبة دخلت عليه، وسكت في هذه المسألة عن ذكر الأيمان ولا بد منها؛ لأن من نقص منهم من حقه شيء، فله أن يحلف على من يدعي عليه، فوجه الحكم فيها أن يحلفوا كلهم، وحينئذ يكون ما قال، يحلف الغريم المطلوب الذي عليه الحق، أنه ليس عليه إلا ألف درهم، ويحلف الحميل أنه لم يتحمل إلا بألف إردب قمحا، ويحلف الطالب صاحب الحق أنه لم يتحمل له إلا بخمسمائة دينار، فإن حلفوا أو نكلوا، كان الحكم في ذلك على ما قاله في الرواية، وإن نكل الذي عليه الحق، وحلف الطالب والحميل، لزمه ما حلف عليه الطالب، وكان الحكم بين الطالب وبين الحميل على ما ذكره في الرواية، وإن نكل الطالب لم يكن له على المطلوب الغريم، إلا ما حلف عليه ولا على الغريم الحميل، إلا ما حلف عليه، وإن نكل الحميل لزمه ما حلف عليه الطالب، ولم يكن له أن يرجع على الذي عليه الحق، إلا بما حلف عليه. وبالله التوفيق. اللهم لطفك.

يعطي الرجل دينارا في دينارين إلى شهر ويتحمل له رجل بالدينارين

[يعطي الرجل دينارا في دينارين إلى شهر ويتحمل له رجل بالدينارين] ومن كتاب العرية وسئل ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل دينارا في دينارين إلى شهر، ويتحمل له رجل بالدينارين، هل على الحميل شيء؟ قال: إن كان علم بمحلهما وحضره فعليه الدينار الذي أعطاه وإن كان لم يعلم، وإنما جاءه وقال: تحمل عني لهذا بدينارين إلى شهر، ولا يعلم عملهما، ثم علم، فلا شيء عليه؛ لأنه يقول: لو علمت لم أتحمل لك ولم أدخل في الحرام، قيل له: فإن كان أعطاه دينارا في دراهم إلى شهر، وتحمل له رجل بالدراهم، قال: هو مثله أيضا إن لم يعلم فلا شيء عليه، وإن كان علم، قيل له: أخرج الدراهم التي تحملت له بها، فاتبع له بها ديناره، واتبع أنت صاحبك بالدراهم، قيل له: فإن كانت الدراهم أكثر من ثمن الدينار، أو لا تبلغ ثمن الدينار، قال: أما إن كانت أكثر اشترى دينارا بما كان أقل من ثمن الدينار، اتبع له بها ما بلغت من أجزاء الدينار، واتبع هو صاحبه بما بقي له من ديناره، ويتبعه الحميل بالدراهم، قيل له: فلو أن رجلا كان له على رجل دينار، فحوله في زيت إلى شهر، وتحمل له رجل بذلك الزيت إلى شهر قال: هو مثله أيضا إن كان لم يعلم، فلا شيء عليه، وإن كان علم، خرج الزيت فيبيع له منه بدينار فقضاه ديناره واتبع هو صاحبه بالزيت. قال: وإن ناسا ليقولون، وهم أهل العراق، ينتقض ويسقط عن

الحميل على كل حال، ولكن الذي يستحسن وآخذ به أن يكون عليه غرم الدينار، إذا علم؛ لأنه كأنه دخل في استهلاك شيء، فنحن نسقط عنه الحرام، ويغرم الذي دفع عنه صاحبه فقط. قال الإمام القاضي: ظاهر قول ابن القاسم في رسم باع شاة بعد هذا: وكل حمالة كان أصل شرائها حراما، فليس على المتحمل مما تحمل شيء، مثل قول أهل العراق: إن الحمالة تبطل على كل حال، إذا كان أصل الشراء فاسدا ومثله في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك وهو قول ابن عبد الحكم: إن الحمالة ساقطة، علم الحميل بفساد البيع أو لم يعلم، ومثله في كتاب ابن المواز. قال: وكل حوالة وقعت على أمر حرام بين المتبايعين، في أول أمرهما أو بعد، فهي ساقطة، ولا يلزم الحميل بها شيء، علم المتبايعان بحرام ذلك أو جهلاه، علم العميل بذلك أو جهله، قال محمود: إن حرامه للبائع فيه عقد وسبب، وهو قول أشهب: إن الحمالة بالحرام، وبالأمر الفاسد باطل، بخلاف الرهن؛ لأن الرهن يجعل رهنا بالأقل، ووجه هذا القول، أن الذي تحمل به الحميل، وهو الثمن، لما سقطت عن المتحمل عنه، لفساد البيع، سقط عن الحميل. وفي المسألة قول ثالث: إن الحمالة لازم على كل حال، علم الحميل بفساد البيع أو لم يعلم. وهو قول ابن القاسم في آخر هذا الرسم، وقول غير ابن القاسم في المدونة، وقول سحنون في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب. ووجه هذا القول، أن الكفيل هو الذي أدخل المتحمل له، في دفع ماله للثقة به، فعليه الأقل من قيمة السلعة أو الثمن، للذي تحمل به. وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا كانت الكفالة في

مسألة: لزم رجلا بدنانير له عليه فقضاه رجل عنه فيها دراهم

أصل البيع الفاسد، وإن كانت بعد عقد البيع الفاسد، فهي ساقطة قولا واحدا. هذا تحصيل الحكم في الكفالة في اللزوم، إذا وقع الفساد بين المتبايعين، وأما إذا وقع بين الكفيل وبينهما، أو بينه وبين الطالب منهما، أو بينه وبين المطلوب فيهما بعلم الطالب، فالكفالة ساقطة، فإن وقع الفساد بين الكفيل والمطلوب، بغير علم الطالب لزمت الحمالة، وقد مضى هذا المعنى في أول مسألة من الكتاب في الحمالة بالجعل. وبالله التوفيق. [مسألة: لزم رجلا بدنانير له عليه فقضاه رجل عنه فيها دراهم] مسألة وعن رجل لزم رجلا بدنانير له عليه، فقضاه رجل عنه فيها دراهم، فما ترى على الغريم أن يقضي من قضى عنه الدنانير التي كانت له عليه والدراهم التي قضاها عنه؟ قال ابن القاسم: لا يجعل هذا أن يقضي رجل عن رجل دراهم، ويأخذ منه دنانير، وإن كان قال: اقضه دنانير فأعطاه فيها دراهم، فله دنانير، وإن كان صالح صاحب الحق بدنانير يدفعها عنه، فإنما يرجع أيضا عليه بدنانير، وعن رجل لزم رجلا فصالح من قمح، فقضى رجلا عنه ثمرا قال: هذا مثل الأول، فإن كان إنما أحاله على رجل بقمح يعطيه إياه، فأعطاه فيه ثمرا صالحه عليه، فليس له أن يرجع عليه إلا بثمر، وذلك إذا كان له من سلف، فإن كان من بيع باعه أو ابتاعه، فإن ذلك لا يحل، يأخذ فيه ثمرا إن كان من بيع أو ابتياع، فإن كان القمح سلفا فصالحه على ثمر يسلفه من إنسان، وأمره أن يدفعه إليه، فإنما له ثمرا.

قال محمد بن رشد: سؤاله في أول هذه المسائل عمن قضى عن رجل بغير أمره دراهم عن دنانير لغريمه، هل يقضي من قضى عنه الدنانير التي كانت عليه أو الدراهم التي قضاها عنه؟ فلم يجبه على ذلك بجواب بين، إذ عدل في الجواب عما سأله عنه، إلى ما قاله من أنه لا يحل أن يقضي رجل عن رجل دراهم ويأخذ منه دنانير، والجواب البين في ذلك أن يرجع على الذي قضاه بما دفع إليه من الدراهم، وتبقى الدنانير عليه لصاحب الحق كما كانت؛ لأنه قضاء فاسد، ولا اختلاف في هذا عندي إذا قضاه بغير أمره، وإنما اختلف إذا أمره أن يقضي عنه دنانير لغريمه، فقضاه دراهم أو أمره أن يقضيه قمحا فقضاه ثمرا هل يرجع عليه بما أمره به من الدنانير والقمح بما دفع من الدراهم والثمر؟ فقال: إنه يرجع بما ابتاع من القمح والدنانير، ومرة جعله مصالحا عن الذي عليه الحق بما دفعه إلى غريمه عنه من الدراهم أو الثمر فقال: إنه يرجع بالدراهم أو الثمن الذي دفع، إلا أن يشاء الآمر أن يدفع إليه ما كان عليه، يكون مخيرا في ذلك، وهو معنى قول مالك في كتاب المديان من المدونة؛ لأنه يربح في السلف، ولو بين، فقال:؟ أصارفك لنفسي في الذهب الذي لك بهذه الدراهم، وأنا أبتاع منك القمح الذي لك بهذا الثمر، لوجب أن يرجع بالدنانير وبالقمح قولا واحدا. وكذلك لو بين أيضا فقال: أنا أصالحك عن الذي عليه الدنانير والقمح، بهذه الدراهم، أو بهذا الثمر، لوجب أيضا أن يرجع بالدراهم والثمر قولا واحدا، إلا أن يشاء الآمر أن يدفع إليه ما كان عليه؛ لأن من حقه أن يقول: لا أرضى بهذا الصلح، إذ لم آمرك، فإنما يرجع الخلاف في هذه المسألة إلى ما يحمل عليه الآمر عند الإبهام. ومن أهل النظر من ذهب إلى أن يجبر الآمر. قول ثالث في المسألة، وليس ذلك عندي بصحيح. وتحصيل الخلاف في المسألة في جواز القضاء فيها قولين، أحدهما: إنه لا يجوز، ويفسخ من

أجل الخيار الذي للآمر، فلا يدري المأمور بما رجع، والثاني: إنه يجوز ولا يفسخ من أجل أنه خيار أوجبه الحكم، لم يدخلا عليه فلا تأثير له في صحة القضاء، فقوله في هذه الرواية ولو كان صالح صاحب الحق بدنانير يدفعها عنه، يريد: في دراهم عليه رجع عليه أيضا بدراهم صحيح، لا اختلاف فيه عندي لأنه قد بين أنه إنما دفع الدنانير عن الذي عليه الحق صلحا عنه فيما كان عليه من الدراهم، بخلاف المسألة التي قبلها، إذا قال له: اقضه عني دنانير، فأعطاه دراهم، تلك هي مسألة الخلاف، إذ لم يبين على أي وجه دفع الدنانير عن الدراهم؟، إن كان على وجه الصلح عن الآمر، وعلى وجه المصارفة لنفسه. وقوله فيمن لزم رجل بصاع من قمح، فقضى رجل عنه ثمرا إنها مثل الأول، يريد: إنها مثلها في أنه قضاء يجب فسخه على ما بيناه، من أجل أنه لم يأمر به. وقوله: فإن كان إنما أحاله على رجل بقمح يعطيه إياه فأعطاه فيه ثمرا صالحه عليه، فليس له أن يرجع عليه إلا بثمر، خلاف قوله في المسألة التي قبلها، وهي إذا قال اقضه عني دنانير فأعطاه بها دراهم، فله دنانير، إذ لا فرق بين أن يقضي دنانير عن دراهم، أو ثمرا عن قمح، إلا أن يفرق بينهما من أجل أنه في مسألة الدنانير مأمور لا حميل، وفي مسألة القمح حميل؛ لأنه لما أحاله عليه وهو لا دين عليه، كان حميلا. وقد فرق في المدونة في أحد أقاويله بين الحميل والمأمور، ووجه الفرق بينهما أن الحميل إنما تحمل على أن يؤدي إلى الطالب ماله على المطلوب ويتبعه بما أدى على أن يشتري ما للطالب على المطلوب، فيتبع به المطلوب، فوجب أن يحمل أمره عند الإبهام على ما علم من قصده أو لا. فيتحصل في المأمور والكفيل يدفع أحدها دنانير عن دراهم، أو دراهم عن دنانير، أو قمحا عن ثمر أو ثمرا عن قمح ثلاثة أقوال: أحدها: أن يرجع على المطلوب بما أدى إلى الطالب، إلا أن يأبى المطلوب أن يعطي إلا ما عليه، والثاني: أن يرجع عليه بما كان للطالب عليه. والثالث: الفرق بين الكفيل والمأمور، فيرجع الكفيل على المطلوب بما أدى إلى الطالب، ويرجع المأمور عليه بما كان للطالب عليه.

مسألة: تحمل عن رجل بثمن سلعة فوجد البيع فاسدا وقد فاتت السلعة

وقوله في الرواية: وإن كان القمح من بيع باعه أو ابتاعه فإن ذلك لا يحل أن يأخذ فيه ثمرا بين، لا إشكال فيه؛ لأنه، بيع الطعام قبل أن يستوفي. وأما قوله: فإن كان القمح سلفا، فصالحه على ثمر يسلفه من إنسان، وأمر أن يدفعه إليه، فإنما له ثمن، فلا اختلاف فيه؛ لأن المطلوب هو الصالح للطالب، المستسلف للثمر، فلا إشكال في أنه يرجع عليه بما أسلفه إياه من الثمر، ودفعه يأمره إلى الطالب، إلا أن الصلح لا يجوز، إلا أن يقبض التمر في الوقت ناجزا ولا يتأخر عن عقد الصلح. وقد قال ابن دحون فيها: إنه على قياس ما تقدم في الرجوع، يريد أنه يدخل فيها من الاختلاف في الربوع، ما دخل فيما تقدم. وليس ذلك بصحيح على ما بيناه. وبالله التوفيق. [مسألة: تحمل عن رجل بثمن سلعة فوجد البيع فاسدا وقد فاتت السلعة] مسألة وسئل عن رجل تحمل عن رجل بثمن سلعة فوجد البيع فاسدا وقد فاتت السلعة، فرجع بها إلى القيمة، هل يلزم الحميل شيئا؟ قال: الحميل ضامن فيما بينه وبين أن تبلغ القيمة الثمن الذي تحمل به، فإن زادت القيمة على الذي تحمل له، يلزمه أكثر مما تحمل به. قال محمدا بن رشد: هذه مسألة مضى الحكم عليها مستوفى في أول هذا الرسم، فلا معنى لإعادة شيء منه. وبالله التوفيق. [يتحمل بعشرة دنانير فيدفعها الذي عليه الحق إلى الحامل ليدفعها ولم يشهد عليه] ومن كتاب أوصى لمكاتبه وسئل ابن القاسم عن الرجل يتحمل عن الرجل بعشرة دنانير، فيدفعها الذي عليه الحق إلى الحامل، ليدفعها إلى صاحب الحق، بحضرة الذي عليه، وبعلمه، ولم يشهد عليه، ثم يجحد الذي قبضها أن يكون قبض شيئا. قال: على الذي كانت عليه أن يغرمها

ثانية؛ لأن التقصير جاء من قبله، إذ لم يشهد على براءة منها حين دفعها الحميل، وإن كان بعلمه وبحضرته. قال: ولو كان الحميل دفعها ولم يشهد ولم يحضر الذي عليه الحق حين دفعها الحميل، كان لها ضامنا؛ لأنه هو أهلكها حين لم يشهد على دفعها. ولو أن الحميل دفعها من ماله نفسه، بحضرة الذي عليه الحق، ثم جحد الذي قبضها أن يكون قبض شيئا والذي عليه الحق يشهد أنه قد دفعها إليه أخذت من الذي عليه الحق، إن كان موسرا ولم يتبعه الحميل بشيء من العشرة التي دفع، وكانت مصيبة العشرة الأولى من الحميل، ولو كان الذي عليه الحق دفعها بحضرة الحميل، ولم يشهد، ثم جحد الذي قبضها، فإنها تؤخذ منه ثانية إن كان موسرا، أو إن كان معسرا أو غائبا فأخذت من الحميل، لم يرجع الحميل على الذي عليه الحق، بقليل ولا بكثير؛ لأنها مظلمة دخلت عليه. وهو يعلم أن الذي عليه الحق قد دفعها. قال محمد بن رشد: قوله: إن الحميل إذا دفع العشرة إلى الطالب من مال المطلوب بحضرته دون إشهاد، فأنكر الطالب إنه لا ضمان في ذلك على الحميل الدافع؛ لأن التقصير كان من المطلوب الذي له المال إذا لم يشهد، بخلاف إذا كان الدفع بغير حضرته صحيحا، على معنى ما في كتاب القراض من المدونة من المقارض يدفع ثمن سلعة اشتراها إلى البائع بحضرة رب المال، فيجحد البائع الثمن، فلا ضمان على الدافع، وغرمها المطلوب ثانية، بعد عين الطالب الجاحد، فإن كان عديما أو غائبا فأخذت من الحميل ثانية، لم يرجع الحميل بها على المطلوب، لعلمه أنه لا شيء قبله، كما كان إذا دفعها المطلوب من ماله بحضرة الحميل، فجحدها الطالب، فأخذت من الحميل ثانيا لعدم المطلوب، ولقيمته إنه لا يرجع بها على المطلوب، لعلمه أنه قد أداها فلا شيء عليه منها، وهو على قياس رواية عيسى عن ابن

القاسم في رسم استأذن من سماعه من كتاب الاستحقاق، في الذي يستحق من يديه العبد وهو يعلم أنه من تلاد البائع، إنه لا رجوع له عليه، فيدخله في الخلاف ما في تلك، حسبما مضى القول فيه هناك، وإن دفعه بغير حضرته، فهو ضامن لرب المال، ويسوغ له تضمينه، وإن علم أنه جحد أنه أتلفه عليه، إذ لم يشهد على دفعه. وأما إذا دفع الحميل العشرة من ماله إلى الطالب بحضرة المطلوب، ولم يشهد، فجحد القابض، فقال في هذه الرواية: إن مصيبة العشرة الدنانير من الحميل الدافع لها؛ لأنه هو أتلفه على نفسه، إذ لم يشهد على دفعها، فلا يرجع بها على المطلوب، وتؤخذ العشرة من المطلوب، فإن لم تؤخذ منه على قوله، وأخذت من الحميل ثانية، رجع بها على المطلوب. وقال في سماع أبي زيد: إنه إن أخذت من الحميل ثانية بحضرة المطلوب أيضا، رجع عليه بعشرين، فإن لم تؤخذ منه ثانية على قوله، وأخذت من المطلوب، رجع بالعشرة الأولى على المطلوب. والمعنى فيما ذهب إليه في رواية أبي زيد هذه، أنه رأى أن التقصير في ترك الإشهاد على الدفع، كان على المطلوب، إذا أداها بحميل عنه بحضرته إلى الطالب، فجحدها؛ لأن تلفها كان منه، بتضييعه الإشهاد، فوجب أن يرجع بها عليه. ورأى في رواية عيسى عنه، أن التقصير في ترك الإشهاد على الدافع، كان من الحميل؛ لأن المال ماله، لا من المطلوب الحاضر، فلم ير له بها عليه رجوعا من أجل أنه هو أتلفها على نفسه، وهو الأظهر؛ لأن المال ماله، فهو أحق بالإشهاد على دفعه من المطلوب، وإن كان حاضرا. فهذا معنى اختلاف قول ابن القاسم في هذه المسألة. وقد ذهب بعض الناس إلى أن رواية أبي زيد تأتي على قياس قول ابن وهب وأشهب في سماع عبد الملك بعد هذا، إلا أنه أرجع الحميل على المطلوب بما أدى عنه، وإن علم أنه لا يجب عليه شيء، من أجل أنه أدى عنه بعلمه ما تحمل به عنه بأمره، كما أرجع ابن وهب وأشهب، الحميل على صاحبه بما تحمل عنه بأمره، وإن علم أن ذلك لا يجب عليه، وأن رواية عيسى في هذه المسألة،

قال لعبده إن جئتني بخمسين دينارا فأنت حر فتحمل بها رجل للسيد

تأتي على قياس روايته في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق، في الذي يستحق العبد من يده، وهو يعلم أنه من بلاد البائع، إنه لا رجوع له عليه بشيء من الثمن الذي دفع إليه. وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأن اختلاف قول ابن القاسم في رواية عيسى وأبي زيد عنه في هذه المسألة، إنما هو مبني على الاختلاف فيمن تعين عليه الإشهاد منهما، على الدافع، حسبما ذكرناه. وأما قول أشهب وابن وهب في سماع عبد الملك، فليس بمخالف لشيء من ذلك؛ لأنها مسألة أخرى لا يتصور إلا دخول الاختلاف فيها عندي. حسبما نبينه في موضعه إذا مررنا به. وبالله التوفيق. [قال لعبده إن جئتني بخمسين دينارا فأنت حر فتحمل بها رجل للسيد] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل عن رجل قال لعبده: إن جئتني بخمسين دينارا فأنت حر، فتحمل بها رجل للسيد، وعجل له العتق. قال: حمالته ثابتة تلزمه؛ لأنها حمالة في حرمة ثبتت، بمنزلة من قال لرجل: أعتق عبدك، ولك علي خمسون دينارا إلى أجل، فدلك الحق يلزمه. قيل له: أيرجع الحميل على العبد؟ قال: نعم ذلك له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، مثل ما في المدونة من أن الحمالة للسيد بكتابة مكاتبه، لا تجوز، إلا أن يعجل العتق، فإن فعل فأدى عنه كان له أن يرجع عليه. وبالله التوفيق. [مسألة: اشترط على الحميل أن حقي عليك لست منه في شيء] مسألة قال: إذا اشترط على الحميل أن حقي عليك، لست منه في شيء، أو كتب عليهما، إن حقه عليهما جميعا، حيهما عن ميتهما، وأيهما شاء أخذ، كان حقه لازما للحميل، وإن كان

مسألة: حميل قال حقك علي ودع صاحبك

الغريم مليا، فليأخذ من الحميل جميع حقه إن شاء، وإن لم يكن كذلك. قال مالك: بدئ بمال الغريم، إلا أن يكون الغريم غائبا أو مفلسا. قال محمد بن رشد: قوله: إذا اشترط على الحميل، إن حقي عليك لست منه في شيء، معناه: أنه اشترط على الحميل أن حقه عليه. وقال للذي عليه الأصل: لست أنت منه في شيء، أي لا شيء عليك منه. وإذا قال ذلك له، فقد أبراه مما كان عليه، لاشتراطه إياه على الحميل، فمساواته بين ذلك وبين أن يشترط أن حقه عليهما جميعا حيهما عن ميتهما، وأيهما شاء، مثل رواية مطرف عن مالك في الواضحة خلافا لما في المدونة في إبراء الغريم، واشترط حقه على الحميل؛ لأن الظاهر من قوله فيها: إنه لا رجوع له عليه بحال. وقد قيل: إن معنى قوله: إنه لا رجوع عليه، إلا أن يموت الحامل أو يفلس، على ما روى ابن وهب عن مالك. وقال ابن الماجشون شرطه باطل، ولا يعدى عليه حتى يبلى الغريم. وهذا الاختلاف عندي إنما هو إذا أبرأ الطالب الغريم من أن يكون عليه رجوع، أو تباعة، وأن الحميل يرجع عليه بما أدى عنه، وأما إن وقع الشرط على ألا تباعة لواحد منهما قبله. فقد أسقط الدين عنه ولم يكن لواحد منهما رجوع ولا تباعة قولا واحدا. وقد يحتمل أن يكون معنى ما تكلم عليه ابن القاسم، أنهما أبرآه جميعا، فيكون قد تكلم على غير الوجه الذي تكلم عليه مالك في رواية ابن وهب. وبالله التوفيق. [مسألة: حميل قال حقك علي ودع صاحبك] مسألة قال ابن القاسم كل حميل قال: حقك علي، دع صاحبك لا تكلمه، فإن الحق عليه، وإن كان الذي عليه الحق مليا، كان

تحمل بوجه رجل إلى أجل فمات المتحمل به وهو مع صاحبه قبل الأجل

صاحب الحق مخيرا فيه، وفي الحميل إذا قال حقك علي، مثل أن يقول صاحب الحق للذي عليه الحق: أنا أخاف شغبك وكلامك، فقال الحميل: حقك علي، لا تكلمه فإن الحق على الحميل وإن كان الغريم مليا. قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة، كالقول في التي قبلها سواء، لاتفاقهما في المعنى، وإن اختلف اللفظ. وبالله التوفيق. [تحمل بوجه رجل إلى أجل فمات المتحمل به وهو مع صاحبه قبل الأجل] ومن كتاب سلف دينارا في ثوب قال ابن القاسم: من تحمل بوجه رجل إلى أجل فمات المتحمل به، وهو مع صاحبه في البلد الذي هو له قبل الأجل، فلا شيء على المتحمل؛ لأنه حين مات قبل الأجل، لم يلزمه من حمالته شيء، حتى يطلبه، وإن مات بغير البلد الذي تحمل به فيه قبل الأجل، وكان المكان لو كان حيا لم يأت به حتى يمضي الأجل، فهو ضامن له، وكذلك لو مات بعد الأجل بغير البلد، كان ضامنا له، طلبه أو لم يطلبه؛ لأنه لو طلبه منه لم يقدر على أن يأتيه به. قال ابن القاسم: وكل ما قلت لك من خلاف هذه المسألة فيها، فدعه، وخذ بهذا. وإن مات بغير البلد قبل الأجل، وكان فيما بقي من الأجل ما يأتي به فيه، فلا شيء عليه. قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتحمل بوجه الرجل إلى أجل، فيموت المتحمل به قبل الأجل أو بعده، قال: إن كان حاضرا أو مات في الحضر، فلا شيء على الحميل، وإن كان غائبا فمات نظر، فإن كان بموضع لو كلف أن يأتي به أتاه به في الأجل أو بعده بشيء، لم يكن على الحميل غرم، وإن كان بموضع لو كلفه أن يأتي به لم يأت

إلا إلى أبعد من الأجل بكثير فأراهُ ضامنا. قال الإمام القاضي: رواية سحنون عن ابن القاسم، في أنه إن مات قبل الأجل من غير البلد بموضع لو كلفه أن يأتي به لأتى به في الأصل أو بعده بشيء، يريد: بمقدار مكان يتلوم له فيه لو طلبه لم يكن عليه غرم، وإن كان بموضع لو كلفه الإتيان به إلى أبعد من الأجل بكثير، فأراه ضامنا، يحمل على التفسير لرواية عيسى عن ابن القاسم هذه، ولما حكى ابن حبيب عنه في الواضحة من رواية أصبغ. ومثل هذا في كتاب ابن المواز وهذا كله خلاف لما في المدونة من قوله: وإن أخذ الحميل بالغريم، والغريم غائب، فحكم على الحميل وأغرم المال، ثم طلعت للحميل بينة، أن الغريم كان ميتا قبل أن يحكم على الحميل، ارتجع ماله؛ لأنه لو علم أنه ميت حين أخذ منه الحميل، لم يكن عليه شيء؛ لأنه إنما تحمل بنفسه، وهذه نفسه قد ذهبت، فعلى مذهبه في المدونة، إذا مات لا يبالي حيث مات، تسقط الحمالة بموته، مات في مغيبه أو في البلد، وهو قول أشهب. وقد دل على اختلاف قوله في هذه المسألة قوله: وكل ما قلته من خلاف في هذه المسألة فدعه وخذ بهذا، ولو أتى الحميل بالغريم عند الأجل، والطالب غائب، لما برئ بإتيانه به حتى يجمع بينه وبين صاحبه، إلا أن يكون شرط عليه عند الحمالة أنك إن غبت ولم توكل من يقتضي مني، فلا حمالة لك علي، ويكون ذلك له إذا أحضره عند الأجل، ويرى من حمالته بإشهاده على إحضاره، قال ذلك ابن حبيب في الواضحة. ولو لقي الحميل المتحمل مساء وصباحا حتى تمر به الأعوام، بعد حلول الأجل، لما برئ من حمالته إن غاب بعد، فطلبه به حتى شهد له بالبراءة من حمالته. رواه أصبغ عن ابن القاسم في بعض

اشترى هو وغلامه سلعة من رجل إلى أجل وبعضهما حميل ببعض

الروايات، وقد اختلف إذا غاب الغريم فقضي على الحميل بالغرم، فلم يؤخذ المال منه حتى أتى به، فقال في المدونة يغرم ما قضى عليه به، وقد مضى الحكم ومثله في العشرة لابن القاسم، وقال سحنون: إن أحضره قبل أن يغرم برئ. وبالله التوفيق. [اشترى هو وغلامه سلعة من رجل إلى أجل وبعضهما حميل ببعض] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل ابن القاسم عن رجل اشترى هو وغلامه سلعة من رجل إلى أجل، وكتب عليهما جميعا حظه، وبعضهما حميل ببعض، فباع الرجل العبد قبل الأجل، هل يكون على سيد العبد أن يدخل له حميلا ما كان؟ وهل يحل عليه هذا الحق حين باع العبد؟ قال: ليس عليه شي. حتى يحل الأجل، وليس عليه أن يدخل له حميلا ما كان للعبد، وهو يبيع العبد حيث كان، فإن رضي المشتري أن يحسبه بما عليه من الحمالة، كان له البيع، وإلا رده، إلا أن يشاء بائع العبد أن يخرجه من ذلك العيب بالقضاء عنه، ويلزمه المشتري البيع، وذلك إذا لم يعلمه. قال محمد بن رشد: لم ير أنه يجعل بيع العبد قبل الأجل ما تحمل به العبد عنه إلى الأجل، ولا أن يقيم له حميلا سواه، وهو كما قال؛ لأن حمالة العبد عن سيده لا تبطل عنه بيعه إياه؛ لأنه إن بين ذلك للمشتري لزمه، وإن كان لم يبين له به كان بالخيار بين أن يمسكه بما عليه من الحمالة، وبين أن يرده، وفي إجازة بيعه إياه نظر؛ لأنه بنفس البيع يكون منتزع المال، والعبد المأذون له بالتجارة إذا كان عليه دين، فليس لسيده أن ينتزع ماله؛ لأن انتزاعه إياه، إبطال للدين الذي في ذمته. فمعنى المسألة عندي أن العبد محجوز عليه؛ لأن ما لزم ذمة العبد المحجور عليه من الدين الذي لا يجوز

مسألة: يكون له عليه الحق إلى أجل فيتقارب الأجل فيريد الذي عليه الحق سفرا

للسيد أن يسقط ذلك من ذمته، كنحو هذا الدين الذي علم به فأمضاه، لا يكون إلا فيما وهب له أو تصدق به عليه، فيكون لسيده أن ينتزع ما سواه من ماله. وقد مضى في رسم مرض من سماع ابن القاسم ما فيه بيان هذه المسألة. وبالله التوفيق. [مسألة: يكون له عليه الحق إلى أجل فيتقارب الأجل فيريد الذي عليه الحق سفرا] مسألة وسئل عن الرجل يكون له على الرجل الحق إلى أجل، فيتقارب الأجل، فيريد الذي عليه الحق سفرا، ويتعلق به صاحب الحق، ويقول له: إنك تريد سفرا، وأنا أخاف أن يحل أجل ديني، وأنت غائب، ولكن أعطني حميلا إن غبت عني يقوم لي بحقي. قال: ينظر في ذلك السلطان، فإن رأى الأجل سيحل قبل أن يقضي سفره لبعد المكان الذي يريد في مثل ما بقي من الأجل، كان عليه أن يعجل له حميلا، وإلا لم يكن عليه حميل، ويحلف بالله ما أريد إلا سفرا لمثل ما يخرج إليه من التجارة، وطلب الحوائج الغريبة مما يأتي في مثله ويخليه: قال محمد بن رشد: لم يذكر في المدونة من كتاب السلم الثاني منها يمينه في هذه المسألة. وقال ابن أبي زيد في اختصاره لها: يريد: ويحلف في هذه المسألة والله أعلم. وكذلك لم يذكر يمينه في مسألة كتاب النكاح الثاني من المدونة في الزوج يريد سفرا، أنه ينظر إلى سفره الذي يريد، فيفرض لزوجته قدر ذلك، فيرجع إليها ويأتيها بحميل يجبر به لها، ومعناه بعد يمينه إن زعمت أنه يريد السفر إلى ما هو أبعد من ذلك. واليمين يمين تهمة، فيدخل في لحوقها ابتداء، وفي رجوعها إذا لحقت على القول بأنها تلحق ما يدخل في يمين التهمة، وقد ذكرنا ذلك في غير ما موضع. وبالله التوفيق.

أسلف دينارا إلى أجل واتخذ حميلا فلما حل الأجل قال الحميل ليس عندي

[أسلف دينارا إلى أجل واتخذ حميلا فلما حل الأجل قال الحميل ليس عندي] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار قال: وكتب إلى ابن القاسم، قاضي الإسكندرية، يسأله عن رجل أسلف رجلا دينارا إلى أجل، وأخذ عليه حميلا، فلما حل الأجل لقي الرجل الذي عليه الدينار، فقال: اقضني الدينار، فقال ليس عندي، ولكن أجعله لك في عشرة أراديب شعيرا إلى الغلة. وكتب عليه بها ذكر حق، ثم لقي الحميل، فقال له: قد بريت من الدين الذي تحملت لي به عن فلان، فأشهد له بالبراءة، حتى مضى له شهر، ثم رجع فقال: هذا مكروه، ولم أعلم، وتعلق بالحميل، أفله أن يرجع إليه أم لا؟ قال: ليس له أن يرجع على الحميل، وقد برأ الحميل من الحمالة، ولا ينفعه ما جعل من ذلك شيء، ولا ينفعه الحرام الذي جعل فيه، ويرجع على صاحبه، والحميل بريء. قال محمد بن رشد: إنما بطلت عن الحميل بالدينار الحمالة، من أجل أن المتحمل أبرأه منها بما ظن من جواز فسخ الدينار في الشعير إلى أجل، فلم يعذره بالجهالة؛ لأنه أصل مختلف فيه، فيأتي على القول بأنه يعذر بها إذا كان ممن يمكن أن يجهل مثل هذا أن يحلف ما أبرأه من حمالة الدينار، إلا وهو يظن أن الدينار قد بطل عن المطلوب بالشعير، الذي سلمه فيه. وهذا نحو ما حكى ابن حبيب عن أصبغ في الحميل بما على الغريم إذا أخذ الذي له الحق من الغريم، عبدا بالحق، ثم استحق العبد من يده، فرجع إلى الغريم بما كان عليه، فلا سبيل له إلى الحميل، وقد برئ الحميل حين أخذ من الغريم بالحق ما أخذ. وبالله التوفيق اللهم لطفك.

قال أشهدكم من داين فلانا فأنا حميل بما بويع به

[قال أشهدكم من داين فلانا فأنا حميل بما بويع به] ومن كتاب الثمرة قال: وقال مالك في رجل قال: أشهدكم من داين فلانا فأنا حميل بما بويع به، فأتاه رجل، فقال: إن على فلان حقا ولا بينة له عليه إلا إقرار من المتحمل به، وهو يقر أن له عليه حقا وليس لصاحب الحق عليه بينة، قال: لا يكون على الحميل غرم شيء مما أقر به المتحمل به، إلا ببينة تقوم لصاحب الحق على حقه عليه، وكذلك الرجل الذي يشكو الرجل عند القوم، أنه مطله، فيقول رجل: ما لك عليه، فهو علي، فيقر له الذي قبله الحق بألف دينار، أنه لا يجوز إقراره على الحميل، ولا يقبل قوله، ولا يكون له على الحميل شيء، إلا ما أثبت عليه بالبينة. قال محمد بن رشد: قوله: في الذي قال: أشهدكم أنه من بايع فلانا فأنا حميل بما بويع به، إنه لا يلزمه الحمالة بالإقرار من المتحمل به، مثله في المدونة؛ لأنه قال فيها في الذي قال لرجل: بايع فلانا فما بايعته به من شيء، فأنا ضمين للثمن، إن الضمان يلزمه إذا أثبت ما بايعه به، إذ لا فرق بين المسألتين، وزاد غيره فيه على سبيل التفسير، وإنما يلزم من ذلك ما كان يشبه أن يداين بمثله المحمول عنه، ولا اختلاف في ذلك عندي ولا في المسألة التي أدخلها عليها بقوله: وكذلك الرجل يشكو الرجل عند القوم، وقد مطله إلى الغرماء. وقد كان ممن أدركناه من الشيوخ، يذهب في هاتين المسألتين مخالفتان لما يدل عليه قوله في المدونة للذي يقول: لي على فلان ألف درهم، فيقول له رجل؛ أنا لك بها كفيل، فيجيء فلان، فينكر أنه لا شيء على الكفيل، إلا أن يقيم البينة على حقه؛ لأن الذي عليه الحق قد

يشتري اللحم بدرهم من الجزار ويعطيه به حميلا فيغرم الحميل الدرهم

جحده، دليل على أنه لو أقر ولم يجحده للزم الحميل الحمالة، وليس ذلك عندي بصحيح، إلا أن المسألتين مفترقتان، وإذا قال الرجل: لي على فلان ألف دينار، فقال له رجل: أنا لك بها كفيل، ألزم الكفيل غرمها إذا أقر بها المطلوب، قولا واحدا. وإذا قال الرجل: لي على فلان حق، فقال له رجل: أنا لك به كفيل، فقال المطلوب: له علي ألف دينار، لم يلزم الكفيل غرم ألف بالكفالة، إلا أن يثبتها على المطلوب بالبينة قولا واحدا، بمنزلة من قال لرجل: أنا ضامن لما بايعت به فلانا، وأنا ضامن لما بويع به فلان، وإنما اختلف إذا قال لرجل: أنا كفيل لفلان بألف دينار له على فلان، على ثلاثة أقوال: أحدها: إنه يلزمه غرمها بالكفالة، وإن أنكر المطلوب أن يكون له عليه شيء، وهو قول ابن القاسم في أول عبد أبتاعه من سماع يحيى بعد هذا، ومثله في كتاب ابن سحنون من سؤال ابن حبيب، قال في المدعي عليه ينكر الدين ويقر الحميل به: إنه يضمن ذلك ويؤديه، فإن كانت للمدعي بينة، فهل يقيمها ليطلب الغريم قبل الحميل، حتى يعوزه طلب الغريم؟ فقال: لا، وإنما يؤخذ الحميل من مثل هذا، فله أخذ الضامن بحقه عاجلا، ثم للضامن أن يقوم بتلك البينة على الغريم بما ضمن عنه. والقول الثاني: إنه لا يلزمه غرمها إذا كان منكرا، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه. والقول الثالث: إنه يلزمه غرمها وإن كان هكذا، إذا كان معدما. وهذا القول يقوم من قول ابن القاسم في أول رسم من سماعه من كتاب الشهادات. وقد مضى هناك وجهه وتحصيل القول في المسألة. وبالله التوفيق. [يشتري اللحم بدرهم من الجزار ويعطيه به حميلا فيغرم الحميل الدرهم] ومن كتاب حبل حبلة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يشتري اللحم بدرهم من الجزار، ويعطيه به حميلا، فيغرم الحميل الدرهم إلى الجزار، هل

هلك وعليه دين لا يدري كم هو وقد ترك مالا من عين وعرض

يجوز له أن يأخذ بصاحبه بذلك الدرهم شيئا من الطعام قال لا بأس به. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحميل لم يدفع طعاما، إنما دفع درهما، فجاز له أن يأخذ به طعاما، ولو أراد الجزار أن يأخذ بذلك الدرهم من الحميل طعاما لم يجز؛ لأنه دفع طعاما، فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا ما كان يجوز له أن يأخذه من الذي أحاله حسبما يأتي القول عليه في سماع أصبغ بعد هذا إن شاء الله. وقد زدنا هذا بيانا في أول سماع أصبغ من كتاب السلم والآجال لتكرر المسألة هناك. والله الموفق. [هلك وعليه دين لا يدري كم هو وقد ترك مالا من عين وعرض] ومن كتاب الرهون وقال في رجل هلك وعليه دين لا يدري كم هو؟ وقد ترك مالا من عين وعرض، لا يدري كم هو؟ ولم يحصل ولم يعلم، فيقوم بعض ورثة الميت، فيقول لغرمائه: أنا أتحمل لك بجميع دينه على أن تخلوا بيني وبين جميع ما ترك، إن ذلك لم يزل من أمر الناس المعروف إذا كان ذلك من الحميل على وجه المعروف والتماس الخير للميت ولورثته، كان الحق الذي يحمل به على الميت نقدا أو إلى أجل. وتفسير ذلك أن يكون أمر الحميل والذي يجمع عليه، أنه إن كان فيما ترك الميت فضلا عن دينه. كان لجميع الورثة، ولم يكن للحميل من بين الورثة، وإن قصر المال

مسألة: قال له أنا أضمن لك عقل جرحك فرجع إليه بعد ذلك وقال لا أضمن شيئا

عن قضاء الدين، كان على الحميل ما بقي من قضاء الدين بعد ذهاب المال خاصة دون الورثة، فإن كان هذا وجه اصنع، ودخل به الحميل في الحمالة، لم يكن به بأس، وإن كان إنما تحمل بالدين على أن يكون له ما فضل من المال بعد وفاء الدين خاصة، دون الورثة، لم يصلح؛ لأنه غرر، يحمل على أن يكون ضامنا بما نقص المال عن وفاء الدين، على أن يكون له ما زاد المال، فصار ذلك بيعا من البيوع، يحله ما يحل البيع، ويحرمه ما يحرم البيع، أو يكون يريد أن يأخذ تركة الميت على أن يضرب له أجلا مستأخرا، فيأخذ قليلا على أن يعطي أكثر منه إلى أجل، في ذلك ذهب وورق بأشياء غير مسماة ولا معلومة من تركة الميت، فيدخل في ذلك غرر عظيم، وبيع ما لا يحل بيعه متفاضلا إلا مثلا بمثل، ويدا بيد، ولا إلى أجل. ولا يرى ابن القاسم به بأسا، إن كان وارثا واحدا، لا وارث له غيره، إن ذلك لا بأس به، كذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: رأيت لابن دحون في هذه المسألة، أنه قال فيها: إنما جازت هذه المسألة على المسامحة، وبما جرت به عادة الناس، وأصلها ألا تجوز، لما فيها من المجهول. وقد تكررت في كتاب المديان، في رسم أخذ يشرب من سماع ابن القاسم. وفي رسم البيوع من سماع أشهب مضى الكلام عليها هناك مستوفى. وبالله التوفيق. [مسألة: قال له أنا أضمن لك عقل جرحك فرجع إليه بعد ذلك وقال لا أضمن شيئا] مسألة وقال في قوم كانت بينهم نائرة فخرج رجل منهم، فقال له رجل من الناس: أنا أضمن لك عقل جرحك هذا، وانطلق فرجع إليه بعد ذلك فقال: لا أضمن لك شيئا، فقال: ذلك له لازم، إذا كان على وجه الحمالة والإصلاح بين الناس، وكان صاحب الجرح

قد قبل ذلك منه ورضي به، وإنما ذلك في الخطأ مما فيه دية أو عمد، اصطلحوا فيه على يديه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إن ذلك لازم له، يريد في الحياة والموت، كان على وجه الحمالة وإصلاح، وكان صاحب الحق قد قبل ذلك ورضي به، والجرح خطأ مما فيه دية، أو عمد اصطلحوا فيه على دية. وإنما شرط في لزوم الحمالة رضاء صاحب الجرح بما دل عليه مساق اللفظ، من أنه إنما تحمل له بعقل الجرح عنهم، على أن يترك طلبه قبلهم، ولو كان هذا من التزامه الحمالة على غير هذا الوجه، مثل أن يقول في مغيبها شهدكم أني ضامن لفلان عقل جرحه، وتلزمه الحمالة وإن كان لم يقل قد قبلت ورضيت، إذا كان الجرح أيضا خطأ أو عمدا اصطلحوا على دية، ومعنى ذلك في العمد، إذا كان الجرح ليس له عقل مسمى وإنما فيه القصاص، وأما لو كان مما له عقل مسمى، كفقء العين، وقطع اليد، وجذع الأنف، وما أشبه ذلك، للزمت لما في ذلك الكفالة بدية العمد المعلومة في ذلك، ولم يكن له رجوع بها على الجاني، إذ لا يلزمه إلا برضاه، وكذلك لو ضمن رجل عن رجل مال حق عن جنايته على الناس، للزمه، قال ذلك أصبغ، حكى ابن حبيب عنه في الرجل يكون له الولد الفاسق المتعسف على الناس بالقتل وأخذ المال، فيأخذه في ذلك، ويريد عقوبته، فيقول له: لست بعائد إلى ذلك، وأنا أعطيك حملا يتحملون، كما اجترمته من قتل أو حد أو أخذ مال، فذلك عليهم، فيفعل، أرى ذلك لهم، ويؤخذون بكل ما يؤخذ به، إلا أنهم لا يقتلون بمن قتل. وفي قوله: إنهم يؤخذون بكل ما يؤخذ به، إلا أنهم لا يقتلون بمن قتل، إشكال فيحتمل أن يريد بذلك، أنه يؤخذ بكل ما اجترم من المال، ولا يؤخذ بالقتل ولا بالجراح، ويحتمل أنهم يؤخذون بالذمة بالقتل، ولا يقتلون، وكذلك الجراح، وهو الأظهر، فيكون

يتحمل عن ابنه لامرأته بصداقها فيغيب الزوج قبل أن يبتني بالمرأة

المجني عليه بالخيار، بين أن يقتص منه، أو يأخذ الدية منهم بالضمان الذي التزموه؛ لأنه ترك عقوبته التي لعلها كانت تردعه بسبب ضمانهم. وبالله التوفيق. [يتحمل عن ابنه لامرأته بصداقها فيغيب الزوج قبل أن يبتني بالمرأة] ومن كتاب الجواب وسألته عن الرجل يتحمل عن ابنه لامرأته بصداقها، والرجل الأجنبي، يتحمل بمثل ذلك عن الأجنبي، فيغيب الزوج قبل أن يبتني بالمرأة، فيطلب أهل المرأة أخذ الصداق من الحميل. قال ابن القاسم: إن كانت غيبته قريبة الأيام اليسيرة، وما أشبه ذلك، الذي ليس فيه ضرر، وبعث في الزوج وأتى به، فإن جاء فأعطاها الصداق، وإلا أخذ الحميل، وإن كانت غيبته بعيدة، أو لا يدري أين هو؟ ولا يعرف موضعه، أخذ لها من الحميل الصداق، ولم يضرب له أجل في ذلك، وإن جاء الزوج فطلق، رجع عليها بنصف الصداق، وهو إذ لم يعرف موضعه بمنزلة المفقود؛ لأن امرأة المفقود يتعجل صداقها وإن لم يكن دخل بها؛ لأن مالكا قال في امرأة المفقود، شيء هو لها واجب، فإن جاء الزوج فطلق، رجع بالنصف، وإلا فهو حق لها، قال: وإن طلبوا من الحميل بالصداق في مسألتك النفقة، فليس ذلك لهم عليك. وقد قال مالك في امرأة المفقود إن قدم زوجها وقد تزوجت: لم يرجع عليها بشيء، ولم يكن بنى بها وبه يأخذ عيسى، وليس من رواية عيسى. وفي رواية سحنون. قلت لابن القاسم: الرجل يفقد قبل دخوله بأهله، فيفرق بينهما بعد الاستقصاء، وتعطى صداقها كاملا، ثم تتزوج، فيأتيها زوجها قال: يرجع عليها بنصف صداقها.

قال محمد بن رشد: قوله في الحميل بالمال إذا غاب المتحمل به: إنه يتلوم له في الغيبة القريبة الأيام، يريد اليومين والثلاثة، خلاف ما في سماع يحيى بعد هذا في رسم المكاتب، من أن الحميل بالمال لا يؤجل ولا يؤخر، وهو كالغريم بعينه، ولا اختلاف في هذا على اختلافهم في الحميل، هل يكون الطالب مخيرا فيه وفي الغريم، يتبع أيهما شاء؟ وإن كان الغريم مليا، أو لا يكون له على الحميل سبيل، إلا في عدم الغريم أو مغيبه، فرواية عيسى هذه على ما اختاره ابن القاسم من قولي مالك ورواية يحيى على قول مالك الأول: إن الذي له الحق مخير في الغريم والحميل، يتبع أيهما شاء في اليسر والعدم، والغيب والحضور. وأما الحميل بالوجه، فإنه يتلوم له إذا حل الأجل. قال في المدونة: اليوم ونحوه. قال في كتاب ابن المواز: اليوم واليومين، قال في سماع يحيى بعد هذا: اليوم واليومين والثلاثة، وفي كتاب محمد بن المواز لابن وهب في حميل الوجه إذا غاب الغريم، إنه يقضي عليه بالغرم، ولا يضرب له أجل يطلبه، وهو بعيد؛ لأن الحميل بالوجه، يبدأ بإحضار الغريم، مليا كان أو معدما، والحميل بالمال، لا يبرأ بإحضار الغريم معدما. واختلف، هل يبرأ بإحضاره مليا؟ فعلى هذا الاختلاف يأتي الاختلاف في التلوم له الأيام اليسيرة، حسبما ذكرناه. وأما قوله: إن الحميل بالصداق يؤخذ بجميعه إذا غاب الزوج قبل البناء فهو صحيح، على قياس القول بأن المرأة يجب لها بالفقد جميع الصداق، ويسقط نصفه، إلا نصف الصداق ألا يقضي على الحميل إذا غاب الزوج قبل البناء إلا بنصفه، ويأتي على قياس القول بأن الصداق يجب على الزوج جميعه بالعقد وجوبا غير مستقر، فيستقر لها نصفه بالطلاق، وجميعه بالموت والدخول ألا يقضي على الحميل بشيء من الصداق إذا غاب الزوج قبل الدخول، حتى يأتي، فيطلق فيقضي عليه بالنصف، ويدخل فيقضي عليه بالجميع، وهو قول ابن الماجشون في امرأة المفقود قبل البناء، إنها لا يقضي لها بشيء من الصداق حتى يأتي وقت، لو قدم الأول، لم يكن له إليها

كان له عليه عشرة دنانير فقضاها إياه فذهب بها فألفاها قبيحة الوجه أو ناقصة

سبيل، وهو أن يتزوج ويدخل بها الزوج، أو لا يدخل، على اختلاف قول مالك في المدونة. وقيل: إنه لا يقضي لها إلا بنصفه، فإن بلغ من السنين ما لا يحيى إلى مثلها، أو ثبتت وفاته ما بينه وبين أن تبين منه بالدخول أو التزويج، على الاختلاف المعلوم في ذلك، قضى له ببقيته. حكى هذا القول سحنون وابن الجلاب. والمشهور في المذهب قول ابن القاسم. وروايته عن مالك، أنه يقضي له بجميعه. واختلف قول ابن القاسم إن جاء زوجها بعد أن تتزوج ويدخل بها زوجها. ولا يدخل على اختلاف قول مالك في ذلك، فمرة قال: إنه لا يرجع عليها؛ لأنها قد انتظرته وضيق عليها، واعتدت منه، ومنعها النكاح، وهو قوله في رواية عيسى عنه. ومرة قال: إنه يرجع عليها، وهو الصحيح في النظر والقياس. وظاهر قوله في هذه الرواية إذا كان لها الصداق كاملا، فهو يعجل لها: إنه يعجل لها وإن لم يحل أجله، مثل قول أصبغ في الواضحة إن كالئها يحل، وهو الذي يدل عليه قول مالك في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة، فإذا مضى لامرأته أربع سنين، وأربعة أشهر وعشر، أعطيت صداقها إن كان له قبله من حقها أن تأخذ صداقها إن كان حالا قبل ضرب الأجل وقبل العدة؛ لأنه دين من الديون، يحكم لها به دون تلوم إذا غاب غيبة بعيدة، وإن عرف حياته. وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة، وفي سماع سحنون من كتاب النكاح. وبالله التوفيق. [كان له عليه عشرة دنانير فقضاها إياه فذهب بها فألفاها قبيحة الوجه أو ناقصة] من كتاب القطعان وقال ابن القاسم في رجل، كان له على رجل عشرة دنانير، فيأتيه يتقاضاه، فقضاها إياه، فذهب بها يرى وجوهها أو يزنها فألفاها قبيحة الوجه، أو ناقصة الوزن، فجاءه بها، فقال له: إنما أخذتها

من فلان، فاذهب إليه بها، فإنه سيبدلها فانطلق بها، فوقعت منه بالطريق، فذهبت قال: إن كان قبضها منه ثم دفعها إليه فقال: اذهب بها إلى فلان ليبدلها لك، فضاعت، فمصيبتها من الذي عليه الحق، وإن كان لم يقبضها منه، فمصيبتها من الذي وقعت منه. قال محمد بن رشد: لم ير أن تنتقل الدنانير من ذمة المقتضي لها من حقه إلى أمانته، بقول الدافع لها: اذهب إلى فلان ليبدلها لك، حتى يأخذها منه، ثم يردها إليه مرسلا له بها. ومثله من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات، وفي كتاب السلم الأول من المدونة في الذي يسلم الثوب في طعام يحرقه رجل في يديه قبل أن يقبضه المسلم إليه؛ لأنه قال فيه: إن كان إنما تركه وديعة في يديه بعدما دفعه إليه، فأرى قيمته على من أحرقه والمسلم على حاله. وعلى هذا يأتي قوله في كتاب القراض من المدونة، يضيع منه بعضه، فيخبر بذلك رب المال، فيقول: اعمل بما بقي في يديك قراضا، إنه على القراض الأول، وإن حضر المال وحاسبه، ما لم يدفعه إليه، ثم يرده عليه قراضا مستأنفا، خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك، وربيعة، ومطرف، وابن الماجشون، والليث، وجماعة من أصحاب مالك، إلا ابن القاسم، فانه كان يشدد فيه ويقول: هو على القراض الأول حتى يدفعه إليه ثم يرده عليه، فيأتي على قوله في مسألتنا: إن الدنانير تنتقل من ذمة المقتضي لها إذا أحضرها بقول الدافع لها: اذهب بها إلى فلان، فإنه سيبدلها يأخذ منه في ذمته على حالها فتكون مصيبتها منه، وإن قامت بينة

نصراني سلف نصرانيا خمرا وتحمل له نصراني بالخمر فأسلم الحميل

على تلفها، وتكون على حالها في يديه كالرهن، لا يضمنها إن قامت بينة على تلفها. والظاهر من المدونة أنها تبقى في ذمته على حالها، والأشبه على مذهبه في السلعة المحبوسة بالثمن، أنها تكون كالرهن في يديه؛ لأنها تشبهها، إذ قد التزم له أخذها على أن يعوضه منها، فيتخرج على هذا في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: إنها تنتقل إلى أمانته، فيصدق في تلفها، وهو الذي يأتي على ما حكاه ابن حبيب عن من ذكرناه، والثاني: إنها تبقى على حالها، فتكون مصيبتها منه، وإن قامت بينة على تلفها، والظاهر أيضا من هذه الرواية. والثالث الفرق بين أن تقوم بينة على تلفها، أو يدعي ذلك، ولا يعرف إلا بقوله، وهو الذي يأتي على القول بأن السلعة المحبوسة بالثمن كالرهن. وبالله التوفيق. [نصراني سلف نصرانيا خمرا وتحمل له نصراني بالخمر فأسلم الحميل] ومن كتاب باع شاة وسألته عن نصراني سلف نصرانيا خمرا أو خنازير، وتحمل له نصراني بالخمر والخنازير، فأسلم الحميل، وأعدم الذي عليه الحق، قال: فليس على الحميل الذي أسلم شيء، ويتبع النصراني غريمه النصراني. قال ابن القاسم: وكل حمالة كان أصل شرائها حراما فليس على المتحمل مما تحمل شيء. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى القول عليها مستوفى في أول رسم العرية فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: كان له عليه صك بخمسين دينارا فتحمل عنه رجل ثم فلس] مسألة وسألت عن الرجل كان للرجل عليه صك بخمسين دينارا،

فتحمل عنه رجل بخمسة وعشرين دينارا منها، ثم فلس الغريم ببيع ماله، فلم يأخذا المحتمل له بالخمسة والعشرين دينارا من الخمسين التي له على المفلس إلا بثلاثين دينارا، لم يطرأ من المحاصة غيرها. هل على الحميل العشرون كلها أو نصف العشرين؟ أو تكون الثلاثون التي تقاضى بين الحمالة وبين الذي له من غير الحمالة؟ قال ابن القاسم: تكون الثلاثون التي تقاضيا بين الحميل وبين الغريم، ولا تكون على الحميل من العشرين الباقية إلا عشرة دنانير، ويتبع صاحب الحق الغريم المفلس. وقال سحنون في الحمالة مثل قول ابن القاسم سواء. محمد بن أحمد: - مذهب أصبغ أن على الحميل العشرين الباقية، وهو قول ابن الماجشون، وابن كنانة، قالاه في الرجل يتزوج امرأة بمائة دينار، تأخذ منه حميلا بخمسين، فيطلقها قبل الدخول، إن لها أن تأخذ الحميل بالخمسين الواجبة لها قبل الزوج، خلاف قول ابن القاسم: إنها ترجع على الزوج بخمسة وعشرين دينارا، ولا فرق بين المسألتين على القول بأن الصداق يجب جميعه بالعقد، وأما على القول بأنه لا يجب بالعقد إلا نصف الصداق إن طلق قبل الدخول، يجب على الحميل جميع الخمسين، قولا واحدا. ووجه ما ذهبوا إليه، أن المتحمل له، يقول: إنما أخذته وثيقة من حقي، مخافة، ألا أجد عند الغريم وفاء منه. وقد مضى هذا المعنى والقول عليه مستوفى في سماع سحنون من

مسألة: يشتريان السلعة من الرجل ويكتب عليهما صكا أنه يأخذ حاضرهما بغائبهما

كتاب النكاح، وفي رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس. فقف على المسألة قي الموضعين. وبالله التوفيق. [مسألة: يشتريان السلعة من الرجل ويكتب عليهما صكا أنه يأخذ حاضرهما بغائبهما] مسألة وعن الرجلين يشتريان السلعة من الرجل، ويكتب عليهما صكا أنه يأخذ حاضرهما بغائبهما وحيهما بميتهما، وأيهما شاء أخذ بحقه، فتحمل عنهما رجل بجميع ذلك الحق، فيؤخذ الحق من الحميل، هل يكون للحميل أن يأخذ أيهما شاء، بجميع ما أدى عنهما كما كان لصاحب الحق، وليس له على كل واحد منهما إلا ما ينوبه من الحق؟ قال: للحميل أن يأخذ أيهما بالحق كله، وذلك أنه لو تحمل للغريم بما على أحدهما، كان للغريم أن يتبع الحميل بالحق كله؛ لأن له أن يتبع أحدهما بالمال كله بما عليه من المال، وبالحمالة، فكذلك يتبعه الحميل بما ضمن للغريم، وبما كان يتبع الغريم، لو لم يتحمل بهما جميعا حميل واحد، فالحميل بمثابة الغريم فيما يتبع. محمد بن رشد: قوله وذلك أنه لو تحمل للغريم بما على أحدهما، كان للغريم أن يتبع الحق كله، معناه: إذا عرف الحميل ما على كل واحد منهما من الشرط، وسائر المسألة بينة لا وجه للقول فيها، سوى ما ذكرناه من الاختلاف في إعمال الشرط، بأن يأخذ من شاء منهما بجميع حقه، في رسم نقدها قبل هذا فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [لهما على رجل مائة إردب فتقاضى أحدهما حصته بغير إذن صاحبه] ومن كتاب العتق وقال في رجلين لهما على رجل مائة إردب فتقاضى أحدهما حصته بغير إذن صاحبه، فعلم به، فأتاه، فقال له: هبني إياها وأنا

يبتاع الرأس والدابة فيتحمل له رجل بالسرقة أو بعيب مسمى

أضمن لك الخمسين التي بقيت لك، إن ذلك لا يحل، ولو كان يضمن له خمسا وعشرين إردبا قدر ما كان يصيبه مما كان قبض، لم يكن بذلك بأس. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في رسم البيع والصرف من أول سماع أصبغ من كتاب السلم والآجال، بزيادة من قول أصبغ وافق فيها ابن القاسم على قوله: ولو كان يضمن خمسة وعشرين قدر ما كان يصيبه مما قبض، لم يكن بذلك بأس، وفي ذلك من قولهما اعتراض بين قد ذكرناه، وبيناه هناك. فلا وجه لإعادته. والله الموفق. [يبتاع الرأس والدابة فيتحمل له رجل بالسرقة أو بعيب مسمى] ومن كتاب الرهون قال عيسى سئل ابن القاسم عن الرجل يبتاع الرأس والدابة فيتحمل له رجل بالسرقة، أو بعيب مسمى، مما يخشى المبتاع أن يكون فيما ابتاع، ثم يظهر المبتاع بعد ذلك من السلعة على عيب غير الذي تحمل به، أيلزمه الحميل؟ قال: لا يلزم الحميل شيء من ذلك، إلا ما تحمل به من العيوب بعينها وسميت. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه، إذ لا يلزم أحدا سوى ما التزم وبالله التوفيق اللهم لطفك. [الحميل ينكر الحمالة والمتحمل عنه غائب فيصالحه المتحمل لرضاه بالصلح] من نوازل سئل عنها عيسى وسئل عيسى بن دينار عن الحميل ينكر الحمالة، والمتحمل عنه غائب، فيصالحه المتحمل لرضاه بالصلح، قال: بل يرجع فيأخذ ما نقص من حقه، ويدفع المتحمل عنه إلى الحميل ما صالح به عن نفسه.

يطلب الرجل في حق له فذهب معه إلى غريم المطلوب فيقول خذ من هذا حقك

قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون، أنه لا يرجع عليه ببقية حقه، إلا بعد يمينه بالله أنه ما صالح الحميل رضى بالصلح من جميع حقه، إلا أن يكون أشهد أنه إنما يصالح الحميل لإنكاره الحمالة، وأنه على حقه على الغريم، فلا يكون عليه يمين، واليمين يمين تهمة، فيجري الأمر في ذلك على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، إلا أن يحقق عليه الغريم الدعوى فيحلف قولا واحدا. وبالله التوفيق. [يطلب الرجل في حق له فذهب معه إلى غريم المطلوب فيقول خذ من هذا حقك] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى: قال ابن القاسم في الرجل يطلب الرجل في حق له، فذهب معه إلى غريم المطلوب، فيقول: خذ من هذا حقك ويأمره بالدفع إليه، فيقضيه إياه، فنقصت بعض حقه، أو لا يقضيه شيئا فيريد أن يرجع على الأول يلزمه ببقية حقه، إن ذلك له، وليس هذا نحو الحول اللازم لمن احتال بحقه؛ لأنه يقول لم أحتل عليه بشيء، وإنما أردت أن أكفيك التقاضي وأخفف عنك مؤنة التلوم ولم أترك من حقي عليك، وإنما وجه القول اللازم أن يقول: أحيلك على هذا بحقك، وأبرأ بذلك إليك بما تطلبني به، ولا رجوع عليه بحقه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن الحوالة بيع من البيوع، ينتقل الدين بها عن ذمة المحيل، إلى ذمة المحال عليه، فلا يكون ذلك إلا

الحميل بالوجه إذا غاب المتحمل عنه وحل الأجل

بيقين، وهو التصريح بلفظ الحوالة وما ينوب منابه، مثل أن يقول له: خذ من هذا حقك، وأنا بريء من دينك وما أشابه ذلك. وقد قال بعض الشيوخ: ولو قال له: اتبع فلانا بحقك علي كانت حوالة، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ومن اتبع على مليء فليتبع» قال: فلما أتى بلفظ يشبه النص، كان ذلك حوالة، إذا كان ذلك على المحال عليه، وليس ذلك ببين، وإنما البين في ذلك أن يقول له: قد اتبعتك على فلان، وأما إذا قال له: اتبع فلانا، فيخرج ذلك على قولين، ذكرتهما في آخر أول رسم من سماع أشهب، من كتاب جامع البيوع. وهذا الأمر هل يحمل على الإيجاب عليه أم لا؟ اختلف في ذلك قول مالك. وبالله التوفيق. [الحميل بالوجه إذا غاب المتحمل عنه وحل الأجل] ومن كتاب المكاتب قال: وسألت عن الحميل بالوجه إذا غاب المتحمل عنه وحل الأجل، كم ترى أن يؤجله السلطان في طلب صاحبه؟ قال. إن كانت غيبة المتحمل عنه قريبة، اليوم واليومين والثلاثة، ونحو ذلك، مما لا يضر ذلك بالمتحمل له، وعلى قدر ما يرى الإمام من الحمل عليه في قدره، ونحوه مما لا يضر به فيه بطالب الحق، وإن كانت غيبة المطلوب ببلد لا يرتجى قدومه منه إلى اليوم واليومين والثلاثة، ونحو ذلك، لم يؤجل الحميل قليلا ولا كثيرا، وأعدى عليه بالحق الذي وجب على المتحمل عنه قلت: فإذا أعدى على الحميل، فأراد الحميل أن يباع له مال المتحمل عنه، أترى أن يباع، أو يستأنى به؟ قال: إن كان ببلد بعيد على مسيرة العشر ليال ونحوها، لم ينتظر، ويبيع ماله، فقضى الغريم منه، وإن كانت

مسألة: أحاله على غريمه بعشرة دنانير فيقبض ذلك منه ثم يأتي المحيل يتقاضاه

على مسيرة اليوم واليومين ونحو ذلك، انتظر حتى يعذر إليه بكتاب ليقدم، فيبرأ أو سن له بحقه.، ليباع ماله، ويقضي به دينه. قال: والحميل بالمال إذا حل الأجل لم يؤجل، ولم يؤخر إلا برضى صاحب الحق هو في ذلك كالغريم بعينه. قال محمد بن رشد: قوله: إن الحميل بالوجه إذا غاب المتحمل به وحل الأجل، إن السلطان يؤجله في طلب صاحبه اليوم واليومين والثلاثة، خلاف ما في المدونة من أنه يؤجل اليوم ونحوه. وقوله: إن الحميل بالمال إذا حل الأجل لا يؤجله ولا يؤخر إلا برضى صاحب الحق. وقد مضى القول على ذلك كله هنالك، فلا معنى لإعادته. وأما قوله: إن الحميل بالوجه إذا غرم المال في غيبة المتحمل عنه به، فسأل أن يباع به مال الغريم، إنه لا يباع له، دون أن يعذر إليه إلا في الغيبة البعيدة العشرة ليال أو نحوها، فهو صحيح؛ لأنه حكم على غائب، والغائب لا يحكم عليه إلا بعد الإعذار إليه. وقد مضى تحصيل الحكم في الغائب في رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: أحاله على غريمه بعشرة دنانير فيقبض ذلك منه ثم يأتي المحيل يتقاضاه] مسألة قال: وسألته عن رجل قال لرجل: أحيلك على غريمي هذا بعشرة دنانير، فيقبض ذلك منه، ثم إن المحيل أتى القابض فقال: اقضني ما تقاضيت من غريمي، فإني إنما كنت أسلفتكما سلفا، وقال القابض: إنما أحلتني بحق كان لي عليك، فقد قبضت حقي. وإحالتك إياي إقرار منك بحقي، وليست له بينة على أصل الحق، قال: أرى المتقاضي غريما للعشرة، وأراها كالسلف

عليه، ولا حق له على الحميل، إلا أن تكون له بينة على أصل الحق، فأما إحالته إياه، فليس هو عندي إقرار، بل هو بذلك مسلف، وأرى للقابض أجرة التقاضي إن كان ذلك شيئا له أجرة. قال محمد بن رشد: قوله: إن المتقاضي غارم للعشرة، معناه، بعد يمين المحيل، وقوله: وأراها كالسلف عليه، معناه: وأراها كالسلف الذي يتقاران جميعا عليه؛ لأنه يستحقه بيمينه قبله. وفي قوله: وأرى للقابض أجرة مثله نظر، إذ لم يدع الأجرة، وإنما زعم أنه قبض حقه الواجب له، وكذلك لو قال الحميل: إنما أحيلك بها، لتكفيني مؤنة تقاضيها، لكان القول قوله أيضا على ما حكاه ابن حبيب، ولكانت له أجرة التقاضي إن كان شيئا له أجرة، وكان ممن يعمل هذا بالأجرة. وقوله في هذه المسألة على قياس قوله في آخر كتاب المديان من المدونة في الذي يقول للرجل: ادفع إلى فلان عني ألف دينار، فيدفعها إليه ثم يريد أخذها من الآمر، فيقول: كانت لي عليك دينا، إن القول قول المأمور؛ لأنه أخرج الدينار من عنده، فالقول قوله: إنها له، حتى يثبت أنها كانت عليه دينا للآمر. يريد: إلا ألا يشبه ما يقول، مثل أن يعلم من فقره، وكونه غريما للآمر، ما لا يشك أنه يكسب هذا القدر. وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون في مسألة الكتاب هذه، أن ذلك على ما يشبه، فإن كان من أحلته يشبه أن يكون له عليك مثل ذلك، فهو مصدق مع يمينه، وإن كان لا يشبه، فهو كوكيلك، فيكون القول قولك مع يمينك. وحكي عن أشهب أن الحميل مصدق، أشبه قوله أو لم يشبه، وإنما معناه: إن القول قوله إذا أشبه قول المحال، أو لم يشبه، فلا اختلاف إذا أشبه قول أحدهما ولم يشبه قول الآخر، إن القول قول من أتى منهما بما يشبه، وإنما الاختلاف إذا أتيا جميعا بما يشبه، أو بما لا يشبه، فقال ابن القاسم وأشهب: القول قول المحيل، وقال ابن الماجشون: القول قول

يتحمل عن الرجل بعرض من العروض فيقضى على الحميل بالغرم

المحال القابض، وهو على القول المعروف من مذهب أشهب أنه لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقر به على نفسه؛ لأنه يقول: لم أقبض إلا حقي الواجب لي، خلاف قوله وقول ابن القاسم في هذه المسألة. وبالله التوفيق. [يتحمل عن الرجل بعرض من العروض فيقضى على الحميل بالغرم] ومن كتاب الأقضية قال: وقال ابن القاسم في الرجل يتحمل عن الرجل بعرض من العروض: الطعام والحيوان، وغير ذلك، فيقضى على الحميل بالغرم، إنه إن اشترى للطالب العرض الذي تحمل له به، غرم المتحمل عنه الثمن الذي اشترى به العرض الذي أدى عنه بالغا ما بلغ. قال: وإن أدى عنه ثمنا من دنانير أو دراهم، خير المتحمل عنه، إن شاء غرم ما غرم عنه، وإن شاء غرم العرض الذي كان عليه. قال: ولو كان غرم عنه مثل العرض الذي كان عليه من عند نفسه، لم يشتره، فإن كان مما يكال أو يوزن، مما يوكل أو يشرب، أو غير ما يوكل أو يشرب، غرم مكيله ذلك أو وزنه من صنفه، وإن كان الذي عليه عرض من العروض، فغرم عنه من عنده مثله، غرم لذلك، أو وزنه أيضا مثل ذلك، وإن كان غرم عنه عرضا مخالفا للعرض الذي كان تحمل به عنه، خير المطلوب، فإن شاء غرم قيمة العرض الذي غرم عنه يوم أخرجه الحميل، وإن شاء غرم مثل العرض الذي كان وجب عليه فقط. قال محمد بن رشد: أما إذا اشترى الكفيل العرض الذي تحمل به للطالب، فلا اختلاف أعرفه في أنه يرجع على المطلوب بالثمن الذي اشتراه

به، ما لم يحاب البائع، فلا يرجع عليه بالزيادة على القيمة. فقوله في هذه الرواية: بالغا ما بلغ، معناه ما لم يكن أكثر من القيمة بما لا يتغابن الناس بمثله في البيوع؛ لأنه لما تكفل عنه بأمره، فكأنه وكيل له على الشراء، إذ قد علم أنه سيطلب بما تحمل به عنه، ويحتاج إلى ابتياعه، وأما إن أدى عنه في العروض دنانير أو دراهم أو عرضا مخالفا له، وكان تحمل عنه بدنانير، فأدى عنه دراهم، أو بدراهم، فأدى عنه دنانير، أو تمرا فأدى عنه قمحا. ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها إن ذلك لا يجوز، والثاني إن ذلك جائز، والثالث إن ذلك جائز فيما تجوز فيه النسيئة في المبايعة، وغير جائز فيما لا تجوز فيه النسيئة في المبايعة، وهو أن يؤدي عنه دنانير من دراهم، أو دراهم من دنانير، أو تمرا من قمح، أو قمحا من تمر، وما أشبه ذلك، فعلى القول إن ذلك لا يجوز، يفسخ القضاء ويرجع على الطالب بما دفع إليه. واختلف على القول بأن ذلك جائز بما يرجع الكفيل على المطلوب المتحمل عنه، فقيل: يرجع عليه بما تحمل به عنه، وقيل: يخير المتحمل عنه، فإن شاء غرم ما غرم عنه، وإن شاء غرم الذي كان عليه، وهذا معنى قول مالك في كتاب المديان من المدونة: إنه لا يربح في السلف، والقولان في كتاب الكفالة من المدونة. فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وقد مضى هذا له في رسم العرية من سماع عيسى من هذا الكتاب، وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف. وكذلك اختلف في المأمور يقضي خلاف ما أمر به على هذين القولين، وقد فرق بين الكفيل والمأمور في ذلك. فقيل إن الكفيل يرجع بما أدى وإن المأمور يرجع بما كان للطالب عليه. واختلف إذا أدى عنه من عنده مثل العرض الذي كان عليه، فقال في هذه الرواية: إنه يرجع عليه بمثله، وهو مذهبه في المدونة، والمشهور في المذهب، وقال في سماع أبي زيد: إن المطلوب مخير، إن شاء دفع إليه مثل ما غرم عنه. وإن شاء دفع إليه

يقر للرجل أنه تحمل له بما على غريم له فأنكر الذي زعم أنه تحمل عنه

قيمته. وقال في الواضحة: لا يغرم له إلا قيمته؟ ولا اختلاف إذا أدى عنه عروضا عن دنانير، والبلد يتبايع فيه بالدينار في أن ذلك جائز؛ لأن ذلك يرجع إلى التخيير بين القليل والكثير، وليس في ذلك اختلاف أعراض أنه يؤدي إلى الأقل، وبالله التوفيق. [يقر للرجل أنه تحمل له بما على غريم له فأنكر الذي زعم أنه تحمل عنه] ومن كتاب أوله: أول عبد أبتاعه فهو حر قال: وسألته عن الرجل يقر للرجل أنه تحمل له بما على غريم له، فأنكر الذي زعم أنه تحمل عنه أن يكون للطالب قبله حق، أو أن يكون المقر بالحمالة تحمل عنه بشيء، فقال: يغرم المقر لصاحب الحق ما أقر له مما زعم أنه عمل به عن المطلوب، ثم لا يعدى الحميل الغريم على المطلوب إلا أن يقيم عليه البينة أن ذلك الحق عليه للطالب. قلت: أرأيت إن أقر بالحق أو أنكر أن يكون تحمل المقر بالحمالة عنه بشيء؟ فقال: يغرم المطلوب ما أقر به، ولا سبيل إلى الحميل حتى لا يوجد للغريم وفاء بما عليه، فإن لم يكن عنده وفاء، غرم الحميل ما أقر أنه تحمل به، وأعدي على الغريم يطلبه بما أدى عنه. قلت له: ولم يعد عليه، ولم يقر له أنه تحمل عنه بشيء؟ قال: ألا ترى أنه لو لم يغرم عنه شيئا فأحاله عليه صاحب الحق، جاز له أن يطلبه بذلك الحق، ولو أنه قال لصاحب الحق ولم يكن تحمل عنه بشيء: أقضيك عن فلان، وأنا أطلبه بهذا الحق، كان ذلك له، فلا حجة للمطلوب إذا أعدي عليه المقر بالحمالة الغارم بالإقرار، في أن يقول: لا يعدى علي ولم يتحمل عني بشيء، إذا

أوصل إلى صاحب الحق حقه، من قبل أن المقر له بالحمالة أعدي على الغريم بما أدى عنه، كما كان يعدى عليه ولو أتى عنه بغير حمالة. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الحميل أقر أنه يعرف الحق على المتحمل عنه، ولذلك ألزمه الحميل، دون أن تثبت بينة لصاحب الحق عليه، فقال: يغرم المقر لصاحب الحق بما أقر له به مما زعم أنه تحمل به عن المطلوب، ثم لا يعدى الحميل الغريم على المطلوب إلا أن يقيم عليه البينة أن ذلك الحق عليه للطالب، فليست هذه المسألة على هذا التأويل بمخالفة لما في المدونة، ولا لما مضى في رسم التمرة من سماع عيسى إلا أنها مسألة فيها اختلاف قيل: إنه لا يلزمه الغريم بإقراره بالكفالة، وإن أقر أنه يعرف الحق قبل المطلوب، إذا كان المطلوب منكرا، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه، وقيل: إنه يلزمه الغريم بإقراره بالكفالة، وإن كان المطلوب منكرا، إذا كان معدما ولا يلزمه إذا كان مليا. وهذا القول يقوم من قول ابن القاسم في أول رسم من سماعه من كتاب الشهادات، في أن شهادة الكفيل على الغريم بالدين الذي تحمل به عنه، تجوز إن كان الغريم مليا، ولا تجوز إن كان معدما. فعلى قول ابن القاسم في هذه الرواية، لا يجوز شهادة الحميل بالدين على الغريم مليا كان أو معدما، وهو نص قول مالك في أول سماعه من كتاب الشهادات. وقد قيل: إن الحميل إن كان معدما جازت شهادته على الغريم بالدين، وإن كان مليا لم تجز شهادته عليه، وهو صحيح على قياس قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن الحميل غارم؛ لأنه إذا أسقط عنه الغرم لعدمه سقطت عنه التهمة في شهادته. وأما إذا قبض صاحب الحق من الحميل حقه بإقراره بالحمالة فلا تجوز شهادته للحميل على الغريم؛ لأنه قد كان مكذبا في دعواه، فإذا أشهدوا بما يصدق نفسه فيما كان ادعى وأمضى، فإن ما شهد فيه أصله، فهو شاهد لنفسه. وقد مضى في رسم الثمرة من سماع عيسى من هذا الكتاب، وفي أول

مسألة: يتحمل له الرجل عن غريمه بماله عليه إلى أجل

سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات في هذه المسألة زيادات، فتأملها وقف عليها. وأما قوله: إن أقر الغريم بالحق، وأنكر أن يكون المقر بالحمالة تحمل عنه بشيء إلى آخر المسألة، فهو كله كلام بين لا إشكال فيه ولا التباس في شيء من معانيه إلا في قوله: ولو قال لصاحب الحق أقضيك عن فلان، وأنا أطلبه بهذا الحق، كان ذلك له، فإنه ليس على ظاهره، ومعناه: إذا قال له: أنا أطلبه به على وجه المعروف منه إليه في كفايته الاقتضاء منه على سبيل الشرط عليه؛ لأنه لم يجز في كتاب الهبات من المدونة أن يسلف الرجل الرجل دنانير، على أن يحيله بها على رجل آخر، كانت المنفعة للذي أسلف أو للذي أسلف، وهذا الاختلاف على اختلافهم في القراض بلفظ البيع، هل يجوز أم لا؟ لأن الحوالة بيع من البيوع، وإنما يجوز ذلك على القول بجوازه إذا لم يرد بذلك ضرره وسجنه. قاله في المديان من المدونة وغيره من الكتب وبالله التوفيق. [مسألة: يتحمل له الرجل عن غريمه بماله عليه إلى أجل] مسألة قال: وسألته عن الرجل يتحمل له الرجل عن غريمه بماله عليه إلى أجل، فلما حل الأجل، أراد صاحب الحق أن يأخذ الحميل بما له على الغريم. وقال الحميل للغريم: أنا كنت تحملت لك إلى الأجل، فلما حل الأجل، لقيت صاحبك فاقتضيته بعض حقك، وأنظرته بما أحببت، فإنظارك إياه، يبريني من الحمالة، قال: لا براءة له حتى يصل إلى صاحب الحق آخر حقه، ولا يضره إنظاره إياه، وإنما هو مرفق أدخله الطالب على الغريم والحميل، فليس إحسانه حجة يسقط بها ما وجب على الحميل. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم الأقضية من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

يتحمل بوجه رجل إلى أجل فيموت المتحمل عنه قبل الأجل أو بعده

[يتحمل بوجه رجل إلى أجل فيموت المتحمل عنه قبل الأجل أو بعده] من سماع سحنون من ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتحمل بوجه رجل إلى أجل، فيموت المتحمل عنه قبل الأجل أو بعده، قال: إن كان حاضرا أو مات في الحضر، فلا شيء على الحميل، وإن كان غائبا فمات نظر، فإن كان بموضع لو كلفه أتى به في الأجل أو بعده بشيء، لم يكن على الحميل غرم، وإن كان بموضع لو كلفه لم يأت به إلا بعد الأجل بكثرة فأراه ضامنا. محمد بن أحمد: هذه المسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم سلف دينارا من سماع عيسى لتكرر الرواية هناك، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. اللهم لطفك. [يدعي قبل رجل دابة فقال له رجل آخر أنا ضامن لك ما جاء في هذه الدابة] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون وسئل سحنون عن رجل يدعي قبل رجل دابة، فقال له رجل آخر أنا ضامن لك ما جاء في هذه الدابة، فحل عنه ففرجت الدابة إلى الداعي يوما آخر فماتت فقال: هو ضامن لها إن أثبتها المدعي عند القاضي وقضى له بها. قال محمد بن رشد: أصبغ يقول في هذه المسألة: إنه لا يضمن في الموت، وهو الأظهر؛ لأن المعنى المقصود في ضمانها ما يخشى من أن يكون الذي هي بيده بعينها، أو يهرب بها، فترك ما يجب له من توقيفها بما أظهره من الشبهة فيها، إلا أن يثبتها بالضمان الذي ضمنه له، فالأظهر لا يضمن له إلا المعنى الذي ظهر أنه قصده. ووجه قول سحنون، اتباع عموم ظاهر اللفظ، إذ لا يحصر حالا من حال، ومن هذا المعنى ما تقدم القول

مسألة: الرجل يتحمل عن الرجل فإذا حل الأجل قام الغريم على الحميل

عليه في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الرهن في ضمان الرهن للمرتهن، فهو أصل قد اختلف فيه قول مالك، حسبما بيناه هناك. وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتحمل عن الرجل فإذا حل الأجل قام الغريم على الحميل] مسألة قلت: فالرجل يتحمل عن الرجل، فإذا حل الأجل، قام الغريم على الحميل، إن المتحمل عنه عديم، ويقول الحميل: بل غريمك مليء على من كشف مال الغريم، فقال: إذا لم يعرف له مال ظاهر، فإن الحميل ما يحمل عنه، إلا أن يكشف لمن تحمل له مال الغريم، فلا يكون له عليه حينئذ شيء. قال محمد بن رشد: قوله: إذا لم يعرف له مال ظاهر، فإن الحميل غارم، يدل على أنه محمول على العدم، وأن على الحميل إقامة البينة على ملائه، وإلا غرم ومما يقوي هذا من مذهبه قوله الذي حكيناه عنه في رسم الثمرة من سماع عيسى في الحميل يقر بالحمالة وينكر الذي عليه الحق يضمن، ولا يكلف الطالب أن يثبت الدين قبل المطلوب، إن كانت له بينة ليطلب الغريم قبل الحميل عاجلا، ثم يقوم هو بالبينة على الغريم، ليرجع عليه بما غرم، وفي رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب النكاح، ما يدل على أنه محمول على الملأ، وأن على المتحمل له إقامة البينة أنه عديم؛ لأنه قال فيه: إنه لا شيء على الحميل حتى لا يوجد للغريم مال. وقول سحنون أظهر لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الزعيم غارم» لأنه يجب بظاهر هذا القول

مسألة: له على رجل دين فأحاله على غريم له وشرط عليه

حتى يثبت ما يسقط ذلك عنه من ملأ الغريم، ولأنه قد روي عن مالك، بدليل هذا الحديث إن للطالب أخذ الكفيل بالغريم، وإن كان المطلوب المتحمل به مليا، والأظهر قوله الثاني الذي اختاره ابن القاسم؛ لأنه لا يؤخذ الحميل إلا في عدم الغريم، لأنا إن قضينا على الحميل بالغرم، والغريم مالى، وجب أن يقضى للحميل في الحين بالغرم على الغريم، فالقضاء للطالب على الغريم أولى، وأقل عناء، ووجه رواية يحيى في أن الغريم محمول على الملأ، وأن على الطالب إقامة البينة على عدمه، هو الإجماع على أن الدين لم يسقط عن ذمة الغريم بالكفالة، بدليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث جابر للذي ادعى الدين الذي يحمل به عن الميت، «الآن بردت عليه جلده» . فإذا لم يسقط الدين عن ذمته بالكفالة، كان هو أحق أن يتبع به. وبالله التوفيق. [مسألة: له على رجل دين فأحاله على غريم له وشرط عليه] مسألة قال سحنون: وسئل المغيرة عن رجل له على رجل دين، فأحاله على غريم له، وشرط عليه إن لم يقض أو فلس ارتجع على صاحبه. أترى هذا حولا ثابتا أم حمالة؟ وهل تراه أولى به من الغرماء إن فلس قبل أن يقضى؟ قال: أراه حولا ثابتا وأراه للطالب الذي احتال عليه، وله على صاحبه ما ضمن له من شرطه عليه، إذا فلس الذي احتال عليه، رجع على صاحبه بما اشترط عليه. قال محمد بن رشد: قول المغيرة هذا صحيح، لا أعرف فيما

مسألة: دفع إلى رجل دينارا ذهبا على أن يدفع إليه أربعين درهما إلى شهر

أجازه من هذا الشرط في الحوالة خلافا في المذهب؛ لأنه شرط لا فساد فيه، فوجب أن يجوز ويلزم، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "المسلمون «على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا» . وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إلى رجل دينارا ذهبا على أن يدفع إليه أربعين درهما إلى شهر] مسألة وسئل سحنون عن رجل دفع إلى رجل دينارا ذهبا، على أن يدفع إليه أربعين درهما إلى شهر، ويحمل له رجل بالأربعين درهما إلى ذلك الأجل، فلم يستفق لذلك حتى حل الأجل، فقال: يؤخذ الحميل بالأربعين درهما الذي تحمل بها، فإن كان فيها ما يشتري به دينارا، اشترى به دينارا لرب الدين، ودفع إليه، ورجع الحميل بالأربعين درهما على الذي غرمها عنه، وإن كان في الأربعين درهما أكثر من دينار، اشترى منهما دينارا بما بلغ، مثل أن يشتري بعشرين درهما ويرجع الكفيل بعشرين على الذي غرمها عنه، وإن كانت الأربعين لا يكون فيها ما يشتري بها دينارا لرخص الدراهم أو كثرتها، غرم الحميل الأربعين درهما، وغرم الذي أخذ الدينار بقية تمام الدينار، واشترى الدافع الدينار دينارا، ودفعه إليه، ورجع الذي غرم الأربعين درهما بما غرم على صاحبه. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول رسم العرية فلا معنى لإعادته.

مسألة: طلبا دابتين ذهبتا منهما فألفياهما عند رجل أعطياني حميلا بقيمتهما

[مسألة: طلبا دابتين ذهبتا منهما فألفياهما عند رجل أعطياني حميلا بقيمتهما] مسألة من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب وأشهب قال عبد الملك بن الحسن: سئل عبد الله بن وهب عن رجلين طلبا دابتين ذهبتا منهما، فألفياهما عند رجل من الناس، فأعلماه أنهما سرقتا منهما، فقال لهما الذي ألفياهما في يديه: أعطياني حميلا بقيمتهما إلى أجل، واذهبا بالدابتين إلى بلدكما، فإن أقمتما لي بينة عليهما عند قاضيكما، فلا حق لي على حميلكما، وإن لم يثبت ذلك أخذت حميلي بالقيمة إلى ذلك الأجل، فتحمل أحد الرجلين الطالبين للذي ألفيا عنده الدابتين بقيمتهما إلى أجل، ثم انطلقا بالدابة إلى بلدهما، ليقيما عليهما البينة، فهلكتا الدابتين في أيديهما قبل أن يستحقاهما بالبينة، فأتى الذي ألفيت الدابتان عنده عند الأجل إلى حميل أحد الرجلين، فأخذ منه القيمة التي كان يحمل بهما بأمر السلطان، أو بغير أمر السلطان، قلما ذهب أن يرجع على صاحبه الذي تحمل عنه بما غرم عنه، قال له صاحبه: ذلك أن تغرمني ثمن دابة، وأنت تعلم أنها دابتي وإني إنما طلبت من أمرها حقا، فقال الحميل: إنما أعرف أنها دابتك، غير أنك لم تستحقها بالبينة حتى تدفع عني ما تحملت به عنك من قيمتها، وقد غرمت عنك بحمالتي قيمتها فيما يذهب مالي وإنما غرمته عنك بالأمر في ذلك. قال: يرجع عليه بما غرم عنه على ما أحب أو كره، إذا كانت حمالته بأمره؛ لأنه قد أدخله في ذلك، وأمره بالحمالة، وقد علم أنه يثبت أو لا يثبت، ويسلم الدابتان أو لا يسلمان، ولم يثبت بها حق فيسقط الغرم عنهما، فهو يرجع على صاحبه بنصف الغرم، حُكْمٌ يُحكَم به عليه، شاء أو أبى. وإذا كان قد غرم ما تحمل به عنه وعن نفسه، وإن لم يكن غرم رجع

باع طعاما إلى أجل وتحمل له رجل بالدينار فلما حل الأجل غرمه الحامل

المتحمل له عليهما، فأخذ من كل واحد منهما النصف، إذا كانت حمالة المتحمل بإذن صاحبه المدعي معه، وأمره كما وصفت. قال أشهب: عليه أن يغرم له ما غرم عنه، إلا أن يستحق الدابتان ببينة، فيرجع المتحمل إلى الذي كانت له الدابتان في يديه فيأخذ منه قيمتهما التي دفع إليه مثل قول ابن وهب. قال محمد بن رشد: كان من أدركنا من الشيوخ يحملون قول ابن وهب وأشهب في هذه المسألة على أنه خلاف قول ابن القاسم في رسم استأذن من سماع عيسى في كتاب الاستحقاق، في الذي يستحق من يديه العبد، وهو يعلم أنه من بلاد البائع، إنه لا رجوع له عليه بشيء من الثمن الذي دفع إليه وخلاف قول سحنون - في نوازله من كتاب جامع البيوع في الذي يبتاع الأرض أو الدار من الرجال، وهو قد عره في يديه يحوزه ويملكه ثم يسأله أن يحوزه إياه، إن ذلك لا يلزمه، ولست أرى ذلك ولا أقول به، لأنهما إنما أرجعا الحميل على صاحبه بما أدى عنه من أجل أنه قد التزم ضمان ذلك، لأنهما جميعا التزما ضمان الدابتين للذي ألفياهما في يديه، وتحمل أحدهما بذلك عن صاحبه، فوجب إذا غرم عنه بالحمالة، ما هو له ضامن بالتزامه ضمانه، أن يرجع به عليه قولا واحدا. وبالله التوفيق. [باع طعاما إلى أجل وتحمل له رجل بالدينار فلما حل الأجل غرمه الحامل] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيع والصرف قال أصبغ: قال ابن القاسم في رجل باع طعاما نقدا بدين إلى أجل، وتحمل له رجل بالدينار، فلما حل الأجل، غرمه الحامل، ثم رجع على صاحبه، فأراد أن يعطيه في ذلك طعاما مخالفا لذلك الطعام الذي اشترى منه أو من صنفه أكثر من كيله، قال: لا بأس بذلك كله، والحميل ها هنا بمنزلة البائع، قيل: فلو لم يكن حميلا فتطوع، فقضاه عن الغريم، ثم أراد أن يأخذ من المشتري ما

مسألة: يتحمل للبائع رجل على أنه إن مات الحميل قبل ذلك فلا حق له

وصفناه، قال: فلا بأس بذلك، هو بمنزلة الحميل أيضا في ذلك، وإنما الذي كره من ذلك، أن يكون البائع الذي تحمل به عليه، فلا يجوز للمتحمل إلا ما كان يجوز للبائع أن يأخذه؛ لأنه بمنزلته. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إنه لا يجوز للحميل أو المتطوع بالأداء إذا أدى الدينار عن المشتري، للبائع أن يأخذ منه بديناره طعاما مخالفا له، أو من صنفه أكثر منه؛ لأنه لم يدفع طعاما، وإنما دفع دينارا، فجائز له أن يأخذ به طعاما. وقوله: ليس الحميل ها هنا بمنزلة البائع، بين صحيح؛ لأن البائع باع طعاما، فلا يجوز له أن يأخذ من المشتري طعاما؛ لأنه يدخله الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما، فيتهمان على أنهما عملا على بيع طعام بطعام إلى أجل. وقوله: وإنما الذي كره من ذلك أن يكون البائع الذي تحمل به عليه، معناه: وإنما الذي كره من ذلك أن يكون البائع للطعام بالدينار، تحمل رجلا له عليه دينار به، فيأخذ منه به طعاما، وذلك صحيح على ما قاله؛ لأن المحيل ينزل في الدين الذي أحيل به منزلة من أحاله، ومنزلته في الدين الذي أحيل به فيما يجوز له أن يأخذ له منه، وفيما يريد أن يتبعه من غيره، فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا ما كان يجوز للذي أحاله أن يأخذه منه، وما كان يجوز له هو أن يأخذه من الدين الذي أحيل به. وبالله التوفيق. [مسألة: يتحمل للبائع رجل على أنه إن مات الحميل قبل ذلك فلا حق له] مسألة قال أصبغ: وسألت ابن القاسم، وسئل عن الرجل يشتري من الرجل السلعة على أن يتحمل للبائع رجل على أنه إن مات الحميل قبل ذلك، فلا حق له على ورثته، أو مات صاحبه قبل، فلا حمالة له على الحميل والورثة، قال: هذا حرام، فإن وقع وفاتت السلعة ردت إلى القيمة، والحمالة ساقطة عن الحميل، على كل حال. قال أصبغ: أرى جوابه هذا على عجلة وغير علم بالمسألة،

وأنه أجاب جواب غيرها مما سبق إليه ظنه به، وليس بالمسألة بأس، والبيع عليهما؛ لأن الشرط ليس للمشتري، وإنما هو للحميل، والحق ثابت بحاله للغريم، ليس فيه شرط، فيكون فيه غرور، ومعناه: وإنما شرط الحميل لنفسه كما لو تحمل على غير بيع، ولا اشترى منهما بدين قد كان على المحيل قبل ذلك ثابتا بعوض أو بغيره، واشترط الحميل لنفسه هذا الشرط، لم يكن به بأس، فذلك هو بالبيع والاشتراء، إذا كان الثمن المشتري ثابتا مؤجلا وللحميل شرطه، وإنما ذلك بمنزلة ما لو احتمل مهر امرأة إن تم الدخول بها فعليه، وإن ماتا قبل ذلك أو طلقها فلا احتمال عليه، وهو على الزوج ثابت. أو تحمل على إن أعطاني فلان وثيقة قبل أن يموت، وإلا فلا حمالة لكم علي، أو تحمل إلى قدوم فلان، فإن قدم، أو إلى أجل على إن قدم قبل الأجل فلا حمالة عليه، فهذا كله وما أشبهه، جائز ولا مغاررة فيه من الحميل والبائع، ولا في البيع والاشتراء؛ لأن الثمن ثابت على المشتري، وإنما الذي يفسد ويحرم، أن لو اشترط المشتري إن مات قبل الأجل، فلا تباعة عليه، وإن مات صاحب الحق فلا تباعة له ولا لورثته، والثمن مقدر، أو اشترط الحميل لنفسه وللمشتري جميعا، فيكون أفسد وأشهد وإلا فلا بأس به إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قول: الرجل يشتري من الرجل السلعة على أن يتحمل للبائع رجل، يريد: بالثمن الذي اشتراها به إلى أجل. وقوله: على أنه إن مات قبل ذلك، يريد: قبل الأجل الذي اشترى إليه السلعة. وقوله: أو مات صاحبه قبل، يريد: أو مات المتحمل به المشتري قبل الأجل أيضا، والحمالة على هذا الشرط جائزة إن كانت بعد عقد البيع، روى ذلك

مسألة: تحمل عن رجل فقال الذي عليه الحق للحميل بعني سلعتك

أصبغ عن ابن القاسم، فيما حكاه ابن حبيب. واختلف إن كانت مشترطة في أصل عقد البيع على أربعة أقوال: أحدها قول ابن القاسم هذا: إن البيع فاسد، والحمالة ساقطة، والثاني: قول أصبغ: إن البيع جائز، والحمالة لازمة، وهو قوله: والمسألة ليس بها بأس والبيع عليهما، يريد: الشرطين، والثالث: إن البيع جائز، والحمالة ساقطة، والرابع: إن البيع فاسد والحمالة لازمة، والاختلاف في هذه المسألة كالاختلاف في البيع على رهن فاسد، على حسب ما قد ذكرناه في أول سماع أصبغ، من كتاب الرهون. وقال بعض أهل النظر: إن قول ابن القاسم في هذه المسألة مخالف لأصله في المدونة في إجازة اشتراط الرهن الغرر، كالثمرة التي لم يبد صلاحها في أصل البيع، وليس ذلك عندي بصحيح، لافتراق المسألتين، فإن الغرر في الثمرة لا صنع لهما فيه والغرر في الحمالة إنما كان بقصدهما له، واشتراطهما إياه، ولو كان الرهن إنما الغرر فيه بما اشترطاه، لجاز ارتهانه بعد عقد البيع قولا واحدا، ويتخرج في اشتراطه في عقد البيع أربعة أقوال، حسبما قد ذكرناه في أول سماع أصبغ، من كتاب الرهن. وهذه المسألة من غريب المسائل على مذهب ابن القاسم؛ لأنه لا تجوز الحمالة إذا انفردت عن البيع ويبطلها ويفسد البيع إذا اشترط في أصله. وفرق أشهب في رواية البرقي عنه بين الرهن والحمالة الصحيحين في أصل البيع الفاسد، فأبطل الحمالة وجعل الرهن رهنا بالثمن من الثمن أو القيمة، وابن القاسم يبطل الرهن والحمالة في أحد أقاويله، على ما مضى من اختلاف قوله في رسم العرية من سماع عيسى. وبالله التوفيق. [مسألة: تحمل عن رجل فقال الذي عليه الحق للحميل بعني سلعتك] مسألة وسئل عن رجل تحمل عن رجل، فقال الذي عليه الحق للحميل: بعني سلعتك اقضها فلانا أو أبيعها فاقضها فلانا،

باع من رجل عبدا بنظرة فأحال بها عليه رجلا فأقر بها المشتري

فتسقط عنك الحمالة، قال: ما أراه يحل ولا يعجبني، لأني أخاف أن يكون من وجه الدين بالدين، ووجه من وجوه الربا. قال محمد بن رشد: المكروه في هذه المسألة بين؛ لأن المعنى فيها أنه اشترى منه السلعة إلى أجل بأكثر من قيمتها نقدا على أن يقبضها غريمه فيما كان له عليه من الدين الذي كان تحمل به عنه، إن كان قضى السلعة بعينها عنه، ولم يبعها، وإن كان باعها فقضاه الثمن، صار كأن الحميل قضى عنه عشرة، إن كان باع السلعة في التمثيل بعشرة، على أن يأخذ من المشتري خمسة عشر إلى أجل إن كان باعها منه في التمثيل بخمسة عشر إلى أجله، فدخله سلف خمسة في خمسة عشر إلى أجل بذلك الدينار بعينه. ووجه من وجوه الدين بالدين كما قال؛ لأن الحميل كأنه دفع إلى المتحمل له، عشرة دنانير، على أن يأخذ بها عن المتحمل عنه خمسة عشرة إلى أجل، وذلك من المكروه. وبالله التوفيق. [باع من رجل عبدا بنظرة فأحال بها عليه رجلا فأقر بها المشتري] ومن كتاب القضاء العاشر من البيوع قال أصبغ: وسألته عن رجل باع من رجل عبدا بنظرة، فأحال بها عليه رجلا فأقر بها المشتري الذي أحيل بها عليه، ثم رد العبد من عيب كان به. قال: إن كان أحاله بدين كان له عليه، لزم المتحمل عليه غرم ذلك للمحال، وإن كان أصله منه، أو هبة وهبها لآخر لم يلزمه غرم شيء إذا لم يكن دفعها، وإن هو دفعها إليه، لم ينتفع بها الموهوب له أو المتصدق عليه والموصول بها، ولم يتبع بها إلا البائع الذي باعه الرأس، ولم يكن له على المدفوع

إليه قليل ولا كثير، وإنما دفعه إياها بمنزلة ما لو قبضها البائع، ثم تصدق بها على أحد، أو وهبها له؛ لأنه يوم فعل ذلك لم يكن عليه دين يرد به صدقته ولا هبته، وإنما هو قضاء حادث. وفي سماع أبي زيد بن أبي الغمر عن ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: قوله فيمن باع عبدا بنظرة فأحال غريما على المشتري بالثمن، فرد بعيب: إنه يلزمه أن يدفع الثمن إلى المحال ويرد به على البائع المحيل، وهو مثل قوله في كتاب الحوالة من المدونة: إنه إذا استحق العبد على القول بأن الرد بالعيب نقض بيع، فدخل فيه قول أشهب، فلا يلزمه على مذهبه أن يدفع الثمن إلى المحال، وإن كان قد دفعه إليه قبضه منه أو فات عنده على مذهبه، مضى له، ورجع المشتري بالثمن على البائع، وقيل: لا يلزمه أن يدفعه إليه، فإن دفعه إليه، كان له أن يرجع به عليه، وإن فاته من يده، وإن شاء رجع على البائع؛ لأن البيع قد كشف أنه أحاله بما لم يملك، وأما على القول بأنه ابتداء بيع، فيلزمه أن يدفع إلى المحال الثمن قولا واحدا. والله أعلم. وكذلك يختلف إذا وهب الثمن أو تصدق به ثم استحق العبد أو رد بعيب على هذه أربعة أقوال: أحدها إن هبته والصدقة به، تفوت له، ويلزم المبتاع أن يدفعه إلى المتصدق عليه، أو الموهوب له، ويرجع به على البائع الواهب. روى ذلك عيسى عن ابن القاسم في المدونة قال: ذلك إذا كان قد جمع بينه وبينه، فأقر له، وهو قول بعض الرواة في النكاح الثاني من المدونة. وفي المرأة تهب لرجل صداقها على زوجها قبل الدخول، فيطلقها، إنه يلزمه أن يدفع جميعه إلى الموهوب له، ويرجع بنصفه على المرأة. والثاني إنه لا يفوت إلا بالقبض، فإن لم يدفعه المشتري، كان له أن يمسكه، وإن كان قد

دفعه لم يكن له أخذه، ورجع على البائع به. والثالث إنه لا يفوت إلا باستهلاك الموهوب له بعد القبض، فإن كان لم يدفعه كان له أن يمسكه وإن كان قد دفعه إليه، كان له أن يأخذه منه ما لم يفوته بأكل أو استهلاك، فإن فوته بذلك، مضى له ورجع المشتري به على البائع الواهب. والرابع إن الهبة والصدقة لا تصح للموهوب له والمتصدق عليه في حال من الأحوال؛ لأن الغيب كشف أنه وهب أو تصدق بما لم يملك، وإن كان قد دفعه باستهلاكه، رجع المبتاع على البائع، ورجع البائع على المتصدق عليه والموهوب له. حكاه محمد بن المواز عن ابن القاسم في المرأة تأخذ الصداق من زوجها تتصدق به، فيطلقها قبل الدخول، إنه يرجع عليها بنصف الصداق، وترجع هي به على المتصدق عليه؛ لأنها تصدقت عليه بما لم يصح لها ملكه. وفي المسألة قول خامس، وهو إن كان البائع الواهب عديما، كان للمشتري أن يمسكه إن كان لم يدفعه، وإن كان مليا لزمه أن يدفعه إلى الموهوب له، ويتبع به الواهب، وهو قول ابن القاسم في النكاح الثاني من المدونة، وفي المرأة تهب الصداق الذي لها على زوجها فيطلقها قبل الدخول. هذا تحصيل الخلاف في هذه المسألة، والذي يوجبه النظر والقياس فيها أن يكون هذا الاختلاف في الرد بالعيب على القول بأنه بيع مبتدأ، وفي الطلاق قبل الدخول على القول بأن المرأة يجب لها جميع الصداق بالعقد، ولا يجوز الهبة ولا الصدقة في الاستحقاق ولا في الرد بالعيب على القول بأنه نقض بيع، ولا في الطلاق؛ لأنه لا يجب للمرأة بالعقد إلا نصف الصداق، فيأتي جواب ابن القاسم في مسألة هبة الزوجة صداقها قبل الدخول، على القول بأن المرأة لا يجب لها بالعقد من الصداق إلا نصفه. وجواب بعض الرواة على أنها يجب لها بالعقد جميعه. وبالله التوفيق.

يقول للرجل تحمل عني لفلان ولك دينار

[يقول للرجل تحمل عني لفلان ولك دينار] ومن كتاب محض القضاء وسئل أصبغ عن الرجل يقول للرجل: تحمل عني لفلان، ولك دينار. قال: لا خير فيه، كأنه أعطاه دينارا على أن يضمن عنه عشرة، فلا يجوز. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الحمالات بالجعل حرام. وقوله. وكأنه أعطاه دينارا على أن يضمن عنه عشرة، ليس بكلام مستقيم، إذ ليس بشبيه له، وإنما هو ذلك بعينه فكان صواب الكلام أن يقول: لا خير فيه؛ لأنه أعطاه دينارا على أن يضمن عنه عشرة، أو يقول: لأنه كأنه أعطاه دينارا على أن يسلفه عشرة دنانير، يؤديها عنه إلى غريمه، ويتبعه بها إن طلب بالحمالة، وقد يطلبه بها، وقد لا يطلب، فهو ربى بين، وغرر ظاهر، وذلك حرام لا يجوز، فإن وقع ذلك، رد الدينار، وبطلت الحمالة، وإن كانت في أصل العقد، وكذلك إذا أعطاه الجعل المتحمل عنه، بعلم المتحمل له، وأما إن أعطاه المتحمل عنه بغير علم الطالب المتحمل له، فيرد الجعل، وثبتت الحمالة. وقد مضى هذا المعنى في أول رسم سماع ابن القاسم، وفي أول سماع أشهب، فقف على ذلك في الموضعين. والله الموفق. [مسألة: كان له على رجل مائة دينار إلى أجل فقال أعطني حميلا إلى الأجل] مسألة وسئل أبو زيد، عن رجل كان له على رجل مائة دينار إلى أجل، فقال له صاحب الحق: أعطني بمالي عليك حميلا إلى الأجل، وأنا أضع عنك منها عشرة، ففعل ذلك، فأعطاه حميلا بما له عليه إلى أجله، على أن يضع عنه عشرة دنانير، قال: لا بأس بذلك، قلت: أرأيت لو قال له: أعطني بمالي عليك رهنا أو حميلا

يشتري من البكر أو المولى عليه ويتخذ عليهما حميلا بما لزمه

إلى أجل. وهذه عشرة دنانير، فخذها مني، فأعطاه رهنا أو حميلا وأخذ منه عشرة دنانير نقدا ليس. مقاصة، ولا وضيعة مما له عليه. قال: وهذا أيضا مثله لا بأس به. قال محمد بن رشد: لم يذكر في بعض الروايات أبا زيد، فدل على أن المسئول أصبغ. وإجازة من أجاز منهما أن يضع الرجل على الرجل بعض ماله عليه من الحق على أن يعطيه بالبقية رهنا أو حميلا، أو يعطيه دنانير على أن يعطيه بحقه رهنا أو كفيلا، خلاف ما في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون، وخلاف ما في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال، وإجازة ذلك على ما في هذه الرواية عن أصبغ وأبي زيد أظهر، ووجه الكراهية فيه عند مالك وابن القاسم، أن المعطي للدنانير أعطاه عوضا عما لا يعلم قدر الانتفاع به من الرهن، أو الحميل، إذ لا منفعة للمرتهن في الرهن إلا أن يقوم الغرماء على الرهن، وهو لا يدري هل يقومون عليه أم لا؟ ويكون قدر انتفاعه به إن قام عليه الغرماء؛ لأن كل ما كثر عليه الديون، كثر انتفاعه بالرهن، فدخله الغرر، والحميل أبين من الغرر. وبالله التوفيق. [يشتري من البكر أو المولى عليه ويتخذ عليهما حميلا بما لزمه] من نوازل سئل عنها أصبغ وسئل أصبغ عن الرجل يشتري من البكر أو المولى عليه، ويتخذ عليهما حميلا بما لزمه من قبله أو من قبلها من درك، هل يلزم الحميل حمالته إذا فسخ بيع السفيه والبكر، وإبطال الثمن عنهما بفاسدهما وأنهما لم يدخلاه في منفعة، ويعدى عليه المشتري بالثمن كما اشترط في حمالته؟ وكيف إن لم يذكر حمالته وقال: إنما نشتري منك على أنك ضامن لما أدركني من قبله؟ قال أصبغ: الحمالة لازمة، ولا تسقط عنه؛ لأنه ليس فيها حرام يسقط به، إنما

ضمن ما دفع إلى السفيه، فهو كرافعه إليه، ويغرم به، ويسقط عليه ولا يتبعه به، فأما ضمان ما أدرك منه فلا أراه شيئا؛ لأنه لم يدركه من السفيه لما شرط، إنما أدركه به وليس منه، فلا أراه شيئا، إلا أن يكون السفيه هو القائم بذلك عن نفسه، ولنفسه، حتى فسخ له شراء المشتري وإبطال ماله، بمعاملة قام بذلك عن نفسه فقضي له، أو حسنت حاله، وقام به قيام وصحة، فقضى له، فإن كان كذلك، رأيت الضمين ضامنا لأنه أدركه منه وإلا فلا. قال محمد بن رشد: ألزم أصبغ، من تحمل للمشترى عن البكر أو المولى عليه بما لزمه من قبل كل واحد منهما ما التزمه، وكذلك إذا ضمن ذلك عنهما. وفي قوله في السؤال: وكيف إن لم يذكر حمالته؟ وقال إنما أشتري منك على أنك ضامن لما أدركني من قبله، دليل على أن الحمالة عنده ألزم من الضمان في ذلك، وإن كانا عنده جميعا لازمين فيه، والأظهر أن يكون الضمان في ذلك ألزم من الحمالة، وإن لزما جميعا؛ لأن السفيه لا يرجع عليه، والحمالة تقتضي الرجوع، والضمان يحتمل الحمل الذي لا رجوع فيه، والحمالة التي فيها الرجوع، فاللفظ الذي يحتمل فيما لا رجوع فيه، ينبغي أن يكون ألزم من اللفظ، الذي لا يحتمل الحمل فيما لا رجوع فيه، وظاهر قول أصبغ إلزام الحميل الحمالة، وإن لم يعلم بسفه الذي تحمل عنه، وهو مذهب ابن القاسم، ومعنى ذلك عندي إذا لم يعلم بذلك المتحمل له أيضا، وأما إذا علم هو ولم يعلم الحميل، فينبغي أن لا تلزمه الحمالة؛ لأنه قد غره، إذ لم يعلمه بسفهه، حتى يتقدم في الضمان عنه على المعرفة بأنه لا يرجع بما ضمن، وابن الماجشون يقول: إن الحمالة لا تلزم الحميل إذا لم يعلم بسفه المتحمل عنه، معناه: علم المتحمل أو لم يعلم،

يتحمل بوجه إلى أجل فلا يأتي من تحمل عنه إلى الأجل

فالخلاف فيما بين ابن القاسم وابن الماجشون، إنما هو إذا لم يعلما جميعا، وأما إذا لم يعلم الحميل، وعلم المتحمل له، فلا تلزمه الحمالة، قولا واحدا، فإن علما جميعا أو علم الحميل منهما، لزمته الحمالة قولا واحدا. وقد رأيت لابن الماجشون، أنه إذا علم المتحمل له، فلا شيء على الحميل، علم أو لم يعلم، وهو بعيد أن تسقط الحمالة عن الحميل إذا تحمل به وهو يعلم بسفهه، فإن علم الحميل ولم يعلم المتحمل له، لزمته الحمالة باتفاق، وإن علم المتحمل له ولم يعلم الحميل لم تلزم الكفالة باتفاق، وإن جهلا جميعا أو علما جميعا لزمته الحمالة عند ابن القاسم، ولم تلزم عند ابن الماجشون، إلا في وجه واحد من الأربعة أوجه، وهو أن يعلم الحميل ولا يعلم المتحمل له، ولا تسقط عند ابن القاسم إلا في وجه واحد منها، وهو ألا يعلم الحميل، ويعلم المتحمل له، وفي قوله في سؤال المسألة: وإبطال الثمن عنهما لفسادهما، وأنهما لم يدخلاه في منفعة، دليل بين على أن السفيه لا يبطل عنه ما أدخله في منفعته، وصرفه في وجوهه، وفي ما لا غناء له عنه، وهو نص قوله في نوازله من كتاب المديان والتفليس، خلاف ما رواه عن ابن القاسم وابن كنانة حسبما ذكرناه هناك. وتفرقة أصبغ في هذه الرواية أن يقول: أتحمل لك بما أدركك منه أومن قبله بين على ما تقتضيه الألفاظ، إذا عرى الأمر من بساط، يدل على الوجه الذي التزم الطلاق به وبالله التوفيق. اللهم لطفك. [يتحمل بوجه إلى أجل فلا يأتي من تحمل عنه إلى الأجل] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن الذي يتحمل بوجه الرجل إلى أجل، فإن لم يأت به إليه، فالمال عليه، فلا يأتي به إلى الأجل، ويأتي به من الغد، إن الحميل ضامن للمال، حين لم يأت به يوم الأجل.

مسألة: عليه دين وله مال غائب يعلم غرماؤه ذلك فطلبوا حميلا حتى يقدم المال

قال محمد بن رشد: إعمال ابن القاسم هذا الشرط في رواية أبي زيد عنه، خلاف أصله المعلوم من قوله، وروايته عن مالك في مسألة كتاب بيع الخيار من المدونة في الذي يبيع السلعة من رجل، على أن المشتري بالخيار ثلاثة أيام، فإن غابت الشمس من آخر الثلاثة الأيام، ولم يأت بها، لزمه البيع، إنه بيع مكروه، لاشتراطه فيه ما يوجب الحكم خلافه، ولم يتكلم في المدونة على حكم البيع إذا وقع على هذا الشرط. وقد اختلف في ذلك، فقيل: يفسخ البيع، وهو دليل ما في كتاب ابن المواز من أنه بيع فاسد، وقيل: يبطل الشرط ويجوز البيع، على قياس قوله: إن لم يأت بالثمن إلى كذا وكذا، فلا بيع بينهما، فقول ابن القاسم في هذه الرواية، يأتي على قياس قول أشهب: في أن البيع يلزم المشتري بمغيب الشمس من آخر أيام الخيار، والذي يأتي على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك، إن كان الحميل بهذا الشرط بعد عقد البيع أن يبطل الشرط ويتلوم الحميل إن حل الأجل، ولم يأت بالغريم، حسبما مضى من الاختلاف في ذلك في رسم الجواب من سماع عيسى، ورسم المكاتب من سماع يحيى. وقد قيل: إن المال يلزمه إذا مضى بعد الأجل قدر ما يتلوم له فيه الثلاثة الأيام. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها إن المال يلزمه بمضي الأجل كما شرط، والثاني إن المال يلزمه بمضي قدر التلوم، والثالث إن المال لا يلزمه إلا بالحكم بعد التلوم، كما إذا تحمل بالوجه ولم يشترط شيئا أو دون تلوم، على ما حكاه ابن المواز عن ابن القاسم عن ابن وهب، من أن الحميل بالوجه لا يؤجل إذا حل الأجل وغاب الغريم، وإن كان في عقد البيع فسد البيع على الاختلاف الذي ذكرته في أول رسم من سماع أصبغ في الحمالة الفاسدة المشترطة في أصل البيع. وبالله التوفيق. [مسألة: عليه دين وله مال غائب يعلم غرماؤه ذلك فطلبوا حميلا حتى يقدم المال] مسألة وقال في رجل عليه دين، وله مال غائب، يعلم غرماؤه

ذلك، فقالوا: أعطنا حميلا حتى يقدم مالك، قال: ليس ذلك لهم، إلا أن يخافوا عليه أن يموت أو يغيب عنهم. قال محمد بن رشد: كان ابن عتاب يضعف هذه الرواية ويقول: إنها رواية ضعيفة، خارجة عن الأصول، كالتي فوقها، وككثير مما روي. والصواب أنه يلزمه حميل بالمال، إذا سأل أن يؤخر بما عليه حتى يأتي به، فرأى ذلك القاضي بوجه النظر والاجتهاد. وكان الفقهاء بطليطلة يتفقون فيمن عليه دين، فسأل أن يؤخر به حتى ينظر فيه وهو وافر الحال، معلوم بالجدة واليسار والمال المأمون، فأُجل في ذلك، أنه لا يلزمه حميل إلا بوجهه، بدليل هذه الرواية، وهو لعمري دليل ظاهر، وإلى هذا ذهب ابن مالك فقال: إذا كان المطلوب معروف العين مشهورا ظاهر الملا بين الوفر، فلا يؤخذ منه حميل؛ لأن معنى الحميل، إنما هو الوثق بالطلب بحميل، هو واثق من مطلوبه، فإذا كان مطلوبه ثقة، فلا معنى للحميل، إذ لو أتاه بحميل ملي بماله، وإن لم تكن حاله في الملا كحال المطلوب، لقبل منه، فبان بذلك أنه لا معنى للحميل في ذلك. قال: وإنما كان سحنون يرى على قاتل الخطأ الحميل، لتشهد البينة على عينه في رجل غير مشهور. هذا معناه عندنا، فعلى ما ذهب إليه ابن مالك، إذا لم يكن مشهور العين، وهو ظاهر الملا والوفر، لزمه حميل بوجهه على ما كان يفتي به فقهاء طليطلة دون تفصيل، فقول ابن مالك هو الصحيح في المسألة، وتضعيف ابن عتاب الرواية صواب؛ لأن مال المطلوب غائب على ما ذكره فيها، فوجب أن يؤخذ منه حميل بالمال، بخلاف إذا كان ماله حاضرا ووفره ظاهرا من الأصول وغير ذلك، فها هنا يحسن قول ابن مالك، وما كان يفتي به الفقهاء بطليطلة، وهو قول سحنون، كتب إليه في رجل بعث معه

مسألة: اشترى دابة وثوبا إلى أجل وتحمل آخر بالبيع فحل الأجل والغريم غائب

بمال، فتعدى فيه، فأنفقه، ثم اعترف به عند الحاكم، وقال: هذا ربعي أبيعه، فيعرضه، فلا يجد من يشتريه، فطلب منه الطالب حميلا بوجهه. فهل ذلك عليه؟ وهل يحبس إن لم يجد حميلا؟ فكتب، لا حميل على هذا ولا حبس، إذا بذل من نفسه هذا، ولم يتهم، وإنما يحبس المفلس، فيتهم أن يخفي مالا. وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى دابة وثوبا إلى أجل وتحمل آخر بالبيع فحل الأجل والغريم غائب] مسألة وقال في رجل اشترى من رجل دابة وثوبا إلى أجل، وتحملت أنا بالبيع، فحل الأجل، والغريم غائب، فقام المشتري، قال: إن غرم الحميل ثوبا مثله، ودابة مثلها من عنده بغير شراء يشتريه، فالذي عليه الحق مخير، إن شاء أعطاه قيمة ثوبه، أو قيمة دابته، بدابة مثل دابته، أو ثوب مثل ثوبه. وإن اشترى الثوب أو الدابة، كان على الذي عليه الحق ذلك الثمن، ولو أعطاه الحميل من ثوب حمارا أو من حمار ثوبا، كان الذي عليه الحق مخيرا إن شاء قيمة ما دفع، أو يدفع إلى الحميل مثل الذي تحمل به عنه، ثوبا كان أو دابة. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة ها هنا في بعض الروايات وقد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم الأقضية من سماع يحيى فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى سلعة بعشرة دنانير إلى شهر فلما حل الأجل أداها الحميل من ماله] مسألة وقال في رجل اشترى من رجل سلعة بعشرة دنانير إلى شهر، على أن تحمل له بها رجل، فلما حل الأجل أداها الحميل من ماله، ثم جحد أن يكون أخذ شيئا، فرجع على الحميل، فأخذها ثانيا. قال: إن كان دفع العشرة الأول أو الآخرة بحضرة الغريم

مسألة: ضمن قمحا لرجل إلى أجل فلما حل الأجل لزم الذي ضمن القمح

بعشرين، وإن كان دفع بغير حضرته، فليس له عليه إلا عشرة. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم أوصى لمكاتبه من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ضمن قمحا لرجل إلى أجل فلما حل الأجل لزم الذي ضمن القمح] مسألة وسئل عمن ضمن قمحا لرجل على أخ له إلى أجل، فلما حل الأجل، لزم الذي ضمن القمح، فجاء الذي عليه القمح فقال: إن فلانا لزمني بذلك القمح، فدفع إليه الغريم دنانير، وقال: اذهب، اشتر له بها قمحا، فاقضه، فقال الذي ضمن ذلك القمح: عندي قمح، وأنا أبيعك عشرة أراديب بدينار، وادفع إليه القمح، فقال: لا يحل للذي له القمح أن يقبضه من الذي ضمن حتى يكلفه للذي عليه الحق، حتى يصير ضمانه منه، ثم يقبضه منه بعد، قال: وأحب إلي أن يوكل الذي عليه الحق من يقبضه من الذي ضمن، ثم يوفيه إياه، فإن وكل الذي ضمن، فأرجو أن يكون خفيفا وضعفه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم نقدها من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: تحملوا لرجل عن رجل بأربعمائة دنانير وبعضهم حملا عن بعض فحل الأجل] مسألة وقال ابن القاسم في أربعة نفر، تحملوا لرجل عن رجل بأربعمائة دنانير، وبعضهم حملا عن بعض، فحل الأجل، وثلاثة منهم غيب، والرابع حاضر، فأغرمه صاحب الحق مائتين، ثم جاء أحد الثلاثة الغيب، فقال: يغرم للذي أدى المائتين، ستة وستين دينارا وثلثي دينار. قيل له: فإن لم يقدم أحد الغائبين الآخرين كيف

يرجع عليه؟ قال: يغرم أربعة وأربعين دينارا، أو أربعة أتساع الدينار، فيكون بين الذي غرم أولا وبين الذي جاء الثاني نصفين سواء، اثنين وعشرين دينارا وتسعي دينار لكل واحد. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على قياس قول غير ابن القاسم في المدونة في مسألة الستة كفلا وعلى ما في كتاب محمد بن المواز من أن الحملاء في صفقة واحدة على أن بعضهم حميل عن بعض، إذا أخذ أحدهم ما ينوبه من جملة ما تحملوا به فأقل، لم يكن له به رجوع على أصحابه، وإنما يرجع على من وجد منهم بما يجب عليه مما أخذ منه زائد على ما ينوب به من جملة ما تحملوا به. وبيان ذلك في هذه المسألة بعينها، أن الغريم الذي تحمل له الأربعة كفلا بأربعمائة دنانير، وكل واحد منهم حميل عن أصحابه لما وجد أحدهم، فأخذ منه مائة دنانير، كانت المائة الواحدة منها هي التي تنوبه من جملة ما تحملوا به، فلا رجوع له بها على أحد، والمائة الثانية أداها عن أصحابه الكفلا الثلاثة الغيب، ثلاثة وثلاثين وثلثا ثلاثة وثلاثين، وثلثا ثلاثة وثلاثين وثلثا وثلثا عن كل واحد منهم، فإن قدم أحدهم قام عليه الذي أدى المائتين، فقال له: قد أديت إلى الغريم مائتين، المائة الواحدة واجبة علي لا رجوع لي بها إلا على المتحمل عنه، والمائة الثانية أديتها بالحمالة عنك وعن صاحبيك الغائبين، ثلاثة وثلاثين وثلثا عنك، وستة وستين دينارا وثلثي دينار عن صاحبيك الغائبين، ثلاثة وثلاثين وثلثا وثلاثة وثلاثين وثلثا عن كل واحد منهما، فادفع إلي الثلاثة والثلاثين وثلثا التي أديت عنك في خاصتك بالحمالة، ونصف ما أديت عن صاحبيك الغائبين بالحمالة، لأنك حميل معي بهما، وذلك ثلاثة وثلاثون دينارا، وثلث دينار، لأني أديت عنهما جميعا ستة وستين وثلثين، فيأخذ منه ستة وستين وثلثين، كما قال، وذلك بين حسبما بيناه، فإن قدم بعد ذلك الثاني من الغائبين، فقام عليه الأول الذي أدى

مائتين، والثاني الذي رجع عليه الأول بستة وستين وثلثين، رجعا عليه بأربعة وأربعين، وأربعة أتساع، فاقتسماها بينهما بالسواء. وتفسير ذلك، أنهما يقولان له: أدينا عنك في خاصتك ثلاثة وثلاثين وثلثا، فادفعها إلينا، وأدينا عن الغائب الثاني بالحمالة، ثلاثة وثلاثين وثلثا، فعليك ثلثها، لأنك حميل معنا به، وذلك أحد عشر وتسع، فيأخذان ذلك منه قيمة أربعة وأربعين، وأربعة أتساع بينهما كما قال، اثنين وعشرين وتسعين لكل واحد منهما، فهذا تفسير ما ذكره من التراجع في هذه المسألة، فإن قدم بعد ذلك الغائب الرابع، فقام عليه الثلاثة الأول، الذي أدى مائتين، فرجع منهما على القادم بستة وستين وثلثين، وعلى القادم الثاني باثنين وعشرين وتسعين حسبما وصفناه، والثاني الذي رجع عليه الأول بستة وستين وثلثين، فرجع هو منهما على القادم الثاني باثنين وعشرين وتسعين، والثالث الذي رجع عليه الأول، والثاني بأربعة وأربعين وأربعة أتساع فيما بينهما حسبما وصفناه، بأنهم يرجعون عليه بثلاثة وثلاثين وثلث فيما بينهم إحدى عشر وتسع لكل واحد منهم، فيستوي الأول بذلك جميع المائة التي أدى بالحمالة؛ لأنه رجع على الذي قدم أولا بستة وستين وثلثين، وعلى الذي قدم ثانيا باثنين وعشرين وتسعين، فتمت بذلك المائة، ويكون كل واحد منهما من الثلاثة الغيب، قد أدى ثلاثة وثلاثين وثلثا كما وجب عليه من المائة التي أداها عنهم الأول، وذلك أن الأول من القادمين كان رجع عليه الأول بستة وستين وثلثين، فرجع منهما على القادم الثاني، باثنين وعشرين وتسعين، وعلى هذا الثالث بإحدى عشر وتسع، فتمت ثلاثة وثلاثين وثلث، نصف ما كان أدى، والثاني من القادمين كان رجع عليه الأول والثاني بأربعة وأربعين وأربعة أتساع على ما بيناه، فلما رجع منها على الثالث بأحد عشر وتسع، كان الذي غرم ثلاثة وثلاثين وثلثا، فاستوى ثلاثتهم في الغرم، وبقي لصاحب الدين من دينه مائة دينار، فرجع بها عليهم ثلاثتهم، فيأخذ من كل واحد منهم ستة وستين دينارا، وثلثي دينار، فيكون كل واحد منهم قد أدى مائة مائة، كما أدى الأول، وقد رجع بالمائة الثانية،

مسألة: يكون عليه دين يحيط بماله أو ببعضه يتحمل بحمالة وهو يعلم أنه سيغرم

فيرجع كل واحد منهم بالمائة التي أدى إلى المتحمل له على المحتمل عنه. فهذا بيان هذه المسألة وتمامها على هذا القول، وأما على القول بأن الحملا في صفقة واحدة كل واحد منهم حميل على صاحبه، يرجع من أدى منهم شيئا على أصحابه بما يجب عليهم من جميع ما أداه حتى يستوي معهم في الغرم، كان هو الذي ينوبه مما تحملوا به، أو أكثر أو أقل، فلا يحتاج في التراجع إلى هذا التشغيب؛ لأن كل ما وجد واحد منهم واحدا من أصحابه، رجع عليه حتى يساويه فيما غرم. بيان ذلك في مسألتنا هذه: أن الأول الذي غرم مائتين، يرجع على القادم أولا من الغيب الثلاثة بمائة، ثم إن قدم الثاني رجعا عليه بستة وستين وثلثين، فاستوى ثلاثتهم في الغرم ثم إن قدم الثالث، رجعوا عليه بخمسين ربع المائتين، فاقتسموها بينهم ثلاثتهم، يجب لكل واحد منها ستة عشر وثلثان، فيكون الذي أدى كل واحد منهم، خمسين وخمسين وهذا كله بين. وبالله التوفيق. [مسألة: يكون عليه دين يحيط بماله أو ببعضه يتحمل بحمالة وهو يعلم أنه سيغرم] مسألة وقال في رجل يكون عليه دين يحيط بماله أو ببعضه، يتحمل بحمالة وهو يعلم أنه سيغرم، إنه لا ينفعه ذلك فيما بينه وبين الله، وهو يعلم أنه سيغرم، والحمالة أيضا عند مالك مفسوخة لا تجوز وراءها من ناحية الصدقة، ولم يرها من ناحية البيع، وذلك أن الحمالة معروف لا شك فيه، وكل معروف صدقة. محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة بزيادة من قول أصبغ، من كتاب المديان والتفليس. ومضى القول عليها هناك فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

مسألة: له على رجل مائة إردب قمح فلزمه بها فقال ليس عندي شيء

[مسألة: له على رجل مائة إردب قمح فلزمه بها فقال ليس عندي شيء] مسألة وسئل عن رجل كان له على رجل مائة إردب قمح، فلزمه بها، فقال: ليس عندي شيء أعطيك، فجاء رجل فقال: أنا أتحمل لك بوجهه إلى غد، فقال صاحب الحق: إن لي عليه مائة إردب قمح، فقال الحميل لست أضمن لك قمحا، ولكن أنظر إلى ثمنه كم هو؟ فإن لم أجئك به، كان على ثمنه، مائة درهم، فتحمل له إن لم يأت بوجهه غدا، كان عليه مائة درهم، فلم يأت به للغد، قال: عليه مائة درهم، قيل له: كيف يصنع بها؟ قال: يأخذها السلطان، فيبتاع له بها قمحا، فإن فضل شيء رد إلى الحميل، وإن عجز لم يكن عليه شيء، قيل له: فإنها ضاعت قبل أن يشتري بها قمحا، ممن يكون؟ قال من الغريم، ويتبع الحميل الغريم الذي تحمل عنه بمائة درهم، ويطلب صاحب الحق أيضا من غريمه الأول، ولا يكون له على الحميل شيء بعد. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن صاحب الحق قنع منه بالحميل بالوجه، إذ كان من حقه أن يأخذ منه حميلا بالقمح، لإقراره له به، والمعنى فيها أيضا، أن الغريم سأل الحميل أن يتحمل عنه، وذلك أن مصيبته المائة درهم إن تلفت منه، ولو كان إنما تطوع له بالحمالة عنه من غير أن يسأله ذلك، لوجب أن يكون ضمان المائة منه وأخذت المائة إردب من الغريم فيبعث في المائة درهم للحميل، ويكون على الذي له الحق ما نقص من المائة درهم، وله ما زاد. وبالله التوفيق. [مسألة: له عليه ثلثا دينار ولآخر نصف فقال لصاحب النصف خذ من هذا ثلثي دينار] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل كان لي عليه ثلثا دينار، ولرجل علي نصف دينار، فقلت للذي له علي النصف: خذ من هذا ثلثي

باع من ثلاثة نفر سلعة واشترط عليهم أن يأخذ حيهم بميتهم ومليهم بعديمهم

دينار، لي عليه، أحيل به، ويبقى لي عليك سدس دينار، قال: هذا لا خير فيه. قال محمد بن رشد: إنما لم يجز هذا؛ لأنه أحاله بنصف دينار، على أن يسلفه سدس دينار، والحوالة بيع من البيوع، لا يجوز أن يقارنها سلف، ولو أحاله عليه بنصف دينار من ثلثي الدينار الذي له عليه لجاز ذلك؛ لأنه أحاله من ذهب؛ لأن الثابت لكل واحد منهما في ذمة صاحبه ذهب، وإن راعيت ما يوجبه الحكم لكل واحد منهما جاز أيضا؛ لأنه قد أحاله من دراهم في دراهم. وبالله التوفيق. [باع من ثلاثة نفر سلعة واشترط عليهم أن يأخذ حيهم بميتهم ومليهم بعديمهم] من سماع حسين بن عاصم وسئل ابن القاسم عن رجل باع من ثلاثة نفر سلعة، واشترط عليهم أن يأخذ حيهم بميتهم، ومليهم بعديمهم، وأيهم شاء أن يأخذ بحقه أخذه، ثم سأل أحدهم حميلا بما عليه فأعطاه حميلا بذلك، ولم يشترط على الحميل شيئا، فلما تقاضاهم الحق قال: أتاه آخذ المحمول عليه بجميع الحق، وأراد غريم الحميل الحق كله، وقد فلس المحمول عنه، فقال: إنما تحملت بما ينوب هذا من المال، فعلي ثلث الحق، فقال ابن القاسم: أرى على الحميل ما على صاحبه، وذلك الحق كله، إذا أخذه الغريم بما شرط عليه، فما وجب على المحمول عنه، وجب على الحميل ما وجب على صاحبه المحمول عنه. قال الفقيه القاضي وهذا كما قال: إن من حقه أن يأخذ الحميل بما كان له أن يأخذ به المتحمل عنه، وقد كان له أن يأخذ المتحمل عنه بجميع حقه بمقتضى شرطه، فإذا علم الحميل بشرطه، لزمه ما كان يلزم المتحمل عنه، ولو لم يعلم بشرطه لما

مسألة: الحميل إذا اشترط على المتحمل له إذا لقيت صاحبك فتلك براءتي

لزمه إلا ثلث الحق، حظ الذي تحمل به، وهو محمول على غير العلم حتى يثبت عليه العلم، فإن أنكر أن يكون علم بالشرط ولم يقم عليه بذلك البينة، لزمته اليمين، فإن حلف لم يلزمه إلا ثلث الحق، وبالله التوفيق. [مسألة: الحميل إذا اشترط على المتحمل له إذا لقيت صاحبك فتلك براءتي] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الحميل إذا اشترط على المتحمل له، إذا لقيت صاحبك فتلك براءتي، أترى هذا براءة له إن لقيه؟ وكيف إن لقيه بموضع إن تعلق به لم يقدر عليه؟ قال ابن القاسم: أرى له شرطه هذا، وأرى هذا براءة للحميل، بشرط إن لقيه الغريم بموضع يقدر عليه، وإن لقيه بموضع لا يقدر عليه، فلا أرى له ذلك براءة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه شرط لا فساد فيه ولا غرر، فوجب أن يلزم، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا» ويبرأ إذا لقيه بموضع يقدر عليه فيه؛ لأنه المفهوم من قوله: إذا لقيت صاحبك، فتلك براءتي، إذ لا معنى للقيه في موضع لا يقدر عليه فيه، كما لو دفعه إليه في ذلك الموضع لم يبرأ من حمالته بدفعه إليه، ولو لم يشترط ذلك عليه، لم يبرأ بلقيه إياه، وإن لقيه في موضع يقدر عليه حتى يدفعه إليه فيه، وشهد عليه بذلك، وكذلك روى أصبغ عن ابن القاسم. قال: قلت له: فلو تحمل رجل برجل إلى غير أجل، أو إلى أجل، فلقي الطالب صاحبه مساء وصباحا بعد محل الأجل، فتمر به السنتان والثلاث، لا يذكر من أمره شيئا ولا يطلب الحميل بشيء من حمالته، فيغيب المتحمل عنه أو يموت، فيطلب صاحبه من الحميل حمالته، فقال:

مسألة: يتحمل بوجه الرجل ويشترط عليه أنه ليس عليه إلا وجهه ولا يكفل بمال

هو على حمالته، ولا يبريه لقي صاحب الحق إياه، إلا أن يشهد له بالبراءة من حمالته. وقعت هذه الرواية في بعض الروايات في هذا الكتاب متصلة بآخر سماع يحيى وفيها بيان لهذه. وبالله التوفيق. [مسألة: يتحمل بوجه الرجل ويشترط عليه أنه ليس عليه إلا وجهه ولا يكفل بمال] مسألة قال: وسألته عن رجل يتحمل بوجه الرجل، ويشترط عليه أنه ليس عليه إلا وجهه، ولا يكفل بمال إن جاء عليه، وإنما علي وجهه أطلبه حيث كان، فيغيب المحمول عنه، ويؤجل المحيل أجلا بعد أجل فلا يحضر به، قال ابن القاسم: قال مالك: ليس عليه إلا وجهه أبدا، وإن أجله آجالا كثيرة، وشرط الحميل جائز. قلت له: فإذا كانت غيبة المحمول عنه لا تعرف، أيكلف الحميل طلبه؟ قال لا أرى ذلك، قلت: فإن قال المحمول له: أنا بموضع قد سماه، فأخرج فآتني به. قال: ينظر في ذلك للحميل، فإن كان المحمول عنه ببلد يقوى مثله على السير إليه، أمر بذلك، قلت لابن القاسم: فإن خرج إليه فقدم، فقال: لم أجده، وقال المتحمل له: من يعلم أنك بلغت الموضع؟ قال: إذا غاب عن موضعه قدر ما يرى أن مثله يبلغ في مثله ذلك الموضع، فأراه مصدقا في قوله، قال ابن القاسم: وإن كان ضعيفا عن الخروج إلى مثل ذلك الموضع الذي ذكره المحمول له، فلا أرى أن يؤمر بذلك، قلت لابن القاسم: فإن تبين أنه ببلد، وأنه لا يطلبه، قال ابن القاسم: وكيف يختبر هذا؟ إلا أن تقوم بينة أنه خرج، فأقام بقرية، فرجع ولم يتوجه إلى المحمول عنه، وما أشبه ذلك، فأرى للسلطان أن

يعاقبه بالحبس في ذلك على قدر ما يرى، أو يأمره بإحضار صاحبه إن قدر عليه، فأما ضمان المال، فلا أراه عليه إلا أن يكون لقيه فتركه، أو غيبه في بيته وأبى أن يظهره، فإذا أثبت ذلك ببينة عدل، رأيته ضامنا لما عليه إن لم يحضره إياه، وإرساله بعد أن أخذه حتى تلف ذلك الحق، فعليه ضمان ذلك في عنقه. قال أشهب: أراه ضامنا إذا أخذه ثم خلاه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مثل ما في المدونة وغيرها إن الحميل بالوجه، إذا اشترط ألا شيء عليه من المال، فله شرطه، ولا ضمان عليه إلا أن يغيبه أو يفوته عليه، أو يحول بينه وبينه، وما أشبه ذلك، وإنما عليه إذا غاب عن موضعه أن يذهب عنه إن كان قريبا، وليس عليه ذلك إن كان بعيدا، ولا أن يطلبه إن جهل موضعه، وقد اختلف في حد البعد الذي يكلف فيه الذهاب عنه، فقال في هذه الرواية: ينظر في ذلك للحميل، على قدر ما يرى أنه يقدر عليه. وحكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون وابن عبد الحكم ذلك في مسيرة الأيام التي تكون من أسفار الناس، واختلاف البلدان غير النائية جدا. قال ابن حبيب: والشهر ونحوه من أسفار الناس كثير. وحكى عن أصبغ أنه لا يكلف الذهاب عنه إلا مسيرة اليوم واليومين، وما لا مضرة عليه فيه، واختار ابن حبيب القول الأول. وحكى الفضل عن محمد بن عبد الحكم، أن السلطان يتلوم له، فإن جاء به وإلا حبسه حتى يأتي به. وفي كتاب ابن المواز إذا قال: لا أضمن إلا

مسألة: وجوه الحمالة

وجهه لم يلزمه ضمان المال، كما لو اشترط أنه لا شيء عليه من المال، وهذا عندي فيه نظر، إذ لا فرق بين أن يقول.: أنا ضامن لوجهه، ولا يزيد على ذلك وبين أن يقول: لا أضمن إلا وجهه، في وجوب ضمان الوجه عليه، وضمان الوجه يلزمه المال إذا لم يأت بالوجه. والذي يوجبه النظر في ذلك عندي أن ينظر فيه إلى البساط؛ لأن في قوله لا أضمن إلا وجهه، دليل على أنه قصد إلى نفي ما سئل إياه، فإن كان قيل له: تضمن فلانا أو تضمن المال عن فلان، فقال: لا أضمن إلا وجهه، لزمه ضمان المال، ولم يأت بالوجه على حكم ضمان الوجه، وإن كان قيل له: تضمن وجه فلان، فإن لم تأت به، غرمت ما عليه، فقال: لا أضمن إلا وجهه، لم يلزمه ضمان المال بحال. وبالله التوفيق. [مسألة: وجوه الحمالة] مسألة وسمعت ابن القاسم تكلم في شيء من الحمالة فقال: إنما هي ثلاثة وجوه، وهذا الذي آخذ به لنفسي إذا قال: أنا أتحمل لك بالوجه، ليس أنا من الدين في شيء، فليس عليه إلا وجهه يطلبه أبدا، وإن قال: تحمل لي بوجهه، فإن لم تأتني به غدا فالحق عليك، فإن لم يأت به إلى قدر ما تلوم له السلطان إذ لو رفع إليه، فالحق عليه، ولو رفع إلى السلطان تلوم له اليوم واليومين والثلاثة، يطلبه بعد الأجل، قال: وإن تحمل بالوجه هكذا، ولم يأت به حتى مضى الأجل، وبعد ذلك بشهرين أو ثلاثة، أو أربعة، ثم جاء به، فليس له إلا وجهه، يعني ما لم يخاصمه، فيقضي له عليه. قال محمد بن رشد: افتراق هذه الوجوه الثلاثة صحيح كما ذكر، غير أن لبعضها تفسيرا وفي بعضها اختلاف، فأما الوجه الأول، وهو أن يتحمل بالوجه، ويشترط ألا شيء عليه من المال، فقد مضى تفسيره في

المسألة التي قبل هذه وأما الوجه الثاني وهو أن يتحمل بوجهه إلى أجل، ويشترط وجوب المال عليه حلول الأجل، ففيه ثلاثة أقوال، قد مضت في أول سماع أبي زيد وأما الوجه الثالث، فلا خلاف فيما ذكره فيه أعلمه. وبالله التوفيق. * * * تم كتاب الكفالة والحوالة بحمد الله تعالى وحسن عونه وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد النبي الكريم وعلى آله وصحبه. وسلم تسليما، يتلوه كتاب الشركة.

: كتاب الشركة

[: كتاب الشركة] [مسألة: دعا أخا له إلى أن يسلفه ذهبا ويخرج مثلها أو يشاركه فيها ويتجران جميعا بها] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الشركة من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال في رجل دعا أخا له إلى أن يسلفه ذهبا ويخرج مثلها أو يشاركه فيها ويتجران جميعا بها في موضعهما أو يسافران في ذلك، قال: إذا كان ذلك على وجه الصلة والمعروف منه إلى أخيه ولا حاجة إليه في شيء إلا الرفق به فلا بأس بذلك، وأما أن يحتاج إليه في بصره بالبيع والاشتراء أو نفاذه في التجارة وتعلمه ونحوه فلا خير فيه، قال ابن القاسم: وقال لي مالك بعد ذلك: لا خير فيه على حال، وتفسيره الأول إذا كان لا يحتاج إليه في بصر ولا مرفق لم أر به بأسا هو أحب إلي. قال محمد بن رشد: قوله إذا كان ذلك منه على وجه الصلة والمعروف منه ولا حاجة له في شيء من ذلك إلا الرفق فلا بأس به صحيح؛ لأنه إذا فعل ذلك لارتفاقه بمشاركته إياه في وجه من الوجوه كان سلفا جر منفعة، وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن سلف جر نفعا» ، ولا اختلاف في أنه لا بأس بذلك إذا صحت نيته ولا في أنه لا يجوز ذلك إذا قصد

به منفعة نفسه، فمرة رأى مالك النية في ذلك محتملة فسأله عنها وصدقه فيها، ومرة رآها بعيدة، والأظهر منه أنه قصد منفعة نفسه بدليل سؤاله إياه الشركة فنهاه عن ذلك وقال له: لا خير فيه، ولو كان المشرك هو الذي سأله أن يسلفه ويشاركه لوجب أن يسأل عن نيته في ذلك قولا واحدا، وهذا كله فيما يؤمر به ابتداء أو ينهى عنه، وأما إذا وقع ذلك وادعى أنه قصد بسلفه منفعة نفسه ليأخذ سلفه معجلا إن كان ضرب له أجلا أو قيمته إن كان عرضا فعلى القول بأنه يسأل عن نيته ابتداء وينهى عن الفعل يصدق في ذلك مع يمينه ويأخذ سلفه معجلا، وقد مضت هذه المسألة في رسم طلق من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف فأوجزنا الكلام فيها، وأرجأنا تمامه إلى هذا الموضع وبالله التوفيق. مسألة قال ابن القاسم: وقال مالك في رجلين اشتركا في مال لهما لا يستويان فيه لأحدهما مائة وللآخر خمسون، ثم إن صاحب المائة دعا صاحب الخمسين أن يسلفه نصف الخمسين التي يفضله بها حتى يستويا في الشركة قال: إذا كان ذلك على غير شرط عند المشاركة ولا لحاجة من المسلف الذي أسلفه في بصر ولا على شيء إلا الرفق فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا كان ذلك شرطا في أصل الشركة فلا يجوز؛ من أجل أنه إذا كان ذلك شرطا في أصلها؛ وذلك مثل أن يقول له: لي مائة دينار فأنا أسلفك خمسة وعشرين على أن تشاركني بأن أخرج أنا الخمسة والسبعين الباقية لي، وتخرج أنت مثلها بالخمسة وعشرين التي سلفتك، فقد تبين أن المسلف قصد منفعة نفسه فكان ذلك سلفا جر منفعة؛ وكذلك لو قال ذلك بعد أن عقد الشركة معه على أن يخرج هذا مائة وهذا خمسين

مسألة: اشتركا في ذهبين مختلفتين في الوزن وصرفهما ونفاقهما في البيع مختلفة

فيشركا فيها على الثلث والثلثين لما جاز أيضا؛ لأن الشركة من العقود الجائزة التي لا تلزم بالعقد، وإنما يفترق أن يقول ذلك له في العقد أو بعده إذا قاله له على غير وجه الشرط مثل أن يقول له: تعال أسلفك خمسة وعشرين فتضيفها إلى الخمسين التي لك فأخرج لنا خمسة وسبعين مثلها فنشترك فيها أو يقول ذلك له بعد أن عقد الشركة معه على أن يخرج هو مائته وهذا خمسينه فيشتركا فيها على الثلث والثلثين؛ لأنه إذا قال ذلك له في العقد ابتداء كان الأظهر منه أنه قصد منفعة نفسه فصدق في ذلك مع يمينه إن ادعاه حسبما مضى في المسألة التي قبلها، وإذا قال ذلك له قبل العقد كان محمولا على أنه لم يقصد منفعة نفسه؛ إذ قد رضي بشركته فأشبه إذا كان المشرك هو الذي سأله ذلك، ولو قال ذلك له بعد أن عقد الشركة فاشتريا بها عروضا للتجارة على الثلث والثلثين مبلغ رؤوس أموالهما لكان ذلك بيعا جائزا، وإن سمياه سلفا؛ لأنه باع منه سدس العروض بالخمسة وعشرين التي سميا سلفا. وبالله التوفيق. [مسألة: اشتركا في ذهبين مختلفتين في الوزن وصرفهما ونفاقهما في البيع مختلفة] مسألة قال مالك في رجلين اشتركا في ذهبين مختلفتين في الوزن وصرفهما ونفاقهما في البيع مختلفة فاشتريا بها كيف يقتسمان الربح؛ أَعَلى وزنهما أو على نفاقهما؟ قال: بل على وزنهما، يجمع هذه في كفة وهذه في كفة ثم يقتسمان الربح على قدر ما يكون لكل واحد منهما من الوزن. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن الربح بينهما على وزن ما أخرج كل واحد منهما من الذهب، إذا لم يعثر على ذلك إلا بعد الشراء يريد بعد أن يأخذ كل واحد منهما مثل الدنانير التي أخرج، ولو عثر على ذلك قبل

مسألة: الشركة لا تكون إلا بالتفاوض والضمان من كل واحد منهما لصاحبه

الشراء انفسخت الشركة بينهما، وهذا في الاختلاف الكثير في النَّفَاق مع الاستواء في الطيب، ولو كان الاختلاف في النَّفَاق يسيرا لجازت الشركة على ما قال في المدونة إذا أخرج أحدهما دنانير هاشمية والآخر دمشقية، ولو وقعت الشركة على دنانير مختلفة في الطيب مثل العبادية والنصفية فلم يعثر على ذلك إلا بعد الشراء لاقتسماها بأيدهما على قيمة الدنانير التي أخرجها كل واحد منهما، وبالله التوفيق. [مسألة: الشركة لا تكون إلا بالتفاوض والضمان من كل واحد منهما لصاحبه] مسألة وقال مالك في رجلين اشتركا على مال مسمى من كل واحد منهما على أن ما باع أحدهما بدين فقد ضمنه معا صاحبه فقال: أكره ذلك؛ لأن كل واحد منهما ما يدري ما يعيب به عنه صاحبه من الخلاف، قال سحنون: قال مالك: لا أرى بذلك بأسا؛ لأن الشركة لا تكون إلا بالتفاوض والضمان من كل واحد منهما لصاحبه. قال محمد بن رشد: المعنى عندي في هذه المسألة أن مالكا لم ير الرجلين إذا اشتركا في مال مسمى متفاوضين فيما اشتركا فيه إلا أن يشتركا فيه على المفاوضة بخلاف إذا اشتركا في جميع أموالهما فرأى ما اشترطاه من أن ما باعه أحدهما بدين فقد ضمنه معه صاحبه غررا لأنه ضمن هذا نصفه ما باع هذا على أن ضمن هذا نصف ما باع هذا، ورآهما سحنون متفاوضين فيما اشتركا فيه من المال، وإن لم يشترطا ذلك بمنزلة إذا تشاركا في جميع أموالهما فلم ير ما اشترطاه من أن ما باعه أحدهما بدين فقد ضمنه معه صاحبه غررا؛ لأن الحكم يوجب ذلك عنده وإن لم يشترطاه على حكم المفاوضة. وبالله التوفيق. [مسألة: عبد بين رجلين أراد أحدهما أن يضربه] مسألة وقال مالك في عبد بين رجلين أراد أحدهما أن يضربه: إن

ذلك ليس له إلا أن يأذن له شريكه فإن فعل ضمن ما أصابه في ذلك أن يكون ضربه ضربا لا يعنت أحد في مثله أو في ذلك أدبه، فإن كان هذا لم يضمن، قال سحنون: أراه ضامنا ضربه ضربا يعنت في مثله أو لا يعنت لو لم يضربه إلا ضربة واحدة لكان ضامنا له؛ لأنه ليس هو له دون شريكه، وهو بمنزلة الرجل يعدو على عبد الرجل فيضربه ضربا لا يعنت في مثله فيموت منه أنه ضامن. قال محمد بن رشد: رأى مالك شركته في العبد شبهة تسقط الضمان في ضربه إياه الضرب الذي يؤدب بمثله على ما اجترم، خلاف قول سحنون، وهو أظهر؛ لأن أدبه هو صلاح له فهو يقول: لو لم أؤدبه لفسد علي فنقص مالي، وعلى هذا اختلفوا في الأرض بين الرجلين يزرع أحدهما فيها زرعا أو يبني فيها بنيانا هل يكون كالغاصب فيقلع الشريك زرعه وبنيانه أو لا يكون كالغاصب؟ لشبهة الشركة فيكون له الزرع وإن كان الإبان لم يفت، ويكون عليه الكراء في نصيب شريكه ويكون له قيمة بنيانه قائما، وقد مضى القول على هذا في أول سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق ويأتي أيضا في رسم القطعان من سماع عيسى من هذا الكتاب وفي سماع سحنون زيد من كتاب الزراعة، وعلى هذا اختلفوا في الأمة تكون بين الحر والعبد فيولدها العبد هل تكون جناية يلزم سيده أن يفتديه بنصف قيمته أم لا؟ فقال ابن القاسم في أول سماع سحنون من كتاب الجنايات: إنها جناية تلزم سيده أن يفتديه بنصف قيمته أو يسلمه وماله لصاحب الجارية، وقال سحنون في نوازل من كتاب الاستبراء: إنها ليست جناية وتباع الأمة فيما لزمه من نصف قيمتها فإن لم يف بذلك اتبع بالباقي دينا ثابتا في ذمته، ولا اختلاف بينهم في أن الشركة في الأمة شبهة يسقط بها الحد عن الشريك إن وطئها؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ادرءوا الحدود بالشبهات» .

مسألة: أمر رجلا أن يشتري له سلعة بعينها فاشتراها لنفسه

[مسألة: أمر رجلا أن يشتري له سلعة بعينها فاشتراها لنفسه] مسألة قال: وسئل مالك عن رجل شارك رجلا في تجارة فجهزه بمتاع فقال له: واشتر سلعة كذا بيني وبينك لشيء له غلة مثل الحانوت وما أشبهه؛ ففعل ثم جحده أن يكون أمَرَه بذلك، وزعم أنه إنما اشتراه لنفسه خالصا من ماله فلما وجد عليه البينة أنه أمره قال: فإني أشركت فيه فلانا وفلانا عند الاشتراء ولا يُعلم ذلك إلا بقوله، قال: أراه بينهما على ما أمره، ولا يصدق في قوله أنه أشرك فيه فلانا وفلانا، قال ابن القاسم: ويدخل اللذان زعم أنه أشركهما بذلك على الذي أقر لهما إن كان أقر لهما بالنصف كان لهما نصف ما في يديه، وإن كان الثلث فلهما الثلث مما في يديه، والذي صار لصاحبه. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة ثم جحده أن يكون أمره بذلك وزعم أنه إنما اشتراه لنفسه خالصا من ماله فلما وجد عليه البينة أنه أمره بذلك قال: إني أشركت فلانا وفلانا دليل هو كالنص؛ إذ لو أقر أنه أمره بذلك وقال: لم أرد أن أشتري لك شيئا فاشتريته لنفسي لم يكن ذلك له وكان معه شريكا شاء أو أبى. وقد اختلف فيمن أمر رجلا أن يشتري له سلعة بعينها فاشتراها لنفسه على أربعة أقوال: أحدها: أن القول قول المأمور إن دفع إليه الثمن بعد أن يحلف أنه إنما اشتراها لنفسه إن اتهم في ذلك، وهي رواية محمد بن يحيى السبادي عن مالك والثاني أن السلعة للآمر وإن لم يدفع إليه الثمن، وهي روايته عن ابن القاسم في المدنية وقول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في الثمانية قال: وسواء أشهد المأمور أنه إنما يشتريها لنفسه. القول الرابع الفرق بين أن يكون قد دفع إليه الثمن أو لم يدفعه إليه وإنما أمره أن يشتريها له بماله فوعده بذلك، وفي قوله ولا يصدق في قوله: إنه أشرك فيه فلانا وفلانا دليل على

: اشترى سلعة فسأله رجل أن يشركه فقال قد أشركتك فباع السلعة بنقصان

أنه لو كان لفلان وفلان بينة على أنه أشركهما في ذلك لوجب أن يكونا أحق بالنصف، وفي ذلك اختلاف، قيل: إنه لا يكون لهما إلا نصف النصف؛ لأنه إنما أشركهما في ماله، وقال غيره: يتخرج هذا الاختلاف على اختلافهم في دار بين رجلين باع أحدهما من أجنبي نصفها على الإشاعة، هل يقع بيعه على نصفه الذي له فينفذ عليه أو يقع على نصفه ونصف شريكه فينفذ عليه البيع في نصف نصيبه وينفسخ البيع في نصف شريكه إلا أن يشاء أن يجيزه، وسيأتي الكلام على هذا في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى من كتاب الشفعة إن شاء الله، فإذا قلنا: إن الآمر أحق بنصف الحانوت فيخرج المشركين من النصف؛ لأنه يقول لهما: أنا أشركتكما في حقي وحق غيري فليس لكما إلا نصف ما بقي بيدي، والثاني أنه يكون لهما جميع النصف؛ لأنهما يقولان له: أشركتنا في نصف الحانوت، ولك نصفه فأسلمه إلينا، وإذا قلنا: إن المشركين أحق منه بنصف النصف الذي بيد المأمور، ويصير الحانوت بينهم أرباعا، ربعه للآمر وربعه للمأمور، ونصفه للمشركين. وبالله التوفيق. [: اشترى سلعة فسأله رجل أن يشركه فقال قد أشركتك فباع السلعة بنقصان] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل عن رجل اشترى سلعة فسأله رجل أن يشركه، فقال: قد أشركتك ولم يسم الذي استشركه، فباع السلعة بنقصان، فقال الذي أشرك: إنما أشركتني بسدس أو ربع، قال: ذلك له، ويحلف إلا أن يأتي بأمر لا يعرف كالدينار ونحوه؛ فإن زادت السلعة فقال الذي أشركه: إنما أشركتك على الربع والسدس، قال: يحلف، وذلك به، قال مالك: إذا كان النقصان فالقول قول الذي أشرك وعليه اليمين؛ وذلك أن الذي أشركه مدعى،

وإذا كانت الزيادة فالقول قول الذي أشركه وعليه اليمين، وذلك أن الذي أشرك مدع، وذلك إذا لم يسميا؛ واليمين عليهما يحلفان على ما ادعيا. قال ابن القاسم: فإذا قال كل واحد منهما: لم أنو شيئا ولم يدعياه: إن السلعة تكون بينهما نصفين، ولو كانت السلعة قائمة فقال الذي أشركتك بالربع والسدس وذلك الذي أردت، فالقول قوله وعليه اليمين، وإذا قال الذي أشرك: إنما أردت الربع والسدس، فالقول قوله أيضا، وعليه اليمين إذا لم يكونا بينا، قال ابن القاسم: وذلك أن الشركة هاهنا إنما هي بيع من البيوع، ولو أن رجلا أتى إلى رجل فقال: قد بعتني نصف جاريتك، فقال له صاحبه: ما بعتك إلا ربعها حلف، وكان القول قوله مع يمينه ولو أن صاحبها قال لصاحبه: قد بعتك نصف جاريتي وطلب منه الثمن فقال: ما اشتريت منك إلا ربعها كان القول قوله مع يمينه. قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية وذلك إذا لم يسميا واليمين عليهما يحلفان على ما ادعيا -نص جلي على أنهما يحلفان على نياتهما إذا لم يدعيا الإفصاح، ومثله في كتاب محمد بن المواز، وله فيها أيضا ما يدل على أن لفظ الشركة يوجب المساواة ولا يلتفت إلى النية بعد أن فرط قوله قد أشركتك، وهو قول سحنون، وإليه ذهب ابن حبيب في الواضحة، ولا اختلاف بينهم إذا ادعيا الإفصاح أن القول قول الذي ادعى الأقل منهما مع يمينه ولا في أنهما إذا لم يدعيا إفصاحا ولا نية أن السلعة تكون بينهما بنصفين، وهذا كله حيث لا يجب على المشتري أن يشركه فيها فالقول قول من ادعى النصف منهما إن كانا اثنين أو الثلث إن كانوا ثلاثة أو الربع إن كانوا أربعة؛ وسواء ادعوا الإفصاح بأكثر من الواجب لهما أو قالوا: كان ذلك ضميرنا إلا أنه لا بد أن يحلف المدعى عليه منهم في الإفصاح لصاحبه، وقد مضى في

نوازل أصبغ من كتاب جامع البيوع تحصيل القول فيما يجب الاشتراك فيه من السلع وعلى من يجب وأين يجب فلا معنى لإعادة ذلك، وستأتي المسألة أيضا في سماع أبي زيد من هذا الكتاب إن شاء الله. وأما قوله: ولو أتى رجل إلى رجل فقال: قد بعتني نصف جاريتك فقال له صاحبه: ما بعتك إلا ربعها حلف، وكان القول قوله مع يمينه ولو أن صاحبها قال لصاحبه: قد بعتك نصف جاريتي فطلب منه الثمن فقال: ما اشتريت منك إلا ربعها كان القول قوله مع يمينه؛ فظاهره أن القول قول من ادعى الأقل منهما مع يمينه كان البائع أو المبتاع، فإن نكل عن اليمين حلف الذي ادعى النصف واستحقه إن كان هو المبتاع واستحق بيعه على المشتري إن كان هو البائع، وقد قال أبو إسحاق التونسي: الصواب أن يتحالفا ويتفاسخا؛ لأنهما وإن لم يختلفا في الثمن فمن حجة المبتاع أن يقول: لم أرض شراء الربع وإنما رغبت في النصف، قال: ولعل ذلك إرادته في الرواية، فيكون إنما قصد إلى أنه لا يصدق مدعي النصف في الربع ولم يتكلم على تمام التحالف، ولم يقل أبو إسحاق التونسي: إنهما يتحالفان ويتفاسخان إذا ادعى البائع أنه باع النصف وقال المبتاع: لم أشتر إلا الربع سكت عن ذلك، فانظر هل يستويان عنده أو بينهما فرق، والأظهر عندي الفرق بينهما، وأن لا اختلاف في أنهما يتحالفان ويتفاسخان إذا كان البائع هو مدعي أنه باع النصف، وإنما الاختلاف هل يتحالفان ويتفاسخان أم لا إذا كان المبتاع هو مدعي النصف؟ لأن الجملة قد يزاد في ثمنها، فمن حجة المشتري أن يقول: لا أرضى أن آخذ الربع بالسوم الذي اشتريت منه النصف والبائع إذا أخذ منه الربع بالسوم الذي رضي أن يبيع به النصف لم تكن له حجة، فعلى هذا لا يجوز لمن اشترى سلعة جملة أن يبيع نصفها مرابحة بنصف الثمن حتى يبين، ولمن اشترى نصف سلعة في صفقة ثم اشترى نصفها الثاني في صفقة أخرى أن يبيعها جملة ولا يبين، وفي نوازل سحنون من كتاب المرابحة فيمن اشترى سلعة بعشرة وصبغها بعشرة ثم باعها مرابحة بعشرين ولم يبين أن يردها في القيام، فإن فاتت مضت بالثمن.

مسألة: يشترك الرجلان في العمل في الحانوت

القياس على ما قلناه أن لا يكون له ردها في القيام، وإذا رأى له ردها في القيام أن ترد إلى قيمتها في الفوات إن كانت القيمة أقل من الثمن على حكم مسائل الغش والخديعة في المرابحة وبالله التوفيق. [مسألة: يشترك الرجلان في العمل في الحانوت] مسألة وقال مالك: لا بأس أن يشترك الرجلان في العمل في الحانوت يجلسان فيه جميعا مثل الصواغين والخياطين والحدادين يكونان في حانوت واحد يتعاونان في العمل ولا يفترقان في حانوتين ولا في قريتين لعمل هذا هاهنا وهذا هاهنا فما اكتسبا كان بينهما فلا خير فيه وإنما كره هذا فيما عمل باليد فأما ما لم يعمل باليد فلا بأس بالشركة فيه وإن افترقا في حانوتين مفترقين، قال عيسى: إنما كره ذلك في العمل وإنما كره ذلك إذا افترقا في مجلسين أو حانوتين أو قريتين. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن شركة الأبدان لا تكون إلا مع التعاون بأن يكونا في موضع واحد ويكون العمل واحدا فإن افترقا في حانوتين والعمل واحد أو في حانوت والعمل مفترق لم يجز إلا أن يحسنا ذلك جميعا فيعمل كل واحد منهما مع صاحبه وفي رسم البيع والصرف من سماع أصبغ أنهما يجوز لهما أن يفترقا في حانوتين إذا كان العمل واحد وهو شذوذ من القول وسيأتي الكلام عليه في موضعه إن شاء الله وبالله التوفيق. [: النفقة بينهما سواء والربح سواء والنقصان سواء] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا. وسئل عن الرجلين يكونان شريكين وهما في بلدين أحدهما بالمدينة والآخر بمصر فيجهر كل واحد منهما على صاحبه ويبيع ويقتضي في موضعه ونفقة الموضعين مختلفة مثل المدينة ومصر

مسألة: توصية الميت بإسقاط اليمين عنه لا يلزم الورثة

يشتري بالدينار من القمح بمصر أضعاف ما يشتري به بالمدينة أفترى أن يحسب كل واحد منهما نفقته التي أنفق أم تكون النفقة بينهما بنصفين ولا ينظر إلى ما يفضله به فتفكر فيه، ثم قال: بلى أرى أن تكون النفقة بينهما سواء والربح سواء والنقصان سواء إلا أن يأتي من النفقة ما يتفاحش مثل أن يكون لهذا عيال كثير ولهذا أن يصرف نفسه فلا أرى أن يحمل ذلك عليه، وكأنه قال إذا كان ذلك غير متفاوت فأراه بينهما سواء. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة والواضحة فلا أعرف فيه في المذهب اختلافا والعلة فيه أن ذلك عرف قد دخلا عليه وبالله التوفيق. [مسألة: توصية الميت بإسقاط اليمين عنه لا يلزم الورثة] مسألة وسئل عن رجل كان شريكا لرجل فمرض أحدهما فأوصى: إن فلانا عالم بمالي فما دفع إليكم من شيء فهو مصدق ولا يمين عليه في ذلك، فرفع أمره إلى السلطان وأتى بما قبله من المال فقسمه بينه وبين ورثة شريكه ثم أقام يقضي ويقسم أقام بذلك عشرين، وكتب له السلطان براءة من ذلك وبقي بينهما دين وبلغ الورثة فقالوا: نريد أن نستحلفك فيما اقتضيت أفترى ذلك لهم وهذا الأمر منذ عشر سنين قد كتب له السلطان براءة من ذلك؟ قال مالك: أرى أن ينظر السلطان في ذلك ويكشف أمره، فإن رأى أمرا صحيحا لم أر أن يستحلفه، فإن استنكر شيئا رأيت أن يحلفه، فقال له الرجل: يا أبا عبد الله بعد عشر سنين؟ قال: نعم أرى ذلك إن رأى أمرا يستنكره. قال محمد بن رشد: هذه اليمين في أصلها يمين تهمة، وقد

: عصر اليسير من الجلجلان والفجل على حدته

اختلف في لحوقها، وتوصية الميت بإسقاط اليمين عنه لا يلزم الورثة لأن الحق صار إليهم في المال بموته، فإن اتهموه استحلفوه على القول بلحوق يمين التهمة، فلذلك قال: إن السلطان ينظر في ذلك فإن رأى أمرا صحيحا لم يوجب لهم عليه يمينا، وإن رأى أمرا يستنكره وجب لهم اليمين عليه وبالله التوفيق. [: عصر اليسير من الجلجلان والفجل على حدته] ومن كتاب باع غلاما بعشرين قال: وسألت مالكا عن معاصر الزيت زيت الجلجلان والفجل يأتي هذا بأرادب وهذا بأخرى حتى يجتمعون فيها فيعصرون جميعا. قال: إنما يكره هذا لأن بعضه يخرج أكثر من بعض، فإذا احتاج الناس إلى ذلك فأرجو أن يكون خفيفا لأن الناس لا بد لهم مما يصلحهم والشيء الذي لا يجدون عنه غنى ولا بد، فأرجو أن يكون لهم في ذلك سعة إن شاء الله ولا أرى به بأسا والزيتون مثل ذلك، قال سحنون: لا خير فيه. قال محمد بن رشد: قول سحنون هو القياس، وقول مالك استحسان دفعه للضرورة إلى ذلك، إذ لا يتأتى عصر اليسير من الجلجلان والفجل على حدته مراعاة لقول من يجيز التفاضل في ذلك من أهل العلم، وهذا نحو إجازتهم للناس خلط أذهابهم في الضرب بعد تصيغتها ومعرفة وزنها، فإذا خرجت من الضرب أخذ كل إنسان منهم على حساب ذهبه وأعطى الضراب أجرته، وقد مضى الكلام في ذلك وبسط ما فيه من الخلاف وتوجيه قول من رخص فيه وأجازه مستوفى في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف وبالله التوفيق.

: القوم يجتمعون يشترون السلعة فيضع البائع لرجل منهم

[: القوم يجتمعون يشترون السلعة فيضع البائع لرجل منهم] ومن كتاب صلى نهارا ثلاث ركعات وسألت مالكا عن القوم يجتمعون يشترون السلعة فيضع البائع لرجل منهم. قال مالك: إن كان الذي ولي الصفقة هو الذي وضع له فما وضع له من ذلك فهو بينهم. قال محمد بن رشد: اختلاف في أنه إذا كان الذي ولي الصفقة هو الذي وضع له فما وضع له من ذلك فهو بينهم، ولما سأله عن القوم يجتمعون يشترون السلعة فيضع البائع لرجل منهم فقال: إن كان الذي ولي الصفقة هو الذي وضع له فهو بينهما دل ذلك على أن ما وضع لأحدهم إذا اجتمعوا في شرائها للذي وضع له وحده لا يدخل معه في الوضعية أشراكه، والفقهاء السبعة يقولون: ما وضع لأحدهم فهو بين جميعهم، وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يكونوا شركاء عقد ولا في الموضع الذي يجب الحكم بينهم بالشركة، فلا اختلاف بينهم إذا كانوا شركاء عقد فوضع لأحدهم أن الوضعية بينهم، وكذلك إذا اجتمع التجار واشتروا السلعة حيث يجب الحكم بينهم بالشركة فيها. فوضع لواحد منهم لا اختلاف في أنهم كلهم يدخلون في الوضعية وكذلك لو وضع للذي ولي الصفقة أو الوضعية ما يشبه أن يكون وضيعة من الثمن وبالله التوفيق. [: يدعو جاره المحتاج فيقول له أخرج معي أشتري طعاما بمائة دينار ولك ثلث الربح] ومن كتاب أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن الرجل يدعو جاره المحتاج وهو أخ له يريد صلته وليست له به حاجة إلا صلته فيقول له:

مسألة: اشترى لؤلؤا فاستشركه فيه قوم فأشركهم فيه

أخرج معي أشتري طعاما بمائة دينار ولك ثلث الربح. فقال: ما أعرف هذا ولكن لو اشتراه وعرف الربح ثم قال ذلك له لم يكن به بأس، فقيل له: أفتكرهه؟ فقال: ما أعرف هذا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال والمكروه في ذلك بين لأنه لو كان استأجره على الخروج معه بثلث ما يربح في الطعام الذي يشتري فذلك غرر لا خير فيه وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى لؤلؤا فاستشركه فيه قوم فأشركهم فيه] مسألة وسئل مالك عن رجل اشترى لؤلؤا فاستشركه فيه قوم فأشركهم فيه وقد قالوا له عند إشراكهم: إياه إذا لا تقتسمه إنما تبيعه لنا، فقال: نعم لا نقتسمه أبيعه لكم، فباع صدرا من ذلك ثم رأى منهم ما كره فأراد مقاسمتهم إياه فأبوا ذلك عليه وقالوا: عليك أن تبيعه لنا. قال مالك: له أن يقاسمهم فأما البيع فنعم عليه أن يبيع لهم ولكن لو بار اللؤلؤ وذهب الزمان الذي كان يرجى أن يباع إليه فلا أرى ذلك لهم عليه، وأرى له أن يدفع إليهم الذي لهم وليس على هذا أراد أن يبيع لهم، ولعل الرجل أيضا يريد سفرا، فأرى له أن يقاسمهم ويدفع الذي لهم إليهم. قال محمد بن رشد: رواية أشهب وابن نافع هذه عن مالك في الذي يشرك القوم في اللؤلؤ الذي ابتاعه على أن يبيع لهم نصيبهم الذي أشركهم فيه دون أن يضرب لذلك أجلا خلاف ما في كتاب الجعل والإجارة من المدونة من أنه لا يجوز للرجل أن يبيع من الرجل نصف السلعة على أن يبيع له النصف الآخر إلا أن يضرب لذلك أجلا لأنه إذا لم يضرب لذلك أجلا كان

مسألة: العبد يكون بين الرجلين لأحدهما أن يبيع مصابته منها ولا يبع معه شريكه

جعلا، ولا يجوز أن يجتمع الجعل والبيع في صفقة ويجوز أن يجتمع البيع والإجارة في صفقة واحدة، والإجارة لا تجوز إلا بضرب الأجل، فإذا لم يضرب لهما أجلا فسدت وفسد البيع لفسادها لاجتماعه معها في صفقة واحدة. ووجه رواية أشهب هذه أنه رأى ما يباع إليه اللؤلؤ على ما قد عرف بالعادة كالأجل المضروب، وذلك بين من قوله، ولكن لو بار اللؤلؤ وذهب الزمان الذي يرجى أن يباع إليه فلا أرى ذلك لهم عليه، يريد ويستوجب البائع الثمن كله، ولو باع اللؤلؤ وقد مضى من الأجل بعضه لوجب أن يرجع المبتاعون المشركون عليه بما ناب ذلك من الثمن لأنهم دفعوه إليه ثمنا لما اشتروه من اللؤلؤ وإجارة على بيعه إلى المدة التي قد عرفت بالعرف والعادة، ووجه العمل في ذلك أن يقوم حظهم الذي اشتراه من اللؤلؤ والإجارة على بيعه إلى تلك المدة، وإن كانت في التمثيل قيمة حظهم من اللؤلؤ عشرة وقيمة الإجارة اثنان وباع في نصف المدة رجع المبتاعون عليه بنصف سدس الثمن الذي دفعوه إليه كان أقل من اثني عشر أو أكثر وهذا كله بين والحمد لله وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يكون بين الرجلين لأحدهما أن يبيع مصابته منها ولا يبع معه شريكه] مسألة وسئل مالك عن العبد يكون بين الرجلين لأحدهما أن يبيع مصابته منها ولا يبع معه شريكه؟ فقال: نعم، ذلك له، قيل لمالك: لمن مال العبد إذا باع أحد الشريكين مصابته منه ولم يبع شريكه معه، فقال: للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، ولكن مال هذا العبد إذا كان بين الشريكين لا يقدر البائع منهما أن يأخذ ماله لأنه لا يجوز في مال العبد قسم إلا بإذن شريكه ورضاه، فلا أرى هذا البيع

: السكوت كالإقرار

يجوز إذا باع أحدهما مصابته من العبد إلا أن يبيعه بماله من المشتري وإلا لم يجز. وقال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال: أحدهما أن البيع فاسد إلا أن يبيعه بماله، وهو نص قول ابن القاسم أيضا في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، والثاني أنه يقال للبائع: إما أن تسلم إلى المبتاع مصابته من المال مع مصابته التي باعها منه من العبد وإلا فخذ حظك منه وينفسخ البيع فيه وهو دليل ما في رسم العارية من سماع عيسى من كتاب العتق والثالث أنه يكون المال للمشتري ويثبت البيع وهذا القول يتخرج على قياس قول ابن دينار في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب البيوع في الرجل يبيع حائطه وثمرته قد أبر نصفها مشاعا إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى والقياس، وفي مسألة الثمرة قول رابع لا يصح في مسألة العبد وهو قول ابن حبيب في الثمرة أنها تكون كلها للبائع لأنها تجعل تبعا لما قد أبر منها وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: السكوت كالإقرار] ومن كتاب الأقضية الثانية قال: وسئل مالك فقيل له: إني أكريت أنا وشريكي إبلا لنا فتخلف شريكي ينتقد الكراء وذهبت أنا أطلب الكراء فانتقد شريكي الكراء فدفعه إلى غلام له فخرجت أنا وعبد شريكي الذي دفع إليه

مسألة: العبد الذي نصفه حر فأراد سيده أن يخرجه إلى بلد غير البلد الذي هما فيه

الدنانير فقلت: أين سيدي؟ فقال: تخلف وأرسلني، فقلت له: أين دنانيرنا؟ فقال: أعطانيها وها هي ذي معي فسكت عنه حتى قدمنا ثم ذهب العبد ينظر، فقال: أنا أفتقد دينارين. فقال له مالك: أراهما عليك وعلى شريكك بالحصص لأن العبد قد أخبرك أنها معه فرضيت وسكت، فأراهما عليك وعلى شريكك إنما عليه أيسر ذلك إن كانت الدنانير عشرين دينارا ولك منها خمسة فعليك ربعها وعلى شريكك ثلاثة أرباعها. قال محمد بن رشد: جوابه في هذه المسألة صحيح على القول بأن السكوت كالإقرار، وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم فيدخل اختلاف قوله في هذه المسألة ويكون الشريك ضامنا للدينارين اللذين دفع إلى عبده فادعى العبد أنها تلفت عنده بعد يمينه أنه لم يسكت راضيا بكونها عند العبد وأنه إنما سكت لأنه علم أن ذلك لا يلزمه ولا ينفذ عليه وبالله التوفيق. [مسألة: العبد الذي نصفه حر فأراد سيده أن يخرجه إلى بلد غير البلد الذي هما فيه] مسألة وقال مالك في العبد الذي نصفه حر فأراد سيده أن يخرجه إلى بلد غير البلد الذي هما فيه، فقال: أرى ذلك له إن كان مأمونا على ذلك فإن لم يكن مأمونا لم أر له أن يخرجه، فروجع في ذلك فقاله أيضا وما هو بالبين، فقيل له: فعلى من النفقة إذا قضي له بالخروج به والكراء؟ فقال: على السيد وليس على العبد من ذلك شيء حتى يقر قراره بالموضع الذي يكون له عمل فيه، وذلك أنه أخرجه من موضع عمله وكسبه، فإذا نزل قرية له فيها عمل ومكتسب كانت له أيام وللسيد أيام، وإذا كان ذلك في سفرهم في الموضع الذي ليس له فيه مكتسب رأيت النفقة على السيد حتى يقدم به.

مسألة: يحملون الطعام من القمح في السفينة الواحدة يختلط بعضه ببعض

قال محمد بن رشد: تفرقة مالك في هذه المسألة بين المأمون وغير المأمون استحسان على غير قياس، والقياس في ذلك ما حكى ابن حبيب وابن المواز عن أشهب أنه قال: ويقع بقلبي أن ذلك ليس للمأمون ولا لغير المأمون، قال غير ابن حبيب: مستعربيا كان أو غير مستعربي قال عنه: فلا يخرج به إلا برضاه لأنه ملك من نفسه ما يملك الشريك، قال ابن حبيب: وأما لو أراد الانتقال به إلى قرية يسكنها فإن كانت من الحواضر فذلك له وإن كره العبد، وفي المسألة قول ثالث أن له أن يسافر به مأمونا كان أو غير مأمون ويكتب له كتابا إن لم يكن مأمونا، وهو قول مالك في رسم طلق ابن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية وقد مضى القول على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: يحملون الطعام من القمح في السفينة الواحدة يختلط بعضه ببعض] مسألة وسئل عن القوم يحملون الطعام من القمح في السفينة الواحدة يختلط بعضه ببعض ثم يريد بعضهم البيع في الطريق، فقال: لا أرى ذلك له إلا أن يرضى أصحابه أن يعطوه؛ لأني أخاف أن يكون أسفل الطعام فاسدا أو يمطروا بعد ذلك فيفسد القمح فلا أرى لأحد منهم أن يأخذوا حتى يبلغوا حده فيقتسمونه الفاسد والجيد إلا أن يرضى أصحابه أن يسلموا له حقه فأرى ذلك له ولا أرى لهم عليه تباعة إذا نزلوا فوجدوا القمح فاسدا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنهم حملوا الطعام في السفينة على أن يمروا به لبلد واحدة لتجارة أو لغير تجارة فلذلك لم ير لواحد منهم أن يأخذ طعامه إذا كان قد اختلط بمنزلة أن لو كانوا خلطوه وحملوه على الشركة لأن اختلاطه يوجب اشتراكهم فيه وذلك بخلاف ما لو حملوه على

: يقول لشريكه إني قد جعلت في هذا المال الذي يعمل فيه أنا وأنت مالا من عندي

أن يمروا به إلى منازلهم فاختلط أو كانوا هم قد خلطوه وحملوه على ذلك لأنهم إذا حملوه على أن يمروا به إلى منازلهم كان من حق من يمر منهم بمنزله أولا أن يأخذ طعامه فيه ولا يكون لأصحابه عليه تبعة إلا أن ينقص الطعام أو يكون قد أصابته آفة على معنى ما قاله في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب حسبما بيناه في ذلك فليست هذه الرواية بمخالفة لها، ومن الناس من حملها على الخلاف لها، وليس ذلك عندي بصحيح، والله أعلم وبه التوفيق. [: يقول لشريكه إني قد جعلت في هذا المال الذي يعمل فيه أنا وأنت مالا من عندي] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل مالك عن الشريك المفوض إليه أو غير المفوض يقول لشريكه: إني قد جعلت في هذا المال الذي يعمل فيه أنا وأنت مالا من عندي عند المحاسبة أو قبل ذلك أيجوز قوله أم لا يصدق إذا أبى شريكه أن يصدقه فقال: أكتب إليه أنه لا يجوز قوله ويحلف شريكه بالله ما جعل فيه شيئا ولا له فيه شيء. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله في هذه الرواية أنه يحلف على البت، وروى ابن أبي جعفر الدمياطي عن ابن القاسم أنه يحلف على العلم وهو الصحيح إذ لا يصح القطع على أنه كاذب فيما ادعاه وبالله التوفيق. [: يشتركان في مال بعينه فيقيم أحدهما ويسافر الآخر فيدان المسافر في مال ثم يفلس] ومن كتاب الأقضية وسئل عن الرجلين يشتركان في مال بعينه فيقيم أحدهما ويسافر الآخر فيدان المسافر في مال ثم يفلس فيريد الغرماء أن يتبعوا الشريك المقيم، فقال: ليس ذلك لهم إنما شاركه في مال معروف بعينه.

: اشتركا أخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم فعملا على ذلك وربحا

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنهما إذا لم يتفاوضا في جميع أموالهما وإنما تفاوضا في مال مسمى فلا يلزم أحدهما ما داين به الآخر إلا في ذلك المال الذي تفاوضا فيه بعينه وبالله التوفيق. [: اشتركا أخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم فعملا على ذلك وربحا] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن رجلين اشتركا أخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم فعملا على ذلك وربحا كيف يقسمان الربح؟ قال: يقتسمان على الدنانير والدراهم ما وقع من شيء للدنانير من الدنانير وقع للدراهم مثله من الدراهم إن كان للدنانير دينار فللدراهم درهم وإن كان للدنانير نصف دينار فللدراهم نصف درهم، وإن كان ربع فربع على هذا يقتسمان الربح، قلت: أفيصرفان الربح دراهم ثم يقتسمانه على هذا الحال؟ فقال: إن شاءا صرفا وإن شاءا لم يصرفا إذا قسماه على هذه القسمة ويأخذ كل واحد منهما رأس ماله مثل الذي أخرج، يأخذ صاحب الدنانير رأس ماله دنانير ويأخذ صاحب الدراهم رأس ماله دراهم ويقتسمان الربح على ما فسرت لك، وكذلك بلغني عن مالك وهذا إذا فات، ولا تصلح الشركة بالدنانير والدراهم. قال محمد بن رشد: لا تجوز الشركة بالدنانير من عند أحد الشريكين والدراهم من عند الآخر على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها وهو مذهبه في هذه الرواية؛ لأنه إنما تكلم على الحكم في ذلك إذا وقع ولم يعثر عليه حتى فات بالعمل، فقال: إنه يأخذ صاحب الدنانير رأس ماله دنانير وصاحب الدراهم رأس ماله دراهم ثم يقتسمان الربح على ما

ذكره حسبما يتبين مراده به، إذ ليس على ظاهره، وذلك أنه قال: ما وقع للدنانير من شيء من الدنانير وقع للدراهم مثله من الدراهم فمراده به أن ما وقع ربح الدنانير من الدنانير وقع للدراهم مثل ذلك الجزء من الدراهم لا مثل ذلك العدد على ما يقتضيه لفظه لا سيما بقوله بعد ذلك: إن وقع للدنانير دينار وقع للدراهم درهم وإن وقع للدنانير عشرة دنانير وقع للدراهم عشرة دراهم، إذ لا يصح إذا وقع للدنانير ربح دينار ألا يقع للدراهم إلا ربح درهم وإذا وقع للدنانير ربح عشرة دنانير ألا يقع للدراهم إلا ربح عشرة دراهم فيكون صاحب الدراهم لا يربح من عدد الدراهم إلا ما يربح صاحب الدنانير من عدد الدنانير هذا ما لا يصح أن يريده ابن القاسم أو يقوله، وإنما عبر عن تساوي الجزأين بتساوي العددين ألا ترى إلى قوله بعد ذلك: وإن وقع للدنانير مثل نصفها من وقع للدراهم مثلها من الدراهم، فكما يكون إذا وقع للدنانير مثلها من الدنانير يقع للدراهم مثلها من الدراهم فكذلك يكون إذا وقع للدنانير مثل نصفها من الدنانير أو مثل ثلثها أو مثل ربعها أو مثل عشرها أو مثل عشر عشرها يقع للدراهم مثل نصفها من الدراهم أو مثل ثلثها أو مثل ربعها أو مثل عشرها أو مثل عشر عشرها، وما كان من الأجزاء وذلك يرجع إذا اعتبرته بما يخرج الحساب إلى أن يقتسما جميع ما بأيديهما على ما كان فيه من ربح أو خسارة على قيمة الدنانير والدراهم يوم الفسخ فهذا أقرب مأخذ في العمل، وقيل: إنهما يقتسمان ذلك على قيمة الدنانير والدراهم يوم اشتركا، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة، وقد روي عن مالك إجازة الشركة بالدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر وبالطعامين المختلفين وبالعرضين المختلفين، روي عنه أنه قال في الشركة بالعرضين المختلفين: ما هو من عمل الناس، وذلك والله أعلم لما يدخله من بيع وشركة. فيتحصل في جملة المسألة لمالك ثلاثة أقوال، أحدها أن الشركة جائزة في ذلك كله لأنه إذا أجازها بالدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر أو بالطعامين بالمختلفين فأحرى أن يجيز ذلك بالعرضين المختلفين إذ

: الرجل يشتري السلعة وتجب له فيقول أشركني فيها

ليس في العرضين المختلفين إلا علة واحدة، وهي اجتماع البيع والشركة، وفي الدنانير والدراهم والطعامين المختلفين علتان وهما عدم التناجز والبيع والشركة في الطعامين المختلفين والصرف والشركة في الدنانير والدراهم، وهو مذهب سحنون أجاز ذلك كله إذ لا يراعي في الشركة عدم التناجز ولا الصرف والشركة ولا البيع والشركة إذا كانا داخلين في الشركة، والثاني أن الشركة لا تجوز عنده في شيء من ذلك كله؛ لأنه إذا لم يجزها في العرضين المختلفين فأحرى ألا يجيزها في الطعامين المختلفين وفي الدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر، والثالث أن الشركة جائزة بالعرضين المختلفين ولا يجوز بالطعامين المختلفين ولا بالدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر وهو مذهب ابن القاسم لاجتماع علتين في الطعامين المختلفين في الدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر وانفراد علة واحدة في العرضين المختلفين وقد روى أبو زيد عن ابن القاسم في كتاب ابن المواز إجازة الشركة بالدنانير من عند أحد الشريكين والدراهم من عند الآخر ابتداء مثل قول سحنون وأحد قولي مالك وبالله التوفيق. [: الرجل يشتري السلعة وتجب له فيقول أشركني فيها] ومن كتاب أوله استأذن سيده قال: وسألته عن الرجل يشتري السلعة وتجب له، فيقول: أشركني فيها، قال: هذا حرام لا خير فيه لأنه بيع وسلف، قيل له: فلو كان صاحب الصفقة هو المسلف قال لرجل: تعال أشركك فيها وأنقد عنك ثمنها وأؤخرك؟ قال: إن كانت السلعة حاضرة بعينها فلا بأس به، قال ابن القاسم: إن كانت سلعة مضمونة فلا خير فيه لأنه الدين بالدين. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الشركة إذا وقعت على أن ينقد المشرك عن الذي أشركه ثمن الحظ الذي بقي بيده ولم يشركه

مسألة: يمين التهمة وفي وجوب ردها والاختلاف في ذلك

به فهو بيع وسلف لأن المشرك يؤدي عن المشرك ثمن الحظ الذي بقي بيده ثم يطلبه به دينا ثابتا في ذمته، فهو سلف لا يجوز أن يشترطه أحدهما على صاحبه في أصل الإشراك، لا يجوز أن يقول المشتري: أنا أشركك على أن تنقد عني ولا أن يقول المشرك: أشركني وأنا أنقد عنك وأما ثمن الحظ الذي وقعت فيه الشركة فجائز أن يشترط كل واحد منهما على صاحبه نقده لأنه إن اشترط ذلك المشتري على المشرك فهو الواجب وهي شركة جائزة على وجهها وإن اشترط ذلك المشرك الذي أشركه فهو بيع صحيح لأنه باعه ذلك الحظ على أن يؤخره بثمنه وينقده هو عن نفسه فلا إشكال في جوازه إلا أن تكون السلعة مضمونة على ما قال فيكون الدين بالدين الذي لا يجوز وبالله التوفيق. [مسألة: يمين التهمة وفي وجوب ردها والاختلاف في ذلك] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن رجل كان له شريك بدمياط وهو بالفسطاط فأتته ثياب من عند شريكه من دمياط فوجد في بعض الثياب بطاقتين أحدهما أكثر ثمنا من صاحبتها ما سمى له، هل ترى عليه يمينا أنه ليس بهذا الرسم للأدنى؟ قال: نعم أرى عليه اليمين، قلت: فإن أبى اليمين أيحلف الآخر؟ قال: نعم إن أبى أن يحلف قيل للآخر: احلف، قلت كيف يحلف؟ قال: يحلف على البتات أن هذه الثياب بهذا الرسم للأدنى. قال محمد بن رشد: مثل هذا في آخر رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع في لحوق يمين التهمة وفي وجوب ردها والاختلاف في ذلك مشهور معلوم في المذهب قيل: إنه لا يحكم بها ولا يردها وقيل: إنه يحكم بها ويردها وقيل: إنه لا يحكم بها ولا يحكم بردها إلا أنه لا يسوغ لمن مكن منها بوجه الحكم أن يحلف إن لم يكن على يقين مما حلف عليه لأنه إنما مكن منها على أن يحلف إن كان يدعي معرفة ما يحلف عليه،

: اشتركوا في سلعة اشتروها فتولى أحدهم بيعها فباعها وأمسك الدنانير

والأصل في هذا «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما قال للجاريتين في صاحبهم الذي قتل بخيبر إذ بدأهم باليمين: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم؟ قالوا: يا رسول الله، كيف نحلف ولم نشهد ولم نحضر؟ فلم يرد ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَدَاهُ من عنده» ، وقد تأول بعض الناس على ما وقع في رسم البراءة من سماع أنه يجوز للرجل أن يحلف مع شاهده وإن لم يعلم صحة ما شهد له به وذلك بعيد، وقد مضى الكلام عليه في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور وبالله التوفيق. [: اشتركوا في سلعة اشتروها فتولى أحدهم بيعها فباعها وأمسك الدنانير] ومن كتاب أوصى لمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسئل عن قوم اشتركوا في سلعة اشتروها فتولى أحدهم بيعها فباعها وأمسك الدنانير، فقال له شركاؤه: أبعت السلعة؟ فقال: نعم بعتها قيل له: فأين الثمن؟ قال: هو ذا في كيسي مع دنانيري قيل له: فأعطنا حقنا، قال: نعم أتسوق ثم أعطيكم الذي لكم، فذهب عنهم ثم أتاهم فزعم أنها قرضت من كمه. قال: هو ضامن إذا سألوه حقهم فلم يعطهم وجهه عنهم، قيل له: إنا لما أردنا أن نخاصمه قال: أسلفوني دينارين أتجر فيها، فما صار فيها من ربح قضيتكم، ووخرني عشرة أشهر وأنا أقولكم وأكتب علي بذلك ذكر حق ففعلنا فأردنا أن نخاصمه الآن فهل تقضي لنا بذلك الإقرار؟ قال: فعلتم ما لا يحل فلا يقضي عليه بذلك إلا قرار لأنه يقول: إنما أقررت لكم على أن تسلفوني ولكن إن كانت لكم بينة

: يكون له مائة شاة فيبيع منها عشرة يختارها ثم يبيع بقيتها من رجل آخر

حين سألتموه حقكم حبسه عنكم ثم جاء يزعم أنه تسوق فهو ضامن. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا أقر أنه باع السلعة وقبض الثمن فلا يصدق فيما ادعى من أنه قرض من كمه إذا كانوا قد سألوه حقهم فحبسه عنهم، ولو أدى ذلك قبل أن يسألوه إياه لوجب أن يصدق في ذلك على ما دل من قوله، وهذا إذا كان توليه لبيع السلعة بإذنهم وأما لو تولى ذلك بغير إذنهم لما صدق فيما ادعى من أن الثمن قرض من كمه كان ذلك من دعواه قبل أن يسألوه الثمن أو بعد أن سألوه إياه، ولا إشكال فيما ذكره من الإقرار إذا كان منكرا ألا يلزمه إذا كان على الوصف الذي وصفه؛ لأنه إنما أقر على شرط، فإذا لم يتم له الشرط لم يلزمه الإقرار ولو أسلفوه الدينارين ووخروه إلى المدة ثم قاموا عليه عنها انقضائها للزمه الإقرار وإن كان وقع عليه سبب فاسد وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: يكون له مائة شاة فيبيع منها عشرة يختارها ثم يبيع بقيتها من رجل آخر] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل عن رجلين اشتركا في شراء صفقة فاشترياها بعشرة دنانير اشترى أحدهما منه خمسة أراديب بخمسة دنانير، والآخر ما بقي بخمسة دنانير. قال: لا بأس به، وهو حلال إذا كان باسما من الكيل الذي استثناه لأحدهما يجوز للبائع أن يستثنيه الثلث فأدنى، قيل له: أيهما على ذلك اشترياه فكأنه أشركه، قال: ليست بشركة وليس

بذلك بأس، وإنما باعه البائع من الأرادب ما كان يجوز له أن يستثنيه، أرأيت لو باعه من صبرة وفيها ألف إردب عشرة أرادب بخمسة دنانير ثم باع بعد ذلك ما بقي من رجل آخر قبل أن يكيل العشرة أنه لا بأس به قال: وليس هذا مثل الضأن أن يكون له مائة شاة فيبيع منها عشرة يختارها ثم يبيع بقيتها من رجل آخر قبل أن يختار الأول فلا خير فيه وهو لا بأس أن يبيع عشرة من خيارها أبدا ولا خير في أن يبيع بقيتها قبل أن يختار العشرة حتى يختار، وفرق بين ذلك لأنه يجوز أن يبيع بقية الصبرة بعد الأرادب جزافا قبل أن يكتال الأرادب، ولا يبيع الضأن لأنه لا يدري ما بقي منها، ولأن الطعام هو صنف واحد ليس للكيل الذي يؤخذ منه فضل على ما بقي من الجزاف. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أعرفه في المذهب أنه إذا باع من الصبرة كيلا معلوما يجوز له أن يستثنيه منها وهو الثلث فأدنى جائز له أن يبيع بقية الصبرة من غيره أن المكيلة التي اشترى الأول منها كان البائع استثناها لنفسه، وأما إذا باع من غنمه عشرة يختارها المشتري فاختلف هل يجوز له أن يبيع بقيتها من غيره قبل أن يختار الأول عشرته، والمشهور قوله هاهنا: إن ذلك لا يجوز، وقد مضى القول على ذلك في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع فلا معنى لإعادته ولو باع من غنمه أكثر من ثلثها على الخيار لما جاز له أن يبيع بقيتها من غيره قبل أن يختار الأول ما ابتاع قولا واحدا والله أعلم.

: اشترى الرجل سلعة وأشرك فيها ناسا فاستوضع صاحب الصفقة البائع فوضع له

[: اشترى الرجل سلعة وأشرك فيها ناسا فاستوضع صاحب الصفقة البائع فوضع له] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك قال: إذا اشترى الرجل سلعة وأشرك فيها ناسا فاستوضع صاحب الصفقة البائع فوضع له فأشراكه يدخلون في الوضعية معه وكذلك قال مالك وإذا استوضعه أحد الذين أشرك فوضع كانت الوضعية له دون شركائه ودون صاحب الصفقة، وإذا اشتراها نفر صفقة واحدة فوضع لواحد منهم فالوضعية له دون شركائه وهو قول مالك. قلت: فإن كان الذي اشتروها شركاء عقد فوضع لواحد منهم أيكون لأصحابه في ذلك شيء أم لا؟ وهل يفترق إذا كانوا شركاء عقد أو غير ذلك، قال: الوضيعة لهم جميعا إذا كانوا شركاء عقد فوضع الواحد منهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب فلا معنى لإعادته. [: سأل أمانة فأنكرها ثم ادعى الرد أو الضياع] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول وسئل عن شريكين كانا عند القاضي فسأل أحدهما صاحبه عن ماله فقال: ضاع مني، فقال القاضي: اكتبوا أيضا إقراره، فقال حينئذ: إنما دفعت إليك من مالي بعد أن ضاع مني قال: لا يقبل قوله وأراه ضامنا.

: شركة الأبدان لا تجوز إلا فيما يحتاج الاشتراك فيه إلى التعاون

قال محمد بن رشد: لم يصدقه فيما ادعاه من دعوى القضاء لما تقدم من دعوى الضياع، وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك وأقوال أصحابه اختلافا كثيرا فيمن سأل أمانة فأنكرها ثم ادعى الرد أو الضياع فقيل: إنه يصدق في كل واحد من الوجهين، وقيل: إنه لا يصدق في واحد منهما لما تقدم من إنكاره، وقيل: إنه يصدق في دعوى الضياع ولا يصدق في دعوى الرد، والثلاثة الأقوال كلها لمالك في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب القراض، وفيمن ادعيت عليه أيضا دعوى فأنكرها فلما قامت عليه البينة بها جاء بما يخرج منها من بينة على البراءة منها أو ما أشبه ذلك، فقيل: إن ذلك لا يقبل منه إلا في اللعان إذا ادعى الرؤية بعد إنكار القذف وأراد أن يلاعن وهو قول محمد بن المواز، وقيل: إنه لا يقبل منه إلا في اللعان والأصول ولا يقبل منه في الحقوق، وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المدنية وبالله التوفيق. [: شركة الأبدان لا تجوز إلا فيما يحتاج الاشتراك فيه إلى التعاون] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وسئل عن صيادين اجتمعوا على غدير ومعهم شباك فقال بعضهم لبعض: تعالوا نشترك ويضرب كل واحد منا بشبكته، فأخرج صيدا فأبى أن يعطي للآخرين منه شيئا وقال لهم: ليس لكم فيما أصبت شيئا، فقال: ذلك له، وليس لهم فيما أصاب شيء لأنها شركة لا تحل. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن شركة الأبدان لا تجوز إلا فيما يحتاج الاشتراك فيه إلى التعاون، ولأنهم متى اشتركوا على أن يعمل كل واحد منهم على حدة لأن ذلك من الضرر البين فاشتراك الصيادين فيما يخرجونه بشباكهم من الغدير على أن يضرب كل واحد منهم بشبكته على حدة

مسألة: قال له اشتر سلعة كذا وكذا علي وأنا فيها شريكك فاشتراها رجل غيره فأشركه فيها

من الغرر البين الذي لا خفاء به، فوجب ألا تنفذ الشركة بينهم وأن يكون كل واحد منهم أحق بما أخرج بشبكته، ولو كان الغدير صغيرا لا يحمل إلا شبكة واحدة فأراد كل واحد منهم أن يضرب بشبكته أولا وترافعوا على ذلك لوجب أن يقضي بينهم بالاشتراك في ذلك على ما تصح به الشركة في ذلك بأن يستأجروا أحدهم على أن يضرب بشبكته بينهم خوفا من أن يقتتلوا على ذلك ولو بدأ واحدهم فضرب بشبكته قبل ذلك لكان له ما أخرجت له شبكته وهذا كل على قياس ما قاله سحنون في نوازله من كتاب الصيد في القوم يجدون العش فيريد كل واحد منهم أخذه ويتدافعون عليه وهو أصل لما يختلف فيه من القوم المتيممين يجدون من الماء قدر ما يتوضأ به واحد منهم هل ينتقض تيمم جميعهم أو تيمم الذي أسلم إليه وحده، وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في سماع سحنون ونوازله من كتاب الوضوء وإن شاء ترك هو المشهور في المذهب على ما في رسم أوله أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى من كتاب الشفعة، وعلى قياس ما وقع في كتاب المرابحة من المدونة من الرجل إذا اشترى نصف سلعة وورث نصفها لا يجوز له أن يبيع نصفها مرابحة حتى يبين؛ لأنه إن باع ولم يبين وقع بيعه على ما ورثه وعلى ما اشترى، وقد قيل: إن للمشرك جميع حظ الذي أشركه وهو دليل قوله في كتاب العتق الأول من المدونة وفي آخر المسألة من أول رسم من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب وقد مضى القول على ذلك هنالك وبالله التوفيق. [مسألة: قال له اشتر سلعة كذا وكذا علي وأنا فيها شريكك فاشتراها رجل غيره فأشركه فيها] مسألة قلت له: فلو كان قال له: اشتر سلعة كذا وكذا علي وأنا فيها شريكك فاشتراها رجل غيره فأشركه فيها، قال: يكون الذي قال له اشتر علي وأنا شريكك مخيرا بين أن يأخذ نصف ما اشترك به صاحبه وبين أن يدع ولا يلزمه شيء.

: الربح تابع للضمان إذا عملا بما تداينا به

قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة كالقول في المسألة التي قبلها يدخل فيها من الاختلاف ما دخل فيها إذ لا فرق بين أن يشتري نصف السلعة أو يشرك فيها بنصفها وبالله التوفيق. [: الربح تابع للضمان إذا عملا بما تداينا به] ومن كتاب القطعان وسئل ابن القاسم عن الرجل يشرك الرجل فيقول أحدهما لصاحبه: اقعد في هذا الحانوت تبيع فيه، وأنا آخذ المتاع بوجهي والضمان علي وعليك، فيفعلان ذلك، قال: الربح بينهما على ما تعاملا عليه ويأخذ أحدهما من صاحبه أجرة ما يفضله به في العمل. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الربح تابع للضمان إذا عملا بما تداينا به كما هو بائع المال إذا عملا بما أخرجه كل واحد منهما من المال وبالله التوفيق. [مسألة: قال له اقعد في هذا الحانوت وأنا آخذ لك متاعا تبيعه ولك نصف ما ربحت] مسألة قال: ولو قال رجل لرجل: اقعد في هذا الحانوت وأنا آخذ لك متاعا تبيعه ولك نصف ما ربحت أو ثلثه لم يصلح ذلك، وإن عملا عليه كان للذي في الحانوت أجرة مثله فيما عمل ويكون الربح كله للذي أجلسه في الحانوت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأنها إجارة فاسدة من أجل أن الربح تابع للضمان، فإذا كان الذي أجلسه في الحانوت هو الذي يأخذ السلع ويكون ضمانها عليه وجب أن يكون الربح له ويكون للعامل أجرة مثله لأنه عمل على نصف ما ربح فيما باع وهو غرر وبالله التوفيق.

مسألة: اشترى أرضا فأشرك فيها رجلا فتعدى الشريك فزرع الأرض كلها

[مسألة: اشترى أرضا فأشرك فيها رجلا فتعدى الشريك فزرع الأرض كلها] مسألة وسئل عمن اشترى أرضا فأشرك فيها رجلا فتعدى الشريك فزرع الأرض كلها، فقال: الزرع للذي زرعه وعليه نصف كراء الأرض، قال عيسى: حاضرا كان شريكه أو غائبا، غير أن شريكه إن كان حاضرا يحلف بالله أنه ما كان تركه إياه رضا منه بذلك. قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية: إن الشريك إذا تعدى فزرع الأرض كلها يكون الزرع له ويكون نصف كراء الأرض ظاهره وإن كان إبان الحرث لم يفت فهو خلاف قوله في نوازل سحنون من كتاب المزارعة أن البذر إذا لم يفت أخذ نصيبه من الأرض فبذرها، وخلاف قول ابن القاسم أيضا في أول سماعه من كتاب الاستحقاق أنه يكون له فيما بنى في أرض شريكه قيمة بنيابة منقوضا إن صار في حظ شريكه فمرة رأى الشركة بينهما في الأرض شبهة يوجب أن يكون الزرع لزارعه فإن لم يفت إبان البذر ومرة لم ير ذلك شبهه ورأى أن من حق الشريك أن يأخذ نصيبه من الأرض بزرعها إذا لم يكن للذي بذره فيه منفعة إن قلعه، فإن كانت له فيه منفعة إن قلعه كان من حقه أن يقلعه إلا أن يشاء الشريك المتعدي عليه أن يأخذه بقيمته مقلوعا فيكون ذلك له، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في أول سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، وقول عيسى بن دينار: إن لشريكه الكراء حاضرا كان أو غائبا بعد يمينه إن كان حاضرا خلاف روايته عن ابن القاسم في أول سماع من كتاب الاستحقاق، وقد مضى القول على ذلك هنالك مستوفى وبالله التوفيق. [: يشتركا إذا أخرج أحدهما ذهبا وأخرج الآخر ورقا] من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الصلاة قال يحيى: قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: لا ينبغي

: الشريكين العقيدين يغيب أحدهما ثم يقدم فيجد أموالا بيد شريكه

للرجلين أن يشتركا إذا أخرج أحدهما ذهبا وأخرج الآخر ورقا وهو عندي من المكروه البين، فإن وقع ذلك ولم ينظر فيه حتى يشتريان ويبيعان أخذ كل واحد منهما مثل ما كان أخرج، صاحب الذهب مثل ذهبه وصاحب الورق مثل ورقه، ثم يقتسمان الربح على قدر أموالهما، وتفسير قسمتها إن كان ربحا للعشرة خمسة عشر فكان لصاحب الذهب مائة دينار ولصاحب الورق ألف درهم جعل لصاحب المائة دينار فضل خمسين دينارا ولصاحب الألف درهم خمسمائة درهم وإن كان الربح للعشرة أحد عشر أو اثني عشر أو نحو ذلك فعلى هذا الحساب يقتسمان الربح. قال محمد بن رشد: هذه مسألة تقدم القول فيها مستوفى في رسم نقدها من سماع عيسى فلا معنى لإعادة ذلك وبالله التوفيق. [: الشريكين العقيدين يغيب أحدهما ثم يقدم فيجد أموالا بيد شريكه] ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حر وسألته عن الشريكين العقيدين يغيب أحدهما ثم يقدم فيجد أموالا بيد شريكه [فإذا أراد قبضها ليرى فيها] في تجارتهما منعه الشريك وقال: هي أموال الناس أستودعها وإن كانت عروضا قال: [قد دفعت إلى أهلها] فيقول له شريكه: فمن أهلها أو لمن هذا المال الذي تزعم أنه ودائع الناس؟ فيقول: لا أحب أن أخبر بأهله وليس لك ذلك علي، أيقبل قوله أم لا؟ قال: إن سمى لها أهلها فادعاها للذي سماها لهم لم أر أن تدفع إليهم حتى يحلفوا مع إقراره لهم، فيكونون بمنزلة من يستحق حقه باليمين مع الشاهد فإن نكلوا دفعت

إليهم نصيب المقر وأخذ الشريك نصيبه من ذلك المال، قال: وسواء أقر بوديعة أو بمتاع أمر ببيعه فيما يزعم قال: وإن لم ينص أحدا ولم يدعه أحد مما يقر له فالمال بين الشريكين نصفان كهيئته على شركتهما. قلت: أرأيت إن قال: هو لي دونك ورثته أو وهب لي وما أشبه ذلك أيقبل قوله؟ قال: إن ثبت له معرفة الميراث أو العطايا والهبات وإلا فهو بينهما. قال محمد بن رشد: هذه المسألة كلها صحيحة بينة لا وجه للقول فيها! إلا قوله فيكون بمنزلة من يستحق حقه باليمين مع الشاهد فإن ظاهره يقتضي أنه يحتاج إلى عدالة المقر لأنه جعله الشاهد قال ذلك أبو إسحاق التونسي، قال أيضا: وكان ينبغي أن يجوز إقراره لمن لا يتهم عليه، وقد يحلفون استبراء والصواب أنه لا يحتاج إلى عدالته، وعلى ذلك يجب أن يحمل قوله في الرواية لأنه لم يقل: إنه يكون شاهدا له يحلف معه، وإنما قال: إنه يكون بمنزلة الشاهد له في أنه يحلف مع قوله كما يحلف مع شهادة الشاهد فإن نكل عن اليمين لم يكن له إلا نصيب الفقر، ولم يذكر هل يحلف الشريك أم لا؟ والوجه في ذلك أن يحلف إن كان تحقق الدعوى أنه أقر له بباطل، وأما إن قال: لا أدري إلا أني أتهمه في إقراره له فلا يمين عليه، إلا أنه لما كان هذا الذي أقر به ليس بدين التجارة واستظهر على المقر له باليمين شبها بما قالوا في المديان يرث أباه فيقر بدين عليه الودائع في تركته أن المقر له يحلف مع إقراره بخلاف إذا أقر بدين في ذمته وقع ذلك من إيجاب اليمين على المقر له في آخر كتاب الوصايا الثاني من المدونة وبالله التوفيق.

: يأتي بحمامة أنثى ويأتي الآخر بذكر على أن يكون الفراخ بينهما

[: يأتي بحمامة أنثى ويأتي الآخر بذكر على أن يكون الفراخ بينهما] من سماع سحنون من ابن القاسم قال سحنون: أخبرنا ابن القاسم، قال مالك في الرجل يأتي بحمامة أنثى ويأتي الآخر بذكر على أن يكون الفراخ بينهما إن الفراخ بينهما على الحضانة. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة عن مالك على قياس قوله في أن الزرع في المزارعة الفاسدة يكون لصاحب العمل والأرض، يريد ويرجع صاحب الحمامة الأنثى على صاحب الحمامة الذكر مثل بيض حمامته ويأتي على قياس القول في أن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر الفراخ لصاحب الحمامة الأنثى لأن البيض له ولصاحب الحمامة الذكر قيمة ما أعان به من الحضانة وبالله التوفيق. [مسألة: الفراخ تكون لصاحب البيض ولصاحب الدجاجة قيمة ما حضنت دجاجته] مسألة قيل له: فإن أتى رجل ببيض إلى رجل فقال له: اجعل هذا البيض تحت دجاجتك فما كان من فراخ فبيني وبينك فخرج الفراخ لصاحب الدجاجة ولصاحب البيض بيض مثله وإنما هو عندي بمنزلة الذي يأتي بالقمح إلى رجل فيقول له: ازرع هذا في أرضك فما ساق إليه من رزق فهو بيننا، فيزرعه فإن الزرع لصاحب الأرض ولصاحب القمح قمح مثله ومثله السفينة والدابة يعطيان على أن يعمل عليهما على بعض ما يكسب فإن العمل للعامل ولرب السفينة والدابة أجرة مثلهما. قال محمد بن رشد: وهذا على قياس قوله في أن الزرع في المزارعة الفاسدة يكون لصاحب البذر أن الفراخ تكون لصاحب البيض ولصاحب الدجاجة قيمة ما حضنت دجاجته، وعلى هذا يأتي قول سحنون في

: اشتركا في شراء سلعة بعينها بدين

نوازله من كتاب الغصب في الغاصب يغصب البيضة فيحضنها تحت دجاجته فيخرج منها فراخا أن الفراخ لصاحب البيضة وللغاصب عليه قدر ما حضنت دجاجته وبالله التوفيق. [: اشتركا في شراء سلعة بعينها بدين] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل عن رجلين اشتركا على أخذ متاع بدين لهما وعليهما ولهما مال ولا مال لهما، قال: إن كانا يشركان في سلعة بعينها يشتريانها بدين فلا بأس بذلك، كان لهما رأس مال أو لم يكن وإن كان إنما يشتركان على ما يشتري كل واحد منهما يقولان ما اشترى كل واحد منا بدين ولا مال لهما فنحن فيه شركاء فلا يعجبني ذلك، قال أصبغ: فإن وقع نفذ على سنة الشركة وضمناه جميعا وفسخت الشركة من ذي قبل وقطعت بينهما. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في المدونة وهو مما لا اختلاف فيه أنهما إذا اشتركا في شراء سلعة بعينها بدين فذلك جائز، وهما شريكان فيها كان لهما مال أو لم يكن لهما مال، فإن اشترط البائع عليهما أن كل واحد منهما ضامن عن صاحبه بجميع الثمن جاز، وإن لم يشترط ذلك عليهما لم يلزم كل واحد منهما إلا حصته حظه من الثمن النصف إن كانت شركتهما على النصف أو الثلث أو الثلثان إن كانت شركتهما على أن لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان أو أقل من ذلك أو أكثر، إلا أن يكونا شركاء عقد قد اشتركا شركة صحيحة على مال لهما فيكون كل واحد منهما ضامنا لثمن ما اشترى صاحبه بدين اجتمعا في أخذ المتاع بالدين أو افترقا، وأما إن اشتركا

مسألة: المرابحة على سبيل المكايسة والشركة على سبيل المعروف

ولا مال لهما على أن يشتريا بالدين ويكونا شريكين في ذلك يضمن كل واحد منهما ثمن ما اشترى صاحبه فلا يجوز ذلك كما قال؛ لأنها شركة بالذمم، ولا تجوز على مذهب مالك وجميع أصحابها لشركة بالذمم؛ لأن ذلك غرر، يقول كل واحد منهما لصاحبه: تحمل عني بنصف ما اشتريت على أن أتحمل عنك بنصف ما اشتريت واختلف إن وقع ذلك، فقيل: تفسخ الشركة بينهما، ويكون كل واحد منهما ضامنا لما اشترى صاحبة قبل الفسخ على ما تعاقدا عليه وهو قول أصبغ هذا، ومذهب ابن القاسم في المدونة، وقيل: إنه يكون ضمان ما اشترى كل واحد منهما عليه، لا يكون على صاحبه، وإلى هذا ذهب سحنون، وهو القياس على القول بأن شركة الذمم لا تجوز، وقول ابن القاسم وأصبغ استحسان مراعاة لقول أبي حنيفة في إجازته شركة الذمم وقوله: إنها تنعقد على الوكالة فتجوز على مذهبه حال الافتراق، كما تجوز حال الاجتماع، وليس ذلك بصحيح إذ لا غرر فيها حال الاجتماع وبالله التوفيق. [مسألة: المرابحة على سبيل المكايسة والشركة على سبيل المعروف] مسألة قال أصبغ: سئل أشهب عن شركاء ثلاثة، في سلعة تقاوموها فخرج منها واحد وقعت على الاثنين بربح دينار، ثم ذهب الخارج فاستوضع البائع دينارا فقام عليه الاثنان لرد، قال: ذلك لهما إلا أن يخرج ذلك الدينار الذي وضع له فيكون بينهما وبينه أثلاثا، قيل له: ويسوغ الربح كله؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قول أشهب في هذه المسألة لا يستقيم على حال؛ لأنه إن كان خرج من حصته من السلعة لشريكيه فيها بربح دينار على ما انتهت إليه في المقاومة فاستوضع البائع الدينار فوضعه عنه هو الذي ولي صفقة شرائها فأشرك فيها شريكيه وجب أن يكون للمشرك حظه من الوضيعة شاء الذي وضع له أو أبى، سواء كان حظه باقيا في يديه أو كان قد خرج عنه ببيع

مسألة: المقاسمة جائزة نافذة على الغائب وفيما بين الشريكين

أو غيره، وليس له أن يقول الذي أشركه: لا أضع عنك شيئا وأنت بالخياران شئت أن تمسك وإن شئت أن ترد رددت، وإنما يكون له ذلك في بيع المرابحة لأن المرابحة على سبيل المكايسة، والشركة على سبيل المعروف، هذا قوله في المدونة، وقد قال أبو إسحاق التونسي: القياس أن يكون مخيرا في الشركة كالمرابحة، وعلى هذا يأتي قول أشهب في هذه المسألة، وإن كان الذي وضع له الدينار فالشركاء الثلاثة ليس هو الذي كان ولي صفقة شرائها وإنما كان اشترى وهم لها جميعا صفقة واحدة فالدينار الموضوع يكون له خالصا لا حق فيه لشريكيه على مذهب مالك وأصحابه خلاف ما ذهب إليه الفقهاء السبعة حسبما ذكرناه في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم ولو كان أحد الشركاء في السلعة باع حظه من شريكه بربح دينار مرابحة لا على سبيل المقاومة لوجب إن كان هو الذي ولي صفقة شراء السلعة أن يرد على شريكيه ثلتي الدينار شاء أو أبى، ويكون مخيرا في الثلث التي ناب منه حظه الذي باعه مرابحة بين أن يحطه عنهما قيل: ما ينوبه من الربح وقيل: دون ما ينوبه من الربح، فيلزمهما البيع ولا يحط ذلك عنهما فيكون لهما أن يرد البيع، وكذلك إن لم يكن هو الذي ولي الصفقة على مذهب الفقهاء السبعة وأما على مذهب مالك وأصحابه فيكون له ثلثا الدينار لا يلزمه أن يرده عليهما ويكون مخيرا في الثلاثة التي ناب حظه الذي باعه منهما مرابحة على ما ذكرناه وبالله التوفيق. [مسألة: المقاسمة جائزة نافذة على الغائب وفيما بين الشريكين] مسألة قال أصبغ: سألت أشهب عن ثلاثة نفر اشتركوا بمائة دينار ثم يحضر سفر فيخرج اثنان بجميع المال ويتخلف واحد فلما كانا ببعض الطريق تشاجرا وتفاصلا فاقتسما فأخذ كل واحد منهما مائته ونصف مائة الغائب عنهما فتجر أحدهما في جميع ذلك وربح، وتجر الآخر فخسر فقال: لا ينفع ذلك الحائز يعني في الخسارة مال لا يكون تقدم

إليهما، قال: ويضم المال كله يريد خسارته وربحه فيقسم ذلك بينهما وبين الغائب أثلاثا كأنهما له يقتسما المال؛ لأنهما لا مقاسمة لهما على الغائب عنهما، ثم يترادان الاثنان منهما بينهما وتجوز مقاسمتهما فيما بينهما، وبرئ كل واحد منهما لصاحبه فيكون على هذا خسارته، ولهذا ربحه، قاله أصبغ، وقال: لهذا تفسير وتفسيرها إن كان تقدم إليهما ألا يقتسما فاقتسما فربح الواحد وخسر الآخر، فإن المقيم لا يلزمه من الخسارة والوضيعة على المتعدي بتعديه بالقسمة، وأما ربح الآخر فإن الربح يكون بينه وبين شريكيه ذلك القسم، وهو على الشركة، وكذلك لو وضع لزمه من الوضعية بقدر ماله معه من المال، وفي الربح اختلاف فمن أصحابنا من قال: الربح على الثلث والثلثين، ومنهم من قال: نصفين لأنه وجد الذي قبض نصف مائته وهو الشريك معدما لرجع على هذا الشريك الآخر لأنه متعد عندما قسم ودفع المال إليه. قال محمد بن رشد: قوله: لا ينفع ذلك الحاضر في الخسارة معناه أنه لا حجة له عليه في القسمة يضمنها الخسارة إلا أن يكون قد تقدم إليهما ألا يقتسما ماله فحينئذ يضمن له ما خسر من نصيبه وأما إن لم يتقدم إليهما في ذلك فيكون الحكم فيه ما ذكره من أن يضم المال كله بخسارته وربحه فيقسم ذلك بينهما وبين الغائب أثلاثا كأنهما لم يقتسما المال إلى آخر قوله، وذلك يرجع عند الاعتبار إلى أن يأخذ الغائب ثلث ما بيد كل واحد منهما كان قد ربح فيه أو خسر فهو مراده، ولا معنى للتطويل لما ذكره من الكلام ولا يخلو اقتسام الشريكين دون الثالث الغائب ما بأيديهما من أموالهما وقال: الغائب من ثلاثة أحوال: أحدهما أن يكونا فعلا ذلك بعد أن أذن لهما فيه الغائب، والثاني أن يكونا فعلا ذلك بعد أن نهاهما عنه، والثالث أن يكونا فعلا ذلك دون أن يتقدم منه إليهما فيه إذن ولا نهي فأما إن كانا اقتسما المال بعد أن أذن الغائب لهما

في ذلك فأخذ كل واحد منهما مائته ونصف مائة الغائب فلا اختلاف في أن المقاسمة جائزة نافذة على الغائب وفيما بين الشريكين، فيكون الغائب شريكا لكل واحد منهما على انفراد بالثلث، يأخذ ثلث ما بيد كل واحد منهما كان قد ربح فيه أو خسر، وأما إن كانا اقتسما المال بعد أن نهاهما عن اقتسامه وأخذ كل واحد منهما مائته ونصف مائة الغائب فتجوز قسمتهما على نفسهما فيما بينهما ولا تجوز على الغائب، ويكون كل واحد منهما متعديا عليه في ذلك فإن تجرا فربح أحدهما وخسر الآخر كان الذي خسر ضامنا لما خسر في نصيب الغائب وهو قول أصبغ إنه إن كان تقدم إليهما لم يلزم المقيم من الخسارة شيء وكانت الوضعية عليه بتعديه بالقسمة وفي قوله: وكذلك لو وضع يريد الشريك الآخر لزمه من الوضعية بقدر ما له معه من المال إشكال ومراده بذلك أن الشريك الآخر لو وضع كما وضع الأول للزمه أن يضمن للغائب من الوضعية بقدر ما له من المال كما ضمن الآخر فالهاء من لزمه عائدة على الشريك الذي تجر في المال لا على الغائب ولو لم يبق بيد الذي تجر وخسر من المال ما يقوم بحظ الغائب من الخسارة وهو عديم لكان من حقه أن يرجع على الآخر بما نقص من حقه؛ لأن كل واحد منهما متعد عليه في القسمة فإن رجع بعدم الذي خسر رجع بذلك المرجوع عليه على الذي خسر فاتبعه به دينا في ذمته لأنه المتعدي بالتجر فيه دون شريكه، ولو تلف المال في يد أحدهما وهو عديم فرجع الغائب على الآخر لما كان للمرجوع عليه رجوع على الذي تلف المال عنده إذ لم يتعد فيما صار بيده منه ولا تلف بسببه، وأما إن كانا قد قسما المال دون أن يتقدم إليهما الغائب فيه بإذن أو نهي فاختلف هل يكونان متعديين في قسمة أم لا على قولين؟ أحدهما أنهما لا يكونان متعديين في قسمته كما لو أذن لهما في ذلك، وهو قول أشهب وأصبغ في هذه الرواية والثاني أنهما يكونان متعديين في قسمته كما لو نهاهما عن ذلك، وإلى هذا ذهب محمد بن المواز، وهو أظهر، ووجه قول أصبغ وأشهب أنه لا ضرر على الغائب في القسمة إذ قد دخل معهما على أن لكل واحد منهما أن ينفرد بالبيع والشراء دون

: شركة الأبدان لا تجوز إلا مع التعاون في الأعمال

صاحبه، فالشريكان في قسمة مال الغائب بغير إذنه على مذهب أشهب وأصبغ بخلاف المودعين للعلة التي ذكرناها، وقد روى زياد عن مالك أن للمودعين أن يقتسما الوديعة. فيتحصل في الجملة ثلاثة أقوال، يضمنان جميعا ولا يضمن واحد منهما ويضمن المودعان ولا يضمن الشريكان، وقد مضى القول في الحكم على كل واحد من الوجهين فيما خسر أحدهما فلا معنى لتكراره، وأما ربح أحدهما فقد ذكر في الرواية الاختلاف في ذلك والصحيح أن يكون للغائب ثلث الربح لأنه إنما له ثلث أصل المال الذي كان عنه الربح، ووجه القول الآخر أن الشريك الذي عمل بالمال قد دخل مع الغائب على أن يتساويا في الربح إذ جعل كل واحد منهما مائة كما جعل صاحبه، والقسمة لا تلزمه ولا تجوز عليه، والقول الأول هو الصحيح لأنه يلزم على قياس هذا القول لو ربحا جميعا أن يأخذ الغائب نصف ربح كل واحد منهما فيصير له ربح نصف الجميع وليس له من رأس المال إلا الثلث وبالله التوفيق. [: شركة الأبدان لا تجوز إلا مع التعاون في الأعمال] ومن كتاب البيع والصرف وسئل أشهب عن صناعين حداد وجزار في حانوت واحد اشتركا بعمل هذا مع هذا في جزارته وهذا مع هذا في حديده، قال: إن كانا يحسنان ذلك جميعا ويعملان فيه جميعا فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن شركة الأبدان لا تجوز إلا مع التعاون في الأعمال لأنهما إذا لم يتعاونا وانفرد كل واحد منهما بعمل له دون شريكه أو أشراكه إن كانوا جماعة كان ذلك غررا؛ لأن كل واحد منهما يقول لصاحبه لك جزء من أجرتي فيما انفرد بعمله، على أن يكون لي بعض أجرتك فيما تنفرد بعمله دوني، وذلك أعظم المخاطرة والغرر. وقد مضى بيان هذا في آخر رسم من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق.

مسألة: استأجرا أجيرين فاشتركا فيما يكتسبان وكل منهما مستأجر لأجيره على حدة

[مسألة: استأجرا أجيرين فاشتركا فيما يكتسبان وكل منهما مستأجر لأجيره على حدة] مسألة قيل له: فإن استأجر رجلان أجيرين فاشتركا فيما يكتسبان وكل واحد منهما مستأجر لأجيره على حدة، قال: لا بأس بذلك إذا كان الأجيران يعملان جميعا عملا واحدا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن يد كل واحد منهما كيد مستأجره، فإذا تعاون أجيراهما في العمل كان ذلك كتعاونهما أنفسهما فيه وبالله التوفيق. [مسألة: اشتركا في حانوت واحد وصنعة كل واحد منهما غير صنعة صاحبه] مسألة قيل له: فإن اشتركا في حانوت واحد والعمل مفترق على حدة صنعة كل واحد منهما غير صنعة صاحبه، قال: لا خير في ذلك، يريد أن العمل بينهما قيل له: فإن اشتركا والعمل واحد والحانوتان مفترقتان قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا إنه لا يجوز أن يشتركا في حانوت واحد والعمل مفترق معناه إن انفرد كل واحد منهما بعمله ولم يعمل صاحبه معه فيه على ما قاله فوق هذا، وأما قوله: إنه لا بأس أن يشتركا في العمل ويكونان مفترقين في حانوتين فهو بعيد؛ لأن الأصل في شركة الأبدان أنها لا تجوز إلا على التعاون، وهما إذا افترقا في حانوتين فلم يتعاونا وإذا لم يتعاونا لم تجز الشركة فلا وجه لقول أشهب هذا، إلا أن يكون معناه أنهما يجتمعان جميعا على أحد الأعمال ثم يأخذ واحد منهما طائفة من العمل فيذهب إلى حانوته فيعمل فيه لرفق يكون له في ذلك من سعة حانوته أو كثرة انشراحه أو قربه من منزله أو ما أشبه ذلك وبالله التوفيق.

: الشريكين المتفاوضين إذا ترك أحدهما عمل الشركة وأخذ مالا فعمل فيه فربح

[: الشريكين المتفاوضين إذا ترك أحدهما عمل الشركة وأخذ مالا فعمل فيه فربح] ومن كتاب القضاء 4 - العاشر قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الشريكين المتفاوضين إذا ترك أحدهما عمل الشركة وأخذ مالا فعمل فيه فربح أو آجر نفسه ألصاحبه من ذلك شيء؟ قال لي: لا أرى لصاحبه من ذلك شيء أو أراه كله له، وإنما هو رجل تعدى فترك العمل والشركة، فليس ذلك بالذي يوجب لصاحبه فيما ربح من ذلك شيئا، قلت: أفترى لهذا المشتري المتعدي فيما ربح صاحبه الذي كان يعمل معه على الشركة شيئا؟ قال: نعم أراه على ربحه في الشركة، قال أصبغ: لأن النقصان يلزمه إذا تركه يعمل بالشركة فكذلك الربح له، قال أصبغ: قلت لابن القاسم أترى لهذا العامل في الشركة على الذي لم يعمل أجرة إذا قاسمه الربح قدر ما تركه من العمل معه الذي كان يصيبه؟ قال: لا، قال أصبغ: لا يعجبني هذا وأرى ذلك له إذا حلف العامل أنه لم يعمل على التطوع له وعنه، وعلى مقاسمته إلا على العمل لنفسه خالصا إذا اشتغل عنه وعلى أن يطالبه بعمله وكفايته فأما لوجهين ادعاه وحلف عليه رأيت له به الأجرة على قدر الكفاية لنصف ما باشر به من حينه ذلك وعلى وجهه خاصة، وليس على طول الشهور وعددها ولا السنين ولا الأيام إذا كان العمل والتجارة منقطعا في حال ذلك إن شاء الله، وسئل عنها أشهب فقال: ما أرى ربح القراض ولا الأجرة التي آجر بها نفسه إلا بينهما أرأيت لو

تسلف يعني مالا فعمل به فربح لكان ربحه بينهما. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في أحد الشريكين المتفاوضين يأخذ مالا قراضا فيربح فيه أيؤاجر نفسه إن ذلك له ولا شيء لشريكه فيه أظهر من قولي أشهب أن ذلك بينهما، وقد بين ابن القاسم في الرواية وجه قوله بقوله: وإنما هو رجل تعدى فترك العمل إلى آخر قوله وأما أشهب فوجه قوله أن كل واحد من الشريكين كأنه مستأجر لنصف عمل شريكه بنصف عمله هو، فكما يكون للذي عمل بالقراض الذي أخذه أو بالأجرة التي آجر بها نفسه نصف عمل شريكه في مال الشركة فيستحق، بذلك نصف الربح فكذلك يكون للشريك نصف عمله في القراض أو في الأجرة فيستحق بذلك نصف ربح القراض إن كان فيه ربح أو نصف الأجرة التي آجر بها نفسه، ولا اختلاف في أن ربح مال الشركة الذي عمل به أحد الشريكين ما دام صاحبه يعمل في القراض الذي أخذه أو في الأجرة التي آجر بها نفسه بينهما نصفين واختلف إذا لم يكن للشريك الذي عمل بمال الشركة في ربح القراض ولا في الأجرة شيء على القول بأن ذلك للذي أخذ المال القراض وللذي آجر نفسه هل تكون له أجرة على الذي لم يعمل معه لانفراده بالعمل أم لا؟ فلم ير ابن القاسم في هذه الرواية ذلك له، ورأى ذلك أصبغ له بعد يمينه أنه لم يعمل على التطوع عن شريكه، وهذان القولان جاريان على أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم وهو السكوت هل يكون كالإذن أم لا؟ فقول أصبغ في هذه المسألة مثل قول عيسى بن دينار من رأيه في آخر رسم القطعان من سماع عيسى من هذا الكتاب في الرجل يزرع في أرض بينه وبين شريكه أن عليه كراء نصف الأرض لشريكه بعد يمينه إن كان حاضرا خلاف روايته عن ابن القاسم في أول سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق في الرجل يبني في أرض بينه وبين شريكه وهو حاضر أنه لا كراء عليه لشريكه في نصيبه، وذلك منصوص لابن القاسم في كتاب ابن المواز في مسألتنا بعينها، قال في شريكين خرجا إلى الريف فابتاعا طعاما فقدم أحدهما الفسطاط فأخذ قراضا فربح فيه، قال: ربحه

له، وعليه للذي بالريف أجرة مثله فيما ولي بالريف في حصته يريد بعد يمينه كما قال أصبغ، وكما قال عيسى بن دينار في الكراء. وقول ابن القاسم: إن ربح مال القراض الذي عمل به لا يكون بين الشريكين إذا قال: إنما عملت به لنفسي وكذلك الأجرة. وأما لو قال: إنما عملت بذلك على أن يكون الربح أو الأجرة بيني وبين شريكي عوضا عن عمل شريكي في مال الشركة لوجب أن يكون الشريك مخيرا بين أن يأخذ ذلك عوضا عن عمله وبين أن يسلمه له ويتبعه بأجرة عمله في حصته. ولو قال: إنما عملت بذلك على أن يكون الربح والأجرة بيني وبينه على سبيل التفضل عليه لكان ذلك منه عدة تجري على الاختلاف في وجوب الحكم بالعدة إذا كانت على غير سبب، فقيل: إنها لا تلزم وهو المشهور، وقيل: إنها تلزم، وهو ظاهر قول غير ابن القاسم في كتاب الشركة من المدونة لأنه جعل ذلك من وجه قول الرجل للرجل لك ما أربح في هذه السلعة، فله أن يقوم عليه بذلك ما لم يفت أو يذهب أو يفلس. وقول أشهب في هذه الرواية: أرأيت لو تسلف مالا فعمل به فربح لكان ربحه بينهما ليس بحجة على ابن القاسم، إذ لا يسلم ذلك ولا يقول به، والذي يأتي على مذهبه في المدونة أن الربح له، وضمان السلف عليه، إلا أن يعلم بذلك الشريك ويعمل معه فيكون الربح بينهما، ويكون نصف المال سلفا للشريك الذي استسلفه على شريكه، ولو عمل وحده بالمال الذي استسلفه على أن يكون الربح بينهما ويكون نصف المال له سلفا عليه لما لزمه ذلك إلا أن يشاء إذ لا يلزم أحدا قبول معروف أحد، ولو عمل بالمال الذي استسلفه وحده على أن يكون الربح بينهما على سبيل التفضل لجرى ذلك على الاختلاف في لزوم العدة على غير سبب وبالله تعالى التوفيق.

: وقف على رجل يشتري سلعة فوقف لا يتكلم حتى لما وجب البيع قال أنا شريكك

[: وقف على رجل يشتري سلعة فوقف لا يتكلم حتى لما وجب البيع قال أنا شريكك] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن رجل وقف على رجل يشتري سلعة فوقف لا يتكلم حتى لما وجب البيع قال الرجل: أنا شريكك، فقال المشتري: لا أشركك وإنما قال له ذلك بعد وجوب البيع قال: يشركه إن شاء، وإن أبى ألقي في الحبس حتى يفعل إذا كان إنما اشتراه ليبيعه إلا أن يكون اشتراه لمنزله أو ليخرج به إلى بلد آخر فلا يكون له في هذا شركة. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى القول عليها مستوفى في أول نوازل أصبغ من جامع البيوع فلا معنى لإعادته والقول فيه باختصار أن الشركة على مذهب مالك لازمة لأهل الأسواق فيما اشتروا للتجارة على غير المزايدة لما كان من الطعام في سوق الطعام لأهل التجارة في ذلك النوع باتفاق، ولما كان من غير الطعام وإن كان في سوق تلك السلعة أو في غير السوق وإن كان من الطعام أو لغير أهل التجارة في ذلك النوع باختلاف، وقولي في غير السوق أعني في بعض الأزقة، وأما ما ابتاعه الرجل في داره أو حانوته فلا شرك لأحد معه ممن حضر الشراء باتفاق. فيتحصل في الطعام أربعة أقوال أيضا أحدها أن الشركة تجب لمن حضر البيع وإن لم يكن في السوق ولا كان من أهل التجارة بذلك النوع والثاني أنها لا تجب له إلا أن يكون ذلك بالسوق وأن يكون من التجارة بذلك النوع، والرابع الشركة تجب له وإن لم يكن من أهل التجارة بذلك النوع إذا كان ذلك في السوق، ومجموع المسألة خمسة أقوال، الأربعة التي ذكرناها والخامس الفرق بين الطعام وبين ما سواه من السلع ورأى مالك الحكم بالشركة في ذلك بين أهل الأسواق لنفي الضرر عنهم مخافة إفساد بعضهم على بعض بالزيادة

مسألة: وقف لشراء سلعة فقال له أشركني فقال له نعم ثم قال أشركتك بالربع

عليه، ومما يشبه ذلك من منفعة العامة «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أن يبيع حاضر لبادي» ، فمنه أخذه مالك والله أعلم، وهذا كله فيما اشترى للتجارة وأما ما اشترى لغير التجارة فالحكم بالشركة فيه باتفاق وبالله التوفيق. [مسألة: وقف لشراء سلعة فقال له أشركني فقال له نعم ثم قال أشركتك بالربع] مسألة وسئل عن رجل وقف لشراء سلعة فقال له رجل: أشركني، فقال له: نعم ثم قال: إنما أشركتك بالربع أو بالثلث، قال: القول قوله مع يمينه إلا أن يكون أشركه ببينة، قيل له: فإن قال له: أشركتك ولم أرد ثلثا ولا نصفا ولا أقل ولا أكثر إلا أني قد أشركتك، فقال: يكون له النصف. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم سن من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: قال لرجل اذهب فاشتر من فلان بقرة عنده وأشركني فيها وانقد عني] مسألة وقال في رجل قال لرجل: اذهب فاشتر من فلان بقرة عنده وأشركني فيها وانقد عني، قال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إنه لا بأس بذلك لأنه أشركه ونقد عنه ففعل معه معروفين وقد مضى في رسم استأذن من سماع عيسى ما فيه بيان ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: عين بين نفر فكان لأحدهم السقي بالليل وللآخرالسقي بالنهار] مسألة وعن عين بين نفر فكان لأحدهم السقي بالليل وللآخر السقي بالنهار فأجرى الماء في زرعه بالليل وترك زرع الذي له السقي بالليل قال: عليه قيمة ذلك الماء، ولا سقي له بالنهار؛ لأن سقي الليل

ليس يشبه سقي النهار وسقي الليل أفضل إلا أن يكون له سقي بالليل فيعطيه سقية بالليل مكانها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى لا اختلاف فيها وهي ترد قول أصبغ في رسم البيوع العاشر من سماعه من كتاب السلم والآجال في سلف الماء أنه لا ينظر فيه إلى الأزمان ولا يعتبر بها فيه، فترد تلك إلى هذه ولا ترد هذه إلى تلك وقد مضى الكلام على قول أصبغ في موضعه مستوفى فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق. تم كتاب الشركة بحمد الله تعالى وحسن عونه والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما اللهم عونك.

: كتاب الشفعة

[: كتاب الشفعة] [مسألة: باع شقصا له في دار مشتركة فسلم بعض الشركاء وأبى بعضهم] كتاب الشفعة من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا قال: من باع شقصا له في دار مشتركة فسلم بعض الشركاء وأبى بعضهم إلا أن يأخذ بشفعته إن ذلك له يأخذ جميع ما باع شريكه نصيبه ونصيب من سلم من شركائه. قال محمد بن رشد: أما إذا سلم أحد الشفعاء بعد وجوبها له ولم يقل لك ولا له على وجه تركها وكراهة الأخذ بها فلا اختلاف ولا إشكال في أن لمن بقي من الشفعاء أن يأخذ حظه وحظ من سلم من شركائه. وأما إن قال للمشتري: قد سلمت لك شفعتي أو قال لمن سأله ذلك: قد سلمت لك شفعتي فقد وقع لأصبغ في الواضحة أن تسليمه الشفعة له إن كان على وجه الهبة والعطية للمشتري فليس له أن يأخذ بالشفعة إلا حظه وحظ من يسلم للمشتري وللمشتري سهام المسلمين، فإذا صح على قول أصبغ هذا

للمشتري بالهبة حظ المسلم ولم يكن لمن سواه من الشفعاء أخذه فكذلك البيع غلى هذا القياس ينزل المشتري منزلة الشفيع للبائع الشفعة فلا يكون لمن سواه من الشفعاء شفعة إلا أن يكونوا بمنزلته فيكون لهم منها بقدر حظوظهم وعلى هذا تأول ابن لبابة رواية ابن القاسم عن مالك في أنه لا يجوز أن يبيع الرجل شفعة قد وجبت له ولا يهبها فقال: معناه من غير المبتاع واستدل على تأويله برواية جلبها من كتاب الدعوى والصلح، قال: يجوز أن يبيع شفعته من المبتاع بعد وجوب صفقته قبل أن يستشفع ولا يجوز له بيع ذلك من غيره ومثل هذا حكي أيضا عن مالك من رواية أشهب عنه أنه قال: ولا يجوز له أن يبيعها من غير المبتاع قبل أن يأخذ شفعته، واختار هو من رأيه أن لا يبيع الشفعة ولا يهبها لا من المبتاع ولا من غيره وهو الصواب والروايات التي جلبها ليست بجلية لاحتمال أن يتأول على أنه إنما أراد بها أخذ العوض من المبتاع على تسليم الشفعة له بما يجوز له بعد وجوب الصفقة وسمي ذلك بيعا لما فيه من شبهة البيع، وقول أصبغ بعيد شاذ في النظر وحكى ابن لبابة أيضا أنه رأى ابن الحسار يعقد لنفسه وثيقة شراء نصيب رجل من مال وما وجب له من الاستشفاع في نصيب كان بيع من ذلك المال قبل ذلك، قال: فلما تمت الوثيقة قال لي: هذه من غرائب النتيجات التي لا يعرفها والله غيرنا، يريدني ونفسه. فالذي يتحصل في هذا أنه لا يجوز للشفيع أن يهب ما وجب له من الاستشفاع لغير المبتاع ولا بيعه منه. واختلف هل له أن يهب ذلك للمبتاع أو يبيعه منه أم لا على قولين، أحدهما أن ذلك جائز ويختص المشتري بما اشترى فلا يكون لغير البائع أو الواهب من الشفعاء عليه شفعة إلا أن يكون بمنزلته فيكون لهم منها بقدر حقوقهم والثاني أن ذلك لا يجوز وينفسخ البيع فيكون الشفيع على شفعته وينفسخ أيضا حكم الهبة فيمضي على حكم التسليم. وأما بيع الشفيع نصيبه الذي يستشفع قبل أخذه بالشفعة فلا يجوز

: باع نصف أرضه بأرض آخر

باتفاق وكذلك هبته لا تلزم باتفاق وأما تسليم الشفعة بمال بعد وجوبها له فجائز باتفاق وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: باع نصف أرضه بأرض آخر] ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان قال: وسئل مالك عن رجل باع نصف أرضه بأرض آخر أو زيادة دنانير أترى له شفعة؟ قال: نعم، ويكون عليه قيمة أرضه التي أخذها، قال: وقال ابن القاسم وقد كان يبلغنا من بعض إخواننا أنه كان من قول مالك وغيره من المدنيين أنه إذا علم أنه أراد المناقلة والسكنى ولم يرد وجه البيع ولم يكن يرضى أن يخرج من داره ويقعد لا دار له، وكان بعض المدنيين يذكر ذلك ويذكر عن ربيعة أنه لا شفعة في ذلك فكلمنا مالكا وحاججناه بوجه السكنى وإنما أراد المناقلة ولم يكن ذلك منه على وجه البيع فلم يره شيئا وأنثره وكأنه قاله ورجع عنه، واتبع الحديث ورآه بيعا من البيوع، وقال: الشفعة فيه، قال: وكذلك لو أعطاها امرأة في صداقها وإنما تزوجها لهواه فيها فأرى الشفعة فيها ولم ير الذي ذكر عنه شيئا، قال ابن القاسم: وهو رأي وهو الشأن، قال مطرف وابن الماجشون: الذي قال مالك لا شفعة فيه إنما ذلك في المناقلة بين الشركاء في المسكنين أو الحائطين أو في الأرضين يناقل أحدهم بعض أشراكه يعطيه حظه في هذه الدار وهذه الأرض وهذا الحائط يحط صاحبه في الدار الأخرى أو الأرض الأخرى أو الأريط الآخر فيصير حظه من ذينك الشيئين المفترقين في شيء واحد منهما، فهذه المناقلة التي قال مالك لا شفعة فيها للشركاء لأنه لم يرد وجه البيع إنما أراد التوسع في حظه وجمعه لكي ينتفع به، وأما إذا ناقل بنصيبه من هذه

المشتركة بدار أخرى أو أرض أخرى لا نصيب له فيها ولا حظ لكانت في ذلك الشفعة ولجرى مجرى البيع وليس مجرى المناقلة، وسواء عامل بذلك بعض شركائه أو أجنبيا ممن لا شرك له معه. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة سئل مالك عن رجل باع نصف أرضه بأرض أخرى معناه نصف نصيبه بأرض أخرى وهذه مسألة فيها اختلاف ولها تفصيل، وتحصيل القول أنه لم يختلف قول مالك في أن في الشقص المبيع الشفعة إذا بيع بعين أو بعرض، فأما إن باع الرجل شقصه من شريكه أو من أجنبي بأصل أو شقص من أصل له فيه شرك أو لا شرك له فيه فمذهب ابن القاسم وروايته عن مالك أن في ذلك كله الشفعة، ووقع هنا ما ظاهره أن قول مالك اختلف في ذلك كله، وأنه كان يقول: إذا علم أنه أراد المناقلة والسكنى ولم يرد وجه البيع إنه لا شفعة في ذلك، وأن بعض المدنيين كان يذكر ذلك وأنه قول ربيعة، فعلى هذا تكون المناقلة اختلف في وجوب الشفعة فيها في هذه الأربعة وجوه، وحكى العتبي عن مطرف وابن الماجشون أنهما قالا: إن المناقلة التي قال مالك: لا شفعة فيها إنما هي أن يبيع الرجل شقصه من شريكه بشقص من أصل له فيه شرك، فيكون كل واحد منهما إنما أراد التوسع في حظه مما صار إليه من حظ شريكه عوضا عما عاوضه به، فعلى هذا المناقلة إنما تكون في هذا الوجه الواحد من الأربعة الأوجه المذكورة وروى أبو زيد عن مطرف في الدار تكون بين الرجلين فيبيع أحدهما شقصه، من شريكه بشقص من أصل له مع شريك آخر أنه لا شفعة لهذا الشريك الآخر في هذا الشقص؛ لأنه لم يقصد به البيع وإنما أراد التوسع في حظه، وكذلك على قول مطرف هذا لو كانت دار بين ثلاثة نفر فباع أحدهم حظه من أحد شريكيه بأصل فلا شفعة للشريك الثالث الذي لم يرد البيع وإنما أراد التوسع في حظه، فعلى قول مطرف هذا تكون المناقلة المختلف في إيجاب الشفعة فيها في ثلاثة وجوه، وأصله أنك متى وجدت أحد المتعاوضين في الأصول قد

مسألة: أخوين ورثا دارين فباع أحدهما أحد الدارين

أخذ من صاحبه شقصا فيما له فيه شقص فهي المناقلة التي لا شفعة فيها فعلى رواية مطرف وابن الماجشون أن المعاملة في الأصول لا تكون مناقلة وتسقط فيها الشفعة حتى يكون كل واحد منهما قد أخذ من صاحبه شقصا فيما له فيه شقص. وعلى ظاهر ما وقع في هذه المسألة من رواية ابن القاسم عن مالك أن المعاملة في الأصول كيف ما وقعت فهي مناقلة لا تجب فيها الشفعة على أحد القولين، ففي تعيين المناقلة المختلف في إيجاب الشفعة فيها ثلاثة أقوال على ما بيناه، وفي المدنية لابن كنانة أنه سئل عن ورثة بينهم أرض هم فيها أشراك فقال رجل من الورثة للورثة: أعطوني حقي في مكان واحد واجمعوا لي أرضي في ناحية واحدة فرضوا بذلك وفعلوا ثم إن الشركاء في الأرض أرادوا الأخذ بشفعتهم وقالوا: قد بعت قال: يحلف الذي جمعت له أرضه في مكان واحد بالله ما أردت بيعا وما أردت إلا أن يجمع لي أرضي في مكان واحد فإذا حلف احتبس أرضه ولم يكن لأولئك فيها شفعة، قال عيسى: قال ابن القاسم: لا شفعة فيه وقول ابن القاسم هو الصحيح وأما قول ابن كنانة فهو بعيد لأن ذلك ليس ببيع وإنما هي قسمة وليس لأحد المتقاسمين على صاحبه شفعة وبالله التوفيق. [مسألة: أخوين ورثا دارين فباع أحدهما أحد الدارين] مسألة وسئل مالك عن أخوين ورثا دارين فباع أحدهما أحد الدارين فعلم أخوه الذي لم يبع فقال: أنا آخذ هذه الدار التي بعت بشفعتي وأقاسمك الأخرى، فقال له الذي باع: ليس لك ذلك ولكن أقاسمك الدارين فإن تقع الدار التي بعت لي نفذ بيعي وإلا تقع لي بطل بيعي وتكون لك قال مالك: ليس ذلك له وأرى أن يأخذها أخوه بشفعته فيها ويقاسمه الأخرى وليس له أن يأبى ذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في آخر كتاب الشفعة من المدونة في الدار تكون بين الرجلين فيبيع أحدهما طائفة منها بعينها ولا اختلاف فيها

: باع شركا له في دار فأقام شريكة تسعة أشهر ثم طلب أن يأخذ بالشفعة

عندي من أجل حق المشتري، بخلاف مسألة أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق في أرض بين الرجلين يبني أحدهما فيها بنيانا وشريكة غائب أنهما يقتسمان الأرض فإن كان بنيانه فيما صار له من الأرض كان له وكان عليه من الكراء بقدر ما انتفع من نصيب صاحبه، وإن كان البنيان والغرس في نصيب غيره خير الذي صار له في نصيبه بين أن يعطيه قيمته منقوضا وبين أن يسلم إليه نقضه ينقله ويكون له أيضا من الكراء على الباقي بقدر ما انتفع به من مصابة صاحبه الغائب لأن ذلك إنما يكون إذا اختلفا في القسمة فدعا إليها أحدهما ودعا أحدهما إلى أن يحكم بينهما في الغرس والبناء قبل القسمة حسبما ذكرناه هناك فيدخل في تلك الخلاف من هذه ولا يدخل من هذه الخلاف في تلك من أجل حق المبتاع لأنه قد يقول: وجب لي حظ البائع من الدار فليس لكما أن تقتسما قبل مخافة أن تصير الدار لغير البائع فيبطل جميع شرائي فالواجب أن يأخذ الشريك نصف الدار بالاستحقاق ونصفها بالشفعة إلا أن يتفقا على القسمة قبل ويرضى بذلك المبتاع فيجوز وبالله التوفيق. [: باع شركا له في دار فأقام شريكة تسعة أشهر ثم طلب أن يأخذ بالشفعة] ومن كتاب البز وسئل مالك عن رجل باع شركا له في دار فأقام شريكة تسعة أشهر ثم طلب أن يأخذ بالشفعة أترى ذلك به؟ قال: نعم ما تسعة أشهر عندي بكثير، وإني أرى أن يحلف بالله ما كانت إقامته تركا لشفعته ويأخذ شفعته في هذا إلا أن يأتي من ذلك ما يطول زمانه. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة. في التسعة الأشهر والسنة لأنه لم ير السنة فيها كثيرا ولو قام بعد الشهر أو الشهرين لم يكن عليه يمين على مما قال في رسم الشجرة بعد هذا إلا أن يكون قد كتب شهادته في عقد الشراء فيلزمه اليمين إن قام بقرب ذلك بعد العشرة الأيام ونحوها على ما قاله بعد هذا في رسم باع، ولو كتب شهادته في عقد الشراء ولم يقم إلا بعد

: أربعة إخوة باع أحدهم نصيبه من دار لهم فسلم إخوته للمشتري ما اشترى

شهرين لم يكن له شفعة. فتحصيل هذه المسألة أنه إن لم يكتب شهادته وقام بالقرب مثل الشهر والشهرين كانت له الشفعة دون يمين، وإن لم يقم إلا بعد السبعة أو التسعة أو السنة على ما في المدونة كانت له الشفعة بعد يمينه أنه لم يترك القيام راضيا بإسقاط حقه، وإن طال الأمر أكثر من السنة لم تكن له شفعة، وأما إن كتب شهادته وقام بالقرب أو العشرة الأيام ونحوها كانت له الشفعة بعد يمينه، وإن لم يقم إلا بعد الشهرين لم يكن له شفعة وإذا قال: لم أعلم بالشفعة فالقول قوله مع يمينه، وإن كان حاضرا بالبلد وإن كان بعد أربع سنين، قاله ابن عبد الحكم. وقد اختلف في الحد الذي تنقطع فيه شفعة الحاضر بمجرد السكوت بعد العلم بالبيع على أربعة أقوال أحدها أن حده السنة وهو قول أشهب وروايته عن مالك والثاني قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أن السنة قليل ولا ينقطع إلا فيما فرق السنة والثالث قول مطرف وابن الماجشون أنه على شفعته ما لم يوقفه الإمام على الأخذ أو الترك أو يتركها طوعا منه ويشهد بذلك على نفسه أو يمضي من طول الزمان ما يدل على أنه كان تركا له والخمس سنين قليل إلا أن يحدث المشتري فيها بنيانا أو عرشا فتنقطع شفعته في أقل من ذلك، فكأنهما رأيا الحد في ذلك ما تكون فيه الحيازة، والرابع أنه على شفعته وإن طال ما لم يصرح بتركها روى ذلك عن مالك وهو مذهب الشافعي وأبو حنيفة يقول بضد ذلك أن الشفعة إنما هي الوقوف فإن لم يقم بشفعته ساعة علم بالبيع فلا شفعة له، وهو قول خامس في المسألة وبالله التوفيق. [: أربعة إخوة باع أحدهم نصيبه من دار لهم فسلم إخوته للمشتري ما اشترى] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس وسئل مالك عن أربعة إخوة باع أحدهم نصيبه من دار لهم

: الشفعة في الصدقة

فسلم إخوته للمشتري ما اشترى أتراه شفيعا معهم إذا باع أحد منهم؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال وهو مما لا أعلم فيه اختلافا؛ لأن المبتاع يحل محل بائعه، واختلف لو كان المبتاعون لسهم الواحد جماعة فباع أحدهم حظه فقال ابن القاسم: لا يكون أشراكه أحق بالشفعة من أشراك البائع منهم، وقال أشهب: أشراكه أحق بالشفعة من أشراك البائع لأنهم كأهل سهم واحد وبالله تعالى التوفيق. [: الشفعة في الصدقة] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق وسئل مالك عن حائط بين رجلين تصدق أحدهما بنصيبه على قوم وعلى عقبهم ما عاشوا، ثم إن الشريك باع نصيبه فأراد أهل الصدقة أن يأخذوا حصة شريكهم بالشفعة، قال مالك: ليس لهم في مثل هذا شفعة، إنما هي صدقة فما أرى الشفعة تكون في الصدقة، قال: وسمعته يقول غير مرة: قال ابن القاسم وبلغني عن مالك أنه قال: إذا أراد صاحب المتصدق أن يأخذ بالشفعة لم يكن ذلك له إلا أن يلحقه بالحبس فيكون ذلك له. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن أهل الصدقة أرادوا أن يأخذوا بالشفعة لأنفسهم ملكا فلذلك لم ير لهم شفعة ولو أرادوا أن يأخذوا بالشفعة ليلحقوها بالحبس لكان ذلك لهم، وكذلك لو أراد المحبس أن يأخذ بالشفعة لنفسه لم يكن ذلك له ولو أراد أن يأخذ بها يلحقها بالحبس كان ذلك له، وعلى قياس هذا لو أراد رجل أجنبي أن يأخذ بالشفعة للحبس لكان ذلك له، وهذا على القول بأن من تصدق على رجل عقبه بعقار ما عاشوا فإنها لا ترجع للمحبس بحال أبدا وتكون ملكا لآخر العقب على ما روى أشهب عن

: باع شقصا له في أرض وشفيعه حاضر وشهد فيها

مالك في كتاب الحبس أو يرجع بمرجع الأحباس على ما حكاه ابن عبدوس وهو قول مالك وبعض رجاله في المدونة وأما على القول بأنه يرجع إلى المحبس ملكا بعد انقراض المتصدق عليه وعقبه فللمحبس أن يأخذ بالشفعة لنفسه على ما حكى ابن حبيب عن مطرف من أن الحبس إذا كان له مرجع إلى المحبس فالشفعة له مال من ماله وبالله التوفيق. [: باع شقصا له في أرض وشفيعه حاضر وشهد فيها] ومن كتاب باع غلاما وسئل مالك عن رجل باع شقصا له في أرض وشفيعه حاضر وشهد فيها، ثم إنه بدا له بعد عشرة أيام ونحوها أن يأخذها بالشفعة قال أرى ذلك له وأشد ما عليه أن يحلف بالله ما كان ذلك منه تركا لشفعته ثم يأخذ ماله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم البز قبل هذا فلا معنى لإعادة شيء من ذلك وبالله التوفيق. [: لهم ثمرة حائط صدقة أراد أحدهم أن يبيع أترى لهم شفعة] ومن كتاب صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل عن قوم لهم ثمرة حائط صدقة فأراد رجل ممن له أصل في ذلك الحائط أن يبيع أترى لهم شفعة؟ قال: لا شفعة لهم، وإنما الشفعة لمن كان له أصل مال، قال مالك: ولو كان المحبس حيا وأراد أن يأخذ بالشفعة ليلحق ذلك بحبسه كان ذلك له، وإن لم يكن يريد أن يلحقه بحبسه فلا شفعة له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في

: الشريكين في الدار يبيع أحدهما نصيبه ثم يريد الآخر أخذ الشفعة

رسم كتب عليه ذكر حق فلا معنى لإعادته وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: الشريكين في الدار يبيع أحدهما نصيبه ثم يريد الآخر أخذ الشفعة] ومن كتاب الشجرة وسئل عن الشريكين في الدار يبيع أحدهما نصيبه فيقيم شريكه شهرا أو شهرين لا يطلب ثم يريد أخذها، قال: ذلك له ما لم يتطاول ذلك، قلت له: أفترى الشهرين قريبا؟ قال: نعم قلت له: أفيحلف أن إقامته ما كانت تركا لذلك، قال: لا أرى عليه في مثل هذا يمينا إلا أن يأتي من ذلك ما يستنكر من تباعد ذلك فأرى أن يحلف. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول فيها في رسم البز قبل هذا فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [: اختلفا في الثمن وحقق كل واحد منهم الدعوى فيه على صاحبه] من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عمن ابتاع شركا له في مال قيمته عند الناس عشرون ومائة درهم ثم زعم المشتري أنه ابتاعه بمائتي درهم وزعم البائع ذلك أيضا فأراد الذي له الشفعة أن يحلف البائع أو المبتاع، وزعم أنه إنما أراد أن يقطعا عليه شفعته ولم يأت على ذلك ببينة، قال ذلك في الأثمان مختلف لحاجتهم أما إذا كان المشتري السلطان أو الشريك في المال والجديد فيه أو الجار فإن هؤلاء ربما بالغوا في إعطاء الثمن لحاجتهم إلى ذلك وخفة مؤنته عليهم لقدرة السلطان وخفة الشأن عليه، ولرغبة الجديد فيه والجار في ذلك ولكراهية أن يشاركه أحد

فيه أو يجاوره، فإذا كان هذا فلا أرى على أحد يمينا؛ لأن بعض هؤلاء قد يشتري المال لهذا الأمر بأضعاف ثمنه، وأما إذا كان على غير هذا من الأمر الذي وصفت لك واشترى ذلك بما لا يعرف من الثمن فإني أرى على المبتاع اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد ابتاعه بهذا الثمن ولا أرى على البائع يمينا لأنه لو أبى أن يحلف لم يكن عليه في ذلك شيء، وإنما اليمين على المبتاع إذا لم يكن على ما وصفت لك واشترى من الثمن ما يستنكر ولا يعرف. قال محمد بن رشد: هذه مسألة كان الشيوخ يحملونها على أنها خلاف لما في المدونة؛ لأنه قال فيها: القول قول المشتري ولا يمين عليه إلا أن يأتي بما لا يشبه، وقال في المدونة: القول قول المشتري يريد مع يمينه إلا أن يأتي بما لا يشبه فيصدق ويكون القول قول الشفيع، وليس ذلك بصحيح؛ لأن معنى رواية أشهب هذه أن الشفيع لم يحقق الدعوى على المشتري ولا ادعي معرفة الثمن، وإنما أراد أن يحلفه بالتهمة فلم يوجبها عليه إلا في الموضع الذي تظهر فيه التهمة وهو أن يأتي بما لا يشبه من الثمن، وذلك بين من سياقة المسألة، ومعنى ما في المدونة أنهما اختلفا في الثمن وحقق كل واحد منهم الدعوى فيه على صاحبه، فوجب أن يكون القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه فإن لم يأت بما يشبه كان القول قول الشفيع إن أتى بما يشبه فإن لم يأت بما يشبه حلفا جميعا على دعواهما، وكانت له الشفعة بالقيمة، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان القول قول الحالف وإن أتى بما لا يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه بنكوله من دعواه، ولا اختلاف عندي في هذه المسألة إذا اختلفا في الثمن وحقق كل واحد منهما الدعوى على صاحبه، وأما إذا لم يحقق الشفيع الدعوى على المشتري وأتى المشتري بما يشبه فقيل: إنه لا يمين عليه، وهو قول مالك في هذه الرواية، وقيل: القول قوله مع يمينه إلا أن تكون على ذلك بينة بتعاور البائع مع المشتري على ما ادعاه، وأما إن أتى بما لا

مسألة: الشفعة في الأرض وفي كل ما أنبتت الأرض

يشبه فقيل: القول قوله مع يمينه والشفيع بالخيار إن شاء أخذ بذلك وإن شاء ترك، وهو قول مالك في هذه الرواية، وقول مطرف في الواضحة، وقيل: إن الشفيع بالخيار إن شاء أن يأخذ بالقيمة أخذ لأن المشتري يتهم على تغيب الثمن لقطع الشفعة إلا أن تكون له بينة على مشاهدة السفقة والنقد، فيكون الشفيع مخيرا بين أن يأخذ بذلك أو يترك، وهو قول سحنون، ولا تأثير للبينة في هذا على تعاور البائع مع المشتري على الثمن الذي ادعاه، قاله ابن حبيب في الواضحة، ولا يمتنع عندي أن يكون له شاهد يحلف معه إذا كان عدلا ولم يتهم في شهادته على ما قاله ابن القاسم في أول سماع أبي زيد في مسألة اللؤلؤ؛ إذ لا تهمة عليه في شهادته له، وإنما كان يتهم لو شهد للشفيع على المشتري؛ لأنه يقلل العهدة على نفسه فيما يستحق من الشقص إن استحق منه شيء، وإذا اختلفا المتبايعان في ثمن الشقص فتحالفا وتفاسخا لم يكن للشفيع شفعة، ويشبه أن يكون له الشفعة إذا رضي أن تكون عهدته على البائع؛ لأنه يقر أن الشقص للمشتري، واختلف إن نكل المشتري وحلف البائع فقيل: يأخذ الشفيع إن شاء بالثمن الذي حلف عليه البائع، وقيل: بل يأخذ بالثمن الذي أقر المشتري أنه اشتراه به، ولكلا القولين وجه، والأظهر ألا يكون للشفيع أن يأخذ إلا بالثمن الذي حلف عليه البائع وأخذه، ولا إشكال إذا حلف المشتري ونكل البائع في أنه يأخذ بما حلف عليه المشتري وبالله التوفيق. [مسألة: الشفعة في الأرض وفي كل ما أنبتت الأرض] مسألة وسئل مالك هل في الثمرة شفعة؟ فقيل: أفي رؤوس النخل هي؟ فقيل: نعم، قال فيه الشفعة، وإنما تكون الشفعة في الأرض وفي كل ما أنبتت الأرض، وسئل هل في الزرع شفعة؟ قال: لا إن كان قبل أن يحل بيعه، فهذا لا يصلح، وإن كان بعد أن يبس واستحصد وحل بيعه فلا يصلح أن يقتسماه إلا بكيل ولا تكون

: باع شقصا في حائط غائب

الشفعة في مثل هذا وليس هذا مثل الأول. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله في أول هذه المسألة، وإنما تكون الشفعة في الأرض وفي كل ما أنبتت الأرض أن في الزرع الشفعة خلاف ما نص عليه بعد ذلك، وفي المدونة من أنه لا شفعة في الزرع وفي تعليله سقوط الشفعة في الزرع هاهنا وفي المدونة بأن بيعه لا يجوز حتى ييبس فإذا يبس لم يصلح أن يقتسم إلا بالكيل ما يدل على أن الشفعة تجب فيه إذا بيع بعد أن افترك، وقبل أن ييبس على مذهب من يجير ذلك من أهل العلم أو يرى العقد فيه فوتا إذا وقع من أصحابنا أو إذا بيع مع الأصل بعد أن نبت؛ لأنه قد وقع عليه حصته من الثمن، وقد قيل: إن الشفعة فيه إذا بيع مع الأصل قبل أن ينبت لأنه قد وقع عليه حصة من الثمن، وقد قيل: إن الشفعة فيه إذا بيع مع الأصل قبل أن ينبت لأنه قد وقع عليه حصته من الثمن على كل حال لما فيه من البذر الذي قد أخرجه البائع من عنده بخلاف الثمرة إذا بيعت مع الأصل قبل أن تؤبر لأنها إذا لم تؤبر فلم يقع عليها حصة من الثمن فإنما يأخذها الشفيع بالشفعة على مذهب ابن القاسم ما لم تجد من جهة الاستحقاق لا من جهة الشفعة، فاختلاف قول مالك في إيجاب الشفعة في الزرع على أصل قد اختلف فيه قوله اختلافا واحدا وهو ما كان متشبثا بالأصول ومتصلا بها كالثمرة والكراء ورقيق الحائط إذا بيعوا مع الحائط والرحا إذا بيعت مع الأصل والماء، والنقض إذا بيعا دون الأصل فمرة قال مالك: في ذلك كله الشفعة لتعلقه بأصل ما فيه الشفعة، ومرة قال: إن ذلك كالعروض المنفصلة من الأرض فلا شفعة فيها، وفي قوله أيضا: إن الشفعة في كل ما أنبتت الأرض دليل ظاهر من جهة العموم أن الشفعة واجبة في القول، وسيأتي القول على ذلك في آخر سماع أبي زيد إن شاء الله وبه التوفيق. [: باع شقصا في حائط غائب] ومن كتاب أوله مسائل بيوع وسئل عمن باع شقصا في حائط غائب فقال الشفيع: حتى

مسألة: الدار تكون بين الرجلين فيبيع أحدهما نصيبه وشريكه مفلس

أذهب فأنظر إلى شفعته وهي ليست معه في القرية، قال: ليس ذلك له فراجعه السائل، فقال: إن كان الحائط على ساعة من نهار فذلك له وإلا فليس ذلك له يخرج فيقيم أيضا عشرة أيام ثم يجيء. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب ابن المواز وظاهر ما في المدونة من أن الشفيع إنما يؤخر في النقد لا في الارتياء في الأخذ، وهو مثل ما في هذا السماع من كتاب الإيلاء في المولى يوقف أنه ليس له في ذلك أجل يترك إليه لينظر، وإنما هو في مجلسه ذلك، ومثل ما في كتاب النكاح الثالث من المدونة في الزوجين المجوسيين يسلم الزوج فيعرض عليها الإسلام أنه يفرق بينها إن لم تسلم ولا تؤخر، بخلاف إذا غفل عن عرض الإسلام عليها ومثله المملكة يوقفها السلطان أنها لا تؤخر لتستشير وتنظر وهو عذر للشفيع يغيب عنه الحائط وإن كان لم يره أو كان قد رآه وطال عهده به وصف كما توصف الأرض والدار الغائبة، وقد قال ابن عبد الحكم في المختصر: يؤخر الإمام اليومين والثلاثة يستشير وينظر، قاله والله أعلم قياسا على استتابة المرتد وعلى حديث المصراة، ولا يبعد دخول هذا الاختلاف في هذه المسائل كلها لقرب معانيها، والأصل في الثلاثة الأيام في هذه المعاني قول الله عز وجل: {فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65] ومنه أخذ القضاة التلوم ثلاثة أيام بعد الآجال ومنه استظهار الحائض بثلاثة أيام وبالله التوفيق. [مسألة: الدار تكون بين الرجلين فيبيع أحدهما نصيبه وشريكه مفلس] مسألة قال: وسئل عن الدار تكون بين الرجلين فيبيع أحدهما نصيبه وشريكه مفلس فيقول له رجل من الناس: خذ بالشفعة وأنا أربحك كذا

مسألة: يوصي في حائط له لقوم بثلثه أو بسهم منه معلوم أو أجر معلوم فيبيع بعضهم

وكذا فأخذ بالشفعة فيسلم إليه الشفعة فيعطيه الذي أربحه فيظهر بعد على أنه أخذها لغيره ويقر بذلك ويقول: لم يكن لي شيء وقال لي هذا الرجل: خذه ولك كذا كذا، فقال مالك: أما أصل البيع فلا يجوز، ولكن من أين يعلم هذا أنه قال له ذلك؟ فقيل له: يقر بذلك صاحب الشفعة، فقال: ليس إقراره بشيء ولكن لو ثبت ببينة أو أمر ثابت رأيت أن يرد في رأي المشتري لأنة إنما أخذ الشفعة لغيره ولكن كيف يعلم هذا وإذا علم رد. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه ليس للشفيع أن يأخذ بالشفعة لغيره؛ لأن الحق إنما هو له لدفع الضرر عن نفسه، قيل: ضرر الاشتراك وقيل: ضرر القسمة، وكذلك ليس له أن يأخذ بالبيع، وقد قالوا في المديان: إن له أن يأخذ بالشفعة فيباع لغرمائه، وفي ذلك نظر؛ لأنه إنما يأخذ للبيع وقد استحسن أشهب ألا يكون ذلك، وأما المريض فإنه يأخذ بالشفعة ولا اعتراض في ذلك، وإن كان أخذه في هذه الحال إنما هو لورثته لأنه إن لم يأخذ ذلك في مرضه كان لهم أن يأخذوه لأنفسهم بعد موته وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي في حائط له لقوم بثلثه أو بسهم منه معلوم أو أجر معلوم فيبيع بعضهم] مسألة قلت لمالك: أرأيت الذي يوصي في حائط له لقوم بثلثه أو بسهم منه معلوم أو أجر معلوم فيبيع بعضهم؟ فقال: إذا باع بعضهم فشركاؤه في ذلك الثلث أو ذلك السهم أحق بالشفعة فيما باع شريكهم فيه ثمن أهل الحائط. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا في رواية أشهب عنه أن الموصى لهم أهل سهم واحد مثله في كتاب ابن المواز وحكاه عن أشهب وابن عبد الحكم وحكاه الفضل عن عيسى بن دينار وابن القاسم بجعلهم كالعصبة فيرى للورثة الدخول معهم، وعلى هذا الاختلاف يختلف في الموصى له

مسألة: العصبة يرثون ما بقي من المال أيكونون أحق بالشفعة بينهم

بجزء يطرأ على الورثة فقيل: إنه بمنزلة طرو الغريم على الورثة، وإلى هذا ذهب ابن حبيب وهو على قياس قول ابن القاسم، وقيل: إنه بمنزلة طرو الوارث على الورثة، وهو مذهب ابن القاسم، وذلك يرد قوله أن الموصى لهم ليسوا بأهل سهم وبالله التوفيق. [مسألة: العصبة يرثون ما بقي من المال أيكونون أحق بالشفعة بينهم] مسألة قلت: أرأيت العصبة يرثون ما بقي من المال أيكونون أحق بالشفعة بينهم؟ فقال: لا. قال محمد بن رشد: قد روي عن مالك في العصبة أنهم أهل سهم وهو بعيد لم يأخذ به ابن القاسم ورآه خطأ وبالله التوفيق. [مسألة: يأتي إليه فيقول له إني ابتعت أرضا لفلان فهل تريد الأخذ بالشفعة] مسألة وسئل عمن ابتاع من رجل شقصا له في أرض ثم يأتي إلى الشفيع فيقول له: إني ابتعت أرضا لفلان فإن كان لك بالشفعة حاجة فخذها، فيقول: بكم ابتعتها؟ فيقول: بألف دينار فيقول الشفيع: ليس هذا ثمنها ولقد اشتريتها بأقل من هذا فاحلف لي لقد اشتريتها بهذا الثمن على منبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ذلك يختلف، أما في الثمن الكثير المتفاوت إذا علم أنه ليس ثمنها فإن على المشتري أن يحلف لقد اشتريتها بذلك، ولا أرى على البائع يمينا، والمشتري هو الذي له الأرض والذي يؤخذ منه بالشفعة، فأرى عليه اليمين على منبر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما يكون ذلك عليه واجبا إذا جاء بما لا يشبه ثمن الأرض. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام فيها مستوفى في أول السماع فلا معنى لإعادته وبالله تعالى التوفيق.

مسألة: يشتري البقعة فيبني فيها ويعمر فيأتي من يستحقها بشفعة

[مسألة: يشتري البقعة فيبني فيها ويعمر فيأتي من يستحقها بشفعة] مسألة قال: وسئل عن الذي يشتري البقعة فيبني فيها ويعمر فيأتي من يستحقها بشفعة فيقول الثاني: أعطني ما أنفقت، فقال: ليس إلا قيمة ما بنى يوم يأخذ الرجل بالشفعة بنى بنيانها فانهدم أو فسده المطر أو مال أو انكسر أو خرب. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في سماع أشهب من كتاب الاستحقاق فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [: له أرض مشتركة مع قوم فأفلس وعليه دين فبيعت الأرض فيه] ومن كتاب البيوع الأولى وسئل عن رجل كانت له أرض مشتركة مع قوم فأفلس وعليه دين فبيعت الأرض فيه يريد بأمر السلطان هل فيها شفعة؟ قال: نعم، وليس السلطان يقطع الشفعة. قال محمد بن رشد: أشهب يستحسن ألا يكون في هذا شفعة، وقد مضى القول على هذا في الرسم الذي قبل هذا والله الموفق. [: الثمرة هل فيها شفعة] من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده قال عيسى: سألت ابن القاسم عن الثمرة هل فيها شفعة؟ قال: نعم قلت: فإن أصابت الثمرة جائحة هل يرجع آخذ الشفعة على بائع الثمرة بشيء؟ قال: نعم، قلت: فعلى من يرجع أعلى شريكه الذي باع منه أو على آخذ الشفعة من يديه؟ قال: على الذي أخذها من يديه، قال عيسى: ويرجع المشتري على البائع.

قال محمد بن رشد: قوله في الثمرة: إن فيها الشفعة يريد ما لم تيبس فهو نص قوله في المدونة ودليل قوله هاهنا إذا قال: إن الجائحة فيها إذ لو كان من مذهبه أن الشفعة فيها وإن يبست ما لم تجد ما أطلق القول بوجوب الجائحة فيها، ولقال: إن الجائحة تجب فيها إذا استشفعها قبل أن تيبس وقد قال ابن القاسم: إن فيها الشفعة وإن يبست ما لم تجد إذا اشتراها مع الأصول بعد الطياب، ولا فرق بين المسألتين فهو اختلاف من قوله مرة رأى في الثمرة الشفعة ما لم تيبس، ومرة رآها فيها ما لم تجد وقوله عندي ما لم تجد أو ما لم يزبب على ما قاله في المدونة معناه ما لم تبلغ حد جدادها للتيبيس أو التزبيب إذ لا تيبس الثمرة في أصولها حتى تجد منها، فالمعنى على ذلك في هذا القول أن الشفعة فيها ما لم يجد جدادها للتيبس إن كانت مما ييبس أو للأكل خضراء إن كانت مما لا ييبس وكذلك قال ابن كنانة في المدنية أن الشفعة في الثمرة ما لم تيبس، وقوله الثاني: إن الشفعة فيها وإن حان جدادها ما لم تجد. وقوله في الرواية: إن الجائحة فيها صحيح على المشهور في المذهب من أن الأخذ بالشفعة ينزل منزلة البيع فيما يختص به من الأحكام ويأتي على مذهب من ينزله في ذلك منزلة الاستحقاق أن جائحة فيها. وأما قوله: إنه يرجع بالجائحة في الثمرة على المشتري الذي أخذها من يديه فهو صحيح على المنصوص في أن عهدته عليه، وقد وقع في كتاب الشفعة من المدونة ما يدل على أنه مخير في كتاب عهدته على من شاء منهما، وهو بعيد في النظر لا يحمله القياس؛ لأن الشفعة لا تخلو من أن يحكم لها بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق، فإن حكم لها بحكم البيع وهو الأظهر كانت العهدة على المشتري، والرجوع بالجائحة عليه، وهو مذهب ابن أبي ليلى، وقال أبو حنيفة: إن أخذ الشفيع الشقص من يد البائع فالعهدة عليه وإن أخذه من يد المبتاع فالعهدة عليه، وقول مالك أظهر الأقوال؛ لأن البيع لم ينفسخ فيما بين البائع والمشتري، فالحق إنما هو واجب للشفيع على المشتري بإيجاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذلك له عليه، ووجه قول ابن أبي ليلى أن الأخذ بالشفعة استحقاق فينتقض البيع ويأخذ الشقص من

: له شريك في أرض مبهمة فيغيب عنه فيبيع شريكه سهمه

البائع بما باع به. فيدفع الثمن إليه إن كان لم يقبضه من المشتري، وإن كان قد قبضه منه دفعه إلى المشتري؛ لأن الواجب أن يرد إليه إذا انتقض البيع، ووجه ما وقع في كتاب الشفعة من الدليل على أن الشفيع مخير في كتاب عهدته على من شاء منهما أنه بالخيار بين أن يجيز البيع فتكون عهدته على المشتري على حكم البيع وبين أن ينقض البيع فتكون عهدته على البائع على حكم الاستحقاق، وقول عيسى بن دينار: إن المشتري يرجع على البائع بما يرجع به الشفيع عليه من الجائحة صحيح مفسر لقول ابن القاسم؛ لأنه حق لكل واحد منهما على صاحبه ولو وجد الشفيع المشتري عديما لكان من حقه أن يرجع على البائع لأنه غريم غريمه وبالله التوفيق. [: له شريك في أرض مبهمة فيغيب عنه فيبيع شريكه سهمه] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وسئل عن الرجل يكون له شريك في أرض مبهمة فيغيب عنه فيبيع شريكه سهمه ثم يبيع الشريك الغائب وهو لا يعلم ببيع صاحبه هل يكون له أن يأخذ بالشفعة؟ قال: ذلك له ويكتب عهدته على الذي يعطيه الدنانير ويأخذها من يديه. قال محمد بن رشد: قوله في أرض مبهمة يريد غير معينة ولا محوزة إلا أنها معروفة بالتسمية قد رآها المشتري أو وصفت له إذ لو كانت غير معينة ولا محوزة ولا معروفة بالتسمية لما جاز بيعها ولا بيع جزء منها وفي قوله: وهو لا يعلم ببيع صاحبه دليل على أنه لو علم ببيع صاحبه لم تكن له شفعة وإن كان دليلا فيه ضعف إذ لم يقع ذلك في الجواب وإنما وقع في السؤال فالمعنى يؤيده لأنه إذا باع حقه بعد أن علم ببيع شريكه حظه فقد رغب عن المبيع، وأما إذا باع حقه قبل أن يعلم ببيع شريكه حظه فمن حجته أن يقول: إنما بعت حظي لزهادتي فيه لقلته، ولو علمت أن شريكي باع لما بعت حظي ولأخذت

بالشفعة، وهذا بين، ففي المسألة ثلاثة أقوال أحدها هذا والثاني أن له الشفعة وإن باع حظه بعد أن علم ببيع شريكه حظه وهو قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه بعد هذا في رسم الصبرة وأحد قولي مالك والثالث أنه لا شفعة له إذا باع حظه وإن لن يعلم ببيع شريكه وهو أحد قولي مالك وظاهر ما في كتاب الشفعة من المدونة لابن القاسم لأنه قال فيه فيمن باع شقصا بخيار ثم باع صاحبه بيع بت أن الشفعة للمشتري بالخيار على مشتري البت إن اختار إمضاء الشراء، ووجه قوله أن بيع الخيار إذا أمضى فكأنه لم يزل ماضيا لمشتريه من يوم عقده وصار ملكا له بالشراء قبل بيع البتل، فلم يبع بائع البتل سهمه على هذا التعليل إلا بعد وجوب الشفعة له فيما بيع بالخيار، فلو كان من مذهبه أن يبيع الشفيع سهمه بعد وجوب الشفعة لا تسقط شفعته لأوجب لبائع البتل الشفعة على مشتري الخيار ولما كان لمشتري الخيار شفعة على مشتري البت حتى يعرض الشفعة على بائع البت فيتركها على ما روى يحيى عن ابن القاسم في رسم الصبرة بعد هذا أن الشفعة للبائع الثاني فيما باع الأول حتى يترك البائع الثاني فيجب للمشتري من البائع الأول على المشتري من البائع الثاني. فإن باع بعض حظه على قياس هذا القول كان له من الشفعة بقدر ما بقي من حظه وقع اختلاف قول مالك في هذا في كتاب ابن عبدوس حكى عن أشهب أنه قال: اختلف قول مالك فيه، فمرة قال: إن الشفعة لا تسقط عنه ببيع نصيبه، ومرة قال: إنما تجب له الشفعة ما كان الشقص الذي به يستشفع في يديه، فإذا زال من يديه قبل الآخر سقطت شفعته، وقال أشهب: أحب إلي ألا شفعة له بعد بيع نصيبه أو بعضه؛ لأنه إنما باع راغبا في البيع، وإنما الشفعة للضرر، فلم ير له شفعة في ظاهر قوله أصلا إذا باع بعض نصيبه، فهو قول رابع في المسألة، وقال أحمد بن ميسر: لا شفعة له بعد أن باع إلا أن تبقى له بقية أخرى وقوله: إلا أن تبقى له بقية أخرى فيكون له من الشفعة بقدر ما بقي، فيكون قوله مثل أحد قولي مالك وظاهر ما في المدونة، ويحتمل أن يريد إلا أن تبقى له بقية أخرى فيأخذ جميع شفعته بقدر حظه كله ما باع منه وما بقي فيكون ذلك قولا

: تصدق بحظه في قرية مبهمة على أخت له

خامسا في المسألة، وأظهر هذه الأقوال كلها الفرق بين أن يبيع وهو عالم ببيع شريكه حظه أو غير علم وبالله التوفيق. [: تصدق بحظه في قرية مبهمة على أخت له] ومن كتاب شهد على شهادة ميت وسئل عن رجل تصدق بحظه في قرية مبهمة على أخت له وقال: إني قد كنت أصبت من مورثها مالا فسهمي عليها صدقة لما أصبت من مالها ولا يعلم ما أصاب من مالها فأراد الشركاء الأخذ بالشفعة ألهم ذلك؟ أم هل يجوز قوله: إني أخذت من مالها أو تجوز لها الصدقة بما أخذ من مالها فيما يزعم على غير حوز حتى هلك؟ قال ابن القاسم: ذلك لها ولا أرى لأحد فيها شفعة لأن أصل الثمن لا يعرف؛ لأن مالكا قال: لنا ما طال من الشفعة حتى نسي ثمنه ولم ير أن صاحبه أخفى ذلك لقطع الشفعة فلا شفعة له فيه إذا أتى من يطلبه ولا حوز عليها في ذلك الحظ؛ لأن ذلك الحظ إنما صار لها على وجه اشتراء، فلا حوز فيه، وسئل سحنون عن رجل تصدق بحظ في قرية مبهمة على أخت له وقال: إني قد كنت أصبت من مورثها مالا فسهمي عليها صدقة لما أصبت من مالها ولا يعلم ما أصاب من مالها فأراد الشفعاء الأخذ بالشفعة ألهم ذلك؟ فقال: الصدقة لها ولا أرى لأحد فيها شفعة لأنه ليس بيعا ولا مطالبة إنما هو تمنح من شيء لا يطلبه المقر له ولا يعرفه، فلو كان عن طلب من المقر له أو تدع فصالح عنه أنزل منزلة البائع وأخذ الشفعة بالقيمة إذا لم يسم الذي أصابه من مورثها. قال محمد بن رشد: اتفق ابن القاسم وسحنون على الجواب في هذه المسألة بإسقاط الشفعة فيها واختلفا في التعليل أما ابن القاسم فرآه بيعا

: يهب الشقص في شيء مشاع على الثواب ثم يطلب الثواب

جهل فيه الثمن فأسقط الشفعة من أجل الجهل بالثمن لأنه أشبه عنده بأهل من أمر الشفعة حتى نسي الثمن ولم ير على الأخت في الحظ حيازة؛ لأنه إنما صار لها على وجه البيع عنده، لا على وجه الصدقة، وأما سحنون فرآها صدقة لا تصح لها إن مات إلا بالحيازة؛ لأنه إنما أعطاها الحظ على وجه المتمنح من شيء لا يعرفه ولا يطلبه، فأبطل الشفعة فيه من أجل أن الصدقة لا شفعة فيها عنده على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، فعلى تعليله بأنها صدقة يجب فيها الشفعة بالقيمة على مذهب من يرى في الهبة والصدقة الشفعة بالقيمة، والقولان في مختصر ابن عبد الحكم، وقول سحنون أن ذلك هبة أظنه والله أعلم. [: يهب الشقص في شيء مشاع على الثواب ثم يطلب الثواب] ومن كتاب الجواب وسألته عن الرجل يهب الشقص في شيء مشاع على الثواب ثم يطلب الثواب فيقول الموهوب له: مالي غائب أو غلامي بمالي أو شيء مما يعتذر به ولكن هذه عشرة دنانير فخذها ما دام مالي غائبا، فإذا قدم مالي أتيتك بثواب ترضاه إن شاء الله، فيأخذه فيقيم الشفيع عند ذلك فيريد أن يأخذ بالشفعة كيف الأمر في ذلك؟ قال ابن القاسم: ليس له شفعة في هذا حتى يثاب تمام الثواب، وإن قال الشفيع أنا آخذ الشفعة وادفع العشرة فإذا أتابه التمام دفعته إليه لم يكن ذلك له ولم يكن له شفعة لأن هذا لو كان بيعا يبتدأ على هذا الوجه والفعل والصفة ما حل، والأخذ بالشفعة بيع من البيوع، فليس ذلك له ولا يجوز هذا، ولأنه أيضا إن لم يشبه رضاه، رد الهبة ورجع في عشرته ولم يلزمه تمام المثوبة به ولا قيمة الهبة بمنزلة الذي يفوض إليه في النكاح فيقدم شيئا لا يكون صداق مثلها أو يبعث بها

فيطلبون بعد ذلك تمام ذلك ولم يكونوا رضوا بما بعث به، فالزوج بالخيار في أن يتم له صداق مثلها أو يرد النكاح ويرجع بما كان بعث ولا يلزمه أن يتم لها الصداق لما قدم قبل ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها من أن من وهب شقصا بما فيه الشفعة على ثواب يرجوه ولم يسمه فليس للشفيع فيه شفعة إلا بعد العوض، فإن أثابه أقل من القيمة فرضي لذلك أخذ الشفيع به، وإن أثابه أكثر من القيمة قبل تغير السلعة لم لكن للشفيع أن يأخذ إلا بجميع العوض، واختلف إن أثابه أكثر من القيمة بعد تغير السلعة فقال ابن القاسم في المدونة: ليس للشفيع أن يأخذ إلا بجميع العوض وهو قول ابن الماجشون، وقال أشهب في كتاب ابن المواز يأخذ الشفيع بالأقل من قيمة الشقص أو مما أثابه، وفي قوله ولأنه أيضا إن لم يثبه رضاه رد الهبة ورجع في عشرته دليل على أنه لا يلزمه الرضى بالقيمة إلا بعد فواتها، وهو قول مطرف وروايته عن مالك وظاهر قول عمر بن الخطاب خلاف مذهب ابن القاسم في المدونة أنه يلزمه الرضى بالقيمة وإن لم تفت، والذي في المدونة أصح؛ لأن الهبة للثواب مقيسة على نكاح التفويض فكما يلزم الزوجة صداق المثل إذا فرضه لها الزوج وإن لم يدخل بها فكذلك يلزم الواهب القيمة إذا أثابه بها، وإن لم تفت السلعة، ولم أعلمهم اختلفوا في أن الموهوب له لا يلزمه قيمة السلعة ما كانت قائمة ولا أقل منها إن رضي بذلك الواهب كما لا يلزم الزوج في نكاح التفويض صداق المثل قبل الدخول ولا أقل منه وإن رضيت بذلك المرأة، وإنما اختلفوا في نكاح التحكيم إذا كانت الزوجة هي المحكمة فقيل: إن الصداق لا يلزم قبل الدخول بقليل ولا كثير إلا مع اتفاقهما جميعا، وقيل: إنه يلزم الزوجة صداق المثل فأكثر إذا رضي به الزوج ولا يلزم الزوج صداق المثل فأقل إن رضيت به المرأة ولا يلزم المرأة صداق مثلها فأكثر إن رضي به الزوج، فقوله: إن الموهوب له إذا قدم بعض الثواب لا يلزمه تمامه وله أن يسترد ما قدم

: باع الرجل شقصا له في دار بدين إلى أجل ثم أتى الشفيع

يريد إن لم ترض به منه وطلبت منه زيادة عليه كالمفوض إليه في النكاح إذا قدم شيئا من صداق مثلها فطلبوه ببقيته كان بالخيار بين أن يسترد ما قدم منه أو يتم بقيته وما وقع في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب النكاح ليس بخلاف لما هاهنا؛ لأنه إنما وجب عليه هناك نصف صداق مثلها إذا طلقها لقوله: فإن لها صداق مثلها، ولو قدم في نكاح التفويض شيئا من صداقها ولم يقل فإن لها صداق مثلها فطلقها قبل الدخول لكان لها نصف ما قدم إليها وبالله التوفيق. [: باع الرجل شقصا له في دار بدين إلى أجل ثم أتى الشفيع] ومن كتاب إن أمكنتني من حلق رأسك وقال: إذا باع الرجل شقصا له في دار بدين إلى أجل ثم أتى الشفيع فإنه يأخذه إلى ذلك الأجل إذا أتى بحميل ثقة، وإن كان مليا أخذه بغير حميل. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وفي الواضحة عن مالك من رواية مطرف عنه، وعن ابن الماجشون وأصبغ، وظاهره أنه لا يلزمه الحميل إلا إذا كان معدما، وأما إن كان مليا فلا يلزمه حميل وإن كان المشتري أملأ منه وهو نص قول محمد بن المواز من رأيه خلاف قول أشهب أنه يلزمه، وإن كان مليا أن يأتي بحميل مثل المشتري في الملا، وكذلك اختلف إذا اشترى برهن وحميل فقيل: لا شفعة للشفيع إلا أن يأتي برهن وحميل وقيل: لا يلزمه ذلك إلا أن يكون أعسر منه فيفترق استواؤهما في العدم من استوائهما في الملا ويكون الشفيع أقل ملا من كونه أشد عدما؛ لأنهما إذا استويا في العدم لزمه حميل على اختلاف، وإذا استوايا في الملا لم يلزمه حميل باتفاق، وإن كان الشفيع أقل ملا لزمه حميل على اختلاف، وإن كان أشد عدما لزمه حميل باتفاق، وإذا عجز الشفيع عن الحميل في الموضع الذي يلزمه فيه الحميل

: يشتري الشقص من الحائط وفيه رقيق يعملون فيه فاشتراه برقيقه

فعجزه السلطان ثم قدر على حميل قبل محل الأجل لم تكن له شفعة، واختلف إذا لم يقم الشفيع بشفعته حتى حل الأجل فقيل: إنه يكون له من الأجل مستأنفا مثل الذي عقد عليه البيع، وقيل: لا يأخذه إلا بالثمن نقدا وهو قول أصبغ، والأول قول مالك في رواية مطرف عنه، وقول ابن الماجشون وهو أظهر والله أعلم. [: يشتري الشقص من الحائط وفيه رقيق يعملون فيه فاشتراه برقيقه] ومن كتاب العتق وقال في الرجل يشتري الشقص من الحائط وفيه رقيق يعملون فيه فاشتراه برقيقه ثم أتى الشفيع، فقال: إن أراد الأخذ بالشفعة والرقيق لم يفوتوا لم يكن له أن يأخذ إلا بجميع الشقص والرقيق إذا كانوا رقيق الحائط وعماله ولم يكن للحائط منهم بد أو يدع؛ فإن كانوا قد فاتوا ببيع قسم الثمن الذي ابتاعوا به على قيمة الرقيق وقيمة الشقص فيأخذ الشقص بما يصيبه من ذلك بالشفعة وكذلك لو تصدق بالرقيق أو وقفهم مثل البيع سواء، فأما الموت فإن شاء أخذ الشقص بجميع الثمن كله أو يترك فذلك له. قال محمد بن رشد: إيجابه الشفعة في رقيق الحائط إذا بيعوا مع الحائط خلاف قوله في الرحا إذا بيعت مع الأصل أنه لا شفعة في الرحا ويفض الثمن على قيمة الرحا وقيمة الأصل فيأخذ الأصل بالشفعة مما ينوبه من الثمن لأن الرحا أكثر تشبثا بالأرض من الرقيق بالحائط، فإذا أوجب في رقيق الحائط. الشفعة فأحرى أن يوجبها في الرحا وإن لم يوجبها في الرحا فأحرى ألا يوجبها في رقيق الحائط ويحتمل أن يفرق بين المسألتين فيكون في المسألة ثلاثة أقوال: إيجاب الشفعة فيها، وإسقاطها، وإيجابها في الرحى دون رقيق الحائط والاختلاف فيها جميعا جار على أصل قد اختلف فيه قول مالك،

مسألة: زعم المشتري أنه اشترى شيئا مقسوما وادعى الشفيع أنها لم تقتسم

وهو ما كان من العروض التي لا شفعة فيها متشبثا بالأصول التي فيها الشفعة أو متصلا بها كالثمرة والزرع إذا بيعا مع الأصل أو دونه، وكالماء والنقض إذا بيعا دون الأصل إذ لا اختلاف فيهما إذا بيعا مع الأصل أن الشفعة تكون في الجميع وكالكراء إذا انفرد عن بيع الأصل ولا يتصور فيه غير ذلك، فمن هذه الأشياء التي ذكرناها يختلف في إيجاب الشفعة فيما بيع مع الأصل أو دونه وهو الثمرة والزرع ومنها ما يختلف في إيجاب الشفعة فيها إذا بيعت منفردة عن الأصل ويتفق على إيجاب الشفعة فيها إذا بيعت مع الأصل وهو الماء والنقض، ومنها ما يختلف في إيجاب الشفعة فيها إذا بيعت مع الأصل ويتفق على ألا شفعة فيها إذا بيعت منفردة عن الأصل وهو الرحا والرقيق والحائط، وأما الكراء فلا يتصور فيه الانفراد، وفي الشفعة في الثمرة والنقض مسائل كثيرة تفترق أحكامها لافتراق معانيها تركت ذكرها هاهنا اختصارا مخافة التطويل، إذ قد حصلناها وحكمنا القول فيها في كتاب المقدمات، وتفرقته في رقيق الحائط بين أن يفوتوا بموت صحيح على قوله في إيجاب الشفعة فيهم؛ لأن موتهم كانهدام الدار التي فيها الشفعة، وأما على القول بأنه لا شفعة فيهم فسواء فاتوا بموت أو بيع أو هبة أو صدقة إن كانوا قياما يفض الثمن عليهم وعلى الحائط فيأخذ الحائط الشفيع بما ينوبه من الثمن. [مسألة: زعم المشتري أنه اشترى شيئا مقسوما وادعى الشفيع أنها لم تقتسم] مسألة وسئل عن رجل اشترى أرضا وقبضها ثم إن رجلا أتى يطلب فيها الشفعة فزعم المشتري أنه اشترى شيئا مقسوما، وادعى الشفيع أنها لم تقتسم على من ترى البينة؟ قال: بلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل عرف المدعي من المدعى عليه لم يلتبس عليه ما يحكم به بينهما، فالمدعي أن يقول الرجل: قد كان والمدعى عليه أن يقول: لم يكن، فالذي قال: هو مقسوم وقد اشتريت مقسوما مدع؛ لأنه لا يشك أن الأرض أصل ما كانت عليه أنها لم

تقسم، فهم مدع حين يقول: اشتريت شيئا قد قسم، فعليه أن يثبت ذلك، والذي يقول لم يقسم مدعى عليه فالقول قوله حتى تبطل قوله البينة. قال محمد بن رشد: إنما هو إذا علم أن الأرض كانت مشتركة بين البائع والشفيع ببينة قامت على ذلك أو بإقرار البائع بذلك قبل البيع، وأما إن لم يقر بذلك إلا بعد البيع فلا يجوز قوله على المشتري؛ لأنه إنما هو شاهد للشفيع فيحلف معه إن كان عدلا ويأخذ بالشفعة إلا أن يأتي المشتري بالبينة على أن البائع قد قاسم الشفيع قبل البيع، ولو قاسم المشتري للبائع بعد الشراء والشفيع غائب دون أن يوكل أو يقسم عليه القاضي لم ينفذ القسم عليه وكانت له الشفعة، واختلف إن قسم عليه القاضي وهو غائب ثم أتى، فقيل: إن له أن يرد القسمة ويأخذ بالشفعة، وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقيل: ليس له أن يرد القسمة، لأخذ الشفيع الحظ الذي صار للمشتري بالشفعة وهو أحد قولي أشهب واختيار سحنون وابن عبدوس، وهذا الاختلاف على اختلافهم في القسمة هل هي بيع من البيوع أو تمييز حق فيكون له أن يرد القسمة كما يرد البيع على القول بأن القسمة بيع من البيوع، ولا يكون له أن يرد القسمة على القول بأنها بيع من البيوع أو تمييز حق ويأخذ الحظ الذي كان للمشتري بالقسمة. وقول سعيد بن المسيب: أيما رجل عرف المدعي من المدعى عليه لم يلتبس عليه ما يحكم به بينهما، فالمدعي أن يقول الرجل قد كان ليس على عمومه في كل موضع وإنما يصح إذا تجردت دعوى المدعي في قوله قد كان من سبب يدل على تصديق دعواه، فإن كان له سبب يدل على صدق دعواه، أقوى من سبب المدعى عليه القائل لم يكن يدلي عليه باليمين، مثال ذلك من حاز شيئا مدة تكون فيه الحيازة عاملة في وجه المدعي فادعى الشراء كان القول قوله مع يمينه في ذلك وهو مدعي يقول قد كان والمدعى عليه يقول لم يكن

: باع نصراني من نصراني شقصا بخمر أو بخنزير والشفيع مسلم

ذلك، وكذلك المودع يدعي رد الوديعة القول قوله وهو مدع يقول: قد كان والمودع يقول: لم يكن، وإنما كان القول قوله في رد الوديعة وإن كان مدعيا في ذلك لأنه في معنى المدعى عليه لأن ذمته برية والمودع يريد تعميرها فهو في ذلك مدع، فوجب أن يكون القول قول المدعي عليه وهو المودع في صرف الوديعة وبالله التوفيق. [: باع نصراني من نصراني شقصا بخمر أو بخنزير والشفيع مسلم] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن النصرانيين الشريكين في الأرض يبيع أحدهما حظه من مسلم أو نصراني فتجب الشفعة لشريكه أيقضى له بها على المشتري مسلما كان أو نصرانيا؟ قال: أما على المسلم فيقضي بها للنصراني لأني كنت أقضي بها أيضا للمسلم على النصراني، وأما إذا كان الشفيع نصرانيا وكان شريكه مسلما أو نصرانيا فاشترى نصراني نصيب شريك النصراني فلا أرى أن يقضي بينهما بشيء؛ لأن الطالب والمطلوب نصرانيان، فهما يردان إلى أهل دينهما؛ لأن المطلوب يقول: ليس في ديننا الحكم بالشفعة، فلا أرى للمسلم أن يحكم بينهما إلا أن يتراضيا على ذلك. قال محمد بن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة أنه إذا كان الشفيع الذي لم يبع أو المشتري المشفوع عليه مسلما قضى بالشفعة لكل واحد منهما على صاحبه باتفاق في المذهب؛ لأنه حكم بين نصراني ومسلم، واختلف إن كان الشفيع والمشتري المشفوع عليه نصرانيين والشريك للبائع مسلما فقال في هذه الرواية: إنه لا يقضي في ذلك بالشفعة ويردان إلى أهل دينهما لأن الشفيع والمشفوع عليه نصرانيان وهو مثل ما في كتاب العتق الثاني من المدونة

: باع أحدهم ولا علم لشريكيه ببيعه ثم باع أحد الباقين فطلبوا الشفعة

لأشهب ولغير ابن القاسم وهو ابن نافع فراعيا كون أحد الشريكين مسلما، وهو قول أشهب. في المجموعة أنه إذا كان أحد الثلاثة مسلما بائعا أو مبتاعا أو شفيعا قضى في ذلك بالشفعة. واختلف إذا باع نصراني من نصراني شقصا بخمر أو بخنزير والشفيع مسلم فقيل: إنه يأخذ للشفعة بقيمة الشقص، وهو قول أشهب، فكأنه لم ير للخمر قيمة، وقد قال ابن الماجشون في المسلم: يستهلك الخمر للنصراني أنه لا قيمة عليه، فإذا دفعها بطوعه فأحرى ألا تكون لها قيمة، وقيل: يأخذ بقيمة الخمر والخنازير وهو قول ابن عبد الحكم وأشهب على مذهب ابن القاسم لأن ذلك مما يضمن للنصراني فأشبه شراء الشقص بعرض، ومن أهل العلم من لا يرى للنصراني على المسلم شفعة فيحكم بها للمسلم على النصراني والمسلم ولا يحكم بها للنصراني على المسلم ولا على النصراني ويردهما إلى أهل دينهما إن كانا نصرانيين وهو قول أحمد بن حنبل والحسن البصري والشعبي والله تعالى الموقف. [: باع أحدهم ولا علم لشريكيه ببيعه ثم باع أحد الباقين فطلبوا الشفعة] ومن كتاب الصبرة وسألته عن ثلاثة نفر بينهم أرض مشتركة فباع أحدهم ولا علم لشريكيه ببيعه أو علما ولم يفت وقت طلب الشفعة حتى باع أحد الباقين أترى للمشتري الأول شفعة فيما باع الشريك الثاني؟ فقال: الشفعة فيما باع الأول للبائع الثاني وللشريك الثالث المتمسك بحظه، وذلك أن البائع الثاني باع حظه وقد كانت وجبت له الشفعة فيما باع الأول فليس بيعه حظه بالذي يقطع عنه شفعة قد كانت له واجبة قبل أن يبيع هو حظه قال: فإن ترك البائع الثاني الأخذ بالشفعة مع الشريك الذي لم يبع كانت الشفعة كلها واجبة للشريك الثالث الذي تمسك بحظه، فإن تركها هو أيضا صار المشتري من البائع

: الدار تشترى بالعبد أو بما أشبه ذلك من العروض فيستحق نصف الدار

الأول شفيعا، والثالث الذي لم يبع فيما باع الثاني، وإن ترك الأخذ بالشفعة فيما باع الأول وأراد أن يستشفع ما باع الثاني صار المشتري من البائع الأول شفيعا مع الثالث الذي لم يبع حظه فيما باع البائع الثاني لأنه قد نزل منزلة بائعه إذ لم يؤخذ منه بالشفعة، فقد صار شريكا للبائع الثاني ولصاحبه الذي لم يبع فباع الثاني حين باع والمشتري من البائع الأول شريك تجب له الشفعة، إذ قد أقر على ما اشترى ولم يؤخذ ذلك منه، وأيما شريكين ترك أحدهما الأخذ بالشفعة مع شريكه فليس للشريك أن يأخذ بقدر حصته ولكن يأخذ الجميع أو يدع. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم أسلم من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [: الدار تشترى بالعبد أو بما أشبه ذلك من العروض فيستحق نصف الدار] ومن كتاب الصلاة قال يحيى: وسئل ابن القاسم عن الدار تشترى بالعبد أو بما أشبه ذلك من العروض فيستحق نصف الدار، فيقول المشتري للبائع: أما إذا لم تتم لي كلها فلا حاجة لي بها فيردها على البائع فيريد الذي استحق نصف الدار أن يأخذ بالشفعة النصف الباقي وقد ردها المشتري على البائع، فقال: الشفعة له واجبة ولا يقطعها عنه ما فسخ البائع عن نفسه من الاشتراء الذي لو شاء أن يأخذ أخذ به. قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم في هذه الرواية: إن الشفعة للمستحق واجبة على المشتري في نصف الدار الذي بقي بيده وإن كان لم يقم عليه فيه بالشفعة إلا بعد أن رده على البائع وأخذ عبده، وهذا على القول بأن الرد بالعيب ابتداء بيع، وأما على القول بأنه نقض بيع فلا شفعة فيه؛ لأنه قد

مسألة: اشترى دارا معينة بعينها فردها حين علم ثم جاء فاستحق بعض الدار

رجع إلى يد بائعه على الملك الأول، فإذا قلنا: إن له الشفعة على قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء بيع يجب أن يكون مخيرا في عهدته بجعلها على من شاء منهما كمن اشترى شقصا ثم باعه من بائعه فالشفيع مخير إن شاء أجاز البيع وأخذ بالشفعة من المبتاع الثاني وهو البائع الأول وإن شاء نقضه وأخذ بالشفعة من المبتاع الأول، وهذا بين، ولو قال المشتري: أنا أرد النصف وآخذ عبدي وقال المستحق: أنا آخذ بالشفعة لوجب أن يبدأ الشفيع على قياس هذا القول أن له أن ينقض رده ويأخذ بالشفعة فأحرى أن يكون له أن يمنعه من الرد، وقد اعترض سحنون قوله في المدونة، وقال: لا يقول به لأنا نعرف من قوله خلافه، وقوله على قياس القول إن الرد بالعيب نقض بيع لأنه إذا كان من حقه أن ينقض البيع وجب أن يبدأ على الشفيع إذا أراد أن يرد وأراد الشفيع أن يشفع، وقد رأيت في حواشي بعض الكتب على مسألة المدونة قال سحنون: ليس للشفيع شفعة، وكيف يأخذ بالشفعة والبيع لم يتم؟ ولا يستقيم كتاب قول سحنون هذا على مسألة المدونة؛ لأنه لم يتكلم فيها إلا على أن الشفيع قام يطلب الشفعة قبل الرد وأراد أن يمنعه من الرد، وإنما يحسن أن يكتب قول سحنون على مسألتنا هذه في رواية يحيى؛ لأنه رأى الرد بالعيب فيها نقضا للبيع فأبطل الشفعة، وهو القياس أن يبطل على القول بأن الرد بالعيب نقض بيع حسبما ذكرناه وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى دارا معينة بعينها فردها حين علم ثم جاء فاستحق بعض الدار] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل اشترى من رجل دارا معينة بعينها فردها حين علم ثم جاء فاستحق بعض الدار أتكون له الشفعة فيما بقي من حساب ما كان اشتراها به الذي ردها بالعيب؟ فقال: نعم، الشفعة له واجبة إن أراد الأخذ من حساب جميع الثمن لا يوضع عنه للعيب شيء. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة على أصله في المسألة

مسألة: قال البائع إنما بعتك داري ليكون لي العبد خالصا

التي قبلها من أن الرد بالعيب ابتداء بيع، فتكون عهدته إذا أخذ بالشفعة على من شاء منهما حسبما ذكرناه قبل هذا وبينا وجهه، وعلى القول بأن الرد بالعيب نقض لا شفعة في ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: قال البائع إنما بعتك داري ليكون لي العبد خالصا] مسألة قلت: أرأيت إن اشتراها بالعبد واستحق نصفها رجل أو ترك المستحق الأخذ بالشفعة ورضي المشتري أن يحبس النصف ويرد إليه نصف العبد ويكون بذلك في العبد شريكا لبائع الدار منه أيكون ذلك؟ قال: نعم، إلا أن يفوت العبد فيكون له على البائع نصف قيمة العبد الفائت. قيل له: فإن قال البائع: إنما بعتك داري ليكون لي العبد خالصا، فأما إذا أردت أن تشركني فيه فلا حاجة لي فيه ينتقض البيع بينهما؟ قال: نعم، أرى البيع مفسوخا عنهما إلا أن يفوت العبد فلا يكون للبائع حجة في إمضاء البيع ويرد نصف قيمة العبد. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى غاية الاستيفاء في رسم الثمرة من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق فلا معنى لإعادة شيء من ذلك وبالله التوفيق. [: الشفيع يعرض عليه الإمام الأخذ بالشفعة] ومن كتاب المكاتب قال: وسألته عن الشفيع يعرض عليه الإمام الأخذ بالشفعة أو الترك فيقول: أنا آخذ فيؤجله في الثمن فيبدو له فيقول: لا حاجة لي بالشفعة، ويقول المشتري: لا أقيله، قال: الأخذ بالشفعة يلزم

: الشفعاء أهل الميراث هل يكون بعضهم أولى بمشافعة بعض

الشفيع، فإن لم يكن له مال بيع عليه حظه الذي كان به شفيعا، والحظ الذي وجبت له الشفعة فيه حتى يوفي المشتري جميع حقه، ولا يقال فيما قد رضي بأخذه إلا أن يرضى المشتري أن يقيله. قال محمد بن رشد: هذه المسألة لا تخلو عندي من ثلاثة أوجه: أحدها أن يوقفه الإمام على الأخذ أو الترك فيقول: قد أخذت ويقول المشتري: وأنا قد سلمت فادفع إلي مالي فيؤجله الإمام في ذلك، فلا يأتي بالمال إلى الأجل، فهذا بيع تام يباع فيه جميع ماله، الحظ الذي استشفعه والذي استشفع به، وليس للشفيع أن يقول للمشتري: خذ حائطك لا أريده ولا للمشتري أن يقول للشفيع: رد إلي حائطي لا أسلمه لك إذا لم تنقد لي مالي إلى الأجل الذي أجله لك السلطان فلا ينحل البيع إلا برضاهما جميعا والوجه الثاني أن يوقفه الإمام على الأخذ أو الترك فيقول: قد أخذت فيسكت المشتري ولا يقول وأنا قد سلمت، فيؤجله الإمام في الثمن بطلب من أحدهما لذلك، فلا يأتي به إلى الأجل، فهذا إن طلب المشتري أن يباع له في الثمن مال الشفيع كان ذلك له، وإن أراد الشفيع أن يرد الشقص على المشتري أو يتمسك به حتى يباع ماله في ثمنه لم يكن له في ذلك خيار، وهذا الوجه في المدونة، والوجه الثالث أن يقول الشفيع: أنا آخذ ولا يقول قد أخذت فيؤجله الإمام في إحضار الثمن فلا يأتي به إلى الأجل، فهذا الوجه يختلف فيه، قيل: يرجع الشقص إلى المشتري إلا أن يتفقا جميعا على إمضائه للشفيع واتباعها بالثمن، وقيل: إنه إن أراد المشتري أن يلزم الشفيع الأخذ كان ذلك له، ويباع ما له في الثمن، وإن أراد الشفيع أن يرد الشقص لم يكن ذلك له، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية وقول أشهب، والقول الأول بين وبالله التوفيق. [: الشفعاء أهل الميراث هل يكون بعضهم أولى بمشافعة بعض] ومن كتاب الأقضية قال: وسألت ابن القاسم عن الشفعاء أهل الميراث هل يكون

بعضهم أولى بمشافعة بعض أم كيف الأمر فيهم؟ قال: قال لي مالك: كل أهل مورث أحق بشفعتهم يتشافعون بينهم دون سائر الورثة، مثل أن يهلك الرجل ويرثه ابناه فيموت أحدهما فيبيع بعض ولده حقه، فيكون إخوته بنو الابن أحق بالشفعة فيما باع أخوهم ومن شركهم في ميراث ابن الابن من عمهم أخي أبيهم، فأهل كل سهم يتشافعون بينهم، دون أهل رأس الميراث، وكذلك أهل كل سهم في كتاب الله أو السنة يتشافعون فيما بينهم، وهم أجمعون على العصبة فيما باع بعض العصبة، ولا تدخل العصبة على أهل السهام، قال: وقال لي مالك غير مرة: من باع من أهل السهام المفروضة ثم سلم ذلك للمشتري أهل شفعة البائع شركاؤه دنيا في السهم الذي يجمعهم بفريضة مسماة فإن الشفعة تجب لجميع أهل الميراث شركاء البائع وأهل سهمه في رأس فريضة الميراث، قال: وإن أسلموا أجمعون للمشتري أو كان المشترون جماعة ثم باع أحد المشترين نصيبه مما اشترى فأراد شركاؤه في الصفقة أن يأخذوا بالشفعة وأن يتشافعوا فيما بينهم كما كان يتشافع أهل السهم الذي اشتروا منهم دون جماعة الورثة مثل أن يكونوا اشتروا ربع الزوجات أو سدس الجدتين أو ثلث الإخوة للأم أو ما أشبه ذلك، قال ابن القاسم: فإن مالكا قال: لا يكون ذلك لهم ولا يحملون محملهم بل يشافعهم جميع الورثة على قدر أنصبائهم في الميراث، ويكون شركاء البائع منهم في ذلك النصيب خاصة وبقية الورثة أجمعين وبقية شركاء البائع المشتري في ذلك الحظ الذي يؤخذ بالشفعة شفعاء أجمعين، قال مالك: فإنما يتشافع في كل سهم دون جماعة الورثة أهل السهم بأعيانهم الذين ورثوه، لا ينزل من اشتراه منهم أو اشترى بعضه في ذلك منزلتهم، قال: وقال مالك: ليس المشتري

كالورثة ولا العصبة كأهل السهام المفروضة، أهل السهام المفروضة يتشافعون بينهم على ما فسرت لك، وهم أجمعون يدخلون على العصبة فيما أخذه بعضهم فيما يبيعه بعضهم فكذلك أيضا يدخل أهل السهام المفروضة على كل من اشترى من بعضهم بما باع بعض من اشترى أنهم يدخلون أجمعون على أشراك البائع الذي اشتروا معه وصاروا شفعاء باشترائهم معه يوم اشترى، قال: وإذا باع بعض الورثة من أهل السهام المفروضة لم يدخل المشتري ولا العصبة عليهم فيما يتشافعون به فيما بينهم إذا كان في ذلك السهم للبائع شريك فيه دنيا فإن أخذ جماعة الورثة بالشفعة دخل معهم العصبة والمشتري. قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة حسنة، قوله فيها: إن أهل السهم الواحد مثل الزوجات والجدات والإخوة للأم يتشافعون بينهم البين ولا يدخل غيرهم من الورثة عليهم ويدخلون هم عليهم، هو مذهب مالك وجميع أصحابه حاشى ابن دينار، واختلف في العصبة والموصى لهم بجزء والمشترين لسهم أهل السهم مثل أن يشتري جماعة ثمن الزوجات أو سدس الجدات أو ثلث الأخوة للأم وما أشبه ذلك والمشتري بحظ واحد من الورثة فقيل في كل طائفة منهم: إنهم أهل سهم واحد يتشافعون فيما بينهم دون الورثة وهو قول أشهب وأحد قولي مالك في العصبة وقيل: إنهم ليسوا كأهل سهم واحد فيدخل الورثة كلهم عليهم كانوا أهل سهم أو لم يكونوا أهل سهم، ولا يدخلون هم على أهل السهام إلا أن يبيع جميعهم أو يكونوا واحدا، وهو مذهب ابن القاسم، واختلف في الأخوات للأب مع الأخت الشقيقة، فقال ابن القاسم: إنهن كلهن أهل سهم واحد لاشتراكهن في الثلثين إن فضلتهن الأخت الشقيقة فإن باعت إحدى الأخوات للأب حظها دخلت فيه الأخت الشقيقة، وقال: إن الأخوات للأب مع الأخت الشقيقة أهل سهم واحد في

مسألة: الشفعة على قدر الأنصباء

السدس فلا تدخل عليهن فيه الأخت الشقيقة، وقد مضى هذا المعنى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم وفي رسم مسائل بيوع من سماع أشهب وبالله التوفيق. [مسألة: الشفعة على قدر الأنصباء] مسألة يحيى حدثني ابن القاسم عن أبي الدراوري عن سفيان الثوري أن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بالشفعة على قدر الأنصباء. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه أعلمه في المذهب أن الشفعة على قدر الأنصباء، والمخالف في ذلك أبو حنيفة يقول: إنها على عدد الرؤوس، والحجة لمالك ومن قال بقوله أن الشفعة لما كانت تجب بالملك وجب أن تكون على قدر الأملاك كالغلل، ولما كانت لدفع المضرة عن الأشراك وكانت المضرة عليهم على قدر حصصهم وجب أن تكون الشفعة التي تدفع الضرر عنهم على قدر حصصهم. [مسألة: الشفعة في الماء إذا بيع مع الأرض] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: الشفعة في الماء الذي يقتسمه بينهم الأوراث بالأقلاد وإن لم يكونوا شركاء في الأرضين التي تسقى بتلك العيون أو الحوائط التي تسقى بتلك العيون، قال: وقال مالك: وأهل كل ولد يتشافعون فيما بينهم دون جماعة الورثة وشفعتهم في ذلك الماء يجري مجرى شفعتهم في الدور والأرضين فيما وصفنا من أمر العصبة والمشتري وأهل السهام المفروضة وما يدخل به

: دار بين رجلين فباع أحدهما شيئا من الدار وصاحبه حاضر لا يغير ولا ينكر

بعضهم على بعض فيما فسرت لك في صدر هذه المسألة وبالله التوفيق. قال محمد بن رشد: لا اختلاف أعلمه في المذهب في إيجاب الشفعة في الماء إذا بيع مع الأرض أو دونها ولم يقسم الأرض، واختلف في إيجاب الشفعة فيه إذا قسمت الأرض فقال في المدونة: إنه لا شفعة فيه، وقال في هذه الرواية: إن فيه الشفعة، فذهب سحنون وابن لبابة إلى أن ذلك ليس باختلاف من القول، إلا أنهما اختلفا في تأويل الجمع بينهما، فقال سحنون: معنى مسألة المدونة أنها بئر واحد فلا شفعة فيها إذ لا تنقسم؛ لأن الشفعة تكون فيما ينقسم دون ما لا ينقسم، وقال ابن لبابة: معنى مسألة المدونة أنها بئر لا بناء لها ولا أرض، ومعنى رواية يحيى أن لها بناء وأرضا مشتركة يكون فيها القلد، وذهب القاضي أبو الوليد الباجي إلى أن ذلك اختلاف من القول، وأن الاختلاف في ذلك جار على الاختلاف في الشفعة فيما لا ينقسم كالنخلة والشجرة بين النفر، إذ لا تنقسم العين والبير كما لا تنقسم النخلة والشجرة، وكان من أدركت من الشيوخ يقول: إن ذلك اختلاف من القول، وإن الاختلاف في ذلك جار على اختلاف قول مالك فيما هو متعلق بالأرض ومتشبث بها كالنقض والنخل دون الأرض والكراء وما أشبه ذلك، وهو أبين وأولى وبالله التوفيق. [: دار بين رجلين فباع أحدهما شيئا من الدار وصاحبه حاضر لا يغير ولا ينكر] ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حره قال: وسألته عن الرجل يشتري الأرض من الرجل، وهي فدان من أرض مشتركة أو بقعة لرجل فيها شرك فيشتري المشتري ذلك الفدان أو تلك البقعة بحضرة الشريك وعلمه فيبني فيها أو يغرس

فيريد الشريك الذي لم يبع أن يأخذ حقه من تلك الأرض ويأخذ بقيتها بالشفعة، قال ابن القاسم: ليس في مثل هذا شفعة إنما الشفعة في أن يبيع الشريك جزءا من أجزاء الأرض المشترك أو الدار وبعض ما تكون الشفعة فيه، فيبيع نصف الدار أو ثلثها أو ربعها أو جزءا من أجزائها قل أو كثر، فإن الشريك حينئذ، يأخذ نصف ما باع بحقه والنصف بشفعته، وأما إذا باع فدانا بعينه أو بيتا من الدار بعينه بحضرة الشريك فلم ينكر عليه بيعه فسكوته عليه تجويز لبيعه والاشتراء للمشتري ماض ولا شفعة فيه، وإنما للشريك على شريكه البائع حصته من الثمن فقط، قال: وإنما مثل بيع الفدان من جملة الأرض أو البيت من جملة الدار بمنزلة بيع الثوب الذي يكون بين الشريكين بحضرة الشريك فإن سكت فذلك منه تجويز وإن أنكر لم يمض البيع عليه، قال سحنون: قال لي ابن القاسم في الأرض تكون بين الرجلين مشاعة غير مقسومة فيبيع أحدهما فدانا بعينه أو نصف فدان بعينه بحضرة صاحبه لا يغير ولا ينكر ثم أنكر بعد قال: البيع لازم ولا تكون له الشفعة من قبل أنه قد بيع نصيبه وهو حاضر. لا يغير ولا ينكر، وكذلك كل من يباع عليه شيء من قاله وهو حاضر لا يغير ولا ينكر فالبيع له لازم، وكذلك لو كانت دار بين رجلين فباع أحدهما شيئا من الدار وصاحبه حاضر لا يغير ولا ينكر لزمه البيع ولم يكن له أن يرد، وإذا باع ثلث الأرض أو ربع الأرض ولم يره أرضا بعينها لا ربعا أو ثلثا فالبيع جائز وللشريك الشفعة. قال محمد بن رشد: قوله في أول هذه المسألة في الذي يشتري الفدان أو البقعة من الرجل من أرض بينه وبين شريكه بحضرته فيبني فيها أو يغرس فيريد الشريك الذي لم يبع أن يأخذ حظه من تلك الأرض وبقيتها بالشفعة أنه ليس في مثل هذا شفعة صحيح؛ لأنه إذا حضر بيع شريكه فلم

ينكره وسكت حتى بنى المشتري أو غرس فقد لزمه ومضى عليه، فصار بمنزلة أن لو باعها جميعا فلم يكن في ذلك وجه للشفعة ولا إشكال في هذا، ولو حضر البيع فسكت ولم ينكره حتى انقضى أنكره في المجلس وقال: إنما صمت لأني علمت أن ذلك لا يلزمني لوجب أن يحلف أنه ما رضي ببيع نصيبه وتكون له الشفعة، ولو أنكر ذلك قبل انقضاء البيع لكانت له الشفعة دون يمين، ولو أنكر ذلك بعد انقضاء المجلس بالقرب لسقطت الشفعة ولم يكن له إلا الثمن إلا أن يدعي الشريك أن الأرض كلها صارت إليه منه بابتياع أو هبة أو مقاسمة فيكون القول في ذلك قوله مع يمينه؛ لأن حضوره البيع مع سكوته هذه المدة حيازة عليه، فقف على افتراق الأحكام في هذه الأربعة الأوجه، وجه تكون له الشفعة فيه دون يمين، ووجه تكون له الشفعة فيه بعد يمينه ووجه لا يكون له فيه إلا الثمن، ووجه يكون الثمن فيه للشريك البائع مع يمينه ولو لم يحضر البيع، وإنما علم به بعد وقوعه، فإن أنكره حين علم بقي على حقه في نصيبه من الأرض وكانت له الشفعة في حظ شريكه، وإن لن ينكره إلا بعد العام أو العامين أو الثلاثة لم يكن له إلا الثمن، وإن لم ينكره ولا قام إلا بعد العشرة الأعوام أو نحوها لم يكن له إلا الثمن إن ادعى شريكه البائع لحيازته إياه عليه بالبيع مع طول هذه المدة، وقد مضى هذا المعنى في غير ما موضع من هذا الديوان من ذلك في سماع سحنون من جامع البيوع وفي رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الأقضية وفي رسم يسلف في المتاع والحيوان من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، وفي سماع أشهب منه وفي رسم الكبش من سماع يحيى منه أيضا. ووجه تفرقته بين أن يبيع أحد الشريكين طائفة بعينها من الأرض أو الدار المشتركة بينهما بحضرة شريكه وهو ساكت لا يغير ولا ينكر وبين أن يبيع جزءا منها على الإشاعة وهو حاضر لا يغير ولا ينكر في أنه لا شفعة في الطائفة المعينة وله الشفعة في الجزء الشائع هو أن البيع لازم له في حظه من الطائفة المعينة لحضوره وسكوته إذ لا عذر له في ذلك، وإذا لزمه البيع بطلت الشفعة

: المريض يبيع في مرضه بمحاباة لا يحملها ثلثه

ولا يلزمه البيع في حظه من الجزء الذي باع على الإشاعة بحضوره وسكوته لأن من حجته أن يقول: ظننت أن البيع يختص بحظه ولا يكون شائعا في حظي وحظه، فلا يلزمني منه شيء، وهي حجة ظاهرة لها وجه، إذ قد قيل ذلك وهو دليل قوله في كتاب العتق من المدونة وفي العبد بين الشريكين يحلف أحدهما بعتق نصيبه ألا يفعل شيئا فيبيع نصيبه ويشتري نصيب شريكه ثم يفعل ما حلف عليه أنه لا يحنث، فإذا لم يلزمه البيع في نصيبه وعذر في سكوته لهذه العلة وجبت له الشفعة؛ لأن من حقه أن يأخذ قدر حقه مما باع شريكة النصف إن كانت شركتهما على النصف بالاستحقاق، ويرجع المشتري على البائع بنصف الثمن يأخذ النصف الثاني بالشفعة بنصف الثمن، فهذا وجه الفرق بين المسألتين ولو قال الشريك البائع: أبيعك نصف حظي من هذه الدار ونصف حظ شريكي وشريكه حاضر ساكت لم تكن له شفعة، واشتركت المسألتان ويأتي على قول ابن القاسم في هذه المسألة وعلى ما في كتاب المرابحة من المدونة في الرجل يبتاع نصف السلعة ويرث نصفها أنه لا يجوز له أن يبيع نصفها مرابحة حتى يبين أن الدار أو العبد إذا كان بين الشريكين فباع أحدهما نصف الدار ونصف العبد أن البيع يقع على نصفه ونصف شريكه إلا أن يبين فيقول: أبيعك نصفي من هذه الدار أو من هذا العبد وعلى ما في كتاب العتق الأول في المسألة التي ذكرناها أن البيع يقع على حظه دون حظ شريكه إلا أن يبين فيقول: أبيعك نصف حظي ونصف حظ شريكي من هذا الدار أو من هذا العبد وبالله التوفيق. [: المريض يبيع في مرضه بمحاباة لا يحملها ثلثه] من سماع سحنون من ابن القاسم قال سحنون: سئل ابن القاسم عن الرجل يكون له شقص في دار ليس له غيره قيمته ثلاثون دينارا فيبيعه من رجل بعشرة دنانير وهو مريض، قال: ينظر في ذلك إذا مات البائع فيقال للمشتري: إن أحببت

إن لم تجز الورثة هذه المحاباة برد عشرة أجزاء وخذ الدار ولا قول للورثة، فإن فعل فللشفيع إن كان له شفيع أن يأخذ الدار بعشرين دينارا فإن أبى المشتري أن يزيد عشرة دنانير وقد أبت الورثة أن يسلموا الدار إليه كما أوصى الميت قيل لهم: أعطوه ثلث الشقص بتلا بلا شيء يأخذونه منه، قلت لابن القاسم: لم أعطيتها للشفيع بعشرين دينارا إذا رضي المشتري أن يزيد عشرة على العشرة الأول التي أخذها الميت بعشرة؟ فلم لا تجعلها للمشتري وتقول للشفيع خذها بثلاثين؟ قال: لا؛ لأن الشراء إنما وقع بعشرين، ألا ترى لو أن رجلا باع شقصا له في دار بعشرين دينارا قيمته أربعون دينارا حاباه بعشرين فللشفيع أن يأخذ ذلك بعشرين وهو خلاف أن يبيع بأربعين، ثم يضع عشرين لأنه إذا باع بأربعين فقد وجب للشفيع بأربعين، فإذا حط البائع عن المشتري حطا يعلم في مثله الهبة، ليس مثل ما يتغابن الناس في مثله لم يوضع ذلك عن الشفيع، وإن حط حطا يعلم أن في مثله ما يتغابن الناس في مثله حط ذلك عن الشفيع، قلت لابن القاسم: أرأيت الموصى له بيع الدار إن رد الدار وأبى أن يزيد العشرة فأراد الورثة أن يخلوا له من ثلثها إذا أبوا أن يجيزوا الوصية أتكون فيه شفعة؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: اختلف في المريض يبيع في مرضه بمحاباة لا يحملها ثلثه على قولين، أحدهما أن الورثة إن لم يجيزوا البيع قطعوا له بثلث الميت بتلا من غير ثمن، وردوا إليه ما دفع من الثمن إلا أن يشاء المشتري أن يزيد ما حوبي به فينفذ البيع، وهو قوله في هذه الرواية، فإن كان المبيع شقصا مما فيه الشفعة فرضي المشتري بزيادة المحاباة كان للشفيع في ذلك الشفعة بالثمن الذي اشترى به مع الزيادة، هذا قوله في هذه الرواية إن الشفعة

له بعشرين، وإن كانت قيمة الشقص ثلاثين وكذلك على قياس قوله لو أجاز الورثة البيع لكانت الشفعة له بعشرة، وإن كانت قيمته ثلاثين، وهذا كما قال، إذ لا أعرف نص خلاف في أن الثمن إذا عرف فللشفيع أن يأخذ به كان أقل من القيمة أو أكثر، وفي ذلك نظر إذا كانت القيمة أكثر من الثمن وتبينت في ذلك المحاباة؛ لأن القياس كان على قول ابن القاسم الذي لا يرى في الهبة الشفعة، ولا يكون له شفعة إلا في قدر ما لا محاباة فيه، ويسقط في قدر ما وقعت فيه المحاباة، وعلى قول ابن عبد الحكم عن مالك الذي يرى في الهبة الشفعة، أن لا يكون له شفعة إلا في قدر ما لا محاباة فيه، ويسقط في قدر ما وقعت فيه المحاباة بالقيمة. فيتحصل على هذا فيمن باع شقصا بعشرة دنانير ثمنه ثلاثون دينارا ثلاثة أقوال، أحدها أن للشفيع الشفعة في جميع الشقص بعشرة والثاني أن له الشفعة قي ثلثه بعشرة وفي ثلثيه بالقيمة والقول الثاني أن الورثة إن لم يجيزوا البيع قطعوا له بثلث الميت بتلا وكان له من المبيع بقدر ما نفد ولم يرد ذلك إليه لأنه لا يكون سلفا جر منفعة إذا رد إليه رأس ماله وقطع له بثلث الدار إلا أن يشاء المشتري أن يزيد ما حوبي به فينفذ البيع، وقد قيل: إن ذلك ليس باختلاف، وإنما يرجع ذلك إلى المشتري بالخيار إن لم يجز الورثة له البيع أن يأخذ من المبيع بقدر ما نقد، وبين أن يسترده، وظاهر ما في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا أنه ليس للمشتري أن يزيد ما حاباه به الميت زائدا ويستخلص البيع، وقد مضى القول على هذا المعنى في سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس. وقوله إذا باع بأربعين ثم حط عشرين إنه لا يوضع عن الشفيع معناه إذا كانت قيمة الشقص أكثر من العشرين الباقية مثل أن تكون قيمته ثلاثين لأنه إنما

مسألة: الأناذر أفيها شفعة

يتبين أن الحطيطة هبة بذلك وأما إن كانت قيمته عشرين أو أقل فإنه يوضع عنه؛ لأنه تبين بذلك أن حقيقة الثمن عشرون وإن تسميتهم الأربعين لغو قصدا بذكرها إلى إبطال الشفعة، وهذا بين من المدونة وبالله التوفيق. [مسألة: الأناذر أفيها شفعة] مسألة وسئل سحنون عن الأناذر أفيها شفعة؟ قال: لا تكون فيها شفعة، قال: وكذلك الأفنية لا شفعة فيها إذا بيعت والأناذز عندي مثل الأفنية. قال محمد بن رشد: إنما لم يريد سحنون في الأناذر شفعة لأن من مذهبه أن الشفعة لا تكون إلا فيما يحكم بقسمته والأنذر عنده لا يحكم بقسمته لأنه لا ينقسم إلا بضرر لأنه إذا قسم بطل أن يكون أنذرا فلم ينتفع به في ذلك، فالشفعة فيها واجبة على من يرى قسمتها ولا يراعي الضرر على ذلك وهو مذهب مالك لقول الله تعالى: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] وعلى مذهب من يرى الشفعة فيما لا يحكم بقسمته من الأصول إذا كان لا ينقسم إلا بضرر، وهو قول ابن القاسم في المدونة خلاف قوله في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب السداد والأنهار، وقد قيل: إن الشفعة واجبة فيما لا ينقسم بحال كالنخلة والشجرة بين النفر لأنها من جنس ما ينقسم. فيتحصل في ذلك في المذهب ثلاثة: أقوال أحدها أن الشفعة واجبة في

: الأنذر الذي يدرس فيه الزرع هل فيه شفعة

الأصول كلها كانت مما ينقسم أو مما لا ينقسم، وهو مذهب مطرف، والثاني أنها لا تجب إلا فيما ينقسم ويحكم بقسمته، وهو قول ابن القاسم في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب السداد والأنهار، والثالث أنها تجب فيما ينقسم وإن كان لا يحكم بقسمته للضرر الواقع في ذلك، وقد مضى ذكره والاختلاف فيه في رسم المكاتب من الكتاب المذكور. وأما قوله: وكذلك الأفنية لا شفعة فيها إذا بيعت فمعناه في الفناء المشترك بين القوم كساحة الدار بين الشركاء إذا اقتسموا البيوت لأن حكمها حكم الأناذر في القسمة لها وفي جواز البيع فيها وفي وجوب الانتفاع بجميعها لمن احتاج من الشركاء إليها دون من لم يحتج إليها منهم، وأما الأفنية المتصلة بطرق المسلمين فلا يجوز بيعها ولا اقتطاعها وإنما يجوز الانتفاع بها وكراؤها إذا لم يضر ذلك بالمارة في الطريق المتصلة بها والله الموفق. [: الأنذر الذي يدرس فيه الزرع هل فيه شفعة] من سماع عبد الملك بن الحسن قال عبد الملك: وسألت عبد الله بن وهب عن الأنذر الذي يدرس فيه الزرع هل فيه شفعة؟ فإنه قد اختلف عندنا فيه وهل يحوز الأب على ابنه الصغير في حجره صدقة عليه بالأنذر أو لا يكون الأنذر للصغير بالصدقة حتى يبرأ منه كحال المسكن الذي يسكنه الأب حتى يموت عنه فلا يمضي صدقته فهل الأنذر بسبيل ذلك إذا كان الأب يدرس فيه حتى يموت، فقال: إن كنت إنما تعني نفقة الأنذر من الأرض فنعم فيه الشفعة لا شك فيه، وهو بمنزلة غيره من البقاع والأرضين بمنزلة عراص الدور المهدومة وغير المبنية. وحوز الأب لابنه الصغير حوز إذا تصدق عليه وأعلن الصدقة وأظهرها بمنزلة غيرها من الأشياء والأرضين والمساكن إلا أن يكون

الأب يعمل فيها لنفسه وماله بحال ما كان من الصدقة فلا أرى ذلك شيئا إن كان كذلك، وقال أشهب: الشفعة فيه كان أنذرا أو غير أنذر كان قليلا أو كثيرا إذا كان ملكا لهم. وأما ما ذكرت من حوز الأب على ابنه الأنذر فإن ذلك ليس بحوز حتى يبرأ منه كحال المسكن إن درس فيه أو انتفع به الأب حتى مات فلا شيء للابن فيه. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب وأشهب في أن الشفعة يجب في الأنذر الذي يدرس فيه الزرع خلاف قول سحنون المتقدم قبل هذا في آخر سماعه، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك فلا معنى لإعادته، وأما قولهما في صدقة الأب به على ابنه الصغير إن ذلك بمنزلة الدار تبطل الصدقة به إن درس فيه بعد الصدقة كما كان يدرس فيه قبل الصدقة بمنزلة المسكن فهو خلاف مذهب ابن القاسم وما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ من أن ما عدا المسكون والملبوس لا يبطل صدقة الأب به على ابنه الصغير انتفاعه به بعد الصدقة وإن حرث الأرض واختدم العبيد وأكرى الحوانيت واغتل ماله غلة من الأصول، بخلاف ما سكن أو لبس، وقع بيان مذهب ابن القاسم في ذلك في رسم شهد من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات، وحكاه ابن حبيب أيضا عنه من رواية أصبغ، جلوسه في الحانوت للتجر كسكناه الدار، بخلاف كرائه إياه، وقول ابن وهب وأشهب هذا مثل ظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة من رواية مطرف عن مالك في تفسير قول عثمان بن عفان إن نحلة الأب لابنه الصغير جائزة إذا أشهد عليها وأعلن بها وإن وليها أن معنى ذلك أن يليها بالتثمير والتوفير، فعلى هذا لا فرق بين الملبوس والمسكون وما سواه من الأشياء تبطل الصدقة بانتفاع الأب به فيتفق في المسكون والملبوس ويختلف فيما عداه على هذين القولين، أحدهما أن الإشهاد والإعلان يكفي وإن انتفع الأب بذلك بعد الصدقة كما كان ينتفع به قبل الصدقة إلى أن مات كالمسكون

: اشترى نصف دار بمائة دينار ولؤلؤة ثم جاء الشفيع يريد أن يأخذ

والملبوس سواء، وفي المسألة قول ثالث وقع لأصبغ في نوازله من كتاب الصدقات والهبات أن الصدقة لا تبطل إذا كان الانتفاع ممزوجا مرة ينتفع الأب ومرة ينتفع الابن وبالله التوفيق. [: اشترى نصف دار بمائة دينار ولؤلؤة ثم جاء الشفيع يريد أن يأخذ] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن رجل اشترى نصف دار بمائة دينار ولؤلؤة ثم جاء الشفيع يريد أن يأخذ، قال: يصف المشتري اللؤلؤة ويحلف على صفتها ثم تقوم إلا أن يشهد الذين باعوه أن قيمة اللؤلؤة كذا وكذا فيكون القول قول ما شهدوا به، فإن لم يعلموا قيمتها وفاتت ونكل المشتري عن صفتها وعن اليمين وصفها الشفيع وحلف على الصفة وكان القول قوله فإن لم يعلم الشفيع صفتها كانت له الدار بقيمتها نقدا. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة ونكل المشتري عن صفتها وعن اليمين معناه أنه قال: لا أعرف صفتها فلا أحلف فهاهنا يكون ما قال من أن الشفيع يحلف على ما يدعي من الصفة إن عرف صفتها، فإن لم يعرف صفتها كانت له الدار بقيمتها نقدا، وقوله كانت له الدار بقيمتها نقدا معناه كانت له الشفعة في الدار بقيمة نصفها نقدا يريد ما لم تكن القيمة أقل من المائة دينار فلا ينقص من المائة دينار، وقد قيل: إنه لا يمين عليه إذا أتى بما يشبه، وأما إن ادعيا جميعا معرفة صفتها ونكلا عن اليمين فالقول قول المشتري لأنه هو المبدأ باليمين على حكم المدعي والمدعى عليه إذا نكلا عن اليمين كان القول قول المدعى عليه، ولو حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف، وهذا إذا أتيا جميعا من صفتها بما يشبه، كان الشفيع أو المشتري فإن نكل عن اليمين كان القول قول الذي أتى منهما بما يشبه،

لأنه هو المبدأ باليمين ولو أتيا جميعا من الصفة بما لا يشبه لوجب أن يحلفا جميعا فإن حلفا أو نكلا كانت له الشفعة بقيمة الحظ نقدا ما لم تكن أقل من المائة فلا ينقص من المائة، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما وإن أتى بما لا يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه من دعواه بنكوله. فالمسألة لا تخلو من أربعة أوجه أحدها أن يدعي كل واحد منهما من صفتها ما يشبه والثاني أن يدعي كل واحد منهما من صفتها ما لا يشبه والثالث أن يدعي أحدهما من صفتها ما يشبه والثاني ما لا يشبه والرابع ألا يدعي واحد منهما معرفة صفتها وفيما ذكرناه بيان الحكم في كل واحد منهما لمن تدبره وفهمه. وفي قوله إلا أن يشهد الذين باعوا أن قيمة اللؤلؤة كذا وكذا فيكون القول ما شهدوا به نظر، إذ ليس على عمومه في كل موضع وإنما معناه في الموضع الذي تكون شهادتهم لا منفعة لهم فيها بل قد يضرهم فيما يرجع به عليهم إن استحق المبيع أو بعضه، وأما في الموضع الذي تكون شهادتهم فيه للشفيع على المشتري فلا يجوز لأنهم يتهمون على تقليل الثمن إن جاء استحقاق. وقوله: إن المشتري يصف اللؤلؤة ابتداء ويحلف على صفتها أصح مما وقع من قوله في المدونة من أنه لا يقال للمشتري صف العرض الذي وقع به البيع إلا بعد أن يدعيا جميعا من قيمته ما لا يشبه، وظاهر قوله فيها أنه إذا ادعيا جميعا من قيمة ما لا يشبه كان القول قول المشتري فيما ادعاه من الصفة وإن لم يشبه، وذلك بعيد لا يصح أن يكون القول قول من أتى منهما بما لا يشبه إذا كذبه الآخر وادعى ما يشبه، وإنما يصح ذلك إذا لم يكذبه صاحبه وقال: لا أدري وبالله التوفيق.

مسألة: باع رجل بيتا فيه رحا فأراد الشفيع أن يأخذ ذلك بالشفعة

[مسألة: باع رجل بيتا فيه رحا فأراد الشفيع أن يأخذ ذلك بالشفعة] مسألة وقال: ليس في رحا شفعة لا رحا الماء ولا رحا الدواب، وأما البيت الذي فيه الرحا وجدراته وسقفه وأرضه ففيه الشفعة، قال: ولو باع رجل بيتا فيه رحا فأراد الشفيع أن يأخذ ذلك بالشفعة فإنه يقوم البيت ويقوم الرحا بأداتها فيفض الثمن عليها، فما صار على البيت من القيمة من الثمن أخذ البيت بالشفعة بالذي يقع عليه من الثمن بالقيمة وهو بمنزلة ما لو باع رجل دابة ودارا فإنما يأخذ بالشفعة في الدار ولا شفعة في الدابة بمنزلة ما فسرت لك في الرحا. قال محمد بن رشد: قوله أنه لا شفعة في الرحا إذا بيعت مع الأصل خلاف ما مضى من قوله في رسم العتق من سماع عيسى في رقيق الحائط يباعون مع الحائط، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته. [مسألة: باع دارا بعشرة دنانير فباع المشتري مصراعي الدار بعشرة ثم جاء الشفيع] مسألة قال ابن القاسم في رجل باع دارا بعشرة دنانير فباع المشتري مصراعي الدار بعشرة، ثم جاء الشفيع، فقال: يقوم المصرعان ويقوم الدار ثم يفض الثمن عليهما فما وقع على الدار من الثمن أخذها بالشفعة ولا شيء له في المصراعين لأنهما قد فاتا بالبيع. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة معلوم، ولفظه فيها فاسد معلول؛ لأنه قال: إنه باع الدار بعشرة دنانير فباع المشتري المصراعين بعشرة دنانير، ثم جاء الشفيع، وإذا بيعت الدار كلها فلا شفعة فيها فالمعنى الذي أراد والله أعلم أنه ابتاع الدار ثم أتى رجل فاستحق بعضها وأراد أخذ بقيتها بالشفعة، فقال: إنه يقوم المصراعان وتقوم الدار فيفض الثمن عليهما فما وقع على الدار من الثمن أخذها بالشفعة يريد أخذ منها الحظ المستشفع

بما ينوبه من الثمن بالشفعة، وقوله: ولا شيء له في المصراعين لأنهما قد فاتا بالبيع، يريد لا شيء له فيما ناب الجزء المستحق منهما فللشفيع أن يأخذه بالاستحقاق لا اختلاف في ذلك، وإن شاء أن يجيز البيع ويأخذ الثمن فله ذلك، وهذا كله بَيِّنٌ وَالمِصراعان البابان. وقوله: ولا شيء له في المصراعين لأنهما قد فاتا بالبيع خلافُ ما نص عليه في المدونة من أن نقض الدار إذَا هَدَمَهُ المشتري فباعه لا يفوت بالبيع وللشفيع أن يأخذ بالشفعة من يد مشتريه من المشتري، وهذا الاختلاف جَارٍ على اختلافهم في الشفعة هل يحكم لها بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق؟ فعلى القول بأنه يحكم لها بحكم البيع تفوت الأنقاض بالبيع ويأخذ الشفيع البقعة بما ينوبها من الثمن، وعلى القول بأنه يحكم لها بحكم الاِستحقاق لا تفوت الأنقاض بالبيع ويأخذها الشفيع من يد المشتري بالشفعة ويرجع المشتري على الذي باعه إياها بالثمن الذي دفع إليه فيها، وإن شاء أن يجيز البيع ويأخذ الثمن كان ذلك له، وفي المدونة أيضاً ما يدل على فواتها بالبيع. واختلف إذا فاتت إما بالبيع على هذه الرواية، وإما بفوات عينها بعد البيع على ما نص عليه في المدونة، فقيل في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها وهو قوله في المدونة وفي هذه الرواية إنه يأخذ البقعة بما ينوبها من الثمن، ووجه العمل في ذلك أن تقوم البقعة مهدومة والنقض مطروحاً بها يوم وقعت الصفقة، ثم ينظر ما يقع للنقض من الجميع، فإن كان الثلث مثل أن يكون قيمته مقلوعاً مطروحاً بالأرض مائة وقيمة البقعة مهدومة مائتين، قيل للشفيع إن: شئت أن تأخذ البقعة بالشفعة فخذها بثلثي الثمن كان أقل من قيمة البقعة أو أكثر إن كان الثمن ثلاثمائة وستين أخذها بالشفعة بمائتين وأربعين، وإن كان الثمن مائتين وأربعين أخذ الشفيع البقعة بالشفعة بمائة وستين، وهذا القول على قياس القول بأنه يحكم للأخذ بالشفعة بحكم البيع، والقول الثاني أنه يأخذ البقعة والثمن الذي باع به الأنقاض كان أقل من قيمته أو أكثر، ويؤدي جميع الثمن فإن كان

مسألة: يشترون الثمرة في رؤوس النخيل فباع بعضهم قبل أن يقتسموها

ثمن الأنقاض من جنس الثمن الذي اشترى به المشتري النقض قَاصهُ منه بثمن النقض. ودفع إليه البقية، والقول الثالث أنه ليس للشفيع إِلَّا الأقل من قيمة النقض أو الثمن الذي بيع به، وهو اختيار محمد بن المواز، وهذان القولان على قياس القول بأنه يحكم للأخذ بالشفعة بحكم الاستحقاق، وقد رأيت لسحنون أنه قال في هذه المسألة: لمالك ثلاثة أقوال، وقد قِسْتُهَا فلم يعتدد عندي منها شيء، وأشهب يقول فيها أيضاً قولاً وفيها تنازع شديد، ولا أذكر في وقتي هذا قول أشهب، ويحتمل أن يريد سحنون أن النقض تفوت بالهدم، وهذا الذي يأتي في المسألة على حقيقة القياس بأن الأخذ بالشفعة بيع من البيوع وباللَّه التوفيق. [مسألة: يشترون الثمرة في رؤوس النخيل فباع بعضهم قبل أن يقتسموها] مسألة وسئل عن القوم يشترون الثمرة في رؤوس النخيل فباع بعضهم قبل أن يقتسموها هل لشركائه الشفعة أيضاً أم لا؟ أو يكونوا شركاء في الزرع فباع بعضُهم بعد ما حَلَّ بيعُ الزرع هل فيه شفعة؟ وفي المقاتي والبقول كلها أو ما تنبته الأرضُ هل فيه شفعة أو جَائِحَةٌ؟ . قال: قال مالك في الثمرة في النخل والعنب وما أشبهها من الأصول: لشركائه فيه شفعة إذا باع أحد منهم، والمساقاة كذلك، وقال لي مالك في الزرع: لا شفعة فيه، قال: وقال مالك: والجوائح توضع في هذه كلها الثلث فصاعداً إلَّا الزرع فإنه لا جائحة فيه وذلك أنه إنما يباع بعدما يَيْبَسُ. قال محمد بن رشد: المشهور من الأقوال في الثمرة أن فيها الشفعة ما لم تَيْبَسْ وقد قيل: إن الشفعة فيها وإن يبست ما لم تُجَد حسبما ذكرناه في أول مسألة من سماع عيسى، والمشهور في الزرع أنه لا شفعة فيه، ويتخرج وجوبُ الشفعة فيه وإن يَبِس ما لم يحصد، وعلى قياس القول بوجوب الشفعة

مسألة: الغائب إذا كان له شفعة فقدم من سفره

في الثمرة ما لم تجد، وهو ظاهر قوله في أول رسم من سماع أشهب إن الشفعة في الأرض وفي كل ما أنبتت الأرض. وأما البقول فالمنصوص أنه لا شفعة فيها ويتخرج وجوب الشفعة، فيها أيضاً على قياس القول بوجوب الشفعة في الثمرة ما لم تجد وفي الزرع ما لم يُحصد وعلى ظاهر ما في سماع أشهب أيضاً من قوله: إن الشفعة في الأرض وفي كل ما أنبتت الأرض، وقد مضى قولنا في آخر أول رسم من سماع أشهب وفي أول رسم من سماع عيسى ما فيه بيان لهذا. وأما الجائحة فلا اختلاف في وجوب وَضْعِهَا في البيع إذا بيعت بعد أن أزهت وقبل أن تَيْبَسَ أو يَحِينَ جَدَادُهَا واختلف في وجوب وضعها في الشفعة على الاختلاف في الآخذ بالشفعة هل يحكم له بحكم البيع أو بِحكم الاِستحقاق حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع عيسى، واختلف في وجوب وضعها في البيع إذا بيعت وأجيحَتْ بعد أن يبست وَحَانَ جَدَادُهَا واختلف على القَوْل بأنها توضع في البيع هل توضع في الشفعة أم لا؟ . على الاختلاف الذي ذكرناه في الآخذ بالشفعة هل يحكم له بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق. وحكمُ البقول في وجوب وضع الجائحة فيها في البيع حكمُ الزرع إذ لا يباع حتى يَيْبَسَ ويمكن حصاده، وحكمُ الثمرة إذا بيعت وأجِيحَتْ بعد تناهي طيبها وإمكان جدادها قيل: إنها توضع وقيل: إنها لا توضع، وفي البقول قولٌ ثالث: إنه يوضع فيها القليلُ والكثيرُ، واختلف أيضاً على القول بأنها توضع في البيع هل توضع في الشفعة أم لا على الاِختلاف الذي ذكرناه في الآخذ بالشفعة هل يحكم له بحكم البيع أو بحكم الاستحقاق وباللَّه التوفيق. [مسألة: الغائب إذا كان له شفعة فقدم من سفره] مسألة وقال أشهب في الغائب إذا كان له شفعة فقدم من سفره: إن له

مسألة: الشفعة متى حد انقطاعها للحاضر

أجل سنة من حين يقدم في آخرها وكذلك الصغير أيضاً له سنة من يوم يبلغ. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يعتبر بمدة مغيب الشفيع ولا بمدة صغره وبلوغه ومِلْكِه أمرَ نفسه إذا كان صغيراً أو مولى عليه، وقد مضى الاِختلاف في حد المدة التي تنقطع فيها شفعة الحاضر المالك لنفسه في رسم البز من سماع ابن القاسم فلا معنى لِإعادته وباللَّه التوفيق. [مسألة: الشفعة متى حد انقطاعها للحاضر] مسألة قال أصبغ بن الفرج: سئل أشهبُ عن الشفعة متى حَدُّ انقطاعها للحاضر؟ فقال: إذا كان مشتريها يعالج فيها شيئاً هدماً أو مرمة أو ما أشبه ذلك فلا أراها إلا وستنقطع قبلَ السنة، وإن لم يكن كذلك فسنة، قال أصبغ: ما أحسنها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم البز من سماع ابن القاسم فلا معنى لِإعادته وباللَّه التوفيق. [مسألة: البقول هل فيها شفعة] مسألة قال أبو زيد: وقال ابن القاسم في البقول: لا أرى فيها شفعة والمقاتي فإني أراها بمنزلة الأصول فيها الشفعة لأنها ثمرة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها قبل هذا فلا معنى لِإعادة شيء من ذلك وباللَّه التوفيق. تم كتاب الشفعة من البيان والتحصيل بحمد اللَّه تعالى وحسن عونه وصلى اللَه وسلم على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.

: قسم حوائط النخل

[: قسم حوائط النخل] [كتاب القسمة والشفعة] مِن سَمَاع ابنِ القَاسم مِن مَالِك روَايَة سَحْنُون مِن كِتَاب حَلَفَ لَيَرْفَعن أَمْراً إلى السُّلْطَانِ قال سحنون: أخبرني ابنُ القاسم عن مالك أنه قال في رجل هلك وترك نخلًا وترك عرقاً نحواً من خمسين عرقاً بخيبر ونحوها بواد القرى ومن ناحية الفرع ومن وراء المدينة إلى مكة نحو ذلك وفي ناحية الفرع مثلُ ذلك، وَيَقْسِمُ وَرَثَتُهُ على ثلاثة وعشرين سهماً، فقالوا: اقسموا كل أعرق على ناحيةٍ. قال مالك: لا أرى ذلك لهم، كيف يأخذون نخلةً نخلةً؟! ورأى هذا وَجْهَ ضرورة، ولكن يُقسم ما بخيبر وواد القرى ومن ناحية الفرع، ويعدل في القسمة، وما كان من ناحية الفرع مثل ذلك، وما شابه وادي القرى وخيبر ثم يُقَوَّمُ ذلك ويقتسمونه، وتضم النواحي بعضها إلى بعض خيبر إلى واد القرى والفرع إلى ما كان من

ناحيتها ولم يَرَهُ مثل القطع التي وصفتُ لك قبل ذلك. قال محمد بن رشد: الحكمُ في قسم حَوَائِطِ النخل كالحكم في قسم الأرضين ما جاز من هذا قسمه بالسهمة جاز من هذا، وما لم يجز من هذا لم يجز من هذا، فإذا كانت الحوائط في موضع أو كانت قريبة بعضها من بعض مع استوائها في القرب من الحاضرة التي تعمر منها أو تشابهها في ذلك قسمت قسماً واحداً بالسهمة، وإن كان بعضها أقرب إلى الحاضرة بِيَسِيرٍ تخرج ذلك عندي على اختلافهم في جواز قسم الأرض بالسهمة إذا كان بعضها أكرم وأطيب من بعض؛ لأنها تتفق بالقرب كما تتفق بالكرم، فتختلف لذلك قيمتُها، وَحَد اليسير في ذلك الميل والميلان ونحو ذلك، وكذلك يختلف أيضاً في جواز قسمتها بالسهمة إذا بَعُدَ بعضها من بعض وهي على حد واحد في القرب من الحاضرة؛ لأن الأغراض تختلف في ذلك فتقسم قسماً واحداً على ما في كتاب القسمة من المدونة في الدارين أنها تقسم قسماً واحداً إذا استوت في النفاق وإن تباعدت في الموضع، ويأتي على ما في رسمِ الأقضية من سماع أشهب من هذا الكتاب في قسمة الدور أنها لا تقسم قسما واحدا إلا على التراضي، وأما إن كان بعضها أقرب إلى الحاضرة بكثير فلا تقسم قسماً واحداً بالسهمة لأنها لكثرة تباينها في القيمة كالصنفين، فقول مالك في هذه الرواية في الذي هلك وترك خمسين عرقاً بخيبر وخمسين عرقا بوادي القرى وخمسين في ناحية الفرع ويقسم ورثته على ثلاثة وعشرين سهماً لأن النواحي يضم بعضها إلى بعض فتقسم قسماً واحداً ولا يقسم نخل كل ناحية على حدة لأنه ضرر من أجل أنه لا يصير لكل واحد منهم إن قسموا كل عرق على حدة إلا نخلة نخلة، يريد إن دَعَا إلى ذلك بعضُ الأشراك لأن معنى قوله فقالوا: اقسموا كل أعرق على حدة أي فقال بعضهم ذلك إذ لو قال ذلك جميعُهم واتفقوا عليه لجاز على التراضي ولم يكن فيه كلام، فقول مالك في هذه المسألة يأتي مثل قول عيسى بن دينار في رسم حَمَلَ صبيا على دابة من

سماع عيسى في الأرض الكريمة والدنِيّة: إن الكريمة تقسم على حدة والدنية على حدة وإن كانت كل واحدة منهما تحتمل أن تقسم على حدة. ويأتي في المسألة ثلاثةُ أقوال: أحدها أنها لا تقسم إلا على حدة، فإن لم تقسم على حدة بيعت على حدة وقسم الثمن بينهم إلا أن يتفقوا على قسمتها على التراضي بغير سهمه والثاني أنها تجمع في القسم وإن كانت تحتمل أن تقسم كل واحدة منهما على حدة والثالث الفرق بين أن تحتمل أن تقسم كل واحدة منهما على حدة أو لا تحتمل وهو قولُ مالك في هذه الرواية وقولُ عيسى بن دينارِ الذي ذكرته في مسألة الأرض الكريمة والدنية، وقول مالك في آخر المسألة وَلَمْ يره مثل القطع التي وصفت لك قبل ذلك يريد والله أعلم ولم يَرَ هذه الأعراق اليسيرة في كل ناحية التي لا تنقسم على سهام الورثة كالقطع الكثيرة التي تنقسم عليها. ويتخرج في صفة قسمها بالسهمة فيما يقسم منها بالسهمة ثلاثة أقوال أحدها أنها تقسم قسماً واحداً من حيث تنتهي إليه سهامهم التي تنقسم منها وإن كان سهمُ أقلهم نصيباً ينتهي إلى عشرة أسهم أو أكثر، ثم يقرع بينهم إما على طرف بعد طرف، وإما على طرفين بعد طرفين فمن خرج سهمه على طرف ضم إليه بقية حقه منه وهو مذهب ابن القاسم في المدونة والثاني أنها تقسم على سهم أقلهم نصيباً فيسهم له على طرفين، فيأخذ سهمه حيث خرج له، ثم يقسم الباقي أيضاً على من بقي على سهم أقلِّهم نصيباً مما بقي إلى آخرهم، وهو الذي يأتي على قول مالك في المدونة، وذلك يتبين بالتنزيل، مثال ذلك أن تموت امرأة وتترك زوجاً وأماً وابناً وابنة فللأم السدس، وللابنة السدس وسدس السدس وللزوج السدس ونصف السدس وهو الربع، وللِابن السدسان وثلث السدس وهي تنقسم من ستة وثلاثين سهماً، وترك أربعة حوائط تنقسم الحوائط الأربعة على مذهب ابن القاسم ستة وثلاثين قسماً ثم يقرع بينهم إما على طرف بعد طرف وإما على الطرفين فمن خرج سهمه في

طرف ضم إليه بقية حظه فيه وتنقسم الحوائط على مذهب مالك أَولا أسداساً لأن سهم الأم أقل الأنصباء، فتأخذ سدسها في طرف من الأطراف بالسهمة، ثم تخلف الخمسة الأقسام الباقية فتقسم ثلاثين نصيباً، تأخذ الاِبنة منها سبعة أنصباء بالقرعة؛ لأن حقها من الثلاثين الباقية بعد نصيب الأم سبعة، ويأخذ الزوجِ منها تسعة أجزاء بالقرعة لأن حقه منها تسعة ويأخذ الاِبن منها أربعة عشر جزءا منها لأن حقه منها أربعة عشر جزءا، والقول الثالث ذهب إليه ابن حبيب وهو أن تقوم الحوائط كلها حائطا حائطا فيعرف حق كان وارث من جملة القيمة، ثم يسهم بينهم، فمن خرج سهمه على حائط منها وفي قيمته وفاءٌ من حقه أخذه ولم يكن له سواه ومن خرج سهمه على حائط منها وقيمته أكثر من حقه كان له منه بقدر حقه، ومن خرج سهمُه على حائط وقيمته أقل من حقه كان له جميعه وأَكْمِل له بقية حقه في أقرب الحوائط إليه مثَال ذلك أن يكون قيمة أحد الحوائط ستة، والثاني تسعة، والثالث سبعة، والربع أربعة عشر، فإن خرج سهم الأم على الحائط الذي قيمته ستة، وسهم الزوج على الحائط الذي قيمته تسعة، وسهم الاِبنة على الحائط الذي قيمته سبعة وسهم الِابن على الحائط الذي قيمته أربعة عشر انفصلوا وانفرد كل واحد منهم بالحائط الذي خرج إليه بالسهم، وإن خرج سهم الزوج على الحائط الذي قيمته ستة أخذه وبقية حقه من أقرب الحوائط إليه، فإن كان أقرب الحوائط إليه الحائط الذي قوم بستة كان له نصفه وإن كان أقرب الحوائط إليه الحائط الذي قوم بتسعة كان له منه ثلثه وإن كان أقرب الحوائط إليه الحائط الذي قوم بسبعة كان له منه ثلاثة أسباعه، وإن كان أقرب الحوائط إليه الحائط الذي قوم بأربعة عشر، كان له منه سبعة ونصف سبعة ثم يضرب لمن بقي من الورثة بالسهام على ما بقي من الحوائط فإن خرج سهم الأم على الحائط الذي قيمته تسعة كان لها منه ثلثاه مع الزوج إن كان أخذ منه ثلثه أو مع من يخرج له السهم عليه بعد ذلك إن كان لم يأخذ الزوج منه شيئاً، فإن خرج سهمها على الحائط الذي قيمته سبعة كان لها ستة أسباعه مع من يخرج له السهم عليه بعد ذلك إن

مسألة: جعل الذين يحبسون مع القاضي ويقتسمون الدور في جعائلهم

كان لم يأخذ الزوج منه شيئاً، وإن كان الزوج قد أخذ منه ثلاثة أسباعه كان لها بقيته وبقية حقها من أقرب الحوائط إليه على ما تقدم إلى أن ينقضي الاستهام بينهم في ذلك، وهو قول بعيد في النظر؛ لأن الأمر قد يؤول بينهم على القول إلى ألا ينفصل جميعهم عن الشركة أو إلى ألاَّ ينفصل عنها واحد منهم، وَقَوْلُ مالك في تكرير القسمة مرة بعد أخرى تعب وعناء، فقول ابن القاسم أصح في النظر وأولى والله الموفق. [مسألة: جعل الذين يحبسون مع القاضي ويقتسمون الدور في جعائلهم] مسألة وسئل مالك عن جُعْل الذين يحبسون مع القاضي ويقتسمون الدور في جَعَائِلهم فكرهه، وضرب لذلك وجها وقال قد كان خارجة ابن زيد ومجاهدٌ يقسمان ولا يأخذان شيئاً يعني مع القضاء، قال ابن القاسم: وذلك رأي وأرى أن ينظر الوالي في ذلك إلى رجل ممن يحتاج الناس إليه في ذلك فَيُجْرِي عليه عطاءً مع الناس كما يُجريه على الغزاة ومن يحتاج إليه في أمر المسلمين ويحبسه عليهم مثل القاضي وشبهه. قال محمد بن رشد: هذا مثلُ ما في المدونة من كراهية أَرْزاق قسام القاضي، ووجه الكراهية في ذلك أن القاضي هو الحاكم بذلك على اليَتِيم باجتهاده فلعله لو كان مالكاً لأمره واحْتاج إلى القسمة لَوَجَدَ من يستأجره على ذلك بأقل مما جعله القاضي عليه، وكذلك إذا تحاكم عليه القوم واختصموا عنده في القسمة فقضي بها بينهم وأمر القاسمَ بذلك وجعل له الأجرة عليهم باجتهاده يكره له أخذُ ذلك إذ لعلهم لا يرضون بذلك المقدار الذي جعله له علمهم، وإن رضي بذلك المحكومُ له لا يرضي به المحكوم عليه، ولعلهم لا يرضون به قاسماً بينهم، وكذلك قال مالك في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب الأقضية لمن سأله في هذا المعنى من القضاء: وليكن من

: اشترى ثلاثة أخماس من حائط واشترى الآخر خمسين واختلفا في القسمة

شَأْنِكَ أن تدعو الورثة فتأمرهم يرتضون رجلًا، فإذا ارتضوه وَلَّيْتَه أمرهم يحسب بينهم، فإني قد رأيت بعض من عندنا يفعل ذلك، فهذا كله بَيِّن في أن الأولى والأحسن لِقُسَّام القاضي أن يتنزهوا ويتورعوا عن أخذ الجعل على ما يأمرهم به القاضي من القسمة؛ كما كان يفعل خارجة بن زيد ومجاهد، ومن هذا المعنى جعل الشرط على الناس فيما يبعثون فيه من أمرهم، وقد مضى ذلك في رسم طلق من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، وأما إذا استأجر القومُ قاسماً يقسم بينهم فلا كراهية في ذلك، وكذلك قال في المدونة. وكذلك أيضاً لا يكره أخذُ ما جعله له الإِمام من بيت المال على ذلك؛ لأن هذا وشبهه مما يحتاج إليه المسلمون ويعمهم نفعه فعلى الإمام أن يرزقهم من بيت مالهم، وبالله التوفيق. [: اشترى ثلاثة أخماس من حائط واشترى الآخر خمسين واختلفا في القسمة] ومن كتاب أوله باع غلاماً وسئل عن رجل اشترى ثلاثة أخماس من حائط، واشترى الآخر خُمُسَيْنِ ثم إن أحدهما دعا صاحبَه إلى القسم فأبى قال: تعال أقاومك فيتقاومان نخلة نخلة فدخلت عليهما وضيعة، قال مالك: الوضعية بينهما إنما لو باعها من رجل آخر يَتَردَّانِ النقصانَ بينهما ويجمعان الثمن ثم يترادان بعد ذلك النقصان. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله من أن الوضعية بينهما أخماساً كما كان يكون الربح بينهما لو ربحا في ذلك. مثال ذلك أن يشتري أحدهما ثلاثة أخماس الحائط بثلاثين ويشتري الآخر خمسيه بعشرين، فيتقاومان الحائط صاحب الثلاثة الأخماس على صاحب الخُمسين بأربعة دنانير؛ لأن الواجب لصاحب الثلاثة الأخماس من جميع الثمن وهو أربعون ثلاثة أخماسه وهو أربعة وعشرون عنده من ذلك عشرون، بقيت له على صاحبه

: الغائب يأتي إلى شريك له فيقول له تعال أقاسمك فيقول قد قاسمتك

أربعة يرجع بها عليه كما لو باعا جميعاً الحائط من أجنبي بأربعين لوجب لصاحب الثلاثة الأخماس منها أَرْبعة وعشرون ولصاحب الخمسين ستة عشر. [: الغائب يأتي إلى شريك له فيقول له تعال أقاسمك فيقول قد قاسمتك] ومن كتاب المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل مالك عن الرجل الغائب يأتي إلى شريك له فيقول له: تعال أقاسمك فيقول: قد قاسمتك، وهذه ناحيتي التي أسكن فيها، وهذه ناحيتك، ويقول الآخر: ما قاسمتك شيئاً، على من ترى البينة؟ قال: إن أولاهما بالبينة الذي يقول قد قاسمتك. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال لقوله النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» والذي يدعي القسمة مدع فعليه إقامة البينة إلا أن يَحُوز عليه في وجهه تلك الناحية مدة تكون فيها الحيازة عاملة فيكون القولُ قولَه فيما ادعاه من القسمة مع يمينه، وقد مضى الاِختلاف في قدرها وتحصيل القول في ذلك بين الأجنبيين وغيرهم في رسم يسلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاِستحقاق. [مسألة: يرثان الدار فيقع لأحدهما مواريث بعضها بعد بعض فيريدان القسم] مسألة وسئل عن الرجل والمرأة يرثان الدَّار فيقع لأحدهما مواريث بعضها بعد بعض فيُرِيدَانِ القسم أترى أن يجمع له حظه كله في قسم واحد أم يقسم على ما ورثا؟ قال: بل يجمع حظه كله في قسم واحد كل ما ورث من ذلك المورث بعد المورث أو اشتراه في قسم واحد ولا يَجْمَعُ من يَقْسِمُ منهم لرجلين يقسم كل واحد منهما حقه، قال ابن القاسم: يريد أَلَّا يجمع لاثنين من الورثة سهمهما في

: ورثوا أرضين مفترقة فأراد بعضهم أن يجعل نصيبه في موضع وأبى الآخرون

موضع واحد ويقسم لكل واحد منهما حقه على حدة. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله: إن القسمة لا تكون إلَّا على ما انتهى إليه حظه بالمواريث والأشرية، وإن كان ذلك شيئاً بعد شيء، إذْ لا يصح أن يقسم له بعض حقه ويبقى شريكاً ببعضه إلا مع اتفاقهما على ذلك، وذلك بيّن إذا كانت الدراهم تنقسم على ما انتهى إليه حقه فيها وقد كانت تقسم على ماله فيها ولا يشبه أن يكون من حقه أن يقسم له حقه الأول منها إذا كان الزائد بميراث؛ لأنه يقول: قد وجب لي القسمة فليس الميراثُ الذي وجب لي بالذي يُسقط حقي في القسمة وألا يكون ذلك من حقه إذا كان بشراء أو هبة بعدها. وأما قوله: إنه لا يجمع حظ اثنين في القسم فهو قوله في المدونة، ومعناه إذا لم يكونوا أهل سهم واحد مثل الزوجات والبنات والجدات والأخوات والإِخوة للأم؛ لأن أهل السهم الواحد يجمع حظهم في القسمة، وأما غير أهل السهم الواحد لا يجمع حظهم في القسم يريد بالسهمة؛ لأنه غرر، وأما في القسم على المراضاة بغير سهمه فذلك جائز وبالله التوفيق. [: ورثوا أرضين مفترقة فأراد بعضهم أن يجعل نصيبه في موضع وأبى الآخرون] ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان المضمون سئل مالك عن قوم ورثوا أرضين مفترقة فأراد بعضهم أن يجعل نصيبه في موضع وأبى الآخرون أن يفعلوا ذلك، وقالوا: نقطع نصيبك من كل أرض، قال مالك: إن كانت الأرضون متقاربة، وكانت كلها بنضح أو بعين كلها، رأيت أن يجمع له نصيبه في موضع واحد، وإن كانت متباعدة بعضها من بعض في مثل قرى مختلفة رأيت أن يُعْطى نصيبَه من كل أرض، ومعنى قوله أن يجمع ما يسقى

: الأرض فيها النخل بعضها أقرب من بعض بين أشراك فأرادوا القسمة

بالعين إن كانت الأرضون متقاربة وأن يجمع ما يسقى بالنضح إن كانت الأرضون متقاربة ولا يجمع بين النضح والعين في القسم، وإن لم تتقارب لم يجمع له نصيبه وإن كانت بنضح كلها. قال محمد بن رشد: قد مضى في أول مسألة من السماع تحصيلُ القول في البُعد من القرب المانع من الجمع في القسمة، فلا معنى لإِعادته، ونص في هذه الرواية على أنه لا يجمع النضح مع السقي بالعين ولم ينص فيها هل يجمع ما يسقى بالعين مع البَعِل أم لا؟ وظاهرها أنها لا تجمع مثل ما في الواضحة وسماع أشهب منصوص عليه، خلافُ ما في الموطأ من أن البعل يقسم مع العين إذا كان يشبهها، وأما النضح فلا يقسم مع البعِل ولا مع العين قولًا واحداً على ما نص عليه في هذه الرواية، وفي الموطأ وفي الواضحة، واختلف إذا كانت كلها بعلاً أو تسقى بعين أو بنضح وبعضها أفضل من بعض على ما سيأتي القولُ فيه في رسم حمل صبيا من سماع عيسى وبالله التوفيق. [: الأرض فيها النخل بعضها أقرب من بعض بين أشراك فأرادوا القسمة] من سماع أشهب وابن نافع من مالك روايةَ سحنون قال أشهب وابنُ نافع: سألنا مالكاً عن الأرض فيها النخل بعضها أقرب من بعض من الماء، وهي بين أشراك فأرادوا القسمة، قال: يقسم بالقيمة فيفضل ما كان قرب الماء؛ لأنه ربما بعد النخل من الماء وقل الماء فلم يشرب الماء من النخل إلا ما قرب، تكون هذه التي هي أقرب إلى الماء مائة نخلة، والتي على أثرها، خمسين ومائة، والتي خلفها ثلاثمائة يقسم ذلك بالقيمة. قال محمد بن رشد: هذا على الاختلاف في جمع الأرض في القسمة إذا كان بعضها أفضل من بعض وسيأتي ذلك في رسم حمل صبيا من

: الإخوة للأم يرثون الثلث فيقول أحدهم اقسموا لي حصتي على حدة

سماع عيسى بعد هذا وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: الإِخوة للأم يرثون الثلث فيقول أحدهم اقسموا لي حصتي على حدة] ومن كتاب أوله مسائل بيوع قال: وسألته عن الإِخوة للأم يرثون الثلثَ فيقول أحدهم: اقسموا لي حصتي على حدة ولا تضموني إلى إخوتي، قال: ليس ذلك له حتى يقسم له ولإخوته جميعاً الثلث، ثم يقاسمهم بَعْدُ إن شاء، وكذلك أزواج الميت يرثن الربع أو الثمن فتقول إحداهن: اقسموا لي حصتي فتقع حصة هذه هاهنا وحصة هذه هاهنا فلا أرى ذلك لهن حتى يقتسم لهن جميعاً، فيقتسمن بعد أن يقسم لهن جميعاً إن شئن، وكذلك العصبة الإِخوة وغيرهم يقول بعضهم: اقسموا لي حصتي فليس ذلك لهم حتى يقسم للإِخوة للأم حصتهم وللأزواج حصتهن ثم يقسم العصبة ما صار لهم إن شاؤوا. قال محمد بن رشد: أما أهل السهم الواحد وهم الزوجات والبنات والأخوات والجدات والإِخوة للأم والموصى لهم بالثلث فلا اختلاف أحفظه أنه يجمع حظهم في القسمة بالسهمة شاؤوا أو أبوا؛ لأنهم بمنزلة الواحد. وأما العصبة فاختلف على ثلاثة أقوال أحدها أنهم كأهل السهم الواحد يقسم لهم بحقهم معاً ثم يقتسمون بَعْدُ إن شاؤوا وهو قوله في هذه الرواية وإليه ذهب ابن حبيب في الواضحة، والثاني أنهم ليسوا كأهل سهم واحد فلا يجمع حظهم في القسمة بالسهمة وإن رضوا، وأراه قول المغيرة، ويحتمل أن يكون ذهب إليه سحنون، ولذلك طرح من كتاب القسمة من المدونة جملة المسألة التي وقع من قول ابن القاسم في آخرها متصلا بقول مالك فيها، وقد قال لي مالك: ما أخبرتك أنه لا يجمع نصيب رجلين في القسم، وهذا في أهل الميراث كلهم غيرها ولاء، وهذا تفسير مِنِّي عن قول مالك، والثالث أنه لا

: المرأة يموت زوجها أيقتسم ماله قبل أن يستبرأ رحمها

يجمع حظهم في القسم بالسهمة إلا ولا يريدوا أن يقتسموا، وإلى هذا ذهب ابن القاسم في المدونة؛ لأنه فسر قول مالك فيها فيمن ترك زوجة وعصبة وترك أرضاً: إِن المرأة يضرب لها بحقها في أحد الطرفين، فقال معناه عندي إذا كان العصبة واحدا أو عدداً لا يريدون القسمة، وقد اختلف في تأويل قول مالك: إِن المرأة يضرب لها بحقها مع العصبة في أحد الطرفين فقيل: إنه يضرب لها في أحد الطرفين مع الورثة من كانوا ثم يقتسمون بَعْدُ إن أحبوا وهو ظاهر قول مالك في المدونة ورواية ابن الماجشون عن مالك، وقيل: إن ذلك مع العصبة بخاصة إذا لم يريدوا أن يقتسموا وبالله التوفيق. [: المرأة يموت زوجها أيقتسم ماله قبل أن يستبرأ رحمها] ومن كتاب الأقضية الثالث قال: وسئل عن المرأة يموت زوجها أيقتسم ماله قبل أن يستبرأ رحمها؟ فقال: إن كانت حاملًا لم يقتسم الميراث حتى تضع، قيل له: إنما مَاتَ زوجها ولم يعلم أنها حامل أيؤخر الميراث حتى يستبرأ رحمها بحيضة فقال: ما سمعت بهذا ولكن إن كانت حاملًا أُخِّرَ الميراث ولم يقسم حتى تضع ما في بطنها ثم سُئل بعد ذلك؛ فقيل له أيضاً: توفي وله امرأة قد أَبْطَأَتْ عنها حيضتُها أيُقتسم ميراثه حتى تحيض؟ فقال: لا يُقتَسَم ميراثه ولا يعجل فيه حتى يتبين من حملها فقيل له: حتى يستبرأ، فقال: ليس حتى يستبرأ، ولكن لا يعجل في قسم ميراثه حتى ينظر في ذلك من أمرها. قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم العتق من هذا السماع من كتاب العتق أن الميراث لا يقتسم حتى توضع الحمل، فإن قال الورثة: نحن نجعل الحمل ذكراً ونعزل له ميراثه لم يكن ذلك لهم، قال أصبغ: فإن فعلوا فسخت القسمة ووقف جميعُ المال فإن غُصِبَ سهمُ الورثة يريد في أيديهم بعد

أن أخذوه قبل أن تفسخ القسمة ويوقف المال ووُلِدَ المولود أُعطي نصيبه ومضى الضمان عليهم، وإن تلف سهم المولود وسلم سهمهم أُعطي سهمه مما بأيديهم وابتدئت القسمة فيه لا من الجميع، هذا قولُ أصبغ إلا ما زدْته فيه على سبيل البيان والتفسير، ولو تلف الجميع سهم المولود الذي وقف له وَسِهَامُهم التي أخذوها بأيديهم لوجب أن يرجع عليهم بحظه مما تلف بأيديهم لأنهم تعدوا بأخذه لا بحظه من الجميع؛ لأنهم فعلوا في توقيف حظه ما وجب إذ كان الواجب أن يوقف الجميع، وكذلك إن كان له ولد فقالت امرأته: عجلوا لي الثمن لأنه لي واجب وضعتُ ذكراً أو أنثى أو أنفش الحمل أو لم تضع شيئاً لم يكن ذلك لها، قال مالك في المبسوطة: فإن جهلوا ذلك فأعطوها ميراثها ثم تلف المال بعد ذلك أو هلك أو نقص لم أر أن يرجعوا عليها بشيء مما أعطوها، قال ابن القاسم مفسراً لِقول مالك: أما من قاسمها فلا يرجع عليها بشيء، وأما الحمل فإنه يرجع على من كان من الورثة مَلِيّاً فيقاسمهم ما في أيديهم ويتبع هو وهم المُعدمين. قيل له: فما فرق بين ذلك وبين الورثة إذا اقتسموا ثم طرأ ولد لم يرجع ذلك الولد على الأملياء دون المعدمين، لكن يرجع على المليء والمعدم بقدر ما صار في يديه من مصابته؟ فقال: فرق ما بينهما لِأن الذين اقتسموا المال قبل أن يوضع الحمل صنعوا ما لا يجوز لهم، وإن الذين اقتسموا المال وله ولد لم يعلموا به صنعوا ما كان يجوز لهم، فهذا فرق بينهما، وأراه قولَ مالك، قال ابن القاسم: فإن أعتق أحدُ الورثة رأساً من رقيق الميت قبل أن يوضع الحمل قُوِّمَ عليه فعتق عليه كله، ومعنى ذلك عندي إذا كان يرث مع الحمل ولم يكن الحمل يَحْجُبُه، واللَّه أعلم. واختلف إذا أوصى بوصايا وله حمل، فقيل: إنها لا ننفذ الوصايا وينظر الحمل، وهو قول مالك في رسم البز من سماع ابن

القاسم من كتاب الوصايا، وقولُهُ أيضاً في رواية ابن أبي أويس عنه، وقولُ محمد بن مسلمة، قال: لِأنَّ ما يهلك يهلك من رأس المال وما زاد زاد من رأس المال، فيكون الموصى له قد استوفى وصيته على غير ما ورث الورثة، وروى ابن نافع عن مالك في المبسوط أن الوصايا تُنَفَّذُ ويؤخر الورثةُ القسمةَ حتى تضع المرأة، وهو قول أشهب في بعض روايات العتبية من رسم البز من الكتاب المذكور. وأما الدَّين فإنه يُؤَدِّي من تركته ولا ينتظر به وضع الحمل، هذا ما لا أعرف فيه خلافاً إلا ما ذكر فيه عن بعض الشيوخ من الغلط الذي لا يعد في الخلاف، قال البَاجِي: شهدتُ ابن أيْمَن يَحكي في ميت مات وترك امرأته حاملًا أنه لا يقسم ميراثه ولا يؤدي مِنْه دَيْنه حتى يوضع الحمل فأنكرتُ ذلك، فقال: هذا مذهبنا ولم يأت ابن أيمن بحُجَّة، والصحيح أن يؤدي دينه ولا ينتظر الحمل، ولا يدخل في هذَا اختلاف قول مالك في تنفيذ الوصية قبل وضع الحمل للورثة الرجوع على الوصي لهم بثلثي ما قبضوا ولعلهم سواء كانوا معينين أو غير معينين فلا يجدون على من يرجعون، وأما تأخير أداء الدَّين حتى يوضع الحمل فلا علة توجبه بل يجب ترك التوقيف وتعجيل أداء الدين مخافة أن يهلك المال فيبطل حق صاحب الدين من غير وجه منفعة كان في ذلك للورثة وإذا وجب أن يقضي دين الغائب مما يُوجَدُ له من المال مع بقاء ذمته إِن تلف المال الموجُود له كان أحرى أن يؤدي الدين عن الميت من تركته لوجهين أحدهما أن الميت قد انقطعت ذمته، والثاني أن الحمل لا يجب له في التركة حق حتى يولد حَيّا ويستهل صارخاً، ولو مَات قبل ذلك لم يورث عنه نصيبه، والغائب حقه واجب في المال الموجود، ولو مات ورثه عنه ورثته،

فإذا لم ينتظر الغائب مع وجوب المال الذي يؤدي منه الدين الآن له كان أحرى أَلَّا ينتظر الحمل إذ لم يجب له بعد في التركة حق، ومن قول ابن القاسم في المدونة وغيرها: إنَّ من أثبت حقاً على صغير قضي له به عليه ولم يُجعل للصغير وكيل يخاصم عنه في ذلك، فإذا قضي على الصغير بعد وضعه من غير أن يقام له وكيل فلا معنى لانتظار وضع الحمل بتأدية دين الميت، وهذا كله بين لا ارْتِيَاب فيه ولا إشكال، فقف على هذه الثلاث المسائل: الدَّين يؤدي باتفاق ولا ينتظر وضع الحمل والتركة لا يقتسمها الورثة باتفاق حتى يوضع الحمل، والوصايا تختلف هل يعجل إِنفاذُها قبل وضع الحمل أو لا يعجل حتى يوضع الحمل؟ فإذا توفي الرجل وله امرَأة وجب ألا يعجل فيه الميراث حتى تسأل المرأة هل بها حمل أم لا؟ فإن قالت: أنا حامل وقفت التركة حتى تضع أو يظهر أنه ليس بها حمل، بانقضاء أمَدِ عِدَّة الوفاء وليس بها حمل ظاهر، وإن قالت: لستُ بحامل قبل قولها واقتسمت التركة، وإن قالت: لا أدري آخر قسمُ الميراث حتى يتبين أنه ليس بها حمل بأن تحيض حيضة أو يمضي أمد العدة وليس بها ريبة من حمل، وهذا معنى قوله في هذه الرواية لا يعجل بقسم الميراث حتى يتبين من حملها، وكره أن يقول: حتى تُسْتَبْرَأ؛ إذ هي مأمونة على نفسها في ذلك مصدقة في قولها بما دل من كتاب اللَّه عز وجل على ائتمانها بقوله: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] وبالله التوفيق.

: يكون بينهما الشيء من الثمار فيريدان اقتسام ذلك في رؤوس الشجر بالخرص

[: يكون بينهما الشيء من الثمار فيريدان اقتسام ذلك في رؤوس الشجر بالخرص] ومن كتاب البيوع الأول قال: وسألت مالكاً عنِ الرجلين يكون بينهما الشيء من الثمار النخل أو العنب أو التين فيُرِيدانِ اقتسام ذلك في رؤوس الشجر بالخرص فقال: لا بأس باقتسام ذلك كله في رؤوس الشجر من النخل والعنب أو التين أو الثمار كلها إذا وُجِدَ من يعرف ذلك ويحسنه، وإنما يجوز ذلك إذا طابت الثمرة وحل بيعها، فأما قبل أن يحل بيعها فلا يصلح ذلك وإنما يقسم ذلك إذا طاب وحل بيعه بالخرص وهو يعمل به هاهنا عندنا في ثمر النخل. فقلت له: وما يدعوهم إلى اقتسامه بالخرص؟ فقال: إنما يدعوهم إلى ذلك أن يكون أحدهم يريد أن يأكله رطباً أو يبيعه والآخر يريد أن يأكله أو يبيعه تمراً، فإذا اختلفا هكذا فكان هذا يريد به أن يقسم في شَجَرِهِ إذا طاب وحل بيعه، لا يحل اقتسام شيء منه إِلا بعد أن يطيب ويحل بيعه، فأما قبل أن يطيب فلا يصلح ذلك. قلت لَهُ بعد ذلك: إِنك قد قلت لي في الثمار من النخل والأعناب والأتيان والثمار كلها تكون بين الشريكين إِنه لا بأس أن يقتسما ذلك في رؤوس النخل أو الأشجار بالخرص إذا كان ذلك الثمر قد طاب وحل بيعه، وأنه رحمكَ اللَّهُ قد يكون في ذلك الثمر أصناف غير واحدة فيكون في النخل العجوة والصيحاني والبرني وغير ذلك من الأصناف ويكون في الأعناب الأبيض والأسود والأحمر، ويكون مع ذلك في غيرها من الثمار فيكون في الشيء منها أصناف غير واحدة فكيف ترى أن يقسم ذلك؟ أيقسم كل صنف منها على حدته حتى يصير لكل واحد منها من عدد الكيل عدداً واحداً ولا

يقتسمان فيأخذ هذا نخلة برني خرصها عشرة أصْوُعٍ بنخلة يعطيها الآخر من الصيحاني أو من العجوة وخرصها خمسة عشر صاعاً، قال: وكذلك لَو كانت النخلة عجوة أو صيحانياً أو برِنياً وبعض ذلك أفضل من بعض أسلم طعاماً وأكثرُ قدراً وأقل حَشفا فإنه يقسم كل واحد منهما على حدته حتى يصير لكل واحد منهما من عدد الكيل عَدَدٌ واحد، ولا يقتسمان فيأخذ هذا نخلة طيبة الطعام خرصها عشرة أصوع بنخلة يعطيها الآخر خرصها خمسة عشر صاعاً. فقلتُ له: إني أمْتَعَ اللهُ بك لم أرد هذا الذي أردت إذا كانت النخل فيها غير صنف واحد العجوة والصيحاني والبرني فأراد اقتسام ذلك مجتمعاً ليس كل صنف منها على حدته يغطي هذا نخلة صيحاني بنخلة يأخذها من برني وعجوة وخرصها واحد جميعاً أترى بذلك بأساً؟ أم لا يقسم ذلك على كل حال من الحال إِلَّا كل صنف من ذلك على حدته الصيحاني على حدته والعجوة على حدته والبرني على حدته. فقال: إذَا كان أحَدهما لا يأخذ أبداً من مكيلة الثمرة في الخرص أقل ولا أكثر مما يأخذ صاحبه فلا بأس بأن يقسم ذلك كله بالخرص مجتمعاً ليس كل صنف على حدته إذا لم يتفضل أحدهما على صاحبه في مكيلة الخرص، وكان ما يصير إلى كل واحد منهما في الخرص من عدد المكيلة إلى عدد واحد فلا يُبَالِي كيف اقتسم ذلك كل صنف على حدته أو اقتسم جميعاً لا بأس بذلك كله إذا لم يتفضل أحدُهما على صاحبه، قيل: أرأيت الزرع أيقسم كذلك؟ فقال: لا أرى ذلك يجوز في الزرع ولا أراه يجوز إلا في الثمار. قال محمد بن رشد: سَاوَى في هذه الرواية بين ثمار النخل وسائر

الثمار كلها من العنب والتين وغير ذلك مما يجوز فيه التفاضل ومما لا يجوز في جواز قسمة ذلك بالخرص إذا اختلفت الحاجة في ذلك، خلافُ مذهب ابن القاسم في المدونة وروايته عن مالك في أن القسمة في ذلك لَا تَجوزُ على الخرص مع اختلاف الحاجة إِلَّا في العنب والنخل والذي مضى فيه الخرص لوجوب الزكاة فيه، وإلى هذه الرواية أشار في المدونة بقوله: وذلك أنه ذكر بعض أصحابنا أن مالكاً أرخص في قسم الفواكه بالخرص، وهذه الرواية أظهر وأصح في المعنى من رواية ابن القاسم عن مالك؛ لأنه إذا جاز التَّحَرِّي والخرص فيما لا يجوز فيه التفاضل لضرورتهم إلى ذلك من أجل اختلاف حوائجهم فأحرى أن يجور ذلك فيما يجوز فيه التفاضل لا تدْخله المزابنة، وقولُه أيضاً إنما يجوز ذلك إذا طابت الثمرة خلافٌ لما في المدونة؛ لأنه أجاز فيها قسمة البلح الكبير على الخرص، وفي رؤوس الثمار إذا اختلفت حوائجهما فيه خلافُ قول سحنون في ذلك، فاشتراط مالك في هذه الرواية طيب الثمرة مثلُ مذهب سحنون في البلح الكبير؛ لأن العلة عنده في أن قسمته بالخرص لا تجوز هو أنه إن ترك أحدهما نصيبه أو شيئاً منه حتى يطيب انفسخت القسمة بينهما، فإذا كان هذا يأكل وهذا يبيع وكل بِجَدَادٍ لَا يَجوزُ لكل واحد منهما أن يترك شيئا منه حتى يطيب فلم تختلف حوائجهما لأنهما إذا كان لا بد لهما من الجد قبل الطياب فليقتسماه إذا جذاه بالكيل، وقول ابن القاسم في هذا أظهر لأنهما لا يجدَّان معاً وإرادة كل واحد منهما أن يجد بقدر حاجته، أحدُهما قليلًا والآخر كثيراً اختلاف حاجة يجوز لهما به قسمته على الخرص، وأما الزرع فلا يجوز قسمته على الخرص باتفاق لاتفاق حوائجها فيه، إذ لا يؤكل فريكاً فلا تجوز قسمته إِلَّا بالكيل بعد أن يحصد ويدرس إِلَّا أن يكون ذلك قبل أن يبدو صلاحه على أن يحصد كل واحد منهما حصته مكانه فيجوز على الاختلاف في قسمة البقل القائم بالخرص والثمر الذي يجوز فيه التفاضل وباللَّه التوفيق.

: يشتريان الرقيق ثم يدعو أحدهما صاحبه إلى قسم الرقيق

[: يشتريان الرقيق ثم يدعو أحدُهما صاحبَه إلى قسم الرقيق] ومن كتاب الأقضية وَسَألْتُهُ عن الرجلين يشتريان الرقيق ثم يدعو أحدُهما صاحبَه إلى قسم الرقيق أيكون ذلك على شريكه إذا كانت تلك الرقيق تنقسم؟ قال: نعم، أرى ذلك له عليه إذا كانت الرقيق تنقسم، فقلت له: يقول إذا دَعَا أحدُهما صاحبه إلى المقاسمة كان عليه أن يقاسمه إياها إن كانت تنقسم وإِلَّا باعوها، فقال: نعم إذا كانت تنقسم كان عليه أن يقاسمه إياها وإن لم تنقسم تَقَاوَموها أو باعوها في السوق، فقلت له بعد ذلك بيوم: أرأيت القوم يشتركون فيشترون الدور ثم يدعو بعضُهم إلى القسم أيجمع كل واحد منهم حقه من الدور في موضع واحد إذا كان متقارباً أم يقسم بينهم كل دار على حِدَتِهَا؟ فقال: بل يقسم لكل إنسان منهم حقه من الدور في موضع واحد إذا كان متقارباً، قلت له: ما تقارب ذلك؟ قال: في مكان من المدينة بناحية واحدة وكان لعرض واحد من الأعراض فإذا كان ذلك كله يقسم جميعاً فيجمع لكل إنسان منهم حقه في موضح ولا يعطي حقه من كل دار فيها، وأما ما تباعد منها بعضُها من بعضٍ فلا يقسم كل واحد إِلَا على حدته. قال محمد بن رشد: قوله في الشريكين يكون بينهما الرقيق فيدعو أحدهما إلى القسمة إنها تنقسم بينهم إن كانت تنقسم يريد إِن كانت تعدل في القسم بالقيمة حتى يصير لكل واحد منهما في حظه عبد كامل أو عبدان كاملان أو عبيد كاملة، فإن لم تنقسم بينهما إِلا بجزء من عبد تقاوموها أو باعوها فاقتسما الثمن، يريد تقاوموها إن أحبوا ذلك أو باعوا؛ لأن المقاومة لا يُجْبَرُ من أبى منهما، فكان الصواب في الكلام أن يقول: إنها إن لم تنقسم باعوها في السوق إِلا أن يريدوا أن يتقاوموها فيجوز ذلك بينهم، ويأتي في هذه المسألة

مسألة: الحائطان يجمعان في القسم وإن كان ثمر أحدهما عجوة والآخر صيحانيا

على ما ذكرناه من قول ابن حبيب في أول مسألة من سماع ابن القاسم أنها إن لم تقسم بالقيمة على قدر حظوظهم منها قُوِّمَ كل عبد منها على حدة ثم يضرب عليها بالسهام، فإن خرج سهم أحدهم على عبد منها وقيمته أكثرُ من حظه كان له منه قدر حظه وكان بَقِيَّتُهُ وسائرُ العبيد لشريكه، وإن خرج سهمه عليه وقيمته أقل من حظه كان له وضرب له بالسهم الثانية فإن خرج سهمه على عبد قيمته أكثر من بقية حظه كان له منه بقدر ما بقي له من حظه، وإن خرج سهمه على عبد قيمته أقل من قيمة حظه أخذه وضرب له بالسهم الثالث على ما بقي من العبيد حتى يستكمل بقية حظه كاملًا، وباللَّه التوفيق. [مسألة: الحائطان يجمعان في القسم وإن كان ثمر أحدهما عجوة والآخر صيحانيا] مسألة قلت له: أرأيت الدارين تكون إحداهما في موضع حي عامرٍ يُرْغَبُ والأخرى في موضع غير عامر، وكلاهما بقرية واحدة؟ قال: أما الشيء البعيد مثل منزلي هذا ومنزل آخر بالتشبيه، فإنه يقسم كل واحد منهما على حدته ولا يقتسمان جميعاً حتى يجمع لأحدهما حقه إذا كانت متباعدة هكذا، وإنما هذا في الدور إذا تباعدت هكذا قسم لكل واحد منهم في ذلك كله، ولم تجمع له في موضع واحد، وليس الحوائط في هذا مثل الدور والحوائط إذا كانت هكذا بالمدينة وما قاربها وإن تباعدت بعضها من بعض فإنها تقسم فيقطع لكل واحد منهم نصيبه من الحوائط كلها في موضع واحد إلا أن يكون بعضها ليس يعارض صاحبها سائر المدينة لا تقتسم حوائطها مع حوائط خيبر تقسم هذه على حدتها وهذه على حدتها، وليس يقسم العين مع النضح، ولا البعل مع السقي وإن تقاربت الحوائط، وإنما يقسم كل شيء من هذه بينهم إذا كانت على هذه الصفة على حدته إلَّا أن يتراضوا أن يجمعوا ذلك كله في القسم فيكون ذلك لهم.

قلت له: أرأيت إن كان الحائطان جميعاً متقاربين في الموضع وكلاهما من سقيه على شيء واحد من عين أو نضح أو بعل إِلَّا أن أحد الحائطين عجوة والآخر صيحاني إنما يختلفان في ثمارهما فأرادَا اقتسامهما أيقسم لكل واحد منهما حقه من كل حائط أو يجمع له من الحائطين جميعا في حائط واحد؟ فقال لي: بل يقسم له كله من الحائطين فيجمع له في حائط واحد ولا يقسم له في كل حائط بحقه فيقطع له ذلك في الحائطين جميعاً، وإن كان أحدهما صيحانياً والآخر عجوة فإن ذلك يجمع لكل واحد منهما في موضع واحد لا يقسم له في كل حائط بحقه، قال لي: وكذلك مما ورث من الأمْوال والدور وهو مثل ما يشتري منها، فالمرأة يقطع لها الربع من الدور في موضع واحد إذا كانت الدور متقاربة، وإنما تقسم هذه الأشياء إذا كانت هكذا بالقيمة. قال محمد بن رشد: راعي في قسمة الدور في هذه الرواية اختلاف مواضعها ولم يراع اختلاف نفاقها، فلم يُجِزْ أن يجمع في القسمة إذا اختلف مواضعها بالبعد وإن اتفقت بالنفاق عكس ما في المدونة من أنها تقسم قسماً واحداً إذا اتفقت مواضعها في النفاق وإن اختلفت بالبعد ولا تقسم قسماً واحداً إذا اختلفت مواضعها في النَّفاقِ وإن اتفقت في القرب، وفي المسألة قول ثالث يقوم من المدونة أنها لا تقسم قسماً واحداً إِلا أن يتفقا في النفاق والقرب، فإن تباعد ما بينهما في المواضع واختلف موضعهما في النفاق وإن كان قريباً لم يجمع في القسم، وقُسِمَ كل واحد منهما على حدته. وتفرقته بين الحوائط والدور في مراعاة البعد ليس بِبَيِّن في القياس والنظر، الصواب أن يدْخل في الحوائط الاختلاف من الدور حسبما ذكرناهُ في أول مسألة من سماع ابن القاسم وفي قوله بعد ذلك: إن الحائطين إذا كانا جميعاً متقاربين في المواضع يجمعان في القسم دليل على أنه لا يجمعان فيه إذا لم

مسألة: توفي وترك ثلاثة أولاد وترك ثلاثة أعبد واقتسم الورثة فتوفي أحد الأعبد

يكونا متقاربين، فعلى هذا ساوى بين الدارين والحائطين وهو القياس على ما ذكرناه. وقولُهُ: إن البعل لا يقسم مع السقي وهو خِلَافُ قول مالك في الموطأ مثل ما حكى ابن حبيب في الواضحة وقد مضى هذا في آخر رسم من سماع ابن القاسم، وقولُه: إن الحائطين يجمعان في القسم وإن كان ثمرُ أحدهما عجوة والآخر صيحانياً صحيح لا اختلاف فيه لأن العجوة والصيحاني صنف واحد، ولو كان أحد الحائطين نخلًا والثاني تيناً أو عنباً لما جمعا في القسمة بالسهمة لأنَّهُمَا صنفان وبالله التوفيق. [مسألة: توفي وترك ثلاثة أولاد وترك ثلاثة أعبد واقتسم الورثة فتوفي أحد الأعبد] مسألة وسئل عمن توفي وترك ثلاثة ولد ذكوراً وترك ثلاثة أعْبُدٍ واقتسم الورثة فأخذ كل واحد منهم عبداً فتوفي أحدُ الأعبد عند أحدهم واعترف الآخر في يد الثاني، وبقي الآخر في يد الثالث، فقال: الذي مات العبد في يديه هو منه، وليس للذي اعترف العبد في يديه عليه شيء؛ لأنه قد فات عنده، ويرجع الذي اعترف العبد في يديه على أخيه الذي في يديه العبد الثاني فيكون له ثلثه وللذي في يديه العبد الثلثان، ولا يكون لأخيهما الذي توفي العبد في يديه فيه شيء لأنه مات عنده، ولا يكون للذي انتزع منه العبد من الباقي إِلا الثلث، وإن كان هذا العبد الباقي مات أيضاً عند صاحبه ما كان عليه شيء ولا يكون للذي اعترف العبد في يديه عليه شيء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت في سماع سحنون من كتاب الاستحقاق والكلام عليها مستوفى فلا وجه لإعادته وباللَّه التوفيق

: اشتريا عشرة أرؤس فاقتسماها فكان حظ أحدهما خيرا من حظ صاحبه

[: اشتريا عشرة أرؤس فاقتسماها فكان حظ أحدهما خيرا من حظ صاحبه] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب المكاتب قال عيسى بن دينار: سئل ابن القاسم عن رجلين اشتَرَيَا عشرة أرؤس فاقتسماها فأخذ كل واحد منهما خمسة، فكان حظ أحدهما خيرا من حظ صاحبه بدينار ونصف، فغرم لصاحبه ديناراً ونصفاً فوجد الذي أخذ الدينار ونصفاً في حظه رأساً به عَيْبٌ وقد فاتت رقيق صاحبه أو لم تفت، قال ابن القاسم: إن لم تفت رقيق صاحبه نظر إلى قيمة رقيق هذا الذي وجد العيب بالعبد والعبد المعيب فيها يُقَامُ صحيحاً فينظر ما اسم هذا العبد المعيب من جميع قيمتها، فإن كان السدس كان هذا العبد بينهما بنصفين، ورد من الدينار ونصف على صاحبه نصف سدسها، وكان شريكاً في رقيق صاحبه بنصف سدسها، وإن كانت قد فاتت رجع عليه بنصف سدس قيمتها وَحَاصَّهُ في نصف سدس قيمتها بنصف سدس الدينار ونصف، وكان العبد المعيب بينهما؛ لأن الدينار والنصف قد أصاب كل رأس مِنها بقدر قيمته فلما أن صار هذا العبد المعيب سدس قيمة الخمسة أرؤس كان الذي أصابه من الدينار نصف سدسه فكان للذي وجد العيب نصف السدس. قال ابن القاسم: ولو كان العبد الذي وجد به العيب هو وجه الخمسة أرؤس التي أخر فيها رجاء الفضل ولم يفت رقيق صاحبه انتقضت القسمة كلها، واقتسموا ثانية، ولو كانت قد فاتت رقيق صاحبه بِنَمَاءٍ أو نقصان أو اختلاف أسواق كان عليه قيمتها ثم اقتسموا الرقيق والقيمة.

قال محمد بن رشد: قولُه: فكان حظ أحدهما خيراً من حظ صاحبه بدينار ونصف فغرم لصاحبه ديناراً ونصفاً كلام وقع على غير تحصيل لا يصح؛ لأنه إنما يجب أن يغرم له ديناراً ونصفاً من ماله إذا كان حظ صاحبه خيراً من صاحبه بثلاثة دينار، وكذلك قولُه إذا كانت العبد المعيب سدس قيمة الأعْبُد التي صار في نصيبه أنه يكون بينهما نصفين ويكون شريكاً في رقيق صاحبه نصف سدسها ويرد من الدينار ونصف نصف سدسهما غلط وكلام وقع على غير تحصيل؛ لأن الواجب إنما هو أن يرد إليه جميع سدس الدينار ونصف أو يحاصه بذلك في سدس قيمة رقيقه إن كانت قد فاتت وبذلك تستقيم المسألة فيكون قد رد إليه قدر ما رجع به عليه فتدبر ذلك تجده صحيحاً، ويتبين ذلك بالتنزيل مثال ذلك أن تكون الأرؤس التي بينهما خمس عشرة شاة فيقتسمانها بينهما يأخذ أحدهما ست شياه قيمتها ستة دنانير ويأخذ الآخر تسع شياه قيمتها تسعة دنانير، ويعطي صاحبه ديناراً ونصفاً نصف ما زاد ما أخذ على ما أخذ شريكه فيعتدلان بذلك فإن وجد الذي أخذ الدينار ونصفاً عيباً بشاة من الست شياه التي أخذ وقيمتها دينار والتسع قائمة بيد شريكه لم تفت رَدَّ على شريكه الشاة المعيبة فكانت بينهما بنصفين، ورد عليه سدس الدينار ونصف الذي قبض منه، وكان شريكاً معه في التسع شياه بنصف سُدُسِهَا فكان إذا فعل ذلك قد قبض كل واحد منهما من صاحبه ما ينوب ما دفع إليه مما بيده؛ لأن الذي وجد العيب بالشاة أعطى صاحبه أربعة أسداس مثقال ونصف سدس مثقال نصف الشاة بثلاثة أسداس وسدس الدينار ونصف سدس، وأخذ من صاحبه نصف سدس التسع شياه وقيمة ذلك أربعة أسداس ونصف سدس كما دفع؛ لأن قيمتها تسعة مثاقيل فنصف سدسها أربعة أسداس ونصف سدس. ولو كانت التسع شياه قد فاتت بيد الذي قبضها لوجب إذا رد عليه الشاة المعيبة فكانت بينهما أن يرجع عليه بنصف قيمة التسع شياه، وذلك أربعة أسداس ونصف سدس بعد أن يدفع إليه سدس الدينار ونصف، أو يقاصه به فيأخذ منه نصف دينار، وهذا كله بين والحمد للَّه.

: الحائط والدار والأرض تكون بين الورثة كيف يقتسمون ذلك

وقوله: إنه يكون شريكاً في رقيق صاحبه بنصف سدسها إن كان العبد المعيب سدس حظه، وإن كان وجهه انتقضت القِسْمَةُ هو أحد قوليه في المدونة، وقوله الثاني فيها إنه في اليسير يرجع بما نابه من حظ صاحبه دنانير وإن كان قائماً، وفي الكثير يكون شريكاً بما نابه ولا تنتقض القسمة فَفَرَّقَ في كلا القولين بين الوجهين وقال في كل وجه منها قولين، فلا اختلاف في أنه لا تنتقض القسمة في اليسير، ولا في أنه لا يرجع في قدره من الدنانير في الكثير، وهذا الاختلاف كله في القيام، ولا اختلاف في أنه يرجع بما ناب المعيب أو المستحق من الدنانير في الفوات وباللَّه التوفيق. [: الحائط والدار والأرض تكون بين الورثة كيف يقتسمون ذلك] ومن كتاب حَمَلَ صَبِيّا عَلَى دَابَّةٍ قال عيسى: سألت ابنَ القاسم عن الحائط والدار والأرض تكون بين الورثة كيف يقتسمون ذلك؟ قال ابن القاسم: يقسم على أدناهم سهماً ثم يضرب في الطرفين فأيهم وقع سهمه في أحد الطرفين ضُمَّ له نصيبه إلى حيث وقع سهمه، ثم يضرب لمن بقي فيما بقي كذلك في أحد الطرفين بعد الذي عزل، فإذا وقع سهم أحدهم في شق ضم إليه نصيبه إلى حيثُ وقع سهمه حتى يكمل كذلك حتى يكون نصيب كل واحد به مجتمعا، ولا يقع حقه مُبَدَّدا وكذا وجه ما فَسَّر لي مالك ووصفَ لي قال ابن القاسم: وتفسير يقسم على أدناهم سهماً إن كان أدناهم صاحبَ السدس قسمت الأرض على ستة أجزاء بالقيمة، فإن كان بعض الأرض أفضلَ من بعض فضلت بالقيمة على قدر تفاضلهما، فقد يكون الفدان الواحد ثَمَنَ فَدَادين يُحمل كل سهم بالقيمة على قدر تفاضله حتى يَسْتوي في القيمة فتكون قيمة كل سهم واحد وإن كثرت الأرض في بعض تلك

السهام لِرَدَاءَتِهَا وفي بعضها لارتفاعها في القيمة وكرمها، فإذا استوت في القيمة كتب أهلُ كُلّ سَهّمٍ اسمَ سهمهم ثم أسهم في الطرفين جميعا، فمن خرج سهمه في طرف ضم إليه ما بقي من حقه إلى حيث خرجِ سهمه ثم يضرب أيضا في الطرفين فيصنعوا في ذلك كما صنعوا أوَّلَا أبدا حتى يأتوا على آخرها، قال عيسى: إذا كانت الكريمة تحمل القسمة، والدنِية تحمل القسمة الكريمة على حِدَتِهَا والدنيةُ على حدتها. قال محمد بن رشد: قوله في أن الحائط والدار والأرض تقسم على أدناهم معناه إذا كانت فريضتهم تقسم على أدناهم سهما مثل أن تهلك امرأة عن زوج وأم وأخت لأم، فإنها تقسم أسداسا ثم يضرب بسهامهم علىَ الطرفين فإن خرج سهم الزوج في أحد الطرفين وسهم الأم في الطرف الآخر أخذ الزوج النصف في الطرف الذي خرج سهمُه فيه، وأخذت الأم الثلث في الطرف الذي خرج سهمها فيه، وكان للأخت السدس الباقي من الوسط حيث بقي، وإن خرج سهمُ الأخت في أحد الطرفين وسهم الزوج أو الأم في الطرف الآخر أخذت الأخت السدس في الطرف الذي خرج سهمها فيه وكان للزوج النصف الباقي في الوسط، وإن كان الزوج هو الذي خرج سهمه في الطرف الآخر أخذت فيه، وكان للأم الثلث الباقي في الوسط، وكذلك ما أشبهه على هذا القياس. وقد قيل: إنه إنما يضرب سهامهم على الطرف الواحد أبدا وهو الذي في المدونة ثابتّ في كل رواية، وأما إن كانت فريضتهم لا تنقسم على أدناهم سهما فلا بد أن تنقسم على مذهب ابن القاسم على ما تنتهي إليه سهام

: يرثون منزلا عن أبيهم يقتسمونه فيغيب بعضهم ويقيم بعضهم

فريضتهم التي تنقسم منها وإن كان سهم أقلهم نصيبا ينتهي إلى عشرة أسهم أو أقل أو أكثر مثل أن تهلك امرأة عن زوج وأم وابن وابنة، فإنها تنقسم على ستة وثلاثين سهما لأن فريضتهم لا تنقسم من أقل منها، يكون للزوج تسعة، وللأم ستة، وللابن أربعة عشر، وللبنت سبعة، ثم يضرب بسهامهم على الطرفين فمن خرج سهمه منهم في طرف ضم إليه فيه بقية حقه إن كان الزوج أخذ فيه تسعة أسهم وهو الربع وإن شئت قلت السدس ونصف السدس، وإن كانت الأم أخذت فيه ستة أسهم وهو السدس، وإن كان الابن أخذ فيه أربعة عشر سهما وهو السدسان وثلث السدس، وإن كانت الأخت أخذت فيه سبعة أسهم وهو السدس وسدس السدس، ويأخذ في الطرف الآخر من خرج سهمه فيه على هذا الترتيب، ثم يسهم بين الباقيين منهما على ما بقي من السهام، فمن خرج سهمه منهما في طرف ضم إليه بقية حقه فيه، وكان للباقي ما بقي وقد قيل إنه لا يسهم إلا على طرف بعد طرف، فإن تشاحوا على أي الطرفين يسهم عليه أَوَّلا أسُهم على ذلك، وهو قوله في المدونة على ما ذكرناه، هذا مذهبه في القسمة في المدونة وغيرها، وقد ذكرنا مذهب مالك في ذلك في المدونة في تكلمنا على أول مسألة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. وقوله: فإن كان بعض الأرض أفضل من بعض فضلت بالقيمة فقد يكون الفدان الواحد تَعَدٍّ للفدانين، هو مثل ما في كتاب الوصايا الثاني من المدونة خلافُ ما في كتاب القسمة منها من أن الأرض لا تقسم قسما واحدا إلا إذا كانت معتدلة في الطيب والكرم، وقول عيسى في المسألة قول ثالث وقد مضى بيان هذا في أول مسألة من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [: يرثون منزلا عن أبيهم يقتسمونه فيغيب بعضهم ويقيم بعضهم] ومن كتاب البراءة قال وسألت ابن القاسم عن الِإخوة يرثون منزلا عن أبيهم يقتسمونه فيغيب بعضهم ويُقيم بعضهم فيقدم الغائب بعد سنين

مسألة: مات الذي كان الحائط في يديه فجهل الورثة حقوقهم

فتشتبه عليهم حالهم ويقول الذين عملوا لا نعرف سهامكم هل يعيدون القسمة جميعا؟ قال أما الذين عملوا فيحلفون بالله إذا لم يصدقهم أشراكهم أن الذين عمروا سِهَامُهُم ولا شيء عليهم ويعيدون هؤلاء الذين اشتبهت عليهم السهام القسمة فيما اشتبه عليهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأنهم قد تقارَرُوا على القسمة فوجب أن يكون من بيده منهم أرض في اعتماره أن يكون القولُ قولَه مع يمينه أنها هي التي صارت له بالقسمة وبالله التوفيق. [مسألة: مات الذي كان الحائط في يديه فجهل الورثة حقوقهم] مسألة قلت فلو كان حظ رجل منهم من تلك الأرض بيد أخيه عشرين سنة أو نحوها فمات صاحبُ السهم وطلب ذلك بنوه من بعده من عمهم، أو لم يمت فطلب ذلك هو والمنزل معروف لوالدهم أنه مات عنه، قال: إن ادعى شراء أو صدقة فذلك له أقام البينة أو لم يُقم، لأن في عشرين سنة ما يبيد الشهود وإن كان لا يدعي شراء ولا صدقة وإنما يقول هو في يدي فإن ذلك لا ينتفع به، قال ولو مات الذي كان الحائط في يديه فقال الورثة لا ندري بأي شيء كان في يد صاحبنا فليس عليهم شيء إلَّا أن يأتي الذين يدعونه بأمر يُبَيِّنُ حُقوقَهُمْ. قال محمد بن رشد: مساواتُه في هذه المسألة بين الشراء والصدقة خلافُ قوله في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق في تفرقته بينهما في الأجنبيين إذ لا فرق بين المسألتين على القول بأنه لا حيازة بين الأجنبيين في العشرة الأعوام إذا لم يكن هدم ولا بُنيان كالقرابة لأنه جعل في هذه الرواية القولَ قولَ الحائز فيما يبدأ الشهود فيه من المدة إذا ادعي شراء أو صدقة ولم يجعل في رواية عيسى عنه من كتاب الاستحقاق القول قوله في

: يقتسمان دارا بينهما فيجد أحدهما في حظه جبا بالأولى ولا يجد الآخر شيئا

ذلك إلا في الشراء دون الصدقة والهبة والنزول. وقوله إن الورثة إذا قالوا لا ندري بما تَصَير ذلك إلى موروثنا الذي ورثناه عنه قبل ذلك منهم ونفعتهم الحيازة، وإن لم يدعوا الوجه الذي تَصَيَّر به ذلك إلى موروثهم في أنهم لا ينتفعون بالحيازة إلا أن يدعوا الوجه الذي صار به إليهم، وقد مضى القول على هذا مستوفى في رسم تسلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق وبالله التوفيق. [: يقتسمان دارا بينهما فيجد أحدهما في حظه جبا بالأولى ولا يجد الآخر شيئا] ومن كتاب العتق وسئل ابن القاسم عن الرجلين يقتسمان دارا بينهما فيجد أَحَدُهُمَا في حظه جبّا بالأولى ولا يجد الآخر شيئا أيكون له معه في ذلك شيء؟ قال: نعم أرى له معه في ذلك حظا، وأرى أن يعاوده القسم إذا كان لم يفت، فإن فات ببنيان رأيت له عليه نصف ذلك، وهو بمنزلة بيوت وجدها أسفل بيوت لم يكن علم بها، فليس له أن يأخذها دونه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة خلافُ نص قول سحنون في آخر جامع البيوع وما ذهب إليه ابن حبيب وابن دينار وهو أصل قد اختلف فيه قولُ ابن القاسم، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى غاية الاِستيفاء في سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية ومن كتاب اللقطة وفي آخر البيوع فلا معنى لإِعادة شيء من ذلك وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: يوصي بوصايا وعتاقة فتنفذ الوصايا والعتاقة ثم يطرأ على الوصي دين يحيط بماله] من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الذي يوصي بوصايا

وعتاقة فتنفذ الوصايا والعتاقة ثم يطرأ على الوصي دين يحيط بماله، وقد شهد العبيد المعتقون على حقوق وطال زمان ذلك واقتسم الورثة ونما بعض ذلك في أيديهم أو نقص أو استهْلكَ، فقال: ترد الوصايا التي أخذها أهلها بحال ما يوجد في أيديهم نامية أو ناقصة وما هلك منها فلا ضمان عليهم إلا أن يستهلكوا شيئا فيغرمونه أو يكونوا اشتروا شيئا فحوسبوا به في وصاياهم فيكون لهم نماؤه وعليهم تواؤه ويردون الثمن الذي حوسبوا به قال: والورثة بهذه المنزلة فيما اقتسموا مما أخذوا على حال الاقتسام، فنماؤه للغرماء ولا ضمان على الورثة فيه إلا أن يستهلكوا شيئا فيكون عليهم غرمه، وما اشتروا على حال البيع وليس على وجه الاقتسام فنماؤه لهم وضمانهَ عليهم يغرمون الثمن الذي كان وجب به عليهم، قال: وما اقتسموا من ناض ذهب أو ورق أو طعام أو إِدام فإنهم يغرمون ذلك كله، وإنما يوضع عنهم ضمان ما هلك من العروض والحيوان والعقار التي تقسم بالقيمة، قلت أرأيت ما اقتسموا من العروض بالقيمة فغابوا عليه ولم يُعْرَفْ هلاكُه إلَّا بقولهم أيبرؤون من ضمانه؟ أو الطعام أو الِإدام أتوجب عليهم ضمانه وتراه كالذهب إذا عرف هلاكه بالبينة؟ كبراءة المرتهن والمستعير وحاله فيما لم يغب عليه كحالهما. قال محمد بن رشد: الأصل في هذه المسألة قول الله تبارك وتعالى في آية المواريث {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فنص تعالى على أنه لا ميراث لأحد من الورثة إلا من بعد تأدية الدين والوصية. واختلف إذا طرأ على التركة دين أو وصية بعدد بعد اقتسام الورثة ما ترك

الميت من دنانير أو دراهم أو طعام أو عرض أو حيوان أو عقار على خمسة أقوال، أحدها أن القسمة تنتقض لحق الله تعالى شاء الورثة أو أبوا، فيكون ما هلك من جميعهم وَما نَمَا لجميعهم، فيخرج الدين أو الوصية من ذلك ويَقْسِمُ الورثةُ ما بقي إِن بقي شيء، وهذا قول مالك في رواية أشهب عنه، والثاني أن القسمة تنتقض فيكون ما هلك أو نقصَ أو نما بين جميع الورثة إِلَّا أن يتفق جميعهم على أَلَّا ينقضوها ويخرجوا الدين أو الوصية من أموالهم فيقروها، فيكون ذلك لهم، وهو المشهور من مذهب ابن القاسم المنصوص له في المدونة، وقد اضطرب في ذلك قوله، والثالث أن القسمة تنقض أيضا فيكون ما هلك أو نقص أو نَمَا بين جميعهم إلَّا أَنَّ لمن شاء من الورثة أن يخرج من ماله ما يَنُوبُه من الدين ويحمل نوبه مما هلك ويبقى حظه في يديه، فيكون ذلك له، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، مثال ذلك أن يهَلك المُتوفى وله أربع بنين ويترك عروضا ثمانَ بقرات في التمثل قيمة كل بقرة منها عشرة مثاقيل، فيقسمونها بينهم فيأخذ كل واحد منهم منها بقرتين بقرتين، فتموت بِيَد واحد منهم بقرة من البقرتين اللتين صارتا له في سهمه ويطرأ على المتوفى دين عشرة مثاقيل، فإن الواجب في ذلك على مذهبه أن تنتقض القسمة ويخرج الدين من السبع بقرات الباقية، فإن بيع فيه بقرة واحدة قسمت الستة الباقية بين البنين الأربعة بالسهمة حسبما مضى من الاختلاف في صفة القسمة بها إن لم يتفقوا على قسمتها بالتراضي، ولمن شاء منهم على مذهبه أن يخرج من ماله ما ينوبه من الدين، وذلك دِينَارَانِ ونصفُ دينار، ويحمل نوبه من قيمة البقرة التي مات، وذلك دينار ونصف دينار أيضا إن كانت قيمتها عشرة فيؤدي خمسة دنانير، دينارين ونصف دينار لصاحب الدين، ودينارين ونصف لسائر الورثة، ويترك حظه في يديه، ويردون الباقون جميعَ ما بأيديهم إن أبوا إلا نقض القسمة فيقتسمون الخمس بقرات التي في أيديهم مع الدينارين ونصف دينار التي حمل الراضي بالقسمة بينهم على السواء بعد أن يؤدوا بقية الدين وذلك سبعة دنانير ونصف دينار، والقول الرابع أن القسمة لا تنتقض، وهو قول

أشهب وسحنون إِلَّا أنهما اختلفا في فض الدين، فقال سحنون: إنه يفض على ما بيد كل واحد منهم يوم الحكم، وقال أشهب في أحد قوليه: إنه لا يفض على الأجزاء التي اقتسموا عليها زادت أو نقصت ما كانت قائمة، فلا اختلاف في أنه لما لا يضمن من تلف ما بيده بأمر من السماء لصاحب الدين شيئا من دينه، والقول الخامس أن القسمة تنتقض بين من بقي بيده حظه أو شيء منه أو استهلكه أو شيئا منه، فأما من تلف جميع حظه بأمر من السماء فلا يرجع صاحب الدين ولا يرجع هو على الورثة بما بقي بعد تأدية الدين، وقولُ ابن القاسم في هذه الرواية إذَا لَحِقَ دين يغترق التركة بعد تنفيذ الوصايا والعتق واقتسام الورثة إِن الوصايا ترد بنمائها ونقصانها، وتنقض القسمة ويكون النماء للغرماء والضمان عليهم، ولا يكون على الورثة ضمان شيء منه إلّا أن يستهلكوه فيكون عليهم غرمه بَيِنٌ لا كلام فيه على مذهبه إذا كان الدين يغترق التركة بنمائها، وأما إن كان لا يغترقها فاتفق جميعهم على أن يؤدوا الدين ويمضوا قسمتهم فذلك لهم على مذهبه. وأما قوله فيما اشتروا من التركة فحوسبوا فيه في ميراثهم أو اشتراه الموصي لهم منها فحوسبوا به في وصاياهم إِن لهم النماء وعليهم الضمان، وليس عليهم إلا الثمن فهو بين صحيح لا اختلاف فيه إذ لا فرق بين أن يشتروه فيحاسبوا به في ميراثهم أو في وصاياهم وبين أن يباع من غيرهم فيدفع إليهم الثمن في ذلك. وأما قولُه: وما اقتسموا من ناض ذهب أو ورق أو طعام أو إدام فإنهم يغرمون ذلك كله وإنما يوضع عنهم ضمان ما هلك من الحيوان والعروض والعقار الذي يقسم بالقيمة، فالظاهر منه أن الذهب والورق والطعام والإِدام يغرمونه إن هلك ولا يوضع عنهم ضمانه وإن قامت بينة على تلفه، بخلاف العروض والحيوان والعقار التي تقسم بالقيمة، وقد بين ذلك إذ جعل الحكمَ فيه حكمَ العارية فيما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه مضمونة كالقراض، وكذلك

: القسمة تمييز حق لا بيع من البيوع

قال في العارية من المدونة: إنها قرض، وهو قول ابن الماجشون في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح خلافُ قوله فيه إنه لا ضمان عليه في العين ولا في كل ما يغاب عليه إذا قامت البينة على تلفه، وخلافُ قول أصبغ في تفرقته بين العين وبين ما سواه مما يغاب عليه. فيتحصل في العين والطعام والإِدام إذا قامت البينة على تلفه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ضامن وهو قوله في هذه الرواية، والثاني: أنه لا ضمان عليه، وهو قوله في سماع أصبغ من كتاب النكاح، والثالث: الفرق بين العين والطعام والإِدام وما كان في معناه من المكيل والموزون كله، وهو قول أصبغ، وأما إذا لم تقم بينة على تلف ذلك فهو ضامن ولا اختلاف في العروض التي يغاب عليها أنه ضامن إلا أن تقوم البينة على تلفها ولا في الحيوان الذي يغاب عليه أنه يصدق في تلفه وبالله التوفيق. [: القسمة تمييز حق لا بيع من البيوع] ومن كتاب الَأقْضِيَةِ أخبرني مَن أرضى أَنّ عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون قال: إذا اقتسم الورثة الدور والأرضين على سنَّةِ اقتسامها ثم استحق منها بعض ما في أيديهم أو وُجِدَ ببعض ذلك عيب فإِن القسم يُعَادُ بينهم، قال: وإن كانوا اقتسموا على وجه المراضاة وكلهم قد بلغ أن يَحُوز أمره فيما نظر فيه لنفسه ثم استحق بعض ذلك أو وجد معيبا، فأيُّمَا عيب دخل فيه فينظر فيه بما ينظر فيه فيما يوجد معيبا مما يشتري، وذلك أنهم إذا تراضوا فكأنما اشترى بعضهم من بعض إذا اقتسموا على وجه الاقتسام. قال محمد بن رشد: تفرقةُ عبد العزيز بن أبي سلمة إذا استحق بعض نصيب أحد الأشراك بعد القسمة أو وجد بها عيب بين أن تكون القسمة

مسألة: قسمة شيء من الحيوان والعروض بالقيمة

على التراضي أو على وجه الحكم بالسهمة يأتي على قياس القول بأن القسمة تمييز حق لا بيع من البيوع؛ لأنه إذا استحق بعض نصيب أحدهم أو وجد به عيب فليس الذي بقي بيده مع الذي يرجع به في الاستحقاق على حكم الرجوع بالبيع من مشاركة صاحبه فيما في يده أو الدنانير التي يأخذ منه في ذلك هو حقه الذي كان تميز له بالقسمة؛ لأن الذي تميز له بها أخذه بالقرعة، فإذا لَزِمَ الرجوع على صاحبه بقدر ما استحق من نصيبه شاء أو أبى فقد حصلت القرعة على ما لا يجوز الاقتراع عليه من الصنفين، ألا ترىَ أنه إذا كان أحد النصيبين أفضلَ من الآخر فجعل بينهما دنانير أنه لا يجوز الاقتراع على ذلك؟ وقولُ ابن القاسم وروايتُهُ عن مالك في إيجاب الرجوع في ذلك على حكم البيع هو على قياس القول بأن القسمة بيع من البيوع، وأما إذا كانت القسمة على التراضي فلا اختلاف في أن حكمه حكم البيع في جميع الأحكام التي تطرأ على البيوع من الاستحقاق والعيوب وسائر الأحكام المتعلقة بالبيوع وبالله التوفيق. [مسألة: قسمة شيء من الحيوان والعروض بالقيمة] مسألة قال: ولا ينبغي أن يقسم شيء من الحيوان والعروض بالقيمة ولكن يباع ذلك فيشتريه من أحب. قال محمد بن رشد: إنما لم يُجز ابنُ أبي سلمة قسمة شيء من الحيوان والعروض بالقيمة لأنه رأى الاستهام غَرَرا فلم يجزه إلا في قسمة الدور والأرضين؛ لحاجة الناس إلى اقتسامها ليشفع كل واحد منهم إن باعوها واقتسموا الثمن، أو يعتاض بحظه منها مسكنا يسكنه وبالله التوفيق. [: الكراء بيع من البيوع] من سماع أبي زيد من ابن القاسم قال ابنُ القاسم عن الرجل يكري داره سنة من رجل ثم يهلك

صاحب الدار بعد شهر أو شهرين، كيف الأمر في ذلك إذا طلب الورثة قسمة دار أبيهم؟ قال ابن القاسم: الكراء الذي تكارى ليس لهم أن يخرجوه حتى يتم سنة، فإن أحبوا أن يقسموا فذلك لهم، يعرف كل إنسان منهم ما يصير له إذا كان لا يضر بالمتكاري ولا يضيق عليه شيء، وإن أراد ورثته إذا اقتسموا أن يبني كل إنسان منهم ما يصير له إذا كان ذلك لا يضر بالمتكاري كان ذلك له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا اختلاف فيها؛ لأن الكراء بيع من البيوع، فهو عقد لازم يلزم ورثة كل واحد من المتكاريين، فإن أمكنهم القسمة دون أن يضر ذلك بالمتكاري لم يمنع من ذلك مانع، ويقتسمونها إن شاءوا على الصفة، إذ من حق المكتري أن يمنعهم من الدخول فيها لقسمتها، فإن أذن لهم في ذلك لم يكن لهم أن يحجروا على أنصبائهم بالبنيان إلا بإذنه ورضاه، وقوله في الرواية: إن ذلك لهم إذا كان ذلك لا يضر بالمتكاري، معناه عندي إذا كان قد أذن لهم بالبنيان فلهم أن يبنوا ما لا يضر به وبالله التوفيق. تم كتاب القسمة بحمد الله تعالى وصلى الله على محمد.

: يشتري الثمرة فتصيبه الجائحة فيريد أن يوضع عنه

[: يشتري الثمرة فتصيبه الجائحة فيريد أن يوضع عنه] كتاب الجوائح والمساقاة مِن سَمَاع ابنِ القَاسِم مِن مَالِكِ مِن كِتَابِ الرَّطْبِ بِاليَابِسِ قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك في الرجل يشتري الثمرة فتصيبه الجائحة فيريد أن يوضع عنه، فيقول رب الحائط: أنا أُقيلك ولا أضع عنك، أو يربحه في بقية الثمر، قال: الوضيعة له دين قد ثبت له إذ دعاه إلى الإِقالة أو إلى الربح في بقية الثمر؛ لأنه لو خسر أكثر مما أصيب في الجائحة لم يرَد عليه شيء، ولو لم ير رب المال أن فيما بقي فضلا أو وفاء لم يُقله والوضيعة له ثابتة ولا ينظر في غلاء السعر ورخصه. قال محمد بن رشد: وهذا كما ذكر، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه؛ لأن ما أُجِيحَ من الثمرة إذا بَلَغَ ما يجب وضعه عن المشتري مصيبته من البائع فلا حجة له في ذلك على المشتري بما رضي به من الإِقالة؛ لأنه إنما رضي بالإِقالة لسبب غلاء الثمرة، ولا حجة للبائع على المشتري في غلاء الثمرة، لأن الربح له كما أنه لا حجة للمشتري على البائع برخصها؛ لأن الخسارة عليه لو خسر على ما وزن لم يكن له بذلك على البائع رجوع، ولا له أيضا إِن

مسألة: يدفع إليه المال قراضا فيشترط العامل عليه عون غلامه أو دابته

أجيح الجل أن يرد الباقي ويأخذ جميع ثمنه إذ لا سبب للبائع في الجائحة، ففارق ذلك حكمَ الاِستحقاق والرَّدَّ بالعيب، ووجب للمشتري الرجوع بقدر الجائحة بحكم ما أوجب الشرع لما بقي على البائع من التوفية في ذلك حسبما بيناه في غير هذا الكتاب وبالله التوفيق. [مسألة: يدفع إليه المال قراضا فيشترط العامل عليه عون غلامه أو دابته] مسألة قال مالك: ولا بأس أن يشترط الداخل في المال على صاحب الحائط الغلام أو الدابة إذا كان شيئا ثابتا لا يزول، فإن اغتل الغلام أو هلكت الدابة أخلف مكانها أخرى وإلا كان غررا لا يَنْبَغِي، وإنما هذا إذا كان الحائط كثيرَ المؤنة والدابة فيه يسيرة، قال سحنون مثله ولا يجوز هذا في القراض أن يدفع الرجل إلى الرجل المال القراض فيشترط العامل على رب المال عون غلامه أو دابته أو يشترط إن مات الغلام أو هلكت الدابة أن على رب المال خلفها أن ذلك مكروه وزيادة يزدادها العامل، وذلك في المساقاة جائز ولو لم يشترط ضمانها في المساقاة لما جاز. قال محمد بن رشد: قولُه في اشتراط الداخل على صاحب الحائط الغلام أو الدابة إن ذلك لا بأس به إذا كان شيئا ثابتا لا يزول، يدل على أن ذلك لا يجوز إلا بشرط الخلف، وقد روي ذلك عن سحنون نصا، وقد قيل إن الحكم يوجب الخلف وإن لم يشترطه، وهو ظاهر ما في الواضحة، وما في المدونة محتمل الوجهين، والذي أقول به على التفسير للروايات جميعا أنه إن كان عين الغلام أو الدابة في اشتراطه إياهما بإشارة إليهما أو تسمية لهما فلا تجوز المساقاة على ذلك إلا بشرط الخلف، وإن كان لم يعينهما فالحكم يوجب

خلفهما إن لم يشترطه، وقد اعترض بعض أهل النظر جواز اشتراط الخلف في الدابة والغلام المعينين وذهب إلى أن ذلك لا يجوز، كما لا يجوز اشتراط خلف الدابة المعينة إذا أكرت، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الدابة المعينة إنما لا يجوز اشتراط الخلف فيها إذا نفد الكراء؛ لأنه يصير فسخ دين في دين، وأما إذا لم ينفد فذلك جائز، والدابة المشترطة على رب الحائط في المساقاة في حكم ما اكترى ولم ينفد كراءه، إذ ليس لها في المساقاة كراء معلوم؛ لأن العرض فيها مجهول، فإن لم يشترط الخلف حيث يجب اشتراطه أو اشتراط أَلا خلف حيث يوجب الحكم الخلف رد إلى مساقاة مثله؛ لأن المساقاة إذا فسدت باشتراط أحد المساقين على صاحبه من عمل الحائط مما لا تعظم نفقته ويتأبد لرب الحائط منفعته كحفر البير وإنشاء الظفيرة، وما أشبه ذلك فإنه يرد فيه إلى مساقاة مثله، كما إذا عقداها على وجه من وجوه الغرر لم يخرجَا به من حكم المساقاة مثل أن يساقيه حائطا على النصف وحائطا على الثلث أو يُسَاقيه في حائطه سنين وفيه ثمرة قد طابت أو يجمعها مع البيع أو مع الإِجارة المنفردة عنها في صفقة واحدة وما أشبه ذلك، بخلاف إذا اشترط أحدهما على صاحبه زيادة من دنانير أو دراهم أو عروضا أو عملا كثيرا يعظم نفقته ويتأبد لرب الحائط منفعته فإن هذا كله وما أشبهه يُرد فيه إلى إجارة مثله فهذا أصل فيما يرد فيه إلى مساقاة مثله وإلى إجارة مثله يأتي عليه مسائل كثيرة هي مسطورة في الأمهات لابن حبيب وغيره. وأما القراض فيجوز فيه اشتراط الدابة والغلام على رب المال دون اشتراط الخلف، فإن اشترط الخلف لم يجز، والفرق بين المساقاة والقراض أن المساقاة لها أمد والقراض لَا أَمَدَ له، والنفقة في ذلك على العامل في المساقاة وفي القراض وإن اشترط ذلك على رب المال في القراض أو على صاحب الحائط في المساقاة لم يجز ورد في ذلك إلى مساقاة مثله وإلى قراض مثله وبالله التوفيق.

: يساقي الرجل نخلة فيريد المساقى أن يساقي غيره

[: يساقي الرجل نخلة فيريد المساقى أن يساقي غيره] ومن كتاب سلعة سماها وسئل مالك عن الرجل يساقي الرجل نخلة فيريد المُسَاقَى أن يساقي غيره، إِن الناس يختلفون في أمانتهم وَرضى الناسِ بهم، فإن أتى برجل أمين فذلك له، قيل له: فالمقَارَض يريد أن يقارِضَ بما أُعْطِيَ ويجد في ذلك أهل الثقة والأمانة؟ قال: ليس هو مثل المساقاة ليس له أن يقارض أحدا إلا برضا صاحبه. قال محمد بن رشد: فرق بين القراض والمساقاة في أن له أن يساقي رجلا أمينا، وليس له أن يقارض غيره، وإن كان أمينا إلا برضى صاحب المال؛ أن المال يغاب عليه والحائط لا يغاب عليه، فمن حق صاحب المال أن يقول: أنا لا أرضى أن يغيب هذا على مالي، وإن كان أمينا عند الناس، وفي قوله: وإن أتى برجل أمين فذلك له دليل على أن الذي يساقيه على غير الأمانة حتى يثبت أنه أمين، بخلاف ورثته إذا مات هم محمولون على الأمانة حتى يثبت أنهم غير أمناء، بخلاف القراض هم فيه محمولون على أنهم غير أمناء حتى يثبت أنهم أمناء، هذا ظاهر ما في المدونة في القراض والمساقاة، والفرق بينهما ما قَدَّمتُه من أن مال القراض يغاب عليه والحائط في المساقاة لا يغاب عليه، ولم يذكر في الرواية إن كان دونه في الأمانة أو مثله في غير الأمانة؛ وذلك اختلاف قد ذكرته في مسألة رسم إن أمكنتني من سماع عيسى من كتاب الشفعة وبالله التوفيق. [: أخذ نخلا ليؤبرها ويصلحها ويسقيها على أن له من كل نخلة عرجونا] ومن كتاب شَكَّ فِي طَوَافِهِ وسئل مالك عن الرجل أخذ من رجل نخلا على أن يأبرها ويصلحها ويسقيها على أنَّ له من كل نخلة عرجونا قنوا، قال: لا

: يساقي الرجل لفترة فإذا فرغ قال صاحب الحائط لم يدفع إلي تمرة

خير فيه، ولكن يشترط عليه مُدا في كل نخلة أو إجارة تلزمه، أو أمرا ثابتا. قال محمد بن رشد: سقط من بعض الروايات أو إجارة تلزمه أو أمرا ثابتَاَ، وإسقاطُه الأوْلَى؛ لأنه أصح في المعنى من أجل أنه لا يجوز أن يشترط عليه مُدا في كل نخلة إلا أن يكون في ذلك إجارة تلزمه في ذمته لا في عين ثمر كل نخلة، ففي إثباته دليل على إجازة ذلك في عين ثمر كل نخلة، وإذا سَقَطَ سَقَطَ الدليلُ بسقوطه، وتأول على ما يجوز من أنه أراد مدا في كل نخلة إجارة لازمة له في ذمته لا في عين ثمر كل نخلة، وهذا كله بيّن والحمد لله. [: يساقي الرجل لفترة فإذا فرغ قال صاحب الحائط لم يدفع إلي تمرة] ومن كتاب ليرفعن أمرا إلى السلطان قال: وسئل مالك عن الرجل يساقي الرجل لسنة أو لسنتين أو ثلاثة، فإذا فرغ قال صاحب الحائط: لم يدفع إلي تمرة، قال مالك: إن كان قد جذ فلا شيء له. قال محمد بن رشد: قوله إن كان قد جذ فلا شيء له معناه إِن المساقَى مصدق مع يمينه في دفع حظه إليه من الثمرة؛ لأنها في أمانته لا في ذمته، فوجب أن يكون القول قوله كالمودَع يدعي صرف الوديعة إلى ربها؛ وذلك منصوص في كتاب ابن المواز، قال: يحلف العامل كان بقرب الجذاذ أو لبعده، قال: وكذلك لو جذ بعضا رطبا والباقي ثمرا فقال قبل الجذاذ: لم يدفع إلي من الرطب شيئا ولا من ثمنه، كان المساقِي مصدقا في الرطب على هذا المنصوص عليه في هذه المسألة، ولا يبعد دخول الاختلاف فيها بالمعنى من مسألة الوكيل على القبض يدعي الدَّفع إلى من وكله؛ إذ قد قيل: إن القول قول الوكيل مع يمينه بكل حال قرب أو بعد، وقيل: إن كان قريبا كان القول قول

: اشترى ثمر حوائط في صفقة واحدة فيصاب منها حائط ثمرته كلها أو بعضها

الموكل مع يمينه أنه ما قبض، وإن بعد بمثل الشهر أو نحوه كان القول قول الوكيل مع يمينه على الدفع، وإن بعُد الأمر جدا كان القول قوله دون يمين، وقيل: إن كان بحضرة ذلك وقربه بالأيام اليسيرة صُدق الوكيل مع يمينه، وإن طال صدق دون يمين، وأما إن مات المساقَى فادعى صاحب الحائط أنه لم يقبض حظه من الثمن؛ فإن كان بقرب الجذاذ كان ذلك في ماله، وإن بعد الأمر لم يكن ذلك في ماله، ولا خلاف عندي في هذا الوجه وبالله التوفيق. [: اشترى ثمر حوائط في صفقة واحدة فيصاب منها حائط ثمرته كلها أو بعضها] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل مالك عن رجل اشترى ثمر حوائط في صفقة واحدة فيُصاب منها حائط ثمرته كلها أو بعضها، أترى أن يوضع عَنه؟ قال: إن كان ذلك الحائط أو ما أصيب منه ثلث الثمرة من جميع الحوائط وضع عنه، وإلا لم يوضع عنه، وإن كان الحائط كله، وإن كان في صفقات مختلفات وضع عنه من كل حائط ثلث ثمرته لِمَا أصابته الجائحة. قال محمد بن رشد: أما الحوائط إذا اشتُريت في صفقة واحدة فحكمها في الجائحة حكمُ الحائط الواحد إن تلفت الجائحةُ ثلثَ ثمر الجميع وضع عن المبتاع ثلث الثمن كان الذي أجيح بعض حائط أو حائطا وبعض حائط أو من كل حائط، هذا إذا كان الثمر من صنف واحد متساويا في الطيب أو قريبا بعضه من بعض، واختلف إذا كان بعضه أفضل وأطيب من بعض على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا قيمة في ذلك، ويكون ثلث الثمر بثلث الثمن، وهو قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه، بخلاف ما يُجْنَى بطنا بعد بطن، والثاني: أنه إن بلغت الجائحة ثلث الثمن أو أكثر وضع عن المشتري ما ينوب

: ساقى نخلا فجذه إلا نحوا من عشرين نخلة تخلفت أعليه سقي الحائط كله

ذلك من الثمن، وإن أجيح أقل من الثلث لم يوضع عنه شيء، وإن ناب ذلك من الثمن أكثر من الثلث، وهو قول أصبغ، والثالث أنه إن أجيح ما قيمته من ذلك الثلث فصاعدا وضع عنه، وإن كان عشر الثمرة، وإن كان قيمة الذي أجيح أقل من الثلث لم يوضع عنه، وإن كان تسعة أعشار الثمرة مثل تين وعنب ورمان على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يُفَضُّ الثمن على الأصناف كلها فتعتبر الجائحة في كل صنف على حِدَتِه بما ينوبه من الثمن كما لو اشتراه وَحْدَه، والثاني أنه إذا بلغ ما أجيح من ذلك ثلث الثمن فأكثر وضع ذلك عن المشتري من غير اعتبار بقدر الجائحة من الثمر، وهو قول أشهب، وذهب ابن المواز إلى أنه إذا كان أحدُ الأصناف أقل من الثلث لم يوضع منه شيء، وإن أتت الجائحة على جميعه، وبالله تعالى التوفيق. [: ساقى نخلا فجذه إلا نحوا من عشرين نخلة تخلفت أعليه سقي الحائط كله] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل مالك عن رجل سَاقَى نخلا فجذَّه إلا نحوا من عشرين نخلة تخلفت، أعليه سقيُ الحائط كله؟ قال: نعم، قال عيسى في روايته قيل له وإن كانت عدائم؟ والعدائم التي يتأخر طيبها. قال محمد بن رشد: العدائم صغار النخل التي يتأخر طيبها، قاله بعض أهل اللغة، وقال الخليل: هي صنف من الرطب بالمدينة تأتي في آخر السنة، وهو الأظهر، فعلى قوله: إن العدائم صنف من أصناف التمر يتأخر طيبه يدخل فيه من الاختلاف ما في الحائط يكون فيه أصناف من الثمار مثل عنب وتين ورمان ويتعجل طيب بعض ذلك قبل بعض، ويتحصل فيها ثلاثة أقوال أحدها أنه يلزم المساقَى سقيُ الحائط كله ما بقي من العدائم شيء لم يجذ

مسألة: يساقي النخل وفيها شيء من الموز الثلث أو دون ذلك

وإن قل وهو قوله في هذه الرواية ومثله في المختصر لمالك وابن القاسم، والثاني أنه لا يجب عليه سقي العدائم وحدها، كانت الأقل من الحائط أو الأكثر منه، وهو الذي يأتي على قياس قول مطرف في الحائط يكون فيه أصناف من الثمر إلا أن يشترط عليه سقي الحائط كله حتى يفرغ ما فيه من الثمر فيجوز ذلك، رواه ابن وهب عن مالك في موطأه، والقول الثالث أن القليل تَبَعٌ للكثير، فإن كانت العدائم قليلة في الحائط كان على صاحب الحائط سقيُ جميع حائطه العدائم وغيرها، فإذا جَذّ العدائمَ دفع إلى المساقَى حظه منها، وإن كانت أكثرَ الحائط كان على المساقَى سقيُ جميع الحائط كله كما يكون عليه سقيه كله إذا جذ بعضه وبقي بعضه وإن كان ذلك متأصلا أو متشابها فعلى المساقَى أن يسقي العدائم وحدها، وعلى رب الحائط أن يسقي من حائطه ما سوى العدائم التي قد انقضى السقي فيها بجذاذها، ولا اختلاف في الصنف الواحد يتعجل جذاذ بعضه قبل بعض، والأمر في ذلك متتابع في أنه يلزمه سقي جميع الحائط حتى ينقضي جذاذ جميع ثمره، وبالله التوفيق. [مسألة: يساقي النخل وفيها شيء من الموز الثلث أو دون ذلك] مسألة وَسئل عن الرجل يساقي النخل وفيها شيء من الموز الثلث أو دون ذلك، قال: قال مالك: إني أرى أن يكون خفيفا، قال سحنون إن كان الموز مساقى مع النخل جاز، وإن لم يشترط العامل لم يحل. قال محمد بن رشد: قولُ سحنون مفسِّرٌ لقول مالك؛ لأن الموز وإن كان لا تجوز مساقاته على انفراد فيجوز إذا كان في حيز التبع للحائط بمنزلة الأرض البيضا لا يجوز كراؤها بالجزء مما يخرج منها ويجوز ذلك مع النخل إذا كانت تبعا لها، ولا يجوز أن تلغى للعامل، وإن كانت في حيز التبع بخلاف الأرض البيضا ولا أن يكون لرب الحائط لأنه يكون قد ازداد على العامل سقيه.

مسألة: بيع الثمر قبل أن يخلق

والفرقُ بين الأرض البيضا والموز إذا كانا في حيز التبع للحائط في جواز إلغائهما للعامل السُّنَّةُ الواردةُ في إلغاء الأرض في المساقاة؛ وإذ قد جاء ذلك في بعض الآثار، ولذلك قال مالك: فهذا أُحله هو الذي يأتي في هذه المسألة على ما في المدونة؛ لأنه لم يُجز فيها لأحد المساقين في الزرع إن كانت فيه نخلات يسيرة أن يشترطها أحدهما على صاحبه، وقد روى ابن وهب عن مالك أنه لا بأس أن يشترط العامل الزرع الذي في الحائط إذا كان يسيرا لنفسه خاصة، ومثلُه لمالك في الثاني من التفسير ليحيى عن ابن القاسم، رواه الحارث عن ابن القاسم عنه، فعلى هذا يجوز إذا كان الموز يسيرا في الحائط أن يشترطه كل واحد منهما على صاحبه، فيحتمل على هذا أن يكون قولُ سحنون مثلَ ما في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك؛ إذ قد اختلف قول مالك في هذا الأصل حسبما بيناه، وبالله التوفيق. [مسألة: بيع الثمر قبل أن يخلق] مسألة وسئل مالك عن رجل ساقى نخلا له ثم إن الذي ساقى عليها أنفق عشرين دينارا ثم أراد الخروج فأراد أن يُعْطيَ العشرين الدينار التي أنفق فيها ويخرج من المساقاة، قال مالك: لا خير فيه ولكن إِن أحب أن يساقيها أحدا على ما شاء النصف أو الثلث فذلك له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه ولا إشكال أنه لا يجوز أن يخرج من المساقاة على شيء يعطي لا قبلَ أن يَعمل ولا بعد أن عمل؛ لأنه إذا فعل ذلك كان قد باع حظه من الثمر قبل أن يخلق بما عليه من عمل الحائط ومن بقية عمله وبما أعطي، فدخله ما نهي عنه من بيع الثمر قبل أن يخلق، وأما مساقاة غيره على ما شاء النصف أو الثلث فقال في الرواية: إن ذلك له يريد إذا كان أمينا مثلَه في الأمانة باتفاق، وأما إن كان أمينا إلا أنه دونه في الأمانة أو غير مأمون إلا أنه مثله في الأمانة فيتخرج ذلك على ما

ذكرته من الاختلاف في رسم إن أمكنتني في سماع عيسى من الشفعة،، وفي ذلك تفصيل. أما إذا ساقاه على مثل الجزء الذي سوقي؛ فذلك جائز بعد أن عمل باتفاق شاء رب الحائط أو أبى، وأما قبل أن يعمل فيجوز أيضا شاء رب الحائط أو أبى على مذهب مالك الذي يرى المساقاة تلزم بالقول، ولا تجوز إلا برضاه على مذهب من يرى المساقاة لا تلزم بالقول. وأما إذا ساقاه على أكثر من الجزء الذي سُوقي عليه مثل أن يكون ساقاه صاحب الحائط على أن يكون له النصف وساقى هو الآخر على أن يكون له الثلثان، فإن كان بعد أن عمل كان له الفضل، وإن كان قبل أن يعمل كان له الفضل أيضا على مذهب مالك الذي يرى المساقاة تلزم بالقول، ولم يكن له على مذهب من يرى أنها من العقود الجائزة التي لا تلزم بالقول. وأما إن كان ساقاه على أقل من الجزء الذي سوقي به مثل أن يكون ساقاه صاحب الحائط على أن يكون له النصف، وساقى هو الآخر على أن يكون له الثلثان، فسواء كان ذلك قبل أن يعمل أو بعد أن عمل رب الحائط أحق بالجزء الذي اشترطه، ويرجع العامل الثاني على العامل الأول، قال في كتاب القراض من المدونة: ويتبع المساقَى الآخر المساقى الأول بالسدس الذي بقي له فيأخذه، وهو كلام وقع في المدونة على غير تحصيل؛ لأن الواجب إنما هو أن يرجع المساقى الثاني على المساقى الأول بربع قيمة عمله في الحائط؛ لأن رب الحائط استحق من نصيبه من التمر الذي استحقه بعمله ربعه، فوجب أن يرجع بربع قيمة عمله، إذ قد فات، كمن استأجر أجيرا بمكيلة من الثمر بعينه فاستحق ربعه منه بعد أن عمل ما استوجر عليه، ويُخَرَّجُ ذلك على ما في كتاب الشفعة من المدونة في الذي يشتري الشقص بطعام بعينه فيستحق بعد أن أخذ الشفيع بالشفعة أن البيع لا يرد ويغرمه مثل طعامه وأصلحه سحنون أن البيع لا يرد ويغرم له قيمة الشقص، وإصلاح سحنون

مسألة: ساقى نخلا فجاء الله بماء السماء فدخل في الحائط فأقام فيه حينا

صحيح على أصولهم، وأصله ما ذكرناه في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: ساقى نخلا فجاء الله بماء السماء فدخل في الحائط فأقام فيه حينا] مسألة وقال مالك في رجل ساقى نخلا فجاء الله بماء السماء فدخل في الحائط فأقام فيه حينَاَ أترى أن يحاسبه صاحب الحائط بتلك الأيام التي أقام فيها الماء؟ قالَ مالك: لا أرى أن يحاسبه بشيء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا اختلاف فيها عندي؛ لأنه إذا عامله على عمل الحائط وسقيه في وقت حاجته إلى السقي دون جهد ولا توقيت على جزء من الثمرة فجاز ذلك على ما جاءت به السُّنَّة في مساقاة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أهل خيبر، وتخصص بها من الِإجارة المجهولة فلا رجوع لواحد منهما على صاحبه إن اختلفت الثمرة أو زاد العمل على المعهود أو نقص منه، بخلاف الِإجارة لو استأجر رجل بِدَنَانِيرَ أو دراهم على أن يسقى له حائطه زمن السقي وهو زمن معلوم عند أهل المعرفة فجاء الله بماء من السماء فدَخل الحائط فأقام فيه حينا لوجب أن يحط من إجارته بقدر ما أقام الماء في الحائط فسقط عنه فيه السقي، وقوله حينا، يريد مدة من الزمن غير موقتة؛ لأن الحين يقع على القليل والكثير من الزمن، وليس ذلك بخلاف لما في المدونة لمالك في أن الحين في الأيمان منه؛ لأن المعنى في ذلك إنما تحمل على السنة إذا لم تكن له نية في أقل منها ولا أكثر؛ لقول الله عز وجل {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: ساقى رجلا عن حائطه فعمل فيه شهرا] ومن كتاب باع غلاما وسئل مالك عن رجل ساقى رجلا عن حائطه فعمل فيه شهرا

مسألة: باع ثمرا واشترط البراءة من الجائحة

أن الداخل عجز، قال له صاحب الحائط: أنا أعطيك عشرة دنانير ولا تخرج منه، قال لا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنهُ إذا عجز فلم يقدر على العمل ولا على الاستيجار عليه ولا وجد من يساقيه فيه فقد وجب أن يرجع الحائط إلى ربه ويخسر هو عمله، فإذا أعطاه عشرة دنانير وذلك ما لا يحل ولا يجوز وبالله التوفيق. [مسألة: باع ثمرا واشترط البراءة من الجائحة] مسألة وسئل مالك عمن باع ثمرا واشترط البراءة من الجائحة قال: لا أرى البراءة تنفعه من الجائحة وأراها لازمة له إذا نْزلت الجائحة بالمشتري. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، والوجه فيها أن الجائحة لو أسقطها بعد وجوب البيع لم يلزمه ذلك؛ لأنه أسقط حقا قبل وجوبه، فلما اشترط إسقاطها في عقد البيع لم يسقط ولا أثَّرَ ذلك عنده في صحته إذا رأى أن الشرط لم يقع له حصة من الثمن من أجل أن الجائحة أمر نادر والسلامة منها أغلب، فوجب أن يثبت البيع ويسقط الشرط وهو أحد الأقسام في الشروط المقترنة بالبيوع، وهي أربعة أقسام القسم الثاني ما يفسخ فيه البيع والشرط، وهو ما كان الشرط فيه يؤدي إلى الِإخلال بشرط من الشروط المشترطة في صحة البيع، والقسم الثالث ما يجوز فيه البيع والشرط وهو ما كان الشرط فيه جائزا لا يؤدي إلى الإِخلال بشرط من الشروط المشترطة في صحة البيع والقسم الرابع ما يفسخ فيه البيع ما دام مشترط الشرط مُتَمَسِّكا بشرطه فإن ترك الشرط صح البيع، وهي بُيُوعُ فعلى هذا لا تتعارض الآثار الواردة عن

مسألة: ساقى حائطا له فتهور البير

النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في البيع والشرط وبالله التوفيق. [مسألة: ساقى حائطا له فتهور البير] مسألة وسئل مالك عن رجل ساقى حائطا له فتهور البير، قال: إِن أحب الداخل أن ينفق عليها من ماله ويكون الثمر في يديه رهنا حتى يستوفى فذلك له. قال محمد بن رشد: لم ير في هذه الرواية على صاحب الحائط أن يصلح البيرَ المساقَى، وقال إن أحب أن ينفق هو من ماله ويكون الثمرة في يديه رهنا يريد حصةَ صاحب الحائط حتى يستوفي فذلك له فعلى قوله فيها إن لم يف حظ صاحب الحائط من الثمرة بما أنفق العامل في البير لم يكن له عليه بالباقي رجوع، وذلك على قياس ما في كتاب الرهون من المدونة من أن الراهن إذا أبى أن يصلح البير كان للمرتَهَنِ أن يصلحها ليحيى رهنه، ولا يرجع بذلك على الراهن، وتكون نفقته في الرهن مُبَدَّأَة على الدين، فإن لم يف الرهن بالنفقة لم يرجع على الراهن بما بقي له من نفقة، وذلك كله خلاف ما في رسم الأقضية من سماع يحيى من كتاب الرهون في الذي يرتهن الثمرة فتهور البير أن إِصلاحها على الراهن حتى تتم الثمرة ويتم الرهن لصاحبه يُجْبَرُ على ذلك إن كان له مال، وإن لم يكن له مال فتطوع المرتَهن ببنيانها نظر في ذلك، فإن رأى أن تطوعه خير لرب الأصل من أن يباع منه بعضه لِإصلاح البير قيل له: انفق ويكون الأصل لك رهنا، في الذي تنفقه في البير ويُطْلَبُ الراهن بنفقته كاملة؛ لأنها كالسلف عليه، فيأتي في مسألة المساقاة هذه على قياس رواية يحيى أن يُجْبَر رب الحائط على إصلاح البير لئلا يذهب عمل المساقَى باطلا إن كان له مال، فإن لم يكن له مال سِوَى الحائط بيع منه ما يصلح فيه البير، فإن تطوع المساقَى بالنفقة في إصلاح حظ صاحب الحائط كان له أن يتبعه ببقيتها لأنها كالسلف عليه، قال فضل: وقد روى أشهب عن مالك إذا عمل المساقَى فانهدم البير أو تهورت العين إن أحب الداخل أن يعمر

مسألة: أخذ حائطا على النصف ثم يدفعه على الثلثين

ويكون على مساقاته وإلا ترك المساقاة ولا شيء له من الثمرة، ولم ينص ما نص ابن وهب وابن القاسم أنه يعمر من نصيب رب الأرض وإن كان لم ينص على ذلك في هذه الرواية كما قال فضل، فهي إرادته إذ لا يصح أن يكلف ذلك من ماله بوجه، وإنما يفعله عنه على سبيل السلف إن شاء وبالله التوفيق. [مسألة: أخذ حائطا على النصف ثم يدفعه على الثلثين] مسألة وسئل عن رجل أخذ حائطا على النصف ثم يدفعه على الثلثين وعلم صاحب الأصل بذلك، فلما حضرته الثمرة أراد الداخل أن يأخذ الثلثين، قال مالك ليس ذلك له ولكن يأخذ الأول النصف، فقال له الداخل أَفَلِي أَنْ أرجع على صاحبي بِمَا بقي؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قوله وعلم صاحب الأصل بذلك معناه علم فلم ينكر، فلم ير عليه حجة في سكوته، وقال أن من حقه أن يأخذ نصف الثمرة، قال في كتاب محمد: وكذلك لو حضر دفعه إليه على الثلثين، إذ لعله يقول لم يكن الشيء في يدي فأرضى بتسليمه، وظننت أنه يعطيه من عنده أو يشتري من نصيبي، وهذا عندي على القول بأن السكوت ليس كالإذن، وهو أحد قولي ابن القاسم وأما على القول بأنه كالإِذن فيجب أن يكون الثاني أحق بثلثي الثمرة ويرجع رب الحائط على المساقى الأول الذي ساقاه بمثل سدس الثمرة فيستوفى بذلك نصفها، وإذا كان الأول أحق بنصف الثمرة على ما قاله في الرواية في المدونة سواء، وقد تقدم من قولنا في رسم سَنّ قبل هذا الرسم أنه كلام وقع على غير تحصيل؛ لأن الواجب أن يرجع عليه بقدر صاحب الحائط من حظه من الثمرة في قيمة عمله؛ لأن الثمرة إجارة له في عمله، فلما استحق بعضها وجب أن يرجع بذلك الجزء من قيمة عمله، ويلزم على قياس هذا إذا علم المساقى الثاني أن المساقى الأول على النصف أن تكون مساقاته فاسدة أنه دخل معه على أن يكون له بعمله نصف الثمرة وقيمة ربع عمله، وذلك ما لا يحل ولا يجوز، وقد رأيت لبعض أهل

: يشترط رب الحائط على العامل ثمر نخلة من الحائط

النظر مِمَن حمل قوله على ظاهرة من أنه يرجع عليه بمثل سدس الثمرة أن المساقاة لا تجوز لأنه يصير كأنه ساقاه الحائط على نصف ثمرته وعلى مثل سدس ثمرته يدفعها إليه من حائط آخر فكيف بهذا؟ وبالله التوفيق. [: يشترط رب الحائط على العامل ثمر نخلة من الحائط] ومن كتاب كتب عليه ذكر حق قال مالك: لا ينبغي للمساقي أن يشترط ثمر نخلة واحدة، ولا مقارض أن يشترط ربح دينار واحد، ولا ينبغي للمساقي أن يشترط ما على ربيع الماء من النخل ولا بأس أن يشترط الجداول أن يسقيها إذا كانت يسيرة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال من أنه لا ينبغي أن يشترط رب الحائط على العامل ثمر نخلة من الحائط، ولا ما على ربيع الماء منه؛ لأن المساقاة عقد على حياله مستثنى من الأصول أُجِيزَ لضرورة الناس إلى ذلك وحاجتهم إليه، إذ لا يمكن الناس على حوائطهم بأيديهم، ولا بيع الثمر قبل بدو صلاحها فضلا عن بيعها قبل أن تخلق للاستيجار من ثمنها على ذلك إن لم يكن لهم مال، فلهذه العلة رخص في المساقاة مع اتباع السنة في مساقاة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أهلَ خيبر، فلا يجوز إِلّا على ما جوزته السنة من أن يساقيه في الحائط بأن يدفعه إليه كما هو، وبعماله إن كان لَهُ عمال من دواب أو غلمان على أن يكفيه سقيه وعمله بجزء من ثمرته، غير أن أهل العلم استخفوا اليسير من العمل، أو من آلَتِهِ من الحديد وشبهه يشترطه من وجب عليه منهما على صاحبه كالدابة والغلام في الحائط الكبير، فيشترطه العامل على رب الحائط وكنجم العين وسد السرب وإصلاح الشيء اليسير وما أشبه ذلك يشترطه رب الحائط على المساقي، فإن وقعت المساقاة بينهما على أن اشترط أحدهما على صاحبه من العمل ما لم يجوزه أهل العلم، وفات العمل رد إلى مساقاة

: المستثني مبقي على ملك البائع

مثله كنحو هذه المسألة في اشتراط رب الحائط تمر النخلات من حائطه على المساقيَ؛ لأنه كأنه ساقاه فيما على النخلات التي استثنى ثمرتها على أن يسقي له النخلات التي استثنى ثمرتها، فهي زيادة في عمل المساقاة لم يخرجا بها عن سنة المساقاة، فإن عثر عليها قبل العمل فسخت، وإن لم يعثر عليها إلا بعد العمل رُدّ إلى مساقاة مثله فيما عدى النخلات التي استثنى رب الحائط ثمرتها، ويكون له أجرة مثله في سقي تلك النخلات، وكذلك إذا ساقاه في حائط على أن يكفيه مؤنة حائط آخر حسبما يأتي في رسم سلف من سماع عيسى، وكذلك إذا ساقاه في الحائط على أن يكون ثمر البرني بينهما وما سواه فلرب الحائط، قاله ابن حبيب، ولو ساقاه فيه على أن يكون ثمر البرني بينهما وما سواه فللعامل لوجب على قياس ما قلناه أن يرد في الجميع إذا فات إلى إجارة مثله، ولم ينص في المدونة على الحكم في ذلك، إنما وقع وإنما قال إن ذلك لا يجوز إلا أكثر وأما إجازته اشتراط سقي الجداول عليه إن كانت يسيرة فهو من العمل اليسير الذي جوزوا استئصاله وبالله التوفيق. [: المستثني مبقي على ملك البائع] ومن كتاب الشجرة وسئل عن الرجل يبيع حائطه ويستثني أوْسُقا أقل من الثلث فيصاب الحائط بنصف الثمرة فيريد المبتاع أن يضع عنه نصف ما استثنى عليه أترى ذلك؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: مثلُ هذا في كتاب ابن المواز: وقال إن أشهب وابن عبد الحكم رويا عن مالك مثلَه، وقال إن أجيحَ أقلُّ من الثلث أخذ البائع بما سَلِمَ جميع ما استثنى، وهذا كله صحيح على القول بأن المستثنى بمنزلة المشتري؛ لأنه إذا باع حائطه واستثنى منه عشرة أرَادِب فكأنه في التمثيل على هذا القول قد باع جميع الثمرة وفيها ثلاثون إردبا بعشرة دنانير وبالعشرة الأرادب التي استثنى، فإن أجيح من ثمر الحائط وهو على ما نزلناه

ثلاثون نصفه سقط عن المشتري نصف الثمن، وهو نصف العشرة دنانير ونصف العشرة الأرادب المستثناة؛ لأنها من ثمر الحائط، وكذلك على هذا القياس أن أجيح الثلثان أو الثلث سقط عن المشتري ثلثا الثمن وهو ثلثا العشرة دنانير وثلثا العشرة أرادب المستثناة أو ثلثه وهو ثلث العشرة دنانير وثلث العشرة الأرادب المستثناة، وإن أجيح أقل من الثلث لم يسقط عن المشتري شيء من الثمن وهو العشرة الدنانير والعشرة الأرادب، ولو أجيح الحائط كله لسقط عنه الثمن كله، العشرة الدنانير والعشرة الأرادب وقد روى ابن وهب عن مالك أنه يأخذ جميع ما استثنى كاملا أجيح الثلث أو أقل أو أكثر وَلاَ جائحة على البائع حتى يستثني جزعا شائعا، قال ابن عبد الحكم: وهذا كله صحيح أيضا على القول بأن المستثني مُبَقِّي على ملك البائع لأنه على هذا القول إذا باع من حائطه ما بقي منه بعدما استثنى لأن الذي استثناه أبقاه على ملكه لنفسه لم يبعه، فإن كان ثمن الحائط في التمثيل على هذا ثلاثين فباعه بعشرة دنانير واستثنى منه عشرة أرادب فإنما باع عشرين إردبا بعشرة دنانير، فإن ذهب من ثمر الحائط بالجائحة عشرة أرادب كانت الجائحة قد أذهبت نصف ما اشترى المشتري، فوجب أن يسقط عن المشتري نصف العشرة دنانير ويأخذ البائع ما استثناه، وإن أتت الجائحة على جميع الثمرة حاشى العشرة الأرادب التي استثناها البائع كانت للبائع وسقط عن المشتري جميعُ الثمن، ولو أجيح الحائط كله كانت المصيبة من ربه فسقط الثمن عن المبتاع، وهذا كله بين والحمد للَّه. وبالقول الأول يقول ابن القاسم وأصبغ فيما ذكر ابن المواز في الواضحة، قال ومن باع ثمر حائطه وقد يَبِس واستثنى منها كيلا ما يجوز له، فأجيح قدر الثلث أو أكثرُ فلا يوضع عن الثمن ولا من الكيل المستثنى شيء، كالصبرة، وهذا كما قال؛ لأنه ما بقي للبائع ما استثنى بمصيبته ما استثنى من المبتاع، ويلزمه أداء جميع الثمن على كلا القولين وأما إن تلف الجميع فعلى القول بأن المستثني مبقي على ملك البائع لا رجوع له على المبتاع؛ لأنه

: مساقاة الحائطين على سقاء واحد

مصيبة ما استثناه منه؛ لأنه تلف على ملكه، وأما على القول بأنه بمنزلة المشتري فيرجع عليه بقدر الأرادب المستثناة من جميع الثمن في قيمة الصبرة، وبيان ذلك بالتنزيل أن يبيع الرجل صبرة فيها ثلاثون إردبا بعشرة دنانير، ويستثني منها عشرة أرادب، فتهلك كلها بعد العقد فإن البائع يقول له مصيبة جميع الثمرة منك؛ لأنها بالعقد تدْخل في ضمانا، وقد بعثها منك بعشرة دنانير وبالعشرة أرادب فأدِّ إلَيَّ العشرة دنانير ونصف قيمة الصبرة؛ لأن نصف الثمن وهو العشرة الأرادب إذ قيمتها عشرة دنانير لم أقبضه؛ لأن ضمانه منك، إذ هو على الكيل فادفع إلي نصف قيمة الصبرة إذ قد استحق من الثمن نصفه، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: مساقاة الحائطين على سقاء واحد] مِن سَمَاع أشْهَبَ وَابنِ نافع من مالك من الكتاب الذي أوله القراض قال سحنون أخبرني أشهب وابن نافع، قالا: سئلِ مالك عن رجل يكون له الحائط فيه البَعل أو غيره أيساقيهما جميعاَ في سقاء واحد؟ قال: نعم لا بأس به، وقلت لمالك لا بأس به؟ فقال مالك: نعم لا بأس به. قال محمد بن رشد: مثل ما في المدونة من أنه يجوز مساقاة الحائطين على سقاء واحد وإن لم يكونا مستويين خلافُ ما في رسم أن أمكنتني من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب من أنه لا يجوز أن يساقي الحائطان على سقي واحد، إلّا أن يكونا مستويين، فاختلف في هذا ولم يختلف في أنه لا يجوز مساقاة الحائطين على جزءين مختلفين كانا متفقين أو مختلفين ولا فرق بينهما في المعنى والقياس إذ الأخطار فيها سواء؛ لأنه إذا اختلف الحائطان أو الجزءَان فقد حمل أحدهما صاحبه وإنما فرقت بينهما

: ساقى ثلاث سنين أليس ذلك من جذاذ إلى جذاذ

السنة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساقى خيبر كلها على النصف وفيها الجيد والردي فإن وقعت المساقاة في الحائطين المتفقين والمختلفين على جزءين أو في الحائطين على جزء واحد على القول بأن ذلك لا يجوز ففات ذلك بالعمل رد العامل فيه إلى مساقاة مثله وبالله التوفيق. [: ساقى ثلاث سنين أليس ذلك من جذاذ إلى جذاذ] ومن كتاب أوله مسائل البيوع قال وسألته عن الذي سَاقَى ثلاث سنين أليس ذلك من جَذاذ إلى جَذاذٍ؟ قال: بلى. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه؛ لأن السنين في المساقاة إنما هي بالأجذّةِ لا بالأهلة، بخلاف العمالات إنما هي بالأهلة لا بالأجذّة، فإن ساقاه السنين واشترط أحدهما على صاحبه الخروج قبل الجذاذ أو بعده رد في ذلك إلى مساقاة مثله على الأصل الذي ذكرناه في أول رسم من سماع ابن القاسم وفي رسم كتب عليه حق بعده وبالله التوفيق. [مسألة: رب الحائط يقول لرجل تعال اسق أنت وأنا حائطي هذا ولك نصف الثمرة] مسألة قال وسئل عن رب الحائط يقول لرجل تعال اسق أنت وأنا حائطي هذا ولك نصف الثمرة، قال: لا يصح هذا، وإنما المساقاة أن يسلم الحائط إلى الداخل. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن ذلك لا يصلح، فإن وقع ذلك وفات بالعمل كان العامل فيه أجيرا؛ لأن رب الحائط اشترط أن يعمل معه فكأنه لم يُسلمه إليه وإنما أعطاه أجْرا من الثمرة على أن يعمل معه، بخلاف إذا اشترط العامل أن يعمل معه رب الحائط، هذا قال فيه ابن القاسم

مسألة: أعطاه الحائط فقال له اسقه ولك الثمر كله

في المدونة وغيرها: إنه يُرَدُّ فيه إلى مساقاة مثله، وقال أشهب: يُرَد إلى إجارة مثله، وقال سحنون: يجوز ولا يرد إلى مساقاة مثله، كما لو اشترط عليه عاملا يعمل معه إن كان الحائط كبيرا يجوز اشتراط الغلام والدابة وبالله التوفيق. [مسألة: أعطاه الحائط فقال له اسقه ولك الثمر كله] مسألة ولو أعطاه الحائط فقال له اسقه ولك الثمر كله لم يكن بذلك بأس إلّا أن يكون سقي صاحب الحائط قبل ذلك بأشهر، قلت: أرأيت الذي يسقي حائطه الشهر أو الشهرين ثم يبدو له أن يساقي حائطه على النصف؟ فقال: إن كان يتبعه بما سَقَى فلا يصلح، وإن كان يلغي ما ساقى فلا بأس به. قال محمد بن رشد: قوله في المسألة الأولى إلا أن يكون سقى صاحبُ الحائطِ قَبْلَ ذلك بأشهر يُبَيِّنُهُ قولُهُ في المسألة الثانية إن كان يتبعه بما سَقَى فلا يصلح، وإن كان يُلْغي ما سَقَى فلا بأس به، ومعناه إذا وقع الأمر على هذا على غير قصد إليه ولا اشتراط له، ولو قال له: تعال أساقيك في حائطي بعد أن أسقيه أنا شهرا أو شهرين لم تجز، فإن وقع رد إلى مساقاة مثله، وأما إن ساقاه بعد أن سقى أشهرا على أن يتبعه بما سقي فإنه يرد إلى إجارة مثله وبالله التوفيق. [مسألة: خروجه على المساقاة قبل أن يعمل أو بعد العمل] مسألة وسئل عن رجل كان في حائطه مساقاة على النصف فبيع الحائط فأراد الداخل في الحائط أن يخرج منه بشيء يُعْطَاه، قال: لا يصلح من ذلك شيء يأخذه أو يعمل حتى يتم مساقاته، أرأيت لو كان صاحب الحائط نفسه ولم يبعه فأراد أن يخرجِ منه بشيء يعطاه؟ فقال: لا يصلح هذا إلا أن يخرج منه بغير شيء، أو يقيم على مساقاته، قيل له: أرأيت إن كانت مساقاته على النصف فلما بِيعَ

الحائط أراد أن يخرج منه بأن يعطي سدس الثمرة في الجذاذ؟ فقال: هو بمنزلة صاحب الحائط الأول لو لم يبع، قال أشهب: وتفسير مكروهة إذا عمل فيه أشهرا ثم أراد أن يخرج منه بسدس الثمرة أن رب الحائط كأنه استأجره تلك الأشهر بسدس ثمر الحائط فصارت المساقاة دُلْسَة بينهما فصار بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها. وأما إذا لم يعمل في الحائط شيئا حتى يخرج منه إلى رب الحائط بربح سدس الثمرة فإن ذلك لا بأس به في قول من يقول إن السقاء إذا وجب بينهما لم يقدر واحد منهما على ترك ذلك وإن كان لم يعمل. قال محمد بن رشد: أما خروجه على المساقاة قبل أن يعمل أو بعد أن عمل لرب الحائط أو للمبتاع له على شيء يُعطاه فلا يجوز باتفاق، فإن وقع ولم يعثر على ذلك حتى فات بالعمل ردّ فيما عمل إلى إجارة مثله، وأما خروجه عن المساقاة بعد أن عمل على جزء منهما فمنع من ذلك في هذه الرواية، وقد فسر أشهب مكروهة بما لا مزيد عليه من أن ذلك دلسة فيما بينهما فمكروهه حماية الذرائع والتهمة لهما على إجازة الإِجارة الفاسدة بينهما بما أظهراه من المساقتين الصحيحتين فلا حرج عليهما إذا فعلاه لأمر بدا لهما دون دلسة كانت بينهما لأنها بانفرادها مساقاة صحيحة كالأول، فإن وقع رد إلى إجارة مثله على تعليله، وأجاز ذلك ابن القاسم في رسم الأقضية والأحباس من سماع أصبغ على ما ذكر من وجه جوازه. وأما خروجه عَنْ المساقاة قبل أن يعمل على جزء مسمى فلا خلاف في جواز ذلك على مذهب مالك الذي يرى المساقاة من العقود اللازمة وعلى

مسألة: المساقاة على انكسار صلة الزرنوق وحرف القف

مذهب من يراها من العقود الجائزة التي لا تلزم لأن الجزء الذي يعطيه على مذهبه هبة من الهبات، فقوله: إن ذلك لا بأس به، في قول من يقول إن السقاء إذا وجب بينهما لزمهما ولم يكن لواحد تركة كلام فيه نظر، إذ هو جائز على كلا القولين، فمراده به أنه عقد لا بأس به يلزمهما على مذهب من يرى أن الشقاء يلزمهما بالعقد لأنهما على مذهب من لا يرى السقاء لازما بالعقد هبة من الهبات إذا علم أن ذلك لا يلزمه، ولو ظن أن ذلك يلزمه فأعطاه الجزء على الخروج لكان من حقه إذا علم أن ذلك لا يلزمه أن يرجع به عليه وبالله التوفيق. [مسألة: المساقاة على انكسار صلة الزرنوق وحرف القف] مسألة وسئل عن المساقاة على انكسار صلة الزرنوق وحرف القف يكون في ذلك غرم الدينار والدريهمات على من ترى ذلك؟ قال: أرى ذلك كله على رب الحائط. قال محمد بن رشد: الزرنوق الخطارة والقف المعجمة التي يقع فيها الماء، وقال أبو صالح: حرف القف الجلد الذي في القفة الذي يسقي بها الماء والأول أظهر، وذلك كله من اليسير الذي يجوز لرب الحائط أن يشترطه على المساقاة وبالله التوفيق. [مسألة: يشترط رب الحائط على الداخل الخرص] مسألة ولا بأس بأن يشترط رب الحائط على الداخل الخرص لأنه جزء معلوم، ولا يجوز أن يشترط ذلك الداخل على رب الحائط {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} [آل عمران: 137] .

قال محمد بن رشد: الحكم في زكاة تمر المساقاة أن يخرج من جملتها إذا بلغت ما يجب فيه الزكاة أو كان لرب الحائط مال سواه إذا أضافه إِليها بلغت ما يجب فيه الزكاة ثم يقتسمان الباقي بينهما بعد إخراج الزكاة على ما اتفقا عليه من الأجزاء في المساقاة، فإن اشترط أحدهما على صاحبه أن يكون جميع الزكاة في حظه جاز ذلك على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، اشترط رب الحائط على العامل أو العامل على رب الحائط؛ لأن ذلك يرجع إلى جزء مسمى فلا غرر فيه من أجل أنه إِن اشترط ذلك رب الحائط على العامل وقد كان ساقاه على النصف كان إنما ساقاه على أن يكون للعامل أربعة أجزاء من عشرة ولرب الحائط ستة أجزاء من عشرة يُخْرَجُ من ذلك الجزءُ الواحدُ في الزكاة تبقى وكذلك إن اشترطه ذلك العامل على رب المال كان إنما ساقاه على أن يكون لرب الحائط أربعة أجزاء من عشرة وَللعامل ستة أجزاء، يُخْرَج من ذلك الجزءُ الواحد في الزكاة فيبقى له خمسة أجزاء من عشرة، وذلك النصف على ما ساقاه عليه، وقد قيل إنه لا يجوز لأحدهما أخذ أربعة أعشارها إن كان هو الذي اشترطت عليه الزكاة أن يشترط الزكاة على صاحبه، وهو الذي في أصل الأسدية من أجل أن الثمرة ربما لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة، فيصير العامل لا يدري عَلىَ مَا يعمل؛ لأن الثمرة إن لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة أخذ نصفها، وإن بلغت ما يجب فيه الزكاة أخذ أربعة أعشارها إن كان هو الذي اشتُرِطَتْ عليه الزكاة، فهذا بَيّنٌ في الغرر إن كان هو الذي اشترطت عليه الزكاة، وأما إن كان هو الذي اشترط الزكاة على رب الحائط فلا غرر فيه؛ لأنه يأخذ النصف على كل حال بلغت الثمرة ما يجب فيه الزكاة أو لم تبلغ، والغرر الذي في جهة رب الحائط من أجل أنه أخذ نصف الثمرة إن لم تبلغ ما تجب فيه الزكاة وأربعة أعشارِها إن بلغت ما تجب فيه الزكاة؛ لأن العشر الخامس يُخرجه في الزكاة على ما اشترطه عليه العامل لا معتبر به، وهذا إذا

قلنا إن الجزء الذي اشترطه كل واحد منهما في الزكاة على صاحبه يرجع إلى الذي اشترطه عليه منهما إن لَمْ يبلغ الثمر ما يجب فيه الزكاة؛ لأنه يقول له ساقيتك على النصف واشترطت على الزكاة فإذا لم يكن في الحائط زكاة فلا شرط لك علي، رُد على الجزء الذي اشترطته من نصيبي لتخرجه في الزكاة، إذ لا يجب في الحائط زكاة، وأما على القول بأن الجزء المشترط في الزكاة إذا لم يكن في الحائط زكاة يكون لمشترطه فالغرر إنما يكون في المساقاة إذا اشترط الزكاة فيها العاملُ على رب المال لا إذا اشترطها رب المال على العامل، وعلى هذا قوله في هذه الرواية وإن كان لم يعلل قوله فيها إِلا بالإِتباع فقال: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} [آل عمران: 137] ، وأما على القول بأنه بينهما بنصفين لأنهما يتداعيانه أو يلغى ويقتسمان الثمرة اتساعا فالغرر حاصل، كان العامل هو الذي اشترط الزكاة على رب الحائط أو رب الحائط على العامل؛ لأنه يأخذ أربعة أجزاء من عشرة إن بلغ الحائط ما تجب فيه الزكاة وكان رب الحائط هو الذي اشترط عليه الزكاة وأربعة أجزاء ونصف جزء من عشرة وأربعة أجزاء من تسعة إن لم يكن في الحائط زكاة، وخمسة أجزاء من عشرة إن بلغ الحائط ما تجب فيه الزكاة وكان العامل هو الذي اشترط الزكاة على رب الحائط وخمسة أجزاء ونصف جزء من عشرة أو خمسة أجزاء من تسعة إن لم يكن في الحائط زكاة، فهذا وجه ما في الأسديّةِ من أنه لا يجوز لأحدهما أن يشترط الزكاة على صاحبه، وروايةُ أشهب هذه عن مالك في أنه يجوز لرب الحائط أن يشترط الزكاة على العامل ولا يجوز للعامل أن يشترطها على رب الحائط حظها في النظر، والقياسُ هو ما ذكرناه من أن قوله فيها يأتي على قياس القول بأن الجزء المشترط في الزكاة يكون لمشترطه إذا لم يكن في الحائط ما تجب فيه الزكاة، وفي ذلك أيضا الإِتباع حسبما احتج به فيها من قوله {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} [آل عمران: 137] ، والفرق بالعكس وجهه ما بيناه من أن الغرر لا يكون إذا كان العامل هو مشترط

: ما كان يباع من الفول أخضر والجلبان وما كان من صنف هذه فأصابته جائحة

الزكاة على رب الحائط، وإنما يكون إذا كان رب الحائط هو مشترط الزكاة على العامل، وذلك على القول بأن الجزء المشترط في الزكاة إذا لم يكن في الحائط زكاة تكون للمشترط عليه ذلك الجزء في الزكاة لا لمشترط. فيتحصل على هذا في المسألة أربعة أقوال أحدها جوازُ اشتراط الزكاة من كل واحد منهما على صاحبه، وهو الذي في المدونة، والثاني لا يجوز ذلك من واحد منهما على صاحبه وهو الذي في أصل الأسدية، والثالث رواية أشهب هذه أنه يجوز ذلك لرب الحائط على العامل ولا يجوز للعامل على رب الحائط، وهو الذي يتخرج على ما بيناه من سقوط الغرر في اشتراط العامل الزكاة على رب الحائط على القول بأن الحائط إذا لم يبلغ ما تجب فيه الزكاة يرجع الجزء المشترط في الزكاة على من اشترطه عليه منهما، والقولُ الذي في المدونة أظهر إن كان الحائط كثيرا يعلم أنه يجب في ثمرة الزكاة إلّا أن يخلف عمل جرت به العادة في الغالب أو يأتي عليه جائحة، والذي في أصل الأسدية أظهر إن كان الحائط صغيرا يشبه أن تجب فيه الزكاة وألا تجب من غير جائحة تصيبه، ولا اختلاف عما جرت به العادة في الحمل ويحتمل أن يحمل ما في المدونة على الحائط الكبير الذي يُؤمَنُ أن يقصر ثمرة عما تجب فيه الزكاة إِلا بما يطرأ عليه من الجوائح؛ لأن الطوارئ النادرة لا يعتبر بها في إحالة الأحكام عن وجوهها، وما في أصل الأسدية على الحائط الصغير الذي يشبه أن تجب فيه الزكاة وألا تجب فلا يكون ذلك اختلافا من القول وبالله التوفيق. [: ما كان يباع من الفول أخضر والجلبان وما كان من صنف هذه فأصابته جائحة] ومن سماع سحنون بن سعيد قال: وقال ابن القاسم الفجل والِإسفنارية والورد والياسمين والعصفر وقلب السكر عندي في الجوائح سواء لا يوضع قليل ذلك ولا كثيره حتى يبلغ الثلث، والمساقاة فيه جائزة، وكلُّ ما جاز فيه المساقاة

فالجوائح توضع في ثلث ذلك، ولا توضع في أدنى من ذلك إلا الموزَ فإنه لا توضع فيه المساقاة ولا توضع فيه الجائحة حتى تبلغ الثلث، وأما الزعفران والبقل والريحان والقرط والقصب والكسبر فإن الجوائح في قليله وفي كثيره، ولا تصلح المساقاة، وأما الكمون فإنه تجب فيه المساقاة بمنزلة الزرع، وإنما يراد منه حبه ولا يراد منه شجره، وأما الموز والمقاتي والباذنجان، فهذه ثمار وكل ما كان من الثمار من الفاكهة وغيرها فذلك لا جائحة فيه حتى يصيب الثلث. وما كان يباع من الفول أخضر والجلبان وما كان من صنف هذه فأصابته جائحة فلا يوضع حتى تبلغ الثلث لأنه يرجع إلى أصله وهو ثمرة، وهذه الأشياء لا تجوز فيها المساقاة إلّا أن يخاف صاحبها العجز. قال محمد بن رشد: هذا الأصل الذي أَصّلَه ابن القاسم في رواية سحنون هذه عنه على مذهبه فيما عدى الأصول من أن ما جازت فيه المساقاة من ذلك لم توضع الجائحة فيه إلّاَ أن تبلغ الثلث فصاعدا، وما لم تجز فيه المساقاة من ذلك وضعف الجائحة في قليله وفي كثيره إلا الموز فإنه لا تجوز فيه المساقاهَ ولا توضع الجائحة فيه إِلَّا أن تبلغ الثلث فصاعدا وجههُ أن المساقاة لا تجوز فيما يحل بيعه لأنها إنما أجيزت للضرورة فيما لا يحل بيعه إن لم يقدر على الاستيجار عليه باعه وانتفع بثمنه، وما لا يحل بيعه لم يقدر على الاستيجار عليه هلك وضاع، وقد «نهى رَسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن إضاعة المال» لأنه سبب للحياة وَعَونٌ على الطاعة، وأن البقول إنما وضعت فيها الجوائح لا القليل والكثير لأن المشتري لها لم يدخل مع البائع على تلف شيء منها إذ ليست بثمرة توكل خضراء وهو يقدر على جذها حين ابتياعه لها، إذ لا يجوز ابتياعها إِلا بعد أن ينتفع بها ويُمكِن جَذَاذُها، بخلاف الثمار التي لا يقدر على جذها حين اشتراها حتى يتناهى طيبها فقد دخل مع البائع على أنه لا

بد أن يسقط منها وأكل الطير منها والعامة من الناس وغيرهم، فاستقام على هذا الأصل الذي أصله فيما عدى الأصول وَخَرَجَ الموز عن ذلك لأنه لما كان مما يجوز بيعه، ما يأتي من بطونه لأمَد معلوم من أجل أن ذلك فيه معروفٌ لم تَجُزْ فيه المساقاة، ولما كان ثمره توكل خضرا علم أنه لا بد أن يذهب شيء منها قبل أن تجد لما لربها من عامية الناس وغيرهم؛ لأن المشتري قد دخل على ذلك مع البائع فوجب أَلَّا توضع الجائحة فيه إِلا أن تبلغ الثلث فصاعدا. ووجه قوله إن المساقاة لا تجوز في هذه الأشياء إلا أن يخاف صاحبها العجزَ هو أن المساقاة إنما جوزت مع ما فيها من الغرر وبيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وقبل أن يخلف أيضا للسنة الواردة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في مساقاة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يهود خيبر في نخلها على شطر ما يخرج منها، فجازت المساقاة في الأصول وإن لم يعجز صاحبها عن عملها إتباعا للسنة في موضعها، ولم يَقْوَ عنده ما عدى الأصول من الأشياء التي يجوز بيعها ويحتاج إلى الاستيجار عليها قُوَتَهَا في القياس عليها فلم تجز المساقاة فيها إلّا مع العجز عن عملها قياسا على الأصول، وهو قولُ ابن نافع في كتاب ابن سحنون. وقيل إن المساقاة لا تجوز في شيء من ذلك أصلا لأن المساقاة في الأصول رخصة فلا يقاس عليها. وقال ابن المواز أكره المساقاة عليها مع العجز عن عملها، وكان أبو عمر ابن القطان يقول المساقاة جائزة على ما في المدونة في الياسمين والورد والقطن

عَجَزَ عنه صاحبه أو لم يعجز، خلاف المقاثي والزرع، وهو بعيد إذ لا فرق في حقيقة القياس بين القطن والزرع والمقاثي وقصب السكر في جواز المساقاة فيها من غير عجز؛ لأن أصولها غير ثابتة بخلاف الياسمين والورد الذي أصولها ثابتة فلا ينبغي أن يختلف في أن المساقاة في الياسمين والورد جائزة على مذهب مالك وإن لم يعجز صاحبها عن عملها، ولو قال قائل أن المساقاة في المقاثي والقطن وما كان في معناها جائزة وإن لم يعجز صاحبها عن عملها بخلاف الزرع وقصب السكر وما كان في معناهما لكان له وجه؛ لأن هذه ثمار تجنى من أصولها فأشبهت ثمار الأصول الثابتة، والزرعُ وقصب السكر وما أشبهها لا تجنى من أصولها إِلا بقطع الأصول، ففارقت ثمر الأصول في المساقاة في الزرع على مذهب ابن القاسم لا تجوز إِلا بثلاثة شروط أحدهما أن يعجز صاحبها عن عمله، والثاني أن ينبت وقبل أن يستقل بعد نباته، والثالث ألا يبلغ مبلغا يحل بيعه. وكذلك قصب السكر بهذه المنزلة تجوز مساقاته بعد أن ينبت قبل أن يحل بيعه إذا عجز عن عمله، واختلف إن كان له خلفة هل يجوز أن يشترطها في المساقاة، والاختلاف في هذا جار على الاختلاف في جواز اشتراطها في البيع. وكذلك البقل تجوز فيه المساقاة إذا نبت وعجز صاحبه عن عمله قبل أن يحل بيعه، قال ذلك عبد الرحمن بن دينار في المدنية، وقال ابن القاسم فيها لا تجوز المساقاة في البقل وكل شيء يجد ثم يخلف مثل البقل، ولو كان ذلك مثل الزرع الذي لا يكون في السنة إلا مرة واحدة لم يكن به بأس، وظاهر قول ابن دينار أن المساقاة في البقل قبل أن يحل بيعه إذا عجز عن عمله جائزة، وإن اشترط خَلَفَه، وظاهر قول ابن القاسم أن ذلك جائز إذا لم يشترط الخلفة فحصل الاختلاف بينهما في جواز اشتراط الخلفة في المساقاة وذلك على الاختلاف في جواز اشتراطها في البيع، ويحتمل أن يقال أن الاختلاف أيضا في مساقاة البقل، وإن لم يشترط خلفته ويكون ذلك جاريا على الاختلاف الذي ذكرناه في الزرع هل تجوز فيه المساقاة إذا نبت قبل أن يستقل أو لا يجوز وإن

مسألة: مساقاة النخل بعد أن يبدو صلاحها

نبت حتى يستقل؛ لأن البقل إذا استقل فقد حل بيعه، وما حل بيعه فلا يجوز مساقاته، وقوله في الفجل أو الِإسفنارية إِن المساقاة فيهما جائزة معناه قبل أن يحل بيعهما، إذ لا تجوز المساقاة فيما يحل بيعه. وأما قوله إن الجائحة لا توضع في قليل ذلك حتى يبلغ الثلث فبعيد، وما في المدونة من أن الجائحة توضع في قليل ذلك وكثيره أصح؛ لأن بيعه لا يحل حتى يبلغ مبلغ القلع، فَلَهُ حكمُ البقول في وضع الجائحة فيه، قيل إنه يوضع القليل والكثير، وقيل: إنه لا يوضع القليل ولا الكثير، وقيل إنه لا يوضع إلا الكثير الثلث فصاعدا وبالله التوفيق. [مسألة: مساقاة النخل بعد أن يبدو صلاحها] مسألة قال وقال سحنون: لا بأس بمساقاة النخل بعد أن يبدو صلاحها. قال محمد بن رشد: قولُ سحنون هذا خلافُ مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة؛ لأنه نص فيها على أن ذلك لا يجوز لأن فيه منفعة لرب الحائط، والمنفعة التي له في ذلك سقوطُ الجائحة عنه؛ لأن الثمرة إذا أجيحت في المساقاة لم يكن له قيام بالجائحة وكان بالخيار بين أن يتمادى على مساقاته أو يخرج عنها، بخلاف الِإجارة التي له أن يرجع فيها إذا أجيحت الثمرة بإجارة مثله فيما عمل، وإنما أجاز ذلك سحنون لأنه رآها إجارة أخطأ في تسميتها مساقاة، فأجازها على حكم الِإجارة من وجوب الرجوع بحكم الجائحة فيها، ولم يجزها ابن القاسم لأنه راعى تسميتها إياها مساقاة إذ حكم المساقاة لا يرجع فيها بالجائحة فرآها إجارة فاسدة يجب

مسألة: على العامل كراء البياض

فسخها مَا لَمْ تَفُتْ بالعمل، فإن فاتت به كان للعامل أجرة مثله على حكم الإجارة تنعقد بلفظ المساقاة، ولم يحملها ابنُ القاسم على الإجارة إذْ رآها لا تنعقد بلفظ المساقاة، وكذلك على مذهبه لا تنعقد المساقاة بلفظ الإجارة لو قال له أو أجِرُكَ على سقي حائطي هذا بنصف ثمرته إذا طابت لم يجز، ويأتي على مذهب سحنون أن ذلك يجوز، وتكون مساقاة وينبغي على قول سحنون أَلا يجوز ذلك في الزرع لأنه كمن قال أحصده وهذبه ولك نصفه، وهذا لا يجوز عنده، وقول ابن القاسم أظهرُ لأن الإجارة والمساقاة عقدان مفترقا الأحكام، فلا ينعقد أحدهما بلفظ الآخر وبالله التوفيق. [مسألة: على العامل كراء البياض] مسألة قال: وأخبرني ابن أشرس عن مالك في الرجل يساقي الرجل الحائط وله بياض تَبَعٌ للنخل فيستثنيه العامل فيصيب النَخْلَ جائحة فيذهب ثمرها وقد زرع العاملُ البياضَ، قال مالك: يكون على العامل كراء البياض، قال سحنون وهي جيدة، والحجة في ذلك إذا لم يعط البياض إِلِّا على السواد، فلما ذهب السواد رجع عليه بكراء البياض. قال محمد بن رشد: قد بين سحنون رواية ابن أَشْرَس وَوَجْهَهَا واحتج لها بما لا مزيد عليه لمن وقف على معنى ما ذهب إليه، وله في كتاب ابنه أن مالكا قال وكذلك لو عجز الرجل عن الأصل كان عليه البياض بكراء مثله، ورواه علي بنُ زياد عنه، فمعنى ما ذهب إليه سحنون أن العامل لما أجيحت الثمرة أبى أن يتمادى على عمل الحائط إلى آخر ما يلزمه من سقاية ولذلك كان لصاحب الحائط أن يرجع عليه بكراء أرضه، ولو تمادى على عمل الحائط إلى آخر ما يلزمه منه لما كان عليه في البياض، كذا يتبين تشبيه مالك لذلك بعجز العامل عن العمل، وبالله التوفيق.

مسألة: لرجل أصل من نخل أو كرم أو غيره من الأصول وفيها الشيء من البياض

[مسألة: لرجل أصل من نخل أو كرم أو غيره من الأصول وفيها الشيء من البياض] مسألة قال محمد بن إبراهيم المدني وعبد الله بن نافع إذا كان لرجل أصل من نخل أو كرم أو غيره من الأصول وفيها الشيء من البياض هو تبع للنخل وكان البياض فيها الشيء من النخل هي تبع للبياض فقال للذي يساقيه النخل أو يستكري منه البياض أساقيك النخل وحدها أو أكريك الأرض وحدها وأحبس نخلي أو بياضي ولك من الماء قدرُ ما تروي به نخلك في السقاء وتروي به زرعك في حين تسقي الزرع ولي فضل مائي نسقي به نخلي أو ما صنعتُ في بياضي ليس عليك فيه سقاء كان ذلك حسنا جائزا، وإنما يكره من ذلك أن يجمع النخل إلى البياض أو البياض إلى النخل فيشترط ذلك المساقي خاصة ويكون على المساقي سقيه فتكون زيادة يزدادها عليه، فإذا لم يكن كذا فلا بأس به. قالا وكذلك إذا اشترط الرجل على صاحب الأرض أن البدر عليك كانت زيادة ازدادها فلا يصلح. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة جيدة صحيحة على مذهب مالك؛ لأنه قال في موطئه في المساقي يشترط البياضَ إنه لا يصلح؛ لأن الداخل يسقيه لرب الأرض فذلك زيادة ازدادها عليه رب الأرض فهذا يدل من قوله أنه إذا لم يسق المساقَى ما اشترط عليه المساقِي من الأرض فهو جائز. وأما إذا أكرى الرجلُ أرضه وفيها ثمرات يسيرة أو كثيرة فأبقاها لنفسه لم يُدخلها في كرائه فذلك جائز وإن اشترط على المُكترى سقيها؛ لأن ذلك كله معلوم فلا غرر فيه. ولم يتكلم على الحكم إذا اشترط رب الحائط الأرض على أن يسقيها

: المساقاة الفاسدة للسنين إذا عمل بعضها

المساقي، والذي يأتي في ذلك على الأصل الذي قد ذكرته في أول رسم من سماع ابن القاسم وفي رسم كتب عليه ذكر حق منه وما ذهب إليه ابن حبيب أن يُرَد في ذلك إلى مساقاة مثله في الحائط، ويكون له أجرة مثله في سقيه الأرض لرب الحائط. وكذلك لم يتكلم إذا اشترط البذر على صاحب الحائط يريد على أن يكون الزرع بينهما، والحكم في ذلك على ما تقدم أن الزرع لرب الحائط الذي له البذر وعليه للعامل أجرة مثله في عمله وسقيه، ويرد في النخل إلى مساقاة مثله قاله ابن حبيب في الواضحة والله الموفق. [: المساقاة الفاسدة للسنين إذا عمل بعضها] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب سلف دينارا قال عيسى سألت ابن القاسم عن حائط ساقاه صاحبه سنة على النصف وسنة على الثلث، قال: لا يحل هذا، قيل له فإن كان قد عمل سنة وحانت الثمرة قال يُرد إلى مساقاة مثله، ويكون له أن يعمل السنة الثانية. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في المدونة أن المساقاة الفاسدة للسنين إذا عمل بعضها فهو فوت في جميعها، ورده في هذه المسألة إلى مساقاة مثله صحيح على الأصل الذي ذكرناه في أول رسم من، سماع ابن القاسم وفي رسم كتب عليه ذكر حق منه. [مسألة: حائط ساقاه صاحبه رجلا على أن يكفيه مؤنة حائط له آخر] مسألة قيل له فحائط ساقاه صاحبُه رَجُلا على أن يكفيه مؤنة حائط له آخر؟ فقال: هذا حرام، قيل له: فقد وقع، قال: يعطىِ في الذي

: يستثني الداخل في الحائط ما كان فيه من بقرأو غلمان أو دواب

اشترط عليه كِفَاية أجرة مثله، ويرد إلى مساقاة مثله في الحائط الآخر. قيل له فإن قارضه بمائة دينار على أن يُبلغَ له مائة دينار أخرى إلى موضع كذا وكذا؟ فقال: له فيهما جميعا إجارة مثله يريد إذا فات، ولم يره مثل مسألة المساقاة التي فوقها. قيل له فإن جاء بربح فأراد صاحب المال أن يسوغه إياه ويتركه له فقال صاحب المال إن الذي يترك من الربح أكثر من إجارة مثله وعلم الآخر كم هو؟ فلا بأس به إن علما به جميعا وأما أن يتخاطرا فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: مثلَ هذا حكى ابنُ حبيب في الواضحة أنه يعطي أجرة مثله في الحائط الذي اشترط عليه كفاية مؤنته وُيرد في الآخر إلى مساقاة مثله، وهو على الأصل الذي ذكرناه في أول سماع ابن القاسم في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم أنه يرد فيهما جميعا إلى إجارة مثله وهو الأظهر، وأما الذي قارضه بمائة على أن يبلغ له مائة إلى موضع كذا فلا اختلاف أحفظه فيِ أنه يرد إلى إجارة مثله في جميع ذلك، وكذلك لو قارضه بمائتين على أن يكون ربح المائة الواحدة لرب المال وربح المائة الثانية بينهما على أن يعمل بكل مائة على حدة، لَرُدَّ فيهما جميعا إلى إجارة مثله قولا واحدا، والقراض في هذا خلاف المساقاة، وأما قوله إنه لا يجوز أن يسلم له ربح المال فيما وجب له من إجارة مثله حتى يعلم أن كان أقل من ذلك أو أكثر، فهو بين لا إشكال فيه لما في ذلك من المخاطرة والغرر إذا جهل قدر ذلك وبالله التوفيق. [: يستثني الداخل في الحائط ما كان فيه من بقرأو غلمان أو دواب] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار قال: وقال ابن القاسم: لا بأس أن يستثني الداخل في الحائط

ما كان فيه من بقر أو غلمان أو دواب، وليس له أن يستثنى على رب الحائط إِلَّا ما وجد فيه من ذلك، وعلى رب الحائط أن يخلف كل ما مات من عبد أو شيء أو ثور مما استثنى الداخل في الحائط مما وجد فيه. قلت فإن جهل الداخل في الحائط أن يستثني ما فيه من الدواب والرقيق وظن أن ذلك له استثناهم أو لم يستثنهم، فلما تعاقدَا المساقاةَ قال له رب الحائط: إنما ساقيتك الحائط وحده بلا دواب ولا رقيق؟ قال يتحالفان ويتفاسخان. قال محمد بن رشد: قولُه لا بأس أن يستثني الداخل في الحائط ما كان فيه من بقر أو غلمان أو دواب يدل على أنهم لا يكونون له إِلَّا أن يستثنيهم خلافُ ما في المدونة من أن الحكم يُوجِبُهم له وإن لم يستثنيهم إذ لا يجوز لرب الحائط أن يستثنيهم ولا يخلو الأمرُ على هذه الرواية من أن يتفقا أو يختلفا، فإن اتفقا على أن أحدهم استثناهم جاز ما اتفقا عليه من ذلك، وإن اتفقا على أنه لم يستثنهم واحد منهما ولا كانت له نية بَقُوا لرب الحائط، وإن اتَفقا على أنه لم يستثنهم واحد منهما إلا أنهما اختلفا فيما نوياه فقال العامل: كانت نيتي أن يكونوا لي وهو الذي ظننت وعليه ساقيت بما ساقيت به، وقال رب الحائط: كانت نيتي على أن يكونوا لي ولا يدخلوا في المساقاة تحالفا وتفاسخا كما قال في الرواية. وكذلك لو اختلفا فقال العامل: استثنيتُهُم، وقال رب الحائط: بل استثنيتُهُم أنا تحالفا وتفاسخا على هذه الرواية، وكذلك لو ادعى أحدُهما أنه استثناهم وكذبه الآخر فيما ادعاه من أنه استثناهم ولم يدع هو أنه استثناهم إلا أنه قال: كانت تلك نيتي وعلى ذلك ساقيت لتحالفا وتفاسخا أيضَا، ولو اختلفا على مذهبه في المدونة فادعى كل واحد منهما أنه استثناهم لوجب أن يكون القول قول العامل لأنه مدعى الصحة منهما، وذلك على القول بمراعاة دعوى الإشباه مع القيام؛

مسألة: منتهى المساقي في الزيتون

لأنه إنما كان القول قول مدعي الصحة من أجل أنه أشبه بالدعوى خلافُ ما في سماع أبي زيد من كتاب المغارسة، وقد مضى هنالك من الكلام على تلك المسألة ما فيه بيان لهذه وبالله التوفيق. [مسألة: منتهى المساقي في الزيتون] مسألة قال: وسألته عن الرجل يساقي الرجل الزيتون على أن يعصره، قال: لا بأس بذلك وعلى ساقي النخل جَذاذه وعلى ساقي الزرع حصاده ودرسه، قيل لسحنون: ما منتهى المساقَي في الزيتون؟ قال: جناه، قيل له فالثمر؟ قال: جَذَاذه، قال: بعد ما طاب وحل بيعه أو بعد ما يثمر؟ قال: ذلك بعد الِإثمار، قيل له فالتين والكرم؟ قال على المساقي القطاف والتيبيس هو أجل مساقاته ليس يتعوضَ عنه المساقاة وعلاجها بالجني حتى يتزبب ذلك وييبسه. [ومعنى ذلك إنما كان التيبس غالبا على أهل البلد لأنه إذا لم يكن غالبَا على أهل البلد لم يلزمه إلا أن يشترط عليه إذ هو يلزمه ما هو يفتقر إلى عمله بإمكان القسمة قبله والمراعي في ذلك بالعرف في البلد إن لم يكن في المساقاة عرف وإما لأنه عرف فإياه يعتبر وإن خالف ذلك عرف البلد] . وقال ابن القاسم في مساقاة الزيتون إِنّ عليه عصره إنْ كان عصره غالبا على أهل ذلك البلد. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا بأس بمساقاة الزيتون على أن يعصره المساقَى دليل على أنه إذا لم يكن شرطا لم يلزم المساقَى العصر واقتسما الزيتون حبا، ومثله في كتاب ابن المواز أن عصر الزيتون في المساقاة

: الكراء والبيع جائز أن يجمع بينهما في صفقة واحدة

على شرطهما، فإن لم يكن شرط فهو بينهما مثل قول سحنون إن منتهى المساقاة في الزيتون جناه، ومعنى ذلك إذا لم يكن العرف في البلد العصر، وأما إِنْ كان العرف بالبلد في الزيتون العصر فيلزم المساقي العصر إلا أن يشترط أَلا يلزمه ذلك يبين ذلك من مذهب ابن القاسم قوله أولا قوله في المسألة الأخرى ويبينه من مذهب سحنون قوله في التين والكرم إِنّ على المساقي القطاف والتيبيس وإنّ العلاج ينقضي عنه بالجني حتى يتزبب ذلك وييبسه لأن معنى ذلك إنما هو إذا كان التيبيس غالبا على أهل البلد؛ لأنه إذا لم يكن غالبا على أهل البلد لم يلزمه إلا أن يشترطه عليه إذ لا يلزمه ما لا يفتقر إلى عمله بإمكان القسمة قبله والمراعي في ذلك العرف في البلد إذا لم يكن في المساقاة عرف وأما إِن عرف فإياه يعتبر وإن خالف ذلك عرف البلد وبالله التوفيق. [: الكراء والبيع جائز أن يجمع بينهما في صفقة واحدة] ومن كتاب جاع وقال لرجل سأله عن أرض اكتراها بخمسين دينارا، وفيها شجرتين غلة بعد إخراج النفقة مثل كراء الأرض هل يحل ذلك؟ قال لا بأس به لأن بيعه وحده حلال، والكراء بيع من البيوع فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الكراء والبيع جائز أن يُجْمَع بينهما في صفقة واحدة وبالله التوفيق.

: يساقي الرجل الحائطين مساقاة واحدة

[: يساقي الرجل الحائطين مساقاة واحدة] ومن كتاب أن أمكنتني قال: وقال ابن القاسم: لا بأس أن يُسَاقِيَ الرجلُ الحائطين مساقاة واحدة على النصف أو على الثلث إذا كانا مستويين فإن لم يستو، فلا خير فيه إذا كان لا يأخذ أحدَهما إلا لمكان الآخر. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في أول سماع أشهب فلا معنى لإِعادته وبالله التوفيق. [: باع منه نصف ثمر حائطه أو ثلثه فأصيب من الحائط أقل من الثلث بجائحة] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول إذا باع رجل من رجل نصف ثمر حائطه أو ثلثه فأصيب من الحائط أقل من الثلث بِجَائِحَةٍ كانت المصيبة بينهما على قدر ما لهما فيه ولم يوضع عنه من الثمر شيء، وإن أصيب ثلثه أو نصفه وضع عنه نصف الثمن أو ثلثه، قال: ولا يُوضع عنه من الثمن شيء حتى يكون الذي بلغت الجائحة ثلثَ جميع الثمرة فيكون ثلث ما اشترى المشتري وهو شريك له في المصيبة فيما قل أو كثر. قال: وقال مالك: وأن تباع نصف سبرته أو ثلثها أو جزء منها فأصابها سَيْلٌ أو شيء ذهب بها أو بعضها فإنهما يَتَحَاصان على قدر حظوظهما فيها، والمصيبةُ منهما جميعا على الحظوظ، وليس في

: بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها

هذا جائحة قال أصبغ: وقولُ مالك في الثمار أخبرنيه ابنُ وهب وابن القاسم عن مالك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها ولا لبس في شيء من معانيها فلا معنى للقول فيها وبالله التوفيق. [: بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها] ومن كتاب الأقضية والحبس وقال فيمن أخذ حائطا مساقاة على النصف، ثم سأله صاحب الحائط بعد ما عمل أو قبل أن يعمل أن يرد ذلك عليه فيرد ذلك إليه ويخرج من المساقاة بِرُبُع الثمرة إذا طابت إن ذلك لا بأس به؛ لأنها مساقاة منه إليه مؤْتَنَفَةٌ، قالا: ولوكانا رجلين أَخَذَا حائطا مساقاة على أن النصف لهما والنصف لصاحب الحائط، ثم سأل أحدُ الرجلين صاحبَه أن يخرج من الثمرة إن ذلك لا بأس به أيضا، قال: وكذلك لو كانا شريكين في حائط لهما أصله فسأل أحدهما صَاحِبَه أن يخرج له من الحائط وسلم إليه جميع الثمرة ولا يعرض فيه جزء من الثمرة إن ذلك لا بأس به؛ لأنها مساقاة، ولكن لو سأل أحدُهما صاحبه يسلم إليه الثمرة بدنانير أو دراهم أو عرض أو حيوان أو غير ذلك لم يصلح في شيء من جميع وجوه هذه المسألة كلها الذي لأن ذلك بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، ولكن لو كان حائط لرجل أو كانا حائطين لرجلين شريكين وأحدهما رجلان مساقاة أو أخذهما رجل مساقاة فسأله رب الحائط أن يخرجه منه بجزء من حائطه أو سأل أحد الشريكين صاحبه أن يخرجه من أحدهما بجزء من الآخر أو سأل ذلك أحد العاملين منهما بالمساقاة صاحبه أن يخرجه من أحدهما بجزء من

: المرسين لا تجوز فيه المساقاة

الأجزاء لم يكن في ذلك كله خير ولم يصلحِ لأن ذلك بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها من كلا الفريقين جميعاَ. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تقدم القول فيها وفيما كان من معناها في رسم البيوع من سماع أشهب فلا وجه لِإعادة القول فيه وبالله التوفيق. [: المرسين لا تجوز فيه المساقاة] ومن كتاب البيوع قال: وسئل مالك عن المرسين يساقي وقيل له إن له أصولا تعظم وتطول وتُقِيمُ السنين فإنه يجزء منه الشتاءَ والصيفَ وليس له إبان معلوم، يجزء أشهر معلومة ثم ينقطع، فهذا يحل بيعه يعني في كل حين إذا أثمر أوله الذي يشتري عليه، يشتريه سنة أو سنتين مثل الموز والقصب، قال: وما حل بيعه فلا يحل فيه مساقاة، ولا مساقاة في المرسين. قال محمد بن رشد: المرسين هو الريحان وقد تقدم في أول سماع سحنون أنه كالبقل لا تجوز فيه المساقاة مثل قوله هاهنا، وقد اختلف في ذلك، فحكى ابن المواز عن ابن وهب إجازة مساقاته، وحكى عن ابن القاسم أن ذلك لا يجوز ثم رجع فأجازه وبَنَى على هذا، قال محمد: وأحَب إلي أَلَا يجوز لأنه كالموز والقصب إلا أن تكون أشجارها ثابتة، وإنما تقطع منها حيطانها النابتة في كل عام، وقولُ ابن المواز ينبغي أن يحمل على التفسير للقولين فنقول إنه إنما أجاز المساقاة فيه قبل أن يحل بيعه، ومنع منها بعد أن يحل بيعه كالبقل الذي يجوز فيه المساقاة إذا نَبَتَ قبل أن يحل بيعه حسبما مضى القول فيه في سماع سحنون، وقول ابن القاسم وما حل بيعه فلا تحل مساقاته خلافُ قول سحنون المتقدم في سماعه، وقد مضى القولُ على ذلك هنالك فلا معنى لإِعادته وبالله التوفيق.

مسألة: مساقاة البعل

[مسألة: مساقاة البعل] مسألة قال أصبغ سألت ابن القاسم عن زيتون يكون بالمغرب ساقى فيها صاحبه على أن يحرثه للمساقي ليس عليه علاج غيره ولا سقي، فقال: هذا بعل وكذلك الكروم والنخل من البَعل، فهذا لا بأس به، وهو أمر الناس في مساقاة البعل وعليه مع هذا قطفها وتنقيتها وحراستها، قلت أرأيت إِن اشترط حمل نصيبه إلى منزله إلى المدينة أو اشترط ذلك المساقي على العامل؟ قال: لا خير فيه، هذه زيادة يزدادها، قلت أرأيت إن كان ذلك قريبا؟ قال مَا يُعجبني إلا أن يكون شيئا ليس عليه فيه مؤنة، قلت أرأيت إن كان قريب الميل وما أشبهه، وقال ما يعجبني، وقاله أصبغ، وقال: إن وقعت فيه المساقاة في المكان البعيد وفاتت رد إلى مساقاة مثله بلا حملان عليه، وسقط الجزءُ الذي بينهما في الشرط. قال محمد بن رشد: إجازتُه المساقاة في الزيتون البَعل مثل ما في المدونة من إجازة المساقاة في الشجر البَعل والزرع البَعل، وأما اشتراطه على العامل حمل نصيبه إلى منزله فكرهه ابن القاسم إِلَّا أن يكون شيئا ليس عليه فيه مؤنة، وكراهيتُه بينةٌ لأنها زيادة ازدادها رب الحائط على العامل إلا أنه لم يبين وجه الحكم في ذلك إذا وقع، والذي يأتي في ذلك على الأصل الذي ذكرناه في أول سماع ابن القاسم وفي رسم كتب عليه ذكر حق أن يُرَدَّ إذا فات إلى إِجارة مثله إِلَّا في المكان القريب فيشبه أن يرد فيه على مذهبه إِلى مساقاة مثله استحسانا، وأما قول أصبغ إنه يرد إلى مساقاة مثله في المكان البعيد فهو بعيد لا يتخرج إلا على قول من يرد العامل في المساقاة الفاسدة كلها إلى مساقاة مثله جملة من غير تفصيل، وبالله التوفيق.

: اشترى أصل حائط قد أبر ثم اشترى الثمر قبل أن تزهي

[: اشترى أصل حائط قد أبر ثم اشترى الثمر قبل أن تزهي] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر قال أبو زيد سُئل ابنُ القاسم عن الرجل اشترى أصل حائط قد أبر ثم اشترى الثمر قبل أن تزهي، قال: فلا جائحة فيها، ولو كان إنما اشترى بعد أن أزهت ففيها جائحة. قال محمد بن رشد: أما إذا اشترى الثمر قبل أن تزهي بعد أن اشترى الأصل فلا إشكال فيه في أنه لا جائحة فيها كما لو استثناها في ابتياعه الأصل قبل أن تَزهي لأنها في حين البيع لا يقع عليها حصة من الثمن، ولا يجوز بيعها منفردة عن الأصول، فأما إذا اشتراها بعد أن اشترى الأصول أو هي قد أزهت فقوله في هذه الرواية إن فيها الجائحة خلافُ مذهبه في المدونة أنه لا جائحة فيها إذا اشتريت مع الأصول صفقة واحدة بعد الطياب؛ لأنه لا يلزم على هذهَ الرواية إذا اشتراها مع الأصول صفقة واحدة وهي قد طابت وحل بيعها أن تكون فيها الجائحة بما ينوبها من الثمن إذا قبض عليها وعلى الأصل إِذْ لا فرق بين شرائها بعد الطياب في صفقة أخرى أوفي صفقة واحدة؛ لأنه إذا اشتراها مع الأصل في صفقة واحدة فقد وقع لها صحة من الثمن، وهو منصوص عليه لأصبغ في الواضحة، والصحيح ما في المدونة أنه لا جائحة فيها لأنها بالعقد تدخل في ضمانه لكونها في أصولها، فهذه هي العلة في ذلك لَا مَا علل به في المدونة من أنها تبع للأصول، فالجواب في المدونة صحيح والتعليل ضعيف وبالله التوفيق. [مسألة: عابت الجائحة الثمرة ولم تذهب بها] مسألة قال ابن القاسم الحَبْسُ جائحة. قال محمد بن رشد: وكذلك السلطان والغاصب الذي لا تأخذه الأحكام هو جائحة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك لأنه أمر غالب وكذلك السارق عند ابن القاسم جائحة لأنه لا يستطاع الاحتراس منه، وقال ابنُ

مسألة: ورق التوت يباع في شجره ثم يصيبها جائحة

نافع ليس السارق بجائحة، وذهب مطرفٌ وابن الماجشون إلى أنه ليس شيء من ذلك كله جائحة؛ لأنه من صنع آدمي ولا اختلاف فيما كان من غير صنع آدمي كالسمُوم يحرق الثمرة والطير الغالب يأكلها والريح يسقطها إن ذلك كله جائحة، والأول أظَهر ألا فرق بين فعل الآدمي وغيره في ذلك لما على البائع في الثمرة من حق التوفية، وقد اختلف إِذا عَابت الجائحة الثمرة ولم تذهب بها ولا أفسدتها جملة كالغبار يعيبها والريح يسقطها قبل أن يتناهى طيبُها فينقصُها ذلك من قيمتها فقيل وهو المشهور إن ذلك جائحة ينْظَرُ إلى ما نقص العيبُ منها، فإن كان الثلث فأكثر وضع عن المبتاع، وقيل ليس ذلك بجائحة، وله حكم العيب يكون المبتاع فيه بالخيار بين أن يُمسك ولا شيء له، أو يرد ويرجع بجميع الثمن، وإلى هذا ذهب ابن شعبان وقاله ابن الماجشون في أحد أقواله، فإن ذهب على قولهما من الثمرة ثلثها بجائحة عابت البقية من الثمر ورجع بثلث الثمن لما ذهب من الثمر وكان بالخيار في الباقي بين أن يتمسك به أو يرد ويرجع بجميع الثمن وبالله التوفيق. [مسألة: ورق التوت يباع في شجره ثم يصيبها جائحة] مسألة وسئل عن ورق التوت يُباع في شَجَرِهِ ثم يصيبها جائحة أترى أن يوضع عنه الثلث فصاعدا لأنَّ الغرر في أصله؟ قال: بل يوضع عنه ما أصابه من الجائحة من قليل أو كثير، قيل له مثل البقل؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: في الواضحة لابن حبيب خلافُ هذا أن الجائحة في ذلك لا توضع في أقل من الثلث وأنها ليست كالبقول، وقول ابن القاسم أظهرُ بدليل ما ذكرناه من سماع سحنون من المعنى الذي من أجله وضعت في البقول الجائحة في القليل والكثير وبالله التوفيق. [مسألة: يتزوج المرأة بثمرة قد بدا صلاحها كلها فأجيحت] مسألة قال ابن الماجشون في الذي يتزوج المرأة بثمرة قد بدا صلاحها كلها فأجيحت: إِنَّ مصيبتها من الزوج وترجع عليه المرأة بقيمة الثمرة وإنَّما يُحمل النكاحُ بالثمرة إذا أصابتها الجائحةُ مَحْمِلَ البيع، وابنُ

القاسم يقول لا جائحة فيها والمصيبة من المرأة ولا ترجع على الزوج بشيء. قال محمد بن رشد: قول ابن الماجشون هو القياس على أن الصداق ثمن للبضع، وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَشْبَهُ شيء بالبيوع النكاحُ فوجب الرجوع فيه بالجائحة، فقولُه إن الثمرة إذا أجيحت كلها رجعت المرأة على الزوج بقيمة الثمرة وهو المشهور في المذهب، ووجهُهُ أن الثمرة لما كانت عوضا عن البضع وهو مجهول رجعت بقيمتها كما يرجع الزوج على المرأة إذا استحق مِن يده ما خالعت به عن نفسها بقيمته للبضع الذي أخرجه عن يده عوضا عنه، والقياس في النكاح إذا أجيحت الثمرة كلها أن ترجع المرأة بصداق مثلها لأن العوض عن المرأة هو البضع، وقد فات بالعقد أو الدخول، فوجب أن يرجع بقيمته وهو صداق مثلها دخل أو لم يدخل على القول بأنها تفوت بالعقد، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه في العتيبة، وعلى القول بأنها لا تفوت بالعقد إن أجيحت الثمرة قبل البناء انفسخ النكاح، وهذا القول قائم من مسألة وقعت في العشيرة ليحيى، ووجه فواته بالعقد ما يوجبه من الحرمة، فهو بخلاف البيوع، ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم من أن المصيبة في النكاح إذا أجيحت الثمرة من المرأة ولا رجوع لها على الزوج في ذلك، هو أن النكاح طريقه المُكَاَرَمَةُ بخلاف البيوع التي طريقها المُكَايَسَةُ، وأيضا فإن الصداق على الحقيقة ليس بعوض عن البضع لأن المباضعة فيما بين الزوجين سواء تستمتع به، وإنما هو نحلة من الله فرضها عز وجل للزوجات على أزواجهن فقال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] فأشبه الصداق على هذا الهبةَ، فوجب أَلا يرجع فيه بالجائحة، وبالله التوفيق.

مسألة: أعطى نخلة مساقاة على النصف

[مسألة: أعطى نخلة مساقاة على النصف] مسألة قال: وقال سحنون: ولو أن رجلا أعطى نخلة أو كرمة أو زيتونة مساقاة على النصف على أن يسقي ويقطف ويجني على أن يحرث ثلاث حرثات فيعمل العامل جميع العمل الذي اشترطه عليه إِلا الحرث فإنه حرث حرثتين ولم يحرث الثالثة فإنه ينظر إلى ما عمل فيقوَّم ذلك ثم يُنظر إلى ما ترك مما شرط عليه عمله فيقَوَّم ثم ينظر كم هو مما عمل؟ فإن كان الذي ترك ولم يعمله الثلث من جميع ما شرط عليه من العمل حط العاملُ ثلثَ النصف الذي كان له إن كانت مساقاته على النصف وإن كان إنما ساقاه على الثلث أو الربع فكذلك أيضِا يحط عنه ثلث الثلث أو ثلث الربع، وتفسير ذلك أنه ينظر إلى كل ما عمل العامل فيقومه ثم ينظر إلى قيمة ما ترك أن لو عمله فيقوم فيعرف ما اسم قيمة الذي ترك من قيمة الذي عمل فإن كان ثلثا حططت من سهمه ثلثه وإن كان ربعا فكذلك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الجزء الذي اشترطه العامل في المساقاة من الثمرة عِوَضٌ عن عمله، فإن نقص من العمل الواجب عليه شيئا وجب أن يحط من جزئه من الثمرة بمقداره وهذا بين والحمد لله. [مسألة: العمل عوض عن الأرض] مسألة قيل أرأيت لو اشترك رجلان فَأَخْرَجَا الزريعة وأخرج أحدهما الأرضَ والآخر العمل وكراء الأرض مثل قيمة العمل، وعلى أن يحرث الأرض ثلاث حرثات فحرث حرثتين ونصف واحدة؟ فقال: ينظر إلى قيمة ما عمل، فإن كان قيمة ذلك عشرين درهما ثم ينظر إلى قيمة السكة التي ترك فإن كان قيمتها عشرة دراهم نظر إلى قيمة ما ترك وهي العشرة

كم ذلك من الثلثين الدراهم؟ فيوجد الثلث فيرجع رب الأرض على العامل بمثل ثلث كراء نصف هذه الأرض. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن العمل عوض عن الأرض فإذا قصر في العمل وجب أن يرجع رب الأرض على العامل من كراء أرضه بقدر ما قصر في العمل. وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما والحمد لله على ذلك.

: كتاب الحبس الأول

[: كتاب الحبس الأول] [مسألة: حبس خادما على قوم مفترقين] كتاب الحبس الأول من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال مالك من حبس خادِما على أهل بيت لمِ يدخل عليهم أحد من غيرهم وكانت لِلآخِرِ منهم، ومن حبس خادماَ على قوم مفترقين فمن مات منهم فنصيبُه للذي حبسه، قال ابن القاسم: قال مالك: إن قال لهذا يوم ولهذا يوم رجع نصيب الذي مات إلى الذي حبسه، وإن كان حبسه على قوم ولم يقل لهذا يوم ولهذا يوم فمن مات فنصيبه على من بقي من أصحابه في الحبس، وقال سحنون: هذا أصل جيد فعليه فقس وهي جيدة. قال محمد بن رشد: أهل البيت هم المنتسبون إلى رجل واحد من رجل أو امرأة انتسابا معروفا يجب به الميراث، فمن حبس حبسا على أهل بيت رجل وجبَ الحبُس للمنتسبين إلى من ينتسب إلى ذلك الرجل من رجل أو امرأة، وفي دُخول ذلك الرجل فيه اختلافٌ، قيل إنه يدخل فيه بالمعنى إذا كان على مثل حالهم من الفقر أو الغنى، وقيل إنه لا يدخل فيه لأنه إنما حبس على أهل بيته ولم يحبس عليه، والقولان يتخرجان على المعنى الذي ذكرته في رسم البز من سماع

ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات. ولا يدخل في ذلك أزواجه إذا لم يُكُنَّ من أهل بيته وإن كن ساكنات معه في بيته، والأصل في ذلك ما روي «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لما نزلت هذه الآية {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] دَعَا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فقال: اللَّهُمْ هَؤُلاَءِ أَهْلِي» وروي أيضا أنه أدخلهم تحت ثوبه ثم جَأَرَ إلى الله عز وجل فقال: «يَا رِبِّ هَؤُلاَءِ أَهْلِي» وزاد هذا بيانا ما روي عن أم سلمة أنها قالت: «نزلت هذه الآية في بيتي {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] فقلت يا رسول الله: ألَسْتُ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ؟ قال: أنتِ على خير إنك من أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» ، وفي البيت عليّ وفاطمة والحسن والحسين، إلَّا أن يعلم أن المحبس أراد بتحبيسه على أهل بيت الرجل السكانَ معه في بيته من أزواجه وغيرهِن بِنَص منه على ذلك أو دليل يدل عليه من عرف بين أو بساط ظاهر. قال محمد بن رشد: وقولُه في الرواية إن من حبس على أهل بيت لم يدخل عليهم غيرهم صحيحٌ لا اختلاف فيه، إذ لا يدخل في الحبس سوى من حبس عليه، وأما قولُه: وكانت للآخِر ِمنهم، يريد مِلْكا، فوجه ذلك أن مَالِكَا كره في تحبيس الحيوان أن يكون على العقب بخلاف الرباع إلّا أنه إن وقع أمضاه على ما شرطوا إن أرادَ تغيره إلى ما هو أفضلُ للعبد وأقربُ إلى الله فعل، وقال ابن القاسم: كرهه لأنه ضيق على العبد إن كان المحبس عبدا، وقد قال مالك في رسم البز بعد هذا: من حبس خادما على أمه وأخته حُبُسا صدقه لا تباع، وهي على الباقية منهما، فماتت أخته أَلَهُ أن يُبَتِّلَهَا لأمه تبيعها إن شاءت؟ قال: ذلك له إن شاء بعد تفكره فيها وكأنه لم يَرَهَا من ناحية الدور، وفي كتاب ابن المواز وكأنه رَآهُ من البر، وهذا في الحيوان، ولا يجوز في الرباع، قال محمد: وهذا

لأنه حق له إلى ما هو أفضل للعبد وله هو في بِرّ ِأمه وأفضل لأمه، فإذا كان أفضلَ للثلاثة فأجيز. في الحيوان، قال ابن القاسم ولو حول الحيوان إلى ما ليس بأفضل مما سبلها فيه لم يجز، قاله مالك، بخلاف الدور لأن الأمة تموت وتمرض، فلما رأى الحبس في الحيوان مكروها، واستحب للمحبس أن ينقضه ويَرُده إلى ما هو أفضل رأى أن يكون الخادم إذا حبسها على أهل البيت للآخر منهم ملكا إذْ لم ينص في تحبيسه أنها ترجع بمرجع الأحباس ولا تباع أبدا، إذ لو نص على ذلك لأمضاه على ما أتت به الرواية عنه إذا فات الأمر بموت المحبس، وأشهب يرى الحبس نافذا على ما شرط في الرقيق والدواب مثل الرباع يلزمه ذلك ويرجع كما ترجع الدور على الأقرب فالأقرب من عصبة المحبس فيسلك بها مسلك الحبس أبدا لا يباع. وقولُه في الرواية: ومن حبس خادما على قوم مفترقين فمن مات منهم فنصيبه للذي حبسه معناه معَيِّنينَ، ومفترقين من أهل أبيات شتى أو مجتمعين من أهل بيت واحد، وظاهره أن ذلك سواء قسم الخدمة بينهم فقال: لهذا يوم ولهذا يوم، أو سكت عن ذلك لأن الحكْمَ يوجِبه إن سكت عنه، خلاف ما حكى ابنُ القاسم عن مالك بعد ذلك واختاره سحنون واستحسنه وقال فيه إنه أصل جيد، والذي حكى عن مالك من تفرقته بين أن يقسم الخدمة بينهم أو يسكت عن ذلك، وهو نحو ما يأتي في رسم بع ولا نُقْصَانَ عليك من سماع عيسى من تفرقته بين أن يقول في تحبيسه على امرأته وعلى أم ولده بينكما أو عليكما، وذلك كله خلافُ ما في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب في الذي أوصى في غنم له بأنها حبس على يتيمين ليسا من ورثته لهذا منها قطيع عليه يسميه، ولهذا منها قطيع عليه وقال: من مات منهما فلا حق له: إن من مات منهما رجع حظه على صاحبه. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أن من مات منهما أو منهم إن كانوا جماعة رجع حظه على صاحبه أو على أصحابه جملة من غير تفصيل، والثاني: أن

حظه يرجع إلى المحبس ولا يرجع على صاحبه ولا على أصحابه جملة من غير تفضيل، والثالث: الفرق بين أن يقسم الخدمة بينهما أو بينهم فيقول لهذا يوم ولهذا يوم أو يقسم الغنم بينهما أو بينهم لهذا منها قطيع بسهمه ولهذا منها قطيع بسهمه، أو يقول في تحبيسه: حبست هذا الشيء بينكما أو بينكم أو يسكت عن ذلك كله، فلا يقسم الخدمة بينهما في الخادم ولا الغنم بينهما ولا يقول في تحبيسه الشيء: هو بينكما أو بينكم ويقول: هو عليكما أو عليكم، فإن قسم الخدمة بينهما أو الغنم أو قال في التحبيس: بينكما ولم يقل عليكما رجع حظ الميت منهما إلى المحبس، وإن لم يقسم الخدمة بينهما ولا الغنم أو وقال في التحبيس: عليكما ولم يقل بينكما رجع حظ الميت منهما على صاحبه ولم يرجع إلى المحبس. فإذا انقرضا جميعا رجعت الخادم إلى المحبس مالا من ماله إن كان حيا أو إلى ورثته إن كان ميتا، وعلى قول مالك الثاني في المدونة ترجع الخادم بعد انفراضهما لأقرب الناس بالمحبس حبسا ولا ترجع إليه ملكا مطلقا على ما قاله ابن القاسم في رسم استأذن من سماع عيسى من أن الدور والعبيد ترجع بمرجع الأحباس على أقرب الناس بالمحبس حبسا يريد على أحد قولي مالك في المدونة. بخلاف الدنانير والدراهم إنها ترجع بانقراض المحبس عليه إلى المحبس ملكا؛ لأن الدنانير والدراهم يضمنها المحبس عليه ويكره تحبيسها، فلا ترجع بمرجع الأحباس، فالدور والعقار يجوز التحبيس فيها ولا يكره، فيلزم وينفذ على سنته ويرجع بمرجع الأحباس في الموضع الذي نصوا فيه على ذلك، وأما الحيوان فقيل إن التحبيس فيها جائز وهو مذهب أشهب وظاهر ما في المدونة، وقيل هو مكروه، وقيل يجوز في الخيل وحدها ويكره فيما عداها من الدواب والأنعام والعبيد والإماء خاصة لما يرجى لهم من العتق، ويجوز فيما سوى ذلك من الحيوان، وهذا القول هو المنصوص عليه لمالك، فعلى القول بجواز الحبس في ذلك ينفذ الحبس فيها على سنته ويرجع بمرجع

الأحباس في الموضع الذي يرجع فيه العقار بمرجع الأحباس، وعلى القول بالكراهة لا يرجع بمرجع الأحباس ويكون لآخر العقب ملكا إن كان الحبس معقبا وهو قول مالك في هذه الرواية: من حبس خادما على أهل بيت لم يدخل عليهم أحد من غيرهم وكانت للآخر منهم، وإن لم يكن معقبا وكان على معينين لم ترجع بمرجع الأحباس، وإن قال فيه حبسا صدّقه لا تباع ولا توهب ويرجع إلى المحبس ملكا بعد انقراض المحبس عليهم، وهو قول مالك في رسم البز في الذي حبس جارية له على أخته وأمه صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث وأيهما ماتت قبل صاحبتها رجعت على الباقية: إن له أن يبتلها لأمه إذا ماتت أخته إذ لو لم ترجع إليه بعد انقراض أمه ملكا لما صح له أن يبتلها لها، وكذلك العروض والسلاح والزروع والثياب قيل تحبيسها جائز وقيل مكروه، فعلى القول بجواز تحبيسها ترجع بمرجع الأحباس في الموضع الذي يرجع فيه العقار بمرجع الأحباس، وعلى القول بكراهة تحبيسها لا ترجع بمرجع الأحباس وتكون لآخر العقب ملكا أو ترجع إلى المحبس إن لم يكن الحبس معقبا وكان على معينين، وهذا الاختلاف كله إنما هو في التحبيس المعقب أو على النفر بأعيانهم، وأما تحبيس ذلك كله لينتفع بعينه في السبيل أو ليجعل غله ماله غلة من ذلك بكراء وغيره موقوفة لإصلاح الطرق أو منافع المساجد أو لتفرق على المساكين أو ما أشبه ذلك، فلا اختلاف في جوازه ما عدا العبيد والإماء، فإن ذلك يكره فيهما لما فيه من التضييق عليهما من أجل ما يرجى لهما من العتق، فإن وقع وفات نفذ ومضى، وما لم يفت استحب لمحبسه أن يصرفه إلى ما هو أفضل منه. وأما الدنانير والدراهم وما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه فالتحبيس مكروه، فإن وقع كان لآخر العقب ملكا إن كان معقبا، وإن لم يكن معقبا وكان لمعينين رجع إليه بعد انقراض المحبس عليهم، والفرق بين العقار وبين

مسألة: حبس حبسا صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث على نفر ما عاشوا

ما سواه عند من يكره تحبيسه أن ما عدى العقار لم يأت فيه عمل يرده على العقب، فوجب رجوعه إليه بانقراض المحبس عليهم أو كونه لآِخر العقب ملكا ومن أجازه قاسه على العقار، وبالله التوفيق. فهذا وجه القول في هذه المسألة، وقد رأيتُ لابن دحون فيها كلاما غير محصل، قال: أجاز مالك في الحيوان خاصة أن يبيع للآخر منهم إن بتله له إذا حبسه على أهل بيت أو على قوم مفترقين مجهولين، فإن كانوا معلومين رجع نصيب من مات منهم إلى الذي حبس ذلك، وقيل عنه يرجع إلى أصحابه، وذلك غير صحيح؛ إذ لا فرق بين الحيوان وغيره في أن الآخر منهم له أن يبيع ما حبس عليهم إذا بُتل له، وبالله التوفيق. [مسألة: حبس حبسا صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث على نفر ما عاشوا] مسألة قال ابن القاسم وسمعت مالك قال: من حبس حبسا صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث على نفر ما عاشوا، ثم هلك الذين حبس عليهم وانقرضوا قال: يَرْجِعُ إلى عَصَبَةِ المحبس ويدخل معهم النساء في السكنى إن كان سكنى أو في الغلة إن كانت غلة، قال ابن القاسم: يريد البنات والأخوات والأمهات والجدات والعمات ولا يدخل في ذلك الزوجات ويبدأ بالأقرب فالأقرب في ذلك. قال محمد بن رشد: قولُه من حبس حبسا صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث على نفر ما عاشوا ثم هلك الذين حبس عليهم وانقرضوا: إن ذلك يرجع بمرجع الأحباس إلى عصبة المحبِّس، يريد ولا ترجع إلى المحبس ملكا مطلقا، هو نص قول مالك في المدونة، وحكى ابنُ القاسم عنه فيها أن قوله لَمْ يختلف فيه، وليس ذلك بصحيح، قد روى ابنُ عبد الحكم عن مالك في كتابه أنه ترجع إليه ملكا مطلقا بعد موت المحبس عليه وإن قال حبسا صدقة إذا كان على معين، وهو قولُ ابن وهب في رسم الوصايا والأقضية من

سماع أصبغ أنه ترجع إليه ملكا مطلقا إذا حبس على معين وإن قال في حبسه: لا تُباع ولا توهب لاحتمال قوله لا تُباع ولا توهب حياة المحبَّس عليه، كما يحتمل قوله أيضا: صدقة، صدقة الغلة عليه حياته. وأما قوله: ويدخل معهم النساء في السكنى إن كان سكنى أو في الغلة إذا كانت غلة، ففي ذلك اختلاف يتحصل فيه ثلاثة أقوال أحدها: أنه يدخل فيه من أهل بيت المحبس من النساء من يرث منهن وهن البنات وبنات الأبناء وإن سَفُلُوا، والأخوات الشقائق واللواتي لأب ومن لو كان رجلا منهن وَرِثَ وهن العمات وبناتُ الأخ وبناتُ ابن الأخ وبناتُ العَمّ وبناتُ ابن العم وبنات المولى المعتق، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في هذه الرواية، والقول الثاني: أنه لا يدخل فيه من أهل بيت المحبس من النساء إلا من ترث منهن خاصة، وهن البنات وبنات الأبناء والأخوات الشقائق واللواتي لأب، وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون، والقول الثالث: أنه لا يدخل فيه أحد من النساء وإنما مرجع الُحبُس إلى العصبة من الرجال وهو الذي في سماع أصبغ أراه لابن وهب، ولا يدخل الأبْعَدُ مع الأقرب من الرجال أو النساء إلَّا فيما فضل عنه أو عنها، وإذا كان الرجال والنساء في درجة واحدة فهم فيه شَرَعٌ سواء للذكر منهم مثل حظ الأنثى، واختلف أيضا هل تدخل فيه الأمهات والجدات، فقيل: إنهن يدخلن فيه لأنهن من قرابة المحبس، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وقيل: إنهن لا يدخلن فيه؛ لأنهن ليس من حرم نسب المحبس، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه ومذهب عبد الملك بن الماجشون وقيل: تدخل الأم ولا تدخل الجدة، وهو قول ابن القاسم في رسم نقدها من سماع عيسى بعد هذا على ما تأوله بعضُ أهل النظر في الرواية حسبما نذكره إن شاء الله، وقيل تدخل الجدة للأب ولا تدخل الجدة للأم، وهو قول ابن القاسم في الواضحة، ولا اختلاف في أنه لا يدخل فيه من النساء الأخوات للأم ولا الخالات ولا بنات البنات ولا بنات الأخوات، ولا يدخل فيه أيضا الإخوة للأم ولا بنو البنات ولا بنو الأخوات، وسنذكر في سماع سحنون إن شاء الله

مسألة: حبس حبسا على آل فلان

الاختلاف فيمن يرجع إليه الحبس من قرابة المحبس هل يختص بذلك الفقراء منهم دون الأغنياء أو يدخل معهم فيه الأغنياء إذا لم يكن أصلُ الحبس على الفقراء وبالله التوفيق. [مسألة: حبس حبسا على آل فلان] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: من حبس حُبُسا على آل فلان فإنها حبس على آله ما بقىِ منهم أحد لأبنائهم وأبناء أبنائهم، وإن سمى قوما بأعيانهم فإنها ترجع بعدهم إلى أقرب الناس به حبسا على ما وضعه، قال ابن القاسم: آله وأهلُه سَوَاءٌ، هُمْ العصبة والأخوات والبنات والعمات ولا أرى ذلك للخالات. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: آلهُ وأهلُه سَوَاءٌ، همْ العصبة والأخوات والبنات والعمات ولا أرى ذلك للخالات مفسر لِقول مالك، فَصَوَابُه في التأليف أن يكون متصلا به، وفصل العتبي بينهما بقوله: وإن سمى قوما بأعيانهم إلى آخر قوله تقصير في التأليف والآل والأهل سواء كما قال ابن القاسم إلَّا أن الآل إنما يستعمل في الرجل الكبير الذيِ له العشيرة بالأبناء الرجال والنساء من قبل أبيه الذين يُعرف نسبُهم منه وتقوم به الشهادات وتثبت به المواريث فيمن يرث منهم. وقولُه: ولا أرى ذلك للخالات، ظاهرهُ وإن لم يبق من قرابته من قِبَلِ أبيه أحدٌ فلا دخول في ذلك لقرابته من قبل أُمه، وهو قول أبي زيد بن أبي الغمر إن الرجل إذا أوصى لقرابته أو لأهله إِنه لا يدخل في ذلك أحد من قبل أُمه خال ولا خالة وإن لم يبق من قرابته أحدٌ سواهم. وأما إذا لم يكن له حين أوصى أو حين حبس قرابة من قبل أبيه فيكون الحبس أو الوصية لقرابته من قبل أمه على ما قاله مالك في رسم أسلم من

سماع عيسى من كتاب الوصايا في الذي أوصى لقرابته إِن الوصية تكون لقرابته من قبل أبيه إلَّا ألا يكونَ له قرابة من قبل أبيه فيكون لقرابته من قبل أمه، والنساء والرجال فيه شَرَعُ سواء، واستحب أشهب في الرسم المذكور أن تدخل في ذلك قرابتُه من قبل الرجال والنساء لأبيه وأمه، وفي هذا خارج المذهب اختلافٌ كثير قد ذكره الطحاوي ورجح منه ما حكيناه على المذهب من أن الوصية والحبس يكونان لمن جمعه والمُوصي لأهله أو المحبِّس على أهله أب واحد في الجاهلية أو الإسلام ببينة تقوم على ذلك. وقوله في الرواية: وإن سمى قوما بأعيانهم فإنها ترجع بعدهم إلى أقرب الناس به حبسا على ما وضعه، هو مثل أحد قولي مالك في المدونة، والقولُ الثاني أنها ترجع إليه ملكا مطلقا أو إلى ورثته يوم مات إن كان مات قبل أن ينقرض المحبَّس عليهم بأعيانهم. وذهب محمد بن المواز إلى أنه إذا حبس على معين وقال حياته أو أجل أجلا خرجت المسألة من الاختلاف، واعترض ذلك أبو إسحاق التونسي وقال: لا فرق بين أن يقول حياتَه أو يسكت عن ذلك؛ لأن ذلك مفهوم من إرادته وإن سكت عنه، ألا تَرى أنه لو حبس على غير معينين وقال حياتهم لم يكن لذكر ذلك تأثيرٌ ولَوَجب أن يرجع الحبس بعد انقراض المحبس عليهم إلى أقرب الناس بالمحبس حبسا، وهذا الذي قاله هو مذهب أصبغ، وأما مذهب مطرف فعنده أنه إذا عقِّب الحبس وقال مع ذلك: ما عاشوا، أنها حبس عليه وعلى عقبه ما عاشوا، فإذا انقرض عقبه رجعت إلى صاحبها إن كان حيا يبيع ويصنع ما شاء، وإلى ورثته من بعده، وعندي أنه لا فرق بين الموضعين فإذا قال: ما عاشوا في المعينين أو في الحبس المعقب، رجعت إلى المحبس ملكا عند ابن المواز ومطرف، وإذا سكت عن ذلك رجع الحبس المعقب إلى أقرب الناس بالمحبس، وكذلك غير المعقب على أحد قولي مالك على مذهب أصبغ لا فرق بين أن يقول ما عاشوا أو يسكت عن ذلك في المسألتين جميعا يرجع

مسألة: حبس شيئا في سبيل الله فأنفذ ذلك زمانا ثم أراد أن ينتفع به مع الناس

الحبس المعقب إلى أقرب الناس بالمحبس، وغيرُ المعقب يجري على اختلاف قول مالك بين هذا، ويدل على صحته ما وقع في رسم يسلف بعد هذا من أنه إذا حبس على أجنبي حياته يرجع الحبس بموت المحبس عليه إلى أقرب الناس بالمحبس يوم يرجع. فيتحصل في الحبس على المعينين ثلاثة أقوال: قولان، وتفرقةٌ بين أن يقول حياتَهم وبين أن يسكت عن ذلك، وفي الحبس المعقب قولان إذا قال حياتهم، ولا اختلاف إذا لم يقل حياتهم أنه يرجع بمرجع الأحباس، وأما إذا ضرب أَجَلا فلا اختلاف عندي في أنها ترجع إليه أو إلى ورثته بعد الأجل ملكا مطلقا، وقد ذهب أبو إسحاق التونسي إلى أنه لا فرق بين أن يقول حياتَه أو يضرب أجلا، والفرق بينهما عندي بين، وبالله التوفيق. [مسألة: حبس شيئا في سبيل الله فأنفذ ذلك زمانا ثم أراد أن ينتفع به مع الناس] مسألة قال مالك: من حبس دارا في سبيل الله أو سلاحا أو دابة فأنفذ ذلك في تلك الوجوه زمانا ثم أراد أن ينتفع به مع الناس، قال: إن كان ذلك من حاجة فلا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: قوله ثم أراد أن ينتفع به مع الناس معناه ينتفع به فيما سَبَّله فيه من السبيل، لا فيما سِوى ذلك من منافعه، فلهذا لم يَرَ بذلك بأسا إذا فعل ذلك من حاجة؛ لأن الاِختيار فيما جُعِلَ في السبيل ألا يعطي فيه إلاَّ لأهل الحاجة إليه، فإذا احتاج إليه في السبيل فاستعمله فيه لم يكن ذلك رجوعا منه فيما حبسه ولا عودا منه في صدقته، والله أعلم. [مسألة: حبس على أحد حبسا وقال هي لك حياتي ثم هي في سبيل الله أو صدقة] مسألة قال مالك: ومن حبس على أحد حبسا، وقال: هي لك حياتي ثم هي في سبيل الله أو صدقة فإذا مات فهي في ثلثه.

قال محمد بن رشد: قد روى عن أشهب في هذا الأصل خلافُ هذا أنه يرى أن ذلك عنده من رأس المالِ؛ لأنه لَا يَرْجِع إليه ولا لورثته من بعده شيء منه أبدا، قاله ابن المواز، وقال ابن عبد الحكم عن أشهب وابن القاسم مثلَ قول مالك، وقال ابنُ لبابة إنما يكون من الثلث إن مات المحبَّس عليه قبل المحبس، وإما إن مات المحبس قبل موت المحبس عليه فهي من رأس المال لأنه قد بتلها في صحته فإنما ترجع إلى المتصدق عليه أو إلى السبيل من ملك المحبس عليه لا من ملكه، وجه قول مالك: إن ذلك يكون بعد موته من ثلثه صدقة على فلان أو في سبيل الله هو أن ذلك لم يبتل بَعْدُ للمتصدق عليه ولا في السبيل، وإن المحبس عليه إنما يستغله أو يسكنه طول حياة المحبس على ملكه، فإذا مات نفذ من ثلثه في الصدقة أو السبيل، فلو تَدَايَنَ على قياس هذا القول لَوجب أن يُباع في دينه، ووجه القول بأن ذلك يكون من رأس المال هو أن الحبس لما كان لا رجوع له إلى المحبس ولا إلى ورثته على حال من الأحوال كان كأنه قد أنْبَتّ منه وحصل ملكا للمتصدق عليه أو مبتولا للسبيل، والمحبَّسُ عليه إنما يستغله أو يسكنه على ملك من إليه المرجع. وعلى هذا الأصل اختلف قولُ مالك في الرجل يُخْدِمُ عبدَه رجلا سنين ومرجعه لآخر فيُقتَل العبدُ أو يجْرَحُ أو يموت وله مال، هل يكون عقله إن قتل وأرش جرحه إن جرح أو ماله إن مات لسيده الذي أخدمه أو للذي له المرجع، وقع اختلاف قولُ مالك في هذا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات، واختلف قولُ ابن القاسم في ذلك أيضَاَ فأشار في رسم العتق من الكتاب المذكور أن ذلك لسيده الأول، وله مثلُ ذلك في رسم القضاء العاشر من سماع أصبغ من كتاب الخدمة، وخلافُه مثلُ قول مالك الآخر في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الخدمة أيضا، وعلى هذا الأصل اختلف أيضا في الرجل يُخْدِمُ عبده رجلا سنة ثم هو له بعد السنة هل يباع قبل تمام السنة في دينه أم لا؟ فقال في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الخدمة: إنه لا يباع في دينه حتى تنقضي السنة وتجب له، وخالف في ذلك ابن حبيب فقال: إنه

مسألة: أوصى بوصية لبعض ورثته دون بعض ثم جعلها من بعدهم لغيرهم

يباع في دينه ولا ينتظر به انقضاء الخدمة، وحكاه عن مطرف وقال: هذا ما لا شك فيه عندنا ولا اختلاف، فلكلا القولين في مسألتنا وجه من النظر، والأظهر منها ما قاله مالك من أنه يكون من الثلث ولو لم يجز الحبس عن المحبس حتى مات وهو بيده لكان من ثلثه في السبيل أو الصدقة قولا واحدا على ما قاله في رسم الوصايا من سماع أصبغ، وأما قول ابن لبابة في تفرقته بين أن يموت المحبس عليه قبل المحبس أو بعده فتفرقةٌ لا وَجْهَ لها في النظر؛ لأن المحبس عليه إن مات قبل المحبس لا يرجع الحبس إليه، وإنما يكون لورثة المحبس عليه إلى أن يموت المحبس، فلا فرق بين أن يموت قبله أو بعده في كونه من ليأس المال أو من الثلث وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بوصية لبعض ورثته دون بعض ثم جعلها من بعدهم لغيرهم] مسألة قال مالك: من أوصى بوصية لبعض ورثته دون بعض ثم جعلها من بعدهم لغيرهم فهي على سائر الورثة الزوجة والأم، ومن لم يوص له بشيء يدخلون معهم فيأخذون قدرَ ما يصيبهم من الميراث، فإذا هلك رجل من الورثة الذين أوصى لهم صار نصيبه لولده وخرج نصيب الأم والزوجة والأخت من ذلك وثبت في غيره في حظوظ أعيان الولد حتى ينقرض أخرهم، فإذا انقرض أعيان الولد الذين أوصى لهم سقط نصيب الزوجة والأم، فإن هلكت الزوجةُ والأم دخل من يرثهما مكانَهما في الميراث مع الولد، فإذا هلك الولد ورثه ولده وانقطع ميراث الأم والزوجة وميراث من ورثهم إن كانوا قد هلكوا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه أوصى لبعض ورثته دون بعض بحُبُس تجري عليهم غلته بدليل قوله: ثم جعلها من بعدهم لغيرهم، إذ لو أوصى لبعض ورثته دون بعض بوصية قال: لم يصح أن يكون

لغيرهم من بعدهم ولوجب إن لم يُجِزْ ذلك سائر الورثة أن يبطل ويرجع ميراثا بين جميعهم، ولم يكن في ذلك كلام ولا إشكال. وتنزيلُ المسألة على المعنى الذي أراده أن يكون الموصي قد ترك من الورثة أربعة بنين وابنة وزوجة وأُمَّا وأوصى أن يحبس على الذكران من أَوْلَادهِ ثم على أولادهم من بعدهم حُبُسا له غلة يكون موقوفا عليهم، فلم يجز ذلك سائر الورثة الذين لم يوص لهم، وهم الزوجة والأم والأخت أنهم يدخلون مع الموصي لهم في غلة الحبس فيقتسمونها بينهم على سبيل الميراث، وذلك الذي أراد بقوله: فهي على سائر الورثة الزوجة والأم ومن لم يوص له بشيء يدخلون معهم، فيأخذون قدر ما يصيبهم من الميراث. وقوله بعد ذلك: فإذا هلك رجل من الورثة الذين أوصى لهم صار نصيبُه لولده وخرج نصيب الأم والأخت والزوجة من ذلك، يريد صار نصيبه كاملا لولده دون أن تأخذ منه الأم والأخت والزوجة شيئا وهو الربع؛ لأن المحبس عليهم أربعةٌ فإذا توفي أحدهم صار الربع كاملا لولده لأنهم غير ورثة فلا تدخل عليهم فيه الزوجة ولا الأم ولا الأخت. وقولُه: وثبت في غيره من حظوظ أعيان الولد حتى ينقرضوا يريد أن الثلاثة الأرباع يدخل فيها مع الإِخوة الثلاثة الباقين لأنهم ورثة الأم والزوجة والأخت، فيكون ذلك بينهم على فرائض الله. وقوله: حتى ينقرض أخرهم يريد أن يُعمل في موت من مات منهم بعد الأول ما عمِل في موت الأول من أن يكون الربعُ الثاني لولده لأنهم غير ورثة فلا تدخل عليهم فيه الزوجة ولا الأم ولا الأخت، وكذا إذا مات الثالث وكذلك إذا مات الرابع وهو أخرهم يصير الربعُ لولده كاملا لأنهم غير ورثة ويسقط نصيبُ الزوجة والأم يريد والأخت جملة فلا يكون لهن شيء. وقوله: فإن هلكت الزوجة والأم يريد أو الأخت دخل من يرثهما مكانهما في الميراث مع الولد يريد معهم كلهم في جميع الغلة أو مع من بقي منهم في

حظه منها وهو الربع لأنهم أربعة على التنزيل الذي لنا عليه المسألة، فإذا انقرضوا كلهم رجع الحبس إلى أولادهم لأنهم غير ورثة ولم يكن لمن لم يوص له من الورثة في ذلك حجة ولا كلام؛ لأن الحبس قد صار إلى غير ورثة، فهذا بيان هذه المسألة وفيها معنى ينبغي أن يوقف عليه وهو قوله فيها فإن هلك رجل من الورثة الذين أوصى لهم صار نصيبه لولده وهو قد حبس عليهم ثم على أولادهم من بعدهم إذ لا يقتضي قوله: ثم على أولادهم من بعدهم إلا يدخل ولو من مات منهم في الحبس حتى يموتوا كلهم؛ لأن قوله ثم على أولادهم من بعدهم يحتمل أن يريد به ثم على أعقابهم من بعد انقراض جميعهم، وأن يريد به ثم على أعقاب من انقرض منهم إلى أن ينقرض منهم إلى أن ينقرض جميعهم لاحتمال اللفظ للوجهين جميعا احتمالا واحدا، وكذلك كل ما كان على صيغته من الألفاظ عَطْفَ جمع على جمع بحرف ثَم يجوز أن يعبر به عن كل واحد من الوجهين، وذلك بين من قَوْله تَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] لأنه قد علم أنه أراد بقوله عز وجل فأحياكم ثم يميتكم، أنه أمات كل واحد منهم بعد أن أحياه قبل أن يحيي بقيتهم وأنه أراد عز وجل ثم يحييكم أنه لا يحيي منهم أحدا حتى يُميت جميعَهم، والصيغة في الفصلين واحدة فلولا أن كلّ واحدة منهما محتملةٌ للوجهين لما صح أن يريد بالواحدة غيرَ مراده بالأخرى، وهذا أَبْيَنُ من أن يخفى، فإذا كان قولُه: ثم على أولادهم محتملا للوجهين وجب أن يكون حظ من مات منهم لولده، ولا يرجع إلى إخوته؛ لأن ما هلك عنه الرجل فولده أحق به من إخوته، فترجِّح بذلك أحدُ الاحتمالين في اللفظ؛ لأن الأظهر من قصد المحبس وإرادته أن يكون ذلك بينهم على سبيل الميراث فقال: ثم على أعقابهم، ألَّا يدخل الولدُ مع والده في الحبس حتى يموت، ولو أراد ألا يدخل في الحبس حتى يموت والدُه وجميع أعمامه المحبس عليهم مع والده لقال: ثم

على أولادهم من بعد انقراض جميعهم، فلا اختلاف أعلمه في هذه المسألة نصا، وقد وقع لابن الماجشون في الواضحة ما ظاهره خلافُ هذا، وهو محتمل للتأويل، وقد ذهب بعضُ فقهاء زماننا إلى أن الولد لا يدخل في الحبس بهذا اللفظ حتى يموت والده وجميع أعمامه، وقال: إن لفظة (ثم) تقتضي التعقيب في اللسان العربي دون خلاف، فلا ينبغي أن يختلف إذا قال: (ثم على أولادهم) في أنه لا يدخل أحدٌ من الأولاد في الحبس إلا بعد انقراض جميع الأب، وتعلق بظاهر قول ابن الماجشون في الواضحة، ولا تعلق له فيه لاحتماله التأويل فقوله خَطَأٌ صُرَاحٌ بما بيناه. وإنما يختلف في المذهب إذا حبس على جماعة معينين ثم صرف الحبس من بعدهم إلى من سِوَى أولادهم من وجه آخر يجعل مرجعَ الحبس إليه بعدهم على ثلاثة أقوال تقوم من المدونة فيمن حبس حائطه على قوم بأعيانهم فمات بعضهم وفي الحائط ثمرة لم تؤبر، أحدها: أن حظ الميت منهم يرجع إلى الوجه الذي جعل مرجع الحبس إليه بعدهم، وذلك على قياس قوله في مسألة المدونة إن حظ الميت منهم يرجع إلى المحبس، والقول الثاني: أن حظ الميت منهم يرجع إلى بقيتهم، وذلك على قياس قوله في المدونة: إن حظ الميت منهم يرجع على بقيتهم، والقول الثالث: أنه إن كان الحبس مما تقسم غلته كالثمرة والخراج رجع حظ الميت منهم إلى الوجه الذي جعل مرجع الحبس إليه بعدهم، وإن كان مما لا تقسم غلته عليهم كالعبد يَخْتَدِمُونَهُ والدار يسكنونها أو الحائط يَلُونَ عَمَله رجع نصيب الميت منهم إلى بقيتهم، وذلك على قياس مَا رواه الرواة عن مالك وأخذوا به حاشى ابن القاسم من التفرقة بين الوجهين، وقد حكى عبدُ الوهاب في المعونة أنَ الاختلافَ في هذه المسألة إنما هو فيما يقسم كالغلة والثمرة، وأنه لا اختلاف فيما لا يقسم كالعبد يُخْتَدَمُ والدار تسكن، وليس ذلك بصحيح على ما بيناه، وبالله التوفيق.

مسألة: الحبس على الموالي

[مسألة: الحبس على الموالي] مسألة قال مالك: من حبس حبسا على مَوَالِيهِ ولهم أولاد وله مَوَالِي لبعض أقاربه رجع إليه وَلَاؤُهُمْ، قال: لا يكون الحبس إلا لِمَوَالِيهِ الذين أعتق، وأولادهم يدخلون مع آبائهم في الحبس؛ لأنهم مواليه إلا أن يخصهم بتسمية، قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال بعد ذلك: أرى موالي الأب والابن يدخلون مع مواليه ويُبَدَّأُ بالأقرب فالأقرب من ذوي الحاجة إِلَّا أن يكون الأبَاعِدُ أحْوَجَ فيؤثرون، وهذا قول مالك، وهو أَحَبُّ ما فيه إِلَي. قال محمد بن رشد: كذا وقع في رواية ابن لبابة وله مَوالي لبعض أقاربه رجع إليه وَلاؤهم، وفي رواية أبي صالح يرجع إليه ولاؤهم، والصواب رجع إليه ولاؤهم؛ لأن من لم يرجع إليه ولاؤهم فليسوا بموالي له، فقوله بعد ذلك: (أرى موالي الأب والابن) يريد والأخ على ما قال في سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا يدخلون مع مواليه معناه إذا كان ولاؤهم قد رجع إليه، وكذلك قال أصبغ في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الوَصَايَا في الوصية: وهذا إذا كان ولاؤهم قد رجع إلى هذا الموصي فأما إذا لم يكن ولاؤهم قد رجع إليه فلا يدخلون في وصية، وفي المجموعة مثلُ قول مالك، الثاني قال غير ابن القاسم في الحبس على الموالِي: إنه يدخل فيه موالي ولد الولد والأجداد والأم والجدة يريد الجدة أم الأب وأم الجد لا أم الأم ولا أم أم الابن لأن النساء لا يرثن الوَلَاءَ، قال: والأخوة، ولا يدخل فيه موالي بني الأخوة والعمومة، قال: ولو أدخلت موالي هؤلاء أدخلت موالي القبيلة، وقد قيل إنه يدخل فيه من موالي قرابته كل من لو مات لَوَرِثَهُ وهو القايس على قول مالك الثاني وعلى ما قاله غير ابن القاسم في المجموعة من أنه يدخل فيه موالي الآباء والأبناء والإِخوة، ولا يلزم ما قال من أنه لو أدخل موالي بني الإخوة

والعمومة لأدخل موالي القبيلة، كما لا يلزم إذا ورث بنو الأخ والعمومة أن يرث جميع القبيلة؛ لأن الميراث لا يكون إلَّا مع ثبوت النسب وكذلك الولاء. وظاهر قول ابن وهب في سماع أصبغ من كتاب الوصايا أنه لا يدخل في وصية الموصي لمواليه إلا موالي عتاقته، وكذلك الحبس على قوله لا يدخل فيه أولادُ مواليه ولا موالي مواليه ويدخلون فيه على مذهب مالك، قاله في هذه الرواية في أولاد مواليهم، وقاله في رسم الشريكين بعد هذا السماع في موالي مواليه، ومثلُه لعلي في المجموعة. فيتحصل في المسألة أربعةُ أقوال أحدها: أنه لا يدخل في ذلك إلا موالي عتاقته خاصة، والثاني: أنه يدخل في ذلك موالي عتاقته وأولادهم ومِواليهم، والثالث: أنه يدخل في ذلك موالي عتاقته وأولادهم ومواليهم وموالي أبيه وجده وولده وولد ولده وإخوته، والرابع: أنه يدخل فيه موالي عتاقته وأولادهم ومواليهم وموالي أبيه وابنه وجده وجميع عصبته، ولا يدخل فيه على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك مع الموالي الأسفلين الذين أنعم عليهم الموالي الأعلون الذين أنعموا عليه، هذا منصوص في الوصايا من المدونة، وأشهب يرى أنهم يدخلون معهم ويُقسم الثلثُ أو الحبس بينهم بنصفين إن كان هؤلاء ثلاثة فأكثر، وهؤلاء ثلاثة فأكثر، وإن كان عدد هؤلاء ثلاثة وعدد هؤلاء عشرة فالثلث بينهم بنصفين كمال تدعيه طائفتان فيقسم بينهما بنصفين، وإن كان عدد الطائفة الواحدة أكثر عددا من الطائفة الأخرى فإن كان عدد أحدهما أقل من ثلاثة وعدد الآخر ثلاثة فأكثر فالثلث أو الحبس للذين عددهم ثلاثة فأكثر ولا شيء للذين عددهم أقل من ثلاثة لأنه إنما أوصى لجماعة فلا يكون للذين أقل من ثلاثة شيء، وإن كان عدد هؤلاء أقل من ثلاثة وعدد هؤلاء أقل من ثلاثة كان الثلث أو الحبس بينهما بنصفين؛ لأنه إنما أوصى لجماعة وهي لا تجتمع إلّاَ من الطائفين، فيقسم ذلك بينهم جميعا على عددهم، وهذا مذهب أشهب، ولو قال قائل: إنه يقسم بينهم جميعا على عددهم ما كانوا إن استووا في الحاجة

مسألة: ما حازه الكبار لأنفسهم يجوز

لكان قولا له وجه؛ لأنه إذا احتمل أن يريد الذين من فوق والذين من أسفل احتمل أن يريدهم جميعا؛ لأن كل واحد منهم ينطلق عليه اسم مولى، فهذا أظهر من قول أشهب وأولى. ومن أهل العلم خارج المذهب من يرى أن يقرع بينهما، ومنهم من يرى أن الوصية باطل إذْ لا يُعلم من أراد الموصِي منهما فيتحصل في المسألة خمسة أقوال لا وجه لقول منها إِلَّا ما غلب على ظن قائله من أن المحبس أو الموصي قصده وأراده بعرف أو عادة أو ظاهر مقتضى التسمية، وهذا إذا لم يكن ثَمَّ دَليل على أنه أراد الأعلى دون الأسفل أو الأسفل دون الأعلى مثل أن يكون أهل أحدهما أغنياء وأهل الثاني فقراء فيعلم أنه إنما قصد بوصيته إلى الفقراء دون الأغنياء كانوا من فوق أو من أسفل ومن دخل معهم على قول كل قائل فيبدأ منهم الأقرب على الأبعد إِلَّا أن يكون الأبعد أحوج كما قال في الرواية، وقد قيل: إنه لا يفضل الأقرب على الأبعد وهو ظاهر ما يأتي في رسم الشريكين بعد هذا كما قيل؛ لأنه لا يفضل الولد على ولد الولد، وفي هذا تفصيل واختلاف سنخلصه فيما يأتي في آخر هذا الرسم إن شاء الله وبه التوفيق. [مسألة: ما حازه الكبار لأنفسهم يجوز] مسألة وقال مالك: من أسكن ولده وولد ولده دارا واستخلف عليها ولدا لولده كبيرا ليحوزَهَا لنفسه ومن سماها له معه، ثم إن الابن أسكن أباه الدار، قال: إن كان أسكنه بيتا في الدار فذلك جائز، وإن كان أسكنه الدار كلها فليس بجائز، وهي ترد في الميراث، قال ابن القاسم: وذلك رأيي، قال: وأخبرني مالك عن زيد بن ثابت وابن عمر مثل ذلك، قال ابن القاسم - قال مالك: حبس عمر وعلي وزيد وابن عمر.

قال محمد بن رشد: قوله إن كان أسكنه بيتا في الدار فذلك جائز معناه إن كان البيت يقع في ثلث الدار فأقل، وأما قوله وإن كان أسكنه الدار كلها فليس بجائز وهي ترد في الميراث فذلك ما لا اختلاف فيه وإنما يختلف إن كان أسكنه جلها أو ما هو أكثر من الثلث منها؛ لأن حيازة الكبير للصغار ولنفسه كحيازته لنفسه لو كان هو المحبَّس عليه وحده، فالمنصوص عليه لابن القاسم وأصبغ في الواضحة أن ما حازه الكبار لأنفسهم يجوز وإن كان الذي سكن الأب من الدار هو الأكثر، وفي آخر كتاب الرهون من المدونة في بعض الروايات أن الكل يبطل إذا سكن الأب الأكثر من الدار سواء حاز الأب البقية للصغار أو حازه الكبار لأنفسهم، ومثلُه لابن القاسم في رسم إن خرجت بعد هذا من هذا الكتاب، وأما الدور إذا سكن الأب أكثرها وحاز الكبار لأنفسهم بقيتها فيجوز لهم ما حازوه على ما قاله ابن القاسم في رسم إِن خرجت من سماع عيسى، ولا أعرف في ذلك نص خلاف. وفرق أصبغ ما بين الدار والدور فقال: في الدور إن كل دار منها صغرت أو كبرت تصير كأنها محبسة على حدة، فإن سكن الأب جلها أو أكثر من الثلث منها بطل الحبس فيها كلها إن كان الأب هو الحائز لبقيتها، وإن كان الكبار هم الحائزون لبقيتها جاز لهم ما حازوه منها، وأما ما سواها من الدور فيجوز الحبس فيما حازه الأب للصغار أو حازه الكبار لأنفسهم، ومذهب ابن القاسم في الدور أن الأب إذا سكن الجل منها بطل الباقي إن كان الأب هو الحائز له، وجاز للكبار إن حازوه لأنفسهم، والحبسُ والهبة والصدقةُ في ذلك كله سواءٌ على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وَفَرَّقَ مطرف وابن الماجشون بين الهبة والصدقة وبين الحبس فقال في الحبس: إذا كان هو الحائز له كقول ابن القاسم في أن سكناه اليسير منه لا يُبطل الحبسَ لماله من العذر في سكناه ليكون بإزائه لعمارته وإصلاحه وتسكينه، وقال في الهبة والصدقة وفي الحبس إذا لم يكن هو الحائز له إما بأن يكون الحبس على من يَحُوز لنفسه وإما بأن يكون على من يحوز له فأسند حيازته إلى غيره إِن ما سكن يبطل وما لم يسكن

مسألة: قوم حبست عليهم دار فخربت فأرادوا بيعها وابتياع دونها

يجوز من غير تفصيل بين دار أو دور أو سكنى يسير أو كثير، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق. [مسألة: قوم حبست عليهم دار فخربت فأرادوا بيعها وابتياع دونها] مسألة قال ابن القاسم وسمعت مالكا قال في قوم حبست عليهم دارٌ فخربت فأرادُوا بيعها وابتياع دُونهَا: إِن ذلك لا يجوز لهم، وأما الفرس يكلب أو يخبث فإنه يباع ويشتري بثمنه فرس يحبس مكانه. قال محمد بن رشد: هذا هو مذهب ما في المدونة أن الرِّبْعَ الحُبُسَ لا يباع بأن خشي عليه الخراب، ومثله في رسم الأقضية، الثاني من سماع أشهب من كتاب جَامِع البيوع بخلاف ما بلى من الثياب وضعف من الدواب، والفرق بين ذلك أن الربع وإن خرب فلا تذهب البقعة ويمكن أن يعاد إلى حاله، وابن الماجشون يرى ألّا يُبَاعَ شيء من ذلك كله وهو قول غير ابن القاسم في المدونة، وروى عن ربيعة أن الإِمام يبيع الرِّبْعَ إذا رأى ذلك لِخَرَابِه كالدواب والثياب، وهو قول مالك في إحدى روايتي أبي الفرج عنه، قال: لا يباع الربع المحبس، وقال في موضع آخر: إِلَّا أن يخرب والله الموفق. [مسألة: حبس حبسا على ذكور ولده وأخرج الإناث منه إذا تزوجن] مسألة قال مالك: من حبس حبسا على ذكور ولده وأخرج الإِناث منه إذا تزوجن فإني لا أرى ذلك جائزا وإنه من أمر الجاهلية، وليس على هذا توضع الصدقات لله وما يُرَادُ به وجهه إِلَّا ما تصدق به رجل وجعله بعد انقراض ولده في سبيل من سبيل الخير. قال ابنُ القاسم: فقلت لمالك: أفترى لمن حبس حبسا وأخرج بناته منه إذا تزوجن أن يبطل ذلك ويسجل الحبس؟ قال: نعم وذلك وجه الشأن فيه، قال ابن القاسم: ولكن إذا فات ذلك فهو على ما

حبس قال ابن القاسم: إن كان المحبس حيا ولم يُحَزْ الحبس فأرى أن يفسخه ويدخل فيه الإِناث، وإن كان قد حيز أو مات فهو فوت، وهو على ما جعله عليه. قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك هذا أَن الحبس لا يجوز ويبطل على كل حال خلافُ مذهب ابن القاسم في أنه يمضي إذا فات ولا ينقض، وفوت الحبس عنده أن يحاز عن المحبس على ما قاله في هذه الرواية، فرأى للمحبس ما لم يُحَز الحبس عنه أن يُبْطِلَ الحبسَ ويُدْخل الإناث فيه ظاهر قوله وإن كره ذلك المحبس عليهم مُرَاعاة لقول من يقول إن الصدقات والهبات والأحباس لا تلزم ولا يجب الحكم بها حتى تقبض، وقد رُوي عن مالك أن ذلك مكروه من العمل، فعلى قوله هذا لا يفسخ الحبس إلّا أن يرضي المحبس عليهم بفسخه وهم كبار، وذهب محمد بن المواز إلى أنَ ذلك ليس باختلاف من قول مالك: فقال: إنما يفعل ما قال مالك من فسخ الحبس وأن يجعله مسجلا إنما ذلك ما لم يَأبَ عليه من حُبس عليهم، فإن أبَوْا لم يجز له فسخه ويقر على ما حبس وإن كان حيا إلا أن يرضوا له برده وهم كبار، قال مالك: إن لم يخاصم فليرد الحبس حتى يجعله على صواب، ظاهرهُ وإن كان لم يحَزْ عنه، وهو على قياس القول بأن ذلك عنده مكروه من الفعل، وقال ابن القاسم: وإن خوصم فليقره على حاله، ومعنى ذلك على مذهب والله أعلم إذا كان قد حيز عنه وهو الذي ذهبت إليه من التأويل في هذه المسألة على ابن القاسم من أنه فرق في فسخ الحبس بين أن يحاز عنه أو لا يحاز هو ظاهر قوله في هذه الرواية إن كان المحبِّس حيا ولم يحز الحبس فأرى أن يفسخه ويدخل فيه الإِناث، وإن كان قد حيز أو مات يريد أو مات بعد أن حيز فهو فوت، وهو على ما جعله عليه، وقد تأول على ما حكاه محمد بن المواز عن مالك وابن القاسم أنه ليس له أن يفسخ الحبس وإن كان لم يحز عنه إلا بأذن المحبس عليهم ورضاهم، وقد تأول أيضَاَ أنَ له أن يفسخه وإن كان قد حيز عنه وإن أبى المحبَّس عليهم مراعاة لقول من لا يرى إعمال الحبس جملة، وهو ظاهر قول

مسألة: أعمر عمري دارا أو خادما له ولعقبه ما عاشوا

ابن القاسم في رسم شك بعد هذا من هذا السماع، وفي رسم نذر، وتأول على ظاهر قول مالك في هذه الرواية أنَ الحبس يفسخ على كل حال وإن مات المحبس بعد أن حيز عنه الحبس. فيتحصل على هذا في المسألة أربعة أقوال أحدها هذا، والثاني أن المحبس يفسخه ويدخل فيه الِإناث وإن حيز عنه، والثالث أنه يفسخه ويدخل فيه الإِناث ما لم يحز عنه فإن حيز عنه لم يفعل ذلك إلا برضى المحبس عليهم، والرابع أنه لا يفسخه ويدخل فيه الإِناث وإن لم يحز عنه إلا برضى المحبس عليهم. وإخراج الإِناث من الحبس عند مالك أَشَرُّ في الكراهية من هبة الرجل لبعض ولده دون بعض على ما سيأتي القول فيه في رسم الشجرةِ ورسم نذر سنة من كتاب الصدقات وفي رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب منه إذ لم يختلف قوله في أن هبة الرجل الشيء من ماله لبعض ولده دون بعض جائز نافد وإن كان ذلك مكروها لقول الله عز وجل: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: 139] وهو الذي أراد بقوله في الرواية وإنه من أمر الجاهلية وبالله التوفيق. [مسألة: أعمر عمري دارا أو خادما له ولعقبه ما عاشوا] مسألة قال مالك: لو أن رجلا أعمر عمري دارا أو خادما له ولعقبه ما عاشوا ولم يقل مرجعه إِلَيَ ولم يجعل لمرجعها وجها ترجع إليه رجعت إليه كما لو اشترط. قال محمد بن رشد: هذا هو مذهب مالك وجميع أصحابه أن العمري ترجع إِلى الذي أعمرها بعد موت المُعْمَرِ إن لم تكن معقبة وبعد

انقراض العقب إِن كانت معقبة، ولم يأخذ مالك في العُمْرى بحديثه الذي رواه في موطئه عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال: «أَيُّما رَجلٍ أَعْمَرَ عُمْرَىَ لَهُ وَلِعقِبِهِ فَإنَّهَا للذِي يُعْطَاهَا لاَ تَرْجِعُ إلَى الذِي أَعْطَاهَا» لَأنَّه أَعْطَى عَطَاء وَقَعْتْ فِيهِ المَوَارِيث، وذهب في ذلك إلى ما رواه عن ابن القاسم بن محمد أنه قال: ما أدركت الناس إِلَّا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا، فقال معنى الحديث أن العمرى لا ترجع إلى الذي أعطاها حتى ينقرض العقب، بدليل قوله في الحديث فإنها للذي يُعطاها والذي أعْطِيِّهَا هو المُعْمَر وعقيبه فَوَجب أن تكون لهم بنص الحديث وترجع بعد انقراضهم إلى المُعْمَر بالتأويل الصحيح، إذ لا يصح أن يكون ملكا لجميع العقب فمن قال إن العمرى المعقبة تكون ملكا للمُعْمَرِ فقد خالف الحديث، ومالك أَسْعَدُ به. ومن أهل العلم من قال إن العمرى تكون ملكا للمُعْمَرِ وإن لم تكن معقبة، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وجماعة من أهل العلم سواهم على ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «مَن أُعْمِرَ شَيئا فَهُوَ لَه حَياتَهُ وَمَمَاتَهُ» ومن قوله أيضا: «العُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» ، ومن قوله أيضا: «مَنْ أُعْمِرَ عمْرَى فَهِي لَهُ وَلِعَقِبهِ يَرِثُهَا مَنْ يَرِثهَا مِنْ عَقِبِهِ» ، ولم يصح عند مالك شيء من هذه الآثار وإنما صح عنده حديث جابر الذي ذكرناه فأخذ به على ما تأوله عليه من معناه. ففي العمرى لأهل العلم ثلاثة أقوال أحدها: أنها تكون ملكا للمعمر قال فيها: هي لك عمرى أو هي لك ولعقبك عمري، والثاني: أنها تكون ملكا للمعمر في واحد من الوجهين وترجع إلى المُعْمِر ملكا بعد موت المعمَر أو بعد موته

مسألة: أخدمه أو أعمره أمة ثم عدا عليها فأحبلها صاحب الرقبة

وانقراض عقبه إن كانت معقبة وهو مذهب مالك، والثالث: أنها تكون للمُعْمَر ملكا! إن كانت معقبة وترجع إلى المُعْمِر ملكا بعد موت المعْمَر إن لم تكن معقبة وبالله التوفيق. [مسألة: أخدمه أو أعمره أمة ثم عدا عليها فأحبلها صاحب الرقبة] مسألة وسمعت مالكا قال: من أعمر خادما أو عبدا حياته ولا مال له ثم أَفَادَ مالا أو وُلدَ له ولدٌ قال مالك: ما ولد للأمة أو كان للعبد من أمة يملكا فهو على مثابتهما يخدمان المُعْمَرَ حياتَه، وما كان من مال فهو مَوْقُوفٌ على أيديهما يأكلان فيه ويكتسيان بالمعروف، وليس للمعمر ولا للمعمر أن ينتزعاه منهما ما عاشا، فإذا ماتا ورثهما سيدهما الذي يملك رقابهما، وإن قتل العبد عمدا أو خطا فإن عقله لسيده مثلُ الميراث، قال ابن القاسم وإن قَتَلَهُ سيده خَطَأ فلا شيء عليه، وإنَ قتله عمدا كان عقله عليه في السنين التي أعمر، فإن فضل فضل كان له. قال عيسى بن دينار: تفسيره أن يغرم سيدُه القاتلُ القيمة فتوقّف للمُعْمَر فَيُسْتَأْجَر له منها من يخدمه مكانه، فإن مَات قبل أن يستنفذ الثمن رجع ما بقي من قيمته إلى سيده، قال ابن القاسم: ويكون عليه أن يستأجر له من يخدمه في تلك السنين بقيمته، فإن مات رجع فضل ذلك إلى سيده، قال سحنون وقد كان عبد الرحمن يقول: يُشْتَرَى بتلك القيمة عبدٌ آخر مكانه، وكذلك لو أخدمه أو أعمره أَمَة ثم عدا عليها فأحبلها صاحبُ الرقبة أن عليه أن يشتري أخرى مكانها، قال مكانها قال مالك: ما كان من ولد للعبد المُعْمَرِ من جاريتِه فهو بمنزلته.

قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة على نصها في سماع ابن القاسم من كتاب الخدمة وقوله فيها إن ما ولد للأمة المُخدَمة أو العبد المخدم فهو بمنزلتهما صحيحُ لَا اعْتِرَاضَ فيه لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُل ذَاتِ رَحِم فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا» . وأما قوله فيما وهب لهما من مَال إنه يكون موقوفا على أيْدِيهِمَا يأكلان فيه ويكتسيان بالمعروف وإنه ليس لواحد منهما أن يَنْتزعه ففيه نظر لأن نفقة الأمة المخدمة وكسوتها على المُخْدَم على المشهور في المذهب، فالقياس أن يكون ما وهب لهما من مال لسيدهما الذي أخدمهما والذي يَملك رقابهما ينتزع ذلك إن شاء، ولا يكون لهما أن يأكلا منه ولا يكتسيا فيه، وقد قيل إن النفقة على سيده الذي أخدمه، فعلى قياس هذا يصح جوابه في هذَه الرواية وكذلك قولُه في المُعْمِر إذا قتل العبد الذي أعمره عمدا أو خطأ أو كانت أمة فأولدها: إنه يغرم القيمة فيستأجر منها للمُعْمَر من يخدمه مكانه فيه نظر؛ لأن القيمة إن نفذت والمخدَم حي يسقط حقه ولم يكن له شيء على قوله ومن حجته أن يقول لو لم تقتل لكان لي خدمتها إلى أن أموت، وهي في أم الولد أظهر؛ لأنه يقول كيف يبطل حقي الذي لي في خدْمتها إلى أن أموت وهى باقية لم تمت، فكان القياس أن يكون على قاتلها عمدا قيمة خدمتها على الرجَا والخَوْف، وقد وقع في المدنِيَة من رواية محمد بن يحيى السبائي عن مالك ما يشهد لما قلناه، وذلك أنه سئل عن امرأة أخدمت خادما لها امرأتين عمرهما ثم إنهما اشترت من إحداهما ما جعلت لها من الخدمة حياتها، ثم أعتقت الخادم كيف يصنع في ذلك؟ أتبطل الخدمة عن المعمرة الثانية التي لم تبع أم تقوم على المعتِقَة كيف الأمر في ذلك؟ قال: بل تقوم عليها قدرُ تلك الخدمة التي أخدمتها حياتها يريد على الرجا والخوف؛ لأنها لا تقدر على الرجوع في التي أخدمتها، فيقوم ذلك عليها ويتم العتق عليها، وذلك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكَا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ حَظُّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شرَكَائِهِ وَعَتَقَ

مسألة: الذين سمى لهم كيلا معلوما أولى من الآخرين

عَلَيْهِ العَبْدُ كُلُّهُ» فلا أرى هذا إلّا شِرْكا وإن لم يكن شريكه في الرقبة فإني أراها شركة بالخدمة، وهذا مثل ما قلناه من أن القياس أن يكون على المُعْمِرِ إذا قتل الأمة التي أعمرها عمدا أو أولدها قيمةُ خدمتها على الرّجاء والخوف إذ لا فرق بين تفويت الخدمة عليها بالعتق وبالإِيلاد أو بالقتل عمدا، ومن الدليل على ذلك رواية عيسى عن ابن القاسم في المدنية في مسألة السبائي عن مالك أن على المعتقة أن تُخرج نصف قيمة الخادم وليس قيمة الخدمة فتواجر التي لم تبع خدمتها منها حَيَاتَها وتعتق الخادم، فإن ماتت المخدمة قبل أن يستتمها رجع الفضل إلى المُعْتِقَةِ، فإن استتمتها قبل الموت فلا شيء لها عليها، وإن ماتت الخادم أيضا قبل الخدمة رجعت بقيمة الخدمة إلى المُعْتِقَة، قال: وكذلك وجدت في مسائل عبد الرحيم عن مالك، فَجَرَى ابنُ القاسم في العتق على أصله في القتل وَالإِيَلادِ، وكذلك قولُه في الرواية: إذا قتل الأجنبي العبد المخدم إن القيمة تكون لسيده مثل الميراث، ويبطل حق المُخْدَم ليس بوجه القياس والنظر، والذي يوجبه القياس على أُصولهم أن يتحاصا جميعا في القيمة يضرب فيها سيد العبد بقيمة المرجع على غرره، والمُخْدَم بقيمة الخدمة على غررها أيضا وبالله التوفيق. [مسألة: الذين سمى لهم كيلا معلوما أولى من الآخرين] مسألة قال مالك: من حبس حبسا على ولده وغيرهم حائطا أو ما أشبه ذلك مما يثمر وُيسَمِّي لبعضهم ما يُعْطَى في كل كيلا معلوما ولا يسمى للآخرين شيئا، قال: الذين سمى لهم كيلا معلوما أولى من الآخرين بما خرج من الثمر إلا أن يعمل فيه عاملٌ فيكون أولى بحقه

مسألة: يحبس غلامه على رجل يخدمه فيموت العبد قبل أن تنقضي خدمته وله مال

في ذلك، ويأخذه قال ابن القاسم: وكذلك الغلة في الدور. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها وقد قال ابن دحون: إنها مُعارضة لقوله في الوصايا: إن من أوصِيَ له بكيل معلوم هو مثل من أوصِيَ له بنصيب من الثمرة لا يدري كم يخرج في كيله يتحاصون ولا يقدم أحدهما على الآخر، ولا تعارض بينهما بوجه؛ لأنه لما حبس الحائط عليهما وسمى لأحدهما مكيلة من الثمرة وسكت عن الثاني فلم يجعل له إلّا ما بقي، ولو سمى لأحدهما مكيلة من الثمرة وللثاني، جزءا منها لوجب أن يتحاصا في ثمرتها كما قال في مسألة الوصية سواء وبالله التوفيق. [مسألة: يحبس غلامه على رجل يخدمه فيموت العبد قبل أن تنقضي خدمته وله مال] مسألة قال مالك في الرجل يحبس غلامه على رجل يخدمه فيموت العبد قبل أن تنقضي خدمته وله مال: إنّ مالَه لسيده، وليس للمحبس عليه شيء؛ لأنه إنما حبس عليه الخدمة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه والحمد لله. [مسألة: أخدم عبدا له رجلا عشر سنين ثم هو حر فوهب له الذي أخدمه خدمته] مسألة وسمعت مالكا قال: من أخدم عبدا له رجلا عشر سنين ثم هو حُرٌّ فوهب له الذي أخْدِمَهُ خِدْمَتَهُ كان حرا، ولو باعه الخدمة أيضا كان حرا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه؛ لأنه إنما كان بقي عليه من الرق ما عليه من الخدمة، فإذا أسقِطَتْ عنه باشتراء أو وهبة بُتِلَتْ حريتُه وبالله التوفيق.

مسألة: حبس عليه وعلى عقبه ولعقبه ولد

[مسألة: حبس عليه وعلى عقبه ولعقبه ولد] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: من حُبِّسَ عليه وعلى عقبه، ولعقبه ولد فهم مع آبائهم في الحبس بالسواء، إلّا أنه يفضل ذو العيال بقدر عياله، لا يكون الآباء أولى من الأبناء والذكر والأنثى فيهم سواء. قال محمد بن رشد: قوله في ولد عقب الرجل إنهم مع آبائهم في الحبس إذا كان الحبسُ عليه وعلى عقبه صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن عقب الرجل ولده وولد ولده ما سفلوا وإن بَعُدوا، وقوله: إنه يفضل ذو العيال بقدر عياله هو المشهور في المذهب أن المحبس المُعَقّب يُقسم قدْرَ الحاجة وكثرة العيال من قلتهم، وحكى محمد بن المواز عن ابن الماجشون أنه لا يفضل ذو الحاجة على الغنى في الحبس إلّا بشرط من المحبس، وهو ظاهر ما في رسم القطعان من سماع عيسى في الذي يحبس في مرضه على ولده وولد ولده لأنه قال فيه: إن الحبس يقسم بين أعيان الولد وولد الولد ذكورهم وإناثهم شَرَعا سواء على عددهم للذكر مثل حظ الأنثى، مثله في رسم الصلاة من سماع يحيى إلّا أن يقال معنى ذلك إذا استوت حالتُهُم، فقد قال ذلك سحنون وابن المواز، والظاهر خلافُ ذلك، وعلى هذا يأتي ما حكى محمد بن المواز عن ابن القاسم أن من مات منهم بعد الطياب في الثمرة فحقه لورثته، ومن ولد منهم بعد طيابها فلا حق له فيها، ومن ولد منهم قبل طيابها بعد الإِبار أو قبْله فحقه ثابت فيها، إلّا أنّ الذي يأتي على قياس المشهور أنها تقسم على قدر الحاجة أن يسقط حق من مات منهم قبل القسمة وإن كان ذلك بعد طيب الثمرة، وأن يدخل فيها من ولد منهم قبل القسمة وإن كان ذلك بعد طيب الثمرة، وهو نص قول ابن كنانة وابن نافع في المدنية، وفرق ابنُ نافع فيها بين السكنى والغلة، فقال في السكنى: إن الغني والفقير فيه سواء، بخلاف الغلة، وساوى ابن القاسم بين السكنى والغلة بأنه يؤثر بذلك الفقير على الغني، هذا قوله في

المدنية وهو على المشهور في المذهب في أن الحبس المعقب يؤثر فيه المحتاج على الغني. وقولُهُ في الرواية فهم مع آبائهم في الحبس سواء، ولا يكون الآباء أولى من الأبناء هو نص ما في رسم القطعان من سماع عيسى وما في رسم الصلاة من سماع يحيى، وما حكى سحنون في المدونة عن المغيرة وغيره من أنه كان يُسَوي بينهم خلافُ ما في المسألة التي بعد هذه وخلاف المعلوم من مذهب ابن القاسم وما في المدونة لمالك من أن الآباء يؤثرون على الأبناء، ولا يكون للأبناء معهم في السكنى إلّا ما فضل عنهم، وسواء على قولهما قال: حُبُسٌ على ولدي ولم يزد فدخل معهم الأبناء بالمعنى، أو قال: على ولدي وولد ولدي فدخلوا معهم بالنص، وقد فرق بين ذلك أشهب فقال: إذا دخلوا بالمعنى بُدئ الآباء عليهم، وإن دخلوا بالنص لم يبدءوا عليهمَ وكانوا بمنزلتهم، وهذه الثلاثة الأقوال في تفضيل من سمى من الآباء على من لم يسم من الأبناء وعلى من سمى منهم، وأما من سفُلَ منهم ممن لم تتناوله تسمية المحبِّس فلا يفضل الآباء منهم على الأبناء إذا استووا في الحاجة هذا نص قول مالك في المدونة، ولا أعرف في ذلك نص خلاف، وقد يدخل فيه الخِلَاف بالمعنى من قوله فيما تقدم في الموالي ويبدأ بالأقرب فالأقرب من ذوي الحَاجَةِ إلّا أن يكون الأباعد أحوج فيؤثرون، قال: وهذا قول مالك وهو أحب ما فيه إلي، وفي قوله: (وهو أحب ما فيه إلي) دليلٌ على الخلاف، وهو ما وقع في رسم الشريكين بعد هذا من أن موالي الموالي يدخلون مع الموالي ولا يفضلون عليهم في ظاهر قوله: (إذا استوت حاجتهم) فيتحصل في المسألة أربعة أقوال: أحدها: أنه لا يُبَدَّأ الآباءُ على الأبناء جملة من غير تفصيل، والثاني: أنهم يبَدِّأونَ عليهم جملة من غير تفصيل أيضا، والثالث: أنه يبدأ منهم من دخل بالنص على من دخل بالمعنى، ولا يبدأ منهم من دخل بالنص على من دخل بالنص ولا من دخل بالمعنى على من دخل بالمعنى، والرابع: أنه يبدأ منهم من دخل بالنص على من دخل بالمعنى ومن دخل بالنص على من دخل

مسألة: حبس الرجل داره على ولده وعلى ولد ولده

بالنص، ولا يُبَدّأ منهم من دخل بالمعنى على من دخل بالمعنى. وهذا القول أضعف الأقوال؛ لأنه إذا بدئ من دخل بالنص على من دخل بالنص وجب أن يُبَدّأ من دخل بالمعنى على من دخل بالمعنى، وبالله التوفيِق. [مسألة: حبس الرجل داره على ولده وعلى ولد ولده] مسألة قال مالك: إذا حبَّس الرجلُ دارَه على ولده وعلى ولد ولده، فإن ولد الولد يسكنون معهم إن وَجَدُوا فضلا، وإن لم يكن فضل فالأدْنَوْنَ أولى، فإن كان فضل أو خرج بعض الأدنين إلى سفر سكن الذين يلونهم، فإن جاء أحد من الأدنين لم يخرج عنه كما لم يدخل عليه، وذلك شأن الحبس والسكنى إذا تصدق عليهم بالسكنى. قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة خلافُ قوله في المسألة التي قبلها مثلُ قوله في المدونة؛ لأنّه إذا رأى في المسألة التي قبل هذه ولد العقب مع العقب بالسواء وإن كانوا إنما دخلوا في الحبس بالمعنى، فأحرى أن يَرَى في هذه المسألة وَلَدَ الولد مع الولد بالسواء لإِدخالهم معهم بالنص، وقدْ مضى تحصيلُ القول في ذلك قبل هذا فلا معنى لإِعادته، وقوله: أو خرج بعض الأدنين إلى سفر فسكن الذين يلونهم ثم جاء لم يخرج عنه كما لم يدخل عليه، معناه إذا خرج إلى سفر بعيد يشبه الانقطاع أو كان يريد المقام في الموضع الذي سافر إليه. وأما إذا سافر ليعود فهو على حقه، وهذا نص قول مالك في رسم البز بعد هذا، وتفسير ابن القاسم في المدونةّ لقول مالك فيها أنه إن غاب أو مات سكن مسكنه، أي إن كان يريد المُقام في الموضع الذي غاب إليه، وأما إن كان سافر ليرجع فهو على حقه وقال علي في روايته: إن غاب مُسْجلا ولم يذكر ما قال ابن القاسم ولا يخالف علي لابن القاسم في تفسيره والله أعلم، والخلافُ في هذه المسألة إنما يكون فيما يحمل عليه

مسألة: تصدق على بناته بصدقة حبسا فإذا انقرض بناته فهي لذكور ولده

غيبته فيكون على ظاهر قول مالك في رواية علي عنه محمولة على الِانقطاع والمقام حتى يتبين خلافُ ذلك، وعلى ظاهر قول ابن القاسم محمولة على الرجوع وعلى غير الانقطاع حتى يتبين خلافُ ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على بناته بصدقة حبسا فإذا انقرض بناته فهي لذكور ولده] مسألة وسُئِلَ مالك عن رجل تصدق على بناته بصدقة حبسا فإذا انقرض بناتُهُ فهي لذكور ولده وهو صحيح فيُبَتِّلُ ذلك لهن فتكون للِإناث حتى يهلكن جميعُهُن وللرجل يومَ هلكن كلهن ولدٌ وولدُ ولدٍ ذكور، فقال ولدُ الولد: نحنُ من ولده ندخل في صدقة جدنا، وقال ولده لصلبه: نحن آثَرُ وَأوْلَى، فقال مالك: أرى أن يدخل معهم ولد الولد، وذلك أني أراهم ولده يكونون معهم فيها. قال محمد بن رشد: قوله: (إنه يدخل ولد الولد مع الولد) بقوله: (فهي لذكور ولده) صحيح على المشهور في المذهب؛ لأن الولد يقع على الولد الذكر والأنثى وعلى ولد الولد الذكر؛ لأن ولد الولد الذكر بمنزلة الولد إذا لم يكن ولد في الميراث، فلما كان له حكم الولد في الميراث وجب أن يدخل في الحبس. وكذلك تدخل مع بناته لصلبه إذا تصدق على بناته بصدقة حبس بناتُ بنيه الذكور من بنت الابن بمنزلة الابنة في الميراث إذا لم يكن ابنٌ ولا ابنة، فلا شيء لذكور ولد المحبس في هذه المسألة حتى تنقرض بَنَاتُهُ وبنات بنيه الذكور، وقد نص على ذلك في رسم العشور من سماع عيسى وقال: إنه يدخل ولدُ الولد مع الولد ولا يفضل الولد عليه في ظاهر قوله، فهو خلاف قوله في المسألة التي قبلها موافق لقوله في المسألة التي فوقها، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في تكلمنا عليها فلا معنى لِإعادته، وقد قيل إنه لا يدخل في تحبيس الرجل على ولده إلّا وَلَدٌ لصلبه ذكورهم وإناثهم، وهو قول غير ابن

القاسم في سماع سحنون في الذي يحبس على ابنته وعلى ولدها، ويأتي على رواية أصبغ عن ابن القاسم في كتاب الوصايا فيمن أوصى لولد فلان أن الوصية تكون لذكور ولد، ولا يدخل في ذلك إناثهم بخلاف إذا قال: لبني فلان، فإنه يدخل في ذلك بنو فلان ذكورهم وإناثهم، إن من حبس على ولده لا يدخل في الحبس إلا ذكور ولده لصلبه خاصة. وجه القول الأول: أن ولد الولد الذكر ذكورا كانوا أو إناثا لما كان لهم حكم الولد في الميراث إذا لم يكن فوقهم ولد وجب أن يدخلوا في الحبس على الولد. وجه القول الثاني: أن الحبس على الولد لو كان يدخل فيه ولد الولد كما يدخل فيه إذا حبس على ولده لم يكن لذكر ولد الولد في التحبيس فائدة ولكان لغوا لا فائدة فيه. ووجه القول الثالث الذي يتخرج على رواية أصبغ في الوصية: أن الولد قد يعرف عند عامة الناس بالولد الذكر للصلب خاصة، وإذا سألت من ليس له، ولد ذكر وإن كان له بنات أو أولاد أوْلاَدٍ هل لك ولد؟ يقول كل ليس لي ولد، وإنما لي بنات وحفدا أولاد أولادي، ولا يعرف أن الولد يقع علىكل من يرجع نسبه إلى الرجل إلّا الخاص من العلماء، فتحققنا أن المحبس أراد ذكور ولده لصلبه بقوله: " حبست على ولدي "، ولم يتحقق أنه أراد دخول من سواهم فيه، فوجب ألا يدخلوا فيه بشك. وأما أولاد البنات فلا يدخلون في الحبس على مذهب مالك بقول المحبس: " حبست على ولدي " لم يختلف في ذلك قولُهُ ولا التأويل عليه فيه؛ لأنهم لا ينتسبون إليه ولا يرثونه وإن كان اسم الولد يقع عليهم في حقيقة اللغة بدليل قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحسن: «إنّ ابْنِي هَذَا سَيد

: جعل دارا له حبسا صدقة على ولده لا تباع إلا أن يحتاجوا إلى بيعها

وَلَعَل اللهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ومن الناس من ذهب إلى أنه لا يسمى ولد البنت ولدا إلّا مجازا لا حقيقة، وليس ذلك بصحيح؛ لأن ولد البنت أحق بالتسمية من جهة اللغة من ولد الولد. واختلف إذا قال حبست على وُلْدِي ووُلْد ولدي هل يدخل ولد البنات في ذلك على مذهب مالك أم لا؟ وقد فرَغنا من بيان هذه المسألة وتفسيرها في غير هذا الديوان، وهو كتاب المقدمات وبالله التوفيق. [: جعل دارا له حبسا صدقة على ولده لا تباع إلا أن يحتاجوا إلى بيعها] ومن كتاب أوله: حلف ألّا يبيع رجلا سلعة سماها وسُئِلَ مالك عن رجل جعل دارا له حبسا صدقة على ولده لا تُبَاعُ إلّا أن يحتاجوا إلى بيعها فإن احتاجوا إليها واجتمع ملاؤهم على ذلك باعوا واقتسموا سواء ذكرهم وأنثاهم فهلكوا جميعا إلّا رجل فأرادَ بيعها، أذلك له وقد احتاج إلى بيعها؟ قال: نعم، فقيل له فإن امرأة ثَمّ وهي بنت أخت الباقي الذي يريد أن يبيع وهي من بنات المحبس قالت: إن بعتَ فأنا آخذ ميراثي من أمي؟ قال: لا أرى لها في ذلك شيئا، قال ابن القاسم: ولو اجتمع ملاؤهم على بيعها قسموا ثمنها على الذكر والأنثى سواء؛ لأنها صدقة حازوها وليست ترجع بما ترجع به المواريث إلى عَصَبَةِ الذي تصدق بها. قال محمد بن رشد: قوله إلّا أن يحتاجوا إلى بيعها يريد أو يحتاج أحدهم إلى بيع حظه منها بالحبس قَلّ لكثرة عددهم أو كَثُرَ لقلتهم، فيكون

: تصدق على ثلاثة نفر بثمر حائطه فابروها ثم أحدهم مات

ذلك له ويبطل الحبس فيه ويكون ثمنه مالا من ماله، وكذلك إن احتاجوا كلهم فباعوا كان الثمن لهم مالا مر مَالِهِم على قدر حقهم في الحبس كثروا أو قلوا وإن لم يبق منهم إلا واحد فاحتاج كان له الثمن كله وبطل الحبسُ في الجميع بشرط المحبس، ومن مات منهم قبل أن يحتاج سقط حقه؛ لأنه إنما مات عن حبس لا يورث عنه ويرجع إلى من معه في الحبس ولا يورث شيء منه على المحبس لأنه قد انْبَتَّ منه إذ قد حبسه حبسا صدقة على غير معينين وحيز عنه في حياته، فالحكم فيه أن يرجع بعد انقراض المحبس عليهم إلى أقرب الناس بالمُحَبِّسَ إلا أن يحتاجوا فيكون لهم البيع بشرط المحبس، ويعودُ ما كان بأيديهم منه بالحبس ملكا يجوز لهم بيعه وأخذ ثمنه، ولا يعود شيء منه إلى المحبس ملكا ولا يورث عنه. وقوله في آخر المسألة: وليست ترجع بما ترجع به المواريث إلى عصبة الذي تصدق بها، يريد أنها لا ترجع إلى ورثته وإنما ترجع إلى أقرب الناس بالمحبس حبسا عليهم إن انْقَرَضَ المحبَّس عليهم قبل أن يحتاجوا أو يبيعوا، وبيانُ هذا الذي ذكرتُهُ كله في كتاب ابن المواز، قال مالك فيه: من حبس على ولده وشرط إن احتاجوا باعوا فذلك جائز، فمن احتاج منهم فله بيع حظه، فإن باعوا فلا يدخل أحد في ثمن ذلك من ورثة الميت، فإن انقرض من حبس عليه إلا واحدا فاحتاج فباع فالثمنُ كله له ليس لورثة أهل الحبس ممن مات منهم فيه شيء؛ لأن من انقرض سقط حقه وصار لمن بعده، قال محمد بن المواز: وإن انقرض قبل أن يحتاج فليس لورثته ولا لغيرهم فيها شَيْءٌ ورجعت كما يرجع غيرها من الأحباس وبالله التوفيق. [: تصدق على ثلاثة نفر بثمر حائطه فابروها ثم أحدهم مات] ومن كتاب أوله: اغتسل على غير نية وسئِلَ عن رجل تصدق على ثلاثة نفر بثمر حائطه فابّرُوها، ثم

إن أحدهم مات، قال: ما أراها إلّا لهم كلهم؛ لأنه قد أَبّرَ وَسَقَى فهي بينهم كلهم، ثم نزلت وقضى فيها أنه ليس له فيها شيء للذي مات إذا كان حبسا، وإنما يكون لورثة من مات منهم إذا مات بعدَ أنْ تطيب الثمرة، ومن مات منهم قبل أن تطيب الثمرة فلا حق له، وإنما تكون منهم إذا مات وقد أبرت إذا لم تكن حبسا فأما الحبس فلا يكون لهم حتى يطيب، وكذلك قال مالك، وأما إذا كانت صدقة من غير حبس فهي لورثة الميتَ أبِّرَتْ أو لم تُؤبر. قال محمد بن رشد: معنى قوله: تصدق على ثَلاثة نفر بثمر حائطه أي حبسها عليهم، ويحتمل أن يريد أنه حبسها عليهم حبسا صدقة، وعلى ذلك تكلم لأن الصدقة المبتولة من غير حبس لا اختلاف في أنّ حظ مَن مات منهم لورثته وإن لم تؤبر، وذلك بين من قوله: وإنما يكون لمن مات منهم إذا مات وقد أبرت إذا لم تكن حبسا، وقوله: ما أراها إلّا لهم لأنه قد أبَّر وسقي فهي بينهم، هو خلاف ما في المدونة من قول ابن القاسم وغيره من الرواة، وقولُه: ثم نزلت فقضى أنه ليس فيها شيء للذي مات وإنما يكون لورثة من مات منهم إذا مات بعد أن تطيب الثمرة، هو قول ابن القاسم وروايتُهُ عن مالك في المدونة، ولا اختلاف في أنها تجب بالطياب لمن مات منهم بعده، ولا في أنها لا تجب لمن مات منهم قبل الِإبار في الحبس وإنما الاختلاف إذا مات أحدهم بعد الإبار وقبل الطياب أو ماتوا جميعا. فإذا مات أحدهم ففي ذلك خمسة أقوال: أحدها: أن حظه يرجع إلى المحبس، والثاني: أنه يكون لمن بقي منهم وهذا القول هو الذي رجع إليه مالك في المدونة وإياه اختار ابن القاسم، والثالث: أنه يكون لمن بقي منهم إن كانوا يلون عملها أو كان عبدا يخدمهم أو دارا يسكنونها وترجع إلى المحبس إِن كانوا لا يلون عملها وإنما يقسم عليهم ثمرتها، والرابع: أن الميت يجب له حضه بالإِبار إن كان قد أبر وسقى، وهو القول الأول في هذه الرواية: ما أراها

إلا لهم كلهم، لأنه أبِّرَ وسَقى، والخامس أن الميت يجب له حظه بالإِبّارِ وإن لم يؤبر ولا سقي، وهو قول غير واحد من الرواة في المدونة: وإن مات منهم ميت والثمرة قد أبرت فحقه فيها ثابت، وهو مذهب أشهب. وأما إذا ماتوا معا كلهم ففي ذلك ثلاثة أقوال أحدها: أن الثمرة ترجع إلى المحبس، والثاني: أنها تكون لورثتهم لأنه قد استوجبها كل واحد منهم بالإِبار، وهو مذهب أشهب، والثالث: أنها تكون لورثتهم إن كانوا قد أبَّرُوا وسقوا وترجع إلى المحبس إن كانوا لم يؤبروا ولا سَقَوا، وهو القول الأول في هذه الرواية؛ لأن موتهم كلهم بمنزلة إذا كان المحبَّس عليه واحدا فمات، وإن مات واحد بعد واحد ففي موت الآخر منهم ثلاثة أقوال وإنما ترجع الثمرة إلى المحبس في الموضع الذي ترجع إليه على القول بأنها ترجع إليه إذا قال حبسا ولم يقل حبسا صدقة، وأما إن قال حبسا صدقة فإنما ترجع إلى أقرب الناس بالمحبس حبسا ولا ترجع إليه ملكا، لم يختلف قولُ مالك في ذلك على ما حكى ابن القاسم في المدونة، وفي كتاب ابن عبد الحكم إن قوله اختلف في ذلك أيضا. فيتحصل فيما تجب به الثمرة للمحبَّس عليهم بأعيانهم ثلاثةُ أقوال أحدها: أنها تجب لهم بالإِبار، والثاني: أنها لا تجب لهم بالإِبار إلّا مع أن يكونوا هم سقوها وأبروها، والثالث: أنها لا تجب إلا بالطياب. وأما إن لم يكونوا معينين مثل أن يكون المحبس على رجل وعقبه، فقيل إنها تجب لهم بالطياب وقيل إنها لا تجب لهم إلا بالقسمة. وأما إن كان الحبس على مثل بني زهرة أو بني تميم فلا تجب لأحد منهم فيها حق إلا بالقسمة، فمن مات قبلها بطل حقه ومن ولد قبلها كان من أهلها، هذا تحصيل القول في هذه المسألة لأنه قال فيها إن من مات منهم قبل أن تطيب الثمرة فلا حق له، ولم يبين لمن تكون؟ وإذا كان الميت منهم قد أبر

مسألة: يحبس دارا له أو أرضا على رجل حياته أو يعمرها فيفقد

وسقى فلم يكن له الثمرة على القول الثاني ورجعت إلى المحبس إن كانت لمن بقي منهم كان لورثته الرجوع عليه بما أبر وسقى ورأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها المسألة التي نزلت فأفتى فيها أنه ليس له شيء وإن كانت قد أبرت معناها أنهم لم يعلموا، فليس ذلك اختلاف من قوله وإنما فَرْقٌ بين المسألتين، وقولُهُ بعيد من لفظ المسألة ولا يصح في المسألة سوى ما قلنا وبينا وبالله التوفيق. [مسألة: يحبس دارا له أو أرضا على رجل حياته أو يعمرها فيفقد] مسألة وسئل عن الرجل يحبس دارا له أوْ أرضا على رجل حياته أو يُعْمَرُهَا فيفقد قال: توقف كما يوقف ماله حتى يُسْتَبَانَ أمره. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنها قد وجبت له قبل أن يفقد فوجب أنْ توقف له إذا فُقدَ، وهو نص قول مالك في كتاب ابن المواز، قال: توقف غلتها إلى حِين لَا يَحْيىَ لِمثله، فيكون ذلك لورثته إلَّا أن يعلم أنه مات قبل ذلك فيرجع الفضل إلى ربها، قال محمد: أو حَيْثُ أَرْجَعَهُ ولو كان الحبس عليه أو العُمْرَى له بعد أن فقد لوجب أن توقف الغلة، فإن عُرفت حياتُه كان له من الغلة ما يجب له منها من يوم أُعْمِر َإياها إلى يوم وفاته ورجع الفضل إلى المحبس أو إلى حيث أرجعه وإن لم تعرف حياته حتى أتى عليه من السنين ما لا يحيى لمثلها رجع جميع ذلك للمحبس أو إلى حيث أرجعه وبالله التوفيق. [مسألة: حبس دارا له على رجل حياته فبنى في الدار مسكنا ثم مات] مسألة قال: وسئل عن رجل حبس دارا له أو أرضا على رجل حياته فبنى في الدار مسكنا أو غرس في الأرض نخلا ثم مات، فقال إن

: حبس منازل له على ولده وكن أربع بنات

أرْضَى صاحبَ الدار ورثةُ الرجل فذلك له، وإلا قلعوا نخلهم وأخذوا نقضهم من الدار. قال الإِمام القاضي: وقعت هذه المسألة في نص الروايات هاهنا، وستأتي في موضعها بعد هذا من هذا السماع، وهي خلافُ قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب الحبس من المدونة مثل قول المخزومي فيه، ومثل ما في كتاب الشفعة منها، ومثل ما في التفسير لابن القاسم من رواية يحيى عنه، وقوله: " إن أرضى صاحبَ الدار ورثَهُ الميت وإلا قلعوا نخلهم وأخذوا نقضهم " معناه إن مات بحدثان ما بَنَى وغرس، وأما إن لم يمت حتى مضى من المدة ما يُرى أنه بنى وغرس إلى مثله فيكون لصاحب الدار أن يأخذ النقض والنخل بقيمتها مقلوعة إن شاء وإن أبَى قلعوا نخلهم وأخذوا نقضهم على مذهب ابن القاسم فيمن بنى فيما اكْترَى وكذلك في اَلنوادر لمالك من رواية ابن القاسم عنه أن لهم أن يقلعوا نقضهم إِلا أن يعطيهم قيمةَ ذلك مطروحا بالأرض، ومعنى ذلك إذا كان قد مضى من المدة ما يُرى أنه بنى إلى مثلها على ما ذكرناه، وأما على رواية المدنيين عن مالك في أن للمكتري قيمةَ بنيانه قائما، فيكون الحكم في الحبس ما قاله في الرواية من أن صاحب الدار إن أرضى الورثة وإلا قلعوا نخلهم وأخذوا نقضهم طالت المدة أو قصرت، وهو ظاهر قول المخزومي في الحبس من المدونة إِن البناء الذي له القدرُ مالٌ من ماله يُباع في دَيْنِهِ، فهذا حكم ما بنى للسكنى إذا مات، وأما إذا لم يمت فهو أحق بسكنى ما بنى لا يدخل عليه فيه غيره، ولو بنى حوانيت وبيوتا للغلة والكراء لَقَاصَّ نفسه بما قبض من الخراج حتى يستوي ما أنفق في ذلك حسبما يأتي في رسم حمل صبيا من سماع عيسى بعد هذا وبالله التوفيق. [: حبس منازل له على ولده وكن أربع بنات] ومن كتاب أوله: شك في طوافه وسئل عن رجل حبس منازلَ له على ولده وَكُنّ أربعَ بنات وقد

مسألة: الفرس يحبس في سبيل الله فيأتي بعض من يريد أن ينزيه فيمنعه من ذلك

بلغن وتزوجن وحزن أموالهن ودفع إليهن أموالهن وكان عَم لهن يَلِي حبسهن فاتهمنه في غلتهن وطلب بعضهن أن تُوَكَّل بحقها ويدفع ذلك إليها، قال: أرى أن يُنظَرَ في ذلك، فإن كان حسن النظر لم أر ذلك لها، وإن كان غير ذلك رأيت أن يجعل معه من يوكله بذلك. قال محمد بن رشد: قوله: " وكان عم لهن يَلِي حبسهن" معناه أنه كان يليه بجعل المحبس ذلك إليه، إذ لو كان يليه بجعلهن ذلك هن إليه لكان لمن شاءت منهن أن توكل بحقها من شاءت سواه، ولم يكن للسلطان في ذلك نظر؛ لأن لكل واحدة منهن أن تعزله عن النظر لها إن شاءت متى شاءت، وقولُه: ينظر في ذلك فإن كان حسن النظر يريد ثقة مأمونا غير متهم لم أر ذلك لها، وقوله: وإن كان على غير ذلك يريد سيئ النظر أو غير مأمون رأيت أن يجِعل معه من توكله بذلك، وإنما رأى لها أن توكل بحقها ولم تعزله عن النظر لكونه سيئ النظر غير مأمون، من أجل أنهن مالكات لأمورهن، وقد رضي به بعضهن، وَلَوْ لَمْ ترض به واحدة منهن لعزله القاضي عنهن وكان من حقهن أن يوكلن من رضين به، ولو كُنَّ غير مالكات لأمور أنفسهن لوجب إذا ثبت عند السلطان أنه سيئ النظر غير مأمون أن يعزله ويقدم سواه، ولم يلتفت إلى رضا من رضي به منهن، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: لو اتهمه جميعُهن لكان لهن إخراج ذلك من يديه، وإنما بقي في يديه لأنهن اختلفن فاتهمه بعضهن ولم يتهمه الباقون، وفي قوله نظر فتدبره وباللَه التوفيق. [مسألة: الفرس يحبس في سبيل الله فيأتي بعض من يريد أن ينزيه فيمنعه من ذلك] مسألة وسئل مالك عن الفرس يحبس في سبيل الله فيعطاه رجل فيأتي بعض من يريد أن يُنْزِيَه فيمنعه من ذلك أترى ذلك واسعا؟ قال: نعم النزو يُضْعِف فأرى أن يمنعه ويستبقيه لما جعل له فيه، قال مالك: وكذلك الإِبل.

مسألة: حبس عدقين على مسجد في مصباحه

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه ولا موضع للقول وبالله التوفيق. [مسألة: حبس عدقين عَلى مسجد في مصباحه] مسألة وسئل عن رجل حبس عدقين عَلى مسجد في مصباحه ومرَمّتِهِ في دار من دور الأنصار، فانقرض أهل تلك الدار وسكنها قوم آخرون وبقي رجل من أهل تلك الدار الذين انقرضوا فانتقل ذلك الرجل إلى دار أخرى وأخذ تَمَرَ ذينك العدقيْن يَأكُلهمَا ويصنع فيهما ما شاء فَكُلِّمَ في ذلك، فقال: إنما كان ذلك حين كان أهل الدار ثَمَّ فَلمَا انقرضوا فهما لي أصنع فيهما ما شئتُ، قال مالك: ليس ذلك له، وهما على ما وضعهما عليه صاحبها من شأن المسجد من مصباح المسجد ومرمته. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إذ لا تَعَلّقَ لحبسه بسكنى الأنصار في الدار؛ لأنه إنما حبس العدقين اللذين كَانَا له مِلكا ومَالا في دار الأنصار، ولم يقل إنه حبسهما ما دامت الدار للأنصار ولا في لَفْظِهِ في التحبيس ما يدل على ذلك فلا يصدق فيه إِن ادعاه وبالله التوفيق. [مسألة: أحد الورثة إذا اشترى قدر حظه من السكنى يملك بذلك التصرف في حظه] مسألة وسئل عن رجل حبس دارا له على ولد له وابن أخ له حَيَاتَهُمَا ولم يجعل لعقبهما شيئا، ومرجعُهما إليه، فأراد أن يشتري صاحب الحبس من ابن أخيه ما حَبَّس عليه، واستغنى ابنُ أخيه عنها فأراد بِيعها من الذي حبسها عليه قال: ذلك جائز وكره أن يبيعها من غيره، وقال: كيف يشتريها غيره ولا يدري ما يعيش؟ قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة في كتاب الصلح وكتاب

الوصايا وفي غير ما موضع من هذا الكتاب، ومن كتاب الصدقات والهبات من ذلك ما وقع في رسم طلق بعد هذا من هذا السماع وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات وفي رسم أصبغ منه، وإنما جاز ذلك وإن كانت مدة حياتهما مجهولة لأنه يملك بذلك التصرف في الدار، فكأنه إنما ابتاع رقبتها، وكذلك ورثته يُنَزَلون منزلةُ في اشتراء السكنى منه، ولا يجوز لأحد منهم أن يشتري أكثر من حظه منها عند ابن القاسم، وأجاز ذلك المخزومي، ولم يجز ابن كنانة لأحدهم أن يشتري قدر نصيبه إِلَّا أن يجتمعوا فيشتروا الجميع، وقول ابن القاسم هو الصحيح في النظر؛ لأن أَحَد الورثة إذا اشترى قدرَ حظه من السكنى يملك بذلك التصرف في حظه، وكذلك يجوز للمحبس عليهما السكنى حياتهما أن يشتريا المرجع من الذي يرجع إليه فيملك بذلك رقبة الدار على ما قاله في المواضع المذكورة من هذاَ الكتاب، ومن كتاب الصدقات والهبات، ووقع في رسم البيوع الأول من سماع أشهب بعد هذا من هذا الكتاب أنه لا يجوز لمن حبست عليه وصيفة حياتَه أن يبتاع المرجع من غرماء المُحَبِّس، فقيل إن ذلك اختلاف من القول، وقيل ليس ذلك باختلاف منه، ويجوز للمُخَدَم حياته أن يشتري مرجع الجارية من الذي أخدمه إياها فيملك بذلك الرقبة ملكا تاما، ولا يجوز له أن يشتريه من غرمائه إذا كان عليه دين، والأول أظهر أن ذلك اختلاف من القول؛ لأن حق الغرماء ليس في عين مرجع الوصيفة، وإنما هو في ذمة المحبس وعلى ملكه يباع، فلا فرق بين أن يبيعه عليه الغرماء في دَيْنِهم أو يبيعه هو ليؤدي دينه أو لبعض حاجته فيما يجوز من ابتياع المرجع، وكذلك لو بيع بعد موت المحبس فيما عليه من الدين؛ لأن الدين إِنما هو في ذمة الميت لا في عين التركة على الصحيح من الأقوال، ولأنه يملك الرقبة باشتراء المرجع، اشتراه من الذي أخدمه أو من ورثته أو من غرمائه، ولا يجوز على القول الآخر اشتراه منه أو من ورثته أو من غرمائه؛ لأنه غرر، إذ لا يدري متى يرجع المرجع إلى الذي باعه منه، ووجه التفرقة بين الموضعين أن المُخْدِم والمُحَبِّسَ لما كانا فعلا معروفا

مسألة: الحبس يحبسه الرجل على ولده ويقول إن تزوجت امرأة فلا حق لها

بمن أخدماه وأسكناه جاز لهما أن يشتريا الخدمة والسكنى ليملكا بذلك التصرف في الدار أو العبد بالبيع فيكونا إذا فعلا ذلك كأنهما إنما اشتريا الرقبة جاز لهما أن يبيعا منه المرجع من المخدم والمسكن؛ لأنه يملك بذلك الرقبة، ولما كان الغرماء لا يجوز لهم اشتراء الخدمة لم يجز لهم بيع المرجع. ولا يجوز باتفاق اشتراء الخدمة أو السكنى لغير الذي له الرقبة ولا اشتراء المرجع لغير الذي له الخدمة والسكنى، وينزل ورثة المحبس والمخدم منزلة موروثهما فيما يجوز لهما من اشتراء الخدمة أو السكنى، ويُخْتَلَفُ هل ينزل الموهوب الخدمة والسكنى منزلة الواهب في جواز ابتياع المرجع، وهل ينزل الموهوب له المرجع منزلة الواهب في جواز ابتياع الخدمةَ والسكنى على قولين، الأظهر منهما أنه ينزل منزلتهما في ذلك على ما قاله في العَرَايَا من المدونة من أنه يجوز لمن أسكن رجلا حياته أن يبتاع السكنى ممن وهب إياه، وبالله التوفيق. [مسألة: الحبس يحبسه الرجل على ولده ويقول إن تزوجت امرأة فلا حق لها] مسألة وسئل مالكٌ عن الحبس يحبسه الرجل على ولده ويقول: إن تزوجت امرأة فلا حق لها، قال: إني لأكره هذا من العمل، قال عيسى: قال ابن القاسم: وأنا أكره ذلك، فإن كان صاحب الحبس حيا رأيت أن يفسخه ويجعله مُسْجَلا ولو مات صاحبه حتى ينفذ ذلك لم أَر للقاضي أن يفسخه لم يكن قول ابن القاسم في رواية سحنون وأنكره ولم يعرفه. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في أول رسم من السماع فلا معنى لإِعادته وبالله التوفيق.

: حبس دارا له حبسا في ثلثه لم يجعل لها مخرجا

[: حبس دارا له حبسا في ثلثه لم يجعل لها مخرجا] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك عن رجل حبس دارا له حبسا في ثلثه لم يجعل لها مخرجا فكيف ترى أن تقسم؟ قال: أرى أن تقسم على ذوي الحاجة، قيل فإن له ولد محتاجين وأغنياء أفترى أن يعطوا منها؟ قال: لا، ولكن أرى أن يعطي المحتاجين منهم منها مع غيرهم من المحتاجين. قال محمد بن رشد: مثلُ هذا في المدونة وفي رسم لم يدرك من سماع عيسى أن من حبس حبسا ولم يجعل له مخرجا فسبيله أن يكون حبسا على الفقراء والمساكين، وقوله في الدار المحبسة على هذا السبيل إنهَا تقسم على ذوي الحاجة، يريد يُقْسَم سُكْنَاهَا عليهم، ومن حصل في مسكن منها لم يخرج منه لغيره إِلَّا أن يستغنى، وقوله: إنه يعطي ولده المحتاجون منها مع غيرهم من المحتاجين صحيح؛ لأن الميت لم يُوصِ بذلك فتكون وصيته لوارث، وإنما هذا أمر يفعله الناظر في تنفيذ الوصية باجتهاده، وسواء كانوا يوم أوصى بالتحبيس محتاجين أو أغنياء ثم احتاجوا بعد ذلك لأنها إنما ردت إلى المساكين بالحكم فوجب أن يستوي في ذلك ورثته وغيرُهم، كمرجع الحبس، ولو أوصى بِتحبيسها على المساكين لكان الحكم في ذلك حكم من أوصى بصدقة ثلث ماله على المساكين فلم يقسم حتى افتقر بعضُ ورثته أو كانوا فقراء، فقال مطرف: إنهم يعطون من الثلث في الحالتين، وقال ابن القاسم في رواية أصبغ عنه: إنهم لا يعطون من الثلث شيئا في الحالتين أيضا، وفرق ابنُ الماجشون بين الحالتين فقال: إن كانوا يوم أوصى مساكينَ لم يُعْطَوا منه؛ لأنه أوصى وَهُوَ يعرف حالهم، فكأنه قد أزاحه عنهم، وإن كانوا يوم أوصى أغنياء ثم افتقروا أُعْطُوا منه. ولو حبس في صحته أصلا يجري غلته على المساكين لأعطى ورثته

مسألة: الرجل وأهله هم المنتسبون من الرجال والنساء إلى من ينتسب إليه

الفقراء منه، كانوا يوم مات أو يوم حبس فقراء أو أغنياء ثم افتقروا بعد ذلك، حكى ذلك ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون، وقالا: إن بذلك حكمت القضاةُ يرى مالك وغيره من الفقهاء غير أنهم لا يعطون جميع غلة الحبس مخافة أن يدرس شأنه وينقطع التحبيس منه، ولكن يبقى منه سهم يجري على المساكيِن ليبقى بذلك اسمُ الحُبُس ويكتب على الورثة كتابٌ بأنهم إنما أعطوا منه على المسكنة والحاجة لا على أن لهم فيه حقا دون المساكين وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل وأهله هم المنتسبون من الرجال والنساء إِلى من ينتسب إليه] مسألة وسئل مالك عمن حبس على رجل وعلى أهله أوْسُقا مسماة من حائط، فهلك رجل من ولد ذلك الرجل الذي حبس عليه وعلى أهله، وولد ولد لم يكن حيا في حياة الجد يوم حبس عليه، أترى أن يدخل في الصدقة؟ قال: نعم، هو من أهله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الرجل وأهله هم المنتسبون من الرجال والنساء إِلى من ينتسب إليه فولده وولد ولده من أهله وهُم غيرُ معينين فيدخل فيما حبسه عليهم من كان حيا يوم القسمة وإن كان ولد بعد التحبيس، ولا خِلَافَ في هذا، كما أن من حبس على ولده فيدخل في حبسه من ولد من ولد ولده بعد التحبيس وإن سفُلُوا، وقد مضى في صدر أول رسم من هذا السماع الكلامُ على الآل والأهل فلا معنى لإِعادته وبالله التوفيق. [مسألة: من حبس أو وهب أو تصدق ليس له أن يرجع] مسألة وسئل عن رجل أسكن رجلا بيتا له ولعقبه ما عاشوا وما عمروا فيه من شيء فهو لهم، فأراد الذي أسكنه في ذلك أن يرجع أترى ذلك له؟ قال: لا، ثم قال أخذ على ذلك ثوابا؟ قال: لا، وكان في

: الثمرة لا تجب للمحبس عليهم إلا بالطياب

كتاب سكناهم ابتغاء وجه الله، قال: لا أرى ذلك له، فقال له منذ كم كان؟ قال: منذ سنين، قال ليس ذلك له. قال محمد بن رشد: ليست هذه المسألة في كل الروايات، وهي مسألة صحيحة لا اختلاف في المذهب في أنَ من حبس أو وهب أو تصدق ليس له أن يرجع عَنْ ذلك، ويحكم به عليه وإن كان لم يقبض منه إن كان لمعين باتفاق، وإن كان لغير معين فعلى اختلاف، والقولان في المدونة على اختلاف الرواية فيها، والإِسكان في هذه المسألة لمعين، فلا اختلاف فيه، والسؤال إنما هو هل له أن يرجع فيه ما لم يقبض منه، إذ من أهل العلم من يرى أَلَّا يُحكم به عليه ما نم يقبض منه، وأما إذا قبض منه فلا كلام فيه، وإنما سأله هل أخذ في ذلك ثوابا؛ لأنه لو أخذ في ذلك ثوابا اشترطه لكان بيعا فاسدا يجب فسخه وبالله التوفيق. [: الثمرة لا تجب للمحبس عليهم إلا بالطياب] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل عن قوم حبست عليهم ثمرة يجري عليهم في كل عام، فبلغت الثمرة الإِبار فأبَّرُوها ثم ولد لرجل منهم بعد الإِبار ولد فلما حضر القسم قال أنا أريد أن آخذ لولدي، وكان ممن أدخل في الصدقة، قال ذلك له يأخذ بقدر ما جعل له فيه. قال محمد بن رشد: هذا على القول بأن الثمرة لا تجب للمحبَّس عليهم إِلاَّ بالطياب، وهو أحد القولين في رسم اغْتسل، وعلى القول الثاني فيه أنها تجب لهم بالإِبار إذا كانوا هم قد سقوا وأبروا، لا يكون لمن ولد بعد ذلك فيها حق، وقد مضى تحصيل الاختلاف في ذلك هنالك موعَبا مستقصى، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري من المرأة ما أمنعها إياه حياتها] مسألة قال ابن القاسم وسئل مالك عن رجل كانت عنده امرأة وأنه

مسألة: كانت لهم دار حبس فباعوها وأدخلوها في المسجد

اشترى متاعا من متاع البيت من نحاس طست ومهراس وغيره، وأشهد لها أنه لها حياتَها تستمتع به، ثم إنه فارقها وخاف أن تُبْدِلَهُ وتأتي بغيره، فأردت أن أزنه عليها، قال: الوزن يختلف وينقص، لا أرى ذلك، ولكن أكتب صفته وأشهد على معرفته وأنقش فيه إن أردت، ثم قال له: اشتره منها، قال قد فعلت فأبت فقال: أشهد على ما قلت لك من صفته ومعرفته، وأكتب بذلك كتابا وأستاني به أن تبيعك إياه أو تشتريه منك. قال محمد بن رشد: أجاز مالك في هذه المسألة للرجل أن يشتري من المرأة ما أمْتَعَهَا إياه حياتَها، ولها أن تشتري منه مرجع ذلك، فيصح لكل واحد منهما بالشراء مِلْكُ الأصل وينفرد به؛ ولا خلاف في جوَاز شرائه هو لِمَا أمتع المرأة، وإنما الاختلاف في جواز شراء المرأة للمرجع على ما ذكرناه في رسم شك من الاختلاف في تأويل ما وقع في رسم البيوع الأول من سماع أشهب هل هو خلاف لسائر الروايات أو يفرق بين المسألتين، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى فلا معنى لإِعادته وباللَّه التوفيق. [مسألة: كانت لهم دار حبس فباعوها وأدخلوها في المسجد] مسألة وسئل عن قوم كانت لهم دار حُبُسٌ فباعوها وأدخلوها في المسجد، قال: أرى أن يشتروا بالذهب دارا أخرى يجعلونها في صدقة أبيهم، قيل له أفيقضي عليهم بذلك؟ قال: لا، إلَّا أن يتطوعوا، فقيل له أفترى لهم أن يشتروا بها دارا؟ قال: نعم، إني لأرى ذلك لهم. قال محمد بن رشد: قولُه وأدخلوها في المسجد يدل على أن ذلك جائز في كل مسجد، مثل ما في نوازل سحنون بعد هذا من هذا الكتاب خلافُ ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ من أن

ذلك لا يجوز إِلَا في مساجد الجوامع إذا احتيج إلى ذلك، وأما مسجد الجماعات فلا، إذ ليست الضرورةُ في ذلك مثلَ الجوامع، وفي النوادر لمالك أن ذلك في كل مسجد مثل ظاهر هذه الرواية، وقولُ سحنون في نوازله وقولُ مالك إنه لا يقضي عليهم أن يشتروا بالثمن دارا يجعلونها حُبسا كما كانت التي باعوا هو قولُ ابن القاسم، وقال ابنُ الماجشون يقضي بذلك عليه، ولو استحقت فأخذ فيها ثمنا فإنه يصنع فيه ما شاء، قاله مالك وابن القاسم، وظاهر قوله فباعوها وأدخلوها في المسجد أنهم طاعوا بذلك وفعلوه باختيارهم، وقد اختلف الشيوخ المتأخرون إذا أبَوا من ذلك في المسجد، فقال أكثرهم تؤخذ منهم بالقيمة جبْرا على ما أحَبوا أو كرهوا، وهو الذي يأتي على قياس قول مالك في هذه الرواية وما روى عن ابن القاسم أيضا من أنه لا يحكم عليهم بجعل الثمن في دار أخرى تكون حبسا مكانها لأنه إذا كان الحق يوجب أن تؤخذ منهم بالقيمة جَبْرا صار ذلك كالاستحقاق الذي يبطل الحبس، فلا يجب صرف الثمن المأخوذ فيه في حبس مثله، ويأتي على قياس قول ابن الماجشون إنه يقضي عليهم أن يجعلوا الثمن الذي باعوها به في دار أخرى تكون حبسا مكانَها أنه لا يقضي عليهم ببيعها إذا أبَوا؛ لأنهم إذا باعوها باختيارهم في موضع لا يحكم عليهم به لو امتنعوا منه كان الحكمُ عليهم بصرف الثمن في دار تكون حبسا مكانَها واجبا لما في ذلك من الحق لغيرهم إن كان الحبس معقبا، وكذلك إن كان عليهم بأعيانهم على القول بأنها ترجع بعدهم إلى أقرب الناس بالمُحَبِّسُ حبسا وقد روى أبو زيد عنه في الثمانية أنه يقضي عليهم ببيعها ليتوسع بها في المسجد الجامع، فقولُه إنه يقضي عليهم بجعل الثمن في دار تكون حبسا مكانها ليس على أصله، فلعله إنما قال إنه يقضي عليهم بذلك فيما عدى المسجد الجامع من المساجد، ومن مذهبه أنه لا يقضي عليه ببيعها إلا في المسجد الجامع وبالله التوفيق.

مسألة: بقرات أوصى بهن رجل أن يقسم ألبانها في المساكين

[مسألة: بقرات أوصى بهن رجل أن يقسم ألبانها في المساكين] مسألة وسئل مالك عن بقرات أوصى بهن رجلٌ أن يقسم أَلْبَانُها في المساكين كيف يُصْنَعُ بها إن ولدت، قال: ما ولدت من أنثى كان كسبيلها يحبس معها، وما ولدت من ذكر حُبِّسَ لنزوها، فإن كثر الذكور عن نزوها بيع ما فضل عن ذكورها واشترى به إناث فزيد فيها، وما كبرت من أنثى حتى ينقطع لبنها بيعت فردت فيها، فاشترى بها إناثا يرد ما يباع منها فيها من ذكورها وما كبر من إناثها في إناث يجعلهن معها وفي مصلحتها في عُلُوفَتها يعمل فيها كما يعمل الرجل في ماله، إلَّا أنه لا يباع من إناثها شيء له منفعة، وما بيع من فضل ذكورها وكبار إناثها رُدَّ في إناث تشترى معها وفي علوفتها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة حسنة صحيحة على معنى ما في المدونة من أن ما ضعف من الدواب المحبَّسة في سبيل الله أو بَلِيَ من الثياب حتى لم يكن في الدواب قوة للغزو، ولا في الثياب منفعة، فإن ذلك يباع ويشترى بثمن الدواب غيرُه من الخيل فيجعله في السبيل، فإن لم يبلغ ذلك ما يشتري به فرسا أو هجينا أو برذونا أعين به في ثمن فرس، ويشتري بثمن الثياب ثيابا ينتفع بها، وإن لم يبلغ ذلك ما يشتري شيء ينتفع به فُرِّقَ في السبيل، خلافُ ما روى غيره من أن ما جُعِلَ في سبيل الله من العبيد والثياب لا يباعُ، وقال: لو بيعت لبيع الربْعُ المحبس، وهو مذهب ابن الماجشون أن من تصدق على قوم بغلام له صدقة محرمة فلا يجوز إن كبر فتخلف وكثرت سرقاته وإباقه أن يباع ويشترى بثمنه غيره يكون مكانه على مثل ما كان عليه من التحريم والحبس، إلا أن يكون شرط ذلك في تحريم صدقته، قال: وكذلك لو تصدق بالبعير أو التيس من غنمه للضراب صدقة محبسة فلا يجوز إنْ كَبِرُوا

: حبس حبسا على ذكور ولده لا يباع ولا يورث حتى يرثها الله فانقرض ذكور ولده

فانقطع ضرابهم أن يباعوا ويشتري بثمنهما غيرُهما إلا أن يكون شرط المتصدق ذلك في أصل تحريم صدقته وموضع الخلاف في ذلك إنما هو في بيع ما كثر من الذكور عن نزوها ليشتري به إناثا لها دَرُّ وفي بيع ما كبر من الإِناث فانقطع درُها ليشتري به إناثا لها دَرُّ وأما بيع ما كثر من الذكور عن نزوها أو كبر من الإناث فانقطع درها فيما يلزم من علوفتها والقيام عليها في رعيها فلا اختلاف في جواز ذلك. لأن الأحباس في جواز بيعها والاستبدال منها إذا انقطعت المنفعة منها تنقسم على ثلاثة أقسام قسم يجوز بيعه باتفاق، وهو ما انقطعت منفعته ولم يرج أن يعود وفي إبقائه ضرر، مثلُ الحيوان الذي يحتاج إلى الإِنفاق عليه ولا يمكن أن يستعمل في نفقته، فيضر الإِنفاق عليه بالمحبَّس عليه أو ببيت المال إن كان محبسا في السبيل أو على المساكين، وقسم لا يجوز بيعه باتفاقَ وهو ما يرجى أن تعود منفعته ولا ضرر في بقائه، وقسم يختلف في جواز بيعه والاستبدال به، وهو ما انقطعت منفعته فلم يرج أن يعود ولا ضرر في إبقائه، وَخَرَابُ الربع المحبس الذي اختلف في جواز بيعه من هذا القسم وبالله التوفيق. [: حبس حبسا على ذكور ولده لا يباع ولا يورث حتى يرثها الله فانقرض ذكور ولده] ومن كتاب أوله: سنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسئل مالك عن رجل حبس حبسا على ذكور ولده لا يباعِ ولا يورث حتى يرثها الله، فانقرض ذكورُ ولده، قال: أراها حبساَ على بنات ذكور ولده وعلى العصبة إِلَّا أَلَّا يكون فيها سعة، فيكون بنات ذكور ولده أحق بها يُبَدَّيْنَ على العصبة إن لم يكن لهم فيها سعة.

مسألة: اتخاذ المساجد على القبور

قال محمد بن رشد: قوله إنها ترجع حبسا بعد انقراض ذكور ولده، صحيح لا اختلاف فيه، لوجهين: أحدهما: أن ذكور ولده غير معينين لأنه يدخل في ذكور ولده ذكور ولد ولده ما سفلوا، والثاني قوله لا يباع ولا يورث حتى يرثها الله، ولو قال: لا تباع ولا تورث ما عاشوا أو حتى ينقرضوا لرجعت إليه بعد انقراضهم ملكا مطلقا ولورثته إن كان قد مات، ولو قال ما عاشوا أو حتى ينقرضوا، ولم يقل لا تباع ولا تورث لرجعت إليه ملكا مطلقا عند مطرف، وقد مضى هذا المعنى مستوفى في أول رسم من السماع فلا معنى لِإعادته. وقوله: إنها ترجع حبسا على بنات ذكور ولده وعلى العصبة معناه إذا لم يكن له بنات لصلبه؛ لأن بناته أقرب إليه من بنات بنيه، وقد مضى في أول رسم من السماع ذكر من يرجع إليه الحبس حبسا بعد انقراض المحبَّس عليهم وما في ذلك من الاِختلاف في النساء فلا معنى لإِعادته وبالله التوفيق. [مسألة: اتخاذ المساجد على القبور] مسألة قال ابن القاسم في اتخاذ المساجد على القبور: إنما أَكْرَهُ من ذلك هذه المساجد التي تبنى عليها، فأما لو أن مقبرة عفت فبنى قوم عليها مسجدا فاجتمعوا للصلاة فيه لم أر بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: إنما كره اتخاذ المساجد على القبور صيانة لها لئلا يكون ذلك ذريعة إلى الصلاة عليها، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَهَم لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنا بَعْدِي يُعْبَدُ اشْتَدَ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» وأما إذا عفت المقبرة وانقطع الدفن فيها

: بنت الابن تسمى بنتا ولها حكم البنت في الميراث إذا لم يكن للميت ابن

فلا بأس أن يبني عليها مسجد للصلاة فيه؛ لأن المسجد والمقبرة حبسان على المسلمين لصلاتهم ودفن موتاهم، فلا بأس أن يستعان ببعض ذلك في بعض وينقل بعضه إلى بعض على أنفع ذلك لهم وأرفقه بهم وأحوجه ما هم إليه، قال ذلك ابن الماجشون في الواضحة، وإذا بنى المسجد على المقبرة لم يتناول المُصَلِّي فيه نهيُ النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الصلاة في المقبرة عند من حمل الحديث على عمومه في جميع المقابر من أهل الحديث؛ لأنها قد خربت من أن تكون مقبرة وتحولت إلى ما تحولت إليه من كَوْنها مسجدا والدليل على ذلك ما جاء من أنه كان في الموضع الذي بنى فيه النبيُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قُبُورٌ للمشركين فأمر بها فَنُبِشَت، وقد روى أبو المصعب عن مالك كراهية الصلاة فيها للحديث، وهذا الذي ذهب إليه عبد الوهاب قال: تُكْرَهُ الصلاة فيها، إلا أن تكون فيها نبش؛ فلا تجوز الصلاة فيها، والمشهور المعلوم من مذهب مالك إجازة الصلاة فيها إما لأن الحديث لم يصح عنده، وإما لأنه حمله على أن المراد به مقابر المشركين كما فعل ابنُ حبيب وبالله التوفيق. [: بنت الابن تسمى بنتا ولها حكم البنت في الميراث إذا لم يكن للميت ابن] ومن كتاب أوله: أخذ يشرب خمرا قال: وسئل عن رجل حبس حبسا وحبس على ابنين له منزلا بعينه وقال في حبسه: وما كان لي من ابنة فهي معهما في حبسهما، أترى بنات ابنه يدخلن معهما في ذلك الحبس الذي لابنيْه؟ قال:

مسألة: يفلس وله أم ولد ومدبرون ولهم أموال

قال مالك: نعم، أرى أن يدخلن في ذلك. " قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثلُه من قوله في رسم العشور من سماع عيسى بعد هذا: وذلك لأن بنت الِابن تسمى بنتا ولها حكم البِنْتِ وفي الميراث إذا لم يكن للميت ابن ذكر ولا أنثى، بخلاف بنت الاِبنة لأنها وإن كانت تسمى ابنة بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحسن: «إن ابني هذا سيد» فليس لها حكم البنت في النسب ولا في الميراث وبالله التوفيق. [مسألة: يفلس وله أم ولد ومدبرون ولهم أموال] مسألة وسئل مالك عمن تصدق على ابنتين بدار على وجه الحبس وكتب لهما في كتاب صدقته، قال: إن شاءتا باعتا، وإن شاءتا أمسكتا، فَرَهَقَ ابنتيه دين كثير دَايَنَتَا به الناس، فقام عليهما الغرماء فقالوا: نحن نبيع الدار قد كتب أبوكما في صدقته إن شئتما بعتما، وإن شئتما أمسكتما، قال مالك: صَدَقوا ذلك لهم أن يبيعوا الدار حتى يستوفوا حقوقهم. قال محمد بن رشد: لمالك في كتاب ابن المواز خلافُ قوله هذا إنه ليس للغرماء ذلك، وهو الذي يأتي على مَالَهُ في كتَاب التفليس من المدونة في الرجل يُفَلَّسُ وله أم ولد ومدبرون ولهم أموال، أنه ليس للغرماء أن يجبروه على أن يأخذ أموالهم فيقضيها إياهم، ولا لهم أن يأخذوها إلا أن يشاء هو أن يفعل ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: تغير ما حبسه في مرضه] مسألة وسئل عن رجل حبس حبسا في مرضه دارا له وجعلها بعد حبسه في سبيل الله حبسا، فأراد أن يغير ذلك في مرضه أذلك له؟ قال: نعم، ذلك له.

: حبس على ولده فلا يدخل في حبسه أولاد البنات

قال محمد بن رشد: قوله إن له أن يغير ذلك في مرضه، يريد فينفذ تغيره ويبطل الحبس إن مات من مرضه ذلك، وأما إن صح فيلزمه الحبس ويُحْكَمُ به عليه وإن كان قد رجع عنه وغيره في مرضه، ووجه ذلك أنه لما كان الحبس لا ينفذ إن مات من مرضه ذلك إلَّا من الثلث حكم له بحكم الوصية في أن له أن يرجع فيه، فعلى قياس هذا إن مات من مرضه قبل أن يغير حبسه وقد أوصى بوصايا مال، فلم يحمل ذلك ثُلُثُه تَحَاصا في الثلث ولم يُبَدَّأ الحبس المبتل في المرض على الوصية بالمال، وهذا أصل قد اختلف فيه قولُ مالك فيمن بَتَلَ عتق عبد له في مرضه وأوصى بعتق عبد له آخر، فروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك أن المبتل في المرض يُبَدّأ على الموصى بعتقه، وأخذ بذلك ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم وابن دينار، وإياه اختار محمد بن المواز فعلى هذا لا يجوز للمريض تغير ما حَبَّسَهُ في مرضه ولا ما بَتَّلَ عتقه فيه، وروى أشهب عن مالك أنهما يتحاصان المبتل في المرض والموصى بعتقه فيه، قال أشهبُ وإنما ذلك عندي بمنزلة ما لو أوصى بعتق عبدين له في مرضه، ثم قال في أحدهما: إن صححت من مرضي فهو حر، فمات من مرضه، أنهما يتحاصان، وقال محمد بن المواز: أما هذا فكما قال، ولا يشبه ذلك أن يوصي بعتق أحدهما ويبتل عتق الآخر في مرضه، بأن يقول له: أنت حر بَتْلا عشت أو مت، وقد قال لي بعض أصحاب مالك: إن مالكا رجع إلى هذا القول، وعليه لقي الله عز وجل، فقولُهُ في هذه الرواية له أن يغير حبسه الذي حبسه في مرضه يأتي على قول مالك هذا الذي رَجَعَ إليه من أنهما يتحاصان ولا يُبدَأُ المبتل في المرض على الموصي بعتقه، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: حبس على ولده فلا يدخل في حبسه أولاد البنات] ومن كتاب أوله: يسلف في المتاع والحيوان وسئل مالك عن حائط كان صدقة فلم يزل ذلك يجري على

ولده للذكر مثل حظ الأنثيين فتزوج الرجل منهم المرأة ثم يموت فتذهب المرأة ولا حق لها وتتزوج المرأة من بناته ثم تموت فيذهب ولدها ولاحق لهم ويرجع نصيبها على من بقي من ولده، فلم يزل ذلك حتى بقي بَعْدُ امرأةٌ ورجلٌ فكانا يأخذان للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم مات الرجل فصارت للمرأة الصدقة تأخذها كلها، ثم هلكت وتركت أولادا، وَشَهِدَ رجالٌ بالسماع أنهم لم يزالوا يسمعون أنها صدقة، هل ترى لولد المرأة في ذلك حقا؟ قال مالك: لا، ولكن ترجع إلى الأقرب فالأقرب من عصبة المتَصَدِّقِ حُبُسا عليهم، قال عيسى: قلت لابن القاسم: لم كانت للذكر مثل حظ الأنثيين؟ قال: اشترط ذلك. قال محمد بن رشد: قولُه: " وسئل عن حائط كان صدقة فلم يزل ذلك يجري على ولده " معناه: وسئل عن حائط كان صدقة تصدق به رجل على ولده فلم يزل ذلك يجري على ولده للذكر مثل حظ الأنثيين، وقوله: " وشهد رجال بالسماع أنهم لم يزالوا يسمعون أنها صدقة " معناه: لم يزالوا يسمعون أنها صدقة يتصدق بها ذلك الرجل حبسا صدقة على ولده، هل ترى لولد المرأة في ذلك حقا؟ فقال: لا، وذلك على مذهبه الذي يختلف فيه قولُه أن من حبس على ولده فلا يدخل في حبسه أولاد البنات إذ ليسوا بولد لهم حكم الولد في الميراث والنسب؛ لأنهم وإن كانوا في حكم ولده في حقيقة التسمية في اللغة فهم ولد رجل آخر في التسمية والميراث والنسب، فهو بهم أولى. وقوله: " إنها ترجع إلى الأقرب فالأقرب من عصبة المتَصَدِّق حبسا عليهم " صحيح بين لا اختلاف فيه؛ لأنه حبس على غير معينين فلا ترجع إلى المحبس ملكا في قول مالك وأصحابه أجمعين، إلَّا أن يقول ما عاشوا فترجع إليه ملكا على قول مطرف منهم خاصة، وقد مضى هذا في أول رسم وفي غيره من المواضع وبالله التوفيق.

مسألة: قال داري حبس على امرأتي ما عاشت فلم يجز ذلك الورثة

[مسألة: قال داري حبس على امرأتي ما عاشت فلم يجز ذلك الورثة] مسألة قال ابن القاسم في رجل قال داري حبس على امرأتي ما عاشت فلم يُجِزْ ذلك الورثة، قال: ترجع ميراثا على فرائض الله إن شاءوا باعوا، وإِن شاءوا أمسكوا. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة إذا حبس الدار عليهما ما عاشت في مرضه الذي توفي منه أو أوصى بذلك، وقوله: " إنها ترجع ميراثا على فرائض الله إذا لم يُجِز ذلك الورثةُ " معناه على أحد قولي مالك في أن الحبس على معين يرجع بعد انقراض المحبس عليه إلى المحبس ملكا أو إلى ورثته بعده، وأما على قوله الآخر إنها ترجع إلى أقرب الناس بالمحبس حبسا ولا ترجع إليه ملكا مطلقا فإذا لم يُجِز ذلك الورثةُ يدخلون معها في سكنى الدار حياتها، فإذا ماتت رجعت الدار إلى أقرب الناس بالمحبس حبسا وسقط حقهم فيها، ولو أسكنها في مرضه الدار ما عاشت أو أوصى لها بذلك لرجعت إذا لم يُجِز الورثة ميراثا باتفاق والله الموفق. [مسألة: قال داري هذه حبس على امرأتي ما عاشت وبقية ثلثي لفلان وثلث الدار] مسألة قيل لابن القاسم: فإن قال داري هذه حبس على امرأتي ما عاشت وبقية ثلثي لفلان وثلث الدار، قال ابن القاسم: يقال للورثة أسلموا لامرأته ما حبس عليها، فإن قالوا: لا، فهم معها على فرائض الله يسكنون، فإذا انقرضت امرأته صارت الدار لِلذي أوصى له ببقية الثلث فإن أسلموا لامرأته الدار لم يكن للذي أوصى له ببقية الثلث شيءٌ حتى تموت امرأته فإذا ماتت المرأة أخذ الذي أوصى له ببقية الثلث الدارَ، قال ابن القاسم: وسواء عليه قال في هذا الموضع. حُبسا أو سكنى.

مسألة: أسكن دارا له أجنبيا حياته ثم مات الذي أسكن

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة يُبَينها ما ذكرناه في المسألة التي فوقها، وقول ابن القاسم في آخرها: وسواء عليه، قال في هذا الموضع حبسا أو سكنى صحيح؛ لأنه قد بين المرجع ونص عليه بقوله وبقية ثلثي لفلان فلا يدخل في هذه المسألة اختلافُ قول مالك فيمن حبس على معين هل يرجع الحبس إليه أو إلى أقرب الناس به حبسا عليهم، كما دخل في المسألة التي فوقها. وباللَه التوفيق. [مسألة: أسكن دارا له أجنبيا حياته ثم مات الذي أسكن] مسألة قال ابن القاسم: وإن أسكن دارا له أجنبيا حياته ثم مات الذي أسكن رجعت ميراثا لأقرب الناس بالمُسْكِنِ يوم مات المسكن، وإن حبس على أجنبي حياته ثم مات الذي حبس عليه رجعت حبسا على أقرب الناس بالمحبس يوم ترجع. قال محمد بن رشد: أما إذا أسكن دارا له أجنبيا حياته فلا اختلاف ولا إشكَال في أنها ترجع إلى المُسْكِن ملكا يوم مات المُسْكَن، وأما إذا حبس على أجنبي حياته ثم مات الذي حبس عليه، فقيل إنها ترجع إلى المحبس ملكا مطلقا، وقيل إنها ترجع إلى أقرب الناس به حبسا عليه، اخْتَلَفَ في ذلك قولُ مالك، فقوله في هذه المسألة رجعت حبسا على أقرب الناس بالمحبس يوم ترجع يريد على أحد قولي مالك، وهذه المسألة تبين أنه لا فرق إذا حبس على معين بين أن يقول حياتَه أو يسكت عن ذلك في إن اختلاف قول مالك يدخل في ذلك دخولا واحدا خلافُ ما ذهب إليه محمد بن المواز من أنه إذا حبس على معين وقال حياتَه أو سمى أجَلا خرجت المسألة من الخلاف حسبما ذكرناه عنه في أول رسم من السماع وباللَّه التوفيق.

: حبس داره على مواليه ثم هلكت

[: حبس داره على مواليه ثم هلكت] ومن كتاب الشريكين يكون لهما مال قال: وسألت مالكا عن رجل حبس داره على مواليه ثم هلكت فقام موالي الموالي فقالوا: نحن معكم، وقال الموالي: نحن أحق بها، قال: أراهم كلَّهُم فيها وأراها حبسا على الموالي وموالي الموالي يدخلون معهم. قال محمد بن رشد: قولُه أراهم كلهم فيها ظاهرُه أنه لا يؤثر الأقرب منهم على الأبعد إذا استوت حاجتهم، وذلك ما مضى في أول رسم من السماع، وكذلك اختلف أيضا في تفضيل الآباء على الأبناء حسبما مضى تحصيل القول فيه في أول رسم من السماع فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [: حبس حبسا دارا له على رجل حياته فبنىِ في الدار مسكنا ثم مات] ومن كتاب اغتسل على غير نية وسئل عن رجل حبس حبسا دارا له وأرضا على رجل حياته فبنىِ في الدار مسكنا أو غرس في الأرض نخلا، ثم مات، فقال: إن أَرْضى صاحبُ الدار ورثة الرجل فذلك له وإلّا قلعوا نخلهم وأخذوا نقضهم من الدور. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والكلامُ عليها مستوفى فيما تقدم في هذا الرسم في بعض الروايات فلا معنى لِإعادته وبالله التوفيق. [: حبس جارية له على أخته وأمه حبسا صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث] ومن كتاب البَزِّ قال وسئل مالك عن رجل حبس جارية له على أخته وأمه حبسا صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، وأيهما ماتت قبل صاحبتها فهي

مسألة: تصدق بدار له حبسا على ولده وولد ولده

على الباقية منهما، فماتت أخته فأراد أن يُبَتِّلَها لأمه تبيعها أو تَصْنَعُ بها ما شاءت، قال: أرى ذلك له إن شاء بعد تفكره فيها، وكأنه لم يرها من ناحية الدور، قال ابن القاسم: ولو أن رجلا حبس دارا أو أرضا ثم أراد أن يفعل ذلك لم يكن ذلك له إلَّا أن يكون اشترط أن مرجعهما إليه فهو يجوز أن يفعل ذلك، ويفعله في غيرهما بعدهما إن أراد ذلك. قال محمد بن رشد: إنما أجاز له أن يُبَتِّلَهَا لأمه لأنه رأى أنها ترجع إليه بعد موتها ملكا مطلقا، ولا ترجع بمرجع الأحباس كالدور، وهو معنى قوله: ولم يرها من ناحية الدور، وإنما لم يرها كالدور لأنه رأى التحبيس المعقب المحرم فيها مكروها، واستحب له أن يَصرِفَهُ إلى ما هو أفضل منه، فرأى تبتلها لأمه أفضل لما في ذلك من البر بأمه، ورفع الضرر عن الجارية ما يُرجى لها من العتق، وهذا هو معنى ما في كتاب ابن المواز من قوله في هذه المسألة وكأنه رآهُ من ناحية البِرِّ وفي رسم استأذن من سماع عيسى بعد هذا أنها ترجع بمرجع الأحباس كالدور، وقد مضى الكلام على هذا المعنى وما يتعلق به مما هو من معناه شي أول مسألة من الكتاب وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق بدار له حبسا على ولده وولد ولده] مسألة وسئل مالك عن رجل تصدق بدار له حبسا على ولده وولد وَلَدِه فخرج إنسان منهم إلى بعض البلدان ثم قدم فأراد أن يسحَن الدار ويخرج له بعض من يسكنها من منزله الذي كان يسكنه، قال مالك: إن كان خرج في تجارة أو في طلب حاجة فإني أرى ذلك له، وإن كان انقطع إلى بعض البلدان ثم بَدَا له فرجع لم أر لَهُ أن يُخرَجَ له من منزل كان يسكنه أحد ممن يسكنه. قال محمد بن رشد: هذا من قول مالك، وما قال ابن القاسم في المدونة يبين قوله المتقدم في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم، وقد ذكرنا

مسألة: حبس دارا له على أربعة نفر من ولده

ذلك هنالك وَمَا يمكن أن يُقَامَ من قوله في المدونة، وقال علي في روايته: [إن غاب مُسْجَلٌ] ، ولم يذكر ما قال ابن القاسم وهذا في السكنى، وأما في فضلة الكراء والغلات من الثمرة وغيرها فإن حق من انتجَعَ وغاب لا يسقط وإنما يسقط عنه السكنى إذا لم يكن فيه فضل، قاله مالك في النوادر، وقال ابن القاسم فيها وأما ذلك فيمن حبس على ولده أو لد فلان أو آل فلان، فأما على قوم بأعيانهم ممن ليس على العقب فإن حق من انتجع منهم ثابت في السكنى وهم فيه على السواء حاضرهم وغائبهم وفقيرهم وغنيهم، وبالله التوفيق. [مسألة: حبس دارا له على أربعة نفر من ولده] مسألة وسُئِلَ عن رجل حبس دارا له على أربعة نفر من ولده وشرط في حبسه أن من مات منهم من ولده فولده على مصابته من الحبس، فمات اثنان منهم وترك أولادا فكان الأخوان منهما لا أولاد لهما، ثمِ مات أحد الباقين ولا ولد له فلمن ترى نصيبه؟ قال: أرى أن يرجع حبساَ على جميع ولد إخوته الميتين وأخيه الباقي وُيخَصّ بذلك أهل الحاجة منهم دون الأغنياء، ولا تكون فيها قسمة وأرى أن يؤثر أهل الحاجة منهم من ولد بني الأخ والأخ. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لما شرط أن يكون حظ من مات منهم لولده رجع الحبس بذلك معقبا على غير معينين، وكان الحكم فيمن مات منهم وَلَا ولد له أن يرجع حظه على جميع من في الحبس من أهل الحاجة كمن حبس على ولده وعقبهم وفيهم غني ومحتاج أن الحبس يقسم على أهل الحاجة من الأخ وبني الأخ دون الأغنياء منهم، ولا يقسم عليهم بالسواء، وهو

: حبس دارا له على ولده وشرط أن من تزوج من بناته فلا حق لها

الذي أراد بقوله ولا يكون فيها قسمة، وقد قيل إن الحبس المعقب يقسم على السواء بين الغني والفقير وقيل إنه يبدأ الأقرب على الأبعد وقد مضى بيان ذلك كله وتحصيله في آخر أول رسم من السماع فلا معنى لِإعادته وبالله الموفق. [: حبس دارا له على ولده وشرط أن من تزوج من بناته فلا حق لها] ومن كتاب أوله: نَذَرَ سَتَة يَصُومُهَا وسئل مالك عن رجل حبس دارا له على ولده وشرط أن من تزوج من بناته فلا حق لها إلا أَن تَرُدَهَا رَادَّة أترى أن يُنْقَضَ ذلك وَينْحَل الحبسُ، قال: نعم، إني لأرى ذلك وجهَ الصواب، وكأنه أعجبه نقضه. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقولُ فيها في أول رسم من السماع فلا معنى لإِعادته وبالله التوفيق. [مسألة: يحبس دوره على ولد له صغار فيشترط أنه القائم بأمرهم حتى يبلغوا] مسألة وسئل عن الرجل يحبس دوره على وُلْدٍ لَهُ صِغَارٍ فيشترط أنه القائم بأمرهم حتى يبلغوا، قال: إني لأكره ذلك، قال ابن القاسم وقال مالك: وإذا لم يشترطه وكان الولد صغارا فلا بأس به إذا لم يكن فيهم كبير قد بلغ حد الرضى. قال محمد بن رشد: وقع في كتاب التفسير قال يحيى: قلت لابن القاسم لِمَ كَرِهَهُ مالك؟ قال: لأنه قد اشترط في حبسه ملكا له ثابتا يحكم به في ذلك الحبس حَتَى يموت، قلت: وما بأس ما اشترط من ذلك؟ قد كان له بلا شرط، أَلَا ترى أنه الحائز على ولده والقائم لهم بلا شرط؟ مثل ما اشترط لم يزدد بشرطه المُشْتَرَط شيئَاَ على ما كان يصنعه بغير شرط، قال: سأله عنه ابن أبي موسى فنهاه عنه وكرهه، قلت أرأيت إن وقع الأمر به، فمات وولده أصاغر أيفْسِدُ هذا الشرطُ شيئا من حوزه عليهم؟ قال: لا بل أجير الصدقة، وإنما

: حكم العمرى

كره له الشرط فإن وقع لم تفسُدْ الصدقة، هذا نص مَا وَقَعَ في كتاب التفسير، فقال بعض أهل النّظَرِ هذه كراهية لا وجه لها؛ لأنه اشترط ما يوجبه الحكمُ له، واشتِرَاطُ ما يوجبه الحكم لا وجه لكراهيته. والكراهيةُ فيها بينة لوجهين أحدهما: أنه لما شرط أنه القائم بأمرهم فقد منع نفسه ما كان له جائزا من أن يُولِي غيرَه يقوم به لهم، والثاني: أنه قد اشترط أنه القائم بأمرهم حتى يبلغوا، وبلوغهم لا يكون في وقت واحد فكان قد اشترط في ظاهر أمره ألّا يسلم لمن بلغ منهم حظه حتى يبلغوا كلهم وهذا مما يبطل الحيازة؛ لأنه إن بلغ فلم يدفع إليه حظه، ومات وهو في يديه بطلت الصدقة في حظه، وفي المسألة وجه ثالث يصحح الكراهة، وهو اشتراط ذلك حتى يبلغوا، وقد يَبْلُغُوا وهم لا تُرْضَى أحوالهم ولا تجوز أفعالهم، فبِطل أن يكون الشرط صحيحا، ولو اشترط أن له أن يحُوزَ لكل واحد منهم حظه حتى يبلغ ويملك أمر نفسه لَتخلِّصَ من هذه المعاني كلها وصح اشتراطه، ولم يكن فيه وجه للكراهة، والله أعلم وبه التوفيقَ. [: حكم العمرى] من سماع أشهب وابن نافع عن مالك رواية سحنون بن سعيد من كتاب العتق قال أشهب: وسمعت مالكا وسئل عمن أعْمَرَ أمَّه عبدين) حياتها وشرط إن مات قبلها فهما لها حياتَها وإن ماتت قبله فهما عليه رَد، ثم حضرته الوفاة قبلها فأعْتَقَ أحدهما، قال: لا يجوز ذلك إلا أن تجيز أمه ذلك، فإن أجازت ذلك وطاعت بعتقه جاز وعتق، ولم ينظر إلى ما يقول الورثة إن مرجعه إلينا وإن لم يجز عتق إذا ماتت أمه وكانت تلك البقية في ثلثه. قال محمد بن رشد: حكم العُمرى أن تكون للمعمَر حياتَه عاش

المعمِر أو مات قبل ذلك، فإذا مات المعمَر رجعت العمرى إلى المعمِر إن كان حيا، وإن كان قد مات رجعت إلى ورثته يوم مات، فقوله وشَرطَ إن مات قبلها فهما لها حياتَها، وإن ماتت قبله فهما عليه رَدٌ، ليس بشرط يُحِيلُ العمرى عن حكمها وسبيلها، وإنما هو بيان لحكمها، والمُعْمِر لا يملك من العبدين إذا أعمرهما أمه إلّا المرجع بعد وفاتها، وهو مجهول، إذ لا يدري متى تموت فيجوز له أن يهبه ويعتقه في صحته ولا يجوز له أن يبيعه إلا من أمه، ويجوز له أيضا أن يعتقه في مرضه إن حمله ثلثه، ويختلف فيما بَتَلَهُ المريض في مرضه هل ينظر فيه وهو مريض أو بعد موته، فقيل إنه ينظر فيه في مرضه فإن حمله الثلث عتق، وقيل إنه لا ينظر فيه إلا بعد موته إذ قد يذهب مالُه في مرضه فيكون للورثة في ذلك. حُجّة من أجل أنه لا ينفذ قضاؤه بعد موته في أكثر من ثلث ماله، فرأى مالكٌ في هذه المسألة إن أجازت أمّه ذلك وطاعت بترك حقها في خدمته أن ينظر بذلك في مرضه، وُيعَجِّلَ له العتق إن حمل ثلثه المَرْجِعَ بأن يُقَوَّم على غرره، ولم ينظر إلى ما يقوله الورثة إن أرادوا ألا يُنْظَرَ فيه إلّا بعد موته، وهو معنى قوله: ولم ينظر إلى ما يقوله الورثة: إن مرجعه إلينا ورأى إن لم تجِزْ الأم ذلك لا ينظر فيه حتى تموت، إذ لا سبيل إلى تعجيل عتقه من أجل حقها في خدمته طول حياتها، فإذا مات نظر فيه، فإن حمل ثلثُه المرجعَ على غرره عتق جميعه بعد موتها، وهو معنى قوله: وإن لم تجز عَتَقَ إذا مات وكانت تلك البقية في ثلثه، يريد المرجع على غرره، وإن لم يحمل الثلثُ المرجعَ عتق منه بعد موتها ما حمل الثلث منه، فهذا معنى قول مالك في هذه المسألة ووجهُهُ مشروحا مبينا. وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: هذا الكلام فيه نظر فتدبره والذي ينبغي إن لم يُجز الورثةُ ذلك أن يكون المرجع من الثلث أجازت الأم أو لم تجز، فإن أجازت عجل العتق، وإن لم تجز عجل بعد موتها.

: يحبس الحائط صدقة على المساكين أيقسم على المساكين بينهم تمرا

وكلامه هو الذي فيه النظر؛ لأنه حمل قول مالك على غير وجهه، فتأول عليه أنه أراد بقوله: " ولم ينظر إلى ما يقوله الورثة " أنه يعجل له العتق إذا أجازت الأم وطاعت، وإن لم يحمل ثلثه المرجعَ، وهو تأويل خطأ لا يصح أن يُتَأَوَل مثلُهُ على مالك، ومعناه إنما هو ما ذكرناه من أنه لا ينظر إلى قولهم إن أرادوا تأخير النظر في تقويم المرجع في الثلث إلى أن يموت إذا أجازت الأم، فالمسألة صحيحة بينة مستقيمة لا نظر فيها ولا اعتراض وبالله التوفيق. [: يحبس الحائط صدقة على المساكين أيقسم على المساكين بينهم تمرا] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل عن الرجل يحبس الحائط صدقة على المساكين أيقسم على المساكين بينهم تمرا أمْ يباع ثم يقسم ثمنا بينهم، فقال: ذلك يختلف، وذلك إلى ما قال فيه المتصدق، أو إلى رأي الذي يلي ذلك، واجتهاده إن كان المتصدقُ لمِ يقل في ذلك شيئا، إن رأى خيرا أن يبيع ويقسم ثمنه وإن رأى خيراَ أن يقسم تمره قسموه تمرا فذلك يختلف، وربما كان الحائط نائيا بالمدينة، فإن حُمِلَ أضَرّ ذلك بالمساكين حملُه، وربما كان في الناس الحاجة إلى الطعام فيكون ذلك خيرا لهم من الثمن فيقسم إذا كان هكذا فهو أفضل وخير، وهذه صدقات عُمر بن الخطاب منها ما يُباع فيقسم ثمنُهُ ومنها ما يُقسم تمرا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إن ذلك مصروف إلى اجتهاد الناظر في ذلك إن لم يقل المتصدق في ذلك شيئا، وإن قال فيه شيئا وَحَدّ فيه حَدّا وجب أن يتبع قوله في صدقته ولا يخالف فيه حَدُّهُ وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى في غنم له بأنها حبس على يتيمين ليسا من الورثة

[مسألة: أوصى في غنم له بأنها حبس على يتيمين ليسا من الورثة] مسألة وسئل عن رجل توفي فأوصى في غنم له بأنها حبس على يتيمين ليسا من الورثة، وجعلها على يدي ابن له كبير، وقال: من مات منهما فلا حق له ومن ارتغب فلا حق له، فمات أحدهما، ثم ارتغب الآخر منهما [فلمن تراها؟] فقال: ما أراها إلّا للآخر منهما، قيل له إنه حبسها عليهما لهذا منها قطيع عليه [سِمَتُهُ ولهذا] قطيع عليه سِمَتهُ وقال من مات فلا حق له فمات أحدهما [ثم] ارتغب الآخر فلمن تراها؟ فقال: ما أراها إلّا للآخر منهما، أرى هذا إنما أراد مثلَ ما يقول بعضُ الناس يحبس على الجماعة ويقول من هلك فلا حق له فأراها للآخر منهما، قيل له إنه قد كان في وصيته من ارتغب فلا حق له فقد هلك واحد وارتغب الآخر فخرج، وقد بلغ وصار رجلَا، فقال ما أرَاها إلا للباقي وأحرى به أن يرجع فلو وقفت هذه الغنم حتى يرجع هذا الذي ذهب، قيل له إن بعض العلماء قال: يُرْجَعَ على الوارث، فقال: والله ما أرى ذلك قد أوصى بها وحبسها فكيف ترجع على الوارث؟. قال محمد بن رشد: قوله ارتغب واغترب سواء مثل جذب وجبذ وقيل ليس هو من المقلوب، وإنما هو مأخوذ من الرغبة في الشيء، والرغبة عنه، فمعنى ارتغب رغب عن سكنى البلد ورَغِبَ في سكنى سواه، فخرج إليه، وقال ابن لبابة أرْتَغبُ أتركُ، فالمعنى المرادُ مفهوم معلوم وإن اختلفت الألفاظ، وحمل قوله من اغترب فلا حق له أي لا حق في حين مغيبه لا أنه يسقط حقه بمغيبه جملة كالموت، فلذلك قال: فلو وقفت هذه الغنم حتى يرجع، وقوله في رواية أشهب هذه عنه: إن حظ الميت من الغنم وإن كانت مَوْسُومَة

يرجع على صاحبه خلافُ قوله في رواية ابن القاسم عنه في أول سماعه إن حظ الميت من خدمة الخادم إذا حبسها على قوم مفترقين وقسم الخدمة بينهم ترجع إلى المحبس لا إلى أصحابه، فعلى قوله في سماع ابن القاسم يكون حظ الميت من اليتيمين من الغنم الموسومَة للمحبِس ويوقف حظ الغائب وحده حتى يرجع، وهذا القول هو الذي أنكره لما قيل له: إن بعض العلماء قاله، فقال والله ما أرى ذلك، قد أوصى بها وحبسها فكيف ترجع إلى الوارث؟ وقد يحتمل أن يكون إنما أنكر قول من قال: إن من اغترب يسقط حقه ويرجع إلى الوارث الذي له المرجع ولا يعود إليه إن رجع من اغترابه، على ظاهر قوله: ومن اغترب فلا حق له، إذ لم يقل إلا أن يرجع فهو على حقه. فيتحصل في المسألة ثلاثةُ أقوال حسبما ذكرناه في سماع ابن اِلقاسم أحدها: أن حظ الميت من الغنم يرجع إلى المحبس ويوقف نصيب الغائب وحده كانت الغنم قد قسمها المحبس بينهما وَوَسم نصيبَه كل واحد منهما أو لم يقسمها، والثاني: أن حظ الميت منهما يرجع على صاحبه فيوقف جميعُ الغنم إذا غاب الثاني حتى يرجع فيأخذها، وهو قوله في هذه الرواية، والقول الثالث: الفرق بين أن يكون قد قسم الغنم بينهما أو لم يقسمها، فإن كان فد قسمها بينهما ووسم نصيب كل واحد منهما رجع نصيب الميت منهما إلى المحبس، ووقف للغائب نصيبه خاصة، وإن كان حبسها عليهما ولم يقسمها بينهما رجع نصيبُ الميت منهما إلى صاحبه ووقفت له جميع الغنم إذا غاب حتى يرجع، وهذا هو أظهر الأقوال والذي اختاره سحنون، وإذا وقفت الغنم كلها أو حظ الغائب منها كلى الاختلاف المذكور فالغلةُ في حين التوقيف للوارث الذي له المرجع، وقد قيل إن الغنم لا توقف وتدفع إلى الوارث يستغلها، فإن رجع الغائب رُدّتْ إليه الغنمُ يستغلها حتى يموت، فترجع إلى الوارث، وأما إن مات قبل أن يَرجع صحت للوارث مِلكا، وقد قيل إن الغلة توقف فإن رجع [أفادها] وإن مات كانت للوارث، وهذا القول قد أنكره في رسم الصبرة وبَيّن وجهَ فساده وبالله التوفيق.

: حبس على أمه وصيفة له حياتها فحازتها

[: حبس على أمه وصيفة له حياتها فحازتها] ومن كتاب البيوع الأول وسُئِلَ عمن حبس على أمه وصيفة له حياتَها فَحَازَتْها، ثم توفي ابنها وعليه دين فأرادت الأم أن تَبْتَاعَ مرجعَ الجارية من الغرماء لتكون لها الجارية بَتْلا أيصلح ذلك؟ فقال: لا، ولا يصلح شيء من ذلك حتى تموت فيتحاص فيها الغرماء. قال محمد بن رشد: أجاز في رسم طلق من سماع ابن القاسم وفي غير ما موضع لمن أمْتَعَ شيئا حياتَه أن يشتري المرجعَ من الذي أمتعه المنافعَ حياتَه، وكذلك يجوز له أن يبتاعه من ورثته، ولم يجز في هذه الرواية أن يشتري الذي أخدِمَ الجاريةَ حياتَه مرجعَها من الغرماء، فقيل: إن ذلك اختلاف من القول، وقيل بل تفترق المسألتان، وقد مضى القولُ على هذا مستوفى في رسم شك من سماع ابن القاسم فلا معنى لإِعادته وبالله التوفيق. [مسألة: حبس دارا له على أقاربه اثنا عشرة سنة ثم مات بعد شهرين] مسألة وسُئِلَ عمن حبس دارا له على أقاربه اثنا عشرة سنة ثم مات بعد شهرين فَجَاءَ آتِ إلى الورثة فقال: بيعوني مرجع هذه الدار، فقال: لا يعجبني هذا لعل الدار ترجع متهدمة أو غير ذلك لا يدري كيف ترجع، واثنتا عشرة سنة كثيرٌ، أرأيت لو كان ذلك عشرين سنة أو ثلاثين سنة، ولكن لو كان شيء يسير، قيل له ألَيس للرجل أن يَتَكَارَى الدارَ اثنا عشرة سنة، فإن أصابها شيءٌ رجع فأخذ منه كراءَه؟ قال: بلى، قيل له كيف لا يشتريها بعد عشر سنين؟ قال له مالك: أليس يستأجر العبدَ سنة؟ فقال: بلى، فقال مالك: فيشتريه بعد سنة، لا يصلح هذا، قلت له أرأيت إن اشترى مرجعَ

الدار بعد اثنتا عشرة سنة ولم ينقد حتى ترجع الدار، فقال: ما يعجبني هذا نَقَد أولم يَنْقُد، هذا بعيد. قال محمد بن رشد: إذا لم يجز أن يبتاع مرجع الدار بعد اثنتا عشرة سنة لأن البناء يتغير عنده إلى هذه المدة فلا يدري كيف ترجع الدار فلا فرق في هذا بين أن ينقد أو لا ينقد، وكذلك على هذا لا يجوز لمن باع داره أن يستثني سكناها اثنتا عشرة سنة، إذ لا فرق بين أن يستثني البائع السكنى أو يكون لغيره فيشترطه على المبتاع، ومثل هذا في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ بعد هذا في العشرة الأعوام، وقد اختلف في ذلك فتقوم إجارته من مسألة كتاب العارية من المدونة في الذي يستعير الأرض من الرجل على أن يبنيها ويسكنها عشر سنين، ويكون البناء لصاحب الدار أن ذلك جائز إذا بَيّن البُنيَانَ على ما قاله بعض أهل النظر. والصوابُ أن مسألة العارية من المدونة صحيحة خارجة من الاختلاف؛ لأن كل ما بَنَى المستعير شيئا وجب لصاحب العرصة، فلا غرر في ذلك وإن طالت المدة، وَأجَازَ ذلك أيضا ابنُ القاسم في كتاب ابن المواز ومثلُه لابن شهاب في المدونة، وقد قيل: إن أبعدَ ما يجوز من ذلك السنةُ، وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب السلم والآجال، وروى ابنُ وهب عن مالك السنةَ ونصفا، وروى عن سحنون الثلاثةُ الأعوام، يقوم من قوله في سماع أبي زيد من كتاب طلاق السنة إجازةُ الخمسة الأعوام من مسألة الذي يشتري الدار ويشترط عليه فيها سكنى المرأة طول عدتها فَتُسْتَرَابُ أنه لا كلام للمشتري في ذلك إلى انقضاء الرِّيبَةِ وهي الخمسة الأعوام؛ لأن المشتري قد تقدم على ذلك، وأما الأرض فيجوز فيها استثناء العشرة الأعوام عند ابن القاسم على ما وقع له في سماع أصبغ بعد هذا، وقال المغيرة: يجوز في الدار العشرةُ الأعوام وفي الأرض السنين ذوات العدد، وهذا الاختلاف إنما يرجع إلى ما يغلب على الظن أن البناء يتعير فيه، فمرة رأى أنه لا يُؤمَنُ تغيُرُه

: حبس غلاما له على ابنه حتى يستغني

في أكثر من عام، ومرة رأى أنه لا يُؤمَنُ تغيره في أكثر من عشرة أعوام ويؤمن في العشرة فما دونها، وينبغي أن يُنْظَرَ في هذا إلى جَوْدَةِ البناء ووثاقته، فرب بناء يتغير في أكثر من عام، ورب بناء لا يتغير في العشرة الأعوام وبالله التوفيق. [: حبس غلاما له على ابنه حتى يستغني] ومن كتاب الأقضية وسُئِلَ عن رجل حبس غلاما له على ابنه حتى يستغني ما حَدُّ الاستغناء؟ قال: يلي مالَه ونفسَه وتلا هذه الآية: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] . قال محمد بن رشد: هذا بيّن إن كان حبَّسه عليه ليتصرف له فيما يحتاج إليه من حَوائجه فيكون معنى الاِستغناء أن يستغني بذاته عنه فيما يحتاج إليه من أموره، ولو كان عبدا للخدمة فحبسه عليه ليخدم له في صنعته الخدمة التي لا تُشْبِهُ أن يَلِيها هو بنفسه لكان وجه الاستغناء في ذلك أن يقدر على العِوَضِ منه بوجه من الوجوه، وبالله التوفيق. تَمَّ الأول من جُزْئي كتاب الحبس بحمد الله تعالى.

: كتاب الحبس الثاني

[: كتاب الحبس الثاني] [مسألة: حبس داره على ولده وقال لفلان ريعها لأحدهم في حبس واحد وكلام واحد] كتاب الحبس الثاني من سماع عيسى من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: وسئل ابن القاسم عن رجل حبّس داره على ولده، وقال لفلان ربعُها لأحدهم في حبس واحد وكلام واحد؛ إنه ليس له منها إلّا الربع الذي سمى له، ولو أنه حبس عليه حبسا ثم حبس بعد ذلك حبسا آخر على جميع ولده أنه يدخل معهم. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال في المسألتين جميعا لأنه إذا حبس على ولده وقال ربعها فقد جعل الثلاثة الأرباع لسائِرِهِم قَلوا أو كثروا، وإذا حبس عليه حبسا ثم حبس بعد ذلك حبسا آخر على جميع ولده وجب أن يدخل معهم لأنه من ولده، وبالله التوفيق. [مسألة: حبس حبسا على قوم وهم متكافئون في الغنى والإقلال] مسألة وقال فيمن حبس حبسا على قوم وهم مُتَكَافِئُون في الغِنَى والإقلال، قال: أرى أن يجتهد في ذلك ليسكن فيها من رأى، أو يُكْرِيَها فيقسم كراءها عليهم، قيل له فإن سبق بعضهم إليها فسكن؟ قال: من سبق فهو أولى ولا يُخرج منها.

مسألة: كل ما كان يرجع حبسه فهو أقرب الناس به يوم يرجع من ولد أو عصبة

قال محمد بن رشد: معناه في غير المعينين مثل أن يحبس على أولاده أو أولاد فلان، وأما إن كان الحبس على قوم بأعيانهم مسمين ليس على التعقيب فلا يستحق السكنى من سبق إليه منهم، كلهم فيه وفي غيره سواءٌ، حاضرهم وغائبهم، قاله ابن القاسم، قال محمد: وفقيرهم وغنيهم سواء، ولا اختلاف أعلمه في هذا وبالله التوفيق. [مسألة: كل ما كان يرجع حبسه فهو أقرب الناس به يوم يرجع من ولد أو عصبة] مسألة وقال ابن القاسم في الحبس، قال: كل ما كان يرجع ميراثا فهو على أقرب الناس في يوم يموت، وكل ما كان يرجع حبسه فهو أقرب الناس به يوم يرجع من وَلَدٍ أو عصبة، فإن كانوا بنات وعصبة فهو بينهم إن كان فيه سعة، فإن لم يكن فيها سعة فالبنات أولى بها من العصبة، وأقْعَدُ من العصبة، إلَا أنهن لا يَحُزْنَ وتدخل معهن الأم؛ لأن لها حقا ولا ترجع مَعَهُنَّ زوجة. قلت: فإن لم يكن له أم وكانت له جدة أتكون بمنزلة أُمٍّ، أَم لَا؟ قال: أرى ذلك، وقال: إذا اشترط مرجعها إليه فإنها ترجع ميراثا بين ورثته يوم يموت، وأما إذا لم يشترط فإنها ترجع حبسا على عصبته وأقرب الناس إليه يوم يرجع. قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة: كل ما كان يرجع ميراثا فهو على أقرب الناس به يوم يموت، ليس على ظاهره، والمراد به فهو على أحق الناس بميراثه يوم يموت على ما قال بعد ذلك، وإذا اشترط مرجعها إليه فإنها ترجع ميراثا بين ورثته يوم يموت، وهذا مَا لَا اختلاف فيه أن ما كان يرجح ميراثا فهو على أحق الناس بميراثه يوم مات، وأن ما كان يرجع حبسا فهو على أقرب الناس به يوم يرجع، وقد وقع في كتاب الهبات في المدونة في هذه

: الحبس ليس بملك للمحبس عليه

الألفاظ غير بينة ترد بالتأويل إلى هذا الذي ذكرناه؛ إذ لا اختلاف فيه. وقوله: إن البنات أحق بمرجع الحبس من العصبة إذا لم يكن فيه سعة صحيح؛ لأنهن أقرب إلى المحبس من عصبته، وقوله إلا أنهن لا يحيزون معناه أنه لا ينفردن بالمرجع دون من هو من المحبس بمنزلتهن، وهي الأم على ما ذكره؛ لأنها أقرب النساء إليه من فوق، كما أنهن أقرب إليه من أسفل، فتدخل معهن فيه الأم لاستوائها معهن في القرب حسبما وصفناه، ويكون بينهن على عددهن إن كانت البنات ثلاثا كان للأم معهن من المرجع الربع. وقوله: فإن لم تكن له أم وكانت جدة أتكون بمثابة أمّ، أم لا؟ قال: لا أرى ذلك، معناه أنها لا تكون بمثابتها فتدخل مع البنات في المرَجع؛ لأنها أبعد من المحبس منهن، لا أنها لا تكون بمثابة الأم إذا لم يكن المحبس أقربَ إليه منها؛ لأن الأم إذا دخلت في مرجع الحبس على القول بأنها تدخل فيه فأمه أيضا تدخل فيه، وقد قيل معناه أنه لا دخول للجد في مرجع الحبس بخلاف الأم، والأول أظهر والله أعلم، وكذلك تدخل الأم مع بني المحبس الذكر كما تدخل مع البنات على هذه الرواية، وقد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم تحصيلُ الاختلاف فيما يرجع حبسا هل يدخل فيه النساء أم لا؟ ومن يدخل فيه منهن إِن دخل وباللَّه التوفيق. [: الحبس ليس بملك للمحبس عليه] ومن كتاب استأذن سيده في تدبير جاريته وسألته عن الرجل يُحَبِّسُ على أولادٍ له صغار وكبار دارا ووكَّل

عليها من يحوزها لهم ويكريها، وكيف إِن قال أولاده الكبار نحن نَحُوزها لأنفسنا؟ قال: لا يكون ذلك لهم، وهي على ما وضعها عليه، قلت أيكون ذلك إليه ما عاش المحبس وبعد موته؟ قال: نعم، ذلك إليه ما عاش، قلت فإذا مات فله أن يسنده إلى أحد؟ قال: لا، إذا مات وكان المحبس حيا كان ذلك إليه أيضا بجعله إلى من أحب، وإن كان قد مات نظر السلطان في ذلك فجعله إلى من رأى، وإن كان الكبار أهل رضى حَازوا لأنفسهم بعد موت الوكيل. قيل له: فإن مات الوكيل بعد موت المحبس وقد قال المحبس للوكيل: إن حدث بك حَدَثُ الموت فأسنده إلى من شئت، فمات فأسنده إلى غيره، قال: وصيته جائزة، وليس للكبار ولا للصَغار في ذلك كلام، قيل له فإن كان لم يقل له إذا مت فأسنده إلى من شئت، فمات الوكيل بعد موت المحبس وقد أوصى المحبس إلى رجل بتركته أَيكونُ الوصيّ الناظرَ للصغار؟ قال يكون ذلك إليه ويكون مكانه، وروى أصبغ عن ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الحبس ليس بملك للمحبَّس عليه كالهبة التي هي ملك للموهوب له، فلا يصح للواهب أن يجعلها له على يدي غيره إذا كان كبيرا وإنما يَغْتَلُّهُ المحبَّسُ عليه على ملك المحبس فللمحبس أن يوكل عليه من يحوز للكبير ويجْرِي عليه غلته ويحوز عليه في حياته وبعد مماته في ذلك، وكذلك إن كان المحبس عليهم صغارا وكبارا فليس للصغار منهم إذا كبروا أن يَحُوزُوا لأنفسهم في حياة المحبس ولا بعد موته. ولو كانوا صغارا كلهم يومَ وَكَّل الوكيلَ على القبض لهم كان لهم إذا كبروا أن يقبضوا لأنفسهم، قال محمد بن المواز، وحكمه حكم الوكيل في أنه

مسألة: يحبس مائة دينار على وارث ثم على رجل من بعده

ليس له أن يوكل غيره ولا أن يوصي بذلك إلا أن يجعل ذلك إليه، وينزل وصي المحبس منزلة الوكيل على الحبس في النظر فيه بعد موت الوكيل لما ذكرناه من أنه إنما يغتله على ملكه، فوجب أن ينظر فيه الوصي كما ينظر في سائر مال من أوصى إليه، ولو قال له إذا مت فأسنده إلى من شئت فمات فأوصى إلى رجل بالنظر في ماله وعلى من يصح له التقديم عليه من بنيه لكان له النظر في الحبس الذي كان وكل على النظر فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: يحبس مائة دينار على وارث ثم على رجل من بعده] مسألة وسئل: عن الرجل يحبس مائة دينار على وارث ثم على رجل من بعده، قال: يقسمها الورثة على قدر سهامهم من الميت، فينتفعون بها حتى يموت الوارث الذي حبست عليه، فإذا مات رجعت إلى الأجنبي الذي حبست عليه بعد الوارث، فإذا مات الذي حبست عليه بعد الوارث رجعت ميراثا بين من ورث الميت المحبس يقتسمونها على فرائض الله، فمن مات ممن ورث الميت المحبس فحقه لورثته. قلت: ولا يرجع حبسا؟ قال: لا يرجع عليه حبسا، ولا يرجع حبسا إلا الدور والعبيد ونحوهم؛ لأن مالكا قال لي: لو أن رجلا حبس مائة دينار على رجل فأخذها فنقصت عنده أو ضاعت كان ضامنا لها، فليست الدنانير والدراهم حبسا. قلت: أرأيت من حبس حليا أو ثيابا أو شيئا مما يغاب عليه أهو بمنزلة الدنانير والدراهم؟ وهل يصدق في ذلك الذي حبس عليه إذا قال ضاع مني؟ قال: بل أراه ضامنا ولا يصدق فيما ادعاه من هلاكه، ألا ترى أن المحبس كان بمنزلة السلف في الدنانير، ألا ترى لو أن رجلا أعار رجلا ثوبا سنة فضاع منه في السنة كان ضامنا، فإنما

: الحبس على الولد بشرط إخراج البنات منه

حبس ما يغاب عليه مثل العارية التي يغاب عليها أو السلف. قال محمد بن رشد: قوله إلا الدور والعبيد ونحوهم خلاف ما مضى في رسم البز من سماع ابن القاسم في العبيد؛ لأنه قال فيه في الأمة إنها لا ترجع بمرجع الأحباس خلاف الدور، وقد مضى الكلام على هذا المعنى، وما يتعلق به مما هو في معناه مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: الحبس على الولد بشرط إخراج البنات منه] ومن كتاب أوله يوصي لمكاتبه قال ابن القاسم: قال مالك في الذي يحبس الحائط على بنيه الذكور والإناث فمن تزوج من البنات فلا حق لها إلا أن تردها رادة، ثم هو بعد ذلك حبس على موالي، فمات البنون كلهم إلا ابنة واحدة متزوجة، ما يصنع بالغلة؟ قال مالك: تكون للموالي أبدا حتى ترجع الابنة ولا تحبس الغلة (عنها) عليها. قال محمد بن رشد: مالك يكره الحبس على الولد بشرط إخراج البنات منه، ويرى وجه الشأن فيه أن ينقض ويدخل فيه البنات ما لم يفت، وقد مضى الكلام على ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، فإذا فات ولم يرد مضى على شرطه، فإن تزوجت منهن واحدة رجع حظها على من بقي معها من إخوتها في الحبس حتى تتأيم عن الزوج بموت أو فراق فترجع على حقها فيما يستقبل، وسواء قال المحبس إلا أن تردها رادة أو سكت عن ذلك على قياس ما قاله مالك في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب في

الذي حبس على يتيمين، وقال: من مات فلا حق له، ومن ارتغب فلا حق له، وقد قيل: إنه يسقط حقها بالتزويج فيما يستقبل أبدا إلا أن يقول إلا أن تردها رادة، وقد تئول أنه قول بعض العلماء الذي أنكره مالك في مسألة رسم الأقضية المذكورة، وفي المجموعة نحوه من رواية ابن القاسم عن مالك، قال فيمن حبس على أن من فرض له منهم في الديوان فلا شيء له ففرض لهم فلم يأخذوه وأخذ من فرض له مرة ثم انقطع، فقال: من أخذه مدة فلا شيء له في الغلة، وكذلك إذا لم يبق من بنيه المحبس عليهم إلا واحدة متزوجة ترجع جميع الغلة إلى الذي إليه مرجع الحبس بالحكم أو بنص من المحبس على قوله في هذه الرواية: إن الغلة تكون للموالي الذي جعل المحبس مرجع الحبس إليهم، وهي تبين ما وقع في رسم الصبرة من سماع يحيى بعد هذا إذ لم يقع لذلك فيه جواب، وقال مطرف وابن الماجشون: إذا لم يبق من المحبس عليهم إلا ابنة متزوجة فتوقف الغلة؛ فإن رجعت أخذتها لأنها من ولد المحبس، فهي أولى ممن له المرجع، وإن ماتت قبل أن تتأيم عن الزوج كانت الغلة الموقوفة للذي له المرجع. واختلف إن مضت مدة وهي مع الزوج ورحل أحق الناس بالمرجع ثم مات وخلفه آخر مكانه هو أحق الناس بمرجع الحبس بعده، فمضت هذه أيضا، ثم ماتت وهي في عصمة الزوج، فقال ابن الماجشون لكل واحد منهما من الغلة الموقوفة ما يجب للمرأة التي عايشها فيها وهو أحق بمرجع الحبس، وقال مطرف: بل تكون جميع الغلة للذي له المرجع يوم ماتت الابنة المتزوجة، وإن لم يبق من الولد المحبس عليهم إلا بنات متزوجات فوقفت الغلة فتأيمت إحداهن بعد مدة أخذت جميع ما وقف وجميع الغلة فيما يستقبل، فإن تأيمت الثانية بعد ذلك قاسمت أختها فيما أخذت بنصفين، كأنهما ما تزوجتا، وإن تأيمت الثالثة رجعت على كل واحدة منهما بثلث ما صار إليها مما وقف ومما استغلتاه بعد ذلك إلى حين تأيمها، والتعيين في هذا وغير التعيين على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك سواء، وهو نص قول أصبغ في الواضحة، وقال

: الذي يحبس الحبس على ولده الذكر والأنثى فيه سواء

ابن الماجشون: إن عينهن في التحبيس، وقال: من تزوج منهن فلا حق لها سقط حق من تزوج منهن بالتزويج ولم يعد إليها أبدا، إلا أن يقول: فإن تأيمت فهي على حقها في الحبس. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أن حق من تزوج منهن لا يسقط إلا ما دامت متزوجة ولم يقل إلا أن تردها رادة، والثاني: أن حقها يسقط بالتزويج أبدا إلا أن يقول: فإن ردتها رادة فهي على حقها، والثالث: الفرق بين التعيين وغيره، فإن كان عينها سقط حقها بالتزويج أبدا إلا أن يقول: فإن ردتها رادة فهي على حقها من الحبس، وإن كان لم يعينها لم يسقط حقها بالتزويج إلا ما دامت متزوجة ولم يقل إلا أن تردها رادة، وبالله التوفيق. [: الذي يحبس الحبس على ولده الذكر والأنثى فيه سواء] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك، في الذي يحبس الحبس على ولده: الذكر والأنثى فيه سواء، وليس للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن يشترط ذلك في حبسه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا حبس عليهم فقد شرك بينهم فيما حبسه عليهم، فوجب أن يكون الذكر والأنثى فيه سواء إلا أن يفضل أحدهما على صاحبه، بدليل أن الله عز وجل لما شرك بين الإخوة للأم في الثلث ولم يفضل الذكر منهم على الأنثى فيه كانوا فيه على السواء، ولم يقس ذلك على البنين والبنات في قوله {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، ولا على الإخوة والأخوات في قوله {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] ، والله الموفق.

مسألة: يحبس على ولده حبسا ويشهد لهم ويكتب لهم بذلك كتابا

[مسألة: يحبس على ولده حبسا ويشهد لهم ويكتب لهم بذلك كتابا] ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده قال عيسى وأصبغ: وسألناه: عن الرجل يحبس على ولده حبسا ويشهد لهم ويكتب لهم بذلك كتابا، ومثلهم يحوز لهم أبوهم ثم يتعدى فيرهنها فيموت وهي رهن كما هي، قال: يبطل الرهن ويثبت الحبس ولا رهن، وقاله أصبغ، وقال: رهنه بمنزلة بيعه إياها، كما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه رهن الحبس بعد أن كان أبانه عن نفسه، وحازه لابنه بأن رحل عنه إن كانت دارا يسكنها، أو كانت خالية إن كان لا يسكنها فأشهد على تحبيسه إياها وحيازته، وأما لو كان حبسها وهو ساكن فيها ثم رهنها لنفسه قبل أن يرحل عنها فلم يعثر على ذلك حتى مات لبطل الحبس، وكذلك لو باعها بعد أن حبسها قبل أن يرحل عنها فلم يعثر على ذلك حتى مرض أو مات، ولو عثر على ذلك في حياته وصحته لفسخ البيع والرهن فيها وصح الحبس بالحيازة، ولو كانت صدقة من غير حبس فباعها قبل أن يرحل عنها لكان الثمن للابن وإن مات الأب في الدار؛ لأنه إنما مات فيها وهي للمشتري، لا لابنه إلا أن يكون باعها لنفسه نصا استرجاعا للصدقة فلم يعثر على ذلك حتى مات فإن الصدقة تبطل، ولو عثر على ذلك في حياته وصحته لفسخ البيع فيها وردت الدار لولده ولو باعها بعد أن رحل عنها وحازها لابنه لجاز البيع على الابن، وكان له الثمن في مال أبيه، حيا كان الولد أو ميتا، وإن لم ينص على أنه باع لابنه إلا أن يبيع نصا استرجاعا لصدقته فبيعه مردود إلى الولد، حيا كان الولد أو ميتا؛ لأنها قد كانت صدقة ببينونته عنها إلى أن باعها والثمن للمشتري في مال الأب، وجده أو لم يجده لا شيء على الولد منه، قاله ابن حبيب في الواضحة، وبالله التوفيق.

: قال الرجل داري حبس على امرأتي وأم ولدي

[: قال الرجل داري حبس على امرأتي وأم ولدي] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك وقال مالك: إذا قال الرجل داري حبس على امرأتي وأم ولدي أو غلة داري حبس فمن تزوج منهما فلا حق لها فيها إلا أن تردها رادة، فتزوجت واحدة منهما، قال: يرجع حظها في يد الأخرى التي لم تتزوج، فإن طلق التي تزوجت زوجها أو مات عنها رجعت على حقها، قال: ولو قال: هو بينكما فمن تزوج فلا حق لها إلا أن تردها رادة، فمن تزوج منهما رجع حظها على الورثة ولم يرجع على صاحبتها، فإن طلقها زوجها أو مات عنها رجعت على حقها، فليس بينكما وعليكما سواء، وهو بمنزلة من قال: غلامي يخدم فلانة يوما وفلانة يوما، فمن تزوج منهما فلا حق لها إلا أن تردها رادة، فمن تزوج منهما رجع حظها على جميع ورثة الميت، فإن طلقها زوجها أو مات عنها رجعت على حظها، ولو قال: عليكما؛ رجع حظها إذا تزوجت على صاحبتها حتى يطلقها زوجها أو يموت عنها. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في الفرق بين أن يقول بينكما وعليكما والاختلاف في ذلك في أول مسألة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وقال أشهب: ولو قال حبست عليكما حياتكما وهو للآخر منكما فلا يكون للآخر منهما إلا حبسا عليه حياته، وإذا لم يسم حياتهما فهو للآخر منهما بتلا يصنع به ما شاء. وقول أشهب هذا في تفرقته بين أن يقول حياتكما أو لا يقول ذلك - هو ما ذهب إليه محمد بن المواز، خلاف ما مضى من قول ابن القاسم في آخر رسم يسلف، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك وفي أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

: قال الرجل عند موته داري حبس ولم يسم أحدا

[: قال الرجل عند موته داري حبس ولم يسم أحدا] ومن كتاب أوله لم يدرك قال: وإذا قال الرجل عند موته: داري حبس، ولم يسم أحدا قسمت على المساكين وكانت حبسا عليهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: بنات الأخ والعمة من العصبة الذين يرجع عليهم الحبس] مسألة قال: وبنات الأخ والعمة من العصبة الذين يرجع عليهم الحبس. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما في سماع سحنون من أنه لا تدخل العمة في مرجع الحبس، ولا كل من لا يرث من النساء مثل ما في أول رسم من سماع ابن القاسم، وقد مضى هنالك تحصيل الاختلاف في ذلك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد رجلان على أنهم كانوا يسمعون أن هذه الدار حبس] مسألة قال: وإذا شهد رجلان على أنهم كانوا يسمعون أن هذه الدار حبس جازت شهادتهما وكانت حبسا على المساكين إن كان لم يسم أحدا، قيل له: فرجلان يشهدان وفي القبيل مائة رجل من أسنانهم لا يعرفون منه شيئا؟ قال: إذا كان كذلك فلا تقبل شهادتهما إلا بأمر يفشو ويكون عليهم شهود أكثر من اثنين، وأما إذا شهد شيخان قديمان قد أدركا الناس وباد جيلهما أنهما سمعا أنه حبس فشهادتهما جائزة.

قال محمد بن رشد: ابن الماجشون لا يجيز في شهادة السماع أقل من أربعة شهداء، وإجازة ابن القاسم شهادة السماع في هذه المسألة خلاف مذهبه في المدونة؛ لأنه قال فيها: إن شهادة السماع لا يثبت بها النسب ولا الولاء، ويقضى له بالمال دون ثبات النسب والولاء، فعلى ما في المدونة لا تجوز شهادة السماع في الحبس إلا مع القطع بأنها تحترم بحرمة الأحباس، وذلك بين من مذهبه في المدونة، وهو على أصله فيها أنه يقضي بشهادة السماع بالمال، ولا يثبت بذلك النسب ولا الولاء، فكذلك باليد للمحبس دون أن يثبت الحبس، وقد مضى في نوازل سحنون من كتاب الشهادات تحصيل الخلاف فيما يجوز فيه شهادة السماع مما لا يجوز، فلا معنى لإعادته هاهنا. وقول ابن القاسم في هذه الرواية: إنه لا تجوز شهادة الشاهدين على السماع في الحبس إلا أن يكونا شيخين قديمين قد أدركا الناس وباد جيلهما - معارض لما له في كتاب الصيام من المدونة من إجازة شهادة شاهدين على رؤية الهلال في الصحو والغيم؛ لأن الذي يأتي في مسألة الصيام على قياس قوله في هذه الرواية ألا تجوز شهادة الشاهدين على رؤية الهلال إلا في الغيم. ويتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يجوز في السماع على الحبس إلا أكثر من شاهدين في كل حال وهو مذهب ابن الماجشون الذي ذكرناه، والثاني: أنه تجوز شهادة شاهدين في كل حال، وهو الذي يأتي على قوله في المدونة في مسألة الصيام، والثالث: تفرقته في هذه الرواية، ومعنى ما أجازه من شهادة السماع في هذه الرواية إذا كانت المدة قد طالت طولا تبيد فيه الشهود، قال في الشهادات من المدونة مثل الأربعين سنة والخمسين، وفي سماع عيسى من كتاب القسمة أن في عشرين سنة تبيد الشهود، وابن الماجشون يجيز شهادة السماع في الخمسة عشر عاما. وقد اختلف إذا لم يشهد على الحبس إلا شاهد واحد عدل، ففي كتاب ابن المواز، قال أصحابنا: إذا كان مبتلا ومعقبا فلا يصح فيه اليمين، وقال

مسألة: أوصى بأن يشترى عبد من ثلثه في سبيل الله

عبد الملك عن مالك: إذا حلف الجل منهم نفذت الوصية عليهم وعلى غائبهم إن قدم ومولودهم إن ولد وفي السبيل بعدهم، وروى عنه ابن حبيب: يحلف من أهل الصدقة رجل واحد مع الشاهد وينفذ له ولأهلها ولمن يأتي، قال عنه مالك: وإن باد شهودها فلم يثبت إلا بالسماع حلف أيضا واحد من أهلها الذين شهدوا بأنهم لم يزالوا يسمعون من العدول أنها حبس على بني فلان ثم تستحق حبسا، وهذا على ما في المدونة من أن الشهادة على السماع لا يثبت بها النسب ولا الولاء، وإنما يستحق بها المال مع اليمين، فكذلك يستحق الحبس بذلك مع اليمين على مذهب من يرى أنه يحلف واحد من المحبس عليهم مع الشاهد الواحد على البت ويستحق الحبس، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بأن يشترى عبد من ثلثه في سبيل الله] مسألة قال ابن القاسم، في رجل أوصى بأن يشترى عبد من ثلثه في سبيل الله، قال: يشترى عبد فيجعل في الرباط يخدم الغزاة، قيل له: فمن يطعمه؟ قال: يعمل في طعامه ويخدم. قال محمد بن رشد: فإن لم يكن فيما يستعمل فيه ما يقوم منه نفقته ولم يوجد من ينفق عليه بيع واشتري غيره مكانه ممن تكون نفقته في عمله، فإن لم يوجد ذلك في ثمنه فرق في السبيل، وقد مضى هذا المعنى في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [: أخدم نصف عبد له بينه وبين رجل رجلا سنة فأعتق شريكه في العبد نصيبه] ومن كتاب أوله سلف دينارا قال: وقال مالك، في رجل حبس على أم ولد له جارية تخدمها حياتها ومات وله ولدان، فقال أحدهما: لأم الولد نصيبي من هذه الجارية صدقة عليك، فأعتقت أم الولد ذلك النصيب الذي تصدق به

عليها وصار لها، قال: تخرج الجارية حرة ساعتئذ ويقال لأم الولد أخرجي نصف القيمة فيؤخذ ذلك منها فيرجع ويوقف، فإن ماتت الجارية المخدمة قبل أم الولد لم يكن لهذا الذي لم يتصدق شيء ورجع ذلك إلى أم الولد، وإن ماتت أم الولد قبل الجارية دفع ذلك إلى هذا الذي لم يتصدق أو ورثته إن كان قد مات، وإنما أوقفنا المال؛ لأن أم الولد لو هلكت والجارية حية ذهب حق المتمسك بالرق؛ لأنه إنما له مرجعها بعد وفاة أم الولد؛ ولأنا إنما أخذنا المال منها خوفا أن تفلس أم الولد وتعدم فيذهب حق هذا، وتخرج الجارية حرة ساعتئذ، ولا يوقف نصفها للحرية التي ثبتت فيها، فوقف نصف قيمتها بمنزلة وقفها إذا هلكت أم الولد وهي حية، ويعجل لها العتق كما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أعتق شركا له في مملوك» ، فهذا شرك، قال عيسى: وإن لم يكن لأم الولد مال وكانت عديمة عتق منه نصيبها ويواجر النصف الآخر، فكلما اجتمع من إجارتها شيء له بال عتق منها ذلك، وحبس ذلك الخراج؛ لأنه لم يكن لها فيها إلا الخدمة، فلما أعتقتها كانت تاركة للخدمة فإن ماتت الخادم قبل أم الولد رجع ذلك الخراج الذي كان حبسا إلى أم الولد، وإن ماتت أم الولد قبل ذلك كان ذلك الخراج للولد المتمسك بالرق، وإن كان بقي من الأمة شيء لم يكن عتق كان ذلك له أيضا. قال محمد بن رشد: ذكر ابن أبي زيد متصلا بهذه المسألة، قال ابن المواز: لا أرى إيقاف القيمة، بل ينظر كم يسوى مرجعها على أمد العمرين عمر الأمة وعمر أم الولد على الرجاء والخوف، فيعجل لهذا الابن ولا يبالى إن ماتت الأمة قبل وقت مرجعها؛ لأنها على الغرر قومت، وإيقاف قيمتها ظلم، وكيف توقف أيضا الأمة وقد يحدث فيها عيب قبل موت أم الولد؟ وقد روى عن

ابن القاسم أيضا أنه قال: ينظر إلى قيمة مرجعها بعد أم الولد على الغرر والرجاء، فتوقف نصف القيمة من مال أم الولد حتى يعلم أيهما تموت أولا، قال ابن المواز: وهذا أبعد من الأول، وأحب إلي تعجيل نصف هذه القيمة للابن، وهو كما قال ابن المواز؛ لأن توقيف نصف القيمة على الرجاء والخوف ظلم بين للابن؛ لأن نصف الأمة يصير ملكا له بموت أم الولد ويرتفع الخوف منها، فكيف يعطي قيمتها بعد موت أم الولد على الرجاء والخوف وقد ارتفع بصحة الملك له وتيقنه؟ ولأن إيقاف نصف قيمتها يوم أعتقتها وهي لا تجب عليها إذ لا يدري لعلها ستموت قبلها فينكشف الأحق للابن فيها أو تموت أم الولد قبلها فيعلم أنها إنما وجبت له حينئذ، فكيف يأخذ قيمتها التي قومت به قبل أن يجب له، ولعلها أكثر من قيمتها يوم وجبت له، فيكون ذلك ظلما لأم الولد أو أقل من قيمتها يوم وجبت له فيكون ذلك ظلما له في إعطائه أقل من قيمتها يوم وجبت له. فأعدل هذه الثلاثة الأقوال - ما قاله محمد بن المواز من أنه يعجل له نصف قيمتها على الرجاء والخوف. ويتخرج في المسألة قول رابع على قياس قول ابن القاسم في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى من كتاب الخدمة فيمن أخدم نصف عبد له بينه وبين رجل رجلا سنة فأعتق شريكه في العبد نصيبه أنه لا يقوم عليه نصيب المخدم حتى يجب له بالقضاء السنة، وتوقف القيمة إلى انقضاء السنة إن خشى عليه عدم، وهو على ألا يجب في أم الولد فيها قيمة بحال؛ لأنها إن ماتت قبلها انكشف بموتها وجوب نصفها للابن ولم يصح أن يقوم عليها ذلك النصف بعد موتها على قولهم فيمن أعتق شخصا له في عبد فلم يقوم عليه حتى مات أنه لا يقوم عليه بعد الموت إلا أن يكون موتها قريبا من عتقها على اختلاف في ذلك، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه في العتبية ورواية مطرف وابن الماجشون عنه في الواضحة، وبالله التوفيق.

: الحوز في الصدقات والأحباس

[: الحوز في الصدقات والأحباس] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق قال: وسألت عبد الرحمن بن القاسم عن تفسير الحوز في الصدقات والأحباس ممن قد بلغ الحوز وما يجوز للأب حوزه ممن تصدق عليه أو حبسه ممن يليه من ولد صغير أو كبير سفيه وعن قسمة الحبس بين أهله فإنه ربما كان فيمن حبس عليه الصغير والكبير والحاضر والغائب والغني والفقير، وربما استوت الحالات في الفقر والغنى وكثرة العيالات من أحدهما، فقال: قد وصفت لك من ذلك ما حضرني ورضيت واخترت لنفسي ولا توفيق إلا بالله. فكل من تصدق بصدقة أو حبس حبسا على ولده صغارا أو كبارا فإن كانت الصدقة والحبس على صغار كلهم فحيازة أبيهم لهم حوز إذا أشهد لهم وبتل لهم صدقتهم أو حبسهم فكان هو القائم بأمرهم والناظر لهم في كراء إن كان أو ثمرة أو ما تحتاج إليه الصدقات من المرمة والإصلاح حتى يبلغوا الحوز وترضى حالهم مع البلوغ، والبلوغ الحلم للرجال مع الصلاح وحسن الحال، فإن بلغوا الحلم ورضيت حالهم وتزوج النساء ودخل بهن أزواجهن ورضيت مع ذلك حالاتهن فلم يحوزوا جميعا الرجال والنساء بعد أن بلغوا ما وصفت لك حتى هلك الأب فالصدقة لهم، وهم بمنزلة من تصدق عليه وقد بلغ ورضي حاله ثم لم يحز لثلث ما تصدق به عليه أو حبس حتى هلك من تصدق أو حبس فإن ذلك لا صدقة له ولا حبس بتركه حيازة

صدقته أو حبسه حتى مات المحبس له أو المتصدق به. وإن كانوا قد بلغوا الحالات التي قد وصفت لك من الاحتلام للرجال والدخول بالنساء وهم جميعا في ذلك لا ترضي حالهم فإن حيازة الأب لهم جميعا حيازة؛ لأن السفيه بمنزلة الصغير؛ لأن كل من ولي عليه فحيازة من يليه حوز؛ لأنه الناظر له والمدبر لأمره ولا رأي له في نفسه ولا ماله إلا بوليه، فلذلك رأى أهل العلم أنهم يحاز لهم إذا كانوا على ما وصفت والنساء إذا بلغن ورضي حالهن ولم يتزوجن ولم يدخل بهن مخالف للرجال، المرأة أبدا في ولاية أبيها وإن رضي حالها يجوز عليها أمره وينفذ لها حكمه من تزويج أو غيره وإن بلغت. والرجال ليسوا بهذه المنزلة إذا احتلم الرجل ورضي حاله لم يجز عليه أمر غيره، فلذلك افترق الرجال عندي والنساء في هذا الوجه الذي ذكرت لك. وإن كان من تصدق عليه أو حبس عليه صغارا وكبارا وفي الكبار من قد رضي حاله فلم يحز له ولا للصغار حتى مات المتصدق أو المحبس فلا صدقة ولا حبس للصغير ولا للكبير من قبل أنه لم يفرز للصغار شيئا بعينه فيكون أبوهم يحوزه ويرد ما لم يحز للكبار ولكنه تصدق أو حبس بشيء مشاع ليس مقسوما عليهم جميعا ولم يحز الكبار عن الأب فيجوز، ولم يعرف ما للصغار فيحوزه الأب لهم، فلما كان ذلك رأيتها صدقة لم تحز حتى مات صاحبها الذي تصدق بها فلذلك رأيت ردها. وإن كانت الصدقة أو الحبس على الصغار والكبار مفروزة

معروفة قد عرف ما للصغار منه وما للكبار بتفرقته إياه وإشهاده عليه وإثابة بعضهم فيه من بعض ثم لم يحز الكبار حتى مات المتصدق أو الحبس رأيت أن يجوز ما للصغار منه، ويرد ما للكبار لأنه يحوز للصغار أبوهم ولا يحوز للكبار الذين قد بلغوا ورضي حالهم إلا أنفسهم. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة فإن بلغوا الحلم ورضيت حالهم وتزوج النساء ودخل بهن أزواجهن ورضيت مع ذلك حالاتهن - يدل أن الغلام بعد الاحتلام محمول على السفه، فلا يخرج من ولايته حتى يثبت رشده، وهو نص رواية يحيى عن ابن القاسم في كتاب الصدقات والهبات. قوله: وليس الاحتلام بالذي يخرجه من ولاية أبيه حتى يعرف حاله ويشهد العدول على إصلاح أمره، وهو ظاهر سائر الروايات في المدونة وغيرها، إلا ما وقع في أول كتاب النكاح من المدونة قوله فيه: إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء، فإن ظاهره أنه بالاحتلام يكون محمولا على الرشد وتجوز أفعاله حتى يعلم سفهه، وهي رواية زياد عن مالك في البكر أنها تخرج من ولاية أبيها بالحيض، فكيف بالغلام؟ وقد تأول ابن أبي زيد قوله في المدونة: فله أن يذهب حيث شاء - أن معناه: بنفسه، لا بما له، فعلى هذا اتفق الروايات كلها، ولا تخرج عنها إلا رواية زياد عن مالك، وقد تأول أن قول مالك إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء، معناه: إذا احتلم ورضيت حاله، بدليل قول ابن القاسم: إلا أن يخاف من ناحية سفه فله أن يمنعه، وإلى هذا ذهب ابن لبابة، فقال: هذا هو الحق، لو مات الأب وأوصى به لم يخرج من ولاية الوصي حتى يثبت رشده، فكيف بالأب؟ ومثله في المدونة، وقوله: فقد منعهم الله من أموالهم مع الأوصياء بعد البلوغ إلا بالرشد، فكيف بالآباء الذين هم أملك بهم من الأوصياء؟ وإنما الأوصياء بسبب الآباء، ويدل أيضا على أن البكر وإن دخل بها زوجها فهي محمولة على السفه حتى يثبت

رشدها، وهو قول مالك في الموطأ والمدونة، وفي الواضحة من رواية مطرف عنه أنها في ولاية أبيها حتى تتزوج ويدخل بها زوجها ويعرف من حالها، أي: يشهد العدول على صلاح أمرها، فهي على قول مالك هذا ما لم تنكح ويدخل بها زوجها في ولايته مردودة أفعالها وإن علم رشدها، فإذا دخل بها زوجها حملت على السفه وأقرت في ولايته وردت أفعالها ما لم يظهر رشدها. وقد اختلف في الحد الذي تخرج به الجارية من ولاية أبيها اختلافا كبيرا تتحصل فيه ثمانية أقوال، قد ذكرتها في مسألة ملخصة في هذا المعنى ليس هذا موضع ذكرها، وقوله فيها: المرأة أبدا في ولاية أبيها وإن رضي حالها يجوز عليها أمره وينفذ لها حكمه من تزويج أو غيره - ظاهره: وإن عنست، وقد قيل: إنها إذا عنست وبلغت الخمسين سنة فلا تجوز حيازته لها ولا تزويجه إياها إلا برضاها، فإن زوجها بغير رضاها لم يفسخ، قاله مالك ورواه أصبغ عن ابن القاسم في كتاب ابن المواز لأبي زيد عن ابن القاسم مثله في الستين سنة، وقد قيل: إن حد تعنيسها أربعون سنة، فهي على القول بمراعاة التعنيس بعد التعنيس محمولة على الرشد مجوزة أفعالها ما لم يعلم سفهها، وقيل: مردودة أفعالها وإن علم رشدها، بخلاف الرجل؛ لأن الرجل بعد البلوغ محمول على الرشد حتى يعلم سفهه، وقيل: على السفه حتى يعلم رشده، فيفترق الرجل من المرأة في هذا الوجه كما قال في الرواية ويتفقان في جواز حيازة الأب عليهما جميعا. وقوله: إن كان من تصدق عليه أو حبس عليه صغارا وكبارا ... إلى آخر قوله - هو مثل قوله في المدونة في مساواته بين الحبس والصدقة في أنه إذا حبس على صغار وكبار أو تصدق على صغار وكبار فلم يقبض الكبار لأنفسهم وللصغار ما حبسه عليهم أو تصدق به عليهم لم يجز من ذلك للصغار شيء خلاف رواية علي بن زياد عن مالك في المدونة في تفرقته في ذلك بين الحبس والصدقة فأبطل نصيب الصغار في الحبس وأجازه في الصدقة، ومثل رواية علي بن زياد

عن مالك في أن نصيب الصغار يجوز في الصدقة، روى أشهب عنه في كتاب الصدقات والهبات في رسم الوصية، وقاله ابن وهب أيضا في سماع عبد الملك من الكتاب المذكور، فلا اختلاف في أن نصيب الصغار يبطل في الحبس إذا لم يحزه الكبار، قال ابن حبيب في الواضحة، عن المدنيين والمصريين جميعا: إلا أن يكون الأب قسم ذلك في أصل التحبيس والصدقة أو بعده فحاز نصيب الصغار فإنه يجوز لهم ما حازه لهم، وفي ذلك نظر سنذكره إن شاء الله في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات. ووجه تفرقة مالك في ذلك بين الحبس والصدقة هو ما قاله في رواية علي بن زياد عن مالك في المدونة من أن الحبس لا يقسم ولا يجزأ، والمعنى في ذلك عندي: أن الحبس ليس للصغار منه جزء معلوم فتصح قسمته بينهم وبين الكبار؛ لأنه كلما مات منهم ميت من الصغار أو الكبار رجع حظه على من بقي منهم، فلما لم يكن حظ الصغار منهم معروفا لم يكن الأب حائزا له، ولو كان الحبس على ابنين له بأعيانهما أحدهما صغير والآخر كبير فلم يحز الكبير منهما الحبس لوجب أن يجوز حظ الصغير من ذلك عند مالك على القول؛ لأن من مات منهما لا يرجع حظه على صاحبه ويرجع إلى المحبس أو إلى أقرب الناس به، وقاس ابن القاسم - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصدقة والهبة على قول مالك في الحبس فأبطل نصيب الصغار منه إذا لم يحزه الكبار، والمعنى في ذلك عنده أنه لما تصدق على من يحوز له وعلى من يحوز لنفسه وقد علم أن من حق الذي يحوز لنفسه أن يقاسمه فيحوز لنفسه كان إنما تصدق على أن يحوز لبنيه الصغار مقسوما فلم يجز أن يحوز لهم مشاعا وأجاز أن يحوز لبنيه الصغار مشاعا ما وهبه لهم مشاعا إذا لم يعمل على أن يحوز لهم مقسوما، فأجاز إذا تصدق عليهم بنصف غنمه أو دوابه وأبقى النصف الثاني لنفسه أو وهبه في السبيل أن يحوز لهم النصف الذي تصدق به عليهم على الإشاعة إذ لم يعمل على أن يحوزه لهم مقسوما.

ومعنى ما ذهب إليه مالك أنه أجاز أن يحوز لبنيه الصغار على الإشاعة ما وهبه لهم أو تصدق به عليهم على الإشاعة، كانت إشاعتهم مع نفسه أو مع من يقوم بالحيازة لنفسه من كبير أو مع من لا يقوم بها لنفسه مثل السبيل أو المساكين غير المعينين، وأصبغ لا يجيز أن يحوز لبنيه الصغار ما تصدق به عليهم أو وهبه إياهم مشاعا إلا مقسوما بكل حال، كانت إشاعتهم مع نفسه أو مع من يقوم بالحيازة لنفسه من كبير أو مع من لا يقوم بها من سبيل أو مساكين غير معينين على ما يأتي في رسم البيوع من سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات، فهي ثلاثة أقوال: قول مالك وقول ابن القاسم وقول أصبغ. والحبس خارج عن هذا كله لا اختلاف في أنه إذا حبس على بنيه الصغار والكبار فلم يحز الكبار يبطل نصيب الصغار من أجل أن القسمة فيما بينهم لا تصح من أجل أنه لا يثبت نصيبهم على شيء واحد. واختلف قول مالك فيمن تصدق على ابنه الصغير بعدة من غنمه أو خيله دون مسماة ولا موسومة فمرة رآها كالجزء المشاع لأن الحكم يوجب له الشركة فيها بما يقع للمتصدق بها من جملتها، فأجاز حيازتها له وإن لم يقسمها ولا وسمها. ومرة لم يرها كالجزء المشاع، إذ ليس لشريك له فيها حتى يشتركا فيها، فلم يجز حيازته له فيها حتى يقسمها ويسميها أو يسمها، فمن لم يجز حيازته له إذا وهبه جزءا إلا بعد المقاسمة فأحرى ألا يجيز حيازته له إذا وهبه عددا إلا بعد المقاسمة، ومن حيازته له إذا وهبه عددا فأحرى أن يجيزها له إذا وهبه جزءا، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: إجازة حيازته له في الموضعين والمنع من ذلك في الموضعين والتفرقة بينهما، وبالله التوفيق. وقد اختلف إذا تصدق على بنيه الصغار والكبار فحاز الكبار لأنفسهم وحاز هو للصغار، فروى عن ابن القاسم أنه يبطل كله، وهو على أصله الذي ذكرناه. وقال ابن المواز: يجوز كله. وهو الذي يأتي على أصل مالك الذي ذكرناه.

مسألة: لا يحوز للصغير ما وهبه إلا الأب والوصي

واختلف أيضا إذا تصدق رجل على رجل بنصف أرضه على الإشاعة. فقال ابن القاسم في تفسير ابن مزين: هي حيازة، ولم يرها أصبغ حيازة. وذلك على أصله الذي ذكرناه عنه، وبالله التوفيق. [مسألة: لا يحوز للصغير ما وهبه إلا الأب والوصي] مسألة قال ابن القاسم: ومن تصدق على صغير أو سفيه أو أحد ممن تولى عليه بصدقة من أم أو أخ أو قريب أو بعيد فحاز ذلك له وأشهد عليه فإن ذلك باطل لا يجوز إلا أن يكون وصيا فيكون حوزه له حوزا أو يضعه له على يدي غيره ويبينها عن نفسه فيكون لهم حوزا جائزا ماضيا، وليس ينزل أحد بمنزلة الأب في هذا إلا من يلي السفيه ممن يوصي إليه، فالوصي في ذلك بمنزلة الأب في الحوز لهم والقيام بصدقاتهم ثم يكون حائزا لهم ماضيا عليهم. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب المعلوم من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك أنه لا يحوز للرجل ما وهبه إلا أب أو وصي، وفي رسم الأقضية من سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات من قول ابن وهب إنه لا يحوز للصغير ما وهبه إلا الأب والوصي، والأم إذا كان يتيما في حجرها وإن لم يكن موصا إليها بمنزلة الوصي، والأجداد بمنزلة الأب إذا لم يكن أب وكان في حجر الجد يليه، والجدات بمنزلة الأم إذا لم تكن أم وكان في حجر الجدة تليه، قال: وأما من سوى هؤلاء فلا يكون حوزه حوزا للصغير إلا أن يبرأ به إلى رجل يليه للصغير. وفي سماع عبد الملك من كتاب الوصايا أن كل من ولي يتيما من قريب أو بعيد فإنه يحوز له ما وهب له، ومثله من بيده اللقيط، ورواه ابن غانم عن مالك، ونحوه في كتاب القسمة من المدونة أن الرجل تجوز مقاسمته على من التقطه، وأنزل في النكاح الأول من المدونة الحاضن والمربي للجارية في حياة الأب بمنزلة وكيل الأب، فرأى

مسألة: تصدق بصدقة أوحبس حبسا من دار أو دور فسكن بعضها وأسلم بقيتها

تزويجه إياها جائزا عليها بغير إذنها. قاله في مسألة رجال من الموالي يأخذون صبيانا من صبيان العرب تصيبهم السنة فيكفلون لهم أبناءهم ويربونهم فتكون فيهم الجارية. وذكر ابن حبيب المسألة على خلاف ما وقعت في المدونة، فقال: فتكون فيهم الجارية قد مات أبوها وغاب أهلها، فإن الذي كفلها ورباها أولى بعقد نكاحها يريد من ولاتها، فأنزله بمنزلة الوصي وذلك نحو ما في كتاب القسمة من المدونة ورواية ابن غانم عن مالك، ومثله لابن كنانة، سئل: عن يتيم صغير له إخوة أكابروهم الذين يلونه وينفقون عليه فزوجوه ابنة عم له، قال: ذلك يلزمه إذا كانوا هم الذين يلونه وينفقون عليه، وقال ابن القاسم: لا يلزمه ولا يتوارثان، ولا يجوز على الصبي إلا نكاح أبيه أو وصيه، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق بصدقة أوحبس حبسا من دار أو دور فسكن بعضها وأسلم بقيتها] مسألة قال: وكل من تصدق بصدقة أو حبس حبسا من دار أو دور فسكن بعضها وأسلم بقيتها أو كان يليها لمن تصدق عليه بها أو حبس إذا كانوا على ما وصفت لك ممن يحوز له المتصدق أو المحبس فيحوز ذلك لهم، فإن كان الذي سكن من الدار الشيء التافه فيما حبس أو تصدق مثل الدار ذات المنازل وكثرة المرافق فسكن منها ما لا خطب له فيها لقلته وصغر شأنه جاز له ما سكن وما لم يسكن، وإن كان ذلك الذي سكنه له بال في الدار وقدر، وهو جل ذلك وأكثره لم يجز ذلك وكانت صدقة لم تقبض؛ لأن التافه اليسير إذا سكنه وأفرز بقيتها فقد أسلمها وكان ما بقي في يديه تبعا لها؛ لأنه قد أسلم جلها وعضمها وما لا خطب لمن احتبس منها معه، فلما كان ما احتبس وسكن تبعا كان ذلك كله جائزا. وإن كان الذي احتبس وسكن أكثره وجله وأسلم أدناها وأقلها كان الذي فرز من ذلك تبعا للذي هو أكثر فكان بمنزلة من لم يسلم ولم يحز عنه، وإن كانت الصدقة أو

الحبس دورا وكان الولد صغارا فسكن منها دارا فإنه ينظر في ذلك على ما وصفت لك في الدار ذات المنازل. فإن كانت هذه الدار من الدور هي جل تلك الدور في القدر والثمن لم يجز ذلك الحبس، لا الدار التي سكن ولا الدور التي لم يسكن فإن كانت تلك الدار التي سكن ليست عضم ذلك في القدر ولا جله وإنما هي تبع فيما حبس جاز حبس تلك الدور كلها ما سكن وما لم يسكن. وإن كان الولد الذين حبس عليهم تلك الدور كبارا مرضيين فكانت تلك الدار التي سكن أعظم تلك الدور كلها لم يجز تلك الدار وجازت بقية الدور إذا كان الكبار قد حازوها، وإن كانت تافهة جازت الدور كلها إذا كانوا قد حازوا الدور وإن لم يحوزوا الدور لم تجز الدار ولا الدور. قال محمد بن رشد: قوله وإن كان الذي احتبس وسكن أكثره وجله وأسلم أدناها وأقلها كان الذي أفرز من ذلك تبعا للذي هو أكثر، فكان بمنزلة من لم يسلم ولم يحز عنه. وهو مثل قوله في آخر كتاب الرهون من المدونة في بعض الروايات: إن الدار الواحدة إذا سكن المحبس أكثرها فسواء حاز البقية منها هو للصغار أو حازه الكبار لأنفسهم يبطل جميعها خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن القاسم وأصبغ من أن الأب إذا سكن أكثر الدار وحاز الولد الكبار لأنفسهم بقيتها جاز لهم ما حازوه منها، بخلاف إذا حاز الأب للصغار كالدور الكثيرة إذا سكن الأب أكثرها وحاز الكبار بقيتها جاز لهم ما حازوه منها بخلاف إذا حازه الأب للصغار. فعلى ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن القاسم وأصبغ لا خلاف في هذا بين الدار والدور، وعلى ما في هذه الرواية وفي المدونة فرق في هذا بين الدار والدور فحصل الاختلاف من هذا الموضع في الدار الواحدة لا في الدور، وأصبغ لا يراعي التبع من غير التبع في الدور ويرى الحكم فيها وإن كانت محبسة في صفقة واحدة بمنزلة إذا حبس كل دار منها على حدة. وقد مضى بيان القول في هذه المسألة في

مسألة: انقطع من البلد الذي حبس عليه فيها وكانت سكنى

أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: انقطع من البلد الذي حبس عليه فيها وكانت سكنى] مسألة قال: وأما ما يبدأ به أهل الحبس بعضهم على بعض من غلة أو سكنى إذا كانوا جميعا محبسين عليهم. فإن ذلك ليس يكون على كثرة العدد، وإنما المبدأ بها والمقدم فيما كان من سكنى أو غلة أهل الحاجة، حيث كانوا بهم يبدأ وإياهم يؤثر، وليس يقسم ذلك بينهم أيضا على عددهم ولكن على كثرة عيال أحدهم إن كان سكنى فعلى عظم مؤنته وخفة مؤنته على قدر ما يتبع كل واحد منهم من قدره وقدر عياله، والقسم إن كانت غلة على قدر حاجتهم، وأعظمهم فيها حظا أشدهم فاقة وأظهر حاجة، فإذا سدت حاجتهم وفضل عنهم فضل رد على الأغنياء فسكن كل واحد منهم قدر ماله وكثره حاجته. وليس العزب الفرد كالمتأهل المعيل، والحاضر أولى بالسكنى من الغائب، والغلة بين الحاضر والغائب سواء، والمحتاج الغائب أولى من الغني الحاضر. وذلك على الاجتهاد على ما وصفت لك على ما يرى واليها والناظر فيها، ولا يخرج أحد من مسكن كان يسكنه، ومن انقطع من البلد الذي حبس عليه فيها وكانت سكنى ولم تكن غلة كان من أقام أولى منه إذا كان سكناه البلد التي خرج إليها سكنى انقطاع، وإن قدم منها لم يخرج له غيره، وإن كان القادم أحوج منه؛ لأنه لم يسكنه الذي هو فيه على وجه الضرورة، وإنما مسكنه حيث تركه القادم وانقطع عنه، ولو لم يخرج كان أولى بالمسكن ممن هو فيه وكان لا يدخل عليه وهو حاضر معه؛ لأنه أحوج، وإن لم يكن في الدار سعة. وكذلك إذا سكن الغني وانقطع المحتاج ثم قدم لم يخرج الغني له؛ لأنه لم يدخل عليه ولكنه

مسألة: الوصي يتصدق على أحد ممن يليه وهو في حجره

سكن بها حيث لم يكن أحد أولى بها منه، ومن مات منهم رجع حصته على أصحابه لأنه حبس عليهم جميعا حتى ينقرضوا فيصير آخرها إلى ما صيرها إليه صاحبها من سبيل الله أو غير ذلك مما سمى وشرط، وإن كان الخارج منها لم يخرج خروج انقطاع وإنما خرج لبعض ما يخرج الناس إليه من أسفارهم ثم رجع إلى بلده كان بمنزلة الحاضر من أهل الحبس. قال محمد بن رشد: كل ما ذكره ابن القاسم في هذه المسألة من وجه قسم الحبس المعقب في السكنى والغلة هو المنصوص له المعلوم من مذهبه، وابن الماجشون يخالف في ذلك ما حكاه عنه ابن المواز، فيرى أنه لا يفضل الفقير على الغني في الحبس المعقب، كما لا يفضل في الحبس على المعينين، ويؤخذ من مذهب ابن القاسم في مسائله ما يستقرأ منه مثل قول ابن الماجشون. وقد مضى بيان ذلك كله في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم وفي رسم البز منه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: الوصي يتصدق على أحد ممن يليه وهو في حجره] مسألة قال: وكل وصي رجل كان أو امرأة- تصدق على أحد ممن يليه وهو في حجره فحوزه له حوز بمنزلة الأب في ابنه على ما فسرت لك ووصفت. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه من أن الوصي في الحوز على من يلي ممن إلى نظره بمنزلة الأب سواء. وإنما الاختلاف هل ينزل منزلته في ذلك سواه من قريب أو حاضر حسبما مضى القول فيه قبل هذا في هذا الرسم، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.

: الدار الحبس على قبيلة فيأتي رجل منهم فيبني فيها الحوانيت والبيوت

[: الدار الحبس على قبيلة فيأتي رجل منهم فيبني فيها الحوانيت والبيوت] ومن كتاب أوله حمل صبيا على دابة قال ابن القاسم: في الدار الحبس على قبيلة فيأتي رجل منهم فيبني فيها الحوانيت والبيوت للغلة والسكنى. قال ابن القاسم: أما السكنى فمن سكن منهم فهو أولى بما سكن مما يكفيه ولا يدخل عليه غيره. وأما ما بنى للغلة فينبغي أن يقاضي نفسه بما يستوفي من الخراج، فيتقاضى من الخراج ما أنفق في البنيان، فإذا تقاضى ما أنفق في البنيان فالكراء بعد ذلك لجميع من حبس عليه حاضرهم وغائبهم، ويؤثر بذلك أهل الحاجة منهم والمسكنة. فإن بقي بعد ذلك شيء قسم بين الأغنياء، فإن جاء رجل فأراد أن يدخل مع الذي بنى في الغلة فإنه يغرم للذي بنى نصف ما بقي له من حقه ويدخل معه فيه فيكون في يديه نصف ما بقي للغلة يأخذ غلتها ويقاص نفسه حتى يستوفي حقه، فإذا استوفى حقه كانت الغلة بين من حسبت عليه على ما وصفت لك. فهذا وجه الحبس. فإن كانت القاعة لا كراء لها قبل البناء، قال: نعم وإن كانت القاعة لا كراء لها قبل ذلك فإن غلة الحوانيت والدور التي بنى بها يقاص بها نفسه من يوم أخذ لها غلة جاءه أحد أو لم يجئه. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة فيكون في يديه نصف ما بقي للغلة، صوابه: فيكون في يديه نصف ما بنى للغلة وكذلك في بعض الرواية. وهي مسألة بينة لا إشكال فيها ولا التباس في شيء من معانيها. وقال ابن دحون: إنه يدخل فيها جميع الاختلاف الذي في الرحا تخرب فيبنيها بعض أهلها والبير تتهور فيصلحها بعض أهلها. ولا يدخل فيه جميع ذلك الاختلاف كما ذكره. وإنما يدخل فيها أكثره فيدخل فيها من ذلك الاختلاف القول بأن

: حبس في مرضه فقال على ولدي وولد ولدي وترك زوجه وأمه

الغلة كذلك تكون للباني إلا أن يريد شريك أن يدخل معه فيها فيأتيه بما يجب عليه من النفقة التي أنفق أو من قيمتها على الاختلاف في ذلك. وهذا إذا أراد الدخول معه بحدثان ما بنى. وأما إن لم يرد الدخول معه حتى بلي البنيان فلا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما ينوبه من قيمة البنيان على حالته التي هو عليها من البلا قولا واحدا. وقد مضى وجه العمل في ذلك في نوازل عيسى من كتاب السداد والأنهار، فإن كان للحبس كراء قبل أن يبنى فيه هذا البناء كان على الباني لإشراكه في الحبس ما يجب لهم من ذلك الكراء، ولا اختلاف في هذا، وإن كان لم يكن للحبس كراء قبل أن يبني. فيدخل فيها الاختلاف الذي في الرحا الخربة يبنيها بعض الأشراك على هذا القول، هل يكون عليه فيها كراء أم لا؟ وقد مضى فيها توجيه هذا الاختلاف في النوازل المذكورة. ولا يدخل في هذه المسألة قول محمد بن إبراهيم الذي في الرحا الخربة يبنيها بعض الأشراك إن الغلة تكون بينهم فيكون للعامل منها بقدر ما أنفق وبقدر ما كان له فيها قبل أن ينفق، والذي لم يعمل منها بقدر ما له من قاعتها؛ لأن الحبس ليس بملك للمحبس عليهم فيشتركون فيه على ما ذكره في الرحا الخربة بين الأشراك. وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: حبس في مرضه فقال على ولدي وولد ولدي وترك زوجه وأمه] ومن كتاب القطعان قال يحيى: وسألت ابن القاسم عمن حبس في مرضه فقال على ولدي وولد ولدي وترك زوجه وأمه وغيرهم من الورثة، فقال: يقسم بين أعيان الولد وولد الولد ذكرهم وأنثاهم شرعا سواء على

عددهم للذكر مثل حظ الأنثى، فما صار لولد الولد أسلم إليهم لأنهم ليسوا بورثة المحبس، فجازت الوصية لهم، وما كان من ولد الأعيان شركهم من ورث الميت المحبس من امرأة أو أم أو ولد أو غيرهم يقتسمون ذلك بينهم على قدر مواريثهم من فرائض الله. وتفسير ذلك أنه إن كان ولد الولد أربعة وولد الأعيان ثلاثة قسم الحبس على سبعة أجزاء فأعطي ولد أربعة أجزاء، وأعطى ولد الأعيان ثلاثة أجزاء، ثم رجع جميع من ورث المحبس من أم أو ولد أو زوجة أو غيرهم فيقتسمون تلك الثلاثة الأجزاء على مواريثهم من الميت؛ لأنها وصية لوارث، ولا تجوز وصية لوارث. غير أن ذلك يكون حبسا في أيديهم ولا يبيعون ولا يهبون حتى تنقطع أعيان الولد لأنه قد جعل مرجعه إلى غير وارث وهم ولد الولد، فإذا انقطع ولد الأعيان رجع جميع ذلك الحبس إلى ولد الولد، فإن مات أحد من ولد الأعيان أو ولد الولد رجع نصيبه على من بقي من ولد الأعيان وولد الولد فاقتسموه أيضا ثانية، فما صار لولد الولد أسلم إليهم وما صار لولد الأعيان دخل فيه جميع من ورث الميت من الأعيان وغيرهم، فيقتسمونه بينهم على قدر مواريثهم من الميت.

وتفسير ذلك أن الحبس قسم أولا على سبعة أجزاء فكان لأعيان الولد ثلاثة أجزاء، فقسمت تلك الثلاثة الأجزاء على جميع ورثة المحبس، فإذا مات واحد من ولد الأعيان وقسم سهمه الثانية فإنه يقسم سهمه ذلك الذي صار له من السبعة الأجزاء على ستة أجزاء، فيكون لولد الولد أربعة أجزاء ولولد الأعيان اثنان؛ لأنهما الآن اثنين، ثم يقسم الجزآن اللذان صارا لولد الأعيان على الميت من ولد الأعيان وعلى الباقين منهم وعلى جميع من ورث الميت المحبس فما كان للباقين أخذاه، وما صار للميت من أعيان الولد دفع إلى ورثته فاقتسموه بينهم على فرائض الله، يدخل فيه امرأته وأخته وأمه وجميع من يرثه فيستمتعون بذلك ما عاش واحد من أعيان الولد، ويضرب ولد هذا الميت من أعيان الولد في هذا السهم الذي مات عنه أبوه بسهمين، سهم مع المحبس عليهم من ولد الولد وولد الأعيان، وسهم مع ورثة أبيه الميت فيما صار لأبيه من السهمين اللذين صارا لولد الأعيان حين قسم على ورثة المحبس. فإن مات أحد من ورثة المحبس من غير ولد الأعيان أو واحد من ورثة الابن الميت من أعيان الولد. فإن مات منهم فسهمه بين من يرثه من أهل ميراثه من أم أو زوجة أو غيرهم على فرائض الله لا يدخل فيه غيرهم، ولا تنتقض القسمة بموت من مات منهم لأنهم ليسوا ممن حبس عليهم. فإن مات أحد من ولد الأعيان فإن سهمه لا يرثه ورثته وإنما يرجع على من حبس عليه معه، فإذا مات على ما وصفت لك، وولد الأعيان ثلاثة وكان ولد الولد أربعة فمات منهم هذا الواحد وصاروا ثلاثة فإن سهمه الذي صار له من السبعة الأجزاء

يقسم على ستة أجزاء فيعطي ولد الولد ثلاثة وولد الأعيان ثلاثة، فما صار لولد الأعيان دخل فيه جميع من ورث المحبس ميتا كان أو حيا فاقتسموه على فرائض الله، فما صار للأحياء من ورثته أخذوه، وما صار للميت من ورثته دفع إلى ورثة الميت فاقتسموه بينهم على مواريثهم منه. وكل ما ولد لولد الولد أو ولد الأعيان الولد فإن القسمة تنتقض وتقسم على عدد ولد الولد وولد الأعيان قلوا أو كثروا ولو لم يبق من أعيان الولد إلا واحد وقد صار ولد الولد عشرة فإن الحبس يقسم على أحد عشر فيكون للباقي من ولد الأعيان جزء، ولولد الولد عشرة أجزاء. فعلى هذا يقسم الحبس أبدا على ما فسرت لك، ولا تنتقض القسمة بموت من مات من أعيان الولد ولا من ولد الولد، وإنما يقسم سهمه قط على ما فسرت لك. وليست تنتقض القسمة إلا إذا زاد ولد الولد فإنها تنتقض وتقسم ثانية على من زاد وعلى من هو في الحبس ممن هو حي، فما صار لمن بقي من أعيان الولد دخل في ذلك جميع من ورث المحبس ميتهم وحيهم فما صار للحي منهم دفع إليه، وما صار للميت دفع إلى ورثته، وورثته ورثته على ما ينوبهم فيه، فإذا مات جميع ولد الأعيان سقط هؤلاء كلهم، ورجع الحبس كله إلى ولد الولد أو إلى أقرب الناس بالمحبس من عصبته إن لم يبق أحد من أعيان الولد ولا من ولد الولد. وسئل: عنها سحنون، فقيل له: الرجل يحبس على ولده وولد ولده وله أم وزوجة هلكوا؟ قال: هذه من حسان المسائل وقل من يعرفها، وأصلها في كتاب ابن القاسم في غير موضع، فهي في

بعض الكتب خطأ وفي بعضها صواب والصواب فيها أنه ينظر كم ولده وولد ولده؟ فإن يكن ولده ثلاثة وولد ولده ثلاثة وحالهم واحدة قسمت الحبس على ستة أسهم، فلولد الولد ثلاثة أسهم، وهو النصف، ولولد الأعيان النصف، ثم يقسم نصيب الأعيان على فرائض الله، فتأخذ الأم السدس والزوجة الثمن ويكون ما بقي لولد الأعيان فإن انقرض ولد الولد قبل ولد الأعيان رجع ما كان في أيديهم إلى أقرب الناس بالمحبس وهم ولد الأعيان فكان في أيديهم على سنة الحبس، وليس للأم ولا للزوجة فيه شيء؛ لأن وصية الميت نفذت لهم وسقطت المحاباة؛ فإذا انقرضوا رجع ما كان في أيديهم ويد الأم والزوجة إلى أولي الناس بالمحبس الأول، وإن مات واحد من ولد الأعيان أخذ ما في يديه فاقتسم على فرائض الله، فللأم سدسه، وللزوجة ثمنه، ولولد الأعيان ما بقي. فإن هلك الثاني أخذت الأم مما في يديه سدسه، وللزوجة ثمنه. وإن هلك الثالث نزع ما في يد الأم والزوجة وما كان في يد الولد ورجع إلى أولى الناس بالمحبس وإنما يقاسم الأم والزوجة ولد الأعيان إذا هلك الأول وبقي اثنان. وإذا هلك الثاني وبقي واحد أخذ ما في أيديهم من النصف الأول الذي صار لهم، وأما ما رجع إليهم من حق ولد الولد فإن ذلك لا تدخل فيه الأم والزوجة لأن ذلك مما يرجع إليهم من وصية قد أنفذت لوجهها ولم يكن فيها محاباة لوارث. ألا ترى لو أن رجلا أوصى لولد ولده بدار حبس عليهم وله ولد لصلبه وأم وزوجة لكانت نافذة لهم لأنهم غير ورثة ولم يكن للزوجة فيها وصية مقال ولا للأم، فلو هلكوا كلهم ولد الولد رجع كل ما بأيديهم إلى أولى الناس

بالمحبس وهو ولده لصلبه ولم يكن للأم ولا للزوجة مقال. ألا ترى أنه لو أوصى لولد ولده بثلث ماله وصية لهم يكون لهم مال ويأكلونه وينتفعون به وله ولد وأم وزوجة لكانت وصية جائزة لهم لأنهم غير ورثة، ولم يكن للأم ولا للزوجة كلام، ولو هلك ولد الولد لكان ما كان لهم مما أوصى به جدهم لهم ميراثا لولده لصلبه، ولم يكن للزوجة ولا للأم كلام. وقد فسرتها لك وجها وجها، وهي من حسان المسائل. وقد قيل: إن مات ولد الولد وبقي ولد الأعيان أو واحد من ولد الأعيان فإن نصيبهم الذي كان لهم يرجع إلى ولده لصلبه. وكذلك الواحد منهم يقسم نصيبه على من بقي من ولد الولد وولد الأعيان فما صار لولد الأعيان أحد قائم. فإذا انقرض ولد الأعيان وقد كان صار إليهم ما كان لولد الولد كلهم أو ما صار إليهم من نصيب الواحد منهم مما أدخلنا في جميع ما رجع إليهم نصيب الزوجة والأم فإذا مات ولد الأعيان كلهم رجع ما في أيديهم ويد الزوجة إلي أولى الناس بالمحبس، وهذا الذي عليه أكثر الرواة، والله أعلم. قال محمد بن رشد: الحبس في المرض على الولد وولد الولد وصية لوارث وغير وارث؛ لأن الولد ورثة، وولد الولد غير ورثة، وحكم الحبس على الولد وولد الولد أن يرجع حظ من مات منهم على بقيتهم. فالوصية للوارت في هذا التحبيس تقل بموت من ولد الولد وتكثر بموت من يموت من ولد الولد ولسائر الورثة مع الولد أن يدخلوا عليهم فيما صار لهم من هذا الحبس قل أو كثر، فيكون بينهم على سبيل الميراث إذ لا تجوز وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة، فإن كان الولد ثلاثة وولد الولد أربعة على ما نزل

المسألة عليه في الرواية فقسم الحبس بينهم أسباعا إن استوت حالتهم على المشهور من مذهب ابن القاسم أو استوت أو لم تستو على ظاهر هذه الرواية وهو مذهب ابن الماجشون على ما حكاه ابن المواز، وجب لسائر الورثة الدخول على الولد في الثلاثة الأسباع، على سبيل الميراث. وكذلك إن مات واحد من ولد الولد فقسم حظه [من الحبس على بقيتهم] يدخل سائر الورثة أيضا على [الولد فيما نابهم] ، من حظ الميت فيكون بينهم على سبيل الميراث. وكذلك إن مات الثاني من ولد الولد ثم الثالث ثم الرابع، كلما مات منهم ميت يدخل سائر الورثة فيما ناب الولد من حظ الميت من ولد الولد، فإذا لم يبق من ولد الولد أحد رجع جميع الحبس ميراثا بين جميع الورثة، ومن مات منهم كان حظه لورثته ما بقي من الولد أحد. فإذا انقرض جميعهم بموت آخرهم رجع الحبس كله إلى أقرب الناس بالمحبس حبسا وسقط منه حق جميع الورثة وورثة الورثة. وأما إن مات من الولد أحد قبل موت ولد الولد وقد كان الحبس قسم أولا على سبعة أسهم، فحصل منه للولد ثلاثة أسهم أخذت منها الزوجة الثمن والأم السدس. فقال في الرواية: إنه يقسم سهمه ذلك الذي صار له من السبعة الأجزاء على ستة أجزاء، فيكون لولد الولد أربعة أجزاء ولولد الأعيان جزآن؛ لأنهما الآن اثنان. ثم يقسم الجزآن اللذان صارا لولد الأعيان على الميت من ولد الأعيان وعلى الباقين منهم وعلى جميع من ورث الميت المحبس. فما كان للباقين أخذاه وما صار للميت من أعيان الولد دفع إلى ورثته فاقتسموه بينهم على فرائض الله يدخل فيه أمه وأخته وجميع من يرثه فيستمتعون بذلك ما عاش واحد من أعيان الولد. وفي قوله: فيستمتعون بذلك ما عاش واحد من أعيان الولد - نظر، إذ لا يستمتعون بجميعه

ما عاش واحد من أعيان الولد كما قال؛ لأنه إذا مات واحد من أعيان الولد بعد ذلك وجب أن يردوا مما صار لهم ما يجب لهم من ذلك لولد الولد، وإنما يستمتع كل من صار بيده من الورثة شيء من الحبس بجميع ما صار له ما بقي أحد من أعيان الولد إذا مات جميع ولد الولد يرجع جميع الحبس إلى الولد حسبما ذكرناه. وقال ابن دحون: قوله إذا مات أحد ولد الأعيان فقسم حظه على من بقي من ولد الأعيان وعلى ولد الولد إن الجزأين اللذين صارا لولد الأعيان يقتسمان على الميت من ولد الأعيان وعلى الباقين منهم وعلى جميع الورثة غلط، بل يرد الورثة كل ما بأيديهم إلى الجزأين ويقتسمون ذلك على فرائض الله. وإنما قال ابن دحون ذلك؛ لأنه تأول على ابن القاسم أن الواحد من ولد الأعيان إذا مات يؤخذ جميع ما بيده فيضاف إليه ثلث سدس الأم وثلث ثمن الزوجة فيصير سبعا تاما، ثم يقسم هذا السبع على ما ذكر في الرواية، ولذلك قال: إن قوله يقسم الجزآن غلط، بل يرد الورثة كل ما بأيديهم إلى الجزأين ويقتسمون ذلك على فرائض الله كما تأول أبو إسحاق التونسي على ما في المدونة، وهو تأويل خطأ تفسد به المسألة. والصواب الذي يصح أن يحمل عليه ما في الرواية أن الواحد من ولد الأعيان إذا مات لا يؤخذ جميع ما في يديه، وإنما يؤخذ سهمه الذي صار له من السبعة الأجزاء حين قسم الحبس على ولد الأعيان وعلى ولد الولد مما بيده ومما بيد الباقين من ولد الأعيان ومما بيد الأم والزوجة؛ لأنه قد قسم ذلك عليهم أجمعين مع السبعين الآخرين اللذين كانا صارا لولدي الأعيان، فيأخذ مما بيد كل واحد منهم ثلثه؛ لأن ولد الأعيان ثلاثة فيكمل السبع على هذا ثم يقسم هذا السبع على الباقين من ولد الأعيان وعلى ولد الولد، فما ناب ولد الأعيان منه قسم على الميت من ولد الأعيان وعلى الباقين منهم وعلى الأم والزوجة، فما ناب الميت من ولد

الأعيان كان لورثته مضافا إلى ما كان بقي بيد الميت موروثهم، وما ناب الباقين من ولد الأعيان والأم والزوجة كان لهم مضافا إلى ما كان بقي في أيديهم، فيتساوون على هذا في جميع ذلك على قدر مواريثهم كما يتساوون في بعض القسم على ما روى يحيى. وفي رد الورثة كل ما بأيديهم إلى الجزأين واقتسام ذلك كله على جميع الورثة إذا أخذ جميع ما في يد الميت من ولد الأعيان على تأويلهما الفاسد والله الموفق للصواب برحمته. وقول ابن القاسم إذا مات واحد من ولد الولد إن ما صار من حظه لولد الأعيان دخل فيه جميع من ورث المحبس ميتا كان أو حيا فاقتسموه على فرائض الله ... إلى آخر قوله. هو خلاف مذهب سحنون في أن ما صار لأعيان الولد من قبل ولد الولد لا يدخل فيه الورثة؛ لأنه إنما يصير إليه بمرجع الحبس لا بالوصية، وقد قيل: إن سحنون إنما يقول ذلك إذا مات جميع ولد الولد. وأما إذا مات واحد منهم فيدخل الورثة فيما صار إلى ولد الأعيان من قبله، والرواية عنه منصوصة بخلاف ذلك أن الورثة لا يدخلون فيما صار لأعيان الولد من قبلهم مات جميعهم أو واحد منهم. وقوله في هذه الرواية: إن القسمة لا تنتقض بموت من مات من ولد الأعيان ولا من ولد الولد وإنما يقسم حظه فقط، معناه: إذا كان ينقسم - خلاف ظاهر ما في سماع يحيى من أن القسمة كلها تنتقض كما إذا زاد ولد الولد، وأما إذا لم ينقسم حظ من مات من الولد أو ولد الولد على من بقي منهم فلا اختلاف في أن القسمة كلها تنتقض من أصلها كما إذا زاد ولد الولد، ورواية يحيى في أن القسمة تنتقض بموت من مات منهم ليست بمخالفة لهذه الرواية فيما تخرجه القسمة لكل واحد منهم في القلة والكثرة إذا لم تنقض، فليست بمخالفة لها إلا في صفة العمل. ورواية يحيى أولى لما في ترك نقض القسمة من التشغيب والعناء مما لا يؤدي إلى معنى. وقول سحنون والصواب أن ينظركم ولده وولد ولده، فإن يكن ولد ولده

ثلاثة وحالهم واحدة قسمت الحبس على ستة أسهم. قيل: إنه تفسير لقول ابن القاسم. وقيل: إنه خلاف له، إذ قال: إن الحبس يقسم على عددهم ولم يشترط تساوي أحوالهم. وقد قيل: إن ابن القاسم فرق بين التحبيس في المرض لما كان بمعنى الوصية فرأى ألا يفضل فقيرهم على غنيهم، بخلاف من حبس في صحته، واتفقا جميعا أعني ابن القاسم وسحنون على ألا يفضل في هذه المسألة الولد على ولد الولد. وذلك خلاف ما في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك مثل قول المخزومي وغيره في قوله: وكان المغيرة وغيره يستوي بينهم. وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. وقول سحنون: فإذا انقرض ولد الولد قبل ولد الأعيان يريد أو واحد منهم على ما قاله في غير هذا الكتاب - رجع ما كان في أيديهم إلى أقرب الناس بالمحبس وهم ولده الأعيان فكان في أيديهم على سنة الحبس، وليس للأم ولا للزوجة فيه شيء؛ لأن وصية الميت نفذت لهم وسقطت المحاباة، ليس بصحيح وهو غلط بين؛ لأنه إنما يرجع إلى من معه في الحبس، وإنما يرجع الحبس إلى أقرب الناس بالمحبس إذا انقرض المحبس عليهم كلهم. فأما ما بقي منهم قوم فذلك راجع إليهم على جهة الوصية التي لهم لا على جهة أنهم أقرب الناس بالمحبس. وإذا كان هذا هكذا فالأم والزوجة يدخلان فيما رجع إلى ولد الأعيان من قبل ولد الولد وإن انقرضوا كلهم لأنها وصية رجعت إليهم. وقال ابن أبي زيد في المختصر: إنما قال سحنون: إن الأم والزوجة لا يدخلان فيما رجع إلى الولد من قبل ولد الولد إذا ماتوا كلهم، فأما في موت واحد منهم فتدخل الأم والزوجة فيما يصيب ولد الأعيان من نصيب ولد الولد في قول جميعهم؛ لأن أسباب المواريث قائمة بينهم. وكذلك تأول عليه ابن دحون. وهو تأويل لا يعضده نظر، ويرده أيضا الرواية الموجودة عن سحنون بأن الواحد منهم إذا مات فلا تدخل الأم والزوجة فيما رجع من حظه إلى ولد الأعيان.

وقول سحنون في الرواية: وإن مات واحد من ولد الأعيان، يريد: إن مات بعد انقراض ولد الولد أخذ ما في يديه، يريد: جميع السدس الذي صار له أولا من الحبس حين قسم على الولد وولد الولد فاقتسم على فرائض الله، فللأم سدسه وللزوجة ثمنه، يريد: وقد أخذتا ذلك فلا يسترد من عندهما ولد الأعيان ما بقي، يريد: مما صار له بالميراث خاصة دون ما صار له من رجوع الحبس من قبل ولد الولد، فالذي صار إليه بالميراث هو الذي يقسم على ورثته. وأما ما صار إليه بالرجوع عن ولد الولد فإنما يرجع إلى أخيه، فإن لم يكن له أخ رجع إلى أقرب الناس بالمحبس على مذهب سحنون، وهو غلط على ما بيناه. وقوله فإن هلك الثاني أخذت الأم مما في يديه سدسه غلط؛ لأنه إنما تأخذ الثلث إلى أن يموت هذا الثاني عن ولد الولد. وقول سحنون: وإنما يقاسم الأم والزوجة ولد الأعيان إذا هلك الأول وبقي اثنان وإذا هلك الثاني وبقي واحد صحيح. وقوله بعد ذلك: أخذ ما في أيديهم، يريد: فإذا هلك ذلك الواحد الذي بقي أخذ ما في أيديهم من النصف الذي صار لهم، يريد: أنه يؤخذ منهم فيكون ميراثا عن المحبس لورثته وورثة من مات من ورثته. وأما قوله: وأما ما رجع إليهم من حق ولد الولد فإن ذلك لا يدخل فيه الأم والزوجة؛ لأن ذلك مما رجع إليهم من وصية قد أنفذت لوجهها ولم يكن فيها محاباة لوارث ... إلى آخر قوله. فقد بينا وجه الغلط فيه وأن قول ابن القاسم: إن الزوجة والأم يدخلان فيه - هو الصحيح؛ لأنه وصية لوارث؛ إذ لم ترجع إليهم بمرجع الأحباس وإنما رجع إليهم بحكم تحبيس المحبس عليهم. وقع في النوادر قال سحنون في العتبية: وإذا انقرض ولد الولد وصار ما بأيديهم لولد الأعيان ثم مات واحد منهم فتأخذ الأم والزوجة ميراثهما مما

: حبس على بنات له حبسا

في يديه من السدس الذي أخذ أولا مما دار إليه عن ولد الولد فما بقي قسم بين ولدي الأعيان. قال أبو محمد: ينبغي أن يكون والله أعلم إنما أخذ أولا هذا السدس بالميراث فعند الأم سدسه وعند الزوجة ثمنه فلا يرد من عندهما لانقراض ولد الولد الذين لهم في ذلك حجة ولكن يقسم ما بيده من بقية ذلك السدس على ورثته، لأمه سدسه ولزوجته حقها الربع ولبقية ورثته ما بقي، فإن كان إخوته هذين فهو لهما، وأما ما بيده على ولد الولد وهو سدس ثان فهو كسبيل الأحباس عنده في رواية العتبي لا شيء لورثته فيه ويرد إلى أولى الناس بالمحبس وهما أخوا هذا الميت بينهما بنصفين. كما وقع قول سحنون في النوادر، وهو يبين قوله في الكتاب ففيه لبس. وقول ابن أبي زيد مفسر لقول سحنون لا خلاف له، إن شاء الله. وقوله في آخر المسألة: وقد قيل: إذا مات ولد الولد وبقي ولد الأعيان هو قول ابن القاسم. وقد تقدم وجه تصحيحه فلم يأت سحنون في هذه المسألة بشيء؛ لأنه أخطأ فيما خالف فيه ابن القاسم وأتى في تفسيره بكلام غير بين ولا مستقيم يفتقر إلى ما بيناه به من التفسير، وبالله التوفيق. [: حبس على بنات له حبسا] ومن كتاب العشور قال مالك: من حبس على بنات له حبسا فبنات بنيه الذكور يدخلن مع بناته لصلبه في الحبس. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن بنات ابنه يقع عليهن اسم بنات في اللغة، ولهن حكم البنات في الميراث إذا لم يكن دونهن ولد فوجب أن يدخلن مع بناته لصلبه في الحبس. وقد مضى ذلك في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

: حبسه عليه وشرط أن مرجعه إليه ليجعله حيث يراه

[: حبسه عليه وشرط أن مرجعه إليه ليجعله حيث يراه] ومن كتاب الجواب قال: وسألته: عن الرجل يحبس الشيء من ماله على رجل ويستثني أن مرجعه إليه يجعله حيث شاء أو أنه يرجع مرجعه حيث شاء، ثم مرض المحبس فيجعل مرجعه وهو مريض لوارث. قال ابن القاسم: لا يجوز ذلك للوارث ولا يجوز له منه شيء لا من رأس المال ولا من الثلث إلا أن يشاء الورثة؛ لأن مالكا قال في الرجل يخدم الرجل عبده حياته ثم يمرض المخدم فيجعله بعد مرجعه لرجل آخر بتلا. قال لي مالك: هو من الثلث لصاحب البتل. فلما جعل مالك هذا من الثلث كان الذي جعل مرجعه في مرضه لوارث باطلا؛ لأنه مال من ماله بعد المرجع يورثه مع ما يورث، وهذه وصية لوارث فلا تجوز، إلا أن يجيزها [للوصية] الورثة. قال محمد بن رشد: أما إذا حبس الشيء من ماله على الرجل واستثنى أن مرجعه إليه ولم يقل ليجعله حيث شاء فذلك كمسألة مالك في الإخدام سواء، إن صرف المرجع في مرضه لوارث فهو باطل، وإن صرفه لغير وارث فهو من ثلثه، يقوم فيه قيمة صحيحة إن كان قد رجع وقيمته على الرجاء والخوف إن كان لم يرجع بعد. وكذلك إن حبسه عليه حياته ولم يشترط أن مرجعه إليه ملكا على القول بأن الحكم يوجب ذلك. وأما إن حبسه عليه وشرط أن مرجعه إليه ليجعله حيث يراه فأصبغ يقول إن سبله فيما رأى وأحب في مرضه فهو من رأس المال، وإن سبله على وارث فهو ميراث إلا أن يمضي ذلك له الورثة، خلاف قول ابن القاسم هذا، وبالله التوفيق.

: يحبس دارا على بناته ويشترط أن أيتهن تزوجت فلا حق لها في الحبس

[: يحبس دارا على بناته ويشترط أن أيتهن تزوجت فلا حق لها في الحبس] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى: وسألته: عن الرجل يحبس دارا على بناته ويشترط أن أيتهن تزوجت فلا حق لها في الحبس، فإن ردها طلاق زوج أو موته فهي على حقها من الحبس، فإذا متن كلهن فهي صدقة على رجل خصه من قرابته أو غيرهم أو مرجعا إلى بعد موتهم، فتزوجن كلهن فلم يجد المتصدق عليه سبيلا إلى أخذ الدار بالصدقة لبقاء البنات أو هو بما استثنى وأخرج البنات من الحبس بتزويجهن، فقلت: لمن تكون غلة الدار إلى أن يرد بعض البنات رادة من موت زوج أو طلاق أو إلى أن يمتن فتصير للمتصدق عليه أو إلى المحبس؟ فقال: أرى غلتها في تلك الفترة للمحبس إن كان استثنى مرجعها إليه وكان حيا أو لورثته إن كان ميتا، قلت له: الورثة من غير البنات؟ فقال: لا بل لأقعد الناس به ممن يرثه مع بناته ويكون لهم ولهن الغلة في تلك الفترة على حال الميراث، وليس على حال الحبس. قلت: أرأيت إن دخلت البنات مع غيرهن من الورثة بأن لم يكن له وارث إلا بناته اللائي حبس عليهن وبقية ذلك لجماعة المسلمين أيعطيهن ثلث الغلة أم لا يرجع إليهن إلا أن يكون معهن وارث من الولد أو ولد الولد يرد ذلك عليهن؟ قال: وإن كان جعلها صدقة على رجل بعد موتهن فالغلة في الفترة للمتصدقة بها عليه ولا توقف الغلة على حال لأنك إذا أوقفتها إذا متن رددتها إلى المحبس إن كان استثنى مرجعها إليه أو إلى المتصدق بها عليه إن كان تصدق بها بعد موتهن، فإن كنت إنما توقف الغلة لموتهن ثم تدفعها إلى من تصير الدار له فحبس ذلك عد من الظلم. قال: وإن أوقفتها فإن ردتهن رادة دفعت الغلة

إليهن كنت كمن أجرى لهن الغلة في الحين الذي لم يكن لهن في الدار شيء، فأحب ذلك أن تدفع الغلة في الفترة معجلة إلى من استثنى المحبس مصير الدار إليه بعد موتهن. قلت: أرأيت إن كان إنما جعلها حبسا على الرجل بعد موت البنات أيعطي الغلة أيضا في الفترة كما أعطيها حين ابتلت له بالصدقة. قال محمد بن رشد: لم يجب ابن القاسم من هذه المسألة في موضعين: أحدهما: إذا تزوج البنات كلهن وقد استثنى المحبس مرجع الدار إليه بعدهن. فقال: إن الغلة تكون في تلك الفترة للمحبس إن كان حيا بما استثنى من مرجع الحبس إليه أو لورثته إن كان ميتا: بناته المتزوجات وغيرهن على سبيل الميراث، فسأله: إن لم يكن له وارث معهن غير جماعة المسلمين أيكون لهن ثلث الغلة أو لا يكون لهن منها شيء إلا أن يكون معهن وارث من الولد أو ولد الولد للمحبس، يرد ذلك عليهن؟ فلم يجب على ذلك. والجواب عليه: أنه يكون لهن ثلثا الغلة، والثلث لجماعة المسلمين لأنهم هم الوارثون للمحبس معهن، ولا إشكال في ذلك على مذهبه. والموضع الثاني: إذا جعل الدار بعد البنات حبسا على رجل لا صدقة مبتلة هل تكون الغلة له في تلك الفترة وهي ما دامت البنات متزوجات، والجواب في ذلك: أنها تكون له على ما وقع من رواية ابن القاسم عن مالك في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى، وقد مضى هذا الكلام هناك على معاني هذه المسألة، فلا معنى لإعادته. ويدخل في تحبيس الرجل داره على بناته بنات بنيه الذكور حسبما مضى في رسم العشور من سماع عيسى قبل هذا، وقد مضى بيانه، وبالله التوفيق.

: الدار تقسم على عدد الولد الذكور والإناث وولد الولد الذكور والإناث شرعا سواء

[: الدار تقسم على عدد الولد الذكور والإناث وولد الولد الذكور والإناث شرعا سواء] ومن كتاب الصلاة وسئل: عن رجل حبس منزلا له في وصيته على ولده وولد ولده فإذا انقرضوا فهي حبس في سبيل الله واستثنى أيما امرأة تزوجت من بناته أو بنات بنيه فلا حق لها في الحبس إلا أن تردها رادة من موت زوج أو طلاقه. فقال: إن وسع ذلك الثلث قسم المنزل على عدد الولد الذكور والإناث وولده، الولد الذكور والإناث شرعا سواء فما صار لولد الولد ولهم خاصة لا يدخل معهم فيه أحد من ورثة الموصي، وما صار لأعيان ولد الموصي من قسمة الدار المحبسة دخلت عليهم فيه أم الميت وزوجته وكل من ورثه فاقتسموه على كتاب الله؛ لأنه أوصى لوارث. قال: فإن تزوج من أعيان بنات الميت المحبس دنية أخذ القسم بينهم ثانية فقسم بين الأعيان أجمعين ما عدا المتزوجة وولد الولد وأنزلت المتزوجة كأن لم تكن من بنات الميت، فما صار من ذلك لولد الولد فلهم خاصة لا يدخل عليهم فيه أحد من ورثة الميت، وما صار لأعيان ولد الميت دنية قسم بينهم وبين جميع من ورث الميت على كتاب الله، ودخلت معهم الابنة المتزوجة لأن الذي استثنى عليها أبوها لا يخرجها من حقها من الميراث. وإنما يطرح عندما يقسم المنزل بين أعيان ولد الميت وولد ولده ليستكمل ولد الولد وصاياهم المحبسة عليهم. قال: فإن ردت الابنة رادة كانت على حقها في السكنى وأعيد أيضا القسم ثالثة فعدل الحبس بين من حبس عليه شرعا سواء ولد الأعيان جميعا وابنته الرابعة معهم وولد الولد كلهم، فما صار لولد الولد من

ذلك لم يدخل عليهم فيه غيرهم، وما صار لأعيان الولد الابنة المردودة وغيرها فهو يقسم على جميع ورثة الميت على كتاب الله. قال: من تزوج من بنات البنين سقط أيضا حقها من السكنى وأعيد القسم بينهم على ما فسرت لك، وألغيت المتزوجة من بنات الأبناء من القسم وأنزلتها كأن لم تكن، فإن ردتها رجعت على حقها من السكنى وأعيد القسم من أجل رجوعها بين ولد الولد وأعيان ولد الميت، وكلما أعيد القسم بتزويج ابنة أو ابنة ابن أو لرجوعها فإن ما حصل لولد الولد لا يدخل عليهم فيه غيرهم، وما حصل لأعيان الولد يدخل فيه معهم جميع ورثة الميت. قال: وإن مات أحد من أعيان ولد الميت أعيد القسم وطرح الهالك، فإذا أعطى ولد الولد حقهم نظر إلى ما صار لأعيان الولد فقسم عليهم وأعيد سهم الهالك معهم وجميع من ورث. فما صار في القسمة للهالك اقتسمه كل من ورث الهالك من أعيان ولد الميت من كانوا على كتاب الله. وكلما انقرض من أعيان ولد الميت أحد أعيد القسم على ما فسرت لك، وجعل حظ الهالك لورثته حتى ينقرض أعيان ولد الميت أجمعون. فإذا لم يبق منهم أحد فبقي ولد الولد سقطت مواريث كل من ورث بانقراض أعيان ولده، وصار الحبس إلى ولد الولد يقسم بينهم على ما حبسه جدهم، ومن مات من ولد الولد رجع حقه على من بقي ما بقي منهم أحد أو من أهل الحبس معهم أحد. فإذا انقرض جميع من حبس عليه صارت إلى ما حبسها عليه الميت من سبيل الله. قال: وإن انقرض ولد الولد قبل أعيان الولد رجع الحبس كله إلى أعيان الولد فقسم بينهم وبين من ورث الميت على فرائض الله. فإذا انقرض أعيان الولد كلهم سقطت حقوق أهل المواريث

كلها ورجعت حبسا في سبيل الله. قال محمد بن رشد: قوله إن الدار تقسم على عدد الولد الذكور والإناث وولد الولد الذكور والإناث شرعا سواء، هو مثل ما تقدم له في رسم القطعان من سماع عيسى. وظاهره وإن اختلفت أحوالهم. وقيل: معناه إن استوت أحوالهم. قاله سحنون وإليه ذهب ابن المواز، وإنما تقسم الدار على عددهم كما قال: إذا لم يكن بد من ذلك، مثل أن يكون عددهم خمسة أو سبعة أو أحد عشر أو ثمانية والولد الذي للصلب واحد أو كلهم للصلب إلا واحدا أو تسعة أربعة منهم للصلب أو خمسة وما أشبه ذلك. وأما إن كان الذين للصلب منهم أربعة وولد الولد أربعة فإنما تقسم الدار بينهم بنصفين فيدخل في النصف الذي صار للولد الأعيان جميع ورثة المحبس، وسكن ولد الولد في النصف الذي صار لهم منها إن حملهم السكنى، فإن لم يحملهم السكنى أكري واقتسم بينهم الكراء بالسواء للذكر مثل حظ الأنثى، والنصف الثاني الذي صار لولد الأعيان يكون بين جميع الورثة على سبيل الميراث إن لم يتفقوا على سكناه اقتسموا كراءه على حسب الميراث. وقوله: فإن تزوج أحد من أعيان بنات الميت المحبس دنية أعيد القسم بينهم ثانية فقسم بين الأعيان أجمعين ما عدا المتزوجة وولد الولد وأنزلت المتزوجة كأن لم تكن من بنات الميت، فما صار من ذلك لولد الولد فلهم خاصة لا يدخل عليهم فيه أحد من ورثة الميت، وما صار لأعيان ولد الميت دينه قسم بينهم وبين جميع من ورث الميت على كتاب الله، ودخلت معهم الابنة المتزوجة لأن الذي استثنى عليها أبوها لا يخرجها من حقها من الميراث. هو خلاف قوله المتقدم في رسم القطعان من سماع عيسى أنه لا يعاد القسم إلا إذا زاد عدد ولد الولد. وأما إذا نقص عددهم بموت أحدهم فلا ينقض القسم وإنما يقسم حظ الميت من ولد الأعيان الذي صار له في القسم من الدار حين قسمت على عدد الولد وولد الولد كاملا بعد أن يرد للزوجة قيمة

الثمن الذي قبضت منه والأم السدس الذي قبضت على من بقي من ولد الميت دينه وعلى ولد الولد. فما صار من ذلك لولد الأعيان كان ميراثا بين جميع ورثة الميت المحبس الزوجة والأم والولد الميت ومن بقي من أولاده الأحياء، فما ناب الميت من ذلك كان لجميع ورثته من زوجة وأم إن كانت له زوجة وأم ومن سواهم. وهذا إن انقسم حظ الميت منهم على عدد من بقي منهم وعلى عدد ولد الولد. وأما إن لم ينقسم عليهم فلا بد من أن تعاد القسمة في الجميع كما قال في هذه الرواية فيحتمل أن يكون تكلم في هذه الرواية على أن حظ المتزوجة من أعيان بنات الميت المحبس أو من بنات ولده لا ينقسم على عدد من بقي من ولده الأعيان وعدد ولد ولده. وتكلم في رسم القطعان من سماع عيسى على أن حظ الميت من ولد الأعيان أو ولد الولد ينقسم على عدد من بقي منهم وعدد الآخرين، فلا يكون بين الروايتين اختلاف. وظاهر رواية يحيى هذه أن يعاد قسم الجميع وإن كان حظ المتزوجة الذي صار لها بالقسم الأول ينقسم خلاف ما في رسم القطعان من سماع عيسى أنه يقسم معناه إذا كان ينقسم. ورواية عيسى أنه يقسم إذا كان ينقسم أصح في المعنى، إلا أنه يبعد أن ينقسم. وأما إذا كان لا ينقسم فلا اختلاف في أنه لا يقسم ولو لم تنقسم الدار كلها من أول عدد الولد وولد الولد لكان الحكم فيها أن تكرى ويقسم الكراء بينهم على عددهم، فما ناب ولد الأعيان منه كان ميراثا بين جميع الورثة، وما ناب كل واحد من ولد الولد كان له إلا أن يموت أحد منهم أو يتزوج فيقسم ما اجتمع من غلة الدار من يوم مات الميت منهم على من بقي منهم حسبما وصفناه، فما وجب لولد الأعيان كان ميراثا بين جميع ورثة الميت المحبس فمن كان منهم حيا أخذ حقه، ومن كان منهم قد مات ورث حقه عنه ورثته. وقوله في هذه الرواية في آخر هذه المسألة وان انقرض ولد الولد قبل أعيان الولد رجع الحبس كله إلى أعيان الولد فيقسم بينهم وبين من ورث الميت على فرائض الله صحيح على مذهب ابن القاسم، خلاف ما

: الحبس المعقب كالحبس على المعينين يقسم عليهم بالسواء

تقدم من قول سحنون في رسم القطعان من سماع عيسى. والأصل في هذا على مذهب ابن القاسم أن كل ما رجع إلى الولد من جهة ولد الولد على طريق رجوع الأحباس إلى الأقرب بالمحبس فلا دخول للزوجة ولا للأم ولا للميت من الولد في ذلك، وما رجع إلى الولد من جهة ولد الولد على طريق حكم الوصية التي أوصى بها المحبس فالأم والزوجة تدخلان في ذلك مع من مات من الولد. وسحنون يقول: إن ما رجع إلى الولد من جهة ولد الولد فلا تدخل فيه الأم والزوجة ولا من مات من ورثة المحبس، سواء رجع إليهم ذلك بحكم مرجع الأحباس بعد انقراض جميع الولد المحبس عليهم، أو بحكم الحبس في وجوب رجوع حظ من مات منهم إلى أصحابه في الحبس، وهو خطأ من القول على ما بيناه في رسم القطعان من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [: الحبس المعقب كالحبس على المعينين يقسم عليهم بالسواء] من سماع سحنون بن سعيد وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: سألت ابن القاسم عن وجه قسم الحبس إذا قال الرجل داري حبس على بني فلان وهم حضور كلهم أو بعضهم حضور والآخرون غيب في بلدان شتى قد اتخذوها دورا أو غيب في تجارات وحوائج لهم، قال: إذا كانوا حضورا أوثر أهل الحاجة فسكنوا، فإن فضل فضل كان للأغنياء، وإن كان فضل أكرى وأوثر أهل الحاجة أيضا، وإن لم يكن إلا قدر السكنى أوثر أهل الحاجة فكانوا أحق، فإن استغنى أهل الحاجة وافتقر بعض الأغنياء لم يخرج الذين سكنوا أولا منهم، وكان ذلك لولد أولادهم على الأحوج فالأحوج، ولم يخرج الأغنياء الذين افتقروا، وإن كان بعضهم غنيا في بلد سكنوها قسم للحاضر وأوثر أهل الحاجة منهم إلا أن يكون فضل فيكرى ويؤثر أهل الحاجة به. فإن قدم أولئك لم يخرج لهم أحد من أولئك وكذلك إن خرج أحد ممن قسم له إلى بلد

مسألة: رجوع الحبس بعد انقراض المحبس عليهم

فسكنها واتخذها دارا فسكن منزله ثم رجع لم يكن له في منزله حق إلا أن يكون خرج في حاجة له فهو أحق به ولا يسكن له منزله. وأما إن كان بعضهم حضورا وبعضهم غيبا في حوائج أو تجارة وليس غيبتهم فيها سكنا في بلد فأرى أن تقسم لهم حقوقهم في ذلك، فهذا أوجه ما سمعت. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم مثل ما تقدم من قوله في رسم إن خرجت من سماع عيسى ومن روايته عن مالك في رسم البز من سماعه. وهو المعلوم من مذهبه خلاف مذهب ابن الماجشون فيما حكى عنه ابن المواز من أن الحبس المعقب كالحبس على المعينين يقسم عليهم بالسواء، ولا يفضل الفقير منهم على الغني، ويوجد مثله لابن القاسم بالمعنى، والظاهر حسبما ذكرناه في أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: رجوع الحبس بعد انقراض المحبس عليهم] مسألة قال ابن القاسم في تفسير يرجع إلى أولى الناس بالمحبس حبسا: إنما ذلك على من يرثه، وليس على أولى الناس به ممن لا يرثه من عمة أو خالة أو نحوها. قال محمد بن رشد: أما الخالة فلا اختلاف في أنه لا مدخل لها في مرجع الحبس، وكذلك الأخوات والإخوة للأم وبنات الأخوات ما كن وبنات البنات وبنو البنات وبنو الأخوات. وأما العمة فتدخل فيه على اختلاف قد مضى تحصيله في أول سماع ابن القاسم. فإن كان أصل الحبس على محتاجين مثل أن يقول هو حبس على الفقراء من ولدي وولد ولدي أو على محتاجي آل فلان وما أشبه ذلك فلا يرجع الحبس إلا إلى أقرب الناس بالمحبس من الفقراء. وأما إذا كان الحبس على ولده أو على آل فلان دون أن يخص الفقير

مسألة: قال غلامي يخدم فلانا يوما وفلانا يوما في الوقف

منهم فالمشهور أن الحبس يرجع بعد انقراض المحبس عليهم إلى أقرب الناس من المحبس من الفقراء. وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وقد روى ابن نافع عن مالك في المدونة أنه يرجع إلى أقرب الناس به من الأغنياء والفقراء إلا أن يبدأ الفقير على الغني. وقد قيل: إنه إن كان سكنى دخل فيه الغني والفقير إن لم يكن له مسكن إذ لا يستغني الغني عن مسكن، وإن كان غلة لم يكن للغني فيها مدخل. وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: قال غلامي يخدم فلانا يوما وفلانا يوما في الوقف] مسألة قال سحنون: وإذا قال: غلامي يخدم فلانا يوما وفلانا يوما فهو بمنزلة ما يقسم إن مات منهما أحد رجع نصيبه إلى صاحب الأصل، وإنما يكون ما فسرت لك إذا كان حبس عليهما العبد جميعا يخدمهما حيث كانا ولم يقسم هو الخدمة بينهما. قال محمد بن رشد: قد مضى القول فيها في أول سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: المبدأ في الحبس أهل الحاجة على الأغنياء في الغلة والسكنى] مسألة وقال أشهب في القوم يحبس عليهم الدار وبعضهم غيب في سفر وهم فقراء وآخرون حضور وهم أغنياء، والدار حاضرة مع الأغنياء. قال: توقف للفقراء إلا أن يتخذوا الموضع الذي سافروا إليه وطنا فيعطاها من هاهنا من الأغنياء ولا يخرجوا عنها بعد ذلك، وإن لم يتخذ الفقراء الذين هم به وطنا ورجعوا كانوا أحق بالدار إن كان سكنى فهم أحق، وإن كانت غلة فهم أحق إلا أن يكون في الدار فضل فيعطاها الأغنياء، وإن فضل فضل أكرى وأوثر أهل

مسألة: يقول داري حبس على ابنتي وعلى ولدها

الحاجة، قلت: فإن كانت الدار واسعة فقال الأغنياء نحن لا نحتاج، ولكن. ينظر إلى قدر ما يصير لنا من السكنى فيسكنه من أحببنا ونكريه؟ قال: ذلك لهم. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما تقدم قبل هذا في هذا السماع من قول ابن القاسم. وفي المواضع المذكورة منه. والأصل في هذا أن المبدأ في الحبس أهل الحاجة على الأغنياء في الغلة والسكنى. فإن كان سكنى فلا شيء للأغنياء معهم فيه إلا ما يفضل عنهم، وإن كان منهم أحد غائبا في مبتدأ القسم انتظر إلا أن يتخذ موضعه الذي غاب إليه وطنا. وكذلك إن كان غاب بعد أن سكن لم يدخل عليه أحد إلا أن يتخذ موضعه الذي غاب إليه وطنا، فإن استووا في الفقر أو الغناء ولم يسعهم السكنى أكري ذلك عليهم وقسم الكراء بينهم شرعا سواء، إلا أن يرضى أحدهم أن يكون عليه ما يصير لأصحابه من الكراء ويسكن فيها فيكون ذلك له. قاله ابن المواز، وإن كان الحبس غلة ولم يكن سكنى أوثر أهل الحاجة منهم على الأغنياء وكان حق من غاب في ذلك كمن حضر سواء، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول داري حبس على ابنتي وعلى ولدها] مسألة قال: وسئل ابن القاسم: عن الذي يقول: داري حبس على ابنتي وعلى ولدها، قال: فولدها يدخلون ذكورهم وإناثهم، وإذا ماتوا كان ذلك لأولاد الذكور من ولدها ذكورهم وإناثهم، ولم يكن لولد بناتها شيء ذكورهم ولا إناثهم. وكذلك قال مالك: إنما يكون حبسا على كل من يرجع نسبه إلى الابنة، [وقال غيره: إنما تكون حبسا على ولد الابنة دنية من الذكور والإناث] فإذا ماتوا لم يكن لأولاد أولادهم شيء.

: حبس غلاما على رجل عشر سنين فأراد أن يقاطعه ويضع عنه الخدمة

قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن ولد الابنة كل من يرجع نسبه إليها من ولد الولد الذكور ذكورا كانوا أو إناثا وأن ولد بناتها ليسوا بولدها ولا بعقبها ولا شيء لهم - هو مذهب مالك الذي لم يختلف قوله فيه بنص ولا دليل، فهو أدخلهم في الحبس على مذهبه فلم يدخلهم من أجل أنهم عقب، وإنما أدخلهم فيه بإدخال المحبس إياهم في حبسه وإن لم يكونوا عقبا له بقوله حبست على ولدي وولد ولدي أو على عقبي وعقب عقبي. وقد حصلنا القول في هذه المسألة في غير هذا الديوان وهو كتاب المقدمات [فمن أراد الوقوف على الشفا في ذلك تأمله هنالك] . وقد مضى الكلام على وجه قول غير هذا في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [: حبس غلاما على رجل عشر سنين فأراد أن يقاطعه ويضع عنه الخدمة] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون قال سحنون: أخبرني علي بن زياد عن مالك أنه قال، في رجل حبس غلاما على رجل عشر سنين فأراد الذي حبس عليه الغلام أن يقاطعه على شيء يأخذه منه ويضع عنه الخدمة: لم يكن ذلك له إلا أن يشاء السيد. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما حبس عليه خدمة العبد، فلا حق له في ماله يجوز له مقاطعته على الخدمة بشيء منه، وبالله التوفيق.

مسألة: حبس دارا له على ولده وولد ولده وكان عليه دين من قبل أن يحبس

[مسألة: حبس دارا له على ولده وولد ولده وكان عليه دين من قبل أن يحبس] مسألة وسئل سحنون: عن رجل حبس دارا له على ولده وولد ولده وكان عليه دين من قبل أن يحبس فاستحدث أيضا دينا بعد الحبس. فما ترى يباع منها؟ أيباع بمقدار الدين الأول فقط؟ أم ترى إذا بيع الدين الأول أن يدخل معهم أهل الدين الآخر؟ قال سحنون: قد قيل: إنه يباع الدين الأول ويدخل عليه أهل الدين الآخر ولا يدخل عليه غير ذلك. وقد قيل أيضا: إنه إذا بيع للأول فدخل عليهم الآخرون بالحصص ويباع لهم أيضا، إنه انتقصوهم، فإذا بيع دخل عليهم الآخرون هكذا حتى يستوفوا أو ينفذ الحبس، فلا يكون فيه قضاء، وأصحابنا يقولون هذين القولين في العتق والحبس مثله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم البيوع من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، وبالله التوفيق. [مسألة: الدار المحبسة هل يجوز بيعها] مسألة وسئل سحنون: عن الدار المحبسة هل يجوز بيعها؟ فقال: لم يجز أصحابنا بيع الحبس على حال إلا أن يكون دارا في جوار مسجد فيحتاج إليها لتدخل في المسجد ويوسع بها المسجد فإنهم وسعوا في بيعها في مثل هذا، ورأى أن يشترى بثمنها دارا مثلها فتكون حبسا. وقد أدخل في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دور كانت محبسة. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

مسألة: أكرى داره خمسين سنة أو أكثر وقبض الكراء ثم مات

[مسألة: أكرى داره خمسين سنة أو أكثر وقبض الكراء ثم مات] مسألة قال سحنون، في رجل حبس دارا له على ولده وولد ولده: لا تباع ولا تورث حبسا صدقة والولد صغار في حجر أو كبار بالغون فأكراها الأب المحبس من رجل خمسين سنة أو أكثر وقبض الكراء ثم مات بعد ذلك بيسير وترك مالا أو مات عديما لا مال له، ثم قام هؤلاء المحبس عليهم فأرادوا فسخ الكراء، هل ترى لهم ذلك أم لا؟ وكيف إن كان الولد صغارا في حجر أبيهم وأشهد لهم الأب أنه إنما أكرى هذه الدار لهم أو لم يشهد لهم بذلك؟ وكيف إن لم يوجد للأب مال ورأيت فسخ الكراء، هل يباع من هذه الدار شيء قدر الكراء أم لا؟ ما القول في ذلك كله؟. قال سحنون: أما حبسه على الأكابر البالغين فأراه غير جائز لأنهم لم يقبضوا -وهم ممن يقبض- حتى أغلق الكراء فيها ثم مات ولم يقم عليه. وأما الولد الصغار فإذا أشهد لهم بالحبس وهو القابض لهم ثم فعل من إغلاقها بالكراء إلى الأمد الذي لا يحوز له وإنما كان يجوز له أن يكري عليهم إلى مقدار بلوغهم ونحو ذلك، فإذا مات قبل بلوغ الصغار فإن كراءه لا يجوز إلى هذا الأمد البعيد ويفسخ ما فات منه وبعد، ويرجع الذين اكتروا بما بقي لهم من بعدهم في مال الأب إن كان له مال، وإن لم يكن له مال فهو دين يطلب به في الآخرة. قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قاله، أما الكبار فلما لم يحوزهم ما حبس عليهم حتى مات وقد كان أغلق الكراء عليها وجب أن يبطل الحبس لعدم الحيازة فيه، وإن بطل الحبس وجب أن ينفذ الكراء على ورثته في الدار إلى الأمد الذي أكراها إليه، كمن أكرى داره خمسين سنة أو أكثر وقبض الكراء ثم مات.

مسألة: يقول ثمر حائطي حبس على فلان ولا يقول حياته ولا يجعل لذلك وقتا

وأما الصغار فلا يبطل تحبيسه الدار عليهم بكرائه إياها المدة الطويلة إذا أشهد لهم بالحبس؛ لأنه هو الناظر لهم. وقوله: إنه يفسخ ما زاد من الكراء على قدر بلوغهم - هو على ما قاله ابن القاسم في الجعل والإجارة من المدونة من أن الأب كالوصي لا يجوز له أن يكري على ابنه أرضه وماله السنين الكثيرة التي يعلم أن الصبي يحتلم قبل انقضائها، وليس إجازته الكراء عليهم إلى بلوغهم- يريد وإن انتقد- بمعارض لما في الوصايا الثاني من المدونة أنه من أخدم عبدا حياته فلا يجوز له أن يكريه إلا الأمد القريب السنة والسنتين والأمد المأمون من أجل أن الكراء ينفسخ بموته؛ لأن ولد الصغار في هذه المسألة وإن كان ينتقض الكراء في حظ كل واحد منهم بموته ويرجع إلى إخوته وهم إلى نظره فهم بخلاف الواحد في هذا؛ لأن الغرر يخف في الجماعة فتدبر ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول ثمر حائطي حبس على فلان ولا يقول حياته ولا يجعل لذلك وقتا] مسألة وسئل: عن الرجل يقول: ثمر حائطي حبس على فلان، ولا يقول: حياته، ولا يجعل لذلك وقتا؟ فقال: إن كان فيها ثمر يوم قال هذه المقالة فلك ثمرة تلك السنة. قال محمد بن رشد: فإن لم يكن في الحائط ثمر يوم قال هذه المقالة فله ثمرة ذلك الحائط. قاله ابن القاسم، وتابعه عليه سحنون في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الوصايا فيمن قال في مرضه: لفلان ثمر حائطي ولم يقل حبسا فكيف إذا قال حبسا. ووجه ذلك: أنه إذا كان للحائط يوم قال ذلك ثمرة احتمل أن يكون أراد تلك الثمرة خاصة ولم يرد سواها، فوجب ألا يكون له ما سواها إلا بيقين، وإذا لم يكن في الحائط ثمرة ذلك

يكون حبسا على حال ما كان عليه الآخر

اليوم وجب أن يكون له ثمرته فيما يستقبل حياته لتناول لفظه لذلك تناولا واحدا، وبالله التوفيق. [يكون حبسا على حال ما كان عليه الآخر] من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم قال محمد بن خالد: سألت عبد الرحمن بن القاسم: عن رجل حبس فرسا له في سبيل الله يحمل عليه رجلا يغزو عليه فغزا فلما دخل الجيش أرض العدو جعل الإمام لكل من عقر له فرسه أخلفه له، ثم إن ذلك الرجل المحمول على الفرس عقر الفرس تحته فأخلفه له الإمام غيره، فقال ابن القاسم: أرى أن يكون حبسا على حال ما كان عليه الآخر. قال محمد بن خالد: وقد كنت سألت ابن نافع عن ذلك فلا أعلم إلا أنه قال كقوله. قلت لابن القاسم: أرأيت لو لم يكن حبسا إلا أنه حمل عليه رجلا يقضي عليه غزاته فإذا قضاها رده إلى سيده كيف يكون هذا الفرس الذي حمل عليه؟ قال ابن القاسم: يكون أنه يرجع إلى سيده؛ لأنه إنما جعل مكانه فكأنه لم يصب به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأنه إنما أراد خلف الفرس المعقور، فوجب أن يكون مكانه على حاله التي كان عليها من ملك أو يحبس على رجل بعينه أو في سبيل ولا أذكر في هذا اختلافا. [مسألة: أوصى لرجل بدار حبسا عليه حياته ولرجل آخر بما بقي من الثلث] مسألة وقال ابن القاسم في رجل أوصى لرجل بدار حبسا عليه حياته ولرجل آخر بما بقي من الثلث فنظر في ماله من بعد موت

مسألة: أوصى فقال ما بقي من ثلثي فهو لفلان ثم لم يوص بأكثر من ذلك حتى مات

الموصي، فوجدت الدار كفافا من الثلث لا فضل عنها، قال: يكون حبسا على الرجل حياته فإذا رجعت صارت إلى الذي أوصى له بما بقي من الثلث لأنها إذا رجعت فهي بقية الثلث. قال محمد بن خالد: سئل أشهب عن ذلك فقال كقوله، قلت لأشهب: فإن كان في الثلث فضل عن الدار مثل ثمر الدار؟ قال: يعطاه الذي أوصى له ببقية الثلث، ثم إذا رجعت الدار صارت إلى الذي أوصى له ببقية الثلث. قال محمد بن رشد: هذا كما قال. وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه؛ لأن الدار إذا كانت كفاف الثلث فمرجعها هو بقية الثلث، وإن كان في الثلث فضل عنها فللموصى له ببقية الثلث ذلك الفضل والدار إذا رجعت؛ لأن مرجعها من بقية الثلث، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال ما بقي من ثلثي فهو لفلان ثم لم يوص بأكثر من ذلك حتى مات] مسألة قال محمد: قلت: لأشهب فرجل أوصى فقال ما بقي من ثلثي فهو لفلان ثم لم يوص بأكثر من ذلك حتى مات. قال: يعطي الموصى له ببقية الثلث ثلث الميت. قال محمد بن خالد: قال داود بن سعيد: لا شيء له مثل قول ابن القاسم. قال محمد بن رشد: وقعت رواية محمد هذه عن أشهب في بعض الكتب وسقطت من بعضها والصواب ثبوتها؛ لأن رواية داود بن سعيد بعدها لا تصح أن تعطف على المسألة التي قبلها. ووقعت رواية محمد هذه عن أشهب في سماعه أيضا من كتاب الوصايا وفي بعض الروايات فيها مكان ثلث الميت ثلث الثلث. فقيل: إن ذلك غلط في الرواية وتصحيف فيها. وقيل: إنه

: قال خذوا من مالي مائة فأنفقوها في داري التي حبست في سبيل الله فاستحقت الدار

اختلاف من قول أشهب. وقول ثالث في المسألة على ذلك حمله ابن حارث في كتاب الاتفاق والاختلاف له. ولمالك مثل قول ابن القاسم أنه لا شيء له في رسم أسلم ورسم أوصى ورسم بع من سماع عيسى من كتاب الوصايا. ووجه ذلك: أنه قد كان مجمعا على أن يوصي ولا يدري لو أوصى هل كان يفضل من الثلث شيء أم لا، ولا تكون الوصايا بالشك كما لا يكون الميراث بالشك. ووجه قول أشهب: أنه لما لم يوص بشيء بعد أن جعل لهذا ما بقي من الثلث فقد أبقى له جميع الثلث؛ فلكلا القولين وجه. وأما أن يكون له ثلث الثلث على ما وقع لأشهب في بعض الكتب فهو بعيد لا حظ له في النظر، ولو قيل: إنه يكون له نصف الثلث لكان قولا له وجه؛ لأنه يقول لي جميع الثلث؛ لأن الميت لما لم يوص فيه بشيء فقد تركه كله لي، ويقول له الورثة: لا شيء لك إذ لم يوص فيعلم ما يبقى لك بعد وصاياه، فيقسم بينهما الثلث بنصفين على هذا الوجه، وبالله التوفيق. [: قال خذوا من مالي مائة فأنفقوها في داري التي حبست في سبيل الله فاستحقت الدار] من سماع عبد الملك من ابن وهب قال عبد الملك: سألت ابن وهب: عمن قال: خذوا من مالي مائة فأنفقوها في داري التي حبست في سبيل الله، فاستحقت الدار؟ قال: ترد المائة إلى الورثة، قيل له: فإن كانت أنفقت في الدار؟ قال: إن أنفقت أو أنفق بعضها رد جميعها إلى الورثة. قال محمد بن رشد: يريد أنه كما ترد إذا لم ينفق إلى الورثة، فكذلك يرد إليهم ما أخذ من المستحق إن كانت قد أنفقت؛ لأنهم لما كان لهم أن يأخذوا من المستحق ما أنفقه في الدار أو قيمة البنيان قائما على الاختلاف المعلوم في ذلك فكأن المائة قائمة، وبالله التوفيق.

: الرجل يسكن الرجل الدار عشرين سنة ثم المرجع إليه فيبيع المرجع

[: الرجل يسكن الرجل الدار عشرين سنة ثم المرجع إليه فيبيع المرجع] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيع والصرف قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، يقول في الرجل يسكن الرجل الدار عشرين سنة ثم المرجع إليه فيبيع المرجع: إنه لا خير فيه؛ لأنه غرر، ولا يدري كيف يرجع؟ ولو كان ذلك أيضا مزرعة وما أشبه ذلك لم يكن به بأس أو سكنى قرية مأمونة فلا بأس به. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الروايات مكان "أو سكنى قرية مأمونة": أو سكنى قريبا مأمونا. والمعنى في الروايتين صحيح؛ لأن قوله: أو سكنى قرية مأمونة، يريد: من تغير بنائها إلى الحد الذي استثناه، وأما قوله "أو سكنى قريبا مأمونا" فلا إشكال في معناه. وقد مضى القول على هذه المسألة في رسم البيوع الأول من سماع أشهب. وذكرنا هناك ما فيها من الاختلاف ووجهه فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: حبس داره على رجل فقال لا تباع ولا توهب ثم بدا له أن يبتلها] ومن كتاب الوصايا والأقضية قال أصبغ: وسمعت ابن وهب، وسئل: عن رجل حبس داره على رجل، فقال: لا تباع ولا توهب، ثم بدا له أن يبتلها، فقال له: هي عليك صدقة، فقال: هي له يصنع فيها ما يشاء، فروجع فيها، وقال: إنه لم يقل ذلك، إنما قال: هي حبس عليك أو قد حبستها عليك لا تباع ولا توهب، ثم بدا له، فقال: الذي حبست عليك هو صدقة عليك

مسألة: قال داري لفلان يسكنها أيستغلها

إنما أبتله لك الساعة فهو له يصنع به ما شاء، وذلك جائز لأنه يجوز له أن يتصدق بماله. قال أصبغ: ولا يقول ذلك ويقول هي حبس أبدا ومجراها مجرى الحبس المؤبد بعد موته، قيل له: فإن قال حبس عليك وعلى عقبك ثم أراد أن يبتلها له الساعة، فقال: لا يجوز له ذلك إذا أشرك معه غيره فليس ذلك له ولا يجوز. قال محمد بن رشد: قول أصبغ يأتي على قول مالك في المدونة لأنه لم يختلف قوله فيها أنه إذا قال حبسا صدقة أو قال حبسا لا يباع أنها لا ترجع إلى المحبس ملكا، وإنما ترجع إلى أقرب الناس بالمحبس حبسا فإذا لم ترجع إليه على قوله فيها ملكا فلا يجوز له أن يبتلها ويبطل المرجع إذ قد انبتت منه ووجب المرجع لأقرب الناس حبسا عليه كما قال أصبغ. وعلى قول مالك في مختصر ابن عبد الحكم أنها ترجع إليه ملكا. وإن قال حبسا صدقة يجوز له أن يبتلها. وإن قال: لا تباع ولا توهب؛ لاحتمال أن يكون أراد بقوله صدقة أي صدقة عليه ما عاش وأن يكون أراد بقوله لا تباع ولا توهب أي لا تباع ولا توهب ما عاش. فلم ير على ما في كتاب ابن عبد الحكم من قول مالك، وهو مثل قول ابن وهب هذا لن يرتفع ملك المحبس عن الحبس إذا حبسه على معين إلا بيقين، فقول ابن وهب وأصبغ جاريان على اختلاف قول مالك، وبالله التوفيق. [مسألة: قال داري لفلان يسكنها أيستغلها] مسألة وسئل: عن رجل قال داري لفلان يسكنها أيستغلها؟ قال: نعم هو يستغلها إن شاء سكن وإن شاء استغل. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا قال يسكنها فله أن يستغلها

مسألة: قال داري لفلان يسكنها وفلان يستغلها ولفلان رقبتها

وإذا قال يستغلها فله أن يسكنها لأنه قد أباح له منفعتها في الوجهين فله أن يأخذها كيف شاء إن شاء بسكناه فيها وإن شاء باستغلاله لها، وأما إن حبسها على أن يسكنها أو على أن يستغلها بشرط فلا يكون له أن يخالف ما شرط عليه فيها من السكنى والاستغلال، إذ قد يكون له غرض فيما اشترط من ذلك عليه، فيلزمه الشرط لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا» . [مسألة: قال داري لفلان يسكنها وفلان يستغلها ولفلان رقبتها] مسألة وسئل: عن رجل قال: داري لفلان يسكنها وفلان يستغلها ولفلان رقبتها فتعدى رجل على بيت في الدار فهدمه، قال: يغرم قيمته، قيل له: فقد غرمها لمن يكون؟ قال: يبنى بها ذلك البيت، قيل له: فلصاحب الرقبة شيء؟ قال: لا حتى يموت هذان يسكنها هذا ويستغلها هذا، فإذا انقرض هذان كانت الدار لصاحب الرقبة، قيل له: فإن انهدمت الدار؟ قال: إن أحب هؤلاء -يريد: صاحب السكنى وصاحب الغلة- أن يبنوا، قيل: فبنوا أي شيء يكون لهم؟ قال: يسكنوا ويستغلوا على ما كانت ويكون لهم ما أنفقوا على الذي جعلت له الرقبة؛ لأن الدار تصير إليه، قيل له: فإن قالا لا نبني ليس عندنا شيء؟ قال: يقال لصاحب الرقبة ابن، فإذا بنى كان له أن يستوفي منها قيمة ما بنى من غلة الدار في معنى قوله فإذا استوفى قيمة ما بنى كانت الدار لهذين صاحب الغلة وصاحب السكنى حتى

يموتا، فإذا ماتا رجعت إلى الذي جعلت له الرقبة. قيل: فمات أحدهما صاحب الغلة؟ قال: إذا مات أحدهما رجع نصيبه إلى صاحب الرقبة. قيل: فإن كانت الدار هي الثلث، قال: كيف يكون الثلث؟ قال السائل: أوصى فقال: داري لفلان يسكنها وفلان يستغلها ولفلان رقبتها، فإذا هي الثلث سواء، فتوفي صاحب الغلة أو السكنى، فقال: نعم أما إذا مات أحدهما رجع نصيبه إلى الذي جعلت له الرقبة؛ لأنه بمنزلة صاحبها لو كان حيا. قال محمد بن رشد: معنى قوله لفلان يسكنها وفلان يستغلها أن يكون للذي جعل له سكناها أن يسكنها بقيمة سكناها، فيكون الكراء للذي جعل له استغلالها، فإن مات صاحب الغلة رجع نصيبه إلى صاحب الرقبة كما قال؛ لأنه إنما جعل له استغلالها طول حياته لا أكثر، وإن مات صاحب السكنى رجع ما كان من الحق له في ذلك إلى صاحب الرقبة على ما قاله في آخر المسألة إذا كان ذلك في وصية فيتحمل الدار الثلث، إذ لا فرق بين أن يقول ذلك في صحته أو في وصيته، فيحمل الدار الثلث. ولم يجر في انهدام على أصل؛ لأنه قال: إن بناها صاحب السكنى والغلة سكن هذا واستغل هذا على ما كانا عليه، ورجعا بنفقتها على صاحب الرقبة، وإن بناها صاحب الرقبة كان له أن يستوفي نفقته من غلتها فجعل البنيان إذا بناها صاحب صاحب الغلة على صاحب الرقبة إذ أوجب له الرجوع عليه. وإذا بناها صاحب الرقبة على صاحب الغلة إذ أوجب له أن يستوفي نفقته من غلتها وإنما في المسألة قولان على ما في كتاب الجنايات من المدونة في الرجل يوصي بخدمة عبده لرجل وبرقبته لآخر فيجني العبد جناية، أحدهما أن البنيان على صاحب الرقبة فإن بناها هو لم يكن له سبيل إلى الدار حتى يموت صاحب الغلة، وإن بناها صاحب الغلة كانت له الغلة على حالها ورجع بنفقته على صاحب الرقبة. والقول الثاني: أن البنيان على صاحب الغلة فإن بناها هو اغتل على ما كان له من حقه،

مسألة: يحبس الدار على فقراء بني فلان فيستغنوا

ولم يكن له رجوع على صاحب الرقبة بشيء من نفقته، وإن بناها صاحب الرقبة كان له أن يستوفي حقه من كرائها. وعلى القول بأن البنيان على صاحب الغلة يكون هو المبدأ بالتخيير بين أن يبني أو يترك، ويختلف على القول بأن البنيان على صاحب الرقبة هل يكون هو المبدأ بالتخيير بين أن يبني أو يترك أو صاحب الغلة. والقولان قائمان من المدونة من مسألة العبد المخدم التي ذكرناها. فهذا وجه القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: يحبس الدار على فقراء بني فلان فيستغنوا] مسألة وسئل: عن الذي يحبس الدار على فقراء بني فلان فيستغنوا. قال: ينزع منهم وترجع إلى عصبة المحبس، فقيل: له ابنة واحدة؟ فقال: ليس النساء عصبة إنما ترجع إلى الرجال، قيل له: فافتقر بعض بني فلان؟ قال: تنزع من العصبة وترد إليهم. قال أصبغ مثله، إلا قوله في البنت فهي عصبة لأنها لو كانت رجلا في مرتبتها كانت عصبة، وأراه كله له. قال محمد بن رشد: قوله إذا حبس الدار على بني فلان فاستغنوا إنها ترجع إلى عصبة المحبس صحيح؛ لأنهم غير معينين، فإنما قصد الفقر والحاجة لكثرة الأجر في ذلك دون التعيين، ولو عين المحبس عليهم وسماهم فقال هذه الدار حبس على فلان وفلان وفلان الفقراء من بني فلان فاستغنوا لم تنتزع منهم، وكانوا أحق بها وإن استغنوا بطول حياتهم؛ لأن قوله الفقراء إذا سماهم إنما هو زيادة في بيان التعيين لهم بما وصفهم به، كما لو قال الجمال أو العمال أو العلماء أو الحلماء لم يسقط حقهم بانتقالهم من تلك الصفة إلى غيرها. فلا يبعد دخول الاختلاف في تحبيس الرجل داره على الفقراء من بني فلان بأن يحكم لهم بحكم التعيين فلا يسقط حقهم باستغنائهم لا سيما إذا علم المحبس منهم الفقير من الغني كما قال ابن الماجشون فيمن حبس على ولده إنه يساوي بينهم في الحبس وإن كان بعضهم فقراء وبعضهم أغنياء. وعلى

مسألة: أوصى في مرضه فقال داري حبس على ولدي وعلى امرأتي

قول من قال: إن من مات منهم بعد طيب الثمرة فقد وجب حقه فيها لورثته. وقد ذكرنا ذلك والاختلاف فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم. وأما قوله إن النساء لسن عصبة، فهو خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك. وقد مضى تحصيل ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى في مرضه فقال داري حبس على ولدي وعلى امرأتي] مسألة قال أصبغ: وسألت ابن وهب: عن رجل أوصى في مرضه فقال داري حبس على ولدي وعلى امرأتي ثم مات ولا مال له غيرها، قال: يخرج ثلثها فيكون حبسا على الفرائض على جميع ورثته كلهم من سمى ومن لم يسم، ويكون الثلثان ميراثا، قال أصبغ مثله، وله تفسير، وتفسيره أن يكون غلتها على الفرائض ما دام أعيان الولد حيا وغير ذلك من الوجوه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أصبغ إن له تفسيرا لأنه حبس في وصيته على وارث وغير وارث، فوجب أن يكون ما ناب الوارث من الحبس بين جميع الورثة إلا أن يجيزوا ذلك له، حكم من حبس في مرضه على ولده وولد ولده وقد مضى الكلام على ذلك في رسم القطعان من سماع عيسى، وفي سماع يحيى، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال داري على ولدي وعلى فلان أخي حبس كيف يقسم] مسألة وسئل ابن وهب: عمن أوصى فقال داري على ولدي وعلى فلان أخي حبس كيف يقسم؟ قال: ينظر إلى العدد، فإن كانوا خمسة كان للأخ خمس ذلك، وكان ما بقي على الفرائض. وقال أصبغ مثل التي فوقها لو كان مع الولد ولد. قال محمد بن رشد: هذه مسألة مثل التي فوقها والقول فيها ما قال أصبغ؛ لأنه حبس في مرضه على ولده وولد ولده. وقد مضى القول على

مسألة: أعتق أمته ثم تزوجها ثم قال داري حبس على موالي

ذلك في رسم القطعان من سماع عيسى وفي سماع يحيى، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق أمته ثم تزوجها ثم قال داري حبس على موالي] مسألة وقال أصبغ: سألت ابن وهب عن رجل أعتق أمته ثم تزوجها ثم قال داري حبس على موالي، فقال: أراها من الموالي. قلت له: إنها وارث، قال: متى قال ذلك في الصحة منه؟ قلت: نعم. فقال: الرجل يصنع في ماله ما شاء وقد حبس ابن عمر على امرأته. قلت: فإن قال ذلك في وصيته؟ قال: في هذا شيء. قلت: فأي شيء ترى في هذا؟ قال: أرى أنها من مواليه. قلت: إن تقاسما أليس لها الثمن؟ قال: تأخذ الثمن وترجع تأخذ مع الموالي فيما صار لهم ويدخل الورثة معها فيما صار لها مما أخذت مع الموالي على فرائض الله، فإن مات أحد من الورثة فورثته بمنزلته ما عاشت حتى تموت، فإذا ماتت انقطع حقوق الورثة ورجع الذي كان لها إلى الموالي الذين حبس عليهم. قال أصبغ: جيدة صحيحة. قال محمد بن رشد: هذه مثل المسألتين اللتين فوقها؛ لأنه إذا حبس على مواليه وامرأته من مواليه لأنه اعتقها ثم تزوجها فقد حبس على وارث وغير وارث فوجب أن يدخل سائر الورثة معها فما نابها من الحبس مع الموالي حتى تموت فيرجع ذلك كله إلى الموالي. فقوله: إن تقاسما أليس لها الثمن، قال: تأخذ الثمن، معناه: أنها تأخذ الثمن مما تخلفه زوجها سوى الدار، ثم ترجع فتأخذ مع الموالي ما يجب لها من الدار المحبسة إذا قسم الحبس عليها وعلى سائر الموالي لأنها من الموالي فيما نابها منه على عددهم دخل جميع الورثة عليها فيه، فيكون لها منه الثمن إن كان لزوجها الموصي ولد أو الربع إن لم يكن له فإن مات أحد من الورثة فورثته بمنزلته ما عاشت حتى تموت، فإذا

: قال غلامي فلان حبس على فلان فإن مات فهو حر

ماتت انقطع حقوق الورثة ورجع الذي كان لها إلى الموالي الذين حبس عليهم كما قال، يريد ويرجع أيضا سائر ما بأيدي الورثة من الدار المحبسة عليهم لانقطاع حقوقهم منها بموت الزوجة. فهذا تفسير ما في الرواية من مشكل ألفاظها، والله الموفق. [: قال غلامي فلان حبس على فلان فإن مات فهو حر] ومن كتاب الوصايا قال: وسمعت ابن القاسم وسئل: عن رجل قال غلامي فلان حبس على فلان فإن مات فهو حر، وإن مت فهو حبس على فلان أو صدقة على فلان أو قال: فرسي هذا حبس على فلان فإن مت فهو في سبيل الله، ثم لم يزل العبد في يديه والفرس حتى هلك. قال: أرى أن يعتق الغلام في الثلث بعد موته ويخرج الفرس في سبيل الله بعد موته من الثلث أيضا. قال محمد بن رشد: أما إذا لم يخرج الغلام أو الفرس من يد المحبس حتى مات كما قال في الرواية، أو كان قد دفعها إليه فرجع إليه بموته على حكم التحبيس على معين فلا اختلاف في أنه يكون بعد موته من الثلث في الوجه الذي جعله فيه، وأما إن دفعه إلى المحبس عليه فمات المحبس وهو في يد المحبس عليه. فاختلف هل يكون من رأس المال أو الثلث، ذهب ابن لبابة إلى أنه يكون من رأس المال. والصحيح أنه يكون من الثلث حسبما مضى القول فيه في أول سماع ابن القاسم. [: حبس داره على قوم حياتهم فلما انقرضوا رجعت الدار] من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ قال أصبغ فيمن حبس داره على قوم حياتهم فلما انقرضوا رجعت الدار وليس للميت إلا بنات أخ وأخت لأمه، قال: فبنات

مسألة: بيع الوقف والاستبدال به

الأخ أولى من أخته لأمه. قيل: فإن لم يكن له إلا الأخت لأمه؟ قال: لا يرجع إليها من الدار شيء. قال محمد بن رشد: أما الأخت للأم فلا مدخل لها في مرجع الحبس باتفاق إلا أن تكون من بنات العم، فقوله إن بنات الأخ أولى منها يبينه قوله بعد ذلك إنه لا يرجع إليها من الدار شيء وإن لم يكن له غيرها. وكذلك الخالات وبنو الأخوات. وأما الأخوات الشقائق والتي لأب فيدخلن في مرجع الحبس على اختلاف قد مضى تحصيله في أول سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: بيع الوقف والاستبدال به] مسألة وسئل أصبغ: عن رجل قام احتسابا فجمع من قوم مالا على أن يشتري مملوكا يقوم باستقاء الماء في المسجد الجامع ويخدم فيه، فاشترى هذا المحتسب بما اجتمع في يديه مملوكا بالغا، فكان يستقي الماء في السقاية ويخدم ويرش سنين، وكان ينتهي إلى أمر هذا المحتسب وكان المحتسب هو القائم بأمر المسجد ثم إن المملوك تعاصى وتخلق عليه وامتنع من المسجد ومن الاستقاء والخدمة، أفيجوز لهذا المحتسب أن يبيعه ويشتري به آخر مكانه يقوم بما يقوم به هذا؟ قال أصبغ: لا أرى بذلك بأسا إذا كان وجه النظر والاختلاف. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أصبغ إن بيعه والاستبدال به جائز إذا تخلق وامتنع من الخدمة، ولا يدخل في هذا عندي الاختلاف في جواز بيع العبيد والثياب المحبسة في السبيل حسبما ذكرناه في رسم طلق من سماع ابن القاسم، إذ لم يحبسه مالكه، وإنما حبسه المحتسب بما جمع من أموال الناس، فلا تقوى حرمته في التحبيس من أموال الناس، وبالله التوفيق.

: كتاب القراض

[: كتاب القراض] [مسألة: اصطراف صاحب المال من المقارض قبل أن يعمل بالمال] كتاب القراض من سماع ابن القاسم من مالك رواية سحنون من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: قال عبد الرحمن بن القاسم: قال مالك: لا ينبغي أن يصطرف صاحب المال من صاحبه الذي قارضه قبل أن يعمل. ولا بأس أن يشتري منه الثوب والثوبين أو يوليه إذا صح. قال محمد بن رشد: أما اصطراف صاحب المال من المقارض قبل أن يعمل بالمال فالمكروه فيه بين، والذي يدخله الصرف المتأخر؛ لأنه إذا كان رأس مال القراض ورقا فصرفه بذهب، وذهبا فصرفه منه بورق كان قد رجع إليه رأس ماله وصار قد أعطاه ذهبا على أن يرد إليه عند المفاصلة ورقا أو ورقا على أن يرد إليه عند المفاصلة ذهبا. فيتهمان على القصد إلى ذلك والعمل به فإن وقع ذلك في اليسير من رأس المال صدقا على أنهما لم يعملا على ذلك وجاز القراض. وإن وقعت المصارفة في جميع رأس المال أو في جله لم يصدقا ووجب أن يفسخ القراض إلا أن يفوت بالعمل فيردان فيه إلى إجارة المثل على أصل ابن القاسم وروايته عن مالك في هذا النوع من الفساد في القراض، وسواء صارفه فيما دفع إليه من الدنانير أو الدراهم قبل أن يغيب

عليها أو بعد أن غاب عليها، إلا أن المكروه فيها قبل أن يغيب عليها أبين. وقوله لا بأس أن يشتري منه الثوب والثوبين، معناه: لا بأس أن يشتري العامل من رب الثوب والثوبين لنفسه خاصة لا للتجارة، أو يولي من رب المال العامل الثوب والثوبين لنفسه خاصة أيضا لا للتجارة، وفي كتاب محمد بيان هذا. وأما إن باع رب المال من العامل سلعة أو ولاه إياها للتجارة فهذا الذي قال فيه في المدونة لا يعجبني أن يعمل به لأني أخاف إن صح هذا من هذين لا يصح من غيرهما. ولابن القاسم في كتاب ابن المواز أن قول مالك اختلف في ذلك؛ لأنه وجد في كتاب عبد الرحمن أن مالكا خففه، وقال: لا بأس به إذا صح الأمر بينهما فالخلاف في هذا عندي إنما يرجع إلى التصديق في وقوع الأمر بينهما على الصحة، فلم يصدقهما في المدونة وصدقهما في رواية عبد الرحمن عنه. هذا عندي إذا وقع الشراء في المال الذي دفع إليه قبل أن يصرفه كان قد غاب عليه أولم يغب عليه. وأما إن وقع الشراء بما نض بيد العامل مما باعه من السلع التي اشترى للقراض، فيصدقان على أنهما لم يعملا على ذلك قولا واحدا والله أعلم، والذي أراه في هذه المسألة أن يصدقا إذا اشترى باليسير من مال القراض، وألا يصدقا إذا اشترى بجميعه أو بجله؛ لأنهما يتهمان على القصد إلى القراض بالعروض. فهذا الذي أراه قول ثالث في المسألة. وأما شراء العامل من رب المال جميع سلع القراض أو ما بقي بعد المفاصلة منها بثمن إلى أجل ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك جائز. وهو قول الليث بن سعيد ويحيى بن سعيد. وروى مثله ابن وهب عن مالك، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن أصحاب مالك حاشى ابن القاسم في شراء ما بقي من السلع بعد المفاصلة، ولا فرق بين شراء جميعها وبين شراء ما بقي منها بعد المفاضلة. والثاني: أن ذلك لا يجوز ويفسخ وإن فات كانت فيه القيمة. وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز. ومعنى ذلك إذا اشتراها

بأكثر من رأس المال واشترى بقيتها بأكثر مما بقي من رأس المال. وأما إن اشتراها بمثل رأس المال فأقل واشترى بقيتها بمثل ما بقي من رأس المال فأقل فلا اختلاف في أن ذلك جائز. وذلك بين مما وقع في رسم تأخير صلاة العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم بعد هذا، ومما وقع في رسم القطعان من سماع عيسى أيضا. والقول الثالث: الفرق بين أن تكون السلع حاضرة أو غائبة، فإن كانت حاضرة لم يفسخ البيع إذا فات، وإن كانت غائبة فسخ البيع في القيام ورد إلى القيمة في الفوات. وكذلك إذا اشترى العامل بعض سلع القراض بأكثر من قيمتها إلى أجل يدخل في ذلك الثلاثة الأقوال المذكورة. مثال ذلك: أن يدفع الرجل إلى الرجل مائة دينار قراضا يشتري بها سلعا فيعرض إحداها للبيع وشراؤها عشرة فلا يعطى فيها إلا ثمانية، فيقول العامل أنا أبتاعها منه بعشرة إلى أجل، فلا يجوز ذلك لأنه يؤخره لئلا يخسر من رأس ماله شيئا. وجه القول الأول بأن ذلك جائز - هو أنه كأنه قد التزم السلع برأس ماله فيتفاضلا في القراض ثم باعها من العامل. ووجه القول الثاني بأن ذلك لا يجوز - هو أنه لو طلبه برأس ماله لم ينض له منه إلا ثمانون فأخره بها على أن يأخذ منه مائة. ووجه القول الثالث في الفرق بين أن تكون السلع حاضرة أو غائبة - هو أنه إذا كانت حاضرة ارتفعت التهمة؛ لأنه باع ما رأى بعد أن رضيه والتزمه، وإذا كانت غائبة لعلها لم تكن ثم سلع أصلا، والمال قد خسر فيه فرجع ثمانين فأخره به على أن يأخذ منه مائة بشراء العامل من رب المال سلعة من غير سلع القراض قبل أن يعمل فالقراض لا يجوز بالنقد، ويجوز إلى أجل، وشراؤه سلعة من سلع القراض لا تجوز إلى أجل ويجوز بالنقد، وأما شراء رب المال من العامل سلعة من القراض أو من غير القراض فيجوز بالنقد وإلى أجل، وبالله التوفيق.

مسألة: يأخذالمقارض من شريكه ربحا ذهبا من غير الذهب التي هي بينهما

[مسألة: يأخذالمقارض من شريكه ربحا ذهبا من غير الذهب التي هي بينهما] مسألة قال مالك: لا بأس أن يأخذ المقارض من شريكه ربحا ذهبا من غير الذهب التي هي بينهما، قال: يدفع إليه ربحه من ماله ثم يأخذه من مال القراض. وسئل عنها سحنون، فقال: لا يجوز أن يعطيه ربحا من غير ربح القراض إلا أن يكون حاضرا فيكون يدا بيد وزنا بوزن. قال محمد بن رشد: رأيت لبعض أهل النظر في هذه المسألة أنه قال فيها: قول سحنون جيد؛ لأن ربحه ليس في ذمة العامل في المال وإنما هو في المال نفسه، فلا يجوز أن يعطيه من غيره إلا أن يكون مال القراض حاضرا لأنه إذا لم يكن حاضرا دخله دراهم حاضرة بدراهم غائبة أو ذهب حاضرة بذهب غائبة. وهو تعليل جيد لقول سحنون إذا كان إنما أعطاه الربح من ماله على سبيل الاشتراء منه للربح الذي في يده من مال القراض. وقول مالك جيد أيضا إذا كان إنما أعطاه الربح من ماله على سبيل السلف له حتى يقتضيه من الربح الذي في يده من مال القراض. ولو نص في ذلك على السلف فقال أنا أسلفك الربح الذي يجب لك من مالي حتى أقبضه من مال القراض لما قال سحنون في ذلك إنه لا يجوز، ولو نص في ذلك أيضا على الشراء فقال أنا اشتري منك الربح الذي لك في المال القراض هذا الذهب الذي أدفعه إليك من مالي لما قال مالك إن ذلك لا بأس به. فحصل الاختلاف بين مالك وسحنون، إنما هو ما يحمل عليه على الأمر عند الإبهام، فحمله مالك على السلف فأجازه، وحمله سحنون على البيع فلم يجره، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: مقارض باع بدين أو سلف في طعام ثم كره التقاضي] مسألة قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في مقارض باع بدين أو

: من استأجر أجيرا فليعلمه أجره

سلف في طعام ثم كره التقاضي فأسلم ذلك برضا صاحب المال، قال: لا بأس بذلك، وهو مثل الموت إذا أسلمه الورثة. أنكرها سحنون. قال محمد بن رشد: هذا من قول مالك مثل ما يأتي في رسم الشجرة بعد هذا، وإنكار سحنون لجواز هذه المسألة صحيح؛ لأن الورثة لا يلزمهم تقاضي دين القراض ولا تنضيضه، وهو حق لهم إن طلبوه فكان من حقهم أن يسلموه فيكونون بإسلامهم إياه قد وهبوا لرب المال ما عمل موروثهم في المال. فلا معنى في جواز ذلك. وأما المقارض فتقاضى دين القراض وتنضيضه واجب عليه، لرب المال أن يأخذه به، ويلزمه الاستئجار عليه من ماله إن أبى أن يليه بنفسه كما لا يجوز أن يستأجر على ذلك بنصيبه من الربح. فكذلك لا يجوز له أن يسلمه إلى رب المال؛ لأنه إذا أسلمه إليه فكأنه قد استأجره على تقاضي الدين وتنضيض المال بالجزء الواجب له من الربح، فالأظهر أنه لا يجوز. ووجه القول بجوازه أنه إذا أسلمه إليه فقد وهب ما تقدم من عمله فيه، ولم يكن كأنه استأجره عليه بجزء من الربح، إذ لا يلزمه إذا أسلمه تقاضي الدين ولا تنضيض المال؛ لأنه ماله يفعل فيه ما شاء إن شاء تقاضاه وباع الطعام حتى يصير عينا، وإن شاء وهب الدين أو أكل الطعام إذا قبضه ولم يصيره عينا كما دفعه إلى المقارض الذي أسلمه إليه. فعلى هذا أجازه مالك بقوله: وهو مثل الموت إذا أسلمه الورثة. معناه: هو مثله في أن ذلك جائز وإن كان وجه الجواز في ذلك مختلفا، يجوز في الورثة من أجل أن تنضيض المال لا يلزمهم ويجوز في المقارض من أجل أن رب المال لا يلزمه تنضيض ماله، وبالله التوفيق. [: من استأجر أجيرا فليعلمه أجره] ومن كتاب حلف ألا يبيع سلعة وسئل مالك: عن الرجل يدفع إلى الرجل المال القراض فيقيم

في يديه أياما ويتجهز بذلك يريد سفرا فيلقاه صاحب المال فيقول له: هل لك أن أخرج معك؟ فأخرج ذهبا آخر مثل الذي أعطيتك ونشترك جميعا. قال مالك: ما أرى أمرا بينا وما يحضرني فيه مكروه، وكأنه خففه من غير تحقيق. وقال ابن القاسم: ولا أرى بذلك بأسا إذا صح على غير موعد ولا رأي ولا عادة. قال أصبغ: لا خير فيه، قال سحنون: هو الربا بعينه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم مفسر لقول مالك؛ لأن مالكا إنما خفف ذلك على السلامة على التواطي على ذلك من قبل أن يتجهز بالمال، إذ لو أتاه قبل أن يتجهز بالمال لما جاز؛ لأنه يصير كأنه استأجره على أن يعمل معه في ماله على أن له نصيبا من ربحه، وكرهه أصبغ وقال لا خير فيه مخافة أن يكون تواطأ معه على ذلك قبل أن يتجهز بالمال. فإن وقع ذلك مضى ولم يفسخ على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وفسخ على مذهب أصبغ ما لم يفت بالعمل، فإن فات مضى وكان العامل في عمله على شرطه من الربح. وأما على مذهب سحنون الذي قال فيه: إنه هو الربا بعينه فينفسخ متى ما عثر عليه، ويكون الربح كله لرب المال ويكون للعامل أجرة مثله، وإنما قال فيه إنه الربا بعينه على سبيل التجوز في اللفظ إرادة التغليظ في المنع منه، إذ ليس بربا بعينه كما قال، وإنما هو على مذهبه استئجار للعامل على عمله معه بجزء من ربح المال، وذلك ما لا يحل ولا يجوز. لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره» ، ولقوله: «من استأجر أجيرا فليواجر بأجر معلوم إلى أجل معلوم» ، وكنهيه عن بيع الغرر، والإجارة بيع

مسألة: إذا خرج في حاجة نفسه فضت نفقته على نفقة مثله وعلى مال القراض

من البيوع لا يجوز فيها الغرر والمجهول، فلما كان ذلك لا يحل كما لا يحل الربا قال فيه إنه ربا، وبالله التوفيق. [مسألة: إذا خرج في حاجة نفسه فضت نفقته على نفقة مثله وعلى مال القراض] مسألة وسئل مالك عن رجل تجهز يريد اليمن فجاءه رجل ليلة يخرج فقال له: خذ مني هذا المال قراضا فأخذه الرجل فخرج به فاشترى به رقيقا نحوا من ستين رأسا، فأصيب منهم بضعة وأربعون، فقدم الرجل فطلب أن يعطى نفقته من مال الرجل، قال مالك: أرى أن تحسب نفقته كم تكون إلى اليمن في ذهابه ورجعته، كم هو؟ فإن كانت قيمة ذلك مائة دينار والذي دفع إليه الرجل سبعمائة دينار رأيت أن يحمل على صاحب المال سبعة أجزاء من ثمانية، وعلى العامل جزء من ذلك. فعلى هذا يحتسب قل المال أو كثر أو كثرت النفقة أو قلت. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه تجهز في السفر في حاجة نفسه لا للتجارة بماله. ولو كان إنما تجهز للتجارة بماله لوجب أن نكون النفقة مفضوضة على المالين، ماله الذي خرج للتجارة به، ومال الرجل الذي دفعه إليه. ومثل هذا في المدونة أنه إذا خرج في حاجة نفسه فضت نفقته على نفقة مثله وعلى مال القراض، وفي كتاب محمد أنه ينظر إلى قضاء حاجته فيجعل ذلك رأس مال تفض عليه وعلى مال القراض. قال محمد: وهو استحسان. فالقياس أن تكون النفقة عليه كما إذا خرج حاجا أو غازيا فأعطاه رجل مالا قراضا فخرج به، وهو قول ابن عبد الحكم. وسحنون بأنه لا شيء من النفقة على مال القراض إذا خرج في حاجة نفسه عما إذا خرج حاجا أو غازيا. قال أبو إسحاق التونسي: ولعل ابن القاسم أراد أنه خرج لإصلاح ضيعته، فتكون نفقته مقدرة بإصلاح ماله، فجعل ذلك رأس مال

: المقارض يسأله السائل فيعطيه الكسرة

تفض عليه النفقة مع مال القراض، وأما لو خرج لزيارة أهله أو لغير إصلاح ماله لا نبغي ألا يكون على المال القراض شيء من نفقته كما لو خرج حاجا أو غازيا. هذا معنى قوله دون لفظه، وبالله التوفيق. [: المقارض يسأله السائل فيعطيه الكسرة] ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك عن المقارض يسأله السائل فيعطيه الكسرة، قال: لا بأس بذلك، وكذلك الثمرات والماء يسقيه السائل فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه من الشيء اليسير الذي لا يتشاح في مثله. والأصل في ذلك قول الله عز وجل {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61] إلى قوله {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] فإذا لم يكن على الوكيل حرج في الأكل من مال موكله الذي اؤتمن عليه وجعلت مفاتحه في يديه دون علم موكله. بنص القرآن ما جرت به العادة من الشيء اليسير الذي لا يتشاح في مثله جاز ذلك للمقارض في المال الذي بيده؛ لأنه مؤتمن عليه ولذلك قال الليث في المقارض المقيم الذي لا نفقة له في المال إنه لا بأس أن يتغدى منه بالأفلس إذا اشتغل بالتجارة في السوق، فإذا جاز له أن يأكل هذا القدر وإن لم يجب له فيه نفقة كان أحرى أن يجوز له التصدق به، فيكون له في ذلك من الأجر إن شاء الله بقدر ما له فيه من الربح. وكذلك الوصي أيضا يعطي السائل من مال يتيمه يرجو بركة ذلك لليتيم. وليس قول مالك في هذه الرواية عندي بخلاف قوله في موطئه إنه لا يهب منه شيئا ولا يعطي منه سائلا ولا غيره؛ لأن المعنى

مسألة: يعطيه قراضا فيشتري به طعاما فيقول له رب المال بع جملة

في ذلك إنما هو فيما كثر وخرج عن حد ما لا يتشاح في مثله، وبالله التوفيق. [مسألة: يعطيه قراضا فيشتري به طعاما فيقول له رب المال بع جملة] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يعطي الرجل المال القراض فيشتري به طعاما ثم يأتي به إلى السوق ويريد بيعه، فيقول صاحب المال بع جملة واقبض الثمن، ويقول المقارض البيع على يدي أكثر للربح، وأنا أريد أن أبيع على يدي، قال: ينظر في ذلك إلى الذي يرى أنه وجه الشأن فيه، فيحملان عليه ولا ينظر في قول واحد منهما. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن لكل واحد منهما حقا في المال، فوجب ألا يغلب قول واحد منهما على صاحبه وأن يسأل عن ذلك أهل المعرفة به، فمن رئي الصواب في رأيه منهما حملا عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: أخذ العامل في القراض ربحه بإذن رب المال وترك هو ربحه في المال] مسألة وسئل مالك: عن العامل في القراض يأذن له صاحبه أن يأخذ ربحه، فقال: لا يأخذ شيئا حتى يقتسما وإن أذن له فيه صاحبه. قال محمد بن رشد: أما إذا أخذ العامل في المال ربحه بإذن رب المال وترك رب المال ربحه في المال، فالمكروه في ذلك بين؛ لأن رب المال إذا ترك حظه من الربح في المال بعد أن أخذ العامل حظه منه بإذن رب المال فكأنه أعطاه حظه من الربح قراضا على أن يخلطه بالقراض الأول وهو لم ينض بعد إذ لم يتحقق نضوضه. فهذا على هذا التأويل مثل ما في المدونة من أنه لا يجوز إذا دفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا فشغله في سلع أن يدفع إليه مالا آخر قراضا على أن يخلطه به؛ لأنه غرر إن نقص فيه وربح في الأول صيره من ربح الأول وإن ربح فيه وخسر في المال الأول صيره من ربحه. وقال الفضل

مسألة: دفع إلى رجل مالا قراضا فشارك رجلا بمال له فعملا جميعا

فيه: إنه إن وقع كان في القراض الأول على حاله، ورد في الثاني إلى إجارة مثله، ولو تحقق نضوض المال في هذه المسألة لجاز؛ لأنه كان يكون بمنزلة من دفع إلى رجل مالا قراضا ثم دفع إليه بعد ذلك مالا آخر قراضا على أن يخلطه به. وإنما كره هذه المسألة مخافة ألا ينض رأس المال بعد أو لعله قد نض إلا أن فيه خسارة فكذبه فيما زعم أن فيه من الربح ليقره بيده ولا ينزعه منه، ولهذه العلة لم يجز مالك في موطئه أن يقتسم المتقارضان الربح دون حضور رأس المال ونضوضه، فقال في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فعمل به ثم جاءه بمال فقال هذا حصتك من الربح وقد أخذت لنفسي مثله ورأس مالك وافر عندي فأقره، قال: لا أحب ذلك حتى يحضر المال كله ويحاسبه ويعلم أنه وافر ويصير إليه، ثم إن شاء رده إليه على قراضه وإن شاء أمسكه، وإنما يجب حضور المال مخافة أن يكون نقص فيه فهو يحب ألا ينتزع منه وإن نقص عنده. هذا نص قول مالك في موطئه، وظاهر ما في الواضحة أن اقتسامهما الربح على غير محاسبة ولا اعتماد مفاصلة جائز؛ لأنه قال: إذا كانا يفعلان ذلك وجاء في المال نقصان جبر من الربح الذي اقتسماه، وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إلى رجل مالا قراضا فشارك رجلا بمال له فعملا جميعا] مسألة وسئل مالك: عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فشارك رجلا بمال له فعملا جميعا، قال: أراه ضامنا حين أدخل في مال الرجل غيره؛ لأن الرجل قد يقارض الرجل بثلاثة أرباع ويقارض بالنصف لموضع أمانته، فقيل له: أفتراه ضامنا؟ قال: نعم، أراه ضامنا إن تلف أو نقص غرم، وإن كان ربحا كان على قسمة قراضه. قال محمد بن رشد: هذا مفسر لما في المدونة أنه إن شارك المقارض بمال القراض فهو ضامن إذا لم ينض فيها أنه إن كان فيه ربح كان على قسمة قراضهما. وزاد في المدونة أن الرجل إذا قارض رجلين كل واحد

: يعطي الرجل المال القراض فيخرج به إلى الريف فيبتاع به القمح الكثير

منهما على حدة فلا يجوز أن يشتركا وإن كان المال لواحد. وهذا كله بين لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [: يعطي الرجل المال القراض فيخرج به إلى الريف فيبتاع به القمح الكثير] ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك: عن الرجل يعطي الرجل المال القراض فيخرج به إلى الريف فيبتاع به القمح الكثير والشعير فيكثر عليه ذلك فيتكارى سفنا ويستأجر أجراء فيحملها ويبعث فيها الأجراء ويكتب إلى صاحب المال أن يقوم معهم في خزنه ويقسم إن أحب ذلك من غير شرط يكون في أصل ذلك. قال: لا يعجبني هذا ولو كان الشيء الخفيف ما رأيت به بأسا، قيل له: قدر المائة الدينار أو مائة وخمسين؟ قال: إن كان الشيء الخفيف وإلا فلا خير فيه، هذا يكثر فلا يعجبني. قال محمد بن رشد: كره ذلك في الكثير مخافة الذريعة إلى استجازة ذلك على شرط، أو رأي، أو عادة، فإن وقع ذلك على غير شرط ولا رأي ولا عادة نفذ ذلك ومضى، ولم يحولا عن شرطهما فيه، والله الموفق. [مسألة: دفع إلى رجل مالا قراضا فلما أراد السفر قال إني أريد أن أخرج بمالي] مسألة وسئل مالك: عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فلما أراد أن يخرج إلى سفره، قال لصاحبه: إني أريد أن أخرج بمالي معي أتجر فيه، وإني لست أحمل على مالك نفقة، وأنا أنفق من مالي فإنه لا يحمل ذلك. قال: لا يعجبني ذلك وإنما ذلك بمنزلة ما لو قال له ذلك عند دفعه إياه، ولكن ليعمل فيهما والنفقة على المالين،

مسألة: يأخذ المال قراضا على أنه يدفعه إلى غيره يعمل به

وسواء قال ذلك عند خروجه أو عندما يدفعه إليه وفيه تفسير. قال عيسى: وتفسيره إن كان قال ذلك في حين يجوز له منعه من الخروج لم يكن فيه خير، وإن كان ذلك في حين لا يجوز له منعه وذلك بعد أن يتجهز ويشتري فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الروايات فإنه يحمل ذلك ولا يغير ذلك من حكم المسألة شيئا. وتفسير عيسى صحيح مبين لقول مالك، فمعنى قوله: وسواء قال ذلك عند خروجه أو عندما يدفعه إليه، يريد: إذا كان خروجه بالمال وهو ناض قبل أن يشتري به ويتجهز. وأما لو قال ذلك بعد أن اشترى بالمال وتجهز لجاز ذلك ولزم على القول بلزوم العدة لأنها عدة، وإذا قال ذلك له عندما دفع إليه المال أو عند خروجه والمال بحاله فهو مكروه ولا يلزم ولا يبلغ به الفسخ إلا أن يكون ذلك القول عندهما كالشرط، وبالله التوفيق. [مسألة: يأخذ المال قراضا على أنه يدفعه إلى غيره يعمل به] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يأخذ المال قراضا على أنه يدفعه إلى غيره يعمل به، فكره ذلك، وقال: ما يعجبني، ثم ردد فيه الكراهية، فقيل له: أفرأيت إن قال له إني أبعث فيه غلامي ومولاي إلى بعض إخواني يشترون به ويبيعون؟ فقال: إني لأرجو أن يكون خفيفا، وما هو من عمل الناس. قال محمد بن رشد: لا فرق بين أن يأخذ منه المال قراضا على أن يعطيه لغيره يعمل به قراضا، أو على أن يرسل فيه غلامه أو مولاه إلى من يشتري به ويبيع من إخوانه كما أنه لا فرق بين أن يأخذ منه المال قراضا فيقول إني أدفعه إلى غيري يعمل به قراضا أو إني أبعثه مع غلامي أو مولاي إلى من يشتري به ويبيع من إخواني، فإذا كان على الشرط في المسألتين

جميعا لم يجز، وإذا كان على غير الشرط في المسألتين جميعا جاز. وإنما افترقت المسألتان عنده لأن الأولى بشرط، والثانية بغير شرط. والمكروه فيهما جميعا إذا كان ذلك على وجه الشرط بين؛ لأنه كأنه استأجره على أن يدفع ماله إلى غيره قراضا أو على أن يبعثه مع ولاه أو غلامه إلى من يشتري به ويبيع من إخوانه على سبيل القراض بالجزء الفاضل من الربح إن دفعه بأكثر مما أخذه، وقد يدفعه بأقل فيخسر، وبمثل الجزء فلا يربح، فذلك غرر بين وإجارة فاسدة. فقوله في ذلك إنه مكروه تجاوز في اللفظ، فإن وقع ذلك كانت له أجرة مثله في دفعه المال إلى غيره قراضا وفي بعثه به إلى من يعمل به من إخوانه قراضا، وكان العامل فيه على الجزء الذي اشترطه من القراض. وأما إذا قال له حين أخذه المال منه إني أدفعه إلى من يعمل فيه قراضا أو أبعثه إلى من يعمل به قراضا ولم يشترط ذلك، فذلك إذن منه له في أن يقارض به، فإن قارض فيه بأكثر من الجزء الذي اشترطه كان الفاضل لرب المال لا له. وهو نص قول مالك في كتاب ابن المواز، بخلاف المساقاة والفرق في هذا بين القراض والمساقاة أن المساقاة يلزم بالعقد فكان له أن يأخذ الفضل، والقراض لا يلزم بالعقد فلم يكن له الفضل. وإن قارض فيه بأقل من الجزء الذي اشترطه مثل أن يقارض رب المال على النصف فيقارض هو غيره على أن يكون له الثلث وللعامل الثلثان فرب المال أحق بالنصف ويرجع العامل الثاني على المقارض الأول بمثل سدس الربح الذي استحق صاحب المال من يده. وهذا إذا لم يعلم رب المال أن المقارض الأول قارض المقارض الثاني على أكثر مما قارضه هو عليه. وأما إذا علم ورضي فلا يكون له إلا ما رضي به واختلف إذا علم أو حضر فسكت. فقيل: سكوته كالإذن، ولا يكون له من الربح إلا ما اشترط منه المقارض الأول على المقارض الثاني. وقيل: لا يكون كالإذن ويكون أحق بالجزء الذي قارض عليه هو

مسألة: دفع إلى رجل مالا قراضا وأذن له في مداينة الناس فداين وعمل

المقارض الأول. وقد مضى هذا المعنى في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب المساقاة. وفرق في كتاب محمد في الذي يأخذ المال قراضا بين أن يقول أبعثه مع مولاي إلى بلد آخر إلى من يكفيني أمره أو إلى قوم يشترون ويبيعون. فقال في الأول: إنه لا يصلح، وفي الثاني: أرجو أن يكون خفيفا. قال محمد: ما لم يشترط. وجه الفرق بينهما أنه إذا قال: أبعثه إلى من يكفيني أمره فإنما معناه أبعثه إلى من ينزل منزلتي في العمل فيه بالجزء الذي أخذته به، وقد يجد ذلك وقد لا يجده. فلذلك كرهه، وقال: إنه لا يصح، وإذا قال: أبعثه إلى قوم يشترون ويبيعون، فإنما معناه إلى قوم يشترون به ويبيعون على ما أواجبهم عليه من الربح على سبيل القراض أو من الأجرة على سبيل الاستئجار على الوجه الذي تصح عليه الإجارة. وذلك لا يتعذر وجوده. فلذلك أجازه ورآه خفيفا. وأما إذا كان ذلك بشرط فقد مضى وجه فساده، وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إلى رجل مالا قراضا وأذن له في مداينة الناس فداين وعمل] مسألة وسئل مالك: عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا وأذن له في مداينة الناس فداين وعمل، ثم إنه وقع بينهما كلام، فقال له العامل: هذا ما اشتريت بمالك حاضرا، وما كان منه غائبا فهذه ذكور حقوقك فخذ ذلك كله وأخرجني منه واقبض لنفسك وبع لها. قال: لا بأس بذلك. فقلت: له: أفلا ترى فيه غررا؟ قال: لا، إنما هو مثل الذي يموت فيأبى الورثة أن يعملوا فيكون له، أو الرجل يأخذ المال قراضا فيشتري فيصيبه مرض أو يضعف عن القيام فيه فيسلم ذلك إلى صاحب المال فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: أما مرض أو ضعف عن القيام في المال فالأمر في جواز ذلك ظاهر؛ لأنه يشبه الموت. وأما إذا أسلم المال إلى رب المال

مسألة: السنة في القراض لا يقسم الربح إلا عند المفاصلة

وتخلى عن القراض إليه برضاه وهو قد أنشب المال في سلع وديون فالأظهر أنه لا يجوز على ما قاله سحنون في أول رسم من السماع. وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: السنة في القراض لا يقسم الربح إلا عند المفاصلة] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يأخذ المال قراضا فيشتري متاعا ويداين فإذا كان على رأس حول دعا صاحبه إلى أن يحاسبه فيقول عندي كذا وكذا من النقد، وكذا وكذا من العروض، والدين كذا وكذا، ويقول له صاحب المال: أنا أعطيك ربحك من النقد وأبريك من الدين وهو رأس مالي والعرض إن دخل فيه نقضان إلا أن العامل يعمل فيه كما هو، قال: لا خير فيه حتى يحصل المال. قال محمد بن رشد: قوله إلا أن العامل يعمل فيه كما هو، أي: حتى ينض المال بقبض الدين وبيع العروض وقبض أثمانها، وإنما لم يجز ذلك، وقال: إنه لا خير فيه لأن السنة في القراض لا يقسم الربح إلا عند المفاصلة إما بعد نضوض المال وإما بأن يرضي رب المال أن يخرج في رأس ماله إلى دين أو يأخذ فيه عرضا. فقد حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك أنه قال: وإذا تفاصل رب المال مع العامل في القراض واقتسما الربح فلا بأس أن يأخذ رب المال رأس المال عينا ثم يقاسمه ما بقي من سلع أو غيرها، أو يأخذ رب المال في رأس ماله سلعة ثم يقاسمه فيما بقي من عين أو عرض. فإذا لم يكن للعامل أن يقبض حصته من الربح حتى ينض رأس المال إلا برضا رب المال بالمفاصلة قبل نضوضه كان رب المال إنما فاصله قبل نضوضه وعجل له حصته من الربح قبل أن ينض رأس المال على أن يعمل في المال حتى ينض باطلا بغير شيء يكون له، فيدخله سلف جر منفعة، وبالله التوفيق.

: المقارض يحاسب صاحبه ثم يأتي بعد ذلك يذكر أنه نسي الزكاة

[: المقارض يحاسب صاحبه ثم يأتي بعد ذلك يذكر أنه نسي الزكاة] ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان قال: سئل مالك: عن المقارض يحاسب صاحبه ويقول قد تهضمت لك وحملت على نفسي، ثم يأتي بعد ذلك يذكر أنه نسي الزكاة وغير ذلك. قال: لا يقبل قوله إلا أن يأتي على ذلك ببينة أو أمر لا يستنكر فيه قوله، وأمر يعرف به وجه ثبات ما رفع من ذلك. قال ابن القاسم: وسمعته وسألناه عن مقارض عمل ودفع إلى صاحبه رأس ماله وربحه ثم جاء بعد ذلك يطلب نفقته ويقول أنفقت من مالي ونسيت حتى دفعت إليك. قال: لا يحلف ويكون القول قوله. قال محمد بن رشد: أما المسألة الأولى فلا اختلاف فيها أنه لا يصدق فيما ادعى أنه نسيه عند المحاسبة لقوله قد تهضمت لك وحملت على نفسي لاحتمال أن يكون هذا الذي ادعى أنه نسيه هو الذي تهضم فيه وحمل فيه على نفسه، إلا أن يأتي بدليل على صحة دعواه. وأما المسألة الثانية ففي المسألة خلافها أنه لا يقبل قوله فيما ادعى أن له في المال بعد أن حاسب صاحبه وقاسمه ودفع إليه ماله وهو الأظهر؛ لأن دفع ماله إليه كالإقرار أنه لا حق له فيه، فهو مدعى عليه فما يريد أن يخرجه من يده بعد أن دفعه إليه. ووجه القول الثاني: أن الغلط والنسيان ليس أحد بمعصوم منه، فوجب أن يصدق بعد كما كان يصدق قبل، وهذا يشبه اختلافهم فيمن باع مساومة ثم ادعى الغلط، وبالله التوفيق. [: أقام في الحضر في تجارة القراض مشتغلا بها نهاره كله] ومن كتاب أوله سلف في المتاع وقال مالك فيمن أقام في الحضر في تجارة القراض مشتغلا بها نهاره كله: لا أرى أن ينفق من مال القراض شيئا على نفسه في غداء ولا غيره.

: يقارضه بمال فيشتري متاعا فيريد أن يبيع المتاع فلا يعجبه الثمن

قال محمد بن رشد: هذا خلاف قول الليث بن سعد في المدونة أنه لا بأس إذا اشتغل في السوق أن يتغدى بالأفلس، وقوله أظهر. وقد مضى من قول مالك في أول رسم شك ما يضاهي قوله على ما بيناه هناك، وبالله تعالى التوفيق. [: يقارضه بمال فيشتري متاعا فيريد أن يبيع المتاع فلا يعجبه الثمن] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس وسئل مالك: عن الرجل يقارض الرجل بمال فيشتري متاعا فيريد المقارض أن يبيع المتاع فلا يجد به ما يعجبه من الثمن، فيقول لصاحب المال: بعنيه وأنا أنقدك من ثمنه كذا وكذا، ثم أنظرني ببقية الثمن شهرا أو شهرين، قال: لا خير في ذلك، قال ابن القاسم: وقد سمعته غير مرة يكرهه وكأنه ينحو إلى وجه كأنه أعطاه مائة بخمسين ومائة إلى أجل. قال محمد بن رشد: في النوادر متصل بهذه المسألة. قال ابن القاسم في رواية يحيى: إن ابتاعه بنقد فجائز، وإن كان بتأخير بمثل الثمن فأقل فجائز، وإن كان بأكثر فلا يجوز، وإن أراد رب المال أن يشتريها بنقد أو إلى أجل فلا بأس به، ومثله في رسم القطعان من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب وهو صحيح لهذه الرواية وغيرها. وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول مسألة من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: دفع إلى رجل مالا قراضا فتجهز منه بطعام وكسوة ثم هلك الرجل] ومن كلاب باع غلاما وسئل مالك: عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فتجهز منه

مسألة: ما يفضل عند المقارض إذا قدم من سفره مثل الجبة وأشباه ذلك

بطعام وكسوة ثم هلك الرجل فأراد الوصي أن يأخذ ذلك المال. قال: أرى ذلك له، وأرى أن يأخذ منه ذلك الطعام والكسوة التي اشترى من مال الميت. قال سحنون: ليس ذلك للوصي؛ لأنه هو لو كان حيا لم يكن له أن يأخذ ذلك منه، إلا أن يكون لم يحرك من المال إلا في كسوة نفسه وطعامه، فهو كما ذكر في المسألة. قال محمد بن رشد: معنى ما تكلم عليه مالك أن العامل لم يتجهز من المال إلا في كسوة نفسه وطعامه، وذلك بين من قوله: وأرى أن يأخذ منه ذلك الطعام والكسوة التي اشتريت من مال الميت، يريد: ولا يترك له من أجل أنه اشتراها لنفسه، وإن كان قدر ذلك يسيرا إذا لم يعمل بالمال فيترك له الشيء اليسير كما قال في المسألة التي بعدها، ويحتمل أن يريد وهو الأظهر أنه يؤخذ منه ذلك الطعام وتلك الكسوة، ولا يضمن الثمن التي اشتراها به من أجل أنه اشتراها لنفسه، إذ لو رأى إذا تجهز من المال بطعام وكسوة للتجارة لا لنفسه أن يؤخذ المال منه لما كان إشكال في أنه يؤخذ منه ما كان تجهز به حتى يحتاج إلى بيانه، فقول سحنون صحيح في أنه لا فرق في ذلك بين الوصي وبينه هو لو كان حيا، وتأويله على مالك أنه فرق بين الوجهين غير صحيح. وينبغي إذا أخذت منه الكسوة أنه اشتراها لنفسه والطعام وأخرج من القراض أن يعطى أجرة مثله في ابتياعه الكسوة والطعام، وبالله التوفيق. [مسألة: ما يفضل عند المقارض إذا قدم من سفره مثل الجبة وأشباه ذلك] مسألة وقال مالك فيما يفضل عند المقارض إذا قدم من سفره مثل الجبة وأشباه ذلك، فقال: ما علمت أنه يؤخذ منه مثل هذا. قال محمد بن رشد: مثل هذا في نوازل سحنون أن رب المال إذا أخذ ماله من العامل لا يؤخذ منه الثياب التي كان اشتراها لسفره من مال القراض إلا أن يكون لها قدر وبال. ومثله لمالك في موطئه. وهو استحسان

: تجار حبوب لا تحمل أموالهم ما يشترون فيأتون إلى أقوام يسألونهم قراضا

على غير حقيقة القياس ليسارة ذلك مع العرف الجاري فيه على أصله في كتاب الحدود في القذف من المدونة في الرجل يكسو امرأته كسوة السنة بفريضة من السلطان أو بغير فريضة ثم يموت أحدهما قبل انقضاء السنة أنه استحسن ألا يتبع المرأة بشيء من ذلك لما بقي من السنة بخلاف النفقة، وبالله التوفيق. [: تجار حبوب لا تحمل أموالهم ما يشترون فيأتون إلى أقوام يسألونهم قراضا] ومن كتاب أوله مساجد القبائل وسئل مالك: عن القوم يشترون التجارات من الحبوب والصوف وأشباه ذلك فلا تحمل أموالهم ما يشترون، فيأتون إلى أقوام يسألونهم أن يعطوهم أموالا قراضا ولا يعلمونهم بما كانوا اشتروا ويجعلونها قراضا فيما بينهم وبين الذين قارضوهم، أترى ذلك يصلح؟ قال: لو صح ذلك لم أر به بأسا، قيل له: فما الذي تخاف ألا يصح؟ قال: يشتري سلعة غائبة فيندم فيها فيأخذ هذا المال فينقده فيها. قال ابن القاسم: لا يعجبني العمل بهذا وإن صح، قال سحنون مثله. قال محمد بن رشد: كراهية مالك لهذا العمل مخافة ألا يصح، وإجازته له إذا صح هو مذهبه في المدونة؛ لأنه قال فيها: إني أخاف أن يكون قد استغلاها فيدخل مال الرجل فيه فلا أحب هذا. وزاد في أصل الأسدية تتميما لقوله ولو أعلم أن ذلك صحيح لم يكن لغلا وقع فيه وما أشبهه لم يكن به بأس وقول ابن القاسم لا يعجبني العمل بهذا وإن صح أصح والله أعلم؛ لأن الذي نواه أخذ المال من أن ينفذ ماله فيما قد اشتراه لو علم به رب المال لما جاز باتفاق. وإن صح أن ذلك لم يفعله لغلاء وقع فيه لأنه بمنزلة رجل سلف رجلا مالا على أن ينفذه في سلعة اشتراها على أن له نصف ما يربح فيها

وعليه جميع ما كان فيها من وضيعة، وذلك أنه يحمل أمرهما على أنه لما اشترى السلعة فقصر ما عنده عن ثمنها وعلم أنه إن سأل الرجل أن يسلفه ما نقصه من ثمنها يأبى ذلك عليه، وإن قال له: أعطني ما نقصني من ثمنها ويكون لك نصف ربحها كان ذلك حراما لا يجوز أخذه منه باسم القراض ونيته فيه ما تقدم، فوجب ألا يجوز. ولذلك تابعه عليه سحنون فقال لا خير فيه. ففرق مالك بين أن يعلمه بذلك أو لا يعلمه به في المدونة، وساوى بينهما ابن القاسم على ما وقع له هاهنا، وسحنون أيضا. ولذلك قال فيما رأيت له في بعض حواشي كتب المدونة على المسألة الثانية إذا أعلمه: هذه جيدة أصح من الأولى، يريد: إذا لم يعلمه، فإذا وقع ذلك كان الحكم فيه على مذهب مالك أن يكون لرب المال أن يأخذ ماله كاملا إن بيعت السلعة بوضعية إلا أن يبين العامل أنه لم يفعل ذلك إلا على وجه الصحة لا لغلاء وقع فيه، وإن عجز عن تبيين ذلك ودعا إلى تحليف رب المال على أنه قد أعلمه كان ذلك له إن حقق عليه الدعوى باتفاق، وإن لم يحققها عليه على اختلاف، وأما إن باع العامل السلعة بربح فادعى أنه كان استغلاها ولذلك أخذ المال لينقده فيها ليرد إلى رب المال رأس ماله ويستبد هو بالربح لم يصدق في ذلك إلا أن يقيم عليه بينة. وأما على مذهب ابن القاسم وسحنون فليس لرب المال إلا رأس ماله بيعت السلعة بربح أو وضيعة، وإن تلفت فالعامل ضامن للمال بمنزلة إذا أعلمه أنه ينقده ماله في السلعة التي اشترى لأنه إذا أخذه لينقده في ثمن السلعة التي اشترى فكأنه استسلفه منه على أن له نصف ما يربح في السلعة، فإذا لم يعلم رب المال بذلك كان هو المنفرد بالإثم دونه، ووجب عليه أن يرد إليه رأس ماله، وإذا أعلمه بذلك اشتركا في الإثم، فهذا وجه القول في هذه المسألة. وأما إذا أتاه قبل أن يشتري فقال له إني وجدت سلعة رخيصة فادفع إلي مالا أشتريها به على سبيل القراض فذلك جائز، وقد فعله عثمان بن عفان إذا لم يسم السلعة ولا صاحبها البائع لها، فإن سمى السلعة أو الرجل لم تجز وكان العامل في ذلك أجيرا، وبالله التوفيق.

مسألة: قراض النقدين الذهب والفضة

[مسألة: قراض النقدين الذهب والفضة] مسألة وسئل مالك: عن قراض النقرين الذهب والفضة؟ فقال: لا. قال ابن القاسم: إذا وقع لم أفسخه وأنفذت بينهما شرطهما من الربح. قال ابن القاسم: عمل أو لم يعمل، ربح أو لم يربح، هو قراض ما هو واجب لهما متاركته إذا لم يعمل. قال أصبغ: قلت لابن القاسم: فالفلوس أيقارض بها؟ قال: لا، أنا أكرهه وكره القراض بها، قلت: فإن وقع وجاء فيه ربح أو وضيعة فوقف ولم يجب فيه بشيء، قال أصبغ: هو عندي كالنقر أرى أن يمضي. وقد جرى مجرى العين من كتاب البيع والصرف. قال محمد بن رشد: أما القراض بنقر الذهب والفضة في البلد الذي يدار فيه نقر الفضة والذهب وأتبارهما ويتبايع فيه فذلك جائز على ما وقع في سماع يحيى بعد هذا من هذا الكتاب ولا اختلاف في هذا. وأما القراض بها في البلد الذي لا تدار فيه وإنما يبتاع الناس فيه بالدنانير والدراهم المضروبة، ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز. وهو ظاهر قول مالك في رواية ابن القاسم هذه عنه. وقد روي عنه مثل هذا الظاهر نصا أن ذلك لا يجوز. والعلة في ذلك: أنه لما كان البلد لا يبتاع بها فيه فكأنه قال له بعها أو استضربها واعمل قراضا بالثمن الذي تبيعها به أو بالعدد الذي يخرج في الضرب منها، فأشبه القراض بالعروض إذا قال له بعها واعمل بثمنها قراضا، فإن وقع ذلك كان له أجر مثلها في بيعها أو استضرابها، ويكون رأس المال الذي يرد إذا نص القراض الثمن الذي باعها به أو العدد الذي خرج منها، ويكون في ذلك على قراض مثله. والقول الثاني: يكره ابتداء فإن وقع

نفذ ومضى على شرطهما من الربح عمل أو لم يعمل ربح أو لم يربح. وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية وفي سماع يحمى بعد هذا وقول أصبغ في كتاب محمد وقول ابن حبيب في الواضحة، ويكون رأس المال الذي يرد العامل إذا نض المال مثل النقد الذي أخذ في طيبها وزنتها، فإن لم يعرفا لها زنة فرأس ماله فيه الثمن الذي باعها به أو العدد الذي خرج فيها إن كان استضربها ولم يبعها، وان كان باعها بعروض ولم يعرفا لها وزنا فرأس المال فيه قيمتها من الذهب إن كانت نقر فضة أو قيمتها من الفضة إن كانت نقر ذهب. قال ابن حبيب في الواضحة: إلا أن يكون يوم قارضه قال له بعها أو استضربها فيكون رأس ماله ما باعها به أو ما خرج في استضرابها عرفا وزن التبر والنقر التي أعطاه أو جهلاه، ويكون له أجرة مثله في بيعه إياها بالدنانير أو استضرابه لها إن كان في ذلك مؤنة وفي مثله كراء، ثم يكون فيما نض في لديه من ذلك على قراض مثله. هذا قول ابن حبيب في الواضحة، ففرق بين أن يشترط عليه بيعها أو استضرابها وبين أن لا يشترط ذلك عليه. وقد علم أنه لا بد له من بيعها أو استضرابها وإن لم يشترط ذلك عليه إذا كان البلد لا يبتاع فيه بها، والمعنى في ذلك: أنه إذا اشترط عليه ذلك فقد شرط أن القراض إنما يكون من بعد بيعها أو استضرابها وإذا لم يشترط ذلك عليه فقد جعلها قراضا من يوم دفعها إليه، وقد يبيعها بعروض وإن كان البلد لا يبتاع فيه بها، فيكون بيعه لها بالعروض من التجارة، ويرد مثل ما دفع إليه إذا نض القراض؛ لأنها لا تتغير ولا تختلف أسواقها، بخلاف العروض، فلذلك جاز القراض بها عند من أجازه. والقول الثالث: أن القراض بها جائز ابتداء. وهو قول مالك في رواية أشهب عنه بعد هذا في رسم مسائل بيوع. وقد سئل: عن القراض في نقر الذهب والفضة أيصلح؟ قال: نعم في رأيي قد قارض الناس قبل أن يضرب الذهب والفضة، قلت: ويرد نقرا مثلها؟ قال: نعم، وقول ابن وهب وروايته عن مالك. وأما القراض بالفلوس فهو أشد عند ابن القاسم من القراض بنقر الفضة

والذهب؛ لأنها تشبه العروض في أنها تحول بالنفاق والكساد والفساد فلذلك وقف فيه، إذا لم يعثر عليه حين وقع حتى جاء فيه ربح أو وضيعة. وفيها أيضا ثلاثة أقوال: أحدها: أنها كالعروض في أن القراض لا يجوز بها من أجل أنها تحول إلى النفاق والكساد والفساد، وهو قول ابن القاسم في أول كتاب القراض من المدونة. واحتج بأنها تشبه العروض ولا تشبه العين برواية عبد الرحمن عن مالك في إجازة شرائها بالدنانير والدراهم نظرة، فإن وقع القراض بها على هذا القول رد العامل فيها إلى قراض مثله، وكان رأس المال الذي يرده إذا نض المال قيمة الفلوس من الدنانير والدراهم يوم دفعها إليه. والقول الثاني: أن القراض بها مكروه فإذا وقع مضى على شرطهما من الربح ولم يرد، وكان رأس المال الذي يرده العامل إذا نض المال مثل الفلوس الذي دفع إليه رب المال. والقول الثالث: أن القراض بها جائز ابتداء وهو قول أشهب في ديوانه، قال: لأنها كالعين في أنه لا يجوز بيعها بالدنانير والدراهم نظرة وليس الاعتبار بالصرف في جواز القراض بها ولا منعه ببين. إذ قد اختلف في ذلك قول مالك، وإنما العلة الصحيحة التي يجب الاعتبار بها في ذلك حوالتها إلى النفاق والكساد والفساد، فإن كان يؤمن ذلك في الغالب عليها وكان يتبايع بها في البلد لم يجز القراض بها، إنما يجوز القراض بها عند من أجازه في الشيء اليسير الذي يتبايع فيه بالفلوس كالبقول والفواكه وشبه ذلك، مع أنه رأى باجتهاده أنها لا تحول عن حالها من النفاق والكساد في أغلب الأحوال، والله أعلم. واختلف قول مالك أيضا في جواز القراض بالحلي، فحكى ابن الجلاب عنه الروايتين في ذلك، ولم يجزه في كتاب ابن المواز ولا في سماع أشهب بعد هذا، وهو الصحيح المعروف. قال في الموضعين: وقد سئل أيصلح أن يقارض من الذهب والفضة فيما كان مصوغا؟ ليس هكذا يقارض الناس. فقيل له: ذلك أحب إليك؟ قال: بل هو الشأن متى يأتي هذا المقارض بمثل الخلخال والسوار حتى يرد مثله. وقال بعض المتأخرين:

: اشترى سلعة بألف دينار على أن ينقده مائة فنقد المائة التي عنده قراضا

القراض بالمصوغ على ثلاثة أوجه: جائز إذا كانوا يتبايعون به مثل ما بالمغرب بأرض المصامدة، ومكروه: إذا كانوا لا يتبايعون به ولا يتعذر عندهم المثل، وممنوع إذا كان المثل يتعذر، كما قال مالك: فمن أين يأتي بهذا الخلخال؟ وبالله التوفيق. [: اشترى سلعة بألف دينار على أن ينقده مائة فنقد المائة التي عنده قراضا] ومن كتاب القبلة قال مالك: من كانت عنده مائة دينار قراضا فاشترى سلعة بألف دينار على أن ينقده مائة، فنقد المائة التي عنده قراضا. قال: هما شريكان في الزكاة بالحصص، وتقوم السلعة بالنقد فإن كانت قيمتها تسعمائة كان للقراض التسع من تلك القيمة. قال ابن القاسم: وكذا الربح والوضيعة فيما بلغني عن مالك. قال محمد بن رشد: قوله على أن ينقده مائة، يريد: والتسعمائة قبله وفي ذمته إلى أجل معلوم، والشراء له وللمال القراض، ولو كان اشتراها على أن تكون السلعة كلها للقراض ويؤدي رب المال التسعمائة عنده إذا حل الأجل لكان بالخيار بين أن يجيز ذلك ويؤدي التسعمائة إذا حل الأجل وتكون السلعة كلها على القراض، وبين ألا يجيز ذلك فلا يكون منها على القراض إلا بقدر المائة التي دفع إليه من قيمة السلعة يوم اشتراها، ويكون للمقارض منها قدر ما زادت قيمتها على المائة التي دفع إليه، هذا قوله في هذه الرواية أن السلعة تقوم بالنقد يريد يوم اشتراها، فإن كانت قيمتها تسعمائة كان للقراض التسع، ومثله في المجموعة وفي كتاب ابن المواز في القراض من المدونة. وقال محمد بن المواز: ليس هذا بشيء؛ لأنه إن استرخص لم ينتفع القراض بذلك، وإن استغلى لم يلحقه الغلاء، إذ لو كانت قيمتها بالنقد ألفا أو ألفا وخمسمائة لم يقع للقراض من ذلك إلا مائة. والصواب من ذلك أن يقوم

الدين. وقد روى عن مالك وعن ابن القاسم وأشهب أن ينظر إلى قيمته التسعمائة أن لو نقد بعرض، وينظر إلى قيمة العرض، فإن سوى ستمائة كان للقراض سبع السلعة فيما يقع لذلك من ربح أو وضيعة، وهو القياس؛ لأن الدين حكمه حكم العرض فكأنه قد اشترى السلعة بالمائة القراض وبعرض. فالواجب في ذلك بلا خلاف أن ينظر إلى قيمة العرض. فإن كانت قيمته ستمائة كان للقراض السبع وإن كانت قيمته سبعمائة كان للقراض الثمن، وكذلك على هذا المثال ما زادت قيمته أو نقصت، وعلى هذا أصلح سحنون مسألة المدونة أن يقوم الثمن المؤجل لا السلعة، ووجه ما وقع في المدونة من تقويم السلعة هو أن الديون لما لم تجر العادة بتقويمها كانت قيمتها غير معروفة. والغالب أن السلعة إنما تشترى بقيمتها دون غبن يجري في ذلك على البائع وعلى المبتاع. فالأحسن في هذا من أجل أن العادة لم تجر بتقويم الديون وأن السلع قد يتغابن في شرائها وإن كان الأغلب أنها إنما تشترى بالقيمة دون تغابن أن تقوم السلعة بالنقد وعلى أن يتأخر من الثمن تسعمائة إلى الأجل، فإن كانت قيمتها بالنقد ألف دينار وإن يتأخر من الثمن تسعمائة إلى ذلك الأجل ألف ومائتان، علمنا أنه قد زاد على قيمة السلعة بالنقد من أجل التأخير سدس الثمن؛ لأن المائتين التي بين الألف وبين الألف والمائتين سدس الألف والمائتين، فيحط من الألف التي اشترى بها السلعة سدسها وهو مائة وستة وستون وثلثان، فيكون الباقي هو ثمن السلعة وذلك ثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، يكون القراض منها مائة، وذلك عشرها وخمسة أسباع عشر عشرها. وكذلك ما زاد أو نقص على هذا الحساب. وكذلك لو اشترى سلعة بالنقد بأكثر من رأس مال القراض لكان شريكا للقراض بالزائد، وفي ذلك تفصيل وقع تفسيره في الدمياطية. قال ابن القاسم فيها: في القراض وجهان لا يأبه كثير من الناس إليها، رجل أخذ مائة دينار قراضا وله مائة دينار لنفسه فخلطها بها ثم اشترى سلعة، قال: فهما شريكان وليس صاحب المال هنا مخيرا. قال: وإن كان إنما أخذ مائة دينار قراضا ثم اشترى سلعة فيسلف فيها

مائة دينار فصاحب المال بالخيار، إن شاء أن يؤدي ما سلف عليه أداه، وإن شاء كان شريكا في السلعة كذا وقع في الدمياطية، ولا فرق في القياس والنظر أن يخلط مائة بمائة القراض قبل الشراء، أو لا يخلطها بها إن قال في الوجهين جميعا إنما زدت المائة من مالي على أن أكون شريكا في السلعة بها، صدق في ذلك، ولم يكن لرب المال عليه في ذلك خيار. وإن قال إنما زدت المائة من مالي على سبيل السلف لرب المال كان رب المال بالخيار إن شاء أن يؤدي المائة وتكون السلعة كلها على القراض كان ذلك له، وإن شاء كان شريكا في السلعة معه بها وللعامل في القراض إذا كان مديرا أن يشتري على القراض بالدين إلى أن يبيع ويقضي. وأما إذا كان غير مدير فاشترى سلعة بجميع مال القراض فليس له أن يشتري غيرها بالدين على القراض، فإن فعل لم يكن على القراض وكان له ربحها وعليه وضيعتها، وإن أذن له رب المال في ذلك إلا أن يأذن له في أن يشتري على القراض على أنه إن ضاع مال القراض كان ضامنا لذلك في ذمته، فيجوز وتكون السلعة على القراض وسيأتي هذا المعنى في سماع أبي زيد. وكذلك لو اشترى بالمال القراض سلعة فلم ينقده حتى اشترى سلعة أخرى على القراض كان ربحها له ووضعيتها عليه؛ لأن صاحب السلعة الأولى أحق بمال القراض إلا أن يأذن له رب المال في شرائها على القراض أنه ضامن للثمن إن تلف مال القراض، ولم يعط في المدونة في هذه المسألة جوابا بينا. وإذا باع العامل السلعة التي اشترى للقراض بربح قبل إن ينقد ثمنها فالربح بينهما بمنزلة أن لو باعها بعد أن نقد. وكذلك إن اشترى السلعة للقراض والمال غائب في بيته بمال من عنده أو بسلف من رب المال أو من غيره، فالربح بينهما على القراض وإن كان بيعه إياها قبل أن يقضي الثمن الذي تسلفه من المال الذي في البيت، وإن اشترى سلعة ثانية بالمال الذي في البيت بعد أن باع السلعة الأولى كانت على القراض أيضا، فإن خسر فيها جبره من ربح السلعة الأولى. قاله ابن القاسم بعد هذا في رسم إن خرجت من سماع عيسى، ولو اشترى السلعة الثانية بالمال الذي في البيت قبل أن يبيع

: يأخذ المال قراضا فيعمل فيه ثم يشتري جارية فيطأها فتحمل منه ثم نقص المال

السلعة الأولى لم يكن على القراض وكان النقصان منه إن بيعت بنقصان لأنه متعد إذا اشترى به، وبائع السلعة الأولى أحق به، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: يأخذ المال قراضا فيعمل فيه ثم يشتري جارية فيطأها فتحمل منه ثم نقص المال] ومن كتاب أوله لا قسامة في العبيد وقال مالك، في الرجل يأخذ المال قراضا فيعمل فيه ثم يشتري من ربح المال أو من جملته جارية فيطأها فتحمل منه ثم نقص المال. قال مالك: إن كان له مال أخذت قيمة الجارية من ماله فيجبر به القراض، ثم ما كان من ربح بعد وفاء المال فهو بينهما، قال ابن القاسم: وإن لم يكن له مال اتبع بقيمتها دينا ولم تبع. قال سحنون: قول ابن القاسم يكون دينا يتبع به - غير معتدل عندي وتباع إلا أن يكون فيها فضل فيباع منها بقدر رأس مال رب المال وربحه ويبقى ما بقي منها بحال أم الولد. قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة هو نص قول مالك في الموطأ، وزاد فيه: فإن لم يكن له مال بيعت الجارية حتى يجبر المال من ثمنها. وهذا هو الحكم فيها إذا اشتراها ثم وطئها فحملت، والقيمة في ذلك إذا كان له يوم حملت. فلم يفرق مالك على قوله هذا وهو قوله في موطئه بين أن يشتريها من مال القراض فيطأها وبين أن يطأها بعد أن اشتراها للقراض، وفرق ابن القاسم بين المسألتين، فقال: إنه إذا اشتراها من مال القراض ليطأها فوطئها أنها لا تباع إن لم يكن له مال، قال مرة: وتؤخذ منه قيمتها إن كان له مال فيجبر به القراض، ويتبع بها إن لم يكن له مال ولا تباع وهو قوله في هذه الرواية. ومعناه عندي: إن كانت القيمة أكثر من الثمن فإرادته أنه يتبع بالأكثر من الثمن أو القيمة، وقال مرة: إنه يؤخذ منه الثمن فيجبر به القراض إن كان له

مال، ولا تباع، وهو قوله في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى بعد هذا. وإذا أخذ منه الثمن الذي اشتراها به أو الأكثر من القيمة أو الثمن على ما تأولنا عليه قوله في هذه الرواية واتبع بذلك دينا ثابتا في ذمته كانت له أم ولد ولم يتبع بقيمة الولد على ما قاله عيسى بن دينار في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى؛ لأنه لم يقل إنه يتبع بقيمة الولد إلا إذا اشتراها للقراض ثم وطئها، وسنذكر هناك وجه قوله إن شاء الله. وعاب سحنون قول ابن القاسم واختار قول مالك أنها تباع إن لم يكن لها مال وتباع على مذهبه، وما اختاره من قول مالك فيما لزمه من قيمتها يوم حملت فإن لم يف ثمنها الذي بيعت به بقيمتها يوم حملت اتبع بما نقص من قيمتها يوم حملت وإذا أخذت منه قيمتها يوم حملت أو بيعت في ذلك إن لم يكن له مال على هذا القول يخرج اتباعه أيضا مع هذا بقيمة الولد على قولين قد ذكرنا وجههما في نوازل سحنون من كتاب الاستبراء. وهذا إذا لم يكن فيها فضل. وأما إن كان فيها فضل، فقيل: إنه يباع منها على العامل إن لم يكن له مال لرب المال بقدر رأس ماله وربحه ويبقى ما بقي منها بحال أم ولد. وهو قول سحنون هاهنا. وقيل: يكون حكمها حكم الأمة بين الشريكين يطأها أحدهما فتحمل ولا مال له، وهو قول عيسى بن دينار في رسم جاع من سماعه. هذا تحصيل القول في هذه المسألة على ما حملها عليه بعض أهل النظر باتباع ظواهر الروايات، والذي أقول به في هذه المسألة: إن الاختلاف في بيعها إذا حملت وهو عديم إنما هو إذا اشترى ووطئ ولم يعلم إن كان اشترى للقراض أو لنفسه بمال استسلفه من القراض إلا بقوله. فحمله مالك على أنه اشتراها للقراض ولم يصدقه أنه اشتراها لنفسه بمال استسلفه من القراض. ولذلك قال: إنها تباع إن لم يكن له مال، وحمله ابن القاسم على أنه اشتراها لنفسه بمال تسلفه من القراض بل لم يصدقه أنه اشتراها للقراض إن زعم ذلك على ما روى عنه أبو زيد في سماعه. ولذلك

: رجل قارض رجلا ثم إنه أشركه بعد ذلك في سلعة اشتراها

قال: إنها لا تباع. وأما إن علم أنه اشتراها لنفسه بمال تسلفه من القراض فلا تباع ويتبع بالثمن الذي اشتراها به قي ذمته قولا دون اختلاف، كما لا يختلف إذا اشتراها للقراض ببينة تقوم على ذلك ثم وطئها فحملت ولا مال له في أنها تباع فيما لزمه من قيمتها، وبالله التوفيق. [: رجل قارض رجلا ثم إنه أشركه بعد ذلك في سلعة اشتراها] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت قال: وسئل مالك: عن رجل قارض رجلا ثم إنه أشركه بعد ذلك في سلعة اشتراها. قال: إن كان صح ذلك فلا أرى بأسا. قال عيسى: لا بأس من اشترى منهما سلعة من صاحبه فأشرك صاحبه فيها، المقارض كان المقارض، كان من مال القراض أو من مال نفسه. قال محمد بن رشد: أما إذا أشرك العامل لرب المال القراض في سلعة اشتراها لنفسه من ماله أو للقراض من مال القراض فلا إشكال في جواز ذلك. إذ لا اختلاف في أنه يجوز أن يبيع العامل من رب المال سلعة إلا أن يكون ذلك والمال ناض عنده وقيمة السلعة أكثر من الثمن الذي باعها به منه فيكره ذلك مخافة أن يكون إنما حاباه بها ليقر القراض بيده ولا يأخذه منه. وأما إذا أشرك رب المال العامل في سلعة اشتراها فإن كان ذلك بعد أن نقد الثمن فذلك بمنزلة إذا باع منه في سلعة سواء. ولذلك قال مالك: إن كان صح ذلك فلا أرى به بأسا. وقد مضى تحصيل القول في ذلك في أول سماع ابن القاسم. ورأى عيسى التهمة في ذلك مرتفعة من أجل أن الشركة على وجه المعروف. وأما إن كان أشركه فيها قبل أن ينقد الثمن بحضرة البيع فلا إشكال في أن ذلك جائز إذ لا تهمة فيه من أجل أنه إنما يدفع الثمن إلى البائع والعهدة عليه فكأنه إنما اشترى منه. ويحتمل أن يكون تكلم مالك على أنه قد نقد وعيسى على أنه لم ينقد وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.

: يدفع إلى رجل مالا قراضا ويشترط عليه أن زكاة ربح المال في حصتك من الربح

[: يدفع إلى رجل مالا قراضا ويشترط عليه أن زكاة ربح المال في حصتك من الربح] من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب أوله قراض قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك: عن الرجل يدفع إلى رجل مالا قراضا ويشترط عليه أن زكاة ربح المال في حصتك من الربح، قال: لا خير فيه، ثم سئل عنها من الغد أيضا، فقيل له: الرجل يقارض الرجل ويشترط عليه أن عليك زكاة ربح المال في حصتك من الربح؟ فقال: ما هذا بحسن. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في أصل الأسدية من أنه لا يجوز لواحد منهما أن يشترط زكاة الربح على صاحبه. خلاف قوله في المدونة أنه يجوز أن يشترط ذلك واحد على صاحبه. وقد مضى في آخر سماع أشهب من كتاب المساقاة وجه الاختلاف في ذلك إذا اشترط أحد المتساقيين على صاحبه زكاة الثمرة فأغنانا ذلك عن إعادته هنا. إذ لا فرق بين اشتراط أحد المتساقيين على صاحبه جميع زكاة الثمرة في المساقاة وبين أن يشترط أحد المتقارضين زكاة ربح المال على صاحبه في القراض. وأما زكاة رأس المال فهو على صاحب المال لا يجوز له أن يشترطه على العامل باتفاق، وبالله التوفيق. [مسألة: يأخذ من الرجل مائة دينار قراضا ويقول له إن احتجت زدتك] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يأخذ من الرجل مائة دينار قراضا، ويقول له: إن احتجت زدتك فيشتري العكم البز بمائة دينار وعشرة دنانير ثم يأتي فيأخذ منه العشرة بعد اشترائه العكم. فقال: ما أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قاله؛ لأنه اشترى ذلك

: رجل أخذ من رجلين مالا قراضا فأراد أن يخلطه بغير إذنهما

العكم بالزيادة التي زاده على ما دفع إليه أولا في صفقة واحدة، ولو اشترى العكم البز بمائة دينار ثم أراد أن يشتري سلعة أخرى بزيادة يأخذها منه لم تجز إلا على أن يكون قراضا على حدة لا يخلطها، ولو زاده زيادة بعد أن باع العكم الذي اشتراه أولا بالمائة بربح أو وضيعة لما جاز ذلك على أن تخلطه بالمال الأول ولا على ألا يخلطه به إذا كان على خلاف الجزء الأول. واختلف إن كان زاده الزيادة على مثل الجزء الأول. فقيل: إن ذلك لا يجوز أيضا بحال. وهو قول ابن القاسم في المدونة. وقال غيره فيها: إن ذلك جائز على ألا يخلطه بالمال الأول، وبالله التوفيق. [: رجل أخذ من رجلين مالا قراضا فأراد أن يخلطه بغير إذنهما] ومن كتاب أوله مسائل بيوع وسئل مالك: عن رجل أخذ من رجلين مالا قراضا فأراد أن يخلطه بغير إذنهما، فقال: يستأذنهما أحسن وأحب إلي، فإن لم يستأذنهم فلا أرى عليه سبيلا، قيل له: فإنه استأذن أحدهما فأذن له ولم يأذن له الآخر فخلطهما، قال: يستغفر الله ولا يعد. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء في المعنى في الرجل يأخذ مالا قراضا وله مال يتجر فيه أن له أن يخلطه فيتجر بهما جميعا معا والصواب أن يفعل ذلك تحريا للعدل فيما بينه وبينه إن خشي إن قدم ماله وقع الرخص فيه وإن قدم مال الرجل أن يقع الرخص في الآخر، فكذلك هذان المالان له أن يخلطهما بعد إذن صاحبيهما تحريا للعدل فيما بينهما ولما يرجو من استغزار الربح بخلطهما، واستئذانهما أحسن إذ قد يكره كل واحد منهما ذلك لما يعتقد من أن ماله أطيب من مال الآخر، فإن خلطه بغير اختيار

مسألة: القراض في نقر الذهب والفضة

صاحبيهما لم يلزمه في ذلك ضمان إذ لا ضرر في خلطتهما على واحد منهما ولا وجه من وجوه التضييع، وبالله التوفيق. [مسألة: القراض في نقر الذهب والفضة] مسألة وسألته: عن القراض في نقر الذهب والفضة أيصح؟ فقال: نعم في رأيي قد قارض الناس قبل أن يضرب الذهب والفضة. قلت له: ويرد نقرا مثلها؟ قال: نعم. قلت له: ولا يصح أن يقارض من الذهب والفضة فيما كان مصوغا؟ فقال: ليس هكذا يقارض الناس، يبيع ذلك الخلخال والسوار ويعطيه دنانير. قلت له: ذلك أحب إليك؟ قال: لا بل هو الشأن متى يأتي هذا المقارض بمثل هذا الخلخال وهذا السوار ويرد عليه مثله. قال محمد بن رشد: مضى القول في القراض بالنقر من الذهب والفضة في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. ومضى فيه أيضا ذكر الاختلاف في القراض بالحلي المصوغ. ولمالك في كتاب ابن المواز: أن ذلك لا يجوز، مثل قوله هنا، وزاد: أنه إن وقع القراض بالحلي المصوغ من الذهب أو الفضة فهو أجير في بيعه وعلى قراض مثله في الثمن، وهو مفسر لقوله في هذه الرواية؛ لأن الصياغة كالعروض، وبالله التوفيق. [مسألة: المقارض أيشرب الدواء ويحتجم ويدخل الحمام من القراض] مسألة وسئل مالك: عن المقارض أيشرب الدواء ويحتجم ويدخل الحمام من القراض، فقال: ما كانت هذه الأشياء يوم كان القراض إن قلم ظفرا أو أخذ من شعره كان من القراض!!! ما كانت هذه الأشياء حين كان القراض، وأما في الحجامة والحمام فأرجو أن يكون خفيفا.

مسألة: زكاة القراض

قال محمد بن رشد: قوله ما كانت هذه الأشياء يوم كان القراض، يريد: أنه لم يكن يؤخذ عليها في الزمن الأول أعواض. والواجب أن يرجع في هذه الأشياء كلها إلى العرف والعادة في كل زمن وكل بلد، فما لم تجر العادة أن يؤخذ عليه عوض من ذلك لم يصح له أن يعطي عليه عوضا من القراض، وما جرت العادة أن يؤخذ عليه عوض من ذلك وقدره يسير يتكرر جاز له أن يعطيه من مال القراض؛ لأن رب المال قد علم بذلك ودخل عليه لتكرره، بخلاف الدواء الذي إنما يؤخذ عند المرض فلا يصح له أن يعطيه من القراض إذ لم يدخل على ذلك رب المال معه، وبالله التوفيق. [مسألة: زكاة القراض] مسألة وسألته عن زكاة القراض، فقال: زكاة رأس المال على رب المال، وزكاة الربح من بينهما على قراضهما، وذلك أن يكون رأس المال ألف دينار فيرفع فيها خمسة وعشرين دينارا فيؤدي من الألف رأس المال زكاتها خمسة وعشرين دينارا على رب المال، ثم يؤخذ من الخمسة وعشرين دينارا زكاتهما ربع العشر ثم يقتسمان ما بقي بينهما على قراضهما. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن ربح القراض يزكى كما يزكى رأس المال، قيل: إذا كان في رأس المال وحصة رب المال من الربح ما تجب فيه الزكاة وهو المشهور من مذهب ابن القاسم. وقيل: إذا كان في جميع المال بربحه ما تجب فيه الزكاة وهو قول أشهب وروايته عن مالك ومذهب سحنون واختيار محمد بن المواز. وقيل: إنه لا يجب على العامل في حظه من الربح زكاة حتى يكون ما تجب فيه الزكاة فرأس المال وحصة رب المال من الربح مزكاة على ملكه باتفاق، لا يجب في ذلك زكاة إلا أن يكون حرا مسلما لا دين عليه ويكون قد حال عليه الحول وفيه ما تجب فيه الزكاة وفيه مال سواه إن كان له مال سواه قد حال عليه الحول ما تجب فيه الزكاة.

واختلف في زكاة حصة العامل من الربح. فقيل: إنها مزكاة على ملك رب المال لا يراعى شروط وجوب الزكاة المذكورة إلا فيه لا في العامل. وقيل: إنها مزكاة على ملك رب المال لا تراعى شروط وجوب الزكاة المذكورة إلا فيه لا في رب المال. وقيل: إنها مزكاة على ملكهما جميعا، فتراعى الشروط المذكورة فيهما جميعا. ولم يجر ابن القاسم في ذلك على قياس؛ لأنه راعى الإسلام والحرية وعدم الدين في كل واحد منهما. واضطرب قوله في النصاب والحول، فله في النصاب ثلاثة أقوال: أحدها: وهو المشهور من قوله أنه لا يجب على العامل في حظه الزكاة حتى يكون في رأس المال وحصته من الربح ما تجب فيه الزكاة. والثاني: وهو قوله في رواية أصبغ عنه أنه لا تجب على العامل في حظه الزكاة حتى يكون في رأس مال رب المال وجميع الربح ما تجب فيه الزكاة. والثالث: أنه لا يجب على العامل في حظه من الربح زكاة حتى يكون في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما تجب فيه ويكون أيضا في حظه من الربح ما يجب فيه. وهذا القول تأوله محمد بن المواز على ابن القاسم ولا يوجد له نصا. والثلاثة الأقوال كلها استحسان ليست بجارية على أصل ولا قياس، إذ لم يعتبر في ذلك ملك أحدهما دون صاحبه على انفراد ولا ملكهما كما فعل في الحرية والإسلام وعدم الدين إذ اقتصر في النصاب على رأس المال وحصة رب المال من الربح دون أن يضيف إلى ذلك ما لرب المال من مال غير مال القراض، وعلى حصة العامل من الربح دون أن يضيف إلى ذلك أيضا ماله من مال حال عليه الحول فيتم به النصاب، وله في الحول قولان: أحدهما: أن العامل لا تجب عليه في حظه من الربح الزكاة حتى يقيم المال بيده حولا من يوم أخذه وإن لم يعمل به إلا قبل أن يحول عليه الحول بيسير. قاله في الزكاة في المدونة، وله في القراض منها دليل على أن الزكاة تجب عليه في حظه من الربح وإن لم يقم المال بيده حولا إذا كان في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما تجب فيه الزكاة وحال عليه الحول، وإلى هذا ذهب ابن المواز وعليه حمل قول مالك، وهو الأقيس ألا يراعى في حقه

: يدفع إلى الرجل مالا قراضا ويشترط عليه أن زكاة الربح في حصتك من الربح

الحول كما لا يراعى فيه النصاب. والقول الأول هو أجرى على أصله وأظهر من مذهبه، وقد فرغنا من تحصيل القول في هذه المسألة في غير هذا الكتاب، وبالله التوفيق. [: يدفع إلى الرجل مالا قراضا ويشترط عليه أن زكاة الربح في حصتك من الربح] ومن كتاب الزكاة قال: وسئل مالك: عن الرجل يدفع إلى الرجل مالا قراضا ويشترط عليه أن زكاة الربح في حصتك من الربح. فقال: ليست فيه خير حتى تكون الزكاة على المال كله، ثم قيل له بعد ذلك: إنما اشترط عليه أن زكاة ربح المال عليه في حصته، فقال: لا خير فيه وليس هذا بحسن. قال أشهب: لا أرى بذلك بأسا لأنه جزء من الربح. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا على ما في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وفي كتاب ابن المواز وغيره من رواية ابن القاسم وغيره خلاف روايته هذه عن مالك، وخلاف ما في أصل الأسدية. وقد تقدم ذلك في أول السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إليه تسعة عشر دينارا قراضا فربح فيها دينارا أعليه الزكاة] مسألة قال: وسئل مالك: عمن دفع إليه تسعة عشر دينارا قراضا فربح فيها دينارا، أترى عليه الزكاة؟ قال: نعم عليهما الزكاة، وإنما ذلك كهيئة أن يدفع إليه تسعة وثلاثين دينارا قراضا يربح فيها دينارا فتصير أربعين دينارا، فزكاتها دينار يزكى كل واحد منهما ماله. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا في رواية أشهب عنه إنه يزكي التسعة عشر دينارا إذا ربح المقارض فيها دينارا وحال عليها هو مثل قول أشهب وابن القاسم وأصبغ، في سماع أصبغ خلاف قول ابن القاسم في سماع سحنون

: أخذ من رجل مالا قراضا على أن يدفعه إلى رجل آخر سماه

بعد هذا وخلاف ما في المدونة من أنه لا تجب على العامل في حظه من الربح زكاة حتى يكون في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما يجب فيه الزكاة. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في الرسم الذي قبل هذا، وبالله التوفيق. [: أخذ من رجل مالا قراضا على أن يدفعه إلى رجل آخر سماه] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وسئل ابن القاسم: عن رجل أخذ من رجل مالا قراضا على أن يدفعه إلى رجل آخر سماه قراضا ويكون على الآخر الضمان. قال ابن القاسم: يردان إلى قراض مثلهما، وهو بمنزلة ما لو دفعه إليه نفسه على الضمان، فإنه يرد إلى قراض مثله، وليس على الآخر من الضمان شيء. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة عندي أنه أخذ منه المال قراضا بالضمان على أن يدفعه قراضا إلى رجل سمى إن شاء، فصار كأنه دفع إليه قراضا على أن يكون له ضامنا وأذن له أن يقارض به رجلا سماه، فوجب أن يكون حكمه حكم القراض بالضمان يرد فيه إلى قراض مثله إذا فات بالعمل وعمل هو به أو دفعه إلى الرجل المسمى، وإن لم يعمل هو به ودفعه إلى الرجل المسمى قراضا فللرجل المسمى الجزء الذي اشترطه إذ لا فساد فيما بينه وبينه ولمالك في كتاب ابن المواز أن للعامل في القراض على الضمان الأقل من قراض مثله أو المسمى. وهذا على الاختلاف في البيع والسلف إذا وقع وفات هل تكون فيه القيمة بالغة ما بلغت أو الأقل من القيمة أو الثمن إذا كان المبتاع هو الذي أسلف، فإن كان في مسألتا هذه قد أخذ القراض على النصف بالضمان فدفعه إلى الرجل المسمى على النصف أيضا

فرد إلى قراض مثله على ألا ضمان عليه وهو الثلث، كان السدس الفاضل من الربح لرب المال لأنه أحق بالربح بمنزلة إذا أخذه على أن يكون له الثلث ودفعه إلى غيره على النصف، ولو كان قراض مثله الثلثين فرد إليه على القول بأنه يرد إلى قراض مثله بالغا ما بلغ لكان رب المال أحق بثلثي الربح ويرجع المقارض الثاني على المقارض الأول بمثل سدس الربح لاستحقاق رب المال ذلك من يديه. فمعنى قوله على ما حملنا عليه المسألة، وهو بمنزلة ما لو دفعه إليه نفسه على الضمان، أي: وهو بمنزلة ما لو دفعه إليه نفسه على الضمان ولم يقل له شيئا ووقع في بعض الكتب على الآخر على الآخذ بالذال، في الموضعين جميعا بالذال، وفي بعضها على الآخر بالراء في الموضعين جميعا وفي بعضها في الأول بالذال وفي الثاني بالراء، وفي بعضها بعكس ذلك من غير تقييد رواية بشيء من ذلك يلزم الرجوع إليه. والصواب ما حملنا عليه المسألة أن يقرأ الأول بالذال والثاني بالراء، ولو كان إنما دفع إليه المال قراضا على أنه ضامن له بشرط ألا يعمل هو به وأن يدفعه إلى الرجل المسمى قراضا لوجب أن يكون الثاني على قراضه، ويكون للأول أجرة مثله في دفعه المال إلى الثاني، إن كان ذلك شيء له أجرة. وقد مضى بيان هذا في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم. وقد تأول بعض أهل النظر المسألة على أن المعنى فيها أنه دفع إليه المال قراضا على أن يدفعه إلى رجل سماه قراضا ويشترط عليه الضمان، فعلى هذا يرد الثاني إلى قراض مثله، فعلى هذا يكون الأول من اللفظين على الآخر بالراء، والثاني على الآخذ بالذال. وقد اختلف في القراض الفاسد إذا لم يعثر عليه حتى فات بالعمل على أربعة أقوال: أحدها: أنه يرد فيه كله إلى إجارة مثله، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة. والثاني: أنه يرد فيه كله إلى قراض المثل وهو قول أشهب وقول ابن الماجشون وروايته عن مالك. والثالث:

: قارض رجلا بمال فسار به إلى الحجاز فاشترى به تمرا واكترى مركبا

أنه يرد إلى قراض مثله إلا أن يكون قراض مثله أكثر من المسمى فلا يزاد على المسمى إذا كان الفساد بما اشترطه رب المال على العامل أو أقل من المسمى فلا ينقص من المسمى إذا كان الفساد بما اشترطه العامل على رب المال، وهو يأتي على ما حكاه ابن المواز عن مالك في القراض بالضمان أن له الأقل من قراض مثله أو المسمى. والرابع: أنه يرد إلى قراض مثله في كل منفعة اشترطها أحد المتقارضين على صاحبه في المال ليست بخارجة عنه ولا منفصلة منه ولا خالصة لمشترطها، وإلى إجارة مثله في كل منفعة اشترطها أحد المتقارضين على صاحبه خارجة عن القراض ومنفصلة عنه وخالصة لمشترطها وفي كل غرر وحرام خرجا به عن سنة القراض. وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك وقول مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، وإياه اختار ابن حبيب، وبالله التوفيق. [: قارض رجلا بمال فسار به إلى الحجاز فاشترى به تمرا واكترى مركبا] ومن كتاب استأذن سيده وسئل ابن القاسم: عن رجل من أهل القلزم قارض رجلا بمال فسار المقارض بالمال إلى الحجاز فاشترى به تمرا واكترى مركبا بأحد وعشرين دينارا، فلما قدم القلزم، قال صاحب المركب: لمن هذا التمر؟ قيل له: لفلان صاحب المال، فقال: والله ما كنت لآخذ منه شيئا قد أولاني من نفسه خيرا وعارفة. فأراد صاحب المال أن يكون له الأحد وعشرون وحده، قال: إن لم يكن علم صاحب المركب أن المال كان قراضا فالأحد وعشرون لصاحب المال، وإن كان علم أن المال قراض، وقال: والله ما تركتها إلا له وحده - كان القول قوله في ذلك أيضا، وإن قال: قد علمت أنها قراض فتركتها على وجه المكافأة ولم أذكر له وحده كانت بينهما على قراضهما.

: أيجوز لرب المال أن يأخذ الدنانير القائمة ويعطي العمل قدر ربحه تبرا

قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا لم يعلم صاحب المركب أن المال قراض فالأحد والعشرون دينارا لصاحب المال؛ لأنه لم يرد بعطيته سواه، وأما إذا علم أن المال قراض فالعطية بينهما على قراضهما؛ لأنه لما ترك كراء مركبه ووهبه وهو يعلم أنه قراض حصل التمر محمولا بغير كراء، فحصلت العطية لهما إلا أن يقول صاحب المركب: إنما أردت أن يختص صاحب المال بجميع الكراء إذ قد كان وجب لي، فيكون ذلك له، وبالله التوفيق. [: أيجوز لرب المال أن يأخذ الدنانير القائمة ويعطي العمل قدر ربحه تبرا] ومن كتاب العارية وقال، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا عشرة دنانير تنقص خروبة فاشترى به سلعة فباعها بعشرة دنانير قائمة فأراد الذي له الدنانير أن يأخذها ويعطيه قيمة ربحه ورقا أو تبرا أو يأخذها ويعطيه قدر ما ينوبه دنانير. قال ابن القاسم: لا يصلح ذلك من قبل الذهب بالذهب متفاضلا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إنه لا يجوز لرب المال أن يأخذ الدنانير القائمة ويعطيه قدر ربحه منها تبرا ذهبا أو دنانير؛ لأن ربحه لم يتعين في الدنانير القائمة التي باع بها السلعة ولا حصل شريكا مع رب المال فيها بقدر ربحه، إذ لا يجوز له الربح إلا بعد أن ينض رأس المال لصاحبه دنانير ناقصة خروبة على ما دفعه إليه، وذلك لا يكون إلا بعد بيع الدنانير القائمة بدراهم وبيع الدراهم بدنانير ناقصة خروبة كما دفعها إليها هو، وهو الآن لا يدري إذا فعل ذلك كم ينض له من الربح أو هل يكون له ربح أم لا، إذ لعله سيستلف من الدنانير أو الدراهم شيئا في حال تصريفه إياها، فدخل ذلك الغرر مع ما ذكره ابن القاسم في الرواية من بيع الذهب بالذهب متفاضلا، ولم يجب ابن القاسم في الرواية إذا أعطاه قيمة ربحه ورقا. ويظهر

: يشتري بمال القراض قمحا فيقول له رب المال إني احتجت القمح لعيالي

من تعليله في الذهب أنه يدخله الذهب بالذهب متفاضلا أن ذلك يجوز في الورق، ولا يجوز ذلك على ما بيناه؛ لأنه يبقى فيه علة الغرر حسبما وصفناه. ولو كان باع السلعة بدنانير من صفة الدنانير التي دفع إليه في رأس مال القراض أكثر من الدنانير التي دفع إليه فوجب له ربحه فيها بعض دينار لجاز أن يعطيه في حظه منه تبرا ذهبا مراطلة بأن يزن جميع المثقال فيعطيه قدر الجزء الذي له فيه تبرا ذهبا أو مثقالا صغيرا بوزنه إذ لا ينقسم المثقال على ما قالوا في الحلي من الذهب يكون بين الشريكين: إنه يجوز أن يزناه فيعطي أحدهما صاحبه وزن حظه ذهبا. ولا اختلاف في هذا، بخلاف النقرة تكون بين الشريكين فأجاز ذلك ابن القاسم فيها ورواه عن مالك لما في قسمتها من المؤنة، ولم يجز ذلك مالك في رواية أشهب عنه، إذ لا مضرة في قسمتها بخلاف الحلي. وأما بيع نصيبه من شريكه بدنانير إن كانت فضة أو بدراهم إن كانت ذهبا فلا اختلاف في جوازه. وقد عارض الفضل قول ابن القاسم في هذه المسألة بقول مالك في أول رسم من سماع ابن القاسم أنه لا بأس أن يأخذ المقارض من شريكه ربحا ذهبا من غير الذهب التي هي بينهما. وليست بمعارضة صحيحة لما بيناه من أن الربح في هذه المسألة لم يتعين بعد للمقارضة في الدنانير القائمة. وقد مضى القول على مسألة سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: يشتري بمال القراض قمحا فيقول له رب المال إني احتجت القمح لعيالي] ومن كتاب أوله يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه قال: وقال مالك، في رجل يقارض الرجل بمائة دينار فيذهب فيشتري بها قمحا فيأتيه رب المال، فيقول: إني احتجت إلى قمح لعيالي فقاسمني هذا، أعطني نصفه واحبس نصفه فتبيعه ولك ربحه خالصا، قال مالك: لا خير فيه، قلت لابن القاسم: لم؟ قال: لمخاطرة الربح

: أخذ من رجل مالا قراضا فاشترى متاعا فقام عليه غرماء لصاحب المال

لعله لا يخرج إلا رأس ماله أو لعله ينقص أو لعله لا يربح إلا درهما فقد خاطره بما لا يعلم. قال محمد بن رشد: قد بين ابن القاسم معنى قول مالك وفسره. وهو تفسير صحيح يدل على صحته تعليلنا لقوله في المسألة التي قبل هذه، قال ابن حبيب في الواضحة: إلا أن يكون باعه ذلك بيعا بنصف رأس ماله الباقي فيكون ضمانه بعد من العامل فلا بأس به. وكذلك فسره، وقال ابن القاسم: ومعنى ذلك إذا باعه منه بنقد أو إلى أجل بأقل من ثمنه نقدا على ما مضى في رسم تأخير صلاة العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم، وعلى ما يأتي أيضا في رسم القطعان من هذا السماع، وبالله التوفيق. [: أخذ من رجل مالا قراضا فاشترى متاعا فقام عليه غرماء لصاحب المال] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وقال ابن القاسم، في رجل أخذ من رجل مالا قراضا فاشترى متاعا وخرج إلى طرابلس، فقام عليه بطرابلس غرماء لصاحب المال. قال: فرق مالك بين أن يقوم عليه غرماء صاحب المال وغرماء العامل، فقال: إذا قام به غرماء صاحب المال بيع فأعطى العامل من ذلك حصته، وكان ما بقي لغرماء صاحب المال وإذا قام على العامل غرماؤه فأرادوا أن يباع فيأخذوا ربحه لأن فيه فضلا لم يبع حتى يحضر صاحب المال. قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا قام على العامل غرماء صاحب المال بيع فأعطى العامل من ذلك حصته وكان ما بقي لغرماء صاحب المال، معناه: إذا كان لبيعه وجه لا ضرر فيه على العامل، فإن كان عليه فيه ضرر لربح

: أخذ مالا قراضا فاشترى به ظهرا فأكراه فنما المال أو نقص

يرتجيه في أسواقه لم يبع عليه حتى تأتي أسواقه. وكذلك في تفسير ابن مزين وكتاب ابن المواز عن مالك: أنه لا تباع إلا أن يرى لذلك وجه ومصلحة. وهو معنى ما في المدونة. وأما إذا قام على العامل غرماؤه فلا إشكال في أنه لا يباع المال عليه حتى يحضر صاحبه لأنه لا ربح له في المال حتى يرجع إلى رب المال رأس ماله. وقد تكررت هذه المسألة والكلام عليها في رسم البيوع من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، وفيها زيادة من قول أصبغ مشكلة قد مضى الكلام عليها هناك، وإنما لم تبع عروض القراض لغرماء العامل إذا قاموا عليه وصاحب المال غائب وإن كان فيها فضل بين لما على صاحب المال من الضرر في أن يفاصل عليه في القراض فيوقف ماله على يدي من لم يرض بأمانته ولو كان صاحب المال حاضرا لبيعت على العامل العروض لغرمائه فأخذوا حظه من الربح في الموضع الذي لو سأل صاحب المال أن تباع، فيأخذ رأس ماله كان ذلك له، والله الموفق. [: أخذ مالا قراضا فاشترى به ظهرا فأكراه فنما المال أو نقص] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك وعن رجل أخذ مالا قراضا فاشترى به ظهرا فأكراه فنما المال أو نقص. قال: أراه متعديا وأراه ضامنا. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يجوز لمن أخذ مالا قراضا أن يشتري به ظهرا فيكريه خلاف مذهبه في المدونة؛ لأنه أجاز فيها من أخذ مالا قراضا أن يشتري به أرضا أو يكريها ويشتري به زريعة وأزواجا فيزرع لأنها تجارة من التجارات. قال: إلا أن يكون خاطرا لذلك لظلم العمال، إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى، بل شراء الظهر للكراء أدخل في باب التجارة من أن يزرع به، فإذا لم يجز للمقارض أن يشتري بمال القراض ظهرا للكراء كان أحرى ألا يجيز له أن يشتري به أرضا أو يكتريها فيزرع فيها به، إذ ليس ذلك مما ينطلق عليه اسم التجارة بإطلاقه، وإذا أجاز له أن يشتري أرضا أو يكتريها ويزرعها بمال القراض فأحرى أن يجيز له أن يشتري به ظهرا للكراء.

: مال القراض يقيم في يدي العامل سنين من قبل أن يتفاصلا

فحمل القراض في هذه الرواية على التجارة المعروفة العامة. وحملها في المدونة على كل ما هو تجارة وإن لم يكن ذلك من عام التجارة إلا أن يأخذ القراض على أن يزرع به فلا يجوز ويكون أجيرا إن وقع. قاله في المدونة، وقد قيل: إنه يجوز أن يأخذه بشرط أن يزرع به، وقع ذلك في كتاب ابن شعبان واختلف إذا شرط أن يزرع، فأجيز، وكره، وكذلك الكراء سواء. فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز بحال. وهو قوله في هذه الرواية. والثاني: أنه يجوز بكل حال وهو أحد القولين في كتاب ابن شعبان. والثالث: الفرق بين أن يشترط ذلك عليه أو لا يشترط، فإن اشترط عليه أن يزرع به لم يجز، وإن زرع به من غير شرط واشترى به ظهرا للكراء جاز، ولم يكن عليه ضمان. وهو قوله في المدونة. والله الموفق. [: مال القراض يقيم في يدي العامل سنين من قبل أن يتفاصلا] ومن كتاب سلف دينارا في ثوب وقال مالك، في مال القراض يقيم في يدي العامل سنين من قبل أن يتفاصلا، قال: يزكي رأس ماله وربحه مرة واحدة إلا أن يكون كان يدار فيزكي للسنين الماضية. قال ابن القاسم: وكذلك العامل بالقراض بمنزلة سواء في نصيبه إذا كان يدار. قلت: أرأيت إن كان رب المال مديرا والعامل غير مدير. قال: يزكي أيضا لكل سنة مضت، وإن كان رب المال غير مدير والعامل مديرا فإنه يزكيه أيضا لكل سنة مضت. قال محمد بن رشد: قوله في مال القراض يقيم في يد العامل سنين من قبل أن يتفاصلا إنه يزكي رأس ماله وربحه مرة واحدة إلا أن يكون كان مديرا فيزكي للسنين الماضية. يدل على أن الحكم عنده في مال القراض لا يزكي إلا عند المفاصلة وإن أقام بيد العامل أعواما على ما في رسم أبي زيد وفي القراض من المدونة، فإن كان لا يدار زكاه زكاة واحدة حين البيع والانفصال، وإن كان يدار زكاه لكل سنة مضت قبل على قيمة ما كان بيده كل

مسألة: زكاة الفطرة عن عبيد القراض

سنة زاد أو نقص. وقيل: إنه إذا نقص لم يزكه للأعوام الماضية إلا على ما رجع إليه من النقصان. وقوله: وكذلك العامل في القراض بمنزلة سواء في نصيبه إذا كان يدار، يريد: إذا كان القراض يدار فيزكي جميعه بربحه كله لكل سنة مضت منه، فتكون الزكاة قد حصلت على العامل في حظه من الربح كما حصلت على رب المال في رأس ماله وحظه من الربح. وأما قوله إذا كان رب المال مديرا والعامل غير مدير فإنه يزكي لكل سنة مضت، فالمعنى في ذلك: إذا كان المال غائبا عنه أو حاضرا معه فغفل عن تقويمه مع ما يدير من ماله؛ لأن الحكم في ذلك إذا كان حاضرا معه أن يقومه في كل سنة ويزكيه مع ما يدير من ماله، قال ابن حبيب: بجميع ربحه، وقال ابن القاسم: في سماع أصبغ من كتاب الزكاة: بل بحصته خاصة من الربح ويخرج الزكاة عن قولهما جميعا من ماله لا من مال القراض. وقوله: وإن كان رب المال غير مدير والعامل مدير فإنه يزكيه أيضا لكل سنة مضت، يريد: من مال القراض لا من مال نفسه؛ لأن العامل إذا كان مديرا فسواء كان رب المال مديرا تخرج الزكاة منه عند المفاصلة لما مضى من الأعوام، فيقع على العامل منها بقدر حصته من الربح، فإنما يستوي أن يكون المدير هو العامل أو رب المال في وجوب إخراج الزكاة عن الأعوام المتقدمة إن كانت لم تخرج منه الزكاة في كل عام عند حلوله، ويفترق في حكم إخراجها على ما بيناه وذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: زكاة الفطرة عن عبيد القراض] مسألة وسئل ابن القاسم: عن رجل أخذ من رجل عشرة دنانير أو خمسة قراضا فاشترى بها أربعين من الغنم فحال عليها الحول عنده؟ إن فيها شاة وإنها على صاحب المال، قلت: فإن باعها بعد ذلك بعشرين دينارا؟ قال: تقوم الشاة كم قيمتها من الثمن الذي ابتاع به الغنم فإن كان دينارا وكان رأس المال خمسة رد إليه أربعة في رأس ماله، واقتسما ما بقي.

قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة في هذه المسألة بعينها وإن كانت هذه أفسر وأبين منها، وكذلك قال في المدونة في زكاة الفطرة عن عبيد القراض إنها على رب المال، يريد: أنها تحسب عليه من رأس ماله كزكاة الغنم. ووقع في بعض الكتب في زكاة الفطرة عن عبيد القراض أنها على رب المال وليس من مال القراض، وهو قريب من الأول؛ لأنها إذا عدت من رأس ماله فقد أخذت من ماله. وأشهب يقول في زكاة الفطر عن عبيد القراض: إنها كزكاة مال القراض يكون على العامل منها بقدر ماله فيهم من الربح إن بيعوا بربح. وقال ابن حبيب في مسألة الغنم هذه: إنها مجتمع عليها من رواية المدنيين والمصريين؛ لأن الذي يؤخذ منها هو نقصان منها، فهو كشيء استحق من رأس المال وزكاة الفطرة، ليست في رقاب الرقيق ولا نقصانا من عددهم، وإنما أجعل أنا فطرتهم كنفقتهم من جملة مال القراض يجبر من الربح ويكون رأس المال بحاله وهو الذي قال ابن حبيب: ليس ببين لا فرق في القياس بين المسألتين. وقد ساوى عبد الله بن عبد الحكم بينهما، فقال: إنهما كالنفقة تجبر من الربح ويكون رأس المال على حاله. وهو الأظهر لأن العامل أدخل ذلك على رب المال إذا اشترى بماله عبيدا أو دواب ينفق عليهم ولم يشتر سلعا لا ينفق عليهم. ويتحصل في هاتين المسألتين أربعة أقوال: أحدها: أنهما جميعا ملغاة كالنفقة، وهو قول عبد الله بن الحكم. والثاني: أنهما يؤخذان من مال القراض ويجب على رب المال في رأس ماله، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية ومذهب مالك في المدونة واختيار ابن حبيب. والثالث: أنهما يؤخذان من رب المال لا من مال القراض بمنزلة زكاة مال القراض إذا كان رب المال مديرا والعامل غير مدير وهو الذي وقع في بعض روايات المدونة من قوله في زكاة الفطرة عن عبيد القراض أنهما على رب المال في ماله وليس من مال

: النفقة للمقارض في المال القليل إذا كان السفر قريبا

القراض. والرابع: الفرق الذي ذهب إليه ابن حبيب بين المسألتين، والله الموفق. [: النفقة للمقارض في المال القليل إذا كان السفر قريبا] ومن كتاب التفسير قال ابن القاسم: في المال الذي يحمل الكسوة والطعام إذا كان قليلا ويخرج إلى مثل الأرض ودمياط ونحوها في اليمن والصوف والجزر وما خرج له فإنه يأكل منه ولا يكتسي، وإذا كان قليلا وأراد مكانا بعيدا فلا كسوة فيه ولا طعام وإذا كان المال كثيرا وكان السفر قريبا مثل دمياط ونحوها ففيه طعام وليس فيه كسوة إلا أن يكون يريد مقاما مثل أن يشتري الحبوب وغيرها فيقيم الشهرين والثلاثة فإن ذلك سفر وإن قرب المكان، قال: وإنما ينظر إلى المال ونحوه بقدر السفر والحاجة إليه ينظر إلى المكان الذي يريد إليه وإلى النفقة فيكون ذلك على ما يرى ولم يحد لنا فيه حدا. قال محمد بن رشد: أوجب ابن القاسم في هذه الرواية النفقة للمقارض في المال القليل إذا كان السفر قريبا، وذلك خلاف ظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة من أنه لا نفقة للعامل في المال القليل ولا ركوب ولا كسوة، وإن كان السفر قريبا ولم يحد في هذه الرواية ولا في الواضحة قدر قليل المال من كثيره ولا قدر قريب السفر من بعيده، والقليل من المال يختلف فيكون بعضه أقل من بعض، وكذلك القريب من السفر يختلف فيكون بعضه أقرب من بعض، فإنما في ذلك الاجتهاد كما قال في الرواية بأن ينظر إلى المال ونحوه وإلى قدر السفر ونحوه، فإن كان يحمل النفقة ذلك المال على قلته في ذلك السفر على قربه كانت النفقة فيه، وإلا فلا. وقد روى أشهب عن مالك فيمن دفع إليه خمسون دينارا قراضا فشخص فيها، أيكون له فيها نفقة؟ فقال: نعم، وما أقل ما تحمل هذه من النفقة إلا إن شخص إلى المكان القريب وفي هذا بيان ما يعتبر به، وبالله التوفيق.

مسألة: دفع الرجل إلى الرجل وإلى عبده مالا قراضا

[مسألة: دفع الرجل إلى الرجل وإلى عبده مالا قراضا] مسألة وإذا دفع الرجل إلى الرجل وإلى عبده مالا قراضا، فإن كان إنما يجعل العبد ليكون على الآخر عينا وليحفظ عليه أو ليعلمه فلا خير فيه، وإن كانا أمينين تاجرين، وإن كان العبد أدنى عملا من الآخر فلا بأس به إذا لم يكن ما ذكرت. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إذا كانا أمينين تاجرين فذلك جائز وإن كان الرجل أبصر بالتجارة من العبد لأن الرجل يجوز أن يدفع إلى عبده مالا قراضا على ما قاله في المدونة وغيرها، فإذا جاز ذلك جاز أن يدفعه إليه وإلى غيره على أن يشتركا في العمل به وإن كان أحدهما أبصر بالتجارة من صاحبه لأن الشركة جائزة في التجارة بين الرجلين، وإن كان أحدهما أقعد بها من الآخر، وفي الصناعة، وإن كان أحدهما أصنع من الآخر، إذ لا بد أن يكون التجار بعضهم أتجر من بعض والصناع بعضهم أصنع من بعض. وأما إن كان العبد غير بصير بالتجارة فدفع إليهما القراض ليعلمه التجارة أو كان الرجل غير أمين فدفع إليهما المال ليكون العبد عليه عينا في حفظه لا يجوز ذلك، فإن وقع الأمر على هذا ولم يعثر عليه حتى فات بالعمل رد الرجل في عمله إلى إجارة مثله، وذلك إذا قامت البينة أن عملهما كان على هذا الوجه أو تقارا بذلك صاحب المال والرجل طلبا للحلال، وأما إذا اختلفا في ذلك فادعى أحدهما الإفصاح بأحد الشرطين وأنكره الآخر فالقول قول من ادعى الصحة منهما إلا أن يكون مدعي الفساد هو الذي يشبه قوله بما يعلم من صفة حال العبد والرجل فيكون القول قوله، وأما إن قال السيد: كانت تلك نيتي ومقصدي وإرادتي، وقال الرجل: لم أعلم بذلك من مقصدك، وإرادتك، ولو علمت لما دخلت معك فيه لوجب أن ينظر، فإن كانت إجارة مثله أكثر من حصته من الربح وفاه ذلك؛ لأنه مقر له به، وإن كانت مثلها أو أقل لم يكن عليه شيء، وبالله التوفيق.

: قارض رجلين معا صفقة واحدة فخرجا إلى بلد فمات أحدهما

[: قارض رجلين معا صفقة واحدة فخرجا إلى بلد فمات أحدهما] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار وسئل ابن القاسم: عن رجل قارض رجلين معا صفقة واحدة فخرجا إلى بلد فمات أحدهما فاشترى الآخر بجميع المال، فإن صاحب المال بالخيار إن شاء كان على قراضه، وإن شاء ضمنه لأنه لم يكن له أن يشتري شيئا إلا بإذن صاحبه حين مات شريكه في القراض فلما اشترى كان متعديا، قلت: فإن كان اشترى قبل أن يموت ببعض المال أو اشتريا بالمال كله كيف الأمر فيه؟ أو هل لورثة الميت من الميت من الربح شيء فيما اشترى شريك صاحبهم بعد موته أو قبل موته؟ قال: إن اشترى بالمال كله قبل موته فهما على قراضهما وقد تم القراض بينهما ويقوم ورثة الميت معه في بيع المال أو يقوموا أمينا يقوم فيه، وإن كانا اشتريا ببعض وبقي بعض فورثة الميت شركاء فيما اشترى قبل موت صاحبهم يقومون معه، وما اشترى بعد موت صاحبه فهو على ما فسرت لك، صاحبه بالخيار إن شاء كان على قراضه فيما اشترى بعد موت صاحبه، وإن شاء ضمنه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها. وقوله: إذا اشتريا بالمال كله قبل موته إن القراض قد تم بينهما، معناه: قد لزم، إذ لا يتم القراض إلا بنضوض المال. وقوله: ويقوم ورثة الميت معه في بيع المال. معناه: إن كانوا أمناء وهم محمولون على غير الأمانة حتى يعلم أنهم أمناء، بخلاف ورثة المساقي إذا مات قبل تمام عمل المساقي وهم محمولون على الأمانة حتى يعلم أنهم غير أمناء، فإن لم يكن ورثة الميت من المقارضين في مسألتي أمناء ولا أتوا بأمين انسلخوا من القراض، ولم يكن لهم فيما تقدم من عمل موروثهم فيه شيء. وإن كان في المال ربح لم يكن لهم

فيه حق، قاله في المدونة وغيرها وهو صحيح؛ لأنهم قد مكنوا من الوصول إلى حق موروثهم فيما عمل لئلا يخسروه فتركوه؛ لأنهم نزلوا بمنزلته في ذلك ولم ينزلوا بمنزلته في إلزامهم العمل في ماله إلى أن ينض المال؛ لأن العمل إنما كان متعينا في عينه لا في ذمته، وفارق في ذلك حكم الأجير يستأجر على عمل الشيء فيموت قبل تمامه أنه ليس للورثة أن يكملوا العمل ويستحقوا الأجرة من أجل أنه يجب له حقه فيما مضى من عمله. وهذا كله ما لا خلاف فيه. وقد ذهب اللخمي في التبصرة له إلى أنه إن كان في المال ربح يوم مات المقارض فترك الورثة العمل فيه لم يبطل حقهم فيما عمل موروثهم، على قولهم في الذي يجعل له الجعل على حفر البئر فيترك العمل باختياره قبل أن يتم حفرها إن الجاعل إن استأجر على تمام حفر البئر أو جاعل أحدا على ذلك كان للأول بقدر ما انتفع به من عمله على الاختلاف فيما يكون له من ذلك إن كانت قيمة عمله يوم عمله، أو يوم انتفع به صاحب البئر، أو قدر ما انحط عنه من الجعل عليها أو الاستئجار بسبب ما تقدم فيها من عمله. قال: لأنه إذا لم يبطل حق المجعول له فيها بتركه العمل باختياره فأحرى ألا يبطل حق المقارض فيما عمل بموته؛ لأن من حيل بينه وبين التمام أعذر في ألا يبطل عمله، وليس ذلك بصحيح. والفرق بين المسألتين بين وهو أن القراض يلزم المتقارضين بعمل العامل، فإذا اشترى بالمال لزمه البيع والتقاضي، وإذا لزمه ذلك كان من حق صاحب المال أن يقول له: إما أن تبيع وتقتضي، وإما أن تنسلخ من القراض وتترك حقك فيما عملت، والمجعول له على حفر البئر لا يلزمه بالشروع في حفرها تمامها إذ من حكم الجعل ألا يلزم المجعول له التمادي على العمل، وإذا لم يلزمه ذلك كان من حقه أن يترك تمام حفرها ويكون على حقه فيما حفر منها إن انتفع بذلك صاحبها، ولو مات المجعول له قبل تمام حفر البئر نزل ورثته بمنزلته وكان من حقهم أن يتموا حفرها ويستوجبوا الجعل أو يتركوا حفرها ويكونوا على حقهم فيما حفر موروثهم منها إن انتفع

مسألة: قارضه بمائة دينار فاشترى سلعة بمائة دينار واستسلف مائة أخرى

بذلك صاحبها، فليس حكم الجعل حكم القراض، بل لكل واحد منهما حكم على حياله؛ لأن القراض لا يلزم المتقارضين بالعقد ويلزمهما جميعا بالعمل، والجعل لا يلزم المجعول له بحال. واختلف في الجاعل، فقيل: إنه يلزمه بالعقد، وقيل: لا يلزمه إلا بشروع المجعول له في العمل، والجعل لا يكون إلا معلوما، بخلاف القراض الذي إنما يعمل فيه المقارض على أجر غير معلوم، وهو الجزء الذي يشترطه من الربح، وإنما يستويان في أن المقارض لا يجب له الربح إلا بعد تمام العمل بتنضيض المال كما أن الجعل لا يجب للمجعول له إلا بتمام العمل، فلا يصح قياس أحدهما على الآخر في جميع الوجوه، وبالله التوفيق. [مسألة: قارضه بمائة دينار فاشترى سلعة بمائة دينار واستسلف مائة أخرى] مسألة وقال ابن القاسم: ولو أن رجلا قارض رجلا بمائة دينار فاشترى سلعة بمائة دينار فلم يكن معه المائة الدينار فاستسلف مائة دينار من صاحب المائة أو من رجل أجنبي على أن يقضيه المائة التي في البيت التي أخذ قراضا فباع تلك السلعة قبل أن يقضي صاحب المائة مائته بربح واشترى بعد ذلك بالمائة التي في البيت سلعة فباعها بنقصان وباع السلعة التي اشترى بالمائة السلف بربح هل يجبر نقصان هذه بربح هذه؟ قال: إذا كان اشتراؤه إياها على المائة القراض فالربح بينهما على ما تقارضا ونقصان المائة القراض يجبر بربح المائة السلف. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، ولو اشترى السلعة الثانية بالمائة التي في البيت قبل بيع السلعة الأولى لكان نقصان الثانية منه إن بيعت بنقصان؛ لأنه متعد إذا اشترى بها، ومسلف المائة أحق بها، بخلاف ما لو اشترى السلعة الثانية بعد أن باع الأولى؛ لأن في يديه مائتين مائة القراض

: دفع إلى رجل مالا قراضا فسأله ماله فجحده حينا ثم زعم بعد ذلك أنه قد قضاه

يؤديها في ثمن هذه السلعة ومائة أخذها في السلعة الأولى يؤديها في السلف، وقد مضى هذا المعنى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [: دفع إلى رجل مالا قراضا فسأله ماله فجحده حينا ثم زعم بعد ذلك أنه قد قضاه] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وسئل ابن القاسم: عن رجل دفع إلى رجل مائة دينار وجعل الآخر خمسين على أن يشخص صاحب الخمسين ويكون الفضل بينهما على النصف، فضرب بالمال ثم قدم، فلما قدم سأله صاحب المائة عن ماله، فقال: لم تعطني شيئا، فجحده حينا، ثم قال بعد ذلك: تلف مني. قال ابن القاسم: دفع ناس من أهل المدينة إلى رجل كان إلى الجار مالا يسلفه إلى الجار ويدفعه إلى أقوام سموا له فخرج بالمال ثم رجع إليهم فسألوه عما صنع في المال أو قدم الذين سير إليهم المال فأخبروا أنه لم يدفع إليهم شيئا فسألوه عن المال فجحده، وقال: لم تبعثوا معي بمال ولم تدفعوا إلي شيئا، فأقاموا عليه البينة بدفع ذلك إليه فلما شهدت عليه البينة، قال: ضاع مني فاختصموا عند ذلك. فرأى مالك أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه ضاع ثم يبرأ ولا شيء عليه. فأرى مسألتك مثلها يحلف صاحبك بالله الذي لا إله إلا هو: إن ضاع ولا شيء عليه، قال عيسى: إذا جحد حتى قامت عليه البينة ثم زعم أنه ضاع منه لم يصدق وغرم. وكذلك بلغني عن مالك. وسئل ابن القاسم عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فسأله ماله فجحده حينا ثم زعم بعد ذلك أنه قد قضاه، قال: إن لم يأت بالبينة على أنه قضاه غرمه، وليس من

: المضارب في المال يستسلف من المال فيبتاع الجارية فيطأها فتحمل

ادعى القضاء مثل من زعم أنه ضاع، وفي سماع ابن القاسم عن مالك في كتاب أوله حديث طلق بن حبيب، قال مالك: ما أرى عليه إلا يمينه بالله ويبرأ. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في مواضع، منها ما في سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات. وما في سماع عيسى من كتاب الشركة. ووقع الاختلاف فيها هنا مجموعا، فتحصل فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يصدق مع يمينه بعد الإنكار في دعواه الرد والضياع. والثاني: أنه لا يصدق في ذلك بعد الإنكار. والثالث: أنه يصدق في دعواه الضياع ولا يصدق في دعواه الرد، ومن هذا الأصل من ملك امرأته بكلام يقتضي التمليك فقضت بالثلاث فأنكر أن يكون أراد بذلك الطلاق ثم قال: أردت واحدة، قيل: إنه لا يصدق أنه أراد واحدة بعد أن زعم أنه لم يرد بذلك الطلاق، وقيل: يصدق في ذلك مع يمينه، والقولان في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك. ومن هذا الأصل أيضا أن يدعي على الرجل دعوى فينكرها، فلما قامت عليه البينة جاء بالمخرج منها من بينة على البراءة أو دعوى لو جاء بها قبل الإنكار لقبلت منه وما أشبه ذلك. فقيل: إن ذلك لا يقبل منه؛ لأنه قد كذبه أولا بجحوده. وقيل: إنها تقبل منه، وقيل: إنها لا تقبل منه إلا في اللعان إذا ادعى رؤية بعد إنكاره القذف وأراد أن يلاعن وما أشبه اللعان من الحدود، وهو قول محمد بن المواز. وقيل: إن ذلك لا يقبل منه إلا في الحدود والأصول ولا يقبل منه في الحقوق، وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المدونة. فيتحصل في ذلك أربعة أقوال: بالتفرقة بين الحدود وما سواها في ذلك وبين الحدود والأصول وما سواهما، وبالله التوفيق. [: المضارب في المال يستسلف من المال فيبتاع الجارية فيطأها فتحمل] ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته وسألته: عن المضارب في المال يستسلف من المال فيبتاع

الجارية فيطأها فتحمل، أو تعدى على جارية قد اشتراها من مال القراض فيطأها فتحمل، هل هذان الوجهان عندك سواء؟ قال: أما في الاستسلاف فقد علمت قول مالك، وأرى أن يؤخذ منه ما اشتراها به من مال القراض إن كان مليا، وإن كان معدما اتبع به دينا، وأما إذا عدا عليها بعد أن اشتراها فإني لا أراه مثله، وأرى أن تباع إذا لم يكن له مال. قال عيسى: ويتبع بقيمة الولد دينا إلا أن يكون في القراض فضل فيكون بمنزلة من وطئ جارية بينه وبين آخر لأن له في الجارية شركا بفضله فإن كان مليا قومت عليه، وإن كان معدما خير رب المال فإن شاء أخذ من الجارية قدر نصيبه منها واتبعه بما يصيبه من قيمة الولد، وليس له فيما نقصها الحمل والوطء قليل ولا كثير، وإن أبى بيع له نصيبه منها فإن نقص ما بيع به نصيبه منها من قيمة ذلك النصيب يوم وطئها اتبعه بذلك النقصان وبنصيبه من قيمة ولدها دينا عليه. قال ابن القاسم: وإذا كره جميع هذا وضمنه قيمة نصيبه منها فليس له من قيمة ولدها ولا ما نقصها الوطء قليل ولا كثير. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم لا قسامة في العبيد من سماع ابن القاسم، وتكلمنا هناك على توجيه الاختلاف الحاصل في هذه المسألة بين مالك وابن القاسم في وجوب بيع الجارية إذا وطئها المقارض فحملت ولا مال له فلا وجه لإعادته. ولا اختلاف بينهم إذا عدا عليها بعد أن اشتراها للقراض فوطئها فحملت ولا مال له في أنها تباع كما قال ابن القاسم، يريد: أنها تباع فيما لزمه من قيمتها يوم حملت أو يوم وطئها على الاختلاف في ذلك؛ إذ قد قيل: إن القيمة في ذلك يوم الوطء. وقيل: يوم الحمل. وقيل: ربها مخير بين أن يقومها عليه يوم الوطء أو يوم الحمل. وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في وجوب تقويمها عليه إذا وطئها فلم تحمل،

فإن نقص ثمنها الذي بيعت به من قيمتها يوم حملت أو يوم وطئها على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك اتبعه بما نقص يومئذ. وقول عيسى بن دينار إنه يتبع مع ذلك بقيمة الولد دينا هو على القول بأنها تباع عليه في قيمتها يوم الحمل. وفي ذلك اختلاف. قيل: إنه لا يتبع بقيمة الولد. وأما على القول بأنها تباع عليه في قيمتها يوم الوطء، فلا خلاف في أنه لا يتبع بقيمة الولد؛ لأن الولد إنما حدث في الوطء الذي حملت به بعد وجوب القيمة عليه في الوطء الأول. هذا إذا تحققنا إن الحمل من الوطء الثاني. وهذا كله إذا لم يكن في الجارية فضل على رأس المال. وأما إن كان فيها فضل، فقول سحنون المتقدم في سماع ابن القاسم: إنه يباع منها لرب المال بقدر رأس ماله وحصته من الربح ويكون ما تبقى منها بحساب أم ولد للمقارض. وذهب عيسى بن دينار إلى أن الحكم في ذلك حكم الأمة بين الشريكين يطؤها أحدهما فتحمل ولا مال له. وفي ذلك اختلاف كثير. يتحصل فيه ثمانية أقوال: أحدها: أنها تقوم عليه يوم حملت ويتبع بالقيمة دينا وتكون له أم ولد ولا يتبع بقيمة الولد. والثاني: أنها تقوم عليه أيضا يوم حملت ويتبع بالقيمة دينا وتكون له أم ولد ويتبع أيضا بقيمة الولد. والثالث: أنه يباع عليه نصيب الشريك فيما لزمه من قيمتها، فإن نقص ذلك عما لزمه من نصف قيمتها اتبعه بما نقص من ذلك وبنصف قيمة ولدها إن كانت بينهما بنصفين. والرابع: مثل الثالث، في البيع إلا أنه لا يتبعه بشيء من قيمة الولد. والخامس: أنه مخير بين أن يتمسك بنصيبه ويتبعه بنصف قيمة الولد وبين أن يقومها عليه ويتبعه بنصف قيمتها دينا عليه مع نصف قيمة الولد. والسادس: أنه يخير أيضا بين أن يتمسك بنصيبه ويتبعه بنصف قيمة الولد وبين أن يقومها عليه فيبيعه بنصف قيمتها دينا عليه ولا شيء له عليه من قيمة الولد. والسابع: أنه مخير بين أن يتمسك بحظه منها ويبيعه بنصف قيمة الولد وبين أن يباع عليه حظه منها فيما لزمه من نصف قيمتها، فإن نقص ما بيع به عما لزمه من نصف قيمتها يوم وطئها اتبعه بما نقص من ذلك وبنصف قيمة الولد، وهو قول عيسى بن

: إذا دفع إليهما المال يعملان به جميعا فهما شريكان في العمل به

دينار في هذه الرواية. والثامن: مثل القول السابع غير أنه لا يتبعه بنصف قيمة الولد، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية. وقول عيسى بن دينار: إنه إن اختار أن يأخذ من الجارية قدر نصيبه فليس له مما نقصها الحمل والوطء قليل ولا كثير، هو مذهب أشهب وقول ابن القاسم في كتاب الحدود في القذف من المدونة، خلاف المشهور من مذهبه في أن من جنى على رجل في ثوبه جناية كثيرة فهو مخير بين أن يضمنه قيمته وبين أن يأخذه وما نقصته الجارية. وأما قول ابن القاسم إنه إذا ضمنه قيمة نصيبه فليس له مما نقصها الوطء قليل ولا كثير فلا يستقيم، وهو كلام وقع على غير تحصيل، إذ لا يصح أن يضمنه قيمة نصيبه معيبا بعيب الوطء، وإنما يضمنه إياه سالما منه، وإنما ضمنه إياه سالما منه فقد حصل على ما نقصها الوطء. وهذا بين وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: إذا دفع إليهما المال يعملان به جميعا فهما شريكان في العمل به] ومن كتاب أوله إن أمكنتني قال عيسى: وكتب إليه يسأل: عن رجل دفع إلى رجلين مالا يعملان به جميعا فمات أحدهما وأقر دافع المال أن الحي منهما قد دفع إليه شطر ذلك القراض، هل يلزم ذلك الحي شيء مما على الميت إن كان الميت لم يدع وفاء أو يلزم الميت إن كان الحي مفلسا في ماله شيء مما على الحي؟ فقال ابن القاسم: أرى كل واحد منهما ضامنا لما على صاحبه إلا أن يكونا ادعيا هلاكها أو يدعيه أحدهما فيحلف على ذلك، وإن لم يدعيا هلاكا فإنما هو تفويض من أحدهما إلى صاحبه فهو ضامن إلا أن يكونا لم يفرطا فلا ضمان عليهما، وإنما يلزمهما الضمان فيما فوض أحدهما إلى

مسألة: المقارضين يقتسمان المال فيتلف من أحدهما ويؤدي الآخر

صاحبه فأسلمه إليه وتركه يعمل فيه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه إذا دفع إليهما المال يعملان به جميعا فهما شريكان في العمل به وكل واحد منهما مطلوب بجميعه لأنه حميل عن صاحبه بما يلزمه من أداء نصفه، فما دفعه أحدهما من المال إلى صاحبه فهو متأد عنهما، وما بقي من المال فهو عليهما حتى يبرءا منه أو يدعيان فيه هلاكا فيصدق من ادعاه منهما مع يمينه وإن سلمه أحدهما إلى صاحبه لينفرد بالعمل به دونه فهو ضامن له، وبالله التوفيق. [مسألة: المقارضين يقتسمان المال فيتلف من أحدهما ويؤدي الآخر] مسألة قلت: أرأيت المقارضين يقتسمان المال فيتلف من أحدهما ويؤدي الآخر هل يلزم الذي أدى غرم ما لم يؤد صاحبه أو لا ضمان عليه فيما تلف بيد صاحبه؟ وهل يكونان متعديين حين اقتسما المال؟ وما الأمر فيه؟ قال: نعم، يلزم الذي أدى ما تلف من صاحبه. قال محمد بن رشد: أوجب ابن القاسم على المقارضين ضمان المال إذا اقتسماه، وهو قول ابن الماجشون في الوصيين يضمن كل واحد منهما على مذهبهما ما بيده وما بيد صاحبه إن تلف شيء من ذلك يضمن ما تلف بيده لرضاه برفع يد صاحبه عنه، ويضمن ما بيد صاحبه بتسليمه إليه، وكذلك المودعان والمستبضعان. ووجه ذلك: أنه حمل الأمر على أن رب المال أراد أن يكون المال عند أحدهما برضا الآخر إذ لا يمكن أن يكون جميع المال عند كل واحد منهما فوجب إذا اقتسماه أن يضمناه وإن سلماه إلى أحدهما لم يضمناه. ولسحنون في نوازله بعد هذا في الوديعة والقراض أنهما إن اقتسماهما لم يضمناهما، وكذلك البضاعة على مذهبه؛ إذ لا فرق في ذلك بين القراض والوديعة والبضاعة وهو قول أشهب وابن عبد الحكم في

الوصيين. ووجه ذلك: أن رب المال لما رضي أن يكون المال عند كل واحد منهما برضا الآخر فقد رضي أن يكون نصفه عند كل واحد منهما. وقول ابن القاسم أظهر؛ لأنهما إذا اقتسماه على سبيل التشاح فلما ترك كل واحد منهما نصف المال لصاحبه بما ترك له صاحبه من نصفه الآخر فاتهما على أنهما فعلا ذلك لأنفسهما لا نظرا لصاحب المال فوجب أن يضمنا. والحكم في ذلك إذا تشاحا واختلفا عند من يكون منهما فأراد كل واحد منهما أن يكون عنده أو أراد كل واحد منهما أن يكون عند صاحبه أن يتبع قول صاحب المال في ذلك على ما قال في أول رسم من سماع أصبغ بعد هذا وذلك ما لم يقبض المال بعد، فإن كان قد قبض أقر بيد الذي دفعه صاحبه إليه منهما. قال في رواية أصبغ المذكورة: فإن كان دفعه إليهما جميعا فجميعا وذلك يكون مثل أن يأتي بالمال إليهما وهو في المسجد أو في غير منزل أحدهما فيضعه بين أيديهما، ويقول لهما: هذا المال وديعة عندكما، أو قراض بأيديكما أو بضاعة عندكما ويذهب عنهما. فيختلفان عند من يكون منهما، وليس في قوله فإن كان دفع إليهما جميعا فجميعا بيان في وجه الحكم في ذلك، إذ لا يمكن أن يكون المال كله عندهما جميعا. فهو كلام فيه إشكال. يحتمل أن يريد به أنه لا مزية لواحد منهما على صاحبه فيه فيجعله الإمام عند من رأى منهما، ويحتمل أن يريد وهو الأظهر أن الإمام يقسمه منهما على ما روى علي بن زياد عن مالك في الوصيين يتشاحان في المال أنه يقسم بينهما. وليس قول ابن القاسم هذا على هذا التأويل، ولا رواية علي بن زياد عن مالك بمخالفة لما اتفقت عليه الروايات من أنه ليس لهما أن يقتسما المال بينهما. فتحصيل هذا أنهم اتفقوا على أنه لا يجوز لهما أن يقتسما المال بينهما. واختلفوا إن اقتسماه هل يضمناه أم لا؟ واختلفوا أيضا إذا تشاحا عند من يكون منهما ورب المال غائب أو ميت ولم يدفعه إلى أحدهما ولا قبضه واحد منهما بعد، أو قبضه دون إذن صاحبه ودفعه إليهما جميعا فلم يبن به واحد منهما بعد أن بان به دون صاحبه. فقيل: إنه يقسم بينهما. وهو قول مالك في

: العامل بالقراض إذا أعطى بالسلعة عطاء أيجوز له أن يشتريها بمثل رأس مال

رواية علي بن زياد عنه. وظاهر ما في سماع أصبغ على الأظهر من التأويلين. وقيل: إنه يدفع إلى الأعدل منهما وهو قول مالك في كتاب الوديعة من المدونة في الوصيين، ويحتمل ألا يكون ذلك اختلافا من القول، وأن يكون الوجه فيه أن الإمام يقسمه بينهما على ما روى علي بن زياد عن مالك إن كان ذلك عنده وجه النظر فيه ويجعله عند أعدلهما على ما في المدونة: إن كان ذلك عنده هو وجه النظر فيه، وقد كان من أدركنا من الشيوخ يذهب إلى أن لهما هاهنا أن يقتسماه بينهما ابتداء على رواية علي بن زياد عن مالك، وذلك لا يصح؛ لأن الإمام يفعل من ذلك ما يراه وجه النظر ولا تهمة عليه فيه، وهما فيما اقتسما إياه متهمان على ما ذكرناه، وأما إن كان صاحب المال حاضرا فيتبع قوله فيمن يحب أن يكون عنده منهما. وكذلك إن كان قد دفعه إلى أحدهما فهو أحق أن يكون عنده، وكذلك إذا كان قد قبضه أحدهما بإذن صاحبه كان أحق أن يكون عنده. وشبه في المدونة المودعين والمستبضعين بالوصيين في أن المال يجعل عند أعدلهما. وذلك صحيح على ما بيناه من أن المودعين إذا اختلفا فيمن يكون المال عنده منهما وصاحبه غائب ولم يدفعه إلى أحدهما أنهما كالوصيين في أنه يجعل عند أعدلهما أو يقسم بينهما على قول مالك في رواية علي بن زياد عنه. وقال سحنون: لا يشبه المودعان الوصيين لأن المال لا ينزع من المودع ويجعل عند الأعدل كما ينزع من الوصي ويجعل عند الأعدل. وليس قوله بصحيح؛ لأن المال إذا صار عند أحد المودعين بغير علم صاحب المال ولا إذن شريكه فدعا شريكه إلى أن يكون عنده المال وصاحبه غائب وجب أن ينظر الإمام في ذلك، فإن كان شريكه أعدل منه أخرجه من يده ووضعه عند الأعدل كما يفعل في الوصيين، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. [: العامل بالقراض إذا أعطى بالسلعة عطاء أيجوز له أن يشتريها بمثل رأس مال] ومن كتاب القطعان وسئل ابن القاسم: عن العامل بالقراض إذا قدم بالسلعة التي

مسألة: يدفعان إليه المال قراضا فيقولان له أخلط مالينا ولك ثلث الربح

اشترى فعرضها فأعطى بها عطاء فأراد العامل أن يشتريها بمثل رأس مال. قال: لا بأس أن يشتريها بنقد وإن تأخر النقد فلا خير فيه إلا أن يشتريها بمثل رأس مال القراض وبوضيعة منه فأرجو أن يكون خفيفا، قال: وإن أراد صاحب المال شراءها بنقد أو إلى أجل فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: يدفعان إليه المال قراضا فيقولان له أخلط مالينا ولك ثلث الربح] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يدفع إليه الرجلان المال قراضا فيقولان له أخلط مالينا ولك ثلث ربحه كله ولكل واحد منا الثلث؟ قال: لا خير في هذا الشرط إلا أن يشتري هو سلعة فيخلط المال من قبل نفسه بغير شرط فلا بأس به. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا فرق بين أن يأخذ منهما القراض على أن يخلط ماليهما وبين أن يأخذه من أحدهما على أن يخلطه بماله لما يدخله من اغتزار الزيادة في الربح بكثرة المال. وقد اختلف إذا وقع ذلك، فقيل: إنه يرد إلى قراض مثله، وهو قول ابن حبيب، والظاهر من قول مالك في المدونة أن ذلك لا يجوز أنه يرد إلى إجارة مثله، وهو قول سحنون نصا أنه يرد إلى إجارة مثله، وقيل: إنه إن وقع مضى على سنته ولم يفسخ، وهو قول أصبغ، وأشهب يخفف ذلك ولا يرى به بأسا حتى يكون ذلك شرطا تعمداه لا استغزارا لربح، مثل أن يشترط عليه أن يضمه وهو يسير إلى مال له كثير، وحكاه ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وقال: إنه إذا وقع يقسم الربح على المالين، فتكون حصة مال العامل له، وحصة مال القراض بينهما على قراض مثلهما من غير شرط. وروى أصبغ عن ابن القاسم: أنه لا خير في أن يأخذ مالا قراضا على أن يخلطه بماله، ولا على أنه إن شاء أن يخلطه بماله

مسألة: المقارض بالمالين يزعم أنه ربح خمسين ولا يدري من أي المالين الربح

خلطه وإن شاء أن يفرده أفرده. وقاله أصبغ، وقال: ليس بحرام وهو ذريعة للزيادة والأول أقر وهو واحد، وإن وقع لم أر أن يفسخ ومضى على سنته، وبالله التوفيق. [مسألة: المقارض بالمالين يزعم أنه ربح خمسين ولا يدري من أي المالين الربح] مسألة وسئل مالك: عن المقارضين بالمال يزعم أنه قد ربح خمسين دينارا ولا يدري من أي المالين الربح، نسي ذلك، فقال: لا شيء له من الخمسين وتكون لصاحبي المال، لكل واحد منهما خمسة وعشرون دينارا. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما في رسم يوصى من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح في الوديعة يقر بها الرجل للرجلين ويقول لا أدري لمن هي منهما أنهما يحلفان جميعا ويقتسمانها بينهما، بخلاف إذا قال: علي مائة دينار دين لا أدري هل هي لفلان أو لفلان فادعاها الرجلان جميعا أنهما يحلفان ويغرم لكل واحد منهما مائة مائة؛ لأن الدين في ذمته والوديعة في أمانته، وكذلك ربح القراض في أمانته يلزم فيه على ما في كتاب الدعوى والصلح في الوديعة أن تكون الخمسة وعشرون من الخمسين له والخمسة والعشرون الأخرى لصاحبي المالين يقتسمانها بينهما بنصفين بعد أيمانهما إن ادعى كل واحد منهما أن الربح كان من ماله أو بغير يمين، إن قال كل واحد منهما: لا أدري ولم يدع على صاحبه أنه يدري، وإن ادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه يعلم أنها ليست من ماله حلف كل واحد منهما أنه لا يعلم أنها من مال صاحبه فاقتسماها بينهما بنصفين إلا أن يسلمها أحدهما لصاحبه. ولو قال أحدهما: هي من مالي، وقال الآخر: لا أدري. قيل للذي قال لا أدري: احلف إنك ما تدري، فإن حلف على ذلك حلف الآخر

: كاتب المقارض عبدا من مال القراض

إنها من ماله وأخذها، وإن نكل الذي قال لا أدري عن اليمين، أخذها الذي قال إنها من ماله دون يمين، وإن نكلا جميعا عن اليمين اقتسماها بينهما إلا أن يسلمها أحدهما لصاحبه، وقد روى عيسى عن ابن القاسم في رسم يدير ماله من كتاب المديان والتفليس في الدين أنه ليس عليه أكثر من المائة التي أقر بها، ويقتسمها الرجلان بينهما بعد أيمانهما، فإن حلفا أو نكلا كانت بينهما بنصفين، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين كانت للحالف منهما. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يلزمه من الغرم لكل واحد منهما ما أقر به في الوديعة والدين، وهو الذي يأتي على قوله في مسألة القراض هذه؛ لأنه إذا أوجب ذلك عليه فيما في أمانته فأحرى أن يوجب ذلك عليه فيما في ذمته. والقول الثاني: أنه لا يلزمه إلا مائة واحدة في الوديعة، والدين يكون بينهما بعد أيمانهما. وهو الذي يأتي على ما في رسم يدير من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس؛ لأنه إذا لم يلزمه في الدين الذي هو في ذمته إلا ما أقر به، فأحرى ألا يجب ذلك عليه فيما في أمانته. والقول الثالث: الفرق بين الذمة والأمانة. وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح على ما ذكرناه، والله الموفق. [: كاتب المقارض عبدا من مال القراض] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب المكاتب قال يحيى: وسألت ابن القاسم: عن رجل أخذ من رجل مالا قراضا فاشترى به عبدا فكاتبه وأجاز ذلك صاحب المال. قال: الكتابة إذا أجازها صاحب المال جائزة. قلت: أرأيت إن أدى المكاتب ما عليه فكان ذلك قدر أصل المال، لمن يكون ولاؤه؟ قال: لصاحب المال خالصا دون العامل. قلت: فإن كان فيما كوتب به فضل عن أصل المال؟ قال: يقتسمان الربح على شرطهما ويكون الولاء

مسألة: يقارض الرجل بتبر الذهب والفضة

بينهما على قدر المال. قلت: أنصفين مثل الربح. قال: بل ينظر إلى قدر حصة العامل من الربح ما هي من جميع الربح ورأس المال فإن كان سدسا أو خمسا أو سبعا أو نحو ذلك أي جزء كان حظ العامل من الربح من جميع رأس المال فكان شريكا بمثله في ولاء المكاتب. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن المقارض ليس له أن يكاتب عبدا من مال القراض إلا بإذن رب المال؛ لأن الكتابة ليست من التجارة التي أعطاه ماله بسببها. يبين ذلك قوله في كتاب المكاتب من المدونة المأذون له في التجارة لا يجوز له أن يكاتب عبده؛ لأنه لا يجوز له أن يعتقه، فإن كاتَب المقارض عبدا من مال القراض كان لرب المال أن يفسخ كتابته، وإن لم يعلم بذلك حتى أدى جميع كتابته ويكون ما قبض منه كالغلة، قاله في كتاب ابن المواز. وقال أحمد بن ميسر: إلا أن يكون إنما أدى عنه أجنبي فأعتقه العامل فينفذ عتقه إن كان لم يحاب الأجنبي في ذلك، ولو علم رب المال بذلك فسكت ولم ينكر للزمه. وقوله في الولاء إنه يكون للمقارض منه إذا أجاز رب المال كتابته بقدر ربحه من جملة المال والربح إن كان فيه ربح صحيح؛ لأنه شريك فيه بقدر ربحه فيكون بمنزلة العبد بين الشريكين يكاتبانه جميعا، وبالله التوفيق. [مسألة: يقارض الرجل بتبر الذهب والفضة] مسألة سألته: عن الرجل يقارض الرجل بتبر الذهب والفضة، فقال: أكره ذلك في البلد الذي لا يدار فيه إلا الدنانير والدراهم المضروبة، فإن وقع أجزته ولم أره كالقراض بالعروض، ولا أرى به بأسا في البلد الذي يدار فيه الذهب والفضة تبرا إذا كانوا يشترون بها ويبيعون. قلت: أرأيت إن أخذها ببلد لا يدار فيه، فاستضرب الفضة

: المسلم هل يقارض النصراني

دراهم فنقصت، ماذا يرد على صاحبها عند التفصيل؟ فقال: يرد مثل الذي أخذ وزنها وطيبها، ثم يقتسمان ما بقي. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: المسلم هل يقارض النصراني] من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب قال عبد الملك بن الحسن: سئل ابن وهب، وأنا أسمع: عن المسلم هل يقارض النصراني؟ فقال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: معنى ما ذهب إليه ابن وهب في إجازته ذلك والله أعلم هو إذا كان إنما يتجر في البز ونحوه ويبيع بالنقد فيتحقق سلامته من الربا، وأما إذا خشي أن يعمل بالربا فلا يجوز له أن يقارضه، هذا مذهب مالك وجميع أصحابه. فقد قال في المدونة: إنه لا ينبغي للرجل أن يقارض من يستحل شيئا من الحرام في البيع والشراء وإن كان مسلما، ولا من لا يعرف الحلال والحرام، وقال ابن المواز: إنه إن قارض النصراني فربح فُسخ القراض ورد إلى المسلم رأس ماله، وهذا عندي إذا قارضه على علم منه أنه يعمل بالربا. وأما إن قارضه وهو يرى أنه لا يعمل بالربا ثم خشي أن يكون قد عمل به تصدق بالربح استحسانا، وإن تحقق ذلك تصدق إيجابا، ولو خشي أن يكون قد اشترى به خمرا أو خنازير لابتغي له أن يتصدق بجميع المال استحسانا. ولو تحقق ذلك لوجب عليه أن يتصدق به. وقد قيل: إنه إذا اشترى به خمرا أو خنازير لزمه ضمانه؛ لأنه قد دخل مع المسلم على ألا يتجر بماله إلا فيما يجوز للمسلمين ملكه. وذلك يتخرج على الخلاف في منع الرجل امرأته النصرانية من شرب الخمر والذهاب إلى كنيستها، ففي المدونة: أنه ليس له أن يمنعها من ذلك. فعلى قياس ذلك ليس له أن يمنعه من التجر فيما يستبيحه في

: لا زكاة على العامل حتى يكون في حظ رب المال ما تجب فيه الزكاة

دينه. وقد قيل: إن له أن يمنعه من ذلك؛ لأنها قد دخلت معه على حكمه. فعلى قياس ذلك ليس له أن يشتري بماله إلا ما يجوز للمسلمين ملكه، فإن فعل ذلك لزمه ضمانه، وأما مساقاة المسلم النصراني فهي جائزة إذا كان لا يعصر خمرا، فإن قاسمه فأراد أن يعمل خمرا لم يمنع ولكن لا يعود المسلم إلى معاملته. وأما أخذ المسلم من النصراني كرمه مساقاة أو ماله قراضا فأجيز وكره، كرهه مالك في المدونة وأجازه في رواية ابن نافع عنه في المدنية. فقال: لا بأس به، والكراهية فيه أبين وأصح، فإن وقع لم يفسخ. وأما إذا آجره نفسه على عمل يكون فيه عنده وتحت ملكه فلا يجوز ويفسخ، فإن فات بالعمل مضى واستوجب جميع أجره إلا أن يكون عمله في عصر خمر وحرز خنازير فلا يمكن من الأجر ويتصدق به على المساكين. وأما إن عمل له عملا في داره أو حانوته كالصانع يخيط له ثوبا وما أشبه ذلك فهو له جائز. فعلى هذه الوجوه الأربعة تكون إجارة المسلم نفسه من النصراني: وجه جائز، ووجه مكروه، ووجه غير جائز، ووجه حرام، وبالله التوفيق. [: لا زكاة على العامل حتى يكون في حظ رب المال ما تجب فيه الزكاة] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يدفع إلى الرجل مائة دينار يعمل بها قراضا فعمل بها عشرة أشهر، ثم ابتاع رب المال من بعض السلع التي في يديه بمائة دينار فأخذ ذلك رب المال وبقيت سلع فأقروها فيما بينهم؛ لأنها ربح فباعوها بعد شهرين أو ثلاثة بعشرين دينارا أو بثلاثين دينارا لرب المال النصف، قال: لا زكاة على العامل حتى تباع السلعة بمال يكون لرب المال منه ما تجب فيه

الزكاة مثل أن يباع بأربعين أو خمسين. قلت: لم؟ قال: لأنه كان المعاملة إنما كانت في هذه السلعة. فأما ما أخذ من رأس المال قبل ذلك فكأنه لم يكن. وكذلك لو أخذ بعض المال وترك بعضه كان مثل هذا. قلت: فإن كانت المعاملة على أن للعامل الثلثين ولرب المال الثلث فباعا السلعة التي بقيت بعد أخذ رب المال رأس ماله بشهرين أو ثلاثة تمام السنة؟ قال: لا زكاة على العامل حتى يكون في حظ رب المال ما تجب فيه الزكاة. وإنما هو بمنزلة من دفع إلى رجل دينارا على أن يعمل به قراضا على أن للعامل الثلثين ولرب المال الثلث وربحوا حتى صارت اثنين وثلاثين دينارا على أن يعمل به قراضا، فلرب المال رأس ماله دينار وثلث الأحد وثلاثين دينارا، وليس على العامل زكاة وإن كان له ما تجب فيه الزكاة، وإنما يكون على العامل الزكاة في ربحه إذا كان في رأس مال رب المال الذي يعمل به العامل وربحه ما تجب فيه الزكاة. قلت لابن القاسم: فإن دفع رجل إلى رجل عشرة دنانير يعمل بها وله في بيته مائة دينار فيعمل العامل فباعوا بعد الحول بخمسة وعشرين دينارا، والمائة الدينار التي لرب المال هي عنده كما هي، هل يكون على رب المال وعلى العامل زكاة؛ لأن المال الذي عمل به العامل من أصل ما تجب فيه الزكاة. قال: لا ليس ذلك على العامل، وإنما يكون على العامل الزكاة في ربحه إذا عمل سنة وفي مال رب المال الذي يعمل به وربحه ما يجب فيه الزكاة. ولا يلتفت إلى ما في يدي رب المال مما لم يدفعه إلى العامل، فيكون على رب المال الزكاة في ماله الذي في يديه وفي المال الذي يأخذه من العامل من رأس ماله وربحه، ولا شيء على العامل. قال لي:

وكذلك قال مالك في المال يكون عند ربه عشرة أشهر وهي مائة دينار، فيدفعها إلى رجل يعمل به شهرين فيربح فيهما ويقاسمه: إن الزكاة على رب المال في ماله وربحه ولا يكون على العامل شيء وإن كان في ربحه ما تجب فيه الزكاة حتى يعمل به سنة. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: إن ما أخذ رب المال من رأس ماله من العامل قبل أن يحول عليه من يوم دفعه إليه لا يعتبر فيه في وجوب الزكاة على العامل في حظه من الربح - صحيح على أصله الذي لم أعلمه اختلف فيه قوله في أن العامل لا يجب عليه في حظه من الربح زكاة، وإن عمل في المال حولا وكان في حظه منه ما تجب فيه الزكاة إذا لم يكن في رأس مال رب المال وربحه ما تجب فيه الزكاة، وإن وجبت على رب المال فيه الزكاة بإضافته إلى مال له قد كان بيده لم يدفعه إلى العامل؛ لأن ما قبض من العامل قبل أن يحول عليه الحول عنده من يوم دفعه إليه فكأنه لم يدفعه إليه وأبقاه بيده. وسواء على ما نص عليه في هذه الرواية قبض قبل الحول منه جميع رأس ماله أو بعضه إنما ينظر إلى ما يجب إليه مما بقي كان ربحا خالصا أو بقية رأس ماله وحصته من الربح، فإن كان ما يجب فيه الزكاة وجبت على العامل في حظه الزكاة، وإن لم يبلغ ذلك ما يجب فيه الزكاة لم يجب على العامل في حظه من الربح زكاة، وقد قال في رواية أصبغ عنه: إن الزكاة تجب على العامل في حظه من الربح إذا كان في رأس المال وجميع الربح ما تجب فيه الزكاة. وهو قول أشهب وروايته عن مالك فيما تقدم وقول أصبغ في سماعه وقول سحنون في كتاب ابنه، فعلى هذا إذا قبض قبل أن يحول الحول على ما بيده جميع رأس ماله أو بعضه فحصل بعد الحول في جميع الربح أو في جميعه مع ما بقي عنده من رأس المال ما تجب فيه الزكاة وجبت على العامل في حظه الزكاة. والأول هو المشهور من قول ابن القاسم المعلوم من مذهبه في المدونة وغيرها. وفرق محمد بن المواز فيما تأول على ابن القاسم بين أن يقبض قبل

مسألة: الرجل يكون عنده الوديعة فيأمره الذي له الوديعة أن يعمل بها قراضا

الحول منه جميع رأس ماله أو بعضه، فقال: إذا قبض منه قبل الحول جميع رأس ماله فلا زكاة على العامل في حظه من الربح، وإن صار لرب المال في حظه الذي قبض منه بعد الحول ما تجب فيه الزكاة وأنه إن قبض منه بعض رأس المال قبل الحول وأبقى بيده بعضَه حتى حال عليه الحول فصار له في بقية رأس ماله وحصته ما تجب فيه الزكاة وجبت على العامل الزكاة في حظه، وإن لم يصر له في ذلك ما يجب فيه الزكاة ولا بقي له من المال قبل الحول ما يتم به النصاب لم يجب على العامل في حظه الزكاة لسقوط الزكاة عن رب المال، وإن كان قد بقي بيده مما قبض قبل الحول تَتِمّة النصاب زكى ذلك، وزكى العاملُ من ربحه ما ينوب منه ما بقي بيده من رأس المال إلى أن حال عليه الحول وهذا تناقض؛ إذ لا فرق في القياس فيما يجب على العامل في حظه من الزكاة بين أن يجب على رب المال زكاةُ ما بقي بيده، أو ما ينوبه من الربح ببلوغه ما تجب فيه الزكاة أو بإضافته إلى ما قبض منه قبل الحول من رأس ماله. وقولُ ابن القاسم الذي تأول عليه محمد بن المواز هذا التأويل الذي ذكرناه عنه هو قولُه في رواية أبي زيد عنه في سماعه من هذا الكتاب، وقد كان القياس أن يجب على العامل زكاةُ جميع حظه من الربح إذا وجبت على رب المال الزكاة فيما قبض بعد الحول من العامل من ربحه أو من بقية رأس ماله وربحه ببلوغ ذلك ما تجب فيه الزكاة أو بإضافته إلى ما قبض منه قبل الحول من رأس ماله أو إلى مال له سِوَاهُ لم يدفعه إليه وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يكون عنده الوديعة فيأمره الذي له الوديعة أن يعمل بها قراضا] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يكون عنده الوديعة أو يكون قِبَلَه الدين فيأمره الذي له الدين أو الوديعة أن يعمل بهما قراضا، فقال: أما في الدين فإن الرِّبح للذي عليه الدين، وهو لما نقص ضامِنٌ. وأما في الوديعة فإن مالكا كان يكرهه، فإن وقع وكان ربحٌ كان بينهما، وإن ادعى أنه تَلِف صُدِّق وكان القولُ قولَه.

قال محمد بن رشد: العلة في أن ذلك لا يجوز في الدين بينة، وذلك أنه أنْظَرَهُ بدينه على أن يتجر فيه ويكون له نصف الربح وذلك ربا بَيِّنٌ، فوجب أن يكون الحكم فيه ما ذكره. قال في المدونة: إلّا أن يقبض دينه ثم يرده عليه، ويأتي على ما في كتاب الصرف من المدونة في الذي يصرف دنانير بدراهم ثم يريد أن يصرفها منه بدنانير مختلفة لعيونها؛ أن ذلك لا يجوز في المجلس ولا بعد اليوم واليومين والثلاثة حتى يبرأ من التهمة؛ لأنه لا يجوز أن يصرف إليه الدين على القراض إلّا بعد أيام حتى يَبْرأ مِنْ التهمة. ويأتي على ما حكى ابنُ حبيب في الواضحة في القراض يضيع بعضُهُ فيعلم بذلك صاحبُهُ فيقول له: اعمل بما بقي إن ذلك يكون قراضا مؤتنفا أنه يبرأ في هذه المسألة من التهمة بإحضار الدين، وإن لم يقبضه منه، ويكون قراضا صحيحا، وقد مضى في رسم القطعان من سَماع عيسى من كتاب الكفالة والحوالة ما فيه بيان لهذه المسألة فقف على ذلك، وقد روى أشهب عنه إن نزل مضى، وهو بعيد جدا. وأما الوديعة: فإنما كره القراض بها مخافة أن يكون قد أنفقها وصارت دَيْنا عليه؛ فإذا وقع القراض بها مضى حتى يعرف أنه حركها على قوله في هذه الرواية، خلافُ ظاهر قوله في المدونة من أن ذلك بمنزلة الدين، ولو أحضراها لَجَاز القراض بها، ولم يَرَ محمد بن المواز بذلك بأسا، وإن لم يُحضِرَاهَا، وقاله ابن حبيب في الثقة المأمون، فيتحصل في ذلك في الدين قولان؛ أحدهما: أن ذلك لا يجوز، وهو الصحيح في النظر. والثاني: أن ذلك يكره ابتداء فإن وقع مضى وهو قول أشهب وهو بعيد إذ لم يَجْرِ في ذلك على أصل، فقال: إنه إن نقص ضمن، ولو قال إنه إن نقص لم يضمن لكان وجه قوله أنه صدّقه في إخراج المال من ذمته إلى أمَانَتِهِ؛ إذ قد أمره بذلك، وهو أصل مختلف فيه في المدونة وغيرها. وفي الوديعة أربعة أقوال؛ أحدها: أن ذلك لا يجوز كالدين وهو ظاهر ما في

مسألة: يدفع إليه عشرة دنانير قراضا فيشتري سلعة فيبيعها بعد الحول بعشرين

المدونة لابن القاسم. والثاني: أن ذلك يكره؛ فإن وقع مضى ولم يفسخ. والثالث: أن ذلك جائز وهو قول ابن المواز. والرابع: تفرقة ابن حبيب بين المأمون وغير المأمون، وكذلك إن أحضرها ولم يعرفها بعينها، وبالله التوفيق. [مسألة: يدفع إليه عشرة دنانير قراضا فيشتري سلعة فيبيعها بعد الحول بعشرين] مسألة وقال ابنُ القاسم في الرجل يدفع إلى الرجل عشرة دنانير قراضا فيشتري سلعة فيبيعها بعد الحول بعشرين دينارا أيزكونها مثل المساقاة؟ قال: لا حتى يبيعوها بثمن يكون في يدي صاحب المال من ماله وحصته من الربح ما يجب فيه الزكاة مثل أن يبيعها بثلاثين أو أربعين، أو نحو ذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم من قوله في المسألة التي قبل هذه، وهو المشهور من قوله المعلوم من مذهبه في المدونة وغيرها، خلاف ما في سماع أصبغ عنه وعن أشهب، وخلاف ما مضى في سماع أشهب، وخلافُ قول سحنون، وخلافُ قول أصبغ من رأيه في سماعه، وبالله التوفيق. [: اختلفا رب المال والمضارب في شرط الربح] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون بن سعيد وسئل سحنون: عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا على ما اشترطا عليه من أجزاء الربح، فعمل العامل بالمال ثم أتاه به ثم اختلفا في رأس المال فقال رب المال: مالي مائتا دينار وهو جميع ما أتَى بِهِ العامل، وقال العامل: بل رأس المال مائة، فقال: القولُ قول العامل في رأس المال؛ لأنه لم يقر أنه قبض إلّا مائة دينار: قال: فإن كانت لصاحب المال بينة وإلّا فيمين العامل، فإن نَكَلَ العامل عن

اليمين إذا لم يكن لرب المال بينة قيل لرب المال: احلف وخذ المائتين، فإن نكل عن اليمين لم يكن إلّا ما أقر به العامل، فإن أقام المدعي البينة وهو رب المال، وأقام العامل البينة، وتكافأت البينتان في العدالة سقطت البينتان، وكانا كمن لا بينة لهما، وكان الجوابُ فيهما كما وصفت لك، قال: وإن كانت البينتان مختلفتين في العدالة أُخذ بأعدل البينتين. قيل: فإن اختلفا في شرط الربح، فقال رب المال: لي الثلثان، وقال العامل: لي الثلثان ولك الثلث، فالقول قول العامل؛ لأن ذلك عمل يده، وإنما ذلك بمنزلة الصانع فالقولُ قولُهُ في الإِجارة إذا ادعى ما يُشبه ورب المال هو المدعي؛ لأن العامل هو البائع لعمل يده وَلمَا أدخل من الصنعة، وقد قال رسول الله: «إذَا اخْتَلَفَ المُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ البَائِع» فإن أتيا بالبينة فَتَكَافأتا أو لم تتكافئا أو لَمْ يكن لهما بينة كانت الأيمانُ بينهما على ما وصفتُ لك في صدر الكتاب. قال محمد بن رشد: قول سحنون إذا اختلف العامل ورب المال في عدد رأس المال إنّ القولَ قولُ العامل، وإن أحضر من المال مثلَ ما يدعي صاحب المال وادعى أن الزائد على ما يقر به رِبْحٌ صحيحٌ. وقد روى أصبغ مثلَه عن ابن القاسم وأشهب، وهو ظاهر ما في المدونة إذا ادعى رب المال أن

رأس ماله ألفان، وقال العامل: بل هو ألف إن القول قولُ العامل إذ لَمْ يفرق فيها بين أن يكون في المال ربح أو لا يكون، ولو كان ذلك يفترق عنده لبينه؛ والله أعلم. بخلاف إذا اختلفا في رد رأس المال فقال العامل: قد رددته وهذا الذي معي ربح، وقال رب المال لم ترده، وهذا الذي معك هو رأس مالي، والفرق بينهما أن هذا مدع في رد رأس المال فوجب ألّا يصدق فيه إذا كان في يديه مثلُهُ أو أكثر فادعى أنه كله ربح، فالعامل في هذه المسألة مدع في الربح، إذا لم يثبت ما ادعاه من الرد، ورب المال في المسألة الأولى مدع في الربح إذا لم يثبت ما ادعاه من عدد رأس المال، وقد حكمت السنة أن البينة على المدعي واليمين على من أنكره. وأما قولُ سحنون: إنه إنْ أقام كل واحد منهما البينة على دعواه وَتَكَافَأت البينتان أنها تسقط، ويكونا كمن لا بينة لهما فقد روى مثلُهُ عن ابن القاسم، والمشهور عنه أن ذلك لا يكون تكاذبا وتهاترا، ويؤخذ بشهادة من شهد بالأكثر؛ لأنها زادت، والقولان قائمان من المدونة، وفي المسألة قول ثالث: وهو الفرق بين أن تكون الزيادة بزيادة لفظ مثل أن يشهد الشاهدان أنه أقر له بعشرين ويقول الآخرانِ: بل أقر له بخمسة وعشرين أو بغير زيادة لفظ مثل أن يقول الشاهدان أقر له بخمسة وعشر، ويقول الآخران: بل أقر له بعشرين وهي تفرقة لها حظ من النظر، وقد مضى هذا المعنى في نوازل أصبغ من كتاب التخيير والتمليك، وفي رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب الشهادات وفي نوازل سحنون منه. وأما قولُ سحنون: إذا اختلفا في الربح فادعى كل واحد منهما أن الثلثين له فالقولُ قول العامِل؛ لأنّ ذلك عمل يده بمنزلة الصانع يكون القولُ قولَه في الإجارة إِذا ادعى ما يشبه؛ لأنه هو البائع لعمل يده وَلمِا أدخل من الصنعة، فإنه قول صحيحٌ من جوابه فَاسِدٌ من اعتلاله، إذ لم يكن القولُ قولَ الصانع فيما يدعي

مسألة: القول قول العامل إذا اختلف مع رب المال

من الأجرة إلّا إذا أشبه قولهُ من أجل أنه بائع لعمله، ولما أدخله من الصنعة؛ إذ لو صحت هذه العلةُ لَوَجَبَ أن يكون القولُ قولَ بائع الثوب في ثمنه إذا أشبه قولُهُ، وهذا ما لا يصح، وإنما كان القول قول الصانع في مبلغ الأجرة من أجل أن الشيء المصنوع كالرهن في يده بما يدعي من الأجرة في عمله، ولو اختلفا في الأجرة بعد دفع الشيء المصنوع إلى ربه لكان القولُ قولَ رب الثوب؛ إذ لم يبق بيد الصانع ما يشهد له على ما يدعي من الأجرة، وأما العامل في القراض فالقولُ قولُهُ فيما يُقِرّ به لصاحب المال إذا أشبه؛ فإن لم يشبه كان القول قول رب المال إذا أشبه أيضا، فإن لم يشبه حلفا جميعا وكان له قراض مثله، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر وقد أتيا جميعا بما لا يشبه كان القولُ قولَ الحالف منهما على ما ادعاه، وإن لم يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه من جميع دعواه بنكوله، وكذلك أن أتَى أحدُهُما بما يشبه كان القول قولَ الذي أتى منهما بما لا يشبه، فإن نكل عن اليمين أيضاَ كان القول قول الذي أتى بما يشبه دون يمين، فإن أتيا جميعا بما يشبه ونكلا عن اليمين كان للعامل ما ادعاه دون يمين، وإن نَكَلَا جميعا إذا أتيا بما لا يشبه كان له قراض مثله كما إذا حلفا، فهذا وجه الأيمان فيما بينهما في هذه المسألة على معنى ما وصفه في صدر الكتاب في المسألة الأولى؛ لأن ذلك إنما يكون إذا لم تكن لهما بينة أو كانت لكل واحد منهما بينة فتكافأتا في العدالة فسقطتا، وأما إذا لم تتكافيا فالأيمان بينهما؛ لأن الحكم أن يقضى بالأعدل منهما. فقوله: وإن لم تتكافيا لفظ وقع على غير تحصيل، وبالله التوفيق. [مسألة: القول قول العامل إذا اختلف مع رب المال] مسألة قيل له: فإن دفع إلى رجلين مالا قراضا فعملا بالمال ثم أتيا ومعهما مائتا دينار فقال أحدهما: رأس ماله مائة دينار والربح مائة، وكذَّبه رب المال وقال الآخر: رأسُ المال مائتان وصدَّقه رب

المال. فإن كان الذي زعم أن رأس المال مائتان عدلا حلف رب المال مع شاهده واستحق المائتين، وإن كان غير عدل قيل لهما: أعطيا المائة التي اجتمعتما عليها؛ لأنها رأس المال فيأخذ من هذا خمسين ومن هذا خمسين وبقيت في يد كل واحد منهما خمسون، ويقال للذي أقر: أن رأس المال مائتان أعط ما في يديك؛ لأنه لا ربح لك حتى يتم رأس المال، ويقال للآخر الذي بقي في يديه خمسون ما في يديك من المال قد زعمت أن نصفه لك ونصفه لرب المال، والنصفُ الآخر لرب المال في يدي الذي أقر أنه لا ربح في المال، فأنت تصدق على ما في يديك من المال فلا يلزمك أكثرُ مما أقررت به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا دفع إليهما المال قراضا فقد حصلا شريكين في العمل به على الإشاعَة، فكأن المالَ بيد كل واحد منهما نصفه، وإن كان بيد أحدهما جميعه، فالذي يقر أَنَّ رأس المال مائتان مقر على نفسه أنه لا حق له في المال وشاهد على صاحبه فيما يدعي من أن رأس المال مائة والمائةُ الثانيةُ ربح، فوجب أن يحلف مع شهادته إن كان عدلا كما ذكر ويستحق المائتين، وإن لم يكن عدلا كان للثاني بعد يمينه أن رأس المال مائة، وأن المائة الثانية ربح على ما تقدم في المسألة التي قبل هذه من أن القول قول العامل إذا اختلف مع رب المال في عدد رأس المال ما يجب له من المائة التي زعم أنها ربح، وذلك خمسة وعشرون دينارا؛ لأن نصف الربح لرب المال والنصف الثاني فيما بينه وبين صاحبه بنصفين، وسكت عن اليمين للعلم الحاصل بها، فإن نكل عن اليمين حلف رب المال أن رأس ماله مائتان وأخذ جميعها ولم يكن لواحد منهما شيء، هذا وجه قوله في الرواية، وما قاله فيها من أنه يأخذ من هذا خمسين ومن هذا خمسين وبقيت

مسألة: لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار إلى نفسه

في يد كل واحد منهما خمسون، فيقال للذي أقر أن رأس المال مائتان: أعط ما في يديك؛ لأنه لا ربح لك حتى يتم رأس المال إلى آخر قوله هو كلام ساقه على طريق التقريب لا على سبيل التحقيق؛ لأن المال لم يكن بيد كل واحد منهما نصفه، إذ لو اقتسماه وانفرد كل واحد منهما بالعمل بنصفه لكانا متعديين في ذلك، ولوجب إنْ ربحَ أحدُهما وخسر الآخر لا تجبر الخسارة من الربح، وأن يكونا ضامنين جميعا للخسارة التي خسرها أحدهما لرب المال، ويكون الربح الذي ربحه الآخر بينهم نصفه لرب المال ونصفه بينهما على ما شرطوه، ولكنه لما كانا يتجران به جميعا على الإِشاعة فكان نصفه بيد كل واحد منهما؛ لأنه وإن لم يكن كذلك في الحقيقة فهو كذلك في المعنى، وما يوجبه الحكم والله الموفق. [مسألة: لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار إلى نفسه] مسألة قيل له: أرأيت لو أتيا بثلاثمائة دينار، والمسألة على حالها فاختلفا، فقال أحد العاملين: رأسُ المال مائةٌ والربحُ مائتان وكذّبه رب المال، وقال العامل الآخر: بل رأس المال مائتان والربح مائة وصدقه بذلك رب المال قال: يقال للعاملين: قد اجتمعتُما على رأس المال أنه مائة فأخرجاها، فيخرج كل واحد منهما خمسين، ويبقى بيد كل واحد منهما مائة مائة، وإن كان الذي أقر أن رأس المال مائتان عدلا لم يحلف رب المال مع شاهده؛ لأنه جَارٌّ إلى نفسه، أَلَا ترى أنه إذا بقيت في يديه مائة قال له رب المال: أعطنيها فإنه لا ربح لك منها؛ لأنك مقر أن رأس المال مائتان ولا ربح لك إلَّا بعد استيفائي رأس مالي، فمن هناك سقطت شهادته، أَلَا ترى أني لو أجزت شهادته لأخذ رب المال المائةَ منهما جميعا ويبقى بيد كل واحد منهما خمسون فيصيرُ له ربح ما بقي بيده، فلما جَر بشهادته إلى نفسه طرحت شهادته؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا

تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جَارّ إلى نفسه» فلما سقطت شهادته وأخذ رب المال ما اجتمعا عليه من رأس المال، وهي المائة التي أخرج كل واحد منهما خمسين خمسين وبقيت في يد كل واحد منهما مائة، قيل: للمُقِر: إن رأس المال مائتان هات ما في يديك؛ لأنه لا ربح لك إلَّا بعد الاِستيفاء لرأس المال، فيؤخذ منه فيستوفي رب المال رأس ماله، ثم يقال للآخر الذي زعم أن المال الذي في يديه ربح له ولرب المال هات شطرَها، وإنما لم يُؤخذ منه أكثرُ من شطرها؛ لأنه زعم في إقراره أن لرب النصف في أيديهما جميعا وأنه لم يقر لرب المال فيما في يديه بأكثر مما ادعى لنفسه، وإنما هو كرجل قال لرجل ما في يدي نصفٌ لك ونصفُ لي، فلم يقر له إلا بمثل ما أقر لنفسه، فليس لرب المال مما في يديه إلَّا نصف ما في يديه وهو خمسون، وليس للمقر الذي زعم أن رأس المال مائتان في يدي رب المال من الخمسين التي صارت فضلا حجة أن يقول له: قد بلغتك رأس مالك، وقد صار في يديك فضل خمسين فلا تذهب بها دوني؛ لأنه يقال له: أنت مقر أن لرب المال نصف الربح، وأنك لا تدخل عليه في نصفه، وإنما دخولُك على صاحبك، وصاحبك يجحدك، ألا ترى أن الزوج يقر بأخ مع إخوةٍ كانوا ورثة معه معروفين أنه لا يدخل عليه في شيء قال سحنون: وقد قيل في العامل: إنه يرجع عليه في النصف الذي في يديه فيقاسمه على ثلاثة أسهم للعامل سهم وسهمان لرب المال. قال محمد بن رشد: قوله: وإن كان الذي أقر أن رأس المال مائتان عدلا لم يحلف ربُّ المال مع شاهده؛ لأنه جَارّ إلى نفسه صحيح؛ لأنه يدعي أن المائة ربح فله منها خمسة وعشرون على دعواه ولصاحبه خمسة وعشرون ويقر أن لرب المال مائتي رأس ماله وخمسون نصف المائة الربح، فإن أعملنا

شهادته مع يمين رب المال استوجب من الربح خمسة وعشرين ربع المائة الربح على قوله، وإن لم تعمل شهادته وجب أن يحلف صاحبه على ما يدعى من أن رأس المال مائة فيستحق إذا حلف من الربح خمسين دينارا ربع المائتين الربح على قوله، ويأخذ رب المال الباقي وذلك مائتان وخمسون بإقراره أن رأس المال مائتان، إذ يجب له على قوله من المائة الربح نصفُها فلا يجب له على إقراره شيءٌ إذ لم نُعْمِلْ شهادَتَه وإن أعلمتَها وجب له خمسة وعشرون، فوجب من أجل هذا ألّا نُعمِل شهادته وأن يأخذ صاحب المال مائتين وخمسين بإقراره له بها وصاحبه خمسين بيمينه أن رأس المال مائة ولا يكون له هو شيء. ووجهُ القول الثاني في أنه يرجع على رب المال في النصف الذي في يديه من الربح وهو خمسون دينارا فيقاسمه إياها على ثلاثة أسهم، له سهم ولرب المال سهمان هو أنه يدعى من الخمسين الربح نصفها إذ يجب له من الربح خمسة وعشرون على ما يزعم من أن رأس المال مائتان، ورب المال يدعي أن له الخمسين كلها فتقسم الخمسون بينهم على الثلث والثلثين كَمَالٍ يتَدَاعَى فيه رجلان، يدعي أحدهما جميعَه والثاني نصفَه على المشهور من مذهب مالك في هذا النوع من التداعي. ويتخرج على هذا التوجيه في المسألة قولٌ ثالث، وهو أن يقسم بينهما أَرْبَاعا؛ لأن العامل قد سلم له نصف الخمسين وينازعه في النصف الآخر منها بينهما بنصفين، وهو المشهور من مذهب ابن القاسم في هذا النوع من التداعي، وإلى القول الثاني ذهب محمد بن المواز، قال: ولا يحسب على رأس المال شيء من الظلم ولا التلف إنما يقع ذلك على الربح، وروي عن أشهب خلافُه وأن لكل واحد من العاملين ما يدعيه من الربح فيأخذ الذي أقر أن رأس المال مائتان خمسة وعشرين؛ لأنه هو الذي يجب له من ربح المائة، ويأخذ الذي ادعى أن رأس المال مائة، خمسين بعد يمينه أن رأس المال مائة على ما تقدم؛ لأنه هو الذي تجب له من ربح المائتين، وهو قول رابع في المسألة له حظ من النظر،

مسألة: أخذ مالا من رجل قراضا على النصف وأخذ من رجل آخر على الثلث

وذلك أن العامل الذي أقر أن رأس المال مائتان أحق بحظه من المائة الربح إذ لم يقر به لأحد والخمسون التي يجب منها لرب المال قد استحق العاملُ الثاني عليه نصفَها بيمينه أن رأس المال إنما كان مائة وبالله التوفيق. [مسألة: أخذ مالا من رجل قراضا على النصف وأخذ من رجل آخر على الثلث] مسألة قيل له: أرأيت لو أن رجلا أخذ مالا من رجل قراضا على النصف وأخذ من رجل آخر أيضا مالا على الثلث، فاشترى سلعتين صفقتين بثمنين مختلفين بكل مال على حياله، فالتبس عليه الأمر فلم يدر أيتهما السلعة الرفيعة الثمن من الأخرى، وفي أحد السلعتين ربح وفي الأخرى نقصان، فادعى كل واحد منهما السلعة الرفيعة أنه اشتراها بماله، على المقارض ضمان، فقال: ليس على المقارض ضمان؛ لأنه هو كرجل استودع مالين لرجلين لرجل مائة والآخر خمسون فنسي صاحب المائة من صاحب الخمسين، وادعى الرجلان المائة أنهما يحلفان جميعا على المائة ويقتسمانها، والخمسون الأخرى بيد المستودَع ليس لها مدع، ومن رأى أنه يضمن المستودَعُ مائة لكل واحد بغير يمين إذا ادعى كل واحد منهما أن وديعته مائة ضمنه فمسألتك في القراض مثل ما وصفتُ لك في الوديعة. قال محمد بن رشد: قوله: فالتبس عليه الأمر فلم يدر أيتهما السلعة الرفيعة الثمن من الأخرى يريد أنه التبس عليه الأمر في السلعتين فلم يدر أيتهما الرفيعة التي فيها الربح من الوضيعة التي لا ربح فيها، ولو علم من أي مالٍ اشترى كل سلعة منها لما صح أن يتداعى صاحب المالين في السلعة الرفيعة

ولوجب أن يكون من المال الذي قال المقارض إنه اشتراها منه، ولم يكن في ذلك كلام ولا خلاف، فقوله: إذا لم يدر المقارَض من مال من اشترى السلعة الرفيعة فيتداعيا فيها إنّ ذلك بمنزلة من استودع مالين لرجلين لأحدهما مائة، للآخر خمسون فنسي صاحبَ المائة من صاحب الخمسين، وادعيا جميعا المائة إنهما يحلفان عليها ويقتسمانها وتبقى الخمسون بيد المستودع ليس لها مودع إلى آخر قوله، يقتضي ألّا يلزم المقارَض ضمان بنسيانه، ويحلف كل واحد من صاحبي المال على السلعة الرفيعة أنه اشتراها من ماله، ويكون من ماليهما جميعا نصفها من مال هذا ونصفها من مال هذا، وتبقى الأخرى بيد المقارض إذا لم يكذب أحدُهما نفسَه في دعواه السلعة الأولى ويقول: بل هذه هي التي اشترى من مالي فتكون من ماله ويخلص السلعة الأولى كلها، وفي هذا اختلاف، قد قيل: إنه لا يقبل دعواهما فيه بعد أن أَنْكَرَاهَا، وقيل: إنها تكون لهما بإقرار المقارَض أنها لأحدهما، وإن كانا متماديين على إنكارها. وقول سحنون في هذه المسألة: إن المقارَض لا يلزمه ضمان لنسيانه من اشترى السلعة من ماله يأتي على قياس رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الدعوى والصلح في الرجل يقر بالوديعة لأحد رجلين لا يدري من هو منهما؟ أنه لا يلزمه غيرُها وتكون بينهما بعد أيْمَانِهما، ومثل قول ابن كنانة في مسألة الرجل يأخذ من الرجل ثوبا من كل واحد منهما على أنه فيه بالخيار فيردهما ولا يعرف ثوب هذا من ثوب هذا ويدعيان جميعا أحدَهما ويُنكر الآخر، إن الثوب الذي ادعياه يكون بينهما بعد أيمانهما ويبقى الآخر بيد المشتري حتى يأتي له طالب. وقد ذكرنا ذلك والاختلاف فيه فيِ سماع يحيى من كتاب بيع الخيار، ويأتي في هذه المسألة على قياس ما مضى في رسم القطعان من سماع عيسى من هذا الكتاب في المقارَض بالمالين يزعم أنه ربح خمسين دينارا لا يدري من أي المالين، أنه لا شيء له من الخمسين وتكون لصاحبي المالين أن يلزمه لكل واحد منهما ضمانُ الثمن الذي اشترى به السلعة من ماله، وهي رواية أَبِي زيد عن ابن القاسم في سماعه بعد هذا، قال: هما مخيران بين أن يضمناه السلعتين

مسألة: يقسم الربح على المالين جميعا

ويأخذ أموالهما، وبين أن يأخذ السلعتين فتباع بهما ويعطى كل واحد منهما رأس ماله ويكون للمقارض ربحه إن كان فيهما ربح. وحكي عن ابن كنانة مثل قول ابن القاسم خلاف ما حكيناه عنه في مسألة الذي يأخذ الثوبين من الرجلين بالخيار فَتَخْتَلِطُ عليه. وقال عن ابن القاسم: إلّا أن تكون قيمة السلعة الأدْنى أكثرَ من الثمن الذي اشترى به السلعة الأولى فلا خيار لهما في تضمينه، وتكون السلعتان على القراض على قدر أموالهما، وقال محمد بن المواز: إنْ اتفقت قيمتهما فلا حجة لصاحب الأكثر على صاحب الأقل ولا على العامل، وإن اختلفت غرم العاملُ فضلَ قيمة الرفيعة على الدنية؛ لأن كل واحد منهما يدعي الرفيعة ويرجو ذلك، والعامل لا يدفعهما وإنما تعتبر قيمتهما اليوم وهو نحو رواية أبي زيد فتدبر ذلك كله وبالله التوفيق. [مسألة: يقسم الربح على المالين جميعا] مسألة وسئل سحنون: عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا، ثم إن العامل عمل به وربح فحاسبه رب المال فأخذ ربحه وترك المال عند العامل ثم زاده رب المال آخر مثل الذي كان دفع إليه أولا فعمل بالمالين جميعا فربح فيهما، قال: يقسم الربح على المالين جميعا فما صار للمال الأول كان على قراضهما وما صار للمال الثاني كان لرب المال، ويكون له أجرةُ مثله، قلت: فلو خسر؟ قال سحنون: تحسب الخسارة على المالين جميعا فما أصاب المال الأول من الخسارة جُبِر بالربح الذي وصل إلى العامل، وإلى رب المال، ويكون للعامل أُجرة مثله في المال الآخر ولا ضمان عليه فيما خسر فيه؛ لأنه فيه أجير وليس له فيما ربح فيه شيء وهو في المال الأول على قراضه. قال محمد بن رشد: جواب سحنون في هذه المسألة على مذهب

مسألة: يأخذان المال من رجل قراضا هل يجوز لهما أن يقتسما المال

ابن القاسم في المدونة أن المفاصلة لا تتم بينهما إلا بقبض المال لا بالمحاسبة خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وغيرهما من أصحاب مالك حاشى ابن القاسم فيجوز على ما ذهب إليه ابن حبيب وحكاه عن أصبغ أن يدفع إليه مالا آخر بعد أن حاسب في المال الأول وقبض ربحه منه على أن يخلطه ويعمل فيهما معا، كان على ذلك الجزء أو على جزء آخر، ولا يجوز إلا بخلطه به ويعمل بكل مال على حدة إذا كان على جزء آخر، وأما إن كان على مثل الجزء الأول فقد قيل: إنه يجوز، ذكره ابن المواز في قول، وهو ظاهر ما في المدونة، وقيل: إنه لا يجوز حكى ذلك ابن المواز عن ابن القاسم من رواية أبي زيد عنه، فإن دفع إليه مالا آخر قبل أن يفاصله في المال الأول وفيه ربح أو خسارة على مثل الجزء الأول أو أقل أو أكثر على أن يخلطه به لم يجز. قال ابن حبيب في الواضحة: فإن عمل على هذا قسم الربح على عدد المال الأول حين يخلطه بالمال الثاني وعلى عدة الثاني فتكون حصة الأول من الربح بينهما على شرطهما. ولا يجبر نقصانُ واحد من المالين بربح المال الثاني، وحصةُ المال الثاني على قراض مثلهما على غير شرط أن يخلطه بالأول؛ لأنها زيادة داخلة في المال غير خارجة عنه. وقال فضل: وهو مذهب ابن القاسم في المستخرجة؛ لأنها زيادة داخلة في المال، ولا أعرف هذه المسألة في المستخرجة في روايتنا، وقد رأيت للفضل أنه يرد في المال الثاني إلى إجارة مثله على مذهب ابن القاسم في المدونة مثل قول سحنون ها هنا؛ لأنه جعل شرط الخلط مثل ما لو اشترط إن وضعتَ في هذا المال الثاني جَبَرْتَهُ من الأول فصارت زيادة خارجة اشترطها رب المال لنفسه مع الغرر إذ قد يخسر وقد لا يخسر وبالله التوفيق. [مسألة: يأخذان المال من رجل قراضا هل يجوز لهما أن يقتسما المال] مسألة وسئل سحنون: عن الرجلين يأخذان المال من رجل قراضا هل

مسألة: ليس من سنة القراض أن يبضع العامل مع رب المال

يجوز لهما أن يقتسما المال إن أحبا؟ قال: ليس ذلك لهما، قيل: فلو أن رجلين دفع إليهما رجل مَالا وديعة هل يجوز لهما أن يقتسماه؟ قال: ليس ذلك لهما، وجميع ما سألت عنه من المقارضين والمستودعين واحد لا يجوز لهما أن يقتسماه فإن فعلا فتلف المال لم يضمنا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى وبالله التوفيق. [مسألة: ليس من سنة القراض أن يبضع العامل مع رب المال] مسألة قيل لسحنون: أرأيت الرجل يدفع إلى الرجل المال قراضا ويأذن له في أن يُبْضِعَ إن أَحَبَّ فيعرض لرب المال سفرٌ فَيُبْضِعُ معه العاملُ، فلما جاء البلدةَ عرف رب المال الخريطة وعرف المال أنه ماله بعينه، فاشترى به لمن ترى الفضل؟ قال: أراه لرب المال؛ لأن العامل لم يشتر به شيئا ولم يعمل له فيه، وليس هذا من سنة القراض أن يبضع العامل مع رب المال. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إنما أذِن له أن يبضع مع غيره لا معه، هذا هو الوجه الذي يعرف في إذنه له في ذلك. [مسألة: أخذ تسعة وثلاثين دينارا قراضا فربح العامل في المال دينارا] مسألة وقال سحنون في رجل أخذ تسعة وثلاثين دينارا قراضا فربح العامل في المال دينارا تَمَّ على المال الحولُ: إن الزكاة تخرج من الأربعين دينارا كلها قبل أن يقتسما الذي ربح، ثم يقع على المقارض في نصف ديناره حصة الزكاة ما يقع عليه من الأربعين، ليس عليه أكثرُ من ربع عشر نصف الدينار الذي ربح، ليس يقع عليه

مسألة: أخذ المال قراضا يعمل به ثم أخذ منه رب المال ماله وللعامل ثياب يلبسها

أكثر من الحصة من جميع الأربعين. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب أن العامل يجب عليه في حَظِّهِ الزكاةُ وإن كان أقل من نصابٍ إذا كان في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما تجب فيه الزكاة، أو في رأس مال رب المال وجميع الربح ما تجب فيه الزكاة. وقد قيل: إنه لا يجب عليه في حظه من الربح زكاة حتى يكون في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما تجب فيه الزكاة، ويكون أيضا في حظه من الربح ما يجب فيه الزكاة، وهذا القول تأوله محمد بن المواز على ابن القاسم ولا يُوجدُ له نصا، والثلاثةُ الأقوال كلها استحسان ليست بجارية على أصل ولا قياس، وقد مضى بيان هذا كله في رسم أوله مسائل بيوع من سماع أشهب فلا معنى لإِعادته. [مسألة: أخذ المال قراضا يعمل به ثم أخذ منه رب المال ماله وللعامل ثياب يلبسها] مسألة وسئل سحنون: عن الرجل إذا أخذ المال قراضا يعمل به ثم أخذ منه رب المال ماله وللعامل ثياب يلبسها كان اشتراها لسفره من مال القراض هل يكون لرب المال أن يأخذ منه الثياب التي كان يلبس العامل؟ قال: إذا كانت ثيابا لها قدرٌ وبالٌ فإِنها ترد وتباع ويدخل ثمنها في جملة مال القراض، وإن كانت ثيابا خَلِقَة تافهة ليس لها قدر تركت للعامل كما قال مالك في القِرْبَةِ والحبل والشيء الخفيف. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما مضى في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم ونحوُ ما في الموطأ، وهو مما لا اختلاف فيه احفظه وبالله التوفيق. [مسألة: المقارض يسلب هل يكتسي من مال القراض] مسألة وسئل سحنون: عن المقارض يُسْلَبُ هل يكتسي من مال القراض؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إذا كان من حقه أن

مسألة: اشترى النصراني بالمال خمرا فأسلم رب المال والخمر قائمة في يد المقارض

يكتسي في سفره من مال القراض إذ فرق بين الأولى والثانية وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى النصرانِي بالمال خمرا فأسلم رب المال والخمر قائمة في يد المقارض] مسألة وسُئِل سحنون عن نَصْرَانِي دفع إلى نصرَانِي مالا قراضا فاشترى النصرانِي بذلك المال خمرا فأسلم ربُّ المال والخمر قائمة في يد المقارَض لم تبَع وهي حين أَسْلَمَ رب المال في ثمنها ربح أَوْ لَا ربح فيها، والعاملُ يقول: خذ خمرك ورب المال يقول: إِنَّمَا قارضتك بمال ولم أقارضك بخمر فأدفع إِليَ مالي، وكيف إن قال رب المال: أدفع إلى هذا الخمر يكسرها فإنه لا يَحِلُّ لي ملكها، فقال الآخر: لا، أدفع إليك فيذهب ربحي!! أو قال: أنا أنتظر بها الأسواق؟ قال سحنون: هي مصيبة وقعت على رب المال، وينظر إلى قدر فضل النصراني فيها فيعطى منها ويهراق ما صار للمسلم. قال محمد بن رشد: قولُ سحنون في نوازله الثانية من كتاب المديان والتفليس في المركب من الروم يُرْسِي بساحل المسلمين ومعهم الخمر للبيع وغير ذلك إن السلطان لا يجبرهم على بيعها للعشور، ولكن يوكل من يتحفظ بها حتى إذا بيعت أخذ من ثمنها العشور معارض لقوله في هذه المسألة، وقد مضى الكلام على ذلك هناك فلا معنى لِإعادته. [: الرجل يدفع إلى الرجلين المال قراضا فيختلفان في المال عند من يكون منهما] من سماع أصبغ بن الفرج من عبد الرحمن بن القاسم من كتاب البيوع والصرف قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يدفع إلى الرجلين

: دفع إليهما المال قراضا على غير شرط فعملا فيه جميعا ثم اختلفا

المال قراضاَ فيختلفان في المال عند من يكون منهما، قال: إذا كان ذلك نظر إلى صاحب المال فَاتُّبع قولُهُ فإن حَضَرَ الاشتراءُ أَحْضَرَاهُ، قلت: فإن اختلفا في الاشتراء أو البيع وقال هذا لا أراه؟ قال: لا بد لهما من أن يجتمعا ويتسالما وإلا رد المال وانسلخا منه، وليس للسلطان في هذا مَقالٌ ولا نظر، قال: وهذا في رأيي ما لم يُقْبَضْ المالُ فإذا قبض فهو إلى من دفعه ربه عند مقارضتهما إن كان دفع إليهما جميعا، وإن كان أحدهما فأحدهما وليس للآخر بعدُ كلام ولا مقال إذا كان يعلمه قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يتكلم فجمعت ذلك وتكلمنا معه فيهما. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القولُ فيها مستوفى في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى فلا معنى لإِعادته وبالله التوفيق. [: دفع إليهما المال قراضا على غير شرط فعملا فيه جميعا ثم اختلفا] ومن كتاب البيوع والصرف قال: وسألته عن الذي يدفع إلى الرجلين المال قراضا على أن لصاحب المال النصف ولأحدهما الثلث وللآخر السدس والعمل بينهما على قدر ذلك؟ قال: ليس في هذا خير، قال أصبغ: وإذا وقع فسخ ما لم يقع العمل ويفوت فإن فات بربح أو وضيعة وفراع رأيت أن ينفذ ذلك إذا لم يكن فيه اشتراط على صاحب السدس بأكثر من جُزْئِهِ من العمل، والنظرُ والكفايةُ لهما جميعا فإن كان كذلك وفات كانا على شرطهما في الأجزاء وكان للعامل فضل زيادة العمل الذي اشترط عليه بأجرة مثله. قال محمد بن رشد: كراهيةُ ابن القاسم لمقارضته إياهما على أجزاء

مختلفة هل يكون العمل بينهما على قدر أجزائهما من الربح بقوله: ليس في هذا خير، ضعيفةٌ على أصله في المدونة؛ إذ لم يراع فيها اختلافَ العاملين في النفاد في التجر والبصر به، فقال: إنه إذا قارضهما على أن يكون أحدهما بسدس الربح وللآخر الثلث إن ذلك لا يجوز؛ لأنه كأنه قال لأحدهما: اعمل مع هذا على أن لك ربح بعض عمل هذا، فالذي يأتي على تعليله في المدونة وهو الظاهر من قوله فيها أنه إذا قارضهما على أن لأحدهما ثلث الربح وللآخر السدس والعمل بينهما على قدر ذلك أن ذلك جائز؛ لأن الشركة بين العاملين على هذا جائزة، لو دفع إليهما المال قراضا على النصف من غير شرط فاشتركا همَا على العمل فيه على الثلث والثلثين على أن يكون على صاحب الثلث من العمل الثلث وعلى صاحب الثلثين الثلثان لجاز، وإنما تصح الكراهية في ذلك على مراعاة اختلاف العاملين في البصر بالتجر، وعلى ذلك يأتي اعتراض سحنون في المدونة عن ابن القاسم بقوله: أو ليس قد يجوز لصاحب المال أن يدفع المال قراضا على النصف وأقل من ذلك وأكثر؟ وهو اعتراض بين، ألا ترى أنه لو قارض أحدهما في مائة دينار على انفراد على أن يكون له ثلث الربح، وقارض الآخر في مائة على انفراد على أن يكون له ثلثا الربح فاشتركا جميعا في العمل بإذن صاحب المال دون شرط لَوجب أَلَّا يكون لواحد منهما من الربح إِلاَّ ما اشترط فيأخذ صاحب المال جميع ربح المائتين ويأخذ الذي قورض في المائة على الثلثين الثلث والذي قورض في المائة الأخرى على الثلث السدس. فوجه الكراهية في ذلك على هذا أن العاملين لم يرض الذي هو أَبْصَرُ بالتجارة من صاحبه أن يكون له من الربح على قدر عمله إلَّا بما شرط عليه صاحب المال، فكأنه قال لِلْمُقْصِرِ في التجر منهما أعمل مع هذا على أن يكون لك من الربح مائة، وهذا القولُ أظهر، ألا ترى أنه لو دفع إليهما المال قراضا على غير شرط فعملا فيه جميعا ثم اختلفا في قسمة الربح بينهما لوجب أن يقسم بينهما على أن يكون حظه من الربح بينهما بنصفين، أو على أن يكون لأحدهما من الربح الثلث وللآخر السدس والعمل عليهما على قدر ذلك جاز على أصل ابن القاسم في المدونة، وكَرِهَهُ في هذه الرواية، فإن فات

مسألة: مغاررة وبيع غرر

بربح أو وضيعة مضى على شرطهما، وإذا قارضهما على أن يكون لأحدهما من الربح الثلث وللآخر السدس والعمل بينهما بنصفين جاز على ما يدل عليه مذهب سحنون في اعتراضه على ابن القاسم، وهو الأظهر على ما ذكرناه، ولم يجز على مذهب ابن القاسم، قال فضل: القياس على مذهبه أن يُرَدَ العاملُ إلى قراض المثيل؛ لأنها زيادة داخلة في القراض، والصحيح عندي في القياس على مذهبه أن يُرَدَ إلى إجارة المثيل، ألا ترى أنه قال في المدونة كأنه قال لأحدهما اعمل على هذا على أن لك ربح بعض عمل هذا فما اشترط رب المال من المنفعة لأحد العاملين، فكأنه إنما يشترطها لنفسه لماله من القراض في جر النفع إليه. يبين ذلك المسألةُ الواقعة بعد هذا في الكتاب، ومسألة المدونة إذا دفع إليه مالا على أن يجعله معه من يبصره بالتجارة. وقولْه: فإن كان كذلك، يريد فإن كان الشرط أنَّ الربح بينهما على الثلث والثلثين والعمل عليهما بنصفين كانا على شرطهما في الأجزاء، وكان للعامل فضل زيادة العمل الذي اشترط عليه بأجرة مثله، فهو خلافُ قوله في المدونة، لأنه لم يراع الشرط، وإلّا فسد به القراض إذ جعل الربحَ بينهما على شرطهما وأرجع الذي عمل أكثر من جزئه من الربح بأجرة مثله في الزايد، فَجَعَلَ الكلامَ إِنما هو بين العاملين كالمتزارعين على الثلث والثلثين مستويان في العمل ويسلمان في العمل في مُزَارَعَتِهِمَا من كراء الأرض بما يخرج منها على ما ذهب إليه ابنُ حبيب من أنهما لا يُحَوَّلَانِ عن شرطهما، ويتعادلان فيما يخرجان، وبالله التوفيق. [مسألة: مغاررة وبيع غرر] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن رجل دفع إِلى رجل مالا قراضا فاشترى سلعة، ثم إن العامل قال لصاحب المال: هل لك أن أدفع إليك مالك على أن يكون فلان بمثابتك في الربح متى ما بعنا فإِن كان ربحٌ قاسمته إياه كما أقاسمك، فرضي بذلك قال: هذا حرام لا يحل. وقاله أصبغ وهو مُغَارَرَةٌ وبيع غرر، وقليل في كثير وغير

مسألة: يأخذ المال قراضا على أن يرسل فيه غلمانه ومن أحب

ذلك من سلف جر منفعة وغيره من قبل ما يجر من الربح بما أعطى إلى من يُحِبُّ ممن يجعل في مثابة رب المال، فهو جار إلى نفسه بماله الذي عمل، فكل هذه الأوجه من الفساد والإِغْرَار وأكثُرها تدخله ويجري فيه فلا خير فيه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إِنَّ ذلك لا يجوز؛ لأنه عجل رأس المال لصاحبه قبل أَنْ ينض جميعُه على أن يعطي حظه من الربح لمن يريد منفعة ورفعه، فيدخله سلف جر منفعة، والربحُ أيضا غير معلوم قد يقل ويكثر فهو غرر وربا وبالله التوفيق. [مسألة: يأخذ المال قراضا على أن يرسل فيه غلمانه ومن أحب] مسألة وسألته: عن الذي يأخذ المال قراضا على أن يُرسل فيه غِلْمَانَهُ ومن أحب ولا يخرج هو إِن شاء، قال: لا يصلح. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: يقارض الرجل على أن يخرج إلى البحيرة أوالفيوم يشتري طعاما] مسألة وسئل ابنُ القاسم: عن الذي يقارض الرجل على أن يخرج إلى البحيرة أو الفيوم يشتري طعاما، فقال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: إلى هذا ذهب ابن حبيب في الواضحة أنه جائز ما لم يشترط عليه جلبَ ما اشترى هناك من السلع إلى هلم، أو يسمى له سلعا يشتريها هنالك ويأتي بها، أو يحمل من هنا إلى هنالك سلعا يبيعها ثَمَّ فيكون فيه أجيرا؛ لأنه رسول بأجرة غرر، وهو كله خلافُ ما في المدونة؛ لأنه لم يُجِز فيها أن يدفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا على أن يخرج به إلى بلد من البلدان يشتري به تجارة؛ لأنه قد حَجَّرَ عليه أَلَّا يشتري حتى يبلغ ذلك البلد، وروى الحارث عن ابن وهب أن مالكا سئل عن رجل يقال له: أخرج إلى مالي في موضع كذا فاعمل به

: أخذ من رجل تسعة عشر دينارا قراضا فربح فيها دينارا أفيها الزكاة

قراضا، قال: لا خيرَ فيه لِموضع قوله أخرج، وكأنه رآه من وجه المنفعة. قال: وسمعت مالكا وسئل عن الرجل يكون بالمدينة وهو من أهل مصر، فسأل الرجل بالمدينة أن يعطيه مالا قراضا يبتاع به متاعا بالمدينة ويخرج به إلى مصر ويبيعه ويدفع إليه رأس ماله وما يصيبه من الربح في نصيبه إلى وكيله بالفسطاط، قال مالك: لا بأس بذلك فرُوجع في ذلك وقيل له: إِنما أعطاه المال على أن يبتاع به ويخرج إلى مصر أَلَا تراه شرطا؟ قال: هذا لا بأس به هي بلده وإليها يخرج. وروى ابن أبي أويس عن مالك مثلَه، وقول مالك هذا في رواية ابن وهب وابن أبي زيد وابن أبي أويس ليس بخلاف لما في المدونة، والحجة في جواز ذلك جعل عمر بن الخطاب المال الذي دفعه أبو موسى الأشعري إلى عبد الله وعبيد الله ليبتاعا به متاعا بالعراق ويبيعانه بالمدينة قراضا بإِشارة مَنْ أشار عليه بذلك من جُلسائه وبالله التوفيق. [: أخذ من رجل تسعة عشر دينارا قراضا فربح فيها دينارا أفيها الزكاة] ومن كتاب الزكاة والصيام وسئل أشهب: عن رجل أخذ من رجل تسعة عشر دينارا قراضا فربح فيها دينارا فصارت عشرين أفيها الزكاة؟ قال: إن كانا لم يكونا تقاسما قبل الحول ففيها نصف دينار يزكي التسعةَ عشر دينارا رُبُعُ عشرها، ويدفع بقيتها إلى ربها ويزكي الدينار رُيُعُ عشره، ثم يقتسمان ما بقي بينهما على قراضهما، وقاله أصبغ، وقال ابن القاسم جملة: إِنَّ فيها الزكاة. قال محمد بن رشد: قول أشهب وأصبغ: إِن العامل يجب عليه في ربحه الزكاة مع جملة المال إذا كان في جميعه بحظ العامل ما تجب فيه الزكاة، هو مثلُ ما مضى من قول مالك في رسم الزكاة من سماع أشهب، وهو مذهب سحنون، خلافُ المشهور من قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن العامل لا

: يدفع إلى الرجل مالا قراضا على أن الثلث لرب المال وللعامل الثلثان

يجب عليه في حظه من الربح زكاة حتى يكون في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما تجب فيه الزكاة. وأما اشتراطهما في ذلك إِن لم يكونا تقاسما قبل الحول فهو مثلُ ما في كتاب الزكاة من المدونة أن العامل لا يجب عليه في حظه من الربح زكاةَ حَتَّى يَمرَّ الحولُ عليه من يوم يدفع المال إليه، وإن لم يعمل به إِلَّا قبل أن يحول عليه الحول بيسير، خلافُ ظاهر ما في كتاب القراض منها أن الزكاة تجب عليه في حظه من الربح، وإن لم يحل الحول عليه من يوم دفع إليه إذا كان قد حال الحول على رأس مال رب المال وربحه من يوم أفاد أو زكاة، وهو ظاهرُ قول ابن القاسم في هذه الرواية، وظاهرُ قوله فيها أيضا أن الزكاة تجب عليه في حظه من الربح إذا كان في جملة المال بربحه كله ما تجب فيه الزكاة خلاف المشهور من قوله وروايته عن مالك مثل قول أشهب، وروايته عن مالك ومثل قول سحنون وأصبغ وبالله التوفيق. [: يدفع إلى الرجل مالا قراضا على أن الثلث لرب المال وللعامل الثلثان] من نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج قال: سئل أصبغُ عن الرجل يدفع إلى الرجل مالا قراضا على أنَّ الثلث لرب المال وللعامل الثلثان فيقول العامل بعد القبض والِإشهاد أنا خارجٌ أَكْتَرِي دابة وأخرج، فيقول رب المال: أنا أكري منك دابة على أن تعطني نصف ربحك وهو الثلث، فيكون لي من الربح الثلثان، ويكون لك الثلث، فيقول: نعم فيعمل على ذلك فيربح أو يخسر، مالذي يكون للعامل أو لرب المال. قال أصبغ: أرى أن ينظر إِلَى أمر الدابة وركوبها، فإن كان أمرُها يسيرا ليس بزيادة لها بال إلى سفر من الأسفار كثيرا، أو كثير المؤنة وبال مما لو اشترطها بَدْءا عند أصل

القراض لجاز لخفة ذلك ويسارتِه، فأرى القراض صحيحا، وأرى لرب الدابة شرطه وأراه كفاسخٍ القراضَ الأول، فيقارضه ثانية بزيادة في الشرط؛ لأنه لم يعمل ولم يخرج، وقد كان لرب المال استرجاع ماله على هذا، فهو كقراض مستأنف له كما لو لم يكن بينهما ذكر دابة ولا كراء، فيقارضه على الثلث فلم يخرج حتى بَدَا لرب المال فاستغل ذلك فرجع إليه فسأله أن يزيده في الشرط ويأخذه على النصف أو يرده، ففعل كان ذلك جائزا، وكان ذلك له ولم يكن به بأس، وحمل أمرهما على الأمر الثاني، فكذلك هذا في مسألتك إذا كان أمر الدابة خفيفا مما قد كان يجوز اشتراط مثلها مع القراض ونحوها بمثلها، فإن كان على غير ذلك وكان لها بال وزيادة بينة في القراض وعون كبير يسافر عليها إلى مصرٍ من الأمصار ويحمل عليها الأمر الغليظ الذي يكف غيره من الأكرية ويكون زيادة بينة كبيرة فالقراض فيها فاسد ولو ابْتُدِئ، فكذلك في عاقب مسألتك حين أراد الخروج فجعله له بتلك الزيادة بالشرط وبما يخرج ويستوجب العمل والقراض فهو كالاِبتداء به، وهو فاسد عندي وينقض ما لم يفت، فإن فات بالعمل فهو أجير على قول ابن القاسم في الزيادة إنه بها أجير ويذكره زَعَمَ عن مالك، والربح والنقصان لرب المال، وعليه للعامل إجارة مثله كالرسول والأجير. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إِن القراض ليس بإجارَة تلزم بالقول، وهو يشبه في بعض حالاته الجُعل ويفارقه في أكثر أحواله، فله حكم على حياله يشبه المساقي إلا أنه لا يلزم بالعقد ولا بالقبض، وكل واحد منهما بالخيار ما لم يُشْغَلْ المالُ أو بعضه أو يسافر به، فإن شغله لم يكن له أن يرده ولا كان لرب المال أن يسترده حتى ينض، وكذلك إن سافر به لم يكن له أن يرده في غير البلد الذي أخذه فيه ولا لرب المال أن يأخذه منه بعد أن شخص

مسألة: الزكاة لا تجب عليه في ربحه حتى يحول عليه الحول من يوم قبضه

به، فإذا كانا بالخيار وإن تشاهَدَا على القراض بجزء اتفقا عليه، فجائز أن يتفاسخاه إلَى قراض آخر يبتدئانه على ما يجوز فيه من الشروط وبالله التوفيق. [مسألة: الزكاة لا تجب عليه في ربحه حتى يحول عليه الحول من يوم قبضه] مسألة وسألته: عن المقارض يعمل بالمال منه فيفاصِل صاحبَه ويقتضي حصته من الربح وله مال لا يحمل في مثله الزكاة وقد حال عليه الحول إِلَّا أنه إذا جمع إلى ما ربح في القراض صار ما تجب فيه الزكاة، هل يضمه إلى ربح هذا القراض فيزكيه معه؟ أم يجعل ربح هذا القراض كالفائدة، وإن كان قد أخرج زكاته فيضمه إلى ماله الذي كان في يديه ويستقبل حولا.؟ قال أصبغ: قد أسقطت المأحذ في مسألتك وحجتك، أما تعلم أَنَّ المقارَض الذي ذكرتَ يصير له بعد الحول في ربحه لا ما يجب فيه الزكاة أنه يزكيه وإِن لم يكن مالا، وهذا قول مالك في موطإِه وغيره كثير من قوله وروايةُ أصحابه واجتماعُهم عليه وقولهم به أصلا من أصله وأصولهم، فأين يدخل إن كان له مال؟ هذا ليس بشيء في سؤالك، هذا خطأ والزكاة عليه فيما أصاب بعد أن يكون قد حال المال بيده كما استثنى مالك ما قل منه أو كثر، فلما كان هذا هكذا وَاجِبا لم يكن ذلك مالا يضيفه إلى فائدة إن كانت عنده لم يجب فيها شيء ولا غيره مما يعيد عند ذلك فافهم إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة في نوازل أصبغ من كتاب زكاة العين، وهي ها هنا أكْمَلُ وأبينُ، ومرادُ أصبغ في الموضعين جميعا أن المقارَض لا يضم مالَه من مال قد حال عليه الحول ولا يبلغ ما تجب فيه الزكاة إلى ما ربح في القراض فيزكيه مكانه إن كان يبلغ بإضافته إليه ما تجب فيه الزكاة، وإن كان قد زكى الربح، ولكنه يضيفه إليه ويستقبل به حولا من أجل أن الربح وإن كان قد زكاه فلم يزكه على ملكه وإنما زكاه على ملك رب

مسألة: تمر الحائط المساقي إذا بلغ بجملته ما تجب فيه الزكاة

المال بدليل أنه يزكيه وإِن لم يبلغ ما تجب فيه الزكاة، ولم يذكر في السؤال الحجة التي احتج بها عليه السائل في أنْ يضيف ماله من مال قد حال عليه الحول ولا تجب فيه الزكاة إِلى ربح القراض الذي زكاه فيزكيه مكانه إِنْ كان يبلغ بإضافته إليه ما تجب فيه الزكاة، فَضعَّفَهَا هو وقال له: قد أسقطت المأخذ في مسألتك وحجتك، فيحتمل أن يكون احتج عليه بأن ربح العامل مزكي على ملكه لا على ملك رب المال بقول مالك وابن القاسم: إن الزكاة لا تجب عليه في ربحه حتى يحول عليه الحول من يوم قبضه، فأسقط هو حجته عنده التي احتج بها عليه بأنه لو كان الربحُ الواجبُ له في القراض مزكى على ملكه لما وجب عليه فيه الزكاة وإن كان قد حال عليه الحول من يوم قبضه إِلَّا أنْ يبلغ ما تجب فيه الزكاة، ولعمري إِن الحجة لكل واحد منهما على صاحبه فيما احتج به عليه لازمة له إذا لم يكن حظه من الربح مزكى على ملكه ولا أعتبر فيه النصاب، فيلزم أَلاَّ يعتبر فيه الحول، وهو ظاهر ما في كتاب القراض من المدونة أن المقارض يجب عليه في حظه من الربح الزكاة وإِن لم يقم المالُ بيده حولا إذا كان في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما تجب فيه الزكاة، ولأنه أيضا إِنْ قلت: إِنَّ حظه من الربح مزكى على ملكه ولذلك اعتبرتَ الحول في حقه من يوم قبض المال وصار في يده، فيلزم أن يعتبر فيه النصاب وأَلاَّ تجب عليه فيه الزكاةُ إِلَّا أن يبلغ ما تجب فيه، وهذا القول تأوله محمد بن المواز على ابن القاسم ولا يُوجِدُ له نصا، فالمسألة على كل حال غير راجعة إلى أصل ولا جارية على قياس إذ لم يعتبر في ذلك ملك أحدهما دون صاحبه على انفراد في النصاب والحول كما اشترط فيها الحرية والإِسلام وعدم الدّين ولا ملكهما جميعا في ذلك أيضا، كما اشترط فيهما الحرية والإِسلام وعدم الدين، وقد مضى القولُ على هذا المعنى في رسم أوله مسائل بيوع من سماع أشهب وبالله التوفيق. [مسألة: تمر الحائط المساقي إذا بلغ بجملته ما تجب فيه الزكاة] مسألة قيل له: فالمساقي يصير في حصته من الثمن وَسْقَانِ يجذ من

نخل له ثلاثة أوسق هل يضم جميع ذلك فيزكيه أم لا زكاة عليه إلا في الوسقين؟ قال أصبغ: وهذه أيضا كنت تستدل عليها بمسألة المساقي الذي لا تمر له سواه، تخرج مساقاتُه خمسة أوسق فإنما يصير له بعضها أن عليه أن يزكي ما صار له ولا يسقط الزكاة حين فرضت في الجميع بخمسة أوسق ووجبت كما وجبت في القراض الزكاة عليهما جميعا إذا كان عشرون فصاعدا، فهذه وتلك سواءٌ، على العامل أن يزكي ما كان له واجبا، فلما كان ذلك عليه لم يضف إلى غيره مما لم تجب وكان هذا بزكاته وسنته وهذا بسنته. قال محمد بن رشد: أما المساقاة فلا اختلاف أحفظه في أن زكاة ثمرتها كلها حظ المساقي وحظ رب الحائط مزكاة على ملك رب الحائط لا على ملك العامل، فلا تعتبر شرائط وجوب الزكاة من الحرية والِإسلام والنصاب إلا في حق رب الحائط لا في حق العامل، فالزكاةُ واجبة في تمر الحائط المساقي إذا بلغ بِجُمْلته ما تجب فيه الزكاة أو لم يبلغ بجملته ما تجب فيه الزكاة إلا أن لرب الحائط حائطا غيره فيه من التمر ما إذا أضافه إلى تمر حائط المساقاة وجبت فيه الزكاة إذا كان حرا مسلما، وإن كان العامل في الحائط عبدا أو نصرانيا. وإن جَذَّ المساقي من نخل له ثلاثة أوسق أو أربعة أوسق فلا تجب عليه فيها الزكاة، وإن كان قد صار له في حظه من تمر المساقاة ما إذا أضافه إليها وجبت فيها الزكاة، كان قد زكى ببلوغ تمر الحائط ما تجب فيه الزكاة أو لم يزك؛ لأنه إن كان زكى فإنما زكى على ملك رب الحائط لا على ملكه، وهذا ما لا اختلاف فيه، فكان وجه القياس أن يرد ما اختلف فيه من زكاة حظ العامل من ربح القراض إلى ما اتفق عليه من زكاة حظ العامل من تمر المساقاة ولكنهم لَمْ يَقُولُوا ذلك فانظر فيه وبالله التوفيق.

مسألة: العامل في المزارعة شريك

[مسألة: العامل في المزارعة شريك] مسألة قلتُ: فالمزارع إذا زارع على النصف والثلث أو الربع أو الخمس إذا صار في سهمه مَا لَا تجب فيه الزكاة غيرَ أنه إذا جمع الجميع وجبت فيه الزكاة؟ فقال: هو مثل هذا. قال محمد بن رشد: مسألة المزارع هذه مخالفة للأصول وليست كالمساقاة؛ لأن العامل في المزارعة شريك، ومن قول مالك وجميع أصحابه أنه لا زكاة عليه حتى يبلغ حظه ما تجب فيه الزكاة، لا اختلاف بينهم في ذلك. والمسألة مضروب عليها في كتاب أحمد، وذكر أنها لم تصح لأبي صالح، ويحتمل أن يريد أن المزارع كالمساقي في أنه إذا رفع من زرعه الذي بينه وبين شريكه ما لا تجب فيه الزكاة ولو زرع على انفراد لا تجب فيه إلا أنه إذا أضافه إلى ما رفع مع شريكه وجبت فيه الزكاة أنه لا زكاة عليه فيه، فتصح المسألة على هذا التأويل وإن كان فيه بعدٌ؛ لأن هذا الوجه يستوي فيه المزارع والمساقي وبالله التوفيق. [مسألة: الربح والوضيعة على الربع والثلاثة أرباع] مسألة قيل لأصبغ: أرأيت الرجل يبعث إلى الرجل بمائة دينار يشتري له بها طعاما على أن نصف الربح لرب المال والنصف فيما بينه وبين العامل وشرطا أنَّ ما كان فيه من وضيعة فعلى العامل ربعُ الوضيعة، كيف العمل إن جاء ربح أو وضيعة؟ قال أصبغ: أراه كالسلف وأراه سلفا لرب المال وأرى الربح والوضيعة على الربع والثلاثة أرباع، والعامل إجارة مثله في كفاية الثلاثة أرباع وعنايته والقيام فيها في الاشتراء والبيع. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لما شرط أن له ربح ربع

: اشترى جارية من مال القراض فوطئها فحملت فقال اشتريتها للقراض

المال وعليه وضيعة حَكِمَ له بحكم السلف إذ هذا وجه من وجوه أحكامه، فحمله عليه وصار كأنه أسلفه ربع المال على أن يشتري له طعاما بثلاثة أرباعه ويبيعه له فوجب أن يكون ضامنا لرُبع المال في ذمته، ويكون له إجارة مثله في شرائه الطعام بثلاثة أرباعه وبيعه، ولو عُثِرَ على هذا قبل الشراء لفسخ الأمر بينهما وقبض ماله، ولو لم يعثر عليه إلَّا بعد أن اشترى الطعام وقبل أنْ يبيعه لوجب أن يُقاسِمه الطعامَ فيأخذ ثلاثة أرباعه ويعطيه أُجرةَ مثله في ابتياعه، ويأخذ منه ربع المائة دينار يتبعه بذلك دينا ثابتا في ذمته، يُباع عليه فيها حصته من الطعام، وما سوى ذلك من ماله وبالله التوفيق. [: اشترى جارية من مال القراض فوطئها فحملت فقال اشتريتها للقراض] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: قال ابن القاسم في رجل اشترى جارية من مال القراض فوطئها فحملت، فقال: اشتريتها للقراض، قال: لا لأنه يتهم أن يكون أراد بيع أم ولده، قيل له: فإن أتى على ذلك بشاهدين أنه اشتراها للقراض؟ قال: تباع. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم لا قسامة في العبيد من سماع ابن القاسم وفي رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: يأخذ الخمسين متاعه من صاحب المال إن كان قد أشهد على المقارض] مسألة وقال ابن القاسم في رجل دفع إلى رجل مائة دينار قراضا فخسر فيها خمسين، فأتى إلى أخ له فأخبره بما خسر وقال: إني أحب

مسألة: شرط خلط مال القراض بغيره

أن تسلفني خمسين دينارا حتى أريها صاحبي فتطيب نفسه، فإذا رآها أعطيتُك مالك فلما دفع احتبَس صاحبُ المال مالَه أترى إن قام بخمسين على صاحب المال أن يأخذها، فقال: نعم إذا كان قد أشهد على ذلك وأخبر بما خسر. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن له أن يأخذ الخمسين متاعه من صاحب المال إن كان قد أشهد على المقارض بما ذكر من أنه خسر في المال، وأنه دفعها إليه على الوجه الذي ذكره، وذلك إذا كان ما ادعاه من خسارة الخمسين يشبه، ويكون القول قوله في ذلك مع يمينه ولو لم يشبه قوله أو نكل عن اليمين أو لم يُعرف قوله إلا بإقراره به على نفسه بعد دفع المال لم يكن لصاحبه إليه سبيل إلا أن يعرف المال بعينه أنه له ببينة عدلة لم تفارقه وبالله التوفيق. [مسألة: شرط خلط مال القراض بغيره] مسألة وعن رجل دفع إلى رجل ألف دينار فأخرج الرجل من عنده مائة فكان صاحب المائة هو الذي عمل في المَال، والربح بينهما، فكانا يتحاسبان كل سنة فيتقسمان ذلك، ثم إنه خسر في آخر ذلك، قال: يرد ما ربح من أول ثم يقتسمان الربح على عدة المال ويكون للعامل صاحب المائة أجرة عمله في الألف. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه دفع إليه ألف دينار على أن يضيف إليها مائة من ماله ويعمل بها ويكون الربح بينهما بنصفين فَرآهُ قراضا فاسدا رَدَّهُمَا فيه إلى إجارة المثل، ولذلك قال في الجواب يرد ما ربح من أول ثم يقتسمان الربح على عدة المال ويكون للعامل صاحب المائة أجرة عمله، والفساد في ذلك إنما هو بما وقع فيه من شرطِ خَلْطِ مال القراض إلى ماله لا بما شرط عليه من أن يكون له نصف ربح الجميع؛ لأن ذلك يرجع إلى جزء

مسألة: دفع إلى رجل مالا قراضا فابتاع به سلعة فقال صاحب المال قد نهيتك عنها

معلوم كَأَنّهُ دفع إليه ألفه قراضا على أن يكون له من الربح خمسة أعشاره ونصف عشره، وذلك خلافُ مذهبه في المدونة؛ لأن الذي يأتي على مذهبه فيها في شرط خلط مال القراض بغيره أن يُرَدَّ العاملُ فيه إلى قراض مثله وهو قول ابن حبيب؛ لأنها منفعة داخلة في المال غير خارجة عنه ولا منفصلة منه. وقد قيل: إن ذلك يكره فان وقع مضى، وهو قول أصبغ وروايتُه عن ابن القاسم، وقيل: يجوز ابتداء وهو قول أشهب. فالذي يأتي في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم في المدونة أَنْ يُرَدّ العاملُ إلى قراض مثله في الألف للأعوام كلها، وتجبر الخسارة في العام الآخِر من ربح الأعوام المتقدمة كما قال، إلّا أن يكون كلما حاسبه وقبض حصته من الربح قال له: اعمل بما في يدك قراضا مُؤْتَنَفا فلا يجبر ما خسر بعد ذلك من الربح المتقدم على ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وغيرهما من أصحاب مالكٍ إلّا ابن القاسم، وأما على مذهب ابن القاسم في المدونة فهما على القراض من أول ما دفعه إليه، وإن حاسبه في كل سنة وقبض حصته من الربح، وقال له: اعمل في يديك قراضا مؤتَنفا، وكذلك على مذهبه الذي قد نص عليه، وإن أحضر المالَ ما لم يدفعه إليه ثم يرده عليه على قراض مؤتنف، وقد قيل: إنهما على القراض الأول إذا رده إليه في الحين حتى يطول الأمر ويبرأ من التهمة، وقد مضى هذا المعنى في سماع سحنون وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إلى رجل مالا قراضا فابتاع به سلعة فقال صاحب المال قد نهيتك عنها] مسألة وعن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فابتاع به سلعة فقال صاحبُ المال: قد نهيتك عنها، ويقول العاملُ: لم تَنْهَنِي عنها، قال: يحلف العاملُ أنه ما نَهَاهُ ويكون القولُ قولَه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه رب المال مدع عليه العدا ويريد تضمينه، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وبالله التوفيق.

مسألة: المقارض يشتري المتاع بنظرة أيام

[مسألة: المقارض يشتري المتاع بنظرة أيام] مسألة وسئل: عن المقارَض يشتري المتاع بنَظِرَةِ أيَّامٍ، قال: لا خير فيه؛ لأنه يضمن ذلك الدَّين إذا تلف، وَإن ربح فيه أعطاه نصف الربح. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا اشترى سلعا بجميع المال فليس له أن يشتري متاعا بنظرةٍ على القراض، فإن فعل لم يكن له المتاع على القراض، وكان الربحُ له والوضيعة عليه، وهذا قوله في كتاب ابن المواز وهو ظاهر ما في المدونة، وإن أذن له رب المال في ذلك إلا أن يأذن له في أن يشتري على القراض على أنه إن ضاع مالُ القراض كان ضامنا لذلك في ذمته فيجوز وتكون السلعة على القراض، ولا يقام من قوله في هذه الرواية إن ربح فيه أعطاه نصف الربح أنه إن فعل ذلك يكون المتاع على القراض فيكون الربح بينهما والنقصان على القراض؛ لأن المعنى في ذلك إنما هو أنهما عملا على ذلك ولا خير فيه، فلا يكون الحكمُ في ذلك على ما عملا عليه وكان الرب للمقارَض والنقصان عليه، وهذا في غير المُدِير وأما المُدِيرُ فله أن يشتري على القراض بالدين إلى أن يبيع ويقضي، وقد مضى هذا المعنى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: حضروا المحاسبةَ فجاء بماله كله إلا عشرا دنانير بقيت في دين] مسألة قلت له: أرأيت لو حضروا المحاسبةَ فجاء بماله كله إلا عشرا دنانير بقيت في دين، فقال صاحب المال: أنا آخذ هذه السلعة بعشرة دنانير تكون دينا لك علي، قال: لا خير فيه، قيل له: أرأيت إن جهلا ذلك حتى عملا به وفات المتاع، قال: أرى عليه قيمة المتاع. قال محمد بن رشد: قد مضى القّول على هذه المسألة والاختلافُ

مسألة: ابتاع تجارة أو سلعة ليسافر بها فمات رب المال

فيها مستوفى في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإِعادته، وقد مضت المسألة أيضا في رسم تأخير صلاة العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم، وفي رسم القطعان من سماع عيسى وبالله التوفيق. [مسألة: ابتاع تجارة أو سلعة ليسافر بها فمات رب المال] مسألة وعن رجل دفع إلى رجل مالا يعمل فيه فيسير في سفره، ثم يبدو لصاحب المال فيريد أخذ ماله فيُدْركُه في بعض الطريق فيأخذ ماله على من ترى نفقة العامل وهو راجع؟ قال: على صاحب المال حتى يرجع إلى أهله. قال محمد بن رشد: هذا خلافُ ما في المدونة إلا أن يريد هنا أن العامل رضي بذلك، قال محمد بن المواز: وكذلك لو ابتاع تجارة أو سلعة ليسافر بها فمات رب المال فليس للورثة ولا للوصي منعُه إلا أن يرى الإمام لذلك وجها، قال أحمد: ما لم يكن سفرا يطول أمره جدا، وأما إذا أراد الوصي أخذ المال وبعضه عين لم يكن ذلك له حتى ينض جميعه، ولا ينبغي للعامل أن يُحْدِثَ فيه حدثا يريد أنه ليس له بعد موت رب المال أن يشتري بالمال إذا كان لم يشتر به شيئا بعدُ وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إلى رجل عشرة دنانير قراضا وآخر عشرين فاشترى بها سلعتين] مسألة قال: ولو أن رجلا دفع إلى رجل عشرة دنانير قراضا ودفع إليه آخر عشرين دينارا قراضا فاشترى بها سلعتين لا يدري بأيتهما اشترى واحدة منهما، قال: فإنهما بالخيار إن أحبا أن يضمناه السلعتني ويأخذا أموالهما فَعَلا، وإن أحبا أن يأخذا السلعتين فَعَلاَ فإن أخذاهما بيعتا لهما، فأعطى كلُّ واحد منهما رأس ماله وأعطى المقارض ربحه إن كانا أعطيا على النصف أخذ نصف الربح واقتسماه جميعا

مسألة: اشترى سلعة بالمائة التي كانت قراضا في يديه فباع نصفها بمائة دينار

الباقي على قدر أموالهما وإن ضمناه مالهما وبرئا من السلعتين فإن كانا فيهما نقصانٌ فعليه النقصان، وله الربح إن كان فيهما ربح، قال أبو زيد: أخبرني ابنُ كنانة وابن القاسم في هذه المسألة على نحو هذا. قال ابن القاسم إلا أن تكون أدنى السلعتين خيرا من عشرين أو ثمن عشرين فلا خيار لهما، فيكونان على قراضهما على قدر أموالهما؛ لأنهما ليس لهما في هذا كلام يقول أحدُهما: لا أدري أيتهما سلعتي، وهذه السلعة قد نقصت من عشرين، فإذا كانت أدنى السلعتين أدنى من عشرين بيعتا فأخذ صاحبُ العشرة عشرته وصاحب العشرين عشرتيه وكان الفضل بينهما على قدر رؤوس أموالهما، وكان للعامل في كل مال من الربح ما اشترط. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى الكلام عليها في نوازل سحنون بما لا مزيد عليه وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى سلعة بالمائة التي كانت قراضا في يديه فباع نصفها بمائة دينار] مسألة وسئل ابن القاسم: عن رجل دفع إلى رجل مائة دينار قراضا فعمل فيها ثمانية أشهر ثم تحاسبا فجاءه برأس ماله وبقي الربح في سلعته ثم بيعت السلعة عند رأس الحول فصار للعامل عشرون دينارا؟ فلا زكاة عليه، ويستقبل بها حولا، قيل له: أرأيت لو أن العامل اشترى سلعة بالمائة التي كانت قراضا في يديه فباع نصفها بمائة دينار ودفع إلى صاحب المال، وقال صاحب المال: أقر نصف تلك السلعة قراضا بيني وبينك؟ قال: لا خير فيه إنما هي الآن شركة ولا يصلح إلَّا أن يعملا فيها جميعا، قلت له: أرأيت لو أن العامل عمل

في المائة ثمانية أشهر فجاءه بخمسة وتسعين دينارا وبقيت خمسة من المائة وما ربح في سلعة، وأنفق صاحبُ المال الخمسة والتسعين أو لم ينفقها، ثم باع تلك السلعة عند رأس الحول بخمسة وعشرين؟ قال: إن كان صاحب المائة أنفق الخمسة وتسعين لم يكن عليه زكاة الخمسة عشر الدينار التي يأخذها من مقارضه ولا على العامل، وإن كان لم ينفق الخمسة وتسعين فإنه يضم الخمسة عشر إليها فيزكيهما جميعا، ولا زكاة على العامل في العشرة حتى يحول عليها الحولُ. قال محمد بن رشد: قولُ ابن القاسم في هذه الرواية إنه إذا قبض رب المال جميع ماله قبل الحول ثم صار للعامل بعد الحول من السلعة الربح التي كان أبقاها بيده عشرون دينارا فلا زكاة عليه فيها، ويستقبل حولا ظاهرُه خلافُ ما تقدم من قوله في، سماع سحنون: إنه سواء قبض رب المال قبل الحول جميع رأس المال أو بعضه إن صار لرب المال بعد الحول في نصيبه من الربح ما تجب فيه الزكاة أو فيما أبقاه بيده من رأس ماله مع حصته من الربح ما تجب فيه الزكاة وجبت على العامل في حصته الزكاة؛ لأنه إذا كان في حظ العامل من الربح عشرون دينارا كان في حظ رب المال منه مثلُ ذلك إلَّا أن يتأول أن الربح كان بينهما على الثلث لرب المال والثلثين للعامل فلا يكون قولُه في هذه الرواية على هذا التأويل مخالفا لقوله في سماع سحنون، وهو تأويل محتمل، غير أنه لم يره محمد بن المواز وذهب إلى أنه إذا قبض رب المال من العامل قبل الحول جميعَ رأس ماله فلا زكاة على العامل في حظه من الربح الذيِ أبقاه بيده إلى أن حال عليه الحول، وإن صار في حظ كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة. وأما إن قبض رب المال من العامل قبل الحول بعض رأس المال وأبقى بيده بعضا فصار له بعد الحول فيما أبقاه بيده من رأس ماله وفي حصته من الربح ما تجب فيه الزكاة فإنه يجب على العامل في حصته الزكاة قلت: أو كثرت

مسألة: دفع إلى رجل مالا قراضا فاشترى العامل سلعة فبارت عليه

وهذا ما لم يختلف فيه قول ابن القاسم، وأما إن كان لم يبلغ ما أبقاه بيده من رأس ماله مع حصته من الربح ما تجب فيه الزكاة فزكاه، وذهب محمد بن المواز إلى أنه إذا كان قد بقي بيد رب المال مما قبض قبل الحول ما إذا أضافه إلى الخمسة التي أبقاها بيده من رأس ماله وإلى العشرة التي وجبت له من الربح فزكاها وجب على العامل أن يزكي من العشرة التي وجبت له من الربح ما يقع منها للخمسة التي أبقى بيده من رأس المال، وذلك نصف دينار؛ لأن رأس المال مائة فالخمسة التي أبقى بيد العامل منها نصف عشرها ونصف عشر الربح دينار له منه نصفه فيخرج زكاة نصف دينار من العشرة الربح التي صارت له، وذلك تَنَاقض إذ لا فرق فيما يجب على العامل في حظه من الزكاة بين أن يجب على رب المال زكاةُ ما أبقى بيده مع ما يصير له من الربح ببلوغ ذلك ما تجب فيه الزكاة، أو بإضافته إلى ما بقي بيده مما قبض منه قبل الحول. وقولُه: إذا قال رب المال: أقر نصف تلك السلعة قراضا بيني وبينك إنّ ذلك لا خير فيه؛ لأنها شركة ولا تصلح إلا أن يعملا فيها معناه إذا قال له: اعمل بها كلها قراضا على أن يكون لك نصف الربح ولي النصف إذْ هي مشتركة بينهما بنصفين، وأما لو أراد أن يعمل بها كلها فتكون حصته منها هي القراض فيكون له ربح الجميع لما كانت شركة، ولكان قراضا فاسدا من جهتين؛ أحدهما: القراض بالعروض. والثاني: اشتراطُه عليه أن يضيف العاملُ ماله إلى مال القراض فيعمل بهما معا، وقد مضى حكم القراض بالعروض في غير ما موضع فلا معنى لِإعادة ذكره وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إلى رجل مالا قراضا فاشترى العامل سلعة فبارت عليه] مسألة وقال ابن القاسم في رجل ممن يُدِيرَ دفع إلى رجل مالا قراضا فاشترى العامل سلعة فَبَارَتْ عليه فَحَلّ حولُ صاحب المال أترى أن تقَوّمَ السلعة التي بيد مقارَضه؟ قال: لا؛ لأنه لا يدري أيربح أم

يخسر؟ ولكن إذا قبض ماله زكاه لِمَا مضى من السنين، وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: قولُه: فاشترى العامل سلعة فبارت عليه دليلٌ على أنه كان مديرا وإذا بارت على المدير سلعته فلا يخرج بذلك عن حكم الِإدارة، فإذا كان في حكم المدير وإنْ بارت عليه سلعته وجب ألّا يقوم رب المال مع ماله الذي يدير ما بيد مقارَضه إذا كان يدار على ما في كتاب القراض من المدونة وفي غيرها من أنّ مال القراض لا يزكى إلّا عند المفاصلة وإن أقام بيد العامل أعواما فيزكيه عند المفاصلة، لِمَا مضى من الأعوام على قيمته ما كان بيده في كل عام زادت قيمته في كل عام أو نقصت، وقيل: إنه إن نقص في العام الثاني عَمّا كان عليه في العام الأول زكاة للعام الأول على ما رجع إليه في العام الثاني إلّا ما نقصته زكاة العام الأول، وإنما يقوم رب المال في كل عام ماله بيد مقارَضه إذا كان هو يديرُ والعامل لا يدير قيل: فيزكي رأس ماله وحصته من الربح خاصة دون حصة العامل منه، وهو قول ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب زكاة العين، وقيل: بل يزكي رأس ماله وجميع الربح وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وقد فَرَغْنَا من تفسير هذه المسألة في غير هذا الديوان والحمدُ لله رب العالمين. تم كتاب القراض

: كتاب الوصايا الأول

[: كتاب الوصايا الأول] [مسألة: الرجل إذا استخلف على تنفيذ وصيته وارثا من ورثته] من سماع ابن القاسم من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم سمعت مالكا قال في الرجل يوصي بأن يُعتق عنه وأن يُحْمَلَ بمال في سبيل الله ويستخلف على ذلك وارثا فيريد بعضُ الورثة أن يُنَفذ ذلك وينظرَ فيه معه، قال: إن كان وارثا رأيت ذلك عليه، وإن لم يكن المستخلَف وارثا فليس ذلك عليه إلا فيما تبقى منفعته للورثة: العتق وما أشبهه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أنّ الرجل إذا استخلف على تنفيذ وصيته وارثا من ورثته فليس له أن يغيب على تنفيذ ذلك سائرُهُم ولمن قام منهم أن ينفذ ذلك وينظر معه فيه مخافة أن يكون أوصى لهم بالوصية، والوصيةُ للوارث لا تجوز إلّا أن يجيزها الورثة، وسواء له سمّى له الميت ما يُنَفِّذُها فيه من عتق أو صدقة مال في السبيل أو بما سوى ذلك من وجوه البر على ما في هذه الرواية، أو كان قد فَوّض إليه جعل ذلك حيث أراه الله على ما قاله في رسم الشريكين بعد هذا، وأنه إذا استخلف على ذلك غيرَ وارث فليس عليه أن ينفذ شيئا من ذلك بحضرتهم ولا لهم أن يكشفوه عن

ذلك. قال في الرواية: إلَّا فيما تبقى منفعتُهُ للورثة العتق وما أشبهه، والمنفعة التي تبقى في العتق هو الولاء الذي ينجر عن المتوفى إلى من يرثه عنه، فلا يختص بذلك الورثة دون غيرهم؛ إذ قد يرثه من لا ينجر إليه من الولاء بشيء، ومن البنات والأخوات والزوجات والأمهات والجدات، وقد ينجر إلى من لا يرثه ممن حجب مِن ميراثه من الإِخوة والعصبة، فلا حق في كشف الوصي الأجْنَبِيّ عن العتق، إِنما هو لمن ينجر إليه الولاء عن الميت، وإن لم يكن وَارِثا له ولا كَلام في ذلك لمن لا ينجر إليه الولاء عنه وإن كان وارثا له، والذي يشبه العتق في بقاء المنفعة فيه للورثة هو الإِخدام والتعمير والتحبيس، فأما الإِخدام والتعمير فالحق فيه لجميع ورثته؛ لأن المرجع في ذلك إليهم، وأما التحبيس فمنها ما يرجع إلى أقرب الناس بالمحبس، ومنه ما يُخْتَلَفُ هل يرجع إلى ورثته أو إلى أقرب الناس به حسبما مضى تحصيلُهُ في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس، فالحق في الحبس الذي يرجع إلى أقرب الناس بالمحبس لمن يرجع إليه منهم، والحق في الحبس الذي يختلف فيه هل يرجع إلى ورثته أو إلى أقرب الناس به لجميع ورثته وقرابته من الرجال والنساء من قام منهم كان له كشفه عنه حتى يعلم أنه قد أنفذه لِمَا قد يكون له فيه من المنفعة باتفاق أو على اختلاف، وهذا في الوصي المأمون، وأما غير المأمون فيكشف عن الوصايا كلها من العتق والصدقة بالعين وغير ذلك على ما قاله في رسم الوصايا من سماع أشهب بعد هذا: إِن السفيه المُعْلِنَ المارِق يُكْشَفُ عن كل شيء الصدقة وغيرها وهو محمول على أنه مأمون حتى يثبت أنه غير مأمون، ومن هذا المعنى كشف المرأة الموصى إليها بولدها إذا تزوجت حسبما يأتي القولُ فيه في رسم حلف ورسم كتب عليه ذكر حق من هذا السماع وباللَّه التوفيق.

مسألة: أوصى بثلث ماله يجعله حيث أراه الله

[مسألة: أوصى بثلث ماله يجعله حيث أراه الله] مسألة قال مالك: إذا أوصى بثلث ماله يجعله حيث أراه الله فليجعله في سبيل الخير، وإن قال حيث شئت أو أَحْبَبْتَ فصرفه إلى أقاربه يعني أقاربَ الموصي أو إخوته فلم يُجِزْ الورثة ذلك فهي مردودة على كتاب الله. قال ابن القاسم: إذا قال له حيث شئت فجعلها في بعض ورثة الميت، قيل له: اتق الله اجعلها في غيرهم، فإن أبَى إلّا فيهم ولم يُجِزْ ذلك الورثةُ كانت على موروثه على فرائض الله، قلت: ولا يجبره السلطان أن يجعلها في سبيل الخير، قال: لا ليس للسلطان في ذلك كلام. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إنه إذا أوصى إليه بثلث ماله يجعله حيث أراه الله أنه يجعله في سبيل الخير؛ لأنه لم يجعل الأمر في ذلك إلى اختياره، وإنما وكله إلى اجتهاده في أفضل وجوه البر وليس له أن يأخذه لنفسه ولا لولده ولا لِأحَدٍ من قرابته على ما قاله في رسم الشريكين بعد هذا وفي المدونة، بخلاف إذا قال له: اجعله حيث شئت أو حيث أحببتَ هذا إن أعطاه لولده أو لمن شاء من قرابته جاز ذلك؛ لأنه قد جعل الأمر فيه إلى اختياره، فله أن يفعل فيه ما شاء ما عدا أن يجعله لبعض ورثة الموصي فلا يجوز ذلك له إلّا أن يجيزه الورثة؛ لأنه يتهم أن يكون الميتُ أمره بذلك فتكون وصية لوارث. فمعنى قوله: فصرفه بعض إلى أقارب الموصى أو إخوته أي أقاربه وإخوته الذين من ورثته، ولو صرفه إلى أقاربه وإخوته وهم ليسوا من ورثته لجاز ذلك، لا فرق بين أن يصرفه لقرابته نفسه أو لقرابة الموصي إذا لم يكن وارثا له، وقول ابن القاسم: إنه إن جعلها في بعض ورثة الميت قيل له: أتق الله اجعلها في غيرهم، معناه ما لم يبتل ذلك لهم فإن بتله لهم فلم يجز ذلك الورثة كانت موروثة على فرائض الله على ما قاله مالك، فقول ابن القاسم ليس بخلاف لقول مالك والله الموفق.

مسألة: أوصى بدين لوارث أو غير وارث وأوصى بعتق فأبطل ذلك الدين

[مسألة: أوصى بدين لوارث أو غير وارث وأوصى بعتق فأبطل ذلك الدين] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال فيمن أوصى بدين لوارث أو غير وارث، وأوصى بعتق فأبطل ذلك الدينُ ولم يَجُزْ لمن أقر له به، فإن ذلك العِتْقَ لا يكون إلّا في الثلث ما يبقى بعد ذلك الدين، ولا تدخل الوصايا في شيء من ذلك الدَّين، فإذا أوصى بوصايا لوارث أو غير وارث عتق العبد ولم تضره الوصايا قال ابن القاسم: وفرق بين الدين والوصايا في هذا؛ لأن الرجل إنما يوصي فيما بعد الدين فإن كان صادقا أو كاذبا لم يكن للعبد حجة إلّا فيما بعده؛ لأن الرجل لو قال: أعتقوا عبْدي بعد مائة دينار تدفعونها إلى وصيه له بدأه على ذلك جاز أو لم يجز لم يعتق العبد إلا بعد تلك المائة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها؛ لأن قوله فيمن أوصى بدين لوارث، أو غير وارث معناه فيمن أقر بدين لوارث أو غير وارث؛ وقد بين ابن القاسم وجه قول مالك فيها بما لا مزيد عليه فلا وجه للقول فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: مات وقد أوصى بعتق بعض رقيقه فمرض بعضهم] مسألة قال مالك فيمن مات وقد أوصى بعتق بعض رقيقه فمرض بعضهم إنه يُقَوَّمُ مريضا ولا ينتظر به الصحة مخافة أن يموت إذا جمع المال. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: لأن الميت إذا مات وجب تنفيذ ما أوصى به من العتق وغيره، فوجب ألّا يؤخر ذلك من أجل مرضه. [مسألة: الوصية لا تجوز إذا أبقاها بيده ولم يخرجها إلى غيره] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال في رجل أوصى وأشهد

في وصيته: أنه إن هلك من مرضه ذلك أو فيما بينه وبين سنة بكذا وكذا، ثم سَلِمَ وجاز الأجل ثم هلك والوصية كما هي لم يغيرها ولم يوص بغيرها أنها جائزة ولا ينقضها توانيه ذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل أحد قولي مالك في رسم سلعة سماها بعد هذا. والقول الثاني: أن الوصية لا تجوز إذا أبقاها بيده ولم يخرجها إلى غيره. وتحصيل القول في هذه المسألة: أن الرجل لا يخلو في حين وصيته من حالين؛ أحدهما: أن يكون صحيحا دون مرض أصابه ولا سفر أراده وإنما أوصى لما جاء من التَرغِيب في استعداد الوصية. والثاني: أن يكون أوصى في مرض أصابه أو عند سفر أَراده لغزو أو غيره. فأما إذا أوصى في صحته دون سفر ولا مرض فَسَوَاءٌ قال فيها متى مَا مِت أو إن مت أَوْ إذا مت، وسواء أشهد على ذلك بغير كتاب أو بكتاب أقره عند نفسه أو وضعه عند غيره، ينفذ على كل حال متى ما مات إلّا أن يكون استصرف الكتاب بعد أن وضعه عند غيره فتبطل بذلك وصيته وكذلك إن أوصى في مرض أصابه أو عند سفر أراده، فقال في وصيته: متى ما مت وأما إن كان أوصى في مرض أصابه أو عند سفر أراده لغزو أو غيره فقال في وصيته إن مت ولم يزد، أو قال من مَرَضِي هذا أو سفري هذا أو قال يُخْرَجُ عني كذا وكذا ولم يذكر الموت بحال، فإن كان أشهد بذلك من غير كتاب فلا ينفذ الوصية إلّا أن يموت من ذلك المرض أو في ذلك السفر، وأما إن كان كتب بذلك كتابا وضعه عند غيره فإنها تنفذ على كل حال متى مات، وإنْ مات من غير ذلك المرض وفي غير ذلك السفر، واختلف قولُ مالك إن أقر الكتاب عنده ولم يضعه عند غيره فمرة قال: ينفذ على كل حال متى ما مات، وَمَرّة قال لا ينفذ إلا إن مات من ذلك المرض أو في ذلك السفر. وجه القول الأول أن الوصية لما لم يكن لتنفيذها بمرض بعينه أو سفر بعينه قُرْبَةٌ في البر والأجر على غيره وكتب بذلك كتابا أقره عند نفسه بعد صحته من مرضه أو قدومه من سفره دل ذلك على أنه أراد إبقاء الوصية على حالها، ولعله لم

مسألة: أوصى لقرابته أو ذوي قرابته

يقصد أوّلا إلى تقيدها بذلك السفر أو المرض بعينه، وإنما ذكره دون غيره لغالب ظنه أنه يموت فيه، ووجه القول الثاني اتبَاع ما يقتضيه ظاهر اللفظ من التقييد، فالقول الأول أظهرُ من جهة المعنى، والثاني أظهر من جهة اللفظ، وكذلك إن قال وهو صحيح دون مرض أصابه ولا سفر أراده إن مت في هذا العام فيخرج عني كذا وكذا هو بمنزلة إذا قال إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا، وأشهب يقول: إن قيدها بمرض بعينه، فيجوز إن مات من مرضٍ غيره ولا يجوز إن مات في غير مرض وإن قيدها بسفر بعينه فيجوز إن مات في سفر غيره ولا يجوز إن مات في غير سفر، وهو قول بعيد في النظر وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لقرابته أو ذوي قرابته] مسألة قال مالك فيمن أوصى لِقَرَابَتِهِ أو ذوي قرابته قال: لا أرى أن يدخل ولد البنات في ذلك. قال عيسى بن دينار: وينظر في ذلك على قدر ما يرى قريبا لم يترك من قرابته غيرها ولا يعني ولد البنات وولد الخالات. قال محمد بن رشد: قولُ مالك لا أرى أن يدخل في ذلك ولد البنات، ظاهره وإن لم يبق من قرابته من قبل أبيه يوم مات سواهم، وهو قول ابن القاسم في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس خلافُ قول عيسى بن دينار، ولأشهب في رسم أسلم من سماع عيسى بعد هذا أنه استحب أن يدخل في ذلك قرابتُهُ من قبل الرجال والنساء لأبيه وأمه، ومثله لابن أبي حازم في المدنية أنهم في ذلك شركاء شَرعا سواء لا يُفضل منهم أحد على صاحبه. فهي ثلاثة أقوال في المذهب؛ أحدها: أنه لا دخول في ذلك لِقَرَابَتِهِ من قبل النساء بحال وهو قول ابن القاسم. والثاني: أنهم يدخلون في ذلك بكل حال وهو قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما عن مالك وحكى ابن حبيب: أنه

مسألة: يوصي بمائة دينار نقدا ولأخر بمائة دينار سلفا فلم يحمل ذلك ثلثه

قول جميع أصحاب مالك. والثالث: قول عيسى بن ينار: أنه لا يدخل في ذلك قرابته من قبل النساء إلّا ألّا يبقى من قرابته من قبل الرجال أحد. وأما إن لم يكن له يوم أوصى قرابة إلّا من قبل النساء فلا اختلاف في أن الوصية تكون لهم على ما قاله ابن القاسم في رسم أسلم بعد هذا، وعلى ما قال أيضاَ في الواضحة من رواية أصبغ عنه، قال: وكذلك إن كانوا قليَلا الواحد والاِثنين. ويختلف هل يقسم ذلك بينهم بالاجتهاد أو على السواء؟ والقولان لابن القاسم في كتاب الوصايا، واختار سحنون إذا كان المال ناجزا أن يقسم بينهم بالسوية بخلاف غلة الحبس، وحكى ابن حبيب في الواضحة من رواية مطرف عن مالك أنه يقسم على الأقرب فالأقرب، والأحوج فالأحوج على قدر الحاجة وقرب القرابة كما يقسم الأحباس، ولا يلزم عمومهم على هذا القول، وإنما يُسْتَحْسنُ ذلك ومثلُهُ في رسم الوصايا والأقضية من سماع أصبغ أراه لابن وهب والله اعلم، وأما على القول بأنه يقسم بينهم بالسوية إذا كان يحاط بمعرفتهم فيلزم عمومهم وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بمائة دينار نقدا ولأخر بمائة دينار سلفا فلم يحمل ذلك ثلثه] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال في الرجل يوصي بمائة دينار نقدا وَلأخَرَ بمائة دينار سلفا فلم يحمل ذلك ثُلثُه، قال: إن لم يجز ذلك الورثة نُظِرَ إلى قيمة ربحها مُعَايَنَة فيحاص بها، وكان ما صار له في حصته بَتْلا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن معنى السلف الانتفاع به للتجر وغيره، فَيُنْظَرُ إلى ما يربح في المائة السلف إلى ذلك الأجل فيكون ذلك القدر كأنه هو الذي أوصى له به فيحاص به، ومثلُهُ في المجموعة لابن وهب وَعَلِيٍ عن مالك، وقال عنه علي: إلّا أن يكون أكثرَ من نصف الثلث فلا

مسألة: أوصى عند موته بعتق مكاتبه وأن يكاتب غلام له آخر فلم يحمل ذلك الثلث

يزاد ولا تكون المائة سلفا أكثر من مائة بتلا، وهو يحمل على التفسير لرواية ابن القاسم هذه وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى عند موته بعتق مكاتبه وأن يكاتب غلام له آخر فلم يحمل ذلك الثلث] مسألة قال ابن القاسم: وسمعتُ مالكا قال فيمن أوصى عند موته بعتق مكاتبه وأن يُكَاتَبَ غلامٌ له آخر فلم يحمل ذلك الثلثُ: إنه يبدأ بالمكاتب الذي اعتق؛ لأنه عجل له العتق ولأنه لا يدري أتتم كتابة الآخر وعتقه أم لا. قال محمد بن رشد: هذا بين صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها من أن الثلث إذا ضاق عن الوصايا يبدأ الأوْكَدُ فالآكد منها فإن استوت في التأكيد حوص فيما بينها وبالله التوفيق. [: الربح للأيتام والضمان عليهم] ومن كتاب قطع الشجر قال مالك في الذي يوصي إلى رجل بولده ويترك ثلاثمائة دينار ويأمر الوصي أن ينظر لهم فيها، فيتجر لهم فيها الوصي فتصير ستمائة دينار، ثم يأتي دين على الميت ألفُ دينار، أترى أن تدخل الستمائة دينار كلها في الدين؟ وذلك أن الستمائة دينار لو أنفقها الوصيُ على الورثة لم يضمنها الوصي له، ولم يضمنها له الورثةُ المُوَلّى عليهم، ولو كان الورثة كبارا كلهم لا يولي عليهم وليس

: يدفع إليه السلطان مال الغلام المولى عليه فيحسن حاله فيدفعه إليه

مثلهم يولي عليهم باعوا مالَ الميت ثم تَجِرُوا بما نَضّ في أيديهم من المال لم يكن عليهم إلا ما كان نض في أيديهم، ولهم نماؤُه وعليهم نقصانه، وكذلك ما غابوا عليه من العين، وأما الحيوان الذي ورثوه ثم نما أو تلف فإنه ليس عليهم ضمان ما مات من ذلك إذا مات بأيديهم. قال ابن القاسم: أخبرني بهذه المسألة من أثق به عن مالك، ولم اسمعها أنا من مالك. قال محمد بن رشد: المخزومي يرى الربح للأيتام والضمان عليهم وسواء كان الذي ترك المُتوفي ناضا أو عروضا فباعها الوصي وتجز فيها للأيتام، وفرّق ابنُ الماجشون بين العين والعروض، فقال في العين كقول ابن القاسم، وقال في العروض كقول المخزومي، والاختلاف في هذا مَبني على اختلافهم في الدين الطارئ على الميت هل هو متعين في عَيْنِ التركة أو واجب في ذمة الميت، وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب المديان والتفليس لتكرر المسألة هناك فاكتفينا بذلك عن إعادتها هنا مرة أخرى والله الموفق. [: يدفع إليه السلطان مال الغلام المولى عليه فيحسن حاله فيدفعه إليه] ومن كتاب أوله سلعة سماها وسئل عن الرجل يدفع إليه السلطان مال الغلام المولى عليه فيحسن حاله فيدفعه إليه أترى أن ذلك بمنزلة الوصي إذا رأى من حال وليه ما يرضيه فيدفعه إليه؟ قال: إن ذلك عندي لخفيف، أما كل من يَبِينُ أمرُهُ في سِنِّهِ وفضله فلا أرى عليه شيئا، وأراه يشبه الوصي في ذلك، وأما كل من كان فيه شك فلا أراه مثله وكأنه يراه ها هنا ضامنا إلّا أن يكون ممن لا يشك فيه فلا يرى عليه شيئا فأراه مثل الموصي.

مسألة: يقول أنفقوا على فلان ما عاش فيغرق له مال فيموت

قال محمد بن رشد: ظاهرُ هذه الرواية أن الموصى من قبل الأب يجوز إطلاقُه مَن إلى نظره من الوِلَاية، وُيصَدَّق فيما يذكر من حاله، وإن لم يعرف ذلك إلا من قوله، وقد قيل: إن إطلاقه لا يجوز إلّا أن يتبين حالُهُ ويعلم رشده، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم في رسم الكراء والأقضية من سماعه بعد هذا من هذا الكتاب. وأما الوصي من قبل القاضي فقيل: إنه يجوز إطلاقه إذا تبين حاله وعلمِ رشده، وهو ظاهر هذه الرواية، فإذا عَقَدَ له بذلك عَقْدا ضمنه معرفة شهد آيَةَ لرشده، وقيل: إنه لا يجوز إطلاقُهُ بحال، وإلى هذا ذهب ابن زرب وهو دليل قول ابن القاسم في سماع أصبغ؛ لأنه إذا لم يجر ذلك للوصي من قبل الأب حتى يتبين حاله، فالوصي من قبل السلطان لا يجوز له ذلك بحال، إذْ هو أضعف حَالا، وقد قيل: إن إطلاق وصي القاضي من إلى نظره جائز بغير إذن القاضي وإن لم يُعرف ذلك إلّا بقوله، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول أنفقوا على فلان ما عاش فيغرق له مال فيموت] مسألة وسُئِلَ: عن رجل قال: أنفقوا على فلان عشر سنين فعزلت نفقة عشر سنين ثم أنفق عليه فهلك بعد سنتين أو ثلاثة لمن ترى بقية ما بقي مما عزل؟ قال: أراه لورثة المُوصِي وليس لورثة الذي أوصى له منه شيء، وإنما هذا عندي بمنزلة من يقول: أنفقوا على فلان ما عَاشَ فيُعْزَق له مالٌ فيموت فيرجع ذلك لورثة الذي أوصى، فهذا مثله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا أوصى أن يُنْفق عليه عشر سنين فعزلت نفقته العشر سنين فهلك بعد سنة أو سنتين إنَّ ما بقي يكون لورثة الموصي؛ لأن المعنى فيما أوصى به أن يُنفق عليه عشر سنين إن هو عاش إليها، وذلك بخلاف لو أوصى له بخدمة عبد عشر سنين أو بسكنى دار عشر

مسألة: يوصي بالوصية ويكتب فيها إن مات من مرضه هذا ثم يصح

سنين هذا إن مات المخدَم أو المُسْكَن قبل تمام العشر سنين كان لورثته ما بقي من السنين في الِإخدام والسكنى على ما قاله في المدونة وغيرها، ولو أوصى أن يقام بإخدَامِهِ أو بإسكانه عشر سنين من غير تعيين لكان ذلك كالنفقة يرجع ما بقي منها إن مات قبل تمام السنين لورثة الموصي، وهذا إذا حَمَلَ الثلثُ نفقةَ العشر سنين أو لم يحملها فأجاز ذلك الورثة وقطعوا له بالثلث في نفقة العشر سنين فيكون ذلك بتلا لا يرجع شيء منه إلى ورثة الموصي على ما يأتي في رسم العارية من سماع عيسى، وكذلك إن كان مع هذه النفقة أهلُ وصايا فيُحَاصُّوا معها يكون ما صار للنفقة بالمحاصة بتلا للموصي له بها إن مات قبل أن يستنفذوه كان لورثته على ما في رسم العادية، وفي ذلك اختلاف سيأتي في غير ما موضع من الكتاب، من ذلك ما وقع في أول رسم الأقضية الثانيِ من سماع أشهب وفي آخر الرسم الأول من سماع أصبغ وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بالوصية ويكتب فيها إن مات من مرضه هذا ثم يصح] مسألة وسئل: عن الذي يوصي بالوصية ويكتب فيها إن مات في سفره هذا أو من مرضه هذا ثم صح فتركها على حالها ثم يموت بعد ذلك، قال: إن وضعها على يدي رجل رأيتُ ذلك مجزيا عنه، فقلت: أفرأيت إن كانت في سنة؟ فكأنه أنكر ذلك ورأيته فيما أرى يرى ذلك جائزا إذا كانت عنده وإن أشهد عليها إلّا أن يضعها على يدي رجل، فقلت له: إنه قد أشهد عليها وهي عنده موضوعة، فقال لي: كَيْفَ ذَا يضعها عنده ويجوز؟ قال: لا، كأنه يقول: لا أرى ذلك قال سحنون: جيدة من قوله، وقد قال مالك في غير هذا الكتاب من كتاب باع غلاما بعشرين دينارا. قال ابن القاسم: وسمعتُ مالكا يقول في الرجل يوصي بالوصية في مرضه أو عند سفره فيقول: إن أصابني في سفري هذا أو في مرضي هذا موت فجاريتي

مسألة: قال لموالي مائة دينار في وصيته أيدخل معهم موالي أبيه وأخيه

حرة ويوصي بوصايا، ثم يصح من ذلك المرض أو يقدم من ذلك السفر ثم يمكث حينا ثم يمرض فيموت فتوجد تلك الوصية بعينها ولم يُذْكَرْ لها ذُكْرٌ عند مَوْته ولا تغير ولا إجازة. قال مالك: أراها جائزة. قال سحنون: قول مالك في المسألة الأولى أجود، ولا يجوز إلا أن يكون أخرجها من يده وجعلها عند غيره وإلّا لم تجز. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من هذا السماع فلا معنى لإعادتْه وبالله التوفيق. [مسألة: قال لموالي مائة دينار في وصيته أيدخل معهم موالي أبيه وأخيه] مسألة وسُئِلَ: عن رجل قال: لمَوَالِي مائةُ دينار في وصيته أترى أن يدخل معهم موالي أبيه وأخيه؟ قال: إِنهم لموالي وما في ذلك أمر بين إلّا ما يستدل به عليه من كلامه، وما يرى أنه أراد به الموصي من ذلك، قال أصبغ: هذا إذا كان وَلَاؤهُم قد رجع إلى هذا المُوصِي، فأما إن لم يكن ولاؤهم رجع إليه فلا يدخلون في وصية، قال عيسى: قال لي ابن القاسم: إن بَيّنَ من أعتق فخاصة، وإلّا فكلهم موالية. قال سحنون: قال ابن القاسم وسمعته غَيْرَ عَامّ وهو يقول: يدخلون معهم. قال ابن القاسم: وذلك رَأْيي إلّا أن يسَتدل على أنه إنما أراد من أعتق خاصة. قال محمد بن رشد: قول أصبغ تفسير لقول مالك، بدليل مَا لَهُ في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس، وقال مطرف وابنُ الماجشون: إن كان يُحاط بموإليه الذين أعتق ولا يدخل معهم غيرُهُم، وإن كثروا حتى لا يحاط بهم دخل معهم موالي الموالي وأبناؤهم وكل من رجع إليه وَلَاؤُهم من قبل أبيه وجده وأخته؛ لأنه رمى به مَرْمَى الولاء إلا أن يقول

مسألة: أوصى بثلثه لثلاثة نفر ثم قال لفلان عشرين ولفلان عشرة وسكت

عتاقتي، وقد مضى هناك القول على هذه المسألة مستوفى فأغنى ذلك عن إعادته وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بثلثه لثلاثة نفر ثم قال لفلان عشرين ولفلان عشرة وسكت] مسألة وسئل: عمن أوصى بثلثه لثلاثة نفر، ثم قال: لفلان عشرين ولفلان عشرة وسكت عن الثالث إِن للذي سكت عنه ثلث الثلث، ويعطي الذين أوصى لهم بالقسمة صاحب العشرة عشرة وصاحب العشرين عشرين، ثم يُنظر ما بقي من جميع الثلث فيقسم على ثلث الثلث وعلى العشرين والعشرة بالحصص. قال محمد بن رشد: قوله: ثم لفلان عشرين ولفلان عشرة معناه قال ذلك على سبيل التفسير لما أوصى به لفلان عشرين ولفلان عشرة، فقال: إنه يكون للذي سكت عنه ثلث الثلث أقل أو أكثر، ويكون من الباقي لصاحب العشرة عشرة ولصاحب العشرين عشرين، فما بقي من الثلث قسم على ثلث الثلث وعلى العشرين والعشرة بالحصص، وذلك يرجع إلى أن يقتسموا جميع الثلث قل أو كثر على هذه التجزية يضرب فيه المسكوت عنه بثلث الثلث وصاحب العشرة بعشرة وصاحب العشرين بعشرين، فإن كان الثلث في التمثيل تسعين ضرب فيه المسكوت عنه بثلاثين وصاحب العشرة بعشرة وصاحب العشرين بعشرين فيصير للمسكوت عنه نصف التسعين خمسة وأربعون، ولصاحب العشرة سدس التسعين خمسة عشر، وأصاحب العشرين ثلث التسعين ثلاثون، وإن كان الثلث خمسة وأربعين كان للمسكوت عنه ثلثها خمسة عشر ولصاحب العشرة عشرة ولصاحب العشرين عشرين، وإن كان الثلث ثلاثين تحاص جميعهم فيها المسكوت عنه بعشرة ثلث الثلاثين، وصاحب العشرة بعشرة، وصاحب العشرين بعشرين، فيصير للمسكوت عنه ربع الثلاثين ولصاحب

العشرة ربعها، ولصاحب العشرين نصفها، وكذلك على هذا القياس ما كان الثلث قَلَّ أو كثر على ما في سماع أبي زيد؛ لأن قول ابن القاسم فيه تفسير لهذه الرواية، وقد حكاها ابن حبيب على نصها من رواية أصبغ عن ابن القاسم ووصل بها. قال أصبغ: وكذلك أن قَصُرَ الثلث، فبان بذلك ما ذكرناه من أن رواية ابن أبي زيد مفسرة لهذه الرواية، ولو كان قوله لفلان عشرين ولفلان عشرة لحمل ذلك على أنها وصية أخرى، ولوجب أن يضرب كل واحد منهما في الثلث مع المسكوت عنه بالأكثر مما سمى له أو من الثلث على ما قاله ابن القاسم في رسم استأذن من سماع عيسى في الرجل يوصي بثلاثة أعبد لرجلين، ثم يقول بعد ذلك فلان وفلان من أولئك الرقيق لفلان لأحد الرجلين، وفلان للرجل الآخر أنه يضرب كل منهما فيهم بأكثر الوصيتين العبد الذي سمى لأحدهما، أو نصف الثلاثة الأعْبُدِ، أو العَبْدَانِ اللذان سميا للآخر ونصف الثلاثة الَأعْبُدِ، وقد حمل الفضل هذه الرواية على ظاهرها من أن قوله فيها لفلان عشرين ولفلان عشرة كان لِغير الفور، فقال: إنها على خلاف أصل ابن القاسم يريد في مسألة الأعبد التي ذكرناها والأولى أَنْ يُتَأَوَّلَ على ما يخرج فيه عن أصله فيما ذكرناه. وقال أصبغ في كتاب ابن المواز: يأخذ المسكوت عنه ثُلُثَ الثلث، ويقسم ثلثا الثلث بين المسمى لهما على ثلاثة أجزاء لصاحب العشرة جزء ولصاحب العشرين جزءان، واستحسنه محمد بن المواز، قال: لأنه إنما قسم وصية الرجلين من الثلث، كيف يقسم بينهما وصاحبهما الثالث لم يُزَدْ في وصيته على ثلث الثلث ولا نقص منه. قال الفضل: وإنَّ تفسير ابن المواز لَحَسَنٌ، وسواء على هذه الرواية كان المال عينا أو عرضا أو بعضه عينا وبعضه عرضا؛ لأنه لم يحمل قوله لفلان عشرين ولفلان عشرة على أنها وصية أخرى لهما بالعشرة والعشرين، ولو حمله على ذلك لقال: إِنَّ كل واحد منهما يحاص بالأكثر من وصيته، وإنما حمله على التفسير لما أوصى بها فَرَآهَا وصية واحدة لكل واحد منهما يحاص فيها المسكوت عنه بثلث الثلث إن ضاق الثلثُ عن وصاياهما أو فضلت منه فضلة بعد أن أخذ المسكوت عنه ثلث الثلث وأخذ

مسألة: يوصي في أمة له إن وسعها الثلث أن تعتق فنظر فإذا هي لا تخرج منه

صاحب العشرة عشرة، وصاحب العشرين عشرين، ورأيت لأبي صالح وابن لبابة أنهما قالا في هذه الرواية: معناها أن المال كله ناض فإذا كان في المال عرض وناض قسم العرض أثلاثا، وقسم ثلث الناض على المحاصة فحاص الذي سكت عنه بِثُلثِهِ، ويحاص صاحباه بأكثر وصيتهما، وإن كان المال عرضا كله حاص المسكوت عنه في الثلث بثلث الثلث، وحاص صاحباه بثلث الثلث وبالعدة المسماة لكل واحد منهما، فلا يصح أن يكون قولهما مفسرا للرواية، بل هو على خلاف مذهبه فيها حسبما بيناه، وقول أبي صالح هذا على ما لأصبغ في رسم الوصايا الصغير من سماعه من تفسيره لقول ابن القاسم، وسيأتي الكلام على ذلك هنالك إن شاء الله وبه التوفيق. [مسألة: يوصي في أمة له إِن وسعها الثلث أن تعتق فنظر فإذا هي لا تخرج منه] مسألة وسُئِل مالك: عن الرجل يوصي في أمة له إِن وسعها الثلث أن تعتق فنظر فإذا هي لا تخرج منه، فكيف ترى فيه؟ فقال: أرى إن كان يبقى منه الشيءُ الذي له بال لم أَرَ أن تعتق وإن كان الشيءُ الذي يبقى الشيءَ اليسير لم أر أن يمنع العتق لذلك، وأرى أن تعتق إِن كان الذي خسِر يسيرا. قال ابن القاسم: وتغرَم هي ذلك اليسير. قال سحنون: وأرى أن يكون ذلك رِقّا باقيا فيها. قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك هذا أنها تعتق كلها ولا تغرَم شيئا إِن كان الذي زادت قيمتُها على الثلث الشيءَ اليسير، قال في الكفالة من المدونة مثلُ الدينار والدينارين، ولا تغرَم هي ذلك اليسير، خلاف مذهب ابن القاسم أنها تغرمه. قال في المدونة: فإِن لم يكن عندها اتبعت به دينا تؤديه إلى الورثة، وخلاف قول سحنون: إن ذلك يكون رِقّا باقيا فيها ولابن كنانة في المجموعة مثلُ قول سحنون إنه إن زادت قيمتُها على الثلث الشيء اليسير كان ذلك اليسير رقا باقيا فيها، وإن زادت قيمتُها على الثلث الشيء الكثير لم يعتق

منها شيء، وله في المدنِيَة أنه إن كان حملها الثلث إلا الشيء اليسير منها مثل السدس من ثمنها أو نحو ذلك فما يُرَى أنه لا يضر الورثة لقلته ويسير خطبه عتقت كلها، وإن كان حمل منها اليسير لم يعتق منها شيء كما وقع له في المجموعة. قال محمد بن رشد: وإنما قال مالك: إِنها تعتق كلها ولا تتبع بشيء إذا كانت قيمتها أكثر من الثلث بالشيء اليسير الدينار والدنانير؛ لأن هذا القدر مما لا يتَحقَّقُ زيادة لا سيما في الأمة الرفيعة؛ لأنها إنما تقوم بالاجتهاد، وقد يختلف البصر أبِالقيمة في تقويمها في مثل هذا القدر وشبهه، وإنما قال ابن القاسم: إن الجارية تُقَدِّمُ ذلك الشيء اليسير إِن كان لها مال مراعاة لقول من قال: إِنها إن لم يحملها الثلث بمالها تقوم بما حمل منها ويكون بقيته للسيد مضافا إلى ماله، وهو قول ربيعة والليث بن سعد ويحيى بن سعيد وابن وهب في رسم الثمرة من سماع عيسى من كتاب المدير، وقال: إنها تتبع به دينا إن لم يكن لها مال مراعاة لقول من يقول بالِإسْتِسْعَاءِ في العبد بين الشريكين يعتق أحدُهما حظّه منه ولا مال له، وقول سحنون: إِنَّ ذلك يكون رِقّا باقيا فيها بعيدٌ؛ لأن الموصِي إنما أوصى بعتقها إِنْ حملها الثلث، ومثل قوله في المجموعة لابن كنانة خلاف ما له في المدنِيَة. ويتحصل في المسألة على ظاهر الروايات إن زادت قيمةُ الأمة على الثلث الشيءَ اليسير ثلاثةُ أقوال؛ أحدها: أنها تعتق ولا تتبع بشيء، وهو قول مالك. والثاني: أنها تعتق وتتبع بما زادت قيمتها على الثلث وهو قول ابن القاسم. والثالث: أن ذلك يكون رقا باقيا فيها وهو قولُ سحنون وأحد قولي ابن كنانة، الذي أقول به وينبغي أن تكون الروايات عليه إِن كانت الزيادة اليسيرة متيقَّنة لا يمكن اختلاف البصراء فيها ففيها ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن تتبع بذلك دينا إن لم يكن لها، مال ويؤخذ من مالها إذا كان لها مال، وهو قول ابن

: أوصى بثلث ماله للفقراء من فخده فإن لم يكن فيهم ففي الذين يلونهم

القاسم. والثاني: أنها يبقى ذلك رِقا فيها وهو قول سحنون. والثالث: أنها تعتق قول ابن كنانة في المدينة وأنه إن كانت الزيادة اليسيرة كالدينار والدنانير في قيمة الأمة في الثلاثة والخمسين فلا بشيء كما قال مالك، ولا خلاف فإن زادت قيمتها على الثلث الكثير، قليل ولا كثير وله في المدونة أنه يعتق منها ما حمله الثلث وإن كان يسيرا ويرق الباقي، وإن كان حمل الثلثُ أكثرَها ولم يبق إلَّا اليسير منها الذي لا يضر بالورثة مثل السدس من ثمنها أو نحو ذلك أعتقت كلها، وهو بعيد جدا، فقول مالك في هذه المسألة أصح الأقوال وَأَوْلَاهَا بالصواب وبالله التوفيق. [: أوصى بثلث ماله للفقراء من فخده فإن لم يكن فيهم ففي الذين يلونهم] ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك: عن رجل أوصى بثلث ماله للفقراء من فخده، فإن لم يكن فيهم ففي الذين يلونهم. قال مالك: أرى أن يبدأ بالذين قال يُعطي فقراؤهم بقدر ولا يُعطي أغنياؤهم شيئا، وإن فضِل فضلٌ أُعطي مسكنةُ الأقْصَيْن. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إِنه يخص بذلك الفقراءُ من فخده دون الأغنياء، ويُعْطَوْن منه بقدر على سبيل الاجتهاد، ويؤثر في ذلك الأقرب على الأبعد والأجوحُ على من هو دونه في الحاجة، ويجعل الفضل فيمن بعدهم، والفَخِدُ أعم من العصبة وأخص من البَطْنِ والقبيلة، والبطنُ والقبيلةُ أخص من العشيرة. وبالله التوفيق. [مسألة: وصيتها تنفذ وإن لم تمت من حملها إذا كتبت بذلك كتابا] مسألة وسئل مالك: عن امرأة أوصت إن حدث بها حدَثُ الموت من

: الوصية التي يوصي بها الناس ويتشهدون فيها قبل أن يوصوا

حملها هذا فافعلوا كذا وكذا، ثم إِنها وضعت وأقامت سنين، ثم هلكت؟ قال مالك: أكتبت بذلك كتابا؟ قال: نعم وفي وصيتها قَبْلَ أن تغيرها، قال: هي جائزة وينفذُ ما فيها. قال محمد بن رشد: قولُه: إِن وصيتها تنفذ وإن لم تمت من حملها إذا كتبت بذلك كتابا، هو مثلُ أحد قوليه في رسم سلعة سماها، ولو كانت قد وضعت الكتابَ بيد غيرها لجاز قولا واحدا، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من السماع فلا معنى لِإعادته، واحْكُمْ في المسألة لقوله فيها قبل أن تغيرها؛ لَأنَّ ذلك حق لها قالته أو سكتت عنه. [: الوصية التي يوصي بها الناس ويتشهدون فيها قبل أن يوصوا] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سئل مالك عن الوصية التي يوصي بها الناس ويتشهدون فيها قبل أن يوصوا، قال: ذلك يعجبني وأراه حسنا، ومَا زالَ ذلك من شأن الناس، والذي أدركتهم عليه يكتبون التشهد قبل أن يوصوا، قال مالك في أثر الوصية في التشهد حين قال هو الذي أدركت عليه الناس. قال أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: ما أدركت عليه الناس بهذه البلدة يعني المدينة، فلا شك فيه أنه الحق، وروى أشهبُ في كتاب الوصية الذي فيه الحج والزكاة في التشهد مثلَ هذا وزاد قال، فقيل له: فإن رجلا عندنا كتب وصيته وكتب فيها أُؤمِنُ بالقَدَرِ خيرِه وشرِّه حُلْوِه ومُره، قال: لا والله لا أراه أَفَلَا كتبتَ والصُّفْرِية والَأبَاضِية، ليس هذا بشيء، وقد كتب من مضى وصاياهم فلم يكتب

مسألة: يوصي بالرقبة أترى أن يشتري أبوه فيعتق عنه

أحد منهم هذا في وصيته. قال محمد بن رشد: هذا كله بيّن على ما قاله؛ لأنَ الرشد في الاتباع ويكره في الأمة كلها الابتداع فلن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مِمَّا كان عليه أولها (والمدينة) دارُ الهجرة وبها توفي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والصحابةُ خير الأمة الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وتبليغ دينه وإقامة شرعه بها مُتَوَافِرُونَ، فما عملوا فيه ودرجوا عليه هو الهدى الذي لا ينبغي العدول عنه وبالله التوفيق. [مسألة: يوصِي بالرقبة أترى أن يشتري أبوه فيعتق عنه] مسألة وسئل: عن الرجل يُوصِي بالرقبة أترى أن يُشْتَرَي أبوه فيعتق عنه؟ . قال: إن كان تطوعا فإني أرى ذلك، وإن كان ظهارا أو ما أشبهه مما هو عليه فغيرُه أَحَبُّ إلي منه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إِن ذلك جائز في التطوع بل هو المختار المستحب؛ لِأنه أعظمُ في الأجر من عتق الأجنبي، لما في ذلك من صلة القرابة، وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلا أَنْ يَجدَهُ مَمْلُوكا فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقُهُ» أي فيكون حرا بنفس شرائه إياه، لا أنه يستحِدثُ له عتقا بعد مِلْكِه إياه، إذْ لا يستقر له عليه ملك إِلَّا أنه يصير بشرائه إياه في حكم المملوك المعتق في وجوب الولاء له. وأما قولهُ: إن كان ظهارا أو مما أشبهه مما هو عليه فغيرُه أحب إلي منه فتجاوزٌ في اللفظ ليس على ظاهره في استحاب عتق سِوَاهُ بل هو الواجب، إذ لا يُجْزِئ عنه في الظهار، والوصي ضامن إن فعل ذلك.

مسألة: الوارث إذا زاد مما ورثه فكأنه قد أجاز للميت الوصية بأكثر من ثلث ماله

وأما إن لم يعلم الوصي إنْ كان العتق الذي أوصى به تطوعا أو واجبا فلا ينبغي أن يَعتِقَ عنه من يعتق عليه من أب أو أخ ولا يصح له ملكه مخافة أن تكون وصيته بعتق واجب عليه، فإن فعل لم يلزمه ضمان وبالله التوفيق. [مسألة: الوارث إذا زاد مما ورثه فكأنه قد أجاز للميت الوصية بأكثر من ثلث ماله] مسألة وسئل: عن رجل أوصى بمائة درهم في عتق رقبة من غلة حائط له منذ خمس وثلاثين، وكان قبل عتق الرقبة وصايا قدمت قبله، وكان في ذلك الزَّمان الرقبة توجد بمائة درهم، وهي اليوم لا توجد بذلك، فقال له الوصي: أفترى أن أزيد من عندي في ثمنها؟ فإِن نفسي بذلك طيبة، قال: لا يعجبني ذلك، فقيل له: فبعض من ورثه أو من أقاربه أو ممن أوصى له إن أحب أن يزيد في ذلك؟ فقال: ما أرى به بأسا، فقال له الرجل: أفترى أن يشتري له بأرض الروم رقبة؟ فإني أجدها بهذا الثمن إِلَّا أنها أعجمية؟ قال: ليس هذا الذي أراد الرجل ولا يعجبني ذلك، قيل له: أَفَيُعِينُ بهذا في عتق رقبة يتم بها عتقها؟. قال: ويكون غيره الذي يعتقها؟ قال: نعم، قال: لا خير فيه، فقيل له: أفنشتري نحن آخر رقبة بمائتي درهم فيعتقها عنهما؟. قال: لو أني أعلم أنك لا تجد لرأيت ذلك، فقال فإن لم أجد أفترى لي ذلك؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: لم يُجِز للموصى إذا لم يحمل الثلثُ ثمنَ الرقبة أن يزيد فيها من عنده، وأجاز ذلك لبعض من ورث الميت أو أوصى له بوصية، والمعنى في ذلك أن الزيادة إن كانتَ من مال الميت الموصى جاز ذلك، وإن كانت من غير أصل مَاله لم يجز ذلك، فقولُه: أو من أقاربه معناه من أقاربه الذين يرثونه؛ لأن الوارث إذا زاد مما ورثه فكأنه قد أجاز للميت الوصية بأكثر من ثلث ماله، وكذلك الموصَى له إِن زاد من الوصية التي أوصى له بها

مسألة: الوصي يريد بيع متاع الرجل مساومة

الميت فكأنه قد ترك ذلك له ولم يجز للوصي إذا لم يحمل الثلث ما يشتري به رقبة في أرض الإِسلام أن يشتريها من أرض الروم؛ لأن ذلك خلاف ما أراد الموصِي كما قال، ولم يجز له أن يُعِينَ بذلك في رقبة يكون ولاؤها لغير الموصى فقال: لا خير في ذلك، ومعناه إذا كان في ذلك ما يشارك به في عتق رقبة فلا بأس أن يُعِينَ بها مكاتبا في آخر كتابته، وكذلك قال في الوصايا الأول من المدونة: إنه إن لم يكن في ذلك ما يشتري به رقبة شورك به في رقبة، فإن لم يجدوا إلَاّ أن يعينوا بها مكاتبا في آخر كتابَتِه فعلوا، قال: وهذا قول مالك فهو يحمل على التفسير لقوله في هذه الرواية وبالله التوفيق. [مسألة: الوصي يريد بيع متاع الرجل مساومة] مسألة وسئل: عن الوصي يريد بَيْعَ متاع الرجل مساومة ويرى أن ذلك خير له مثل ما يسومه الرجل بالدار وما أشبهه فَيُتَمِّنُه ويرى أن بيعه غِبْطَة، قال: لا بأس بذلك مساومة، أو فيمن يريد إذا كان ذلك منه على وجه النظر. قال محمد بن رشد: معناه في الوصي على الثلث إذا باع بإذن الورثة أو على الصغار إذا باع بإذن الكِبَار أو في الوصي على الصغار إن لم يكن لأحد معهم في ذلك شرك، وأمّا إذا كان وصيا على الصغار وهم شركاء مع الكبار فباع الجميعَ بغير إذنهم فلا يجوز ذلك عليهم، وكذلك إذا كان وصيا على الثلث فباع بغير إذن الورثة، وسيأتي الكلامُ على ذلك في رسم سلف دينارا من سماع عيسى بعد هذا إن شاء الله، وبه التوفيق. [مسألة: أوصى بخمسمائة درهم في رقبة بخمسمائة بشرط أن يعتق ثمن سبعمائة] مسألة وسئل: عن رجل أوصى بخمسمائة درهم في رقبة بخمسمائة بشرط أن يعتق ثمن سبعمائة، وإن اشترى بخمسمائة بغير شرط لم

: هلك زوجها وأوصى إليها بولدها وبما كان له من مال فتزوجت

يجد مثلَها أفيشتريها بشرط أو يشتري دونها بغير شرط؟ قال: بل يشتري بغير شرط يعني غيرها وإن كانت دونها. قال محمد بن رشد: أما إذا كانت الرقبة واجبة فلا يجوز أن يشتريها بشرط، فإن فعل ضمن؛ لأن الرقبة الواجِبَةَ لا يجوز شراؤها بشرط العتق، وأما إن كانت الرقبة تطوعا فيكره له أن يفعل ذلك، فإن فعل لم يضمن وبالله التوفيق. [: هلك زوجها وأوصى إليها بولدها وبما كان له من مال فتزوجت] ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته وسئل مالك: عن امرأة هلك زوجها وأوصى إليها بولدها وبما كان له من مال، فتزوجت المرأةُ وخِيفَ على المال أَتَرَى أن يكشف؟ قال مالك: إن كانت المرأة لا بأس بحالها فلا أرى ذلك، وإن كان يُخَافُ كشف ما قِبَلَها. قال محمد بن رشد: إنما يكشف ما قبلها إِن كان يخاف على المال عندها ولا يكشف إِن كانت لا بأس بحالها ولم يبين على ما يحمل عليه من جهل حالها، والظاهر من قول مالك في رسم الوصايا من سماع أشهب بعد هذا، أن المرأة إذا تزوجت غُلِبَتْ على جُل أمرها حتى تعمل بما ليس بصواب أنها عنده محمولة على الخوف عليها إذا تزوجت فيكشف ما قبلها، إِلَاّ أن يعلم أنه لا بأس بحالها وينزع الولد منها وإِن لم يقل الميتُ إِن تزوجت فانزعوهم منها إِلا أن يجعلهم في بيت على حدة ويقيم لهم ما يصلحهم من خادمهم ونفقتهم على ما قاله في رسم كتب عليه ذُكر حق بعد هذا، وكذلك لا يعزلون منها إذا عَزَلَتْهم في مكان عندها وأقامت لهم ما يصلحهم من نفقة وخادم وإن كان الميت قد قال: إِن تزوجت فانزعوهم منها، قَاله مالك في كتاب ابن المواز.

مسألة: شهد هو والوصي معه أن أباه أعتق هذا الرقيق

قاله محمد؛ لأن الميت لم يقل: إن تزوجت فلا وصية لها وإِنما قال: إِن تزوجت فانزعوهم منها معناه إِنْ لم تَنْزِعْهم عن بيتها وتجعلْهم في بيت على حدة مع من يخدمهم بنفقة تقيمها لهم، ومثلُ ذلك في المدنية لمالك من رواية محمد بن يحيى السبائي عنه، وزاد فإن خشيت عليهم الضيعة فأولياؤهم أحق بهم. قال ابن المواز. قال ابن القاسم: وأما المال فوجه ما سمعت فيه أَنْ يُنظر إلى حالها فإن رُضِي حالُها وسيرتُها والمال يسير لم يؤخذ منها (محمد) ولم يكشفه إِن كان المال كثيرا وهي مقلة وخيف من ناحيتها، وأرى أن ينزع المال منها، وقاله أصبغُ وهي على الوصية على كل حال إِلاَّ أن يكون مرره إلا من مر إبقاء المال عندها بعد النكاح في الحرم والدين واليسر والحرز فيقر بيدها، قلت: وإذا خيف على المال عندها فنزع منها ولم تعزل هي عن الوصية فليقدم معها من يكون المال عنده ويشاركها في النظر لهم وبالله التوفيق. [مسألة: شهد هو والوصي معه أن أباه أعتق هذا الرقيق] مسألة وسئل مالك: عن رجل أوصى إلى ابن له كبير وله ولد صغار ذكور وإناث وأشهد معه رجلا آخر وأعتق رقيقا أتجوز عتاقهم بشهادة ابنه وهو وصي مع الرجل؟ قال: نعم إذا لم يتهم مثل أن يَجُرَّ وَلَاء. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه شهد هو والوصي معه أنَ أباه أعتق هذا الرقيق أو أنه أوصى بعتقهم فتجوز شهادته مع الوصي إِن لم يكن لولائهم خطب، وإن كان لولائهم خطب لَمْ تجز شهادته إذا كان في الورثة نساء مِمن لا يثبت له الولاء، وإِن لَمْ يكن في الورثة إِلَّا من يثبت له الولاء جازت شهادته عليهم. هذا نص قوله في المدونة وغيرها، وأما إن أعتقا العبيد ثم شهدا بعد تنفيذ العتق لهم أن الميت أوصى بذلك إليهما لم تجز شهادتهما؛ لأنهما يشهدان على فعل أنفسهما ليجيزاه وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى في جارية له أن تباع رقبة فأبت الجارية وأحبت البيع على غير عتق

[مسألة: أوصى في جارية له أن تباع رقبة فأبت الجارية وأحبت البيع على غير عتق] مسألة وسئل مالك: عن رجل أوصى في جارية له أن تباع رقبة فأبت الجارية وأحبت البيعَ على غير عتق، قال: إن كانت الجاريةُ رائعة رأيت أن تباع على غير شرط في العَتَاقَة وإن كانت من الخدم مِثْل ثَمَن سِتِّينَ دينارا رَأَيْتُ أن تباع رقبة بشرط. قال محمد بن رشد: هذا في الوصايا الأول من المدونة أنها إن كانت من جواري الوطء ممن تتخذ، كان ذلك لها، وإن لم تكن منهن بيعت ممن يعتقها إلّا أنه لم يذكر في أثمانهن حدا، وقال في كتاب العيوب منها: إنّ أثمانَ الخمسين والستين من المرتفعات، فقيل: إن ذلك لما ها هنا إذ جعل أثمان الخمسين والستين من المرتفعات. والصواب أنّ ذلك اختلاف من القول، فأثْمَان الخمسين والستين من المرتفعات اللاتي تجب المواضعة فيهن ولا يجوز التَّبَرِّي مِنْ حملهن وَلَسْنَ من المرتفعات اللائي لهن أنْ يُبَعن على غير شرط فتبطل الوصية فيهن، بدليل قوله في سماع أبي زيد: وأثمان الستين ليست بِرائعة في هذا، قال في كتاب الوصايا الأول من المدونة، وقد قيل: لا ينظر إلى قولها وتبَاع للعتق إلّا ألّا يُوجَدَ من يشتريها بوضيعة الثلث إن كان للميت مال يحمل الجارية، وقوله: إن كان للميت مال يحمل الجارية مفسر عندي لقول ابن القاسم وروايته عن مالك؛ لأن الرجل لو أوصى أن يُباع عبده لم يجز ذلك على الورثة إذْ لم يحمله ثلث، وقد قال ابن لبابة في قوله في المدونة بيعوا عبدي من فلان لَمّا لم يأمر الموصي أن يعطاه إلّا بثمن لم يقل أحد إنه ينظر إلى العبد إن كان يخرج من الثلث أمْ لا يخَرج منه، وليس قوله بصحيح إِذ ليس للميت أن يحجر على ورثته إمساك عبد من عبيده إذا كان أكثر من ثلث ماله، وإنما كان للجارية الرائعة أن تباع على غير العتق؛ لأن العتق أضَرُّ بالجارية النفيسة. قال ابن المواز: وهو كما قْال؛ لأنها قد تتخذ أمّ ولد فتعتق فيكون ذلك خيرا لها، والخادِم تبقى مملوكة أبدا فلا تعتق أحسنُ لها وإن لم

: تباع إن اختارت البيع

ترض بذلك. قال ابن المواز: وقد أبطل مالك وصية ابن سليمان إذ أوصى أن يعتق جواريه بعد سبعين سنة وَرَآهُ من الضرر. قال ابن المواز: فإن بيعت بشرط العتق وضع ثلث ثمنها، وإن بيعت بغير شرط لم يوضع من ثمنها شيء، وبالله التوفيق. [: تباع إن اختارت البيع] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل مالك: عن رجل يوصي في جارية له لَهَا القدرُ أن تخير فإن شاءت بيعت، وإن شاءت أعتقت، ويعتقها بعض من كان ورثها ولعله قد كان بينه وبينها شيء، قال: ليس عتقه بشيء، وأرى أن تباع إن اختارت البيع، ثم قال: ما لهم ولها يعتقونها ليس لهم من ذلك شيء، هو ماله يصنع فيه ما أحب يعني المُوصِي فلا أرى لهم في ذلك قضاء حتى ينفذ من جعل ذلك له، فإما أعتق وإما باع ليس للورثة في ذلك قضاء. قال محمد بن رشد: قولُهُ: هو مالُه يصنع فيه ما أحب يريد فتُنفَّذُ فيه وصيتُهُ بالتخيير لها بين البيع والعتق، وذلك إذا كان الثلث يحملها، والمسألة متكررة في رسم جاع من سماع عيسى، وقال في سماع سحنون: إن لها أن ترجع إلى البيع بعد أن اختارت العتق، وإلى العتق بعد أن اختارت البيع ما لم يفت الأمر فيها بالبيع والتقويم في العتق، وقال في رسم القطعان من سماع عيسى: إنها إنْ اختارت البيع فبيعت ثم ردت، فقالت: أنا أحب أن أعتق الآن قال: ليس ذلك لها. وقال ابن وهب: ذلك لها؛ لأن بيعها لم ينفذ، ومعناه إذَا رُدَت بعيب، فالاختلاف في هذا على الاختلاف في الرد بالعيب هل هو نقض بيع أو ابتداء بيع، وبالله التوفيق.

مسألة: الصدقة والوصية والرجل في مرضه ولا يحملها الثلث

[مسألة: الصدقة والوصيةِ والرجل في مرضه ولا يحملها الثلث] مسألة وسئل: عن الصدقة والوصيةِ والرجلُ في مرضه ولا يحملها الثلث أتَرَى أن يبدأ بالصدقة؟ قال: لَا بَلْ يتحاصون، وقد سألني رجل عن رجل أوصى ليتيم ولقوم فلم يَسَعْ ذلك الثلثُ، فقال الرجل: إنّ اليتيم محتاج كأنه رَآهُ من وجه الصدقة فقلتُ له: هم يتحاصون، فقيل له: أفرأيت إن قال في الصدقة بَتْلا لا رجوع فيها عشت أو مت، قال: فلا أدري، قلت له: أفيتحاص الذي تصدق بها عليه والذي أوصى له؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: ظاهرُ هذه الرواية أنّ السؤال فيها إنما هو عن الوصية بالصدقة والصدقَةُ على سبيل العطية هل يتحاصان الوصية بالصدقة على الوصية على سبيل العطية؟ فقال: إنهما يتحاصان. ولا اختلاف أحفظه في ذلك، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: قد قيل: إن الصدقة تقدم على الوصية؛ لأنها للفقراء والوصية للأغنياء فتؤخذ، ولا أعرف هذا القول ولا له وجه يصح، إذ قد يتصدق الرجل على الغني ويعطي الفقير، فلو كانت الصدقة على الغني تبدأ على العطية للفقير لَبَطَلت العلة التي عللت بها تبدية الصدقة على العطية، وإن قلت: إن العطية تبدأ على الصدقة من أجل أنها على فقير لزمك أن تبدي الوصية للفقير على الوصية للغني، وذلك خلاف الإِجماع، وإنما الاختلافُ المعلومُ في الصدقة المبَتلة في المرض والوصية، هل يتحاصان بعد الموت لاتفاقهما جميعا على أنهما من الثلث، أو تبدأ الصدقة المبتلة من أجل أنها تلزم المتصدق إن صح من مرضه، فروى الحارث عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول في الرجل يتصدق بالصدقة في مرضه ويوصي للناس بوصايا ثم يموت فيريد أهل الوصايا أن يدخلوا على المتصدق عليه في الصدقة قال: لا أرى ذلك لهم؛ لأنه لو عاش ثُمّ أراد أن

: أوصى بعتق بتل ودبر

يرجع في صدقته لم يكن ذلك لَه ومثل هذا في كتاب ابن حبيب وفي المختصر لابن عبد الحكم عن مالك، وقد اختلف قولُ مالك من هذا الأصل فيمن بتل عتق عبد في مرضه وأوصى بعتق عبد له آخر، فكان أولَ زمانه يقول: إنه يبدأ المبتل في المرض ثم رجع إلى أنهما يتحاصان وهو الذي يأتي على ما في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس من أنّ للرجل أنْ يرجع عما حبسه في مرضه إن مات منه وقد مضى الكلام على ذلك هناك مشروحا فلا معنى لإِعادته. [: أوصى بعتقٍ بتل ودبر] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ابن القاسم: ولو أن رجلا أوصى بعتقٍ بتلٍ ودبر قال: إن كان في كلمة واحدة تحاصا، وإن لم يكن ذلك في كلام واحدٍ يبدّأ بالأول في الأول. قال محمد بن رشد: قولُهُ: أوصى بعتق بتل لَا يستقيم، فمعناه أنه بتل عتقه في مرضه ودبر عبدا له آخر، وفي ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: قوله في هذه الرواية إنهما يتحاصان إن كان ذلك في كلمة واحدة أي في كلام متصل، وهذا عندي على القول بأنه ليس له أن يرجع عما بتله في مرضه إن مات منه خلافُ ما في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس من أن للرجل أن يرجع عما حبس في مرضه إن مات منه. والقول الثاني: أن المدبر يبدأ على المبتل، وهذا عندي على القول بأن له أن يرجع عما بتله في مرضه. والقول الثالث: أنه يبدأ المبتل في المرض بما له من مزية عليه في أنه إن صح من مرضه عجل عتقه، وهذا كله إذا كان التدبير والتبتل في فور واحد، وأما إن كان أحدهما قبل صاحبه فيبدأ الأول، واختلفَ قولُ مالك في تبدية العتق المبتل في المرض والمدبر فيه على الموصي بعتقه فقال: يبدأ المبَتل والمدبر، وقال أشهب: يتحاصان، قال: وبلغني أن هذا أحد قولي مالك، فأما الاختلاف في المبتل في المرض والموصي بعتقه فله وجه، وهو ما ذكرت

مسألة: أوصت أن عندها خمسة وثلاثين درهما وأن لها على زوجها أربعة أبعرة

من الاختلاف في الرجوع في المبتل في المرض، وأما المدبر في المرض والموصي بعتقه فلا وجه للقول بأنهما يتحاصان؛ لأن الموصي بعتقه يصح الرجوع عنه باتفاق، والمدبر لا يصح الرجوع عنه باتفاق، فوجب ألّا يُختلف في تبدية المدبر وبالله التوفيق. [مسألة: أوصت أن عندها خمسة وثلاثين درهما وأن لها على زوجها أربعة أبعرة] مسألة وسئل: عن امرأة مرضت فأوصت أن عندها خمسة وثلاثين درهما وأن لها على زوجها أربعة أبعرة، فقالت لزوجها وللورثة: إما أن تجعلوا الخمسة والثلاثين الدرهم التي عندي في سبيل الله، وإما أن تجعلوا بعيرا مما لي على زوجي في سبيل الله وتأخذوا الخمسة والثلاثين الدرهم، فلما حضرتها الوفاة سألوها عن الدرهم فلم تخبرهم وهلكت. قال مالك: أرى أن يخرج عنها في ثلثها البعير الذي جعلته من الأربعة الأبعرة التي لها على زوجها، ولا ينظر في شأن الدراهم التي لم توجد. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الدراهم التي لم توجد مصيبتها منهم، ولا بد من تنفيذ وصيتها بإخراج البعير من الخمسة الأبعرة التي لها على زوجها، وإنما ذلك بمنزلة من أوصى بعتق أحَدِ هَؤلاءِ الأعبد الخمسة فمات منهم واحد قبل موته وبالله التوفيق. [مسألة: هلكت وأوصت إلى امرأة بوضع ثلثها في مواضع] مسألة وسئل: عن امرأة هلكت وأوصت إلى امرأة بوضع ثلثها في مواضع وأن تجعل البقية حيثُ أراها الله، فكانت تقسمه ثم إن المرأة احتاجت التي استخلفت فقالت: هل ترى لي أن آخذ منه

: أوصى لجارية له بعشرة دنانير من ثمنها

شيئا؟ قال: لا أرى أن تأخذي منه شيئا ولا تأكليه. قال محمد بن رشد: إذا كانت الموصية قد فوضت إلى هذه المرأة جعل البقية حيث أراها الله من وجوه البر، فكان الذي أراها الله بوجه الاجتهاد أن يفرق تلك البقّية في المَسَاكين فاحتاجت هي حتى صارت في الحاجة بمنزلة من يفرق عليهم تلك البقية من المحتاجين، فلها أن تأخذ منها لنفسها مثل ما يعطي غيرها على ما قاله في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات في الذي خرج غازيا فبعث معه بمال ليعطي منه كل منقطع به فاحتاج هو ولم يكن عنده ما يقوي به إنّ له أن يأخذ منه بالمعروف والمعروف في ذلك هو أن يأخذ منه مثلَ ما يُعطي غيرَه ولا يُحَابى نفسَه في ذلك، وجوازُ ذلك يتخرج على قولين حسبما بينا وجهه هناك، وأما إن كان الذي أراها الله بوجه الاجتهاد من وجوه البر في تلك البقية جَعْلَهَا في غير الصدفة أو في الصدفة على من ليس مثل حالها فلا يصح لها أن تأخذ لنفسها من ذلك شيئا وإنْ كانت محتاجة وبالله التوفيق. [: أوصى لجارية له بعشرة دنانير من ثمنها] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا وسئل: عن رجل أوصى لجارية له بعشرة دنانير من ثمنها أتراه عتقا؟ قال: لا ليس هذا عتقا. قال عيسى: قال ابن القاسم: وإذا أوصى لها ببعضهما لم يعتق منها إلّا ما أوصى إلّا أن يكون لها مال فيقوم بقيتها في مالها فيعْتق على نفسها وإذا أوصى لها بثلثه عتقت في ثلثه وقومت فيه؛ لأنه حين عتق عليها من نفسها شقص أيحمل عليها مَا بقي من عتق نفسها بمنزلة من أعتق شِرْكا له في رأس فكان يُقوم عليه، فالذي يعتق عليه يتبعض عن نفسه أحْرى أن يُقَوّم عليه ما بقي من نفسه فيما يملك، وهو قول مالك: قال ابن القاسم: ولو

كان فيما أوصى لصاحبه ما لا يتم به عتقُها وكان لها مالٌ قبل ذلك عتقت فيه وأخذ منها. قال محمد بن رشد: أما الذي أوصى لجاريته بعشرة دنانير من ثمنها فبين أنه لا يعتق منها شيء؛ لأنه إنما أوصى لها بعشرة دنانير، فسواء كانت من ثمنها أو من غير ثمنها، بل إذا كانت من ثمنها فهو أحرى ألّا يعتق شيء منها فيها؛ لأنه إنما أوصى لها بالعشرة بعد أن تباع، وأما إذا أوصى له ببعضها، فلا اختلاف في أنه يعتق منها ما أوصى لها به من نفسها إذ قد علم أنه لا يصح لها ملكُ نفسها، أَلا ترى أنه من قال لعبده: قد وهبت لك نفسك أنه بذلك حر، وإنما اختلف إذا أوصى لها ببعضها ولها مَال هل يعتق بقيتها على نفسها في مالها أم لا؟ فقال في هذه الرواية: إنه يقوم بقيتُها على نفسها في مالها، وهو قول ابن القاسم في المدونة وروايته عن مالك، ومثله في سماع عيسى ويحيى، وقيل: إنه لا يقوّم عليها بقيتُها في مالها، وهو قول ابن وهب وروايته عن مالك في المدونة. وأما إذا أوصى لها بثلثه فقيل: إنها لا يعتق منها إلّا الثلث وهو قول ابن وهب من رأيه، وقيل: إنه يعتق منها الثلث ويقوم بقيتُها على نفسها فيما بقي من الثلث، فإن لم يحملها الثلثُ رَقّ ما بقي منها ولم يقوم عليها في مالها إن كان لها مال من غير الثلث، وهو قول مالك في رواية ابن وهب في المدونة. ووجه هذا القول أنه إذا أوصى لها بثلث ماله فقد قصد إلى حريتها فيه، وكأنه أوصى أن تعتق فيه وأن تعطى بقيته إن كان فيه فضل عن رقبتها وهذا القول اختيار سحنون فقال فيه: إنه أعدلُ الأقوال. ووجه قول ابن وهب أنه إذا أوصى لها بثلث ماله فقد قصد إلَى حرية ثلثها وأن تعطي بقية ثلث ماله، فوجب أن يعتق ثلثها وأن تعطي بقية ماله ولا تعتق فيه ولا في مال إن كان لها سِوَاهُ؛ لأنه هو المعتق لثلثها إذا أوصى لها به وهو

مسألة: توصية الميت بإسقاط اليمين عنه لا يلزم الورثة

يعلم أنه لا يصح لها ملكَه، فكان بمنزلة إذا أوصى أن يعتق ثلثها وتعطي بقية ثلث ماله. ووجه قول ابن القاسم وروايته عن مالك ما ذكره في الرواية من أنه إذا أعتق عليه بعضها وجب أن يقوم عليها بقيتها فيما بقي من الثلث وفي سائر مالها إن كان لها مال بمنزلة من أعتق شركا له في عبد أنه يقوم عليه بقيتُهُ في ماله، وعلى هذا الاختلاف يأتي الاختلاف في تبدية الوصية للعبد في ثلثه على الوصايا حسبما يأتي القول فيه في رسم أسلم من سماع عيسى إن شاء الله. وأما إذا أوصى له بدنانير أو بعرض من العروض فلا يعتق شيء منه في ذلك باتفاق إلّا أن يكون ذلك أكثرَ من الثلث فلا يجيز ذلك الورثة حسبما يأتي القول فيه في رسم الرهون من السماع المذكور إن شاء الله وبه التوفيق. [مسألة: توصية الميت بإسقاط اليمين عنه لا يلزم الورثة] مسألة قال: وسئل عن رجل كان شريكا لرجل فمرض أحدهما فأوصى إن فلانا عَالِمٌ بماليِ فما دفع إليكم من شيء فهو فيه مصدق ولا يمين عليه في ذلك، فرُفع أمرُه إلى السلطان وأتى بما قِبَلَه من الناض فقسمه بينه وبين ورثة شريكه، ثم أقام يقتضي ويقسم أقام بذلك عشر سنين وكتب له السلطان براءة من ذلك، وبقي بينهما دين وبلغ الورثةَ فقالوا: نُرِيدُ أن نستحلفك فيما اقتضيت أترى ذلك لهم وهذا الأمر منذ عشر سنين وقد كتب له السلطان منه البراءة؟ قال مالك: أرى أن ينظر السلطان في ذلك ويكشف أمره، فإن رأى أمرا صحيحا لم أرَ أن يستحلفه وإن استنكر شيئا رأيت أن يحلف، فقال له الرجل: يا أبا عبد الله بعد عشر سنين؟ قال: نعم إن رأى ذلك أمرا يُسْتَنْكَرُ. قال محمد بن رشد: هذه اليمين في أصلها يمين تهمة وقد اختلف

: أوصى بابنه إلى أمه وأوصى أن ينفق عليها حيث كانت

في لحوقها، وتوصية الميت بإسقاط اليمين عنه لا يَلْزَم الورثةَ؛ لأن الحق قد صار إليهم في المال بموته، فإن اتهموه استحلفوه على القول بلحوق يمين التهمة، فلذلك قال: إن السلطان ينظر في ذلك فإن رأى أمرا صحيحا لم تجب لهم عليه يمين، وإن رأى أمرا يستنكر أوجب لهم عليه اليمين وبالله التوفيق. [: أوصى بابنه إلى أمه وأوصى أن ينفق عليها حيث كانت] ومن كتاب أوله يسلف في المتاع وسئل: عن رجل أوصى بابنه إلى أمه وأوصى أن ينفق عليها حيث كانت، قال مالك: إن كان صغيرا وكانت محتاجة وكانت تلي مؤنته وحضانته فأرى أن ينفق عليها، فقيل له: أرأيت إن كانت غنية؟ قال مالك: ينظر في ذلك فإن كان ذلك أرفق به في حضانته والقيام به (وأنه لو انتزع منها تكلف به من يقوم له عليه ويحضنه) رأيت أن ينفق عليها من مال الغلام، وكأني رأيته لا يَرَى لَها النفقة إلّا في صغر الصبي. قال ابن القاسم: رجع عنه وقال: إن كانت محتاجة انفق عليها، وإن كانت مُوسرة لم ينفق عليها فإن شاءت أقامت على ولدها وإن شاءت ذهبت حيث شاءت وعلى هذا نَبّه غير مرة وهو رأيي. قال محمد بن رشد: اختلف قولُ مالك في إيجاب النفقة لِلْحَاضِنِ بحق الحضانة فأوجب ذلك لها في رسم شك في طوافه في سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، ولم يوجب ذلك لها في رسم شك المذكور من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة، ولا في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب منه، والاختلاف في ذلك جار على اختلافهم في الحضانة هل هي من حق

: أوصى إلى امرأته بولده منها ولم يقل إن تزوجت فانزعوهم منها فأرادت التزويج

المحضون أم من حق الحاضن فمن رآها من حق المحضون أوجب للحاضن أجرته في حضانته وكراء سكناه معه، ومن رآها من حق الحاضن لم يوجب له ذلك؛ لأنه لا يستقيم أن يكون من حقه أن يكفله ويَأوِيهِ إلى نفسه ويجب له بذلك عليه حق، وتفرقةُ مالك في هذه الرواية بين أن يوجد من يحضن الصبيِ دون نفقة أو لا يوجد إن نُزِعَ من أمه قول ثالث في المسألة وبالله التوفيق. [: أوصى إلى امرأته بولده منها ولم يقل إن تزوجت فانزعوهم منها فأرادت التزويج] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق وسئل مالك: عن رجل أوصى إلى امرأته بولده منها ولم يقل: إن تزوجت فانزعوهم منها، فأرادت التزويج، قال: أرى إن عزلتهم في بيت على حدة وأقامت لهم ما يصلحهم من خادمهم ونفقتهم فأراها أولى بهم، وإن لم تفعل انتزعوها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القولُ عليها في رسم حلف قبل هذا فلا وجه لِإعادته وبالله التوفيق. [: أوصى بوصية إلى وارث أو غير وارث قال ثلثي يجعل حيث أراد الله] ومن كتاب أوله الشريكين يكون لهما مال وسئل مالك: عن رجل أوصى بوصية إلى وارث أو غير وارث، قال: ثلثي يجعل حيث أرَادَ الله. قال مالك: إن كان جعل ذلك إلى وارث هو له فليس له أن ينفذ شيئا من ذلك إلّا أن يعلم الورثة ويخصوهم، وإن كان جعل ذلك إلى غير وارث فإنه ليس له أن يأخذه لنفسه ولا لولده ولا لحاضنةٍ من الناس إلّا أن يكون لذلك وجه يسميه ويذكره وُيعرف أن الذي أعطى أَهْلا لذلك وليس لغير الوارث أن يكتم ما صنع ولا أن يعيبه ولا أرى عليه يمينا في ذلك، وليس

: ولي اليتم إن كان في حجره وكان لليتيم غنم ودابة أيشرب من لبنها ويركب دابته

الحديثُ في ذلك مثلَ القديم، فأما الأمر القريب العادة من ذلك، فإنه يعلمه، وأما ما قدم من ذلك وطال فليس عليه تجديد ذلك وذكره، والورثة هم أهملوا ذلك بحضرة ذلك وحدثانه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا فوض تنفيذ الوصية إلى غير وارث فليس له أن يأخذها لولده ولا لحاضنةٍ من الناس إلّا أن يكون لذلك وجه يعرف فيه صواب فعله؛ لأنه يتهم في ولده وَخَاصَّتِهِ من الناس فعليه إذا فعل ذلك أن يُعْلِمَ الورثةَ به. قال أصبغ: إلّا أن يكون الورثةُ صغارا فعليه أن يعلمهم إذا كبروا؛ لأن ذلك من القضاء لنفسه، فعلى ما ذكرته في رسم سَنّ قبل هذا في الذي يوصي إلَى المرأة أن تجعل ثلثه حيث أراها الله، وقوله: ليس له أن يكتم ما صنع ولا يعيبه، معناه أن ذلك ليس من الحظ له أن يفعله فيعرض نفسه للتهمة فإن فعل ذلك وعيبه وادعى أنه قد نقده فلا غرم عليه فيه إلّا أن يتبين كذبه، وهو مصدق في ذلك مع يمينه ما لم يتبين كذبه إلّا أن يطول الأمرُ فلا يكون عليه يمين، هذا معنى قوله في الرواية: ولا أرى عليه يمينا في ذلك، وليس الحادث في ذلك مثلَ القديم، يريد أنّ القديم يصدّق فيه بلا يمين، والحادث يصدق فيه مع يمينه، وقد وقع في بعض النسخ فإنه ليس له أن يأخذه لنفسه ولا لولده ولا أن يحابي منه أحدا من الناس، وذلك بين في المعنى، وقد مضى في أول مسألة من السماع القولُ على بقية المسألة فلا معنى لإِعادة ذلك وبالله التوفيق. [: ولي اليتم إن كان في حجره وكان لليتيم غنم ودابة أيشرب من لبنها ويركب دابته] ومن كتاب اغتسل على غير نية وقال في ولي اليتم: إنْ كان في حجره وكان لليتيم غنم ودابة أيشرب من لبنها ويركب دابته؟ قال: إن كان للبن ثمن وهو في موضعِ له ثمن، فلا أحبه وإن كان في موضع ليس له ثمن فلا أرى به بأساَ

وأما دابته فلا أحب له أن يركبها ولا أحب له إن كان له مال عنده أن يستسلفه. قال محمد بن رشد: اتفق أهلُ العلم جميعا على تحريم أكل مال اليتيم ظلما وإسرافا وعلى أن ذلك من الكبائر لقول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] . وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6] ، واختلفوا في القدر الذي يجوز للأوصياء من ذلك ويسوغ لهم لقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] ، فذهب مالك وأصحابه إلى أنه لا يجوز للوصي أن يأكل من مال يتيمه إلاّ بقدر استغاله به وخدمته فيه وقيامه عليه إن كان محتاجا إلى ذلك، قاله محمد بن المواز في كتابه عمن حكاه عنه من أهل العلم، وذلك على ما جاء عن عبد الله بن عباس، أنه قال للذي جاءه فقال له: إن لي يتيما أفأشْرَبُ من لبن إبله؟ قال ابن عباس: إن كنتَ تبغي ضالة أبله وتلي حرصها وتسقيها يوم وُرُودِها فاشرب غيرَ مُضِر بنسل ولا ناهِكٍ في الحلب، وأما إن كان غنيا عن ذلك فلا يفعل؛ لقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] ، وقد قيل: أن للغني أن يأكل منه بقدر قيامه عليه وخدمته فيه وانتفاع اليتيم به في حسن نظره له، فإن لم يكن له في ماله خدْمة ولا عمل سوى أنه يتفقدُه ويشرف عليه لم يكن له أن يأكل منه إلّا ما لا ثمن له ولا قدر لقيمته مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه على ما قاله في هذه الرواية ومثلُ الفاكهة من ثمر حائطه على ما قاله في أول سماع أشهب من كتاب الجامع، ولا يركب دوابه ولا ينتفع بظهر إبِلِه ولا يستسلف من ماله ومن أهل العلم من ذهب إلى

مسألة: قال ثلثي في سبيل الله وفي المساكين وفي الرقاب

أن لولي اليتيم إذا كان فقيرا أو احتاج أن يأكل من مال يتيمه بغير إسراف ولا قضاء عليه فيما أكل منه، لقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] . واختلف في معنى ذلك، فقيل: هو أن يأكل من ماله بأطراف أصابعه ولا يكتسي منه، وقيل: هو مَا سَدّ الجوع وَوَارَى العَوْرَةَ ليس لبس الكتانِ ولا الحُلَلَ، وقيل: هو أن يأكل من ثمره ويشرب من رسل ماشِيته بقيامه على ذلك. وأما الذهب والفضة فليس له أخذ شيء منها إلّا على وجه القرض، وقيل: له أن يأكل من جميع المال وإن أتى على المال وليس عليه قضاء، وقيل: معنى قوله عز وجل: {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] هو أن يأخذ من ماله قدر قوته قرضا فإن أيسر بعد ذلك قَضَاهُ، روي هذا القول عن سعيد بن المسيب، وروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إني أنزلت مال الله مني بمَنْزِلَةِ مال اليتيم إن استغنيت استعففتُ وإن افتقرت أكلتُ بالمعروف فإذا أيسرتُ قضيته وبالله التوفيق. [مسألة: قال ثلثي في سبيل الله وفي المساكين وفي الرقاب] مسألة وقال: من قال: ثلثي في سبيل الله وفي المساكين وفي الرقاب، أو في سبيل الله وحدهُ أو لفلان ثلثي وحدهُ ولفلان مائة دينار، أو قال: في سبيل الله أو في المساكين أو في الرقاب أو في سبيل الله ولفلان ثلث مالي، قال: يعارلون الذي سمى له المائة. قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية: إن الوصية بالجزء والتسمية يحاص بينهما ولا يبدأ أحدهما على الآخر سواء كانت التسمية لمعين والجزء لغير معين في وجه واحد أو في وجوه شتى أو كان الجزء لمعين

مسألة: وجد فيما أوصى به على رجل منهم حق هو أكثر مما أوصى به

والتسمية لغير معين في وجه واحد أو في وجوه شتى. ومثله في رسم الوصايا الأول من سماع أشهب، وفي رسم الكبش من سماع يحيى، وروى ذلك أيضَاَ علي بن زياد عن مالك، وذلك إذا أبهم التسمية ولم يقل فيها إنها من الثلث مثل أن يقول عشرة دنانير من ثلثي لفلان أو في وجه كذا منه ولفلان أو في وجه كذا ثلثي أو قال لفلان أو في وجه كذا ثلثي ولفلان أو في وجه كذا منه عشرة دنانير فإن التسمية تبدأ قاله في رسم الوصايا المذكور، ولا خلاف في ذلك إذا أتى بمن قدمها أو أخرها إلّا أنه إذا أخرها كان الأمر في التبدية آكد. وقد روي عن مالك: أن التسمية تقدم على الجزء، وروي عنه أن الجزء يقدم عليها، فهي ثلاثة أقوال لمالك إذا لم يأت في ذلك بمن وبالله التوفيق. [مسألة: وجد فيما أوصى به على رجل منهم حق هو أكثر مما أوصى به] مسألة وسئل: عن رجل أوصى عند موته بما كان له وعليه، فوُجدَ فيما أوصى به على رجل منهم حق هو أكثر مما أوصى به، أترَى أن يشتري ما قبله؟ قال: نعم ولعله أن يكون قد وَهِمَ فأرى أن يستبرئ ما قبله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا إشكال فيه والحمد لله. [مسألة: ما تركه الميت من المال لا يفي بما أوصى به لجميعهم] مسألة وسئل: عن رجل أوصى لعمةٍ له بدين لها عليه ولقوم آخرين بديون والذين أوصى لهم من الأباعد لهم بها شهود وليس للعمة شهود، قال: لا يجوز في مثل هذا لِذَوِي الأرحام إلّا أن يكون لهم

مسألة: قول الموصي وإذا مات فمرجوعه إلى ورثته

ثبت، فإن لم يكن لهم ثبت فإني أرى الأباعدَ ممن لهم ثبت أحَقّ بماله وإن كان ممن لا يتهم عليه من ذوي رحمه، وإن لم يكن لهم بينة فإني أرى ذلك لهم ثابتا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن ما تركه الميت من المال لا يَفِي بما أوصى به لجميعهم مثل أن يكون ترك مائتي دينار فأقر لرجلين أجنبيين بمائة ومائة ولعمته بمائة فإن كان للأجنبيين بينة على مالهما كانا أحق بالمائتين؛ لأن من عليه دين يغترف مَالَه، فلا يجوز إقراره لصديق ملاطف ولا من يتهم عليه من ذوي رحمه، وإن لم يكن لهما بينة على مالهما بما أقر لهما به خَاصَّتْهُمَا العمةُ في المائتين بما أقر لها به أيضا بمنزلة إذا كانت لكل واحد منهم بينة على ما أقر لهم به، إذْ لَا حجة للأجنبيين على الميت فيما أقر به للعمة إذا لم يكن لهما بينة، إذ لو شاء لم يقر لهما بشيء، وهذا بين إذا أقر لَهُمْ معا أو أقر للعمة قبلُ، وأما إذا أقر للأجنبيين قبلُ فيتهم أن يكون أراد أن تدخل العمة عليهما فيما قد تقرر لهما ووجب بإقراره لهما أولا. [مسألة: قول الموصي وإذا مات فمرجوعه إلى ورثته] مسألة وقال مالك في رجل أوصى بوصية وأوصى فيها بأن غلاما له يخدم فلانا ما عاش، فإذا مات فَمَرْجُوعُهُ إلى ورثته، وأوصى أن فضلةَ ثلثه لفلان، فمكث الرجل الذي أخدم الغلام يسيرا، ثم مات، هل للرجل الذي أوصى له ببقية الثلث في العبد حق أم لا؟ قال مالك: إذا رجع العبد إلى ورثة الموصي كان للذي أوصى له لبقية الثلث. قال محمد بن رشد: مثلُ هذا في رسم أسلم من سماع عيسى لمالك أيضا من رواية ابن القاسم. وقال عيسى بن دينار من رأيه: لا شيء للموصى له ببقية الثلث في مرجع الغلام إذا قال الموصي فإذا مات فمرجوعه

مسألة: يوصي لرجل بدين فيطلب فلا يوجد

إلى ورثته، وجه قول مالك أن قول الموصي وإذا مات فمرجوعه إلى ورثته لا تأثير له فيما يوجبه الحكمُ؛ لأنه لو سكت عنه لكان مرجوعا إلى ورثته أي إلى حكم ماله المورث عنه بعد الوصايا بقوله: يخدمه ما عاش، فإذا رجع إلى ورثته على هذا الوجه وجب أن يدخل فيه الوصايا، فيكون للموصى له بقيةُ الثلث؛ لأنه بقيةُ الثلث، ووجه قول عيسى إتبَاع ظاهر لفظ المُوصي في قوله: إنه يرجع إلى ورثته؛ لأن الظاهر منه أن يرجع إليهم ملكا، ولما كان لو سكت عن هذا اللفظ كان للموصى له ببقية الثلث، أعتبر اللفظُ فلم يجعله ملغا لا حكم له، فقول مالك أصح من جهة المعنى، وقول عيسى أظهر من جهة اللفظ وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي لرجل بدين فيطلب فلا يوجد] مسألة وسئل: عن رجل يُوصِي لرجل بدين فيُطْلَبُ فلا يُوجد، قال مالك: فيتصدق به عنه، ويقال: اللهم هذا عن فلان. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب المديان والتفليس، فقال فيها: فلا يوجد ولا يعرف معناه أنه لا يعرف موضعه؛ لأنه إذا لم يعرف فلا يصح أن يؤخذ ذلك، يفترق بين أن يكون الموصى له لا يُعْرَف أو يعرف فلا يُوجَدُ؛ فأما إذا كان لا يعرف فيفترق الأمر فيه بين أن يكون الموصي يورث بِوَلَد أوْ كَلاَلَةٍ، فإن كان يورث بولد جاز إقرارُهُ من رأس المال إن أوصى أن يتصدق به عنه أو يوقف له، فإن وقف فلم يأت له طالب تصدق به على ما قاله في سماع أبي زيد، واختلف إن كان يورث بكلالة، فقيل: إن أوصى أن يحبس ويوقف حتى يأتي له طالبٌ فذلك من رأس المال، وإن أوصى أن يُتَصَدَّق به عنه لم يقبل قوله، ولم يخرج من رأس المال ولا من الثلث، قال هذا في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس، وقيل: إنه يكون من الثلث، وهذا القول

: يوصي للرجل بالعبد في وصيته وللعبد مال

قلم من كتاب المكاتب من المدونة، وقيل: إنه إن كان يسيرا جاز من رأس المال ووقف، فإن لم يأت له طالب، تصدق به، وإن كان كثيرا لم يكن في رأس المال ولا في الثلث. قاله في سماع أبي زيد، ونحوه في أول رسم من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب. وأما إن كان يعرف فطلب ولم يوجد فسواء كان الموصي يورث بكلالة أو ولد الوصيةُ جائزةٌ من رأس المال، ويوقف ما دام يُرْجَى وجوده فإن أيس منه تصدق به كما يُفعل باللُّقَطَةِ بعد التعريف فإن وجد صاحب الدين بعد التصدق غرمه له الذي تصدق به إلّا أن يشاءَ أن يُجِيزَ الصدقة وينزل على أجرها وبالله التوفيق. [: يوصي للرجل بالعبد في وصيته وللعبد مال] ومن كتاب البز قال: وسئل عن الرجل يوصي للرجل بالعبد في وصيته وللْعَبْدِ مال لمن ترى ماله؟ قال: إني لَا أرَى أن يكون شبيها بالعتق، وأن يكون مالُهُ لمن أوصى له به، قال: فقلتُ له: أفَتَرَاه مخالفا الصدقة والهبة إذا تصدق به أو وهبه؟ قال: نعم، إني لا أرى ذَلِكَ مخالِفا لهما. قال ابن القاسم: وقد كان قال مالك قبل ذلك: هو مثلُ الهبة والبيع، ثم رجع فقال: أراه شبيها بالعتق وأن يسلم ماله للذي أوصى له به مع رقبته وثبت عليه، ورأيت مالكا مستحسنا له ومستبصرا فيه وهو أحب قوله إلي. قال محمد بن رشد: اختلف قولُ مالك في العبد الموصى به فمرة رآهُ لِوَرَثة الموصي قياسا على البيع؛ لأن العبد الموصى به يخرج بالوصية من

مسألة: يوصي بثلثه ويوصي فيه بوصايا فتدعي امرأته حملا

مِلْكٍ إلى ملك، فأشبه البيعَ، وهو أحد قوليه هنا، وقولُهُ في رسم الوصايا الأول من سماع أشهب بعد هذا، ومرة رآه للمُوصى له به قياسا على العتق، بخلاف البيع، لَمّا كَانت الوصيةُ على سبيل المعروف كالعتق، ولم يكن على سبيل المُكَايسَةِ كالبيع، وهو أحدُ قوليه ها هنا وقولُهُ في رسم العرية من سماع عيسى بعد هذا وَلَم يختلف قولهُ في الصدقة والهبة: أن المال فيهما يبقى للواهب والمتصدق كالبيع، فلا يكون تبعا للعبد كما هو في العتق إلّا أنّ الخلاف يدخل فيهما بالمعنى قياسا على الوصية؛ لأنهما أيضا من ناحية المعروف كالوصية وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بثلثه ويوصي فيه بوصايا فتدعي امرأته حملا] مسألة وسئلِ مالك: عن الرجل يوصي بثلثه ويوصي فيه بوصايا فتدعي امرأتُه حَمْلا أترى أن تُؤَخر الوصايا حتى تضع ويستبرأ ذلك منها؟ قال: نعم، إني لأرَى أن يؤخر ذلك. قال أشهب: تنفذ الوصايا من ثلثه قبل وضع الحمل، وخالفه أصبغ، وقال بقول مالك في سماع أصبغ من كتاب الكراء والأقضية. قال محمد بن رشد: قولُ أشهب وأصبغ ليس في جميع الروايات، وفي المبسوط لابن نافع عن مالك مثلُ قول أشهب، قال: يعطي صاحب الثلث الثلث، وتؤخر قسمة الورثة حتى تضع المرأة، وقال ابن أبي أويس عن مالك: أرى أن تؤخر الوصايا حتى تضع المرأة ويستبرئ ذلك. وقال محمد بن مسلمة مثل ذلك، وقال: لأنَما يهلك من يهلك من رأس المال وما زاد في رأس المال، فيكون ما أخذ الموصى له قد استوفى على غير ما أخذوا، وهو تعليل صحيح بين؛ لأن المال إن تلف في التوقيف بعْدَ تنفيذ الوصايا وجب

للورثة الرجوعُ على الموصى لهم بثلثي ما قبضوا، ولعل ذلك قد فات بأيديهم وهم غرماء فيخسروا. والاختلافُ في هذه المسألة جارٍ على الاختلاف في الموصى له بالثلث يَطْرَأ على الورثة بعد اقتسامهم التركة هل يكون حكمُهُ حكمَ الغريم يطرأ على الورثة وحكم الوارث يطرأ عليهم، فعلى القول بأن حكمه حكم الغريم يطرأ على الورثة يعطي صاحبُ الثلث الثلثَ، ويوقف سائرُ المال للورثة حتى يوضع الحمل، فيكون النِّماَءُ لهم والضمانُ عليهم لا يرجعون على صاحب الثلث بشيء إن تلف المال، ولا يرجع صاحبُ الثلث عليهم بشيء إِنْ نَمَا المالُ وعلى القول بأن حُكْمَهُ حكمُ الوارث يطرأ على الورثة يوقف جميعُ المال حتى تضع الحمل، ولا يُعَجل للموصى له بالثلث كما لا يعجل للأب السدس إذا مات ابنه وله ولد وامرأته حامل، ولا لامرأته الثمنُ حتى يوضع الحمل وان كان للأب السدس وللزوجة الثمن على كل حال وضع الحمل ذكرا أو أنثى وإن فشا فإن عجل الورثة للموصى له بالثلث الثلثَ ووقفوا بقية المال فتلف قبل أن يوضع الحملُ- وجب على قياس هذا القول أن يرجع الوارث على الموصى له بثلثي الثلث الذي قبض وإن نما المال رجع الموصى له عليهم بثلث النماء ولم يكن بينهم تراجع على قياس القول القول الثاني ولو كانت الوصية إنما هي بِعَدَدٍ من دنانير أو دراهم لوجب أن يعجل بتنفيذ الوصية وتُؤخر قسمة بقية المال حتى يوضع الحمل قولا واحدا إذْ لا اختلاف في أن الوصية بالعدد كالدين في وجوب إخْرَاجِهَا من التركة قبل القسمة لقول الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ولا في استواء الحكم فيهما إذا طرأ بعد القسمة. وقال ابن دحون: إنما وجب تأخير إنفاذ الوصايا حتى توضع الحمل؛ لأن القسمة لا تكون إلّا مع موجود، فإذا احتيج إلى القسمة لتنفيذ الوصايا وجب أن تقسم التركة، ولا يقسم نصيب غير موجود، فلا بد من التأخير حتى يوضع الحمل، وهذا التعليل على قياس

التعليل الأول؛ لأن القسمة لما كانت غيرَ صحيحة وجب أن يكون ما تلف أو نَمَا من الجميع، وفيه دليل على وجوبا أداء الدين قبل وضع الحمل؛ لأنه يخرج من رأس المال قبل القسمة، ورأيت في حواشي بعض الكتب، قال الباجي: شهدت ابن أيمن حَكَمَ في ميت مات وترك امرأة حاملا أنه لا يقسم ميراثه ولا يُؤَدَّى دينُهُ حتى توضع الحمل فأنكرت ذلك عليه، فقال: هذا مذهبنا ولم يأت ابنُ أيمن بحجة، والصحيح أن يُؤَدَى دينه ولا ينتظر وضع الحمل، ولا يدخل في هذا اختلاف قول مالك في تنفيذ الوصية قبل وضع الحمل؛ لأن العلة في تأخير تنفيذ الوصية إلى أن يوضع الحمل على قول من رأى ذلك هي أنّ بقية التركة قد تتلف في حال التوقيف قبل وضع الحمل فيجب للورثة الرجوع على الموصى لهم بثلثي ما قبضوا ولعلهم معدمين أو غير معدمين فلا يجدون على من يرجعون. وأما تأخير أداء الدين حتى يوضع الحمل فلا علة توجبه، بل توجب ترك التوقيف وتعجيل أداء الدين مخافة أن يهلك المال فيبطل حق صاحب الدين من غير وجه منفعة كان في ذلك للورثة وإذا وجب أن يقضي دينُ الغائب مما يوجد له من المال مع بقاء ذمته إن تلف المال الموجود له كان أحرى أن يؤدى الدين عن الميت من تركته لوجهين؛ أحدهما: أن الميت قد انقطعت ذمته. والثاني: أنّ الحمل لا يجب له في التركة حق حتى يولد ويستهل صارخا، ولو مات قبل ذلك لم يورث عنه نصيبُهُ، والغائب حقه واجب في المال الموجود له لو مات ورِثه عنه ورثتهُ، فإذا لم ينتظر الغائب مع وجوب المال الذي يؤدى منه الدين الآن له، كان أحرى ألّا ينتظر الحمل إذ لم يجب له بعد في التركة حق، ومن قول ابن القاسم في المدونة وغيرها أنّ من أثبت حقا على صغير قُضِيَ له به عليه ولم يجعل للصغير وكيل يخاصم عنه في ذلك، فإذا قضي على الصغير بعد وضعه من غير أن يقدم له وكيل فلا معنى لانتظار وضع الحمل لِتَأدِيَةِ دين الميت، وهذا كله بين لا ارتياب فيه ولا إشكال والحمد لله.

مسألة: حضرته الوفاة فقال قد أوصيت ووضعت وصيتي على يدي فلان

[مسألة: حضرته الوفاة فقال قد أوصيت ووضعت وصيتي على يدي فلان] مسألة وسئل مالك: عن رجل حضرته الوفاة فقيل له: أَوْص، فقال: قد أوصيت وكتبت وصيتي ووضعتها على يدي فلان فأنفِذواُ ما فيها فتوفي الرجل وأخرج الذي قال المتوفى قد وضعتها على يديه الوصيةَ وليس فيها شهود إلّا ما شهد على قوله من ذلك: أنه قال: قد وضعتها على يدي فلان فأنفذوا ما فيها. قال مالك: أرى إن كان الرجلُ الذي ذكر أنها عنده عدلا أن ينفذ ما فيها. قال ابن القاسم: وذلك رأي، قال العتيبي عن سحنون: الوصيةُ جائزةٌ عدلا كان أو غير عدل، قال يحيى: قلتُ لابن القاسم: لِمَ جوزها مالك ولم يُشْهَدْ عليها بعينها ولم يَشهد عليها إلّا الذي كانت عنده؟ قال: أراه بمنزلة الذي يوصي فيقول: قد أوصيت بوصايا أعملت بها فلتنفذ فما أخبركم أني أوصيت به فهي وصيتي فلينفذ ما فيها، فيكون ذلك ماضيا، وبمنزلة الرجل يوصي بديون لهم عليه، فيقول: قد كنت أدَايِنُ فلانا وفلانا فما أدعوه قِبَلِي فهم فيه مصدِّقون، فيكون ذلك لهم بلا يمين يستحلفون بها على ما ادعوا. قال محمد بن رشد: اشتراطُ مالك العدالةَ في الذي قال الميت: إنه وضع وصيتَه عنده إذا أخرجها فقال هذه هي، وليس عليها شهود خلافُ ظاهر ما في المدونة والموازية في الذي قال: قد كتبت وصيتي وجعلت عند فلان فصدقوه وأنفذوا ما فيها أنه يصدق وينفذ ما فيها إن لم يشترط في ذلك عدالة مثلُ قول سحنون، وقولُه هو القياس إذ لا حجة للورثة عليه في الثلث، فله أن يجعل التصديق فيه إلى عدل وغير عدل، وقول مالك ها هنا في اشتراط العدالة استحسانٌ، وقد مضى في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الشهادات ما فيه بيان هذا فقف عليه.

مسألة: أوصى أن يشترى له رقبة بثلاثين دينارا فتعتق عنه

وقولُهُ في الذي قال: كنت أدَايِنُ فلانا وفلانا فما ادعوه قِبَلِي فهم فيه مصدقون إنّ ذلك يكون لهم دون يمين يستحلفون بها خلافُ قوله في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس في إيجابه اليمين في ذلك، واختلافُ قوله في هذا على الاختلاف في لحوق يمين التهمة إذ لم يسقط الميت عنهم اليمينَ وإنما قال: إنّهم يصدقون ولم يقل بيمين ولا بغير يمين، ولو قال: إنهم يصدقون بغير يمين لَمَا سَقَطَ عنهم بإسقاطه إياها عنهم على ما مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم حسبما بيناه وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى أن يشترى له رقبة بثلاثين دينارا فتعتق عنه] مسألة وسئل مالك: عن رجل أوصى أن يشترى له رقبة بثلاثين دينارا فتعتق عنه فسام الوصيُ بغلام فأبى سيدُه أن يبيعه إلّا بأربعين دينارا، فقال له أخ للغلام حر: بعه وأنا أعطيك عشرة دنانير، ولم يعلم بذلك الوصي فباعه وأعتقه، ثم علم الوصي بعد ذلك، فقال: إني لأرَى له في ذلك متكلما، فقيل له: فما تقول فيه؟ ما يتبين لي فيه شَيْءٌ قال ابن القاسم: أخبرني من أثق به عن ابن هرمز ومالك أنهما رأيا جميعا أنه عيب من العيوب يرجع به المشتري على البائع فيأخذه من الثمن. قال ابن القاسم: وتفسيرُ ذلك أن ينظر كم ثمنُه بغير شرط العتق وكم ثمنه لو شرط فيه العتق؟ فينظركم بين القيمتين، فإن كان ذلك ربعا أو خمسا أو سدسا رجع إلى الثمن فأخذ بقدر ذلك من البائع، بمنزلة ما لو باعه وعليه دين وله امرأة أو ولد أو به عيب. قال محمد بن رشد: قولُ مالك وابن هرمز من أن ذلك عيب يجب الرجوع للمشتري على البائع صحيحٌ؛ لأن الذي زاد العشرة دنانير قد شاركه

مسألة: الموصى أيقارض بمال يتيمه الذي أوصى إليه به

في العبد الذي أعتق بربعه إذْ ودى رُبع الثمن إلى البائع، فصار الوصي إنما أعتق عن الذي أوصى إليه ثلاثة أرباع العبد، وتفسيرُ ابن القاسم لصفة الرجوع بقيمة العيب لا وجه له، وإنما الذي يصح في ذلك ولا يجوز غيره أن يرجع المبتاعُ على البائع بِرُبع الثلاثين التي دفع إليه؛ لأن الذي زاد العشرة قد شاركه في العبد بربعه فصار بمنزلة من اشترى عبدا فاعتقه ثم استحق منه ربعه فإنه يرجع على البائُع الثمن ويجعل ذلك في عتقٍ، وإن كانت الرقبة التي أوصى بها رقبة واجبة لم تجزه وضمن الوصي على مذهب أشهب، يغرم العشرين من ماله، واشترى رقبة أخرى فأعتقها عن الموصي، وَلَا شيء عليه على مذهب ابن القاسم في المدونة إذا لم يعلم، ويرجع بالعشرين على الورثة فيما بقي عندهم من ثلث مال الميت إن كانتَ بقيت عندهم منه بقية وبالله التوفيق. [مسألة: الموصى أيقارض بمال يتيمه الذي أوصى إليه به] مسألة وسئل مالك على الموصَى أيقارض بمال يتيمه الذي أوصى إليه به؟ قال: نعم لا بأس به ولا ضمان عليه فيه إن هلك إذا كان قد دفعه إلى أمين والوصي ينظر لمن يليه ومن اليَتَامَى مَنْ أموالُهم الغنم من أهل البادية فيمسكها لهم، ولو باعها أكلوا ثمنها، فيقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] يخلط طعامه بطعامه وزرعه بزرعه وماشيته بماشيته. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن للوصي أن يدفع مال يتيمه مضاربة؛ لأنه ينظر له بما ينظر لنفسه، وقد قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة) ومثل هذا في الرهون من المدونة أن الوصي يتجر لليتيم بماله أو يقارض له به، ويكره له أن يعمل هو

: يوصي بالوصية في مرضه ثم يصح من ذلك المرض ثم يمرض فيموت

به مضاربة قال في الزكاة من تفسير ابن مزين: فإن عمل به بقراض مثله جاز ولم يكن عليه فِيه ضمان إذا تلف، وإن عمل به بأكثر من قراض مثله فغبن اليتيم في ذلك رد إلى قراض مثله وضمن المالَ إن تلف، قال يحيى بن إبراهيم: قولُه في الضمان ضعيف. [: يوصي بالوصية في مرضه ثم يصح من ذلك المرض ثم يمرض فيموت] ومن كتاب باع غلاما بعشرين دينارا وسمعتُ مالكا يقول في الرجل يوصي بالوصية في مرضه أو عند سفره فيقول: إن أصابني في سفري هذا أو مرضي هذا موتٌ فجاريتي حرة، ويوصي بوصايا ثم يصح من ذلك المرض أو يقدم من ذلك السفر ثم يمكث حينا ثم يمرض فيموت وتوجد تلك الوصية بعينها ولم يذكر لها ذكرا عند موته ولا تغييرا ولا إجَازَة، قال مالك: أرَاها جائزة، قلت لَهُ: فإن أوصى بوصية أخرى ولم يذكر نقضا لتلك؟ قال مالك: يجوزَانِ جميعا إلّا أن يكون في الأخرى مَا يَنقض الأولى فيؤخذ بالآخرة. قال مالك: وإن كان في الأولى وصيةٌ لرجل وله في الأخرى مثلُ ما سمى له في الأولى فليس له إلّا في موضع واحد، وإن اختلفَ العَدَدَانِ أخذ له بالأكثر قال مالك: وإنما أكثر ما يوصي به الرجل عند سفر أو مرض ثم يصح من مرضه أو يقدم من سفره فيقرها كما هي ويرى أن له وصية أخرى موضوعة قد فرغ منها ووثق بذلك فلا أراها إلّا جائزة، وقد قال مالك في كتاب باع سلعة سماها: إنها لا تجوز إلّا أن يكون أخرجها من يده وجعلها على يدي غيره ولم يأخذها من يده حتى مات، قال سحنون: وهذا القول من قوله أحسن.

: شهادة الشاهدين في الوصية

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول رسم من السماع فلا معنى لِإعادته حيث ما تكررت وبالله التوفيق. [: شهادة الشاهدين في الوصية] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك: عن رجل أوصى في مرضه وأوصى إلى ثلاثة نفر مع امرأته وأحدهم غائب فشهد الوصيان أن هذه الوصيةَ وصيتُه ولم يشهد عليها غيرُهما وقد كان أوصى لهما في الوصية بشيء، قال مالك: ينظر إلى حالهما وإلى ما أوصى لهما به فإن كان الذي أوصى لهما به يسيرا لا يتهمان على مثله لم أرَ أن ترد بذلك شَهَادَتُهما ورأيتها جائزة. قال محمد بن رشد: أجاز في هذه الرواية شهادةَ الشاهدين في الوصية إن كان الذي أوصى لهما به يسيرا مع أنه أوصى إليهما، فالظاهر من قوله أنه لم يَرَ ذلك تهمة في شهادتهما ومثلُه في المدونة سواء، والمنصوص له فيها أنه لا تجوز شهادةُ الموصى إليه وإن كان طالب الحق غيرَه، وعلى هذا يأتي قولُ سحنون في آخر كتاب الأقضية، وفي سماع أبي زيد من هذا الكتاب إجازةُ الشهادة مثلُ ما يَقُومُ من هذه الرواية، وقولُه: إن كان الذي أوصى لهما به يسيرا لا يتهمان عليه لم أرَ أن تُرَدّ شهادتُهما هو المشهور في المذهب أن شهادة الموصى له بشيء يسير في الوصية جائزة، وقد قيل: إنها لا تجوز، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، واختلف على القول بإجارتها، فقيل: إنها تجوز له ولغيره، وقيل: إنها تجوز لغيره ولا تجوز له، وقيل: إن كان معه شاهدٌ غيرُه جازت له ولغيره وإن لم يكن معه شاهد غيره جازت لغيره ولم تجز له، وهو قول يحيى بن سعيد في المدونة، وقد مضى شرح هذا كله وبيانُه في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب الشهادات وفي مسألة أفردناها في

مسألة: المسلم يهلك ويترك خمرا في تركته ويوصي لرجل كيف يصنع بها

التكلم على هذا المعنى وما يتعلق به فلا معنى لِإعادة القول في ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: المسلم يهلك ويترك خمرا في تركته ويوصي لرجل كيف يصنع بها] مسألة وسئل مالك: عن المسلم يهلك ويترك خمرا في تركته ويوصي لرجل كيف يُصْنَعُ بها؟ قال: لا أرى أن يَكْسِرَهَاّ حتى يأتي بها السلطان فيعمله بذلك خوفا ممن يأتي بعده أن يُضمنه، وقد قال مالك في الخنزير يقتل. قال محمد بن رشد: إنما قال في الخنزير: إنه يقتل دون أن يرفع الأمر في ذلك إلى السلطان، وإن الخمر لا يكسرها حتى يرفع الأمر في ذلك إلى السلطان؛ لأنّ الخنزير لا اختلاف في وجوب قتله، والخمر قد اختلف في جواز تخليلها وترك كسرها إذ قد قيل: إن المنع من تخليلها عِبَادَةٌ لا لِعِلة، وقيل: إنما منع من ذلك لَعَلّه ممن قال: إن المنع من ذلك إنما هو لعلة إجازته في الموضع الذي ترتفع فيه العلة، وقد اختلف في العلة ما هي؟ فقيل التعدي والعصيان في اقتِنَائِهَا، فعلى هذا القول يجوز لمن تخمر له عصير لم يرد به الخمر أن يُخلله، وقيل: بل العلة في ذلك التهمةُ لمُقتنيها ألّا يخللها إذا غاب عليها فعلى هذا القول يجوز لمن اقتنى خمرا ثم تاب أن يخللها، فعلى هذين القولين لا يجوز للوصي أن يهريق الخمر إذا وَجَدها في تركة الميت ويجب عليه أن يخللها، فلهذا رأى مالك للوصي ألّا يكسرها إلّا بِأمْرِ السلطان لئلا يُضَفَنَ إياها على هذين القولين إن كان مَذهب الحاكم الذي يرتفع إليه الأمر أحدهما، وسيأتي في سماع عبد الملك القولُ في الشطرنج يجده الوصي في تركة الميت وبالله التوفيق. [مسألة: قال عند موته وصيتي عند فلان فلما مات أخرج الوصية فإذا هي عتق وغيره] مسألة وسئل مالك: عن رجل قال عند موته: وصيتي عند فلان رجل

مسألة: أوصى بعتق رقيقه ولرقيقه رقيق

سماه وأشهد على ذلك، فلما مات أخرج الوصية فإذا هي عتق وغيره. قال مالك: لا أرى مثل هذا إلّا جائزا وأبينُ ذلك لو كتب وصيتين ووضع عند كل رجل وصية، فإذا مات جازتا إذا اتفقتا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم البز، وقد مضى الكلام عليها وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بعتق رقيقه ولرقيقه رقيق] مسألة وسئل مالك: عن رجل أوصى بعتق رقيقه ولرقيقه رقيق، قال مالك: يعتق رقيقه ويقر رقيق رقيقه مماليك بأيديهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه على مذهبه في العبد يملك، بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من باع عبدا وله مالُ فماله للبائع إلّا أن يشترطه المبتاع» فأضاف المال إليه إضافة الملك، وَلِذَلك يَطَأُ بملك يمينه، إذ لو لم يكن مالكاَ ليمينه لَمَا جاز له الوطء بملك يمينه؛ لِأن الله تعالى لم يبح الفرج بما عدا النكاح وملك اليمين، ومال العبد تبع له في العتق، بخلاف البيع، فوجب إذا أعتق عبدَه وله عبدٌ أنّ عبده يبقى بيده رقيقا له، وكذلك إذا أوصى بعتقه، وكذلك قال في المدونة: إن الرجل إذا حلف بعتق عبيده لا يعتق عليه عبيد عبيده، ولا يدخل الاختلافُ في هذه المسألة من قوله إن العبد إذا مَلَك من يُعتق على سيده يعتق عليه، وإن الرجل إذا حلف لّا يركب دابة فركب دابة عبده أنه حانث، ومن حمل ذلك على أنه اضطراب من قول مالك في أن العبد يملك فقد أخطأ، وليس هذا موضع التكلم على الفرق بين الموضعين وإنما يعتق رقيقُ الرقيق إذا أوصى بعتق الرقيق على مذهب الشافعي وأبي حنيفة في أن العبد لا يملك، وأن جميع ما بيده ملك لسيده فلا يجوز له على مذهبهما الوطء بملك يمينه، ويزكي السيدُ مالَه مع مالِه وبالله التوفيق.

: هلك ولابنه إبل فكانت إبله عند رجل فجاء أولياء الصبي فقالوا نبيع حيوانه فإنه صغير

[: هلك ولابنه إبل فكانت إبله عند رجل فجاء أولياء الصبي فقالوا نبيع حيوانه فإنه صغير] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت قال: وسئل عن رجل هلك ولابنه إبل فكانت إبلُهُ عند رجل فجاء أولياءُ الصبي فقالوا: نبيع حيوانه فإنه صغير والحيوانُ تتلف والدنانير خير له، فقالت أمه ومن هو منه بسبيل: تُقَرُّ إبله ولا تباع، ويباع من رقابها ما يكون فيه نفقته. قال مالك: من الناس من أصل ماله وعُهْدَتُهُ ومن يرى الناس له فيه الخير والنماء الماشيةُ، أولئك أهل العمود من أهل البادية، وليس يؤمر أولئك وهم صغار كلما هَلَكَ منهم هالك وترك ولدا صغيرا أن يبيعوا ماشيتهم، وينظر في ذلك فإن كانت الِإبل أمثلَ للغلام فيما يرى أهلُ العلم والمعرفة بذلك، وكان هو من أهل المواشي الذين يتخذونها أُمْسِكَتْ له وإن أراد غير ذلك، فليتبع الذي هو خير للغلام. قال محمد بن رشد: هذا من وجه النظر لليتيم بين على قاله مالك فلا وجه للقول فيهِ بالله التوفيق. [مسألة: يهلك فيوجد في بيته وصية ورجلان يشهدان أنه كتابه بيده] مسألة وسئل: عن الرجل يهلك فيوجد في بيته وصية ورجلان يَشْهَدان أنه كتابه بيده. قال مالك: لا تجوز وصيتُه وعسى أن يكون لهم يعزم على ذلك وإنما كتبها ووضعها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الرجل قد يكتب

مسألة: أوصى لوارث بما مرجعه إلى غير وارث

وصيته وهو متوان فيها غيرَ عازم على إنفاذها ولا يتبين عزمه على إنفاذها إلاّ بالإشهاد على ذلك أو على وضعها على يدي أحد، وكذلك الطلاق والصدقة إذا كتب الرجل طلاق امرأته بيده وأمسكه عند نفسه ولم يشهد عليه لا يؤخذ منه ويصدق في أنه لم يكتب مجمعا على الطلاق وإنما كتبه ليستشير وينظر، فإن رأى أن ينفذه أنفذه، وإن رأى ألّا ينفذه تركه، وإذا كتب بالصدقة كتابا بيده وأمسكه عند نفسه ولم يشهد عليه لا يؤخذ به، ويصدق في أنه إنما كتب ليستشِير في ذلك وينظر على ما قاله في أول رسم من سماع أشهب من كتاب طلاق السنة، فإن أرسل الكتاب بالطلاق أو الصدقة لزمه ذلك، وكان بمنزلة الِإشهاد ولم يصدق إن أرَاد أن يرده قبل أن يصل وزعم أنه إنما أرسله على أن يرده إن شاء على ما في سماع أشهب خلافُ مذهبه في المدونة وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لوارث بما مرجعه إلى غير وارث] مسألة وسئل مالك: عن امرأة أوصت بأن جاريتي تخدم ابني حتى يبلغ ثم هي حرة فقيل لها: إن هذا لا يجوز، فقالت: إن كان لا يجوز فثلثي يحج به عني. قال مالك: يجوز أمرُ الجارية وتكون الخدمة بين الورثة حتى يبلغ الولد وتعتقه، قال أصبغ: فإن مات الغلام قبل بلوغه نظر فإن كانت من رقيق الحضانة عتقت وإن كانت من وغد الخدم خدمت الورثة إلى مبلغ الغلام ثم عتقت، وإن ماتت الخادم قبل بلوغ الغلام وتركت مالا فهو بين الورثة على كتاب الله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها من أن من أوصى لوارث بما مرجعه إلى غير وارث يدخل معه الورثة فيما أوصى به للوارث إلى أن يرجع إلى غير الوارث، وأن من أوصى لابنه أو لغيره بخدمة عبد حياته أو سنين معلومة أو حتى يبلغ ثم هو حر فمات

: يوصي بثلثه لمواليه أو لبني عمه فيهلك أحد منهم ويولد آخر قبل أن يجمع المال

قبل أن يبلغ أو قبل انقضاء السنين أنه يعجل له العتق وإن كان من عبيد الحضانة وإن كان من عبيد الخدّمة لم يعتق حتى ينقضي أمَد الخدمة بحد بلوغه أو انقضاء السنين وتكون الخدمة لورثته وبالله التوفيق. [: يوصي بثلثه لمواليه أو لبني عمه فيهلك أحد منهم ويولد آخر قبل أن يجمع المال] ومن كتاب نذر سنة يصومها وسئل مالك: عن رجل يوصي بثلثه لِمَوَاليه أو لِبَني عمه فيهلك أحد منهم ويولد آخر قبل أن يجمع المال على من ترى أن يقسم المال؟ على الذين كانوا أحياء يوم مات الموصى أو على الذين يدركهم القسم؟. قال: بلى، على الذين يدركهم. قال محمد بن رشد: هذا على أحد قولي ابن القاسم في المدونة يوصي لأخواله وأولادهم مرة حَكَمَ لهم بحكم المُعَيّنِين، فقال: إن المال يقسم بينهم بالسواء. فعلى هذا يكونُ القسمُ على من كان منهم حيا يوم مات الموصى ويكون حظ من مات منهم لورثته، ومرة حكم لهم بحكم المساكين فقال: يقسم بينهم بالاجتهاد على من كان حيا منهم حين القسمة، ومن مَات قبل القسمة لم يكن له شيء، وقد مضى هذا في الذي يوصي لقرابته في أول رسم، وسيأتي هذا المعنى أيضا في رسم الوصايا والأقضية من سماع أصبغ، وانظر مسألة رسم الوصايا المتقدمة في سماع أصبغ وما ذكرنا من المعنى فيها وتدبر ذلك كله وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي وهو يريد الغزو فيستأذن ورثته في أكثر من ثلثه فيأذنون له] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يوصي وهو يريد الغزو فيسِتأذن ورثَتَه في أكثر من ثلثه فيأذنون له أترى ذلك جائزا له عليهم إن مات؟

قال: نعم، فقيل له: والذي يريد سفرا فيستأذن ورثته فيوصي في أكثر من ثلثه فيموت أترى أن يجوز ذلك؟ قال: نعم، وأراه مثل المريض. قال ابن القاسم: وذلك رأيي. قال أصْبغ: وسمعت ابن وهب يقول في رجل أراد سفرا فاستأذن بعض ورثته في أن يهب له ميراثه منه ففعل ثم مات في سفره: إنّ لهم أن يرجعوا ولم يره مثلَ المريض، وقال لي: قد كنت قلتُ غيرَ هذا ثم رجعت إلى هذا. قال أصبغ: وذلك الصواب وهو مثل الصحيح يستأذن في العول، وهذا أصح، قال أصبغ: المسافرُ يصنع في سفره ما شاء ولم يره مثل المريض، يريد في حجب ماله عنه إن أراد أن يبتل وينفذ. قال محمد بن رشد: حَكَمَ مالك وابن القاسم في هذه الرواية لما فعله المسافر عند إرَادة الغزو أو السفر بحكم المريض فأمضيا عليهم ما أذنوا له به من الوصية بأكثر من ثلث ماله إن مات في سفره ذلك، وذلك من قول ابن القاسم خلافُ قوله في سماع عبد الملك بن الحسن من أن من حَضَرَ خروجه إلى حج أو غزو أو سفر من الأسفار فأقر بدين لزوجته أو لبعض ولده أو تصدق على ابنه الصغير بصدقة أن ذلك كلّه جائز وإن مات في سفره ذلك؛ لأنه حكمَ له فيما فعله من ذلك كله بحكم الصحة، فلم يتهمه في إقراره للوارث ولا في صدقته على ابنه مثل قول ابن وهب الذي رجع إليه في الذي أراد سفرا فاستأذن بعض ورثته في أن يهب له ميراثه ففعل يريد فقضى فيه بأن صرفه إلى بعض الورثة أو غيرهم أنّ لهم أن يرجعوا ولم يره مثل المريض، وأما لو لم يقض فيه المَوْرُوثُ بشيء لَمَا اختلف فيه حكم الصحة والمرض، ولَكان لهم أن يرجعوا في ذلك، وإن كان في المرض على ما قاله في الموطأ، وقولُ أصبغ مثل قول ابن وهب الذي رجع إليه ومثلُ قول ابن القاسم في سماع عبد الملك؛ لأنه لم يتهمه بالسفر وحكم له فيما فعله عند إرادته إياه بحكم الصحة في جميع الأشياء وبالله التوفيق.

مسألة: الوصية لليهود والنصارى

[مسألة: الوصية لليهود والنصارى] مسألة قال ابن القاسم: وكره مالك الوصية لليهود والنصارى، قال سحنون: قال ابن القاسم: وكان قبل ذلك يجيزه ولست أرى به بأسا إذا كان ذلك على وجه الصلة مثلَ أن يكون أبوه نصرانيا أو يهوديا أو أخوه أو أخته فيصلهم على وجه صلة الرحم فلا أرى به بأسا وأراه حسنا، وأما بغير هذا فلا، وفي رواية عيسى بن دينار وسئل ابن القاسم عن هذا، فقال: لا أرى به بأسا لمثل أمه وأبيه وإخوته وما أشبه ذلك القرابة، وأما الأباعد فلا يعجبني ذلك وَلْيَعْطِفْ به على أهل الإِسلام. قال محمد بن رشد: حَدُّ الكراهة ما في تركه ثواب وليس في فعله عقاب، فمعنى كراهية مالك الوصية لليهود والنصارى هو أن يؤثرهم بالوصية لقرابته منهم على المسلمين الأجنبيين، فرأى الوصية للمسلمين الأجنبيين أفضل من الوصية لقرابته الذميين. وقولُه: وكان قبلَ ذلك يجيزه معناه من غير كراهة لما جاء في صلة الرحم من الأجر، والوجهُ في ذلك أنه لم يترجح عنده على هذا القول الأفضل من الوجهين، فأجازه من غير كراهة وهي رواية ابن وهب عنه أن الوصية للكافر جائزة، واحتج بالحُلّةِ التي كساها عمَرُ أخا له مشركا بمكة، وهو الذي ذهب إليه ابن القاسم في رواية عيسى عنه، وقوله قبل ذلك وأراه حسنا قولٌ ثالث في المسألة، وأنه رأى الأجر في الوصية لصلة رحمه وإن كانوا ذميين أكثر من الأجر في المسلمين الأجنبيين.

: يقول عند الموت سلاحي في سبيل الله

وأما الوصية للأباعد من الذميين فلا اختلاف في كراهة ذلك، لأن الوصية للمسلمين أفضل فالكراهة إنما تتعلق بإيثار الذميين على المسلمين لا بنفس الوصية للذميين؛ لأن في ذلك أجرا على كل حال، ففي موطأ ابن وهب عن مالك فيمن نذر صدقة على كافر أن ذلك يلزمه، وقال في موضع آخر: إن قال مالي صدقة على فقراء اليهود أن ذلك يلزمه يتصدق عليهم بثلث ماله، وقد قال الله عز وجل: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] . والأسير الكافر، فإذا أوصى إليهم شفقة عليهم لفقرهم جاز ذلك على كراهة؛ لأن الأجْر في الصدقة على فقراء المسلمين أحرى، والإشفاق عليهم ينبغي أن يكون أكثر، وقد أجاز أشهبُ الوصيةَ للذميين كانوا ذوي قرابة أو أجنبيين إجازة مطلقة دون كراهة، ومعنى ذلك في الأجنبيين والله أعلم إذا كان لهم حق من جوار أو يد سلف لهم إليه أو ما أشبه ذلك، وأما إن لم يكن لذلك سبب فالوصية لهم محضورة إذ لا يوصِى للكافر من غير سبب ويترك المسلمَ إلّا مُسلم سُوء مريض الإِيمان، قال الله عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [المجادلة: 22] إلى قوله: {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22] وأما الوصية للحربي فإنها لا تجوز؛ لأن ذلك قوة لهم، ويرجع ذلك ميراثا ولا يجعل في صدقة ولا غيرها، وكذلك من أوصى بما لا يحل قال ذلك أصبغ في الوصية والله الموفق. [: يقول عند الموت سلاحي في سبيل الله] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل: عن الرجل يقول عند الموت: سلاحي في سبيل الله أترى لِمَنْ أوصي إليه أن يجعله حبسا؟ قال: لا أرى ذلك له، ولكن يجتهد فيه.

مسألة: أوصى بصدقة دينار من غلة له كل سنة أن يشتري بها قمح ويطعم المساكين

قال محمد بن رشد: قولُهُ: لا أرى ذلك له يحتمل أن يكون معناه لا أرى ذلك عليه، أي لا يجب عليه أن يحبسه في السبيل؛ لأن الموصي لم ينص على أن تحبس في السبيل ولا على أن تبتل فيه، وإنما أوصى تجعل فيه فرأى له أن يجتهد في وجه جعلها فيه بما يراه إن رأى أن يحبسها فيه حبسها، وإن رأى أن يبتلها فيه بتلها؛ لأن له قد يكون بمعنى عليه في اللسان، قال الله عز وجل: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أي عليها، ويحتمل أن يكون له على بابها ويكون المعنى في ذلك أنه رأى أن يبتلها في السبيل ولا يحبسها فيه، إذ لم ينص الموصي على تحبيسها على القول بأن من أعطى فرسا أو سلاحا في السبيل، فهو محمول على التبتيل حتى ينص عَلَى التحبيس، وهو ظاهر ما في رسم طلق بن حبيب ورسم باع غلاما ورسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد، ويكون الاجتهاد الذي جعله إليه بقوله ولكن ليجتهد فيه ألّا يبتلها إلّا لمن فيه خير وله دين، وهو من أهل النجدة والنكاية في العدو والعمل في الجهاد، فإذا بتل السلاح الموصي بها في السبيل لمن هذه صفته كان له أن يقاتل بها وأن يبيعها على نفسه فيما يحتاج إليه في غزوه وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بصدقة دينار من غلة له كل سنة أن يشتري بها قمح ويطعم المساكين] مسألة وسئل مالك: عن رجل أوصى بصدقة دينار من غلة له كلّ سنة أن يَشتري بها قمحٌ ويطعم المساكين، أترى أن يعطي بمد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أو بمد هشام؟ قال: إن كان الطعام كثيرا فإنني أرى أن يعطي بمد هشام، وإن كان قليلا فبالمد الأصغر، فقيل له: فإنه أوصى مع ذلك أن يعطي المساكين درهما درهما لكل مسكين فَكَثُرَ

مسألة: يأكل الرجل من مال ابنه الصغير

المساكين على الرجل فأعطاهم درهما بين رجلين؟ فقال: ما أرى عليه شيئا. قال محمد بن رشد: المعنى فيما قاله في الطعام بين في الاستحسان وذلك أنه لما أوصى بالطعام الذي يشترى بالدينار كان سبيلُ ذلك في قدر ما يعطي منه لكل مسكين سبيلَ الكفارات التي ذكر الله فيها الإطعام الكثير أن يعطي بمد هشام ككفارة الظهار، وفي الطعام اليسير بمد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ككفارة اليمين، ولو أوصى أن يشتري به قمحا فيتصدق به على المساكين ولم يكن الطعام لما حد فيه أن يعطي بمد هشام ولا بمد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولكان له أن يتصدق بجميعه على المسكين والمسكينين وأقل وأكثر على ما يراه بوجه اجتهاده. وأما الذي أعطى درهما بين مسكينين وقد كان أوصى الميتُ أن يعطي درهم درهم لكل مسكين فقد أخطأ في مخالفته حَدّ المُوصِي في ذلك، إلا أنه لم يره خطأ يلزمه به الضمان فقال: ما أرى عليه شيئا أي لا أرى عليه غرما؛ لأن الذي فعل كان سائغا له أن يفعله والله أعلم. [مسألة: يأكل الرجل من مال ابنه الصغير] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يكون لابنه المالُ قد ورثه من أمه الضيعة يكون له، فيأتيها أبوه يأكل منها، قال: لا بأس بذلك أن يأكل الرجل من مال ابنه الصغير من الضيعة يكون له يأتيها فينزل بها ويأكل منها، وإنما كان ورثها من أمه فلا بأس أن يأكل منها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: 61] إلى قوله: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] فإذا جاز للرجل أن يأكل من مال أبيه وأمه وأخيه وعمه وخاله

وصديقه بغير إذنهم الشيء اليسير الذي لا يقع التشاح في مثله ويعْلَمُ بمستقر العادة أنهم لا يكرهون ذلك فأحرى أن يجوز ذلك للوالد في مال ولده الذي ورثه عن أمه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأبِيكَ» ألا ترى أنه قد جاز له فيما تصدق به على ابنه لهذا الحديث ما لا يجوز له فيما تصدق به على غيره، وقد مضى القولُ على ذلك مستوفى في رسم حلف ألّا يبيع رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. والحمد لله رب العالمين وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، والحمد لله رب العالمين.

: كتاب الوصايا الثاني

[: كتاب الوصايا الثاني] [نعي له عبد أبق ثم مرض فأوصى بثلث ماله ثم مات وجاء العبد الآبق] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كتاب الوصايا الثاني من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب البيوع الأول قال سحنون أخبرني أشهب وابن نافع قال: سئل مالك عمن نعي له عبد أبق أو ذكر له غرق سفينته، ثم مرض فأوصى بثلث ماله، ثم مات، وجاء العبد الآبق، وسلمت السفينة، أيدخل ذلك في ثلثه؟ فقال نعم، ليس يشبه هذا الذي يكون له مال لم يعلم به، قد ينعى للرجل العبد وهو يرجوه وهو يائس منه، فهذا يدخل في الثلث. وفي كتاب الوصية للصغير، من سماع أشهب وابن نافع قال: فأما الذي له العبد الآبق، والجمل الشارد، والذي قد كان له أصله وعمله، فإنه إذا رجع، رجع في الثلث، فقيل له: أرأيت الذي يكون له المال الغائب مثل السفينة والعبد، فيقال: قد غرقت السفينة أو مات العبد حتى يتقين ذلك؟ فقال: إذا علم [أنه] لم يرده فلا يدخل في الثلث، فقيل له: مثل السفينة يقال له قد غرقت؟ فقال إذا كان هكذا فنعم، ولم ير أن ذلك يرجع في الثلث إذا جاءت سلامته، من أجل أنه كان منه يائسا. وفي رواية

عيسى من كتاب المكاتب من سماعه: قال ابن القاسم: إذا كانت قامت عنده البينة، وشهد عنده قوم قبل الوصية أو بعدها أن العبد مات، والسفينة غرقت، والفرس مات، أو بلغه ذلك فطال زمانه، ويئس هذه، ثم جاء خبر ذلك من بعد موته أنه لم يذهب منه شيء، فلا يدخل فيه شيء من الوصايا وهو كمال طارئ لم يعلم به، وإن كان ذلك شيئا بلغه فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات، ولم يشهد عنده أحد بهلاكه، إلا خبر بلغه، فإن الوصايا تدخل فيه. ولم يذكر في أول المسألة إباق العبد، وإنما ذكر هلاكه. قلت: فالعبد يأبق؟ قال تدخل فيه الوصية متى ما رجع. قال محمد بن رشد: في ظواهر ألفاظ هذه المسألة الروايات اضطراب، ولا ينبغي أن يحمل شيء منها على التعارض والاختلاف؛ لأنها ترجع كلها عند التحصيل إلى أن ما كان أصله قد علمه، فإن الوصايا تدخل فيه، وإن غاب عنه فطال زمانه وبلغه هلاكه حتى كان الغالب عليه اليأس منه، من أجل ما بقي له فيه من الرجاء، حتى إذا تحقق عنده هلاكه بالشهادة أو الاستفاضة، حتى تحقق ذلك وتيقنه، فلم يبق له فيه رجاء، فلا تدخل فيه الوصايا إن جاء بعد ذلك، وإن كانت المدة لم تطل. ولا فرق في شيء من هذا كله بين المال الغائب، والعبد الآبق، والسفينة الغائبة، وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى أن امرأته أولى بولدها ما لم تنكح فأرادت أن تخرج إلى العراق

[مسألة: أوصى أن امرأته أولى بولدها ما لم تنكح فأرادت أن تخرج إلى العراق] مسألة قال أشهب: وسئل عمن توفي بالمدينة وأوصى إلى رجل، وأوصى أن امرأته أولى بولدها ما لم تنكح، فأرادت امرأته أن تخرج إلى العراق بولدها منه، وهناك أصلها. قال: فليس لها ذلك. فقيل له: إن لولده ثم ديوان، قال ما أرى ذلك لها. قيل: إذا يهلك ديوانهم يغيبون وهم صغار، قال: هاه! إن كان هكذا فلينظر في ذلك لليتامى، فإن رأى والي اليتيم أن أرفق بهم المقام أقاموا، وإن رأى أن أرفق بهم السير ساروا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه ليس للأم أن تدخل بولدها الذي في حضانتها عن بلد الوصي عليهم وإن كان الأب قد أوصى أنها أولى بولدها ما لم تنكح؛ لأن ذلك من حقها وإن لم يوص لها به الأب مع ألا تغيب بهم إلى بلد آخر عن الوصي، إلا أن يرى ذلك الوصي أو السلطان نظرا للأيتام لئلا يزول بمغيبهم اسمهم عن الديوان الذي كان يرتزق عليه أبوهم فتدركهم الضيعة. [وبالله التوفيق] . [مسألة: السيد يوصي لأم الولد بنفقتها ما لم تتزوج فيصالحها الورثة على شيء معلوم] مسألة وسئل مالك عن أم الولد يوصي لها سيدها بنفقتها ما لم تتزوج، فصالحها الورثة على شيء معلوم، فيدفعونه إليها نقدا ثم تتزوج، أيرجعون عليها بشيء؟ [قال: لا يرجعون عليها بشيء] . وقد صالحوها، إنما ذلك لو تركوها على ما أوصى به سيدها.

: أوصى لنفر خمسة بنفقتهم ما عاشوا

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إنه إذا لم يمض الورثة الوصية لها على حالها وصالحوها عنها على شيء دفعوه معجلا إليها، فلا رجوع لهم عليها إن تزوجت قبل أن تستنفد في الإنفاق على نفسها [ما دفعوا إليها، كما أنها إذا استنفدت ذلك في الإنفاق على نفسها] ، فلا شيء لها عليهم وإن لم تتزوج؛ لأن الصلح لما كان على إسقاط الشرط في النفقة، فلا رجوع لهم عليها إن تزوجت. قال عيسى بن دينار في رسم أوصى بعد هذا من سماعه: وكذلك إن ماتت بعد ذلك بيوم أو يومين، ولا لها عليهم إن لم تتزوج بعد فناء ما قبضت منهم. وكذلك لو أوصى لها بوصية على ألا تتزوج، فقالت: على الثلث فردت إلى الثلث، ثم تزوجت، فلا ينتزع منها شيء؛ لأن الوصية لم تنفذ لها على وجهها، حكاه ابن المواز فيما أظن عن ابن القاسم، وهو قول ابن القاسم في رسم العرية من سماع عيسى في الذي يوصي أن ينفق على رجل ما عاش، فلم يحمل الثلث نفقة تعميره أنه إن لم يجز الورثة كان ما صار له من الثلث بتلا يدفع إليه، وليس للورثة أن يرجعوا عليه بشيء، وإن مات بعد ذلك بيوم؛ لأنهم قد خيروا في أن ينفذوا وصية صاحبهم، وفي أن يقطعوا له بالثلث بتلا، فاختاروا القطع له بالثلث بتلا، ولا فرق بين المسألتين في المعنى، وبالله التوفيق. [: أوصى لنفر خمسة بنفقتهم ما عاشوا] ومن كتاب الأقضية الثاني قال: وسألته عمن أوصى بوصايا، فأوصى لنفر خمسة بنفقتهم ما عاشوا. ونزلت بالمدينة، فقال: أرى أن يعمر الخمسة النفر سبعين سبعين سنة كان له منهم عشرون سنة، حرص له بنفقة خمسين سنة تمام السبعين، ومن كان له منهم أقل من ذلك أو أكثر، فعلى

هذا؛ لأني أرى السبعين من أعمار الناس اليوم، وما هو بالأمر الثابت، ثم يجمع لهم ما صار لهم جميعا في المصلحة، فيوضع على يدي عدل، فينفق منه عليهم ما عاشوا، فكلما مات منهم إنسان، رد ذلك على أهل الوصايا حتى يموتوا من آخرهم، فإذا مات الخمسة من آخرهم ثم رجع ما فضل إلى أهل الميراث، لا يرجع إلى أحد من أهل الميراث شيء حتى لا يبقى أحد من الخمسة، حتى إذا ماتوا رجع ما فضل إلى أهل الميراث، إلا أن يكون كانت معهم وصايا قصر عنهما الثلث، فيحاصونه فأرى إذا مات الخمسة أن يتم لأهل الوصايا وصاياهم، فما فضل كان لأهل الميراث. قال: وإن استنفدوا ذلك قبل أن يموت، فلا شيء لهم، لا يرجعون بشيء مما أوصى لهم به على أهل الوصايا حتى لا يبقى من الخمسة أحد. قال: والسبعون من أعمار الناس، وإنما جرأني على أني قررت لهم سبعين، أني قد علمت أن منهم من لا يستكمل السبعين، فصار في المال فضل يستنفقونه ما عاشوا، حتى يستوفوا وصاياهم قال: وأنا أرى أن يكون لهم فيما يعرض لهم من النفقة، الماء والحطب والدهن والثياب، لا أدري ما الصوف؟ وأرى ذلك للمرأة على زوجها وللموصى لهم بالنفقة مثله: قال محمد بن رشد: قد قال بعض الناس في هذه المسألة: إن مذهب ابن القاسم في المفقود أن يعمر سبعين سنة؛ لأنهم جماعة، ولا يمكن في غالب الحال، أن يعيشوا كلهم أكثر من سبعين سنة، وأنه إن كان منهم من يعيش أكثر من سبعين سنة، فسيكون من يموت منهم قبل السبعين، فرأى السبعين عدلا في ذلك؛ لكونهم جماعة، وذلك نص قوله وإنما جرأني على أني قدرت لهم سبعين، أني قد علمت أن منهم من لا يستكمل سبعين، معناه: قد تيقنت ذلك بغلبة ظني؛ إذ لا يصح العلم في ذلك، فإن كان

واحدا لما عمره إلا أكثر من سبعين، على قوله في هذه الرواية، وكذلك يلزم على قوله في المفقود، وقد روي عن مالك أنه يعمر سبعين سنة، وإليه ذهب عبد الوهاب، واحتج بقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين» ؛ إذ لا معنى لقوله إلا الإخبار بما يتعلق به الحكم، والله أعلم. وقد روي عن مالك ثمانون سنة، وروي عنه تسعون سنة. وقال أشهب: مائة سنة. وقال محمد بن عبد الحكم: مائة وعشرون. والذي جرى به العمل ثمانون سنة، وهو أعدل الأقوال إن شاء الله. وليس هذا موضع التكلم على المفقود وما يلزم في تأجيله. وقد قيل في هذه المسألة قياسا على المفقود: إنه يعمر كل واحد منهم ثمانون سنة، ثمانون سنة، روى ذلك ابن كنانة عن مالك. قال: ولو كانت واحدة لعمرها أكثر، قاله فيمن أوصى أن ينفق على أمهات أولاده. قال: والصواب في مثل هؤلاء أن يعمرن أكثر ما يظن أن يعشن؛ لأنهن إن متن قبل ذلك، رجع الباقي إلى الورثة، وإن تجاوزن التعمير، هل كن دون نفقة؟ وقيل: تسعون تسعون، وقول ابن القاسم أعدل؛ لكونهم جماعة على ما ذكره. وقوله: إنهم إذا عمروا سبعين سبعين فتحاصوا مع أهل الوصايا في الثلث إذا لم يحمل جميع ذلك الثلث: إنه يوقف ما صار لهم في المحاصة، فإن ماتوا قبل أن يستنفدوه، رجع الفضل إلى أهل الوصايا، فاستكملوا منه وصاياهم، وكان الفضل للورثة، وإذا استنفدوا ما وقف لهم قبل أن يموتوا، لم يرجعوا على أهل

الوصايا، هو قول ابن القاسم أيضا في آخر الرسم الأول من سماع أصبغ. قال: والقياس أن يرجعوا على أهل الوصايا إذا استنفدوا ما صار لهم في المحاصة قبل أن يموتوا فيعمروا ثانية، ويرجعوا على كل واحد منهم بقدر ما صار له في نصيبه، وهو اختيار أشهب، كما يرجع أهل الوصايا فيما فضل مما وقف لهم إن ماتوا قبل أن يستنفدوه. واختار أصبغ استحسانا أن يكون ما صار في المحاصة لكل واحد منهم بتلا، فلا يرجعون على أهل الوصايا إن استنفدوا ما صار لهم في المحاصة قبل أن يموتوا، ولا يكون لأهل الوصايا شيء مما صار لهم في المحاصة إن ماتوا قبل أن يستنفدوه. قال: ولا أعلم ابن القاسم إلا قد رجع إليه وقاله. وكذلك إن لم يكن معهم أهل وصايا، فلم يحمل الثلث نفقة تعميرهم فأبى الورثة أن يجيزوا لهم الوصية، وقطعوا لهم بالثلث إن ماتوا قبل أن يستنفدوا الثلث، رجع الفضل إلى الورثة على هذه الرواية، وعلى ما اختاره أصبغ، وحكى أنه لا يعلم ابن القاسم إلا وقد رجع إليه، وقاله ابن القاسم أيضا في رسم العرية من سماع عيسى لا يرجع الفضل إليهم وإن ماتوا بعد ذلك اليوم، ويكون الثلث الذي قطع لهم الورثة مبتولا لم يورث باقيه عنهم، ولا يرجع شيء منه إلى الورثة، وأما إن حمل الثلث نفقة تعميرهم والوصايا، أو نفقة تعميرهم إن لم يكن معهم أهل وصايا، فلا اختلاف في أنهم إن ماتوا قبل أن يستنفدوا نفقة تعميرهم، يرجع الفضل إلى الورثة، وإن عاشوا أكثر مما عمروا رجعوا على الورثة فيما كان بقي لهم من الثلث، وإن ناب الموصى نصف وصاياهم، لم يعطوا من ذلك في كل شهر إلا نفقتهم كاملة، لا نصف نفقة أي نفقة كل شهر، قاله المغيرة وابن كنانة. وفي قول ابن القاسم في هذه المسألة: إنه يكون لهم فيما يفرض لهم من النفقة الماء، والحطب والدهن والثياب، لا أدري ما الصوف؟ أي الثياب التي تصاف لمثل جمعة وغيرها، دليل على أن من التزم نفقة رجل يلزمه كسوته؛ لأنها من النفقة، وهذه مسألة كان الشيوخ يختلفون فيها. ويتخرج فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أن الكسوة داخلة تحت لفظ النفقة بظاهر اللفظ،

مسألة: لا يجوز للوصي أن يدفع إلى اليتيم من من ماله

وهو دليل قوله في هذه الرواية، والحجة لذلك قول الله عز وجل: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] لإجماع أهل العلم أن لهن النفقة والكسوة. فعلى هذا القول، إن قال ملتزم النفقة لم أرد بما التزمت إلا الطعام دون الكسوة، لم يصدق. والثاني: أن الكسوة غير داخلة تحت لفظ النفقة بدليل ما وقع في كتاب الرواحل والدواب من المدونة من إجازة استئجار الأجير بنفقته. وقوله: إنه إن اشترط الكسوة، فلا بأس بذلك، إذ لو كانت الكسوة داخلة في النفقة عنده لما احتاج إلى اشتراطها، فعلى هذا لا يلزم من التزم النفقة الكسوة، إلا أن يتطوع بها أو يقر على نفسه أنه أرادها. والثالث: أن دخول الكسوة تحت لفظ النفقة ليس بظاهر من اللفظ، وإنما هو محتمل له احتمالا ظاهرا، فإن قال الملتزم على هذا القول: لم أرد الكسوة صدق دون يمين، أو بيمين على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، وإن قال: لم تكن لي نية، ألزم إياهما جميعا. وقال عبد الملك لا يفرض للموصى له بالنفقة الخدمة ولا يكون ذلك له إلا بوصية من النوادر، وهو ظاهر ما يأتي في رسم أوصى من سماع عيسى والذي أقول به: إذا كان الموصى له بالنفقة لا يستغني عن الخدمة فيدخلها من الخلاف ما دخل الكسوة، وبالله التوفيق. [مسألة: لا يجوز للوصي أن يدفع إلى اليتيم من من ماله] مسألة وسئل فقيل له: إن عندي يتيما قد أخذ بوجهه، والذي له عندي ستون دينارا، وقد سألني أن أعطيه خمسة عشر دينارا يتجه بها إلى خاله بمصر، يرجو صلته ونفعه، أفترى أن أعطيه؟ فقال: ما أرى ذلك يجوز، وما أرى أن تعطيه إلا بأمر السلطان، وما لك تدعه يخرج إلى مصر؟، فقال: إنه رجل قد أخذ بوجهه، وهو يغلبني ولو

مسألة: كاتبه سيده وأوصى إليه فسأله بعض مواليه عما ربح فيه

أطاعني لم يخرج، فقال: إذا أعطيته قوي على الخروج، فقال: أرأيت أن يحمل لي رجل بها يضمنها إن طلبت مني؟، فقال: لا أرى أن تدفعها إلا بأمر السلطان. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال أنه لا يجوز للوصي أن يدفع إلى اليتيم من ماله إلا ما لا بد له منه في نفقته وكسوته، فلا ينبغي له أن يساعده فيما يذهب إليه من التجهز إلى خاله بخمسة عشر دينارا يدفعها إليه من ماله؛ إذ ليس ذلك بوجه نظر له؛ لأن ما يرجوه من خاله، ليس على يقين منه، ولعله يتلف ما يصله له إن وصله، فيذهب ما دفع إليه من ماله في غير وجه منفعة، فلذلك لم ير له أن يدفعها إليه إلا بأمر السلطان؛ لأنه إن دفعها إليه بغير أمره ضمن، وإذا أمره السلطان أن يدفعها إليه بأمره برئ هو من ضمانها، والسلطان لا يأمر بذلك، إلا أن يثبت عنده ما يوجبه وبالله التوفيق. [مسألة: كاتبه سيده وأوصى إليه فسأله بعض مواليه عما ربح فيه] مسألة وسئل فقيل له: إن سيدي كاتبني وأوصى إلي، فسألني بعض موالي، وهو ولد سيدي عما ربحت فيه، وأنا عند الناس كما أحب، أفذلك علي؟ قال له: لا أرى ذلك عليك. أليس ما في يديك مالا معروفا؟ قال: بلى، ولكنه يريد أن يعلمه ويعلم ما ربحت فيه، فقال: ما أرى ذلك عليك، فقال له: إنني غلام مولد ولدت باليمن، قد علم ذلك الذي اشتراني منها، فأنا إذا انتسبت في كتابي قلت: فلان بن فلان مكاتب فلان وذلك نسبتي قال: لا بأس بذلك. قال الإمام القاضي: قوله: إن سيدي كاتبني وأوصى إلي، يريد أنه أوصى إليه بالنظر على بنيه، فلم ير عليه أن يخبر بما ربح في مال الميت الذي هو ناظر فيه لولده؛ لأن الوصي لا يلزم أن يكشف عما بيده، ولا يخبر به إلا أن

مسألة: أوصى في ثلاث أمهات أولاده أن ينفق عليهن ثلاث سنين

يخاف عليه أن يكون قد أتلفه، وهو محمول على الأمن في ذلك حتى يثبت خلاف ذلك من حاله، فإذا كان ما في يديه من المال معروفا، فلا يلزم له أن يكشف عنه ولا أن يخبر بما ربح فيه؛ لأن في ذلك غضاضة عليه؛ إذ لا يفعل ذلك إلا بمن لا يوثق به، وسيده ائتمنه ووثق به، فهو محمول على ذلك. وقد قال في رسم حلف في المرأة الموصى إليها بولدها إذا تزوجت: إنها لا يُكشف عما بيدها إلا إذا خيف على المال عندها. وقد مضى الكلام عليها فلا معنى لإعادته. وقوله: إنه يكتب إذا انتسب في كتابه أي في كتابة شهادته وفيما يشهد به على نفسه في إذكار الحقوق وشبه ذلك، فلان بن فلان يريد ما دام مكاتبا، فإذا أدى كتابته قال في انتسابه: فلان بن فلان مولى فلان. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى في ثلاث أمهات أولاده أن ينفق عليهن ثلاث سنين] مسألة وسئل عمن أوصى في ثلاث أمهات أولاده أن ينفق عليهن ثلاث سنين، وبخادم تخدمهن حياتهن، ثم هي حرة، على من نفقة الخادم؟ أعلى الموصي أم على أمهات الأولاد؟ فقال: أما الثلاث سنين، فأرى أن ينفق عليهن وعليها سوى نفقتهن من مال الميت، فإذا مضت الثلاث سنون فلينفقن عليها من عندهن، وليس على الميت نفقتهن، وإن كان سمى لهن في الثلاث سنين نفقة معلومة فليس لهن غير ذلك، ونفقة الخادم عليهن. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما يأتي في رسم أوصى من سماع عيسى سواء، وإنما قال في نفقة الخادم في الثلاث سنين التي أوصى فيها بالنفقة على أمهات أولاده: إنها من مال الميت؛ لأنها من جملة النفقة عليهن، فعلى هذا لو لم يوص لهن بخدمة الخادم لكانت الخدمة عليه لهن في الثلاث سنين من جملة النفقة، كالكسوة، قال فيها في أول مسألة من

مسألة: أوصى لرجل في وصيته بثلاثمائة دينار وبمسكن سرائه على أهل الوصايا

الرسم: إنها تفرض للموصى لهم بالنفقة في جملة النفقة. وقد مضى الكلام على ذلك في تكلمنا عليها. وأما قوله في النفقة عليها بعد الثلاث سنين: إنها عليهن، لا في مال الميت، فهو المشهور في المذهب، فإن نفقة المخدم على الذي أخدم إياه، لا على سيده الذي أخدمه، وقد قيل: إنها على السيد المخدم، وقيل: إنها إن كانت الخدمة يسيرة فالنفقة على السيد، وإن كانت كثيرة أو حياة المخدم، فالنفقة على المخدم، وقيل: إن الاختلاف إنما هو في الخدمة الكثيرة، ولا اختلاف في الخدمة اليسيرة أنها على رب العبد الذي أخدمه، ذهب إلى هذا سحنون. والأول أصح. إن في المسألة ثلاثة أقوال. وأما إذا سمى لهن في السنين الثلاثة نفقة معلومة فلا يزاد على ذلك وتكون نفقة الخادم عليهن في الثلاث سنين وغيرها وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل في وصيته بثلاثمائة دينار وبمسكن سرائه على أهل الوصايا] مسألة وسئل عمن أوصى لرجل في وصيته بثلاثمائة دينار وبمسكن سرائه على أهل الوصايا، ثم أقام الموصي ثمان سنين، ثم أوصى بوصية أخرى، فأوصى فيها أن لفلان كذا، ولفلان كذا بوصايا غير واحدة ولفلان ألف دينار، وهو الذي كان أوصى له في الوصية الأولى بالثلاث مائة دينار وبالمسكن، ثم ذكر وصايا، فقال: لفلان كذا وكذا، ولفلان كذا لغيره، ثم قال: وقد زدت فلانا مع ألف مائة دينار، قال مالك أما المسكن الذي أوصى له به في الوصية الأولى فهو له مبدأ على الوصايا، وأرى أن ينظر في الألف والمائة التي أوصى له بها في الآخر، ولم يجعلها مبدأة

فيعاول بها أهل الوصايا فإن صار له أكثر من الثلاثمائة التي أوصى له بها في الأولى مبدأة كانت له، ولم يكن له الثلاثمائة؛ لأنها دنانير كلها، أيهما كان أكثر كان له، إن كان ما صار له في العول أكثر من الثلاثمائة التي أوصى له أن يبدأ بها، كان ذلك له، ولم تكن له الثلاثمائة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، أن الموصى له بوصيتين من نوع واحد وصفة واحدة، دنانير أو دراهم أو طعام أو حيوان أو عروض، يكون له الأكثر من الوصيتين، كانتا الأولى أو الأخيرة. وإن كانت الوصيتان من نوعين أو على صفتين، كانت له جميعا. وقد روي عن ابن القاسم أن الدراهم والدنانير في هذا النوع واحد، يكون له الأكثر منهما خلاف ما ذهب إليه مطرف وابن الماجشون وروياه عن مالك، من أنه إن كانت الوصية الثانية أقل، أو كانتا سواء، كانتا له جميعا؛ لأن أمره يحمل على أنه إنما أراد بالثانية الزيادة على الأولى، وإن كانت الثانية أكثر، كانت له دون الأولى. قال ابن الماجشون: وذلك إذا كان ذلك في كتاب واحد بينهما وصايا لغيره، وأما إن كان بينهما كلام من غير الوصية، فإنه يكون له الوصيتان جميعا، وإن كانت الثانية أكثر من الأولى، بمنزلة إذا عطف الوصية الثانية على الأولى، فقال: لفلان عشرة، ولفلان ذلك بعينه، عشرون، قال: ولو قال: لفلان عشرة، لفلان عشرون بغير واو، لم يكن له إلا العشرون. وأما إن كان ذلك في كتابين، فإنما له الأكثر من الوصيتين. وقال مطرف: سمعت مالكا فرق بين أن تكون الوصيتان في كتاب واحد، أو في كتابين، وذلك عندي سواء والدينار والدرهم عند مطرف وابن الماجشون في الوصية نوع واحد، على التفصيل الذي ذكره من الفرق بين أن تكون الوصية الآخرة هي الأقل أو الأكثر وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى إلى رجل بوصية ليس فيها إلا شاهد واحد

[مسألة: أوصى إلى رجل بوصية ليس فيها إلا شاهد واحد] مسألة وسئل عمن أوصى إلى رجل بوصية ليس فيها إلا شاهد واحد، أيحلف الوصي مع الشاهد ويثبت ذلك له؟ فقال: لا يحلف، ولا يثبت ذلك له، إلا أن يرى ذلك السلطان في رضاه، أو من ينظر في ذلك فيوليه إياه، وليس يحلف الذي أوصي إليه مع الشاهد، وليس ذلك مثل الذي يوصي له بالشيء له عليه شاهد واحد؛ لأن هذا يحلف على شيء هو له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن من أوصى إلى رجل فلا يستحق الموصى إليه الإيصاء باليمين مع الشاهد، إذ ليس بمال يحلف عليه مع شاهده ويأخذه، كما أن الوكالة لا تثبت باليمين مع الشاهد، ولا شهادة الشاهد، لو شهد لرجل شاهد على شهادته شاهد، لم يصح للمشهود له أن يحلف مع الشاهد على شهادة الشاهد، فيستحق بذلك شهادته، ويثبت الإيصاء على تنفيذ الوصية بالمال بشاهد وامرأتين، كما تثبت بذلك الوكالة على المال، وكذلك إذ شهد شاهد وامرأتان على شهادة شاهد بمال، جاز ذلك على مذهب ابن القاسم، فهذه الثلاثة أشياء، تجوز فيها شهادة النساء، ولا يجوز فيها اليمين مع الشاهد، إذ ليس كل موضع تجور فيه شهادة النساء يجوز فيه اليمين مع الشاهد، وأما كل موضع يجوز فيه اليمين مع الشاهد، فإنه يجوز فيه شهادة النساء. وسحنون يقول. إن كل موضع يجوز فيه شهادة النساء، يجوز فيه شاهد ويمين؛ لأن من أصله، أن شهادة النساء لا تجوز إلا فيما يجوز فيه شاهد ويمين، خلاف مذهب ابن القاسم، ولو شهد الوصي الصغير أن الميت أوصى له بدنانير لم تقبل شهادته؛ لأنه يتهم على توقيعهما له بيده حتى يبلغ فيحلف، قاله محمد بن المواز. فإن خفي له الأمر، فليدفعها إليه. قاله أشهب. وهو صحيح وبالله التوفيق.

مسألة: دخل عليه قوم فدعا بوصية قد كتبها فقال اشهدوا على ما فيها

[مسألة: دخل عليه قوم فدعا بوصية قد كتبها فقال اشهدوا على ما فيها] مسألة وسئل عمن دخل عليه قوم فدعا بوصية قد كتبها قبل ذلك بأيام من عند أهله، فقال: اشهدوا أن ما فيها حق وأنها وصيتي، أيقولون: اقرأها فإنها قد كانت بيد أهلك؟ فخاف أن يكونوا زادوا فيها. قال: ليس ذلك عليهم، وعليهم أن يشهدوا، من الناس من ليس له في البيت أحد، ومنهم من يكون له صندوق يحمل فيه كتبه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو بين، إذ هو أعرف بصحة ما يشهد به على نفسه، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بثلاثين دينارا ولرجل بثلث ثلثه وللآخر بما بقي من الثلث] مسألة وسئل عمن أوصى لرجل بثلاثين دينارا ولرجل بثلث ثلثه، وللآخر بما بقي من الثلث، فكان مال المتوفى دينا على الناس، فاستأجر الموصى إليه على تقاضي ذلك الدين بعشرة دنانير فأراد أن يأخذ من وصايا أهل الوصايا بقدر الذي يصيب الذين أوصى لهم به من إجازة التقاضي. قال: إن كان في الثلث فضل، فإنما تلك الأجرة من ذلك الفضل، وليس على الموصى لهم شيء، قال سحنون قال ابن نافع: وإن لم يكن في ذلك فضل كان ذلك عليهم في حظوظهم. وسئل عمن أوصى لرجل بثلاثين دينارا، ولرجل بثلث الثلث، ولرجل بما بقي من الثلث، وترك مالا يكون ثلثه تسعين دينارا، والمال دين على الناس، فاستؤجر على تقاضيه بعشرة دنانير،

أيدخل على أهل الوصايا من العشرة شيء أو لا شيء عليه؟ فقال يخرج العشرة التي استؤجر بها من رأس المال، ثم تكون وصية الميت فيما بقي من ماله بعد العشرة، يعطى الذي أوصى له الميت بالثلاثين الثلاثين، ويعطى الذي أوصى له بثلث ثلث، ثلث المال بعد إخراج العشرة التي استؤجر بها على تقاضيه، ويعطى الذي أوصى له بما بقي له من الثلث ما بقي من الثلث، إنما يدخل نقصان تلك العشرة على الذي أوصى له بثلث الثلث، وعلى الذي أوصى له بما بقي من الثلث: إن ارتفع المال كثر الثلث، وإن انخفض المال قل الثلث. قال سحنون: وقال ابن نافع: العشرة تدخل عليهم كلهم في حظوظهم، على صاحب الثلاثين "وعلى الموصى له بثلث الثلث، وهما سواء في ذلك بمنزلة واحدة، وإنما هذا الذي ذكر قول مالك قديم، حين كان يقول: أرى أن تبدأ التسمية على الأجزاء، وقول مالك إن كان من أوصى لرجل بثلث ولآخر بثلث الثلث، ولآخر بعشرة فإن هؤلاء كلهم يتعاولون. قال محمد بن رشد: قوله في المسألة الأولى: إن كان فيه فضل فإنما تلك الأجرة من ذلك الفضل، وليس على الموصى لهم شيء، معناه عندي: إن كان لم يوص ببقية الثلث لأحد، وكان فيه فضل عن الوصايا، مثل أن يوصي الرجل بعشرة دنانير، ولآخر بثلث الثلث، ويترك المتوفى تسعين دينارا دينا فيستأجر على تقاضيها بتسعة دنانير بالثلث ثلاثون، يكون منه للموصى له ثلث الثلث، عشرة دنانير، وللموصى له بالعشرة دنانير، عشرة دنانير، وتكون الأجرة من العشرة الفاضلة من الثلث، ولا خلاف عندي في هذا الوجه بين مالك وابن نافع. وأما إن لم يكن في الثلث فضل، مثل أن يكون المال خمسة وأربعين؛ لأنه إذا أخذ الموصى له بالعشرة عشرة، والموصى له بثلث الثلث خمسة، نفذ جميع الثلث، فهنا يدخل الخلاف

الذي ذكره بين مالك وابن نافع، فذهب مالك إلى أنه يخرج الأجرة من رأس المال، فإن كانت في التمثيل خمسة عشر، يبقى منه ثلاثون، ثلثه عشرة يكون للموصى بالعشرة على القول بأنه تبدأ التسمية على الجزء، ويتحاصان فيها على القول بأنه لا تبدأ التسمية على الجزء، فتكون العشرة بينهما بنصفين؛ لأن ثلث الثلث عشرة أيضا. وذهب ابن نافع إلى أن تكون مفضوضة على المال كله، فيكون على كل واحد من الموصى لهم ما ينوبه منها، فيأخذ الموصى له بثلث الثلث، خمسة دنانير، والموصى له بالعشرة عشرة فإن كانت الأجرة في التمثيل تسعة دنانير، على الورثة ثلثها، ثلاثة دنانير، وعلى الموصى لهما على قدر وصاياهما فيكون منها على الموصى له بعشرة دنانير ديناران، وعلى الموصى له بثلث الثلث دينار، فيبقى للموصى له بثلث الثلث أربعة دنانير، وللموصى له بالعشرة دنانير، ثمانية دنانير، وللورثة أربعة وعشرون. وكذلك يختلف مالك وابن نافع أيضا إذا أوصى لرجل بعدد مسمى، ولآخر بجزء من الثلث، ولآخر بما بقي من الثلث، والمال دين، فاستأجر على تقاضيه، فذهب ابن نافع إلى أن الأجرة تكون مفضوضة على جميع المال، فيكون على كل واحد من الموصى لهم ما يجب عليه منها، وذهب مالك إلى أنها تسقط من رأس المال فتكون الوصايا على حالها في ثلث ما بقي منه. مثال ذلك، أن يكون الميت أوصى لرجل بعشرين دينارا ولرجل بثلث الثلث، ولآخر بما بقي من الثلث، والمال مائة وخمسون دينارا، فاستؤجر على تقاضيه بخمسة عشر دينارا فذهب مالك إلى أنه يخرج الأجرة من جميع المال، يبقى مائة وخمسة وثلاثون، الثلث من ذلك خمسة وأربعون، يكون للموصى له بعشرين عشرون، وللموصى له بثلث الثلث خمسة عشر، وللموصى له ببقية الثلث ما بقي، وذلك عشرة. وذهب ابن نافع، إلى أن الأجرة تكون مفضوضة على جميع المال، فيكون على الورثة ثلثاها عشرة، وعلى الموصى لهم ثلثها خمسة مفضوضة عليهم، على قدر وصاياهم وهي عشرون للموصى له بعشرين، سبعة عشر إلا ثلثا للموصى له

بثلث الثلث، وثلاثة عشر وثلث، للموصى له ببقية الثلث؛ لأن جميع المال على ما نزلناه مائة وخمسون، ثلثه خمسون، فلا يأتي قول مالك وابن نافع في هذه المسألة على اختلاف قول مالك في تبدئة التسمية على الجزء؛ لأنه خارج عن ذلك الأصل، وإنما يأتي قول كل واحد منهما على أصله الذي ذكرته عنه بقوله أراه سحنون، وإنما هذا الذي ذكر قول مالك قديم، حين كان يقول: أرى أن تبدأ التسمية على الأجزاء إلى آخر قوله لا يصح بوجه. ألا ترى أن الخلاف في المسألة بينهما على أصليهما ضاق الثلث عن التسمية والجزء، أو لم يضق عنهما، وهو إذا لا اختلاف في أن كل واحد منهما يأخذ وصيته كاملة، وإذا ضاق عنهما جميعا يدخل اختلاف قول مالك في تبدئة التسمية على الجزء في قول كل واحد منهما. وقد رأيت لابن دحون أنه قال: معنى قوله: إن كان في الثلث فضل، أي إن بقي للموصى له ببقية الثلث فضل، كان ذلك منه. قال: فالضرر يدخل عليه وحده في هذا القول، مثل آن يكون الثلث ستين، فيكون لصاحب ثلث الثلث عشرون ولصاحب الثلاثين ثلاثون وتذهب العشرة الباقية في أجرة من يقاضي إن كان لزم الثلث من الأجرة عشرة، وإن كان لزمه منها أقل من عشرة، كان الباقي للموصى له ببقية الثلث، وإن كان لزمه منها أكثر من عشرة، كان الزائد على العشرة على الموصى له بثلاثين وعلى الموصى له بثلث الثلث على قدر وصاياهم بالمحاصة، فينقض كل واحد منهما على قدر ما له. هذا معنى قوله باختصار كثير من لفظه، فيأتي في المسألة على ما حمل المسألة عليه إذا كان في الثلث فضل للموصى له ببقية الثلث ثلاثة أقوال: أحدها: أن الضرر يدخل عليه وحده. والثاني: أن الضرر يدخل عليه وعلى الموصى له بالجزء، دون الموصى له بالتسمية، وهو قول مالك. والثالث: أن الضرر يدخل على جميعهم، وهو قول ابن نافع، والصواب على ما تأولنا عليه المسألة، وهو تأويل ظاهر في المعنى، يدل عليه قوله: وليس على الموصى لهم شيء، إذ لم يقل: وليس على الموصى لهم سواه شيء؛ لأنه منهم، فلو أراد أن

مسألة: أوصى فقال رقيقي وثيابي لفلان ثم مات وقد هلك بعض رقيقه

ذلك يكون عليهم دونهم لاستثناه، أنه ليس في ذلك إلا قولان: أحدهما: أن الضرر على الموصى له بالجزء من الثلث، وعلى الموصى له بباقيه، وهو قول مالك، والثاني: أن الضرر يدخل على جميعهم، وهو قول ابن نافع، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال رقيقي وثيابي لفلان ثم مات وقد هلك بعض رقيقه] مسألة وسئل عمن أوصى فقال رقيقي وثيابي لفلان، ثم مات وقد هلك بعض رقيقه، وخلق بعض ثيابه، واستفاد رقيقا غير رقيقه، وثيابا غير ثيابه، فقال: للموصى له رقيقه الذين استفادهم وثيابه وما يشبه أن يوصى بسدس ماله، فله سدس ماله يوم يموت. قال محمد بن رشد: مثل هذا في أول الرسم الذي بعده، وفي آخر رسم الوصايا الثاني، وفي رسم باع شاة من سماع يحيى في غيرما موضع، أنه إذا عم في وصيته، فقال ثيابي أو رقيقي أو غنمي أو دوابي وما أشبه ذلك لفلان، أو صدقة على المساكين، أو أحرار في الرقيق وما أشبه ذلك، فاستبدل بهم، أو استفاد غيرهم إليهم، أن وصيته تنفذ فيمن كان من ملكه يوم مات مما سمى، كانوا هم الذين كانوا في ملكه يوم أوصى أو غيرهم، أو هم وغيرهم؛ بخلاف إذا عينهم أو عين واحدا منهم، فإن وصيته لا تتعداهم إن عينهم أو عين واحدا منهم. والعبد وما أشبهه من العروض والحيوان تتعين بالإشارة إليه باتفاق، فإذا قال الرجل. إن مت فهذا العبد لفلان، أو هذا الدرع لفلان وما أشبهه، فهلك واستفاد غيره مكانه، أو استبدل به سواه، فلا تنتقل الوصية إليه باتفاق، فإن قال: عبدي لفلان، ولا عبد له سواه، أو درعي لفلان، ولا درع له سواه، أو سيفي لفلان، ولا سيف له سواه، يتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أنه تعين بإضافته إليه، ولا تنتقل الوصية إلى غيره إن استبدل به سواه، والثاني: أنه لا يتعين بذلك، وتتنقل الوصية إلى غيره إن استبدل سواه، على اختلافهم فيمن حلف أن لا يستخدم عبد فلان،

فاستخدمه بعد أن أعتق، أو بعد أن خرج عن ملك فلان، وما أشبه ذلك. ومما يبين دخول الاختلاف في ذلك، أن ابن أبي زيد قد حكى في النوادر من رواية أشهب عن مالك فيمن أوصى لأخيه بسيفه، أو بدرعه، فيهلك ذلك ثم يخلفه، فهو للموصى له، كما لو أوصى له بحائط فتنكسر منه النخلات ويغرس فيه رديا أو نبت فيه رديئي أو يزرع فيه زرعا فذلك له. قال: وهذا الذي أراد الميت، فأما لو أوصى له بعبد فمات العبد، فأخلف غيره، فبخلاف ذلك، وظاهر هذه الرواية، أنه فرق في ذلك بين العبد وبين السيف والدرع، ولا فرق في القياس بين ذلك، فيتحصل في ذلك على هذا ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يتعين بذلك العبد والدرع، والثاني: أنه لا يتعين بذلك واحد منهما. والثالث: أنه يتعين به العبد، ولا يتعين به الدرع والسيف، وما أشبهه، وكذلك اختلف أيضا هل يتعين العبد في هذا بالتسمية والصفة أم لا؟ فذهب ابن القاسم إلى أنه يتعين بذلك. قال في رسم باع شاة من سماع عيسى بعد هذا: أما من قال: رقيقي أحرار، فباعهم واشترى غيرهم، فإنهم يعتقون، ومن قال: عبدي النوبي حر أو الصقلبي فباع ذلك كله، واشترى عبدا نوبيا أو عبدا صقلبيا، لم يعتق واحد منهم. ومما بيّن ذلك لك في الذي قال: رقيقي أحرار أنهم يعتقون إذا باعهم واشترى غيرهم أنه لو لم يبعهم واشترى غيرهم معهم عتقوا كلهم، وإن الذي قال: عبدي النوبي أو عبدي الصقلبي أو عبدي ثم اشترى عبدا غير عبده، أو عبدا نوبيا أو صقلبيا لم يعتق أولئك الذين أراد، وكذلك إذا باعهم، فإنما العتق فيهم. وقال أشهب: يلزمه العتق في جميع هذا، وكذلك لو قال: عبدي ميمون حر، ثم باعه واشترى عبدا اسمه فرج لم يجب عليه عتقه، فإن سماه ميمونا كاسمه الأول، وجب عليه عتقه. ولو قال عبدي الأسود حر فباعه واشترى أبيض، لم يعتق عليه، فإن اشترى أسود مثل الأول، أعتق. هذا مذهب أشهب. ولو قال: أعبدي المسلمون أحرار بعد موتي، فأسلموا لم يعتقوا لأنه لم يردهم، ولو اشترى مسلمين، عتق من كان عنده. وبالله التوفيق.

: امرأة أوصت بثيابها لإنسان فذهب بعض ثيابها

[: امرأة أوصت بثيابها لإنسان فذهب بعض ثيابها] وله من كتاب الوصايا قال أشهب: وسمعته يسأل عن امرأة أوصت بثيابها لإنسان، فذهب بعض ثيابها، واستخلفت ثيابا غيرها، ثم ماتت، فقال: أما ما استخلفت فهو للذي أوصت له، فثيابها كلها له، وكذلك لو قالت: متاع بيتي لفلان، فتنكسر الصحفة، ويذهب الشيء، ويخلف مكانه، فأرى ذلك كله له، أو تقول: ثيابي لفلان، فما أخلقت فهو له، وذلك الذي أرادت الميتة. وعسى أن يكون إنما كرهت أن تفتش ثيابها أو يتناولها عدوها. وكذلك الذي يقول: سلاحي لابني، فيذهب سيفه ودرعه، ويشتري بسيفه آخر، ودرعا آخر، فذلك له. ومثل ذلك الذي يقول: حائطي لفلان، فتكسر النخلات، وتموت، ويغرس فيه رديا وينبت فيه قصب، ويزرع فيه زرعا فذلك له. وهو الذي أراد الميت، فقيل له: أرأيت الذي يقول: غلامي لفلان، فيموت الغلام، ويستخلف غيره؟ فقال: العبيد ليسوا مثل هذا. قال محمد بن رشد: قوله: وكذلك الذي يقول: سلاحي لابني فيذهب سيفه ودرعه، ويشتري سيفا آخر ودرعا آخر فذلك له، معناه: فذلك له بالوصية إن أجازه الورثة؛ لأن الوصية لوارث لا تجوز، إلا أن يجوزها الورثة. وقد مضى الكلام على هذه المسألة فوق هذا في آخر الرسم الذي قبل هذا فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

مسألة: امرأة كانت أوصت أن تباع وصيفة لها صبية ممن أحبت وللصبية أم

[مسألة: امرأة كانت أوصت أن تباع وصيفة لها صبية ممن أحبت وللصبية أم] مسألة وسئل عن امرأة كانت أوصت أن تباع وصيفة لها صبية ممن أحبت، وللصبية أم، فقال: لا يفرق بينها وبين أمها، فقيل له: إن أمها قد أحبت ذلك، قال: إن كانت أحبت ذلك أمها، فإن ذلك جائز إذا كان على وجه النظر للصبية، يضعها عند من وقعت رحمته عليها ومن نظر أنه يرفق بها ويرحمها، فهذا يجوز إذا كان على هداه. قال محمد بن رشد: اختلف في المنع من التفرقة، هل هي من حق الأم أو من حق الولد؟ فذهب ابن القاسم إلى أن ذلك من حق الولد، فلا يفرق بينهما وإن رضيت الأم بالتفرقة، وهو معنى ما في المدونة وقول ابن نافع في المجموعة، قال: لا يفرق بينهما وإن رضيت الأم، ويباع معها، ولا يوضع من ثمنها، كما يوضع من ثمن الأمة على ظواهر الأثر في النهي عن التفرقة مجملا. وقال ابن عبد الحكم في كتابه: إن التفرقة بينهما جائزة إذا رضيت الأم، وهو قول مالك في هذه الرواية وقد قيل: إن ذلك دليل ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة فانظر في ذلك، واختلف أيضا في حد التفرقة، فذهب ابن القاسم في روايته عن مالك، أن حدها الإثغار. روى ابن غانم عن مالك، أن حدها الاحتلام في الرجال، والمحيض في النساء. وقال ابن عبد الحكم وغيره: لا يفرق بينهما أبدا وإن ضرب على اللحية على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا توله والدة على ولدها، ولا يفرق بين الوالدة وولدها» . وبالله التوفيق.

مسألة: أوصت فقالت ما في بيتي لمولاتي فلانة فقالت المولاة ثياب ظهرها لي

[مسألة: أوصت فقالت ما في بيتي لمولاتي فلانة فقالت المولاة ثياب ظهرها لي] مسألة قال وسمعته يسأل عن امرأة أوصت فقالت: ما في بيتي لمولاتي فلانة، فقالت المولاة ثياب ظهرها لي، فقال: إذا كانت المرأة لا ولد لها وكانت مولاتها نفيسة عندها، ولم تكن ثيابها الثياب الرائعة التي يظن بها أنها تصونها عن مثلها، ولم تقل: متاع بيتي، إنما قالت: ما في بيتي رأيت ذلك لها، وعسى أن تكون أرادت أن تكف ثيابها. فقيل له: أرأيت إن كان لها ثياب مرهونة؟ فقال: إنما قالت: ما في بيتي فأما أن يكون لها ثياب عند أخت لها أو مرهونة، فلا. فقيل له: أرأيت ما ماتت وهو عليها من ثيابها، وماتت في البيت، أتراها مع ثيابها التي في البيت؟ فقال: أرى لها، وإني لأحسب الثياب التي عنها ورثتها دنية، وأن الثياب التي في البيت أجود منها، وما أراها كانت تعطيها ثيابا وتمنعها هذه. وقد ذكر في غير هذه المسألة ما يشبه هذا القول، ولم تذكر نفيسة ولا غيرها، ولم تذكر دناءة الثياب ولا رفعتها، ولكن هذا مرسل إلا أنه سأل فقال: من ورثتها؟ فقيل: لم يرثها ولد. قال محمد بن رشد: هذا كله بيِّن على ما قاله؛ لأن ما لم ينص الموصي عليه نصا جليا وإنما يرجع فيه إلى الظاهر، فيستدل فيه على إرادة الموصي بالأشياء التي سأل عنها وشبهها مما يغلب على الظن بها إرادة الموصي؛ لأن الأصل في الأحكام الظاهرة غلبة الظنون، إذ لا يقطع على مغيبها. ولذلك قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار» . وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى لرجل بمائة درهم فقال أعطوه إياه وخذوا منه خمسة دنانير لي عليه

[مسألة: أوصى لرجل بمائة درهم فقال أعطوه إياه وخذوا منه خمسة دنانير لي عليه] مسألة قال وسمعته يسأل عمن أوصى لرجل بمائة درهم، فقال: أعطوه إياه وخذوا منه خمسة دنانير لي عليه، فقال الموصى له: ما له علي شيء، فأطرق فيها ثم قال: ما أراه إعطاه المائة الدرهم إلا على هذا، فلينظر، فإن كان في المائة الدرهم فضل عن الخمسة الدنانير أعطاها الموصى له في رأي، وإن كانت الخمسة أكثر من المائة الدرهم، أحلف فيما فضل في رأي، وإن لم يحلف غرمها، فقيل له: يحلف وإن لم تكن بينهما مخالطة، قال: وإن لم تكن بينهما مخالطة ليس المخالطة ها هنا شيئا. قال محمد بن رشد: قوله: إن المدعى عليه يحلف من غير مخالطة، صحيح؛ لأن الورثة لا يعلمون من يشهد لهم بالخلطة، وهذه المسألة هي إحدى الخمسة المسائل التي يجب اليمين فيها دون خلطة. وقد مضى القول فيها في سماع أصبغ من كتاب الأقضية، وسواء ادعى الورثة معرفة الدين قبله، أو قالوا لا ندري إلا ما ادعاه موروثنا. وأما قوله: فإن لم يحلف غرمها، فمعناه، بعد أيمان الورثة إن ادعوا معرفة الدين قبله باتفاق، وإن لم يدعوا معرفتهم إياه قبله، فعلى اختلاف، والمسألة متكررة في هذا السماع من كتاب المديان والتفليس. وبالله التوفيق.

مسألة: أوصت في مرضها إن حدث به حدث قبل أن أغير وصيتي فلولد فلان عشرة دنانير

[مسألة: أوصت في مرضها إن حدث به حدث قبل أن أغير وصيتي فلولد فلان عشرة دنانير] مسألة قال وسمعته يسأل عن امرأة أوصت في مرض لها إن حدث به حدث قبل أن أغير وصيتي، فلولد فلان عشرة دنانير، لكل إنسان منهم، فولد لذلك الرجل قبل موتها ولد، ومات ابنان من الذين كانوا له يوم أوصت، فقال: أما اللذان ماتا فليس لهما شيء، وأما من ولد له قبل أن تموت فلهم عشره عشرة، ممن ولد قبل موتها ومن كان مولودا يوم أوصت لهم. قال محمد بن رشد: حكم لولد فلان الموصى لهم في هذه المسألة بحكم معينين، فقال: إن الوصية تجب لكل من كان منهم حيا يوم ماتت الموصية، وإن كان ولد بعد الوصية إذا كان مولودا قبل موت "الموصية؛ لأن الوصية إنما تجب لهم بموتها، وذلك بين في هذه المسألة، لمساواتها بينهم فيما أوصت به لكل واحد منهم، فليست بمعارضة لمسألة رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، ولا يدخل فيها الاختلاف منها، ولا من مسألة الوصايا من المدونة في الذي يوصي لأخواله وأولاده. قال أشهب في النوادر: وسواء عرفت عددهم أو لم تعرفهم قال: ولو سمتهم لم يكن لمن ولد قبل موتها شيء. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بجميع ماله] مسألة وسمعته يقول لما توفي إسماعيل بن عبيد الله المقري تصدق بكل شيء هلك عنه، فرفع ذلك إلى هشام بن عبد الملك، فأجاز ثلثه ورد ثلثيه. قال محمد بن رشد: إنه لم يكن له وارث، ولذلك أوصى بجميع ماله. ولقد أجاز ذلك له جماعة من العلماء إذا لم يكن له وارث، وهو مذهب أهل العراق، ولا يجوز ذلك على مذهب مالك وأصحابه. فما قضى به هشام

مسألة: أوصى إلى رجل بوصايا فأراد الورثة أن يكشفوه عنه

من إجازة الثلث ورد الثلثين صحيح على مذهب مالك. وقد راعى مالك هذا الاختلاف فيمن أقر بوارث، فقال: إنه بإقراره أنه وارثه، وإن لم يثبت له نسب بإقراره له. وسحنون يرى بيت المال كالسبب القائم، فلا يجوز له إقراره بوارث، وإن لم يكن له وارث معروف. وهو القياس على مذهب مالك في أن وصيته لا تجوز بأكثر من ثلث ماله. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى إلى رجل بوصايا فأراد الورثة أن يكشفوه عنه] مسألة وسمعته يسأل عمن أوصى إلى رجل بوصايا من عتق وصدقة وعين وغير ذلك، فأراد الورثة أن يكشفوه عنه، وأن يطلعهم عليه، فقال: أما الصدقة فليس لهم أن يكشفوه عنها إذا كان غير وارث، إلا أن يكون سفيها معلنا مارقا، فيكشف عن ذلك، ولهم أن يكشفوه، وإن كان غير وارث ولا سفيه كشف عن العتق؛ لأن ذلك يعقد لهم الولاء، فأما إذا كان الموصى إليه سفيها معلنا، فأرى أن يكشف عن ذلك كله، فإن من له الأوصياء من يتقبض على الوصية فلا ينفذ منها شيئا، قال: ولا أرى إن كان الموصى إليه محتاجا أن يأخذ من ذلك شيئا. قال محمد بن رشد: هذا من بين قوله: إن الموصى يكشف عما جعل إليه من تنفيذ الوصية بالصدقة وغير ذلك مما لا يبقى فيه منفعة للورثة إذا كان سفيها معلنا مارقا يبين ما تقدم من قوله في أول سماع ابن القاسم في أنه ليس للوارث أن يقوم معه في تنفيذ الوصية، إلا أن يكون فيما بقي له منفعة كالعتق وشبهه. وقوله: إنه يكشف عن ذلك إذا كان سفيها معلنا مارقا، معناه: أنه يكلف إقامة البينة على تنفيذ الوصية، فإن لم يأت بينة على ذلك

مسألة: الرجل يوصي للرجل من ثمر أرض له بعينها

وتبين تقبضه عليها واستهضامه لها، ضمن إياها، وإن لم يكن بهذه الصفة من الاشتهار بالسفه والمروق، واتهم، استحلف، فإن نكل عن اليمين ضمن، وإن كان من أهل العدل والثقة لم تلحقه يمين، وهو محمول على الثقة والعدالة حتى يعرف خلاف ذلك من حاله, وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يوصي للرجل من ثمر أرض له بعينها] مسألة وسألته عن الرجل يوصي للرجل من ثمر أرض له بعينها بثلاثة آصع له في كل سنة ثلاث سنين، فلم تخرج في سنة من ذلك شيئا، أو لم يخرج إلا أقل من ثلاثة آصع، أترى أن بعض ما خسر تلك السنة من غلة السنة الثانية؟ فقال لي: إن أوصى أن يعطي رجل من غلة أرض له بعينها ثلاثة آصع في كل سنة، فأعطي في سنة ثلاثة آصع، فلما كانت السنة الثانية لم تخرج الأرض إلا صاعين، أو لم تخرج شيئا فأرى في السنة التي تأتي بعد أن يقضي ما نقص من الثلاثة آصع في السنة الماضية، إن كان في ثمر السنة التي بعد أكثر من الثلاثة آصع التي أوصى له بها، يعطى الثلاثة آصع من تلك السنة، ويعطى مما فضل من ثمرها ما خسر عليه من الثلاثة آصع التي أوصى له بها في السنة التي قبل هذه، وكذلك إذا مضت سنة أو سنتان، لا تخرج الأرض شيئا فإنه يوفى من تلك السنة الثانية تسعة آصع، للستين اللتين لم يخرجا شيئا ستة آصع، ولتلك السنة ثلاثة آصع، إن كان في ثمر تلك السنة ما يوفيه، فإن مضت السنون كلها التي سمى له أنه يعطى من غلتها، ولم يأخذ شيئا ولم يخرج الثمر شيئا، أو أخذ وفضل لم أر له شيئا. قلت له: أرأيت إن أخرجت الأرض أكثر مما أوصى له به الميت في تلك السنة، فيقول الذي أوصي له، أوفوني ما أوصى لي به في هذا العام، واحبسوا

لي بقية ثمره هذا العام؛ لأني أخاف ألا تخرج الأرض فيما أستقبل شيئا. قال: أرى إذا أوصى في كل سنة بثلاثة آصع، أخرجت سنة واحدة عشرين صاعا أو مائة صاع، فقال: احبسوا لي المائة كلها حتى أستوفي وصيتي مخافة أن لا تثمر فيما بقي، فأرى ذلك يختلف في أن يكون أوصى له بثلاثة آصع، فأخرجت مائة، فيريد حبسها فتهلك، فلا أرى ذلك، ولكن يحبس له بقدر في قلة ما أوصى له به وكثرة ما أخرج الحائط، وفي كثرة ما أوصى له به وقلة ما أخرج الحائط، وذلك يختلف أيضا في الحوائط فيما يخاف منهما ولا يؤمن، وفيما لا يخاف منهما قد عرف وجه ثمرها، ولا ينقص ولا يخلف، فإن كان في الحائط المأمون الذي لا يكاد يخلف، فلا أرى أن يحبس له من ذلك شيء، وإنما ينظر في ذلك إلى قدر ما يوصى له به، وعلى قدر الخوف على الثمر والرجا له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا أوصى له بعدد مسمى من ثمر حائط في كل عام سنين مسماة أو حياته، إنه يجبر له ما نقص من عام من العام الذي يليه ما لم تنقص السنون التي سماها، بخلاف إذا أوصى له بالعدد المسمى من ثمرة كل سنة سنين مسماة أيضا أو حياته، فلا يجبر له مما نقص من العام الذي بعده. ومثله في المدونة وفيما يأتي في هذا الرسم، وفي رسم الوصايا الذي فيه الحج والزكاة. وقوله. إذا أخرجت الأرض في سنة أكثر مما أوصى له به فيها، فسأل أن توقف له البقية مخافة النقصان، إن ذلك على الاجتهاد في كثرة ما أخرج الحائط وقلة ما أوصى له به، وفي قلة ما أخرج الحائط وكثرة ما أوصى له به، وفي أمن الحائط والخوف عليه، صحيح بين، ولا إشكال فيه، واختلف إن أراد الورثة أن يأخذوا الفضل ولا يوقفوه، ويضمنوا له النقصان، فقيل: ذلك لهم، وهو الذي يأتي على ظاهر ما في سماع سحنون لابن القاسم، وقيل. ليس ذلك لهم إلا برضاه، وهو قول

مسألة: يوصي بثلث ماله للفقراء والمساكين

مالك في رسم الوصية الذي فيه الحج والزكاة من سماع أشهب هذا. ويحتمل أن لا يحمل ذلك على أنه اختلاف من القول، فيكون معنى قول ابن القاسم في سماع سحنون: إذا كانوا أملياء يؤمن العدم عليهم في غالب الحال. ومعنى قول مالك في سماع أشهب: إذا لم يكونوا أملياء، أو كانوا أملياء يخاف عليهم العدم. والصواب أن يفسر ما في سماع سحنون لقول مالك في هذه الرواية التي ذكرناها لأنه قال فيها: لا تريد ضمانكم ولا اتباعكم، فيقال: معنى ما في سماع سحنون إذا رضي الموصى لهم بضمانهم، ولم يتكلم في هذه الرواية التي ذكرناها على توقيف الحائط مدة الثلاثة أعوام، التي أوصى في كل عام منها بالآصع من ثمرها، وذلك من حق الموصى له إذا حمل الحائط الثلث، أو أجاز ذلك الورثة. وهنا تكلم في سماع سحنون فقال: إن ضمن الورثة ذلك، وإلا أوفقوا العبد والحائط، ومعنى ذلك، إذا حمله الثلث، ورضي الموصى لهم بضمان الورثة. وقد وقع في سماع سحنون أنه يجبر ما نقص في العام من العام الذي بعده، إذا أوصى له بالعدد المسمى من غلة كل سنة، وهو لفظ وقع على غير تحصيل، فلا يقال فيه: إنه اختلاف، من القول: وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بثلث ماله للفقراء والمساكين] مسألة قال وسمعته يسأل ابن غانم عن الرجل يوصي بثلث ماله للفقراء والمساكين، وله مال ودار ومنزل، فيقول أهل الميراث: نريد أن نقوم ذلك قيمة، فنحسب عليها ثمن الدار والمنزل، فإن لنا أعداء، وقد علموا ألا نترك دارنا ومنزلنا، فهم سيزيدون عليها ضررا بنا، فقال: اكتب إليه إنما أوصى لهم بثلث ماله، فانقطع لهم بثلث ماله ذلك كله ثلث الدار، وثلث المكان، وثلث كل شيء، ولا يباع ذلك عليهم ولا يقام، وزاد في الكتاب الذي فيه الوصايا والحج والزكاة، قال مالك: لأنهم نزلوا بمنزلة الشركاء في تلك الدار

والمنزل، وليس يكون بين الشركاء في الدور والأرضين أمد يجبرون عليه للاقتسام. قال محمد بن رشد: أنزل مالك في هذه الرواية الموصى لهم بثلث من الفقراء والمساكين بمنزلة الأشراك في جميع مال الميت، فرأى من حقهم أن يقسموا ما ينقسم فيبيعوا نصيبهم منه مقسوما إن دعوا إلى ذلك، وزعموا أن ذلك أوفر لحظهم، وأن يباع ما لا يقسم، ولا يقوم شيء من ذلك إلا برضاهم. قال ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى بعد هذا في الذي يوصي بعتق ووصايا وله مدبرون، فيدعون إلى البيع، ويريد الورثة التقويم، إن حق المدبرين وأهل الوصايا ما دعوا إليه من البيع، يريد: إلا أن يحب الورثة أخذه بما يعطى فيه من الثمن، فيكون ذلك لهم، أو لمن شاء منهم، ولا يكون بمنزلة الأشراك في قسمة ما لا ينقسم من ذلك إن دعوا إلى قسمه، فقالوا: إن بيع حظنا مقسوما أوفر لنا، وروى ذلك أيضا أصبغ عنه في الرسم بعينه وقال هو من رأيه: إن التقويم من حق الورثة إذا دعوا إليه وكرهوا البيع، كان ذلك مما ينقسم أو مما لا ينقسم، وهو قول ثالث في المسألة. وروى علي بن زناد عن مالك أنه ينظر إلى الأرفق بالمساكين، من المقاسمة أو البيع في المزايدة فيفعل ذلك، وهو قول رابع في المسألة. وقال محمد بن المواز: أما إن كانت وصيته فيما لا ينقسم مع غيره كالمدبر والوصية بالعتق أو بعبد أو بشيء بعينه، فالقيمة أعدل بينهم وبين الورثة، وإن كان ما قال ابن القاسم أقيس. قال: وأما إن أوصى بثلثه، فالقسم أولى من القيمة ومن البيع، ويقسم ما ينقسم، وأما لا ينقسم فالبيع أولى إلا أن يتراضوا على التقويم. وتفرقة ابن المواز هذه حسنة، وهو قول خامس في المسألة. والاختلاف في أنه إذا أوصى بثلثه لرجل بعينه، أنه بمنزلة وارث من

مسألة: أوصى بيتاماه إلى رجل وبأخواته إلى رجل

الورثة، شريك منهم بالثلث في جميع مال الميت، يكون من حقه أن يقسم ما ينقسم، وأما ما لا ينقسم فمن شاء منهم أن يأخذه بما يعطى فيه، فإن تشاحوا ذلك تقاوموه فيما بينهم. هذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بيتاماه إلى رجل وبأخواته إلى رجل] مسألة قال وسمعت مالكا يسأل عن رجل توفى وترك يتامى كان يليهم وترك ولدا له وأخوات، فأوصى بيتاماه إلى رجل وبأخواته إلى رجل، وسمى للولد إنسانا، وله بنت كبيرة، بنت أربعين سنة أو خمسين سنة، لم يسمها باسمها مع ولده حين سماهم ولم يذكر أموال ولده حين سماهم، حتى إذا كان في آخر الوصية قال: وأموال ولدي كلهم إلى فلان، يعني الرجل الذي أوصى إليه بولده الذين سماهم، فقالت البنت: أنا الآن في ولايته أم لا؟ فقال: إن كانت أهلا لأن تلي نفسها فذلك إليها، تعطى مالها ويكون بيدها، وإن كانت على غير ذلك، كان مالها بيد الموصى إليه ... ورب بنت خمسين سنة، لا تلي نفسها. وأما وصيته بيتاماه إلى رجل، فذلك إذا أراد الخير. قال محمد بن رشد: قوله: وترك يتامى كان يليهم، معناه: بإيصاء أبيهم بهم إليه، وكذلك قوله في أخواته، معناه: أنهن إلى نظره بإيصاء أبيهن بهن إليه، ولذلك أعمل إيصاؤه على يتاماه وأخواته؛ لأن للموصي أن يوصي بما أوصى به إليه في حياته وبعد وفاته، لا خلاف أحفظه في ذلك، ولم يبين في قوله: وله بنت كبيرة بنت أربعين سنة أو خمسين إن كانت بكرا معنسا لم تتزوج، أو قد تزوجت ودخل بها زوجها. وجوابه محتمل

مسألة: زوج ابنته ابن أخيه فولدت منه أولادا فلما حضرته الوفاة أوصى لولد بنته بوصية

للوجهين جميعا؛ لأنه أعمل قول الأب: وأموال ولدي كلهم إلى فلان، فرآها بذلك ممن قصد الأب إلى الإيصاء عليها مع سائر إخوتها فقال: إنها إن كانت أهلا أن تلي نفسها، فلا ينفذ عليها إيصاء الأب، وإن لم تكن إهلا أن تلي نفسها، نفذ عليها ذلك. هذا معنى قوله. ولم يتكلم على ما يحمل عليه إن جعل مما لها فإن كان تكلم على أنها بكر معنس، فإرادته أنه إن جهل حالها لم ينفذ عليها إيصاء الأب بالتعنيس؛ لأنها محمولة على الرشد، ما لم يعلم سفهها على مذهب من رأى أنها تخرج بالتعنيس من ولاية أبيها، ولا يصح أن يكون جوابه على القول بأنها لا تخرج بالتعنيس من ولاية أبيها؛ لأنها على هذا القول في ولاية أبيها وإن علم رشدها، فكيف يصح أن القول إن كانت أهلا أن تلي نفسها لم ينفذ عليها إيصاء أبيها، وإن كان تكلم على أنها قد تزوجت ومضى لها مع زوجها مدة يحكم لها فيها بالرشد، وتكون محمولة عليه ما لم يعلم سفهها على الاختلاف في حد ذلك، فإرادته إن جهل حالها لم ينفذ عليها إيصاء الأب، ولا يصلح أن يكون تكلم على أنه لم يمض لها مع زوجها مدة يحكم لها فيها بالرشد؛ لأنها في هذا الحد في ولاية أبيها وإن علم رشدها فكيف يصح أن يقول: إنها إن كانت أهلا أن تلي نفسها لم ينفذ عليها إيصاء أبيها؟. هذا بيان هذه المسألة وهي من المسائل المشكلة وبالله التوفيق. [مسألة: زوج ابنته ابن أخيه فولدت منه أولادا فلما حضرته الوفاة أوصى لولد بنته بوصية] مسألة وسئل عمن زوج ابنته ابن أخيه، فولدت منه أولادا، فلما حضرته الوفاة أوصى لولد بنته بوصية، وأوصى لهم بما أوصى به إلى امرأته، فأراد أبوهم أن يأخذ ذلك لهم وهو عدل، فقال: لا أرى ذلك له وأرى ذلك إلى من أوصى إليه به الميت؛ لأنه لما أراد أن يكون ذلك على يدها لتجمع ذلك لهم، وتنظر فيه لهم، فأرى ذلك إلى من أوصى به إليهم.

مسألة: أوصى بحوائط له على مواليه وأولادهم وأولاد أولادهم يأكلون ثمرتها

قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه ليس للأب أن يأخذ ما أوصى لهم به جدهم للأم؛ لأنه إنما أوصى لهم به على أن يكون لهم بيد امرأته، وهي أحق بماله وبالشرط فيه. وأما إيصاؤه بهم إلى امرأة، فلا يجوز ذلك عليهم ولا على أبيهم؛ لأنهم في ولاية أبيهم، ولا حق للجد في الإيصاء بهم إلى غيره. والله الموفق. [مسألة: أوصى بحوائط له على مواليه وأولادهم وأولاد أولادهم يأكلون ثمرتها] مسألة وسئل عن رجل أوصى بحوائط له على مواليه وأولادهم وأولاد أولادهم يأكلون ثمرتها، لكل إنسان منهم أربعون صاعا، وأوصى بذلك إلى رجل، فأراد الوصي أن يبتاع لهم من ثمر الحائط رقيقا للحائط يعملون فيه ويقومون، ليكون ذلك أعدل فيما بينهم وبين الورثة، فأبى ذلك الموالي وكرهوه، قال: ليس ذلك لهم، لكن أرى أن لا يشتري ذلك لهم في عام واحد، فيقطع بهم، وأرى أن يبدأ بذلك، فيشتري بعضهم في ثمرة، وبعضهم في ثمرة أخرى ولا يشتري لهم ذلك كله من ثمرة واحدة، فهذا الذي أرى. محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لأن ذلك إذا كان من النظر لهم، فمن الرفق بهم ألا يشتري ذلك من فضلة عام واحد، فيضيق بذلك عليهم. وبالله التوفيق: [مسألة: أوصى وهو بالمدينة بمال له في سبيل الله فهل يعطى منه الحجاج] مسألة وسئل عن رجل أوصى وهو بالمدينة بمال له في سبيل الله فقدم قوم من أهل المصيصة المدينة حجاجا منصرفهم من حجهم منقطعا بهم لا يقدرون على شيء يتحملون به، أيعطون من ذلك شيئا في سبيل الله؟ فقال: لا أرى أن يعطوا منه شيئا هم اليوم أبناء

سبيل، ولم يوص الميت لابن السبيل بشيء، وإنما أوصى به في سبيل الله فليسوا اليوم من أهل سبيل الله، وإنما هم أبناء سبيل فلا أرى لهم فيه شيئا ولا أرى أن يعطوا منه شيئا، ولكن أرى أن يعطى من أهل المدينة من يخرج غازيا، أو يبعث به إليهم، فيعطوا في سبيل الله، فقيل له: إن منازل هؤلاء القوم هناك، وهم من أهل الغزو، إلا أنهم قد انقطع بهم ها هنا، فليس في أيديهم ما يتحملون به، فقال: لا أرى أن يعطوا منه شيئا؛ لأنهم أبناء سبيل، وليسوا بغزاة، وإنما يحتملون به إلى أهلهم، ثم إن بدا لهم غزوا، وإن شاءوا لم يغزوا فلا أرى أن يعطوا منه شيئا؛ لأنهم أبناء سبيل، وليس لابن سبيل فيه حق، وإنما أوصى به في سبيل الله، فهؤلاء أبناء سبيل، فلا أرى فيه شيئا. محمد بن رشد: هذا كله كما قال: إن أهل المصيصة وإن كانوا من أهل الغزو، فليسوا بغزاة في رجوعهم من حجهم، فلا يصح أن يعطوا من المال الذي يوصى به في سبيل الله، وإن انقطع بهم في ذلك؛ لأنهم أبناء سبيل، ولو كان انقطع بهم في رجوعهم من غزوهم لا من حجهم، لجاز أن يعطوا منه على ما حكى ابن حبيب في الواضحة من أن من أعطي شيئا في سبيل الله، فله أن ينفق منه في غزوه في مسيره وقفله، خلاف ما في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد، إنه لا يعطى من المال المسبل في سبيل الله لمن انقضى رباطه، وانقطع به في قفوله إلى أهله، وأجاز في هذه الرواية أن يعطى المال المجعول في سبيل الله لمن يخرج به غازيا أن يبعث به إلى من يقسمه في الثغور خير في ذلك بين الأمرين، واستحب في سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد أن يعطى بالبلد إن وجد من يغزو منه، ولا يبعث به إلى الثغور مخافة أن يبعث به إلى هناك فيضيع، على ما قاله في رسم طلب منه. قال ابن المواز: إنما يعطيه لمن قد عزم، لا لمن

مسألة: يوصي لابن السبيل فيجد اليهودي والنصراني منقطعا بهما

لا يخرج إلا بما يعطى. وقوله يحمل على التفسير لقول مالك؛ لأن من لم يعزم على الخروج إذا أعطي على أن يخرج، لعله يأخذ المال ولا يخرج. ومن معنى هذه المسألة ما في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والولاكات. وقد مضى الكلام عليها وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي لابن السبيل فيجد اليهودي والنصراني منقطعا بهما] مسألة وسئل عن الذي يوصي بالوصية لابن السبيل، فيجد اليهودي والنصراني منقطعا بهما، أيكون لهما في ذلك شيء؟ قال لا ليس لهما من ذلك شيء، إنما يراد بهذه الأشياء أهل الإسلام، وليس يراد بذلك النصارى ولا اليهود ولا عبدة الأوثان، ليس يراد بهذه الأمور إلا أهل الإسلام، أتراه أراد بهذا المجوس أو عبدة الأوثان؟ وإنما يكون مثل هذا للفقراء والمساكين وابن السبيل من أهل الإسلام، ليس من أهل الشرك والكفر. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الوصية لأهل الكفر مكروهة، حسبما ما مضى بيانه مستوفى في رسم ندرسه من سماع ابن القاسم، فلا يصح أن تحمل وصيته إلا على ما يستحب لا على ما يكره. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى إلى أخيه وإلى غلام له فأرادت امرأته بيع الغلام] مسألة وسئل عن رجل أوصى إلى أخيه وإلى غلام له، فأرادت امرأته بيع الغلام، وقالت: ثمنه ثلاثة آلاف دينار، أفترى الوصية إليه جائزة؟ فقال: نعم، الوصية إليه جائزة، وذلك على ما قال الميت، وليس الأمر على ما قالت المرأة، وأرى أن تخرج به إلى

السوق، فيقام قيمته، ثم يستخلص لمن يلي حق الورثة من ميراثهم، فيعطوا المرأة ثمنها منه بمنزلة ما لو أوصى بعتقه، إنما هو كمن اشترى لهم، فأرى هذا أولى ولا ينظر إلى ما تقول المرأة، ويعطى من أموال الذين يليهم ما يقام عليهم في السوق قيمة عدل، وتمضي وصيته، ويجوز ما أوصى به سيده. قلت له: إنه قد وقعت فيه بعد ذلك مواريث غير واحدة، فقال: إن الوصية له ماضية على ما أوصى به الميت، وليس بأول عبد أوصى إليه سيده، فجاز ذلك، قد ارتضاه سيده وأوصى إليه، وقد أوصى غير واحد إلى عبده وغيره لم يجد في ذلك خيرا منهم، فأرى ذلك جائزا ويقام قيمته على من يلي، فتعطى المرأة من ذلك ثمنها، بمنزلة ما لو أعتقه، وكأنه اشتراه لهم. قال أشهب: وسألت الليث عن ذلك فقال لي: وصية جائزة، ويقام قيمته على من يلي من الورثة، فيستخلص لهم، وتعطى المرأة من قيمته ومن كان بمنزلتها ممن لا ولاية للعبد عليه ووصيته جائزة. قال محمد بن رشد: قول الليث بن سعد مثل قول مالك، وما قالاه جميعا صحيح على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، ومعنى ما فيها من إرادته أن وصية الرجل بولده إلى عبده جائزة، فإن كان فيهم أكابر، نظر للأصاغر في الأيام التي لهم، إلا أن يدعو الأكابر إلى البيع، فإن دعوا إليه قوم حظهم على الأصاغر، إلا أن يكون عليهم في ذلك ضرر ولا يكون لهم مال، فيبيع الكبار حظهم، ويبقى نصيب الصغار لهم، ينظر لهم في الأيام التي لهم، إلا أن يكون على الكبار في ذلك ضرر، فيلزم الأصاغر البيع مع إخوتهم الأكابر، وتنفسخ الوصية لأن الموصي إنما أراد أن يكون ناظرا لهم ما كان عندهم، واستحسن أصبغ إن كان المشتري في موضع اليتامى مقيما به أن يبقى على إبقائه، ومعنى ذلك عندي: إذا رضي بذلك

مسألة: أوصى لرجلين بعشرة دنانير

المشتري، وقال سحنون في المجموعة: إنما يكون العبد ناظرا للصغار، إذا كانوا كلهم سواء فيما يتكلف لهم العبد، فيكون على قدر مواريثهم منه، وقوله صحيح، إذ قد يكون لأحدهم دون إخوته المال الكثير، قد ورثه عن أمه، فيحتاج فيه إلى نظر زائد على إخوته. قال سحنون: وإن كان فيهم كبير فهي وصية لوارث، فإن أجازها الكبار وإلا بطلت. وقول عبد الملك أصح، إذا قلنا: إنه إنما ينظر للأصاغر في الأيام التي لهم. وقال ابن كنانة: إن أجاز الكبار أن يلي، ولا يشغله عنها جاز ذلك، وإلا اشتري للأصاغر حظ الأكابر. قال أشهب: وإذا استخلص الأصاغر لسعة مالهم، فكل من بلغ، يريد وملك أمره اشترى حظه لمن بقي، حتى يكون آخر ذلك لمن بقي مضرة بهم، لكثرة ثمنه، وقلة مالهم من منفعته، فلا يقوم عليهم، ويبقى بينهم. فإذا شاء الكبار البيع، بيع كله، وأقام لهم الإمام غيره. وقال أشهب: وإن أوصى إلى مكاتبه فذلك جائز، وليس فيه تقويم على من تولى إلا أن يعجز. قال في المجموعة: وإن أوصى إلى أم ولده، أو مدبرة أو عبد له، أو معتق بعضه، أو معتق إلى أجل، فذلك جائز. قال سحنون: أما المعتق إلى أجل، فلا يجوز، إلا أن يرضى الأكابر؛ لأنه يستقل عن خدمتهم. وقال أشهب في المجموعة: وإذا أوصى إلى عبد غيره فذلك جائز إن أجازه السيد، ثم ليس له بعد رجوع إلا لعذر من بيع أو سفر، أو لعلة منه أو من العبد. إلى غير الموضع الذي الورثة فيه، فيقيم لهم الإمام غيره. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجلين بعشرة دنانير] مسألة قال وسمعت مالكا يسأل عن رجل أوصى لرجلين بعشرة دنانير، لكل واحد منهما في كل سنة حياتهما من ثمر ما له، فلما كان عام الأول، أصاب الثمار الذي أصابها، فلم تبلغ الثمرة ما أوصى لهما به، وقد كان في وصيته فإن نقصا تحاصا، فلما كان

مسألة: أوصى لرجل بعبد آبق فأتي به بجعل

العام جاء الثمر بفضل كثير، فأراد أن يأخذ من غلة العام ما نقص من وصيتهما في غلة عام أول، فذلك لهما؟ فقال: نعم ذلك لهما. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في صدر الرسم، وقد تقدم الكلام عليه فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بعبد آبق فأتي به بجعل] مسألة قال: وسمعته يسأل عمن توفي وأوصى لرجل بعبد آبق، أو جمل شارد، فأتي به بجعل، على من ترى ذلك الجعل؟ قال: على الذي أوصي له بالعبد، وليس ذلك على ورثة الميت في مال الميت؛ لأن هذا عليه ليس على الورثة أن يطلبوه، وإنما ذلك بمنزلة أن يوصي له بوسق من غلته بخيبر، فيقول: احملوه إلى المدينة، فلا يكون ذلك له، وعليه أن يأخذ ذلك بموضعه الذي هو به يوم أوصى له به، فعليه أن يأخذ ذلك ... وأن يطلب الجمل الشارد، أو العبد الآبق. وليس على الورثة أن يطلبوه، فقيل له: إن جاء به إلى المدينة وليس فيه جعل، أيكون ذلك على الورثة في مال الميت أم على الموصى له؟ فقال: بل على الموصي له. فقيل له: أرأيت إن أوصى الرجل للرجل بعبده، على من ترى أن يأتي به؟ فقال: ذلك على الموصى له، يذهب يأخذه حيث هو، قيل له: إن الورثة يقولون: لا بد لنا أن نقومه ها هنا حتى يقيمه، فقال: أما إذا كان ذلك بالموضع الذي هو له فيه قيمة، يرغب به مثل رقيق المال، فإن ذلك إنما يقام بموضعه الذي هو به، وعلى الموصى له أن يذهب حيث يأخذه، وأما ما كان من ذلك بموضع لا

قيمة فيه، ثم أراد الورثة إقدامه ليقيموه، فأرى ذلك عليهم حتى يقيموه ثم يقبضه الموصى له به، وليس كل الوصية تقام، إنما يقام منها ما يخاف أن يكون أكثر من الثلث. محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا أوصى لرجل بعبده الآبق، أو بجمله الشارد، فإن على الموصى له طلب العبد الآبق، والجمل الشارد، وأخذ العبد الغائب بموضعه الذي هو به، وليس على الورثة جلبه إلى الموصى له، إلا أن يحتاجوا إلى تقويمه ولا يكون له قيمة بموضعه الذي هو به، فعليهم أن يجلبوه ليقيموه، يريد: من بقية الثلث، فهو معنى قوله: فأرى ذلك عليهم حتى يقيموه، ثم يقبضه الموصى له، فإن لم يكن في الثلث فضل عن قيمة العبد، أخرج ما يلزم في ثلثه من رأس مال الميت، ثم يخير الورثة بين أن يجيزوا الوصية بالعبد للموصى له به، وبين أن يقطعوا له بثلث الميت في العبد أو شائعا في جميع مال الميت، على اختلاف قول مالك في هذا في كتاب الوصايا الثاني من المدونة. فهذا الذي يأتي في هذه المسألة على ما بيناه من قول مالك في آخر رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب في الذي يوصي لرجل بثلاثين دينارا، ولرجل بثلث الثلث، والمال دين على الناس، فاستأجر الموصى عليه على تقاضي ذلك الدين بعشرة دنانير، إنما يكون فيها فضل من الثلث إن كان فيه فضل حسبما بيناه هناك، وكذلك لو أوصى الميت بجلب العبد الغائب، فيعطاه الموصى له به من موضعه الذي هو به، إذ ليس أكثر من ثلث، بخلاف الذي يقول: ثلث ما لي هو لي إن فعلت كذا وكذا، فيفعله، إن عليه النفقة من غير الثلث حتى يبلغه، كالذي يجب عليه صدقة شيء من ماله بنذر أو حنث ببلد ليس فيه مساكين، إنه يلزمه أن يحمله من ماله إلى موضع فيه المساكين، ولو وجبت عليه الصدقة من الزكاة في موضع ليس فيه مساكين، لم يجب عليه أن يحملها من ماله إلى موضع يجد فيه مساكين.

مسألة: العبد يكون له أخ حر فيوصي له بدراهم فيطلبها من الوصي

وقد مضى بيان هذا كله، في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب النذور، وفي رسم العشر من سماع عيسى من كتاب زكاة الحبوب. وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يكون له أخ حر فيوصي له بدراهم فيطلبها من الوصي] مسألة وسمعته يسأل، فقيل له: إنه كان لي أخ حر، وأنا مملوك فلما حضرته الوفاة، أوصى لي بدراهم، فطلبتها من الوصي، فأبى أن يعطينيها، وخاف أن أفسدها فدفعها إلى مولاي فكساني منها، ثم سألته أن يعطيني بقية الدراهم، فأبى، فذهبت إلى الذي دفعها إليه، فلقيه في ذلك، فقال: ما انتزعتها منه، ولا أدفعها إليه، فلم تزل في يديه حتى باعني ممن أعتقني، فصرت حرا، فطلبتها منه الآن فأبى إعطاءها إياي، فقال: إن كان نزعها منك وأنت مملوك فذلك له، وليس ذلك بحسن، وإن لم يكن نزعها منك فأراها لك: قال محمد بن رشد: هذا بيِّن على ما قاله؛ لأن السيد ينتزع مال عبده، بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من باع عبدا وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع» . وقد بين في هذه المسألة أنه لم ينتزعها منه حتى أعتقه، بدليل قوله: ما نزعتها منه ولا أدفعها إليه، فيلزمه أن يدفعها إليه بعد عتقه، ولأن مال العبد في العتق تبع له، بخلاف البيع. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال لفلان من ثلثي عشرة دنانير ولفلان ثلثي] مسألة قال أشهب: وكتبت إليه أسأله عمن أوصى فقال: لفلان من ثلثي عشرة دنانير، ولفلان ثلثي، أو قال: لفلان ثلثي، ولفلان منه

مسألة: الذي يتصدق بعبد له على رجل أو يوصي له بوصية أيتبعه ماله

عشرة دنانير، أو قال لفلان ثلثي، ولفلان عشرة دنانير، لم يسمها من الثلث، فكتب إلي يقول: سواء قال لفلان عشرة دنانير من ثلثي، ولفلان ثلثي، أو قال: لفلان ثلثي، ولفلان منه عشرة دنانير، هو سواء، يبدأ صاحب العشرة، ثم يكون ما بقي من الثلث للذي أوصى له بالثلث؛ لأنه انتزع منه العشرة الدنانير التي سماها للرجل، ولكن إن قال: لفلان ثلثي، ولفلان عشرة دنانير، ولم يقل من الثلث، فإنهما يتحاصان، يحاص الذي أوصى له بالعشرة دنانير، ويحاص الذي أوصى له بالثلث، فما بلغ الثلث يتحاصان هكذا في ثلث مال الموصي. قال محمد بن رشد: لا اختلاف إذا قال: لفلان ثلثي ولفلان منه عشرة دنانير أن العشرة تبدأ على الثلث، وكذلك إذا قال: لفلان من ثلثي عشرة دنانير ولفلان ثلثي والأول أبين إذا أخر "من". وأما إذا لم يأت بـ "من" أولا ولا آخرا، فاختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: قوله: هذا، ومثله في رسم الكبش من سماع يحيى، وهو المشهور أنهما يتحاصان. وقد روي عنه أن القسمة تبدأ على الجزء. وروي عنه أن الجزء يبدأ. وقد مضى هذا كله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يتصدق بعبد له على رجل أو يوصي له بوصية أيتبعه ماله] مسألة قال وسمعته يسأل عن الذي يتصدق بعبد له على رجل أو يهبه له لثواب أو لغير ثواب، أو يوصي له بوصية أيتبعه ماله؟ قال: لا يتبعه ماله، وأرى ذلك كله بيعا؛ لقول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع". قال مالك: لا يتبع العبد ماله في ذلك كله، إلا أن يعتق

مسألة: المولى عليه يكسب مالا بيده أينتزع منه

فيتبعه ماله. فأما إن كانت له الكسوة أو الشيء اليسير، مثل ذلك، فإني لا أرى له أخذ ذلك في الصدقة قال سحنون هي جيدة خير من رواية ابن القاسم. قال محمد بن رشد: اختلف قول مالك في مال العبد الموصى به لرجل، فمرة قال: إنه للموصى به قياسا على العتق، بخلاف البيع، ومرة قال: إنه لورثة الموصي قياسا على البيع، بخلاف العتق. وقد مضى القول على هذا في رسم البز من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. وقوله في هذه الرواية: إن الكسوة والشيء اليسير ليس لسيد العبد أن يأخذه، يريد: لا في الوصية ولا في البيع، وبشبهه من الهبة والصدقة، هو مثل ما في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد. وقد مضى القول على ذلك هنالك وقلنا فيه: إنه أصح مما في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب؛ لأن ظاهر الرواية أن يكون للمبتاع ما كان من هيأتها ولباسها وإن كان كثيرا، وهو بعيد وبالله التوفيق. [مسألة: المولى عليه يكسب مالا بيده أينتزع منه] مسألة وسمعته يسأل عن المولى عليه يكسب مالا بيده، أينتزع منه؟ فقال: هو مثل ما ورث، فقيل له: هو اكتسبه وسعى فيه، فقال: رب رمية من غير رام. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه قد صار ماله، وإن كان من كسبه، فلا يترك له لئلا يتلفه، لقول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] الآية.

مسألة: أوصى لها بولدها منه فأراد بعض ولدها القسمة

[مسألة: أوصى لها بولدها منه فأراد بعض ولدها القسمة] مسألة وسئل فقيل: إن زوجي أوصى إلي بولدي منه، فأراد بعض ولدي القسمة، فقال لها: ما ترك زوجك من المال؟ فقالت: ثلاثة أرؤس ومكاتبا، فقال لها: أما المكاتب، فدعيه كما هو بينهم، وأما ما بقي فخذي منه ثمنك ثم اقسمي ما بقي بينهم، فقالت: أبأمر السلطان؟ فقال: لا، ولكن بأمر العدول. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله في هذه الرواية، إنه أجاز للأم الوصية أن تأخذ ثمنها مما يخلف زوجها، وأن تقسم الباقي بين بنيها بأمر العدول دون السلطان، والمسألتان مفترقتان، أما قسمتها على بنيها وأخذها ثمنها، فالمشهور المعلوم أن ذلك لا يجوز إلا بأمر السلطان، فإن قاسمت لنفسها عليهم، لم تجز القسمة، وكانت منتقضة، إلا أن يجيزها السلطان، وإن كان سدادا يوم القسمة إذا لم يكن اليوم سداد، وقد قيل: إنها تجوز إذا علم السداد والنظر فيها لهم، وهو قوله في هذه الرواية؛ لأنه أجاز أن تأخذ لنفسها ثمنها بأمر العدول؛ لأنه إنما اشترط العدول في ذلك، ليعرفوا السداد ويشهدوا به، وأما قسمتها مال بنيها فيما بينهم، فإنها جائزة، إذا عرف السداد فيها، وهو مذهبه في هذه الرواية ومعنى ما وقع في كتاب القسمة من المدونة من أن الوصي لا يقسم مال الأيتام فيما بينهم إلا بأمر السلطان. وقيل: إن فعله في ذلك محمول على السداد حتى يثبت خلافه، وهو الذي يأتي على ما في كتاب الرهون من المدونة لأنه أجاز فيه للوصي أن يشتري لبعض أيتامه من بعض، وإذا أجاز شراءه من بعضهم لبعض، فأحرى أن يجيز قسمته فيما بينهم؛ لأن القسمة بيع من البيوع، وقيل: إنها تمييز حق، وعلى ما في كتاب الرهون من المدونة يأتي ما لمالك في رسم الطلاق من هذا السماع بعد هذا خلاف قوله في هذه الرواية، فتدبر ذلك وبالله التوفيق.

مسألة: لا يجوز للوصي أن يشتري بالدين على أيتامه

[مسألة: لا يجوز للوصي أن يشتري بالدين على أيتامه] مسألة قال: وسأله ابن كنانة فقال له: إن رجلا كان يلي يتامى في حجره، فاشترى حائطا، ذكر حين اشتراه أنه إنما اشتراه لأيتامه بثمن قمح إلى أجل معلومة، فأقام الحائط في يديه زمانا يستغله للأيتام كل سنة، معلوما ذلك عند الناس، حتى اجتمع لهم في يده من غلة ذلك الحائط مال كثير، ثم خيف على وليهم الإعدام، أفترى لبائع الحائط في مال الأيتام حقا؟ فقال له: هذا مثل الذي يشتري بالدين ويقول: إنما اشتريته لأيتامي هؤلاء. فلا يلزمهم ذلك، فقال له ابن كنانة: إن الحائط الذي اشترى من البائع قائم بعينه في أيدي الأيتام، وقد اجتمع لهم في يد وليهم من غلته مال كثير، فيرجع البائع على ماله حيث وجده، أم على المشتري لولي الأيتام؟ فقال له: أليس كتاب الدين على اسمه؟ فقال: بلى، فقال: ما أرى أن يتبعهم الآن ولكن يبدأ هو به فيتبعه بذلك، فإنه الذي لا شك فيه، ولا يتبعهم بذلك، فقيل له: إن ذلك أبغضها إلى البائع، فقال: ذلك الذي أرى إلا أن يرفعوا ذلك إلى القاضي، فيكشف عن ذلك، ويسأل عنه كله، وينظر فيه، فأما ولي الأيتام فليتبعه البائع. محمد بن رشد: لا يجوز للوصي أن يشتري بالدين على أيتامه، لوجهين: أحدهما: أنه قد يهلك ما اشتراه لهم بالدين، فيطلبون بالثمن عند حلوله، وتباع عليهم فيها أموالهم إن كانت لهم أموال أو تتبع بها ذمتهم إن لم تكن لهم أموال. والوجه الثاني: أن ما يشترى بالدين يزاد فيه على القيمة، ولا يجوز أن يشترى لليتامى شيء بأكثر من قيمته، فإن فعل، نظر السلطان في ذلك، فإن رأى أن يمضيه على اليتيم أمضاه عليه، وإلا رده، على ما قال في

مسألة: يلي يتامى فكان لا يتحفظ في أموالهم

الرواية، فإن رده ولم يمضه على اليتيم لزم الوصي، ولم يكن له أن يرده، إلا أن يكون البائع. قد صدقه فيما زعم من أنه إنما اشتراه ليتيمه، وباعه على ذلك بتصريح وإقرار، فلا يلزم الوصي الشراء إذا رده الإمام على اليتيم على ما وقع لأصبغ في آخر سماعه من كتاب جامع البيوع. وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: معناه أنه اشتراها لنفسه، ثم أقر أنه اشتراها ليتاماه، فألزمه الثمن، لكنه كتبه على نفسه، ثم ينظر بعد ذلك فيه اليتيم، يريد ابن دحون أنه لو اشتراه من أول لأيتامه، فرد الإمام البيع عنهم، ولم يمضه عليهم، لن يلزم ذلك الوصي، وانتقض البيع فيما بينه وبين البائع، وليس ذلك بصحيح، بل يلزم الوصي الشراء في الوجهين جميعا لنفسه، إذا رد الإمام البيع عن أيتامه، إلا أن يكون البائع قد صدقه فيما زعم من أنه يشتريه لأيتامه وباعه على ذلك بتصريح وإقرار، على ما ذكرناه عن أصبغ. وبالله التوفيق. [مسألة: يلي يتامى فكان لا يتحفظ في أموالهم] مسألة وسمعته يسأل عمن كان يلي يتامى، فكان لا يتحفظ في أموالهم، ويتناول منها، فلما بلغوا سألهم أن يحللوه مما بين كذا إلى كذا، فحللوه على ما قال، ثم قالوا بعد زمان: لست في حل، فقال: أنا أرى في مثل هذا أن يجوز الذي يرى أنه أصاب من أموالهم، ويحتاط فيه، حتى لا يشك أو يأتي رجلا فيخبره بالمال وبأمره، وما كان منه فيه، وما تناول حتى يحرره له ويحتاط فيه، حتى لا يشك إن لم يحسن هو حرره، ثم يخبرهم بالذي عليه في ذلك من التباعة، فيحللونه، وهم يعلمون من أي شيء حللوه، فأما أن يجيء إليهم فيقول لهم حللوني مما بين كذا إلى كذا، فيحللونه، فإنهم يقولون بعد: ظننا أنه يسير، فأرى أن يحرز ذلك بإحباط ثم يحللهم.

مسألة: هل يقبل قول الموصي قد دفعت إلى يتاماي أموالهم أم لا

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن التحلل لا يلزمهم، إذا لم يعلمهم بمقدار ما لهم عليه من التباعة فيما تناوله من أموالهم، فيلزمه أن يعلمهم بمقدار ذلك حتى يحللوه منه بنفوس طيبة، وبالله التوفيق. [مسألة: هل يقبل قول الموصي قد دفعت إلى يتاماي أموالهم أم لا] مسألة وسمعته يسأل ابن غانم، هل يقبل قول الموصي قد دفعت إلى يتاماي أموالهم أم لا يقبل ذلك منه إلا ببينة؟ فقال: لا يجوز قول ذلك عليهم قد دفعت إليهم أموالهم إلا ببينة. قال الله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] فلا يجوز قوله عليهم في ذلك إلا أن يكون رجلا ادعى على وليه أنه لم يدفع. إليه ماله بعد زمان طويل قد خرج فيه عن حال الولاية فيما يعرف من ماله وأمره، حتى إذا طال الزمان وهلك الشهود قال: فلان كان يليني ولم يدفع إلي مالي فليس هذا بالذي أريد. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، من أن والي اليتيم يصدق مع يمينه في دفع مال اليتيم إليه إذا أنكر القبض، وقد طالت المدة؛ لأن طول المدة دليل على صدق قوله؛ لأن العرف يشهد له، فيكون القول قوله، كما يكون قول المكتري في دفع الكراء إذا طال الأمد بعد انقضاء أمد الكراء، حتى يجاوز الحد الذي جرى العرف بتأخير الكراء إليه، وكما يصدق المشتري في دفع ثمن ما اشترى إذا طال الأمد، وإن كان قد اختلف في حد ذلك على ما قد مضى تحصيل القول فيه في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع. وكما يصدق البائع أيضا في دفع السلعة إلى المشتري إذا قام عليه بعد أن دفع إليه الثمن بمدة، يدعى أنه لم يقبضها منه حسب ما مضى

مسألة: توفي وأوصى إلى رجل وترك ابنا صغيرا ومصحفا

القول فيه في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ، من كتاب جامع البيوع. فالأصل في هذا أن المدعي يُصدق في دعواه إذا كان معه دليل يدل على صدق قوله. ولم يبين في الرواية كم حد الطول الذي يصدق فيه والي اليتيم في دفع ماله إليه، وهو على مذهبه في الرواية ما يهلك فيه الشهود، لقوله فيها حتى إذا طال الزمان وهلك الشهود، وذلك عشرون سنة على ما روى عيسى عن ابن القاسم في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب القسمة. وهو نص قول أشهب في كتاب ابن المواز في هذه المسألة بعينها، إلا أن يكون قد طال زمان ذلك مثل الثلاثين سنة، أو عشرين سنة، مقيمين معه لا يدعون شيئا ثم يطلبون الآن، فليس عليه في هذا إلا اليمين لقد دفعها إليهم. وقال القاضي أبو بكر محمد بن زرب: إذا قام على وصيه بعد انطلاقه من الولاية بأعوام كثيرة، كالعشرة والثمان، ثم يدعي أنه لم يدفع إليه ماله، فلا شيء له قبله، يريد من المال، ويحلف لقد دفعه إليه، وإذا لم يكن في حد ذلك سنة يرجع إليها، والذي يوجبه النظر أن يكون القول قول اليتيم إنه ما قبض حتى مضى من المدة ما يغلب على الظن معها كذبه في أنه لم يقبض وصدق وليه في أنه قد دفع. وذلك يختلف باختلاف ما يعرف من أحوالهما، وبالله التوفيق. [مسألة: توفي وأوصى إلى رجل وترك ابنا صغيرا ومصحفا] مسألة وسئل عن رجل توفي وأوصى إلى رجل وترك من الورثة ابنا صغيرا وثلاث بنات، وأمه وزوجته، وترك مصحفا قيمته خمسة وعشرون دينارا أترى أن يستخلصه الوصي للغلام؟ فقال: إني لست أدري ما تركه الميت. فقيل له: أموال عظام من أصول وغيرها، فقال ما سن الغلام؟ فقيل ابن ست سنين. فقال ما أرى بذلك بأسا أن يستخلصه للغلام. وقد كان من أمر الناس أن يحبس لولد الميت هذا وما أشبهه: السيف والمصحف وما أشبههما، فلا أرى بأسا أن

مسألة: توفي وأوصى إلى امرأته بولدها وماله

يستخلصه له. فقيل له: أيستخلصه للغلام والجواري فإنهن ربما علمن القراءة في المصاحف؟ فقال: أحب إلي أن يستخلصه للغلام وحده وهذا من خير ما يشترى له، إن بلغ فاحتاج إلى ثمنه وجد به ثمنا فأرى له أن يستخلصه له ولا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه من النظر لليتيم الذي لا يخفى وجهه. وبالله التوفيق. [مسألة: توفي وأوصى إلى امرأته بولدها وماله] مسألة قال وسئل عمن توفي وأوصى إلى امرأته بولدها وماله، وولدها منه جارية بنت ثلاث سنين، وغلام ابن خمس سنين، فأرادت النكاح، أينزع منها ولدها إن نكحت؟ فقال ما آمن ذلك عليها أن ينزعا منها؛ لأن المرأة إذا تزوجت غلبت على جل أمرها حتى تعمل ما ليس بصواب، فما أخذ مني أن ينزعا منها. ولو صبرت على ولدها فلا أرى لها أن تدخل على ولدها رجلا. والولاة يقولون ذلك، ليس لك أن تدخلي عليهما رجلا فما أخذ مني إن تزوجت أن ينتزعا منها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم حلف من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: إقرار الرجل بما يعرف ملك له إنه لفلان وفلان وارث أو غير وارث] مسألة قال: وسمعته يسأل عن رجل أوصى في مرضه فقال: إن أرضي التي بموضع كذا وكذا إنما هي لامرأتي، ليست لي وأشهد

على وصيته فقال: من ورثه معها؟ فقيل: ولده، فقال: أمنها أو من غيرها؟ فقيل: منها، فقال: ذلك أحرى أن لا يتم عليهم إذا كان ورثته ولده، وكانوا منها وأرى أنه إن لم يكن لها بينة إلا قوله ذلك في مرضه الذي مات منه، لا شيء لها، ولكن تطلب على ذلك ثبتا كان في صحته أو علما يعلم أن تلك الأرض كانت لها، فأما قوله، فلا أرى لها بذلك شيئا ولتطلب ثبتا على ما ذكر لها، وأرى أن ينظر إلى تلك الأرض ما ثمنها أقليل أم كثير؟ ثم تعلمني بذلك. قيل له: فإن هذا الرجل أوصى بشيء من ثلثه لأقارب له، ولم يشهد لهم على ذلك كأقاربهم، فقال: أرى هذا ضعيفا، لا يشهد لهم إلا أقاربهم، ما أرى هذا إلا ضعيفا. قيل له: فإنه أوصى بثلثه لقوم، وأوصى في طعام عنده ألا يباع، وأن يحبس لعياله كلهم يستنفقونه، فجاء أهل الثلث يطلبون ثلث ذلك الطعام، وقالوا: قد أوصى بثلث ماله، وهذا من ماله، فقال: لا شيء لهم فيه، ليس للموصى لهم في هذا الطعام كلام، ولا وصية لهم فيه، إنما وصيتهم في ثلث مال الميت، إلا هذا الطعام؛ لأن الميت قد نزعه منهم، وجعله لغيرهم، ولم يرد أن يكون لهم فيه وصية، ولا كلام للموصى لهم بالثلث فيه، وإنما الكلام في ذلك للورثة؛ لأن بعضهم يأكل ما لا يأكل بعض، وبعضهم أكثر ميراثا من بعض، فهم الذين لهم فيه الكلام، فأما الذي أوصى لهم الميت بثلثه فليس لهم في هذا الطعام شيء ولا كلام، وإنما لهم الثلث مما سواه؛ لأن الميت قد انتزعه منهم ولم يوص لهم فيه بشيء. قال محمد بن رشد: إقرار الرجل في صحته أو في مرضه بما يعرف ملك له من شيء بعينه، إنه لفلان وفلان وارث أو غير وارث، يجري

مجرى الصدقة والهبة، ويحمل محملهما، ويحكم بحكهما إن أجاز ذلك المقر له به في صحة المقر جاز له، وإلا لم يجز، هذا ما لا اختلاف فيه أحفظه، إلا أن يكون إقراره بذلك على سبيل الاعتذار، فلا يلزمه حسبما ما مضى القول فيه في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وفي سماع أشهب ورسم العشور من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، فلا إشكال فيه، في أن الذي أوصى في مرضه بأن الأرض الذي له بموضع كذا وكذا، إنما هي لامرأته، لا يجوز ذلك من إقراره؛ لأنها وصية لوارث، فلا تأثير لجواز ذلك فيما سأل عنه من كونه موروثا بولد منها أو من غيرها، وإنما أراد أن يبين أن إقراره لها في مرضه بأرضه المعروفة لا يجوز لها بحال، وإن كان موروثا، إذ يرفع التهمة عنه فيما يقر لها به في مرضه من أن لها عليه دينا فقال: وأرى إن لم تكن لها بينة إلا قوله ذلك في مرضه الذي مات منه، لا شيء لها، وقوله: ولكن يطلب على ذلك ثبتا كان في صحته، أي إقرار منه لها بذلك في صحته، يريد فيجوز ذلك لها وينفذ إن كانت قد حازته عنه مع ذلك في صحته. وقوله: أو علما يعلم أن تلك الأرض لها، يريد: بينة تشهد على ذلك فيحكم لها بالبينة، لا بالإقرار، وكذلك لا تأثير لجواز إقراره لها في مرضه بأرضه المعروفة له فيما سأل عنه أيضا من قلة ثمن وكثرته على ما بيناه من أنها وصية لوارث، فلا تجوز في القليل ولا في الكثير، ولو كانت الأرض التي أقر لها بها في مرضه، لا يعرف ملكه لها، لكان حكم ذلك حكم إقراره لها بدين يجوز لها، إن لم يكن متهما فيها بصبابة أو ميل، وكان موروثا بولد. وفي رسم العتق من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب بيان هذا. وقد مضى تحصيل القول فيه بإقرار المريض بدين لوارث أو غير وارث في رسم حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس، فلا معنى لإعادته. وتضعيفه لشهادة أقاربه فيما أوصي به لأقاربه من ثلثه صحيح، وذلك بين على القول بأن الوصية تكون لجميعهم،

: أوصى لعبده بعتقه أيعتق حين يموت الموصي

وتقسم بينهم على السواء؛ لأنهم شهدوا لأنفسهم، فوجب ألا تجوز شهادتهم على ذلك، إلا أن يكون الذي ينوبهم من ذلك شيء يسير، فيجوز على اختلاف في ذلك، قد ذكرناه في مسألة أفردنا القول فيها على هذا المعنى. وأما القول بأن الوصية تقسم بينهم على الاجتهاد ويبدأ الفقير منهم على الغني في ذلك، فإن كان الذين شهدوا على الوصية أغنياء لا ينالهم من الوصية شيء، وجب أن تجوز شهادتهم، إلا أن تكون الوصية بحبس تقسم غلته في كل عام، فلا تجوز شهادتهم وإن كانوا أغنياء، إذ قد يفتقرون فيكونون إنما شهدوا ليجيزوا الوصية إليهم إن افتقروا. وأما قوله: إن الوصية بثلثه لا تدخل في الطعام الذي أوصى أن يحبس لنفقة عياله، فهو بين ظاهر المعنى، وبالله التوفيق. [: أوصى لعبده بعتقه أيعتق حين يموت الموصي] ومن كتاب العتق وسمعته يسأل عمن أوصى لعبده بعتقه، أيعتق حين يموت الموصي؟ أم حتى يقام المعتق؟ فقال: أما العبد الذي لا يشك فيه أنه يخرج من الثلث، لكثرة ما ترك الموصي من المال، وإذا كان ذلك مأمونا، فأرى أنه حين مات الموصي وإن مات قبل أن يقام ورثته من الأحياء. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إنما يقام ما يخشى ألا يحمله الثلث، وأما ما لا يشك أنه أقل من الثلث فهو حر يوم يموت الموصي. ولا يدخل هذه المسألة الاختلاف في الذي يعتق عبده في مرضه، وله مال مأمون، هل يسأل عتقه الآن في مرضه؟ أو حتى يموت؟ لاحتمال أن يطول مرضه حتى يتلف ذلك المال المأمون، وإن كان ذلك نادرا. وأما هذا العبد الذي مات سيده الذي أوصى بعتقه وله مال مأمون لا يشك أن العبد يخرج من ثلثه، ليس فيه أمر يتوقع، وبالله التوفيق.

: الرجل يوصي بطعام فيمكث فترة ثم يوصي بدراهم

[: الرجل يوصي بطعام فيمكث فترة ثم يوصي بدراهم] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل عن رجل بعث إلى رجل بطعام يقسمه، فقسمه، ثم أقام بعد ذلك سنين، ثم مات وأوصى بدراهم وغير ذلك، ولم يذكر الطعام، ثم قدم الباعث وكان غائبا، فأراد من ورثته تفسير ذلك القمح وقسمته، وهل قسمه أم لا؟ هل ترى ذلك يلزم الورثة؟ فقال: لا يلزمهم شيء، قيل له: أترى أن يستحلفوا؟ فقال: ما أرى ذلك عليهم. سمعت السائل يقرأ عليه المسألة، وسمعت من مالك الجواب، ولم أفهم كل ما قرأ عليه في المسألة، فأخبرني أصحابنا بما قرئ هذا عليه، وأما الجواب فقد سمعته من مالك، ورأيت السائل يقرأ عليه الكتاب. محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يلزم الورثة إقامة البينة على أنه قد قسم الطعام الذي بعث إليه ليقسمه، كأنه إنما كانت تجب عليه اليمين لقد قسمه، فقد سقطت لموته. وأما الورثة فاستحلافهم بالتهمة أمر مختلف فيه، فجوابه على القول بأن اليمين لا تحلف بالتهمة. ولو حقق الباعث للطعام الدعوى على الورثة بأنهم يعلمون أنه لم يقسم الطعام، للحقت اليمين من كان منهم مالكا لأمر نفسه قولا واحدا. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لعبده بوصية فيشهد عليه ابناه وله ورثة سواهما] مسألة وسئل عن رجل أوصى لعبده بوصية فيشهد عليه ابناه وله ورثة سواهما، فقال: شهادتهما له جائزة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إذ لا تهمة عليهما في شهادتهما للعبد بالمال؛ لأنه عبد لجميعهم، ولا تعلق في المال الذي أوصى له به، فيتهم الشاهدان على إنفرادهما بولاية دون من سواهما ممن لا يرث

: الرجل يوصي لأمهات أولاده بأغدق من حائط

الولاء بحال، أو دون من سواهما ممن هو أحق منهما بالولاء ما كانا حيين. وإنما يعتق العبد في وصية سيده له إذا أوصى له بثلث ماله؛ لأنه يكون موصى له حينئذ بثلث نفسه، ولا يصح للعبد ملك نفسه. وقد مضى الكلام على هذا في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم. وتأتي المسألة أيضا في رسم أسلم ورسم الرهون من سماع عيسى، وفي رسم الصبرة من سماع يحيى وبالله التوفيق. [: الرجل يوصي لأمهات أولاده بأغدق من حائط] ومن كتاب الوصية الذي فيه الحج والزكاة قال وسمعته يسأل عمن أوصى لخمس مواليات له، أمهات أولاده، عزلهن وسماهن بأغدق من حائط قال: تعطى مولاتي فلانة من ثمر هذه الأغدق في كل سنة ما عاشت خمسة آصع، وتعطى فلانة منها في كل سنة ما عاشت عشرة آصع، وتعطى فلانة منها في كل سنة ما عاشت ثمانية آصع، حتى يسمى لكل واحدة منهن آصعا مسماة تعطاها في كل سنة ما عاشت، فكن يعطين كذلك، فماتت منهن أربع نسوة، وبقيت منهن واحدة، فقال الورثة: قد رجع إلينا ما كان يكون لهن، وقالت المولاة: لا بل ذلك لي. قال: بل يرجع إلى الورثة، ولا يكون لها منه شيء، ولا يكون لها إلا ما سمي لها، ويحاصها الورثة في ثمر تلك النخلات بالأربع نسوة، اللاتي متن، فما صار لهن من شيء من المحاصة كان للورثة، فقلت له: إنما هو رجل عزل خمس نخلات له فأوصى فيهن بخمس مولايات له ما عشن، لكل واحدة منهن خمسة آصع ما عشن في كل سنة، فمات الأربع نسوة منهن، وبقيت واحدة، ولم تخرج الخمس نخلات كلها إلا خمسة أصع في سنة منها، أيتم لها

الخمسة الآصع التي أوصى لها بها؟ أم تحاص بوصية صواحبها في ثمرة تلك النخل، فلا يصير لها من الخمسة الآصع إلا خمسها، وهو صاع. فقال لي: لا يتم لها ذلك، ولكن يحاصها الورثة بوصية صواحبها فينقص بذلك، ويكون ذلك للورثة، فقيل له: فإن النخل أخرجت سنة ستين صاعا، فقالت الباقية: أعطوني ما أوصى لي به، واحسبوا لي ما بقي من الثمن، فإني أخاف أن لا يخرج النخل ثمرا فيما أستقبل، فقال: وربما قصرت النخل، قيل له: ربما كان الجراد فقصرت، فقال: أما لو كن كلهن، رأيت ذلك أن يحبس لهن، وأرى إذا قصرت النخل عاما أن يتم ذلك لهن من العام المقبل، فأما هذه الواحدة فلا أرى أن يوقف ذلك بها، ولكن يوقف لها منه ما يرى، فقيل له: أرأيت إن ضمنا لها مكيلة ما لها؟ فقال: ليس ذلك لكم، هي لا تريد ضمانكم ولا اتباعكم. قال محمد بن رشد: في هذه المسألة أن حظ من مات من الخمس موليات من الثمرة في المحاصة يرجع إلى الورثة، ولا يكون للباقية منه شيء، هو على اختلاف قول مالك في المدونة في الذي يوصي لقوم بأكثر من ثلث ماله، فيموت بعضهم قبل موت الموصي، هل يرجع حظه إلى الورثة فيحاصون به من بقي منهم؟ أو لا يرجع إليهم ويكون لمن بقي من الموصى لهم حتى يستكملوا وصاياهم؟ إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى والقياس؛ لأن حظ من مات من الموليات من الثمرة يبطل بموتها قبل وجوب الثمرة لهن، كما يبطل حظ من مات من الموصى لهن بالثلث بموته قبل موت الموصي، فيلزم في هذه المسألة على قياس القول بأن من مات من الموصى لهم قبل موت الموصي تبطل وصيته، ولا يحاص بها الورثة أهل الوصايا، لا يرجع حظ من مات من الموليات من الثمرة إلى الورثة، وتكون لمن بقي منهن حتى يستكملن وصاياهن، ولا اختلاف في أن ما نقص من حظهن في هذا العام

: أوصى فقال في وصيته ثلثي لفلان ولفلان دينار ولفلان ثلاثة

يوفونه من ثمرة العام الذي بعده. إن كان فيه فضل عن حقوقهن. وقد مضى في رسم الوصايا القول في توقيف ما فضل من الثمرة عن حقوقهن، لما يخاف من تقصيرها فيما يأتي عن حقوقهن، وإن ذلك إنما يكون على الاجتهاد في كثرة ما أخرج الحائط وقلة ما أوصى به، وقلة ما أخرج الحائط وكثرة ما أوصى به، وفي أمن الحائط والخوف عليه، وهو معنى قوله في هذه الرواية. وقوله في الضمان: ليس ذلك لكم، هي لا تريد ضمانكم ولا اتباعكم، ظاهره خلاف ما في سماع سحنون بعد هذا. وقد يحتمل أن يتأول على ما يجمع به بين الروايتين، حسبما ذكرناه في رسم الوصايا المذكور، ولم يتكلم في هذه الرواية على توقيف الحائط، وذلك من حق الموصى لهم إذا حمله الثلث وأجاز الورثة الوصية، وهنا قال فيما يأتي في سماع سحنون: إن ضمنوا ذلك له، وإلا وقف العبد والحائط. ومعنى ذلك: إذا رضوا بضمانهم. وبالله التوفيق. [: أوصى فقال في وصيته ثلثي لفلان ولفلان دينار ولفلان ثلاثة] ومن كتاب الوصايا وسمعته يسأل عمن أوصى، فقال في وصيته: ثلثي لفلان، ولفلان دينار، ولفلان ثلاثة، قال: يخرج من الثلث الديناران والثلاثة، ثم يقسم ما بقي من الثلث. قيل له: أرأيت إن أراد أن يأخذه لنفسه؟ فقال: ليس ذلك له. محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: ثلثي لفلان، معناه: إلى فلان يلي قسمته فيما يراه من وجوه البر، فلذلك قال: إنه يخرج من الثلث الديناران والثلاثة، ثم يقسم ما بقي منهم، وذلك بين مما وقع في كتاب ابن عبدوس لأنه ذكر الرواية فيه عن مالك، فقال: إلى فلان ثلثي، ولفلان ديناران ولفلان ثلاثة، فليبدأ بالتسمية، ثم يأخذ فلان باقي الثلث يلي قسمته

مسألة: له وصيان فسأل أحدهما ثلاثين دينارا من غلة دار له قد تفالس بها

في سبيل الخير. قال أشهب: وذلك أنه قال: إلى فلان ثلثي فيخرج ذلك أن يلي إنفاذه. وأما. إن قال: ثلثي لفلان، ولفلان ديناران، ولفلان ثلاثة، فيتحاصوا إذا لم يقل في التسمية من ثلثي. وهذا أحب إلي. وقد تقدم مثله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم. وفي رسم الوصايا الذي قبل هذا من هذا السماع. ويأتي مثله لابن القاسم في رسم الكبش من سماع يحيى. ولمالك قول آخر أنه بيد أهل التسمية. وقد روي عن مالك أنه بيد أهل الجزء. وقوله: إنه ليس له أن يأخذه لنفسه صحيح، إذ لا إشكال في أنه ليس أن يستأثر بجميعه على حال، وإنما الكلام هل له أن يأخذ منه مثل ما يعطي غيره. وقد مضى الكلام على هذا في رسم سن من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: له وصيان فسأل أحدهما ثلاثين دينارا من غلة دار له قد تفالس بها] مسألة وسمعته يسأل عمن له وصيان فسأل أحدهما ثلاثين دينارا من غلة دار له قد تفالس بها وأمكن من نفسه وقال: اسجنوني، ولليتيم اثنان وعشرون دينارا عينا، ودار غلتها خمسة دنانير، فأراد اليتيم أن يسكن منزلا منها كراؤه دينار، فقال الوصي الذي ليس له قبله شيء: أنا أتكارى لك منزلا بخمسة دراهم، وأكري هذا البيت بدينار، فقال له: ثلاثون دينار عند مفلس، وله اثنان وعشرون دينارا، أرى إن كان يتكارى له نحوا من منزله قريبا منه من مسجده في عمران فذلك له، وإن كان إنما تكارى له قاصيا من منزله ومسجده، أو في خراب، فليس ذلك له، فقيل له: أرأيت هذا الوصي المنقطع بهذه الثلاثين دينارا يخرج من الوصية؟ فقال: نعم أرى أن يخرج منها إذا وجد من يدخل مكانه من أهل الثقة مع الوصي

مسألة: أوصى فقال بيعوا غلامي ممن أحب فقال أحب أن تبيعوني من فلان

الباقي، فقيل له: أرأيت إن كان الوصي الباقي ثقة؟ أيدخلون معه؟ فقال: نعم، إذا كان أمرا يخاف ألا يقوى عليه وحده، فإن كان أمرا يقوى عليه لم يدخل عليه آخر. محمد بن رشد: رأى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما ذهب إليه الوصي، من أن يكري لليتيم المسكن الذي أحب اليتيم سكناه بدينار، ويكري له منزلا سواه في موضع آخر بخمسة دراهم، نظرا لليتيم لغلة ماله، إذ قد ذهب منه عند الوصي ثلاثون دينارا فلم يبق منه إلا اثنان وعشرون دينارا، إذا كان الموضع الذي يتكاراه له قريبا من منزله ومسجده، وفي عمران، وذلك نظر صحيح لليتيم، لما عليه من الضرر في البعد عن مسجده ومنزله. وفي السكنى في خراب. والوصي الذي أكل من مال يتيمه ثلاثين دينارا، ثم تفالس بها، وقال: اسجنوني، واجب أن يعزل عن النظر له إن كان وحده، إذ لا يؤتمن مثله على مال اليتيم، وأما إن كان معه غيره، فلم يقم وحده بالنظر له، ولا وجد من يدخل معه سوى الأول، فمن النظر لليتيم أن يقر عن النظر له مع الوصي الآخر لأنه شاركه في النظر الذي لا يقوى عليه وحده، ولا يمكنه من أن يغيب على شيء من مال اليتيم، فهو معنى قول مالك: إنه يخرج عن الوصية إذا وجد ثقة يدخل مع الوصي الآخر مكانه، وأما إن قام الوصي الآخر بالنظر لليتيم وحده، أو وجد من أهل الثقة من يدخل معه مكانه فلا نبغي أن يقر على الإيصاء بحال، إن كان الوصي الآخر يقوم بالنظر وحده، فلا يدخل معه غيره كما قال مالك إذ يكره أن ينظر له مع غيره، إلا أن يرى ذلك الإمام. فقد تبين له أن الموصي لم يرد أن ينفرد بالنظر لولده وحده. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال بيعوا غلامي ممن أحب فقال أحب أن تبيعوني من فلان] مسألة وسمعته يسأل عمن أوصى فقال: بيعوا غلامي ممن أحب، فقال: أحب أن تبيعوني من فلان، فباعوه منه بستين دينارا وهي قيمة

مسألة: حضرته الوفاة ولا وارث له وله ابن مملوك

العبد، ولم يعلموه ما أوصى به الميت، ثم علم، فقال: لم تعلموني بما أوصى به الميت، ولو أعلمتموني ما اشتريته بهذا الثمن، أترى له أن يرده؟ فأطرق فيها طويلا، ثم قال: ما أرى له شيئا، إنما قيل للعبد: ممن تحب أن نبيعك؟ فقال بيعوني من فلان، ولا أحب فلانا ولا فلانا، فلا أرى له شيئا. قال محمد بن رشد: لأصبغ في الواضحة مثل قول مالك، وقال: إنما هذا وصية للعبد، وأما لو قال بيعوه من فلان، فباعوه منه ولم يخبروه وكتموا ذلك، فله الرجوع بثلث ثمنه؛ لأنها ها هنا وصية للذي اشتراه، بخلاف قوله ممن أحب. قال ابن نافع في المجموعة. ولو أوصى ببيع عبده ممن أحب، فأحب العبد من وارث الميت، فليوضع عنه ثلث الثمن. وبالله التوفيق. [مسألة: حضرته الوفاة ولا وارث له وله ابن مملوك] مسألة قال: وسمعته يسأل عمن حضرته الوفاة ولا وارث له، أو له ورثة مواليه، وله ابن مملوك، فلما خشي الموت، ابتاع ابنه ثم مات، فقال: إن استيقن أن ما اشترى به ابنه يخرج من الثلث، عتق وورث أباه، إن استوقن أن ما اشتراه به يخرج من ثلثه، فإنه ربما كان الشيء الذي يشك فيه، فلا يدري أيخرج ذلك من الثلث أم لا يكون له الدين والأموال الغائبة؟ قال: وليس له أن يشتريه بأكثر من ثلثه. قال محمد بن رشد: هذا مذهب ابن القاسم، أن للمريض أن يشري في مرضه من يعتق عليه بثلث ماله، كان ابنا أو أبا أو أخا فيعتق بشرائه إياه حين اشتراه، كان وارثا يرث جميع المال إذا انفرد به، أو بعضه إن لم ينفرد به، أو لم يكن وارثا لكون غيره أحق منه بجميع المال. ووجه قوله أن

المريض لما كان له التصرف في ثلث ماله من غير تحجير عليه فيه، كان له أن يشتري به من يعتق عليه، فإذا صح له العتق قبل موت المريض، وجب له الميراث، ولم يصح أن يحال بينه وبينه. هذا مذهب ابن القاسم، أن العتق يصح له عنده بنفس شرائه إياه بثلث ماله دون ترقب، وإن تلف باقي ماله قبل موته، لم ينتقض بذلك عتقه، كالرجل المريض يبتّل عتق عبده في مرضه، وله مال مأمون، فيعجل عتقه، ثم يتلف المال المأمون، إن العتق لا يرد، وكذلك في كتاب ابن المواز من اشترى ابنه في مرضه فهو حر مكانه، ويرثه إن اشتراه بثلث ماله، ويبدأ على ما سواه من عتق وغيره، وهو دليل هذه الرواية ومما في المدونة. وقال ابن القاسم في المدونة واحتج فقال: ولم ينظر فيه إلا بعد الموت ما ورث، وكذلك إن لم يحمله الثلث، فإنه يعجل منه عتق ما حمله الثلث. وأصبغ يرى أنه لا يرث بحال؛ لأنه لا يعتق إلا بعد الموت، قال ابو إسحاق التونسي: وهو القياس، غير أنه يستحسن أنه إذا خرج من الثلث، فكأنه لم يزل حرا من يوم اشتراه، ألا ترى أن المبتل في أحد القولين، إذا اغتل غلة بعد التبتيل أو النخل إذا أثمرت بعد موت الموصي إن الأصول وحدها هي التي تقوم، فإذا خرجت من الثلث اتبعتها الغلات، كأنها لم تزل من يوم بتلت ملكا لمن بتلت له، ولَلذي حملنا عليه قول ابن القاسم، من أن الذي ذهب إليه أن العتق يعجل عليه بنفس الشراء دون توقف هو الذي ينبغي أن يحمل عليه قوله، فبذلك يسلم من الاعتراض، وإن لم ينظر فيه إلا بعد الموت، على ما قاله ابن القاسم في أول رسم من سماع عيسى، فحمله الثلث ورث، كأن الغيب كشف أن العتق قد كان وجب له قبل موته، لحمل الثلث له. ولأشهب في أول رسم من سماع عيسى بعد هذا مثل قول أصبغ: إنه لا يجوز له أن يشتريه إلا بالثلث، كان ممن يحجب أو ممن لا يحجب، فإذا اشتراه بالثلث لم يصر له من الميراث قليل ولا كثير. وقد اختلف قول أشهب في ذلك، حكى عنه ابن المواز في كتابه: أن له شراءه بماله كله، إن لم يكن معه وارث يشاركه في الميراث وإن كان معه

وارث يشاركه فيه فليس له اشتراؤه إلا بالثلث فأقل، يريد والله أعلم: فيرث بقية المال مع الوارث الذي يشاركه في الميراث. ووجه قول أشهب في تفرقته هذه بين أن يكون له وارث يشاركه في الميراث، وبين أن لا يكون له وارث يشاركه فيه، هو أنه إذا لم يكن له وارث يشاركه فيه، مثل أن يكون وارثه ابن عمه، فيشتري في مرضه أخاه، أو يكون وارثه أخاه، فيشتري ابنه هو من حجة المريض أن يقول لابن عمه إذا اشترى أخاه أو لأخيه إذا اشترى ابنه: لا منفعة لك في أن تمنعني من شرائه بجميع مالي؛ لأني إن اشتريته بالثلث أو بأقل من الثلث، كان أحق منك بجميع المال؛ لأنه يحجبك عن الميراث، إذ هو أقرب إلي منك. فإذا كان له وارث يشاركه في الميراث، مثل أن يكون له أخ، فيشتري في مرضه أخا له آخر، أو يكون له ابن، فيشتري في مرضه ابنا آخر، كان له أن يمنعه من أن يشتريه بجمع المال؛ لأنه إذا اشتراه بالثلث ورث معه بقية المال، وإذا اشتراه بجميع المال لم يبق له ما يرث. وقد وقع في أول سماع عيسى لابن وهب، أنه إن كان المشترى يحجب من يرث المشتري حين يصير جميع الميراث له، كان له أن يشتريه بجميع ماله أو بما بلغ، فيرث بقية المال، وإن كان ثم من شاركه في ميراثه ولا يحجبه، فلا يجوز له أن يشتريه إلا بالثلث، فإن اشتراه بالثلث لم يصر له من الميراث قليل ولا كثير؛ لأنه إنما يعتق بعد موت المشتري، وقد صار المال لغيره. والتفرقة على هذا الوجه لا وجه لها؛ لأنه إذا لم يكن له ميراث إذا اشتراه بالثلث فأقل، وليس له من يشاركه في الميراث وكذلك لا يكون له ميراث إذا اشتراه بالثلث فأقل، وليس له من يشاركه في الميراث وإذا لم يكن معه ميراث إذا اشتراه بالثلث فأقل، فمن حقه أن يقول: ليس لك أن تشتريه بجميع المال فتبطل ميراثي ولا بأكثر من الثلث فتبطل من حقي ما زدت على الثلث. وحكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون، أنه يجوز للرجل أن يشتري ابنه بجميع ماله في مرضه إن شاء، ويرثه إن فعل، ولا يجوز له أن

مسألة: أعطته ذكر حق لها على زوجها ثم ماتت فطلب الزوج ذكر الحق

يشتري غيره، لا أبا ولا أما ولا جدا ولا أخا، يريد إلا بثلث ماله، ولا يرثه إن فعل ذلك. قال: وذلك لأن الرجل يستلحق الولد في صحته، فيلحق به، ولا يستلحق غيره ولا يلحق به إن فعل. وقول ابن الماجشون هذا، هو القول الذي وقع في أول رسم من سماع عيسى لغير ابن وهب وأشهب من الرواة. وهو أظهر الأقوال في هذه المسألة وأولاها بالصواب. وبالله التوفيق. [مسألة: أعطته ذكر حق لها على زوجها ثم ماتت فطلب الزوج ذكر الحق] مسألة وسمعته يسأل، فقيل له: إن امرأة أعطتني ذكر حق لها على زوجها ثم ماتت، فسألني زوجها أن أعطيه ذكر الحق، وهو زوجها ومولاها، ولا وارث لها غيره، فقال له يسأل: فإن كان على المرأة دين فلا تعطه إياه، وإن كانت لا دين عليها، فأشهد عليه وأعطه إياه. فقيل له: إن المرأة قد أوصت بوصايا، فقال له: إن كان لا دين عليها فأشهد عليه وأعطه إياه. قال محمد بن رشد: قوله: فإن كان على المرأة دين، فلا يعطه إياه، معناه دين لا يفي به ما خلفت من المال سوى ما لها على زوجها في ذكر الحق، ومثل ذلك يلزم في الوصايا أيضا، لا يدفع إليه ذكر الحق إن كان لا يفي بها ثلث ما خلفت من المال سوى ما لها على زوجها في ذكر الحق وظاهر الرواية أنه فرق فيها بين الدين والوصايا، ولا فرق بينهما. وقد مضت هذه المسألة متكررة في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب الوديعة والكلام عليها. وبالله التوفيق. [مسألة: يتيم لرجل أمر نسيبا له بغلام له أن يضربه فقتله] مسألة قال وسمعته يسأل عن يتيم لرجل أمر نسيبا له بغلام له أن يضربه، فجعل نسيبه يضرب الغلام، وهو يقول: اقتل

مسألة: أوصى أن تباع جارية له ممن أحبت وأوصى مع ذلك بوصايا

اضرب فلم يزل يضربه حتى قتله، فقال: على نسيبه الذي ضربه له غرمه، فقال له وصي اليتيم: فإني استعديت عليه، فاغرم لي، ثم إن يتيمي حضرته الوفاة، فخاف مما كان يرى من ذلك فأوصى بوصايا وقال: قد كنت وقعت في أمر ذلك الغلام فيما تعلم فاشتر رقبة فأعتقها عني، فزاد ما أوصى به على الثلث فأردت أن أشتري الرقبة فأعتقها فأبى أهل الوصايا، فقال: إن لم يكن سمى ذلك العتق، فكان لما وقع فيه من أمر الغلام، فذلك بالحصص فإن كان سمى ذلك فهو مبدأ. قال محمد بن رشد: كفارة قتل العبد ليست بواجبة، فإذا أوصى بها فلا تجب تبدئتها على الوصايا؛ لأنها تطوع، إذ ليست بواجبة، والعتق التطوع إذ لم يكن بعينه لا يبدأ على الوصايا عند مالك، وإن كان عنده آكد منه لقرب ما بينهما، وإنما أمر بتبدئة هذه الرقبة على الوصايا إذ قال: إنه إنما أوصى بها لما وقع فيه من أمر الغلام، إذ لم يقصد إلى قتله وإنما أراد ضربه، فجاء من موته من الضرب ما لم يرده، فأشبه الخطأ، إذ ليس بعمد على الحقيقة، وإنما هو شبه العمد، ومن أهل العلم من لا يرى فيه القصاص، فهو وجه ما أمر به مالك من تبدئة هذه الرقبة على الوصايا. والله أعلم. [مسألة: أوصى أن تباع جارية له ممن أحبت وأوصى مع ذلك بوصايا] مسألة قال وسمعته يسأل عمن أوصى أن تباع جارية له ممن أحبت، وأوصى مع ذلك بوصايا، وله حائط لا يدري ما تبلغ غلته ولا يدري ما يدخل عليها من القول فيما أوصى لها به؟ فقالت: بيعوني من فلان فقومت بمائتي دينار، فقال الذي هويت أن يشتريها أنا أشتريها بمائتي دينار، ولي ثلث ثمنها؛ لأن الميت أوصى أن تباع ممن

أحبت. قيل له: إنا نخاف أن يدخل عليها عول في ثلث ثمنها، فقال: يصير لها من ذلك ما صار، فهو لي، فبعناه إياها بمائتي دينار، وعلى هذا من الشرط، فقال: هو الآن لا يدري بكم اشتراها؟ ففيه شيء، ولكن الصواب عندي أن لو بعتموها إياه بمائتي دينار، على أن لها وصية فما صار لها منها دفعناه إليها، وهي جاريتك، فإن شئت أن تأخذه بعد أخذته، وإن شئت أن تتركه تركته فقيل له: إنه لم يوص لها بشيء، إنما أوصى أن تباع ممن أحبت، فقال: هذا الصواب عندي، فروجع في ذلك مرارا، فقال: كنت أرى هذا الصواب أن يقول: ولها وصية، فما صار لها هناك دفعناه إليها، ولا يقولون: فما صار لها دفعناه إليك، هذا الوجه والذي هو أحسن. قال محمد بن رشد: بيع الجارية من الرجل الذي أحبت أن تباع منه على هذا الوجه الذي قاله مالك حسن. كما استحسنه، يصل المشتري به إلى ما أراده على وجه جائز، كأن حقيقة الوصية إنما هي لها، إذا القصد بها أن يصل بذلك أن يبتاعها من تحب أن تباع منه. ألا ترى أنه لو اشتراها بقيمتها ولم يعلم بالوصية لما كان له أن يرجع على الورثة، على ما قاله فوق هذا. وقد يفترق الحلال من الحرام، وإن كان المعنى المقصود إليه فيها سواء بافتراق اللفظ، إذا افترق بذلك الحكم. ألا ترى أنه لو قال الرجل للرجل الغائص في البحر: استأجرك بدينار على أن تغوص لي في هذا الموضع فتخرج هذه النحلات مملوءة مما أصبت في قعره لجاز؟ ولو قال له: غص في هذا الموضع وأخرج هذه النحلات مملوءة مما أصبت في قعره وهي لي بدينار لم يجز؛ لأن هذا بيع غرر، والأول إجارة صحيحة. والغرض فيها سواء إلا أن الأحكام في ذلك مفترقة، لمخالفة حكم البيع لحكم الإجارة. وسيأتي في رسم استأذن من سماع عيسى أنها تبدأ بثلث ثمنها على أهل الوصايا، حسبما يأتي القول عليه فيه إن شاء الله. وبه التوفيق.

مسألة: كم يوضع من ثمن الذي أوصى فيه أن يباع للعتق

[مسألة: كم يوضع من ثمن الذي أوصى فيه أن يباع للعتق] مسألة قال: سمعته يسأل كم يوضع من ثمن الذي أوصى فيه أن يباع للعتق، فقال: الثلث، مثل الذي يوصي فيقول: بيعوا عبدي ممن أحب، فقيل له: أرأيت إن لم يوجد من يشتريه إلا بوضيعة الثلثين؟ فقال: لا يباع ولا تنفذ له الوصية. قال محمد بن رشد: في كتاب الوصايا الأول من المدونة لمالك من رواية ابن القاسم عنه: إنه يقال للورثة: إما أن تبيعوا بما وجدتم وإما أعتقتم من العبد ثلثه. وقال ابن القاسم: هذا مما لم يختلف فيه قول مالك. وقد اختلف قوله على ما في هذه الرواية عنه. فقول سحنون في المدونة: وقد بينا هذا الأصل باختلاف الرواية قبل هذا، أصح من قول ابن القاسم فيها: إن هذا مما لم يختلف فيه قول مالك؛ لأنه أصل قد اختلف فيه قوله. فمرة رد قوله: بيعوا عبدي ممن يعتقه أو ممن أحب، وصية للعبد، فقال: إن لم يرد الذي أحب العبد أن يباع منه أن يشتريه إلا بأكثر من وضيعة ثلث ثمنه، قيل للورثة: إما بعتموه منه بما أراد وإلا أعتقتم ثلثه، وإن لم يجد الورثة من يشتريه للعتق إلا بوضيعة أكثر من ثلث ثمنه، قيل لهم: إما بعتموه للعتق بما وجدتم، وإلا أعتقتم ثلثه، ومرة ردها وصية للمشتري في المسألتين، فقال: ليس على الورثة أكثر من أن يبذلوه للعتق، وللذي أحب العبد أن يباع منه بوضيعة الثلث، ومرة فرق بين المسألتين، فرأى قوله: يبيعوا عبدي ممن يعتقه وصية للعبد إن لم يجد الورثة من يشتريه للعتق بوضيعة الثلث، قيل لهم: إما بعتموه بما وجدتم، وإما أعتقتم ثلثه، ورأى قوله: بيعوا عبدي ممن أحب وصية للمشتري إن لم يرد من أحب العبد أن يباع منه أن يشتريه بوضيعة الثلث، وعلى هذا الاختلاف، يختلف إذا دخل العبد عول بعد بيعه ونفوذ العتق له هل يرجع بالعول على المشتري وينفذ العتق، أو على العبد، فيباع منه بما دخله من العول، ولا يكون على المشتري شيء؟ وسيأتي في

مسألة: أوصى فقال رقيقي وثيابي لفلان مات وقد هلك بعض رقيقه

سماع موسى بن معاوية، إذا بيع للعتق بوضيعة الثلث، ثم جاء درك على المالك من دين ثبت عليه، فالاختلاف في ذلك، هل يرجع على العبد أو على المشتري جار على هذا الاختلاف. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال رقيقي وثيابي لفلان مات وقد هلك بعض رقيقه] مسألة قال: وسمعته يسأل عمن، ثم أوصى فقال: رقيقي وثيابي لفلان مات وقد هلك بعض رقيقه، وخلق بعض ثيابه، واستفاد رقيقا وثيابا غير ثيابه ورقيقه، فقال: للموصى له رقيقه الذين استفاد، وثيابه، ومما يبينه أن يوصي بسدس ماله فله سدس ماله يوم مات. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في آخر رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، وفي أول رسم الوصايا الذي يتلوه، والله الموفق. [: توفي وأوصى إلى أخ له وترك ابنا فزوج العم ابن أخيه ابنته] ومن كتاب الطلاق وسئل عمن توفي وأوصى إلى أخ له، وترك ابنا، فزوج العم ابن أخيه ابنته، فأمهرها من مال اليتيم مالا كثيرا، نحوا من نصف مال اليتيم، فكان الذي أصدقها خمسين دينارا، ثم مات العم الذي أوصي إليه باليتيم فأوصى بهما جميعا إلى رجل، فقال: ما كنت أرى أن يجوز ذلك، ولو فعل ذلك لغير ابنته لجاز ذلك، فأما ابنته يزوجها بيتيمه ويستكثر لها من الصداق، فلا أرى ذلك له، فقيل له: فإن الجارية قد فني مالها أفترى للذي أوصي إليه بها أن ينقص من ذلك المهر؟ فقال: أرى أن ينقص الذي أوصي بها إليه عشرين

: أوصى بوصايا من دينارين وثلاثة فدخل المال العول

دينارا من الخمسين، ويكتب بذلك كتابا ويشهد عليه يقول: ذهب مالها، ورأيت ذلك خيرا له، فأرجو أن يكون من ذلك في سعة، فقيل له: أفترى أن ينفق عليها من مال زوجها فإنه قد ذهب مالها؟ فقال: أبلغ؟. فقيل قد راهق، فقال: لا أرى أن ينفق عليها من مال زوجها حتى يبلغ زوجها. قال محمد بن رشد: إجازته في هذه الرواية للموصى لهما أن يرد الصداق إلى ما يرى نظرا لهما بما أشار به عليه، ويشهد على ذلك من فعله ونظره واجتهاده، دون أن يرفع ذلك إلى السلطان أو يحضر لفعله ذلك عدولا يشهدون له بالسداد بينهما فيما فعله، دليل بين أنه حمل فعله على السداد، خلاف قوله قرب آخر رسم الوصايا قبل هذا، وخلاف ما في القسمة من المدونة، مثل ما في كتاب الرهون منها، حسبما مضى هناك بيانه. وأما قوله: إنه لا ينفق عليها من مال زوجها حتى يبلغ، فهو مثل ما في المدونة، خلاف ما في مختصر محمد بن شعبان عن مالك، من أنه إذا بلغ الصبي الوطء وإن لم يحتلم، وجب عليه الدخول على زوجه، وبالله التوفيق. [: أوصى بوصايا من دينارين وثلاثة فدخل المال العول] ومن كتاب العتق قال وسمعته يسأل عمن أوصى بوصايا من دينارين وثلاثة، وأشياء غير ذلك، وأن يشتري رقبة مكفولة أو معينة بعينها بعين مكتوب هذا في وصيته، فدخل المال العول، فقال: أرى كل ما أوصى يدخله العول، إلا الرقبة لأنه قال فيها: مكفولة أو معينة بعينها فإذا دخلها العول، لم تكن مكفولة ولا معينة بعينها. قال محمد بن رشد: لمالك في كتاب ابن المواز من رواية أشهب

مسألة: أوصى أن يشترى عبد لبعض ورثته فيعتق عنه

أيضا وكذلك لو قال مستعينه أو محوزه، قيل لأشهب: فإن قال: مستعينه ابتديها. فقال: نعم، وهذا بين لا إشكال فيه؛ لأن الواجب في الوصايا أن يتبع فيها قول الموصي، فلا يخرج عما يظهر من إرادته، وعلى قياس هذا لو أوصى بوصايا أن تعتق عنه رقبة بغير عينها، وتعطى بعد العتق دنانير مسماة، لوجب أن تبدأ الرقبة على الوصايا دون الدنانير التي أوصى لها بها، فيحاص بها أهل الوصايا ولا يبدأ بها، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى أن يشترى عبد لبعض ورثته فيعتق عنه] مسألة قال: وسألته عمن أوصى أن يشترى عبد لبعض ورثته فيعتق عنه، أيزاد الوارث مثل ثلث ثمنه؟ فقال لي: نعم، فقيل له: أرأيت إن كان العبد ذا ثمن يكون ثمنه مائتي دينار ألا يتهم على التوليج لوارثه؟ فقال: وهل يعلم هو أن وارثه يزاد في ثمن العبد مثل ثلث ثمنه؟ فقيل: نعم، هو يعلم ذلك، فقال: إنما هذا قضاء مضى به، ولم أسمع أن أحدا اتهم في مثل هذا. قال أشهب: لا أرى ما قال مالك في هذا صوابا، وأرى إن كان العبد الذي أوصى أن يعتق عنه خسيسا لا ثمن له حتى لا يتهم الميت أن يكون أراد بذلك وارثه، فأراد أن يزاد في العبد ثلث ثمنه، وإن كان ذا ثمن فإنه يتهم أن يكون أراد بذلك وارثه، فلا أراه يجوز له أن يزاد ثلث ثمنه على قيمته، إن شاء أن يبيعه بقيمته باعه وعتق، وإن أبى إلا أن يزاد لم يزد وبطل عتقه. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا خلاف ما في المدونة في البيوع الفاسدة والوصايا. وقال أشهب: يأتي على مذهبه فيها، ولو فرق في هذا بين الغلام الذي يعلم وجه الحكم فيه من الجاهل به لكان قولا. وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى لرجل بما يصيب رجلا من ولده فهلك بعضهم قبل أن يهلك الرجل

[مسألة: أوصى لرجل بما يصيب رجلا من ولده فهلك بعضهم قبل أن يهلك الرجل] مسألة وقال في رجل أوصى لرجل بما يصيب رجلا من ولده وهم يومئذ خمسة، فهلك بعضهم قبل أن يهلك الرجل، والوصية على حالها: إن للرجل الذي أوصى له ما يصيب رجلا منهم يوم يموت الهالك فإن ولد له قبل أن يموت الهالك حتى يكونوا أكثر من عددهم يوم أوصى فله أيضا ما يصيب رجلا، وإن هلكوا إلا رجلا واحدا، فهو حينئذ إن أخذ مثل ما يأخذ هذا الرجل الباقي من ولده أخذ أكثر من الثلث. قال مالك: ليس له ذلك، ولكن له الثلث حينئذ، وإنما ينظر في ذلك يوم يموت الموصي، فيكون له مصابة رجل يوم مات. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه إذا وصى له بمثل حظ أحد أولاده، فإنما له مثل حظ أحدهم يوم وجوب الوصية له قل عددهم أو كثر، لا يوم أوصى، إذ لم يوص له بجزء معلوم، ولو أوصى له بجزء معلوم لكان له ذلك الجزء من ماله يوم وجوب الوصية له بموته، لا تنقص منه ولا تزاد عليه. هذا ما لا اختلاف فيه لوجهين: أحدهما: أن القصد من الموصي في ذلك كله مفهوم معلوم، والثاني: أن الموصي محمول على أنه علم بزيادة ماله ونقصانه، وبنقصان عدد ولده وزيادتهم، فأقر وصيته في ذلك كله على حالها، ولم يغيرها، فوجب أن يعتبر في ذلك كله قل الأمر عليه يوم الموت، لا ما كان عليه يوم الوصية، ومن هذا المعنى إذا أوصى له بدنانير غير موصوفة، فحالت السكة بزيادة أو نقصان أو إلى خلافها في الصفة، أو أوصى له بكيل فزيد فيه أو نقص منه قبل موته، فروي عن ابن نافع فيمن أوصى بدنانير غير موصوفة، أنه يخرج عنه من السكة الجارية يوم موته، لا يوم وصيته، وذلك عندي إذا علم بما حالت إليه السكة قبل موته، فأقر وصيته ولم يغيرها على ما قال ابن كنانة في من أوصى لرجل بدنانير، فحال وزن الناس

مسألة: يوصي بثلثه إلى رجل ليس بوارث له

فصار يجوز بينهم أنقص من ذلك، أو أوزن، إنه إنما يعطى ما كان يجوز بين الناس بين موت الموصي إن كان يعلم جواز الناس يومئذ، وإن لم يكن يعلم فإنما للموصى له الوزن الذي كان يعلم به الموصي. قال: وكذلك في المكائل تتغير. وقد نزلت بطليطلة مسألة من أوصى لرجل بدنانير، فحالت السكة إلى سكة أخرى فشاور فيها فقهاء قرطبة، فأفتوا بوجوب الوصية من السكة الجارية يوم مات الموصي لا يوم أوصى وأقاموها من مسألة الخيش والمسح والخريطة الواقعة في آخر رسم أوصى من سماع عيسى، وليست تشبهها؛ لأن الوصية بذلك إنما كانت بحضرة وفاته، والخيش والمسح مملؤان طعاما والخريطة مملؤة دراهم، وإنما كانت تشبهها لو أوصى بهما والخيش والمسح مملؤان قمحا والخريطة مملؤة دنانير، فتوفى والخيش والمسح مملؤان شعيرا والخريطة مملؤة دراهم، وما أشبه ذلك. فمسألة الذي أوصى بجزء من ماله، أو بمثل نصيب أحد ولده، أشبه بها، وقد بينا وجه الحكم فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بثلثه إلى رجل ليس بوارث له] مسألة قال مالك في رجل يوصي بثلثه إلى رجل ليس بوارث له، لينفذه حيث سمي الهالك، فيريد الورثة أن يقوموا منه، ويقولون: نحن نتهمه، إن ذلك ليس لهم، إلا أن يكون فيما أوصى به عتاقة، أو شيء تبقى منفعته للوارث، فيكون لهم أن يقوموا معه؛ لأن الولاء يصير إليهم، ويتهمونه أن يقول: قد أعتقت، ولم يعتق عنه أحدا، فلهم القيام معه في العتاقة، فإن كان الوصي وارثا فلهم القيام معه في العتاقة وفي غيرها حتى ينفذ كل ما جعل إليه الهالك من العتق وغيره. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

مسألة: يهلك ويوصي للرجل بخمسين دينارا يتجر فيها سنة له ربحها

[مسألة: يهلك ويوصي للرجل بخمسين دينارا يتجر فيها سنة له ربحها] مسألة قال مالك في الرجل يهلك ويوصي للرجل بخمسين دينارا يتجر فيها سنة له ربحها، وللهالك عليه خمسون دينارا حالة هو بها معسر، فيقول الورثة عليك خمسون دينارا حالة فإن أحببت أن تنقدناها ونعطيك الخمسين التي أوصى لك بها، وإن أحببت فهي نظرة لك سنة، إنه إن لم يكن بيده شيء يقبضونه منه، دفعت إليه الخمسون التي أوصى له بها، وابتغوا منه بعد ذلك الذي عليه إن وجدوا عنده شيئا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إذا كان معسرا بالخمسين التي عليه كان من حقه أن يؤخر بها حتى يوسر لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] . فإن لزم الورثة أن يؤخروه بها، لزمهم أن يدفعوا إليه وصيته، ولو كان ميسرا بها لكان من حقهم أن يؤخروه بها في الوصية التي أوصى له بها، ولو كان ميسرا ببعضها، لكان من حقهم أن يؤخروه بما أيسر به منها، ويدفعوا إليه بقية الخمسين يتجر بها سنة، وكذلك لو كان عليه دين لغيرهم لكان من حقهم أن يحاصوا أهل الديون بجميع الخمسين، فما نابهم في المحاصة من ماله أخذوه ودفعوا إليه الخمسين يتجر بها سنة كما أوصى. وإن شاءوا نزعوا بيده ما صار لهم في المحاصة ووفوه بقية الخمسين يتجر بها سنة، كما أوصى له به موروثهم. وفي آخر رسم التسمية من سماع عيسى مسألة من هذا المعنى سنتكلم عنها إذا مررنا بها إن شاء الله عز وجل وبه التوفيق.

مسألة: توفي وترك مالا وورثة وأوصى إلى رجل

[مسألة: توفي وترك مالا وورثة وأوصى إلى رجل] ومن كتاب الأقضية وسئل عمن توفي وترك مالا وورثة وأوصى إلى رجل، كيف ترى أن ينفق عليهم؟ قال: ينفق على كل إنسان من مصابته بقدره، ليس الصغير كالكبير، فقيل له: من قدر حصته؟ فقال: ينفق عليه من حصته، وليس الصغير في ذلك كالكبير. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه؛ لأن نفقة كل واحد منهم على نفسه، بقدر ما يحتاج إليه من ماله، قل أو كثر، فلا يصح أن تكون النفقة عليهم من جملة المال ملغاة، إذ لا يلزم أن يحمل بعضهم شيئا من ذلك عن بعض، وبالله التوفيق. مسألة وسألته عمن أتاه أخ له من إخوته بكتاب وصيته، قد طبع عليها، فيقول له: اكتب شهادتك في أسفله على إقراري أنه كتابي، ولا يعلم الشاهد ما فيها، فيكتب شهادته في أسفلها على إقراره أنها شهادة وصيته. أترى أن يشهد بها؟ فقال: إن لم يشك في خاتمه، فليشهد، وإن شك فلا يشهد إذا كانت الوصية ليست عنده. قلت له: كيف لا يشك في الخاتم إذا غاب عنه؟ فقال: لا أدري إن شك فلا يشهد. وإن تيقن أنه خاتمه بعينه لم يفض فليشهد. قال: وكان من أمر الناس القديم إجازة الخواتم، حتى إن كان القاضي لم يكتب للرجل بالكتاب إلى القاضي، فما يزيد على خاتمه، فيجاز له، حتى أحدث عند اتهام الناس الشهادة على خاتم القاضي أنه خاتمه، وأن أول من أحدثه أمير المؤمنين وأهل بيته.

قال محمد بن رشد: قوله: إن لم يشك في خاتمه أنه خاتمه، فليشهد، معناه: إن لم يشك في الطبع الذي أشهد هم عليه أنه هو بعينه لم يفض فليشهد، يبين ذلك قوله: وإن تيقن أنه خاتمه بعينه لم يفض فليشهد، وهذا ما لا سبيل للشاهد إلى تيقنه إذا لم تكن الوصية عنده، وقد بين ذلك بقوله: قلت له: وكيف لا يشك في الخاتم إذا غاب عنه؟ فقال: لا أدري، إن شك فلا يشهد، فذلك يرجع من قوله: إنه لا يجوز للشهود إذا أشهدوا على وصية مطبوع عليها أن يشهدوا فيها، إلا أن تكون الوصية عندهم قد دفعها الموصي إليهم على ما وقع في المدونة من قول مالك في رواية ابن وهب عنه: وإذا دفعها إليهم فدفعوها إلى أحدهم أو إلى من وثقوا به من غيرهم فكانت عنده، جاز لهم أن يشهدوا عليها. روى ذلك عبد الرحمن بن دينار عن ابن الماجشون. والذي يتوقع من هذا إذا شهد الشهود. على الوصية، وهي مطبوع عليها، ولم يدفعوها إليهم، وأمسكها عند نفسه أن يكون طبع عليها وهي بيضاء، فيكتب فيها بعدما شاء، ولعل غيره أيضا من أهله قد قبض خاتمه وكتب فيها ما شاء، وطبع عليها بذلك الخاتم، فلو طبع الشهود عليها مع طابعه لجاز لهم أن يشهدوا عليها إذا عرفوا خواتمهم. قال ذلك ابن الماجشون. والذي استحسنه الشيوخ ومضى عليه عمل الناس أنه إذا طوى الكتاب من أوله إلى موضع الإشهاد على نفسه، فطبعه، وقد أبقى الأشهاد على نفسه خارج الطبع، وكتب الشهود شهاداتهم على ذلك، فأمسك الموصي الوصية عند نفسه، فوجدت بعد موته خطا واحدا وعملا واحدا على صفة التقييد الذي كان خارج الطبع، ولم يظهر في الكتاب ريبة، جاز للشهود أن يشهدوا عليه، بخلاف إذا لم يبق من الكتاب خارج الطبع ما يستدل به على أن الوصية كانت مكتوبة، ولم تكن مطبوعة على بياض، ولو أراهم الوصية مكتوبة، وكتبها بحضرتهم فطبع عليها، وأشهدهم على نفسه بما فيها دون أن يقرأها عليهم أو يعلمهم بشيء مما فيها، فكتبوا شهادتهم فيها، لجاز لهم أن يشهدوا عليها بعد موته، وإن لم يدفعها إليهم وكانت عنده إلى أن توفي باتفاق

مسألة: ابتاع رقبة للعتق فأعتقها عمن أوصى إليه

إذا ذكروا الشهادة وعرفوا الكتاب على ما رواه ابن القاسم عن مالك في الوصايا الأول من المدونة، وأما إذا لم يذكر الشهادة ولا عرف الكتاب، إلا أنه عرف خطه في شهادته، فيجري ذلك على الاختلاف في شهادة الشاهد على خطه إذا لم يذكر الشهادة. وقد مضى تحصيل ذلك في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة ضمن سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات. وقد ذكر البخاري عن الحسن وأبي قلابة أنهما كرها أن يشهد على وصية حتى يعلم ما فيها؛ لأنه لا يدري لعل فيها جورا، وكذلك استحب للعالم أيضا إذا أشهده المتعاملان على أنفسها في كتاب ذكر الحق مما تعاملا فيه، لا يكتب شهادته، إذ الشهادة على أنفسهما بما تضمنه وأقرا عنده بمعرفة ما فيه، حتى يقراه، لئلا تكون المعاملة في ذلك بينهما فاسدة. وقوله في الشهادة على كتاب القاضي: إن أول من أحدثه أمير المؤمنين وأهل بيته، يريد بني العباس وفى البخاري: إن أول من سأل البينة على كتاب القاضي ابن أبي ليلى وسوار بن عبد الله العنبري. وأجاب ابن حبيب: الكتاب يأتي إلى القاضي من أعراض المدينة بمعرفة الخط ومعرفة الختم، وبالشاهد الواحد إذا لم يكن صاحب القضية لقرب المسافة، واستدراك ما يخشى من التعدي وقال بذلك ابن نافع وابن كنانة في الحقوق اليسيرة، وبالله التوفيق. [مسألة: ابتاع رقبة للعتق فأعتقها عمن أوصى إليه] مسألة قال: وسئل عمن ابتاع رقبة للعتق، فأعتقها عمن أوصى إليه أن يعتق عنه رقبة، ثم لحق تلك الرقبة عول سبعة عشر دينارا بعد ما عتقت، فقال: يمضي العتق، فيكون على الذي اشتراه فأعتقه سبعة عشر دينارا غرما عليه، فقال الرجل: أترى الغرم علي يا أبا عبد الله؟ فقال: نعم، إن الغرم عليك، فقال وكيف يكون الغرم

علي وأنا إنما اشتريته لغيري في سوق المسلمين ببيع السلطان؟ فقال: أنت جعلت نفسك بهذه المنزلة، وأرى ذلك عليك، ولو شئت لم تشتره. فقال: وجدت أن يكون بيع السلطان أسلم لي، فقال له: قد أخطاك ذلك، فقال أفترى الغرم علي؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قوله: إن الغرم في ذلك على الوصي، خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة لأنه قال في الذي يوصي أن يحج عنه، فينفذ الوصي ذلك، ثم يستحق رجل رقبة الميت، إنه إن كان الميت حرا عند الناس يوم التنفيذ، فلا يضمن له الوصي شيئا، ولا الذي حج عن الميت، وكذلك قال أيضا فيها في الذي يوصي أن يحج عنه فيدفع الوصي المال إلى عبد ليحج به عن الميت، وهو يظنه حرا، إنه لا ضمان عليه، والذي يأتي في هذه المسألة على ما في المدونة من أن الوصي لا ضمان عليه، إلا أن يفرط أو يتعدى أن يباع من الرقبة بالسبعة عشر دينارا التي لحقها من العول، وينفذ حرية باقيها، على قياس ما قاله في سماع موسى بن معاوية من هذا الكتاب، في الذي يوصي أن يباع غلامه رقبة، فبيع رقبة، ووضع المشتري ثلث الثمن، فأعتقه، ثم جاء درك على الهلاك من دين ثبت عليه، أنه يباع من العبد قدر ثلث الدين إن كان العبد ثلث المال، ويؤخذ من الورثة ثلثا الدين، وإن كان العبد أقل من ثلث المال، فعلى حساب ذلك؛ لأنه بنى جوابه في ذلك على أن الموصي لا ضمان عليه، على أن الوصية إنما هي للعبد، لا للمشتري، خلاف ما ذهب إليه ابن كنانة أن الوصية إنما هي على المشتري، الذي حط عند ثلث ثمنه، فيرجع بذلك عليه ويمضي عتق العبد، ولا يباع منه شيء، وقول ابن كنانة هذا يأتي على مما أوصى في رسم الوصايا من هذا السماع، إنه إن لم يوجد من يشتريه، إلا بوضيعة الثلثين، لا يباع ولا ينفذ له الوصية. وقد مضى الكلام على هذا هنالك. وظاهر ما في رسم الأقضية من سماع يحيى أنه لا ضمان على الوصي،

مثل ما في المدونة وقول غير ابن القاسم في المدونة، وهو أشهب ليبين جهلهم، يريد: إلا وصاياه الذي يزيد عنهم الضمان، مثل روايته هذه عن مالك في أن السبعة عشر دينارا لعول يكون على الوصي، ورأيت لابن دحون أنه قال: إنما لزمه السبعة عشر دينارا لأنه فرط، إن لم يكشف الأمر قبل العتق، ولو علم أنه لم يفرط وأنه اجتهد في فعله لم يلزمه شيء، ورد من رقبته المعتقة بقدر الدين، ولا اختلاف عندي في أنه ضامن إذا تبين تفريطه، وإنما الاختلاف إذا لم يتبين ذلك، فحمله على التفريط في هذه الرواية وضمنه وهو قول أشهب في المدونة على ما ذكرناه، وحمله في المدونة على غير التفريط فلم يوجب عليه ضمانا، ولا اختلاف في ذلك من قول ابن القاسم منصوص عليه قرب آخر الرسم الأولى من سماع أصبغ في الوصي يشتري الرقبة فيعتقها عن الميت، فيستحق رجل نصفها ويأخذه؛ لأنه قال فيما حكى عنه أصبغ مرة: إنه يقوم على الوصي، وقال مرة: إنه يقوم على الورثة لا على الوصي، وإياه اختار أصبغ، وفي سماع أبي زيد: إن الوصي ضامن إذا اشترى نصرانية فأعتقها عن رقبة واجبة عن الميت، قال: لأنه فرط حين لم يسأل ويستحضر، وهو مثل أحد القولين. وفي قوله في الرواية: وكيف يكون الغرم علي وإنما اشتريته في سوق المسلمين ببيع السلطان إلى آخر قوله نظر إذ لا فرق فيما يوجبه الحكم فيما يلحق الرقبة من العول بين أن يشتريها فيما يبيع السلطان، أو ممن يبيع ماله. وكان مالك في ظاهر قوله قد سلم له اعتراضه، إذ لم يرده عليه بأن يقول له: وأي فرق بين أن يشتريها بما يبيع السلطان أم لا إذا لحقها العول؟ ولم يذهب مالك إلى تسليم اعتراضه، إذ لا يصح أن يسلم، وإنما ضرب على ذلك إذ رأى فساد اعتراضه فقال له: أرى ذلك عليك لو شئت لم تشتره أي لو شئت لم تشتره حتى يثبت فيعلم السلامة من أن يلحقها عول، وبالله التوفيق.

: وصية عمر بن الخطاب إلى حفصة زوج النبي

[: وصية عمر بن الخطاب إلى حفصة زوج النبي] ومن كتاب الطلاق قال مالك: أوصى عمر بن الخطاب إلى حفصة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال مالك: وأرى فعل ذلك لمكانها من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. محمد بن رشد: تأويل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين، إذ لا شك في أن لها بكونها زوجة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مزية على سائر أولاده. وبالله التوفيق. [مسألة: أخوين مرض أحدهما وأوصى لآخر صحيح فزوج المريض ابنه بنت أخيه] مسألة وسئل عن أخوين مرض أحدهما وأوصى لآخر صحيح، فزوج المريض ابنه بنت أخيه، وضمن الصداق عن ابنه وزوج الصحيح ابنه بنت أخيه وضمن الصداق على ابنه، وأعتق المريض أم ولده، وأصدقها ألفي درهم، ثم مات، فقال مالك: أما المريض الذي ضمن الصداق عن ابنه، فليس بجائز، والنكاح الذي أنكح ابنه جائز لازم، والمال الذي ضمن وسمى ليس بجائز في ماله، إن أحب الابن أن يعطي ذلك الصداق من مال نفسه جاز ذلك، وإن كره فارق ولا شيء عليه، وأما الذي أعطاه الأخ الآخر من مال نفسه وضمن وهو صحيح، فذلك جائز ثابت؛ لأنه يقضي في ماله ما بدا له، وأما ما ذكرت من عتق المريض أم ولده في مرضه، ونكاحه إياه في مرضه، فإن عتقه جائز؛ لأنها تعتق من بعد موته، لما مضى في ذلك من السنة، ولا يحسب في ثلثه ولا في غيره من رأى ماله، فأما نكاحه إياها فليس بجائز، ولا صداق لها ولا ميراث في ثلث ولا غيره من رأس ماله، إلا أن يكون دخل بها، فإن كان دخل

بها، رأيت صداقها من الثلث مبدأ على أهل الوصايا. قلت له: أرأيت لو كان ذلك الصداق أكثر من صداق مثلها؟ قال: أرى ذلك كله لها، قلت له، وراجعته: فقال: ما شأنه أعطاها ذلك. فقلت: أرى أن يوجد لها ما أعطاها، وهو أضعاف صداقها بالدخول، فقال: إنما يكون ذلك كله لها وإن كان ذلك أكثر من صداق مثلها. قال محمد بن رشد: قوله في المريض الذي زوج ابنه بنت أخيه، وضمن الصداق عنه: إن ذلك ليس بجائز، معناه: إن ذلك لا يلزم ورثته إن مات من مرضه ذلك، ولهم أن يردوه؛ لأنه وصية لوارث، وقوله: والنكاح الذي أنكح ابنه جائز لازم للزوجة، إن رضي الابن أن يعطي الصداق من ماله إن كان كبيرا أو رأى ذلك الوصي إن كان صغيرا، ولا اختلاف في أن الصداق لا يجب للابن في مال الأب إن مات من مرضه، وحمل عنه الصداق، فقيل؟ إنها وصية للبنت لا تجوز، إلا أن يجيزها الورثة. وقيل: إنها وصية للزوج تجوز له من ثلثه، إلا أن يكون الصداق الذي سمى لها، وحمله عن الزوج أكثر من صداق مثلها، فيكون الزائد على صداق مثلها وصية لها باتفاق، لا تجوز إلا أن يجيزها الورثة. وقد مضى هذا كله والقول عليه مستوفى في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب النكاح. وقد قال مالك في المدونة فيما يضمن الأب عن ابنه في مرضه: لا يعجبني هذا النكاح. ووجه كراهيته له ما دخله من الخيار. ووجه القول الآخر أنه خيار لم ينعقد عليه النكاح، وإنما وجب الحكم، فلم يكن فيه تأثير كالسفيه، يتزوج بغير إذن وليه، والعبد بغير إذن سيده. وأما الصحيح إذا زوج ابنه ابنة أخيه، فضمن عنه الصداق، أو زوج ابنته ابن أخيه، فضمن عنه الصداق، فلا اختلاف في لزوم الصداق، وجواز النكاح، وكذلك إذا فعل ذلك في مرضه فصح ولم يمت من ذلك المرض. وقوله في

مسألة: أوصى بثلث ماله لرجال من ربع الثلث وجزء من الثلث

الذي أعتق أم ولده في مرضه وتزوجها فيه: إن العتق جائز، فلا صداق لها ولا ميراث في رأس مال ولا ثلث، صحيح لا اختلاف فيه. وأما قوله: إلا أن يدخل بها فيكون لها الصداق من الثلث مبدأ على أهل الوصايا وإن كان ذلك أكثر من صداق مثلها، فهذا يختلف عنه في موضعين: أحدهما: في الزائد على صداق المثل، قيل: إنه يبطل، وهو ظاهر ما في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة. وقيل: إنه يكون لها غير مبدأ، وهو قول أصبغ. وروي ذلك عن ابن القاسم، وقيل: إنه يبدأ جميع ما سمى لها وإن كان أكثر من صداق مثلها، وهو قوله في هذه الرواية وقول ابن الماجشون،. ورواية ابن نافع، وعلي بن زياد، وابن عبد الحكم، عن مالك، واختيار سحنون. والموضع الثاني قوله: إنه يبدأ على جميع الوصايا، فقيل: إنه يبدأ على جميعها المدبر في الصحة وغير ذلك، وقيل: إنه يبدأ على جميع الوصايا، حاشا المدبر في الصحة، فإنه يبدأ عليه، وقيل: إنه لا يبدأ أحدهما على صاحبه، والثلاثة الأقوال لابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بثلث ماله لرجال من ربع الثلث وجزء من الثلث] مسألة وسئل عمن أوصى بثلث ماله لرجال من ربع الثلث، وجزء من الثلث، حتى استوعبه وأوصى لجارية له وغلام، أن يباعا ممن أحبا، وترك مدبرة، فوجد جميع الثلث مائتا دينار، فقال: يبدأ بالمدبرة، فتخرج حرة بقيمتها خمسين دينارا وبقيت خمسون ومائة دينار من الثلث فيتحاص فيها أهل الوصايا، فالذين أوصى لهم بالثلث بمائتي دينار، وهو ثلث المال، والجارية والغلام اللذان أوصى لهما أن يباعا ممن أحبا يحاصان الذين أوصى لهم بثلث أثمانهما بالغ مبلغ، يتحاصون في ذلك أهل الوصايا بالمائتي دينار، والجارية والغلام بثلث أثمانهما. قيل له: إنه قد كان قضى في

العبد أن يبتاع بثلثي ثمنه ممن أحب، وأعتقه المشتري الذي اشتراه، فقال: أرأيت إن قضى القاضي بالخطأ لا يرد؟، فقيل: فكيف ترى؟ قال: أرى أن يأخذ ذلك العول الذي يصيب العبد ممن اشتراه فأعتقه، ولا يكون على العبد شيء، يؤخذ ذلك ممن اشتراه فأعتقه، يقال له: أنت أعتقته، ولو شئت لم تعتقه، قيل له: مما وضع عن المشتري في مثل هذا فهو له، ليس للعبد منه شيء، فقال: نعم، يوضع عن المشتري ثلث ثمن العبد، وذلك الذي أوصى به الميت للمملوك. قال محمد بن رشد: ما قاله من أن المدبرة تبدأ في الثلث، ثم يتحاص أهل الوصايا في الباقي، فيضرب فيه الموصى لهم بالثلث، والجارية والغلام اللذان أوصى لهما أن يباعا ممن أحبا بثلث أثمانهما صحيح، لا إشكال فيه؛ لأنه هو الذي يكون من حقهما أن يوضع عمن أحبا أن يباعا منه، إذا لم يرد أن يشتريهما إلا بوضيعة من أثمانهما، وقد قيل: إن الجارية والغلام يبديان على أهل الوصايا بثلث أثمانهما. قاله ابن القاسم بعد هذا في رسم استأذن، وهو الذي يأتي على القول بأنها وصية لهما إن لم يرد الذي أحبا أن يباعا منه أن يشتريهما بوضعية الثلث، قيل للورثة: إما بعتموهما بما أراد، وإما أعتقتم منها أثلاثهما. وأما قوله: إنه إن بيع العبد بثلث ثمنه فأعتقه المشتري قبل المحاصة، إن ما دخله من العول في المحاصة يؤخذ ممن اشتراه فأعتقه، فالوجه في ذلك أنه رآها وصية للمشتري لا للعبد، ولو رآها وصية للعبد لقال: إنه يباع بما أصابه من العول في المحاصة، ولا يكون على المشتري شيء كما قال في سماع موسى بن معاوية في الذي أوصى أن يباع عبده رقبة، فبيع ووضع عن المشتري ثلث الثمن، ثم جاء درك على الهالك من دين ثبت عليه، إنه يباع من العبد ما نابه من الدين، ولا يرجع على المشتري بشيء.

ويتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنها وصية للمشتري في المسألتين جميعا لا للعبد، فيرجع بالعول عليه، لا على العبد. والثاني: أنها وصية للعبد في المسألتين جميعا، فيرجع عليه بالعول لا على المشتري، ويباع منه بما نابه من العول. والقول الثالث: أنها وصية للعبد إذا أوصى أن يباع ممن أعتقه، فيكون الرجوع بالعول عليه، ووصية للمشتري، إذا أوصى أن يباع ممن أحب، فيكون الرجوع على المشتري لا على العبد. وقد مضى بيان هذا في رسم الوصايا من هذا السماع، فقف عليه وبالله التوفيق. ثم الثاني من الوصايا والحمد لله والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا النبي الكريم والحمد لله رب العالمين.

: كتاب الوصايا الثالث

[: كتاب الوصايا الثالث] [أوصى فقال لفلان كذا وكذا وفضلوا فلانا] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها قال عيسى بن دينار: وقال ابن القاسم في رجل أوصى. فقال: لفلان كذا وكذا، وفضلوا فلانا، قال: أرى أن يفضل على أكثرهم وصية على قدر المال. قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن يفضل على أكثرهم وصية على قدر المال، يدل على أنه أوصى لجماعة بشيء سماه لكل واحد منهم. وقال: فضلوا فرأى أن يفضل على أكثرهم وصية على قدر المال بالاجتهاد، ويتخرج فيها قول آخر، وهو أن يفضل بمثل ثلث أكثرهم وصية، وذلك أن ابن حبيب حكى عن أصبغ فيمن أوصى لرجل بوصية، ثم كلم أن يزيده فقال: زيدوه، ثم مات ولم يسم ما يزاد، قد قيل: يزاد مثل ثلث وصيته، ولا أراه، ولكن يزاد بقدر المال وقدر الوصية بالاجتهاد، مع مشورة أهل العلم، ولا فرق بين المسألتين، والقول باعتبار الثلث في ذلك حسن؛ لأنه آخر حد اليسير، وأول حد الكثير، وإذا زاد أحد الموصى لهما على الآخر، فقد فضله عليه، فلا فرق بين التفضيل والزيادة، والظاهر من الزيادة اليسير، فوجب ألا يزاد على الثلث الذي هو آخر حده. وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى فقال لفلان عشرة ولفلان ما بقي من ثلثي

[مسألة: أوصى فقال لفلان عشرة ولفلان ما بقي من ثلثي] مسألة وقال في رجل أوصى فقال: لفلان عشرة، ولفلان ما بقي من ثلثي، فمات صاحب العشرة قبل الموصي، قال: يحاص بالعشرة، مات الموصى له بها قبل الموصي أو بعده، علم الموصي أو لم يعلم، وهو بمنزلة ما لو أوصى ببعير أو بعبد لرجل، وأوصى ببقية الثلث لرجل، فمات البعير أو العبد قبل الموصي أو بعده. فإن الموصى له ببقية الثلث، يحاص بالبعير وبالعبد الميت، علم بموته الموصي أو لم يعلم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا يدخل فيها اختلاف قول مالك في المدونة فيمن أوصى لرجل بعشرة ولرجل آخر بعشرة وثلث عشرة، فمات أحد الموصى لهما قبل الموصي إنه قال مرة للباقي العشرة كلها ومرة قال: له نصف العشرة، ومرة فرق بين أن يعلم الموصي بموت أحد الموصى لهما أو لا يعلم، فإن علم كانت له العشرة، وإن لم يعلم لم يكن له إلا نصفها الواجب له بالمحاصة؛ لأن هذا إنما أوصى له بما بقي من الثلث بعد. العشرة، أو بعد البعير وبعد العبد، فلا يكون له أكثر من ذلك، صحت الوصية بالعشرة وبالبعير وبالعبد أو لم تصح. ومسألة المدونة إنما أوصى لكل واحد منهما بعشرة، ولم يبدأ أحدهما على الآخر فمرة رأى للباقي العشرة كلها؛ لأن الثلث يحملها، ومرة لم ير له إلا نصفها؛ لأن الورثة ينزلون منزلة الموصى له الآخر. إذا مات قبل الموصي، أو لم يقبل الوصية. وقد قال ابن دحون. كل ما ذكر فيه بقية الثلث، فإن الموصى له يحتسب عليه الورثة ما مات من مدبر أو من معتق كان في الوصية مات قبل الموصي أو بعده، فإن بقي له بعد ذلك شيء أخذه، وإلا فلا شيء له، فإن كان معه أهل وصايا مسماة، كانت لهم وصاياهم من الثلث كاملا، ولا يحاسبون بما مات من المعتقين والمدبرين، ماتوا قبل الموصي أو بعده يأخذون وصاياهم من

مسألة: يشتري أباه في مرضه بأكثر من الثلث ثم يموت

الثلث كاملا، يحتسب على من أوصى له ببقية الثلث بمن مات من مدبر أو من معتق، ويأخذ ما بقي بعد ذلك إن بقي شيء. وقول ابن دحون صحيح، وهو بين في رسم إن أمكنتني من هذا السماع بعد هذا وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري أباه في مرضه بأكثر من الثلث ثم يموت] مسألة وقال في الذي يشتري أباه في مرضه بأكثر من الثلث، ثم يموت، قال ابن القاسم: البيع جائز لا يرد، فإن خرج من الثلث عتق منه ما حمل الثلث، ورق ما بقي للورثة، فإن كان الورثة ممن يعتق عليهم، عتق ما بقي عليهم. قلت فإن كان ثمن الأب ما له كله وورثه ممن يعتق عليهم، أيجوز الاشتراء؟ قال: الاشتراء جائز، ويعتق عليهم. وسئل عنها سحنون، فقال: اختلف الرواة فيما اشتراه الرجل في مرضه ممن يعتق عليه. أخبر ابن وهب في الرجل يشتري في مرضه ابنه أو بعض من يرثه، فقال: إن كان المشتري يحجب من يرث المشتري حتى يصير جميع الميراث له، كان ابنه أو غير ابنه، إذا كان كما وصفت لك، فإنه يجوز له أن يشتريه بجميع ماله أو بما بلغ، ويعتق عليه، ويرث ما بقي إن بقي شيء. قال لي ابن وهب: وإن كان ثم من يشركه في ميراثه ولا يحجبه، فلا يجوز له أن يشتريه إلا بالثلث، فإن اشتراه بالثلث لم يصر له من الميراث قليل ولا كثير؛ لأنه إنما يعتق بعد موت المشتري، وقد صار المال لغيره. قال سحنون: وقال لي أشهب: لا يجوز له أن يشتريه إلا بالثلث، كان ممن يحجب أو ممن لا يحجب، فإذا اشتراه بالثلث لم يصر له من الميراث قليل ولا كثير، ولا يكون له من الميراث شيء. وقال لي غيرهما من الرواة:

مسألة: أوصى لرجل بوصية فبلغ ذلك أبا الموصى له

كل من يجوز له استلحاقه، جاز له اشتراؤه بجميع ما يملك، شاركه في الميراث غيره أو لم يشاركه؛ لأنه لو استحلقه ثبت ميراثه ونسبه. وسألت عنها ابن القاسم، فقال لي: إذا اشتراه وكان الثلث يحمله جاز اشتراؤه، وعتق وورث بقية المال إن كان وحده، وإن كان مع غيره أخذ حصته من الميراث. محمد بن رشد: قوله في الذي يشتري أباه في مرضه بأكثر من الثلث ثم يموت: إنه إن خرج من الثلث عتق وورث، يدل على أنه يرث إن خرج من الثلث، وإن لم ينظر فيه إلا بعد الموت، والوجه في ذلك أنه لما كان وجه الحكم فيه عنده أن ينظر فيه قبل الموت، فإن حمله الثلث عجل عتقه، كان إذا نظر فيه بعد الموت فوجد ثلثه يحمله، كشف الغيب أن الحرية قد كانت وجبت له قبل موته، فوجب أن يرث. وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في صدر رسم الوصايا الثاني من سماع أشهب. وقد ذكرنا هنا كاعتراض قول ابن وهب هذا، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بوصية فبلغ ذلك أبا الموصى له] مسألة قال عيسى: وقال ابن القاسم في رجل أوصى لرجل بوصية، فبلغ ذلك أبا الموصى له، فوهب الموصي عبدا شكرا له لما أوصى به لابنه، فأعتقه الموصي، ثم مات، فإذا الوصية أكثر من الثلث، فأبى الورثة أن يجيزوا. قال: يمضي عتق الغلام ويخير الورثة بين الوصية يمضونها وبين قيمة الغلام يدفعونها، فإن كانت قيمة الغلام أكثر من الثلث، عتق منه ما حمل الثلث، وكان بقيته للورثة رقيقا، قال: ولو كان الغلام قائما بعينه لم يعتقه، وكان الثلث أقل مما

أوصى له به، خير الورثة بين أن يمضوا الوصية، وبين أن يردوا العبد إذا لم يعتق. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر. وجواب ابن القاسم فيها خارج عندي عن الأصول؛ لأن الوصية لم يحملها الثلث، كأن الورثة قد استحقوا منها ما زاد على الثلث، وأب الوصي لم يهب العبد للموصي إلا على أن تتم الوصية لابنه، فكان وجه النظر فيها إن لم يحمل الثلث الوصية أن يكون بالخيار بين أن يجيزوا الوصية، وبين أن يردوا إلى أب الموصى له من قيمة عبده إذا فات بالعتق قدر ما نقص الموصى له من الوصية، كمن باع عبدا بدار، فاستحق بعض الدار، وقد فات العبد بعتق. مثال ذلك، أن يكون الموصي أوصى لرجل بدار، قيمتها مائة، فوهب أبو الموصى له للموصي عبدا قيمته مائة، شكرا على ما أوصى به لابنه، فأعتقه الموصي في صحته، ثم مات فتبلغت تركته بالدار الموصى بها مائتين، فيقال للورثة: إما أن تجيزوا له الوصية بالدار، فلا يكون عليكم في العبد شيء، وإما أن تنخلعوا من الثلث للموصى له شائعا أو في الدار، فيحصل للموصى له منها ثلثاها فيجب عليكم أن تؤدوا إلى أبي الموصى له ثلث قيمة العبد، إذ قد استحققتم من الوصية التي هي عوض العبد الذي قد فات بالعتق ثلثها، وكذلك لو كان العبد قائما بعينه، لم يعتقه الموصي على مذهب ابن القاسم، إذ لا يرجع عنده في عين العبد بمقدار ما نقص من الوصية إذا لم يجزها الورثة لضرر الشركة، وعلى مذهب أشهب، يرجع في العبد بقدر ذلك، فيكون به شريكا فيه، ولو أعتق الموصي العبد في مرضه، وقيمته الثلث فأكثر، لعتق منه ما حمل الثلث وكان باقيه رقيقا للورثة، وسقطت الوصية بالدار للموصى له بها، لكون العتق مبدأ عليها، ولزمهم غرم جميع قيمة العبد للأب إن لم يجيزوا الوصية بالدار لابنه. وقد رأيت لابن دحون، أنه سلم هذه المسألة من الاعتراض فقال في قول ابن القاسم فيها: معناه، يدفعون القيمة إلى الابن -

مسألة: يوصي لرجل بمائة دينار هي له عليه دين

الموصى له؛ لأن الأب قد وهب ذلك لابنه، إذ أخرجه من يده شكرا عن ابنه إذ أوصى له، وليس ذلك عندي بينا؛ لأن الأب لم يهب العبد لابنه، وإنما وهب للموصي جزاء على وصيته لابنه، فالحق في ذلك إنما هو للأب؛ لأنه يقول: إنما وهبت له العبد لسروري بوصيته لابني، فالحق في ذلك إنما هو له، لا للابن، فإن مات نزل ورثته في ذلك منزلته. ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم، إن الأب يقول: إنما وهبت له العبد لتحصل الوصية لابني كاملة، ولو علمت أن الثلث لا يحملها، وأن الورثة لا يجيزونها لم أهبه شيئا، والذي ذكرته هو وجه القياس. والله أعلم. وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي لرجل بمائة دينار هي له عليه دين] مسألة وعن الرجل يوصي لرجل بمائة دينار، هي له عليه دين، ويوصي لقوم بوصايا، ثم يرسل إلى الذي عليه المائة، فيأخذها منه في مرضه، ثم يموت، فيطلب الرجل المائة، وقد أنفقها الموصي، أو استودعها رجلا، فقال: لا وصية له، إن كان قال: ما لي على فلان فهو له، ثم أخذه منه، فليست له وصية. وهو أمر رجع فيه، إلا أن يكون أوصى بمائة مبهمة، أو عرفت المائة بعينها، لم تحرك، وإنما مثل ذلك مثل الرجل يوصي للرجل بدين لي على رجل آخر، فيقول: ما لي على فلان فهو لفلان، فإن أخذه فأنفقه فلا شيء له، وإنما نفقته إياه بمنزلة ما لو وهبه لغيره وإن لم ينفقه واقتضاه، فكان على حاله فالوصية له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا أوصى لرجل بمائة دينار له عليه، فأخذها منه، إن أخذه إياها منه رجوع منه في الوصية له بها، إذ لا وجه لأخذها منه إلا الرجوع فيها، فسواء أنفقها أو لم ينفقها، فكانت عنده، أو استودعها. ومعنى قوله: أو عرفت المائة بعينها، لم تحرك أي لم تقبض

مسألة: أوصى بعتق عبده وما بقي من ثلثه لفلان

وعرف أنها باقية عنده على ما أوصى بها ويختلف، هل يحاص الورثة بها أهل الوصايا إن كان الثلث لا يحملها كلها أم لا؟ على اختلاف قول مالك في المدونة في الذي يوصي لرجلين بعشرة عشرة، وثلاثة عشر فيموت أحدهما في حياة الموصي، ويعلم ذلك قبل موته. وأما إذا أوصى لرجل بمائة له على رجل آخر، فلا تبطل وصية له بها بقبضه إياها إذا لم ينفقها ووجدت عنده بعينها، لاحتمال أن يكون إنما قبضها من الذي هي عليه ليحفظها على الموصى له بها، ولا تبطل الوصية بها إلا بيقين. هذا وجه قول ابن القاسم في هذه الرواية. وقد وقع له في المجموعة ما يعارض قوله هذا. وذلك أنه قال: وإن أوصى له بزرع ثم حصده، وبثمرة ثم جدها فليس برجوع، إلا أن يدرس القمح ويكتاله ويدخله منزله فهذا رجوع، فإذا جعل اكتياله القمح، وإدخاله منزله رجوعا منه في الوصية به، فكذلك الدين إذا قبضه على قياس ذلك. قال في المجموعة: وإن أوصى له بعبد فرهنه فليس برجوع، وليبدأ من رأس المال، ولو أجره فالعبد للموصى له به. وقاله مالك. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بعتق عبده وما بقي من ثلثه لفلان] مسألة وسئل عن رجل أوصى بعتق عبده، وما بقي من ثلثه لفلان، فمات، فقامت بينة للعبد أنه كان حرا أعتقه سيده هذا في صحته واستحق العبد، قال: لا أرى له إلا ما بقي من ثلثه بعد قيمته. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إنه لا شيء للموصى له ببقية الثلث، إلا ما فضل بعد قيمة العبد الموصى بعتقه سواء أعتق العبد من الثلث، أوثبت أنه كان حرا أعتقه سيده قبل ذلك في صحته، أو استحق بحرية أو ملك، وإن أخذ له ثمن في استحقاقه، لم يكن للموصى له ببقية الثلث فيه شيء ولو أوصى مع عتق العبد بوصايا، وما بقي من ثلثه لفلان، فاستحق

مسألة: قال في وصيته فلانا أعطاني مائة دينار أتصدق بها عنه وإني تسلفتها

العبد بحرية أو ملك بعد أن قدم على أهل الوصايا، لرجع أهل الوصايا بوصاياهم في ثلث ما بقي بعد العبد الموصى بعتقه المستحق. واختلف إن رجع فيه بثمن، هل يدخل فيه أهل الوصايا أم لا؟ فقال في رسم أسلم بعد هذا: إنها لا تدخل فيه؛ لأنه مال لم يعلم به، وذكر في رسم باع شاة منه أن قول ابن القاسم اختلف فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في وصيته فلانا أعطاني مائة دينار أتصدق بها عنه وإني تسلفتها] مسألة قال ابن القاسم: إذا قال الرجل في وصيته: إن فلانا كان أعطاني مائة دينار أتصدق بها عنه، وإني تسلفتها. وليس لفلان ذلك ورثة يسألون عن ذلك، فإنه إن كان يورث كلالة، لم يحز منه قليل ولا كثير، لا في ثلث ولا في رأس المال، وإن كان ورثته ولدا جاز قوله، وأخرجت من رأس المال، وإن كان فلان ذلك المسمى حيا سئل، فإن صدقه في ذلك أجيز، وإن لم يصدق لم يجز منه قليل ولا كثير، وإن كان فلان ذلك قد مات، سئل ورثته أيضا، فإن صدقوه جاز، وإن كان يورث كلالة أو بولد، وإن لم يصدقوه لم يجز منه قليل ولا كثير. قال مالك: لا يجوز إلا أن يكون الشيء اليسير التافه الذي لا يتهم عليه. قال ابن القاسم: وأصل هذا التهمة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وفي رسم حلف ليرفعن أمرا من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس؛ لأنه إذا لم يكن لفلان ذلك ورثة يسألون عن ذلك، فهو كمن أوصى بدين لمن لا يعرف. وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى فقال لفلان مائة ولفلان مائتان

[مسألة: أوصى فقال لفلان مائة ولفلان مائتان] مسألة وقال في رجل أوصى، فقال: لفلان مائة، ولفلان مائتان، قيل له: ففلان قال: هو شريك معهما، قال: تجمع المائة والمائتان، فيكون له ثلثها، ثم تكون المائتان بين الرجلين، لصاحب المائة ثلثها، ولصاحب المائتين ثلثاها. وقد قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب في كتاب بع ولا نقصان عليك، يكون له نصف وصية كل واحد منهما مما أوصى لهما به، ليس من بقية الثلث، ولكن من وصاياهم. قال محمد بن رشد: القول الأول الذي قال فيه: إنه تجمع المائة والمائتان فيكون له ثلثها، ثم تكون المائتان بين الرجلين على الثلث والثلثين، هو الذي يأتي على ما في كتاب السلم الثالث من المدونة في اللذين اشتريا العبد، فلقيهما رجل فقال لهما: أشركاني فيه، فأشركاه، إن العبد يكون بينهم أثلاثا، ووجه هذا الاختلاف أن قوله: هو شريك معهما، هو لفظ محتمل، يحتمل أن يكون أراد أنه شريك مع كل واحد منهما بالسواء فيما أوصى له به، فيأخذ نصف وصية كل واحد منها، على ما قاله في رسم بع ولا نقصان، ويحتمل أن يكون أراد أنه شريك معهما جميعا بالسواء فيما أوصى لهما به، إن كانا اثنين أو مع جميعهم بالسواء، فيما أوصى لهم به، إن كانوا جماعة، فيأخذ ثلث ما بيد كل واحد منهما إن كانا اثنين، أو ربع ما بيد كل واحد منهم إن كانوا ثلاثة أو خمس ما بيد كل واحد منهم إن كانوا أربعة، وكذلك ما زاد عددهم. وسواء على ظاهر الرواية قال: هو شريك معهما أو معهم بالسواء، أو لم يقل بالسواء؛ لأن قوله بالسواء، لا يرفع الاحتمال من المسألة لجواز أن يريد الموصي بالسواء مع كل واحد منهم على انفراد أو بالسواء مع جميعهم على اجتماعهم. فما وقع في رسم بع ولا نقصان عليك، بعد هذا من تفرقته بين أن يقول بالسواء، أو يسكت عن ذلك، قول ثالث في

مسألة: أوصى بعتق نصيبه من عبد فأبى صاحبه أن يبيع

المسألة، والرجوع في هذا إنما هو إلى ما يغلب على النظر بأن الموصي أراده بلفظه، فالأظهر عنده من الاحتمالين، فمرة رأى قوله: هو شريك معهم، أظهر في أنه شريك مع كل واحد منهم على انفراده فيما أوصى له به على السواء، ومرة رأى قوله: هو شريك معهم، أظهر في أنه أراد أنه شريك مع جميعهم فيما أوصى لهم به على السواء، ومرة رأى إذا قال بالسواء أظهر في أنه أراد إن يساوي بينه وبين جميعهم، وإذا لم يقل بالسواء أظهر في أنه أراد أن يساوي بينه وبين كل واحد منهم فيما أوصى له به على انفراده. والذي أقول به: إنه إن كانت وصاياهم متفقة، فالأظهر أن يكون شريكا مع جميعهم، فيستوي هو وكل واحد منهم فيما يصير له على ما في المدونة في مسألة العبد، وإن كانت وصاياهم مختلفة، فالأظهر أن يكون شريكا مع كل واحد منهم في وصيته، إذ لا بد من اختلاف وصاياهم، إذ قد فضل بعضهم على بعض. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بعتق نصيبه من عبد فأبى صاحبه أن يبيع] مسألة قال مالك في رجل أوصى بعتق نصيبه من عبد، وأن يعتق عنه نصيب صاحبه، فأبى صاحبه أن يبيع، قال: ذلك عليه إن شاء وإن أبى من بيعه. قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق. وقال سحنون: رأيت فيه رواية لابن وهب عن مالك وهي: ولعل أن شريكه إن أبى لا يستقيم نصيب شريكه ويعتق نصيبه وحده، قال أبو إسحاق التونسي: والأشبه ما روى ابن وهب ولا أدري من أين أنكرها سحنون، وإنما قال أبو إسحاق: إن الأشبه ما روى ابن وهب؛ لأنه إذا لم يلزم الشريك ذلك إذا لم يوص به، لوجب ألا يلزمه إذا أوصى به؛ لأن وصيته في مال غيره غير جائزة، والذي يوجب النظر أن يلزمه ذلك وإن لم يوص به؛ لأن الثلث له بعد

مسألة: يوصي أن يباع عبده ممن أحب

وفاته، فإذا أعتق فيه حظه من العبد بإيصائه بذلك، وجب أن يقوم فيه حظ شريكه وإن. لم يوص بذلك، كما إذا أعتق حظه من العبد في مرضه، يقوم على شريكه شاء أو أبى على ما في المدونة. فيتحصل فيمن أوصى بعتق حظه من عبده ثلاثة أقوال: أحدها: إنه يقوم في ثلث حظ شريكه، وإن لم يوص بذلك. والثاني: إنه لا يقوم فيه، وإن أوصى بذلك إلا أن يشاء ذلك الشريك، والثالث: الفرق بين أن يوصي بتقويم حظ شريكه في ثلثه، وبين ألا يوصى بذلك وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي أن يباع عبده ممن أحب] مسألة ومن كتاب أوله استأذن سيده وسألته من الرجل يوصي أن يباع عبده ممن أحب، فيوصي بوصايا، فيضيق الثلث عن ثلث رقبة العبد، وعن الوصايا فقال: قال مالك: إذا لم يجد من يشتريه، عتق منه ثلثه، فأرى إذا جعله مالك عتقا أن يبدأ. قلت: ولم صار عتيقا؟ ألأنه ملك بعض رقبته حين أوصى له سيده بثلثها فلم يجد من يشتريه بذلك؟ قال ليس هذا من هذا الوجه، ولو كان من هذا الوجه لعتق بقيته في سائر ماله إن كان للعبد مال، ولكنه لما سماه مالك عتقا فصارت فيه المحاصة، بدئ على أهل الوصايا. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يبدأ العبد بثلث ثمنه على الوصايا، إذا لم يجد من يشتريه بثلثي ثمنه، خلاف ما تقدم في رسم الطلاق، ومن سماع أشهب، وهو صحيح على القول بأنها وصية للعبد، إن

مسألة: ترك في حانوته شعيرا وأوصى أن ذلك الشعير بينه وبين رجل سماه

لم يرد من أحب أن يباع منه أن يشتريه بثلثي ثمنه، ولا أراد الورثة أن يبيعوه منه بأقل من ثلثي ثمنه، أعتق ثلثه. وقد مضى بيان هذا في رسم الوصايا ورسم الطلاق من سماع أشهب. وقد قال ابن دحون إنما هذا إذا رجع فيه إلى عتق ثلثه، فأما إن وجد من يشتريه ببعض الثلث، أو بأقل فلا بد من المحاصة مع أهل الوصايا، يقال للمشتري: تشتريه ببعض ثلث ثمنه، على أن تحاص أهل الوصايا، فتنقص من ثمنه ما وقع لك في المحاصة. وقول ابن دحون هذا ليس بصحيح؛ لأنه قد نص في الرواية أنه يبدأ بالثلث ثمنه على أهل الوصايا، من أجل أن الوصية له بذلك تؤول إلى العتق. ونص فيما مضى في رسم الوصايا من سماع أشهب على أن المشتري لا يجوز الشراء بحطيطة ثلث الثمن، إلا ما دخله من العول. وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ترك في حانوته شعيرا وأوصى أن ذلك الشعير بينه وبين رجل سماه] مسألة وسألته عن رجل هلك وترك في حانوته شعيرا وأوصى أن ذلك الشعير بينه وبين رجل سماه، فأتى الوصي إلى ذلك الرجل الذي سمي أن الشعير بينه وبينه، فذكر له ما عهد إليه صاحبه، فقال: ما لي عنده شعير، ولكن لي عنده أربعون دينارا. وأتاه ببينة على الأربعين، فقبضها ثم قال: قد والله وجدت في برنامجي أن الشعير بيني وبينه. قال: يحلف بالله أنه له، ويكون له شطره؛ لأنه لم يقر بشيء يخاف به تلف الأربعين حين كانت له البينة على الأربعين. وقال رأيت أن لو لم يدع الأربعين أو ادعاها وقال: الشعير لي، لم يكن له الشعير، فإني أراه له إذا حلف. قال محمد بن رشد: إنما لزمته اليمين وإن كان الميت قد أقر له

مسألة: أوصى بثلاثة أعبد لرجلين

من أجل أنه اتهم أن يكون ندم إذ أنكر ألا أن يكون له في الشعير شيء، ويجوز أن يكون الموصي غلط فيما أمر أو نسي فلما رجع وادعى الشعير بعد أن أنكره، وجبت عليه اليمين للتهمة، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بثلاثة أعبد لرجلين] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل أوصى بثلاثة أعبد لرجلين، ثم قال بعد ذلك: وفلان وفلان من أولئك الرقيق لفلان لأحد الرجلين، وفلان للرجل الآخر. قال: أرى أن يضرب كل واحد منهما فيهم بأكثر الوصيتين، ينظر، فإن كان نصف ثلاثتهم أكثر من العبد الذي أوصى به لأحدهما، ضرب مع صاحبه فيه بنصف قيمتهم، فلا يتهم بالوصية الأولى، وسقطت الآخرة، وإن كان العبد الذي أوصى له به أكثر قيمة من نصف ثلاثتهم ضرب فيهم بقيمة العبد، يعطى أكثر الوصيتين، وينظر أيضا للآخر فإن كان قيمة العبدين أكثر من نصف قيمتهم، ثلاثتهم، ضرب بقيمتها مع صاحبه فيهم أو فيما حمل الثلث منهم، وإن كان نصف قيمتهم ثلاثتهم أكثر من العبدين اللذين أوصى بهما له ضرب بنصف قيمتهم، يضرب كل واحد منهما في الثلاثة الأعبد، وفيما حمل الثلث منهم بأكثر الوصيتين. قال: وكل شيء أوصي به لرجل في شيء بعينه ثم أوصي له في ذلك الشيء أيضا بوصية أخرى، فإنه يؤخذ له بأكثر الوصيتين، مثل أن يقول: لفلان عشرون دينارا، ثم يقول بعد ذلك: لفلان ثلاثون دينارا، فإنه يعطى ثلاثين وتسقط العشرون، ومثل أن يقول: لفلان وفلان المائة الدينار التي على فلان، ثم يقول بعد ذلك: لفلان لأحد الرجلين المائة الدينار التي على فلان، فليس يضرب فيها بخمسين ومائة بالوصية الأولى والآخرة، إلا أنه

: أوصى لرجل بمائة دينار مبدأة ولقوم بوصايا

يؤخذ له بأكثرهما، فيحاص صاحب المائة بالمائة ويحاص الآخر بخمسين. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على أصل ابن القاسم ومذهبه في أن من أوصى بوصيتين، له الأكثر منهما كانت الأولى أو الآخرة، تحمل على التفسير لما مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، حسبما ذكرناه هناك. وقد قال الفضل فيها: إنها خلاف لأصل ابن القاسم في هذه المسألة. والصواب أن تؤول على ما يخالف أصله في هذه المسألة على ما بيناه، وبالله التوفيق. [: أوصى لرجل بمائة دينار مبدأة ولقوم بوصايا] ومن كتاب العرية وقال مالك في رجل أوصى لرجل بمائة دينار مبدأة، ولقوم بوصايا ثم قال بعد ذلك: ولصاحب المائة المبدأة ألف دينار. قال: يحاص لصاحب المائة المبدأة بألف، فما صار له في المحاصة بالألف أعطيه، إلا أن يكون الذي صار له في المحاصة بالألف أقل من مائة فيعطى المائة المبدأة وإنما ينظر إلى أي ذلك أكثر المائة المبدأة أو ما يصير له في المحاصة بالألف فيعطى الأكثر؟ قلت لابن القاسم: فإن قال: زيدوا صاحب المائة المبدأة، قال يحاص أهل الوصايا بالألف ويأخذ الوصيتين جميعا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة أيضا كالمسألة التي قبلها على أصل ابن القاسم وروايته عن مالك، في أن من أوصي له بوصيتين من نوع واحد، له الأكثر منهما، كانت الأولى أو الآخرة وبالله التوفيق.

مسألة: يقول في وصيته نصف عبدي حر

[مسألة: يقول في وصيته نصف عبدي حر] مسألة وسألته عن الرجل يقول في وصيته: نصف عبدي حر، قال: يعتق نصف قيمتهما بالسهم. قلت له: فإن قال: أحد عبدي حر، قال: كذلك أيضا يعتق نصف قيمتهما بالسهم. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك. ومذهب ابن كنانة، ومطرف، وابن الماجشون، أن القرعة تكون في الموصى بعتقهم. وفي المبتلين في المرض إذا سمى منهم عددا أو جزءا أو جميعهم ولا يحملهم الثلث. والأصل في ذلك ما جاء في حديث الموطأ: من «أن رجلا أعتق عبيدا له ستة عند موته، فأسهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، فأعتق ثلث تلك الرقيق» . قال مالك: وبلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم. وهو كما بلغه والله أعلم. إذ لو كان مال غيرهم، لعتق منهم ما حمل الثلث بالقرعة، على ما ذهب إليه مالك، خلاف ما ذهب إليه ابن نافع، من أن القرعة لا تكون إلا حيث السنة في الذي يعتق عبيده عند موته، ولا مال له سواهم. وذهب أشهب إلى أن القرعة إنما تكون في الموصى لهم بالعتق دون المبتلين في المرض. فإذا قال الرجل في وصيته: أحد عبدي هذين حر أو نصفهما حر، أعتق نصف قيمتهما بالسهم، كما قال على قول جميعهم. ووجه العمل في ذلك، أن يقوم كل واحد منهما على حده، ثم يضرب عليهما بالسهام، فإن كان قيمة أحدهما في التمثيل عشرين، وقسمة الثاني أربعين، فخرج سهم الذي قيمته عشرون، عتق جميعه، وعتق من الآخر الذي قيمته أربعون ربعه، وبقي ثلاثة أرباعه رقيقا، وإن خرج سهم الذي قيمته أربعون، عتق منه ثلاثة أرباعه، ورق ربعه ورق جميع الآخر الذي أخطأه السهم؛ لأن نصف قيمتهما ثلاثون، على ما نزلناه.

مسألة: يوصي لرجل بعبد فيموت العبد عن مال

ولو قال. أنصاف عبدي أو نصفا عبدي لعتق من كل واحد منهما نصفه، على ما قاله في العتق من المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي لرجل بعبد فيموت العبد عن مال] مسألة وسألته عن رجل يوصي لرجل بعبد بعينه، فيموت العبد عن مال قبل أن ينظر في مال الميت. قال مالك: المال للموصى له بالعبد. قلت: فمن أين يخرج؟ من ثلث ما بقي بعد موت العبد، أو من قيمة العبد؟. قال: بل من ثلث ما بقي بعد موت العبد، ويكون العبد كأنه لم يكن في مال. قال محمد بن رشد: قد مضى اختلاف قول مالك في مال العبد الموصى به، هل يكون تبعا له أو لورثة الموصي؟ في رسم البر من سماع ابن القاسم، وذكرنا هناك تحصيل الاختلاف فيه ووجهه فلا معنى لإعادته. وقوله ها هنا: إن المال للموصى له بالعبد، خلاف قوله في رسم الوصايا من سماع أشهب. والقولان جميعا في رسم البر من سماع ابن القاسم كما ذكرناه وبالله التوفيق. [مسألة: قال في وصية في عبد كان يملكه إنه حر] مسألة وسئل عن رجل قال في وصية في عبد كان يملكه: إنه حر من من أصله، وإنما اغتصبته نفسه، ولم يكن لي عبد قط قال: إن كان يورث كلالة فلا يقبل قوله، ولا يعتق من ثلث ولا غيره، وإن كان وارثه ولدا فإني أرى أن يعتق من رأس المال، وذلك لأن مالكا سئل عن رجل قال عند موته: فلانة لجارية له،

هي أم ولدي، وقد ولدت مني، ولم يذكر ذلك قبل ذلك، ولا يعرف أحد ما قال، فقال: إن كان وارثه ولدا فإني أرى أن تعتق من رأس ماله، وإن كان يورث كلالة، فلا تعتق في رأس مال ولا ثلث، فمسألتك مثلها. ورواه أصبغ. قال محمد بن رشد: قياسه للمسألة التي سئل عنها على ما قاله مالك في الذي يقر في مرضه عند موته لجارية له أنها أم ولد ولا ولد معها صحيح، إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى، فيدخل فيها من الاختلاف ما في مسألة مالك. وتحصيله: أن فيها إن كان يورث بولد، ثلاثة أقوال: أحدها: قوله في هذه الرواية، وفي المدونة إنها تعتق من رأس المال. والثاني: إنها لا تعتق من رأس المال. ولا من الثلث، وهو قول ابن القاسم وغيره في كتاب أمهات الأولاد من المدونة. والثالث: يتخرج بالمعنى على ما في كتاب المكاتب من المدونة. وهو أنها تعتق من الثلث. وإن كان يورث كلالة، ففيها ثلاثة أقوال أيضا: أحدها: أنها لا تعتق في رأس مال ولا ثلث. وهو قوله في هذه الرواية وفي المدونة. والقول الثاني: أنها تعتق من الثلث، وهو قول ابن القاسم في كتاب المكاتب من المدونة. والثالث: أنها تعتق من رأس المال، وهو الذي يأتي في كتاب الكفالة والحوالة من المدونة في بعض الروايات من أن إقرار المريض لمن لا يتهم عليه بدين جائز، كان يورث بكلالة أو ولد، وفي مجموع المسألة خمسة أقوال: أحدها: أنها لا تعتق من رأس المال ولا من الثلث، كأن يورث بولد أو كلالة، وهو أحد قولي ابن القاسم في كتاب أمهات الأولاد من المدونة، والثاني: أنها تعتق من رأس المال كان يورث بكلالة أو بولد، وهو الذي يأتي على ما في بعض الروايات من كتاب الكفالة والثالث: بكلالة أو بولد، فإن ورث بولد عتقت من رأس المال وإن ورث بكلالة لم يعتق من رأس المال ولا من الثلث. والرابع: أنه إن ورث بولد عتقت من رأس المال، وإن ورث بكلالة عتقت من الثلث. والخامس: إن

مسألة: له ثلاثة أعبد فأوصى بهم لرجل

كان يورث بولد عتقت من الثلث، وإن كان يورث بكلالة، لم تعتق من رأس المال ولا من الثلث وفي آخر سماع أبي زيد مسألة من هذا المعنى فيها إشكال سنتكلم عليها إذا وصلنا إليها إن شاء الله، وبالله التوفيق. [مسألة: له ثلاثة أعبد فأوصى بهم لرجل] مسألة وسئل عن رجل له ثلاثة أعبد، فأوصى بهم لرجل ونصهم بأسمائهم، وليس له من الأعبد غيرهم، ثم أوصى بعبد منهم بعد ذلك لرجل وسماه باسمه، ولم يذكر انتزاعا. قال: إن حملهم ثلاثتهم الثلث، كان الاثنان لهذا خالصا، ورجع، فقاسم هذا الذي سمي له العبد بعد ذلك، فكان له نصفه وللآخر نصفه، وهو بمنزلة رجل ليس له إلا عبد واحد، فأوصى به لرجل، ثم أوصى به بعد ذلك لرجل آخر، ولم يذكر انتزاعا، فإن مالكا قال فيما أظن يكون بينهما نصفين، فهذا حين أوصى له بالثلاثة الأعبد، ثم أوصى بواحد منهم بعد ذلك، كان قد أوصى بهذا العبد لهما جميعا. قلت: فإن لم يحملهم الثلث، قال: يحاص بهم ثلاثتهم، فإن خرج من كل رأس من الثلاثة ثلثاه، كان ما خرج في العبدين لهذا خالصا، ورجع فأخذ ثلث هذا العبد الآخر، وأخذ الآخر ثلثه، فعلى حساب هذا يكون. قال أصبغ: ويجعل ما أصاب العبد في العبدين خاصة، خالصا له وحده، شريكا للورثة، ولا يضرب صاحب العبد المنفرد في الثلاثة، فإن قطع الثلث لهما، فإنما يجعل وصية كل واحد منهما فيما سمى له وأوصى له به. وتفسير ذلك: أن يكون لا مال له غيرهم، ويكون ثمن كل واحد منهم ثلاثين دينارا، والثلث ثلاثين، فللموصى له بالعبدين الخالصين ثلث كل واحد منهما، وباقيهما للورثة، وثلث العبد

مسألة: له على رجلين مائتا دينار فأوصى لهذا بما على هذا وأوصى لهذا بما على هذا

الذي اجتمعت فيه الوصيتان بينهما، لكل واحد منهما خمسة، وهو سدسه، فذلك ثلث جميع مال الميت. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة على أصل ابن القاسم في أن من أوصى لرجل بشيء ثم أوصى به بعد ذلك لغيره، لا يكون إيصاؤه به لغيره رجوعا منه عن وصيته به للأول، ويكون بينهما، فلا إشكال فيها من قول ابن القاسم يحتاج إلى تفسير. وكلام أصبغ أيضا بين صحيح مثل قول ابن القاسم في معناه، وإن خالف لفظه. وبالله التوفيق. [مسألة: له على رجلين مائتا دينار فأوصى لهذا بما على هذا وأوصى لهذا بما على هذا] مسألة وعن رجل له على رجلين مائتا دينار، فأوصى لهذا بما على هذا وأوصى لهذا بما على هذا، وكان أحدهما مفلسا ولم يترك من المال إلا المائتين، ومائة أخرى فأبى أن يجيز الورثة. قال: يقطع لهما الورثة بثلث النقد وثلث الدين، ثم يتحاصان، يحاص المفلس بقيمة ما على الغني، ويحاص الغني بقيمة ما على المفلس، فما صار له في المحاصة عليه اتبعه الورثة فيه، والغني بما صار له على المفلس، فيحاصون فيه جميعا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، إلا أنها ناقصة تفتقر إلى تتميم بيان وجه العمل فيها إذا أجاز الورثة، وإذا لم يجيزوا، فأما إذا أجازوا فيؤخذ من الغني ما عليه للمفلس، فيتحاص فيه الغني مع سائر غرماء المفلس، يضرب فيه الغني بحقه، وهو مائة والغرماء بمبلغ ديونهم ويتبعونه ببقية حقوقهم، فكلما أفاد شيئا يحاص فيه الغني وسائر الغرماء بما بقي من حقوقهم حتى، يستوفوها. وأما إذا لم يجيزوا وقطعوا لهما بالثلث شائعا في النقد والدين، فوجه العمل في ذلك أن يقال: كم قيمة ثلث الدين الذي على المفلس وهو ثلاثة وثلاثون وثلث؟ بأن يعرف ما يسوى بعرض، ثم يعرف ما

يسوى العرض، فإن كان ذلك في التمثيل عشرة، قيل: كم قيمة ثلث الدين الذي على الغني وهو ثلاثة وثلاثون وثلث؟ بأن يعرف أيضا ما يسوى بعرض، ثم يعرف ما يسوى العرض، فإن كان ذلك في التمثيل ثلاثين، تحاصا جميعا في ثلث النقد فكان بينهما أرباعا؛ لأنه يضرب فيه المفلس بثلاثين، قيمة ثلث ما على الغني، ويضرب فيه الغني بعشرة، قيمة ثلث ما على المفلس، فما ناب الغني من ذلك أخذه، وما ناب المفلس أخذه منه، فيحاص فيه الورثة. والغني يضرب فيه الورثة بما لهم عليه، وهو ستة وستون وثلثان، والغني بماله عليه، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، ويؤخذ من الغني للمفلس ثلث المائة التي عليه، فيتحاص في ذلك الورثة، والغني الموصى له يضرب في ذلك الغني بجميع حقه الذي له عليه، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث، ويضرب فيه الورثة بما بقي لهم عليه من حقوقهم، وذلك أنه كان لهم عليه ستة وستون وثلثان إذ سلموا الثلث من المائة التي كانت لهم عليهم للوصية فصار إليهم من الستة والستين والثلثين ما وجب لهم في المحاصة من ثلث الناض إذا تحاصوا فيه مع الغني الموصى له بما على المفلس، حسبما ذكرناه، ويأخذ الورثة. من الغني ثلثي الدين الذي كان لهم عليه، إذ قد أسلموا الدين للوصية، ويتبع الغني المفلس بما بقي له قبله من ثلث الدين، إذ قد قبض مع ذلك ما وجب له في المحاصة من ثلث الناض حسبما بيناه، ويتبعه الورثة بما بقي لهم قبله من ثلثي الدين إذ قد قبضوا من ذلك ما صار لهم في المحاصة مما وجب لهم من الثلث الناض، وما صار لهم في المحاصة مما وجب له بالوصية على الغني، حسبما وصفناه وبيناه. وقد ذكر ابن المواز في هذه المسألة أن قول مالك وأصحابه إنه لا يقدم الدين الموصى به، وإنما يحسب عدده. ومذهب المغيرة وابن وهب تقديم الدين وهو الأظهر؛ لأن الدين حكمه حكم العرض. قال ابن المواز: إنما ذلك عند ضيق الثلث، ولو كان الثلث يخرج منه المائتان لكان لكل واحد منهما مائة بعينها. وقد ذكر بعض أهل العلم، أنه يأخذ كل واحد منهما ثلث ما على صاحبه، ويتحاصان

مسألة: تحضره الوفاة فيوصي أن تباع جاريته ممن أحبت

في ثلث الناض يضرب كل واحد منهما فيه بقدر وصيته. وقول ابن القاسم هو الصحيح في النظر؛ لأن الوصايا إذا تجاوزت الثلث فردت إليه صارت شائعة في جميع المال. وقد قيل: إنه من أوصى له بشيء بعينه فلم يحمله الثلث، يجعل له مبلغ الثلث فيما أوصى له به، ولا يكون شائعا في جملة المال. وهو أحد قولي مالك في المدونة. فعلى هذا يجعل للغني ما وجب له من جميع الثلث فيما على المفلس، وللمفلس ما وجب له من جميع الثلث فيما على الغني، وهو قول ثالث في المسألة. وقد روي عن سحنون أن الدين لا يقطع له قيمة، بخلاف العرض. وسيأتي في رسم النسمة مسألة من هذا المعنى يدخلها ما دخل هذه، وبالله التوفيق. [مسألة: تحضره الوفاة فيوصي أن تباع جاريته ممن أحبت] مسألة وسئل عن رجل تحضره الوفاة، فيوصي أن تباع جاريته ممن أحبت، ويوصي لرجل بعشرة دنانير، فيحمل ماله الجارية فقط، فأبى الورثة أن يجيزوا أو أجازوا. قال ابن القاسم: يقال للورثة: إما أجزتم الوصية فتبيعونها ممن تحب بوضع ثلث ثمنها وأعطيتم هذا عشرة، وإما أعتقتم ثلثها وتسقط العشرة. قال محمد بن رشد: قوله هذا في إيجاب العتق للجارية إذا أبى الورثة من إجازة الوصية، هو مثل ما تقدم في رسم استأذن من هذا السماع، خلاف ما تقدم في رسم الوصايا ورسم الطلاق من سماع أشهب. وقد مضى الكلام على ذلك هنالك مستوفى، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بسكنى دار له ما عاش] مسألة وسألته عن رجل أوصى لرجل بسكنى دار له ما عاش، وأوصى بوصايا، فضاق الثلث عن الوصايا، فيتحاصون في الثلث:

هذا بقية سكنى الدار حياته، وأهل الوصايا بوصاياهم، فأخذ كل ذي حق حقه، فعاش الذي أوصى له بالسكنى أكثر مما عمر، هل يرجع على أهل الوصايا بشيء؟ وإن مات هو قبل الأجل الذي عمر إليه، هل يرجع أهل الوصايا فيأخذون ما بقي؟. قال ابن القاسم: إذا ضاق الثلث عن وصايا أهل الوصايا فيتحاصون في الثلث، فإن من أخذ شيئا كان ذلك الشيء له بتلا وهو حكم يقع ويمضي، ولا يرجع أهل الوصايا على ما في يديه بشيء إذا مات قبل الأجل الذي عمر إليه؛ لأنه حكم قد مضى، وكذلك لو أوصى أن ينفق على رجل ما عاش فعمر ولم يحمل الثلث نفقة تعميره، إنه إن لم يجزه الورثة، كان ما صار له من الثلث بتلا يدفع إليه، وليس للورثة أن يرجعوا عليه بشيء وإن مات بعد ذلك بيوم؛ لأنهم قد خيروا في أن ينفذوا وصية صاحبهم، وفي أن يقطعوا له بالثلث بتلا، فاختاروا القطع له بالثلث بتلا ولو كانوا أنفذوا وصية صاحبهم ثم مات، رجعوا فأخذوا ما بقي من النفقة، وكذلك أيضا لو حمل الثلث النفقة، وفضل في أيدي الورثة من الثلث فضلة، فعمر فوقف له من الثلث قدر نفقة تعميره، إنه إن مات قبل أن يستنجز النفقة، رجع على الورثة أيضا فأخذ منهم نفقة ما بقي من عمره مما بقي في أيديهم من بقية الثلث. قال محمد بن رشد: قوله: إن الثلث إذا ضاق عن وصايا أهل الوصايا فيتحاصون فيه، لم يرجع بعضهم على بعض بشيء، لا المعمر إذا عاش أكثر مما عمر على أهل الوصايا، ولا أهل الوصايا على ما بقي في يد المعمر إن مات قبل الأجل الذي عمر إليه؛ لأنه حكم قد مضى هو خلاف ما مضى في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب؛ لأنه قال فيه: إن المعمرين لا يرجعون على أهل الوصايا إن عاشوا أكثر مما عمروا، وإن أهل الوصايا

يرجعون عليهم فيما فضل مما وقف لهم إن لم يستنفذوه بموتهم قبل الأجل الذي عمروا إليه. وقد قيل: إنهم يرجعون على أهل الوصايا إن عاشوا أكثر مما عمروا فيعمرون ثانية، كما يرجع أهل الوصايا عليهم فيما فضل مما وقف لهم إن ماتوا قبل أن يستنفذوه، وهو اختيار أشهب، والثلاثة الأقوال في آخر الرسم الأول من سماع أصبغ. وكذلك إن لم يكن ثم وصايا مع الموصى له بالنفقة أو بالسكنى حياته، فلم يحمل الثلث نفقة تعميره أو قيمة السكنى حياته، فلم يجز ذلك الورثة وقطعوا له بالثلث، قيل: إنه يكون له ما صار له من الثلث، لا يرجع عليه فيه الورثة، وإن مات بعد يوم أو يومين، وهو قوله في هذه الرواية، وقيل: إنهم يرجعون في الفضل، فيكون لهم إن مات قبل الأجل الذي عمر إليه. ولو أجاز الورثة الوصية أو حملها الثلث لارتفع الخلاف من المسألة، ولوجب إن لم يبلغوا الأجل الذي عمروا إليه، أن يرجع ما فضل مما وقف لهم إلى الورثة إن عاشوا أكثر مما عمروا أن يرجعوا على الورثة فيما بقي بأيديهم من بقية الثلث إن كانت الوصية أقل من الثلث، أو في بقية مال الميت إن كانت أكثر من الثلث فأجازوها، ولم يكن لهم على الوصايا رجوع بحال. وقوله في أول المسألة الذي أوصى له بسكنى الدار فعاش يحاص أهل الوصايا بقيمة سكنى الدار حياته ليس بخلاف لما في المدونة من أن من أوصي له بخدمة عبد أو سكنى دار، إنما يقوم في الثلث رقبة العبد والدار، لا قيمة الخدمة والسكنى لأن المعنى في ذلك إنما هو من حق الورثة إن لم يحمل الثلث رقبة العبد والدار، ألا يجيزوا الوصية، وأن يقطعوا للموصى له بالخدمة أو السكنى بالثلث من جميع ما ترك الميت، وإن كان الثلث يحمل قيمة الخدمة والسكنى، إذ قد يموتون قبل أن ترجع إليهم الرقبة، فيكون الميت كأنه قد أوصى بالرقبة ولا يحملها الثلث. وهذا هو معنى قول مالك في المدونة لأني لو أقمت الخدمة والسكنى، لكنت قد حبست العبد عن أربابه، والدار عن أربابها، وهم يحتاجون إلى بيع ذلك، فهذا لا يستقيم، وأما إذا لم يحمل الثلث رقبة الدار واحتيج في ذلك إلى المحاصة مع الوصايا فلا

مسألة: له عبد قيمته مائة دينار وللعبد مائتين فيقول للعبد أعطني المائتين وأعتقك

يحاص إلا بقيمة السكنى على غيره؛ لأنه هو الذي أوصى له به، لا الرقبة، ولو كان الثلث لا يحمل الرقبة والوصايا، وهو أكثر من قيمة السكنى والوصايا، لوجب إذا عاش أكثر مما عمر إليه أن يكون أحق بما فضل من الثلث، فيستوفي منه السكنى بقية حياته، كما أوصي له به؛ لأن أهل الوصايا قد أخذوا وصاياهم، فلا كلام لهم، والموصى له بالسكنى أحق بقيمة الثلث من الورثة. [مسألة: له عبد قيمته مائة دينار وللعبد مائتين فيقول للعبد أعطني المائتين وأعتقك] مسألة وسألته عن الرجل يمرض وله عبد قيمته مائة دينار، وللعبد مائتا دينار، فيقول للعبد: أعطني المائتين، وأعتقك فأخذها وأعتقه. قال: عتقه جائز. قلت كيف يجوز لهذا وهو مريض؟ وهو لو قال في ذلك هو حر بتلا أو أوصى بعتقه، لم يعتق منه إلا ثلثها رقبة، وأقر ماله في يديه، ولم يحاص في عتقه بشيء من ماله إذا لم يترك إلا العبد وماله، فقال: أرأيت لو قال: خذوا من عبدي ماله وأعتقوه، وليس له مال غيره، فوجدوا العبد ثلث ماله أليس قد كان يعتق؟ قلت: لا أدري قال: نعم، إذا قال: خذوا ماله وأعتقوه، جاز عتقه إذا كان هو ثلث ماله. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إن عتقه جائز؛ لأنه قد كان له أن يأخذ ماله ولا يعتقه، فإذا أخذ المائتين منه وأعتقه، وقيمته مائة، فذلك بين الجواز؛ لأنه أعتقه، وثلث ماله يحمله، إذ قد صار المال له بانتزاعه إياه منه، وإنما قال له أعطني المائتين، وأعتقك التماس رضاه بذلك، خشية أن يكون كارها للعتق إذا لم يكن له مال، لا من أجل أن له أن يمتنع من ذلك. وقد قال بعض أهل النظر: إنما جاز ذلك؛ لأنه نفذ عتقه في حياته على عوض وهو ثلثه. والوجه في جواز ذلك هو ما ذكرته، لا ما سواه. وبالله التوفيق.

مسألة: يقول أحد عبيدي لفلان وله ثلاثة أعبد قيمتهم سواء

[مسألة: يقول أحد عبيدي لفلان وله ثلاثة أعبد قيمتهم سواء] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول: أحد عبيدي لفلان، وله ثلاثة أعبد قيمتهم سواء، وليس له مال غيرهم، ثم يقول بعد ذلك: عبدي فلان لفلان، رجل آخر، والعبد من تلك الثلاثة الأعبد، قال: إذا كان قيمتهم سواء، أسهم بينهم بثلاثتهم للذي قال: أحد عبيدي لفلان، حتى يعلم في أي عبد يقطع له فيه وصيته، فإن خرج سهمه في الذي أوصى به للرجل الآخر كان نصفه له، ونصفه للآخر، وإن خرج سهمه في آخر كان له نصفه، وللورثة نصفه، وكان لهذا الآخر نصف العبد الذي له به، فعلى هذا فقس أمرها إذا اختلفت قيمتهم أو اتفقت على هذا، وإن كان مع العبيد مال غيرهم، إلا أن العبيد أقل من الثلث، فإن الذي أوصى له بالعبد بعينه يحاص صاحبه بقيمة العبد الذي سمي له ويحاص الآخر بثلث قيمتهم ثلاثتهم. قال محمد بن رشد: قوله: إذا لم يكن له مال سواهم، وكانت قيمتهم سواء، إنه يسهم بينهم للذي قال: أحد عبيدي لفلان، فإن خرج السهم منهم على الذي أوصى به للآخر، كان بينهما نصفين، وإن خرج على غيره، كان له نصفه، وللورثة نصفه، وكان للآخر العبد الذي أوصى له به، بين لا إشكال فيه، إذ ليس له أن يوصي بأكثر من ثلث ماله، وثلث ماله هو عبد من الأعبد الثلاثة إذا لم يكن له مال- سواهم. وقوله: فقس أمرها إذا اختلفت قيمتهم، أو اتفقت على هذا، يريد أنه إذا اختلفت قيمتهم يسهم أيضا بينهم ثلاثتهم، للذي قال: أحد عبيدي لفلان فإن خرج السهم على العبد الذي أوصى به للآخر، وقيمته الثلث فأقل، كان بينهما بنصفين، وإن كانت قيمته أكثر من الثلث، كان بينهما بنصفين ما حمل الثلث منه، وكانا شريكين فيتبع

الورثة بالزائد على الثلث، وإن خرج السهم على عبد من العبدين الآخرين، وقيمتهما جميعا الثلث فأقل، أخذ العبد الذي خرج له في السهم، وأخذ الآخر العبد الذي أوصي له. به، وإن كانت قيمتهما أكثر من الثلث، مثل أن تكون قيمة أحد العبيد عشرة، والثاني عشرين، والثالث ثلاثين، فيوصي للرجل بالعبد الذي قيمته عشرة، ويخرج للآخر بالسهم العبد الذي قيمته عشرون، كان الثلث من العبيد إذا قطع به الورثة لهما، ولم يجيزوا الوصية بينهما على قدر وصاياهما؛ لأن الوصايا إذا لم يحملها الثلث حالت ورجعت إلى الإشاعة في الثلث. وهذا على القول بأن من أوصي له بعبد من جملة عبيده يعطى واحدا من عددهم بالقرعة، وأما على القول بأن من أوصي له بعبد من جملة عبيد، يكون له ثلثهم بالقيمة، إن كانوا ثلاثة، وربعهم إن كانوا أربعة، يخرج لهم في ذلك بالقرعة من عددهم ما خرج، والقولان قائمان من المدونة، فالحكم في ذلك أن يخرج ثلثهم بالسهم للذي أوصي له بالعبد من الأعبد الثلاثة، فإن حمل الثلث الوصيتين جميعا، افترقت في العبيد أو اجتمعت في العبد الموصى بعينه لأحدهم أو كان في ذلك فضل عنه بعد ذلك، وانفرد بالفضل الموصى له بالعبد من الأعبد. وإن لم يحمل الثلث الوصيتين جميعا، ولا أجاز ذلك الورثة، فقطعوا لهما بالثلث، تحاصا فيه على قدر وصاياهما. وفي المسألة قول ثالث، وهو أن من أوصي له بعبد من جملة عبيد، يكون شريكا مع الورثة في كل عبد بالثلث، إن كان العبيد ثلاثة، أو بالربع إن كانوا أربعة فالحكم في مسألتنا على قياس هذا القول أن يكون للموصى له بالعبد بعينه ثلثا العبد الذي أوصي له به، ويكون ثلثه بينه وبين الموصى له الآخر لأن وصاياهما قد اجتمعت في ثلثه، ويكون للموصى له الآخر، ثلث كل عبد من العبدين الآخرين أيضا. هذا إن حمل ذلك الثلث، وأما إن لم يحمله الثلث، ولا أجاز ذلك الورثة، فقطعوا لهما بالثلث، تحاصوا فيه على قدر وصاياهما. وأما قوله: وإن كان مع العبيد مال غيرهم، إلا أن العبيد أقل من الثلث إلى آخر قوله، فلا يستقيم، إلا أن يعدل

مسألة: يوصي بأن يحج عنه بثمن جارية له فولدت الجارية

بالكلام عن ظاهره من العموم، فيقال: معناه: إذا كان العبيد أقل من الثلث، ووصاياهما جميعا إذا اجتمعت أكثر من قيمة العبيد، مثل أن تكون قيمة أحدهم تسعين، وقيمة الثاني عشرين، وقيمة الثالث عشرة، فيوصي لرجل بعبد منهم غير معين، وللآخر بالعبد الذي قيمته تسعون؛ لأن جميع قيمة العبيد على هذا مائة وعشرون، ووصاياهما جميعا مائة وثلاثون؛ لأن الذي أوصى له بعبد غير معين له ثلث قيمتهم بأربعين، فيتحاصان جميعا في جميع العبيد الموصى له بالعبد المعين بتسعين، والموصى له بالعبد من الأعبد بأربعين؛ لأن المحاصة إنما تكون عند ضيق المال عن حقوق أهله، وأما إذا كانت وصاياهما إذا اجتمعت، مثل قيمة العبيد أو أقل، فيأخذ كل منها وصيته كاملة، ولا يحتاج في ذلك إلى التحاص. وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بأن يحج عنه بثمن جارية له فولدت الجارية] مسألة وسئل عن الرجل يوصي بأن يحج عنه بثمن جارية له، ثم إنها ولدت بعد موت الموصي قبل أن تباع، فهل تباع بولدها؟ أو يكون أوصى لرجل بجارية فلم ينظر في وصيته حتى ولدت هل تكون هي وولدها للذي أوصي له بها مع ولدها؟ أو تكون ماتت وبقي ولدها، هل ترى ولدها للموصى له؟ أو يكون قال جاريتي حرة إن دخلت دار فلان، أو كلمت فلانا، ثم إنها ولدت أولادا قبل أن يدخل الدار، وقبل أن يكلمه، ثم كلمه، هل يعتقون معها أم لا؟ قال ابن القاسم: أما الذي أوصى بالحج عنه بثمن جارية له، فأرى الوصية في الجارية وولدها إن ولدت بعد موت الموصي، وأما الذي أوصى بجارية له لرجل فولدت، فإنها إن كانت ولدت بعد وفاة الموصي، فولدها أيضا للموصى له، بقيت الأمة أو هلكت، وإن كانت ولدت والموصي حي، ثم هلك بعد، فلا حق للموصى له في ولدها.

وأما الذي قال: إن دخلت هذه الدار فجاريتي حرة، فولدت قبل أن تدخلها، ثم دخلها ولها ولد، فإنها تعتق بولدها. كذلك قال لي مالك على الاستقلال للعتق. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن ما ولدت الجارية الموصى بها لرجل أو الموصى بعتقها، والموصى بالحج بثمنها بعد موت الموصى فولدها تبع لها، أن الوصية قد وجبت بموت الموصي وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل ذات رحم فولدها بمنزلتها» وأما ما ولدت الجارية المحلوف بعتقها ألا يفعل فعلا، فالقياس ألا يعتق ولدها بعتقها؛ لأنه فيها على بر، وله أن يطلق ويبيع، إلا أن قول مالك قد اختلف في ذلك، مرة كان يقول: تعتق بولدها، ومرة كان يقول: تعتق بغير ولدها، ولكن الذي ثبت عليه من ذلك واستحسن على ذكره، أن تعتق هي وولدها على ما قاله في هذه الرواية، في رسم بع ولا نقصان عليك، من سماع عيسى من كتاب العتق، وفي رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ منه، وفي رسم باع غلاما من سماع عيسى عن ابن القاسم، وأما اليمين التي يكون فيها على حنث مثل أن يحلف بعتقها ليفعلن فعلا ولا يضرب لذلك أجلا فالقياس أن يعتق ولدها بعتقها، وهو المشهور من قول مالك. وقد روي عن مالك أن ولدها لا يدخل في اليمين، وهو قول المغيرة المخزومي. وإن ضرب ليمينه بعتقها ليفعلن فعلا أجلا فهو أخف. وفي دخول ولدها في اليمين اختلاف؛ لأن مالكا إذا رأى في أحد قوليه أن الولد يدخل في اليمين التي يكون فيها على بر، وله أن يطأ ويبيع، فأحرى أن يرى ذلك في هذه اليمين التي يمنع فيها من البيع، ويختلف في جواز الوطء له، وبالله التوفيق.

: قال عند موته قد كنت أعتقت غلامي فلانا فأنفذوا ذلك وأوصى بوصايا

[: قال عند موته قد كنت أعتقت غلامي فلانا فأنفذوا ذلك وأوصى بوصايا] ومن كتاب أمهات الأولاد قال ابن القاسم: إذا قال الرجل عند موته: قد كنت أعتقت غلامي فلانا أو كنت تصدقت على فلان بكذا وكذا، وقد كنت جعلت كذا وكذا في سبيل الله، فأنفذوا ذلك، وأوصى بوصايا فإن ذلك يكون في الثلث بمنزلة الوصايا يصنع فيها ما يصنع في الوصايا حين قال: أنفذوا ذلك إن كان عتقا بعينه يبدأ، فإن كانت رقبة ليست بعينها هكذا أو غير ذلك من الوصايا مما يشبه حص بين ذلك كله، ووقعت فيه المحاصة، وإن كان قال ذلك، قد كنت فعلت كذا وسكت ولم يقل فأنفذوا ذلك فليس ذلك شيء لا في الثلث ولا في رأس المال، وهو ميراث، ولا يدخل فيه الوصايا ويدخل في ثلث ما بعده، وإن لم يقل شيئا وسكت، ولم يذكر رأسا، إلا أنه قد فعله في الصحة، ولم يزل في يديه حتى مات، ولم يخرج من يديه، فإن الوصايا تدخل فيه، وإن كان على أصل ذلك بينة، ثبت العتق من رأس المال، وردت الصدقات والنخل، وجرت فيه الوصايا؛ لأنه لم يذكرها، ولم يقل أنفذوها وقاله أصبغ كله. قال محمد بن رشد: أما إذا قال في مرضه هذه الأشياء: قد كنت فعلت ذلك في صحتي فأنفذوا ذلك، فلا اختلاف في أنها تنفذ من ثلثه على سبيل الوصية، فتبدأ على ما هي أوكد منها، ويحاص بينها وبين ما كان في منزلتها. وأما إذا قال: قد كنت فعلت ذلك في صحتي ولم يقل فأنفذوه، فأما العتق، فيتخرج على الاختلاف الذي ذكرناه في رسم العرية في الذي يقر في مرضه عند موته في جارية أنها أم ولده. وأما ما ذكره في مرضه من أنه كان تصدق به في صحته، أو جعله في السبيل، فلا اختلاف في أنه لا ينفذ إن مات من مرضه في رأس مال ولا ثلث، وإنما يدخل الاختلاف في، العتق،

بخلاف الصدقة وما أقر أنه جعله في السبيل من أجل أن العتق لا يفتقر إلى حيازة، بخلاف الصدقة، وما كان في معناها، ولا تدخل الوصايا في شيء من ذلك، وإنما تكون في ثلث ما بقي بعدها، ولا اختلاف أحفظه في هذا. وأما إذا تصدق في صحته ولم تحز الصدقة عنه حتى توفي، فاختلف هل تدخل فيها الوصايا أم لا على قولين: أحدهما: أنها تدخل فيه، وهو قوله في هذه الرواية. ووجه ذلك أنه لما أمسكه ولم يحوزه حمل عليه أنه أراد إبطاله، فوجب أن تدخل فيه الوصايا. والقول الثاني: أنه لا تدخل فيه الوصايا. وهو قول مالك في الموطأ رواية يحيى ورواه ابن وهب عنه أيضا وهو قول ابن كنانة قال: لأنها صدقة للمتصدق عليه بها حتى مات، وإنما ردها القاضي بعد الموت بالحكم للتهمة، وقد كان من أدركنا من الشيوخ يقولون في مسألة رسم القضاء المحض من سماع أصبغ، من كتاب الصدقات والهبات إنها خلاف هذه الرواية، مثل قول مالك في الموطأ ورواية ابن وهب عنه. وقول ابن كنانة، وليس ذلك بصحيح؛ لأنها مسألة أخرى، لا اختلاف فيها حسبما بيناه هنالك، من الفرق بين المسألتين. والذي قلته عن الذي قال في مرضه: قد كنت أعتقت عبدي في صحتي، يتخرج على الاختلاف الذي ذكرناه في رسم العرية في الذي يقر في مرضه عند موته بجارية أنها أم ولده، يؤيده ما حكاه ابن المواز عن مالك في القائل في مرضه: كنت أعتقت فلانا في صحتي، وتصدقت على فلان بكذا، إنه يعتق العبد من ثلثه، وتبطل الصدقة، إذ لو ثبتت بالبينة لبطلت، ولو قامت بالعتق بينة كان من رأس المال. قال محمد وهذه الرواية غلط ويبطل ذلك كله، وليست بغلط كما قال محمد؛ لأنه اختلاف معلوم من قول مالك، وهو كتاب المكاتب من المدونة فقف على ذلك كله وتدبره تصب إن شاء الله، وبه التوفيق.

: يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه

[: يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه] ومن كتاب يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسألته عن رجل هلك وترك ولدا وترك ثلاثة أعبد، وليس مع الولد وارث غيره، فقال: هذا العبد أوصى أبي بعتقه، ثم قال بعد ذلك: لا ليس هو هذا، ولكن هو هذا، ثم قال بل هو هذا، حتى ينصهم بثلاثتهم. قال يُقوَّمون ثلاثتهم ثم ينظر إلى قيمتهم ثلاثتهم فيعتق في كل واحد ثلث قيمتهم ثلاثتهم سواء أعتقوا ثلاثتهم، وإن كانت قيمتهم مختلفة فمن كانت قيمته منهم ثلث قيمتهم ثلاثتهم، عتق كله. ومن كانت قيمته أكثر من ثلث قيمتهم عتق منه ما حمل الثلث من قيمتهم. فعلى هذا يعتقون. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة إن لم يكن له مال غيرهم، ولذلك قال: إنه يعتق في كل واحد منهم ثلث قيمتهم ثلاثتهم؛ لأنه قد أقر لكل واحد منهم أنه هو المعتق، فوجب أن يعتق إن كانت قيمته ثلث قيمتهم ثلاثتهم فأقل، مثال ذلك أن تكون قيمة أحدهم عشرة، وقيمة الثاني عشرون، وقيمة الثالث ثلاثون، فالذي قيمته عشرة، يقول له: قد أقررت لي أني أنا هو الذي أوصى أبوك بعتقه، فأعتقني؛ لأن قيمتي أقل من الثلث، والذي قيمته عشرون يقول له: قد أقررت لي أنا هو الذي أوصى أبوك بعتقه، فأعتقني؛ لأن قيمتي الثلث. والذي قيمته ثلاثون يقول له: قد أقررت لي أني أنا هو الذي أوصى أبوك بعتقه، فأعتق مني ثلث قيمة العبيد؛ إذ لم يترك أبوك مالا غيرهم، فهو عشرون، فيعتق منه ثلثاه، ولو ترك من المال سوى العبيد ثلاثين دينارا لعتق جميع العبد الذي قيمته ثلاثون أيضا لحمل الثلث له، فالأصل في هذا أن يعتق كل واحد منهم إن كان يحمله ثلث مال الميت، ومن لم يحمله منهم ثلث الميت، عتق ما حمل الثلث منه. وبالله التوفيق.

مسألة: يأتيه الخبر أن غلامه هلك فيوصي بوصايا فيأتي خبر أن ذلك الغلام حي

[مسألة: يأتيه الخبر أن غلامه هلك فيوصي بوصايا فيأتي خبر أن ذلك الغلام حي] مسألة وسألته عن الرجل يأتيه الخبر، أن غلامه هلك، وأن سفينته غرقت، وأن فرسه مات، أو نحو ذلك من الأمور، فتحضره الوفاة فيوصي بوصايا، ثم يموت، فيأتي خبر أن ذلك الغلام حي، والفرس حي، والسفينة لم تغرق، قال ابن القاسم: إن كانت قامت عنده البينة، وشهد قوم عنده قبل الوصية أو بعدها أن العبد مات، والسفينة غرقت، والفرس مات، أو بلغه ذلك فطال زمانه، ويئس منه، ثم جاء خبر بعد موته أنه لم يذهب منه شيء، فلا يدخل فيه شيء من الوصايا، وهو كَمَالٍ طارئ لم يعلم به، وإن كان ذلك شيء بلغه، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات، ولم يشهد عنده أحد بهلاكه، إلا خبر بلغه، فإن الوصايا تدخل فيه. قلت فالعبد يأبق؟ قال: تدخل فيه الوصايا متى ما رجع. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في أول سماع أشهب، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [: قال أنفقوا على أمهات أولادي وأوصى بخادم تخدمهن فعلى من نفقة الخادم] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده سمعت عبد الرحمن بن القاسم، وسئل عمن أوصى فقال: أنفقوا على أمهات أولادي ثلاث سنين، وأوصى بخادم تخدمهن حياتهن، على من نفقة الخادم؟ قال: نفقتها في الثلاث سنين من مال الميت، فإذا انقضت فنفقتها عليهن، قيل: فإن قال: أنفقوا عليهن كلهن ثلاث سنين، في كل سنة عشرة دنانير، أيكون

مسألة: أوصى فقال أنفقوا على أم ولدي ما دامت مقيمة على ابنها

للخادم نفقة من مال الميت في ثلاث سنين؟ قال: لا. قلت: لم؟ قال لمكان التسمية؛ لأنه قد سمى ما ينفق عليهن، فليس يزدن عليه. قال محمد بن رشد: قوله: وأوصى بخادم تخدمهن حياتهن، يدل على أنه إن لو لم يوص لهن بذلك، لم يفرض لهن في الثلاث سنين خدمة في جملة النفقة، وهو قول ابن الماجشون؛ لأنه لا يفرض للموصى له بالنفقة للخدمة إلا بوصية. وقد مضى هذا وما يدخله من الخلاف في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب. وأما إذا سمى ما ينفق عليهن في كل سنة من الدنانير، فلا إشكال في أنهن لا يزدن على ذلك شيئا في إخدام ولا في نفقة من أوصى بخدمتهن؛ إذ لا يصح أن يزدن على ما أوصى به لهن، والله الموفق. [مسألة: أوصى فقال أنفقوا على أم ولدي ما دامت مقيمة على ابنها] مسألة قيل: فرجل أوصى فقال: أنفقوا على أم ولدي ما دامت مقيمة على ابنها ما لم تنكح ما عاشت، فمات الابن، وقالت: لا أنكح وطلبت النفقة. قال: لا أرى ذلك لها ولا أرى أن ينفق عليها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأنه إنما أوصى بالنفقة ما لم تنكح بشرط قيامها على ابنها؛ إذ لا غرض للموصي في ترك نكاحها إلا ما لابنه من المنفعة في ذلك بحسن قيامها عليه، فإذا مات الولد، ذهب الذي من أجله أوصى لها بالنفقة، فوجب أن تسقط. وبالله التوفيق. [مسألة: قال أنفقوا على أم ولدي ما عاشت ما لم تنكح] مسألة قيل له: فرجل قال: أنفقوا على أم ولدي ما عاشت ما لم

مسألة: أوصى فقال لفلان مثل نصيب أحد ولدي وليس له ولد

تنكح، فصالحها الورثة من النفقة التي لها حياتها بشيء يدفعونه إليها، قال: لا بأس به. قيل له: فأرادت النكاح. ألهم أن يرجعوا في الصلح؟ قال: لا. قيل: أفتمنع من النكاح؟ قال: لا أرى أن تمنع من النكاح. قال عيسى: وإن ماتت بعد اليوم أو اليومين لم تتبع بشيء. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في آخر رسم البيوع الأول من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته. [مسألة: أوصى فقال لفلان مثل نصيب أحد ولدي وليس له ولد] مسألة وسئل عمن أوصى، فقال: لفلان مثل نصيب أحد ولدي وليس له ولد، وجعل يطلب الولد، فقدر أن مات ولم يولد له. قال: ليس للموصى له شيء؛ لأنه لم يثبت له شيء، واحتج في ذلك بمسألة مالك في الذي قال: اكتبوا ما بقي من ثلثي لفلان، حتى أنظر لمن أوصي فمات قبل أن يوصي بشيء غير ذلك. قال مالك: ليس للموصى له ببقية الثلث شيء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: لأنه لا شيء للموصى له بمثل نصيب أحد ولده إذا مات قبل أن يكون له ولد؛ لأن المعنى فيما أوصى به إن له مثل نصيب أحد ولده إن كان له ولد، فإذا لم يكن له ولد بطلت الوصية. ولا اختلاف أحفظه في هذا. وأما المسألة التي احتج بها في قول مالك، فأشهب يخالف فيها، ويرى له الثلث كله، ووجه ما ذهب إليه أنه لما جعل له ما بقي من ثلثه، ثم لم يوص بعد بشيء، تبين أنه أراد أن يبقى له جميع الثلث. ووجه قول مالك: أنه كان مجمعا على أن يوصي ولا يدري لو أوصى هل كان يفضل من الثلث شيء أم لا؟ ولا تكون الوصايا بالشك، كما لا يكون الميراث به، فلكلا القولين وجه من النظر. وقد وقع في سماع محمد

مسألة: أوصى الرجل أن ربع عبده حر

بن خالد بعد هذا من قول أشهب في بعض الروايات، أن له ثلث الثلث، مكان ثلث الميت، فقيل: إنه غلط في الرواية، وتصحيف فيها، وقيل إنه اختلاف من قول أشهب، وإنه قول ثالث في المسألة. وعلى ذلك حمله ابن حارث في كتاب الاتفاق والاختلاف له وهو بعيد لا وجه له في النظر. ولو قيل: إن له نصف الثلث، لكان قولا له وجه؛ لأنه يقول: لي الثلث كله، ويقول الورثة: لا شيء لك منه، فيقسم بينهما بنصفين. وقول مالك هذا هو قوله في رسم بع ولا نقصان عليك، ورسم أسلم بعد هذا من هذا السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى الرجل أن ربع عبده حر] مسألة قال مالك: وإذا أوصى الرجل أن ربع عبده حر، لم يقوم على العبد ما بقي منه؛ لأن السيد هو المعتق، وإذا أوصى لعبده بربع نفسه، عتق وقوم على العبد ما بقي منه. قال مالك: لأنه لو كان بين اثنين فأعتق أحدهما مصابته قُوِّم عليه، فالعبد إذا ملك بعض نفسه أحرى أن يُقَوَّم عليه ما بقي منه؛ لأنه ما ملك من نفسه عتق. قال ابن القاسم، فإن أوصى لعبده بربعه وثلث ما بقي من ثلثه، لعتق عن نفسه فيما أوصى له به. قال محمد بن رشد: لا اختلاف إذا أوصى الرجل بعتق بعض عبده أنه لا يقوم على العبد بقيته إذا لم يعتق عليه شيء منه، وإنما اختلف إذا أوصى له بثلثه، أو بثلث ماله فعتق ثلثه عليه؛ إذ لا يصح له ملك نفسه، هل يُقَوَّم عليه باقيه في مال إن كان له، أو فيما بقي من ثلث سيده إن كان أوصى له بثلث ماله، على ما مضى القول فيه في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم، وما يأتي في رسم أسلم ورسم الرهون من هذا السماع، وفي سماع أبي زيد، وبالله التوفيق.

مسألة: قال لفلان مالي ولفلان سدس مالي

[مسألة: قال لفلان مالي ولفلان سدس مالي] مسألة وقال: لو قال لفلان: مالي ولفلان سدس مالي فإن الثلث يقوم بينهما على سبعة أجزاء لهذا ستة، ولهذا جزء. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، وسواء كان المال على السدس، أو السدس على المال، وسواء كان ذلك في نسق واحد، أو لم يكن في نسق واحد، أو كان في وقتين؛ لأن الوصية بالمال أو جزء منه، أو بالجزئين من المال في وقت واحد، أو في وقتين، لا تدخل إحدى الوصيتين على الأخرى، ولكل واحد منهما وصيته التي أوصي له بها، يحاص بها أهل الوصايا إن ضاق الثلث عنها، بخلاف العبد يوصي به لرجل بجزء منه الآخر إنهما يشتركان في الجزء الذي أوصى به منه، وإن كان ثم مع العبد وصايا يضيق الثلث من جميعها، ضربا جميعا بقيمة العبد في الثلث، ولم يضرب هذا فيه بقيمة العبد، وهذا بالجزء الذي أوصى له به، كما لو أوصى لرجلين، واحد بعد واحد، لم يضربا جميعا إلا بقيمة العبد، بخلاف إذا أوصى بجميع ماله، أو بثلثه لرجل، ثم أوصى بعد ذلك لرجل آخر بمثل ذلك، إن كان واحدا مما يضرب بوصيتة كاملة. وبالله التوفيق. [مسألة: نعجة أوصي لرجل بصوفها وللآخر بجلدها] مسألة قال وسمعت ابن القاسم وسئل عن نعجة أوصي لرجل بصوفها وللآخر بجلدها، فاستؤني بها حتى ولدت أولادا قال: أما صاحب الصوف فليس له من ولدها قليل ولا كثير، وأما صاحب الجلد فله قيمة الجلد، ولا شيء له في الولد. واحتج بقول مالك في البعير الذي بيع على أن ينحر واستثني جلده واستحيي إنما له قيمة الجلد، وقال في النعجة: إنما شأنها

ووجه الوصية فيها على الموت أن تذبح فاستحييت، فله قيمة جلدها، أو لم يكن على الموت، فلا يكون له في الولد شيء، وإنما هو أحد هذين الوجهين وإنما هو على الموت، فليس له إلا قيمة جلدها. قال محمد بن رشد: قوله في صاحب الصوف إنه ليس له من ولدها قليل ولا كثير بين، إذ ليس لصاحب الصوف من رقبة النعجة شيء، ولا من أولادها، وإن استحياها صاحب الجلد وصاحب اللحم، فأبقياها بينهما على الاشتراك. وأما قوله في صاحب الجلد: إن له قيمة الجلد ولا شيء له، في الولد ففيه نظر؛ لأن القياس في هذه النعجة الموصى لأحد الرجلين بجلدها، وللآخر بلحمها، أن يكونا شريكين فيها. هذا بقيمة الجلد، وهذا بقيمة اللحم، ولا يكون لصاحب اللحم أن يعطى صاحب الجلد قيمته، ولا شراؤه، كما لو اشترى أحدهما جلد الشاة، والآخر لحمها. وقد قال ذلك ابن حبيب في الواضحة إذا اشترى أحدهما الرأس والآخر البقية: إنه ليس للذي اشترى بقيتها أن يعطي صاحب الرأس شرواه ولا قيمته ويستحييها ولكن يكونان شريكين جميعا على قدر الأثمان. وإنما قال مالك في الذي يبيع الشاه ويستثني جلدها أن للمبتاع أن يعطى البائع شروى الجلد أو قيمته على القول بأن المستثنى مبقى على ملك البائع استحسانا؛ مراعاة لقول من يرى المستثنى بمنزلة المشترى لأن من اشترى جلد الشاة قبل أن تذبح، على القول بجواز الشراء للبائع أن يعطي المشتري شروى الجلد أو قيمته، ويستحي الشاة، وليس للمبتاع أن يمتنع من ذلك، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار» قياسا على من وجب له

مسألة: وصى في مرضه فقال مسح الشعير أعطوه فلانا فهل يأخذه بالطعام

بقض عرصة، فأراد أن يهدمه ويأخذه، إن لرب العرصة أن يأخذه بقيمته منقوضا وما أشبه ذلك، فقول ابن القاسم في هذه المسألة: إن للموصى له بلحم الشاة أن يعطي الموصى له بجلدها قيمته ويستحييها هو مثل ما روي عنه فيمن وهب لرجل لحم شاته والآخر جلدها وأكارعها أن للذي وهب له لحمها أن يعطي للذي وهب له جلدها وأكارعها مثل ذلك، أو قيمتها ويسحييها، وذلك استحسان، لا يحمله القياس ولو كان ذلك من حقه بوجه القياس، لما وجب أن يكون الولد له، إلا إذا حدث بعد أن استخلص الشاة، بإعطاء صاحب الجلد قيمة جلده، وأما إذا غفل عن ذلك حتى ولدت أولادا فلا يصح في وجه النظر، والقياس. أن يكون الأولاد له، وإنما الواجب أن يكون الولد بينهما كما كانت تكون المصيبة فيها منهما جميعا لو هلكت. وهذا بين. والحمد لله. [مسألة: وصى في مرضه فقال مسح الشعير أعطوه فلانا فهل يأخذه بالطعام] مسألة وسئل عن رجل حضرته الوفاة وفي بيته حس ومسح مملؤين طعاما فقال مسح الشعير أعطوه فلانا، هل يأخذه بالطعام أو بغير الطعام؟ قال: بل بالطعام. قيل فلو قال: الخريطة الحمراء أعطوها فلانا، والخريطة مملوءة دنانير. قال: تكون له الخريطة وما فيها. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في رسم بع ولا نقصان عليك من هذا السماع من كتاب المديان والتفليس، ووصل بها قال: ابن القاسم في الذي يقول: أعطوا فلانا زقا كذا وكذا فيوجد الزق مليئا عسلا قال: يعطاه بالعسل، قيل: فلو كان مليئا دراهم، قال: إذا لا يكون له إلا الزق إلا أن يكون عرف أن فيه دراهم، فهو له. والوجه في ذلك أنه إذا كان

: أراد أن يوصي وأحضر شهودا فأوصى لأقوام

الطرف الذي أوصى به للرجل مملؤا مما جرت العادة أنه يجعل فيه حملت وصيته على أنه أراد أن يعطاه بما فيه، وإن كان مملوءا بغير ما جرت العادة أن يجعل فيه، لم يكن له مما فيه، إلا أن يقول: أعطوه إياه بما فيه، أو يعلم أنه عرف يوم أوصى أنه كان فيه ما وجد بعد موته فيه، إذ لا يصح أن يعطى بالوصية إلا ما يرى أن الموصي أراده، وبالله التوفيق. [: أراد أن يوصي وأحضر شهودا فأوصى لأقوام] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك وسئل عن رجل أراد أن يوصي وأحضر شهودا فأوصى لأقوام أو لم يوص بشيء، فقال: إني أريد أن أؤخر وصيتي إلى غد، فأوصي، ولكن ما بقي من ثلثي فلفلان، فيموت قبل أن يوصي قال: قال مالك: لا شيء له، إذا أخر وصيته فمات قبل أن يوصي؛ لأنه لا يرث أحد أحدا بالشك، فكذلك الذي يعلم أنه إنما أوصى لرجل ببقية الثلث، وهو يريد أن يقدم قبله وصايا، فلم يقدمها وفات بنفسه، ولم يعلم أنه ترك الوصية لهم، فلا وصية لهم؛ لأنه لا يدري أكان يفضل له شيء أم لا؟؛ لأنه كان مجمعا على أن يقدم قبله وصايا؛ لأنه على ذلك أشهد وإنما جعل له ما فضل بعد تلك الوصايا فلا يعلم الذي له، فلا شيء له. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في الرسم الذي قبل هذا. فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: قال جزء من مالي أو سهم من مالي لفلان] مسألة قال ابن القاسم في رجل قال: جزء من مالي أو سهم من مالي لفلان، فمات، قال: أرى أن ينظر من حيث يقوم أصل

مسألة: أوصى لأربعة نفر بوصايا مختلفة

فريضتهم، فيعطى منها سهما إن كانت من ستة أسهم، وإن كانت اثني عشر فسهم من اثني عشر وإن كانت من أربعة وعشرين فسهم من أربع وعشرين، وإن كانت ورثته أولادا فقط، فإن كان رجلا وابنة أعطى سهما من ثلاثة، وإن كان رجلا وامرأتين فسهم من أربعة، وإن كانا رجلين وامرأتين، فسهم من ستة أسهم، فعلى هذا فاحسب، قلوا أو كثروا، وإن لم يكن إلا ولدا واحدا، فله سهم من ستة؛ لأنه أدنى ما يقوم منه سهم أهل الفرائض. قال أشهب: له سهم من ثمانية. لأني لم أجد أحدا ممن فرض الله له سهما أقل من الثمن. قلت: فإن كانت الفريضة أصلها من ستة، وهي تربوا حتى تنتهي عشرة، فمن عشرة يعطى سهما أم من ستة؟ قال: من عشرة. قال محمد بن رشد: إنما جعل ابن القاسم السدس إذا لم يكن له ورثة، فيعطيه سهما من سهام فريضتهم التي تنقسم عليها مواريثهم؛ لأن السدس أقل سهم مفروض لأهل النسب من الورثة، فأعطي الموصى له أقل سهم فرضه الله لمن يرث الميت من أهل نسبه. وإنما أراد أشهب له الثمن لأنه أقل سهم فرضه الله لمن يرث الميت من أهل نسبه وهو الأظهر؛ لأن هذا إنما يرجع فيه إلى ما يرى أن الميت أراده وقصده، وإذا احتمل أن يريد الموصي السدس للمعنى الذي رآه ابن القاسم، واحتمل أن يريد الثمن للمعنى الذي رآه أشهب، وجب أن لا يكون له إلا الأقل، ويسقط الزائد للشك فيه. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لأربعة نفر بوصايا مختلفة] مسألة وقال أشهب في رجل أوصى لأربعة نفر بوصايا مختلفة أوصى لواحد بعشرة دنانير، ولآخر بعشرين، ولآخر بثلاثين، ولآخر

بأربعين، فكلم في رجل، فقال: والله ما بقي شيء، ولكن هو شريك معهم، فمات، قال: يعطى نصف وصية كل واحد مما أوصى لهم له، ليس من بقية الثلث بعد وصايا هؤلاء، ولكن من وصاياهم، قيل له: فإنه قال: هو شريك معهم بالسوية، قال: يعطى ربع كل وصية إذا كانوا أربعة، وإن كانوا خمسا فخمسها، فعلى هذا يعطى، ينظر إلى عدد الذين أوصى لهم، فإن كانوا ثلاثة، كان رابعا أعطى ثلث ما أوصى به لكل واحد منهم، وإن كانوا أربعة، فربع كل إنسان، وإن كانوا خمسة فخمس كل إنسان على هذا بحسب إذا قال شريك بالسواء، فإن كانوا ثلاثة كان رابعهم، وإن كانوا خمسة كان سادسهم، وإن كانوا ستة، كان سابعهم، فعلى هذا يحسب. قد قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب وهو كتاب العشور من سماع عيسى بن دينار، في رجل أوصى لرجل بمائة، ولآخر بمائتين. ولآخر بثلاثمائة، فكلم في آخر، فقال له مثله، قال: له ثلث وصية كل رجل منهم، وكذلك لو كثروا حتى يكونوا خمسة أو عشرة، فله خمس كل وصية أو عشرها. قال: ولقد قال مالك: ونزلت في رجل قال: لفلان مثل نصيب أحد ورثتي وهم عشرة أولاد ذكور وإناث، فقال: له عشر المال، وكذلك لو كانوا كلهم ذكورا له عشر المال، ولقد حدثني ابن دينار عن أبي الزناد مثله وإن ناسا ليقولون: يجعل حادي عشر سهما من كل من يرثه من ولد ذكرا أو أنثى. فقيل ذلك لمالك فأنكره أشد الإنكار، قال: وأهل العراق يقولون: يقاسمهم ويكون كرجل من ولده.

قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى لنفر بوصايا مختلفة، ثم كلم في آخر فقال: هو شريك معهم بالسوية: إنه يعطى ربع كل وصية إن كانوا أربعة، أو خمسها إن كانوا خمسة، معناه: إن كانوا أربعة به، وخمسة به، وقوله عقب ذلك: ينظر إلى عدد الذين أوصى لهم، فإن كانوا ثلاثا كان رابعا أعطي ثلث ما أوصى به لكل واحد منهم، هو كلام وقع على غير تحصيل؛ لأنه إنما يعطى ثلث ما أوصى به لكل واحد منهم إذا كانوا اثنين، فكان هو ثالثهم، وقوله بعد ذلك. فإن كانوا أربعة فربع كل إنسان، معناه: أربعة له، على ما تقدم، وكذلك قوله: إن كانوا خمسة فخمس كل إنسان، معناه أيضا خمسة به على ما قال بعد ذلك: إنهم إن كانوا ثلاثة، كان رابعهم، يريد فيأخذ ربع ما بيد كل واحد منهم وإن كانوا خمسة، كان سادسهم، يريد: فيأخذ سبع ما بيد كل واحد منهم. وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في رسم نقدَها نقْدها فلا معنى لإعادته. والمسألة التي ذكر من كتاب العشور في رجل أوصى لرجل بمائة ولآخر بمائتين ولآخر بثلاثمائة، فكلم في آخر، فقال: له مثله. هي مسألة أخرى إذ لا شرك للذي قال فيه: له مثله في شيء من وصايا الأولين، وإنما له مثل وصية أحدهم من بقية الثلث إن كانت وصاياهم متفقة، وإن كانت مختلفة، كما ذكر، وكانوا ثلاثة، فله مثل ثلث وصية كل وأحد منهم من بقية الثلث، وإن كانوا أربعة، فله مثل ربع كل واحد منهم من بقية الثلث، وكذلك إن كانوا خمسة أو عشرة فله مثل خمس وصية كل واحد منهم أو مثل عشر وصية كل واحد منهم من بقية الثلث، وهو الذي ذكرته بيِّن في سماع أصبغ في أول رسم منه وإن لم يحمل ذلك الثلث تحاصا معهم، فيه بقدر ما أوصى به له ولهم مثال ذلك أن يكون أوصى لرجل بمائة، ولآخر بمائتين، ولآخر بثلاثمائة، وثلث ستمائة، ويقول في آخر: له مثله، فيجب له ثلث وصية كل واحد منهم، وذلك مائتان فيتحاصان معهم في الثلث وهو ستمائة، يضرب هو فيه بمائتين، والأول بمائة، والثاني بمائتين، والثالث بثلاثمائة،

: يقول فلان مثل حظ أحد ولدي أو سهم واحد من ورثتي

وهذا مثل الذي يوصي لرجل بمثل نصيب أحد ولده، سواء. وهو على مذهبه في المدونة. في الذي يوصي لرجل بمثل نصيب أحد بنيه، وله ثلاثة بنين إنه يكون له ثلث المال والذي أنكره مالك من قول من يقول في الذي يوصي لرجل بمثل نصيب أحد ولده وهم عشرة، إنه يجعل حادي عشر يريد أنه يأخذ كل واحد منهم جزءا من أحد عشر، فيستوفي بذلك هو وهم، ويكون الذي يحصل له مثل الذي يبقى لكل واحد منهم إن كانوا ذكورا كلهم أو إناثا كلهم هو القوال الذي حكي عن أهل العراق، من أنه يقاسمهم، ويكون كرجل من ولده، وبالله التوفيق. [: يقول فلان مثل حظ أحد ولدي أو سهم واحد من ورثتي] ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس وسألته عن رجل يقول: لفلان مثل حظ أحد ولدي أو سهم واحد من ورثتي. قال: إذا قال: مثل سهم أحد ولدي ومع ولده أهل فرائض: أبوين وزوجة أو غيرهم. وفي ولده ذكور وإناث، فإنه يقسم ماله على فرائض الله. يأخذ أهل الفرائض فرائضهم، ويقسم ما بقي بين ولده، للذكر مثل حظ الأنثى، فيعطى الموصى له من عدد جماعتهم سهما إن كان الولد خمسة، أخذ خمس ما صار لهم، وإن كانوا ستة، فسدس، وإن كان الولد كلهم ذكورا قسم الميراث على ما وصفت لك، وأعطي مثل سهم أحد ولده، بعد أخذ من شركهم بفريضة مسماة فريضة، فعلى هذا يحسب، فإذا أخذ الموصى له ما صار له أخذ ما صار بجميع البنين، ومما صار لأهل الفرائض المسماة فأخلط كله، ثم يقسم على فرائض الله، يعطى أهل الفرائض فرائضهم ويقسم الولد ما بقي بعد ذلك للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن قال: لفلان مثل سهم أحد ورثتي وفي ورثته

أم وأب وزوجة وأهل فرائض، وولد، ذكور وأناثا، أو ذكور فقط، أو إناثا فقط، فإنه يقسم جميع مال الميت، على جميع من يرثه من أم أو ولد أو زوجة أو والد، يقسم ماله على جماعهم بالسوية، فما صار لواحد منهم أعطيه الموصى له، ثم يرجعون بعد أخذ الموصى له وصيته، فيخلطون ما بقي فيقتسمون ما بقي على فرائض الله، فعلى هذا يحسب قال: ولو كان ولده كلهم إناثا إذا قال مثل حظ أحد ولدي، قسم ماله على فرائض الله، ثم كان له سهم ابنة من بناته، ثم أخلط جميع ماله، فيقسم ثانية. قال ابن القاسم: إذا أوصى له بسهم كسهم ولده وله ولد واحد فقط، لا وارث له غير ذلك، فإنه يقال له: انخلع من جميع المورث أو تعطى الثلث، وإن كان له ابنان لا وارث له غيرهما، خيرا أيضا بين أن يخرجا نصف المال أو ثلثه، إن أبيا، وإن كانوا ثلاثة، فأوصى لهم بسهم كسهم أحد ولده، قطع له بالثلث، ولم يخير الورثة في هذا. قال عيسى: وإذا قال من عدد ولدي، فإن كان ذكرا فله سهم ذكر، وإن كانت أنثى فله سهم أنثى يخلط مع الولد في العدد، فإن كان معهم أهل فرائض، أخرجت فرائضهم، ثم أخذ الموصى له كما وصفت لك مما بقي، ثم يرد أهل الفرائض ما أخذوا والولد، فيقتسمون على فرائض الله. قال: وإذا قال: وارث مع ورثتي، فإنه يعد الجماجم، فإن كانت ثلاثا كان هو رابعهم، فإن زادوا فعلى هذا الحساب. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يوصي لرجل بمثل حظ أحد ولده، وولده ذكور وإناث وأهل فرائض، إن ماله يقسم على فرائض الله فما وجب لأولاده منه بعد أخذ أهل الفرائض فرائضهم، قسم على عدد ولده، الذكر والأنثى شرعا سواء فيكون للموصى له مثل حظ أحدهم، ثم يجمع

الباقي، فيقسم بين جميع الورثة على فرائض الله، وأنه إذا أوصى له بمثل سهم أحد ورثته، وفي ورثته أهل فرائض وأولاد ذكور وإناث؛ أن المال يقسم على عدد جماجمهم، فيأخذ الموصى له ما يصير لواحد منهم على عددهم، ثم يخلطون الباقي، فيقتسمونه بين جميع الورثة على فرائض الله، هو كله بيِّن صحيح، على قياس قوله في المدونة في الذي يوصي لرجل بمثل نصيب أحد بنيه، وله ثلاثة بنين، أو بمثل نصيب أحد ورثته، ويترك رجالا ونساء، وعلى قياس قوله في الرسم الذي قبل هذا، في الذي يوصي لرجل بمائة، ولآخر بمائتين، ولآخر بثلاثمائة، ثم يكلم في آخر فيقول: له مثله، أي مثل حظ أحدهم. وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى، ويدخل في هذا قول أهل العراق، الذي أنكره مالك في المسألة التي قبل هذه. ويأتي قولهم في هذه المسألة على أصلهم، مثل قول عيسى بن دينار في الذي يقول: هو من عدد ولدي أو من جملة ورثتي، وقول عيسى بن دينار: وإنه إذا قال في الموصى له: هو من عدد ولدي، أنه يضاف إلى ولده، فيعد في جملتهم، ويقسم المال على جميع الورثة على فرائض الله، مما نابه دفع إليه، وأخلط الباقي، فيقسم بين جميع الورثة على كتاب الله، صحيح لا اختلاف فيه، وكذلك قوله: إذا قال فيه: هو وارث مع ورثتي: إن المال يقسم على جماجمهم، ويكون له ما يصير لواحد منهم، ثم يخلط الباقي، ويقسم على الفرائض، صحيح أيضا بين لا اختلاف فيه بين مالك وأهل العراق، ولم يفرق في هذه الرواية بين أن يقول: من ثلثي أو يسكت عنه، وقيل: إن ذلك سواء؛ لأنه قد علم أن الوصية لا تكون إلا من الثلث، فإذا قال الرجل: أعطوا فلانا مثل نصيب أحد ولدي، فإنما معناه: أعطوه من ثلثي مثل نصيب ولدي من جميع مالي، بمنزلة إذا قال: أعطوه مثل نصيب ولدي من ثلثي، والأظهر أنه إذا قال من ثلثي، فإنما أراد أن يساويه معه، بأن يعطي من ثلثه مثل نصيبه مما بقي من ماله، بعدما أوصى به من ثلثه، على ما رواه أبو زيد عن ابن القاسم في سماعه بعد هذا، وبالله التوفيق.

مسألة: يوصي بأن يشترى من ماله رقبة وذكر أنها واجبة عليه

[مسألة: يوصي بأن يشترى من ماله رقبة وذكر أنها واجبة عليه] مسألة وسألته عن الرجل يوصي بأن يشترى من ماله رقبة، وذكر أنها واجبة عليه، فابتاعوا رقبة قبل أن يقسم ماله، فمات العبد، أو جنى جناية تحيط برقبته قبل أن ينفذ عتقه. قال ابن القاسم: أما إذا مات فإنه يرجع أيضا في المال، فيخرج مما بقي ثمن رقبة، فتشترى، فتعتق إن حمل ثلث ما بقي بعد موت الغلام ما يكون فيه رقبة، أو ما كان ثلثه، وكذلك لو أخرج ثمنه فسقط، وأما إذا جنى، خير الورثة في أن يسلموه، ويبتاعوا من ثلث ما بقي عبدا، أو أن يفتكوه فيعتقوه، وكذلك يرجع أبدا في ثلث ما بقي ما لم ينفذ عتقه، أو يقسم المال، فإن قسم المال، وقد اشترى أو خرج ثمنه فذهب، فلا شيء على الورثة، إلا أن يكون معه في الثلث أهل وصايا قد أخذوا وصاياهم، فيؤخذ مما أخذ ما يبتاع به رقبة؛ لأنه لا تجوز وصية، وثم عتق لم ينفذ إلا أن يكون معه في الوصية من الواجب ما هو مثله، فيكون في الثلث سواء، وإن بقي في أيدي الورثة من الثلث ما يبتاع به رقبة، أخذ ذلك من أيديهم بعد القسم، وابتيع به رقبة، وأنفذ لأهل الوصايا وصاياهم، لا يكون لهم من الثلث شيء، وثم وصايا لم تنفذ. قال محمد بن رشد: قوله: إذا مات العبد قبل أن يعتق: إنه يرجع في ثلث ما بقي بعد العبد، فيشترى به عبد آخر، فيعتق إن كان المال لم يقسم، وإن كان قد قسم لم يرجع على الورثة إلا بما بقي في أيديهم من الثلث بعد العبد الذي كان اشتري للعتق فمات، استحسان لا يحمله القياس؛ لأن الحقوق الطارئة على التركة لا يسقطها قسمة المال، وقد روى أصبغ عن ابن القاسم: أنه يرجع إلى ما بقي من المال، فيخرج ثلثه، ويكون ذلك كشيء لم يكن، لا يحسب في ثلث، ولا يفرق بين أن يكون المال قد

: أوصى في ثلاثة أفراس أو أعبد ولم يسم له شيئا بعينه

قسم أو لم يقسم، وهو ظاهر ما في كتاب الوصايا الأول من المدونة، ومن الناس من ذهب إلى أن يفسر ما في المدونة بما وقع في هذه الرواية من الفرق بين أن يقسم المال أو لا يقسم، وهو قول أصبغ، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الأولى أن يحمل الكلام على ظاهره مما هو القياس، ولا يعدل به عن ظاهره بالتأويل، إلى ما ليس بقياس، وإنما هو استحسان، وكذلك قوله: إنه يرجع في ثلث ما بقي ما لم ينفذ عتقه، يريد أنه إذا أنفذ عتقه، فاستحق بعد العتق، لا يرجع في ثلث ما بقي من التركة بعد قيمته، وأن يقسم المال، وإنما يرجع فيما بقي من الثلث بعد قيمته، هو استحسان أيضا على غير قياس، والذي يوجبه النظر بالقياس على الأصول، أن يرجع أيضا إذا استحق العبد بعد أن أعتق في ثلث ما بقي من التركة بعد قيمته، قسم المال أو لم يقسم، وبالله التوفيق. [: أوصى في ثلاثة أفراس أو أعبد ولم يسم له شيئا بعينه] ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب إلى أجل وقال في رجل أوصى في ثلاثة أفراس، أو ثلاثة أعبد، فقال: أعطوا فلانا عبدا أو فرسا، ولم يسم له شيئا بعينه، وخيروا فلانا في الاثنين الباقيين، فما اختار فهو له، والآخر ادفعوه إلى فلان. قال: أحب إلي أن يكون للأول ثلثها، فيعطى وسطا منها، يكون له ثلثها. قال أصبغ: يعني بالقيمة ثلث قيم الثلاثة، وهو من كل واحد ثلثه، فأرى أن يجمع ذلك في فرس منها بالسهم، فإن نقص من صاحب السهم، فلا شيء له غيره، وإن زادت القيمة عليه أتم من غيره، ثم يخير صاحب الخيار في خيرة ما بقي، حتى يستكمل فيما إن كان فيها كسر من فرس، ثم يكون للآخر ما بقي خيرا كان أو كسرا.

قال محمد بن رشد: العمل في هذه المسألة على ما ذكره فيها، من أن من أوصى له بعبد غير معين من جملة عبيد، يكون له ثلثهم بالسهم إن كانوا ثلاثة، أو ربعهم به إذا كانوا أربعة، وكذلك إن زاد عددهم على هذا أو نقص؛ أن ينظر كم قيمة الثلاثة؟ فيؤخذ ثلث القيمة، ثم يضرب بالسهم في الثلاثة، فما خرج فهو الذي أوصى له أولا. فإن كانت قيمته ثلث قيمة الثلاثة، أخذه وخير الثاني في الاثنين الباقيين، وكان للثالث الباقي منهما، وإن كانت قيمة الذي خرج أكثر من الثلث كان له منه قدر الثلث، وخير الباقي في الاثنين الباقيين، أو في أخذ الجزء الذي بقي مما أخذه الأول، ويستتم بقية فرس من الاثنين الباقيين من أيهما شاء، ويأخذ الثالث ما بقي من الثلاثة الأفراس، وإن وقع للأول في الفرس أقل من ثلث القيمة ضرب له بالسهم ثانية، فما خرج من له من الفرسين الباقين، أخذ منه بقدر ما بقي له من الثلث، ثم يخير الثاني بين أخذ الفرس الباقي، وأخذ الجزء الذي بقي من الفرس الثاني، ويستتم عليه من الثالث تمام فرس، ويأخذ الموصى له الثالث ما بقي. وقد قيل: إن من أوصي له بعبد غير معين من جملة عبيد، يكون له ثلث كل واحد منهم إن كانوا ثلاثة، أو ربع كل عبد إن كانوا أربعة، وكذلك إن زاد عددهم على هذا أو نقص، فيأتي في هذه المسألة على قياس هذا القول. وهو قوله في المسألة التي بعدها: إذا عمي على الشهود الفرس الذي سمي للأول أن يعطى الأول ثلث كل فرس، ويعطى الثاني ثلثي المرتفع، أو ثلثي الوسط؛ لأنه هو الذي يختار لا شك، إلا أن يكون له غرض في غيره، ويعطى الثالث ما بقي. وقد قيل: إن من أوصي له بعبد بغير عينه من جملة عبيد، يكون عبد من جملتهم بالقرعة، كان أقلهم قيمة أو أكثر قيمة، فيأتي في هذه المسألة على قياس هذا القول، أن يكون للأول عبد من الثلاثة الأعبد بالقرعة، ويخير الثاني الذي جعل إليه التخيير في الفرسين الباقيين، ويكون للثالث العبد الباقي، وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى في ثلاثة أفراس فقال ادفعوا إلى فلان فرسا سماه بعينه

[مسألة: أوصى في ثلاثة أفراس فقال ادفعوا إلى فلان فرسا سماه بعينه] مسألة وسئل عن رجل أوصى في ثلاثة أفراس له فقال: ادفعوا إلى فلان فرسا سماه بعينه، وخيروا فلانا في الفرسين الباقيين، وادفعوا الآخر إلى فلان، فعمي على الشهود الفرس الذي سمي للرجل، ولم يعرف، فقال: أرى أن يعطى الذي أوصي له بالفرس المسمى فنسي الثلثَ من كل فرس، ثم يعطى الذي أوصى له بالتخيير ثلثي المرتفع، وثلث الوسط، ويعطى الذي أوصى له بأحدهما ثلثي الفرس الدنيء، وثلث الوسط، وقد أخذ ذلك الأول الثلث من كل واحد؛ فقد صار لكل واحد فرس تام، وقد ثبت مالك على هذا القول الآخر ورد عليه غيره مرة، فثبت عليه بعد ذلك اليوم أيضا. قال محمد بن رشد: أجاز ابن القاسم في هذه الرواية شهادة الشهود، وإن عمي عليهم الفرس الذي سمى الموصي للرجل، وشكوا فيه، فقيل: إن ذلك يأتي على ما في أصل الأسدية، من كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة في الذي طلق إحدى امرأتيه، ولم يدر أيهما المطلقة، من أن الشهود شكوا، فلم يعرفوا أيتهما المطلقة، إن كانت التي قد دخل بها، أو التي لم يدخل بها، وعلى قول ابن وهب في رسم الوصايا والأقضية، من سماع أصبغ، من كتاب الصدقات والهبات، خلاف المشهور من قول ابن القاسم. وقيل: إن إجازة ابن القاسم للشهادة في هذه المسألة ليس بخلاف المشهور، من قوله؛ لأنه إنما أجازها في الوصية بعد الموت على ما قيل من أنها تجوز في الوصية بعد الموت، ولا تجوز على الحي، وفي المسألة قول ثالث: إن الشهادة لا تجوز في الوصية بعد الموت، ولا على الحي، وهو قول أشهب في أول سماع سحنون بعد هذا؛ لأنه إذا لم يجز الشهادة في الوصية بعد الموت، فأحرى أن لا يجيزها على الحي. وجوابه في هذه

مسألة: الوصي أيبيع المتاع بغير إذن الورثة

المسألة على إجازة الشهادة خلاف جوابه في المسألة التي قبلها. وقد ذكرنا أن المسألة تتخرج على ثلاثة أقوال، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: الوصي أيبيع المتاع بغير إذن الورثة] مسألة وسئل عن الوصي: أيبيع المتاع بغير إذن الورثة؟ قال: إن كانوا كبارا قد رضي حالهم، أو نساء ثيبا أو متزوجات، قد برزن ورضي حالهن، فلا يبيع إلا بإذنهم، فإن باع رد المتاع؛ لأنه إنما أوصي إليه بالآخرين الذين تولى عليهم، ولم يوص إليه بهؤلاء، وإنما هؤلاء شركاء في هذا المتاع. قيل له: فإن فات؟ قال: إن كان فات وقد أصاب وجه البيع، كأنه يقول: مضى. قال أصبغ: لا أرى ذلك، وأرى للورثة رده، إلا أن يكون له ثلث موصى به مع ذلك، يحتاج إلى تحصيل المال وبيعه وجمعه، فيكون ذلك له إلا في العقار والرباع، فلا أرى ذلك له دونهم؛ لأنه ملعون، وأنه مما يقسم، وقسمه غير ضرر، وإن لم يكن ثلث على ما وصفت، فهو مردود على الورثة البالغين المالكين حصصهم، أو يأخذون بما بلغ، كالشركاء في السلع المفترقة التي لا تجتمع في القسم، فهم كالشركاء الأجنبيين للميت إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم فيما باع الوصي على الصغار من المال، والمتاع المشترك بينهم وبين الكبار: إن البيع يرد ما لم يفت، فإن فات، يريد من يد المشتري ببيع أو هبة أو بتحويله عن حاله، مثل أن يكون ثوبا فيصبغه، أو غزلا ينسجه، أو طعاما فيأكله، وما أشبه ذلك، وقد أصاب وجه البيع مضى استحسان، والقياس أن لا ينفذ البيع على الكبار بحال، فات أو لم يفت، وكذلك قال أبو إسحاق: لا يجوز بيع الوصي على الكبار بقليل ولا كثير، أصاب البيع أو لم يصب؛ لأنه مالهم، وهم أحق وأولى بالنظر لأنفسهم. قال: وهو أولى أيضا بكل ما باع من مال الميت، إذا كان لهم رأي

مسألة: ضمان ما شق من الثياب على الميت

في شراء شيء مما يباع من التركة في ثلثه، فكيف يجوز أن يباع عليهم مالهم أنفسهم بلا مؤامرتهم؟ هذا خطأ. وكذلك قول أصبغ أيضا: إن البيع يمضي إذا فات إذا كان له ثلث موصى به إليه، يحتاج إلى تحصيل المال أو جمعه أو بيعه، إلا في العقار استحسان أيضا، والقياس ألا ينفذ على الكبار البيع في حظوظهم من ذلك كله إلا بإذنهم، كالشركاء الأجنبيين للميت، ولأشهب في كتاب ابن المواز: إن للموصي أن يبيع الحيوان والرقيق والعقار وغيره لتأدية الدين، ولتنفيذ الوصية أيضا، وإن كان في الورثة كبار لا يولى عليهم، أو كانوا كبارا كلهم. وقد قيل: إنه ليس له بيع شيء من العقار إلا الثلث، وهو أحب إليّ. وقد مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، طرف من هذا المعنى، وبالله التوفيق. [مسألة: ضمان ما شق من الثياب على الميت] مسألة قال عيسى: قيل له: فما شق الورثة من الثياب على الميت؟ قال: يضمنون، قيل: فإن خلى بينهم وبين ذلك الوصي، قال: يضمن إن كانوا صغارا، وإن كانوا كبارا فهو عليهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنهم يضمنون ما شق من الثياب على الميت، وخرقوه فأفسدوه. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس منا من حلق ولا سلق ولا خرق» ، فإن خلى الوصي بينهم وبين ذلك ليشقوه ويفسدوه، ضمن إن كانوا صغارا لتسليطهم على ذلك، ولم يلزمه في الكبار شيء؛ لأنهم هم الضامنون لما أفسدوه، وبالله التوفيق.

مسألة: قال في مرضه ثلثي لموالي

[مسألة: قال في مرضه ثلثي لموالي] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: إذا قال الرجل في مرضه: ثلثي لموالي، وفيهم المدبر والمكاتب والمعتق إلى سنة، قال مالك: أما المدبرون فليس لواحد من هؤلاء وصية حتى يعتقوا في ثلث الميت، فما فضل من الثلث عن عتقهم، كان المدبرون، ومواليه الذين كانوا في حياته، والمعتقون إلى أجل، والمكاتبون فيما بقي من الثلث بالسواء، يقسم بينهم على السواء، غير أن ما يصير للمكاتبين والمعتقين إلى أجل يوقف لهم، فإن أدى المكاتبون، وعتق المعتقون إلى أجل، أعطوا ما وقف لهم من ذلك، فإن عجز المكاتبون، ومات المعتقون إلى أجل، رجع حقهما إلى من بقي من الموالي؛ قال مالك: ولو كان له ولاء أنصاف عبيد، وأنصاف مدبرين، دخلوا مع الموالي بأنصاف ذلك الولاء، فأعطوا بقدر ذلك. قال محمد بن رشد: مذهبه فيمن أوصى لمواليه، أنه يدخل في ذلك المعتقون بعده بالوصية والتدبير، إن خرجوا من الثلث، وفضلت منه فضلة لا اختلاف أحفظه في هذا، وهو بين إن لم يكن له موالٍ سواهم، وأما إن كان له موالٍ سواهم يوم أوصى، فقد كان يشبه ألا يكون لهم دخول معهم؛ لأنهم لم يكونوا له بعد موالي يوم أوصى، إلا أنهم قد قالوا في الذي يوصي لولد فلان: إنه يدخل في الوصية من يولد لفلان بعد الوصية قبل موت الموصي، ولا فرق بين المسألتين والمسألة في رسم الوصايا والأقضية من سماع أصبغ. أما المكاتب والمعتق إلى أجل، فقال في هذه الرواية: إنهم يدخلون مع مواليه الذين كانوا في حياته بالسواء، ويوقف لهم ما صار لهم، فإن أدى المكاتبون، وعتق المعتقون إلى أجل أعطوا ما وقف لهم من ذلك،

مسألة: قال في وصيته تسكن امرأتي داري حياتها

وإن عجز المكاتبون، ومات المعتقون إلى أجل، رجع حقهما إلى من بقي من الموالي. وحكى ابن المواز عنه أنه نفذ عتقهما. بأداء المكاتب، وبلوغ أجل المؤجل قبل القسم دخل في الوصية، وإن سبقهم القسم فلا شيء لهم. وهذا عندي جار على اختلاف قوله في المدونة في الذي يوصي لإخوانه، وبنيهم مرة حملهم محمل المعينين، فرأى أن يقسم المال بينهم على السوية، وهو قوله في هذه الرواية، فعلى قياس ذلك، يوقف لهم حقوقهم، ومرة لم يحملهم محمل المعينين، فرأى أن تقسم الوصية بالمال بينهم على الاجتهاد، فعلى قياس هذا لا يوقف لهم شيء، فإن عتقوا قبل القسم قسم لهم، وإلا فلا، وهو القول الذي حكى محمد عنه. وقال في ولاء أشقاص العبيد: إنهم يدخلون مع الموالي بأشقاص ولائهم، فيعطون بقدر ذلك إن أعطي التام الولاء دينارا أعطي الذي نصف ولائه نصف دينار، والذي له ثلث ولائه ثلث دينار، والذي له ربع ولائه ربع دينار. قال ابن حبيب: وإن لم يكن له مع الذين له بعض ولائهم مولى تام الولاء، استووا في الوصية، ولم يفضل بعضهم على بعض في العطية، وإن تفاضلوا في قدر ماله من ولائهم، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في وصيته تسكن امرأتي داري حياتها] مسألة وقال ابن القاسم في رجل قال في وصيته: تسكن امرأتي داري حياتها، ولفلان مائة دينار، وما بقي من ثلثي فلفلان. قال: إن خرجت الدار والمائة من الثلث، نظر إلى ما بقي بعد ذلك، فأعطي الذي أوصى له ببقية الثلث، فإن أجاز الورثة للمرأة ما أوصى لها به من السكنى، فذلك لها، وإن لم يجيزوا سكن الورثة معها، أو أكروه حياة المرأة، فاقتسموه على فرائض الله، فإذا هلكت أسلم إلى الذي أوصى له ببقية الثلث. وأصل هذا وما يستدل به، لو أن رجلا أوصى إلى امرأته بسكنى دار حياتها، ولرجل أجنبي بما بقي من الثلث، فنظروا، فإذا الدار ثلث المال سواء، فإن الورثة

يجيزون، فإن أجازوا ذلك للمرأة سكنته حياتها، فإذا ماتت، أسلمت الدار كلها إلى الذي أوصي له ببقية الثلث، وإن لم يجيزوا دخلوا معها فيها على الفرائض حياتها، فإذا ماتت أسلمت إلى الموصى له كلها. قال محمد بن رشد: قوله: إن خرجت الدار والمائة من الثلث، يريد رقبة الدار على ما في المدونة من أن من أوصي له بخدمة عبد أو سكنى دار، تقوم رقبة الدار والعبد لا قيمة الخدمة والسكنى، فالعمل في هذا أن تقوم الدار وتجمع إلى الوصايا، فإن خرج ذلك كله من الثلث، تمت الوصايا، وكان ما بقي للموصى له ببقية الثلث إن بقي شيء، ومتى تم أجل السكنى أخذ الدار الموصى ببقية الثلث، وإن لم يحمل الثلث قيمة الدار والوصايا، فأبت الورثة أن يجيزوا ذلك، قطعوا لهم بالثلث، فتحاص فيه أهل الوصايا والموصى لها بالسكنى حياتها، بقيمة ما تعمر إليه على ما مضى من الاختلاف في حده، في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، وأهل الوصايا بوصاياهم، ولم يكن للموصى له ببقية الثلث شيء، وإن كان في الثلث فضل عن الوصايا وقيمة السكنى كان ذلك لمن له السكنى، وهي الزوجة؛ إذ قد تعيش أكثر مما عمرت إليه، فإذا ماتت رجع ما فضل من ذلك إلى الموصى له ببقية الثلث، ولا شيء للزوجة في ذلك كله، إلا أن يجيزه، فإن لم يجيزوه دخلوا معها في سكنى الدار حياتها إن حملها الثلث، فإن ماتت كانت الدار للموصى له ببقية الثلث، ولا شيء للزوجة في ذلك كله، إلا أن يجيزه لها الورثة، فإن لم يجيزوه لها دخلوا معها في سكنى الدار حياتها إن حملها الثلث، فإن ماتت كانت الدار للموصى له ببقية الثلث، وكذلك ما صار لها بالمحاصة إن لم يحمل الثلث الدار، إن لم يجيزوه لها اقتسموا معها على فرائض الله، ولا اختلاف في أن الدار إذا حملها الثلث، ترجع بعد موت الزوجة إلى الموصى له ببقية الثلث، إذا لم يقل: فإذا ماتت فهي رد على

: أوصى بأن يقوم بلهو عرس رجل أو مناحة ميت

جميع الورثة، ولو قال ذلك لم ترجع إليه على قول عيسى بن دينار الذي يأتي في رسم أسلم، وقد مضى ذلك في رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [: أوصى بأن يقوم بلهو عرس رجل أو مناحة ميت] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل عن رجل أوصى بأن يقوم بلهو عرس رجل، أو مناحة ميت، هل تنفذ وصيته وتؤجر النائحة وصاحب اللهو؟ قال: لا أرى أن تنفذ وصيته، وقوله باطل، قيل: أرأيت إن كان ذلك اللهو مما يجوز من شأن العرس مثل الكبر والدف، فأوصى بذلك؟ قال: فلا أرى أن تنفذ. قال محمد بن رشد: أما الوصية بإقامة مناحة على ميت، فلا اختلاف في أن الوصية بذلك لا يجوز تنفيذها؛ لأن النياحة على الموتى محرم بالسنة، فالأجرة على ذلك حرام، لا تحل ولا تجوز، وكذلك ما لم يرخص فيه من اللهو في العرس باتفاق، أو باختلاف على مذهب من لا يجيزه، مثل الكبر والمزهر؛ لأن ابن حبيب أجازهما جميعا في هذه الرواية، وهو قول أصبغ في سماعه، من كتاب النكاح، وعليه يأتي قول ابن القاسم في سماع سحنون في الكبر إذا بيع: إنه يفسخ بيعه ويؤدب أهله؛ لأنه إذا قال ذلك في الكبر، فأحرى أن يقوله في المزهر. وقيل: إنه يجوز الكبر، ولا يجوز المزهر. وهو قول ابن القاسم في رسم سلف، من سماع عيسى، من كتاب النكاح، وأما على مذهب من يجوزه ويستحب تركه، فلا ينبغي أن تنفذ الوصية. وأما على مذهب من يجيزه ويراه من الأمور الجائزات التي لا ثواب في تركه، ولا حرج في فعله، ففي جواز تنفيذ الوصية قولان، وكذلك الغربال التي اتفق على إجازته في العرس، في جواز تنفيذ الوصية به قولان، على

مسألة: إجازة الابن وصية أبيه بأكثر من ثلث ماله بعد موته

مذهب من يراه من الأمور الجائزات التي لا ثواب في تركه، ولا حرج في فعله، وأما على مذهب من يجيز فعله، ويستحب تركه، فلا ينبغي تنفيذ الوصية به، هذا تحصيل القول في هذه المسألة. قال محمد بن المواز: ويرجع ما أوصى به لذلك ميراثا لأهل الميراث، ولا يدخل فيه الوصايا، يريد أنهم يحاصون به أهل الوصايا عند ضيق الثلث، لا أنه يبدأ على الوصايا، ويكون الورثة أحق به. وفي كتاب محمد بن المواز: من أوصى لرجل بمال على أن يصوم عنه، لم يجز ذلك، وهو نحو قول ابن كنانة في أن الوصية بالحج لا يلزم تنفيذها، وبالله التوفيق. [مسألة: إجازة الابن وصية أبيه بأكثر من ثلث ماله بعد موته] مسألة وقال ابن القاسم: إذا أوصى لرجل بجميع ماله، وليس له وارث إلا ولد واحد، ومات عن ثلاثمائة دينار، فبلغ ذلك الولد وهو مريض فقال: قد أمضيت ما صنع والدي، وثلث مالي صدقة على رجل سماه، وليس له مال إلا الذي ورث من أبيه، قال: يكون للذي أوصى له أبوه ثلث الثلاثمائة دينار، وذلك مائة دينار، ثم يرجع في المائتين، فيتحاص في ثلثها هو والذي ذلك أوصى له الابن بثلث ماله، يضرب فيه هذا بمائتي دينار، وهذا ثلث المائتين. قال عيسى: إنما ذلك إذا كان الابن إنما أجاز وهو مريض ثم مات؛ لأنها وصية، فأما إن كانت إجازته في الصحة ثم مرض، فأوصى بثلث ماله، فليس ذلك المال له بمال، إذا كان قبضه المتصدق به عليه أولا قبل موت هذا أو مرضه، فإن لم يقبضه حتى مات أو مرض هذا الابن، فلا شيء له؛ لأنها صدقة لم تحز. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة؛ لأن إجازة الابن وصية أبيه بأكثر من ثلث ماله بعد موته، هبة منه للموصى له مما زاد على

مسألة: أوصى لرجل بأربعين دينارا ينفق عليه منها ما يكفيه كل سنة

الثلث، فإن كان صحيحا لزمه ذلك، ولم يكن له فيه رجوع. قال في المدونة: وإن كان عليه دين، كان للغرماء رد ذلك، وإن كان مريضا فمات من مرضه: كان ذلك في ثلثه، على حكم هبة البتل في المرض، فإذا أجاز وصية أبيه بجميع ماله بعد موته وهو مريض، وأوصى بثلثه لرجل، فمات من مرضه، ولا مال له غير ما ورث عن أبيه، ولم يترك أبوه إلا ثلاثمائة دينار، وجب أن يتحاص في ثلث المائتين التي ورثها عن أبيه الذي أوصى له هو، والذي أوصى له أبوه، يضرب الذي أوصى له هو بثلث المائتين؛ لأنه أوصى بثلث ماله، ويضرب فيها الذي أوصى له الأب بجميع ماله بمائتين؛ لأنه وهبها له في مرضه، إذا جاز وصية أبيه له بها، فوجب أن تكون في ثلثه، وفي هذا اختلاف، قد قيل: إن هبة البتل تبدأ على الوصية، اختلف في ذلك قول مالك حسبما بيناه في رسم طلق بن حبيب، من سماع ابن القاسم، وقول عيسى بن دينار: إن إجازته إن كانت في الصحة، ثم مرض، فأوصى بثلث ماله، فليس ذلك المال له بمال، إذا كان قد قبضه المتصدق به عليه أولا قبل موت هذا أو مرضه، فإن لم يقبضه حتى مات أو مرض، فلا شيء له؛ لأنها صدقة لم تحز صحيح، يبين أن الورثة إذا أجازوا أكثر من الثلث؛ أن الزائد على الثلث لا يجري مجرى الوصية التي لا حيازة فيها، وإنما يجري مجرى الصدقة إن لم تحز بطل، وأشهب لا يراها كالهبة، ويراها له قبضها قبل موت المجيز، أو لم يقبضها، وهو ضعيف، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بأربعين دينارا ينفق عليه منها ما يكفيه كل سنة] مسألة وسئل عن رجل أوصى لرجل بأربعين دينارا ينفق عليه منها ما يكفيه كل سنة، فمات الموصي ووقف ماله لينظر في ثلثه، وليجمع ما كان منه مفترقا، فمضت سنة أو نحوها، ولم يجمع ما كان منه متفرقا، ومات الذي أوصى له بالنفقة قبل أن يصل إليه شيء، قال: يعطى ورثته نفقة ما عاش، وترد البقية على الورثة.

مسألة: أوصى بعتق نصف عبد له وبالحج بالنصف الآخر

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه قد استوجب من النفقة ما عاش بعد الموصى، والله الموفق. [مسألة: أوصى بعتق نصف عبد له وبالحج بالنصف الآخر] مسألة ولو أن رجلا أوصى بعتق نصف عبد له، وبالحج بالنصف الآخر، قال: إن كان أبت عتق النصف، استتم عتقه كله، وبطل الحج، وإن كان لم يبت كان نصفه حرا، ونصفه في الحج. قال محمد بن رشد: هذا ما قال: إنه إن كان أبت عتق نصفه في مرضه، يقوم عليه، ويبطل الحج؛ إذ لا اختلاف في أن من أعتق نصف عبده في مرضه، يقوم عليه، وإنما الاختلاف متى يقوم عليه؟ فقيل: إنه يقوم عليه جميعه في مرضه من الثلث، وقيل: يوقف، ولا يقوم إلا بعد الموت من الثلث، كانت له أموال مأمونة أو لم تكن، وقيل: إنما يقوم إذا لم تكن له أموال مأمونة، فإن كانت له أموال مأمونة، عجل عتقه من رأس ماله، وهذا الاختلاف كله في المدونة. وأما إن كان أوصى بعتق نصفه، ولم يبتله، فيكون النصف الآخر في الحج كما قال؛ لأن من أوصى بعتق بعض عبده، لا يعتق منه إلا ما أوصى به منه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في مرضه لفلان ثمر حائطي ولا يدرى أي ثمر جعل له] مسألة وسئل عن رجل قال في مرضه: لفلان ثمر حائطي، ولا يدرى أي ثمر جعل له؟ أو كم من سنة؟ فقال: إن كان في النخل ثمر، فله ثمر تلك السنة، ولا شيء له غيرها، وإن كان حين أوصى بذلك، ليس في النخل ثمرة، فله ثمرة، فله ذلك الحائط حياته. قال سحنون مثله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا كان في الحائط ثمرة يوم أوصى ومات، والثمرة لم تجد، احتمل أن يريد تلك الثمرة خاصة، ولم يرد ما سواها، فوجب ألا يكون له ما سواها إلا بيقين، وقد قال ذلك سحنون في نوازله من كتاب الحبس في الذي يقول: ثمر حائطي حبس على فلان،

: أوصى بعتق وبوصايا

ولا يقول: حياته، فكيف بالوصية؟ وأما إن جد الثمرة قبل موته، وأدخلها منزله، فيتخرج ذلك على قولين، هل يكون ذلك رجوعا في الوصية أم لا؟ وقد مضى ما يبين هذا المعنى في رسم نقدها قبل هذا، وإذا لم يكن في الحائط ثمرة ذلك اليوم، وجب أن تكون له ثمرته فيما يستقبل حياته، لتناول لفظه لذلك تناولا واحدا، وبالله التوفيق. [: أوصى بعتق وبوصايا] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وسئل عن رجل أوصى بعتق، وبوصايا، ثم قال: إن فضل شيء من الثلث فهو لفلان، فاستحق عبد من أولئك العبيد بحرية، فأخذ ثمنه، هل يدخل في ثمنه الذي أوصى له ببقية الثلث؟ أو أهل الوصايا؟ فقال: لا يدخل واحد منهم في ثمن ذلك العبد، وثمنه للورثة، وهم يقاصون به أهل الوصايا. قال محمد بن رشد: قد قال ابن القاسم بعد هذا في آخر رسم باع شاة: إنه يدخل في ثمن العبد المستحق أهل الوصايا، وإياه اختار ابن زرب، ولكلا القولين وجه فوجه القول: إن الوصايا لا تدخل فيه، هو أنه مال طرأ للموصي لم يعلم به، فوجب ألا تدخل فيه، وأن يكون في ثلث ما بعد العبد المستحق؛ إذ لا تدخل الوصايا فيما لم يعلم به الموصي، وإنما تدخل فيما لم يعلم به المدبر في الصحة، واختلف في دخول المدبر في المرض فيه. ووجه القول أن الوصايا تدخل فيه لاحتمال أن يكون الموصي قد علم بسبب استحقاقه، وأن الحق يوجب الرجوع بثمنه إن استحق بذلك السبب، فوجب ألا تبطل الوصايا التي أوصى بها إلا بيقين، وأما الموصى له ببقية الثلث، فلا شيء له إلا ما فضل من الثلث بعد العبد المستحق، والوصايا، مثال ذلك: أن يوصي الميت بعتق عبد، قيمته ثلاثون، ويوصي لرجل بخمسة وعشرين، ويترك تسعين دينارا بقيمة العبد، فيعتق العبد بثلاثين دينارا،

مسألة: قال داري حبس على فلان وعبدي حبس على فلان

وتسقط الوصايا لوجوب تبدئة العتق عليها، فإن المستحق العبد بحرية، وجب لأهل الوصايا ثلث ما بقي للميت من مال، بعد العبد المستحق، وذلك عشرون دينارا، واختلف إن أخذ العبد المستحق ثمنا فقيل: يكون للورثة ولا يكون للموصى لهم فيه حق؛ لأنه مال لم يعلم به الميت، وقيل: إنه يكون لأهل الوصايا ما بقي من وصاياهم، وذلك خمسة دنانير في ثلثه، ويكون الباقي للورثة، ولا يكون للموصى له ببقية الثلث فيه حق؛ لأنه إنما أوصى له بما بقي من ثلثه بعد العبد والوصايا. وقد مضت هذه المسألة في رسم نقدها من هذا السماع، وستأتي في هذا الرسم، وفي آخر رسم باع شاة، وبالله التوفيق. [مسألة: قال داري حبس على فلان وعبدي حبس على فلان] مسألة قال مالك: لو أن رجلا قال: داري حبس على فلان، وعبدي حبس على فلان، فإذا انقرضوا، فالعبد والدار رد على ورثتي، وما بقي من ثلثي فهو لفلان، فينظر في ثلثه، فإذا الدار والعبد قد أحاطا بجميع الثلث، فقيل: للموصى له ببقية الثلث، لا شيء لك؛ لأن الدار والعبد قد أحاطا بجميع الثلث، فقال: قال مالك: إذا انقرض اللذان جعل لهما الدار والعبد، فهو للذي أوصى له ببقية الثلث، وليس للورثة من ذلك شيء، وإن كان حبس ذلك على وارث، فلم يجز ذلك الورثة، حبست تلك الدار والغلام على الورثة، فإذا انقرض الذي جعل ذلك له رجع إلى الذي أوصى له ببقية الثلث قال عيسى: إذا قال: فإذا انقرضا فهو رد على ورثتي، فليس للموصى له ببقية الثلث فيه شيء.

مسألة: أوصى لأقاربه بثلث ماله هل تدخل القرابة من قبل الأم والأب

قال محمد بن رشد: استدل عيسى بقول الموصي: فإذا انقرضا فهو رد على ورثتي، على أنه لم يرد أن يجعل للموصى له ببقية الثلث إلا ما بقي بعد قيمة الدار والغلام، ولم ير مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ذلك من قوله دليلا على هذا، وقوله في هذه المسألة أبين من قول عيسى بن دينار؛ لأنه إنما أراد أن يبين بذلك أن الدار والعبد يرجعان إلى ملكه بموت المحبس عليهما، لا بمرجع الأحباس، وإذا رجعا على ملكه دخلت فيه وصاياه. وقد مضى في رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم لمالك، مثل قوله هاهنا فيما يشبه هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لأقاربه بثلث ماله هل تدخل القرابة من قبل الأم والأب] مسألة وسئل عن رجل أوصى لأقاربه بثلث ماله، هل يدخل في ذلك قرابته من قبل الأم والأب؟ قال مالك: أراها لقرابته من قبل الرجال، ولا أرى لقرابته من قبل الأم شيئا إلا أن يكون له قرابة من قبل الرجال، فتكون لقرابته من قبل النساء، وهذا الآخر قول ابن القاسم: والنساء والرجال من قبل الأب فيه شرعا سواء. قال عيسى: وقال أشهب: إني لأستحب أن يدخل فيه قرابته من قبل الرجال والنساء لأبيه وأمه. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه إذا لم يكن له يوم أوصى قرابة من قبل أبيه، أن الوصية تكون لقرابته من قبل أمه، وإنما اختلف إذا كان له يوم أوصى قرابة من قبل أبيه، هل يدخل معهم قرابته من قبل أمه أم لا؟ فمذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك، أنه لا يدخل في ذلك قرابته من قبل الأم، قال في سماع أبي زيد: وإن لم يبق من أهل أمه إلا خال أو خالة، فلا شيء لهم. وقال أشهب: إنه يدخل في ذلك قرابته من الرجال والنساء من قبل أبيه وأمه. قال في كتاب ابن المواز: يبدأ بالفقراء ويعطى بعض

مسألة: يقول أشهدكم أن بقية ثلثي في سبيل الله أو لفلان ثم يموت ولم يوص بشيء

الأغنياء، فرأى قسمة ذلك عليهم على وجه الاجتهاد، لا على السواء. وقد اختلف قول ابن القاسم في ذلك في المدونة في الذي يوصي لأخواله وأولادهم، ولا اختلاف في أنه لا دخول للموالي في ذلك، وإنما اختلف فيمن أوصى لقبيلة، هل يدخل في ذلك مواليهم على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنهم لا يدخلون في ذلك، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك. والثاني: أنهم يدخلون في ذلك، وهو قول ابن الماجشون. والثالث: أنه إن قال لبني تميم، لم يدخل في ذلك الموالى، وإن قال ليتمم، دخلوا فيه. وهو قول أشهب وهي تفرقة ضعيفة؛ إذ من القبائل ما لا يحسن أن يقال فيه من بني فلان مثل جهينة، ومزينة، وربيعة، وقيس، وأما إذا أوصى لمساكينه، فإن مواليه يدخلون في ذلك، قاله ابن القاسم، وابن وهب في رسم الوصايا والأقضية من سماع أصبغ بعد هذا من هذا الكتاب. قال ابن وهب: الذين هم موالي عتاقة، فتحصيل هذا أنه إذا أوصى لقرابته، لم يدخل في ذلك الموالي، وإذا أوصى لمساكينه، دخلوا في ذلك، وإذا أوصى لقبيلة، فعلى الاختلاف الذي قد ذكرته. وقد مضى في أول رسم، سماع ابن القاسم، من كتاب الحبس التكلم على الآل والأهل، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول أشهدكم أن بقية ثلثي في سبيل الله أو لفلان ثم يموت ولم يوص بشيء] مسألة وقال مالك: إذا قال الرجل: إني أريد أن أوصي غدا، وأنا أشهدكم أن بقية ثلثي في سبيل الله، أو لفلان، ثم يموت، ولم يوص بشيء، قال: ليس للذي معي له ببقية الثلث شيء؛ لأنه لم يوص بشيء فيعرف بقية ثلثه، وأشهب يقول: له الثلث كله. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم أوصى، وتكررت أيضا في رسم بع، وتأتي في رسم جاع، وفي سماع محمد بن خالد، وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى الرجل لقوم بوصايا

[مسألة: أوصى الرجل لقوم بوصايا] مسألة وقال: قال مالك: إذا أوصى الرجل لقوم بوصايا، وأقر لبعض من يرثه بدين مائة دينار، فقال: ليس لأهل الوصايا في المائة الدينار شيء، رجعت إلى الورثة أو لم ترجع، لا يخرج الثلث إلا بعد خروج المائة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه لما أقر بالمائة عليه دينا، فلم يرد أن تكون الوصايا إلا فيما بعدها، أجازها الورثة للمقر له بها، أو لم يجيزوها له، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بوصية لرجل غائب فمات الموصي ومات الموصى له] مسألة وقال مالك: إذا أوصى بوصية لرجل غائب، فمات الموصي، ومات الموصى له بالوصية قبل أن يصل إليه، أو يبلغه أمرها، فلم يعلم أيهما مات قبل، فطلب ورثة الموصى له ما أوصى به لصاحبهم، وقال ورثة الموصي: لا وصية لصاحبكم؛ لأنه مات قبل صاحبنا. قال: قال مالك: لا شيء لورثة الموصى له، إلا أن يأتوا بالبينة أن الموصي مات قبل الموصى له؛ لأنه إنما يجري مجرى الميراث، لا يرث أحد أحدا بالشك، لا يرثه إلا بالبينة، وكذلك الموصى له، لا يكون له ولا لورثته وصية، إلا بأمر يبين أن الذي أوصى له بها مات قبل صاحبهم، وكذلك لو أن رجلا وكل وكيلا على أن يعقد له نكاحا بأرض غائبة، على صداق معلوم، ففعل الوكيل ذلك، ومات الناكح قبل أن يرجع إليه وكيله، فطلب أهل المرأة الصداق والميراث، وزعم أهل الرجل أن الرجل مات قبل أن يعقد النكاح، قال ابن القاسم: لا شيء للمرأة إلا أن تقيم البينة أن النكاح وقع قبل موت الناكح، وإلا فلا شيء لها.

مسألة: أوصى بوصايا لقوم وأوصى لرجل ببقية ثلثه

قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال، وهو بين لا إشكال فيه، والحمد لله. [مسألة: أوصى بوصايا لقوم وأوصى لرجل ببقية ثلثه] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: من أوصى بوصايا لقوم، وأوصى لرجل ببقية ثلثه، فأقام أياما، فأوصى بعتق رقيق له، وأوصى بوصايا لقوم آخرين، ولم يغير من الوصية الأولى شيئا، ثم مات، قال مالك: يبدأ العتق، ثم يكون أهل الوصايا الأولين والآخرين في الثلث سواء، إن وسعهم الثلث، كانت لهم وصاياهم، وإن ضاق الثلث عليهم تحاصوا في الثلث بعد العتق على قدر وصاياهم، ولا يكون للموصى له ببقية الثلث شيء، إلا بعد العتق، وبعد أخذ أهل الوصايا الأولين والآخرين وصاياهم، فإن فضل عنهم من الثلث شيء، كان له ما فضل، وإن لم يفضل شيء فلا شيء له. قال ابن القاسم: وإن مات أحد العبيد، أو استحق أحدهم بحرية، أو استحق فأخذوا له قيمة، أو رد أحد من أهل الوصايا ما أوصى له به، فأبى أن يقبله، لم يكن للذي أوصى له ببقية الثلث في ذلك شيء، ويدخل في الثلث قيمة الميت، وثمن الذي استحق بالحرية، ويكون ذلك للورثة، فإن فضل من الثلث عن الوصايا عن ثمن العبد شيء، وكان له، وإلا فلا شيء له. قال ابن القاسم: وهذا مخالف للذي حبس الدار والعبد؛ لأن الميت حين أوصى ببقية الثلث، قد علم أن ذلك الحبس راجع، وأن ثمن هذا العبد الذي استحق بالحرية، كأنه مال طرأ له من موروث، أو صدقة أو هبة، فلم يعلمه، ولم يدخله في الثلث، فكذلك الذي استحق الحرية. قال: ولا يدخل فيه أهل الوصايا أيضا في المال الطارئ.

قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى بوصايا، وأوصى لرجل ببقية ثلثه، ثم أوصى بعد أيام بعتق ووصايا: إنه ليس للموصى له ببقية الثلث، إلا ما فضل عن وصايا الأولين والآخرين، مثله في رسم الصلاة، من سماع يحيى، وفي آخر سماع موسى بن معاوية، ومعناه على ما فسره محمد بن المواز إذا أوصى بوصايا لرجل، وأوصى بما بقي من ثلثه لغيره، ولم يقل: وما بقي من ثلثي بعدها لفلان؛ لأنه إذا قال: وما بقي من ثلثي لفلان، فإنما معناه وما بقي من ثلثي بعدما نوصي به بعد هذا فهو لفلان، وأما إذا أوصى بوصايا لرجل وقال: ما بقي من ثلثي بعدها لفلان، ثم أوصى بعد ذلك بوصايا، فلا تبدأ الوصايا الثانية على الموصى له ببقية الثلث، وإنما تبدأ الوصايا الأول على الموصى له ببقية الثلث، فيتحاص في الثلث الموصى له ببقية الثلث، والموصى له بالوصايا الأول. والموصى له بالوصايا الأخيرة، فما حصل من الثلث في المحاصة للموصى له ببقية الثلث كل منه للوصايا الأول بقية وصاياهم؛ لأنه إنما له ما فض عن وصاياهم، مثال ذلك أن يكون الثلث ثلاثين، ويكون قد أوصى لرجل بعشرة، وأوصى لرجل آخر بما بقي من الثلث بعد العشرة، وأوصى لثالث بعشرة، فيتحاصون كلهم في الثلث، يضرب فيه الموصى له أولا بعشرة، والموصى له ببقية الثلث بعشرين، والموصى له آخرا بعشرة، فيجب للموصى له أولا سبعة ونصف، وللموصى ببقية الثلث خمسة عشر، وللموصى له آخرا سبعة ونصف، ويقال للموصى له ببقية الثلث: أكمل للموصى له أولا عشرة مما صار لك؛ لأنه مبدأ عليك بعشرة، فيدفع إليه اثنين ونصفا تتمة العشرة التي أوصى له بها، ويبقى له اثني عشر ونصفا، وإن شئت ضربت للموصى له أولا، وللموصى له ببقية الثلث، بمبلغ وصاياهم جميعا، وذلك ثلاثون، وضربت للموصى له آخرا بعشرة، فيخرج للموصى له آخرا سبعة ونصف، وللموصى له أولا مع الموصى له ببقية

مسألة: يوصي أن يشترى عبد بخمسين دينارا من ماله فيعتق

الثلث اثنان وعشرون ونصف، يأخذ الموصى له منها أولا عشرة كاملة؛ لأنه مبدأ عليه بها. ويبقى له اثنا عشر ونصف، وإن كانت الوصية الآخرة عتقا كان مبدأ على جميع الوصايا، ولم يكن للموصى له ببقية الثلث إلا ما فضل عن الوصيتين جميعا الأولى والآخرة؛ لأن الأولى تبدأ عليه بما أوصى به الموصى، والثانية بما يوجبه الحكم من تبدئة العتق على الوصايا؛ فهذا وجه القول في هذه المسألة، وأما قوله في الرواية عن ابن القاسم: وإن مات أحد العبيد أو استحق أحدهم بحرية أو استحق، فأخذ له قيمة إلى آخر المسألة، فقد مضى القول عليه في أول مسألة من الرسم، وفي التي بعدها، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي أن يشترى عبد بخمسين دينارا من ماله فيعتق] مسألة وسألته عن الرجل يوصي أن يشترى عبد بخمسين دينارا من ماله فيعتق؛ فيشتري ورثته أو وصيه بالخمسين دينارا رأسين فيعتقان. قال: عتقهما جائز، وعلى من فعل ذلك من وصيه أو وارث ضمان رقبة يشتريها بخمسين دينارا، أو يعتقها عن الميت. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ إذ لا يجوز أن يتعدى ما أوصى به الميت، ويخالف أمره في وصيته، ومن فعل ذلك وجب عليه الضمان؛ لقول الله عز وجل: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] ، ولو وصف الموصي العبد أجزأهم شراء تلك الصفة بأي ثمن كان، ولو اشترى الوصي بتلك الدنانير عبدين على تلك الصفة ضمن نصف الدنانير للورثة إن كان اشتراهما صفقة واحدة، وهما سواء، وإن كانت إحداهما أفضل من الثانية، ضمن ما ينوب الأدنى منهما، وإن كان اشتراهما في

مسألة: أوصى الرجل لعبده بثلث ماله

صفقتين، ضمن ثمن الثانية، وأجرى الأولى عن الميت إذا كان على الصفة، وأما إذا كان العبد غير موصوف، فعلى ما قال في الرواية، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى الرجل لعبده بثلث ماله] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: إذا أوصى الرجل لعبده بثلث ماله عتق جميعه في ثلث الميت إن حمله الثلث. قال ابن القاسم: وإن لم يحمله الثلث فكان للعبد ما أعتق على نفسه في ماله، بقدر ما وجد في يديه إن كان في يديه ما يستتم به عتقه عتق كله، وإلا فبقدر ذلك يكون العبد في نفسه مع ورثة الميت كهيئة الشركاء في العبد إذا أعتق أحدهم نصيبه عتق عليه جميع العبد، إن كان له مال، وإلا فبقدر ذلك، فكذلك العبد في نفسه؛ لأنه حين أوصى له بثلث ماله، فقد أوصى له بثلث رقبته؛ لأن رقبة العبد من ماله، فلما ملك العبد ثلث رقبته عتق، واستمر عتق نفسه عليه، ولو أوصى بعتق ثلثه، وأوصى له ببقية ثلثه، أو بدنانير مسماة، منه إلا ثلثه الذي سمى، وكانت له الوصية دنانير، أو غير ذلك إن كان أوصى له ببقية الثلث. قال محمد بن رشد: قوله: إذا أوصى لعبده بثلث ماله: إنه يعتق جميعه في الثلث إن حمله الثلث، وإن لم يحمله، وكان له مال عتق على نفسه بقيته في ماله، هو مثل ما تقدم في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، ومثل قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة. وفي ذلك من الاختلاف ما قد ذكرته في رسم أخذ يشرب خمرا المذكور. وأما قوله: ولو أوصى بعتق ثلثه، وأوصى له ببقية ثلثه؛ أنه لا يعتق منه إلا ثلثه الذي سمى، وكانت له بقية ثلثه، بمنزلة إذا أوصى بعتق ثلثه، وأوصى له بدنانير، فلا اختلاف في أنه لا يعتق على العبد ببقيته، لا فيما أوصى له به من بقية ثلثه،

مسألة: أوصى لهذا العبد بثلث ماله وأوصى بعتق عبد آخر

ولا من الدنانير التي أوصى له بها، ولا في مال إن كان له سواه؛ لأنه إذا أوصى بعتق ثلث عبده، وأن يعطى بقية ثلث ماله، فلم يملك بذلك شيئا من رقبته، وكذلك قال في رسم الصبرة من سماع يحيى: إذا أوصى بعتق ثلثه، وأن يعطى ثلث بقية ماله؛ أنه لا تعتق بقيته فيما أوصى له به من ثلث بقية ماله، وفي ذلك من قوله نظر؛ لأن ثلثي رقبته من بقية ماله، فإذا أوصى له بثلث بقية ماله، فقد أوصى له بثلث الثلثين الباقيين من رقبته، فوجب على قياس قوله: أن يعتق على نفسه ثلث الثلثين الباقيين من رقبته؛ لأنه قد ملكه ذلك؛ إذ أعطاه ثلث ما بقي من ماله، وإذا أعتق على نفسه شيئا منه؛ وجب أن يقوم عليه بقيته في ماله على قياس قوله، فلم يفرق على ما في رواية يحيى بين أن يوصى له بعتق ثلثه، وبثلث ما بقي من ماله، وبين أن يوصي له بعتق ثلثه، وببقية ثلث ماله، وهما يفترقان في وجه القياس والنظر على ما بيناه، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لهذا العبد بثلث ماله وأوصى بعتق عبد آخر] مسألة قلت: فلو أوصى لهذا العبد بثلث ماله، وأوصى بعتق عبد آخر من المبدأ منهما في الثلث؟ قال: المعتق مبدأ في الثلث؛ لأن المعتق إنما يعتق عن الميت، والموصى له بالثلث، إنما يعتق عن نفسه. قال محمد بن رشد: هذا بين على مذهبه في أن ثلث العبد إنما يعتق على نفسه، ولذلك تقوم عليه بقيته في بقية الثلث، وفي مال إن كان له سواه. ويأتي على قياس قول ابن وهب الذي يرى أن ثلث العبد، إنما يعتق بوصية الميت لا على العبد، ولذلك لا تقوم عليه بقيته في بقية الثلث، إلا أن تبدأ الوصية بعتق العبد على عتق ثلثه، وأن يسهم بينهما في ذلك، وأما على بقية ثلثه فيبدأ على كل حال باتفاق؛ لأنها وصية لمال، وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى لهذا العبد بثلث ماله وأوصى لقوم بوصايا

[مسألة: أوصى لهذا العبد بثلث ماله وأوصى لقوم بوصايا] مسألة قلت: فلو أوصى لهذا العبد بثلث ماله، وأوصى لقوم بوصايا، فقال: العبد الموصى له بثلث الميت مبدأ على جميع الوصايا لا العتق. قال محمد بن رشد: في سماع أبي زيد خلاف هذا: إنهما يتحاصان، فإن كانت الوصايا الثلث بينهما بنصفين، فما صار للعبد منه عتق فيه. هذا معنى قوله؛ فقوله في هذه الرواية: إن العبد الموصى له بالثلث يبدأ به على جميع الوصايا، هو على قياس رواية ابن وهب عن مالك، في أن العبد الموصى له بثلث المال، يقوم فيه، لا فيما سواه من ماله؛ لأن وجه هذا القول أن الميت لما أوصى له بثلث ماله، فكأنه قصد إلى حريته، فوجب أن يبدَّأَ على مسألة الوصايا. وقوله في سماع أبي زيد: إنهما يتحاصان، هو على قياس قوله وروايته عن مالك في المدونة، وفي رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم؛ أنه يعتق ثلث نفسه، ويعتق باقيه في بقية الثلث، وفي مال، إن كان له مال سواه؛ لأن الوصية له بالثلث على هذا القول وصية بمال؛ إذ لا يعتق شيء منه إلا على العبد، فوجب أن يتحاصا. ويتخرج في المسألة على قياس قول ابن وهب في أنه لا يعتق من العبد إذا أوصى له بثلث المال إلا ثلثه، ولا يقوم شيء منه في بقية الثلث، ولا في مال إن كان له أن يبدأ منه على الوصايا ثلثه الذي يعتق بوصية الميت، ويحاص أهل الوصايا ببقية الثلث بالثلث، حين ملك من رقبته شيئا. [مسألة: أوصى لعبده بربع رقبته فكان للعبد مال] مسألة قال: ولو كان أوصى لعبده بربع رقبته، فكان للعبد مال، عتق منه قدر ما بقي في يده من المال، مثل الموصى له بالثلث حين ملك من رقبته شيئا.

مسألة: أوصى لعبده بعتق ثلثه أو ربعه أو جزء منه

قال محمد بن رشد: هذا بين على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك؛ لأنه إذا أعتق الربع الذي أوصى له به منه، عتق سائره عليه في ماله إن كان له مال، وعلى مذهب ابن وهب لا يقوم بقيته عليه في ماله؛ لأنه يرى العتق في ذلك بوصية الميت لا محل العبد، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لعبده بعتق ثلثه أو ربعه أو جزء منه] مسألة قال: ولو كان أوصى لعبده بعتق ثلثه أو ربعه، أو جزء منه لم يعتق منه إلا ما عتق، ولم يستتم عتقه بمال العبد، وإن كان له مال؛ لأنه لم يملك شيئا من رقبته. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا اختلاف فيه، والحمد لله. [: أوصى لعبد له بثلث ماله] ومن كتاب الرهون وقال في رجل أوصى لعبد له بثلث ماله، قال: يجعل ذلك في رقبته، فإن حمله الثلث عتق وأعطى ما فضل من الثلث، إن كان فيه فضل من رقبته، وإن قصر عنه الثلث، عتق منه قدر ما وسع الثلث، وكان ما بقي رقيقا للورثة، وإن أوصى العبد بدنانير مسماة، أو دابة من دوابه؛ أنه يعطاه العبد، ولا يعتق في ذلك؛ لأنه مال مسمى لم يدخل ذلك في رقبة. قال سحنون: إنما هذا إذا أوصى له بدنانير، يكون أقل من ثلث ماله، فحينئذ يعطى العبد، ولا يعتق فيها، فأما لو أوصى له بدنانير، تكون أكثر من ثلث ماله،

لعتق فيها، وكان بمنزلة ما لو أوصى له بثلث ماله أو بجزء منه، وهذا معنى قول ابن القاسم: وهي مسألة جيدة، وقال أصبغ في مسألة الدنانير كقول سحنون سواء. قال محمد بن رشد: قد تقدم الكلام في الرسم الذي قبل هذا، وفي رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم في الذي يوصي لعبده بثلث ماله، فلا معنى لإعادة الكلام في ذلك. وأما قول سحنون وأصبغ إذا أوصى له بدنانير مسماة، أو بدابة من دوابه هي أكثر من الثلث: إنه يعتق في ذلك، بمنزلة ما لو أوصى له بثلث ماله أو بجزء منه، فمعناه عندهما: إذا لم يجز ذلك الورثة وقطعوا له بالثلث في كل شيء، إلا أنه قال: إنما ذلك لحرمة العتق، استحسان. والقياس أن يعطى من نفسه ثلثها، ومن كل شيء ثلثه يريد: ولا يعتق منه إلا الثلث الذي أعطى من نفسه، والأمر عندي بعكس ذلك، بل القياس إذا أعتق عليه من نفسه ثلثها، أن يعتق عليه باقية في بقية الثلث، والاستحسان إنما هو ألا يعتق عليه إلا الثلث الذي أعطى من رقبته، إنما هذا على أحد قولي مالك في أن الموصى له بشيء بعينه، وهو أكثر من الثلث، إذا لم يجز ذلك الورثة، فقطعوا له بالثلث من كل شيء، وأما قوله الآخر: إن الثلث يجعل له في الشيء الذي أوصى له به، فلا يعتق منه شيء؛ لأن ذلك يكون على هذا القول بمنزلة إذا أجازوا له الوصية، لا يعتق منه شيء، وقد حمل ابن دحون قول سحنون في هذه الرواية على ظاهره، من أنه إذا كان العبد والدنانير التي أوصى له بها، أكثر من الثلث، يعتق فيها، أجاز الورثة الوصية، أو لم يجيزوها، فقال: لما أوصى بدنانير هي أكثر من ثلثه، دل على أنه أراد الثلث وزيادة، فكأنه أوصى بثلث ماله مبهما؛ ألا ترى أن الورثة إن أبوا أن يجيزوا لزمهم إجازة الثلث؟ وهو بعيد، لا يصح بوجه؛ لأنهم إذا أجازوا لم يجب له في نفسه شيء، فلا يصح أن يعتق عليه منه شيء، وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى لعبده بثلث ماله وللعبد ولد

[مسألة: أوصى لعبده بثلث ماله وللعبد ولد] مسألة قيل لسحنون: أرأيت لو أوصى لعبده بثلث ماله، وللعبد ولد، هل يبدأ بعتق الأب في الثلث قبل الابن، أم يتحاصان جميعا؟ فقال: بل يكون الأب أولى بالعتق في الثلث، فإن بقي من الثلث شيء دخل فيه الابن فعتق منه مبلغ الثلث. قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة قياس ما تقدم من قول ابن القاسم في رسم أسلم قبل هذا في الذي يوصي لعبده بثلث ماله، ويوصي بوصايا؛ أن العبد الموصى له بثلث الميت، يبدأ على أهل الوصايا. ويأتي فيها على قياس رواية أبي زيد، في أنه لا يبدأ على الوصايا، ويتحاصان ولا يبدأ الأب على الابن، ولا الابن على الأب، فيعتق من الأب ثلثه؛ لأنه ملك بالوصية ثلث نفسه، ومن الابن ثلثه أيضا؛ لأنه ملك بالوصية أيضا ثلثه؛ لأنه من مال الميت الذي أوصى له بثلثه، ثم يعتق من كل واحد منهما في بقية الثلث ما حمل منهما بالسوية، لا يبدأ فيه أحدهما على صاحبه، كمن أعتق شقصا له في عبدين، وليس له من المال ما يحمل أن يقوما فيه عليه جميعا، فيقوم منهما جميعا ما حمله بالحصص، ولا يبدأ أحدهما على صاحبه، وبالله التوفيق. [: يقول عند موته بيعوا غلامي هذا بثلاثين دينارا] ومن كتاب جاع فباع امرأته وسألته عن الرجل يقول عند موته بيعوا غلامي هذا بثلاثين دينارا، وأعطوا فلانا منها عشرة دنانير، فيبيع ذلك العبد بأدنى أو بأكثر، قال: إن بيع بثلاثين أو بأكثر، فله العشرة فقط، وإن بيع بدون ثلاثين وأكثر من عشرين، فإنما له ما زاد على عشرين دينارا أو دينارين، أو ما زاد؛ لأنه إنما له ما بين العشرين إلى الثلاثين إن زاد

شيئا على عشرين، وإن بيع بعشرين أو بأدنى لم يكن له قليل ولا كثير؛ لأنه إنما أوصى له بعد إخراج عشرين، فلا شيء له. قال محمد بن رشد: في سماع محمد بن خالد، عن ابن القاسم: أنه إن بيع بأقل مما سمى كان للموصى له مما بيع به ما يقع العدد الذي أوصى له به مما سمى أن يباع به، فيكون له في هذه المسألة على هذا القول؛ أن بيع العبد بأقل من الثلاثين ثلث ما بيع به، وإن بيع بأقل من عشرين، وقال أشهب في السماع المذكور: له مما بيع به ما سمى له كاملا، وإن بيع بأقل مما سمى له فجميع ذلك له. قال محمد بن رشد: فحمل ابن القاسم في هذه الرواية أمر الموصي على أنه إنما سمى ما يباع به العبد احتياطا على الورثة، مخافة أن يباع بأقل مما سمى، فلا يبقى لهم من ثمنه القدر الذي أراده، فلم ير للموصى له أن يبيع بأقل من ثلاثين، إلا ما زاد على عشرين؛ لأنه على هذا التأويل، إنما أوصى له بعشرة، شرط أن يباع بثلاثين أو أكثر، فإن بيع بأقل، كان النقصان عليه لا على الورثة، وحمل أشهب في سماع محمد بن خالد، أمر الموصي، على أنه إنما سمى ما يباع به العبد احتياطا على الموصى له؛ لئلا ينقص مما أوصى له به إن بيع بأقل مما سمى، وكأنه قال: أعطوا فلانا من ثلثي من ثمن هذا العبد كذا وكذا، وإن لم يبيعوه إلا بكذا وكذا، فلم يسر للورثة إلا ما زاد على مما أوصى له به، ولا يصح أن يحمل أمر الموصي على أحد الوجهين دون الآخر إلا بقرينة تدل على ذلك من بساط تخرج عليه الوصية، أو ما أشبه ذلك مما تبين به قصد الموصي من إرادة الرفق بورثته في ذلك، أو بالموصى له، فإن لم يتبين من قصد الموصي أحد الوجهين دون الآخر، وجب أن يرجع ذلك إلى التحاص على ما قاله ابن القاسم في سماع محمد بن خالد، فيحمل قول ابن القاسم في هذه الرواية على أنه تبين له من قصد الموصي ما خرج جوابه عليه، ويحمل قول أشهب على أنه تبين له من قصد الموصي ما خرج جوابه

مسألة: أوصى في جارية له أن تخير

عليه، ويحمل قول ابن القاسم في سماع محمد بن خالد على أنه لم يتبين له من قصد الموصي أحد الوجهين دون الآخر، فلا يكون بين الروايات على هذا الاختلاف إلا بسبب اختلاف المعاني عندهم، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى في جارية له أن تخير] مسألة وقال ابن القاسم: قال مالك في رجل أوصى في جارية له أن تخير، فإن شاءت بيعت، وإن شاءت أعتقت: إنه لا يجوز عتق أحد من الورثة فيما إلا برضاها، حتى تختار أو تدع. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم طلق من سماع ابن القاسم، ومضى الكلام عليها هناك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي فيقول لفلان عشرة دنانير ثم يقول أنا أريد أن أوصي غدا] مسألة وسئل عن الرجل يوصي فيقول: لفلان عشرة دنانير، ثم يقول: أنا أريد أن أوصي غدا، ولكن اشهدوا أن ما بقي من ثلثي فلفلان، فيموت قبل أن يوصي قال: لا شيء له. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة، والقول فيها في رسم أوصى، ومضت أيضا في رسم بع ورسم أسلم. وتأتي في سماع محمد بن خالد، وبالله التوفيق. [مسألة: يموت عن مائة دينار وعليه مائة دينار دين وقد أوصى بوصايا] مسألة وسألته عن الرجل يموت عن مائة دينار، وعليه مائة دينار دين، وقد أوصى بوصايا عتق وغيره، ثم طرأ له مال بعد موته.

قال: يقضى الدين من هذه المائة التي علم، وتسقط جميع الوصايا، إلا أن يكون مدبرا، فإنه يعتق فيما علم، وفيما لم يعلم، وإنما ينظر أبدا إلى ما عليه من الدين، فإن أحاط الدين بالمال الذي علم، سقطت الوصايا، وكان المال الذي طرأ للورثة خالصا. قلت: وكذلك لو قتل عمدا كانت ديته مثل ما طرأ، لا تدخل فيه الوصايا، قال: نعم. الدية في العمد مثل مال طرأ. قال محمد بن رشد: لم يفرق ابن القاسم في هذه الرواية بين أن يكون المدبر في الصحة أو المرض، ومثله في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب الديات، فظاهر ذلك أن المدبر في المرض، يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال، وهو نص قوله في رواية عيسى عنه في المدنية خلاف قوله في المدونة: أن المدبر في الصحة هو الذي يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال، وقوله: فإنه يعتق فيما علم، وفيما لم يعلم، يريد بعد إخراج الدين مما علم، وكذلك في رسم جاع من سماع عيسى، من كتاب الديات، فعلى ما قاله في المسألة، من أنه مات عن مائة، وعليه دين مائة، لا يعتق المدبر كله إلا في المال الطارئ، وإنما يعتق فيما علم وفيما لم يعلم، إذا بقي من المال الذي علم به بعد إخراج الدين بقية. مثال ذلك أن يترك مدبرا قيمته ثلاثون، وسبعين دينارا، وعليه دين ثمانون دينارا، ويوصي بوصايا، ويطرأ له بعد موته عشرون دينارا، فتخرج الثمانون دينار التي عليه دينا من جملة التركة، وهي مائة، ويعتق المدبر في العشرين التي علم بها، وهي الباقية من التركة بعد الدين، وفي العشرين الطارئة، فيفضل من العشرين التي علم بها خمسة الدنانير تكون لأهل الوصايا، ويبطل مما سوى ذلك من الوصايا، وتكون الخمسة دنانير الباقية من العشرين الطارئة للورثة، ولا يكون فيها لأهل الوصايا حق، وبالله التوفيق.

: أوصى لرجل باثني عشر دينارا هي له عليه دين

[: أوصى لرجل باثني عشر دينارا هي له عليه دين] ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم في رجل أوصى لرجل باثني عشر دينارا هي له عليه دين، وهو معدم، وأوصى لرجل آخر باثني عشر دينارا عينا تركها، ولا مال له غير ذلك، ولم يجز الورثة إلا الثلث، قال ابن القاسم: يخرج ثلث الاثني عشر العين، وهي أربعة، لأهل الوصايا، ويكون ثلثاها للورثة، ثم ينظر كم قيمة الاثني عشر الدين التي أوصى بها للذي هي عليه، فينظر كم قيمتها الساعة لو بيعت؟ فإن كانت قيمتها أربعة، ضرب الذي أوصى له بالاثني عشر التي عليه بأربعة؛ لأنها كأنها وصيته التي أوصى له بها، وضرب الذي أوصي له بالاثني عشر العين، باثني عشر سهما في هذه الأربعة التي هي ثلث عشر العين، فما صار للذي ضرب بالاثني عشر أخذه، وما صار للذي ضرب بالأربعة أخذ منه؛ لأنه من كان عليه دين فوجد له مال، أخذ منه، فيؤخذ منه فيوقف ويطرح عنه مثله من الذين عليه، ثم يرجع إلى ثلث الاثني عشر الدين، فيعاد فيها بالضرب كما صنع في الأولى سواء، يضرب الذي هي عليه بأربعة، ويضرب الذي أوصى له بالاثني عشر العين، باثني عشر سهما، يضربون بذلك في ثلثها وثلثاها للورثة، فثلثها أربعة، فيصير لصاحب الاثني عشر ثلاثة، ولصاحب الأربعة واحد، فما صار له من المحاصة طرح عنه من الدين الذي هو عليه، وهو دينار صار له، فيطرح دينار من الاثني عشر التي عليه، ويطرح آخر مكان الدينار الذي صار له في العين في المحاصة، فأخذ منه، فيبقى عليه عشرة، ثم يرجع الورثة، والذي أوصى له بالعين النقد، إلى هذا الدينار الذي وقف فتحاصون فيه، يضرب الورثة فيه بقدر مواريثهم، وهو ثمانية

أسهم، ويضرب الموصى له بالنقد بثلاثة أسهم، وهو الذي يصير في المحاصة، ولا يضرب الموصي له بالدين الذي عليه معهم فيه بشيء؛ لأنه قد ضرب مرة، وحاص وإنما هذا شيء صار له في المحاصة، فأخذ منه في الدين الذي عليه، ثم ما اقتضى من العشرة الدين التي تبقى عليه فعلوا فيها مثل ذلك سواء، يضرب بما بقي لهم الورثة من الدين، والذي أوصى له بالنقد بما بقي له على ذلك، يقتسمون ما اقتضوا من شيء، فعلى ذلك يقسم، ولا يدخل الذي عليه الدين معهم في شيء من ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة إذا تدبرت، وقد لحظها ابن أبي زيد في النوادر وقربها، فقال: يتحاصان في ثلث العين والدين، فإن كانت قيمة الاثني عشر الدين أربعة حاص بأربعة، والآخر باثني عشر، فلهذا ربع الثلث، ولهذا ثلاثة أرباعه، فيزول عنه ديناران، ويبقى عليه عشرة، فدينار سقط مما عليه، ودينار نابه من العين، أخذ منه، فيتحاص في هذا الدينار، الورثة والموصى له بالعين، على أحد عشر جزءا فلهذا ثلاثة، ولهم ثمانية، فعلى هذا يعمل لكل ما يقتضي من الآخر، ومذهب ابن كنانة أنه يحاص في الدين بالتسمية لا بالقيمة الذي أوصى بذلك لغير الغريم، أو أوصى به الغريم وهو عديم، كمن اشترى شقصا بثمن غال، فإنما يأخذه الشفيع بجميع الثمن، ومذهب ابن القاسم أنه يحاص بقيمة الدين شائعا في جميع مال الميت، وإن لم يكن عليه دين، إذا كان معدما، وفي المجموعة لابن القاسم: إن الدين الموصى به يقوم، وإن كان على مليء، فيتخرج في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه ينظر إلى قيمة الخمسين التي أوصى له بها، وهي عليه، فإن حملها الثلث نفذت له الوصية، وإن لم يحملها كان الورثة بالخيار، بين أن يخيروا له الوصية، وبين أن يقطعوا له بالثلث كاملا شائعا في جميع مال الميت، كان مليا أو معدما، وهو قول ابن

: أوصى بعتق عبد له قيمته اثنا عشر دينارا

كنانة، وقد حكاه ابن المواز عن مالك وأصحابه. والثاني: أن للورثة أن يقطعوا له بالثلاثين التي هي الثلث في الخمسين التي عليه، ولا يقوم، مليا كان أو معدما، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية. والثالث: الفرق في ذلك بين أن يكون مليا أو معدما. ولو كان الدين مؤجلا، لم يختلف وجوب تقويمه، ولا في أنه ليس للورثة أن يقطعوا له بالثلث في عدده، بمنزلة إذا كان عليه دين، وبالله التوفيق. [: أوصى بعتق عبد له قيمته اثنا عشر دينارا] ومن كتاب الرهون مسألة قال: وقال ابن القاسم في رجل توفى، وأوصى بعتق عبد له قيمته اثنا عشر دينارا، وأوصى لامرأته باثني عشر دينارا دينا له عليها، ولا مال له غير ذلك، وامرأته معدمة، وترك ابنه وامرأته. قال ابن القاسم: يعتق من العبد ثلثه قبل كل شيء؛ لأن العتق يبدأ على ما كان معه من الوصايا، ويبقى ثلثاه، وهي ثمانية أسهم، فللمرأة من ذلك الثمن وهو واحد، فيؤخذ هذا الواحد منها فيما عليها من الدين، فيعتق من العبد أيضا ثلث هذا السهم، ويبقى ثلثا السهم ميراثا بين المرأة والابن، فللمرأة من ذلك الثمن، ثمن ثلثي ذلك السهم، وللابن ما بقي، ويؤخذ أيضا من المرأة ثمن ثلثي السهم الذي صار لها من ثمنها فيما عليها من الدين، فيتحاصون فيه، العبد والوارث بقدر حقوقهما التي بقيت لهما على المرأة، وينقطع حق المرأة منه هاهنا؛ لأنها قد أخذت ثمنها مرة، وإنما هذا شيء أخذ منها فيما عليها من الدين.

قال محمد بن رشد: هذه مسألة دقيقة، من أجل أن الدين الذي على المرأة لها منه ثمنه بالميراث، وما يجب لها من ثلثي العبد إذا أعتق ثلثه، وهو ثمنه نصف سدس جميعه على ما ذكر من أن قيمته اثني عشر، تؤخذ منها في الدين، فيعتق ثلثه، ويكون لها من ثلثه الثمن بالميراث، فيؤخذ منها ذلك الثمن، فيكون بين العبد والابن على قدر ما بقي لهما من حقوقهما على المرأة، والذي بقي للعبد على المرأة من حقه ثلث وسبعة أثمان، وثلثا ثمن. والذي بقي للابن عليها ستة وثلث ثمن، وذلك أن العبد يقول: وجب لي أن يعتق مني الثلثان بثمانية؛ لأن جملة المال أربعة وعشرون، ولم يعتق مني السدسان، وربع السدس بأربعة، وثلث الثمن، فيبقى لي من حقي ثلثه وسبعة أثمان وثلثا ثمن، والابن يقول: وجب لي أربعة عشر؛ لأن جميع المال أربعة وعشرون، يعتق منه ثلثا العبد بثمانية، يبقى ستة عشر، يجب للزوجة منها اثنان، ولي أربعة عشر، يبدأ منها فيما بقي لي من العبد سبعة، وسبعة أثمان وثلث ثمن، فيبقى لي من حقي ستة وثلث ثمن، فعلى هذه التجربة يقتسم العبد والابن ذلك الثمن، فما ناب العبد منه عتق زائدا إلى ما كان أعتق منه، وما ناب الابن منه بقي له رقيقا، وكذلك يقتسمان على هذه التجربة، كلما أفادت المرأة من مال، فما ناب العبد من ذلك عتق منه على الابن بقدره، حتى يستوفيا حقوقهما، فيكون قد عتق من العبد ثلثاه، وبقي للابن ثلثه، وصار إليه مما على الزوجة عشرة دنانير، وبقي لها مما عليها ديناران، وهما الواجبان لها، وإنما قال: إنه يعتق من العبد ثلثه معجلا، من أجل أن المرأة عديمة لا يرجى لها مال، ولو كان يرجى لها مال؛ لوجب أن يوقف، ولا يعجل عتق شيء منه حتى يستوفى الدين منها، فيعتق منه ثلث الجميع على ما قاله في المدونة في الذي يوصي بعتق عبد، وله مال حاضر، ومال غائب: إنه يوقف، ولا يعتق منه شيء حتى يستوفى المال الغائب، إلا أن يطول الأمر، فيدخل في ذلك ضرر على الموصي والموصى له، وعلى ما يأتي أيضا في رسم الجواب بعد هذا، وفي

مسألة: توفي وأوصى لرجل بخمسين دينارا له عليه وترك مالا ناضا والثلث ثلاثون

العشرة لابن القاسم وأشهب، يرى أنه يعتق منه كما حمل المال الحاضر معجلا، ولا ينتظر المال الغائب، وإن قرب أمره، فكلما حضر منه شيء زيد في عتقه بقدر ثلثه. والقول بالتوفيق حتى يجتمع المال أقيس؛ لأنه إذا أعتق ثلثه ومبلغ ثلث المال الحاضر، فقد أخذ أكثر من ثلثه؛ لأنه أخذ ثلث المال الحاضر، وصار باقي العبد موقفا على الورثة، وبالله التوفيق. [مسألة: توفي وأوصى لرجل بخمسين دينارا له عليه وترك مالا ناضا والثلث ثلاثون] مسألة قال ابن القاسم في رجل توفي وأوصى لرجل بخمسين دينارا له عليه، وترك مالا ناضا، والثلث ثلاثون، فقال الورثة: نحن نقطع له بالثلث فيما عليه من الدين. قال ابن القاسم: ذلك لهم، إلا أن يكون على الموصى له دين، فإن كان عليه دين، خير الورثة بين أن يجيزوا ما أوصى له به، فإن فعلوا فليس للموصى له إلا ذلك، وإن أبوا قطعوا له بالثلث، مما عليه، وثلث الناض؛ لأن الغرماء يدخلون فيه يحاصونه، ويدخل معهم الورثة فيما بقي لهم عليه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة: إن للورثة أن يعطوا للموصى له بالخمسين، التي عليه بالثلاثين، التي عن الثلث، إلا أن يكون عليه دين، ظاهره وإن كان معدما بالخمسين إذا لم يكن عليه دين، وذلك معارض لقوله في أول مسألة من الرسم في الذي أوصى لرجل باثني عشر دينارا له عليه، وهو معدم: إنه يحاص بقيمته لا بعدده، وعلى خلاف أصله فيها؛ لأنه حكم فيها للدين على المعدم، بحكم العرض، فالذي يأتي على قياس قوله هذا في هذه المسألة أن يكون الورثة بالخيار، بين أن يجيزوا له الوصية بالخمسين ويقطعوا له بالثلث.

مسألة: أوصى بعتق غلام لولد له صغار

[مسألة: أوصى بعتق غلام لولد له صغار] مسألة وعن رجل أوصى بعتق غلام لولد له صغار؛ أنه إن كان له مال جاز عتقه عنه بالقيمة في ثلثه، وأعطى ولده القيمة، فإن لم يكن له مال، لم يجز عتقه. قال ابن القاسم: وإنه إن سمى له ثمنا يشتري به من ولده، لم يجز من ذلك إلا القيمة أيضا، ولم يكن ينظر إلى ما سمى. قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم الكبش من سماع يحيى، من كتاب الصدقات والهبات؛ أن الوالد إذا أوصى بعتاقة عبد ابنه الصغير، أو بتل عتقه؛ جاز ذلك على الابن، إذا كان للأب مال، وأعطى الولد قيمة عبده، ولا أحفظه في هذا اختلافا من قول ابن القاسم؛ لأن الوصية بعتق عبد ابنه الصغير كعتقه سواء، إن حمله الثلث جاز، وكانت له قيمته في مال الأب، وكذلك ما حمل الثلث منه، وإن لم يحمل جميعه. وقوله: إنه إن سمى له ثمنا يشترى له به من ولده، لم يجز من ذلك إلا القيمة أيضا صحيح بين؛ لأنه إذا سمى أكثر من قيمته كان الزائد على قيمته وصية له، والوصية للوارث لا تجوز، وإن سمى أقل من قيمته، لم يكن ذلك له؛ إذ ليس للأب أن يأخذ مال ابنه الصغير. وقد مضى في رسم استأذن، من سماع عيسى، من كتاب الصدقات والهبات حكم صنيع الأب في مال ابنه الصغير من عتق أو هبة أو صدقة أو تزويج مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: تحضره الوفاة فيقول خذ من عبدي فلانا مائة دينار ثم هو حر] مسألة وعن الرجل تحضره الوفاة فيقول للرجل: خذ من عبدي فلانا مائة دينار، ثم هو حر، أتنجم عليه؟ قال: لا أرى أن تنجم عليه، ولكن تؤخذ منه جميعا، إلا أن يكون أمر أن تنجم عليه.

: قال أعتقوا عبدي في ثلثي أو ما حمل الثلث منهما

قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية: إذا قال خذوا من عبدي كذا وكذا وهو حر؛ أنها لا تنجم عليه، وفي العتق الثاني من المدونة إذا قال لأمته: أدي إلى ورثتي ألف دينار وأنت حرة؛ أنها تنجم عليها، كما تنجم الكتابة، فقيل: إن ذلك اختلاف من القول، وقيل: إنه فرق بين اللفظين وهو الأولى من التأويلين، وإنما ينفذ ذلك من وصيته إذا حمل العبد الثلث، فإن لم يحمله الثلث، فالورثة مخيرون، بين أن يجيزوا له الوصية، أو يعتقوا منه ما حمل الثلث بتلا، ويقر ماله بيده، ولم يتكلم في الرواية هل يلزم العبد ذلك ويجبر عليه إن أباه أم لا؟ ويتخرج ذلك على الاختلاف في هل للسيد أن يجبر عبده على الكتابة أم لا؟ والقولان قائمان من المدونة ولو أوصى أن يؤخذ مال عبده ويعتق، لزمه ذلك إن حمله الثلث دون ماله، وبالله التوفيق. [: قال أعتقوا عبدي في ثلثي أو ما حمل الثلث منهما] ومن كتاب أوله يدير ماله قال: ومن قال: أعتقوا عبدي في ثلثي، أو ما حمل الثلث منهما، فذلك كله سواء، يسهم بينهما، فيبدأ من خرج سهمه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إنه إذا أوصى بعتق عبده، فلا فرق بين أن يقول أو ما حمل الثلث منهما، أو يسكت عن ذلك؛ لأنه المعلوم من قصده وإرادته؛ إذ ليس له سواه لو قال: أعتقوهما، حملهما الثلث، أو لم يحملهما لم ينفذ له ذلك له على الورثة، إلا أن يشاءوا، فإذا لم حملهما الثلث، فإنه يعتق منهما ما حمله الثلث بالقرعة، كان أحدهما كاملا أو أحدهما وبعض الآخر، أو بعض أحدهما. وابن كنانة يقول: إنما يسهم بينهما إذا لم يقل: أو ما حمل الثلث منهما، وأما إذا قال: أعتقوهما في ثلثي أو ما حمل الثلث منهما، فقد أراد بقوله: أو ما حمل الثلث منهما لا يحيطهما

: رجل يموت عن الزرع حين ينبت وقد أوصى بوصايا

جميعا العتق، فهما يتحاصان في ثلث ماله. ولقوله وجه. وقول ابن القاسم أظهر. [: رجل يموت عن الزرع حين ينبت وقد أوصى بوصايا] ومن كتاب الجواب وسألته عن رجل يموت عن الزرع حين ينبت، وقد أوصى بوصايا، وضاق الثلث عنها، هل لأهل الوصايا في الزرع شيء؟ وكيف إن كان لهم في الزرع شيء؟ هل يوقف الرقيق إلى استحصاد الزرع؟ قال ابن القاسم: نعم، وصاياهم في الزرع، وفي كل ما ترك الميت من ثمرة صغيرة أو زرع صغير، فإن كانت الوصايا، إنما هي وصايا مال لم يوقف الرقيق ويبعث، وكان لأهل الوصايا ثلث ما نص، واستوفي بالزرع حتى يصلح، فيباع، فيكون لهم ثلثه، وإن كان في الوصايا عتق، أو أوصى ببعض الرقيق لأحد لم يبع الدين أوصى فيهم، ووفقوا حتى يحل بيع الزرع، فيباع، ولم يقسم شيء من المال، لا ثلث ولا غيره، حتى يستحصد الزرع فيباع، إلا أن يخير الورثة الوصايا بذلك، فيقتسمون بقية المال، ويوقفون الزرع حتى يحل بيعه فيبيعونه، وإن أوصى بعتق الرقيق كلهم لم يعتق منهم أحد حتى يحل بيع الزرع ويباع ويعتق منهم ما حمل الثلث، ويرق ما بقي فيباع. وفي سماع أصبغ، من كتاب الوصايا، عن ابن القاسم مثله. وقاله أصبغ، إلا أن يطول أمر الزرع، ويكون ذلك في أول بذره، وازدراعه، ويتأخر حصاده وبلوغه الأشهر الكثيرة، وفي ذلك عطب الحيوان، والضرر على العبيد، فأرى أن يترك الزرع كالمال الغائب الذي لا يجمع بفور ذلك، فأرى أن يعتق منه ما

حمل الثلث معجلا. قال محمد بن رشد: قوله: إن الوصايا في الزرع في كل ما ترك الميت من ثمرة صغيرة أو زرع صغير، وإن الوصايا إن كانت وصايا ما لم يوقف الرقيق وبيعت، وكان لأهل الوصايا ثلث ما نص، واستوفي بالزرع حتى يصلح فيباع، فيكون لهم ثلثه، بين لا إشكال فيه. وأما قوله: وإن كان في الوصايا عتق، وأوصى ببعض الرقيق لأحد، لم يبع الذين أوصى فيهم، ووقفوا حتى يحل بيع الزرع فيباع؛ فمعناه في الذي أوصى ببعض الرقيق لأحد، إذا دعاه الذي أوصى له بهم إلى توقيفهم حتى يصلح الزرع فيباع. وأما إن دعا إلى بيعهم، وأخذ ما حمل ثلث المال الحاضر منهم، فلا اختلاف في أن ذلك له، بخلاف الوصية بعتق الرقيق، فقال في هذه الرواية: إنهم يوقفون حتى يحل بيع الزرع، ولا اختلاف في ذلك عندي، وإن دعا العبيد إلى أن يعتق منهم ما حمل الحاضر، ويوقف الباقي إلى أن يحضر، ورضي بذلك الورثة من أجل الغرر في تكرير القرعة فيهم مرة بعد أخرى، وإن كان عبدا واحدا، فمذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أنه يوقف ولا يعتق منه شيء حتى يحضر المال الغائب، قال ابن القاسم: وإن دعا العبد إلى أن يعتق منه ما حمل الثلث منه من المال الحاضر مخافة أن يتلف، فإن جاء المال الغائب استتم عتقه فيه، أو زيد في عتقه بمقدار ما بلغ ثلثه، لم يكن ذلك له، يريد: إلا برضا الورثة؛ لأن الميت يكون إذا فعل ذلك، قد أخذ أكثر من ثلث المال الحاضر؛ لأنه يعتق ثلثه فيه، ويوقف باقيه، وأشهب يرى أن يعتق منه مبلغ الحاضر، يوقف باقي العبد، فكلما حضر شيء من الغائب زيد في عتقه، ولو لم يكن إلا العبد وحده عتق ثلثه ووقف باقيه. وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن الحجة في ذلك للورثة بينة. وقول أصبغ: إلا أن يكون

مسألة: يعتق عند الموت أو يكون له مدبرون فيموت

ذلك في أول ازدراع الزرع، فيطول الأمر، ويخاف في ذلك الضرر على العبيد بعطب الحيوان وما أشبه ذلك؛ مفسر لقول ابن القاسم؛ إذ هو نص قوله في المدونة: إلا أن يكون في ذلك ضرر على الموصي والموصى له، ومثله أيضا في التفسير لابن القاسم؛ أنه إن كانت الديون بعيدة الآجال، والمال الغائب في بلد بعيد، لا يصل إلا بعد طول زمان، فإنه يعتق منه ثلث ما فضل، فإذا جاء المال الغائب، أو حل أجل المؤجل فاقتضى، أعتق منه مبلغ ثلث جميع ذلك. وقد وقع في رسم جاع فباع امرأته، من سماع عيسى، من كتاب المدبر؛ أن الدين إذا كان إلى الأجل البعيد؛ العشرة الأعوام ونحوها، أنه يباع بعرض إن كان عينا، أو بعين إن كان عرضا، ويعتق المدبر في ثلثه أو ما حمل الثلث منه، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله عز وجل. [مسألة: يعتق عند الموت أو يكون له مدبرون فيموت] مسألة وسألته عن الرجل يعتق عند الموت، أو يكون له مدبرون فيموت، فيقول الورثة: قوموا علينا ما ترك الميت من عقار أو غير ذلك، ولا تبيعوا علينا، ويقول المدبرون وأهل الوصايا: بل نبيع، كأن البيع أزيد لنا في الثلث من القيمة. قال ابن القاسم: ذلك للمدبر وأهل الوصايا يباع لهم إذا طلبوا البيع وسخطوا القيمة، وإن دعا الورثة إلى البيع وكرهوا القيمة، فذلك لهم الذي لا شك فيه، ولا كلام فيمن دعا إلى البيع فهو أولى، أصحاب الثلث كانوا أو الورثة. وأما الورثة فيما بينهم إذا ورثوا ميراثا، ثم طلب بعضهم البيع، وكره بعضهم، فإنهم إن كان فيما ورثوا ما ينقسم، قسم بينهم، وما كان مما لا ينقسم، بيع لمن طلب ذلك منهم، إلا أن يقاومه صاحبه، أو يأخذه بما يعطى به بمنزلة الشريك بالاشتراء سواء، ومن كتاب

مسألة: يكون له مدبرون ويعتق عند الموت

الوصايا من رواية أصبغ مثله عن ابن القاسم، وقاله أصبغ في التقويم يأباه المدبر وأهل الوصايا. قال: لا أرى ذلك، إذا أقاموا ذلك قيمة عدل على قيمة الاشتراء والبيع، فهو إنصاف، وليس على الموصي أن تبيع لهم الأسواق، ولا على الورثة الزيادة الخاصة، وأنهم يعرضون عرضا لا ينفذ ولا يتمم، فالقيمة في جميع ذلك عدل لهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم الوصايا، من سماع أشهب، وبينا أنه يتحصل فيها خمسة أقوال، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون له مدبرون ويعتق عند الموت] مسألة وسألته عن الرجل يكون له مدبرون، ويعتق عند الموت، ويقول في جنان له، أو في شيء من ماله لورثته: امضوا هذا لابني فلان، أو لابنتي فلانة، وهما وارثان فيفعلون، والثلث يضيق عن العتق والوصايا، من أين يكون الجنان، والذي سمى للوارث، أمن سهام الذين أمضوا أم من رأس المال أم من الثلث؟ قال ابن القاسم: إن كانت الجنان، والذي سمى شيء زعم أنه لابنه عنده أو في يديه، أو دينا لهما عليه بدى به، وخرج من رأس المال، ثم كانت الوصايا في ثلث ما بقي بعده، ثم رد ذلك، بين الورثة جميعا ميراثا للتهمة في الوصية لوارث، إلا أن يجيزه له الورثة، أو يكونوا صغارا أو سفهاء غير جائزي الأمر، أو مثل الزوجات والبنات، ومن هو تحت يده وفي ولايته، فإن ذلك لا يجوز، وإن كانوا كبارا مالكين أنفسهم، فأجازوه في حياة الميت، فلا مرجوع لهم فيه إذا كانوا مالكين لأنفسهم باثنين عنه، والدين إذا أقر به في مرضه، فهو

من رأس المال قبل كل شيء، كان لوارث أو لغير وارث؛ لأنه إنما أراد أن تكون الوصايا في ثلث ما بعده، وإن كان إنما هي وصية أوصى له بها في مسألتك، فهو من الثلث، والعتق مبدأ عليه وعلى غيره من الوصايا، ثم يتحاص هو وأهل الوصايا في بقية الثلث بعد العتق، فإن كان الورثة قد أجازوا ذلك كله، وأمضوه في حياة الموصي، كان عليهم تمامه من مواريثهم، كما أجازوا، وأسلم له كله إذا كانوا مالكين لأمورهم، ولم يكن الذين أجازوا بحال ما وصفت لك من الزوجات والبنات، ومن هو في ولايته وتحت يده، وإن لم يكونوا أجازوا ذلك له، ولا أمضوه في حياة الموصي ولا بعد ذلك، فما صار للوارث الموصى له في المحاصة من الثلث، فهو مردود عليهم على الفرائض، إلا أن يشاءوا أن يسلموا ذلك له، ومن شاء منهم أجازه، ومن شاء لم يجزه، ورواها أصبغ. قال محمد بن رشد: سأله عن الذي يكون له مدبرون، ويعتق عند الموت، يريد على سبيل الوصية، ويقول في جنان أو في شيء من ماله لورثته: امضوا هذا لابني، فيفعلون، يريد في حياته، بأن يقولوا له: قد أمضيناه له، بدليل قوله: إنه لا يلزمهم إمضاء ذلك إن كانوا صغارا أو سفهاء، أو مثل الزوجات والبنات اللاتي لم يبن عنه؛ إذ لو أمضوا ذلك له بعد موته، للزمهم إذا كانوا مالكين لأمرهم، وإن كانوا بناته وزوجاته لم يبينوا عنه، فقال: إنه إن كان قال في الجنان وما أشبهه أن يمضوه لابنه على سبيل الإقرار له به؛ أنه حقه، أخرج ذلك من رأس المال، وكانت الوصايا والعتق في ثلث ما بقي بعده، ولم يتكلم على المدبرين، والحكم فيهم إن كانوا مدبرين في الصحة أن يخرجوا من رأس المال قبل الجنان الذي أوصى به في مرضه على سبيل الإقرار له به أنه حقه؛ إذ ليس له أن يرجع على المدبر، وكذلك روى عن ابن القاسم فيمن مرض، وله مدبر في الصحة، فقال في

مرضه: قد كنت أعتقت عبدي فلانا في صحتي لعبد له آخر؛ أنه يعتق المدبر في ثمن العبد وغيره، ولا يضر المدبر ما ذكر من عتق العبد في الصحة قال: وليس المدبر هنا بمنزلة الوصايا التي تكون في ثلث ما بقي بعد الغلام؛ لأنه يتهم على المدبر في انتقاصه، فلا يقبل قوله. فكذلك، كل من يقدر يرجع فيه فهو مثل المدبر. قال محمد بن رشد: والذي هو مثل المدبر في الصحة؛ أنه لا يجوز له أن يرجع فيه المدبر في المرض باتفاق، والمبتل في المرض على اختلاف؛ إذ قد نص في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم، من كتاب الحبس؛ أن للرجل أن يرجع في مرضه عما حبسه في مرضه، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك. وقوله في الرواية: وإن كان إنما هي وصية أوصى له بها في مسألتك إلى آخر قوله، إشارة منه إلى قوله في الجنان وما أشبهه من ماله أمضوه لابني؛ أنه إن كان قال ذلك على سبيل الوصية، كان الحكم فيه ما ذكره من أنه يتحاص هو وأهل الوصايا في بقية الثلث بعد العتق، وأما قوله: فإن كان الورثة قد أجازوا ذلك كله وأمضوه في حياة الموصي، كان عليهم تمامه من مواريثهم كما أجازوا، وأسلم له كله. فمعنى ذلك عندي، إذا كان قد أعلمهم بالوصايا، فقال لهم: إني قد أوصيت بكذا وكذا، وأوصيت بالجنان لابني، فأمضوه له، فقالوا له: قد أمضيناه له، وهم على تلك الحال من ملكهم لأمر أنفسهم، والبينونة بها، وأما إن لم يعلمهم بالوصايا، وإنما سألهم أن يمضوا الجنان لابنه على سبيل العطية والوصية، ففعلوا، فليس عليهم ضمان ما انتقصه منه أهل الوصايا؛ لأن ذلك كالاستحقاق لبعض ما أوصى له به، فلا يلزم الورثة ضمانه على ما قاله في كتاب الزكاة الثاني من المدونة، في الذي يوصي بزكاة زرعه، وهو أخضر؛ أن

: يوصي للرجل بعشرة ولآخر بعشرة ويوصي بعتق عبد له آخر

للمصدق أن يأخذ منه الزكاة إن كان فيه ما تجب فيه الزكاة، ولا يكون للمساكين الرجوع على الورثة بما أخذه المصدق؛ لأن ذلك كالاستحقاق لبعض ما أوصى لهم، وبالله التوفيق. [: يوصي للرجل بعشرة ولآخر بعشرة ويوصي بعتق عبد له آخر] ومن كتاب إن أمكنتني وسألت ابن القاسم عن الذي يوصي للرجل بعشرة، ولآخر بعشرة، ويوصي بعتق عبد له آخر، أو يوصي بالعبد لرجل، ويوصي لرجل ببقية الثلث، فيموت العبد قبل أن يعرف ثلث الميت، قال: ينظر كم ثلث الميت بقيمة العبد؟ فإن كان ثلثه مثل قيمة العبد، والعشرون وصيه للرجلين هو الثلث، لم تزد ولم تنقص، أخذ الرجلان وصيتهما العشرين، ولم يكن للذي أوصى له ببقية الثلث شيء، وإن فضل من الثلث شيء بعد قيمة الغلام الهالك، وبعد العشرين، كان للذي أوصى له، ولم يكن ثلثه إلا قيمة العبد سواء رجع صاحبا العشرين إلى ثلث المال الذي بقي بعد قيمة العبد، فأخذا منه وصيتهما إن حملها الثلث، أو ما حمل منها، وكان العبد كشيء لم يكن له في مال، ولم يكن للذي أوصى له ببقية الثلث شيء، فعلى هذا فقس ما يرد عليك من هذا الوجه، فليس تنظر في قيمة العبد الهالك للذي أوصى له ببقية الثلث، ليعلم بذلك مبلغ وصيته، كأن وصيته إنما كانت بعد العبد، ولو لم يوص ببقية الثلث؛ لكان العبد ملغى من جميع المال، وردت الوصايا في ثلث المال.

: أوصى في أمة له أن تباع إن أحبت البيع

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى على ما تقدم في رسم أسلم وغيره، فلا اختلاف فيها. وقد قال مالك في كتاب ابن المواز في وجه العمل فيها: أن يأخذ أهل التسمية ما سمي لهم من ثلث ما بقي بعد العبد، كأنه لم يكن، ثم يحيي العبد الميت بالذكر، فتضم قيمته إلى ما ترك الميت، ثم يخرج من ثلث الجميع العبد والوصايا، فإن بقي بعد ذلك من الثلث شيء، كان لصاحبه باقي الثلث، وإلا فلا شيء له، وهو صحيح على ما قاله ابن القاسم في الرواية، وبالله التوفيق. [: أوصى في أمة له أن تباع إن أحبت البيع] ومن كتاب القطعان وسئل ابن القاسم عن رجل أوصى في أمة له أن تباع إن أحبت البيع، أو تعتق إن أحبت العتق، فاختارت البيع، فبيعت ثم ردت، فقالت: أنا أحب أن أعتق الآن. فقال: ليس ذلك لها، وإنما لها أن تعتق ما لم تبع. وقال ابن وهب: ذلك لها ينفذ. قال أبو زيد: قلت لابن القاسم: فإن أرادت البيع، هل يوضع لمن أحبت أن يشتريها شيء من ثمنها إذا أرادت البيع؟ قال: لا، ولا درهم واحد. قال محمد بن رشد: قوله: ثم ردت، معناه: ردت بعيب، فجواب ابن القاسم: إن الرد بالعيب ابتداء بيع، وجواب ابن وهب على أنه نقض بيع، وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم وأشهب، فالمشهور من قول ابن القاسم في المدونة وغيرها أنه ابتداء بيع، وقد روي عنه أنه نقض بيع، فجوابه في هذه المسألة على المشهور عنه من أنه ابتداء بيع، وقد اختلف في ذلك قول أشهب، فجواب ابن وهب في هذه المسألة على المشهور من قول أشهب، وأحد قولي ابن القاسم، من أنه نقض بيع، ولو

مسألة: أوصى عند موته فكلم في رجل فقال قد أوصيت له

بدا لها قبل البيع فاختارت العتق؛ لكان ذلك عندهما جميعا، بدليل هذه الرواية، وهو نص قول ابن القاسم في أول سماع سحنون، وفي أول سماع أصبغ أيضا، وزاد فيه، وأرى ألا يعجل بيعها حتى يردد عليها مرة بعد مرة، فإن أبت بيعت، وإن قبلت بعد أن كرهت، فذلك لها، ما لم يمض فيها حكم بيع أو قسمة بعد أن ردد الأمر عليها ولم تقبل، ورضيت بالبيع فبيعت أو قسمت، وأما قوله في الرواية: إنه لا يوضع لمن أحب أن يشتريها شيء من ثمنها، فهو صحيح لا اختلاف فيه؛ إذ لم يوص أن تباع من رجل بعينه، فيكون ذلك وصية له، ولا ممن أحبت، فتكون وصية لمن أحبت أن تباع منه، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى عند موته فكلم في رجل فقال قد أوصيت له] مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل أوصى عند موته، فكلم في رجل، فقال: قد أوصيت له، أو قال: قد كنت أوصيت له كذا وكذا. هل يثبت ذلك له، وإن لم يقل: فأعطوه؟ قال: نعم؛ لأنها وصية. قال محمد بن رشد: أما إذا قال: قد أوصيت له فبين أنها وصية، وإن لم يقل أعطوه؛ لأنه لو قال ذلك ابتداء من غير أن يكلم فيه؛ لكانت وصية، وإن لم يقل أعطوه؛ لأنه مفهوم من قوله، وإن لم يلفظ به، وأما إذا قال: كنت أوصيت له بكذا وكذا، فإنما رآها وصية له، لما دل عليه من تكليمهم إياه فيه؛ لأن المعنى فيه؛ أني قد كنت أوصيت له قبل أن تكلموني فيه، لاهتمامي بأمره، ولو قال ابتداء: قد كنت أوصيت لفلان بكذا وكذا لما كانت وصية له؛ لأن المفهوم من قوله ذلك ابتداء: قد كنت فعلته، وأنا اليوم لا أفعله، وبالله التوفيق. [: يقول اشتروا عبد فلان بستين دينارا فأعتقوه] ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول: اشتروا عبد فلان، بستين دينارا، فأعتقوه وأعطوا العبد عشرين دينارا، فلا يريد سيده أن يبعه

مسألة: يقول في وصيته رقيقي أحرار

بأدنى من ثمانين، فيقول العبد: اجعلوا العشرين التي أوصى لي بها سيدي في ثمني، واشتروني وأعتقوني، قال ابن القاسم: لا يعجبني ذلك أن يزاد العشرين؛ لأن سيده لم يرد أن يكون في ثمنه، ولعله إنما أراد أن يكفيه ويعالج بها، ولا يكون عديما يسأل الناس، ولكن لو أن العبد أداها من مال هو بيده، لم أر به بأسا قال: ولو وقع أمضيته، ولم أرده، ولم يكن للعبد حجة يرجع بها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ماله من أن ذلك لا ينبغي أن يفعل ابتداء للعلة التي ذكرها مما يخشى أن يكون السيد أراده، فإذا وقع ذلك ونفذ العتق، لم يصح أن يرد؛ إذ لا يتحقق إرادة الموصي لذلك تحققا يصرح أن يجعل ذلك كالشرط، ولعل للعبد المال الكثير، أو إنما يعيش من صنعة له يحاولها بيده، ولو لم يقبل العبد العشرين، لوجب أن يرد إلى الورثة، ولم يكن ذلك مما يمنعه العتق، فكذلك إذا رضي أن يجعل في ثمنه، ففعل ذلك، ونفذ العتق له لم يصح رده، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول في وصيته رقيقي أحرار] مسألة وعن الرجل يقول في وصيته: رقيقي أحرار، فيبيعهم ويشتري غيرهم، فيموت، والوصية كما هي، أو يقول: عبدي حر، ولا يسميه وليس له إلا عبد واحد، فيبيعه ويشتري غيره، أو يقول: عبدي النوبي حر، فيبيعه ويشتري نوبيا آخر، أو يقول: عبدي الصقلبي حر، فيبيعه ويشتري صقلبيا آخر، فيموت والوصية على حالها، هل يعتق من مات عنه في هذا كله؟ قال ابن القاسم: أما من قال: رقيقي أحرار فباعهم واشترى غيرهم، فإنهم يعتقون، ومن قال: عبدي النوبي أو الصقلبي، فباع في ذلك كله، واشترى عبدا غيره، أو اشترى عبدا نوبيا أو صقلبيا، لم يعتق منهم أحد، وما

مسألة: يهلك وله ثلاثة أعبد وقد أوصى بعتق اثنين

يبين ذلك لك في الذي قال رقيقي أحرار؛ أنهم يعتقون إذا باعهم واشترى غيرهم، أنه لو لم يبعهم واشترى غيرهم معهم عتقوا كلهم، وإن الذي قال: عبدي النوبي أو عبدي الصقلبي، أو عبدي ثم اشترى عبدا غير عبده، أو نوبيا أو صقلبيا لم يعتق إلا أولئك الذين أراد، وكذلك إذا باعهم، فإنما العتق فيهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في آخر رسم الأقضية الثاني، من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يهلك وله ثلاثة أعبد وقد أوصى بعتق اثنين] مسألة وسئل عن الذي يهلك وله ثلاثة أعبد، يشهد شاهدان أنه أعتق اثنين منهم يعرفانهما في وصيته، فلم يحمل الثلث إلا واحدا قال ابن القاسم: يسهم بينهم، فمن خرج سهمه عتق إن حمله الثلث، أو ما حمل الثلث منه. قلت: فلو قال أحد ورثته للعبد الثالث: قد أوصى أبي بعتق هذا، ثم ملكه، قال ابن القاسم: يسهم على تسميتهم ثلاثتهم، فإن خرج سهمه نظر في الثلث، فإن كان الثلث يحمله عتق، أو ما حمل الثلث منه، وإن لم يخرج سهمه، فلا عتق له، ويجبر على ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على ما في المدونة وغيرها من قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن من أوصى بعتق رقيق له لا يحملهم الثلث، يقرع بينهم، فيعتق منهم ما حمل الثلث بالقرعة، وفي أنه إذا أقر أحد الورثة بأن الميت أوصى بعتق عبد له لا يعتق عليه حظه منه، من أجل الضرر الداخل في ذلك على سائر الورثة، إلا أن يملكه فيعتق كله عليه إن حمله الثلث، أو ما حمل منه، فإذا قال أحد الورثة في العبد الثالث: إن

مسألة: يوصي بعتق عبده وبوصايا

أباه قد أوصى بعتقه أيضا لم يعتق عليه حظه منه. وأسهم بين العبدين اللذين شهد الشاهدان الوصية لهما بالعتق، فأعتق ما حمل الثلث منهما، فإن ملك الوارث بقية العبد الذي أقر أن أباه أوصى بعتقه أيضا، وجب أن يسهم عليهم ثلاثتهم، فإن خرج السهم عليه أعتق إن حمله الثلث، أو ما حمل الثلث منه؛ لأن هذا هو الذي كان يجب لهذا العبد لو ثبت ما أقر به الوارث من أنه أوصى بعتق الثلاثة الأعبد جميعا. وقد قال عيسى بن دينار من رأيه في رسم العتق من سماع عيسى، من كتاب العتق: إنه يعتق عليه منه إذا ملكه ما كان يحمل الثلث منه مع الذي أعتق بالشهادة أو تحاصا فيه. وقول ابن القاسم هو الصحيح، ولو كان هو الوارث وحده؛ لكان هذا الحكم فيه يوم مات الميت؛ إذ لا يشركه فيه غيره، ولو كان الوارث مكذبا لشهادة الشاهدين؛ لوجب أن يعتق عليه العبد كله إن حمله الثلث أو ما حمل منه إن كان وحده، ولم يكن معه وارث غيره، أو إذا ملك جميعه إن لم يكن وحده، وكان معه وارث غيره بعد أن يسهم بين العبدين، فيعتق منهما ما حمل الثلث بالشهادة على ما في رسم من سماع عيسى، من كتاب العتق، وهو الصحيح في النظر، خلاف ما يأتي بعد هذا في رسم العتق. وقد قيل: إنه إذا أقر أحد الورثة بأن الميت أوصى بعتق عبد، يعتق عليه نصيبه منه إن حمله الثلث، أو ما حمل منه. وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة في أول سماع ابن القاسم، من كتاب الشهادات. وقيل أيضا: إنه يعتق عليه نصيبه منه، ويقوم عليه أيضا أنصبا سائر الورثة. وقد مضى ذكر هذا الاختلاف وتوجيه كل قول منه هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بعتق عبده وبوصايا] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يوصي بعتق عبده وبوصايا، فيوجد العبد الثلث بعينه فيعتق، وتسقط الوصايا، ثم يستحق العبد، إما عبدا وإما حرا من أصله، فيأخذ الورثة ثمنه من بائعه،

: قال عند موته إن فلانا وكلني بهذه الدار أحفظها وغلتها عليه

أو لا يأخذوا له ثمن، هل يرجع أهل الوصايا بوصاياهم على الورثة؟ قال ابن القاسم: أرى أن يرجع أهل الوصايا بوصاياهم في مال الميت، أخذ له ثمن ولم يؤخذ، وتكون وصاياهم في ثلث ما وصل إلى الورثة، وفي ثلث ثمن العبد، قبض أو لم يقبض. وقد قال ابن القاسم: لا شيء لأهل الوصايا في ثلث ثمن العبد، وهو كما طرأ لم يعلم به الميت. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها أول رسم أسلم من هذا السماع قبل هذا، فلا معنى لإعادته. [: قال عند موته إن فلانا وكلني بهذه الدار أحفظها وغلتها عليه] ومن كتاب العتق وسئل ابن القاسم عن رجل قال عند موته: إن فلانا وكلني بهذه الدار أحفظها وغلتها عليه، وإني كنت جحدته ذلك، فأسلموا إليه داره وغلته من سنة كذا وكذا. وأشهد على نفسه بهذا، ثم مات، أيكون ذلك من ثلثه؟ أم تسلم الدار ولم يكن له غيرها؟ قال: أرى أن ينظر في ذلك، فإن كان له ولد أسلمت إليه الدار، وإن كان لا ولد له، وإنما يورث كلالة، وكان الذي أقر له ممن يتهم عليه بصداقة أو قرابة لا يرث بها، لم أر أن يقبل قوله، وإن كان ممن لا يتهم عليه من الأباعد، رأيته أولى، وكان إقراره جائزا،

ويقبل قوله، كان عليه دين أو لم يكن، إذا كان الإقرار يلحقه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة، أن الدار التي أقر بها في مرضه لفلان، لم يعرف أصل ملكها له، ولو كان أصلها معروفا له، لما جاز إقراره بها لفلان في مرضه، وإن كان له ولد، على ما تقدم في آخر رسم الوصايا من سماع أشهب، ومضى الكلام على توجيهه. وقوله: فإن كان له ولد أسلمت الدار إليه، يريد: كان ممن يتهم عليه أو مما لا يتهم؛ لأن الولد يرفع التهمة عنه في ذلك، وذلك إذا لم يكن عليه دين، وأما إذا كان عليه دين يغترق ماله، فلا يجوز له الإقرار إذا كان قريبا أو صديقا ملاطفا، وهو نص ما في كتاب الكفالة من المدونة، وقوله إذا ورث كلالة: إنه إن كان الذي أقر له من يتهم عليه بصداقة أو قرابة لا يرث بها، لم أر أن يقبل قوله، هو المشهور في المذهب. وقد قيل: إن ذلك يكون في الثلث، وهو قول ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى، من كتاب العتق، ومثله في كتاب المكاتب من المدونة، وإن كان ممن لا يتهم عليه من الأباعد، رأيته أولى، وكان إقراره جائزا، يريد: بالدار، وهو صحيح بين إن لم يكن عليه دين، وأما إن كان عليه دين لا يفي به ما بقي من ماله بعد الدار، فلا يصح إقراره بالدار على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة في أن المريض لا يجوز له أن يقضي بعض غرمائه دون بعض، فقوله: ويقبل قوله، كان عليه دين أو لم يكن، معناه: إن كان الدين الذي عليه يفي به ما بقي من ماله بعد الدار، وأما إن كان لا يفي به ما بقي من ماله بعد الدار. فإنما يصح أن ينفذ إقراره له بالدار، على قياس القول بأن للمريض أن يقضي بعض غرمائه دون بعض في مرضه، وهو ظاهر قول ابن القاسم في المديان من المدونة، وإن حمل قوله: ويقبل قوله كان عليه دين أو لم يكن، على أنه إنما أراد أنه يقبل قوله فيما أقر له به من الغلة كان عليه دين أو لم يكن، صح على ما فيه من بعد التأويل؛ إذ لا اختلاف في أن إقرار المريض بالدين لمن لا يتهم عليه جائز، وإن كان عليه دين يحيط بماله، والله الموفق.

مسألة: حضره الموت وفي يده أرض فقال إن هذه الأرض لفلان

[مسألة: حضره الموت وفي يده أرض فقال إن هذه الأرض لفلان] مسألة وسئل عن الرجل حضره الموت، وفي يده منزل أو أرض أكثر فيها من الغراس والبنيان، فقال عند موته: إن هذه الأرض والقرية لفلان، وإنما كانت في يدي بخلافة منه، وأنكر ذلك عليه ولده، وقالوا: إنها لك، وليس لغيرك قال: أرى أن يدفع القرية إلى من أقر له بها، ولا ينظر في ذلك إلى قول الولد، ولا يتهم الرجل على ولده الأجنبي. قال محمد بن رشد: قد أتى القول على هذه المسألة في المسألة التي قبلها، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال عند موته إني كنت قتلت فلانا عمدا أو خطأ فأعطوا ورثته الدية] مسألة وسئل عن رجل قال عند موته: إني كنت قتلت فلانا عمدا أو خطأ، فأعطوا ورثته الدية، وأعتقوا عني رقبة، أيكون ذلك من الثلث أم من جميع المال؟ قال: فأما العمد فإنما يكون فيه القصاص، والذي أمر به من المال في ذلك، أراد به وجه الكفارة، فأرى أن ينفذ ذلك في ثلثه، قال: وأما الخطأ فإنما هو شيء أقر به مما كانت تحمله عاقلته، فأراه في الثلث أيضا، وكذلك العتق إنما هو من الثلث، ولو كانت عليه بينة تحق ذلك كان من الثلث أيضا، وهو قول مالك. قلت: ولم لا تكون دية الخطأ على العاقلة؟ يقبل إقراره به أولا حيا، ولا يقبل عند موته، قال: لأنه أوصى بها، فكأنه حملها على العاقلة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: لأنها وصية في العمد والخطأ، فتكون في ثلثه، ولا تكون دية الخطأ على العاقلة، وإن كان هو

مسألة: هلك وترك عبدين فأدعى كلا منهما عتقه

المقر بالقتل على القول بأن من أقر بقتل خطأ، تكون الدية بإقراره على العاقلة؛ لأنه قد أوصى بها كما قال، ولو لم يوص بها لم تكن على العاقلة عند من رآها عليها إلا بعد القسامة؛ لأنه جعل قوله لوثا يستحق الورثة الدية به مع قسامتهم. وقد قيل: إن الدية تكون في ماله قيل بقسامة، وقيل بغير قسامة، اختلف في ذلك قول مالك، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وترك عبدين فأدعى كلا منهما عتقه] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن رجل هلك وترك عبدين وابنين، وقيمة أحدهما ألف درهم، وقيمة الآخر ألفا درهم، فأتى الذي قيمته ألفان بشاهدين يشهدان له بالعتق، وأتى الآخر بابني سيده، يشهدان له أنه هو المعتق دون صاحبه، قال: أرى أن يبدأ الذي شهد له الأجنبيان، فيعتق في الثلث، ثم يرجع على الابنين، فيعتق عليهما الذي شهدا له بما حمل الثلث منهما جميعا إذا كان قولهما تكذيبا منهما للشاهدين اللذين شهدا على عتق الآخر قال: ولو إن الشاهدين شهدا على الميت أنه أعتق هذا في مجلس، وبتل عتقه حين أوصى، وشهد الابنان أنه أعتق هذا في مجلس آخر، وقال: لا علم لنا بما أشهدهما، إلا أنه أشهدنا على هذا، رأيت أن تثبت الشهادتان جميعا، وأن يسهم بينهما إذا كان للعبد الذي يشهد الابنان له لا يتهمان في جر ولائه لرداءته، فأيهما خرج سهمه عتق منه ما حمل الثلث، ورق ما بقي؛ لأنهما لم يرفعا شهادة الشهدين بأمر كذباهما فيه. قال: وإن اتهما في جر ولاء لم تجر شهادتهما، وذلك إذا شهدا أنه أعتق بعد الموت، وإن كان أعتق أحدهما بتلا، والآخر بعد الموت،

كان المبتل مبدأ قبل صاحبه كان أو بعده، فإذا كانا جميعا مبتلين بدئ بالأول فالأول. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: من أنه يبدأ الذي شهد له الأجنبيان، فيعتق في الثلث؛ لأنه إذا شهد الشاهدان للذي قيمته ألفان بالوصية، وشهد ابنا الميت لآخر أنه هو الذي أوصى الميت بعتقه، وجب أن تكون شهادة الشاهدين أعمل من شهادة الابنين؛ لأنهما يتهمان على رد الوصية للعبد الذي قيمته أقل، وكذلك لو شهدا للذي قيمته أكثر أنه هو الذي أوصى أبوهما بعتقه، إن كان عبد يرغب في ولائه، فإذا بطلت شهادتهما بأخذ هذين الوجهين، وجب أن يعتق العبد الذي شهد له الأجنبيان بشهادتهما إن حمله الثلث، أو ما حمل منه، ثم يرجع بعد ذلك إلى الابنين، فيعتق عليهما من العبد الذي قال: إنه هو الموصي بعتقه ما حمل الثلث منه بإقرارهما له بالوصية لا بالشهادة. وقال هاهنا في الرواية: إنه يعتق عليهما الذي شهدا له بما حمل الثلث منهما جميعا، وذلك بعيد؛ لأنهما مقران أن هذا العبد وحده هو الذي أوصى أبوهما بعتقه، فوجب أن يعتق كله عليهما إن حمله وحده الثلث، أو ما حمل الثلث منه، وكذلك قال في رسم العتق، من سماع عيسى، من كتاب العتق، في نظير هذه المسألة، ولو كانت قيمة العبدين سواء، أو قال الابنان في الذي قيمته أكثر منهما: إن هذا هو الذي أوصى أبونا بعتقه، وكان لا يرغب في ولائه؛ لكان الحكم في ذلك على مذهب ابن القاسم، أن ينظر إلى أعدل البيِّنتين، فإن كان الابنان أعدل من الشاهدين الآخرين، ثبتت الوصية للذي شهدوا له، ولم يجب للآخر شيء. وإن كان الشاهدان الآخران أعدل من الابنين، ثبتت الوصية للعبد الذي شهدا له، ورجع العبد الآخر على الابنين، فأعتق عليهما منه ما حمل الثلث بإقرارهما له بالوصية لا بالشهادة، ولو تكافيا جميعا في العدالة لسقطا، ورجع على الابنين العبد الذي شهدا له بالوصية، فأعتق عليهما ما حمل الثلث بإقرارهما له بالوصية بالشهادة، ومعنى ذلك، إذا

مسألة: قال عند موته قد كنت أعتقت رقيقي إن لم أتصدق بمائة دينار

لم يكن للميت وارث غيرهما، ولو كان له وارث غيرهما لم يعتق عليه منه بإقرارهما ما حمل الثلث على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك من أجل الضرر الداخل في ذلك على سائر الورثة، إلا أن يملكاه أو يملكه أحدهما بعد ذلك، فحينئذ يعتق على من ملكه منهما ما حمل الثلث من نصيبه، ولو كانت الشهادتان في مجلسين، لثبتا جميعا، وأسهم بينهما كما قال، إذا كان العبد الذي شهد له الابنان، لا يتهمان في جر ولائه لرداته، فأيهما خرج سهمه عتق منه ما حمل الثلث. ورق ما بقي وإن اتهما في جر ولائه، لم تجز شهادتهما، وكان الحكم في ذلك على ما تقدم في أول المسألة. وقوله في آخر المسألة: وذلك إذا شهدا أنه أعتق بعد الموت يبين أنه إنما تكلم في المسألة على أن الشهادة إنما هي بالوصية، فقوله: وبتل عتقه حين أوصى معناه بتل الوصية بالعتق. وقوله: وشهد الابنان أنه أعتق هذا في مجلس آخر، معناه شهدا أنه أوصى بالعتق في مجلس آخر، وقوله: إنه إن كان أعتق أحدهما بتلا، والآخر بعد الموت، كان المبتل مبدأ به، اختلاف قد مضى تحصيله في رسم طلق ابن حبيب، من سماع ابن القاسم. وأما قوله: وإن كانا جميعا بتلين، بدئ بالأول فالأول، فلا أعرف فيه نص خلاف، إلا أن الخلاف يدخل فيه بالمعنى، فيتحاصان على القول بأن له أن يرجع عما بتله في مرضه إن مات منه على ما وقع فيه رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، من كتاب الحبس، وبالله التوفيق. [مسألة: قال عند موته قد كنت أعتقت رقيقي إن لم أتصدق بمائة دينار] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل قال عند موته: قد كنت أعتقت رقيقي إن لم أتصدق بمائة دينار، وإني قد فعلت والحمد لله، ويميني في كتاب من كتبي، فأخرجوا ذلك الكتاب، ثم هلك، فوجد الكتاب بيمينه، وليس فيه ذكر إنفاذ الصدقة، وقال الرقيق: لم يرد

مسألة: قال لورثته عند موته قد كنت حلفت بعتق رقيقي إن لم أعط فلانا مائة دينار

شيئا، قال: القول في ذلك قوله، وليس يشهد في مثل هذا أحد. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، كأنه لم يقر على نفسه بشيء يلزمه فيه شيء، لارتباط أول الكلام بآخره، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لورثته عند موته قد كنت حلفت بعتق رقيقي إن لم أعط فلانا مائة دينار] مسألة وسألته عن رجل قال لورثته عند موته: قد كنت حلفت بعتق رقيقي إن لم أعط فلانا مائة دينار، فادفعوها إليه من ثلثي، فإن نقص الثلث خفت الحنث، فقال الورثة: نحن نتم ذلك من ميراثنا منك، وقال الرقيق: قد حنث. قال: لا أرى عليه حنثا، وهي مثل التي قبلها. قال محمد بن رشد: قوله: وهي مثل الذي قبلها، ير يد أنها مثلها في أنه لا حنث عليه فيها؛ لأنها مثلها في المعنى الذي به، يسقط الحنث عنه فيها تلك سقط الحنث عنه فيها بتصديقه أنه قد بر؛ إذ لم تعلم يمينه إلا من قبله، وهذه سقط الحنث عنه فيها؛ لأن الثلث له حيا وميتا، وكذلك ما زاد الثلث، أذن له بذلك الورثة في حياته، فوجب أن يبدأ بالوصية في ذلك؛ لأن الموصى كالوكيل له على الدفع، ومن حلف ليعطين رجلا مالا، أو ليقضينه حقه إلى أجل، فوكل رجلا على ذلك، يبر بفعل الوكيل إذا أعطاه أو قضاه قبل الأجل، وهو قول ابن القاسم في رسم أسلم، من سماع يحيى، من كتاب الأيمان بالطلاق، ولا خلاف في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: قال عند موته إني قد كنت حلفت بعتق] مسألة قلت له: فرجل قال عند موته: إني قد كنت حلفت بعتق

رقيقي إن لم أعط فلانا مائة دينار، وعليه بذلك بينة، فما رأيكم وأنا اليوم لا دينار عندي ولا درهم؟ قال الورثة: نحن نضمن له ذلك في أموالنا، ولا تدخل علينا حنثا، فبعث إلى الرجل الذي حلف له، فكتب له على نفسه ذكر حق بالمائة ثم هلك الرجل، وقال العبيد: قد حنث، وعتقنا. قال: إن كانت المائة الدينار هبة، وترك مالا يحمل ثلثه المائة، رأيت ذلك مخرجا له؛ لأن الثلث له حيا وميتا، وإن كانت المائة دينا فقضاه في مرضه، فقد بر، قضاه من ماله أو من مال غيره، وإن ضمن له ذلك أحد، وارث أو غيره، فهو حانث، ومن ذلك، لو أن رجلا حلف بعتق رقيقه ليقضين فلانا حقه إلى أجل، ثم أحاله بما كان حلف له عليه، فإن مضى الأجل قبل أن يدفع إليه الذي أحيل عليه، فهو حانث. قال محمد بن رشد: في قوله في هذه الرواية: إن كانت المائة الدينار هبة، وترك مالا يحمل ثلثه المائة، رأيت ذلك مخرجا له، دليل بين ظاهر على أنه لا يكون له في قول الورثة: نحن نضمن له ذلك في أموالنا مخرج إن لم تخرج المائة من الثلث، وذلك صحيح؛ إذ لا يبر الميت فيما حلف ليعطينه من ماله إذ لم يعطه في حياته، إلا أن يوصي أن يعطي بعد وفاته، ويحمل ذلك ثلثه، فإن لم يحمل ذلك ثلثه لم يبر، إلا أن يجيز له الورثة الوصية بذلك في حياته على ما قاله في المسألة التي قبل هذه إذا قال الورثة: نحن نتم ذلك من ميراثنا منك، وأما إذا قالوا: نحن نضمن له دلك في أموالنا، فلا يبر بذلك، كما لا يبر إذا أخرجوها من الثلث أن يوصي بذلك، وفي قوله: وأنا اليوم لا دينار عندي ولا درهم، دليل على أن له مالا سوى العبيد، ولا ناض له، وذلك سواء كان له مال سواهم أو لم يكن؛ لأن الاعتبار في ذلك، إنما هو هل تخرج المائة من ثلثه أو لا تخرج؟ فإن خرجت من ثلثه وأوصى بإخراجها بر بذلك، وإن لم يكن له مال سوى العبيد، وإن لم

مسألة: قال عبدي فلان حر وما بقي من ثلثي فلفلان فأبق العبد

يوص بإخراجها حنث، وإن كان له مال سوى العبيد، يخرج منه، وان لم يخرج من ثلثه، فلا يبر بالوصية بإخراجها، إلا أن يجيز ذلك الورثة في حياته كما تقدم. وقوله: وإن كانت المائة دينا فقضاه في مرضه إلى آخر قوله صحيح، واحتجاجه على ذلك بالحوالة بين؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، والبر لا يكون إلا بإخراجها كلها، فإذا حلف ألا يقضيه يحنث بالحوالة، وإذا حلف ليقينه، لا يبرأ بالحوالة. وقد مضى هذا في رسم حمل صبيا، ورسم بع من سماع عيسى، من كتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق. [مسألة: قال عبدي فلان حر وما بقي من ثلثي فلفلان فأبق العبد] مسألة وسألته عن رجل قال: عبدي فلان حر، وما بقي من ثلثي فلفلان، فأبق العبد، قال: يقوم، فإن كان هو الثلث، فلا شيء للموصى له ببقية الثلث، وإن كان الثلث أكثر من قيمته، أعطى ما فضل عن قيمته. قال محمد بن رشد: رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: هذه مسألة تحتاج إلى نظر: هل يقوم للعبد على إباقه ويعتق؟ أو يدخل في المال فيؤخذ ثلثه؟ أو تحال الوصية إذا قوم، ولعل العبد ميت، ومثل هذا يحتاج إلى نظر وشرح. والذي يوجبه النظر في هذه المسألة عندي أن يقوم العبد يوم ينظر فيه على الصفة التي أبق فيها بعيب إباقه، وتنفذ له الحرية، فإن بقي من الثلث شيء، كان للموصى له ببقية الثلث، وإن لم يفضل من الثلث شيء عن قيمته، لم يكن للموصى له ببقية الثلث شيء، وإن انكشف أنه كان ميتا يوم قوم، وأنفذ له العتق، لم يكن للموصى له ببقية

مسألة: أوصى أن يخدم فلانا عبده عشر سنين ثم هو حر

الثلث في ذلك حجة؛ إذ لم يوص له إلا بما بعد قيمته، نفذت له الحرية أو لم تنفذ، وإنما كانت تكون له في ذلك حجة، لو أوصى له بمال، فلم يحمل الثلث العبد والوصية بالمال، مثل أن يكون ترك الميت مائتي دينار، وأوصى بعتق عبد قيمته مائة دينار، وأوصى لرجل بمائة دينار، فأبق العبد، وقيمته مائة دينار، فإن الواجب في هذا أن يوقف للموصى له ثلث ما بقي بعد العبد، فإن انكشف أنه كان حيا يوم أعتق رد ما وقف إلى الورثة؛ لأن العتق قد نفذ فيه، وقيمته الثلث، فسقطت الوصية بالمال، لتبدئه العتق عليه، وإن انكشف أنه كان ميتا يوم أعتق بطل العتق فيه، وكان ما وقف للموصى له، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى أن يخدم فلانا عبده عشر سنين ثم هو حر] مسألة قال: وسألته عن رجل أوصى أن يخدم فلانا عبده عشر سنين، ثم هو حر، وأوصى بوصايا عتق وغير ذلك، متى يقوم المخدم أيوم أوصى له، أم يوم مات سيده؟ أم قيمته بعد عشر سنين؟ قال: قال مالك: تكون قيمة الذي أعتق بعد خدمة عشر سنين يوم تنفذ الوصايا، وينظر فيها، فإن كان في الوصايا عتق رقيق له بدئوا عليه، فإن فضل، يخرج المخدم فيها، ووصايا من أوصى له، أنفذت، وإن قصر الثلث عن المخدم، خير الورثة بين أن ينفذوا ما أوصى به من عتق المخدم إلى أجله، وإنفاذ الوصايا، وإن أبوا عتق من المخدم ما حمل الثلث بتلا، وسقطت الوصايا من الخدمة فيه، وعجل له العتق ساعتئذ، ولا يؤخر، وإن كان المخدم بعد من بتل له العتق، هو كفاف الثلث، أخرج وتحاص أهل الوصايا والمخدم في خدمته، على ما فسرت لك في المسألة الأولى. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على الأصول؛ لأن القيمة في الوصايا إنما تكون يوم النظر في تنفيذها، لا اختلاف في ذلك أيضا،

مسألة: أوصي بمائة دينار ينفق منها عليه كل سنة منها كذا وكذا وعليه دين

إلا أن يكون الأجل قريبا كالشهر ونحوه، فقيل: إنه يبدأ عليه، وقيل: إنهما يتحاصان، فإن حمل ما بقي من الثلث بعد عتق الرقيق العبد المخدم خاصة، أو العبد المخدم وبعض الوصايا تحاص الموصى له بالخدمة مع أهل الوصايا في الخدمة خاصة، أو في الخدمة وما حمل بقية الثلث من الوصايا، وإن لم يحمل بقية الثلث بعد عتق الرقيق العبد الموصى بخدمته؛ خير الورثة كما قال بين أن ينفذوا جميع الوصايا، وبين أن يعتقوا ما حمل الثلث من العبد المخدم بتلا، وتسقط الوصايا، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصي بمائة دينار ينفق منها عليه كل سنة منها كذا وكذا وعليه دين] مسألة قال محمد بن رشد: قال وسألته عن رجل أوصي بمائة دينار ينفق منها عليه كل سنة منها كذا وكذا وعليه دين، فقال أهل الدين: عمره لنا، ثم أعطنا الفضل، فإن عمره لا يستتم المائة، قال ابن القاسم: ليس ذلك لأهل الدين؛ لأن ما فضل بعد موته، يرجع إلى ورثة الموصي إن لم يستكملها في حياته. قال: وكذلك قال مالك: إن فضلتها ترجع إلى ورثة الموصي. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن ذلك لا يجب للغرماء؛ لأنه إن عمر قد ينقضي الأجل الذي عمر إليه وهو حي، فيكون من حقه أن ينفق عليه بما أوصى له به حتى يموت، فإن قضيت للغرماء بالفضل، كنت قد قضيت لهم بما هو أحق به منهم؛ إذ لا حق لهم فيما أوصى له به أن ينفق عليه، ولأن ما فضل بعد موته يرجع إلى ورثة الموصي كما قال، فلا حق للغرماء في ذلك في حال. وقد قال إسحاق: إن ذلك لا يرجع إلى ورثة الموصي إلا بتفسير، والذي ذهب إليه والله أعلم أنه إنما يرجع إلى ورثة الموصي ما فضل بعد موته إذا كان الثلث قد حمل الوصية بالعدد الذي سمى له

مسألة: أوصى له بنفقة دينار كل شهر

في النفقة عليه، أو لم يحملها، فأجاز ذلك الورثة، وأما إن لم يحملها الثلث، فقطعوا له بالثلث، فلا يرجع شيء من ذلك للورثة، ويصير له بتلا، يورث عنه ما فضل منه على ما مضى قبل هذا في رسم العرية، ولو أراد الغرماء هاهنا أن يعمر لهم فيأخذوا الفضل لم يكن ذلك لهم عندي لما ذكرته من أنه قد يعيش أكثر مما عمر إليه، فيكون من حقه أن ينفق عليه من ذلك المال حتى يموت، ولو أراد الغرماء في هذه المسألة أن يأخذوا ما فضل عن نفقته في كل سنة مما سمى أن ينفق عليه فيما كان ذلك لهم على ما قاله في المسألة التي بعدها، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى له بنفقة دينار كل شهر] مسألة قال: وسألته عن رجل أوصى له بنفقة دينار كل شهر، فأجرى عليه ذلك عليه، وعليه دين، فقال أهل الدين: أعطنا فضل الدينار، فإن فيه فضلا عنه. قال: أرى ذلك لهم؛ لأن ما فضل عن نفقته مال له، ولا يرجع إلى ورثة الذي أوصى به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال بين يبين، ما لم يتكلم عليه في المسألة قبلها، والله الموفق. [مسألة: أوصي له بمائة دينار سلفا] مسألة قال: وسألته عن رجل أوصي له بمائة دينار سلفا، ثم مرجعها إلى فلان، فوسع الثلث المائة، أو ضاق عنها. قال: إن حمل الثلث المائة التي أوصى بها للرجل، دفعت إليه إلى الأجل الذي أوصى بها له، ثم هي رد على فلان الموصى له بها سلفا، ضامن لما نقص من المائة، وإن لم يسعها الثلث نظر إلى ما حمل الثلث منها، فدفع إليه، وكالت على حالها في يديه إلى الأجل الذي جعل فيها، تم ترجع إلى من بتلت له.

مسألة: قال في مرضه إن مت من مرضي هذا فغلامي مدبر

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه لو أوصى في الدنانير أن تحبس عليه مدة ما من الزمان أو حياته؛ لكانت سلفا، ولكان لها ضامنا، وإن لم ينص على الضمان، ولا قال: إنها سلف على ما في كتاب العارية من المدونة. وقد مضى الكلام على هذا مجردا في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس، فكيف إذا نص على أنه إنما أوصى له بالسلف، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في مرضه إن مت من مرضي هذا فغلامي مدبر] مسألة وسئل عمن قال في مرضه: إن مت من مرضي هذا فغلامي مدبر، فقال: إن مات منه فهي وصية، وليس تدبيرا، وإن عاش فهي أيضا وصية يصنع فيها ما شاء، إلا أن يكون أراد تدبيرا. قال محمد بن رشد: أما إذا صح من مرضه، فلا إشكال ولا اختلاف في أنها وصية، له الرجوع عنها، وتنفذ إن لم يرجع عنها، وقد كان كتب بذلك كتابا وضعه عند غيره، أو أقره عند نفسه، على أحد قولي مالك إذا أقره عند نفسه، وأما إن لم يكن كتب بذلك كتابا، فلا ينفذ حسبما مضى تحصيله في أول رسم من سماع ابن القاسم، وأما إذا مات من ذلك المرض، فقال في هذه الرواية: إنها وصية، وليست تدبيرا، يريد أن لها حكم الوصية في جواز الرجوع له عنها في مرضه ذلك، فلا ينفذ إن مات منه، وفي أنه لا يبدأ على ما أوصى بعتقه من عبيده سواه، ولابن القاسم في كتاب ابن المواز ليس له الرجوع عن ذلك، وقد ثبت له التدبير، يريد أنه ليس له الرجوع عن ذلك، ويبدأ إن مات منه على ما أوصى به، ويعتق من عبيده، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في مرضه قد كنت حلفت بعتق رقيقي إن لم أتصدق له بمائة دينار] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل قال في مرضه: قد كنت حلفت

: يتصدق في مرضه بثلث دار له وفي الدار طوب وخشب

بعتق رقيقي إن لم أتصدق له بمائة دينار، فأخرجوها من ثلثي، فقال الرقيق: قد حنث حين مات. وقال الورثة: ثلثه بعد موته، بمنزلة ماله في حياته. قال: إن حمل الثلث المائة رأيته قد بر؛ لأن حاله في ثلثه ميتا، كحاله في ماله حيا، وليس هو بمنزلة من قال: قد كنت حنثت في صحتي؛ لأن المقر بالحنث في الصحة إنما أراد أن يكون ذلك من رأس المال، وأن هذا إنما أقر بيمينه في المرض، فكأنه إنما أراد أن يجعلهم في الثلث، فهو حانث إلا أن يسع الثلث المائة. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والتكلم عليها في هذا الرسم بعينه، فلا معنى لإعادته، وأما الذي يقر في مرضه بالحنث في صحته، فقد مضى الكلام عليه في رسم أمهات الأولاد وغيره، وبالله التوفيق. [: يتصدق في مرضه بثلث دار له وفي الدار طوب وخشب] ومن كتاب الثمرة وسألته عن الرجل يتصدق في مرضه بثلث دار له، وفي الدار طوب وخشب، أراد أن يبني به، فقال المتصدق عليه: لي ثلث الطوب والخشب، وأبى الوارث أن يكون ذلك له، قال: ليس له في الطوب والخشب شيء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الصدقة في هذا كالبيع، فلا يدخل في الصدقة إلا ما يدخل في البيع. وقد مضت هذه المسألة متكررة في الرسم من هذا السماع، من كتاب الصدقات والهبات، ومضى عليها هناك، وبالله التوفيق لا شريك له. تم الثالث من الوصايا بحمد الله، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم.

: كتاب الوصايا الرابع

[: كتاب الوصايا الرابع] [قالت في مرضها وهي توصي ثلث مالي حر فلان غلامي حر] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن امرأة قالت في مرضها وهي توصي: ثلث مالي حر، فلان غلامي حر، قال: أرى أن يعتق الغلام، ويبدأ في ثلث المال، فإن فضل منه شيء، اشتريت منه رقاب، فأعتقت، قلت: فإن كان لها رقيق، أترى قولها ثلث مالي حر يوجب لهم وصية بعتاقة؟ قال: نعم، ويقرع بينهم بعد عتق الذي نصت، إن لم يحمل الثلث عتقهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن العتق المعين يبدأ على ما سواه مما ليس بمعين، ولا اختلاف في هذا أحفظه، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بثلث ماله لأم أولاده] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يوصي بثلث ماله لأم أولاده، وله منها أولاد، أو ولد له منها. قال: ذلك جائز لها. قلت: أما ترى أنه أراد بذلك غنى ولدها منه إن كان منها ولد؟ فكأنه أوصى لولده، قال: لا ولكن يحمل من ذلك ما تحمل؛ لأنها تعتق بعده، وتكون أحق بما أوصى لها به، ولعلها أن ترث جميع ولدها، والأمر الذي خيف عليه في الوصية لها غيب محجوب، ولا

ترد الوصايا بالظن، قال: ومثل ذلك المرأة توصي لابن زوجها من غيرها، وقد سمعت مالكا يجيزه، ولا يرى رده. قلت: والمرأة توصي لأم ولد زوجها أتجوز الوصية لها؟ قال: أما الشيء التافه اليسير الذي يرى أنها لم ترد به إلا الأم ولو لقلته، ومثل ذلك يوصي به لمثلها، فهو جائز وإن كان كثيرا يرى أنها إنما أرادت به المحاباة لزوجها، فهو مردود على الورثة؛ لأن مال أم الولد هو للسيد إن أحب نزعه منها نزعه. وأما ما أوصت به المرأة لأبوي زوجها أو لإخوته، أو لأخواته، أو بعض قرابته، أو بعض أخواته المصافين له، أو كل ما يخشى أن يكون إنما أرادت رد ذلك على زوجها حين أوصت به لبعض هؤلاء، غير أن الذي يتهم به لا يعرف، ولم يظهر شيء من سبب يدل عليه إلا ظنا؛ فإنه ماض لمن أوصى له به، ولا ترد وصيتها لسوء الظن بها، ولعل الذي أوصت له لا يريد أن يعطى الزوج من ذلك قليلا ولا كثيرا. قال: وسواء أوصت للذي توصي له بالمهر الذي على زوجها أو غيره. قال أصبغ مثله، وكذلك وصية الرجل لولد ولده، وأبوهم وارث حي، فهي جائزة، ولا ترد بالظنة؛ قيل لأصبغ: فهل على الموصى له يمين في هذه المسائل كلها، أن ذلك لم يكن توليجا من الميت إليه ليرده على وارثه؟ قال: لا يمين عليه، وهو مدين، وسواء كانت وصيته على أجنبيين أو ذوي قرابة، لا يمين عليهم، ولا يرد ما كان من فعل الميت في ذلك بالظنة والتهمة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة كلها صحيحة لا اختلاف فيها، حاشا قول أصبغ: إنه لا يمين على الموصى له؛ أن الوصية إليه لم

مسألة: أوصى فقال لفلان كذا وكذا ولفلان كذا من مالي في ثلثي

يكن يرد ذلك على الوارث؛ لأنها يمين تهمة يدخل فيها الاختلاف المعلوم في لحوق يمين التهمة، ولو حقق أحد الورثة عليه الدعوى بذلك لحقته اليمين باتفاق، وكان له ردها، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال لفلان كذا وكذا ولفلان كذا من مالي في ثلثي] مسألة قال يحيى، وسألت ابن القاسم عمن أوصى فقال: لفلان كذا وكذا، ولفلان كذا من مالي في ثلثي، ثم فلان غلامي حر. قال: يبدأ الأول، ثم الثاني بوصيتهما في الثلث، ثم يعتق العبد في فضله إن بقي بعد وصيتهما شيء، قال: وإن ضاق الثلث عن وصيتهما تحاصا. ولم يبدأ الذي قال له كذا وكذا في ثلثي على الآخر، الذي قال له كذا وكذا، ولم يقل في ثلثي. قال: ولو قال أيضا لفلان كذا في ثلثي، ولفلان كذا وكذا، ولم يقل في ثلثي، ولفلان ثلث مالي أو سدسه، أو جزء من أجزائه، تحاصوا أجمعون في الثلث، إلا أن يكون الموصي أمر بتبدئة أحد منهم، فيبدأ بالذي نص له في الوصية جزءا من ماله، أو عدة من الدنانير والدراهم، أو أوصى له بشيء بعينه، ذلك كله عندنا سواء، يتحاصون جميعا بحساب ما أوصى لهم إلا أن يبدئ أحدا منهم فيبدأ اتباعا لأمره، وإنفاذا لوصيته، والعتاقة مبدأة أبدا، إلا أن يؤخرها الموصي فتوضع حيث رضي، وتؤخر حيث جعلها، ولا يخالف فيها ما أوصى به؛ لأنه أحق بثلثه، يضعه حيث أحب. قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قاله، صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف في شيء منه إلا فيما قاله من أن الوصية بالجزء وبالعدد أو بالشيء بعينه سواء، يتحاصون في ذلك كله، فإن فيه اختلافا قيل: إنه يبدأ العدد على الجزء، وقيل: إنه يبدأ الجزء على

: يقول في وصيته ثلث عبدي فلان حر وأعطوه ثلث بقية مالي

العدد، وقيل: إنهما يتحاصان وهو المشهور في المذهب، والثلاثة الأقوال لمالك، إلا أن يقول لفلان ثلثي، ولفلان منه كذا وكذا، فيبدأ العدد على الجزء، وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم، وفي رسم الوصايا من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: يقول في وصيته ثلث عبدي فلان حر وأعطوه ثلث بقية مالي] ومن كتاب الصبرة وقال في رجل يقول في وصيته: ثلث عبدي فلان حر، وأعطوه ثلث بقية مالي؛ أنه لا يعتق منه إلا الثلث الذي جعله عتيقا من رقبته، ولا يعتق ما بقي منه في بقية الثلث، ولا يعطاه إلا ما لا يجعل في رقبته منه شيء، وليس هو مثل العبد الذي يوصي له سيده بثلث جميع ماله، فيجعل ذلك الثلث في عتق رقبته. قال محمد بن رشد: في قوله: إنه لا يعتق من العبد إلا ثلثه الذي أوصى السيد بعتقه، وهو قد أوصى له بثلث بقية ماله نظر؛ لأن ثلثي رقبته الباقيين منه من ماله، وهو قد أوصى له بثلث بقية ماله، فوجب على قياس قوله أن يعتق على نفسه ثلث الثلثين الباقيين من رقبته؛ لأنه قد ملكه ذلك؛ إذ أوصى له بثلث ما بقي من ماله، وإذا أعتق على نفسه شيء منه وجب أن يقوم عليه بقيته في ماله، على قياس قوله، فلم يعرف في هذه الرواية بين أن يوصي له بعتق ثلثه، وبثلث ما بقي من ماله، وبين أن يوصي له بعتق ثلثه وبقية ثلث ماله، وهما مفترقان في وجه القياس. وقد مضى هذا في رسم أسلم من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [: يوصي فيقول أعطوا فلانا مائة ولا يذكر دراهم ولا دنانير] ومن كتاب الصلاة وسئل عن الرجل يوصي فيقول: أعطوا فلانا مائة، ولا ينص

دنانير ولا دراهم، قال: سمعت مالكا يقول: يعطى مائة درهم، فإن أوصى في وصيتين، فقال في إحداهما: أعطوه عشرين دينارا، وقال في الأخرى: أعطوه ثلاثين دينارا، لم يعط ما في الوصيتين، ولكن يعطى الأكثر مما في الوصيتين، وذلك ثلاثون دينارا، قال: وإن قال في إحدى الوصيتين: أعطوه مائة درهم، وقال في الأخرى: أعطوه مائة دينار، أعطي ما فيهما جميعا؛ المائة درهم والمائة دينار. قال: وكذلك لو أوصى له في إحداهما بفرسين، وفي الأخرى بثلاثة، أعطي ثلاثة، ولم يعط ما في الوصيتين، ولو أنه أوصى له في إحداهما بفرسين، وفي الأخرى بجملين، أعطى ما في الوصيتين جميعا قال: وعلى هذا النحو الذي بينت لك، يحمل كل ما أوصى به المرء في وصيتين، يختلف ما فيهما من الثياب والحيوان والدنانير والدراهم، وجميع العروض، إذا كان ما في الوصيتين من صنف واحد مختلف العدد، أعطي الأكثر ولم تجمع له الوصيتان، وإذا كان ما فيهما من صنفين مختلفين، اتفق العدد أو اختلف، فله ما فيهما جميعا. قال محمد بن رشد: أما إذا أوصى له بمائة، ولم يقل دنانير ولا دراهم، فقوله: إنه يعطى الدراهم، معناه إذا كان البلد إنما يجري فيه الدراهم، أو كان تجري فيه الدراهم والدنانير، ولم يكن في وصية الميت ما يدل على أنه أراد الدنانير، مثل أن يقول: لفلان عشرون دينارا، ولفلان مائة، ولا يسمي دنانير ولا دراهم، فله الدنانير: هذا كله قاله في سماع أصبغ في أول رسم منه، وهو مفسر لهذه الرواية، وكذلك إذا أوصى له بعدد محدود من الطعام، ولم يقل قمحا ولا شعيرا يجري على هذا القياس، إن كان غالب ما يتقوت به الناس في البلد القمح، أو كان في وصيته ما يدل على أنه أراد القمح، فله القمح، وإلا فله الشعير، وأما إذا أوصى له بوصيتين، في

الأولى بعشرين دينارا، وفي الثانية بثلاثين دينارا، فقوله في هذه الرواية: إنه يعطى الأكثر منهما ولا يعطهما جميعا، هو نص قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وسواء على مذهبه كانت الأولى هي الأقل أو الأكثر، وسواء أيضا كانتا في كتاب واحد، أو في كتابين، وقال مطرف: إن كانت الأولى هي الأكثر، أو كانتا متساويين، فله الوصيتان جميعا؛ لأن أمره يحمل على أنه استقل ما أوصى له به أولا، فزاده عليه ما أوصى له به في الثانية، وإن كانت الأولى هي الأقل، فله الثانية وحدها؛ لأن أمره يحمل على أنه استقل ما أوصى له به أولا، فرجع إلى ما أوصى له به آخرا؛ إذ لا يزاد الكثير على القليل، وسواء كان ذلك في كتاب واحد أو في كتابين، وقال ابن الماجشون كما قال ابن القاسم: إن كانت الوصيتان في كتابين، وكما قال مطرف: إن كانت في كتاب واحد، قال: وذلك إذا كان بين الوصيتين وصايا لغيره، وأما إن لم يكن بينهما إلا كلام من غير الوصية، فذلك بمنزلة إذا نسق الوصيتين، أحدهما بعد الأخرى، فقال لزيد عشرة، ولزيد عشرون، فإنه يكون له العشرة والعشرون، قال: ولو قال لزيد عشرة لزيد عشرون بغير ولو لم يكن له إلا العشرون، وكذلك على مذهبه لو قال: لزيد عشرون لزيد عشرة، بغير واو، لم يكن له إلا العشرة، قال ذلك تأويلا على ما رويناه عن مالك، من أن له الوصيتين إن كانت الأولى أكثر. والثانية وحدها إن كانت الأولى أقل؛ إذ لم يسهما منه تفرقة بين أن تكون الوصيتان في كتابين، أو في كتاب واحد، ولا مساواة بين ذلك، ووجه قول ابن القاسم: إن له الأكثر من الوصيتين كانت الأولى أو الآخرة، هو أنه إن كانت الأولى أكثر، فقد تحققت الوصية بها، وشككنا في الثانية إن كانت ناسخة لها، أو زيادة عليها، فلم تنسخ الأولى بالشك، ولا حكمنا للثانية بأنها زيادة على الأولى بالشك أيضا فبطلت، وأما إن كانت الثانية أكثر، فالوجه ما قاله مطرف، وأما إذا أوصى له بوصيتين، إحداهما دنانير، والأخرى دراهم، فاختلف قول ابن القاسم في ذلك، قال في هذه الرواية، وهو قوله في رواية سحنون عنه: إنهما له

مسألة: يوصي للرجل بعشرة دنانير ولآخر بعشرين

جميعا كالصنفين، وروى عيسى عنه في المدونة: أن له الأكثر منهما، كالصف الواحد، وهو قول مطرف وابن الماجشون في الواضحة: إنهما كالصنف الواحد، فإن كانت الثانية الأقل، كانتا له جميعا، وإن كانت الأكثر، لم يكن له سواها على أصلها في الوصيتين من الدنانير والدراهم، إحداهما أكثر من الأخرى، ويعتبر ذلك بمعرفة الصرف والقولان قائمان من المدونة والحيوان والعروض والدور والمكيل والموزون من الطعام وغيره عند ابن القاسم، سواء إن أوصى له بوصيتين من صنف واحد من ذلك كله، كان له الأكثر من الوصيتين، كانت الأولى أو الآخرة، وإن أوصى له بوصيتين من صنفين من ذلك كله، كانت الوصيتان جميعا، كان ذلك في كتاب واحد أو في كتابين، أو في لفظ بغير كتاب. وذهب مطرف وابن الماجشون، إلى أنه إن كانت الوصيتان من العروض، فله الوصيتان جميعا، كانتا من صنفين أو من صنف واحد، اتفق عددهما أو اختلف، بمنزلة إذا أوصى له بعين وعرض، سواء كانت الوصيتان في كتابين، أو في كتاب واحد، ولابن الماجشون في ديوانه، أنه إذا أوصى له بعرضين مختلفين، فإن كان ذلك في وصية واحدة، كانتا له جميعا، وإن كان ذلك في وصيتين كان له الأكثر من قيمتهما، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي للرجل بعشرة دنانير ولآخر بعشرين] مسألة وقال في الرجل يوصي للرجل بعشرة دنانير، ولآخر بعشرين، ثم يقول: وبقية ثلث مالي لفلان، ثم يوصي بعد يوم أو أيام بوصايا ينصها من تسمية مال أو شيء بعينه، مثل العبد أو الدار أو الثوب أو الدابة، إن الذي أوصى ببقية الثلث، لا يعطي شيئا حتى يكون في الثلث فضل عن الوصايا المسماة للذين أوصى لهم حين جعل لهذا ببقية الثلث، والوصايا والآخرة التي أوصى بها بعدما جعل لهذا بقية الثلث، تنفذ للأولين وللآخرين وصاياهم، فإن فضل من الثلث

مسألة: قال في وصيته ثلث مالي في سبيل الله ثم قال يقسم ثلثي أثلاثا

بعد، فهو للموصى له ببقية الثلث. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في رسم أسلم، من سماع عيسى، ويفسره ما ذكره محمد بن المواز، وقد مضى الكلام عليه هناك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في وصيته ثلث مالي في سبيل الله ثم قال يقسم ثلثي أثلاثا] مسألة قال: وإن قال رجل في وصيته: ثلث مالي في سبيل الله، ثم قال بعد ذلك بيوم أو بيومين: يقسم ثلثي أثلاثا فثلثه للمساكين، وثلثه في الرقاب، وثلثه يحج به عني، قال: الثلث يقسم نصفين، فنصف في سبيل الله، ويقسم النصف الثاني أثلاثا على ما نص في وصيته، وذلك لأنه يحاص بين الوجه الذي أوصى فيه بالثلث كاملا، وبين الوجوه التي أوصى فيها بالثلث، فيصير لأهل كل ثلث نصفه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، من أن الرجل إذا أوصى بشيء بعينه لرجل، ثم أوصى به بعد ذلك لرجل آخر؛ أنه يكون بينهما، إلا أن يكون في الوصية الثانية ما يدل أنه قد رجع عن الأولى، ومثل أن يقول: الشيء الكذا الذي أوصيت به لفلان، فهو لفلان رجل آخر بخلاف الحرية؛ إذ لا يشترك فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول في وصيته وفروا لأمي لضعفها سهما في كتاب الله] مسألة وقال في الرجل يقول في وصيته: وفروا لأمي لضعفها سهما في كتاب الله، وثلثي ما عدا ما ينقص الثلث بتوفير سهم أمي صدقة على فلان، يريد: أن يخرج الثلث من جميع ما له، إلا سهم أمه،

مسألة: كاتب جميع رقيقه في مرضه فلم يجز ذلك الورثة

لا يخرج منه ما يقع عليه من قسمة الثلث. قال: ويخرج الثلث للموصى له على حال ما أوصى به، ثم ترد الأم سهما، فيضاف إلى بقية المال، فيقسم على الورثة على كتاب الله، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا وصية لوارث» ، فهو يريد أن يفضل أمه لتوفير سهمها، فلا يدخل عليها أهل الوصايا، ويدخلون على سواها فينقصون كلهم سواها، فهذا لا يجوز، قيل له: فلو قال: أعطوا أمي سهمها، ثم قال: لفلان سدس مالي. قال: تنفذ الوصية على حال ما قال، ثم يجمع سهم الأم إلى بقية المال، فتعاد فيه القسمة على كتاب الله. قال محمد بن رشد: هاتان المسألتان بيِّنتان لا اختلاف فيهما، ولا إشكال في شيء من معانيهما، وما قاله من وجه العمل فيهما صحيح، إذا لم يجز الورثة للأم الوصية بتوفير سهمها، وبالله التوفيق. [مسألة: كاتب جميع رقيقه في مرضه فلم يجز ذلك الورثة] مسألة قلت لابن القاسم: أرأيت إن كاتب جميع رقيقه في مرضه، فلم يجز ذلك الورثة، والثلث بهم ضيق، أليس يعتق من كل واحد منهم ثلثه؟ قال: بلى، قلت: ولم لا يقرع بينهم في الثلث؟ قال: أرى إذا قطع الورثة الثلث أن يسهم بينهم فيه كالموصى لهم بالعتق.

: يقول في وصيته ساجي الطرازي لفلان

قال محمد بن رشد: قوله: والثلث بهم ضيق، يدل على أن له مالا سواهم، وإذا كان له مال سواهم، فلم يحملهم الثلث، ولا أجاز الورثة الوصية بكتابتهم، فالواجب إذا قطع الورثة لهم بالثلث أن يعتقوا فيه بالحصص، مثال ذلك: أن يترك ثلاثة أعبد، قيمة كل واحد منهم ثلاثون دينارا، وله سواهم ثلاثون دينارا، فجميع المال مائة وعشرون الثلث من ذلك أربعون، يكون بين العبيد بالحصص، فيعتق من كل واحد منهم أربعة أتساعه؛ لأن الأربعين من قيمة العبيد، وهي تسعون، أربعة أتساعها، وإنما يعتق من كل واحد منهم ثلثه على ما قال، إذا لم يكن له مال سواهم، وهذا على قوله أولا. وقوله آخرا: إنه يسهم بينهم في الثلث إذا قطع لهم به الورثة، خلاف قوله أولا، فوجه قوله أولا: إنه لا يقرع بينهم، ويعتقون بالحصص في الثلث، هو أن السنة في القرعة إنما جاءت في الوصية بالعتق، وقيس المبتلون في المرض عليهم، والوصية بالكتابة بخلاف ذلك، ووجه قوله آخرا: إنه يقرع بينهم، هو أن الوصية بالكتابة لما لم تنفذ إذ لم يحملها الثلث، ورجعت إلى العتق في الثلث، كانت كالوصية بالعتق، وأيضا فإنها أعدل؛ لأنه إذا أعتق من كل واحد ثلثه، إذا لم يكن له مال غيرهم، أو أعتق منهم بالحصص مبلغ الثلث إن كان له مال غيرهم، فقد أخذ الميت أكثر من ثلث ماله؛ لأن العبد إذا أعتق بعضه نقصت قيمته، وبالله التوفيق. [: يقول في وصيته ساجي الطرازي لفلان] ومن كتاب أوله يشتري الدار والمزارع وسألته عن الرجل الذي يقول في وصيته: ساجي الطرازي لفلان، أو عبدي فيوجد له عبيد بذلك الاسم، أو سيجان طرازية. قال: ينظر إلى عدة السيجان أو العبيد، فإن كانوا خمسة، فله

خمس قيمة كل واحد منهم، وإن كانوا ثلاثة، فله ثلث قيمتهم، ويعطى ثلث القيمة في العبيد أو السيجان بالسهم بالغا ما بلغت، صار له فيها ساج أو ساجان، أو عبد أو عبدان. قلت: ولم أمضيت له الوصية، والشهود لم يثبتوا العبد بعينه، والساج بعينه؟ قال: إنما ترد هذه الشهادة التي ذكرت، إذا شهدوا عليه في صحته أنه أعتق عبده فلانا، أو تصدق به على رجل، وله عبيد بذلك الاسم، وهو منكر لما شهدوا به عليه، فيقال لهم: أي عبد تشهدون أنه أعتقه أو تصدق به على فلان؟ فيقولون: لا نعرفه بعينه، إلا أنه قال: عبدي فلان، وله عبيد بذلك الاسم، فتسقط شهادتهم، فلا يثبت العتق، ولا تجوز الصدقة لإنكاره إذا لم يقطعوا الشهادة عليه، فأما في الوصية، فإنه إذا قال: ساجي الطرازي، أو عبدي فلان، فلا يعرف بعينه، فهو كمن قال: ساج من سيجاني، أو عبد من عبيدي صدقة على فلان، فيكون شريكا فيهم أجمعين، فإن كانوا عشرة فبعشرهم، وإن كانوا عشرين فبنصف عشرهم. قال: وإنما هذا عندنا من نحو الرجل يوصي بعتق عبد من عبيده ولا ينصه، فإن كانوا عشرة عتق عشرهم بالسهم، وإن كانوا خمسة عتق خمسهم بالسهم، بالغا ما بلغ من عددهم، قلت: أتجريه في الصدقة مجرى العتاقة إذا هلك بعض السيجان أو بعض العبيد، فيكونون شركاء فيما بقي منهم بقدر السهم الذي كان وجب لهم؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: إذا سمى الشهود العبد أو الثوب، ولم يعينوه من جملة الثياب والعبيد، ولا عينه الميت لهم، واتفقت أسماء العبيد أو

صفات الثياب، فقال في هذه الرواية: إن ذلك بمنزلة أن يقول: عبد من عبيدي حر، أو ثوب من ثيابي لفلان، ولا أعرف في هذا نص خلاف، إلا أن يدخل فيه الخلاف بالمعنى، فإن أدخلنا فيه الاختلاف بالمعنى، تحصل في المسألة ثلاثة أقوال في الصحة، وثلاثة أقوال في المرض أيضا، أحدها: أن الشهادة لا تجوز. والثاني: أنها جائزة. والثالث: الفرق بين أن يعينه المشهود عليه للشهود فينسوه، أو لا يعينه لهم ويسميه باسمه، فيوجد له عبيد بذلك الاسم سواه. وأما إن عينه الموصي للشهود في صحته، أو في مرضه، فنسيه الشهود، أو عينه المشهود عليه للشهود في غير الوصية، فنسوه أو شكوا فيه، ففي ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الشهادة باطلة في الوصية بعد الموت، وفي الشهادة في الصحة في غير الوصية. روى ذلك أصبغ عن ابن القاسم، وهو قول أشهب في أول سماع سحنون، وقول ابن كنانة في المجموعة. والثاني: أن الشهادة عاملة في الوجهين جميعا، وهو قول ابن القاسم في أصل الأسدية من كتاب الأيمان بالطلاق، وقول ابن وهب في رسم الوصايا والأقضية من سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات؛ لأنه إذا جازت الشهادة في الصحة، فأحرى أن تجوز في الوصية بعد الموت. والثالث: الفرق بين الشهادة في الصحة وبين الشهادة في الوصية بعد الموت. وقد مضى هذا في رسم سلف، من سماع عيسى، من هذا الكتاب، وفي رسم يدير من سماع عيسى أيضا، من كتاب المديان والتفليس، فعلى القول يجوز الشهادة، وهو قوله في هذه الرواية، يكون الحكم في ذلك حكم من قال في مرضه: عبد من عبيدي حر، أو ساج من سيجاني لفلان، وفي ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: قوله في هذه الرواية: أنهم إن كانوا ثلاثة، عتق ثلثهم بالسهم، خرج فيه واحد أو أقل أو أكثر، أو ربعهم إن كانوا أربعة أو خمسهم، إن كانوا خمسة، أو نصفهم إن كانوا اثنين، إلا أن يحمل نصفهما الثلث، فيعتق منهما بالسهم ما حمله الثلث، وكذلك في الثياب عن هذا القياس،

مسألة: يوصي لرجل بثلث ماله ولرجل بعبد له فأجاز الورثة الوصية كلها

ومثله في العتق الأول من المدونة في باب السهم. والقول الثاني: أنه يعتق منهم واحد بالسهم، قلت قيمته أو كثرت، إلا أن يكون أكثر من الثلث، فيعتق منه قدر الثلث، وكذلك إن أوصى بعتق عدد سماه من عبيده، يعتق عددهم بالسهم، ولا ينظر في ذلك إلى الجزء، وهذا القول بين في كتاب الوصايا الأول من المدونة. وقد قيل: إنه يقوم أيضا بدليل من كتاب العتق الأول منها ذهب إلى ذلك ابن لبابة، وليس ذلك عندي بصحيح. والقول الثالث: أنه إن أوصى بعتق عبد من عبيده، عتق من كل واحد منهم ثلثه إن كانوا ثلاثة، أو ربعه إن كانوا أربعة، على الحصص دون سهم، لا على الأجزاء، ولا على العدد، وهو الذي يأتي على ما مضى في رسم سلف، من سماع عيسى، ويختلف متى ينظر إلى عددهم؟ فقيل يوم التقويم، ومن مات منهم قبل ذلك، فكأن لم يكن، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وقيل يوم أوصى، ولا يلتفت إلى من مات بعد ذلك وقبل التقويم، وهو قول ابن الماجشون، وابن كنانة، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي لرجل بثلث ماله ولرجل بعبد له فأجاز الورثة الوصية كلها] مسألة وقال في الرجل يوصي لرجل بثلث ماله، ولرجل بعبد له، فأجاز الورثة الوصية كلها؛ أنه ليس عليهم أن يخرجوا لصاحب الثلث إلا ثلث جميع المال، يحسب على الموصى له بالثلث في وصيته ثلث العبد الموصي به للرجل الآخر، وليس عليهم أن يوفروا له قدر ثلث الميت، ويخلص للموصى له بالعبد ذلك العبد، ولكن إذا بروا من ثلث جميع المال سوى العبد الموصى له بالثلث، وبروا من العبد إلى الموصى له به، فقد أجازوا الوصية، ثم تصير الدعوى في ثلث العبد بين الموصى له بالعبد، والموصى له بالثلث، فكلاهما قد أوصى له بثلث العبد؛ لأن الثلث يجري في جميع مال

مسألة: يوصي لقوم بوصايا لرجل بدار ولرجل بعبد

الميت، فيكون للموصى له ثلثا، ويقسم ثلثه بينه وبين الموصى له بثلث مال الميت؛ لأن ذلك الثلث قد أوصى به لهما جميعا من العبد، فلذلك قسم بينهما. قال محمد بن رشد: سحنون يقول: إنه إذا أجاز الورثة كان العبد للموصى له به، والثلث كامل للموصى له به، ولا يحمل على أنه أدخل للموصى له بالثلث على صاحب العبد، ولا يكون رجوعا عن العبد، وبذلك قال أشهب، وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، ورواية علي بن زياد عنه فيها أيضا في الذي يوصي بسدس ماله لرجل، وبعبده لرجل وقيمته نصف الثلث؛ أن العبد يكون كاملا للموصى له به، ويكون الموصى له بالسدس شريكا للورثة بالخمس؛ لأن الواجب في ذلك على قياس رواية يحيى هذه، أن يكون للموصى له بالعبد خمسة أسداسه، وللموصى له بسدس المال، سدس ما سوى العبد من المال، ويكون سدس العبد بينهما، وقد روى ذلك أصبغ عن ابن القاسم، وأنكر ذلك محمد بن المواز، ولم يعجبه. فقال: إنه يأخذ الموصى له بالعبد جميع العبد، وللآخر خمس العين، وذلك مائة دينار، قاله إذا كانت قيمة العبد مائة دينار، وباقي مال الميت خمسمائة دينار، ولم يختلف إذا أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بمائة دينار، فأجاز الورثة ذلك، كأن عليهم أن يدفعوا الثلث كاملا للموصى له بالثلث، والمائة كاملة، للموصى له بها، لا يدخل عليه الموصى له بالثلث في شيء منها، وإجماعهم على الوصية بالعين مع الثلث إذا أجاز ذلك الورثة، يقضي على اختلافهم في الوصية بالعرض المعين مع الثلث، إذا أجاز ذلك الورثة، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي لقوم بوصايا لرجل بدار ولرجل بعبد] مسألة وقال في الرجل يوصي لقوم بوصايا لرجل بدار، ولرجل بعبد، ولرجل بحائط، وما أشبه هذا من العروض، ولم يوص لأحد

: الرجل يعتق عبدا له إلى أجل ثم يوصي في مرضه بوضع الخدمة عنه

منهم بدنانير، ولا بدراهم، فضاق الثلث عن الوصايا، فلا يجيزها الورثة، فيردون إلى المحاصة في الثلث؛ أن وصاياهم تجعل لكل واحد منهم في الذي أوصى به لهم، يتحاصون في ثلث مال الميت، فيضرب كل واحد منهم بقيمة ما أوصى به، فإذا عرف ما ينوبه في المحاصة من قيمة وصيته، جعل ذلك له في الذي أوصى له به خاصة، لا ينقل منه إلى غيره. قال: وإن كان أوصى لهم بمثل هذه الوصايا، وأوصى لرجل معهم بمائة دينار، فقطع الورثة لهم بالثلث، تحاصوا فيه، وقطع لهم الثلث من جميع مال الميت، ولم توضع وصاياهم فيما سمى لهم خاصة؛ لأن الثلث لا بد من أن يباع أو بعضه من الذي أوصى له بالمائة الدينار، فلذلك حالت وصاياهم، فصارت في الذي أوصى لهم به وفي غيره من جميع مال الميت. قال محمد بن رشد: لم يفرق في المدونة هذه التفرقة، وذكر أن قول مالك اختلف في ذلك، فتفرقته في هذه الرواية قول ثالث في المسألة، ولو ترك الميت من الناض ما يخرج منه المائة الدينار التي أوصى بها للرجل؛ لكان ذلك بمنزلة إذا لم يوص بعين؛ لأنه علل ما ذهب إليه من التفرقة بين أن يكون أوصى بعين، أو لم يوص به، فإن الثلث لا بد أن يباع أو بعضه فيما أوصى به من العين، وسيأتي في الرسم الذي بعد هذا، وفي أول رسم من سماع أصبغ، إذا أوصى من العين بأكثر من ثلث ما ترك منه، والكلام عليه، وبالله التوفيق. [: الرجل يعتق عبدا له إلى أجل ثم يوصي في مرضه بوضع الخدمة عنه] ومن كتاب المكاتب قال: وسألته عن الرجل يعتق عبدا له إلى أجل، ثم يوصي

في مرضه بوضع الخدمة عنه، وبعتاقة عبيد سواه يحاصهم أيهم يبدأ؟ قال: أرى له المحاصة مع الموصى لهم بالعتاقة، وأما إن كان معه مبتول العتاقة، أو مدبر مهم يبدءون عليه. قلت: فما يحسب في ثلث سيده مما يحاص به، أقيمته أم قيمة الخدمة مما بقي من أجلها؟ قال: بل، قيمة الخدمة. قال محمد بن رشد: إنما قال: إن المعتق إلى أجل، إذا أوصى له بوضع الخدمة عنه يتحاص مع الموصى بعتقهم؛ لأن المعتق إلى أجل أحكامه أحكام العبد في جميع الأشياء، فلا فرق في التأكيد بين أن يوصي بتعجيل عتقه، وبين أن يوصي بعتق عبد آخر، فوجب أن يتحاصا إن ضاق الثلث عنهما، والقياس على هذا أن يحاص بقيمة رقبته، لا بقيمة خدمته، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في رسم إن أمكنتني، من سماع عيسى، من كتاب العتق. وقال أشهب فيه: لا يقوم في الثلث إلا قيمة خدمته، مثل قول ابن القاسم في هذه الرواية، وهو أظهر؛ لأن العتق في الرقبة قد ثبت، وإنما بقي لسيده فيه الخدمة، ووجه القول الآخر ما ذكرناه من أن الحرية تبع للرق، وأما قوله: إنه إن كان معه مبتول العتاقة، يريد: في المرض، أو مدبر، فهم يبدءون عليه، يريد وعلى الموصى بعتقه، فالوجه فيه، إن له أن يرجع على الموصى بعتقه، وعن الموصي بوضع الخدمة عنه، وليس له أن يرجح عن المدبر، ولا عن المبتل في المرض، وقد قيل: إن له أن يرجع عنه، فعلى هذا القول، يتحاص الموصي بوضع الخدمة عنه، والموصى بعتقه، والمبتل في المرض. وقد مضى هذا في رسم العتق من سماع عيسى، وفي رسم طلق ابن حبيب، من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

مسألة: يوصي لرجل بعشرة دنانير فيموت ولا يترك إلا مالا غائبا

[مسألة: يوصي لرجل بعشرة دنانير فيموت ولا يترك إلا مالا غائبا] مسألة قال يحيى: وسألته عن الرجل يوصي لرجل بعشرة دنانير، فيموت ولا يترك إلا مالا غائبا أو ديونا على الناس، فيريد الموصى له بالعشرة أن يتعجلها، ويقول الورثة: إذا تقاضينا أعطينا لها، قال: يخير الورثة بين أن يعجلوها وبين أن يقطعوا له بالثلث، فينظر قدوم الغائب، أو يتقاصاها لنفسه، بمنزلة الإخوة للأم في فريضة ثلثهم. قال محمد بن رشد: قوله: ولا يترك إلا مالا غائبا أو ديونا على الناس، معناه لا يترك مالا تخرج العشرة من ثلثه، إلا بماله من المال الغائب أو الديون؛ فقوله: يخير الورثة بين أن يعجلوها وبين أن يقطعوا له بالثلث، معناه أنهم يخيرون بين أن يعجلوها من الناض الذي ترك، وإن أحاطت به، وبين أن يقطعوا له بالثلث، ولو لم يكن له ناض أصلا لما لزمهم أن يعجلوا له العشرة من أموالهم، وإنما عليهم أن يعجلوها له من أول ما يقبض من الديون، وأن يبيعوا فيها أعجل ما يمكن بيعه من العروض، وكذلك يبيعون فيها من الديون إن كانت مؤجلة. هذا معنى قول ابن القاسم في هذه الرواية، وهو مذهبه في المدونة؛ لأنه قال فيها: إن الرجل إذا أوصى للرجل من النقد بما لا يحمله ثلث ما ترك من العين، خير الورثة بين أن يعجلوا له ذلك، أو يقطعوا له بالثلث من جميع مال الميت، ومثله حكى أصبغ عنه وعن مالك وأصحابه كلهم في صدر سماعه بعد هذا من هذا الكتاب، وهو قول سحنون، قال: إذا أوصى الرجل بوصية، وماله ناض وغرض، فأراد الموصى له أخذ الناض، وقالت الورثة: لا نرضى في العروض، ونأخذ العين، فإنه يقال لهم: إن شئتم أن تسلموا العين، وإلا فأخرجوا الثلث كله، وزعم أنه أصل من العلم جسيم قال: وهو بمنزلة العبد يجني جناية

: كتبت عند خروجها كتابا لبني زوجها وليس لها ولد

تسوى درهمين، فيقال للسيد: افتكه، وإلا فأسلم العبد بالجناية. وذهب أصبغ إلى أنه لا يلزم الورثة أن يدفعوا إلى الموصى له بالعين إلا ثلث الناض، وثلث كل ما ينض، إلى أن يستوفي وصيته، ولا يقال للورثة: إما أن تعجلوا للموصى له وصيته من العين، وإما أن تقطعوا بجميع الثلث، إلا أن يكون الذي أوصى له به من العين معينا، مثل أن يقول: ادفعوا إليه المائة التي تركت ناضة، أو التي لي عند فلان، وما أشبه ذلك، ولا اختلاف في الدنانير المعينة أنه يلزم الورثة أن يدفعوها إليه، أو يقطعوا له بجميع الثلث، وإنما الاختلاف في غير المعينة على ما ذكرناه، فذهب أصبغ إلى أنه لا يلزم أن يعجلوها له، وهو قول ابن القاسم في رواية ابن أبي جعفر عنه، فإنه قال: سألت ابن القاسم عن رجل أوصى لرجل عشرين دينارا، فلم يكن له من الناض إلا ثلث دينار، أو له دين على الناس، فطلب الموصى له أن يعطى ما أوصى له به، قال: ينتظر حتى يبيعوا ويقتضوا، وليس له أن يراكضهم، وإنما ذلك في الديون الغائبة التي يعطى ما سمى له أو يقطع له بالثلث، وبالله التوفيق. [: كتبت عند خروجها كتابا لبني زوجها وليس لها ولد] ومن كتاب الأقضية قال يحيى، وسألت عبد الله بن وهب عن امرأة خرجت من الأندلس تريد الحج، ثم تسكن الشام، فكتبت عند خروجها كتابا لبني زوجها، وليس لها ولد، إن أصابها قدرها في وجهتها، فلهم من رقيقها كذا وكذا رأسا سمتهم لهم، وجعلتهم في أيديهم وحازتهم لهم؛ ليكون لهم منفعتهم، وتركت رقيقا سواهم، وأنصبا في قرى، فلما بلغت مصر كتبت إلى رجل من الأندلس، تأمره في كتابها ببيع ما كان لها بالأندلس من رأس أو غيره، ولم تذكر في كتابها الذي أوصت به لبني زوجها أن يباع أو يترك، فأراد وكيلها بيع ما في

أيدي بني زوجها من الرقيق التي أوصت بها لهم. وقال: إنها قد فسخت عليكم الوصية؛ إذ أمرت ببيع ما خلفت بالأندلس، وقال بنو زوجها: إنها قد تركت بالأندلس غير الذي أوصت به لنا، فذلك الذي أمرت ببيعه، ولم يذكر بيع ما أوصت به لنا، ولو أرادت أن يباع ذلك لذكرته، في كتابها باسمه، ولها بالأندلس رقيق وعقار، فذلك الذي أمرت ببيعه وسكتت عما في أيدينا، قال ابن وهب: أرى أن يوقف الرقيق التي أوصت بها لبني زوجها في أيديهم بحالها، ويكتب إليها لتبين أمرها، ويمنع الوكيل من بيعها، فإن رجعت عن وصيتها كان ذلك بيدها، وإن أمضت فالأمر إليها. قلت: أرأيت إن ماتت قبل أن يعرف رأيها؟ قال: الوصية ماضية في ثلثها إذا لم يثبت رجوعها عن الوصية بالأمر البين حتى ماتت، وسألت عن ذلك ابن القاسم فقال: أرى الذي كتبت به من بيع كل ما كان لها بالأندلس نقضا لوصيتها؛ لأن تلك الرقيق من مالها حتى تموت، فتثبت الوصية لأهلها، ومما يبين ذلك أنها لو أشهدت في موضعها الذي سكنت، أو في سفرها بعد تلك الوصية أني قد تصدقت على فلان بكل مالي بالأندلس، إن ذلك يؤخذ منهم، وتكون الصدقة أثبت من الوصية، ولو أعتقت كل ما كان لها بالأندلس من رأس، لوجب العتق بجميع الرقيق، وكان ذلك نقضا للوصية. قال محمد بن رشد: قد استدل ابن القاسم لقوله بما ذكره من التعلق بظاهر ما كتبت له، إذا أمرت ببيع كل ما كان لها بالأندلس من رأس، فرأى ذلك نقضا لوصيتها؛ لأن تلك الرقيق من مالها. وقول ابن وهب عندي أظهر؛ لأنها لما أوصت لبني زوجها بما أوصت به لهم من رقيقها وحوزتهم

مسألة: كان وصيا لأبيه فزعم أنه باع وصيفة لأخت له كانت في حجره

إياهم لتكون لهم منفعتهم طول حياتها، وجب لهم الانتفاع بها حياتها، ولم يكن لها أن ترجع عنه بأن تأمر وكيلها ببيع الرقيق بعد موتها؛ إذ قد وهبت منفعتهم حياتها هبة صحيحة مقبوضة، وإن كان لها أن ترجع عن الوصية بالرقيق لهم بعد موتها؛ لأن من أخدم رجلا عبدا حياته وحوزه إياه، فليس له أن يرجع فيه، فلما لم يصح لها ما كتبت به من بيعهم وإخراجهم عن أيديهم طول حياتها، وبطل توكيلها على ذلك بقيت الوصية على حالها، وبالله التوفيق. [مسألة: كان وصيا لأبيه فزعم أنه باع وصيفة لأخت له كانت في حجره] مسألة قال يحيى: وسألت ابن وهب عن رجل كان وصيا لأبيه، فزعم أنه باع وصيفة لأخت له كانت في حجره، كان يليها يوم باع، فزعم أنه باعها بمائتي دينار، وأنه اشترى لها بثمن الوصيفة رأسين بمائتي دينار، وزاد من عنده سبعين دينارا، فسئل البينة على ما ذكر من ذلك، فأتى بشهود، فشهدوا أنه أدخلهم على أخته تلك، فأشهدهم عليها أنه قد اشترى لها رأسين بمائتي وسبعين دينارا، فسئل الشهود عن تفسير ما أشهدهم عليه، أذلك من ثمن الوصيفة أم لا؟ فقالوا: لا علم لنا، إنما أشهدنا عليها بأنه اشترى لها رأسين بمائتين وسبعين دينارا، فقبلت ورضيت، وقبضت الرأسين، ثم ادعت الأخت بعدما خرجت إلى زوجها، أن ثمن الوصيفة قبله، وأن الذي اشترى لها به الرأسين من غير ذلك من مورثها أو غيره، فجاء الوصي بالبراءة من جميع مورثها، وزعم أن ابتياعه الرأسين لها بعد قبضها مورثها من أبيها، ولم يكن لها عنده إلا مورثها، وثمن الوصيفة التي باع لها، فهل ترى أن يبريه ما شهد به الشهود من ثمن الوصيفة أم لا يكون له براءة حتى يشهد الشهود أن

الرأسين من ثمن الوصيفة بعينها؟ قال: أما إذ هو وصي ناظر. فأرى أن يحلف بالله ما اشترى الرأسين لها، إلا من ثمن الوصيفة، ويبرأ من ثمنها إلا أن تأتي أخته بالبينة أن لها قبله شيئا سوى ثمن الوصيفة، فينظر لها. قلت: فالسبعون دينارا التي زعم أنه زادها من عنده، أيتبعها بها؟ قال: إن مات الرأسان اللذان اشترى لها بالمائتين والسبعين، فلا تباعة له قبلها في السبعين، من أجل أنه أرادها من له بغير أمرها، وفي حين ولايته، ولم يكن ينبغي له أن يشتري عليها بأكثر مما لها قبله، فيجعلها غارمة مطلوبة بدين: قال: وإن كان الرأسان بحالهما لم يتغيرا خيرت، فإن شاءت غرمت السبعين، وحبست ما اشترى لها، وإن كرهت ردتهما وأغرمته المائتي دينار ثمن وصيفتها. قلت: أرأيت إن رضي أن يمضيها لها بالمائتي دينار، وتسقط عنها تباعته في السبعين التي زاد من ماله، أيلزمها حبسها أم ترد عليه الذي كان من زيادته في الثمن بغير أمرها؟ فقال: يلزمها حبسها؛ لأنه لا عدد لها في ردها إذا أوضع عنها تباعته فيما زاد بغير أمرها. قال: وسألت عن ذلك ابن القاسم فقال: أرى يحلف بالله لقد أدخل المائتي دينار ثمن الوصيفة في الرأسين، ثم يبرأ، فقلت: لابن القاسم: فالسبعون الدينار، أيتبعها بها؟ قال: لا أرى ذلك عليها، وذلك أنه إن كانت البراءة قبل بيع الوصيفة، فهو أمر طاع به لها، أو شيء تورع عنه كان عنده من مالها، وإن كانت البراءة بعدما اشترى الرأسين ودفعهما إليها، فالبراءة حسم لما كان لها قبله من مورثها ومن ثمن وصيفتها، ونرى السبعين حينئذ قد دخلت في البراءة، فلا تباعة لواحد منهما قبل صاحبه بعد أن يحلفا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الرجل كان وصيا

لأبيه على أخته، وكانت في حجره، فلما خرجت إلى زوجها، وملكت أمر نفسها، ادعت عليه أنه كان باع لها وصيفة إذا كان ناظرا لها بمائتي دينار، ولم يدفع إليها ثمنها، فزعم أنه باعها بمائتي دينار، كما ذكرت، وأنه اشترى لها بثمن الوصيفة رأسين بمائتي دينار، وزاد من عنده سبعين دينارا، وأتى على ما ذكر من ذلك بشهود، فشهدوا أنه أدخلهم على أخته، فأشهدهم عليها بما ذكر من أنه اشترى لها رأسين بمائتين دينار، وسبعين دينارا، فقبلت وقبضت الرأسين، ولم يعلم الشهود إن كان ذلك من ثمن الوصيفة أم لا، فلما شهد له عليها بهذا، ادعت أنه إنما اشترى لها الرأسين مما كان لها بيده من مورثها، وغير ذلك من غير ثمن الوصيفة، فأتى هو بالبراءة من جميع مورثهما، وزعم أن ابتياعه الرأسين لها كان بعد أن ملكت أمر نفسها، وبعد أن قبضت مورثها، فهي تقول: المائتان والسبعون التي اشترى بها الرأسين، وأشهد علي بقبضها، إنما هي من غير ثمن الوصيفة، وثمن الوصيفة باق عنده، وهو يقول: لم يكن لها عندي غير ثمن الوصيفة، فقد ابتعت لها بذلك الرأسين بسبعين دينارا، زدتها من مالي سلف لها، فهي تطالبه بثمن الوصيفة، وهو يطالبها بالسبعين، فرأى ابن القاسم أن يحلفا جميعا، ولا يكون لواحد منهما على صاحب تباعة، يحلف هو لقد دخلت المائتان ثمن الوصيفة في ثمن الرأسين؛ إذ لم يكن بقي عنده لها من تركة أبيها سوى ما دفعه إليها، وأتى بالبراءة منه، وتحلف هي على ما ادعت من أنه إنما اشترى لها الرأسين بالمائتين وسبعين مما كان لها عنده سوى ثمن الوصيفة. وقد بين ابن القاسم وجه قوله في أن السبعين تسقط عنها بيمينها بتوجيه ظاهر، وذلك أنه لما ابتاع لها الرأسين بأكثر من ثمن الوصيفة، ودفعها إليها، ولم يذكر لها الزيادة حتى قامت تطلبه بالأصل، كان ذلك شبهة لها، توجب أن تسقط عنها بها الزيادة مع يمينها، ولم ير ابن وهب هذه شبهة توجب أن تسقط عنها بها الزيادة مع يمينها. فقال: إن القول قوله مع يمينه في أن الرأسين من ثمن الوصيفة؛ إذ لم يكن لها عنده مال سواه من مورث ولا غيره كما ادعت، فإذا حلف برئ من ثمن الوصيفة، وكان له معها في

مسألة: يوصي بوصايا وعتاقة

الزيادة التي زاد في ثمن الرأسين، حكم من أمر رجلا أن يبتاع له عبدا، فابتاع أكثر مما أمره، بزيادة لا تزاد على مثل الثمن، ودفعه إليه، ولم يعلمه بالزيادة، حتى فات بموت أو عتق؛ أنه لا شيء له منها عليه. وقوله: إن كان الرأسان بحالهما لم يتغيرا خبرت إلى آخر قوله، يحتمل أن يكون معناه إذا قام عليها بالزيادة، وطلبها منها بقرب ما دفع إليها الرأسين، على ما مضى القول فيه في رسم العرية، من سماع عيسى، من كتاب البضائع والوكالات، وقول ابن القاسم أظهر أن الزيادة تبطل؛ إذ لم يذكر ذلك لها حتى قامت تطلبه، وفي المبسوطة ليحيى بن يحيى أن قول ابن القاسم أحب إليه من قول ابن وهب، وبه يقول: وإنما اختاره عليه للمعنى الذي ذكرناه، والله أعلم. [مسألة: يوصي بوصايا وعتاقة] مسألة وسألته عن الذي يوصي بوصايا وعتاقة، فتنفذ الوصايا والعتاقة، ثم يطلع على الموصي دين يحيط بماله، وقد شهد العبيد المعتقون على حقوق، فطال زمان ذلك، فاقتسم الورثة، ونما ذلك في أيديهم أو نقص أو استهلك، فقال: ترد الوصايا التي أخذ أهلها منها بحال ما توجد في أيديهم، نامية أو ناقصة، وما هلك منها، فلا ضمان عليهم فيها إلا أن يستهلكوا شيئا، فيغرموه أو يكونوا اشتروا شيئا فحوسبوا به في وصاياهم، فيكون لهم نماؤه، وعليهم ضمانه، ويردون الثمن الذي حوسبوا به، قال: والورثة بهذه المنزلة فيها اقتسموا ما أخذوا على حال الاقتسام، فنماؤه للغرماء، ولا ضمان على الورثة فيه، إلا أن يستهلكوا شيئا، فيكون عليهم غرمه، وما اشتروا على حال البيع، وليس على وجه الاقتسام، فنماؤه لهم وضمانه عليهم، يغرمون الثمن الذي كان وجب لهم. قال: وما اقسموا من ناض ذهب، أو ورق، أو طعام، أو إدام، فإنهم يغرمون ذلك

: يوصي بأكثر من ثلثه بإذن ورثته في مرضه ثم يصح فيقر بذلك

كله، وإنما يوضع عنهم ضمان ما هلك من العروض والحيوان والعقار الذي يقسم بالقيمة، قلت: أرأيت ما اقتسموا من العروض بالقيمة، فغابوا عليه، ولم يعرف هلاكه إلا بقولهم، أيبرءون من ضمانه؟ أو الطعام أو الإدام الذي يوجب عليهم ضمانه، وتراه كالذهب والورق إذا عرف هلاكه بعينه، أيبرءون من ضمانه؟ فقال: ضمانهم في كل ما غابوا عليه كضمان المرتهن والمستعير، وبراءتهم مما عرف هلاكه بالبينة، كبراءة المرتهن والمستعير، وحالهم فيما لم يغب عليه كحالهما. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة على نصها في رسم الكبش، من سماع يحيى، من كتاب القسمة، ومضى الكلام عليها هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته، وظاهر هذه الرواية أن العتق يرد وإن طال زمانه. وقد روى أشهب عن مالك في رسم الأقضية الأول، من كتاب المديان والتفليس في الذي يعتق وعليه دين يغترق ماله، وتطول المدة؛ أن العتق لا يرد، والذي يعرف من قول ابن القاسم، وروايته عن مالك، أن العتق يرد دون تفرقة بين قرب ولا بعد، وقد قيل: إن قول ابن القاسم ليس بخلاف لرواية أشهب، وإن معنى قوله: إذا لم يطل الأمر، وقد مضى الكلام على ذلك هذا لك، وظاهر هذه الرواية أنه لا ضمان على الموصي فيما نفذ من الوصايا إذا طرأ دين يردها خلاف ما مضى في رسم الأقضية، من سماع أشهب قبل هذا من هذا الكتاب، وسيأتي من هذا المعنى في سماع موسى، وفي سماع أبي زيد الاختلاف من قول ابن القاسم فيه، قرب آخر الرسم الأول من سماع أصبغ، وبالله التوفيق. [: يوصي بأكثر من ثلثه بإذن ورثته في مرضه ثم يصح فيقر بذلك] ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حر قال: وسألته عن الرجل يوصي بأكثر من ثلثه بإذن ورثته، ثم

مسألة: يوصي فيقول اشتروا أخي بكذا وكذا ولا يقول أعتقوه

صح صحة بينة معروفة، وقد كتب بالذي أوصى به كتابا فأقره حين صح، ثم مرض بعد ذلك، فمات من مرضه الآخر؛ أيلزم الورثة ما أحازوا له في وصيته التي صح بعدها أم لا؟ فقال: لا يلزمهم إنفاذه؛ لأنه قد صح صحة بينة، وملك القضاء في جميع ماله، واستغنى عن استيذانهم، فإذا حدث به مرض بعد صحة قد ملك فيها القضاء في جميع ماله، فعليه استيذانهم أيضا، وإلا فقد سقط عنهم ما كانوا أذنوا فيه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إذا صح بعد أن استأذنهم فهو بمنزلة إذا أذنوا له، وهو صحيح كمن أقر في مرضه لمن لا يجوز له إقراره في المرض، ثم صح بعد ذلك؛ أن إقراره يلزمه. وقال ابن كنانة بعد أن يحلفوا ما سكتوا إلا عن غير رضا ولا يلزمهم ذلك، وهو بعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي فيقول اشتروا أخي بكذا وكذا ولا يقول أعتقوه] مسألة قال: وسألته عن الرجل يوصي فيقول: اشتروا أخي بكذا وكذا، ولا يقول: أعتقوه عني، غير أنه أمر بشرائه أو بشراء بعض من إذا ملكه في حياته عتق عليه، أترى ما أمر به من اشترائه يوجب له العتاقة؟ قال: نعم، يشترى ويعتق عليه، وذلك إن وجه ما يريد الموصي بمثل هذا، عتاقة الذي يوصي باشترائه. قلت: أرأيت إن لم يبعه سيده بالذي نص الموصي أن يشترى به؟ فقال: يتربص به وينتظر، لعله أن يبدوا له فيه. قلت: وترى انتظاره السنة تجزي؟ قال: ذلك ونحوه وأكثر أحب إلي. قلت: فإن أيسر منه أيستحب أن يوضع ذلك الثمن في عتاقة؟ قال: لا أرى ذلك على الورثة، إن شاءوا فعلوا، وإن كرهوا فهم أحق بذلك الثمن ميراثا لهم.

قلت: أرأيت لو كان قال: اشتروه، ولم ينص ثمنا، فامتنع السيد من بيعة بقيمته؟ قال: يلزمه أن يزاد في ثمنه ما بينه وبين ثلث قيمته، فإن امتنع فلا شيء عليهم أكثر من ذلك، إلا الاستيناء في أمره، والانتظار لرجوعه. قلت: فإن نص شيئا يشترى به، فلم يكن في ذلك مبلغ ثمنه، فأجاب سيده إلى بيعه منهم بالمبلغ الذي نص أولا يحمل الثلث ما نص، فإذا رد ذلك إلى ثلث ماله، كان الثلث لا يبلغ ثمن العبد، فيجيب السيد إلى أن يبيعهم من العبد بقدر الثلث، أيلزمهم أن يشتروا قدر ذلك ويعتقوه؟ قال: أرى ذلك لازما لهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف فيها إلا في وجه واحد منها، وهو إذا أبى سيده أن يبيعه بما سمى الموصي من الثمن، أو بزيادة مثل ثلث ثمنه على قيمته، فقال في هذه الرواية: إنه يستأنى به سنة ونحو ذلك، فإن أيس منه رجع الثمن ميراثا، ولم يلزم الورثة أن يجعلوه في عتاقة، إلا أن يشاءوا، وهو ظاهر ما في كتاب الوصايا الأول من المدونة؛ أن الثمن يرجع ميراثا بعد الاستيناء لذلك، وروى ابن وهب وغيره عن مالك فيه أن المال يوقف ما كان يرجى أن يشترى العبد إلا أن يفوت بموت أو عتاق. قال سحنون: وعليه أكثر الرواة. ومثله في الثاني من الوصايا لابن القاسم؛ لأنه قال فيه: بعد الاستيناء والإياس من العبد، ولابن كنانة في المدنية في الذي أوصى أن يشترى عبد بعينه فيعتق؛ أنه إن أيس منه بعتق أو موت اشترى به رقبة أو رقاب، فيعتقون عنه؛ لأنه إنما أراد أن يعتق عنه، وجعل ذلك في عبد صالح توسمه، فإن لم يجد سبيلا إلى اشترائه ففي غيره، وقال: إنما أمرنا بإيقاف الثمن انتظارا بالغلام، لعله أن يحتاج سيده أو يموت فيبيعه الورثة. قال: فمن أجل ذلك أوقفناه، ولا يدخل قول ابن كنانة في الذي يوصي أن يشتري

: يقول أعتقوا عبدي الذي حج معي في وصيتي

من يعتق عليه؛ لأنه إنما أراد به عتقه بعينه لقرابته منه، فإذا أيس منه رجع ثمنه ميراثا قولا واحدا، والله أعلم. [: يقول أعتقوا عبدي الذي حج معي في وصيتي] من سماع سحنون وسؤاله أشهب وابن القاسم قال سحنون: وسألت أشهب عن الذي يقول: أعتقوا عبدي الذي حج معي في وصيتي، وقد علم أنه حج معه عبد إلا أنه لا يعرف، وادعى ذلك عبيده؛ قال: الوصية باطل، وهو رقيق. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا في أن الشهادة لا تجوز، والوصية باطل، معارض لقول ابن القاسم في رسم سلف، من سماع عيسى، وليس بمعارض لقوله في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى، ولو كان العبيد كلهم حجوا معه، وكان قد قال في وصيته: أعتقوا عبدي الذي حج معي؛ لكان بمنزلة إذا قال: أعتقوا عني عبدي فلانا، وله عبيد بذلك الاسم، وبمنزلة إذا قال: أعتقوا عني عبدا من عبيدي على ما قاله ابن القاسم في رسم يشتري الدور من سماع يحيى، وقد مضى هناك بيان هذه المسألة، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال الرجل في وصيته خيروا جاريتي بين العتق والبيع] مسألة قال ابن القاسم: إذا قال الرجل في وصيته خيروا جاريتي بين العتق والبيع، فاختارت البيع، ثم بدا لها في العتق قبل أن تباع، قال: ذلك لها. قلت: فإن اختارت العتق، فلم تقوم، ثم بدا لها البيع.

قال: لم أسمعه. وذلك لها عندي. قلت: فإن اختارت البيع، وقالت: بيعوني من فلان، وقالوا: نبيعك في السوق. قال: ذلك لهم؟ وليس لها ذلك، ولا يوضع من ثمنها شيء. قلت: فإن اختارت البيع، فقالوا لها: إذا رضيت بالملك فنحن نحبسك ولا نبيعك، قال: ليس ذلك لهم إلا برضاها، فإن رضيت بترك البيع، وأن تكون ملكا لهم، ثم أحبوا بيعها فذلك لهم. قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى أن تخير جاريته بين العتق والبيع: إنه لا يلزمها ما اختارت من ذلك، ولها أن ترجع عنه ما لم ينفذ فيها باختيارها بيع أو عتق، هو مثل ما تقدم في رسم القطعان من سماع عيسى، ومثل ما يأتي في أول سماع أصبغ، ولا خلاف في هذا أحفظه؛ لأن معنى قوله: خيروا جاريتي بين العتق والبيع، معناه: أعلموها أني قد جعلت لها الخيار في ذلك، فإذا أعلموها بذلك، كان لها أن ترجع من كل واحد منهما إلى الآخر ما لم ينفذ لها ما اختارته أولا، وذلك بخلاف تخيير الرجل أمته بين العتق والبيع؛ لأن تخيير الرجل أمته بين العتق والبيع، فإن اختارت العتق لزمه، وإن اختارت البيع لزمها، ولم يكن لها أن ترجع إلى العتق، وإن لم تختر شيئا حتى انقضى المجلس، جرى ذلك على اختلاف قول مالك في التمليك، ولا إشكال في أنها إذا اختارت البيع فلهم أن يبيعوها ممن شاءوا؛ أنه لا حق لها في أن تباع ممن أحبت، إذ لم يوص لها بذلك، ولا يوضع من ثمنها شيء كما قال. وأما إذا اختارت البيع، فأرادوا حبسها فقوله: إن ذلك ليس لهم إلا برضاها صحيح؛ لأن لها حقا فيما أوصى لها به من بيعها، ولعله أراد أن يخرجها عن ملكهم لسوء ملكتهم، أو لما علم من أنها تكره البقاء عندهم، فيكون قد أراد القربة بما أوصى به من ذلك، وإنما الاختلاف إذا أرادت هي ألا تباع، هل يلزمهم بيعها، تنفيذا لما أوصى به الموصي أم لا؟ إذ لا قرابة

مسألة: يوصي للرجل ببعض من يعتق عليه فلا يقبل

في الوصية ببيعها، إذا لم ترد هي ذلك؛ إذ قد اختلف في وجوب تنفيذ الوصية بما لا قربة فيه من الأمور الجائزات، وفيما يختلف هل فيه قربة أم لا على مذهب من لا يرى فيه قربة؟ وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي للرجل ببعض من يعتق عليه فلا يقبل] مسألة قال ابن القاسم في الرجل يوصي للرجل ببعض من يعتق عليه، فلا يقبل. قال: إن كان يحمله الثلث عتق. قلت: فلمن ولاؤه؟ قال: للذي أعتقه، وكذلك قال لي: ولا أطيق خلافه، وهو أعلم مني. قال محمد بن رشد: هذا خلاف نص قوله في كتاب الولاء والموارث من المدونة: إنه إن حمله الثلث يعتق عليه، ويكون الولاء له قبله أو لم يقبله، والقولان في الولاء إذا حمله الثلث، ولم يقبله في رسم القطعان، من سماع عيسى، من كتاب العتق؛ ولكلا القولين وجه، فوجه هذه الرواية أنه لما علم أنه يعتق عليه، فأوصى له به، فقد قصد إلى عتقه، فكان كأنه قد قال: إن قبله، وإلا فهو حر. ووجه ما في المدونة أن الموصي لما علم أنه يعتق عليه إذا ملكه، ولم يكن على يقين من قبوله إياه، حمل عليه أنه أراد عتقه عنه، فكان الولاء له، وكذلك إذا تصدق به عليه أو وهبه إياه ولم يقبل، يختلف في الولاء لمن يكون، والقياس في هذا كله إذا لم يقبل أن يرجع في الوصية إلى ورثة الموصي، وفي الهبة والصدقة إلى الواهب، والمتصدق كما قال مالك في رواية علي بن زياد عنه إذا أوصى له بشقص فلم يقبل، ففي المسألة ثلاثة أقوال إذا لم يقبل. قيل: يرجع إلى الموصي أو الواهب أو المتصدق، وقيل: يعتق على الذي أوصى له به أو وهبه إياه، أو تصدق به عليه، ويكون الولاء له، وقيل: يعتق على الموصي وعلى الواهب والمتصدق، ويكون الولاء له.

مسألة: يوصي لرجل بدينار من غلة حائطه

وقد مضى القول على هذه المسألة في رسم المكاتب، من سماع يحيى، من كتاب الصدقات والهبات، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي لرجل بدينار من غلة حائطه] مسألة وسألت ابن القاسم عن الذي يوصي لرجل بدينار من غلة حائطه، وغلته عشرة دنانير، أو بدينار من غلة كل شهر من خراج غلامه، قال: إن ضمنوا له ذلك، وإلا أوقفوا العبد والحائط، وكانت الوصية في ثمرة غلة الحائط. قلت لابن القاسم: فإن عالت وصاياه ووقعت المحاصة، ثم يضرب هؤلاء، قال: يعمرون وينظر إلى ما أوصى لهم به من الغلة، فيتحاصون به، ويضربون بذلك في ثلث المال، إلا أنه في وصيته في غلة العبد إنما التعمير في أقصرهم حياة من العبيد إن كانوا أقصر حياة، أو الموصى له بالغلة إن كان أقصر حياة. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يوصي لرجل بدينار من غلة حائط معناه حياته، فعلى ذلك يأتي جوابه. وأما قوله: أو بدينار من غلة كل شهر من خراج غلامه، فإنه لفظ وقع على غير تحصيل؛ لأنه إذا أوصى له بدنانير من غلة كل شهر، فلا اختلاف في أنه لا يجبر ما نقص في العام من العام الذي بعده. وقوله: إن ضمنوا ذلك له، وإلا أوقفوا الحائط، يدل على أن من حقهم أن يأخذوا العبد والحائط فيفوتهما إن شاءوا بضمانهم، خلاف ما في رسم الوصية الذي فيه الحج والزكاة من سماع أشهب. ويحتمل أن لا يحمل ذلك على أنه اختلاف من القول، فيكون معنى قول ابن القاسم في هذه الرواية إذا كانوا أملياء، يؤمن العدم عليهم في غالب الحال، ومعنى قول مالك في سماع أشهب إذا لم يكونوا أملياء، وخيف عليهم العدم، والصواب أن يفسر قول ابن القاسم في هذه الرواية بما في سماع أشهب، فيقال: معناه إذا

مسألة: المرأة توصي لزوجها بالوصية ثم تموت وقد كان طلقها

رضي الموصى لهم بضمانهم، وإنما يوقف العبد والحائط إذا حملها الثلث أو أجاز الورثة الوصية، وقوله: إن الوصايا إذا عالت فلم يجزها الورثة، ورجع في ذلك إلى التحاص في الثلث، فما قاله من التعمير في ذلك بين، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة توصي لزوجها بالوصية ثم تموت وقد كان طلقها] مسألة وسألت عبد الرحمن بن القاسم عن المرأة توصي لزوجها بالوصية ثم تموت، وقد كان طلقها، فقال ابن القاسم: إن كانت علمت بطلاقه فوصيتها جائزة له، وإن كانت لم تعلم بالطلاق لم تجز الوصية؛ لأنها أوصت يوم أوصت، وهي تظن أنه لها وارث، والوصية للوارث لا تجوز، قال سحنون: وقال لي أشهب: هي جائزة علمت أو لم تعلم. قال سحنون: وأخبرني القرشي عن المخزومي، وابن أبي حازم، وابن كنانة، وابن نافع أنهم قالوا: تجوز وصيتها له، وهي جائزة. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة صحيح، واعتلاله ضعيف، فلو قال: إن وصيتها له لا تجوز، إلا أن تعلم بطلاقها إياها؛ لأنها إنما أوصت له لما بينهما من حرمة الزوجية، ولما بين الزوجين من المودة، فأرادت أن تزيده بالوصية على ما فرضه الله له بالميراث، ورجت أن يجيز ذلك له الورثة، ولعلها لو علمت أنه يطلقها لما أوصت له بشيء، أو قد طرد ابن القاسم اعتلاله في هذا على ضعفه، فقال في المدونة: إنه إذا أوصى لأخيه بوصية وهو وارثه، ثم ولد له ولد يحجبه عن الميراث، فالوصية له جائزة؛ لأنه قد تركها بعد الولادة، فصار مجيرا لها بعد الولادة، فالأظهر في هذه المسألة قول أشهب، والمخزومي، وابن أبي حازم، وابن كنانة: إن الوصية له جائزة، وإن لم يعلم بالولادة، والأظهر في أوصت لزوجها ثم طلقها.

مسألة: وصية الرجل للرجل بدنانير ودراهم

قول ابن القاسم: إن الوصية له لا تجوز، إلا أن تكون علمت بطلاقه من أجل ما ذكرناه، لا من أجل أن الوصية للوارث لا تجوز؛ لأن ذلك إنما هو من حق الورثة، إن أجازوها جازت، ليست بحق الله فتفتسخ على كل حال، إلا أن يجيزها بعد أن علم أنه غير وارث، فكما تبطل وصيته إذا أوصى له وهو غير وارث، ثم صار وارثا، فكذلك ينبغي أن تجوز إذا أوصى له وهو وارث، ثم صار غير وارث، إلا أن يدخل ذلك ما دخل الزوجة توصي لزوجها ثم يطلقها، وقد روى عن ابن القاسم مثل قول أشهب وابن كنانة، وابن أبي حازم، وذلك عندي في غير الزوجة، وبالله التوفيق. [مسألة: وصية الرجل للرجل بدنانير ودراهم] مسألة وقد قال ابن القاسم في وصية الرجل للرجل بدنانير ودراهم، أو بثمر صيحاني وبرني وصية أو وصيتين، أرى الصنفين جائزين له، وأرى الدنانير والدراهم جائزة له. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول عليها في رسم الصلاة، من سماع يحيى، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [: يوصي بثلث ماله للمساكين ويترك دورا وقرى] من نوازل سحنون بن سعيد وسئل عن الرجل يوصي بثلث ماله للمساكين، ويترك دورا وقرى، هل يباع ثلث دوره وقراه فيمن يزيد، ثم يعطى ثمنها للمساكين؟ أو تعرض على الورثة؟ فإن أحبوا اشتروا، وإن لم يريدوا الشراء قسم الثلث، وبيع فيمن يزيد. قال: بل يقسم ثلث مال الميت، ثم يباع فيمن يزيد، ثم يجتهد في ذلك السلطان للمساكين، ولا يكون الورثة أولى به، وإنما يكون أولى به من زاد

في ثمنه، وإنما المساكين هاهنا بمنزلة أحد الورثة، ألا ترى أنه لو أوصى لرجل بعينه بثلث ماله؛ لكان الموصى له أولى به من الوارث؟ فكذلك وصيته للمساكين. قال: وسألت أصبغ عن رجل أوصى بثلث جميع ماله في المساكين صدقة، فوقعت الوصية في داره وأرضه، وجميع ماله، فقال ورثته: نحن نأخذ هذا الثلث في الأرضين والدار؛ لأننا لا نريد الخروج من الدار، ولا من الأرضين، أترى أن يعطوا ذلك بقيمة أم يصاح عليه فيمن يزيد، فيزيدون ويأخذونه؟ قال أصبغ: لا أرى أن ينادى عليه؛ لأنه يدخل في ذلك الضرر وعلى الورثة إذا علم الناس رغبتهم فيه، زادوا إضرارا بهم، ولا حاجة بهم إلى الشراء، لما يعلمون من رغبتهم فيه. قال: وأرى إن كان الميت وكل بذلك الثلث من يقوم به، وبإخراجه وتفريقه أن يعامل الورثة في ذلك يأتي بصراء فيقومون ذلك، ثم يعطيهم إياه بقيمته، وإن لم يكن الميت جعل ذلك إلى أحد، كان أمره إلى السلطان، ووكل السلطان به رجلا ينظر فيه على نحو ما قلت لك، فإن قال الناظر في ذلك: فإني أرى اقتسامهم، فأفرز ثلث الدار والأرضين ثم أبيعه مفروزا؛ لأنه إنما ... بثمنه، فقال لي: ليس ذلك له، وهذا ضرر بهم، ولكن يأخذونه بالقيمة؛ لأن أصل الوصية لم يكن بالرقبة، إنما كانت بمال يخرج، ألا ترى أنه قال: ثلث مالي في المساكين صدقة، فقد علم أن ثلث داره لا يقسم في المساكين، وإنما وصيته على المال، فلا أرى أن يقسم، ولا ينادى عليه، ولكن يعطوه بقيمته على العدل؟ قلت: فإن قال: الورثة لا نريده، وتبرءوا منه، فإن أبى الناظر في ذلك أن يقسمه ثم يبيعه

مسألة: يوصي بوصايا وبعبد أبق

مفروزا، وقال الورثة: لا، بل بعه مشاعا فتأخذ، إن شئنا شفعتنا. فقال لي: أرى أن يبيعه مشاعا ولا يقسمه؛ لأن وصيته معناها وقعت على مال، ولم تقع على شرك ولا على ربع، وليس المساكين فيه كرجل أو كرجال بأعيانهم لو كان أوصى بذلك لمن هو بعينه، كان شريكا لهم إن شاء فأسهم، وإن شاء أقره مشاعا، وإن شاء باع، وإن شاء أمسك، وإن وصيته للمساكين، إنما وقعت على مال وعلى التفرقة، قال: وأرى إن كان للميت مال سوى الربع من عين أو ثمن سقط، أو حرثي أو حيوان مما يباع في الفصول؛ لأن للوصي أن يستوفي من ذلك على ما أحبوا أو كرهوا، ولا يحبس ذلك لدعواهم للبيع وللمقاسمة بعد أن يعدل ذلك، فإن لم يكن ثم مال، فهذا الذي يكون للوصي بيع الربع شريكه كوارثه. قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا، مثل قول مالك في رسم الوصايا من سماع أشهب، خلاف قول ابن القاسم وأصبغ. وقد مضى هناك تحصيل القول في هذه المسألة، وأنه يتحصل فيها خمسة أقوال؛ فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بوصايا وبعبد أبق] مسألة وسألته عن الرجل يوصي بوصايا وبعبد أبق. قال: إن كان إباقه قريبا يرجى ضرب به على الرجاء والخوف. قال محمد بن رشد: هذا إذا لم يحمل الثلث الوصايا ولا أجازها الورثة، فقطعوا لهم بالثلث، فتحاصوا فيه بقدر وصاياهم، يقوم العبد

مسألة: يوصي بالثوب فيصبغه

الموصى به، وهو أبق على الرجا والخوف، أن لو كان يحل بيعه على ما هو عليه من إباقه، فيحاص أهل الوصايا في الثلث بتلك القيمة، وأما إن حمل الثلث الوصايا، أو لم يحملها، فأجازها الورثة، فإن العبد الآبق يكون للموصى له به يتبعه، وجده أو لم يجده، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بالثوب فيصبغه] مسألة قال سحنون في الرجل يوصي بالثوب فيصبغه، أو يكون مصبوغا فيغسله: إن ذلك لا يحيل الوصية، وأرى الورثة شركاء في الثوب بقيمة الصبغ. وقال غير سحنون: يكون له مصبوغا. وقال سحنون: إذا قطع الثوب خرجت منه الوصية بالاسم الذي دخله، يكون ملحفة فيصير قميصا، أو يكون دارا مبنية فيهدمها، أو تكون عرصة فيبنيها، فإن الوصية فيه ثابتة، ويكون الورثة فيه شركاء مع الموصى له بالبنيان، وقال غير سحنون: إذا خرجت العرصة من اسمها حتى تصير دارا، فقد خرجت من الوصية، وإذا خرجت الدار من أن تكون دارا، وصارت عرصة، فقد خرجت من البنيان، وكذلك الثوب إذا كان ملحفة فقطعه قميصا، فقد تغير اسمه، وخرجت عنه الوصية، وقول سحنون خير من هذا إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه الرواية، في الذي يوصي بالعرصة ثم يبنيها: إن الوصية فيها ثابتة، ويكون الورثة شركاء مع الموصى له بالبنيان، خلاف قوله في سماع أبي زيد بعد هذا، والذي يتحصل في الذي يوصي بالبقعة ثم يبنيها، أو بالدار ثم يهدمها، ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الوصية تبطل في الوجهين جميعا. والثاني: لا تبطل في الوجهين جميعا. والثالث: الفرق بين المسألتين، فتبطل إذا أوصى بالبقعة ثم بناها، ولا تبطل إذا أوصى بالدار، ثم هدمها، ويختلف على القول في أن الوصية

مسألة: أوصى بعتق أحد عبيده دون تعيين

بالعرصة لا تبطل ببنيانها، هل تكون لا موصى له ببنيانها، أو يكون شريكا مع الورثة بالعرصة؟ ويختلف أيضا على القول بأن الوصية بالدار لا تبطل بهدمها، هل يكون له النقض مع البقعة أم لا؟ فقيل: إنه لا يكون له النقض، وقيل: إنه يكون له، وهو قول ابن القاسم في المجموعة، وكذلك يختلف في الثوب يوصي به، ثم يصبغه أو يغسله على هذا الاختلاف سواء قيل: إنه يكون فيه شريكا مع الورثة، بقيمة الصبغ من قيمة الثوب، وقيل يكون له الثوب مصبوغا، وهو قول ابن القاسم وأشهب في كتاب ابن المواز، وقال أشهب: وكذلك لو غسله أو كانت دارا فجصصها، أو زاد فيها بناء؛ لأنه لم يتغير الاسم عن حاله، وأما الثوب يوصي به، ثم يقطعه ويخيطه، فيتحصل فيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الوصية تبطل. والثاني: أنها لا تبطل. والثالث: الفرق بين أن يقول: شقتي أو ملحفتي لفلان، فيقطع ذلك قميصا أو سراويل، وبين أن يقول: ثوبي لفلان، فيقطعه قميصا أو سراويل، فتبطل الوصية إذا قال: شقتي أو ملحفتي، ولا تبطل إذا قال: ثوبي؛ لأنه إذا قال: شقتي أو ملحفتي، فقد انتقل اسمها بما أحدث فيها؛ إذ لا يسمى القميص ولا السراويلات شقة ولا ملحفة، وإذا قال: ثوبي، فلم ينتقل اسمه بما أحدث فيه؛ لأن القميص والسراويلات يسمى كل واحد منهما ثوبا، وإذا لم تبطل الوصية على القول بأنها لا تبطل، فيختلف هل يكون له الثوب مخيطا؟ أو هل يكون مع الورثة شريكا؟ وليس في هذا شيء يرجع إليه، وينبني فيه الخلاف عليه سوى ما يغلب على الظن، من أن الموصي أراده بما فعل، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بعتق أحد عبيده دون تعيين] مسألة وسئل عن رجل حضرته الوفاة، وله ثلاثة أعبد، فدخل عليه أحد ولده في مرضه، فقال له: أوص، فقال: ميمون حر، ثم دخل عليه آخر من ولده، فقال: أوص، فقال: أحد هؤلاء الثلاثة حر، ثم مات، قال: قد قيل: إن الشهادة باطلة، وقد قيل يقرع

مسألة: قال عشرة من رقيقي أحرار وله خمسون رأسا

بين الثلاثة، فإن وقع السهم على الذي شهد له أحد الورثة بالعتق فيما اجتمع على عتقه، أقسم فيعتق إن كان الورثة رجالا كلهم، وإن وقع السهم على غيره، فالشهادة باطل، إلا أن يصير العبد الذي شهد بعتقه لمن شهد له. قال محمد بن رشد: الاختلاف الذي ذكره سحنون في جواز هذه الشهادة، يتخرج على الاختلاف في جواز تلفيق الشهادة إذا اختلف فيها اللفظ والمعنى، واتفق ما يوجبه الحكم، مثل أن يشهد أحد الشاهدين أن له عليه مائة دينار من سلف، ويشهد آخر أن له عليه مائة دينار من مبايعة، ومثل أن يشهد أحدهما أنه قال: امرأتي طالق إن فعلت كذا وكذا، ويشهد الآخر أنه قال: إحدى امرأتي طالق إن فعلت كذا وكذا لذلك الشيء بعينه، وله امرأتان، وما أشبه ذلك؛ لأن القرعة إذا وقعت على ميمون، فقد وجب له العتق بشهادة كل واحد منهما، وقد مضى بيان هذا المعنى، في رسم العرية، من سماع عيسى، من كتاب الشهادات، وقوله: إن كان الورثة رجالا كلهم صحيح؛ لأنه إن كان في الورثة نساء لم تجز الشهادة باتفاق؛ لأنهما يتهمان جميعا في جر الولاء لأنفسهما دون من يرث الميت من النساء، إلا أن يكون العبدان ممن لا يرغب في ولائهما، وبالله التوفيق. [مسألة: قال عشرة من رقيقي أحرار وله خمسون رأسا] مسألة قلت لسحنون: كيف تكون القرعة إذا قال: عشرة من رقيقي أحرار، وله خمسون رأسا. قال: إن كانوا ينقسمون، قسموا أخماسا بالقيمة، ثم يكتب جزء العبد، فيكتب فيه العتق ويكتب في الآخر رق، ثم يعطى لرجل لا يقرأ، فيلقي تلك البطائق عليهم، فعلى أي جزء وقع سهم العتق عتق ذلك القسم، وإن كانوا لا ينقسمون قوموا كلهم، ثم ينظر إلى الثلث كم هو؟ فإن كان مائة

مسألة: وصى لرجل بداره في مرضه ثم هدمها ثم بناها

دينار، كتبت أسماؤهم اسم كل واحد عنهم على حدة، ثم جمعها في كمه، ثم ضرب بيده، فيخرج واحدة، فينظر من خرج سهمه، فإن كان كفاف الثلث عتق، وإن كان أقل ضرب بيده، ثم أخرج أخرى. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف فيه، فقد يخرج في الثلث على هذا بعض عبد إن كان الذي خرج سهمه قيمته أكثر من الثلث، وقد يخرج فيه عبد كامل لا أكثر ولا أقل، إن كانت قيمة الذي خرج سهمه من الثلث سواء، وقد يخرج فيه أكثر من عبد إن كان الذي خرج سهمه قيمته أقل من الثلث؛ لأنه يعتق الذي خرج سهمه، ثم يضرب مرة ثانية، فإن كان الذي خرج سهمه أقل مما بقي من الثلث أعتق أيضا ثم يضرب مرة ثالثة، وهكذا أبدا حتى يعتق من العبيد مبلغ الثلث، وبالله التوفيق. [مسألة: وصى لرجل بداره في مرضه ثم هدمها ثم بناها] مسألة وسئل سحنون فقيل له: لو أن رجلا أوصى لرجل بداره في مرضه، ثم هدمها، ثم بناها كما كانت أول مرة، ثم مات من مرضه ذلك، هل ترى ذلك نقضا لوصيه؟ فقال: أما الذي أقول أنا إذا بناها إن الموصى له بالدار له قاعة الدار، ولا يكون له البنيان؛ لأن القاعة لم يزلها عن حالها، وإنما غير البنيان وأزاله عن حاله، فقد نقض وصيته في البنيان، قيل له: أرأيت لو أوصى له في مرضه بعرصة لا بناء فيها، ثم بناها دارا في مرضه، هل يكون هذا نقضا؟ قال: نعم، يكون هذا نقضا؛ لأنه قد أحال العرصة من حالها، فقد نقض وصيته. قال محمد بن رشد: قوله: إنه إذا أوصى له بعرصة ثم بناها؛ أن

مسألة: أوصى لعبده بثلث ماله وللعبد ولد

ذلك يكون نقضا لوصيته، هو خلاف قوله قبل هذا، ومثل ماله في سماع أبي زيد، ولا يدخل هذا الاختلاف من قوله في هذه المسألة في المسألة الأولى التي أوصى بداره لرجل، ثم هدمها، ثم بناها؛ لأنه إنما لم ينقض وصيته في العرصة ببنيانه إياها على قوله فيمن أوصى لرجل بعرصة ثم بناها؛ لأنه لم يوص له بعرصة، وإنما أوصى له بدار، ثم هدمها، فصارت عرصة، فلم ير أن تنتقض وصيته ببنيانه لها. وقد مضى قبل هذا تحصيل القول فيمن أوصى لرجل بعرصة ثم بناها، أو بدار ثم هدمها، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لعبده بثلث ماله وللعبد ولد] مسألة وسئل سحنون عن رجل أوصى لعبده بثلث ماله، وللعبد ولد، هل يقدم عتق العبد في الثلث قبل الابن، أو يدخلان فيه جميعا؟ قال: بل يكون الأب أولى بالعتق في الثلث، فإن بقي من الثلث شيء دخل فيه الابن في العتق بالغا ما بلغ. قال محمد بن رشد: قد تقدم قول سحنون هذا في رسم الرهون الأول، من سماع عيسى، ومضى الكلام عليه هنا، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بمتاعه وأمره أن يوجه متاعه إلى ورثته] مسألة وسألته عن رجل من أهل الأندلس هلك بمصر، وأوصى لرجل بمتاعه وأمره أن يوجه متاعه إلى ورثته، ولا يحدث فيه بيعا، فقام الوصي فباع ذلك المتاع، واشترى لنفسه أكثر ذلك المتاع، وضمنه نفسه على حال ما أعطى به، فوجه الوصي ذلك المتاع بعينه إلى أهل نفسه، وأمرهم أن يبيعوا ذلك المتاع، ويقضوا

ورثة الميت بمصر، فعثر ورثة الميت على ذلك المتاع بعينه، فقاموا يريدون أخذه، أذلك لهم أم لا؟ وقال أهل الوصي: قد ضمن صاحبنا وتعدى فيه، وأكرى عليه من أرض نائية، فليس لكم علينا إلا الثمن الذي وقع به هذا المتاع على صاحبنا، فهل ترى لورثة الميت أخذ المتاع منهم أم لا؟ قال سحنون: الورثة يخير بين إن أحبوا أن يأخذوا المتاع بعينه، فذلك لهم، ولا شيء عليهم من كراء ذلك المتاع، وإن أحبوا كان لهم على الوصي الثمن الذي اشترى به المتاع والقيمة، إن كانت أكثر. قال: وسألت أبا زيد بن أبي العمر عن ذلك، فقال لي مثله. قال محمد بن رشد: قوله ويقضوا ورثة ذلك الميت بمصر غلط، والله أعلم، وإنما صوابه بالأندلس على ما ساق عليه المسألة؛ أن الرجل كان من أهل الأندلس، ومات بمصر. وقوله: إن الورثة بالخيار، بين أن يأخذوا متاعهم دون كراء يكون عليهم، وبين أن يكون لهم الثمن الذي اشترى به المتاع، فذلك بين لا اختلاف فيه؛ لأنه متاعهم بعينه، فلهم أن يأخذوه إن شاءوا، وإن شاءوا أن يأخذوا الثمن، كان ذلك لهم، من أجل أنه قد ألزمه نفسه ورضي به، وأما قوله: إن لهم أن يأخذوا القيمة إن كانت أكثر من الثمن، فهو خلاف المعلوم من مذهبه في أن من تعدى على متاع رجل، فحمله من بلد إلى بلد، فليس له إلا أخذ متاعه، إذا لم يفت بذلك عنده؛ لأنه رأى نقله من بلد إلى بلد مثل حوالة الأسواق، مثل قول ابن القاسم وأشهب وغيرهما من أصحاب مالك. وقد مضى تحصيل القول في هذا المعنى، في رسم أسلم، من سماع عيسى، من كتاب الوديعة في العروض والحيوان والرقيق والطعام، فقف على ذلك هنالك، وبالله التوفيق.

مسألة: يوصي إليه الرجل بماله وولده

[مسألة: يوصي إليه الرجل بماله وولده] مسألة وسئل سحنون عن الرجل يوصي إليه الرجل بماله وولده، فتحضر الوصي الوفاة، فيوصي إلى رجل بماله وولده، أو يقول: فلان وصي مجملا، ولم يذكر مال الميت ولا ولده الذين كان أوصى بهم إليه، هل يكون الموصى له وصيا فيما كان هذا فيه وصيا للذي أوصى إليه فيه؟ فقال: لا يكون وصيا إلا في مال هذا الميت إذا لم يذكر في وصيته، وأنه وصي على ما أوصى به إلى فلان. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يكون وصيا على ما كان أوصى إليه به من مال الرجل وولده، وإن اتهم الإيصاء فقال فيه فلان وصي، فلم يفسر شيئا؛ لأنه إنما يحمل على العموم في ماله وولده خاصة، لا في مال غيره، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول إن أصابني قدري في سفري هذا ففلان وكيلي] مسألة وسئل عن رجل يقول: إن أصابني قدري في سفري هذا، ففلان وكيلي، هل يكون وصيا إن أصابه قدره؟ قال: نعم، يكون وصيا وإن لم يقل وصي، وهو عندنا واحد. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الوصي وكيل الميت، فسواء قال في وصيته: إن مت ففلان وصيي، أو إن مت ففلان وكيلي، فكل وصي وكيل، وليس الوكيل بوصي، وبالله التوفيق. [مسألة: قال إن أدركني موت في سفري هذا ففلان وصيي] مسألة وعن رجل أوصى إلى رجل بالأندلس، فقال: إن أدركني موت في سفري هذا، ففلان وصيي وخرج في سفره، فلما انتهى

مسألة: النصراني أله أن يوصي بجميع ماله

إلى القيروان مات الموصي، ولم يبلغ الموصى إليه خبر موته حتى أدركه أجله بالأندلس، فأوصى بأهله وماله إلى فلان، ولم يسم الهالك بالقيروان؛ لأنه لم يبلغه خبر موته، ولم يعلم به هل يكون هذا الموصى إليه وصيا للميتين جميعا؟ فقال: لا يكون إلا للذي أوصى إليه. قال محمد بن رشد: ولو علم بموته، لم يكن الموصى إليه وصيا على ما أوصى به إليه، إلا ببيان على ما تقدم قبل هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: النصراني أله أن يوصي بجميع ماله] مسألة وسئل سحنون عن النصراني أله أن يوصي بجميع ماله؟ فقال: ذلك يختلف، أما إذا كان من أهل العنوة فليس ذلك له؛ لأنه ورثته المسلمون إذا مات، فليس له أن يغر بميراثه واله؛ لأنه من أهل العنوة، ومن كان أيضا من أهل الصلح ممن عليه الجزية على جمجمته، وكل واحد منهم إنما عليه شيء يؤديه عن نفسه، ليس يؤخذ غنيهم بمعدمهم، فإن ذلك أيضا ليس له أن يوصي بجميع ماله، وليس له أن يوصي إلا بثلثه إذا كان لا وارث له من أهل دينه؛ لأن ورثته المسلمون، فأما إذا كان من أهل الصلح، فصالحوا على أن عليهم وظيفة معلومة من الخراج، ليس ينقصون منها أبدا لموت من مات، ولا لعدم من أعدم منهم، وهم بعضهم مأخذون ببعض، فليس يعرض لهم في وصاياهم، وليس لنا أموالهم إن مات منهم أحد ولا وارث له، كان لأهل خراجه، ليقووا في خراجهم؛ لأنهم هم المأخذون بخراجهم، وهم بعضهم قوة لبعض.

مسألة: إذا أسلم أهل العنوة فهل يجوز بيع رقيقهم

قال محمد بن رشد: وقع قول سحنون هذا على نصه في رسم العرية، من سماع عيسى، من كتاب السلطان، ومضى القول عليه هناك، فلا معنى لإعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: إذا أسلم أهل العنوة فهل يجوز بيع رقيقهم] مسألة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك: إذا أسلم أهل العنوة أخذ منهم دنانيرهم ودراهمهم وعبيدهم، وكل مال لهم. قلت لابن القاسم: أفيجوز بيع رقيقهم؟ قال: أراه جائزا من قبل أن أمرهم، كأنهم تركوا على ذلك، وكأنهم أذن لهم في التجارة، وإنما منعوا أن يهبوا أو يتصدقوا أو يفسدوا أموالهم. قلت: فتزويدهم بناتهم، فقال: إني لا أحبه، وما أراه حراما. قال محمد بن رشد: هذه الرواية على نصها قد مضت متكررة في سماع سحنون، من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، ومضى الكلام عليها هناك، فأغنى عن إعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى عند موته لرجل بألف درهم] مسألة وعن رجل أوصى عند موته لرجل بألف درهم، وقال: لي عنده عشرون دينارا، فاقبضوها منه، فأخبر الموصى له بالوصية، وسئل عن العشرين، فأنكر أن يكون له عليه شيء قال: يحاسب في الألف الدرهم بالعشرين دينارا، ثم يكون له ما بقي.

مسألة: له عبدان ميمون وقيمون فقال عند موته ميمون حر وميمون لميمون

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه، ولا وجه للقول؛ لأنه لم يوص له بالألف درهم، إلا على أن تؤخذ منه العشرون دينارا، فإذا أنكر العشرين، لم يكن له من الألف درهم إلا ما زاد عليها، وقد مضت المسألة في رسم الوصايا من سماع أشهب من هذا الكتاب، وفي رسم البيوع الأول من سماع أشهب أيضا من كتاب الميدان والتفليس، وبالله التوفيق. [مسألة: له عبدان ميمون وقيمون فقال عند موته ميمون حر وميمون لميمون] مسألة وسئل سحنون عن رجل له عبدان: ميمون وقيمون، فقال عند موته: ميمون حر، وميمون لميمون، ثم مات والثلث يحملها أو لا يحمل إلا واحدا، قال: إن حمل الثلث العبدين أسهم بينهما، فأيهما خرج سهمه بالعتق كان له الباقي، وقد قيل: إنما للحر نصف الباقي، وإن ضاق الثلث عن العبدين، فلم يحمل إلا واحدا خرج حرا. قال محمد بن رشد: إنما وقع هذا الاختلاف إذا حملهما الثلث، هل يكون للذي خرج السهم جميع العبد الآخر أو نصفه؛ لاحتمال أن يريد الموصي بقوله: وميمون لميمون، أي رقبة ميمون لميمون نفسه، فيكون على هذا الاحتمال إنما أوصى لأحدهما بوصيتين: إحداهما برقبته؛ والثانية بحريته، فتجب هاتان الوصيتان لمن خرج سهمه في القرعة منهما، فالورثة يقولون للذي خرج سهمه منهما، لا شيء لك إلا حريتك؛ لأن الوصيتين جميعا لك إنما هي بحريتك وبرقبتك، وهو يقول: بل، لي العبد الآخر كله؛ لأنه أوصى لي بحريتي وبالعبد الآخر، فيقسم بينهما بنصفين، وكذلك على هذا القول إن حمل الثلث العبد الذي خرج سهمه، ونصف الآخر يكون النصف بين العبد الذي خرج سهمه، وبين الورثة. والذي أقول به في هذه المسألة أن

مسألة: أقر في مرضه بدين لأجنبي لم يكن له عليه بينة وأقر لابنه بدين

لا يكون للذي خرجت له القرعة من العبد الآخر شيء؛ لاحتمال أن يكون الموصي أراده بالحرية، فلم يصح أن يعطى للذي خرجت له القرعة بالشك دون اليقين، وأبقيناه للورثة بالشك؛ لاحتمال أن يكون هو المراد بالعتق؛ لأن العتق قد دار بالقرعة إلى الذي خرج سهمه بالسنة، وبالله التوفيق. [مسألة: أقر في مرضه بدين لأجنبي لم يكن له عليه بينة وأقر لابنه بدين] مسألة وقال سحنون في رجل أقر في مرضه بدين لأجنبي لم يكن له عليه بينة، وأقر لابنه بدين، قال: إن كان مالهما واحدا فاقتسماه، رجع الورثة على الابن، فأخذوا منه، ويرجع الابن على صاحب الدين، فيقول: قد استحق مني حقي، فيرجع عليه كذلك حتى ينقلب بغير شيء، وإن كان المال مفترقا أخذ كل واحد منهما ماله. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان مالهما واحدا فاقتسماه، معناه: إن لم يف ما ترك الميت من المال بما أقر به لكل واحد منهما، فاقتسماه على حساب ما أقر به لكل واحد منهما، فحينئذ يكون ما ذكره من رجوع الورثة على الابن بما أخذه، ورجوعه هو على الأجنبي بما يجب له مما أخذه؛ إذ قد أخذ الورثة منه ما أخذ، ثم رجع الورثة عليه بما رجع به على الأجنبي، ثم رجوعه هو ثانية على الأجنبي بما يجب له مما بقي بيده؛ إذ قد أخذ الورثة منه أيضا ما أخذ أبدا يرجع الورثة عليه بما أخذه من الأجنبي، ويرجع هو على الأجنبي بما يجب له مما بقي بيده حتى ينقلب بغير شيء كما ذكر. مثال ذلك: أن يترك الميت مائة دينار، فيقر في مرضه لابنه بمائة دينار، فيأخذ الأجنبي خمسين، والابن خمسين، فيأخذ الورثة من الابن الخمسين التي أخذ؛ إذ لا يجوز الإقرار له، فإذا أخذوها منه، رجع هو على الأجنبي، فأخذ من نصف الخمسين التي أخذ، فإذا أخذها منه أخذها منه الورثة، فإذا أخذوها منه رجع على الأجنبي، فأخذ منه نصف الخمسة وعشرين التي بقيت

بيده، فإذا أخذ ذلك منه أخذها منه الورثة، فإذا أخذوها منه رجع على الأجنبي، فأخذ منه نصف الاثني عشر ونصف التي بقيت بيده، فإذا أخذ ذلك منه أخذها منه الورثة، فإذا أخذوها منه رجع هو على الأجنبي، فأخذ منه نصف الستة، وربع التي بقيت بيده، وهكذا حتى ينقلب الأجنبي بغير شيء؛ فيئول الأمر إذا أقر الميت في مرضه لابنه، والأجنبي بما لا يحمله ثلث ماله، أن يبطل إقراره للأجنبي. هذا مذهب أشهب. وقد قال أبو إسحاق التونسي: مذهب أشهب إنما هو أن يرجع الابن المقر له على الأجنبي بنصف ما أخذ منه يده الورثة مما صار له في المحاصة، لا بنصف ما صار له في المحاصة. قال: فقوله: ثم يتراجعون حتى لا يبقى بيد الأجنبي شيء لا يصح؛ إذ لا بد أن يبقى بيد الأجنبي كثير. بيان ذلك: أن يكونا أخوين، ويترك الميت مائة دينار، ويقر في مرضه لأحدهما بمائة دينار، ولأجنبي بمائة، فليأخذ الأجنبي خمسين، والابن المقر له خمسين، فيرجع الابن الذي لم يقر له على الذي أقر له بخمسة وعشرين من الخمسين، فيرجع المقر له على الأجنبي بنصف الخمسة وعشرين التي أخذها منه أخوه، فيرجع عليه أخوه، فيأخذ منه نصفها اثني عشر ونصف، فيرجع هو على الأجنبي بستة وربع، فيرجع عليه أخوه بثلاثة وثمن، فيرجع هو على الأجنبي بنصف الثلاثة والثمن، ثم يرجع عليه أخوه بنصف الثلاثة، ويرجع هو على الأجنبي بنصف ذلك، فيبقى بيده كسر على ما قاله. وأما ابن القاسم فقوله في المدونة: إن الابن يحاص الأجنبي فيما ترك الميت بما أقر به لكل واحد منهما، ولا يكون للأجنبي في ذلك حجة، إذا لم يكن دينه ثابتا فيتهم الأب عليه في إقراره للابن، ويرجع الورثة على الابن بما صار له، فيكون ميراثا بين جميعهم؛ إذ لا يجوز الإقرار له، ولا يرى الرجوع له على الأجنبي بما رجع به الورثة عليه، وهو أظهر من قول أشهب وسحنون هذا في هذه النوازل، وبالله التوفيق. وأما إن كان يفي ما ترك الميت من المال بما أقر به لهما جميعا، فيأخذ كل واحد منهما ما أقر له به، فإن شاء الورثة أقر ذلك للابن وأجازوه له، وإن

مسألة: أقر في مرضه أنه قد كان أوصى بعتق عبده

شاءوا أخذوه منه، فكان ميراثا لجميعهم، وهذا هو معنى قوله: فإن كان المال مفترقا أخذ كل واحد منهما ماله، ولا اختلاف في هذا الوجه، وبالله التوفيق. [مسألة: أقر في مرضه أنه قد كان أوصى بعتق عبده] مسألة قلت لسحنون: أرأيت إن أقر في مرضه أنه قد كان أوصى بعتق عبده أو تدبيره، أو بمال لرجل؟ فقال: كل ما كان في الثلث فهو جائز. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، كأنما أقر أنه قد أوصى به، فلا اختلاف في ذلك ولا إشكال، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بثلث ماله وقال على ألا ينقص ابني فلان من نصف مالي] مسألة وسئل عن رجل هلك وترك ابنين، وأوصى لرجل بثلث ماله، وقال: على ألا ينقص ابني فلان من نصف مالي، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك، قال سحنون: إن أبوا الإجازة فللموصى له بالثلث ثلثا الثلث، ويبقى المال بين الأخوين. وقد قيل أيضا غير هذا، وهذا أحسن وأشبه إن شاء الله. قال محمد بن رشد: وجه هذا القول أن الثلث الموصى به حقه أن يؤخذ من حظ الابنين نصفه من حظ كل واحد منهما، فلما أوصى ألا ينقص أحد ابنيه من حظه شيئا، كان الموصى له بنصف الثلث، فوجب أن يتحاص هو والموصى له بالثلث بجميع الثلث، والابن الذي أوصى ألا ينقص من حظه شيء بنصف الثلث، فيصير للموصى له بجميع الثلث ثلثا الثلث، ويقسم الابنان بقية المال بينهما بنصفين؛ إذ لا تجوز وصية لوارث، إلا أن يجيزها الورثة. وأما القول الثاني الذي ذكر أنه قيل في المسألة، فلا أعرفه نصا لأحد

مسألة: هلك وترك ولدين فأوصى لأحد ولديه ولرجل أجنبي بجميع ماله

من أصحابنا، والذي يشبه أن يقال أن يكون للموصى له بالثلث نصف الثلث، وهو سدس جميع المال، ويكون خمسة أسداسه بين الابنين بنصفين؛ لأن الموصي لما أوصى بثلثه، وألا ينقص أحد ابنيه من نصف المال شيئا، فقد أوصى أن يؤخذ جميع الثلث من حظ الابن الآخر، ذلك ما لا يجوز له؛ إذ لا يجب أن يؤخذ من حظه منه إلا نصفه، فتبطل الوصية بنصف الثلث؛ إذ أوصى أن يؤخذ من حظ أحد ابنيه زائد على ما يجب أن يؤخذ من حظه منه، وينفذ بالنصف الثاني ويكون خمسة أسداس المال بين الابنين. وهذا أظهر من القول الذي ذكره، وقال فيه: إنه أحسن، والله أعلم. [مسألة: هلك وترك ولدين فأوصى لأحد ولديه ولرجل أجنبي بجميع ماله] مسألة وقال في رجل هلك وترك ولدين، فأوصى لأحد ولديه، ولرجل أجنبي بجميع ماله، فأجاز الوصية للأجنبي، وأجاز الذي لم يوص له بشيء للذي أوصى له بالنصف، فإن مقامها من اثني عشر، فيعطى الأجنبي قبل كل شيء الثلث من اثني عشر، وذلك أربعة، ويصير للأخوين أربعة فيعطيان الأجنبي سهمين، يعطيه كل واحد منهما من حظه سهم، حتى يكمل له النصف، كما أجازا له النصف، ثم يرجع الذي أوصى له بالنصف إلى أخيه بتمام النصف، فيعطيه من سهمه سهمين، ويبقى له سهم، فيصير للأجنبي ستة أسهم، وللذي أوصى له بالنصف خمسة، ويخير سهم واحد، فيعطاه الأجنبي فيه، فيصير له ستة، ويبقى للآخر سهم فافهم، فإنها جيدة وقس عليها ما يناظرها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، وللصحيح فيها في وجه النظر أن يعطى الأخ الذي أجاز لأخيه الوصية، جميع الثلاثة الأسهم الذي بيده، فيصير المال جميعه للموصى لهما به، وهو الأجنبي وأحد الابنين؛ لأن

مسألة: مرض فباع في مرضه دارا ثمنها ثلاثمائة دينار بمائتي دينار

الوصية بجميع المال قد أجازها الابنان جميعا حين أجازا للأجنبي جميعا، وأجاز الذي لم يوص له للذي أوصى له؛ لأن الذي أوصى له لا شك في إجازته لنفسه، فقد اجتمع الابنان جميعا على إجازة الوصية، وهما إذا أجازاها وجب أن يكون جميع المال بين الموصى لهما بنصفين، وهذا بين والله أعلم. [مسألة: مرض فباع في مرضه دارا ثمنها ثلاثمائة دينار بمائتي دينار] مسألة قال سحنون. لو أن رجلا مرض فباع في مرضه دارا ثمنها ثلاثمائة دينار بمائتي دينار، وحابى بالمائة، ولا مال له غيرها، ثم أخذ المائتين، فاستنفقها، ثم مات، فإنه يقال للورثة: إن صاحبكم قد حابى بالمائة، ولا يحمل ذلك ثلثه، من أجل أنه استنفق المائتين، فإما أن يمضوا بيعه، وإما أن يتخلعوا من ثلثه للمشتري، فإذا أجازوا مضى البيع، وإن أبوا أن يجيزوا، بيع من الدار بقدر المائتين التي استنفقها، ثم يكون للمشتري ثلث ما بقي من الدار بعد الذي بيع منها. قال محمد بن رشد: قد مضى قول سحنون هذا متكررا في سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس، ومضى القول عليه هناك مستوفى، فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بعبد بعينه فلم يحمله الثلث] مسألة وسئل عن رجل أوصى لرجل بعبد بعينه، فلم يحمله الثلث، فقيل للورثة بعد موت الموصي: يجيزون فأبوا. فقيل لهم: اخلعوا. فقالوا: نعم، فمات العبد. قال: أما ابن القاسم فيقول: المصيبة من الموصى له يقول: إذا خلعوا الثلث، فإنما يخلعونه في

مسألة: يوصي بالجارية لرجل ثم يثب عليها فيطؤها

العبد، وأما أنا ومن رأى أن يخلعوا له الثلث في جميع مال الميت فيقول: للموصى له ثلث ما بقي. قال محمد بن رشد: هذا يجري على اختلاف قول مالك في الذي يوصي له بشيء لا يحمله الثلث، فيقطع له الورثة بالثلث، هل يجعل له الثلث في الشيء الذي أوصى له به، أو يكون شائعا في جميع مال الميت؟ فعلى القول بأنه يجعل له الثلث في الشيء الذي أوصى له به، لا يكون للموصى له بالعبد شيء إذا مات، كان موته قبل أن يقطعوا له بالثلث أو بعد أن قطعوا له بالثلث، وعلى القول بأنه يكون له الثلث شائعا في جميع مال الميت، يكون له ثلث ما بقي بعد العبد إن مات بعد أن قطعوا له بالثلث، وأما إن مات بعد أن قال الورثة: لا نجيز، ونحن نقطع له بالثلث، ولم ينفذوا له ذلك بحكم، أو بقول بات مثل أن يقولوا: لا نجيز، وقد قطعنا له بالثلث، فالمصيبة منه على ما في سماع أبي زيد، وجعل في هذه الرواية قولهم: نعم، جوابا لقوله: اخلعوا قطعا بالثلث خلاف ظاهر ما في سماع أبي زيد، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بالجارية لرجل ثم يثب عليها فيطؤها] مسألة وقال في الرجل، يوصي بالجارية لرجل ثم يثب عليها فيطؤها، ولا يغير وصيته: إن ذلك ليس مما ينقض وصيته به، ولا يمنع الموصى له من قبضها حتى يغيرها، وينقضها بغير الوطء. قال محمد بن رشد: مثل هذا في سماع أبي زيد، وهو مما لا اختلاف فيه أعرفه، وإنما يكون الرجوع بالتفويت، وأما بالوطء والاستخدام فلا، وبالله التوفيق. [مسألة: حضرته الوفاة فقال ثلث مالي لفلان وفلان وفلان إن قبل فلم يقبل] مسألة وسئل سحنون عن رجل حضرته الوفاة فقال: ثلث مالي لفلان

مسألة: أوصى أن تباع جاريته ممن يتخذها أم ولد

وفلان وفلان، إن قبل ذلك، فلم يقبل هذا الذي قيل فيه إن قبل، هل ترى الثلث لهذين إذ لم يقبل الثالث؟ أم ترى ثلث الثلث يرجع إلى ورثة الميت؟ وكيف إن كان الذي قال فيه: إن قبل غائبا ما يصنع بمصابة الغائب؟ هل يوقف حتى يستنجز ذلك منه أم لا؟ وكيف إن قال: لفلان عشرة، ولفلان عشرة إن قبل فلان، والثلث عشرون؟ فسئل الذي قيل فيه: إن قبل فأبى أن يقبل هل ترى العشرين كلها لهذين؟ أم يرجع مصابة هذا الذي أبى إلى الورثة؟ وهل بين المسألتين اختلاف؟ قال سحنون: ليس بينهما فرق، كل من أوصى بوصايا استوعب فيها ثلثه وزاد، وكان من بعض وصاياه في شك أن تقبل أو لا يقبل، فإن قبلت كانت حيث جعلها، وإن لم يقبل ورجعت كانت لمن بقي من أهل الوصايا، ولم ترجع إلى الورثة، وإنما ترجع إلى الورثة، فيحاصون به أهل الوصايا لو أوصى، وزاد في وصاياه على ثلثه، وكان عنده نافخا، ومات على أن عنده جائز، فتلك التي إن رجعت ولم تنفذ، كانت لورثته، يحاصون به أهل الوصايا، ومسألتك إن قبل وصيته جازت، وإن لم يقبل رجعت وصيته إلى أهل الوصايا، ولم يدخل عليهم الورثة في شيء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على ما في المدونة وغيرها إن شاء الله. [مسألة: أوصى أن تباع جاريته ممن يتخذها أم ولد] مسألة وسئل سحنون عن رجل أوصى أن تباع جاريته ممن يتخذها أم ولد، قال: أرى هذا بيعا لا يجوز، وهي وصية مردودة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن البيع على هذا لا يجوز، ولا

: أوصى لفقراء بني عمه وفقراء أقاربه وأشهد على ذلك أغنياء بني عمه

تجوز الوصية لما لا يجوز، فإن وقع ذلك فسخ البيع إن عثر عليه قبل أن يفوت. وقد قيل: إن البيع على هذا مكروه، لا يفسخ إذا وقع ورضي البائع بترك الشرط، فعلى هذا القول يكره تنفيذ الوصية، ويؤمر الوصي أن لا ينفذها، فإن نفذها لم يرد البيع إذا رضي البائع بترك الشرط، وبالله التوفيق. [: أوصى لفقراء بني عمه وفقراء أقاربه وأشهد على ذلك أغنياء بني عمه] من سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم قال موسى بن معاوية: قال ابن القاسم في رجل أوصى لفقراء بني عمه، وفقراء أقاربه بحائط يغتلونه، ولم يشهد على تلك الوصية إلا أغنياء بني عمه، قال: لا تجوز شهادتهم، خوفا من أن يحتاجوا إلى ذلك يوما ما، إلا أن يكون شيء تافه لا خطب له، ولا يتهمون في مثله لغناهم، ولعلهم لا يدركون ذلك، فإذا كان الأمر خفيفا لا يتهمون فيه بجر إلى أنفسهم، رأيت الأمر جائزا لهم، وذلك أني سمعت مالكا، وسئل عن ابني عم شهدا لابن عم لهما على أموالي فقال مالك: إن كانا قريبي القرابة يتهمان في جر الولاء لهما، فلا يجوز وإن كانا من الفخذين الأباعد، ولا يتهمان على جر ذلك، رأيت شهادتهم جائزة، فكذلك مسألتك. قيل لابن القاسم: فإن استغنى بعض فقراء بني عمه، وافتقر بعض أغنيائهم، هل يخرج الغني، ويدخل الفقير؟ قال: نعم، وإنما يقسم على كل من كان فقيرا يوم يكون القسم، ولو قسم على قوم عاما، وبعض بني عمه أغنياء، ثم جاء القسم من قابل، وقد افتقرا الأغنياء، واستغنى الفقراء الذين قسم عليهم تحول القسم إلى

مسألة: يوصي أن يباع غلامه رقبة

الأغنياء الذين لم يكن عليهم قسم، وأخرج منه الفقراء الذين قسم عليهم، فهذا قول مالك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، لا إشكال فيها، يفتقر إلى بيان وشرح، والله الموفق. [مسألة: يوصي أن يباع غلامه رقبة] مسألة قال ابن القاسم في الذي يوصي أن يباع غلامه رقبة، فبيع رقبة، ووضع عن المشتري ثلث الثمن فأعتقه، ثم جاء درك على الهالك من دين ثبت عليه. قال: أرى أن يباع من العبد قدر ثلث الدين إن كان العبد ثلث المال، ويؤخذ من الورثة ثلثا الدين، وإن كان العبد ربع الدين، أخذ من الورثة ثلاثة أرباع الدين، وإن كان العبد خمس المال، بيع من العبد خمس الدين، وأخذ من الورثة أربعة أخماس الدين، فعلى هذا يحسب؛ قال أصبغ بن الفرج: لأنها إنما هي وصية للعبد بتلك الوضيعة التي كانت وضعت من ثمنه؛ لأن مشتريه لو لم يأخذه بوضيعة الثلث، ولم يوجد أحد يأخذه إلا بأقل من ذلك، كان الورثة مخيرين إما أجازوا وإما أعتقوا من العبد ما حمل الثلث بتلا. فالوضيعة هاهنا إنما هي للعبد، فلذلك لم يكن على مشتريه غرم شيء من الثلث الذي وضع له من ثمنه، كأنه إنما باع ثلثي العبد قبل موته، وأخذ ثمنه، فكان مالا من ماله ورثه فيما ورث، وأوصى بعتق الثلث الذي بقي له فيه، فذلك الثلث، إنما يقول في ثلثه، ويعرف ما هو من جميع ماله، فإن كان خمسا أو سدسا أو ربعا أو ثلثا عتق، فإنما يقع عليه من الدين بقدر ما كانت

وصيته من مال الميت، كانت سدسا أو ربعا أو خمسا، وإن كان سدس ذلك الدين أو ربعه أو خمسه، يكون أكثر من سدس رقبته، أو ربعها، أو خمسها، بيع منه ما بينه وبين ثلث رقبته؛ لأنها وصيته التي أوصى له بها، والذي يملك؛ لأنه قد أخذ للثلثين الباقيين ثمنا صارما لا مع ميراثه للورثة، فالثلثان غير الميت أعتقهما، ومن غير ماله عتقا، ويكون ما عجز عن ثلث رقبته من ذلك الجزء الذي وقع عليه من الدين في مال الميت، يرجع به على الورثة أيضا في مال الميت، حتى يحيط ذلك بجميع ما أخذوا فيما أخذوا؛ لأن ما وقع على العبد من الدين قد أحاط بجميع ما أوصى له به وزاد، فالزيادة ليست عليه، وأما العبد فإنما عليه أن يؤخذ منه وصيته التي أوصى له بها فقط؛ لأنه لا وصية إلا بعد الدين، وقاله أصبغ كله حسن، وهو بمنزلة ما لو أعتق العبد كله، وهو يخرج وصيته من ثلثه، ثم طرأ دين وقع عليه الدين بالحصص، فيرد عليه منه بقدر ما أصابه حتى يحيط بذلك كله أو لا يحيط، ولم يكن على الورثة غرم ذلك فيما أخذوا من مال عنه، فالمشتري بمنزلة الورثة، غير أن الوصية للعبد في ذاته ونفسه فهو المأخوذ والمردود حتى تفضل فضلة، فيكون كأنه لم يترك غيرها، ولا دين عليه، أو كأنه ترك دينا ومالا فوفى الدين وفضلت تلك الفضلة، فأنفذ للعبد في ثلثها ما حمله، فعلى هذا يعمل ويحمل في فض الدين عليه، وعلى ما ترك الميت وأخذ الورثة، يقع على ذلك بقدر ما وقع قال أصبغ: قال ابن القاسم: وقد ذكر عن مالك في هذه المسألة أنه يغرم المشتري ثلث ثمن العبد، وهو يضعف ذلك، ويراه وَهْمًا وخطأ، ولا يراه شيئا فيما رأيته وهو كذلك، والقول فيها القول الأول. يقول ذلك أصبغ. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية: إنه يباع

من العبد الذي بيع على العتق في الوصية، فأعتقه المشتري بقدر ما يقع عليه من الدين الطارئ على تركة الموصي، ولا يرجع بشيء من ذلك على المشتري فيما وضع عنه من ثمنه، هو على قياس القول بأنها وصية للعبد، فإن لم يوجد من يشتريه للعتق إلا بوضيعة أكثر من الثلث قيل للورثة: إما بعتموه بما وجدتم، وإما أعتقتم ثلثه. وأما على قياس القول بأنها إنما هي وصية للمشتري، فإن لم يجد الورثة من يشتريه للعتق إلا بوضيعة أكثر من ثلث ثمنه، لم يلزمهم بيعه، ولا تنفذ الوصية له، وهو قول مالك في رسم الوصايا من سماع أشهب، فلا يباع من العبد شيء في الدين الطارئ، وإنما يكون الدرك في ذلك على المشتري، فيرجع عليه بثلث ثمن العبد الذي وضع له، ويمضي عتق العبد. وهو قول مالك في رواية ابن كنانة عنه على قياس رواية أشهب المذكورة، وقول مالك الذي ذكره عنه ابن القاسم في آخر المسألة أيضا، وقد مضى الكلام عليها في موضعها، إلا أن قول ابن القاسم في هذه الرواية على قياس القول بأنها وصية للعبد؛ أنه يباع من العبد قدر ثلث الدين إن كان العبد ثلث المال، وقدر ربع الدين إن كان العبد ربع المال، يريد ما لم يتجاوز ذلك ثلث رقبة للعبد على ما فسره أصبغ نظرا، والقياس ألا يباع منه في الدين الطارئ إلا قدر ما يقع من الدين على ثلث العبد؛ لأنه هو الذي أعتق من مال الميت، وأما الثلثان منه فإنما أعتقهما المشتري، وقد قال ذلك أصبغ فيما اعتمده من تفسير قول ابن القاسم، وهو قوله: والثلثان غير الميت أعتقهما، ومن غير ماله عتقا، ووجه العمل في ذلك أن ينظر ما يقع ثلث العبد من جميع مال الميت لا جميع العبد كما قاله ابن القاسم وأصبغ، فإن كان ثلث العبد من جميع مال الميت العشر أو التسع أو الثمن بيعت رقبة العبد بعشر الدين أو بتسعه أو بثمنه، وإن أتى البيع على جميعه. وأما قول أصبغ في تفسير قول ابن القاسم: إنه إن كان العبد ربع جميع مال الميت أو خمسه؛ بيع

مسألة: أوصى لرجل بعبد أو دابة غائبة عن الموضع

من رقبة العبد بربع الدين أو بخمسه ما بينه وبين ثلث رقبة العبد، فلا يستقيم، فانظر ذلك نظرا صحيحا، وتدبره بين ذلك صحة قولي في اعتراضي لقول ابن القاسم، وأصبغ لم يوجب على الوصي في ظاهر هذه الرواية ضمانا، وهو ظاهر ما في رسم الأقضية، من سماع يحيى، خلاف ما مضى في رسم الأقضية، من سماع أشهب، وقد مضى القول على ذلك هنالك مستوفى، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بعبد أو دابة غائبة عن الموضع] مسألة وقال موسى بن معاوية: قال ابن القاسم: كل من أوصى لرجل بعبد أو دابة غائبة عن الموضع، فعلى الذي أوصى له أن يأتي به يكون الجعل عليه، وليس على الورثة من ذلك شيء، وإن كان عبد بموضع له بذلك الموضع رفعة في عمله، مثل العبد الزارع الحارث العامل في النخل، الذي إنما رفعته في عمله بموضعه، وإن جلب إلى الفسطاط وما أشبهها من المدائن، لم يكن له ارتفاع في القيمة لدناءة منظره، فإنه يقوم بذلك الموضع ولا يجلب، وكذلك العبد التاجر الأمين الذي قد عرف ببصر التجارة والأمانة، ولعله لا يكون له كبير منظر، فإنه يقوم على خبره وبصره وأمانته، ولا يحل لأهله كتمان ذلك منه، وفي سماع أشهب من كتاب الوصايا، عن ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم الأقضية الثاني، ورسم الوصايا من سماع أشهب مستوفى، فاكتفينا بذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى أن يشترى عبد من ثلثه فيعتق] مسألة قال موسى: قال ابن القاسم في رجل أوصى أن يشترى عبد

من ثلثه فيعتق، وما بقي من ثلثه، فاشتروا به رقابا فأعتقوها، وأوصى بوصايا. قال: ينظر إلى الوصايا، وإلى الرقبة الأولى، فإن قصر الثلث عنهم تحاصوا في الثلث، فإن كان في الثلث فضل جعل في الرقاب التي أوصى بها، وذلك أن كل من أوصى بشيء بعينه لأحد، أو أمر به فسماه، وقال: ما بقي من ثلثي فاجعلوه في كذا وكذا، أو أوصى بوصايا سماها قبل ما أوصى به أو بعده، إلا أنه قال: ما بقي من ثلثي ففي كذا وكذا بعد التسمية، فإن التسمية والوصايا تبدأ قبل الذي جعل فيه ما بقي من ثلثه، وإن كانت الوصايا بعدما أوصى أو قبله، فهو سواء، وهذا قول مالك، فمسألتك الأولى على هذا. قال محمد بن رشد: قوله: إنه ينظر إلى الوصايا وإلى الرقبة الأولى، فإن قصر الثلث عنهم، تحاصوا فيه، هو مثل ما في المدونة من أن الرقبة بغير عينها لا تبدأ على الوصايا، وقد اختلف في ذلك وفي الوصية بالحج، فقيل: إنها كلها سواء في التحاص، وقيل: تبدأ الرقبة على الحج، ويتحاص المال مع الحج ومع الرقبة، والوجه في ذلك أن الرقبة آكد، ثم المال، ثم الحج، فتتحاص الرقبة مع المال، لقرب ما بينهما، والمال مع الحج أيضا لقرب ما بينهما، وتبدأ الرقبة على الحج، لبعد ما بينهما. وقيل: تبدأ الرقبة على المال والحج، وقيل: يبدأ الحج، على الرقبة والمال. وأما قوله: إذا أوصى بوصايا، وقال ما بقي من ثلثي، فاجعلوه في كذا وكذا، ثم أوصى بعد ذلك بوصايا، فإن الوصايا تبدأ قبل الذي جعل فيه ما بقي من ثلثه، وإن كانت الوصايا بعدما أوصى أو قبله، فهو سواء، فهو مثل ما تقدم في رسم الصلاة، من سماع يحيى، وفي رسم أسلم، من سماع عيسى، وذلك على ما بينه محمد بن المواز، حسبما بيناه واستوفينا القول فيه في رسم أسلم، من سماع عيسى المذكور، وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى فقال بيعوا عبدي بعشرين

[مسألة: أوصى فقال بيعوا عبدي بعشرين] من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال محمد بن خالد: سئل ابن القاسم عن رجل أوصى فقال: بيعوا عبدي بعشرين، وأعطوا فلانا منها خمسة عشر دينارا، فلم يبع العبد إلا بأقل من عشرين دينارا، قال ابن القاسم: يعطى الموصى له بالخمسة عشر ثلاثة أرباع ما بيع به العبد، إذا كان قد نقص ثمنه من عشرين دينارا. وقد قال في غير هذا الكتاب من سماع عيسى: إنما له ما زاد على خمسة دنانير، وإن نقص من خمسة فلا شيء له، وأشهب يقول: له مما بيع بخمسة عشر على كل حال، وإن بيع بأقل من خمسة عشر دينارا، فجميع ذلك له. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى، في رسم جاع، فباع امرأته، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، والله أعلم. [مسألة: توصي لزوجها فلما علم الزوج أن الوصية لا تثبت له طلقها البتة] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن امرأة توصي لزوجها بوصية، فلما علم الزوج أن الوصية لا تثبت له، طلقها البتة، فقال ابن القاسم: إن كانت علمت بطلاقه، فلم تغير وصيتها، فهي له ثابتة، وإن كانت لم تعلم، فلا وصية له. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في سماع سحنون، فلا معنى لإعادته. [مسألة: ما يضمن فيه الوصي] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن رجل كتب وصيته، ثم خرج

مسألة: أوصى فقال ما بقي من ثلثي فهو لفلان

مسافرا، فحضرته الوفاة في سفره، فكتب وصية أخرى، وكنى عن التي ترك لم يذكرها بشيء، وأوصى في سفره إلى رجل، فذهب الوصي فنفذ وصيته في سفره ذلك من ماله الذي ترك، فقال ابن القاسم: أراه متعديا، وأرى ضامنا لما أعطاه. قال محمد بن خالد: وقال ابن نافع مثله. قال محمد بن رشد: إيجاب الضمان على الوصي في هذه المسألة بين؛ إذ قد تبين عداؤه بتعجيل تنفيذ وصيته في سفره من المال الذي تركه فيه، دون أن يتثبت ويتربص حتى يرجع إلى بلده، فينظر هل له وصية أخرى؟ وإنما يضمن إن كانت الوصية التي كتبها في بلده عند سفره أولى من هذه وأحق بالتبدئة، ولا يحملها ثلثه جميعا. وقد مضى في رسم الأقضية، من سماع أشهب تحصيل القول فيما يضمن فيه الوصي مما لا يضمن، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال ما بقي من ثلثي فهو لفلان] مسألة قلت لأشهب: فرجل أوصى فقال: ما بقي من ثلثي فهو لفلان، ولم يوص بأكثر من ذلك حتى مات، فقال: يعطى الذي أوصى له ببقية الثلث ثلث الميت. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الروايات: يعطى الذي أوصى له بقية الثلث ثلث الثلث، وهو غلط وتصحيف، والله أعلم. وقد حمل ذلك ابن حارث على أنه اختلاف من قول أشهب، مرة قال: له جميع الثلث، ومرة قال: له ثلث الثلث. والمسألة متكررة من قول مالك في مواضع من سماع عيسى، وقد مضى الكلام عليها في رسم أوصى منه، وبالله التوفيق.

: إقرار المريض في مرضه بدين لوارث

[: إقرار المريض في مرضه بدين لوارث] من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن القاسم وابن وهب وأشهب قال عبد الملك بن الحسن، سئل ابن القاسم عن رجل حضر خروجه إلى حج أو غزو أو سفر من الأسفار، فيكتب وصيته، ويشهد عليها، ويشهد لامرأته، أو لبعض ولده أن لهم عليه من الدين كذا وكذا. ويضع ذلك في وصيته، أو لا يضع ذلك في الوصية، غير أنه يشهد أن عليه من الدين لورثته كذا وكذا، ويتصدق حينئذ بصدقة بَاتَّةٍ على ابن له صغير لم يبلغ الحوز، فيموت في سفره ذلك، هل يجوز للوارث ما أقر له به، وما تصدق على الصغير؟ قال ابن القاسم: ما صنع من ذلك فهو جائز، إذا أشهد عليه، وهو صحيح، ولا يشبه هذا المرض؛ لأنه صحيح، وهو أحق بماله من ورثته، ولا يتهم على شيء من ماله إذا أشهد عليه، وليس في السفر تهمة. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم، خلاف قوله وروايته عن مالك في رسم نذر سنة، من سماع ابن القاسم؛ لأنهما حكما فيه للخارج إلى سفر بحكم المريض، لا يجوز له أن يفعل ما يفعل الصحيح، فعلى قولهما لا يجوز إقراره بالدين لبعض ورثته عند الخروج إلى غزو أو سفر إن مات في غزوه أو في سفره، كما لا يجوز إقرار المريض في مرضه بدين لوارث إن مات من مرضه ذلك، وقد مضى هناك من القول على ذلك ما فيه زيادة بيان، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون عنده اللقيط فيتصدق هو نفسه عليه بصدقة] مسألة وسألت ابن وهب عن الرجل يكون عنده اللقيط، فيتصدق هو

مسألة: أوصى لرجل بشيء بعينه ثم أوصى بذلك الشيء لغيره

نفسه عليه بصدقة، أيحوز له كما يحوز لابنه الصغير؟ فقال لي: نعم يحوز له كما يحوز لابنه الصغير، وكذلك كل من ولي يتيما، أجنبيا كان أو قريبا، وهو قول المدنيين كلهم إلا ابن القاسم، فإنه لم يكن يرى ذلك إلا للوصي، قال سحنون مثل قول ابن وهب، قال سحنون: وروى ابن غانم عن مالك أن كل من ولي يتيما أجنبيا كان أو قريبا من غير خلافة ولا وصية إلا لقرابة أو لحسنة، فهو تجوز مقاسمته وحيازته صدقته التي تصدق بها عليه هذا وغيره. قال سحنون: وهي عندي رواية ضعيفة. قال سحنون: وفي رواية ابن القاسم عن مالك، وكذلك كل من ولي يتيما أجنبيا كان أو قريبا. قال محمد بن رشد: رواية ابن القاسم هذه التي حكاها سحنون، ليست في كل الروايات، ويمكن أن تتأول على المعلوم من مذهبه، بأن يقال: معنى ذلك، بخلافة من أب أو سلطان. وقول ابن وهب في هذه الرواية: إن الرجل يحوز للقيط يكون في حجره ما يتصدق به عليه، هو مثل رواية ابن غانم عن مالك، ونحو ما في المدونة من الرجل تجوز مقاسمته على من التقطه، خلاف قوله في رسم الأقضية، من سماع يحيى، من كتاب الصدقات والهبات؛ لأنه لا تجوز الحيازة في ذلك إلا للأب والأم، والأجداد والجدات، ولا يجوز ذلك لسائر القرابات. فقول ابن القاسم: إن الحيازة في ذلك لا تجوز إلا للأب والوصي، قول ثالث في المسألة. وقد مضى الكلام على هذا في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب الحبس، وفي رسم الأقضية، من سماع يحيى، من كتاب الصدقات والهبات، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بشيء بعينه ثم أوصى بذلك الشيء لغيره] مسألة وسألت أشهب عمن عوتب في القرابة فقيل له: ألا تصلهم؟

مسألة: الموصى يجد في تركة الميت شطرنجا

ألا ترفق بهم؟ قال: فأشهدكم أني إذا مت فثلثي لها، ثم إنه مرض، فأوصى بثلثه، فقال: لا أرى لأقاربه شيئا. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، فيمن أوصى لرجل بشيء بعينه، ثم أوصى بذلك الشيء لغيره، وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، فيمن أوصى لرجل بشيء بعينه، ثم أوصى بذلك الشيء لغيره؛ أنهما يشتركان فيه، ولا تكون وصيته الثانية نقضا لوصيته الأولى، وكذلك على مذهبه إذا أوصى لرجل بثلثه، ثم أوصى به لغيره، يشتركان فيه، ولا تكون وصيته الآخرة نقضا لوصيته الأولى، وذلك على ما قال مالك: إذا أوصى لرجل بثلث ماله، ثم أوصى الآخر بجميع ماله؛ أنهما يشتركان في الثلث على أربعة أجزاء، ولا تكون وصيته للآخر بجميع ماله نقضا لوصيته الأولى بثلث ماله. وقد روى علي بن زياد عن مالك في الرجل يوصي بعبده لرجل، ثم يوصي به لآخر؛ أنه يكون للآخر، فعلى هذه الرواية يأتي قول أشهب، ولا فرق على مذهب ابن القاسم بين أن يوصي بثلثه لرجل، ثم يوصي به لآخر، وبين أن يوصي بعبده لرجل، ثم يوصي به لآخر، إلا في التحاص إذا كان ثم وصايا سوى ذلك، فإن الذي أوصى لهما بالعبد يضربان جميعا به، واللذين أوصى لكل واحد منهما بالثلث يضرب كل واحد منهما بما أوصى له به من الثلث كاملا، وبالله التوفيق. [مسألة: الموصى يجد في تركة الميت شطرنجا] مسألة وسألت ابن وهب عن الموصى يجد في تركة الميت شطرنجا، هل ترى له أن يبيعها؟ قال: لا يبيعها. قلت: فما يصنع بها؟ قال: ينحت وجوهها، ويبيعها حطبا، قلت: بأمر السلطان أم ترى أن لا يفعل بغير أمر السلطان؟ قال: إن كان السلطان ممن قد سمع العلم

والأحاديث، فأرى أن يفعل ذلك بغير أمره، وإن كان ممن لم يسمع العلم والأحاديث، ولا يعرفه، وكان خائفا من ناحيته بجهالته بما جاء فيها، فلا أرى له أن يفعل ذلك بأمره. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه ينبغي للموصى أن يكسر الشطرنج إذا وجده في تركة الميت، ويبيعه حطبا، ولا يبيعه كما هو، بمنزلة النرد، وهو يشبه في صفته على ما روى أنه قطع معاونة يصنع من العاج والبقس، ويسمى بالطبل وبالكعاب وبالنردشير. ذكر مالك في موطئه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من لعب بالنرد، فقد عصى الله ورسوله.» وعن عائشة أنه بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكانا فيها، عندهم نرد، فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري، وأنكرت ذلك عليهم، وعن عبد الله بن عمر أنه كان إذا وجد أحدا من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها، وروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من لعب بالنردشير، فكأنما غمس يده في لحم خنزير.» والشطرنج بمنزلته، قال مالك: لا خير فيه، وكره اللعب بها وبغيرها من الباطل، وتلا قول الله عز وجل: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] ، وقال الليث بن سعد فيه: إنه شر من النرد، ولا اختلاف بين مالك وجميع أصحابه، في أن من أدمن اللعب بها، كان ذلك جرحة فيه، تسقط أمانته وشهادته. وقد قيل: إن الإدمان أن يلعب بها في العام أكثر من مرة، وهذا إذا لعب بها على غير وجه القمار، وأما اللعب بها على القمار

: يشتد عليه العاصف في البحر فيريد أن يتصدق بماله

والخطر، فلا اختلاف بين أحد من أهل العلم في تحريم ذلك؛ لأنه من الميسر المحرم بنص القرآن، ولعيسى بن دينار في كتاب الجرار أنه سئل عن الرجل يهلك، فيوجد في تركته شطرنج ونرد وعظام يلعب بها؛ هل ترى الإمام أن يأمر بكسرها؟ قال: لا أرى ذلك عليه، وأرى له أن يدعها، قيل: فإن كان عليه دين هل يبيعها في دينه؟ قال: لا، ولم ير ذلك في العود والمزمار، ورأى أن يكسر على كل حال، وإنما قال ذلك عيسى بن دينار لما روى من ترخيص من رخص في اللعب بالشطرنج على غير قمار من العلماء، والصواب كراهة اللعب بها وكسرها، والأدب على اللعب بها قياسا على ما فعله عبد الله بن عمر في النرد. وقد مضى في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات القول في الخمر يجدها الوصي في تركة الميت، وبالله التوفيق. [: يشتد عليه العاصف في البحر فيريد أن يتصدق بماله] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يشتد عليه العاصف في البحر، فيريد أن يتصدق بماله، قال: إذا اشتد عليه العاصف، وخاف الغرق، لم يجز له القضاء في ماله، إلا في الثلث. وسئل عن الذي تجمح دابته، أيجوز له القضاء في ماله؟ قال: لا يجوز له القضاء في ماله إلا في الثلث، والذي يقدم للقتل صبرا مثله. قال محمد بن رشد: في الذي يشتد عليه العاصف في البحر: إنه لا يجوز له القضاء في ماله، إلا في الثلث خلاف قول مالك في المدونة مثل ما حكى سحنون عنه من أنه أمر راكب البحر في الثلث، وقد قيل على ظاهر هذه الرواية التي حكى سحنون: إن أمر راكب البحر في الثلث على كل حال، وإن لم يكن فيه هول؛ إذ لا يؤمن تقلبه.

مسألة: يقول في مرضه اجعلوا غلامي فلانا بيني وبين النارفيمسك لسانه

فيتحصل على هذا في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها إجازة فعل راكب البحر على كل حال، وهو قول مالك في رواية ابن القاسم عنه في المدونة، والثاني إن فعله لا يجوز على كل حال، وهو ظاهر ما حكى سحنون عن مالك في المدونة والثالث الفرق بين حال الهول فيه وحال غير الهول، وهو دليل قول ابن القاسم في هذه الرواية، وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب؛ لأن راكب البحر في حال الهول أخوف على نفسه من المريض، والذي تجمح به دابته بمنزلته سواء يدخله ما يدخل راكب البحر في حال الهول من الاختلاف ولا اختلاف في الذي يحبس للقتل صبرا إن فعله لا يجوز إلا في الثلث، وكذلك الأسير في أول أمره، قبل أن يستحكم أسره على ما حكاه ابن حبيب في الواضحة لأن قوله يحمل على التفسير لما في سماع أبي زيد من كتاب الجهاد. وبالله التوفيق. [مسألة: يقول في مرضه اجعلوا غلامي فلانا بيني وبين النارفيمسك لسانه] مسألة وسئل عن الذي يقول في مرضه لورثته: اجعلوا غلامي فلانا بيني وبين النار، فيمسك لسانه. قال: أراه عتيقا. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لأنه إنما أراد أن يعتقه الله من النار بعتقه إياه، على ما جاء من أنه من أعتق عبده أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار. وبالله التوفيق. لا شريك له وهو حسبي ونعم الوكيل. تم الرابع من الوصايا والحمد لله.

: كتاب الوصايا الخامس

[: كتاب الوصايا الخامس] [مريض أعتق ثلث عبده ولا مال له غيره وباع من العبد ثلثي نفسه الباقيين] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب القضاء العاشر من البيوع قال أصبغ بن الفرج: وسألت ابن القاسم عن مريض أعتق ثلث عبده، ولا مال له غيره، وباع من العبد ثلثي نفسه الباقيين بيعا ليس فيه محاباة بما يسوى بثلثي قيمته أو أكثر قال: ذلك جائز: قلت قبض الثمن قبل أن يموت أو لم يقبض، أو تأخر القبض حتى مات؟ قال: ذلك سواء قبض أو لم يقبض إذا دفع العبد ذلك، قال أصبغ: وذلك إذا كان المال الذي يعطى العبد الذي باعه به ليس من مال هو للعبد قبل أن يبيعه، فأما مال هو له يومئذ يكون رقيقا معه، فليس ذلك ببيع ذلك حيف ومحاباة وعتق من الميت، وأخذ الأكثر من ثلثه وما لا يجوز له. قال محمد بن رشد: قول أصبغ صحيح مفسر لقول ابن القاسم، ولابن دحون في هذه المسألة كلام صحيح، يفسر قول أصبغ. قال: إنما يشترى العبد بثلثي نفسه بعد عتق السيد لثلثه، من ثلث ما في يديه، أو من مال وهب له، وإن اشترى ثلثي نفسه بكل المال الذي في يديه فهي محاباة من الميت له؛ لأن المال الذي كان في يديه إنما له منه ثلثه الذي أعتق منه سيده وباقيه للسيد، إلا أنه لا يؤخذ من يديه وإن بيع بيع به كالشريكين في العبد. ولابن المواز في هذه المسألة تفسير لا يتجه إلا على

مسألة: قال عند موته إن أسلمت جاريتي فلانة فهي حرة

بعد. قال: لأن ما صار له موقوفا بيده، يعتق بعضه، وكأنه العبد في نفسه شفعة لحرمة العتق، فإن كان ثمن ثلثي العبد في تركة السيد وافرا فيتم عتق ثلث العبد، وإن أنفق ثمن الثلثين أو لم يوجد رق من الثلث الذي أعتق ثلثاه وعتق ثلثه. قال ابن أبي زيد: يريد: ويعتق ثلثاه المبيع، فانظر في ذلك وتدبر، وبالله التوفيق. [مسألة: قال عند موته إن أسلمت جاريتي فلانة فهي حرة] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عمن قال عند موته: إن أسلمت جاريتي فلانة فهي حرة، فغفل عنها بعد موته، ولم يعرض عليها الإسلام حتى ولدت أولادا بعد موته، ثم عرض عليها فأسلمت، قال: يعتق ولدها معها، إنما ذكر بمنزلة ما لو قال: إن دفعت إليكم فلانة عشرة دنانير، فهي حرة، فغفل عنها حتى ولدت أولادا ثم عرض عليها، فأدت العشرة، فهي حرة. وولدها. وقاله أصبغ. وقال: المسألة أوضح من الحجة وأقوى، وكذلك كل موصى بعتقها فولدت بعد موت سيدها قبل أن تقام في ثلثه أولادا فإنها تعتق في ثلثه وولدها؛ لأنه قد كان انعقد لولدها ما عقد لها يوم وجب العتق فيها، وهو يوم مات السيد، وإن كان ولدها ذلك كانت به حاملا يوم أوصى أو يوم مات، إذا كانت إنما وضعته بعد موت السيد الموصي، فالذي تحمل به بعد الموت أحرى وأوكد، وقد قال لي ابن القاسم هذا أيضا، وقال: فإن وضعته قبل موته، فلا يدخل معها في الوصية وهو رقيق؛ لأنه لو شاء أن يرد الوصية فيها ردها. قال أصبغ: لأنه قد زايلها قبل أن ينعقد له عتق أو يجب، قال أصبغ: قال ابن القاسم: فإذا مات حين تثبت لها الوصية، فما ولدت بعد ذلك دخل معها، كانت حاملا بعد ذلك أو لم تكن. ومثال ذلك أن

يقول: جاريتي حرة إن رضي أبي في وصية أوصى بها، فتلد الجارية أولادا وأبوه غائب وقد مات الموصي فيقدم الأب فيخير ويرضى، فهي وولدها أحرار، فأراها في المسألة الأولى حرة، وولدها إذا شاءت ذلك الأمر الذي عرض عليها أو شاء غيرها ممن يجعل ذلك إليه الميت وأرى ألا يتعجل ببيعها إن أبت في أول ذلك الأمر الذي عرض عليها أو شاء غيرهما حتى يرد عليها مرة بعد مرة، فإن أبت بيعت وإن قبلت ذلك بعد أن كرهت فذلك لها، ولا يكون إباؤها أولا إذا قبلت ذلك يعد نقضا لما كان جعل لها ما لم يمض فيها حكم ببيع بعد أن ردد عليها أو قسمة، فإذا ردد عليها فلم تقبل ورضيت بالبيع فبيعت أو قسمت، ثم رجعت بعد ذلك، لم يكن ذلك لها؛ لأن الحكم قد مضى فيها قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وكل شرط أو مشيئة كان في أمة جعل ذلك لها بعد الموت فولدها بمنزلتها إذا ولدته بعد موت السيد. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الموصى لها بالعتق إن شاءت أو إن أسلمت أو أرادت كذا وكذا، أو إن رضي فلان وما أشبه ذلك، يدخل ما ولدت بعد موت الموصي فيما أوصى لها به؛ لأن ذلك قد وجب لها أو لمن جعل إليه الخيار في عتقها بموت الموصي كما يجب للموصى لها للعتق بموت سيدها ويدخل ما ولدت بعد موته فيما أوصى لها به كانت حاملا به يوم الوصية أو لم تكن، وإذا اختارت التي خيرت بين البيع والعتق، فلها أن ترجع إلى العتق ما لم تُبَع، فإن بيعت بعد أن اختارت البيع، لم يكن لها أن ترجع إلى العتق، وإن كان الأمر لم يردد عليها على ظاهر ما تقدم في رسم القطعان من سماع عيسى، وفي سماع سحنون، ودليل قوله في هذه الرواية: إن ذلك لها إن كان الأمر لم يردد عليها. وهذا الدليل يرده ظاهر ما في رسم القطعان من سماع عيسى وفي أول سماع سحنون فترديد

مسألة: أوصى إلى وصي وأوصى لقوم بوصايا

الأمر عليها في الرجوع إلى اختيار العتق، إنما هو استحسان، ما لم يقع البيع هذا الذي يجب أن تحمل عليه الرواية والله أعلم. [مسألة: أوصى إلى وصي وأوصى لقوم بوصايا] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل أوصى إلى وصي وأوصى لقوم بوصايا، وأوصى بعتق غلام له، فلما مات الرجل، أنفذ الرجل الوصايا، ولم يكن علم بالعتق، ثم أقام الغلام البينة على عتقه، قال: إن كان ذلك من الوصي بعد تمكن واجتهاد واستثبات أمر، لم يعجل فيه، وأنظر بالأمر إن حدث، ثم أنفذ ذلك، فلا شيء عليه. قال أصبغ: ودون هذا التأكيد أيضا لا شيء عليه فيما إذا لم يعلم ولم يبادر ذلك خوفا منه مبادرة له، وليس عليه هذا التأكيد كله إنما عليه بقدر الوصية في قلتها وكثرتها واجتماع المال، وتفرقته، واستبراء ذلك، ثم ينفذ، ولا شيء عليه على نحو ذلك قال أصبغ: قال ابن القاسم: ويعتق العبد إن حمله الثلث من جميع المال، ويتبع الورثة أهل الوصايا بما فضل من الثلث دينا يتبعونهم به، إن لم يكن لهم شيء على كل إنسان، بقدر ما أوصى له به. قال أصبغ: جعله كالدين الطارئ يأخذه صاحبه ممن وجده مليا من الورثة، ويتبع الورثة بعضهم بعضا. وقال أصبغ: لا أراه كذلك، أراه كالوارث الطارئ إذا لم يعلم به، إنما يأخذ من كل وارث وجد معه مالا بقدر ما يصيبه، ويتبع سائرهم مما وقع عليهم، وكذلك هذا لا أرى أن يعتق منه إلا بقدر ما صار في يدي كل وارث يجده مليا أو موصى له بالثلث من قيمته التي كان يعتق فيها ويرق ما بقي حتى يجد الآخرين مَلِيّا، يعتق باقيه عليهم فيما أخذوا له من ذلك. قال: وتفسير ذلك أن يوصى بعشرة بين رجلين، والعبد

قيمته عشرة، والورثة اثنان، والمال بالعبد ستون فالثلث عشرون، فأخذ أهل الوصايا عشرة، والورثة خمسين، ولم يعلم بعتق العبد، ثم علم، فله قبل أهل الوصايا سدس قيمته دينار وثلثا دينار؛ لأنهما أخذا سدس المال، فله قبل كل واحد منها نصف ذلك، وهو دينار إلا سدس فمن وجد منهما حاضرا أو مليا عتق عليه بقدر ذلك، واتبع الآخر بمثله يوما ما على الورثة خمسة أسداس قيمته، وهو ثمانية وثلث، فمن وجد منهما مليا أو حاضرا عتق عليه بقدر ما أخذ له من ذلك، وهو نصف ذلك، وهو أربعة دنانير وسدس، واتبع الآخر بمثله يوما ما، وإنما الورثة هاهنا كالموصى لهم والموصى لهم كالورثة وهم والعبد كالوارثين جميعا. قال أصبغ: قال لنا ابن القاسم: وإن كان الوصي عجل، رأيته ضامنا وبِيعَ وهو أهل الوصايا. قال أصبغ: وذلك إذا كانت عجلة مبادرة وأمر لا يشبه اجتماع المال وتنفيذه، فيضمن وإن لم يعلم، ويكون كالخطأ والخطأ مضمون، فلو أن رجلا أوصى بعتق رقبة، فاشترى الوصي نصرانية، ولا يعلم ولم يثبت كان كالخطأ منه على نفسه، وكان ضامنا فكذلك هذا. قال ابن القاسم: إلا أن يكون قاض قضى به، فلا أرى عليه شيئا؛ لأن غيره أنفذه وقاله أصبغ، وتنفيذ القاضي كتنفيذه بعد الاستيناء وبلوغ الأمر أجله. وتنفيذه عند ذلك كقضاء قاض وتنفيذه، ومن الله التوفيق. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية في الوصي: إنه لا شيء عليه إن كان ذلك منه بعد تمكن واجتهاد وتثبت من غير عجلة يدل أنه عنده محمول على التفريط وترك التثبت حتى يعلم من فعله خلاف ذلك. وقول أصبغ: إنه لا شيء عليه إذا لم يبادر؛ إذ ليس عليه هذا الاجتهاد كله، يدل على أنه محمول عنده على غير التفريط حتى يعلم من فعله خلاف ذلك،

وقد اختلف قول ابن القاسم في ذلك على ما يأتي لقرب آخر هذا الرسم. وأشهب يقول في هذا الأصل: إن الوصي ضامن؛ لأنها جناية خطأ يضمن المال، ويضمن العتق إذا أعتق عن الميت، ثم طرأ دين سواء علم به أو لم يعلم، يضمن ويكون الولاء للوصي إلا أن يكون العبد عبد الميت، فهاهنا يرد العتق إذا طرأ دين. قال فضل: قول ابن القاسم أحسن. قلت: وقول أشهب هو على غير ابن القاسم في الحج الثالث من المدونة وفي الوصايا منها، ليس جهلهم بالذي يزيل عنهم الضمان. وقد مضى تحصيل القول في هذا المعنى في رسم الأقضية من سماع أشهب فلا معنى لإعادته. فإذا ضمن الوصي على القول بأنه يضمن بعتق العبد، ويضمن للورثة قيمته، ويتبع بذلك الموصى لهم إن كانوا معينين، وإن لم يكونوا معينين، وإنما كانت الوصية للمساكين، أو في السبيل، كانت المصيبة في ذلك من الموصي. وعلى القول: إن الوصي لا ضمان عليه يعتق العبد، ويتبع الورثة الموصى لهم إن كانوا معينين، وتكون المصيبة منهم إن كانت الوصية للمساكين، أو في السبيل، ولا يصح في هذا اختلاف؛ لأن العبد قد استحق الحرية بما ثبت له، فلا بد من تعجيل عتقه، وإنما الاختلاف هل يضمن الوصي قيمته للورثة أم لا؟ حسبما بيناه. فقول أصبغ: إنه لا يعتق منه إلا بقدر ما يجب له على كل وارث أو موصى له يجده مليا بذلك، بمنزلة الوارث يطرأ على الوارث غلط بين مثال ذلك: أن يترك المتوفى عبدا قيمته عشرون وأربعون دينارا ويوصي بعشرة دنانير لرجل بعينه، أو في المساكين، ويعتق العبد، فينفذ الوصي العشرة دنانير للموصى له بها أو في المساكين، ولا يعلم بالعتق ويأخذ الورثة العبد والثلاثين دينارا، ثم يعلم بعتق العبد، فعلى القول بأنه لا ضمان على الوصي بعتق العبد على الورثة، ويتبعون الموصى له بالعشرة أو يكون مصيبتها منهم إن كانت فرقت على المساكين؛ لأن العبد هو كفاف الثلث على ما نزلناه من أن قيمته عشرون، المال سواه أربعون. وعلى القول بأن الوصي ضامن يعتق العبد أيضا؛ لأن

مسألة: يوصي بثلث ماله لقوم وله بير ماشية فيريدون أخذ ثلث البير

الثلث يحمله، ويضمن الوصي للورثة العشرة التي نفذها للمساكين أو يتبع بها الموصى له إن كان معينا ولو كانت الوصية بعشرة بين رجلين، والعبد قيمته عشرة، والورثة اثنان، والمال بالعبد استوفى على ما نزله أصبغ في تفسيره لمذهبه، لم يكن على الوصي ضمان بحال؛ لأن الثلث يحمل العتق والوصية، فيعتق العبد على الورثة، ولا يكون لهم رجوع على أحد. وقول أصبغ: إن العبد يعتق سدسه على الموصى لهما إن كانا مليين، وإن لم يكونا مليين اتبعهما بذلك، وعلى الورثة خمسة أسداس إن كانا مليين، وإن لم يكونا مليين اتبعهما بذلك غلط ظاهر؛ لأن العبد قد استحق العتق بما شهد له به، فلا بد من تعجيل عتق جميعه إذا كانت ثلث الموصي يحمله ولم يكن العبد الموصى به بعينه، وإنما كان أوصى بعتق عبد بغير عينه مبدأ على سائر الوصايا فلم يعلم الوصي بذلك حتى نفذ الوصايا، لما صح أيضا أن يكون كالوارث يطرأ على الوارث؛ لأن الوصية مقدمة على الميراث كالدين سواء لقول الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] . وتفسير أصبغ أيضا لمذهبه خطأ إذا اعتبرته، وقد نبه على ذلك ابن دحون فقال: هذا تفسير غير صحيح، كيف تقع هذه المحاصة وقد بقي من الثلث بيد الوارث ما يخرج منه العبد حرا وذلك عشرة دنانير؟ والصواب، يريد على مذهبه، أن هذا العتق الطارئ مع الوارث كوارث طرأ، يأخذ من كل واحد بقدر ما صار إليه من ثمنه، ولا يأخذ منه نصيبه كله، ولا يأخذ أحدا عن أحد، هو مع الموصى لهم كدين طرأ، يردون كلما أخذوا؛ إذ لا وصية لهم إلا بعد العتق، فاعتراضه عليه في تفسيره لمذهبه الذي قد بينا أنه غلط صحيح. وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي بثلث ماله لقوم وله بير ماشية فيريدون أخذ ثلث البير] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يوصي بثلث

مسألة: قتل عمدا فأوصى بثلث ماله ثم قبل أولياؤه الدية بعده

ماله لقوم وله بير ماشية، فيريدون أخذ ثلث البير مع ثلث المال، قال: لهم ثلث المال، ولا أرى لهم في البير شيئا لأنها لا تباع ولا تورث، وإنما فيها الشرب لأصحابها ولمن وردها من الناس بعدهم. قلت: أفلا يكون لهم ثلث الشرب مع الورثة، وأن يبدأوا به قبل الناس؟ قال: لا. ليس لهم من الشرب قليل ولا كثير؛ لأنها لا تباع ولا تملك، فكذلك ليس له أن يوصي به لأحد أرأيت لو أوصى بها كلها وصية مسماة أيجاز لملك له؟ وقاله أصبغ وهو الحق. والميت كان فيه كغيره من ورثته، وليس يأخذونه ميراثا، إنما يأخذونه بحقه كالحبس عليه وعلى ولده، وغير مال هو له مؤثل. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن بير الماشية التي تحتفر في البراري والمهامة، محمولة عند مالك، على أنها إنما تحتفر للصدقة، فيكون حافرها أحق بالتبدئة بالشرب، ويكون الفضل لجميع الناس، لا يمنعه من أحد، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ» ولو أشهد حافرها عند حفره إياها أنه إنما يحفرها لنفسه، لا للصدقة، لكان ذلك له، وكان أحق بالفضل يورث عنه، وتجوز وصيته فيها، وإن ادعا ذلك بعد حفرها ولم يشهد، لم يصدق عند مالك. وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم الأقضية الأول، من سماع أشهب من كتاب النداء والأنهار وبالله التوفيق. [مسألة: قتل عمدا فأوصى بثلث ماله ثم قبل أولياؤه الدية بعده] مسألة قال: وسمعت ابن القاسم وسئل عمن قتل عمدا فأوصى بثلث ماله، ثم قبل أولياؤه الدية بعده، وعفوا عن القتل، أتدخل وصيته

في ديته؟ قال: لا لأن ذلك ما لم يعلم به. وقاله أصبغ: ولو أوصى بذلك فقال: إن قبل ولاتي ديتي، فهي وصيتي أو وصيتي فيها أو ثلثها وصية أو صدقة لم أر أن يدخل فيها من وصاياه قليل ولا كثير، ولا يدخل منها في ثلثه شيء لأن ذلك أيضا عنده يوم أوصى مال مجهول له، غير عارف ولا عالم به. ولا يدر أيقبلون الدية أم لا؟ أو يتركون الدم أم لا؟ فهو كشيء لم يعلم به، ولكن لو عفا عن الدم عفوا قبل موته عن الدية أو أوصى أن يعفى عن قاتله على الدية باشتراط، فالوصية به كالفعل منه في مرضه، فأوصى بها بوصايا أو بثلث ماله مبهما مع هذا رأينا أن يدخل فيه ويلحق به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه في المذهب إن وصية المقتول عمدا لا تدخل في ديته إن قبلها ولاته؛ لأنه مال لم يعلم به، وكذلك إن قال: إن قبل ولاتي ديتي، فوصيتي فيها؛ لأنه ليس على يقين من قبول ولاته الدية، ولا وجبت له بعد. ولو أوصى المقتول فقال: يخرج ثلثي مما أعلمت من مالي ومما لم أعلم لم تدخل في ذلك الدية التي أخذها الورثة لأنه مال لم يكن له، وإنما قال: ما لم أعلم من مالي وديته لم تكن من ماله، لكن يؤدي منها ديته ويرثها عنه ورثته على كتاب الله تعالي لأن السنة أحكمت ذلك في الدية، وإن كانت ليست بمال المقتول الموروث قاله ابن دحون وهو صحيح. وأما قوله في الرواية، ولكن لو عفا عن الدم عفوا قبل موته على الدية أو أوصى أن يعفى عنه على الدية باشتراط، فالوصية به كالفعل عنه في مرضه، فأوصى فيها بوصايا أو بثلث ماله مبهما مع هذا رأينا أن يدخل فيه ويلحق به، فهو بين على القول بأن له أن يعفو على الدية وأن يوصي بذلك، فيلزم القاتل، وأما على القول بأن ذلك لا يلزمه إلا برضاه فالذي يأتي على قياس قوله في أن الوصايا لا تدخل في ديته إذا قال: إن قبل ولاتي ديتي فوصيتي فيها ألا يدخل فيها إذا أوصى أن يعفي عنه على الدية إذ

مسألة: أوصى لرجل بدنانير حاضرة بعينها أو عدد مسمى بغير عينه

ليس على يقين من أن القاتل يرضى بذلك، كما أنه ليس على يقين من أن ولاته يقبلون الدية وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بدنانير حاضرة بعينها أو عدد مسمى بغير عينه] مسألة قال أصبغ: من أوصى لرجل بدنانير حاضرة بعينها أو عدد مسمى بغير عينه العمل فيه عند ابن القاسم ومالك وأصحابه كلهم واحد في مذهبهم. وأنا أرى ذلك اتباعا لهم، وقياسا على قولهم، والاستحسان عندي في العلم على غير ذلك، والله أعلم أرى إن كانت الوصية في الدنانير الحاضرة بعينها، مثل أن يقول: أعطوه منها كذا وكذا أو يقول: هذه الدنانير بعينها لفلان، أو يخرجها لهم بعينها ويدفعها إليهم فيكون لا يخرج في ثلثه فيوقف عنهم الثلث أو ما أشبه ذلك من الشيء المعتمد من العين الذي ترك بعينه، فأنا أرى في هذا القول ما قالوا أن يدفع إليهم بعينه، أو يقطع لهم بالثلث من كل شيء شركاء له، للعول فيه، فهو حينئذ كالدار بعينها، أو الجارية والعبد والأرض والثوب، يوصي لما به، فيجاوز الثلث فينفذوه بعينه، أو يخرجوا من الثلث فهذا كله هكذا لا شك فيه فأما أن يوصي بدنانير مسماة، ليست بأعيانها ولا مضمونة من شيء واحد، فلا أرى إلا وهي جارية في ذلك المال متى ما اجتمع المال، أو اجتمع منه عين وكان قسمه أخذوا ثلث العين، وثلث ما ينض مما بيع وجمع وحضر والباقي لهم في ثلث الغائب حتى يحضر، ولا يقطع لهم بالثلث، وهو أكثر منها حين لم يعجلوا لهم ما ليس عليهم تعجيله من العين والوصية؛ لأنها قد صارت شركة تجري في كل شيء كشركة الوارث، ولا يكون أحسن حالا من الوارث، والتوفيق بالله.

مسألة: يشتري العبد في مرضه لم ينقذ ثمنه فيعتقه ثم يموت

وهكذا، كان ينبغي أن يكون تفسير قول مالك ومعناه الذي تكلم عليه، وأصحابه يحملونه على الكل بغير رواية. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم المكاتب من سماع يحيى فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري العبد في مرضه لم ينقذ ثمنه فيعتقه ثم يموت] مسألة وسمعت ابن القاسم يقول في الذي يشتري العبد في مرضه بنظرة أو غير نظرة، إلا أنه لم ينقذ ثمنه فيعتقه ثم يموت، فيوجد الآمال له. قال: لا يجوز عتقه إذا لم يكن له مال، طال زمان ذلك وهو مريض أو لم يطل، إلا أن يكون في قيمته فضل فيباع بقدر ذلك ويعتق ما بقي، وقاله أصبغ إلا أن يكون قد أفاد فيها بين ذلك مالا فذهب أو علم البائع فعلم وترك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا اشتراه فأعتقه ولم يؤد ثمنه حتى مات ولم يوجد مال سواه إنه يباع منه بما عليه من الثمن لأنه محمول ومن يوم اشتراه على الحالة التي وجد عليها بعد موته، من أنه لا يكن له مال سواه، وإن طال زمن ذلك، إلا أن يعلم أنه قد أفاد في خلال ذلك مالا فذهب كما قال أصبغ وأن البائع قد علم ذلك وأمضاه، إذ لا يجوز لمن عليه دين يغترق ماله عتق إلا بإذن صاحب الدين. وأما قوله: إنه يعتق ما بقي منه بعدما بيع منه في الثمن، فمعناه إن كان قد صح في مرضه ذلك ولم يمت منه. وأما إن مات من ذلك المرض فلا يعتق منه إلا ثلث ما بقي بعد الدين إذ لا اختلاف في أن عتق المريض في مرضه في ثلثه. وبالله التوفيق. [مسألة: قال أعتقوا أحد هذين العبدين وأحدهما مدبر] مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول في رجل حضرته الوفاة

فقال: أسهموا بين مدبري هذا وعبدي فلان، فأيهما خرج سهمه فأعتقوه وله مال يحملهما الثلث جميعا إنه يسهم بينهما فإن وقع السهم للمدبر عتق على كل حال، ولم يعتق من الآخر قليل ولا كثير؛ لأنه قد خرج من الوصية لما أخطاه السهم، ولم يجعل له عتق إلا أن يخرج سهمه فإن أخرج السهم له، عتق وعتق المدبر بالتدبير إذا كان الثلث يحملهما، وإن لم يكن له مال يحمل غير أحدهما فخرج سهم المدبر في الاستهام عتق وحده، ولم يعتق من الآخر شيء، وإن خرج السهم للآخر عتق المدبر أولا بالتدبير؛ لأنه ليس له أن يدخل عليه ما ينقص تدبيره، وقد عقد له التدبير في الصحة، وهي عتاقة عقدها ينظر إلى الثلث، فإن فضل منه شيء عن المدبر عتق من العبد الذي لم يكن فيه تدبير الذي خرج سهمه على المدبر أولا ما فضل عن الثلث وإن لم يفضل إلا دينار واحد. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن السهم إذا خرج للمدبر خرج الآخر عن الوصية، وإن خرج الآخر بدئ المدبر عليه في الثلث وأعتق هو إن حمله الثلث مع المدبر، وإن حمل بعضه عتق ما حمل الثلث منه، فإذا لم يحمل الثلث المدبر وحده، فلا يحتاج إلى أن يضرب بالسهام بينهما، إذ لا عتق للآخر مع المدبر بحال، إذا لم يكن في الثلث فضل عن المدبر. والمسألة متكررة في سماع عبد الملك من كتاب العتق وفي رسم بيع ولا نقصان عليك من سماع عيسى منه إذا قال: أعتقوا أحد هذين العبدين، وأحدهما مدبر، ولم يقل: أسهموا بينهما إنه يسهم بينهما على نصف قيمتهما، فإن خرج سهم المدبر وهو نصف قيمتهما فأقل خرج العبد الآخر من الوصية، وإن كان فيه فضل عن نصف قيمتهما عتق من الآخر ذلك الفضل، وإن خرج سهم الآخر وهو نصف قيمتهما فأقل عتقا جميعا إن حملهما الثلث، فإن لم يحملها الثلث، بدئ بالمدبر فيه، ثم أعتق من الآخر بقية الثلث،

مسألة: توفيت ولها على زوجها خمسون دينارا وتركت شيئا وأوصت بحجة

وإن كانت قيمته أكثر من نصف قيمتهما، لم يعتق منه أكثر من نصف قيمتهما إن حمل ذلك الثلث مع المدبر، وإن لم يحمل ذلك الثلث مع المدبر عتق منه ما حمل الثلث منه مع المدبر؛ لأن المدبر مبدأ عليه على كل حال. هذا معنى قوله دون لفظه وبالله التوفيق. [مسألة: توفيت ولها على زوجها خمسون دينارا وتركت شيئا وأوصت بحجة] مسألة قال: وسمعت ابن القاسم وسئل عن امرأة توفيت ولها على زوجها خمسون دينارا وتركت شيئا وأوصت بحجة، ولم يعلم قولها ذلك أحد غير أبيها فأتى الأب إلى الزوج فقال: إنها قد أوصت بحجة، وليس على ذلك بينة، والخمسون التي عليك، لك منها خمسة عشرون، ولي خمسة وعشرون، فهل لك أن تأخذ مما تركته الساعة، يعني من الوسط قبل أن يقسم شيئا من الأشياء ثلاثين دينارا لتعطى من يحج عنها وأنا أترك لك الخمسة وعشرين التي لي مما عليك؟ فرضي بذلك الزوج. قال ابن القاسم: لا خير فيه، ولا يحل، وأراه من وجه ضع وتعجل. يريد أن الأب وضع وتعجل، وأن الزوج تعجل على أن وضع عنه. وقاله أصبغ، وذلك أن الخمسين التي على الزوج مؤجلة لم تحل. قال ابن القاسم: ولو قال له: تخرج عشرة مما تركت يتصدق بها على فلان على هذا الشرط لم يحل. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إذا كان الدين على الزوج مؤجلا لم يحل أجله على ما فسره أصبغ؛ لأن من حق الزوج أن يأخذ الخمسة عشر الواجبة له من الثلاثين، ويكون عليه الخمسة وعشرون من الخمسين إلى أجلها، فقد أعطاها معجلة على أن تسقط الخمسة وعشرون المؤجلة إذ لا فرق بين أن يأخذها الأب على ذلك لنفسه، أو لينفذها في

مسألة: قال لفلان وفلان خمسمائة ثم قال ولفلان مثله

الوصية التي لا يعلمها غيره، ألا ترى أنه لو كان لرجل على رجل عشرون دينارا مؤجلة، فقال له: تصدق على المساكين، أو على فلان بعشرة نقدا، وأنا أضع عنك العشرين التي لي عليك مؤجلة؟ لم يحل ذلك؛ لأن ما اشترط لغيره بمنزلة ما أخذه لنفسه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لفلان وفلان خمسمائة ثم قال ولفلان مثله] مسألة قال ابن القاسم أيضا: ولو قال: لفلان وفلان خمسمائة ثم قال: ولفلان مثله، أعطي ثلث الخمسمائة، وإنما هو بمنزلة من قال: بين فلان وفلان وفلان خمسمائة، ثم كلم في آخر فقال: له مثله، كان له ثلث خمسمائة من الثلث إن حمله، أو يحاص على ما فسرت لك. قال محمد بن رشد: قوله: كان له ثلث خمسمائة من الثلث إن حمله، يريد إن حمله مع الخمسمائة وقوله: أو يحاص يريد إن لم يحمل ذلك الثلث، فيعطي مثل ثلث الخمسمائة من ثلث الميت، ويأخذ الثلاثة الخمسمائة أيضا فإن كان الثلث أقل من ستمائة وستة وستين وثلثين تحاصوا فيه، فكان بينهم أرباعا، وإن كان درهما واحدا لأن وصاياهم كلهم مستوية، ولا اختلاف في هذه المسألة، وهي تبين ما وقع في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من قول ابن القاسم الذي ذكره فيه من رسم العشور، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي للرجل بجارية له بعد موته هل للموصي أن يطأها] مسألة وسئل عن الرجل يوصي للرجل بجارية له بعد موته، هل للموصي أن يطأها؟ قال: نعم. ويوصي بعتقها فيطؤها، وذلك لأنه يرد ذلك إن شاء ويبيعها إن شاء، ولكن ما تصدق أو أعتق بتلا في مرضه، فليس له أن يطأها وإن كان إنما يكونان في الثلث،

مسألة: أوصى لأجنبي وأوصى لجميع من يرثه بوصايا

ويخرجان من الثلث؛ لأنه إذا صح أنفذ عليه من رأس المال، ولم يستطع تحويلها عن حالهما. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه والأصل في هذا أن كلما يجوز له الرجوع فيه، فله وطؤه وكل ما لا يجوز له الرجوع فيه، فليس له وطؤه إلا المدبرة فإن وطأها له جائز، وليس له أن يرجع فيها للسنة القائمة فيها خاصة، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لأجنبي وأوصى لجميع من يرثه بوصايا] مسألة قال: وسمعت ابن القاسم يقول: إذا أوصى لأجنبي، وأوصى لجميع من يرثه بوصايا سواهم فيها، وسهامهم في الفرض مختلفة مورث بعضهم أكثر من مورث بعض، فأرى الورثة يحاصون الأجنبي بما فضل به بعضهم على بعض في قدر مواريثهم، ثم إن شاؤوا أمضوا بعضهم لبعض، وإن شاؤوا ردوه، فكان بينهم على قدر فرائضهم، ومن شاء منهم أمضى، ومن شاء رده. وقاله أصبغ وتفسيره أن يكون له ابنان وابنتان فيعطي كل واحد منهم مائة مائة الذكر والأنثى جميعا في وصية أو في مرض موت بتلا، ثم يموت، إنه يطرح حظوظ الذكور مائة مائة وحظوظ الإناث خمسين خمسين؛ لأنه إنما أوصى لهم وأعطاهم الذي هو لهم، وتكون الوصايا والعطايا للإناث دون الذكور بخمسين خمسين، تمام المائة التي زادهم على حظوظهم فيكون موصى لهن بها فقط، فيكون ذلك وصية لوارث دون وارث، فإن أجاز ذلك الورثة لهن وإلا بطل ذلك كله ورجع مالا وميراثا على الفرائض، فإن أجاز واحد من الابنين للابنتين جاز لهما حصته من المائة التي جعلت له وصية لو قسمت على الفرائض وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، بينهما ويكون لهما منه مثلها

وأخذا بالميراث وأخذ الابن الذي لم يجز لهما منها مثلها تمام المائة بالميراث وبالرد للإجازة وإن أجاز لإحداهما دون الأخرى، فعلى حساب ذلك، وإن أجاز الآخر لبعض دون بعض فكذلك، وإن كانوا معهما وصايا حوص لهما بالمائة مع الوصايا ثم صار بما أصابها بينهم البين يعني على هذا التفسير على الإجازة وغير الإجازة. قال: وقال لي ابن القاسم: ولو أوصى للأجنبي وأوصى لجميع ورثته بوصايا على قدر مواريثهم سواء لم يحاصوا أهل الوصايا بوصاياهم في ثلث الميت وكان لأهل الوصايا دون الورثة إن أحاطت وصاياهم بجميع الثلث، وكذلك لو لم يكن إلا وارث واحد، فأوصى بوصايا، وأوصى لوارثه ذلك بوصية، لم يضر ذلك أهل الوصايا، ولم يحاصهم، وأسلم إليهم الثلث كله حتى يستوعبوا وصاياهم، ولو كانوا وارثين أو أكثر وأوصى لواحد منهم بشيء حاص الوارث الموصى له أهل الوصايا بذلك، ثم رجع ذلك إلى الورثة إلا أن يجيزوه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الرجل إذا أوصى لأجنبي ولجميع ورثته بوصايا سواهم فيها، وسهامهم في الفرض مختلفة، فإن الورثة يحاصون الأجنبي بما فضل به بعضهم على بعض، يريد إذا لم يحمل الثلث ما أوصى به للأجنبي ولبعضهم، إذ لا فرق بين أن يوصي لأجنبي ولبعض الورثة، وبين أن يوصي لأجنبي ولجميع الورثة بوصايا متفقة، وسهامهم في الفرض مختلفة؛ لأنه إذا فعل ذلك، فقد فضل في الوصية من قل حظه في الميراث على من كثر حظه فيه. والتفضيل له عليه وصية له دونه. وتفسير أصبغ لمذهب ابن القاسم بقوله: إن ذلك مثل أن يكون له ابنان وابنتان فيوصي لكل واحد منهم بمائة مائة، فيكون قد فضل البنتين في الوصية بخمسين خمسين، فإن كان أوصى لأجنبي معها بوصية، ولا يحمل ذلك

ثلثه، تحاصا فيه في الثلث الابنتان بمائة والأجنبي بمبلغ وصيته فما صار من الثلث للابنتين في المحاصة، كان سائر الورثة بالخيار، بين أن يجيزوا ذلك لهما ويمضوه، وبين أن يردوه ميراثا بين جميعهم تفسير صحيح. وقد قيل: إنهما يحاصان الأجنبي بما زاد ما أوصى به لهما على ما يجب لهما بالميراث من جميع الوصية لهما ولأخويهما وذلك ستة وستون وثلثان؛ لأن مبلغ الوصية لهما ولأخويهما أربعمائة، يجب لهما منها بالميراث مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وقد أوصى لهما ولأخويهما بمائتين فتبقى الوصية لهما ستة وستون وثلثان، فهي التي يحاصان بها الأجنبي وهذا القول أظهر ويجب على قياسه إذا أوصى الرجل لأجنبي، ولبعض الورثة، فلم يحمل ذلك ثلثه، ألا يحاص الورثة الأجنبي إلا بما يبقى من وصية الوارث بعدما يجب له منها بالميراث مثال ذلك: أن يترك المتوفى أربع بنين ويوصي لأحدهم بمائة دينار، ولأجنبي بمائة دينار، وثلثه مائة دينار، فيحاص الأجنبي بخمسة وسبعين؛ لأن المائة التي أوصى له بها، يجب له منها بالميراث خمسة وعشرون، خلاف مذهب ابن القاسم والمشهور في المذهب أنه يحاص بجميع المائة، ومذهب ابن القاسم على ما فسره أصبغ أنهما يحاصان الأجنبي بجميع المائة التي أوصى بها لهما، ولا ينظر إلى ما يجب لهما منهما بالميراث، هو القياس على أصله، في أن الورثة يحاصون الأجنبي بجميع وصية الوارث وإنما يحاص الورثة الأجنبي بوصية الوارث إذا لم يحمل الثلث وصاياهما جميعا وأما إذا حملها الثلث فيأخذ الأجنبي وصيته كاملة وترجع وصية الوارث ميراثا بين جميع الورثة إلا أن يجيزوها له، وأما إذا لم يكن له إلا وارث واحد فأوصى له ولأجنبي فليس له أن يحاص بوصيته الأجنبي إذا لم يوص له إلا بما هو واجب له بالميراث، ولا حجة له على الأجنبي في الثلث فما دونه، وكذلك أيضا إذا أوصى لجميع ورثته بوصايا على قدر مواريثهم، فليس لهم أن يحاصوا الأجنبي بوصاياهم، إذا لم يوص لكل واحد منهم إلا بما يجب له بالميراث، ولا حجة لهم على الأجنبي في الثلث فما دونه، وبالله التوفيق.

مسألة: عبد بين أختين فحضرت إحداهما الوفاة فأوصت بنصيبها في العبد

[مسألة: عبد بين أختين فحضرت إحداهما الوفاة فأوصت بنصيبها في العبد] مسألة وسئل ابن القاسم عن عبد كان بين أختين، فحضرت إحداهما الوفاة فأوصت فقالت: لفلانة أختي لأبي من مالي في العبد الذي بينها وبين أختها الأخرى لأمها وأبيها عشرة دنانير، وبقيته صدقة عليه، تعني العبد والأخت التي أوصت لها بالعشرة، ليست ترثها. قال ابن القاسم: إن لم يزد على هذا رأيت أن يباع منه، يعني من نصيبها قدر لعشرة، فتدفع إلى الأخت ثم يعتق ما بقي من حصتهما إن حمله الثلث، وقاله أصبغ ولا تحسب العشرة في العبد فيكون للأخت ما تبلغ منه، ولكن يترك حتى يباع بقدرها ثم حينئذ يعتق ما بقي، إلا أن ترضى الموصى لها بالتمسك بقدر ذلك من العبد لا يباع، ولا تبالي بالانكسار لثمنه في العشرة يوما فيعطى بقدرها على القيمة منه يومئذ، ولا يعطى بقدر الذي كان يباع بالعشرة من أجزاء العبد إن كان أكثر من جزء العشرة بالقيمة وإلا بيع لها بها ما بلغت فأعطيت وعتق ما بقي لأنها سمت لها عشرة دنانير من ثمن عبد لها، والبيع أحيا وأوقر، وأنتم للوصية، فذلك لها فإنما جعلت كله ما يبقى بعد العشرة التي تباع منه بها إن بيع أو لم يبع فمبلغها منه، فإنما ذلك على القيمة والعدل، لا أكثر، أن مخارج الوصايا في الشيء على الأقل حتى يعرف الأكثر والبقية عتيق. قال ابن القاسم: إلا أن يوصي فيقول: بيعوا نصيبي، فأعطوا فلانا عشرة، وما بقي فهو للعبد، فإنه يباع نصيبها كله، فتعطى فلانة العشرة، وما بقي دفع إلى العبد، قال أصبغ: ولا عتق فيه حينئذ لأنه إنما أوصت له هاهنا بمال وسواء قالت: بيعوا نصيبي كله فأعطوه أو بيعوا نصيبي ولم تقل كله، فهو سواء يباع كله ويعطى ولا عتق عليه فيه.

قال محمد بن رشد: قوله في التي أوصت لأختها بعشرة دنانير في نصيبها من العبد الذي بينها وبين أختها وبقية نصيبها منه له: إن يباع لها من نصيبها من العبد بعشرة، ويعتق ما بقي من حظها منه صحيح بين لا إشكال فيه. وصفة البيع في ذلك أن يباع على التنقيص فيقال في النداء عليه: كم تأخذون من هذا العبد بعشرة على أن باقي نصفه عتيق؟ فيقول رجل: أنا آخذ ثلثه بعشرة، ويقول الآخر: أنا آخذ ربعه بعشرة، ويقول الآخر: أنا آخذ خمسة بعشرة، فإذا وقف على شيء بيع منه ذلك القدر بعشرة، وكذلك قال سحنون: إنه يباع على التنفيض وقول أصبغ: إن العشرة لا تحسب في العبد، فيكون لها منه بقدرها صحيح بين؛ لأن العشرة لا تحسب في العبد، فيكون لها منه بقدرها صحيح بين؛ لأن ذلك لا يجب عليها إلا أن تشاء إذ لم يوص لها بجزء منه، وإنما أوصى لها بدنانير. وأما قوله: إلا أن ترضى الموصى لها بالتمسك بقدر ذلك من العبد فيعطى بقدرها على القيمة منه يومئذ يريد: بأن يقوم العبد فيكون لها منه ما تقع العشرة من القيمة التي قوم بها، ولا يعطى من أجزائه بقدر ما كان يباع منه بالعشرة، ففيه نظر؛ لأن ذلك يقتضي أنه ليس لها أن تأخذ من العبد إلا ما تقع العشرة من قيمته، والذي أراه في هذا على أصلهم أنه إذا وقفت العشرة على جزء ما منه فلها أن تأخذ بالعشرة منه أقل من ذلك الجزء، وليس لها أن تأخذ منه ذلك الجزء بعشرة، إذ لا شك لها فيه، فيكون كالعبد بين الشريكين يبيع أحدهما نصيبه، فيكون للآخر أن يأخذه بما يعطي به، دون زيادة، مثال ذلك أن يقف على أن يباع منه خمسة بعشرة، فيقول هو: أنا آخذ سدسه بعشرة؛ لأنه يبعد في النظر أن يقال له: إما أن تأخذ عشرة بالعشرة لأن قيمته مائة، وإما أن تتركه فيباع لك منه خمسة بالعشرة؛ لأن أخذه سدسه بالعشرة أولى من أن يباع منه بها الخمس. وهذا بين والحمد لله وبه التوفيق.

مسألة: قال في مرضه بيعوا رأسا من رقيقي فاقضوا به ديني

[مسألة: قال في مرضه بيعوا رأسا من رقيقي فاقضوا به ديني] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عمن قال في مرضه: بيعوا رأسا من رقيقي، فاقضوا به ديني، وبقيتهم أحرار وليس له مال غيرهم إنه يسهم عليهم، أيهم يباع في الدين، فمن خرج عليه السهم للدين، بيع في دينه وأسهم بعده في بقيتهم للعتق، فيعتق من خرج له السهم للعتق إن كان ذلك ثلث الميت، فإن فضل شيء من ثلثه، أسهم بين من بقي فمن خرج له السهم عتق منه بقدر ذلك الفضل. وقاله أصبغ وتفسيره أن يكون الدين ثلاثين، وجميع قيمة العبد خمسين ومائة، فيخرج السهم على عبد باسمه من عددهم على القيمة مثل أن يكونوا خمسة فبخمس القيم فإن كان العبد بثلاثين كان للدين وكان الأمر مستوفى وكان باقي المال عشرين ومائة فيسهم بين من بقي فمن خرج له السهم فله فيه قيمة أربعين فيعتق مبلغها منه وهو الثلث فإن كان كفافا فذلك وإن بقي من الأربعين بعد قيمته وعتقه شيء أسهم بين من بقي أيضا فمن له السهم أعتق منه تمام الأربعين، وهو تمام الثلث، يبلغ ذلك ما بلغ نصفه أو ثلثه أو أقل أو أكثر، ويرق ما بقي منه مع سائر الأعبد الذين لم يصبهم سهم البيع، ولا سهم العتق، قاله ابن القاسم وإن قصر الرأس الذي خرج السهم عليه للبيع عن دينه، كان ما بقي من الدين في جملة ما له سوى الرقيق، قال أصبغ: إن كان له مال سواهم، يتم به دينه أتم، ثم يعتق العبيد في ثلث ما بقي أو ما حمل الثلث منهم بالسهم. قال أصبغ: وتفسير هذا أن يكون الرقيق ثلثه، وله مال سواهم من عين أو عرص أو عقار أو غير ذلك، فرأس منها بالسهم للدين ليس بمبلغ الدين ولكن يبلغ ثلث القيم، وهو رأس من عددهم لوصيته، يباع

رأس منها للدين، يبلغ ذلك من الدين ما بلغ ويرجع باقي الدين في سائر المال سوى العبيد، لتخلص الحرية فيمن بقي في جميعهم، كما أوصى بمبلغ الثلث؛ لأنه خصهم بالحرية دون الدين، وخص الدين بالرأس الأول دون الحرية، فيكون ذلك للدين خالصا والآخرين للحرية خالصا، وباقي الدين في سائرهم، ليعرف الثلث لهم من الباقي كله بعد الدين، فيعتق منهم مبلغه على سنته بالسهم، ويرق ما بقي مما لا يسعه الثلث بعد السهم له والمعرفة. قال ابن القاسم: لو لم يقل بيعوا رأسا من رقيقي لديني وأعتقهم جملة في وصيته وعليه دين، ولم يترك مالا غيرهم، أسهم بينهم فيمن يباع في دينه كله، حتى يباع قدر الدين كله، بيع فيه رأس أو رأسان أو أقل أو أكثر، ثم عتق ثلث ما بقي بالسهم، ورق الثلثان للورثة، إذا لم يكن له مال غيرهم، فإن كان له مال غيرهم، قضى منه دينه، ثم عتق العبيد جميعا في ثلث ما بقى بعد الدين أو ما حمل الثلث منهم بالسهم، وقاله أصبغ أيضا. وهذه السنة والعمل في هذا الآخر قال أصبغ: وإن قصر المال سوى العبيد عن الدين أسهم بينهم فيمن يرق لتمام الدين إن أحاط به كله، وإن أحاط ببعض رجع البعض الآخر إلى بقية العبيد فدخل معهم في عتق الوصية بالسهم عليه وعليهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة حسنة مستوعبة قد فسر منها أصبغ ما أجمله فيها ابن القاسم والذي يحتاج إلى الوقوف عليه منها إن الرجل إذا أوصى بعتق عبيده في مرضه وعليه دين إنه إن لم يكن له مال سواهم، فسواء قال: بيعوا رأسا من رقيقي في ديني أو سكت عن ذلك، لا بد أن يقرع بينهم فيمن يباع منهم في الدين خرج منهم فيه ما خرج، ثم يقرع فيمن بقي منهم، فيعتق ثلثهم بالقرعة. وأما إن كان له مال سواهم، فإن كان

مسألة: يقول في وصيته في مرضه أعتقوا خيار رقيقي

قال: بيعوا رأسا من رقيقي في ديني فكما قال، وإن كان لم يقل ذلك كان الدين فيما سوى العبيد، ثم يعتق من العبيد بالقرعة ثلث جميع مال الميت بعد الدين وبالله التوفيق. [مسألة: يقول في وصيته في مرضه أعتقوا خيار رقيقي] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول في وصيته في مرضه: أعتقوا خيار رقيقي، ولم يسم أحدا منهم، قال: يعتق أعلاهم ثمنا حتى يستوعب فيهم الثلث فإن شاء الله. واحتج بحديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: سئل أي الرقاب أفضل؟ قال: " أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ". وقال أبو زيد بن أبي الغمر عن ابن القاسم مثله. وقاله أصبغ إلا أن يرى في مذهب الوصية أنه أراد الخيار في الدين والصلاح، لسبب يدل أو بساط، أو أمر، وذكر جرى له، فأوصى عليه، فيحصل على ذلك، وإلا فالأفضل ثمنا إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يعتق أعلاهم حتى يستوعب الثلث فيهم، أي في المرتفعين أثمانهم منهم، فإن كان الثلث يحمل جميعهم، فقد قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز وابن عبدوس: إنه يعتق فيه منهم المرتفعون، ولا يعتق الوخش، مثل ثمن خمسة عشر. قال: وهذا إن كانوا متباينين في الثمن جدا فيعرف بذلك أنه أراد المرتفعين منهم، وأما إن كانوا متقاربين في الأثمان، فليبدأ أهل الصلاح منهم، يريد حتى يستوعب الثلث فيهم أيضا، وإن حمل الثلث جميعهم، لم يعتق فيه إلا أهل الصلاح منهم على قياس ما قاله في المرتفعين مع الوخش، وإنما ينبغي أن يحمل قوله: أعتقوا خيار رقيقي على أنه أراد المرتفعين أثمانهم دون الخيار في

مسألة: لا يلحق الأيتام دين بحال

الدين، إن كان ممن قرأ العلم، وسمع الأحاديث ورأيت لابن زرب أنه قال: فإن كانوا معتدلين كلهم في القيمة عتق جميعهم إن حملهم الثلث، والذي في كتاب ابن المواز لابن القاسم أنه إن كانت قيمتهم متقاربة حملت وصيته على أنه أراد بها الخيار في الدين هو الصواب والله أعلم. [مسألة: لا يلحق الأيتام دين بحال] مسألة قال: وسمعت ابن القاسم يقول فيمن ترك ولدا وترك لهم مالا فأنفق عليهم ذلك المال، ولهم مال سواه ورثوه من أمهم، ثم طرأ دين على الميت هل يؤخذ من مالهم شيء مكان ما أنفق عليهم من مال الميت؟ قال: لا يؤخذ منهم شيء قال أصبغ: أرى أن تفض النفقة على المالين، وعلى قدر المال الذي ورثوه، والمال الذي لهم حتى كأنه مال واحد، فما أصاب المال الذي ورثوه، فأنفق عليهم هدر لأن السنة أن ينفق عليهم من جميع أموالهم، فهي وإن وقعت على مال المواريث فليس له خاصة هي منه على الجميع، فأرى أن يقسم كما فسرت لك، فما أصابها من النفقة سقطت عنه، وما بقي فكأنه متروك ترك للدين. قال محمد بن رشد: اختار ابن المواز قول ابن القاسم، فقال: لا يلحق الأيتام دين بحال، إلا لمن أنفق عليهم سلفا، ولهم مال يرجع فيه. وقال في قول أصبغ: إنه حسن المسألة فيها أربعة أقوال: أحدها إنه ليس للغرماء الطارئين أن يرجعوا على بني الميت بما أنفق الوصي من التركة عليهم إن كان لهم يوم أنفق التركة عليهم مال ورثوه من أمهم أو من وجه من الوجوه، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وظاهر روايته عن مالك في النكاح الثاني من المدونة والثاني إن لهم أن يرجعوا عليهم فيما أنفق الوصي عليهم من التركة، ويتبعونهم دينا في ذمتهم إن لم يكن لهم مال، وهو قول

مسألة: يوصي فيقول ثلث مالي للأقرب فالأقرب

المخزومي في المدونة؛ لأنه إذا رأى ذلك دينا عليهم إن لم يكن عليهم مال فأحرى أن يؤخذ ذلك من مالهم إن كان لهم مال. والثالث إنه إن كان لهم مال رجعوا فيه بما أنفق الوصي من التركة عليهم وإن لم يكن لهم مال لم يتبعوا بذلك دينا في ذمتهم. والرابع قول أصبغ: إن النفقة مفضوضة على المالين، ولو اختلط المالان، فأنفق عليهم منه بعد اختلاطه، كانت النفقة مفضوضة على المالين. قاله ابن القاسم في المجموعة ولا اختلاف في هذا ولو أنفق عليها من غير التركة لكانت التركة للغرماء، ولا اختلاف في هذا أيضا. فقول ابن القاسم على قياس القول بأن الدين لا يتعين في التركة، وإنما يجب في الذمة وقول المخزومي على قياس القول بأنه يتعين في التركة. وأما القولان الآخران فهما استحسان وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي فيقول ثلث مالي للأقرب فالأقرب] مسألة قال أصبغ: قال ابن القاسم في رجل يوصي فيقول: ثلث مالي للأقرب فالأقرب، ويترك بعده أباه وجده، وأخاه وعمه، قال: يقسم ذلك عليهم قال: قدر حاجتهم وجدتهم، ويفضل الأقرب فالأقرب، فأرى الأخ أقرب، ثم الجد بعد، وإن كانوا إخوة ثلاثة مفترقين، فالأخ للأب والأم أقرب، ثم الأخ للأب. قلت: فإن كان الأخ الأقرب موسرا، والأبعد محتاجا. قال: ما أرى إلا أن يفضل بشيء، وإن كان غنيا على وجه ما أوصى به، ولا يكثر له. قال: وإن كان الذي أوصى به على هذه الوصية إنما هو حبس فالأخ أولى وحده ولا يدخل معه غيره. قال محمد بن رشد: قوله: يقسم ذلك عليهم على قدر حاجتهم، معناه: إن لم يكونوا ورثة، فالأب لا شيء له في هذه الوصية بحال؛ لأنه وارث على كل حال، وكذلك في كتاب ابن المواز في هذه المسألة إنه يقسم

مسألة: يوصي فيقول لفلان مائة ولا يسمي شيئا

عليهم بقدر حاجتهم، ويفضل الأقرب فالأقرب. قال محمد: قال مالك: ما لم يكونوا ورثة فإنا نرى أنه لم يرد بوصيته ورثته. وقوله: إن الأخ أقرب من الجد صحيح، أنه يجتمع مع الموصي في أبيه فهو أقرب إليه من جده، وكذلك ولد الأخ، وولد ولد الأخ وإن سفلوا هم أقرب من الجد وهذا على ترتيب القرب في ميراث الولد، فالأخ أولى، ثم بنوه وإن سفلوا، ثم الجد، ثم بنوه وهم الأعمام، وإن سفلوا ثم أب الجد، ثم بنوه، هكذا وإن كان الإخوة أو بنو الإخوة أو الأعمام أو بنوهم في درجة، فالشقيق أحق من الذي للأب ولما سأله عن الثلاثة الإخوة المفترقين، قال: إن الأخ الشقيق أقرب، ثم الأخ للأب وسكت عن الأخ للأم، إذ لا شيء له على مذهبه في أن من أوصى لقرابته، لا يدخل في ذلك قرابته من قبل الأم، إلا أن يكون له قرابة من قبل الأب وقد مضى الكلام على هذا في رسم أسلم من سماع عيسى، وقال: إنه يفضل الأقرب وإن كان موسرا على الأبعد، وإن كان محتاجا، وإن كان الأقرب محتاجا والأبعد موسرا فضل عليه من جهتين، وإن استووا في القرب وهم جماعة قسم ذلك بينهم بالاجتهاد في قدر الحاجة ولا يحرم الأغنياء. وقد قيل: إنه يساوي بينهم في ذلك. وذلك على اختلاف قول ابن القاسم في المدونة في الذي يوصي لأخواله وأولادهم. وقوله: وإن كان الذي أوصى به على هذه الوصية إنما هو حبس، فالأخ أولى وحده، ولا يدخل معه غيره، فمعناه: إذا كانت وصية بسكنى للأقرب فالأقرب وأما إن كانت وصية بحبس له غلة لتقسم الغلة على الأقرب. فالأقرب كل عام، فيدخل الأبعد مع الأقرب بالاجتهاد كما إذا أوصى بوصية مال للأقرب وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي فيقول لفلان مائة ولا يسمي شيئا] مسألة قال: وسألت ابن القاسم فيما أعلم عن الرجل يوصي فيقول:

مسألة: تصدق بصدقة وأمر أن يتصدق بها بدرهمين كل شهر

لفلان مائة، ولا يسمي شيئا ولا يدري ما أراد، قال: إن كان البلد إنما المال فيه الدنانير، والغالب عليها، فله الدنانير، وإن كانت بلد دراهم، والغالب عليها الدراهم فالدراهم، وإن كان بلد دنانير ودراهم جميعا فليس له إلا دراهم، ويعطى الأقل، حتى يستيقن غير ذلك إلا أن يكون لوصيته وجه، يستدل به أنه إنما أراد الدنانير أو الدراهم، فيعطى منها مثل أن يوصي فيقول: لفلان مائة دينار، ولفلان عشرة دنانير، ولفلان مائة، ولا يسمى هاهنا شيئا، فهذا ليس له إلا الدنانير، أو يوصي فيقول: لفلان مائة دينار ولفلان عشرة دنانير أو مائة درهم، ولفلان مائة ولا يسمي شيئا فهذا ليس له إلا الدراهم، وإن كان البلد بلاد دنانير، إذا كان هذا بساط الكلام، حتى يستدل به على ما أراد من وجه ذلك وبساطه، فيعمل فيه على ذلك. وقاله أصبغ. وهذا وجه ما سمعت منه وتفسيره. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية تفسير مجمل قوله في أول رسم الصلاة من سماع يحيى حسبما ذكرناه هناك. وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق بصدقة وأمر أن يتصدق بها بدرهمين كل شهر] مسألة قال: وسمعت ابن القاسم يقول في رجل تصدق بصدقة، وأمر أن يتصدق بها بدرهمين كل شهر على صرف اثني عشر بدينار، ثم صار الصرف عشرين بدينار، إن عليه سدس دينار كل شهر، بالغا ما بلغ، وكذلك أوصى صاحبها قال أصبغ: يعني إن في وصيته بدرهمين من صرف اثني عشر بدينار شرط. وقاله أصبغ وإن نقصت الدراهم عن اثني عشر لم يكن عليه إلا سدس، وإن لم يكن ذلك بشرط في الوصية ولا بيان، فالدرهمان راتبان كل شهر زاد الصرف أو نقص.

مسألة: يوصي عند موته يقول هذه الدار لابني فلان

قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن ذلك على قياس البيوع، لو باع رجل من رجل سلعة إلى أجل بدرهمين من صرف اثني عشر درهما بدينار لم يجب له الدرهمان إذ لم يسمها إلا ليبين بها الجزء الذي باع به من الدينار، فلا يكون له إذا حل الأجل إلا سدس دينار، زاد الصرف أو نقص. ولو باع منه سلعة إلى أجل بسدس دينار من سوم اثني عشر بدينار لم يجب له عليه إذا حل الأجل إلا درهمان، زاد الصرف أو نقص أيضا؛ لأنه لم يسم الجزء إلا ليبين به عدد الدراهم التي باع بها، وإذا باع بدرهمين أو بسدس دينار، ولم يقل من صرف كذا وكذا، فله ما سمى من جزء الدينار أو من عدد الدراهم. ومثل هذا في المدونة وفي سماع أشهب وسماع يحيى من كتاب الصرف. وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي عند موته يقول هذه الدار لابني فلان] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يوصي عند موته يقول: هذا المتاع، أو هذه الدار لابني فلان، كل ذلك من ميراث من أمه، وليس أحد يعلم ما يقول، ولا يشهد على ما سمى قال: لا يقبل قوله، إلا أن يعلم أنه قد كان لها مال أو عرض فإن علم ذلك، وأتى بأمر غير مستنكر، رأيت أن يقبل ذلك منه. قال محمد بن رشد: إقرار الرجل في مرضه بما في يديه من الدور والمتاع الذي لا يعرف ملكه لها، إنها لابنه من ميراثه في أمة، كإقراره في مرضه بالدين من ذلك، لا يجوز إلا أن يشبه قوله، ويعرف وجه إقراره بأن يعلم أنه كان لأمه من المال نحو ما أقر له به وكذلك في كتاب ابن المواز: إن إقرار الرجل في مرضه بالدين لابنه لا يقبل منه إلا أن يكون لذلك وجه أو سبب يدل وإن لم يكن قاطعا وإن كانت الدور التي أقر أنها لابنه من ميراثه في أمه يعرف ملكه لها لم يجز إقراره لابنه بها في مرضه على حال، ولو أقر له بها في

مسألة: أوصى أن فلانا خليفة على رقيق ولده

صحته، لكان إقراره له بها كالهبة تصح له إن حازها له بما يجوز به الآباء، لمن يلون أمرهم من الأبناء، على ما في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وفي غيره من المواضع، خلاف قول أصبغ في سماعه من الكتاب المذكور حسبما بيناه. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى أن فلانا خليفة على رقيق ولده] مسألة وسئل عن رجل أوصى أن فلانا خليفة على رقيق ولده، وأولئك الرقيق الذين يقومون بأمر ولده، أيكون بها خليفة للولد؟ قال: لا، إلا بما يقوم به العبيد لولده، ولا يكون بيده في ذلك بضع نكاح في ذكر ولا أنثى، ولا أمر مما يجوز للوصي. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الوصي كالوكيل، فإذا خص بشيء دون شيء لم يكن له أن يتعدى ما خص به. وبالله التوفيق. [مسألة: ميت مات فوجد في وصيته أن عبدي فلانا لفلان] مسألة قال: وسمعت أشهب وسئل عن ميت مات، فوجد في وصيته أن عبدي فلانا لفلان، ووجد في وصية له أخرى أن يباع من فلان، ولا مال له غيره، قال: يكون ثلث العبد بينهما أرباعا. للموصى له به ثلاثة أرباعه وللموصى له بالبيع منه ربعه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن من حق الذي أوصى له أن يباع منه أن يحط عنه من ثمنه ثلثه، فكان كأنه قد أوصى له بثلث رقبته فوجب أن يشتركا في ثلثه على قدر ما أوصى به لكل واحد منهما، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال أعطوا فلانا عشرة وفلانا السدس أي السدس يعطي] مسألة وسئل عن رجل أوصى فقال: أعطوا فلانا عشرة، وفلانا

مسألة: أوصى أن تشتري له رقبة تعتق عنه فاشترى الوصي مدبرا فأعتقه

عشرين، وفلانا السدس، أي السدس يعطي؟ أسدس الثلث؟ أم سدس المال؟ قال: بل سدس المال، أرأيت العشرة والعشرين، من أين أوصى بها؟ قيل: من المال قال: فكذلك السدس إنما هو من المال. قال محمد بن رشد: قد قيل: إن له سدس الثلث إذا كان قوله بعد وصية، وإنما يكون له سدس المال، إذا كان قوله بعد إقرار بدين، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه. حكى ذلك عنه محمد بن المواز وقال: هو من رأيه مثل رواية أصبغ هذه عن ابن القاسم، إن له سدس المال في المسألتين جميعا؛ لأنه إذا رأى له سدس المال، إن كان قوله بعد وصية، فأحرى أن يرى ذلك له إذا كان قوله بعد وصية ولكلا القولين وجه، فوجه قول ابن القاسم ما ذكره في الرواية، ووجه القول الآخر أنه لما احتمل أن يريد الموصى سدس المال وسدس الثلث لأنه الذي يتيقن به وما زاد عليه مشكوك فيه، ولا تكون الوصايا بالشك. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى أن تشتري له رقبة تعتق عنه فاشترى الوصي مدبرا فأعتقه] مسألة وسئل عمن أوصى أن تشتري له رقبة تعتق عنه، فاشترى الوصي مدبرا وهو لا يعلم فأعتقه، قال: لا يجوز عتقه، ولا يجزئ. قال محمد بن رشد: قوله: لا يجوز ولا يجزئ معناه لا يجوز عتقه، ويرد إلى سيده على تدبيره، ولا يجزئ إن فات رده إلى سيده بموت

مسألة: أوصى بشراء رقبة فتعتق عنه فاشتراها الوصي فأعتقها ثم استحقت

أو عيب، وكذلك لو اشتراه وهو يعلم أنه مدبر، فأعتقه عن الميت، يرد على هذا القول، ولا يجزئ عن الميت إن فات رده بموت أو عيب، ويضمن الوصي على قول أشهب، وأحد قولي ابن القاسم. وأما على القول بأن من اشترى مدبرا فأعتقه، لا يرد عتقه، وهو أحد قولي مالك إن اشتراه فأعتقه يجزئ عن الميت، إذ لا يرد عتقه، وهو قول ابن القاسم في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ من كتاب العتق، وسواء دلس له بذلك البائع أو اشتراه، وهو يعلم أنه مدبر، إن كانت الرقبة تطوعا، وأما إن كانت واجبة، فلا يجزئ عن الميت إن اشتراه وهو يعلم أنه مدبر وإن لم يرد العتق، ويضمن الوصي؛ لأن الرقبة الواجبة لا تشترى بشرط العتق، وإذا اشتراه وهو يعلم أنه مدبر فقد اشتراه بشرط العتق إذ لا يجوز أن يباع المدبر على غير العتق، فإن بيع على العتق مضى العتق ولم يرد على هذا القول، ولا يجوز عند مالك أن يباع المدبر ممن يعتقه، وإنما يجوز عنده أن يعطي سيده مالا على أن يعتقه، ويكون الولاء له. وقد وقع في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من كتاب الصدقات والهبات، ما ظاهره جواز ذلك، إلا أن يتأول على خلاف ظاهره. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بشراء رقبة فتعتق عنه فاشتراها الوصي فأعتقها ثم استحقت] مسألة وسئل عن رجل أوصى أن يشترى له رقبة بثلاثين دينارا فتعتق عنه فاشتراها الوصي فأعتقها، ثم استحق رجل نصفها، قال: فالمستحق بالخيار، إن شاء أجاز البيع وأخذ نصف الثمن، وإن شاء أخذ نصفها وقوم على الوصي ذلك النصف الذي استحقه المستحق، يقوم على الوصي في ماله، لا على الورثة. قال أصبغ: وقد كان قال لي قبل ذلك في ذلك المجلس: إنه إنما يقوم

مسألة: أوصى لقوم بوصايا ولرجل آخر أن ينفق عليه ما عاش

على الورثة، يعني في مال الميت. قال أصبغ: والورثة أعدل أن يقوم عليهم في ثلث الميت. قال محمد بن رشد: وإذا قوم على الوصي ذلك النصف اتبع هو البائع بنصف الثمن، فإن كان فيه فضل عما قوم به عليه، رد الفضل على الورثة، وإن كان فيه نقصان كان عليه، كما أنه لم يجد البائع، كانت المصيبة منه، وإذا قوم على الورثة في مال الميت على أحد قولي ابن القاسم، واختيار أصبغ فلا شيء على الوصي، وهم يتبعون البائع بنصف الثمن، ولا اختلاف في وجوب تقويمه على الوصي جار على ما تقدم من الاختلاف في وجوب تضمينه ما أخطأ فيه. وقد مضى القول على ذلك في أول السماع، وفي رسم الأقضية من سماع أشهب، وذكر ابن المواز قول ابن القاسم في إيجاب تقويم النصف على الوصي واستحسان قول أصبغ أن يقوم على الورثة قال: ولا يعجبني القولان، ولكن إن كانت الثلاثون بعينها، فلا يعتق إلا نصفه حتى يؤخذ من البائع بقيمة ثمنه فيتم به عتقه، وإن تكن بعينها، فليتم عتق ما بقي منه من ثلث ما بقي، بعد أن يسقط منه نصف الثلاثين التي تلفت عند البائع، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لقوم بوصايا ولرجل آخر أن ينفق عليه ما عاش] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم قال في رجل أوصى لقوم بوصايا، ولرجل آخر أن ينفق عليه ما عاش، فمات الموصى له بالنفقة إنه يحاص ورثة الموصى له بالنفقة أهل الوصايا في جميع الثلث، بقدر ما عاش صاحبهم بعد موت الموصي بنفقة مثله فيه. قال: ويحاص من يوم مات الموصي ليس من يوم يجمع المال أيضا لأن صاحبهم لو كان حيا كان يعمر على ذلك، ويحاص بما يصيبه، فيدفع إليه، أو وقف له. فإن مات قبل أن يستنفده رجع

أهل الوصايا في ذلك الفضل، حتى يستوعبوا وصاياهم كاملة، وتكون الفضلة فيه بعد لورثة الموصي فإن بلغ ما عمر واستنفذ لم يرجع على أهل الوصايا في شيء ولم يعمر أيضا ثانية يوم يرجع؛ لأنه قد اجتهد له، واجتهد فيه، وتطاول، فكأنه حكم حكم به، ووقع ومضى. وهذا أحب إلي من الرجوع. والقياس في الرجوع في التعمير ثانية، ومن وراء ذلك، فإنما يعمر يوم يرجع ثانية، فيرجع على أهل الوصايا بما يصيبه في ذلك على كل واحد منهم، بقدر ما صار له في نصيبه من ذلك، مليا كان أو معدما، ولا يرجع على الملي بأكثر من الذي يصيبه في ذلك، وإنما يتبع المعدم بمنزلة وصية طرأت بعد اقتسام أهل الوصايا الثلث، وشهد على وصية الميت بها، ولم يكن علم بها، وإنما يرجع صاحبها على أهل الوصايا على كل واحد منهم بما كان يصيبه في المحاصة أن لو حاص بها معهم يومئذ في الأول ثم يوقف لذلك المعمر ما أخذ من ذلك، ويصنع فيه كما فسرت لك أولا لمن يرى الرجوع ثانية، ولست أراه. وقالها أصبغ كلها إلا قوله في نفقة المعمر: إنها توقف إن مات قبل أن يستنفذوه رجع إلى أهل الوصايا، وإن استنفذه لم يرجع فهذا محال، ولا يجتمعان من رأى أن لا يرجع إذا استنفذ مضى له ما أخذ في التعمير والمحاصة بتلا مالا من ماله، يصنع به ما شاء، وهذا رأيي، ولا أعلم ابن القاسم إلا رجع إليه وقاله، لا شك فيه إن شاء الله. ومن رأى أنه يرجع على أهل الوصايا، رده في المحاصة، ويعمر ما بقي، ورجع على أهل الوصايا إذا استنفذه والقياس الذي عليه أهل الكلام وصحة ذلك أن يوقف، ويكون لأهل الوصايا إن لم يستنفذه، ويرجع عليهم إن استنفذه، ولا يبتل له عند المحاصة، فتحال وصية الميت عما أوصى به. وهذا رأي أشهب،

: أوصى فقال ثلثي لولد عبد الله بن وهب

وأنا أقول بقول ابن القاسم، في إبتال ذلك له حكما عند إحالة الوصايا استحسانا، كالخدمة يوصي بها لرجل أو السكنى فتحول الوصايا فيضرب له بقيمتها أو يعطى ذلك بتلا يصنع به ما شاء، ولا يجعل في سكنى ولا خدمة ولا يوقف عنه، ولو كانت داره لأوقفته ولو أوقفه لذلك عنه لجعلت له الرجوع، ولا أوقفه وأبتله له يصنع به ما شاء مالا من مله، ويسقط عنه ما سوى ذلك استنفذه أو لم يستنفذه. وتفريق ابن القاسم بين ذلك محال. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، وفي رسم العربية من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [: أوصى فقال ثلثي لولد عبد الله بن وهب] ومن كتاب الوصايا والأقضية قال سحنون: وسئل عن رجل أوصى، فقال: ثلثي لولد عبد الله بن وهب: أيدخل ذكور ولد عبد الله بن وهب في ذلك؟ فقال: نعم قيل له: فبنات عبد الله الإناث، أيدخلون في ذلك؟ قال: لا إنما أراد بذلك الذكور فقط، إلا أن يقول: ثلثي لبني عبد الله فيدخل الذكور والإناث من ولد عبد الله، قيل له: فإن قال لبني عبد الله فتوفي واحد، وولد اثنان والموصي حي، ثم مات، قال: يدخلان إنما هو على من أدركه القسم. قال أصبغ: بني عبد الله، يجمع الذكر والأنثى وولده يجمع الولد وولد الولد الذكور. قال محمد بن رشد: إنما سأله هل يدخل ذكور ولد عبد الله بن وهب في وصية الرجل لولد عبد الله بن وهب؟ من أجل أنهم جماعة، والموصي إنما

أوصى بلفظ الواحد، فقوله: إنهم يدخلون كلهم صحيح لا إشكال فيه؛ لأن الولد يقع على الواحد وعلى الجميع، وعلى الذكر والأنثى أيضا وقوعا واحدا؛ لأنه اسم للجنس قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» . ولم يقل: أنا سيد أولاد آدم. وإنما قال في هذه الرواية: إنه لا يدخل في وصيته لولد عبد الله بناته، وإن كان الولد يقع على الواحد وعلى الجميع، وعلى الذكر والأنثى وقوعا واحدا في اللسان العربي من أجل أن الولد قد يعرف عند عامة الناس بالولد الذكر، دون الأنثى فإذا سألت منهم من له بنات، هل له ولد؟ يقول: لا ولد لي، وإنما لي بنات، فلما كان لا يعرف أن الولد يقع على الذكر والأنثى إلا الخاص من الناس، حمل قول الموصي على ما يعرف من مقصد عامتهم، فهذا وجه هذه الرواية. والمشهور في المذهب أن يحمل قول الموصي على ما يقتضيه اللسان العربي، وهو نص ما في المدونة. قال فيها فيمن أوصى لولد فلان: إنه يدخل في ذلك ذكور ولده وإناثهم ونحوه في الموطأ وفي الحبس من العتبية في غير ما موضع من سماع ابن القاسم وسماع عيسى. وقد قال ابن لبابة في هذه الرواية: إنها خلاف القرآن قال الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] فالناس مجمعون على أنه إذا أراد الذكران والإناث. وقال أيضا: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12] قيل له: فلو نزل هذا ما كنت تقول قال: أعوذ بالله من مخالفة القرآن، وهو تحامل منه في القول، إذ ليست الرواية بمخالفة للقرآن كما قال؛ لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، كما قال عز وجل فوجب أن تحمل ألفاظه على ما يقتضيه في اللسان العربي. وأما الموصي

مسألة: أوصى فقال ثلث مالي لإخوتي وله ستة إخوة

فإنما تحمل ألفاظه المحتملة على ما يغلب على الظن أنه أراده بها، فمرة غلب على ظنه أنه أراد بالولد ما يقتضيه اللسان، ومرة غلب على ظنه أنه أراد به ما يعرفه عامة الناس، وعلى هذه الرواية لا شيء في الوصية لولد ذكور عبد الله، وأما إذا قال: ثلثي لبني عبد الله، فلا اختلاف في أنه يدخل في ذلك الذكور والإناث من ولد عبد الله ويدخل فيه من ولد قبل موت الموصي إلا أن يسميهم بأسمائهم. ويختلف فيمن ولد بعد موت الموصي وفي من مات بعد موته. فعلى قوله في هذه الرواية: إن ذلك على من أدركه القسم يسقط حق من مات، ويدخل من ولد. وقد قيل: إنه لا يسقط حق من مات، ولا يدخل من ولد. وهذا على اختلاف قول ابن القاسم في المدونة في الذي يوصي لأخواله وأولادهم مرة حملهم على المعينين، فقال: إن المال يقسم بينهم بالسواء، فعلى هذا لا يسقط حق من مات، ولا يدخل من ولد. ومرة قال: يقسم بينهم بالاجتهاد، فعلى هذا يسقط حق من مات، ويدخل من ولد، ويقسم على من أدرك القسم، وهو قوله في هذه الرواية، ومثله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، في الذي يوصي لقوله أو لبني عمه. وانظر مسألة رسم الوصايا من سماع أشهب، ولا يدخل في ذلك على هذه الرواية أحد من ولد الولد، فقول أصبغ: إن بني عبد الله يجمع الذكر والأنثى، يريد من بنيه دنية ولا يدخل في ذلك أحد من ولد ولده، وقوله: وولد بجمع الولد وولد الولد الذكور، يريد أنه يجمع الولد ذكورهم وإناثهم وولد الولد الذكور منهم، ذكورهم وإناثهم وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال ثلث مالي لإخوتي وله ستة إخوة] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن رجل أوصى فقال: ثلث مالي لإخوتي وله ستة إخوة مفترقين: إخوان لأم وأب وإخوان لأم، وإخوان لأب وليس له وارث غيرهم، فقال: هو ميراث، لا يجوز وصية لوارث.

مسألة: أوصى لقوم بوصايا ولرجل آخر أن ينفق عليه ما عاش

قلت له: إن الأخوين للأب، لا يرثان هاهنا شيئا، إنما يرث الإخوان للأب والأم، والإخوان للأم الثلث، قال: يعزل هذا الثلث، ويكون ثلث الثلثين الباقيين للأخوين للأم، وثلثا الثلثين للأخوين للأب والأم، وينظر إلى هذا الثلث، فما كان يصير للأخوين للأب والأم، والأخوين للأم منه فهو ميراث قال أصبغ: وتفسير قوله هذا: أن يقسم الثلث على الستة الإخوة بالسواء، فما أصاب الأخوين للأب من ذلك وهو ثلثه، فهو لهما، ومما صار للأخوين للأب والأم والأخوين للأم، فهو ميراث على كتاب الله مع ثلثي المال؛ لأنه لا تجوز وصية لوارث. قال أصبغ: فقيل له: فإن كان له ابن هو وارثه، وله هؤلاء الإخوة، فقال: ثلثي لإخوتي فتوفي ابنه، ثم توفي هو بعد ذلك، وصاروا هم أوراثه، فقال: هي مثل هذه الأولى سواء قال أصبغ: هو كما قال في استواء المسألتين هما مستويتان، والجواب فيهما على غير ما قال في التحاص. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها. وقول أصبغ والجواب فيهما على غير ما قال في التحاص خطأ وقع في الرواية من الناسخ، فتداولها النقل على ذلك الظن، للظن أن لذلك وجها، ولا وجه لها. وصوابها والجواب فيها على ما قال في التحاص، إذ لا فرق بين أن يوصي الرجل لوارثه، وبين أن يوصي له وهو غير وارث، ثم يصير وارثا بموت من كان يحجبه عن الميراث وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لقوم بوصايا ولرجل آخر أن ينفق عليه ما عاش] مسألة وقال في رجل أوصى لقوم بوصايا، ولرجل آخر أن ينفق عليه ما عاش مما بقي من ثلثه، فلم ينفذ ذلك الوصي حتى مات الموصي

مسألة: أوصى فقال ثلثي لفلان ولفلان عشرة دنانير

له بالنفقة حياته. قال: يعطي أهل الوصايا وصاياهم، فإن فضل عن الثلث شيء أعطى ورثة الموصى له بالنفقة قدر ما عاش صاحبهم بعد موت الموصي، يعطي من يوم مات الموصي ليس من يوم يجمع المال، فما فضل رجع إلى ورثة الموصي، وقاله أصبغ، ولو لم يمت وبقي حتى يجمع المال، جمع له ما كان يصيبه من النفقة من يوم مات الميت، وأعطيه، ولم يطرح عنه ما بين الموت إلى جمع المال، وتنفيذ الوصية، فكذلك يكون له بعد موته، والوصية في مثل هذا فيما يرى من يوم مات الموصي. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في الرسم الذي قبل هذا لأن النفقة واجبة له من يوم مات الموصي، فإن كان حيا حسبت له نفقته من يوم مات الموصي في بقية الثلث، وإن كان قد مات كان ذلك لورثته ميراثا عنه وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال ثلثي لفلان ولفلان عشرة دنانير] مسألة قال أصبغ: سألت ابن وهب عن رجل أوصى فقال: ثلثي لفلان، ولفلان عشرة دنانير، ولا ينقصوا صاحب الثلث شيئا. قال: فالثلث كله له، وليس لهؤلاء شيء، من أين يأخذون وصاياهم إذا قال: لا تنقصوا صاحب الثلث شيئا؟ قلت: وكذلك لو أوصى فقال: لفلان ثلث مالي ولفلان عشرة دنانير، ولا تنقصوه من العشرة شيئا، والثلث عشرة. قال لي: نعم أراها تشبه الأولى. والله أعلم. قلت: تكون العشرة له كلها ويسقط الذي أوصى له بالثلث، فقال: هكذا قال، لا تنقصوه من العشرة شيئا، قيل له: سواء

مسألة: يوصي لقرابته بمال كيف يقسم

كانت العشرة مقدمة في اللفظ قبل الثلث أو مؤخرة، فقال: ثلثي لفلان ولفلان عشرة، ولا تنقصوه شيئا أو قال: لفلان عشرة، ولا تنقصوه شيئا، وثلث مالي لفلان، قال: نعم، سواء كانت مقدمة أو مؤخرة إلا أن يتبين له أنه فسخ. وقاله أصبغ كله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا وجه للقول فيها وبالله التوفيق، لا إله إلا هو. [مسألة: يوصي لقرابته بمال كيف يقسم] مسألة قال: وسمعته يقول في الرجل يوصي لقرابته بمال، إنما يقسم ذلك على الأقرب فالأقرب من نحو أبيه، ويبدأ بالفقراء منهم حتى يغنوا من تلك الوصية، فإن فضل عنهم شيء عطف به على من بقي من أقاربه من الأغنياء. قال: وقد رأيت مالك بن أنس يرى أن أهل الرجل عصبة، يعني إذا أوصى بمال أن يقسم في أهله. قال ابن وهب: وما أوصى به على مساكينه، فإن مساكينه من يرجع إليه نسبه ومواليه الذين هم موالي عتاقة قال ابن القاسم: ونحن نرى إذا كان المال واسعا أن يؤثر بذلك القرابة، الأقرب إليه فالأقرب، ويعطي مواليه من ذلك، ولا يحرموا إذا كانوا مساكين، فالوصي ينظر على قدر الاجتهاد، ولا يخيب هؤلاء ولا هؤلاء لأنه إنما قال على مساكينه، ولم يقل على أقاربه. قال أصبغ: أرى ذلك حسنا على ما اشترط في الفتيا. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم أسلم من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

مسألة: مات الموصى إليه وأوصى إلى رجل آخر بوصيته

[مسألة: مات الموصى إليه وأوصى إلى رجل آخر بوصيته] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن رجل أوصى ثم مات الموصى إليه، وأوصى إلى رجل آخر بوصيته ووصية الرجل الأول، فقال الموصى إليه الثاني: أما وصيته، فأنا أقبلها، وأما وصية الأول فلا أقبل؛ لأن فيها ديونا وتخليطا أترى ذلك له؟ قال: نعم، ويرفع ذلك إلى القاضي حتى يستحلف على ذلك، قال أصبغ: لا أرى ذلك؛ لأن وصية الأول من وصية الثاني، فليقبل على وجهها أو ليدع، فإن قبل بعضها فأراه قبولا للجميع وتلزمه كله. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب أظهر من قول أصبغ أن يلزمه ما التزم، ويقدم القاضي على وصية الرجل الذي لم يلتزم، ووجه قول أصبغ أن الموصي إنما أوصى إليه بالجميع، فإما قبل الجميع، وإما رد الجميع، ورأى أنه إذا قبل البعض فقد لزمه بالقبول له النظر فيه، والنظر فيه وحده، ليس له إذا لم يجعل إليه النظر، إلا في الجميع، فألزمه الجميع، إذ ليس له أن تبعض عليه وصيته. وبالله التوفيق. [مسألة: ترك ثلاثة من الدور وأوصى لرجل بخمسة دنانير] مسألة وسئل عن رجل توفي وترك ثلاثة من الدور، قيمة كل دار مائة دينار، وأوصى لرجل بخمسة دنانير، فقال الورثة: ليس عندنا شيء نعطيه، ولن نعطيه شيئا قال: يخير الورثة، إما أن يعطوه ما أوصى له به، وإما أن يقطعوا له بثلث ما ترك الميت، قيل له: أو لا يبيع له السلطان من تلك الدور بقدر الخمسة، ويترك ما بقي للورثة؟ قال: لا ولكن يخيرون، وذكره عن مالك بن أنس فقال له أصبغ: قد روى ابن القاسم مثله عن مالك في المال الغائب والمفترق.

مسألة: أوصى فقال لموالي كذا وكذا لشيء سماه لكل واحد منهم

قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة، وعلى ما تقدم في رسم المكاتب من سماع يحيى وعلى ما حكى أصبغ في الرسم الذي قبل هذا عن مالك وجميع أصحابه، فعلى الورثة على مذهبهم أن يعجلوا للموصي له الخمسة الدنانير التي أوصى له بها، بأن يبيعوا فيها معجلا ما شاء ومما ترك الميت من دار أو غير ذلك مما يمكن بيعه، وليس لهم أن يؤجلوا في ذلك ليشدوه لبيع طلب الزيادة فيه إن كان أصلا ولا ليبيعوه على الطالب أو ينتظروا به الأسواق إن كان عرضا، ويقال لهم: إما أن تعجلوا له الخمسة، وإما أن تقطعوا له بثلث الميت في كل شيء، وكذلك لو كان جميع مال الميت دينا مؤجلا، لقدرتهم على بيعه بما تباع به الديون، وأما لو كان مال الميت مالا يجوز بيعه، كالزرع الذي لم يحل بيعه، أو الثمرة التي لم يبد صلاحها لوجب على الموصى له بالنقد الانتظار حتى يحل بيع مال الميت، إذ ليس على الورثة أن يعجلوا ذلك من أموالهم، وأصبغ يخالف في هذا كله على ما تقدم من قوله في الرسم الذي قبل هذا وروى ابن أبي جعفر عن ابن القاسم نحو قول أصبغ. وقد تقدم ذكر ذلك في رسم المكاتب من سماع يحيى وقوله: إن الإمام لا يبيع له من الدور بخمسة صحيح، إذ ليس ذلك بواجب على الورثة، فيحكم به عليهم، كما أن الإمام لا يبيع على الرجل ماله في النفقة على زوجته، وإنما يقول له: أنفق أو طلق، فكذلك هذا. وأهل العراق يقولون: إذا لم تحمل وصيته ثلث ما حضر من ماله، وله مال غائب، أعطي من وصيته قدر ما حمل منها ثلث المال الحاضر، وتكون بقيتهما في المال الغائب، قالوا: ولا يقطع له لغيبة بعض المال بأكثر مما أوصى له به وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال لموالي كذا وكذا لشيء سماه لكل واحد منهم] مسألة قال أصبغ: قال لي ابن وهب في رجل أوصى فقال: لموالي كذا وكذا لشيء سماه لكل واحد منهم، وله موالي أعتقهم، وله

مسألة: أوصى فقال أعطوا فلانا ثلث مالي وخيروه

أنصاف مماليك، كانوا بينه وبين آخر، فأعتق نصيبه، فقال: أرى أن يعطى أولئك الأنصاف، يعطى كل واحد منهم نصف ما يعطى المولى التام، إن كان جعل لكل عشرة عشرة، فلهؤلاء خمسة خمسة، وإن كان جعل لهم أربعة أربعة، فلهؤلاء ديناران ديناران لأن هؤلاء الأنصاف ليس ينتسبون إليه وحده. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم سلف من سماع عيسى فلا وجه لإعادته. [مسألة: أوصى فقال أعطوا فلانا ثلث مالي وخيروه] مسألة وسئل عن رجل أوصى فقال: أعطوا فلانا ثلث مالي وخيروه أتراها وصية؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: كما قال: إنها وصية، إلا أنها وصية جعل إليه فيها الخيار، فلا تجب له حتى يختار، ويقبل باتفاق وأما إذا أوصى له ولم يخيروه، فقيل أيضا: إنها لا تجب له حتى يقبل بعد موت الموصي، وهو المشهور، وقيل: إنها تجب له بموت الموصي قبل القبول فعلى هذا إن مات الموصى له بعد موت الموصي قبل أن يقبل أو يرد يجب لورثته، ولا يكون لهم أن يردوها لورثة الموصي إلا على سبيل الهبة إن قبولها، وعلى القول الأول ينزل ورثة الموصى له منزلته في القبول إن مات قبل أن يقبل، وقد قيل: إنها تبطل إن ما قبل أن يقبل حكى ذلك عبد الوهاب عن أبي بكر الأبهري، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بمزود جديدة ثم لتها بسمن وعسل ومات] مسألة وسمعت ابن وهب قال: وسئل عن رجل أوصى لرجل بمزود جديدة ثم لتها بسمن وعسل ومات، أتراه رجوعا في الوصية؟

مسألة: أوصت ودعت شهودا أن ما بقي من الثلث لليتامى والمساكين والأرامل

قال: لا قيل له: إن الطعام لا بد لهم منه، قال: لهم طعام، وطعام قد صنعه، واحتج أيضا فقال: وكذلك لو أوصى له بعبد ثم علمه الكتابة بعشرة دنانير، إن هذا ليس برجوع أيضا. قال أصبغ: ليس هذا برجوع ولا تكون له بلتاتها، ولكن يكون شريكا فيها بقدرها من قدر اللتات بمنزلة الثوب يوصي له به أبيض، ثم يصبغه، والبقعة تراحا ثم يبنيها. قال محمد بن رشد: تنظير أصبغ، مسألة الذي يوصي بالجديدة، ثم يلقنها بمسألة الذي يوصي بالثوب ثم يصبغه، صحيح، يدخلها من الاختلاف ما دخلها. قيل: إنه يكون للموصى له مصبوغا، فعلى هذا تكون الجديدة له ملتتة، وهو مذهب ابن وهب، بدليل تنظيره لذلك بالذي يوصي بالعبد لرجل، ثم يعلمه الكتابة، إذ لا يكون الورثة شركاء فيه بقيمة الكتابة، إذ ليست بعين قائمة. وقد مضى تحصيل هذه المسألة في نوازل سحنون فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصت ودعت شهودا أن ما بقي من الثلث لليتامى والمساكين والأرامل] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن امرأة أوصت ودعت شهودا فقالت: هذه وصيتي مطبوعة اشهدوا على ما فيها لي، وعلي وقد أسندتها إلى عمتي، وما بقي من ثلثي فلعمتي، فماتت، ففتح الكتاب، فإذا فيه ما بقي من ثلثي فلليتامى والمساكين والأرامل. قال: أرى أن يقسم بقية الثلث بينهما يريد بين العمة وبين الصنوف الآخرين بنصفين بالسواء، بمنزلة أن لو كانا رجلين وسألت عنها ابن القاسم فقال: لي مثله. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على القول بإجازة الشهادة على

مسألة: قال أوصيت لأبي محمد بما ولدت جاريتي هذه أبدا

الوصية المطبوعة. وقد مضى في رسم الأقضية من سماع أشهب ما يجوز من ذلك مما لا يجوز، وما اختلف في إجازته منه، فلا معنى لإعادته. وعلى مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، في أن من أوصى لرجل بشيء ثم أوصى به لغيره، يقتسمانه بينهما ولا تكون وصيته الآخرة ناسخة للأولى خلاف قول أشهب في سماع زونان وقد مضى الكلام على ذلك هنالك. وبالله التوفيق. [مسألة: قال أوصيت لأبي محمد بما ولدت جاريتي هذه أبدا] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عمن قال: قد أوصيت لأبي محمد بما ولدت جاريتي هذه أبدا. قال: إن كانت يوم أوصى حاملا فهو له، قيل له: فإن لم تكن حاملا يوم أوصى قال: فلا شيء له. قلت: فإن حدث بها حمل بعد، قال: فلا شيء له لأنها صارت، أو قال: تصير لقوم آخرين، قلت: أفيبيع الجارية سيدها؟ قال: نعم يبيعها إن شاء. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه أوصى له بما ولدت جاريته ثم مات، ولذلك قال: إن كانت حاملا يوم أوصى له فهو له، وإن حدث بها حمل بعد فلا شيء له، وأما إن لم يمت حتى ولدت أولادا فله كل ما ولدت في حياته، كانت حاملا يوم أوصى، أو لم تكن إلا أن يبيعهم أو يرجع عن وصيته فيهم؛ لأنه إذا جاز للرجل أن يهب للرجل ما تلد جاريته حياتها. جاز أن يوصي بذلك، فيكون للموصي له ما ولدت في حياة الموصي، فإن مات وهي حامل فحملها الثلث، وقفت حتى تضع فيأخذ الموصى له بالجنيين الجنين، ثم يتقاومون الأم والجنين ولا يفرق بينهما، ولم يجز للورثة أن يعطوا الموصى له شيئا على أن يترك وصيته في الجنيين، قال

: اليتيم إذا أنس منه الرشد أتدفع إليه وصية ماله بغير إذن الإمام

ذلك في المدونة وغيرها، وإن لم يحملها الثلث، فأحب الورثة أن يوقفوها له حتى تضع، فذلك لهم، وإن كرهوا لم يكن ذلك عليهم، وسقطت الوصية لأنها وصية فيها ضعف قال ذلك ابن حبيب في الواضحة واختلف إن أعتق الورثة الأمة والثلث يحملها، فقيل: يعتقها في بطنها بعتقها، وتبطل الوصية به، وهو الذي في المدونة وقيل: إنه لا عتق لهم فيها حتى تضع، وهو قول أصبغ في الواضحة وأما إن كان الثلث لا يحملها، فعتقهم فيها جائز. وبالله التوفيق. [: اليتيم إذا أنس منه الرشد أتدفع إليه وصية ماله بغير إذن الإمام] ومن كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: وسمعته يقول في اليتيم إذا أنس منه الرشد أتدفع إليه وصية ماله بغير إذن الإمام؟ قال: إذا كان أمر قد تبين للناس فنعم، ولا ضمان عليه، وإلا فلا إلا بأمر الإمام. فإن تعدى ذلك فهو ضامن إذا كان يشك في أمره. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم سلعة من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق. [: قال ثلثي لفلان وفلان ثم قال بعد ذلك ولفلان مائة] ومن كتاب الوصايا للصغير مسألة قال أصبغ: قال ابن القاسم: من قال: ثلثي لفلان وفلان ثم قال بعد ذلك: ولفلان مائة، أو أعطوا فلانا مائة لأحد الثلاثة، ضرب له بالأكثر المائة التي كانت التي سمى أو مبلغ ثلث الثلث يحاص بأكثرهما فقط؛ لأنهما وصيتان أي بمال، قال أصبغ: فيها شيء، ولها تفسير.

مسألة: يوصي لرجل بربطة ثم يقطعها قبل أن يموت قميصا

قال محمد بن رشد: قوله: إنه يحاص الذي أوصى له بالمائة بالأكثر منها أو من ثلث الثلث، صحيح على المشهور في المذهب، من أن من أوصى له بوصيتين من جنس واحد، يكون له الأكثر من الوصيتين، والتفسير الذي لها عند أصبغ، هو ما روي عنه من أنه إذا أوصى له بمائة دينار، ثم أوصى له بثلثه في وصية أخرى، فإن كان ماله كله عينا ضرب بأكثر الوصيتين، وإن كان عينا وعرضا ضرب له بثلث العروض، ونظر إلى ثلث العين، فإن كان أقل من مائة أو أكثر، ضرب له بالأكثر، وإن كان ماله عرضا كله، ضرب بالثلث وبالمائة، وإن لم يكن معه أهل الوصايا، فإنما له الثلث، إلا أن يجيز له الورثة الوصيتين جميعا والظاهر من مذهب ابن القاسم أن له الأكثر من الوصيتين، وأنه يحاص بذلك إن كان معه أهل الوصايا سواء كان ماله عينا أو عرضا أو عينا وعرضا. وقد حمل سحنون قول أصبغ على التفسير لقول ابن القاسم، فقال: معناه: إذا كان مال الميت كله عينا، واختلف في ذلك قول أشهب، فقال مرة مثل قول أصبغ وسحنون، وقال مرة: إذا أوصى له بالثلث وبمائة أو عبد ضرب بالوصيتين جميعا فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: إنه يحاص الأكثر من الوصيتين، كان ماله عينا أو عرضا وكانت الوصية له بعين أو عرض، وهو ظاهر قول ابن القاسم. والثاني: إنه يحاص بالأكثر من الوصيتين جميعا من غير تفصيل، وهو أحد قول أشهب. والثالث: التفصيل الذي لأصبغ وسحنون، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي لرجل بربطة ثم يقطعها قبل أن يموت قميصا] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يوصي لرجل بربطة ثم يقطعها قبل أن يموت قميصا قال: لا أرى له شيئا. وسئل عن الذي يوصي لرجل بجارية فيطؤها، فقال: إن الوصية له ثابتة إذا أقرها وليس الجارية، ووطؤها من هذا. وأخبرت عن ابن القاسم في السفينة يوصي بها لرجل فينقضها كلها لا

مسألة: أوصى لرجل بألف درهم على مكاتبه

شيء له؛ لأنها قد حالت. وفي الذي يوصي لرجل ببقعة فيبنيها، إنهم شركاء على قيمة العرصة والبنيان، سمعتها منه. قال أصبغ: وهذا كله رأيي وقولي وإنما نقض السفينة بمنزلة تقطيع الربطة فهو رجوع، وإنما وطء الجارية بمنزلة لباس الثوب وبمنزلة خدمتها، فليس ذلك رجوعا في الوصية، وكذلك سكنى الدار وإنما الرجوع بالبيع والإحداث وشبهه. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن الوصية بالجارية لا تبطل بوطئها ولا باستخدامها، ولا في أن الوصية بالدار لا تبطل بسكناها. وأما الذي يوصي بالربطة ثم يقطعها قميصا، فقيل: إن الوصية تبطل بذلك، وقيل: إنها لا تبطل، وقيل: إنها تبطل إن سماها ربطة ولا تبطل إن سماها حين أوصى بها ثوبا وشبهها، كما قال في السفينة يوصي بها ثم ينقضها فتبطل الوصية بذلك فيها، على قياس قوله في الربطة يوصي بها ثم يقطعها قميصا. وقد مضى تحصيل الاختلاف في الذي يوصي بالبقعة لرجل ثم يبنيها أو بالدار ثم يهدمها في نوازل سحنون، فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بألف درهم على مكاتبه] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل أوصى لرجل بألف درهم على مكاتبه فقال الورثة للموصى له: نحن نعطيك الألف، وتكون جميع الكتابة والعبد لنا فأبى ذلك وقال: يكون لي في العبد والكتابة لعله يعجز، قال: ليس ذلك له، وذلك للورثة إذا دفعوا إليه الألف؛ لأنه يأخذ ما سمى له الألف درهم فليس له غير ذلك.

قال محمد بن رشد: لم يفرق في هذه الرواية بين أن تكون الألف قد حلت على المكاتب أو لم تحل عليه، بل الظاهر منها أنها لم تحل عليه فهي إذا حلت أحرى أن لا يكون للموصى له في ذلك قول ولا حجة، فذلك خلاف ما في رسم الوصايا من سماع أصبغ من كتاب المكاتب في الذي يوصي بنجم من نجوم مكاتبه، فيقول الورثة: نحن ندفع إليك النجم، ويقول الموصى له: لا أرضى بذلك لعله أن يعجز فيكون لي فيه حق، فقال: إن كان النجم لم يحل فذلك له، وإن كان قد حل، فذلك لهم، وهو أظهر من قوله في هذه الرواية؛ لأن الموصى له ينزل بالوصية فيها على المكاتب بمنزلة المشتري، ولا اختلاف في أن المشتري لجزء من كتابة المكاتب، أو لنجم غير معين من نجومه، على القول بجواز ذلك، لا يكون للشريك أن يدفع للمشتري ماله على المكاتب، ويتبع بذلك المكاتب، فيكون أحق برقبته إن عجز. والوجه في هذه الرواية أن الموصي إنما قصد إلى الوصية بالألف بالرقبة إن عجز، فإذا أعطى الورثة الموصى له ماله على المكاتب، وعجلوا ذلك له لم تكن له حجة، فعلى هذه الرواية لو لم يعجل الورثة له بالألف فعجز لم يكن للموصى له بها حق في رقبة المكاتب. وهذا على القول بأن لموهوب كتابة المكاتب لا تكون رقبته إن عجز، وهو أحد قولي ابن القاسم في روايتي أبي زيد عنه في كتاب المكاتب، إذ لا فرق بين الوصية والهبة في هذا. وقد قيل: إن معنى هذه الرواية أن الألف كانت حالة على المكاتب، فليست بخلاف لما في سماع أصبغ من كتاب المكاتب، ولو دفع إليه الورثة الألف قبل أن يعجز على القول بأن رقبته كانت تكون له لو عجز، فعجز المكاتب فيها قبل أن يدفعها إليهم أو فيها بقي من الكتابة بعد أن دفع الألف إليهم، كانت رقبته لهم ولم يكن للموصى له أن يرد الألف إليهم ويشاركهم في الرقبة كما يكون للموصى لهم بالكتابة إذا قبض بعضهم ما أوصى له به منها إن عجز في حظ الباقيين منهم؛ لأن الموصى لهم إذا انفردوا بالكتابة في ذلك بمنزلة الورثة قيل: إنهم بمنزلتهم إذا قبض أحدهم حقه بشيء يبدأ صاحبه في

مسألة: إقرار الرجل لوارثه في الصحة بدين

أنه ليس له الدخول معه في الرقبة إذا عجز في نصيبه، إلا أن يرد ما قبض وقيل: إنهم بمنزلتهم إذا قبض أحدهم حقه دون أن يبديه صاحبه به، في أن له الدخول معه في الرقبة إذا عجز في نصيبه من غير أن يبديه ما قبض وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله في رسم الوصايا من سماع أصبغ من كتاب المكاتب وبالله التوفيق. [مسألة: إقرار الرجل لوارثه في الصحة بدين] مسألة وسمعته وسئل عن الرجل يموت فيترك عمه ولا وارث له غيره وغير أمه، فيطالب العم مورثه، فتقوم الأم بدين كان أقر لها به في الصحة، فقال: لا كلام للعم. قلت: أرأيت إن طلب منها اليمين، إن ذلك كان توليجا؟ قال أصبغ: أما في الحكم فلا يلزمها. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب، أن إقرار الرجل لوارثه في الصحة بدين جائز وإن لم يقم به إلا بعد موته. وقال ابن كنانة: يجوز إقراره له في حياته، ولا يجوز بعد وفاته، إلا أن يعرف لذلك سبب، مثل أن يكون باع له رأسا وأخذ له من موروث شيئا. وقال بمثل قوله المخزومي وابن أبي حازم، ومحمد بن سلمة الفدكي، وقول أصبغ في اليمين: إنه لا يلزمها في الحكم، يريد من أجل أنها يمين تهمة. فقوله على القول بسقوط يمين التهمة، على قياس المشهور في المذهب من أن الإقرار عامل جائز نافذ، وإن لم يقم به إلا بعد الموت والأظهر في هذه المسألة لحوق اليمين، مراعاة لقول من لم يعمل الإقرار بعد الموت. وبالله التوفيق.

: يوصي فيقول غلامي مرزوق لمحمد ولسعيد مثله

[: يوصي فيقول غلامي مرزوق لمحمد ولسعيد مثله] مسائل نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج وسئل أصبغ عن الرجل يوصي فيقول: غلامي مرزوق لمحمد، ولسعيد مثله. قال: يعطي مرزوقا محمدا ويشتري لسعيد مثله في قيمته ونحوه فيعطاه. قلت: له فلو قال: عبدي مرزوق لمحمد، ولسعيد مثله. قال: هذا خلاف الأول وأراه بينهما بنصفين؛ لأنه حين قال في مسألتك الأولى: ولسعيد مثله، فقد أخرج سعيدا من العبد، وجعل له مثله آخر وأما قوله: عبدي مرزوق لمحمد ولسعيد مثله، فكأنه قال: وسعيد مثله، يعني مثل محمد في الوصية، فكأن العبد بينهما. قلت: وكذلك لو قال: هذه المائة دينار لمحمد ولسعيد مثله، فكأنه قال وسعيد مثله، قال: هي بينهما نصفين إذا كانت المائة بعينها قلت: فإن قال: هذه المائة لمحمد، ولسعيد مثله جعلت له مائة أخرى فيعطى كل واحد منهما مائة، قال: نعم على قياس ثمن العبد. قال محمد بن رشد: تفرقته بين أن يقول: وسعيد مثله، أو ولسعيد مثله في الذي أوصى بعبده أو بمائة لمحمد، إذا كانت المائة بعينها يريد أنها إذا لم تكن بعينها فسواء قال: وسعيد مثله، أو قال: ولسعيد مثله، يعطى كل واحد منهما مائة مائة، تفرقة صحيحة بينة؛ لأنه إذا قال: وسعيد مثله، فقد أنزله بمنزلتهم في أن أوصى له بالذي أوصى له به فوجب أن يشتركا فيه إذا كان شيئا بعينه، وأن يكون له مثله إذا لم يكن شيئا بعينه، وإذا قال: ولسعيد مثله، فقد أوصى له بمثل الذي أوصى له به فوجب أن يكون له مثل ما أوصى له به، كان الذي أوصى له شيئا بعينه أو لم يكن. وبالله التوفيق.

مسألة: قال في وصيته لمحمد مرزوق أو ميمون

[مسألة: قال في وصيته لمحمد مرزوق أو ميمون] مسألة قلت: فلو قال: لمحمد مرزوق أو ميمون قال: أرى الورثة مخيرين في دفع أيهم أحبوا. قلت: فإن اختاروا حبسا رفعهما ثمنا ودفعوا إليه أدناهما جاز ذلك لهم، قال: نعم، كما لو قال: لفلان مائة دينار أو بيت كذا وكذا أو دابة كذا وكذا، كان الورثة بالخيار في دفع ما شاء وأمنهما. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال وفي اللسان مواضع منها الشك والإبهام والتخيير والجمع، بمعنى الواو، فإذا لم يصح أن يحمل في هذا الموضع على الشك ولا على الإبهام، كما لا يصح حملها فيه على سائر مواضعها سوى التخيير والجمع، فلم يصح أن تحمل على الجمع دون التخيير لوجهين: أحدهما: أن التخيير فيها أظهر، فلا يصح أن تحمل على الجمع، إلا في موضع لا يصح فيه التخيير. والثاني أن الوصايا لا تكون بالشك، فهي محمولة على الأقل حتى يعرف الأكثر. ولما لم يصح أيضا لهذا المعنى أن يحمل على تخيير الموصى له، وجب أن يحمل على تخيير الورثة كما قال. وكذلك لو أوصى أن يعتق عنه فلان وفلان، لكان الورثة مخيرين في عتق من شاءوا منهما بخلاف قوله: أحد عبدي هذين حر، وبالله التوفيق. [مسألة: قال الموصي لفلان مائة ولفلان مثله] مسألة قلت: فإن قال الموصي: لفلان مائة ولفلان مثله. قال: أرى لكل واحد منهما مائة.

مسألة: أوصى فقال ثوب من ثيابي لفلان وصية ثم مات

قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في أول النوازل، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال ثوب من ثيابي لفلان وصية ثم مات] مسألة وسئل عن رجل أوصى فقال: ثوب من ثيابي لفلان وصية، ثم مات قال: يحسب عدد ما ترك من الثياب، فإن كان ترك عشرة، قومت كلها، فأعطى الموصى له عشر قيمة الثياب بالسهم، فإن صار له ثوب فيه بعشر القيمة فذلك له، وإن صار له ثوب تكون قيمته أكثر من عشر القيمة، لم يكن له، وصار له فيه مبلغ عشر قيمة جميع الثياب، وإن كان الذي صار له لا يبلغ قيمة العشرة، أخذه وضرب له أيضا فيما بقي حتى يستوفي عشر قيمة الثياب، فربما صار له ثوب واحد، وربما صار له ثوب ونصف وأقل، وربما ثوبان فأكثر، وربما صار له أقل من ثوب، وإنما لك بمنزلة من قال: رأس من رقيقي حر وله عشرة، العمل فيها واحد. قلت: وهل يدخل في عدد الثياب السراويلات والعمائم، ونحو ذلك؟ قال: لا يدخل في عددها إلا الثياب الكبار: الأردية والأقمصة والسيجان، والأكسية، وكل ثوب كبير. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة، وتنظيره فيها للثياب بالعبيد في وجه العمل فيها بالقرعة صحيح، لا اختلاف فيه ولا إشكال، وإنما قال: إنه لا يحسب فيها إلا الثياب الكبار؛ لأن ذلك معلوم من وجه ما أوصى به، إذ قد علم أنه لم يرد الميزر ولا السراويلات، ولا الفضلات من الثياب التي لا خطر لها ولا بال لقيمتها. وبالله التوفيق.

مسألة: قال في وصيته عبدي يزيد لفلان وله يزيدان فمات ولم يبين

[مسألة: قال في وصيته عبدي يزيد لفلان وله يزيدان فمات ولم يبين] مسألة قلت: فلو قال في وصيته: عبدي يزيد لفلان، وله يزيدان، فمات ولم يبين قال: يقومان، ثم يكون له فيهما نصف قيمتهما يسهم بينهما فيعطى نصف قيمتهما، فربما صار له أحدهما وبعض الآخر، وربما صار له أحدهما يكمل له، وربما صار له أقل من واحد، وكذلك لو قال: عبدي لفلان وله عبدان لا يملك غيرهما. قال: نعم، العمل فيهما واحد. قال محمد بن رشد: هذه والمسألة التي قبلها سواء، فلا إشكال فيها ولا وجه للقول فيها. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لمكاتب ابنه بوصية] مسألة وسئل عمن أوصى لمكاتب ابنه بوصية لها بال، فقال: أرى الوصية له جائزة، وذلك أنه يصير إلى سيده، ولعله أن يعجز فيرق، فيكون قد رجع إليه العبد، وقد أخذ ما أوصى له به، فصارت وصيته لوارث، قال: إلا أن يكون لمكاتب له أموال مأمونة، لا يشك فيه أنه يقوى على أداء الكتابة، فيجوز ذلك، ولا يكون عليه تهمة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه وإن لم يكن له أن ينتزع مال مكاتبه في الحال، إذ قد أحرز ماله بالكتابة، فقد يعجز فيكون له انتزاعه. فإذا كان ممن يؤمن عليه العجز جازت له الوصية ومثله لأشهب في المجموعة ولو أوصى لعبد وارثه بالشيء الكثير، وعلى العبد دين يستغرقه، أو يبقى منه ما لا يتهم فيه، فذلك جائز. قال أشهب: وإن أوصى لعبد وارثه الذي لا يرثه غيره فذلك جائز، قل أو كثر، فإن أوصى مع ذلك لأجنبي،

مسألة: أوصى لمدبر ابنه أو لأم ولده أو معتقه إلى أجل

تحاص مع العبد في الثلث إن ضاق بما وقع للعبد كان له، وأما إن كان معه ورثة، فينظر ما صار للعبد بحصاصه، فإن كان تافها فهو له، وإن كثر عاد ميراثا إن لم يجزه الورثة، وليس وصيته لعبد وارث لا يرثه غيره كوصية لسيده؛ لأن ذلك للعبد حتى ينتزع منه، فلذلك يحاص به، فأما إذا كثر صار وصية لوارث، وأما وصيته لرجل لمن يملك من عبد أو مدبر أو مكاتب أو أم ولد، أو من يملك بعضه، أو لمعتقه إلى أجل فذلك جائز، ويحاص به الأجنبي، وليس للورثة أن ينتزعوه منه عند ابن القاسم، ويبيعوه به إن باعوه. وقال أشهب: يقر بيده حتى ينتفع ويستمتع ويطول زمان ذلك، ولا ينتزعوه إن باعوه أيضا قبل طول الزمان. وقول أشهب استحسان؛ لأن القياس إما أن ينتزعوه مكانهم؛ لأنه مال لعبدهم، قد وجب له بالوصية أو لا يكون لهم انتزاعه أبدا؛ لأن الميت نزعه منهم. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لمدبر ابنه أو لأم ولده أو معتقه إلى أجل] مسألة قال أصبغ: ولو أوصى لمدبر ابنه أو لأم ولده أو معتقه إلى أجل، قال: لا تجوز الوصية لواحد من هؤلاء؛ لأن لسيدهم نزع أموالهم. قيل: فإن كانت هذه الوصية في حال قد امتنعت أموالهم من ساداتهم، مثل أن يكون سيدهم مريضا أو يكون العتق إلى أجل قد تقارب أجل عتقه. قال: أما للمدبر وأم الولد فلا تجوز الوصية لهما، وإن كان سيدهما مريضا؛ لأنه قد يصح فينتزع أموالهما، فهذه تهمة تسقط بها الوصية، فإذا سقطت بالتهمة لم ترجع. قلت: أفلا يوقفها؟ فإن مات السيد نفذت، وإن صح ردت. قال: لا، قد أخبرتك أن الوصايا لا توقف، وإنما تمضي أو ترد إذا أبهمت، إلا أن يكون سيد المدبر وأم الولد في السياق والحال الميئوس منه فيها التي لا يرجى له فيها حياة، فإن الوصية

لهما إذا كانت هذه الحال هكذا. وأما المعتق إلى أجل فلا تجوز له الوصية أيضا، وإن كان أجل عتقه قد تقارب، إلا أن يكون لم يبق من أجله الذي يعتق إليه إلا بقدر الثلاثة الأيام والخمسة، ونحوها مما يقل جدا فأرى الوصية جائزة. قلت: أرأيت إن افتقر سيد أم الولد والمدبر، والمعتق إلى أجل قرب الأجل أو في مرض السيد الذي يمتنع منه فيه أخذ مال المدبر وأم الولد، فاحتاج سيدهم في هذا الحين، ولا مال له غيرهم، ولهم أموال، أترى أن ينفق عليهم من أموالهم؟ أو لا ترى أن يؤخذ لهم من أموالهم نفقة، ويكونون من فقراء المسلمين؟ فقال: بل أرى لهم في أموالهم نفقة حتى يموت أو يعتق المعتق إلى أجل، إذا لم يكن له مال ينفق منه على نفسه، ولا يترك بموت، وللعبد أموال ومتاع، ومنع سيدهم أخذ أموالهم في هذه الحال ليس بالقوي، ولم يأت فيه أثر ولا سنة وإنما ذلك استحسان من أهل العلم، فإذا بلغ منه الحاجة، ولم يكن له مال ينفق منه رأيت أن ينفق عليهم من أموالهم حتى يموت أو ينقضي أجل المعتق، فهو أيضا مما يوهن مسألتك في الوصية ويضعفها، وتنزل به التهمة. قال محمد بن رشد: أما وصيته لعبد ابنه أو لأم ولده في مرض الابن، فقوله: إن الوصية له في هذه الحال لا تجوز بين، إذ قد يصح من مرضه، فيكون له انتزاع ذلك، وأما قوله في أن وصيته لعبد ابنه المعتق إلى أجل لا تجوز إلا أن يقرب الأجل جدا مثل الثلاثة الأيام والخمسة ونحوها فهو استحسان، والقياس على المذهب أنه إذا لم يبق من الأجل إلا ما لا يجوز فيه انتزاع ماله أن تجوز الوصية له، وإذا لم يبق من الأجل إلا نحو الشهر فليس له أن ينتزع ماله. قاله في كتاب ابن المواز ومثله في مختصر ابن عبد الحكم

مسألة: أوصى أن يعطى فلان مولاي أو فلان وفلان مولاي خمسة دنانير

وهو يحمل على التفسير لما في المدونة لأنه قال فيها: إن السنة ليست بقليل، وله أن ينتزع ماله، وإن لم يبق من أجله إلا السنة، فإن جعل العلة في ذلك أنه قد يحتاج فينفق عليه من ماله في هذا الحد، وإن كان لا يجوز له فيه انتزاع ماله، ومراعاة لقول من يقول: إن مال العبد لسيده، وإن العبد لا يملك، فيجب أن تجوز الوصية له إذا كان الابن وافر الحال، كثير المال، لا يخشى عليه العدم في هذه الحال؛ لأن التهمة في ذلك تكون مرتفعة على ما قاله فوق هذا في الذي يوصي المكاتب ابنه إن الوصية له جائزة إذا كانت له أموال مأمونة، يؤمن عليه العجز معها وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى أن يعطى فلان مولاي أو فلان وفلان مولاي خمسة دنانير] مسألة وسئل أصبغ عن رجل أوصى، وفيما أوصى أن يعطى فلان مولاي أو فلان وفلان مولاي خمسة دنانير، أو خمسة لكل واحد وله عبيد هؤلاء الذين سمى منهم، أو ليس له غيرهم، أيكونون بشهادة الوصية أحرارا ويجريهم مجرى الأحرار؟ أم هم رقيق؟ قال: أرى إن أشكل أمرهم إذا كان الأمر فيهم مشكلا لا يدري أهم يوم أوصى عبيد؟ أم أعتقهم قبل ذلك؟ وأشكل منهم تقادم ذلك وطوله، لا يدرى العلة قد كان قبل ذلك زمان، فبقي العبيد عنده على حالهم في خدمته وفي يديه، فأرى إذا كانوا بهذه الصفة والمنزلة، وكان مع ذلك سماع فاش قد تقادم وعتق يرى كان منه إليهم، أو يمين بعتقهم، لا يدري أبر فيهم أو حنث؟ فأراهم موالي، إذ هو كان أعلم حين سماهم موالي، وأوصى لهم كما يوصى للموالي المعروفة بولايتهم، فأراهم أحرارا، لا غرض فيهم لأحد برق ولا إبطال، فقد يعتق الرجل عبده في موطن من مواطن البر، ولا يشهد له، ويكون معه كما كان، لا يرى ولا يخاف غير ذلك، ويكون معه زمانا

على ذلك، لا يرى أنه يدفع فيه بشيء ولا يدافع، ويكون مكثه في يديه مكث النفقة عليه. وهذا من عتق النساء الضعفاء عن الوثائق لمن أعتقن والأمر عنده كثير، فإن لهذه الوصية على هذه الصفة والأسباب حرمة والإقرار بأنه لا شيء له فيهم إلا الولاء وأراه تحايدا عما ليس له ولا يشبه عندي الذي يقول: قد كنت أعتقه؛ لأن التهمة له في هذا بأنه أراد إخراجه من رأس المال واضحة واقعة قوية، والتهمة بذلك في الأول خارجة منه ضعيفة والله أعلم. فأراهم موالي وأراهم أحرارا، لا رق فيهم يوم الوصية، وأرى هذا لهم هكذا أبدا حتى يقوم بينة قاطعة بأنهم يوم أوصى، لا شبهة في ملكهم ولا رقهم ممن يعرف دخلة الرجل الميت وأمره، أو يكون كان ملكه لهم قريبا جدا من وصية ملكه مشهور، معروف، باشتراء أو هبة أو صدقة أو ميراث قريب، لا يمكن فيه الشبهة، وإن لم يدخله مع الشهادة أنه يملكهم يوم الوصية عبيد فهذا الذي يكون عليهم فيه إقامة البينة بالحرية، لا على الورثة وفي الأمر الأول البينة على الورثة لا عليهم. قال أصبغ: فإن أقر العبيد الذين أوصى أن لموالي فلان وفلان كذا وكذا بأنهم عبيد له، لا حرية فيهما إلى يوم أوصى. قال: أرى إن كانوا فصحا طلوقا عارفين بالأمور، لا يسقط عن مثلهم الحج، ولا أمور سيدهم في حياته، ولا القيام عليه لو حيوا فيه ومنه وعليه، ولا كشفهم والأخوف منهم من تجبره وسلطانه إن كان ذا سلطان وسطوته بعد إنكاره، فأقروا بالعبودية خالصة لا يدعون شيئا متقادما ولا غيره، ولا يدعون إلا ما يرون إن هذه الوصية عتقا

: ادعى في البيع ما يجوز وادعى صاحبه ما لا يجوز

مستأنفا منه في وصيته لهم فقط، فإقرارهم لازم لهم، ولا حرية عليهم على خال في ثلث ولا غيره، وأرى لهم الوصية بالمال ثابتة على كل حال، كما يوصي الرجل لعبيده. وقد يقول الرجل لعبيده: هؤلاء موالي على لفظ الجهالة والخطأ، فإذا صدقوا ذلك وحققوه بإقرارهم بالعبودية، رأيته لهم لازما، وكانوا عبيدا. قال أصبغ: وإن كان العبيد على غير ذلك من الاستحقاق والمعرفة التي وصفتها كلها، فلا أرى إقرارهم بالعبودية ضارا لهم ولا مقبولا منهم وأراهم أحرارا إذا كانت حالاتهم الحال التي لو لم يقروا لجعلوا أحرارا أو موالي على التفسير الذي فسرنا إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قد بين أصبغ ما ذهب إليه في هذه المسألة، وطول القول فيه، حرصا على التناهي في البيان وذلك يرجع إلى أنه إن كان طال مكثهم في يديه حتى أشبه من أجل ذلك أن يكون قد كان أعتقهم، فبقوا عنده في نفقته وخدمته على ما كانوا عليه قبل عتقه إياهم، وعلمت وصيته لهم على أنهم مواليه، فكانوا بذلك أحرارا، وإن كانوا مقربين له بالعبودية، إذا احتمل أن يكونوا أقروا بذلك على جهل أو خوف إلا أن يثبت الورثة أنهم عبيد، وإن لم يطل مكثهم في يديه حتى لم تدخل عليهم الشبهة في عتقهم قبل هذه الوصية، فهم عبيد، إلا أن يثبتوا حريتهم قبلها وهم في حال الجهل بأمرهم على ما أوصى لهم به من أنهم مواليه. فهذا بيان قوله وتلخيصه وبالله التوفيق. [: ادعى في البيع ما يجوز وادعى صاحبه ما لا يجوز] نوازل عيسى بن دينار وسئل عيسى عن رجل قال عند موته: إني قومت جارية ابنتي فلانة على فلان بألف درهم، وجعلت فضلها بينهما، وقد بعث

إلي بالألف من العدوة، قلت هذا وقدم الرجل، فقال: إنما باعنيها بيع بت، وقد بعثت إليه بالثمن، قال: القول قول الميت، وعلى هذا نصف الفضل. قلت له: لم قال: لأن الميت يقول: إنما بعته نصفها، وأبضعت معه النصف فنصف الفضل في هذا القول له، فقيل له: لو قال هذا كان القول قوله، ولكنه إنما قال: قومتها عليه كلها وجعلت فضلها بينهما، وهذا لا يجوز، فمن ادعى في البيع ما يجوز، وادعى صاحبه ما لا يجوز، فالقول قول مدعي الحلال منهما. قال عيسى: إنما معناه عندي كما قلت أولا: إنه باع النصف، وأبضع النصف فالقول قوله على ذلك. قال محمد بن رشد: قوله: قومتها عليه معناه أشركته فيها، بأن بعت منه نصفها بألف ليبيعها هو بألف، فيكون له نصف الفضل إن باعها بربح كما قال لا كما قال السائل: من أن الميت ادعى حراما، فالاختلاف بينهما إنما هو فيما اشترى بالألف فهو يقول: اشتريت بها جميع الجارية، والميت يقول: إنما بعت منه بالألف التي قبضت نصف الجارية، ولا اختلاف في المتمون إذا قبض الثلث، كالاختلاف في الثمن إذا قبض المتمون، فقوله: إن القول قول الميت يأتي على القول بأن النقد المقبوض فوت يوجب أن يكون القول قول البائع في أنه لم يبع منه بالألف التي قبض إلا نصف الجارية على قياس رواية ابن وهب عن مالك، في أن قبض السلعة فوت إذا اختلف في ثمنها، وإنما ينبغي أن يكون القول قوله إذا أشبه أن يباع نصف الجارية بألف، وهذا هو معنى ما تكلم عليه، إذ لا اختلاف في أن المتداعين، لا يكون القول قول المدعى عليه منهما إلا إذا أتى بما يشبه. وقوله: القول قول الميت، معناه: أنه لا يصدق المشتري فيما ادعاه من أنه اشترى بالألف التي دفع جميع الجارية؛ لأن اليمين إنما كانت للميت إذا كان يشبه قوله على ما ذكرناه فقد سقطت عنه بموته، ولو لم يشبه قوله وأشبه قول

مسألة: الوصي يشتري لليتامى منزلا بأموالهم ثم يموت

المشتري لوجب أن يكون القول قوله مع يمينه أنه اشترى بالألف جميع الجارية ويجب في هذه المسألة على قياس القول بأن النقد المقبوض لا يكون فوتا أن يحلف المشتري ويفسخ البيع؛ لأن الميت قد سقطت عنه اليمين بموته، وبالله التوفيق. [مسألة: الوصي يشتري لليتامى منزلا بأموالهم ثم يموت] مسألة وسئل عن الوصي يشتري لليتامى منزلا بأموالهم، ثم يموت، فيقول ذكور اليتامى: نقسم المنزل، للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك اشترى لنا ويقول الإناث: بل للذكر مثل حظ الأنثى ولا يدري كم اشترى لهم؟ قال: إن كان اشترى لهم من عرض أموالهم، فذلك بينهم، للذكر مثل حظ الأنثى، وإن كان اشترى لهم من جميع المال، فذلك بينهم، لذكر مثل حظ الأنثيين كما كانت أموالهم قبله فإن كان الوصي حيا وقد اشترى لهم من عرض أموالهم وليس بجميعها فقبل الأيتام ثم اختلفوا أيقبل قول الوصي بينهم؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: أما إذا اشترى المنزل لهم بجميع المال، فلا إشكال ولا احتمال، في أنه يكون بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، وأما إذا اشتراه لهم من جملة المال لا بجميعه، ففي قوله: إنه يكون بينهم للذكر مثل حظ الأنثى نظر؛ لأن المال الذي اشتراه به ليس للإناث منه إلا ثلثه، فالظاهر أن لا يكون للإناث منه إلا الثلث. ولا يحمل على الوصي أنه تسلف للإناث من حظوظ الذكور، ألا ترى إن كان جميع المال ستمائة، فاشترى المنزل بثلاثمائة؟ يرجع الذكور في الثلاثمائة الباقية بالخمسين التي زادها من حظوظهم للإناث في المنزل، فيكون لهم منها مائتان وخمسون. وقد ذكر ابن زرب أن في المسألة خمسة أقوال على قياس ما قاله محمد بن حارث من

مسألة: أوصى بثلث ماله في سبيل الله إلا العراص

الاختلاف فيمن أوصى بمال لحمل، فولدت المرأة توأمين: ذكرا وأنثى أحدها إن المنزل يقسم بينهما إن كانا ابنا وابنة بنصفين. والثاني إنه يكون بينهما بحسب الميراث على الثلث والثلثين. والثالث إنه يقسم بينهما على سبعة أسهم، للأنثى ثلاثة، وللذكر أربعة وذلك أن أقصى ما يمكن أن يكون للذكر الثلثان، وأقصى ما يمكن أن يكون للأنثى النصف. والرابع أنه يقسم بينهما على خمسة أسهم، للذكر ثلاثة وللأنثى اثنان، وهو أقل ما يمكن أن يكون لكل واحد منهما والخامس أن يكون للذكر ثلاثة من ستة، وللأنثى اثنان من ستة، ويقتسمان الجزء السادس بنصفين على سبيل التداعي إن ادعيا العلم أو ظن أن أحدهما يعلم، واستحسن هذا القول وهذا الاختلاف إنما يصح إذا جهل كيف كان الشراء ولم يتداعيا في ذلك على التحقيق؟ وأما إن قال الذكر: الثلثان لي، والثلث لك، وعلى ذلك وقع الشراء بإفصاح وبيان. وقالت الأنثى: النصف لي والنصف لك، وعلى ذلك وقع ذلك الشراء بإفصاح وبيان، فلا يصح في ذلك إلا قولان: أحدهما إنه يقسم بينهما على حساب عول عدل الفرائض أسباعا بعد إيمانهما لمدعي الثلثين أربعة أسهم، ولمدعي النصف ثلاثة أسهم، وهو المشهور من قول مالك، والثاني إنه يكون للذكر ثلاثة من ستة، إذ لا تنازعه الابنة في النصف، وللأنثى اثنان من ستة، إذ لا ينازعها الابن في أن لها الثلث، ويقتسمان الجزء السادس بينهما بنصفين لتداعيهما فيه، بعد أيمانهما أيضا، وهو المشهور من مذهب ابن القاسم. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بثلث ماله في سبيل الله إلا العراص] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم مسألة قال أبو زيد بن أبي الغمر: أخبرنا ابن القاسم قال: سئل مالك

مسألة: أوصى بعتق عبده وما بقي من ثلثه فلفلان

عن رجل أوصى بثلث ماله في سبيل الله إلا العراص، وفي العراص خشب وطوب ملقى كان أراد أن يبني تلك العراص بها، أترى أن يباع الطوب والخشب والقصب، فتعجل في السبيل؟ أم تراها مع العراص؟ قال: إن كان ذلك النقض شيئا نقضه من العراص فلا يباع منه شيء، وإن كان إنما جاء به ليبني بها، فهي تباع، ويخرج ثلثها. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه كان نقض ذلك من العراص، فلا يدخل في الوصية لأنها من العراص التي استثنى يوم أوصى، وإن كان لم ينقضها منها فهي داخلة في الوصية، إذ ليست مما استثنى. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بعتق عبده وما بقي من ثلثه فلفلان] مسألة وعن رجل أوصى بعتق عبده، وما بقي من ثلثه فلفلان، فمات، فقامت بينة إن العبد كان حرا أعتقه سيده هذا في صحة منه، أو استحقه رجل، قال ابن القاسم: أرى أنه ليس له إلا ما بقي بعد قيمته، إنما هو رجل أوصى بأنه غلام له، أو نسي عتقه، فأوصى على وجه الملكية أو يكون تعمد ذلك، فلم يكن يريد بعطيته إلا ما بقي بعد القيمة من ثلثه فليس له إلا ما بقي من ثلثه بعد القيمة. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم نفذها من سماع عيسى، ومضت أيضا في رسم باع شاة منه. فلا وجه لإعادة القول فيها.

مسألة: أوصى الرجل إلى أيتام المعافر وأراملهم مائة دينار

[مسألة: أوصى الرجل إلى أيتام المعافر وأراملهم مائة دينار] مسألة وقال: إذا أوصى الرجل إلى أيتام المعافر وأراملهم مائة دينار، قال: إن كان الموصي من المعافر، وكان ساكنا بالريف، إلا أنه إذا قدم الفسطاط نزل بالمعافر، فأرى المائة للأيتام والأرامل، الذين من المعافر، ومن كان من الأيتام والأرامل، من سكان المعافر إلا أنهم ليسوا من المعافر، فلا شيء لهم، ويؤثر الأحوج فالأحوج، وإن كان الموصي ليس من أهل المعافر، كان بها مسكنه أو لم يكن، غير أنه ليس بمعافري فكل من سكن المعافر من أيتامهم وأراملهم كانوا معافرين، أو من قبائل غير المعافرين، فيعطون ويؤثر الأحوج فالأحوج. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الموصي إن كان معافريا علم أنه إنما أراد بوصيته أيتام قبيلته، وأراملهم، فتكون لهم الوصية، كانوا من سكان المعافر، أو لم يكونوا من سكانها، وإن لم يكن معافريا علم أنه إنما أراد بوصيته أيتام سكان المعافر وأراملهم كانوا معافرين، أو لم يكونوا معافرين وبالله التوفيق. [مسألة: يقول عند الموت إن عبدي هذا لم يكن إلا حرا وما اشتريته قط] مسألة وقال في الرجل يقول عند الموت: إن عبدي هذا لم يكن إلا حرا وما اشتريته قط، وإنما كان أجيرا عندي قال: إن ورث كلالة لم يقبل قوله، وإن كان ورثه ابنه جاز قوله. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والكلام عليها في رسم العرية من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

مسألة: أوصى وقال ميمون ومرزوق وجابر عبيدي لمحمد وجابر لعبد الرحمن

وسيأتي آخر هذا السماع في مسألة من هذا المعنى نتكلم عليها في موضعها إن شاء الله. [مسألة: أوصى وقال ميمون ومرزوق وجابر عبيدي لمحمد وجابر لعبد الرحمن] مسألة وقال في رجل أوصى وقال: ميمون ومرزوق وجابر عبيدي لمحمد، وجابر لعبد الرحمن. قال: فميمون ومرزوق لمحمد، وجابر بين عبد الرحمن ومحمد وذلك إذا حمله كلهم الثلث، فإن كان لم يترك غيرهم، كان ثلث مرزوق وميمون لمحمد وكان ثلث جابر بين عبد الرحمن ومحمد. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على المشهور في المذهب المنصوص عليه في المدونة وغيرها من أن الرجل إذا أوصى لرجل بشيء بعينيه، ثم أوصى به لغيره، ولا تكون وصيته الآخرة ناسخة للأولى ويقتسمان جميعا ذلك الشيء بينهما. وقد مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم مسألة حملها بعض الناس على أنها مخالفة لهذا الأصل، وليس ذلك بصحيح؛ لأنها محتملة للتأويل، حسبما ذكرناه فيها؛ لأن الخلاف في ذلك معلوم من قول مالك وغيره من أصحابه، وقد مضى ذكر ذلك في سماع عبد الملك بن الحسن فلا معنى لإعادته. [مسألة: قال في وصيته المائة التي عندي لفلان على حالها] مسألة وقال في رجل قال في وصيته: المائة التي عندي لفلان على حالها، فوجد في كتب الميت براءة بخمسين دينارا دفعها إلى غريمه ذلك قال: إن كان يعرف أصل الحق أنه مائة، فالبراءة تنفع لعل الرجل نسي وإن لم يكن يعرف أصل الحق، ثبتت له المائة.

مسألة: وصى عند موته أن يعتق نصف مكاتبه

قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا لم يعرف أصل الحق لم تنتفع الورثة بالبراءة، لاحتمال أن يكون ما زاد على المائة التي أقر بها باقية عليه، وأما إذا عرف وجه الحق، فوجه قوله: إن البراءة تنفعه، هو ما ذكره من احتمال أن يكون نسي أنه قضاه الخمسين، ولذلك أقر له بجميع المائة، إذ لو صح من مرضه، فجاء بالبراءة وادعى أنه نسي ما قضاه، لوجب أن يصدق في ذلك مع يمينه، قياسا على ما قاله. في الذي يصالح الرجل على بعض حقه، ثم يجد بينة، لم يعلم بها، أو ذكر حق قد كان كتبه عليه. وقد مضى تحصيل القول في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم، من كتاب المديان والتفليس، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: وصى عند موته أن يعتق نصف مكاتبه] مسألة وعن رجل أوصى عند موته أن يعتق نصف مكاتبه، ويؤخر عنه النصف في ثلاث نجوم، نجم في كل سنة، فقال رجل من الورثة: أنا أضمن لكم هذه الثلاثة نجوم، نجم في كل سنة، وأعتقوا النصف الباقي، قال: لا خير في هذا. قيل له: فإن فعلوا ذلك. قال: فالعتق جائز إذا أعتقوا قيل له: أرأيت إن حلت السنة فلم يجدوا عند الذي ضمن لهم شيئا أترى أن يرجعوا على العبد بشيء؟ قال: لا. قد ثبتت الحرية، ولكن يكون على الذي ضمن دينا يتبع به، ولا يرجع على العبد بشيء، قال: فلمن ولاؤه؟ قال: للذي أعتق أولا. قال محمد بن رشد: إنما قال: إن ذلك لا خير فيه؛ لأنه ضمان بثمن ضمن لهم الأنجم التي لهم على المكاتب، على أن عجلوا له العتق واحتالوا عليه أيضا بما كان لهم على المكاتب، إذا برأوا المكاتب مما كان لهم عليه وأعتقوه، ولا تجوز الحوالة بما لم يحل من الديون، فالمكروه في

مسألة: لا تجوز وصية لوارث

ذلك بين، إلا أنه لا يمكن رده، إذ قد فات الأمر فيه بالعتق، فلزمه الضمان الذي ضمن، ولا يكون لهم على العبد رجوع إن أعدم الضامن عند الأجل، ويتبعوه مما التزم لهم من الضمان في ذمته، ويرجع هو بذلك عليه وبالله التوفيق. [مسألة: لا تجوز وصية لوارث] مسألة وسئل عن امرأة أوصت في مرضها...... فجعلته في خلخال، فإن مت فكفنوني بثمن الخلخالين، ولها أولاد، ثم إن الذين أوصت إليهم كفنوها بغير ثمن الخلخالين، فماذا ترى في الخلخالين؟ قال: أرى أن يقتسما على فرائض الله، ولو قالت: ادفعوه إلى ابني الذي وجده، لم يكن ذلك له؛ لأنها تتهم، وأنه لا تجوز وصية لوارث إلا أن يعلم هدف قولها ببينة، فيكون الخلخالان للذي وجده. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنها إذا أوصت أن تكفن بثمن الخلخالين، فلم يؤثر بذلك أحد بنيها على بعض وأرادت أن يكون ما بعد الخلخالين من مالها ميراثا بين جميع ورثتها، فوجب إذا لم ينفذ ورثتها وصيتها في الخلخالين، أن يكونا ميراثا بين جميعهم، كما لو لم توص بشيء ولو أوصت لابنها بالدينار لما جازت وصيتها له به إلا أن يعلم صدق قولها كما قال، وقد تقدم مثل ذلك قرب آخر الرسم الأول من سماع أصبغ وفي غير ما موضع إلا أن تصح من مرضها، فيلزمها الإقرار له. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجلين أن يزوجا ابنته فزوجاها وأنكرت الجارية علمها بذلك] مسألة وقال في رجل أوصى لرجلين أن يزوجا ابنته من رجل سماه

مسألة: أوصى في مرضه فقال عبدي فلان يخدم فلانا الأجنبي سنة ثم هو حر

لهما فزوجاها جميعا بعد موت الأب، ثم أنكرت الجارية أن تكون علمت أن أباها أوصى بذلك إليها أترى أن تقبل شهادتها؟ فقال: لا، ولكن لو شهدا عند القاضي قبل أن يزوجاها لجازت شهادتهما، وإن رضيت ما صنعا ولم تنكر ذلك عليهما رأيت النكاح جائزا. قال محمد بن رشد: قوله: إن شهادتهما لا تجوز إذا زوجاها فلم ترض بين لا إشكال فيه ولا اختلاف؛ لأنهما أشهد أن يجيزا فعلهما وأما قوله: إنهما لو شهدا بذلك عند القاضي قبل أن يزوجاها لجازت شهادتهما، فهو خلاف نص ما في المدونة من أنه لا تجوز شهادة الموصى إليه، وإن كان طالب الحق غيره، ومن أنه لا تجوز شهادة الرجل بأن الميت أوصى إلى أبيه، وإذا لم تجز شهادته أنه أوصى إلى أبيه، فأحرى أن لا تجوز شهادته إذا أوصى إليه. فقوله في هذه الرواية، مثل ما يدل عليه قوله في المدونة الذي يشهد أن الميت أوصى لقوم بوصايا، وأوصى للشاهد. قال ابن القاسم: فسمعت مالكا يقول: إن كان الذي شهد به لنفسه يسيرا تافها لا يتهم عليه، فشهادته جائزة. فأجاز شهادته إن كان الذي أوصي له به يسيرا مع أنه أوصى إليه في تنفيذ جميع وصاياه، وأما قوله: وإن رضيت ما صنعا ولم ينكر ذلك عليها رأيت النكاح جائزا فهو الذي يدل عليه قوله في أول المسألة ثم أنكرت الجارية؛ لأن فيه دليلا على جوازه لو لم تنكر، ومعنى ذلك عندي: إذا كان الرجلان اللذان زوجاها وادعيا التقديم على ذلك من الأب، وليس من أوليائها وأما إن كان أجنبيين فلا يجوز النكاح، وإن أجازته؛ لأنه عقده غير ولي. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى في مرضه فقال عبدي فلان يخدم فلانا الأجنبي سنة ثم هو حر] مسألة وسئل عن رجل أوصى في مرضه فقال: عبدي فلان يخدم فلانا الأجنبي سنة، ثم هو حر، وعبدي فلان الآخر حر بعد سنة،

مسألة: قال في مرضه دبروا عبدي فلانا وأعتقوا عني رقبة وجبت على من ظهار

ولم يحملها الثلث، فمن يبدأ منهما. قال: يتحاصان جميعا. يريد العبدين. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الخدمة تسقط إذا لم تحمل ثلث العبدين، ولا أجاز ذلك الورثة وقطعوا لهما بالثلث، لوجوب تبدية العتق عند ضيق الثلث عن الوصايا بالمال والخدمة، وإذا وجبت المحاصة في الثلث، لم يبد أحدهما فيه على صاحبه، إذ لا مزية له عليه، من أجل أن كل واحد منهما إنما أوصى له بالعتق بعد سنة وبالله التوفيق. [مسألة: قال في مرضه دبروا عبدي فلانا وأعتقوا عني رقبة وجبت على من ظهار] مسألة وسئل عن رجل قال في مرضه: دبروا عبدي فلانا وأعتقوا عني رقبة وجبت على من ظهار، قال: يبدأ بعتق الظهار إذا لم يحمل الثلث غيره. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إذ لم يختلف قول ابن القاسم في أن كفارة الظهار تبدأ على المدبر في العرض، فكيف على الوصية بالعتق؟ لأن قوله دبروا عبدي فلانا وصية له بالعتق من الثلث على حكم التدبير في المرض في ذلك إن صح من مرضه كان له أن يرجع فيه؛ لأنه لم يدبره، وإنما أوصى أن يفعل ذلك بعد موته، فله حكم الوصية لا حكم التدبير وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال لفلان ما بقي من ثلثي] مسألة وسئل عن رجل أوصى فقال: لفلان ما بقي من ثلثي، ولم يوص بشيء غيره. قال: لا شيء له، وكذلك قال لي مالك وهو من مسائل السر. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة من قول مالك

مسألة: وصى أن يدفع ثلث ماله إلى أقاربه

في مواضع من سماع عيسى ومضى الكلام عليها في رسم أوصى منه فلا وجه لإعادته، ولا لقوله. وهي من مسائل السر. وبالله التوفيق. [مسألة: وصى أن يدفع ثلث ماله إلى أقاربه] مسألة وسئل عن رجل هلك وترك أباه وعمه وجده وأخاه، وأوصى أن يدفع ثلث ماله إلى أقاربه، الأقرب فالأقرب. قال: أرى أن يبدأ بأخيه أولا يعطى أكثر من الجد، وإن كان الأخ أيسر من الجد، ثم يعطى الجد أكثر من العم، وإن كان أيسر منه، ثم يعطى العم، قيل: ولا ترى أن يدفع إلى أخيه كلمة؟ قال: لا، إلا أن يكون ترك دارا أو حائطا فيحبسها على أقاربه، الأقرب فالأقرب، فإنه يدفع إلى أخيه، فإذا هلك دفعت إلى جده ثم يدفع بعد موت الجد إلى العم. محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى مثلها في الرسم الأول من سماع أصبغ، بزيادات على هذه. فتكلم عليه بما يغني عن الكلام في هذه، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى وقال مائة دينار لبني يزيد] مسألة وقال في رجل أوصى وقال: مائة دينار لبني يزيد، فإنها تدفع كلها إلى كل من كان من بني يزيد. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم الوصايا والأقضية من سماع أصبغ القول مستوفى فيمن أوصى لولد فلان أو لبنيه فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: نصراني هلك وأوصى بجميع ماله في الكنيسة] مسألة وسئل عن نصراني هلك، وأوصى بجميع ماله في الكنيسة ولا وارث له قال: يدفع إلى أسقفهم ثلث ماله، يجعله حيث

مسألة: أوصى فقال لفلان وفلان وفلان ثلثي ولفلان مالي

أوصى، ويكون ثلثاه للمسلمين. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن النصراني إذا لم يكن له وارث من أهل دينه، فليس له أن يوصي بأكثر من ثلثه؛ لأن ورثته المسلمون وقوله: إنه يدفع ثلث ماله إلى أسقفهم، يجعله حيث أوصى معناه: إن شاء، فإنما يدفع إليه ثلث ماله، ليفعل فيه ما شاء على حكم دينه. وقوله: ويكون ثلثاه للمسلمين، معناه: يصرفه الولي في وجوه منافعهم على حكم الفيء حكى ابن المواز عن ابن القاسم من رواية أبي زيد عنه قال في الذي يموت ولا وارث له، قال: يتصدق بما ترك، إلا أن يكون الوالي يخرجه في وجهه، مثل عمر بن عبد العزيز فليدفع إليه، وإنما يكون ميراث من مات من أهل الذمة، ولا وارث له من أهل دينه للمسلمين، ولا يجاز له من وصيته أكثر من الثلث إذا كان من أهل العنوة أو من أهل الصلح والجزية على جماجمهم، وأما إن كان من أهل الصلح، والجزية مجملة عليهم لا ينقصون منها لموت من مات، ولا لعدم من عدم، فيجوز له أن يوصي بجميع ماله لمن شاء؛ لأن ميراثه لأهل مودة، على مذهب ابن القاسم، وهو قول سحنون خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أن ميراثه للمسلمين، إذا لم يكن له وارث من أهل دينه على كل حال. وقد قيل في أهل العنوه: إن مالهم للمسلمين فلا يرثهم ورثتهم، ولا يجوز لهم وصية بثلث ولا غيره، وهو الذي يأتي على قياس ما في سماع سحنون، من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، من أنهم في حكم العبيد المأذون لهم في التجارة. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال لفلان وفلان وفلان ثلثي ولفلان مالي] مسألة وسئل عن رجل أوصى فقال: لفلان وفلان وفلان ثلثي، ولفلان مالي. قال: يقسم ثلث ماله على اثنا عشر

مسألة: أوصى أن عليه دينا لفلان لرجل لا يعرف

جزءا، فيعطى من أوصى له بماله تسعة أجزاء، ولكل واحد من الثلاثة سهم سهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الواجب أن يتحاصوا في الثلث على قدر وصاياهم، فيضرب فيه للموصى له بجميع المال، بثلاثة أمثال ما يضرب به للموصى لهم بالثلث، فيصير لهم ثلاثة أرباع الثلث، وهو ثلاثة من ربعه وللموصى له بالثلث ربعه، وهو واحد من أربعة، لا ينقسم عليهم، إلا بأن يضاعف إلى ثلاثة، بأن يضرب فيه ثلاثة، ويأخذ كل واحد منهم سهما من الثلاثة، ويضرب ثلاثة فيما بيد الموصى له بجميع المال، فيضرب له تسعة أسهم من اثني عشر كما قال. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى أن عليه دينا لفلان لرجل لا يعرف] مسألة وقال في رجل أوصى أن عليه دينا لفلان، لرجل لا يعرف قال: إن كان له ولد فأرى الدين يخرج من رأس المال، ويستأنسا به، فإن لم يأت له طالب تصدق به، وإن لم يكن له ولد وكان الدين الذي أوصى به شيئا تافها، أخرج وأوقف، واستوفي به، فإن لم يأت له طالب تصدق به، وإن كان الدين الذي أوصى به كثيرا يكون نصف ماله أو أكثر، لم يخرجونه قليل ولا كثير. قال محمد بن رشد: هذا أحسن الأقوال في هذه المسألة وقد مضى تحصيل الاختلاف فيها في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم وقال ابن القاسم في رسم نفذها من سماع عيسى: إن التافه اليسير في نحو هذا: الخمسة والعشرة ونحوها. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى وقال إن رقيقي أحرار فأعتقوا ثم طرأ على الميت دين] مسألة وقال في رجل أوصى وقال: إن رقيقي أحرار، فوجد الرقيق

مسألة: أوصى فقال عبدي فلان يدفع إلى فلان عشرة دنانير ثم هو حر

الثلث، فأعتقوا ثم طرأ على الميت دين، وقد اقتسم المال، قال: يكون ثلث الدين على العبيد الذين أعتقوا يسهم بينهم حتى يباع منهم ثلث الدين الطارئ، ويكون ثلث الدين على الورثة معدمين كانوا أو أمليا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة، وهي تدل على صحة ما اعترضت به قول ابن القاسم، في سماع موسى. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال عبدي فلان يدفع إلى فلان عشرة دنانير ثم هو حر] مسألة وقال في رجل أوصى فقال: عبدي فلان يدفع إلى فلان عشرة دنانير، ثم هو حر، وأوصى بوصايا فإذا العبد الثلث قال: يؤمر العبد أن يدفع إلى فلان عشرة، ثم هو حر، ويتحاص في العشرة أهل الوصايا، فإن كان لا يخرج من الثلث خير الورثة بين أن يجيزوا ما أوصى صاحبهم به يدفع العشرة ويكون حرا ويتحاص فيها أهل الوصايا أو يعتق ما حمل الثلث منه الساعة، ولا شيء له عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على أصولهم في أن العتق بعينه مبدأ على الوصايا وفي أن من أوصى بعتق عبد إلى أجل، أو على مال يؤديه، فلم يحمله الثلث، إن الورثة مخيرون بين أن يجيزوا الوصية، وبين أن يعتقوا منه ما حمل الثلث منه بتلا وبالله التوفيق. [مسألة: شهدا على رجل أنه أوصى فقال إن مت من مرضي فغلامي ميمون حر] مسألة وقال ابن القاسم في رجلين شهدا على رجل أنه أوصى، فقال: إن مت من مرضي فغلامي ميمون حر، وشهد رجلان آخران أنه قال في مرضه: إن صحت من مرضي هذا فمرزوق حر، فشهد الشاهدان اللذان شهدا لمرزوق أنه صح من مرضه ذلك،

والشاهدان اللذان شهدا لميمون وشهدا أنه مات من مرضه ذلك، ولم يصح منه، وهم كلهم عدول، قال: يعتق نصف ميمون، ونصف مرزوق، وكذلك لو أن رجلا هلك وترك ولدا مسلما وولدا نصرانيا، فشهد رجلان أنه مات على الإسلام، وشهد رجلان آخران أنه مات على النصرانية، وهم كلهم عدول. قال: إن كان بعضهم أعدل من بعض قضي بشهادة العدول، وإن كانوا كلهم عدولا وكانوا في العدالة سواء أعطي المسلم نصف مال الميت، وأعطي النصراني نصف المال الباقي. قال محمد بن رشد: قوله في المسألة الأولى: إنه يعتق نصف ميمون ونصف مرزوق، معناه: إذا تكافأت البينتان في العدالة؛ لأنه إذا تكافئا سقطا جميعا، ويعلم أن العتق قد وجب لأحدهما يقينا فأعتق من كل واحد منهما نصفه، إذ لا يعلم من هو المعتق منهما، ولو كانت البينة الواحدة أعدل من الأخرى لقضي على مذهبه بالتي هي أعدل، وهو نص قوله في سماع أصبغ من كتاب العتق. وقال أصبغ فيه: إن شهادة الصحة أعمل وهو في هذه المسألة أظهر لأنها علمت من صحته ما جهلته الأخرى، ومثل قول أصبغ لابن القاسم في سماع أبي زيد عنه من كتاب الشهادات في التي أوصت في مرضها فشهد شهود أنها كانت صحيحة العقل، وشهد آخرون أنها كانت موسوسة؛ لأنه إذا قال في تلك: إن شهادة الصحة أعمل فأحرى أن يقول ذلك في هذه، وإذا قال في هذه: إنه ينظر إلى أعدل البينتين، فأحرى أن يقول ذلك في تلك وقد ساوى أصبغ في سماعه من كتاب العتق بين المسألتين فيتحصل في مجموع المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: إنه ينظر فيهما جميعا إلى أعدل البينتين. والثاني: إن شهادة الصحة أعمل فيهما جميعا. والثالث: إن شهادة الصحة أعمل في هذه وينظر إلى أعدل البينتين في مسألة سماع أبي زيد من كتاب الشهادات، ويتخرج في مسألة سماع أبي زيد قول ثالث: إن

مسألة: مريض باع عبدا بمائة دينار وقيمته ثلاث مائة دينارثم مات ولا مال له غيره

شهادة المرض أعمل، ولا يقال ذلك في مسألتنا، إذ لا يصح فيها سوى القولين المذكورين. فهذا تحصيل القول في هذه المسألة. وأما قوله في الذي هلك وترك ولدا مسلما وولدا نصرانيا فشهد رجلان أنه مات على الإسلام، ورجلان أنه مات على النصرانية، إنه ينظر إلى أعدل البينتين، فإن استويا في العدالة كان المال بينهما بنصفين، فهو مثل قوله في المدونة خلاف قول غيره فيها: إن شهادة الإسلام أعمل، ومعنى ذلك إذا قال الشاهدان: عرفنا أنه على الإسلام، ولم نعرف أنه تنصر فشهادتنا أنه مات على الإسلام بغالب ظننا. وقال الآخران: عرفناه نصرانيا على دين النصرانية، ولم نعرف أنه أسلم، فشهادتنا أنه مات على النصرانية بغالب ظننا، وكذلك لو حصروا جميعا موته، فقال الاثنان منهم: تكلم عند الموت بكلمة الإسلام، ومات عليها، وقال الآخران: بل إنما تكلم بكلمة الكفر ومات عليها ولم يعرف في الأصل على كفر ولا على إسلام ينظر إلى أعدل البينتين أيضا فإن استويا في العدالة سقطتا، وقسم المال بينهما بنصفين بعد أيمانهما. وأما لو علم في الأصل كافرا فقالت إحدى البينتين: إنه أسلم ومات على الإسلام، وقالت الأخرى: ما أسلم، بل مات على الكفر لكانت البينة التي شهدت بإسلامه أعمل من الأخرى، وإن كانت أقل عدالة منها. فهذا تحصيل القول في هذه المسألة. وبالله التوفيق. [مسألة: مريض باع عبدا بمائة دينار وقيمته ثلاث مائة دينارثم مات ولا مال له غيره] مسألة وقال في رجل مريض باع عبدا بمائة دينار وقيمته ثلاث مائة دينار، ثم مات ولا مال له غيره، قال: يكون للمشتري ثلثا العبد، ثلث يكون له بالوصية، وثلث بالمائة التي دفع في ثمنه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها ثلاثة أقوال: أحدها قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن الورثة يخيرون ابتداء بين أن يجيزوا البيع وبين أن يمضوا للمشتري من العبد ثلثه بالوصية وثلثه بالمائة التي دفع. وهذا

إذا كانت قسمته على حالها، والمائة باقية فهذا معنى قوله فيها. والقول الثاني إنه يمضي منه للمشتري بالثمن، قدر ما لا محاباة فيه، ثم يخير الورثة في المحاباة، فإن شاؤوا أجازوها وأمضوها وإلا قطعوا له بثلث الثلث. وهو ثلث العبد، إذ لا مال له غيره. وهذا قول عيسى بن دينار وهو قريب من القول الأول، إذ لا فرق بينها وبينه إلا في تخير الورثة هل يكون ابتداء أو بعد أن يمضي منه لنشتري بالثمن قدر ما لا محاباة فيه؟ وتأول ذلك إلى اختلاف في المعنى. والقول الثالث: إن الورثة يخيرون ابتداء بين أن يجيزوا البيع وبين أن يردوه ويعطوا المشتري مائته التي كان دفع ويقطعوا له بثلث الميت في العبد المبيع وهو ثلثه، إذ لا مال له سواه. وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب الشفعة، ورواية أصبغ عن ابن القاسم عن مالك في الواضحة ولا يكون على هذا القول للورثة أن يلزموا المشتري أن يأخذ من العبد بالمائة التي دفع ما يجب لها منه بغير رضاه، ولا له أن يلزمهم ذلك بغير رضاهم، خلاف ظاهر هذه الرواية، وليس للمشتري على ظاهر هذه الرواية أن يزيد ما حاباه به الميت زائدا على الثلث، ويستخلص البيع، خلاف قول ابن القاسم في سماع سحنون ويحتمل عندي ألا يحمل شيء من هذه الرواية في هذه المسألة على ظاهره مما يوجب الاختلاف. وتفسير بعضها ببعض فلا يكون في المسألة خلاف، وترجع الروايات كلها إلى شيء واحد، فنقول على هذا: إن الحكم في المسألة أن يخير المشتري ابتداء، فإن أراد أن يزيد المحاباة ويستخلص البيع كان ذلك له، على ما في سماع سحنون من كتاب الشفعة، وإن أبى من ذلك واتفقوا جميعا على أدت يمضوا للمشتري من العبد بالثمن قدر ما لا محاباة فيه، ثم يكون الورثة بعد ذلك في المحاباة بالخيار بين أن يجيزوها أو يقطعوا له بثلث الميت، وهو ثلث العبد، إذ لا مال له غيره فعلوا ذلك على قول عيسى بن دينار، وإن لم يتفقوا على ذلك خير الورثة ابتداء بين أن يجيزوا الشراء على ما وقع عليه من المحاباة وبين أن يردوا إليه ماله، ويقطعوا له ثلث مال الميت، وهو ثلث

مسألة: أوصى فقال لفلان علي دنانير

العبد، إذ لا مال له غيره، على ما في سماع سحنون من كتاب الشفعة، وعلى ما حكى ابن حبيب عن مالك من رواية أصبغ عن ابن القاسم عنه إلا أن يريد المشتري أن يكون له من العبد بقدر المائة، ويرضى بذلك الورثة، فيكون له حينئذ ثلثا العبد، ثلث بالمائة التي دفع، وثلث بالوصية، إذ لم يجيزوا له الشراء، وقطعوا له بثلث العبد، إذ هو ثلث مال الميت، وهو أحسن ما يقال في هذه المسألة لأن حمل الروايات على الاتفاق أولى من حملها على الاختلاف. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال لفلان علي دنانير] مسألة وقال في رجل أوصى فقال: لفلان علي دنانير فقال: يعطى ثلاثة دنانير؛ لأن الدنانير لا تكون أقل من ثلاثة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الثلاثة يقين، وما زاد عليها شك، ولا تكون الوصايا بالشك، كما لا يكون الميراث به. وبالله التوفيق. [مسألة: قالت ثلث مالي لأبي ثم قالت ثلث مالي لأخي] مسألة وعن امرأة قالت: ثلث مالي لأبي، ثم قالت: ثلث مالي لأخي وهي صحيحة. قال: يأخذ الأب ثلث مالها وليس عليها غيره، ولا يكون لأختها شيء؟ أرأيت لو قال الرجل: دابتي لفلان، ثم قال: دابتي لفلان صدقة؟ إن الأول أولى بها. قال محمد بن رشد: قوله: ثلث مالي لأبي معناه: هبة له أو صدقة عليه، والهبة والصدقة في الصحة لازمة ولذلك لم ير لأخيها شيء؛ لأنها إنما تصدقت عليه بما قد وجب لأبيها بالقول المتقدم؛ لأنه حمل الثلث محمل الشيء المعين، يعطيه لرجل ثم يعطيه بعد لغيره. والأظهر أن يكون لأخيها ثلث الثلثين الباقيين من مالها.

مسألة: أوصت بثلث مالها لأمها وأوصت أن لأختها عليها عشرين دينارا

ووجه قوله: إنه صدقها في أنها لم تعط لأخيها إلا ذلك الثلث بعينه التي كانت أعطته لأبيها وبالله التوفيق. [مسألة: أوصت بثلث مالها لأمها وأوصت أن لأختها عليها عشرين دينارا] مسألة وعن امرأة مسلمة هلكت وتركت أما لها نصرانية، وأختا لها مسلمة، وأخا مسلما، وأوصت بثلث مالها لأمها، وأوصت أن لأختها عليها عشرين دينارا ولم تترك إلا عشرين دينارا. قال: ليس لأمها شيء والعشرون الدين بين الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن يكون فيما تركت فضل عن العشرين، فتعطى أمها ثلث ما فضل بعد العشرين. قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قاله؛ لأن وصيتها لا تدخل فيما أقرت به لأختها وإن كانت الوصية لها بذلك غير جائزة وإنما يكون فيما سوى ذلك من مالها وهو معنى ما في المدونة وغيرها وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لبنت ابنه من ثلث ماله بمثل نصيب أحد بناته] مسألة قال: وسئل عن رجل هلك وترك بنات وغيرهن، وأوصى لبنت ابنه من ثلث ماله بمثل نصيب أحد بناته قال: يعزل الثلث، ثم يقسم الثلثان على فرائض الله، فتنظر ما صار لأحد بناته، فيعطى بنت الابنة مثله من الثلث، فإن فضل شيء عن أهل الثلث قسم على أهل الفرائض كلهم، وتجعل بنت الابن مع البنات، كأنها منهن مثل ما لو كانت بنت ممن يرث الميت. قال الإمام القاضي: الظاهر من قول ابن القاسم من هذه المسألة أنه راعى قول الموصي من ثلث ماله وأعمله، وجعله دليلا على أنه إنما أراد أن يعطي الموصى لها من ثلث ماله، مثل نصيب أحد بناته من ثلثي ماله، ليكون

مسألة: قال عبدي ميمون يخدم فلانا سنتين ثم هو حر

لها بالوصية مثل ما لأحد بناته بالميراث، فلا يكون لها بذلك أكثر من حظها الواجب لها بالميراث، فلذلك قال: إنه يعزل الثلث ثم يقسم الثلثان على فرائض الله، فيعطي الموصى لها من الثلث، مثل ما صار لأحد بناته من الثلثين ثم إن فضل بعد الوصايا من الثلث فضل كانت فيه مع البنات كأنها منهن، ولو أوصى لها بمثل نصيب أحد بناته، ولم يقل من ثلث ماله، لقال: إنها تعطى مثل نصيب أحد بناته من جميع ماله ابتداء ثم يقسم الباقي على الفرائض على ما قال في المدونة وغيرها، فالذي يوصي لرجل بمثل نصيب أحد بنيه، وله ثلاثة بنين، إنه يكون للموصى له الثلث، ثم يقسم الثلثان على البنين ثلاثة فيصح للموصى له أكثر مما صار لكل واحد منهم. ومن الناس من ذهب إلى أن قول ابن القاسم في هذه الرواية خلاف لما في المدونة وأنه لا فرق بين أن يقول الموصي: ثلث مالي، أو يسكت عن ذلك؛ لأنه قد علم أن الوصايا لا تكون إلا من ثلث المال، فإذا قال: أعطوا فلانا مثل نصيب أحد ولدي فإنما معناه: أعطوه من ثلث مالي، مثل نصيب أحد ولدي والاحتمال أن يريد مثل نصيب أحد ولده من جميع ماله، فيكون له أكثر مما يصير لكل واحد منهم بالميراث، واحتمل أن يريد مثل نصيب أحد ولده مما بقي بعد الوصية، فيكون له مثل ما يصير لكل واحد منهم بالميراث، مثل قول ابن القاسم في هذه الرواية كما لو قال: هو من عدد ولدي، فإنما محمله في المدونة على الوجه الأول، وحمله في هذه الرواية على الوجه الثاني. والأظهر أن قول ابن القاسم لم يختلف في ذلك، وإنما فرق بين أن يقول من ثلثي، أو يسكت عن ذلك. وبالله التوفيق. [مسألة: قال عبدي ميمون يخدم فلانا سنتين ثم هو حر] مسألة وسئل عن رجل قال: عبدي ميمون، يخدم فلانا سنتين، ثم هو حر، ثم قال: ميمون أيضا يخدم فلانا سنة قال ابن القاسم: يتحاصان في خدمة سنتين، فيكون للذي أوصى له بخدمة سنة

مسألة: الثلث مائة فأوصى فقال لفلان وفلان وفلان ثلث مالي

خدمة ثلثي سنة، وللذي أوصي له بخدمة سنتين، خدمة سنة وثلث قيل له: أرأيت إن قال: ميمون غلامي يخدم فلانا سنة ثم هو حر وقال أيضا: ميمون ذلك الغلام بعينه، يخدم فلانا سنتين؟ قال: يتحاصان في خدمة سنة، ثم هو حر، للذي أوصى له بخدمة سنتين ثلث سنة وللذي أوصى له بخدمة سنة خدمته ثلث سنة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن العبد إذا حمله الثلث فقد وجب له العتق، بعد خدمة السنة أو السنتين، والخدمة وصية بمال، يجب التحاص فيها إذا ضاقت الوصايا بالخدمة عنها، ولو لم يحمل الثلث العبد، يخير الورثة بين أن يجيزوا الوصية، فيكون الحكم فيها على ما تقدم، وبين أن يعتقوا منه ما حمل الثلث بعد الخدمة، فيتحاص الموصى لهما بالخدمة في خدمة ما حمل الثلث منه؛ لأن الموصي قد يرى الخدمة على العتق. وهذا كله على معنى ما في المدونة وغيرها وبالله التوفيق. [مسألة: الثلث مائة فأوصى فقال لفلان وفلان وفلان ثلث مالي] مسألة وسئل عن رجل أوصى، فقال: لفلان وفلان وفلان ثلث مالي، لفلان عشرة، ولفلان عشرون، ولفلان ثلاثون. أولئك المسمين أولا بأعيانهم. قال: فوجد الثلث مائة على من يرد الفضل؟ قال: على من أوصى لهم بالثلث على عدد الدنانير. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية تفسير روايته عن مالك الواقعة في رسم سلعة سماها من سماعه على الصحيح من التأويل فيها حسبما مضى بيانه هناك. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بعبد له لرجل ثم مات فإذا العبد نصف ماله] مسألة وسئل عن رجل أوصى بعبد له لرجل، ثم مات، فإذا العبد

مسألة: أوصى له بوصيتين إحداهما أكثر من الأخرى

نصف ماله، وقال الذي أوصي له بالعبد للورثة: إما أن يسلموا إلي العبد وإما أن يقطعوا لي بالثلث من كل شيء، قال: ذلك إلى الورثة، قيل: فإن قال الورثة: لا نسلم إليك العبد، ونحن نقطع لك بثلث كل ما ترك الميت، فمات العبد قبل أن يقضي للذي أوصي له بشيء، قال: فلا شيء له، إلا أن يكون حكم له بقضاء أن يقطع له ثلث ما ترك الميت، فأما إذا لم يكن يقضي فيه إلا بقول كذا ثم مات العبد فلا شيء له. قال محمد بن رشد: قوله: إلا أن يكون حكم له بقضاء أن يقطع له ثلث ما ترك الميت يريد: أو بلفظ بات مثل أن يقول: قد قطعنا له بالثلث. وأما إن قالوا: نحن نقطع ثم مات العبد فلا شيء وقال سحنون في نوازله التي تقدمت: إنه إذا قيل للورثة تخيروا فأبوا، فقيل لهم: أقطعوا فقالوا: نعم: إن ذلك قطع له بالثلث، يكون له ثلث ما بقي بعد العبد إن مات العبد على القول بأنه يقطع له الثلث في جميع مال الميت، ولا يكون له في العبد وهو خلاف ظاهر هذه الرواية عن ابن القاسم، والاختلاف في قولهم نعم، بعد أن قيل لهم: اخلعوا بلفظ الأمر، على قياس اختلاف قول مالك في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب جامع البيوع في الذي يكون له العبدان فيسام بهما، فيقول الرجل: هذا العبد بأربعين إلى سنة، وهذا العبد بأربعين إلى سنة وهذا العبد الآخر بخمسين إلى سنة خذ أيهما شئت، حسبما مضى بيانه هناك، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى له بوصيتين إحداهما أكثر من الأخرى] مسألة وسئل عن رجل أوصى قال: لفلان علي مائتي دينار، وأوصى في تلك الوصية بعينها: إن لفلان ذلك الرجل بعينه علي مائة دينار، قال: يعطى ثلاثمائة، كان ذلك في وصية واحدة، أو في وصيتين

مسألة: قال في وصيته بيعوا جاريتي ممن يرفق بها

مختلفتين، قيل له: أرأيت لو قال: لفلان علي مائة دينار ثم أوصى له أيضا بمائة دينار، يتصدق بها عليه؟ قال: يعطي مائتين، كان ذلك في وصية واحدة أو وصيتين. قال: إلا أن يكون أوصى لرجل في مرضه بمائة دينار، وأوصى له أيضا في وصية أخرى بمائتي دينار، فإنه يعطي الأكثر منهما، كان ذلك في الوصية الأولى أو في الآخرة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه إذا أوصى له بوصيتين إحداهما أكثر من الأخرى: إنه يكون له الأكثر منهما كانت الأولى أو الآخرة، هو مثل ما تقدم من قوله في رسم الصلاة من سماع يحيى مثل قوله في المدونة وغيرها، لم يختلف في ذلك قوله، وكذلك إذا كان الوصيتان مستويتين، يكون له الواحدة منهما. وقد مضى هناك توجيه قوله. وذكر ما في ذلك من الاختلاف، فلا وجه لإعادته. وأما إذا أوصى له بدين بعد دين، أو بوصية ودين، فلا اختلاف أحفظه في أنهما يكونان له جميعا والله الموفق. [مسألة: قال في وصيته بيعوا جاريتي ممن يرفق بها] مسألة قال ابن كنانة وابن القاسم في رجل قال في وصيته: بيعوا جاريتي ممن يرفق بها، قالا: تباع ممن يرى أنه يرفق بها من غير شرط ولا شيء، قيل له: فإن أبى أن يشتريها حتى يوضع له من ثمنها قال: أرى أن لا يوضع عنه شيء لأن الناس سواه كثير، فيختار لها رجل صالح، قال: ولو كان قال بيعها ممن أحبت إذا لوضع عنه ما بينه وبين ثلث قيمتها. قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى أن تباع جاريته ممن يرفق بها، إنه لا يوضع عن المشتري الذي يظن أنه يرفق بها شيء من ثمنها صحيح، لا اختلاف فيه أحفظه. وأما الذي أوصى أن تباع جاريته ممن

مسألة: الجارية يوصى فيها أن تباع ممن يعتقها فتختار البيع

أحبت، فلا اختلاف أحفظه في أنه يوضع عن الذي أحبت رجل صالح، قال: ولو كان قال: بيعوها ممن أحبت إذا لوضع عنه ما بينه وبين ثلث قيمتها. قوله: في الذي أوصى أن تباع جاريته أن تباع منه إذا أبى أن يشتريها إلا بوضيعة ثلث ثمنها وإنما الاختلاف هل هي وصية لها أو للمشتري فيما يتعلق بذلك من الأحكام؟ حسبما مضى القول فيه رسم الوصايا من سماع أشهب والله الموفق. [مسألة: الجارية يوصى فيها أن تباع ممن يعتقها فتختار البيع] مسألة وقال في الجارية يوصى فيها أن تباع ممن يعتقها، فتختار البيع قال: إن كانت رائعة كان ذلك لها أن يحسبها الورثة مملوكة، أو يبيعوها بغير شرط، وإن كانت دنية، فليس ذلك لها، وأثمان الستين ليست برائعة، قيل له: فاليوم على رخص الرقيق قال: نعم. واليوم ليس هي برائعة يريد في هذا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول عليها في رسم حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان، فلا وجه لإعادته. [مسألة: أوصى بوصيتين في مرض واحد] مسألة وقال في الذي أوصى بوصيتين في مرض واحد، أوصى في إحداهما لرجل بعشرة دنانير وعبد وأوصى له في الأخرى بخمسة دنانير وبردون، قال: يعطى العشرة والغلام والبردون، إن وسع ذلك الثلث، فإن لم يسع حاص بذلك، وإن لم يكن معه وصايا أخذ ما حمل الثلث، إلا أن يجيزوا وصاياه، وذلك أن مالكا قال: إذا أوصى له بوصيتين في وصية واحدة مختلفة من الدنانير، كان له الأكثر من العدة، كانت الأولى أو الآخرة، وسواء عندي كان مع

مسألة: وصي اشترى رقبة فأعتقها فإذا هي نصرانية

العين وصية غيرها، أو لم تكن، يعطى الأكثر مما أوصى له من العين، وأما غيره فإنه يأخذ ما في كل وصية إذا كان مختلفا على ما ذكرت، ولو أوصى له في واحدة بعبدين، والأخرى بعبد، كان محمله عندي محمل الدنانير، ولم يعطه إلا عبدين، الأكثر من الوصيتين، إلا أن يسمى العبيد بأعيانهم مختلفين فيكون له جميعا. محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم قبل هذا في هذا السماع ومثل ما في المدونة وغيرها. وقد مضى في رسم الصلاة من سماع يحيى توجيه قول ابن القاسم، وذكر الاختلاف في ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: وصي اشترى رقبة فأعتقها فإذا هي نصرانية] مسألة وقال في رجل وصي اشترى رقبة فأعتقها، فإذا هي نصرانية، قال: إن كانت من ظهار أو قتل خطأ أو شيء واجب، فأرى أن يضمن؛ لأنه فرط حين لم يسأل ويستحسن. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول في تضمين الوصي فيما أخطأ فيه في أول سماع أصبغ، وقرب آخر الرسم منه، وفي رسم الأقضية من سماع أشهب فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال أعتقوا عني رقبة فأعتقوها ولم يسم من أي شيء] مسألة قلت: فإن قال: أعتقوا عني رقبة فأعتقوها ولم يسم من أي شيء، أهي على الواجب حتى يعلم غير ذلك؟ قال: لا بل على غير الواجب حتى يعلم الواجب.

مسألة: أوصى فقال مائة دينار لبني عمي فلان على فقرائهم فوجدوا كلهم أغنياء

قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الأصل براءة الذمة، فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال مائة دينار لبني عمي فلان على فقرائهم فوجدوا كلهم أغنياء] مسألة وقال في رجل أوصى فقال: مائة دينار لبني عمي فلان: على فقرائهم، فوجدوا كلهم أغنياء، قال: يوقف عليهم، فإن افتقر منهم أحد دفع إليه، قيل له: فإن لم يفتقر منهم أحد. قال: يرجع ميراثا إلى ورثة الذي أوصى بها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة. وقوله فإن لم يفتقر أحد معناه: حتى مات وبالله التوفيق. [مسألة: قال أعتقوا عبيدي القدماء وله عبيد منذ عشر سنين] مسألة وقال في رجل قال: أعتقوا عبيدي القدماء، وله عبيد منذ عشر سنين، وعبيد منذ خمس سنين، ومنذ ثلاثة سنين وسنة، قال: إن حملهم الثلث، عتقوا كلهم، وإن كان له عبيد منذ أقل من سنة، فليسوا بقدماء. قيل له: فإن لم يكن له عبيد قبل السنة، وإنما هم بعد السنة منذ خمس وأربع وأكثر وأقل ولم يحملهم الثلث، كيف يصنع فيهم؟ قال: يتحاصون كلهم، فيعتق منهم ما حمل الثلث. قال محمد بن رشد: إنما قال فيمن قال: أعتقوا عبيدي القدماء، إنهم يعتقون كلهم إن حملهم الثلث، إذا كان أحدثهم ملكا له عنده سنة فأكثر؛ لأنه رأى السنة حدا للقدم، وهو قول ربيعة، واستدل على ذلك بقول الله عز وجل: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] وهي سنة تامة. وله في

مسألة: أوصى فقال ثلث مالي لعبدي وثلث مالي لفلان أجنبي

كتاب ابن المواز والمجموعة: إنه إن قال: أعتقوا قدماء رقيقي، عتق الأول فالأول، حتى ينفذ الثلث، وإن وسعهم الثلث كلهم، نظر إلى الذي يظن أنه أراد في قدم الكسب وحدوثه، فليبدأ القدماء، ولا شيء للمحدثين، وإن اشتراهم جملة واحدة عتق ثلثهم. وقوله: فالسهم، يريد: إن لم يكن له مال غيرهم، وأما إن كان له مال غيرهم، فإنما يعتق بالسهم ما حمل الثلث منهم. وقوله: قدماء رقيقي على قياس ما تقدم من قوله في أول رسم من سماع أصبغ. وفي كتاب ابن المواز في الذي يقول: في خيار رقيقي ففرق بين أن يقول: عبيدي القدماء أو قدماء عبيدي لافتراق اللفظين في المعنى وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال ثلث مالي لعبدي وثلث مالي لفلان أجنبي] مسألة وقال في رجل أوصى، فقال: ثلث مالي لعبدي وثلث مالي لفلان أجنبي، قال: يكون الثلث بين الأجنبي وبين عبده، فما صار للعبد عتق منه بقدر نصف الثلث. قال محمد بن رشد قوله: إنه يعتق من العبد بقدر نصف الثلث الذي صار له، صحيح على مذهبه وروايته عن مالك في المدونة وغيرها؛ لأنه قد ملك من رقبته نصف ثلثها، فوجب أن يعتق عليه ما ملك من رقبته وبقيته فيما صار له من الثلث إن حمل ذلك بقيته، وإن لم يحمل ذلك بقيته وله مال سواه عتق عليه ما بقي منه في ذلك، بمنزلة العبدين الشريكين، يعتق أحدهما حظه فيقوم عليه حظ شريكه. مثال ذلك أن يكون قيمة العبد ثلاثين، ويترك الميت سواه ستين، فيكون ثلث الميت، وهو ثلاثون بينهما للعبد خمسة عشر، يجعل له في رقبته، فيعتق منه نصفها، ويكون للموصى معه خمسة وللورثة بقية العبد، وخمسة وأربعون، وإن كان للعبد مال من غير الوصية، قوم فيه بقيته على

مسألة: أوصى إن باع ورثته بعده الدار فثلثها للمساكين

الورثة، فيدفع إليهم من ماله خمسة عشر، قيمة نصفه، وأعتق جميعه. وقد مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم ما في هذا من الاختلاف. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى إن باع ورثته بعده الدار فثلثها للمساكين] مسألة وسئل عن رجل أوصى عند موته، ولم يترك إلا دارا وأوصى إن باع ورثته بعده الدار فثلثها للمساكين، ومن باع منهم نصيبه فثلث ما يصير له للمساكين، قال: هو على ما أوصى. قيل له: فإن الدار قوم سفليها بمائة دينار، وقوم علوها بمائة وأربعين، فأراد النساء أن يأخذن العلو، ولهن عشر قراريط من الدار، فقال النسوة: نحن نرد على الورثة أربعين دينارا أو يكون العلو لنا. قال ابن القاسم: لا نرى أن يترادا بالدنانير، ولكن يقسم للنساء بحقهن، ولو ربع بيت أو أقل أو أكثر، ولا يترادان بشيء من الدنانير. قيل: فإن القاضي قد قضى بارتداد النساء على الرجال، أتراه؟ ولا يكون على الرجال في أربعين التي أخذوها بشيء؛ لأنه ليس ببيع، فإن النساء أردن بيع ما كان لهن في الدار. قال: يكون عليهن أن يتصدقن بثلث ما كان لهن مما ورثن فقط، ولا يكون عليهن في العشرين شيء يخرجن العشرين. قال: لا ثم يتصدقن بما بقي، فإن باع الرجال الذي لهم، أخرجوا لهم ثلث ما باعوا به، وثلث العشرين التي أخذوها. قلت: أرأيت إن احتاج النساء إلى بيع فبعن تلك العشرين التي رددنها على الرجال قط، أثرى عليهن فيها شيئا أو على الرجال حين باع النساء؟ قال: لا ليس على أحد منهم شيء.

قال محمد بن رشد: كان القياس في هذه المسألة على ما يقتضيه ظاهر لفظ الموصي، فحمله على عمومه، إذ قال: ومن باع منهم نصيبه بثلث ما يصير له للمساكين أو لم يفرق بين أن يبع نصيبه من أجنبي، أو من بعض الورثة، فيوجب على الرجال الصدقة بثلث الأربعين التي قبضوها من النساء؛ لأنهم قد باعوا بها من النساء بعض حظهم الواجب لهم بالميراث من الدار، إلا أنه رأى أن الموصي إنما أراد ألا يخرج الدار عنهم، ولا يبيعوها ولا شيئا منها من غيرهم. فرأى وجه ما أوصى به، أنهم إن باعوا الدار كان عليهم أن يتصدقوا بثلث الثمن، وإن باع أحد منهم حظه الواجب له بالميراث في الدار من أجنبي كان عليه أن يتصدق بثلث ثمن ذلك، وعلى هذا أتى جوابه في المسألة فقال: إنه لا شيء على الرجال في الأربعين التي أخذوها من النساء في الزيادة على حظهن من العلو، وقوله: أفترى رد النساء على الرجال بيعا؟ معناه: أتراه بيعا يجب به على الرجال الصدقة بثلث الأربعين، قال: لا فإن باع النساء العلو من أجنبي بعد أن استخلصوه بأربعين التي زادها، كان على الرجال في الأربعين التي أخذوها من النساء في الزيادة عليهن، أن يتصدقن بثلث ما كان لهن بالميراث في الدار، ولم يجب عليهن شيء فيما ناب من الثمن، ما يجب منه لما صار إليهن من قبل الرجال بالأربعين التي زادها. فهذا معنى قوله: ولا يجب عليهن في العشرين شيء، وكان حقه أن يقول: ولا يجب في الأربعين شيء أي فيما يجب من الثمن، لما صار إليهن من قبل الرجال بالأربعين؛ لأنه لم ينزل المسألة إلا على أنهن رددن أربعين لا على أنه رددن عشرين. وقوله: يخرجن العشرين ثم يتصدقن، بما بقي، لفظ خرج على التجاوز، ومعناه: يخرجن ما يجب من الثمن لما اشتروه من الرجال بالعشرين، إن كن رددنهم عشرين ثم يتصدقن بثلث ما بقي، لا بما بقي. وكذلك قوله: إن باع الرجال الذي لهم أخرجوا ثلث ما باعوا به، وثلث العشرين التي أخذوها. معناه: إن كانوا أخذوا من النساء في خروجهن العلو عشرين، كما ذكر في أول المسألة، وهو صحيح؛ لأن النساء لما بعن

مسألة: أوصى فقال ثلث مالي لابن عبدي ولعبده ابن حر

جميع حظهن من الدار، ثم باع الرجال جميع حظهم منها وجبت الصدقة بجميع الثمن. وقد تصدق النساء بثلث ثمن ما ورثته، فوجب على الرجال أن يتصدقوا بثلث جميع ما ورثوه أيضا، ما باعوه من الأجنبي، وما كانوا باعوه من النساء؛ لأن الذي باعوه من النساء قد خرج عن أيديهم بالبيع، ولو باع النساء ما وجب لهن بالميراث ... لأنفسهم ما وجب لهم لما أخذنه من الرجال بالأربعين، ثم باع الرجال الذي لهم لم يجب عليهم أن يتصدقوا بثلث الأربعين؛ لأن الذي باعوا من الدار باق بأيدي النساء. فمتى ما باعوه وجب على الرجال الصدقة بثلث الأربعين. وقوله: إنه احتاج النسوة إلى بيع، فبعن ملك العشرين التي رددنها على الرجال، أي ما يجب لهن من الدار، فلا شيء عليهن في ثمن ذلك صحيح؛ لأن ما ورثنه من الدار لم يبعنه، فلا شيء عليهن في ثمن ما بقي مما اشترينه من الرجال. وأما قوله: إنه لا يجب على الرجال في ذلك شيء حين باعه النساء ففيه نظر، وكان الأظهر أن يجب عليهم إذا باع النساء ذلك، الصدقة بثلث الأربعين التي قبضوها من النساء في ذلك، أو في ثلث العشرين، إن كانوا إنما قبضوا منهن عشرين ووجه ما ذهب إليه أنه لما كان قد بقي بين يدي النساء من الدار قدر ما باعوه منهن أو أكثر لم يجب عليهم في الأربعين أو العشرين شيء؛ لأن الذي باعوه بها لم يخرج على الورثة وفيه نظر، وكان القياس أن يكون ذلك مقبوضا؛ لأن ما بعنه مشاعا فينظر ما يقع ما بعنه من الدار، مما ورثنه واشترينه من الرجال مجموعا، وهو السبعان على ما نزل عليه المسألة، فيكون على الرجال أن يتصدقوا بثلث سبع الأربعين أو العشرين التي قبضوها من النساء وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال ثلث مالي لابن عبدي ولعبده ابن حر] مسألة وعن رجل أوصى عند موته، فقال: ثلث مالي لابن عبدي

مسألة: أوصى الرجل عند موته فقال حاسبوا ابني بما أنفقت عليه

ولعبده ابن حر، قال: إن كان ابن عبده كبيرا فقبل تلك الوصية، عتق عليه أبوه، وإن لم يقبلها عتق عليه ثلثه يريد أباه، وإن كان صغيرا أعتق عليه ثلثه فقط، وإن كان الثلث أكثر من رقبة أبيه أعطيه الابن. قال محمد بن رشد: قوله: إنه إن قبل الوصية عتق عليه أبوه صحيح على ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف في ذلك؛ لأنه لما أوصى له بثلث ماله، والعبد من ماله، فقد أوصى له بثلث العبد، وبثلث ما بقي من ماله، فإن قبل عتق عليه باقيه في بقية الثلث الذي أوصى له به. وفيما سوى ذلك من ماله. وأما قوله: إذا لم يقبل إنه يعتق ثلثه ففي ذلك اختلاف، قيل: إنه إذا لم يقبل سقطت الوصية، وهو الذي يأتي على قول مالك في رواية علي بن زياد عنه في المدونة. وقيل: إنه يعتق عليه ثلثه، ويكون الولاء له. وهو قول ابن القاسم في المدونة وقيل: إنه يعتق، ويكون الولاء للموصي، وهو قوله في سماع سحنون في رسم القطعان، من سماع عيسى من كتاب العتق. وقد مضى توجيه هذا الاختلاف في سماع سحنون المذكور في رسم المكاتب، من سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات. وقوله: إن كان الثلث أكثر من رقبة ابنه أعطيه الابن، معناه: في الكبير إذا قبل، وأما الصغير إذا أعتق عليه ثلث أبيه فيعطى ثلث سائر مال الموصي وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى الرجل عند موته فقال حاسبوا ابني بما أنفقت عليه] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: إذا أوصى الرجل عند موته فقال: حاسبوا ابني بما أنفقت عليه. قال: إن كان مال ابنه عينا لم يجز قوله؛ لأنه لو أراد أن يحاسبه بما أنفق عليه أخذه قبل موته، وإن كان ماله إنما هو عرض حوسب به.

مسألة: أقر بدين لمن يتهم عليه وأوصى بزكاة

قال محمد بن رشد: كان من أدركنا من الشيوخ يحملون هذه الرواية على الخلاف لما في أول سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة؛ لأنه قال في هذه الرواية: إنه لا يحاسب إذا كان المال عينا، وإن أوصى الأب أن يحاسب. وقال في تلك: إنه يحاسب إذا لم يقبل ذلك عند موته، فدل ذلك على أنه لو أوصى أن يحاسب لحوسب. والذي أقول به: إن ذلك ليس باختلاف من القول، والفرق بين المسألتين أنه لم يكتب عليه النفقة في هذه الرواية، ولذلك قال: إنه لا يحاسب وإن أوصى أن يحاسب. وكتبها عليه في ذلك، ولذلك قال: إنه يحاسب إن أوصى بذلك. وقد مضى هناك القول على هذه المسألة بتفريع وجوهها مستوفى فأغنى ذلك عن إعادته. [مسألة: أقر بدين لمن يتهم عليه وأوصى بزكاة] مسألة وقال في رجل أقر بدين لمن يتهم عليه، وأوصى بزكاة؟ قال: يبدأ بالدين من رأس المال، ثم تكون الزكاة من ثلثي ما بقي. قال الإمام القاضي: هذا بين صحيح على ما في المدونة وغيرها؛ لأنه لما أقر بالدين، فقد أراد أن تكون الزكاة التي أوصى بها في ثلث ما بقي من ماله (بعدما) أقر به من الدين، وإن رد بعد موته للتهمة؛ لأنه لم يعمل هو على أن يرد وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال ثلثي لأهلي] مسألة وقال في رجل أوصى فقال: ثلثي لأهلي، قال: لا تدخل الخالة ولا الخال. قال: وأرى العمة تدخل مع العصبة؛ لأنها لو كانت رجلا ورث. قيل له: ولو لم يكن بقي من أهله إلا الخال والخالة، لم تر لهما شيئا قال: نعم. إذا إنما يكون للعصبة دونهما.

مسألة: يقض المريض بعض غرمائه دون بعض

قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم أسلم من سماع عيسى وبالله التوفيق. [مسألة: يقض المريض بعض غرمائه دون بعض] مسألة وقال: لا يقض المريض بعض غرمائه دون بعض؛ لأنه في حالة يحجب فيها عن ماله، بمنزلة المفلس سواء. قال محمد بن رشد: يريد: المريض الذي يحجب فيه عن القضاء في ماله، وكذلك روى أصبغ عنه. وقوله بمنزلة المفلس سواء، يريد: أنه لا يجوز قضاؤه فيه عنده، كما لا يجوز في المفلس لا أن له حكم المفلس إذ لا اختلاف في أن إقراره بالدين لمن يتهم عليه جائز في المرض ما لم يفلس، والرهن بمنزلة القضاء لا يجوز عنده، وأجاز ذلك غيره في المدونة رهنه وقضاؤه كما يجوز بيعه وشراؤه وإقراره بالدين لمن لا يتهم عليه والفرق عند ابن القاسم بين القضاء والرهن، وبين الإقرار أنه في الإقرار، لم يحاب بعض الغرماء على بعض، وفي القضاء والرهن قد حابا بالذي قضاه أو رهنه على غيره، فإقرار المديان بالدين لمن لا يتهم عليه، يجوز في الصحة والمرض عند جميعهم، وقضاؤه ورهنه بعض غرمائه دون بعض لا يجوز عند مالك وابن القاسم في المرض. واختلف قولهما في ذلك في الصحة، وكذلك إقراره لمن يتهم عليه في الصحة، اختلف قولهما في ذلك، ولا اختلاف في أن ذلك لا يجوز في المرض. فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.. [مسألة: يقول في مرضه عبدي لعبد الرحمن ثم يقول بعد ذلك عبدي لعبد الله] مسألة وعن الرجل يقول في مرضه: عبدي لعبد الرحمن، ثم يقول بعد ذلك: عبدي لعبد الله بتلا قال: لا أرى لعبد الرحمن وصية إلا أن يقول: عبدي لعبد الله بتلا بعد موتي، فإذا قال هذا تحاصا في

مسألة: قال عرصتي لعبد الرحمن في مرضه ثم بناها في مرضه

العبد: عبد الله وعبد الرحمن جميعا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا بتله لعبد الله، فقد نقض وصيته فيه لعبد الرحمن؛ لأن الهبة رجوع في الوصية. وأما إذا ابتله له بعد الموت فهي وصية له أيضا، يشتركان فيها. قال: وهو مثل ما تقدم له قبل هذا في هذا السماع وغيره ومثل ما في المدونة وغيرها. وقد مضى في رسم الصلاة من سماع يحيى توجيه قول ابن القاسم في هذا وذكر الاختلاف فيه. وبالله التوفيق. [مسألة: قال عرصتي لعبد الرحمن في مرضه ثم بناها في مرضه] مسألة قلت: فإن قال: عرصتي لعبد الرحمن في مرضه، ثم بناها في مرضه، أترى ذلك انتزاعا؟ قال: لا ولكنه يحاص بقيمة العرصة مع أهل الميراث، ويضرب أهل الميراث بقيمة البناء. وسئل عنها سحنون: فقال: أرى هذا نقضا لوصيته؛ لأنه قد أحال العرصة عند حالها فقد نقض وصيته. قيل له: فلو أوصى لرجل بداره في مرضه، ثم هدمها هل ترى ذلك نقضا لوصيته؟ قال: الذي أقول أنا به: فأرى له قاعة الدار؛ لأن القاعة لم تزل على حالها، وأما غير البنيان وإزالته عن حاله فقد نقض وصيته في البنيان. قلت له: فإن قال: ثوبي لعبد الرحمن، ثم قطعه قميصا فلبسه في مرضه قال: هو لعبد الرحمن، وليس بتقطيعه إياه، ولا لبسه انتزاعا. قال: وإن قال: شقتي لعبد الرحمن، ثم قطعها قميصا في مرضه وسراويلات رأيت ذلك انتزاعا لأنه إذا أوصى ثم حوله عن اسمه حتى يسمي اسما آخر رأيت ذلك انتزاعا؛ لأنه إذا قال: شقتي ثم قطعها قميصا فقد صار اسمها خرقة ولأنه إذا قال:

مسألة: أوصي له بجارية بعد موته ثم وطئها

ثوبي في هذا ثم قطعه قميصا، فاسمه ثوب أيضا، وليس تقطيعه إياه بالذي يحوله عن أن يكون اسمه ثوب. قلت له: فإن أوصى بثوب، ثم صبغه صبغا يزيد في ثمنه، كيف يكون الثوب؟ قال: يضرب بقيمته أبيض، ولا شيء له في الصبغ. قال محمد بن رشد: قد مضى بعض هذه المسألة والقول عليها في رسم الوصايا والأقضية، ورسم الوصايا الصغير، من سماع أصبغ. ومضى تحصيل القول فيها مستوفى في نوازل سحنون فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصي له بجارية بعد موته ثم وطئها] مسألة وقال في رجل أوصي له بجارية بعد موته، ثم وطئها أترى ذلك انتزاعا؟ قال: لا. قيل له: فإنها وقفت حين مات خوفا من أن تكون حاملا فحمل عليها رجل فقتلها لمن تكون جنايتها؟ قال: ليستردها الذي مات لأنه يخاف أن يكون بها حمل، ولا يكون للموصى له من جنايتها شيء. قيل له: أرأيت لو لم يطأها حتى مات ... بجميع ما له فمات الذي أوصى له بها أيضا. قال: يكون ورثته يقومون مقامه. قال محمد بن رشد: قوله: يخاف أن يكون بها حمل، يدل على أنه إنما جعل الجناية عليها لسيدها الموصي بها، مخافة أن تكون حاملا منه، ولو تيقنت براءتها من الحمل لكانت الجناية عليها للموصى له بها. وهو معنى ما في كتاب الوصايا الثاني من المدونة فحملها ابن القاسم على الحمل حتى

مسألة: قال لفلان عشرة دنانير ولفلان عشرون دينارا ولفلان ثلاثون دينارا

يعلم براءتها منه على أصله في غير ما مسألة. من ذلك قوله في سماعه من كتاب الاستحقاق في الذي يستحق أمة له عند رجل اشتراها ويقيم عليها البينة، فتموت بعد ذلك: إن مصيبتها منه، ويرجع المبتاع بالثمن على البائع، إلا أن يكون قد وطئها فتكون المصيبة منه، من أجل ... فيها، ويرجع المستحق على البائع بالأكثر من القيمة أو الثمن إن كان عاصيا. وقد قيل: إنها محمولة على السلامة من الحمل حتى يعلم أنها حملت، فعلى هذا تكون الجناية عليها للموصى له بها وإن كان الموصي قد وطئها، إلا أن يعلم أنها كانت حاملا منه. وهو مذهب مالك في رواية أشهب عنه في الذي يشتري الأمة فيطؤها، ثم يظهر على عيب فيها، فيردها إلى البائع، فتموت قبل أن تحيض إن ضمانها من البائع المردود عليه بالعيب، إلا أن يعلم أنها كانت حاملا، فتلزم المشتري، ويرد عليه ما نقص العيب من ثمنها. وبالله التوفيق. [مسألة: قال لفلان عشرة دنانير ولفلان عشرون دينارا ولفلان ثلاثون دينارا] مسألة وعن رجل قال: لفلان عشرة دنانير، ولفلان عشرون دينارا، ولفلان ثلاثون دينارا ثم قال في مرضه ذلك: ولفلان ولفلان ولفلان الذي أوصى لهم بعدد تلك الدنانير، لهم ثلث مالي ثم هلك، قال: يعطى الذي سمي له عشرة عشرته، والذي سمي له عشرين عشرينه، والذي سمى له ثلاثين ثلاينه، ثم ينظر إلى ما فضل بعد ذلك من الثلث، فيكون بينهما بالسوية، وقال مرة: تكون على الحصص. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة على خلاف أصله فيمن أوصى لرجل بوصيتين، إنه يكون له الأكثر منهما، كانت الأولى أو

مسألة: أوصى في مرضه فقال ثوبي هذا بيعوه وتصدقوا بثمنه فإنه ليس لي

الآخرة، وقياس قول مطرف في أن من أوصى لرجل بوصيتين: إنه يكونان له جميعا إن كانتا متساويتين، أو كانت الثانية أقل؛ لأنه يحمل عليه عنده أنه استقل ما أوصى له به في الأول، فزاده ما في الثانية، وكذلك حمل ابن القاسم على الموصي في هذه المسألة أنه استقل ما أوصى به لكل واحد منهم من التسمية التي أوصى له بها، فزادهم بقية الثلث بقوله: لهم ثلث مالي، فمرة قال: إن ذلك يكون بينهم على السوية إذا لم يقل فيها: إنها تكون بينهم على قدر ما أوصى لهم به، ومرة قال: إنما يكون بينهم على قدر ما أوصى لهم به أولا؛ لأنه لما فضل بعضهم على بعض فيما أوصى لهم به أولا، ثم زادهم زيادة حكم للزيادة بحكم المزيد عليه من التفضيل. والقولان محتملان، وهو أظهر. والله أعلم. والذي يأتي في هذه المسألة على أصل ابن القاسم في الذي يوصى له بوصيتين، أن له الأكثر منهما. أن يقتسموا جميع الثلث بينهم على أكثر ما أوصى به لكل واحد منهم من التسمية التي سماها له، أو ثلث الثلث. وإن كان في المال عروض جرى الحكم في ذلك على الاختلاف الذي قد ذكرناه في رسم الوصايا الصغير، من سماع أصبغ، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى في مرضه فقال ثوبي هذا بيعوه وتصدقوا بثمنه فإنه ليس لي] مسألة وسئل عن الذي أوصى في مرضه، فقال: ثوبي هذا بيعوه وتصدقوا بثمنه، فإنه ليس لي، وثوبي هذا الآخر بيعوه وتصدقوا بثمنه فإنه ليس لي، وإنما اغتصبته، ونحو هذا، ولفلان علي مائة دينار، ولفلان أيضا مائة لقوم سماهم معروفين، ولفلان علي خمسون دينارا وهم يسكنون في بلد كذا وكذا لقوم لا يعرفون، ولو طلبوهم لأعجزوهم. قال ابن القاسم: إن لم يكن على ما ذكر بينة إلا إقراره، فإنه يبدأ بالثياب التي أوصى بها أن تباع، ويتصدق بثمنها تباع،

ويتصدق بثمنها بها، ثم يتحاص أصحاب الدين الذين يعرفون، والذي لا يعرفون، وإن قامت البينة على ما ذكر، فإنه يحاص في الثياب وفي الدين الذي ذكر لقوم يعرفون، ولقوم لا يعرفون جميعا. قال محمد بن رشد: قوله: إن لم يكن على ما ذكر بينة معناه: إن لم يكن ما ذكر من الديون التي أقر بها بينة؛ لأنه إذا لم يكن لهم بينة على ديونهم، لم يكن لهم حجة فيما أقر به من الثياب، أنه لا شيء له فيها، إذ لو شاء لم يقر لهم بشيء، كما أقر لابنه بمائة دينار، ولرجل أجنبي بمائة، فليبدأ بالثياب التي أوصى أن تباع ويتصدق بثمنها، وتكون الديون التي أقر بها للذين يعرفون، والذين لا يعرفون فيما بقي من ماله بعدها، فيتحاصون في ذلك، فما ناب الذين يعرفون أخذوه، وما ناب الذي لا يعرفون وقف لهم، فإن لم يأت له طالب تصدق به، وهذا إذا كان له ولد، على قياس ما مضى من قوله في هذا السماع، وفي غيره من المواضع، وأما إن لم يكن له ولد فالذين يعرفون أحق بما بقي بعد ثمن الثياب التي أوصى أن تباع، ويتصدق بثمنها؛ لأن إقراره لمن لا يعرف لا يجوز إذا كان يورث كلالة، وإن فضل من المال فضل بعد دين الذين يعرفون وقف الدين على الذين لا يعرفون إن كان يسيرا، وإن كان للورثة إن كان كثيرا على قياس ما مضى في صدر هذا السماع وفي غيره أيضا. وقوله: فإن قامت البينة على ما ذكر، معناه: فإن قامت البينة على الديون التي أقر بها يحاص في ثمن الثياب بالديون التي ذكر لقوم يعرفون ولقوم لا يعرفون، ذلك بين على ما قاله؛ لأنه إذا كانت لأرباب الديون بينة على ديونهم لم يصدق فيما أقر به من أن الثياب لا شيء له فيها، وبطلت وصيته بالتصدق بها. وقوله: يحاص في الثياب وفي الديون الذي ذكرها خطأ في الرواية، وصوابه فإنه يحاص في الثياب بالدين الذي ذكر لقوم يعرفون، ولقوم لا يعرفون. وبالله التوفيق.

مسألة: أوصى فقال ثلثي لعبد الله ومحمد وأحمد

[مسألة: أوصى فقال ثلثي لعبد الله ومحمد وأحمد] مسألة وقال في رجل أوصى فقال: ثلثي لعبد الله ومحمد وأحمد، لمحمد عشرة، ولأحمد عشرين. وسكت عن عبد الله، فلم يسم له تسمية أكثر من الوصية الأولى. قال: ينظر إلى عدة الثلث كم هو فيضرب عبد الله بثلث الثلث، وأحمد ومحمد، وأحمد لعبد الله عشرة، ولمحمد عشرين، ولأحمد ثلاثين، ضرب عبد الله بعشرة أجزاء، ومحمد بعشرين، وأحمد بثلاثين، كان لعبد الله سدس الثلث، ولمحمد ثلث الثلث، ولأحمد نصف الثلث. وإنما ثلث الثلث إن سكت عن التسمية بمنزلة التسمية سواء يضرب معهم بعدة ثلث الثلث. قلت: قصر الثلث أو زاد، فعلى هذا يكون في جميع هذه الوجوه، قال: نعم. قيل له: فإن قال: ثلثي لعبد الله ولمحمد وأحمد لعبد الله عشرة ولأحمد عشرة، ولمحمد عشرة. قال: هذا بينهم أثلاثا كما هو، وليس في ذلك تفضيل، إنما هو إذا فضل بعضهم على بعض في التسمية. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه قد بين كيف يكون الثلث بينهم بقوله: لمحمد عشرة، ولأحمد عشرين، وسكوته عن عبد الله؛ لأنه لما سكت عنه بقي على ما يجب له بقوله: ثلثي لفلان وفلان وفلان وهو ثلث الثلث. فبذلك يحاص الموصى لهما بالتسمية. وهذه المسألة تبين المسألة التي مضت في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم حسبما ذكرناه. تم جميع كتاب الوصايا والحمد لله.

: كتاب الصدقات والهبات الأول

[: كتاب الصدقات والهبات الأول] [وهب لرجل لثواب فأفلس] من سماع ابن القاسم من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال: من وهب لرجل لثواب، فأفلس فهو على هبته، بمنزلة من باع سلعته، إلا أنها تقوم يوم وهبها. قال سحنون: يريد بذلك: إذا أراد الغرماء حبسها ودفع القيمة إليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا أفلس الموهوب له الهبة للثواب قبل دفع الثواب، فرب الهبة أحق بها من الغرماء؛ لأن الهبة للثواب بيع من البيوع، إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه قيمتها. قال في هذه الرواية: يوم وهبها، ومثله في رسم العتق من سماع عيسى، وفي رسم البيوع من سماع أصبغ، وفي آثار المدونة وفي الموطأ يوم قبضها، ومثله في الشفعة من المدونة. وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في ضمان السلعة المحتسبة بالثمن. وقد اختلف في ذلك قول مالك فعلى القول بأن ضمانها من البائع تكون القيمة في السلعة الموهوبة يوم القبض، وعلى القول بأن ضمانها من المبتاع تكون القيمة فيها يوم الهبة، وهو اختيار ابن القاسم. واختار ابن المواز أن تكون القيمة فيها يوم القبض، إلا أنه اعتل في ذلك بعلة غير صحيحة، فقال: لأنه بالخيار في ردها قبل أن يقبضها وهو بالخيار أيضا في ردها بعد قبضها ما لم تفت، فيلزم على تعليله أن تكون القيمة فيها يوم

مسألة: أفلس رجل وقد رهن سلعة اشتراها بدين

الفوت، وهذا ما لم يقولوه، ولا يوجد لهم. وهذا على القول بأن من حق الواهب للثواب أن يمسك هبته حتى يقبض عوضه كالبيع، وهو نص ما في كتاب الهبة من المدونة. وأما على القول بأنه ليس له أن يمسكها، ويلزمه دفعها بخلاف البيع؛ لأنها مكارمة فضمانها بعقد الهبة من الموهوب له على كل حال، ولا يدخل فيها من الاختلاف ما يدخل في المحبوسة بالثمن، وتلزمه القيمة إن فاتت يوم الهبة لا يوم القبض باتفاق. [مسألة: أفلس رجل وقد رهن سلعة اشتراها بدين] مسألة قال مالك: وإن أفلس رجل، وقد رهن سلعة اشتراها بدين، فإن صاحبها مخير بين أن يقرها في يد المرتهن، ويحاص بثمنها الغرماء فذلك له، وإن أحب أن يفتدي سلعته من يد المرتهن، ويحاص الغرماء بما فداها به فعل، والمرتهن أولى بما في يديه من الرهن حتى يستوفي حقه، وما فضل فهو للغرماء. قال الإمام القاضي: زاد في رسم الأقضية الأول من سماع أشهب من كتاب المديان والتفليس في هذه المسألة إنه إن افتداها من المرتهن كان الغرماء بالخيار، إن شاءوا دفعوا إليه، وإن شاؤوا أعطوه ثمنها، فإن أعطوه ثمنها وتركها حاص في جميع ذلك بما افتداها به، ولا يحاص بثمنها إلا في إسلامها للمرتهن وتركها، وهي زيادة بينة؛ لأن بائع السلعة إذا أعطي ثمن سلعته فلا حجة له عليه، وكذلك لا حجة لهم عليه في محاصته إياهم بما أهابه؛ لأنه لو لم يفتدها لكان المرتهن أحق بها، ولزمهم معهم أن يفتدوها منه بما ارتهنها به من مال الغريم، فإذا افتداها هو منه على أن يحاصهم بما افتداها به فقد نفعهم. المسألة كلها بينة صحيحة. وقد قيل: إنه لا يضرب بما افتك به الرهن، كافتكاك رقبة العبد الجاني إذا كان قد باعه وجنى، وفلس المشتري قبل أن يفتكه، وهو بعيد. والفرق بينهما أن العبد الجاني لا

مسألة: تصدق على ولده فاقتسمه الذكور دون الإناث ثم طالب النساء بحقهن

يلزم سيده أن يفتكه بجنايته، وله أن يسلمه بها، والرهن يلزم الراهن أن يفتديه بما رهنه، وليس له أن يسلمه بذلك وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على ولده فاقتسمه الذكور دون الإناث ثم طالب النساء بحقهن] مسألة وقال مالك في صدقة تصدق بها على رجل من نخل أو غلة على ولده فرأى أن النساء ليس لهن فيها حق، فاقتسموها بين الذكور زمانا، ثم بلغ النساء: أن لهن فيها حقا، فطلبن ذلك، قال: يأخذن فيما يستقبلن ولا يكون لهن فيما مضى من الغلة شيء، قال ابن القاسم: وذلك رأيي. ونزلت فرأيت ذلك، وإنما هو بمنزلة ما قال لي مالك في الدار يرثها الولد فيسكنون فيها الزمان، ثم يأتي أولاد له آخرون لم يكونوا علموا بهم أنهم لا شيء عليهم فيما سكنوا. قال سحنون: أخبرني علي بن زياد عن مالك أن الغيب يرجعون على الحضور بكراء حصتهم مما سكنوا، علموا أن ثم وارث غيرهم أو لم يعلموا. أو محمل الغلة عندي محمل السكنى. قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة: إن النساء يأخذن فيما يستقبلن، ولا يكون لهن فيما مضى من الغلة شيء، معناه: في الصدقة المحبسة، لا في الصدقة المبتولة على ولده بأعيانهم: ذكورهم وإناثهم، وتابع ابن القاسم مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما قاله في غلة الحبس، قياسا على ما قاله في السكنى في غير الحبس. والغلة في غير الحبس مخالفة عنده وعند مالك للسكنى يجب لمن جهله حقه فيها مدة، فلم يأخذه أن يأخذه فيما مضى وفيما يستقبل، وذلك منصوص عليه لابن القاسم في المبسوطة وخالفت رواية علي بن زياد عن مالك لرواية ابن القاسم في السكنى في غير الحبس، فراءه في رواية علي بن زياد عن مالك كالغلة في غير الحبس ورأى في رواية ابن القاسم عنه بخلاف ذلك، كالغلة في الحبس فيتفق في الغلة في غير

مسألة: الأب يجوز لابنه الصغير ما تصدق به عليه

الحبس، على أنه يأخذ حقه فيما مضى وفيما يستقبل، ويتفق أيضا في السكنى في الحبس، على أنه لا شيء له فيما مضى، بل لا يأخذ فيما يستقبل إلا ما فضل عن الساكن؛ لأن حكم السكنى في الحبس لا يخرج فيه أحد لأحد، ويختلف في الغلة في الحبس، وفي السكنى في غير الحبس على قولين: أحدهما لا شيء لهم في شيء من ذلك إلا فيما يستقبل، وهو قول ابن القاسم، وروايته عن مالك، والثاني إنهن يأخذن حقهن فيما مضى وفيما يستقبل، وهو الذي يأتي على رواية علي بن زياد، عن مالك في غلة الحبس، ونص قوله في السكنى في غير الحبس. والفرق على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك، بين الحبس وغير الحبس في الغلة، هو أن الحبس إنما يقسم على الحبس عليهم بالاجتهاد ويفضل فيه فقيرهم على غنيهم، ومن مات منهم قبل طيب الثمرة، أو قبل القسم، وإن كان ذلك بعد طيب الثمرة على الاختلاف في ذلك سقط حقه، ورجع على بقيتهم، إذ ليس حقه فيه ثابتا، بخلاف الملك الذي يعرف حق كل واحد من الأشراك فيه، ويورث عنه طاب أو لم يطب، أبر أو لم يوبر. والفرق على مذهبه بين السكنى والغلة هو ما قاله في المدونة من أنه إنما سكن ولم يعلم بأخيه، ولو علم لكان في نصيبه ما يكفيه، فلم ينتفع بحظ أخيه بشيء أخذه، والغلة بخلاف ذلك. وبالله التوفيق. [مسألة: الأب يجوز لابنه الصغير ما تصدق به عليه] مسألة وقال مالك: ومن تصدق على ولده وهو صغير، بدين كان له على أحد، ثم اقتضاه الأب بعد ذلك، فهو بمنزلة العبد، يتصدق به عليه، ثم يبيعه فالثمن للابن، ولا يكون بمنزلة الذهب إذا تصدق بها وهي في يديه، فليست للابن إذا لم يجعلها على يدي غيره. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الأب يجوز لابنه الصغير

ما تصدق به عليه أو وهبه من الأصول والعروض التي تعرف بأعيانها باتفاق. والأصل في ذلك قول عثمان بن عفان من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ أن يجوز نحله، فأعلن ذلك وأشهد عليها فهي جائزة، وإن وليها أبوه. وأما الذهب والورق، وما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه من المكيل كله والموزون كان مما يوكل أو مما لا يوكل، كالحديد والرصاص والكتان، فقيل: إنه لا يجوز الأب لابنه الصغير وإن عن له وطبع عليه بحضرة الشهود ولا تكون حيازته له، إلا أن يضعه له بيد غيره، وهو قوله في هذه الرواية وفي رسم طلق ورسم اغتسل بعد هذا من هذا السماع وروى مطرف عن مالك: أنه إذا صرها بحضرة الشهود، وختم عليها بخاتمه، ثم رفعها عن نفسه، فوجدت كذلك بعد موته، إنها جائزة ماضية لابنه، وإن لم يختم عليها الشهود، ولو ختموا عليها كان أحرى وأحسن. وهو قول ابن الماجشون، وابن نافع، والمدنيين، ومثله في الموطأ لمالك، وهو قوله فيه: إنه من نحل ابنا له صغيرا ذهبا أو ورقا ثم هلك وهو يليه إنه لا شيء للابن من ذلك، إلا أن يكون عزلها بعينها أو دفعها إلى رجل وضعها لابنه عنده، واللؤلؤ والزبرجد، بمنزلة الذهب والفضة في ذلك، إذ لا يعرف بعينه إذا غيب عليه، والدين حكمه حكم العرض، فإذا وهب لابنه الصغير دينا له على رجل، ثم اقتضاه منه بعد ذلك فهو كما قال بمنزلة العرض، يتصدق به عليه ثم يبيعه بعد ذلك، إن الثمن يكون للابن في ماله في حياته وبعد وفاته، وجده أو لم يجده؛ لأن تنصيص العرض المتصدق به بالبيع كقبض الدين، وسواء باع العرض لابنه باسمه، أو جهل ذلك فلم يعلم أن كان باع لنفسه أو لابنه. وأما إن باع ذلك لنفسه نصا على سبيل الرجوع فيها والبيع لها فالبيع مردود، والصدقة جائزة. ويتبع المشتري الأب بالثمن في حياته وبعد وفاته وجده أو لم يجده؛ لأن الصدقة قد كانت حيزت للابن، ولو كانت الصدقة دارا يسكنها الأب فباع قبل أن يرحل عنها بنفسه استرجاعا لصدقته، واستخلاصا لفسخ البيع إن عثر عليه في حياته، ومضت الصدقة للابن، وإن لم يعثر على ذلك

مسألة: أوصى لبني فلان مثل بني زهرة ومن يعرف ومن لا يعرف

حتى مات الأب بطلت الصدقة، فلم يكن للابن فيها حق ولا في الثمن وصح البيع للمشتري. وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لبني فلان مثل بني زهرة ومن يعرف ومن لا يعرف] مسألة قال مالك: من قال: كذا وكذا من مالي صدقة على بني فلان مثل بني زهرة، ومنهم الغائب والحاضر، ومن يعرف ومن لا يعرف. قال: يقسم بين من كان منهم معروفا من حاضر أو غائب، فإن جاء أحد بعد ذك لم يكن عرف مكانه ردا عليه الآخرون قدر حصته. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن بني الرجل الذين أوصى بصدقة المال عليهم، يحاط بهم لغلتهم، فهم الذين يقسم عليهم المال بالسواء، حاضرهم وغائبهم، على هذه الرواية، وأحد قولي ابن القاسم في المدونة في الذي يوصي لإخوانه وأولادهم فإن جاء بعد ذلك أحد منهم لم يعرف رد عليه الآخرون قدر حصته كما قال، ومن مات منهم على هذه الرواية بعد موت الموصي، كان حقه لورثته، ومن ولد منهم بعد موته لم يكن فيها حق. وقد قيل: إن الوصية تقسم عليهم بالاجتهاد لا على السواء، فيكون لمن أدرك القسم منهم الأحق فيها لمن مات قبل ذلك أو جهل فلم يعرف، وهو أحد قولي ابن القاسم في المدونة ورواية ابن وهب فيها. وأما إذا كان بنو فلان الذين أوصى لها لا يحاط بهم لكثرتهم مثل بني زهرة، وبني تميم فلا اختلاف في أنهم كالمساكين، يقسم ذلك بالاجتهاد على من أدرك القسم منهم، ولا شيء لمن غاب منهم إن أتى بعد ذلك، ففي قوله في هذه الرواية: مثل بني زهرة نظر؛ لأن بني زهرة لا يحاط بهم لكثرة عددهم، فينبغي أن يتأول على ما يصح، فيقال: إنه لم يرد مثل بني زهرة بن كلاب بزمرة الذي ينتسب الزهريون إليه؛ لأن عددهم كثير لا يحاط بهم،

: وهب هبة للثواب فمات الموهوب له وبقي الواهب

وإنما أراد مثل أن يقول بني فلانة لامرأة تسمى زهرة. وأما إذا أوصى لبني فلان، وسماهم بأسمائهم فلا اختلاف أنه يقسم عليهم بالسواء، حاضرهم وغائبهم. وإن غاب أحد منهم فينسى، ثم جاء رجع على كل واحد منهم حتى يستوفي حقه، فالوجهان متفق عليهما. والوجه الثالث مختلف فيه كما ذكرت لك. وبالله التوفيق. [: وهب هبة للثواب فمات الموهوب له وبقي الواهب] ومن كتاب أوله حلف ألا يبع رجلا سلعة سماها قال مالك: ومن وهب هبة للثواب، فمات الموهوب له، وبقي الواهب يطلب حقه فذلك له ما لم يطل ذلك حتى يرى أنه قد تركه، وإن هلك الواهب فورثته على حقه، ما لم يطل ذلك حتى يرى أنه قد تركه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الهبة للثواب بيع من البيوع، فوجب أن يحل ورثة كل واحد من الواهب والموهوب له محله، ولا تبطل الهبة بموت الواهب، ولا حقه في الثواب؛ لأن ورثته يحلون محله في ذلك ما لم يطل، حتى يتبين أنهم قد تركوا الثواب، وكذلك أيضا إن مات الموهوب له وبقي الواهب، فهو على حقه في العوض قبل الورثة ما لم يطل ذلك أيضا حتى يرى أنه قد رضي بترك حقه في الثواب؛ لأنها هبة طريقها المكارمة لا المكايسة. وبالله التوفيق. [مسألة: الأب يحوز لبنيه الصغار ما وهبه لهم] مسألة وسئل عن رجل حلى صبيا له حليا فمات أبوه، فقال الورثة: نحن نأخذ هذا الحلي فنقتسمه ميراثا، قال مالك: لا أرى ذلك، وأراه للصبي دونهم ومثله الصبايا.

مسألة: يتصدق على ابنه الصغير بالعبد ويشهد له عليه

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن الأب يحوز لبنيه الصغار ما وهبه لهم، وما حلاهم إياه من الحلي فقد وهبه لهم؛ لأنه بمنزلة ما كساهم من الثياب؛ لأنه مما يلبس كما يلبس الثياب. قال تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18] فهو محمول على الهبة، إلا أن يشهد الأب أنه لم يحلهم إياه إلا على سبيل الإمتاع. وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على ابنه الصغير بالعبد ويشهد له عليه] مسألة وسئل عن الرجل يتصدق على ابنه الصغير بالعبد، ويكتب له بذلك كتابا، ويشهد له عليه، فيقيم العبد على ذلك ما شاء الله السنتين أو أكثر، ثم يتبع نفس السيد العبد فيشتريه من ابنه بثمن، ويشهد له على ذلك، ويقول: قد ابتعته بكذا وكذا فهي له عندي، ثم يموت الأب ويطلب ذلك الغلام الثمن، أتراه له على أبيه؟ فقال لي: ما أحرى مثل هذا إذا صح أن يجوز ذلك. وقال عيسى: قال لي ابن القاسم: وأنا أرى ذلك جائزا فقال سحنون مثله. قال محمد بن رشد: أجاز في هذه الرواية إذا تبعت نفسه العبد الذي تصدق به على ابنه أن يشتريه منه كما قال في المدونة في الجارية، وهو في الجارية أعذر منه في العبد، إذ قد تعلق نفسه بها، فيتأذى بفراقها، فلو تصدق بالجارية على أجنبي ثم تبعتها نفسه، وتعلقت بها لما بعد أن يجوز شراؤه لها، والعبد بخلاف ذلك. فدلت هذه الرواية على أنه يجوز له أن يشتري ما تصدق به على ابنه، بخلاف الأجنبي، للشبهة التي له في مال ابنه. يقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك» ألا ترى أنه قد جاز في

رسم نذر سنة بعد هذا إذا تصدق على ابنه بالغنم أن يكتسي من صوفها ويأكل من لحومها، ويشرب من ألبانها، ومثله لمالك أيضا في رسم شهد من سماع عيسى. قال في رسم نذر سنة: وإذا تصدق عليه في مال ابنه بالحائط فله أن يأكل من ثمره إذا أطعم. وقال في كتاب ابن المواز: إذا رضي ابنه بذلك، وكان كبيرا ممن يصح منه الرضا. قال ابن القاسم: ولم أره يراه مثل الأجنبي، يريد أنه لا يجوز في الأجنبي أن يشتري منه شيئا مما تصدق به عليه، ولا أن يأكل من غلته بغير شراء لنهي النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - المتصدق أن يعود في صدقته وأن يشتريها. وقال في الفرس: لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه. واختلف هل يجوز أن يشتري من المتصدق عليه غلة ما تصدق به عليه؟ فقيل: إن ذلك جائز، قياسا على العرايا التي أجيز المعرى أن يشتري ما أعرى بخرصه إلى الجداد. وكره أشهب ذلك، وهو الصواب؛ لأن العرايا هي نفس ما أعرى فإنما جاز شراؤها للمعري للسنة القائمة فيها، ولأنها هبة ليست بصدقة، فلا يصح قياس شراء غلة الصدقة، على شراء ثمر العرية، ويجوز شراء غلة الصدقة من غير الذي تصدق به عليه دون خلاف أذكره في ذلك. واختلف هل يجوز شراء أصل الصدقة من غير الذي تصدق عليه ففي المدونة إن ذلك لا يجوز، وروى ابن وهب عن مالك أنه لا بأس بذلك، وأما قوله في ثمن العبد الذي تصدق به على ابنه ثم اشتراه منه فمات ما

: الرجل يعطى الشيء يوصل به يستحب له أخذه أم تركه

أحراه أن يجوز إذا صح، فصحة ذلك تبين بأن يتصدق بالعبد عليه، ثم يشتريه منه بعد مدة، فيعلم أنه شراء صحيح بعد صدقة متقدمة؛ لأنه إن تصدق عليه بالعبد ثم اشتراه منه في فوره ذلك اتهم على أنه لم يتصدق عليه بالعبد، وإنما أراد أن يكتب له على نفسه دينا يأخذه بعد موته، فتحيل لجواز ذلك بإظهار الصدقة، ويحتاج أيضا إلى معرفة السدس للابن، كي لا يشتريه منه بأقل من قيمته؛ لأن الأمر فيما بينه وبينه، فهو فيه محمول على غير السداد، بخلاف ما بيع له ويشترى من غيره، وذلك بين من قول ابن القاسم في كتاب الجعل والإجارة من المدونة وفي رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح؛ لأنه شرط في شراء الأب لنفسه الرأس يساق إلى ابنته البكر في صداقها أن يكون الشراء صحيحا بينة وأمر معروف. وبالله التوفيق. [: الرجل يعطى الشيء يوصل به يستحب له أخذه أم تركه] ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك عن الرجل يعطى الشيء يوصل به، يستحب له أخذه أم تركه؟ قال: بل تركه أفضل له إن كان عنه غنيا إلا أن يخشى الهلاك، ويكون محتاجا، فلا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الأفضل له الأولى به أن لا يأخذه وأن يتركه إذا لم يكن إليه محتاجا لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن خيرا لأحدكم أن لا يأخذ من أحد شيئا، قيل: ولا منك يا رسول الله. قال: ولا مني» .

: جعلت خلخالين لها في سبيل الله إن شفاها الله من مرض مرضته

[: جعلت خلخالين لها في سبيل الله إن شفاها الله من مرض مرضته] ومن كتاب البز وسئل مالك عن امرأة جعلت خلخالين لها في سبيل الله إن شفاها الله من مرض مرضته، فبرأت فأرادت أن تحبسهما فتخرج قيمتهما فتجعلها في سبيل الله، فكره ذلك، وقال: لا أحبه. قال سحنون: إنما يكره هذا من أجل الرجوع في الصدقة. قال محمد بن رشد: لمالك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، فيمن قال لشيء من ماله، دابة أو عبدا أهديك، إنه مخير في ثمنه أو قيمته، فذهب بعض أهل النظر، إلى أن ذلك مخالف لهذه الرواية، ولما في المدونة من أنه إن أهدى عبده يخرج بثمنه هدايا؛ لأن الظاهر منه أنه لا يجوز له أن يمسكه، ويخرج قيمته من أجل الرجوع في الصدقة كما قال في هذه الرواية. والذي أقول به: إنه لا اختلاف في شيء من ذلك، وإنما اختلف الجواب في ذلك لافتراق المعاني. فإذا أودى ما أهدى بعينه، أو جعل في السبيل ما ينتفع به فيه بعينه لم يجز أن يمسكه ويخرج قيمته، وإذا أهدى ما لا يهدى بعينه، وإنما سبيله أن يباع ويشترى بثمنه هدي، جاز أن يمسكه ويخرج قيمته، وإذا جعل في السبيل ما لا ينتفع بعينه فيه، وهو يمكنه أن يدفعه كما هو لمن يبيعه وينفقه في السبيل كره له أن يمسكه ويخرج قيمته من ناحية الرجوع في الصدقة، ولم ير ذلك حراما إذ ينتفع به الذي أعطيه في السبيل بعينه ولا بد له من بيعه. [مسألة: يحمل الرجل على الفرس في سبيل الله فيستعيره منه فيركبه في حاجته] مسألة وسئل عن الرجل يحمل الرجل على الفرس في سبيل الله، فيستعيره منه فيركبه في حاجته والشيء القريب، قال: لا أحب

: ليس من شأن الذي يفرق الصدقة أن يجري الصدقة على أحد

ذلك. وقال مالك: قد وهب ابن عمر ناقة له لابن ابنه: ابن وافد فأخذها وركبها فصرع عنها وقال: ما كنت لأصنع مثل هذا. قال محمد بن رشد: لا اختلاف فيمن تصدق في شيء أنه لا يجوز له أن يأكل شيئا من غلته، حسبما مضى القول فيه في رسم حلف. وأرى هذا أحق لأن ركوبه في الشيء الخفيف، لا ينقص منفعته شيئا في الجهاد، بل قد يكون ركوبه أنفع له من وقوفه، ولذلك قال: لا أحب ذلك، ولم يحرمه، بخلاف غلة ما تصدق به لأن الغرض في التصدق بما له غلة، الغلة لا ما سواها، وكراهية ابن عمر لركوبه الناقة التي وهبها لابن ابنه ابن وافد تورع منه؛ لأن النهي إنما جاء في الصدقة لا في الهبة، إلا أن تكون الهبة لفقير على وجه صلة الرحم، فيكون بمعنى الصدقة وبالله التوفيق. [: ليس من شأن الذي يفرق الصدقة أن يجري الصدقة على أحد] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل عن الرجل يلي صدقة يقسمها، فهو يعلم أهل بيت يتامى صغارا ولا يعلم غيرهم ما يعلم منهم من الحاجة أفترى أن يجري عليهم من ذلك ما يكفيهم؟ قال مالك: ليس من شأن الذي يفرق الصدقة أن يجري الصدقة على أحد، وليس هذا من أعمال الناس، فرددت عليه فكأنه لم يعجبه ذلك. قال محمد بن رشد: كره ذلك لمخالفة ما جرى عليه عمل الناس. والمعنى في كراهة ذلك بين، وهو أنه إنما جعل إليه القسمة والتنفيذ، فلا ينبغي له أن يمسك عند نفسه من ذلك شيئا يجريه على أهل بيت يعرف حاجتهم، فيكون متعديا يلزمه ضمان ذلك إن تلف عنده، وبالله التوفيق.

مسألة: ولى ابنه حائطا اشتراه بثمن يسير وثمنه اليوم كثير أترى ذلك جائزا

[مسألة: ولى ابنه حائطا اشتراه بثمن يسير وثمنه اليوم كثير أترى ذلك جائزا] مسألة وسئل عن رجل ولى ابنه حائطا اشتراه منذ زمان بثمن يسير، وثمنه اليوم كثير وله ولد غيره، أترى ذلك جائزا؟ فقال: إن أجازه له فهو جائز. ومن كتاب داود قال عيسى بن دينار: سئل ابن القاسم عن الرجل يبيع من ولده الصغير الأرض بعشرة دنانير وهي ثمن مائة دينار ولا تزال في يدي الأب حتى يموت، هل يحمل محمل البيع أو محمل الصدقة فيما زاد على ثمن العشرة دنانير؟ فقال: إن كانت لم تزل في يدي أبيه حتى مات فأراها موروثة، ولا أرى للولد إلا العشرة. قال محمد بن رشد: قوله: وثمنه اليوم كثير يريد يوم التولية، لا يوم قيم على الابن فيه بعد موت الأب، ولو ولاه إياه يوم اشتراه، ثم زادت قيمته بعد ذلك لكانت تولية صحيحة، لا تفتقر إلى حيازة. وقول ابن القاسم في رواية عيسى عنه من كتاب داود خلاف قول مالك، إذ لا فرق بين التولية والبيع في أن ذلك يجوز إن كان بالقيمة، ولا يفتقر إلى حيازة، وفي أن ذلك لا يجوز إن كان بأقل من القيمة بمائتين فيه المحاباة، إلا أنهما اختلفا هل يحمل محمل الهبة؟ فيجوز إن جازها له الأب أو لا يحمل محمل الهبة فتبطل، ولا يصح له بحيازة الأب إذا لم يسمها هبة، وإنما أراد بذلك التوليج؟ فقال مالك: إنما تصح بحيازة الأب، وهو قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ في الواضحة، وقال ابن القاسم: إنها لا تصح له بحيازة الأب، وهو قول أصبغ في سماعه الواقع في آخر الكتاب بعد سماع أبي زيد، خلاف قوله وقول مطرف وابن الماجشون في الواضحة وقول مالك في هذه

مسألة: استوهب امرأتين له ميراثهما منه ففعلتا ووهبتا له ذلك

الرواية، فإذا لم يجز ذلك للابن إن لم يجزها له الأب على قول مالك، أو لم يجز له على قول ابن القاسم، وإن جازها له، فاختلف ما يكون للابن بالعشرة، فقال ابن القاسم في هذه الرواية: إن الدار تكون موروثة، ولا تكون للولد إلا العشرة، ومعناه: إذا لم يجز الورثة ذلك. وقد قيل: إن الورثة إذا لم يجيزوا ذلك يكون الولد من الدار بقدر العشرة عشرها إن كانت قيمتها مائة، أو أقل من ذلك أو أكثر، على هذا المثال. وقد قيل: إذا لم يجز للورثة يخير المشتري إن كان مالكا الأمر نفسه، أو الناظر له إن كان صغيرا بين أن يزيد بقيمة الثمن ويأخذ جميع الدار، وبين أن يأخذ منها بما نقد. والثلاثة الأقوال تتخرج على الاختلاف في مسألة من باع في مرضه دارا لمحاباة لا يحملها ثلثه. وقد مضى بيان ذلك في سماع سحنون من كتاب الشفعة، وفي آخر سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس. وعلى قياس ما في هذه الرواية لمالك وابن القاسم، قال ابن القاسم في سماع عيسى بن عاصم عنه، في الرجل يشهد في صحته أنه قد باع منزله هذا من امرأته أو ابنه أو وارثه بمال عظيم، ولم ير أحد من الشهود الثمن، ولم تزل الأرض بيد البائع إلى أن مات: إن البيع لا يجوز، إذ ليس ببيع، إنما هو توليج وخدعة، ووصية الوارث. [مسألة: استوهب امرأتين له ميراثهما منه ففعلتا ووهبتا له ذلك] مسألة وسئل عن رجل حضرته الوفاة، فاستوهب امرأتين له ميراثهما منه، ففعلتا ووهبتا له ذلك، فلم يقض فيه بشيء حتى مات، فلمن تراه أللورثة أم للمرأتين؟ قال: أراه للمرأتين مردود عليهما، وما يعجبني للرجل أن يفعل مثل هذا يسأل امرأته أن تهب له ميراثها. قال محمد بن رشد: هذا من قول مالك مثل ماله في الموطأ

مسألة: يتصدق بماله كله على بعض ولده دون بعض

سواء، وهو بين في المعنى؛ لأنهما إذا وهبتاه ميراثهما منه الغرض فيه إنما هو أن يصرفه إلى من يحب من ورثتهم سواهما أو غيرهم إذ لا حاجة به إلى ميراثهما منه سوى ذلك، فإذا لم يقض فيه بشيء حتى مات كان مردودا عليهما كما قال، بمنزلة ما لو استأذن ورثته أن يوصي لبعض ورثته بأكثر من ثلثه، فأذنوا له بذلك، فلم يعمل حتى مات لم يلزمهم فيما أذنوا له فيه شيء. وقد مضى في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الشهادات القول مستوفى في هبة الوارث ميراثه في مرض الموروث أو في صحته، وسيأتي ذلك أيضا في رسم نفذها من سماع عيسى من هذا الكتاب، وفي رسم الأقضية والحبس من سماع أصبغ منه إن شاء الله. [مسألة: يتصدق بماله كله على بعض ولده دون بعض] مسألة وسئل عن الرجل يتصدق بماله كله على بعض ولده دون بعض، قال مالك: لا أرى ذلك جائزا قيل له: فالرجل يتصدق بالدار على بعض ولده دون بعض، وهو جل ماله، ويخرج منها ويدفعها إليه. قال: لا بأس بذلك، وغيره أحسن منه. قال سحنون: إذا كان تصدق جل ماله، واستبقى اليسير، فلم يكن فيما يستبقي من ماله ما يكفيه ردت صدقته، وإن أبقى من ماله ما فيه قوت له رأيته صدقة ماضية. قال ابن القاسم: وأنا أكره أن يعمل به أحد، فإن تصدق به وحيز منه وقبض لم يرد بقضاء، يريد الذي تصدق بماله كله. قال محمد بن رشد: قول مالك في الذي يتصدق بماله كله على بعض ولده دون بعض: لا أرى ذلك جائزا معناه: ويرد بالقضاء، فهو ظاهر قوله، ولم يحقق ذلك من مذهبه في رسم الأقضية الثانية من سماع أشهب.

فقال: إن ذلك: ليقال. ولقد قضى به في المدينة، وقول سحنون مفسر لقول مالك؛ لأنه إذا لم يستبق من ماله ما يكفيه فهو بمنزلة إذا تصدق بماله جميعه، ولم ير ابن القاسم إذا تصدق بجميع ماله على بعض ولده أن يرد ذلك بقضاء. والأصل في هذه المسألة حديث «النعمان بن بشير أن أباه بشيرا أتى به إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم: أكل ولد نحلته مثل هذا؟ فقال: لا فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فارتجعه» . فحمل مالك الأمر بالارتجاع في الحديث على الوجوب، وتأوله على أنه لم يكن له مال غيره، وحمله ابن القاسم على العموم، فيمن خص بعض بنيه ببعض ماله أو جميعه، وتأوله على الندب وهو أظهر؛ لأنه لم يقل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: إن ذلك لا يجوز لك، وإنما أمره بالارتجاع لما كره له من تفضيل بعض ولده على بعض، مخافة أن يكون ذلك سببا إلى أن يعقه من حرمه عطيته، وأما إذا أعطى بعض ولده دون بعض ماله، وإن كان جله، وأبقى لنفسه بعضه فلا اختلاف في المذهب، ولا بين فقهاء الأمصار: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة في أن ذلك جائز، إلا أنه مكروه لما جاء من الأمر بين أن يعدل الرجل بين ولده في العطية، فقد ذكر بعض الرواة في الحديث «إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك» وذكر بعضهم فيه أنه قال له: «أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» . قال: فرجع فرد عطيته، فليس في هذا الحديث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره برد عطيته، وإنما فيه أنه فعل ذلك لما أمره به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بالعدل بين أولاده، وقد يحتمل أن يكون رد عطيته إياه امتثالا لما أمر به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ من ردها على ما جاء في حديث مالك، وفي بعض الآثار، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له:

«أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور» . مكروه فترك الرجل العدل بين بنيه في عطيته إياهم جور مكروه غير حرام، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه لا يجوز لأحد أن يفضل بعض ولده على بعض في العطية، فإن فعل لم ينفذ وفسخ، وهو قول طاوس، وروي مثله عن أحمد بن حنبل، وبه قال أهل الظاهر وحجتهم قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ " ارتجعه ". وقوله فاردده وقد اختلف في صفة عدل الرجل بين بنيه في العطية إذا كان فيهم ذكر وأنثى فقيل: على السواء، وإلى هذا ذهب ابن القصار، وهو قول داود، وأهل الظاهر، وسفيان الثوري وابن المبارك. قال: ألا ترى أنه قد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «سووا بين أولادكم فلو كنت مؤثرا أحدا أثرت النساء على الرجال» . وبدليل ما جاء في الحديث من قوله «أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم. قال: فاعدل بينهم» . ولا يراد من الذكر من البر إلا ما يراد من الأنثى وقيل: العدل بينهم، أن يعطى للذكر مثل ما يعطى للأنثى قياسا على الميراث، وإلى هذا ذهب ابن شعبان، وهو مذهب جماعة من السلف، منهم عطاء وأحمد، وإسحاق، واختاره بعض المتأخرين، من أجل أن الثلث هو حظ الأنثى من ذلك المال لو بقي في يد الأب حتى يموت، فقد عجل قسمته بينهم. والله الموفق.

: يهب الهبة فيثاب منها ثم يقوم بعد ذلك فيقول ليس هذا ثواب هبتي

[: يهب الهبة فيثاب منها ثم يقوم بعد ذلك فيقول ليس هذا ثواب هبتي] ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته قال: وسئل مالك عن الذي يهب الهبة فيثاب منها، ثم يقوم بعد ذلك فيقول: ليس هذا ثواب هبتي فقال: لهذا وجوه. أما الذي يقال له: هذا ثوابك فأخذه فلا أرى له شيئا، وأما الرجل يبعث إلى الرجل بالذهب أو غير ذلك، لا يكون فيها قدر مثوبته ثم يقوم يطلب ذلك ويقول: لم توفني واستأنيت بك في ذلك، وظننت أنك إنما أردت أن تبعث بالشيء بعد فإن ذلك له. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من الفرق بين أن يقول له: هذا ثوبك، فيأخذه ويذهب، ثم يأتي بعد ذلك يطلب منه زيادة في الثواب على ما أعطاه، وبين أن يبعث إليه بالشيء فيأخذه ثم يأتي فيطلب إلى زيادة على ما بعث إليه به، وهذا إذا كان الذي بعث به إليه، أقل من قيمة الهبة، وأما إن كان أقل من قيمتها أو أكثر، فلا كلام له على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك، قائمة كانت الهبة أو فائتة. وأما على قول مطرف وروايته عن مالك، وظاهر قول عمر بن الخطاب في أن من حق الواهب أن يأخذ هبته ما لم يرض منها، فسواء كان الذي بعث إليه أقل من قيمتهما أو أكثر من قيمتهما له أن يأخذ هبته إن كانت قائمة، إلا أن يزيد على ما بعث به إليه ما يرضى به. وبالله التوفيق. [: تصدق على ابن له صغير بمائة من غنمه ومائة دينار من ماله] ومن كتاب أوله طلق بن حبيب وسئل مالك عن رجل تصدق على ابن له صغير، بمائة من

غنمه، ومائة دينار من ماله، فلم يفرز الغنم بأعيانها ولا الذهب، إلا أنه أشهد له بها وهو صغير في حجره يليه، قال: إن كان رسم الغنم أو عرفت بأعيانها، فأشهد له على غنم رأيتها جائزة، وإن لم يكن رسمها ولم يشهد على غنم بأعيانها لم أر له فيها صدقة وارثها كلها مال الوارث، والذهب كذلك لا أرى له فيها شيئا إلا أن يكون أفرزها له، وإلا فلا شيء له. وقال في معرفة الغنم بأعيانها: إن أهل البادية ليسمون الإبل والغنم، كما تسمى أهل مصر الخيل ينسبونها، فإن كان سماها وعرفت جازت وإلا لم أرها جائزة. قال ابن القاسم: فأما الدنانير فإنها لا تجوز وإن طبع عليها حتى يدفعها إلى غيره، ويخرجها عن ملكه وإلا لم تجز، وإن طبع عليها وهي في ملكه حتى يدفعها إلى غيره، ويخرجها عن ملكه، وكذلك قال لي مالك في الدنانير. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا في الذي تصدق على ابنه الصغير بعده من غنمه أو خيله، إن حيازتها له لا تجوز، إلا أن يعينها باسم أو اسمه، بخلاف الجزء المشاع، هو الذي رجع إليه. وقد كان أولا يرى حيازته إياها له جائزة، وإن لم يسمها ولا وسمها ولا قسمها كالجزء المشاع؛ لأن الحكم يوجب له الشركة فيها بما يقع العدد المتصدق به من جميعها. وقع اختلاف قول مالك في ذلك في رسم البيوع من سماع أصبغ، وأصبغ لا يجيز حيازته له في الجزء المشاع، إلا في العدد المسمى دون أن يعين في ثلاثة أقوال في المسألة. وقد مضى بيان ذلك في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الحبس. وأما قوله في الذهب: إنه لا شيء لابن فيها إلا أن يكون أفرزها له، فهو خلاف قول ابن القاسم بعد ذلك، وروايته عنه أنها لا تجوز، وإن طبع عليها حتى يدفعها إلى غيره، ويخرجها من ملكه، مثل قوله في الموطأ ومثل

مسألة: حضرتها الوفاة فتصدقت بمهر كان لها على زوجها

رواية مطرف عنه وقول ابن الماجشون، وابن نافع، والمدنيين، حسبما مضى بيناه في أول رسم من السماع وبالله التوفيق. [مسألة: حضرتها الوفاة فتصدقت بمهر كان لها على زوجها] مسألة وسئل مالك عن مالك امرأة حضرتها الوفاة فتصدقت بمهر كان لها على زوجها على ولد لزوجها من غيرها، هل ترى ذلك يجوز؟ قال: نعم، إنما هو كغيره من مالها، يجوز لها ذلك، فقيل له: إن قوما يقولون: إنما هو توليج، قال: لا ذلك جائز. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة مع نظائر لها كثيرة، كالرجل يوصي لأم ولده، ولد منها وولد من غيرها، أو المرأة توصي لابن زوجها ولأبويه أو لإخوته أو لأخواته، أو لقرابته، أو لإخوانه المصافين له ممن يخشى أن يكون إنما أوصت إليه ليرد ذلك على زوجها، فقال في ذلك كله: إن الوصية جائزة، ولا ترد الوصايا بالظن. قال أصبغ: وإن طلب الورثة أن يحلفوا الموصى له إن الوصية إليه، لم يكن توليجا ليرد ذلك على زوجها لم يكن ذلك لهم، واليمين في هذا يمين تهمته، فقول أصبغ: إنه لا يمين عليه، هو على القول بأن يمين التهمة لا يلحق دون تحقيق الدعوى ولو حققوا الدعوى عليه للحقته اليمين، قولا واحدا. [مسألة: وهبت لابن لها ولابنة لها صغيرين عشرة دنانير] مسألة وسئل مالك عن امرأة وهبت لابن لها ولابنة لها صغيرين عشرة دنانير، فتاجر لهما فيها أبوهما وأراد سفرا، أفترى أن يكتب لهما بذلك كتابا ويكتبها لهما في وصية؟ قال: بل أرى أن يكتب لهما بذلك كتابا ويصفها من سبب ما كانت وكيف كانت قصتها. قيل له: إن قوما قالوا: لا يجوز ذلك قال: بل فليكتب لهما كتابا على ما قلت.

مسألة: إطعام الطعام أهو أفضل أم الصدقة

قال محمد بن رشد: قوله: فتاجر لهما فيها أبوهما، معناه: فصارت بربحها أكثر من عشر دنانير وقوله: أفترى أن يكتب لهما بذلك كتابا أو يكتبها لهما في وصية، معناه: أفترى أن يكتب لهما بذلك كتابا يدفعه إليهما تكون وثيقة بأيديهما أو يجتزئ في ذلك بأن يكتب ذلك لهما في وصية علي سبيل الإقرار لهما بالدين، لا على سبيل العطية والوصية؟ فرأى الأحسن الأمر أن يكتب لهما بذلك كتابا يكون بأيديهما وثيقة لهما، يقومان في حياته إذا بلغا إن شاء؛ لأنه إن كتب ذلك لهما في وصيته، وأشهد عليها وأبقاها عند نفسه، كان آمنا من أن يقوما عليه في ذلك في حياته، فيضعف إقراره لهما بذلك، إذ قد قيل: إن من أقر لوارثه بدين في صحته، فلم يقم به عليه حتى مات: إنه باطل؛ لأنه يتهم أن يكون أقر له بدين يأخذه بعد موته من رأس ماله، وحكم لإقراره لهما بالدين عند إرادته السفر، بحكم الصحة. وقد اختلف في ذلك. حكم له ابن القاسم في رسم نذر سنة من سماعه من كتاب الوصايا بحكم المرض، وروى ذلك عن مالك، وخالفه أصبغ فحكم به بحكم الصحة، ورواه عن ابن وهب: ولابن القاسم مثل ذلك في سماع عبد الملك من كتاب الوصايا فعلى القول بأنه يحكم للسفر بحكم المرض، إن كتب لها بذلك كتابا فمات في سفره ذلك لم يكن لهما شيء مما كتبه لهما. وبالله التوفيق. [مسألة: إطعام الطعام أهو أفضل أم الصدقة] مسألة وسئل مالك عن إطعام الطعام أهو أفضل، أم الصدقة بالدراهم؟ فقال: كل ذلك حسن، ولم أره يفضل أحدهما على صاحبه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه لا يفضل أحدهما على صاحبه في الجملة، إذ قد يكون كل واحد منهما أفضل من صاحبه، باختلاف أحوال الأعيان والأزمان، فإذا علم أن الرجل غير محتاج إلى الطعام ومحتاج

مسألة: يمرض فيجعل لله عليه الشيء يتصدق به إن شفاه الله

إلى ما سوى ذلك، من كسوة وغيرها، فالصدقة عليه بالدراهم أفضل، وإذا علمت أنه محتاج إلى الطعام فستغنى في ذلك الوقت عما سواه، فإطعامه الطعام أفضل، وإذا لم يعلم إلى أيهما هو أحوج لم يفضل أحد الوجهين في حقه على الآخر كما قال مالك، فهذا هو الوجه الذي تكلم عليه والله أعلم. فإن وافق في غيب الأمر الوجه الذي هو إليه أحوج كان أجره فيه أعظم، وإن لم يعلم هو ذلك، وإن كان من الشدة والمسغبة فإطعام الطعام فيه أفضل، وإذا كان زمن الرخاء والسعة، فالتصدق فيه بالدرهم أفضل. وبالله التوفيق. [مسألة: يمرض فيجعل لله عليه الشيء يتصدق به إن شفاه الله] مسألة وسئل مالك عن الرجل يمرض فيجعل لله عليه الشيء يتصدق به إن شفاه الله، فيعافى وله أقارب وموالي محتاجون، أفترى أن يعطيهم مثل ما يعطي غيرهم؟ قال: أرى أن يعطيهم ويقل لهم، ويعطي غيرهم أكثر، وإني إنما أخاف ذلك خوفا أن يجهر له، وليستتر بذلك، فإن السر ليس كغيره. وهذا إذا أعطاهم لا أحب ذلك بموضع الحب والثناء وغيره ممن لا يستتر به لا يعرفه، فالسر أعجب إلي، قيل له: أفلا ترى أن يعطيهم؟ قال: أرى ألا يكثر لهم، وليستتر بذلك ما استطاع. ولقد رأيت رجلا من أهل مصر، وهو يسأل ربيعة عن ذلك ويقول: إني لا أحب أن أرى رائحا إلى المسجد، فكأنه أنكر ذلك من قوله، ولم يعجبه أن يحب أحد أن يرى في شيء من أعمال الخير. وقلت له: وما ترى في التهجير إلى المسجد قبل الظهر؟ قال: ما زال الصالحون يهجرون، وإن صلاة الرجل في بيته من النافلة أفضل منها في جماعة الناس، وهو أعلم بنيته، حتى لا يبالي مما أحسنه إن أحب، والسر أفضل من ذلك قال الله تبارك وتعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271]

وفي الحديث: «أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة وأفضل الصدقة صدقة السر» . محمد بن رشد: قوله في الذي نذر الصدقة؛ لأنه يؤثر قرابته ومواليه بها، وإن كانوا محتاجين على سواهم، بل يؤثر سواهم عليهم، ولا يكثر لهم في العطية، مخافة ما يدخله من الحمد والثناء، ويستمر بذلك ما استطاع هو نحو قوله في المدونة في الزكاة: إنه يكون له أن يعطيها لقرابته، وأن يلبي هو دفعها إليهم بوضع الحمد والثناء، فهو يكره ذلك لهذا الوجه، أو لئلا يقطع بذلك عنهم ما كانوا يرجون له من الصلة التي عودهم إياها. وقد روي عن مالك إجازة ذلك، وقال به جماعة من أهل العلم إذا لم يكونوا في نفقته، فإن كانوا في نفقته فلا يعطيهم، فإن فعل أجزأه، إذا لم يقطع بذلك نفقة عنهم عن نفسه فإن قطع بذلك نفقتهم عن نفسه، لم تجزه زكاته؛ لأنه قد انتفع بها فيما أسقط عن نفسه من نفقتهم بسببها، وإن لم تكن واجبة عليه وكراهية ربيعة للرجل أن يحب أن يرى في شيء من أعمال الناس البر، خلاف قول مالك في رسم العقول من سماع أشهب، من كتاب الصلاة: إنه لا بأس بذلك إذا كان أوله لله، وهو الصحيح إن شاء الله لأنه مما لا يستطاع التخلص منه. والدليل على إجازة ذلك إن شاء الله ما روي عن معاذ بن جبل أنه قال: «يا رسول الله، إنه ليس من بني سلمة إلا مقاتل، فمنهم من يقاتل طبيعته، ومنهم من يقاتل رياء ومنهم من يقاتل احتسابا فأي هؤلاء الشهيد من أهل الجنة؟ فقال: يا

: ورثت من ابنة لها سدس دار لها وأنها تصدقت به على ابن ابنها

معاذ، من قاتل على شيء من هذه الخصال أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا فقتل فهو شهيد من أهل الجنة» وهذا نص في موضع الخلاف. وأما قوله في التهجير إلى المسجد قبل الظهر ما زال الصالحون يهجرون، وإن صلاة الرجل في بيته النافلة أفضل منها في جماعة الناس، وهو أعلم بنيته إن صحت في ذلك نيته حتى لا يبالي مما أحسنه إن أحب، فالمعنى في ذلك أنه في النهار قد يشتغل باله في صلاته في بيته بينه وبين أهله، فيكون باله في المسجد أفرغ فإذا هجر قبل الظهر إلى المسجد ليصلي فيه متفرغ البال، لا يرى مكانه فيه، يحمد بذلك، ويثنى عليه من أجله، فهو حسن كما قال، ولذلك كان الصالحون يفعلونه، وأما في الليل، ففي البيت أفضل؛ لأنه لفعله أستر، وباله فيه فارغ بهذا وأهله وبنوه في النوم. [: ورثت من ابنة لها سدس دار لها وأنها تصدقت به على ابن ابنها] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا قال: وسئل مالك عن امرأة ورثت من ابنة لها سدس دار لها وأنها تصدقت به على ابن ابنها وهي مريضة، وأن ابنا لها أشهد أني لا أجيز ذلك، وإنما يمنعني أن أكلمها في ذلك، كراهية سخطها وأن ابنها قاسم عمه المنزل، وجاوره وأدركه قبله فضلا وأخذه منه، ولم تزل المرأة ساكنة في المسكن حتى ماتت، إلا أن ابن ابنها قد جاور عمه ورد إليه فضل ما أصاب، وكانت تلك الصدقة جل ما تركت، أو لم تترك شيئا غيرها، ولا مال لها فيخرج في ثلثها. قال مالك: أراها جائزة قد جاور عمه وقاسمه وأخذ منه

مسألة: جعل لرجل جعلا على أن يرقى الجبل

فضلا، فلا أرى هذا إلا إذنا منه، فقيل: إنه قد أشهد في ذلك، إنما يترك الكلام خوفا من سخط أمه، فقال: ما أرى في ذلك ينفعه، فقيل له: إنها لم تزل ساكنة فيه، قال: وإن أليس قد جاوز؟ قال: بلى. قال: فقد جاز ذلك، يقاسم ويأخذ الفضل ويمنعها الوصية، حتى إذا ماتت، قال: أريد أن أرده، قال: ما أرى ذلك له، ولو أنها علمت به أن يرده لأوصت في ثلث، ولكنه قد سلم حين جاوز وقاسم، وأخذ الفضل وإن لم يتكلم فأراها جائزة لابن ابنها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة، قد ذكر مالك وجه قوله فيها بما يزيد عليه. وبالله التوفيق. [مسألة: جعل لرجل جعلا على أن يرقى الجبل] مسألة وسئل عن رجل لقي رجلا فقال: إنه بلغني أنك شتمتني، فقال: ما فعلت، قال: فاحلف لي ولك كذا وكذا هبة وكرامة مني فحلف له، أترى أن الهبة تلزمه؟ قال: نعم أرى ذلك يلزمه. قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ، أنه ترك قول ابن القاسم في إجازة الجعل فيها، لا منفعة فيه للجاعل، وقال: يقول ابن الماجشون: إن ذلك لا يجوز، وقد أجازه ابن عمر. وروي له أنه يسأل عن رجل جعل لرجل جعلا على أن يرقى الجبل إلى موضع سما فيه فأجازه، قال أصبغ: ومن الدليل على جوازه أن مالكا قد أجاز الجعل في الرجل يقول للرجل: احلف لي أنك لم تشتمني ولك كذا وكذا فيحلف، فيلزمه مالك غرم ما جعل له على ذلك، وليس ذلك عندي بين؛ لأن له فيه منفعة، وهو تطيب نفسه من جهته من جنته وتحسين ظنه به، حتى

مسألة: تصدق بمال وبدار له على بنات له ثلاثة

لا يعتقد له سوءا ولا مكروها، فيأثم في اعتقاده ذلك فيه، وكذلك قوله في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع: ولني بيع دارك، ولك كذا وكذا له في ذلك منفعة، وهو غرضه في أن يشتري الدار إلى من يحب بما سمى له من الثمن، وأما قوله في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب النكاح في الذي يقول للرجل: ولني نكاح وليتك، ولك كذا وكذا: إنه لا يجوز، فإنما لم يجز ذلك من أجل أن لصاحب المولية أن يعزله عما جعل إليه من ذلك، فدخله الغرز وقد بسطنا القول في ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق بمال وبدار له على بنات له ثلاثة] مسألة وسئل عمن تصدق بمال له، وبدار له على بنات له ثلاثة، فإذا انقرضن فهي صدقة على بني ابن له، وعلى عقبهم، فانقرض بنو ابنه وعقبهم وهلك ابنتان ممن تصدق عليهن وبقيت واحدة، وكان في صدقته أن من تزوج من بناته فنصيبها رد على أختها، فإن روتها رادة فهي على نصيبها فانقرضوا كلهم بنو البنين وأعقابهم، والبنات إلا واحدة، وهي متزوجة، والمال ذو غلة، فكيف ترى أن يعمل فيه؟ أنفقة أم ماذا يصنع فيه؟ وللمتصدق ابنتان له، لم يكن أدخلهما في صدقته، قال: أرى أن تقسم الغلة على ذوي قرابته من ابنتيه وغيرهما وعلى المساكين، فقيل له: فإن انقرضت ابنته المتزوجة، فما إذًا ترى فيه؟ أترجع ميراثا ولم يجعل مرجعها إلى أحد، وإنما هي صدقة موقوفة؟ قال: لا أرى أن ترجع ميراثا، ولكن ترجع على من قلت لك، يتصدق بغلتها على ذوي قرابته وعلى المساكين ما بقيت. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا لم يبق من المحبس

مسألة: يتصدق بداره على الرجل وولده ما عاشوا

عليهم إلا امرأة واحدة متزوجة، وقد كان شرط المحبس أن من تزوج منهن فلا حق لها إلا أن تردها رادة، إن الغلة تكون ما دامت متزوجة للذي إليه مرجع الحبس، فقوله: إن الغلة تقسم على ذوي قرابته من ابنتيه وغيرهما وعلى المساكين، يريد: أن ما فضل من ابنتيه اللتين هما أقرب الناس إليه كان لذوي قرابته، وما فضل عن ذوي قرابته كان للمساكين؛ لأن هذا هو حكم المرجع أن يكون إلى الأقرب فالأقرب من المحبس بمعنى الصدقة، فما فضل عن الأقرباء كان للمساكين كما لو لم يكن له قريب أصلا لكان مرجعه إلى المساكين، وإنما بدئ أقرب المحبس على المساكين من غيرهم، «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأبي طلحة " بخ بخ ذلك مال رابح» وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن يجعله في الأقربين لأنه دل بهذا على أن الصدقة على الأقربين، أفضل من الصدقة على الأجنبين، فوجب أن يصرف صدقة الرجل المحبسة إذا لم يجعل لها مرجع، على الذي هو أفضل له. وقد مضى بيان هذه المسألة بجميع وجوهها وما فيها من الاختلاف في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الحبس. [مسألة: يتصدق بداره على الرجل وولده ما عاشوا] مسألة وسئل عن الرجل يتصدق بداره على الرجل وولده ما عاشوا، ولا يذكر لهم مرجوعا إلا صدقة هكذا، لا شرط فيها، يهلك الرجل وولده قال: أرى أن يرجع حبسا لا يباع على أقاربه، وفي المساكين ولا يورث، قال سحنون: إن كان ولد المحبس عليه ناسا بأعيانهم، فإنما يرجع إليه إن كان حيا أورث ورثته ميراثا إن كان ميتا، وإن كان ولده ليسوا بأعيانهم وإنما قال له: حبسا عليك وعلى ولدك ما عاشوا فيها هنا يرجع حبسا.

: يقول هذه الدار صدقة عليك وعلى ولدك

قال محمد بن رشد: قوله في الذي يتصدق بداره على الرجل وولده ما عاشوا، يريد: وهم غير معنيين، ولا يذكر لها مرجعا أنها ترجع بمرجع الأحباس على أقاربه، وفي المساكين يريد على الترتيب، حسبما ذكرناه في المسألة التي فوقها لا على التشريك، ولا اختلاف في هذه المسألة أنها ترجع بمرجع الأحباس، لقوله فيها ما عاشوا، ولو لم يقل فيها ما عاشوا، لكانت لآخر العقب ملكا على ما سيأتي في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب. وقد قيل: إنها ترجع بمرجع الأحباس وهو قول بعض رجال مالك في المدونة وقال ابن عبدوس: إنه قول أكثر أصحاب مالك ولو قال: حبس على ولدي ولم يقل ما عاشوا لرجعت بمرجع الأحباس قولا واحدا، وكذلك لو قال: ما عاشوا، إلا عند مطرف، فإنه قال: إذا قال: ما عاشوا رجعت إليه ملكا. وقول سحنون: إن كان ولد المحبس عليه ناسا بأعيانهم، فإنها ترجع إليه إن كان حيا أو إلى ورثته ميراثا إن كان ميتا، يريد: على أحد قولي مالك في المدونة إلا أن يقول ما عاشوا، فقال محمد بن المواز: إنها تخرج من الاختلاف، وترجع إليه ملكا على قولي مالك جميعا. وقد مضى القول على هذا محصلا في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس. ولو قال صدقة عليهم وهم معينون لكانت لجميعهم ملكا مطلقا على الاشتراك والإشاعة، إلا أن يقول ما عاشوا فترجع إليه بعد انقراضهم ملكا وبالله التوفيق. [: يقول هذه الدار صدقة عليك وعلى ولدك] ومن كتاب أوله يسلف في المتاع والحيوان وسئل عن الرجل يقول: هذه الدار صدقة عليك وعلى ولدك، قال: هي ميراث للذي تصدق بها، وعلى ولده. قال ابن

القاسم: هي بمنزلة لو اشتروها هي بينهم يرثها عنهم ورثتهم، وإذا قال: صدقة حبسا على فلان وولده رجعت حبسا إلى أقرب الناس بالذي حبس من ذوي قرابته وعصبته إذا قال: صدقة حبسا. قال محمد بن رشد: الولد يقع على ولد الصلب وعلى كل من يرجع نسبته إليه من ولد الولد، وإن سلفوا، فإذا حبس الرجل حبسا على ولد رجل دخل فيه ولده وولد ولده ما سفلوا؛ لأنه قد علم أن التحبيس يراد به مجهول من يأتي، وكذلك إذا قال حبسا صدقة، فإذا انقرضوا رجعت حبسا إلى أقرب الناس بالحبس. قال في هذه الرواية من ذوي قرابته أو عصبته، يريد: قرابته الذين هم من حرم نسبه، وإن كن نساء لسن بعصبة يرثن كالبنات، وبنات البنين، والأخوات، أو لا يرثن، كالعمات وبنات الأخ، وبنات العم وما أشبههن، وقد قيل: إن الحبس لا يرجع إلى النساء بحال كن يرثن أو لا يرثن. وقيل: لا يرجع إلا لمن يرث منهن. واختلف أيضا في الأمهات والجدات حسبما مضى القول في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس. وأما العصبة من الرجال فلا اختلاف في أن الحبس يرجع إليهم. وأما إذا تصدق الرجل بدار على ولد رجل، أو على رجل وولده فهي صدقة مبتولة، لكل من كان منهم حيا مولودا يوم تصدق على السواء بينهم، يرثها عنهم ورثتهم، بمنزلة ما لو اشتروها كما قال؛ لأن الصدقة لا يراد بها مجهول من يأتي فحمل من كان حيا مولودا يوم الصدقة، بمنزلة ما لو سماهم، فقال: داري صدقة على فلان، وولد فلان وفلان وفلان، ولا اختلاف في هذا، إذا كان ولد الرجل يعرف أعيانهم وعدتهم، وأما إن كانوا لا تعرف أعيانهم وأعدادهم إلا بعد الإحصاء والبحث. فقيل: إنهم كالمعينين، تكون الدار صدقة عليهم بالسواء، وقيل: إنهم بخلاف المعينين، إن كانت الصدقة مالا قسم عليهم بالاجتهاد، وإن كانت دارا سكنها الأحوج إليها منهم فالأحوج، أو بيعت فقسم ثمنها عليهم بالاجتهاد، ومن مات منهم قبل القسم لم يكن له

مسألة: يتصدق على ابن له صغير بصدقة فكبر الغلام ثم مات أبوه

شيء، وينفرد الباقي منهم. والقولان في الوصايا الثاني من المدونة، في الذي يوصي لأخواله وأولادهم. واختلف في الرجل إذا تصدق بداره على ولده وولد ولده، أو على رجل وولده وولد ولده، ولم يقل حبسا، فقيل: إنها تكون لآخر العقب ملكا، وهو قول مالك في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب بعد هذا، وفي المدونة لبعض رجال مالك، إنها صدقة موقوفة، ترجع إلى أقرب الناس بالحبس بعد انقراض العقب. ومثله حكى ابن عبدوس عن أكثر أصحاب مالك وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على ابن له صغير بصدقة فكبر الغلام ثم مات أبوه] مسألة وسئل مالك عن الرجل يتصدق على ابن له صغير بصدقة، ويكتب له بها كتابا وتكون الصدقة في يد أبيه حتى كبر الغلام واحتلم، وبلغ مبلغ الرجال، ثم مات أبوه قال مالك: أرى ذلك يختلف إن كان حين مات أبوه رجلا قد احتك ورضي له حاله، ومثله يجوز لنفسه، فأراها للورثة، وإن كان بحال السفه، وإن كان كبيرا، ليس مثله يلي نفسه في ماله وسفهه، رأيت ذلك جائزا ورأيت أن يدع ذلك إلى السلطان يطلبه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو بين لا اختلاف فيه إن الصدقة باطلة إذا كان معلوما بالرشد، وإنها جائزة له إن كان معلوما بالسفه، وإنما الاختلاف على ما يحمل عليه إذا جهلت حاله، فالمشهور أنه محمول على السفه حتى يعلم رشده. وقد قيل: إنه محمول على الرشد حتى يعلم سفهه. وقد مضى هذا القول مستوفى في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الحبس فلا معنى لإعادته.

مسألة: الدار يتصدق بها الرجل على الرجل

[مسألة: الدار يتصدق بها الرجل على الرجل] مسألة وسئل مالك: عن الدار يتصدق بها الرجل على الرجل، أو يحبسها عليه، ويتكارها منه؟ قال: لا خير فيه، ولا أرى أن يجوز ذلك، فقلت له: يا أبا عبد الله، أرأيت لو تصدق بها عليه ثم تكاراها منه بعد ذلك، لم يكن ذلك جائزا له؟ قال: إن جاء من ذلك شيئا بينا رأيت ذلك جائزا إذا كان قد حازها الذي تصدق بها عليه، ثم تكاراها الآخر بعد ذلك، بعد أن ينقطع بها الذي تصدق بها عليه انقطاعا بينا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، إنه إذا تصدق على الرجل بالدار، أو حبسها عليه، وتمادى على سكناها أو عاد إليها عن قرب، باكتراء أو عارية أو إرفاق، حتى مات فيها، فالصدقة أو الحبس فيها باطل. وأما إذا رجع إليها بالسكنى بكراء أو إرفاق بعد أن انقطع لها بالحيازة دونه، انقطاعا بينا، السنة فيما زاد، فلا يبطل ذلك حيازته، وهذا في الأجنبي أو الولد الكبير الذي يحوز لنفسه، فأما الولد الصغير الذي يحوز له أبوه، فتبطل الصدقة برجوع الأب إلى سكنى الدار التي تصدق بها، وإن كان ذلك بعد المدة الطويلة. قال ذلك محمد بن المواز في كتابه، وهو بيّن من قول ابن القاسم، في رسم أوصى من سماع عيسى بعد هذا، فهو بين قوله حيثما وقع روايته عن مالك، وكذلك الرهن يبطل الحيازة فيه برجوعه إلى يد المرتهن، وإن كان ذلك بعد أن انقطع المرتهن بحيازته إياه انقطاعا بينا؛ لأن الحوز في الرهن آكد منه في الصدقة والحبس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، وبالله التوفيق.

: العطية من بيت المال

[: العطية من بيت المال] ومن كتاب تأخير صلاة العشاء قال ابن القاسم: وقال مالك: كان رجال ببلدنا هذا من أهل الفضل والعبادة، يردون العطية يعطونها، حتى إن كان بعضهم ليؤامر نفسه، يعني بذلك إن كان يرى أن له عنها غنى. قال محمد بن رشد: يريد بالعطية التي كانوا يردونها ولا يقبلونها العطية من بيت المال. والله أعلم. وفي قوله: حتى إن كان بعضهم ليؤامر نفسه - نظر؛ لأن الذي يرد العطية ولا يؤامر نفسه في ذلك، أزهد فيها من الذي يؤامر نفسه في أخذها أو ردها، و"حتى" غاية تدل على أنه أراد منهم من يرى في الزهادة والعبادة، على الذين يردونها ولا يقبلونها، فكان وجه الكلام أن يقول: حتى إن كان بعضهم لما يؤامر نفسه في قبولها فيردها، وإن كان يرى أنه لا غنى به عنها، وردهم إياها يحتمل أن يكون زهادة فيها مع جواز أخذها لهم، لا كراهية فيه، إذا كان المجبى حلالا وقسم بوجه الاجتهاد، دون أثرة ولا محاباة، وهذا نهاية في الزهد والفضل؛ لأنه يترك حقه الجائز به أخذه ويؤثر به غيره ممن يعطاه، وإن كانت به حاجة إليه. من الصنف الذين أثنى الله تعالى عليهم في قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] . وإن كان المجبى حلالا ولم يعدل في قسمته فمن أهل العلم من يكره الأخذ منه، وأكثرهم يجيزه، وأما إن كان المجبى يشوبه حلال وحرام، فمن أهل العلم من يجيز الأخذ منه، وأكثرهم يكرهه، وأما إن كان المجبى حراما فمن أهل العلم

مسألة: السائل يقف بالباب فيأمر له بدرهم فيجده قد انصرف

من حرم الأخذ منه، وَرُوِيَ ذلك عن مالك، ومنهم من أجازه، ومنهم من كرهه وهم الأكثر. وقد مضى في آخر سماع سحنون من كتاب الشهادات، القول في هذا المعنى مستوفى، ومضى في رسم شك في طوافه قبل هذا، استجاب ترك الرجل قبول ما وصل به. وبالله التوفيق. [مسألة: السائل يقف بالباب فيأمر له بدرهم فيجده قد انصرف] مسألة وسئل مالك: عن السائل يقف بالباب، فيأمر له بدرهم، فيجده قد انصرف، أترى أن يسترجعه؟ قال: لا، ولكن يتصدق به، قيل له: فالكسوة، قال: كذلك يتصدق بها. قال محمد بن رشد: زاد في هذه المسألة في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب العارية، وليس ذلك عليه بواجب، فهو يبين قوله في هذه الرواية، ومثله الرجل يلقاه الرجل من إخوانه أو أقاربه، فيسأله أن يصله، فيبعده بذلك، ثم لا يجده، أو الأجنبي يلقاه الرجل، فيسأله، فيبعده، ثم لا يجده، إلا أن أخفها الذي يعد الرجل من إخوانه أو أقاربه، ويليها الرجل الذي يعد الرجل الأجنبي، ويليها الذي يأمر للسائل بشيء دون عدة، فلا يوجد، وأشدها كلها ما قاله ابن أبي زيد أن يخرج بالصدقة إلى السائل، قال: يقبلها. وقد مضى الكلام على ذلك في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب العارية، وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على ابن له بدار غائبة فلا يقبضها حتى يموت أبوه] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يتصدق على ابن له حاضر معه بدار له

غائبة عنه ببلاد غير بلاده، فلا يقبضها ابنه حتى يموت أبوه، أتراها له؟ قال: إن كان صغيرا أيحوز له ويليه، فإني أرى له ذلك، وإن كان كبيرا فإني لا أرى له، فقلت له: فإنه لم يفرط في الخروج، لعله كان يريد الخروج حتى مات أبوه، وقال: وكذلك أيضا لو كان غيره ممن ليس هو مثله في القرابة. وقد قال عمر بن الخطاب: إن لم يحزها فهي على الوارث، فإني أرى إن لم يحزها فهي للورثة. قال محمد بن رشد: الدار على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها في الحيازة بخلاف الأرض؛ لأن لها حيازة، تحاز بها، فإن كانت حاضرة، فحازها الموهوب له بالقبض لها والعقد عليها، وإن لم يسكنها فهي حيازة، وإن لم يفعل ذلك حتى مات الواهب بطلت الهبة، ولا خلاف في هذا. وأما إن كانت غائبة، فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: أحدها: الحيازة لا تكون فيها عاملة، إلا أن يخرج إليها فيحوزها بالقبض لها والقفل عليها قبل أن يموت الواهب، فإن مات الواهب قبل ذلك، بطلت الهبة، وإن كان الموهوب له لم يفرط في الخروج أو التوكيل وهو قوله في المدونة، وفي هذه الرواية، ومثله في كتاب ابن المواز. والثاني: قول أشهب: إنه لم يفرط في الخروج والقبض، ولعله قد تهيأ لذلك، أو وكل فلم يخرج حتى مات الأب، فهي جائزة وإن أمكنته الحيازة ففرط حتى مات، فهي باطل. والثالث: إنه لم يفرط فخرج قبل أن يموت الواهب، فهي حيازة وإن لم يدرك قبضها في حياته، فقبضها بعد وفاته ولا اختلاف في أنه إذا فرط في الخروج، فمات الواهب قبل أن يخرج، أو خرج قبل أن يموت، فلم يدرك أن يقبض حتى مات، من أجل أنه فرط في الخروج، فهي باطل. وأما الأرض، فإن تصدق بها في أوان يمكن حيازتها بحرث أو زراعة أو كراء، وما أشبه ذلك، كالدار سواء إن كانت حاضرة، فلم يحزها بشيء

من ذلك حتى مات المتصدق، فهي باطل، وإن كانت غائبة، فعلى الاختلاف الذي ذكرته في الدار الغائبة. وأما إن تصدق بها في أوان لا يمكنه حيازتها بحرث ولا عمل ولا كراء، فالإشهاد على الصدقة وقبول المتصدق عليه حيازة إن مات المتصدق بها قبل أوان حيازتها. وقال مطرف وأصبغ: وإن جددها الشهود وأوقفهم عليها فذلك أقوى للحيازة، وإن جددها في كتاب الصدقة، ولم يقف عليها الشهود، فذلك أيضا حوز، وهو دون الأول. وإن لم يمت المتصدق حوزها فلم يحزها بالحرث والعمل حتى يموت المتصدق فهي باطل. وفرق ابن القاسم في الحيازة بين الدار الغائبة والدار التي لا يمكن حيازتها، فقال في الدار: إن الصدقة باطل، إلا أن يخرج إليها فيحوزها بالقبض لها قبل موت المتصدق، ولم يغدره بمغيبها ... وعدم في الحال على حيازتها. وقال في رسم الأرض: إنه إن مات المتصدق بها قبل إمكان حيازتها، اكتفى بالإشهاد فيها ولم تبطل الصدقة بها.... في الحال على حيازتها، ولا فرق بينهما في المعنى، فهو اختلاف من قوله، وقد رأيت ذلك لابن زرب، وأما إن تصدق بالأرض وهي غائبة قبل إبان حيازتها، فلا يضره التراخي في الخروج إلى حيازتها إذا خرج بعد ذلك في وقت يصل قرب إمكان حيازتها بالحرث؛ لأنه لو وصل قبل إمكان حيازتها لاكتفى في حيازتها بالقول، ما لم يأت إبان حيازتها على أصله المتهدم. وهذا كله فيمن يحوز لنفسه ولو كبيرا أو أجنبي، وأما الولد الصغير فحيازة أبيه له حيازة في كل حال، وبالله التوفيق.

: اشترى لابنه غلاما وكتب له كتابا بذلك فمات الأب بعد ذلك بسنة

[: اشترى لابنه غلاما وكتب له كتابا بذلك فمات الأب بعد ذلك بسنة] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق قال: وسئل مالك: عمن اشترى لابن له صغير في حجره غلاما وكتب له كتابا وأشهد له أنه إنما اشتراه لابنه، فمات الأب بعد ذلك بسنة، فقال الورثة للصبي: نحن ندخل عليك في هذا الغلام. قال مالك: ليس ذلك لهم وأرى إذا أشهد الأب على شرائه أنه له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال في أنه لا دخول للورثة على الابن في الغلام الذي اشتراه، وإن لم يجزه له، وإن أخذها الأب لنفسه؛ لأن أصل شراء العبد، إنما هو للابن، فلم يهبه الأب له، فيحتاج إلى أن يحوزه له بالثمن الذي اشتراه به له. فصح له ملكه بالشراء. وقد ذهب بعض الناس إلى أن قول مالك هذا في هذه المسألة، خلاف لقول أصبغ، من روايته في سماعه الثاني الواقع بعد سماع أبي زيد في آخر الكتاب، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه لم يقل في هذه المسألة: إنه اشترى الغلام لابنه من مال ابنه؛ فإن عرف لابنه مال من وجه من الوجوه، جاز قول الأب، وكان الشيء الذي ذكر أنه اشتراه بماله وملكه بنفس الشراء، ولم يفتقر إلى حيازة الأب إياه له. وأما إن لم يعرف لابنه مال بوجه من الوجوه، لا من إرث ولا من غيره، ثم مات الأب، فقال أصبغ: إن ذلك توليج من الأب له، يكون ميراثا بين جميع الورثة، ولا ينتفع الابن بحيازة أبيه ذلك، له، فقول أصبغ هذا ليس بخلاف لقول مالك في هذه المسألة، وإنما هو خلاف لقوله فيما مضى في رسم الشجرة، في أن الابن ينتفع بحيازة أبيه فيما ولاه أو باعه بالثمن اليسير، وإن كان لم يسم ذلك صدقة ولا هبة، وهو قول مطرف وابن الماجشون في الواضحة. حكى ابن حبيب عنهما أنهما قالا: وإذا أشهد

مسألة: الرجل ينحل ولدا له عند موته فيتزوج به ابنه امرأة ويصدقها

الأب أنه باع من ولده هذا الدار بكذا وكذا دينارا كانت في يديه من ميراث له، أو أعطيته أو مما يذكر، فذلك جائز، إذا ذكر لذلك سببا ووجها يعرف لحوز الصغير والكبير، دون حيازة، وإن لم يعرف ما قال، ولم يعرف للمال سبب، لم يجز ذلك على وجه البيع، ويصير بمعنى العطية فيما حيز وفيما لم يحز قالا: وكذلك إذا أشهد أن للابن عليه مائة دينار، من سبب كذا وكذا، وكذلك يعرف، فذلك جائز، وإن لم يعرف لذلك سبب فلا يجوز ذلك. قال ابن حبيب: وقال ذلك أصبغ، فقول أصبغ في الواضحة خلاف قوله هذا في سماعه من العتبية، مثل قول مطرف وابن الماجشون، ومثل قول مالك في رسم الشجرة، خلاف لقول ابن القاسم فيه من رواية عيسى في كتاب داود حسبما بيناه هناك من أن قول ابن القاسم مخالف لقول مالك، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل ينحل ولدا له عند موته فيتزوج به ابنه امرأة ويصدقها] مسألة قال مالك، في الرجل ينحل ولدا له عند موته في مرضه، فيتزوج به ابنه امرأة ويصدقها غلة ذلك ونصيبها، أو يكون أبوه زوجها إياه، وأصدق عنه عند موته في مرضه من ماله، قال: أرى الصداق مردودا على ورثة الهالك، ولا يجوز للميت أن يعطي بعض ولده دون بعض عند موته، إلا أن يأذنوا في ذلك، وأرى صداق المرأة دينا على زوجها متى وجدته عنده أخذته به. قال مالك: ومثل ذلك الرجل، يسرق السرقة ثم يتزوج بها المرأة، ويصيبها، ثم يأتي رب السرقة، فيكون أحق بماله، وترجع المرأة على زوجها بذلك، فيكون دينا لها عليه. قال محمد بن رشد: لا اختلاف ولا كلام فيما ذكر، من أن الصداق مردود على ورثة الهالك في المسألتين جميعا، تزوج هو مما نحله أبوه في مرضه، أو زوجه أبوه في مرضه، وأصدق عنه، كما يرد ما أصدقها إذا

: تصدق عن امرأته وابن لها ببعض حائط فأرادت المرأة أن تبيع حصتها

كان مسروقا على رب السرقة، وإنما الكلام فيما ترجع به المرأة على زوجها إن كان بقيمة الصداق، الذي استحق من يدها أو بصداق مثلها، فقيل: ترجع عليه بصداق مثلها، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية، وأرى صداق المرأة دينا على زوجها، وقيل: ترجع عليه بقيمة الصداق الذي استحق من يدها، وهو ظاهر قوله في آخر المسألة، وترجع المرأة على زوجها بذلك، فالقولان قائمان من هذه الرواية، والقول الأول هو القياس، على حكم الاستحقاق في البيوع؛ لأن ما استحق من يدها هو عوض بضعها فلما فات البضع بالعقد عليه لما يوجبه من الحرمة، وجب أن يرجع بقيمته، وهو صداق المثل. وقد قيل: إنه لا يفوت بالعقد إذا استحق الصداق، وهو عرض قبل الدخول المفسد النكاح، والقول الثاني هو المشهور في المذهب، ويختلف أيضا هل يحال بينه وبين وطئها حتى يعطيها حقها، أو يتمادى على وطئها؟ في ذلك اختلاف وتفصيل. وقد مضى بيانه مستوفى في رسم الطلاق من سماع أشهب، من كتاب النكاح، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. [: تصدق عن امرأته وابن لها ببعض حائط فأرادت المرأة أن تبيع حصتها] ومن كتاب البر وسئل مالك: عن رجل تصدق عن امرأته وابن لها صغير، ببعض حائط، فأرادت المرأة أن تبيع حصتها، وأراد الأب أن يبيع لابنه، فقال له مالك: أحبس هو؟ قال: لا ولكنه صدقة بتلا، قال: يبيعون إن أحبوا أو يمسكون، فقيل له: إن الابن صغير في حجره، وقد أراد أن يبيع، نظرا له، أفترى على المشتري في ذلك شيئا؟ قال: لا، قيل: وهل ترى للأب أن يبيع؟ قال: نعم.

مسألة: طلب لرجل منزلا يكريه إياه فقال ليس هو لي هو لابنتي

قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها، ولا تفتقر إلى بيان. وبالله التوفيق. [مسألة: طلب لرجل منزلا يكريه إياه فقال ليس هو لي هو لابنتي] مسألة وسئل: عن رجل طلب لرجل منزلا يكريه إياه، فقال: ليس هو لي، هو لابنتي، حتى أستشيرها في ذلك، فمات الأب، وطلبت الابنة المنزل، فأشهدوا لها من قول أبيها، قال: لا أرى ذلك ينفعها، إلا أن تكون حازت ذلك، ويكون لها على صدقتها أو هبتها شهود، وحيازة. قال أبو بكر لعائشة: لو كنت حزينة كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث. فقيل له: فلو كانت الابنة صغيرة في حجره. قال: لا أرى هذا شيئا قد يعتذر الرجل بمثل هذا لمن يريد أن يمنعه، ولا أرى ذلك بشيء، ولا يكون لصغيرة كانت أو لكبيرة، إلا أن يكون شهود على الصدقة وحوز من الكبيرة. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في أول سماع أشهب من كتاب الدعوى والصلح، مثل ما في رسم العشور وسماع عيسى منه، إن ذلك لا يوجب الشيء المقر به للمقر له، إذا لم يقصد بذلك إلى الإقرار، وإنما قصد به إلى الاعتذار، ويلزمه اليمين إن لم يكن المقر له ابنة، وادعى ذلك الشيء ملكا لنفسه قديما، يقر بذلك الإقرار، فإن نكل عن اليمين حلف المقر له واستحقه، قال ذلك أصبغ في رسم العشور المذكور، وهو مفسر لقول مالك وابن القاسم، وهذا إذا عرف الأصل المقر، وأما إن لم يعرف الأصل له، وإقراره للمقر له، وإن كان على هذا الوجه من الاعتذار، عامل على ما في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب العتق. ودليل ما في رسم العشر المذكور، وسواء على مذهب مالك قال في اعتذاره هو لفلان، وقد تصدقت به عليه، أو وهبته له، أو بعته منه، يبين ذلك ما وقع له في أول سماع أشهب

: يتصدق بماله كله لله ويتخلى منه

بعد هذا من هذا الكتاب. وقال أصبغ: إذا قال وهبته أو تصدقت به أو بعته، فهي حقوق قد أقر بها على نفسه، يريد فيؤخذ بها إذا ادعى ذلك المقر له بغير هذا الإقرار. وقد اختلف إذا خطبت إلى رجل ابنته، فقال: قد زوجتها فلانا، فطلب ذلك المقر له، على ثلاثة أقوال: أحدها: أن النكاح يجب له طلبه بذلك القول أو بقول متقدم، وهو أحد قولي أصبغ، وإليه ذهب ابن حبيب. والثاني: الفرق بين أن يطلبه بذلك القول أو بقول متقدم، وهو قول ابن كنانة في كتاب الدعوى وقول أصبغ، وروايته عن ابن القاسم، في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح. والثالث: أنه لا شيء له، طلبه بذلك القول، أو بقول متقدم، وهو قول ابن المواز، وبالله التوفيق. [: يتصدق بماله كله لله ويتخلى منه] ومن كتاب أوله باع غلاما وسئل: عن الرجل يتصدق بماله كله لله، ويتخلى منه. قال: إن كان صحيحا فلا بأس، واحتج في ذلك بقول أبي بكر حين ندب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صدقة أبي بكر حين أتى بماله كله، وليس لورثته إن كانوا له أن يمنعوه هذا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن ذلك جائز للرجل إذا كان صحيحا ليس لورثته أن يمنعوه من ذلك. والأحسن للرجل أن يبقي على نفسه بعض ماله، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] . وقوله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29] .

وقوله: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] .. وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول» ، «وقال كعب بن مالك: "إن من توبتي أن أنخلع من مالي. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك» ، وروي «أن رجلا تصدق بكل شيء له في زمن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد قبلت صدقتك» فأجاز الثلث، وروي «أن رجلا أعطى ماله في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أبقيت للوارث شيئا، فليس لك ذلك ولا يصح لك أن تستوعب مالك".» «وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي لبانة بن عبد المنذر حين تاب الله عليه قال: يا رسول الله، أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأجاورك وأنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يجزيك من ذلك الثلث".» ومما يدل على الأفضل للرجل أن يبقي على نفسه بعض ماله، وأنه يكره له أن يتصدق بجميعه، أن من نذر أن يتصدق بجميع ماله، لا يلزمه عند مالك وجميع أصحابه أن يتصدق منه إلا بثلثه، لقوله «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأبي لبانة، وقد نذر أن يتصدق بجميع ماله: "يجزئك من ذلك الثلث» ، وأما صدقة أبي بكر بجميع ماله فقيل: إنها كانت لاستيلاف الناس واستنقاذهم من الكفر، وذلك حينئذ واجب. قاله اللخمي وفيه نظر. وبالله التوفيق.

مسألة: يشتري المتاع في الحج لبعض أهله ثم يموت

[مسألة: يشتري المتاع في الحج لبعض أهله ثم يموت] مسألة وسئل مالك: عما يشتريه الرجل في مثل الحج وغيره من الثياب وغير ذلك، ويقول: هذا لامرأتي، وهذا لابنتي، وهذا لابني، ثم يموت، قال: أراه بين الورثة، إلا أن يشهد عند قوله وهو في يديه، ويقول: اشهدوا أن هذا لامرأتي أو لابنتي فإن أشهد بذلك لهم. والذي يبعث بالشيء إلى الرجل على مثل هذه الحال إن مات الذي بعث. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، من أنه إذا أشهد في سفره فيما اشتراه أنه لأهله، جاز ذلك لهم، وإن مات وهو في يد قبل أن يصل. ونص في هذه الرواية على الزوجة، فدل ذلك من قوله على أن ذلك جائز لمن يجوز له من أهله كولده الصغار، ولمن لا يجوز لهم منهم، كولده الكبار، والزوجة، ومن أشبههم وذلك كالنص منه على ذلك لتنظيره ذلك، بالذي يبعث بالشيء إلى الرجل على مثل هذا الحال إن مات الباعث قبل أن يصل المبعوث معه إلى المبعوث إليه، فجعل ما اشتراه في سفره، وأشهد عليه أنه لأحد من أهله فمات قبل أن يصل وهو في هذه بمنزلة ما بعت به فمات وهو بيد الرسول قبل أن يصل، ولا إشكال في مسألة الرسول؛ لأن الرسول قابض للمبعوث إليه، وحائز له عند الواهب الباعث، خلاف ما تأوله ابن القاسم على مالك من أن معنى ذلك عندي فيمن يحوز له من صغار ولده. وقع في التفسير الثالث: سألت ابن القاسم عن قول مالك في الرجل يشتري المتاع في الحج لبعض أهله ثم يموت قبل أن يبلغهم ذلك المتاع، إنه لهم ولا حيازة عليه فيه. قلت: لم رأى ذلك مالك لهم وهو لم يبين من يده مع رسول فيكون دفعه إلى الرسول كالحوز؟ فقال: إنما محمل هذا عندنا عن قول مالك: إنه

: له ابنان فتصدق على أحدهما بعبد وهو صغير

إنما أراد أن يكون اشتراه لأصاغر ولده، ولمن يلي من بناته ممن يكون جائزا عليهم، فيكون اشتراؤه إذا أشهد لهم عند الشراء، بمنزلة الهبة والعطية والصلة إذا أشهد عليها. قال محمد بن رشد: وصار جائزا لهم، وخلاف ما رواه علي بن زياد عن مالك، من أن الإشهاد لا ينفع في ذلك إلا من تجوز عليه من ولده الصغار، وأما الولد الكبير والأجنبي، فلا يجوز إلا أن يجوزه غيره، فلم يقدره في رواية علي بن زياد عنه بكونه في السفر، وعدم من يسلمه فيه يحوز لهم، وكذلك ابن القاسم. وعذره بذلك مالك في هذه الرواية وفيما وقع له في المدونة، وذلك على ما ذكرناه من الاختلاف في رسم تأخير صلاة العشاء، وفي الرجل يتصدق على ابنه الكبير الحاضر معه بالدار الغائبة عنه فيموت قبل أن يصل الابن إليها ولم يفرط. [: له ابنان فتصدق على أحدهما بعبد وهو صغير] ومن كتاب أوله صلى ثلاث ركعات وسئل مالك: عن رجل كان له ابنان، فتصدق على أحدهما بعبد وهو صغير، ثم كبر الغلام وهو في ولاية أبيه، فأعتق أبوه العبد الذي تصدق به على ابنه، وأعاض ابنه عبدا هو أدنى من ذلك العبد أو مثله. قال مالك: إن كان ذلك وهو في ولاية أبيه، فإن ذلك جائز له، وإن كان قد وَلِيَ نَفْسَهُ لم أر ذلك؛ لأنه إن شاء قال لا أجيز ذلك. قال محمد بن رشد: هذا على أصله، وما يأتي له في رسم استأذن من سماع عيسى بعد هذا من أن عتق الرجل عند ابنه الصغير، يجوز إن كان له مال، وتكون قيمته له عليه، ولا يجوز له عتق عبد ابنه الكبير، فإذا أعتق عبد

مسألة: أخذا صدقة ليقسماها فوجدا مدبرة هل ترى أن يخرجا منها في مدبرة فيعتقاها

ابنه الصغير، الذي وهبه إياه وأعاضه عبدا آخر مثله أو أرفع منه، مضى ذلك وجاز. وأما إن كان العبد الذي أعاضه أدنى منه، فظاهر الرواية أن ذلك جائز على ابنه، والقياس أن يكون له على أبيه تمام قيمته إن كان له مال، وإن لم يكن له على أبيه تمام قيمته إن كان له مال، وإن لم يكن له مال، ورق منه للابن ما راد على قيمة العبد الذي أعاضه به، إلا أن يطول ذلك على ما قال في الرجل يعتق عبد ابنه الصغير، ولا مال له؛ لأن العبد قد وجب له بصدقة أبيه عليه وحيازته له، إلا أن يفرق في هذا بين حيازة الأب لابنه الصغير، وحيازة الكبير لنفسه، فيقال: إن الرجل إذا وهب لابنه الصغير عبدا ثم أعتقه، فعتقه جائز، كان له مال أو لم يكن، بخلاف إذا أعتق عبده الذي صار له بميراث أو شراء أو هبة من غرة، فهو ظاهر قوله في هذه الرواية. وقوله: وإن كان قد ولي نفسه لم أر ذلك؛ لأنه إن شاء قال: لا أجيز ذلك - معناه: إن كان قد قبضه وحازه على ابنه، وأما إن كان أعتقه قبل أن يقبضه، فعتقه جائز له، عوضه منه بغيره أو لم يعوضه، على ما قاله في المدونة وغيرها ولا خلاف فيه. [مسألة: أخذا صدقة ليقسماها فوجدا مدبرة هل ترى أن يخرجا منها في مدبرة فيعتقاها] مسألة وسئل: فقيل له: إن ابن أبي حازم وأبا صخرة وضع عندهما الوالي صدقة ليقسماها، فوجدا مدبرة، هل ترى أن يخرجا منها في مدبرة فيعتقاها؟ قال محمد بن رشد: خلاف مذهبه في المدونة من أنه لا يباع المدبر ممن يعتقه، وإنما الذي يجوز أن يأخذ سيده فيه مالا على أن يعتقه، فيكون ولاؤه له، فلا يجوز على مذهبه في المدونة للرجل أن يشتري مدبرا فيعتقه من زكاته، وقد اختلف إن فعل، هل يجزيه أم لا؟ فيجزيه على القول بأن من اشترى مدبرا فأعتقه لا يرد ولا يجزيه، على القول بأن من اشترى مدبرا فأعتقه يرد، والقولان في نوازل أصبغ من كتاب زكاة العين، فيلزم على قياس هذا

: رجل تصدق له على ابن له صغير بمائة شاة

في اللذين جعل الوالي عندهما صدقة ليقسماها ألا يخرجا منها في مدبرة، فيعتقاها فإن فعلا ضمانها إن فات المدبر ولم يوجد على القول بأنه يرد ولم يلزمهما شيء على القول بأنه لا يرد، ويحتمل أن يكون معنى ما في هذه الرواية، أنهما وجدا مدبرة تباع في موضع يجوز بيعها فيه، فلا يكون على هذا التأويل قول مالك هذا، خلاف لما في المدونة وغيرها، بالله التوفيق. [: رجل تصدق له على ابن له صغير بمائة شاة] ومن كتاب أوله مرض وسئل مالك: عن رجل تصدق له على ابن له صغير بمائة شاة، وكتب ذلك في كتاب، قال: ثم لبث سنة، ثم كتب كتابا آخر تصدق فيه على ابنه ذلك برمك هي أفضل من الغنم، وتصدق بتلك الغنم على امرأته في ذلك الكتاب، ولم يكتب في ذلك الكتاب إلا الرمك عوضا من تلك الغنم، غير أن الذي تصدق به في هذا الكتاب الآخر، أفضل مما حق له إلى غيرها. قال مالك: إن كان ابنه صغيرا في ولاية أبيه، جازت له الرمك الذي كتب له في الكتاب الآخر، وسقطت الغنم، وذلك أنه حين أعطى زوجته الغنم، قد انتزعها، وإنما ذلك كهيئة ما لو باع الغنم وخرجت من يده، فلا أرى له إلا الرمك إذا كان في ولاية أبيه أو كان كبيرا فحاز ذلك الابن وقبضه، كانت له، وإن كانت أفضل من الغنم. قال محمد بن رشد: وجه ما ذهب إليه مالك في هذه الرواية، أنه رأى ذلك لما كان في كتاب واحد، معاوضة لابنه، وإن لم يذكر في الكتاب أن

: يعطى الرجل العطية لمن يبره منهم

الرمك، إنما أعطاها له عوضا من الغنم، فجاز ذلك على الابن إذا كان صغيرا في حجره، كما لو باع الغنم عليه بالرمك من غيره. فقوله: وإنما ذلك بمنزلة ما لو باع الغنم وخرجت من يده - يمضي على قوله: وذلك أنه حين أعطى زوجته الغنم قد انتزعها، إذ لا يصح انتزاعها منه؛ لأنها صدقة، والصدقة لا تعتصر، ويلزم على قياس هذا الذي وجهنا به قول مالك وحملناه عليه من أنه رأى ذلك بيعا للغنم على ابنه الصغير من نفسه بالرمك، لا يجوز ذلك، على أنه إن كان كبيرا إلا برضاه، حاز الغنم أو لم يحزها، فإن رضي بذلك جاز، وإن ليحز الرمك؛ لأنها ليست بموهوبة، وإنما هي ثمن للغنم الموهوبة، ففي قوله: وإن كان كبيرا فحاز ذلك الابن وقبضه كانت له، وإن كانت أفضل من الغنم نظر؛ لأن ذلك من قوله يدل على أنه لم ير ذلك معاوضة له عن الغنم بالرمك، وإنما رآه انتزاعا، الغنم وهبة للرمك، ولذلك شرط الحيازة فيها والانتزاع في الغنم لا يصح لأنها صدقة. وبالله التوفيق. [: يعطى الرجل العطية لمن يبره منهم] ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل مالك: عن الرجل يكون له ولد فيبره بعضهم، فيريد أن يعطيه من ماله دون بعض، أذلك له؟ قال: نعم، لا بأس به، ذلك له. قال محمد بن رشد: إنما أجاز مالك أن يعطى الرجل العطية لمن يبره منهم؛ لأنه لم يقصد بذلك إلى تفضيل بعض ولده على بعض، وإنما أعطى البار جزاء على بره وحرم العاق أدبا لعقوقه، فلا مكروه في ذلك إن شاء الله. وإنما المكروه أن يفضل بعض ولده على بعض، فيخصه بعطية، مخافة أن يكون ذلك سببا إلى أن يعقه الذي أحرمه عطيته، أو يقصر فيما يلزمه من البر به، حسبما مضى القول فيه في رسم الشجرة.

مسألة: يعطي بعض ولده جل ماله ويترك سائرهم

[مسألة: يعطي بعض ولده جل ماله ويترك سائرهم] مسألة وسئل: عن الرجل يعطي بعض ولده جل ماله، ويترك سائرهم، قال: إن ذلك ليكره، ولقد أعطى أبو بكر عائشة عشرين وسقا. وإن القضاة والأمراء ليمضون ذلك، فقيل له: أفترى أن يرد؟ فقال: إنه ليكره، وما قال في الرد شيئا. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: إنه أجاز للرجل أن يعطي لبعض ولده العطية دون بعض، إذا لم يكن ذلك جل ماله. ومثل هذا في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، خلاف ما يدل عليه قوله في المسألة التي قبل هذا. فتحصيل القول في ذلك أنه لا اختلاف أنه يكره للرجل أن يهب لبعض ولده دون بعض جل ماله، ويختلف في هبة الرجل الأقل من ماله لبعض ولده دون بعض، فقيل: إنه جائز لا بأس به، وهو قوله في هذه الرواية، وفي رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب. وقيل: إنه مكروه على ظاهر حديث النعمان بن بشير. وهو مذهب ابن القاسم، على ما ذكرنا في رسم الشجرة، ودليل قول مالك في المسألة التي قبل هذه. وأما هبة الرجل جميع ماله لبعض ولده دون بعض، فقيل: إن ذلك لا يجوز ويرد، وهو مذهب مالك على ما مضى في رسم الشجرة، ويأتي في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، وقيل: إنه مكروه، وهو مذهب ابن القاسم حسبما ذكرناه في رسم الشرة، وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على ابنه بالغنم] مسألة وسئل: عن الرجل يتصدق على ابنه بالغنم، أيكتسي من

: قوم كان لهم في منزل صدقة من جدهم

صوفها؟ قال: نعم، لا أرى بذلك بأسا ويأكل من لحومها ويشرب من ألبانها إذا أعطاها ابنه، فقيل له: فالحائط يتصدق به على ولده، أيأكل من ثمرة إذا أطعمه؟ قال: نعم، لا بأس بذلك. قال ابن القاسم: ولم أره مثل الأجنبي. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها، فلا معنى لإعادته. [: قوم كان لهم في منزل صدقة من جدهم] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه قال: وسئل مالك: عن قوم كان لهم في منزل صدقة من جدهم، وإنما خربت وألقى الناس عليها نقلهم، وكانَ أَهْلُ الصَّدَقَةِ رَجُلًا وَأُخْتَيْنِ لَهُ، وأنهم أرادوا أن يصلحوا، فقالت لأخيها: لو ضربت هذا النقل لنا فَطَوَّبْتُهَا وبعتها وأصلحت هذا المنزل وبنيته؟ فإن كان فيه كفافا كذلك، وإن زدت من عندك، فاحتجت أن ندخل معك فيه، رددنا إليك ما أنفقت. قال: أرى ذلك جائزا له، ولكني أرى أن يأتي السلطان حتى يكون هذا الذي يأذن له، قال: إنه لا يخاصمه أحد، قال: قد أعرف، ولكن أحب إلي أن يأتي السلطان حتى يأذن له بذلك القاضي، فهو أحب إلي. قال محمد بن رشد: إنما رأى أن لا يفعل ذلك إلا بإذن السلطان، من أجل أنه حبس له مرجع النظر فيه إلى السلطان، فرأى ألا يحدث فيه شيئا إلا بإذن السلطان الذي إليه النظر في المرجع لئلا يغير الحبس عما كان عليه.

: تصدق على امرأته بخادم له

[: تصدق على امرأته بخادم له] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وسئل مالك: عن رجل تصدق على امرأته بخادم له وهي معه في البيت، فكانت تخدمها على حالها ما كانت عليه، قال: إذا كانت تخدمها فلا أراها إلا لها.. قال سحنون: وكذلك لو كان رهنها خادما. فكانت عندها تخدمها على حال ما كانت، إن الرهن جائز، وإن حوزها لها حوز، وقال سحنون: من أحوز لها منها؟ قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون. وقلنا: إنه يتحصل فيها ثلاثة أقوال فيما بين الصدقة والرهن: أحدها: إن ذلك جائز، وهي حيازة في الرهن والصدقة، وهو قول سحنون في هذه الرواية؛ لأنه إذا رأى الحيازة عاملة في الرهن، فأحرى أن يراها عاملة في الصدقة. والثاني: إنها غير عاملة فيهما جميعا، وهو قول مالك في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون وقوله في رسم الوصايا بعد هذا من سماع أشهب؛ لأنه ضعيف الحيازة في الوضعين في الصدقة، فأحرى أن يضعفها في الرهن. والثالث: الفرق بين الصدقة والرهن، وهو قول ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب الرهون، وكذلك لو تصدقت هي بالخادم التي تخدمها على زوجها، أو رهنته إياها بدليل ما وقع في رسم الوصايا من سماع أشهب بعد هذا من استدلاله بهبتها له على هبته لها؛ لأن أيديهما جميعا على الخادم، فمرة على يده، ومرة على يدها، والأظهر أن يغلب يده، فيفرق بين أن تكون هي التي وهبته أو رهنته، وبين أن يكون هو الذي وهبها أو رهنها؛ لأن يده أقوى من يدها، بدليل أنه لم يختلف قول مالك وابن القاسم في أن القول قول الزوج إذا اختلفا في متاع البيت، وهو مما يكون للرجال والنساء. وقد قيل: إنه لا يد لها معه. فالقول قوله إذا اختلفا في متاع البيت، وإن كان ذلك من متاع النساء. وبالله التوفيق.

مسألة: تصدق على ابنه بمائة دينار وأفرزها ثم تسلفها

[مسألة: تصدق على ابنه بمائة دينار وأفرزها ثم تسلفها] مسألة وسئل: عن رجل تصدق على ابنه بمائة دينار، وأفرزها ثم تسلفها ومات الأب وهي عليه، قال: لا أرى لابن فيها حقا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت والكلام عليها في أول رسم من السماع ومضى أيضا في رسم طلق فلا معنى لإعادة ذلك. [: تصدقت على أبيها وأمها بصدقة ثم تتزوج فتطلب ذلك] ومن كتاب الأقضية من سماع أشهب وابن نافع عن مالك رواية سحنون قال سحنون: قال لي أشهب وابن نافع: سئل مالك: عن امرأة تصدقت على أبيها وأمها بصدقة، ثم تتزوج، فتطلب ذلك، قال: ليس ذلك بشيء من المرأة المولاة، وذلك عليها رد. قال ابن نافع: ولو تزوجت ودخل بها زوجها، فأقامت سنتين أو أكثر من ذلك، ثم قامت بعد ذلك، وقالت: لم أكن أعلم أن ذلك لا يلزمني، رأيت ذلك لها وتحلف. قال محمد بن رشد: قوله: إذا أقامت مع زوجها سنتين أو أكثر من ذلك تحلف، وكذلك يرد عليها ما تصدقت به على أبيها وأمها، يدل على أنه حكم لها بحكم الرشد والخروج من ولاية أبيها بمقامها عند الزوج سنتين أو أكثر. وهي رواية غراه أغفلها الشيوخ المتقدمون، وحكموا برواية شاذة منسوبة إلى ابن القاسم، لا يعلم لها موضع: أنها لا تخرج من ولاية أبيها، ويحكم لها بحكم الرشد إلا بمقامها عند زوجها سبعة أعوام، ورواية ابن القاسم عن مالك: أنها لا تخرج من ولاية أبيها حتى تدخل فيها ويعرف من حالها، أي: يشهد العدول على صلاح حالها، وفي ذلك اختلاف كثير، يتحصل فيها

مسألة: اشترى مالا فسئل أن يقيل البائع منه فقال قد تصدقت به على النبي

ثمانية أقوال، وأما البكر التي لا أب لها فإذا دخلت بيتها وأقامت مع زوجها سنة واحدة، حكم لها بحكم الرشد، وملكت أمرها، ما لم يعرف سفهها. وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى مالا فسئل أن يقيل البائع منه فقال قد تصدقت به على النبي] مسألة وسئل مالك: عمن اشترى مالا، فسئل: أن يقيل البائع منه، فقال: قد تصدقت به على النبي، ثم هلك الرجل، ولم يوجد إلا قوله ذلك. قال: ما أرى هذا يقطع. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم البز، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: نحل ولده نحلا من غنمه ووسمها لهم بأسمائهم] ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل: عمن نحل ولده نحلا من غنمه، ووسمها لهم بأسمائهم، وليست لهم بينة إلا الرسم، وأنه ذكر ذلك عند موته، فقال: ليس ذلك بشيء إن لم يكن عليه البينة؛ أشهدهم في حياته وصحته، فأرى أن يجعل ميراثا. وقد قال في الكتاب الذي فيه الوصايا والحج، في رجل نحل ابنه خيلا ووسمها بوسمه، ثم تركها في خيل أبيه يركبها: إنه ليس له في ذلك شيء. قال محمد بن رشد: قوله: نحلة الرجل ولده عددا من غنمه إذا وسمها ولم يشهد عليها في صحته حتى ذكر ذلك عند موته: إنها لا تصح له، وتكون ميراثا - بَيِّنٌ لا إشكال فيه؛ لأن الوسم يميزها من جملة غنمه، ولا يحقق النحل بها إلا إشهاده عليها. فإن وسمها وأشهد على نحلها في صحته جازت له باتفاق. واختلف إن أشهد على أنه نحله عددا منها دون أن

يعينها باسم أو سمة أو نحلة جزءا مشاعا منها، هل تصح حيازتها له؟ فقيل: إنها تصح في الوجهين، وقيل: إنها لا تصح في واحد منهما، وقيل: إنها لا تصح في الجزء المشاع، ولا تصح في العدد المسمى دون أن يعين باسم أو سمة، ولا اختلاف في ذلك من قول مالك. وقد مضى ذكر ذلك وتحصيله في رسم طلق من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب. هو في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الحبس فلا معنى لإعادته. وقوله: إن وسمها بوسمة، يريد: وشهد عليها ثم تركها في جملة خيله يركبها، إنه ليس له ذلك في شيء - يبين أن مذهبه فيما عدا الملبوس والمسكون كالملبوس والمسكون، إن انتفع الأب بشيء من ذلك كله بعد الصدقة أو الهبة، كما كان ينتفع به قبل أن يهب أو يتصدق، وبطلت الهبة والصدقة، خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، أن مساعدا المسكون والملبوس من الأشياء كلها بحيازة الأب إياها للصغير بالإشهاد عليها والإعلان بها كما جاء عن عثمان بن عفان. قالوا: وسواء كانت أرضا فأحدثها أو أكراها أو منحها، أو كانت جنانا فأكل ثمرتها، أو أطعمها أو باعها باسمه، أو اسم ولده، أو كان غلاما فخارجه لولده ولنفسه، أو اختدمه، أو كانت دابة فركبها، أو حمل عليها، أو كانت ماشية فاحتلبها، أو أكل رأسها فاحترث بها أو درس عليها، أو مصحفا فقرأ فيه، أو قويا فرمى عنها. هذا كله جائز، والصدقة ماضية. قال ابن الماجشون: وهذا الذي سمعناه من علمائنا وجميع أصحابنا، والذي مضت به أحكام حكامنا، وقول أصبغ في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب. وأما ما أردت من اختلاف الغنم واحتراث البقر، وخدمة العبيد إذا كانت الصدقة فيهم بأعيانهم، فإذا كان من ذلك الأمر الخفيف والأمر المخرج مرة للابن، ومرة للأب، ومرة ينتفع هذا، ومرة ينتفع هذا، ومرة بعض لهذا، فهذا جائز، وتكون حيازة وصدقة تامة. قول ثالث في المسألة فتدبر ذلك. وقد تأول فضل عن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه مثل قول مطرف وابن الماجشون، فقال: رأيت في كتاب ابن حبيب بخط يده في سماعه من رواية

مسألة: ينحل ولدا دون أولاد وله مال سوى ما نحل

أصبغ عن ابن القاسم في صدقة البتل والحبس على ولده الصغار، أن حيازته لهم حيازة، وإن كان هو القائم بأمرهم، والناظر لهم في الكراء، أو أجنبي، ثمرة أو اغتلال، غلة. أو ما تحتاج إليه الصدقة من مرض أو إصلاح حين يبلغوا الحور، قال فضل: فقوله: أو جني ثمرة أو اغتلال غلة، أو ما يحتاج إليه، قريب مما في داخل الكتاب، وتأويل فضل عن ابن القاسم هذا، تأويل بعيد، كأن الظاهر من قوله: إنه جنى الثمرة واغتل الغلة، لولده لا لنفسه، بدليل قوله: وإن كان القائم بأمرهم، والناظر لهم في كراء أو جني أو اغتلال. فقف على ذلك وتدبره، وإنما أجاز ابن القاسم للواهب والمتصدق الانتفاع بما وهب أو تصدق، ولم يزد لك قدحا في حيازة الموهوب له أو المتصدق عليه في مثل الزوجين يهب أحدهما صاحبه الخادم التي يكون معها في المنزل، إذ لا يعذر الواهب على الانفكاك من الانتفاع بما وهب أو تصدق، لكونه معه في منزل واحد بيد الموهوب له حسبما يأتي من قوله في رسم سلف في سماع عيسى. وقد مضى ذلك من قول مالك عليها مستوفى في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم، ومضت المسألة أيضا في سماع أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: ينحل ولدا دون أولاد وله مال سوى ما نحل] مسألة وسئل: عن حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذي نحل ابنا له عبدا، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أكل ولدك نحلت؟ قال: لا، فقال: أرجعه» فقال مالك: وذلك رأيي؛ لأنه لم يكن له مال غيره، قلت له: فإن لم يكن له مال غيره رده، فقال: إن ذلك ليقال، ولقد قضى به في المدينة، فأما الذي ينحل ولدا دون أولاد وله مال سوى ما نحل، فذلك جائز فلا بأس به. قد

: نحل ولدا له نخلا فلم يحزها أحد منهم حتى مات أبوهم

نحل أبو بكر الصديق عائشة، وقال فيه عمر وعثمان ما قالا، فلو كان هذا الحديث ما جهله أبو بكر ولا عمر ولا عثمان، ولكن في رأي - لم يكن له مال عنده. محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة على رسم الشجرة من سماع ابن القاسم قبل هذا، وفي رسم نذر سنة، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: نحل ولدا له نخلا فلم يحزها أحد منهم حتى مات أبوهم] ومن كتاب الوصية الذي فيه الزكاة والحج وسمعته: يسأل: عمن نحل ولدا له نخلا فلم يحزها أحد منهم حتى مات أبوهم، فقال: إن كان أشهد على ذلك وعرف النخل بعينه، فمن كان منهم صغيرا فذلك له، ومن كان منهم كبيرا قد بلغ الحيازة فلم يحز فلا شيء له، إلا أن يكون ضعيفا لا يلي نفسه فذلك له، وما كان من جارية قد بلغت في حجر أبيها لم تبين فذلك أيضا لها. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا: إن من كان منهم صغيرا فذلك له، ومن كان منهم كبيرا فلا شيء له، هو مثل قوله في رواية علي بن زياد وابن نافع عنه في المدونة ومثل قول ابن وهب في سماع عبد الملك بعد هذا خلاف قول ابن القاسم في المدونة وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الحبس. قد مضى هناك ذكر هذا الاختلاف وتوجيهه مستوفى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: تصدق على امرأته أو ابنه بالعبد وهو مسافر

[مسألة: تصدق على امرأته أو ابنه بالعبد وهو مسافر] مسألة وسمعته: يسأل: عن رجل تصدق على امرأته أو ابنه بالعبد وهو مسافر، والعبد في يد الذي تصدق به عليه على وجه الاختدام، فتصدق به عليه، ويشهد على ذلك شهودا وهو مسافر، ثم يموت المعطي أو المعطى قبل أن يعلم المعطى الذي تصدق به عليه، فقال: إن كان أمره على وجه الإنفاذ، وأشهد من يرى أنهم يبلغونها ذلك، أو يبلغون ابنه، فإن ذلك جائز، فأما أن يشهد بكذا من لا يعرف المرأة ولا الولد، ولا يكتب إليهما فمتى شاء، قال هذا لي، قد رجعت فيه، لا هي تعلم أن ذلك لها، ولا الشهود يعلمونها، فلا أدري ما هذا. قال محمد بن رشد: وأما إذا مات المعطى المتصدق عليه قبل المعطي المتصدق، فورثته يقومون مقامه، وينزلون منزلته في القول أو الرد إذا علموا قبل موت المعطي المتصدق، وأما إن مات المعطي المتصدق، قبل موت المعطى المتصدق عليه، وقد علم، فلم يقل: قد قبلت حتى مات المتصدق، فقول ابن القاسم في المدونة: إنه لا شيء له؛ لأنه لم يرى سكوته مع كون الهبة بيد رضا منه بها، وقبولا لها، وقول أشهب فيها: إنها له ندي أسكوته مع كون الهبة بيده رضا منه بها وقبولا لها؟ فقال: إن كونها في يديه أحوز، وأما إن مات المتصدق قبل أن يعلم المتصدق عليه، فقول مالك في هذه الرواية: إن ذلك جائز له إذا كان أمره على وجه الإنفاذ، وأشهد من يرى أنهم يبلغونه ذلك، فهو شذوذ؛ لأن ذلك يقتضي أن هبة الأموال لا تفتقر إلى القبول، وأنها تجب للموهوب له بنفس الهبة حتى لو مات الموهوب له قبل أن يعلم لورثت عنه، ولم يكن لورثته أن يردوها لا على وجه الهبة إن قبل ذلك الواهب، وهو بعيد، إنما يصح ذلك في الحرية إذا قال الرجل لعبده قد وهبتك

مسألة: نحلت ابنا لها صغيرا غلاما وابنها معها وللابن أب ومال

نفسك، أو قد وهبت لك عتقك، فهو حق قبل أو لم يقبل، قاله في العتق من المدونة لأن الواهب في مثل هذا لم يهب لأن ينظر قبول من وهب له، كالأموال التي توهب، فإن قبلها الموهوب له، وإلا رجعت إلى الواهب، ولا اختلاف أحفظه في هذا سواء قول مالك الشاذ في هذه الرواية، ولو علم بالهبة ولم يعلم منه قبول لها حتى مات الواهب لجرى ذلك على ما ذكراه من اختلاف قول ابن القاسم وأشهب ويقول أشهب أخذ سحنون فقال لو وهب رجل لغريمه الغائب ماله عليه، وأشهد له، ثم مات الواهب قبل أن يعلم قبول الغائب أن الهبة جائزة، يريد وقد علم أنه قد علم بالهبة قبل موت الواهب. فتحصيل القول في هذه المسألة: أن الرجل إذا وهب شيئا هو في يده أو دينا هو عليه، فإن علم في حياة الواهب وقبل، جازت له الهبة باتفاق، وإن علم ولم يقبل حتى مات الواهب، جازت الهبة على قول أشهب، وبطلت على قول ابن القاسم. وإن لم يعلم بالهبة حتى مات الواهب، بطلت الهبة باتفاق، لافتقار الهبات إلى القبول، إلا على هذه الرواية الشاذة، ولو وهب رجل شيئا هو بيده لرجل غائب، فأخرجه من يده، وجعله على يدي من يجوز له الصلح له، وإن يعلم حتى مات الواهب، بخلاف إذا كان الشيء الموهوب بيد الموهوب له الغائب؛ لأنه إذا كان بيده بإذن الواهب، فكأنه في يد الواهب، حتى يعلم بالهبة، فيكون بعلمه بها جائزا لنفسه، وإنما اختلف على قولين في الوصية، فقيل: إنها تجب للموصى له بموت الموصي مع القبول بعد الموت، وهو المشهور المعلوم. وقيل: إنها تجب له بموت الموصي دون القبول، وهو أحد قولي الشافعي. فعلى قوله: إن مات الموصي له قبل أن يعلم وجبت الوصية لورثته، ولم يكن لهم أن يردوها إلا على وجه الهبة لورثة الموصي إن قبلوا. وبالله التوفيق. [مسألة: نحلت ابنا لها صغيرا غلاما وابنها معها وللابن أب ومال] مسألة وسمعته: يسأل عن امرأة نحلت ابنا لها صغيرا غلاما، وابنها

معها وللابن أب ومال، فلم يجزه الأب ولا الولي حتى ماتت الأم، أترى ذلك حوزا؟ فقال: ذلك يختلف، أما الغلام الذي هو للخراج، فإني لا أرى ذلك للصبي حوزا، وأما الغلام الذي إنما هو للخدمة يخدمه ويختلف معه، ويقوم في حوائجه، وهو في ذلك مع أمه، فإني أراه حوزا وأراه له جائزا، وإنما ذلك عندي بمنزلة الرجل نحل ولده الغلام، يكون معه يخدمه ويختلف معه إلى الكتاب، وهو في ذلك مع أبيه، فيكون له حوز وله حائزا، فهذا مثله. قال محمد بن رشد: وللابن أب وله مال فلم يجزه الأب ولا أخ ولا الولي، كلام ناقص، وكماله: وللابن أب أو لا أب له، وله مال في يد وليه، أي: وصيه، فلم يجزه الأب إن كان له أب، ولا الولي إن لم يكن له أب. وفي كتاب ابن المواز بإثر هذه المسألة: قال ابن القاسم وأشهب: إن لم تكن الأم وصية فليست حيازتها حيازة على مال، ويحوز لهم السلطان، أو يولي عليهم أو بتخرجه الأم من يدها إلى غيرها، فتحوز لهم، فتكلم مالك في الرواية على الوجهين جميعا، على أن الصبي المنحول، له أب غير ساكن مع أم الصبي الناحلة، وعلى أنه لا أب له. وتكلم ابن القاسم وأشهب في كتاب ابن المواز على أن الصبي لا أب له. والمعنى في المسألتين سواء فلم يراع في الرواية كون العبد مع الأم الناحلة في منزل واحد، ورأى الصبي هو الحائز له باختدامه إياه وراعى ذلك ابن القاسم وأشهب، وغلباه على اختدام الصبي إياه فرأياها هي الحائزة له دونه، فلم يجيزا حيازتها له، إلا أن تكون وصية، وهو الأظهر؛ لأنه إنما يخدمه ويتصرف له بالأمر وتحت نظره لصغره، فهي الحائزة له، ولو كان كبيرا سفيها، لكان قول مالك في الرواية أظهر. والله أعلم؛ لأن كون يدها مع العبد ومع السفيه الكبير، أضعف منها مع الابن الصغير، ولو كان صغيرا لا يعقل ابن سنة ونحوها لما جازت حيازة الأم له باتفاق، والله أعلم. ولو كان الصبي منفردا بالسكنى وحده دون الأم، لكان

: يهب هبته ثم يأتي يطلب ثوابها فيقول قد أثبتك

حائزا له باختدامه إياه، وكونه معه قولا واحدا. وكذلك لو كان كبيرا سفيها منفردا بالسكنى وحده دون أمه الناحلة، ولو كان الأب ساكنا مع الأم، لكان هو الحائز باتفاق. وأما العبد الذي هو للخراج، فلا إشكال في أنه لا يحوزه له عن أمه إلا الأب. [: يهب هبته ثم يأتي يطلب ثوابها فيقول قد أثبتك] ومن كتاب الأقضية الأول قيل لمالك: أرأيت الذي يهب هبته، ثم يأتي يطلب ثوابها، فيقول: قد أثبتك؟ قال: عليه البينة أنه قد أثابه وإلا حلف الواهب ما أثابه، قال: إنه لم يشهد على الهبة، فقال: هو مثل البيع، يقول: بعتك هذا الثوب، فيقول: نعم، ولكني وفيتك ثمنه، فعليه البينة أنه قد وفاه، وإن لم يكن لصاحب الحق على أصله بينة. قال: وقد سألت اليوم عمن وهب شاتين منذ أربعة أشهر، ثم جاء اليوم يطلب الثواب، فيقول: قد أثبتك، ولا بينة بينهما. فقلت: يحلف صاحب الشاتين على المنبر ما أثابه هو، مثل البيع. قال محمد بن رشد: في بعض الكتب في هذه الرواية: عند المنبر، وفي بعضها: على المنبر. فأما ما في منبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يحلف عليه؛ لأن أحدا ... وقد قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من حلف على منبري إثما تَبَوَّأَ مقعده من النار» فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه: على، ولم يقل: عندي. وأما سائر المنابر في جوامع الأمصار فإنما يحلف الحالف عندها، لا عليها؛ لأن

: امرأة دعتنا فأشهدتنا على رقيق لها أنهم صدقة على ابنتها

الحرمة إنما هي لموضعها لا لها، بدليل أنه لو دار المنبر عن موضعه لإصلاح شيء فيه، لما حلف الحالف إلا في موضعه، لا عنده، بخلاف منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في هذا، وسائر المسألة يبين، لا يفتقر إلى كلام؛ لأن الهبة للثواب بيع من البيوع، وقد أحكمت السنة في التداعي فيها أن البينة على من ادعاها، واليمين على من أنكر؛ لأن الهبة للثواب، إذا طالت مدتها حتى يرى أن الواهب قد ترك الثواب، لم يكن له ثواب، بخلاف البيع؛ لأن طريقها المكارمة لا المكايسة. وقد مضى ذلك في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها. وبالله التوفيق. [: امرأة دعتنا فأشهدتنا على رقيق لها أنهم صدقة على ابنتها] ومن كتاب الأقضية الرابع وسئل مالك: فقيل له: إن امرأة دعتنا فأشهدتنا على رقيق لها أنهم صدقة على ابنتها، وكتبنا شهادتنا على أنه أمانة عندنا بأمانة الله، لا نشهد بها أبدا ما دامت حية حتى تموت، فشهدنا على ذلك، وكتبناها، فاحتاجت إلى تلك الشهادة ابنتها التي كانت الصدقة عليها، أترى لنا أن نقوم بها؟ قال: أراها قد قالت لكم: لا تشهدوا بها حتى أموت، وهذه الشهادة لا تنفع ابنتها، فقيل له: لا تنفع ابنتها. قال: نعم، لا تنتفع ابنتها. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب الشهادات، وبالله الموفق. [مسألة: تصدق بدار له على مواليه وأولادهم] مسألة وسئل: عمن تصدق بدار له على مواليه وأولادهم، وأولاد

أولادهم ما بقي منهم أحد، فإذا انقرضوا فمرجعها إلى ولده، فلم تزل كذلك حتى لم يبق منها إلا رجل واحد، فعمد إليه بعض الذين إذا مات الموالي رجعت إليهم من ورثة المتصدق، فتكاراها منه عشرين سنة، فقام ورثة المتصدق، فقالوا: لا نجيز هذا نخاف أن يموت هذا المولى في عشرين سنة، فتقوم علينا بحيازتك، فقال مالك: إن هذا المولى إذا مات في السنتين وانفسخ الكراء، ولقد أكثر هذا في السنين، فقيل: أجل، إنه إذا مات في السنين انفسخ الكراء، ولكنه شاب وهم يخافون طول حياته وطول حيازة هذه الدار، إذا تكاراها عشرين سنة، قال: فليكتبوا عليه بذلك كتابا ويتوثقوا عليه فيه. قال محمد بن رشد: أجاز في هذه المسألة اكتراء الدار عشرين سنة، من الذين صارت إليه بالتحبيس من عقب الموالي، والكراء ينتقض بموته؛ لأنها حبس عليه لا حق له فيها إلا ما دام حيا. ومعنى ذلك: ما لم ينفذ؛ لأنه إن نفذ فمات انتقض الكراء، فرجع إلى المكتري كراء ما بقي من المدة، فكان سلفا منه، وقيل: إن الكراء لا يجوز إلى مثل هذه المدة الطويلة، وإن لم ينفذ، وهو ظاهر ما في كتاب الوصايا الثاني من المدونة فيمن أوصى له خدمة عبد حياته، إنه لا يجوز له أن يكريه إلا الأمد القريب: السنة والسنتين والأمر المأمون الذي ليس ببعيد، ولم يفرق بين النقد وغيره، ففي القريب يجوز الكراء بالنقد وبغير النقد، على ظاهر ما في المدونة لابن المواز، ويحتمل أن يحمل ما في المدونة من إجازة الكراء على الأمد القريب على ألا ينفذ، فالكراء في القريب يجوز بغير نقد باتفاق، وفي البعيد لا يجوز بالنقد. ويختلف هل يجوز بغير النقد في البعيد، وبالنقد في القريب؟ على قولين. وقد نص على ذلك في كتاب ابن المواز. وقع فيه بإثر هذه المسألة، قال مالك: لا يدفع في كرائها، ولكن يكريها قليلا قليلا، وكذلك قال عبد

: يهب الجارية لامرأته فيدفعها إليها

الملك، إلا أنه قال: السنة والسنتين. ونحن لا نرى بأسا ما لم يقع النقد إلا في مثل السنة والسنتين. فإن وقع الكراء في السنين الكثيرة، على القول بأنه لا يجوز ذلك، فعثر على ذلك، وقد مضى بعضها، فإن كان الذي بقي يسيرا لم يفسخ، وإن كان كثيرا فسخ له. قاله في كتاب محمد، ولم ير في الرواية حجة للقائم من الورثة على المكتري فيما ذكره، من طول الحيازة؛ لأنها غلة ترتفع بالإشهاد كما ذكره. وذلك معارض لما في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب الأقضية في الذي يكون له الممر في حائط الرجل، إنه ليس له أم يحظره، وإن لم يجعل عليه بابا فلا يطول الأمر فينسى حقه. وبالله التوفيق. [: يهب الجارية لامرأته فيدفعها إليها] ومن كتاب الوصايا الذي فيه الحج والزكاة وسئل: عمن يهب الجارية لامرأته فيدفعها إليها، ويشهد لها عليها، فتكون عندها على حالها تخدمها وتخدمه على نحو ما تخدم الخادم زوج سيدتها. أترى ذلك منها حوزا؟ فقال: إن هذا لإلى الضعف ما هو. قيل له: قد أشهد لها عليها ودفعها إليها وإنما تخدمها وتخدمه، على نحو ما تخدم الخادم زوج سيدتها. قال: أرأيت لو وهبت هي لزوجها خادما وأشهد له عليها، أو متاع بيتها ثم أقام على حاله بأيديهما تنتفع به على نحو مما تنتفع به بخادم زوجها وبمتاعه الذي هو في بيتها، أيكون له ذلك إذا ماتت؟ ما هذا بمستقيم، ولكن لو خير ذلك وأخرج من ماله التي هو عليها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم اغتسل من آخر سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

: بيع الحائط مساقاة والعامل فيه

[: بيع الحائط مساقاة والعامل فيه] ومن كتاب مسائل بيوع من كراء قال: وسئل: عن الذي يهب ثمن حائط هذه السنة ثم يريد أن يبيع أصل الحائط من رجل آخر، فقال: لا يصلح أن يبيعه ما لم تؤبر الثمرة، ولو باعه بعد أن توبر لم يكن له بأس. قال محمد بن رشد: لابن القاسم في رسم الصلاة من سماع يحيى بعد هذا: إن ذلك لا يجوز، إلا أن يبيع الأصل في دين رهنه إذا ألجئ إلى ذلك من فلس، وهو مثل قوله في المدونة: إن الغرماء إذا أقاموا على صاحب الحائط البينة فلهم أن يبيعوا الحائط. والمساقاة كما هي، إذ لا فرق بين أن يكون ثمر الحائط أو بعضه قد وجب قبل بيع الحائط لغير رب الحائط بهبة أو بمساقاة. وقد روى أشهب عن مالك إجازة بيع الحائط مساقاة والعامل فيه لم يذكر تفليسا ولا غيره، فهي مسألة فيها ثلاثة أحوال: أحدها: إن ذلك لا يجوز في فلس ولا غيره؛ لأن ذلك بمنزلة ما لو باع حائطه واستثنى ثمره قبل الإبار أو قبل الطلوع وهو نص قول غير ابن القاسم في مسألة المساقاة في المدونة إن لم يجز ذلك في الفلس فأحرى لا يجيزه في غير الفلس. والثاني: إن ذلك جائز في الفلس وغيره؛ لأن البائع لم يستثن الثمرة لنفسه، فيكون باستثنائها كأنه اشتراها، وإنما علم بوجوبها لغيره، فهو عيب تبرأ منه في بيعه. والثالث: الفرق بين الفلس وغيره، وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى في مسألة الهبة، وقوله في المدونة في مسألة المساقاة، وكان سحنون فيما حكى عنه ابن عبدوس يستحسن قول غير ابن القاسم، في أن ذلك لا يجوز، في فلس ولا غيره؛ لأنه من بيع الأصل، واستثناء ثمرته، ثم رجع إلى قول ابن القاسم ورآه من جنس الضرورة؛ لأن أصحابنا يجوزون عند الضرورة من البيع ما لا يجوزونه عند غير الضرورة، والذي أقول به: إن ذلك جائز في الفلس وغيره؛ لأن بيع

: مولى عليه موسع عليه تصدق على أمه بإذن وليه

الحائط واستثناء ثمرته قبل أن تؤبر إنما لم يجز على قياس القول بأن المستثني بمنزلة المشتري؛ لأنه يصير كأن رب الحائط قد باع حائطه بما سمى من الثمن وبالثمرة التي استثناها، وهذا لا يتصور إذا كانت الثمرة قد وجبت قبل بيع الحائط لغير رب الحائط، وعدم علة المنع، توجب الجواز، وبالله التوفيق. [: مولى عليه موسع عليه تصدق على أمه بإذن وليه] ومن كتاب الأقضية الثاني قال أشهب: وسمعت مالكا، وسئل: عن مولى عليه موسع عليه تصدق على أمه بإذن وليه بدار له حياتها، ثم مرجعها إليه وإلى ولده، قال: ما أرى ذلك له، فقيل له: فكيف الأمر في ذلك؟ وقد شهدنا عليه بإذن وليه، هو أتانا بذلك، وسألنا، فقال: سلوهم أن يمحوا شهادتكم، فإن أبوا، فارفعوا ذلك إلى الناظر حتى يجيزه أو ينقضه، كيف تشهدون على مثل هذا وأنتم قوم تطلبون العلم وتنظرون فيه؟ قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة؛ لأن الوصي لم يقدم على اليتيم إلا ليحوز عليه ماله، ويمنعه من إبذاره وإتلافه بالهبات والصدقات، وشبه ذلك. وقوله: فإن أبوا فارفعوا ذلك إلى السلطان حتى يجيزه، معناه: حتى ينظر في أمره، فإن بان له رشده أمضاه، وكفى من الدليل على بيان المسألة توبيخ مالك لمن قصر فهمه عن إدراك معناها، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على أخ له بعبد صدقة] مسألة وسئل: عمن تصدق على أخ له بعبد صدقة بتلا على أمه إن مات فالعبد إليه رد، وإن مات المتصدق قبل فالعبد لك بتلا.

: تصدق بدار له أو حائط على ولده وولد ولده صدقة

قال مالك: فأيهما مات قبل؟ فقيل: المعطي. فقال: ما أراه إلا راجعا إلى المعطي؛ لأنه كأنه أعطاه ذلك حياته. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن أول قوله مرتبط بآخره، فليست بصدقة مبتلة، بما شرط عليه فيه، من أنه إن مات قبله فهي عليه رد؛ لأن ذلك يقتضي ألا يكون له فيها تفويت ببيع ولا بغيره، ما دام المتصدق حيا حتى يموت، فآل أمرها إلى أنه أوصى له بها بعد موته، وعجل له الانتفاع بها طول حياته، فوجب إن مات المتصدق عليه، فله أن يرجع إليه كما شرط، وإن مات المتصدق قبله بثلث له من ثلثه، على معنى الوصية إن كان غير وارث كذلك، قال ابن نافع فيها: إنه إن مات المعطى قبل نظر، فإن كان الأخ وارثا لم يجز له ما صنع، وكان مردودا، يريد: إلا أن يجيز ذلك الورثة، وإن كان الأخ غير وارث جاز ذلك في الثلث. وبالله التوفيق. [: تصدق بدار له أو حائط على ولده وولد ولده صدقة] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل: عن رجل تصدق بدار له أو حائط على ولده وولد ولده صدقة بتلا لا مثوبة فيها ولعقبهم فمات ولده كلهم، ولم يتركوا إلا بنتا لبعض ولده الذكور، فأرادت أن تبيع، فقال: ماذا لها؟ فقيل له: إنه لم يجعل حبسا، إنما قال: صدقة بتلا لا مثوبة فيها، فقال: هذه أراها لهم يبيعونها في دينهم، فقيل له: إنه جعلها لهم ولأعقابهم، قال: ليس لهم أن يبيعوها، فقيل له: فقد ماتوا كلهم، حتى لم يبق منهم إلا امرأة واحدة، فأرادت أن تبيع، ولم يجعل ذلك حبسا، أترى لها ذلك؟ قال: نعم، في رأيي أرى ذلك لها. هذا إنما جعلها لهم، ولم يحبسها فالبنت تبيع؛ لأن ولدها

ليس بعقب، وليس لها في هذا حق. والولد الذكر ليس له أن يبيع لأن ولده عقب. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنها ترجع بمرجع الأحباس، ولا يكون لآخر العقب ملكا. قال ابن عبدوس: وهو قول أكثر أصحابنا، ومثله في المدونة لبعض رجال مالك، إلا أن يقول: وهو لآخر العقب ملكا، فيكون ذلك كما قال. وتخرج المسألة من الاختلاف، وهي في كتاب ابن المواز، قال: إذا قال: داري محبسة على ولدي وعقبهم وهي الآخر منهم بتلا. قال: تكون كذلك للآخر منهم بتلا، وهي قبل ذلك محبسة، إلا أن يمضي للآخر، وسواء قال: هي للآخر، أو قال: هي الآخر، فإن كان أحدهم امرأة باعت إن شاءت، أو صنعت ما شاءت قد صارت مالها، وإن كان رجلا ممن يرجى له عقب حبست ولم تبع، فإن مات قبل أن يولد له ولد، كانت ميراثا للورثة؛ لأنه حين مات تبين أنها كانت له. وبالله التوفيق.

: كتاب الصدقات والهبات الثاني

[: كتاب الصدقات والهبات الثاني] [رجل صالح مالك لأمره تصدق على آخر مثله بميراثه من أبيه إذا مات والأب باق] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: وسئل ابن القاسم: عن رجل صالح مالك لأمره، تصدق على آخر مثله بميراثه من أبيه إذا مات، والأب باق، أيجوز له؟ فقال: لا أرى أن يجوز هذا، قال ابن القاسم: ولا أقضي به عليه، وهو أعلم؛ لأنه أمر لا يدري قدره، ولا يعلمه، لا يدري كم يكون ألف دينار؟ فلا أدري ما هو؟ وهو أعلم. قال محمد بن رشد: قوله: لا أرى أن يجوز هذا، معناه: لا أرى أن يجوز هذا عليه، أي: لا يلزمه، إذ ليس بأمر يجب رده وفسخه لفساده، يبين ذلك قوله بعد ذلك: ولا أقضي به عليه، وهو أعلم؛ لأنه أمر لا يدري قدره، ولا كم يكون؟ فإنما قال: إن ذلك لا يلزمه، من أجل أنه لم يدر قدره ما وهب، إلا من أجل أنه وهب مالك يملك، إذ لم يهبه اليوم، فيكون قد وهب ما لم يملكه بعد، وإنما أوجب ذلك على نفسه يوم يموت أبوه، فيجب له ميراثه، كمن قال: إن ورثت فلانا واشتريته فهو حر، يلزمه ذلك، بخلاف قوله: هو اليوم حر، وقوله في هذه الرواية: إن ذلك لا يلزمه خلاف ما يأتي من قوله في رسم الأقضية والحبس من سماع أصبغ: إن ذلك يلزمه، إلا أن يقول: كنت ظننت أنه يسير، ولو علمت أنه بهذا القدر ما وهبته، ويشبه ذلك من قوله: فيحلف على ذلك، ولا يلزمه، فاتفقت الروايتان جميعا على أن

الواهب لميراثه في مرض الميت، ليس بواهب لما لم يملكه بعد، وإنه إنما هو واهب له إذا ملكه بقوله المتقدم قبل أن يملكه، واختلفا في هل يلزمه إذا مات قوله بقوله المتقدم قبل أن يملكه، واختلفا في هل يلزمه إذا مات قوله المتقدم قبل أن يموت؟ فقال في هذه الرواية: إنه لا يلزمه إذا لم يدر يوم أوجبه على نفسه، كم يكون يوم الموت؟ وقال في رواية أصبغ: إن ذلك يلزمه، إلا أن يقول: لمن أظن أنه يكون هذا المقدار؟ فيحلف على ذلك، ولا يلزمه ومن أهل النظر من ذهب إلى معنى رواية أصبغ أن الصدقة كانت بعد موت الأب، ولذلك ألزمه الصدقة، إلا أن يقول: لم أظن أن ميراثي منه مبلغ هذا المقدار، فيحلف على ذلك ولا يلزمه، خلاف الرواية التي قال فيها: إنه يصدق والأب باق، وقال: إن الصدقة إذا كانت والأب باق، فهي غير جائزة على ما قال في هذه الرواية. قال: وهو الذي يأتي على مذهبه في آخر الوصايا الثاني من المدونة؛ لأن الوارث لا يملك ميراثه في مرض الموت، فيجوز عليه فيه هبته، وإنما الذي له في مرضه التحجير عليه في أن يوصي بأكثر من ثلثه، أو يوصي لبعض ورثته. فهذا الذي إذا أذن له فيه لزمه على ما قاله في المدونة، وأما أن يهبه هو لأحد فلا. قال: وفي الموطأ ما يدل على أنه لا يجوز للوارث أن يهب ميراثه في مرض مورثه، وليس ذلك عندي بصحيح، بل الذي في الموطأ أن هبة الوارث بميراثه في مرض الموروث جائز لازم، وليس في المدونة عندي ما يخالف ذلك، ولا في هذه الرواية؛ لأن حمل بعضها على التفسير أيضا نص على خلاف ذلك لاحتمال أن يريد أن الصدقة وقعت في صحة الموروث قبل مرضه، وهذا أولى ما حملت عليه حتى تتفق الروايات؛ لأن حمل بعضها أولى من حملها على الخلاف، فقوله على هذا: إنه إذا وهب ميراثه في صحة الموروث، لم يجز عليه، وإن كان له أن يرجع عنه على معنى هذه الرواية، ولا نص خلاف في ذلك، وإنما يدخل فيه الخلاف بالمعنى، إذ لا فرق في حقيقة القياس في ذلك بين الصحة والمرض. وإذا وهب ميراثه في مرض الموروث الذي مات منه لزمه، ولم

يكن له أن يرجع عنه، إلا أن يتصدق به، وهو بظنه يسيرا فينكشف له أنه كثير، فيحلف على ذلك، ولا يلزمه على ما قاله في رسم الأقضية والحبس من سماع أصبغ، ولا نص خلاف في ذلك، أن جوازه بين في الموطأ ويدخل في ذلك الخلاف على ما حكيته عن بعض أهل النظر، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: الجواز في الصحة والمرض، وعدم الجواز فيهما، والفرق بينهما. وقد مضى هذا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الشهادات. وأما إذا وهب ميراثه من أبيه بعد أن مات أبوه، فذلك جائز باتفاق، وإن كان لا يعرف قدره؛ لأن هبة المجهول جائز، قال في المدونة: وإن لم يدرك كنه مورثه إن كان سدسا أو ربعا أو خمسا. ومثله لأشهب في كتاب ابن المواز. وقال محمد بن عبد الحكم: تجوز هبة المجهول، وإن ظهر له أنها كثيرة بعد ذلك. وقول محمد بن عبد الحكم خلاف قول ابن القاسم في رسم الأقضية، والحبس من سماع أصبغ، إذ لا فرق في الصحيح من التأويل بين أن يهبه في مرض أبيه أو بعد موته، وقد قال بعض المتأخرين على معنى ما في المدونة: إنه إذا عرف قدر الميراث فالهبة جائزة، عرف نصيبه من ذلك أو جهله، وإذا جهل قدر الميراث فالهبة باطل، عرف نصيبه من ذلك أو جهله، وإذا جهل قدر الميراث، فالهبة باطل، عرف نصيبه من ذلك أو جهله، وهذا غير صحيح، لا فرق في حقيقة القياس، بين أن يجهل قدر المال أو قدر نصيبه منه، إذا جهله جملة ينبغي أن يجوز في الوجهين جميعا، إلا أن يكون ظن أن ذلك أقل مما انكشف في الوجهين، فيحلف على ذلك، ولا يلزمه على قول ابن القاسم، ويلزمه على قول محمد بن عبد الحكم. وأما إن شك فيها بين الجزأين، مثل أن يكون الزوج لا يدري إن كان يرث النصف أو الربع، فيكون للتفرقة بين ذلك وبين الذي يجعل قدر المال وجه، وهو أن الذي يشك فيما بين الجزأين، قد رضي بهبة أكثرهما، فوجب أن يلزمه، وبالله التوفيق.

: تصدق على ولده بناض دنانير أو دراهم

[: تصدق على ولده بناض دنانير أو دراهم] ومن كتاب أوله أول عبد استأذن سيده في تدبير جاريته قال: وسئل مالك: عن امرأة هلكت وتركت أباها وابنها وابنتها وزوجها وهو أبوهما، وتركت متاعا وحليا وصداقا، فأراد أن يتصدق أبوها على الصبيين، فقال لأبيهما: إن تصدقت بمصابك من امرأتك، فيما لها عليك من الصداق، وفي حليها وفي متاعها، وجميع ما تركت على ولدك منه، فمصابي منها في جميع ما تركت صدقة عليهما، فقال أبوهما: نعم، قد تصدقت بجميع مصابي منها عليهما وأشهد لهما بذلك، فمات الجد والأب، والصبيان طفلان، والمتاع والحلي وجميع ما تركت في أيد أبيهما، والصداق عليه كما هو. قال ابن القاسم: أما المتاع والحلي وما تركت هو الصداق الذي عليه، فهو لهما؛ لأن حوز أبيهما لهما حوز، وأما الصداق فليس لهما منه شيء، لا من مصابة جدهما، ولا من مصابة أبيهما؛ لأن الجد إنما تصدق عليهما، على أن يتصدق أبوهما عليهما، فإنه لم يتصدق أبوهما عليهما، فليس لهما من صدقة جدهما شيء؛ لأن أباهما لم يفرز لهما من صدقة الصداق، إذ لم يفرز لهما ذلك، ويجعله لهما على يد غيره؛ لأن الأب إذا تصدق على ولده بناض دنانير أو دراهم لم تجز صدقته إلا أن يجعل ذلك على يدي غيره، فإذا لم يجعل ما عليه من الصداق بيد غيره، فلم يتصدق عليهما منه بشيء، ولم يقدر لهما شيئا، فلا شيء لهما من الصداق، لا من مصابة أبيهما، ولا من مصابة جدهما. قال ابن القاسم: ولو كان الصداق الذي عليه عرض موصوف، لم يجز لهما منه أيضا شيء لو تصدق عليهما بعبد موصوف أو سلعة موصوفة،

ليست بعينها ثم مات قبل أن يحوزها لهما لم يجز لهما منه شيء، إذا كان الموصوف عليه نفسه، مثل أن يقول: قد تصدقت على ابني بعبد من صفته كذا وكذا، فلا يجوز. ولو كان لأبيه على رجل أجنبي عبد موصوف، فتصدق على ابنه، جازت صدقته، قبضها الأب أو لم يمض حتى مات. قلت: أرأيت إذا تصدق عليه بدنانير له على رجل فقبضها الأب قبل أن يموت، ثم مات وهي في يديه؟ فقال مالك: الصدقة له جائزة، وتؤخذ من ماله، إذ لأنها قد خرجت مرة حين كانت على الغريم. قلت: وكذلك لو تصدقت على ابن بمائة دينار، فوضعتها له على يدي رجل، ثم أراد الرجل سفرا لو مات فأخذتها منه ثم مات. وهي في يده أكانت له؟ قال: نعم، هي له تؤخذ له من مالها إذا حيزت له مرة واحدة، فقد حيزت، لا يبالي قبضها الأب بعد ذلك أم لم يقبضها وهي بمنزلة الدار، يتصدق بها على ولده، فيحوزها عنه السنتين أو الثلاثة، ثم يسكن بعد ذلك فيها بكراء أو غيره، ثم يموت، فالصدقة جائزة للذكر، وكل صدقة حيزت مرة فهي جائزة. قال محمد بن رشد: أما إذا تصدق على ولده بحظه الذي يجب له بالميراث من الصداق الذي عليه لزوجه، عينا كان أو عرضا، فلا اختلاف في أنه يجوز للابن إذا مات الأب وهو عليه كما هو، إذ لا يكون جائزا لابنه ما هو في ذمته، لو قال: أشهدكم أني قد وهبت لابني كذا وكذا دينارا أوجبتها له في ذمتي لم يجز ذلك، وكانت باطلا إذا مات وهي عليه قبل أن يحضرها. وأما قوله: إن ذلك لا يجوز للابن حتى يحوز ذلك ويجعله لهما على يد غيره؛ لأن الأب إذا تصدق على ولده بناض دنانير أو دراهم، لم تجز صدقته، إلا أن يجعل ذلك على

مسألة: الرجل يتصدق بعبد لابنه أو يهبه أو يعتقه أو يتزوج به ولا مال له

يدي غيره، فهو مثل ما تقدم من قوله في رسم طلق من سماع ابن القاسم، ومثل أحد قولي مالك فيه، ومثل قوله في أول رسم من السماع المذكور، خلاف قول مالك في الموطأ، وخلاف ما ذهب إليه أصحابنا المدنيون، من أنها جائزة للابن إذا عزلها وطبع عليها، وإن لم يضعها له على يدي غيره، وقد مضى بيان ذلك في الرسمين المذكورين من سماع ابن القاسم. ولا اختلاف فيما ذكره من أنه إذا تصدق على ابنه الصغير بالدين يكون له على رجل فقبضه، أو بالدنانير فوضعها على يد غيره، ثم قبضها منه عند سفره، أو من ورثته بعد موته، إنها جائزة للابن تؤخذ له من ماله بعد وفاته، كالدار إذا تصدق بها على من يحوز لنفسه، يحوزه إياها ثم رجع بعد مدة أقلها العام إلى سكناها. كذا قال في رسم أوصى بعد هذا: إن حد ذلك السنة وما أشبهها، فوقع في بعض الكتب أيضا في هذه الرواية: فيحوزها عنها السنتين أو السنة، وهو مثل ما في رسم أوصى، ولا يشترط في الدين الذي يتصدق به على ابنه ثم يقبضه أن يبقى على الذي هو عليه بعد الصدقة حولا كاملا؛ لأنه لم يزل محوزا عنه. وأما الدنانير التي كانت بيده فتصدق بها على ابنه، ووضعها له على يدي غيره ثم قبضها منه، فذلك عندي كالدار، إن قبضها منه باختياره لغير عذر من سفر أو موت قبل الحول، بطلت الحيازة، وكذلك الدار، لو رجع الأب إلى سكناها قبل الحول لعذر، مثل أن ينتقل الابن عن البلد قبل الحول، أو يكون غائبا حين تصدق عليه، فيضعها له على يدي غيره، فيموت أو يسافر قبل الحول. وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتصدق بعبد لابنه أو يهبه أو يعتقه أو يتزوج به ولا مال له] مسألة قال: وسألته عن الرجل يتصدق بعبد لابنه، أو يهبه أو يعتقه أو يتزوج به ولا مال له. قال مالك: أما الهبة والصدقة فلا تجوز، إن كان له مال، وأما العتق فإن كان له مال وكان في ولايته فالعتق جائز، وللولد قيمته في مال أبيه، فإن كان ولد قد

حاز نفسه، وبان منه، فلا يجوز عتقه، وأما التزويج فإنه جائز للمرأة، دخل بها أو لم يدخل، إن كان ولد يليه، وكذلك سمعنا مالكا يقول: ذلك جائز، ولم يقل دخل بها أو لم يدخل، ووجدناه في مسائل عبد الرحيم، فإن لم يكن الأب فقال حين أعتقه، لم يجز عتقه إلا أن يتطاول ذلك. قال محمد بن رشد: فرق ابن القاسم بين أن يعتق الرجل عبد ابنه الصغير، أو يتزوج أو يتصدق به، فقال: إن العتق ينفذ إن كان موسرا ويغرم القيمة لابنه، ويرد إن كان معدما إلا أن يطول الأمر فلا ترد القيمة، قال أصبغ: لاحتمال أن يكون حدث له في خلال ذلك يسر لم يعلم به. وأما إن علم أنه لم يزل عديما في ذلك الطول، فإنه يرد، وقال: إن الصدقة ترد، موسرا كان أو معدما، فإن تلفت الصدقة بيده المتصدق عليه بأمر من السماء، لم يلزمه شيء، وغرم الأب القيمة وإن فاتت بيده باستهلاك أو أكل، والأب عديم، لزمه غرم قيمتها، ولم يكن له على الأب رجوع، فإن كان عبدا فأعتقه مضى عتقه، وغرم الأب قيمته، إن كان له مال، فإن لم يكن له مال، رد عتقه، إلا أن يتطاول ذلك، بمنزلة إن أعتقه الأب، وإن كانت جارية فاتخذها المتصدق عليه أم ولده، لزمته إن لم يكن للأب مال، بمنزلة ما فوت باستهلاك أو أكل، هذا الذي يأتي في هذا على مذهب ابن القاسم في القسمة من المدونة. ولا أحفظ له فيه نصا. وقال مطرف وابن الماجشون: إن كان تصدق الأب بمال ولده، وهو موسر، أو معسر ثم أيسر، غرم القيمة، ومضت الصدقة للمتصدق عليه، فإن أعسر بعد ذلك ولم يوجد له مال، وكان المتصدق عليه نقد أفات الصدقة بعتق أو اتخاذ أو أكل أو استهلاك، غرم القيمة واتبع بها الأب، وإن كانت قد فاتت عنده بأمر من السماء، لم يكن عليه شيء، وإن كان الأب تصدق به وهو معسر فاتصل عدمه، وقد أفات المتصدق عليه الصدقة غرم قيمتها، ولم يكن له على الأب رجوع؛ لأنه فعل

ما لا يجوز. وقال في التزويج: إن المرأة أحق به، دخل بها أو لم يدخل، موسرا كان الأب أو معسرا، ويتبع الابن أباه بقيمته. قال في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب النكاح: يوم أخذه وأصدقه وامرأته تريد يوم تزوج عليه، لا يوم دفعه؛ لأنه بيع من البيوع، كذا قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب. فظاهره: وإن لم تقبضه المرأة. وروى أصبغ عن مالك وابن القاسم أن الابن أحق به من المرأة ما لم تقبضه المرأة، ما لم يطل في يديها بعد القبض، وأما إن قام بعد القبض، باليوم واليومين، والأمر القريب، فهو أحق به، ويكون كالاستحقاق، وتتبع المرأة الأب بقيمته، وسواء على ما ذهب ابن القاسم الذي نص عليه في هذه الرواية، دخل الأب بالمرأة أو لم يدخل بها، وفرق مطرف بين أن يدخل بها أو لا يدخل، ورواه عن مالك. وقال ابن الماجشون: الابن أحق، دخل الأب أو لم يدخل، قبضت الزوجة أو لم تقبض، طال الأمر أو لم يطل، وهذا الاختلاف إنما هو إذا كان الأب معسرا، وأما إن كان موسرا، فالزوجة أحق قولا واحدا. وحكم ما باعه الأب من مال ولده الصغير في مصلحة نفسه، أو حابى فيه - حكم ما وهبه أو تصدق، يفسخ في القيام، ويكون الحكم فيه في الفوات على ما ذكرته في الهبة والصدقة، غير أنه إذا عدم يرجع على الأب بالثمن، وأجاز أصبغ فعل الأب كله في مال ابنه من الهبة والصدقة والعتق والإصداق في القيام والفوات، في العسر واليسر، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك» فعلى ظاهر الحديث لا فرق بين الصغير والكبير، وهو قول أشهب في رواية ابن أبي جعفر عنه، سئل: عن الرجل يتزوج بمال ابنه أو يعتق أو يهب أو بيع؟ قال: إن كان موسرا يوم فَعَلَ فذلك جائز، وإن كان معسرا لم يجز، ورد وأخذ الابن ماله، كان الابن صغيرا أو كبيرا، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنت ومالك لأبيك»

: يتصدق بثلثي غنمه على ابنه

[: يتصدق بثلثي غنمه على ابنه] ومن كتاب العرية في الذي يتصدق بثلثي غنمه على ابنه. قال: ولا يسأل ابن القاسم، وسئل: عن رجل قال: غنمي ثلثاها لابني صدقة عليه، وثلثها صدقة في سبيل الله. فأقامت في يديه زمانا، ثم عدا عليها فباعها، ثم مات، وابنه صغير في حجره. قال: صدقة الابن ثابتة، يأخذها من ماله، وأما الثلث الذي سمي في سبيل له، فهو لا شيء، ولا شيء في ذلك من مال الميت؛ لأنه لم يخرجه حتى مات. وأما صدقة الابن فهي جائزة له؛ لأنه هو الحائز له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الحبس، فاكتفيت بذلك عن إعادته هاهنا وستأتي المسألة أيضا في أول رسم من سماع أصبغ بعد هذا من هذا الكتاب. [مسألة: تصدق على رجل بثمن حائطه سنة] المسألة وقال في رجل تصدق على رجل بثمن حائطه سنة، فيموت المتصدق عليه قبل السنة، هل يكون لورثته؟ أو يكون تصدق على رجلين فيموت أحدهما قبل أن تؤبر النخل، أو بعدما أبرت، هل ترى الموروثة شيئا؟ قال ابن القاسم: ذلك لورثتهما جائز للرجلين جميعا، الذي سألت عنه، وأما الذي لا يكون لورثتهما شيء إنما ذلك فهي إذا مات أحدهما قبل أن تطيب، وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: أما الثمرة المتصدق بها صدقة مبتولة، فلا اختلاف في أنها ثورت عن المتصدق، وإن مات قبل أن تؤبر الثمرة، أو قبل أن

مسألة: قال الغلام كله لفلان صدقة وليس له إلا نصفه

تطلع وأما الثمرة المحبسة على قوم بأعيانهم، فقد اختلف في الحد الذي تجب الثمرة لهم، وتورث عنهم على ثلاثة أقوال، قد ذكرناها وبينا ما يتعلق بمعناها بيانا شافيا في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس فغنينا بذلك عن إعادته. [مسألة: قال الغلام كله لفلان صدقة وليس له إلا نصفه] مسألة وسئل: عن الرجل تكون له الدار، وغلام بينه وبين رجل، فحضرته الوفاة، فقال: الغلام كله لفلان صدقة، وليس له إلا نصفه. وقال: الدار التي بيني وبين فلان على فلان صدقة كلها، ما ترى فيه؟ قال: أرى إن كان إنما تصدق بالدار أو بالعبد على شريكه منهما، وقال هذه المقالة التي ذكرت، فليس للشريك إلا حصة المتصدق، وإن كان تصدق بذلك على أجنبي، وقال هذه المقالة، كانت الدار كلها أو العبد كله له، إن رضي شريكه أن يسلم ذلك بقيمته، رجع ابن القاسم وقال: لا أرى للشريك ولا للأجنبي إلا نصيبه من ذلك، إلا أن يقول: اشتروا له نصيب صاحبي، وَبَيَّنَ. قال محمد بن رشد: وكذلك حكم الصدقة الباقية إذا لم يكن في وصيته، سواء تصدق بالعبد كله، أو الدار كلها على شريكه في ذلك، لم يكن له إلا نصيبه المتصدق، وإن تصدق بذلك على أجنبي فمرة رأى ابن القاسم أن للمتصدق عليه العبد كله، أو الدار كلها، ويلزمه لشريكه قيمة حظه من ذلك، إن رضي شريكه أن يسلمه إليه بقيمته، ومرة قال: إنه لا يلزمه الصدقة إلا بنصيبه من ذلك، إلا أن يقول: قد تصدقت عليه بجميعه إن رضي شريكي أن يأخذ مني في نصيبه قيمة وجه القول الأول أنه لما تصدق بجميعه لم يحمل على ظاهره من العداء بصدقة ما ليس دون عوض يدفعه

مسألة: تصدقت عليه بالمهر وهو عليه فقبل الصدقة

فيه، وحمله على أنه إن أراد، إن رضي شريكه بأخذ قيمة نصيبه منه. ووجه القول الثاني أنه حمل فعله على ظاهره من العداء بصدقة ما ليس له، كما لو تصدق رجل على رجل بعبد لا حظ له فيه، لم يلزمه أن يؤدي إلى صاحبه قيمته، وإن رضي بذلك، إلا أن يرضى هو بذلك. والقول الأول أظهر؛ لأن البر وإرادة الخير والثواب قد ظهر منه في الصدقة بنصيبه، فالأولى أن يحمل فعله كله على ذلك، ولا يحمل بعضه على التعدي، وأما نصيبه فلا اختلاف في أن الصدقة تلزمه فيه، إلا يكون له مع شريكه فيه شركة مع غيره مما يقسم معها قسما واحدا، ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تقسم، فإن صار ذلك للمتصدق في سهمه، كان ذلك للمتصدق عليه، وإن صار لشريكه له شيء، وهو قول ابن القاسم، على أن القسمة تمييز حق. والثاني: أنه لا يكون للمتصدق عليه إلا حصة المتصدق من ذلك، فإن صارت لشريكه، كان له من حق المتصدق من غيرها قدر ذلك، وهو قول ابن الماجشون، على قياس القول بأن القسمة بيع من البيوع. والثالث: أنه إن صار ذلك للمتصدق كان للمتصدق عليه، وإن صار لشريكه، كان له من حظ المتصدق، من خيرها قدر ذلك، وهو قول مطرف. واختلف إن كان العبد الذي تصدق بجميعه من مال قراض بيده فيه ربح، فقيل: إنه تلزمه الصدقة بما يصيبه منه، وقيل: إنه لا يلزمه ذلك إذ لا يتقرر له فيه حق إلا بعد نضوض رأس المال إلى صاحبه، لجواز أن يخسر فيما يستقبل، فيكون عليه أن يجيز رأس المال ما يجب له من ربح هذه السلعة، والقولان قائمان من كتاب القراض من المدونة. وبالله التوفيق. [مسألة: تصدقت عليه بالمهر وهو عليه فقبل الصدقة] مسألة وسئل: عن رجل سأل امرأته أن تتصدق عليه بمهرها، فتصدقت عليه به، وكان لها به كتاب، ثم إنه سخط فرد عليها الكتاب بعد ذلك بأيام، فقبلته بشهود، ثم توفى الرجل، فهل ترى

: وكل آخر في التصدق بمائة دينار فمات المتصدق قبل قبضها

لها شيئا؟ قال: لا شيء لها في ذلك الصداق، وهو بمنزلة ما تصدق عليها به من ماله فلم يقبضه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه؛ لأنه لما تصدقت عليه بالمهر وهو عليه، فقبل الصدقة منها بقبضه الكتاب، سقط عنه المهر، وصار رده الكتاب إليها ابتداء صدقة على غير عوض، فوجب أن يبطل إذا مات وهو عليه قبل أن يقبضه منه. وبالله التوفيق. [: وكل آخر في التصدق بمائة دينار فمات المتصدق قبل قبضها] ومن كتاب يوصي لمكاتبه قال: وسئل ابن القاسم: عن رجل تصدق على رجل بمائة دينار، وكتب إلى وكيل له ليدفعها إليه، فقدم على الوكيل بالكتاب، فدفع إليه الوكيل خمسين، وقال له: اذهب، سأدفع إليك الخمسين الباقية، اليوم أو غدا، فمات المتصدق قبل أن يقبض المتصدق عليه الخمسين الباقية من الوكيل، قال: لا شيء له منها إذا لم يقبضها حتى مات المتصدق بها، وليس أكثر من الخمسين التي قبض؛ لأن الوكيل بمنزلته. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن يد الوكيل كيد موكله، فلا فرق بين أن يعده بدفع بقية ما تصدق عليه هو أو الوكيل إذا مات قبل أن يدفع ذلك إليه. وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على الرجل بالأمة فلا يقبضها المتصدق عليه حتى تلد أولادا] مسألة قال: وسألته عن الرجل يتصدق على الرجل بالأمة فلا يقبضها المتصدق عليه حتى تلد أولادا، هل يأخذها هي وولدها؟ قال: نعم، يأخذها وولدها؛ قلت: فإن قتل بعض ولدها فأخذ السيد له

مسألة: الحج والغزو أيهما أحب

أرشا أو أصيبت هي بقطع يد أو رجل أو غير ذلك، فأخذ السيد بذلك أرشا، هل يأخذها ويأخذ أرش ولدها وجسدها؟ قال: نعم، يأخذها وأرش ولدها ويدها ورجلها وما أصيبت به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو بين لا اختلاف فيه؛ لأن الأمة قد وجبت له بالصدقة، وولدها الذي ولدته بعد الصدقة بمنزلتها، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل ذات رحم فولدها بمنزلتها» ، فلما يأخذها وولدها، فكذلك يأخذ قيمة ولدها إذا قتل، وأرش ما أصيبت به في جسدها إذا جني عليها، وإنما وقع السؤال على هذا القول، من يقول: إن الهبة والصدقة لا تلزم الواهب والمتصدق، وله أن يرجع عنها ما لم يدفعها، ولا يحكم عليه بها إلا بعد قبضها، وهو ما لا يقوله مالك ولا أحد من أصحابه عامة. وبالله التوفيق. [مسألة: الحج والغزو أيهما أحب] مسألة وسئل: عن الحج والغزو، أيهما أحب إليك؟ قال: الحج، إلا أن يكون خوف، قيل له: فالحج والصدقة؟ قال: الحج، إلا أن تكون سنة مجاعة، قيل له: فالصدقة والعتق؟ قال: الصدقة. قال محمد بن رشد: قوله: إن الحج أحب إليه من الغزو، إلا أن يكون خوفا - معناه: في حج التطوع لمن قد حج الفريضة. وإنما قال ذلك؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» ؛ لأن الجهاد وإن كان فيه أجر عظيم، إذا لم يكن خوف، قد لا يفي أجره فيه بما عليه من السيئات عند الموازية فلا يستوجب به

: تصدق على ولده وهم صغار

الجنة كالحج، وأما الغزو مع الخوف، فلا شك في أنه أفضل من الحج التطوع والله أعلم؛ لأن الغازي مع الخوف قد باع نفسه من الله عز وجل، فاستوجب له الجنة والبشرى من الله عز وجل بالفوز العظيم. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: 111] إلى قوله: {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72] وإنما قال: إن الحج أحب إليه من الصدقة، إلا أن تكون سنة مجاعة؛ لأنه إذا كانت سنة مجاعة، كانت عليه المواساة، فالصدقة واجبة، فإذا لم يواس الرجل في سنة المجاعة من ماله بالقدر الذي يجب عليه المواساة في الجملة، فقد أثم، وقدر ذلك لا يعلمه حقيقة بالتوفي من الإثم بالإكثار من الصدقة، أولى من التطوع بالحج الذي لا يأتم بتركه، وإنما قال: إن الصدقة أفضل من العتق، لما جاء في الحديث الصحيح من: «أن ميمونة بنت الحارث أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه، قالت: أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي، قال: "أَوَفَعَلْتِ؟ " قالت: نعم، قال: "أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك".» وهذا نص من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك، قَوَّتْهُ الاستدلالُ عليه بالظواهر، وبالله التوفيق. [: تصدق على ولده وهم صغار] ومن كتاب أوصى معه أن ينفق على أمهات أولاده قال: وسئل: عمن تصدق على ولده وهم صغار يليهم بدار، وأشهد لهم، وكان يكريها لهم، فلما بلغوا الحوز قبضوها وأكروها

مسألة: تصدق على ابنه بدار وعمل له فيها ومات وهي في يديه

منه، فمات فيها، فقال: لا أراها إلا جائزة، إذا كانوا قد قبضوها وحازوها وانقطعوا بالحيازة، وانتقل منها، قيل له: وكم حد ذلك؟ قال: السنة والسنتان. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم استأذن من أن رجوع المتصدق إلى سكنى الدار التي تصدق بها بعد أن حيزت عنه حيازة بينة، حدها العام، على ما نص عليه في هذه الرواية، لا تبطل الصدقة ومثله في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ من كتاب الرهون، خلاف الرهن، لا اختلاف في أن الرهن يبطل برجوعه إلى الرهن وإن طالت مدة حيازة المرتهن؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وفي هذه المسألة بيان واضح، إن الأب لو رجع إلى سكنى الدار وبنوه صغار، لبطلت الهبة، وإن كان قد أخلاها ورهنها وحازها لهم بالكراء المدة الطويلة، فتفتقر في هذا حيازة الأب للصغار. وقد نص على ذلك محمد بن المواز في كتابه. وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على ابنه بدار وعمل له فيها ومات وهي في يديه] مسألة وقال فيمن تصدق على ابنه بدار، وعمل له فيها، ومات وهي في يديه: إن الصدقة له باطل، قيل له: فإن أنفذها له الورثة، ثم أرادوا الرجوع فيها، قال: الناس في هذا مختلفون. أما أنا فأرى أن يحلفوا إن كانوا ممن يعرفون بالجهالة، إنهم إنما أنفذوها له وهم يرون أن ذلك عليهم قد لزمهم، ويرجون فيها فيأخذونها. قال محمد بن رشد: قوله: الناس في هذا مختلفون، في مثل

يريد: المخاصمين في مثل هذا وشبهه مختلفون، منهم من يجهل فيصدق إذا ادعى الجهالة، ومنهم من لا يجهل فلا يصدق إذا ادعى الجهالة. إذا كانوا ممن يعرف بالجهالة أن يحلفوا أنهم إنما أنفذوها، وهم يرون أن ذلك عليهم قد لزمهم، وهي يمين تهمة، فيختلف فيها، إلا أن تحقق عليهم الدعوى بأنهم إنما أنفذوها بعد أن علموا أن ذلك لا يلزمهم، فيجب عليهم اليمين قولا واحدا. ولسحنون في أول نوازله في نظير هذه المسألة أنهم لا يصدقون في دعوى الجهل، وقال: أنت تدفع إليه ماله، وتبيحه له بعدما قد حزته وملكته، ثم قمت الآن تدعي الجهالة، ما أرى لك فيما دفعت إليه حقا، فقال له السائل: أنا أقيم البينة أنه قد قال: إن هذه الصدقة، لا يجوز لك منها إلا الثلث. وقد سألت عن ذلك الفقهاء وأخبروني بذلك. فقال له: أما إن أقمت البينة على هذا، فأرى لك أن ترجع عليه بما أخذ منك، فلم يصدقه سحنون في دعوى الجهالة، ما أرى لك فيما دفعت، وهو إقامة البينة على ما زعم من أنهم غروه به، وقالوا له. ويأتي على قول أشهب في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب: في الذي يزوج ابنته على أنها بكر، فزعم الزوج أنه وجدها ثيبا لا عذرة لها - أنها تلزمه، ولا شيء له، إن الجاهل في مثل هذا لا يعذر بالجهل، حسبما بيناه هناك. ومثله قول سحنون في نوازله من كتاب العيوب في الذي يشتري العبد، فيقول للتاجر: هل فيه من عيب؟ فيقول: هو قائم العيبين، فيسأل عن القائم العيبين، فيقال له: هو الذي لا يبصر - إن البيع له لازم، وليس له أن يرده، ففي المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: إنه ليس له أن يرجع فيما أنفذ بحال، وإن علم أنه جهل، إذ لا عذر له في الجهل، وهو ظاهر قول ابن القاسم في آخر كتاب الوصايا من المدونة، في الابن الذي في عيال الرجل يأذن له في مرضه في الوصية بأكثر من ثلث ماله، ثم ينفذ ذلك بعد موته، إنه ليس له أن يرجع في ذلك، ظاهره: وإن كان

مسألة: الصفائح والحلي المكسور والنقر أفيه ثواب

جاهلا يظن أن إذنه له في ذلك في مرضه جائز عليه. والثاني: إن له أن يرجع في ذلك إن ادعى الجهل، وكان يشبه ما ادعاه مع يمينه على ذلك وهو قوله في هذه الرواية، وقيل بغير يمين على ما ذكرناه، من أن اليمين في ذلك تهمة. والثالث: إنه ليس له أن يرجع في ذلك، إلا أن يعلم أنه جهل، بدليل يقيمه على ذلك، وهو قول سحنون في نوازله من هذا الكتاب، وأخصر من هذا أن يقول: إن في المسألة قولين: أحدهما: إنه يعذر بالجهل، والثاني: إنه لا يعذر، فإذا قلنا: إنه يعذر به، ففي تصديقه فيه قولان، قيل: إنه يصدق، وقيل: إنه لا يصدق، فقيل: يمين، وقيل: بغير يمين. وبالله التوفيق. [مسألة: الصفائح والحلي المكسور والنقر أفيه ثواب] مسألة وسئل: عن الصفائح والحلي المكسور والنقر، أفيه ثواب؟ قال: ليس في ذلك كله ثواب. قال محمد بن رشد: أما الحلي والنقر فإنه بين أنه لا ثواب في ذلك، بمنزلة الدنانير والدراهم، فلا يصدق من وهب شيئا من ذلك، فإن كان فقيرا والموهوب له غنيا أراد بذلك الثواب له، إلا أن يشترطه. هذا قوله في المدونة؛ لأنه إنما وهب للثواب، ما يتحقق به الموهوب له، مثل الفرس الرائع، والعبد النبيل التاجر، والثوب الحسن، ويشبه ذلك مما يستحسن، فالحلي المصنوع على هذا فيه الثواب، وهو نص قوله في المدونة، وأما قوله في الصفائح: إنه لا ثواب فيها، فإن كان أراد به الصفائح المصنوعة من الحديد لتنعيل الدواب، فالمعنى في ذلك: أنها كثيرة الحديد، لا يتحف بها من أهديت إليه، ولو أهداها إليه في الغزو عند عدمها والحاجة إليها لوجب أن تكون فيها للثواب، فإن كان أراد بها صفائح الذهب، أي: سبائكه، فإنه لا ثواب فيها؛ لأن سبائك الذهب بمنزلة نقر الفضة، لا ثواب لمن زعم أنه أراد بذلك الثواب؛ لأنها بمنزلة الدنانير والدراهم. وبالله التوفيق.

: تصدقت على زوجها بالصداق فمنت عليه فكتب لها صداقا إلى موته أو حالا

[: تصدقت على زوجها بالصداق فمنت عليه فكتب لها صداقا إلى موته أو حالا] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك وسئل: عن امرأة تصدقت على زوجها بصداقها، فمنت عليه بعد ذلك، فقال: أنا أكتب لك صداقا فكتب لها صداقا إلى موته، أو حالا، قال: إن لم تقبض الذي كتب لها فلا شيء لها؛ لأنها عطية لم تقبض. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إنه إذا لم تقبض ذلك في حياته، فلا شيء لها؛ لأنه إن كتب لها ذلك إلى موته، فهي وصية لوارث، وإن كتبه لها حالا فهو كما قال عطية تقبض وقد مضى ذلك في آخر رسم العرية، فلا معنى لإعادته. [: الرجل يتصدق على امرأته بالمسكن وهو ساكن فيه] ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب إلى أجل قال ابن القاسم، في رجل تصدق على امرأته بالمسكن، والمرأة تتصدق على زوجها بالمسكن، وهما ساكنان فيه. قال: أما ما تصدقت المرأة على زوجها مسكنا كانت تسكنه، فيسكن بها فيه كما هو، فإن سكناه بما فيه حوز له؛ لأن السكنى عليه أن يسكنها، وأما ما تصدق هو به عليها، من مسكن فسكن هو وهي، فلا أرى حوزها حوزا حتى تخرج منه، وتحوزها بما تحاز به الصدقات؛ لأنه كانت السكنى عليه، فلم يحزه بشيء يعرف، وأما الخادم يتصدق بها عليه، أو يتصدق هو بها عليها، فإنه إن كان كل واحد منهما يستخدمها ويرسلها في حوائجه، فإن ذلك حوز لكل واحد منهما، وإن انتفع به الذي تصدق به، وذلك أني سألت مالكا عن الرجل

يتصدق عن المرأة بالخادم فيخدمها وتخدمه، هل تراه حِوَازًا؟ قال: نعم، والخدمة عند مالك إنما تكون على الزوج إذا لم يكن للمرأة خادم دخلت بها من صداقها، وقاله أصبغ كله، وكذلك الأمتعة، والوطء وفرش البيت وآنية المنزل، في ذلك كله، أي ذلك تصدق به عليها فهو حوز، وإن أقروه في المنزل معها وكانا يتواطيانه جميعا وينتفعان، إذا أعلن الصدقة بشهادة وبتل وأشهد لها وبالتخلي. قال محمد بن رشد: أما المسكن الذي يسكنان فيه، فالفرق بين أن تكون هي الواهبة له، أو هو لها - بَيِّنٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَحْفَظُهُ؛ لأن السكنى عليه، فالأشياء سكن معها في ذلك المسكن، وإن شاء أخرجها منه إلى غيره. وأما الخادم فقد اختلف في حيازة كل واحد منهما إياها إذا وهبها له صاحبه، وبقيت على حالها يخدمهما جميعا؛ حسبما مضى تحصيله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته، ومضت أيضا في رسم الوصايا الذي فيه الحج والزكاة من سماع أشهب وحكم الوطء والثياب وحكم الخادم في مذهب ابن القاسم على ما قاله أصبغ، لا يرهن حيازة المرأة له انتفاع زوجها الواهب له به إذ لا يقدر على الانكفاف من ذلك. وقوله: إنه يكتفي بالإشهاد على صفة من الإشهاد على عينة - صحيح؛ لأنه إذا وجد بيدها على الصفة الموصوفة في كتاب الصدقة والهبة حمل على أنه هو، فإن ادعى الورثة عليها أنه أَنَّ المتصدق به عليها غيره، وقد غيبته، كان القول قولها مع يمينها، وبالله التوفيق.

: تصدق الرجل بصدقة على ألا يبيع ولا يهب

[: تصدق الرجل بصدقة على ألا يبيع ولا يهب] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار قال: وقال مالك: إذا تصدق الرجل بصدقة أو وهب له الهبة، على ألا يبيع ولا يهب. قال: لا يجوز هذا، ويقال للمتصدق: إما أن يغتلها وإلا فخذ صدقتك، قال مالك: إلا أن يكون صغيرا أو سفيها، فيشترط عليه ذلك، إلا أن يحسن حال السفيه، ويكبر الصغير، فيكون لهما بتلا، فذلك جائز. قال عيسى: أكره أن تقع الصدقة على هذا، فإن وقع مضى، ولم يرد وكان على شرطه. قال سحنون: إذا تصدق عليه بصدقة أو وهب له هبة، على ألا يبيع ولا يهب، فهي له حبس. قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها خمسة أقوال: أحدها: إن الهبة والصدقة لا تجوز، إلا أن يشاء الواهب أو المتصدق أن يبطل الشرط ويمضي الصدقة أو الهبة، فإن مات الواهب أو الموهوب له أو المتصدق، أو المتصدق عليه، بطلت الصدقة أو الهبة، وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية. ومثله قول ابن القاسم في رواية سحنون هذا من هذا الكتاب في الذي يتصدق على الرجل بالشيء، على أنه إن باعه فهو أحق به، يريد: بالثمن وبغير الثمن، قال: ليست هذه بشيء، ومثله أيضا قول ابن القاسم في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ بعد هذا في الذي يتصدق على رجل بعبد له، ويشترط عليه أن له منه خدمة يومين من كل جمعة، إنها ليست بصدقة إن مات المتصدق، خلاف قول أصبغ فيه من رأيه، فالهبة على هذا القول على الرد، ما لم يجزها الواهب ويمضيه بترك الشرط، فإن استرد هبته من يد الموهوب له، وكان قد سقى وعالج، رجع عليه بما سمى وعالج، قياسا على ما قاله في المدونة في مسألة الفرس. والقول الثاني: إن الواهب مخير بين أن يسترد

هبته، أو ترك شرطه وورثته بعده، ما لم ينقض أمده بموت الموهوب له، فيكون ميراثا عنه، وهذا القول يأتي على ما في المدونة من قوله في مسألة الفرس وإن فات الأجل، لم أر أن يرد، وكان للذي بتل له بعد السنة بغير قيمة على تأويل من رأى أن الفرس ملكا لا حبسا عليه فالهبة والصدقة على هذا القول على الإجازة ما لم يردها الواهب أو ورثته بعده قبل فواتها كانقضاء أمد الشرط، وهو موت الموهوب له؛ لأنه حجر عليه الهبة والبيع طول حياته، وهو قول أصبغ من روايته في رسم الكراء والأقضية من سماعه بعد هذا. والقول الثالث: إن الشرط باطل، والهبة جائزة، وهذا القول يأتي على ما في المدونة من أن الرجل إذا حبس الدار على رجل وولده، وشرط أن ما احتاجت الدار إليه من مرمة رمها المحبس عليهم أن الدار تكون حبسا على ما جعلها عليه، ولا يلزمهم ما شرط عليهم من مرمتها وتكون رمتها من غلتها، وقد قال محمد بن المواز: إنما ذلك إذا حيز المحبس، ومات بموت المحبس، وأما قبل ذلك فترد، إلا أن يسقط الذي حبسها شرطه، وتأويله بعبد في اللفظ غير صحيح في المعنى؛ لأنه إذا جعل للمحبس حقا في شرطه، وجب أن ينزل ورثته منزلته فيه. وعلى قول غير ابن القاسم في المدونة في مسألة الفرس: إن شرطه ليس مما يبطل عطية له، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه في سماع سحنون. والقول الرابع: إن الشرط عامل، والهبة ماضية لازمة، فتكون الصدقة بيد المتصدق عليه، بمنزلة الحبس، لا يبيع ولا يهب حتى يموت، وإذا مات ورث عنه على سبيل الميراث، وهو قول عيسى بن دينار في هذه الرواية، وقول مطرف في الواضحة. وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب؛ لأن الرجل له أن يفعل في ماله ما شاء، إن شاء بتله للموهوب له والمتصدق عليه من الآن، وإن شاء أعطاه المنافع خاصة طول حياته، وجعل المرجع بعد موته ليقضي من دينه ويرثه عنه ورثته بما له في ذلك من الغرض أن يستديم الانتفاع بما وهبه، وبدا إثر هبته عليه. والقول الخامس: قال سحنون: إن ذلك يكون حبسا على الموهوب له أو المتصدق عليه بما شرط عليه من ألا

مسألة: تصدقت على زوجها بمهرها أو بشيء من مالها ثم طلبت المثوبة

يبيع ولا يهب، فإذا مات المتصدق عليه على هذا القول، رجع إلى المتصدق إلى ورثته إن كان قد مات، أو إلى أقرب الناس بالمحبس، على اختلاف قول مالك في المدونة فيمن حبس على معين، وقول سحنون في هذه المسألة معارض لقوله في نوازله في الذي يتصدق على رجل بعبد على ألا يبيعه ولا يهبه سنة، وهذه الأقوال كلها تدخل في مسألة سماع سحنون، في الذي يتصدق على الرجل بالشيء على أنه أحق به إن باعه بثمن أو بغير ثمن إلا قول سحنون، وسيأتي في رسم الجواب بعد هذا من هذا المعنى مسألة الذي يهب الجارية للرجل على أن يتخذها أم ولد، ونتكلم عليها إذا مررنا بها إن شاء الله. [مسألة: تصدقت على زوجها بمهرها أو بشيء من مالها ثم طلبت المثوبة] مسألة قال ابن القاسم: إذا تصدقت المرأة على زوجها بمهرها أو بشيء من مالها، ثم طلبت المثوبة، وقالت: إنما تصدقت عليك للثواب، وأنكر الزوج، قال: يحلف الزوج بالله ما اشترطت عليه مثوبة ولا قبلت على الثواب، ويكون القول قوله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة لا إشكال فيها؛ لأن الثواب إنما يكون في الهبات، لا في الصدقات، إلا بشرط، فإذا ادعت عليه شرط المثوبة حلف على تكذيب دعواها على ما قال في الرواية ولو وهبته مهرها أو شيئا من مالهما، وقالت: أردت بذلك الثواب، لم يكن لها في الصداق ثواب باتفاق؛ لأن الثواب لا يكون في الدنانير والدراهم وكذلك إن كان المهر عرضا أو أصلا لم يكن لها في هبته ثواب، إن ادعت أنها أرادت بذلك الثواب؛ لأن أصله من نقله نحلة من الله فرضها الله فإذا تركته لم يكن لها فيه مثوبة؛ لقول الله عز وجل: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] ،

مسألة: الرجل يتصدق على ابنه بأم ولده

وأما إن وهبته شيئا من مالها سوى المهر، فادعت أنها أرادت بذلك للثواب، فاختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: إنها لا تصدق، إلا أن يظهر من صورة الحال ما يدل على صدقها، وهذا نص قوله في المدونة. والثاني: إنها لا تصدق ولا يكون لها الثواب، إلا أن تشترطه، ووجه هذا أن هبة كل واحد من الزوجين لصاحبه محمولة على أنه إنما وهبته ليتأكد ما بينهما من المودة والمحبة. والقول الثالث: إنها تصدق وإن لم يظهر ما يدل على صدقها كالأجنبيين. حكى هذا القول عبد الوهاب في المقدمات. وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يتصدق على ابنه بأم ولده] مسألة وسئل: عن الرجل يتصدق على ابنه بأم ولده، لا تكون تلك الصدقات شيئا ولا تكون بذلك حرة؛ لأنها قد ثبت لها ولاء لا يزول، فلا يحرمها ذلك على أبيها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن أم الولد لا تباع ولا توهب، إذ ليس لسيدها فيها سوى الاستمتاع بالوطء، طول حياته، ولو تزوج أمة فولدت منه ثم اشتراها فوهبها لابنه بعد أن أعتق لعتقت عليه بالملك. [مسألة: تضع عن زوجها مهرها على أن يحجها] مسألة وسئل ابن القاسم: عن رجل سأل امرأته أن تضع عنه مهرها، فقالت له: إن حملتي إلى أهلي فهو عليك صدقة، فتصدقت به عليه على أن يحملها إلى أختها وكانت مريضة، ثم بدا له أن يحملها بعدما وضعت عليه الصداق، فخرجت هي من غير إذنه، فصارت إلى أختها، هل ترى الصداق له؟ قال: إن كانت خرجت مبادرة إليها لتقطع بذلك ما جعلت لزوجها فلا شيء عليه، وإن كان بدا له في حملها وأبى أن يسير بها وعلم ذلك، رجعت عليه بما وضعت عنه.

مسألة: أعمر رجلا دارا وجعلها لولده من بعده هل يجوز له أن يشتريها

قال محمد بن رشد: وقعت في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب أسلم مسألة معارضة لهذه في الظاهر، كان الشيوخ يحملونها على الخلاف لها، وهي قوله في المرأة تضع عن زوجها مهرها على أن يحجها: إن هذا حرام لا يحل؛ لأنه الدين بالدين. وقاله أصبغ، والصواب: أنها ليست بخلاف لها، إذ لا يصح أن يختلف في الذي وضعته عن زوجها صداقها على أن يحجها من ماله، إذن ذلك لا يجوز؛ لأنه الدين بالدين، وكذلك هذه المسألة، إن كانت تصدقت عليه بمهرها إلى أن يحملها إلى أختها من ماله اشتراء أو كراء، فيقول: إن المعنى في هذه المسألة إنه إذا وضعت عنه الصداق، على أن يخرج معها، ولا تمضي مفردة دونه، لا على أن يحملها من ماله وينفق عليها في شيء من سفرها سوى النفقة التي تجب عليه لها في مقامها، فإذا حملت المسألة على هذا، صحت وكانت موافقة للأصول، ولعلها لم يكن لها ذو محرم، يخرج معها، فكانت إنما بدلت الصداق له، على رفع الخرج عنها لخروجه معها، لا على أن ينفق عليها في ذلك. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة بغير محرم إلا مع ذي محرم منها» ، وقد مضى في سماع عيسى من كتاب الحج القول في وضعها الصداق عنه على أن يأذن لها في الخروج إلى الحج. وبالله التوفيق. [مسألة: أعمر رجلا دارا وجعلها لولده من بعده هل يجوز له أن يشتريها] مسألة وسئل: عمن أعمر رجلا دارا وجعلها لولده من بعده، هل يجوز له أن يشتريها من المعمر، وهي لولده من بعده؟ وهل يجوز له أن يشتري العمرى من ربها حتى يكون له أصلها كما يجوز للمعمر؟

: تصدقت بصدقة عبد أو وليدة في حياتها وصحتها ثم ذهب عقلها

قال ابن القاسم: أما إذا جعلت لولده من بعده، فلا يجوز لصاحبها أن يشتريها؛ لأن الأب ليس يبيع لقوم بأعيانهم، ولا يعرف عددهم، وأما المعمر فهو يجوز له أن يشتريها من صاحبها حتى يكون له أصلها إذا لم يكن لولده من بعده. قال محمد بن رشد: أما إذا جعلها لولده من بعده، فلا يجوز للمعمر شراء الخدمة من المعمر؛ لأنه لا يملك بذلك الأصل، ولا للعمر شراء المرجع من المعمر، إذ لا يرجع إليه، وأما إذا لم يكن لولده من بعده، فيجوز للمعمر شراء الخدمة من المعمر باتفاق، ويجوز للمعمر شراء المرجع من المعمر على اختلاف. وقد مضى بيان ذلك مستوفى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، ومضى ذكر الاختلاف في شراء المعمر المرجع في رسم البيوع الأول، من سماع أشهب منه، وثاني المسألة مكررة في سماع أصبغ في هذا الكتاب. والله الموفق. [: تصدقت بصدقة عبد أو وليدة في حياتها وصحتها ثم ذهب عقلها] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار قال: وسئل: عبد الرحمن بن القاسم عن امرأة تصدقت بصدقة عبد أو وليدة، أو دنانير في حياتها وصحتها، ثم ذهب عقلها من قبل أن تقبض الصدقة منها، هل يكون ذهاب عقلها مثل الموت؟ أم يأخذ المتصدق عليه صدقته؟ قال: لا أرى لأهل الصدقة فيها حقا، وذهاب العقل حتى يحاز عنها مالها بمنزلة الموت، فلا حق لهم فيها. قال محمد بن رشد: ذهاب العقل كالعرض، فإذا مرض المتصدق أو

ذهب عقله قبل أن تحاز الصدقة عنه بطلت، يريد: إلا أن يرجع إليه عقله أو يصح من مرضه قبل أن يموت فتنفذ الصدقة. وتؤخذ منه، فإن لم يرجع إليه عقله، ولا صح من مرضه حتى مات، بطلت الصدقة، وإن حوزه إياها في مرضه، وهو قول ابن القاسم في رسم القضاء المحض، من سماع أصبغ بعد هذا. قال: وكل من تصدق بصدقة على من بلغ الحوز، فلم يحز لنفسه، حتى مرض المتصدق، فأجازه في مرضه، فلا صدقة له وهو بمنزلة من أوصى لوارث حين منعه في صحته، وأسلمه في مرضه، فلا يجوز ذلك له، وقال: ذلك يمنع، إلا أنه لا يحاص بها أهل الوصايا، كما يحاص بوصية الوارث، ولكنها تطرح من رأس المال كشيء لم يكن، وتكون الوصايا في ثلث ما بعدها، وترجع ميراثا كالإقرار بدين لوارث في المرض لما فيه من التوليج للتهمة. وقوله: إلا أنه لا يحاص بها الورثة ... إلى آخر الكلام - هو من قول ابن القاسم متصل به، فلا يجوز ذلك، وأدخل العتبي قول أصبغ في أثناء كلامه. وكان حقه أن يكون بعد تمام كلام ابن القاسم في المسألة، وإنما قال: إن الصدقة تبطل، وإن حوزه إياها في المرض، ولم يجعل تحويزه إياها كابتداع صدقة في المرض، فتكون في الثلث؛ لأنه لم يتبدئها في مرضه، وإنما ذهب إلى إمضاء ما فعله في الصحة، فوجب أن بطل. وقوله: إنه لا يحاص بها أهل الوصايا كما يحاص بوصية الوارث - صحيح؛ لأنه إذا أوصى لوارث، فقد أراد إدخاله على الموصى لهم، وهذا لم يرد إدخال صاحب الصدقة عليهم، وإنما أراد إخراجها من رأس ماله بعد موته. وأما قوله: إنها تطرح من رأس ماله كشيء لم يكن، وتكون الوصايا في ثلث ما بعدها، فهو خلاف قوله في رسم أمهات الأولاد من سماع عيسى من كتاب الوصايا: إن الوصايات دخل في ذلك، مثل ما في الموصلي لمالك رواية يحيى، ومثل ما روى ابن وهب عنه من رواية الحارث: إن الوصايا لا تدخل في ذلك. وجه رواية أصبغ وقول مالك في الموطأ وفي رواية ابن وهب عنه: أن الوصايا لا تدخل فيه - هو أن الميت أراد إنفاذ الصدقة من رأس ماله، وإنما ردت بالحكم لما

: تصدق بذكر حق له على رجل ودفع إليه الذكر الحق وأشهد له

أغفل عن تحويزها حتى مات، فوجب ألا تدخل فيه الوصايا. ووجه رواية عيسى في كتاب الوصايا: أن الوصايا لا تدخل في ذلك - هو أن المتصدق في صحته، لما لم يجز الصدقة حتى مات، دل ذلك من فعله على أنه ذهب إلى إبطالها، فوجب أن تدخل فيه الوصايا. وبالله التوفيق. [: تصدق بذكر حق له على رجل ودفع إليه الذكر الحق وأشهد له] ومن كتاب العشور قال ابن القاسم، في رجل تصدق بذكر حق له على رجل ودفع إليه الذكر الحق، وأشهد له، ثم خالفه إلى الغريم، فقبض منه ما عليه؟ قال ابن القاسم: إن كان الذي عليه الحق قد علم أنه تصدق به على المتصدق عليه، ودفعه إليه، فعليه غرمه للمتصدق عليه، ولا يرجع المتصدق عليه على المتصدق بأخذه منه. قال محمد بن رشد: قوله: إن الذي عليه الحق إن كان قد علم أنه تصدق به على المتصدق عليه، ودفع إليه، فعليه غرمه للمتصدق عليه - صحيح بَيِّنٌ، لا إشكال فيه؛ لأن صاحب الحق لما تصدق به على المتصدق عليه، قد دفع كتاب الحق، فقد وجب الحق له؛ لأن قبضه لذكر الحق الذي وهب إياه حيازة صحيحة، علم الذي عليه الحق بذلك أو لم يعلم، فإذا دفعه إليه بعد علمه بأنه قد تصدق به ولم يقبض كتاب ذكر الحق، فدفع الذي عليه الحق، الحق إلى المتصدق عليه بعد علمه بالصدقة لوجب عليه غرمها للمتصدق عليه؛ لأنه يصير بقبول الصدقة عليه قابضا له ما عليه، فوجب أن يغرم ذلك له، إن دفعه إلى المتصدق بعد علمه بالصدقة، ولو لم يعلم منه قبول الصدقة، ولم يقبض، لما كان الذي عليه الحق قابضا له إذا كان حاضرا، ولا وجب عليه أن يغرم له إن دفع ذلك إلى المتصدق، وإنما يكون قابضا له، وإن لم يقبل، ويلزمه عشرته إن دفعه إلى المتصدق بعد علمه بالصدقة إذا كان

: الرجل يتصدق على الرجل ببيت في داره ولم يسم له مخرجا ولا مدخلا

المتصدق عليه غائبا والصدقة بالدين، بخلاف الصدقة بالوديعة في الحيازة، إذ قد قيل: إن المودع يكون حائزا له على علم أو لم يعلم، وهو مذهبه في المدونة، وقيل: لا يكون حائزا له إلا أن يعلم وهو قول ابن القاسم في نوازل سحنون من هذا الكتاب وفي سماعه من كتاب الوديعة عليه، وجب عليه أن ... ويرجع به على المتصدق الذي دفعه إليه، وكذلك لو كان المتصدق عليه قد قبل الصدقة، وقيل: إنه لا يكون جائزا له، إلا أن يعلم ويرضى بالحيازة له، حسبما مضى القول فيه في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، من كتاب الرهون، وفي سماع سحنون، من كتاب الوديعة، ولا خلاف في أن الذي عليه الدين حائز لما تصدق به عليه، وإن لم يعلم، إن كان المتصدق عليه غائبا أو حاضرا، فقبل. وبالله التوفيق. [: الرجل يتصدق على الرجل ببيت في داره ولم يسم له مخرجا ولا مدخلا] ومن كتاب شهد على شهادة ميت قال: وسألت ابن القاسم، عن الرجل يتصدق على الرجل ببيت في داره، ولم يسم له مخرجا ولا مدخلا ولا مرفقا، ثم أراد المتصدق أن لا يمير في داره، وأن يفتح باب بيته الذي تصدق به عليه حيث شاء، فقال: لا يمنع من الممر في بيته إلى دار المتصدق، ولا شيء من مرافقه، لا شرب في بئر، ولا مخرج كنيف، سمى له عند الصدقة شيئا أو لم يسمه. قال محمد بن رشد: اختلف إذا وقعت الصدقة ببيت من الدار، دون بيان في مرافق الدار، من المدخل والمخرج والاستسقاء من البئر والاختلاف إلى الكنيف وما أشبه ذلك، هل يكون للمتصدق عليه بالبيت من مرافق الدار

مسألة: تصدق على ابن له صغير واشترط أقساطا لمسجد كل عام

بقدر البيت منها، أم لا؟ فقيل: إنه يكون له منها بقدر البيت من الدار، إلا أن يستثني ذلك المتصدق لنفسه في صدقته، وهو قول ابن القاسم في هذا الرواية، على قياس قول مالك في أول رسم من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع، في البيع المبهم، وقيل: إنه ليس له من ذلك شيء، إلا ببيان من المتصدق في صدقته، ويفتح المتصدق عليه لبيته بابا حيث شاء، ولا يدخل عليه على دار المتصدق، ولا يكون له شيء من مرافقه، إلا أن لا يكون له حيث يفتح بابا، فيكون له المدخل إليه على دار المتصدق، وسائر مرافقه، وهو دليل قول أشهب في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع. واختلف إذا وقعت الصدقة مبهمة دون بيان، على القول بأنه يكون للمتصدق عليه من المرافق بقدر صدقته، إلا أن يستثني من ذلك المتصدق لنفسه، وهو قوله في هذه الرواية، إن ادعى أنه إنما أراد يتصدق عليه بالبيت دون المرافق، فقيل: إنه لا يصدق في ذلك، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية ومعنى ذلك، إذا لم يكن له دليل من يشاهد الحال، مثل أن يتصدق عليه ببيت من داره، يلاصق داره، فيعلم أنه إنما تصدق عليه بالبيت، على أن يصرفه إلى داره. وقيل: إنه يصدق في ذلك مع يمينه، إلا أن يكون له انتفاع بالبيت إلا بالدخول إليه على دار المتصدق. وهذا يأتي على ما وقع في رسم الكراء والأقضية من سماع صبغ بعد هذا من هذا الكتاب لمالك ولأصبغ من قوله، مبينا لروايته عن ابن القاسم في الذي يتصدق على رجل بناحية من أرضه سماها في غير تلك الناحية الذي تصدق بها من أرضه. وسيأتي القول على ذلك هناك إن شاء الله. [مسألة: تصدق على ابن له صغير واشترط أقساطا لمسجد كل عام] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن رجل تصدق على ابن له صغير لم يبلغ الحوز، برقيق ودور وقرى وما فيها من زيتون أو فاكهة أو نوع من أنواع الشجر، وهو صحيح سَوِيٌّ وعمل في جميع الزيتون أن

يخرج منه أقساطا مسماة لمسجد له في كل عام، وما بقي فهو صدقة على ابنه ذلك، وكان قد تصدق عليه بداره كلها، الداخلة والخارجة وما فيها من المساكين، إلا أنه جعل لابنة له صغيرة السكنى مع ابنه المتصدق عليه فيها ما لم تنكح، فإذا أنكحت فلا سكنى لها معه، وجعل لأمهات ولده ومواليه من الرجال والنساء الساكنين فيها أن يسكنوا مع ابنه ذلك حياته، فإن تزوج من العوليات أحد فلا سكنى لمن تزوج منهن فيها بعد تزويجها، وتصدق عليه أيضا بقرية فيها أرحى وأرض وزيتون وغير ذلك من الشجر، وجعل لمواليه الساكنين فيها ما كان تحت أيديهم من الأرض والشجر والمساكن، يرتفقون فيها ما قاموا لابنه ذلك المتصدق عليه بمرمة أرحيته، وعلاج سدها ومرمتها، وجلب ما يحتاج إليه من المطاحين، وغير ذلك من مرة الأرحى. فإن ترك الموالي ذلك فلا سكنى لهم في القرية، ولا مرفق لهم فيها، وما كان تحت أيديهم منها هو صدقة على ابنه ذلك، وكان تصدق عليه بهذه الصدقة صحيحا مسلما صدقة بَتًّا لله وعلى أن على ابنه في الزيتون الذي تصدق بها عليه خمسة أقساط من زيت، وهي عشرون ربعا في كل عام للمسجد الذي بنى لله عز وجل وجعل الأقساط المسماة للمسجد حراما محرما عليه وعلى الوارث بعده، حبس ذلك حبسا ذلك على مسجد في كل عام أو كان كل ما تصدق به على هذا الغلام في يدي أبيه حتى توفي وكان الغلام يوم توفي أبوه صغيرا لم يبلغ الحلم. قال ابن القاسم: من تصدق على ابن له صغير لم يبلغ الحلم، بما ذكرت من العقار والأرضين والزيتون والفاكهة والرقيق والأرحى والدور، واشترط في جميع

الزيتون أقساطا معدودة لمسجد في كل عام، من زيت، فإن ذلك كله جائز لابنه، ما دام صغيرا إذا هلك الأب على تلك الحال، وإن كان أبوه يلي تلك الصدقات، وكانت في يديه إلى أن مات؛ لأن الأب يحوز على ابنه الصغير حتى يبلغ الحلم. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يتصدق على ابنه الصغير في حجره بالعبد، وهو مع ابنه في بيت واحد، فيكون العبد يخدم الأب، ويخدم الغلام، أتراها صدقة جائزة؟ قال: نعم، أراها صدقة جائزة ثابتة للغلام، وإن استخدمه الأب حتى مات. قال مالك: أراها صدقة ثابتة للابن، إذا كان في حجره يليه. قال ابن القاسم: فالعقار والشجر أبين من العبد. قال ابن القاسم: وإن كان مما تصدق به على الغلام حوانيت لها كراء، ومساكين أو حمام أو أشياء لها كذا وغلات ولم يعلم كان يكريها للابن باسمه، أم لا وجهل ذلك من أمرها، ولم يكن أشهد على ذلك أحدا، فإنها للابن جائزة، إذا كان الأب لا يسكنها كلها أو جلها، فإن سكن الشيء اليسير منها التافه، فإن ذلك كله للابن، ما سكن منها وما لم يسكن. قال ابن القاسم: سألت مالكا عن الرجل يتصدق على ابنه بالعبد والجارية، فيقيم العبد في يد الأب ما شاء الله، ثم يبيعه بذهب، ويشهد الأب عليه أنه قبله لابنه، ويتسلفها، أتراها للابن؟ قال: نعم إذا صح ذلك، والذي يتصدق بالقرى والأرضين والشجر، وأرحى والدور، أثبت عندي في الحوز مما وصفت لك في الرقيق، والأب يحوز لابنه الصغير، إلا أنه يعلم أن صدقته لم تخرج من يديه، مثل أن يتصدق عليه بالدار التي لا فضل في سكناها، فيسكنها كلها حتى يموت، وهو فيها، فلا يجوز هذا وما أشبهه، ولو كانت الدارات منازل فسكن في بعضها جازت كلها. قال: سألت مالكا عن الرجل يتصدق على ابنه

وأخبرني أن عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، صاحبي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حبسا دارا لهما، وكان يسكنان فيها حتى ماتا وكان الذي سكنا منها، ليس جلها، فمحازاها سكنا من الدار، وما لم يسكنا للابن منها، على ما قال ابن القاسم. قال مالك: وذلك رأيي. قال ابن القاسم: قال مالك: ولو أن رجلا حبس أو تصدق بدور لها عدد، وسكن دارا منها كلها، لم تكن تلك الدار التي سكن جل الدور، وهي تبع لما تصدق به، جاز ما سكن من ذلك وما لم يسكن، إذا كان تصدق على ابن له صغير يليه، أو كبير فحاز ما لم يسكن فيه، فهذا دليل على هذا أنها جائزة. قال ابن القاسم: وأما ما استثنى من أقساط الزيت من الزيتون، فإن ذلك لا يفسد صدقته، وهي شيء تافه في صدقته، والذي يسكن المنزل من داره أشد من هذه الأقساط اليسيرة. قال: وقد قال مالك في غير مسألة، في الرجل يحبس نخله أو دوره على قوم بأعيانهم، ويشترط من النخل كيلا مسمى لقوم يسميها بأعيانهم غير الذين حبس عليهم، فإذا انقرضوا فترجعها إلى الذين حبس عليهم، أو من غلة الدور، الدنانير فمسمى عددها في الشيء يجريه على مثل المسجد والفقراء، أو الرجل بعينه: إن ذلك جائز، إذا حازه الذي حبس عليه، أو كان صغيرا يليه الذي حبس عليه، وكان ينفذ ذلك في وجهه، جاز ذلك كله، وهذا مما لا اختلاف فيه. قال ابن القاسم: وأما الدور والأرحى التي جعل لمواليه، واشترط عليهم القيام بأمر الأرحى لولده، فذلك جائز، إنما أعطاهم شيئا من منزل قد عرفوه وعرف وجه العمل فيه، فذلك جائز لا خطر فيه ولا غرر، وهو مما قَوَّى صدقة الابن، وحيازة الموالي مع حيازة الأب له حيازة، فإن ذلك قد ثبت له في رأيي فيما سمعت من مالك.

قال محمد بن رشد: هذه مسألة أبي عثمان من أهل قرطبة، كتب بها محمد بن بشير القاضي، إلى ابن القاسم يسأله عنها، والسؤال عنها في ثلاثة مواضع: أحدها: اشتراطه في صدقته على ابنه الصغير بداره أن يسكن معه ابنته الصغيرة حتى تنكح، وأمهات أولاده، ومواليه من الرجال والنساء، الساكنين فيها أن يسكنوا مع ابنه ذلك، فيها حياتهم، فإن تزوج من الموليات أحد، فلا سكنى لمن تزوج منهن بعد تزويجها، فأجاز ذلك، ولم يره مما تضعف به الحيازة في الدار، إذ لم يسكنها هو بنفسه، وإن سكنها أمهات أولاده؛ لأنه إنما أبقاهن في الدار لمكان ابنه المتصدق عليه، ليقمن بأمره فيما يحتاج إليه، ولم يفردهن أيضا بالسكنى معه فيها، إذا ترك معهن في ذلك مواليه من الرجال والنساء، الذين كانوا سكانا فيها أيضا، وسكناتهم فيها مع ابنه المتصدق عليه أو دونه حيازة، إذ ليس عليه إسكانهم؛ لأنهم أحرار، ومن أسكن رجلا مسكنا ثم تصدق به على غيره، فيكون المسكن فيه حيازة للمتصدق عليه به، على مذهبه في المدونة في أن قبض الخدم قبضا للموهوب له، ولو أفرد على أمهات أولاده بالسكنى في الدار مع ابنه المتصدق عليه، لكان ذلك حيازة، على ما حكى ابن حبيب عن المدنيين والمصريين، من غير أن يختلفوا عليه من أن سكنى أمهات المتصدق عليه معهم في المسكن الذي تصدق به عليهم آباؤهم، حيازة لهم، وإن كان تحته بتزويج أو شراء، ما لم يكن ذلك مسكنا له خاصا يستوطنه، فكيف إذا لم يفردهن بذلك، وشرك معهن فيه مواليه من الرجال والنساء، فهذا وجه قول ابن القاسم في إجازة هذه الحيازة، ويدخل فيها من الاختلاف ما في قبض المخدم للموهوب له على ما يأتي في سماع سحنون، إذ لا فرق في هذا بين الإسكان والإخدام، ويبين ذلك ما يأتي في رسم الكبش من سماع يحيى لابن القاسم، في أن من تصدق على والده الذي يحوز له بدار قد أسكن فيها بعض ولده، إنه لم يخرج منها الولد، كان يسكنها حتى مات الأب، لم يكن للمتصدق عليه شيء.

فقول ابن القاسم في رواية يحيى هذه، مخالفة لقوله في هذه الرواية، على هذا كان الشيوخ يحملون ذلك، ويحتمل أن يفرق بين المسألتين بسكنى الابن المتصدق عليه في هذه الرواية في الدار الذي تصدق بها عليه أبوه مع أمهات أولاده ومواليه. والموضع الثاني: اشتراطه في الزيتون الذي تصدق به على ابنه الأقساط من الزيت في كل عام للمسجد الذي بناه، إذا لم يحزها وأبقاها بيده، فأجاز ذلك قياسا على ما قاله مالك من أن الأب إذا تصدق، على ابنه الذي في حجره بالعبد وهو معه في بيت واحد، فيخدمها جميعا: إنه لا يوهن ذلك حيازة له، وقياسا على ما قاله أيضا في أنه إذا تصدق على ابنه الذي في حجره بالمسكن، فسكن اليسير منه، إن حيازته له صحيحة تامة. وقياسه في ذلك كله صحيح بين؛ إذ لا فرق بين أن يستثنى الأقساط لنفسه طول حياته، ثم يلحقها بالحبس بعد وفاته أو يستثنيها ليجعلها هو في المسجد طول حياته، ثم يكون حبسا بعد وفاته. والموضع الثالث: جعله لمواليه الساكنين في القرية التي تصدق بها على ابنه الارتفاق بما كان تحت أيديهم من أرض القرية وشجرها ومساكنها ما داموا يقومون لابنه المتصدق عليه بمرمة أو حيته، وما يحتاج إليه من المطاحين، وغير ذلك، فإن تركوا القيام بذلك لم يكن لهم سكنى في القرية والارتفاق بشيء منها، فأجاز ذلك ابن القاسم، ولم ير فيه غررا ولا مخاطرة؛ لأنه رأى قدر ذلك معلوما بالعرف والعادة، لا توهينا للحيازة، بل رأى ذلك قوة فيها وتثبيتا لها لأن حيازة الوالد لابنه معه تقوية لحيازته. وحكى الفضل عن يحيى بن عمر أنه قال: في الأرحية نظر؛ لأنه إنما جعل لهم ما جعل على أن يقوموا لابنه بمرمة الأرحية ومرمة سدها، وجلب ما يحتاج إليه من المطاحن وغير ذلك من مرمة الأرحية، فإن ترك الموالي ذلك فلا حق لهم في القرية، ولا مرفق فيها، فهذا عندي خطر وغرر، وربما كثر علاج الأرحية، وربما قل، فأعطاهم الذي أعطاهم على شيء مجهول، لا يعلمون ما يلزمهم فيه، فلا يحقه هذا، ولا يكون للموالي شيء مما أوصى

مسألة: يتصدق على ابن له صغير في حجره بالنخل أيأكل منها

لهم به على هذا الشرط، وتكون الأرحية وجميع ما جعل لمواليه لولده، وتكون مرمة الأرحية على الحبس. وقول يحيى بن عمر ظاهر في أن ذلك غرر، إلا أن ذلك لا يؤثر في صحة الحيازة كما قال، فإن لم يعثر على ذلك حتى فاته الأمر بسكناهم فيها، وقيامهم بما تحتاج إليه الأرحى كان عليهم الكراء في السكنى، كراء المثل، وكانت لهم قيمة عليهم في قيامهم بالأرحى ورجع من كان له الفضل منهم في ذلك على صاحبه بالفضل. وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على ابن له صغير في حجره بالنخل أيأكل منها] مسألة قال ابن القاسم: وسألنا مالكا عن الرجل يتصدق على ابن له صغير في حجره بالنخل، وبالضأن، وبالمزرعة، أيأكل منها؟ قال مالك: ما أرى بأسا أن يأكل من ثمر النخل ويشرب من ألبان الضأن، ويكتسي من أصوافها إذا كان ذلك على ابنه. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، ومضى الكلام عليها مستوفى في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها. وساقها ابن القاسم هاهنا حجة لما أجاب به في مسألة أبي عثمان، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على ابنه بصدقة ثم احتاج] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: لو أن رجلا تصدق على ابنه بصدقة من عرض أو حيوان أو دينار، فحاز له ذلك، ثم احتاج، يريد: أن يكون يلي هو تلك العروض، فيحوزها له، ويضع الدنانير على يدي غيره، فاحتاج الأب - رأيت أن ينفق عليه ما يصلحه مما تصدق على ابنه، ورأى أن ذلك للأب جائز. قال: فقلت لمالك: فالدنانير، كيف تحاز؟ قال: بعضها على يدي غيره، فقلنا: وإن وضعها على يديه وطبعها، قال: في الدنانير والدراهم خاصة،

مسألة: يحبس على الرجل الدار أو العبد حياته

لا أراها جائزة، حتى يخرجها من يديه إلى يدي غيره، ولم يرها مثل العروض والنخل والحيوان. قال محمد بن رشد: لفظة "ثم احتاج" زيادة في المسألة وقعت على غير تحصيل، فبإسقاطها يتبين معنى المسألة؛ لأن قوله "يريد" إنما فسر به الحيازة، لا الحاجة، والاختلاف فيه في أن الأب إذا احتاج، جاز أن يستنفق مما يتصدق به على ابنه، وإن تمنع من ذلك حكم له به عليه. وقد مضى ذلك في رسم حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها، تحصيل القول فيما يجوز للأب أو الأجنبي أن يأكله أو يشربه مما تصدق به من علته - مستوفى، فلا معنى لإعادته. وقوله في الدنانير والدراهم خاصة: لا أراها جائزة حتى يخرجها من يده إلى غيره، يريد: وكذلك ما كان في معنى الدنانير والدراهم من تبر الذهب والفضة، وكل ما لا يعرف بعينه، إذا غيب عليه من المكيل كله والموزون. وقد مضى ذكر ذلك واختلاف قول مالك في أول رسم من سماع ابن القاسم وفي رسم طلق بن حبيب منه، وهذه المسألة أيضا ساقها ابن القاسم حجة؛ لما أجاب به في مسألة أبي عثمان المذكور، وبالله التوفيق. [مسألة: يحبس على الرجل الدار أو العبد حياته] مسألة قال: وأما ما سكن من الموليات في داره ولابنته وأمانته، واشترط أن مرجع ذلك إلى ابنه المتصدق عليه بعد فوتهن وخسر وجهن إلى أزواجهن، فذلك أثبت لصدقة الابن، وهي جائزة له، لا في مسألة مالك عن الرجل يحبس على الرجل الدار أو العبد حياته، ويقول فيها: إذا مات الذي حبست عليه حياته، فهي لفلان صدقة بتلا، فيموت الذي حبسها، قبل أن يموت الذي حبسها عليه، وقبل أن يقبض الذي بتلها له، ثم يموت الذي حبس عليه،

مسألة: ما تصدق به عليه أبوه شيئا كان بكراء

فقال: قال مالك: إذا حازها الذي حبست عليه حياته، جازت الصدقة للذي تصدق بها عليه بتلا، وإن لم يقبضها حتى يموت صاحبها الذي حبسها عليه، وحوز الذي أخدمها حياته، حوز للذي تصدق عليه بتلا، فكذلك المواليات والابن إذا سكن في حياته، وخدمها، فهي جائزة، وكل ما سألتني عنه من أمرها فأراها للابن جائزة. والله أعلم. قال محمد بن رشد: هذا هو أحد المواضع الذي وقع السؤال من أجله، في مسألة أبي عثمان. وقد مضى الكلام عليه، وكلام ابن القاسم هذا كله بين وتنظيره لما نظر به سكنى المواليات والابنة في الدار المحبسة على ابنه بما نظر به من قول مالك صحيح، إلا أن في مسألة أبي عثمان المسئول عنها، زيادة شرط سكنى أمهات أولاده في الدار مع الموالي والموليات والابنة، وأنهم كانوا سكانا في الدار قبل التحبيس، ففي ذلك تضعيف للحيازة. ووجه يوجب الاختلاف فيها. وقد مضى الكلام على ذلك في أول مسألة، ولم يلتفت ابن القاسم إلى شيء من ذلك، فأجاب بجواز الحيازة على القول بأن قبض الخدم والمسكن قبض للموهوب له، وذلك بخلاف قوله في رسم الكبش من سماع يحيى على ما ذكرناه في أول المسألة. وبالله التوفيق. [مسألة: ما تصدق به عليه أبوه شيئا كان بكراء] مسألة وإن كان ما تصدق به عليه أبوه شيئا كان بكراء، مثل الدور والحمامات والحوانيت، فكراء أبيه له كراء، وإن لم يقل اكتريت لابني، وإن لم يخرج ذلك إلى أحد يحوزه عن ابنه ذلك فحوز أبيه حوز، وكراؤه له كراء، إذا كان ما تصدق به عليه في صحة منه ما لم يبلغ الغلام وترضى حاله.

مسألة: تصدق على ابن له صغير بصدقة فكان يحوز له حتى بلغ ورضي حاله

قال محمد بن رشد: هذا الفصل من بقية جواب ابن القاسم في مسألة أبي عثمان وهو بيّن صحيح لا اختلاف فيه، ومثله من قوله في سماع أصبغ بعد هذا، وأنكر قول من خالف في ذلك، وقال: إنه قد أخطأ وصحف، وخالف سنة المسلمين، فلا يقوله من هو من أهل العلم ونصه الملاك بعد هذا في رسم يريد ماله. وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على ابن له صغير بصدقة فكان يحوز له حتى بلغ ورضي حاله] مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: ولو أن رجلا تصدق على ابن له صغير بصدقة، فكان أبوه يحوز له حتى بلغ ورضي حاله، فإذا بلغ ورضيت حاله، فلم يدفع إليه الصدقة، ولم يحزها، فلا صدقة له. وقد فهمت كل ما سألتني عنه، وفسرت لك كل ما سمعت. قال محمد بن رشد: هذا آخر جواب ابن القاسم في مسألة أبي عثمان، وهو فصل بين لا اختلاف فيه ولا إشكال. وبالله التوفيق. [: تصدق على ولد له بدنانير أو دراهم وقال لشريك له حزها له] ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته وسئل: عمن تصدق على ولد له بدنانير أو دراهم، وقال لشريك له: حزها له، فقال شريكه: اشهدوا أنها له عندي قد حزتها ثم مات أبو الصبي، فطلب الصبي صدقته، فزعم الشريك أنه قد دفع ذلك إلى أبيه وإنما كانت في شركته في يدي، قال: لا ينفعه ذلك، ويلزمه غرمها له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه لما حاز لابن شريكه ما تصدق به من مال الشركة، وجب ذلك للابن، وخرج من الشركة، ووجب أن يكون

مسألة: تصدق على ابنه الصغير بدار ثم باعها

ضامنا له إن دفعه إلى شريكه بعد أن حازه، وأشهدوا على نفسه بذلك، وذلك بمنزلة الرجل تكون له الوديعة عند رجل، فيتصدق بها على رجل ويأمره أن يحوزها له، فلا اختلاف في أنها حيازة تامة إذا رضي المودع بحيازتها له، حسبما مضى القول فيه في رسم العشور، فكيف إذا أشهد على نفسه بأنه قد حازها له. وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على ابنه الصغير بدار ثم باعها] مسألة ومن كتاب أوله يدير ماله قال: وقال مالك، في الذي يتصدق على ولده الصغير، الذي يحوز له، بالغلة ويكريها لهم: إن ذلك جائز، إذا أشهد، وإن لم يكتب الكراء بأسمائهم، ومن يكري للصغير، ومن يشتري له، ومن يبيع له، إلا أبوه، وأنكر قول من يقول: لا يجوز إذا كتب الكراء باسم نفسه، وعليه، وكرهه كراهية شديدة، وقال: قد صحف، وقال: هذا خلاف لسنة المسلمين، ولا أعلم أحدا من الناس قال هذا. قال محمد بن رشد: هذا من قول مالك، مثل ما تقدم من قول ابن القاسم في آخر رسم شهد، ونص قوله في أول رسم سماع أصبغ بعد هذا، فكراؤه ما تصدق به على ابنه محمول على أنه إنما يكريه له، حتى ينص أنه إنما باعه لنفسه، استرجاعا بصدقته، وذلك منصوص عليه في الواضحة لأصبغ. قال فيمن تصدق على ابنه الصغير بدار، ثم باعها: فإنه إن باعها باسم ولده، أو سكت، أو باع منها، فالبيع جائز، والثمن للابن على الأب في حياته وبعد وفاته؛ لأنه محمول على أنه باع له، إلا أن يشهد عليه أنه باع لنفسه نصا استرجاعا لصدقته وانحلالها فيرد البيع ويصرف الدار إلى الولد،

: يتصدق على ابن له كبير حائز لأمره

حيا كان الولد أو ميتا، إن كان بيعه للدار بعد أن حازها مما يحوز به الأب صدقته على ابنه، وأما إن كان باعها قبل أن ينتقل عنها لنفسه، فيفسخ البيع إن عثر عليه في حياته، وترد الدار لولده وتمضي الصدقة له بها، وإن لم يعثر على ذلك حتى مات الأب، فلا صدقة له ولا حق في الدار، إلا في الثمن، والبيع ماض للمشتري، وسواء مات الأب فيها، أو كان قد أبانها إلى المشتري؛ لأنه لم يزل ساكنا فيها حتى باعها لنفسه، استرجاعا لها. وذكر أصحاب الوثائق: أن الأب إذا تصدق على ابنه الصغير بما له غلة فاستغل الغلة وأدخلها في مصالح نفسه، وقامت بذلك بينة، ولم تزل كذلك إلى أن مات الأب، فالصدقة باطل، وهو عندهم بمنزلة السكنى إذا لم يخل الدار من نفسه وماله حتى مات فيها، فهي باطل. وفي المدنية لابن كنانة مثل ذلك، ودليل قول مالك في هذه الرواية، وقول ابن القاسم فيما تقدم في آخر رسم شهد في أول سماع أصبغ فيما يأتي: إن الصدقة جائزة، وإن استنفق الأب الغلة؛ لأن الكراء إذا كان محمولا على أنه لابنه فإنما استنفق من مال ابنه بعد أن وجب له، يأخذه منه في حياته وبعد وفاته، وهو نص قول أصبغ، في ثمن الدار إذا باعها بعد أن حازها لابنه باسم ولده، أو جهل فلم يعلم إن كان باعها بنفسه أو لولده: إن الثمن يكون له في مال أبيه حيا أو ميتا. وبالله التوفيق. [: يتصدق على ابن له كبير حائز لأمره] ومن كتاب الجواب قال: سألت ابن القاسم: عن الرجل يتصدق على ابن له كبير حائز لأمره، أو على أجنبي، بمدبر له يتصدق عليه برقبته، فيحوزه المتصدق عليه، ثم يموت الذي دبره، ولا مال له غيره، قال ابن القاسم: يعتق ثلثه ويكون ثلثاه رقيقا للمتصدق به عليه، وهو أولى به، وليس لورثته فيه قليل ولا كثير، وإنما هو بمنزلة الخدمة أن لو أخذه أجنبيا أو ابنا له كبيرا مالك أمره إلى أجل، فحازه وكان في

يديه، ثم مات السيد ولا مال له غيره، فإنه يعتق ثلثه، ويكون المخدم أحق بثلثي الخدمة يختدم ثلثي المدبر، حتى ينقضي أجل الخدمة، والصدقة والخدمة في ذلك سواء، وإن تصدق على ابن له صغير في حجره، فمات ولا مال له غيره، أعتق ثلثه، وكان ثلثاه رقيقا للورثة، ولم يكن ابنه الصغير أحق به، ولم يكن له منه بالصدقة قليل ولا كثير، وفرق ما بين الصغير والكبير والأجنبي في ذلك؛ لأن أولئك قد حازوا وأخذوا من يد السيد إليهم، وأنه في الولد الصغير، هو في يد الأب، ولم يخرج، وليس حوزه للصغير في هذا يجوز؛ لأن المدبر من الأشياء التي لا يجوز له فعله هذا فيه، ولا إخراجه من يديه، فكأنه في يديه لم يخرج منه يفعل، ولم يحز عنه كما حاز الكبير والأجنبي. ومما يدلك على ذلك أن لو تصدق رجل على ابن له كبير، مالك لأمره، أو على أجنبي بصدقة، فحازاها وقبضاها ثم قام على المتصدق غرماؤه بدين، ولم يدر الصدقة، كانت قبل الدين - كانت الصدقة أولى حتى يقيم أهل الدين البينة أنها بعد الدين. ولو تصدق على ابن له صغير في حجره، يجوز لمثله صدقته، وقام عليه غرماؤه، فلم يدر الدين قبل أم الصدقة، كان الدين أولى بها، حتى يعلم أنها قبل الدين، وكذلك قال مالك، وإلا بطلت الصدقة، ولم تكن تلك حيازة. قال ابن القاسم: وإن علم علي بمكروه الصدقة، فالمدبر في مسألتك في حيازة المتصدق، ردت الصدقة، كانت على كبير أو على صغير، وكان على تدبيره وماله، وإن قبضه الأجنبي والكبير وباعه، ثم مات السيد فعثر على ذلك بعد موت السيد رد وعتق في ثلث السيد إن حمله الثلث، ورجع المشتري بالثمن على بائعه إن كان له مال، ولا اتبعه به دينا، فإن لم يترك السيد مالا غيره عتق ثلثه، وكان المتصدق عليه

أولى ببقيته عما فسرت لك. قال أصبغ بن الفرج: وأنا أخالف ابن القاسم في صدقة الصغير بغير المدبر، وأرى حيازة الأب حيازة وأراها أولى حتى يعرف أن الدين كان قبلها، وهي كحيازة الكبير في ذلك، فلا يفترق حيازة الكبير لنفسه ولا حيازة الأب الصغير، إذا كان تخلى منها، فأما في المدبر، فرأي على قوله، وليس من قبل الفرق في حيازة الكبير والصغير، ولكن من قبل أنه لم تحل إن كانت مما لا تخرج من يديه بعطية جائزة. وبالله التوفيق. قال محمد بن رشد: وقوله في الذي يتصدق بالمدبر على من يجوز لنفسه، فيحوزه المتصدق، ثم يموت الذي دبره، ولا مال له: إنه يعتق ثلثه، ويكون ثلثاه رقيقا للمتصدق عليه، معناه: إذا لم يعثر على ذلك حتى مات المتصدق، وأما لو عثر على ذلك في حياته، لفسخت الصدقة، ورد المدبر إلى الذي دبره؛ لأن المدبر لا يجوز بيعه ولا هبته ولا صدقته، أو هبة ما رق منه إن لم يحمله الثلث، وخدمته من الآن فقبضه وحازه من الآن، يحاز ذلك ولم يرد، وكان للمتصدق عليه بعد موته ما رق منه؛ لأن هبة المجهول جائز، كما يجوز رهنه، لجواز رهن الغرر، ويكون المرتهن إذا حازه أحق به من الغرماء بعد الموت، يباع له دونهم على ما قال في المدبر من المدونة، ولما لم يجز هبة المدبر، ووجب أن يرد وتبطل الحيازة فيه، إن عثر عليها قبل موت المتصدق، ويرد المدبر إليه، وجب إذا كانت الصدقة به على صغير ولده، أن يحكم ببطلان حيازته إياه له، فلا تعتبر بها. اتفق ابن القاسم وأصبغ على ذلك. واختلفا إذا تصدق على صغير ولده، ثم قام عليه الغرماء، فلم يعلم، الصدقة قبل أم الدين؟ فقال ابن القاسم: الدين أولى، حتى يعلم أن الصدقة كانت قبله. وقال أصبغ، وهو قول مطرف وابن الماجشون: الصدقة أولى حتى يعلم أن الدين كان قبلها. ووجه ذلك: أن الأب لما أشهد أنه قد تصدق على ابنه بهذه الصدقة، وحازها له، وجب قبول قوله، وإعمال

حيازته، وإمضاء صدقته، ولا ترد إلا بيقين أن الدين الذي ظهر، كان قبلها، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن حيازة الأب للصغير لا تعلم إلا من قبله، فإذا قال: قد حزت لابني قبل قوله مع السلامة من الدين، فإذا لم يتحقق أن كان يوم أشهد أنه قد حاز لابنه ما تصدق به عليه، سالما من الدين الذي ظهر عليه بعد ذلك، أو غير سالم منه، وجب أن ألا يقبل قوله، وأن يقضي للغرماء بهذا المال، الذي يعلم ماله له، حتى يعلم خروجه عن ملكه قبل ديونهم، فلا تبطل ديونهم إلا بيقين، إلا أن استدلاله على صحة قوله في إبطال حيازة الأب على ابنه الصغير، صدقة عليه بالدين، بطلان حيازته لما تصدق به، إذا لم يعلم إن كان الدين الذي ظهر قبلها أو بعدها لا يصح؛ لأنه من الاستدلال بالفرع على أصله، والحكم بثبوت الأصل قبل تسليمه. فمسألة المدبر المتفق عليها هي الأصل، وهذه المسألة المختلف فيها هي الفرع، وحق الفرع أن يرد إلى الأصل بالعلة الجامعة بينهما، ولا اختلاف بينهما في أن الكبير إذا حاز ما تصدق به عليه لا يخرج صدقته من يديه، لا يتحقق أنه قبلها، فإن تحقق أن الدين قبلها، ردت الصدقة باتفاق. واختلف في العتق، فقيل: إنه يرد، وقيل: إنه لا يرد، وقيل: إنه يرد إلا أن يطول، وقد تأول أن ذلك ليس باختلاف من القول، وأن ذلك يرجع إلى أنه يرد، إلا أن يطول. وقد مضى ذكر هذا في رسم الأقضية الأول، من سماع أشهب من كتاب المديان والتفليس. ولا يعبر عند ابن القاسم بتاريخ أحدهما، إذا جهل الأول منهما، ويعتبر به على ما حكاه ابن حبيب في الواضحة عن مالك وأصحابه، حاشا المغيرة، فتخرج على هذا في الصدقة على الصغار، أربعة أقوال: أحدها: إن الصدقة أولى من الدين، وإن كان الدين مؤرخا. والثاني: إن الصدقة أولى من الدين، إلا أن يكون الدين مؤرخا، فيكون أولى من الصدقة. والثالث: إن الدين أولى من الصدقة، وإن كانت الصدقة مؤرخة. والرابع: إن الدين أولى من الصدقة، إلا أن تكون الصدقة مؤرخة، فتكون

مسألة: يسأل امرأته في مرضه أن تضع عنه مهرها

أولى من الدين. وتخرج في الصدقة على الكبار قولان: أحدهما: إن الصدقة أولى من الدين وإن كان الدين مؤرخا. والثاني: إن الصدقة أولى من الدين، إلا أن يكون الدين مؤرخا فيكون أولى من الصدقة. ومن باع دارا ثم وهبها، أو تصدق بها، أو حبسها ولم يعلم، كان البيع أولى أو الهبة أو الصدقة أو الحبس، فالبيع أولى. وقع ذلك في كتاب الهبات من الصدقة، وتخرج في ذلك على القول باعتبار التاريخ قول آخر، وهو أن البيع أولى إلا أن تكون الهبة أو الصدقة أو الحبس مؤرخا، فيكون أولى من البيع، وهذا إذا لم يقبض. وبالله التوفيق. [مسألة: يسأل امرأته في مرضه أن تضع عنه مهرها] مسألة قال: وسألت: عن الرجل يسأل امرأته في مرضه أن تضع عنه مهرها، أو تصدق عليه بشيء من مالها، فتفعل ذلك، ثم أرادت بعد موته، أو بعد أن صح من مرضه، أن تصدق عليه بشيء من مالها، فتفعل، ثم أرادت بعد موته، أو بعد الرجوع فيه، هل ترى ذلك لها بمنزلة الميراث؟ قال ابن القاسم: لا، ليس لها ولا يعجبني ذلك لها، صح أو مات، قضي فيه بشيء أو لم يقض، صرفه إلى موضع أو لم يصرفه، وليست الديون ولا الصدقات في هذا بمنزلة المواريث. وهذا وجه الشأن فيه وهو قول مالك، ورواها أصبغ. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن ما وهبت المرأة لزوجها من مالها أو من صداقها عليه في مرضه، أو في صحته، لازم لها، وجائز عليها، ليس لها أن ترجع في شيء منه في حياته، ولا بعد وفاته، إلا أن يكون أكرهها على ذلك بالإحافة والتهديد، أن يسألها ذلك، فتأبى، فيقول: والله لئن لم تفعلي ذلك لأضيقن عليك، ولا أدعك تأتي أهلك، ولا أدع أهلك يأتونك،

مسألة: يتصدق على الرجل بالجارية على أن يتخذها أم ولد

على ما قاله في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم، من كتاب الدعوى والصلح، وما أشبه ذلك، فلا يلزمها؛ لأن إكراه الرجل امرأته إكراه على ما قاله في المدونة. وقوله: ولا يعجبني ذلك لها، لفظ تجوز، والحقيقة فيه، ولا يسوغ ذلك لها، وقد يكنون بالمكروه عن الحرام، وأما إذا سألها في مرضه، أن تهب له ميراثها مما تخلفه، من بعضه فلا يلزمها ذلك، ولا أن ترجع فيه إذا مات، قضي فيه بشيء أو لم يقض، بخلاف الابن البائن عن أبيه، يسأله أبوه في مرضه أن يهب له ميراثه مما يخلفه، أو من بعضه، فهذا إن قضي فيه بشيء لزمه، ولم يكن له أن يرجع عنه على ما قاله في المدونة في الذي يستأذن ورثته أن يوصي بأكثر من ثلثه، فيأذنون له في ذلك، فيفعل، ثم يريدون أن يرجعوا فيما أذنوا له فيه بعد موته، أن ذلك لامرأته، وليس كان في عياله من ورثته، وإن كان مالكا أمر نفسه، دون ما لم يكن في عياله، وكان بائنا عنه، ولا يلزم الوارث على حال ما أذن لموروثه فيه، في صحته من الوصية لبعض ورثته أو بأكثر من ثلثه. وقد مضى في رسم نقدها من سماع عيسى تحصيل القول في الوارث يهب في مرض موروثه أو في صحته، أو بعد موته ميراثه منه لبعض الورثة والأجنبي، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يتصدق على الرجل بالجارية على أن يتخذها أم ولد] مسألة قال: وسألته: عن الرجل يتصدق على الرجل بالجارية على أن يتخذها أم ولد، هل يحل له وطؤها؟ قال ابن القاسم: لا يجوز له وطؤها على هذا الشرط، وإن وطئها فحملت أم ولد له، ولا قيمة عليه؛ لأنه قد اتخذها كما اشترط عليه، وليس بمنزلة التحليل في القيمة؛ لأن التحليل إنما حل له فرجها، ولم يعط رقبتها، وهذا قد أعطي رقبتها كلها. وإن وطئها فلم تحمل، رأيتها له أيضا، ورأيتها مالا من ماله، يلحقها

الديون إن لحقته، ويبيع ويصنع بها ... ولا يفسخ عنه الصدقة ولا ترد؛ لأنه إنما أعطيها على الوطء، وعلى طلب الولد، فقد وطئ، فإذا وطئ فقد طلب الولد، فأرى وطأه إياها فوتا، حملت أو لم تحمل، ولا قيمة عليه، حملت أو لم تحمل. قال محمد بن رشد: قوله: لا يجوز له وطؤها على هذا الشرط - معناه: إن ذلك لا يجوزه حتى يوقف المتصدق، فإما أن يسقط الشرط، وإما أن يسترد الجارية، فإن مات المتصدق قبل أن يوقف على ذلك يخرج الحكم في ذلك على قولين: أحدهما: إن ورثته ينزلون منزلته في ذلك، فيخيرون بين إسقاط الشرط أو استرجاع الجارية ما لم تفت بوطء على مذهب، أو يحمل على مذهب أصبغ. والثاني: إن الصدقة تبطل إن مات قبل أن تفوت الجارية عند المتصدق عليه بوطء أو بحمل، على اختلاف قول ابن القاسم وأصبغ، فالصدقة على القول الأول على الإجازة حتى ترد، وفي القول الثاني على الرد حتى تجاز، فلا اختلاف في أنها تفوت بالحمل إذا أحبلها قبل أن يوقف المتصدق على إسقاط الشرط، أو استرجاع الجارية، فتجب له دون قيمته. واختلف هل تفوت بالوطء؟ فأفاتها ابن القاسم في هذه الرواية، ولم يفتها له أصبغ على ما حكى ابن حبيب في الواضحة وأراد عنه أنه أفاتها بالبيع وبالعتق أو التدبير، أو ما أشبه ذلك، قبل أن يعلم بفساد الصدقة، لزمته القيمة؛ لأنها فاتت في غير ما أعطيت له، واستحسن ابن حبيب قول أصبغ، وأخذ به. ويتخرج في المسألة قول ثالث: وهو أن تجوز الصدقة ويبطل الشرط، على ما قاله في المدونة في الذي يحبس الدار على رجل وولده، ويشترط أن ما احتاجت إليه من مرمة، رم المحبس عليهم، إن الدار تكون حبسا على ما جعلها عليه، ولا يلزمهم ما شرط عليهم من مرمتها، وتكون مرمتها من غلتها.

مسألة: يقول لامرأته خمسون دينارا من مالي صدقة عليك إلى عشر سنين

وقد مضى في رسم إن خرجت الكلام مستوفى في الذي يهب للرجل الهبة، على أن لا يبيع ولا يهب، وهو معنى هذه المسألة، فقف على ما مضى من الكلام في ذلك، وتدبره، ومن تصدق على ولده الكبير بصدقة على أن لا ميراث له منه، فالصدقة باطلة، إن كان الشرط في أصل الصدقة، وإن كان أنشد إذ ذلك عليه بعد الصدقة وإن قرب، فالصدقة قول مطرف وابن الماجشون، وأصبغ. واختلفوا إن كانت الصدقة على صغير، فقال أصبغ: إن ذلك بمنزلة إذا كانت على كبير، واختاره ابن حبيب، وقال ابن الماجشون: الصدقة ماضية، والشرط باطل، كان الشرط مع الصدقة أو بعدها. وقال مطرف: إن كان الشرط مع الصدقة، أو في قربها، باليوم واليومين، فالصدقة باطل، وإن تباعدت السواء بعد الصدقة فالصدقة ماضية، والسواء باطل وهذا أضعف الأقوال. وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته خمسون دينارا من مالي صدقة عليك إلى عشر سنين] مسألة قال: وسألت: عن الرجل يقول لامرأته خمسون دينارا من مالي صدقة عليك إلى عشر سنين، إلا أن تموتي قبل ذلك، فلا شيء لك، وهي لولدي. قال ابن القاسم: فهو على ما قال، إن بقيت المرأة إلى عشر سنين، أخذتها، إن كان الزوج حيا صحيحا، وإن ماتت المرأة قبل ذلك، فلا شيء لورثتها، وهي للولد كما جعل، إذا جاءت العشر سنين، وهو حي صحيح، وإن مات الرجل قبل العشر سنين، فلا شيء لا للمرأة ولا لغيرها، وإن أوفت العشر سنين، والرجل مريض، والمرأة باقية، ثم مات من مرضه، فلا شيء لها، في ثلث ولا رأس مال؛ لأنها بمنزلة من تصدق عليها بصدقة

مسألة: يقول وهو صحيح ثلاثون دينارا من مالي صدقة على فلان عشت أو مت

فلم تقبضها حتى مات المتصدق، فلا شيء للمتصدق عليه حينئذ في ثلث ولا غيره. فإن قلت: إن هذا أنني الأجل عليه وهو مريض، فساعتئذ وجبت، فكأنها صدقة في العرض، فصدقت، ولكن الأصل كان في الصحة، وبه يتم، فمن هناك بطلت، وما يدل على ذلك، الرجل يعتق عبده، بعد عشر سنين، وهو صحيح، فتأتي العشر سنين، والسيد مريض، فلا يضر ذلك العبد، ويكون حرا من رأس المال؛ لأن الأصل كان في الصحة يجوز له القضاء في ماله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها؛ لأنها صدقة تصدق فيها في صحته، أوجبها على نفسه في ذمته كامرأته إن بقيت إلى عشر سنين، أو لولده إن ماتت قبل العشر سنين، فإن أتت العشر سنين، وهو حي صحيح، وجب الخمسون لها إن كانت حية، مريضة كانت أو صحيحة، وإن كانت قد ماتت قبل ذلك، كانت الخمسون لولده إن كان حيا صحيحا كان أو مريضا ولورثته إن قد مات، وإن أتت العشر سنين، وهو مريض أو مات قبل ذلك، لم يكن لواحد منها شيء ولا لورثته؛ لأنها صدقة تحز على المتصدق حتى مرض أو مات. وبالله التوفيق. [مسألة: يقول وهو صحيح ثلاثون دينارا من مالي صدقة على فلان عشت أو مت] مسألة قال: وسألت: عن الرجل يقول وهو صحيح: ثلاثون دينارا من مالي صدقة على فلان، عشت أو مت، أو يقول: ثلاثون دينارا من مالي صدقة على فلان، إلى عشر سنين، أو عبدي على مثل ذلك؟ قال ابن القاسم: أما الذي قال ثلاثون دينارا من مالي صدقة عليه عشت أو مت، فهو إن قام عليه في حياته، أخذها منه متى قام

عليه، وإن مات الواهب قبل أن تؤخذ منه، كانت في الثلث، وأخذها من ثلثه، وإن مات المتصدق عليه قبل أخذها فورثته في متابه لهم ما كان في حيازة المتصدق، وبعد مماته، وكذلك هو في العبد، لو قال ذلك فيه، وجعل له فيه، مثل ما جعل في الدنانير، هما سواء؛ لأن هذا بتل قد بتله له عاش أو مات، وأما الذي قال: بعد عشر سنين، فلا شيء له، إلا العشر سنين، فإن أتت العشر السنون والمصدق حي أخذها، دنانير كانت أو عبدا، وإن مات المتصدق عليه بها بعد العشر سنين، فورثته في مثابته بعد عشر سنين، وإن مات المتصدق بها قبل العشر سنين، فلا شيء للمتصدق عليه ولا لورثته، عاجلا ولا إلى عشر سنين، لا في ثلث ولا في رأس مال، ولا غير ذلك؛ لأنها بمنزلة صدقة لم تقبض، حتى مات، فهي باطل، ليست بشيء في ثلث ولا غيره، وإن استحدث المتصدق بها دينا قبل العشر سنين، بيعت هذه الصدقة في دينه، إن كان شيء بعينه، وبطلت الصدقة، ولكن إن أراد المتصدق بها بيعها من غير دين يلحقه، منع من ذلك، ولم يكن له ذلك، وإن كانت جارية لم يطأها، وروى أصبغ عن ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في الذي قال في صحته: ثلاثون دينارا من مالي صدقة على فلان، عشت أو مت، وقال ذلك في عبده، إنه إن قام عليه بصدقته في حياته، أخذها منه متى ما قام عليه - بَيِّنٌ صحيح، لا اختلاف فيه بين مالك وجميع أصحابه؛ لأنها صدقة بتلها في صحته وبعد موته، فيحكم عليه بها في صحته من رأس ماله، وبعد موته من ثلثه كما قال، إلا أنه يختلف إن لم يقم عليه بها في صحته حتى مات، فوجب أن يكون في ثلث ماله، هل يكون حكمها حكم الوصية في جميع أحوالها؟

فيكون للمتصدق أن يرجع فيها، ويدخل إلا فيما علم به من ماله، ويبطل بموت المتصدق عليه قبله، فلا يكون لورثته، ويحاص بها المتصدق عليه أهل الوصايا، ولا يحكم بها للمتصدق عليه في مرض المتصدق إن كان له أموال مأمونة، أو لا يكون حكمها حكم الوصية في شيء من ذلك، فلا يكون للمتصدق أن يرجع فيها، ويدخل فيما علم به من ماله، وفيما لم يعلم، ولا تبطل بموت المتصدق عليه قبله، فينزل ورثته فيها منزلته، وتبدأ على الوصايا ويحكم للمتصدق عليه بها على المتصدق في مرضه إن كانت له أموال مأمونة، فيأتي على قياس مقول ابن القاسم في هذه الرواية: إنه إن مات المتصدق عليه بها قبل أخذها في مثابته، لهم ما كان له في حياة المتصدق، وبعد مماته، وهو قوله في سماع سحنون بعد هذا: إنه لم يقم بصدقته حتى مات المتصدق حكم له فيها بثلثه، ويدعي بها على الوصايا، وأما إن قام عليه بها في مرضه؟ وله أموال مأمونة، حكم له بها، وأنه لا يكون للمتصدق الرجوع فيها فيختلف من هذه المسألة في هذه الخمسة مواضع، إذا لم يقم بصدقته حتى مرض أو مات، هل يحكم له بحكم الوصية فيها أم لا؟ وحكم لها محمد بن دينار في المدنية بحكم الوصية، في أنها تبطل بموته قبل موت المتصدق دون سائر أحكامها التي ذكرناها، فيقال: إنه إن قام في صحته، أخذ من رأس ماله، وإن مرض قبل أن يأخذها، أو مات، كانت له من ثلثه، مبدأة على الوصايا؛ لأنه لم يقدر على الرجوع فيها، ولو كانت له أموال مأمونة، حكمت بها للمتصدق عليه بها في مرضه قبل موته من ثلثه، فأما إن مات المتصدق عليه بها في مرضه قبل موته من ثلثه، فأما إن مات المتصدق عليه في حياة المتصدق في صحته، كانت لورثته، وإن لم يقبضها ورثته حتى مات، لم يكن لهم شيء. قلت: فإذا مات المتصدق عليه بها قبل المتصدق، فورثته في مثابته ما دام المتصدق حيا، فإذا مات المتصدق بعد موت المتصدق عليه، لم يكن لورثة المتصدق عليه فيها حق، قال: نعم؛ لأني لم أقدر أعطيهم بصدقة الصحة، إن صدقة الصحة لا تثبت إلا بالحيازة،

: الرجل ينحل ابنته نحلة فتتزوج ثم يموت زوجها فيريد أبوها اعتصار تلك النحلة

فبطلت صدقة الصحة، حين لم تحز في الصحة بما تحاز به الصدقات، فبطلت صدقة الصحة، وبقيت له الوصية، وإن كانت مؤكدة، فقد مات الوصي له بها قبل أن تجب له الوصية، ولا شيء لمن مات من أهل الوصايا قبل موت الموصي. هذا نص قول ابن دينار، وليس بقياس. قال محمد: فاستحب للكاتب أن يكتب في الصدقة عاش أو مات، فإنه إن مات قبل أن يحوز، كان في الثلث، وليس ذلك بصحيح، وإنما الذي يستحب له أن يعلمه بالحكم في ذلك، فيكتب ما يختار أن يعلمه على نفسه. وقد مضى الكلام في المسألة التي قبل هذه، في الذي قال: ثلاثون دينارا من مالي صدقة، على فلان إلى عشر سنين. وبالله التوفيق. [: الرجل ينحل ابنته نحلة فتتزوج ثم يموت زوجها فيريد أبوها اعتصار تلك النحلة] ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها قال عيسى: وسألته عن الرجل ينحل ابنته نحلة، فيتزوجها رجل على تلك النحلة، ثم يموت عنها أو يطلقها، فيريد أبوها اعتصار تلك النحلة، هل يكون ذلك، وقد دخل زوجها بها فمات عنها، أو طلقها، والصدقة في يدها، أو لم يدخل بها حتى مات عنها زوجها أو طلقها؟ قال ابن القاسم: ليس له أن يعتصرها، دخل بها أو لم يدخل؛ لأنها إنما أنكحت عليها، فهو شيء بمنزلة ما قد فات وقد يمنع الأب ما دون هذا، أن يهب الجارية لابنه، فيطؤها الابن، فلا يكون له أن يعتصرها، وكل من وهب لابنه هبة أو نحله نحلا من ذكر أو أنثى حتى تنكح عليها، أو يداين بها، فيرهقه دين، ثم يطلق الابن المرأة أو يطلق الزوج الجارية أو

يستحدث الابن ما لا يؤديه في دينه، فلا اعتصار للأب في شيء من ذلك كله وهو وجه ما كنت أسمع. قال ابن القاسم: والمرض مخالف لهذا؛ لأن المرض أمر لم يعامله الناس عليه، فلو مرض أحدهما، لم يكن للأب أن يعتصر في مرض واحد منهما، ولو صحا بعد ذلك، كان الأب أن يعتصر. قال سحنون: إذا مرض هو نفسه، فأراد أن يعتصر، فليس ذلك له، قيل له: فإن أفاق فأراد أن يعتصر، قال: ذلك له، وليس يشبه المعتصر المعتصر منه. قال أصبغ: إذا صح المريض منهما أو طلق الابن، أو طلق الابنة زوجها أو ودى ذو الدين منهما دينه، فليس للأب أن يعتصرها بعد ذلك؛ لأن الأب قد امتنعت عصرته منه لما أحدث بها العصرة، فإذا انقطعت العصرة بشيء من هذه الأشياء التي انقطع من هذه الأشياء يوما واحدا لم تعد أبدا ولم يكن له أن يعتصرها، وأما من وهب لابنه وهو متزوج، أو لابنته وهي متزوجة، أو هو مريض، أو مريضة، أو مديان، فإن له أن يعتصر منهما إذا وهب لهما في هذه الحالات، فله العصرة فيها حتى يحول حاله إلى غير ذلك. قال محمد بن رشد: الأصل في الاعتصار قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يحل لأحد أن يهب هبة ثم يعود فيها إلا الوالد» وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ للبشير بن سعد، في الغلام الذي كان نحله ابنه النعمان: "ارتجعه" إذا لم ينحل سائر ولده مثل الذي نحله، فالرجل يعتصر ما

وهب لولده، ما لم يداين، أو ينكح، أو يمرض، أو يموت، أو يمرض الأب أيضا أو يداين، فليس له أن يعتصر لغرمائه ولا لهم ذلك. قال ابن المواز: فإذا ابن الأب دينا لا يفي به ماله سوى الهبة، أو نكح على الهبة، أو بسببها، ارتفعت العصرة، ولا حجة للغرماء، إذ استدان دينا يفي ماله سوى الهبة، ألا ترى أنه لو وهبها لغير الأب، لم يكن للغرماء في ذلك حجة، إذا اعتصرها الأب؟ واختلف إذا نكح وداين بغير سبب الهبة، مثل أن يكون الابن موسرا فيهب له أبوه الشيء اليسير الذي يعلم أنه لم يزوج ولا دوين من أجل الهبة. فقال ابن القاسم: إن ذلك لا يقطع العصرة، وهو قول مطرف، وروايته عن مالك، وقول أصبغ، وابن الماجشون: إن ذلك يقطع العصرة والذكر والأنثى في ذلك سواء. وذهب ابن دينار إلى أن نكاح الابن الذكر على الهبة، لا يقطع الاعتصار فيها، بخلاف الابنة، وهو دليل قول عمر بن الخطاب في المدونة من أنه قضى أن الولد يعتصر، ما دام يرى ماله، ما لم يمت صاحبها فيقع فيها المواريث، أو تكون امرأة تنكح، خلاف مذهب ابن القاسم في هذه الرواية، ومن سواه، وإذا مرض المعتصر أو المعتصر منه، فالمشهور أن ذلك يقطع العصرة. وروى أشهب عن مالك في كتاب ابن المواز: أن يعتصر. وإن كان مريضا، قال: ولو كان الابن هو المريض، فلا أدري. وقال ابن نافع: للسيد أن يعتصر مال مدبره وأم ولده في مرضه، وإن كان الانتزاع حينئذ لغيره، فعلى هذا يكون الأب أن يعتصر في مرضه. واختلف على القول بأنه يقطعها، هل يعود بزوال المرض؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: إن العصرة تزول بزوال المرض، كان المريض منهما هو المعتصر أو المعتصر منه، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، قال: لأن المرض أمر لم يعامله الناس عليه، فهو بخلاف النكاح والمداينة، وهو قول مطرف والمغيرة وابن دينار. والثاني: إنها لا تعود بزوال المرض، وهو قول أصبغ في هذه الرواية وقول ابن الماجشون، وروايته عن مالك، والقول الأول أظهر؛ لأن الاعتصار إنما امتنع في المرض، مخافة الموت، فإذا زال المرض،

ارتفعت العلة بزواله، ولو اعتصر في المرض، فلم يعثر على ذلك حتى صح، لوجب أن يمضي. ولو قيل: إن الاعتصار في المرض يكون موقوفا حتى ينظر، هل يصح أو يموت؟ لكان هو وجه القياس والنظرة. والثالث: قول سحنون في تفرقته بين مرض المعتصر والمعتصر منه، ولا يقطع العصرة في الهبة فواتها، بحوالة الأسواق، ويختلف فواتها بتقريرها في الزيادة والنقصان، فقال مطرف وابن الماجشون: إن ذلك لا يقطع العصرة. وذهب أصبغ إلى أن ذلك يقطعها، وسيأتي في سماع سحنون بقية القول في هذا المعنى إن شاء الله. وكذلك اختلفوا في وطء الابن الجارية الموهوبة، هل يقطع العصرة فيها أم لا؟ فذهب أصبغ إلى أن ذلك يقطعها، ورواه عن ابن القاسم، وهو قوله في المدونة وفي هذه الرواية، وذهب مطرف وابن الماجشون: إلى أنه لا يقطعها؛ لأن ذلك لا يمنعه من بيعها، وما يريد من الانتفاع بثمنها، إلا أنها توقف بعد العصرة، فإن صح رحمها، تمت العصرة، وإن ظهر الحمل امتنعت العصرة، فلا اختلاف في أن بموت الموهوب له يقطع الاعتصار. واختلف إذا وقعت الهبة في الحال الذي إذا حدث بعد الهبة، قطع الاعتصار، مثل أن يهب له وهو مريض أو مديان، أو يتزوج، فقال ابن الماجشون: لا عصرة في ذلك، وإياه اختار ابن حبيب. وقال أصبغ: له أن يعتصر، ما كانت الحال واحدة، مثل يوم وهب، والأم فيها تهب لابنها الكبير المالك لأمر نفسه، في الاعتصار، بمنزلة الأب، يعتصر ذلك منه، ما لم يداين أو ينكح أو يمرض أو يموت. وكذلك تعتصر ما وهبت لابنها الصغير، إذا كان له أب، وإن حاز الهبة عنها، ولا يعتصر ما وهب له إذا كان يتيما يوم الهبة، وأصابه اليتم بعد ذلك، هذا مذهب ابن القاسم ومطرف وروايتهما عن مالك. وذهب ابن الماجشون: إلى أنها لا تتعصر ما وهبت لابنها إذا حاز الهبة عنها أبوه، أو وصيه أو هو كان يلي نفسه، وإنما تعتصر ما وهبت له إذا كانت هي التي تليه، فلم تخرج الهبة عن يدها. واختلف في الجد والجدة، والمشهور أنه لا عصرة لهما وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وروى

مسألة: نحله أبوه نحلة فتزوج هل لأبيه أن يعتصر تلك العطية

أشهب عنه في كتاب محمد أن للجد الاعتصار، قال: لأنه يقع عليه اسم أب. ووجه القول الأول أن الهبة قد انتقلت إلى ملك الموهوب له، فلا تخرج عن ملكه بيقين، وهو الأب الذي ورد فيه النص، والاعتصار لا يكون في الصدقات إلا بشرط، وإنما يكون في العطايا، من النحل، والهبات، وشبهها. واختلف إذا وهب، فقال في هبته: لله، أو لوجه الله، أو لطلب الأجر والثواب من الله، فقيل: إنه ليس له أن يعتصر ذلك إلا بشرط، وهو قول ابن الماجشون، وقيل: له أن يعتصر وإن لم يشترط العصرة ما لم يسمها صدقة، وهو قول مطرف. وسيأتي ذلك في نوازل سحنون، وبالله التوفيق. [مسألة: نحله أبوه نحلة فتزوج هل لأبيه أن يعتصر تلك العطية] مسألة وعن الرجل البائن من أبيه الذي له المال، الناقد التاجر، الذي ليس بمولى عليه في شيء من أموره نحله أبوه نحلة، ثم تزوج بعد ذلك، وهو ممن لا يزوج لتلك النحلة فيما يرى الناس، هل لأبيه أن يعتصر تلك العطية؟ قال ابن القاسم: نعم، له أن يعتصرها ما لم يأت من ذلك ما يكون عليه زيادة كبيرة، ويعلم أنه إنما زوج بذلك، فأما الرجل صاحب ألف دينار، ينحله أبوه العبد، أو يهبه له ثمن العشرين دينارا أو الثلاثين، وما أشبهه من الأشياء ثم يتزوج، فيريد أن يعتصره أبوه، فهذا لأي منح منه؛ لأنه يعلم أنه لم يزوج لمكان هذا العبد، وإنما لغناه. قال محمد بن رشد: قد تقدم ذكر الاختلاف في أثناء هذه المسألة التي قبلها، وهذا القول أظهر؛ لأن الأصل وجوب العصرة للأب إلا أن يمنع من ذلك مانع، من حق زوج، أو غريم، أو وارث، وما أشبه ذلك من المعاني القاطعة للاعتصار. وبالله التوفيق.

: وهب لرجل عبدين هبة ثواب أو وهب له ثوبين

[: وهب لرجل عبدين هبة ثواب أو وهب له ثوبين] ومن كتاب العتق قال عيسى: قلت لابن القاسم: لو أن رجلا وهب لرجل عبدين هبة ثواب، أو وهب له ثوبين، فأقاما في يديه أياما ثم ارتفعت لهما قيمة، وسوق، فأعطاه الموهوب له أحد العبدين، أو أحد الثوبين مثوبة له، قال عيسى: ليس له أن يعطيه أحد عبديه ثوابا أو أحد ثوبه ثوابا. قلت: وإن ارتفعت قيمة أحدهما حتى يكون مثل قيمتهما يوم وهبهما، قال: نعم، إلا أن يرضى الواهب. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لو أراد أن يرد أحدهما ويعوضه من الآخر، كان الأدنى، أو الأرفع، لم يكن له ذلك على مذهبه في المدونة، وهو الصحيح في القياس والنظر، خلاف قول أصبغ في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب؛ لأنه قادر على أن يأخذهما أو يردهما جميعا، فليس له أن يأخذ أحدهما ويرد الأخرى كما لو بيعا على الخيار، أو كما لو استحق بين يدي المشتري فأراد المستحق أن يأخذ بعضها ويجيز البيع في بعضها، بخلاف استحقاق أحد الثوبين أو العبدين، أو الباقي لازم للمشتري، إذ لا قدرة للمستحق إلا ما استحق خاصة، فإذا لم يكن له أن يشبه من أحدهما، ويرد إليه الآخر، فأحرى ألا يكون له أن يرد أحدهما ولا يشبه من الآخر؛ لأنه إنما ملك في أن يردهما جميعا أو يعوضه منهما جميعا، فليس له سوى ذلك. وبالله التوفيق. [مسألة: الهبة ومكثها عند الذي وهبت له حتى يجب عليه ثوابها] مسألة قلت لابن القاسم: ما أمر الهبة ومكثها عند الذي وهبت له حتى يجب عليه ثوابها؟ قال: قال مالك: إذا تغيرت بنماء أو نقصان، قلت لابن القاسم: وإن طال مكثها، قال: نعم. قال

ابن القاسم: إلا أن يريد فيأبى أن يثيبه، فلا يلزم الموهوب له ثواب، والواهب على هبته، يأخذها إن شاء ولا يلزم الموهوب له ثواب، إذا كانت على حالها، وفضل حال، وكذلك بلغني عن مالك. قال ابن القاسم: فإن كانت جارية فوطئها الموهوب له، لزمه قيمة الثواب، وتعجيله، فإن فلس الموهوب له، كان للواهب ما وهب، إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه قيمتها يوم وهبها ويأخذوها. قال ابن القاسم: النماء والنقصان فوت، ويجبر الموهوب له على الثواب. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم في الهبة للثواب، أن الواهب إذا دفعها للموهوب له، فقد ملكه إياها بقيمتها، وانقطع خياره فيها، فكان الموهوب له هو المخير، بين أن يردها أو يثيبه فيها بقيمتها، ما لم تفت عند الموهوب له. قال مرة بالنماء والنقصان، وهو قوله في المدونة وأحد قوليه في هذه الرواية، ويلزمه القيمة فيها وينقطع خياره. وأما طول الزمان، وحوالة الأسواق، فليس يفوت ولم يختلف في ذلك قوله، ووقع في كتاب الشفعة من المدونة ما يبدل أن الواهب أحق بهبته، وهو بالخيار فيها ما لم يرض منها حتى تفوت عند الموهوب له بزيادة أو نقصان، وهو قوله فيه؛ لأن الناس إنما يهبون الهبات للثواب، رجاء أن يأخذوا أكثر من قيمة ما أعطوا، وإنما رجعوا إلى القيمة حين تشاحوا بعد تغير السلعة، ومثله في المدونة من رواية عيسى عن ابن القاسم، خلاف رواية محمد بن يحيى السيابي عن مالك فيما قال. وحدثني محمد بن يحيى السيابي أنه سمع مالكا يسأل عن الرجل يهب الهبة لرجل رجاء ثوابها، فيثبته بقيمتها أو بأكثر من ذلك، فيقول الواهب: لا أرضى بهذا ثوابا، ولم يبلغ فيه رضاي، كيف الأمر فيه؟ قال: لا ينظر في هذا إلى قول الواهب، ويسأل عن تلك الهبة أهل البصر، فيعطي قيمتها، وليس له غير ذلك، وليس له على الموهوب له في هبته قيمتهما خمسون

مسألة: وهب لرجل مريض هبة ولا مال له غيرها

دينارا، إلا أن يشاء، وليس للواهب على الموهوب له أكثر من قيمته. قال عيسى: قال ابن القاسم: إنما هذا إذا فاتت أو نقصت، فأما إذا لم تفت، وكانت قائمة بعينها، وهي على حال ما وهبها أو أفضل، فهو مخير بين أن يأخذ ما أشبه، وبين أن يأخذ هبته، وليس النمل في الهبة فوتا، وإنما الفوت فيها النقصان. وذهب مطرف إلى أن الواهب أحق بهبته، وهو بالخيار فيها ما لم يرض، وإن فاتت حتى يفوت موضع الرد فيها بموت وما أشبه ذلك، فحينئذ تلزمه القيمة، ولا يكون لواحد منهما في ذلك خيار، وروي ذلك عن مالك، وهو معنى حديث عمر. وروى ابن الماجشون، عن مالك: أن الهبة للثواب إذا قبضت، لزم الموهوب له فيها القيمة بالقبض، ولم يكن فيها رد ولا استرداد، إلا عن تراض من الواهب والموهوب له، زادت أو نقصت، أو كانت على حالها، وهو قول رابع في المسألة. وقوله: إن الهبة للثواب إذا كانت جارية فوطئها الموهوب له، إِنَّ وَطْأَهُ إياها فَوْتٌ يُلْزِمُهُ قِيمَتَهَا -صحيح، لا اختلاف فيه؛ لأن وطأه إياها على مذهب ابن القاسم رِضًا منه بالقيمة، فليس له أن يردها، ولا للواهب أن يستردها، إذ قد كان يلزمه أخذ القيمة فيها قبل أن يطأها الموهوب له. وقال مطرف وابن الماجشون وأصبغ: إن الغيبة عليها فوت فيها، وإن لم يطأ، تلزمه بها القيمة فيها، ولا يصح الرد فيها وإن لم تحمل؛ لأن ذلك ذريعة إلى إحلال الفرج بغير ثمن. وأما قوله في التفليس: إن الواهب أحق بهبته، إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه قيمتها يوم الهبة، فقد مضى الكلام على ذلك وتوجيه الاختلاف فيه في أول سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، فلا معنى لإعادته. [مسألة: وهب لرجل مريض هبة ولا مال له غيرها] مسألة قال: وسألته عن رجل مريض، وهب لرجل مريض هبة ولا مال له غيرها، فقبضها الموهوب له وهو مريض، فوهبها للواهب،

ولا مال له أيضا، قال: يحوز للموهوب له الأول، ثلثه من تسعة، من مال الواهب، ويحوز الواهب الأول من هذه الثلاثة واحدا وهو ثلث مال الموهوب له الأول، فيصير في يد الأول سبعة، وفي يد الواهب الآخر اثنان، وأصل الذي يستدل به أن ينظر إلى مال له ثلث، ولثلثه ثلث، وذلك تسعة، فعلمت أنه يحوز للموهوب له ثلثه، وللواهب ستة، وأنه يرجع إلى الواهب الأول سبعة، ولورثة الواهب الآخر اثنان. قال محمد بن رشد: جوابه في هذه المسألة عن القول بأن هبة البتل في المرض وإن كانت من الثلث، فهي بخلاف الوصية يدخل فيما علم في الواهب من ماله، وفيما لم يعلم، ولا تبطل بموت الموهوب له قبل الواهب، على حكم الوصية في بطلانها بموت الموصي لوجب إذا مات الأول قبل الثاني أن يبطل ما وهبه الثاني، وإذا مات الثاني قبل الأول، أن يبطل ما وهبه الأول. والمعنى فيه: أن كل واحد منهما مات من مرضه ذلك، إذ لو صحا جميعا، وكانت التسعة التي هي جميع المال للواهب الأول لرجوعها إليه بالخمسة الثانية، ولو صح الواهب الأول، ومات الواهب الثاني من مرضه، لنفذت للموهوب منهما من مرضه ذلك، كان الحكم فيما ذكره على قياس القول الذي ذكرته، سواء مات الواهب الأول قبل الثاني أو بعده، يصير لورثة الموهوب له الأول ثلث المال، وهو ثلثه من تسعة، ويصير لورثة الواهب من هذه الثلاثة واحد فيبقى في الذي ورثه الموهوب له الأول، اثنان، يحصل في الذي ورثه الواهب الأول سبعة، ثم يرجع ورثة الموهوب له الأول على...... وهو الواهب الأول في هذا الواحد، فيأخذون منه ثلثه، ثم يرجع لورثة الموهوب له الثاني، وهو الواجب عليه في ثلثه ثم يرجع ورثة الموهوب له الأول، وهو الواجب الثاني عليهم في ثلث هذا الثلث، فيأخذون

منه ثلثه هكذا أبدا يدور هذا السهم بينهم حتى ينقطع، وسواء علم الهبة أو لم يعلم على ما يأتي عليه جوابه، من أن هبة البتل في المرض لا تبطل بموت الموهوب له قبل الواهب، وتدخل فيما علم الواهب وما لم يعلم، وكذلك قال ابن عبدوس في كتابه للرد، وأن التسعة الأسهم ثلثها ثلاثة، لورثته الواهب الثاني، ثم يؤخذ منها سهم، وهو ثلث ماله، قال: فاعلم أن هذا السهم دائر؛ لأنك إن أعطيه لورثة الأول، قام عليهم ورثة الثاني في ثلثه، كما صار؛ لأن هبته البتل تدخل فيما علم به الميت وما لم يعلم، ثم يقوم عليهم ورثة الأول في ثلث ثلثه فيدور هكذا بينهم حتى ينقطع، فلما كان هذا هكذا، وجب أن يسقط السهم الدائر، ويقسم ذلك السهم بين الوارثين، على ما استقر بأيديهم، فيصير المال بينهم على ثمانية أسهم، ستة لورثة الواهب الأول، واثنان لورثة الواهب الثاني. وقد قال أبو محمد: هذا الذي ذكر عيسى عن ابن القاسم - هي مسألة دور، ولم يجعل فيها دورا، وهذا الذي قال أبو محمد عن ابن القاسم، لم يجعل فيها دورا لا يصح، على ما جرى جوابه من أن هبة البتل تدخل فيما علم الواهب وفيما لم يعلم، وإنما يصح إسقاط الدور فيها إن لم يعلم الواهب بالهبة على القول بأن هبة البتل لا تدخل إلا فيما علم الواهب، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في المدنية وقوله أيضا في رواية أصبغ عنه في بعض روايات العتبية في سماعه من كتاب المدبر، فحكم في هذه الهبة في المرض بحكم الوصية، ولم يحكم لها بحكم الوصية فيما تقدم له في رسم الجواب إذا قال فيه: إن هبة البتل يحل ورثة الموهوب له فيها محل موروثهم إذا مات قبل الواهب، وهذا على قياس مطرد؛ لأنه إذا لم يحكم للهبة في المرض بحكم الوصية في سقوطها بموت الموهوب له قبل الواهب، وجب ألا يحكم له بحكمها في أنها لا تدخل إلا فيما علم، فالذي ينبغي أن يتأول عليه، أن ذلك إنما هو اختلاف من قوله، مرة حكم للهبة في المرض بحكم الوصية في كل حال، ومرة رآها أقوى من الوصية، فلم يحكم لها بحكمها في حال. وبالله التوفيق.

: يتصدق في مرضه على رجل بثلث دار له

[: يتصدق في مرضه على رجل بثلث دار له] ومن كتاب الثمرة وسألت: عن الرجل يتصدق في مرضه على رجل بثلث دار له، وفي الدار طوب وخشب، أراد أن يبني بها، فقال المتصدق عليه: لي ثلث الطوب والخشب، وأبى الورثة أن يكون ذلك له، قال: ليس له في الطوب والخشب شيء. قال محمد بن رشد: هذا بَيِّنٌ عَلَى ما قاله؛ لأنه يكون تبعا للدار في الوصية بها أو الصدقة في الصحة أو المرض، إلا ما يكون تبعا لها في البيع، وهو ما كان مبنيا فيها، لا ما كان موضوعا فيها من خشب أو حجر، أو ما أشبه ذلك، وبالله التوفيق.

: كتاب الصدقات والهبات الثالث

[: كتاب الصدقات والهبات الثالث] [أعطى أخاه منزلا في صحته وكتب له بذلك كتابا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه وسلم. كتاب الصدقات والهبات الثالث من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل أعطى أخاه منزلا في صحته، وكتب له بذلك كتابا، وكتب في كتاب العطية إن مات أخوه الذي أعطي تلك العطية في حياة المعطي فالمنزل مردود على المعطي، ولا حق فيه لورثة المعطى ولا يورث؛ على هذا الشرط أعطاه، فحاز المعطى عطيته في حياة المعطي أو لم يحز، ثم مات المعطَى قبل المعطي، فقال: أرى هذا مثل الوصية تكون للمعطى من الثلث، ألا ترى أنه أنفذ له العطية إن مات قبل المعطي، فكأنه إنما أوصى له بها، وعجل له قبضها، قلت: وهي وصية على كل حال، حازها في صحة المعطي أو لم يحز، فقال: نعم، وقد قال مالك ما يشبه هذا، قال أصبغ: ليس للمعطي فيها بيع، ولا تحويل عن حال؟ فإن مات المعطى رجعت إلى المعطي بمنزلة العمرى، وإن مات المعطي كانت كالوصية في ثلثه، ولا تكون كالوصية في

الرجوع فيها، فكذلك مسألتك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن أول قوله مرتبط بآخره، فليست بعطية مبتلة بما شرط عليه فيها من أنه إن مات قبله، فهي عليه رد؛ لأن ذلك يقتضي ألا يكون له فيها تفويت ببيع ولا غيره، ما دام المتصدق حيا حتى يموت، فآل أمرها إلى أنه أوصى له بها بعد موته، وعجل له الانتفاع بها طول حياته، فوجب إن مات المتصدق عليه قبله أن ترجع إليه كما شرط، وإن مات المتصدق قبله بتلت له من ثلثه على معنى الوصية، إن كان غير وارث، وقد مضى هذا في رسم الأقضية الثاني، من سماع أشهب، وتأتي المسألة متكررة في سماع ابن الحسن بعد هذا، وقول أصبغ في هذه الرواية: وإن مات المعطي كانت كالوصية في ثلثه، ولا تكون كالوصية في الرجوع فيها؛ يريد أنه ليس للمعطي أن يرجع في عطيته هذه، وإن كانت إنما تنفذ من ثلثه بما شرط فيها من رجوعها إليه إن مات المعطى قبله، ووجه ذلك أن العطية، وإن لم تكن مبتولة بما شرط فيها، فليست كالوصية بها التي له الرجوع فيها؛ لأنه قد بتلها في حياته على الشرط الذي اقتضى ألا تنفذ بعد موته إلا من ثلثه، فأشبه المدبر الذي يخرج بعد الموت من الثلث، ولا يجوز لسيده الذي دبره الرجوع في تدبيره، وقد اختلف قول مالك في الهبة البتل في المرض: هل للواهب أن يرجع فيها في مرضه فلا تنفذ، إن مات منه أم لا على قولين حسبما مضى القول فيه في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، من كتاب الحبس، وهذا بيّن ألا يكون له فيها رجوع؛ وقد قال بعض أهل النظر ليس بحسن قول أصبغ في معنى الرجوع، إلا في انتفاع المعطى

مسألة: أم الولد يتصدق عليها سيدها

بالمنزل حياة المعطي، وأما بعد موت المعطى، فمنذ يجب للمعطى بتلا، فله الرجوع فيه؛ لأنه من يومئذ يصير وصية، وكل ما كان وصية، أو على معنى الوصية، فله الرجوع فيه، وليس قوله عندي بصحيح؛ لأن الظاهر من قول أصبغ أنه إنما تكلم على الرجوع في عطية الرقبة بعد الموت؛ فهذا هو الذي قال: إنه لا يرجع فيه، وأما انتفاع المعطى بالمنزل حياة المعطي، فبين أنه ليس للمعطي أن يرجع فيه؛ لأنه شيء بتله في صحته، فنفذ عليه، وإن لم يكن له مال سوى المنزل، فلو قصد إلى بيان هذا، لكان عيا منه؛ وإذا لم يكن للمعطي أن يرجع في عطيته هذه بعد الموت، كما يرجع في وصيته، فيبدأ على الوصايا، ويدخل فيما علم به المعطي، وفيما لم يعلم، وقد مضى هذا المعنى في رسم الجواب، وفي آخر رسم العتق، من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: أم الولد يتصدق عليها سيدها] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن أم الولد يتصدق عليها سيدها، أيلزمها الحوز؟ فقال: حالها في ذلك كحال الزوجة فيما يتصدق به عليها؛ أما الخادم تكون معها في البيت، أو الابنة، أو ما أشبه ذلك مما لا يزايلها حيث انتقل بها سيدها، فالإشهاد وإعلان الصدقة حوز لها؛ وذلك أنه لا تقدر على حوزها بأكثر من ذلك. وأما العبد بخارج، أو الدار تسكن، أو المزرعة، أو ما أشبه هذا مما

هو بائن منها، وقبضه يمكن، فعليها أن تحوزه بقبض الخراج من العبد، وإخراج السيد من الدار، وعمران المزرعة أو كرائها لها، وجني الشجر، وما أشبه هذا مما يحاز به العبيد والعقار؛ قال: وأما الحلي والثياب، فالقبض اللبس والعارية، وما أشبه ذلك مما تصنعه المرأة بمتاعها، إذا عرفت تصنع بما تصدق عليها من الحلي والثياب، مثل هذا فهو لها حوز، وإلا فلا شيء لها؛ قال أصبغ: وإشهاد لها حوز أيضا، وإن لم يُعرف لبس ولا عارية إذا كان في يديها، وليس في يد سيدها قد خرج منه إليها. قال محمد بن رشد: حكم لأم الولد بحكم الزوجة في حيازة ما يتصدق به عليها سيدها، فقال في الخادم تكون معها في البيت أو الابنة وما أشبه ذلك؛ أن الإشهاد وإعلان الصدقة حوز فيها؛ إذ لا يقدر في حوزها على أكثر من ذلك، وفي ذلك اختلاف في الحرة الزوجة، وقد مضى تحصيله في رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم، وفي رسم سلف دينارا في ثوب إلى أجل، من سماع عيسى، فهو يدخل في أمر الولد على هذه الرواية؛ وأما المنزل وما عدا ما هو من متاع البيت، فلا اختلاف في أن الزوجة في حيازته عن زوجها كالأجنبي فيما يلزمه في ذلك، وكذلك أم الولد على هذه الرواية. وفي المدونة ما يدل ظاهره على أن السيد يحوز لأم ولده ولعبده الكبير ما وهبه لهما، أو تصدق به عليهما، كما يحوز ذلك لابنه، إذا وهبه إياه، أو تصدق به عليه، وهو قوله فيها؛ لأن من تصدق بصدقة على غيره، أو وهب هبة، لا يكون هو الواهب وهو الحائز، إلا أن يكون والدا أو وصيا، أو من يجوز له أمره عليه في قول مالك؛ إذ لا أحد أحوز أمرا على أحد من السيد

مسألة: يتصدق على امرأته بمزرعة في آخر أيام المزارعة

على عبده وأم ولده؛ إذ له أن يحجر عليهما، وأن ينتزع أموالهما، فتحجيره عليهما أقوى من تحجير الأب على ابنه، والوصي على يتيمه؟ فوجب أن تكون حيازة ما وهب لهما أحوز من حيازته، لما وهبه لابنه أو يتيمه؛ فهذا وجه ما يدل عليه ظاهر ما في المدونة، ووجه هذه الرواية أن جواز انتزاع المال تضعيف في الحيازة لا تقوية لها؛ لأنه إذا تصدق على أم ولده أو على عبده، ثم أمسك ذلك عند نفسه، ولم يدفعه إليهما، أشبه الانتزاع والارتجاع؛ إذ لم يسلم ذلك إليهما، وهما غير سفيهين؛ وأما الأب والوصي فإنما منعهما أن يسلما ما وهباه لمن إلى نظرهما كونه سفيها، فرواية يحيى أظهر، وكان أبو عمر الإشبيلي يستحب العمل بها، فإن عمل أحد بدليل المدونة، مضى عنده ولم يرد، وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على امرأته بمزرعة في آخر أيام المزارعة] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتصدق على امرأته بمزرعة في آخر أيام المزارعة، وهو صحيح، فأقام بعد ذلك نحوا من شهر ثم هلك، غير أنه قد أشهد لها على الصدقة وعرف بحوزها الشهود، فلم تعمل المرأة فيها عملا بحرث ولا غيره حتى مات زوجها، وزعمت أنه لم يمنعها من العمل إلا ما كان فات من الزمن مع ضعف سكته عن القليب في أوانه، وقد كانت البقر ضعفت، فلم يقلب أهل منزلها حتى مات زوجها؛ فقال: إن جاء من ذلك ما يبين عذرها، مثل أن يتصدق بذلك ثم يعجله الموت قبل أوان عمل أمكنها، أو جني شجر، أو عذق، أو إصلاح عمل حضر،

فالصدقة ماضية ولا شيء عليها إذا لم تحز؛ لأن الحوز لم يمكنها ولم يجئ أوانه؛ قال: وأما ما كانت لحوزه تاركة من ضعف أو أشباه ذلك، فإنها لا تعذر به؛ لأن الضعيف يكري ويساقي ويرفق من ينتفع به، فيكون هذا ونحوه حوزا، فمن كان تاركا لجميع هذا في أوانه الذي يمكنه فيه، فلا صدقة له إلا أن يعرف ضعفه عن العمل، ويعمل ذلك على الكراء أو المساقات أو العارية، فلا يجد من يقبل ذلك منه؛ فلا أرى عليه حوزا غير الإشهاد والإعلان والاجتهاد في عرض ذلك على الكراء والمساقات والعارية، وما أشبه ذلك؛ ثم يكون ذلك له حوزا؛ قال قلت: أرأيت إن مضت أعوام والمتصدق عليه ضعيف عن العمل، وهو يعرض على الكراء أو المساقات أو العارية كل عام، ولا يجد من يقبل ذلك منه؛ أيكون حائزا أم لا؛ قال: نعم، إذا علم حرصه على ذلك، وأنه لم يزل يعرض ذلك، ويطلب لها من يعملها، والأرض ليست تحاز بأكثر من هذا، قال أصبغ مثله ما لم ينتفع به المتصدق أو يقضي فيه. قال محمد بن رشد: وقوله في هذه الرواية في الذي يتصدق على من يحوز لنفسه من زوجة أو غيرها بمزرعة يعجل المتصدق الموت قبل أوان زراعتها وعملها، أن الصدقة ماضية، مثله في المدنية، وهو معارض لقوله ولروايته عن مالك فيها، وفي رسم تأخير صلاة العشاء، من سماع

مسألة: الرجل يتصدق على ابن له كبير بغلام

ابن القاسم في الرجل يتصدق على الرجل الحاضر بالدار الغائبة، فيعجل المتصدق الموت قبل أن يحوزها المتصدق عليه، إن الصدقة باطلة، وإن كان لم يفرط في الخروج إليها لقبضها؛ لأن لها حيازة تحاز به؛ إذ لا فرق في المعنى بين ألا يمكنه حيازة الدار لمغيبها عنه حتى يموت المتصدق بها، وبين ألا يمكنه حيازة الأرض؛ لأن أوان حوزها لم يحن؛ وأبين من ذلك في المعارضة قوله: إنه إذا تصدق بها في أوان حوزها، فضعف المتصدق عليه عن عملها، ولم يزل يعرضها على الكراء، والمساقات، والعارية، عاما بعد عام، فلا يجد من يقبلها منه؛ أن الإشهاد والإعلان والاجتهاد في عرض ذلك على الكراء والمساقات والعارية، يكفي من حيازتها؛ فقول ابن القاسم في هذه الرواية، هو مثل ما روي عن مالك في أن الدار الغائبة إذا لم يكن تفريط في قبض المتصدق عليه بها لها حتى مات المتصدق بها، أنها ماضية، وهو قول أشهب، وقد مضى بيان هذا في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم، ولو لم يعمر المتصدق عليه الأرض، ومنع المتصدق أن يعمرها فتركها بورا حتى يقوى على عملها، لكان منعه من عمارتها حوزا لها، قال ذلك ابن القاسم وابن كنانة في المدونة، وأصبغ في الواضحة، والله الموفق. [مسألة: الرجل يتصدق على ابن له كبير بغلام] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتصدق على ابن له كبير بغلام، فلا يقبضه حتى يتصدق الأب به على ابن له صغير في حجره، فينكر ذلك الكبير، ويقول: لا أجيز ما صنعت، فسخط عليه الأب، وكف عنه حتى مات الأب والغلام في يديه يحوزه

للصغير، لأيهما ترى الغلام؟ فقال: أراه للصغير إذا لم يحزه الكبير. قيل له: إنه تركه خوفا من سخط أبيه، وقد أشهد أنه غير راض بما صنع، فقال: لا ينفعه الإشهاد؛ لأنه لو شاء أن يخاصمه فيه قضى له به، فقد آثر بر أبيه والتماس رضاه على أخذ صدقته، فله أجر البر إن شاء الله تعالى، ولا صدقة له إلا بالحيازة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ أنه إذا لم يقبض الابن الكبير الغلام حتى مات الأب المتصدق، فلا صدقة له؛ إذ لا تتم الصدقة إلا بالحيازة، فله أجر البر كما قال في تركه القيام على أبيه في الغلام الذي تصدق به على أخيه بعد أن كان تصدق به عليه، وكذلك يقول ابن القاسم: لو تصدق على آخر كبير فقبضه؛ لكان الأول أحق به، وأشهب يرى أن الثاني إذا حازه فهو أحق به من الأول، فيتخرج على قياس قوله إذا تصدق به على ولد له كبير، ثم تصدق به على آخر صغير، وحازه قبل أن يقبضه الأول قولان؛ أحدهما: أن حيازة الأب للصغير كحيازة الكبير لنفسه، فلا يكون للأول شيء، وإن قام عليه في حياته. والثاني: أن حيازة الأب للصغير ليست كحيازة الأب للكبير، ويكون الابن الكبير المتصدق عليه أولا بالعبد أحق به، إن قام على الأب في حياته، والقولان في حيازة الأب للصغير، هل تكون في القوة كحيازته للكبير قائمان، من مسألة رسم الجواب، فيما تقدم.

مسألة: امرأة أرفقت زوجها بمنزل لها ثم تصدقت به

[مسألة: امرأة أرفقت زوجها بمنزل لها ثم تصدقت به] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن امرأة أرفقت زوجها بمنزل لها، فكان في يديه يحرث مزارعه، ويجني له شجره، ويصيب جميع مرافقه؛ ثم تصدقت به على بنت لها متزوجة، أو ابن قد بلغ الحوز، وأشهدت على الصدقة، وأمرت الولد بالحوز؛ فسأل الأب ابنه أو ابنته أن يعيره ذلك المنزل يرتفق به ويقره في يده بحاله، ففعل الابن وأشهد على أبيه بالعارية، ولم يقبض المنزل من يده للحيازة، ولم يخرج منه أباه، أقره فيه بحاله، واكتفى من الحيازة بالإشهاد على أبيه بالعارية؛ قال ابن القاسم: أي حوز أبين من هذا، أو أتم، من أعار ما تصدق به عليه، فقد استكمل الحوز؛ قلت له: أما تراه قد أوهن حيازته؛ لأنه كان قبل الصدقة في يد أبيه، لم يخرجه من يده حتى أحدث الإشهاد بالعارية؛ فقال: لا وهن عليه، بل الذي فعل حوز بيّن، تتم له به صدقة أمه عليه، والعارية كالقبض. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن المرأة كانت أرفقت زوجها بالمنزل إلى غير أجل، فكان في يديه يرتفق بمنافعه، ويصيب جميع مرافقه، فلما تصدقت به بعد ذلك على ابنها أو ابنتها، سقط حق

زوجها في الإرفاق، ووجب المنزل بجميع مرافقه للمتصدق عليه، فإذا أرفق أباه إياه، كان ذلك حوزا بينا منه للمنزل عن أمه، لا يدخل فيه الاختلاف الذي في قبض المخدم، والمسكن والممنوح، هل يكون قبضا للمتصدق عليه، أو الموهوب له أم لا؟ حسبما يأتي في نوازل سحنون بعد هذا؛ لأن الاختلاف لما وقع في هذا من أجل بقاء حق المخدم، والمسكن والممنوح، فيما منح إياه أو أخدمه، أو أسكنه بعد هبة الأصل والصدقة به، فمن حمل الأمر على أن المسكن والمخدم يختدم ما أخدم، أو أسكن على ملك الموهوب له أو المتصدق عليه من يوم الهبة والصدقة؛ إذ قد سقط ملك الواهب له عن الأصل، رأى ذلك حيازة؛ ومن حمله على أنه إنما يختدم ذلك، ويسكنه على ملك الذي أخدمه إياه وأسكنه حتى تنقضي خدمته أو سكناه لم ير ذلك حيازة؛ فمسألتنا خارجة عن هذا المذهب؛ إذ لم يبق للزوج حق في المنزل بعد الصدقة، ومن أكرى داره، أو آجر عبده، ثم وهب ذلك لرجل قبل انقضاء أمد الكراء والإجارة، فلا يكون قبض المكتري والمستأجر قبضا للموهوب له؛ لأن المكتري إنما يسكن على ملك الواهب الذي يأخذ الكراء، وكذلك المستأجر إنما يستخدم على ملكه، وفي ذلك اختلاف لا يحمله القياس، وقع في سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب، ومن كتاب المديان والتفليس، في رسم مساجد القبائل، وقد مضى هنالك

مسألة: تصدق على رجل بدار له فدفع إليه مفتاحها

القول على ذلك، وكذلك المساقي في الحائط لا يكون حائزا لمن وهب له أو رهن إياه، وقع ذلك في الرهن، في رسم القضاء المحض، من سماع أصبغ، من كتاب الرهون، من أن كون الحائط في يدي مساقيه، ككونه في يدي صاحبه. [مسألة: تصدق على رجل بدار له فدفع إليه مفتاحها] مسألة قال: ولو أن رجلا تصدق على رجل بدار له، فدفع إليه مفتاحها، وبرأ إليه من ذلك ليحوزها، كان ذلك حوزا، وإن لم يسكن المتصدق عليه الدار، ولم يسكنها غيره. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن قبضه لمفتاح غلق الدار قبض للدار، وإن لم يسكنها، ولا أسكنها غيره، كما لو وهبه فقبضه ثوبا وصار بيده؛ لكان ذلك قبضا وحيازة، وإن لم يلبسه ولا أعاره أحدا، وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على امرأته بالصدقة فتثيبه بوضع الصداق عنه] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتصدق على امرأته بالصدقة فتثيبه بوضع الصداق عنه، أو تضع عنه الصداق فيتصدق عليها بمنزل له، فيموت المتصدق قبل أن تحوزه المرأة، أترى لها صدقة؛ فقال: إن الصدقات لا تكون للثواب، هي ماضية لمن تصدق بها عليه، ولا ثواب عليه فيها، ولا شيء للمتصدق عليه منها إن

لم يحزها، فالمرأة التي أثابت زوجها على ما تصدق به عليها، بأن وضعت عنه صداقها، فالصداق عنه موضوع، ولا حق لها في الصدقة إلا بالحيازة؛ قال: فإن ابتدأته هي بوضع الصداق، فتصدق عليها بمنزله ثوابا لها، فالصداق موضوع عنه، وليس لها من المنزل شيء إلا بحيازة؛ قلت: فإن وهب لها هبة، فأثابته بوضع الصداق، ولم يقبض الهبة حتى مات، قال: الهبة لها، لا حوز عليها فيها، إذا كانت هبة ثواب، يعرف ذلك بوجه الأمر من حالهما؛ قال أصبغ: وكذلك الهبة قبل الثواب، قال يحيى: قال ابن القاسم: وإذا ابتدأته بوضع الصداق، فأثابها بأن أعطاها منزله، فإن كان وضع الصداق إنما كان للثواب اشترطت ذلك، فالمنزل لها إذا أثابها، ولا حيازة عليها فيه، إن مات قبل أن تحوزه، وما وضعت من صداقها، ولم تشترط له ثوابا فلا ثواب لها فيه، وإن أثيبت فلم تحزه فلا شيء لها؛ قال أصبغ: الصداق عندنا مخالف لما تهب من غير الصداق، إذا التمست عليه ثوابا، وادعت ذلك بعد موت الزوج. قال محمد بن رشد: قوله: إن الصداق لا ثواب فيه، يريد إلا أن تشترط فيه الثواب، فسواء تصدق عليها بالمنزل فأثابته بوضع الصداق،

مسألة: غلام قد بلغ الحلم وهو في حجر أبيه تصدق عليه أبوه بصدقات

أو وضعت عنه الصداق فأثابها بالصدقة عليها بالمنزل، لا شيء لها في المنزل إلا بالحيازة. والصداق عنه موضوع، إلا أن يكون ذلك بشرط الثواب، فيكون لها المنزل دون حيازة؛ وأما إذا وهب لها المنزل، فأثابته بوضع الصداق، فقوله: إن الهبة لها لا حوز عليها فيها إذا كانت هبة ثواب يعرف ذلك بوجه الأمر من حالهما هو على مذهبه في المدونة في أن الزوجين لا ثواب بينهما في الهبة، إلا أن يدعي الواهب منهما أنه أراد بهبته الثواب، ويظهر من صورة الحال ما يدل على صدقه، وقد قيل: إنه يصدق وإن لم يظهر ما يدل على صدقه؛ وهذا القول حكاه عبد الوهاب في المعونة، فجعل حكم الزوجين في ذلك حكم الأجنبيين، وقيل: إنه لا ثواب له إلا أن يشترطه، وهو ظاهر قول ربيعة في المدونة، وقول مالك الذي يتلوه، وأما إذا ابتدأته بوضع الصداق فوهب لها هبة، فلا شيء لها فيها إلا بالحيازة؛ إذ لا اختلاف في أنه لا ثواب لها في هبة الصداق إلا أن تشترطه حسبما مضى القول فيه في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، وذلك بين من قوله في هذه الرواية: والصداق عندنا مخالف لما تهب من غير الصداق إذا التمست عليه ثوابا، أو ادعت ذلك بعد موت الزوج يريد أنها لا تصدق إن ادعت أنها أرادت بهبته الثواب، وأنها تصدق فيما عدا الصداق إن ظهر من صورة الحال ما يدل على صدقها، فهو قوله في هذه الرواية إذا كانت هبة ثواب يعرف ذلك بوجه الأمر من حالهما، ومذهبه في المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: غلام قد بلغ الحلم وهو في حجر أبيه تصدق عليه أبوه بصدقات] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن غلام قد بلغ الحلم، وهو في

حجر أبيه قد قرأ القرآن، إلا أنه لا يعرف بصلاح يزكى به، ولا فساد، إلا أنه عمر في حجر أبيه، بحداثة احتلامه تصدق عليه أبوه بصدقات، منها: مزرعة وخادم في تلك المزرعة بولدها وزوجها حر، ودور في القرى لا تغتل، ودار في حاضرة البلد كان الأب أسكن فيها بعض ولده، فتصدق عليه بهذه الصدقة، وهو في حجره، وحاله ما وصفت لك، ولم يغير الأب تلك المزرعة ولا الخادم، ولا الدار التي في حاضرة البلد عن حالاتها التي كانت عليها قبل الصدقة، ولم يكن بين إشهاده له بالصدقة، وبين موت الأب إلا نحو من شهرين أو ثلاثة، أو أكثر قليلا؛ أترى الأب يحوز على مثل هذا؛ قال: نعم، سمعت مالكا يقول: يحوز الأب على ابنه المحتلم إذا كان في حجره وولاية نظره حتى يؤنس منه الرشد؛ قلت: فما يضر هذا الغلام ترك الأب تلك الأشياء بحالها إذا لم يخرج من كان في الدار، أو ما أشبه هذا مما يرى أنه يحوز به عليه؛ فقال: أما الدار فلا حق له فيها، إذا لم يخرج منها من كان يسكنهما، وأما المزرعة والغلام، فأرى صدقته عليه بذلك ثابتة؛ قلت: فما ترى الحوز يلزم الابن المحتلم؟ قال: إذا كان في حسن نظره بمنزلة اليتيم الذي يلزم القاضي أن يدفع إليه ماله إذا كان قبل ذلك مولى عليه، فإذا عرف من الغلام حسن نظره في ماله

وإصلاحه على نفسه، وأمن عليه الفساد الذي يعرف به من حسن رأيه، وجمعه على نفسه مع بلوغ الحلم، وجب عليه أن يحوز لنفسه، ولا يكون الأب حائزا على مثل هذا، ولا يزال الأب حائزا على من لم تكن هذه حاله من ولده، وإن احتلم المتصدق عليه، فليس الاحتلام بالذي يخرجه من ولاية أبيه حتى ترضى حاله، ويشهد العدول على صلاح أمره. قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية: أما الدار فلا حق له فيها إذا لم يخرج منها من كان يسكنها، معارض لقوله في رسم شهد، من سماع عيسى في الذي جعل لابنته الصغيرة، ولأمهات ولده ومواليه الساكنين في الدار التي تصدق بها على ابنه الصغير، أن يسكنوا معه فيها، ما لم يتزوج واحدة منهن، إلا أن يفرق بين المسألتين بسكنى الابن المتصدق عليه معهم فيها حسبما مضى القول فيه هناك. وقوله في آخر المسألة: فليس الاحتلام بالذي يخرجه من ولاية أبيه حتى ترضى حاله، ويشهد العدول على صلاح أمره، نص على أنه لا يخرج من ولاية أبيه بالاحتلام، وأنه محمول على السفه حتى يثبت رشده، ومثله في كتاب الحبس من المدونة، وهو ظاهر سائر المدونة وغيرها، إلا ما وقع في أول كتاب النكاح من المدونة في قوله فيه إذا احتلم الغلام، فله أن يذهب حيث شاء، فإن ظاهره أنه بالاحتلام يكون محمولا على الرشد، وتجوز أفعاله حتى يعلم سفهه، وهي

مسألة: المولى عليه إذا كان عند مبلغه الحلم معروفا بإصلاح المال

رواية زياد عن مالك في البكر أنها تخرج من ولاية أبيها بالحيض، فكيف بالغلام؛ وقد تأول ابن أبي زيد قوله في المدونة: فله أن يذهب حيث شاء: أن معناه بنفسه لا بماله؛ فعلى هذا تتفق الروايات كلها، ولا يخرج عنها إلا رواية زياد عن مالك، وقد تأول أن قول مالك إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء، معناه إذا احتلم ورضيت حاله، بدليل قول ابن القاسم إلا أن يخاف من ناحيته سفه، فله أن يمنعه؛ وإلى هذا ذهب ابن لبابة إلا أنه أخطأ في تأويله على ابن القاسم فقال: هذا هو الحق لو مات الأب وأوصى به لم يخرج من ولاية الوصية حتى يثبت رشده، فكيف بالأب؟ وهو نص ما في كتاب الحبس من المدونة قوله فيه، ألا ترى أن الله تبارك وتعالى قال: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] ، وبلوغ النكاح هو الاحتلام والحيض، فقد منعهم الله من أموالهم مع الأوصياء بعد البلوغ إلا بالرشد، فكيف مع الآباء الذين هم أملك بهم من الأوصياء، وإنما الأوصياء بسبب الآباء؛ فالابن بعد بلوغه مع الأب عند ابن القاسم على السفه حتى يعلم رشده، بخلاف البكر؛ لأن البكر عنده لا تجوز أفعالها وإن علم رشدها، خلاف تأويل ابن لبابة عليه من أن الابن بعد بلوغه في ولاية أبيه، وإن علم رشده حتى يطلق من الولاية على ما وقع في المدونة من اللفظ الذي احتج به، وبالله التوفيق. [مسألة: المولى عليه إذا كان عند مبلغه الحلم معروفا بإصلاح المال] مسألة قلت: أرأيت المولى عليه لصغره، إذا كان عند مبلغه الحلم معروفا بإصلاح المال وإدارة البيع، وحب الكسب، وهو ممن لا تجوز شهادته عند القضاة، ولعله مشهور بشرب الخمر واتباع

الفسق، مما يظن به سوء ظاهر أمره؛ ولكنه في إصلاح المال غير مخدوع، وهو له غير مضيع أترى أن يولى عليه لسوء حاله، أم يستوجب أخذ ماله لإصلاحه المال، وإن كان في دينه غير صالح، فقال: يدفع إليه ماله إذا عرف بحسنه وإصلاحه، ولا يحظر فيما يركب من الذنوب، ورب رجل صالح في حاله، مفسد لماله لضعف عقله، وسوء رأيه، فأرى أن يولى على مثله، ولا يستوجب أخذ ماله، لكفه عن الشرب، وما أشبه ذلك إذا كان غير مصلح لماله، ولا حابس على نفسه؛ قلت: أرأيت الذي يعرف الاكتساب والطلب لتثمير ماله، وتفقد عقاره، ويصلح جهده، غير أنه مسرف فيما يكتسي به، ذاهب السرف، يتكلف فوق قدره، ويجود بأكثر من طاقته في حال السخاء والبذل؛ إما في الإكثار من جمع الناس على طعامه، أو في أعطيته، لا يحمل مثلها ماله، وما أشبه هذا مما يعد به مسرفا؛ أترى أن يولى على مثله؟ قال: نعم، يولى على مثل هذا. قال محمد بن رشد: هذا مذهب ابن القاسم أن المولى عليه يستوجب أخذ ماله، والانطلاق من الولاية بحسن النظر في المال، والإصلاح له بحسن القيام دون صلاح الدين؛ وكان يقول: رب فاسق أطلب للدرهم، وأكسب للرزق منا؛ وأخذ بقوله أصبغ ما لم يكن مارقا في الفساد. وذهب مطرف، وابن الماجشون إلى أن المولى عليه لا يخرج من الولاية إذا شرب النبيذ المسكر، وإن كان حسن النظر في ماله. قالا: والرشد الذي ذكره

مسألة: المرأة تضار بزوجها فيقبح الذي بينهما ويفسد

الله في اليتيم مع بلوغ الحلم حتى يدفع إليه ماله، ويجوز أمره وقضاؤه فيه هو الرشد في حاله وماله، لا يكون هذا دون هذا؛ هذا هو قول مالك وجميع علمائنا بالمدينة؛ قالا: ولا يرد بشرب الخمر في الولاية بعد خروجه منها، إذا أحدث ذلك، والفرق بيْن ذلك بيِّن، وهو قول ابن كنانة وغيره من المدنيين، واختيار ابن حبيب، ومذهب ابن القاسم أظهر من جهة القياس؛ لأنه كما يحجر على البالغ الذي لم تلزمه ولاية في ماله إذا كان مفسدا له، سيئ النظر فيه، متلفا له؛ لقلة رأيه فيه، وإن كان حسن الدين في قولهم كلهم؛ فكذلك يلزم على قياس ذلك، أن يدفع إليه ماله، ويرفع عنه التحجير فيه إذا كان حسن النظر، وإن كان سيئ الدين، وقول ابن القاسم في هذه الرواية: إن الذي يعرف بالاكتساب والطلب لتثمير ماله، وتفقد عقاره إذا كان ذاهب السرف فيما يتلفه فيه من السخاء على إخوانه، وجمع الناس على طعامه وعطياته، لا يحمل مثلها ماله؛ يريد في غير وجوه البر إرادة الثناء والحمد، يجب أن يحجر عليه فيه نظرا له، صحيح؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ} [النساء: 5] الآية. [مسألة: المرأة تضار بزوجها فيقبح الذي بينهما ويفسد] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن المرأة تضار بزوجها، فيقبح الذي بينهما ويفسد، فتريد المرأة أن تضر بزوجها بإخراج مالها من

يديه، ويصير إلى بعض قرابتها؛ فلما علمت أن للزوج أن يمنعها من مجاوزة ثلث مالها إن تصدقت أو أعتقت، أو أعطت قصدت إلى قدر الثلث، فتصدقت به إلى بعض قرابتها؛ وقد تبين لفساد ما بينها وبين زوجها؛ أنها إنما أرادت الضرر به، ولولا الذي وقع بينهما، لعلها لا تتصدق على الذي تصدقت عليه بثلث مالها بقيمة دينار من مالها أو أدنى، فقال: أرى ذلك جائزا، وإن كان أمرها على ما وصفت إذا لم تتجاوز بذلك الثلث. قلت: أرأيت إن اتبعت بصدقة ثلث ما بقي بعد أشهر، فقال: إن تباعد ذلك جاز، وإن تقارب رد؛ قلت: كأن حالها عندك وحال التي تتصدق لغير الضرر سواء؛ قال: ما أراهما إلا سواء، قلت: فما تباعد ما بين الصدقتين عندك؛ أترى الشهر بعيد أم لا يكون متباعد إلا بقدر سنة أو نحوها؟ قال: ليس في ذلك حد، قال أصبغ: إلا ما طال حتى يرى أن ذلك تبرز مستقبل وتقرب؛ قال يحيى: وقد قال غيره ما يبين أنها تفعله على وجه الضرر، لا لبر، ولا لطلب أجر، إن ذلك مردود كله: قليله وكثيره؛ قال سحنون: وهو قول ابن القاسم في الثلث إذا كان على وجه الضرر أنه لا يجوز، قال سحنون: وأنا أراه جائزا. قال محمد بن رشد: لا يجوز للمرأة ذات الزوج قضاء في أكثر من ثلث مالها هبة ولا صدقة، ولا بما أشبه ذلك من التفويت بغير عوض دون إذن زوجها في قول مالك وجميع أصحابه؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يجوز لامرأة قضاء في ذي بال من مالها بغير إذن زوجها؛» واختلف إن

قصدت بتفويت ثلث مالها فأقل إلى الإضرار بزوجها فيما يتبين من حالها على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك لا يجوز، وهو قول غير ابن القاسم في رواية يحيى هذه عنه، وظاهر قول مالك في رواية أشهب عنه، من كتاب الأقضية. والثاني: أن ذلك جائز، وهو قول ابن القاسم في رواية يحيى هذه عنه، وقول سحنون. والثالث: أنه إن كان أقل من الثلث جاز، وإن كان الثلث لم يجز، وهو قول ابن القاسم في رواية سحنون هذه عنه؛ وما في المدونة في ذلك محتمل للتأويل، واختلف في فعلها: هل هو محمول على الرد حتى يجاز، أو على الإجازة حتى يرد؛ فحكى ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون، أنه محمول على الرد حتى يجيزه الزوج؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يجوز لامرأة قضاء في ذي بال من مالها، إلا بإذن زوجها» وهو ظاهر قول مالك في رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم، من كتاب العتق، فعلى قياس هذا إذا تصدقت أو أعتقت أكثر من الثلث، فلم يعلم بذلك زوجها، أو علم، فلم يقض فيه برد، ولا إجازة حتى مات عنها أو طلقها، لم يلزمها ذلك، وقد روي ذلك عن بعض أصحاب مالك، وإن ادعت أنه الثلث، أو أقل من الثلث، كان عليها أن تبين ذلك؛ وحكي عن ابن القاسم أنه محمول على الإجازة حتى يرد الزوج، وهو ظاهر قوله في رسم الكراء والأقضية، وقول سحنون في سماع ابن القاسم، من كتاب العتق؛ فعلى قياس هذا؛ إذا علم الزوج بذلك، أو لم يعلم، فلم يرد حتى مات عنها أو طلقها؛ لزمها

ذلك، وإن ادعى الزوج أنه أكثر من الثلث، كان عليه إقامة البينة؛ فإن رد الزوج ذلك، وبقي بيدها حتى زالت العصمة بموت أو فراق، لم يلزمها ذلك في الهبة والصدقة قولا واحدا؛ واختلف في العتق فقيل: إنه يلزمها، وهو قول مطرف، وابن الماجشون؛ وقيل: إنه لا يلزمها، وهو قول أشهب، وقيل: إنها تؤمر بذلك، ولا تجبر عليه، وهو قول ابن القاسم؛ ولا خلاف في أنها تقضي في ذلك كله بما شاءت قبل أن تتأيم بعد الرد؛ وعلى هذا المعنى يأتي اختلافهم أيضا إذا لم يعلم الزوج بذلك حتى ماتت، هل له أن يرده بعد موتها أم لا؟ فقيل: إن له أن يرده، وهو قول سحنون في نوازله بعد هذا، وقول مطرف، وابن الماجشون؛ وقيل: ليس له أن يرده بعد موتها، وهو قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه؛ ومن أهل العلم من لا يجيز للمرأة قضاء في شيء من مالها قل أو كثر بغير إذن زوجها؛ لما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يجوز للمرأة في مالها أمر إلا بإذن زوجها» . ومنهم من يجيز لها القضاء في جميع مالها، بغير إذن زوجها استدلالا بظواهر آثار مروية في هذا المعنى، فما ذهب إليه مالك في مراعاة الثلث عدل بين القولين؛ وأما إذا فوتت مالها الشيء بعد الشيء، فإن قرب ما بين ذلك، نظر في الأول، فإن كان أكثر من الثلث رد الجميع، وإن كان الثلث جاز ورد ما بعده، وإن كان أقل من الثلث جاز ونظر فيما يليه؛ فإن كان مع الأول الثلث جاز ورد ما بعده؛ وإن كان أكثر من الثلث رد وما بعده؛ هذا على قياس ما قاله ابن القاسم في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، من كتاب العتق، والقرب في ذلك مثل الشهر والشهرين، على ما قاله ابن حبيب، وحكاه عن أصبغ؛ قال:

ولو قرب الأمر جدا مثل أن تتصدق بثلث مالها، ثم تتصدق بعد يوم أو يومين بثلث الباقي، أو أقل؛ أو أكثر رد الجميع كما لو كان في عقد واحد، ولا فرق في القياس بين اليوم واليومين، والشهر والشهرين في أنه يجب أن يمضي الأول ويرد الثاني، فقد قيل: إنه يمضي الثلث، ويرد ما زاد عليه، وإن كان في صفقة واحدة، فكيف إذا كان في صفقتين؛ وأما إن بعد ما بين ذلك، فينظر في الأول، فإن كان الثلث فأقل جاز، وينظر فيما بعده؛ فإن كان الثلث فأقل من الباقي بعد الأول جاز، وإن كان أكثر من الثلث لم يجز، وإن كان الأول أكثر من الثلث رد، ونظر فيها بعده؛ فإن كان أكثر من ثلث الجميع رد، وإن كان الثلث فأقل جاز، وهذا على قياس ما قاله ابن القاسم في رسم المكاتب، من سماع يحيى، من كتاب العتق، وحد التباعد فيما بين الأمرين الستة الأشهر فأكثر، على ما حكى ابن حبيب، وقيل العام؛ لأنه حد في غير ما مسألة؛ وقد قيل: إنها إذا تصدقت بثلث مالها لا تنفذ لها عطية في باقيه بحال، قرب ذلك أو بعد؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن تقضي في جميع مالها، قال ذلك عبد الوهاب، إلا أن تفيد مالا آخر، فيكون لها أن تقضي في ثلثه، والقياس أن لها أن تقضي في جميع ما أفادت بعد النكاح، إذ لم يتزوجها الزوج عليه، فلا يحجر عليه فيه، واختلف إذا قضت في مالها بتفويت أكثر من ثلثه، فقال ابن القاسم: يرد الزوج الجميع، وقال عبد العزيز بن أبي سلمة يرد ما زاد على الثلث، وهو قول مالك في رواية ابن الماجشون عنه. فحمل ابن القاسم فعلها فيما زاد على الثلث على الضرر، فأبطل جميعه، وحمله عبد العزيز أبي سلمة على غير الضرر، فرد منه ما زاد على الثلث كالوصية، وهو الأظهر؛ إذ قد تفعل ذلك رجاء أن يجيزها زوجها، وقد تجهل أن لزوجها أن يحجر ذلك عليها، ولا اختلاف في أن فعلها في

مسألة: يتصدق على ابن له بغلام فلم يحزه حتى أوصى الأب للعبد بالعتاقة

الثلث فما دونه، محمول على غير الضرر حتى يعلم أنها قصدت به الضرر، فيقع فيه من الاختلاف ما تقدم؛ وقد قيل في الوصية بالثلث: إنها ترد إذا قصد بها الضر؛ لقول الله عز وجل: {غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12] ، وهو بين؛ وقال ابن الماجشون: يرد ما زاد على الثلث إلا في العتق، فإنه يرد جميعه؛ إذ لا يتبعض، واختلف في حلفها بصدقة جميع مالها؛ فقيل: يلزمها؛ لأنه مصروف إلى الثلث، فليس للزوج أن يرده، وهو قول سحنون في سماعه، من كتاب النذور، وقيل: لا يلزمها؛ لأن للزوج أن يرده، وهو قول أصبغ في السماع المذكور من النذور؛ وهذا اختلاف راجع إلى الاختلاف في تصدقها بالثلث قاصدة إلى الإضرار، والذي أقول به أنها إن كانت ممن تجهل أن صدقتها مصروفة إلى الثلث، كان للزوج أن يرده، وإن كانت ممن يعلم ذلك، لم يكن للزوج أن يرده، وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على ابن له بغلام فلم يحزه حتى أوصى الأب للعبد بالعتاقة] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتصدق على ابن له بغلام، فلم يحزه الابن حتى أوصى الأب للعبد بالعتاقة، أيكون ذلك نقضا للصدقة؟ فقال: إن كان الابن صغيرا في حجر، فالوصية ماضية، إن مات الأب عتق العبد بالوصية إن حمله الثلث، وكان للابن قيمة العبد في رأس مال أبيه؛ لأنه كان حائزا عليه، فليست الوصية التي أحدث بعد الصدقة تبطل الصدقة، ولكن يكون العبد الذي تصدق به عليه أبوه كغيره من مال الولد، فالوالد إذا أوصى بعتاقة عبد ابنه الصغير أو بتل عتقه، جاز ذلك على الابن إذا كان

مسألة: يرث هو وأخوه أرضا فيتصدق منها على رجل بناحية من الأرض بنصها

للأب مال وأعطى الولد قيمة عبده، فسواء كان له بالصدقة، أو من غيرها، قال: وإن مات الأب ولا مال له، لم تجز الوصية للعبد، وكان الابن أولى به لقبضه بالصدقة؛ قال: وإن كان الابن المتصدق عليه كبيرا يلزمه الحوز لنفسه، فإنه إن لم يقبض العبد حتى يموت الأب، فلا صدقة له، والوصية للعبد جائزة، وإن قام فأخذ صدقته في حياة أبيه وصحته كان أحق بحوزها، وبطلت الوصية؛ لأن الأب لا يحوز على ابنه الكبير، ولا يجوز له أن يوصي بعتاقة عبيد ولده الأكابر، فالولد الكبير أحق بالعبد من الوصية إذا قام بالحيازة في صحة أبيه. قال محمد بن رشد: وصيته بعتق عبد ابنه الصغير، كعتقه سواء أن حمله الثلث جاز، وكان له قيمته في مال أبيه، وكذلك ما حمل الثلث منه إن لم يحمل جميعه، وقد مضى في رسم استأذن من سماع عيسى حكم صنيع الأب في مال ابنه الصغير من عتق أو هبة أو صدقة أو تزويج مستوفى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يرث هو وأخوه أرضا فيتصدق منها على رجل بناحية من الأرض بنصها] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يرث هو وأخوه أرضا، فيتصدق منها على رجل بناحية من الأرض بنصها، وذلك قبل أن يقاسم أشراكه، ماذا ترى للمتصدق عليه؟ قال ابن القاسم: أرى أن تقسم الأرض كلها بين الورثة، فإن صارت الأرض التي

تصدق بها أحدهم للمتصدق بها في سهمه، أخذها الذي تصدق بها عليه، وإن صارت لبعض أشراكه كانت للذي تصير له في سهمه، وبطلت الصدقة، ولم يكن على المتصدق أن يعوض المتصدق عليه منها شيئا من الأرض التي صارت له في سهمه؛ قال: وإن صار للمتصدق بها بعضها في سهمه، أعطى المتصدق عليه منها الذي صار للمتصدق في سهمه من تلك الأرض بعينها؛ قلت له: أرأيت تلك الأرض التي تصدق بها بعينها تحمل القسمة لسعتها دون أرض القرية؛ أيجوز للمتصدق عليه أن يقول: أنا أقاسمكم هذه الأرض دون أرض القرية، فآخذ منها نصيب صاحبي المتصدق علي، وكره ذلك الورثة؛ قال: لا ينظر إلى قول واحد منهم، ولكن ينظر إلى الأرض، فإن كانت في كرمها أو رداءتها لا تضاف إلى غيرها، على ذلك كان القسام يقسمونها، لو لم يتصدق بها على وجه العدل بين الورثة قسمت وحدها، فأعطى المتصدق عليه حصة المتصدق منها، ولا حق له فيما سواها مما يقاسمه الوراث أشراكه من بقية أرض القرية، وإن كانت تلك الأرض بعينها تشبه غيرها من جميع أرض القرية في القرب والكرم حتى يكون رأي القسام إذا عدلوا بين الورثة في القسم أن يجمعوا مثلها إلى بقية أرض القرية، جمعت في القسم، فإن صارت لغير المتصدق بها لم يكن للمتصدق بها عليه منها، ولا من غيرها شيء وإن صارت أو بعضها للمتصدق في سهمه، أخذها المتصدق عليه، أو أخذ ما صار منها للمتصدق بها. قال محمد بن رشد: جواب ابن القاسم في هذه المسألة صحيح على القول بأن القسمة تمييز حق؛ لأنها كأنها حققت أن الذي صار منها

: يقول ثمر حائطي العام صدقة على فلان والنخل يومئذ لا ثمر لها

للمتصدق من الأرض، هو الذي كان له يوم تصدق منها، فلذلك قال: إن صارت الناحية المتصدق بها للمتصدق، أخذها المتصدق عليه، وإن صارت لغيره لم يكن له شيء، وإن صار له بعضها، لم يكن له إلا ما صار له منها، ويأتي فيها على قياس القول بأنها بيع من البيوع، أنه ليس للمتصدق عليه من الناحية المتصدق بها إلا سهم المتصدق، بأن صارت القسمة لغيره، كان له من حظ المتصدق قدر ذلك، وهو قول ابن الماجشون؛ وقال مطرف: إن وقع في سهم المتصدق ما تصدق به فهو للمتصدق عليه، وإن وقع في سهم غيره كان للمتصدق عليه قدر نصيب المتصدق، وهو استحسان على غير قياس. [: يقول ثمر حائطي العام صدقة على فلان والنخل يومئذ لا ثمر لها] ومن كتاب الصلاة قال يحيى: وسألت عن رجل يقول: ثمر حائطي العام صدقة على فلان، والنخل يومئذ لا ثمر لها، فيريد المتصدق أن يبيع الأصل، قال: ليس ذلك له، إلا أن يبيع الأصل في دين رهنه إذا ألجئ إلى ذلك من فلس، قيل له: فإن مات المتصدق ولم يثمر النخل؟ فقال: ليس للمتصدق عليه شيء. وسئل عنها سحنون فقال: إن أراد بيعها قبل إبار النخل، فبيعه غير جائز، وإن كان بيعه بعد إبار النخل، فالبيع جائز. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله في هذه المسألة أن المتصدق بالثمرة إن مات قبل أن يثمر النخل، لم يكن للمتصدق عليه شيء، وإن كان قد قبض النخل، خلاف ظاهر ما في كتاب الهبة والصدقة من المدونة من أن قبض النخل قبض لما يأتي من الثمرة الموهوبة، وكان أبو عمر بن القطان يرد ما

: رجل تصدق على بنين له ثلاثة بأرض أو دار وأحد الولد غائب

في المدونة بالتأويل إلى هذه الرواية، وكان غيره يخالفه في ذلك على ما قد ذكرناه في كتاب العرايا من المقدمات، وسائر المسألة قد مضى الكلام عليه مستوفى في رسم أوله مسائل بيوع ثم كراء، من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته. [: رجل تصدق على بنين له ثلاثة بأرض أو دار وأحد الولد غائب] ومن كتاب المكاتب وسألته عن رجل تصدق على بنين له ثلاثة بأرض أو دار وأحد الولد غائب، فأراد الحاضران أن يحوزا حظيهما، فقاسمهما الأب فأخذا ثلثي الأرض أو الدار؛ وحبس الوالد الثلث فمات قبل قدوم الابن الغائب، فلما قدم أراد أن يدخل على أخويه فيما حازا مما كان أبوهم قد تصدق به عليهم؛ فقال: لا حق له إذا لم يحز لنفسه، ولم يحز له حائز، ولأخويه ما حازا دونه؛ قلت: فلو لم يقاسمهما الأب فحازا ثلثي ذلك أو أقل أو أكثر حيازة مبهمة، ليست حيازة مقاسمة. قال أصبغ: ما حازا بينهم؛ لأن الصدقة وقعت بينهم على الإشاعة، وقبضهما حيازة للغائب لمغيبه، فقد حازا من الصدقة شيئا هو بينهما وبين الغائب، فذلك جائز، وهو بينهم سواء، كما كانت الصدقة بينهم، ويشبه أن يقولوا مثل هذا أيضا، وإن كانا حازاه على مقاسمة من الأب فيها؛ لأن القسمة التي قسمها الأب لا تجوز عليه؛ إذ ليس ممن يجب أن ينظر له.

قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية قلت: فلو لم يقاسمهما الأب إلى آخر المسألة، ساقط من أكثر الكتب، وهي زيادة جيدة تتم بها المسألة؛ ولا إشكال فيما حاز الحاضران على غير قسم أنه بينهما وبين الغائب، وإنما الكلام فيما حازاه على مقاسمة من الأب لهما على الغائب؛ فالقياس أن يدخل الغائب عليهما فيما حازاه على الأب؛ لأن قسمته لا تجوز عليه إذا كانت بعد الصدقة، ولم تكن في أصلها؛ ووجه إعمال القسمة عليه، وإن لم تكن في أصل الصدقة، وكانت بعدها مراعاة قول من يقول: إن الصدقة والهبة لا يجب الحكم بها على المتصدق والواهب ما لم تقبض منه، فكانت القسمة كأنها في أصل الصدقة؛ ولو قدم الغائب والمتصدق حي، لما جازت عليه القسمة إذا لم تكن في أصل الصدقة، وعلى قياس إجازة القسمة على الغائب استحسانا مراعاة لهذا الخلاف، يأتي ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن المدنيين والمصريين، وقال: إنه مما اجتمعوا عليه ورأوه واحدا في الهبة والصدقة من أن الرجل إذا حبس حبسا على بنيه الصغار والكبار، أو تصدق عليهم بصدقة، فقاسمه في أصل التحبيس أو بعده، فسمى للصغار من ذلك مساكن معروفة محدودة، وللكبار مثل ذلك، فلم يحز الكبار ما سمى لهم من ذلك، وحاز هو للصغار ما سمى لهم؛ جاز ذلك للصغار، وبطل على الكبار؛ لأنه إنما صار كأنه إنما حبس على كل فريق منهم شيئا بعينه مفروزا محدودا، وقال فضل: رأيت ابن حبيب قد ذكر في سماعه من أصبغ، عن ابن القاسم بخط يده: إذا قسم ذلك في أصل

مسألة: يكون بينه وبين الرجل عبد فيقول أحدهما نصيبي من خدمتك عليك صدقة

الحبس، ولم يذكر فيه هذه كما حكى هاهنا. قال محمد بن رشد: وهذا هو القياس، إلا أن يكون إذ قسم الحبس أو الصدقة بين الصغار والكبار بعد أن حبس أو تصدق عليهم جميعا، قسمه مع الكبار برضاهم، فيجوز ذلك ويكون للصغار حظهم بحيازة الأب إياه لهم، ويبطل حظ الكبار، إلا أن يحوزه، ولا يكون في ذلك اختلاف ولا اعتراض؛ لأن قسمة الأب على الصغار جائزة، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون بينه وبين الرجل عبد فيقول أحدهما نصيبي من خدمتك عليك صدقة] مسألة قال: وسألته عن الرجل يكون بينه وبين الرجل عبد، فيقول أحدهما نصيبي من خدمتك عليك صدقة؛ فقال: يقول عليه نصيب صاحبه، ويكون ذلك بمنزلة من أعتق شركا له في عبد. قلت: فإن قال الرجل لعبده خدمتك عليك صدقة ما عشت أنت، أو ما عشت أنا؛ قال: أما حياة العبد فبين أنه حر ساعتئذ، وأما حياة السيد، فليس له من خدمته إلا حياة السيد، ولا يكون حرا، وكذلك قوله بخراجك وبعملك. قال محمد بن رشد: فرق مالك في سماع ابن القاسم من كتاب الخدمة في أول رسم منه بين الخراج والعمل، فقال: إنه إن قال: تصدقت عليك بخراجك، كان له أن يستخدمه ولا يضر به؛ يريد في مثل ما استخدم فيه أم الولد، وإن قال: قد تصدقت عليك بعملك، كان حرا مكانه، وقال سحنون:

مسألة: يتصدق في صحته على الرجل بمن إذا ملكه عتق عليه

مفاد الخراج والعمل والخدمة عندي واحد، فإن قال الرجل لعبده: قد تصدقت عليك بخدمتك، أو بخراجك، أو بعملك، فإن كان أراد ما عاش العبد فهو حر ساعتئذ؛ وإن كان ما عاش السيد فليس له منه إلا حياة السيد، فقول سحنون في مساواته بين الخراج والخدمة والعمل، مثل قول ابن القاسم في هذه الرواية، خلاف قول مالك: ولا فرق عند جميعهم بين الخدمة والعمل، ولم يتكلم ابن القاسم إذا قال: قد تصدقت عليك بخدمتك، أو بعملك، ولم يقل: ما عشت أنت، أو ما عشت أنا، والذي يوجبه النظر أن يصدق في ذلك دون يمين، وهو الذي يدل عليه قول سحنون؛ فإن قال: لم تكن لي نية، حمل على حياة العبد، وكان حرا مكانه، وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق في صحته على الرجل بمن إذا ملكه عتق عليه] مسألة قال: وسألته عن الرجل يتصدق في صحته على الرجل بمن إذا ملكه عتق عليه، فلا يقبل صدقته ما يكون حال العبد؟ فقال: يكون حرا على سيده الذي تصدق به، ويكون ولاؤه له، ولا يجبر المتصدق عليه على أخذه. قال محمد بن رشد: قوله: إذا لم يقبل أنه يكون حرا على سيده الذي تصدق به، ويكون الولاء له، خلاف نص قوله في المدونة في الذي يوصى له بمن يعتق عليه والثلث يحمله؛ أنه يعتق عليه قبل أو لم يقبل، ويكون الولاء له؛ قال أبو إسحاق التونسي: وكان القياس إذا لم يقبل أن يرجع رقيقا لورثة الموصي في الوصية، أو للمتصدق به في الصدقة، ووجه ما ذهب

إليه؛ أن الموصي والمتصدق إنما ملكه كل واحد منهما إياه إن شاء، فكان كما لو قال لعبده: عتقك بيدك إن شئت، فقال: لا أقبل؛ أنه رقيق، ووجه ما في المدونة أن المتصدق والموصي لما علم كل واحد منهما أنه يعتق عليه إذا ملكه، ولم يكن على يقين من قبوله إياه، حمل عليه أنه أراد عتقه عنه، فكان الولاء له قبل أو لم يقبل، ووجه هذه الرواية أنه لما علم أنه يعتق عليه فأوصى له به، أو وهبه إياه، أو تصدق به عليه، فقد قصد إلى عتقه، فكأنه قال: إن قبله، وإلا فهو حر؛ والقولان في الولاء إذا لم يقبل في رسم القطعان، من سماع عيسى، من كتاب العتق، وأما إذا أوصى له بشقص ممن يعتق عليه، أو وهبه إياه، أو أوصى له به كله، فلم يحمله الثلث، فمذهب ابن القاسم أنه إن قبل عتق عليه ذلك الشقص، وقوم عليه الباقي إن كان له مال، وإن لم يقبل عتق عليه ذلك الشقص، وكان ولاؤه له، وقال علي بن زياد، عن مالك: إن لما يقبل سقطت الوصية، وكذلك على روايته يرجع الشقص الموهوب إذا لم يقبله الموهوب له إلى الواهب ملكا، ووجه ما ذهب إليه مالك في رواية علي بن زياد: أنه حمل عليه إذا كان ثم تقويم يضر به، أنه خيره بين أن يقبل، فيعتق عليه ما قبل، وبقوم عليه باقيه؛ وبين ألا يقبل فيرجع إليه رقيقا. وإذا لم يكن ثم تقويم يضر به، حمل عليه أنه أراد عتق عنه بكل حال؛ وعلى هذه الرواية أنه أراد عتقه عن نفسه، إن لم يقبله، ورواية عدي بن زياد في الشقص يوهب له ممن يعتق عليه، أو يوصى له به، أنه إن لم يقبله رجع رقيقا، أظهر من مذهب ابن القاسم؛ لأنه إذا كان يعتق عليه الشقص على كل حال قبله أو لم يقبله بعد أن يقوم عليه إذا قبله،

مسألة: تصدق رجل على رجل مفلس بدنانير ليؤديها في دينه

إذ لم يؤثر قبوله له شيئا، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق رجل على رجل مفلس بدنانير ليؤديها في دينه] مسألة قلت: فإن تصدق رجل على رجل مفلس بدنانير ليؤديها في دينه، فلم يقبل، وقال الغرماء: نحن نقبل ذلك عليه، ولا ينبغي له أن يضر بنا في رد ما تصدق به عليه؛ فقال: لا يجبر على أخذ الصدقة؛ لأنه يقول: لا ألزم نفسي مذمة، ولا أوجب لأحد علي منة، وسيرزقني الله، فأؤدي إن شاء الله. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في هذا الرسم، من هذا السماع، من كتاب المديان والتفليس، وهي مسألة صحيحة بينة، قد أغنى ابن القاسم عن القول فيها بنصه على العلة فيها، فإن قال الغرماء: ليس من حق المتصدق عليك أن يؤدي إلينا ديوننا عنك، فيكون عليه قد امتن بذلك عليك، ولا يكون لك في ذلك حجة، فما الفرق بين ذلك وبين أن يعطيك ما تؤدي منه دينك؛ قيل لهم: الفرق بين ذلك ظاهر بين؛ لأنه إذا أدى عنه دينه إلى الغرماء بغير اختياره، كان من حقه إذا أيسر أن يؤدي ما عليه من الديون، ويجبر أربابها على قبضها، لتزول المنة عنه في أدائها عنه، ولو قبض المفلس الصدقة التي تصدق بها عليه على أنه بالخيار في قبولها وردها، فأراد ردها، وقال الغرماء: نحن نقبلها؛ لتخرج ذلك على قولين حسبما ذكرناه في كتاب التفليس.

: أخوين تنازعا في رقيق ادعى أحدهما أن له فيها شركا

[: أخوين تنازعا في رقيق ادعى أحدهما أن له فيها شركا] ومن كتاب الأقضية قال يحيى: وسألت ابن وهب عن أخوين تنازعا في رقيق ادعى أحدهما أن له فيها شركا، فقال المدعي لأخيه: أن منجاحا وابنتيه بيننا، وقال له أخوه: ليس له إلا ابنة واحدة، فقال أخوه: بل له ابنتان صغيرة وأخرى كبيرة، فقال له أخوه: إن كانت له ابنة سوى صغيرة، فهي عليك صدقة، فخاصمه الأخ فيما تصدق به عليه من الابنة الأخرى، ثم أقر الأخ بعدما نظر في أمرهما أن له ابنة أخرى، وقال: إنما وهبت، وليس لك صدقة، وظننت أنك تعني منجحا غلاما سواه؛ فقال الأخ: والله لا أقيلك من صدقتي ولا أدعها أبدا، إلا أن يقضى له بها، قال: فقال: سمعت مالكا يقول وهو الذي آخذ به: إن الصدقة إذا كان أصلها على وجه الصلة وطلب البر والمكافأة، وما أشبه ذلك من الوجوه المعروفة بين الناس في احتسابهم، أو حسن معاشرتهم، فإن صاحبها لا يرجع فيها؛ وإن خاصمه المتصدق بها عليه، قضي له عليه بها، قال: وأما كل صدقة تكون في يمين الحالف، أو لفظ منازع، أو جواب مكذب لصاحبه، مثل ما ذكرت لك في مسألتك؛ فهي باطل لا يقضى بها لمن تصدق بها عليه في بعض هذه الوجوه، وما أشبهها، إلا أن معطيها والمتصدق بها، يوعظ ويؤثم، فإن تطوع بإمضائها، كان ذلك الذي يستحب له، وإن شح، لم يحكم عليه فيها بشيء.

مسألة: أخوين أوصى أحدهما بوصية بحظه من مورثه

قال محمد بن رشد: مثل هذا في كتاب الهبات من المدونة، أن ما كان من الصدقة على وجه اليمين للمساكين، أو لرجل بعينه، فلا يجبره السلطان على أن يخرجها، وهو المشهور في المذهب، والمعنى في أنه لا يقضي بها بيّن، وذلك أن الحالف بالصدقة إنما يقصد إلى الامتناع مما حلف بالصدقة ألا يفعله، لا إلى إخراج الصدقة، والأعمال بالنيات؛ لكنه إذا فعل الذي حلف بالصدقة ألا يفعله، فقد اختار إخراج الصدقة على ترك الفعل، فلذلك قال: إنه يوعظ ويؤثم، وإنما لا يقضى عليه بالصدقة، إن كان آثما في الامتناع من إخراجها؛ لأنه لا أجر له في الحكم عليه بها وهو كاره، فيذهب ماله في غير منفعة تصير إليه، ولهذا المعنى لا يحكم على من نذر نذرا بالوفاء به، وفي المدنية لمحمد بن دينار فيمن شرط لامرأته أن تسري عليها، فالسرية صدقة عليها؛ أن الصدقة بالشرط تلزمه، وأنه إن أعتقها بعد أن اتخذها لم ينفذ عتقه، وكانت لها صدقة بالشرط، ولابن نافع في المدنية أيضا فيمن باع سلعة من رجل، وقال: إن خاصمته فهي صدقة عليه، فخاصمه فيها، أن الصدقة تلزمه، فإن كان يريد بقوله: إن الصدقة تلزمه، أنه يحكم بها عليه، فهو مثل قول ابن دينار، خلاف المشهور في المذهب، وأما ما كان من الصدقات المبتلات لله على غير يمين، فيحكم بها إن كانت لمعين باتفاق، وإن كانت للمساكين، أو في السبيل على اختلاف الرواية في ذلك في المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: أخوين أوصى أحدهما بوصية بحظه من مورثه] مسألة قال: وسألته عن أخوين أوصى أحدهما بوصية فكتب فيها: وقد

تصدق فلان بن فلان الفلاني على أخيه فلان بن فلان، بحظه من مورثه في دار أبيه وجنانها وبئرها، وكل ما صار له فيها، تصدق به صدقة لله بتلا، أمضاها فلان الموصي لأخيه فلان حي أو ميت، وما كان من غير ذلك من متاع، أو ناض، أو عقار، أو حيوان، أو دار، أو قرية، أو شجر، أو رحى، أو حانوت، أو بيت في داخل المدينة، أو خارجا منها في أرباضها، أو خارجا من أرباضها، أو قراها في جميع الأندلس، أو في المشرق، ودارهم التي بأفريقية التي اشتروا من ورثة أبان بن راشد الحلي، أو رقيق في كل ما سمياه في قراهم، أو غير ذلك من البلاد، من قليل أو كثير؛ فهو بين أخيه، وفلان شرعا سواء بينهما، فادعى الموصي أنه كان أوصى بهذه الوصية مما ذكر من شرك أخيه وصية منه، وأنه ينقضها إذا بدا له، كما ينقض الموصي وصيته، وادعى أخوه أن ذلك إقرار منه له بشركه الذي كان يعرف له، وقد كانا فيما يعرف الناس من ظاهر أمرهما شريكين حتى تجاحدا ذلك وتناكراه. قلت: فهل ترى ما كتب صاحب الوصية في وصيته هذه إقرارا لأخيه، ومبتدؤها وصية على ما ذكرت لك، وكان كتبه إياها عند غزوة غزاها، وهو صحيح سوي، قال:

مسألة: يتصدق على ابن أخيه أو على أخيه وهو صغير في حجره

أرى إن ثبتت هذه الوصية التي اقتصصت بالبينة العادلة، أو بإقرار منه بها، أن يلزمه جميع ما فيها من الصدقة بحظه من الدار التي ورث عن أبيه وجنانها وبئرها؛ لأنه بتلها لأخيه ويلزمه فيما سوى ذلك من جميع ما كان في يديه يوم أقر لأخيه بها في هذه الوصية إقراره، فيجعل ذلك بينهما نصفين، وأرى ما نص من ذلك إقرارا منه لأخيه، ولست أراها وصية يجوز له نقضها كما ادعى، قال: وسألت عن ذلك ابن القاسم وأقرأته كتاب الوصية على مثل ما أقرأته ابن وهب، فقال مثل قول ابن وهب، ولم يخالفه في شيء منها. قال محمد بن رشد: هذا كما قالا؛ لأن الإقرار فيها بيّن، وإن كان ابتداؤها وصية؛ لأن الرجل يلزمه أن يذكر في وصيته ما عليه من الحقوق، فهو آكد عليه مما يوصي به أنه ينفذ عنه، وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على ابن أخيه أو على أخيه وهو صغير في حجره] مسألة قال: وسألت ابن وهب عن الرجل يتصدق على ابن أخيه، أو على أخيه وهو صغير في حجره، وهو يليه بالنظر له، والقيام بأمره، وليس بوصي لأبيه، فيكون في يدي المتصدق حتى يموت؛ أيحوز ذلك عليه كحوز الوالد؟ وهل تحوز الأم لولدها الصغير ما تصدقت به عليه، أو الأجداد، أو الجدات، أو الأخوال، أو الخالات، أو الأعمام، أو العمات؛ قلت فسر لي رحمك الله من يحوز من

هؤلاء على الصغير ما يتصدق به عليه إذا كان في حجره؟ ومن لا يحوز عليه منهم؟ قال: لا يحوز من هؤلاء على الصغير ما يتصدق به عليه إذا كان في حجره إلا الأب، والوصي، والأم إذا كان يتيما في حجرها، وإن لم يكن موصى إليها؛ والأجداد بمنزلة الأب إذا لم يكن الأب، وكان الجد هو الذي يليه، وهو في حجره، والجدات بمنزلة الأم، إذا لم تكن الأم وكان في حجرها. قال: وأما ما سوى هؤلاء، فلا يكون حوزهم حوزا للصغير إلا إن برئ منه إلى رجل يليه للصغير. قلت له: أرأيت الأبوين، والأجداد، والجدات، والوصي، الذين جعلتهم كالأب فيما يلي من الحوز للصغير، أيجزيهم الإشهاد وإعلان الصدقة، ويثبت ذلك للصغير المتصدق عليه، وإن انتفعوا بكل الغلات إن كان عقارا، أو لبس الثياب إن كانت الصدقة ثيابا، أو استخدام الرقيق إن كانت الصدقة رقيقا، أم لا يكون الحوز على الصغير ممن يلي ذلك له من هؤلاء الذين نصصت لك حوزهم عليه، إلا بحبس الغلة عليه، وأن تكرى تلك الصدقة باسمه، ويشهد على نفسه بما يقبض من غلته، وبرئ من الانتفاع بقليل ذلك وكثيره، وكيف إن لبس الثوب لبسا خفيفا، أو أتاه وأدرك بعينه، أو استخدم الرأس

استخداما يسيرا. قال: وسألت ابن القاسم عن مثل الذي سألت عنه ابن وهب من الحيازة على الصغير، فقال: لا يحوز على الصغير ما يتصدق به عليه إلا الأب أو الوصي؛ ولا يحوز له إلا من كان يجوز له إنكاحه والمبارأة عنه والاشتراء له، والبيع عليه. قال: قال ابن القاسم: وقد سألت مالكا عن الأم تتصدق على ابنها الصغير في حجرها قد مات أبوه، فقال: إن كانت وصية عليه فهذا الذي لا يعرف غيره أنه جائز، قال ابن القاسم: فأما ما سواها من أمر ليست بوصية، أو خال، أو عم، أو قريب، أو بعيد، فلا يحوز على الصغير، وإن كان في حجره، وأما أن يحوز له الأب أو الوصي، أو وصي الوصي ما تصدق به عليه أو تصدق به غيره عليه. قال محمد بن رشد: في سماع عبد الملك من كتاب الوصايا، أن كل من ولي يتيما من قريب أو بعيد، فإنه يحوز له ما وهب له، ومثله من بيده اللقيط، ورواه ابن غانم، ونحوه في كتاب القسمة من المدونة أن الرجل يحوز مقاسمته على من التقطه، فهو قول ثالث في المسألة حسبما مضى تحصيله في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب الحبس، ولما سأل ابن وهب في هذه الرواية، إذ أجاز حيازة الأجداد والأم والجدات لما وهبوا، إذا كانوا في حجورهم، وجعلهم في ذلك كالأب، هل يكتفون من الحيازة بالإشهاد على الصدقة وإعلانها، وإن انتفعوا بأكل الغلات، وإن كان

مسألة: امرأة استخلفت رجلا يخاصم لها في منزل غصبته

عقارا أو لبس الثياب، إن كانت الصدقة ثيابا، أو استخدام الرقيق إن كانت الصدقة رقيقا، أم لا تصح حيازتهم لهم إلا أن يكروا ما يكرى من ذلك بأسمائهم، ويشهدوا على أنفسهم بما يقبضون من غلات ذلك، ويبرءوا من الانتفاع بذلك بقليل ذلك أو كثيره، فسكت عن الجواب في ذلك، ولا أعرف له في ذلك مذهبا منصوصا عليه، وقد اختلف فيما عدا الملبوس والمسكون من ذلك في الأب والوصي على ثلاثة أقوال؛ قد مضى تحصيله في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته؛ وأما الملبوس والمسكون فلا اختلاف في أن الأب أو الوصي إذا لبس أو سكن ما وهب أو تصدق به، أو حبسه، بطلت حيازته، وكذلك من سوى الأب والوصي عند من يجيز حيازته ما وهب لمن في حجره، وبالله التوفيق. [مسألة: امرأة استخلفت رجلا يخاصم لها في منزل غصبته] مسألة قال: وسألت ابن وهب عن امرأة استخلفت رجلا يخاصم لها في منزل غصبته، فخاصم حتى قضي لها به، وسكنت فيه سنة، والمستخلف المخاصم معها فيه، فسألها المخاصم أن تتصدق عليه بثلث ذلك المنزل الذي قضي لها به ففعلت، ثم إن المرأة قامت عليه بعد تدعي أنها كانت جاهلة بما تصدقت به عليه من ثلث المنزل، فأتت بشهيدين، فشهدا أن فلانا المخاصم لها المتصدق

عليه، ادعى عند القاضي أنها جعلت له الذي أعطته في القرية في شخوصه وقيامه، وأنكر القاضي أن يكون علم ذلك من دعواه عنده، أو سمعه منه؛ غير أن الشهيدين قد ثبتا على شهادتهما بما كان يدعي عند القاضي من ذلك، وشهد له أيضا شاهد جائز الشهادة آخر أن فلانا المتصدق عليه كان يقلل عندها الذي سألها من الصدقة، ويزعم لها عند سؤاله إياها أنه يسير حقير لو عرفته، ثم ادعى المتصدق عليه أنها كانت صدقة منها عليه في صحة من بدنها، وجواز من أمرها بعدما عرفت الثلث الذي تصدقت به عليه، وموضع الفدادين، وما في ذلك الثلث من شجر، أو حجر، أو منتفع، قليل أو كثيرة؛ وأنه سكن معها في الصدقة عامين، وكانت الصدقة فيما زعم بعد أن قضي لها بالمنزل بسنتين أو نحو ذلك؛ قلت: فهل ترى صدقته ثابتة له عليها، والمرأة قد بلغت مبلغ من يجوز عليها أمرها من النساء؛ فقال لي ابن وهب: أرى الصدقة لها لازمة، وعليها جائزة بالذي ثبت عليها أنها تصدقت بذلك بعد معرفتها بما تصدقت به، قال: فأما إن كانت معروفة بالجهالة بذلك المنزل، فخدعت عما تصدقت به، وثبت لها أنه قلل لها وحقره عندها، وهي بذلك غير عالمة بالذي

قضي لها به، ولا جائزة بالذي طلب إليها فيه، فأرى الصدقة على مثل هذا غير جائزة. قال: وسألته عن الجعل في الخصومة فلم يره جائزا. قلت: فإن وقع، قال: يعطى أجر مثله في شخوصه، قضي له أو لم يقض بشيء؛ وقال: وسألت ابن القاسم عن صدر هذه المسألة على مثل ما سألت عنه ابن وهب، فقال: أرى أن الصدقة جائزة بعد أن يحلف المتصدق عليه بالله ما كان الذي تصدقت به عليه أمرا قاطعته به قبل الخصومة، وما الذي أحدثته من الصدقة أمرا كان أصله على المجاعلة في الخصومة التي قام بها، وما هو إلا شيء طاعت له به، لما قضي لها به على يديه، فتصدقت بذلك عليه شكرا ومكافأة؛ فإن حلف على ذلك، جازت له الصدقة للذي ثبت عليها من عمله، بما تصدقت به عليه، ومعرفتها به وبحدوده؛ وذلك أنا نرى أن رجلا لو سأل رجلا يقوم له في خصومة ويكافئه عليها؛ لكان الذي فعله لا يصلح، ولو قام بالخصومة على تلك العدة؛ لكان وجه الصواب في ذلك أن يعطي أجر مثله؛ قال: ولو أعطاه دارا، أو عبدا، أو أرضا

مكافأة له، ففات ذلك وقبضه؛ لجاز ذلك، ولم يكن للمعطي أن يتعقبه فيه بأمر ينتزع به منه الذي تطوع له به وكافأه به من غير سلطان ألزمه إياه؛ لأنه إنما أعطاه ذلك للذي كان يلزمه له من أجر مثله فيما قام له به من الخصومة، وشخص له فيه، فأرى أنه إن كانت عطيتها إياه على غير مقاطعة سميت له في أصل الجعل، أو صدقة منها، فهي حلال في الأمرين جميعا العطية له جائزة، والصدقة كذلك، قال فإن كانت جاعلته على ثلث ذلك المنزل عند ابتداء الخصومة، فذلك موضوع عنها، وله أجر مثله؛ وذلك أن مالكا قال: لا يحل الجعل في الخصومة على إن فلج فله جعله، وإن لم يفلج فلا شيء له؛ ومن عمل في هذا فله أجر مثله. قلت: فما وجه ما تجوز به الإجارة في الخصومة؟ قال: لا أرى به بأسا مشاهرة، إذا عرف وجه الشخوص فيها شهرا بشهر، فلا أرى أيضا بأسا أن يقاطع إذا كان الذي يخاصم فيه شيئا معروف القدر، خفيف الخطر، ووجه الشخوص فيه لا يكاد يختلف فيه. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في سماع سحنون، من كتاب الجعل والإجارة ملخصة محذوفة، وبعض ألفاظها مخالفة لما وقع فيها هاهنا، من ذلك أنه قال فيها هناك أنه ادعى أنها صدقة، وأقام البينة على صدقته، وهم مقرون بها، غير أنهم قالوا: إنما فعلنا؛ لأنا ظننا أن ذلك يلزمنا، وإنما قاموا عليه بعد سنين والمعنى فيها، أن الرجل خاصم في القرية

لأربابها، فلما استحقها لهم تصدقوا عليه بثلثها، لقبض الثلث وحازه؛ ثم إنهم قاموا عليه بعد سنين، فقالوا: إنا كنا جاعلناك على الخصام في القرية بثلثها الذي دفعناه إليك، وذلك لا يجوز لك؛ لأنه جعل فاسد لا يجوز، وأقاموا البينة على إقراره بأنه أخذه على جعله بما شهد به عليه الشاهدان بأنه كان يدعي ذلك عند القاضي؛ وقال: هو إنما أخذته بالصدقة، وأقام البينة على الصدقة، فأقروا، وقالوا: إنما تصدقنا عليك به؛ لأنا ظننا أن ذلك يلزمنا بالجعل الذي شارطتنا عليه، فرأى ابن وهب الصدقة لها لازمة وعليها جائزة. قال: فالذي ثبت عليها أنها تصدقت بذلك بعد صرفتها بما تصدقت به، وليس في السؤال ثبوت الصدقة عليها، وإنما وقع ذلك في سماع سحنون، من كتاب الجعل والإجارة، غير أن فيه إقرارها بها ودعواها الجهل بمقدارها، وذلك كثبوت ذلك عليما، ولا فيه أيضا ثبوت معرفتها بقدر الصدقة، غير أن فيه أنها سكنت في المنزل مع المخاصم لها فيه سنة بعد أن قضى لها به قبل الصدقة، وذلك يقتضي معرفتها بمقدار ذلك؛ قال: ولو كانت جاهلة بمقدار ما تصدقت، وثبت أنه قلل لها ذلك وحقره عندها لما لزمتها الصدقة، ورأى ابن القاسم أيضا الصدقة لها لازمة، ولم يعذرها بالجهالة، ولا رأى ما ثبت عليه هو من ادعائه أنه أخذه على جعله ضائرا له؛ لأن بإزائه إقرارها له بالصدقة التي ادعى، واستظهر عليه باليمين على أنه لم يقطعها بالثلث قبل الخصومة، وإنما طاعت له به بعدها شكرا ومكافأة عليها من أجل ما تضمنه السؤال من أنه شهد عليه أنه ادعى عند القاضي أنها جاعلته على ذلك، وفي قوله في آخر جوابه قال: فإن كانت جاعلته على ثلث ذلك

المنزل عند ابتداء الخصومة، فذلك موضوع عنها، وله أجر مثله؛ وذلك أن مالكا قال: لا يحل الجعل في الخصومة على، إن فلج فله جعله، وإن لم يفلج فلا شيء له؛ ومن عمل في هذا فله أجر مثله دليل على أن ذلك جائز عنده على القول بأن الجعل جائز في الخصومة، على أنه إن فلج فله جعله، وإن لم يفلج، فلا شيء له؛ خلاف قوله في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر، من سماع يحيى من كتاب الجعل والإجارة في الذي يقول للرجل: قم لي بطلب شفعتي، ولك إن استحققتها نصف سهمي، ونصف ما تأخذ لي بالشفعة؛ أن ذلك لا يجوز، وإن كان الجعل حلالا؛ لأنه جعل فيه ما لم يملكه بعد، وبينا هناك أن ذلك ينبغي أن يكون جائزا على القول، بأن الجعل في الخصومة جائز على أنه إن فلج فله جعله، وإن لم يفلج فلا شيء له بيانا شافيا، فلا معنى لإعادته، وهو ظاهر قوله هاهنا. وقد اختلف قول مالك في الجعل في الخصومة على أنه إن فلج فله جعله، وإن لم يفلج فلا شيء له، وقع اختلاف قوله في ذلك في آخر كتاب الجعل والإجارة من المدونة، واختلف في ذلك قول أبي القاسم أيضا، روى عنه يحيى في أول رسم، من سماع يحيى، من كتاب البضائع والوكالات، إجازة ذلك، خلاف قوله في هذه الرواية، والأظهر إجازة ذلك؛ لأن الجعل على المجهول جائز، وإنما كرها ذلك على أحد قوليهما إذا كثر الجهل فيه استحسانا، وأما إذا قل الجهل فيه، وكان الذي يخاصم فيه شيئا معروف العدد، خفيف

مسألة: يتصدق على ابنه الصغير برقيق

الخطب، وجه الشخوص فيه لا يكاد يختلف؛ فذلك جائز قولا واحدا كما قال في هذه الرواية؛ وقوله أن الوجه في الإجارة في الخصومة إذا عرف وجه الشخوص فيها، أن تكون مشاهرة شهرا بشهر، معناه أن يستأجره شهرا على الخصام بأجر معلوم، فإن فلج أو فلج عليه قبل تمام الشهر، كان له من إجارته بحساب ما مضى من الشهر، وإن انقضى الشهر ولم يفلج فاستأجره على التمادي على الخصام شهرا آخر أيضا، فإن فلج قبل تمام الشهر، كان له من إجارته بحساب ما مضى من الشهر، كالذي يستأجر الرجل شهرا على أن يبيع له ثوبا، فإن باع قبل تمام الشهر، كان له من إجارته بحساب ما مضى منه، وإن انقضى ولم يبع شيئا استوجب جميع أجرته؛ وكذلك قال مالك في كتاب ابن المواز إنما تجوز الإجارة في الخصومة بأجر معلوم، وأمد معلوم، يكون ذلك له ظفر أو لم يظفر؛ قال ابن القاسم: ثم ليس له ترك ذلك حتى يستخرجه؛ قال أصبغ: كالإجارة على بيع السلعة، وإن لم يتم وقتا إذا كان لذلك وقت قد عرفه الناس، والأجل على كل حال أحسن، وقول أصبغ صحيح على ما قالوا في الشيء الذي يباع من جاعل أن الإجارة على بيعه جائز دون ضرب الأجل؛ لأن العناء في بيعه معروف، فهو أجل معلوم، وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على ابنه الصغير برقيق] ومن كتاب أوله: أول عبد ابتاعه، فهو حر مسألة قال: وسألته عن الرجل يتصدق على ابنه الصغير برقيق، ثم

يموت فيترك الورثة تلك الرقيق في يد المتصدق عليه نحوا من ثماني عشرة سنة، ثم يريدون اقتسام تلك الرقيق، ويقولون: إنما تركناها في يدك على حال إرفاقك بخدمتها، فإذا زعمت أنك حبستها بأنها عليك صدقة، فهات على دعواك بالبينة؛ فيقول: قد طال ترككم إياها عندي معرفة منكم بحقي، ولو سألتموني البينة على الصدقة بحداثة موت أبي وجدتها، وقد ماتوا اليوم أو نسوا، وفي ترككم إياها في يدي إقرار منكم بمعرفة صدقي، ولعله قد كان يعتق ويتصدق ويبيع. قال ابن القاسم: إن جاء بالبينة على أهل الصدقة فالأب عليه حائز مع قبضه للرقيق بعد أبيه، وترك الورثة ذلك في يدي لا يكلفونه حوزا، ولا يسألونه إياه، وإن لم تكن له بينة على أصل الصدقة، وإنما أراد أن يوجب لنفسه دعواه بترك الورثة اقتسام الرقيق، فلا حق له فيها إلا مورثه منها، إلا أن يكون إذ حازها بالقبض لها، كأن يعتق ويبيع ويصنع ما يصنع المرء فيما خلص له من الأموال، فإن كان كذلك مع حضور الورثة وعلمهم بفعله، فهو أحق بالرقيق من جميع الورثة، قال: وإن كان إنما أعتق رأسا من عدة رقيق، أو تصدق بيسير من كثير، فإن ذلك لا يوجب له الصدقة التي ادعى، لا فيما أحدث فيه، ولا فيما بقي من الرقيق؛ غير أنه إن كان أعتق، قوم عليه؛ وإن كان باع، غرم أنصباء أشراكه من الثمن لحضورهم وعلمهم بالبيع؛ قال: وإن كان الذي أحدث فيه من العتاقة والبيع والصدقة، وما أشبه ذلك في جل الرقيق وأكثرها، فالذي

بقي من الرقيق تبع لما أحدث فيه يستحق ما بقي بما ادعى من الصدقة لحوزه ذلك، وقبضه دون إخوته. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يستحق الابن المتصدق عليه الرقيق بطول مكثها في يديه، إذا لم تكن له بينة على أصل الصدقة، صحيح لا اختلاف في أنه لا حيازة بين الأقارب الشركاء بالميراث وغير الشركاء بالسكنى والازدراع فيما يسكن ويزدرع، أو بالاستخدام واللباس فيما يستخدم ويلبس، وإن طالت المدة، إلا ما تناوله بعض الناس على ما في المدونة في قوله: وهذا من وجه الحيازة التي أخبرتك من أنه لا يجوز على مذهبه في المدونة في الحيازة بين الأقارب والأجنبيين وهو بعيد، وكذلك قوله: إلا أن يكون إذ حازها بالقبض لها، كأن يعتق ويبيع ويصنع ما يصنع المرء فيما خلص له من الأموال، فإن كان كذلك مع حضور الورثة وعلمهم بفعله، فهو أحق بالرقيق من جميع الورثة؛ صحيح أيضا لا اختلاف في أن التفويت بهذه الأشياء من البيع والعتق والهبة والصدقة والكتابة والتدبير والوطء، حيازة بين الأقارب الشركاء بالميراث وغيرهم إذا كانوا حضورا، ويفترق الحكم بين أن يحضروا التفويت، أو يعلموا به، وهم في البلد حضور، حسبما قد مضى بيانه في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم، كتاب الاستحقاق، ويختلف إذا فوت بذلك الوارث أو القريب اليسير من الجميع أو الجل، وبقي اليسير: فقيل إن القليل تبع للكثير

مسألة: ينحل ابنه الدنانير ويضعها على يدي رجل

في الوجهين، وهو قوله في هذه الرواية، ومثله في رسم الكبش، من سماع يحيى، من كتاب الاستحقاق؛ وقيل: إنه لا يكون تبعا له في الوجهين؛ فإن كان أعتق رأسا من عدة رقيق، أو باعه أو وهبه، استحقه بذلك، ولم يكن لأشراكه في الميراث عليه في ذلك حق، لحضورهم وعلمهم، وإن كان أعتق الجل أو فوت ذلك بالبيع، أو الهبة، أو الصدقة؛ كان لأشراكه في الميراث حقهم فيما بقي، وإن كان يسيرا، وسقط حقهم في الكثير المتفوت، وهو ظاهر قول ابن القاسم في سماع سحنون، من كتاب الاستحقاق، وقد قيل: إن معنى ما في سماع سحنون إذا كان الذي حازه الوارث بهذه المعاني متناصفا، أو متقاربا، فلذلك قال: إنه لا يكون القليل تبعا للكثير، لا فيما حيز ولا فيما لم يحز، فلا يكون على هذا اختلاف في أن القليل تبع للكثير، وهو أولى من حمل ذلك على الخلاف؛ إذ لا اختلاف في أنه إذا كان ما حازه الوارث على أشراكه بهذه المعاني متقاربا، أو متناصفا، لا يكون بعض ذلك تبعا لبعض، وبالله التوفيق. [مسألة: ينحل ابنه الدنانير ويضعها على يدي رجل] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الرجل ينحل ابنه الدنانير، ويضعها على يدي رجل، ثم يصوغها له حليا، أو كانت آنية، ثم أراد اعتصارها؛ قال: ليس ذلك له؛ لأنه قد تغير عن حاله، وإنما ذلك بمنزلة أن لو اشترى له جارية أو غير ذلك، ثم أراد اعتصارها، لم يمكن من ذلك، قال سحنون: وقال ابن وهب عن مالك في الدنانير

والدراهم التي صيغت حليا، مثل قول ابن القاسم. قال محمد بن رشد: قوله: أو كانت آنية يريد آنية فصاغها، فقوله في الدنانير والآنية إذا وهب ذلك لابنه ثم صاغه له حليا، أنه لا اعتصار له في ذلك؛ لأنه قد تغير عن حاله؛ تعليل صحيح، وهي علة متفق عليها إن كان صاغها بمال الولد، وأما إن كان صاغها له بماله، أو أخرج أجرة صياغتها منها، فيجرى ذلك على الاختلاف في الهبة تتغير في بدنها بنقصان أو نماء، من غير أن تنمو بنفقة الابن؛ لأنها إذا نمت بنفقة الابن، فلا اختلاف في أنه لا اعتصار للأب فيها، مثل أن يكون صغيرا فينفق عليه حتى يكبر، أو هزيلا فينفق عليه حتى يسمن، أو دارا فيصلحها ببنيان وما أشبه ذلك؛ فظاهر قوله في هذه الرواية أن تغير الهبة في بدنها بأي وجه كان من زيادة أو نقصان، يفيت فيها الاعتصار، وهو ظاهر قول مالك في المدونة ما لم يحدثوا دينا، أو ينكحوا، أو تتغير عن حالها؛ وهو قول أصبغ في الواضحة، خلاف قول مطرف، وابن الماجشون: إن تغير الهبة في بدنها بالزيادة والنقصان لا يفيت فيها الاعتصار، وأما تشبيهه صياغة الدنانير له بابتياعه له بها الجارية، فليس ببين؛ لأن الدنانير التي وهب له قد صارت لبائع الجارية، والجارية ليست عين ما وهب، وأما الحلي فهو عين ما وهب من الدنانير أو الآنية، وفي المدنية قال: سمعت مالكا يقول: الأب يعتصر من ابنه الجارية ينحله إياها، وإن ولدت عند الابن، وكذلك الحيوان، ولم يبين إن كان ولد الجارية من زوج أو زنى، والظاهر أن ذلك عنده سواء؛ إذ لو افترق الأمر عنده لبينه، ولا بين أيضا إن كان يعتصرها بولدها، أو دون الولد؛ فإن اعتصرها

مسألة: العبد يتصدق عليه فيأبى أن يقبل

والولد من زوج، بقيت الزوجية بينهما؛ لأنها عيب، والعيب لا يفيت الاعتصار في أحد الأقوال؛ وهذا الظاهر من مذهبه، والأظهر أن يأخذها دون ولدها؛ لأن الولد نماء حدث بماله؛ لأنه هو المنفق عليها وعليه، أو الزوج على الاختلاف في ذلك. [مسألة: العبد يتصدق عليه فيأبى أن يقبل] مسألة قال مالك في العبد يتصدق عليه فيأبى أن يقبل: إن لسيده أن يأخذ ذلك، وإن أبى الذي تصدق به إذا قال: إنما أردت العبد، أما إذا لم يقبل فلا أعطيك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه؛ لأن العبد لو قبل الصدقة، كان لسيده أن ينتزعها منه، فهو أحق بقبول ما تصدق به عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال غلة حائطي لابني الصغير وله ولد كبير] مسألة قال ابن القاسم: إذا قال الرجل: غلة حائطي لابني الصغير وله ولد كبير، وخمسة أوسق منه لفلان، وكان الحائط في يديه يقوم عليه ويليه، ويخرج الخمسة الأوسق للأجنبي ثم يموت، قال: أراها صدقة جائزة لابنه وللأجنبي؛ وإذا قال: غلة الحائط لفلان وللمساكين، وكان في يديه يخرج الغلة للمساكين ولفلان، ثم يموت وهي في يديه، لم يجز للمساكين ولا لفلان، وهو خلاف الأول.

مسألة: يتصدق على الرجل بالشيء ويقول إن أردت بيعه فأنا أحق به بالثمن

قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قاله من أن المسألتين مفترقتان؛ لأن العطية لا تصح إلا بالحيازة في صحة المعطي، وهو يحوز لابنه الصغير، فإذا قال غلة حائطي لابني الصغير، فله ثمرته ما عاش، وهو حبس عليه يحوزه له؛ وما استثناه منه لولده الكبير وللأجنبي، فكأنه قد استثناه لنفسه، فيجوز ذلك إن كانت الخمسة الأوسق ثلث غلة الحائط بعد نفقته أو أقل؛ وأما أن كانت الخمسة الأوسق أكثر من ثلث غلة الحائط، فلا يجوز ذلك، وبطل إن لم يخرج الحائط من يديه حتى توفي؛ لأن من حبس على صغير وكبير، فلم يحز الكبير، بطل نصيب الصغير؛ ولا اختلاف في هذا، وإنما يختلف في الهبة والصدقة حسبما مضى القول فيه، في رسم الحج والزكاة، من سماع أشهب من هذا الكتاب، وفي رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب الحبس، وقد بين في هذه المسألة أنه جعل له غلة الحائط حياته بقوله فكان الحائط في يديه يقوم عليه ويليه، ويخرج الخمسة الأوسق منه للأجنبي؛ وأما من قال: غلة حائطي لفلان، ولم يقل حياته، فإن كان في وقت غلة الحائط، فليس له إلا غلة ذلك العام، بمنزلة من قال: ثمر حائطي لفلان وفيه يومئذ ثمر، حسبما مضى في نوازل سحنون، من كتاب الحبس. [مسألة: يتصدق على الرجل بالشيء ويقول إن أردت بيعه فأنا أحق به بالثمن] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يتصدق على الرجل بالشيء،

ويقول: إن أردت بيعه، فأنا أحق به بالثمن؛ قال: ليس هذه الصدقة بشيء؛ قلت له: فإن طال مكثها في يدي صاحبها، ثم أراد أن يقوم عليه، فيأخذ ذلك الشيء؛ قال سحنون، وذكر ابن وهب عن مالك أنه لا بأس بها؛ لأنه ليس ببيع. قال محمد بن رشد: قوله: ليست هذه الصدقة بشيء؛ يريد فيكون الحكم فيها أن تبطل، إلا أن يرضى الواهب بإمضاء الهبة وإسقاط الشرط؛ وفي هذه المسألة أربعة أقوال؛ قد مضى تحصيلها في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، أحدها: قول ابن القاسم هذا: أن الصدقة باطلة. والثاني: أن الصدقة جائزة، والشرط لازم له ولورثته إن أرادوا البيع؛ وقع هذا القول في المختصر لابن عبد الحكم، وهو قول مالك في رواية ابن وهب هذه: أنه لا بأس بها؛ لأنه ليس ببيع؛ وقد مضى الكلام في البيع والإقالة على هذا الشرط في أول سماع أشهب، من كتاب جامع البيوع، وفي سماع محمد بن خالد منه، ولم يقع لابن القاسم في هذه الرواية جواب فيما سأله عنه من قوله، قلت له: فإن طال مكثها في يدي صاحبها، ثم أراد أن يقوم عليه فيأخذ ذلك الشيء؛ لأنه أضرب عن ذلك وسكت عنه؛ فذكر سحنون متصلا بذلك رواية ابن وهب عن مالك، والجواب في ذلك عند ابن القاسم على مذهبه في أن الصدقة ليست بشيء، وأنها باطلة، أن له أن يأخذ صدقته، وإن طال مكثها في يدي المتصدق عليه بعد قبضه لها، وبالله التوفيق.

: تصدق على أخيه بنصف ماله وهو مريض

[: تصدق على أخيه بنصف ماله وهو مريض] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون وسئل سحنون عن رجل تصدق على أخيه بنصف ماله، وهو مريض ليس مدنفا من مرضه طويلا، دام به سنين يخرج في حوائجه ويقضيها، فقبض أخوه الصدقة وحازها سنين، ثم إن الأخ المريض مات، فقام عليه ورثة المتصدق، فقالوا للمتصدق عليه: إن هذا لا يجوز لك؛ لأنه تصدق عليك في المرض، فلا يجوز لك إلا الثلث، وقد سألنا عن ذلك الفقهاء فقالوا لنا: إنه لا يجوز لك إلا الثلث، فدفع إليهم المتصدق عليه ما زاد على الثلث، ثم علم أن الصدقة كلها جائزة؛ فقال سحنون له: ومن يعلم أنك كنت جاهلا لا تعلم أن الصدقة لك كلها، أنت تدفع إليه مالك، وتبيعه له بعدما قد حزته وملكته؛ ثم قمت الآن تدعي الجهالة، ما أرى لك فيما دفعت إليه حقا؛ فقال له السائل: أنا أقيم البينة أنه قد قال: إن هذه الصدقة لا يجوز لك منها إلا الثلث، وقد سألت عن ذلك الفقهاء وأخبروني بذلك، فقال له: إن أقمت البينة على هذا، فأرى لك أن ترجع عليه بما أخذ منك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال؛ قد مضى تحصيلها في رسم أوصى، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

مسألة: تصدق على رجل بعبد على ألا يبيعه ولا يهبه سنة

[مسألة: تصدق على رجل بعبد على ألا يبيعه ولا يهبه سنة] مسألة قيل لسحنون: أرأيت لو أن رجلا تصدق على رجل بعبد، على ألا يبيعه ولا يهبه سنة، ثم هو له من بعد السنة بتل يصنع به ما شاء، فقال: أراه جائزا، وله أن يبيعه ويصنع به ما شاء الساعة. قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة: إن الصدقة جائزة، والشرط باطل، خلاف قوله في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، في الذي يتصدق على رجل بصدقة على ألا يبيع ولا يهب، أنها حبس، والذي يأتي في هذه المسألة على قوله في تلك، أن يكون حكمه حكم من أخدم رجلا عبده سنة، ثم هو له بعد السنة، فيخدمه في هذه السنة على ملك المتصدق به، ثم يكون له بعد السنة بتلا، فتكون الجناية إن جنى عليه في هذه السنة لصاحبها الذي تصدق به، ويتخرج في المسألة أيضا ثلاثة أقوال سوى هذين القولين؛ أحدها: أن الصدقة جائزة، والشرط لازم، فيخدمه في هذه السنة على ملك نفسه، فإن جنى عليه كانت له جنايته. والثاني: أن الهبة باطلة، إلا أن يبطل سيده الشرط، ويمضي الصدقة؛ فإن مات السيد قبل أن يمضي الصدقة بطلت، وكذلك إن انقضت السنة قبل أن يمضيها. والثالث: أن المتصدق يخير بين أن يبطل الشرط ويمضي الصدقة أو يردها، فإن مات قبل السنة نزل ورثته في التخيير في ذلك منزلته، وإن انقضت السنة مضت الصدقة، ولم يكن له ولا لورثته في ردها خيار، وقد مضى ما يدل على ما ذكرناه في آخر سماع سحنون قبل هذا، وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى؛ لأن الوجه في ذلك متقارب في المعنى، وبالله التوفيق.

مسألة: وهب الرجل لابنه هبة يريد بها الصلة

[مسألة: وهب الرجل لابنه هبة يريد بها الصلة] مسألة قال سحنون إذا وهب الرجل لابنه هبة يريد بها الصلة، فإنه لا يجوز له اعتصارها منه، كان الابن صغيرا في حجره أو كبيرا بائنا منه، والهبة للصلة مثل الصدقة، ولا يجوز له اعتصارها، وذلك أن تكون ابنته الكبيرة أو ابنه الكبير يكون ضعيفا يخاف عليهما الخصاصة، فيصلهما نظرا منه لهما، وكذلك إذا وهب لصغير نظرا منه له، لما يخاف عليه من الخصاصة؛ وإنما يعتصر الأب هبته وعطيته من الابن إذا كان الابن في حجره وله مال كثير، أو البائن منه وله مال كثير، وليس يريد بذلك صلته، فذلك الذي يعتصره. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الصدقة لا تعتصر؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «العائد في صدقته، كالكلب يعود في قيئه» «وقوله لعمر بن الخطاب في الفرس الذي كان حمل عليه في سبيل الله: لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم؛ فإن العائد في صدقته، كالكلب يعود في قيئه» والهبة على سبيل الصدقة لمن كان قليل ذات اليد، مخافة الخصاصة كالصدقة، فلها حكم الصدقة في أنها لا تعتصر، وإن سماها هبة، وإنما أجيز للأب فيما تصدق به على ابنه أن يكتسي من صوف الغنم، ويشرب من ألبانها، ويأكل من لحومها إذا تصدق بها عليه، وأن يأكل من ثمر النخل إذا تصدق بها عليه، حسبما مضى في رسم نذر، من سماع ابن القاسم، وأجاز في رسم سلعة سماها منه للأب أن يشتري ما تصدق به على ابنه، وذلك كله بخلاف الأجنبي للشبهة التي له في مال ابنه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أنت ومالك لأبيك، وقد مضى هناك تحصيل القول فيما يجوز للأب والأجنبي فيما تصدقا

مسألة: وهب لولده هبة لله أو لوجه الله

به، من الرجوع في الأصل أو الغلة بشراء أو عطية من المتصدق عليه، أو من غيره مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: وهب لولده هبة لله أو لوجه الله] مسألة قال ابن الماجشون: كل من وهب لولده هبة لله، أو لوجه الله، أو لطلب الأجر والثواب من الله، أو لصلة قرابة أو رحم، لا يعتصرها أبدا، وإنما تجوز العصرة إذا وهب أو نحل نحلة مرسلة، لم يقل لصلة رحم، ولا لوجه الله، ولا على وجه طلب الأجر من الله، فإن هذا يعتصر، قال أصبغ مثله. قال محمد بن رشد: قول ابن الماجشون هذا مثل ظاهر قول عمر بن الخطاب في المدونة من وهب هبة لصلة رحم، أو على وجه الصدقة، فإنه لا يرجع فيها، ونحوه في مختصر ابن عبد الحكم، وقال مطرف: إذا وهب لولده على وجه الصلة، أو لوجه الله، كان له أن يعتصرها أبدا حتى يسميها صدقة، فإذا سماها صدقة لم يجز له أن يعتصرها، والقول الأول أظهر؛ لأن الشيء الموهوب قد خرج عن ملك الواهب بالهبة، فلا يكون له الاعتصار إلا بيقين، وهو أن لا يقول: لله، أو لوجه الله، أو لطلب الأجر والثواب من الله؛ لأنه إذا قال ذلك، احتمل أن يريد به الصدقة؛ لأن الأصل في الصدقات ما كان القصد به وجه الله عز وجل، وابتغاء الثواب من عنده، لا عين المتصدق عليه؛ والهبة ما كان القصد به عين الموهوب له مع إرادة الثواب على ذلك من الله عز وجل؛ فإذا قال في هبته لله، أو لوجه الله، دل على أن ذلك هو قصده بهبته لا عين الموهوب

مسألة: تصدقت في صحتها بأكثر من ثلثها

له، فكانت في معنى الصدقة؛ ووجه قول مطرف أن الهبة، وإن كان يقصد بها عين الموهوب له، فالثواب مبتغى فيها أيضا، فلا تخرج الهبة عن حكمها في الاعتصار إلى حكم الصدقة بقوله فيها لوجه الله حتى يسميها صدقة، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدقت في صحتها بأكثر من ثلثها] مسألة قال سحنون في امرأة تصدقت في صحتها بأكثر من ثلثها، فلم يعلم الزوج بصدقتها حتى ماتت، ثم علم الزوج بعد الموت فقال: أنا أرد ذلك؛ لأني أرثه، قال ذلك له أن يرده، فقال له: يرده كله؛ قال: نعم. قال محمد بن رشد: مثل هذا في الواضحة لمطرف، وابن الماجشون، ولابن القاسم من رواية أصبغ عنه أن ذلك نافذ، ولا رد للزوج فيه بعد موتها؛ وهذا الاختلاف على القول بأن فعلها محمول على الإجازة، فمن راعى المعنى، وهو أنه إنما كان للزوج أن يرد فعلها فيما زاد على الثلث، ما دامت العصمة بينهما، من أجل ما له من الحق في مالها. قال: إن له أن يرده بعد موتها؛ لأن حقه في مالها لا ينقطع بموتها، بل يجب بوجوب الميراث له فيه؛ ومن لم يراع المعنى، قال: ليس له أن يرده بعد موتها؛ إذ ليست بزوجة له؛ لانقطاع العصمة بينهما بموتها، والقول الأول أظهر؛ لأن الأحكام إنما هي للمعاني لا للأسماء، وأما على القول بأن فعلها فيما زاد على الثلث على الرد حتى يجيزه، فلا يحتاج بعد موتها إلى رده، وقد مضى بقية القول على هذه المسألة، وما يتعلق بها من معناها، في رسم الكبش، من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته.

مسألة: يستودع الرجل الوديعة ثم يتصدق بها على رجل

[مسألة: يستودع الرجل الوديعة ثم يتصدق بها على رجل] مسألة قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الرجل يستودع الرجل الوديعة ثم يتصدق بها على رجل يقول: اشهدوا أني قد تصدقت بالوديعة التي عند فلان على فلان، ولا يكون منه أكثر من ذلك، ولم يأمره بأن يقبض له، ثم مات؛ قال: إن علم المستودع أنه تصدق بذلك، فأراها للمتصدق عليه؛ وإن لم يعلم، فلا أرى للمتصدق عليه شيئا؛ قلت: من أي وجه؟ قال: من قبل أنه إذا علم أنه تصدق بما في يديه على رجل، فقد صار قابضا للمتصدق عليه حتى لو أراد صاحب الوديعة أخذها؛ لكان ينبغي للمستودع أن يدفعها إليه، فإن دفعها ضمنها. قال محمد بن رشد: هذه المسألة متكررة في سماع سحنون من كتاب الوديعة، وقد مضى الكلام عليها هناك مستوفى، ومضى أيضا طرف منه في رسم العشور، من سماع عيسى، من هذا الكتاب، فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: مرض فتصدق على امرأته بمائة دينار في مرضه] مسألة وسئل سحنون عن رجل مرض فتصدق على امرأته بمائة دينار في مرضه، فقبضتها وحازتها، ثم إن المرأة مرضت فتوفيت قبل زوجها؛ فهل ترى لها الصدقة جائزة أو لا، والثلث واسع؟ قال: إن حملها الثلث فهي جائزة لورثة المرأة، ويقضي منها دينها إن كان عليها دين.

مسألة: أعطى رجلا غلة كرمه يستغلها

قال محمد بن رشد مثل هذا من قول ابن القاسم في آخر رسم الجواب، من سماع عيسى: إن ذلك يكون لورثتها من ثلثه بعد موته، وإن لم تقبضها في حياته، فعلى هذا لم يحكم لها بحكم الوصية، وقد قيل: إنها يحكم لها بحكم الوصية، فيختلف من هذه المسألة على هذين القولين في خمسة مواضع قد ذكرناها في رسم الجواب المذكور، فلا معنى لإعادته. [مسألة: أعطى رجلا غلة كرمه يستغلها] مسألة وسئل سحنون عن الرجل إذا أعطى رجلا غلة كرمه يستغلها، أو سكنى داره، ثم تصدق به على ابن له صغير، فقلتم: إنه إذا كان ذلك الشيء في يد المسْكَن، أو المعطَى يوم تصدق على ابنه بذلك الشيء؛ أن كون تلك الأشياء في يد المُسكَن أو الممنوح قبض للمتصدق عليه، فكيف يكون قبضه قبضا للمتصدق عليه؛ أيقول للذي منح غلة الكرم وسكنى الدار: إني قد قبضت له، أو قد حزت له، أو يشهد المتصدق به أن فلانا الذي في يديه ذلك الشيء قد استخلفته على القبض لابني، وقد قبض ذلك. فقال: إن ذلك لحسن، وقوة الصدقة أن يشهد بذلك عليه لابنه هو والذي في يديه؛ وإن لم يشهد بذلك واحد منهما، ولم يقل شيئا، فهي حيازة للمتصدق عليه، وإن أحب أن يمنح الأرض وغلة الكرم وسكنى الدار، ثم الصداقة في فور واحد، أن

يقول: أشهدكم أن سكنى هذه الدار، وغلة هذا الكرم والأرض لفلان عشر سنين، فإذا انقضت العشر سنين فهي لفلان صدقة؛ وذلك أن أصحابنا اختلفوا فيها؛ وإن لم يكن الأمر في فور واحد، جازت الصدقة، إلا أنه أقوى عندي أن يكون في فور واحد؛ لاختلاف أصحابنا فيه. قال محمد بن رشد: أما إذا سكن الدار، أو أخدم العبد، أو منح الأرض، وتصدق بالأصل في فور واحد، فلا اختلاف في أن قبض المسكن أو المخدم أو الممنوح قبض للمتصدق عليه بالأصل؛ لأن المسكن والمخدم والممنوح إنما يرتفقون بما أرفقوا من ذلك على ملك المتصدق عليه، لا على ملك المتصدق؛ إذ قد سقط حقه من جميع ذلك؛ وأما إذا تقدم الإسكان في الدار والاختدام في العبد، والمنحة في الأرض، وما أشبه ذلك للصدقة، فاختلف هل يكون قبض المسكن والمخدم والممنوح قبضا للمتصدق عليه أم لا؟ على قولين؛ أحدهما: أنه يكون قبضا، وهو قوله في المدونة. والثاني: أنه لا يكون قبضا له، فما في المدونة على قياس القول بأن المخدم يختدم العبد من يوم الصدقة على ملك المتصدق عليه لا على ملك المتصدق؛ وكذلك المسكن والممنوح. والقول الثاني على أنه إنما يختدم ويسكن ويستغل على ملك المتصدق، فلو جنى على العبد جناية؛ لكان الإرث على ما في المدونة للمتصدق عليه، وعلى القول بأنه لا يكون حائزا له للمتصدق، وقد مضى هذا المعنى في رسم الكبش، من سماع يحيى، وبالله التوفيق.

مسألة: يجوز للرجل أن يشتري كسر السؤال

[مسألة: يجوز للرجل أن يشتري كسر السؤال] مسألة وسئل سحنون هل يجوز للرجل أن يشتري كسر السؤال، فقال: نعم، قيل له: ولم، وقد جاء الحديث: «إنما هي أوساخ الناس؟» فقال: ألا ترى إلى حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث قال: «إنها صدقة على بريرة، وهي لنا هدية» . قال محمد بن رشد: لا إشكال في جواز شراء كسر السؤال؛ إذ اختلف بين أهل العلم في أنه يجوز للمسكين بيع ما تصدق به عليه، من الزكاة وغيرها من غير الذي تصدق بها عليه، وأن يهبه ويتصدق ويفعل به ما يفعل ذو الملك في ملكه، والأصل في جواز ذلك قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو العامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو رجل له جار مسكين فتصدق على المسكين، فأهدى المسكين لغني» . فقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في هذا الحديث، «أو رجل اشتراها بماله» نص على جواز شراء كسر سؤال وغيرها من الصدقات من الذي تصدق بها عليه، إذا لم يكن هو الذي تصدق بها؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعمر بن الخطاب في الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله: «لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم. فإن العائد في صدقته، كالكلب يعود في قيئه» فالاستدلال بهذا الحديث على ما سأل عنه السائل من شراء كسر السؤال، أولى من الاحتجاج بحديث بريرة الذي احتج به سحنون، وإن كانت

الحجة به صحيحة، والاستدلال به ظاهر؛ لأنه إذا كان لنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يأكل الصدقة المحرمة عليه، فانتقالها إليه من عند الذي تصدق بها عليه بالهدية، جاز للغني أن يأكل الصدقة المحرمة عليه بانتقالها إليه أيضا من عند الذي تصدق به عليه بالشراء، أو بسائر الأشياء التي تنتقل بها الأملاك عن ملاكها، ولما اعترض عليه السائل فقال له: ولم أجزت للرجل شراء كسر السؤال، وقد جاء الحديث إنما هي أوساخ الناس، لم يرد عليه اعتراضه، وعارضه بالحديث الذي نزع به، فصار في ظاهر أمره مسلما لاعتراضه، وكان الوجه أن يرد عليه اعتراضه، ويبطله ولا يعارضه، بأن يقول له: ليس هذا موضع الحديث الذي اعترضت به؛ لأنه إنما جاء في تحريم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصدقة على أنه أن يأخذوها ممن وجبت عليهم تطهيرا لأموالهم، فقال: «لا تحل الصدقة لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس يغسلونها عنهم» وأما أخذها من غير الذي ظهر بها ماله بوجه، يجوز من شراء أو عطية، فذلك جائز؛ لأنها ليست بأوساخ في هذا الموضع، وبالله التوفيق.

: يتصدق بالعبد على الرجل فيعتقه المتصدق من قبل أن يقبضه المتصدق عليه

[: يتصدق بالعبد على الرجل فيعتقه المتصدق من قبل أن يقبضه المتصدق عليه] من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم. قال محمد بن خالد: قلت لابن القاسم، فالرجل يتصدق بالعبد على الرجل فيعتقه المتصدق من قبل أن يقبضه المتصدق عليه، فقال ابن القاسم: أرى عتقه ماضيا، ولا شيء للمتصدق عليه؛ قال: قلت لابن القاسم: فلو كانت جارية فوطئها فحملت منه؟ فقال ابن القاسم: هي أم ولد له، قلت لابن القاسم: ولا تؤخذ منه قيمتها للمتصدق عليه، فقال ابن القاسم: لعل ذلك أن يكون. قال محمد بن رشد: قوله في الذي تصدق بالعبد، ثم أعتقه أن العتق أولى من الصدقة، هو قوله وروايته عن مالك في العتق الثاني من المدونة، زاد فيها: وسواء علم المتصدق عليه بالصدقة أو لم يعلم، وقال المخزومي: هذا إذا كان إشهاده بالصدقة، وبين ما أحدث من العتق، ما لو علم المتصدق عليه بالصدقة بطلب الحوز، أمكنه ذلك؛ وأما إن لم يكن بين إشهاده على الصدقة، وبين ما أحدثه من العتق قدر ما يمكن فيه الحوز، لو علم، فالصدقة ماضية، ويبطل العتق؛ وقول المخزومي عندي خلاف مذهب ابن القاسم؛ إذ لا فرق في القياس بين أن لا يعلم وبين ألا يكون بين الصدقة والعتق ما يمكن فيه الحوز لو علم، فقول ابن القاسم أظهر؛ لأنه إنما رأى العتق أولى من الصدقة بكل حال، مراعاة لقول من يقول: إن

للمتصدق أن يرجع في صدقته، ما لم تحز عنه، ويقبضها المتصدق عليه منه، فهو استحسان في العتق لحرمته؛ والذي يأتي على مذهب مالك في أن الصدقة تجب على المتصدق، ويحكم عليه بها، وإن لم تقبض منه، أن تصح الصدقة ويبطل العتق، وهو قول ابن القاسم، في سماع عبد الملك بن الحسن؛ ويحتمل أن يكون قول ابن وهب؛ إذ لم ينص في الرواية على اسم واحد منهما، وإنما قال فيها، وسئل بعد أن تقدم ذكرهما جميعا، ولا وجه لتفرقة المخزومي بين ألا يكون بين الصدقة والعتق من المدة ما يمكن فيه الحوز، وبين أن يكون بينهما ما يمكن فيه الحوز، فلا يعلم؛ لأنه إذا لم يعلم فلم يمكنه الحوز؛ والصحيح في هذه المسألة على ترك مراعاة قول أهل العراق، أن تكون الصدقة أولى من العتق، إلا أن يكون المتصدق عليه علم بصدقته، ففرط في الحوز، حتى أحدث المتصدق العتق؛ فيتحصل على هذا في المسألة أربعة أقوال؛ أحدها: أن العتق أولى على كل حال، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك. والثاني: أن الصدقة أولى على كل حال، وهو الذي يأتي في سماع عبد الملك. والثالث: قول المخزومي: إن العتق أولى على كل حال، إلا أن يكون بين الصدقة والعتق ما يمكن فيه الحوز من المدة. والرابع: ما أحدثه من أن تكون الصدقة أولى من العتق إلا أن يكون المتصدق عليه علم بصدقته، ففرط في الحوز حتى أحدث المتصدق العتق، وسيأتي في سماع عبد الملك، إذا قال الرجل في عبده نصفه صدقة على فلان، ونصفه حر، ونتكلم على تحصيل القول في ذلك إن شاء الله. ويأتي في أول سماع أصبغ الواقع في آخر الكتاب إذا تصدق به ثم باعه، فنتكلم عليه إن شاء الله؛ وأما إذا تصدق بجاريته على رجل ثم أحبلها قبل أن

: أعطى رجلا قرية أو دورا أو غلاما عطايا حازها المعطى وقبضها

يقبضها المتصدق عليه، فيجري الأمر في ذلك على قياس ما تقدم في العتق في الوجوه كلها، حيثما كانت الصدقة أولى من العتق، كان للمتصدق عليه أن يأخذ الجارية وقيمة ولدها، أو قيمتها يوم أحبلها دون قيمة ولدها على اختلاف قول مالك المعلوم في ذلك؛ وحيثما كان العتق، أولى من الصدقة كانت أم ولد للمتصدق بها؛ واختلف هل تكون عليه قيمتها للمتصدق عليه بها أم لا؟ فقال في هذه الرواية: لعل ذلك أن يكون؛ وقال في سماع أصبغ الواقع في آخر الكتاب ذلك بمنزلة العتق، وهو قول أصبغ؛ وقال ابن وهب في سماع عبد الملك بعد هذا، أن عليه القيمة للمتصدق عليه وهو الصحيح؛ لأنه أفاتها عليه باستمتاعه بوطئها، وله الاستمتاع بها فيما يستقبل، فلا يبطل حق المتصدق عليه بها، وهو يستمتع بها، ولو باعه المتصدق عليه، فلم يقبض ذلك المشتري حتى مات المتصدق والصدقة بيده، فقال مطرف وابن الماجشون وابن حبيب، وعيسى بن دينار البيع حوز، وهي جائزة للمبتاع؛ وقال أصبغ: ليس البيع بحوز، وفي كتاب العيوب من المدونة دليل على القولين جميعا، قال مطرف: وكذلك لو وهبه، وقال ابن الماجشون لا تكون الهبة حوزا؛ لأنها تحتاج إلى حوز، ولا يحتاج العتق والبيع إلى حوز؛ وقال أصبغ: لا تكون حوزا، إلا في العتق وحده. [: أعطى رجلا قرية أو دورا أو غلاما عطايا حازها المعطى وقبضها] من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن القاسم قال: وأخبرني عبد الملك بن الحسن، عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سئل عن رجل أعطى رجلا قرية أو دورا أو غلاما عطايا، حازها المعطى وقبضها، غير أنه شرط عليه في عطيته شرطا، وكتب عليه به كتابا إن مات المعطي قبل المعطى، فالعطية ماضية

مسألة: له ولدان فأعمر أحدهما داره جعلها له سكنى حياته

للمعطى، وإن مات المعطى قبل المعطي رجع المال إلى المعطي، وكان أولى بماله، ولم يكن فيها مورثا لورثة المعطى، فعلى هذا أعطى، وبه كتب عليه وأشهد. فمات المعطي وبقي المعطى والمال بيده؛ فهل تكون للمعطى؟ أو كيف يكون أمرها، وكان المعطى خصما؟ قال ابن القاسم: أراها من الثلث بعد موت المعطي إذا هلك قبل المعطى، وهو قول مالك أو ما أشبهه. قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة، ومضى القول فيها مستوفى في أول سماع يحيى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: له ولدان فأعمر أحدهما داره جعلها له سكنى حياته] مسألة قال عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة فيمن كان له ولدان، فأعمر أحدهما داره جعلها له سكنى حياته، فمات الأب وقد قبضها الولد وحازها؛ قال: يكون نصف الدار له بميراثه يصنع به ما شاء إن شاء باع، وإن شاء حبس، ويسكن النصف الآخر على ما عاش؛ فإذا مات، صار إلى أخيه أو إلى ورثته إن مات أخوه، وقال أصبغ بن الفرج مثله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة لا اختلاف فيها، ولا إشكال في شيء من معانيها، على مذهب مالك في أن العمرى ترجع إلى المعمر إذا مات المعمر؛ والخلاف فيها خارج عن المذهب، قيل: إنه

مسألة: يتصدق على ابن ابنه برأس

تكون للمعمر ملكا، وإن لم تكن معقبة، وقيل: إنه إنما تكون له ملكا إذا كانت معقبة، للآثار الواردة في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولم يأخذ بها مالك لمخالفة العمل بها على أصله في أن العمل المتصل بالمدينة مقدم على أخبار الآحاد، لا سيما إذا خالفت الأصول كهذه، وقيل: إنه لم يخالفها، وإنما تأولها على مذهبه، والأول أظهر، والله أعلم. [مسألة: يتصدق على ابن ابنه برأس] مسألة قال: وسألت عبد الله بن وهب عن الرجل يتصدق على ابن ابنه برأس، وهو صغير، وأبو ابن ابنه المتصدق عليه، فيوكل الجد وكيلا يحوز لابن ابنه ذلك الرأس، فعمد ذلك الوكيل إلى ذلك الرأس فكاتبه إلى أعوام بكتابة منتقضة أو غير منتقضة، ثم يقيم الرأس في خدمة المتصدق يختدمه بحال ما كان قبل الصدقة إلا أن ابن ابنه الذي تصدق به عليه يكون معهم طعامهم واحد، ومنامهم واحد، وذلك الرأس يخدمهما جميعا حتى مات الجد المتصدق، فقام ورثة الجد إلى الرأس، فأخذوه وقالوا: للغلام الذي تصدق عليه به أنه لم يحزه حائز، وقال الغلام وأبوه إن الذي كان وكل بالنظر له والحوز عليه، قد كاتب عليه ذلك الرأس،

وكان في الكتابة أن يخدم المتصدق عليه حتى يؤدي كتابته؛ فهل يكون هذا حوزا للذي تصدق به عليه، ولم يؤد المكاتب من كتابته شيئا حتى هلك المتصدق به؛ قال: سواء كانت الكتابة منتقضة أو غير منتقضة إذا كان العبد إنما ترك ثبت في ناحية الجد المتصدق لمكان ابن الابن المتصدق عليه وخدمته، فهو يقوم بخدمته والقيام عليه، فلا يضره إن خدم الجد المتصدق أحيانا بعد أن يكون قد أخرجه من يده حين تصدق به إلى هذا الرجل يحوزه مكاتبه على وجه النظر، وهو يرى أنه يحوز له، فهو إن كانت كتابته جائزة، فإنما إقامته تطوع، وخدمته وإن كانت ليست بكتابة للشرط الذي اشترطه عليه في الخدمة مع أنها ليست بكتابة أصلا، وإنما رده على الخدمة للصبي لحاجته إليه؛ فأراها صدقة ماضية له، ليس لورثة الجد فيه قليل ولا كثير. وقال أشهب: نعم، هو حوز له، ولم يكن يجوز للذي جعل العبد على يديه يحوزه للغلام أن يكاتبه إلا بإذن أبيه، فأما إذا أقر بذلك

مسألة: يتصدق على ابن له في حجره صغير

أبو الغلام ولم ينكره، فالكتابة جائزة بإقراره بهما. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب هذا في الكتابة بشرط ألا يخرج المكاتب عن خدمة سيده، أنها ليست بكتابة أصلا، خلاف قول ابن القاسم في سماع أصبغ عنه، من كتاب المكاتب أنها كتابة جائزة والشرط لازم؛ وقال أصبغ: يسقط الشرط وتنفذ الكتابة؛ وأما قوله: إن العبد إن كان ثبت في ناحية الجد المتصدق؛ لمكان ابن ابنِ المتصدق عليه وخدمته، فلا يضره أن خدم الجد المتصدق أحيانا، هو نحو ما في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من قول مالك، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك مستوفى، وفي رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يتصدق على ابن له في حجره صغير] مسألة قال: وسألت عبد الله بن وهب عن الرجل يتصدق على ابن له في حجره صغير، أو بنت بكر في حجره بكتابة مكاتب له، فيقتضي الأب الكتابة بعد ذلك، وهي كتابة معروفة، ثم يهلك الأب بعد ذلك فيقوم ابنه أو ابنته المتصدق عليها بالكتابة، تطلب تلك الكتابة في مال أبيها، فتقوم البينة على الصدقة، وعلى قبض الأب الكتابة بعد ذلك، ولا يدري الشهود ما فعل الأب بها، فهل تؤخذ من تركة الأب، وتكون بمنزلة دين ثبت عليه، أم لا تكون الصدقة ماضية

إذا لم يضع ذلك له على يدي غيره؛ قال: إن لم يكن إلا ما وصفت، فالصدقة باطلة لا ينعقد منها شيء، وهي ميراث بين الورثة؛ لأن الذي ذكرت ليست بحيازة بينة ولا تامة ولا قبض معروف، فلا أرى ذلك شيئا، إن لم يكن إلا ما قصصت، وقال أشهب: أراها ميراثا، ولا شيء للابن إذا لم يضع ذلك له على يدي غيره، مثل قول ابن وهب. قال محمد بن رشد: اتفق ابن وهب وأشهب في هذه الرواية على أن الرجل إذا وهب لابنه الصغير كتابة مكاتب له، لا يكون المكاتب حائزا له ما عليه من الكتابة، وذلك على قياس ما في المدونة من قوله أن الكتابة ليست بدين ثابت، وإنما هي جنس من الغلة، وقد قيل: إنها كالدين يكون المكاتب حائزا لها عن سيده لابنه إذا وهبها له؛ وأما إذا كان للرجل دين على عبده من مبايعة أو سلف، فوهبه لابنه الصغير، فإنه يكون حائزا له كما لو كان الدين له على أجنبي، فوهبه لابنه حسبما مضى في رسم الرطب واليابس من سماع ابن القاسم؛ لأن دين الرجل على عبده دين من الديون يحاص به الغرماء، وهو معنى ما في نوازل أصبغ على الصحيح من التأويل، وقد قال بعض المتأخرين: إن الدين الذي للسيد على عبده كالكتابة، في أنه لا يكون حائزا لما عليه منه إذا وهبه السيد لابنه وهو بعيد؛ وأما ما بيد العبد لسيده، فهو بمنزلة ما بيد سيده إن وهبه السيد لابنه الصغير، وهو عرض مما يحوزه الأب لابنه إذا وهبه إياه، كان العبد حائزا له؛ واختلف إذا تصدق الرجل على ابنه الصغير بما بيده من العروض التي تجوز حيازته لها إذا وهبها لابنه، فجعلها بيد غيره؛ فقال ابن

مسألة: قال لابنه إن ضمنت عني الخمسين دينارا التي علي فداري صدقة عليك

الماجشون أن ذلك لا يجوز؛ لأنه بمنزلة من قال: لا أحوز لابني، ثم أبقاه بيده، والصحيح أن ذلك جائز، إلا أن تكون دنانير أو دراهم مما لا يحوزها الأب لابنه إذا وهبه إياها، إلا أن يخرجها من يديه إلى غيره يحوزها له، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لابنه إن ضمنت عني الخمسين دينارا التي علي فداري صدقة عليك] مسألة وسئل عن رجل قال لابنه: إن ضمنت عني الخمسين الدينار التي لفلان علي، فداري صدقة عليك، فضمن عنه، فقال: لا صدقة له ولابنه إن شاء أن يرجع عن الضمان رجع. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن ذلك ليس بصدقة إنما هو بيع بضمان، وهي غرر لا يحل ولا يجوز، فالدار راجعة إلى الأب، والضمان ساقط عن الابن، إلا أن يشاء أن يلتزمه باختياره دون عوض، وبالله التوفيق. [مسألة: قال نصف غلامي صدقة على فلان ونصفه حر] مسألة وسئل عمن قال: نصف غلامي صدقة على فلان ونصفه حر، قال: يقوم كله ويعتق نصف قيمته يدفعها إلى المتصدق عليه. قال القاضي: اختلف قول ابن القاسم في هذه المسألة على قولين؛ أحدهما: أنه يقوم عليه نصيب المتصدق عليه لتقدم الصدقة قبل العتق؛ لأنه لما تصدق ببعضه صار كالعبدين الشريكين يعتق أحدهما نصيبه، أنه يقوم

عليه نصيب شريكه، وهو قوله في هذه الرواية وإحدى روايتي يحيى عنه في رسم الكبش، من سماع يحيى، من كتاب العتق، والقول الثاني أنه يعتق العبد كله، ولا يكون للمتصدق عليه شيء، وهو القول الذي رجع إليه في رواية يحيى المذكورة قياسا على قول مالك في الذي يتصدق بالعبد على الرجل، ثم يعتقه قبل أن يحوزه المتصدق عليه، أن العتق أولى به، ووجه القول الأول هو ما ذكرناه من أنه لما بدأ بالصدقة صار المتصدق عليه شريكا له فيه قبل أن يعتق منه حصته، فوجب أن يقوم عليه كالعبدين الشريكين يعتق أحدهما نصيبه أنه يقوم عليه إن كان موسرا؛ وأما القول الثاني فإنما يتخرج على القول بأن الرجل إذا أعتق بعض عبده يكون حرا كله بالسراية دون أن يعتق عليه، وهو خلاف المشهور في المذهب من أن الرجل إذا أعتق شقصا له في عبد، فلم يعتق عليه حتى مات، كان باقيه رقيقا لورثته، وإن استدان دينا قبل أن يعتق عليه، بيع باقيه في الدين، ووجهه أنه لما أعتق نصفه بعد أن تصدق بالنصف الآخر قبل أن يقبض منه، راعى قول المخالف في أن الصدقة باقية على ملك المتصدق ما لم تقبض منه، فجعل العتق يسري إليه، فبطلت بذلك الصدقة؛ والقول الأول أظهر؛ لأنه هو الذي يأتي على المذهب في أن الصدقة تجب بالعقد، وعلى المشهور فيه من أن من أعتق شقصا من عبده، فالباقي منه على ملكه ما لم يعتق عليه، ولا يكون

حرا بعتق ما أعتق منه؛ وأما إذا بدأ بالعتاقة فقال: نصف عبدي حر، ونصفه صدقة على فلان، فالمنصوص عن ابن القاسم في ذلك في رسم الكبش، من سماع يحيى، من كتاب العتق، ومن رواية عيسى عنه أنه يكون حرا كله، وتبطل الصدقة؛ وهذا إنما يأتي على القول بالسراية، وأما على مذهبه في المدونة في أن من أعتق بعض عبده، لا يكون باقيه حرا بالسراية حتى يعتق عليه، فإن وهبه أو تصدق به قبل أن يعتق عليه، قوم عليه، ولم تبطل الصدقة فيه ولا الهبة. وقوله في هذه الرواية: إنه يقوم كله فيعتق، ويكون على المعتق نصف قيمته، هو الذي يأتي على أصل مذهب مالك، وظاهر الحديث أن العبد يقوم كله، فيكون على المعتق لشريكه نصف قيمته، وذلك خلاف قول ابن القاسم في سماع يحيى، من كتاب العتق: أن النصف المتصدق به، هو الذي يقوم على المعتق، ومثله في كتاب الجنايات من المدونة، وهو قول غير ابن القاسم في كتاب أمهات الأولاد من المدونة، وليس المعتق كالواطئ؛ لأن الواطئ وطئ حق غيره، والمعتق لم يحدث على شريكه شيئا؛ فتحصيل الاختلاف في هذه المسألة أن فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أن الصدقة تبطل وينفذ العتق قدم الصدقة أو العتق. والثاني: أنها لا تبطل ويقوم على المعتق قدم الصدقة أو العتق. والثالث: أن الصدقة تبطل إن قدم العتق، ولا تبطل أن قدمها على العتق، وهذا كله على قياس القول بأن العتق والصدقة يجبان بنفس انقضاء اللفظ على ما في كتاب الظهار من المدونة من أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا، وأنت علي كظهر أمي؛ أن الظهار لا يلزمه؛ وأما على قياس القول بأن العتق والصدقة لا يجبان بنفس تمام اللفظ حتى يسكت بعده سكوتا يستقر به العتق أو الصدقة، وهو الصحيح من الأقوال على ما في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، في الذي يقول لامرأته قبل أن يدخل بها: أنت طالق،

مسألة: تصدق على رجل بعبد له ثم أعتقه قبل أن يقبضه

أنت طالق، أنت طالق؛ أنها ثلاث، إلا أن يريد أن يسمعها، ولا يريد بذلك تكرار الطلاق، فسواء قدم العتق قبل الصدقة، أو الصدقة قبل العتق؛ فيلزمه نصف قيمة العبد للمتصدق عليه؛ لأنه إن قدم العتق قبل الصدقة، حصلت الصدقة قبله، فوجب عليه نصف قيمته، وإن بدأ بالصدقة قبل العتق حصل العتق قبلها، فوجب عليه نصف قيمته، إلا على القول بالسراية، وفي صفة التقويم قولان؛ أحدهما: أنه يقوم العبد كله، فيكون للمتصدق نصف القيمة. والثاني: أنه يقوم نصفه المتصدق به، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على رجل بعبد له ثم أعتقه قبل أن يقبضه] مسألة وسألته عن رجل تصدق على رجل بعبد له، ثم أعتقه قبل أن يقبضه، قال: لا عتق له. قال الإمام القاضي: قوله: إنه لا عتق له، هو الذي يأتي على قياس قول مالك في أن الصدقة يحكم بها على المتصدق، وإن لم تقبض منه، ويحتمل أن يكون من قول ابن وهب، فإن كان من قول ابن القاسم، فهو خلاف قوله في سماع محمد بن خالد، وقد مضى القول على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يتصدق على الرجل بالجارية فيحبلها المتصدق] مسألة وسألته عن الرجل يتصدق على الرجل بالجارية فيحبلها المتصدق قبل أن يقبضها المتصدق عليه، قال ابن وهب: إذا تصدق بصدقة جد، كانت القيمة على المتصدق عليه، ولو شهد له شاهد على الصدقة، وهي في يديه حلف مع شاهديه.

مسألة: تصدق على ولد له صغار وكبار بصدقة

قال محمد بن رشد: قد مضى في سماع محمد بن خالد الكلام على الذي يتصدق بالجارية ثم يحبلها قبل أن يقبضها المتصدق عليه، فلا معنى لإعادة ذلك، وقوله: ولو شهد له شاهد على الصدقة، وهي في يديه حلف مع شاهده، صحيح لا إشكال فيه، ولا دليل في قوله، وهي في يديه على أن الحكم يكون بخلاف ذلك إذا لم تكن في يديه؛ لأن المدعي للصدقة يحلف مع شاهده، ويستحق صدقته، كانت الصدقة في يد المتصدق أو في يد المتصدق عليه، على مذهب مالك، والمخالف يقول: إن الصدقة إذا كانت في يد المتصدق فلا يحكم عليه بها للمتصدق عليه، فلهذا قال في هذه الرواية: يحلف مع شاهده ويستحق صدقته، وإن كانت في يد المتصدق، وأما إن كانت في يد المتصدق عليه، فلا كلام في أنه يحلف مع شاهده، وإنما ساق ذلك على سبيل الحجة، فكان وجه الكلام، أن يقول: لأنه لو شهد له شاهد، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على ولد له صغار وكبار بصدقة] مسألة قال: وسألته عمن تصدق على ولد له صغار وكبار بصدقة، فلم يحزها الأكابر حتى مات الأب، فهل للأصاغر شيء؟ قال: نعم، يكون لهم حظوظهم منها. قال محمد بن رشد: المسئول عن هذه المسألة ابن وهب، والله أعلم، وقوله مثل قول مالك في رواية علي بن زياد، عن مالك في

مسألة: تصدق بصدقة على ولده بدار

المدونة، ومثل قوله في رواية أشهب عنه في هذا الكتاب، خلاف مذهب ابن القاسم في المدونة، وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من الكتاب، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك مستوفى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: تصدق بصدقة على ولده بدار] مسألة وسألته عمن تصدق بصدقة على ولده بدار، فلم يزل ساكنا في ناحية من الدار حتى مات، ما حد الذي إذا سكنه الأب لم يكن للولد فيه صدقة، فقال: إذا سكن الثلث فأدنى فالصدقة ماضية، وأما إن سكن أكثر من الثلث، فلا صدقة له. قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك؛ لأن الثلث آخر حد اليسير، وأول حد الكثير، وهو عند مالك في جميع المسائل يسير، إلا في ثلاثة مواضع، وهي: معاقلة المرأة الرجل، وما تحمل العاقلة من الدية، والجوائح في الثمار، وبالله التوفيق. كمل الجزء الثالث من كتاب الصدقات والهبات بحمد الله وحسن عونه، والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

: كتاب الصدقات والهبات الرابع

[: كتاب الصدقات والهبات الرابع] [يتصدق على ولده الصغار بالصدقة التي لها الكراء أو الغلة] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيوع قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يتصدق على ولده الصغار الذين يحوز لمثلهم بالصدقة التي لها الكراء، أو الغلة، ويكري هو لهم: إن ذلك جائز إذا أشهد على أصل الصدقة، وإن لم يكتب الكراء بأسمائهم؛ قال: ومن يكري للصغير، ويشتري له، ويبيع له، إلا أبوه، وأنكر قول من يقول: لا يجوز إذا كتب الأب الكراء باسم نفسه، وعابه وكرهه كراهية شديدة ورآه خطأ، وقال: قد صحف في ذلك، ولا أعلمه إلا قال: وهذا خلاف لسنة المسلمين، ولا أعلم أحدا من الناس قال هذا، يريد من أهل العلم. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم مثل ما تقدم من قوله في آخر رسم شهد، من سماع عيسى، ومن قول مالك في رسم يدير منه،

مسألة: تصدق على ابن له صغير يحوز لمثله بنصف غنمه

وهو أمر لا أعلم فيه اختلافا في المذهب، وقد مضى من القول على ذلك في رسم يدير المذكور ما فيه كفاية، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على ابن له صغير يحوز لمثله بنصف غنمه] مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول فيمن تصدق على ابن له صغير، يحوز لمثله بنصف غنمه، أو ثلثها، أو بنصف عبده، أو داره، وترك بقية ذلك مالا لنفسه شريكا له به: إن ذلك جائز، وإن ذلك حوز له؛ وإن تصدق على ابن له صغير بنصف غنمه، ونصفها في سبيل الله، فكان الأب يحوز ذلك كله حتى مات الأب، وذلك على حاله، أن صدقة الابن جائزة، وأن ما كان في سبيل الله من ذلك، فليس بشيء؛ ونصيب الابن جائز، وليس ذلك بمنزلة ما لو تصدق عليه وعلى كبير؛ لأن ما كان في سبيل الله في ذلك لا يحوزه أحد، والأجنبي والكبير إذا كان بعينه يحوزه ويقوم به؛ وسبيل الله هو كلا شيء، وهو كما لو حبسه مالا لنفسه، وكان به شريكا. قال أصبغ: لا يعجبني ما قال، وأرى أن يبطل كله، ولا يجوز منه شيء للابن في المسألتين جميعا، لا في الذي جعل للابن نصفه، وأمسك نصفا، ولا في الذي جعل للابن نصفه، وللسبيل نصفه، ولا للسبيل جميعا؛ لأن الذي للابن ليس بشيء بعينه، وهو مشاع فيه كله، فهو كحاله قبل الصدقة، وهو كما لو تصدق عليه بمائة من غنمه ولم يفرزها بعينها، ولم يسمها أو بعدة من خيله، ولم يسمها

ولم ينسبها حتى تقع الصدقة فيها بعينها، أنه يبطل؛ وهو قول مالك في الغنم والخيل والجزء، وهو واحد كله، وهذا آخر قول مالك، والذي رجع إليه فيها؛ وقد كان يقول قبل ذلك في الغنم إذا تصدق عليه بعدة منها، وهي في غنمه كما هي؛ أنه جائز، وليس ذلك بشيء، قد رجع عنه هو وأصحابه، وهو قولنا جميعا لا يجوز حتى يسميها بأعيانها، أو ينسبها بأسمائها أو يفرزها، أو يسميها، فكذلك مسألة الجزء سواء. قال محمد بن رشد: اختلف فيمن تصدق بجزء من ماله على الإشاعة على ولده الصغير، هل تصح حيازته إياه له أم لا، على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن حيازته إياه له جائزة سواء أبقى الباقي لنفسه، أو تصدق به على كبير، أو في السبيل، وهو قول مالك. والثاني: أن حيازته له غير جائزة، فسواء أيضا أبقى الباقي لنفسه، أو تصدق به على كبير، أو في السبيل، وهو قول أصبغ في هذه الرواية. والثالث: أن حيازته له جائزة إن أبقى لنفسه أو تصدق به في السبيل، ولا يجوز إن تصدق به على كبير إلا أن يحوز الكبير لنفسه والصغير، فإن لم يحز الكبير شيئا، أو لم يحز إلا حصته، بطل نصيب الصغير، وهو مذهب ابن القاسم، وإرادته في هذه الرواية تبين ذلك من مذهبه، قاله في كتاب ابن المواز من أن نصيب الصغير يبطل، وإن حاز

الكبير نصيبه، وقد مضى بيان هذا كله وتوجيه الخلاف فيه في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب الحبس، ومضت المسألة أيضا في رسم طلق بن حبيب، من سماع ابن القاسم، من هذا الكتاب، وفي رسم العرية، من سماع عيسى منه؛ فإذا وهب الرجل جزءا من جميع ماله على الإشاعة لولده الصغير، وله أصول ورباع وعروض ورقيق وماشية وناض وطعام، جاز له على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك ذلك الجزء من جميع ما كان يملك يوم الهبة من الأصول والرباع والعروض والرقيق والماشية، حاشا ما سكن من الدور، ولبس من الثياب. وأما الطعام والناض فلا يجوز ويبطل؛ إذ لا يعرف ذلك بعينه، إلا أن يضعه له على يد غيره؛ وقد قال: إن ذلك يجوز له إذا أفرزه له، وإن لم يخرجه من يده، وهو قول مالك في الموطأ حسبما مضى بيانه في أول رسم، من سماع ابن القاسم، وفي رسم طلق بن حبيب منه، ومثل هذا في الثمانية لابن الماجشون؛ قال فيمن قال نصف ماله صدقة على ابنتي البكر، وهي في حجره، أن لها نصف ما كان يملك يوم تصدق من عقار أو ثياب أو دواب أو ماشية، إلا العين، فإنه باطل، إلا أن يكون حازه لها على يدي غيره، وكذلك تبطل الثياب التي تلبس والسلاح، وما كان يبتذله، وما سكن من الدور حتى مات. قال القاضي ابن زرب: أنه إن كانت الدنانير، أو ما سكن من دار تبعا لما حاز بالصدقة، فالجميع نافذة، وهو الذي قاله ابن زرب من أنه إن كانت الدنانير أو ما سكن من دار تبعا لما حاز، فالصدقة بالجميع نافذة، لا تصح عندي على مذهب مالك؛ لأنها أنواع من الأموال، فلا يجعل الأقل منها تبعا للأكثر، وإنما ذلك في النوع الواحد، فإن كانت الدار التي سكن هي تبع لما لم يسكن من الدور أو الثياب التي لبس تبعا لما لم يلبس منها، أو الناض

مسألة: تصدق على رجل بميراثه من أبيه بعد أن يموت أبوه

الذي لم يخرجه عن يده تبعا لما أخرجه عن يده منه، أو وضعه على يدي غيره، جاز ذلك؛ وإلا لم يجز هذا على مذهب مالك في أن الدور الكثيرة إن سكن دارا منها كلها أو جلها، وهي تبع لما لم يسكن منها، جاز له ما سكن، وما لم يسكن، كالدار الواحدة إن سكن منها اليسير جازت للابن كلها، وأما على مذهب أصبغ الذي يقول في الدور الكثيرة: إنه إن سكن واحدة منها أو جلها، وإن كانت تبعا لسائرها؛ أن الهبة فيها تبطل؛ لأن كل دار منها، فكأنها موهوبة على حدة، فبطل ما لبس من الثياب، وما سكن من الدور، وما أبقى عند نفسه من الناض بكل حال، وبالله التوفيق. ومن كتاب الأقضية والحبس [مسألة: تصدق على رجل بميراثه من أبيه بعد أن يموت أبوه] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل تصدق على رجل بميراثه من أبيه بعد أن يموت أبوه، وأشهد له، وقبل ذلك منه، ثم بدا للمتصدق وقال: إني كنت حين فعلت ذلك لا أدري ما أرث نصفا أو ربعا؟ ولا أدري ما عدد ذلك من الدنانير، ولا من الرقيق؟ ولا ما سعة ذلك من الأرضين وعدد الأشجار؟ فلما تبين لي مورثي من أبي، وما أرث مما ترك، رأيت ذلك كثيرا، وكنت ظننت أنه دون هذا، وأنا لا أجيز الآن. فقال ابن القاسم: إن تبين مما قال: إنه لم يكن

: اشترى بغلين أحدهما فاره والآخر رديء فأشهد أن أحدهما صدقة على ابنه

يعرف يسر أبيه، ولا وفره لغيبة كانت عنه، رأيت أن يحلف ما ظن ذلك، ويكون القول قوله، وإن كان عارفا بأبيه وشره، وإن لم يعرف قدر ذلك، جاز عليه على ما أحب أو كره؛ وقال أصبغ مثله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [: اشترى بغلين أحدهما فاره والآخر رديء فأشهد أن أحدهما صدقة على ابنه] ومن كتاب الوصايا والأقضية قال أصبغ: سمعت ابن وهب، وسئل عن رجل اشترى بغلين؛ أحدهما فاره، والآخر رديء، فأشهد أن أحدهما صدقة على فلان ابنه، ثم مات فادعى الابن الفاره، وجاء بشهود يشهدون أن أباه تصدق عليه بأحد البغلين، ولا يدرون أيهما هو، وقال سائر الورثة: هو الرديء، قال: لا يقبل قوله، ولا قول الورثة، ويجعل له نصف الفاره ونصف الرديء، قال أصبغ: تبطل الصدقة، ولا تكون شهادة في الحكم إلا أن يأخذ ما أقرت به الورثة بإقرارهم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه الشهادة أن الشهود شهدوا أن الميت أشهدهم على أنه تصدق على ابنه بأحد هذين البغلين، وعينه لهم، إلا أنهم لا يدرون أيهما هو منهما، ولذلك وقع الاختلاف في جواز الشهادة، فأجازها ابن وهب، ولم يجزها أصبغ، وقول أصبغ هو المشهور في المذهب؛ أن شهادتهم تبطل إذا شكوا فيه، فلم يدروا أيهما هو

: الصفائح والنقر والحلي المكسور إذا وهب للثواب

الذي عين لهم أنه تصدق به منهما، ويأتي قول ابن وهب على ما وقع في أصل الأسدية، من كتاب الأيمان بالطلاق، من أن الشهود شكوا، فلم يدروا أيهما؟ أهي المطلقة التي قد دخل بها، أو التي لم يدخل بها؟ ويختلف على القول بإجازة الشهادة في إجازة الصدقة؛ لأنها إذا جازت صارت بمنزلة من قال: قد تصدقت على ابني بأحد هذين البغلين، أو ببغل من هذين البغلين، أو بعدة من بغاله، أو بعدة من خيله، أو من غنمه دون أن يسميها أو يعينها، وقد اختلف قول مالك في ذلك: كان يقول أولا: إن الصدقة جائزة، ثم رجع إلى أنها لا تجوز حسبما وقع من اختلاف قوله في آخر أول رسم من هذا السماع، فقول ابن وهب في إجازة الصدقة بعد أن أجاز الشهادة على قياس قول مالك الأول، في أن الرجل إذا تصدق على ابنه الصغير بعدة من غنمه، أو من خيله دون تعيين أن الحيازة جائزة، والصدقة ماضية، وقد مضى ذكر الاختلاف في هذه الشهادة وتحصيله في رسم يدير ماله، من سماع عيسى، من كتاب المديان والتفليس، وأما لو كان الميت إنما قال للشهود: أشهدكم أني قد تصدقت على ابني بأحد هذين البغلين دون تعيين منه لأحدهما؛ لكانت الشهادة جائزة باتفاق، والصدقة جائزة على اختلاف. [: الصفائح والنقر والحلي المكسور إذا وهب للثواب] ومن كتاب البيع والصرف قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم، وسئل عن الصفائح والنقر والحلي المكسور، أفيه ثواب؟ قال: لا، ليس في ذلك ثواب؛ يعني إذا وهب للثواب، وقاله أصبغ.

: يتصدق على الرجل بنصف أرضه وفي الأرض بئر أو عين

قال محمد بن رشد: وقع هذا الرسم هاهنا في بعض الروايات، وقد مضت المسألة مكررة في رسم أوصى، من سماع عيسى، والتكلم عليها هناك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: يتصدق على الرجل بنصف أرضه وفي الأرض بئر أو عين] ومن كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يتصدق على الرجل بنصف أرضه، وفي الأرض بئر، أو عين، إنما حياة تلك الأرض بها، يقول المتصدق: لم أتصدق عليك إلا بالأرض، وأما الماء؛ فليس لك منه شيء، وإنما كانت الصدقة مبهمة من غير استثناء ولا محدودة، وكيف إن تصدق عليه بقطعه من الأرض والماء فيها، أو في غيرها، هل هو سواء؟ وكيف إن كان تصدق عليه بجميع الأرض والماء فيها، فادعى أنه لم يتصدق عليه بالماء؟ وكيف إن كان الماء يأتيها من أرض له غيرها؟ قال ابن القاسم: إذا كان الماء فيها، وخرجت الصدقة مبهمة إلى جزء منها مشاع، فالماء بينهما على قدر ما لهما من الأرض، إذا كان الماء في الأرض، وإن تصدق عليه بناحية من الأرض والماء في غير ناحية التي قطع له، حلف المتصدق بالله ما تصدق عليه بالماء، وكان ذلك له، وإن تصدق على رجل بأرضه كلها، وفيها ماء، وزعم أنه لم يتصدق عليه بالماء، فالماء للمتصدق عليه،

ولا شيء للمتصدق، فإن كان الماء في غيرها، حلف بالله ما تصدق عليه بالماء، وكان ذلك له وإن كان الماء يأتيها فهو كذلك، وقاله أصبغ. كل هذا في الذي تصدق بناحية، والماء في غيره، إذا كان يكون للأرض شرب من غيرها بوجه من الوجوه، مثل أن يكون للمتصدق عليه إلى جنبها ماء يسوقه إليها، أو يعتمله بسقيها؛ فإن لم يكن كذلك على شيء من المصارف، ولا المعتمل ولا السبيل إلا ماءها، إن لم تسق به بقيت أبدا لا حياة لها وبطلت؛ رأيت الشرب لها في الماء أيضا حتى يستثني في الصدقة أنه لا ماء لك. وقال مالك في الذي يتصدق بالأرض فيقول: إني نويت أن أتصدق بها بلا ماء، فالقول في ذلك قوله إذا كان المتصدق عليه يقدر على سقيها من غير ساقية المتصدق، فأما إن كان لا يقدر على ذلك بوجه من الوجوه، ولا ينالها الماء إلا من طريق المتصدق؛ فإني أرى في هذا الموضع أن يقبل قوله، وأن يكون له من الماء ما يكفيها؛ وإن تصدق بها مبهمة، كان له من الماء ما يصلحها على ما أحب المتصدق أو كره. قال أصبغ: قيل لابن القاسم: الرجل يشتري من الرجل الأرض على هذا الوجه، أو نصف الأرض مبهمة، وهو جار له، ولها في أرضه ما يسقي به، فزعم البائع أنه لم يبعه على الماء، وإنما باع الأرض على أن يضمها إلى أرضه ويسقيها بمائه، إلا أنه باع منها؛ هل يختلف ذلك إذا كان جاره أو أجنبيا؟ أو هل يختلف في هذا الوجه إذا

باع قطعة من الأرض والماء في غيرها، وإنما عيش الأرض بالماء؛ أو هل يستوي ذلك كله؟ أو هل هو في جاره والأجنبي سواء؟ أو هل يختلف إن كان مبهما أو غير مبهم؟ قال ابن القاسم: أما إذا كان الماء فيها، وباع مبهما، فالماء للمشتري، وليس للبائع عليه مقال، كان الذي باع كلها أو نصفها، أو جزءا منها، كان جارا أو أجنبيا، أو كان للمشتري أرض إلى قربها أو ماء، أو لم يكن؛ فذلك كله سواء إذا باع مبهما، وكان الماء فيها فهو للمشتري، قال أصبغ: فإن تداعيا البيان والمواطأة على الأرض دون الماء، تحالفا وتفاسخا، قال أصبغ: قال ابن القاسم: وأما إذا كان الماء ليس فيها، وإنما شربها يأتيها من غيرها، وما باع مبهم، فإنه ينظر، فإن كان لما قال البائع وجه مثل أن يكون للمشتري أرض إلى جنبها يضمها إليها، ويكون شربها منها، فأرى القول قوله ويحلف، ثم يحلف المشتري أنه لم يشتر إلا على الماء، فإذا تحالفا تفاسخا، ومن نكل منهما فالقول قول الآخر مع يمينه؛ فإن كان على غير ذلك فالماء للمشتري، ولا حجة للبائع، وسواء في هذا أيضا اشترى الأرض كلها أو بعضها، إلا أن يدعي البائع الشرط، يزعم أنه استثنى الماء، وهو في الأرض، وأنكر الآخر أو زعم المشتري أنه اشترط الماء، وهو في غيرها، وأنكر الآخر؛ فإن كان الماء فيها فهو للمشتري، وإن كان في غيرها، وكانت تسقى به

كلها تحالفا وتفاسخا. وقال أصبغ: ذلك كله رأيي، وهو قولي، وهو جيد كله، وبعضه قوة لبعض، وبيان لما قلت لك في الصدقة، إذا لم يكن لها سقي وغيرها من التحالف، إلا قوله في هذا الحرف الآخر، إذا ادعى البائع الشرط، وزعم أنه استثنى الماء، وهو في الأرض، وأنكر المشتري، فإن القول فيه أيضا أن يتحالفا عليه، ولا يكون الماء للمشتري بقوله زعما كما قال، ولكن يتحالفان ويتفاسخان على محمل الحديث إذا اختلف البائع والمبتاع، فالقول ما قال البائع ويتفاسخان، وذلك ما لم يقبض المشتري، ويدخل الغير في الأرض بما يكون فوتا، فإن أدخل ذلك، كان القول قول المشتري، وكان البائع هاهنا مدعيا، والمشتري مدعى عليه، ولم يجتمع التداعي جميعا؛ والأول إذا لم يقبض أو يفوت بغيرهما مدعيان، فهو على الحديث بعينه أيضا، وسواء كان الماء في الأرض، أو لم يكن إذا كان شربها. قال محمد بن رشد: تحصيل القول في المسألة: الرجل يتصدق بالأرض أو بجزء منها على الإشاعة والماء في غيرها، أو فيها، أنه إن كان الماء فيها، فلا اختلاف في أنه تبع لها في الصدقة، واختلف إن قال المتصدق: إنما تصدقت بها وحدها دون الماء، فقيل: إنه لا يتصدق في ذلك بحال، وهو مذهب ابن القاسم ومطرف، وابن الماجشون، وقيل: إنه يصدق في ذلك مع

يمينه إذا كان المتصدق عليه يقدر على سقي الأرض من غير ذلك الماء بوجه من الوجوه؛ وأما إن كان الماء في غير الأرض المتصدق بها، أو بجزء منها على الإشاعة، فاختلف في ذلك: قيل: إن الماء يبقى للمتصدق؛ إذ ليس في الأرض التي تصدق بها، وهو الذي يأتي على من يدل عليه قول أشهب، في رسم باع شاة، من سماع عيسى، من كتاب جامع البيوع، ومعنى ذلك: إذا كانت الأرض تستغني عن الماء، وكان يقدر على سقيها من غير ذلك الماء؛ وقيل: إن الماء للمتصدق عليه، واختلف على هذا القول إن قال المتصدق: إني إنما تصدقت بها دون الماء؛ هل يصدق في ذلك أم لا؟ فقيل: إنه يصدق في ذلك مع يمينه، إلا أن تكون الأرض لا تستغني عن ذلك الماء بوجه من الوجوه، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية على ما زاده أصبغ فيها. وقيل: إنه لا يصدق في ذلك، معناه إلا أن يكون له دليل من شاهد الحال، مثل أن يتصدق عليه بقطعة من أرضه ليضيفها إلى أرضه، وله ما يسقيها به، فيعلم أنه إنما تصدق عليه بالأرض ليسقيها من مائيه، وهو ظاهر قول ابن القاسم الذي مضى في رسم شهد، من سماع عيسى، في الذي يتصدق ببيت من داره؛ إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى، والحكم في الماء في البيع إذا وقع مبهما في الأرض، أو في جزء منها، والماء فيها أو في غيرها، ولم يدع أحد المتبايعين في ذلك شرطا ولا نية، كالحكم فيه في الصدقة سواء، إن كان الماء في الأرض فهو للمشتري، وإن كان في غيرها، ويمكن أن يسقي من غير ذلك الماء؟ فقيل: إنه يكون للبائع، وقيل: إنه يكون للمشتري على الاختلاف الذي مضى في الصدقة في ذلك. وأما إذا تداعيا البيان في ذلك والنص عليه، فقال البائع: بعتك الأرض دون الماء، وقال المبتاع: بل اشتريتها منك بمائها، أو قال كل واحد منهما: كانت هذه نيتي، فقول أصبغ على ما يدل عليه قوله في هذه الرواية أنهما يتحالفان ويتفاسخان على ما

مسألة: ضمن عن ابنه نفقة سنين سماها بدنانير في كل سنة

ادعياه من الإفصاح والبيان على نياتهما، كان الماء في الأرض أو خارجا عنها على مذهب الحديث، إلا أن يكون المشتري قد قبض الأرض، وفوتها بإدخال العين فيها، أو بما سوى ذلك مما يفوتها، فيكون القول قوله؛ ومذهب ابن القاسم على ما قاله في هذه الرواية من رواية أصبغ عنه: أنهما يتحالفان ويتفاسخان، إلا أن يكون الماء في الأرض، أو يكون في غيرها، ولا يشبه ما قال البائع، ويشبه ما قال المشتري بأن لا يكون للأرض سقي من غير ذلك الماء، فيكون ذلك القول قول المشتري، فراعى ابن القاسم في هذه الرواية دعوى الأشباه مع القيام، وهو خلاف المشهور في المذهب، ولم يراعه أصبغ على المشهور فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: ضمن عن ابنه نفقة سنين سماها بدنانير في كل سنة] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن ضمن عن ابنه نفقة سنين سماها، بدنانير سماها في كل سنة، أو لم يسم دنانير، إلا أنه قد عرف وجه النفقة، فضمن نفقة سنين، وذلك كله بعد عقد النكاح، مثل أن يراد أن يقام بابنه ليفرق بينهما، فضمن لك عنه أبوه، أرى أن ذلك يلزمه ما كان حيا، فإذا مات سقط ذلك عنه؛ وقاله أصبغ، وهو الحق، وكذلك نفقة المطلقة إذا ضمن الابن، هذه حقوق يقضى بها قد افترضت، وليس هذا كالذي يضمن في النكاح النفقة، ذلك شيء لم يأت، ولم يفرض، ولم يجب ولا أمر له، ومجهول كله يكون أو لا يكون، ومتى يفترقان أو يموتان. قال محمد بن رشد: جعل الضمان بالنفقة لا يجب إلا بالحياة، من أجل أنها لم تجب بعد، فما وجب منها في حياته لزمه، وما وجب منها بعد وفاته لم

مسألة: أعمر رجلا دارا وجعلها لولده من بعده

يلزمه، بخلاف الحمالة بما قد وجب من الحقوق، ذلك يجب في حياته وبعد وفاته؛ لأنها خرجت على عوض، وهو ما رضي المحمول له به من ترك ذمة غريمه، وكان القياس أن يجب عليه ضمان نفقة السنين التي سمى، وإن مات قبل تمامها إذا عاش ابنه حتى انقضت، أما إن مات ابنه قبل انقضائها، فلا يلزمه ضمان ما بقي منها وإن كان حيا؛ لأنها تسقط عنه بسقوطها عن ابنه الذي تحمل عنه. وقوله: وكذلك نفقة المطلقة إذا ضمن الابن، معناه: وكذلك إذا ضمن عن ابنه لزوجته المطلقة نفقة ولدها منه سنين، فمات قبل انقضاء السنين، لا يلزمه ضمان ما بقي منها، فكان القياس أن يلزمه ضمان ذلك في ماله إن مات إذا عاش الابن، وأما إن مات الابن قبل انقضاء السنين، فيسقط عن الأب الضامن ضمان ما بقي منها، وإن كان حيا بسقوطها عن ابنه الذي تحمل عنه، وأما إذا تحمل بالنفقة في أصل عقد النكاح، فهي حمالة لا تلزم على ما دل عليه قوله في الرواية؛ لأن النكاح يفسد بذلك، فيفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده، ويسقط الشرط، ويكون للزوجة صداق المثل، وقد مضى بيان هذا، في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها، من سماع ابن القاسم، من كتاب النكاح، وبالله التوفيق. [مسألة: أعمر رجلا دارا وجعلها لولده من بعده] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل عن رجل أعمر رجلا دارا، وجعلها لولده من بعده، هل يجوز له أن يشتريها من المعمر،

وهي لولده من بعده؟ وهل يجوز للمعمر أن يشتري العمرى من ربها حتى يكون له أصلها، كما يجوز للمعمر؟ قال ابن القاسم: أما إذا جعلت لولده من بعده، فلا يجوز لصاحبها أن يشتريها؛ لأن الأب ليس يبيع لقوم بأعيانهم، ولا يعرف عددهم؛ وأما المعمر فيجوز له أن يشتريها من صاحبها حتى يكون له أصلها، إذا لم يكن لولده من بعده، وإن كانت لولده من بعده، فلا يحل له اشتراؤها؛ لأنه يشتري حق قوم آخرين، ولا يحل للمعمر أن يشتري حق المعمر وحده أيضا إذا كانت لولده من بعده، وإنما يشتري ما يملك به الدار ملكا تاما حتى يبيع ويهب، ويتصدق إن شاء؛ وأما أن يشتري شيئا، فإذا مضى خرجت من يده أيضا إلى قوم آخرين، ولا يستطيع فيه بيعا ولا غير ذلك، فلا يحل، وقاله أصبغ، قال أصبغ: وإنما مكروه ذلك، أنها إجارة مجهولة، وكراء مجهول، وغرر ومخاطرة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت متكررة في آخر رسم إن خرجت من سماع عيسى، ومضى الكلام عليها هناك، وفي المواضع المذكورة فيه، فلا معنى لإعادة ما مضى الكلام فيه، فإن مات المعمر نزل ورثته منزلته، فكان لكل واحد منهم أن يشتري من الخدمة قدر حظه من المرجع عند ابن القاسم. وقال ابن كنانة: لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم

مسألة: يقول لابنه أصلح نفسك وتعلم القرآن ولك قريتي فلانة

فيشتروا جميع الخدمة، وقال المغيرة: للواحد منهم أن يشتري جميعها، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لابنه أصلح نفسك وتعلم القرآن ولك قريتي فلانة] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يقول لابنه: أصلح نفسك، وتعلم القرآن، ولك قريتي فلانة، فيصلح نفسه بإذن الله، ويتعلم القرآن، ثم يموت أبوه، وهو لم يبلغ الحوز، والمنزل في يدي أبيه، هل تدري الصدقة له جائزة؟ قال: لا، إذا كان إنما هو قول هكذا، إلا أن يعرف تحقيق ذلك بإشهاد يشهد له على ذلك، أو يقول لقوم: اشهدوا أنه إن قرأ القرآن فقد وهبت له، أو تصدقت عليه بعبدي، أو بقريتي، فيكون ذلك جائزا له إذا كان صغيرا في ولاية أبيه، ويكون ذلك حوزا له؛ فأما إذا لم يكن الأمر على هذا، فإني أخاف أن يكون ذلك منه على وجه التحريض، فلا أرى ذلك للابن إلا على وجه قوي، مثل ما وصفت لك من الإشهاد، إن شاء الله. قال محمد بن رشد: الظاهر من قوله: ولك قريتي فلانة، تمليكه إياها بإصلاحه لنفسه، وتعلمه القرآن، وليس بنص على ذلك؛ ألا ترى أن أهل العلم قد اختلفوا في العبد هل يملك أو لا يملك، مع إضافة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المال لابنه بهذه اللام التي يسمونها لام الملك، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من باع عبدا وله مال، فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع؛» فقال: «أنت ومالك لأبيك» فلم يكن هو وماله ملكا لأبيه، فلما احتمل

أن يريد بقوله: ولك قريتي فلانة تسكنها، أو ترتفق بمرافقها، أو ينفذ أمرك فيهما، وما أشبه ذلك؛ لم ير ابن القاسم أن ينتقل ملكه عنها إلا بيقين، وهو أن يقول: أشهدكم أنه إذا فعل ذلك، فقد تصدقت عليه بها، أو وهبتها له، وما أشبه ذلك؛ فتجوز الهبة له، وتصح له بحيازته إياها إذا كان صغيرا في ولايته، ولم يجعل ما أوجب له القرية به من إصلاحه نفسه، وتعلمه القرآن عوضا لها، فتمضي له دون حيازة، وفي ذلك اختلاف. حكى ابن حبيب، عن مطرف أنه قال: له ومن أعطى امرأته النصرانية داره التي هو فيها ساكن على أن تسلم فأسلمت، فلا أراها بمنزلة العطية؛ لأنها ثمن لإسلامها، والإشهاد يجزيها عن الحيازة؛ وإن مات الزوج فيها، وبه أقول. وقال أصبغ: لا أراها إلا كالعطية، ولا بد فيها من الحيازة، وإلا فلا صدقة لها، وفي المدنية لابن أبي حازم، ولابن القاسم من رواية عيسى عنه، مثل قول مطرف، وما اختاره ابن حبيب؛ قال: وسألت عبد العزيز بن أبي حازم، عن رجل قال لابنه: إن تزوجت فلك جاريتي فلانة، هل يلزمه ذلك؟ قال: نعم، إذا تزوج فهي له، وإن مات الأب أخذها من رأس المال؛ قال ابن أبي حازم: وإن كان على الأب دين، حاص الغرماء بذلك؛ قال عيسى: قال ابن القاسم: هي له دون الغرماء إن فلس، وإن مات أخذها من رأس المال، ولم يكن لأهل الدين فيه شيء؛ قال ابن القاسم: ولو قال: لك مائة دينار إن تزوجت، كان هو والغرماء سواء في ماله في الفلس والموت جميعا؛ لأنه ليس بشيء بعينه،

مسألة: تصدقت بمورثها من دار أبيها على رجل وتلك الدار لم تقسم

وقول ابن القاسم أنه يكون أحق بالجارية من الغرماء، وأنه يحاصهم بالدنانير، هو الصحيح، لا ما قاله ابن أبي حازم؛ ومعناه إذا وجبت له الهبة بالتزويج، قبل أن يتداين الأب، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدقت بمورثها من دار أبيها على رجل وتلك الدار لم تقسم] مسألة قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن امرأة تصدقت بمورثها من دار أبيها على رجل، وتلك الدار لم تقسم، فعمد المتصدق عليه، إلى ناحية منها، فبنى فيها، وسكن من غير قسم، ثم توفيت المرأة، هل له صدقة؟ قال: لا حق للمتصدق عليه فيها، إلا أن يكون شركاؤه هم الذين صالحوه على ناحية، يرتفق بناحية، ويرتفقون بناحية، فيكون ذلك حيازة؛ وأما أن يأتي رجل قد تصدق عليه بمورث من أرض، فعمد إلى قطعة، فبنى فيها وشركاؤه غيب، ثم يموت المتصدق بها قبل أن يحوز هذا، فلا أرى له في ذلك شيئا، ولعل ذلك لو قسم صار لغيره، وقاله أصبغ؛ إلا الموضع الذي ابتنى وحازه بالبنيان، فإني أرى حصة المتصدق منه خاصة من عرصته للمتصدق عليه الباني، وأرى ذلك فيه حيازة للمتصدق عليه، وعن المتصدق وقبضا، فيجوز فيكون قبضا ويكون شريكا لشركائه فيه خاصة، ويبطل ما سوى ذلك من الصدقة بموت المتصدق، ويرجع إلى ورثة شركائه وللشركاء أيضا. قال محمد بن رشد: اختلف فيمن تصدق عليه رجل بحظه من دار

أو أرض على الإشاعة، وحاز بيتا من الدار، أو قطعة من الأرض، قدر حق المتصدق من ذلك أو أقل أو أكثر، والأشراك غيب أو حضور دون علمهم ولا إذنهم على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك ليس بحيازة يستحق بها شيئا من الصدقة، لا فيما حاز، ولا فيما لم يحز، وهو مذهب ابن القاسم، في سماع أبي زيد بعد هذا؛ وفي هذه الرواية؛ بدليل قوله فيها، ولعل ذلك الذي حازه بعينه لو قسم صار لغيره. والثاني: أن ذلك حيازة صحيحة يصح له بها جميع صدقته إذا ارتفعت يد المتصدق، ونزل هو مع أشراكه أو وحده، فعمر شيئا من الأرض، أو سكن بيتا من الدار؛ وهو قول مطرف، وابن الماجشون قالا: ولو لم يعمل المتصدق عليه شيئا؛ إلا أنه منع المتصدق من العمارة؛ لكان ذلك حيازة تامة، تصح له بها الصدقة مع الإشهاد، ونحوه في المدنية لابن كنانة، ولابن القاسم: أن المنع حيازة، وقد ذكرنا ذلك في رسم الكبش، من سماع يحيى بعد هذا، فيما تقدم. والثالث: أنه يصح له بهذه الحيازة قدر حظ المتصدق مما حاز لا أكثر، ويبطل ما سوى ذلك، وهو قول أصبغ هاهنا، وفي نوازله بعد هذا، وقول ابن القاسم، على قياس القول في القسمة أنها تمييز حق، بدليل قوله، ولعل ذلك لو قسم صار لغيره، وقول أصبغ على قياس القول بأنها بيع من البيوع، ولا اختلاف في أنه إذا نزل مع الأشراك منزلة المتصدق، فعمر معهم على الإشاعة، أو على غير الإشاعة أقل من حق المتصدق، أو أكثر برضاهم، أن ذلك حيازة صحيحة تامة؛ واختلف إذا تصدق الرجل على الرجل بجزء من أرضه على الإشاعة معه، فنزل المتصدق عليه مع المتصدق في الأرض، وعمرهما معه كما يعمر الشريك مع شريكه على سبيل الاستقصاء

مسألة: تتصدق بمالها كله في سبيل الله أو تجعله صدقة

لحقه والمشاحة، فقيل: إن ذلك حيازة، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه، حكى ذلك ابن مزين وقال به، وقيل: إن ذلك ليس بحيازة، إلا أن يحوز الأرض كلها، أو يقاسما فيها، فيحوز ما صار له بالقسمة في الحظ المتصدق به، وقد مضى في أول السماع إذا تصدق على من يحوز له بجزء من داره، أو أرضه، أو عبده على الإشاعة مع نفسه، والكلام على ذلك مستوفى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: تتصدق بمالها كله في سبيل الله أو تجعله صدقة] مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول: قال لي مالك في المرأة تتصدق بمالها كله في سبيل الله، أو تجعله صدقة، أو تعتقه وهو مالها كله: إن ذلك كله سواء إذا رده الزوج لم يجز منه قليل ولا كثير؛ قال أصبغ: وهو قولهم جميعا. قال محمد بن رشد: في قول ابن القاسم في هذه الرواية إذا رده الزوج لم يجز منه قليل ولا كثير، دليل على أن فعلها على الإجازة حتى يرده الزوج، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك، وفي هل يرد الجميع، أو ما زاد على الثلث مستوفى في رسم الكبش، من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته، فليس قول أصبغ وهو قولهم جميعا بصحيح، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على رجل بعبد له واشترط عليه أن له منه خدمة يومين] مسألة وسئل عمن تصدق على رجل بعبد له، واشترط عليه أن له منه خدمة يومين في كل جمعة، فمات المتصدق فقال: ليست أيضا بصدقة. قال أصبغ: أرى الورثة على رأس أمرهم يمضون، أو يردون

مسألة: ورثة قام رجل منهم فادعى صدقة عليه من أبيه

كما كان للمتصدق في حياته. قال القاضي: إنما رأى الشرط يفسد الصدقة؛ لأنه لما شرط من خدمته يومين من كل جمعة، فقد حجر عليه التصرف في صدقته بالسفر بها والوطء لها، إن كانت أمة والتفويت، فصار كمن تصدق بصدقة وشرط المتصدق عليه ألا يبيع ولا يهب؛ ألا ترى أنه لما كان الحبس لا يباع، ولا يوهب، جاز فيه هذا الشرط على ما قاله في سماع ابن زيد بعد هذا، وأجاز ابن كنانة هذا الشرط في الصدقة والحبس، وقال: إن الشرط لا يفسد الصدقة بل يشدها، والمعنى فيما ذهب إليه عندي أنه رآه شريكا معه في رقبة العبد بما استثنى لنفسه من خدمته، ولذلك أجازه في الصدقة والحبس، وقال: إن الشرط لا يفسد الصدقة، وقول أصبغ في هذه الرواية أرى الورثة على رأس أمرهم يمضون أو يردون كما كان للمتصدق في حياته خلاف ابن القاسم، فالصدقة بالعبد على هذا الشرط على مذهب ابن القاسم على الرد حتى يحاز، وعلى قول أصبغ على الإجازة حتى يرد؛ لأنه أنزل الورثة منزلته في الإجازة أو الرد، وقد مضى بيان هذا كله مستوفى في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، في أول مسألة منه، فلا معنى لإعادته. [مسألة: ورثة قام رجل منهم فادعى صدقة عليه من أبيه] ومن كتاب القضاء المحض مسألة قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن ورثة؛ قام رجل منهم فادعى صدقة عليه من أبيه، فسئل البينة على الحوز، فأتى بشاهد واحد، وأن

القاضي وقف له صدقته زمانا حتى يأتي بشاهد آخر، فلم يأت به، ثم إن القاضي أمر بقسمته على الورثة، وكانت رقيقا ومنازل وأرضا، فقسمت واتخذت أمهات أولاد، وعتق ما عتق، وغرس في الأرض شجر؛ ثم إن الذي كان ادعى بالصدقة ظفر بشاهد آخر كان صبيا فبلغ، أو غائبا فقدم؛ قال ابن القاسم: أما ما اتخذ منها أمهات أولاد، وما عتق منهم، فلا سبيل له إليهم، ويتبع بالثمن الورثة؛ وأما ما لم يحبل ولم يعتق، فله أن يأخذه بعد أن يدفع الثمن الذي هو في يديه ممن اشترى، ويتبع بالثمن الورثة، فيأخذ ذلك منهم؛ وأما الأرض فلا يأخذها حتى يدفع لمن هي في يديه ثمنها، وما أنفق فيها جميعا، ثم يرجع هو على الورثة بالثمن، فيأخذ ذلك منهم، بمنزلة الرجل يشهد عليه الرجلان أنه مات وهما عدلان، ثم يأتي الرجل بعد ذلك، وقد كان اشتبه عليهما؛ فإن مالكا قال في مثل هذا؛ هذا القول فيما فات. قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية أنه يقضى له بالشاهد الذي أتى به مع الشاهد الأول بعد أن كان قد عجزة، وقضى بقسمة الميراث فاقتسم وفوت، خلاف ما في سماع أصبغ من كتاب النكاح، في رسم النكاح، من قوله فيه: قلت: فإن عجزه، ثم جاء ببينة بعد ذلك، وقد نكحت المرأة أو لم تنكح، قال: قد مضى الحكم، ومثل ما في المدونة؛ إذ لم يفرق فيما بين تعجيز الطالب والمطلوب، وقال: إنه يقبل منه القاضي ما أتى به بعد التعجيز

مسألة: تصدق على من بلغ الحوز فلم يحز لنفسه حتى مرض المتصدق

إذا كان لذلك وجه، وقد قيل: إنه لا يقبل منه ما أتى به بعد التعجيز كان طالبا أو مطلوبا؛ وفرق ابن الماجشون في الطالب بين أن يعجز في أول قيامه قبل أن يجب على المطلوب عمل، وبين أن يعجزه بعد أن وجب على المطلوب عمل، ثم رجع عليه، ففي تعجيز المطلوب قولان، وفي تعجيز الطالب ثلاثة أقوال؛ قيل: هذا في القاضي الحاكم دون من بعده من الحكام، وقيل: بل ذلك فيه وفيمن بعده من الحكام، وهذا الاختلاف، إنما هو إذا عجزه القاضي بإقراره على نفسه بالعجز، وأما إذا عجزه بعد التلوم والإعذار، وهو يدعي أن له حجة، فلا يقبل منه ما أتى به بعد ذلك من حجة؛ لأن ذلك قد رد من قوله قبل نفوذ الحكم عليه، فلا يسمع منه بعد نفوذه عليه، وقد مضى هذا في رسم النكاح، من سماع أصبغ، من كتاب النكاح، وفي رسم نذر سنة، من سماع ابن القاسم، من كتاب الأقضية، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على من بلغ الحوز فلم يحز لنفسه حتى مرض المتصدق] مسألة قال: وكل من تصدق على من بلغ الحوز، فلم يحز لنفسه حتى مرض المتصدق، فأجازه في مرضه فلا صدقة له؛ وهو بمنزلة من أوصى لوارث حين منعه في صحته، وأسلمه في مرضه، فلا يجوز ذلك له، وقال ذلك أصبغ؛ إلا أنه لا يحاص بها أهل الوصايا، كما يحاص بوصية الوارث، ولكنها تطرح من رأس المال كشيء لم يكن، وتكون الوصايا في ثلث ما بعدها، وترجع ميراثا كالإقرار بدين لوارث في المرض، مما كان فيه من التوليج والتهمة سواء.

قال محمد بن رشد: قوله: وكل من تصدق على من يبلغ الحوز يريد من الورثة؛ لأن من تصدق على أجنبي في صحته بصدقة، فأجازه إياها في مرضه، يصح له إن مات منه في ثلثه؛ وقوله: إلا أنه لا يحاص بها أهل الوصايا كما يحاص بوصية الوارث، ولكنها تطرح من رأس المال كشيء لم يكن، وتكون الوصايا في ثلث ما بعدها إلى آخر قوله، هو من قول ابن القاسم متعلق بقوله، وهو بمنزلة من أوصى لوارث، لا من قول أصبغ؛ والفرق بين هذا وبين الذي يوصي لوارث بين، وذلك أن الذي أوصى لوارث، قد أراد إدخاله على الموصى لهم، فكان من حق، الورثة أن ينزلوا منزلته في محاصة أهل الوصايا، إذا لم يجيزوا له الوصية؛ والذي تصدق على وارث في صحته، وأجازه في مرضه، لم يرد إدخاله على الموصى لهم، وإنما أراد أن يأخذ صدقته من رأس ماله. وأما قوله: ولكنها تطرح من رأس المال كشيء لم يكن، وتكون الوصايا في ثلث ما بعدها، فكان من أدركنا من الشيوخ يحملون ذلك على أنه خلاف لقوله في رسم أمهات الأولاد، من سماع عيسى، من كتاب الوصايا، في الذي يتصدق في صحته، ولا يخرج ذلك في يديه حتى يقول: إن الوصايا تدخل فيه، بخلاف إذا قال في مرضه: قد كنت تصدقت على فلان بكذا، أو قد كنت أعتقت عبدي فلانا في صحتي، فإن الوصايا لا تدخل فيه، والذي أقول به أن هذه المسألة ليست بخلاف لما وقع في رسم أمهات الأولاد، وكتاب الوصايا؛ لأن هذه المسألة لما أجاز فيها الوارث في مرضه ما كان تصدق عليه به في صحته، تبين أنه أراد أن يخرج ذلك لوارثه من رأس ماله؛ فوجب ألا تدخل فيه الوصايا، وأن يكون للورثة إذا لم يجيزوه. وأما مسألة

مسألة: يقول في صدقته أشهد لك أني قد تصدقت على فلان بجميع ميراثي

أمهات الأولاد، فالوجه فيها أنه لما لم يحز ما تصدق به حتى مات، حمل عليه أنه أراد أن يبطل صدقته، فوجب أن تدخل فيها الوصايا، وقد روى ابن وهب عن مالك أن الوصايا لا تدخل فيه؛ والوجه في ذلك أن الصدقة إنما ردت بعد الموت بالحكم للتهمة التي لحقت المتصدق في صدقته؛ إذ لم يحزها حتى مات؛ فإنه أراد أن يخرجها من رأس ماله بعد موته؛ فوجب ألا تدخل فيها الوصايا، ولا يدخل هذا الاختلاف في هذه المسألة، ولا في مسألة الذي يقول في مرضه: قد كنت تصدقت في صحتي على فلان بكذا وكذا، أو قد كنت أعتقت في صحتي عبدي فلانا، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول في صدقته أشهد لك أني قد تصدقت على فلان بجميع ميراثي] مسألة وسئل عن الرجل يتصدق بميراثه على رجل، فيقول في صدقته: أشهد لك أني قد تصدقت على فلان بجميع ميراثي، وهو كذا وكذا في الغنم والبقر والرمك، والرقيق والثياب والدور، والبور، والأرض البيضاء، فإنها لي، وفي تركة الميت جنان لم ينصها أو غير ذلك؛ هل يكون جميع ما نص، وما لم ينص للمتصدق عليه إلا ما استثنى، أم لا يكون له إلا ما نص، وقد قال في أول صدقته: أشهدكم أني قد تصدقت على فلان بجميع ميراثي، أو قال: بميراثي في كذا وكذا، إلا كذا وكذا. قال أصبغ: أرى له كل شيء إلا ما استثنى إذا كان يعرفه، وأرى الجنان إذا كان يعرفه داخلا في الصدقة؛ لأنه إنما استثنى

: الجارية توهب للثواب الوطء فيها فوت تجب به القيمة عليه

الأرض البيضاء، ولم يستثن الجنان، إلا أن تكون الأرض هي الجنان عند الناس، وكذلك تسمى وتنسب وتعرف، فتكون له باستثنائه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه قد تصدق عليه بجميع ميراثه إلا الأرض البيضاء، فوجب أن يكون الجنان داخلا في الصدقة، إلا أن يكون عند الناس من الأرض البيضاء كما قال، وإن كان لم يسم الجنان فيما سمى؛ لأنه لما تصدق بجميع ميراثه، واستثنى منه الأرض البيضاء تبين أنه لم يرد بما سمى استيعاب جميع المورث؛ وقوله فيه أنه داخل في الصدقة إن كان يعرفه، صحيح على ما مضى من مذهب ابن القاسم في رسم الأقضية والحبس، من هذا السماع أن هبة الميراث جائزة إن لم يعلم قدره، إلا أن ينكشف أنه أكثر مما ظن به على زعمه، فيحلف على ذلك ولا يلزمه، ويأتي على ما ذكرناه هناك من قول ابن عبد الحكم في أن هبة المجهول جائزة، وإن ظهر له أنها كانت كثيرة بعد ذلك أن يكون الجنان للمتصدق عليه إذا تصدق عليه بجميع مورثه: إلا ما استثناه منه، وإن لم يعلم بالجنان، وبالله التوفيق. [: الجارية توهب للثواب الوطء فيها فوت تجب به القيمة عليه] ومن كتاب البيوع قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الجارية توهب للثواب: إن الوطء فيها إذا وطئها فوت تجب به القيمة عليه، وكذلك الاعتصار إذا وطئها الابن لم يكن للأب أن يعتصر، قال أصبغ: حبلن

أو لم يحبلن سواء، قال ابن القاسم: ولكن التفليس إذا فلس المشتري بعدما وطئها أخذها صاحبها، وهي سلعته بعينها، وهو أولى بها، إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه قيمتها يوم وهبها ويأخذوها. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في الجارية توهب للثواب؛ إن الوطء فيها إذا وطئها فوت، تجب به القيمة عليه، وهو مثل ما تقدم من قوله في رسم العتق، من سماع عيسى، والاختلاف في ذلك، بل قد قيل: إن الغيبة عليها فوت تجب بها القيمة عليه، وهو قول مطرف وابن الماجشون، وأصبغ. وقوله أيضا أنه إذا وطئها الابن لم يكن للأب أن يعتصرها، هو مثل ما مضى من قوله، في رسم باع شاة، من سماع عيسى، وذهب مطرف وابن الماجشون إلى أن الوطء لا يقطع الاعتصار؛ لأن ذلك لا يمنعه من بيعها، وما يريد من الانتفاع بثمنها، إلا أنها توقف بعد العصرة، فإن صح رحمها تمت العصرة، وإن ظهر الحمل امتنعت العصرة؛ وأما وطء الذي وهبت له هبة ثواب، فلا اختلاف في أنه ليس بفوت يحول بينه وبين أخذها في التفليس، إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه قيمتها، أو يأخذوها، قال في هذه الرواية يوم وهبها، ومثله في أول رسم من سماع ابن القاسم، وقد مضى هناك ذكر الاختلاف في ذلك وتوجيهه، فلا معنى لإعادته، وسمى الموهوب له مشتريا في قوله: لو فلس المشتري؛ لأن الهبة للثواب بيع من البيوع.

مسألة: وهب نصف كتابة مكاتبه لرجل

[مسألة: وهب نصف كتابة مكاتبه لرجل] ومن كتاب المدبر والعتق مسألة قال أصبغ: قال لي ابن القاسم فيمن وهب نصف كتابة مكاتبه لرجل، أنه إن عجز، فهو شريك له فيه بذلك؛ لأن مالكا قال: إذا وهب له الكتابة فعجز، فهو عبد للموهوب له، وقاله أصبغ كله؛ وكذلك الأجزاء كلها، قلت لابن القاسم: فوهب نجما، ولم يسمه، كيف يستأديان نجومه، قال: يكون شريكا في النجوم كلها بقدر ذلك. قال أصبغ: يريد بقوله نجم من عدد النجوم، إن كانوا خمسة فخمس كل نجم على هذا الوجه. قال أصبغ: قال ابن القاسم: فإن عجز كان شريكا في الرقية أيضا بقدر ذلك، قال أصبغ: يريد بقوله نجم من عدد النجوم، إن كانوا خمسة فخمس كل نجم على هذا الوجه. قال أصبغ: قال ابن القاسم: فإن عجز كان شريكا في الرقية أيضا بقدر ذلك بمجرى النجوم؛ قال أصبغ: وإن سمى نجما بعينه وهبه، فعجز العبد، فلا أرى له فيه شركا؛ لأنه كأنه إنما وهب مال ذلك النجم إن تم، فإنما وهب له مالا إلا أن يزعم الواهب غير ذلك، والقول في ذلك قوله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، لا وجه للقول فيها على المشهور في أن بيع جزء من أجزاء الكتابة جائز، كما يجوز بيع

مسألة: تصدقت على زوجها بجارية لها

جميعها، وهو قول مالك في موطئه، ويأتي على القول بأنه لا يجوز بيع جزء من أجزاء الكتابة؛ لأن الهبة في ذلك لا تحوز على الثواب، وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله، في رسم نذر، من سماع أبي القاسم، من كتاب المكاتب، وفي رسم الكبش، من سماع يحيى منه، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدقت على زوجها بجارية لها] من مسائل سئل عنها أصبغ بن الفرج مسألة وقال أصبغ في امرأة تصدقت على زوجها بجارية لها، وكتبت له كتابا فيه تصدقت عليه بجاريتها فلانة التي اشترتها من فلان وولدها، فقال الزوج: تصدقت علي بالجارية وولدها، فقالت: إنما نسبت الجارية إلى ولدها، ولم أتصدق عليك بولدها، والجارية وولدها في بيت الرجل الذي فيه امرأته؛ فقال: إن كانت اشترتها هي وولدها، فالقول ما قالت، ولا يأخذ الزوج الولد، وله الأم وحدها، ولا يفرق بينهما. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنها إن كانت اشترتها هي وولدها، فالقول قولها: إنها لم تتصدق عليه بالولد يريد مع يمينها؛ وإن كانت لم تشترها مع ولدها، فلا تصدق فيما ادعت؛ لأنها قد تبين كذبها، ويأخذ

مسألة: تصدق على ابن له صغير بدنانير له عند عبده

الزوج الولد مع الجارية على ما في الكتاب الذي كتبت له بالصدقة دون يمين دون، وإن لم يعرف إن كانت اشترتها مع ولدها أو دون الولد، فالقول قولها مع يمينها أنها لم تتصدق عليه بالولد؛ لأن الزوج مدع عليها بصدقة الولد، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على ابن له صغير بدنانير له عند عبده] مسألة قال أصبغ في رجل تصدق على ابن له صغير بدنانير له عند عبده، قال: إن كان العبد حاضرا فقال السيد للعبد: خذ مالي عندك لابني فلان، ويشهد له، فتلك حيازة، وهي جائزة، وإن كان العبد غائبا، وأشهد له على الصدقة ودفع كتاب الدين إن كان له كتاب إليه، أو إلى من يحوز له، فهي جائزة. قال القاضي: معنى هذه المسألة أن الدنانير له قبل العبد دينا ثابتا في ذمته، وذلك بين في آخر المسألة. قوله: ودفع كتاب الدين إن كان له كتاب إليه، ولو كانت الدنانير له بيد العبد وديعة وما أشبه ذلك، لم يجز؛ لأن العبد لا يجوز للأب حيازته، ويد العبد كيد سيده، وينبغي في الدين أن يحوز، ويكتفي بالإشهاد في الغائب والحاضر، وإن لم يقل له في الحاضر: اقبض ما لي عندك لابني، ولا ادفع كتاب ذكر الحق في الغائب إليه، أو إلى من يحوز له على ما قال، كمن وهب لابنه الصغير دينا له على رجل أجنبي، فحيازته الإشهاد، وإن لم يقل له: اقبض ما لي عندك لابني، ولا ادفع ذكر

مسألة: يتصدق على ولده الصغار بالدار والأرض ثم يموت بعد ذلك

الحق إليه، ولا إلى من يحوزه له، بيد أنه إن قال لعبده: اقبض ما لي عندك لابني، فأحضر العبد الدنانير، وأشهد أنها بيده لابن سيده على سبيل الحيازة، جاز ذلك، وبرئت ذمته منها، وإن ادعى ذلك دون الإشهاد، جرى ذلك على اختلاف قول ابن القاسم في هذا الأصل في المدونة، في مسألة الغرائر من كتاب السلم وشبهها، وقد حمل ابن المواز هذه المسألة على أن الدنانير التي لرجل على عبده أمانة عنده بيده لابن سيده، واعترض ذلك فقال: ليس يعجبنا هذا؛ أن العبد مال للأب وبيده، فكأنه لم يخرج الدنانير من يده، وحمل ذلك على أن الدنانير دين للسيد على عبده أظهر لها نص عليه في آخر المسألة، ولا تخلو مع ذلك من الاعتراض لما اشترط في صحته الحيازة من أن يقول السيد لعبده: خذ ما لي عندكم لابني، ولا يحتاج في هبة الدين إلى ذلك، حسبما تقدم في أول رسم من سماع ابن القاسم، ووجه ما ذهب إليه، والله أعلم؛ أنه حكم للدين لما كان على عبده، والعبد ملك له حكم المال الناض بيده، فأجاز الهبة فيه، وإن لم يخرجه عن يده، بأن يقول للعبد الذي هو عليه: اقبضه لابني، فيكون ذلك بمنزلة التعيين للدنانير إذا وهبها لابنه، فالإفراز لها، والطبع عليها، وإن لم يخرجها عن يده على رواية مطرف عن مالك، وظاهر ما في الموطأ، وقد مضى في سماع عبد الملك بن الحسن، في معنى هذه المسألة ما فيه بيان لها، وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق على ولده الصغار بالدار والأرض ثم يموت بعد ذلك] مسألة وسألته عن الأب يتصدق على ولده الصغار بالدار

والأرض، ثم يموت بعد ذلك، والولد صغار، ثم يقوم الورثة، فيريدون قسمتها ويقولون: إن أبانا لم يزل يسكن هذه الدار، ويحرث هذه الأرض حتى مات، ويقول الصغار: لا علم لنا بما يقولون، ويقولون: إن أبانا لم يسكن، ولم يحرث حتى مات، وأبونا الحائز علينا، ليس علينا أن نسأل عن شيء نحن في صدقة أبينا على حيازة أبينا لنا، إلا أن تأتوا أنتم بالبينة على دعواكم، فإنه قد اختلف في ذلك. قال أصبغ: أما الأرض فيمكن ما يقولون فيها، وهي على كل حال صدقة، وحيازته للصغير حيازة، وإظهار الصدقة حيازة، وكالحيازة حتى يعرف خلاف ذلك؛ على أنه إنما كان يعتملها لنفسه اعتمالا دونهم بحالها الجاري فيها قبل الصدقة بها لنفسه وشائه تقوم بذكر بينة تقطعه وتعرفه، فإن كان كذلك فعسى أن تبطل، وإلا فهي صدقة ماضية للصغار، والبينة على الآخرين وهم المدعون؛ وليس على الصغار تثبيت للحيازة، وهي حيازة على ما فسرت لك، وليس عندنا في هذا كلام، وهو أصوب والحق في العلم ممن قال غيره؛ ألا ترى أنه لو تصدق على ولده الصغار بصدقة مثل هذه، ثم طرأ عليه دين قبل الصدقة، وقد كان له وفاء به يوم تصدق، ولم يرد الدين قبل الصدقة

أو بعدها، كانت الصدقة صدقة، وكانت الحيازة حيازة لمثلهم من مثله، وكانت أولى حتى يعرف خلاف ذلك، فبهذا يستدل على مسألتك، وعلى خطأ من قال خلافه، وعلى قوله والدار في مسألتك كذلك سواء بعد أن يكون قد تخلى من الدار فلا يسكنها، أو يكون مما لم يسكنها وهي خارجة من سكناه، وإشغاله إياها بنفسه وحشمه وماله وعياله، كحالها قبل الصدقة، فهذا الذي يبطل، وليس تفترق الدار والأرض إلا في التخلي من الدار، فإن هذا يمكن معرفته وعلمه كان يسكن أو لم يسكن، فإذا عرف أنها مما لم يكن يسكنها، أو عرف أنه قد تخلى منها، فهي بمنزلة الأرض، وهي حيازة، وإن أشكل فلم يدر أكان يسكن أم لا؟ فإن لم يكن يعرف بسكناها قط ولا نسب، فهي صدقة أيضا كالتخلي، وإن عرف أو نسب إلى سكناها قبل صدقتها، فأرى التثبت هاهنا على أهل الصدقة بالتخلي منها، وذلك إذا عرف بسكناها كلها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة المعنى، أطال الكلام فيها إرادة البيان لها، وذلك يرجع إلى أنه في الأرض محمول على أنه إنما كان يعمره لبنيه المتصدق عليهم حتى يثبت أنه إنما كان يعمره لنفسه على حال ما كان يفعله قبل الصدقة، وفي الدار محمول على أنه كان يسكنها، أو

مسألة: يتصدق بمبذر أمدا أو بحرث زوج من أرضه على ابن له

يشغلها بمتاعه وحشمه حتى يثبت انتقاله عنها، وإخلاؤه لها، وأنه لم يكن قبل يسكنها ولا يشغلها، وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق بمبذر أمدا أو بحرث زوج من أرضه على ابن له] مسألة وسألته عن الرجل يتصدق بمبذر أمدا، أو بحرث زوج من أرضه على ابن له لم يسم له موضعا من أرضه، أو بحرث زوج من أرضه، فلا يعتمل الأرض حتى يموت، أو يعتمل بعضها، ويبقى منها شيء لم يعتمله قدر الصدقة أو أكثر، أو قل، هل الصدقة جائزة؛ أو تراها مثل مسألة مالك في الغنم الذي يتصدق بعدد من غنمه، قال: إن كان وسمها، وأشهد عليها، وكيفت باختلاف الغنم الذي تصدق بها على ابنه وحرثه بالبقر وركوب الدواب، قال أصبغ: لا أراها صدقة حتى تسمى ناحيتها بحدها وعينها، وإلا كان مثل الذي ذكرت وأشد؛ لأن الغنم والخيل تتبعض، وقد أبطله مالك، وهو آخر قوله، والذي أخذنا به، وقد كان يقول بغيره ممن عمل بقوله الأول أجاز الأولى من مسألتك ولا يعجبني، ولا أراه؛ وسواء في هذا اعتمله أو لم يعتمل أو بعضها، فإما ما أردت من اختلاف الغنم، واعتمال البقر وخدمة العبيد، إذا كانت الصدقة فيهم بأعيانهم، فإذا كان من ذلك الأمر الخفيف والأمر الممزوج مرة للابن، ومرة للأب، ومرة ينتفع هذا، ومرة ينتفع هذا، ومرة بعض لهذا وبعض لهذا؛ فهذا جائز، وتكون حيازة وصدقة تامة. قال محمد بن رشد: لا فرق بين أن يتصدق بمبذر إردب من أرضه،

مسألة: الأرض تكون بين النفر فيتصدق أحدهم بسهمه على رجل

أو بعدة من خيله في صحة حيازة الأب لذلك إذا تصدق به على ابنه الصغير، فباختلاف قول مالك من الصدقة بعدة من خيله، يدخل في ذلك، وقد مضى الاختلاف في ذلك في أول رسم، من سماع أصبغ، ومضى الكلام عليه هناك، وفي رسم طلق بن حبيب، من سماع ابن القاسم، ورسم الأقضية الثاني، من سماع أشهب، ومضى الكلام أيضا على ذلك، مستوفى في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب الحبس، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك؛ وأما ما ذكره في هذه الرواية من اختلاف الغنم واعتمال البقر، وخدمة العبيد، وما أشبه ذلك؛ أن الأمر الممزوج من ذلك جائز، فقد مضى تحصيل الاختلاف فيه في رسم الأقضية الثاني، من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: الأرض تكون بين النفر فيتصدق أحدهم بسهمه على رجل] مسألة وعن الأرض تكون بين النفر، فيتصدق أحدهم بسهمه على رجل، فيعمد المتصدق عليه إلى قدر حقه من الأرض، فيعمله وحده، وأشراكه غيب أو حضور مستغنين عن عمل حظوظهم، أو ضعفوا عن عملها؛ هل ترى ذلك حيازة؟ وكيف إن عمر أقل من سهمه، هل يستوجب سهمه كله؟ قال أصبغ: أرى ألا يكون له إلا مقدار ما كان يصيبه في الجماعة مما حاز خاصة، وعمر واعتمل وخلي بينه وبينه حتى كان ذلك بعينه هو الصدقة، فحاز

حصته فيها، وترك ما بقي وسلم له الذي كان نصيبه منها، أو حازوه جميعا معه كما حاز، ويبطل سائره وسائر الأرض؛ قلت: أرأيت إن كانت عمارته في عام أقل من حقه، وفي عام أكثر من حقه، أو مثل اختلفت العمارة في سنين بالأقل والأكثر. قال محمد بن رشد: قوله: إن المتصدق عليه بجزء من الأرض على الإشاعة إذا حاز مكانا معينا منها وأشراكه غيب، أو مستغنون عن الحيازة، أنه يكون له قدر حق المتصدق من الموضع الذي حازه لا أكثر؛ هو قوله في رسم الكراء والأقضية من سماعه، خلاف مذهب ابن القاسم فيه؛ وقد مضى هنالك تحصيل الخلاف في ذلك، فلا معنى لإعادته، ولم يجبه إذا اختلفت عمارته في السنين بالأقل والأكثر، والذي يأتي على مذهبه في ذلك، أن له قدر حق المتصدق من كل موضع عمره، إذا لم يعمر الأشراك شيئا مما عمر بعد عمارته إياه، مثال ذلك أن يكون عمر في عام واحد فدانا معلوما من الأرض، ثم عمر في العام الثاني فدانين معلومين منها، ثم عمر في العام الثالث ثلاثة فدادين معلومة أيضا من جملة الأرض المتصدق بها، فيكون للمتصدق عليه إن كان تصدق عليه بثلث الأرض ثلث جميع الستة فدادين، أو ربعها إن كان تصدق عليه بربع الأرض، أو أقل من ذلك أو أكثر؛ وهذا إذا لم يعمر الأشراك بعد عمارته إياه شيئا منها، فإن عمر وأشياء منها بعد عمارته إياه، بطلت عمارته فيه، ولم يكن له بها فيه حق؛ وأما إن عمر هو بعض الأرض، وعمر أشراكه سائرها على علم منهم بما عمر، فإنه يستوجب بما عمر جميع حقه، وإن كان أقل من حقه دون اختلاف في

مسألة: المرأة ذات الزوج تتصدق بالدار على ولدها منه

ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة ذات الزوج تتصدق بالدار على ولدها منه] مسألة وسألته عن المرأة ذات الزوج تتصدق بالدار على ولدها منه، وهم صغار في حجره، والزوج ساكن بها في الدار حتى تموت المرأة، وهي في الدار مع زوجها وولدها المتصدق عليهم، أو تتصدق بذلك على كبير بائن عن أبيه، فيكريها من أبيه قبل أن يحوزها، أو يشهد له بسكنى إلى وقت، أو إلى غير وقت، ثم تموت المرأة؛ هل الصدقة جائزة في الوجهين جميعا؟ قال أصبغ: نعم، أرى ذلك جائزا إذا كان في مسألتك في الصغار قد أمكنت الأب من الدار بعد الصدقة عند الصدقة بأمر معروف، حتى لو شاء أن يخرجها أخرجها، فكان هو الذي بعد ذلك أقرها سكنى منه ومعه؛ فأما أن يكون إنما كانت الصدقة اسما، ثم استمروا على ما كانوا عليه من غير قبض معروف، ولا إمكان، ولا تخل منها إليه، ولا قبض من الكبير الذي ذكرت ولا إمكان، ثم يكون هو الذي يكري أباه بعد، ويستقبل العمل على ما شاءوا من كراء أو غيره؛ فهذا الذي يبطل ولا يكون حوزا ولا قبضا، فإذا صح كان حوزا وقبضا، ولم يكن بأدنى حال من أن لو تصدقت بها على الزوج نفسه وأمكنته، فسكن بها كما هي، فإن ابن القاسم يقول في هذا: إنه جائز له، وإنه حيازة

وإن أقرها؛ لأن الرجل يسكن امرأته حيث شاء، فقد صارت له وأسكنها كرها منه، لها لو أبت ألا تسكنه لم يكن ذلك لها؛ ويفرق في هذا بين صدقتها عليه، وصدقته عليها بالمنزل الذي هما فيه، ويقول: إن كان هو المتصدق ولم يخرجه، وينقلها إلى غيره يسكن بها فيه، ويتخلى منه، لم يكن لها حيازة فاستبدل. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة؛ إذ لا فرق بين أن تتصدق المرأة على زوجها بالمسكن الذي تسكن فيه معه، فيسكن المسكن معهما بعد الصدقة؛ أن ذلك حيازة؛ لأن سكناه المسكن بعد الصدقة حيازة له، وإن سكنت فيه معه؛ لأن ذلك من حقه أن يسكنها فيه شاءت أو أبت، ولا بين أن تتصدق المرأة على بنيها الصغار بالمسكن الذي تسكن فيه مع زوجها فيسكنه الأب معها بعد الصدقة؛ أن ذلك حيازة لبنيه المتصدق عليهم؛ لأن سكناه فيها تصدقت به الأم عليهم، أو غير الأم حيازة له، ومن حقه أن يسكنها فيه شاءت أو أبت؛ وقال: إن ذلك جائز إذا كانت قد أمكنت الأب من الدار حتى لو شاء أن يخرجها منها أخرجها، ولا يجوز إذا كانت الصدقة اسما، ثم استمروا على ما كانوا عليه من غير قبض معروف، ولا إمكان، ولا تخل منها إليه ولا قبض من الكبير، ولم يبين هل يكون الأمر محمولا على الإمكان، فيجوز حتى يعلم أنه كان على غير الإمكان، أو هل يكون محمولا على غير الإمكان، فلا يجوز حتى يعلم أنه كان على

مسألة: وهب لرجل عبدين للثواب

الإمكان، والصواب في هذا أنه محمول على الإمكان، وجواز الحيازة حتى يعلم أن الأمر وقع على غير الإمكان، مثل أن تقول له: أتصدق عليك بهذه الدار التي في سكنانا على ألا تخرجني منها، وتسكن فيها معي، أو تقول له: أتصدق على بنيك بهذه الدار على أن تسكن فيها، فتلتزم الكراء لهم، ولا تخرجني منها، فلا يجوز ذلك ولا يكون سكناه معها فيها حيازة له، ولا لهم، وإنما قلنا: إن الأمر محمول على الإمكان حتى يعلم سواه؛ لأن نفس الصدقة وانتقال الملك بها إليه، أو إلى بنيه يقتضي الإمكان، فوجب أن يحمل الأمر على ذلك حتى يعلم سواه، وبالله التوفيق. [مسألة: وهب لرجل عبدين للثواب] مسألة قال: وسئل عن رجل وهب لرجل عبدين للثواب، فأراد الموهوب له أن يأخذ أحدهما بقيمته ويرد الآخر، وأبى ذلك الواهب، قال ذلك للموهوب له يأخذ أيهما شاء، ويرد أيهما شاء إذا أخذ بالقيمة. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا أن للموهوب له أن يأخذ أحد العبدين بقيمته ويرد الآخر، خلاف نص ما له في المدونة، وخلاف ما يوجبه القياس والنظر؛ لأنه قادر على أن يأخذهما جميعا أو يردهما جميعا، فليس له أن يرد أحدهما، ويأخذ الآخر كما بيع على الخيار، أو كسلع استحقت من يد مشتر، فأراد المستحق أن يأخذ بعضها، ويجيز البيع في بعضها؛ بخلاف استحقاق أحد الثوبين، أو العبدين، أن الباقي لازم للمشتري؛ إذ لا قدرة للمستحق إلا على ما استحق خاصة، وقد مضى هذا المعنى، في رسم العتق، من سماع عيسى، ويتخرج في المسألة قول ثالث، وهو الفرق بين أن يكون

مسألة: رجل وهبت له جارية للثواب فوطئها

الذي يريد أن يرد هو الأدنى أو الأرفع، فإن كان الأدنى، لم يكن ذلك له، وأن الأرفع كان ذلك له؛ وهذا القول يأتي على قياس ما قاله ابن القاسم في المدونة في الموهوب له العبدين على الثواب، يبيع أحدهما؛ أن له أن يرد الآخر إذا لم يكن الذي باع هو وجههما؛ لأن ذلك من قوله في المدونة معارض لقوله فيها، أنه ليس للموهوب له العبدين للثواب، أن يثيبه على أحد هما، ويرد الآخر إذا لم يكن الذي باع هو وجههما، كان الأرفع أو الأدنى؛ وكذلك قال سحنون: إذا باع أحدهما لزمه الثواب فيهما جميعا، كان الذي باعه هو الأرفع أو الأدنى، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل وهبت له جارية للثواب فوطئها] مسألة قيل لأصبغ: رجل وهبت له جارية للثواب فوطئها، ثم أصاب بها عيبا بعد الوطء، أله أن يردها؟ قال: نعم، إن شاء ردها بالعيب مثل البيع؛ لأن الهبة بيع من البيوع، قلت: فإن أراد أن يتمسك بها معيبة ويغرم إليه قيمتها، أي شيء يكون عليه؛ أقيمتها معيبة، أو قيمتها سليمة؟ فقال: ليس له أن يمسكها إلا بقيمتها سليمة ليس بها عيب، بمنزلة من ابتاع أمة، فظهر منها على عيب، وهي قائمة عنده لم تفت، فإن شاء ردها بعيبها، وإن شاء أمسكها بجميع الثمن، فالهبة كذلك إن شاء ردها، وإن شاء أمسكها بالقيمة كاملة؛ قلت: فإن فاتت عنده؟ قال: هذا خلاف الأول، فإن كان قد أخرج القيمة، رجع بالعيب فيها على نحو البيع سواء، وإن كان لم يخرجها، فعليه

: قال إن تصدقت على ابنك بعشرة دنانير فعشرتي التي لي عليك صدقة على ابنك

قيمتها معيبة؛ لأنها هاهنا قد لزمته، وانقطع خياره في ردها بفوتها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أصبغ؛ لأن الوطء للجارية الموهوبة للثواب فوت تجب به القيمة على الواطئ، ويقطع خياره في ردها، فصارت القيمة في الموهوبة بالوطء كالثمن في البيع البتل، فوجب من أجل ذلك إذا وجد عيبا أن يكون مخيرا بين أن يرد أو يمسك بقيمتها التي لزمته بالوطء، وهي قيمتها سليمة من العيب الذي وجده بها، كما يكون مخيرا في البيع بين أن يردها أو يمسكها بجميع الثمن، وهذا إذا كان الواهب لم يعلم بالعيب، وأما إذا علم به، فيكون من حق الواطئ الذي علم بالعيب أن يمسكها إن شاء بقيمتها معيبة؛ لأن الواهب لما وهبها وهو عالم بالعيب، فقد رضي بقيمتها معيبة، وكذلك في كتاب ابن المواز أنه إذا وهبها وهو يعلم بالعيب، فليس له إلا قيمتها معيبة، وإن كانت قائمة؛ وقال غيره: ليس له إلا قيمتها معيبة علم بالعيب أو جهله، وأما إذا فاتت عند الموهوب له فوتا يمنعه من ردها جملة، أو من ردها دون أن يرد معها ما نقصها، فليس عليه أن يمسكها إلا بقيمتها معيبة، ولا اختلاف في هذا، وبالله التوفيق. [: قال إن تصدقت على ابنك بعشرة دنانير فعشرتي التي لي عليك صدقة على ابنك] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن رجل كان له على رجل عشرة دنانير، فقال له: إن تصدقت على ابنك بعشرة دنانير، فعشرتي التي لي عليك صدقة على ابنك، فقال الأب: اشهدوا أني قد تصدقت على ابني بعشرة دنانير وولده صغير، فلم يخرجها حتى

مسألة: تصدق على رجل بفدان من أرضه يختاره حيث أحب

مات، قال: يرجع الذي كانت له على الأب العشرة الدنانير ويأخذها منه؛ لأن الأب لم يفرز العشرة، ولم يخرجها من يديه حتى مات؛ قال: ولو كان وضعها على يدي رجل لم يكن له أن يرجع بشيء، ولكانت للابن. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه لم يتصدق عليه بالعشرة التي له على ابنه إلا بشرط، أن يتصدق عليه أبوه بعشرة دنانير، وصدقة الأب على ابنه بالعشرة دنانير لا تصح له إلا أن يخرجها من يده، ويضعها له على يدي غيره، أو يفرزها ويحضرها ويختم عليها بحضرة الشهود على اختلاف في ذلك، قد مضى ذكره في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم طلق ابن حبيب منه، وفي غير ما موضع؛ فإذا لم تصح صدقته على ابنه بالعشرة دنانير لم تلزمه هو صدقته عليه بالعشرة التي له على ابنه، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على رجل بفدان من أرضه يختاره حيث أحب] مسألة وسئل عن رجل تصدق على رجل بفدان من أرضه يختاره حيث أحب، فلم يحز المتصدق عليه ذلك حتى استحقت تلك الأرض من صاحبها بقضاء من القاضي، ثم إن صاحب الأرض الذي

استحقت من يديه، قام يخاصم فيها يأتي بالشاهد وبالأمر بعد الأمر، وبالشيء بعد الشيء، "يخاصم فيها رجاء أن ترد، فلما كثر الشغب والخصومة أراد الذي استحق الأرض أن يقطع الشغب بينه وبين صاحب الأرض الذي استحق الأرض، فصالحه ببعضها، فجاء الذي تصدق عليه بالفدان بعد يطلبه ممن تصدق به عليه، قال: لو كان يعلم أنه لو ثبت يخاصم يريد الذي استحقت من يديه، لم يكن يدرك منها شيئا لضعف ما يطلب، لم يكن للذي تصدق عليه بالفدان شيء مما صالح عليه، وإن كان يظن أن لو ثبت على الخصومة، لرجا أن ترجع إليه الأرض على قدر ما يرى أو يرجى من غير أمر قوي، ولا بين، إلا بالرجا بينة يدعيها، أو لأمر يرجى، أو لا يرجى فصولح ببعضها؛ رأيت للذي تصدق عليه بالفدان أن يصير له نصف فدان مما صار للذي تصدق عليه، يأخذ ذلك حيث أحب من أرضه؛ وإن كان الذي استحقت من يديه لا يشك أن لو خاصم رجعت إليه، لما قد تبين عند الناس من البينة العادلة، فصالح منها ببعضها، رجع الذي تصدق عليه على صاحب الأرض الذي استحقت من يديه، فأخذ فدانا من حيث أحب يختار لا يقبض منه شيئا؛ لأنه لو خاصم استرد أرضه كلها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها، ولا

مسألة: تصدق عليه وارث بحظه في قرية مبهمة

لبس في شيء من معانيها؛ إذ قد قسمها على ثلاثة أوجه لا رابع لها، وذكر الحكم في كل واحد منها، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق عليه وارث بحظه في قرية مبهمة] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل تصدق عليه وارث بحظه في قرية مبهمة، فعمر فيها مع الورثة قدر حظ المتصدق، ثم هلك المتصدق فاقتسم الورثة القرية، فصار للذي كان عمر منها المتصدق عليه مثل ما لغيره من الورثة، فقال: ورثة المتصدق إنما لم يحز ما تصدق به عليه صاحبنا في حياته، فقال المتصدق عليه: قد حزت منها بقدر حظه منها، وقال الورثة: الذي صار لصاحبنا لم يحز ما تصدق به عليه صاحبنا في حياته، فقال المتصدق عليه: قد حزت منها بقدر حظه منها، وقال الورثة: الذي صار لصاحبنا لم يحزه؛ فقال ابن القاسم وابن وهب: ذلك لمن تصدق به عليه إذا كان قد عمر وحاز؛ لأنه حين وقع مع الورثة فعمر معهم، وحاوزهم فيها فهي حيازة؛ لأنه إنما أسلم إليهم حقه بما أسلموا إليه من حقوقهم، فهي حيازة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أنه يستحق جميع ما وهبه إياه الوارث بنزوله منزلته مع سائر الورثة في العمارة، وإنما وقع الاختلاف إذا عمر وحده دون سائر الورثة فدانا من الأرض بعينه، حسبما مضى بيانه في سماع أصبغ قبل هذا، وفي نوازله، وبالله التوفيق. [مسألة: رجلين تصدق عليهما رجل بعبده وقال إن قبلتما] مسألة وعن رجلين تصدق عليهما رجل بعبده، وقال: إن قبلتما، فقبل أحدهما، وقال الآخر: لا أقبل؛ فقال: من قبله منهما كان له ما قبل.

مسألة: تصدق على رجل بخادم فاشترط عليه لنفسه خمسة أيام

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في رسم الثمرة، من سماع عيسى، من كتاب العتق، في الذي يقول لعبديه: إن شئتما الحرية فأنتما حران، فشاء أحدهما، ولم يشأ الآخر؛ أن الحرية تحصل لمن شاء منهما؛ ومثل قول أشهب في العتق الأول من المدونة في الذي يقول لامرأتيه: إن دخلتما الدار فأنتما طالقتان؛ أن الطلاق يلزمه فيمن دخل الدار منهما، خلاف قول ابن القاسم فيه؛ أنه لا شيء عليه حتى يدخلا جميعا، فيأتي على قوله في هذه المسألة، أنه لا شيء لمن قبل حتى يقبلا جميعا، وفي مسألة الطلاق قول ثالث: إنهما يطلقان جميعا بدخول الواحدة منهما، لا يدخل في هذه المسألة؛ إذ لا يلزم أحدهما قبول الآخر، وقد مضى الكلام مستوفى على مسألة الطلاق، في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى، من كتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على رجل بخادم فاشترط عليه لنفسه خمسة أيام] مسألة وعن رجل تصدق على رجل بخادم، فاشترط عليه لنفسه خمسة أيام في الشهر، قال ابن كنانة: ذلك جائز له، قلت له: هل يفسد هذا الشرط الصدقة؟ قال: لا، ولكنه يشدها، وما حبس لنفسه فهو له؛ قال ابن القاسم: إذا كان حبسا، فلا بأس بما اشترط، وإن كانت الرقبة بتلا، فلا خير في أن يستثني منها خدمة أيام. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم الكراء والأقضية، من سماع أصبغ لتكررها هناك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: خرج إلى الأندلس فقال له رجل إن لي على فلان دينارا

[مسألة: خرج إلى الأندلس فقال له رجل إن لي على فلان دينارا] مسألة وسئل عن رجل خرج إلى الأندلس فقال له رجل: إن لي على فلان دينارا وخمسة دراهم، فأنت وكيلي فاستأجر في تقاضيه بتلك الخمسة دراهم، ثم خرج فكلم الذي عليه الدينار والدراهم، فأعطاه ولم يوله أن يستأجر في الدنانير والدراهم، وقد كان أمره إذا أنت قبضت الدينار، فتصدق به عني، وكيف ترى في الدراهم؟ قال: يرسلها إليه ويتصدق بالدينار، كما أمره. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة، وإنما قال في الدراهم: إنه يرسلها إليه، وهو لم يأمر بإرسالها؛ لأنه لم يأمره أيضا بإمساكها عند نفسه، فوسعه الاجتهاد في ذلك بحسن النظر فيها لصاحبها، فإن أرسلها مع ثقة فتلفت، لم يكن عليه ضمانها؛ وإن أمسكها مع نفسه إلى أن يسوقها هو فتلفت، لم يكن عليه ضمانها أيضا، إلا أن تطول إقامته بالأندلس، وهو يجد ثقة يوجه بها معه، فلم يفعل حتى تلفت، ولو استودعها هناك عند ثقة حتى يعلم رأي صاحبها فيها فتلفت، لم يكن عليه فيها ضمان أيضا، وقد مضى في رسم شك، من سماع ابن القاسم، من كتاب البضائع والوكالات، في نحو هذه المسألة ما يبين معناها، وبالله التوفيق. [مسألة: تصدق على أجنبي بدينار لله] مسألة قال ابن القاسم في رجل تصدق على أجنبي بدينار لله، ثم أدان، وحاز الذي تصدق عليه صدقته، فلم يرد الدين قبل الصدقة، أو الصدقة قبل الدين؛ قال: الصدقة أولى حتى يعلم أن الدين كان قبل الصدقة؛ قال: ولو أن رجلا تصدق على ولد له صغير فحاز له، ثم أدان بدين، ولا يدري أيهما قبل: الصدقة أو الدين؟ قال: فالدين أولى إلا أن يعلم أن الصدقة كانت قبل الدين.

مسألة: العبد إذا كانت له امرأة حرة أنه يمنعها من صدقة مالها

قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم مثل ما تقدم له في رسم الجواب، من سماع عيسى، وساوى أصبغ هناك بين حيازة الكبير لنفسه، وحيازة الأب للصغير؛ فجعل الصدقة في الوجهين جميعا أولى من الدين حتى يعلم أن الدين قبل، وقد مضى الكلام على ذلك هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد إذا كانت له امرأة حرة أنه يمنعها من صدقة مالها] مسألة قال ابن القاسم في العبد إذا كانت له امرأة حرة أنه يمنعها من صدقة مالها، إذا كان أكثر من الثلث مثل الجزء. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم مثل قول مالك في أول سماع أشهب، من كتاب النكاح؛ أن العبد في ذلك بمنزلة الحر؛ لأن له حقا؛ ولعله قد زادها في مهرها لما لها رجاء أن تتجمل به، ولعله سيعتق يوما من الدهر، خلاف قول ابن وهب في رسم الوصايا والأقضية من سماع أصبغ، وكتاب المديان والتفليس، وقول ابن القاسم هذا، ورواية أشهب عن مالك، أظهر من قول ابن وهب، للمعاني التي ذكرها مالك، مع عموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا يجوز للمرأة قضاء في ذي بال من مالها، إلا بأمر زوجها، إذا لم يخص في ذلك حرا من عبد، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لرجل خذ هذه النفقة فاجعلها في سبيل الله] مسألة وقال ابن القاسم في رجل قال لرجل: خذ هذه النفقة فاجعلها في سبيل الله، فقال له رجل: إن هاهنا امرأة محتاجة، فقال له: ادفعها إليها، فقال: إن كان أوجبها في سبيل الله، فلا يعجبني.

مسألة: يقول إن فعلت كذا وكذا فكل شيء لي لوجه الله فحنث

قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إن كان أوجبها في سبيل الله، وأراد بذلك الغزو، فلا ينبغي له أن يصرفها عما أوجبها فيه إلى غير ذلك من وجوه البر، فإن فعل لم يكن عليه ضمانها، مراعاة لقول من يقول من أهل العلم: إن للرجل الرجوع في صدقته ما لم يدفعها وكانت بيده، ولذلك قال ابن القاسم: لا يعجبني، ولم يقل: لا يجوز، وكان القياس على مذهب مالك ألا يجوز له أن يصرفها عما أوجبها فيه من السبيل، إلى غير ذلك، ولم يأثم إذا فعل ذلك، إلا أن يضمنها في ماله فيجعلها في السبيل، ولا يحكم عليه بذلك؛ إذ ليست لمعين؛ وأما إن لم تكن له نية في الغزو، فقد قال أشهب: القياس في أي سبيل الخير وضع جاز، والاستحسان أن يجعل في الغزو؛ لأنه جل ما يعنون به من قال ذلك، وأحب إلي أن يكون في سواحل المسلمين المخوفة من العدو، ولا أحب أن يجعل شيئا منها في موضع قلة الخوف، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول إن فعلت كذا وكذا فكل شيء لي لوجه الله فحنث] مسألة وسئل عن الرجل يقول: إن فعلت كذا وكذا، فكل شيء لي لوجه الله فحنث، هل يدخل عليه في رقيقه عتق أم لا؟ أم هل يقومهم فيخرج ثلث قيمتهم، فيتصدق بها من ثلث ماله، أم كيف الأمر في ذلك، ولم يقل صدقة لوجه الله، قال: لا أرى فيهم عتقا، إلا أن يكون أراد العتق. قال محمد بن رشد: إنما لم ير عليه في رقيقه عتقا؛ لأنه لم يحلف بعتق رقيقه، وإنما خلف بأن يخرج كل شيء من ماله لوجه الله، فكان مخرج ذلك الصدقة بجميع ماله إذا لم يخص شيئا من ذلك دون شيء بالتسمية،

: رجل تصدق على رجل بعبد أو دابة فلم يقبضها المتصدق عليه

فأجزأه من ذلك الثلث، ولو خص عبيده بأنهم لله، أو لوجه الله في غير يمين؛ أو في يمين، فحنث فيها؛ لكان مخرجهم العتق على ما قاله في رسم أوصى من سماع عيسى، من كتب النذور، وقد مضى هناك في هذا المعنى ما فيه بيان، وبالله التوفيق. [: رجل تصدق على رجل بعبد أو دابة فلم يقبضها المتصدق عليه] ومن كتاب الوصايا والحج من سماع أصبغ بن الفرج من عبد الرحمن بن القاسم. قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن رجل تصدق على رجل بعبد أو دابة، فلم يقبضها المتصدق عليه بها حتى باعها المتصدق أو تصدق بها، وقد علم بالصدقة أو لم يعلم؛ فقال ابن القاسم: إن كان قد علم بالصدقة، فلا أرى له شيئا، وإن كان لم يعلم بها، فهو يأخذها إن أدركها إن شاء، وإن لم يدركها فهو بالخيار: إن شاء الثمن الذي باعها به، وإن شاء القيمة؛ قال أصبغ: وهذا في البيع، وكذلك الصدقة بها بعد صدقته إن كان المتصدق عليه قد علم بصدقته، فلم يقم، ولم يقبض حتى تصدق بها على غيره، فلا شيء له؛ وإن لم يعلم أو علم ولم يفرط، فقافصه المتصدق بالندم فيها والصدقة على غيره؛ فهو أحق بها، إن أدركها قائمة، وإن فاتت كان له قيمتها على المتصدق بها؛ قال ابن القاسم: ولو كان عبدا أو جارية، فلم يقبضها حتى أعتقها المتصدق، فالعتق جائز ماض لا يرد بصدقته، ولم يعلم، وليس العتق كغيره، وقد نزلت لمالك فأمضاه ولم يرده، قال محمد بن خالد: قال لي ابن القاسم: فلو كانت جارية فأحبلها المتصدق، كانت أم ولد له، قلت لابن القاسم: فهل يكون

: يتصدق بالعبد والدابة على رجل فلا يقبض ذلك المتصدق عليه

عليه قيمتها للمتصدق عليه؟ فقال: لعل ذلك أن يكون. وفي رواية أصبغ ذلك بمنزلة العتق؛ قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وإن كان عبدا أو جارية فقتلهما رجل، كانت القيمة للموهوب له، قيل لأصبغ: فلو دبره أو كاتبه أو أعتقه إلى أجل؟ قال: يمضي ما فعل من ذلك، ويثبت عقد العتق فيه، ولا يرجع إلى المتصدق عليه من خدمة المدبر، ولا من كتابة المكاتب شيء، ولا من رقبته إن رجع رقيقا؛ قلت لأصبغ: فإن كانت قيمة العبد ألف دينار، وعليه دين ثمانمائة دينار، وكان أن بيع أربعة أخماس العبد كله، لم يكن فيهم وفاء لدينهم؛ لأنه إذا بعض ولم يبع كله بخمس ثمنه، ولم يعط فيه إلا الأقل من دينهم، وإن بيع العبد كله، كان فيه وفاء لدينهم، وفضل مائتا دينار، قال: يباع كله، ويعطى أهل الدين دينهم، ويكون ما بقي للمتصدق به، ولا يكون للمتصدق عليه منه شيء؛ لأنه إنما كان تصدق عليه بعبد، فلما استحقه الغرماء من يديه، فبيع لهما في دينهم، سقطت صدقة المتصدق عليه، فكان بمنزلة الذي استحقه مستحق. [: يتصدق بالعبد والدابة على رجل فلا يقبض ذلك المتصدق عليه] قال محمد بن رشد: سألته عن الذي يتصدق بالعبد والدابة على رجل، فلا يقبض ذلك المتصدق عليه حتى يبيعه المتصدق ويتصدق به على غيره، فأجاب ابن القاسم على البيع بأنه إن كان قد علم بالصدقة، ففرط في القبض حتى باعها المتصدق، فلا أرى له شيئا يريد لا من صدقة ولا من الثمن، خلاف قوله في المدونة: إنه يكون له الثمن، وإن كان لم يعلم يريد، أو علم ولم يفرط، أخذ صدقته إن أدركها، يريد إلا أن يشاء أن يجيز البيع، ويأخذ الثمن، فيكون ذلك له، وإن لم يدركها كان بالخيار، إن شاء أجاز

البيع وأخذ الثمن، وإن شاء أخذ القيمة من المتصدق؛ ولم يجب ابن القاسم على الصدقة، ومذهبه في المدونة أن الصدقة بخلاف البيع، وأنه في الصدقة أحق بها- وإن قبضها الثاني، علم أو لم يعلم - فرط أو لم يفرط، وساوى أصبغ في هذه الرواية بين البيع والصدقة- فقال: وكذلك الصدقة بها بعد صدقته إن كان المتصدق عليه قد علم بصدقته فلم يقم ولا قبض حتى تصدق بها على غيره- يريد وقبض، فلا شيء له؛ وإن لم يعلم أو علم- ولم يفرط، فهو أحق بها- إن أدركها قائمة، وإن فاتت كانت له قيمتها على المتصدق، قال ابن القاسم: لو كان عبدا أو جارية فلم يقبضها حتى أعتقها المتصدق، فالعتق ماضٍ لا يرد، علم بصدقته أو لم يعلم، فالعتق عند ابن القاسم يُبطل الصدقة- علم المتصدق عليه أو لم يعلم، والصدقة لا تبطل عنده الصدقة وهو أحق بها - علم بها أو لم يعلم، قبض الثاني أو لم يقبض؛ والبيع يفترق فيه العلم مع التراخي في القبض من غير العلم، فإن علم وتراخى حتى باعه المتصدق بعد البيع، واختلف قوله في الثمن لمن يكون؛ فعلى ما في هذه الرواية يكون للبائع، وعلى ما في المدونة يكون للمتصدق عليه؛ وإن لم يعلم كان له رد البيع، وإن شاء أجازه وأخذ الثمن، وإن تلف عند المبتاع كان له على البائع الأكثر من القيمة أو الثمن، وأشهب يساوي بين البيع والصدقة، فيقول: إنه إذا لم يقبض المتصدق عليه ما تصدق به عليه حتى باعه المتصدق، أو حتى تصدق به على غيره، فقبضه المتصدق عليه الآخر، فلا شيء للأول مراعاة لقول من يرى أن للمتصدق أن يرجع في صدقته ما لم تحز عنه، وقد مضى في سماع محمد بن خالد تحصيل الاختلاف فيمن تصدق بعبد ثم أعتقه قبل أن يقبضه المتصدق عليه، وإنه يتحصل في ذلك أربعة أقوال، ويدخل الاختلاف بالمعنى من مسألة العتق في الصدقة والبيع، فيتحصل في الصدقة أيضا أربعة أقوال، أحدها ظاهر قول ابن القاسم في

المدونة أن الأول أخف من الثاني- وإن قبض، فرط أو لم يفرط والثاني ظاهر قول أشهب فيها أن الثاني أحق من الأول، إذا قبض - فرط أو لم يفرط. والثالث: الفرق بين أن يعلم فيفرط أو لا يعلم. والرابع: الفرق بين أن يمضي من المدة ما كان يمكنه فيه القبض- لو علم، أو لا يمضي منها ما كان يمكنه فيه (القبض) ويتحصل في البيع خمسة أقوال، أحدها: أن المبتاع أحق من المتصدق عليه- فرط أو لم يفرط، وهو قول أشهب في المدونة. والثاني: أن المتصدق عليه أحق بما تصدق به عليه وإن مضى منها ما يمكنه فيه الحوز، لم يكن له إلا الثمن إن كان لم يفرط في الحيازة وإن كان فرط كان له الثمن وهو مذهبه في المدونة، والثالث: أن المتصدق عليه أحق بما تصدق عليه إن كان لم يفرط في الحيازة، وإن كان فرط فيها لم يكن له شيء، وهو قوله في هذه الرواية. والرابع: الفرق بين أن يمضي من المدة ما يمكنه فيه الحوز لو علم، أو لا يمضي منها ما كان يمكنه فيه الحوز فإن لم يمض والمدة ما يمكنه فيه الحوز كان أحق بما تصدق به عليه، وإن مضى منها ما يمكنه فيه الحوز لم يكن له إلا الثمن. الخامس: أنه إن مضى منها ما يمكنه فيه الحوز، لم يكن له شيء، وهذان القولان مخرجان على قول المخزومي في العتق، وقد مضى في سماع محمد بن خالد تحصيل القول في الذي يتصدق على رجل بجارية فيولدها فلا معنى لإعادته، والتدبير والكتابة والعتق إلى أجل كالإيلاء، سواء فيما يجب للمتصدق عليه قبل، يبطل ذلك كله وتجوز الصدقة؛ وقيل: يجوز ذلك كله وتبطل الصدقة ولا يكون للمتصدق عليه شيء. وقيل تكون له القسمة إذا بطلت الصدقة، ويدخل في ذلك الاختلاف الذي ذكرته في العتق بين أن يعلم المتصدق عليه بالصدقة فيفرط في الحيازة أو لا يفرط، وبين أن يمضي من المدة ما يمكن فيه الحوز، أو لا يمضي منها ما

مسألة: يشهد أنه اشترى لابنه هذه الدار بألف دينار من مال ابنه

يمكن فيه الحوز؛ وأما إذا تصدق بالعبد ثم قتله، فلا اختلاف أحفظه في أن القيمة عليه واجبة للمتصدق عليه. وقوله في الذي تصدق على رجل بعبد قيمته ألف دينار وعليه دين ثمانمائة دينار، ولا يفضل منه عن الدين شيء- إن بيع بعضه لضرر الشركة، فيبيع كله، أن الفضل عن الدين يكون للمتصدق لا للمتصدق عليه- صحيح لا اختلاف فيه أحفظه، والصواب في هذا أن يباع على التبعض، يقال: من يشتري من هذا العبد بعضه بثمانمائة دينار، فيقول الرجل أنا آخذ ثلاثة أرباعه بثمانمائة دينار، ويقول الآخر أنا آخذ أربعة أخماسه بثمانمائة دينار، ويقول الآخر أنا آخذ تسعة أعشاره بثمانمائة دينار؛ فإن لم يوجد من يعطي فيه ثمانمائة دينار- على أن يبقى للمتصدق عليه فيه شيء- وإن قل، ووجد من يعطي فيه كله أكثر من ثمانمائة دينار، لم يكن للمتصدق عليه في الفاضل عن الدين من ثمنه شيء، وبالله التوفيق. [مسألة: يشهد أنه اشترى لابنه هذه الدار بألف دينار من مال ابنه] مسألة وسئل أصبغ عن الرجل يقول وهو صحيح- ويشهد: أنه اشترى لابنه هذه الدار بألف دينار من مال ابنه فيما زعم، ويشهد أنه إنما كان يكريها ويغتلها له، وباسمه ثم يموت على ذلك وهو صغير في حجره، ولا يعلم لابنه مال من وجه من الوجوه لا من مورث ولا من غيره من هبة ولا صدقة، ثم مات الأب؛ قال أرى هذا تولجا منه إليه، وأراها ميراثا بين الورثة؛ لأنه لم يتصدق بها عليه على وجه الصدقة، فيحوز له في حياته، وتكون على وجه صدقة الرجل على ولده الصغير وهو في حجره يتصدق عليه، ويحوز له، وهذا لم يسمها صدقة، إنما ولج إليه ماله وزعم أنه مال للولد، ولم يعرف له مال بوجه من الوجوه، فهو يولج إليه ماله، وهو غير صدقة على وجه الصدقات؛ وإنما ذلك بمنزلة الذي يقول في مرضه: قد كنت أعتقت عبدي فلانا، وأنا صحيح، ولا يقول أنفذوه؛ فهذا باطل ولا يخرج

من الثلث؛ لأنه إنما أراد به رأس المال، ولم يرد به الثلث، فليس له أن يعتق في مرضه من رأس ماله، وهو أيضا لا يعتق في الثلث؛ لأن الميت إنما أراد أن يخرجه من رأس المال فلا عتق له إلا أن يقول أنفذوه، فينفذ في الثلث. قال محمد بن رشد: حمل بعض الناس قول أصبغ هذا على خلاف لما وقع في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم في الذي يشتري لابنه الصغير في حجره غلاما، ويشهد أنه إنما اشتراه لابنه، ثم يموت الأب؛ أنه يكون للابن ولا يكون للورثة الدخول عليه فيه، وليس ذلك بصحيح؛ لأنهما مسألتان مفترقتان، هذه قال فيها إنه اشترى لابنه من مال الابن، فإذا لم يعلم للابن مال من وجه من الوجوه، تبين أن ذلك توليج من الأب لابنه، ولج إليه ماله وزعم أنه مال الابن؛ وتلك لم يقل فيها أنه اشترى من مال الولد، فوجب أن يكون العبد للابن مالا وملكا بنفس الشراء؛ لأنه إنما اشتراه بمال وهبه إياه فلا يحتاج إلى أن يحوز الأب له عن نفسه إذا لم يتقرر له عليه ملك، وإنما قول أصبغ خلاف لما في رسم الشجرة من قول مالك في أن الابن ينتفع بحيازة أبيه فيما ولج إليه من ماله على غير سبيل العطية، مثل قول ابن القاسم فيه من رواية عيسى في كتاب داود، وقد مضى بيان هذا كله مستوفى في رسم كتب عليه ذكر حق، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. تم الجزء الرابع من الصدقات والهبات، وبتمامه تم كتاب الصدقات والهبات، والحمد لله رب العالمين، والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا محمد سيد الأولين والآخرين، وسلم كثيرا.

: كتاب الدعوى والصلح

[: كتاب الدعوى والصلح] [تكارى دابة فقال اشتريتها لامرأتي نقد الثمن أو الكراء وقد حازت المرأة الدابة] (كتاب الدعوى والصلح) من سماع ابن القاسم من مالك - من كتاب الرطب باليابس. قال سحنون أخبرني ابن القاسم عن مالك فيمن اشترى سلعة أو تكارى دابة، فقال اشتريتها لامرأتي نقد الثمن أو الكراء أو لم ينقد، وقد حازت المرأة الدابة أو سكنت المنزل، ثم طلب منها الثمن؛ فقالت قد دفعته إليك ولا بينة لها؛ قال: إن كان نقد الثمن، فيمين المرأة بالله لقد دفعت إليه ثمنها- وما عندي منه قليل ولا كثير؛ وإن كان لم ينقد حلف الزوج بالله ما اقتضيت من ثمنها شيئا، ثم يأخذه منها؛ قال سحنون وعيسى: وإن أشهد الزوج عند دفعه الثمن إلى البائع أنه إنما نقد من ماله، ثم قالت المرأة: أنا دفعت إليه الثمن؛ لم أجعل القول قولها ورأيت القول قول الزوج مع يمينه.

قال محمد بن رشد: قول سحنون وعيسى بن دينار بعيد في النظر؛ لأنه يتهم على أن يتقدم بالإشهاد على ذلك ليكون القول قوله، فلا ينبغي أن يحمل على التفسير لقول مالك، ووقع في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات في الرجل يوكل الرجل على شراء السلعة فيشتريها وينقد الثمن، ثم يطلبه من الآمر، فيقول قد أعطيته لك وإنما اشتريتها من دراهمي، أن القول قول الوكيل المشتري مع يمينه، يحلف ما أخذ منه ثمنها ثم يأخذه منه، فقال بعض أهل النظر: المعنى فيها أن الآمر لم يقبض السلعة، ولذلك كان القول قول المأمور، فليست بخلاف لما في سماع ابن القاسم في هذه الرواية؛ لأن الرجل سفير امرأته على ما قال في رسم حلف من سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور، والصواب أنها خلاف لها؛ لأنه لم يعلل فيها بقبض السلعة، ولا يصح أن يعلل بذلك على مذهب ابن القاسم؛ لأنها ليست برهانا له على مذهبه يجب له إمساكها حتى يقبض الثمن، بل يلزمه دفعها إليه واتباعه بالثمن؛ وإنما يصح أن يعلل بقبض السلعة على مذهب أشهب الذي يراها رهنا بيده، من حقه أن يمسكها حتى يقبض الثمن؛ وإنما وجه ما في سماع عيسى المذكور، أنه أحل المأمور محل البائع في أن القول قوله أنه لم يقبض الثمن - وإن كان قد دفع السلعة، فالفرق بين أن يقبض الآمر السلعة أو لا يقبضها، قول ثالث في المسألة يخرج على مذهب أشهب، وفي كتاب ابن المواز قول رابع: أن القول قول الآمر نقد المأمور الثمن أو لم ينقده؛ وتفرقة عيسى وسحنون بين أن يشهد الزوج أو لا يشهد، قول خامس في المسألة؛ فهذا تحصيل القول فيها ورواية ابن القاسم عن مالك، الفرق بين أن ينقد أو لا ينقد، وقول أشهب الفرق بين أن

: أمة كانت بين رجلين فجحد أحدهما نصيب صاحبه منها

يقبض الآمر السلعة أو لا يقبض؛ وقول سحنون، وعيسى الفرق بين أن يشهد المأمور أو لا يشهد ورواية عيسى القول قول المأمور نقد أو لم ينقد، وما في كتاب ابن المواز، القول قول الآمر نقد المأمور أو لم ينقد، وقد مضى هذا كله في الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب البضائع والوكالات، لتكرر المسألة هناك. وقد أجمعوا على أن الرجل إذا بنى في أرض امرأته، أو في دارها ثم طالبها بالنفقة، وادعت أنها دفعت ذلك إليه، أن القول قوله على كل حال، والفرق بين ذلك وما ذكر هنا، أنه في هذه المسألة أقر إنما اشترى لامرأته، ولم يقل في البناء. إنما بنيت لامرأتي، ولو قال ذلك لكان فيه كالحكم في هذه، وبالله التوفيق. [: أمة كانت بين رجلين فجحد أحدهما نصيب صاحبه منها] ومن كتاب قطع الشجر وقال مالك في أمة كانت بين رجلين فجحد أحدهما نصيب صاحبه منها ولم يجد صاحبه بينة حتى ولدت أولادا كثيرا، فأعتق منهم ووهب، ومات بعضهم عنده وباع منهم، فوجد شريكه البينة وثبت حقه؛ قال أما ما باع فله نصف الثمن أو نصف الرأس حيث وجده: وأما ما أعتق فله نصف القيمة عليه، إلا أن يكون لا مال له فيكون له نصف المعتق ونصفه ذو القيمة يوم وقع ذلك، ومما يبين ذلك، أن لو مات أحد ممن أعتق، لم يكن للطالب على المعتق شيء؛ فلذلك تكون القيمة يوم وقع ذلك، وأما ما

وهب، فإن له نصيبه من كل رأس أدركه إن وجده بعينه، وما مات ممن وهب، لم يكن للطالب فيهم شيء. قال محمد بن رشد: قوله فوجد شريكه البينة وثبت حقه، محتمل أن يكون وجد البينة على ما ادعاه عليه من أنه جحده نصيبه (فيكون بما ثبت عليه من أنه جحده نصيبه) كالغاصب له فيه يلزمه قيمته إن ماتت الأمة؛ ويحتمل أن تكون البينة إنما شهدت بأن الجارية بينهما، ولم تشهد بما ادعاه عليه من الجحود، فلا يلزمه ضمان نصيبه من الجارية إن مات- على مذهب ابن القاسم في رواية أصبغ عنه، خلاف ظاهر ما في آخر كتاب الشركة من المدونة، إذ لم يفرق في ذلك بين الحيوان وغيره مما لا يغاب عليه، ولو ادعى أن الجارية بينهما وأثبت ذلك- وقد ماتت بعد أن أنكره ولم يدع عليه أنه جحده، لم يكن له عليه ضمان في نصيبه باتفاق، فوجه يضمن له فيه نصيبه من الجارية باتفاق، ووجه لا يضمن له باتفاق، ووجه يختلف في وجوب الضمان عليه فيه؛ وقد مضى هذا المعنى موجودا في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق، وفي نوازل سحنون من كتاب الرهون؛ ولو كان مع الأمة ولد يوم التداعي أنه جحده إياهم مع الأم، كان حكم نصيبه منهم حكم نصيبه من الأم في ضمانهم بالموت، ولم يتكلم في هذه الرواية على ذلك، ولا على موت الأمة، وإنما تكلم على موت ما حدث لها من ولد بعد الجحود، فقال: إنه لا شيء له عليه فيمن مات منهم، إلا أن يكون قد باع

: يسألها زوجها وهو مريض أن تهب له حظها في داره من ميراثها

منهم، فيكون له نصف ثمن ما باع؛ ولو أدركهم عند المبتاع قبل أن يموتوا، لكان مخيرا بين أن يأخذ حظه منهم، أو يجيز البيع ويأخذ الثمن؛ وأما ما وهب منهم، فله حظه فيهم إن أدركهم؛ وإن ماتوا، لم يكن له شيء، وأما ما أعتق فله قيمة حظه منهم، إن كان مليا؛ وإن كان معدما، أخذ حظه منهم إن أدركهم وكان حظ المعتق منهم أحرارا؛ وإن لم يدركهم حتى ماتوا لم يكن له على شريكه فيهم شيء؛ لأن القيمة إنما تلزمه فيهم يوم الحكم، فلا شيء عليه فيمن مات منهم قبل ذلك؛ هذا مذهب ابن القاسم فيما حدث من ولد الأمة بعد الجحود- وإن أقام البينة على ذلك؛ لأن الغاصب للأمة لا يضمن عنده ما مات من ولدها الذين حدثوا لها بعد الغصب؛ وأشهب يرى الغاصب ضامنا لما مات من الأولاد، بمنزلة ما لو غصبهم مع الأمهات، فعلى مذهبه يفترق الأمر في الأولاد بين ألا يدعي الجحود، أو يدعيه فيقيم البينة عليه، أو لا يقيمها إلا على الملك حسبما حكيناه على مذهب ابن القاسم في الأمهات، وبالله التوفيق. [: يسألها زوجها وهو مريض أن تهب له حظها في داره من ميراثها] ومن كتاب أخذ يشرب خمرا قال وسئل عن المرأة يسألها زوجها، وهو مريض، أن تهب له حظها في داره من ميراثها، فأبت وقالت إني أحوج إليه منك، فقال لها: والله لئن لم تفعلي لأضيقن عليك ولا أدعك تأتي أهلك، ولا أدعهم يأتونك ما دمت زوجتي؛ فلما رأت ذلك أشهدت له بأنها قد وهبت له ميراثها، فأوصى فيه ألها أن ترجع؛ فقال نعم، فقال له السائل إن الذي تدعي المرأة من أنه قال لها ذلك، لا بينة لها عليه، إنما هو شيء تدعيه؛ أفترى ذلك ينفعها؛ قال نعم، إني لا

أرى ذلك ينفعها، والمرأة في ذلك ليست كغيرها من الورثة مثل الابن البائن المنقطع عن أبيه فذلك الذي يجوز عليه ما صنع من ذلك. قال محمد بن رشد: رأى للمرأة أن ترجع فيما وهبت لزوجها من ميراثها منه - وإن لم تكن لها بينة على ما ادعت من أنه قاله لها، بل لها أن ترجع وإن لم تدع أنه خوفها بذلك الكلام، ولا قاله لها؛ بدليل قوله والمرأة في ذلك ليست كغيرها من الورثة، إلخ قوله، وذلك مثل قوله في المدونة في الذي يستأذن في أن يوصي لوارث، وبأكثر من ثلثه فيأذنون له في ذلك، أن لمن كان منهم في عياله وإن كان مالكا لأمر نفسه مثل الزوجة، والابن الذي لم يبن عن أبيه، وهو في عياله - أن يرجع عنه، إذ لا فرق بين أن يهب له ميراثها منه وهو مريض فيقضي فيه، ثم تريد الرجوع عنه بعد موته، وبين أن يأذن له في الوصية بأكثر من ثلثه - وفي الوصية لوارث فيفعل، ثم يريد الرجوع عنه بعد موته، ولو استوهبها شيئا من مالها في مرضه فوهبته إياه، لم يكن لها أن ترجع فيه على ما مضى في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات، إلا أن يثبت أنه أكرهها على ذلك بالتخويف، مثل أن يقول لها إن لم تفعلي لأفعلن بك كذا وكذا، وقد مضى في رسم نقدها من سماع عيسى من الكتاب المذكور، وفي رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الشهادات تحصيل القول في هبة الرجل ميراثه من أبيه في صحة أبيه أو في مرضه لبعض الورثة، أو لأجنبي، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

: هلك وله امرأة وترك جارية حاملا

[: هلك وله امرأة وترك جارية حاملا] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد قال وسئل مالك عن رجل هلك وله امرأة وترك جارية حاملا فأراد ورثته أن يصالحوا امرأته على حقها، قال مالك لا يصح في مثل هذا الصلح؛ لأنه لا يدري أيكون لها ثمن أو ربع، فلا أرى هذا يجوز (ولا أحبه) . قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله أن ذلك لا يجوز؛ لأن الزوجة صالحت قبل أن تعلم إن كان يجب لها ثمن أو ربع؛ لأنها إن ولدت حملها ميتا، أو انفش، وجب لها الربع، وإن ولدته حيا وجب لها الشيء؛ وصالحها الورثة قبل أن يعلموا ما وجب لهم من الميراث وإن كان يجب لهم منه شيء أم لا؛ لأنها إن ولدت حملها حيا ذكرا، لم يجب لهم شيء، وإن ولدته حيا أنثى وجب لهم ثلاثة أثمان المال، وإن ولدته ميتا، وجب لهم ثلاثة أرباعه، فالصلح غرر من جهة الزوجة ومن جهة الورثة، ولو لم يكن الصلح غررا، مثل أن يترك الميت حملا وبنين، فصالح البنون الزوجة عن ثمنها فيما تخلفه أبوهم بعرض أو بعين عما تخلفه من العروض، لما جاز الصلح على الحمل إن وضعته حيا، إلا أن يجيز ذلك الناظر له، لما يراه فيه من الغبطة له؛ وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة كلاما فيه نظر، قال إنما لم يجز هذا الصلح؛ لأن الذي في البطن ليس ثم أحد يصالح عنه، ولا يجوز الصلح عنه؛ وليس ما اعتل به في الكتاب صحيحا؛ لأن الميت لو كان له ابن وترك حملا لم يجز صلح المرأة مع علمنا بأن نصيبها الثمن من غير

: أتاه ابن عم له فسأله أن يسكنه مسكنا

شك؛ لأن الحمل لا يصالح عنه، وأشهب يجيز هذا الصلح عن الحمل إذا كان نصيب المصالحة معلوما مثلما ذكرناه، هذا نص كلامه، فقوله إنما لم يجز هذا الصلح؛ لأن الذي في البطن ليس ثم أحد يصالح عنه ولا يجوز الصلح عنه؛ ليس بصحيح؛ لأن الفساد أملك به، للغرر الواقع فيه بين المتصالحين، إذ لم يدر واحد منهم مقدار ما صالح عنه على ما بيناه من الحق الواجب في فسخه للمولود، إذ ليس الصلح بفاسد من جهته، فلو لم يكن فيه غرر من جهة المتصالحين، لجاز إن أجازه الناظر للمولود. وقوله: وليس ما اعتل به في الكتاب صحيحا؛ لأن الميت لو كان له ابن وترك حملا لم يجز صلح المرأة مع علمنا بأن نصيبها الثمن من غير شك؛ لأن الحمل لا يصالح عنه؛ ليس بصحيح أيضا؛ لأن الميت إذا لم يترك ولدا، فالصلح فاسد لا يجوز إمضاؤه، للغرر الواقع بين المتصالحين فيه، وإذا ترك ولدا فالصلح ليس بفاسد، وإنما هو غير جائز على المولود إن ولد حيا، إلا أن يجيزه الناظر له؛ وفي قوله: وأشهب يجيز هذا الصلح عن الحمل إذا كان نصيب المصالحة معلوما - نظر؛ لأنه يقتضي أن غيره يخالفه في ذلك، ولا خلاف عندي في أن للناظر على الحمل أن يجيز الصلح عليه ويمضيه إذا رآه نظرا له، ولم يكن فيه غرر ولا فساد، لعلم الزوجة بنصيبها (ولا خلاف عندي في أن للناظر على الحمل أن يصالح الزوجة عنه قبل أن يوضع - إذا كان نصيبها معلوما) ، وبالله التوفيق. [: أتاه ابن عم له فسأله أن يسكنه مسكنا] ومن سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الأقضية قال سحنون أخبرني أشهب وابن نافع، قالا سئل مالك عمن

أتاه ابن عم له فسأله أن يسكنه مسكنا، فقال نعم، خذ مسكنا كذا وكذا، فقال لا أريد ولكن أعطني مسكنا كذا وكذا؛ فقال لا أقدر على ذلك، هو لامرأتي، ثم جاء ابن عم له آخر، فسأله إياه، فقال لا أقدر على ذلك هو لامرأتي؛ ثم بلغ ذلك امرأته فخاصمته على المسكن، فقال إنما قلت ذلك تمخيا منهما، وشهد بذلك عليه؛ أترى المنزل لها؟ فقال ما أرى ذلك لها، ليس هذا على وجه العطية، والناس يتمخون بمثل هذا؟ فلا أرى لها شيئا؛ قد يطلب السلطان من الرجل العبد، أو الأمة، فيقول في الغلام مدبرا ويقول في الجارية قد ولدت مني مخافة أن يأخذهما منه، فلا يلزمه ذلك؛ وليس مثل هذا شهادة ولم يشهدوا على ذلك، فلا أرى تلك شيئا، وقد قال إبراهيم {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] ، وقد خرج عمر بن الخطاب إلى الشام فتلقاه عجمها يركب خلف أسلم، وقلب فروه فجعلوا كلما لقوا أسلم، قالوا أين أمير المؤمنين؟ فيقول أمامكم، أمامكم حتى أكثروا- وعمر يسمع ذلك ولا ينهاه؛ فهذا تصاريف الكلام؛ فقال له عمر: أكثرت عليهم، أخبرهم الآن؛ فسألوه: فقال هو هذا؛ فوقفوا كالمتعجبين من حاله، فقال: عمر لا يروه على كسوة قوم غضب الله عليهم، فنحن تزدرينا أعينهم، ثم لما يزل قابضا بين عينيه حتى لقيه أبو عبيدة

ابن الجراح فضحك وقال له أنت أخي حقا لم تغيرك الدنيا؛ ولقيه على بعير خطامه حبل شعر أسود، قال مالك وتلقى عمر يومئذ ببرذون عار فركبه ثم نزل عنه وسبه، فقيل له: ما له؟ فقال حملتموني على شيطان حتى أنكرت نفسي! وقد روى عيسى عن ابن القاسم مثل هذا سواء في الرجل يقال له أتبيع جاريتك؟ فقال هي لامرأتي، أو لرجل أجنبي، ثم تدعي ذلك المرأة والرجل الأجنبي في حياته، أو بعد موته؛ لا شيء لهما، إلا أن يأتيا عليه بشهود بصدقة قد جرت، أو هبة؛ قال: وسواء قال هي لامرأتي، أو قال هي جارية امرأتي؛ وإنما هي كذبة كذبها، وكلام اعتذر به. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة جيدة صحيحة، وسيأتي مثلها بزيادة عليها في الذي تخطب إليه ابنته فيقول قد زوجتها فلانا في رسم العشور من سماع عيسى بعد هذا، وقد مضى مثلها في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، والكلام عليها هناك مستوفى ولا فرق عند مالك بين أن يقول في اعتذاره هو لفلان أو قد تصدقت به على فلان على ما قاله في أول سماع أشهب منه، خلاف ما ذهب إليه أصبغ من الفرق بين ذلك على ما يأتي له في رسم العشور المذكور من هذا الكتاب، وأن معنى ذلك إنما هو إذا عرف الملك له؛ وأما إذا لم يعرف الأصل له، فإقراره به للمقر له وإن كان على هذا الوجه من الاعتذار عامل على ما يأتي في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب العتق، وهو دليل قوله في رسم العشور بعد هذا من هذا الكتاب، وبالله التوفيق.

: كانت في يده جارية فجاءه قوم فقالوا نحن نشهد أن هذه الجارية مسروقة

[: كانت في يده جارية فجاءه قوم فقالوا نحن نشهد أن هذه الجارية مسروقة] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل عن رجل كانت في يده جارية فتسوق بها، فجاءه قوم فقالوا نحن نشهد أن هذه الجارية مسروقة، ثم ذهبوا عنه ورجعوا إلى بلادهم؛ أترى أن يخلفها هاهنا بالمدينة، أو يسير بها معهم إلى مصر، فإن جاءوا يطلبونها وجدوها من قريب؛ قال: يسير بها معهم إلى مصر، هو أحب إلي من أن يخلفها بالمدينة، فإن جاءوا يطلبونها، اشتدت مؤونتها. قلت له أرأيت إن خلفها فماتت، أترى لهم عليه ضمانا؟ فقال لا أرى ذلك عليه، وليس عليه في هذا ضمان؛ وأنا أحب أن يشهد قوما عليها فيقول هذه الجارية اعترفت في يدي، ثم ذهب الذين اعترفوها فلم يأتوني؛ فإذا كان هكذا، فلا بأس، وأحب إلي أن يسير بها معه ولا يبيعها؛ فقال لا آمره بذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة، ظاهرة المعنى، فلا وجه للقول فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: قال له إن لي عليك عشرة دنانير من ثمن سلعة بعتكها] مسألة وسئل مالك عمن أتى رجلا فقال: له إن لي عليك عشرة دنانير من ثمن سلعة بعتكها، فقال الرجل لا، ولكن لك عندي عشرة دنانير وديعة استودعتنيها فضاعت، القول قول من زعم أنها وديعة، ويحلف أنها ما كانت إلا وديعة، وأنها قد ضاعت، ولا شيء عليه.

: في يديه دور فيأتي رجل فيقول إن هذه الدور لجدي

قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها، إذ لا يؤخذ أحد "بأكثر مما يقر به على نفسه، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» . والذي ادعى العشرة دنانير من ثمن سلعة باعها مدع، عليه إقامة البينة؛ والذي أنكر ذلك مدعى عليه، فعليه اليمين؛ والقول قوله في تلف الوديعة التي أقر بها، كما لو ثبتت عليه فادعى تلفها؛ ولا اختلاف في هذه المسألة؛ لأن الذي ادعى عليه العشرة من الشراء، منكر أن يكون اشترى، فالقول قوله إنه ما اشترى منه شيئا، بخلاف إذا دفع إليه مائة أو عشرة، فقال الدافع دفعتها إليك سلفا، وقال القابض بل دفعتها إلي وديعة فضاعت، هذه يختلف فيها، فيقول ابن القاسم القول قول الدافع، ويقول أشهب القول قول القابض على أصله في أنه لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقر به على نفسه، وهو قول مالك، رواه عنه ابن وهب، وقول ربيعة، وبالله التوفيق. [: في يديه دور فيأتي رجل فيقول إن هذه الدور لجدي] ومن كتاب الأقضية الذي فيه مسائل ابن القاسم وسأل ابن كنانة مالكا عن الرجل في يديه دور، فيأتي رجل فيقول إن هذه الدور لجدي، فيسأل عن ذلك؛ أيقر أم ينكر

ويقول ليقم البينة على ما ادعى، فأما أنا فلا أقر ولا أنكر؛ أيجبر على ذلك، أم يترك على حاله ويقال للمدعي أقم البينة، فقال: اكتب إليه، لا بل يجبر حتى يقر أو ينكر، لا يترك وما أراد. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة، أن المدعي للدور التي في يدي الرجل أنها لجده، يعلم أنه وارث جده بتثبيت المواريث بذلك أو بإقرار المدعى عليه له بأنه وارثه، إذا لو لم يعلم بأنه وارثه لم يجب على المدعى عليه أكثر من اليمين أن الدور حقه وماله وملكه، لا حق له فيها معه بإجماع واتفاق؛ وأما إذا علم أنه وارثه، فقال في هذه الرواية إنه يلزم المدعى عليه أن يقر بأن الدور لجده يريد فيأخذها إذ قد علم ميراثه له، أو ينكر - يريد فيكلف الطالب إثبات ملك جده لها، وأنه لم يفوتها في علم من شهد بذلك إلى أن توفي عنها، فإن أبى أن يقر أو ينكر، أجبر على ذلك؛ مثل هذه الرواية حكى ابن المواز عن مالك من رواية ابن الماجشون عنه، وقال إنها صواب، وحكى ابن العطار أن العمل جرى بها، وهي تحمل على أنها خلاف لما في المدونة لقوله فيها وإن لم يثبت لم يسأل الذي في يديه الدار عن شيء، فمن ذهب إلى أنها خلاف لما في المدونة، قال: الذي يأتي على مذهبه في المدونة أنه إذا ادعى أن الدور لجده وثبت المواريث لم يسأل الذي في يديه الدور: من أين صارت إليه، ولا إن كانت لجده أم لا، وإنما يسأل هل يقر أن الدور له أم ينكر ذلك بأن يقول إنها مالي وملكي، لا حق له معي فيها، ولا أعلم له حقا معي فيها. وقد اختلف هل يحلف على ذلك أم لا، فقيل إنه يحلف، وقيل إنه لا يمين في دعوى الأصول؛ وليس في المدونة) - عندي - ما يخالف هذه الرواية بنص ولا دليل؛ لأنه إنما تكلم فيها على أن الطالب أثبت أن الدار لجده، فقال: إن ثبتت المواريث، كلف أن

يقيم البينة على الوجه الذي صارت إليه من قبل جده، أو من قبله هو بما يصح أن يثبت به ذلك، وإن لم تثبت المواريث، لم يسأل الذي في يديه الدار عن شيء؛ معناه لم يسأل من أين صارت إليه، ولا هل كانت لجده أم لا؟ ولا يلزمه أكثر من أن يقر أو ينكر- بأن يقول إن الدار ماله وملكه، لا حق للقائم فيها معه؛ فتحصيل القول في هذه المسألة، أن الطالب إذا لم يثبت المواريث، فسواء أثبت أن الدار لجده أو لم يثبت ذلك، لا يلزم المقوم عليه سوى التوقيف على الإقرار أو الإنكار؛ وإذا ثبت أن الدار لجده، وثبتت المواريث، كلف الذي هي في يده أن يثبت تصييرها إليه من قبل الذي ثبتت له بما يصح أن يثبت به ذلك من بينة على القطع أو على السماع مع طول الحيازة، إلا أن يكون الطالب حاضرا معه مدة تكون الحيازة عليه فيها عاملة؛ واختلف إذا ثبتت المواريث ولم يثبت أن الدار لجده، فقيل إنه لا يلزم المطلوب أكثر من أن يوقف على الإقرار أو الإنكار، وهو الذي ذكرنا أنه يتأول على ما في المعونة. وليس ببين فيها؛ وقيل إنه يوقف ويسأل من أين صارت إليه، وهل كانت لجد القائم وهو قول مالك في هذه الرواية، قال: إنه يجبر على ذلك، قيل: بالسجن وقيل: بالضرب؛ وليس ذلك عندي اختلافا من القول، وإنما معناه أنه إن أبى أن يقر أو ينكر، المراد أجبر على ذلك بالسجن والضرب؛ وإن قال لا أقر ولا أنكر؛ لأني لا يقين عندي من ذلك، استبرئ أمره بالسجن، فإن تمادى على شكه، قضي للطالب بحقه- قيل بيمين - وهو مذهب ابن القاسم على ما له في كتاب تضمين الصناع من المدونة في المتبايعين يختلفان في ثمن السلعة، فيموتان وهي قائمة- أن ورثتهما يتحالفان ويتفاسخان إن ادعيا معرفة الثمن، وإن ادعى أحدهما معرفته وجهل الآخر، كان القول قول من ادعى المعرفة منهما مع يمينه، وعلى ماله أيضا في رسم نقدها بعد هذا من سماع عيسى في الذي يقر للرجل بأحد ثوبين بعينهما،

: يدعي زيتونا قبل رجل أن له أصله وثمره

ولا يدري أيهما هو، أن المقر له يحلف إن ادعى أجودهما، وقيل بغير يمين؛ وإلى هذا ذهب محمد بن المواز، واستحسن إذا تمادى على شكه أن يحلف أنه ما وقف عن الإقرار أو الإنكار، إلا إنه على غير يقين؛ فإن حلف على ذلك، قضى للطالب بحقه دون يمين؛ قاله في المال مثل أن يدعي رجل على رجل بستين دينارا فيقر له بخمسين، ويأبى أن يقر أو يفكر في العشرة، وقاله أيضا في الدور إنه إن أبى أن يقر أو ينكر، قضي للطالب دون يمين، وكذلك إذا أبى أن يقر أو ينكر إلدادا بصاحبه، فتمادى على إبايته بعد السجن والضرب، يقضي للطالب بحقه - قيل بيمين، وقيل بغير يمين، وبالله التوفيق. [: يدعي زيتونا قبل رجل أن له أصله وثمره] من سماع عيسى بن دينار (من ابن القاسم) من كتاب نقدها قال عيسى بن دينار (سئل ابن القاسم) عن الرجل يدعي زيتونا قبل رجل، أن له أصله وثمره، وأثبت شاهدا واحدا، فطلب أن يجعل وكيلا له على الثمرة يحوزها في الجني والعصر حتى يستحق حقه، وطلب الذي هي في يديه، أن يقوم عليها ليبيعها، وجل الناس- عندنا- لا يبيعون إنما يعصرون؛ قال إن كان الشاهد عدلا، فينبغي للوالي أن يحلفه عليها ويدفع إليه الثمرة

وإن كان ممن لا يقضي باليمين مع الشاهد، فإني أرى للوالي أن ينظر إلى الذي فيه النماء والفضل في بيعه أو عصره فيوكل به رجلا يثق به من عنده ويوقفه، فإن أتى بشاهد آخر دفعت إليه ولا أحلفه بالله: إنه ما يعلم أن ما ادعى صاحبه حق، ثم يدفعه إليه، فإن نكل حلف الطالب ودفع إليه؛ فهذا وجه ثان فيه. قال محمد بن رشد: اختلف في تأويل هذه المسألة، فقيل المعنى فيها أن المدعي ادعى الأصول والثمرة جميعا، مثل أن يقول اشتريتها بثمرتها أو أقام على ذلك شاهدا واحدا، فلذلك وقفت له الثمرة بالشاهد الواحد، إذا كان الوالي لا يرى القضاء باليمين مع الشاهد، فإن أتى بشاهد آخر دفعت إليه، وقيل: بل إنما ادعى الأصول خاصة، فرأى توقيف الثمرة بشهادة الشاهد الواحد، وهو الذي يأتي على ماله في آخر رسم العرية بعد هذا في الذي يدعي الدابة ويقيم عليها شاهدا واحدا فتموت الدابة قبل أن يقضى له باليمين مع شاهده أنه يحلف وتكون المصيبة فيها منه؛ لأنه إذا رأى الضمان منه بالشاهد الواحد، التوقيف والغلة تابعان له، وقد اختلف في الحد الذي يدخل فيه الشيء المستحق في ضمان المستحق، وتكون الغلة له، ويجب التوقيف به على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه لا يدخل في ضمانه ولا تجب له الغلة حتى يقضى له به، وهو الذي يأتي على قول مالك في المدونة أن الغلة للذي هي في يديه حتى يقضى بها للطالب، وعلى هذا القول لا يجب توقيف الأصل المستحق وتوقيف، يحال بينه وبينه، ولا توقيف غلة وهو قول ابن القاسم في المدونة أن الرباع التي لا تحول ولا تزول ولا توقف مثل ما يحول يزول، وإنما توقف وقفا يمنع فيه من الأحداث والثاني: أنه يدخل في ضمانه وتكون له

مسألة: يقول للرجل في ثوبين له أو عبدين أحد هذين العبدين لك

الغلة ويجب توقيفه وقفا يحال بينه وبينه إذا ثبت له بشهادة شاهدين أو شاهد وامرأتين، وهو ظاهر قول مالك في موطئه، إذ قال فيه أن الغلة للمبتاع إلى يوم يثبت له الحق؛ وقول غير ابن القاسم في المدونة إذ قال أن التوقيف يجب إذا أثبت المدعي حقه وكلف المدعى عليه المدفع، وعلى هذا القول جرى عندنا حكم الحكام، والثالث: أنه يدخل في ضمانه وتجب له الغلة والوقف بشهادة شاهد واحد وهو الذي يأتي على ما قاله ابن القاسم في رسم العرية في الضمان- حسبما ذكرناه، ويقوم من هذه الرواية على التأويل بأن المدعي إنما ادعى الأصل خاصة، أن الحد فيما يكون به الثمرة في الاستحقاق غلة فيستوجبها المستحق منه ببلوغها إليه، قيل بالحكم والقضاء وقيل بثبوت الحق بشهادة شاهدين، وقيل بشهادة الشاهد الواحد على الاختلاف الذي ذكرناه الجني في الزيتون، والجداد في الثمر، وقد قيل إن الحد في ذلك الطيب وقيل اليبس؛ والثلاثة الأقوال كلها لابن القاسم، وقد ذكرناها وبيناها في كتاب العيوب من كتاب المقدمات، والله الموفق. [مسألة: يقول للرجل في ثوبين له أو عبدين أحد هذين العبدين لك] مسألة وسألته عن الرجل يقول للرجل في ثوبين له أو عبدين أحد هذين العبدين لك أو أحد هذين الثوبين لك، ولا أدري أيهما هو؟ قال يقال للمقر: احلف أنك ما تدري أن أجودهما للمقر له، فإن حلف أنه ما يعلم أيهما له، قيل للمقر له: احلف أنك ما

تعلم أيهما هو لك، فإن حلف أيضا، كانا شريكين في الثوبين جميعا، قيل له فإن قيل للمقر"الأول احلف، فنكل عن اليمين فرد اليمين على المقر له قال يقال له احلف، فإن فعل كانا أيضا شريكين في الثوبين، وإن نكلا جميعا كان كذلك شريكين في الثوبين أبدا على كل حال، إلا أن يقول المقر لا أعرفه، ويقول المقر له أنا أعرفه؛ فإن زعم المقر له أن أدناهما هو ثوبه، أخذه بلا يمين، وإن ادعى أجودهما، أخذه بعد أن يحلف؛ وإن قال المقر أدناهما هو ثوبه حلف ولم يكن للمقر له غيره؛ وإن ادعى المقر له أن أجودهما له، لم يقبل قوله ولا يمينه إذا زعم المقر أن أدناهما هو ثوبه وحلف على ذلك، وإن زعم المقر أن أجودهما ثوبه أعطيه المقر ولو لم يكن على واحد منهما يمين؛ لأنه قد أعطاه أجودهما، قال عيسى وقال أشهب إذا حلف المقر أو نكل فرد اليمين على المقر له، فإنه يحلف على البتات على أيهما شاء، فإن نكل عن اليمين، كان له أدناهما. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم أنهما يحلفان جميعا، إذا تجاهلا المقر والمقر له، فإن حلفا أو نكلا، أو حلف أحدهما ونكل الآخر، كانا شريكين في الثوبين يأتي على القول بلحوق يمين التهمة، وعلى أنها ترجع؛ لأن كل واحد منهما يتهم صاحبه: يقول المقر له للمقر لعلك تعلم أن أجودهما لي، فاحلف أنك ما تعلم ذلك، ويقول المقر للمقر له لعلك تعلم أن أدناهما لك، فاحلف أنك ما تعلم ذلك، فأوجب اليمين لكل واحد

منهما على صاحبه بذلك، فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا، كانا شريكين فيهما، كما قال، لاستوائهما في الحلف، أو النكول، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كانا أيضا شريكين فيهما؛ لأن الناكل منهما لما نكل وجب أن ترجع اليمين على صاحبه، فيحلف لقد يعلم أن الأجود له وهو لم يحلف إلا أنه لا يعلم أيهما ثوبه أو يمين التهمة إنما ترجع على البت؛ قال مالك وهو رجل سوء إن حلف على ما لا علم له به ويأتي على القول بأن يمين التهمة لا تلحق، أن يكونا شريكين في الثوبين، ولا يكون لواحد منهما على صاحبه يمين، ويأتي على القول بلحوق يمين التهمة، وإنها لا ترجع، وأنه إن نكل المقر عن اليمين وحلف المقر له، كان له أجود الثوبين؛ لأنه قد وجب له بنكول المقر، إذ قد حلف المقر له دون أن ترجع عليه اليمين على البت؛ لقد يعلم أن أجودهما له، وأنه إن نكل المقر له عن اليمين وحلف المقر، كان له أدناهما؛ لأن المقر قد وجب له أجودهما بنكول المقر له عن اليمين دون أن يرجع عليه على البت: لقد يعلم أن أدناهما له. وقوله: إذا قال المقر لا أعرفه، وقال المقر له أنا أعرفه أنه إن ادعى الأجود أخذه بعد أن يحلف، هو مثل قوله في مسألة تضمين الصناع من المدونة، خلاف ما ذهب إليه محمد بن المواز، وقد مضى هذا في تكلمنا على رواية ابن كنانة في آخر سماع أشهب. وقوله وإن قال المقر أدناهما هو ثوبه حلف ولم يكن للمقر له غيره، ولا اختلاف في يمينه إن ادعى المقر له أجودهما؛ وأما إن قال لا أدري، فلا يمين عليه عند ابن المواز حسبما ذكرناه عنه؛ ووجه قول أشهب أن الأصل براءة الذمة، ولا يجب الحكم لأحد على أحد بما يشك فيه، فإذا لم يدع المقر له أحد الثوبين لم يحكم له إلا بما لا شك فيه- وهو الأدنى من

: يأتي إلى رجل يقول هات ثمن جاريتي هذه وقد ولدت منه

الثوبين، وفي إيجاب اليمين على المقر له في ادعائه الأجود من الثوبين مع أن المقر لا يكذبه في دعواه، إذ لا يدري أيهما له، من الاختلاف ما ذكرته عن ابن القاسم، وابن المواز، وبالله التوفيق. [: يأتي إلى رجل يقول هات ثمن جاريتي هذه وقد ولدت منه] ومن كتاب العرية وقال مالك في الرجل يأتي إلى رجل يقول هات ثمن جاريتي هذه، وقد ولدت منه؛ فيقول لا والله ما اشتريت منك، ولكن زوجتنيها؛ فيقول بل اشتريت مني؛ فقال: إن كان الذي ادعى التزويج ليس مثله ممن يتزوج إلاماء لشرفه وماله، لم يقبل قوله وكان عليه ثمنها؛ وإن كان مثله ممن يتزوج الإماء كان القول قوله، وقيل للذي ادعى بيعها أنت قد زعمت أنك (قد) بعت وقد جحدك ذلك، وقد ثبت لها عتق بشهادتك أنه اشتراها حين ولدت منه، فليس لك أن تأخذها وأنت شاهد في عتقها، وتزعم أنها أم ولد، فتقر في يديه يطؤها ويصنع بها ما شاء؛ لأنها في كلا الوجهين له حلال- إن كانت زوجته، كما يزعم، فهي له حلال، وإن كانت أم ولد- كما يزعم البائع، فهي حلال قلت له

فلو لم تلد- وادعاها هذا، قال: يحلف بالله إنه صادق وينفسخ ما ادعى من النكاح، ويأخذ صاحب الجارية جاريته؛ وسئل عنها سحنون فقال: رب الجارية هاهنا مدعى عليه المال، فلزمه إقراره بأنها أم ولد بلا ملك له فيها، وولدها أحرار لاحقون بأبيهم، ولا يثبت له ما ادعى من المال، إلا أن يقيم البينة؛ قيل له فما يكون حال الجارية؟ قال تكون موقوفة حتى تموت وولدها أحرار، فإذا ماتت أخذ رب الجارية الثمن الذي ادعى من تركتها، إن تركت مالا، ويكون ما بقي له من المال، وإلا كان ما بقي موقوفا، قيل: فعلى من تكون نفقتها- إذا أوقفتها؟ قال تكون نفقتها على نفسها. وقال أصبغ مثله، قيل لأصبغ: أرأيت إن مات الذي ادعى أنه تزوج الأمة قبل الأمة، ما حال الأمة؟ قال تكون حرة؛ لأن السيد قد أقر أنها أم ولد لهذا الميت، قيل له فإن ماتت الأمة بعد ذلك وتركت مالا أيكون للسيد في مالها ثمنها؟ قال: لا يكون له في مالها شيء؛ لأنها ماتت وهي حرة، ومالها للورثة الذي أقر السيد أنه باعها منه. قال محمد بن رشد: قول مالك إن كان الذي ادعى التزويج ليس مثله ممن يتزوج الإماء لشرفه وماله، لم يقبل قوله، وكان عليه ثمنها. معناه أنه يكون القول قول رب الجارية مع يمينه فيما ادعاه من أنه باعها منه بالثمن الذي ادعى أنه باعها به إذا كان الثمن الذي ادعى يشبه أن يباع به؛ لأنه أتى بما يشبه، وأتى الذي ادعى التزويج بما لا يشبه، فوجب أن يكون قول سيد الجارية؛ لأنه أتى بما يشبه على أصولهم في أن القول قول من أتى من المتداعيين بما يشبه، فإن لم يشبه قول رب الجارية فيما ادعاه من الثمن، حلفا جميعا وكان على الذي ادعى التزويج قيمة الجارية، يحلف رب الجارية

أنه باعها منه بما ذكره من الثمن، ليحقق عليه الشراء، ويحلف هو أنه تزوجها وما اشتراها ليسقط عن نفسه ادعاء صاحبها من الزيادة على قيمتها، وقد قيل: إنه لا يصدق صاحب الجارية فيما ادعاه، من الثمن وإن أشبه، إذا كان ذلك أكثر من قيمتها، وهو الذي يأتي على قول غير ابن القاسم في كتاب الجعل والإجارة من المدونة، فيحلف على هذا صاحب الجارية أنه باعها منه بالثمن الذي ادعاه، ليحقق عليه الشراء، ويحلف المدعى عليه الشراء أنه ما اشتراها منه، وإنما زوجها إياه ليسقط عن نفسه يمين ما ادعاه من الثمن زائدا على قيمتها، وقوله وإن كان مثله ممن يتزوج الإماء، كان القول قوله، معناه في تكذيب رب الجارية فيما ادعاه من أنه باعها منه، لا في أنه زوجها منه؛ لأنه في ذلك مدع، فلا يصدق فيه، ولا يحلف عليه، وإنما يحلف أنه ما اشتراها منه، وإن زاد في يمينه ولقد زوجها منه، تحقيقا لدعواه عند من سمعه لم تثبت بذلك الزوجية بينهما، ألا ترى أنها إذا لم تلد، يحلف أنه صادق فيما ادعاه من أنه تزوجها وما اشتراها، ويحلف صاحبها لقد باعها منه وما زوجها إياه، فينفسخ النكاح والبيع، ويأخذ صاحب الجارية جاريته. فقول سحنون: إن الجارية إذا ولدت تكون موقوفة حتى تفوت، أظهر عندي من قول مالك إنها تقر بيد الذي ادعى أنه تزوجها، يطؤها ويصنع بها ما شاء؛ لأنها في كلا الوجهين له حلال إن كانت زوجته كما زعم فهي له حلال، وإن كانت أم ولد له كما زعم بالبائع (فهي له حلال) وإنما قلت أنه أظهر؛ لأن كل واحد منهما مدع على صاحبه، وقد أبطل صاحبه دعواه عنه بيمينه، فلم تثبت زوجة ولا أم ولد فوجب أن توقف كما قال سحنون، لقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]

، وهذه لم تثبت زوجة ولا أم ولد، ولقد رأيت لابن دحون أنه قال: قول سحنون قول ضعيف؛ لأن الأمة لا تخلو عن أن تكون زوجة على ما ادعى الذي هي في يديه، (أو تكون) أم ولد على ما أقر به سيدها الذي كانت له، فهي مباحة لمن هي في يديه على كل حال، فإيقافها ومنعه من وطئها لا معنى له، ألا ترى أن رجلا لو قال كنت أولدت إيمائي كلهن، وتزوجتهن كلهن إلا واحدة وقد بقيت عندي منهن واحدة لا أدري هل هي زوجة أو أم ولد، لم يمنع من وطئها؛ لأنه حلال له على أي وجه كانت، هذا نص قول ابن دحون، وقوله- عندي - هو الضعيف، لا قول سحنون؛ لأن الشراء لم يصح ولا التزويج وقد انفسخا جميعا بيمين كل واحد منهما على تكذيب صاحبه، ولا يصح للحاكم أن يقر الجارية في يد الذي هي في يديه بما ادعاه من تزويجها، إذ لم يثبت ذلك عنده، وقد انفسخ بيمين سيدها: أنه ما زوجه إياها، ولا بما أقر به سيدها من أنه باعها منه، إذ لم يثبت ذلك عنده، وقد بطل بإنكار الذي هي في يده لذلك وحلفه عليه، وإنما يقال له: إن كنت صادقا أنك تزوجتها فوطؤها - لك حلال فيما بينك وبين خالقك، ولا يصلح للحاكم أن يقرها عنده ويبيح له وطأها، لاحتمال أن يكونا جميعا كاذبين (لم يزوجها إياه، ولا باعها منه، والمسألة التي نظر بها ابن دحون، لا تشبهها؛ لأن الذي شك في المرأة، فلم يعلم إن كانت زوجته أو أم ولده، لا يشك في أنها تحل له؛ لأنها إن لم تكن زوجة، فهي أم ولد، وإن لم تكن أم ولد، فهي زوجة؛ والحاكم في مسألتنا يشك: هل تحل له الأمة أم لا، لاحتمال أن يكونا جميعا كاذبين) ، فيما ادعياه كما ذكرناه.

مسألة: كانت الجارية في يديه قال اشتريتها وقال رب الجارية بل زوجتها

وقول سحنون: إن الولد أحرار، مفسر لقول مالك لا خلاف له. وقول سحنون: إن نفقتها على نفسها في حال الإيقاف، صحيح، فإن عجزت قيل لهما: أنفقا عليها، أو أعتقاها، ولا تكون موقوفة بغير مؤونة، وقوله: إنها إن ماتت أخذ رب الجارية الثمن الذي ادعى من تركتها- إن تركت مالا، صحيح (لأن الذي كانت الجارية بيده يقر أن جميع تركتها له، لا حق له فيه، فله أن يأخذ من ذلك ما يدعي أن له قبله، والباقي يكون موقوفا؛ لأن كل واحد منهما يقر أنه لصاحبه، فمن كذب منهما نفسه أولا، ورجع إلى قول صاحبه أخذه، وقول أصبغ أنه إن مات الذي ادعى أنه تزوج الأمة قبل ذلك تكون حرة، صحيح) لأن سيدها أقر أنها أم ولده، وكذلك قوله أنها إن ماتت بعد ذلك لا يكون للسيد في مالها ثمنها، صحيح أيضا؛ لأنها لما ماتت بعد موت الذي ادعى أنه تزوجها، ماتت حرة، ووجب ميراثها للعصبة الذين يرثون الولاء عنه بإقرار سيدها أنها أم ولد له، وهو لا حق له قبلهم، إنما كان حقه على دعواه قبل الميت الذي ادعى أنه باعها منه. وقول أصبغ لأنها ماتت وهي حرة، ومالها لورثة الذي أقر للسيد أنه باعها منه، معناه الذين يرثون الولاء عنه من الرجال، وبالله التوفيق. [مسألة: كانت الجارية في يديه قال اشتريتها وقال رب الجارية بل زوجتها] مسألة قلت لسحنون: فلو أن الذي كانت الجارية في يديه قال اشتريتها وقال: رب الجارية بل زوجتها، فقال القول قول رب الجارية، وولدها رقيق، ويلحق نسبهم بالأب: لأن الذي الجارية في يديه قد أقر بها له وادعى الاشتراء، فلا يقبل قوله فيما ادعى،

ولا يزيل ملكه منها بعدما أقر له بها إلا ببينة تثبت له. قال أصبغ عن ابن القاسم: يتحالفان ويتفاسخان، ولا تكون زوجة، ولا أم ولد، وترجع الأمة إلى سيدها، فإن المشتري يقر بأنه لا زوجة له، فهو كالمطلق ويدعي أنها أمته، ولا بينة له، فهي راجعة إلي ربها، وأما الولد، فإنه في الوجه الأول حر وتبع للأب ولا قيمة على الأب فيه، وفي الوجه الثاني، الذي قال: زوجتك- رقيق. قال محمد بن رشد: هذه المسألة عكس المسألة التي قبلها فلا يقبل قول الذي الجارية في يديه أنه اشتراها؛ لأنه في ذلك مدع على صاحب الجارية، والقول قول رب الجارية أنه ما باعها منه، ولقد زوجها إياه ويكون (له) الولد رقيقا، ويلحق نسبهم بالأب، وينفسخ نكاح الأمة؛ لأنكاره تزويجها مع يمينه على ذلك، فترجع الأمة إلى سيدها ولا يلزمه فيها طلاق، وتكون إن تزوجها عنده على طلاق مبتدأ على ما قاله ابن القاسم في رواية أصبغ عنه من أنهما يتحالفان ويتفاسخان، فلا تكون زوجة ولا أم ولد، إذ ليس قوله بخلاف لقول سحنون. وقوله إنه كالمطلق - يريد أنه لا يصح له المقام عليها؛ لأنكاره نكاحها، ولو كان ما ادعى سيد الجارية من أنه زوجه إياها لا يشبه، لكونه ليس مثله ممن يتزوج الإماء في شرفه وحاله، لوجب أن يكون القول قوله فيما ادعاه من الشراء، ويكون ولده أحرارا على قياس ما قاله مالك في المسألة التي قبلها؛ وقول ابن القاسم: وأما الولد فإنه في الوجه الأول حر وتبع لأبيه، ولا قيمة على أبيه فيه - يريد المسألة الأولى التي ادعى صاحب الجارية أنه باعها منه، وبالله التوفيق.

مسألة: قال رجل لرجل ادفع إلي ثمن جاريتي هذه التي بعت منك

[مسألة: قال رجل لرجل ادفع إلي ثمن جاريتي هذه التي بعت منك] . مسألة قال سحنون فلو قال رجل لرجل ادفع إلي ثمن جاريتي هذه التي بعت منك، قال الذي في يده الجارية استودعتنيها وما اشتريتها منك فتعديت عليها فوطئتها وأولدتها، فقال أرى رب الجارية مدعيا مالا ومقرا أنها أم ولد، هذا الذي هي في يديه فلا يقبل قوله فيما ادعى من المال إلا ببينة، ولا يصل إلى الجارية؛ لأنه أقر أنها أم ولد الذي هي في يديه، وأراها أم ولد الذي هي في يديه موقوفة، وأولاده منها أحرار؛ لأن رب الجارية قد أقر له بذلك، وتوقف الجارية، ولا يصل الذي هي في يديه إلى وطئها، فإن ماتت وتركت مالا، كان للذي ادعى أنه باعها أن يأخذ الثمن من مالها الذي ادعى قبل الذي في يديه الجارية، قيل: له ولمن يكون ما بقي من مالها؛ فقال يكون موقوفا، فإن ادعى الذي أولدها أنه كان اشتراها، وأنها أم ولده، كان له ما بقي من المال، وإن أقام على إنكاره كان موقوفا أبدا، قيل: فهل يكون على هذا الذي كانت في يديه وأقر أنه وطئها بالعداء الحد؛ قال نعم إن ثبت على إقراره، وفي سماع حسين بن عاصم عن ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف في شيء من وجوهها، يبينها ما مضى من الكلام على أول مسألة من الرسم. وقوله فيها وأولاده، منها أحرار- يريد ولا يلحق نسبهم به؛ لأنه يحد لإقراره أنهم

مسألة: يشتري الدابة فيدعيها رجل في يديه فتوقف له

من زنى. وقوله فيها (أيضا) وأراها أم ولد للذي هي في يديه موقوفة، ليس على ظاهره، إذ لو كانت أم ولده لما وقفت، ولجاز له وطؤها وإنما معناه أنه يكون لها حكم أم ولده في أنها تعتق بموته، ويرثها- إن ماتت بعده - من يرث أولادها عنه من عصبته، وذلك كله بإقرار سيدها له بذلك، وإنما تكون له أم ولد إن رجع إلى تصديق سيدها فيما زعم (من) أنه باعها منه، فإن فعل ذلك (كانت أم ولد له) وحل له وطؤها وغرم الثمن ودرأ عنه الحد، إن كان لم يحد بعد ولحق به الولد، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري الدابة فيدعيها رجل في يديه فتوقف له] مسألة قال عيسى وسئل ابن القاسم عن الرجل، يشتري الدابة فيدعيها رجل في يديه فتوقف له، على من يكون علفها؛ قال علفها على الذي تصير له، قيل فإنها ماتت قبل أن يقضى بها، ممن تكون مصيبتها؛ قال مالك في رجل ادعى دابة في يدي رجل فأقام عليها شاهدين فشهدا عند القاضي وعدلا، فلم يقض بها حتى ماتت، قال: مصيبتها من الذي ادعاها وأقام الشاهدين عليها، ويرجع مشتريها على بائعها بالثمن، قيل لابن القاسم: وكذلك لو أقام شاهدا واحدا وبقي له أن يحلف ثم يقضى له بها، فلم يحلف

حتى ماتت، قال يحلف وتكون المصيبة أيضا منه، وإن كانت يمينه بعد موتها، قيل له: فإن كان ادعاها واستحقها وأقام البينة عليها بعد موتها، قال إذا كان إنما أقام البينة بعد موتها فاستحقها، فمصيبتها من الذي ماتت في يديه، ويرجع مستحقها على بائعها بالثمن أو القيمة- إن كانت أكثر من الثمن- إن كان هو غاصبا. قال محمد بن رشد: قوله في نفقة الدابة الموقوفة في الاستحقاق، إنها على الذي تصير إليه هو مثل ما في المدونة، ومثل ما في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، ولم يتكلم على من ينفق عليها في خلال التوقيف، والظاهر من قول مالك أن المدعى عليه ينفق في حال التوقيف، فإن قضى بها له، رجع عليه بالنفقة، وقد قيل أنهما ينفقان جميعا عليها، فمن قضي له بها منهما، رجع عليه صاحبه بنصف النفقة، وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت بعد هذا من سماع عيسى، وفي المجموعة، وقوله في مصيبتها إن ماتت في حال التوقيف بعد إقامة البينة عليها، وقبل أن يقضى له بها أنها من الذي ادعاها، وأقام البينة عليها، ويرجع مشتريها على بائعها بالثمن، خلاف ما في المدونة من أن مصيبتها من الذي هي في يديه حتى يقضى بها للطالب، وقول مالك في هذه الرواية إن المصيبة من الذي أقام البينة عليها، أجري على القياس، وهو أن تكون من الذي عليه النفقة لأن القياس أن تكون النفقة والغلة تابعتين للضمان، وكذلك التوقيف أيضا هو تابع للضمان؛ وقد اختلف في الحد الذي يدخل به الشيء المستحق في ضمان المستحق، وتكون الغلة له، ويجب التوقيف به على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه لا يدخل في ضمانه ولا تجب له الغلة حتى يقضى له به، وهو قول ابن القاسم في رسم حمل صبيا من سماع عيسى بعد هذا، والذي يأتي على قول مالك في المدونة إن الغلة للذي هي في يديه حتى

يقضى بها للطالب، وعلى قول سحنون في نوازله من كتاب الغصب إن المصيبة من المشتري حتى يحكم به للمدعي، وعلى هذا القول لا يجب توقيف الأصل المستحق توقيفا يحال بينه وبينه، ولا توقيف غلته؛ وهو قول ابن القاسم في المدونة: إن الرباع التي لا تحول ولا تزول ولا توقف، مثل ما يحول ويزول وإنما يوقف وقفا يمنع من الإحداث فيها، والثاني: أنه يدخل في ضمانه وتكون الغلة له ويجب التوقيف وقفا يحال بينه وبينه إذا ثبت ذلك بشهادة شاهدين، أو شاهد وامرأتين، وهو قول مالك في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، وهو ظاهر قوله في موطئه إذ قال فيه: إن الغلة للمبتاع إلى يوم يثبت الحق، وقول غير ابن القاسم في المدونة، إذ قال فيها: إن التوقيف يجب إذا ثبت المدعي حقه وكلف المدعى عليه المدفع. والقول الثالث: أنه يدخل في ضمانه وتجب له الغلة والتوقيف بشهادة شاهد واحد وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية أنه يحلف مع شهادة شاهده وتكون المصيبة منه. إن كانت يمينه بعد موتها، فإن قيل: كيف يحلف وتكون المصيبة منه، ويستحق المستحق منه بيمينه- الرجوع على بائعه بالثمن، قيل: إنما يحلف؛ لأنه إن نكل عن اليمين على هذه الرواية يحلف المستحق منه الذي مات العبد عنده أنه لا حق للقائم فيه، ولقد ادعى باطلا، فيرجع عليه بقيمته؛ لأنه أحق عليه بيمينه العداء في توقيفه عليه بغير حق، ويؤيد هذا ما وقع في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق، وقد مضى الكلام عليه هناك، ويؤيده أيضا قول أشهب في نوازل سحنون من كتاب الرهون، فليست يمين المستحق على هذه الرواية ليستحق غيره وهو المستحق منه الرجوع على بائعه بالثمن، وإنما هي لينفي عن نفسه العداء في التوقيف الذي يدعيه (عليه) المستحق منه، فإن نكل عن اليمين حلف هو

: يقر لرجلين بعبد يقول هو لكما غصبتكماه

وأغرمه القيمة، فما وقع في أحكام ابن زياد من أن التوقيف يجب في الدار بالقفل، وتوقيف الغلة بشهادة الشاهد الواحد، يأتي هذا القول الثالث، وكذلك النفقة أيضا القياس فيها أن تجري على هذا الاختلاف؛ فعلى القول الأول لا يجب للمقضي عليه الرجوع بشيء من النفقة على المقضي له؛ لأنه إنما أنفق على ما ضمانه منه، وغلته له، وعلى القول الثاني: يجب له الرجوع عليه بما أنفق بعد ثبوت الحق بشهادة شاهدين، أو شاهد وامرأتين، لوجوب الضمان عليه، وكون الغلة له من حينئذ، وعلى القول الثالث: يجب له الرجوع عليه بما أنفق منذ وقف بشهادة الشاهد الواحد، لوجوب الضمان عليه، وكون الغلة له من حينئذ، وقد فرق في رسم حمل صبيا من سماع عيسى بعد هذا بين النفقة والضمان والغلة، فقال إن النفقة ممن تصير إليه، والغلة للذي هي في يديه؛ لأن الضمان منه، وساوى بين ذلك عيسى بن دينار من رأيه، وهو القياس وكذلك ظاهر ما في المدونة أنه فرق بين النفقة والغلة، والصواب ألا يفرق بينهما في أن يكونا جميعا تابعين للضمان، إما من يوم وجوب التوقيف بشهادة شاهد واحد، وإما من يوم وجوبه بشهادة شاهدين، وإما من يوم القضاء والحكم، وبالله التوفيق. [: يقر لرجلين بعبد يقول هو لكما غصبتكماه] ومن كتاب أوله يوصي لمكاتبه قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقر لرجلين بعبد يقول: هو لكما غصبتكماه أو غير غصب يقر لهما جميعا، فيدعيه كل واحد منهما خالصا دون صاحبه، فيقول هو لي خالص وأدخلت علي في عبدي من ليس له فيه شيء، وكلاهما يقول ذلك ولا بينة لواحد

منهما، قال: يقال له: احلف أنك لا تعرفه لواحد منهما خالصا، فإن حلف برئ ولم يكن لهما عليه شيء، وصار الأمر بين هذين؛ ولأن كل واحد منهما يدعيه لنفسه خالصا، فيقال لكل واحد منهما: احلف أنه لك خالص، فإن حلفا جميعا على ذلك، كان العبد بينهما نصفين وإن نكل المقر الأول عن اليمين أنه ما يعرفه لأحدهما خالصا دون صاحبه، قيل لهذين اللذين ادعياه: يحلف كل واحد منكما لصاحبه أنه له خالص دون صاحبه، فإن حلفا كان على المقر الأول أن يغرم لهما قيمة العبد إذا نكل عن اليمين أنه لا يعرفه لواحد منهما دون صاحبه، فإذا غرم القيمة، كانت القيمة والعبد بينهما نصفين، وإن نكلا عن اليمن جميعا مع نكول المقر لهما لم يكن لهما إلا العبد بينهما وإن حلف أحدهما بعد نكول المقر ونكل صاحبه عن اليمين، كان العبد خالصا للذي حلف، ولم يكن على المقر الأول لهذا الذي نكل عن اليمين شيء؛ لأنه يقول: أقررت لك بشيء وقد جاء من استحقه من يديك بما هو أثبت من إقراري لك؛ قلت فإن أتى رجل لم يقر له بعد به، فادعاه والمسألة كما هي؛ قال: إن كان خليطا للمقر، حلف أنه ليس له، فإن حلف برئ. وإن نكل، قيل للمدعي: احلف، فإن حلف غرم له قيمة العبد، فإن لم يحلف فلا شيء له، وإن لم يكن خليطا، فلا يمين له عليه ولا شيء. قلت: وكيف أحلف للمقر لهما

بعضهما لبعض- وهما ليسا خليطين، قال: وأي خلطة أبين من أن يكونا شريكين في العبد يدعيه. كل واحد منهما. قلت: وكذلك الدنانير والدراهم إذا أقر لرجلين بمائة دينار، فادعاها كل واحد منهما خالصة دون صاحبه، قال العمل على ما وصفت لك بينهما في العبد، قلت فلو كان المقر لهما بالعبد، ادعاه أحدهما خالصا دون صاحبه، وقال الآخر لا أدري إنما أقر لي بشيء فقبلته، ما أدري أهو لي أم لا؛ فقال: يقال له: احلف أنك ما تدري في الذي أقر لك به هذا أهو لك أم لا؛ فإن حلف، كان نصف العبد له، وقيل للمقر احلف أنك ما تعرفه لهذا الذي ادعاه خالصا فإن حلف برئ وكان العبد بينهما نصفين، وإن نكل، قيل لمدعيه خالصا احلف أنه لك خالصا. فإن حلف كان العبد بينه وبين الذي حلف، أنه ما يدري الذي أقر له أنه حق أم باطل، وكان على المقر أن يغرم لهذا نصف قيمة العبد، ولو نكل الذي قال لا أعرف ما أقر لي به هذا عن اليمين، حلف مدعيه وكان له العبد خالصا، ولم يكن على المقر يمين ولا قليل ولا كثير. قال محمد بن رشد: إنما قال: إن المقر بالعبد لرجلين إذا ادعى كل واحد منهما أن العبد له خالص، يحلف المقر على العلم أنه ما يعرفه لأحدهما خالصا؛ لأن كل واحد منهما يدعي عليه أنه علم أن العبد له خالصا، فأقر بنصفه لصاحبه، وفوته بذلك عليه، فإن حلف أنه ما يعرفه لأحدهما خالصا، برئ وكانت الدعوى بينهما فيه، فإن حلفا جميعا أو نكلا

مسألة: يقر للرجل بالعبد ثم يقر به لرجل آخر

جميعا، كان العبد بينهما؛ وإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين، كان العبد للحالف منهما، وأما إن نكل المقر عن اليمين فقال في الرواية: إن المقر لهما يحلف كل واحد منهما أنه له خالص دون صاحبه، فإن حلفا على ذلك غرم المقر قيمة العبد، فكانت هي والعبد بينهما، والصواب أن يحلف كل واحد منهما أنه له خالص دون صاحبه، وأن المقر عالم بذلك؛ لأن الضمان لا يجب على المقر لكل واحد منهما، إلا بأن يعلم بأن العبد له خالصا فيقر به لهما جميعا، فلا يلزمه عزم قيمة العبد لهما بنكوله عن ذلك حتى يحلف المقر لهما على حكم المدعي والمدعى عليه في رجوع اليمين على المدعي إذا نكل عنها المدعى عليه، وقال: إنه إذا أتى رجل لم يقر له بعد به فادعاه، والمسألة على حالها- إن المقر يحلف أن كل خليط له- أنه ليس له، ظاهره أنه على البتات، والصواب أن يحلف على العلم- كما يحلف للمقر لهما، فيقول: بالله ما نعلمه له، فإن حلف برئ، وإن نكل عن اليمين حلف المدعى أنه له، وإن المقر علم بذلك؛ وحينئذ يغرم له قيمة العبد على ما بيناه، وهذا الذي ذكرناه كاف في بيان ما بقي من المسألة وقد قيل: إنه لا يمين على المقر بحال، وهو الذي يأتي على قول سحنون في نوازله من كتاب الاستلحاق في الذي يقر لثلاثة رجال فيقول هذا أخي، بل هذا أخي، فقف على ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يقر للرجل بالعبد ثم يقر به لرجل آخر] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يقر للرجل بالعبد ثم يقر به لرجل آخر، قال يكون العبد للذي أقر له به أولا، ويكون عليه للآخر قيمة العبد. قلت: ولا يكون عليهما يمين؛ قال: نعم.

مسألة: يأتيه رجلان فيقول هذه الوديعة والله لا أدري من دفعها إلي منكما

قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة صحيح على قياس قوله في المسألة التي قبلها، فكل واحدة منهما مبينة لصاحبتها. وقوله: قال نعم، معناه لا يكون عليهما يمين؛ وذكر ابن أبي زيد في النوادر هذه المسألة فوصل بقوله: ولا يكون عليهما يمين، قال عيسى، لا أن يدعيه الثاني، فإن ادعاه فله اليمين على المقر له به أولا، فإن حلف فالعبد له وكان للثاني على المقر قيمته، وإن نكل المقر له أولا من اليمين، حلف المقر له آخرا وكان العبد له، ولم يكن على المقر شيء؛ وقول عيسى بن دينار تفسير لقول ابن القاسم، ويأتي على ما لسحنون في نوازله من كتاب الإستلحاق أنه لا شيء على المقر للثاني؛ لأنه إنما أقر له بما قد استحقه الأول بإقراره له به أولا، وبالله التوفيق. [مسألة: يأتيه رجلان فيقول هذه الوديعة والله لا أدري من دفعها إلي منكما] مسألة وسئل عن الرجل تكون عنده وديعة مائة دينار، فيأتيه رجلان فيقول هذه الوديعة والله لا أدري من دفعها إلي منكما وتداعيانها جميعا، كل واحد منهما خالصا لنفسه، قال تقسم بينهما بعد أن يحلف كل واحد منهما أنها له، فإن حلف واحد ونكل الآخر، كانت للذي حلف ولم يكن للذي نكل قليل ولا كثير؛ قال: ولو كان قال في مائة دينار عليه دين: والله ما أدري أهي لفلان أو لفلان، فادعاها كلا الرجلين، حلفا وكان عليه لهما غرم مائتي دينار- مائة، مائة، وهو مخالف للوديعة؛ لأن الوديعة في أمانته، والدين في ذمته.

مسألة: يشتري الدابة فتستحق في يديه

قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه يلزمه في الوديعة أن يدفع مائة دينار لكل واحد منهما، وهو الذي يأتي على ما لابن القاسم في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب القراض؛ وقد قيل أيضا: إنه لا يلزمه في الدين إلا مائة واحدة تكون بينهما- إن حلفا أو نكلا، وهو الذي يأتي على أحد التأويلين في مسألة رسم البيوع من سماع أصبغ بعد هذا، وقد مضى ذكر ذلك في رسم يدير ماله من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس، لتكرار المسألة هناك، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال قولان في كل مسألة، وهذه التفرقة، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري الدابة فتستحق في يديه] مسألة وسئل عن الرجل يشتري الدابة فتستحق في يديه، فيريد أن يطلب بها الثمن الذي اشتراها به، فيضع قيمتها فيخرج بها فيضيع الثمن وتهلك الدابة، قال: مصيبة الدابة من الذي خرج بها، ومصيبة الدنانير من الذي وضعت له الدنانير- وهو مستحق الدابة؛ قلت: فلو كان خرج بها فضاعت الدنانير وجاء بالدابة قد نقصت، قال يأخذ صاحب الدابة دابته وتكون مصيبة القيمة من الذي خرج بالدابة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة لا أعرف فيها نص خلاف، وهي على قياس ما في المدونة في ثمن الجارية المبيعة على المواضعة إذا وضع على يدي عدل فتلف، أن مصيبته ممن كان يصير إليه، فالخلاف الذي في ثمن الجارية الموضوع بيد عدل يدخل في هذه، فعلى القول بأنه من المبتاع إذا تلف، وإن خرجت الجارية سليمة من المواضعة ويلزمه ثمن آخر

مسألة: يقول للرجل المائة الدينار التي استودعتك

تكون مصيبة القيمة الموقوفة للمستحق إن تلفت من الذي وضعها على كل حال، ويلزمه قيمة أخرى إن تلفت الدابة قبل أن يردها إلى المستحق: ويتخرج في المسألة قول ثالث: أنه إن تلفت القيمة قبل أن تتلف الدابة، كانت مصيبتها من الذي وضعها، ويغرم للمستحق قيمة أخرى، وإن تلفت الدابة قبل، كانت مصيبة القيمة من الذي وضعت له، وهو مستحق الدابة، ومصيبة الدابة من الذي ذهب بها ووضع القيمة فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول للرجل المائة الدينار التي استودعتك] مسألة وسئل عن الرجل يقول للرجل المائة الدينار التي استودعتك، فيقول له: ما استودعتنيها ولكن أعطيتنيها قراضا، وهذه مائة دينار ربحت فيها فلك منها خمسون، فيأبى أن يأخذ الخمسين، قال: إن أبى أن يأخذ الخمسين حبسها واستأنس سنين، لعله أن يأخذها، وإن أبى أن يأخذها تصدق بها، قيل له فإن مات فأحب ورثته أن يأخذوها؛ قال يأخذونها إن شاءوا- إذا أحب المقر أن يدفعها إليهم. قلت ولا يقضى عليه بدفعها إلى ورثته؛ قال لا يقضى عليه بدفعها إليهم.

: يقول عند الموت لفلان عندي عشرة دنانير ولي عليه خمسة

قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها ثلاثة أقوال أحدها: أنه ليس له أن يأخذ الخمسين التي أقر له بها- إلا أن يكذب نفسه ويرجع إلى تصديقه، وهو الذي يأتي على ما لابن القاسم في كتاب الرهون من المدونة، وما لأشهب في كتاب إرخاء الستور منها، وهو أحد قولي سحنون، والثاني: أنه ليس له أن يأخذ الخمسين وإن رجع إلى تصديقه وكذب نفسه، إلا أن يشاء أن يدفعها إليه باختياره، وهو ظاهر قول ابن القاسم ههنا فيه وفي ورثته إن مات ونص ما في سماع لم يدرك من سماع عيسى من كتاب النكاح. والثالث: أن له أن يأخذها وإن كان مقيما على الإنكار، وهو قول سحنون في نوازله من كتاب الاستحقاق، وإنما يكون له على القول بأن يأخذها إن كذب نفسه ورجع إلى تصديق صاحبه، ما لم يسبقه صاحبه بالرجوع إلى قوله وتكذيب نفسه؛ فتحصيل هذا القول أن من سبق منهما بالرجوع إلى قول صاحبه، كانت له الخمسون دون يمين، وبالله التوفيق. [: يقول عند الموت لفلان عندي عشرة دنانير ولي عليه خمسة] ومن كتاب بع ولا نقصان عليه وعن الرجل يقول عند الموت: لفلان عندي عشرة دنانير ولي عليه خمسة، فأنكر الذي أقر له بالعشرة أن تكون عليه خمسة. قال يأخذ العشرة وعلى الورثة البينة في الخمسة أنها عليه، قيل: فلو قال: لفلان عشرة دنانير من مالي وصية، ولي عليه خمسة. فأنكره، قال لا يكون له إلا الخمسة؛ لأنه لم يوص له إلا

: مات موال لجده فجاء يطلب ميراثهم

بخمسة حين قال لي عليه خمسة، وكذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، والفرق بين المسألتين بيّن؛ لأنه في المسألة الأولى مقر على نفسه له بعشرة، ومدع عليه بخمسة، فلزمه إقراره على نفسه بالعشرة ولم يصدق في الخمسة التي ادعاها إلا أن يقيم الورثة عليها، وفي المسألة الثانية: لم يوص له إلا بخمسة حين ذكر أن له عليه خمسة- كما قال مالك، وبالله التوفيق. [: مات موال لجده فجاء يطلب ميراثهم] ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب وقال في رجل، مات موال لجده، فجاء يطلب ميراثهم أو للجد مال فجاء يطلبه، فشهد شاهدان عدلان أن هذا الرجل أقعد الناس بفلان اليوم، وقد مات الموالي منذ سنين، قال لا ينتفع، حتى يشهدوا أنه أقعد الناس به يوم مات الموالي. قلت له فإن يعرف أحد غيره، قال لا يعجل في ذلك ويسأل وينظر ويكتب في ذلك إلى ذلك الموضع، ولا يعجل في ذلك حتى يؤيس من ذلك، ولا يأتي أحد يطلب ذلك، ثم يقضى له ويؤخذ عليه حميل، ثم ضعف أمر الحميل إن أبى أن يدفعه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال في موالي الجد؛ لأن العبد المعتق لا يرثه بالولاء إلا أقرب الناس بمولاه الذي أعتقه يوم مات الموالي، لا يوم ممات الذي أعتقه ولا يوم يطلب ميراثه؛ فإذا شهد الشهود لرجل أنه أقرب، بمولاه الذي أعتقه اليوم، لم تكن الشهادة عاملة؛ لأنهم لا يدرون لعل كان أقعد بالجد يوم مات الموالي، فيكون ميراثهم لورثته، فوجب أن يثبت في ذلك ولا يعجل به كما قال؛ فإن لم يأت له طالب سواه، قضي له

: كان له على رجل حق منذ عشر سنين فقام به عليه اليوم

به بحميل، ثم ضعف أمر الحميل؛ وفي ذلك عندي تفصيل، أما إن قال الشهود الذين شهدوا لهذا الرجل: إنه أقعد الناس به اليوم يعرف غيره أقعد منه قد مات، إلا أنا لا ندري هل مات قبل الموالي أو بعدهم، فأخذ الحميل منه ظاهر؛ وأما إن قالوا: لا نعرف هل كان له غيره يوم مات الموالي أم لا؟ فأخذ الحميل منه ضعيف، وأما المال الذي طرأ للجد، فلا يأخذه ورثته حتى يثبتوا ميراثهم منه يوم مات، وبالله التوفيق. [: كان له على رجل حق منذ عشر سنين فقام به عليه اليوم] من كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل عن رجل كان له على رجل حق منذ عشر سنين فقام به عليه اليوم فزعم الذي عليه الحق أن قد قضاه، فيأتي بالبينة أنه قد قضاه منذ تسع سنين أو نحوها، ويأتي صاحب الحق بالبينة أنه أقر له به منذ سنتين فأي الشهادتين يؤخذ؟ قال يؤخذ بأحدثهما، وهي الشهادة على الإقرار. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: أن الذي يوجبه الحكم إنما هو أن يؤخذ بالشهادة على الإقرار؛ لأنه لما أقر له بالحق بعد أن أقام البينة على القضاء، حمل على أن القضاء إنما كان من حق له آخر قبله، كما لو أقر أنه قد كان له قبله حق آخر فقضاه، فادعى صاحب الحق أن

مسألة: عبد ادعاه رجلان فوضع على يدي عدل

القضاء إنما كان من ذلك الحق القديم، لكان القول قوله؛ ولو كان لما أقام البينة على القضاء، ادعى صاحب الحق أنه إنما قضاه حقا آخر كان له قبله، وأنكر المطلوب أن يكون له حق قبله سوى هذا الذي قضاه، لكان القول قول المطلوب باتفاق، وإن لم يكن بينهما مخالطة قديمة؛ واختلف إن كانت بينهما مخالطة، فقيل: القول قول الطالب، وقيل: القول قول المطلوب على ما يأتي في رسم الأقضية من سماع يحيى بعد هذا من هذا الكتاب، ولسحنون في نوازله من كتاب المديان والتفليس قول ثالث في هذه المسألة، وقد مضى تحصيل القول في هذا في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد ادعاه رجلان فوضع على يدي عدل] مسألة وسئل عن عبد ادعاه رجلان فوضع على يدي عدل، على من نفقته؛ قال ممن يصير له. قلت فنفقته بين ذلك على من تكون؛ قال منهما جميعا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول عليها مستوفى في آخر رسم العرية من سماع عيسى قبل هذا، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: كانت لها جارية فولدت غلامين فاشترى أحدهما رجل فأعتقه] مسألة وسئل عن امرأة كانت لها جارية فولدت غلامين، فاشترى أحدهما رجل فأعتقه وتركه عند أمه، فمات أحدهما وادعى

: يستسلف من الرجل المال أو يبتاع منه سلعة إلى أجل

المشتري أن الباقي منهما هو الذي اشترى، وزعمت المرأة أن الهالك هو الذي اشترى، القول قول من؟ قال: القول قول المرأة مع يمينها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن المشتري مدع على المرأة في شراء هذا الباقي من الغلامين. وهي تنكر أن تكون باعته، فالقول قولها على ما أحكمته السنة من أن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر؛ ولو اختلطا ولم يعرف واحد منهما أيهما هو الذي اشترى وأعتق، لوجب أن يعتقا جميعا، إذ لا يصح للمرأة أن تسترق أحدهما بالشك، ولو ادعى المشتري الباقي منهما وقالت: المرأة لا أدري، لكان القول قوله؛ قيل: بيمين وهو مذهب ابن القاسم، وقيل: بغير يمين وهو قول ابن المواز - على ما مضى من اختلافهما في تكلمنا على مسألة رسم نقدها من سماع عيسى، وكذلك لو ادعت المرأة الباقي منهما، وقال المشتري: لا أدري، لكان القول قولها؛ قيل: بيمين، وقيل: بغير يمين، وبالله التوفيق. [: يستسلف من الرجل المال أو يبتاع منه سلعة إلى أجل] ومن كتاب أسلم وسئل ابن القاسم عن الرجل يستسلف من الرجل المال، أو يبتاع منه سلعة إلى أجل، فيقوم عليه صاحبه فيجحد ويقول: ما بعتني أو ما أسلفتني شيئا، أو يقول: ما لك علي شيء، فتقوم البينة في كلا الوجهين جميعا، ثم يأتي بالبراءة من ذلك ويزعم أنه قد قضاه ذلك، قال (أما إذا قال) لم تسلفني شيئا، أو لم تبعني

شيئا، لم تنفعه براءته ولا شهوده على البراءة؛ لأنه قد جحد وأنكر أن يكون باعه شيئا، أو أسلفه شيئا؛ فقد كذب شهوده ولا تنفعه براءته؛ وأما الذي قال: ليس لك علي شيء، ثم قامت البينة عليه أنه أسلفه أو باع منه، ثم جاء ببراءته من ذلك بامرأتين وشهود، فإن براءته تسقط ذلك الحق عنه، وليس هو الأول؛ لأن هذا إنما قال: ليس لك علي شيء وكان صادقا أنه لم، يكن عليه شيء؛ لأنه قد كان قضاه، وأما الأول فقد أكذب من شهد على البراءة حين قال لم يسلفني أو لم يبعني شيئا فهذان وجهان بينان- إن شاء الله. وروى سحنون عن ابن القاسم الذي يشهد عليه بدين من سلف أو شراء، فينكر ويقول: ما لك علي دين من وجه من الوجوه، لا من شراء ولا من سلف؛ ثم يقيم أنه قد قضاه الدين الذي شهد عليه به، قال: أراه قد جرح شهوده، وأرى الحق لازما له، وأما أن يقول ما لك عندي شيء مثل ما يقول إذا أقام بينة- إني إنما جحدتك من قبل أني كنت قد قضيتك، فإن بينته تقبل ويدفع عنه الحق. قال محمد بن رشد: قد قيل: إن البينة تقبل منه بعد الإنكار، وقيل: تقبل منه في الأصول، ولا تقبل في الحقوق- وهو قول ابن كنانة، وابن

القاسم في المدنية، قالا: ولو أن رجلا ادعى أرضا في يد رجل فقال ما لك عندي أرض ولا علمت لك أرضا قط، فأقام البينة بأنها أرضه وأثبتها ثم أقر الذي هي في يديه فقال: نعم هي والله أرضك ولكني قد اشتريتها منك، وأقام على ذلك بينة، فإن اشتراءه بذلك يقبل منه، وتكون له الأرض، ولا يضره إنكاره أولا؛ لأنه يقول: كان والله حوزي ينفعني؛ اصنع بالأرض ما شئت، فأبيت أن أقر أنها له، فيكون علي العمل؛ فكرهت أن أعنت في ذلك، فإذ قد احتجت إلى شرائي بعد أن أثبتها، فهذا شرائي، قال فذلك له، وليس مثل الذي ادعى عليه الحق فجحده، وأدخل ذلك ابن أبي زيد في النوادر من المجموعة، قال: وسواء أقام بينة بشراء من المدعي، أو من أبيه؛ لأنه يقول: رجوت أن حيازتي تكفيني، وليس ذلك مثل الدين؛ وقيل (إن ذلك لا يقبل منه إلا في اللعان إذا ادعى رؤيته بعد إنكاره القذف وأراد أن يلاعن، وكذلك ما أشبه اللعان من الحدود، وهو قول محمد بن المواز. وقيل: إن ذلك لا يقبل منه في اللعان، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة أنه يحد ولا يلاعن؛ فيتحصل في المسألة أربعة أقوال، أحدها: أن ذلك لا يقبل منه ما أتى به بعد الجحود في شيء من الأشياء، وهو قول غير ابن القاسم هذا في اللعان؛ لأنه إذا لم يقبل ذلك منه في اللعان فأحرى أن لا يقبله فيما سواه من الديون والأصول، والثاني: أنه يقبل منه ما أتى به بعد الجحود في جميع الأشياء، والثالث: ما ذهب إليه ابن المواز من الفرق بين

الحدود وما سواها من الأشياء، والرابع: أنه يقبل منه ما أتى به في الأصول والحدود، ولا يقبل منه ذلك في الحقوق من الديون وشبهها، وهو الذي يأتي على ما في المدنية لابن كنانة، وابن القاسم؛ لأنه إذا قبل منه ما أتى بعد الجحود في الأصول فأحرى أن يقبل منه ذلك في الحدود ومن هذا المعنى من ادعى عليه أنه أودع وديعة أو ائتمن أمانة، فأنكر، فلما قامت عليه البينة، ادعى الضياع أو الرد، قيل: إنه يصدق، وقيل: إنه لا يصدق، وقيل: إنه يصدق في دعوى الضياع، ولا يصدق في دعوى الرد، والأقوال الثلاثة مجموعة في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب القراض؛ والمسألة متكررة في مواضع، من ذلك ما وقع في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات، وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الشركة، ومن هذا الأصل والمعنى من ملك امرأته بكلام يقتضي التمليك، فقضت بالثلاثة، فأنكر أن يكون أراد بذلك الطلاق، ثم قال: أردت واحدة، فقيل: إنه لا يصدق أنه أراد واحدة بعد أن زعم أنه لم يرد بذلك الطلاق، وقيلك يصدق في ذلك مع يمينه، والقولان في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك، وفي قول سحنون: أن البينة لا تقبل منه في البراءة إذا كان قد قال أولا ما لك علي دين من وجه من الوجوه؛ لا من شراء ولا من سلف- نظر؛ لأن من حجته أن يقول: صدقت ما كان لك علي دين من شراء ولا سلف؛ لأني قد كنت قضيتك حقك، وأنها لا تكون له حجة إذا قال: ما أسلفتني شيئا، ولا بعتني شيئا، وبالله التوفيق.

: مات وترك امرأة وفي البيت غزل يعرف

[: مات وترك امرأة وفي البيت غزل يعرف] ومن كتاب الثمرة قال ابن القاسم في رجل مات وترك امرأة وفي البيت غزل يعرف: أن الكتان للرجل، قال ابن القاسم: إن عرف أن الكتان للرجل، وأن المرأة غزلته، أحلفت المرأة بالله ما غزلته له فإن حلفت أقيم غزلها وأقيم الكتان فكان الغزل بينهما- على قدر ذلك؛ وإن كان لا يعرف الكتان للرجل فالغزل للمرأة. وسئل سحنون عن المرأة تنسج الثوب فيدعيه زوجها لنفسه يقول إن الكتان لي، وتزعم المرأة أن الكتان لها ومن كتانها غزلته، فقال ابن القاسم: هي أولى بما في يديها مع يمينها، ولا حق للزوج في ذلك، إلا أن يكون له بينة، أو تقر له بأن الكتان كان له، فيكونان شريكين في الثوب بقدر ما لكل واحد منهما؛ وكذلك أمرهما فيه بعد موت زوجها أنها مصدقة فيما بيديها مع يمينها، وقال سحنون وكذلك قال لي ابن نافع أن تكون أولى بما في يديها مع يمينها من زوجها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة حسنة لا إشكال في أنه إذا عرف أن الكتان للرجل، وأن المرأة غزلته، أن يكون بينهما على قدر ما لكل واحد منهما فيه، وإذا لم يعرف أن الكتان له وعرف أنها هي التي غزلته، فالقول قولها أن الكتان لها، وكذلك إذا عرف أنها هي التي نسجت الثوب أو أقر لها بذلك الزوج؛ ولو ادعت هي أنها غزلت الغزل أو نسجت الثوب وأنكر ذلك الزوج فادعى أنه هو استأجر على غزل الغزل أو على نسج الثوب؛

: يدعي في الماشية الغنم قبل الرجل فيوقفها القاضي حتى ينافذه

لكان القول قولها في ذلك مع يمينها إذا أشبه قولها على ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية أنها مصدقة فيما في يديها مع يمينها، ومثله قول ابن نافع، وبالله التوفيق. [: يدعي في الماشية الغنم قبل الرجل فيوقفها القاضي حتى ينافذه] ومن كتاب حمل صبيا وقال في رجل يدعي في الماشية الغنم قبل الرجل، فيوقفها القاضي حتى ينافذه؛ على من رعيتها؛ قال: رعيتها ممن تصير إليه قلت: فغلتها ما دام قال: غلتها للذي هي في يديه؛ لأن ضمانها منه، قال عيسى: الرعي على من له الغلة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في آخر رسم العرية من هذا السماع قبل هذا، وتكررت المسألة في غير ما موضع من هذا الكتاب ومن غيره، والكلام عليها في كل موضع منها، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يساكنه الرجل في داره المعروفة أو القرية أختانه أو مواليه] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يساكنه الرجل في داره المعروفة أو القرية- أختانه أو مواليه، أو يسكنون دورا له أو قرية أزمانا فعايشهم طول ذلك الزمان- وتلك الدور في أيديهم

والقرى- حتى مات فأرادوا أن يستحقوا ذلك بتقادمه في أيديهم، وقالوا: ليس علينا أن نسأل عما تقادم في أيدينا كيف وهو في أيدينا؛ أو ماتوا هم؛ فقال ورثتهم: لا علم لنا كيف كان الحق في أيدي آبائنا؛ أو مات صاحب أصل الحق والذين أسكنوا أيضا فتداعى فيها ورثة الذين لهم الأصل، وورثة الذين أسكنوا؛ قال ابن القاسم: أرى ذلك للذين كانت في أيديهم وحازوا، لا تخرج من أيديهم إلا ببينة تقوم لورثة الذي له أصل الحق بسكنى أو عمرى أو عارية، وإلا فهي للذين هي في أيديهم، ولم ندرك أحدا من علمائنا من أهل المدينة، ولا سمعنا به عمن مضى، ولا من قضاتهم، إلا والحيازات أوثق ما في أيدي الناس لتقادم الزمان وذهاب الشهود، وثم دور وأرضون تعرف من أولها، وقد تداولتها أيد حتى لقد قال لنا مالك: هذه الدار التي أنا فيها، لعبد الله بن مسعود، وقد تناسخت لقوم بعده، أفيسأل هؤلاء البينة؟ فالحوز على الحاضر الذي لا شك فيه القول لهم، ولا يخرج من أيديهم إلا ببينة تقوم لورثة صاحب الأصل، على ما ذكرت من سكنى أو عارية أو من مرفق، وإلا فأهل الحوز أولى، هذا الذي سمعت ممن أدركنا والقضاء بالمدينة ورأى العلماء ورأينا، إلا أن يكون عندهم أمر قد جروا عليه وعرفوه، فإن كان لذلك أمر مشهور معروف بالبلد، عليه جروا وأمر فاش، فأهل الأصل أولى

بأصلهم، إلا أن تقوم لمن هي في أيديهم بينة على أمر يستحقونه، أو سماع على بيع؛ لأن مالكا قال لي في الغائب: تحاز عليه أرضه فيقدم فيجدها في يد الذي حازها، فيقيم البينة أنها أرضه أو أرض أبيه أو دار أبيه، فإذا أقام على ذلك البينة، سئل الذي هي في يديه البينة على سماع من شراء، فإن أتى ببينة من سماع أو شراء، كان الذي في يديه، أولى من الغائب، وإن لم يأت بذلك، فالغائب أولى، إلا أن من رأى مالك وغير واحد ممن مضى، أن الأقارب بنو الأب لا حوز بينهم فيما ورثوا من أبيهم فيما يسكنون ويزرعون ويتوسعون، وأنهم على مواريثهم، إلا أن يأتوا ببينة على أمر يثبت لهم حوزهم من شراء أو مقاسمة أو أمر يستحقونه به، أو سماع بذلك لتقادم الزمان؛ فإن أتوا بذلك، كانت حيازتهم لهم حيازة، وإلا فلا حوز بينهم، وهذا الذي سمعت من أهل العلم، وممن مضى ممن أرضى، فقد فسرت لك وجه الحيازة عندنا ورأيي فيما قبلكم، "ولا توفيق إلا بالله". قال محمد بن رشد: حكم في هذه الرواية للموالي والأختان بحكم الأجنبي في الحيازة، أو مثله في رسم شهد من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق، خلاف ما في رسم الكبش من سماع يحيى منه من أن الأختان والموالي في الحيازة بمنزلة القرابة، وهذه المسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم يسلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، فمن أحب الوقوف من الحيازات على الشفاء تأمله هناك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

: يقال له أتبيع جاريتك فيقول هي لامرأتي

[: يقال له أتبيع جاريتك فيقول هي لامرأتي] ومن كتاب العشور وسئل عن الرجل يقال له: أتبيع جاريتك؟ فيقول هي لامرأتي، ثم هلك فادعتها امرأته واحتجت بقوله، وكيف إن طلبت ذلك في حياته أو بعد موته؛ فقال: لم أرد بقولي ذلك إلا الانتفاء منها، وكيف إن قال ذلك لغير امرأته؛ هل تراه يثبت له الخادم إذا نسبها إليها إن طلبت ذلك في حياته، أو بعد موته؛ وهل الولد بتلك المنزلة؛ وهل يختلف أن قال هي جارية امرأتي أو خادم امرأتي؟ قال ابن القاسم: لا أرى ذلك يثبت للمرأة، ولا لغيرها قريب ولا بعيد- إذا عرف أنها قد كانت له في حياته، ولا في مماته إذا اعتذر بمثل ما ذكرت لكم من العذر في حياته ولا بعد موته، إلا أن تشهد عليه بصدقة حيزت أو هبة سواء؛ قال هي لامرأتي، أو جارية امرأتي، وإنما هي كذبة كذبها، أو كلام اعتذر به أراد أن يستتر به ممن سأله ذلك، قيل لأصبغ: فلو يسهم رجل بعبده، فقال: هو لفلان الأجنبي، أو قال: هو لامرأتي، أو لابني؛ فقام أولئك عليه بهذا الإقرار وقالوا: هو لنا حق، قد أقر لنا به، أو قالوا: هو حق لنا قد كان لنا قبل إقراره، فأنكر ذلك المقر وقال: إنما كنت معتذرا، والعبد عبدي؛ قال أصبغ: هذا خلاف لما قبله، وليس في هذا حق الإثبات غير هذا، ويحلف بالله أن لا حق لهم ويبرأ، فإن نكل وادعوه حقا لهم قديما لغير هذا الإقرار، حلفوا واستحقوا؛ وإن كانوا إنما

يدعوه بهذا الإقرار، لم يوجب لهم نكوله شيئا؛ قيل لأصبغ: فلو يسهم بعبده فقال: قد بعته فلانا بمائة دينار. أو قد وهبته فلانا أو قد تصدقت به على فلان- وقامت عليه بهذا القول بينة، فقال: كنت معتذرا، أيلزمه لهؤلاء شيء أم لا؟ قال أصبغ هذه حقوق أوجبها على نفسه لغيره وأخرج نفسه منها بقوله ولفظه، مأخوذ به، وليس قوله: وهبت وأعتقت وتصدقت، كقوله هو لفلان؛ لأن هذه أشياء أقر بها من سببه وفعله، فقد أخرج، بأمر أقر بفعله، فما ورد عليك من هذا، فضعه على هذا تصب، إن شاء الله. قيل لأصبغ: فالرجل، يخطب إلى الرجل ابنته، وهي بكر في حجره، فيقول للخاطب قد زوجتها فلانا، فيقوم فلان ذلك الذي زعم أنه زوجه، فيقول الأب ما أردت بقولي إيجابا، وما كنت إلا معتذرا إلى القوم، دافعا لطلبهم، يلزمه ذلك؛ وهل يختلف إن كان الطالب يقول: قد كنت زوجتني قبل ذلك، أو يقول: قد زوجتني بقولك هذا، وإيجابك لي قال لي أصبغ: أرى قوله لازما، والنكاح للطالب واجبا، لا يبالي بأي ذلك كان طلبه: بهذا القول، أو بنكاح قبل؛ لأن النكاح ليس فيه لعب ولا اعتذار، وهزله جد؛ وهو والطلاق أخوان لا هزل

فيهما ولا لعب؛ وقال ابن كنانة: إن طلب ذلك الذي زعم أنه زوجه، وقال: قد زوجتني قبل اليوم، وكان الأب ينكره، وشهد له الطالب أنه قال: قد زوجت فلانا، لزمه ذلك ولم يعمل قوله أردت دفعهم بذلك، وإن كان الذي زعم أنه زوجه إنما طلب ذلك بقول الشاهدين الخاطبين إليه ويقول قد أقر على نفسه أن قد زوجتني ولم يدع أنه زوجه قبل ذلك، لم يكن ذلك ولم يلزمه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في الذي يسأل بيع جاريته، فيقول هي لامرأتي أو لفلان، أن ذلك لا يثبت لواحد منهما إذا عرف أنها قد كانت له، يدل على أنه إذا لم يعرف أنها قد كانت له وجهل أصل الملك فيها، فهي للذي أقر له بها- وإن كان إقراره على سبيل الاعتذار، وهو نص قوله في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب العتق، وقول أصبغ بعد ذلك في هذه المسألة هذا خلاف لما قبله، إشارة منه إلى مسألة لم تذكر كانت في أصل السماع، فسقطت من هذه الرواية فليس قول أصبغ في هذه الرواية مخالفا لابن القاسم، وما زاده من إيجاب اليمين على المقر، ورجوعها على المقر لهم، إن نكل عنها إذا كانوا إنما ادعوا ذلك حقا قديما لهم قبل هذا الإقرار، ولم يدعوه بهذا الإقرار؛ مفسر لقول ابن القاسم، وإنما يخالف أصبغ ابن القاسم إذا قال في اعتذاره: قد وهبتها فلانا، أو قد تصدقت بها عليه أو قد بعتها منه؛ فيقول؛ هذه حقوق قد أقر بها على نفسه فيؤخذ بها إن ادعى ذلك المقر له لا بهذا (الإقرار) إلا بشراء أو هبة أو صدقة متقدمة له، وهو عند ابن القاسم سواء- قال في اعتذاره: هو لفلان، أو قد بعته فلانا، أو تصدقت به عليه، لا يلزمه به عنده شيء في الوجهين، وهو مذهب مالك

: وجد ثورا ميتا في الجبل فعلم أنه لبعض جيرانه

على ما قاله في أول سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات، وقد مضت هذه المسألة والتكلم عليها في أول سماع أشهب من هذا الكتاب، وفي رسم البز من سماع ابن القاسم، من كتاب الصدقات والهبات، وفي أول سماع أشهب منه أيضا؛ وأما إذا خطب إلى رجل ابنته البكر فقال: قد زوجتها فلانا، فطلب ذلك المقر له، ففي ذلك ثلاثة أقوال، أحدها: أن النكاح يجب طلبه بذلك القول، أو بقول متقدم، وهو قول أصبغ في هذه الرواية، وإليه ذهب ابن حبيب. والثاني: الفرق بين أن يطلبه بذلك القول أو بقول متقدم، وهو قول ابن كنانة في هذه الرواية، وقول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح، فإن طلبه بقول متقدم، حلف الزوج بالله لقد كان زوجه، ويثبت النكاح؛ قاله ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب النكاح، وهو مفسر لقول ابن كنانة: وإن طلبه بهذا القول، حلف الأب بالله ما كان ذلك منه إلا اعتذارا إليه، وما زوجه؛- قاله ابن القاسم أيضا. والثالث: أنه لا شيء له- طلبه بذلك القول أو بقول متقدم) ، وهو قول ابن المواز، وبالله التوفيق. [: وجد ثورا ميتا في الجبل فعلم أنه لبعض جيرانه] ومن كتاب شهد على شهادة ميت وعن رجل وجد ثورا ميتا في الجبل، فعلم أنه لبعض جيرانه، فسلخه فأتى إلى صاحبه بجلده؛ فقال: هذا جلد ثورك، وجدته بمكان كذا وكذا قد مات، فقال له صاحب الثور: بل أنت قتلته؛ هل تراه ضامنا الثور؟ قال ابن القاسم: لا شيء على الذي

: أقر أن هذه البقعة بينه وبين فلان وأن ما فيها من البنيان له وحده

جاء بالجلد وسلخ الثور- بعد أن يحلف بالله أنه لم يقتله ولم يتعد فيه قال محمد بن رشد: هذا تبين على ما قاله إذ لا يؤخذ أحد بأكثر مما أقر به على نفسه، ولو قال وجدته على أن يموت فذبحته نظرا لك قبل أن يموت، للزمه ضمانه قولا واحدا، ولم يدخل فيه الاختلاف الذي في الراعي يخاف على الغنم الموت فيذبحها؛ لأن هذا لم يأتمنه صاحبه على شيء، فهو متعد عليه في ذبح ثوره، ولعله لو لم يذبحه لعاش، وبالله التوفيق. [: أقر أن هذه البقعة بينه وبين فلان وأن ما فيها من البنيان له وحده] ومن كتاب أوله يدير ماله وسئل ابن القاسم عن رجل أقر أن هذه البقعة بينه وبين فلان، وأن ما فيها من البنيان له وحده، قال: البنيان تبع للأصل، فجميع ذلك بينهما- وهو مدع، ورواها أصبغ عن ابن القاسم وقال: لا أرى ذلك، وأرى إذا كان إقراره ودعواه نسقا ليس بمفترق، وكان الذي أقر به وفيه لا يعرف إلا له، وليس هو إلا في يديه حتى لو لم يقر بما أقر، لم يكن لفلان ذلك حتى يستحقه، فليس له إلا ما أقر به من العرصة، وله ثنياه في البنيان وينقض أو يعطيه نصف قيمته ويكون بينهما أو يقتسمانه، فإن صار في حصة الباني فهو له، وإن وقع في حصة الآخر نقضه له وأعطاه قيمته.

: يقر لولده أو لامرأته أو لبعض من يرثه بدين في الصحة

قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم مثل قوله في سماع أصبغ من كتاب جامع البيوع في رسم الكراء والأقضية منه، وفي نوازله من كتاب المديان خلاف قوله في كتاب الغصب من المدونة في هذه المسألة وفيما يشبهها إنه يصدق إذا كان كلامه نسقا، وهو قول أصبغ. ومن هذا المعنى مسألة هي أشكل منها لمعنى زايد فيها، قد مضى الكلام عليها في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الإيمان بالطلاق، وهي قول الرجل لامرأته أنت طالق البتة، أنت طالق البتة، أنت طالق البتة، إن أذنت لك إلى أهلك وقد كانت سألته الإذن أو لم تسأله إياه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: يقر لولده أو لامرأته أو لبعض من يرثه بدين في الصحة] (ومن كتاب البراءة) وسألته عن الرجل يقر لولده أو لامرأته أو لبعض من يرثه بدين في الصحة يموت الرجل بعد سنين، فيطلب الوارث الذي أقر له به؛ قال: ذلك له إذا أقر له في الصحة- امرأة كانت أو ولدا فما أقر له في الصحة فذلك له. قال محمد بن رشد: هذا هو المعلوم من قول ابن القاسم عن مالك المشهور في المذهب، ووقع في المبسوطة لابن كنانة، والمخزومي، وابن أبي حازم، ومحمد بن مسلمة أنه لا شيء له- وإن أقر له في صحته، إذا لم يقم عليه بذلك حتى هلك إلا أن يعرف ذلك عسى أن يكون قد باع له رأسا، أو أخذ من مورث أمه شيئا، فإن عرف ذلك، وإلا فلا شيء له، وهو

مسألة: أتى إلى رجل فقال له هات ثمن الثوب الذي بعتك

قول له وجه من النظر؛ لأن الرجل يتهم أن يقر بدين في صحته لمن يثق به من ورثته على ألا يقوم به عليه حتى يموت فيكون وصية لوارث، وبالله التوفيق. [مسألة: أتى إلى رجل فقال له هات ثمن الثوب الذي بعتك] مسألة وسألته عن رجل أتى إلى رجل فقال له: هات ثمن الثوب الذي بعتك، فقال ما بعتنيه ولكن أمرتني أن أبيعه، فالقول قول صاحب الثوب ويحلف أنه باعه منه (فإن نكل عن اليمين، حلف الآخر وبرئ، قلت: فإن حلف صاحب الثوب أنه باعه منه) واختلفا في الصفة، فقال: يقال لمشتري الثوب: صفه، فإذا وصفه حلف على صفته ثم قومه أهل البصر وغرم القيمة، قلت: فإن نكل، قال: يقال لصاحب الثوب: صفه، فإذا وصفه قومت صفته وغرم المشتري. قلت فإن أتيا جميعا بما يستنكر في صفة الثوب، ونكلا عن اليمين؛ قال: القول قول مشتري الثوب. قلت فإن كانت قيمة الثوب أدنى من الثمن الذي باعه به، قال: يقال للذي باع الثوب اتق الله انظر إن كان قولك في الثوب حقا إنه أمرك ببيعه فادفع إليه بقية ثمن ثوبه ولا تحبسه ولا يقضى عليه بذلك؛ لأن صاحب الثوب يدعي أنه باعه منه، وقال: انظر كل يمين وجبت على رجل في شيء ادعاه على صاحبه فنكل عن اليمين، مثل أن يقيم شاهدا واحدا على حق له فيكلف اليمين مع شاهده، وينكل ويرد اليمين على صاحبه، فإذا نكل الذي ردت عليه اليمين فهو غارم، وإن حلف برئ، وإن

لم تكن له بينة، أحلف المدعى عليه، فإن حلف برئ، وإن نكل قيل للمدعي احلف فإن حلف استحق حقه، وإن نكل فلا شيء له، وإن اختلفا، فقال صاحب الثوب: أمرتك أن تبيع بالنقد، وقال الآخر: بل أمرتني أن أبيع بالدين، قال: إن لم يفت الثوب في يد المشتري، حلف صاحب الثوب وأخذ ثوبه، وإن فات في يد المشتري، كان القول قول بائع الثوب، وهو بمنزلة ما لو قال: أمرتك أن تبيع بعشرة، قال الآخر: بل بثمانية، فإنه إن لم يفت الثوب بيد المشتري، حلف صاحب الثوب، وأخذ ثوبه، وإن فات كان القول قول البائع قال وليس على بائع الثوب يمين إذا لم يفت. قال محمد بن رشد: قوله القول قول صاحب الثوب ويحلف أنه باعه منه، يريد ويحلف الآخر لقد أمره ببيعه؛ لأن كل واحد منهما مدع على صاحبه. صاحب الثوب يريد أن يلزمه غرم الثمن الذي ادعى أنه باع به الثوب منه، والآخر يريد أن يلزمه أخذ الثمن الذي ادعى أنه باع به الثوب، فيمين صاحب الثوب ينفي ما ادعى عليه الآخر من الوكالة ولا يوجب له أخذ ما ادعاه من الثمن؛ لأنه فيه مدع، وإنما يوجب له القيمة؛ لأنه يبطل بيمينه ما ادعاه عليه من الوكالة، فتجب عليه القيمة للتعدي بالبيع، وذلك إذا كان الثمن الذي باعه به أقل من قيمة الثوب، مثل أن تكون قيمة الثوب تسعة، فيبيعه بثمانية، ويدعي رب الثوب أنه باعه منه بعشرة، ولو كان باع الثوب بتسعة وهي قيمة الثوب، لكان القول قوله أنه أمره ببيعه ولم يكن على صاحب الثوب يمين، إذ لا فائدة ليمينه؛ لأن يمينه، إنما توجب له القيمة التي قد أقر الآخر أنه باع ثوبه بها، ولو باع الثوب بعشرة فأكثر، لم يحلف واحد

منهما؛ لأن العشرة التي يدعي صاحب الثوب أنه باع منه ثوبه بها، قد أعطاه الآخر إياها، والزيادة على العشرة تكون موقوفة؛ لأن كل واحد منهما ينفيها عن نفسه ويقر بها لصاحبه، وقد مضى الاختلاف في الحكم فيها في آخر رسم يوصي، فلا معنى لإعادته، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما، وذلك بين من قوله في الرواية، فإن نكل عن اليمين، - حلف الآخر وبرئ، وكذلك لو نكل هو حلف صاحب الثوب، كان له ما ادعاه من الثمن الذي حلف عليه، وإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا، كان لصاحب الثوب قيمة ثوبه إذا كان الثوب قد فات، وأما إذا كان الثوب قائما بيد المشتري لم يفت، فقال في كتاب ابن المواز، ومثله ابن القاسم في رواية أصبغ عنه أنه يرد إذا تحالفا، واعترض ذلك أبو إسحاق التونسي، فلا يجب أن يرد؛ لأنهما جميعا يقران أن بيع الوكيل لا يجب أن ينقض؛ لأن رب الثوب يقول بعته منه، فبيعه لا ينقض، والوكيل يقول أمرني ببيعه فلا ينقض بيعي. وقوله في الرواية وإن حلف صاحب الثوب أنه ما باعه منذ يريد وقد حلف صاحبه فوجبت عليه القيمة، واختلفا في الصفة أنه يقال للمشتري للثوب: صفه، يريد للمدعى عليه الشراء، وهو صحيح؛ لأنه الغارم، فوجب أن يكون القول قوله، وفي قوله في الرواية أنه إن كانت قيمة الثوب أدنى من الثمن الذي باعه به، قيل للذي باعه اتق الله وادفع إليه بقية ثمن ثوبه، ولا يقضى عليه بذلك؛ لأن صاحب الثوب يدعي أنه باعه منه نظر؛ لأن الصحيح في النظر أن يقضى عليه بذلك؛ لأنه مقر به لصاحب الثوب، إذ يزعم أنه ثمن ثوبه، ولا يقضى عليه بذلك لأن صاحب الثوب يدعيه وزيادة عليه؛ لأنه يقول إنه باع منه ثوبه بأكثر من ذلك، وصفة أيمانهما إذا حلفا أن يحلف صاحب الثوب ما أمره ببيعه وليس عليه أن يزيد في يمينه: ولقد باعه منه بكذا وكذا، إلا أن

مسألة: يمين وجبت على رجل في شيء ادعاه على صاحبه فنكل عن اليمين

يشاء أن يزيد ذلك في يمينه رجاء أن ينكل صاحبه عن اليمين فلا يحتاج إلى يمين أخرى، ويمينه أنه باعه منه بكذا وكذا، على ما قاله في الرواية، يقتضي نفي الوكالة التي يدعي عليه بها، فالصواب أن يصرح في يمينه بذكرها فيحلف أنه ما وكله على بيعها، فإن شاء أن يزيد مع ذلك ولقد باعها منه رجاء أن ينكل صاحبه، كان ذلك له على ما ذكرناه، وأما الآخر فيحلف ما اشترى منه الثوب ولا يزيد في يمينه: ولقد أمره ببيعه، إذ لا فائدة ليمينه بذلك إذ قد حلف رب الثوب على تكذيبه في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يمين وجبت على رجل في شيء ادعاه على صاحبه فنكل عن اليمين] مسألة وقال انظر كل يمين وجبت على رجل في شيء ادعاه على صاحبه فنكل عن اليمين، مثل أن يقيم شاهدا واحدا على حق له فيكلف اليمين مع شاهده وينكل ويرد اليمين على صاحبه، فإذا نكل الذي ردت عليه اليمين، فهو غارم وإن حلف برئ، وإن لم تكن له بينة أحلف المدعى عليه، فإن حلف برئ، وإن نكل، قيل للمدعي: احلف، فإن حلف استحق حقه، وإن نكل فلا شيء له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب، والمخالفون في ذلك أهل العراق الذين يقضون بالنكول ولا يردون اليمين في الدعوى، وبالله التوفيق. [مسألة: قال صاحب الثوب أمرتك أن تبيع بالنقد وقال الآخر بل أن أبيع بالدين] مسألة وقال إن اختلفا: فقال صاحب الثوب أمرتك أن تبيع بالنقد،

وقال الآخر بل أمرتني أن أبيع بالدين؛ قال: إن لم يفت الثوب في يد المشتري، حلف صاحب الثوب وأخذ ثوبه؛ وإن فات في يد المشتري، كان القول قول بائع الثوب؛ وهو بمنزلة ما لو قال: أمرتك أن تبيع بعشرة، وقال الآخر: بل بثمانية؛ فإنه إن لم يفت الثوب بيد المشتري، حلف صاحب الثوب وأخذ ثوبه؛ (فإن فات كان القول قول البائع، قال: وليس على البائع للثوب يمين- إذا لم يفت. قال محمد بن رشد: هو مثل ما في المدونة وغيرها، ولا أذكر في ذلك نص خلاف، وإنما الخلاف إذا نكل عن اليمين: فقيل: يلزمه البيع بالنكول بالثمانية أو إلى الأجل ولا ترجع اليمين على البائع، وهو قوله في هذه الرواية وليس على البائع للثوب يمين إذا لم يفت، وكذلك يقول ابن المواز: إنه لا يحلف المأمور، وقال أصبغ: يحلف؛ ووجه هذه الرواية وما ذهب إليه ابن المواز، أن الحق في يمين رب السلعة إنما هو للمشتري؛ لأنه يقول له ما قال البائع من أنك أمرته بأن يبيع بثمانية، أو إلى أجل، فاحلف على ما تدعي من أنك لم تأمره بذلك؛ فإن حلف أخذ سلعته، وإن نكل عن اليمين لزمه البيع ولم ترجع اليمين على المأمور البائع؛ لأنه يتهم إن رجعت عليه اليمين أن ينكل عنها، لينقض البيع بعد أن باع، ولا على المشتري؛ لأنها يمين تهمة فلا ترجع؛ وقد قيل في يمين التهمة إنها ترجع؛ فعلى هذا إن نكل رب السلعة عن اليمين، حلف المشتري، وصح له البيع، وقد قيل في يمين التهمة: إنها لا تلحق؛ فعلى هذا إذا كانت السلعة قائمة ولم يحقق المشتري

على رب السلعة ما قاله البائع من أنه أمره أن يبيع بثمانية، أخذ سلعته دون يمين؛ وأما إن حقق عليه الدعوى، فتلزمه اليمين، وله ردها عليه، ووجه ما ذهب إليه أصبغ من أن صاحب السلعة إذا نكل عن اليمين، ترجع اليمين على البائع المأمور، هو أن التداعي في ذلك، إنما هو بين صاحب السلعة وبين المأمور؛ فإن حلف صاحب السلعة أخذ سلعته، وإن نكل عن اليمين حلف المأمور ولزم صاحب السلعة البيع؛ فإن نكل المأمور، كان القول قول صاحب السلعة فيما ادعى من أنه أمره بعشرة، وأغرمه الدينارين الزائدين على الثمانية؛ فإن حلف الآمر وأخذ سلعته وأراد المشتري أن يحلف المأمور أنه ما رضي أن يحمل عنه الدينارين فقال أصبغ: ذلك له، وقال محمد ليس ذلك له إلا بتحقيق يحققه عليه أنه حمل عنه الدينارين، وقوله في الرواية إنه إن فاتت السلعة، كان القول قول البائع المأمور، هو مثل ما في المدونة وغيرها؛ واختلف بما تفوت: فقيل إنها تفوت بحوالة الأسواق فما زاد، وهذا يأتي على مما في كتاب محمد في أن من أمر رجلا أن يبيع له سلعة فباعها من نفسه، أن حوالة الأسواق فيها فوت، ولا يشبه أنها لا تفوت إلا بالعيوب المفسدة؛ لأنه ليس ببيع فاسد، وقيل إنها لا تفوت إلا بذهاب عينها، وهذا القول في العشرة ليحيى عن ابن القاسم وهو القياس؛ لأنها إذا بيعت بما لم يأمر به، فكأنها قد بيعت بغير أمره، فهي كالمستحقة، ومن أفاتها بالعيوب المفسدة، راعى شبهة الوكالة، كما راعاها ابن القاسم في النكاح فيمن أمر رجلا أن يزوجه بخمسين فزوجه بمائة، وقال بذلك أمرتني فحلف، أن النكاح يفسخ بطلاق؛ وقال المغيرة يفسخ بغير طلاق، فعلى قياس قوله لا تفوت السلعة في مسألتنا إلا بفوات عينها على ما ذكرناه من قول ابن القاسم في العشرة؛ وإن فاتت السلعة فنكل المأمور عن اليمين، حلف رب السلعة وأغرمه الدينارين؛ قال أبو إسحاق التونسي: ولا يرجع على المشتري بها إن كان المأمور

: قال لآخر فلان الذي في منزلك ساكن بأي وجه يسكنه

عديما، بخلاف هبة الغاصب إذا عدم إنه يرجع بذلك على الموهوب؛ لأن المشتري ههنا لم يدخل (على أنه موهوب له، وإنما دخل) على حكم الشراء بأمر يمكن أن تباع به السلعة، فلا يرجع عليه بشيء؛ قال ولو ظهر أنه باع بأمر لا يمكن أن يباع به، مثل أن يبيع ما يساوي مائة بعشرين، لوجب أن يكون ذلك كهبات الغاصب، إذ ليس هو من جنس ما وكل عليه، يرجع على المشتري إن كان المأمور عديما، وبالله التوفيق. [: قال لآخر فلان الذي في منزلك ساكن بأي وجه يسكنه] (ومن كتاب العتق) وسئل ابن القاسم عن رجل قال لآخر: فلان الذي في منزلك ساكن بأي وجه يسكنه؛ فقال: أنا أسكنته بلا كراء، والساكن في المنزل يسمع ذلك فلا ينكر ولا يغير، هل ترى سكوته يقطع دعواه إن ادعى ذلك المنزل يوما ما، قال لا أرى ذلك يقطع دعواه إذا كانت له بينة عادلة على أن المنزل منزله؛ لأنه يقول إنما ظننت أنه يداعبه وما أشبه ذلك؛ لأنه أمر معروف، فيكون على حقه إذا قامت له بينة أن المنزل منزله، ويحلف على ذلك؛ وسئل عن رجل سئل عند موته هل لأحد عندك شيء؟ فقال: لا، قيل: ولا لامرأتك؛ قال: لا- والمرأة جالسة، ثم تجيء تطلب حقها- ولها عليه بينة؛ قال تحلف بالله أن حقها عليه وتأخذ إذا شهد الشهود أن لها عليه بعد دخوله، ولا يضرها سكوتها.

قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هاتين المسألتين خلاف قوله في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب المديان، والقولان مشهوران في المذهب، منصوص عليهما لابن القاسم في غيرما موضع من كتبه، أحدها: ما في رسم العرية من سماع عيسى من الكتاب المذكور إن السكوت على الشيء إقرار به وإذن فيه، والثاني: قوله في هذه الرواية، وفي سماع من كتاب المدبر، وفي غير ما موضع: أن السكوت على الشيء ليس بإقرار به ولا إذن فيه، وهو ظاهر القولين وأولاهما بالصواب؛ لأن في قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والبكر تستأذن في نفسها، وأذنها صماتها.» دليلا على أن غير البكر في الصمت بخلاف البكر، وقد أجمعوا على ذلك في النكاح، فوجب أن يقاس ما عداه عليه إلا ما يعلم بمستقر العادة أن أحدا لا يسكت عليه إلا راضيا به، فلا يختلف في أن السكوت عليه إقرار به كالذي يرى حمل امرأته فيسكت ولا ينكر، ثم ينكره بعد ذلك، وما أشبه ذلك، وقد مضى هذا المعنى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح، وفي غير ما موضع من كتابنا هذا. وقوله تحلف بالله أن حقها عليه، معناه أن حقها عليه، باق إلى الآن لم تقبضه ولا وهبته، ولا سقط عنه بوجه من الوجوه؛ لا أن حقها عليه حق، إذ قد شهد لها الشهود بذلك، فلا تحلف عليه، وإنما تحلف على ما لم يثبت الشهود فيه الشهادة، وإنما شهدوا فيه على العلم من أنهم لا يعلمون الحق تأدى ولا سقط، وبالله التوفيق.

: نصراني مات وترك أولادا فتأخر اقتسامهم زمانا

[: نصراني مات وترك أولادا فتأخر اقتسامهم زمانا] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن نصراني مات وترك أولادا فتأخر اقتسامهم ما هلك عنه النصراني زمانا، ثم تداعوا إلى قسمته وفيه حينئذ مسلم، فأراد النصراني دفعه عن الميراث، وقالوا مات أبونا وأنت مسلم؛ وقال المسلم لم أسلم إلا منذ قريب بعد ما كان وجب لي الميراث؛ على أيهم ترى البينة فيما تداعوا فيه؛ فقال: البينة على المسلم أن أباه مات وهو نصراني يوارثه، وذلك أن إسلامه ظاهر، فهو مدع لأخذ ميراث بدين كان عليه بزعمه يوم مات أبوه، فلا أراه يستوجب شيئا بدعواه، وعليه البينة، وإلا فلا ميراث له. قال محمد بن رشد: محمد بن عبد الحكم يرى القول قول المسلم أنه أسلم بعد موت أبيه- وقاله أصبغ في الواضحة، وقال: لأن أصله النصرانية التي تحق له الميراث، فمن طلب أن يزيله عن ذلك فهو المدعي؛ واحتج على قول ابن القاسم بقوله: لو مات الأب واختلف هو وأخوه، فقال هذا مات مسلما، وقال الآخر مات نصرانيا، أن القول قول النصراني؛ لأن أباه قد عرف بالنصرانية، وقول ابن القاسم أظهر، ولا يلزمه ما احتج به عليه أصبغ؛ لأن النصراني لم يعلم إسلامه، فهو محمول على النصرانية حتى يعلم إسلامه؛ وهذا في مسألتنا مسلم يدعي أنه كان نصرانيا يوم مات أبوه، فعليه

مسألة: ادعى على رجل أنه افتض ابنته وأنكر ذلك الرجل

إقامة البينة على ذلك، كما قال ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: ادعى على رجل أنه افتض ابنته وأنكر ذلك الرجل] مسألة قال وسألته عن رجل ادعى على رجل أنه افتض ابنته وأنكر ذلك الرجل الذي رمي بذلك، ثم قال المنكر بعد إنكاره: ينظر إليها النساء، فإن لم تكن بكرا فأنا بها، فنظر إليها النساء فإذا هي مفتضة، فأنكر أن يكون فعل ذلك بها؛ أترى قوله: ينظر إليها النساء، فإن لم تكن بكرا فأنا بها إقرارا؛ قال لا أراه بهذه المقالة مقرا؛ لأنه يقول: إذا رجع إلى الإنكار رجوت أن تكون براءتي إذا نظر إليها النساء، وأن تكون سالمة مما ظن بها أبوها؛ فإذا لم توجد كذلك، فليست بها، فلا أرى الحد ولا الصداق يلزمه بمثل هذا حتى يقيم على الإقرار؛ قلت فإذا لم يلزمه بالذي قال إقرار، افترى الأب بالذي ادعى قبله مما لم يثبته عليه من افتضاض ابنته قاذفا له، قال إن رمى بذلك رجلا مشهورا بالعدل، غير متهم بالفواحش ولا مظنون به القبيح، ولا مشار به إليه رأيته قاذفا له بالذي رماه به، قال وإن رمى بذلك رجلا من أهل التهم والظنة، لم أر عليه حدا ولا نكالا. (قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها ولا التباس في شيء من معانيها فلا يفتقر إلى التكلم عليها، وبالله التوفيق) .

: يدعي عليه الرجل بمائة دينار فيدعي المدعى عليه أنه قضاه

[: يدعي عليه الرجل بمائة دينار فيدعي المدعى عليه أنه قضاه] ومن كتاب الأقضية قال يحيى: وسألت ابن وهب عن الرجل يدعي عليه الرجل بمائة دينار، فيدعي المدعى عليه أنه قضاه مائة دينار وعشرين دينارا ويأتي بالبينة على ذلك ولا تشهد البينة على المائة الدينار- بعينها- إنها دخلت في المائة والعشرين، فيقول الطالب إنما لي عليك مائة دينار من ثمن عطر بعتكه، وثبت ذلك له بالبينة أو إقرار المشتري، فيقول له الطالب هات البينة أنك قضيتني ثمن العطر بعينه، ويقول المشتري للمدعى عليه قد قضيتك مائة وعشرين ثمن العطر فيها. فهل يبرأ المطلوب بهذه الشهادة أم لا؛ وسألت عنها ابن القاسم، فقال: يحلف المدعى عليه بالله: دخلت المائة الدينار ثمن العطر في المائة وعشرين الدينار التي قضى، ثم لا شيء له عليه؛ قال ولقد بلغني عن بعض العلماء أنه سئل عن الرجل ادعى على رجل بألف دينار وأتى بذكر حق، فأتى المدعى عليه ببراءة من ألفي دينار، قال يحلف المدعى عليه ويبرأ، وهذا أمر الناس عندنا؛ قال يحيى وسألت ابن نافع عن ذلك، فقال: إن كانت بينهما مخالطة معروفة وملابسة، فالبينة على المطلوب أن المائة الدينار ثمن العطر- دخلت في العشرين ومائة، وإلا غرم،

: يصالح وارثا من الورثة في جميع ما ورثه على شيء يعطيه إياه

لأن المخالطة التي جرت بينهما تدل على أنه قد عامله في غير العطر. قال محمد بن رشد: سقط جواب ابن وهب في أكثر الكتب وثبت بعضها: قال نعم، فقوله، مثل قول ابن القاسم، ومثل ما حكى أنه بلغه عن بعض العلماء؛ وأما قول ابن نافع تفرقته بين أن تكون بينهما مخالطة وملابسة معروفة أو لا فهو خلاف قول ابن وهب، وابن القاسم وما حكاه عن بعض العلماء؛ إذ لا فرق على مذهبهم بين أن تكون بينهما مخالطة وملابسة لا تكون، القول عندهم قول المطلوب في الوجهين جميعا حتى يأتي الطالب بمن يشهد أنه كان له عليه دين سواه، ولا اختلاف إذا لم تكن بينهما مخالطة وملابسة، (في) أن القول قول المطلوب، ولا في أنه إذا علم أنه كان عليه دين غيره في أن القول قول الطالب؛ وإنما الخلاف إذا كانت بينهما مخالطة وملابسة، فابن نافع يرى القول قول الطالب، وابن القاسم وابن وهب وغيرهما يرون القول قول المطلوب، وقد مضى هذا في رسم إن خرجت من سماع عيسى، ومضى تحصيل القول في ذلك أيضا في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات، وبالله التوفيق. [: يصالح وارثا من الورثة في جميع ما ورثه على شيء يعطيه إياه] ومن كتاب الكبش قال يحيى: وسألته عن الرجل يصالح وارثا من الورثة في جميع ما ورثه على شيء يعطيه إياه، وقد كان للميت حظ في منزل بمصر أو القيروان، والورثة وجميع ما ورثوا بالأندلس إلا هذا الحظ

الذي بمصر أو القيروان، فصالحه على جميع ما ورثه عن أبيه ونص ميراثه من جميع ما هلك عنه أبوه بالأندلس، ولم يذكر الحظ الذي كان بمصر، ولم يكن الوارث يعرف كم حقه من ذلك الحظ؛ قال: إن كان صالحه في جميع موروثه، فهذا الحظ الذي بمصر من الجميع، فإن كان الحظ مجهولا أو كان معروفا ولم يره المصالح ولم يوصف له ولم يره له رسول ولم ينعت له حتى يكون قد صالح في أمر يعرف قدره أو نعته، فالصلح منتقض؛ قلت: أرأيت إن قال المصالح: إنما صالحتك في جميع ما ورثت بالأندلس، ولم أرد ما كان لك بمصر؛ لأني لم أعلم أنك ورثت بها شيئا، ليجوز بذلك الصلح حين خاف أن ينتقض لجهالتهما بالحظ الذي بمصر، وقال: لا حاجة لي بذلك الحظ؛ لأنه ليس مما صالحتك عليه، ولا علمت به؛ وقال الوارث: بل وقع الصلح في جميع مورثي والحظ الذي بمصر من مورثي، فهو مجهول لا علم لي به ولا لك، والصلح بذلك منتقض في جميع المورث؛ أترى أن ينتقض؟ فقال: يقال للوارث: أن جئت بالبينة أن هذا الذي صالحك كان عالما أن لك بمصر مورثا، فصالح على الجميع، وذلك الحظ مجهول، فسخنا الصلح؛ وإن لم يأت بالبينة أحلف المصالح بالله لما علم بالحظ الذي بمصر ولا أراد بالصلح إلا المورث الذي بالأندلس وقد نصصنا ذلك كله وعرفناه، ثم يجوز الصلح بينهما إن حلف فإن نكل فسخ. قال محمد بن رشد: قوله: فصالح وارثا من الورثة في جميع مورثه على شيء يعطيه إياه، معناه يشتري منه مورثه بشيء يعطيه إياه. وقوله فإن

كان الحظ مجهولا، معناه مجهول القدر عندهما جميعا، لا يعلم واحد منهما إن كان ثلثا، أو ربعا، أو نصفا، أو أقل، أو أكثر. وقوله أو كان معروفا ولم يره المصالح ولم يوصف له، يريد ولا رآه الوارث أيضا ولا وصف له؛ لأن البيع لا يكون فاسدا إلا إذا جهلا جميعا قدره أو صفته مع علمهما به، وأما إذا علم ذلك أحدهما وجهله الآخر فليس ببيع فاسد، وإنما هو بيع غش وخديعة، يكون الجاهل منهما إذا علم مخيرا بين إمضاء البيع أو رده. وقوله: إنه إذا ادعى المشتري أنه لم يعلم بهذا الحظ المجهول ليصح له الشراء فيما ادعاه، يحلف على ذلك ويجوز الصلح بينهما. أي الشراء فيما عدا ذلك الحظ صحيح؛ لأنه ادعى صحة، وادعى الوارث فسادا فوجب أن يكون القول قوله لادعائه الصحة. وقوله: وإن نكل فسخ، يريد بالنكول دون رد يمين؛ لأن الظاهر أن الصلح قد وقع عليه؛ لأنه من المورث وهما قد تصالحا على جميع المورث، وقد قال بعض الشيوخ: إن فسخه البيع في هذه المسألة دون رد اليمين، خلاف قوله في مسألة رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس، إنه إن أبى أن يحلف، حلف الذي عليه الحق وفسخ الشراء؛ وليس ذلك عندي بصحيح، بل يرجع اليمين في ذلك في وجه دون وجه حسبما فصلناه، وبينا القول فيه وشرحناه هناك؛ ولو اتفقا جميعا على أنهما لم يعلما بالحظ الذي بمصر أو القيروان، لبقي للوارث، وصح البيع فيما سواه ونفذها؛ ولو اتفقا على أنهما قد علما به - وهو مجهول القدر أو الصفة، لكان البيع فاسدا؛ وأما إذا اختلف في ذلك، فلا يخلو اختلافهما من سبعة أوجه لا ثامن لها، قد ذكرناها وبينا وجه الحكم في كل واحد منها- في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، فاكتفينا بذكرها هناك عن إعادتها ههنا مرة أخرى، وبالله التوفيق.

: يذبح شاة لرجل فيلزمه غرم قيمتها

[: يذبح شاة لرجل فيلزمه غرم قيمتها] ومن كتاب الصبرة وسئل عن الرجل يذبح شاة لرجل فيلزمه غرم قيمتها، فيريد صاحبها أن يأخذ منه بالذي ألزمه من القيمة حيوانا من الأنعام شاة، أو بقرة، أو فصيلا من الإبل، أو ما أشبه ذلك، (والشاة) المذبوحة بحالها لم يفت لحمها بعد، فقال: لا يجوز له أن يأخذ بها شيئا من الحيوان الذي لا يجوز أن يباع بلحمها؛ قلت: ولم، وإنما وجبت لرب الشاة على ذابحها القيمة من دنانير أو دراهم؟ فقال: لأن رب الشاة ما دام لحمها لم يفت، مخير بين أن يأخذها مذبوحة بعينها، وبين أن يأخذ قيمتها حية، فلما كان له الخيار، كره له أخذ الحيوان من الأنعام بتلك القيمة التي وجبت له على الذابح؛ لأنه يترك لحما لو شاء أخذه ويأخذ به شاة حية، فيدخله بيع اللحم بالحيوان؛ قلت: فإن فات لحمها من يد الذابح؟ قال: لا بأس بذلك حينئذ أن يأخذ بالقيمة التي وجبت له شاة من حيوان الأنعام وغيره، يتعجل ذلك ولا يدخره. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أنه لا يجوز له أن يأخذ بقيمة الشاة التي ذبحت له ما دام لحمها قائما لم يفت، حيا من ذوات الأربع، كان مما يقتنى أو مما لا يقتنى، لنهي النبي عليه السلام عن اللحم بالحيوان؛ وأما إذا فات اللحم فيجوز له أن يأخذ بالقيمة التي وجبت له

مسألة: يستهلك صبرة الرجل من القمح فيجب عليه قيمتها

عليه ما شاء من حيوان الأنعام وغيره، يريد بعد المعرفة بقيمة الشاة، وبالله التوفيق. [مسألة: يستهلك صبرة الرجل من القمح فيجب عليه قيمتها] مسألة وسئل عن الرجل يستهلك صبرة الرجل من القمح فيجب عليه قيمتها، فيريد أن يعطيه بها قمحا يصالحه عليه، أو شعيرا، أو سلتا؛ فقال: ما استهلك من الطعام الذي لا يعرف كيله فوجب على مستهلكه غرم قيمته، فلا بأس أن يؤخذ منه بتلك القيمة من أصناف الطعام المخالفة للذي استهلك أو عرضا من العروض يتعجل ذلك ولا يؤخره؛ فإن صالحه على شيء من القمح أو الشعير أو السلت لم يصلح على الخرص؛ لأنه صار طعاما جزافا مصبرا بكيل من الطعام، أو مصبر يرى أنه مثله، ولا يوصل إلى استيقان اعتدالهما وتكافئهما في الكيل والطعام؛ فالطعام لا يصلح إلا مثلا بمثل، كيلا بكيل، وليس بالتحري ولا بالخرص، ولكن إن صالحه على كيل لا يشك أنه أدنى مما كان في الصبرة المستهلكة باليقين، والأمر البين الذي يقطع الشك منه، فلا بأس به، وإنما هو حينئذ رجل أخذ بعض حقه ووضع بعضه؛ ولا بأس إذا كان هكذا أن يأخذ قمحا أو شعيرا أو سلتا، إذا استيقن أنه أقل مما كان في الصبرة المستهلكة. قال محمد بن رشد: قوله أنه يجوز أن يصالحه على كيل لا يشك أنه أدنى مما كان في الصبرة المستهلكة باليقين والأمر البين الذي ينقطع الشك

فيه، أي أقل كيلا فيأخذ ذلك قمحا أو شعيرا أو سلتا، هو خلاف نص قوله في المدونة، أنه لا يجوز له أن يأخذ بعد حلول الأجل محمولة من سمراء أقل من مكيلته، ولا شعيرا من قمح؛ لأنه من بيع الطعام بالطعام متفاضلا؛ لأن المحمولة قد تكون في بعض الأحوال أفضل من السمراء، والشعير قد يكون أفضل من القمح، فيكون ذلك مبايعة لا حطيطة، فيدخله التفاضل فيما لا يجوز فيه التفاضل؛ وقال أشهب: إنه جائز، وهو مثل قول ابن القاسم في هذه الرواية؛ لأنه لا يراعي ما قد تؤول إليه الأسواق من ارتفاع قيمة الشعير حتى لعله يكون أغلى من القمح أو ارتفاع قيمة المحمولة حتى لعلها تكون أغنى من السمراء؛ ويرى أنه إذا أخذ من الشعير أقل من كيل ما كان له من القمح أو من المحمولة أقل من كيل ما كان له من السمراء؛ والقمح في ذلك الوقت أغلى من الشعير، والسمراء أغلى من المحمولة؛ فلم يبايعه وإنما وضع عنه بعض حقه وتجاوز عنه في صفة بقيته، وهو أظهر من قوله في المدونة لا سيما إذا أخذ شعيرا من قمح أقل من كيله؛ لأن جلّ الناس يرون القمح والشعير صنفين، فيجيزون التفاضل بينهما على ما قد جاء في الحديث من قوله فيه «وبيعوا القمح بالشعير كيف شئتم» . ولو أخذ محمولة من محمولة، أو سمراء من سمراء، أو شعيرا من شعير أقل من كيله وأدنى من صفته بعد حلول الأجل، لجاز ذلك باتفاق؛ إذ لا يكون الرديء من ذلك أفضل من جيده على حال؛ ولو أخذ قبل محل الأجل في القرض سمراء من محمولة، أو قمحا من شعير، مثل كيله، لجاز على قول ابن القاسم في هذه الرواية، وعلى قول أشهب؛ ولم يجز على قول ابن القاسم في المدونة، لما ذكره من أن الأسواق تختلف حتى يكون الشعير أنفق من القمح، أو المحمولة أنفق من السمراء، وبالله التوفيق.

: مات فصالح ولده امرأته على شيء من المال قاطعها عليه

[: مات فصالح ولده امرأته على شيء من المال قاطعها عليه] ومن كتاب الصلاة وسئل ابن القاسم عن رجل مات فصالح ولده امرأته على شيء من المال قاطعها عليه ثم طرأ عليهم وارث أثبت نسبه، فقال: الصلح ماض جائز والوارث يأخذ حقه منهم أجمعين من جميع ما هلك عنه الميت؛ قلت: وكيف يأخذ منهم ذلك؟ قال: إن كان له سدس الميراث أخذ الرجل من كل رجل وامرأة من الورثة سدس ما في يديه مما أخذ بالميراث وإن كان له الربع أو الخمس فكذلك. قال محمد بن رشد: قوله: الصلح ماض جائز، معناه إن كان الولد أو أحدهم صالح المرأة من ماله على أن يكون له الثمن؛ لأن المصالح يتنزل فيه بمنزلتها، فيأخذه من جملة التركة ولا يكون للوارث الطارئ في ذلك كلام، إذ لا رجوع له على الزوجة بشيء؛ لأنها ترث الثمن على كل حال- قل عدد الورثة، أو كثر، وإنما ينظر إلى الجزء الذي يجب له مع جملة الورثة سوى الزوجة- قلوا أو كثروا، استوت سهامهم- مثل أن يكون الورثة مع الزوجة أولادا ذكورا أو بناتا إناثا، أو اختلفت مثل أن يكون الورثة مع الزوجة، أولادا ذكورا وإناثا، فيرجع بذلك الجزء على كل واحد منهم فيما بيده مما أخذه قل أو كثر- كما قال، فيستوفي بذلك حقه، ولا يتبع المليء منهم عن المعدم؛ وقد قيل: إنه إذا وجد أحدهم مليئا- وقد أعدم الثاني ساواه

مسألة: يخاصمه الرجل في دار بيده فيصالحه على أن أعطاه مائة دينار

فيما في يديه إن كان جزؤه مثل جزئه، أو رجع عليه بقدر جزئه من جزئه إن لم يكن جزؤه مثل جزئه، ويتبعان معا أصحابهما قياسا على المسألة التي في كتاب محمد، وهي الرجل يترك زوجة وورثة غيرها فيقتسمون المال ثم طرأ بعد ذلك زوجة أخرى فتجد هذه الزوجة الأولى التي أخذت الثمن كله عديمة أنها تترجع بحصتها في يد من وجدت مليئا من الورثة، ثم يتبع ذلك الذي رجعت عليه بحصتها فيما في يده الزوجة الأولى معها، وهذا إذا كان الذي اقتسموا دنانير، أو دراهم، أو ما يكال، أو يوزن؛ فإن كان غير ذلك، انتقضت القسمة؛ وأما إن كان الولد أو أحدهم صالح المرأة على ثمنها من التركة، فلا يجوز ذلك على الوارث الطارئ إلا أن يشاء، إذ قد يترك الميت في التمثيل سبعين مثقالا، ودارا تساوي خمسة عشر مثقالا أو عشرين، يصالحها الورثة على ثمنها بالدار، فلا يلزم ذلك الوارث الطارئ، ولا من لم يصالحها على ذلك من الورثة، وبالله التوفيق. [مسألة: يخاصمه الرجل في دار بيده فيصالحه على أن أعطاه مائة دينار] مسألة وسئل عن الرجل يخاصمه الرجل في دار بيده، فيصالحه على أن أعطاه مائة دينار وأبطل دعواه فيها، ثم جاء رجل فاستحق الدار أو نصفها؛ فقال: إن استحقت كلها رد المائة التي أخذ، وإن استحق نصفها رد خمسين، وعلى هذا الحساب يرد من المائة دينار قدر ما يستحق من الدار. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه قد تبين باستحقاق الدار بطلان دعوى المدعي فيها، فوجب أن يرد ما صولح به على دعواه التي قد

تبين كذبه فيها؛ وكذلك إذا استحق منها النصف، يرد نصف ما صولح به؛ لأنه قد تبين كذبه في نصف دعواه، إلا أن يطول الزمان إلى مثل ما تهلك فيه البينات وينقطع العلم، فلا يرد المائة- قاله ابن القاسم في نوازل سحنون في هذا الكتاب في بعض الروايات؛ فيحمل قوله هناك على التفسير لقوله هنا، وهذا إذا كان الصلح على الإنكار؛ وأما إذا كان على الإقرار، فلا يرد شيئا على قياس قول ابن القاسم في رواية عيسى من كتاب الاستحقاق في الذي يشتري العبد من الرجل فيستحق من يده ويقر المبتاع أنه من تلاد البائع أنه لا رجوع له عليه بالثمن، وكذلك ما أشبهه؛ ولسحنون في نوازله من هذا الكتاب في بعض الروايات، إنه يرد ما أخذ في الصلح إذا استحق الشيء المدعى فيه سواء كان الصلح فيه على الإقرار أو على الإنكار، ومثله لأشهب في المجموعة، وذلك مثل قوله وقول ابن وهب في سماع عبد الملك من كتاب الكفالة والحوالة على ما ذهب إليه الشيوخ، خلاف ما حملنا عليه قولهما في الكتاب المذكور، ولسحنون في نوازله من كتاب جامع البيوع ما ظاهره مثل رواية عيسى، فالقولان متكافئان، لكليهما وجه من النظر، فوجه القول: بأنه لا رجوع له عليه بما صالحه به، إذا كان الصلح على الإقرار، هو أنه لا يصح له أن يرجع عليه بما يعلم أنه لا يجب عليه؛ ووجه القول الثاني: أن الصلح إذا كان على الإقرار، فهو بيع من البيوع؛ لأن المدعي باعه من المدعى عليه، وهو يقر أنه له؛ فمن حجته في الرجوع عليه أنه يقول له: أنت أدخلتني في شرائه فعليك أن تبطل شهادة من شهد علي بباطل حتى لا تؤخذ السلعة من يدي، ويتهم إذا لم يفعل ذلك بأنه قصر في الدفع إذ علم أن المشتري لا يتبعه، فأراد أن يكلفه من الدفع في البينة ما هو ألزم له منه، وبالله التوفيق.

: يقتل الرجلين عمدا فيثبت ذلك عليه فيصالح أولياء أحد القتيلين على الدية

[: يقتل الرجلين عمدا فيثبت ذلك عليه فيصالح أولياء أحد القتيلين على الدية] ومن كتاب يشتري الدور والمزارع وسئل عن الرجل يقتل الرجلين عمدا فيثبت ذلك عليه فيصالح أولياء أحد القتيلين على الدية وعفوا عن دمه وأبى أولياء الآخر إلا أن يستقيدوا منه، فقال: القود لمن أخذه، ولا يمنع من قتله الولي الذي لم يرد إلا القود، من أجل ما رضي به الذين صالحوا على دم صاحبهم؟ ولكن إن استقادوا، بطل صلح الذين صالحوه؛ لأنه إنما صالحهم للنجاة من القتل، فإذا أبى الآخرون إلا القود؛ فلا يجمع عليه القتل وذهاب المال في أمر لم يدخل عليه به مرفق. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أن الصلح لا يلزم المصالح إذا أبى الولي الآخر إلا القود، وفيه أيضا فساد إن كان نفذ من أجل الخيار الذي للولي الثاني، فلا يجوز وإن أجازه الولي الثاني إلا على اختلاس، إذ قد اختلف في الصلح ينعقد بين المتصالحين على حرام، فقيل: إنه يفسخ ولا يجوز، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرام حلالا» . وهو قول مطرف، وابن الماجشون؛ وقيل: إنه ينعقد إذا وقع في وجه الحكم، لما روي أن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتي بصلح فقرأه، فقال: هذا حرام، ولولا أنه صالح لفسخته. وهو قول أصبغ، قال: وأما فيما بينه وبين الله، فلا يحل له أن

مسألة: يدعي قبل الرجل أنه سرق غلاما له وينكر المدعى عليه

يأخذ إلا ما يجوز في التبايع، وأما إذا وقع الصلح بمكروه، فقيل: إنه يمضي، وهو قول مطرف، وقيل: إنه يرد ما لم يطل، وهو قول ابن الماجشون، وبالله التوفيق. [مسألة: يدعي قبل الرجل أنه سرق غلاما له وينكر المدعى عليه] مسألة وسئل عن الرجل يدعي قبل الرجل أنه سرق غلاما له، وينكر المدعى عليه، فيصطلحان على مال يغرمه المدعى عليه للمدعي، ثم يوجد العبد، فقيل له: لمن يكون: ألسيده؟ أم للذي صولح حين ادعى عليه أنه سرقه؟ فقال: يكون للذي ادعى عليه أنه سرقه بالذي غرم في الصلح؟ قيل له: فلا يكون السيد أحق به إذا ظفره الله بعبده، ويرد المال الذي أخذ بالصلح؟ فقال: ليس ذلك له؛ لأنه لو وجد العبد أعور، أو أقطع؛ أو وجده بعد زمان- وهو هرم أو دخله نقص يعطبه، فقال الذي صالح عما ادعى عليه: إذا جاء إليه بالعبد، فاردد علي ما أخذت مني وخذ عبدك معيبا، أو صحيحا بحال ما وجدته؛ فليس ذلك له، ولا ينتقض عنه الصلح بظهور العبد؛ لأنه وقع بأمر جائز حلال، فهو ثبت بينهما ويكون العبد للذي صولح بما غرم- وجد صحيحا أو معيبا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو على معنى ما في المدونة؛ لأنه لما ادعى عليه أنه سرق غلامه فأنكر، تعينت له عليه اليمين، ومن حقه أن يردها على المدعي. فيحلف ويأخذ قيمة عبده، فإذا اصطلحا، فقد باع منه بما اصطلحا عليه ما كان يجب له به الرجوع عليه من قيمة عبده لو

: امرأة ذات زوج لها أرض فغرس زوجها فيها

حلف على ألا يحلف، فوجب أن يكون العبد للمدعى عليه إن وجد بما أخذ منه في الصلح على ألا يحلفه، وإن كان على حاله التي كان عليها حين سرق أو أفضل منها؛ لأنه رضي بما أخذ، ولو شاء استثبت ولم يعجل، وكذلك إذا وجد، وهو أقطع أو أعور، ولا يكون للمدعى عليه أن يقول له: هذا عبده فخذه ورد علي ما أخذت مني؛ لأنه يقول له أنت سرقته مني وغيبته عني، وقد وقع الصلح فيه بيني وبينك على أمر جائز، فليس لك أن تنقضه، ولو أقر صاحب العبد للمدعى عليه لما وجد العبد مقطوعا أو أعور، أنه لم يسرقه منه، وأنه ادعى عليه باطلا، لوجب عليه أن يأخذ عبده ويرد عليه ما أخذ منه، وبالله التوفيق. [: امرأة ذات زوج لها أرض فغرس زوجها فيها] من سماع عبد المالك بن الحسن من ابن وهب قال عبد المالك سئل عبد الله بن وهب عن امرأة ذات زوج لها أرض فغرس زوجها فيها، أو بنى بنيانا ثم هلك، فادعت ذلك البنيان، أو الغراس أنها هي بنته بمالها، أو غرسته، وادعى ورثة زوجها، أن العمارة لزوجها؛ من أولى بتلك العمارة - إذا لم يكن لواحد منهما بينة أو قامت البينة لورثة الزوج، فادعت المرأة أن زوجها عمر لها أرضا بنفقتها وبمالها، وأنكر ذلك ورثة الزوج وقالوا إنما أنفق ماله وعمر، وغرس لنفسه في أرض المرأة؟ فقال: إن كانت الأرض معروفا أصلها للمرأة لا تدافع عنها بوجه من الوجوه، فلم يقم لورثة الزوج بينة على نفقة ولا على ولاية بنيان ولا

قيام عليه، فالقول قول المرأة، ولا شيء لورثة الزوج ولا للزوج لو كان حيا عليها أكثر من يمينها على ما يزعمون؛ وإن عرفت نفقة الزوج وبنيانه إياه وقيامه، فالمرأة مخيرة إن شاءت أعطته قيمته منقوضا وإن شاءت طرحت ذلك؛ وإن ادعت أنه إنما بناه بمالها أو أنها أعطته ما بناه من مالها لم تصدق إلا ببينة تقوم لها، وكان عليها غرم ذلك؛ قال: وقال أشهب: إذا كان الزوج حيا، فالقول في ذلك قوله؛ وإذا مات الزوج، فالقول في ذلك قول المرأة؛ إلا أن تقوم بينة أن الزوج كان يدعي في حياته تلك المرمة ولو مرة واحدة، فيكون القول في ذلك قول الورثة مع أيمانهم: ما يعلمون العمارة ولا شيئا منها للمرأة. ومن كتاب الجواب من سماع عيسى قال عيسى وسألت ابن القاسم عن الرجل يبني في أرض امرأته بنفسه ورقيقه أو يرم لها بعض ما ورث من بنيانها، ثم يطلب النقض، أو يموت فيطلب ذلك ورثته؛ قال ابن القاسم: ذلك له إن كان حيا، أو لورثته إن كان ميتا، إذا علم أنه الباني لذلك والقائم به، فإن ادعت المرأة أنه إنما بناه من مالها، وأنها أعطته ذلك وفوضت إليه، حلف إن كان حيا إن لم تكن لها بينة، وإن كان ميتا حلف ورثته إن كانوا ممن قد بلغ علم ذلك، أو ممن يبلغ منهم، ثم استحقوا نقضهم. قال محمد بن رشد: فرق ابن وهب في هذه الرواية بين أن تقر المرأة لزوجها أنه بنى البنيان وتدعي أنه إنما بناه بمالها وبين أن تنكر أن يكون

بناه، فيقيم هو البينة أنه بناه، فقال: إنه إذا أقرت له بأنه بناه وادعت أنه إنما بناه بمالها، يحلف أنه إنما بناه بماله مكذبا لدعواها، كان له عليها ما أنفق، وأنه إذا أنكرت أن يكون بناه، فأقام هو البينة على أنه بناه، لم يكن له إلا نقضه يقلعه، إلا أن يشاء أن تعطيه قيمته منقوضا؟ وساوى ابن القاسم في رواية عيسى هذه عنه بين الوجهين في أنه لا يكون له إلا قيمة نقضه منقوضا أو يقلعه؛ لأنه إذا قال ذلك في الذي أقرت له بالبنيان وادعت أنه بناه بمالها وحلف على ذلك، فأحرى أن يقوله في الذي أنكرت أن يكون بناه هو فأقامت البينة على ذلك، فلا اختلاف بينهما إذا أنكرت أن يكون بناه، فأقام البينة على ذلك في أنه ليس له إلا نقضه يقلعه، إلا أن يشاء أن تعطيه قيمته منقوضا، وإنما اختلفا إذا أقرت له أنه بناه وادعت أنه بناه بمالها؟ فقال ابن وهب له نفقته، وقال ابن القاسم: له نقضه يقلعه إلا أن يشاء أن تعطيه قيمته منقوضا؛ فحمل ابن وهب أمره في ذلك على الوكالة حتى يثبت عليه التعدي. وقوله في ذلك صحيح على قياس قول مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات، وفي رسم البز من سماعه أيضا من كتاب المديان والتفليس - في أن تصرف الرجل في مال امرأته، محمول على الوكالة لا على التعدي؛ وحمل ابن القاسم أمره في ذلك على العداء، حتى يثبت أنها امرته بذلك ووكلته عليه؛ ولو أقرت أنها أذنت له في البنيان بمالها، فادعى هو أنه أنفق في ذلك ماله، لكانت له نفقته عندهما جميعا بعد يمينه أن النفقة في ذلك كانت من عنده؛ وقد مضى بيان هذا أيضا في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق، وفي كتاب آخر رسم

: اصطلحا على أن رضي كل واحد منهما يمين صاحبه في كل ما يدعي

الكبش من سماع يحيى منه؛ ونزل على مذهب ابن القاسم وابن وهب ورثة الزوج منزلته في الدعوى وإن لم تعلم منه في ذلك دعوى، خلاف قول أشهب أنهم لا ينزلون منزلته في الدعوى إلا أن تعرف منه الدعوى، ووجه قوله أنه حمل بنيانه في دار امرأته وغرسه في أرضها على العطية منه لها، لما بينهما من حرمة الزوجية التي تقتضي المعروف بينهما بخلاف الأجنبيين، ألا ترى أنه قد قيل في هبة أحد الزوجين لصاحبه: أنه لا ثواب له في هبته إياه، إلا أن يشترط الثواب؛ وهو قول ربيعة في المدونة، وأحد قولي مالك فيها؛ وقول أشهب في هذه المسألة على قياس قولهم في الذي ينفق على ولده ولهم بيده مال ناض قد ورثوه فيموت، أنهم لا يحاسبون بما أنفق عليهم أبوهم من ماله، إلا أن يكتب ذلك عليهم ويوصي أن يحاسبوا ذلك، وقد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة تحصيل القول في هذا، وبالله التوفيق. [: اصطلحا على أن رضي كل واحد منهما يمين صاحبه في كل ما يدعي] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيع والصرف قال أصبغ بن الفرج: وسئل ابن القاسم عن رجلين اصطلحا على أن رضي كل واحد منهما يمين صاحبه في كل ما يدعي كل واحد منهما وطرحا بيناتهما، فمن حلف منهما على ما يدعي

عليه به صاحبه سقط عنه، وإن نكل غرم بلا رد يمين، أو برد يمين، فإن ادعى بعد ذلك شهادة أحد، فلا شهادة لهم، فاصطلحا على هذا؛ قال: ذلك جائز ثابت لا بأس به، قيل له: فإن كان هذا مكتوبا، فما ثبت لكل واحد منهما على صاحبه فهو يؤخر له به إلى أجل مسمى، فقال: لا خير فيه ولا يعجبني إذا كان ذلك شرطا يلزم فأما إن لم يكن شرطا يلزم فلا بأس أن يتطوع بذلك وقاله أصبغ بن الفرج كله، ولا أفسخ الذي أقر على أن يؤخره، فإني أمضيه إذا وقع وألزمه الإقرار وأجعل له التأخير والأجل، ولا أجد في حرامه من القوة والتهمة ما أبطله به، وإنما هو أحد وجهين: أن يكون حقا عليه هي نظرة، أو يكون باطلا ليست عليه فيتطوع به له لأجل، كالهبة والهدية، والله أعلم؛ قال أصبغ: وهو الذي وجدت الناس على، إمضائه لا أعلمه إلا وقد قاله هو أيضا ورجع إليه واختلف قوله فيه أيضا. قال محمد بن رشد: قول أصبغ: أن الصلح إن وقع على أن يؤخر كل واحد منهما صاحبه بما ثبت عليه بنكوله أو يحلف صاحبه، فهو مكروه ولا يفسخ؛ لأنه لا يخلو من أن يكون حقا فهي نظرة، أو باطلا فهي هبة، ليس ببين؛ لأنه يخشى أن يكون ما يثبت لكل واحد منهما على صاحبه حقا يكون قد أخر كل واحد منهما صاحبه بما ثبت له عليه على أن يؤخره هو بما ثبت له عليه، فيدخله أسلفني وأسلفك، ويخشى أن يكون أيضا لأحدهما على صاحبه أقل من العدد الذي يؤخره به، فيكون إنما نكل عن اليمين وردها على صاحبه ليؤخره بالخمسة التي له عليه إلى أجل على أن يعطيه بها عشرة عند الأجل، إلا أن هذا لا يتحقق، فالأظهر إجازة الصلح كما قال، لا

سيما ومن مذهبه أن الصلح على الحرام يجوز عنده في وجه الحكم، ولا يفسخ وإن كان لا يجوز عنده لأحد المتصالحين فيما بينه وبين الله إلا ما يجوز في التبايع، وفي هذا تفصيل؛ أما إذا انعقد الصلح على الحرام بين المتصالحين، فلا يجوز ويفسخ باتفاق؛ مثل أن يدعي رجل على رجل دعوى فينكره في بعضها، فيصالحه على جميعها بما يتفقان عليه على أن يسلف أحدهما صاحبه سلفا، فهذا لا يجوز باتفاق؛ لأنه بيع وسلف، وأما إن ادعى رجل على رجل دعوى أنكره في جميعها، فصالحه عنها بما سمياه على أن أسلف أحدهما صاحبه سلفا أو ما أشبه ذلك مما هو في معناه، مثل أن يدعي رجل على رجل إردب قمح فينكره فيه، فيصالحه عنه على شعير إلى أجل؛ ومثل أن يدعي عليه حقا فينكره فيه فيصالحه عنه على سكنى دار أو خدمة عبد، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا لا يجيزه مطرف وابن الماجشون، ويفسخانه ولا يمضيانه، ويجيزه أصبغ ويمضيه في وجه الحكم ولا يفسخه؛ لأن المطلوب يدعي صحته ويريد إجازته ويقول للطالب: إن كنت محقا في دعواك، فلا يحل لك أن تأخذ فيما تدعي ما لا يجوز لك أن تأخذه في البيوع، ووجه المخرج له من ذلك إن كان صالح عن القمح بشعير أن يبيع الشعير ويشتري منه القمح الذي له ويدفع بقيته إن كان فيه فضل إلى صاحبه، وإن كان صالح عن حق بسكنى دار واستخدام عبد لم يسكن الدار ولا استخدم العبد، وأكرى ذلك بالنقد، فاستوفى منه حقه ودفع الفضل إن كان فيه فضل إلى صاحبه؛ ولو رفع ذلك إلى الإمام فكان هو الذي يفعل ذلك، لكان أخلص له- والله أعلم؛ وأما إذا وقع الصلح على وجه ظاهره الفساد ولا يتحقق في جهة واحد من المتصالحين، فهذا لا يفسخ باتفاق، وتورع كل واحد منهما في خاصة نفسه، وذلك نحو مسألتنا هذه في هذه الرواية، وبالله التوفيق.

مسألة: يدفع إلى الصراف الدينار يزنه فيقول الصراف قد رددته إليك

[مسألة: يدفع إلى الصراف الدينار يزنه فيقول الصراف قد رددته إليك] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يدفع إلى الصراف الدينار يزنه فيقول الصراف قد رددته إليك، ويقول الرجل لم ترده إلي وهما في مجلسهما ومكانهما، قال: القول قول الصراف ويحلف. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أن القول قول الصراف مع يمينه أنه قد رده إليه إذا كان إنما دفعه إليه ليزنه له ويرده إليه؛ لأنه مؤتمن على رده ولو دفعه إليه ليزنه فيعطيه صرفه، فقال قد رددته إليك إذ لم أجده وازنا وأنكر دافعه، لوجب أن يكون القول قول صاحب الدينار إنه ما صرفه إليه، وبالله التوفيق. [: شهدا على رجل أنه قال لفلان علي مائة دينار] ومن كتاب البيوع قال وسئل ابن القاسم عن رجلين شهدا على رجل أنه قال: لفلان علي مائة دينار، أو لفلان لا يدريان أيهما هو، قال ليس عليه أن يغرم أكثر من المائة، ثم يحلف هذان المسميان، ثم يقتسمان المائة بينهما؛ قال أصبغ: يحلف كل واحد منهما أنه هو، وأن له عليه مائة ثابتة؛ فمن نكل منهما فهي للآخر إن حلف؛ وإن نكلا جميعا اقتسماها بينهما بغير يمين بمنزلة حلفهما جميعا، فإن رجع الشهيدان عن شهادتهما بعد الحكم وزوروا

أنفسهما، غرما ذلك للمشهود عليه إذا كان يوم شهدا منكرا لشهادتهما. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا مفسر لقول ابن القاسم، وفي قوله فإن رجع الشهيدان في شهادتهما بعد الحكم وزوروا أنفسهما، غرما ذلك للمشهود عليه إذا كان يوم شهدا منكرا لشهادتهما، دليل على أنه لا فرق فيما يلزم المقر بهذه الشهادة بين أن يكون مقرا بها، أو منكرا لها، وإنما يفترق ذلك فيما يلزم الشهيدين من الغرم برجوعهما عن الشهادة، خلاف ما ذهب إليه ابن دحون فيما رأيت له أنه قال: معنى هذه المسألة أن المقر هو الشاك، إنه أنكر إقراره فيلزمه بالبينة، غرم المائة يقتسمانها بينهما؛ ولو كان مقرا بما قال، للزمه غرم مائتين. وقوله لا يدريان أيهما هو، معناه أنهما لا يدريان ذلك من أجل أن المشهود عليه هو الذي قال لفلان علي مائة دينار أو لفلان من أجل أنه لم يدر لمن هي منهما، فحصل الشك من المشهود عليه لا من الشاهدين، ولو كان الشك من الشاهدين بأن يقولا أشهدنا فلان أن عليه مائة دينار لأحد هذين الرجلين وسماه لنا، إلا أنا لا ندري من هو منهما نسيناه، لما جازت شهادتهما على المشهور في المذهب، وحلف لكل واحد منهما- إن كان منكرا أو لمن أنكر منهما- إن كان مقرأ لأحدهما؛ وقد قيل أن شهادتهما جائزة يلزمه بها مائة واحدة تكون لمن حلف منهما إن نكل أحدهما، أو يقتسمانها بينهما إن حلفا أو نكلا، وهو الذي يأتي على ما وقع في أصل الأسدية من كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، ولابن وهب في رسم الأقضية والوصايا من سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات، وقد قيل في هذا النحو من الشهادات أنها تجوز في الوصية بعد الموت، ولا تجوز على الحي؛ فيتحصل فيها ثلاثة أقوال في الجملة: إجازتها في الوجهين، وإبطالها في

: ادعى قبل رجل جارية أنه رهنها عنده

الوجهين، والفرق بين الموضعين؛ وكذلك يتحصل ثلاثة أقوال في الذي يقر بالمائة لأحد هذين الرجلين من دين أو وديعة لا يدري لمن هي منهما، أحدها: أنها لا تلزمه إلا مائة واحدة تكون لمن حلف منهما. والثاني: أنه يلزمه أن يغرم مائة لكل واحد منهما. والثالث: الفرق بين الوديعة والدين، وقد مضى هذا في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى من هذا الكتاب، ومضى الكلام على المسألة مستوفى في رسم يدير ماله من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس، لتكرر المسألة هناك، والله الموفق. [: ادعى قبل رجل جارية أنه رهنها عنده] ومن كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عمن ادعى قبل رجل جارية أنه رهنها عنده، ويقول الآخر: إنما اشتريتها منك، فشهد للمدعي شاهدان أنه رهنها عنده، وشهد للآخر شاهدان أيضا على الاشتراء. ولا يدري الرهن أولا أو البيع؟ قال: الاشتراء أولى إذا قامت له البينة أنه اشترى، فهو أثبت؛ لأنه قد ثبت أنها له؛ فالاشتراء أثبت، إلا أن يقيم المدعي البينة أنه رهنه إياها بعد الاشتراء، فيعرف أنها قد رجعت إليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن بينة الشراء قد أحقت انتقاد الملك بالبيع، فوجب إلا يبطل ذلك بإشهاد على الرهن، لاحتمال أن يكون الرهن قبل البيع، وبالله التوفيق. [: ادعيا دارا فأقام أحدهما شاهدين والآخر شاهدا] ومن كتاب محض القضاء وسئل ابن القاسم عن رجلين ادعيا دارا فأقام أحدهما شاهدين

مسألة: العبد يدعي العتق من سيده عند موته

والآخر شاهدا والشاهد أبرز في العدالة، والدار ليست في يد واحد منهما؛ قال: الدار لصاحب الشاهدين، قال أصبغ: صاحب الأبرز مع يمينه أحق. قال محمد بن رشد: قد اختلف قول ابن القاسم في هذا، فروى أبو زيد عنه في كتاب الشهادات مثل قول أصبغ، ومثله ذكر ابن المواز في كتابه أنه يقضي بالشاهد الواحد- وإن كان الذي شهد بخلافه أربعة دونه في العدالة، وقول ابن القاسم في هذه الرواية أظهر؛ إذ من أهل العلم من لا يرى الحكم باليمين مع الشاهد أصلا، ومنهم من لا يرى الترجيح بين البينتين أصلا؛ فالقول بأنه يقضي بالشاهد الواحد مع يمين صاحب الحق إذا كان أعدل من الشاهدين، إغراق في القياس، ومثل قول ابن القاسم في هذه الرواية حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون قالا: ولو كان الشاهد أعدل أهل زمانه، وقد مضى في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات ذكر الاختلاف في الترجيح بين الشهود، وفي آخر سماع عيسى منه- القول في الترجيح بين المعدلين، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يدعي العتق من سيده عند موته] مسألة قال وسألته عن العبد يدعي العتق من سيده عند موته، فيريد أن يحلف الورثة من علم ذلك؛ قال: ما ذلك له، قلت فإن ادعى أن الوارث قد حضر ذلك فأراد استحلافه، فقال ليس ذلك له؛ قال أصبغ: ولا بشاهد أيضا هنا.

مسألة: يدعي حقا قبل الرجل فيقول احلف لي أن ما ادعي عليك ليس حقا

قال محمد بن رشد: أما إذا لم يكن له شاهد على ما يدعيه من عتق سيده إياه فبين أنه لا يمين على الورثة: وإن ادعى العبد عليهم أنهم قد حضروا ذلك وعلموا به؛ لأن اليمين إذا لم تجب على السيد، فأحرى ألا تجب على الورثة؛ وأما إذا كان له شاهد على عتق سيده إياه وادعى على الورثة علم ذلك، فقول أصبغ ههنا: أنه لا يمين عليهم مع تحقيق الدعوى بالمعرفة عليهم بعيد، وقد روى ابن القاسم عن مالك في رسم قطع الشجر من سماعه من كتاب العتق أن الورثة يحلفون ما علموا بعتق صاحبهم إذا لم يجد إلا شاهدا واحدا، ظاهره وإن لم يدع المعرفة عليهم؛ ومثله في المدونة، وههنا يصح الخلاف؛ لأنها يمين تهمة، وبالله التوفيق. [مسألة: يدعي حقا قبل الرجل فيقول احلف لي أن ما ادعي عليك ليس حقا] مسألة قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عن الرجل يدعي حقا قبل الرجل فيقول احلف لي أن ما ادعي عليك ليس حقا، وأبى فيقول له بل احلف أنت وخذ، فإذا هم المدعي أن يحلف، بدا للمدعى عليه وقال لا أرضى بيمينك ولم أظنك تجتري على اليمين؛ هل ذلك عند سلطان وعند غير سلطان سواء؟ قال ليس ذلك للمدعى عليه أن يرجع ويحلف المدعي ويحق حقه على ما أحب الآخر أو كره؛ لأن المدعى عليه قد رد عليه اليمين، فليس له لرجوع فيها؛ وسواء كان ذلك عند سلطان أو غير سلطان- إذا شهد عليه بذلك، وهو الحق- إن شاء الله. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة على- نصها- في رسم

: يدعي السلعة بيد الرجل فيخاف على سلعته أن تتلف

الجواب من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس، ومثل قوله هذا في كتاب الديات من المدونة، ولا خلاف أعلمه من أنه ليس له أن يرجع إلى اليمين بعد أن يردها على المدعي، واختلف هل له أن يرجع إليها بعد أن نكل عنها- ما لم يردها على المدعي، فقيل: ليس ذلك له وهو ظاهر ما في الديات من المدونة، ورواية عيسى عن ابن القاسم في المدنية؛ وقيل ذلك له وهو ظاهر قول ابن نافع في المدنية، والقولان محتملان، وبالله التوفيق. [: يدعي السلعة بيد الرجل فيخاف على سلعته أن تتلف] من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ وسئل أصبغ فقيل له: الرجل يدعي السلعة بيد الرجل فيخاف على سلعته أن تتلف فيشتريها من الذي هي في يديه، ثم يريد القيام عليه بعد ذلك ببينة فقال: إن كان لم يعلم أن له بينة ولم يعلم بذلك، فذلك له إن ثبتت البينة ويرجع بماله، وإن كان قد علم أن له بينة وعرف موضعها، فلا أرى له بعد ذلك كلاما ولا حجة؛ وإن زعم إنه إنما اشتراها بدارا ومخافة أن يغيبها أو ينفقها- وإنما ذلك- عندي مثل الرجل يصالح وهو يعلم أن له بينة، إلا أن تكون بينته بعيدة جدا ويكون قد أشهد قبل أن يشتريها- أنه إنما يشتريها لما يخاف من أن يغيبها الذي هي في يديه لموضع غيبة بينته وبعدها، ثم يقوم بعد ذلك عليه، فأرى ذلك ينفعه إذا كان كذلك، وإلا فلا كلام له ولا حجة؛ قال: وإن أتى ببينة بعد الاشتراء، وزعم أنه لم يعلم بها، وقال البائع: قد علمت واشتريت على علم بها أو صالحت، فالقول قوله أنه لم يعلم مع يمينه، إلا أن يثبت عليه

مسألة: توفي فجاءت امرأته بصداقها على زوجها فأنكر وارثه

أنه قد علم؛ لأنه ثبت له الرجوع بماله وأخذه، فالبائع مدع عليه ما يسقط ذلك بالثبت عليه. قال محمد بن رشد: قول أصبغ في هذه الرواية أن له أن يقوم بعد الصلح ببينته التي علم بها إذا كانت بعيدة جدا، وقد كان أشهد قبل أن يشتريها أنه إنما يشتريها مخافة أن يغيبها الذي هي في يديه لبعد غيبة بينته، خلاف ظاهر ما في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس من أنه لا ينتفع بالإشهاد قبل الصلح في مغيب بينته، إذ لم يفرق في ذلك بين قرب الغيبة من بعدها، والأولى أن يتأول على أنه إنما تكلم على أن غيبة الشهود غير بعيدة جدا، فيكون قول أصبغ هذا مفسرا لقول ابن القاسم هناك؛ ولا احتمال في أنه لا ينتفع بالإشهاد في السر إذا كانت غيبته غير بعيدة، وقد مضى هناك تحصيل القول في هذه المسألة بتقسيم وجوهها، فلا معنى لإعادته مرة أخرى، وبالله التوفيق. [مسألة: توفي فجاءت امرأته بصداقها على زوجها فأنكر وارثه] مسألة قيل لأصبغ رجل توفي فجاءت امرأته بصداقها على زوجها) فأنكر وارثه، غير أنه أشهد نفرا فقال: إن قامت على ما تذكر بينة عدلة، فهو في مالي؛ فشهد على الصداق شاهد عدل، فقال قد قلت إن أقامت بينة، فالواحد ليس ببينة، إنما أردت شاهدين؛ قال ذلك له ويحلف ويبرأ حتى تقيم شاهدين. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه الظاهر من قوله، مع أنه

: الوصي يجوز صلحه عن اليتيم

لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقر به على نفسه، فإذا حلف برئ ولم يلزمه في ماله شيء، وحلفت هي مع شاهدها أن ما شهد به حق، وإنها ما قبضت ولا وهبت، وإنه لباق عليه إلى حين يمينها وتستوجب حقها في تركته، وبالله التوفيق. [: الوصي يجوز صلحه عن اليتيم] ومن كتاب الوصايا الأول من سماع أصبغ قال أصبغ سألت ابن القاسم عن الوصي أيصالح لليتامى؟ قال: نعم إذا رأى لذلك وجها، وكان على وجه النظر؛ قلت له: وكيف يعرف وجه ذلك: أبالسلطان؟ قال بل يصالح فإن طلب نقض ذلك بعد ورفع نظر السلطان فيه- إذا رفع إليه، فإن رأى وجه ضرر نقضه، وهو أبدا جائز حتى يرى وجه ضرر غير وجه النظر. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات، وظاهرها أن الوصي يجوز صلحه عن اليتيم الذي إلى نظره فيما طلب له من حق أو طلب به في أن يأخذ بعض حقه الذي يطلب له، ويضعه إذا خشي ألا يصح له ما ادعاه، وبأن يعطي من ما له بعض ما يطلب به إذا خشي أن يثبت عليه جميع ما يطلب له. وهو له في النوادر مكشوفا خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون من أنه يجوز له أن يصالح عنه فيما طلب له من حق، بأن يضع بعضه ويأخذ بعضه؛ ولا يجوز له أن يصالح عليه فيما طلب به ببعض ذلك، والصواب ألا فرق بين الموضعين كما ذهب إليه ابن القاسم، وبالله التوفيق.

مسألة: دابة ادعاها رجلان وليست بيد واحد منهما

[مسألة: دابة ادعاها رجلان وليست بيد واحد منهما] مسألة وسئل ابن القاسم عن دابة ادعاها رجلان وليست بيد واحد منهما، فأقام أحدهما البينة أنها نتجت عنده، وأقام الآخر البينة أنها اشتراها من المغانم، قال أراها للذي اشتراها من المغانم، ولا يشبه الذي اشتراها من سوق المسلمين؛ لأن هذه تسرق وتغصب وتؤخذ بغير حق، وليست تحاز عن الذي نتجت عنده إلا ببينة تثبت عليه أنه باعها، أو بأمر يحاز يستيقن أنها خرجت من يد صاحبها، وأن الذي يشتري من المقاسم يستيقن أنها خرجت من يد صاحبها حين حازها المشركون؛ فالمشتري أولى بها لحيازة المشركين إياها، قال: ولو وجدت في يد الذي نتجت عنده وأقام هذا البينة أنه اشتراها من المغانم، أخذها منه أيضا، وكان أولى بها؛ إلا أن يشاء أن يدفع إليه الثمن ويأخذها. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة أيضا وقعت في بعض الروايات وهي مسألة صحيحة، والمعنى فيها بين؛ لأن ملك المشركين لها، يرفع ملك سيدها عنها؛ فيكون من اشتراها من المغانم، كمن اشتراها من سوق المسلمين بعد أن علم أن الذي نتجت عنده باعها أو وهبها أو تصدق بها، وبالله التوفيق. تم كتاب الدعوى والصلح- والحمد لله

: كتاب الاستلحاق

[: كتاب الاستلحاق] [المولى يعتق أبوه في الزمان الأول ثم يهلك ولا يدع وارثا إلا مولى وقرابة] (كتاب الاستلحاق) من سماع ابن القاسم من مالك - رواية سحنون من كتاب قطع الشجر- قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سئل مالك عن المولى يعتق أبوه في الزمان الأول ثم يهلك ولا يدع وارثا إلا مولى وقرابة يلقاهم إلى أب جاهلي، قال: إن كان مجهولا فلا يرثه قرابته وإن لم يكن مجهولا وكان من أهل قرية افتتحت عنوة فسكنها أهل الإسلام وصارت دارهم، فإن من أعتق من أولئك ويسلم من بقي من قرابتهم، فأرى أن يتوارثوا بالنسب ولا يكون لمواليه من ميراثه شيء، وذلك أنهم سكنوا مع قرابتهم بقريتهم ومكانهم وليسوا مثل

المحمولين الذين يؤتى بهم من بلد آخر فيتعارفون في دار الإسلام، فيقولون (نحن إخوة وقرابة ما كانت) ، فإن أولئك لا يتوارثون، وأما هؤلاء الذين ذكرت أنهم لم يخرجوا من مكانهم فإن أهل الإسلام دورهم وصارت دارهم دار أهل الإسلام، فإن هؤلاء يتوارثون بالقرابة، وإن لم تثبت قرابتهم، إلا إلى جاهلي، فإن أولئك يتوارثون. قال ابن القاسم: وقال لي مالك: لو أن أهل حصن أسلموا أو جماعة لهم عدد فتحملوا إلى بلد المسلمين، رأيت أن يتوارثوا بأنسابهم؛ وأما النفر اليسير مثل الثمانية والسبعة، فلا أرى أن يتوارثوا، قال ابن القاسم: والعشرون عندي عدد يتوارثون، قال سحنون: لا أرى العشرين عددا يتوارثون. قال محمد بن رشد: اختلف قول مالك في ولادة الشرك هل يتوارث بها في الإسلام أم لا- على قولين، أحدهما - وهو قوله الأول أنه لا يتوارث بها في الإسلام وإن ثبت النسب بعدول من المسلمين على ظاهر ما روي من أن عمر بن الخطاب أبى أن يورث أحدا من الأعاجم إلا أحدا ولد

في العرب، وهو قول ابن الماجشون وأبيه عبد العزيز بن أبي سلمة، والمغيرة، وابن دينار، وربيعة، وابن هرمز. والثاني الذي رجع إليه أنه لا يتوارث بها إلا أن يثبت النسب بالبينة العدلة، مثل الأسارى من المسلمين يكونون عندهم، أو الحربيين يأتون بأمان فيسلمون، أو يسبون فيعتقون ويسلمون، وقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب؛ ذكر ابن أبي شيبة عن الشعبي أن عمر بن الخطاب كتب إلى شريح ألا يورث الحميل إلا ببينة، وإلى هذا ذهب ابن القاسم، ورواه عن مالك؛ فقال: إنما تفسير قول عمر لا يتوارث بولادة الأعاجم في الدعوى خاصة؛ وأما إن ثبت ذلك بعدول من المسلمين كانوا عندهم فهم كولادة المسلمين وهو الصحيح في النظر، إذ لم ينص عمر ما روي عنه أنهم لا يتوارثون بحال وإن ثبت النسب ببينة؛ فتفسير قوله بقوله أولى من أن يحمل على الاختلاف؛ وإن شهد على قياس هذا القول بعضهم لبعض وهم عدول، جازت شهادتهم إلا أن يشهد المشهود لهم للشهود أيضا، فلا يجوز ذلك إلا على اختلاف؛ وهذا الاختلاف- عندي- إنما هو في العدد اليسير يتحملون من بلاد الحرب إلى بلاد المسلمين، فيثبت نسبهم بشهادة المسلمين، وأما العدد الكثير يتحملون من أهل الحصن فيقرون أنهم قرابة، فلا اختلاف أنهم يتوارثون بأنسابهم وإن لم يكونوا عدولا، لوقوع العلم بإقرارهم من جهة الخبر لا من طريق الشهادة، ولا حد في عددهم؛ لأن المعنى في ذلك إنما هو حصول العلم بخبرهم، وذلك لا يكون إلا في العدد الذي لا يمكن أن يتواطئوا على القول بذلك والإخبار به. فقول سحنون في أخذ هذه المسألة أصح من قول ابن القاسم. وقوله في أول مسألة: قال: إن كان محمولا فلا ترثه قرابته، معناه على ما حكيناه من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، معناه إذا لم يعرف أنهم قرابة إلا بدعواهم

وبشهادة بعضهم لبعض وأما لو عرف أنهم قرابة بشهادة شاهدين عدلين من سواهم، لكان لهم الميراث، وكانوا أحق به من مولاه، فيحتمل أن يكون قوله هذا على القول بأن الشهود إذا شهد بعضهم لبعض هؤلاء لهؤلاء، وهؤلاء لهؤلاء، لم تجز شهادتهم، ويحتمل أن يكون إنما قال ذلك من أجل أن الميت قد ثبت ولاؤه لمولاه؛ فيتحصل على هذا في إجازة شهادتهم إذا شهد بعضهم لبعض؛ ثلاثة أقوال، أحدها: أنها تجوز. والثاني: أنها لا تجوز، والثالث: الفرق بين أن يكون الميت قد ثبت ولاؤه لمن أعتقه، أو لمن يجب ذلك له بسبب العتق، وبين أن يكون حرا لا ولاء لأحد عليه؛ ويدل على هذا الفرق ما وقع في موطأ ابن وهب عن مالك أن المسبيين لا يتوارثون بشهادة بعضهم لبعض، بخلاف المتحملين؛ لأن الفرق بين المسبيين والمتحملين إنما هو أن المسبيين قد تقرر ولاؤهم لمن أعتقهم، ووجب لهم ميراثهم بولاء، فلا يبطل ذلك إلا بشهادة غيرهم، لا بشهادة بعضهم لبعض، والمتحملون لا ولاء لأحد عليهم، وبهذا المعنى اعتل الشافعي في الفرق بين المسألتين، وهو فرق ظاهر، فقال: إذا جاءوا مسلمين لا ولاء لأحد عليهم، قبلنا دعواهم؛ وإن كانوا قد أدركهم السبي والرق وثبت عليهم الولاء والملك، لم تقبل دعواهم إلا ببينة، وقد وقع في التفسير الثالث قال ابن القاسم: لو أن أهل حصن من الحصون سبوا جميعا بأسرهم ثم كانوا بموضع يتعارفون فيه، وأسلموا عند من ملكهم، لم يتوارثوا بتلك الأنساب؛ ولو أنهم إذ غلبوا على بلدهم، تركهم الإمام إذ أخذهم وضرب عليهم الجزية، توارثوا بأنسابهم؛ قال: والأمور تفترق بلا حجة ولا قياس، وعلينا في كل ما ثبت من ذلك من قول أهل العلم الاتباع، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الفرق بين المسألتين هو ما ذكرته وحكيته عن الشافعي. وقوله في أهل القرية التي افتتحت عنوة فسكنها أهل الإسلام

: الحامل من غير زوج تلد في أرض الإسلام توأما

معهم أنهم يتوارثون بأنسابهم، بخلاف المحمولين الذين يؤتى بهم من بلد آخر فيتعارفوا في دار الإسلام، أن أولئك لا يتوارثون بأنسابهم، معناه إذا كان عدد أهل القرية كثيرا، وعدد المحمولين يسيرا. ولو كان هؤلاء يسيرا وهؤلاء يسيرا، لما توارث هؤلاء ولا هؤلاء بإقرار بعضهم لبعض، إلا أن يكونوا عدولا، على الاختلاف في إجازة شهادة الشهود إذا شهد هؤلاء لهؤلاء وهؤلاء لهؤلاء، أو كان هؤلاء كثيرا لتوارث هؤلاء وهؤلاء بشهادة بعضهم لبعض، وإن لم يكونوا عدولا، لوقوع العلم بقولهم من جهة الخبر، على ما ذكرناه، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [: الحامل من غير زوج تلد في أرض الإسلام توأما] ومن كتاب أوله طلق ابن حبيب قال وسئل مالك عن الحامل من غير زوج تلد في أرض الإسلام توأما بأيهم يتوارثون؟ قال أرى أن يتوارثا من قبل الأم، قيل له: فولد الملاعنة بأيهما يتوارثان؟ قال بأصلهما، فقيل له: من قبل الأب؟ قال نعم، وقد كان عمر بن الخطاب يليط أولاد الجاهلية وهم زنى بآبائهم، فقيل له: فالتي تأتي حاملا من أرض الشرك تسبى فتلد في الإسلام توأما؟ قال يتوارثان من قبل الأب وهذا بيّن، وإنما مثل ذلك مثل ما لو جاء أهل قرية يريدون الإسلام- وامرأة حامل- فولدت في أرض الإسلام، فهم يتوارثون من قبل أبيهم فقيل له: إنه لا يدري الزوج أو غيره؟ فقال: هو من الزوج إذا كان في الشرك، وقد ألاط عمر بن الخطاب ما كان في الشرك وهو زنى.

: جدة الأب أم أب الأب إذا لم يكن ثم غيرها من الجدات ولا أم

قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة وقد كان عمر بن الخطاب يليط أولاد الجاهلية بمن استلاطهم وهم زنى بآبائهم يريد بالقافة، إنما يصح الاحتجاج به على التي تأتي حاملا من أرض الشرك، فتلد توأما، فكان صوابه أن يكون بإثرها لا بإثر مسألة الملاعنة، وقد يحتمل أن يريد بوجه احتجاجه أنه (إذا) كان عمر يليط أولاد الزنى - في حال ما - بآبائهم فأحرى أن يتوارث أتوام الملاعنة من قبل الأب، إذ ليس بزنى، لشبهة الفراش. وقد اختلف في أتوام الملاعنة ولم يختلف في أتوام المسبية والمستأمنة أنهما يتوارثان من قبل الأب والأم، وفي أتوام المغتصبة اختلاف، وقد اختلف أيضا في أتوام الزانية وقد مضى القول على ذلك (كله) مستوفى بالدلالة عليه في أول سماع ابن القاسم من كتاب اللعان، فلا معنى لإعادته ههنا مرة أخرى، وبالله التوفيق. [: جدة الأب أم أب الأب إذا لم يكن ثم غيرها من الجدات ولا أم] ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك عن جدة الأب- أم أب الأب- إذا لم يكن ثم غيرها من الجدات ولا أم، أترث؟ قال مالك لا ترث- وإن لم يكن ثم غيرها، فإنها لا ترث. قال محمد بن رشد: لم يختلف قول مالك وأصحابه في أنه لا يرث من الجدات إلا جدتان، أم الأم- وإن علت، وأم الأب- وإن علت على ما روي عن زيد بن ثابت. قال مالك ولم نعلم أحدا ورث غير جدتين منذ كان الإسلام إلى اليوم، فإن اجتمعا فالسدس بينهما، إلا أن تكون التي من قبل

: إذا استلحق من لا يشبه أن يكون ابنه

الأم أقرب. ومن أهل العلم- من غير المذهب- من يقول أن السدس للأقرب منهما، ولا يكون السدس بينهما إلا إذا استوتا في القرب؛ وروي عن ابن أبي أويس أنه قال: سألت مالكا عن الجدتين اللتين ترثان، والثالثة التي تطرح وأمهاتها؟ فقال: اللتان ترثان أم الأم وأم الأب وأمهاتهما- إذا لم تكونا. والثالثة التي تطرح: أم الجد أبي الأب وأمهاتهما؛ قال ابن أبي أويس: وأما أم أبي الأم فلا ترث شيئا؛ وقد روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ورث ثلاثة جدات: اثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم» وهو قول الأوزاعي، وروي مثله عن زيد بن ثابت، وروي عن ابن مسعود، وابن عباس - أنهما ورثا الجدات الأربع: أم الأم، وأم الأب، وأمهاتهما، وأم أبي الأب، وأم أبي الأم، وأمهاتهما، وإن علون. وروي عن ابن عباس أيضا قول ثان: أن الجدة كالأم إذا لم تكن أما، فترث على هذا الثلث، وهو خلاف الإجماع؛ فيشبه أن يكون الذي روى ذلك عن ابن عباس، قاسه على قوله في الجد لما جعله أبا؛ ظن أنه يجعل الجدة أما، والله أعلم، وبه التوفيق. [: إذا استلحق من لا يشبه أن يكون ابنه] ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا وسئل مالك عن الرجل يقول لغلامه: هذا ابني، والغلام معروف أنه سندي والرجل فارسي هل يصير حرا؟ قال مالك: ما يدعي من ذلك مما يستيقن الناس أنه ليس بابنه ولا ولده، فهو غير لاحق به.

مسألة: يقر فيقول هذا أخي ولا يعرف للمقر نسبا أصلا

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أنه إذا استلحق من لا يشبه أن يكون ابنه، وتبين في استلحاقه إياه كذبه، فلا يلحق به وإنما اختلف قول ابن القاسم إذا استلحق من يشبه أن يكون ابنه ولم يعلم ما يدعي من ملكه لأم المستلحق، أو تزويجه إياها، فإن عرف ملكه لها إن كانت أمة، أو تزويجه إياها إن كانت حرة وأتت به لما يشبه أن يكون منه، ولم يحزه غيره بنسب، لحق به باتفاق؛ فوجه يلحق به باتفاق، ووجه لا يلحق به باتفاق، ووجه يختلف في إلحاقه به، وإذا لم يلحق به في الموضع الذي يتفق أنه لا يلحق فيه لتبين كذبه فلا يتفق عليه، إن كان عبدا له؛ قال سحنون؛ وإذا لم يلحق به في الموضع الذي يختلف فيها إلحاقه به على القول بأنه لا يلحق به، فإنه يعتق عليه إن كان عبدا له، وبالله التوفيق. [مسألة: يقر فيقول هذا أخي ولا يعرف للمقر نسبا أصلا] مسألة وقال ابن القاسم: في الرجل يقر فيقول، هذا أخي ولا يعرف للمقر نسبا أصلا، أنه إن مات ورثه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أنه يرثه بإقراره له أنه أخوه، يريد أنه إذا كان قد قال أن هذا أخي شقيقي أو لأب، ولم يعرف له نسب أصلا؛ لأنه إذا عرف له نسب فقد تبين كذبه، ومعنى ذلك إذا لم يكن له وارث معروف بنسب ولا ولاء على ما قاله في المدونة وغيرها؛ وأما إن كان قال: هذا أخي ولم يزد على ذلك، ولا سئل عن بيان ما أراد حتى مات، فلا يرث إلا السدس، لاحتمال أن يريد أنه أخوه لأمه، فيكون بمنزلة إذا قال هذا أخي لأمي ولا يثبت نسبه بإقراره له، وإنما يرثه مراعاة لقول أهل العراق في قولهم أن الرجل إذا لم يكن له وارث، فله أن يوصي بجميع ماله لمن أحب، وليس (له) عند

مالك وجميع أصحابه أن يوصي بأكثر من الثلث، وقد قيل: إن الميراث لا يكون له إلا بعد يمينه أن ما أقر له به المتوفى حق ويقوم ذلك من كتاب الولاء والمواريث من المدونة، والوجه في ذلك، أنه أنزل إقراره به كشهادة له بالنسب، فوجب أن يحلف معه ويستحق الميراث، كالذي يدعي ميراث رجل قد مات ولا وارث له، فيأتي بشاهد يشهد له بنسبه، فإنه يحلف مع شاهده فيأخذ المال ولا يستحق النسب؛ وهذا مذهب ابن القاسم، ويحلف على هذا المقر له مع إقرار المقر به- وإن لم يكن عدلا مراعاة؛ لقول أهل العراق الذي ذكرناه، وسحنون يرى بيت المال كالنسب القائم، فلا يوجب للمقر له ميراثا بإقرار المقر وإن لم يكن له وارث معروف؛ هذا هو المنصوص عن سحنون، وله في نوازله من هذا الكتاب خلاف ذلك، مثل قول الجماعة، ولا يجوز إقراره له بأنه وارثه ويرثه به إذا كان له وارث معروف بنسب أو ولاء، إلا في خمسة مواضع، وهي: أن يقر بولد، أو بولد ولد، أو بأب أو بجد، أو بزوجة- إذا كان معها ولد أقر به أيضا واستلحقه، غير أن وجوهها تفترق؛ فأما إذا أقر بولد فيلحق به نسبه في الموضع الذي ذكرناه في المسألة التي قبل هذه أنه يلحق به فيه باتفاق أو على اختلاف أقر الولد، أو أنكر؛ فإن شاء أخذ ميراثه، وإن شاء تركه؛ وأما إذا أقر بولد ولد فلا يلحق به إلا أن يقر به الولد، فيكون هو مستلحقه، أو يكون قد عرف أنه ولده فيكون إنما استلحق هو الولد؛ وكذلك إذا أقر بأب لا يلحق به ويرثه، إلا إذا أقر به الولد فيكون هو مستلحقه؛ وأما إذا أقر بجد فلا يلحق به؛ إلا أن يقر الجد بأبيه، ويقر أبوه به، فيكون كل واحد منهما قد استلحق ابنه؛ وأما إذا أقر بزوجة لها ولد أقر به فإقراره بالولد يرفع التهمة في الزوج فترثه وإن لم تثبت الزوجية ولا عرفت، وبالله التوفيق.

: العمل على الحديث الذي جاء في القافة

[: العمل على الحديث الذي جاء في القافة] من سماع أشهب وابن نافع من مالك - رواية سحنون من كتاب الأقضية - قال أشهب وابن نافع سألنا مالكا أترى العمل على الحديث الذي جاء في القافة يؤخذ بقولهم اليوم ويصدقون؟ قال: أما فيما يلحق من الولد فنعم، وأما بغايا الجاهلية فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا، ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية، ولا أرى أن يؤخذ بقول قائف واحد، وأرى أن يؤخذ بقول قائفين، لا أرى أن يجزي في ذلك، إلا اثنان؛ لأن الناس قد دُخلوا، وفي رواية محمد بن خالد عن ابن القاسم أن الغائب الواحد يؤخذ بقوله إذا كان عدلا. قال محمد بن رشد: وقع في هذه المسألة اختلاف في الرواية، ونص الرواية الواحدة سألنا مالكا أترى العمل على الحديث الذي جاء في القافة يؤخذ بقولهم اليوم ويصدقون، قال: أما فيما يلحق من الولد فنعم، وأما بغايا الجاهلية فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا، ولا يكون ذلك في ولادة الجاهلية. ونص الرواية الثانية سألنا مالكا أترى العمل على الحديث الذي جاء في القافة يؤخذ بقولهم اليوم ويصدقون؟ قال أما ما يلحق من الولد فنعم، وأما بقايا الجاهلية فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا، ولا يكون ذلك في ولادة الجاهلية. وفي المسألة على كلا الروايتين إشكال يفتقر إلى تخريج وبيان،

أما الرواية الأولى فقوله فيها أما فيما يلحق من الولد فنعم- يريد أما فيما يلحق ولد الأمة يطؤها البائع والمشتري أو الشريكان في طهر واحد فنعم. وقوله فيها وأما بغايا الجاهلية، فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا- يريد أن الرجلين إذا ادعيا ولد بغي من زنى كان في شركهما لا يثبت نسبه لواحد منهما بالقافة. وقوله فيها ولا يكون ذلك في ولادة الجاهلية- يريد أي لا يسامح (لشيء) في ذلك بسبب استحلالهم للزنى؛ وهذه الرواية تخرج على مذهب ابن الماجشون في قوله إنه لا يتوارث في الإسلام بولادة الشرك وإن ثبت النسب بالبينة على ظاهر قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يتوارث في الإسلام بولادة الجاهلية. وأما الرواية الثانية فالوجه فيها أن السؤال إنما كان عن العمل على الحديث الذي جاء في القافة في الموضع الذي جاء فيه عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو في المتداعيين ولد امرأة من زنى كان منهما في الشرك بها فقال أما فيما يلحق من الولد- يريد بأحد المتداعيين فيه من الزنى في الشرك فنعم، وقوله فيها وأما بغايا الجاهلية، فلا يريد مثل البغايا اللواتي كن ينصبن أنفسهن في الجاهلية للزنى فيدخل عليهن العدد الكثير من الرجال وكان لهن رايات يعرفن بها، فإذا استمر بإحداهن حمل جمع لها كل من دخل عليها فألحقت القافة ابنها بمن رأت أنه له منهم- شاء أو أبى، فلم ير القافة في مثل هذا. وقوله بعد ذلك فيها: وأرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا، ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية- يعود على أول المسألة في المتداعيين ولد امرأة من زنى كان في الشرك، لا على مسألة البغايا التي

تليها؛ فعلى هذا التأويل تستقيم هذه الرواية، وإنما التبست بما وقع فيها من التقديم والتأخير؛ فلو قال فيها: أن فيما يلحق من الولد فنعم، وأرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية: وأما البغايا فلا، لارتفع الإشكال منها، وكان معناها للذي حملناها عليه، ووجهناها به؛ ولا يحكم بقول القافة إلا في أولاد الإماء دون الحرائر؛ لأنهم لو نفوا الولد عن أبويه في الحرة، لزمهم الحد، ولا يلزمهم ذلك في الإماء. قاله ابن دحون، وليس بتعليل صحيح. لأن من زنى بأمة إن لم يجب عليه الحد، يجب عليه الأدب؛ وقد تكون الحرة قد ماتت وليس لها من يقوم بحدها فلا يلزم (من) قذفها شيء، وإنما تدعى القافة لتلحق الولد بأحد السيدين، لا تنفيه عنهما جميعا؛ وقد روي عن مالك أن القافة تكون في أولاد الحرائر؛ لأنها إنما تدعي لتلحق الولد بأحد الزوجين لا لتنفيه عنهما جميعا، ولو نفته عنهما جميعا بالشبه من غير تحقيق، لما لزمها حد، وإنما لم تكن القافة في أولاد الحرائر على المشهور في المذهب لحرمة النكاح وقوة الفراش به، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد للفراش وللعاهر الحجر.» فوجب لهذا الحديث أن يلحق الولد بصاحب الفراش الصحيح دون الفاسد. وأما قوله في آخر المسألة ولا أرى أن يؤخذ بقول قائف واحد إلى آخر قوله، فقد مضى الكلام عليه في نوازل سحنون من كتاب الشهادات فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

: القوم من أهل الحرب يسلمون جماعة

[: القوم من أهل الحرب يسلمون جماعة] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس قال عيسى: وقال ابن القاسم في القوم من أهل الحرب يسلمون جماعة، فيستلحقون أولادا من زنى. قال إذا كانوا أحرارا ولم يدعهم أحدهم لفراش فهم ولده، ويلحق به الولد؛ وقد ألاط عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من ولد في الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام، إلا أن يدعيه معه سيد الأمة، أو زوج حرة؛ لأنه قد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الولد للفراش وللعاهر الحجر.» فإذا ادعاه معه سيد الأمة أو زوج الحرة، فهو أحق به قلت: والنصارى يسلمون فيدعون أولادا من زنى كانوا في نصرانيتهم، فقال: يلاطون بهم؛ لأنهم يستحلون في دينهم الزنى وغيره. قلت فإن استلحق رجل منه ولد أمة مسلم أو نصراني فقال إذا ألحقه به، فإن أعتق يوما ما كان ولده وورثه. قال محمد بن رشد: قوله في أول هذه المسألة إذا كانوا أحرارا ولم يدعهم أحد لفراشه فهم ولده، يدل على أنهم إذا كانوا عبيدا فلا يلحقون

: يدخل أرض حرب فيقيم بها سنين ثم يخرج ومعه ذرية

به، وإن لم يدعهم أحد لفراش، وقد وقع مثل هذا في كتاب أمهات الأولاد من المدونة، وهو خلاف قوله في آخر المسألة. إذا ألحقه به فإن عتق يوما ما كان ولده وورثه، وهذا الذي قاله في آخر المسألة هو الصحيح، إذ لا يمتنع أن يكون ابنا للمقر به المستلحق له، وعبدا للذي هو بيده. وفي قوله ألحقه به فإن عتق يوما ما كان ولده وورثه، تجاوز في اللفظ بتقديم وتأخير وقع في الكلام، وحقيقته إذا ألحقه به، ويكون ولده، فإن عتق يوما ما ورثه، وبالله التوفيق. [: يدخل أرض حرب فيقيم بها سنين ثم يخرج ومعه ذرية] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وسألت ابن القاسم عن الرجل من المسلمين يدخل أرض حرب فيقيم بها سنين ثم يخرج ومعه ذرية فيقول هؤلاء أولادي، هل يجوز إقراره؟ أم هل يتوارثون بذلك؟ قال نعم، إقراره جائز وهم يتوارثون به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: أنهم يلحقون به؛ لأن ما ادعاه يشبه لخروجه بهم من دار الحرب، وهو المشهور المعلوم من مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها، ويأتي على ما حكاه ابن المواز عنه أنه لا يلحق به، إلا أن يعلم أنه تزوج أمة، أو اشتراها، وقد مضى القول على هذا محصلا في سماع رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

: توفي وترك عم أبيه وجد أبيه

[: توفي وترك عم أبيه وجد أبيه] ومن كتاب شهد على شهادة ميت وعن رجل توفي وترك عم أبيه وجد أبيه، من أولى بالميراث وولاء مواليه؟ قال ابن القاسم: جد الأب أولى بالميراث وولاء الموالي من عم الأب؛ لأني سألت مالكا عن العم والجد من أولى بالميراث، فقال: الجد أولى. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العم ولد الجد، وعم الأب ابن جد الجد؛ وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء للكبر» يريد الأقرب فالأقرب، وأقرب الناس إلى الرجل بعد ولده، أبوه ثم ولد الأب وهم الإخوة: الأقرب فالأقرب، ثم جده، ثم ولد جده، وهم الأعمام: الأقرب فالأقرب أيضا؛ ثم ولد الجد، ثم ولده- الأقرب فالأقرب؛ ثم جد الجد، ثم ولده أيضا- الأقرب فالأقرب؛ هكذا أبدا إلى ما يمكن أن يدرك الأسفل الأعلى، ويستوي في هذا الولاء والميراث؛ لأن الميراث فيه إنما هو بالتعصيب (ولا يرث بالتعصيب) ، إلا الأقرب فالأقرب بمنزلة ميراث الولاء، وبالله التوفيق. [مسألة: توفي وترك ابن أخيه وجد أبيه] مسألة وعن رجل توفي وترك ابن أخيه وجد أبيه، من أولى بميراثه؟ قال ابن القاسم: جد الأب أولى- وهو في مكان الجد- إذا لم يكن جد دنية، وابن الأخ أولى من الجد بالولاء، بخلاف المال.

: يستلحق الولد ثم ينكره بعد استلحاقه

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن جد الجد- وإن علا- فهو بمنزلة الجد إذا لم يكن دونه جد، وقد قيل فيه: إنه أب يحجب الإخوة كلهم في الميراث، ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقاسم الإخوة أشقاء كانوا أو لأب، ولا ينقصونه من الثلث شيئا- إن كان الإخوة أكثر من اثنين، فإن اجتمع معه أخ شقيق وإخوة لأب عاده الأخ الشقيق بالأخوة للأب، فردوه بهم إلى الثلث، وكان للأخ الشقيق ما بقي؛ لأنه أحق من الذين للأب، فإن كان مكان الأخ الشقيق أخت شقيقة، كان للأخوة للأب ما فضل بعد حظ الأخت الشقيقة، والجد في الميراث يحجب بني الأخوة كلهم؛ وأما في الولاء، فهم أحق منه لأنهم بنو الأب، وبنو الأب- وإن سفلوا- أقرب من الجد على ما ذكرناه في المسألة التي فوق هذه من ترتيب الأقرب فالأقرب من العصبة، قال مالك: ذلك كله على قياس ما ذكره في موطئه من أن معاوية ابن أبي سفيان كتب إلى زيد بن ثابت يسأله عن الجد، فكتب إليه زيد بن ثابت إنك كتبت إلي تسألني عن الجد- والله أعلم- وذلك مما لم يقض فيه إلا الأمراء، يعني الخلفاء، وقد حضرت الخليفتين قبلك يعطيان النصف مع الأخ الواحد، والثلث مع الاثنين؛ فإن كثر الأخوة لم ينقصوه من الثلث - والله أعلم، وبه التوفيق. [: يستلحق الولد ثم ينكره بعد استلحاقه] ومن كتاب أوله يدير ماله فتحل زكاته وسئل عن الذي يستلحق الولد ثم ينكره بعد استلحاقه إياه-

ويموت الولد عن مال، فلا يأخذه المستلحق؛ قال يوقف ذلك المال، فإن مات هذا المستلحق، صار المال لورثته وقضي به دينه، وإن قام عليه غرماؤه، وهو حي، أخذوا ذلك المال في ديونهم. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة يوقف ذلك المال إلى آخر قوله، كلام فيه نظر؛ لأن إنكار الولد بعد استلحاقه إياه إنما لا يسقط نسبه إن مات قبله؛ لأنه إن مات قبله اتهم في قطع نسبه فورثه الابن؛ ثم إن مات الابن بعده، كان ميراث الابن لعصبته من قبل أبيه المستلحق له؛ ولو رجع في حياته إلى استلحاقه، صح له رجوعه وورثه إن مات؛ وأما إن مات ابن المستلحق قبله، فالواجب أن يكون جميع ميراثه لجماعة المسلمين؛ لأنه مقر أن هذا المال لهم، لا حق له فيه معهم، وهم لا يكذبونه، فلا معنى لتوقيفه؛ إذ لا يصح أن يقبل رجوعه فيه بعد موته برجوعه إلى استلحاق ابنه؛ لأنه قد ثبت لجماعة المسلمين بثبوته على إنكاره إلى أن مات، فليس له أن يرجع فيه؛ بخلاف من أقر لرجل بمال فأنكره المقر له به؛ لأن هذا يجب توقيفه ليأخذه من رجع منهما أولا إلى تصديقه صاحبه كالرجل يقر للمرأة أنه قد دخل بها وهي تنكر، وما أشبه ذلك على اختلاف في هذا الأصل، فالذي يوجبه النظر في هذه المسألة الأحق في ميراث هذا الابن المستلحق إذا مات المستلحق قبل أبيه- لورثة أبيه المنكر له بعد استلحاقه، ولا لأهل دينه، ولا لغرمائه- إن قاموا عليه- وهو حي- إذا كان إنكاره الولد في حياته أو بعد وفاته، إلا أن يكون إنكاره إياه بعد وفاته وهو مفلس، إذ لا يجوز إقراره بعد التفليس بما في يديه أنه لغير غرمائه، وهذا بين كله- والحمد لله؛ ووجه

: العبد يكون له ولدان حران وأبو العبد حر فيموت أحد الولدين

هذا القول على ما فيه من الاعتراض، أنه لما رجع عن إقراره به في حياته، أنهم على قطع نسبه الذي كان قد ثبت له بإقراره، فأبطل رجوعه ولم يجعل له تأثير؛ والقياس أن يلزم رجوعه عن إقراره به إذا مات قبله، فيصير ميراثه منه لبيت مال المسلمين، ولا يكون لغرمائه فيه شيء، وإنما يجب أن يوقف ميراثه منه كما قال، فيكون لورثته- إن مات، ويقضى به دينه، ويأخذه غرماؤه إن قاموا، وهو حي إن كان أنكره بعد استلحاقه إياه- وله ولد لأنه إذا كان له ولد اتهم في قطع نسبه منه، وإن مات، وبالله التوفيق. [: العبد يكون له ولدان حران وأبو العبد حر فيموت أحد الولدين] ومن كتاب الجواب وسألته عن العبد يكون له ولدان حران، وأبو العبد حر، فيموت أحد الولدين، أيكون الميراث كله للجد؟ أو يكون بينه وبين الأخ الباقي؟ وعن قول مالك في موطئه الجد يجر الميراث أي ميراثه هو، وقال ابن القاسم: الميراث بين الجد والأخ نصفين، وهذا مما لم تختلف فيه الأمة، وهو وارث معه والجد أخ مع الأخ، وإنما تفسير قول مالك: أن الجد يجر الميراث، إنما ذلك إذا كان وحده ولم يكن معه وارث غيره جر الميراث كله ولم يمنعه من حياة الأب؛ لأن الأب العبد لا يحجب؛ لأنه بمنزلة الميت والكافر. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة الميراث بين الأخ والجد بنصفين صحيح، لا اختلاف فيه في المذهب على ما جاء عن

عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقوله: وهذا مما لم تختلف فيه الأمة يريد أنها لم تختلف في أن العبد لا يرث ما لم يعتق، وأما ميراث الأخ أو الأخوة الأشقاء أو الذين للأب مع الجد، لاختلاف بين الأمة فيه كثير، لا يمكن أن يغيب علمه عن ابن القاسم، ممن جاء عنه أنه أنزل الجد مع الأخوة بمنزلة الأب، وجعله أحق بجميع الميراث، منهم: أبو بكر الصديق، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وعائشة أم المؤمنين، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو هريرة، وابن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وهو مذهب أبي حنيفة، المزني من أصحاب الشافعي؛ وقول جل أهل العلم يتنزل الجد منزلة الأب في عدم الأب، كما يتنزل ابن الابن بمنزلة الابن في عدم الابن، وقوله في الرواية بعد ذلك وهو وارث معه- يريد في مذهب مالك الذي يأخذ به، تفسيره لما سأل عنه مما ذكر أنه وقع في موطأ مالك من قوله الجد يجر الميراث أي ميراث هو صحيح لا إشكال فيه على ما حكاه من أنه وقع في موطئه، ولم يقع في الموطأ على هذا النص، وإنما وقع فيه على نص فيه إشكال واختلال، ونص ذلك: قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في ولد العبد من امرأة حرة وأبو العبد حر، أن الجد أبا العبد يجر ولاء ولد ابنه الأحرار من امرأة حرة، يرثهم ما دام أبوهم عبدا، فإن عتق أبوهم رجع الولاء إلى مواليه، وإن مات وهو عبد كان الميراث والولاء للجد، وإن العبد كان له ابنان حران فمات أحدهما وأبوه عبد جد الجد أبو الأب الولاء

والميراث، هذا نص قوله في الموطأ فمعنى قوله فيه أن الجد أبا الجد يجر ولاء ولد ابنه الأحرار من امرأة حرة يرثهم، هو أن الجد كان معتقا وأعتق أحد ولد العبد الأحرار عبدا، فتوفي- ولا مواريث له إلا مولى الجد المعتق، فإن الجد يجر ولاء مولى حفيده المتوفى إلى مولاه فيرثه ما دام ابنه عبدا، فإن أعتق جر الولاء إلى مولاه وكان أحق به من مولى أبيه الجد؛ ويحتمل أن يريد بقوله يجر ولاء ولد ابنه الأحرار أي يجر ميراث ولد ابنه الأحرار إلى مولاه الذي أعتقه، فيكون أحق به ما دام أبوهم عبدا، فإن أعتق أبوهم رجع الولاء إلى الميراث إلى مواليه، كما قال، وكانوا أحق به من مولى الجد؛ وإنما قلنا ذلك؛ لأن ولد العبد من امرأة حرة أحرار من أصلهم، لا ولاء لأحد عليهم؛ وأما قوله: وأن العبد كان له ابنان حران فمات أحدهما وأبوه عبد جر الجد أبو الأب الولاء والميراث؛ فكلام مختل وقع على غير تحصيل، والله أعلم، جد الأخ الولاء وكان الميراث بينهما، وكذلك وقع في رواية مطرف، وإنما قلنا إنه الصواب، من أجل أنه لا اختلاف في المذهب في أن الجد في الميراث مع الأخ بمنزلة أخ يكون الميراث بينهما بنصفين، ولا في أن موالي الأخ أحق من موالي الجد، ويحتمل أن يكون وجه قوله على اختلاله أنه إن مات أحدهما، وأبوه عبد جر الجد إلى نفسه نصف الميراث؛ لأنه يكون بينه وبين الأخ ما دام الأب عبدا، وأنه إن مات لأحد الابنين مولى ولا وارث له إلا مولى الجد، جر الجد ولاءه إلى مولاه، فكان أحق به- ما دام ابنه عبدا لم يعتق، فإن عتق جر الولاء إلى مولاه، فكان أحق به من مولى الجد، وبالله التوفيق.

: هلك وترك ابنته وعصبته

[: هلك وترك ابنته وعصبته] ومن كتاب العتق وسألت ابن القاسم عن رجل هلك وترك ابنته وعصبته، فقالت الابنة: هذا أخي؛ قال ابن القاسم: قال مالك: تدفع إليه ثلث ما في يديها. قال محمد بن رشد: قوله تدفع إليه ثلث ما في يديها، هو المعلوم من قول مالك المشهور من مذهبه أن الوارث إذا أقر بوارث لا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما زاد نصيبه في الإنكار على الإقرار؛ فإن نقص نصيبه في الإنكار، أو لم يزد على نصيبه في الإقرار، مثل أن تقر الزوجة بأخ وما أشبه ذلك، وفي ذلك في المذهب اختلاف، قيل: إن من حق المقر له أن يرجع على المقر بما يجب له على المقر به، وبنصف ما يجب له على المنكر له، فإن أقر المنكر يوما ما، رجع كل واحد منهما بما بقي عليه من حقه حتى يستووا جميعا في الميراث، فقال ذلك، يترك الميت ابنين فيقر أحدهما بأخ، فإن المال يكون بين الابنين الثابتي النسب بنصفين، ثم يرجع المقر له على المقر في النصف الذي له فيشاركه فيه بالسواء؛ لأنه يقول له: أنت مقر لي أني أخوك، فادفع إلي نصف ما بيدك، فإن أقر المنكر بعد ذلك دفع من النصف الذي بيده إلى كل واحد منهما سدسه، فيكمل لكل واحد منهما بذلك ثلث المال، ويبقى بيده هو ثلثه أيضا فيستوون جميعا في الميراث، وكذلك على قياس هذا القول لو توفيت امرأة عن زوج وأخت، فأقر الزوج بأخ لرجع الأخ المقر به على الزوج الذي أقر به بثلث ما بيده، فإن أقرت الأخت به يوما ما رجع الزوج عليها بما رجع به الأخ عليه المقر به، ورجع الأخ المقر به عليهما ببقية حقه، مثال ذلك: أن تترك المتوفاة ستين دينارا فيأخذ الزوج ثلاثين والأخت ثلاثين

دينارا ثم يرجع الأخ المقر به على الزوج الذي أقر به، فيقول له الثلاثون التي أخذت لا تجب لك إلا من ستين- وأنت قد أقررت أني أخو المتوفاة، فوجب لي على قولك من الستين عشرون، فلا يجب لك إلا نصف الباقي (وذلك عشرون) لأن الأخت قد جحدتني العشرين، فصارت بجحودها مستهلكة لها، فإن أقرت الأخت به يوما ما أخذ منها العشرين الواجبة له، فرد منها على الزوج العشرة التي قبضت منه؛ وأقل ما تنقسم منه هذه الفريضة على ما رتبه أهل الفرائض اثنا عشر، وهذا مذهب ابن كنانة من أصحابنا، لذلك قال على أصله: هذا في مسألتنا أن الأخت تدفع إلى الأخ الذي أقرت به ثلثي ما بيدها؛ لأنه يقول لها أنت مقرة إني أخوك فادفعي إلي ثلثي ما بيدك، فإن أقر العصبة به على مذهبه، أخذ منها النصف فأكمل منه للأخت تمام الثلث، وللأخ تمام الثلثين، وهي تنقسم من ستة فيأخذ أولا الأخ من النصف الذي صار للأخت اثنين ويبقي (بيدها) واحد، فإذا أقر العصبة أخذت منهم الأخت واحدا والأخ اثنين؛ ووجه هذا القول أن ما وجب للمقر به في حظ المنكر له في حكم المستهلك لإنكاره إياه، وعلى قياس هذا إلى اختلاف يختلف في أحد الورثة يقر بدين على الميت، فلا يلزمه على القول الأول من الدين الذي أقر به إلا ما ينوبه منه؛ وعلى القول الثاني: يأخذ المقر له بالدين جميع دينه من يد الذي أقر به كما إذا ثبت الدين ببينة وقد اقتسم الورثة تركة الميت وألفي في يد أحدهم ما قبض، وكان بقية الورثة قد قبضوا حقوقهم

مسألة: هلك وترك ثلاث بنات أو أربعا فادعين أخا

واستهلكوها وهم عدماء؛ لأنه يقول له: إن أقر له بالدين: أنت مقر لي بالدين، فلا يصح لك ميراث إلا بعد أداء الدين، لقول الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، وهذا القول هو الذي اختاره ابن حبيب وقال: إن أصحاب مالك كلهم ينكرون قول مالك؛ إذ لا ميراث لأحد إلا بعد وفاء الدين؛ وأنكر أبو عمر الإشبيلي ما حكاه ابن حبيب عن أصحاب مالك وقال: إنه لا يعرف ذلك لأحد منهم، فإن أقروا رجع المقر بالدين عليهم بما غرم منه زائدا على ما وجب عليه، ويتخرج على هذا الاختلاف الذي وصفناه في أخت أقرت بابنة ثلاثة أقوال، أحدها: أن الابنة أحق بجميع حظ الأخت؛ لأنها تقول لها أنا أحق منك على قولك بالنصف الذي بيدك؛ لأني مبدأة عليك، فحقك إنما هو الذي في يد العصبة. والثاني: أن الأخت أحق بجميع ما بيدها ولا شيء للابنة المقر بها؛ لأنها تقول لها إنما أقررت لك بالنصف الذي بيد العصبة. والثالث: أن للبنت نصف ما بيد الأخت؛ لأن قسمتها مع العصبة لا تجوز عليها، فقد أقرت لها بنصف جميع المال على الإشاعة، فتأخذ نصف النصف الواجب للأخت، ويكون للأخت النصف الثاني، وللعصبة نصف المال كاملا، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وترك ثلاث بنات أو أربعا فادعين أخا] مسألة قال وسألته عن رجل هلك وترك ثلاث بنات أو أربعا فادعين أخا، قال: إن كن أربعا أو أكثر لم يرددن شيئا، وإن كن ثلاثا كان لهن ثلاثة أخماس المال كله، ورددن ما فضل في أيديهن إلى الذي ادعين. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو على قياس قوله في

المسألة التي قبلها، وعلى المشهور في المذهب، ووجه العمل في ذلك أن ينظر من حيث تقوم فريضتهم وتنقسم عليهم على الإقرار وعلى الإنكار، فما ازداده المقرات في حال الإنكار على الإقرار دفعنه إلى المقر به، وهي تقوم وتنقسم على الإقرار والإنكار إذا ترك الميت ثلاث بنات وعصبة، فأقر البنات بأخ من خمسة عشر- ضرب فريضة الإنكار ثلاثة في فريضة الإقرار- خمسة فيصير للبنات في حال الإنكار الثلثان بعشرة، وفي حال الإقرار ثلاثة الأخماس بتسعة، فيأخذ المقر به ما بين التسعة والعشرة- وذلك واحد وهو ثلث الخمس، ويبقى للعصبة الثلث وهو خمسة، فإن أقروا بالأخ يوما ما دفعوا إليه الخمسة التي بأيديهم، فاستوفى بذلك جميع حقه- وهو الخمسان وذلك ستة من خمسة عشر، وهي تقوم وتنقسم على الإقرار والإنكار إذا ترك الميت أربع بنات وعصبة من ستة، ويصير للبنات في حال الإقرار الثلثان أربعة مثل ما يصير لهن في حال الإنكار، فلا يلزمهن للأخ الذي أقررن به شيء، وكذلك لو ترك الميت خمس بنات وعصبة، لما وجب للمقر به على البنات شيء؛ لأنه يحصل لهن في حال الإقرار أكثر مما يحصل لهن في حال الإنكار، فيتهمن في إقرارهن على العصبة، وذلك أن الفريضة تقوم وتنقسم على الإقرار والإنكار من واحد وعشرين ضرب ثلاثة في سبعة، فيصير للبنات في حال الإقرار خمسة عشر، ويبقى للعصبة ستة؛ وفي حال الإنكار أربعة عشر، ويبقى للعصبة سبعة، ويدخل في هذه المسائل كلها الاختلاف الذي ذكرناه في المسألة التي قبلها، فيجب على قول ابن كنانة من

: يموت فيقسم ورثته ميراثه ثم يأتي رجل فيقيم البينة أنه ولده

أصحابنا ومن ذكرناه معه- إذا كان البنات ثلاثا وعصبة فأقررن بأخ أن يكون للأخ مما بيد البنات ثلثه وذلك ستة من ثمانية عشر- وهي التسعان من سبعة وعشرين التي تنقسم الفريضة منها، وذلك أن الأخ المقر به يقول لأخواته: الثلث الذي أقررن به لي قد جحدته العصبة، فصارت بجحودها إياه مستهلكة له، فلا يجب لكن الثلثان إلا من الباقي وذلك اثنا عشر وبأيديكن ثمانية عشر فادفعن إلي الستة الفاضلة بأيديكن فيأخذها منهن، فإذا أقر العصبة (به) يوما ما أخذ الأخ منها ثلاثة والبنات ستة بقية التسعة، فاستوفى بذلك البنات الثلثين، والأخ الثلث، ويأتي على قوله إذا كان البنات أربعا وعصبة، فأقر البنات بأخ أن يكون للأخ مما بيد البنات ثلثه أيضا- وذلك أربعة من اثني عشر- وهي التسعان من ثمانية عشر التي تنقسم الفريضة منها، وذلك أن الأخ المقر به يقول لأخواته- الثلث الذي أقررتن به لي قد جحدتني إياه العصبة فصارت بجحودها إياه مستهلكة له، فلا يجب لكن الثلثان، إلا من الباقي- وذلك ثمانية وبأيديكن اثنا عشر فادفعن إلي الأربعة الفاضلة بأيديكن، فيأخذها منهن، فإن أقرت العصبة به يوما ما أخذ الأخ منها اثنين، والبنات أربعة بقية الستة، فاستوفى بذلك البنات الثلثين، والأخ الثلث، وكذلك على هذا القياس إذا كان البنات أكثر من أربع، وبالله التوفيق. [: يموت فيقسم ورثته ميراثه ثم يأتي رجل فيقيم البينة أنه ولده] ومن كتاب العرية قال وسألت ابن القاسم عن الرجل يموت فيقسم ورثته ميراثه،

ثم يأتي رجل فيقيم البينة أنه ولده ويثبت نسبه، ويعدم بعض الورثة؟ قال: ينظر إلى ما صار بيد كل وارث من حقه أن لو كان أولا معهم فيتبع المعدم بما صار عليه، والمليء بما صار عليه، ولا يأخذ من المليء عن المعدم، بمنزلة ما لو هلك رجل وترك أمه وأخاه، فأخذت الأم الثلث، والأخ الثلثين، ثم جاء رجل فاستحق أنه أخوه، فأخذ من الأم السدس، ومن الأخ الربع، يتبع الأم بالسدس- مليئة كانت أو معدمة، والأخ بالربع مليئا كان أو معدما. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، أعلمه، وكذلك حكم الغريم يطرأ على الغرماء، والموصى له على الموصي لهم، فإن وجد بأيديهم ما قبضوا قائما لم يفت، أخذ من كل واحد منهم ما يجب له، ولم تنتقض القسمة إن كان ذلك مكيلا أو موزونا، وإن كان حيوانا أو عروضا، انتقضت القسمة، لما يدخل عليها من الضرر في تبعيض حقهم، واختلف هل يضمن كل واحد منهما للطارئ ما ينوبه مما قبض إن قامت له بينة على تلفه من غير سببه أم لا على قولين، أحدهما: أنه ضامن لذلك. والثاني: أنه لا ضمان عليه فيه، فإذا قلنا: إنه ضامن مع (قيام) البينة، فتلزمه القيمة يوم القبض بالتفويت بالبيع والهبة والصدقة والعتق وما أشبه ذلك، وإذا قلنا: إنه لا ضمان عليه مع قيام البينة، فلا يضمن بالتفويت بالبيع والعتق والهبة والصدقة، ولا يلزمه في البيع إلا حظ الطارئ من الثمن الذي قبض إن جاز البيع واختار أخذ الثمن، ويصدق في دعوى التلف- إن لم تكن له بينة فيما لا يغاب عليه دون ما يغاب عليه، وقد قيل: إنه

: ادعت أن رجلا قد هلك كان أباها

في العتق ضامن دون ما سواه- وإن قامت البينة على تلفه وهو مذهب أصبغ، وظاهر رواية يحيى عن ابن القاسم، وذلك كله بخلاف الغريم يطرأ على الورثة، أو على الموصى لهم بالثلث وعلى الورثة، وبخلاف طرو الموصى له بعدد على الورثة بعد القسمة، والحكم في ذلك يتشعب، وقد تكلمنا على ذلك في غير هذا الكتاب، واختلف في طرو الموصى له بجزء على الورثة، فقيل: إنه بمنزلة طرو الوارث على الورثة- وقيل: إنه بمنزلة طرو الغريم أو الموصى له بعدد على الورثة، وبالله التوفيق. [: ادعت أن رجلا قد هلك كان أباها] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن امرأة ادعت أن رجلا قد هلك كان أباها وأتت بالبينة أن ذلك الرجل كان مقرا في صحته أنها ابنته، ولا يعلم الشهود أن أمها كانت امرأة ذلك الرجل ولا أمة له - وهم جيرانه ومعه في موضع واحد، والرجل الذي كان مقرا بهذه الجارية أنها ابنته رجل حسن الحال، غير متهم بالفسق، وكيف إن كان من أهل التهم؟ فقال: لا ينظر في مثل هذا إلى حال الرجل المقر إذا كان يرى أنه إنما أقر بها من حلال، فنسبها ثابت، وميراثها منه واجب- وإن لم تعرف أمها في ملكه حرة ولا مملوكة، إلا أن يقر بها على وجه يعرف الناس به كذبه بالأمر الذي لا شك فيه، فلا

: يموت وله ولد معروف ثابت النسب

يقبل قوله، أو يقربها على سبب فسق، فلا يثبت لها به نسب، وسواء كان المقر صالحا أو غير صالح، الحكم فيهما سواء. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى من القول عليها ما فيه كفاية في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، ويأتي في نوازل أصبغ ما فيه زيادة على ذلك- إن شاء الله، وبالله التوفيق. [: يموت وله ولد معروف ثابت النسب] ومن كتاب الصلاة وقال ابن القاسم: في الرجل يموت وله ولد معروف ثابت النسب، ثم يدعي رجل أنه ابن الهالك ويأتي بشاهد، أنه لا يحلف مع شاهده ولا يستحق شيئا من الميراث، إلا بشاهدي عدل يشهدان على إثبات نسبه إذا أنكره أخوه؛ فإن أقر له، أعطاه نصف الميراث، ولم يثبت له بإقرار الأخ نسب يوارثه به هو ولا غيره من قرابة الهالك، قال: وكذلك المرأة تدعي أن الميت زوجها، أو يقوم معها من يدعي ميراث الميت، فيأتي كل واحد منهم بشاهد ويريد أن يستحق ميراثه باليمين مع الشاهد، أن ذلك لا يكون لواحد منهم إذا ادعوا ذلك وللميت وارث قد ثبت نسبه بالبينات، وإنما يستحق الميراث باليمين مع الشاهد من جاء يطلبه وليس للميت وارث قد أثبت نسبه بالبينات، فإن من جاء يزعم أنه ولد الميت ولم يأت إلا بشاهد واحد ولم يدع ميراثه أحد يحق نسبه بالبينة، حلف مع شاهده

وأخذ ميراثه؛ لأنه إنما يستحق مالا من الأموال، ولا يثبت له بالذي استحق بيمينه مع شاهده- نسب يوارثه به أحد من قرابة الميت ولا يجر به ولا أحد من مواليه، قلت له: أرأيت إن حلف مع شاهده- وللميت بنت ثابتة النسب بالبينة؟ قال: يستحق ما بعد النصف الذي ترث الابنة وإن كانتا اثنتين، فإنما له الثلث الباقي، قيل له: فإن جاءت المرأة تزعم أنها امرأته، فجاءت بشاهد وليس له وارث ثابت النسب بالبينة، قال: تحلف مع شاهدها وتأخذ ميراثها، ولا يثبت لها بذلك نكاح ولا لولدها، إن كانت حاملا- نسب، قيل له: فالرجل يدعي ميراث رجل يزعم أنه مولاه، فيأتي على ذلك بشاهد أيحلف مع شاهده ويستحق ميراثه؟ قال: نعم، ولا يثبت له بذلك ولاء موالي ذلك المولى، إن مات أحد منهم فأراد أخذ ميراثه، كان عليه أن يأتي أيضا بشاهد فيحلف معه أنه مولاه، ثم يستحق ميراثه، ولا يجزئه الشاهد الأول الذي كان حلف مع شهادته على الميراث الأول. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يحلف مع شاهده على استحقاق النكاح صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن اليمين مع الشاهد لا يكون عند مالك وأصحابه إلا في الأموال، واختلفوا فيما جر إلى الأموال كالوكالة عليها وشبه ذلك، وأما قوله أن الميراث يستحقه باليمين مع الشاهد من جاء يدعيه ولا وارث للميت معروف النسب، فهو مثل قوله في المدونة - وزاد فيها بعد الاستيناء، وقال أشهب لا يستحقا الميراث باليمين مع الشاهد- وإن لم يكن للميت وارث معروف؛ لأن الميراث لا يستحق إلا بعد ثبوت النسب

وكذلك يختلف أيضا إذا ادعت امرأة على رجل أنه تزوجها وطلقها قبل الدخول أو بعده، وأتت على ذلك بشاهد واحد، فقيل: إنها تحلف مع شاهدها وتستحق نصف الصداق- إن لم يدخل بها، وجميعه إن دخل بها، وقيل: إنه ليس لها أن تحلف في المهر، إذ لا يستحق إلا بعد ثبات النكاح، وأما إن ادعت عليه أنه تزوجها وطلقها قبل البناء أو بعده، ولا بينة لها، ففي كتاب ابن سحنون أنه لا يمين عليه، وهذا عندي على القول بأنها لا تحلف مع شاهدها (وأما على القول بأنها تحلف مع شاهدها) فيجب لها عليه اليمين إذ لم تأت بشاهد- والله أعلم. ولو لم يترك الميت وارثا فأتى رجل بشاهد أنه ابنه لا وارث له غيره، وأتت امرأة بشاهد أنها زوجته ولم يقر به الابن بها، لوجب على مذهب ابن القاسم أن يحلف كل واحد منهما مع شاهده ويقسم المال بينهما على ثمانية أسهم، للزوجة سهم، وللابن سبعة أسهم لأن الزوجة قد سلمت للابن ثلاثة أرباع المال وتداعيا جميعا في الربع، فيقسم بينهما، وعلى قول مالك يقسم بينهما على حساب عول الفرائض، فيكون المال بينهما أخماسا، للزوجة الخمس؛ لأنها تدعي ربع المال، وللابن أربعة أخماس؛ لأنه يدعي أن له جميعه وذلك أربعة أمثال ما تدعي المرأة. ولو أقرت بالابن وأنكرها الابن، لوجب أن يكون لها على مذهب ابن القاسم نصف ثمن المال، وللابن ما بقي؛ لأنها مقرة له بسبعة أثمان المال ويتداعيان في الثمن فيقسم بينهما، وأن يقسم بينهما على تسعة أسهم- على قول مالك، وبالله التوفيق.

: أهل العنوة أيتوارثون

[: أهل العنوة أيتوارثون] ومن كتاب المكاتب وسئل ابن القاسم عن أهل العنوة أيتوارثون؟ فقال: نعم، هم في مواريثهم وأهل الصلح سواء؛ قال: وسألت عن ذلك أشهب فقال مثل قوله، ثم قال: لو لم يعتبر ذلك إلا بأهل مصر، وأهل الشام قد غلبوا عنوة في زمن عمر بن الخطاب، فلم يزالوا يتوارثون من زمانه إلى اليوم؛ وإنما حالهم حال الأحرار من أهل الذمة كالمصالحين، غير أنهم حبسوا نظرا للعامة ولمن يجيء من الذرية يقبض منهم جزاهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في سماع يحيى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وفي سماع عيسى من كتاب السلطان، فلا معنى لإعادته. [: يتوارث أبناء المغتصبة التوأم من قبل الأب] ومن كتاب الأقضية قال يحيى: أخبرني ابن القاسم أنه سمع من يثق به يخبر أن مالكا قال: يتوارث أبناء المغتصبة التوأم من قبل الأب، قلت لابن القاسم: فمن أين يجب الميراث بينهما- ونسبهما غير ثابت. قال محمد بن رشد: قد مضى طرف من التكلم على هذه المسألة ونظائرها في رسم طلق من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، ومضى الكلام

: تهلك عن زوجها وأمها وأختها فتدعي الأخت أخا

على ذلك مستوفى في أول سماع ابن القاسم من كتاب اللعان، فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق. [: تهلك عن زوجها وأمها وأختها فتدعي الأخت أخا] من سماع سحنون بن سعيد وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: قال ابن القاسم في المرأة تهلك عن زوجها وأمها- وأختها فتدعي الأخت أخا ويصدقها الزوج وتنكر الأم: إنها تقسم على الإقرار ثم الإنكار فينظر إلى ما ازدادته الأخت في الإنكار على الإقرار، فيعزل، ثم ينظر إلى ما انتقصه الزوج من نصيبه في الإقرار فيضرب به ويضرب الأخ المدعي ما كان يصيبه في الإقرار في أصل الفريضة فيضربان جميعا فيما ازدادته الأخت على نصيبها في الإقرار. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة جيدة صحيحة في الاعتبار، بينة في المعنى، غير أن قوله فيها: ينظر إلى ما انتقص الزوج من نصيبه في الإقرار، وهم وكلام وقع على غير تحصيل، وصوابه: ينظر إلى ما انتقص الزوج من نصيبه في الإنكار؛ لأن نصيبه إنما ينتقص في الإنكار من النصف إلى ثلاثة الأثمان، من أجل العول الذي يدخل الفريضة؛ لأنها تعول بثلثها إذا عدم منها الأخ، فيرجع الزوج من النصف إلى الثلاثة الأثمان، والأم من الثلث إلى الربع، والأخت من النصف إلى ثلاثة الأثمان، والأخ يسقط العول من الفريضة، إذ لا فريضة معه للأخت، وإنما لهما جميعا ما فضل بعد النصف الذي للزوج، والسدس الذي للأم- وهو الثلث للذكر مثل حظ الأنثيين، فيصير له ثلثا الثلث، وهو التسعان، وإن شئت قلت الثمن وسبعة

أتساع ويصير ثلث الثلث وهو التسع، وإن شئت قلت: ثمانية أتساع الثمن، فيفضل على الإقرار من نصيبها الذي وجب لها على الإنكار وهو ثلاثة الأثمان على ما ذكرناه، ثمنان وتسع ثمن؛ فالأخ يقول: لي من هذين الثمنين وتسع الثمن الذي برئت به أختي، الثمن الواحد وسبعة أتساع الثمن، ويقول الزوج: بل لي أنا من ذلك الثمن الواحد، لأنها بإقرارها بك، مقرة لي أني لم أستوف حقي، إذ لم أقبض نصف المال بسبب العول، وإنما قبضت ثلاثة أثمانه فيبقى لي الثمن، فوجب أن يقسم هذان الثمنان وتسع الثمن بينهما على قدر دعاويهما فيه، يضرب الزوج فيه بالثمن، والأخ بالثمن وسبعة أتساع الثمن، فقول ابن القاسم في هذه المسألة خلاف مذهبه المعلوم في المال بين الرجلين يدعي أحدهما جميعه والآخر نصفه: أن لمدعي الكل منه ثلاثة أرباعه، ولمدعي النصف ربعه؛ لأن مدعي النصف قد سلم النصف لمدعي الكل. ويتداعيان في النصف، فيقسم بينهما، مثل قول مالك: أنه يقسم بينهما على حساب عول الفرائض، لمدعي الكل ثلثاه، ولمدعي النصف ثلثه؛ لأن مدعي الكل يدعي مثلي ما يدعي مدعي النصف، والفريضة تنقسم من اثنين وسبعين، لأن وجه العمل فيها على ما رتبه أهل الفرائض أن تقام الفريضة على الإقرار وعلى الإنكار، ثم تضرب إحداهما في الأخرى، أو فيما اتفق من أجزائهما، فما اجتمع من ذلك، قسم على فريضة الإنكار، فما خرج من ذلك ضرب فيما بيد كل واحد منهم، فيكون ذلك هو الواجب له في حال الإنكار؟ وقسم أيضا على فريضة الإقرار فما خرج في ذلك، ضرب أيضا فيما بيد كل واحد منهم من الفريضة الأولى، فيكون

ذلك هو الواجب له في حال الإقرار؛ والفريضة على الإنكار من ثمانية، لأنها تعول بالثلث من ستة إلى ثمانية، للزوج ثلاثة، وللأم اثنان، وللأخت ثلاثة، وعلى الإقرار من ثمانية عشر، لأنها لا تنقسم من أقل، للزوج تسعة، وللأم ثلاثة، وللأخت اثنان، وللأخ أربعة؛ وثمانية تتفق مع ثمانية عشر في الأنصاف فتضرب إحدى الفريضتين في نصف الأخرى فيكون جميع ذلك اثنين وسبعين. كما ذكرنا، فيجب للزوج من ذلك في الإقرار النصف: ستة وثلاثون، وفي الإنكار ثلاثة الأثمان: سبعة وعشرون، فازداد في الإقرار الثمن- وهو تسعة، ويجب للأم من ذلك في الإقرار السدس اثنا عشر، وفي الإنكار الربع- ثمانية عشر؛ لأنها رجعت بالعول من الثلث إلى الربع، ويجب للأخت من ذلك في الإنكار ثلاثة الأثمان من أجل العول- وذلك سبعة وعشرون، وفي الإقرار ثلث ما بقي بعد حظ الزوج وحظ الأم- وهو التسع- وذلك ثمانية، فتبرأ بتسعة عشر وذلك ما بين حظيها في الإقرار والإنكار، فيقول الزوج: لي من هذه التسعة عشر التي برئت بها الأخت تسعة؛ لأنها إذا أقرت بالأخ فقد أقرت لي أنه بقي لي من حقي تسعة، فأنا آخذها من تسعة عشر، لأني مقر بالأخ كما أقرت به؛ ويقول الأخ: لي من هذه التسعة عشر التي برئت بها الأخت ستة عشر الواجبة لي في الإقرار، فأنا آخذها منها فوجب أن تقسم التسعة عشر بينهما على حساب عول الفرائض، كما بين رجلين يدعي أحدهما منه تسعة أجزائه من تسعة عشر، والثاني ستة عشر جزءا منه من تسعة عشر، فيضرب فيها الزوج بتسعة، والأخ بستة عشر، فيجب منها للزوج ستة وأربعة أخماس وخمس خمس، وللأخ المقر به اثنا عشر وأربعة أخماس خمس، هذا على قول ابن القاسم في هذه المسألة وهو المشهور من مذهب مالك؛ ويجب من التسعة عشر للزوج على قياس القول

: معه أم ولد له حامل وامرأة ضيفة حامل فتضعان في ليلة فيختلط الصبيان

الثاني وهو المشهور من مذهب ابن القاسم ستة، وللأخ ثلاثة عشر؛ والوجه في ذلك، أن الزوج يقول: لي من التسعة عشر تسعة، فقد سلمت لك العشرة، ويقول الأخ للزوج: لي من التسعة عشر- ستة عشر، فقد سلمت لك الثلاثة، فيأخذ كل واحد منهما ما سلم له صاحبه منها، للزوج ثلاثة، وللأخ عشرة، ويبقى من التسعة عشر ستة، يتداعيان فيها فتقسم بينهما بنصفين، فإن أقرت الأم يوما ما بالأخ برئت إليه وإلى الزوج بما ازدادته في الإنكار على الإقرار، وذلك ستة وهو نصف السدس، فتقسم هذه الستة بينهما على قدر ما بقي من حقوقهما في كل واحد من القولين، فيستوفي كل واحد منهم بذلك جميع حقه الواجب له على الإقرار- الزوج ستة وثلاثون، والأم اثنا عشر، والأخت ثمانية، والأخ ستة عشر، وبالله التوفيق. [: معه أم ولد له حامل وامرأة ضيفة حامل فتضعان في ليلة فيختلط الصبيان] ومن نوازل سئل عنها سحنون وسئل سحنون عن رجل يسافر بامرأته فينزل على الرجل في قريته ومعه أم ولد له حامل وامرأة ضيفة حامل، فتضعان في ليلة فيختلط الصبيان، فلا يعرف كل واحد منهما ولده، يدعي كل واحد منهما صبيا منهما بعينه، لأنهما قد اختلطا ولا يعرفان، هل تدعى لهما القافة؟ فقال: نعم، تدعى لهما القافة. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة فيدعي كل واحد منهما صبيا منهما يقول هذا ولدي، ويقول الآخر: هذا ولدي يريد الصبي الآخر؛ مناقض لقوله في أول المسألة فلا يعرف كل واحد منهما ولده، ولقوله في آخرها وكلاهما لا يدعي منهما صبيا بعينه، لأنهما قد اختلطا ولا يعرفان؛

ولا تخلو المسألة من ثلاثة أحوال، أحدها: أن يدعي كل واحد منهما صبيا منهما بعينه غير الذي ادعاه صاحبه. والثاني: أن يدعيا جميعا واحدا منهما بعينه، وينكر كل واحد منهما الآخر وينفيه عن نفسه. والثالث: ألا يدعي واحد منهما أحدهما، فيقول: لا أدري أيهما ولدي؟ فأما إذا ادعى كل واحد منهما واحدا منهما بعينه ونفي الآخر عن نفسه فالواجب أن يلحق بكل واحد منهما من ادعاه منهما، فينبغي أن يحمل قوله في الرواية فيدعي كل واحد منهما صبيا منهما: يقول هذا ولدي، ويقول الآخر: هذا ولدي؛ على أن معنى ذلك: فيقول كل واحد منهما لصبي منهما بعينه أنا آخذ هذا الصبي فأتبناه ويكون ابني، ولا أعلم إن كان ابني أم لا؟ لأن إرادة كل واحد منهما تبني كل واحد منهما من غير أن يعرف أنه ابنه ودعاؤه إلى ذلك لا معنى له، والوجه في ذلك أن تدعى له القافة كما لو لم يدع إلى ذلك ولا إرادة، وأما إذا ادعيا جميعا واحدا منهما بعينه، فقال: هذا هو ابني ونفى الآخر عن نفسه، فالواجب في ذلك عندي على أصولهم أن يدعى له القافة أيضا، إذ ليس لهما أن ينفيا الآخر جميعا عن أنفسهما وقد علم أنه ابن أحدهما، والذي ادعياه جميعا ليس أحدهما أولى به من صاحبه، كالأمة بين الرجلين يطآنها جميعا في طهر واحد، فتأتي بولد فيدعيانه جميعا؛ وقد وقع لسحنون في أول نوازله من كتاب الشهادات مسألة من هذا النوع لم يقل فيها: إنه تدعى له القافة، كما قال في هذه؛ فمن الشيوخ من كان يحمل ذلك على أنه

مسألة: صبيا ادعاه مسلم ونصراني

اختلاف من قوله، ومنهم من كان يقول هذه تفسير لتلك؛ ويجب على مذهبه أن تدعى له القافة في المسألتين جميعا؛ ومنهم من كان يفرق بين المسألتين بما ذكرته هناك- وهو أولى الأقوال عندي، فلا اختلاف على المذهب في وجوب الحكم بالقافة في هذه المسألة، ولا يقام منها الحكم بالقافة في أولاد الحرائر- وإن كان قد اختلف في ذلك، لأن ما اعتل به في التفرقة بينهما- وهو قوة فراش أحد الزوجين ما ذكرناه في سماع أشهب، معدوم في هذه المسألة، إذ لا مزية لأحد الفراشين على الآخر لصمتهما جميعا، وبالله التوفيق. [مسألة: صبيا ادعاه مسلم ونصراني] مسألة قيل له: أرأيت لو أن صبيا ادعاه مسلم ونصراني، فقال المسلم: هو عبدي، وقال النصراني: بل هو ولدي؛ قال: يقوم على النصراني النصف الذي يدعيه المسلم ويكون عتيقا على النصراني، لأنه حين أقر أنه ابنه، فقد أقر أنه حر، وصارت الخصومة بين مسلم ونصراني، قومناه على النصراني وأعتقناه عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يقوم على النصراني النصف الذي يدعيه المسلم يريد بعد أيمانهما؛ لأن معنى المسألة، أنهما تداعيا فيه وهو بأيديهما جميعا وليس بيد واحد منهما، فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا، كان الحكم فيه عندي ما ذكر؛ وإن نكل النصراني وحلف المسلم، كان عبدا له وبطل دعوى النصراني فيه؛ وإن نكل المسلم وحلف النصراني، كان ابنا له على ما ادعاه وحلف عليه؛ ولو كان العبد بيد أحدهما، لكان القول قوله مع يمينه فيما يدعيه من أنه عبده أو ابنه؛ وليس قوله إذا حكم بالعبد بينهما على ما يدعيانه بأن نصف النصراني منه يكون حرا، بمعارض للمسألة التي بعدها في قوله فيها: ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه،

مسألة: يهلك ويترك ولدا واحدا

والفرق بين المسألتين: أن هذه لم يتقدم إقراره بالملك فيها لشريكه قبل إقراره بما يوجب عليه العتق في نصيبه، ولا علم ذلك ببينة، وتلك تقدم إقراره فيها بالملك لأخيه، ولذلك لم يجز أن يعتق عليه حظه بإقراره أنه ابنه- والله أعلم. وأما قوله: إنه يقوم على النصراني النصف الذي يدعيه المسلم، فهي مثل قول أصبغ في نوازله من كتاب الشهادات في الرجلين يشتريان العبد ثم يشهد أحدهما على البائع أنه أعتقه، أنه يعتق عليه حظه ويقوم عليه حظ شريكه؛ خلاف قول سحنون في المسألة التي بعد هذا، فأراد أن يخرج هذا حرا عن غيره، فلا يكون عليه ضمان؛ لأن ذلك بين أن الضمان لا يكون إلا على من أعتق عن نفسه، وقول سحنون فيها: ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه، خلاف قول عبد العزيز بن أبي سلمة في أول سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات، وقول المغيرة في نوازل سحنون منه في أحد الورثة يشهد على الموروث أنه أعتق عبده، أنه يعتق عليه حظه منه، ولا يقوم عليه حظ إشراكه، وبالله التوفيق. [مسألة: يهلك ويترك ولدا واحدا] مسألة وسئل سحنون عن رجل يهلك ويترك ولدا واحدا، فيقول الولد لثلاثة من ولد خدم أبيه: هذا أخي، لا بل هذا أخي، لا بل هذا؛ وكان كل واحد منهما لأم ليس له منهم أخ شقيق، قال: الأول حر وقد أقر له بنصف الباقيين ونصف المال، فلا أرى إقراره في هذين الباقيين بالذي يبطل حق المقر له الأول، ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه، لأنه ليس بمعتق فيضمن، وإنما

اغتزى إبطال سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيمن أعتق شركا له في مملوك، فأراد أن يخرج هذا حرا عن غيره، فلا يكون عليه ضمان، وليس من سنة المسلمين أن تجوز شهادة واحد في عتق ولا يلحق بذلك نسب المقر له الأول. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: إن الأول حر وقد أقر له بنصف الباقيين (وبنصف المال) صحيح لا إشكال فيه ولا اختلاف، وكذلك قوله بعد ذلك فلا أرى إقراره في هذين الباقيين بالذي يبطل حق المقر له الأول. وأما قوله: ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه لأنه ليس بمعتق فيضمن، وإنما اغتزى إبطال سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيمن أعتق شركا له في مملوك، فأراد أن يخرج هذا حراء عن غيره، فلا يكون عليه ضمان، ففي ذلك ثلاثة أقوال، أحدها هذا: أنه لا يعتق عليه حظه ولا يقوم عليه حظ أخيه للعلة التي ذكرها، وهو قول مالك في المدونة وغيرها في أحد الورثة يقر لعبد أن الذي ورثوه عنه أعتقه، إذ لا فرق بينهما في المعنى؛ إلا أنه يستحب له أن يبيع نصيبه منه فيجعله في عتق، فإن اشتراه بعد ذلك (أو ملكه) بوجه من الوجوه، أعتق عليه، لإقراره أنه حر. والثاني: أنه يعتق عليه حظه ولا يقوم عليه حظ أخيه، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات، وقول المغيرة في نوازل سحنون منه، والثالث: أنه يعتق عليه نصيبه ويقوم عليه نصيب أخيه، وهو قول أصبغ في

نوازله منه أيضا قاله في الرجلين يشتريان العبد ثم يشهد أحدهما على البائع أنه أعتقه، إذ لا فرق بين هذه المسائل، كلها في المعنى، ولكل قول منها وجه قد مضى بيانه في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات؛ ورأيت لابن دحون أنه قال: (في هذه المسألة) مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة فيها أن المقر به الثاني يعتق على المقر ويدفع إلى الذي أقر به أولا نصف قيمته، وكذلك المقر به آخرا؛ ثم يلزم المقر أن يدفع إلى الثاني نصف ما في يديه، ثم يدفع إلى الثالث نصف ما بقي في يديه أيضا؛ وذلك عندي كله غير صحيح، لأن قول عبد العزيز بن أبي سلمة إنما هو أن يعتق عليه حظه منه، ولا يقوم عليه حظ أخيه، وأما قوله وكذلك المقر به آخرا، يريد أن المقر به آخرا على مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة يعتق عليه أيضا ويضمن نصف قيمته إلى كل واحد من الأول والثاني، لأن كل واحد منهما يقول له: قد أقررت لي أنني أخوك، وأن هذا العبد الذي أقررت به الآن، وجب أن يعتق عليك، هو بيني وبينك، وأما قوله ثم يدفع إلى الثاني نصف ما في يديه- يريد مما ورثه سوى العبد، فهو قول سحنون بعد هذا فيما يشبه هذه المسألة؛ والصحيح أن يدفع إليه النصف الثاني مثلما دفع إلى الأول، لأنه يقول له قد أقررت لي أني أنا أخوك الأول، فادفع إلي نصف المال، وقد حكاه سحنون عن بعض أصحابه؛ وكذلك قول ابن دحون ثم يدفع إلى الثالث نصف ما بقي في يديه، الصحيح فيه أن يدفع إليه أيضا نصف المال، مثل ما دفع إلى الأول وإلى الثاني؛ لأنه يقول له قد أقررت لي أني أنا أخوك دون الأول ودون الثاني، وبالله التوفيق.

مسألة: كلهم لأم واحدة وأقر لأكبرهم بالنسب وكانوا عبيدا

[مسألة: كلهم لأم واحدة وأقر لأكبرهم بالنسب وكانوا عبيدا] مسألة قيل له: فإن كانوا كلهم لأم واحدة وأقر لأكبرهم، قال: فإن الأول المقر له حر، وأمه وأخواه الباقيان أحرار وما بقي من المال فللمقر له الأول نصفه، لأنه لما أقر بالولد، فكأنما أقر بأمه أنها أم ولد لأبيه ولأخويه أنهما حران، وليس للأخوين من الميراث شيء، ولا يلحق واحد منهم بالنسب؛ قيل له فلو أقر لأصغر ولدها، فقال: إذا يكون حرا وتكون أمه حرة، وكان له نصف الباقيين وعتق عليه مصابته منهما، وأرى أن يعتق على المقر المستلحق لأخيه نصف الباقيين، لأن النصف الأول إنما عتق بسببه وإقراره، فلذلك أعتقت عليه ما صار له منهما، كالرجل يعتق نصف عبده فيعتق عليه ما بقي منه. قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال، وإنما قال؛ إذا أقر لأصغر ولده يعتق، وكان له نصف الباقيين أنه يعتق عليه مصابته منهما من أجل أنهما إخوته لأمه، فلا يصح له ملكهما، وقد بين وجه الذي رأى به أن يعتق على المقر حظه منهما بما لا مزيد عليه؛ ولو كان له فيهما شريك غيره، مثل أن يكونا أخوين فأقر أحدهما لأصغر أولاد أمة أبيه أنه أخوه، فيعتق على المقر له حظه منهما، وهو الثلث منهما؛ لعتق عليه أيضا هو حظه منهما، إذ لا ضرر على أخيه في ذلك إذ قد دخله العتق؛ بخلاف إذا لم يدخله عتق، لا يعتق على

مسألة: أقر لثلاثة أجنبيين ليسوا أولاد خدم أبيه

المقر حظه منه بإقراره له بما سبب عتقه، كما لا يعتق عليه حظه منه بإقراره أن غيره أعتقه- على ما مضى فوق هذا من قوله، خلاف ما ذكرناه من مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة وأصبغ، وبالله التوفيق. [مسألة: أقر لثلاثة أجنبيين ليسوا أولاد خدم أبيه] مسألة قيل له: فلو أنه أقر لثلاثة أجنبيين ليسوا أولاد خدم أبيه، فقال: هذا أخي، لا بل هذا أخي، لا بل هذا أخي؛ فقال: يكون للأول المقر له نصف ما ورث عن أبيه، ويكون للثاني نصف النصف الذي بقي في يديه، فيصير له منه الربع، ويكون للثالث نصف الربع الذي بقي في يديه، قال سحنون: وقد قال فيها بعض أصحابنا إنه يغرم للثاني مثل ما صار للأول، ويغرم للثالث مثل ما صار للأول؛ لأن كل واحد منهما يقول أنت- أتلفت علي مورثي. قال محمد بن رشد: القول الذي حكاه سحنون عن بعض أصحابه، أصح في النظر من قوله، للعلة التي ذكرها من أنه قد أتلف على كل واحد منهما حقه بإقراره به لغيره؛ وعلى هذا يأتي قول ابن القاسم في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح في الذي يقر بالعبد لرجلين، فيدعيه كل واحد منهما لنفسه خالصا، أن المقر يحلف أنه ما يعرفه لأحدهما- خالصا؛ فإن نكل عن اليمين، حلف المقر لهما وأغرماه قيمة العبد، وعلى قول سحنون في هذه المسألة لا يمين على المقر بالعبد لرجلين، ووجه قول سحنون أنه إنما أقر له بما في يديه وبما في يدي

مسألة: له ثلاثة أعبد أخوة للأم أو مفترقين فقال أحد هؤلاء ابني

الذي أقر له قبله، فأشبه ذلك الوارث يقر بوارث، فلا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما يجب له مما بيده، لأنه إنما أقر له بما في يديه وفي يدي غيره من الورثة، وليس هو مثله، إذ لم يتلف هو ما صار بيد غيره من الورثة، وبالله التوفيق. [مسألة: له ثلاثة أعبد أخوة للأم أو مفترقين فقال أحد هؤلاء ابني] مسألة وسئل سحنون عن رجل له ثلاثة أعبد أخوة للأم أو مفترقين، فقال السيد في مرضه: أحد هؤلاء ابني، فغفل عن ذلك حتى مات السيد الذي أقر بالابن، فقال: إن كانوا لأم، فالولد الأخير حر، والذي يليه يعتق منه ثلثاه، والذي يليه يعتق منه ثلثه؛ ولا يثبت له نسب واحد من الولد ولا يرثه؛ وإن كانوا مفترقين، فإن القول بيد الرسول، وأكثر الرواة أن محمل هذا عندهم، كرجل قال: أحد عبيده حر، وقال المخزومي: يعتق من كل واحد ثلثه، ويرق ثلثاه؛ وقال آخرون: يعتق واحد من الثلاث بالقرعة؛ لأنه لما كان مجهولا يعتق بحكم الوصية فقط، وقد قيل: إنه يقرع بينهم وإن كانوا لأم. (قال محمد بن رشد) : إنما قال: إذا كانوا لأم أنه يعتق الأصغر، ومن الأوسط ثلثاه، ومن الأكبر ثلثه؛ لأن الصغير حر على كل حال، والأوسط يجب له العتق في حالين، والرق في حال، والكبير يجب له الرق في حالين، والعتق في حال. وقوله: وقد قيل إنه يقرع بينهم وإن كانوا لأم، إنما معناه أنه يقرع بين الأكبر والأوسط، لأن كل واحد منهما يحتمل أن يكون أصابه العتق، وأن يكون لم يصبه؛ وأما الأصغر فهو حر على كل حال، لا يصح أن يختلف فيه، وإن كان ظاهر الرواية خلاف ذلك،

فتأول على هذا وهو تأويل سائغ، لأن الابنين جماعة، فيحتمل أن يصرف ضمير الجمع في قوله بينهم؛ إليهما دون الثالث، ويأتي على ما قال بعد هذا في الذي قال عند موته: إن فلانة جاريته ولدت منه، أن الأكبر والأوسط يعتقان جميعا أيضا من ناحية الشك، إذ لا يصح للورثة تملك واحد منهما وهو لا يعلم إن كان عبدا أو حرا، وهو أظهر - والله أعلم- من أن يقرع بينهما، لأن القرعة لا ترفع الشك، وهي في القياس غرر، فلا ينبغي أن تستعمل إلا حيث وردت في السنة، ومن أن يعتق من الأكبر ثلثه، ومن الأوسط ثلثاه، لأنا نحيط علما أن الميت لم يرد ذلك، إذ لا يحتمله لفظه، فهذا القول أضعف الأقوال، ويتخرج في المسألة قول رابع وهو أن يكونا جميعا عبدين، لاحتمال أن يكون الميت لم يرد واحدا منهما وإنما أراد الأصغر، فلا يعتق واحد منهما إلا بيقين على القول بأن الشك لا يؤثر في اليقين. وقوله: إنه لا يثبت نسبه صحيح لا اختلاف فيه، إذ لا يصح أن يحكم بثبوته لواحد منهم بشك، وأما قوله: إنه لا يرثه واحد منهم، ففيه نظر؛ والذي يوجبه النظر في ذلك عندي أن يكون حظهم من الميراث بينهم على القول بأنهم يعتقون جميعا على ما قاله بعد هذا في المسألة التي ذكرناها وهو الصحيح، إذ قد صح الميراث لأحدهم ولا يدري لمن هو منهم، فإن تداعوا فيه فادعاه كل واحد منهم، قسم بينهم بعد أيمانهم، إن حلفوا جميعا، وكذلك إن نكلوا جميعا، وإن حلف بعضهم ونكل بعضهم عن اليمين، كان الميراث للحالف منهم دون الناكل؛ وكذلك أن لو قالوا لا علم لنا، كان الميراث بينهم

بعد أن يحلف كل واحد منهم أنه لم يعلم من أراد الميت منهم على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، لأنها يمين التهمة في هذا الموضع؛ وإن أعتق بعضهم، كان لمن أعتق حظه من الميراث، ويوقف حظ من لم يعتق؛ فإن عتق أخذه، وإن مات قبل أن يعتق رد على الورثة؛ وأما إذا كانوا مفترقين، فهو بمنزلة إذا قال: أحد عبيدي حر، ثم مات قبل أن يسأل أيهم أراد، لأن معنى قوله في الرواية فغفل عن ذلك حتى مات، أي غفل أن يسأل أيهم أراد أنه ابنه حتى مات، وفي ذلك ستة أقوال، أحدها: أنه يقرع بينهم فما خرج السهم عليه منهم عتق. والثاني: أن العتق يجري فيهم فيعتق ثلث كل واحد منهم إن كانوا ثلاثة، وربعه إن كانوا أربعة، أو كانوا أكثر من ذلك على هذا القياس. والثالث: أن الورثة ينزلون فيهم بمنزلة الميت يعتقون منهم أيهم شاءوا. والرابع: أنهم يعتق ثلثهم بالسهم إن كانوا ثلاثة، وربعهم بالسهم إن كانوا أربعة، وكذلك إن كانوا أقل أو أكثر. والخامس: أن الورثة يخيرون إن اتفقوا، فإن اختلفوا أقرع بينهم. والسادس: أن الورثة يخيرون، فإن اختلفوا جرى العتق في عددهم، والثلاثة الأقوال الأول لابن القاسم، والرابع لمالك، والخامس والسادس لسحنون، وكلها في كتاب العتق من العتبية، وفي المسألة قول سابع أنهم يعتقون كلهم من أجل الشك، إذ لا يسوغ للورثة تملك واحد منهم، لاحتمال أن يكون هو الذي عنى الميت على ما ذكرناه، ويؤيد هذا القول ما روي أن عبد الله بن عمر قال: يفرق بالشك، ولا يجمع بالشك؛ ويتخرج في المسألة قول ثامن وهو أن يوقف الورثة عن جميعهم إلا أن يموت واحد منهم أو يعتقوه، فلا

مسألة: مات وترك أمه وأخاه فقالت الأم لرجل هذا أخو ولدي الميت

يحكم عليهم في الباقين بعتق، وإنما يؤمرون به ولا يجبرون عليه؛ وهذا على قياس القول بأن الشك لا يؤثر في اليقين، ولا يثبت نسب واحد منهم، ويكون الحكم في الميراث على قياس ما تقدم، وبالله التوفيق. [مسألة: مات وترك أمه وأخاه فقالت الأم لرجل هذا أخو ولدي الميت] (مسألة) وسئل سحنون عن رجل مات وترك أمه وأخاه، فقالت الأم لرجل هذا أخو ولدي الميت، وأنكر الأخ الوارث أن يكون أخاه، قال: ترجع الأم إلى السدس ويكون للأخ الثلثان، ويصير للمستلحق السدس الذي أقرت به المرأة- تمام الثلث، ويقال للأخ: أتقر بما (أقرت به) المرأة أم الميت؟ فإن أقر به، كان له نصف ما في يدي المستلحق، ويدخل معه المستلحق فيأخذ نصف ما في يديه، وإن أنكر وقال: ليس أخي، كان نصف السدس موقوفا، لا يأخذه أبدا إلا أن يقر أنه أخوه؛ لأنه منكر وهو يدفع نصف السدس عن نفسه، يقول: ليس لي فيه حق، فكيف أدفع إليه شيئا هو مقر أنه ليس له فيه حق، وكذلك الرجل يدخل على المرأة ويرخي عليها الستر فيطلقها الزوج ويقول قد وطئتها، وتقول المرأة ما وطئني، أنه يقال للمرأة قد أقر لك بجميع الصداق، فإن أقررت بالوطء فخذي، وإلا لم يكن لها إلا نصف الصداق، لأنها تدفعه عن نفسها وتقول ليس لي إلا نصف الصداق- إذا لم تقر بالوطء، وقد أخطأ من قال: إن للمستلحق نصف السدس، والنصف للأخ الثابت، وإن

أنكر أن المستلحق ليس أخاه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال، أحدها: أن السدس الذي برئت به الأم لإقرارها بالأخ يكون له، روي هذا القول عن مالك وعليه الجماعة من أصحابه، وهو قول جميع الفراض، وأظهر الأقوال؛ لأن المقر به يقول قد جحدني الأخ الثلث، فكيف يوقف لي شيء من السدس الذي برئت به الأم، وهو اختيار ابن المواز. والقول الثاني: أن السدس الذي برئت به الأم يكون بين المستلحق والأخ الثابت النسب، قال أصبغ: لأنه يقول ما برئت به الأم فأنا أحق به، إذ لا وارث معي؛ ويقول المستلحق: بل هو لي فيقسم بينهما، ووجه ثان: أن الأم لم تحجب عن الثلث إلى السدس إلا لهما جميعا، فوجب أن يكون بينهما. والقول الثالث: قول سحنون هذا أن السدس الذي برئت به الأم يكون نصفه للأخ المستلحق، والنصف الآخر موقوفا لا يأخذه الأخ، إلا أن يقر بما أقرت به الأم، فيأخذه ويرفع نصف ما بيده- وهو أضعف الأقوال، لأنه إذا كان لا يأخذ نصف السدس إلا أن يعطي أكثر منه، فلا معنى لتوقيفه، ولا يشبه مسألة الصداق التي نظرها بها، لأن المرأة أنكرت ما أقر لها به الزوج، فوجب أن يكون لمن رجع منهما- أولا إلى تصديق صاحبه- على قول سحنون في هذه المسألة- أنه يقال للمرأة قد أقر لك بجميع الصداق، فإن أقرت بالوطء فخذيه، وإلا لم يكن لك إلا نصف الصداق. وقوله هذا يبين ما لابن القاسم في (كتاب) إرخاء الستور من المدونة، (لأن له في كتاب الرهون) مثله، وهو قول أشهب (في كتاب إرضاء الستور) من المدونة، ولسحنون بعد هذا في هذه النوازل، خلاف قوله هذا إن لها أن تأخذ

مسألة: قال مات أخي فلان وترك ألف دينار وهو أخوك أيضا

ما أقر لها به- وإن كانت مقيمة على الإنكار، وقيل: إنه لا يحكم لها بأخذ ما أقر لها به- وإن رجعت إلى قوله وصدقته، إلا أن يشاء أن يدفع ذلك إليها- قاله ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب النكاح ومن كتاب الدعوى والصلح، ولا يدخل شيء من هذا في مسألتنا، لأن الأخ لم ينكر إقرار الأم به، ولو أنكر ذلك، لكان الحكم فيه كالحكم في مسألة الصداق وما يشبههما من المسائل لكون السدس الذي برئت به الأم موقوفا يأخذه من رجع منهما- أولا إلى تصديق صاحبه، ويدخل في ذلك الاختلاف الذي ذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال مات أخي فلان وترك ألف دينار وهو أخوك أيضا] مسألة وسئل سحنون عن رجل قال: مات أخي فلان) وترك ألف دينار- وهو أخوك أيضا. قال: الألف بينهما بنصفين. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب إذ لا وارث (له) غير الذي أقر به، والمخالف في ذلك الشافعي يقول: لا يلزمه أن يعطيه شيئا بحكم، إذ لم يثبت النسب بقوله- وهو بعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: مات وترك ولدين فأقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر] مسألة قيل له: فلو أن رجلا مات وترك ولدين فأقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر، فقال: يكون للمقر له في سهم المقر ما كان يصير له في سهمه، قيل له: فإن مات المقر له، فقال: يرثانه جميعا: المقر به

والمنكر له وهو بمنزلة رجل قال: أخي مات (وترك ألف دينار) . وهو أخوك أيضا أن الألف دينار بينهما؛ قيل له: فإن مات المقر، فهل يرثانه جميعا المقر له والمنكر (له) فقال: لا يرثه المقر له، وإنما يرثه أخوه ومن كان من نسبه، وهو بمنزلة رجل كان لرجل عليه بينة أنه أعتقه- وأقر لرجل أنه أخوه، فإنه إن مات ورثه مولاه الذي عليه بينة، ولا يرثه الذي أقر وإن مات ولا نسب له ورثه المقر له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة تشتمل على أربع مسائل، وقوله في أول مسألة منها يكون للمقر له في سهم المقر ما كان يصير له في سهمه، هو المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك وأصحابه وقد مضى في رسم العتق من سماع عيسى ما في ذلك من الاختلاف، وتحصيل القول فيه، فلا معنى لإعادته. وقوله في المسألة الثانية قيل: فإن مات المقر له قال: يرثانه جميعا المقر به والمنكر له، يرد قوله في المسألة التي قبل هذا في الصداق أن المرأة لا تأخذ جميعه إلا أن تقر بما أقر به الزوج من الوطء، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك، فلا معنى لإعادته. وقوله: وهو بمنزلة رجل قال: مات أخي وترك ألف دينار وهو أخوك أيضا أن الألف بينهما، تنظير غير صحيح، لأن الألف لا تكون بينهما إلا أن يقر بأنه أخوه؛ وأما إن أنكر فهي مسألتنا بعينها، فلا وجه للاحتجاج بها عليها. وقوله في المسألة الثالثة. قيل له فإن

مسألة: ابن الملاعنة يهلك ويترك ابنة وعصبة

مات المقر، فهل يرثانه جميعا المقر له والمنكر له، قال: لا يرثه المقر له وإنما يرثه أخوه ومن كان من نسبه، صحيح لا اختلاف فيه، لأن نسب المقر به لا يثبت بإقرار المقر به، إلا أن يكون الذي أقر به رجلين عدلين، فلا يرث المقر به بإقراره به بإجماع، وقوله: وهو بمنزلة رجل كان لرجل عليه بينة أنه أعتقه وأقر لرجل أنه أخوه وأنه إن مات ورثه مولاه الذي عيه البينة، ولا يرثه الذي أقر، تنظير غير صحيح، لأنها هي المسألة بعينها، فلا معنى للاحتجاج بها عليها. وقوله في المسألة الرابعة: وإن مات ولا نسب له ورثه المقر له، خلاف المشهور من مذهبه في أن بيت المال مثل النسب القائم، فلا يرث المقر به المقر وإن لم يكن له وارث معروف النسب، مثل قول الجماعة أن المقر به يرث المقر إذا لم يكن له وارث معروف بنسب ولا ولاء، وبالله التوفيق. [مسألة: ابن الملاعنة يهلك ويترك ابنة وعصبة] مسألة وقال سحنون في ابن الملاعنة يهلك ويترك ابنة وعصبة، ثم يستلحق الأب ابنة الميت، قال: تلحق الابنة بجدها ويرجع الجد على العصبة بالنصف الذي أخذوا من ميراث ولده. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن استلحاقه لابنة الميت الذي لاعن به استلحاق منه لابنته، فهي تلحق بجدها، وهو مثل ما في المدونة من أن الملاعن له أن يستلحق ولده الذي لاعن به بعد أن مات، ولا يتهم على أنه إنما استلحقه ليرثه إذا كان له ولد، فكما لا يتهم مع الولد وإن كان يرث معه السدس، فكذلك لا يتهم مع الابنة وإن كان يرث معها

مسألة: أقر عند موته أن فلانة جاريته ولدت منه

النصف؛ إذ قد يكون مال الذي ترك الولد الذكر كثيرا، فيكون السدس منه أكثر من نصف مال الذي ترك الابنة، وكذلك لو ترك الولد الذي لاعن به أو الابنة التي لاعن بها ولد ولد وإن سفل فاستلحقه، بأن يقول والد هذا ولدي وأنا جده، أو استلحق ولده الذي لاعن به، أو ابنته التي لاعن بها، لأن استلحاقه لولده استلحاق لولد ولده، واستلحاقه لولد ولده على الوجه التي ذكرت لك استلحاق لولده، وليس له أن يلحق بولده ولدا هو له منكر؛ وإذا استلحق واحدا منهما، حد على كل حال، وقيل إنما يحد إذا كان لعانه على نفي الحمل، وأما إذا كان لعانه على الرؤية أو على نفي الولد أو على نفي الولد مع الرؤية فلا حد عليه، لأن لعان الرؤية باق وإن استلحق الولد، وبالله التوفيق. [مسألة: أقر عند موته أن فلانة جاريته ولدت منه] مسألة قيل: أرأيت رجلا أقر عند موته أن فلانة جاريته ولدت منه، وأن ابنتها فلانة ابنتي وللأمة ابنتان سوى التي أقر بها، فمات ونسيت البينة اسمها- ولم يجحد الورثة ذلك، فقال: إذا أقرت الورثة بذلك- ولم ينكروه، فهن كلهن أحرار ولهن الميراث- ميراث واحدة من البنات، يقسم بينهن- ولا يلحق به نسب واحدة منهن، قيل له: فإن لم يقر بذلك الورثة ولا نسيت البينة اسمها) قال: فلا عتق لواحدة منهن حين لم تعلم البينة أيتهن هي. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا أقر لورثته بما شهدت به البينة، كان ذلك بمنزلة إذا شهدت البينة أنه قال إحدى هؤلاء الثلاث ابنتي

مسألة: تكون له المرأة ويكون له ولد فتزعم أن الغلام ولدها من زوج غيره

- ولم يسمها لهم، فالشهادة جائزة باتفاق. وقوله في هذه المسألة إنهن يعتقن كلهن، خلاف قوله قبل هذا في هذه النوازل في الذي قال في مرضه في عبيد له ثلاثة: أحد هؤلاء ابني ولم يسأل أيهم أراد حتى مات؛ وقد مضى القول على ذلك مستوفى، فلا معنى لإعادته، وأما إذا جحدوا، فقوله: إنه لا عتق لواحدة منهن حين تعلم البينة أيتهن هي، هو المشهور في المذهب: أن الشهادة باطلة إذا كان الميت قد سماها لهم، أو عينها فنسي الشهود اسمها، أو لم يثبتوا عينها، وشكوا في ذلك، وقد قيل: إن الشهادة جائزة، ويكون الحكم في ذلك بمنزلة إذا لم يسمها لهم ولا عينها، وهو قوله في أصل الأسدية في مسألة كتاب الإيمان بالطلاق، لأنه وقع فيها فشك الشهود ولم يعلموا أيتهن المطلقة التي قد دخل بها، أو التي لم يدخل بها، وقد فرق في ذلك بين أن تكون الشهادة في الصحة أو في المرض؛ فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال، أحدها: أن الشهادة جائزة في الصحة والمرض، والثاني: أنها لا تجوز في الصحة وإلا في المرض. والثالث: أنها تجوز في المرض ولا تجوز في الصحة، وبالله التوفيق. [مسألة: تكون له المرأة ويكون له ولد فتزعم أن الغلام ولدها من زوج غيره] مسألة وسئل سحنون عن الرجل تكون له المرأة ويكون له ولد، فتزعم المرأة أن الغلام ولدها من زوج غيره، ويزعم هو أن الغلام ابنه من امرأة غيرها، فقال: أرى- والله أعلم- أن يلحق الغلام بالزوج، ويكون القول قوله، ولا يقبل قول المرأة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه

مسألة: ينتفي من ولده بلعان أمه

-أعلمه- أن المرأة لا يجوز لها استلحاق ولدها، بخلاف الأب، لأن الولد إنما ينتسب إلى أبيه لا إلى أمه، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] إلى قوله: {وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] ، ولولا ما أحكم الشرع من هذا، لكان نسبة الرجل إلى أمه أولى من نسبته إلى أبيه، لأنها أخص به من أبيه، لأنهما اشتركا بالماء، واختصت هي بالحمل والوضع دونه، وهذا أصل في أن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر، لا لصاحب الأرض، وبالله التوفيق. [مسألة: ينتفي من ولده بلعان أمه] مسألة وقال سحنون في الرجل ينتفي من ولده بلعان أمه، فيولد لولده ذلك ولد، ثم يولد لولد الولد ابنة، ثم يستلحقها الجد؛ إن استلحاقه جائز، وذلك إذا كان قد عرف نسب من استلحق؛ لأن استلحاقه لولد ولده، استلحاق لابنه، ويرث بذلك ولاء الموالي. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول قبل هذا على هذه المسألة مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: مجوسي تزوج ابنته فولد له منها ولدان فأسلمت الأم والولدان] مسألة وسئل سحنون عن مجوسي تزوج ابنته فولد له منها ولدان، فأسلمت الأم والولدان، ثم مات أحد الولدين، فإن للأم السدس، وذلك لأن الميت ترك أمه- وهي أخته وأخاه، فأعطيت الأم السدس، لأنها تعد مكان أخت، فهي تقاص نفسها بنفسها، فمن ثم أعطيت السدس.

قال محمد بن رشد: قوله وأسلمت الأم والولد، ثم مات أحد الولدين- يريد ولم يسلم الأب، أو بعد أن مات، لأنه لو مات أحد الولدين، والأب حي قد أسلم - لكان الميراث له، لأن الأب يحجب الإخوة كلهم؛ ولو مات الأب وقد أسلم، لكان الميراث بين ابنيه وابنته أمهما- أخماسا؛ وقد اختلف إذا مات أحد الولدين والأب على مجوسيته، أو بعد أن مات، فقال سحنون في هذه الرواية للأم السدس، لأنها أم وأخت؛ فكان الميت قد ترك أما وأختا وأخا، فرأى لها السدس لأنها حجبت نفسها عن الثلث إلى السدس، وأهل الفرائض يعطون في هذه الفريضة للأم الثلث- وهو أظهر، لأنها إنما ورثت على أنها أم، ولم تورث على أنها أخت وأم، فألغي كونها أختا مع كونها أما، ويلزم سحنون على قياس قوله إذا لم يلغ كونها أختا مع كونها أما، حجبها نفسها عن الثلث إلى السدس- أن يورثها على أنها أخت، وعلى أنها أم، فيعطيها السدس من أجل أنها أم، ويعطيها الثلث مع الأخ من أجل أنها أخت- وهذا مما لم يقولوه أنها تورث من وجهين، وإنما الذي قالوه إنها تورث بالأقوى سببا، وإن كان حظها به أقل على ما قاله سحنون في هذه المسألة؛ وأما على ما قاله أهل الفرائض فيها فيستوي حظها على أنها أم، وعلى أنها أخت؛ لأن للأم مع الأخ الواحد الثلث، وللأخت معه الثلث أيضا؛ ولو كان المجوسي لما تزوج ابنته ولد له منها ابن، ثم مات الابن بعد الأب، أو قبل أن يسلم- فترك أمه وهي أخته أيضا، لورثت الثلث على أنها أم، ولم تورث النصف على أنها أخت- وإن كان حظها على أنها أخت أكثر، لأنه إنما يراعى قوة سببها لا كثرة حظها، والأم أقوى سببا من الأخت؛ لأنها ترث مع الأب والابن، ولا ترث الأخت مع واحد منهما شيئا، وبالله التوفيق.

مسألة: باع أمة وابنا لها قد كانت ولدته عنده

[مسألة: باع أمة وابنا لها قد كانت ولدته عنده] مسألة وسئل سحنون عمن باع أمة وابنا لها قد كانت ولدته عنده فأقام في يدي المشتري، ثم ادعى البائع أنه ابنه؛ قال: إن كان حين ولد عنده لم يكن له نسب معروف، فإن القول قوله، وينفسخ البيع بينهما، ويلحق به النسب، وتكون به أم ولد؛ قلت: أرأيت إن أقام في يديه حتى ولد له في يد المشتري، ثم جني عليه جناية خطأ فمات، فادعاه البائع؛ قال: فالقول قوله إذا كان له ولد، لأنه يلحق به النسب، ولا يتهم أن يكون إنما رجا أن يجر المال إلى نفسه، ألا ترى لو أن رجلا لاعن امرأته ولها ولد، ثم ولد لذلك الولد ولد، ثم جني على ابن الملاعنة، فادعى أنه ابنه؛ أنه يلحق به النسب، ويثبت له الميراث، ولا يتهم أن يكون إنما أراد أن يجر إلى نفسه الميراث، وإنما يتهم إن لم يكن له ولد، لأنه إذا لم يكن له ولد، فإنما أراد أن يجر الميراث إلى نفسه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أنه لا يتهم في استلحاق الولد إذا كان له ولد وإن كان قد جني عليه جناية (فمات منها) يجب له باستلحاقه حظه من ديته، إن كان ابنه حرا، أو جميع الدية إن كان عبدا، لأن استلحاقه لولده بعد موته، استلحاق لولد ولده، واستلحاق النسب يرفع التهمة في الميراث على ما قاله في استلحاق الولد الذي لاعن به بعد أن جني عليه جناية مات منها؛ لأن استلحاق ولد الولد يرفع التهمة عنه في ميراث ولده إن كان له مال، وفي ديته إن كان قتل خطأ أو عمدا على القول بأنه مخير في العمد

مسألة: قال في ثلاثة أولاد من أمته أحدهم ولدي

بين أن يقتل أو يأخذ الدية؛ وقد مضى قبل هذا في هذه النوازل في استلحاق الملاعن ولده بعد موته ما فيه بيان هذه المسألة؛ وأما إذا استلحق الولد الذي باع مع أمه وقد كان ولد عنده ولم يكن له نسب وهو حي، فلا اختلاف في أنه يلحق به، ويفسخ البيع فيه؛ ويرد إليه ولدا وأمه أم ولد - وإن كان الولد قد أعتق وينتقض العتق، وقيل إنه لا ينتقض، إلا أن يتهم في الجارية بميل إليها، أو زيادة في حالها، أو يكون معدما؛ فيمضي بما ينوبها من الثمن، ويرد الابن بما ينوبه منه، ويتبع به دينار في ذمته إن لم يكن له مال، وقيل: إنها ترد مع ابنها وإن اتهم فيها، إلا أن يكون معدما؛ وقيل: إنها ترد مع ابنها، وإن كان معدما، ويتبع بالثمن دينا في ذمته، إلا أن يتهم فيها، وكذلك إن باعها وهي حامل فولدت عند المشتري إلى ما يلحق في مثله الأنساب، ولم يطأ المشتري ولا زوج؛ وإذا رد الولد دون الأم لاتهامه فيه، أو لعدمه على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك، فيكون على البائع في الولد قيمته يوم يرد إليه، وقد مضى القول على هذا مستوفى في سماع يحيى من كتاب الاستبراء، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في ثلاثة أولاد من أمته أحدهم ولدي] مسألة وسئل سحنون عن رجل قال في ثلاثة أولاد من أمته: أحدهم ولدي، قال: الصغير منهم حر على كل حال؛ لأنه إن كان المستلحق الكبير، فالأوسط والصغير حران، بحرية أمهم وإن كان الأوسط، فالصغير حر أيضا؛ وإن كان الصغير، فالكبير والأوسط عبدان؛ فالصغير حر على كل حال، وإنما الشك في الكبير والأوسط ولهما تفسير. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول عليها

: أربع بنات استلحقت إحداهن أخا

مستوفى، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق. [: أربع بنات استلحقت إحداهن أخا] ومن كتاب المدنيين وسئل ابن القاسم عن أربع بنات استلحقت إحداهن أخا، أو استلحقت أخا وأختا؛ قال: إن استلحقت أخا لم يكن عليها غرم، لأنه لو ثبت نسبه، كان حقه فيما صار في يد العصبة؛ ولو استلحقت أخا وأختا نظر إلى أصل الفريضة لو كان الأخ معهم فأكمل لها، ثم نظر إلى ما فضل في يديها فرددته، فكان بين الأخ والأخت على فرائض الله؛ لأن الأخ لو كان لا يدخل مع الأخت، ثم كانت هي وارثة وحدها فكان لها النصف فأقرت بأخ وأخت؛ لا ينبغي أن يكون فضل ما تفضله أن لو ثبت نسبها للأخت دون الأخ حتى يستتم الثلثان، فليس هو كذلك؛ ولكن الإقرار بينهما جميعا يقتسمونه على فرائض الله؛ وأصل هذا أن ينظر ما لو ثبت نسبه ببينة فكأن يكون بين جميع من ثبت له البينة على فرائض الله، وكذلك كل من أقر لهم في فضل ما في يديه يرجع عليهم على فرائض الله، وكل من أقر بشيء يكون ما أقر له ليس في يديه فضل أن لو ثبت نسبه فلا ينقص من حقه شيء، ويكون حقه فيما ورث العصبة من ذلك؛ هذا ما سمعت، وهو مما لا اختلاف فيه؛ وقال ابن كنانة: ذلك للأخت دون الأخ، لأن

حق الأخ فيما بين العصبة لم يصر إليها منه شيء؛ قال: ولو أنها إذا استلحقته كان معها قبل ذلك أخ قد كان ورث معها، ثم استلحقت هذا بعد؛ فإنه إذًا يأخذ مما بيدها قدر ما ينوبه، لأن له في يديها حقا قل ذلك أو كثر، من أجل الأخ الذي معها قبل ذلك. قال محمد بن رشد: قوله في الأربع بنات إذا استلحقت إحداهن أخا لم يكن عليها غرم؛ لأنه لو ثبت نسبه كان حقه فيما صار في يدي العصبة هو المشهور في المذهب، وقد مضى في رسم العتق من سماع عيسى ذكر الاختلاف في ذلك، ووجه القول فيه؛ فقوله في آخر المسألة في هذا: هذا ما سمعت، وهو مما لا اختلاف فيه، ليس بصحيح، لما قد ذكرناه من الاختلاف في ذلك، وأما قوله ولو استلحقت أخا وأختا نظر إلى أصل الفريضة لو كان الأخ معهم- يريد لو كان الأخ والأخت معهم، لأنها إنما أقرت بهما جميعا، فما فضل في يديهما مما يجب لها على الإنكار لهما على ما يجب لها على الإقرار بهما، كان بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، هذا قول ابن القاسم - وهو الصحيح في النظر، بدليل ما احتج به في الرواية، وظاهر قول ابن كنانة أن الفضل الذي يراه ابن القاسم بين الأخ والأخت، هو الذي يراه هو للأخت دون الأخ، وذلك مما لا يصح أن يحمل على ظاهره، وإنما معناه أن ما فضل بيدها على الإنكار لهما جميعا على ما يجب لها على الإقرار بها وحدها يكون لها؛ فمحصول قوله أن إقرار الواحدة من البنات الأربع بأخ وأخت، كإقرارها بأخت لا أكثر سواء، والذي في الواضحة أيضا في هذا

: تقر بعد وفاة زوجها أنها قد كانت أحلت جارية لها لزوجها

مشكل، وهذا بيانه، إذ لا يصح في النظر خلافه؛ وقول ابن كنانة هذا خلاف ما حكيناه عنه في رسم العتق من سماع عيسى من أن المقر به من الورثة يرجع على من أقر به منهم أو على من أنكره، على التفسير الذي ذكرناه هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: تقر بعد وفاة زوجها أنها قد كانت أحلت جارية لها لزوجها] من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال: وسألت ابن القاسم عن المرأة تقر بعد وفاة زوجها، أنها قد كانت أحلت جارية لها لزوجها، وأن ولدها هذا منه، هل تعتق هي وولدها عليها؟ فقال ابن القاسم: نعم، ولا تقوم عليه في ماله، ويمنعها الولد من الربع، لأنها استلحقته. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، ورأيت لابن دحون أنه قال فيها: والجارية لها مملوكة، لأنها لما أقرت أنها أباحتها لزوجها فهو زنى يدرأ فيه الحد بهذه الشبهة؛ ولو كان معها شاهدان بإقرار الزوج على ذلك، لأخذت قيمتها من ماله، وعتقت عن الميت، لأنها أم ولده؛ فإذا لم يكن إلا دعوى الزوجة، فالجارية باقية على ملكها، والابن حر، (بإقرارها) أنها أباحتها لزوجها وتدفع ما أقرت له به وهو الثمن وليس ذلك عندي بصحيح، بل قول ابن القاسم أنها تعتق هي وولدها عليها هو الصحيح، ولا تقوم عليه في ماله، إذ لا يعرف ذلك إلا من قولها، فهي مدعية في القيمة، لإقرارها أن الواجب أن تعتق عليه، ويؤخذ منه لها القيمة، وبالله التوفيق.

مسألة: يقران بأخ أنه أخوهما ولهما إخوة

[مسألة: يقران بأخ أنه أخوهما ولهما إخوة] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الأخوين يقران بأخ أنه أخوهما ولهما إخوة، قال: يثبت نسبه بشهادتهما. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن النسب يثبت بإقرارهما جميعا إذا كانا عدلين؛ لأن النسب يثبت بشهادة شاهدين، وشهادتهما جائزة، إذ لا تهمة عليهما فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: المولى عليه يستلحق أخا] مسألة وسألت ابن القاسم عن المولى عليه يستلحق أخا أيلزمه في ماله ما يلزم غيره؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: قوله (إن) المولى عليه إذا استلحق أخا لا يلزمه في ماله ما يلزم غيره، ظاهره مثل المشهور من قول مالك أن المولى عليه لا تجوز أفعاله وإن كان حسن النظر، إذا أطلق القول ولم يقيد ذلك بشرط أن يكون سيئ النظر، خلاف المشهور من قوله أن أفعاله جائزة إذا كان حسن النظر لنفسه- وإن كان مولى عليه، وبالله التوفيق. [: يقر للرجل أنه أخوه أو ابن عمه] من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ قيل لأصبغ: الرجل يقر للرجل أنه أخوه أو ابن عمه- وهو صحيح أو مريض) وكيف لو أقر به أو استلحقه عند الموت؟ فقال: فلان وارثي، أو فلان أخي، أو فلان ابن عمي أو لا وارث لي

إلا فلان؛ فقال: إذا أقر الرجل بأحد هؤلاء الذين ذكرت في صحة أو مرض، فإن كان له وارث يعرف من قرابته أو مواليه، فلا يجوز إقراره، ولا استلحاقه واحدا من هؤلاء من قريب ولا بعيد إلا الولد - ولد الصلب بخاصة، فإن الرجل يستلحق في حياته وعند موته ولدا إذا زعم أنه ولد صلبه دنية، ولا يتهم فيه- كان له ولد من صلبه غير الذي استلحق، أو أخوه، أو عصبة، أو موالي، فاستلحاقه جائز إذا زعم أنه ولد لصلبه، قوله فيه مقبول، وهو فيه مصدق؛ وأما إذا كان له أخ وابن عم أو موالي أو عصبة معروفة ثابتة، فأقر لرجل من الناس أنه أخوه، أو أنه) ابن عمه، أو أنه ابن أخيه، أو أنه وارثه، أو أنه مولاه؛ فإقراره باطل لا يجوز، ولا يثبت له نسب، والعصابة المعروفة من القرابة والموالي المعروفين، أولى بالميراث من هذا المستلحق، لا يحجب ولا يرث شيئا إذا كان ثم وارث معروف؛ وليس بقوله أن هذا وارثه أو أخوه، يحجب أهل الميراث المعروفين عن حقهم؛ لأن الأخ لا يستلحق، ولا يستلحق إلا الولد دنية للصلب؛ قال: وهذا إذا كان له وارث ثم معروف، فأما لو أن رجلا لا وارث له يعرف من قريب، أو مولى نعمة، فأقر بأخ أو ابن عم أو مولى أو أقر لرجل أنه وارثه، أن إقراره جائز، والمقر له له الميراث إذا أحاط به، كان إقراره في صحة أو مرض، لأنه لا يتهم ههنا أن ينزع الميراث من وارث معروف إلى هذا المقر

له الذي لا يعرف إلا بقوله، فالميراث للمقر له المستلحق حتى يأتي وارث معروف النسب أو الولاء، مثل ما لو أن رجلا لا وارث له يعلم، فحضرته الوفاة فقال: فلان أخي، أو فلان وارثي، أو ابن عمي، أو مولاي أعتقني أو أعتق أبي، كان ميراثه للمقر له، إلا أن يأتي وارث يعرف، أو مولى، فيكون أولى بالميراث من هذا المقر له، وهذا المقر له أيضا إذا لم يكن له وارث يعرف، ليس يعطى المال على أن نسبه ثابت بإقرار الميت في صحة أو مرض، نسبه (غير) ثابت على كل حال، كان ثم وارث غيره أو لم يكن، وإنما يعطى المال إذا لم يكن ثم وارث معروف بأن الميت أقر بأنه أولى الناس بماله، فبهذا يعطاه، وليس بأن نسبه ثابت باستلحاقه إياه؛ قلت: فإن أقر بهذا الرجل أنه وارثه- وله ورثة معروفون، ولم يمت المقر حتى مات أوراثه المعروفون الذين كانوا يدفعون المقر له، أيجعل المال لهذا المقر له؟ قال: نعم، لأنه ليس له وارث معروف يدفعه، فكأنه إنما أقر له الساعة ولا وارث له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة، وما تقدم في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وقد مضى من الكلام عليه- ما فيه بيان لهذه المسألة؛ ورأيت لبعض أهل النظر أنه قال: مساواة أصبغ في هذه الرواية بين أن يقول فلان وارثي، أو فلان أخي، أو فلان ابن عمي، خلاف قول ابن القاسم في المدونة، إذ لم يجز

شهادة الشهود للرجل أن فلانا مولاه دون تفسير حتى يقولوا مولاه أعتقه؛ وليس مذهب ابن القاسم أن شهادتهم لا تجوز بحال حتى يقولوا أعتقه، وإنما معناه أنها لا تجوز إذا سئلوا فأبوا أن يفسروا؛ فالواجب عنده أن يسألوا عن تفسير ما به شهدوا، فإن فات ولم يسألوا حتى فات سؤالهم، جازت الشهادة، بدليل قوله وأقر الميت أن هذا مولاه، أو شهدا على شهادة أحد أن هذا مولاه؛ وأما أن يقولا هو مولاه ولا يشهدان على عتقه، ولا على إقراره، ولا على شهادة أحد، فلا أرى ذلك شيئا؛ وهو قول أشهب أنه إن لم يقدر على كشفهم حتى ماتوا جازت الشهادة، وقضى بها في المال وغيره، وسحنون لا يجوز الإقرار بحال، لأن بيت المال عنده كالنسب القائم. والذي أقول به في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم إذا قال: فلان وارثي فلم يفسر شيئا حتى مات، أن يكون له جميع الميراث، لأن الظاهر من قوله فلان وارثي، أنه المحيط بميراثه؛ وهذا فيمن يظن به أنه لا يخفى عليه من يرثه ممن لا يرثه؛ وأما الجاهل الذي لا يعلم من يرثه ممن لا يرثه، فلا يرثه بقوله فلان وارثي حتى يقول هو ابن عمي أو ابن ابن عمي، أو ابن عم عمي، أو ابن ابن عم عمي، أو مولاي أعتقني، أو أعتق أبي، أو أعتق من أعتقني، أو (من) أعتق أبي، أو ولد من أعتقني، أو (من) أعتق أبي، أو من أعتق من أعتقني، وما أشبه ذلك؛ وكذلك إذا قال: فلان أخي قاصدا بذلك إلى الإشهاد بالميراث، مثل أن يقول: أشهدكم أن هذا أخي يرثني، إن مت، ومثل أن يقال له: هل لك وارث فيقول: نعم هذا أخي، وما أشبه ذلك، وأما إن قال على غير سبب: هذا أخي، أو فلان أخي- ولم يزد على ذلك، فلا يرث من ماله إلا السدس، لاحتمال أن يكون أخاه لأمه، ولو لم يقل هذا أخي، ولا فلان أخي؛ وإنما سمعوه يقول: يا أخي يا أخي، لم يجب له بذلك

مسألة: استلحق ولد ولد فقال هذا ابن ابني وابنه ميت

ميراث، لأن الرجل قد يقول أخي، أخي- للرجل الذي لا قرابة بينه وبينه- يقر به بذلك إلا أن تطول المدة السنين بأن يدعو كل واحد منهما (صاحبه) باسم الأخوة أو العمومة، فيكون ذلك حيازة للنسب، ويتوارثان بذلك، ويشبه- على قول سحنون الذي تقدم له في نوازله- ألا يكون له الميراث بقوله فلان أخي، أو فلان وارثي- حتى يفسر، إذ قد قال- وهو المشهور من مذهبه - أنه لا ميراث له وإن فسر، لأن بيت المال كالنسب القائم، وبالله التوفيق. [مسألة: استلحق ولد ولد فقال هذا ابن ابني وابنه ميت] مسألة قلت فإن استلحق ولد ولد فقال: هذا ابن ابني- وابنه ميت، هل يلحق به إذا كان له وارث معروف، كما يلحق به ابنه لصلبه؛ قال: لا، ولد الولد في هذا بمنزلة الأخ، والعصبة، والمولى، لا يجوز له استلحاقه إذا كان له وارث معروف، مثل ما أخبرتك في الأخ وغيره، وذلك أن ابنه الذي زعم أن هذا ولده لو كان حيا فأنكر أن يكون ابنه، لم يكن للجد أن يستلحقه، ولا يلحق بولده ولدا هو له منكر، ولا يلحق بالجد إلا أن يقر به الأب؛ فلهذا لم يكن للجد أن يستلحق ابن ابنه، كما يستلحق ابنه بصلبه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يجوز للرجل أن يلحق بولده ولدا هو له منكر، وقد قيل: إن الجد إذا استلحق ولد ولده لحق به، لأنه مقر بنسب بنوة لحقت به، حكى ذلك أبو إسحاق التونسي في كتابه، وليس

مسألة: كان له ورثة موالي أو غير ذلك من الأوراث

ذلك بصحيح إلا على الوجه الذي نذكره، وذلك أن استلحاق الجد على وجهين، فإن قال: هذا ابن ولدي، أو ولد ابني، لم يصدق؛ وإن قال: أبو هذا ابني، أو والد هذا ابني صدق؛ والأصل في هذا أن الرجل إنما يصدق في إلحاق ولد فراشه، لا في إلحاق ولد فراش غيره، وهذا ما لا ينبغي أن يختلف فيه، وقد مضى في نوازل سحنون ما فيه بيان هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: كان له ورثة موالي أو غير ذلك من الأوراث] مسألة قلت له: فإن كان له ورثة موالي، أو غير ذلك من الأوراث، فقال لرجل من الناس: هذا أخي- وهو صحيح أو مريض؛ هل يثبت نسبه؟ قال: نعم، إذا كان الذي زعم أنه أبوه- مقرا له بذلك، فإن نسبه ثابت منه، وذلك أن الأب هو الذي استلحقه- وهو مقر له بأنه ابنه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال من أنه لا يثبت نسبه إلا بإقرار الأب له بذلك وهو مما لا اختلاف فيه، إذ لا يجوز للرجل أن يلحق بغيره ولدا هو له منكر باتفاق، وقد مضى بيان ذلك في المسألة التي قبلها، وبالله التوفيق. [: هلك وترك ابنة وأختا وادعت الابنة أنه هلك مسلما وهي مسلمة] ومن نوازل أصبغ قيل لأصبغ: رجل هلك وترك ابنة وأختا وادعت الابنة أنه هلك مسلما وهي مسلمة، وادعت الأخت أنه هلك نصرانيا- والأخت نصرانية، ولا يعرف في أصل على كفر؛ فقال أصبغ: إن هاتين كلتاهما إنما تدعيان النصف، ولأن الأخت لا ترث إلا النصف،

مسألة: هلك وترك ابنا وابنة فادعى الولد أنه هلك مسلما

والنصف الآخر على أي ذلك كان للميت، فهو لغيرهما؛ فهما يدعيان في النصف فأراه بينهما بعد أن يتحالفا، ويكون النصف الآخر لجميع المسلمين. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن كانت الأخت لا تدعي إلا النصف، وأما إن ادعت الكل- وقالت من ديننا أن ترث الأخت الجميع وصدقها في ذلك أهل دينها من الأساقفة، فيكون ذلك حكم المال يدعي أحد الرجلين أو المرأتين نصفه، والثاني جميعه، فيكون لمدعي النصف الربع، ولمدعي الكل الثلاثة الأرباع- على المشهور من مذهب ابن القاسم، ولمدعي النصف الثلث، ولمدعي الكل الثلثان- على المشهور من مذهب مالك، إذ قد روي عن كل واحد منها مثل قول الآخر، والله الموفق. [مسألة: هلك وترك ابنا وابنة فادعى الولد أنه هلك مسلما] مسألة قلت: فلو هلك وترك ابنا وابنة، فادعى الولد أنه هلك مسلما، وادعت البنت أنه هلك نصرانيا، فقال: يكون لابنه الربع لأنها تدعي النصف وقد أسلمت النصف الآخر ولم تدع فيه، ويكون للابن ثلاثة أرباع، لأنه يدعي المال كله. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة على قياس قوله في المسألة التي قبلها من أن الابنة تدعي نصف المال وعلى المشهور من مذهب ابن القاسم؛ وعلى المشهور من مذهب مالك، يكون المال بينهما أثلاثا، للابن الثلثان، وللابنة الثلث، وذلك بعد أيمانهما جميعا في هذه المسألة، وفي التي قبلها؛ فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان للحالف منهما ما ادعاه، فإن نكلا جميعا، كان ذلك كحلفهما جميعا؛ ولو ادعت الابنة الكل على ما ذكرناه في المسألة التي قبلها، لكان المال بينهما بشطرين بعد أيمانهما قولا واحدا، وبالله التوفيق.

مسألة: هلك وترك ولدين قد بلغا وابنا صغيرا فقال أحدهما هلك أبونا مسلما

[مسألة: هلك وترك ولدين قد بلغا وابنا صغيرا فقال أحدهما هلك أبونا مسلما] مسألة قلت: فلو هلك وترك ولدين قد بلغا وابنا صغيرا، فقال أحدهما: هلك أبونا مسلما، وقال الآخر: نصرانيا؛ فقال أصبغ: كلاهما مقر للصغير بالنصف، فالنصف له كاملا ويجيز على الإسلام، ولهما جميعا النصف، قال سحنون: فإن مات الصبي قبل البلوغ، حلفا جميعا واقتسما ميراثه؛ وإن مات أحدهما قبل بلوغ الصبي، فإن كان للميت ورثة معروفون، كانوا أحق بميراثه، وإن لم يكن له ورثة أخر، فإذا كبر الصبي يوما ما فادعاه كان له. قال محمد بن رشد: قول سحنون: فإن مات الصبي قبل البلوغ حلفا جميعا واقتسما ميراثه، مفسر لقول أصبغ في أن ميراث الصبي إذا مات قبل البلوغ، يقتسم أخواه المسلم والنصراني ميراثه بينهما بنصفين، ولا اختلاف بينهما في هذا؛ لأن كل واحد منهما يدعي أنه على دينه، فهو أولى بميراثه، ومخالف له في وجهين، أحدهما ما يكون له معهما من ميراث أبيهم، والثاني هل يجبر على الإسلام بعد بلوغه، أو يكون له أن يختار أي دين شاء، فلسحنون في كتاب ابنه أنهما يحلفان جميعا، ويوقف للصغير ثلث ما بيد كل واحد منهما حتى يكبر فيدعي مثل دعوى أحدهما، فيأخذ ما وقف له من سهمه، وهو ثلثه، يريد ويأخذ مما بيده تمام نصفه، لاستوائهما جميعا في الدعوى بعد يمينه، ويرد إلى الآخر ما وقف له من سهمه؛ فإن ادعى إذا كبر أن أباه كان على دين ثالث، أخذ ما وقف له من نصيب كل واحد منهما بعد يمينه أيضا، ووجه هذا القول، أنه لما كان الصغير

مسألة: توفي وترك أخوين وترك امرأته حبلى

لا يعرب عن نفسه، وقفنا له ثلث المال، لاحتمال أن يدعي جميعه بدين ثالث يدعي أنه كان عليه أبوه، ولأخويه الكبيرين ثلثان، ثلث لكل واحد منهما لتساويهما في الدعوى، ثم يقول كل واحد منهما لصاحبه: تخل لنا عن ثلثك، إذ لا حق لك في الميراث إذ مات أبونا على خلاف دينك، وليس أحدهما بالسعد من صاحبه في هذه الدعوى، فيبقى ثلث كل واحد منهما بيده؛ وقد بين أصبغ وجه قوله في الرواية بما لا مزيد عليه، فإن مات الصغير قبل البلوغ، حلفا جميعا واقتسما الثلث بينهما بنصفين على ما قاله سحنون في الرواية، إذ لا يختلفان في هذا، وقول سحنون في الرواية إذا مات أحد الكبيرين، أنه إن كان له ورثة كانوا أحق بميراثه، وإن لم يكن له ورثة، وقف ميراثه إلى أن يكبر؛ فإن ادعاه، كان له؛ ليريد أنه إن اختار دين الميت منهما، كان له ميراثه الذي وقف له- استحسان على غير حقيقة القياس، وكان القياس أن يوقف له قدر حظه من الميراث إذا كان له ورثة، كما يوقف له جميعه إذا لم يكن له ورثة، والذي يأتي في هذا على مذهب أصبغ الذي يرى أن يجبر على الإسلام، ألا يوقف له الميراث؛ ويتخرج الحكم له به على قولين، أحدهما: أنه يحكم له بحكم الإسلام من أجل أنه يجبر عليه، ولا يترك على النصرانية، فيرث المسلم ولا يرث النصراني، والثاني: أنه لا يحكم له بحكم الإسلام حتى يبلغ ويجيب إليه، أو يجبر عليه، فلا يرث واحد منهما، إذ لا يدري هل هو مسلم أو نصراني من أجل أنه تبع لأبيه في الدين، ولا يعرف دين أبيه، وبالله التوفيق. [مسألة: توفي وترك أخوين وترك امرأته حبلى] مسألة قيل لأصبغ: رجل توفي وترك أخوين، وترك امرأته حبلى، فولدت غلاما؛ فقال أحد الأخوين: ولدته ميتا ولم يستهل؛ وقال الآخر: بل ولدته حيا وقد استهل صارخا، وقالت المرأة: ولدته حيا واستهل؛ فقال: ابدأ بالإقرار فأعطهم عليه على أنه استهل، فللمرأة

إذا استهل ثمن الميراث وهو ثلاثة من أربعة وعشرين، ويبقى من المال أحد وعشرون قيراطا لابنها، فلها من ميراث ابنها ثلثه، وهو سبعة من أحد وعشرين، فصار لها عشرة، ويبقى من المال أربعة عشر بين الأخوين لكل واحد منهما سبعة، سبعة، وعلى الإنكار، لها ربع ميراث زوجها إذا خرج الصبي ميتا، وهو ستة من أربعة وعشرين، ويبقى من المال ثمانية عشر بين الأخوين، لكل واحد منهما تسعة، تسعة، على الإنكار؛ فقد أخذ الأخ الذي أنكر سبعة في الإقرار، ويبقى له سهمان يرجع لهما على المرأة، فيصير له تسعة، ويبقى للمرأة ثمانية؛ لأنه مرة يصير لها ربع الميراث- وهو ستة من أربعة وعشرين، ومرة يصير لها ثمن من أربعة وعشرين، وهو ثلثه، وثلث أحد وعشرين، وهو سبعة وذلك عشرة، فلها نصف ما بين هذا وهذا؛ فصار لها ثمانية، وللأخ الذي أقر سبعة، فاستقامت على أربعة وعشرين. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن الزوجة التي ادعت أن ابنها استهل تقول: لي ميراثي في زوجي الثمن ثلاثة أسهم من أربعة وعشرين، وميراثي في ابني الذي استهل وهو ثلث ما بقي بعد ثمني وذلك سبعة أسهم، فجميع مالي عشرة أسهم، وليس لواحد منكما إلا ميراثه في ابن أخيه وهو ولدي الذي استهل- وذلك سبعة أسهم، سبعة أسهم- لكل واحد منكما، فيقول المنكر منهما لاستهلال الولد بل ليس لك إلا الربع وهو ستة أسهم من أربعة وعشرين لي نصف الباقي-

مسألة: يقر في صحته بأخ ثم يقر بعد زمان بولاء لرجل

وهو تسعة أسهم، فيأخذ المنكر لاستهلال الابن من الأخوين تسعة أسهم، ويقال للمقر منهما باستهلال (الابن) ليس لك إلا سبعة أسهم ميراثك في الابن، فادفع السهمين إلى الزوجة إلى الستة الأسهم التي لها في ميراث زوجها، إذا لم يستهل الولد يكون بيدها ثمانية أسهم؛ ولو أقر الأخ الآخر لدفع إليها أيضا سهمين، فاستوفت بهما جميع حقها الواجب لها على استهلال الولد- وذلك عشرة أسهم؛ وأقل ما تنقسم منه هذه الفريضة أربعة وعشرون كما ذكر، لأنه يحتاج فيها إلى إقامة ثلاث فرائض: فريضة على إنكار الاستهلال من أربعة، من أجل أن للزوجة الربع- إذا لم يستهل الولد، وفريضة على الإقرار بالاستهلال من ثمانية من أجل أن للزوجة الثمن- إذا استهل المولود، وفريضة ميراث الولد من ثلاثة، من أجل أن للأم الثلث، فيستغنى عن الأربعة بالثمانية، ويضرب ثلاثة في ثمانية يكون أربعة وعشرين، منقسمة على ما ذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: يقر في صحته بأخ ثم يقر بعد زمان بولاء لرجل] مسألة قيل لأصبغ: ما تقول في الرجل يقر في صحته بأخ ثم يقر) بعد زمان بولاء لرجل ثم يموت؛ وكيف إن كان أقر بالولاء قبل إقراره بالأخ، وكيف إن كان أقر بالأخ أولا ثم ثبت الولاء بعد ذلك ببينة؛ قال: أرى النسب أولى على كل حال، كان هو الأول أو الثاني. قال محمد بن رشد: قوله أرى النسب أولى على كل حال، لا يعود

على قوله في السؤال: وكيف إن أقر بالأخ أولا ثم ثبت الولاء بعد ذلك ببينة؟ إذ لا اختلاف في أنه لا يجوز الإقرار بوارث إلا إذا لم يكن للميت وارث معروف بنسب وولاء، وإنما يعود على الإقرار بالولاء وبالنسب، فرأى النسب أولى على كل حال، تقدم أو تأخر، ومعنى ذلك عندي إذا قال: فلان مولاي ولم يقل أعتقني، لأنه إذا قال: أعتقني ثبت له بذلك الولاء والميراث، فوجب أن يكون أولى من الإقرار بالنسب؛ وإذا لم يقل أعتقني، فلا يكون له بإقراره بأنه مولاه إلا الميراث- قاله سحنون؛ فهاهنا يصح أن يكون الإقرار بالنسب أولى من الإقرار بالولاء تقدم أو تأخر؛ وكذلك على قياس هذا لو قال: فلان ابن عمي، وفلان أخي؛ لوجب أن يكون الأخ أولى بالميراث تقدم أو تأخر، لأن الإقرار بهذا وهو بمنزلة إقامة البينة على هذا وهذا؛ وقرر ابن الماجشون الإقرار بالولاء أولى من الإقرار بالنسب، من أجل أن الولاء ثبت بالإقرار، كما يثبت به نسب الولد الملحق، ولم يشترط ابن الماجشون أن يقول في إقراره به، أعتقني، فظاهر قوله أن الولاء يثبت بالإقرار- قال أعتقني أو لم يقل، وسنزيد هذه المسألة بيانا في نوازل سحنون من كتاب الولاء إذا وصلنا إليها إن شاء الله، وبه التوفيق. تم كتاب الاستلحاق بحمد الله وحسن عونه، والصلاة الكاملة على سيدنا مولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

: كتاب الولاة

[: كتاب الولاة] [المولود يتنفس ولم يستهل صارخا وهلك وهلكت أمه قبله فهل يرثها] (كتاب الولاة) من سماع ابن القاسم من كتاب مرض وله أم ولد وسئل مالك عن المولود يمكث يوما وليلة وهو حي فيما يرون يتنفس- وأكثر من ذلك- ولم يستهل صارخا، وإن عطس، وإن رضع، وهلك وهلكت أمه قبله، فهل يرثها؟ وإن لم يستهل أو لم يتحرك، فهل يرث؟ قال مالك: لا يرث ولا يورث، ولا يصلى عليه، حتى يستهل صارخا؛ قال سحنون: الرضاع يدل على حياة الصبي، ولا يمكن أن يرضع إلا بعد الاستهلال؛ قلت: فلو بال؟ قال: قد يبول الميت يخرج منه، وكذلك تحريكه لا يعد حياة، ألا ترى أن تحريكه في بطن أمه لا يعد شيئا. قال محمد بن رشد: اتفق أهل العلم على أن المولود لا يرث ولا يورث ولا يصلى عليه، إلا أن يولد حيا، وعلامة حياته الاستهلال بالصراخ؛ بدليل الحديث: «ما من مولود إلا طعن الشيطان في خاصرته، ألا تسمعون إلى

صراخه، إلا عيسى ابن مريم، فإنه لما جاء طعن في الحجاب» أو كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فإذا استهل المولود صارخا علمت حياته) ، وإذا لم يستهل صارخا لم يعتبر بحركته، لأن المقتول من بني آدم يتحرك بعد القتل، وقد كان يتحرك في بطن أمه، فلم يعتد بتلك الحركة؛ وكذلك بوله إن بال لا يعتد به، ولا يعد ذلك حياة له، لأن الميت قد يبول، فليس بوله على عادة الأحياء، وإنما يخرج البول منه باسترخاء المواسك بالموت، وأما إن رضع وعطس) فقول سحنون: إن الرضاع يدل على حياته، ولا يمكن أن يرضع إلا بعد أن يستهل صحيح، وعبد العزيز بن أبي سلمة يقول ذلك في العطاس، فقيل: إن سحنون فرق بين الرضاع والعطاس، لاحتمال أن يكون ما سمع من عطاسه ريح خرجت منه؛ والصحيح ألا فرق بينهما، إذ لا يشبه العطاس خروج الريح منه، وكذلك التنفس أيضا يدل على الحياة، ولا يمكن أن يكون إلا بعد الاستهلال، بدليل الحديث الذي ذكرناه، فوجب ألا يحمل قول مالك في هذه الرواية على ظاهره من أنه لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث إذا كان لم يستهل، وإن تنفس وعطس ورضع، لأن نفسه وعطاسه ورضاعه (دون أن يستهل) خرق للعادة التي أجراها الله بما أخبر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خرق هذه العادة في عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإنما المعنى في ذلك أنه لما سئل عن المولود يولد فيمكث يوما وليلة وأكثر من ذلك يتنفس ويعطس ويرضع ولم يستهل؛ رأى

: رجل من مصر يغيب إلى المدينة فيموت بها

ذلك من المحال الممتنع فقال إنكارا على السائل وردا لقوله: لا يرث ولا يورث، ولا يصلى عليه حتى يستهل؛ بمعنى أن ذلك لا يصح أن يكون إلا بعد الاستهلال، وقد قال بعض العلماء على طريق الإنكار لهذا السؤال الذي إنما يقصد به إلى تلبيس وإبطال الحديث، لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل وإن طعن بالرمح وضرب بالسيف وقاد الجيوش، فإذا شهد من تقبل شهادته بأن المولود أقام يوما وليلة وأكثر من ذلك يتنفس ويعطس، ويرضع، ولم يستهل، أجيزت شهادتهم وحمل أمرهم على أنهم لم يسمعوا استهلاله بالصراخ الذي هو علامة حياته، وجاءت السنة بأنه لا يصلى عليه حتى يستهل صارخا بعد أن يولد؛ فقد يكون خفيفا لا يسمعه من لَهَا واشتغل، وقد قال عبد الوهاب في المعونة: وعلامة الحياة هي الصياح أو ما يقوم مقامه من طول المكث إذا طال به مدة يعلم أنه لو لم يكن حيا لم يبق إليها، ومعنى قوله: إنه إذا شهد على ذلك كان كالشهادة على استهلاله، للعلم بأن ذلك لا يكون منه إلا بعد أن يستهل، قال: ولا يصلى عليه إلا أن يستهل صارخا، تحرك أو لم يتحرك، خلافا لأبي حنيفة والشافعي؛ لأن الصلاة إنما هي على من عرفت حياته قبل موته، وبالله التوفيق. [: رجل من مصر يغيب إلى المدينة فيموت بها] ومن سماع أشهب من كتاب الأقضية وسئل مالك عن رجل من أهل مصر يغيب إلى المدينة فيموت

: يقول عند موته فلان مولاي ولا يقول أعتقني ولا ولد له

بها، أترى أن يقسم ورثته بمصر ماله إذا علموا بموته، أم يؤخروا ذلك حتى يعلموا أتزوج في غيبته أم لا؟ فقال: إن شك في أمره لم يقسم ورثته ميراثه حتى يعلم ذلك، وإن استوقن ولم يشك فيه، قسم ميراثه بين ورثته. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إن شك في أمره بسبب أدخل عليهم الشك في ذلك، لم يقسم ميراثه حتى يبحث عن ذلك، ويوقف على الحقيقة فيه بالكتاب إلى ذلك البلد وهو محمول على أنه لم يتزوج فيه حتى يعلم أنه قد تزوج فيه فيؤخر قسم ميراثه حتى تحضر أو توكل، أو يقسم لها القاضي ويوقف لها حظها، وقد مضت هذه المسألة في سماع أشهب من كتاب العتق وتكررت ها هنا، وبالله التوفيق. [: يقول عند موته فلان مولاي ولا يقول أعتقني ولا ولد له] ومن نوازل سحنون وسئل سحنون عن الذي يقول عند موته: فلان مولاي ولا يقول أعتقني ولا ولد له، فهذا يكون له الميراث ولا يكون له الولاء، إلا أن يقول أعتقني، قيل لسحنون: فلو كان في الصحة فقال: فلان مولاي لم يزل بذلك مقرا حتى مات ولا يذكر أنه أعتقه؛ فقال: إقراره في الصحة والمرض سواء، له الميراث ولا يكون له الولاء؛ قيل لسحنون فلو أن رجلا كان مقرا في حياته أن فلانا مولاه، فلما مرض قال: فلان ابن عمي لرجل آخر- ولا وارث له، أو قال: ابن عمي ولم يقل

لأب وأم، ثم مات؟ قال: لا يكون له شيء ولا يرثه بالشك والميراث للمولى، لأنه قد انعقد له الولاء؛ قيل له: فإن قال: فلان مولاي في مرضه ثم قال بعد ذلك: فلان ابن عمي ولا وارث لي غيره- ثم مات، قال: يؤخذ بإقراره الأول ولا يكون للذي أقر به أنه ابن عمه شيء؛ قيل: فأقر بذلك في صحته ولا يعرف ذلك إلا بقوله، وهل يفترق إن كان إقراره بالولاء قبل إقراره بالأخ؟ قال: إذا لم يعلم ذلك إلا بقوله، فالنسب أولى من الولاء؛ وإذا كانت البينة على الولاء وأقر بالنسب، كان الولاء أقرب من النسب. قال محمد بن رشد: هذه مسائل ملتبسة غير بينة المعاني، فأنا أذكر أصلها الذي تبنى عليه وترد بالتأويل إليه، الأصل في ذلك عنده على مذهبه، أنه إذا أقر فقال: فلان مولاي أعتقني، ثبت له بذلك الولاء، وكان بمنزلة إذا قامت عليه البينة، يكون إقراره له بذلك أولى من الإقرار بالنسب تقدم أو تأخر، كان في الصحة أو المرض؛ وإن قال: فلان مولاي ولم يقل أعتقني، وجب له بذلك الميراث، ولم يجب له به الولاء؛ كان ذلك من إقراره أيضا في الصحة أو في المرض، فإن أقر مع هذا بنسب لرجل آخر، كان النسب أولى من الولاء- تقدم أو تأخر؛ كان في الصحة أو في المرض. فقوله: قيل لسحنون فلو أن رجلا كان مقرا في حياته أن فلانا مولاه، معناه أنه كان مقرا في حياته أن فلانا أعتقه؛ فلذلك قال: إنه أحق من الذي أقر له في مرضه، بأنه ابن عمه؛ وأن الميراث له؛ لأنه قد انعقد له الولاء. وقوله بعد ذلك: فإن قال: فلان مولاي في مرضه، ثم قال بعد ذلك: فلان ابن عمي لا وارث لي غيره، ثم مات؛ أنه يؤخذ بإقراره الأول، ولا يكون للذي أقر به أنه ابن عمه شيء، معناه أيضا أنه قال في مرضه: فلان مولاي أعتقني. فقوله: إنه

يؤخذ بإقراره الأول، إنما قاله من أجل أنه قد انعقد له الولاء بقوله: أعتقني ليس من أجل أنه أقر بذلك أولا. وقوله: قيل له فأقر بذلك في صحته ولا يعرف ذلك إلا بقوله لم يقع له جواب، والجواب في ذلك على ما أصلناه من مذهبه وبيناه، أنه إن كان لم يقل أعتقني، فإقراره بالنسب أولى على كل حال- وإن كان إقراره بالولاء متقدما في صحته؛ وإن كان قال: أعتقني، فهو أولى من إقراره بالنسب- تقدم أو تأخر. وقوله لما سأله هل يفترق- إن كان إقراره بالولاء قبل إقراره بالأخ، أنه إذا لم يعلم ذلك إلا بقوله، فالنسب أولى من الولاء؛ معناه إذا لم يقل أعتقني. وقوله: إنه إذا كانت البينة على الولاء وأقر بالنسب، كان الولاء أقرب من النسب- صحيح؛ وكذلك على ما أصلناه وبيناه من مذهبه: لو لم يكن على الولاء بينة، وقال في إقراره به: أعتقني؛ لكان الولاء أولى من النسب المقر به، فهذا بيان مذهب سحنون في هذه المسألة، وابن الماجشون يرى الإقرار بالولاء أولى من الإقرار بالنسب، من أجل أن الولاء يثبت بالإقرار، كما يثبت به نسب الولد المستلحق؛ ولم يشترط ابن الماجشون أن يقول في إقراره به: أعتقني، فظاهر قوله أن الولاء يثبت بالإقرار- وإن لم يقل أعتقني؛ وظاهر قول أصبغ في نوازله من كتاب الاستلحاق، أن الولاء لا يثبت بالإقرار، وإن قال: أعتقني، فرددناه هناك بالتأويل إلى مذهب سحنون ها هنا؛ وإن حملناه على ظاهره تحصل فيمن أقر بولاء لرجل وبنسب لآخر- ثلاثة أقوال، أحدها: أن النسب أولى من الولاء تقدم الإقرار به أو تأخر، كان في الصحة أو في المرض. والثاني: أن الإقرار بالولد أولى من النسب -تقدم الإقرار به أو تأخر، كان في الصحة أو

مسألة: العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه

في المرض. والثالث: أنه إن قال: أعتقني، كان أولى من النسب؛ وإن لم يقل أعتقني، كان النسب أولى منه -تقدم أو تأخر أيضا، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه] مسألة قيل لسحنون: أرأيت العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه من العبد) بإذن شريكه- والشريك لا مال له، أو له مال؛ فقال: أما من له المال، فإن العبد يعتق جميعه عليه، وإن لم يكن له مال، أعتق عليه نصيبه من العبد، ولم يعتق نصيب صاحبه؛ قلت: فإن مات العبد وترك مالا؟ قال: يرثه المتماسك بالرق دون صاحبه، فإن أعتق هذا العبد عبدا آخر بإذن هذا المتمسك بالرق، فمات هذا المعتق وترك مالا، قال: يرثه الرجلان جميعا الذي تمسك بالرق، ومولى العبد المعتق ولا مال له. قال محمد بن رشد: قوله: إن ميراث ما أعتقه هذا العبد المعتق نصفه بإذن المتمسك بالرق (بين الذي تمسك بالرق وبين مولى العبد المعتق) لنصفه ولا ماله، هو قول ابن القاسم في سماع عيسى عنه، خلاف قوله في رواية يحيى عنه- حسبما وقع من الروايتين جميعا في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب العتق، وقد مضى القول على ذلك (هنالك) فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: توفي وترك ابنا خنثى وابن ابن خنثى أيضا

[مسألة: توفي وترك ابنا خنثى وابن ابن خنثى أيضا] مسألة وسئل عمن توفي وترك ابنا خنثى، وابن ابن خنثى أيضا، قال: فللأول ثلاثة أرباع المال، أصلها من أربعة وعشرين، فيقال لابن الابن: إن كنت ذكرا كان لك الربع الباقي كله، فخذ نصفه- وهو ثلاثة أسهم، ثم يقال له: لو كنت أنثى كان لك السدس فخذ نصفه وهو سهمان فيصير له خمسة ويفضل سهم من أربعة وعشرين للعصبة. قال محمد بن رشد: بنى سحنون جوابه هذا على مذهب ابن القاسم في التداعي فأخطأ في بنائه عليه، وتفسير ما ذهب إليه: أن الابن يدعي جميع المال، لأنه يقول بأنه ذكر، وأن ابن الابن أنثى، وابن ابن الابن يدعي نصف المال لأنه يقول بأنه ذكر- وأن الابن أنثى؛ فيقال لابن الابن قد أقررت للابن بالنصف، فادفعه إليه، والنصف الثاني يقسم بينكما بنصفين لتداعيكما فيه؛ فيحصل للابن ثلاثة أرباع المال، ولابن الابن الربع؛ ثم يقول العصبة لابن الابن إنما لك من هذا الربع السدس، لأنكما جميعا أنثيان فيقول: بل هو لي كله، لأني ذكر فيحصل التداعي بينها في نصف السدس فيقسم بينهما فيحصل للعصبة ربع السدس، وهو سهم من أربعة وعشرين كما قال؛ وموضع الخطأ في هذا البناء تقديره فيه: أن العصبة

تقول لابن الابن إنما لك من هذه الربع السدس، لأنها لم تقر لابن الابن بالسدس من الربع الباقي بيده؛ وإنما أقرت له بالسدس من النصف تكملة الثلثين، على أنهما جميعا أنثيان، والسدس الذي أقرت له به قد أخذ منه الابن نصفه بدعواه أنه ذكر، وهذا بين؛ والصحيح في بناء المسألة على مذهب ابن القاسم في التداعي أن الابن يقول لابن الابن وللعصبة أنتما مقران لي بالنصف غير منازعين لي فيه، لأني إن كنت أنثى فلي النصف، كنت أنت ذكرا على ما تدعي أو أنثى على ما تدعيه العصبة، فأسلماه إلي، فيأخذ النصف ستة من اثني عشر، ثم يقول ابن الابن للعصبة أنتم مقرون لي من هذا النصف بالسدس تكملة الثلثين لأنكم تدعون أني أنثى فأسلموه لي، فيأخذ منه السدس سهمين، ويبقى بأيدي العصبة الثلث أربعة أسهم، ثم يرجع الابن فيقول لابن الابن هذا السدس الذي بيدك هو لي لأني ذكر، فيقول له بل هو لي، لأنك أنثى فيقسم بينهما، فيأخذ منه سهما ويبقى بيده سهم، ثم يرجع إلى العصبة فيقول لهم هذا الثلث الذي بأيديكم هو لي لأني ذكر، فيقول له العصبة بل هو لنا، لأنكما جميعا أنثيان، فيقسم بينهما فيأخذ منهم سهمين من الأربعة الأسهم فيكمل له ثلاثة أرباع المال، لأنه كان بيده النصف ستة أسهم، وأخذ من ابن الابن سهما واحدا، ومن العصبة سهمين فذلك تسعة أسهم من اثني عشر سهما، ثم يرجع ابن الابن على العصبة فيقول لهم هذان السهمان اللذان بأيديكما هما لي لأني ذكر، فتقول له العصبة بل هما لنا لأنكما جميعا أنثيان فيقسم بينه وبينهم بنصفين، فيأخذ منهم ابن الابن سهما واحدا، فيصير بيده سهمان وهو السدس، ويبقى بيد العصبة سهم واحد وهو نصف السدس، وكذلك يجب لهم نصف السدس والسدس لابن الابن، والثلاثة الأرباع للابن

مسألة: حلف بحرية كل جارية يشتريها إلا وطئها

على ما رتبه أهل الفرائض في عمل الفريضة من إقامة أربع فرائض، فريضة على أنهما ذكران، وفريضة على أنهما أنثيان، وفريضة على أن الابن ذكر- وابن الابن أنثى، وفريضة على أن الابن أنثى وابن الابن ذكر، وضرب الفرائض بعضها في بعض إلا أن تتداخل وأضعافها أربع مرات، وقسمتها على الفرائض وأعطي كل واحد منهم ربع ما اجتمع له، لأن عملهم في مسائل الخنثى كلها إنما يخرج على مذهب ابن القاسم في التداعي؛ ويأتي في هذه على مذهب مالك في التداعي الذي يرى القسمة فيه على حساب عول الفرائض، أن يقسم المال بينهم أجزاء من أحد عشر، لأن الابن يدعي الكل، وابن الابن يدعي النصف، والعصبة تدعي الثلث؛ وعلى هذا القول قال ابن حبيب في ابن ذكر وابن خنثى: إن المال يقسم بينهما أسباعا، فلا يصح في المسألة إلا هذان القولان، أحدهما على مذهب مالك. والثاني على مذهب ابن القاسم وما سواهما خطأ، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بحرية كل جارية يشتريها إلا وطئها] مسألة وقال: في رجل حلف بحرية كل جارية يشتريها إلا وطئها، فاشترى جارية من ذوات المحارم، وهو عالم أنها تحرم عليه أو جاهل، هل تعتق عليه في الأمرين جميعا؟ قال أصبغ: لا أرى عليه شيئا، ولا أرى مخرج يمينه في مثل هذا إلا فيمن يجوز له الوطء، فأما من لا يجوز وليس هذا الذي أراد، إلا أن يكون أغلق على نفسه بكل معنى، سحنون يقول إذا اشترى أما وابنتها صفقة واحدة- وقد حلف بهذه اليمين، فإنه إذا وطئ واحدة أعتقت الأخرى.

مسألة: قال لغلامه إن جئتني بدينار كل شهر فأنت حر

قال محمد بن رشد: قول أصبغ في هذه المسألة صحيح على القول بمراعاة المقصد المظنون في الأيمان وحملها عليه، لا على ما تقتضيه الألفاظ وهو المشهور في المذهب، إلا أنه أصل مختلف فيه- أعني في المذهب؛ واختلف فيه قول ابن القاسم في المدونة من ذلك أنه قال فيمن حلف ألا يدخل على فلان بيتا فدخل عليه المسجد، أنه لا حنث عليه والمسجد بيت من البيوت، لأن الله عز وجل قد سمى المساجد بيوتا، فقال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] وقال فيمن حلف ألا يأكل لحما. فأكل لحم الحوت، أو ألا يأكل بيضا فأكل بيض السمك، أنه حانث، إلا أن تكون له نية- وإن كان لحم الحوت وبيض السمك ليس بلحم ولا بيض عند الناس في عرف كلامهم، واختلف في ذلك أيضا قول أصبغ، لأن قوله في هذه المسألة خلاف ما حكى عنه ابن حبيب من أنه من حلف أن يطأ امرأته الليلة فألفاها حائضا، ولم يعلم حين حلف أنها حائض؛ أنه حانث، ولا يبرأ إن وطئها، لأنه وطء فاسد، وهذا الاختلاف داخل في مسألة سحنون، فتفرقته بين المسألتين قول ثالث في المسألة؛ ووجهه أنه قد كان له أن يطأ التي لم يطأ منهما لو شاء، فصار قد قصد إلى ترك وطئها بوطء الأخرى، فهي استحسان، خارجة عن القياس على كل واحد من الأصلين، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لغلامه إن جئتني بدينار كل شهر فأنت حر] مسألة وسئل سحنون عن رجل قال لغلامه: إن جئتني بدينار كل شهر، فأنت حر، قال: ما أعرفه، وما هذا بشيء وهو عبد.

مسألة: قال لجارية له إن ولدت غلاما فأنت حرة

قال محمد بن رشد: لما عم الشهور بقوله كل شهر، احتمل أن يريد حياة السيد، فيكون قوله وصية له بالعتق على هذا الشرط، وأن يريد حياة العبد؛ فلا يصح بذلك عتق، لأنه إنما أعتقه بعد موته؛ وعلى هذا حمل سحنون قوله، ولذلك قال: إنه عبد؛ والذي يأتي على أصولهم في هذه المسألة أن يسأل السيد ما أراد بذلك فيوقف عند قوله فيه، فإن لم يسأل حتى مات، لم يكن له وصية بعتق، لأن الوصايا لا تكون بالشك، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لجارية له إن ولدت غلاما فأنت حرة] مسألة وسئل عن رجل قال لجارية له: إن ولدت غلاما فأنت حرة، وإن ولدت جارية فأختك حرة، فولدت غلاما وجارية، قال: إن كان ولد الغلام أولا، فالأم حرة، وابنتها؛ وإن كانت الجارية أولا، فالأخت حرة، وإن لم يعلم أيهما ولد قبل، فالأم والأخت حرة، لأنا قد علمنا أن العتق قد وقع على واحد منهما، واعتقنا الابنة أيضا بالشك. قال محمد بن رشد: قوله إن كان ولد الغلام قبل فالأم حرة وبنتها صحيح، لأنها عتقت بولادتها الغلام وهي حامل بالابنة، فوجب لها العتق بعتق أمها، إذ لا تلد حرة مملوكة، لقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل ذات رحم، فولدها بمنزلتها» . فلا يخرج من رحم الحرة إلا حر، وقد يخرج من رحم الأمة حر- يريد وتعتق الأخت أيضا بولادتها الابنة بعد الابن، وقوله: وإن كانت الجارية أولا فالأخت حرة- يريد وهي أيضا حرة بولادتها الابن

مسألة: المكاتب يمرض وله ولد معه في الكتابة فيعتقه سيده

بعد الابنة وقوله: وإن لم يعلم أيهما ولد قبل، فالأم والأخت حرة، لأنا قد علمنا أن العتق وقع على كل واحدة منهما يبين ما قلناه، وقد وقع في بعض الكتب: لأنا قد علمنا أن العتق وقع على واحد منهما بإسقاط كل، وهو خطأ في النقل والله أعلم، إذ لا يصح ألا يكون لوضعها الثاني منها حكم، إلا لو قال: أول ولد تلدينه، فإن كان ذكرا فأنت حرة، وإن كان أنثى فأختك حرة؛ وفي كتاب ابن حبيب وما حكاه الفضل بيان ما تأولنا عليه قول سحنون هذا. وقوله: واعتقنا الابنة أيضا بالشك، وهو على القول بالعتق في الشك، والاختلاف في ذلك في المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: المكاتب يمرض وله ولد معه في الكتابة فيعتقه سيده] مسألة وسئل سحنون عن المكاتب يمرض وله ولد معه في الكتابة، فيعتقه سيده لئلا يرث أباه، قال: عتقه إياه جائز، قيل له: فإن مات أبوه من مرضه؟ قال: لا يرث. قال محمد بن رشد: ظاهر قول سحنون هذا خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة في أن المكاتبين كتابة واحدة لا يجوز للسيد عتق أحدهما إلا برضى أصحابه الذين معه في الكتابة، لأن كل واحد منهم حميل بما على أصحابه، وكذلك من دخل على المكاتب في كتابته من ولده، ويحتمل أن يتأول قوله على ما في المدونة، فيقال: معناه إذا رضي بذلك الأب، فيجوز كما قال ويخرج عن الكتابة، فلا يرث أباه إن مات من مرضه، لخروجه عن كتابته، ويوضع عنه ما نابه منها، وهذا أولى من حمل قوله على ظاهره من الخلاف، وبالله التوفيق.

مسألة: مكاتبة ولدت من زنى ووطئها سيدها فأحبلها

[مسألة: مكاتبة ولدت من زنى ووطئها سيدها فأحبلها] مسألة وسئل عن مكاتبة ولدت من زنى ووطئها سيدها فأحبلها، قال: لا يكون لها الخيار في أن تكون أم ولد، لأنها حينئذ تعتق على رق ولدها، وولدها لما ولدوا في الكتابة، صاروا مثلها. قال محمد بن رشد: هذا صحيح بين مثل ما في المدونة أن ذلك ليس لها إذا كان غيرها معها في كتابتها إلا برضاهم، قال سحنون فيها: ويكون معها ممن يجوز رضاه وولدها الذي ولدته من زنى في هذه المسألة ممن لا يجوز رضاه- لصغره فقوله هذا مثل قوله في المدونة ولو كان وطؤه إياها وإحباله لها بعد أن كبر ولدها من الزنى، لكان ذلك لها برضاه، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لأمته كل ولد تلدينه فهو حر] مسألة وسئل عن الرجل يقول لأمته كل ولد تلدينه فهو حر، هل يتسلط عليها البيع؟ فقال: أما من قال في الرجل يقول لغلامه أنت حر إذا قدم فلان، أنه يبيعه إذا شاء؛ فإنه يقول في مسألتك أنه يبيعها إذا شاء، وأما من قال في الغلام يكون موقوفا، فإنه يقول في هذه: إنه لا يبيعها حتى تيئس من الولد، ولا يحمل مثلها، وقد اختلف فيه. قال محمد بن رشد: تنظيره للمسألة التي سئل عنها بالمسألة التي نظرها بها صحيح، لأن فلانا قد يقدم وقد لا يقدم، فليس بأجل آت على كل حال، فتلزم فيه الحرية باتفاق؛ وكذلك الجارية التي أعتق ما يكون لها من

مسألة: غلام لرجل دخل في غلمان لرجل ثلاثة فأعتق صاحب الغلام غلامه

ولد قد يكون لها ولد وقد لا يكون، ولو سمى أجلا فقال لها: ما ولدت من كذا وكذا فهو حر، لما كان له أن يبيعها حتى يحل الأجل- كالمعتق إلى أجل، وأما إذا لم يضرب أجلا فلكلا القولين وجه من النظر، فوجه القول بأنه ليس له أن يبيع الأمة ولا العبد اتباع ظاهر اللفظ، ووجه القول بأن له أن يبيع كل واحد منهما الاعتبار بالمعنى وألا يحجر على أحد بيع عبده ولا أمته إلا بيقين، وبالله التوفيق. [مسألة: غلام لرجل دخل في غلمان لرجل ثلاثة فأعتق صاحب الغلام غلامه] مسألة وسئل عن غلام لرجل دخل في غلمان لرجل ثلاثة، فأعتق صاحب الغلام غلامه، أو كان قد أعتقه قبل أن يدخل بينهم، فيقال لصاحب الثلاثة: إن كنت تعلم غلمانك فأخرجهم، وإلا عتقوا كلهم، وليس له أن يقول لصاحبه أدخلت علي ضررا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن صاحب العبد لم يتعد فيما صنع من عتق عبده، لأنه تمحى منه بعتقه لما اختلط بعبد غيره، ووجب على صاحب الأعبد الثلاثة عتقهم، إذ لا يدري من هو الحر منهم، ولو مات واحد منهم، أو أعتقه، لما أعتق عليه الباقي منهم إلا على الاختلاف في العتق بالشك، وقد مضى هذا المعنى في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب العتق، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لغلامه أنت حر إن لم أعتقك] مسألة وسئل عن رجل قال لغلامه: أنت حر إن لم أعتقك، قال: يوقف عليه حتى يموت، فيعتق من ثلثه إن لم يعتقه حتى مات.

مسألة: قال لأربع جوار له كلما وطئت منكن واحدة فواحدة حرة

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو على المشهور في المذهب من أن الحالف ليفعلن فعلا ولا يضرب له أجلا، لا يحنث إلا بالموت، أو بفوات الفعل الذي حلف ليفعلنه بعد أن مضت من المدة ما كان يمكنه فيه فعله فلم يفعله، وقد مضى بيان هذا وذكر الاختلاف فيه في سماع أبي زيد من كتاب العتق، وفي غيره من المواضع، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لأربع جوار له كلما وطئت منكن واحدة فواحدة حرة] مسألة وسئل سحنون عن رجل قال لأربع جوار له كلما وطئت منكن واحدة، فواحدة حرة؛ فوطئ واحدة، قال: يختار من الثلاثة واحدة للعتق، فإن لم يختر حتى وطئ أخرى، أعتق الباقيتين ولم يكن له خيار. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، أن له أن يختار واحدة من الثلاث البواقي إذا وطئ واحدة، ولا اختلاف في ذلك؛ وإنما يختلف إذا لم يختر شيئا حتى مات حسبما مضى من الاختلاف في ذلك، والكلام عليه في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب العتق؛ وأما قوله: إنه إذا لم يختر حتى وطئ أخرى، فإنه يعتق الباقيتين ولا يكون له خيار، ففيه نظر؛ والصواب: أن يختار أيضا اثنتين من الثلاث، لأن التي وطئ أولا باقية لم تعتق؛ فإن لم يختر أيضا حتى وطئ أخرى، فههنا يعتق الثلاث كلهن، لأنه قد وجب عليه عتق ثلاث ولم يبق له سوى التي وطئ آخرا غير الثلاث؛ ووجه ما ذهب إليه، أنه لم ير لمن وطئ منهن حقا في العتق، فقال: إنه إذا وطئ واحدة، ثم وطئ أخرى، لم يبق ممن له حق في العتق إلا اثنان، فوجب أن

مسألة: قال لسيد أبيه أعتقه وأنا أخدمك ما عشت

يعتقا جميعا، لأن عليه عتق واحدة منهما بوطء الأولى، وعتق الأخرى بوطء الثانية، وهو بعيد والله أعلم. [مسألة: قال لسيد أبيه أعتقه وأنا أخدمك ما عشت] مسألة وسئل عن رجل قال لسيد أبيه: أعتقه وأنا أخدمك ما عشت، فأعتقه على ذلك فخدمه الابن ثم عثر على مكروه ذلك؛ قال سحنون: العتق ماض والخدمة ساقطة، وليس عليه من قيمة أبيه شيء، وقال أبو زيد وأصبغ: يضمن الابن قيمة أبيه ويقاصه بما خدم في القيمة. قال محمد بن رشد: قول أبي زيد وأصبغ هو الصواب، لأنه شراء فاسد، كما لو اشتراه منه بخدمته إياه حياته، فأعتق عليه ثم عثر على مكروه ذلك بعد أن خدمه الابن، لكان الحكم في ذلك ما قالاه من وجوب قيمة أبيه عليه إذ قد فات بالعتق، ويقاص في ذلك بما خدم، ولا وجه لقول سحنون - عندي، ولو كان العتق ماضيا كما قال والخدمة ساقطة، لوجب أن يرجع عليه بقيمة ما خدمه، فيذهب حق السيد في عتق عبده- وهو لم يعتقه- إلا على عوض، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق أمة واشترط عليها رضاع صبي] مسألة قال سحنون: من أعتق أمة واشترط عليها رضاع صبي كانت حرة وسقط الشرط، لأنه لا يجوز أن يعتق عبدا ويشترط خدمته، ولكن يعتقها ويشترط عليها دنانير، ثم يستأجرها ليس بها، فإذا انقضت إجارتها قاصها.

مسألة: قال لغلامه إن تركت شرب الخمر فأنت حر

قال محمد بن رشد: هذا كما قال أنه لا يجوز للرجل أن يعتق عبده ويشترط عليه خدمة بعد العتق - قاله في المدونة وغيرها، ويجوز أن يعتقه على أن يشترط عليه دنانير بعد العتق؛ واختلف هل له أن يلزم ذلك العبد وإن كره، فقال مالك: ذلك له- وهو قوله في المدونة في الذي يقول- لعبده أنت حر بتلا وعليك كذا وكذا، أن ذلك يلزمه؛ واختلف في ذلك قول ابن القاسم في المدونة، فإذا أعتق أمته واشترط عليها دنانير برضاها، أو ألزمها إياها على القول بأن ذلك له؛ جاز ما قال سحنون من أن يستأجرها على الرضاع بإجارة ثابتة في ذمته، فإذا وجبت لها الأجرة بانقضاء أمد الرضاع، قاصها بذلك فيما له عليها من الدنانير التي اشترطها عليها، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لغلامه إن تركت شرب الخمر فأنت حر] مسألة قال: ومن قال لغلامه: إن تركت شرب الخمر فأنت حر، فقال له بعد أيام: قد تركت شرب الخمر، أن ذلك ليس له حتى تعرف للعبد توبة عن شرب الخمر وحال حسنة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأن العبد مدع لما يوجب الحرية له، فلا يصدق في ذلك حتى يعرف صدقه، بظهور صلاح حاله، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في وصيته لغلامين له أطولكما عمرا فهو حر] مسألة وعمن قال في وصيته لغلامين له: أطولكما عمرا فهو حر، قال: يحبس خراج أكثر الغلامين خراجا ويتقاضى الورثة خراج الآخر حتى يموت أحدهما فيكون للباقي في خراجه من مقر الخراج الموقوف، وإذا لم يحملهما الثلث عتق من كل واحد منهما ما يحمل الثلث، وما بقي يصير رقيقا للورثة.

مسألة: قال في مرضه غلامي حر فلم يزد على هذا

قال محمد بن رشد: هذا كما قال: من أنه إذا حمل الثلث العبدين جميعا، وجب أن تنفذ وصية الميت في أن تنفذ الحرية لأطولهما عمرا بأن يوقفا جميعا على الورثة، ويباح لهم أخذ خراج أقلهما خراجا، ويوقف خراج أكبرهما حتى يعلم موت أحدهما، أن الحرية تجب للآخر منهما؛ وأما إن لم يحملهما الثلث، فتحول الوصية ويرجع إلى أن يعتق من كل واحد منهما بقدر ما يحمل الثلث على ما قال؛ مثل أن يكون الثلث عشرين، وقيمة أحدهما عشرة، والثاني عشرون؛ فيعتق من كل واحد منهما ثلثاه، إلا أن يجيز الورثة الوصية، فيصنع في ذلك ما قاله إذا حملهما الثلث، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في مرضه غلامي حر فلم يزد على هذا] مسألة وقال فيمن قال في مرضه: غلامي حر- فلم يزد على هذا فهو وصية، إلا أن يقول بتل، وكذلك ما وهب في مرضه إذا رجع فيه بعد أن صح، إلا أن يبتله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن المرض حال الوصية، فوجب أن يحمل قوله على أنه وصية، ويصدق إن صح وأراد الرجوع فيها، إلا أن ينص على التبتيل؛ وإنما يختلف إذا قال في صحته: عبدي حر بعد موتي، ولم يكن ذلك منه عند سفر، ولا على وجه يظهر منه قصده إلى الوصية؛ هل يصدق أنه أراد به الوصية فيكون له أن يبيعه، أو لا يصدق في ذلك ويحمل على التدبير، والقولان في المدبر من المدونة، ولا يدخل هذا الاختلاف في مسألتنا هذه، لما ذكرناه من أن المرض حال الوصية، وبالله التوفيق.

مسألة: قال لرجل ضربت غلامي فقال إن كنت ضربته فغلامي حر

[مسألة: قال لرجل ضربت غلامي فقال إن كنت ضربته فغلامي حر] مسألة وفي رجل قال لرجل: ضربت غلامي، فقال: إن كنت ضربته فغلامي حر، فلم يكن ضربه إلا أنه خنقه، قال: هو حانث. قال محمد بن رشد: قوله: إنه حانث يريد فيما يحكم به عليه، ولا يصدق إن ادعى أنه نوى ذلك، ولو أتى مستفتيا غير مطلوب باليمين وادعى هذه النية، لصدق فيها. [مسألة: واجر عبده ثم أعتقه] مسألة ومن واجر عبده ثم أعتقه، فإن الكراء للعبد يرجع على السيد فيأخذه منه إذا عتق. قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا خلاف ظاهر ما في كتاب العتق الثاني من المدونة وغيره- إن العتق إنما يقع بعد انقضاء أمد الإجارة، كالمعتق إلى أجل، والإجارة للسيد؛ وقال أشهب: يحلف بالله ما أراد عتقه إلا بعد انقضاء أمد الإجارة، فإن نكل عن اليمين، كانت الإجارة للعبد؛ وعلى هذا يختلف فيمن أكرى داره للعام، ثم باعها قبل تمام العام؛ فقيل: إن البيع ينعقد فيها من يوم عقداه، ويجب للمشتري من حينئذ، ويأخذ كراء بقية العام وقيل: إن (البيع فاسد، إلا كون يستثني البائع بقية المدة- وهذا إذا علم المبتاع بالكراء؛ وأما إذا لم يعلم، فالكراء له، وهو عيب- إن شاء أخذ الدار على ذلك، وإن شاء ردها. وقيل: إن الدار لا تجب له ولا بعد انقضاء أمد الكراء ولا شيء له في الكراء، إلا أن يشترطه فيجوز في قول، ويكون البيع فاسدا) وأما إن لم يعلم المبتاع بالكراء على هذا القول، فهو عيب إن

مسألة: يقول اعتقوا كل عبد لي قديم

شاء أن يلتزم الدار على أنه لا شيء له في الكراء، وإن شاء ردها، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول اعتقوا كل عبد لي قديم] مسألة وعن الرجل يقول: اعتقوا كل عبد لي قديم، فإنه يعتق من عبيده كل عبد تقادم مكثه عنده على ما يرى، ولا ينظر في هذا إلى سنة. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: ولا ينظر في هذا إلى سنة، خلاف ما في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا أنه إن كان من عبيده من له عنده سنة وأكثر من سنة، ومن له عنده أقل من سنة، فلا عتق لمن كان له عنده منهم أقل من سنة، وإن لم يكن منهم من له عنده سنة فأكثر، فيعتق من له منهم عنده الستة أشهر، والخمسة، والأربعة، وأقل، وأكثر، ويحتمل أن يكون سحنون إنما تكلم على هذا الوجه، فلا يكون قوله مخالفا لقول ابن القاسم في سماع أبي زيد، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في وصيته أقدم رقيقي عندي أحرار] مسألة قال أصبغ عن ابن وهب عمن قال: في وصيته أقدم رقيقي عندي أحرار، وعنده رقيق ولدوا عنده صغار، وقد اشترى بعد ذلك رقيقا؛ فقال: أقدم رقيقه عنده في المملكة يعتقون، لأنه لم يقل أكبر.

مسألة: سافر بعبد لامرأته فباعه في سفره

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: سافر بعبد لامرأته فباعه في سفره] مسألة وقال سحنون في رجل سافر بعبد لامرأته، فباعه في سفره ثم رجع فوجد امرأته قد ماتت وأوصت بعتق ذلك الغلام- والثلث يحمله، ولا يعلم موضع الغلام ولا حي هو أو ميت، فإن المال يكون موقوفا أبدا إلى يوم الحساب، لأنه لا يدري لمن يكون حين لم يدر هل أدركه العتق أم قد كان مات قبل موتها؟ وكذلك لو استوفى أنه أدركه العتق قبل موتها، لوقف المال أبدا؛ وللسلطان أن يجتهد في ذلك رأيه، فإن رأى أن يضمن الزوج قيمته على أقرب عهدهم بالغلام وما كانت قيمته يومئذ، فعلى أن رآه أفضل؛ وكذلك قال أصحابنا في الذي يوصي بعتق غلام فلا يعلم موضع الغلام، أنه يقوم الغلام قيمة أقرب عهدهم به، فيحسب في ثلث مال الميت. قال محمد بن رشد: قوله: إن المال يكون موقوفا أبدا، يريد الثمن الذي باعه به الزوج، لأنه هو الذي يجب صرفه على المشتري إن وجد العبد فأعتق. وقوله: إلى يوم الحساب- يريد أن يؤيس من وجود العبد قبل ذلك، فإذا أيس من وجوده، فلا معنى لتوقيفه؛ فإن علم أنه مات قبلها، كان الثمن للورثة، وإن علم أنها ماتت قبله، جعل الثمن في عتق؛ وكذلك أن جهل ذلك، لأنه محمول على الحياة حتى يعلم موته، أو يمضي له من السنين ما لا يحيا إلى مثلها. وقوله: إن للسلطان أن يضمن الزوج قيمته على أقرب عهدهم بالغلام، وما كانت قيمته يومئذ، معناه أن رأى أن يضمن الزوج قيمته يوم باعه على ما عرف من صفته في أقرب عهدهم به، لأنه محمول على تلك الصفة التي عرف عليها حتى يعلم تغيره عنها؛ ومعنى ذلك إن كانت قيمته

مسألة: قال في صحته لغلامين له نصفكما حر

على هذه الصفة أكثر من الثمن الذي باعه له، فتكون الزيادة على الثمن الذي باعه به ميراثا للورثة؛ وأما الثمن الذي باعه به، فقد مضى ما يكون الحكم فيه من توقيفه، وهذا إذا لم يجعل الزوج كالوكيل لها، وحمل بيعه إياه على العداء منه عليها، وفي ذلك اختلاف؛ قال مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات: هو سفيرها، فدل ذلك من قوله على أنه يحكم له بحكم الوكيل فيما باع لامرأته واشترى لها، ومثله من الدليل في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس، ووقع في سماع زونان من كتاب الدعوى والصلح ما يدل على أنه محمول في ذلك على غير الوكالة (حتى تعلم الوكالة) وصرف سحنون الأمر في القضاء بهذا إلى اجتهاد السلطان، يدل على أن مذهبه القول بتصويب المجتهدين وهو الصواب، وفي ذلك اختلاف معلوم، وبالله التوفيق. [مسألة: قال في صحته لغلامين له نصفكما حر] مسألة وسئل عن رجل قال في صحته لغلامين له: نصفكما حر، أنه يعتق من شاء منهما، ولو قال: أنصافكما حر، عتقا جميعا. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يقول في صحته لغلامين له: نصفكما حر، أنه يعتق من شاء منهما؛ بعيد في النظر، وشذوذ في القول؛ أنه إنما يكون له أن يعتق من شاء منهما إذا قال لهما: أحدكما حر، وأما إذا قال: نصفكما حر، فالواجب في ذلك على أصولهم، أن يعتق نصفهما بالسهم، كان ذلك في الصحة أو في المرض، أو في الوصية بعد الموت، غير أن ذلك إن كان في الصحة فخرجت القرعة على عبد قيمته أكثر من نصف قيمتهما، عتق عليه جميعه؛ إذ لا يصح التبعيض في عتق الصحيح إن خرجت القرعة على عبد قيمته أقل من نصف قيمتهما، عتقا جميعا. وقد قيل: إن قوله:

مسألة: قالت إن فعلت كذا وكذا فغلامي الذي لي على زوجي حر

نصفكما حر بمنزلة قوله: أنصافكما حر يعتقان جميعا، حكى ذلك ابن حبيب عن أصبغ، وأما إذا قال: أنصافكما حر في صحته، فلا اختلاف في أنهما يعتقان عليه جميعا؛ وقد مضى هذا في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب العتق، وبالله التوفيق. [مسألة: قالت إن فعلت كذا وكذا فغلامي الذي لي على زوجي حر] مسألة وسئل سحنون عن امرأة قالت: إن فعلت كذا وكذا فغلامي الذي لي على زوجي حر، فحنثت؛ قال: يعتق عليها إذا قبضته إن كان يحمله ثلث مالها. قال أصبغ في رجل حنث بعتق رقيقه وله رقيق قد أسلم فيها مضمونة، أو كانت امرأة لها على زوجها رقيق مضمونة، لا حنث عليها فيها؛ لأنها ليست (لها) بملك بعد ولاء له، ولم يقع حنثه على شيء بعينه، والضامن لها يأتي من حيث شاء، ولا أرى لها في الحرية نصيبا. قال محمد بن رشد: في المدنية لابن القاسم من رواية عيسى عنه مثل قول سحنون، وزاد أنه للحالف يبيعه، ولا يهبه ولا يصالح عنه؛ فإذا قبضه، أعتق عليه؛ وقال ابن كنانة: إن قبضه أعتق عليه، وإن باعه ولم يقبضه سقط عنه الحنث فيه؛ ونص ما في المدونة: قال عثمان بن كنانة في امرأة تزوجت رجلا بنقد مسمى انتقدته، وبرأس موصوف- كالئا عليه، ثم حلف بالحرية؛ قال: إن قبضت ذلك الرأس من زوجها وقع الحنث عليها فيه، وعتق ساعة تأخذه، لأن ذلك قد كان وجب لها يوم حلفت؛ قال: وإن صالحت زوجها على عرض أو عين تأخذه منه في ذلك الرأس، لم يقع عليها فيه حنث، ولم تجبر على أخذ الرأس؛ قال عيسى بن دينار، قال ابن القاسم: أرى أن

مسألة: قال لغلامه اذهب بهذا الكتاب فاجعله في يد فلان وأنت حر

تجبر على أخذه ويعتق عليها؛ ولو كان لا يكون عليها عتق (إذا لم تأخذه ما كان عليها عتق) إذا أخذته، لأنه قد كان لها عليه ملك يجب عليها اليمين فيه- وإن كان مضمونا، فقد جرى فيه العتق وليس لها أن تبيعه، وكذلك الذي يسلف في عبد فيحلف بالحرية، ثم يحنث، أنه ليس أن يبيع ويجبر على أخذه ويعتق عليه، وقول أصبغ هو الذي يوجبه القياس والنظر، لأن العبد المسلم فيه ليس المسلم فيه مالكا له حتى يقبضه، ولو حلف قبل أن يقبضه أنه ما يملك عبدا، لما كان عليه حنث؛ فوجب ألا يحنث فيه إذا حلف بالحرية؛ وتفرقة ابن كنانة استحسان، وقول ابن القاسم إغراق فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لغلامه اذهب بهذا الكتاب فاجعله في يد فلان وأنت حر] مسألة وقال سحنون في رجل قال لغلامه: اذهب بهذا الكتاب فاجعله في يد فلان- وأنت حر، فذهب فألفاه قد مات، فوضعه في يده وهو ميت، قال: هو حر. قال محمد بن رشد: إنما وجبت له الحرية بوصوله بالكتاب إليه دون توان ولا تفريط لا يجعله في يده، إذ ليس الغرض جعله في يده، إذ لو وجده حيا فوصل الكتاب إليه- ولم يجعله في يديه، لوجبت له الحرية؛ وكذلك إذا وجده قد مات، الحرية له واجبة- وإن وجده قد دفن فلم يجعله في يده، إذ لا معنى لجعله في يده وهو ميت، إلا أن يكون قد فرط في الوصول حتى مات- ولو لم يفرط لأدركه حيا، فلا تجب له الحرية إن قال الحالف: إنما أردت توصيل الكتاب إليه بعينه لغرض لي في ذلك، ولو كان غرضه في الكتاب يتم له بتوصيله إلى ورثته، لوجبت له الحرية، وبالله التوفيق.

: نذر عتق رقبة لله فأراد أن يعتق عبدا له في نذره

[: نذر عتق رقبة لله فأراد أن يعتق عبدا له في نذره] من نوازل أصبغ سئل أصبغ عمن نذر عتق رقبة لله، فأراد أن يعتق عبدا له في نذره، فقال له: إذا سافرت لي سفرتين إلى موضع كذا، فأنت حر عن نذري، أو إذا أخدمتني سنة فأنت حر عن نذري الذي جعلت لله علي؛ قال: لا أراها مجزية، وأراها ناقصة؛ قال: ولو كان قال له: أنت حر إلى يومين أو ثلاثة عن نذري، وما يشبهه مما ليس فيه كبير خدمة ولا مؤنة، رأيتها مجزية، لأن هذا كالبتل، وقال أصبغ: أرى الشهر كثيرا في العتق إلى أجل - يريد سيده انتزاع ماله إذا تدانا حلول عتقه بالشهر ينتزعه إن شاء، وذلك أن الشهر في هذا ليس بمشرف على العتق، والشهر يكون حدا من الحدود، فضلا في أنواع العلم؛ من ذلك الذي يحلف لينتقلن، فينتقل فيؤمر ألا يرجع حتى يقيم شهرا، ومن ذلك الزكاة لا تقدم قبل الحول بشهر، فكذلك هذا- عندي- له الانتزاع في الشهر، وأراه كثيرا؛ وقد يجرح في مثل هذا فيكون جرحه للسيد ولا يكون له، ويكون ذلك أمرا بينا لا ريبة فيه من ظلم من قضاء، ولو تقارب عتقه اليوم واليومين بجرح لا يشكل على أحد أن يكون جرحه له، ويقضى له به؛ لأنه قد أوفى وأشرف على العتق كشروف المدبر بمرض سيده المرض المقرب للموت، فاستدل بهذا وأشباهه، والأول غير مشكوك، والورثة مقام السيد لما يكون له وعليه.

مسألة: مريض دخل عليه غلامان له فقال لهما أحدكما حر

قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قاله؛ لأنه إذا أعتقه بعد أن يسافر له سفرتين، أو بعد أن يخدمه سنة، فهو عتق مؤجل؛ لا يجزئه عما نذر من العتق البتل؛ وأما إذا أعتقه إلى أيام يسيرة، أو ما أشبه ذلك من السفر إلى الموضع القريب، فهو يجزئه كما قال، لأنه في معنى البتل؛ إذ لا كبير مؤنة على العبد في ذلك، ورأى الشهر في ذلك كثيرا على قياس ما ذكره من انتزاع مال العبد المعتق إلى أجل من تقديم الزكاة قبل حلول حولها، وما أشبه ذلك من الأشياء التي ذكرها؛ وفي ذلك اختلاف، ففي كتاب ابن المواز أن الشهر قليل إذا توافى حلول أجل عتق المعتق إلى أجل بالشهر ونحوه، فليس له أن ينتزع ماله مثله في كتاب ابن عبد الحكم؛ وفي جواز تقديم الزكاة قبل حلول حولها اختلاف كثير، قيل: إنها لا تجزئ قبل الحول كالصلاة، وقيل: إنها لا تجزئ إلا قبل الحول باليوم واليومين، وقيل بالعشرة الأيام ونحوها؛ وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وقيل بالشهر، وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى عنه من كتاب الزكاة، وقيل الشهر والشهران، وهو قول مالك في رواية زياد عنه، وبالله التوفيق. [مسألة: مريض دخل عليه غلامان له فقال لهما أحدكما حر] مسألة وسئل عن مريض دخل عليه غلامان له، فقال لهما: أحدكما حر، فخرجا ثم دخل أيضا أحدهما مع غلام له آخر، فقال لهما: أحدكما حر، فمات الرجل؛ قال أصبغ: الورثة بمثابته كما يكون له في حياته إن كان قوله هذا (في حياته) يوقعوا بين الأولين العتق على من شاءوا، فإن أوقعوه على الذي لم يدخل ثانية، جمع الآخر مع الذي دخل ثانية فأوقعوا العتق على من شاءوا منهما أيضا ورق الآخر؛ وإن أوقعوا في أول على الداخل ثانية، بطل عتق الذي

كان معه أولا، وعتق الذي كان معه آخرا، لأن التوقيع دار إليه وحده. قال محمد بن رشد: سأله عن الذي يقول ذلك وهو مريض ثم يموت فلم يجب عليه، وأجاب على من قال ذلك في حياته- أي في صحته- ثم مات على القول بأن الورثة يتنزلون منزلته في الاختيار إذا قال في صحته: عبد من عبيدي حر، وقد اختلف في ذلك على أربعة أقوال حسبما بيناه في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب العتق؛ والذي يأتي في هذه المسألة على قياس القول بأن العتق يجري فيهم بالحصص: أن يعتق من كل واحد من الثلاثة إلا عبد نصفه، والذي يأتي فيهما على قياس القول بأن يعتق ثلثهم بالقرعة إن كانوا ثلاثة، أو ربعهم إن كانوا أربعة؟ أو نصفهما إن كانا اثنين، أن يعرف قيمة كل واحد منهم، فإن كان في التمثيل قيمة الذي دخل أولا مع الذي تكرر دخوله عشرة، وقيمة الذي دخل معه عشرون، وقيمة الثالث الذي دخل آخرا مع الذي كان دخل مع الأول ثلاثون، أسهم بين اللذين دخلا أولا، وقيمة أحدهما عشرة، والثاني عشرون، على ما نزلناه؛ فإن خرج السهم منهما على الذي قيمته عشرون، أعتق منه ثلاثة أرباعه بخمسة عشر، لأنها هي نصف قيمتهما، وإن خرج السهم منهما على الذي قيمته عشرة، عتق كله، وعتق من الآخر ربعه بخمسة تتمة نصف قيمتهما التي هي خمسة عشر، ثم يرجع إلى الذي دخل آخرا وقيمته ثلاثون مع الذي كان دخل مع الأول وقيمته عشرون، فيسهم بينهما أيضا، فإن خرج السهم على الذي قيمته عشرون، وهو الذي دخل ثانية، عتق باقيه، وعتق من الآخر سدسه- بخمسة تمام نصف قيمتهما، وإن خرج السهم على الذي دخل آخرا- وقيمته ثلاثون، عتق منه خمسة أسداسه بخمسة وعشرين التي هي نصف

مسألة: قال لغلامه إن جرحت فلانا فأنت حر فيجرحه

قيمتهما؛ والذي يأتي فيها على قياس القول بأنه يعتق واحد منهم بالقرعة- قل عددهم أو كثر، أن يقرع بين الأولين؛ فيعتق من خرج السهم عليه منهما ثم يقرع على الذي دخل ثانية مع الذي دخل معه آخرا، فإن خرجت القرعة على الثالث الذي لم يقرع عليه بعد، أعتق، وإن خرجت على الآخر الذي قد أقرع عليه، أعتق إن كانت القرعة لم تخرج عليه أولا، وبقي الثالث وحده رقيقا؛ وإن كانت القرعة قد كانت خرجت عليه أولا فأعتق، لم يعتق سواه؛ لأن القرعة خرجت عليه في المرتين جميعا؛ وهذا هو الحكم في الذي قال ذلك- وهو مريض ثم مات ولم يجب عليه، لأن القرعة هو وجه الحكم في هذا في المرض والوصية بعد الموت، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لغلامه إن جرحت فلانا فأنت حر فيجرحه] مسألة وسئل عمن قال لغلامه: إن جرحت فلانا فأنت حر فيجرحه، فقام المجروح يطلبه بجرحه؛ قال: يخير سيده، فإن فداه بدية الجرح، وإلا بيع فأخذ عقل جرحه؛ فإن كان فيه فضل عن جرحه، عتق ثم رجع، فقال: الأرش على السيد والعبد حر؛ لأنه كان أمره بذلك على أن يحمل عنه الأرش. قال محمد بن رشد: قوله: فإن فداه بدية الجرح وإلا بيع، معناه فإن فداه بدية الجرح أعتق، وإلا بيع إلى آخر قوله، والقول الذي رجع إليه من أن الأرش على السيد- والعبد حر مكانه، هو الأظهر أنه لا يباع منه بقدر الجرح إلا أن لا يكون للسيد مال، وبالله التوفيق.

مسألة: المعتقة إلى أجل

[مسألة: المعتقة إلى أجل] مسألة وقال أصبغ: الحجة في المعتقة إلى أجل لا توطأ؛ لأن سيدها لا يقدر على أن يحدث فيها ما ينقص عتقها قبل الأجل، وكذلك الكتابة، وليس كذلك المدبرة؛ لأنه يدخل على المدبرة من الدين ما ينقض عتقها بعد موته؛ وأما أم الولد فإنه يعتقها وطؤه إياها وماؤه فيها، فذلك لا يزول عنه إلا بموته. قال محمد بن رشد: هذه تفاريق بينة بين هذه الوجوه لا إشكال فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: قيل له أعرض علينا جاريتك فقال يا فلان ادع فلانة هي حرة] مسألة وفيمن قيل له: أعرض علينا جاريتك، فقال: يا فلان ادع فلانة هي حرة، فلم تخرج وقال: إنما أردت إن جاءت؛ قال: هو حانث ولا يقبل قوله إذا كانت عليه بينة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة، قوله: إنه لا يقبل قوله، صحيح إذا كانت عليه بينة، وبالله التوفيق. [مسألة: له عبدان فقال أحدكما حر ولا خيار لي فيكما] مسألة وعن رجل له عبدان، فقال: أحدكما حر ولا خيار لي فيكما، على هذا أعتق أحدكما؛ قال أصبغ: هما حران جميعا، وأرى قوله لا خيار لي فيهما قطعا للعبودية، إلا أن تكون له نية تخرج إلى وجه.

مسألة: يأذن لامرأته أن تحلف بحرية رقيقها في أمر

قال محمد بن رشد: قوله إلا أن تكون له نية تخرج إلى وجه، مثل أن يقول له: إنما أردت أني لا أختار وإنما أعتق من خرج السهم عليه منكما، إلى مثل أن يقول: إنما لا أختار أحدكما وإنما أعتق نصف كل واحد منكما؛ وادعاؤه الوجه الأول أظهر، وهو مصدق فيما يدعيه من ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يأذن لامرأته أن تحلف بحرية رقيقها في أمر] مسألة وقال أصبغ في الرجل يأذن لامرأته أن تحلف بحرية رقيقها في أمر- وحريتها أكثر من الثلث فتحلف، ثم يريد أن يرد عليها؛ قال أصبغ ذلك له، وكذلك لو أن امرأة خطبها خاطب، فحلفت بعتق رقيقها ألا تتزوجه فعلم ذلك، ثم أجابته وتزوجها على علم، كان له الرد أيضا إذا جاوز ذلك ما يجوز لها، وليس تقدمه عليها بعد علمه حجة عليه، وكذلك يقول أهل العلم. قال محمد بن رشد: أما إذا أذن لها زوجها بالحلف، فإنما قال: إن له أن يرد عليها إذا حنث، لأن من حجته أن يقول: إنما أذنت لها أن تحلف لتبر في يمينها ولا تحنث، ولو علمت أنها تحنث، لما أذنت لها أن تحلف، وأما التي حلفت بعتق رقيقها ألا تتزوج رجلا ثم تزوجته، فهي مسألة قد مضت في رسم أسلم من سماع عيسى، والكلام عليها مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يبيع أم ولده على أن يعتقها المشتري] مسألة وسئل أصبغ عن الرجل يبيع أم ولده على أن يعتقها المشتري عتقا يبتدئه بعد الاشتراء، فاشتراها وأعتقها، ثم علم السلطان بذلك؛ قال: يمضي عتق المشتري فيها، ويكون ولاؤها لسيدها الذي باعها؛ ولا أرى أن يرجع عليه المشتري من الثمن بشيء، ولو

مسألة: قتل وليه عمدا وهو وارثه وللمقتول موال

باعها منه بيعا لم يشترط عليه فيها عتقا، فأعتقها المشتري من قبل نفسه، فإن السلطان يردها إلى سيدها أم ولد، وينفسخ عتق المشتري ويرجع بالثمن. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأنه إذا اشتراها منه على أن يعتقها فليس بشراء، وإنما أعطاه ما أعطاه على عتقها بمنزلة ما لو قال له: خذ مني كذا وكذا وأعتق أم ولدك، وأما إذا اشتراها منه بغير شرط العتق فأعتقها، فهو شراء فاسد يجب فسخه وردها أم ولد إلى سيدها- وإن كان المشتري قد أعتقها، إذ لا يصح له فيما عتق، لوجوب حريتها بولادتها من سيدها الذي باعها، وبالله التوفيق. [مسألة: قتل وليه عمدا وهو وارثه وللمقتول موال] مسألة وسئل عن رجل قتل وليه عمدا- وهو وارثه- وللمقتول موال، فقال: لا أرى أن يرث ولاءهم، لأنه في الولاء والميراث متهم بتهمة واحدة، وولاؤهم لأقعد الناس فيه بعده، لأن الولاء ليس بنسب فلا يزول. قال محمد بن رشد: لا أذكر لأحد من أصحاب مالك نص خلاف في هذا، وفيه- عندي- نظر؛ لأنه إنما يصح على قياس القول بأن الولاء يورث على المعتق، كما يورث عنه ماله؛ فيكون أحق بميراث مواليه- إذا ماتوا، من ورث عنه ماله على ما قضى به ابن الزبير في أبي عمرو ذكوان مولى عائشة، لأنه جعله لطلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ورآه أحق به من القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، من أجل أن أباه عبد الله ورث عائشة دون القاسم، لأن أباه عبد الرحمن كان أخا عائشة لأبيها وأمها، وكان والد القاسم: محمد أخاها لأبيها دون أمها؛ والذي يأتي في هذه المسألة على قياس ما عليه الجمهور وجماعة الفقهاء الأمصار، أن

مسألة: النصراني مات وترك امرأته حاملا وترك أولادا مسلمين

الولاء لا يورث عن المعتق وإن أحق الناس بميراث مولاه، أقرب الناس به يوم مات المولى، لا من ورث مولاه الذي أعتقه، أن يكون ميراث مولى المقتول عمدا للقاتل إن كان أقرب الناس إلى المقتول يوم مات المولى، إن كان بعد موت لا يمكن أن يحيا إليها المقتول لو لم يقتل، لأنه إن مات في يده كان يمكن أن يحيا إليها المقتول، اتهم القاتل في أنه إنما قتله ليرث ماله، وليرث مولاه إن مات؛ وإذا مات بعد مدة لا يمكن أن يحيا إليها المقتول لو لم يقتل، ارتفعت عنها التهمة في ذلك، فكان له ميراثه؛ لأنه إنما منع ميراث المقتول من أجل أنه اتهم على أنه إنما قتله ليرثه، فكذلك المولى يحرم ميراثه في الموضع الذي يتهم فيه على أنه إنما قتل مولاه ليرثه، ولا يحرم إياه في الموضع الذي تنتفي عنه التهمة في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: النصراني مات وترك امرأته حاملا وترك أولادا مسلمين] مسألة وقال في النصراني مات وترك امرأته حاملا وترك أولادا مسلمين وعصبة نصارى فولدت المرأة جارية فأقرها إخوتها على الإسلام وسموها باسم الإسلام، وأسلمت الأم أيضا ثم ماتت المولودة؛ فقال: يرثها إخوتها وأمها؛ وتدفن في مقابر مسلمين، ولا يرثها عصبة أبيها النصراني؛ وهذا بين، ألا ترى أن الرجل يشتري الصغيرة من السبي فيسلمها ويسميها باسم الإسلام، ويجريها على ذلك وهي صغيرة، فتكون مسلمة ويعمل فيها ما يعمل في المسلمة؛ وهذا قول مالك وغيره من أهل العلم فاعرفه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنها إذا ولدت بعد موت أبيها النصراني وأقرها إخوتها على الإسلام، وسموها باسم الإسلام، وأسلمت الأم أيضا؛ أنه يحكم لها بحكم الإسلام في جميع الأحوال من الموارثة، والصلاة

عليها، والدفن في مقابر المسلمين، وسائر ما يلزم في شريعة الإسلام؛ بدليل قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه» - الحديث يدل مجمله على عمومه، على أنه إذا لم يكن له أبوان يهودانه أو ينصرانه، فهو على ما ولد عليه من فطرة الإسلام؛ وفي تأويل الحديث اختلاف كثير، وقد اختلف في الصغير من السبي فقيل: إنه يحكم له بحكم الإسلام بملك سيده إياه، وقيل: إنه لا يحكم له به حتى ينويه سيده، وقيل: إنه لا يحكم له به حتى يرتفع عن حداثة الملك شيئا، في ويزييه بزي الإسلام، ويشرعه شرائعه، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، والذي ذهب إليه في هذه الرواية؛ وقد قيل: إنه لا يحكم له بحكم الإسلام حتى يجيب إليه بعد أن يعقل، وقيل: حتى يجيب إليه بعد أن يبلغ؛ وقيل في هذا كله سواء سبي مع أبويه أو دونهما، وقيل: إنما هذا إذا سبي دون أبويه، وأما إذا سبي معهما أو مع أحدهما، فله حكم من سبي معه منهما؛ وقيل: إنما يراعى في ذلك الأب، ولا يلتفت فيه إلى الأم- ما لم تفرق الأملاك بينهما؛ وقيل: إن له حكمهما أو حكم أحدهما- وإن فرقت الأملاك بينهما، فاستدلاله في الرواية بمسألة الصغيرة من السبي على المسألة التي سأله عنها مع ما فيها من الاختلاف الذي قد ذكرته، إنما وجهه أنه إذا كان قد قيل في المسبية أنه يحكم لها بحكم الإسلام بتسمية سيدها إياها باسم الإسلام وإجرائها على ذلك، وهي قد ولدت في بيت الكفر على دين الكفر، ثم سبيت مع أبويها، فأحرى أن يقال ذلك في التي ولدت في بلد الإسلام بعد أن

مسألة: مات وترك امرأته حاملا فولدت توأما

مات أبوها ثم أسلمت أمها، فأقرها إخوتها على الإسلام وسموها باسمه، فلا يدخل فيها الخلاف الذي في المسبية، وبالله التوفيق. [مسألة: مات وترك امرأته حاملا فولدت توأما] مسألة وفي رجل مات وترك امرأته حاملا فولدت توأما، فشهدت امرأتان أن أحدهما استهل فلم تعرفاه؛ قال أصبغ: إن كان غلامين فله الميراث؛ لأن ميراثهما واحد، وإن كان جاريتين فكذلك، وإن كان غلاما وجارية، فهذا موضع شك، وأخاف ألا يكون لهما شيء؛ ولو كان له امرأتان فولدتا فشهدت امرأتان أن أحدهما استهل ولا يعرفانه، فلا ميراث لواحد منهما، لأنه قد اختلف الأمهات والمواريث، وليس يورث أحد بالشك. قال محمد بن رشد: أما إذا كانا غلامين أو جاريتين، فكما قال: لا إشكال فيه؛ وأما إذا كان غلاما وجارية، فقوله أخاف ألا يكون لهما شيء، ليس بصحيح، والواجب أن يجعل له ميراث أنثى الذي هو أدنى المرتبتين كما قال ابن القاسم في رسم أوصى من سماع (عيسى) من كتاب الشهادات إذا كان واحدا فشهد على استهلاله ولم يدر إن كان ذكرا أو أنثى؛ وأما إذا كانت امرأتان فبين أنه لا ميراث لواحد منهما، إذ لا يدرى من هي أم المستهل منهما التي يستحق ميراثه، وبالله التوفيق.

: أخبر بنفاس أمته وأخبر أنه غلام فقال هو حر عن أبيه

[: أخبر بنفاس أمته وأخبر أنه غلام فقال هو حر عن أبيه] ومن كتاب المدنيين قال: وسألت ابن القاسم عن رجل أخبر بنفاس أمته، وأخبر أنه غلام، فقال: هو حر عن أبيه، فإذا هي جارية؛ هل يجوز عتقها؟ فقال: لا يلزمه عتقها إلا أن يكون أراد ما وضعت حر فإن لم يرد ذلك، وإنما أراد أن يعتقه لأنه غلام، فلا يلزمه عتقها، ورواه أبو زيد. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، وهو مصدق فيما يذكره من أنه إنما أراد أن يعتقه، لأنه غلام دون يمين تلزمه في ذلك، لأن نيته مطابقة لما لفظ به؛ وقد قال ابن أبي حازم في المدنية والمبسوطة: إنه يعتق، لأنه إنما أراد عتق ما وضعت وهو بعيد، وبالله التوفيق. [: المكاتب يبيعه سيده فيعتقه الذي ابتاعه] ومن سماع محمد بن خالد قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن المكاتب يبيعه سيده فيعتقه الذي ابتاعه، قال: لا يرد عتقه ويمضي ذلك، وقال ابن نافع: يرد عتقه إذا باعه من قبل أن يعجز ويرجع رقيقا، ويرد إلى صاحبه على كتابته حتى يعجز أو يؤدي. قال محمد بن رشد: هذا الاختلاف في المدونة، وفيها قول ثالث لأشهب وسحنون - وهو الفرق بين أن يعلم المكاتب بالبيع أو لا يعلم، لأنه إذا رضي بالبيع فقد رضي بتعجيز نفسه؛ وهذا الذي تقتضيه الروايات بحملها على ظاهرها، والأولى أن تحمل على ما سنذكره في سماع عيسى من كتاب المكاتب- إن شاء الله، وبالله التوفيق.

مسألة: المدبر يباع فيموت عند المبتاع

[مسألة: المدبر يباع فيموت عند المبتاع] مسألة وقال ابن القاسم في المدبر يباع فيموت عند المبتاع، إن الموت فوت، ويرجع على البائع بما بين قيمته مدبرا وقيمته غير مدبر. وقال ابن نافع: إذا فات عند المبتاع بموت أو عتق، لم يرجع على البائع لشيء، قال محمد بن خالد: وقول ابن نافع عندنا أقيس وأحب إلينا - والله اعلم بالصواب. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية في المدبر يباع فيموت عند المبتاع أنه يرجع على البائع بما بين قيمته مدبرا وقيمته غير مدبر، معناه من الثمن الذي باعه به على حكم من اشترى عبدا فاطلع على عيب به بعد أن مات عنده، وهذا إذا كان البائع دلس له به- ولم يعلمه أنه مدبر، ولو اشتراه منه وهو يعلم بتدبيره فمات عنده، لم يكن له عليه رجوع؛ وقول ابن القاسم هذا يحمل على التفسير لمذهبه في المدونة، لأنه على أصله فيها إذ قال: إنه إذا حدث عند المبتاع له عيب يرده، وما نقص العيب عنده على حكم البيع المردود بالعيب، وإنما لم ير في المدونة للمشتري رجوعا على البائع بقيمة عيب التدبير إذا مات عنده، فقال: إن المصيبة فيه من المشتري، ويحبس البائع من الثمن قدر قيمته لو كان يحل بيعه على رجاء العتق له وخوف الرق عليه، ويجعل الباقي في عتق؛ لأنه إنما تكلم على أنه علم بالتدبير- والله أعلم؛ فإذا علم بالتدبير، لم يكن له رجوع على البائع بعيب التدبير، ولزم البائع أن يجعل ما زاد الثمن الذي أخذ فيه على قيمته على الرجاء والخوف في المدبر، وإذا لم يعلم المبتاع بالتدبير رجع على البائع بقيمة عيب التدبير على ما قاله في هذه الرواية- ولم يكن على البائع فيما

: قال لعبدين له إن جئتما بمائتي دينار فأنتما حران إن رضيتما

بقي عنده من الثمن شيء؛ وقول ابن نافع الذي اختاره محمد بن خالد أنه لا رجوع له على البائع إذا فات عنده بموت أو عيب، وجهه أنه إذا فات عنده بموت في حياة السيد البائع له، فقد تبين بطلان التدبير، وإن ما كتبه من تدبيره إياه لم يضره وإن عتق فقد صح البيع، إذ لا يصح نقض البيع بعد أن أعتق، إذ قد قيل: إنه يجوز بيعه إياه على أن يعتق؛ فعلى قوله لا يجب على البائع أن يتمحى في شيء من الثمن إذا فات عند المبتاع بموت أو عتق، وهو قول ابن القاسم من رواية عيسى عنه في المدنية، وستأتي هذه المسألة في سماع أصبغ من كتاب المدبر، فنزيدها فيه بيانا- إن شاء الله، وبه التوفيق. [: قال لعبدين له إن جئتما بمائتي دينار فأنتما حران إن رضيتما] من سماع أبي زيد وقال في رجل قال لعبدين له: إن جئتما بمائتي دينار فأنتما حران إن رضيتما، فقال أحدهما: لا أرضى، وقال الآخر: أنا أدفع المائتين؛ قال: يكونان حرين وإن كره أحدهما، ويتبع من أدى الذي لم يرض أن يكون (حرا) . قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة في الذي يكاتب عبده على نفسه وعلى عبد للسيد غائب، أن الكتابة تلزم الغائب. وإن أباها ولم يرض بها، وهو على القول بأن للسيد أن يجبر عبده على الكتابة، إذ لا ضرر في ذلك عليه، وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك وابن القاسم، والله الموفق.

مسألة: قال في عبد بينه وبين رجل نصيبي منك حر

[مسألة: قال في عبد بينه وبين رجل نصيبي منك حر] مسألة قال ابن القاسم: إذا قال في عبد بينه وبين رجل: نصيبي منك حر إلى آخرنا موتا أنا أو شريكي، وقال شريكه أيضا: هو حر، إلى موت الآخر منا، فمن مات أولا فنصيبه من العبد حر من الثلث، وخدم نصف ورثته إلى موت شريكه، وإن قالا: هو حر إلى موتنا؛ فمن مات أولا فنصيبه من العبد حر من الثلث، ونصيب الباقي حر من رأس المال. قال محمد بن رشد: أما قوله فمن مات أولا أن نصيبه من العبد يكون حرا من الثلث، ويخدم ثلثه إلى موت شريكه. وقوله: وإن قالا هو حر إلى موتنا- يريد وكذلك إن قالا: هو حر إلى موتنا، إذ لا فرق بين اللفظين في المعنى. وأما قوله: ونصيب الباقي من رأس المال، فهو غلط؛ لأن الحكم فيه أن يكون من الثلث، لأنه إنما يعتق بعد موته، هذا ما لا إشكال فيه، وإنما يكون حظ الآخر موتا منهما من رأس المال، إذا قال كل واحد منهما: نصيبي حر إلى موت الأول منا، فهذا هو الذي سبق إليه فأجاب عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: دبره إلى آخرهما موتا] مسألة وإن دبره إلى آخرهما موتا، فمن مات أولا كان نصيبه حرا من الثلث يخدم، حصة ورثة الميت- إلى موت الآخر؛ فإذا مات الآخر كان حظه أيضا حرا من الثلث. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، وكذلك العتق أيضا

مسألة: قالت في جاريتها إن ولدت غلاما فأنت حرة شكرا لله

يكون حظ كل واحد منهما من الثلث على ما بيناه في المسألة التي فوقها، وبالله التوفيق. [مسألة: قالت في جاريتها إن ولدت غلاما فأنت حرة شكرا لله] مسألة وقال في امرأة قالت في جاريتها: إن ولدت غلاما فأنت حرة شكرا لله، فولدت غلاما ميتا؛ قال: تعتق. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والكلام عليها في سماع أبي زيد من كتاب العتق قبل هذا، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: استعار من رجل عبدا في يوم لا يعمل فيه العبد لسيده شيئا] مسألة وقال في رجل استعار من رجل عبدا في يوم لا يعمل فيه العبد لسيده شيئا، فقال: هو اليوم حر، يريد أن هذا اليوم لا يعمل لي فيه شيئا، إنه يحلف ما أراد عتقا ولا يعتق عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يحلف ما أراد عتقا ولا يعتق عليه، هو على القول بلحوق يمين التهمة، إذ لا يصح أن يحقق عليه الدعوى في أنه أراد بذلك العتق، لأن نيته لا سبيل إلى معرفتها إلا من قبله، وهي نية تدل على صدقه فيها- تخصيصه الحرية بذلك اليوم الذي لا يعمل له فيه شيئا، وبالله التوفيق. [مسألة: عبدا شتم رجلا فاستعدى عليه سيده فقال هو حر مثلك] مسألة قال: ولو أن عبدا شتم رجلا فاستعدى عليه سيده، فقال: هو حر مثلك، قال: أراه حرا قد أعتقه.

مسألة: ادعى قبل رجل عبدا فوجده قد أعتقه

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن ظاهر قوله الحرية، ولا يصدق أنه لم يرد بذلك الحرية- إن ادعى ذلك، إذ ليس له سبب يدل على تصديقه كالمسألة التي قبلها، وبالله التوفيق. [مسألة: ادعى قبل رجل عبدا فوجده قد أعتقه] مسألة قال: لو أن رجلا ادعى قبل رجل عبدا فوجده قد أعتقه، فقال له: أعتقت عبدي؟ قال: قد والله فعلت، ولم تكن بينة إلا بإقراره، عتق العبد وغرم القيمة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن العتق يلزمه بعتقه إياه قبل أن يقربه المدعي، وتلزمه القيمة للمدعي بإقراره له به ولو قامت للمدعي بينة على أنه له، لبطل العتق فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وترك ثلاثة أعبد] مسألة وقال في رجل هلك وترك ثلاثة أعبد، فشهد وارث أن أباه أعتق أحد الثلاثة الأعبد، فصار له عبد في الميراث؛ قال: أرى أن يسهم بينهم، فإن وقع عليه السهم عتق، وإن لم يقع عليه السهم، (عتق منه ثلثه) . قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه شهد أن أباه قال في مرضه: أحد هؤلاء الأعبد الثلاثة حر، وكذلك لو شهد أنه قال ذلك في صحته على القول بأنه إن لم يختر حتى مات، عتق واحد منهم بالقرعة؛

مسألة: أعتق وعليه دين للناس

ويأتي على القول بأن العتق يجري فيهم- أن يعتق عليه ثلثه؛ وعلى القول بأن الورثة ينزلون منزلته في الاختيار، لا يعتق على الشاهد هذا العبد الذي صار إليه من الأعبد الثلاثة بالميراث، إلا أن يختاره للعتق، ولا اختلاف في المسألة إن كان قال ذلك في مرضه، للاتفاق على أن الحكم في ذلك أن يعتق واحد منهم بالسهم؛ ولو أشهد أنه أعتق واحدا منهم بعينه في صحته، أو في مرضه، والثلث يحمله، ولا يدري من هو منهم؛ لعتق عليه العبد الذي صار إليه منهم بالميراث، على القول بوجوب الحكم بالعتق في الشك، وقد مضى هذا في غير ما موضع، والاختلاف في ذلك منصوص عليه في المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق وعليه دين للناس] مسألة قيل له: أرأيت لو أن رجلا أعتق وعليه دين للناس، فقال الغرماء: نحن نمضي عتقك ونطلبك، إن رزقك الله يوما ما من الدهر، قال: عتقه جائز، قيل له: فإن سيد العبد يقول: لا أحب أن يكون علي دين فردوه، قال: لا يقبل قوله، لأنه لو نظر في هذا (أول مرة لم يعتق، أفلا نظر في هذا) قبل أن يعتق. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه ولا اختلاف، لأن الحق في رد العتق إنما هو للغرماء، وأما هو فقد رضي إذا أعتقه- أن تكون ديون الغرماء باقية في ذمته، وبالله التوفيق. [مسألة: كان عليه لرجلين دين فذكر حق واحد] مسألة وسئل سحنون عن رجل كان عليه لرجلين دين، فذكر حق

مسألة: قال غلامي حر إن لم أبعه

واحد، أو من حقوق مختلفة- والدين خمسون دينارا، وللغريم عبد قيمته خمسون دينارا ولا مال له غيره، فأعتقه الغريم، فأجاز أحد الرجلين، وأبى الآخر أن يجيز العتق، قال: يعتق نصف العبد ويباع نصفه للذي لم يجز، ويكون دين الذي أجاز العتق في ذمة الغريم- كما كان إذا أفاد مالا أخذه منه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه ولا كلام، إذ لا يلزم من لم يجز إجازة من أجازوا إن أدى ذلك إلى تبعيض العتق، وبالله التوفيق. [مسألة: قال غلامي حر إن لم أبعه] مسألة قال أبو زيد: وسألت ابن وهب عن رجل قال: غلامي حر إن لم أبعه، ثم قال بعد ذلك: هو حر إن بعته؛ قال: لا شيء عليه حتى يموت السيد فيعتق في ثلثه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأن اليمين الأولى هو فيها على حنث يقدر على البر فيه طول حياته، فإذا لم يفعل حتى مات، علم أنه إنما أراد أن يعتقه بعد موته، فيعتق في ثلثه، واليمين الثانية هو فيها على بر فلا تأثير لها في حكم اليمين الأولى؛ فإن باعه عتق عليه باليمين الثانية، ورد الثمن إلى المبتاع على المشهور المعلوم في المذهب؛ وإن لم يبعه حتى مات، عتق عليه من ثلثه باليمين الأولى، وهو على المشهور في المذهب من أن من حلف أن يفعل فعلا، تحمل يمينه على التأخير حتى يريد التعجيل، وقد قيل: إن يمينه تحمل على التعجيل حتى يريد التأخير- حسبما مضى القول فيه في سماع أبي زيد من كتاب العتق، وفي غير ما موضع؛ فعلى هذا القول يعجل عليه العتق باع أو لم يبع؛ لأنه إن لم يبع، عتق عليه باليمين الأولى، وإن باع، عتق عليه باليمين الثانية، وهذا كله بين والحمد لله.

مسألة: يقول لأمته وهي حامل بين حملها إذا وضعت فأنت حرة

[مسألة: يقول لأمته وهي حامل بين حملها إذا وضعت فأنت حرة] مسألة وسألت أشهب عن الرجل يقول لأمته- وهي حامل بين حملها- إذا وضعت فأنت حرة، ثم يموت السيد قبل أن تضع؛ قال: إذا لم تضع حتى مات فلا عتق لها. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا على أصله فيمن أعتق أو طلق إلى أجل قد لا يأتي وإن كان الأغلب منه أن يأتي، أنه بمنزلة من أعتق أو طلق إلى أجل قد يأتي وقد لا يأتي، وإن كان الأغلب منه أنه لا يأتي، أو استوى الوجهان في ذلك لا يطلق عليه حتى يأتي الأجل، ولا يعتق عليه حتى يأتي الأجل أيضا: فإن أتى الأجل وهو صحيح، كان حرا من رأس المال؛ وإن أتى الأجل وهو مريض، كان حرا من الثلث؛ وإن لم يأت الأجل إلا بعد موته، لم يكن له عتق، وقد روى مثله ابن وهب عن مالك، خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك والمشهور في المذهب من أن حكم الأجل الذي الأغلب منه أن ما يأتي حكم الأجل الذي يعلم منه أنه يأتي، يعجل الطلاق فيه، كما يعجل على من طلق إلى أجل معلوم، ويكون من أعتق إليه وهو صحيح، كمن أعتق إلى أجل معلوم، يكون العبد حرا إلى ذلك الأجل من رأس المال، سواء جاء الأجل والسيد صحيح أو مريض، أو بعد أن مات، وبالله التوفيق. [مسألة: لا ينقل الولاء من قبل الأب أبدا إنما ينتقل من قبل الأخ] مسألة قال ابن القاسم: لا ينقل الولاء من قبل الأب أبدا؛ إنما ينتقل من قبل الأخ. قال محمد بن رشد: هذا الكلام مشكل، ومعناه- والله أعلم- أن الولاء إذا وجب للأب لا ينتقل عنه إلى غيره ما دام حيا، والأخ للأب قد

مسألة: يعتق على الرجل إذا ملكه من ذوي الأرحام

يجب له الولاء فينتقل عنه وهو حي إلى أخ يولد لأبيه من أم أخيه الذي كان ورث الولاء عنه، لأن الشقيق أولى بالولاء من الأخ للأب، لأن الولاء لا يورث عن الأب ويورث عن الأخ، لأنه يورث عن كل واحد منهما، هذا ما لا اختلاف فيه والحمد لله. [مسألة: يعتق على الرجل إذا ملكه من ذوي الأرحام] مسألة وسئل ابن كنانة عمن يعتق على الرجل إذا ملكه من ذوي الأرحام، فقال: الوالدان والأجداد والجدات الأربع ومن فوقهن من الأجداد، والولد وولد الولد، وبنو البنات. قال محمد بن رشد: سكت عن الأخوة، فظاهر قوله: إنهم لا يعتقون على من ملكهم وهو مذهب الشافعي، خلاف المعلوم من مذهب مالك وأصحابه؛ وقد مضى في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق، تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: نصراني أعتقه مسلم] مسألة وسئل ابن كنانة عن نصراني أعتقه مسلم، لمن ميراثه؟ فقال: يرفع إلى بيت المال، إلا أن يكون له ذو رحم نصراني من عتاقه المسلمين فيرثه، فإن لم يكونوا من عتاقه المسلمين، لم يكن لهم ميراث وكان ميراثه لجميع المسلمين. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في آخر رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: يهلك اليهودي وله ابن نصراني

[مسألة: يهلك اليهودي وله ابن نصراني] مسألة قيل لأصبغ: أرأيت أهل الملل من أهل الكفر، هل يتوارثون بالنسب، مثل أن يهلك اليهودي وله ابن نصراني، أو ما أشبه هذا من اختلاف أهل الأديان؛ قال: كان ابن القاسم يقول: يتوارث أهل الملل، ثم رجع فقال: لا يتوارثون، وقوله الأول أحب إلينا. قال محمد بن رشد: قوله الأول الذي اختار أصبغ هو الأظهر - إن تركوا على ما يدعونه من دينهم الذي عهدوا أن يقروا عليه، وبالله تعالى التوفيق. تم كتاب الولاء والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أثيرا.

: كتاب الخدمة

[: كتاب الخدمة] [جعل لرجل خدمة غلامه سنة فقبضه يستعمله ثم أراد أن يبيعه منه قبل السنة] (كتاب الخدمة) من سماع ابن القاسم من كتاب الرطب باليابس أخبرنا العتبي قال: أخبرنا سحنون، قال ابن القاسم وسئل عن رجل جعل لرجل خدمة غلامه سنة، فقبضه يستعمله؛ ثم أراد أن يبيعه منه قبل السنة، أيصلح ذلك؟ قال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: إنما أجاز ذلك، لأنه أنزل أمره على أنه رد عليه الخدمة، واشترى منه الرقبة؛ ولو أنزل أمره على أنه إنما باعه منه بعد انقضاء السنة على أن يبقى على ما كان له من اختدامه- إلى انقضاء السنة- لما جاز، فلا يبعد أن يحمل على البيع؛ على هذا فلا يجوز إذا وقع على غير بيان، ولو نص على أنه إنما يبيعه منه على أن يقبضه بالبيع بعد انقضاء السنة التي أخدمه إياها، لما جاز باتفاق؛ ولو أخدمه إياه سنة وجعل الرقبة بعد السنة لرجل آخر، لما جاز للذي أخدم إياه أن يشتري الرقبة من الذي وهبت له قبل انقضاء السنة، إلا أن يكون لم يبق منها إلا ما يجوز لمن باع عبده أن يستثنيه من خدمته- وهو اليوم واليومان والثلاثة، وبالله التوفيق.

مسألة: قال لغلامه قد تصدقت عليك بخراجك

[مسألة: قال لغلامه قد تصدقت عليك بخراجك] مسألة قال: وقال مالك: من قال لغلامه: قد تصدقت عليك بخراجك، ثم أنت من بعد موتي حر، فهو بمنزلة أم الولد؛ فإن قال: قد تصدقت عليك بخراجك، فإنه يستخدمه ولا يضربه؛ قال ابن القاسم: وإن قال: قد تصدقت عليك بعملك، كان حرا مكانه؛ وسئل عنها سحنون فقال: العمل والخراج والخدمة- عندي واحد، فإذا قال الرجل لعبده: قد تصدقت عليك بعملك، أو بخراجك، أو بخدمتك؛ فإن كان أراد ما عاش العبد فهو حر الساعة، وإن كان ما عاش السيد، فليس له منه إلا حياة السيد فقط ولا يكون حرا. قال محمد بن رشد: قوله في الذي قال لغلامه: قد تصدقت عليك بخراجك، ثم أنت من بعد موتي حر؛ إنه بمنزلة أم الولد- يريد في أنه لا يستخدمه طول حياته إلا في القدر الذي تستخدم فيه أم الولد لا في العتق؛ لأن أم الولد تعتق إذا مات سيدها، من رأس ماله، وهذا لا يعتق إلا من الثلث، وكذلك في كتاب ابن المواز، قال محمد: لأن هذا قد بين أنه لا يعتق إلا بعد موته، وأما إذا قال: قد تصدقت عليك بخراجك، ولم يقل ثم أنت حر من بعد موتي، فإنه يستخدمه كما يستخدم أم الولد حياته، ولا عتق له من رأس المال ولا من الثلث، بخلاف قوله: قد تصدقت عليك بخدمتك أو بعملك؛ فسوى سحنون بين الخدمة والخراج والعمل؛ ومثله لابن القاسم في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات فقال: إنه

مسألة: أعمر خادما أو عبدا حياته ولا مال له

إن قال: قد تصدقت عليك بخدمتك أو بخراجك؛ أو بعملك ما عشت، فأنت حر، وإن قال: ما عشت أنا، فليس له من خدمته إلا ما عاش السيد ولا يكون حرا، وفي قول سحنون إنه إن كان أراد ما عاش العبد فهو حر الساعة، وإن كان أراد ما عاش السيد، فليس له منه إلا حياة السيد؛ دليل على أنه يصدق فيما يذكر أنه نواه من ذلك دون يمين؛ فإن قال: لم يكن لي نية، فالذي يوجبه النظر، أن يحمل على حياة العبد ويكون حرا مكانه، وبالله التوفيق. [مسألة: أعمر خادما أو عبدا حياته ولا مال له] مسألة قال: قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: من أعمر خادما أو عبدا حياته ولا مال له، ثم أفاد مالا أو ولد له ولد؛ قال مالك: ما ولد للأمة، أو كان للعبد من ولد من أمة يملكها؛ فهو على مثابتها يخدمان المعمر حياته، وما كان من مال فهو موقوف على أيديهما يأكلان منه، ويكتسبان بالمعروف، وليس للمعمر ولا للمعمر أن ينزعه منهما، ما عاشا، فإذا ماتا ورثهما سيدهما الذي يملك رقابهما؛ وإن قتل العبد عمدا أو خطأ، فإن قتله لسيده مثل الميراث؛ قال ابن القاسم وإن قتله سيده خطأ فلا شيء عليه؛ وإن قتله عمدا، كان عقله عليه في السنين التي أعمر، فإن فضل فضل، كان له؛ قال عيسى بن دينار تفسيره: أن يغرم سيده القاتل

: يخدم الرجل عبدا له سنة ثم هو حر

القيمة فتوقف للمعمر، فيستأجر له منها من يخدمه مكانه، فإن مات قبل أن يستنفد القيمة، رجع ما بقي من قيمته إلى سيده؛ قال سحنون: وقد كان عبد الرحمن يقول: يشتري بتلك القيمة عبدا مكانه، وكذلك لو أخدمه أو أعمره أمة ثم عدا عليها فأحبلها صاحب الرقبة، أن عليه أن يشتري أخرى مكانها. قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة على نصها في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس، ومضى الكلام عليها هناك مستوفى، فغنينا بذلك عن إعادته ها هنا، وبالله التوفيق. [: يخدم الرجل عبدا له سنة ثم هو حر] ومن كتاب المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل مالك عن رجل يخدم الرجل عبدا له سنة ثم هو حر، فيريد العبد أن يشتري خدمته ممن أخدمه، قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه، لأنها خدمة مؤقتة معلومة، فله أن يبيعها ممن شاء؛ فإن باعها من العبد كان حرا، لأنه إذا ملك خدمته إلى الأجل الذي أعتق إليه بشراء أو هبة، وجبت حريته؛ ولو كانت الخدمة حياة المخدم، لجاز للعبد أن يشتريها إذا كان مرجعه بعدها إلى الحرية، لأنه يملك بذلك حريته، ولم يجز لغيره أن يشتريها- لا السيد المخدم ولا سواه؛ ولو كان المرجع بعد موت المخدم إلى السيد، لجاز للسيد شراء الخدمة باتفاق. وللمخدم شراء الخدمة على اختلاف،

: أخدم رجلا خادما سنين ثم هو حر

وينزل ورثة كل واحد منهما منزلة موروثه فيما يجوز له من ذلك، وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس، فلا معنى لإعادته هنا، وبالله التوفيق. [: أخدم رجلا خادما سنين ثم هو حر] ومن كتاب اغتسل على غير نية قال ابن القاسم: قال مالك: من أخدم رجلا خادما سنين ثم هو حر، ثم أراد بعد ذلك أن ينزع ماله فليس ذلك له، قال عيسى: قال لي ابن القاسم: له أن ينتزع ماله إلا أن يتقارب ذلك أو يمرض، وأنكر سحنون رواية عيسى عن ابن القاسم وخط عليها. قال محمد بن رشد: هذا الاختلاف جار على الاختلاف في النفقة على المخدم، هل تكون على المخدم أو على المخدم، وقد مضى بيان هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس، فلا معنى لإعادته، ومضى في رسم الأقضية من سماع يحيى من كتاب النكاح، الكلام على حكم انتزاع مال العبد في جميع الأموال، فلا معنى لإعادته. [: أوصى لبعض من يرثه بخدمة غلام من غلمانه حتى يستغني عنه ثم هو حر] ومن سماع أشهب وابن نافع من مالك قال سحنون: أخبرنا أشهب قال: سئل مالك عن رجل أوصى لبعض من يرثه بخدمة غلام من غلمانه حتى يستغني عنه ثم هو حر، فلما هلك الموصي قال من يرثه: إنه لا تجوز وصية لوارث، فدخلوا

: أوصى في جارية له أن تخدم ابنه حتى يبلغ النكاح

معه في الخدمة وتحاصوا فيها؛ فقال الذي أوصى له بالخدمة: فأنا أضع له ما كان لي وهو إليها محتاج لم يستغن؛ وقال الورثة: إنما تريد إضرارنا وأن تقطع عنا ما لنا معك من الخدمة وهو لم يستغن عنه بعد؛ قال مالك: إنما يوضع عنه بقدر الذي كان نصيب الموصى له الأول والآخرون الذين معه على حقوقهم؛ وإنما مثل ذلك مثل رجل أوصى لوارث بمائة دينار على غريم، فلما هلك الموصي ثبتت له الوصية، فلما عرف أن الورثة يدخلون معه وضعها للغريم، وأبى الورثة الذين دخلوا معه ذلك، فإنما يوضع عنه حقه، ومن بقي من الورثة على حقوقهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة لا إشكال فيها، لأن الحرية إنما وجبت للعبد بعد حد استغناء الموصى له من الورثة بخدمته عن خدمته، وكلهم إشراك في الخدمة؛ إذ لا تجوز وصية لوارث، إلا أن يجيزها الورثة، فوجب ألا يعتق العبد قبل حد استغناء الموصى له من الورثة بخدمته عن خدمته إلا برضى جميع الورثة، وللعبد حظ من ترك له منهم حظه من الخدمة، أكان الموصى له أو غيره، وكذلك الغريم إنما يكون له من الدَّين الذي عليه حظ من وضع له حظه منه كان الوصي له أو غيره، وبالله التوفيق. [: أوصى في جارية له أن تخدم ابنه حتى يبلغ النكاح] ومن سماع ابن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: قال ابن القاسم في رجل أوصى في جارية له أن

تخدم ابنه حتى يبلغ النكاح، ثم تخير فإن اختارت العتق فهي حرة، وأوصى مع ذلك بوصايا- والثلث لا يحمل ذلك كله؛ قال: تخير الجارية الساعة، فإن اختارت العتق وكان الثلث لا يسعها، برئ برقبتها فيعتق منها ما حمل الثلث- الساعة، وسقطت عنه الخدمة وجميع الوصايا، وإن كان الثلث يسعها وفضلة، إلا أن الثلث يضيق عن الوصايا، فإن الوارث وأهل الوصايا يتحاصون في خدمة الجارية إلى الأجل، وفيما فضل عن قيمتها من الثلث يتحاص أهل الوصايا في ذلك بوصاياهم، ويحاص الابن بقيمة الخدمة إلى أن يبلغ النكاح، فما فضل للأجنبيين أخذوه، وما صار للوارث كان الورثة مخيرين إن شاءوا أمضوه، وإن شاءوا دخلوا معه فيه فاقتسموه على فرائضهم، فإذا بلغ الأجل، فإن اختارت الجارية العتق أعتقت وسقطت الوصايا، وإن اختارت أن تباع بيعت، وأتم لأهل الوصايا وصاياهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم، فأنا أبين ما قد يشكل منها، إذ لا اعتراض فيها؛ لأن العتق مبدأ على جميع الوصايا والجارية مخيرة في العتق إلى أجل. فإذا اختارت العتق ولم يحملها الثلث، وجب أن يعتق منها ما حمل الثلث معجلا، وسقط جميع الوصايا! وإن حملها الثلث، أو حملها وزيادة عليها، كان الأمر فيها في المحاصة على ما قال، فإن رجعت الجارية عند الأجل عن اختيار العتق وأحبت البيع، بيعت وأتم لأهل الوصايا وصاياهم- كما قال- إن كان في ثمنها وفاء بما بقي من وصاياهم؛ وإن لم يكن فيه وفاء بذلك تحاصوا فيه بما بقي من وصاياهم، يضرب كل واحد منهم فيه بما بقي له من وصيته، ويدخل الورثة (فيه)

معهم، فيضربون فيه بما انتقصوهم في المحاصة أولا؛ مثال ذلك أن يكون أوصى لرجل بعشرة، ولرجل بعشرين، ولابنه بخدمة الجارية حتى يبلغ النكاح- وقيمتها ثلاثون، (وقيمة الخدمة ثلاثون) وترك من المال تسعين؛ فاختارت الجارية العتق، فالثلث على هذا أربعون، لأن الميت ترك تسعين - والجارية وقيمتها ثلاثون، فتوقف الجارية من الثلث بثلاثين، ويبقى منه بعدها عشرة، فيتحاص في هذه العشرة وفي الخدمة التي قيمتها ثلاثون أهل الوصايا، وللابن الموصى له بالخدمة أو جميع الورثة إن لم يجيزوا له الوصية، فيضرب فيها الورثة بثلاثين والموصى له بعشرين، والموصى له بعشرة، بعشرة؛ فيحصل للورثة نصف جميع الخدمة، ونصف العشرة؛ ويحصل للموصى له بالعشرين ثلث الخدمة بعشرة، وثلث العشرة ثلاثة وثلث؛ وللموصى له بعشرة سدس الخدمة بخمسة وسدس العشرة بواحد وثلثين؛ فيكون كل واحد منهم قد استوفى ثلثي ما أوصى له به، وبقي له من وصيته الثلث، وتعتق الجارية عند انقضاء الخدمة على ما اختارته، فإن رجعت عما كانت اختارته من العتق وأحبت البيع بيعت، فإن بيعت بثلاثين أو بأكثر من ذلك أتم من العشرين منها- وصايا أهل الوصايا، لأن الذي بقي لكل واحد منهم من وصيته ثلثها، ومبلغ الجميع عشرون، فيأخذ الورثة عشرة، لأنها ثلث وصيتهم الباقي لهم، ويأخذ الموصى لهما- العشرة الباقية؛ لأنها ثلث وصيتهما الباقي لهما، فيقتسمانها بينهما أثلاثا على قدر وصاياهما، وترجع العشرة الباقية من ثمن الجارية ميراثا بين جميع الورثة، إذ قد استوفى جميع الموصى لهم وصاياهم، وإن بيعت الجارية بأقل من عشرين، تحاص الورثة والموصى لهما في ذلك بما بقي من وصاياهم وذلك ثلثها، عشرة للورثة،

: يقول لعبده أخدم فلانا عشر سنين ثم فلانا بعده عشرة أخرى ثم أنت حر

وعشرة للموصى لهما: ثلاثة، وثلث للواحد، وستة وثلثان للآخر، فإن كانت الجارية بيعت باثني عشر، أخذ منها الورثة ستة، فاقتسموها بينهم على الميراث إن لم يجيزوها للابن، وأخذ منها الموصى له بعشرين - أربعة، والموصى له بعشرة - اثنين، وبالله التوفيق. [: يقول لعبده أخدم فلانا عشر سنين ثم فلانا بعده عشرة أخرى ثم أنت حر] ومن كتاب العرية وسألت ابن القاسم عن رجل يقول لعبده أخدم فلانا عشر سنين، ثم فلانا بعده عشرة أخرى، ثم أنت حر، فيجني على رجل في خدمة الأول، فيقال للمخدم الأول: أتفديه بجنايته؟ فإن افتداه اختدمه بقية السنين، ثم أخذه المخدم الآخر بلا غرم، فاختدمه أيضا عشر سنين؛ فإن أبى المخدم الأول أن يفتديه، أسلمه إلى المجني عليه فاختدمه وقاصه بخدمته في دية جرحه، فإن أدى دية جرحه قبل انقضاء العشر سنين، رجع إلى المخدم الأول يخدمه بقية العشر سنين، فإن انقضت العشر سنين قبل أن يستوفي دية جرحه، قيل للمخدم الأخير: أتفديه ببقية دية الجرح؟ فإن فداه، أخذه فاختدمه؛ وإن أبى، اختدمه المجروح؛ فإن أدى ما بقي عليه من دية الجرح قبل انقضاء العشر سنين، رجع أيضا إلى المخدم الآخر فاختدمه بقية العشر سنين؛ فإن انقضت العشر سنين قبل أن يؤدي دية الجرح، عتق وكان ما بقي من دية الجرح دينا يتبع به، قال: وسبيله في هذا سبيل المدبر، والمعتق إلى أجل - إذا جنى

أحدهما على رجل، وفي رواية سحنون قال ابن القاسم: ويقال للمخدم الأول أد قيمة هذه الجناية واختدم العبد سنينك، فإن فعل، اختدمه؛ فإذا انقضت السنة، قيل للمخدم الثاني، أد إلى الأول جميع ما أدى واختدمه سنتك؛ فإن أبى الأول أن يفتديه، قيل للثاني أد إلى المجروح عقل جرحه واختدمه سنتك فقط، ثم يخرج حرا؛ وليس له أن يقول: اختدمه سنتي وسنة المخدم الأول، فإن أبى، أسلمه إلى المجروح يختدمه سنتين، فإن كان فيها وفاء، وإلا اتبع العبد مما بقي من جنايته دينا في ذمته، وعتق العبد بعد سنتين. قال محمد بن رشد: الاختلاف في هذه المسألة جار على الاختلاف في مسألة العبد الموصى بخدمته لرجل، وبرقبته لآخر، يجني جناية، الواقعة في كتاب جنايات العبيد من المدونة، وقد اختلف فيها على ثلاثة أقوال، أحدها: أن الحق في الافتكاك لصاحب الخدمة، من أجل أنه هو المقدم بها على صاحب الرقبة، فهو المبدأ بالتخيير بين الافتكاك والإسلام. والثاني: أن الحق في ذلك لصاحب الرقبة الذي المرجع إليه وهو المبدأ بالتخيير. والثالث: أن الحق في ذلك لصاحب الرقبة أيضا الذي المرجع أيضا إليه، إلا أنه يبدأ صاحب الخدمة بالتخيير، من أجل أنه هو المقدم بها على صاحب الرقبة؛ فهذه الثلاثة الأقوال كلها تدخل في هذه المسألة، لأن المخدم الأول في هذه المسألة مقدم على المخدم الثاني، كما أن المخدم الأول في مسألة المدونة مقدم على صاحب الرقبة، ورواية عيسى عن ابن القاسم هذه قول رابع في المسألة، وهو على قياس القول بأن الحق في

الافتكاك لصاحب الخدمة، وهو المبدأ بالتخيير بين الافتكاك والإسلام يدخل أيضا في مسألة المدونة، فيتحصل في كل واحدة من المسألتين أربعة أقوال، أحد الأقوال في هذه المسألة رواية عيسى المذكورة أنه إن افتداه المخدم الأول اختدمه بقية السنين، ثم أخذه المخدم الثاني بلا غرم فاختدمه أيضا عشر سنين، كما قال في مسألة المدونة على القول بأن المبدأ بالتخيير صاحب الخدمة أنه إن افتكه خدمه إلى الأجل، ثم أسلمه إلى الذي بتل له ولم يكن عليه قليل ولا كثير؛ وأما قوله في رواية عيسى هذه: فإن أبى المخدم أن يفتديه أسلمه إلى المجني عليه، فاختدمه وقاصه بخدمته في دية جرحه، فإن أدى دية جرحه قبل انقضاء العشر سنين، رجع إلى المخدم الأول يختدمه بقية العشر سنين إلى آخر قوله؛ فهو خلاف لما في المدونة، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس قوله في المدونة إن أبى المخدم الأول أن يفتديه وأسلمه، أن يسقط حقه ويكون المخدم الثاني بالخيار بين أن يفتكه أو يسلمه؛ فإن أفتكه اختدمه سنة فقط، وإن أسلمه اختدمه المجروح؛ فإن استوفى منه دية جرحه قبل انقضاء (العشرين عاما، عتق واتبعه بما بقي من جنايته- دينا ثابتا في ذمته، وهذا هو القول الثاني في هذه المسألة؛ ويأتي في مسألة المدونة على قياس قوله في هذه الرواية، إن أبى المخدم أن يفتك وأن يختدمه المجني عليه، وقاصه بخدمته في حياته، فإن استوفاها قبل انقضاء) أجل الخدمة، كان لصاحب الرقبة، وإن انقضى أجل الخدمة قبل أن يستوفي دية جرحه، كان صاحب الرقبة بالخيار بين أن يفتكه بما بقي من دية جرحه، أو يسلمه إليه عبدا. والقول الثالث في هذه المسألة رواية سحنون عن ابن القاسم، وهي تأتي على قياس القول الذي اختاره سحنون في المدونة وقال فيه: إن أحسن قوله مما جمعه عليه غيره من كبار أصحاب مالك، فإن الحق في الافتكاك

للذي إليه مرجع الرقبة، إلا أن المبدأ بالتخيير صاحب الخدمة، يدل على ذلك قوله في أول المسألة، قال ابن القاسم: ويقال للمخدم الأول: أد قيمة هذه الجناية واختدم العبد سنتك، لأن قوله: ويقال بالواو، دليل على أن قوله: ويقال، معطوف على كلام محذوف، سكت عنه للعلم به وهو أن الحق في ذلك للمخدم الثاني، من أجل أن المرجع إليه ويخير الأول ابتداء على ما قال من أجل أن العبد بيده، وهو مقدم في الاختدام على ما قال إلى آخر قوله. والقول الرابع في هذه المسألة، يأتي على قياس القول بأن الحق في الافتكاك إلى صاحب المرجع- وهو المخدم الثاني، أو صاحب الرقبة- وهو مبدأ بالتخيير، فإن افتكه اختدمه الأول، فإذا انقضت سنوه رجع إلى المخدم الثاني الذي فكه فيختدمه؛ فإذا انقضت سنوه، أعتق؛ وإن أسلمه، قيل للمخدم الأول: إن أحببت أن تفتكه فافتكه، فإن افتكه خدمه، فإن انقضت سنوه لم يكن للمخدم الثاني إليه سبيل، إلا أن يدفع إليه ما افتكه به؛ فإن أبى من ذلك، كان أحق به يختدمه سني المخدم الثاني؛ ويأتي على قياس رواية عيسى أنه إن أبى المخدم الثاني أن يفتديه وأسلمه، اختدمه المجروح ويقاصه بخدمته في دية جرحه؛ فإن استوفى دية جرحه قبل أن تنقضي سنو المخدم الأول، اختدمه المخدم الأول بقية سنيه، ثم استخدمه المخدم الثاني سنيه في عتق وإن لم يستوف دية جرحه حتى مضت سنو الأول وبعض سني الثاني استخدمه الثاني بقية سنيه ثم عتق، وإن انقضت سنو الثاني أيضا قبل أن يستوفي دية جرحه، عتق واتبعه بما بقي من دية جرحه دينا ثابتا في ذمته؛ وهذا هو القول الخامس، وقوله إلى المجني عليه إذا أسلم إليه أنه يختدمه ويقاصه بخدمته في دية جرحه؛ معناه أنه يؤاجر من غيره وتدفع إليه إجارته في دية جرحه، وإن اختدمه هو، فلا يدفع إليه على شرط المقاصة؛ لأنه يدخله

مسألة: يخدم عبده الرجل عشر سنين ثم هو حر

فسخ الدين في الدين، ولكنه يؤاجر منه؛ فإذا اجتمع قبله من إجارته شيء، قضى به في ماله من دية جرحه؛ وقد مضى في سماع أصبغ من كتاب الحبس نظير هذه المسألة والكلام عليها، وبالله التوفيق. [مسألة: يخدم عبده الرجل عشر سنين ثم هو حر] مسألة وسئل عن رجل يخدم عبده الرجل عشر سنين ثم هو حر، هل للعبد أن يعتق عبده بغير إذن سيده؟ أو هل للسيد أن يأذن له في ذلك بغير إذن المخدم؟ قال: لا يجوز للعبد عتق إلا برضى سيده ورضى المخدم، فإن أذنا جميعا فأعتق، كان ولاؤه لسيده، ولم يرجع ولاء ذلك العبد إلى العبد المعتق إلى الأجل - وإن أعتق؛ لأنه لو رضي المخدم أن يأخذ السيد ماله، جاز له ولم يكن للعبد فيه حجة، إلا أن يتقارب أجل عتقه. قال محمد بن رشد: هذا على القول بأنه ليس لسيد العبد المخدم أن ينتزع ماله إلا برضى المخدم، وقد مضى الاختلاف في ذلك، والقول فيه في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [: أوصى بخدمة عبدين له لرجلين إلى أجل ثم هما حران] ومن كتاب استأذن سيده وسألته عن رجل أوصى بخدمة عبدين له لرجلين إلى أجل، ثم هما حران، لكل رجل عبد وهما أجنبيان وأجنبي ووارث، فلم يحملهما الثلث؛ قال: تسقط الخدمة عنهما ويعتقان بالسهم.

: العبد يكون بين الرجلين فيخدم أحدهما نصيبه رجلا سنة

قال محمد بن رشد: قوله يعتقان بالسهم، يريد يعتق ما حمل الثلث منهما بالسهم خرج فيه بعض أحدهما أو أحدهما وبعض الآخر، لأن وجه العمل في ذلك، أن يقوم كل واحد منهما ثم يسهم بينهما، فإن كان قيمة أحدهما ثلاثين، والثاني ستين، والثالث أربعين؛ فإن خرج السهم على الذي قيمته ستون، عتق منه ثلثاه ورق الآخر، وإن خرج على الذي قيمته ثلاثون عتق، وعتق من الآخر سدسه بقيمة الثلث؛ وهذا هو المعلوم من مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها- أن القرعة تكون في الموصى بعتقهم، وفي المبتلين في المرض؛ وقد وقع في رسم الوصايا من سماع أصبغ بعد هذا في الموصى بعتقهم إلى أجل أنهم يتحاصون إذا بعدت الآجال، وإن كان بعضها أبعد من بعض، فيحتمل أن يكون ذلك اختلافا من قوله، ويحتمل أن يتأول ذلك على أنه إنما أراد الابتداء بمن قرب أجل عتقه على من بعد إذا كانا بعيدين جميعا، فعبر على الاستهام بالمحاصات، لأنه إذا أسهم بينهما فلم يبدأ أحدهما على صاحبه، وقوله: إن الخدمة تسقط إذا لم يحملها الثلث، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن العتق يبدأ عند ضيق الثلث على ما سواه من الوصايا، وبالله التوفيق. [: العبد يكون بين الرجلين فيخدم أحدهما نصيبه رجلا سنة] ومن كتاب يوصي لمكاتبه وسألت ابن القاسم عن العبد يكون بين الرجلين فيخدم أحدهما نصيبه رجلا سنة، ثم يعتق نصيبه ذلك المخدم، أيقوم عليه نصيب صاحبه؟ قال: لا عتق له فيه حتى تتم السنة، وحدوده وشهادته شهادة عبد؛ فإذا انقضت السنة، عتق عليه نصيبه، وقوم

نصيب صاحبه عليه؛ قلت: ولا يؤخذ منه نصيب صاحبه فيوقف إلى السنة خوفا أن تأتي السنة وهو معدم، قال: إن كان يخاف على ماله توى قبل السنة أخذت منه قيمة نصيب صاحبه ووقفت، وإن كانت له أموال مأمونة من دور وأرضين، أو كان مليا لم يؤخذ منه شيء حتى تأتي السنة؛ قلت: أرأيت لو أنه أخدم نصيبه سنة فلم يحدث فيه عتقا، فأعتق صاحبه الذي لم يخدم نصيبه؛ أيقوم عليه نصيب هذا المخدم الساعة؟ قال: لا يقوم عليه نصيب صاحبه المخدم حتى تأتي السنة، ولكن إن كان يخاف عليه عدم، أو ذهاب ما في يديه، أخرجت القيمة من يديه ووقفت إلى الأجل، فإذا حل الأجل، قومت عليه. قال محمد بن رشد: قوله في الذي أخدم نصيبه من العبد رجلا سنة ثم أعتقه، أنه لا عتق له فيه حتى تتم سنة - صحيح، مثل ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف فيه إذ ليس له أن يبطل ما وجب للمخدم فيه بعتقه إياه، ومعنى ذلك- عندي- إذا كان المخدم قد قبضه، وأما إذا كان لم يقبضه حتى أعتقه، فيعجل العتق والتقويم ويبطل الإخدام على المشهور في المذهب المنصوص عليه في المدونة وغيرها من أن الرجل إذا تصدق على رجل بعبد ثم أعتقه قبل أن يقبضه المتصدق عليه، إن العتق ينفذ، والصدقة تبطل؛ وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في سماع محمد بن خالد من كتاب الصدقات. وأما قوله: فإذا انقضت السنة قوم عليه، ففيه اختلاف: قيل إنه يعجل عليه تقويمه ويكون كله حرا إلى ذلك الأجل إلا أن يشاء أن يعتق نصيبه

: أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بخدمة عبده ما عاش ثم هو حر

منه إلى ذلك الأجل- وهو مذهبه في المدونة، وقيل: إن الشريك مخير بين أن يقومه عليه الآن، وبين أن يتماسك بحظه حتى يحل الأجل فيقومه عليه عند حلوله؛ وقد مضى هذا مع زيادة بيان فيه في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب العتق، وأما إذا أعتق الشريك الذي لم يخدم نصيبه منه، فقوله: إنه لا يقوم عليه نصيب صاحبه المخدم حتى تأتي السنة صحيح لا اختلاف فيه، لأن في تعجيل تقويمه عليه إبطالا لخدمة المخدم فيه فليست كمسألة رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الحبس، فلا يدخلها من الاختلاف شيء مما دخل فيها، وبالله التوفيق. [: أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بخدمة عبده ما عاش ثم هو حر] ومن كتاب جاع فباع امرأته وسألته عن الذي أوصى بثلث ماله لرجل، ولآخر بخدمة عبده، ما عاش ثم هو حر، وكان العبد هو الثلث، أو كان الثلث أكثر من العبد؛ قال: إذا كان العبد هو الثلث بعينه، قلنا: كم ثمن العبد حين خرج من الثلث، قيل: مائة دينار، قلنا: فهذا ثلثه، قلنا: بكم ثمن خدمة هذا العبد ما عاش هذا الموصى له بالخدمة؟ قيل: خمسون، قلنا: فهذه مائة وخمسون، فيكون لصاحب المائة ثلثا الخدمة، ويكون لصاحب الخمسين ثلثها إلى الأجل، ثم يعتق، وإن كان الثلث أكثر من ثمن العبد بخمسين دينارا، والمسألة كما هي، فالوصية مائتا دينار بقيمه العبد، فللذي أوصى له بالثلث أن يحاص بخمسين ومائة دينار، وصاحب الخدمة بخمسين، لأن قيمة الخدمة خمسون، فقد صار الآن الذي يتحاص فيه هؤلاء مائة

دينار، الخمسون الناض، والخمسون قيمة الخدمة، فللذي أوصى له بالثلث ثلاثة أرباع هذه المائة، وللذي أوصى له بالخدمة ربعها، فيعطي كل رجل وصيته في الذي أوصى له فيه، فيعطي الخمسين الناضة الذي أوصى له بالثلث خالصا، ويرجع إلى الخدمة فيكون له نصفها، وللموصى له بالخدمة نصفها؛ وكذلك أيضا لو أوصى لرجل بمائة دينار، ولآخر بخدمة عبده - ما عاش ثم هو حر؛ كان العمل فيها على ما فسرت لك، قطع لكل إنسان وصيته في الشيء الذي أوصى له به؛ وقد اختلف قول مالك فيها: فمرة كان يقول إذا كانت الوصية أكثر من الثلث وضعت وصيته في جميع مال الميت، ومرة كان يقول يقطع لصاحبها مبلغ الثلث في ذلك الشيء بعينه، وهو قول ابن كنانة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة المعنى لا إشكال فيها ولا اختلاف، إلا في قوله: إنه يقطع للذي أوصى له بخدمة العبد إذا لم يحملها الثلث بما حمل منها في الخدمة، وأن قول مالك اختلف في ذلك؛ فإنه خلاف لما يأتي في سماع موسى، ولما في المدونة، أيضا؛ لأنه إنما ذكر فيها اختلاف مالك إذا أوصي له بشيء بعينه فلم يحمل ذلك الثلث، وأما إذا أوصى له بخدمة أو بسكنى، فقال: إنه لا يقطع له في ذلك وتكون وصية شائعة في ثلث جميع مال الميت، وإنه قول مالك والرواة كلهم لا اختلاف بينهم فيه، وقد بان بهذه الرواية اختلاف في ذلك، ويتفضل فيه ثلاثة أقوال، أحدها: أنه يقطع له في الشيء الذي أوصى له به- كان خدمة أو رقبة. والثاني: أنه لا يقطع له بما حمل الثلث في ذلك، وتكون له وصية شائعة في جميع الثلث كانت وصية بخدمة أو برقبة. والثالث: الفرق في ذلك بين أن يوصي

: أخدم رجلا نصف عبد له حياته ثم عتق النصف الباقي

له بالخدمة أو بالرقبة؛ ولو كان الثلث أقل من قيمة العبد، لكان الورثة بالخيار بين أن يجيزوا الوصية، وبين أن يعتقوا من العبد ما حمل الثلث منه بتلا، وتبطل الوصية بالخدمة والمال؛ لأن العتق مبدأ على الوصايا، هذا قوله في المدونة وزاد فيها وهذا عليه أكثر الروايات، وفي هذه الزيادة دليل على أن في ذلك اختلافا، والخلاف فيه محتمل، لأن الذي يوجبه القياس والنظر، أن يعتق منه ما حمل الثلث بعد موت الذي أوصى له بخدمته ما عاش، ويتحاص فيما قابل ما يعتق من الخدمة الموصى له بالخدمة والموصى له بالثلث، لأن الموصي قد بدأ الخدمة على العتق، فوجب أن يبدأ في البعض الذي حمل منه الثلث، كما يبدأ في الجميع إذا حمله الثلث، وبالله التوفيق. [: أخدم رجلا نصف عبد له حياته ثم عتق النصف الباقي] ومن كتاب سلف دينارا في ثوب إلى أجل وقال في رجل أخدم رجلا نصف عبد له حياته، ثم عتق النصف الباقي، قال: يقوم عليه ويخرج العبد حرا، ويؤخذ من السيد نصف القيمة، فيستأجر للمخدم منها من يخدمه، فإن هلك العبد وقد بقي من المال شيء، رجع ما بقي إلى السيد الذي أعتق عليه، وإن هلك المخدم وقد بقي من المال شيء رجع أيضا إلى السيد الذي أعتق عليه، وذلك إذا كانت الخدمة إلى حياة المخدم، وإن استنفد المخدم نصف القيمة قبل أن يموت، فلا حق على السيد الذي أعتق.

: عبد بين اثنين أخدم أحدهما مصابته رجلا ثم أراد الآخر البيع

قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على قياس قوله في أمهات الأولاد من المدونة في الذي يخدم جاريته رجلا ثم يطؤها فيولدها، والاختلاف في تلك، هل تؤخذ منه أمة تخدم مكانها، أو يستأجر له من القيمة من يخدم مكانها- داخل في هذه، فقد قال: إنه يؤخذ منه القيمة فيشتري بها نصف عبد يكون مكان المعتق، ولكن الاستئجار بالقيمة أولى وأصوب؛ لأن العبد إذا اشترى خشي عليه الهلاك، فإن لم يكن له مال يقوم عليه فيه، بقي على حاله يخدم الرجل إلى وقت الخدمة، ثم يعتق بقيته كله إن بلغ الأجل وسيده حي، وإن مات السيد قبل بلوغ الأجل، كان النصف الذي كان أعتقه عتيقا، والنصف الباقي رقيقا، إلا أن يكون قد رفع ذلك إلى السلطان في حياة السيد، فحكم بإنفاذ العتق إلى انقضاء وقت الخدمة، فينفذ ذلك من حكمه ويكون عتيقا كله من رأس المال، وقد ذهب بعض أهل النظر إلى أن هذه المسألة يعارضها ما تقدم في رسم يوصي، وما في المدونة وغيرها من أن من أخدم جاريته رجلا ثم أعتقها، أنها لا تعتق عليه بعد انقضاء الخدمة، وليس ذلك بصحيح، والفرق بين المسألتين بين وهو أنه أعتق في هذه المسألة نصف عبده الذي لا إخدام فيه، ففعل من ذلك ما يجوز له، والمسألة التي عارضها بها فعل سيد العبد فيها ما لا يجوز له من عتق ما قد أخدمه، والله الموفق. [: عبد بين اثنين أخدم أحدهما مصابته رجلا ثم أراد الآخر البيع] ومن كتاب العشور وقال في عبد بين اثنين أخدم أحدهما مصابته رجلا، ثم أراد الآخر البيع قال: يبيع نصيبه وحده إن شاء، ولا يبيع الآخر معه،

وكذا إن آجره، قلت: وله أن يؤاجر نصيبه بغير إذن صاحبه؟ قال: نعم، وكذلك الدار. قال محمد بن رشد: قوله يبيع نصيبه إن شاء وحده ولا يبيع معه الآخر، معناه ولا يلزمه أن يبيع معه، إذ ليس ذلك له، للحق الذي للمخدم في اختدامه، وكذلك إذا آجر نصيبه من العبد، أو كانت دارا فأسكن نصيبه منها رجلا، أو إكراه منه؛ وفي أول سماع أصبغ عن أشهب خلاف هذا أن من حق شريكه إذا دعاه إلى البيع معه أن يبيع معه، وتنفسخ الإجارة، ويبطل الإخدام، وكذلك الدار على مذهبه إذا كانت لا تنقسم وقاله أصبغ أو لم يعجبه اشتراط النقد؛ ولكلا القولين وجه، فوجه قول ابن القاسم في هذه الرواية، أنه لما فعل في نصيبه ما يجوز له من إخدامه أو إجارته، لم يكن لشريكه أن يبطل ذلك عليه، وهو لم يتعد فيما فعل؛ ووجه قول أشهب أنه لما كان الحكم بين الشريكين فيما لا ينقسم إذا دعا أحدهما إلى الانفصال من صاحبه فيه لينفرد بحظه منه أن يباع، فيقتسما الثمن بينهما، إذ قد لا يجد من يشتري حصته منه على الإشاعة بحال، أو لا يجد من يشتريها منه إلا بأقل من نصف قيمتها كلها لضرر الشركة ولم يكن لشريكه أن يبطل عليه هذا الحكم الواجب له بما يعقده في نصيبه من الإجارة، أو يفعله من الإخدام، وهذا القول أظهر، وإياه اختار أصبغ، ولم يعجبه اشتراط النقد في الإجارة، لما للشريك والحق في فسخها أو فسخ ما بقي منه أن دعيا إلى البيع، ولم ير أشهب في النقد في ذلك بأسا. وقوله في ذلك أظهر من قول أصبغ، لأن الخيار الذي للشريك في فسخ الإجارة، أمر يوجبه الحكم له إن دعا إلى ذلك، فوجب ألا يكون له تأثير في المبيع من النقد إذ قد سلم العقد من أن

مسألة: عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته إلى سنة وأعتق الآخر بتلا

ينعقد على خيار، كما أن الخيار الذي للسيد في فسخ نكاح عبده إذا تزوج بغير أمره، أو للوصي في فسخ نكاح يتيمه إذا تزوج بغير أمره، لا تأثير له في فساد النكاح، إذ لم ينعقد بين المتناكحين على خيار، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته إلى سنة وأعتق الآخر بتلا] مسألة وقال في عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته إلى سنة، وأعتق الآخر بتلا: إن بعض أهل العلم يقول: تقوم خدمته سنة فتؤخذ من الذي أعتق بتلا، فتدفع إلى المخدم ويخرج العبد حرا كله الساعة، لأن الخدمة رق؛ قيل له: لا يكون على حاله يعتق منه هذا النصف البتل، ويكون الآخر عتيقا بعد سنة؛ فقال: قد كنا نقول هذا القول ثم استحسنا هذا الآخر، ثم رجع ابن القاسم عن هذا فقال: أحسن ما فيه أن يكون على حاله؛ لأنه ظلم أن يؤخذ منه قيمة خدمة السنة ويكون ولاؤه لغيره. قال محمد بن رشد: القول الذي كان يقوله أولا ثم رجع إليه آخرا، هو المشهور في المذهب المنصوص عليه في المدونة وفي غيرها موضع من كتب العتق من العتبية، من ذلك ما وقع في رسم أوصى من سماع عيسى منه، وهو الأظهر، لأن الأول هو الذي ابتدأ الفساد، فلا يقوم على الثاني وقد بين في الرواية وجه القول الذي كان استحسنه ابن القاسم، والحجة له في رجوعه عنه إلى القول الأول المشهور في المذهب بما لا يزيد عليه، وبالله التوفيق.

مسألة: بتل أحدهما مصابته فقال الآخر أنا أعتق إلى سنة

[مسألة: بتل أحدهما مصابته فقال الآخر أنا أعتق إلى سنة] مسألة قال ابن القاسم: وإن بتل أحدهما مصابته، فقال الآخر: أنا أعتق إلى سنة؟ قيل له: إما أن تعتق الساعة، وإما أعتقناه. يريد قومنا على هذا المعتق وأعتقناه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، أنه إذا أعتق أحدهما مصابته منه بتلا، فليس لشريكه أن يعتق مصابته منه إلى أجل؛ ويقال له: إما أن تعتق حظك منه بتلا، وإما أن يقوم على الذي أعتق حظه منه بتلا - فيكون كله حرا، وإنما يختلف إذا بادر فأعتق حصته منه إلى أجل، فقيل: إنه يخير أيضا بين أن يعجل عتقه الساعة، أو يقوم على الأول؛ وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب العتق، وفي المدونة وروايته عن مالك، ورواية أشهب عنه أيضا؛ والوجه في ذلك أن يقوم العبد بين الشريكين على الذي أعتق نصيبه منه، حق للشريك في إفساد حظه منه عليه، وحق للعبد في تبتيل عتق جميعه، فإذا ترك الشريك حقه في التقويم وأعتق حظه منه إلى أجل، كان من حق العبد أن يقوم على الأول فيبتل عتقه، إلا أن يبتل الثاني عتق نصيبه، فلا يكون للعبد حجة، ولبعض الرواة في المدونة - وهو المخزومي - أنه يعجل العتق على الذي أعتقه إلى أجل، ولا يقوم على الأول، وهو اختيار سحنون، ووجه قوله: إنه لما أعتق نصيبه إلى أجل، فقد أفاته بالعتق، ووجب له ولاؤه؛ فلم يجب أن يقوم على الأول لوجهين، أحدهما: أنه قد ترك حقه في التقويم عليه، والثاني: أنه قد فوت نصيبه بالعتق ووجب له ولاؤه، فلا يصح أن يفسخ ذلك، وإذا لم يصح

: تصدق على ابن له بخدمة جارية له حياته

فسخه، وجب أن يعجل عتقه لحق العبد في تعجيل عتقه، وهذا القول أظهر - والله أعلم، وقد مضى هذا كله في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب العتق، وبالله التوفيق. [: تصدق على ابن له بخدمة جارية له حياته] ومن كتاب البراءة وسئل عن رجل تصدق على ابن له بخدمة جارية له حياته، فإذا مات، فهي لابن له آخر مبتولة، ثم إن الأول وطئها فحملت؛ قال: يدرأ عنه الحد للشبهة، لأني سألت مالكا عن الرجل يخدم جارية له حياته، أو إلى أجل من الآجال، ثم هوي بها فأراد أن يتزوجها، قال مالك: لا أرى أن يتزوجها؛ قال ابن القاسم: وقد بلغني عن مالك أنه رآه بمنزلة الذي يتزوج أمة له فيها شرط فمسألتك مثلها، أرى أن يدرأ عنه الحد، ويقوم عليه بخدمة حياة هذا الواطئ على قدر الرجاء فيها والخوف، فيعطي المبتولة له قيمتها يوم ترجع على قدر ذلك، وتكون أم ولد للواطئ؛ قلت: فلو كان المبتولة له هذا الواطئ؟ قال: يخرج الواطئ قيمتها، فيخارج للمخدم منها من يخدمه ما عاش، فإن نجزت القيمة قبل موته، فلا شيء على الواطئ (وإن مات المخدم وبقي من المال بقية، رد على الواطئ) ما بقي من القيمة.

قال محمد بن رشد: يتحصل فيمن وطئ الجارية التي أخدمها حياته، ثم جعل مرجعها لغيره فحملت منه- أربعة أقوال، أحدها: أنه بمنزلة من وطئ أمة له فيها شرك فحملت منه، يدرأ عنه الحد، وإن كان عالما بأن وطأه إياها لا يحل له، وتقوم عليه يوم وطئها على الرجاء فيها والخوف عليه؛ يقال: كم كانت تساوي على أن تكون للمشتري بعد موت المخدم لو كان يحل بيعها على ذلك، فيغرم ذلك للذي إليه مرجع الرقبة، وتكون له أم ولد، ولا يكون عليه من قيمة الولد شيء - إن كان له مال، فإن لم يكن له مال، جرى ذلك على الاختلاف في الأمة تكون بين الشريكين يطؤها أحدهما، فتحمل ولا مال له. وهذا هو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وفي سماع محمد بن خالد بعد هذا- قياسا على ما سمعه من مالك في أنه لا يجوز له أن يتزوجها، والثاني: أنه يحد إلا أن يعذر بالجهالة فلا يحد، وتقوم عليه بعد العقوبة؛ وهو قول ابن وهب، واختيار أصبغ. والقول الثالث: أنه يحد ولا يعذر في ذلك بالجهالة، كالمرتهن والمستعير، ولا يلحق به الولد؛ وهو قول أشهب وابن الماجشون، ومطرف ومحمد بن سلمة المخزومي، وأبي المصعب الزهري، قال ابن الماجشون في المبسوطة: ولم أقل أنا هذا، بل القرآن قاله، فسل القرآن عنه يخبرك بتعديه وجنايته، قال جل ثناؤه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] إلى قوله: {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]- إلى قوله: {هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] ، أفليس من كان عاديا، حقيقا بالحد؟ قال محمد بن مسلمة؛ ولقد أنزله من أسقط عنه الحد وقوم عليه الجارية - أحسن حالا ممن وطئ زوجته، أو ما ملكت يمينه؛ لأنه ملكه بفجوره، ما لا ملك له فيه بأن باعه على مالكه كرها. والقول الرابع: أن الحد يدرأ عنه بالشبهة، ويلحق به

الولد، ويقوم عليه فيغرم قيمته للذي بتلت له، ويقر الجارية على خدمتها، إلا أن يخاف عليه أن يطأها أيضا فإن خيف ذلك ولم يؤمن خورجت عليه، فأعطى خراجها حتى يموت، ثم تصير إلى الذي بتلت له؛ وكذلك الخدمة المؤقتة إلى المدة الطويلة التي تتجاوز عمر المخدم، ولو كانت الخدمة إنما هي الأيام اليسيرة التي لا تشبه الرق ولا الملك، لم يعذر بالجهالة وحده ولم يلحقه الولد قولا واحدا، واختلف التأويل في الخدمة إلى السنين الكثيرة التي لا تتجاوز عمر المخدم، هل يدخل فيها الاختلاف الذي في الخدمة إلى موت المخدم أم لا؟ فقيل: إنه يدخل في ذلك، وقيل: إنه لا يدخل فيه ويحد قولا واحدا، والأظهر أنه يدخل في ذلك، وأما إن وطئها الذي إليه مرجع الرقبة- وهي في اختدام المخدم- قبل أن ترجع إليه، فقال في الرواية: إن الواطئ يخرج قيمتها فيخارج للمخدم منها من يخدمه ما عاش، فإن نجزت القيمة قبل موته، فلا شيء على الواطئ؛ وإن مات المخدم وبقي من المال بقية، رد على الواطئ، وهو مثل أحد القولين في المدونة - إذا أخدم الرجل جاريته رجلا عشر سنين ثم وطئها فحملت. والقول الثاني: أنه يؤخذ من الواطئ في مكانها أمة تخدمه في مثل خدمتها، فإن ماتت هذه الأمة والأولى حية والمخدم حي، فلا شيء على الواطئ، وإن مات المخدم قبلها، رجعت إلى الواطئ وقد قيل: إنه يؤخذ منه قيمة الأمة المخدمة التي أولدها فيشتري منها أمة تخدم مكانها، فإذا مات المخدم صارت إلى الذي أخرج قيمتها، وهو قول المخزومي، وإن لم يكن له مال، كانت له أم ولد، وبقيت على خدمتها- قاله ابن القاسم في سماع محمد بن خالد بعد هذا في بعض الروايات، وهو صحيح على قياس قوله؛ وهذا كله على القول بأن من

: قال لغلامه أخدم فلانا عشر سنين وأنت حر

أخدم عبده رجلا حياته، أو سنين مسماة- ومرجعه بعد الخدمة إلى غيره - أن الذي جعل له مرجع الرقبة يستحقها من الآن، فيرثه إن مات، ويأخذ قيمته إن قتل، لأن الأول قد تبرأ منه وأسلمه، فإنما يختدمه للمخدم على ملك الذي له مرجع الرقبة، وهو قول ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى بعد هذا؛ وأما على القول بأن من أخدم عبده رجلا سنين مسماة أو حياة المخدم، ورجع مرجع رقبته بعد الخدمة إلى غيره لا يستحقه الذي إليه مرجع الرقبة إلا بعد انقضاء الإخدام، وأنه تكون قيمته إن قتل، وميراثه إن مات- لسيده الذي أخدمه، وهو قول ابن القاسم في رسم القضاء العاشر من سماع أصبغ واختيار أصبغ فيه، والقولان لمالك في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات فيحد إن كانت أمة فوطئها الذي إليه مرجع الرقبة، ولا يلحق به ولدها، إذ لم يجب له على هذا القول بعد، وإنما يستخدمها الذي أخدم إياها (على ملك الذي أخدمه إياها وبالله التوفيق) . [: قال لغلامه أخدم فلانا عشر سنين وأنت حر] ومن كتاب العتق قال: وسألته عمن قال لغلامه: أخدم فلانا عشر سنين- وأنت حر، وإن أبيت فلا عتق لك ولا شرط، أو قال: ما أبقت أو غبت فعليك قضاؤه، فأبق. قال ابن القاسم: أرى الشرط عليه ثابتا- إن أبق، وإن لم يشترط ثم أبق، لم أر عليه قضاء ما أبق وهو حر. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن لسيده شرطه الذي اشترطه، إذ ليس فيه غرر، ولا فساد، ولا إبطال واجب، ولا إيجاب باطل، ولا تحليل حرام ولا تحريم حلال؛ وما كان سبيل هذا من الشروط، فهو الذي

مسألة: أعطى عبدا يختدمه حياته

قال فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون على شروطهم» . وعنى أنه في القرآن، فأجازه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث بريرة: «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل - وإن كان مائة شرط» ، لأن العبد لم يكن له على سيده حق في العتق إلى العشرة الأعوام، أبق فيها أو لم يأبق، فيكون بما اشترط عليه من أنه لا حرية له إن أبق في العشرة الأعوام، قد أبطل حقا واجبا له عليه في ذلك، وما شرطه أن عليه قضاء ما أبق، فإن كان أراد أن يقضيه بعد حريته، فلا يلزم الشرط بذلك، إذ لا تتم حرية عبد وعليه خدمة. وإن كان أراد أنه لا يعتق إن أبق حتى يخدم الأيام التي أبق فيها زائدا على العشرة الأعوام، فالشرط بذلك جائز عامل، والسيد مصدق فيما يذكره من ذلك، ولا قضاء عليه فيما أبق إذا لم يشترط ذلك، لأن الحرية وجبت له بانقضاء العشرة الأعوام خدمها أو لم يخدمها- لمرض، أو تفرق أو إباق، وبالله التوفيق. [مسألة: أعطى عبدا يختدمه حياته] مسألة قال: وسألته عن رجل أعطى عبدا يختدمه حياته، فأعطاه هو بعض أقاربه يخدمه على مثل هذا؛ قال: لا بأس بذلك، وكذلك السكنى في الدور وغير ذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه، لأنه

مسألة: قال غلامي يخدم فلانا سنة ثم هو له وعليه دين

حقه، فجاز أن يعطيه لمن شاء عطية، لأن هبة المجهول جائزة، وإنما الذي لا يجوز له أن يواجره حياته؛ ويجوز أن يواجره المدة القريبة، السنة والسنتين، والأمر المأمون بالنقد وغير النقد على ظاهر ما قاله في المدونة، وأما الأجل البعيد فلا يجوز بالنقد؛ واختلف فيه إذا لم ينقد؛ فلم يجزه في المدونة، وأجازه في رسم الأقضية الرابع من سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات؛ فإن وقع الكراء في السنين الكثيرة على القول بأن ذلك لا يجوز فعثر على ذلك، وقد مضى بعضها، فإن كان الذي بقي يسيرا لم يفسخ، وإن كان كثيرا فسخ قاله في كتاب محمد، وهو بين في المعنى، وبالله التوفيق. [مسألة: قال غلامي يخدم فلانا سنة ثم هو له وعليه دين] مسألة قال: وسألته عن رجل قال: غلامي يخدم فلانا سنة ثم هو له وعليه دين هل يكف عنه غرماؤه إلى أمد هذه الخدمة؟ قال: أرى ألا يعدى عليه غرماؤه ببيعه حتى يقضي السنة، ويجب له بتلا؛ لأن للغرماء إجازته إن أحبوا. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يعدى عليه غرماؤه ببيعه حتى تنقضي السنة، ويجب له بتلا؛ يدل على أنه لو مات، لكان ميراثه لسيده الذي أخدمه إياه، ولو قتل، لكان له قيمته؛ وذلك خلاف قوله في أول سماع يحيى بعد هذا، مثل قوله في رسم القضاء العاشر من سماع أصبغ من هذا الكتاب، ومثل قوله أيضا في رسم عتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات؛

: يخدم الرجل العبد إلى أجل ويبتله بعد الأجل صدقة على رجل

وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك أيضا - على ما حكاه في سماع أصبغ من هذا الكتاب، وفي رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس رواية يحيى بعد هذا، وأحد قولي مالك، أن يباع للغرماء، ولا ينظر انقضاء أمد الخدمة، وهو قول مطرف؛ حكى ابن حبيب عنه أنه يباع ويتسلط الدين عليه، وإن كان في مدة الخدمة، لأنه صيرها ملكا له؛ قال: وهذا ما لا شك فيه ولا اختلاف عندنا، وقد مضى هذا المعنى أيضا في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس في الذي يحبس الحبس على الرجل، فيقول: هو لك حياتي، ثم هو في سبيل الله أو صدقة؛ لأن الاختلاف في ذلك هل يكون بعد موته في السبيل من ثلثه، أو من رأس ماله، على هذا الأصل، وبالله التوفيق. [: يخدم الرجل العبد إلى أجل ويبتله بعد الأجل صدقة على رجل] من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب يشتري الدور قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يخدم الرجل العبد إلى أجل، ويبتله بعد الأجل صدقة على رجل، ثم يقتل العبد، أو يموت؛ قال: يرث ما ملك عنه العبد، ويأخذ عقله إن قتل الذي تصدق به عليه بعد الخدمة؛ وذلك أن السيد قد كان تبرأ من جميع العبد ومنافعه، إذ جعل الخدمة إلى أجل لرجل والرقبة بعد الخدمة لآخر؛ فمن كان إليه مرجع العبد بعد أجل الخدمة، فهو

أحق بميراثه وعقله. قلت: فإن لم يتصدق به بعد الخدمة على أحد فقتله السيد، قال: إن قتله خطأ فلا شيء عليه، وإن قتله عمدا غرم قيمته فاستؤجر بها للمخدم مثله إلى انقضاء أجل المخدمة؛ فإن بقي بعد انقضاء أجل الخدمة من قيمته شيء، رجع إلى سيده القاتل، وإن فنيت القيمة في إجارة من استؤجر للمخدم قبل انقضاء الأجل، فلا غرم على سيد العبد بعد إخراج جميع قيمة العبد المقتول. قلت: وكذلك لو قتله السيد وقد كان بتله لرجل صدقة عليه بعد أجل الخدمة، أكنت تستأجر من قيمته التي يغرم للسيد - أجيرا للمخدم، فإن بقي من تلك القيمة شيء بعد انقضاء أجل الخدمة، كان للذي تصدق عليه برقبته، وإن لم يبق شيء فلا شيء له، ويكون المخدم أحق بالتبدئة في استئجار أجير - بقية العبد المقتول من الذي تصدق عليه بالرقبة؛ فقال: لا يكون هذا الذي وصفت لك إلا في أن يقتله السيد عمدا، ومرجعه إليه بعد الخدمة؛ فأما إذا بتله لرجل بعد الخدمة ثم قتله عمدا، فهو بمنزلة أجنبي قتله، لأن مرجعه إلى غيره، فهو يغرم قيمته، ويكون الذي بتلت له الرقبة أحق به. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يخدم الرجل العبد وبتله بعد الأجل صدقة على غيره، أنه إن مات العبد أو قتل، يأخذ إن مات ماله أو قيمته إن قتل الذي تصدق به عليه بعد الخدمة؛ خلاف نص قوله

: يقول يخدم فلان غلامي فلانا وفلانا ما عاشا ثم هو حر

في رسم القضاء العاشر من سماع أصبغ بعد هذا، وخلاف لأصله في مسألة رسم العتق من سماع عيسى قبل هذا- حسبما بيناه؛ وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك أيضا حسبما قاله في سماع أصبغ من هذا الكتاب، وفي رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات، فسواء على قوله في هذه الرواية قتل العبد في خدمة السيد الذي أخدمه أو أجنبي من الناس عمدا أو خطأ، تبطل الخدمة وتكون القيمة للذي جعل له المرجع بعد الخدمة؛ وأما إن لم يتصدق به سيده بعد الخدمة على أحد ههنا إن قتله سيده خطأ، فلا شيء عليه كما قال، لأنه أخطأ على نفسه بالقتل، فبطلت الخدمة؛ وإن قتله عمدا، لزمته قيمته كما قال، ويستأجر منها للمخدم من يخدمه مكان العبد الذي قتله، لأنه قصد إلى إتلاف الخدمة عليه؛ فإن فنيت القيمة قبل أجل الخدمة، لم يلزمه أكثر من ذلك؛ وإن انقضى الأجل قبل تمام القيمة، رجع ما بقي منها إلى السيد؛ وقد قيل: إنه يأتي بعبد يخدم المخدم مكان العبد الذي قتل، فإذا انقضى أجل الخدمة، رجع إليه عبده؛ وإن مات قبل الأجل، لم يكن عليه في بقية الأجل شيء، والقولان في المدونة؛ وقد قيل: إنه يشتري بالقيمة عبد يخدم المخدم مكانه، وهو قول المخزومي؛ وأما إن قتله أجنبي، فتلزمه قيمته لسيده، وتبطل الخدمة- قتله عمدا أو خطأ، وبالله التوفيق. [: يقول يخدم فلان غلامي فلانا وفلانا ما عاشا ثم هو حر] ومن كتاب الأقضية قال: وأخبرني ابن القاسم أنه سمع مالكا يقول في الرجل يقول: يخدم فلان غلامي فلانا وفلانا ما عاشا- ثم هو حر، فيموت أحد الرجلين، إن الخدمة كلها للباقي، ولا عتاقة للعبد

حتى يموت الباقي؛ قال: قال مالك: فإن قال: يخدم فلانا يوما، وفلانا يوما، ثم هو حر بعد موتهما فمات أحدهما؛ رجع نصيبه من الخدمة إلى السيد، أو إلى ورثته إن مات. قلت لابن القاسم: فإن قال أحدهما للعبد: حظي من خدمتك عليك صدقة، قال: لا يعتق منه بذلك شيء، ولكن يكون رقه موقوفا، ويخدم نفسه النصف، والمخدم الباقي النصف؛ قيل له: فإن ترك له الباقي نصيبه من الخدمة، قال: يعتق كله؛ قلت: فإن مات أحدهما فرجع نصيبه من الخدمة إلى السيد، ثم ترك الشريك نصيبه من الخدمة للعبد؛ قال: لا يعتق حتى يموت المخدم الذي ترك نصيبه، قلت: لم وقد مات أحدهما وترك الآخر نصيبه من الخدمة للعبد؟ قال: لأن السيد قد ورث خدمة الميت منهما وثبت ذلك له، فترك الباقي حظه من الخدمة لا يضر السيد، كما لم يضر أحدهما حين ترك شريكه الخدمة- وهما باقيان، ولكن يخدم نفسه النصف، ويخدم السيد النصف حتى يموت المخدم الثاني؛ قال: وقال مالك: لا يجوز لواحد منهما أن ينزع مال العبد المخدم إذا جعل حرا إلى أجل. قال محمد بن رشد: قد قيل إن نصيب من مات منهما من الخدمة يرجع إلى السيد وإن لم تقسم الخدمة بينهما بأن يقول لهذا يوم، ولهذا يوم؛ وقيل أيضا: إن نصيب من مات منهما يرجع على صاحبه، وإن كان قد قسم الخدمة بينهما، وتفرقته ههنا بين أن يقسم الخدمة بينهما أو لا يقسمها، قول ثالث في المسألة؛ والثلاثة الأقوال كلها لمالك، وقد مضى بيان ذلك في أول سماع ابن القاسم من كتاب الحبس، وقوله: إنه إذا تصدق أحدهما على

العبد بحظه من خدمته، أنه لا يعتق بذلك منه شيء- يريد حتى يموت المخدم الثاني؛ فإذا مات المخدم الثاني، عتق جميعه، ويخدم ما دام المخدم الثاني حيا- نفسه يوما، والمخدم الثاني يوما، ويسقط على مذهبه حق السيد في رجوع حظه من خدمة العبد إليه إن مات قبل المخدم الثاني بالهبة؛ لأنه حكم لما يرجع إلى السيد من الخدمة بحكم الميراث الذي يسقط حق الوارث فيه بهبة الموروث إياه قبل وفاته؛ فرأى أن الخدمة إذا وهبها المخدم للعبد في حياته، استوجبه العبد ولم يكن للسيد فيها حق، فإذا وهب المخدم الثاني حظه من الخدمة أيضا، عتق كله كما قال- على أصله في أن حق السيد فيما يرجع إليه من خدمة العبد بموت أحدهما قبل صاحبه، يبطل بالهبة؛ وفي ذلك من قول ابن القاسم نظر، إذ ليس يرجع إلى السيد خدمة حظ من مات منهما قبل صاحبه على سبيل الميراث، وإنما يرجع إليه، لأنه أبقاه لنفسه على ما يوجبه الحكم إذا قسم الخدمة بينهما فكان القياس ألا يبطل حقه في رجوع خدمة حظ من مات منهما قبل صاحبه إليه بهبته إياه، وهب كل واحد منهما حظه من ذلك، أو وهب ذلك أحدهما؛ ألا ترى لو قال: رجل يخدم عبدي فلانا سنة، ثم فلانا سنة، ثم فلانا سنة، ثم هو حر؛ فوهب المخدم الأول خدمته للعبد، لم يسقط بذلك حق المخدم الثاني في خدمة السنة الثانية، إذ ليست ترجع إليه بميراث عن المخدم الأول، لوجب أن تكون للعبد خدمته السنة التي وهب إياها، وللمخدم الثاني خدمة السنة الثانية، ثم يعتق العبد؛ فكان القياس على هذا في مسألتنا، إذا تصدق أحدهما على العبد بحظه من خدمته، أن يخدم نفسه يوما، والمخدم الثاني يوما- حتى يموت أحدهما؛ فإذا مات المخدم الواهب لخدمته أولا، رجع حظه من خدمته للسيد، وخدم يوما للسيد أو لورثته إن كان قد مات، ويوما للمخدم الثاني حتى يموت فيعتق جميعه؛ وإن مات المخدم الذي لم

يهب خدمته أولا، رجع أيضا حظه من الخدمة إلى السيد فخدم نفسه يوما، والسيد وورثته إن كان قد مات يوما حتى يموت المخدم الأول الذي وهب حظه من الخدمة، فيعتق جميعه؛ وكذلك أيضا كان القياس على هذا إذا تركا جميعا الخدمة للعبد ألا يبطل بذلك حق السيد فيما يجب له من الحق في رجوع خدمة من مات منهما قبل صاحبه إليه، وأن يكون الحكم في ذلك أن يكون رق العبد موقوفا، فتكون خدمته لنفسه خاصة- خالصا- ما داما حيين حتى يموت أحدهما؛ فإذا مات أحدهما، رجع حظه من خدمة العبد إلى السيد، فخدم نفسه يوما، والسيد يوما، حتى يموت الثاني فيعتق جميعه؛ وأما إذا ما مات أحدهما قبل أن يهب حظه من خدمة العبد للعبد، فاستحق ذلك السيد، فلا إشكال فيما قاله في الرواية أن من حق السيد في اختدام حظه منه إلى أن يموت المخدم الثاني، لا يسقط بهبة المخدم الثاني لحظه من خدمة العبد ويكون السيد على حقه في خدمة نصفه، فيخدم له يوما، ولنفسه يوما، حتى يموت المخدم الثاني فيعتق جميعه؛ ولابن لبابة في المنتخب في هذه المسألة كلام مختل فاسد، قول ابن القاسم فيها ما لم يقله، وتأول عليه فيها ما لم يرده؛ وألزمه الاضطراب على ما قوله إياه، وتأوله عليه؛ ومعنى ما ذهب ابن لبابة في المسألة إليه- أن ابن القاسم لم يعجل عتق نصف العبد بشك إذا وهب أحدهما خدمة حظه، من أجل أن اليقين حاصل في رق النصف الآخر، وعجل عتقه بشك إذا وهبا جميعا خدمته من أجل أن اليقين حاصل في النصف الآخر، وطول الكلام في ذلك بتخليط لا يصح، إن لا يمكن تعجيل عتق بعض العبد بهبة أحدهما لحظه من الخدمة؛ لأن ما بقي فيه شعبة من الرق، فأحكامه أحكام عبد، ولا يصح لأحدهما فيه عتق، إذ لا يملك واحد منهما من رقبته شيئا وإنما يعتق بعتق السيد إياه على

: أخدم عبدا له رجلا فقبضه المخدم فخدمه أياما

الشرط الذي شرطه، فلم يضطرب ابن القاسم في قوله- كما زعم ابن لبابة، بل جرى فيه على أصل واحد- غير صحيح- حسبما بيناه وقررناه؛ وأما على القول بأن حظ من مات منهما يرجع إلى صاحبه، وأنَّ قسم الخدمة بينهما، فإن ترك أحدهما للعبد حظه من خدمته خدم نفسه يوما، وصاحبه يوما- حتى يموت فيعتق؛ وإن ترك كل واحد منهما له حظه من خدمته، عجلت حريته، ولا إشكال في هذا؛ وقد مضى في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس- الكلام على ما قاله مالك في آخر المسألة من أنه لا يجوز لواحد منهما أن ينتزع مال العبد المخدم إذا جعل حرا إلى أجل، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: أخدم عبدا له رجلا فقبضه المخدم فخدمه أياما] من سماع سحنون قال سحنون في رجل أخدم عبدا له رجلا فقبضه المخدم فخدمه أياما، ثم إن السيد أعتقه؛ قال: عتقه جائز ويرجع المخدم على السيد بقيمة ما بقي له من الخدمة. قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا خلاف ما تقدم لابن القاسم في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى، وخلاف قوله في المدونة وغيرها من أنه لا عتق له فيه حتى تنقضي الخدمة، أو الإجارة- إن كان في الإجارة، وإنما يقول ابن القاسم: إنه يكون عليه قيمة الخدمة إذا قتل العبد، أو كانت أمة فأولدها، على ما مضى القول فيه في أول رسم من سماع يحيى من هذا الكتاب، وبالله التوفيق.

: المخدم يطأ الجارية التي اختدم فاعتذر فيها بالجهالة

[: المخدم يطأ الجارية التي اختدم فاعتذر فيها بالجهالة] من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم قال: وسألته عن المخدم يطأ الجارية التي اختدم فاعتذر فيها بالجهالة، أيدر عنه الحد؟ فقال: نعم، ولو تعمد ذلك بمعرفة. قال ابن القاسم: ولا يجوز للمخدم أن يتزوجها؛ قال مالك: لأنه فيها بمنزلة الشريكين في الجارية. قلت: فإن وطئها المخدم فأحبلها، قال: تكون أم ولد ويغرم قيمتها، فيستأجر منها للمخدم. قلت: فإن لم يكن له مال، قال: يأخذ ولده ويخدم الجارية إلى الأجل. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم البراءة من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [: العبد بين الرجلين يخدم أحدهما حصته رجلا] من سماع أصبغ من أشهب من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن العبد بين الرجلين يخدم أحدهما حصته رجلا، قال: ذلك جائز، فإن قام صاحبه بالبيع، باع معه؛ فإذا باع انفسخت الخدمة وسقطت؛ قيل له: فإن علم صاحبه بإخدامه فأجاز، ثم أراد القيام بالبيع بعد ذلك؛ قال: ذلك له، قال أصبغ: ثم العمل في ذلك والأمر على القول الأول، قال أصبغ: قيل لأشهب: إن كان إنما رهن أحدهما حصته، قال: فالرهن جائز؛ فإن

: أخدم رجلا سنة عبدا ثم هو لآخر بتلا

قام صاحبه بالبيع بيع، فإذا بيع، فإن كان الحق دنانير عجلت للمرتهن، وإن كان عن رضى، وقف الثمن حتى الأجل؛ قيل له: فإن واجر أحدهما حصته؟ قال: فالإجارة أيضا جائزة، فإن قام صاحبه بالبيع، فذلك له؛ فإذا بيع انفسخت الإجارة؛ قال أصبغ: إنما البيع هاهنا كالقتل، لو قتل بطلت الخدمة، وكان العقل للمخدم فكذلك الثمن؛ قال أصبغ: قلت لأشهب: فينتقد في الأجرة إذا أجر حصته؟ قال: لا بأس؛ قال أصبغ: لا يعجبني الاشتراط، وأرى فيه مقاررة، وكالبيع والسلف؛ لأن البيع ينقض الإجارة ولا يدري متى يقوم بالبيع، ويباع إذا كان القيام به لغيره. قال محمد بن رشد: قد مضى لابن القاسم في رسم العشور من سماع عيسى خلاف قول أشهب وأصبغ في هذا السماع في الإجارة والخدمة، ومضى الكلام على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وأما قوله في- الرهن إذا قام الشريك ببيعه بيع- وكان الحق دنانير، أن الثمن يعجل؛ معناه: إلا أن يأتي الراهن برهن مثله، وقد قيل: إنه لا يعجل ويوضع على يدي عدل، وهو الذي في المدونة في الرهن يبيعه الراهن بإذن المرتهن، وهو أيضا قول مالك في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب الرهون، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: أخدم رجلا سنة عبدا ثم هو لآخر بتلا] ومن كتاب القضاء العاشر وسئل عن رجل أخدم رجلا سنة) عبدا ثم هو لآخر

: أوصى الرجل بخدمة عبده لرجل ما عاش

بتلا، فمات العبد قبل السنة وترك مالا، قال: هو لسيده- يعني المخدم؛ قال أصبغ: وذلك أنه مات قبل أن يجب لفلان ولا يجب له إلا ببلوغ الوقت الذي جعله له عنده- فلم يبلغه، وهو شبيه بالحرية، ولو جعله حرا بعد خدمة أحد فمات عن مال قبل ذلك، كان السيد أولى به، أو جرح- وقد اختلف قول مالك في البتل بعد الخدمة، وهذا أحب إلينا إن شاء الله. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى القول عليها في الرسم الأول من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: أوصى الرجل بخدمة عبده لرجل ما عاش] ومن كتاب الوصايا وسمعت ابن القاسم يقول: إذا أوصى الرجل بخدمة عبده لرجل ما عاش، وأوصى لقوم بوصايا- ولا مال له غيره، فأمضى الورثة ما أوصى به صاحبهم من الخدمة فبيع ثلث العبد وعمر المخدم، وقومت خدمة العبد على قدر غررها، فحاص صاحبها أصحاب الثلث في ثمن ثلث رقبة العبد، فأخذها لنفسه وصنع بما شاء؛ واختدم أيضا ثلثي العبد حتى يموت، فإذا مات رجع الثلثان إلى الورثة (قاله أصبغ) . (قال محمد بن رشد: نقل أبو إسحاق التونسي هذه المسألة من كتاب ابن المواز بلفظ أبين من هذا فقال: يباع ثلث العبد، فيتحاص في ثمن ثلث رقبة العبد مع أصحاب الوصايا والمخدم بقيمة خدمته على غررها، فما

مسألة: قال عبدي يخدم فلانا عشر سنين ثم هو حر

صار له من ذلك أخذه بتلا، ثم يختدم مع ذلك أيضا ثلثي العبد حتى يموت، فإذا مات رجع الثلثان إلى الورثة) . قال أبو إسحاق: وفي هذا نظر؛ لأنه جعله يأخذ ما وقع له في المحاصة، ثم يأخذ ثلثي الخدمة وهو قد ضرب بها، فإنما ينبغي أن يدفع إلى الورثة ثلثي ما وقع له في المحاصة، لأنه عوض عن ثلثي الخدمة التي أسلموها له؛ وأما ثلث ما وقع في الحصاص فيأخذه، إذ لا يقرر الورثة إذا بيع ثلث العبد- أن يمضوا له خدمة ذلك، الجزء الذي يقع له في الحصاص فأخذ ثمنه عوضا منه، وكلام أبي إسحاق صحيح (بين) ، وبالله التوفيق. [مسألة: قال عبدي يخدم فلانا عشر سنين ثم هو حر] مسألة وسمعت ابن القاسم يقول: إذا أوصى رجل فقال: عبدي يخدم فلانا عشر سنين ثم هو حر، فلم يحمله الثلث، عتق منه ما حمل الثلث، وسقطت الخدمة والوصية؛ وإن أوصى فقال: عبدي يخدم فلانا شهرا ثم هو حر، وفلان يخدم سنة ثم هو حر، بدئ بصاحب الشهر إذا كان الشيء القريب من الأمر- هكذا، ولو أوصى فقال فلانا يخدم سنة ثم هو حر، وفلانا سنتين ثم هو حر، وفلانا يخدم عشر سنين- ثم هو حر، وفلانا عشرين سنة ثم هو حر؛ رأيت في ذلك كله أن يتحاصوا- وقاله أصبغ - إذا طالت الخدمة: فإن افترقا في الوقت فهو حصاص- وإن تباعد ما

بينهما؛ وإذا قلت الخدمتان بدئ بالأول فالأول- وإن افترق ما بينهما. قال محمد بن رشد: أما إذا رضي بخدمة عبده عشر سنين ثم هو حر، فلم يحمله الثلث، فلا اختلاف في أنه يعتق منه ما حمل الثلث وتسقط الوصية بالخدمة وغير الخدمة إن أوصى بوصايا مع الخدمة والعتق؛ لأن العتق بعينه يبدأ على ما سواه من الوصايا، وقد قال عبد الوهاب في المعونة (إنه) يبدأ على الزكاة- وهو بعيد في القياس؛ ووجهه اتباع ظاهر الحديث المروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه أمر أن تبدأ العتاقة على الوصايا فعم ولم يخص، وقد مضى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب المدبر جملة من ترتيب الوصايا في التبدئة، فلا معنى لإعادته؛ وقال في هذه الرواية: (إنه) يبدأ المعتق على شهر، على المعتق إلى سنة، وإنه لا يبدأ المعتق إلى سنة على المعتق إلى سنتين (ولا المعتق إلى عشر سنين على المعتق إلى عشرين سنة؛ ولم ينص هل يبدأ المعتق إلى سنة على المعتق إلى عشر سنين؛ والذي أقول به أنه يبدأ عليه على ظاهر هذه الرواية، ولا ينبغي أن يختلف في هذا، وإنما الاختلاف هل يبدأ المعتق إلى سنة على المعتق إلى سنتين) . والثلاث ونحو ذلك أم لا؛ ولا اختلاف في أنه لا يبدأ المعتق (إلى العشر سنين على المعتق) إلى عشرين سنة قال في

: أخدم عبده رجلا عبدا له إلى أجل

هذه الرواية ويتحاصون في الثلث، والمعلوم من مذهب ابن القاسم أنه يعتق ما حمل الثلث منهما بالسهم، فهو الذي نص عليه في رسم استأذن من سماع عيسى، ويحتمل أن يفسر بذلك ما في هذه الرواية، ولا تحمل على ظاهرها من الخلاف المعلوم من مذهبه، وبالله التوفيق. [: أخدم عبده رجلا عبدا له إلى أجل] ومن كتاب الوصايا الصغير قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل أخدم عبده رجلا، عبدا له إلى أجل، ثم حضرت المخدم الوفاة، فأوصى بثلث ماله لرجل، وبذلك العبد المخدم لرجل آخر، قال: يضرب للموصى له بالعبد بقيمة العبد في الرجوع يوم يرجع على ما يساوي يومئذ مع صاحب الثلث، فما أصابه في ذلك الثلث فله، وتدخل وصيته في جميع الثلث إذا حالت، وقطع له بالثلث، قال أصبغ: وتفسير ذلك أن يكون مبلغ الثلث إذا أضيفت قيمة العبد بعد انقضاء الخدمة إلى التركة (ستين دينارا) وقيمة العبد على رجوعه من ذلك عشرين دينارا، فالثلث بينهم أرباعا، لصاحب الثلث ثلاثة، ولهذا واحد، فإذا رجع العبد بعد انقضاء الخدمة، اقتسما ثلثه على قدر ذلك أيضا؛ لأن ثلثه باقي الثلث، وثلثاه للورثة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بيّنة صحيحة المعنى، على ما فسرها به أصبغ، ومعنى ذلك إذا لم يجز الورثة الوصية، وقطعوا الموصى لهم بالثلث، وأما إذا أجازوا الوصية، فلا محاصّة في ذلك، إلا أنه يختلف: هل يلزمهم أن يبدءوا بالعبد على مرجوعه للموصى له به، وبثلث جميع المال

: أوصى لرجل بوصايا ولرجل بخدمة عبد ما عاش

مع العبد إلى الموصى له بالثلث، أو لا يلزمهم أكثر من أن يبدءوا إلى الموصى له بالثلث- ثلث المال سوى العبد، وبالعبد إلى الموصى له بالعبد على مرجوعه، فيكون ثلثاه للموصى له به، والثلث بينهما، والأول هو قول سحنون وأشهب، وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وعلى رواية علي بن زياد عنه فيها أيضا، والثاني هو قول ابن القاسم (في رسم) يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الوصايا، ولم يختلف إذا أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بمائة دينار، فأجاز الورثة ذلك في أن عليهم أن يدفعوا الثلث كاملا للموصى له بالثلث، والمائة كاملة للموصى (له) بها، لا يدخل عليه الموصى له بالثلث في شيء منها، وما اتفقوا عليه، يقضي على ما اختلفوا فيه، وقد مضى هذا المعنى بزيادة بيان فيه في الرسم المذكور من سماع يحيى من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق. [: أوصى لرجل بوصايا ولرجل بخدمة عبد ما عاش] ومن سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم قال موسى بن معاوية: قال ابن القاسم في رجل أوصى لرجل بوصايا، ولرجل بخدمة عبد ما عاش، فلم يحمل ذلك الثلث، ووقع فيها العول، قال: يعمر المخدم ثم ينظر إلى قيمة تلك الخدمة على الرجاء والخوف فيها، أيتم ذلك أو لا يتم- لو كانت تواجر لغررها، فيحاص بها أهل الوصايا فيما قطع لهم من العبد وجميع

ثلث المال، فيكون لكل واحد منهم الذي أوصى له به في حصته من الثلث. قال ابن القاسم: ولو أخدمه عشر سنين ثم هو حر، بدئ بالعبد؛ لأنها عتاقة، ثم يُقوَّم، فإن كان العبد ثلث المال، قُومت تلك العشر سنين بحالها على الرجاء فيها والخوف لها، يقال: من يستأجر هذا (العبد) عشر سنين على أنه إن بقي فله خدمته، وإن مات لم يرجع بشيء، فعلى هذا تكون قيمة الخدمة، ثم يتحاصون في الخدمة مع أهل الوصايا بقدر وصاياهم، وصاحب الخدمة بقيمة الخدمة في خدمة العبد تلك السنين، فإن بلغ، عتق، وإن مات قبل ذلك، سقطت وصاياهم. قال ابن القاسم: ولو فضل عن قيمة العبد فضلة من الثلث، تحاصوا الخدمة وفيما فضل من الثلث حتى تكون للذي أوصى لهم بالتسمية مما فضل من الثلث والخدمة بقدر ما أوصى لهم، ويكون للذي أوصى لهم بالخدمة من الخدمة ومما فضل من الثلث بقدر الذي يصيبه من قيمة الخدمة، يتعاولون جميعا في الخدمة، وفيما بقي من الثلث على ما فسرت لك. قال ابن القاسم: ولو كان العبد أكثر من ثلث الميت خُير الورثة في أن يمضوا عتق العبد إلى الأجل، فإن فعلوا تحاصوا جميعا في الخدمة، وإن أبرأ، عتق منه ما حمل الثلث بتلا، وسقطت الوصايا والخدمة. قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى لرجل بوصايا، ولرجل بخدمة عبد له ما عاش، فلم يحمل ذلك الثلث، ووقع فيها العول، أن المخدم يعمر ثم ينظر إلى قيمة الخدمة على الرجاء والخوف، فيحاص بها أهل الوصايا فيما قطع لهم من العبد وجميع ثلث المال، بيّن صحيح على

أصولهم، والوجه في ذلك أن يعمر الموصى له بخدمة العبد ما عاش، فإن عمر ثمانين سنة- وسنه أربعون، قيل: كم قيمة خدمة هذا العبد عشرين سنة على أنه إن مات العبد قبل تمام العشرين سنة، لم يكن للمستأجر شيء، فإن قيل: عشرة دنانير- وقيمة العبد عشرون، وقد ترك المتوفى أربعين دينارا سوى العبد، وأوصى لرجلين بعشرة، عشرة، فالثلث على هذا عشرون، والوصايا ثلاثون: عشرة، عشرة- لكل واحد من الرجلين، وعشرة للموصى له بخدمة العبد، فيكون جميع الثلث بينهم أثلاثا: ثلث للعبد، وثلث الأربعين على هذه الرواية في أن الموصى له بخدمة العبد، يكون حظه في المحاصة شائعا في جميع الثلث، وعلى القول بأنه يقطع له فيما أوصى له به، وهو قول ابن القاسم الذي تقدم في رسم جاع من سماع عيسى، وأحد قولي مالك يكون له ثلث العبد، ويكون للرجلين الموصى لهما بعشرة، عشرة- ثلث الأربعين بينهما بنصفين: ستة وثلثان لكل واحد منهما، واختلف إن عاش أكثر مما عمر- والعبد حي لم يمت، هل يعمر ثانية ويرجع على الموصى لهما أم لا؟ وكذلك اختلف أيضا إن مات قبل الأجل الذي عمر إليه، أو مات العبد قبل ذلك، هل يرجع الموصى لهما عليه فيما فضل عنده أم لا؟ فقيل: إنه يرجع عليهما ويرجعان عليه، وقيل: إنه لا يرجع عليهما ولا يرجعان عليه، وقيل: إنهما يرجعان عليه ولا يرجع عليهما، وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذا في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب الوصايا، وفي رسم العتق من سماع عيسى منه وفي آخر رسم الوصايا الأول من سماع أصبغ منه، ولا اختلاف في أن لكل واحد منهما الرجوع على صاحبه- إن حمل الثلث الوصية، أو إن لم يحملها فأجازها الورثة، وأما إذا أوصى

مسألة: أوصى بخدمة جارية له أن تخدم ابنه ما عاش

بخدمة عبده لرجل عشر سنين، وأوصى بوصايا ثم هو حر، فإن لم يحمله الثلث، عتق منه ما حمل الثلث، وسقطت الوصايا بالخدمة وغير الخدمة؛ لأن العتق مُبَدَّأ على ما سواه من الوصايا، ولا اختلاف في هذا، وكذلك لا اختلاف إذا حمله الثلث- ولم يكن فيه فضل عنه في أن الموصى له بالخدمة يتحاص مع أصحاب الوصايا في الخدمة، ويعتق بعد انقضائها، واختُلف إذا كان في الثلث فضل عن العبد، فقيل: إنه يتحاص مع أصحاب الوصايا في الخدمة، ويعتق بعد انقضائهما، واختلف إذا كان في الثلث فضل عن العبد، فقيل: إنه يتحاص مع أصحاب الوصايا في الخدمة ويعتق بعد انقضائها إذا كان في الثلث فضل عن العبد، فقيل: إنه يتحاص مع أصحاب الوصايا (في الخدمة) وفيها فضل عنها، وهو قوله في هذه الرواية، وقيل: إنه يقطع له في خدمة العبد بما نابه في المحاصات، وهو قول ابن القاسم في رسم جاع من سماع عيسى، وقد تقدم القول هناك على ذلك، وأنه يتحصل فيه ثلاثة أقوال، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى بخدمة جارية له أن تخدم ابنه ما عاش] مسألة قال ابن القاسم في رجل أوصى بخدمة جارية له أن تخدم ابنه ما عاش، فإذا مات تكاتب بعشرين دينارا، قال ابن القاسم: إن وسعها الثلث وقفت لخدمة الابن إن أجاز ذلك الورثة، وإن أبوا، اقتسموا خدمتها على فرائض الله، ما عاش الموصى له،

ومن مات من الورثة فورثته على حقه من الخدمة، حتى يموت الموصى له بالخدمة، فإذا مات كوتبت بعشرين دينارا، فإن أدت، عتقت وتكون كتابتها بين من ورث الميت على فرائض الله، وإن عجزت رقت وكانت رقيقا بين من ورث الميت على فرائض الله، قال أصبغ: ويكون ولاؤها إن أدت وعتقت للميت الموصي بكتابتها، وعصبته الذين يرثون الولاء من الرجال، قال ابن القاسم: وإن لم يحملها الثلث، خُيِّر الورثة بين أن ينفذوا ما قال، فتكون موقوفة على الابن في خدمته إلى الأجل، ويقتسمون الخدمة إن لم يجيزوا له ذلك، ويكاتبوها بعد ذلك، وبين أن يعتقوا منها ما حمل الثلث بتلا، ويسقط عنها الخدمة حتى تتم الوصية، وبين أن يعجلوا لها الكتابة بما قال صاحبهم، قال ابن القاسم: وإن أبى واحد منهم، كانوا بمنزلتهم إذا أبوا جميعا، وإن أبى واحد منهم الكتابة أو الخدمة الموصى له بالخدمة أو غيره، أعتقوا منها ما حمل الثلث. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في رسم الوصايا من سماع أصبغ من كتاب المكاتب، وسقط منها هناك قول ابن القاسم في أخرها: وإن أبى واحد منهم إلى آخر المسألة، وبه تتم المسألة وتصح؛ لأنه تفسير ما تقدم من قوله، ومن قول أصبغ في سماعه من كتاب المكاتب حسبما ذكرناه هناك، وبالله التوفيق. تم كتاب الخدمة بحمد الله وحسن عونه، والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

: كتاب العتق الأول

[: كتاب العتق الأول] [رجل قال لغلامه اشتر لنفسك جارية فلتطأها فما ولد لك منها فهو حر] (كتاب العتق الأول) من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب قطع الشجر قال: وسئل مالك: عن رجل قال لغلامه: اشتر لنفسك جارية فلتطأها، فما ولد لك منها فهو حر، فعمد الغلام فاشتراها من ماله سرا من سيده، فولد له منها، ثم علم السيد فأبى أن يعتق الولد وكره له أن يعمل ذلك سرا، قال: أرى ولده ذلك حرا- وإن كان اشتراها سرا، إلا أن يعلم أن السيد (إنما) أراد أن يستصلح عبده ولا يغيب عنها إلى الأرض النائية (التي) يكره السيد أن يتغرب إليها، يقول: إنما كان أعطاه هذا ليقيم عنده أو ما ولدت له عنده فهو حر، ولم يرد ما ولدت له في الأرض التي كرهت له أن يذهب إليها، ويغيب عني فيها، فهذا وجه هذا- عندي- والله أعلم.

قال محمد بن رشد: قوله: اشتر لنفسك جارية فلتطأها- يريد اشترها بمالك لنفسك؛ لأنه إذا اشتراها بماله بإذن سيده، جاز له أن يطأها، ولو كان مأذونا له في التجارة، لكان له أن يشتريها ويطأها، وإن لم يأذن له سيده في ذلك؛ لأن للعبد المأذون له أن يتسرى في ماله بغير إذن سيده على ما قاله في المدونة، وعلى ما جاء من أن عبيدا لعبد الله بن عمر كانوا يتسرون في أموالهم ولا يستأذنونه، وقد روى محمد بن يحيى السبائي عن مالك أن العبد لا يتسرى في ماله إلا بإذن سيده، ومعنى ذلك في غير المأذون له في التجارة حتى تتفق الروايات، وقد وقع في بعض الروايات اشتر لنفسك جارية بمالي أو بمالك، والرواية بإسقاط ذلك أصوب؛ لأنه لا يجوز له أن يطأها بمال السيد- وإن كان السيد قال له اشترها لنفسك بمالي تطؤها، إلا أن يكون وهبه الثمن على ما قاله في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، أو أسلفه إياه على ما قاله في رسم الطلاق من سماع أشهب منه؛ لأنه إذا قال له: اشترها من مالي لنفسك تطؤها، فلم يملكه رقبتها، وإنما أذن له في شرائها لنفسه ليطأها، وذلك تحليل منه له فرجها، وقول السيد فما ولد لك منها فهو حر، إيجاب أوجبه على نفسه يلزمه بظاهر قوله فعل ذلك في بلده بعلم سيده، أو في غير بلده سرا من سيده، فلا يصدق السيد إن فعل العبد ذلك سرا من سيده في غير بلده- في أنه لم يرد ذلك، إلا أن يعلم قصد السيد إلى استصلاح عبده بذلك لئلا يغيب (عنه) بأن يعلم أنه كان كثير المغيب عن مولاه، فاستماله بما وعده به من عتق ولده، لئلا يغيب عنه، فإذا غاب عنه وتسرى في بلد آخر وولد له فيه، لم يلزمه العتق، لمغيبه

مسألة: قال إن ولد لي ولد ذكر فرقيقي أحرار

عنه، ومخالفته ما جرى عليه بساط يمينه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال إن ولد لي ولد ذكر فرقيقي أحرار] مسألة وسئل: عمن قال: إن ولد لي ولد ذكر، فرقيقي أحرار، وكانت امرأته حاملا فأراد أن بيعهم وهبتهم، قال: لا يبيع منهم شيئا وهم أحرار- إن ولدت ذكرا. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله: إنه لا يبيع منهم شيئا- إن كانت امرأته يوم قال هذا (القول) حاملا؛ لأنه نذر عتقهم إن وضعت امرأته ذكرا، فوجب ألا يخرجهم عن ملكه حتى يعرف ما تضع، ولو لم تكن امرأته يوم قال هذا القول- حاملا، لتخرج جواز بيعهم على اختلاف قول مالك، وابن القاسم في الذي يقول: عبدي حر إن قدم فلان، فمالك لا يرى أن يبيعه، وابن القاسم لا يرى ببيعه بأسا، ولا فرق بين المسألتين؛ لأنه لا يدري متى يقدم فلان؟ وهل يقدم أو لا يقدم؟ وهل يولد له ذكر أو لا يولد له ذكر؟ ولا يقع شيء من ذلك باختياره، ولو قال: إن فعلت كذا أو فعل فلان كذا وكذا، فعبيدي أحرار، لم يمنع من بيع ولا وطء؛ لأنه على بر، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى عبدا بثمن إلى أجل وجعله حرا] مسألة قال مالك: من اشترى عبدا بثمن إلى أجل وجعله حرا- إن لم يقضه إلى ذلك الأجل، لا يباع حتى يحل الأجل ويدفع إليه حقه،

فإن جاء الأجل وعليه دين محيط برقبة العبد لم يعتق، وكان البائع أحق به من غيره من الغرماء. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يباع حتى يحل الأجل، هو مثل ما في المدونة وغيرها في الحالف بعتق عبده ليفعلن فعلا إلى أجل، أنه لا يباع حتى يحل الأجل فيبر أو يحنث؛ لأنه مرتهن بيمينه في البيع، ولو كاتب أمة، كان له أن يطأها على أحد قولي مالك في المدونة، وقوله: إن الأجل إذا حل وعليه دين محيط برقبة العبد لم يعتق، وكان البائع أحق به من غيره من الغرماء، صحيح لا اختلاف فيه- إن كان الدين الذي عليه سوى ثمن العبد يحيط برقبة العبد؛ لأنه إذا وجب رد العتق بسبب الدين، كان البائع أحق به، وأما إذا لم يحط برقبة العبد، أو لم يكن عليه دين سوى ثمن العبد- والبائع هو الذي استحلفه، فقيل: إنه لا يرد عتقه في الثمن للبائع؛ لأنه لما استحلفه فقد رضي بعتقه فيتبعه بدينه ويعتق العبد كله- إن لم يكن عليه دين سوى ثمنه، وإن كان عليه دين سوى ثمنه، بيع منه بالدين وأعتق الباقي، وإن كان الدين الذي عليه سوى ثمن العبد يحيط برقبة العبد، كان البائع أحق به، وإن شاء أن يتركه ويحاص الغرماء بالثمن فيه، كان ذلك له، وهو قول ابن وهب، وقيل: إنه يرد عتقه في الثمن، وإن كان البائع هو الذي استحلفه، وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى، ووجهه أن البائع يقول: رجوت أن يكون له وفاء إن حنث عند الأجل، ولو لم أطمع بذلك ما استحلفته، واختلف على هذا القول إن أراد البائع لما حل الأجل أن يؤخره بدينه، ويقر العبد بيده لعله يجد وفاء فيعتق، فقال ابن القاسم في المدونة: ذلك له؛ لأنه خير للعبد، وروى محمد بن يحيى السبائي عن

مسألة: فر عبده فقال اخرج إلي يا فلان وأنت حر

مالك فيها: أن ذلك ليس له؛ لأن العتق قد وجب بحلول الأجل، إلا أن يرده البائع بدينه، فإن أخره به، أعتق العبد، وليس له أن يؤخره بالثمن ويقر العبد بيده فيحرمه العتق، وهو القياس، وقول ابن القاسم استحسان، وبالله التوفيق. [مسألة: فر عبده فقال اخرج إلي يا فلان وأنت حر] مسألة وقال مالك فيمن فر عبده- يعني لحق بالعدو، فقال: اخرج إلي يا فلان- وأنت حر، ثم خرج، فقال: إنما أردت أن أستخرجك، فقال: إن كان أشهد أنه أراد أن يقول ذلك ليستنقذ عبده ويأخذه؟ فلا عتق عليه، وإن لم يشهد، فهو حر. قال محمد بن رشد: هذا أصل مختلف فيه، قد قال مالك في رسم أخذ يشرب خمرا من كتاب المديان والتفليس في الذي يكون له على الرجل الحق فيجحده ويدعوه إلى الصلح، فيصالحه وشهوده غُيَّب ويشهد في السر أنه إنما يصالحه؛ لأنه جحده، فخاف أن يذهب حقه، وأنه على حقه إذا حضرته بينته، أن الصلح يلزمه ولا ينتفع بذلك، وقال أصبغ في نوازله من كتاب الدعوى والصلح: إنه ينتفع بالإشهاد في الغيبة البعيدة، والتحرز من هذا الاختلاف: يكتب في كتب الاصطلاحات: وأسقط عنه الاسترعاء (والاسترعاء) في الاسترعاء، ومن الكتاب من يزيد ما تكرر وتناهى ولا معنى له؛ لأن الاسترعاء هو أن يشهد قبل الصلح في السر أنه إنما يصالحه لوجه كذا، فهو غير ملتزم للصلح، والاسترعاء في الاسترعاء، هو أن يشهد أنه لا يلتزم الصلح، وأنه متى صالح وأشهد على نفسه في كتاب الصلح أنه أسقط عنه الاسترعاء في السر فإنه لا يلتزم ذلك، ولا يسقط عنه القيام به، فلا يتصور في ذلك منزلة ثالثة، وهذا الاسترعاء في السر، إنما ينفع عند من يراه

مسألة: قال الرجل لعبده اعمل لي كذا وكذا وأنت حر

نافعا فيما خرج على غير عوض، وأما ما خرج على عوض من العقود كلها، فلا اختلاف في أن الاسترعاء فيها غير نافع، وبالله التوفيق. [مسألة: قال الرجل لعبده اعمل لي كذا وكذا وأنت حر] مسألة وقال مالك: إذا قال الرجل لعبده اعمل لي كذا وكذا- وأنت حر، فرد ذلك العبد، قال سحنون: يعني لم يقبل العبد فرده على سيده، ثم بدا له فقال: أنا أعمله، فقال: ليس ذلك له. قال محمد بن رشد: في قوله فرد ذلك العبد، دليل بين على أن السيد لا يجبر عبده على الكتابة، وقد روي عنه أن له أن يكاتبه كرها، حكى ذلك عنه إسماعيل القاضي في كتاب الأحكام له، والاختلاف في ذلك أيضا من قول ابن القاسم قائم من المدونة - حسبما قد ذكرناه في هذا الكتاب، ووجه قول من قال: أن له أن يجبره على الكتابة، هو إنه إذا كان له أن يؤاجره السنة والسنتين، ويأخذ أجرته وهو باق على رقه، فيكاتبه مدة معلومة على مقدار ما يعلم إنه يطيق أداءه في تلك المدة من عمله، واكتسابه لأزم له، ليس له أن يمتنع منه؛ لأن ذلك يمضي به إلى الحرية من غير ضرر يلحقه فيه وقوله في الرواية: أنه إذا رد فليس له أن يرجع إلى القبول، بين صحيح على القول بأنه يجبره على الكتابة، وعلى القول بأنه لا يجبره عليها؛ لأنه على القول بأنه يجبره على الكتابة كالتمليك في الطلاق الذي للرجل أن يجبر زوجته عليه، فإذا ملكها واختارت زوجها، لم يكن لها أن ترجع إلى اختيار نفسها، وعلى القول بأنه لا يجبره على الكتابة كالمبايعة لو قال الرجل للرجل: إن شئت سلعتي هذه فهي لك بكذا وكذا، فرد ذلك، وقال: لا أشاؤها بذلك، لم يكن له أن يرجع إلى قبولها وأخذها بذلك الثمن، إلا أن يشاء البائع، ولو افترقا من المجلس قبل أن يرد ذلك العبد، أو يقبل في الذي قال له سيده كذا وكذا- وأنت حر، لم يكن له أن يقبل بعد انقضاء المجلس قولا واحدا على القول بأن الرجل ليس له أن يجبر عبده على الكتابة؛ لأن ذلك كالمبايعة لو قال الرجل

مسألة: أعتق الرجل في مرضه ولم يجد إلا شاهدا واحدا على عتقه

للرجل: لك سلعتي بكذا وكذا، فلم يقبل حتى انقضى المجلس، لم يكن له بعد المجلس قول، وأما على القول بأن الرجل يجبر عبده على الكتابة، فيكون له القبول بعد انقضاء المجلس على القول بأن للمملكة أن تقضي بعد انقضاء المجلس، ما لم توقف فترد، وقد قال ابن دحون: إن قول مالك في الرجل يوصي بتخير أمته فتختار الرد، أن لها أن ترجع إلى العتق- ما لم تبع، معارض لهذه المسألة، وليس ذلك بصحيح؛ لأن تخيير الرجل أمته بين العتق والبيع، بخلاف الوصية لها بذلك؛ لأن مواجهته إياها بالتخيير، يقتضي الجواب منها بالرد أو القبول، وليس كذلك الوصية لها بذلك؟ وقد مضى بيان هذا في سماع عيسى من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق الرجل في مرضه ولم يجد إلا شاهدا واحدا على عتقه] مسألة قال: إذا أعتق الرجل في مرضه ولم يجد إلا شاهدا واحدا على عتقه، فاليمين على الورثة ما علموا بعتق صاحبهم. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، ظاهره أنه أوجب عليهم اليمين، ما علموا، وإن لم يحقق عليهم الدعوى بأنهم علموا، وذلك إذا كانوا ممن يظن منهم أنهم علموا على ما قال في كتاب العيوب والأقضية من المدونة، وقد قيل: إنه لا يمين عليهم إلا أن يدعي عليهم العلم، وهو الذي يأتي على ما في كتاب النكاح الثاني وكتاب بيع الغرر، والاختلاف

مسألة: العبد يعتق يريد في الوصية ثم يمرض العبد مرضا شديدا يخاف عليه

في هذا على اختلافهم في لحوق يمين التهمة؛ لأنها يمين تهمة، وقد وقع لأصبغ في رسم محض القضاء من سماعه أن اليمين لا تجب على الورثة للعبد، وإن حقق الدعوى عليهم في العلم، وكان له شاهد على الميت بالعتق- وهو بعيد، وأما إذا لم يكن له شاهد على الميت بالعتق، فلا يجب له على الورثة اليمين- وإن ادعى عليهم العلم، وحقق به الدعوى عليهم؛ لأن اليمين إذا لم تجب على السيد، فأحرى ألا تجب على الورثة، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يعتق يريد في الوصية ثم يمرض العبد مرضا شديدا يخاف عليه] مسألة قال ابن القاسم في العبد يعتق- يريد في الوصية ثم يمرض العبد مرضا شديدا يخاف عليه، أرى أن يعتق إذا اجتمع المال لا يؤخر لمرضه إذا اجتمع المال، ولا يعجل لمرض إن تأخر المال. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن المال إذا اجتمع، وجب أن تنفذ الوصية له بالعتق، ولا يؤخر ذلك رجاء أن يصح- مخافة أن يموت فتبطل الوصية، وإذا لم يجتمع المال، لم يصح أن يعتق مخافة أن يموت، ولعل المال يهلك ولا يجتمع، فيكون قد أعتق وهو لا يخرج من الثلث، ولا أن يعتق منه ما حمل الثلث ما اجتمع من المال فيبعض العتق؟ وإن دعا إلى ذلك العبد على مذهبه في المدونة خلاف قول أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لغلام لأبيه في حياة أبيه يوم أملكك فأنت حر] مسألة وسئل مالك: عمن قال لغلام لأبيه في حياة أبيه: يوم أملكك فأنت حر، فهلك الأب وملكه، قال: أو كان قال ذلك له يوم قاله وهو سفيه، فلا أرى له عتقا، وإن كان يومئذ حليما، فأراه يعتق عليه.

قال محمد بن رشد: هذا هو المعلوم في المذهب المشهور من قول مالك وجميع أصحابه، أن من أعتق ما لم يملك بشرط ملكه إياه، أو طلق ما لم ينكح بشرط نكاحه إياها، أن ذلك لازم له إذا خص ولم يعم، والأصل في لزوم ذلك له، قول الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75] إلى قوله {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77] ومن أهل العلم من ألزمه ذلك خص (أو عم) وهو القياس، ومنهم من لم يلزمه ذلك- خص أو عم- تعلقا بظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك» وتفرقة مالك بين أن يخص أو يعم استحسان، فتفرقته في الرواية (بين أن يكون) يوم قاله سفيها أو حليما - صحيحة بينة؛ لأن السفيه لا يلزمه العتق لكونه محجورا عليه في ماله بقول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] الآية وإنما موضوع الكلام هل هو محمول على الرشد في حياة أبيه حتى يعلم سفهه، أو على السفه حتى يعلم رشده، فالمشهور أنه محمول على السفه حتى يعلم رشده، وهو نص قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه من كتاب الصدقات والهبات، وقيل: إنه بالبلوغ محمول على الرشد حتى يعلم سفهه على ظاهر قوله في كتاب النكاح الأول من المدونة إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء، وقد مضى الكلام على هذا في غير ما موضع من هذا الكتاب وغيره، وبالله التوفيق.

: كان لزوجها امرأة أخرى فآثر الأخرى عليها في مبيت ليال

[: كان لزوجها امرأة أخرى فآثر الأخرى عليها في مبيت ليال] ومن كتاب القبلة وقال في امرأة كان لزوجها امرأة أخرى فآثر الأخرى عليها في مبيت ليال، فقالت: إن بت معك تحت سقف بيت حتى تبيت معي مثل ما بت عند الأخرى، فجاريتي حرة لوجه الله، قال مالك: يبيت معها في غير بيت في حجرة ويترك الأخرى حتى يفرغ من تلك الليالي. قال أصبغ: أراها حانثة حيثما بات معها؛ لأنها إنما حلفت على الاجتناب والمنع حتى يفعل، ولا يبرها أن تبيت معه في الحجرة، ولو باتت معه في جوف الماء، لرأيتها حانثة، قال أصبغ: والذي يبرها- عندي- أن تبيت معه في الحجرة قدر الأيام التي كان عند صاحبتها ولا يمسها فيها، فإن مسها، حنثت، فإذا فرغ منها، بات معها في البيت، إلا أن تكون صمدت لنفسها صمدا المصاب في الحجرة، فلا تبر حتى يصيبها في الحجرة (في) تلك الليالي. قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة بين؛ لأن الذي يدل عليه بساطها الذي خرجت يمينها عليه، إنها لما آثر عليها الأخرى، أرادت أن تعاقبه على ذلك بأن لا تبيت معه تحت سقف حتى يوفيها عدد الأيام التي آثر عليها فيها الأخرى، فإذا بات معها في الحجرة عدد تلك الأيام، برت في يمينها- كما قال- أصابها فيها أو لم يصبها، إلا أن تكون نوت أن يصيبها

مسألة: المتوارثين إذا ماتا جميعا فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه

فيها أو لا يصيبها فيها، فتكون في ذلك على نيتها والنية (في ذلك) محتملة للوجهين، إذ قد يحتمل أن تكون أرادت معاقبته على ما فعل من الإيثار عليها، بأن لا تبيت معه تحت سقف بيت، مع أن يصل منه في تلك الليالي إلمام بها إلى ما عسى أن يكون ألم به من الأخرى، ويحتمل أيضا أن تكون أرادت معاقبته على ذلك بأن تحرمه في عدد تلك الليالي الميت معها تحت سقف البيت، والمصاب لها فيها، وعلى هذا حمل أصبغ يمينها فقال: إنها حانثة، حيثما بات معها ولو في جوف الماء- إن أصابها فيها، ورأى أن الذي يبرها أن تبيت معه في الحجرة عدد تلك الليالي ولا يصيبها فيها، فحمل يمينها على غير المصاب، إلا أن تكون نوت المصاب، ورأى مالك إذا لم يكن لها نية إنها تبر- أصابها أو لم يصبها، وبالله التوفيق. [مسألة: المتوارثين إذا ماتا جميعا فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه] مسألة قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: بلغني أنه قتل طلحة بن عبيد الله، وابنه محمد بن طلحة يوم الجمل، فاختصموا في ميراثه، فلم يورث أحد منهم من صاحبه، فأصلحت بينهم عائشة. قال محمد بن رشد: هذا هو مذهب مالك وجميع أصحابه، والشافعي وأصحابه، وكافة أهل المدينة، وأكثر أهل العلم أن المتوارثين إذا ماتا جميعا بغرق، أو هدم، أو قتل، أو موت في بلدين، فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه، إنه لا يورث أحد منهما من صاحبه، ويكون ميراث كل واحد منهما لورثته من الأحياء؛ لأن الميراث لا يكون بالشك، ومن أهل

مسألة: عقب الرجل إنما هو من يرجع نسبه إليه من ولده وولد ولده

العلم من ذهب إلى أنه يورث كل واحد منهما من صاحبه فيما كان له من مال، دون ما ورثه عنه، مثال ذلك أن يموت رجل وابنه ولكل واحد منهما ولد، ولا يدرى من مات منهما قبل صاحبه، ويترك كل واحد منهما ستين دينارا، فيورث الأب من ابنه سدس الستين التي ترك عشرة، ويورث الابن من أبيه نصف ما ترك إن لم يكن له إلا أخ واحد- ثلاثين، فيحصل لولد الابن ثمانون دينارا، ولولد الأب أربعون، إذ لا يجعل لواحد منها ميراث فيما ورثه عنه، وهذا هو أحد قولي أبي حنيفة، ومذهب سفيان الثوري، وجماعة سواهما، وفي ذلك بين الصحابة اختلاف أيضا، فلكلا القولين وجه، فوجه القول الأول هو ما تقدم من أنه لا يورث بالشك، ووجه القول الثاني أنه لا يقطع ميراث أحد بشك؛ لأن ميراث أحدهم واجب لصاحبه بلا شك، فلا يقطع ميراث واحد منهما بشك، وبالله التوفيق. [مسألة: عقب الرجل إنما هو من يرجع نسبه إليه من ولده وولد ولده] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: العقب الولد الذكور والإناث من ولد الصلب، وولد ولدهم من الذكور والإناث من ولد الذكور. قال محمد بن رشد: هذا ما لم يختلف فيه قول مالك، ولا قول أحد من أصحابه المتقدمين، كلهم يقول: إن عقب الرجل إنما هو من يرجع نسبه إليه من ولده وولد ولده- وإن سفلوا، فبنت الرجل من عقبه، وبنت ابنه وبنت ابن ابنه- وإن سفل؛ لأن كل واحدة منهن تنتسب إليه وترثه إذا لم يكن فوقها من يحجبها، وليس ولد بنت الرجل ذكرا كان أو أنثى من عقبه؛ لأنه لا ينتسب إليه ولا يرثه، وإنما هو من عقب بنته، فالأصل في هذا عند مالك

: حلف بعتق رقيقه في شيء ألا يفعله فأراد فعل ذلك

مراعاة النسب والميراث، فإذا أوصى الرجل لولد رجل، أو لعقبه، أو حبس على ولد رجل، أو على عقبه، لم يدخل في ذلك أولاد البنات عند مالك، واختلف الشيوخ بالتأويل على مذهبه في الذرية، فمنهم من قال: (إنه) لا فرق على مذهب مالك بين الولد والعقب والذرية والنسك؛ لأن ولد البنات لا يدخلون في ذلك، ومنهم من قال: إنهم يدخلون في الذرية والنسل على مذهبه، ولا يدخلون في الولد والعقب، وقد فرغنا من تفسير هذه المسألة في غير هذا الكتاب، وبالله التوفيق. [: حلف بعتق رقيقه في شيء ألا يفعله فأراد فعل ذلك] ومن كتاب حلف ألا يبيع رجلا (سلعة) سماها وسئل: عن رجل حلف بعتق رقيقه في شيء ألا يفعله، فأراد فعل ذلك، وأراد أن يتصدق برقيقه على ولده وأمه صدقة صحيحة ليس فيها دلسة، قال: لا، حتى يبيعهم في الأسواق، قال ابن القاسم: قيل لمالك: فإن الرجل الحالف قد فعل، قال: فما أراه يخرج من المأثم. قال ابن القاسم: وأرى إن كانت صدقة صحيحة تحاز عنه، فأرجو أن يكون خفيفا، وإن كان شيئا يليه فأراه حانثا. قال سحنون وعيسى: إن تصدق بها على ولده الكبار فلا حنث عليه، وإن كانوا صغارا، فإنه حانث- ولي هو حيازتها، أو جعل ذلك إلى غيره يحوزها لهم، فأراه حانثا. قال محمد بن رشد: قوله: لا حتى يبيعهم في الأسواق، معناه أنه لا ينبغي له أن يفعل ذلك، وقول مالك: إن فعل، فما أراه يخرج من المأثم،

يدل على أنه لا يحنث عنده فيهم فيعتقون عليه، ومعناه إذا فعل ذلك الشيء - إذا حلف بعتق رقيقه إلا يفعله بعد أن حاز ولده وأمه عنه الرقيق بالصدقة، وأما لو فعل ذلك الشيء قبل أن يحاز عنه الرقيق بالصدقة، لوجب أن يعتقوا عليه على قياس قول ابن القاسم وروايته عن مالك في الذي يتصدق بالعبد ثم يعتقه، إن العتق أولى به من الصدقة، وقد مضى الكلام على ذلك في سماع محمد بن خالد من كتاب الصدقات والهبات، وهذا في الولد الكبير، وأما الولد الصغير فالحنث يلزمه فيهم، وإن حوزهم غيره على ما قاله سحنون وعيسى، يريدان إن كان لهما مال ويغرم لهما القيمة، فقولهما تفسير لقول ابن القاسم ففي الولد الكبير إن حاز لم يحنث فيهم، ولم يلزمه العتق، وإن لم يحز حنث فيهم ولزمه العتق، ولم يكن للولد شيء، وفي الولد الصغير إن كان له مال حنث فيهم ولزمه العتق، وكانت عليه القيمة، كما لو أعتقهم وولي هو حيازتهم، أو جعل ذلك إلى غيره، وإن لم يكن له مال لم يحنث فيهم، ولم يلزمه عتقهم، هذا تحصيل القول في هذه المسألة وقد كان بعض الناس يحمل الروايات على ظاهرها من الخلاف، فيقيم منها ثلاثة أقوال؛ أحدها: إن الحنث لا يقع عليه فيهم بعد الصدقة بهم- كان الولد صغيرا أو كبيرا، بدليل قوله أولا فما أراه يخرج من المأثم. والثاني: الفرق بين أن يكون الولد صغيرا أو كبيرا- على ظاهر قول سحنون وعيسى. والثالث: الفرق بين أن تحاز عنه الصدقة، أو يكون هو الذي يليها- كان الولد صغيرا أو كبيرا- على ظاهر قول ابن القاسم، وليس ذلك- عندي- بصحيح، وخشي عليه الإثم بالفرار من الحنث بالصدقة بهم على مثل أمه وولده الذي يعلم أنه لو أراد عتقهم بالحنث فيهم بعد أن تصدق بهم عليهم، لم ينازعوه في ذلك، وبالله التوفيق.

: قال مماليكي أحرار ولا نية له

[: قال مماليكي أحرار ولا نية له] ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك: عمن قال: كل مملوكا لي ذكر حر، يريد بذلك الرجال، قال ذلك على ما أراد ولا يضره ما قال: كل مملوك لي حر- إذا قال رجل، أو أراد بذلك الرجال- ولم يرد بذلك النساء، قال سحنون: ولو قال: مماليكي أحرار ولا نية له، عتق ذكور رقيقه دون إناثهم، قيل له: ولو قال: رقيقي أحرار، فقال: هذا خلاف عندي، وأرى أن يعتق ذكور رقيقه وإناثهم، قيل له: فلو قال عبيدي أحرار وكل عبد لي حر، قال: ليس يعتق عليه في هذا إلا ذكور عبيده دون الإناث، وهو بمنزلة من حلف ألا يأكل عجوة، فأكل صيحانيا. قال محمد بن رشد: كذا وقع في هذه المسألة في بعض الروايات كل مملوك له ذكر حر، وسقط من بعضها ذكر، وسقوطه هو الصواب؛ لأنه إذا قال ذكر لم يحتج أن ينوي ذلك، وقوله ذلك على ما أراد ولا يضره ما قال: كل مملوك لي حر- إذا قال رجل، أو أراد بذلك الرجال- ولم يرد به النساء، يدل على أنه يقبل منه نيته ويصدق فيها- وإن كانت على قوله بينة، وذلك خلاف ظاهر ما في المدونة من أنه قال: كل مملوك لي حر- وله مكاتبون، ومدبرون، وأمهات أولاد، أنهم يعتقون عليه كلهم، وأما قول سحنون فيمن قال: مماليكي أحرار أو كل مملوك لي حر، أو عبيدي أحرار، أو

مسألة: يحلف في جارية له إن وطئها فرقيقه أحرار

كل عبد لي حر، أنه محمول على الذكران دون الإناث، فهو بعيد؛ لأنه لفظ يقع على الذكران والإناث، قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] أراد الذكر والأنثى، وقد حكى عنه ابنه أنه رجع عن ذلك فقال: يعتق الذكور والإناث- ولو أتى مستفتيا على القول بأنه يقع على الذكر والأنثى، فقال: أردت الذكر والأنثى لنرى في ذلك قولا واحدا، وأما إذا قال: رقيقي أحرار، فلا اختلاف في وقوعه على الذكر والأنثى، ولا في أنه لا ينوى في ذلك- إن ادعى أنه أراد الذكران أو الإناث، إلا أن يأتي مستفتيا، وقوله في الرواية: إذا قال رجل وأراد بذلك الرجال، صوابه إذا قال رجل أو أراد بذلك الرجال، فالواو ههنا بمعنى أو؛ لأنه إذا قال رجل فلا يحتاج أن ينوى في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف في جارية له إن وطئها فرقيقه أحرار] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يحلف في جارية له إن وطئها فرقيقه أحرار، فأراد وطئها فوهب رقيقه لولده، ثم أتى الجارية فوطئها، قال: ما أحب له إلا أن يبيعهم في السوق، فأما أن يعطيهم ولده فلا، قيل له: فإنه فعل ووطئ، قال: ما أرى ذلك له مخرجا، فقيل له: أتراهم أحرارا فوقف وقال: ما أرى ذلك مخرجا له، قال سحنون مثله، قال عيسى: إن كانوا صغارا، يحنث، وإن كانوا كبارا، فلا حنث عليه، قال أصبغ وهو قول ابن القاسم، قيل لعيسى: سواء عندك إن حازها الأب على ولده الصغار فكانت على يديه، أو جعلها على يدي غيره يحوزها لهم، فهو حانث، قال: نعم، وقد ذكر ابن القاسم في كتاب حلف ألا يبيع سلعة سماها من قول مالك مثل هذا سواء، وزاد فيها ابن القاسم من عنده وقال: أرى إن كانت صدقة

مسألة: سأل رجلا أمرا يخبره فقال فاحلف أنك لا تخبره أحدا ولتكتمه

صحيحة تحاز عنه، فأرجو أن يكون خفيفا، وإن كان شيئا يليه فأراه حانثا. قال محمد بن رشد: قال مالك في هذه الرواية في الهبة مثل ما تقدم من قوله في رسم حلف في الصدقة، فدل ذلك على ألا فرق عنده بين الهبة والصدقة- وإن كانت الهبة تعتصر والصدقة لا تعتصر، ورأيت لابن دحون أنه قال: لا تجوز هبته للكبار؛ لأن له الاعتصار، إلا أن يقول لله أو للثواب، فيجوز ذلك، ومعنى قوله: أنه لا تجوز هبته للكبار، من أجل أن الصدقة تعتصر، كما لا تجوز الصدقة على الصغار، من أجل أن للأب أن يعتق عبد ابنه الصغير، وأن يوصي بعتقه وأن يحلف بعتقه- إذا كان له مال، وليس قوله: - عندي- بصحيح؛ لأن الهبة مال له موهوب له حتى تعتصر، فإذا خرج العبيد عن ملكه بالهبة، وجب ألا يحنث فيهم- وإن كان له أن يعتصرهم، إلا أن يكون وهبهم ونيته الاعتصار بعد أن يطأ جاريته، فلا يخرجه ذلك من يمينه، ويحنث فيهم وإن كان قد وهبهم، كما إذا تصدق بهم على وجه الدلسة ليسترجعهم بعد الحنث، فلا يبر بذلك، ويعتقون على معنى ما تقدم في رسم حلف، وما وقع في هذه الرواية من أن سحنون يقول مثل قول مالك، وأن ابن القاسم يقول مثل قول عيسى، يبين صحة ما ذهبا إليه من أن تفسير كلام بعضهم ببعض، ولا يحمل على ظاهره من الخلاف، وبالله التوفيق. [مسألة: سأل رجلا أمرا يخبره فقال فاحلف أنك لا تخبره أحدا ولتكتمه] مسألة وسئل مالك: عن رجل سأل رجلا أمرا يخبره، فقال: فاحلف أنك لا تخبره أحدا، ولتكتمه، قال كل مملوك لي حر- إن

مسألة: المرأة تعتق الرجل فيموت المعتق وثم ولدها وأخوها

أخبرت به أحدا، واستثنى في نفسه- إلا فلانا، أترى ذلك له ثنيا؟ قال: لا، ولا أرى الثنيا إلا ما حرك به لسانه، فأما استثناؤه في نفسه، فلا أرى ذلك له ثنيا، وسئل مالك: عن هذا، فقال: إن حرك به لسانه فله ثنياه، قيل لابن القاسم: فإن لم يعلم المحلوف له، قال: نعم وليس عليه أن يعلمه، سحنون لم يكن في كتابه وأنكره، ورأى أن ليس له ثنيا- وإن حرك به لسانه؛ لأن اليمين للذي استحلفه ولم يعجبه قول مالك فيها. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة بعينها متكررة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب النذور، ومضى الكلام عليها هناك مستوفى، فاكتفينا بذلك عن إعادته مرة ثانية هنا، ومضت أيضا في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، وفي غير ما موضع، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تعتق الرجل فيموت المعتق وثم ولدها وأخوها] مسألة وسئل مالك: عن المرأة تعتق الرجل فيموت المعتق وثم ولدها وأخوها، من ترى أحق بالصلاة عليه؟ قال: ابنها، ما لأخيها وما له، ابنها أحق بميراثها والصلاة عليها، (ومن أعتقت كذلك) . قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن ابن المرأة أحق بها من أخيها في ميراثها والصلاة عليها، فهو أحق بالصلاة على مولاها، وإنما الاختلاف إن أراد الابن أن يقدم أجنبيا، أو من هو أبعد من الأخ، فقيل ذلك له لأنه حقه يجعله لمن شاء، وهو قول ابن الماجشون وأصبغ في الواضحة، ودليل ما في أخر أول رسم من سماع أشهب من كتاب الجنائز، وقيل: ليس

مسألة: ابتاع عبدا بثمن فكساه إزارا ثمنه ثمانية دراهم

ذلك له، والأخ أولى من الأجنبي الذي قدمه الابن؛ لأن الابن إذا أبى أن يأخذ حقه، وجب لمن بعده، كالشفيع، إذ لو وجبت له الشفعة، إنما له أن يأخذ أو يترك، وليس له أن يعطي حقه لمن شاء، وهو قول ابن عبد الحكم، وبالله التوفيق. [مسألة: ابتاع عبدا بثمن فكساه إزارا ثمنه ثمانية دراهم] مسألة وسئل مالك: عن رجل ابتاع عبدا بثمن، فكساه إزارا ثمنه ثمانية دراهم، فكلمه رجل في أن يبيعه منه، فحلف بحريته إن باعه منه بربح خمسة دراهم حتى يزاد، وكانت نيته ما زاد من قليل أو كثير أن يقبله، فزاده درهما، أترى عليه شيئا لموضع الإزار الذي كساه- وقد بعته منه، وقلت له: نسأل عن يمينه، فإن لم يكن علي شيء فهو لك، وإن كان علي شيء، فإن شئت أن تأخذه على ذلك، وإن شئت أن تتركه، قال مالك: لا أرى أن تترك ثمن الإزار لموضع الحنث، ولم يقل له في الشرط شيئا، ثم قال له: فإني قد دفعته منذ ستة أيام إلى حجام يعلمه، وشارطته عليه يعلمه سنة بدينار، فقال: كم أقام عنده؟ قال: خمسة أيام، قال: أرض الحجام من عندك، فقال له: ما ترى علي حنثا؟ قال: لا، ولا أرى هذا من ناحية ما حلف، وهذه أيام يسيرة. قال محمد بن رشد، هذه مسألة بينة كلها لا إشكال في أنه يحنث إن ترك ثمن الإزار؛ لأنه إذا اشتراه بلا إزار وباعه بالإزار، فقد وقع عليه بعض الثمن وصار قد باعه بأقل مما حلف عليه فحنث، ولا في أنه لا يحنث بما

مسألة: العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا

أرضى به الحجام؛ لأن ذلك مما لم يقصده في يمينه، ولا وقع عليه حلفه، كما أنه لا يلزم أن يعد في ثمنه- ما أنفق عليه في طعامه؛ لأن ذلك مما لم يقصده، ولا وقعت عليه يمينه، إلا أن يكون لذلك عرف كالنخاسين الذين يشترون الدواب ويبيعونها مرابحة فيقولون: اشتريتها بكذا، وأنفقت عليها كذا، وأبيعكها بربح كذا، فلو حلف التاجر منهم في دابة قد اشتراها للتجارة ألا يبيعها إلا بربح كذا، يحنث إذا لم يعد نفقته، ولو حلف رجل في جارية عنده أو دابة لم يشترها لتجارة ألا يبيعها إلا بربح كذا، لم يحنث إن لم يعد نفقته، إلا أن يكون نوى في يمينه أن يعد نفقته في الثمن، فلا يبر إلا بذلك، وقال: إنه لم يقل في الشرط شيئا وهو شرط جائز لا يقدح في صحة البيع؛ لأنه أوجبه له على نفسه، فكذلك الثمن إن لم يدخل عليه فيه حنث فذلك جائز، كمن قال: أوجبت لك سلعتي بكذا وكذا- إن جاء اليوم فلان، وما أشبه هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا] مسألة وسئل: عن العبد يكون نصفه حرا، ونصفه مملوكا، يحتاج الذي له فيه الرق حاجة شديدة، أله أن يأخذ من مال عبده ما يأكل ويكتسي؟ قال: لا، الغني في هذا والفقير سواء بمنزلة واحدة، ليس لهم أن يأخذوا من ذلك شيئا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن العبد إذا أعتق بعضه أقر ما له بيده للشرك الذي له في نفسه، فليس للذي له فيه الرق أن يأخذ من

مسألة: العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا يمرض

ماله شيئا إلا برضاه غنيا كان أو فقيرا، إذ ليس الفقر بالذي يوجب له في ماله حقا لم يكن واجبا قبل، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا يمرض] مسألة وسئل: عن العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا يمرض، أترى أن ينفق عليه الذي له فيه الرق؟ قال: لا أرى عليه إلا قدر نفقة نصيبه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه كالعبد بين الشريكين، فلا يلزمه من نفقته إلا بقدر ما له منه- وإن مرض، وبالله التوفيق. [: يشتري العبد رقبة ثم يبدو له أن يبدله بخير منه وأكثر ثمنا] ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل: عن الذي يشتري العبد رقبة ثم يبدو له أن يبدله بخير منه وأكثر ثمنا، قال مالك: ما أرى بذلك بأسا، إلا أن يكون اشتراه بشرط، فإن لم يكن اشتراه بشرط وأراد أن يبدله بخير منه، فما أرى بأسا. قال محمد بن رشد: يحتمل أن يكون معنى ما سأله عنه: من اشترى العبد رقبة أن يشتريه لعتقه في رقبة واجبة عليه، أو عمن أوصى بذلك إليه بأن يقول للبائع: بعني هذا العبد أعتقه في رقبة واجبة علي، أو في وصية فلان، ويحتمل أن يكون اشتراه ينوي ذلك فيه ولم يعلم بذلك البائع،

مسألة: يجدون الرقبة الرخيصة بالثمن اليسير يعتقها أهلها على أن ولاءها للذين يبيعونها

فأما إن كان اشتراه ينوي ذلك فيه دون أن يعلم بذلك البائع، فلا إشكال في أن له أن يبدله بخير منه، وأما إن كان أعلم بذلك البائع، فإعلامه بذلك عدة منه له بعتقه، وقد اختلف في ذلك، فقيل: إن العدة بخلاف الشرط، فلا يلزم المبتاع، ولا يكون للبائع في ذلك كلام، حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة عن مالك نحو هذه المسألة، فعلى هذا القول يكون للمشتري أيضا أن يبدله بخير منه، وقيل: إن العدة في ذلك كالشرط ولا يلزم المبتاع العتق إلا أنه يكون البائع بالخيار بين أن يسترجع أو يدعه، وهو قول مالك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، فعلى هذا القول لا يكون للمشتري أن يبدله بخير منه إلا برضى البائع، وأما إذا اشتراه بشرط على أن يعتقه، فقيل: إن العتق يلزمه وهو قول أشهب، خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة والعتبية، فقوله في هذه الرواية: إلا أن يكون اشتراه بشرط العتق يأتي على قول أشهب: أن العتق يلزمه، والذي يأتي في ذلك على قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وسماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع من العتبية أن له أن يبدله بخير منه برضى البائع، وأما إن كان اشتراه على إيجاب العتق، فلا اختلاف في أن ليس له أن يبدله بخير منه؛ لأن العتق قد وجب له، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: يجدون الرقبة الرخيصة بالثمن اليسير يعتقها أهلها على أن ولاءها للذين يبيعونها] مسألة وقال مالك: استشارني هؤلاء الذين يقسمون الخمس، وذكروا أنهم يجدون الرقبة الرخيصة بالثمن اليسير يعتقها أهلها على أن ولاءها للذين يبيعونها، فقلت: لا، ولكن اشتروها- وإن أغليتم- على أن ولاءها للمسلمين. قال محمد بن رشد: كذا وقع في هذه الرواية الذين يقسمون الخمس، وحكاها ابن المواز: الذين يقسمون الزكاة، والحكم في ذلك سواء؛ لأن ما يعتق من الخمس أو من الزكاة، فولاؤه للمسلمين واشتراط

: كانت تبيت مع عمها في سطح وبينهما ستر فنزل عنها عمها

البائعين لها، أن يكون الولاء لهم شرط باطل لا يحل ولا يجوز، ولا ينفذ إن وقع؛ لنهي رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه وإبطاله له- بقوله في حديث بريرة: «ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله، فهو باطل- وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق» فقول مالك: لا، ولكن اشتروها وإن أغليتم على أن ولاءها للمسلمين، معناه: لا يشتروها على أن ولاءها للذين يبيعونها، فإن ذلك لا يجوز ولا يلزم، ولكن اشتروها بغير شرط، فيكون ولاؤها للمسلمين؛ لأنها اشتريت من مال المسلمين. هذا معنى قوله: لأنه أمرهم أن يشتروها بشرط أن يكون ولاؤها للمسلمين؛ لأن الحكم يوجب ذلك وإن لم يشترطوه، ويحتمل أن يكون أراد بقوله على أن ولاءها للمسلمين أن يعلموهم أن اشتراط الولاء لا ينفعهم، وأن الولاء للمسلمين على كل حال، يشترون منهم على هذا، ولا يغرونهم بأن يشتروا منهم على أن الولاء لهم، وذلك لا يصح لهم، والله الموفق. [: كانت تبيت مع عمها في سطح وبينهما ستر فنزل عنها عمها] ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته وسئل مالك: عن امرأة كانت تبيت مع عمها في سطح- وبينهما ستر، فنزل عنها عمها، فقالت: لم نزلت عني؟ فقال: أكره أن أضيق عليك، فقالت: ما تضيق علي، فأبى، فقالت: كل مملوك لي حر إن لم تبت معي في السطح، فمرض عمها فأنزل من السطح إلى الكن، قال مالك: تنزل فتبيت معه حتى تسأل وتثبت، كأنه لم يره عليها بالواجب، قال ابن القاسم: ليس عليها شيء، وإنما أرادت

وجه الضيق لنزوله عنها، ولم ترد ناحية المرض. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة، أنها حلفت أن يبيت معها في السطح مدة، ما وقتتها وسمتها، أو أرادتها ونوتها، كانقضاء المصيف ونحوه مما جرت العادة فيه بالمبيت في السطوح، فحمل ابن القاسم يمينها على البساط الذي خرجت عليه يمينها، من أنها إنما كرهت أن يترك المبيت معها في السطح، من أجل التضييق عليها، فلم ير عليها حنثا، إذ لم يترك المبيت معها من أجل التضييق عليها، وإنما تركه من أجل المرض، وهو المشهور في المذهب أن يمين الحالف إذا لم تكن له نية تحمل على بساط، ولا تحمل على مقتضى اللفظ إلا عند عدم البساط- على ما قاله مالك في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق في (مسألة المغيب، وقيل: إن يمين الحالف إذا لم تكن له نية، يحمل على ما يقتضيه اللفظ، ولا يراعى البساط، وهو قول مالك في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك، وقاله في سماع سحنون في كتاب الأيمان بالطلاق في) مسألة البالوعة، ولهذا الاختلاف توقف مالك في هذه المسألة، فقال: تنزل وتبيت معه حتى تسأل وتثبت، وقوله: كأنه لم يره عليها بالواجب، يريد نزولها ومبيتها معه في غير السطح، وكذلك هو غير ظاهر؛ لأنها إنما حلفت أن يبيت معها في السطح، فإما أن يحمل يمينها على البساط، فلا يكون عليها شيء كما قال ابن القاسم، وإما أن يحمل على اللفظ، فتكون قد حنثت إذا لم يبت معها في السطح؛ لأنها عمت ولم تستثن مرضا ولا غيره، ووجه قوله: تنزل فتبيت (معه) لاحتمال في أن تكون إنما كرهت مفارقته لها في المبيت، فإذا لم

مسألة: نذرت إن تسرر عليها زوجها فكل مملوك لها حر لوجه الله

تفارقه فيه، لم يكن عليها حنث، وليس ذلك ببين، وبالله التوفيق. [مسألة: نذرت إن تسرر عليها زوجها فكل مملوك لها حر لوجه الله] مسألة وسئل مالك: عن امرأة نذرت إن تسرر عليها زوجها، فكل مملوك لها حر لوجه الله، أو تزوج عليها إن أتيت مني ما يأتي الرجل من امرأته، فتسرر، فقالت: لا يحنثني في يميني وأنا راضية بأن لا تأتيني، فرضي بذلك الزوج ورضيت به، قال: لا أرى عليها في يمينها شيئا، وأرى ذلك صوابا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن ذلك جائز إذا رضيا به جميعا؛ لأن الوطء حق لكل واحد منهما على صاحبه، فلو لم يرض الزوج بذلك، لكان له تحنيثها بالوطء، ولو رضيت هي بالحنث ورجعت عما كانت رضيت به من أن تبقى معه على غير جماع، لكان ذلك لها على ما قال، في المدونة في التي قالت لزوجها أن يتزوج عليها ويجعل أيامها لصاحبتها ثم شحت بعد ذلك، أن لها الرجوع في حقها من القسم، وكذلك لو رجع هو وأراد وطئها بعد أن كان رضي بالمقام معها على غير وطء، كان ذلك له، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري العبد رقبة ثم يريد أن يبدله بخير منه] مسألة قال: وسئل مالك عن الرجل يشتري العبد رقبة، أيستقيل منه؟ قال: نعم، إلا أن يكون اشتراه على أنه حرفي العتق، فلا يستقيل منه. قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة على قياس ما مضى

مسألة: أعتق الرجل عبده عند موته ولم يكن له في المنظرة ارتفاع قيمة

بيانه في الرسم الذي قبل هذا في الذي يشتري العبد رقبة ثم يريد أن يبدله بخير منه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق الرجل عبده عند موته ولم يكن له في المنظرة ارتفاع قيمة] مسألة قال مالك: ينبغي للورثة إذا أعتق الرجل عبده عند موته ولم يكن له في المنظرة ارتفاع قيمة، وكانت له مخبرة ترتفع بها قيمته، أن يبينوا ذلك عندما يقوم. قال محمد بن رشد: بيان ما ترتفع به قيمة العبد الموصى بعتقه عند التقويم للورثة لا عليهم، فلو قال: لهم أن يبينوا ذلك وليس عليهم أن يكتموه، لكان أبين، إذ هو الذي أراد، وكذلك قال في سماع موسى بن معاوية من كتاب الوصايا: أنه يقوم على خيره وبصره وأمانته، ولا يحل لأهله كتمان ذلك منه، ومثله أيضا بمعناه في رسم الوصايا من سماع أشهب من كتاب الوصايا، وذكره أيضا في الرسم الذي بعد هذا من هذا الكتاب، وبالله التوفيق. [مسألة: نعت في كل شهر مرة أيعتق في الكفارات] مسألة وسئل: عن الذي نعت في كل شهر مرة، أيعتق في الكفارات؟ قال: لا، هذا مصاب. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه من العيوب المفسدة الفادحة، فلا تجوز في الرقاب الواجبة، وبالله التوفيق.

مسألة: حلف بعتق جارية له إن لم يبعها

[مسألة: حلف بعتق جارية له إن لم يبعها] مسألة وسئل: عن رجل حلف بعتق جارية له- إن لم يبعها، قال: لا يطؤها ولا يتصدق بها ولا يهبها حتى يبيعها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه فيها على حنث، فلا يجوز له وطؤها؛ لأنه لا يبر إلا ببيعها، وإن تصدق بها أو وهبها، ردت الصدقة والهبة وأقرت في يده، فإن لم يبعها حتى مات، عتقت في ثلثه على ما في المدونة وغيرها، من ذلك ما وقع في رسم بع، ورسم باع شاة من سماع عيسى، وفي غيره من المواضع، وبالله التوفيق. [: حلف بعتق ما يملك في مال له أراد بيعه ألا ينقصه من مائتي دينار] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل مالك: عن رجل حلف بعتق ما يملك في مال له أراد بيعه ألا ينقصه من مائتي دينار، فباعه بمائتي دينار، ثم إنه وضع له بعد ذلك، فأرسل إلى مالك فيه الأمير، فقال: إن وضع له في مجلسه، فأرى أن قد وقع عليه الحنث، وإن وضع له بعد يومين أو ثلاثة، فأحلفه بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد إلا عقد البيع، وما هذا الذي أردت بألا أضع، فإن حلف لم أر عليه شيئا. قال محمد بن رشد: أوجب عليه مالك الحنث إذا وضع له من الثمن في مجالسه، إما لأنه لم يصدقه في أنه إنما وضع عنه بنية حادثة له بعد أن باع بما-حلف عليه؛ لأن العتق مما يحكم عليه فيه، وإما؛ لأنه حنثه بالمعنى؛ لأن الحالف ألا يبيع سلعته إلا بكذا، إنما مقصده الانتفاع بالثمن بعد تقرره له عليه، فإذا رده إليه في المجلس أو وضعه عنه؟ فكأنه لم يبع

مسألة: العبد يعتق والعبد زراع وهو بموضعه أرفع في القيمة

به، إذ لم يتقرر له عليه، ولا قبضه ولا انتفع به، وهذا هو الأظهر من مراده، بدليل ما يأتي له في رسم صلى نهارا بعد هذا من هذا الكتاب، وبدليل ما في رسم الجنائز من سماع أشهب من كتاب النذور؛ لأنه اتقى عليه الحنث في ذلك، ويمينه بما لا يحكم عليه فيه، وصدقه مع يمينه بعد البيع باليومين والثلاثة أنه إنما أراد ألا يضع عنه في عقد البيع، ولم يرد ألا يضع عنه بعد ذلك شيئا، ولو كانت يمينه مما لا يحكم عليه بها، لصدق دون يمين، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يعتق والعبد زراع وهو بموضعه أرفع في القيمة] مسألة وسئل مالك: عن العبد يعتق والعبد زراع، وهو بموضعه أرفع في القيمة، وإن جلب إلى الفسطاط وذكر منه عمله، لم يكن له من القيمة كقدره في موضعه، أين ترى أن يقوم؟ قال: أرى أن يقوم في موضعه الذي كان فيه. قال محمد بن رشد: هذا يبين قوله في الرسم الذي قبل هذا ويكشف عن معناه- حسبما بيناه، وبالله التوفيق. [: قال لصاحبه كل مملوك لي حر إن لم أطل هجرانك] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل: عن رجل قال لصاحبه: كل مملوك لي حر- إن لم أطل هجرانك، فأقام أياما ثم أراد أن يكلمه، قال مالك: لا أرى أن يكلمه سنة. قال محمد بن رشد: في المبسوطة لمالك أنه لم يسم شيئا، إلا أنه

حلف ليهجرنه، فإنه يهجره شهرا، وهو على قياس قوله في هذه: أنه يهجره سنة- إذا حلف أن يطيل هجرانه- وهو قول ابن كنانة، وابن الماجشون يقول: إنه إن حلف ليهجرنه (أنه) يبر بثلاثة أيام، وإن حلف ليطيلن هجرانه يبر بالشهر ونحوه، واختلف في ذلك قول ابن القاسم فله في كتاب الرهون من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، مثل قول ابن الماجشون؛ لأنه قال فيه: إنه يبر بثلاثة أيام إذا حلف على الهجران- ولم يعم شيئا، فعلى قياس قوله إذا حلف ليطيلنه، أنه يهجره شهرا ونحوه، وحكى عنه ابن حبيب أنه لا يبر إذا حلف ليهجرنه إلا بشهر ونحوه، فعلى قياس ما حكى عنه إذا حلف ليطيلنه لا يبر إلا بالعام ونحوه، مثل قول مالك، وقول ابن الماجشون، وما في العتبية لابن القاسم أظهر؛ لأنه إذا لم يسم شيئا، كان الوجه في ذلك أن يبر بأكثر ما يجوز الهجر إليه- وهو الثلاثة الأيام- على ما جاء في الحديث من أنه لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام. وإذا حلف ليطيلنه بر بالحد الذي اعتزل فيه رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أزواجه إذ هجرهن وهو المشهور، ومن قال: إنه لا يبر إذا لم يسم شيئا إلا بالشهر اعتبارا باعتزال النبي عليه السلام أزواجه شهرا لم يبر إذا حلف ليطيلنه إلا بالعام؛ لأنه حد في أشياء كثيرة من الأحكام، وروى يحيى عن ابن القاسم أنه إن أطال هجرانه- ولم يتم السنة فلا حنث عليه، (قال) : وليس الشهر والشهران والثلاثة والخمسة والستة بطول، وكأنه رأى ذلك في الثمانية، وبالله التوفيق.

مسألة: استأذن سيده في عتق عبد له فأذن له بعتقه

[مسألة: استأذن سيده في عتق عبد له فأذن له بعتقه] مسألة قال ابن القاسم: كل عبد استأذن سيده في عتق عبد له فأذن له بعتقه من مكاتب، أو أم ولد، أو مدبر، أو عبد- لا تدبير فيه، أو معتق إلى أجل، فما كان من ذلك ما لو شاء السيد أن يأخذ ماله أخذه، فذلك إذا استأذن سيده في عتق عبد فأذن له، فأعتق ثم أعتق بعد ذلك، لم يرجع إلى العبد المعتق من ولائه شيء، وكل ما كان من ذلك ما لو شاء سيده أن يأخذ ماله لم يأخذه، فذلك إذا استأذن سيده في عتق عبد له فأعتقه ثم أعتق العبد بعد ذلك، فذلك يرجع إليه ولاء ما أعتق ومن ذلك المكاتب لا يأخذ ماله، والمعتق إلى أجل إذا قرب عتقه، لم يكن لسيده أن يأخذ ماله، والمدبر وأم الولد إذا مرض سيدهما، فهذا الذي إذا أذن لهم سيدهم في عتق، رجع إليهم الولاء إذا أعتقوا، وأما إذا كان إذنه ذلك في مدبره وأم ولده- وهو صحيح، والمعتق إلى أجل في طول الزمان الذي يأخذ فيه مال المعتق، فإنما أذنه ههنا لنفسه لا لأم الولد، ولا للمدبر، ولا لمعتق إلى سنين من ولايتهم شيء؛ لأنه كان ينتزع أموالهم ولا يمنع منها، وإنما أذنه لنفسه، وإن أعتق مدبر عبدا له في صحته من سيده، أو أم ولد، أو معتق إلى أجل، أو عبد ليس فيه تدبير ولا عتق بغير علم السيد، فلم يعلم السيد بذلك حتى عتق العبد، أو أم الولد، أو المدبر، أو المعتق إلى سنين، فولاء ما أعتقوا لهم، وعتقهم جائز، ولا يردون ذلك إذا كان سيدهم لم

يعلم بذلك ولم يرده، وإن علم فرده ثم عتقوا بعد ذلك، لم يلزمهم عتق ما أعتقوا، وكانوا رقيقا لهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف أحفظه- في شيء من الوجوه المذكورة فيها؛ لأن إذن السيد لعبده الذي له أن ينتزع ماله في أن يعتق عبده، وإجازته لعتقه إذا أعتقه من غير أن يستأذنه، كما لو أعتقه هو؛ لأن عتقه إياه انتزاع منه له، فوجب أن يكون الولاء له، ولا يرجع إلى العبد، إن عتق- ولو لم يعلم السيد بعتقه، أو علم فلم يقض برد ولا إجازة حتى عتق، لنفذ عليه العتق، ولا أعرف في هذا النص خلافا، وقد يدخل فيه الخلاف بالمعنى، إذ قد قيل في فعل المرأة فيما زاد على الثلث، أنه على الرد حتى يجاز، (وهو في هذا) أحرى أن يكون على الرد حتى يجاز؛ لأن تحجير السيد على عبده، أقوى من تحجير الزوج على امرأته، وهذا إذا بقي العبد بيده حتى يعتق، وأما إن فوته من يده قبل أن يعتق ببيع أو هبة، فلا يرد- قاله في الاعتكاف من المدونة في الصدقة، والعتق مثله، إلا أن يفرق بينهما بحرمة العتق، وهو يعيد، وأما إن رد السيد عتقه ثم أعتق هو، فلا يعتق عليه وإن كان بيده قولا واحدا لا يدخل فيه الاختلاف الذي في الزوجة تعتق عبدها- وهو أكثر من الثلث، فيرده الزوج ثم يموت عنها أو يطلقها- وهو في يدها، وأما إذا أذن لعبده أن يعتق عبده في حال ليس له فيها أن ينتزع ماله من مكاتب، أو معتق إلى أجل قد قرب أجل عتقه، أو مدبر، أو أم ولد مرض سيدهما، أو أجاز عتقه في تلك الحال، فولاؤه له ما لم يعتق، فإن عتق أدى إلى كتابته إن كان مكاتبا، أو بانقضاء الأجل إن كان معتقا إلى أجل أو

مسألة: اختلف هو وامرأته فحلف بعتق جاريته إن لم يتزوج عليها

بموت السيد إن كانت له أم ولد أو مدبرة فحملها الثلث، رجع الولاء له، وكذلك إذا علم بعتقه، فلم يقض برد ولا إجازة، واختلف فيما أعتق المدبر في مرض السيد بإذنه إذا صح من مرضه ثم مات، فيعتق في ثلثه؟ فقيل: يرجع إليه الولاء، وقيل: لا يرجع إليه؛ لأن السيد لما صح كان للسيد انتزاع ماله، فصار كالعبد بإذن سيده (ولم يختلفوا في المكاتب يعتق بإذن سيده) ثم يعجز فيعتقه سيده، أن الولاء لا يرجع إلى المكاتب، ولا فرق بين المسألتين في المعنى، وأما إن رد السيد عتقه ثم ثبتت حريته بعد بأداء الكتابة إن كان مكاتبا أو انقضاء الأجل إن كان معتقا إلى أجل أو موت السيد إن كانت أم ولد أو مدبرة فحملها الثلث- والعبد بيده لم يفوته قبل، فيتخرج ذلك على الاختلاف في الزوجة تعتق عبدها- وهو أكثر من الثلث فيرد الزوج عتقها ثم يموت عنها، أو يطلقها وهو في يدها لم تفوته؛ لأن تحجير السيد على هؤلاء أضعف من تحجيره على عبده الذي ليس فيه عقد عتق، فهو يشبه تحجير الزوج على امرأته، وبالله التوفيق. [مسألة: اختلف هو وامرأته فحلف بعتق جاريته إن لم يتزوج عليها] مسألة وسئل: عن رجل كانت بينه وبين امرأته منازعة في جارية له، فحلف بعتق جاريته إن لم يتزوج عليها إلى سنة، فمكثت المرأة عنده تسعة أشهر، ثم إنها ماتت ولم يتزوج، أترى عليه في الجارية حنثا؟ قال: لا حنث عليه وهو على بر، إنما هو بمنزلة رجل حلف بعتق رقيقه ليقضين فلانا حقه إلى أجل سماه، فمات الرجل قبل

مسألة: عبد كان بين اثنين فقال أحدهما للغلام قد وهبت لك نصيبي منك

الأجل، فهو (على بر) ولا حنث عليه فيهم. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الحالف بعتق عبده ليفعلن فعلا إلى أجل، هو على بر إلى ذلك الأجل- إن مات هو أو مات العبد قبل الأجل، لم يكن عليه شيء باتفاق، وكذلك يبر باتفاق إن ماتت الزوجة التي حلف ليتزوجن عليها قبل الأجل، كمن حلف بعتق عبده ليضربن فلانا إلى أجل فمات فلان قبل الأجل، لا حنث عليه باتفاق، إذ لا يمكن أن يتزوج عليها بعد موتها، ولا أن يضرب الرجل بعد موته، فالمسألة أبين من الحجة؛ لأن الذي يحلف ليقضين فلانا حقه إلى أجل، يمكنه قضاء الورثة، فإن كان قصد بيمينه إبراء ذمته من الدين، فلا يبر إلا بقضاء الورثة قبل الأجل، وإن كان إنما أراد عين المحلوف عليه ليقضينه إلى الأجل، فلا حنث عليه إذا مات قبل الأجل، كالزوجة التي حلف ليتزوجن عليها إلى أجل، فماتت قبل الأجل، فحمل يمينه على ظاهر اللفظ من أنه أراد عين المحلوف عليه. والأظهر أن يحمل إذا لم تكن له بينة على أنه إنما أراد إبراء ذمته من الدين، فلا يبر إلا بقضاء الورثة قبل الأجل- حسبما ذكرناه في هذا الرسم من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، ولا اختلاف في أن الجارية التي حلف بحريتها إن لم يتزوج على امرأته إلى ستة- مرتهنة بيمينه، ليس له أن يبيعها حتى يبر بالتزويج عليها قبل الأجل أو بموتها، واختلف هل له أن يطأ الجارية أم لا؟ على قولين في المدونة وغيرها، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد كان بين اثنين فقال أحدهما للغلام قد وهبت لك نصيبي منك] مسألة وسئل: عن عبد كان بين اثنين، فقال أحدهما للغلام: قد وهبت لك نصيبي منك، قال: أرأيت لو كان لأحدهما؟ فقال: قد وهبتك

مسألة: أن بلالا قال لأبي بكر لما ولي ائذن لي أن أخرج إلى الشام

لنفسك، فكأنه يقول: هو عتق، فكان شأنه عنده شأن ما يعمل به في العتق، قال ابن القاسم: وذلك رأيي، ووجهه ما سمعنا من قول مالك: إذا وهب له شقصا منه، عتق وقوم عليه ما بقي (لأن ولاءه له قال: وهو رأي سحنون. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من أن الرجل إذا قال لعبده: قد وهبت لك نفسك إنه حر- قبل العبد أو لم يقبل، وأنه إذا وهبه نصفه أعتق عليه كله، وكذلك إذا وهبه نصيبه منه، عتق وقوم ما بقي عليه، وفي قوله) : لأن ولاءه له، دليل على أنه إنما أعتق على العبد لا عليه- وهو مذهبه؛ لأنه يقول للذي يوصي لعبده بجزء منه: أنه يعتق على نفسه في ماله إن كان (له) فكان القياس على هذا أن يقوم على نفسه في مال إن كان له لا على سيده، ووجه قوله: إنه يقوم على سيده، هو أن السيد يتهم أنه أراد بما فعل من هبة حظه منه له أن يعتق حظه ولا يقوم عليه حظ شريكه، ومذهب ابن وهب أن الجزء الموهوب له منه يعتق على سيده لا عليه، فلا إشكال على مذهبه في وجوب تقويمه عليه، وقد مضى بيان هذا المعنى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق. [مسألة: أن بلالا قال لأبي بكر لما ولي ائذن لي أن أخرج إلى الشام] مسألة قال: وقال مالك: بلغني أن بلالا قال لأبي بكر لما ولي: ائذن لي أن أخرج إلى الشام في الجهاد، فقال له أبو بكر: لا، فقال له بلال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله فخل سبيلي؟ فقال له أبو بكر: قد خليتك.

مسألة: أعتقت المرأة ثلث خادم لها وهي ذات زوج

قال محمد بن رشد: أراد أبو بكر - والله أعلم- أن يحبسه للأذان كما كان عليه في حياة النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلا ينتقل عن مرتبته في ذلك، فإنما أراد بحبسه النظر له في ذلك وللمسلمين لا لنفسه، فلما اختار الجهاد وألح عليه فيه، أذن له في الخروج، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتقت المرأة ثلث خادم لها وهي ذات زوج] مسألة قال مالك: إذا أعتقت المرأة ثلث خادم لها- وهي ذات زوج- وليس لها مال غيرها، جاز ذلك عليها، وإن كره زوجها؟ قال ابن القاسم: ولا يعتق عليها إلا الثلث إذا كره زوجها، ولو أعتقتها كلها وليس لها مال غيرها ولم يجز ذلك الزوج، لم يجز منها ثلث ولا غيره، قال مالك: وذلك من الأضرار. قال محمد بن رشد: قوله: جاز ذلك عليها وإن كره زوجها، معناه أن الثلث الذي أعتقه يجوز عتقه، أجازه الزوج أو لم يجزه، فإن أجازه عتق عليها جميع الخادم، وإن لم يجزه، لم يعتق منها إلا الثلث- كما قال ابن القاسم، فهو مفسر لقول مالك هذا في روايته عنه، وقال أشهب وابن الماجشون إن لم يجزه ورده، لم يعتق منها شيء- كما إذا أعتقت جميعها، وروياه عن مالك، فقولهما وروايتهما على قياس القول في أن من أعتق بعض عبده يجب عليه عتق جميعه بالسراية، وقول ابن القاسم وروايته عن مالك في هذه الرواية، على قياس القول بأنه لا يعتق باقيه حتى يعتق عليه، فإن أجاز فعلها عتق عليها باقيه، وإن لم يجز فعلها، لم يعتق فيها إلا الثلث الذي أعتقت، وفي ذلك من قوله نظر؛ لأن عتق الثلث يعيب الثلثين، فإذا أنفذ لها عتق الثلث، فقد جاز قضاؤها في أكثر من ثلث مالها، ولا اختلاف فيما قاله ابن القاسم إنها إذا أعتقت جميعها فلم يجزه لم يعتق منها شيء، من أجل

مسألة: حلفت على ابنتها إن صاحبتها في سفر فكل مملوك لها حر لوجه الله

تبعيض العتق، وإنما اختلف إذا قضت بأكثر من الثلث فيما عدا العتق، فابن القاسم يقول: إن للزوج أن يرد الجميع، وغيره يرى أنه إنما يرد ما زاد على الثلث، وقد اختلف في المرأة ذات الزوج تدبر جاريتها ولا مال لها سواها، فروى ابن القاسم عن مالك في سماعه من كتاب المدبر أن ذلك لها، وقاله ابن القاسم ومطرف، وأباه ابن الماجشون وسحنون، وأحكام قضاء المرأة في مالها دون إذن زوجها، وقعت مفترقة في غير ما موضع من هذا الكتاب ومن غيره من الكتب، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات، فغنينا بذكره هناك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: حلفت على ابنتها إن صاحبتها في سفر فكل مملوك لها حر لوجه الله] مسألة وسئل مالك: عن امرأة حلفت على ابنتها إن صاحبتها في سفر: فكل مملوك لها حر لوجه الله، فتكارت هذه من جمال، وهذه من جمال، فكانتا تلتقيان في سفرهما، وكانتا تسيران وتتحدثان وتنزلان، ولكنهما مع جمالين مفترقين، قال مالك: لا أراها إلا وقد حنثت، قال ابن القاسم وذلك رأيي. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنهما إذا كانتا تسيران معا وتتحدثان وتنزلان جميعا في منزل واحد، فقد اصطحبتا وإن كانتا مع جمالين، ولو تكاريا من جمال واحد، فركبت كل واحدة منهما جملها ولم تسر مع صاحبتها- مصاحبة لها، ولا نزلت معها في موضع واحد لما حنثت، وإنما ينظر إلى ما جرت يمينها، فإن كان ذلك من أجل كونهما مع جمال واحد، فإذا انتقلت إلى جمال أخر فلا تحنث، وإن كان ذلك من أجل

: باع غلاما له ممن يعتقه واشترط في ذلك على الغلام بأنه لا يفارقه حتى يموت

اجتماعهما على نفقة واحدة وطعام واحد، فإذا انتقلت عن ذلك إلى أن تكون منفردة عنها في طعامها لم تحنث، وإذا لم يكن ليمينها بساط تحمل عليه ولا كانت لها نية، حنثت بكل ما يقع عليه اصطحاب، هذا الذي يأتي على أصولهم في هذه المسألة، وقد رأيت لابن دحون إنه قال في هذه المسألة: لو كانت يمينها في سفر ففارقتها وأكرت من جمال أخر، لم تحنث- وإن كانتا في رفقة واحدة، وإنما حنثها في هذه؛ لأنها حلفت وهي في الحضر ثم خرجت معها في رفقة واحدة، والرفقة كلهم أصحاب، والذي قلته وأصلته في المسألة هو أوضح، وبالله التوفيق. [: باع غلاما له ممن يعتقه واشترط في ذلك على الغلام بأنه لا يفارقه حتى يموت] ومن كتاب أوله سلف في المتاع والحيوان وسئل: عن رجل باع غلاما له ممن يعتقه واشترط في ذلك على الغلام بأنه لا يفارقه حتى يموت، قال: هذا لا ينفعه، وهذا شرط باطل، فإن عتق، ذهب حيث شاء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إذ لا يجوز للرجل أن يعتق عبده ويشترط عليه خدمة وعملا بعد العتق، وإنما اختلف إذا اشترط عليه مالا يؤديه إليه بعد العتق، مثل أن يقول له: أنت حر بتلا وعليك كذا وكذا، فألزمه مالك المال قبل أو لم يقبل، واختلف في ذلك قول ابن القاسم، فإذا وقع البيع على هذا من الشرط كان البائع بالخيار بين أن يسقط الشرط أو يسترد البيع، فإن فات البيع بالعتق، سقط الشرط على ما قاله، وبالله التوفيق.

: استدفع امرأة قرطا فصرته في خرقة

[: استدفع امرأة قرطا فصرته في خرقة] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس وسئل مالك: عن رجل استدفع امرأة قرطا فصرته في خرقة، ثم إن زوجها أصابه رمد فعالج دواء لعينه، فسألها خرقة ليجعل فيها ذلك الدواء، وناولته الخرقة ونسيت موضع القرط، فرمى بها وأقامت في التراب يومين، ثم إنه وجدها بعد ذلك فصر فيها دواء، ثم جعله في الزنفلجة وهو لا يعلم أن القرط فيها، ثم سألها عن القرط وطلبت القرط من غدوة إلى ضحوة، فغضب الرجل فقال: كل مملوك حر- إن لم يكن قد ضاع منك أو سرق، فقال: لا أرى عليه حنثا. قيل له: أرأيت يا أبا عبد الله لو كانت الخرقة لم تكن ملقاة في التراب إلا على وجه التناول ووضعها في الزنفلجة قال: أرجو ألا يكون عليه شيء- إن شاء الله. قال محمد بن رشد: الزنفلجة عند العرب: مخلاة الراعي، وقول مالك في هذه المسألة: إنه لا حنث عليه بين؛ لأنه حلف لقد ضاع القرط منها أو تلف، وهو قد ضاع منها لما صرته في الخرقة ثم نسيته ودفعت إليه الخرقة وهي لا تظن أنه فيها فرمى بها في التراب، ثم أخذها وهو لا يعلم أن القرط فيها، فظن أنه قد تلف، فحلف لقد ضاع منها أو سرق، فلما حلف لقد ضاع منها وهو قد ضاع منها وجب ألا يحنث، وإن كانت الخرقة لم تكن ملقاة في التراب إلا على وجه التناول، فهو أيضا غير حانث؛ لأن الضياع من المرأة في القرط حاصل، وقد قيل: إن قول مالك في هذه المسألة معارض لقوله في مسألة السوط من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان

: سألت زوجها أن يخبرها بكلام فأبى فقالت كل مملوك لي حر إن لم تخبرني

بالطلاق في رسم طلق بن حبيب؛ لقوله فيها: أنه حانث إلا أن تكون له نية حسبما ذكرناه هناك من تأويل قوله، والصواب الفرق بين المسألتين حسبما ذكرناه، وبالله التوفيق. [: سألت زوجها أن يخبرها بكلام فأبى فقالت كل مملوك لي حر إن لم تخبرني] ومن كتاب كتب عليه ذكر حق وقال مالك في امرأة سألت زوجها أن يخبرها بكلام فأبى، فقالت: كل مملوك لي حر- إن لم تخبرني إن كلمتك شهرا، وذهب ثم يؤامر نفسه، ثم أخبرها بعد ذلك بيوم، فقال: أرى أن تكلمه؛ لأنها كانت على البر، فإذا أخبرها- وإن افترقا من ذلك المجلس، ثم كلمته بعدما يخبرها بيوم، وإنما كان يستأمر فيه، فلا أرى عليها حنثا. قال محمد بن رشد: حمل مالك في هذه المسألة يمين المرأة على زوجها أن يخبرها بالكلام على التأخير حتى تكون لها نية في التعجيل، ولذلك قال: أرى أن تكلمه؛ لأنها كانت على بر، وذلك خلاف قول ابن القاسم في سماع أبي زيد في الذي يحلف بحرية جاريته على أخيه أن يصنع له، فصنع له بعد أن مطله أشهرا، أنه حانث؛ لأنه حمل يمينه على التعجيل حتى يريد به التأخير، والقولان في المبسوطة لمالك، قال: وسئل مالك: عن رجل حلف لرجل بطلاق امرأته البتة إن لم تعطني ثوبك هذا، فقال: إن أعطاه إياه قبل أن يفترقا، فقد خرج من يمينه، وإن افترقا ولم يعطه إياه، فقد حنث، قال ابن

مسألة: اشترى غلاما ليعتقه فقال سيد الغلام لا أبيعه إلا بستين

نافع لا حنث عليه إلا أن يكون أراد في مقامك هذا، وهو قول مالك، وكذلك اختلف أيضا إذا حلف الرجل أن يفعل شيئا، هل هو محمول على التعجيل حتى يريد التأخير، أو على التأخير، حتى يريد التعجيل والقولان بينان في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب النذور حسبما بيناه هناك، والقولان جاريان على الاختلاف في الأمر هل يقتضي الغور أم لا؟ والمشهور في الحالف على نفسه أن يفعل فعلا أنه محمول على التأخير حتى يريد التعجيل، وفي الحالف على غير مواجهة أن يفعل فعلا، محمول على التعجيل حتى يريد التأخير، من ذلك قولهم فيمن حلف بطلاق امرأته ليفعلن فعلا إنه لا يطأ امرأته حتى يفعل، ويضرب له أجل الايلاء إن طلبت امرأته الوطء، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه محمول على التأخير في المسألتين حتى يريد التعجيل. والثاني: أنه محمول فيهما على التعجيل حتى يريد التأخير. والثالث: الفرق بين المسألتين، وبالله التوفيق. [مسألة: اشترى غلاما ليعتقه فقال سيد الغلام لا أبيعه إلا بستين] مسألة وقال مالك في رجل اشترى غلاما ليعتقه، فقال سيد الغلام: لا أبيعه إلا بستين، وقال المشتري: لا آخذه إلا بخمسين، فلما رأى ذلك العبد، قال لسيده: بعني بخمسين دينارا واكتب علي العشرة ادفع إليك في كل شهر دينارا، فكتب عليه العشرة بعلم من المشتري فاشتراه بخمسين وأعتقه على هذا الشرط، أيكون للذي أعتق العبد على هذا الشرط الولاء كله، ويعجل للذي باعه سدس الولاء، قال: الولاء للذي اشتراه فأعتقه، وليس للذي باعه واشترط عليه أن يعطيه عشرة دنانير من ولائه قليل ولا كثير، وولاؤه للذي ابتاعه فأعتقه.

قال محمد بن رشد: قوله: ليس للبائع من ولاية قليل ولا كثير بين؛ لأن المشتري بالخمسين هو الذي أعتقه، فلا حق للبائع في ولائه بالعشرة التي اشترط أن يأخذها من العبد بعد عتقه، وإنما هو كمن أعتق عبده على أن يؤدي بعد العتق عشرة دنانير لرجل أخر، فليس للذي يأخذ العشرة دنانير منه مدخل في ولائه بوجه من الوجوه، وظاهر هذه الرواية أن العشرة تجب للبائع على العبد إذا كتبها عليه بعلم المشتري، وهو نص ما في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وفي العشرة ليحيى عن ابن القاسم أن العشرة تسقط عن الغلام علم المشتري ولم يعلم، قال: وإن كان باع بغير العتق، سقط عنه الغرم وفسخ البيع، إلا أن يفوت فيرد إلى القيمة، فأما سقوطها عنه إذا لم يعلم، فهو بين، إذ ليس له أن يعيب العبد الذي باعه بما كتب عليه من الدين، ومثله في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وأما سقوطها عنه إذا علم، فالاختلاف في ذلك- عندي- جار على الاختلاف في الرجل يقول لعبده: أنت حر بتلا وعليك كذا وكذا، فقول مالك في المدونة: إن المال يلزمه، وعليه يأتي قوله في هذه المسألة، وقول ابن القاسم فيها: إن المال يسقط عنه، وعليه يأتي ماله في العشرة في هذه المسألة، وقد اختلف في ذلك قول ابن القاسم في المدونة، وأما قوله في العشرة: إن البيع يفسخ إن كان باع بغير العتق إلا أن يفوت فيرد إلى القيمة، وتسقط العشرة، فمعناه إن علم المشتري واشترى على هذا؛ لأن الفساد فيه بين؛ لأنه باع عبده بستين دينارا، يتبع منها ذمة العبد بعشرة دنانير، وذلك غرر بين، وأما إن لم يعلم المشتري بذلك، فلا وجه لفساد البيع، وفي سقوط العشرة عنه إذا لم يعلم المشتري بها، واشتراه على غير العتق باختلاف، قيل: إنها لا تسقط عنه ويكون المشتري بالخيار بين أن يمسك أو يرد كعيب اطلع عليه أو هو الذي يأتي على ما في كتاب الكفالة من المدونة، وقد

: أعتقت بغير إذن زوجها جارية لها فرد زوجها عتقها

مضى بيان هذا في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق. [: أعتقت بغير إذن زوجها جارية لها فرد زوجها عتقها] ومن كتاب اغتسل على غير نية وقال مالك في امرأة أعتقت بغير إذن زوجها- جارية لها فرد زوجها عتقها، قال مالك: إن كانت الجارية تكون ثلث مالها- ولها مال تكون الجارية ثلث المال أو أقل من الثلث فإن عتقها جائز، وأما إن كانت الجارية أكثر مالها أو جله، فإن ذلك لا يجوز منها شيء إلا أن يجيز زوجها، سحنون والعتق جائز حتى يرده الزوج، ولكنه موقوف لا تجوز شهادته. قال محمد بن رشد: في الواضحة لمالك من رواية ابن القاسم عنه مثل قول سحنون: إنه جائز حتى يرده الزوج، وقال مطرف وابن الماجشون ذلك مردود حتى يجيزه الزوج، وأنكرا رواية ابن القاسم عن مالك، وقالا ذلك بخلاف ذي الدين يعتق وعليه دين، فعتقه محمول على الجواز حتى يرده الغرماء، فلا يجوز للغرماء الرد إلا من بعد بينات وإثبات، وأما الزوج فلا يكلف إثبات ما يجب له به الرد؛ لأن فعلها على غير الجواز؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجوز لامرأة قضاء في ذي بال من المال إلا بإذن زوجها» والأظهر أن فعلها محمول على الجواز حتى يرده الزوج؛ لأن الزوج إذا لم يعلم أو علم فلم يقض برد ولا إجازة حتى مات عنها أو طلقها، يلزمها ما فعلت من العتق وغيره، وينفذ عليها، هذا هو المشهور في

مسألة: حر كانت تحته امرأة ثلثها حر

المذهب، وقد ذكر ابن المواز عن بعض أصحاب مالك: أن العصمة إذا زالت والعبد في يدها تسترقه، وهو على قياس القول بأن فعلها على الرد حتى يجيزه الزوج، وقد مضى في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الصدقات القول في أحكام قضاء المرأة في مالها دون إذن زوجها- مستوفى، فاكتفينا بذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [مسألة: حر كانت تحته امرأة ثلثها حر] مسألة وسئل: عن حر كانت تحته امرأة ثلثها حر، وثلثاه رقيق، وله منها ولد ثلثه حر وثلثاه رقيق، فأراد الذين لهم فيه الرق أن يبيعوا ما لهم من الرق، فأعطوا ثمنا وأرادوا البيع من رجل، فطلب زوج الجارية أبو الغلام أن يأخذه بالذي أعطوه، قال: أرى ذلك له؛ لأنه لا يدخل على الذين باعوه مضرة؛ ولأن ذلك منفعة للذين يبتاعون الجارية وابنها؛ لأن ابنها يعتق حين يشتريه أبوه، فهو منفعة لهم، ولا أراه يدخل على الأخير ضرر، فلا أرى إلا ذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الزوج إذا أراد أن يأخذهم بالثمن الذي أعطوا بهم، فبيعهم من غيرهم بذلك الثمن إضرار بالولد في غير منفعة تصير إليهم، فلا يمكنون من ذلك، إذ لا مضرة عليهم في بيعهم من الزوج، ولا منفعة لهم في بيعهم من سواه، ولو باعوها وحدها دون ولدها، لم يكن أحق بها بما يعطي فيها، إلا أن تكون حاملا، إذ لا تكون له أم ولد إذا اشتراها، وإن كانت قد ولدت منه قبل الشراء، إلا أن يشتريها وهي حامل منه، وفي ذلك اختلاف، قد روى عن مالك: أنها لا تكون له أم ولد حتى يكون أصل الحمل بعد الشراء، وقد مضى هذا في أول رسم من سماع عيسى من كتاب النكاح، وكذا يجب في كل شيء مشترك لا شفعة فيه

: العبد المعتق نصفه فيما بينه وبين سيده

إذا باع بعض الأشراك أنصباءهم، أن يكون لمن بقي منهم أن يأخذ ذلك بالثمن الذي يعطي فيه، ما لم ينفذ العتق، وبالله التوفيق. [: العبد المعتق نصفه فيما بينه وبين سيده] ومن كتاب البز وسئل مالك: عن العبد يكون نصفه رقيقا، ونصفه حرا، كيف يعملان في خدمته؟ قال: يصطلحان على الأيام، قيل له: أفيواجره شهرا ويعمل العبد شهرا لنفسه؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: حكم العبد المعتق نصفه فيما بينه وبين سيده، حكم العبد بين الشريكين، جائز أن يختدمه هذا شهرا، وهذا شهرا- عندما لك، روى ذلك عنه ابن القاسم في المجموعة، ومثله يأتي في رسم العتق من سماع أشهب وقال ابن المواز: لا يجوز ذلك إلا في مثل الخمسة الأيام ونحوها، وبالله التوفيق. [مسألة: ضرب عبدا له بالسوط لأمر عتب عليه فيه] مسألة وسئل مالك: عن رجل ضرب عبدا له بالسوط لأمر عتب عليه فيه، فأصاب عينه ففقأها، أترى أن يعتق عليه؟ قال: لا أرى ذلك. قال ابن القاسم: وإنما يعتق في ذلك ما كان على وجه العمد، ولا يعتق في الخطأ. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يعتق العبد في المثلة، إلا أن تكون على وجه العمل الذي يكون فيه القصاص بين

مسألة: عبد نصفه حر ونصفه رقيق عتب عليه سيده في شيء صنعه

الأحرار، واختلف إن فقأ عينه، فقال السيد: أخطأت وكنت أؤدبه، وقال العبد: بل تعمد ذلك، فقيل: القول قول العبد؛ لأن العداء قد ظهر فلا يصدق السيد، وقيل: القول قول السيد؛ لأن له أن يؤدب عبده، فهو محمول على ذلك حتى يثبت القصد إلى المثلة واختلف في ذلك قول سحنون، ولو قصد إلى الضرب عمدا في غير أدب، فأصاب عينه ففقأها- ولم يرد ذلك، لجرى ذلك على الاختلاف في شبه العمد، هل فيه قصاص، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد نصفه حر ونصفه رقيق عتب عليه سيده في شيء صنعه] مسألة وسئل: عن عبد نصفه حر، ونصفه رقيق- عتب عليه سيده في شيء صنعه، أترى أن يضربه ويؤدبه؟ قال: ليس له أن يؤدبه إلا بالسلطان. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الحرية شائعة في جميعه وإن كانت الحرية تبعا للرق في جريان أحكام الرق عليه في الميراث، والشهادة، والإمامة، وسقوط الزكاة في ماله، وإن كان يملك ملكا تاما ليس لسيده انتزاعه منه، واختلف في زكاة الفطر عنه، فقيل: إنها على سيده؛ لأنه يرثه إن مات، وهو قول مالك في رواية مطرف، وابن الماجشون، وقولهما، وقول المغيرة وغيره من مشايخ المدينة، واختيار ابن حبيب، وقيل: إنها عليه وعلى سيده، وهو قول أشهب، وقيل: إن على السيد من زكاة الفطر بقدر ماله، وليس عليه هو شيء وهو قول ابن القاسم وابن وهب وروايتهما عن مالك، وقول ابن عبد الحكم وأصبغ، وبالله التوفيق. [مسألة: باع أهبا بثمن ثم انتقلها إلى منزله] مسألة وسئل مالك: عن رجل باع أهبا بثمن، ثم انتقلها إلى منزله

مسألة: استباعه عبد له فحلف بحريته ألا يبيعه

فأقامت عنده خمسة أيام، ثم جاءه يتقاضاه ثمنها فمطله، فقال: أتحب أن أقيلك منها؟ قال: نعم، قال: فارددها من حيث أخذتها، فردها، ثم حلف البائع أن عليه عتق رقبة إن كان لي عليك أن أحلف عند منبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأستحلفنك أنك ما خلطتها بشيء، قال ذلك له إن يبعه- أن يحلفه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إن له أن يحلفه إن ادعى عليه أنه خلطها، وحقق الدعوى عليه في ذلك باتفاق، وإن لم يحققها عليه فعلى اختلاف، وبالله التوفيق. [مسألة: استباعه عبد له فحلف بحريته ألا يبيعه] مسألة وسئل: عن رجل استباعه عبد له فحلف بحريته ألا يبيعه، فوهبه لبعض ذوي قرابة، أترى عليه في يمينه شيئا؟ قال: إن كان أراد ألا يفارقه فقد فارقه، فكأنه رأى إن أراد ذلك فقد حنث. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أنه كان إن أراد ألا يفارقه فقد فارقه، وفي قوله فكأنه رأى إن أراد ذلك فقد حنث- نظر؛ لأنه يتهم في إبطال الهبة بما يدعي من النية، والذي يوجبه النظر أن يصدق في ذلك إن كان لم يدفع العبد إلى الموهوب له، كمن وهب عبدا ثم أعتقه قبل أن يقبضه الموهوب له (وأما إن كان دفع العبد إلى الموهوب) ثم ادعى بعد ذلك أنه أراد إلا يفارقه، فلا يصدق في ذلك، إلا أن يصدقه الموهوب له، فإن صدقه، أعتق، وإن لم تكن له نية، حملت يمينه على، ما لفظ به من

مسألة: يعتق العبد، ويعتق أباه رجل أخر

البيع، ولم يلزمه في هبته شيء لقرابته ولا لغير قرابته، إلا أن يكون وهبه للثواب فعتق عليه، ويرد الثواب؛ لأن الهبة للثواب بيع من البيوع، وذلك على مذهب مالك فيمن قال: إن بعت عبدي فهو حر، فباعه، أنه يعتق على البائع، وأجاز في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب بعد هذا أن يهبه لمن لا يريد منه ثوابا، وكره أن يهبه لبعض أهله مخافة أن ينجر إليه منه على ذلك ثواب، وقال ابن نافع: أكره الهبة؛ لأني أخاف الدلسة في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يعتق العبد، ويعتق أباه رجل أخر] مسألة وسئل مالك: عن الرجل يعتق العبد، ويعتق أباه رجل أخر، فيكتب فلان بن فلان أو فلان مولى فلان، فقال: بل أرى أن يكتب فلان بن فلان ولا أرى أن يدع ذلك، فقيل له: فإن قال المولى: فإني أخاف أن يقطع ولائي، قال: فيكتب فلان بن فلان ويجعل فيه نفسه مولى فلان فيجمعهما جميعا، فقيل له: فالرجل المعتق الذي لا يعرف أبوه يكتب ذلك فلان بن فلان، فقال: إنهم ليفعلون ذلك، فقيل له: إن مولاه يريد ألا يدعه، وذلك إنه يقول: أني أخاف أن يقدم هذا حتى ينقطع علم أني مولاه، ويثبت له هذا النسب الذي لا يعرف، قال: إن علم ذلك منع، وإن هذه أمور إنما تكتب حين ينزل- يريد الموت. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أن الاختيار في معتق الرجل يعتق أباه رجل أخر، أن يكتب فلان مولى فلان- يجمع النسب والولاء

: عبد كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه

لكل واحد منهما، وأن المعتق الذي لا يعرف أبوه يكتب فلان مولى فلان ولا يكتب فلان بن فلان منتسبا بذلك إلى من لا يعرف أنه أبوه، لئلا ينقطع علم ولائه ويثبت له هذا النسب الذي لا يعرف، وذلك ما لا يحل له؟ وأما إن كتب فلان بن فلان ملغزا بذلك غير منتسب إلى أحد، فذلك مكروه له- حسبما يأتي في رسم نذر، وبالله التوفيق. [: عبد كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه] ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا وسئل مالك: عن عبد كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه، فلما بلغ الآخر أعتق نصيبه، قال مالك: العتق جائز والولاء بينهما، قال: ولو أنه إذ بلغ عتق صاحبه قال: لا أعتق، ولكني أطلب حقي فيه وكان صاحبه موسرا، ثم بدا له أن يعتق، لم أر ذلك له، قال مالك: إذا رد ذلك حين بلغه وقال: لا أعتق، ولكن أطلب حقي فيه، فليس له بعد ذلك أن يرجع إلى العتق، ورأى أن يعتق على الأول. قال محمد بن رشد: تقويم العبد على الموسر المعتق لحظه منه، يجتمع فيه ثلاثة حقوق: حق لله عز وجل، وحق للعبد، وحق للشريك الذي لم يعتق، (فحق الله تعالى، وحق العبد في إكمال العتق له، فليس للعبد

مسألة: كانت له جارية فحلف بعتقها إن كلم رجلا من الناس

أن يرضى بترك تقويمه- يعني أن يبقى بعضه رقيقا من أجل حق الله تعالى في إكمال حريته وحق الشريك الذي لم يعتق) في التقويم على المعتق من أجل أنه قد أعاب عليه حظه بعتقه لحظه؛ لأن ذلك ينقص من قيمته له إن تركه إن شاء- بشرط أن يعتق حظه منه من أجل حق الله عز وجل في إكمال حريته، فإذا رضي بترك حقه في التقويم وأعتق حظه، جاز ذلك وكان الولاء بينهما كما قال، ولا اختلاف في ذلك، والواجب أن يخير في ذلك ابتداء، وكذلك حكى ابن حبيب عن مالك أنه لا يقوم على الأول حتى يعرض على شريكه أن يعتق، فإن أعتق فذلك له وإن أبى قوم على الأول، واختلف إن أبى أن يعتق- واختار التقويم، ثم بدا له أن يرجع إلى العتق، فقال في هذه الرواية ومثله في المدونة: ليس ذلك له، والوجه في ذلك أنه لما ترك حقه في العتق وجب التقويم على الأول وصار حقا له لا يخرج عن يده إلا برضاه، وحكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون، وعن مالك من رواية ابن وهب، وعن ابن القاسم من رواية ابن عبد الحكم وأصبغ، أن له أن يرجع إلى العتق ما لم يقوم، ووجه هذا القول إنه رأى قوله أنا أقوم، عدة منه بذلك لم يجب بعد، فله أن يرجع عنها، وكذلك لو قال: أنا أعتق حظي ولا أقوم، ثم أراد أن يرجع إلى التقويم لم يكن ذلك له على القول الأول، وكان له على القول الثاني، إذ لا فرق ويلزم الرجوع عن التقويم إلى العتق، وعن العتق إلى التقويم، وبالله التوفيق. [مسألة: كانت له جارية فحلف بعتقها إن كلم رجلا من الناس] مسألة وسئل: عن رجل كانت له جارية فحلف بعتقها إن كلم رجلا من الناس، ثم إن تلك الجارية ولدت أولادا فكلمه بعدما ولدت، قال

إني لأستحب لولدها أن يدخلوا معها في العتق- وما هو بالبين؟ وأما الذي يحضرني الآن في رأيي فإني أرى أن يدخل ولدها معها في عتقها. قال محمد بن رشد: القياس ألا يدخل معها ولدها في العتق؛ لأنه فيها على بر، وله أن يطأ ويبيع، إلا أن قول مالك قد اختلف في ذلك، مرة كان يقول يعتق ولدها، ومرة كان يقول تعتق بغير ولدها، ولكن الذي ثبت عليه من ذلك واستحسنه على كره- أن تعتق هي وولدها على ما قاله في هذه الرواية، وفي رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى، وفي رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، ورسم العرية من سماع عيسى من كتاب الوصايا، وأما اليمين التي تكون فيها على حنث، مثل أن يحلف بعتقها ليفعلن فعلا- ولا يضرب لذلك أجلا، فالقياس أن يعتق ولدها بعتقها وهو المشهور من قول مالك، وقد روي عن مالك أن ولدها لا يدخل في اليمين- وهو قول المغيرة المخزومي، وإن ضرب أجلا ليمينه بعتقها ليفعلن فعلا فهو أخف، وفي دخول ولدها في اليمين اختلاف؛ لأن مالكا إذا رأى في أحد قوليه أن الولد يدخل في اليمين التي يكون فيه على بر، وله أن يطأ ويبيع، فأحرى أن يرى ذلك في هذه اليمين التي يمنع فيها من البيع، ويختلف في جواز الوطء له، وبالله التوفيق.

: حلف إلا يقاطع مكاتبه على مائة دينار فحلف بحريته

[: حلف إلا يقاطع مكاتبه على مائة دينار فحلف بحريته] ومن كتاب صلى نهارا وسئل: عن رجل حلف إلا يقاطع مكاتبه على مائة دينار فحلف بحريته، فإن فعل فهو حر، فقاطعه بأكثر من مائة، ثم أراد أن يقطع عنه، قال مالك: ما أحب ذلك له بحدثان ذلك ولكن لو أقام أياما، لم أر بذلك بأسا، وأكره ذلك بحدثانه. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم طلق بن حبيب القول في بيان معنى هذه المسألة، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قاطع مكاتبا بينه وبين امرأته ثم إنه دعاه بعد القطاعة فقال له لم ترض امرأتي] مسألة وسئل: عن رجل قاطع مكاتبا بينه وبين امرأته ثم إنه دعاه بعد القطاعة، فقال له: لم ترض امرأتي، فقال رجل: كان معهما جالسا- وهو يلعب- أنا أشهد أن امرأته قد أجازت، فقال: كل مملوك لي حر لوجه الله، لئن شهدت على ذلك إن لم أكسه ثوبين يعني مكاتبه، فقال: ما كنت إلا ألعب ما أشهد، قال مالك: ما أرى عليه شيئا من الثوبين ولكن يتورع ويدفعهما إن كان أمرهما يسيرا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أنه لا شيء عليه؛ لأنه لم يشهد بما قاله ولا حققه، بل أقر على نفسه أنه ما اعتقده، وإنما قاله هازلا، فلم يلزمه حنث.

: عبد نصفه حر ونصفه مملوكا أيعتق الذي له فيه الرق نصفه

[: عبد نصفه حر ونصفه مملوكا أيعتق الذي له فيه الرق نصفه] ومن كتاب نذر سنة يصومها وسئل مالك: عن عبد نصفه حر ونصفه مملوكا أيعتق الذي له فيه الرق نصفه، ويشترط نصف ماله،، قال: ليس ذلك له، وأرى أن يعتق ويقر المال بيد العبد البائع، قال ابن القاسم: وذلك أن المال للعبد المعتق كله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن العبد إذا أعتق بعضه ملك ماله، ولم يكن للذي بقي له فيه الرق انتزاعه ولا أخذ شيء منه، فإذا لم يكن له انتزاعه لم يجز له في المعتق استثناؤه؛ لأنه إنما له أن يستثني في العتق ما له أن ينتزع قبل العتق، وما يكون أحق به في البيع، وإن لم يستثنه، قال ابن المواز: قال: فلو كان بمعنى الكتابة جاز ذلك له، وقوله صحيح، وذلك مثل أن يقول له: أعتقك على أن يكون لي نصف مالك فيرضى بذلك، وأما إذا أعتقه واستثنى ماله دون رضاه، فلا يجوز ذلك له، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بعتق غلام له إن لم يقض رجلا ماله] مسألة وسئل مالك: عن رجل حلف بعتق غلام له إن لم يقض رجلا ماله، أفله أن يبيعه إذا لم يكن عنده شيء يقضيه؛ لأنه يقول: أبيع وأقضي، قال: لا أرى أن يبيعه حتى يقضيه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنها يمين هو فيها على حنث، فليس له أن يبيعه على ما في المدونة وغيرها، فإن باعه رد البيع

مسألة: حلفت في أمر لتفعلنه ودعت شركاءها إلى أن تقاسمهم

ووقف، فإن بر بالقضاء فلا شيء عليه، وإن لم يقضه حتى مات، عتق في ثلثه على معنى ما في المدونة وغيرها، وهو نص ما في رسم باع شاة من سماع عيسى بعد هذا، ومثله حكى ابن المواز عن مالك، وزاد أنه إن قضاه قبل أن يرد البيع فلا يرد، ومثل هذا في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ بعد هذا، أنه لا حنث عليه إن أوفاه حقه ويجوز البيع، وبالله التوفيق. [مسألة: حلفت في أمر لتفعلنه ودعت شركاءها إلى أن تقاسمهم] مسألة وسئل مالك: عن امرأة لها شرك في عشرة رؤوس، وحلفت في أمر لتفعلنه ودعت شركاءها إلى أن تقاسمهم حتى تأخذ من ذلك حصتها، فقاسمتهم فصار لها رأس، أترى اليمين ترجع عليها في ذلك الرأس الذي صار لها منهم، قال: نعم أرى أن ترجع عليها اليمين فيه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن حقها من العبيد الذين حلفت بحريتهم قد تميز بالقسمة فيما صار لها منهم، فوجب أن ترجع اليمين عليها فيهم، ولا تجوز لها القسمة فيهم إلا بالقرعة؛ لأنها هي التي قيل فيها: إنها تمييز حق، وأما القسمة على التراضي فلا تجوز فيهم؛ لأنها بيع من البيوع باتفاق، والبيع فيهم لا يجوز باتفاق؛ لأنها يمين هي فيها على حنث لو لم تبر حتى ماتت، لعتق حظها منهم في ثلثها، ولو كانت يمينها إلى أجل فحنثت بمضي الأجل في حياتها وصحتها قبل القسمة، لعتق عليها

مسألة: النصراني يسلم على يدي رجل فيريد أن يكتب فلان بن فلان

حظها منهم وحظ شركائها بالقسمة على الحكم فيمن أعتق شركا له في عبد، إذ لا فرق بين أن يبتدئ عتقهم، أو يحنث بالعتق فيهم، وقد قيل: إنها تقاسم أشراكها فيهم بعد الحنث، ولا يعتق عليها منهم، إلا ما صار لها نصيبها- قاله محمد بن المواز، فقيل: إنه خلاف لما في المدونة من أنه من حنث بعتق رقيقه وله أشقاص من عبيد، أنهم يعتقون عليه، ويقوم عليه بقية العبيد الذين لهم فيهم الشقوص، وقيل: إنه فرق بين أن يكون له شريك واحد في جميعهم، أو شريك في كل رأس، وبالله التوفيق. [مسألة: النصراني يسلم على يدي رجل فيريد أن يكتب فلان بن فلان] مسألة وسئل مالك: عن النصراني يسلم على يدي رجل فيريد أن يكتب فلان بن فلان، فقال: إني لأكره ذلك، وقوم يعتقون عبيدا لهم فيكتبون كذلك فيكذبون في قولهم، قال: وما يعجبني أن يفعل ذلك، قيل له: فإن النصراني يكون اسمه جريجا أو يحيى فيسمى باسم أهل الإسلام، قال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: الذي كره مالك للذي يسلم على يدي الرجل فيكون ولاؤه لجميع المسلمين، أو للذي يعتقه الرجل فيكون ولاؤه له، أن يكتب فلان بن فلان، هو أن يلغز بذلك فيكتب فلان بن عبد الله أو ابن عبد الرحمن، فيظن من سمعه أن أباه رجل من المسلمين، فكره ذلك من أجل أنه ينحو إلى الكذب فيما يظنه السامعون- وإن كان لم يكذب هو فيما قاله: من أن أباه هو عبد الله أو عبد الرحمن، وأما أن ينتسب إلى غير أبيه من أهل الكفر، أو أهل الإسلام، فهذا ما لا يحل ولا يجوز، فقد جاء الحديث

: أوصى في جوار له أن يحبسن سبعين سنة ثم هن أحرار

بالنهي عن ذلك، وإن فاعله ملعون، وأما أن يبدل الرجل اسمه باسم يختاره إذا أسلم من أسماء الإصلاح، فهذا جائز؛ لأنه لا بأس به كما قال في الرواية، وبالله التوفيق. [: أوصى في جوار له أن يحبسن سبعين سنة ثم هن أحرار] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ خرقة لفرجه وسئل مالك: عن محمد بن سليمان، وكان أوصى في جوار له أن يحبسن سبعين سنة، ثم هن أحرار، قال مالك: هو غير جائز، وأرى أن ينظر السلطان فيه، فإن رأى أن يبعن بعن، وإن رأى أن يعتقن أعتقن (وعجل عتقهن) ولا يتركن هكذا، قال ابن القاسم وهو رأيي، وسئل عنها ابن الماجشون فقال: ينظر إلى ما سمي من الأجل، فإن كان أجلا لا يبلغه أعمارهن بعد، وكان ذلك بمنزلة من أعتق عبدا بعد موته، وإن كان أجلا يبلغه أعمارهن وقفن إلى الأجل، وخرجن أحرارا إن حملهن الثلث- ثلث الميت. قال محمد بن رشد: وجه النظر الذي صرفه مالك إلى الإمام في هؤلاء الجواري اللائي أوصى سيدهن أن يعتقن بعد سبعين سنة، هو أن ينظر فمن كان لها من السن ما يعلم حقيقة أنها لا تعيش سبعين سنة، مثل أن تكون بنت أربعين أو خمسين أو ستين، فإنها تباع؛ لأنها تعلم أن العتق لا يدركها، فهي كمن أوصى لها بالعتق بعد موتها، ومن كان لها منهن من

مسألة: المملوك إذا عمي

السنين ما يمكن أن تعيش سبعين سنة مثل أن تكون بنت عشر سنين، أو بنت عشرين، فإنه يعجل عتقها، إذ لا يجوز أن تباع- ولعل العتق سيدركها، ولا أن تحبس سبعين سنة، لما في ذلك من الضرر عليها بقصد السيد إلى ذلك في ظاهر أمره، فهذا معنى ما ذهب إليه مالك - والله أعلم؛ لأنه صرف الأمر في ذلك إلى السلطان ليعمل فيه بهواه من غير نظر، وأما ابن الماجشون فرأى الحد في ذلك ما يعمر إليه المفقود على الاختلاف في ذلك من ثمانين إلى مائة في المشهور في المذهب، فمن كان سنها منهن ينتهي إلى حد التعمير وقفت، ومن كان سنها منهن لا ينتهي إلى حد التعمير ويقصر عنه بيعت، وهو القياس، إلا أنه إغراق، فالعدول عنه إلى ما قاله مالك على سبيل الاستحسان أحسن، وقد بينا وجهه، وبالله التوفيق. [مسألة: المملوك إذا عمي] مسألة وسئل مالك: عن المملوك إذا عمي أترى أن يعتق؟ قال: وكان الذي سأله سمع في ذلك شيئا، فأنكر ذلك وقال: ما علمت أنه يعتق. قال محمد بن رشد: السؤال عن هذا مثل ما في كتاب الزكاة الثاني من المدونة من السؤال على أهل البلاء من العبيد، هل يعتقون على ساداتهم لما أصابهم من البلاء نحو الجذام والعمى؟ فقال: إنهم لا يعتقون، والذي ذهب إليه من رأى أنهم يعتقون على ساداتهم، هو ذهاب الانتفاع بهم لما حل بهم من هذه البلايا شبيها بما قيل فيمن وطئ أمة له من ذوات محارمه اللائي لا يعتقن عليه فحملت منه، أنها تعتق عليه من أجل أنه لا منفعة فيها، إذ ليس له أن يستخدمها ولا يطأها- وهي لا تشبهها، وبالله التوفيق.

: حلف لرجل له عليه حق بالعتق والطلاق ليقضينه حقه أو ليرضينه منه لأجل كذا

[: حلف لرجل له عليه حق بالعتق والطلاق ليقضينه حقه أو ليرضينه منه لأجل كذا] من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب الأقضية قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك: عمن حلف لرجل له عليه حق بالعتق والطلاق ليقضينه حقه أو ليرضينه منه لأجل كذا وكذا، فأرضاه ببعض حقه لذلك الأجل، وأخره (بما بقي منه) إلى أجل أخر ولم يشترط عليه حين أكلأه إلى الأجل الآخر شيئا- طلاقا ولا غيره، أفترى عليه اليمين كما هي؟ فقال: إني أخاف ذلك وما هو بالبين، فقيل له: فإن الأجل لم يأت، أفترى أن يكلىء صاحبه؟ قال: نعم، قيل له: أترجو أن يكون ذلك مخرجا؟ قال: نعم، إني لأرجو ذلك وما هو بالبين، قال ابن نافع: لا يلزمه اليمين في التأخير الثاني إلا أن يشترط ذلك المحلوف إليه. قال محمد بن رشد: الخوف على الحالف في بقاء اليمين عليه في الأجل الثاني في هذه المسألة ضعيف؛ لأنه قد بر بإرضائه إياه قبل الأجل، فلا تبقى عليه اليمين في الأجل الثاني إلا بشرط- كما قال ابن نافع، وقد قال ابن دحون: إن قول مالك أبين من قول ابن نافع؛ لأن الحالف حلف أن يرضي غريمه وقد أرضاه بما دفع إليه عند الأجل، وبالوقت الذي جعلاه للباقي، فالرضي متعلق بسببين: بأجل الباقي، وبما دفع، فاليمين باقية عليه حتى يفي له بالباقي إلى الأجل الذي اتفقا عليه، هذا نصر قول ابن دحون - وليس ببين لما ذكرناه من أن الحالف قد بر في الأجل الأول، فلا تبقى اليمين

: الموسر يكون له أب مملوك أيشتري عليه فيعتق

عليه في الأجل الآخر إلا بشرط، وقد قيل في الذي يحلف لأقضين فلانا حقه إلى أجل- إلا أن يشاء أن يؤخره فأخره، أن اليمين لا تبقى عليه في الأجل الثاني- حسبما ذكرناه في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، فكيف بهذه المسألة التي قد بر فيها قبل، الأجل، وقد مضى في رسم سلف دينارا من سماع عيسى من كتاب النذور، القول فيما يبر به من حلف ليرضين فلانا من حقه- مستوفى، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [: الموسر يكون له أب مملوك أيشتري عليه فيعتق] ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل: عن الموسر يكون له أب مملوك أيشتري عليه فيعتق؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يحكم عليه بذلك، إذ ليس هو واجب عليه وجوب الفرائض التي تتعين في المال كالزكاة، ولكنه من الحقوق الواجبة له عليه بحق إحسانه إليه، روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» أي فيعتقه بشرائه إياه، لا أنه يكون مملوكا له حتى يستأنف له العتق، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لغريم بعتق جاريته إن لم يقضه لأجل سماه] مسألة وسئل: عمن حلف لغريم بعتق جاريته إن لم يقضه لأجل سماه فلما كان اليوم الذي ينقضي فيه الأجل باعه بتلك الدنانير جاريته، قال: لا أرى ذلك يخرجه من يمينه؛ لأن عليه العهدة حتى

مسألة: حلفت بحرية جارية لها إن باعتها

تحيض، قيل له: أرأيت إن أحاله على رجل؟ أيجزئه ذلك من يمينه؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: قوله: لأن عليه العهدة حتى تحيض، معناه: لأن الضمان منه حتى تحيض، وهذا إذا كانت رقيقة يواضع مثلها، أو كانت قد وطئها سيدها؟ وأما إن كانت من الوخش لم يطأها سيدها، فيبر بدفعها إليه في الدين قبل حلول الأجل ولو لم يبر، إذ لا عهدة فيها على ما مضى في نوازل سحنون من كتاب العيوب؛ لأنه بيع يقتضي المناجزة خوف الدين بالدين، ولا اختلاف فيمن حلف على القضاء أن لا يبر بالإحالة، وإنما يبر بالإحالة من حلف ليرضين رجلا من حقه على الشرطين اللذين ذكرناهما في رسم سلف دينارا من سماع عيسى من كتاب النذور، وبالله التوفيق. [مسألة: حلفت بحرية جارية لها إن باعتها] مسألة وسئل: عن امرأة حلفت بحرية جارية لها إن باعتها، قالت: هي حرة إن بعتها عشر سنين، ثم ندمت فأرادت بيعها، فهل لها في ذلك مخرج؟ فقال: لا، إلا أن تعتقها، أو تهبها لمن لا تريد منه ثوابا، وأما أن تهبها لبعض أهلها، فإني أكره ذلك، قال ابن نافع: أكره الهبة؛ لأني أخاف الدلسة في ذلك. قال محمد بن رشد: كره مالك أن تهبها لبعض أهلها مخافة أن ينجز إليها من قبله على ذلك ثوابا، والهبة للثواب بيع من البيوع، وأبقى ذلك ابن نافع في الهبة لأجنبي، فكرهها بكل حال، ولو تصدقت بها لم يكن للكراهية في ذلك وجه، وهذا إذا لم تكن أرادت بيمينها ألا تفارقها، ولا كان ثم بساط يدل على ذلك، ولو حلفت بحريتها إن لم تبعها إلى عشر سنين، لم يكن لها

مسألة: حلف لرجل في ذكر حق له عليه بحرية جارية له إن لم يقضه إلى أجل سماه

أن تهبها على حال، ولا أن تتصدق بها؛ لأن الحالف بعتق عبيده أن يفعل كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا، ليس له أن يبيعهم؛ لأنهم مرتهنون باليمين- قاله في المدونة وغيرها، وقد رأيت لابن دحون على هذه المسألة كلاما مختلا غير صحيح، فلم أر لذكره وجها، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف لرجل في ذكر حق له عليه بحرية جارية له إن لم يقضه إلى أجل سماه] مسألة وسئل مالك عمن حلف لرجل في ذكر حق له عليه بحرية جارية له إن لم يقضه إلى أجل سماه، إلا أن تدخل عليه عرجة في بيع جاريته التي حلف بها، فيؤخر سبعة أيام، فباعها عند الأجل فطلب منه الاستبراء، فقال له مالك: أهذه العرجة التي أردت؟ قال: نعم هذه هي التي أردت إلا أن يدخل علي في بيعها دخل، قال مالك: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، ولا أرى عليه شيئا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه لما حلف بحرية جاريته أن يقضيه حقه إلى الأجل، إلا أن تدخل عليه عرجة في بيعها، دل ذلك على أنه إنما أراد أن يقضيه حقه من ثمنها، فلما باعها وطلب منه المشتري الاستبراء، أي المواضعة، كان المعنى في ذلك، أنه أبى أن يدفع إليه الثمن حتى تخرج من المواضعة على ما يوجبه الحكم، فأشبه أن يكون هذا هو الذي خشي الحالف، ولذلك استثنى في يمينه بما استثنى، فلذلك رأى مالك أن يصدق في ذلك مع يمينه، وقد قال غيره: إنما أجيز له هذا إذا باعها لوقت يمكن فيه استبراؤها قبل أن ينقضي الأجل فيطول ذلك بها، فهذا الذي تقبل منه نيته، فأما إن تركها إلى أخر الوقت فلم يدخل عليه دخل هو أدخله على نفسه، ولم يتكلم مالك في الرواية على هذين الوجهين، وإنما تكلم على أنه باعها عند الأجل، ولم يكن بين يمينه وبين بيعه إلا أيام

: امرأة وقع لها على جاريتها شيء فقالت كل مملوك لي حر إن عفوت عنك

يسيرة لا يستبرأ في مثلها السبعة الأيام ونحوها- على ما ذكره، وقد مضى توجيه قوله في إيجاب اليمين عليه فيما ادعاه من نيته، وأما إذا باعها لوقت يمكن فيه استبراؤها فيطول ذلك بها، فتقبل منه نيته دون يمين، وإذا حلف وبينه وبين الأجل من المدة ما يستبرأ فيه فترك بيعها- إلى أخر الوقت فطلب منه الاستبراء، فلا يصدق أنه أراد ذلك؛ لأنه أمر أدخله على نفسه، فوجه يصدق فيه مع يمينه، ووجه يصدق فيه دون يمين، ووجه لا يصدق فيه، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [: امرأة وقع لها على جاريتها شيء فقالت كل مملوك لي حر إن عفوت عنك] ومن كتاب العتق وسئل مالك: عن امرأة وقع لها على جاريتها شيء، فقالت: كل مملوك لي حر- إن عفوت عنك، إلا أن يعفو عنك السلطان، فأرادت بيع رقيقها وتعفو عنه، ولا تبلغ به السلطان، فقال: ليس لها أن تبيع رقيقها في هذا الموضع، إنما حلفت لتبلغن به السلطان فلا أرى بيع رقيقها في هذا الموضع، قال أشهب: وإنما فرق بين الذي يقول كل مملوك لي حر إن ضربتك، وبين الذي يقول: إن عفوت عنك؛ لأن الذي يقول: إن ضربتك فهو على البر- أبدا حتى يضربه؛ لأنه تارك للضرب، فهذا يجوز له بيع رقيقه، وأن الذي يقول: إن عفوت عنك هو على الحنث أبدا حتى يأخذ الغير؛ لأنه تارك لأخذ الغير بأخذه، وذلك أن الذي يقول: إن عفوت عنك هو إن لم أضربك. قال محمد بن رشد: حمل مالك وأشهب في هذه الرواية يمين

الحالف على المعنى الذي ظهر من قصدها، لا على لفظها؛ لأنها أرادت بقولها: إن عفوت عنك إن لم أرفع أمرك إلى السلطان فيأخذ لي بحقي منك على ما ظهر من قصدها، وهذا يتخرج على قولين؛ لأن المعنى الذي صرف يمينها إليه مظنون ليس بمعلوم- حسبما بيناه في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب النذور، ففرق بين يمينها ألا تعفو عنه، ويمينها ألا تضربه، بأن جعل يمينها على ألا تعفو عنه على الحنث؛ لأن المعنى فيه عنده لتضربنه، ومن حلف بعتق عبده ليفعلن فعلا لا يجوز له أن يبيعه حتى يفعل ذلك الفعل، فإن مات قبل أن يفعل عتق في ثلثه، بخلاف من حلف ألا يفعل فعلا، هذا يجوز له أن يبيعه؛ لأنه على بر، فإن باعه لم يكن عليه شيء، فإن اشتراه بعد ذلك، رجعت عليه اليمين؛ لأنه يتهم أنه باع على أن يشتريه منه بشرط لتنحل عنه اليمين، فقد قيل: إنه إذا اشتراه من غير الذي باعه منه، لم ترجع عليه اليمين، وقيل: إنه إذا بيع عليه في الدين، أو اشتراه ممن بيع عليه في الدين، أن اليمين لا ترجع عليه، وهو قول أشهب، ومذهب ابن القاسم أن اليمين ترجع عليه إلا أن يعود (إليه) بميراث؛ لأن التهمة في الميراث مرتفعة على كل حال، وقول أشهب حتى يأخذ الغير، معناه حتى يأخذ جزاء الجناية عليه؛ لأن الغير القود، قال ذلك ابن لبابة، واستدل على ذلك بقول الشاعر: هلا سكتم فتخفي بعض سوءتكم ... إذ لا يغير في قتلاكم غير وقال الكسائي: الغير الدية، وجمعه أغيار. وقال أبو عمرو:

: يحلف بالعتق في غلام له ألا يحله من الحديد

الغير جمع الدية وواحده غيرة، وقال أبو عبيد: إنما سميت الدية غيرا؛ لأن القتل وجب فغير بأخذ الدية، وبالله التوفيق. [: يحلف بالعتق في غلام له ألا يحله من الحديد] ومن كتاب الأقضية الثالث وقال مالك: ما تقولون في رجل يحلف بالعتق في غلام له ألا يحله من الحديد، ولا يدخل المدينة سنة محددة ونحاه عن المدينة حتى مات على ذلك ولم تمض السنة، فأراد الورثة أن يحلوه من الحديد ويدخلوه المدينة قبل أن تتم السنة، فقال له ابن كنانة: أما هو فقد مات على البر (ولم يحلف ليجرده سنة- عاش أو مات فقد مات على البر) وصار لغيره، فليس عليهم أن يعفوا عن هذا العبد حتى تمضي السنة، فلا يباع، فيقضي دين الميت إن كان عليه دين، أو يقسم على أهل الميراث من ورثته؛ لأنه مات على البر، قال مالك: إنما يخاف على الورثة أن يكونوا في ذلك بمنزلة الميت، أرأيت إن قال: هو حر إن لم أضربه فمات قبل أن يضربه، فقال له ابن كنانة: إن هذا ليس مثله، هذا قد مات حانثا إذ مات قبل أن يضربه، ولو أراد الورثة أن يضربوه بعد الموت، لم يخرجه ذلك عن الحنث، فكما كانوا لا يقدرون على إخراجه في هذا من الحنث؛ لأنه مات على الحنث، فكذلك لا يقدرون على إحناثه بعد موته في هذا الآخر؛ لأنه مات على البر، قال مالك:

مسألة: يغيب إلى المدينة فيموت بها أيقسم ورثته بمصر ماله إذ علموا موته

أرأيت لو أنه حين مات أمر بضربه؟ فقال (له ابن كنانة: هذا له شيء، أخر فقيل له: لعلك قد قلت فيهما شيئا؟ قال: لا بعد، قال أشهب:) القول قول ابن كنانة في الوجهين جميعا. قال محمد بن رشد: لا إشكال في أن الذي حلف ألا يحل غلامه من الحديد ولا يدخله المدينة سنة، لا حنث عليه إذا مات قبل السنة؛ لأنه مات على البر، إذ لا يحنث إلا بحله من الحديد قبل السنة، ولا شيء على الورثة في حله من الحديد قبل تمام السنة على ما قاله ابن كنانة، ولم يعترض مالك عليه فيما اعترض عليه به وهو يعتقد خلاف قوله، وإنما أراد بذلك اختبار معرفته، والوقوف على صحة نظره، والله أعلم، وليس في قول ابن كنانة ولم يحلف ليجرده سنة- عاش أو مات، دليل على أنه لو حلف على ذلك لحل الورثة محله، لحنثوا ولزمهم عتقه إن حلوه قبل السنة، إذ لم يرد ذلك، وإنما أراد أنه لو حلف على ذلك، لكانت وصيته له بالعتق على شرط أن يحلوه من الحديد قبل تمام السنة، فإن حلوه منه قبل تمام السنة، خرج حرا من ثلث مال الميت، وهو الذي نحا إليه مالك بقوله: أرأيت لو أنه حين مات أمر بضربه؟ فقال له ابن كنانة: هذا له شأن أخر يريد أنه إن أوصى بذلك، كانت وصية للعبد بالعتق إن حلوه من الحديد قبل تمام السنة، فهذا معنى ما ذهب إليه مالك وابن كنانة، ووجه قولهما فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: يغيب إلى المدينة فيموت بها أيقسم ورثته بمصر ماله إذ علموا موته] مسألة وسئل: عن الرجل من أهل مصر يغيب إلى المدينة فيموت بها، أيقسم ورثته بمصر ماله إذ علموا موته، أم يؤخرون ذلك حتى يعلموا أتزوج في غيبته أم لا قال: إن شك في أمره لم يقتسم

: وقف على سبيل فحلف بعتق ما يملك إن شرب منه

ورثته ميراثهم حتى يعلموا ذلك، وإن استوقن ولم يشك فيه، قسم ماله بين ورثته. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: أنه إن شك في أمره لم يقتسم ميراثه حتى يبحث عن حقيقة ذلك، ويرتفع الشك فيه، وإن لم يشك فيه، قسم ميراثه، فهو محمول على أنه لم يتزوج في غيبته حتى يعلم أنه قد تزوج فيها، فيؤخر قسم الميراث حتى تحضر أو توكل أو يقسم لها القاضي ويوقف لها حظها، أو يشك في ذلك، فيؤخر القسمة حتى يبحث عن الحقيقة في ذلك، وبالله التوفيق. [: وقف على سبيل فحلف بعتق ما يملك إن شرب منه] ومن الأقضية قال: وسئل عن رجل وقف على سبيل فحلف بعتق ما يملك إن شرب منه (قطرة فأراد أن ينصرف، فدفعه إنسان فيه، فشك أن يكون قد دخل بطنه منه شيء) ، فقال: هو أعلم أدخل بطنه أم لا؟ قال محمد بن رشد: قوله: هو أعلم إن كان دخل حلقه أم لا، يدل على أنه حانث إن هو علم أنه دخل حلقه- وإن كان لم يشرب إلا مكرها بغير اختياره، فهذه الرواية مخالفة للمعلوم في المذهب المنصوص عليه فيه من أن من حلف ألا يفعل فعلا فأكره على فعله لا يحنث، إذ لا فرق إذا حلف ألا يشرب من السبيل بين أن يكره على الشرب منه بالضرب أو التهديد أو يصب

مسألة: جاء إلى امرأته بجاريتها يشفع لها فلما رأتها معه قالت أنت حرة

الماء في حلقه، أو يلقى في النهر فيمضي من الماء إلى جوفه، فعلى هذه الرواية لا ينتفع الحالف على ترك الفعل بالإكراه على الفعل إلا أن ينوي ذلك، كالحالف على الفعل يكره على الترك ويحال بينه وبينة، فمن قولهم: أنه لا ينتفع بذلك إلا أن ينوي، إلا أن أمنع أو أغلب، وقد مضى في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق- وجه الفرق عندهم بين الوجهين، والقياس ألا فرق بين الإكراه على الفعل والترك، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا ينتفع الحالف بالإكراه على الفعل إذا حلف على ألا يفعل، ولا على الترك إذا حلف أن يفعل، إلا أن ينوي ذلك بقلبه، أو يقوله بلفظه، وهو قوله في هذه الرواية، والقول الثاني وهو المشهور المعلوم في المذهب: أنه ينتفع بالإكراه على الفعل وإن لم تكن له نية، ولا ينتفع بالإكراه على الترك إلا أن تكون له نية، وقد مضى الفرق بينهما في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وفي غير ما موضع منه، والقول الثالث: أنه ينتفع بالإكراه في الوجهين جميعا وإن لم تكن له نية وهو القياس، إذ لا فرق فيه بين الإكراه على الفعل وعلى الترك، وبالله التوفيق. [مسألة: جاء إلى امرأته بجاريتها يشفع لها فلما رأتها معه قالت أنت حرة] مسألة وسئل: عن رجل جاء إلى امرأته بجاريتها يشفع لها، فلما رأتها معه، قالت: أنت حرة إن نفعك ممشاه، ولأجلدنك مائة، فجلدتها مائة، فولى الرجل مغضبا فقال: هي حرة من مالي إن دخلت عليك شهرا (فقالت المرأة: هي حرة إن كلمتك شهرا ثم شهرا، ثم ندمت فأرادت أن تهبها له هبة لا ترجع فيها ولا تعود إليها، قال: لا والله ما أرى ذلك، هي إنما تهبها له تفر من يمينها، فلا أرى ذلك، ثم أتى من الغد فقيل له: إن امرأة حلفت بحرية جاريتها- أما كلمت

مسألة: يموت زوجها وهي حامل ألها أن تتعجل ثمنها

ابنها شهرا) ثم ندمت، ألها مخرج تهب الجارية لابنها وتكلمه فقال: لا، ما أرى ذلك، ولكن شهر قريب، وأرى أن ينتقل عنها وتكف عن كلامه هذا الشهر، ولا تدخل فيما لا ينبغي لها ولا يصلح. قال محمد بن رشد: إنما لم ير مالك للتي حلفت بحرية جاريتها ألا تكلم زوجها شهرا- أن تهب له الجارية وتكلمه، ولا للتي حلفت بحرية جاريتها ألا تكلم ابنها شهرا أن تهب له الجارية وتكلمه مخافة الدلسة في ذلك، بأن ترد الجارية إليها بعد انقضاء الشهر، ولو صحت الهبة في ذلك، لم تحنث بتكليمه بعد ذلك، كما لو باعتها من غيره، أو وهبتها لسواه ثم كلمته، لم يكن عليه شيء؛ لأنها يمين هي فيها على بر، فلا تمنع من بيعها ولا من هبتها باتفاق، وقد مضى ذلك في رسم العتق، وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة كلاما لا يصح، فلم أر لذكره وجها، وبالله التوفيق. [مسألة: يموت زوجها وهي حامل ألها أن تتعجل ثمنها] مسألة وسئل مالك: عن امرأة يموت زوجها- وهي حامل، ألها أن تتعجل ثمنها؟ قال: لا، حتى تضع حملها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يعجل الثمن، وإن كان هو الواجب لها- وإن انفش الحمل، قال مالك في المبسوطة: فإن جهلوا ذلك فأعطوها ميراثها تم تلف المال بعد ذلك أو هلك، أو نقص، لم أر أن يرجعوا عليها بشيء مما أعطوها، قال ابن القاسم - مفسرا- لقول مالك: أما من قاسمها فلا يرجع عليها بشيء، وأما الحمل فإنه يرجع على من كان من الورثة

: عتق شركا له في عبد فلما أريد أن يقوم عليه قال إنه سارق آبق

مليئا فيقاسمهم ما في أيديهم ويتبع هو وهم- المعدمين؛ لأنهم فعلوا ما لا يجوز لهم، بخلاف الوارث يطرأ على الورثة بعد أن اقتسموا؛ لأنهم فعلوا ما يجوز لهم، ولو أعطاها الورثة والناظر للحمل ثمنها، أو صالحوها عليه، لجاز ذلك ولم يكن للورثة ولا للحمل رجوع عليها بما تلف من المال أو هلك أو نقص، وقد مضى بيان هذا في رسم مرض وله أم ولد من سماع ابن القاسم من كتاب الدعوى والصلح، وبالله التوفيق. [: عتق شركا له في عبد فلما أريد أن يقوم عليه قال إنه سارق آبق] ومن كتاب العتق قال: وسمعته يسأل عمن عتق شركا له في عبد، فلما أريد أن يقوم عليه، قال: إنه سارق آبق- وشريكي يعلم ذلك، فاستحلفوه، قال: ليس ذلك على شريكه، ولكن يسأل شريكه عما ذكر، فإن أقر له بذلك فذلك، وإن أنكر، لم يكن عليه يمين، ويقوم على المعتق صحيحا سليما. قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب عن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه أنه يقوم سليما لا عيب فيه ولا يحلف بدعواه، إلا أن يقيم شاهدا، قال أصبغ: ثم رجع فقال: بل يحلف وبه آخذ، قال القاضي: ولا وجه لإسقاط اليمين عنه إذا حقق عليه الدعوى، إلا أنه لم يجعل شركتهما في العبد خلطة- وعليه اليمين، وقال محمد بن عبد الحكم: عليه اليمين وأي خلطة أبين من هذا؟ وأما إذا لم يحقق عليه الدعوى، فينبغي أن يختلف في إيجاب اليمين عليه على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، وإن أقام شاهدا واحدا حلف مع شاهده، وكذلك قال أشهب: إنه إن أقام شاهدا واحدا حلف

مسألة: العبد بين الرجلين فيعتق أحدهما حصته منه فلا يقوم عليه حتى يموت

معه، وإن نكل حلف، وقول أشهب هو الصواب، وستأتي المسألة متكررة في أول سماع أبي زيد بعد هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد بين الرجلين فيعتق أحدهما حصته منه فلا يقوم عليه حتى يموت] مسألة وسألته: عن العبد بين الرجلين فيعتق أحدهما حصته منه فلا يقوم عليه حتى يموت، أيقوم عليه في ماله بعد موته؟ فقال: إن كان موته بحداثة العتق لم يطل ذلك ولم يؤخر حتى طال ذلك، رأيت أن يقوم عليه كله في ماله فيعتق عليه كله من رأس ماله لا يكون في الثلث يعتق عليه إذا كان ذلك من موته بحداثة عتقه، لم يطل ذلك ويؤخر. قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن المواز في كتابه عن مالك من رواية أشهب عنه، وهو خلاف معتق بعض عبده ذلك لا تتم باقيه- وإن مات بحدثانه، وهذا حق قد ثبت عليه لشريك ولم يفرط، قال: فإن طال ذلك لم يقوم قي الثلث ولا في رأس مال، وروى مطرف عن مالك في الواضحة مثل رواية أشهب، وشبيهها بالمتمتع بالعمرة إلى الحج يموت ولم يهد، فإن لم يفرط أهدي عليه من رأس المال، قاله ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، وتحصيل هذه المسألة أن تقول فيها: اختلف في الرجل يعتق شقصا من عبده، أو من عبد بينه وبين شريكه في صحته، ثم مرض قبل أن يعتق عليه بقية عبده، أو قبل أن يقوم عليه حظ شريكه، فعثر على ذلك في مرضه- على ثلاثة أقوال؛ أحدها: قول ابن القاسم

في المدونة أنه يعتق عليه بقية عبده ويقوم عليه حظ شريكه في الثلث، قيل: بعد الموت لا في المرض، وقيل: بل يحكم بالتقويم في المرض ولا يقوم حتى يموت، فإن مات أعتق في ثلثه ما بقي من نصيبه، أو ما حمل الثلث منه، وقوم فيه حظ شريكه، أو ما حمل من الثلث منه أيضا، وهو قول أصبغ، والنظر يوجب ألا يعجل تقويم نصيب الشريك في المرض إلا برضاه، إذ لا يدري هل يخرج من الثلث أم لا؟ فمن حجته ألا يقوم نصيبه إلا إلى عتق متيقن، وقيل: إنه يقوم في المرض ولا ينفذ عتقه حتى يموت، فان مات جعلت تلك القيمة في ثلثه، فإن لم يحملها الثلث، نفذ من ذلك ما حمل الثلث، وما لم يحمل الثلث، بقي رقيقا للورثة، أو الشريك الذي لم يعتق، والثاني: قول بعض الرواة في المدونة أنه لا يعتق عليه في الثلث بقية عبده، ولا يقوم عليه حظ شريكه على ما ذكرناه من الاختلاف في تعجيل التقويم أو تأخيره، ولا يعتق عليه فيه بقية عبده، واتفقوا فيما علمت أنه إن لم يعثر على ذلك حتى مات، أنه لا يعتق عليه بعد الموت بقية نصيبه، ولا يقوم عليه حظ شريكه، لا من رأس المال ولا من الثلث فيه حظ شريكه. والثالث: قول ابن الماجشون في الواضحة إنه يقوم عليه في الثلث- وهو ظاهر ما في المدونة. والثاني: أنه يقوم عليه بعد الموت حظ شريكه إن كان موته بحدثان عتق نصيبه، وهذا إذا طال ذلك، واختلف- إذا لم يطل- على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يعتق عليه أيضا بعد الموت بقية نصيبه ولا يقوم عليه حظ شريكه لا من رأس المال ولا من الثلث؛ لأن ذلك حق قد وجب لشريكه ولا يعتق عليه بقية نصيبه إن كان العبد كله له، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه في العتبية، ورواية مطرف، وابن الماجشون عنه في الواضحة. والثالث: أنه يعتق عليه بعد الموت بقية نصيبه، ويقوم عليه نصيب شريكه إن غامصه الموت، وأما التفليس فلا

مسألة: توفي وأوصى في عبد بينه وبين أخر أن مصابتي منه حر

خلاف في أنه يسقط التقويم والتتميم، وأما إن أعتق الرجل شقصا من عبده، أومن عبد بينه وبين شريكه في المرض، فلا خلاف بينهم في أن ذلك كله يكون من الثلث ما أعتق منه، وما بقي إن مات من ذلك المرض ولم يصح منه، واختلف في تعجيل التقويم في المرض على قولين؛ أحدهما: أنه لا يعجل التقويم ولا ينظر في ذلك إلا بعد الموت- وهو المنصوص في المدونة. والثاني: أنه يعجل التقويم في المرض وهو قول قائم من المدونة، وإذا عجل التقويم فيه على هذا القول لم ينفذ العتق حتى يصح أو يموت، فإن صح نفذ ذلك كله من رأس المال، وإن مات جعلت تلك القيمة في الثلث، فنفذ ذلك كله من رأس المال، وإن مات جعلت تلك القيمة في الثلث، فنفذ فيه ما حمل منها وكان الباقي رقيقا للورثة وللشريك وسواه، كان له مال، أو لم يكن، وقد قيل: إن هذا إنما يكون إذا لم يكن له مال مأمون، وأما إن كان له مال مأمون فيعتق عليه في المرض جميعه- إن كان له، ويقوم عليه فيه حظ شريكه- إن كان له فيه شريك، وهو أحد قولي مالك في المدونة، وذهب ابن الماجشون إلى أنه إذا عتق شقصا له من عبد في مرضه، لم يقوم عليه حظ شريكه في المرض، ولا بعد الموت- إن مات من مرضه ذلك ولم يصح، بخلاف إذا كان العبد كله له فأعتق بعضه في مرضه، وبالله التوفيق. [مسألة: توفي وأوصى في عبد بينه وبين أخر أن مصابتي منه حر] مسألة قال: وسمعته سأل عمن توفي وأوصى في عبد بينه وبين أخر: أن مصابتي منه حر، وأن يعتق عليه مصابة شريكه، فأبى ذلك شريكه، أترى أن تقوم عليه حصة شريكه، أو يعتق نصيبه وحده؟ فقال: نعم يعتق عليه كله بالقيمة.

مسألة: جارية بين رجلين أعتق أحدهما مصابته منها فلم يقوم عليه حتى ولدت أولادا

قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه لا ينفذ وصيته بعتق مصابة شريكه، ولا يقوم عليه إلا برضاه، روي عن سحنون أنه قال: رأيت فيه رواية لابن وهب عن مالك وهي هل أن شريكه إن أبى لا يستتم نصيب شريكه ويعتق نصيبه وحده؟ قال أبو إسحاق التونسي: والأشبه ما روى ابن وهب، ولا أدري من أين أنكرها سحنون - وهو كما قال أبو إسحاق؛ لأن القياس كان إذا أوصى بعتق حظه من العبد أن يقوم عليه بقيته في ثلثه، وإن لم يوص بذلك كما يقوم عليه حظ شريكه في ثلث إذا أعتق نصيبه منه في مرضه، فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن يقوم عليه في ثلث نصيب شريكه وإن لم يوص بذلك، وهو القياس على قول مالك في الذي يعتق حظه من العبد أن يقوم عليه بقيته في مرضه. والثاني: أنه لا يقوم عليه، وإن أوصى بذلك، إلا أن يشاء الشريك وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، وهذان القولان جاريان على قياس. والثالث: أنه لا يقوم عليه إلا أن يوصي بذلك وهو قول مالك في هذه الرواية استحسانا، وبالله التوفيق. [مسألة: جارية بين رجلين أعتق أحدهما مصابته منها فلم يقوم عليه حتى ولدت أولادا] مسألة قال: وسمعته يسأل عن جارية بين رجلين أعتق أحدهما مصابته منها فلم يقوم عليه حتى ولدت أولادا، أتقوم عليه هي وولدها؟ قال: نعم يقومون عليه جميعا، ويعتقون عليه هم وأمهم- إن كان له مال، ورواها ابن القاسم عن مالك في كتاب طلق بن حبيب. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن ولدها بمنزلتها فكما يعتق عليه مصابته من ولدها، فكذلك يقوم عليه مصابة شريكه من ولدها، كما يقوم عليه مصابته منها، وبالله التوفيق.

مسألة: جارية بين أيتام يليهم رجل وبين أمهم لهم ثلاثة أرباعها ولأمهم ربعها

[مسألة: جارية بين أيتام يليهم رجل وبين أمهم لهم ثلاثة أرباعها ولأمهم ربعها] مسألة قال: وسمعته يسأل عن جارية بين أيتام يليهم رجل وبين أمهم لهم، ثلاثة أرباعها ولأمهم ربعها، فولدت الجارية غلاما فأرسلت الأم إلى والي الأيتام: إني أريد عتق هذا الصبي، فبادر إليه ولي الأيتام فأعتقه، فلما علمت بذلك أمهم خافت أن يقوم عليه مصابتها فعهدت إلى ربعها فأعتقته وقيمته يوم أعتقته سبعة دنانير، ثم قيمة اليوم مائة دينار، فهل ترى لوليها عتق غلامنا وبأي قيمة يقوم عليه إن جاز عتقه، وأرأيت إن لم يجز عتقه أيخاف أن يقوم على أمنا كله؟ فقال: إن رد عتقه قوم على أمكم كله ولكن لم يرد عتقه، وقد أعتق وهو يغرم قيمته، فقيل له: أفرأيت إن رد أيقوم عليها كله؟ فقال: نعم إن رد عتقه قوم عليها كله ولكن لم يرد عتقه وقد أعتق هو. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على أصولهم؛ لأن من أعتق عبد من إلى نظره جاز عتقه له- إن كان له قال: ولزمته قيمته، فلما أعتق الغلام الذي بين أيتامه وبين أمهم، وجب أن يعتق عليه حظ أيتامه منه بقيمته يوم أعتقه، وأن يقوم عليه حظ أمهم منه، فمنع من ذلك عتقها هي له، فلو لم تعتق هي حظها، لعتق على ولي الأيتام بقيمته يوم يقوم عليه، ولو لم يكن لولي الأيتام مال لما جاز عتقه لحظ أيتامه من العبد، ولوجب أن يرد ويقوم على الأم التي أعتقت حصتها منه بقيته يوم يقوم عليه وقد ذكر ابن المواز هذه المسألة من رواية أشهب عن مالك بمعنى ما قلناه،

مسألة: أوصى فقال ثلث غلامي هذا حر

فقال: وإن أعتق ولي الأيتام عبدا- لأمهم ربعه، وباقيه لهم، جاز عتقه وغرم القيمة (لها) ولهم، قال محمد: إن كانت قيمته يوم العتق عشرة، وقيمته يوم قيام الأم مائة، أدى قيمة حصة الأيتام على عشرة وأدى للأم على حساب مائة يوم قيامها، وذكر ابن المواز أن أشهب روى عن مالك: أن عتق الأم مملوك ابنهما جائز إذا كان لها مال، قال محمد: وكانت وصية، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال ثلث غلامي هذا حر] مسألة قال: وسمعته يسأل عمن أوصى فقال: ثلث غلامي هذا حر، فقال: لا يعتق منه إلا ثلثه، وثلثاه رقيق، فقيل له: لا يعتق كله؟ فقال: لا فقيل: أفرأيت لو قال- وهو صحيح-: ثلثك حر، قال مالك: يعتق عليه كله، ليس عتقه ثلثه في وصيته بمنزلة عتقه ثلثه في الصحة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة لا أعرف فيها نص خلاف، ويدخل فيها الاختلاف بالمعنى، إذ قد قيل فيمن أعتق شقصا من عبد له: أنه يعتق عليه جميعه بالسراية، فيجب على قياس هذا القول- إذا أوصى بعتق ثلث عبده- أن يعتق جميعه إذا حمله الثلث، أو ما حمل منه، وبالله التوفيق. [مسألة: جارية خاصمت في عتق ثلثها فخاصمت في ذلك ومرضت شهرين] مسألة قال: وسمعته يسأل عن جارية خاصمت في عتق ثلثها فخاصمت في ذلك ومرضت شهرين، فثبت ذلك لها، فأرادوا أن يتركوا لها من كل يوم ثلثه، فقال: أما من كل يوم ثلثه فلا، ولكن

مسألة: العبد الحر بعضه أينتزع منه ماله

ينبغي أن يتركوا لها من كل شهر عشرة أيام، ومن كل ثلاثة أشهر شهرا، فقيل له: أترى عليها خدمة ما مرضت أو خاصمت؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم البز من سماع ابن القاسم نحو هذا في مقدار ما يقتسمون عليه الخدمة، وإنما قال: إنهم ليس لهم أن يتركوا لها من كل يوم ثلثه؛ لأن ذلك من التضييق عليها، ولو دعت هي إلى أن يكون لها من كل يوم ثلثه، لم يكن ذلك لها؛ لأن ذلك من التضييق عليهم أيضا، ولو دعت هي أو هم إلى أن يكون لها من كل ثلاثة أيام يوم، وأراد الآخر منهم أكثر من ذلك، لكان القول قول من أراد منهم أن يكون لها يوم من ثلاثة أيام، فقوله في الرواية: إنهم يتركون لها من كل شهر عشرة أيام، أو من كل ثلاثة أشهر شهرا، معناه إذا اتفقا على ذلك، وأما إذا اختلفا فيه، فالقول قول من أراد منهم أن يكون لها عشرة أيام من كل شهر، فالقول أبدا قول من دعا منهم إلى الأقل، وأن يكون لها شهر من كل ثلاثة أشهر- نهاية ما يجوز، وإن اتفقا على عدد الأيام واختلفا في التبدئة، أسهم بينهم في ذلك. وقوله: إنه لا شيء عليها لهم فيما مرضت أو خاصمت فيه صحيح؛ لأن المرض مصيبة دخلت عليهما جميعا بقدر حقوقهما، فلا شيء لواحد منهما على صاحبه، والخصام أمر ألجأهما إليه، إذ لو شاءوا لأقروا لها بحقها، فلا شيء لهم عليها (في ذلك) وبالله التوفيق. [مسألة: العبد الحر بعضه أينتزع منه ماله] مسألة قال: وسمعته يسأل عن العبد الحر بعضه، أينتزع منه ماله؟ فقال: لا ينتزع ماله من يده، ويمنع من أن يعتق أو يتصدق أو

مسألة: المعتق نصفه أله أن يتجر في أيامه التي له

يسرف، ويأكل ويكتسي بالمعروف، فإذا مات ورثه الذي له فيه الرق. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه شريك في نفسه فليس للذي فيه الرق أن يأخذ من ماله شيئا إلا بإذنه، ولا هو أن يتلف شيئا من ماله إلا بإذنه. [مسألة: المعتق نصفه أله أن يتجر في أيامه التي له] مسألة وسمعته: يسأل عن المعتق نصفه أله أن يتجر في أيامه التي له؟ قال: نعم ويطحن ويحمل على رأسه ويعمل ما شاء، فقيل: يتجر ببعض ماله الموقوف بيده التجارة المأمونة، فقال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه في حكم المأذون له في التجارة، إذ ليس للذي له فيه الرق أن يحجر عليه في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته منه واستثنى ماله] مسألة قال: وسألته عن عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته منه واستثنى ماله، فقال لي: لا أعرف في عتق العبد بين الشريكين استثناء ماله، إنما يجوز ذلك في الرجل الواحد يملك العبد كله فيعتقه ويستثني ماله، فأما إذا كان بين شريكين فأعتق أحدهما مصابته منه واستثنى ماله، فإني لا أرى ذلك له، وأرى أن يقوم عليه بماله. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن استثناء ماله انتزاع له، وهو لا يجوز له أن ينتزع شيئا من ماله من أجل شركته له في نفسه، وبالله التوفيق.

مسألة: الروم ينزلون بعض أرض الإسلام ثم يخصي بعضهم بعد نزولهم العبد من عبيدهم

[مسألة: الروم ينزلون بعض أرض الإسلام ثم يخصي بعضهم بعد نزولهم العبد من عبيدهم] مسألة وسمعته يسأل: عن الروم ينزلون بعض أرض الإسلام ثم يخصي بعضهم بعد نزولهم العبد من عبيدهم، أترى أن يعتق على خاصيه؟ فقال: لم يعتق إنما ينزلون على أنهم آمنون، لا والله ما أرى أن يعتق عليهم، أرى أنهم كأنهم خصوه في بلادهم. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على قياس قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب الجهاد، ومن كتاب التجارة إلى أرض الحرب في أن المستأمنين في بلاد المسلمين من الحربيين لا ينتزع منهم أسرى المسلمين، ولا عبيدهم المسلمون، ولا يباع عليهم من أسلم من رقيقهم، ويرجعون بذلك كله إن شاءوا خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب، وحكى أنه إجماع من مالك وأصحابه، إلا ابن القاسم من أنه بياع عليهم من أسلم من رقيقهم، ويؤخذ منهم من كان عندهم من أسرى المسلمين بقيمتهم، ولا يكون ذلك من الختر بعهودهم، فيأتي ذلك على قياس ما ذهب إليه ابن حبيب في هذا إنهم يعتقون عليهم إذا خصوهم، كما يعتق على المعاهد عبده إذا خصاه- على مذهب من يرى ذلك من أصحاب مالك، وهو قول أشهب في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى بعد هذا، خلاف قول ابن القاسم فيه؛ لأنه حكم لهم فيمن أسلم من رقيقهم بحكم المعاهدين، فكذلك هذا، والله أعلم.

مسألة: عتق السفيه إذا لم يكن عليه ولاية من أب ولا سلطان

[مسألة: عتق السفيه إذا لم يكن عليه ولاية من أب ولا سلطان] مسألة قال: وسمعته يسأل على السفيه الذي لا يولى عليه، أيجوز عتقه؟ قال: نعم- لعمري إنه يجوز عتقه إذا كان يلي ماله. قال محمد بن رشد: أجاز في هذه الرواية عتق السفيه إذا لم يكن عليه ولاية من أب ولا سلطان، وكذلك سائر أفعاله- وإن كان متصل السفه من حين بلوغه معلنا به، هذا ظاهر هذه الرواية، وهو المشهور من قول مالك، وقد روى ابن وهب عنه أن أفعاله لا تجوز، وإن لم يتصل سفهه من حين بلوغه ولا كان معلنا به، هذا ظاهر روايته عنه، وقعت هذه الرواية عنه في المبسوط، وفي كتاب ابن المواز، وفي النكاح من الواضحة - وهو المشهور من مذهب ابن القاسم، وفي المسألة قول ثالث وهو الفرق بين أن يكون معلنا بالسفه من حين البلوغ، أو غير معلن به- وهو قول أصبغ، وقول رابع- وهو الفرق بين أن يتصل سفهه من حين بلوغه أو لا يتصل، فإن اتصل سفهه لم تجز أفعاله، وإن سفه بعد أن أنس منه الرشد جازت أفعاله، وهو قول مطرف وابن الماجشون، وأما المولى عليه، فأفعاله غير جائزة وإن علم رشده، هذا هو المشهور من مذهب مالك، وقد روي عنه أن أفعاله جائزة إذا علم رشده وهو الذي يأتي على رواية ابن وهب عن مالك، وعلى ما في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الشهادات في إجازة شهادته، مثل المشهور من قول ابن القاسم، فالمشهور عن مالك الاعتبار بالولاية دون الحال، والمشهور عن ابن القاسم الاعتبار بالحال دون الولاية، وقد روي عن مالك مثل المشهور عن ابن القاسم، وهو ما ذكرناه عنه من رواية ابن وهب، ومن رواية أشهب، وعن ابن القاسم مثل المشهور عن مالك، روى ذلك زونان عنه، وبالله التوفيق.

مسألة: عتاقة الصغير

[مسألة: عتاقة الصغير] مسألة قال: وسمعته يقول: لا تجوز عتاقة الصغير ولا طلاقه، وإن كان كبيرا مولى عليه، جاز طلاقه- ولم يجز عتقه. قال محمد بن رشد: أما الصغير فلا اختلاف في أنه لا يجوز طلاقه ولا عتقه، ولا شيء من أفعاله، وأما المولى عليه فقد مضى تحصيل الاختلاف في جواز أفعاله إذا كان معلوما بالرشد، ولا اختلاف في أنه محمول على السفه حتى يعلم رشده، فإذا علم رشد كان في ذلك الاختلاف الذي ذكرناه كما لا اختلاف في الذي لا ولاية عليه من أب ولا سلطان أنه محمول على الرشد على يعلم سفهه، فإذا علم سفهه كان في ذلك الاختلاف الذي ذكرناه في المسألة التي قبل هذه، وبالله التوفيق. [مسألة: المعتق وهو مولى عليه ثم يلي نفسه] مسألة قال: وسمعته يسأل عن المعتق وهو مولى عليه ثم يلي نفسه، أترى عليه عتقا؟ قال: لا، إلا أن يتمخى من ذلك، قيل له: أفترى أن يفعل؟ قال: أما الصغير الذي أعتق في حال صغره فلا، وأما الكبير فعسى، وروى محمد بن خالد عن ابن القاسم أنه لا يلزمه العتق، وإن بلغ حال الرضى. قال محمد بن رشد: أما الصغير فبين أنه ليس عليه إذا بلغ وملك أمر نفسه- أن يتمخى مما أعتق في صغره؛ لأنه لم يكن مكلفا ولا مخاطبا بأحكام الشريعة، ولا ممن توجه إليه قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع القلم عن ثلاث» - فذكر فيهم

الصبي حتى يحتلم، فوجب ألا يلزمه التمخي مما عقده على نفسه من عتقه لعبده (وإنما اختلف) ، إذا حلف بعتق عبده- وهو صغير، فحنث وهو كبير مالك لأمر نفسه، وحكم النصراني في هذا حكم الصغير، وأما الكبير الذي لحقته الولاية لسفهه، فوجب تمخيه مما أعتقه وهو مولى عليه، هو أنه أعرف بنفسه إن كان في الحين الذي أعتق فيه عبده من السفهاء الذين أمر الله ألا يمكنوا من أموالهم، ولا تجوز فيها أفعالهم؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] ، فيكون الحكم عليهم بالولاية صحيحا في الباطن، كما هو في الظاهر، فلا يلزمهم العتق، وإن كان على خلاف تلك الحال فيلزمه العتق؛ لأن الحكم الظاهر لا يحل الأمر في الباطن كما هو عليه، وهذا عندي- إذا لم يعلم الولي بعتقه حتى رشد، والعبد في يده، أو علم فأجاز عتقه، إذ ليس له أن يجيزه على ما يأتي في رسم الرهون من سماع عيسى، وأما إذا رده فهو مردود لا يلزمه التمخي منه إذا رشد، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي في المرأة ذات الزوج تعتق عبدها وهو أكثر من ثلث مالها فيرده الزوج ثم يموت عنها أو يطلقها، وهو في يدها؛ لأن التحجير على السفيه (في ماله) أقوى من تحجير الزوج على امرأته فيما زاد على ثلث مالها، واختلف في الصغير يحلف بعتق عبده، وهو صغير ويحنث وهو كبير، وفي المولى عليه يحلف وهو مولى عليه ثم يحنث بعد رشده، وفي العبد يحلف- وهو عبد ثم يحنث وهو حرث، فقيل: إن العتق يجب عليهم كلهم، وهو قول ابن كنانة؛ لأنه قال ذلك في الصغير فهو فيمن سواه ممن ذكرناه معه أحرى، والوجه في ذلك أنه جعل فعله لمن حلف عليه بعتق عبده

مسألة: عتق المولى عليه المحتلم الذي لا يتهم بسفه

ألا يفعله رضى منه بعتقه، وقيل: إنه لا يجب العتق على واحد منهم؛ لأن الإيمان يوم تقع، - وهو قول ابن القاسم في سماع محمد بن خالد، واختلف قول مالك في السفيه يحنث بعد رشده في عتق عبده، فله في رسم يوصي من سماع عيسى أنه لا يعتق عليه، وروى أشهب عنه أنه يعتق عليه، والعبد أشد من السفيه على ما قاله في سماع محمد بن خالد، فيتحصل في جملة المسألة أربعة أقوال؛ أحدها: أن العتق يلزمه فيهم كلهم. والثاني: أنه لا يجب على واحد منهم. والثالث: أنه لا يجب إلا على العبد؛ لأنه أشدهم على ما قاله في سماع محمد بن خالد. والرابع: أنه يجب على العبد وعلى السفيه- إذا رشد، ولا يجب على الصبي، وبالله التوفيق. [مسألة: عتق المولى عليه المحتلم الذي لا يتهم بسفه] مسألة قال: وسمعته يسأل عن عتق المولى عليه المحتلم الذي لا يتهم بسفه وهو في ذلك مولى عليه، أيجوز عتقه؟ قال: لا، فقيل له: ماذا؟ قال: لا يجوز عتقه. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور من قول مالك، وقد مضى تحصيل الاختلاف في ذلك فيما تقدم قبل هذا في هذا الرسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق السفيه المولى عليه أم ولده] مسألة (قال أشهب:) قلت: لمالك إذا أعتق السفيه المولى عليه أم ولده، جاز عليه عتقها واتبعها مالها؟ قال: نعم يجوز عليه عتقها ويتبعها مالها، وإنما ذلك- عندي- بمنزلة السفيه المولى عليه

مسألة: قال إن كلمت فلانا إلا وأنا ناس فغلامي حر

يتزوج المرأة بالمال العظيم، ثم يطلقها فيجوز طلاقه عليهما ويكون لها كل ما أمهرها، فكذلك هو إذا أعتق أم ولده- ولها مال ولم يستثنه، عتقت عليه واتبعها مالها. قال محمد بن رشد: قيل: إن عتق السفيه لأم ولده لا يجوز، بخلاف طلاقه- وهو قول المغيرة، وابن نافع - في كتاب ابن سحنون، خلاف المعلوم من قول مالك وأصحابه في أن عتقه إياها جائز، إذ ليس له فيها إلا الاستمتاع كالزوجة، واختلف هل يتبعها مالها إذا جاز عتقها على ثلاثة أقوال؛ أحدها: قوله في هذه الرواية: أنه يتبعها، إذا لم يستثنه- وإن كان كثيرا. والثاني: قوله في رسم يشتري الدور من سماع يحيى أنها لا يتبعها مالها- وإن لم يستثنه- قليلا كان أو كثيرا، وقد قيل: إنه يتبعها إن كان يسيرا، ولا يتبعها إن كان كثيرا- وإن لم يستثنه، وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب- مراعاة لقول من يرى أن العبد لا يملك، وهو قول أكثر أهل العلم، وفي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من باع عبدا وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع» - تعلق للطائفتين، وبالله التوفيق. [مسألة: قال إن كلمت فلانا إلا وأنا ناس فغلامي حر] مسألة قال: وسمعته يسأل عمن قال: إن كلمت فلانا- إلا وأنا ناس- فغلامي حر، فلقيه فكلمه ثم زعم، أنه كلمه ناسيا، فقال ذلك إليه إذا اشترط. قال محمد بن رشد: هذا بين أنه لا يصدق في أنه إنما كلمه

مسألة: حلف في أم ولد له بعتق ما يملك إن أخدمها

ناسيا، إذ لا يعرف ذلك إلا من قبله، ولو لم يستثن في يمينه إلا وأنا ناس فادعى أنه نوى ذلك بقلبه وعقد عليه يمينه، أو استثناه بلفظ وحرك به لسانه، لم يصدق في ذلك مع قيام البينة عليه ومن أهل العلم- خارج المذهب- من يرى أنه لا يحنث بالنسيان- وإن لم ينو ذلك ولا استثناه؛ لأنه مغلوب بالنسيان، فهو كالمكره، وبدليل قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تجاوز الله لأمتي (عن) الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وبالله التوفيق. [مسألة: حلف في أم ولد له بعتق ما يملك إن أخدمها] مسألة قال: وسئل عن رجل حلف في أم ولد له بعتق ما يملك إن أخدمها، ولا اشترى لها خادما، فقال: إن أعطاها دنانير فاشترت بها لنفسها، لم أر عليه حنثا، قيل له: إنهم يقولون لا يجوز لها أن تشتري إلا بإذنه، فإذا اشترت بغير إذنه فأقر ذلك لها، فقد أخدمها واشترى لها، فقال: لا، وذلك لها تشتري. قال محمد بن رشد: حمل يمينه في هذه المسألة على اللفظ ولم يراع المعنى، وذلك خلاف قوله في المدونة في الذي يحلف ألا يكسو امرأته فأعطاها دراهم فاشترت بها ثوبا- أنه حانث، وهو خلاف المشهور في المذهب من أن يمين الحالف إذا لم تكن له نية، تحمل على المعني، وما يدل عليه البساط، ومثل ما في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك، ومثل ما في سماع سحنون من كتاب الأيمان بالطلاق في مسألة البالوعة، والذي يأتي في هذه المسألة على ما في المدونة

مسألة: حلف بعتق ما يملك في أرض له إن أكراها فلانا العام

أنه حانث ولا ينوي إذا ادعى أنه إنما أراد ألا يخدمها خادما وألا يشتريها هو لها، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بعتق ما يملك في أرض له إن أكراها فلانا العام] مسألة وسئل: عمن حلف بعتق ما يملك في أرض له إن أكراها فلانا العام، فوجد وكيلا له قد أكراها ذلك الرجل، فأبى أن يمضي ذلك، فهل له من يمينه مخرج إن أكراها أخا له؟ فقال: أما- والله- رجل يريد أن يدخله فيها، فلا أرى ذلك يخرجه من يمينه، أو يتكاراها أخوه- وهو شريك له في المال، ولكن لو خاصموه حتى يقضى عليه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الحالف لما وجد وكيله قد أكرى الأرض من المحلوف عليه قبل يمينه، خشي إن سلمها له أن يطالب باليمين فلا، يجد من يشهد له على كراء الوكيل إياها منه- قبل يمينه فيعتق عليه عبيده، فأبى أن يمضيها له مخافة ذلك، وسأله هل له مخرج في أن تصير الأرض إلى المحلوف عليه بالكراء، ولا يحنث بأن يكريها من أخيه أو من شريكه، فلم ير له مخرجا في أن يكريها ممن يظن به أنه يريد أن يدخله فيها، وأرى له مخرجا في تصييرها إليه بأن يخاصمه فيما يدعي من كراء وكيله إياها منه قبل يمينه حتى يقضي عليه فيسلم من الحنث، وإن لم يقض عليه إلا بإقراره له بما ادعاه عليه من أن وكيله أكراه إياها قبل يمينه، إذ لا اختلاف في أنه لا حنث عليه- إذا حلف- وهو لا يعلم كراء وكيله

مسألة: باع رجلا بيعا فسأله أن يضع عنه فحلف بالعتق ألا يفعل فيقضيه حقه كله

إياها على معنى ما يأتي في رسم سلف من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب، وفي رسم العرية من سماع عيسى من كتاب النذور، ولو حلف ألا يكريها منه وهو عالم بكراء وكيله إياها منه، لكان بمنزلة الذي يحلف ألا يبيع السلعة بعد أن باعها، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى في سماع سحنون، ونوازل أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق، فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: باع رجلا بيعا فسأله أن يضع عنه فحلف بالعتق ألا يفعل فيقضيه حقه كله] مسألة وسئل: عمن باع رجلا بيعا، فسأله أن يضع عنه، فحلف بالعتق ألا يفعل فيقضيه حقه كله، فإذا قبضه قال له: إن رأيت أن تهب لي شيئا فافعل، أيجوز له أن يهب له؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم من قوله في رسم طلق ابن حبيب من سماع ابن القاسم، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بعتق جاريته ليضربنها] مسألة وسئل: عن الذي يحلف بعتق جاريته ليضربنها، أترى أن يضربها في قدميها ويوجعها؟ قال: لا أرى ذلك يخرجه من يمينه، يقول الله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ، وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ، يذهب هذا يضربها في قدميها، ما أرى ذلك له.

مسألة: يحلف بعتق جاريته ليضربنها

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يبر إلا بالمعنى الذي قصد إليه (وهذا لم يقصد إليه) إذ لم تجر العادة أن يضرب الرجل عبده ولا أمته في قدميه، وإنما ذلك من فعل المؤدبين لصبيانهم، فلو حلف المؤدب على ضرب صبي، لم يضربه في قدميه، ولو حلف الرجل ألا يضرب أمته فضربها في قدميها لحنث بذلك؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، والبر لا يكون إلا بأكمل الوجوه. [مسألة: يحلف بعتق جاريته ليضربنها] مسألة قيل له: أرأيت الذي يحلف بعتق جاريته ليضربنها، فقال: إن كان حلف ليضربنها ضربا لا ينبغي له، فأرى أن يمنع من ضربها وتعتق عليه. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة وغيرها أنه إن حلف على ما يجوز له من الضرب، لم يحل بينه وبين ضربه، وإن حلف على ما لا يجوز له منه، لم يمكن من ضربه وأعتق عليه، وقال في المدونة في الذي يحلف ليجلدن غلامه مائة سوط: أن العبد يوقف ولا يبيعه حتى ينظر أيجلده أم لا؟ ومعناه إذا كان ذلك لجرم اجترمه يستوجب به مثل ذلك الأدب، وما يحلف عليه الرجل من ضرب عبده أو أمته بحريته، ينقسم على ثلاثة أقسام: يسير كالعشرة الأسواط ونحوها، وكثير كالثلاثمائة ونحوها (وما هو أكثر منها) وما بين ذلك، فأما اليسير مثل العشرة الأسواط ونحوها، فإنه يمكن من ذلك ويصدق في أنه قد أذنب ما يستوجب به ذلك من الأدب، وقد

مسألة: قال جاريتي حرة إن دخلت الدار إلى شهر

قال ابن أبي زيد: إنه يمكن من ذلك ولا يعتق عليه- وإن كان لغير ذنب أحدثه وهو بعيد، وأما الكثير كالثلاثمائة ونحوها، وما هو أكثر منها، فإنه لا يمكن من ذلك ويعتق عليه، وأما ما بين ذلك ففيه اجتهاد الإمام، والذي أراه فيه أنه إن حلف بحريته على مثل الثلاثين سوطا أو نحوها، يمكن من البر ولم يعتق عليه إذا زعم أن ذلك لذنب استوجبه، فإن كان من أهل الخير والدين، صدق في ذلك دون يمين، وإن كان مجهول الحال، صدق في ذلك مع يمينه، ومنع من بيعه حتى يبر بضربه، فإن لم يضربه حتى مات عتق في ثلثه، وإن كان مسخوطا غير مؤتمن، كلف إقامة البينة على ذلك، ولم يمكن من ضربه وأوجر عليه حتى يموت فأعتق في ثلثه، فإن حلف على مثل المائة سوط ونحوها، فإن كان من أهل الخير والدين والفضل المستبين، صدق في الجرم الذي زعم أنه استوجب به ذلك مع يمينه، وإن لم يكن على هذه الصفة، كلف إقامة البينة على ذلك، فإن عجز عن ذلك، لم يمكن من ضربه، وأوجر عليه حتى يموت فيعتق في ثلثه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال جاريتي حرة إن دخلت الدار إلى شهر] مسألة وسمعته: يسأل فقيل له: إني أعطيت لجارية امرأتي مالا عظيما، فلما خشيت أن أبيعها قالت: هي حرة إن بعتها عشر سنين، وقد فسدت عليها الجارية فساد سوء وخبثت، فهل ترى في ذلك مخرجا؟ فقال: لا إلا أن تعتقها أو تهبها لمن لا تريد منه ثوابا، فقيل له بعد ذلك: إنما حلفت بحرية جاريتها إن باعتها عشر سنين ثم ندمت، فأرادت بيعها، فلزوجها أن يرد هذه اليمين عليها إذا لم يكن لها مال غيرها؟ فقال: لا والله.

قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على قوله إلا أن تعتقها أو تهبها لمن لا تريد منه ثوابا في رسم البز من سماع ابن القاسم، ورسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، ورأيت لابن دحون في هذه المسألة كلاما غير صحيح، قال: جواز هبتها الجارية إنما يجوز على قول ابن القاسم، فأما على قياس مذهب مالك فلا يجوز، وإن كانت على بر في يمينها، فاليمين إلى أجل، ومذهب مالك أن من قال: جاريتي حرة إن دخلت الدار إلى شهر، أنه لا يبيع ولا يهب؛ لأنها معلقة بيمين إلى أجل، فهو حق للمملوكة، تقول: لا أباع ولا أوهب، لعل الحالفة تحنث في الأجل، وابن القاسم يرى أن بيعها وهبتها جائزة، كما لو كانت اليمين إلى غير أجل، وقوله: غلط بين لا اختلاف بينهم في أن الحالف بحرية عبده ألا يفعل فعلا هو على بر، وله أن يبيع- سمى أجلا أو لم يسمه، وإن الحالف بحريته ليفعلن فعلا هو على حنث وليس له أن يبيع- سمى أجلا أو لم يسم، وإنما يفترق الأجل من غير الأجل في الوطء إن كانت أمة، فليس له أن يطأ إن كانت اليمين إلى غير أجل، وله أن يطأ إن كانت إلى أجل على اختلاف في ذلك من قول مالك في المدونة، ومن قول ابن القاسم أيضا، فقوله ومذهب مالك أن من قال جاريتي حرة- إن دخلت الدار إلى شهر، أنه لا يبيع ولا يهب؛ لأنها معلقة بيمين إلى أجل- خطأ، وإنما قال ذلك مالك فيمن قال جاريتي حرة إن لم أدخل الدار- إلى شهر، وهذا بين، وليس أحد بمعصوم من الغلط وأما قوله في التي حلفت بحرية جاريتها إن باعتها عشر سنين، أنه ليس لزوجها أن يرد هذه اليمين، فمعناه ليس له أن يرد اليمين قبل حنثها، فأما إذا حنثت فيها بالبيع، فله أن يرد العتق كله، إذ لا مال لها غيرها، وتعود رقيقا ولا ترجع اليمين عليها لأنها قد حنثت، ورد الزوج العتق فهو ملك جديد قاله ابن دحون وهو

مسألة: ذات زوج قالت كل مملوك لي حر إن خرجت من هذا المنزل

صحيح، وكذلك لو حلف بحريتها إن لم تبعها عشر سنين، ليس له أن يرد يمينها إلا أن تحنث، وكذلك لو حلفت بحريتها ألا تبيعها أبدا، ليس له أن يرد يمينها إلا أن تحنث، وأما لو حلفت أن تبيعها، فقالت: هي حرة إن لم أبعها فليس له أن يرد يمينها في حال؛ لأنها لا تحنث- إن حنثت- إلا بعد الموت، فتعتق في ثلثها، وبالله التوفيق. [مسألة: ذات زوج قالت كل مملوك لي حر إن خرجت من هذا المنزل] مسألة قال: وسمعته يسأل عن ذات زوج قالت: كل مملوك لي حر- إن خرجت من هذا المنزل، وقال زوجها: كل مملوك لي حر- إن لم تخرجي ورقيقها نصف مالها، قال: تبيع رقيقها في السوق ولا ترجع إليهم، ولا تبيعهم من أهلها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن له أن يخرجها ويحنثها إذ من حقه أن يسكن بها حيث شاء، فإذا أخرجها بعد أن باعت رقيقها لم يلزمها شيء، فإن اشترتهم قبل أن يخرجها، رجعت عليها اليمين، وكذلك إن وهبوا لها إلا أن يرجعوا إليها بميراث- على ما قاله في المدونة وغيرها وإن رجعوا إليها بشراء أو هبة بعد أن أخرجها لم يلزمها فيهم شيء، إلا أن تكون باعتهم على أن يردوا عليها بعد أن يخرجها فرارا من اليمين فيعتقون عليها، ولخوف الدلسة في ذلك بهذا، فقال: إنما تبيعهم في السوق ولا تبيعهم من أهلها، وبالله التوفيق. [مسألة: عليه رقبة واجبة أيجزئ عنه أن يبتاع بعض أقاربه يعتقه] مسألة قال: وسألته عمن عليه رقبة واجبة، أيجزئ عنه أن يبتاع بعض أقاربه يعتقه مكان رقبة عليه؟ فقال لي: ما كان من أقاربه يعتق

عليه إذا ملكه فلا يجزئ عنه؛ لأنه لا يقدر على ملكه، فكيف يجزئ عنه؟ لا يجزئ عنه إلا، من يجوز له أن يملكه ملكا تاما، وهذا لا يقدر أن يملكه حتى يعتق عليه، فمن كان يعتق عليه من أقاربه إذا ملكه، فلا يجزئ عنه في الرقاب الواجبة، وتقول: إن الذي يعتق عليه من أقاربه فلا يجوز له ملكه- الولد والوالد والأخ والأخوات والجد والجدات من قبل الأم والأب، وولد البنات، وولد البنين، ومن كان من أقاربه- إذا ملكه لم يعتق عليه، وجاز له ملكه إياه، فلا بأس أن يشتريه فيعتقه برقبة عليه واجبة، وذلك يجزئ عنه إذا ملكه لم يعتق عليه، مثل عمه وعمته وابن عمه وخاله وما أشبههم، فإنه إذا ملكهم لم يعتقوا عليه، فعتقهم يجزئ عنه في الرقاب الواجبة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا اختلاف فيها في المذهب، إلا ما يروى عن ابن وهب من أنه قال: يعتق على الرجل ذوو رحمه - وهم السبعة الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه وهو شذوذ في المذهب، فمذهب مالك الذي عليه جماعة أصحابه- حاشا ابن وهب - أن الذين يعتقون على الرجل إذا ملكهم بلفظ وحيزهم ذوو المحارم من الآباء وإن علوا، والأبناء وإن سفلوا، والأخوة والأخوات ما كانوا، فيدخل في هذا أولاد البنات والأجداد من قبل الأم، والجدات الأربع، ويجمع هذا أنه يعتق على الرجل كل من له عليه ولادة ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يعتق على

مسألة: الخصي أيجوز في الرقاب الواجبة

الرجل ذوو رحمه المحرم كلهم- على ما روي عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - من رواية ابن عمر أنه قال: «من ملك ذا رحم محرم عتق عليه» وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، ولا مخالف لهما من الصحابة؟ وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وأكثر أهل العراق، ومذهب الليث بن سعد، وأبي سلمة بن عبد الرحمن وابن وهب - من أصحاب مالك على ما ذكرناه، وذهب الشافعي إلى أنه لا يعتق على الرجل إلا الأب وإن علا، والابن وإن سفل- وهو ظاهر قول ابن كنانة في سماع أبي زيد من كتاب الولاء، وبالله التوفيق. [مسألة: الخصي أيجوز في الرقاب الواجبة] مسألة قال: وسمعته يسأل عن الخصي أيجوز في الرقاب الواجبة؟ قال: نعم في رأيي هو رجل من المسلمين، وسمعته يسأل عن الأعرج أيجوز في الرقاب الواجبة؟ قال: نعم في رأيي هذا أعرج، والآخر أعور، وسمعته يسأل عن عتق المقعد أيجزئ في الرقاب الواجبة؟ قال: لا أحب ذلك ولا الأعمى أيضا، وقد سمعت أن رجلا قال للحسن البصري: أيجوز ولد الزنى في الرقاب الواجبة؟ فقال: لله الصفاء والخيار، فقيل لمالك: أتستحسن هذا؟ فقال: والله إني لأستحسنه، قال عز وجل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]

يعمد الرجل إذا أراد أن يعتق أعتق هذا العبد، وإذا أراد أن يتصدق تصدق بهذا الطعام. قال محمد بن رشد: أما الخصي فأجازه في هذه الرواية في الرقاب الواجبة، وكرهه في المدونة ولم يجزه في رسم لم يدرك من سماع عيسى بعد هذا، والأظهر إجازته اعتبارا بالضحايا، وأما الأعرج فأجازه في هذه الرواية، واختلف قوله فيه في المدونة، واختلاف قوله يرجع إلى أنه إن كان عرجا خفيفا أجزأ، وإن كان عرجا فاحشا لم يجز على ما حكى ابن القاسم أنه سمع منه وهو الذي في رسم لم يدرك من سماع عيسى المذكور، أما المقعد والأعمى، فلا اختلاف في أنه لا يجزئ، وإنما اختلفوا في الأعور، فأجازه في هذه الرواية، وفي المدونة، ولم يجزه ابن الماجشون في كتاب ابن شعبان اعتبارا بالضحايا، وأما ولد الزنى فعتقه جائز في الكفارات بإجماع من مالك وأصحابه، ولم يقل الحسن أنه لا يجزئ، وإنما قال: لله الصفاء، والخيار، بمعنى أنه ينبغي أن يتخير لله أنفس العبيد، وأعلاهم ثمنا، ولا يقصد إلى أدناهم مرتبة، وأقلهم ثمنا، كما قال عروة بن الزبير - لبنيه: يا بني لا يهد أحدكم لله من البدن ما يستحيي أن يهديه لكريمه، فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له، وما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي هريرة قال في ولد الزنى: «هو شر الثلاثة» إنما قاله في رجل بعينه- لمعنى كان فيه، وذلك أنه كان يؤذي النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فقال فيه: «أما إنه مع مائة ولد زنى هو أشر الثلاثة» روي عن عائشة أنها قالت لما بلغها ما تحدث به أبو هريرة في هذا عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يرحم الله أبا

هريرة، أساء سمعا فأساء إجابة، لم يكن الحديث على هذا، إنما كان رجل يؤذي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت المعنى الذي ذكرته في ذلك، وما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يدخل الجنة ولد زنى» معناه الذي يكثر منه الزنا حتى ينتسب إليه لتحققه به، كما يقال للمتحققين بالدنيا العاملين لها أبناء الدنيا، ويقال للمسافر ابن السبيل، ومن مثل هذا كثير، وعلى هذا يتأول ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سئل عن عتق ولد الزنى فقال: لا خير فيه، نعلان يعان بهما، أحب إلي من عتق ولد الزنى» . وقد قيل لابن عمر: يقولون ولد الزنا شر الثلاثة، فقال بل هو خير الثلاثة قد أعتق عمر عبيدا من أولاد الزنا، ولو كان خبيثا ما فعل، وإنما قال ابن عمر فيه: إنه خير الثلاثة من أجل أنه لا يؤاخذ بما اقترفه أبواه من الزنى، لقول الله عز وجل: {أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38] ، {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] ، فهو خير الثلاثة لا شرهم إذا لم يعمل شرا. وقال ربيعة: إني لا أجد شأنه في الإسلام تاما، ولا يجزئ في الرقاب مجنون ولا مجذوم ولا أشل، ولا يابس الشق، ولا مقطوع الإبهام، ولا مقطوع الإصبعين، واختلف في مقطوع الإصبع الواحدة، فقال ابن القاسم: لا يجزئ، وقال غيره: يجزئ واختلف أيضا في الأصم، فقال ابن القاسم عن مالك: إنه لا يجزئ وقال ابن القاسم في المقطوع الأذنين على

مسألة: أوصى أن يعتق عنه رقاب

قياس قوله: إنه لا يجزئ، وقد روي عن ابن القاسم في الأصم أنه لا يجزئ، واختلف في ذلك قول أشهب، واختلف في الأبرص أيضا فلم يجزه ابن القاسم في المدونة، وأجازه غيره فيها إذا لم يكن مرضا، ولا يجزئ من فيه عقد عتق من مدبر أو مكاتب أو أم ولد، أو معتق إلى أجل، وما أشبه ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى أن يعتق عنه رقاب] مسألة قال: وسمعته يقول: لا تشتر الرقبة الواجبة بشرط العتق، قيل: أرأيت من أوصى أن يعتق عنه رقاب؟ قال: لا، إلا ما كان من الوصايا في الرقاب الواجبة. قال محمد بن رشد: فإن اشتراها بشرط، لم يجز- قاله في المدونة وغيرها؛ لأنها بعض رقبة من أجل أن البائع وضع من الثمن بسبب العتق، وبالله التوفيق. [مسألة: أيعتق الجد عن ابنة ابنته إذا ملكته] مسألة وسمعته يسأل: أيعتق الجد عن ابنة ابنته إذا ملكته؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قد مضى مثل هذا فوق هذا، ولا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم- أعلمه، وبالله التوفيق. [مسألة: أيملك الرجل أخته وأمه من الرضاعة] مسألة وسمعته يسأل: أيملك الرجل أخته وأمه من الرضاعة؟ فقال: نعم في رأيي وغير ذلك خير، قيل له: ولا يعتقان عليه؟ قال: نعم.

مسألة: أوصت في جارية لها حامل بأنها حرة وما في بطنها مملوك

قال محمد بن رشد: هذا أيضا صحيح بين لا اختلاف فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصت في جارية لها حامل بأنها حرة وما في بطنها مملوك] مسألة قال: وسمعته يسأل: عن امرأة أوصت في جارية لها حامل بأنها حرة وما في بطنها مملوك، ثم توفيت المرأة ووضعت الجارية ما في بطنها بعد وفاة سيدتها، فقال الورثة: أنت حرة وما في بطنك مملوك على ما أوصت به المرأة، فقالت الجارية: لا، بل ولدي بمنزلتي حر معي بحريتي، فقال: قد صدقت الجارية، هي حرة وولدها الذي ولدت إذا كانت إنما وضعت بعد وفاة سيدتها، فالولد حر مع أمه، لا تعتق جارية- وجنينها مملوك، فقيل له: إنها قد استثنت الولد في عتقها الجارية، فقال: إن هذا الاستثناء لا يجوز، لا تعتق الجارية وجنينها مملوك إذا كانت إنما وضعت بعد أن وجب ذلك لها بعد موت سيدتها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه - أعلمه- في المذهب؛ لأن الجنين لما كان لا يجوز بيعه لم يجز استثناؤه في البيع ولا في العتق، ولا اختلاف فيه أعلمه- في المذهب، ويلزم على قياس قول من أجاز البيع في الجارية واستثناء ما في بطنها، وجعل الولد مبقى على ملك البائع غير مبيع، وهو مذهب الأوزاعي والحسن بن حيي، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وداود بن علي، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر أنه يجوز عتق الجارية واستثناء ما في بطنها إذ هو في العتق أبين، وبالله التوفيق.

مسألة: قال عند موته مسلمو رقيقي أحرار

[مسألة: قال عند موته مسلمو رقيقي أحرار] مسألة قال أشهب في رجل قال عند موته: مسلمو رقيقي أحرار، فلما مات الرجل ادعى رقيقه كلهم أنهم مسلمون، وادعى ولد الميت إنهم كلهم نصارى، وليست ثم بينة تعرف من كان مسلما، ولا من كان منهم نصرانيا، على من تكون البينة؟ أعلى الورثة إنهم نصارى، أو على العبيد أن يأتوا بالبينة أنهم كانوا مسلمين حتى مات سيدهم؟ وإن كانوا كلهم مسلمين ولم يسعهم الثلث، كيف يصنع بهم؟ قال أشهب: البينة على الورثة إنهم نصارى، إذا ادعى العبيد أنهم مسلمون، ولو قال الميت: نصارى رقيقي أحرار، فادعوا أنهم نصارى، وقال الورثة: بل هم مسلمون، فعلى الورثة البينة أنهم مسلمون، وفي سماع عبد الرحمن بن أشرس عن مالك مثله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن من ادعى خلاف ما قال الميت فهو المدعي، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر؟ إلا أنه لا يمين هاهنا على المنكر؛ لأن العتق قد وجب له بكونه على الدين الذي قال الميت أن يعتق من كان عليه، فعلى من أراد أن يرقه البينة، فإن لم تكن له بينة، لم يكن على المدعى عليها الرق يمين، إذ لا يمين على من ادعي عليه أنه عبد، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وترك امرأة حاملا وترك أولادا] مسألة وسألته: عن رجل هلك وترك امرأة حاملا، وترك أولادا، كيف يصنع في ميراثه؟ فقال: يوقف الميراث ولا يقسم منه شيء حتى تضع المرأة، قيل له: فإن قالت الورثة: نحن نجعل الحمل ذكرا ونعزل له

مسألة: هلك وترك أبويه وامرأته حاملا فأراد أبواه أن يتعجلا ميراثهما

ميراثه، فقال: ليس ذلك لهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن الواجب أن يوقف الميراث ولا يقسم حتى يوضع الحمل، فإن عزلوا للحمل ميراثه- على أنه ذكر، وقسموا بقية الميراث، لم يكن لهم رجوع على ما وقفوه للحمل إن نقص ما في أيديهم أو هلك، وإن تلف ما وقفوه للحمل رجع عليهم إن وجدهم أملياء، وإن كان بعضهم أملياء وبعضهم عدماء، رجع على الأملياء فقاسمهم فيما وجده في أيديهم، واتبع عدماء وهو وهم، كالغريم يطرأ على الورثة، لا كالوارث يطرأ على الورثة؛ لأنهم تعدوا فيما صنعوا من اقتسامهم بقية التركة، ولو لم يتلف ما وقفوا للحمل وكان قد نما ما في أيديهم، لكان له الرجوع في ذلك؛ لأن قسمتهم لا تجوز، ولو نما ما وقفوه للحمل، وكان لهم في ذلك حق؛ لأنهم قد رضوا بما أخذوا، فالقسمة تجوز عليهم، ولا تجوز عليه، ولو كان للحمل ناظر فقسم عليه، جازت القسمة لهم وعليهم، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وترك أبويه وامرأته حاملا فأراد أبواه أن يتعجلا ميراثهما] مسألة وسئل: عن رجل هلك وترك أبويه وامرأته حاملا فأراد أبواه أن يتعجلا ميراثهما؛ لأنهما يرثان الثلث على كل حال، قال: ليس ذلك لهما. قال محمد بن رشد: إنما يرثان الثلث على كل حال إذا كان ترك ولدا، وأما إن لم يترك ولدا، فيرثان الثلث إن وضعت المرأة ولدا حيا (أو ابنة حية) وأما إن وضعته ميتا، فيرثان ثلاثة أرباع المال بينهما- على الثلث والثلثين، وللزوجة الربع، فالواجب أن يوقف الميراث حتى تضع المرأة على

مسألة: عبد أعتقه رجل وامرأة فكان إذا سئل مولى من أنت فقال مولى فلان

كل حال، فإن كان ترك الميت ولدا وجعلوا الحمل ذكرا وعزلوا له الميراث، واقتسموا ما بقي، كان قياسها والحكم فيها على ما تقدم في المسألة التي قبلها، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد أعتقه رجل وامرأة فكان إذا سئل مولى من أنت فقال مولى فلان] مسألة قال: وسمعته يسأل عن عبد أعتقه رجل وامرأة، فكان إذا سئل مولى: من أنت؟ فقال: مولى فلان، ولا ينتسب إلى المرأة، قال: ينتسب إليهما جميعا فيقول مولى فلان وفلانة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال كان من الحق عليه أن يقر بالولاء لكل واحد منهما؛ لأنه نسب يجب به الميراث عند عدم النسب، كما يجب بالنسب، وبالله التوفيق. [مسألة: أسلم فتسمى باسم إسحاق وأبوه نصراني] مسألة وسمعته يسأل: عن رجل أسلم فتسمى باسم إسحاق، وأبوه نصراني، فإذا قيل له: من أنت؟ قال: أنا إسحاق بن عبد الله، قال: ترك ذلك أحب إلي. قال محمد بن رشد: أما تسميته إذا أسلم باسم من أسماء الإسلام، فلا كراهة في ذلك، وإنما الذي كره له الألغاز في قوله: إنه ابن عبد الله، فيظن السامع له أنه ابن رجل من المسلمين، فينحو ذلك إلى الكذب، فلذلك كرهه، فقال: تركه أحب إلي، وقد مضى مثل هذا في رسم البز ورسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، وقد قيل: إن الألغاز في مثل هذا مما لا

مسألة: قال لعبده أنت سائبة أنه يحكم عليه بحريته

يقصد به مكرا ولا خديعة جائز، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وقد مضى في أول سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق حكم اللغز في اليمين، وما يجوز منه مما لا يجوز، وفي سماع أبي زيد أيضا من كتاب النذور، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لعبده أنت سائبة أنه يحكم عليه بحريته] مسألة وقال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في السائبة أنه حر وولاؤه للمسلمين هم يرثونه ويعقلون عنه. قال محمد بن رشد: هذا من قول مالك يدل على أنه من قال لعبده: أنت سائبة، أنه يحكم عليه بحريته، ولا يصدق إن قال: لم أرد به الحرية، إلا أن يكون قوله قد خرج على سبب يدل على أنه لم يرد به الحرية، مثل قول أصبغ من رأيه في رسم البيوع الثاني من سماعه خلاف روايته عن ابن القاسم فيه: أنه لا يكون حرا إلا أن يريد بذلك الحرية، أو يقول له: اذهب فأنت حر وأنت سائبة وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق سائبة إنه بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين] مسألة وسألته: عمن أعتق سائبة، أليس هو عندك بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين، فولاؤه لهم، وميراثه لهم، وعقله عليهم، فقال لي: بل هو عندي بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين، فولاؤه لهم، وميراثه لهم، وعقله عليهم. قال محمد بن رشد: قوله فيمن أعتق سائبة: إنه بمنزلة من أعتق عن جماعة المسلمين، يدل على أنه إكراه عنده في عتق السائبة مثل قول أصبغ في رسم البيوع الثاني من سماعه، خلاف روايته فيه عن ابن القاسم في كراهة ذلك، لما فيه من هبة الولاء، فإن وقع جاز ومضى، وكان الولاء للمسلمين،

مسألة: مات النصراني الذي أعتقه المسلم

وحكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن نافع مثل قول ابن القاسم، وعن ابن الماجشون: إن عتق السائبة لا يجوز لأحد أن يفعله، فإن فعله كان الولاء له، إن عرف، وإن جهل، فالولاء لجميع المسلمين، وعقله عليهم، وقول ابن الماجشون أظهر، لقول النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولاء لمن أعتق؛» لأن الولاء إنما كان له من أجل أن نوجب العتق لا من أجل أنه ولي إعتاقه، ولا من أجل أنه كان له) بدليل إجماعهم أن من أعتق عبده عن غيره، يكون الولاء للمعتق عنه، وأن من ولى عتق عبد رجل، يكون الولاء لصاحب العبد، فلما كان ثواب عتق السائبة للذي أعتقه سائبة، وجب أن يكون الولاء له، ففي عتق السائبة على ما بيناه ثلاثة أقوال: الجواز، وهو قول مالك في هذه الرواية، وقول أصبغ في سماعه بعد هذا، والكراهة- وهو قول ابن القاسم، والمنع وهو قول ابن الماجشون في الواضحة، وقول ابن نافع في المبسوطة، وبالله التوفيق. [مسألة: مات النصراني الذي أعتقه المسلم] مسألة وقال لي المخزومي: إذا مات النصراني الذي أعتقه المسلم، فإنه لا يرثه مولاه أبدا، وإنما ميراثه لولده وإخوته إن لم يكن له ولد، وبني عمه إن لم يكن له ولد ولا إخوة، فإن لم يكن له أحد من الناس ممن أخذ ميراثه من النصراني، ولم يعرض له فيهم؛ لأنهم لا يكلفون في أصل دينهم البينة، ولو كلفوا البينة على ذلك، لم يأتوا إلا بمن على دينهم، ونحن لا نجيز شهادة غير

العدول من المسلمين، فكيف نجيزه من النصارى ممن أراده منهم: وقال: أن نتوارث وأهل ديننا هكذا لم يحل بينهم وبينه، وإن كان الذي أعتقه مسلما فإن أسلموه، ولم يطلبه منهم طالب، أدخلناه بيت مال المسلمين معزولا، لا يكون فيئا حتى يرثه الله، أو يأتي طالب. قال محمد بن رشد: حكم المخزومي في هذه الرواية في ميراث النصراني يعتقه المسلم بحكم ميراث الذمي على ما وقع لمالك في المبسوطة من أن الذمي إذا مات ولا وارث له لم يعرض لماله؛ لأنهم قد عوهدوا على أن لا يعرض لأموالهم. قال مالك: لا أرى أن يؤخذ مال الذمي الذي يموت ولا يدع إرثا، وقد فرق بينهما، واختلف في كل واحد منهما اختلافا كثيرا، فالذي يتحصل في ميراث النصراني يعتقه المسلم ثلاثة أقوال؛ أحدها: قول المخزومي هذا: أن ميراثه لأهل دينه لا يعرض لهم فيه، وإن لم يكن له ورثة. والثاني: أن ميراثه لورثته من أهل دينه على ما يقوله أساقفتهم، فإن لم يكن له وارث من أهل دينه كان لجماعة المسلمين يجعل في بيت مالهم قياسا على الذمي يموت، أن ماله يكون لورثته من أهل دينه، فإن لم يكن له ورثة، كان ميراثه لجميع المسلمين. والثالث: أن ميراثه لجماعة المسلمين دون ورثته من أهل دينه، وهو نص قول محمد بن مسلمة المخزومي في المبسوطة، ومذهب ابن القاسم فيما يتناول عليه إلا أن تكون له قرابة من عتاقة

مسألة: عبد كانت تحته حرة فولدت منه غلاما

المسلمين، فيكونون أحق بميراثه من جماعة المسلمين على ما قاله ابن كنانة في سماع أبي زيد من كتاب الولاء والرابع: أن ميراثه لمولاه المسلم المعتق له، قاله عبد الله بن نافع في المبسوطة، وهو بعيد، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر» والذي يتحصل في ميراث الذمي من أهل الجزية ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ميراثه لأهل دينه لا يعرض لهم فيه- وإن لم يكن له ورثة، وهو قول مالك في المبسوطة، وقول المخزومي؛ لأنه إذا قال ذلك في النصراني الذي يعتقه المسلم، فأحرى أن يقوله في الذمي من أهل الجزية. والثاني: أن ميراثه لورثته من أهل دينه، فإن لم يكن له ورثة من أهل دينه، فميراثه للمسلمين وهو قول ابن حبيب. والثالث: الفرق بين أن تكون الجزية مجملة عليهم أو على جماعتهم، وهو قول ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد كانت تحته حرة فولدت منه غلاما] مسألة قال: وأخبرني ابن وهب أنه سمع مالكا يسأل عن عبد كانت تحته حرة فولدت منه غلاما، فكبر فصار رجلا، ثم اشترى أباه فعتق عليه، أترى ولاء أبيه يرجع إلى ولاء ابنه؟ فإن ناسا شكوا في ذلك وقالوا: ما نراه، إلا كالسائبة، فقال: ولاؤه لموالي ابنه ينتقل ذلك إليهم، وإنما جر ابنه إليهم ما يجره غيره، ولو اشتراه فأراهم مواليه، يرجع ولاء الأب والابن إليهم. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الأمهات ولاؤه لموالي أم ابنه وهو صواب؛ لأن موالي ابنه هم موالي أم ابنه؛ لأن ولاء ولد الحرة من

مسألة: عبد له امرأة حرة فولدت له أولادا فمرض مرضا شديدا فأعتقه سيده غدوة

العبد لموالي الأم، قال سحنون في كتاب ابنه: وهذا قول جميع أصحابنا، إلا ابن دينار، فإنه قال: هو كالسائبة، وولاؤه للمسلمين، والذي قاله مالك وتابعه عليه جمهور أصحابه من أن ولاء أبيه يرجع إلى موالي ابنه هو الصحيح؛ لأن من اشترى من يعتق عليه، فولاؤه له، فإذا اشترى هذا الرجل أباه فعتق عليه كان ولاؤه له وانجر إلى مواليه وهم موالي أمه؟ وإن مات الأب بعد أن مات ابنه ولم يترك ولدا ولا عصبة، وترك مولاه الذي أعتق أمه، كان ميراث الأب له، ولو كان هذا الذي اشترى أباه فعتق عليه معتقا، لجر ولاءه إلى مولاه الذي أعتقه، ولوجب إن مات الأب بعد أن مات ابنه ولم يترك ولدا ولا عصبة وترك مولاه الذي أعتقه، أن يكون ميراث الأب لموالي الابن الذي أعتقه؛ لأن الرجل يرث بالولاء من أعتق من أعتقه (وولد من أعتق من أعتقه) ومولى من أعتق من أعتقه، ووجه ما ذهب إليه ابن دينار أنه لما كان الابن لا يرث أباه بالولاء، وإن أعتق عليه من أجل أن النسب مقدم على الولاء، لم ير أن يجره إلى مواليه وليس بصحيح، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد له امرأة حرة فولدت له أولادا فمرض مرضا شديدا فأعتقه سيده غدوة] مسألة قال: وأخبرني ابن وهب أنه سمعه يسأل عن عبد له امرأة حرة فولدت له أولادا فمرض مرضا شديدا فأعتقه سيده غدوة، ومات العبد عشية، لمن ولاء ولده من الحرة؟ فقال: ولاء ولده منها للذي أعتق أباهم إذا أعتقه وهو حي قبل أن يموت، فذلك أبين لشأنه أن يكون الولاء لسيده الذي أعتقه، ويرثه ورثته الأحرار، فقيل لي: إنه أعتقه عند موته، فقال له هو كما قيل لك إن ولاء ولده لموالي أبيهم الذي كان أعتقه دون موالي أمه إذا كان أعتقه، وهو حي.

قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا أعتقه وهو حي قبل أن يموت وإن كان في حال اليأس من الحياة، فإنه يكون له بذلك ولاء ولده من الحرة، ويكون أحق بميراثه من موالي أمه؛ لأنه لو كان حرا فمات له وارث وهو في حال اليأس من شدة المرض لورثه، ولو أعتقه وهو مجروح منفوذ المقاتل قبل أن يموت، لتخرج ذلك على قولين، وبالله التوفيق.

: كتاب العتق الثاني

[: كتاب العتق الثاني] [قال لرجل في غلام له هو حر إن لم آخذه بخمسة وعشرين دينارا] (كتاب العتق الثاني) من سماع عيسى بن دينار من كتاب نقدها نقدها وسئل: عن رجل قال لرجل في غلام له هو حر- إن لم آخذه بخمسة وعشرين دينارا- إن أعطيتني إياه، فأعطاه إياه وقال: هو لك، قال: فذلك له، قال ابن القاسم -: إن شاء أخذه وإن شاء تركه ولا حنث عليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا أعطاه إياه وقال: هو لك، فله أن يأخذه وأن يتركه، فإن أخذه بر في يمينه- ولم يكن عليه شيء، وإن تركه، حنث ولم يلزمه شيء؛ لأنه إنما حنث بما في ملك غيره، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم» فإذا لم يلزمه النذر فيما لا يملك، فأحرى ألا يلزمه الحنث فيه، فقوله وإن شاء تركه ولا حنث عليه، معناه وإن شاء تركه ولا شيء عليه، وقد رأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة: البيع لازم للمشتري، إلا أن يعفو عنه البائع، وإنما أجاب فيها على الحنث أنه لا يحنث اشتراه أو تركه، فأما البيع

مسألة: قال بعني غلامك بعشرة دنانير على أنه حر

فقد لزمه، قال: المسألة المتصلة تبين هذا، وليس قوله بصحيح؛ لأنه لم يلزم نفسه الأخذ، وإنما حلف أن يأخذ، ومن حلف على شيء فله أن يبر، وأن يحنث، فليس للبائع أن يلزمه ما قد جعل لنفسه فيه الخيار، والمسألة التي بعدها لا تشبهها؛ لأنه لما قال له: بعني غلامك وهو حر، كان قد أوجب ذلك على نفسه، وفي ذلك اختلاف حسبما نذكره، وأما هذه المسألة فخارجة من الاختلاف، إذ لم يلزم نفسه الأخذ، وإنما حلف عليه، (وبالله التوفيق) . [مسألة: قال بعني غلامك بعشرة دنانير على أنه حر] مسألة ومن قال: بعني غلامك بعشرة دنانير على أنه حر، فقال: نعم، فقال: قد بدا لي أن ذلك لازم له. قال محمد بن رشد: اختلف في الرجل يقول للرجل: بعني سلعتك بكذا وكذا، فيقول له: قد فعلت، فيقول: قد بدا لي، أو يقول له: خذ سلعتي بكذا وكذا، أو اشتر سلعتي بكذا وكذا، فيقول: قد فعلت، فيقول: قد بدا لي، فقيل: إن ذلك كالمساومة يدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في المساومة، وقيل: إن قوله بعني سلعتك، إيجاب منه على نفسه شراءها بمنزلة أن لو قال: قد اشتريتها، وإن قوله خذ سلعتي بكذا أو لشرائها بكذا، إيجاب منه لبيعها بمنزلة أن لو قال قد بعتها منك بكذا. فقوله: إن ذلك لازم له هو (على) أحد هذين القولين؛ لأن قوله على إنه حر، لا تأثير له في إيجاب الشراء على نفسه، تخرج به المسألة من الخلاف، وقد مضى تحصيل

مسألة: قال للرجل بكم عبدك قال بعشرة قال هو حر إن بعتنيه بذلك

القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب وكتاب العيوب، وبالله التوفيق. [مسألة: قال للرجل بكم عبدك قال بعشرة قال هو حر إن بعتنيه بذلك] مسألة وسئل: عن رجل قال للرجل: بكم عبدك؟ قال: بعشرة، قال: وتبيعه بعشرة، قال: نعم، قال هو حر إن بعتنيه بذلك - إن لم آخذه، فقال: قد بعتك، فقال: أحب إلي أن يشتريه وينقده ثم يستقيله. قال محمد بن رشد: قال في هذه المسألة: أحب إلي أن يشتريه وينقده ثم يستقيله- زيادة على قوله فيها في أول رسم إن شاء أخذه، وإن شاء تركه- ولا حنث عليه، وإنما استحب له ذلك؛ لأنه إذا اشتراه بر في يمينه، وإن لم يشتره حنث، وإذا حنث احتمل أن يعتق عليه إن رضي صاحبه أن يمضيه له بقيمته، وقد قال ذلك ابن القاسم في أحد قوليه في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات في العبد بين الشريكين يتصدق أحدهما بجميع العبد على غير شريكه، فلا يبعد أن يقال بالقياس على ذلك من أعتق عبد رجل يلزمه عتقه- إن رضي صاحبه أن يأخذ منه فيه قيمته، ويحمل عليه بأن هذا هو الذي أراد العبد أن يعتق ما ليس له، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل سأل ابنا له امرأته أو أجنبيا أن يهب له غلاما ليعتقه] مسألة وقال في رجل سأل ابنا له امرأته، أو أجنبيا من الناس في مرضه أن يهب له غلاما له على أن يعتقه يتقرب به إلى الله ففعل به ذلك على ذلك وأعتقه، ثم مات فقام أهل الدين يريدون أن

مسألة: دفع إليه رأس ليبيعه فأعطي به عطاء فقال هو حر من مالي إن بعته ثم باعه

يردوا عتقه، أن عتقه ماض، وليس لأهل الدين فيه شيء؛ لأنه ليس بمال له، وإنما أعطاه الذي أعطاه على أن يعتقه. قال عيسى: وهو في الصحة كذلك، وهو خارج من رأس المال في المرض، كل ذلك من رأس المال يكون. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه لم يتقرر له عليه ملك إذ وهبه إياه بشرط العتق وولائه له؛ لأن الولاء كان يكون له لو أعتقه عنه فكذلك إذا أعتقه هو بما اشترط عليه من عتقه، وبالله التوفيق. [مسألة: دفع إليه رأس ليبيعه فأعطي به عطاء فقال هو حر من مالي إن بعته ثم باعه] مسألة وقال فيمن دفع إليه رأس ليبيعه فأعطي به عطاء، فقال: هو حر من مالي إن بعته ثم باعه، أنه لا شيء عليه، ولا يعتق عليه، ولو استعين به في شراء رأس فسام به، فقيل له بكذا وكذا، فقال: هو حر من مالي إن أخذته بهذا، ثم أخذه بذلك- والمشتري له واقف، قال: لا شيء عليه أيضا؛ لأنه إنما وجبت الصفقة لغيره. قال محمد بن رشد: هذا على قياس قوله في المدونة في الذي يقول لعبد لا يملكه: أنت حر من مالي إنه لا يعتق عليه، وإن رضي سيده أن يبيعه منه؛ لأنه إذا قال ذلك في غير اليمين، فأحرى أن يقوله في اليمين، والقياس أن يلزمه في غير اليمين إذا قال في مالي ورضي سيده أن يبيعه منه بقيمته، وأما إذا قال: عبدي فلان حر- إن فعلت كذا وكذا- ولم يقل في مالي، فالقياس ألا يعتق عليه- وإن رضي سيده أن يبيعه منه بقيمته على ما قاله في هذه الرواية في الذي باع عبدا لغيره فحلف بحريته- إن باعه أو اشترى

مسألة: قال لجاريته هي حرة إن وجد بها الثمن أو أكثر

عبدا لغيره فحلف بحريته إن اشتراه؛ لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم» . ويشبه أن يعتق عليه إن رضي الذي باعه منه، أو الذي اشتراه له أن يمضيه بقيمته على أحد قولي ابن القاسم في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات في العبد بين الشريكين يتصدق أحدهما بجميعه على غير شريكه فيه أنه يكون له إن رضي شريكه أن يسلم حظه منه بقيمته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لجاريته هي حرة إن وجد بها الثمن أو أكثر] مسألة وفيمن قال لجاريته: هي حرة إن وجدبها الثمن أو أكثر- اليوم- إن لم يبعها، فبعث بها مع رجل يبيعها له وبجارية أخرى صغيرة فباعها الرسول وأرسل إليه يستأمره في الخيار، فقال للرسول: قل له يشترط الخيار في الصغيرة فأخطأ الرسول فقال للموكل يقول لك اشترط الخيار في الكبيرة ففعل، وباع على ذلك، فقال: هو حانث، ورأيته فيها قويا لا يشك. يريد إذا كان اليوم الذي حلف عليه قد انقضى وبقي له الخيار، قال: ولو أن الموكل باعها واشترط الخيار ولم يأمره أن يشترط ذلك، ثم رجع إليه وأخبره بذلك، فقال: اذهب فأنفذ له البيع، فرجع الوكيل فلم يجد المشتري، وغابت الشمس وانقضى ذلك اليوم، قال: إن أشهد الوكيل أنه قد أنفذ له البيع، لم أر على الرجل شيئا، وإن كان لم

يشهد على ذلك حين لم يجده وانقضى ذلك اليوم وغابت الشمس، خفت أن يحنث. قال محمد بن رشد: قال في المسألة الأولى: إنه حانث، لذا كان اليوم الذي حلف عليه قد انقضى وبقي له الخيار مستبصرا في ذلك قويا فيه لا يشك، وقال في المسألة الثانية: إنه إن لم يشهد الوكيل على إمضاء البيع للمشتري حتى انقضى ذلك اليوم وغابت الشمس، خفت أن يحنث، والحنث في الثانية أبين منه في الأولى، وذلك أنه لم يكن من الحالف في المسألة الأولى تفريط في ترك البيع حتى انقضى النهار، بل كان مغلوبا عليه في ذلك بخطى الرسول عليه، وأما المسألة الثانية فالتفريط جاء من قبل الحالف، إذ كان قادرا على أن يشهد هو على إمضاء السلعة للمشتري بالخيار الذي اشترطه الوكيل فيها فإذا لم يفعل وصرف الأمر في ذلك إلى الوكيل، فقد فرط ووجب أن يحنث بلا شك، إلا أن قوله في المسألة الأولى إنه حانث هو المشهور في المذهب المنصوص عليه في المدونة وغيرها: أن من حلف ليفعلن فعلا لا يعذر في تركه بالغلبة على ذلك، إلا أن تكون له فيه نية (بخلاف الحالف أن لا يفعل فعلا هذا يعذر فيه بالإكراه على الفعل- وإن لم تكن له فيه نية) وقد قيل: إنه لا يعذر بالإكراه على الفعل إلا أن ينويه، وهو الذي يأتي على قول مالك الذي تقدم في رسم الأقضية من سماع أشهب، وقد مضى القول على ذلك هنالك وما يتحصل في المسألة من الاختلاف، وبالله التوفيق.

مسألة: يقول متى ما حدث بي حدث الموت كل مملوك لي حر

[مسألة: يقول متى ما حدث بي حدث الموت كل مملوك لي حر] مسألة وعن الرجل يقول: متى ما حدث بي حدث الموت، كل مملوك لي حر - وله مماليك، وكسب أيضا مماليك بعد، ثم يموت، قال: يعتقون كلهم ما كان عنده، وما أفاد إذا وسعهم الثلث. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا عم فقال في وصيته ثيابي، أو رقيقي لفلان أو رقيقي أو عبيدي، أو مماليكي، أو كل مملوك لي حر، أن الوصية تكون فيما كان له من الثياب، أو العبيد، يوم يموت، كانوا هم أو غيرهم، أو هم وغيرهم، وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب الوصايا، وتكررت المسألة أيضا في مواضع من سماع أشهب منه وفي سماع عيسى في رسم باع شاة منه أيضا، وبالله التوفيق. [مسألة: تكون لها الجارية المولدة الرائعة فتحلف بعتقها ألا تبيعها ولا تهبها ولا تزوجها] مسألة وعن المرأة تكون لها الجارية المولدة الرائعة فتحلف بعتقها ألا تبيعها ولا تهبها ولا تزوجها، فتأتي الجارية السلطان فتخبره أنها لا تقدر على الصبر بغير رجل، وأنها تخاف على نفسها، قال: لا أرى أن تحنث إلا أن يكون الذي عملت برا- أنها أو أدق به ضررا، فتمنع من ذلك، فإن كان لها نية أني لا أبيعها طائعة، فباعها السلطان، فلا أرى عليها حنثا، وإن لم تكن لهانية، فلا تباع عليها. قال محمد بن رشد: ليس على الرجل أن يزوج عبده ولا أمته إذا

سأله واحد منهما ذلك؛ لأن قوله عز وجل: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] ليس على الوجوب في العبيد والإماء، بدليل قوله: "والصالحين"، إذ لم يكن عاما في جميعهم كالمعتقة التي لم تحمل على الوجوب، لقوله فيها: حقا على المتقين وعلى المحسنين فلهذا لم ير في هذه الرواية أن تحنث المرأة في يمينها ألا تبيع جاريتها ولا تهبها ولا تزوجها، إلا أن يتبين أنها أرادت بذلك الضرر، فإن تبين ذلك، منعت منه كما قال: بأن تباع عليها إذا كانت لها نية أنها إنما حلفت ألا تبيعها طائعة يريد وتصدق في ذلك مع يمينها على ما قاله في أخر سماع أشهب من كتاب الإيمان بالطلاق: وإن لم تكن لها نية، أعتقت عليها ولم تبع لوجوب العتق عليها فيها ببيعها. وهذا معنى قوله: وإن لم تكن لها نية فلا تباع عليها وتعتق. وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها إتباعا لظاهر قوله فيها ألا يبيع السلطان الجارية إلا باجتماع شيئين أن يعلم أنها قصدت الضرر، وأن يعلم أنها أرادت: لا أبيع طائعة، فحينئذ يبيع، وإن انفرد أحدهما، لم تبع عليها: وليس ذلك بصحيح؛ لأن النية لا تعلم إلا من قبلها، فإذا تبين إرادتها الضرر (بمنعها) حنثت وأعتقت عليها، إلا أن تكون لها نية تدعيها فتصدق فيها وتباع عليها، وهذا الذي قلناه من أنه ليس على الرجل أن يزوج عبده ولا أمته إذا سأله واحد منهما ذلك، هو نص ما في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، وبالله التوفيق.

مسألة: قال اشهدوا أن غلامي فلان حر بخمسين دينارا

[مسألة: قال اشهدوا أن غلامي فلان حر بخمسين دينارا] مسألة وقال ابن القاسم في رجل قال: اشهدوا أن غلامي فلان حر بخمسين دينارا، وهو حر إن رضي أن يبيعه بخمسين دينارا، فقال فلان قد رضيت، فقال: هو حر وهو بيع، فإن قال: لا أرضى وقد بدا لي، قال: ليس ذلك له وهو حر، قال: فإن قال صاحبه: قد بدا لي بعد ما قال قد رضيت، قال: ليس ذلك له قد باع، قال: وإنما الذي قال مالك الذي يقول: اشهدوا أن غلامي فلان حر من مالي، إن فعلت كذا وكذا- فيفعله، قال: ليس عليه شيء، قال ابن القاسم: والذي يقول لرجل: تبيعني غلامك بخمسين دينارا وهو حر على الإيجاب، فقال: نعم، فقال: قد بدا لي، فقال: ليس ذلك له وهو حر، وهو بمنزلة ما لو قال: غلامي فلان لي بخمسين دينارا إن رضي وهو حر فرضي، فالبيع له لازم، ولم تزده الحرية إلا قوة. قال محمد بن رشد: إنما الذي قال: اشهدوا أن غلام فلان لي بخمسين دينارا، وهو حر إن رضي فلان أن يبيعه بذلك، فهو كما قال من أنه حر ولا رجوع لواحد منهما فيما رضي به؛ لأنه بيع قد انبرم بينهما وتم بما أشهد به المبتاع على نفسه من التزامه العبد بالخمسين، وإمضاء البائع له البيع فيه بذلك لقوله: قد رضيت، وإذا التزم المبتاع الشراء لزمته الحرية، وأما قول مالك في الذي يقول: اشهدوا أن غلام فلان حر من مالي، فإن فعلت كذا وكذا، فقد مضى الكلام فيه فوق هذا في هذا الرسم وما يدخله من الاختلاف، فلا معنى لإعادته؟ وأما الذي يقول لرجل: تبيعني غلامك

مسألة: العبد يدفع إلى رجل مائة دينار ويقول له اشترني لنفسي من سيدي

بخمسين دينارا- وهو حر على الإيجاب، فقال: نعم، فقوله فيه: إن ذلك يلزمه، بمنزلة ما لو قال غلام فلان لي بخمسين دينارا- إن رضي- صحيح، وإنما كان بمنزلته، من أجل قوله على الإيجاب، ولو قال: تبيعني غلامك بخمسين دينارا أو هو حر- ولم يقل على الإيجاب، فقال له: نعم، لما كان بمنزلة قوله: غلام فلان لي بخمسين دينارا؛ لأن قوله: غلام فلان لي بخمسين دينارا إن رضي، إيجاب منه على نفسه شراءه بخمسين دينارا. وقوله: تبيعني غلامك بخمسين دينارا مساومة، يختلف إن قال له البائع: قد بعتك إياه بالخمسين، هل يلزمه الشراء أم لا؟ وقد مضى بيان هذا في أول الرسم، وقد مضى تحصيل القول فيه في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يدفع إلى رجل مائة دينار ويقول له اشترني لنفسي من سيدي] مسألة وسألته: عن العبد يدفع إلى رجل مائة دينار، ويقول له: اشترني لنفسي من سيدي، فيشتريه لنفس العبد، ويستثني ماله، قال: يكون حرا ولا يرجع السيد البائع على العبد، ولا على المشتري بشيء، ويكون ولاؤه للبائع، ومن سماع أصبغ بن الفرج قال ابن القاسم: ولا ينظر في هذا أعتقه بعد الاشتراء أو لم يعتقه، ليس للمبتاع في هذا عتق، قال عيسى بن دينار قلت: فلو كان قال: اشترني ولم يقل لنفسي، فاشتراه المشتري لنفسه وليس للعبد واستثنى ماله، قال: يكون عبدا له ولا يرجع البائع على المشتري بشيء، فإن أعتقه المشتري كان ولاؤه له؛ لأنه اشتراه بمال قد كان استثناه، قال عيسى: قلت لابن القاسم: فلو لم يستثن ماله فعتقه المشتري ثم عثر

على ذلك، قال مالك: يرجع البائع فيأخذ من المشتري مائة دينار أخرى، ويكون ولاؤه للمبتاع، فإن لم يكن عنده شيء، بيع من العبد المعتق قدر المائة، فإن فضل من رقبته فضل عن المائة، عتق منه ما بقي، وإن نقصت رقبته عن المائة، كان ما نقض دينا يتبع به المشتري، وإن قال: اشترني بهذه المائة لنفسك، فاشتراه ولم يستثن ماله، كانت المائة للسيد واتبعه بمائة أخرى، قال أصبغ: وإن اختلف المشتري والعبد ولم يستثن ماله، فقال العبد: أعطيته للمشتري لنفسي، وقال المشتري: أعطاني اشتريه لنفسي، فالقول قول المشتري؛ لأنه ضامن غارم، وأن الولاء قد وجب له والشراء قد عرف والعبد مدع، وكذلك إن كان استثنى ماله أيضا، فالقول. قول المستثني بظاهر الاشتراء حتى يعرف خلافه ببينة للعبد على معاملته على ذلك، أو على إقرار من المشتري بذلك قبل اشترائه، قال أصبغ: وإن اختلف السيد والمشتري إذا لم يستثن ماله فتداعيا، فقال السيد: إنما أعطيتني من مال عبدي، ولم يعرف كيف كان ذلك، فأنكر المشتري فالقول قول المشتري؛ لأن السيد مدع عليه للمائة ليغرمه إياه ثانية، وعلى المشتري اليمين، فإن حلف برئ وإن نكل حلف السيد واستحق، ورد بذلك عتق العبد حتى يباع له فيها إذ لم يكن له مال غيره، عرفت بينهما مخالطة وملابسة قبل ذلك، أو لم تعرف؛ لأن هذا سبب قد أوجب اليمين عليه. قال محمد بن رشد: تلخيص قول ابن القاسم في هذه المسألة أنه إن اشترى العبد للعبد بالمائة التي دفعها إليه فاستثنى ماله، كان حرا ولم يكن للسيد في ذلك كلام، وإن لم يستثن ماله، (كان للسيد إذا علم أن يأخذ عبده وتكون المائة له، وإن اشتراه المشتري لنفسه لا للعبد، فاستثنى ماله، كان العبد له، ولم يكن للسيد في ذلك كلام، وإن لم يستثن ماله، كان للسيد،

إذا علم أن يرجع عليه بالمائة- ولا اعتراض في ذلك- إذا لم يستثن ماله) اشتراه لنفسه أو للعبد، وأما إن استثنى ماله ففي ذلك نظر من أجل أن المشتري علم بالمائة التي للعبد وجهل ذلك السيد، فمن حجته أن يقول لو علمت أن له هذه المائة لما بعته بماله، فيكون له أن ينقض البيع ويأخذ عبده على ما قالوا في الصبرة إذا علم المشتري كيلها وجهل ذلك البائع- قال ذلك ابن أبي زيد، ووجه قول ابن القاسم، أن المال لم يقع عليه حصة من الثمن لأنه ملغى، فلكلا القولين وجه، ومرض الأصيلي هذا الشراء من وجه أخر، وهو أن وكالته العبد على شرائه من سيده لا تجوز إلا بإذن سيده، فإن اشتراء العبد- على قياس قوله- للعبد بالمائة التي دفعها إليه، واستثنى ماله- ولم يعلم السيد أنه إنما يشتريه للعبد، كان للسيد ألا يجيز ذلك، وإن أعلمه بذلك، لم يكن له فيه كلام؛ لأنه هو البائع للعبد من نفسه، وأما إذا اشتراه بالمائة لنفسه لا للعبد، فلا كلام في ذلك للسيد على ما ذهب إليه الأصيلي، خلاف ما ذهب إليه ابن أبي زيد، وقول ابن أبي زيد هو الصحيح في المسألة، وأما قول أصبغ: إنه إن اختلف المشتري والعبد- ولم يستثن ماله، فقال العبد: أعطيته يشتريني لنفسي، وقال المشتري: أعطاني اشتريه لنفسي، فالقول قول المشتري؛ لأنه ضامن غارم، والولاء قد وجب له، فهو الصحيح، إلا أنه لم يبين أن كان يكون القول قوله بيمين أو غير يمين، والذي يأتي في ذلك على أصولهم أنه إن كان المشتري قد أعتقه، كان القول قوله بغير يمين؛ لأن العبد يريد إرفاق نفسه لسيده بما يدعيه من أنه أعطاه المائة ليشتريه بها لنفسه؟ ولو أقر له المشتري بذلك بعد أن أعتقه، لوجب ألا

يصدق؛ لأنه يريد إرفاق العبد، فوجب أن يكون القول قوله أنه اشتراه لنفسه دون يمين، وأما إن كان لم يعتقه، فالقول قول المشتري مع يمينه، فإن نكل عن اليمين، حلف العبد وكان القول قوله ورجع العبد إلى سيده، فإن نكل العبد عن اليمين كان للسيد أن يحلف ويأخذ عبده، فإن نكل عن اليمين أيضا بقي العبد للمشتري، وأما قوله وكذلك إن كان قد استثنى ماله أيضا، فالقول قول المشتري، فمعناه دون يمين؛ لأن العبد في دعواه إنما أعطاه المائة ليشتريه بها لنفسه لا للمشتري، مدع للعتق، فلا يمين له عليه في ذلك، إلا أن يأتي بشاهد واحد أنه عامله على ذلك، ولو كان المشتري قد أعتق العبد، لكان الولاء له، إلا أن يقيم سيده البينة على أن العبد إنما أعطاه المائة على أن يشتريه بها لنفسه لا للمشتري، ولو أقام على ذلك شاهدا واحدا لم يحلف معه؛ لأن الولاء لا يستحق باليمين مع الشاهد، ولو مات العبد بعد أن مات المشتري ولا ولد له عصبة لكان للسيد أن يحلف مع الشاهد الواحد ويستحق المال على مذهب ابن القاسم، خلاف قول أشهب؛ لأنه لا يستحق المال إلا بعد ثبات الولاء، وأما قول أصبغ: إنه إن اختلف السيد والمشتري فتداعيا في المائة، زعم السيد أنه أعطاه إياها من مال عبده فالقول قول المشتري، فهو بين لا إشكال فيه ولا اختلاف، وأما قوله: إنه إن نكل عن اليمين وكان ذلك بعد أن أعتق العبد ولا مال له غير العبد، أن السيد يحلف ويرد بذلك عتق العبد، فهو قول ضعيف ينحو إلى قول مالك في موطئه، والذي روى ابن القاسم عن مالك أنه لا يرد عتق العبد بالنكول هو القياس؛ لأنه يتهم على أن ينكل عن اليمين ليرد عتق العبد بيمين السيد، ألا ترى أنه لو أقر

مسألة: العبد يكون بين الرجلين فيأذن له أحدهما بعتق عبد له

له بما ادعاه من أنه دفع إليه المائة من مال عبده، لما صح أن يرد بذلك عتق العبد كما لو أعتق رجل عبده ولا مال له غيره، ثم أقر لرجل بدين لم يرد عتقه بإقراره، وأما لو اختلف السيد والمشتري وقد استثنى ماله، لكان القول قول المشتري دون يمين، كان المشتري قد أعتق العبد أو لم يعتقه؛ لأنه إن كان قد أعتقه فهو مدع لولائه، وإن كان لم يعتقه فهو مدع لحريته، ولا يمين في واحد من الوجهين، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يكون بين الرجلين فيأذن له أحدهما بعتق عبد له] مسألة وسألت ابن القاسم في العبد يكون بين الرجلين فيأذن له أحدهما بعتق عبد له، فيعتقه فيغير ذلك الآخر ويأباه، قال يرد عتقه، ولا يجوز إلا باجتماع منهما على الآخر، قلت: ولا يقوم حظ شريكه على الذي أذن له، قال: لا يقوم عليه ويرد عتقه، قلت لعيسى أرأيت إن حلف أحدهما بعتق عبد من عبيد عبيدهما فحنث أيقوم عليه أم لا؟ قال: أرى أن يقوم عليه، قيل: وكذلك لو ابتدأ عتقه من غير حنث وقع عليه، قال: يقوم عليه أيضا، قيل: وكيف تؤخذ القيمة منه أقيمته كلها أم نصف القيمة، قال: ذلك إلى شريكه إن شاء أخذ نصف القيمة، وإن شاء أخذ القيمة كلها وأقرت في يد العبد؛ لأنه لا ينتزع أحدهما ماله دون صاحبه. قال محمد بن رشد: قول عيسى ليس بخلاف لقول ابن القاسم، والفرق بين أن يأذن له في عتق عبده فيعتقه، وبين أن يعتقه هو أو يحلف بعتقه فيحنث هو، أنه إذا أذن له في عتقه فالعتق في حظه منه، إنما هو من العبد والثواب له، ألا ترى الولاء يكون له إذا لم يعلم الشريك بذلك، أو علم

مسألة: يعتق عبد مدبره أو أم ولده عند الموت

فلم يرده حتى عتق؛ لأنه أذن له في عتقه في حال لا يجوز له فيه انتزاع ماله على الأصل الذي تقدم في رسم من سماع ابن القاسم، وإذا أعتقه هو أو حنث بعتقه، فالعتق منه لا من العبد، والثواب له لا للعبد، وفي رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ مسألة كان الشيوخ يحملونها على الخلاف لهذه، وليست بخلاف لها؛ لأنها مسألة أخرى، تلك إنما الشركة فيها في العبد المعتق لا في العبد المعتق، وهذه الشركة فيها في العبد المعتق، فقف على الفرق بين المسألتين فإنه بين، ولو أعتق نصف عبده بإذن أحد الشريكين، فأجاز ذلك الشريك الآخر، لتخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: أنه يعتق جميعه عليهما، والثاني: أنه لا يعتق منه إلا النصف الذي أعتق على الذي أعتقه- على اختلافهم في الدار بين الرجلين يبيع أحدهما نصفها على الإشاعة، هل يقع البيع على نصف حظه ونصف حظ شريكه، أو على النصف الذي له؟ ولو أعتق نصفه بإذنهما جميعا، لعتق جميعه، كما لو أعتق عبد لرجل نصف عبده، بإذن سيده، لعتق جميعه، وبالله التوفيق. [مسألة: يعتق عبد مدبره أو أم ولده عند الموت] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يعتق عبد مدبره أو أم ولده عند الموت، هل يجوز عتقه؟ قال ابن القاسم: إن كان له مال، أخرج قيمته له من ثلث ماله ولم يرد عتقه، وإن لم يكن له رد عتقه، قلت: ولم يجوز عتقه وإن كان له مال وهو في حال لا يجوز له أخذ مال واحد منهما؟ قال لي: أرأيت الرجل أيجوز له أن يأخذ مال ابنه الذي يلي في حياته أو عند موته، أو يجوز له أن يعتق عبده إذا لم يكن له مال، قلت لا، قال: فلو أن رجلا أعتق عبد ابنه الذي يليه عند

: يعتق العبد وعليه دين

الموت، أما كان يجوز عتقه إذا كان له مال ويعطي الابن قيمة العبد من الثلث؟ قلت: بلى، قال: فالمدبرة وأم الولد أقوى في أن يجوز العتق عليهما إذا كان له مال، ويعطيان القيمة؛ لأن المدبرة وأم الولد قد يجوز له يوما ما أن يأخذ اموالهما، وأما مال الولد، فلا يجوز له أخذه أبدا إلا على وجه الفرض له فيه بالمعروف إذا احتاج، ولأن المدبر وأم الولد قد قال جل الناس وعامة أهل المشرق ومن مضى من فقهائهم: النخعي وغيره- أنهما لا يتبعهما أموالهما، وإنما يعتقان بأبدانهما، فهو في مال المدبر، وأم الولد، أجوز منه في مال ابنه، قال عيسى وقال أشهب يرد عتقه فيما أعتق من رقيقهما، وإن كان له مال. قال محمد بن رشد: لسحنون في كتاب ابنه مثل قول أشهب: أنه لا يجوز عتقه عند موته لعبيدهما، قال: وكذلك إن أوصى بعتقهم؛ لأنه لا ينتزع حينئذ أموالهم، فإن قيل يعطون أثمانهم من ثلثه، قيل: هذا غلط؛ لأن الميت لم يرد هذا، وقول أشهب وسحنون هو القياس على المذهب، وقول ابن القاسم استحسان مراعاة للاختلاف- حسبما ذكره، وبالله التوفيق. [: يعتق العبد وعليه دين] - ومن كتاب العرية- وسألته: عن الرجل يعتق العبد- وعليه دين إن بيع العبد كله- كان فيه أكثر من دينهم، وإن بيع بعضه لم يكن فيه قضاء الدين إلا أن يباع كله؛ لأنه إذا دخله شعبة من حرية، نقص ذلك من ثمنه،

قال: إذا لم يكن فيما بيع منه قضاء الدين، وليس يكون فيه قضاء الدين إلا أن يباع كله، بيع كله وجعل ما بقي بعد الدين في حرية، وذلك رأيي أن يجعل ما بقي منه في حرية، وقد سمعت عن مالك أنه ليس عليه ذلك أن يجعله في رقبة بواجب، ولكن أستحب ذلك وأستحسنه. وسئل عنها سحنون فقال: قولي في هذه المسألة كقولي في رجل دبر عبده في مرضه ثم مات وعليه دين ولا مال له غيره، والذي عليه من الدين أقل من قيمته، يكون ربعه أو ثلثه، فإن بيع ذلك الجزء منه لم يبع إلا بأقل من قيمته، فالذي آخذ به فيها- وهو الحق إن شاء الله- أن ينظر إلى ما على الميت من الدين، فإن كان عشرة أو عشرين، والعبد قيمته مائة دينار إذا بيع كله، فإنه يوقف العبد ويقال: من يشتري من هذا العبد بما على صاحبه من الدين- وهو دينار أو عشرة، أو ما كان من الدين، فإنه الآن يقول: من يريد أن يشتري أنا آخذ ربعه بعشرة، ويقول آخر: أنا آخذ خمسه بعشرة، ويقول آخر: أنا آخذ سدسه بعشرة، فإذا وقف على شيء لا ينقص منه، بيع منه حينئذ، هكذا يكون أرفع لثمنه، وأزيد لقيمة ما بيع منه، وأعدل من أن يقال من يشتري ربع هذا العبد، أو خمسه أو جزءا منه؛ لأن ذلك يكون أكثر لثمنه بجزء هذا- على ما قلت لك، فإنه قول كثير من أصحاب مالك. قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا هو قول ابن القاسم بعينه، وإنما قلب السوم، فابن القاسم يقول: إذا كان عليه عشرة دنانير دينا، من يشتري ربع هذا الغلام بعشرة، فإن لم يجد مشتريا، قال: من يشتري ثلثه بعشرة، ثم يزيد في الجزء حتى يجد مشتريا، وسحنون يقول: كم تشترون

مسألة: الأمة تكون بين الرجلين ولها ولد هو بينهما أيضا

من هذا الغلام بعشرة دنانير؟ فيقول مشتر ثلثه، وآخر ربعه، وآخر خمسه، حتى يقف على حد مسمى لا يجد من ينقص منه، فكلا القولين واحد في المعنى، وبالله التوفيق. [مسألة: الأمة تكون بين الرجلين ولها ولد هو بينهما أيضا] مسألة وسألته: عن الأمة تكون بين الرجلين ولها ولد هو بينهما أيضا، فيعتق أحدهما نصيبه من الجارية ويستلحق الآخر الولد ويدعي أنه ولده، قال: يلحق به الولد ويكون عليه نصف قيمته لصاحبه، ويعتق نصيبه في الأمة. قال محمد بن رشد في كتاب ابن حبيب: إنه لا قيمة عليه في الولد ولا في الأمة؛ لأن إقراره بالولد لو علم منه قبل العتق، لم يكن عليه في الولد قيمة، وإنما كانت تكون عليه نصف قيمة الأمة، فلما لم يعلم ذلك منه إلا بعد العتق سقطت عنه القيمة في الأمة، وهو أظهر من قول ابن القاسم؛ لأن استلحاق الولد يرفع عنه التهمة، فوجب أن يكون استلحاقه للولد بمنزلة أن لو أقر أنه وطئها فجاءت بولد لا يلزمه إلا نصف قيمة الأمة، ووجه قول ابن القاسم، أنه لم ير استلحاقه له يرفع التهمة عنه فيما يلزمه من نصف قيمته لو أعتقه، فعلى قياس قوله لو استلحق الولد قبل العتق، لوجب أن يكون عليه الأكثر من نصف قيمة الأمة، أو نصف قيمة الولد، فلا يلزم ابن القاسم على هذا التعليل ما ألزمه ابن حبيب من قوله؛ لأن إقراره بأن الولد له لو علم قبل العتق لم يكن عليه في الولد قيمة، وإنما كانت تكون عليه نصف قيمة الأمة، إذ لا يوافقه على أصله في أن استلحاقه للولد يرفع التهمة عنه، وسيأتي في رسم إن خرجت بعد هذا عكس هذه المسألة- إذا وطئ أحدهما

مسألة: يعتق نصف عبده والعبد خالص له

الجارية فولدت، فقال الآخر: قد كنت أعتقتها قبل ذلك، ونتكلم عليها إذا وصلنا إليها إن شاء الله، وبالله التوفيق. [مسألة: يعتق نصف عبده والعبد خالص له] مسألة وسألته عن الرجل يعتق نصف عبده، والعبد خالص له، فيجهل أمره، فلا يستتم عتقه عليه؛ ثم يقول له بعد ذلك أعطني كذا وكذا، وأتم لك عتقك ففعل العبد؛ ثم يعلم العبد بأنه لم يكن عليه غرم شيء، وأن استتمام عتقه كان على سيده واجبا، وقد أفلس السيد، وقام عليه غرماؤه، أو مات وهو مليء أو معدم؛ قال: أرى أن يرجع عليه بما دفع إليه إن مات فيما ترك، وإن فلس دخل مع الغرماء؛ وإن كان مليئا غرم له ذلك نقدا، وإن كان عديما، أتبعه به دينا. قال محمد بن رشد: هذا أصل قد اختلف فيه: من دفع ما لا يجب عليه دفعُه جاهلا، ثم أراد الرجوع فيه؛ من ذلك الذي يثيب على الصدقة، ثم يريد الرجوع في الثواب، ويدعي الجهل، ولها نظائر كثيرة؛ في المدونة والعتبية، قد تكلمنا عليها في غير ما موضع، وأشبعنا القول فيه في رسم أوصى، من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات، وقلنا هناك: إنها مسألة يتحصل فيها ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه ليس له أن يرجع فيما أنفذ بحال، وإن علم أنه جهل؛ إذ لا عذر له في الجهل. والثاني: أن له أن يرجع في ذلك إن ادعى الجهل، وكان يشبه ما ادعاه مع يمينه على ذلك، وقيل بغير يمين. والثالث: أنه ليس له أن يرجع في ذلك، إلا أن يعلم أنه جهل، بدليل يقيمه على ذلك، وهو قول سحنون في نوازله، من كتاب الصدقات والهبات، وبالله التوفيق.

مسألة: يحلف بعتق غلامه في دين عليه أن يقضيه إلى شهر

[مسألة: يحلف بعتق غلامه في دين عليه أن يقضيه إلى شهر] مسألة وسئل عن الرجل يحلف بعتق غلامه في دين عليه أن يقضيه إلى شهر، فلم يقضه، فأعتق السلطان عليه؛ أيتبعه ماله أم لا؟ وعمن مثل بعبده، هل يتبعه ماله أم لا؟ قال ابن القاسم: قال مالك: كلاهما يعتق بماله، ورواها أشهب في كتاب العتق أيضا عن مالك. قال محمد بن رشد: العبد يملك على مذهب مالك، فماله له ما لم ينتزعه منه سيده، أو يبعه؛ لأن بيعه إياه انتزاع منه لماله بالسنة الثابتة في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - من قوله: «من باع عبدا، وله مال، فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع» . فإذا أعتقه ولم يستثن ماله، تبعه على ما مضى من السنة في ذلك؛ إذ ليس له أن ينتزعه منه وهو حر بعد أن أعتقه، وكذلك إذا حنث فيه بالعتق يتبعه ماله، كما قال في الرواية؛ إذ ليس له أن ينتزعه منه بعد أن حنث فيه بالعتق، فصار حرا وإن كان ذلك قبل أن يعتقه عليه السلطان؛ لأن أحكامه أحكام حر من يوم الحنث، لا من يوم الحكم، وكذلك الذي يمثل بعبده فيعتقه عليه السلطان يتبعه ماله كما قال في الرواية؛ إذ ليس له أن ينتزعه منه وهو حر بعتق السلطان عليه إياه بالمثلة، ولو انتزعه بعد أن مثل به قبل أن يعتقه عليه السلطان، لجاز له انتزاعه منه؛ إذ ليس هو حرا بنفس المثلة، وأحكامه أحكام عبد حتى يعتق عليه، إلا أن ينتزعه منه بعد أن أشرف السلطان على الحكم عليه بالعتق، فلا يكون ذلك له، قاله أصبغ فيما حكاه عنه ابن حبيب، وبالله التوفيق.

مسألة: العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا

[مسألة: العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا] مسألة قال عيسى: سئل ابن القاسم عن العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا، فيعتق بإذن الذي له فيه الرق، أو بغير إذنه؛ فقال: إذا أعتقه بغير إذنه، فإنه يرد عتقه إن شاء؛ وأما إن أعتق بإذنه فولاء ما أعتق بينه وبين الذي أعتق النصف، فيكون ولاء ما أعتق هذا العبد الذي نصفه حر بين الذي له فيه الرق، وبين الذي أعتق النصف، ما كان الذي نصفه حر فيه الرق؛ وإن مات على ذلك وفيه الرق، فهو بينهما أيضا؛ فإن أعتق العبد الذي نصفه حر يوما ما، رجع إليه ولاء ما أعتق؛ لأنه مما لا يجوز للذي فيه الرق انتزاع ماله، فكل من لا يجوز لسيده انتزاع ماله، فما أعتق بإذنه فولاؤه يرجع إليه إذا أعتق؛ وقد قال في سماع يحيى، من كتاب الصلاة: إن ميراث ما أعتق هذا العبد الذي نصفه حر بإذن الذي له فيه الرق، للذي تمسك بالرق خالصا، وهو أحق بميراث مواليه من الشريك المعتق الأول. قال محمد بن رشد: رواية يحيى أصح في النظر؛ لأنه لما لم يصح أن يرث هذا العبد المعتق سيده الذي أعتقه، من أجل أن بعضه عبد؛ وجب أن يكون ميراثه لمن يرث سيده الذي أعتقه، وهو الذي له بعض رقبته؛ لأن العبد إذا كان بعضه حرا، وبعضه رقيقا، فميراثه للذي له فيه الرق، فكما يرثه بالرق الذي له فيه دون الذي أعتق بعضه، فكذلك يرث مولاه بالرق الذي له فيه دون الذي أعتق بعضه؛ ووجه رواية عيسى أنه لما كان الرجل يرث معتق عبده، وجب إذا كان له بعض عبد ألا يرث من معتقه إلا بقدر ما له من

مسألة: قال لعبده يوم أعتق فأنت حر فأعتق العبد في ملكه

رقبته؛ ولما كان الباقي من ميراثه لا يصح أن يرثه الذي أعتقه من أجل ما فيه من الرق، جعله للذي أعتق بقيته، وليس ذلك ببين، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لعبده يوم أعتق فأنت حر فأعتق العبد في ملكه] مسألة قال عيسى: وسئل عن عبد قال لعبده: يوم أعتق فأنت حر، فأعتق العبد في ملكه؟ قال: يعتق عليه، قيل له: فإن قال: اخدمني عشر سنين، وأنت حر فعتق؛ هل يلزمه ما جعل له؟ قال: نعم يلزمه، قلت: فلمن يكون ولاؤهما، وإنما عتقا بما عقد لهما في ملك سيده؛ قال: ولاؤهما له، وإنما هما بمنزلة ما أعتق، فلم يعلم به سيدهما حتى أعتقه، ولم يستثن ماله فولاؤه له؛ وإنما هذا إذا صنع ذلك بغير إذن سيده، وأما إن كان ذلك بإذن سيده فولاؤهما لسيده، وإن لم يعتقا إلا بعد عتق العبد الذي جعل لهما ذلك؛ قلت: فإن كانت جارية ففعل ذلك بإذن سيده، قال: أما الجارية فإذا أذن له سيده، فليس للعبد ولا لسيده أن يطأها، ولا أن يبيعها؛ لأنها معتقة إلى أجل؛ وأما الذي قال لجاريته: يوم أعتق فأنت حرة، فهذا يطأ، ويبيع إن شاء، قال ابن نافع: الولاء في مثل جميع هذه للسيد. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسائل بين، والأصل فيها أن من أعتق عبده وهو عبد، أو فيه بقية من رق، فلم يعلم بذلك سيده حتى عتق، فالولاء له؛ وإن علم فأجازه، أو كان العتق بإذنه؛ أفترى في ذلك من له أن ينتزع ماله، ممن ليس له ذلك؟ وقد مضى القول على هذا المعنى مجودا في رسم من سماع ابن القاسم، والله الموفق.

مسألة: تحضره الوفاة فيدخل عليه أحد ولديه فيشهده أنه أعتق فلانا

[مسألة: تحضره الوفاة فيدخل عليه أحد ولديه فيشهده أنه أعتق فلانا] مسألة قال عيسى بن دينار: ثم سألت ابن القاسم عن الذي تحضره الوفاة وله ولدان، فيدخل عليه أحدهما، فيقول له أبوه: اشهد أني قد أعتقت غلامي فلانا، ثم يخرج فيدخل عليه الآخر فيسأله أن يوصي، فيقول له: اشهد أن رأسا من رقيقي حر، ولم يترك إلا ثلاثة أرؤس، ويكون ماله كثيرا، أو لا يكون له مال غيرهم، قال ابن القاسم: لا أرى لواحد منهما شهادة يقطع بها، ويؤمر للذي شهد على عبد بعينه أن يشتري بحصته منه رقبة، إن باعه أشراكه، وإن أمسكوا فلا يستخدم حصته منه؛ فإن صار له كله، عتق عليه، ويؤمر الذي شهد على رأس منهم في ثلث قيمة أولئك الأرؤس الثلاث مثل ذلك. قال محمد بن رشد: قوله: لا أرى لواحد منهما شهادة؛ معناه أنها لا تلفق؛ لأنها مختلفة؛ وإذا لم تلفق بطلت؛ إذ لا يثبت العتق بشهادة واحد؛ وقد قيل: إنه يقرع بين العبيد بشهادة الذي شهد أنه أعتق رأسا من رقيقه، ولم يعينه، فإن خرجت القرعة على العبد الذي سماه الشاهد الآخر، لفقت الشهادة؛ لأنها قد اتفقت فيما يوجبه الحكم؛ وقد مضى هذا في نوازل سحنون، من كتاب الوصايا، ومضى في رسم العرية، من سماع عيسى، من كتاب الشهادات، تحصيل القول فيما تلفق فيه الشهادات مما لا تلفق فيه. وقوله: إذا بطلت الشهادة؛ أن الشاهد يؤمر أن يشتري بحصته من العبد الذي شهد بعتقه رقبة يعتقها إن باعه أشراكه، فإن لم يبيعوا وأمسكوا، فلا يستخدم حصته

مسألة: قال إن دخلت هذه الدار فجاريتي حرة

منه؛ معناه إذا لم يجد من يشتري منه حصته منه على انفراد، ولو وجد من يشتريها منه إذا لم يرد أشراكه البيع، لاستحب له أيضا أن يبيعها ويجعل ذلك في عتق، وكذلك قال في المدونة وغيرها. وقوله: إنه إن صار له كله عتق عليه صحيح؛ لأنه إنما منع أن تعتق عليه حصته منه من أجل الضرر الداخل في ذلك على أشراكه؛ وعبد العزيز بن أبي سلمة لا يراعي هذا الضرر، فرأى أن تعتق عليه حصته منه، قاله في أول رسم من سماع ابن القاسم، من كتاب الشهادات، ومثله للمغيرة في نوازل سحنون منه؛ ويتخرج في المسألة قول ثالث، وهو أن يعتق عليه حظه منه، ويقوم عليه حظ أشراكه؛ لأنه يتهم أن يكون أراد أن يعتق حظه، ولا يقوم عليه حظ أشراكه. وقد مضى بيان ذلك في أول رسم، من سماع ابن القاسم، من الكتاب المذكور؛ فإن رجع عما شهد به بعد أن ملكه كله، لم يعتق عليه عند أشهب، وهو قول غيره في العتق الثاني من المدونة؛ وما يلزم الذي شهد على عتق عبد بعينه من عتقه عليه إن ملكه كله ويؤمر به من أن يجعل ثمن حصته منه في عبد يعتقه، يلزم مثله الذي شهد على رأس منهم بغير عينه في ثلث قيمة أولئك الأرؤس، وذلك بأن يقوموا، فإن كانت قيمتهم سواء، أسهم بينهم على أيهم تخرج وصية الميت، فالذي يخرج السهم عليه يؤمر أن يبيع حصته منه فيجعله في رقبة، وإن ملكه كله عتق عليه، وذلك إن حمله الثلث؛ وإن لم يحمله الثلث، فيكون هذا الحكم فيما حمله منه، إلا أن تكون الشهادة عليه بالعتق في الصحة، فلا ينظر في ذلك إلى الثلث، وبالله التوفيق. [مسألة: قال إن دخلت هذه الدار فجاريتي حرة] مسألة وأما الذي قال: إن دخلت هذه الدار فجاريتي حرة، فولدت

مسألة: بتلت عتق نصف جارية لها وهي صحيحة وكاتبت نصفها

قبل أن يدخلها، ثم دخلها ولها ولد، فإنها تعتق بولدها كذلك؛ قال لي مالك عن الاستثقال للعتق. قال محمد بن رشد: القياس ألا يدخل والدها معها في العتق؛ لأنه فيها على بر، وله أن يطأ ويبيع، إلا أن قول مالك قد اختلف في ذلك، مرة كان يقول يعتق ولدها، ومرة كان يقول تعتق بغير ولدها؛ ولكن الذي ثبت عليه واستحسنه على كره أن تعتق هي وولدها على ما قاله في هذه الرواية، وما تقدم في رسم باع غلاما، من سماع ابن القاسم، وما يأتي في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى، وفي رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ؛ وقد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم باع غلاما المذكور، من سماع ابن القاسم، وفي رسم العرية، من سماع عيسى، من كتاب الوصايا، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: بتلت عتق نصف جارية لها وهي صحيحة وكاتبت نصفها] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يسأل عن امرأة بتلت عتق نصف جارية لها، وهي صحيحة، وكاتبت نصفها، ولم تعلم بذلك حتى ماتت؛ قال: لا يعتق منها إلا النصف التي أعتقت، وتمضي على الكتابة بالنصف، وسئل عن الرجل دبر نصف عبده، وكاتب نصفه، فقال: إن علم به قبل الموت كان مدبرا كله، وإن لم يعلم به حتى مات، عتق نصفه في ثلث الميت، ومضى على الكتابة في نصفه؛ قال: ولو لم يعثر على ذلك إلا وهو مريض، فإنهما يعتقان جميعا في ثلث الميت؛ فإن خرجا سقطت الكتابة، وإن لم يخرجا عتق منهما ما أعتق، وكان ما بقي منهما على الكتابة. قال محمد بن رشد: سقطت مسألة التدبير في بعض الروايات،

ولا تصح المسألة إلا بثبوتها؛ لأن قوله قال: ولو لم يعثر على ذلك إلا وهو مريض إلى آخر المسألة، إنما هو تمام مسألة التدبير، ولا يصح أن تعاد إلى مسألة المرأة فتجعل من تمامها، لاستحالة ذلك في اللفظ؛ إذ هو بلفظ التذكير وخطابه في المعنى؛ إذ لا يصح أن يكون في ثلثها ما أعتقه في صحتها؛ وقد أصلح من الشيوخ من سقطت من كتابه مسألة التدبير المسألة بأن ردها على التأنيث فطرح قوله، وهو مريض إلى آخر المسألة، وجعل مكانه، وهي مريضة، فإنه يعتق جميعها في ثلث الميت إن حملها، وسقطت الكتابة؛ وإن لم يحملها عتق منها ما عتق من مبلغ الثلث، وكان ما بقي منها على الكتابة، وذلك خطأ؛ لأن الواجب إذا أعتقت نصف جارية لها، وهي صحيحة فلم يعثر على ذلك حتى مرضت؛ أن يكون ذلك بمنزلة إذا لم يعثر على ذلك حتى ماتت، يعتق منها النصف الذي أعتقت ويمضي على الكتابة في النصف على القول بأن من أعتق نصف عبد له وهو صحيح، فلم يعثر على ذلك حتى مرض، لا يعتق عليه باقيه في الثلث إلا بعد الموت؛ وعلى القول بأن من أعتق نصف عبد له في صحته، فلم يعثر على ذلك حتى مرض، يعتق عليه باقيه في الثلث؛ يعتق عليها النصف الذي أعتقت في صحتها؛ فإن ماتت من مرضها، والثلث يحمل النصف الذي كاتبت، أعتق في ثلثها، وسقطت عنه الكتابة؛ وإن لم يحمل الثلث جميعه، أعتق منه ما حمل ثلثها، وسقط عنه من الكتابة بقدر ذلك؛ وكان ما

مسألة: باع شقصا له في عبد واستثنى ماله

بقي منه على الكتابة؛ وقد قال بعض من ذهب إلى تصحيح هذا الإصلاح، معنى ذلك أنها كانت ذات زوج؛ ولذلك قال: إن النصف الذي أعتقت في صحتها يكون في ثلثها، وذلك أيضا خطأ من التأويل؛ لأنه إن كان ثلث مالها لا يحمله فأجازه الزوج، وجب أن يجوز وتكون من رأس المال؛ وإن لم يجزه، وجب أن يبطل كله، ولا يجوز منه قدر الثلث؛ وهذا أمر متفق عليه في العتق؛ وأما في غير العتق، فقد قيل: إن الزوج إذا لم يجزه جاز الثلث، وبطل الزائد عليه، فساوى بين من أعتق بعض عبده، أو دبر بعضه بين التدبير والعتق في ألا يلزمه عتق الباقي ولا تدبيره حتى يحكم عليه به؛ فإن لم يحكم به عليه حتى مات لم يحكم به عليه بعد الموت؛ لأن تتميم عتقه عليه، إذا أعتق بعضه ليس فيه أثر؛ وإنما قيس على ما جاءت به البينة من أنه من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل، فعتق الرجل بعض عبده مقيس على عتقه شقصا له في عبد، وتدبير الرجل بعض عبده مقيس على عتق بعض عبده، فإن عثر عليه في حياته كان مدبرا كله، وإن لم يعثر عليه حتى مات، لم يكن منه مدبرا إلا ما دبر، وكذلك إذا دبر بعض عبده وكاتب بقيته، فعثر على ذلك قبل أن يموت، تبطل الكتابة في نصفه؛ إذ لا يجوز للرجل أن يكاتب نصف عبده، ويكون مدبرا كله، وبالله التوفيق. [مسألة: باع شقصا له في عبد واستثنى ماله] مسألة وقال: من باع شقصا له في عبد، واستثنى ماله، فسخ البيع.

: الولد يشهد أن أباه أعتق عبدا سماه

قال محمد بن رشد: دليل هذه الرواية أنه لو لم يستثن ماله، لم يفسخ البيع إن سلم البائع المال للمشتري، على قياس ما في رسم كتب عليه ذكر حق، من سماع ابن القاسم، من كتاب جامع البيوع، خلاف ما في رسم استأذن، من سماع عيسى منه، وخلاف ما في سماع أشهب أيضا من كتاب الشركة، وبالله التوفيق. [: الولد يشهد أن أباه أعتق عبدا سماه] ومن كتاب له أوصى بمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسألته عن الولد يشهد أن أباه أعتق عبدا سماه، وشهد بذلك غير ولد ممن يرث الميت، قال: لا تجوز شهادة واحد في العتق، ولا يعتق منه قليل ولا كثير، لا ما ينوبه ولا غيره، غير أنه إن ملكه يوما ما، أو ملك منه شيئا عتق عليه جميع ما يملك، فإن الذي ملك منه كله أو بعضه، فإنه يعتق عليه، ولا يحل له أن يسترق عبدا يزعم أنه حر، قلت: ولم لا يعتق منه مصابته فيه، وإن لم يملك منه شيئا؟ قال: كذلك قال مالك: لا يعتق منه شيء إلا أن يملكه، قال ابن القاسم: وما صار منه في حظه من دنانير، أو دراهم، أو غير ذلك من العروض، فإنه لا يأكله ويؤمر أن يجعله في عتق رقبة إن كان يبلغ رقبة، أو في شركة عبد يعتق إن لم يبلغ رقبة، أو في قطاعة مكاتب يجعله في عتق ولا يأكله، يؤمر بذلك وله أن يقضي عليه به، فإن ملكه يوما ما عتق عليه إن كان يحمله ثلث الميت يوم

مات، أو ما كان يحمل منه، ليس عليه أن يعتق منه أكثر مما كان يحمل منه ثلث الميت يوم مات، إن كان إنما زعم أنه أعتقه في المرض، ولو كان شهد أنه أعتقه في الصحة، لم يجز له أن يملك منه شيئا أبدا؛ ومتى ما ملك منه شيئا؛ عتق عليه، غير أنه إن كان إنما يزعم أنه أعتقه في المرض، فإنه إن ملك منه شيئا نظر، فإن كان هو ثلث الميت بعينه، ولم يكن معه من الوصايا شيء إلا وهو مبدأ عليه، فإنه متى ما ملك منه شيئا، عتق عليه إن ملكه كله عتق عليه كله؛ وإن ملك بعضه عتق عليه ما ملك منه؛ وإن كان معه من الوصايا من العتق أو غيره ما يكون غيره مبدأ عليه، أو يكون هو وإياه في الثلث، إسوة الغرماء، فإنه إذا ملكه يوما ما نظر إلى ما كان يعتق منه في ثلث الميت مع تلك الوصايا، لو ثبت عتقه يومئذ بشاهد آخر، فأعتق منه إذا ملكه مبلغ ذلك إن كان يعتق جميعه مع تلك الوصايا عتق جميعه، وإن كان نصفا فنصفا، وإن كان ثلثا فثلثا، يعتق منه مبلغ ما كان يعتق منه معهم لو ثبت عتقه بشاهدين؛ وأما إذا لم يملكه، وإنما صار له منه دنانير، أو دراهم أو غير ذلك من العروض، فإنه ينظر إلى ما صار إليه من قيمته؛ فإن كان قدر ما يعتق منه في الثلث أو أدنى، جعل جميع ذلك في عتق؛ قال ابن القاسم: إن كان كله، وإن كان أكثر مما كان يعتق منه أخرج مقدار الذي كان يعتق منه، فجعله في عتق واحتبس الفضلة، فهكذا يصنع فيما يصير له من شهد في عتق عبد من جميع الورثة

ولدا كان أو غير ذلك، امرأة كان أو رجلا، قاطع الشهادة كان أو غير قاطعها، إذا كان يملك ماله، ويجوز فيه قضاؤه، ويقبض ما ورث، ولا يولى عليه؛ فهذا الذي يجب عليهم أن يفعلوه من غير أن يقضى عليهم فيه، فكم من ليس بقاطع الشهادة، ولا يولى عليه في ماله لإصلاحه في ماله، وحسن نظره، وعسى أن يكون والد الميت، أو أخا، أو غير ذلك، فأولئك كلهم إذا شهدوا في عبد أن صاحبهم المالك أعتقه، فعليهم أن يصنعوا فيما يصير لهم مثل ما ذكرت لك، ولو شهد رجلان منهم ممن ليس بقاطع الشهادة، إلا أنهما ليس يولى عليهما في أموالها، فإن العبد لا يعتق بشهادتهما، ولكن كل من ردت شهادته، كان عليه أن يصنع فيما يصير له فيه مثل ما وصفت لك، وكذلك أيضا الرجلان العدلان من ولده يشهدان لعبد أن أباهما أعتقه، فإنه إن كان العبد ممن لا يتحمل بولايته ولا يتهمان في جر ولاء مثله لدناءته، فإن شهادتهما جائزة، ويعتق بشهادتهما. وإن كان ليس معهما غيرهما ممن يرث ولاء الميت إنما معهما بنات ونساء ومن لا يرث ولاء، فإن شهادتهما جائزة، ولا يتهمان في جر ولاء العبد الدني ويعتق بشهادتهما؛ وإن شهدا في عبد نبيل يرغب في ولائه ويتحمل بولايته، أو في عبد دني إلا أن له أولادا من امرأة حرة مثلهم يرغب في ولائهم، فإنه إن كان كل من ورث الميت يرث الولاء، جازت شهادتهما، وإن كان معهما بنات أو أخوات أو من لا يرث ولاء، لم تجز شهادتهما وردت؛

لأنهما يجران إلى أنفسهما، ويتهمان في جر الولاء، ولا يعتق منه قليل ولا كثير، لا من مصابتهما ولا غيره، ويصنعان فيما يصير لهما منه من رقبته أو من ثمنه مثل ما وصفت لك في الشاهد الواحد، والشاهدين اللذين هما غير قاطعي الشهادة، فكل من ردت شهادته عدلا كان أو غير عدل إذا كان مالكا لماله، لا يولى عليه فيه صنع فيما يصير له من العبد، مثل ما وصفت لك، قال: ولو شهد رجل واحد من ورثته في عبد بعضه حر، أن الميت أوصى بعتقه، عتق من العبد نصيب الشاهد منه فقط، ولم يعتق منه غيره؛ لأنه لا يتهم هاهنا، ولم يدخل فسادا بشهادته إذا كان بعضه حرا. قلت: أرأيت إن شهد رجل أو رجلان من ورثته في عتق عبد نصفه حر، أن صاحبهم أعتق بقيته، والعبد مما يتحمل بولايته، ويرغب فيه، ومعهم من الوراث من لا يرث ولاء، أتجوز شهادتهم أم لا؟ قال ابن القاسم: لا تجوز شهادتهم إذا كان العبد يتهمون فيه على جر ولائه، وكان معهم من الورثة من لا يرث ولاء، وإن كان بعضه حرا؛ لأن جر قليل الولاء وكثيره سواء، قال ابن القاسم: لا يعتق من العبد إذا ملك شقصا أحد ممن شهد له، وردت شهادته أكثر مما ملك منه، ولا يعتق عليه نصيب شريكه فيه بالقيمة، وإنما يعتق منه الذي ملك، فلا يعتق عليه غيره. وما ملكوا من العبد فعتق، فإن ولاء ما عتق منه للميت، ولمن ورث الميت، قال ابن القاسم: ولو كان الذي شهد ليس للميت وارث غيره، جازت شهادته وعتق بشهادته وحده العبد في ثلث الميت، أو ما حمل الثلث منه، كان جائز الشهادة، أو غير

جائز الشهادة، إذا كان لا يولى عليه في ماله؛ وكذلك أيضا الشهيدان إذا لم يكن معهما وارث غيرهما جازت شهادتهما، وأعتق العبد بشهادتهما في ثلث الميت، كانا جائزي الشهادة، أو غير جائزي الشهادة إذا كان لا يولى عليهما في أموالهما، قال: وكل من ملك ممن ذكرت لك في هذه المسألة من الشهداء من رقبة العبد شيئا، فإنه يجبر على عتق ما ملك منه على حال ما وصفت لك، ومن لم يملك منه شيئا، وإنما صار له في مصابته منه دراهم أو دنانير، فإنه يؤمر أن يجعل ذلك في رقبة، ولا يجبر على ذلك كما يجبر على عتق ما يملك منه؛ قلت: فالسفيه مولى عليه، والصغير والبكر من النساء المولى عليهما، يشهد أحدهم بهذه الشهادة في حال ولايته، ثم ملك من ذلك العبد شيئا، هل يعتق عليه؟ قال: لا؛ لأن مالكا قال لي في السفيه يحلف بعتق بعض رقيقه في شيء ألا يفعله، فتحسن حاله، ثم يفعل وهو حسن الحال؛ أترى أن يعتق عليه؟ قال: لا، ولا أراه يخرج من المأثم، ولا يقضى عليه بذلك؛ لأن الأيمان يوم تقع. قال محمد بن رشد: هذه المسائل كلها صحاح بينة، مثل ما في المدونة، وما فيها من الزيادة عليها مفسرة لما فيها؛ ولما سأله عن الابن يشهد أن أباه أعتق عبدا له سماه، لم لا يعتق عليه حظه منه؟ قال له كذلك قال مالك، فاكتفى بذلك منه دون أن يبين له العلة؛ والعلة في ذلك هي الضرر الذي يدخل على سائر الوراث بعتق بعض العبد؛ لأن ذلك ينقص قيمته إذا أعتق ربعه، قد لا تساوى ثلاثة أرباعه إلا نصف ثمن جميعه، ولهذه

العلة جاءت السنة فيمن أعتق شقصا له في العبد، أن يقوم العبد على أن جميعه مملوك، فيعطي شركاؤه حصصهم منه، ولا يقوم عليه نصيب شريكه منه على أن نصيبه حر، ألا ترى أنه إذا شهد على موروثه بعتق عبد بعضه حر، عتق عليه نصيبه منه على ما قاله في الرواية؛ لارتفاع علة الضرر في ذلك، فقوله في الذي شهد أن أباه أعتق عبدا سماه، أنه إن ملكه يوما ما، أو ملك منه شيئا، أعتق عليه جميع ما يملك، كان الذي يملك منه كله أو بعضه صحيح؛ لأنه إذا ملكه كله، لم يكن على أحد ضرر في عتقه عليه، وإذا ملك منه بعضه باشتراء أو هبة، فوجب أن يعتق عليه ما اشترى، لإقراره أنه حر، وجب أن يعتق عليه ما ورثه منه أيضا لارتفاع علة الضرر في ذلك بدخول العتق فيه بما اشتراه منه، أو وهب له؛ مثال ذلك أن يكون للرجل ثلاثة من الولد، فيشهد أحدهم على أبيه أنه أعتق عبدا له سماه، فلا يعتق عليه حظه منه، فإن اشترى حظ أخيه الثاني عتق عليه ثلثا العبد، الثلث الذي ورثه والثلث الذي اشتراه، ولا يقوم عليه حظ أخيه الثالث على ما قاله في الرواية، وقد قيل: إنه يقوم عليه، وهو الذي يأتي على قول أصبغ في نوازله، من كتاب الشهادات، في الرجلين يشتريان العبد من الرجل، ثم يشهد أحدهما على البائع أنه كان قد أعتقه، والاختلاف في تقويمه عليه جار عندي على اختلافهم في ولاء ما أعتق عليه منه بإقراره أن غيره أعتقه، هل يكون له أو للذي زعم أنه أعتقه، فمن يرى أن الولاء يكون للمشهود عليه بالعتق، لا يقوم عليه حظ الشريك، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، ومن يرى أن الولاء يكون للذي أعتق عليه، وهو مذهب أشهب والمخزومي، يرى أن يقوم عليه. وإلى هذا ذهب أصبغ، والله أعلم، وقد قيل: إنه يعتق عليه ما ورثه منه، قاله عبد العزيز بن أبي سلمة، في أول رسم من سماع ابن القاسم، من كتاب

مسألة: حلف في جارية له بحريتها إن لم يبعها بعشرين دينارا إن وجد

الشهادات، والمغيرة في نوازل سحنون منه، فهي ثلاثة أقوال في المسألة، وكان القياس على مذهب ابن القاسم وروايته عنه إذا لم يعتق عليه حظه الذي ورثه منه للضرر الداخل في ذلك على أشراكه، ألا يعتق عليه ما اشتراه منه أيضا للضرر الداخل في ذلك أيضا على أشراكه، إلا أن يشتري جميعه، وقوله في السفيه المولى عليه، والبكر من النساء المولى عليه، والصغير يشهد أحدهم بهذه الشهادة، ثم يملك من ذلك العبد شيئا في حال ملكه لأمر نفسه، أنه لا يعتق عليه، فقد مضى القول عليه في رسم العتق، من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف في جارية له بحريتها إن لم يبعها بعشرين دينارا إن وجد] مسألة وسألته عن رجل حلف في جارية له بحريتها، إن لم يبعها بعشرين دينارا إن وجد، وإن لم يبعها بنقصان عشرة دينار من رأس ماله إن وجد من يشتريها، فعرض فلم يجد من يأخذها بوضيعة عشرة دنانير، ولا من يشتريها بعشرين دينارا، قال: لا يحال بينه وبين وطئها، ويعرضها أبدا ما عاش؛ فإن لم يجد من يأخذها بذلك حتى مات، فلا حرية لها، ولا حنث عليه، وإن وطئها فحملت منه، عتقت عليه ساعة حملت. قال محمد بن رشد: هذه المسألة يختلف منها في موضعين؛ أحدهما: هل له أن يطأ في حال العرض أم لا؟ والثاني: إن عرض فوجد الثمن الذي حلف عليه، هل يحنث إن لم يبعها، أو لا يحنث؟ ويكف عن وطئها؛ لأنه على حنث، ولم يبعها حتى مات، عتقت في ثلثه، والاختلاف في هذا إنما

مسألة: باع من عبده نفسه بمائة دينار نقدا

هو إذا لم تكن له نية في التعجيل ولا في التأخير، على أي الوجهين تحمل يمينه من ذلك، وأما إذا عرض فلم يجد الثمن الذي حلف عليه، فلا اختلاف في أن له أن يطأ، فإن مات قبل أن يجد الثمن، فلا شيء عليه ولا عتق لها، ويلزمه أن حال السوق بزيادة، أن يعود إلى العرض على القول بأن يمينه تحمل على التأخير إذا لم تكن له نية، وهو مذهبه في هذه الرواية، بدليل قوله، فإن لم يجد من يأخذها بذلك حتى مات، فلا حرية لها ولا حنث عليه، وإن وطئها فحملت منه عتقت عليه ساعة حملت؛ إذ لو حمل يمينه على التعجيل؛ لكان قد بر إذا عرضها في ذلك السوق، فلم يجد بها الثمن الذي حلف عليه، وقد مضى في رسم المكاتب، من سماع يحيى، من كتاب الإيلاء، ما يبين ما قلناه في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: باع من عبده نفسه بمائة دينار نقدا] مسألة وسئل عن رجل باع من عبده نفسه بمائة دينار نقدا، ومائة ثوب موصوف إلى أجل، هل يكون الآن حرا، ويكون ذلك دينا عليه يتبع به؟ قال ابن القاسم: هو حر الآن، كان للعبد مال أو لا مال له؛ لأنه حين باعه نفسه، قد علم أنه سيعتق بملكه نفسه وهو بمنزلة رجل باع عبدا إلى سنة فأعتقه مشتريه، والبائع يعلمه فلم يعثر على ذلك حتى حلت السنة، فلم يجد عنده شيئا، فأراد رده، فليس ذلك له، وهو القياس بعينه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن البيع ينقل الملك، فإذا ملك العبد نفسه بالشراء عتق، ووجب عليه ما التزم من الثمن إلى أجله، فلا يدخل في هذه المسألة الاختلاف الحاصل بينهم فيمن قال لعبده: أنت حر على

مسألة: يقول لعبده أنت حر قبل موتي بيوم أو يومين

أن عليك كذا وكذا نقدا، أو إلى أجل كذا وكذا حسبما نذكره إن شاء الله في رسم الصبرة، من سماع يحيى، من كتاب المكاتب، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لعبده أنت حر قبل موتي بيوم أو يومين] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول لعبده: أنت حر قبل موتي بيوم أو يومين، أو شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين ما كان من الأجل، قال ابن القاسم: إن كان سيده مليئا أسلم العبد إلى السيد واختدمه حتى يموت، ثم ينظر في موته والأجل، فإذا كان الأجل في حين كان يجوز للسيد فيه القضاء في ماله كله، عتق العبد من رأس المال، ونظر إلى كراء خدمته بعد الأجل، فأعطيه من رأس مال سيده، وإن كان حل الأجل في مرض السيد، وفي حين كان لا يجوز للسيد القضاء في ماله إلا في الثلث، فإنه لا يعتق العبد إلا من الثلث، ويرده الدين ولا كراء له في خدمته، وإن كان السيد غير مليء خرج العبد ووقف خراجه، فإذا مضت السنتان أو الأجل ما كان حبس ذلك الخراج، فكلما مضى شهر بعد السنتين، أعطى خراج شهر من أول السنتين الماضيتين بقدر ما ينوب لكل شهر من الخراج، فعلى هذا يكون العمل فيها قرب الأجل أو بعد.

قال محمد بن رشد: اختلف في الرجل يعتق عبده إلى قبل موته بأجل سماه على أربعة أقوال؛ أحدها قول ابن القاسم هذا في هذه الرواية: أنه لا يعجل عليه عتقه بالشك، ويترك في خدمته إن كان له مال حتى يموت، فإذا مات نظر في الأجل الذي سمى، فإن كان حل والسيد مريض من مرضه الذي مات منه عتق من ثلثه؛ لأن موته كشف أن العتق وجب له في مرضه الذي مات فيه، وإن كان حل وهو صحيح عتق من رأس ماله، وأعطى من رأس ماله أيضا قيمة خدمته، فإن كان الأجل في التمثيل سنة استؤجر سنة ووقف خراجها، فكل ما مضى شهر بعد السنة، وقف خراج هذا الشهر، وأعطى السيد خراج شهر من أول السنة؛ هكذا أبدا، وتكون نفقته وكسوته من خراجه، فإن استؤجر في هذه المسألة على أن نفقته وكسوته على سيده، أسقط من إجارته نفقته وكسوته، ووقف الباقي، وإن استؤجر على أن نفقته وكسوته على المستأجر، وقفت الإجارة كلها، وذلك يخرج إلى شيء واحد؛ فإن مات العبد في حياة سيده أخذ السيد ما وقف له، حكى ذلك ابن المواز عن ابن القاسم، والذي يأتي على قياس قوله أن يبقى موقوفا حتى يموت السيد فيعلم بموته هل وجب للعبد العتق قبل موته من رأس مال سيده أم لا؟ فإن تبين أن العتق قد كان وجب له قبل أن يموت من رأس المال، كان ما وقف لورثته؛ وقال المدنيون على قياس هذه الرواية: إنه من أراد أن يستخدم لعبده طول حياته، ويكون حرا من رأس ماله بعد وفاته، فيعتقه إلى قبل السبب الذي يكون منه وفاته من أجل يسميه، وذلك لا يصح؛ إذ ليس للرجل بعد وفاته أكثر من ثلث ماله؛ والواجب إذا فعل ذلك أن يعجل عتقه باتفاق؛ لأن العتق قد حصل له بيقين، إما بقوله، وإما بموته، فلا يصح أن يمكن من اختدامه بشك؛ إذ لا يدرى لعله حر من الآن. والقول الثاني: أنه

: بايع رجلا واستحلفه بعتق غلامه ليدفعن إليه حقه إلى أجل فحنث

يعجل عتقه من الآن، ولا ينتظر به موت سيده، لاحتمال أن يكون لم يبق بينه وبين موته إلا مثل الأجل الذي سمي، أو أقل، فلا يسترقه بالشك، وهو أحد قولي ابن القاسم. حكى محمد بن المواز أن قوله اختلف في ذلك. والقول الثالث: أنه يكون كالمدبر يعتق بعد موته من الثلث؛ لأنه عتق لا يكشفه إلا الموت، وهو قول أشهب. والقول الرابع: أنه لا يعتق من رأس المال، ولا من الثلث، وهو قول أشهب أيضا، حكى البرقي عنه القولين جميعا، ووجه هذا القول أنه لا يعتق عليه بالشك؛ إذ لا يدرى هل وجب له العتق بعد، أو لم يجب له إلى الأجل من رأس المال، أو من الثلث، وقد لا يكون له الثلث، وهذا القول هو أضعف الأقوال في هذه المسألة، وقول ابن القاسم في هذه الرواية أظهرها وأبينها، وأما إن قال الرجل لعبده: أنت حر قبل موتك بكذا وكذا، فيعجل عتقه على مذهب ابن القاسم، ولا عتق له على مذهب أشهب، وبالله التوفيق. [: بايع رجلا واستحلفه بعتق غلامه ليدفعن إليه حقه إلى أجل فحنث] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسمعته يقول في رجل بايع رجلا، واستحلفه بعتق غلامه ليدفعن إليه حقه إلى أجل فحنث، وليس له مال غيره؛ فأراد هذا الذي استحلفه أن يرد عتقه ولا يجيزه، لمكان ماله عليه حتى يستوفي ماله؛ قال ذلك له، ولا أرى أن يجوز عتق أحد وعليه دين، وإن كان هو الذي استحلفه، وأن بعض الناس يقولون: ليس له أن يرد عتقه، ولكن هذا رأي؛ وقال عبد الله بن وهب: ليس له أن يرد عتقه؛ لأنه أذن له في عتقه حين استحلفه، ولكن إن كان عليه دين لغيره، فقاموا به لم

مسألة: عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته بتلا

يجز له عتق، وضرب معهم المستحلف بحقه؛ قلت فموضع يكون له فيه شيء، وموضع لا يكون له فيه شيء؟ قال: كذلك يكون الاستحسان. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم، وقول ابن وهب؛ ولكن إن كان عليه دين لغيره، فقاموا به، لم يجز له عتق، وضرب معهم المستحلف بحقه، معناه إذا كان الذي لغيره يحيط برقبة العبد؛ لأنه إذا أحاط برقبته ووجب رد عتقه بذلك؛ كان البائع أحق بعبده، وإن شاء تركه، وحاص الغرماء، فيضرب معهم فيه بحقه؛ وأما إن كان الدين الذي عليه لغيره لا يحيط برقبة العبد، فيباع منه بذلك، ولا يدخل في ذلك البائع، ويعتق الباقي من العبد، هذا معنى قول ابن وهب، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد بين رجلين أعتق أحدهما مصابته بتلا] مسألة وقال في عبد بين رجلين، أعتق أحدهما مصابته بتلا، وأعتق الآخر مصابته إلى أجل، أنه يقال للذي أعتق إلى أجل: إما عجلت عتقه الساعة، وإلا قوم على الأول، وكذلك لو أعتق أحدهما مصابته إلى موت إنسان سماه، وأعتق الآخر مصابته إلى موت آخر؛ سماه أن العبد يخدمهما على حاله، فإن مات فلان الذي سماه المعتق الأول أولا، أعتق نصيبه، وقيل لشريكه: أما أعتقت مصابتك الساعة، وإلا قوم على الأول؛ فإن مات فلان الذي سماه

: أعتق كل واحد منهما إلى موت صاحبه

المعتق الآخر أولا أعتق نصيبه فقط، ولم يقوم عليه نصيب صاحبه؛ لأنه لم يبتدئ له فسادا، من قبل أن عبدا لو كان بين رجلين فيعتق أحدهما مصابته إلى أجل قوم عليه كله، فكان عتيقا إلى ذلك الأجل، وإن لم يكن له مال يقوم عليه فيه، عتق عليه نصيبه إلى الأجل الذي سماه؛ فإن أعتق الذي له فيه الرق بعد ذلك نصيبه بتلا قبل الأجل الذي أعتق عليه الأول، لم يقوم على الثاني؛ لأنه ليس هو ابتدأ الفساد، وإنما الأول هو الذي ابتدأ فساده؛ فكذلك إذا مات فلان الذي أعتق الثاني مصابته بعد موته قبل موت الذي أعتق الأول مصابته بعد موته، لم يعتق عليه إلا مصابته، ولم يقوم عليه ما بقي؛ وموت فلان إنما هو أجل من الآجال، مثل ما وصفنا؛ قال ابن القاسم: وإن ناسا ليقولون: إذا أعتق الرجل شقصا له في عبد إلى أجل، لم يقوم عليه حظ صاحبه حتى يحل الأجل؛ ولست أقول أنا ذلك؛ لأنه ليس بمنزلة المدبر؛ لأن المدبر يتقاومانه فيفسخ التدبير، وهذا لا يفسخ؛ وأن الذي يدبر شقصا له في عبد، أن الذي له فيه الرق إن رضي أن يدفعه إلى شريكه بالقيمة؛ لزمه ذلك، ولم يترك حتى يموت، فهذا مثله. [: أعتق كل واحد منهما إلى موت صاحبه] ومن كتاب المكاتب والمدبر والبيوع من سماع أصبغ قيل لابن القاسم: فلو أعتق كل واحد منهما إلى موت صاحبه، فقلت أنا: ليس هذا من هذا، ثم سألته بعد ذلك عنها إذا قال: كل

واحد منهما لصاحبه نصيبي حر إلى موتك، فقال: لا أدري ما هذا؟ فقلت: لا تكون فيه قيمة؟ قال: لا أرى ذلك، قلت: ويكون عليه ما جعلاه؟ قال: نعم، ثم قال لي من الغد نظرت فيها البارحة، قال أصبغ: فلا أدري ما قال، غير أني ظننت، وهو قولي: إنه يترك إلى موتهما، فإن مات أحدهما قبل صاحبه، عتق نصيب الحي مكانه، وترك نصيب الميت إلى موت الحي، ولم يقوم على الحي نصيب الميت؛ لأنه ليس هو مبتدئ الفساد، لم يزده إلا خيرا؛ وجعله بمنزلة ما لو أنه أعتق الأول إلى أجل، ثم أعتق الثاني إلى أجل دونه؛ أنه لا يقوم على الثاني عند أجله؛ لأنه لم يزده إلا خيرا حين كان أجله دون أجل المبتدئ؛ قال أصبغ: وهما من رأس المال. قال محمد بن رشد: قوله في أول هذه المسألة في العبد بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه بتلا، ثم يعتق الآخر نصيبه إلى أجل، أنه يقال للذي أعتق إلى أجل: إما عجلت عتقه الساعة، وإلا قوم على الأول؛ هو مثل قوله في المدونة وروايته عن مالك، ورواية أشهب أيضا؛ والوجه في ذلك أن تقويم العبد بين الشريكين على الذي أعتق نصيبه منه، حق للشريك في إفساد حظه منه عليه، وحق للعبد في تبتيل عتق جميعه؛ فإذا ترك السيد حقه في التقويم، وأعتق حظه منه إلى أجل كان من حق العبد أن يقوم على الأول فيبتل عتقه، إلا أن يبتل الثاني عتق نصيبه، فلا يكون للعبد حجة، ولبعض الرواة في المدونة، وهو المخزومي أنه يعجل العتق على الذي أعتقه إلى أجل، ولا يقوم على الأول، وهو اختيار سحنون؛ ووجه قوله، أنه لما أعتق نصيبه إلى أجل، فقد أفاته بالعتق، ووجب له ولاؤه؛

فلم يجب أن يقوم على الأول لوجهين؛ أحدهما: أنه قد ترك حقه في التقويم عليه. والثاني: أنه قد فوت نصيبه بالعتق، ووجب له ولاؤه، فلا يصح أن يفسخ ذلك، وإذا لم يصح فسخه، وجب أن يعجل عتقه لحق العبد في تعجيل عتقه، وهذا القول أظهر، والله أعلم. وأما الشريكان في العبد الذي يعتق كل واحد منهما حظه فيه إلى موت إنسان سماه، فقوله في ذلك أنه إن مات الذي أسماه المعتق الأول أولا عتق نصيبه، وقيل لشريكه: أما عتقت مصابتك الساعة، وإلا قوم على الأول؛ فهو صحيح على قياس قوله فيما تقدم. وفي المدونة في الذي يعتق حظه من العبد تبلا، ثم يعتق شريكه حظه منه إلى أجل؛ ويأتي في ذلك على قياس قول المخزومي أن يبقى نصيبه على حاله معتقا إلى موت الذي سماه، ولا يعجل عليه عتقه؛ إذ لم يتعد فيما صنع، ولا يقوم على الأول إذ قد ثبت فيه الولاء للثاني بعتقه إلى موت الذي سماه، وأما قوله: إنه إن مات الذي سماه المعتق الآخر أولا أعتق نصيبه قط، ولا يقوم عليه نصيب صاحبه، فهو صحيح؛ لأنه بمنزلة العبد بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه منه إلى أجل، ثم يعتق الآخر نصيبه منه بثلاث؛ أنه يبقى على حاله نصفه حر، ونصفه معتق إلى أجل، ولا يقوم على الذي بتل حظه منه؛ لأنه لم يبتدئ فيه فسادا، ولأن الولاء قد ثبت للأول؛ وقد قال بعض أهل العلم واستحسنه ابن القاسم، ثم رجع عنه في رسم العشور، من سماع عيسى، من كتاب الخدمة أن خدمته تقوم على الذي بتل حظه منه؛ لأن الخدمة رق فيعجل عتقه، ووجه القول الذي رجع إليه، ما ذكره في الرواية من أنه رآه ظلما أن يؤخذ منه قيمة الخدمة، ويكون ولاؤه لغيره؛ ويأتي على قياس هذا القول الذي استحسنه ابن القاسم، ثم رجع عنه في مسألتنا إذا مات الذي سماه المعتق الآخر أولا، أن يعتق نصيبه

ويقوم عليه خدمة حظ الأول إلى موت الذي سماه على غررها، فيعجل عتق جميعه؛ وأما الذي يعتق حظه من العبد إلى أجل، ففي ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: قوله في هذه الرواية، وفي المدونة، أنه يقوم عليه، ويكون حرا إلى ذلك الأجل، إلا أن يشاء أن يعتق نصيبه منه إلى ذلك الأجل على ما قاله في رسم جاع بعد هذا. والثاني: أنه لا يقوم عليه حتى يحل الأجل، وهو قول مالك في رواية مطرف عنه على ما وقع في رسم جاع بعد هذا؛ فإن خشي عليه العدم أخذت منه القيمة، ووقفت حتى يحل الأجل على ما قاله في رسم يوصي، من سماع عيسى، من كتاب الخدمة. والثالث: أن الشريك مخير بين أن يقومه عليه الآن، وبين أن يتماسك بحظه حتى يحل الأجل، فيقومه عليه عند حلوله؛ فإن تماسك لم يكن له أن يبيعه قبل السنة إلا من شريكه، وهو قول عبد الملك؛ واختلف إن أراد أن يقومه عليه فألفاه عديما، هل له أن يقومه عليه عند الأجل إن أيسر أم لا؟ فقال ابن الماجشون: ذلك له، وقال المغيرة وسحنون: إن عدمه اليوم قاطع للتقويم عليه بعد ذلك إن أيسر؛ وقول أصبغ فيما سئل عنه ابن القاسم في رسم المكاتب من سماعه في العبد بين الرجلين يعتق كل واحد نصيبه إلى موت صاحبه، ليس هذا من هذا؛ يريد ليست هذه المسألة مما تشبه المسألة التي تقدمت في الذي أعتق كل واحد منهما حظه من العبد الذي بينهما إلى موت رجل سماه، معناه عندي أنها ليست تشبهها إذا قالا ذلك معا، أو تقدم أحدهما صاحبه بالقول، ولم يعلم الأول منهما؛ وأما إذا تقدم أحدهما صاحبه بالقول، وعرف الأول منهما فهي تشبهها؛ والجواب فيها على ما تقدم في الأولى، أن ينظر إلى الذي ابتدأ بالعتق إلى موت صاحبه، فإن مات صاحبه قبله، عتق عليه نصيبه، وقوم عليه نصيب الميت، إلا أن يشاء ورثته أن يعتقوه فذلك لهم، وإن مات قبل

مسألة: عبد بين ثلاثة نفر بميراث أو بشراء فقال أحدهم نصيبي حر

عتق نصيب صاحبه بموته وبقي نصيبه، يخدم ورثته حتى يموت الآخر فيعتق من رأس المال، ولا يقوم نصيب المعتق أولا على الثاني؛ لأن الثاني لم يبتدئ عتقه، إنما ابتداه الأول، وهو الذي يقوم عليه نصيب صاحبه إذا مات؛ إلا أن يبت الورثة عتقه، فذلك لهم؛ وإذا لم يتقدم أحدهما صاحبه بالقول، أو تقدمه به، ولم يعلم الأول منهما؛ فالذي نص عليه ابن القاسم في هذه الرواية هنا، وقاله أصبغ أيضا تأويلا عليه، وأخذ به؛ وهو قول ابن القاسم أيضا في سماع أبي زيد، أنه لا تقويم في ذلك على الذي عتق عليه نصيبه بموت صاحبه قبله، فيعتق نصيب الحي منهما بموت الميت، ونصيب الميت على الورثة بموت الحي من رءوس أموالهما، ويرد عتق نصيب واحد منهما الدين المستحدث. ولا تقويم في ذلك على واحد منهما إذا أعتق نصيبه بموت صاحبه؛ إذ لا يدري هل هو الذي ابتدأ الفساد أم صاحبه؟ وقول أصبغ وجعله بمنزلة ما لو أنه أعتق الأول إلى أجل، ثم أعتق الثاني إلى أجل دونه، أنه لا يقوم على الثاني؛ معناه أنه إذا لم يدر أيهما الأول، أو كان ذلك من قولهما معا، كان ذلك بمنزلة إذا أعتق الأول إلى أجل، ثم الثاني إلى أجل دونه في أنه لا تقويم في ذلك على من أعتق حظه أولا بموت صاحبه قبله، وسيأتي في رسم العتق بعد هذا إذا أعتق أحد الشريكين حظه من العبد إلى أجل، ودبر الآخر حظه منه، فنتكلم عليها إن شاء الله. [مسألة: عبد بين ثلاثة نفر بميراث أو بشراء فقال أحدهم نصيبي حر] مسألة وقال ابن القاسم في عبد بين ثلاثة نفر بميراث أو بشراء، فقال أحدهم: نصيبي حر، فلم يوجد له مال يقوم عليه فيه، فيعتق منه نصيبه؛ ثم قال الآخر: نصيبي ونصيب صاحبي حر إن رضي؛ فقال

صاحبه: قد رضيت وقد أمضيته له، فقال المعتق المشتري: قد رضيت أيضا، ثم قال: قد بدا لي، أو قال: لا أرضى؛ أنه لا يلزمه من ذلك شيء، إلا أن يقول: نصيبي ونصيب صاحبي لي بخمسين دينارا، وهو حر إن رضي، فقال صاحبه: قد رضيت؛ فذلك لازم للمشتري رضي المشتري أو لم يرض إذا كان صاحبه قد رضي، وكان قد سمى له ثمنا، وإنما ذلك بمنزلة ما لو قال: غلام فلان حر من مالي إن رضي، فقال فلان: قد رضيت، وقلت أنا: لا أرضى، أو قلت: قد رضيت، ثم بدا لي أنه لا يلزمني من ذلك شيء، إلا أن يقول غلام فلان علي بخمسين دينارا إن رضي وهو حر، فقال فلان: قد رضيت، فقلت: قد بدا لي، إن ذلك لازم له؛ وإنما هو بمنزلة من قال: غلام فلان لي بخمسين دينارا إن رضي، وليس فيه حرية، ورضي بذلك سيد العبد، فذلك يلزمه؛ فلما لزمه البيع، لزمه فيه العتق، قال عيسى: أما الذي أعتق الشريك الثاني نصيبه ونصيب صاحبه الثالث، فأرى أن يقوم عليه ويعتق عليه سمى له ثمنا أو لم يسم له؛ لأن بعض أهل العلم قد رأى أن يقوم على الثاني ولم يعتقه، فكذلك إذا أعتق نصيبه ونصيب صاحبه، فذلك الذي لا شك فيه. قال محمد بن رشد: إنما رأى عيسى بن دينار أن يقوم عليه إذا أعتقه، وإن لم يسم له ثمنا، مراعاة لقول من رأى من أهل العلم، وهو ابن نافع من أصحاب مالك أن يقوم عليه، وإن لم يعتقه؛ فلو قال رجل في عبد بينه وبين رجل: نصيب شريكي من هذا العبد حر من مالي، لم يلزمه ذلك على مذهبه، وإن قال شريكه: أنا أرضى أن آخذ منه قيمته فيه؛ إذ ليس في هذا

مسألة: أعتق ثلث عبده وهو صحيح فلم يعلم به حتى مات

الموضع اختلاف يراعى فيتحصل على هذا فيمن أعتق عبد غيره، فرضي صاحبه أن يأخذ منه فيه قيمته أربعة أقوال؛ أحدها: أن ذلك يلزمه، وإن كان قال: هو حر من مالي، إلا أن يقول: هو حر في مالي بكذا وكذا، فرضي صاحبه أن يمضيه له بذلك الثمن الذي سمى فيه. والرابع: الفرق بين أن يكون قال ذلك في عبد لا يجب عتقه عليه باتفاق، أو في عبد يجب أن يعتق عليه في قول قائل، وقد مضى في أول رسم، من سماع عيسى بيان هذا الاختلاف، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق ثلث عبده وهو صحيح فلم يعلم به حتى مات] مسألة قال عيسى: قال ابن القاسم: قال مالك: من أعتق ثلث عبده، وهو صحيح، فلم يعلم به حتى مات، لم يعتق إلا ذلك الثلث؛ ولو علم به وهو مريض، عتق ما بقي من الثلث؛ قال عيسى: وهو مخالف للذي يعتق ثلث عبده في مرضه بتلا، ذلك يعتق عليه كله في ثلثه، وإن لم يعلم بما صنع من عتق ثلثه إلا بعد موته. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم العتق، من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: قال أحد غلامي حر فينظر فيهما فإذا أحدهما مدبر] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك وسألته عن رجل قال: أحد غلامي حر، فينظر فيهما فإذا أحدهما مدبر؛ قال: يقومان وتعرف قيمتهما، ثم يسهم بينهما، فإن

مسألة: أبق غلامه فطلبه فلم يجده فأوصى إليه أني عند النخاسين

خرج سهم المدبر، وكانت قيمته أدنى من نصف قيمتها جميعا، عتق في المملوك بقية النصف مع قيمتهما؛ وإن أحاط المدبر بنصف قيمة جميعهما، فلا عتق للذي ليس فيه تدبير، وإن خرج سهم الذي ليس فيه تدبير، وهو نصف قيمتهما، بدئ بالمدبر فيعتق، ثم يعتق هذا إن حمله الثلث أو ما حمل منه. قال محمد بن رشد: قوله فإن خرج سهم الذي ليس فيه تدبير، وهو نصف قيمتهما بدئ بالمدبر فيعتق، ثم يعتق هذا إن حمله الثلث، أو ما حمل منه، معناه إن حمله الثلث مع المدبر، وإن لم يحمل الثلث المدبر، ووقع عليه السهم، عتق منه ما حمل الثلث؛ وكذلك إذا وقع السهم على الآخر، ولم يحمل الثلث إلا أقل من المدبر، لم يعتق إلا ما حمل الثلث من المدبر، فالمدبر يبدأ ولا يعتق الذي ليس بمدبر كله إلا إذا وقع السهم عليه، وهو نصف قيمتهما، والثلث يحملهما، فيخرج عتق المدبر بالتدبير، ويخرج عتق الآخر بالوصية؛ لأن معنى المسألة أنه قال ذلك في مرضه الذي مات منه؛ ولو كانت قيمة العبد أكثر من نصف قيمتهما وخرج سهمه، بدئ بالمدبر، ولم يعتق من العبد إلا مقدار نصف قيمتهما، وإن كان الثلث واسعا، وسيأتي في سماع عبد الملك بن الحسن إذا قال: اقرعوا بين فلان وفلان يريد المدبر، وآخر من عبيده، وبالله التوفيق. [مسألة: أبق غلامه فطلبه فلم يجده فأوصى إليه أني عند النخاسين] مسألة وقال في رجل أبق غلامه، فطلبه فلم يجده، فأوصى إليه أني عند النخاسين، فإن كان لك حاجة ببيعي فهلم فبعني، وأتى سيده فوجده، فقيل له: بعه، فقال: هو حر إن بعته هذه الثلاثة الأيام؛ ثم

مسألة: قال لعبده أنت حر إن بعتك فباعه بيعا حراما

أعطاه رجل به عطاء، فقال هو لك بعد ثلاثة أيام، قال: هو حانث، والغلام حر. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا أوجب له فيه البيع بعد ثلاثة أيام، فقد باعه، وهو بيع جائز لا بأس به على ما قاله في رسم للمدبر، والعتق من سماع أصبغ بعد هذا، فوجب أن يحنث بهذا العقد، وإن كان لا ينتقل الملك به إلى المبتاع إلا بعد الثلاثة الأيام؛ لأنه يحنث فيما لا شيء به لو حلف أن يبيعه اليوم، لما بر بهذا البيع، وإن كان يحنث بعقد البيع الفاسد على ما قاله بعد هذا؛ وإن كان الملك لا ينتقل به إلا أن يفوت؛ وقد قيل: إنه لا ينتقل به، وإن فات، فأحرى أن يحنث بهذا البيع الذي هو صحيح ينتقل به الملك على كل حال، وإن كان لا ينتقل به إلا بعد الأجل، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لعبده أنت حر إن بعتك فباعه بيعا حراما] مسألة قال ابن القاسم: كل من قال لعبده: أنت حر إن بعتك، فباعه بيعا حراما؛ فهو حر. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، ومثل ما حكى ابن حبيب في الواضحة؛ ويلزم ألا يحنث على قياس القول بأن البيع الفاسد لا ينتقل به الملك، ومصيبته من البائع، وإن تلف عند المبتع؛ وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب

مسألة: يقول جاريتي حرة إن لم أسافر سفرا أو إن لم أضربها

جامع البيوع في بعض الروايات؛ ولو حلف أن يبيعه لما بر بالبيع الفاسد، إلا أن يفوت عند المبتاع قبل الأجل إن كانت يمينه إلى أجل؛ لأنه يحنث بما لا يبر به، وعلى القول بأن الملك لا ينتقل بالبيع الفاسد، لا يبر به على حال، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول جاريتي حرة إن لم أسافر سفرا أو إن لم أضربها] مسألة وسألت ابن القاسم عن الذي يقول: جاريتي حرة إن لم أسافر سفرا، أو إن لم أضربها، أو إن لم أضرب عبدي، أو إن لم أنحر بعيري؛ قال ابن القاسم: أنظر أبدا كل شيء حلف إن لم يفعله، ولم يضرب أجلا، فإنه لا يطأ جاريته ولا بناتها إن حدث لها بنات بعد اليمين حتى يفعله؛ ولا يبيعهم ولا يهبهم، ولا يتصدق بهم حتى يفعله؛ وإن ضرب أجلا، خير بين البنات والأم في الوطء إلى الأجل، وليس له أن يبيع واحدة منهن، ولا يتصدق بها، ولا يهب حتى الأجل، فإن بر، وإلا كانت هي وولدها أحرارا؛ وإذا حلف على شيء ألا يفعله، فإنه يطأ، ويبيع، ويتصدق؛ فإن حنث فيما حلف عليه ألا يفعله، فكانت عنده الجارية التي حلف عليها، عتقت عليه، وما كان لها من ولد بعد اليمين، فقد اختلف قول مالك فيها: مرة كان يقول: تعتق بولدها، ومرة كان يقول: تعتق بغير ولدها؛ ولكن الذي ثبت عليه من ذلك واستحسن على كره أن تعتق هي وولدها؛ قال ابن القاسم: وعلى ذلك رأيي، ولست أعيب قول من قال: لا تعتق إلا هي وحدها.

مسألة: قال كل رأس أملكه إلى ثلاثين سنة فهو حر فورث رقيقا

قال محمد بن رشد: أما الذي حلف بحرية جاريته أن يفعل فعلا، فقال: جاريتي حرة إن لم أفعل كذا وكذا؛ فإن لم يضرب أجلا، فلا يطأ، ولا يبع، ويدخل ولدها في اليمين؛ لأنه على حنث هذا هو القياس، وقد روى عن مالك أن ولدها لا يدخل في اليمين، وهو قول المغيرة المخزومي؛ وأما إن ضرب ليمينه أجلا، فيتخرج في دخول ولدها في اليمين قولان متكافئان على اختلاف قول مالك في المدونة في جواز الوطء له، مرة قال فيها: إن له أن يطأ؛ لأنه على بر مثل قوله في هذه الرواية؟ ومرة قال: إنه ليس له أن يطأ؛ إذ ليس له أن يبيع من أجل أنها مرتهنة بيمينه في البيع، وأما إذا حلف بحريتها ألا يفعل فعلا، فسواء ضرب أجلا أو لم يضرب، هو على بر؛ فالقياس ألا يدخل ولدها في اليمين، وقد اختلف قول مالك في ذلك حسبما وقع هنا، وفي رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، وفي رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، وفي رسم العرية من سماع عيسى، من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق. [مسألة: قال كل رأس أملكه إلى ثلاثين سنة فهو حر فورث رقيقا] مسألة قال: وسئل مالك عن رجل قال: كل رأس أملكه إلى ثلاثين سنة فهو حر، فورث رقيقا، فقال ابن كم هذا الرجل الحالف؟ قال: ليس هو بكبير، قال: فما ورثه فهو حر، ولا يعتق عليه أنصباء أصحابه، لا يعتق عليه إلا ما ورث قط، إلا أن تكون له نية في الاشتراء والصدقة أو الهبة، ولم يرد الميراث، فيدين ويحلف على ما نوى. قال محمد بن رشد: قال في الذي حلف بحرية ما يملك من العبيد

مسألة: قال كل مملوك أملكه في شهر رجب فهو حر

إلى ثلاثين سنة، أن ذلك يلزمه إذا لم يكن كبيرا، ولم يجد في ذلك حدا، والحد فيه حد التعمير في الاختلاف من السبعين سنة إلى مائة وعشرين. وقوله: إن ادعى أنه لم يرد الميراث، فيدين ويحلف على ما نوى، يدل أنه نواه مع قيام البينة عليه؛ إذ لو لم تكن عليه بينة، وأتى مستفتيا، لصدق دون يمين؛ وإنما نواه مع البينة مراعاة للاختلاف في أصل المسألة؛ إذ قد قيل: إنه لا يلزمه حرية ما يملك لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك» وهو قول الشافعي وجماعة من أهل العلم، وكان القياس على أصل مذهبه في إلزام العتق له ألا تقبل منه النية مع البينة؛ لأنها نية مخالفة لظاهر قوله، وإلى هذا ذهب ابن المواز، قال في الذي يقول: إن كلمت فلانا، فكل عبد ملكه من الصقالبة فهو حر؛ أن اليمين تلزمه إذا لم يقل أبدا في كل ما كان في ملكه من الصقالبة يوم حلف، وفيما استفاد منهم بعد ذلك، إلا أن يقول: أردت في المستقبل، ولا شيء عليه، إلا أن تكون عليه بينة؛ وكذلك قوله: إنه لا يعتق عليه إلا ما ورث، ولا يعتق عليه أنصباء أصحابه، هو أيضا مراعاة للاختلاف الذي ذكرته في أصل المسألة، وكان القياس إذا أعتق عليه حظه مما ورث من العبيد، أن يقوم عليه الباقي منهم، وبالله التوفيق. [مسألة: قال كل مملوك أملكه في شهر رجب فهو حر] مسألة قال أشهب في رجل قال: كل مملوك أملكه في شهر رجب فهو حر، فورث نصف عبد فحنث في الذي حلف عليه؛ قال: تعتق عليه حصته، ويستتم عليه عتقه؛ قلت له: كيف وإنما دخل عليه بميراث؛ قال: لأنه إنما أعتق عليه بحلفه. قال محمد بن رشد: هذا خلاف قول ابن القاسم في المسألة التي

مسألة: يحلف بحرية جاريته على شيء أن يفعله إلى أجل

قبلها؛ أنه لا يعتق عليه أنصباء أصحابه، وهو القياس على ما ذكرناه؛ وقول ابن القاسم استحسان مراعاة للخلاف، وقد قيل: إن قول أشهب ليس بخلاف لقول لابن القاسم، وأن معنى مسألة أشهب أنه حلف، فقال: إن فعلت كذا وكذا، فكل مملوك أملكه في شهر رجب حر، فورث نصف عبد، ثم فعل ما حلف عليه؛ فإنه يعتق عليه النصف، ويقوم عليه باقيه؛ والأظهر أنه خلاف لقول ابن القاسم؛ لأنه إنما اعتل لما سأله كيف يقوم عليه، وهو إنما دخل عليه بميراث، بأنه أعتق عليه بحنثه، ولم يعتل بأنه حنث في يمينه بعد أن ملك النصف، وإن كان تقويمه عليه إذا حنث بعد أن ملك نصفه أبين، فقد قال ابن كنانة في السفيه المولى عليه يحلف بحرية عبده، ثم يحنث بعد أن عاد حليما، وولي نفسه والعبد في يديه أنه يعتق عليه؛ وقاله أيضا في الصغير يحلف في حال صغره، ثم يحنث بعد بلوغه، وقد مضى الكلام على هذا في رسم العتق الثاني، من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بحرية جاريته على شيء أن يفعله إلى أجل] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يحلف بحرية جاريته على شيء أن يفعله إلى أجل، أو إلى غير أجل، فلحقه دين بعد اليمين، هل تباع الجارية؟ قال: نعم، تباع كان إلى أجل، أو إلى غير أجل؛ كان الدين قبل اليمين، أو بعد اليمين. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن العتق لا يجب إلا بالحنث، إما بالموت إن لم تكن اليمين إلى أجل، أو بالأجل إن كانت إلى أجل، والدين سابق له، فوجب أن تباع.

مسألة: قال لرجل اذهب إلى غلامي فقل له يلقاني في مكان كذا وكذا

[مسألة: قال لرجل اذهب إلى غلامي فقل له يلقاني في مكان كذا وكذا] ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس وسئل عن رجل قال لرجل: اذهب إلى غلامي فقل له يلقاني في مكان كذا وكذا، فإن لم يفعل فهو حر، فتوانى الغلام، وأبى أن يجيب؛ قال: لا حنث عليه، قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل أرسل رسولا إلى غلام له إن لم يأت غدا فهو حر، قال: إن بلغه الرسول، وكان السيد إنما أرسل إليه استعجالا، فتأخر العبد عنه ليحنثه، وليخرج حرا، فلا حرية له؛ وقد قال مالك في الذي يقول لغلامه في غريمه: إن فارقته فأنت حر، ففارقه فلا حرية له؛ وقد ذكر ذلك عمر بن عبد العزيز وربيعة، وإن كان الرسول لم يبلغ العبد، فلا حرية له أيضا. قال محمد بن رشد: أما إذا لم يبلغ الرسول العبد، فلا إشكال في أنه لا يعتق؛ وأما إذا بلغه الرسول، فاختلف قول مالك في ذلك، فكان في بدء أمره يقول بقوله في هذه الرواية: أنه لا حنث عليه، قال: وليس ذلك بمنزلة من يقول لامرأته: أنت طالق، إن خرجت إلى مكان كذا وكذا لمكان يسميه، ثم تخرج بغير إذنه، فأرى الطلاق يلزم هذا، ولا يلزم سيد العبد الحرية، وفرق بين ذلك أن الرجل يعاقب امرأته بطلاقها، ولا يعاقب عبده بالعتق، قال ابن نافع: وفرق بين ذلك أيضا، أن للرجل أن يملك امرأته في يمينه، فإن أحنثته وجب ذلك عليه، ولا يملك عبده في يمينه بأن يجعل ذلك بيده حتى يعتق نفسه، ثم رجع فقال: هو حانث، واختلف في ذلك أيضا قول ابن القاسم وأصبغ، وجاءت عن عمر بن العزيز في ذلك قضيتان، قضى أولا بعتق

الغلام على سيده، ثم رفع إليه آخر، فلم يعتقه على سيده، وقال: أخشى أن يكون ذلك ذريعة لتحنيث العبيد لساداتهم؛ وقال ابن الماجشون والمخزومي بقول مالك الأول: أنه لا حنث عليه، وقال معرف بقول مالك الثاني: أنه حانث، وقال أصبغ في أحد قوليه محتجا لقوله: إنه لا حنث عليه، انظر أبدا كل شيء حلف عليه سيده من أمر يأمره به، أو ينهاه عنه، ليبره في ذلك، فخالفه فحنثه ليعتق نفسه، فلا عتق له. قال: وقد قال بعض الناس: إن الطلاق مثل ذلك سواء إذا حلف على امرأته بمثل ذلك، ولم يقله أصحابنا، ولست ممن يقوله، ويرى أنها طالق إن حنثته، وقوله في الطلاق بمنزلة التمليك، وقال أشهب في الطلاق مثل ذلك، وأنه سواء في العتق والفرقة. والفرق بين العتق والطلاق في هذه المسائل بين بالمعنى الذي فرق به مالك بينهما، وقد رأيت لابن دحون أنه قال فيها هذه المسائل خارجة عن أصول المدونة وغيرها، والفتوى على خلافها، والحنث يلزم السيد في كل هذا إذا لم يأته العبد، بلغه الرسول أو لم يبلغه؛ لأنه قد جعل أمره في يدي غلامه ويدي رسوله، فقد سبب حنث نفسه، أو ملك أمره لغيره، فهو حانث في جميع ذلك إذا لم يأته الغلام، وليس قوله بصحيح؛ أما إذا لم يبلغه الرسول، فلا إشكال في أنه لا حنث عليه، ولا اختلاف؛ وأما إذا بلغه الرسول، أو كان هو الذي شافهه؛ فالصحيح في النظر ما قاله ابن القاسم في هذه الرواية، ورواه عن مالك من أنه لا حنث عليه؛ لأن الرجل إذا نهى عبده عن الشيء، وقال له: إن فعلت فأنت حر، فبين أنه لم يرد بذلك حريته، وإنما أراد به ضد ذلك من ترك حريته، وسواء ملكته إياه كمثل ما يقول الرجل لابنه في الشيء ينهاه عن فعله ويتوعده عليه. افعل كذا وكذا وأعطيك ألف مثقال، فمن نظر إلى معنى يمينه، قال: لا حنث عليه، وهو قول مالك الأول،

مسألة: قيل له في عبد من ربه قال ما له رب إلا الله

ومن لم ينظر إلى المعنى، واتبع ما يوجبه ظاهر لفظه ويقتضيه، قال: هو حانث؛ وإلى هذا رجع مالك، وقوله الأول أظهر؛ لأنا إنما تعبدنا بالمفهوم من معنى الكلام دون ظاهره، قال تعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15] فظاهره الأمر، والمراد به النهي والوعيد، ومن مثل هذا كثير، فكذلك مسألتنا، وبالله التوفيق. [مسألة: قيل له في عبد من ربه قال ما له رب إلا الله] مسألة قال عيسى: وسئل عن رجل قيل له في عبد من ربه؟ قال: ما له رب إلا الله؛ أو قيل له: أمملوك هذا العبد؟ فقال: لا، ما هو مملوك، أو قيل له: ألك هذا العبد؟ قال: ما هو لي؛ إنه لا شيء عليه في هذا كله، وهو بمنزلة ما لو قيل لرجل ألك امرأة؟ قال: ما لي امرأة، أو قيل له في امرأته أهذه امرأتك؟ فقال: ما هي امرأتي؛ أنه لا شيء عليه في هذا ونحوه، إذا لم يرد به طلاقا، قال عيسى: إذا لم يرد به طلاقا ولا عتقا، فإن عليه اليمين بالله ما أراد به طلاقا ولا عتقا. قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك، لا شيء عليه في هذا كله، أنه لا يمين عليه فيه، ويدل على ذلك أيضا من مذهبه مساواته بين أن يقول في عبده: ما هو مملوك، أو ما له رب إلا الله، وبين أن يقول: ما هو لي؛ إذ لا اختلاف ولا إشكال في أنه لا يمين عليه في قوله في عبده ما هو لي؛ إذ ليس في قوله ما هو لي، إقرار به لأحد بعينه، خلاف قول عيسى بن دينار من رأيه، أنه يحلف ما أراد بذلك طلاقا ولا عتقا، ولابن القاسم في أول رسم الرهون بعد هذا مثل قول عيسى في إيجاب اليمين عليه، ومثله في المدونة في الذي

مسألة: ولا يجوز في الرقاب الواجبة خصي

قال لعبد: أنت حر اليوم من هذا العمل، فاختلف في ذلك قول ابن القاسم، والاختلاف في هذا على اختلافهم في يمين التهمة؛ لأن العبد يقول: أردت بذلك عتقي، وهو يقول: لم أرد بذلك عتقك، ولو ادعى العبد أنه قد كان أعتقه قبل ذلك، واحتج عليه بقوله ما هو مملوك، للزمته اليمين قولا واحدا، بمنزلة إذا ادعى عليه العتق، وأقام على ذلك شاهدا واحدا، فإن نكل عن اليمين، فقيل: إنه يعتق عليه، وقيل: إنه يحبس حتى يحلف، إلا أن يطول سجنه فيخلى عن سبيله، وقد وقع في أول رسم، من سماع ابن القاسم، من كتاب الطلاق السنة، في قول ابن القاسم إيجاب اليمين في نحو هذه المسألة بزيادة فيها عليها، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: ولا يجوز في الرقاب الواجبة خصي] مسألة قال: ولا يجوز في الرقاب الواجبة خصي، ولا أقطع، ولا أشل، ولا أصم، ويجوز الأعور، والأعرج الخفيف العرجة، وروى أشهب من كتاب العتق عن مالك في الخصي والأعرج يجزئان في الرقاب الواجبة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم العتق، من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: قال إن أنا مت في هذا البيت فجاريتي حرة] ومن كتاب سلف دينارا في ثوب إلى أجل وسئل مالك عن رجل نزل فندقا، فكان في بيت منه فمرض،

مسألة: زوج أمته عبده ثم قال لها إن لم أبعك إلى سنة فأنت حرة

فقال: إن أنا مت في هذا البيت، فجاريتي حرة؛ فصح من مرضه ذلك، وخرج من ذلك الفندق، ثم رجع إلى ذلك البلد، فنزل في ذلك البيت، فمرض فمات فيه؛ أتعتق جاريته؟ فقال: أرى أن تعتق، إلا أن تكون تعرف أنه إنما أراد في مرضه ذلك الأول. قال محمد بن رشد: هذا كما قال على أصولهم في أن الحالف لم تكن له نية تحمل يمينه على ما يقتضيه لفظه، إذا لم يكن له بساط يدل على خلاف لفظه، وبالله التوفيق. [مسألة: زوج أمته عبده ثم قال لها إن لم أبعك إلى سنة فأنت حرة] مسألة وسئل عن رجل زوج أمته عبده، ثم قال لها: إن لم أبعك إلى سنة، فأنت حرة، وما أشبه ذلك. قالت: اشهدوا أنه إن لم يفعل وجاءني العتق فقد اخترت نفسي، قال: ليس ذلك لها، وفرق بينها وبين الحرة التي يقول لها: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فتقول: اشهدوا أنه إن فعل هذا، فقد اخترت نفسي، فهذه الحرة إن تزوج عليها فهي طالق، وفرق بينها وبين الأمة ولم يرها مثلها. قال محمد بن رشد: الفرق بين الحرة والأمة أن الخيار للأمة إذا أعتقت تحت العبد لمن يجعله الزوج لها، وإنما وجب لها بالسنة إذا عتقت وزوجها عبد، فليس لها أن تختار نفسها قبل أن يجب ذلك لها، وقد لا يجب لها؛ إذ قد يعتق زوجها قبل أن تعتق هي، وأما الحرة فالزوج جعل الخيار لها بشرط تزوجه عليها، فكان لها أن تقضي بما جعل لها، وقد روى أصبغ عن أشهب في رسم النكاح من سماعه، من كتاب النكاح، أن ذلك ليس

مسألة: قال لعبده أنت حر إن بعتك إلا ممن يجيزك البحر

لها، وطلاقها قبل أن يتزوج عليها باطل، وهو القياس على مسألة الأمة هذه، وعلى قولهم في أن أخذ الشفيع بالشفعة قبل وجوبها له باطل، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لعبده أنت حر إن بعتك إلا ممن يجيزك البحر] مسألة وقال في رجل قال لعبده: أنت حر إن بعتك إلا ممن يجيزك البحر، وأنه باعه من رجل وحلف له بحريته أن يجيزه البحر، ثم باعه الذي اشتراه منه، أوبق منه قبل أن يجيزه على من يعتق، قال ابن القاسم: أرى أن يعتق على الأول إن لم يجزه الذي باعه البحر يعني البائع الثاني، وذلك أن مالكا سئل عن عبد حلف سيده، وقال: أنت حر إن بعتك من فلان، وقال المحلوف عليه: هو حر إن ابتعته، فباعه منه على من يعتق، قال على البائع، وروى أصبغ مثله، وقال: لو كانت يمينه ألا أبيعك إلا ممن يحلف أن يجيزك البحر، لم يكن فيه شيء، وكان على المشتري أن يجيزه، وكان على البائع القيام عليه بذلك إذا تعدى وتركه حتى يجيزه؛ وروى محمد بن خالد قال: سألت ابن القاسم عن الرجل يبيع الجارية من الرجل على أن يجيزها البحر، وقد كان حلف بحريتها ليبيعنها ممن يجيزها البحر، وهو رجل أندلسي، فباعها من رجل بذلك الشرط، واجتهد في ذلك، فوطئها المشتري فحملت منه أو أعتقها؛ فقال لابن القاسم: إذا فاتت بحمل أو عتق، سلك بها مسلك التي تباع على أن تتخذ أم ولد، قلت لابن القاسم: ولا يكون على الذي حلف شيء؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: اختلف في الحالف أن يفعل فعلا هل يحمل على التعجيل حتى يريد التأخير، أو على التأخير حتى يريد التعجيل حسبما

مضى القول فيه في رسم كتب عليه ذكر حق، من سماع ابن القاسم؛ فقول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في هذه المسألة في الذي يحلف بحرية عبده ألا يبيعه إلا ممن يجيزه البحر، فباعه واستحلف المشتري بحريته أن يجيزه البحر، فلم يفعل حتى باعه أوبق منه؛ أنه يعتق على الأول إن لم يجزه المشتري حتى باعه أوبق منه، هو على قياس القول بأن يمينه محمولة على التعجيل؛ لأنه رآهما جميعا البائع والمشتري حانثين بتأخير إجازته البحر، فلما استويا في الحنث، كان البائع منهما هو أحق أن يعتق عليه؛ لأنه مرتهن بيمينه، قياسا على ما قاله مالك في الذي يحلف بحرية عبده ألا يبيعه من رجل، ويحلف ذلك الرجل بحريته إن اشتراه منه، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس القول بأن اليمين محمولة على التأخير حتى يريد التعجيل، ألا يقع الحنث عليهما إلا بموت المشتري والعبد بيده، فإن باعه رد البيع فيه ووقف بيده، فإن لم يبر فيه بإجازته البحر حتى مات، حنثا جميعا، وعتق على البائع، ورد الثمن للمشتري، ولا يبر الحالف أن يبيع عبده ممن يجيزه البحر على رواية عيسى هذه إلا بإجازة المشتري إياه، لا بأن يبيعه بشرط ممن يجيزه البحر، ولا بأن يبيعه بغير شرط، ويستحلف المشتري أن يجيزه، إلا أن ينوي ذلك على ما قاله في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، وظاهر رواية محمد بن خالد هذه عن ابن القاسم، بل هو نص قوله في آخر المسألة أنه يبر ببيعه على أن يجيزه بشرط؛ لأنه الظاهر من مقصد الحالف، فقد قيل: إن يمين الحالف إذا لم تكن له نية يحلف على ما يظهر من مقصده، وقد اختلف إن باعه على هذا من الشرط على أربعة أقوال؛ أحدها: أنه بيع جائز، وهو قول ابن وهب في الدمياطية. والثاني: أنه بيع فاسد يفسخ على كل حال، فإن فات بما يفوت به البيع الفاسد، كانت فيه القيمة بالغة ما بلغت. والثالث: أنه يفسخ إلا أن يشاء البائع أن يترك الشرط، فإن لم يعثر على ذلك حتى فات، كان فيه

مسألة: استأذنته امرأته في عتق جارية لها مرارا

الأكثر من القيمة أو الثمن؛ وقيل: يرجع البائع على المبتاع بقدر ما نقص من الثمن بسبب الشرط، وهو القول الرابع؛ والذي يأتي في هذه المسألة إذا فاتت الجارية عند المشتري بحمل أو عتق على القول بأن البائع الحالف لا يبر ببيعها على الشرط، وإنما يبر بأن يجيزها المشتري على ظاهر ما لفظ به في يمينه، وهو مذهبه في رواية عيسى هذه عنه، ونص قوله في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ على ما ذكرناه أن يرد على البائع ويعتق عليه ويرد الثمن على المشتري إن كانت فاتت بعتق، فإن كانت فاتت بإيلاء، كان على المشتري قيمة الولد، وقاصه بذلك من الثمن، فكانت قيمته أقل من الثمن، ورجع عليه ببقية الثمن، وإن كانت قيمة الولد أكثر، لم يرجع عليه البائع بشيء على ما قاله في رسم العتق بعد هذا السماع، وبالله التوفيق. [مسألة: استأذنته امرأته في عتق جارية لها مرارا] مسألة وسئل مالك عن رجل استأذنته امرأته في عتق جارية لها مرارا، وأكثرت عليه وكل ذلك يأبى، فلما رأت ذلك، دعت شهودا في السر، فأشهدتهم على عتقها، وأمرتهم بكتمان ذلك، ثم دخل عليها زوجها فاستأذنته في عتقها، فقال: أكثرت علي، إن أعتقتها فأنت طالق البتة، قال مالك: لا شيء عليه، إلا أن يكون أراد بذلك، إن كنت أعتقتها فأنت طالق البتة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا شيء عليه؛ لأنه إنما حلف ألا تفعل ما لا يمكنها أن تفعله؛ إذ قد كانت فعلته؛ ومثله في رسم العرية، من سماع عيسى، من كتاب النذور، ولو قال لها: إن أعتقتها فأنت طالق البتة، وهو عالم بأنها قد كانت أعتقتها؛ لكان ذلك بمنزلة الذي يحلف ألا يبيع

: دفع إليه سيده مائة شاة وقال اعمل فيها حتى تصير ثلاثمائة وأنت حر

السلعة بعد أن باعها؛ وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى في سماع سحنون، ونوازل أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق، ومضى في رسم العتق، من سماع أشهب، من هذا الكتاب الكلام في الذي يحلف ألا يكري رجلا أرضا له فوجد وكيلا له، قد أكراها ذلك الرجل، وبيان ما فيها من الإشكال، فلا وجه لإعادته. [: دفع إليه سيده مائة شاة وقال اعمل فيها حتى تصير ثلاثمائة وأنت حر] ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار وسئل ابن القاسم عن عبد دفع إليه سيده مائة شاة، وقال: اعمل فيها حتى تصير ثلاثمائة، وأنت حر، فمات السيد فأراد الورثة أخذ الغنم منه، وقال العبد: لا أدفعها لكم؛ قال: إن رضوا أن يعتقوه ويأخذوها منه فذلك لهم، وإلا كانت في يديه حتى يعلم أنه لا يكون فيما بقي منها ثلاثمائة شاة. قال محمد بن رشد: قوله: إن ذلك يلزم الورثة، وليس لهم أن يأخذوا الغنم منه إلا أن يعتقوه، يدل على أنه أجاز ذلك على وجه الكتابة، يريد ويضرب له في ذلك أجل، كمن كاتب عبده على عدد يسميه، ولم يضرب له أجلا. وقوله: إن لم يرض الورثة بعتقه، أن الغنم تكون في يديه حتى يعلم أنه لا يكون فيما بقي منها ثلاثمائة، معناه إلى الأجل الذي ضرب له في ذلك، وهذا هو مذهب أصبغ، وقوله في أول رسم من سماعه، من كتاب المكاتب أنه يجبر على ذلك إذا وقع، ويراها كتابة لازمة على سنة الكتابة، تلزم الورثة ولا يردها الدين المستحدث؛ غير أنه يكره ذلك ابتداء، لما فيه من الغرر، على ما قاله في رسم أول عبد ابتاعه، فهو

مسألة: حلف ألا يكلم فلانا أبدا ولا يدخل دار فلان أبدا بحرية رقيقه

حر، من سماع يحيى، من كتاب المكاتب؛ وذلك خلاف قول ابن القاسم، في سماع يحيى، من كتاب المكاتب. وفي أول سماع أصبغ منه أن ذلك ليس بكتابة، وإنما هو بمنزلة من أعتق عبده إلى أجل مجهول، قد يكون وقد لا يكون، فلا يلزم الورثة ويرده الدين المستحدث، وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه من كتاب المكاتب، إن شاء الله. [مسألة: حلف ألا يكلم فلانا أبدا ولا يدخل دار فلان أبدا بحرية رقيقه] مسألة قال ابن القاسم: لو أن رجلا حلف ألا يكلم فلانا أبدا، ولا يدخل دار فلان أبدا بحرية رقيقه، فحنث فرد الغرماء عتقه فبيعوا، ثم اشتراهم بعد ذلك، أو تصدق بهم عليه، أو وهبوا له؛ أن اليمين ترجع عليه إذا رجعوا في ملكه بوجه من الوجوه غير الميراث؛ فإن كلم فلانا، أو دخل دار فلان، عتقوا عليه، ولزمه الحنث؛ ولو كان أعتقهم عتقا بتلا في غير يمين، فرد الغرماء عتقه وباعوهم واقتضوا دينهم، ثم اشتراهم بعد ذلك؛ لم يلزمه عتقهم، وكانوا مماليكه. قال محمد بن رشد: إنما قال في الذي يحلف بعتق رقيقه ألا يفعل فعلا فحنث، فرد العتق فأعتقهم فبيعوا، ثم اشتراهم بعد ذلك، أو تصدق بهم عليه، أو وهبوا له؛ أن اليمين ترجع عليه إذا رجعوا في ملكه بوجه من وجوه الملك غير الميراث، ومن قولهم: إن من حلف ألا يفعل فعلا، ففعله مرة فحنث، أنه لا يحنث بفعله مرة أخرى؛ لأن العتق لما رد فبيع في الدين، كان كأن لم يحنث؛ إذ لم يلزمه بالحنث عتق على ما قالوا فيمن حلف

مسألة: قال لامرأته كل أمة أتسراها فهي حرة

بعتق عبد ألا يفعل فعلا، فباع العبد ثم فعل ذلك الفعل، ثم اشتراه ففعله ثانية، أن العتق يلزمه؛ إذ لم يلزمه بالفعل الأول، والعبد في غير ملكه شيء، وقد وقع في رسم يدير ماله، من سماع عيسى، من كتاب النذور ما ظاهره خلاف هذا، أن اليمين لا ترجع عليه إن اشتراه، إلا أنه محتمل للتأويل على ما ذكرناه هناك؛ وإن حمل على ظاهره، فالوجه في ذلك أنه لما حنث بعتقهم مرة، وجب أن يعتبر بحنثه؛ وإن كان قد رد العتق في الدين، فلا يحنث فيهم ثانية إن اشتراهم؛ إذ لا يحنث في اليمين الواحدة مرتين، فلكلا القولين وجه؛ وأما الذي أعتق عبيده بغير يمين، أو بيمين على فعل لا يتكرر، فرد عتقهم في الدين، فلا اختلاف في أنه لا شيء عليه إن اشتراهم، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته كل أمة أتسراها فهي حرة] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته: كل أمة أتسراها فهي حرة، فاشترى خادما تخدمه فوطئها؛ فقال: هي حرة، وابن كنانة يقول في مثل هذا لا تكون حرة إلا أن تحمل. قال محمد بن رشد: التسري عند ابن القاسم الوطء المجرد، فلذلك رآها حرة بوطئه إياها، وإن كان إنما اشتراها للخدمة، ولم يرد حبسها، وذلك بين من مذهبه بما قال في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق، من أنه يبر بذلك إذا حلف أن يتسرى على امرأته؛ وذهب ابن كنانة إلى أن تسري الجارية إنما هو الوطء لها مع استصحاب النية في اتخاذها

مسألة: حلف بعتق ما يملك ألا يقع بينه وبين أخيه معاملة أبدا

لذلك؛ ولذلك رأى إذا اشتراها للخدمة، أنها لا تكون حرة بوطئه إياها إلا أن تحمل؛ لأنها إذا حملت لم يكن له فيها إلا الاستمتاع بوطئها، فتعتق علية؛ إذ لا يصح له ذلك فيها من أجل يمينه عليه بحريتها، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بعتق ما يملك ألا يقع بينه وبين أخيه معاملة أبدا] مسألة وسئل عن رجل حلف بعتق ما يملك ألا يقع بينه وبين أخيه معاملة أبدا، وكان اشترى منه شيئا فجحده، ثم طال به الزمان، فاستودعه الحالف مالا وهب له عشرة دنانير وأسلفه عشرة، قال: هو حانث بما أسلفه واستودعه؛ لأن هذا معاملة؛ إلا أن تكون له نية حين حلف على بيع الدين خاصة، وذلك الذي نوى وحلف عليه فيدين. قال محمد بن رشد: السلف والاستيداع ليس بمعاملة على الحقيقة، إلا أن فيه من معنى المعاملة ما دل عليه بساط يمينه أنه أراده، وحلف عليه، وهو جحود ما كان له عليه؛ ولذلك قال: إنه حانث بما أسلفه واستودعه، فجوابه صحيح على القول بمراعاة البساط في الأيمان إذا عدمت النية فيها. وهو المشهور في المذهب؛ وأما على القول بأنه لا يراعي البساط في الأيمان، وإنما ينظر فيها إلى مقتضى اللفظ، فلا يحنث بالسلف ولا بالإيداع، ولو باعه بالنقد، ولم يعامله بالدين، فحنث على القول بأنه لا يراعي البساط في الأيمان، وإنما ينظر فيها إلى اللفظ، ولو عامله بالدين، لحنث على القولين جميعا، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

مسألة: قال في غلامه إن باعه فهو حر فباعه على أنه بالخيار

[مسألة: قال في غلامه إن باعه فهو حر فباعه على أنه بالخيار] مسألة وقال في رجل: قال في غلامه: إن باعه فهو حر، فباعه على أنه بالخيار؛ فقال: لا يلحقه الحنث حتى يقطع الخيار. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن بيع الخيار لا يجب إلا بعد إمضاء ممن له الخيار فيه، فإذا كان الخيار للبائع الحالف لم يحنث إن رد سلعته، وأما إن أمضاها ولم يكن ليمينه أجل، فيحنث بكل حال كما قال؛ ولو كانت يمينه إلى أجل فأمضى البيع فيها بعد الأجل، لحنث على القول بأن بيع الخيار إذا أمضى، فكأنه لم يزل ماضيا لمشتريه من يوم العقد، ولم يحنث على القول بأنه إنما وجب الشراء له يوم أمضى البيع؛ ولو كان الخيار لغير الحالف من البائع أو المشتري؛ لحنث الحالف باتفاق، وبالله التوفيق. [مسألة: أذن الرجل لعبد له نصفه حر بعتق] مسألة وقال: إذا أذن الرجل لعبد له نصفه حر بعتق، فولاء ما أعتقه العبد للعبد إذا أذن، وكذلك كل من لا يجوز لك أخذ ماله إذا أذنت له بعتق، ولاء ما أعتق له إذا أعتق. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت، والكلام عليها مستوفى في رسم مضى، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أمة كانت بين شريكين فوطئها أحدهما فحملت] مسألة وسئل عن أمة كانت بين شريكين فوطئها أحدهما فحملت، فقال الذي لم يطأ: قد كنت أعتقتها منذ سنة؛ قال: إن كان الواطئ مليئا بقيمتها لم يقبل قوله؛ لأنه إنما أراد أن يفسدها عليه، وتقوم على الواطئ، وإن كان الواطئ معدما، جاز العتق على الذي قال: كنت أعتقتها منذ سنة، وعتق أيضا نصيب الواطئ؛ لأنه إنما كان له فيها

الاستمتاع، فقد قطع بعتق شريكه؛ لأنه من وطئ أمة جزء منها حروسا له فحملت، أعتقت كلها؛ لأنه لا استمتاع له فيها، وليس له أن يطأ أمة نصفها حر ونصفها رقيق. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان الواطئ مليئا بقيمتها، يريد بنصف قيمتها؛ لأن ذلك هو الذي يلزمه غرمه، وإذا قومت عليه على ما قال، فالحكم في ذلك أن تكون نصف القيمة موقوفة لا يأخذها الشريك، إلا أن يكذب نفسه فيما كان ادعاه من أنه كان أعتقها منذ سنة، وإن رجع الواطئ إلى تصديقه فيما ادعاه من أنه كان أعتقها منذ سنة قبل أن يكذب هو نفسه، رجعت إليه القيمة الموقوفة، وأعتق نصيبه في الأمة؛ إذ لا يستطيع أن يطأها، ونصفها أم ولد، ونصفها حر، وأما قوله: وإن كان الواطئ معدما، جاز العتق على الذي قال قد كنت أعتقتها وعتق نصف الواطئ؛ فهو صحيح على أحد قولي مالك في المدونة، وهو القول الذي رجع إليه في أن الأمة بين الشريكين إذا وطئها أحدهما فحملت، ولا مال له يباع نصفها للذي لم يطأ، فيدفع إليه وإن كان في ذلك نقصان عن نصف قيمتها يوم حملت، اتبعه بذلك وبنصف قيمة الولد؛ إذ لا يصح أن يباع له نصفها فيعطاه، وهو يقول: إنه حر قد كان أعتقه منذ سنة، وأما على القول بأنه يتبع بنصف قيمتها، وتكون له أم ولد، ولا يكون عليه من قيمة الولد شيء، فلا يعتق عليه نصيبه في الأمة، وتكون له أم ولد، ويتبعه الشريك بنصف قيمتها يوم حملت إن أكذب نفسه فيما ادعاه من عتقها، وإن رجع هو إلى تصديقه قبل أن يكذب هو نفسه، أعتق عليه نصيبه في الأمة، وسقطت القيمة عن ذمته؛

: قال الرجل لامرأته كل جارية أتخذها أم ولد فأمرها بيدك

ورأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة، ولا تقوم على الواطئ في ولده؛ لأن الأمة حملت وهي حرة من ملك الذي لم يطأ؛ قال: وولاء الولد بينهما إن ثبت العتق الأول ببينة؛ فأما قوله: إنه لا تقوم على الواطئ في ولده فهو صحيح، وأما تعليله لذلك بأن الأمة حملت وهي حرة من ملك الذي لم يطأ، فليس بصحيح؛ إذ لو حملت وهو لم يعتق نصيبه، لما كان له في الولد قيمة، وإنما كان يجب على الواطئ أن تقوم عليه يوم وطئها دون أن يكون عليه شيء في ولدها؛ وأما قوله: إن ولاء الولد بينهما إن ثبت العتق للأول ببينة فهو غلط ظاهر؛ إذ لا يكون الولاء له إلا لو ملكه ملكا صحيحا، وبالله التوفيق. [: قال الرجل لامرأته كل جارية أتخذها أم ولد فأمرها بيدك] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وقال مالك: إذا قال الرجل لامرأته: كل جارية أتخذها أم ولد فأمرها بيدك، فاشترى جارية فأراد أن يمسها في كل طهر مرة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا وطئها لا يدري لعلها قد حملت ووجب الخيار في عتقها لامرأته، ولا يصح له أن يطأ ما لغيره الخيار في عتقها؛ ويأتي على قول أشهب في الذي يقول لجاريته: إذا حملت فأنت حرة؛ أن له أن يطأ ويعاود أبدا حتى يتبين الحمل، من أجل أن الشك عنده لا يؤثر في اليقين؛ إذ يكون لهذا الرجل أن يطأ أبدا حتى يتبين بها حمل، فيكون أمرها بيد امرأته، وبالله التوفيق.

مسألة: حلفت بحرية مالها إن تزوجت فلانا ثم تزوجته ورقيقها أكثر من ثلثها

[مسألة: حلفت بحرية مالها إن تزوجت فلانا ثم تزوجته ورقيقها أكثر من ثلثها] مسألة وسئل عن امرأة حلفت بحرية مالها إن تزوجت فلانا، ثم تزوجته ورقيقها أكثر من ثلثها؛ فلما وجبت عقدة النكاح أنكر عليها زوجها، وقال: إنا ننكر عليك؛ لأن رقيقك أكثر من ثلث مالك، هل تحنث في يمينها، أم لأنها إنما وقع عليها الحنث ولها زوج؟ قال ابن القاسم: إن كان زوجها لم يعلم بيمينها حتى تزوجها، فله أن ينكر عليها، وإن كان علم بيمينها فتقدم على ذلك، جاز ذلك عليها، ولم يكن له أن ينكر ذلك عليها، وهو بمنزلة ما لو أذن لها. قال محمد بن رشد: قد قيل: إن لزوجها أن ينكر عليها ويرد عتقها، وإن علم بيمينها، وهو قول أصبغ في نوازله من كتاب الولاء، قال: وهو قول أهل العلم، وفي كتاب ابن المواز أنه ليس له أن يرد ذلك، وإن لم يعلم بيمينها؛ قال ابن المواز: لأن عقد نكاحها لم يكن قبل حنثها؛ وإنما وقع هذا الاختلاف؛ لأن الحنث والنكاح وقعا معا ممن غلب وقوع النكاح قبل الحنث والزوج رد ذلك، ومن غلب وقوع الحنث قبل النكاح، لم ير للزوج رده، فتفرقة ابن القاسم في هذه الرواية بين أن يكون الزوج علم بيمينها، أو لم يعلم جيدة؛ لأنها لا تخرج عن أحد القولين؛ وأما إذا كان الحنث بعد النكاح، فللزوج أن يرده، وإن كانت اليمين قبل النكاح؛ بدليل قول ابن المواز: إن عقد نكاحها لم يقع قبل حنثها، وقد وقع لابن أبي حازم وابن كنانة في المدونة من قولهما ما يدل أنه ليس للزوج أن يرد يمينها بأكثر من ثلث مالها، وإن حنثت به بعد النكاح إذا كان حلفها به قبل النكاح، وبالله التوفيق.

مسألة: قالت لابنها قد أحللت لك جاريتي هذه والغلام له امرأة

[مسألة: قالت لابنها قد أحللت لك جاريتي هذه والغلام له امرأة] مسألة وعن امرأة من أهل البادية قالت لابنها: قد أحللت لك جاريتي هذه، والغلام له امرأة، وهو ساكن مع امرأته، والجارية عند الأم، فأعتقت الأم الجارية فتعلق بها ابنها، وقال: قد كنت أحللتها لي، قالت: إنما هو كلام قلته، والجارية عندي منذ سنة لم تحزها ولم أدفعها إليك؛ قال: إن كان الابن وطئها فلا عتق لها فيها، وإن كان لم يطأها ولم يحز شيئا، فعتقها جائز؛ وإن كان قد حاز أو وطئ، فلا عتق لها؛ لأنه ضمنها، ولزمته قيمتها، وأنه إذا لم تمكنه منها ولم يقبضها، وإن أحللتها له، فضمانها منها إذا هلكت؛ قال عيسى عتقها جائز إلا أن تحمل. قال محمد بن رشد: قوله: وإن كان قد حاز أو وطئ، فلا عتق لها؛ لأنه قد ضمنها ولزمته قيمتها إلى آخر قوله، معناه إذا حازها وغاب عليها، فرأى القيمة لازمة له بالغيبة عليها، وإن لم يطأها؛ لأنه لا يصدق إذا غاب عليها في أنه لم يطأ؛ هذا معنى الرواية عندي؛ إذ لو قبضها ولم يغب عليها لما لزمته قيمتها، ولكان ضامنا لها، ولجاز عتق أمه لها، وقد رأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة ذكره للحوز فيها ليس بجيد؛ لأنه لو حازها ولم يطأ فماتت، لم تلزمه قيمتها؛ وإنما تلزمه القيمة بالوطء، فالحوز بغير وطء لا ينفعه، وعتق السيدة ماض فيها على كل حال حتى يطأ؛ فإذا وطئ، لزمته القيمة، وصارت في ملكه؛ فلا عتق حينئذ للأم فيها؛ هذا نص قوله، والمعنى في الرواية إنما هو ما قلته، وقال ابن كنانة في امرأة أحلت لزوجها فرج جاريتها، قال: إن حملت قومت عليه، وإن لم يكن له مال، كان

مسألة: حلف بالحرية فحنث ولعبيده عبيد

دينا عليه يتبع به؛ قال: وإن لم تحمل ردت عليها؛ ظاهره مليا كان أو معدما، وهو بعيد؛ ومعناه عندي إن لم يكن له مال، ولم يكن في ثمنها وفاء بقيمتها يوم وطئها؛ والصواب ما في المدونة أنه إن لم يكن له مال بيعت فيما لزمه من قيمتها، فإن لم يكن في ثمنها وفاء بقيمتها يوم وطئها، اتبع بالباقي دينا ثابتا في ذمته؛ قال عيسى بن دينار: قال ابن القاسم: قال مالك: تقوم عليه حملت أو لم تحمل، يريد فإن كان عديما ولم تحمل، بيعت فيما لزمه من قيمتها على ما قاله في المدونة؛ واختار عيسى قول ابن كنانة، واختار ابن نافع قول مالك، وهو الصواب عندي؛ لأنه إذا ردت إليها بعد أن وطئ لعدمه، آل ذلك إلى عارية الفروج؛ إذ قد تحلها له، وهو عديم فتأخذها منه بعد أن وطئها، فيتم لهما ما عملا عليه من عارية فرجها، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بالحرية فحنث ولعبيده عبيد] مسألة قال: وقال مالك: لو أن رجلا حلف بالحرية فحنث، ولعبيده عبيد، وقع الحنث عليه في عبيده، ولم يقع عليه في عبيد عبيده؛ ولو أنه حلف بطلاق امرأته أنه ما يملك عبدا، ولجاريته عبد؛ أن الحنث يلزمه. قال محمد بن رشد: الفرق بين المسألتين أن الحنث يدخل بأقل الوجوه، فوجب أن يحنث الحالف ما يملك عبدا إذا كان لجاريته عبد؛ لأنه يملك انتزاعه منها؛ ويجري هذا على الاختلاف في الذي يحلف ألا يركب دابة رجل، فركب دابة عبده؛ وأما الذي يحلف بحرية عبيده ولعبيده عبيد فيحنث، فلا يعتق عليه عبيد عبيده؛ لأنهم ليسوا بملك له حتى ينتزعهم، وإن كان يملك انتزاعهم، وبالله التوفيق.

مسألة: يقول لجاريته إذا حملت فأنت حرة

[مسألة: يقول لجاريته إذا حملت فأنت حرة] مسألة وسئل عن الرجل يقول لجاريته: إذا حملت فأنت حرة، فقال: يطؤها في كل طهر مرة، فقيل له: ولم لا يطؤها أبدا حتى يتبين حملها، ولا يدري أتحمل أم لا؟ فقال: قال لي مالك: جل النساء على الحمل، فإذا كان الشيء غالبا على الناس حتى لا يشذ من ذلك إلا القليل، حمل الناس في ذلك الأمر على الذي يصيب جل الناس، ولم ينظر إلى الشيء الشاذ. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله يطؤها في كل طهر مرة، أنه لا يلزمه شيء إن كانت حاملا يوم قال ذلك لها، أو كان قد وطئها في ذلك الطهر، وأنه لا يلزمه شيء إلا في حمل مؤتنف، وهو مذهب سحنون فيها، حكى عنه ابن عبدوس أنه لا يلزمه شيء إذا قال إذا حملت، إلا في حمل مؤتنف، وذلك خلاف مذهبه في المدونة؛ وفي سماع سحنون بعد هذا، ومن هذا الكتاب، والذي يأتي على مذهبه في المدونة، وهو قوله في سماع سحنون أنه إذا كانت حاملا يوم قال ذلك لها، أعتقت عليه؛ لأنها حامل أبدا فيما بقي من حملها؛ وإذا كان قد وطئها في ذلك الطهر قبل أن يقول ذلك لها، وقف عنها ووقف خراجها حتى يعلم إن كانت حاملا أم لا؟ وإن كان لم يطأها فيه، فلا شيء عليه حتى يطأها؛ فإذا وطئها فيه، وقف عنها، ووقف خراجها؛ فإن تبين بها حمل، أعتقت ودفع إليها ما وقف من خراجها؛ وإن حاضت ولم يكن بها حمل، كان له أن يبيعها إن شاء، فإن لم يبعها حتى وطئها في الطهر الذي بعده، وقف عنها أيضا ووقف خراجها حتى يعلم إن كان بها حمل أم لا؛ هكذا يفعل أبدا في كل طهر يطؤها فيه، وأشهب

مسألة: حلف بحرية ماله ألا يحدث في رقيقه بيعا ولا صدقة إلا بإذنه

يرى أن له أن يطأها أبدا، ولا يمنع من شيء مما أحله الله له منها حتى يتبين حملها؛ وكذلك يختلف على هذا في الذي يقول لزوجته: إذا حملت أو إن كنت حاملا، فأنت طالق؛ فقوله في المدونة أنه إن كان وطئها في ذلك الطهر طلقت عليه بالشك، ولا يستأنى بها حتى يعلم أكانت حاملا أم لا؟ وقال سحنون وأشهب: إنه يستأنى بها ولا يعجل عليه الطلاق حتى يعلم أنها حامل؛ فإن مات، ورثته إن لم تكن حاملا؛ وإن ماتت هي قبل أن يتبين أمرها، لم يرثها بالشك، ويأتي على مذهب أشهب أن له أن يطأها في مدة الاستيناء بها، وسحنون يقول: إنه إذا قال لها: إذا حملت فأنت طالق، أنه لا يلزمه طلاقها إلا في حمل مستأنف، وهو ظاهر هذه الرواية على ما ذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بحرية ماله ألا يحدث في رقيقه بيعا ولا صدقة إلا بإذنه] مسألة وسئل عن رجل حلف بحرية ماله ألا يحدث في رقيقه بيعا ولا صدقة إلا بإذنه، وأنه سأل ابنه عتق رأس من رقيقه، فأذن له الابن بعتق ذلك الرأس، فأعتقه الأب وقال الأب للشهود: أشهدكم يا هؤلاء، أن كل ما أعتق ابني وما أحدث في رقيقي فأمره جائز، والابن سفيه، فخرج الابن من عند أبيه، فباع من رقيق أبيه عشرة أرؤس بأربعمائة دينار وأربعين دينارا، واقتضى الثمن، أفترى ما صنع جائزا؟ قال ابن القاسم: البيع جائز على الأب، على ما أحب أو كره، إلا أن يكون بيعا لا يشبه أن يباع مثلهم به، يعرف أنه قد ترك من أثمانهم محاباة لمن باعهم، وإن كان الابن سفيها، وإنما ذلك بمنزلة رجل وكل وكيلا ببيع رقيقه، فبيعه جائز، إلا ما حابى أو داهن؛ فالسفيه وغير السفيه إذا رضي ببيعه ووكله سواء فيما يجوز

: يقول لعبدين له أنتما حران إن شئتما

لهما، ويرد عليهما وبيعهما جائز، إلا أن يأتي في ذلك بيع محاباة ببينة، لا يتبايع الناس بمثله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة لا إشكال فيها ولا اختلاف؛ لأن للرجل أن يوكل على نفسه في حياته من رضي توكيله إياه من رشيد أو سفيه، فيلزمه من فعل السفيه ما يلزمه من فعل الرشيد؛ والتوكيل في الحياة بخلاف الوصية بعد الوفاة، ليس له أن يوصي بمال ولده إلى غير عدل، ولا إلى سفيه، ولو أوصى بتنفيذ ثلثه إلى سفيه، أو إلى غير عدل لجاز؛ لأن الثلث له حيا وميتا يجوز أمره فيه، وبالله التوفيق. [: يقول لعبدين له أنتما حران إن شئتما] ومن كتاب الثمرة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول لعبدين له أنتما حران إن شئتما، فشاء أحدهما وأبى الآخر؛ قال: من شاء الحرية منهما فهو حر؛ وكذلك لو قال لامرأتيه: أنتما طالقان إن شئتما، فإن التي شاءت منهما طالق؛ قال أصبغ مثله، وقد قال لي في غير هذا الكتاب لا يكون ذلك إلا أن يجتمعا على المشيئة في العتق والطلاق. قال محمد بن رشد: القول للذي حكى أنه قال في غير هذا الكتاب، هو قوله في المدونة، وقوله: إن من شاء الحرية منهما أو الطلاق، فذلك له؛ هو مثل قوله في سماع أبي زيد، من كتاب الصدقات والهبات في الذي يتصدق بالشيء على رجلين، ويقول: إن قبلتماه فهو لكما، فيقبل أحدهما؛ وله في رسم إن أمكنتني، من سماع عيسى، من كتاب الأيمان

: يغيب عنها زوجها فتعتق رأسا اليوم وتعتق من الغد رأسا آخر

بالطلاق، قول ثالث أنهما يعتقان جميعا بفعل الواحد منهما، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك مستوفى، فلا معنى لإعادته. [: يغيب عنها زوجها فتعتق رأسا اليوم وتعتق من الغد رأسا آخر] ومن كتاب أوله حمل صبيا على دابة قال: وسألت ابن القاسم عن المرأة يغيب عنها زوجها فتعتق رأسا اليوم، وتعتق من الغد رأسا آخر، ثم تعتق بعد ذلك أيضا رأسا آخر، وذلك متواتر، ثم يجيء زوجها فيرد ذلك؛ قال: إن كان الرأس الذي أعتقت أولا الثلث، جاز عتقه، وبطل عتق الآخرين؛ وإن كان أكثر من الثلث بطل عتقهم جميعا هو ومن بعده، ولا ينظر فيمن أعتقت بعد الأول كان الثلث أو أقل، وإنما ينظر في الأول، فإن كان أكثر من الثلث رد عتقه؛ وأما عتق الآخرين فمردود على كل حال. قال محمد بن رشد: تكلم في هذه الرواية إذا قرب بين ما تصدقت به، أو أعتقت شيئا بعد شيء، وتكلم في رسم المكاتب بعد هذا إذا بعد ما بين ذلك، ورأيت لابن دحون أنه قال ابن الماجشون يقول: إذا أعتقت المرأة أكثر من الثلث جاز الثلث، ورد الزوج ما بقي؛ وابن القاسم يقول: يرد كل شيء؛ فعلى قول ابن الماجشون ينظر إن كان المعتق الأول أقل من الثلث، عتق من الثاني بقية الثلث، وإن كان الثلث، عتق عندهما جميعا؛ وإن بقيت من الثلث بقية، عتق من الثاني عند ابن الماجشون بمقدار ما بقي؛ وإن حمل الثلث كله، عتق كله عندهما، وهذا الذي حكى ابن دحون عن ابن

: يقول كل أسود أشتريه فهو حر

الماجشون، لا أعرفه له إلا في الهبة والصدقة؛ وأما في العتق فلا؛ لأنه إنما يقول فيه بقول ابن القاسم، من أجل أن العتق لا ينقض، وقد مضى في رسم الكبش، من سماع يحيى، من كتاب الصدقات والهبات، تحصيل القول في هذه المسألة إذا قرب ما بين الأمدين بمثل اليوم واليومين، أو بمثل الشهر والشهرين، أو بعدما بينهما بمثل الستة الأشهر أو السنة؛ وما يتفق عليه من ذلك، وما يختلف فيه منه، وسائر أحكام قضاء المرأة في مالها دون إذن زوجها ملخصا مبينا؛ فاكتفينا بذكره هناك عن إعادته هنا، ومضى أيضا في رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم، من هذا الكتاب، التكلم على فعلها هل هو على الجواز حتى يرد، أو على الرد حتى يجاز، وما يتعلق بذلك من الأحكام، وبالله التوفيق. [: يقول كل أسود أشتريه فهو حر] ومن كتاب جاع فباع امرأته وسئل عن الرجل يقول: كل أسود أشتريه فهو حر، فشارك رجلا فاشترى الرجل سودا، فقال: إن كانا متفاوضين، فقد حنث فيما اشترى؛ وإن كان نهاه، فلا حنث عليه؛ وإن كان وكل رجلا أو شاركه، ولم ينهه حتى اشترى، فهو حانث. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، من أن الرجل إذا حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها من الفسطاط، فوكل رجلا يزوجه فزوجه من الفسطاط؛ أن النكاح يلزمه وتطلق عليه؛ إلا أن يكون نهاه عن نساء الفسطاط، فلا يلزمه النكاح؛ فكذلك هذا إذا نهاه وكيله أو

مسألة: العبد يكون بين الرجلين فيعتقانه جميعا معا إلى السنة

شريكه عن شراء السودان، لم يلزمه الشراء؛ وإن لم ينهه، لزمه الشراء وعتق عليه جميع السودان؛ إن اشتراهم له وكيله؛ وإن اشتراهم الشريك، قاسمه فيهم فعتق عليه حظه منهم على ما قاله محمد بن المواز في الذي حلف بعتق رقيقه فحنث، وله شريك في أرؤس، وقد قيل: إن ذلك ليس بخلاف لما في المدونة من أنه يعتق عليه حظه من جميعهم، ويقوم عليه بقيتهم على ما ذكرناه من الفرق بين المسألتين في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم؛ وإذا قال ذلك في حنثه بعتق ما يملك، فأحرى أن يقوله في هذه المسألة، للاختلاف الحاصل بين أهل العلم في العتق قبل الملك، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يكون بين الرجلين فيعتقانه جميعا معا إلى السنة] مسألة وسألته عن العبد يكون بين الرجلين فيعتقانه جميعا معا إلى السنة، فإذا مضت ستة أشهر بتل أحدهما نصيبه؛ فقال: لا يقوم عليه حظ صاحبه، وهو على حاله إلى الأجل؛ قلت: فإن مات عن مال قبل الأجل، لمن يكون؟ قال: للذي بقي له فيه الخدمة. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه تقوم خدمته إلى الأجل على الذي بتل نصيبه، قال ابن القاسم في رسم العشور، من سماع عيسى، من كتاب الخدمة، واستحسنه في العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما حصته منه إلى أجل، ثم يعتق الآخر حصته منه بتلا؛ لأن الخدمة رق، ثم رجع عن ذلك ورآه ظلما أن تؤخذ منه قيمة الخدمة ويكون الولاء لغيره؛ ولا فرق بين المسألتين، وأما قوله: إنه ماله يكون إن مات قبل الأجل للذي بقيت له فيه

مسألة: العبد يكون خالصا لرجل فيعتقه إلى سنة

الخدمة، فهو صحيح؛ لأن الخدمة رق، ومن مات وفيه شعبة من رق، فماله للذي بقي له فيه الرق، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يكون خالصا لرجل فيعتقه إلى سنة] مسألة وسألته عن العبد يكون خالصا لرجل فيعتقه إلى سنة، فإذا مضت له ستة أشهر بتل نصفه؛ قال: يعتق عليه جميعه الساعة. قال محمد بن رشد: هذا بيّن لا إشكال فيه؛ لأن العبد جميعه له؛ فكما يعتق عليه بقيته إذا أعتق بعضه، فكذلك يعتق عليه ما بقي له فيه من الخدمة لأنها رق، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه منه إلى سنة] مسألة وسألته عن العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه منه إلى سنة، قال: يقال للآخر يعتق إلى أجله، فإن أعتق جاز، وإن أبى قوم على المعتق حظ صاحبه، وكانت له خدمته إلى الأجل؛ وذلك خوف أن يؤخر التقويم عليه إلى الأجل، فيفلس أو يموت، ولم يحكه عن مالك؛ قال عيسى: قال لي ابن أبي حسان: قال لي مطرف عن مالك: إنه لا يقوم عليه إلى الأجل؛ وكان مما احتج به أن قال: يعمد الرجل الذي العبد بينه وبين صاحبه، فيعالجه على أن يبتاع منه نصيبه، فيأبى عليه، فيذهب فيعتق نصيبه إلى أربعين سنة، فيقوم عليه فيذهب بخدمته؛ لا أرى أن يقوم عليه إلى الأجل، قال ابن القاسم: ولو قال قائل هذا القول لم أعبه، وفيه متكلم.

: قال في أم ولده وأراد أن يأخذ له قسما إنها حرة

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم أوصى، وذكرنا هناك فيها قولا ثالثا، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [: قال في أم ولده وأراد أن يأخذ له قسما إنها حرة] ومن كتاب الرهون وعن رجل قال في أم ولده، وأراد أن يأخذ له قسما: إنها حرة، هل يلزمه ذلك وتعتق عليه؛ قال: لا، وأرى أن يحلف بالله ما أراد عتقها. قال محمد بن رشد: معناه أراد أن يأخذ لها قسما من العطاء باسم الحرية، ومثل هذا في المدونة في ذلك، قال في جارية له هي حرة؛ لأنه مر على عاشر ونحو هذا، فقال: إنه لا تعتق عليه إذا علم أنه دفع عن نفسه بذلك ظلما، ولم يذكر في ذلك يمينا؛ وقد ذكره في الذي قال لعبده: أنت حر اليوم من هذا العمل، واليمين في هذا يمين تهمة، فإذا تبين أنه لم يرد بذلك الحرية، لم يجب عليه يمين؛ وإذا احتمل أن يريد بذلك الحرية، لزمته اليمين على اختلاف؛ ولو ادعى العبد أنه قد كان أعتقه قبل ذلك؛ لكان قوله في مثل هذه الأشياء هو حر شبهة توجب عليه اليمين باتفاق، وقد مضى هذا في رسم لم يدرك، وبالله التوفيق.

مسألة: السفيه يعتق فيجيز وليه عتقه ثم ينكر بعد أن احتلم

[مسألة: السفيه يعتق فيجيز وليه عتقه ثم ينكر بعد أن احتلم] مسألة وعن السفيه يعتق فيجيز وليه عتقه، ثم ينكر بعد أن احتلم، ويقول: أجاز لي وليي ما لم يكن ينبغي له أن يجاز على أنه لا يجاز عتقه، أجازه وليه أو لم يجزه حتى يجتمع له عقله، فيعتق أو يدع؛ ولو جاز هذا؛ لكان يشبه ذلك أن يحبس عليه رقيقه إذا أعتقهم، وهو سفيه حتى إذا اجتمع عقله عتقوا عليه، ولكانت أموال الناس التي خالطه بها من خالطه أولا بأن يبت في ماله من العتاقة؛ ولو جازت العتاقة هكذا، لما انبغى لورثته أن يرثوا رقيقه الذي أعتق إذا مات؛ فأمر السفيه مثل الصبي الذي لا يعقل؛ فلا يجوز منه شيء إلا ما قد جوز للسفيه من الوصية عند الموت. قال محمد بن رشد: ثم ينكر ذلك بعد أن احتلم، معناه بعد أن رشد وملك أمر نفسه، فعبر بالاحتلام عن الرشد، والمسألة كلها صحيحة بينة، وقد مضى التكلم عليها وعلى ما كان في معناها مجودا في رسم العتق، من سماع أشهب، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: السفيه يشتري الجارية بغير إذن وليه فيعتقها] مسألة قال أصبغ في السفيه يشتري الجارية بغير إذن وليه فيعتقها: إن عتقه باطل؛ ولو أنه وطئها فأحبلها، كانت له أم ولده، ولم يلزم السفيه من غرم الثمن قليل ولا كثير؛ قال عيسى بن دينار: رأى أن ترد الجارية على البائع، ويرد البائع الثمن على السفيه، ويكون الولد ولده، ولا يكون على السفيه من قيمة الولد شيء، ولو أن

: قال لعبده إذا قدمت الإسكندرية فأنت حر

رجلا أسلف سفيها مالا، أو باع منه شيئا، فاشترى به المولى عليك أمة فحملت منه، كانت أم ولد له، ولم يكن للمبتاع أو المسلف أخذها منه ورد عليه ذلك الشيء الذي ابتاع بالمال. قال محمد بن رشد: لأصبغ في نوازل سحنون من كتاب المديان، مثل قول عيسى بن دينار هنا في السفيه يشتري الأمة فيولدها، ولا خلاف بينهم في العتق أنه ينقض، وترد الأمة إلى بائعها؛ والفرق بين العتق والإيلاد على قول أصبغ هذا، أن العتق من فعله وكسبه، وليس الإيلاد من فعله وكسبه؛ وإنما فعل من وطئه إياها الذي كان سببا لإيلادها الذي لا يقع باختياره، فقد يريده ولا يرزقه، وقد يرزقه ولا يريده؛ ما يجوز له إذا باعها صاحبها منه وسلطه عليها، وقول عيسى بن دينار ما وقع لأصبغ في نوازل سحنون من كتاب المديان والتفليس، في مساواتهما بين العتق والإيلاد استحسان، ووجهه أن الحمل وإن لم يكن من كسب السفيه ولا فعله، فالأمة عين مال البائع؛ والقول الأول هو القياس ألا فرق بين أن يولد الأمة التي اشتراها، أو التي اشتراها من مال استسلفه، أو من ثمن سلعة باعها، كما لا يفترق ذلك في المديان، للعلة التي ذكرناها، وبالله التوفيق. [: قال لعبده إذا قدمت الإسكندرية فأنت حر] ومن كتاب أوله يدير ماله وسئل عمن قال لعبده: إذا قدمت الإسكندرية فأنت حر، ثم بدا له أن لا يخرج؛ قال: أرى أن يعتق إلى مثل القدر الذي يبلغ، ولو قال له: مر معي إلى الإسكندرية، وأنت حر، فمثل ذلك.

قال محمد بن رشد: رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: إن كان السيد أراد خدمة العبد له، والقيام به حتى يصل الإسكندرية، فلا يلزمه شيء إذا لم يسافر؛ وإن كان إنما أراد عتقه إلى انقضاء زمن يصل به إلى الإسكندرية، فلم يسافر، نظر القدر الذي يصل في مثله لو خرج، فيعتق العبد بعده؛ وهذا الذي قاله لا كلام فيه؛ لأنه إذا علمت نية السيد، ارتفع الإشكال من المسألة؛ ونيته لا تعلم إلا من قبله، فإنما الكلام هل يصدق في نيته أم لا؟ وما يكون الحكم في المسألة إن لم تكن له نية، أو مات قبل أن يخبر بنيته، فيجب على أصولهم أن يصدق في نيته مع يمينه، إلا أن يأتي مستفتيا، فلا يكون عليه يمين، وأما إذا لم تكن له نية، أو مات قبل أن تعلم له نية؛ فيتخرج في ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها قوله في الرواية: أن ذلك كالأجل المعلوم؛ ويكون العبد حرا إلى مقدار البلوغ إلى الإسكندرية، خرج السيد أو لم يخرج، مات أو عاش؛ وهو الذي يأتي على ما في سماع عبد الملك، من كتاب الأيمان بالطلاق، عن ابن القاسم في الذي يقول لامرأته: إذا بلغت معي موضع كذا وكذا، فأنت طالق تلك الساعة. والثاني: أن ذلك كالأجل المجهول الذي قد يكون وقد لا يكون، وليس الأغلب منه أن يكون، فلا يعتق العبد إلا أن يخرج السيد إلى الإسكندرية ويصل إليها؛ وهذا القول يأتي على ما في رسم استأذن من سماع عيسى، من كتاب الأيمان بالطلاق في الذي يقول لامرأته: إذا قدمت بلد كذا وكذا فأنت طالق؛ لأنها لا تطلق عليه حتى تصل إلى البلد. والثالث: الفرق بين أن يقول ذلك له قبل أن يخرج أو بعد أن يخرج؛ فإن قال ذلك قبل أن يخرج، لم يعتق إلا بوصول السيد إلى ذلك البلد، إن خرج إليه؛ وإن قال ذلك بعد أن خرج، كان العبد معتقا إلى

: يحلف في عبد له بحريته ألا يبيعه

مقدار الوصول إلى ذلك البلد، وصل إليه أو رجع من الطريق؛ روى هذه التفرقة زياد بن جعفر عن مالك في الذي يقول لامرأته: إذا قدمت بلد كذا وكذا فأنت طالق؛ أنه إن قال ذلك لها قبل أن يخرج، لم يلزمه طلاق حتى يقدم البلد، وإن قال ذلك لها بعد أن خرج، كانت طالقا مكانتها، كمن طلق امرأته إلى أجل معلوم؛ وفي رسم المدبر والعتق بعد هذا من سماع أصبغ، عن أشهب في العبد يستأذن سيده في الخروج إلى موضع، فيقول له: اخرج إليه، فإذا بلغته فأنت حر، أنه ليس له أن يمنعه من الخروج؛ قال ابن المواز: إلا أن يبدو للعبد في الخروج، وهو قول رابع في المسألة أن ذلك تمليك للعبد في العتق يلزم السيد ولا يلزم العبد، فيكون مخيرا بين أن يخرج إلى البلد فتجب له الحرية، أو لا يخرج فيبقى في العبودية، وبالله التوفيق. [: يحلف في عبد له بحريته ألا يبيعه] ومن كتاب الجواب وسألت عن الرجل يحلف في عبد له بحريته ألا يبيعه، فيبيعه ويقبض الثمن فيستهلكه، ثم يعثر على ذلك ولا مال له؛ قال ابن القاسم: يرد العبد إن أدرك ويعتق ويخرج حرا، ويتبعه المشتري بالثمن دينا؛ لأنه حنث بحريته حين باعه، ووقعت حريته، وعنده به وفاء، وهو الثمن الذي قبض منه حين باعه هو له وفاء؛ لأنه لو عثر عليه ساعتئذ، عتق العبد ورد ذلك الثمن، فالثمن حين بقي في يديه هو مال المشتري ووفاؤه، فهو بمنزلة من أعتق وعليه دين وعنده وفاء بدينه، ثم تلف ذلك الوفاء بعد ذلك، فالعبد حر، ولا سبيل للدين عليه، ويتبع السيد بدينه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة لا إشكال فيها، ولو كان عليه يوم باعه دين يستغرق الثمن، لبيع في الثمن ولم ينفذ فيه العتق، إلا أن تكون

مسألة: يقول في مرضه جاريتي فلانة تخدم ابنتي حتى تنكح ثم هي حرة

قيمته أكثر من الثمن، فيباع منه بالثمن على التبعيض، ويعتق الباقي، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول في مرضه جاريتي فلانة تخدم ابنتي حتى تنكح ثم هي حرة] مسألة وسألت عن الرجل يقول في مرضه جاريتي فلانة تخدم ابنتي حتى تنكح، ثم هي حرة، فيجيز الورثة الوصية لابنته، فيعرض لابنته مرض بعد مبلغ النكاح حتى لا ينكحها أحد، ويمسك عنها الأزواج وقد عنست، وهل يختلف إذا قال حتى تنكح، أو إذا بلغت النكاح، قال ابن القاسم: نعم تختلف، أما قوله: حتى تنكح، فلا عتق لها أبدا عرض لابنته مرض، أو لم يعرض، عنست أو لم تعنس، فلا عتق للمملوكة حتى تنكح الجارية، إلا أن يأتيها الأزواج فتردهم وتأبى النكاح، فإذا كان ذلك وعرف ذلك، عتقت المملوكة، وإن تزوجت، عتقت المملوكة عند العقدة، ولم تحبسها إلى الدخول، وإن ماتت الابنة قبل مبلغ النكاح، خدمت الورثة إلى مقرار النكاح ثم عتقت، وإن لم تخرج الجارية من الثلث، خير الورثة فإما أجازوا وكان سبيلها سبيل ما وصفت لك، وإن أبوا عتق من الجارية مبلغ ثلث الميت ساعتئذ، ورق ما بقي، وسقطت وصية الابنة في الخدمة، ولم يكن لها من الخدمة قليل ولا كثير، ولم يقع لها على الجزء الذي عتق منها من الخدمة شيء. وأما قوله: إذا بلغت ابنتي مبلغ النكاح فهي حرة، فإذا بلغت الابنة النكاح، وأمكن ذلك منها، عتقت الجارية، قلت: ما حد ذلك البلوغ الحيضة؟ قال: وبعد ذلك بقليل علة ما يرى ويجتهد، وما

مسألة: أم أم الأب بمنزلة أم الأب إذا لم تكن أم الأب حية

ليس فيه ضرر، وقد تحيض الجارية وتقيم السنة والسنتين قبل أن تنكح، ويمكن ذلك منها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على أصولهم لا إشكال فيه، ولا موضع للقول. [مسألة: أم أم الأب بمنزلة أم الأب إذا لم تكن أم الأب حية] مسألة وسألت عن الجدة جدة الأب في ميراثها أي جدة هي؟ وأنه ذكر لنا في أمر الأب أنها ترث هي بعينها، فإن لم تكن هي بعينها، وكانت أبعد فلا ترث، قال ابن القاسم: فليس كما ذكر لكم هذا خطأ، أم الأب وأمهاتها بمنزلة أم الأم وأمهاتها إلى أبد، يرثن إذا لم تكن أم الأب بعينها، ولا أم الأم بعينها، فأمهاتهن في مثابتهن إلى أبد، يرثن بعد ذلك أو قرب. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن أم أم الأب بمنزلة أم الأب، إذا لم تكن أم الأب حية، وكذلك ما بعدن، ويحجب الأقرب منهن الأبعد، كما أن أم أم الأم بمنزلة أم الأم إذا لم تكن أم الأم حية، وكذلك ما بعدن، ويحجب الأقرب منهن الأبعد، وإنما الاختلاف في الجدة أم الجد للأب، والجدة أم الجد للأم، فمالك لا يورث واحدة منهما، ومن أهل العلم من يورثهما جميعا، فيورث أربع جدات؛ اثنتان من قبل الأب، واثنتان من قبل الأم، وهو مذهب ابن مسعود من الصحابة، ومنهم من يورث ثلاث جدات؛ اثنتان من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم، وهو مذهب الأوزاعي، وفي ذلك أثر يروى عن النبي عليه الصلاة

مسألة: الأخت للأب والأم إذا كانت هي والجد وكان لها إخوة لأبيها

والسلام: ورث الجدات اثنتان من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم، وإن اجتمعت الجدتان جميعا على مذهب مالك، فالسدس بينهما إلا أن تكون التي من قبل الأم أقرب، فيكون السدس لها، وبالله التوفيق. [مسألة: الأخت للأب والأم إذا كانت هي والجد وكان لها إخوة لأبيها] مسألة وسألت عن الأخت للأب والأم إذا كانت هي والجد، وكان لها إخوة لأبيها، هل تعاد بهم الجد؟ قال ابن القاسم: نعم تعاد بهم، وهذا مما لا شك فيه، ولا اختلاف ولا كلام لأحد. قال محمد بن رشد: معنى تعاد بهم الجد، تعدهم عديه من العدد؛ لأن الجد ينزل مع الإخوة الأشقاء، والذين للأب منزلة أخ، فيقاسمهم للذكر مثل حظ الأنثيين، إلا أن يكون الثلث أفضل له من المقاسمة، فلا ينقص من الثلث شيئا، من اجل أن الإخوة للأم يرثون الثلث مع الإخوة أشقاء والذين للأب، ولا يرثون شيئا مع الجد، فكان الجد أحق بهذا الثلث الذي حجب عنه الإخوة للأم، فللجد مع الأخت الواحدة الثلثان، ومع الأختين والأخ الواحد النصف، ومع الأخ والأخت الخمسان، ومع الأخوين فما زاد من الإخوة الثلث، لا ينقص منه شيئا كان الإخوة أشقاء أو لأب، فلما كان هذا حكمه مع الأشقاء إذا انفردوا، ومع الذين لأب إذا انفردوا؛ وجب أن يكون هذا حكمه معهم. إذا اجتمعوا جميعا في المقاسمة، ثم يكون الإخوة الأشقاء أحق بما بعد نصيب الجد من الإخوة للأب؛ لأنهم يحبونهم، فلا يحصل للإخوة للأب مع الجد والإخوة الأشقاء شيء، إلا أن يكون الشقائق أختا واحدة، فيفضل من المال بعد نصيب الجد أكثر من النصف، فيكون الفاضل عن النصف الواجب لها للإخوة للأب، للذكر مثل حظ الأنثيين،

مثال ذلك أن يترك المتوفى جدا وأختا شقيقة وأخوين للأب، فما زاد فإن الأخت الشقيقة تعاد الجد بالإخوة للأب، فترده بسببهم من النصف الذي كان يجب له معها لو انفردت دون الإخوة للأب إلى الثلث؛ لأنه أفضل له من مقاسمة جميعهم، وتأخذ هي من الثلثين الباقيين بعد نصيب الجد النصف؛ إذ ليس لها أكثر من النصف الذي فرضه الله عز وجل لها، ويكون السدس الفاضل من المال للإخوة للأب، يقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فهذا معنى قول ابن القاسم في الرواية: إن الأخت الشقيقة تعاد الجد بأخويها لأبيها؛ وأما قوله وهذا مما لا شك فيه ولا اختلاف ولا كلام لأحد، معناه على مذهب مالك، ومن اتبع زيد بن ثابت على ذلك، ولم يتابع أحد من الصحابة زيد بن ثابت على قوله بذلك، وقد روي عن ابن عباس أنه سأل زيد بن ثابت عن قوله في معادة الإخوة الأشقاء الجد بالإخوة للأب، فقال له: إنما أقول برأيي كما تقول برأيك، وفي ميراث الجد مع الإخوة اختلاف كثير ليس هذا موضع ذكره. وقد قال جماعة من أهل العلم: إنه لا ميراث للإخوة ما كانوا مع الجد؛ لأنه ينزل بمنزلة الأب إذا لم يكن أب في أنه يحجبهم، كما ينزل ابن الابن بمنزلة الابن إذا لم يكن الابن في أنه يحجبهم، وهو مذهب جماعة من الصحابة، منهم: أبو بكر الصديق، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو هريرة، وابن الزبير، وعائشة أم المؤمنين، والصحيح في النظر أنه لا يحجبهم؛ لأنهم أقرب إلى الميت منه؛ إذ يدلون إليه بأبيهم، والأب أقرب من الجد، بخلاف ابن الابن؛ لأنه أقرب إلى الميت من الأخ؛ لأن الأخ يدلي إلى الميت بالأب وابن الرجل وابن ابنه، وإن سفل أقرب إليه من أبيه، فوجب أن لا يحجب أخاه الذي إنما يدلي إلى الميت بأبيه، وبالله التوفيق.

: قال لغلامه إن قضيت عني فلانا ما له علي فأنت حر

[: قال لغلامه إن قضيت عني فلانا ما له علي فأنت حر] ومن كتاب أوله إن أمكنتني من حلق رأسك وسئل عن رجل قال لغلامه: إن قضيت عني فلانا ما له علي، فأنت حر، فتصدق عليه صاحب الحق بالحق، قال: هو حر إذا تصدق به عليه؛ قلت: فلو كان تصدق به على سيد الغلام فقبل أو لم يقبل؛ قال ابن القاسم: إن قبل السيد كان على العبد أن يؤديه أيضا إلى سيده، وإن لم يقبل، كان عليه غرمه للغريم، ولا يتعلق إلا بأدائه، إلا أن يتصدق به على نفسه، ورواه أيضا سحنون. قال محمد بن رشد: هذا كله بيّن على ما قاله؛ لأن الغريم إذا تصدق على العبد بالدين الذي على سيده، فقد حصل للسيد غرضه في أن يتأدى الدين عنه دون منة تكون عليه، وإذا تصدق به على السيد، كان من حقه ألا يقبل ذلك، فيوجب على نفسه بذلك منة، ووجب ألا يعتق العبد حتى يؤدي الدين عن سيده، فيسقط عنه دون منة تكون للغريم عليه، إذا قيل كان من حقه ألا يعتق العبد حتى يؤدي ذلك إلى سيده، كما لو قضاه سيده؛ إذ لا فرق بين أن يقضيه إياه أو يهبه له الغريم في أن العبد لا يعتق حتى يؤدي ذلك إلى سيده، وبالله التوفيق. [مسألة: يؤاجر عبده سنين فيعتقه فيولد للعبد أولاد من أمته وهو في إجارته] مسألة وسئل عن الرجل يؤاجر عبده سنين فيعتقه فيولد للعبد أولاد من أمته، وهو في إجارته، هل ترى أولاده أحرارا؟ قال: نعم، هم أحرار ساعة يولدون، وليس يوقفون إلى انقضاء خدمة أبيهم؛ لأنه ليس لأحد فيهم خدمة؛ وهو بمنزلة أن لو أعتقهم هم أنفسهم، لم يكن للمستأجر أن يمنعه من ذلك؛ لأنهم ليسوا مع أبيهم في الإجارة.

مسألة: قال لغلامه وهو حر صحيح أنت حر إلى سنة

قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله لا إشكال فيه؛ لأن ولد العبد من أمته بمنزلته، فما ولد له من أمته بعدما أعتق، فهو حر؛ لأنه إنما منع من ابتال حريته ما للمستأجر من الحق في خدمته قبل العتق، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لغلامه وهو حر صحيح أنت حر إلى سنة] مسألة قال: وسألت أشهب بن عبد العزيز عمن قال لغلامه، وهو حر صحيح: أنت حر إلى سنة، إلا أن أموت دون السنة؛ فإن مت دون السنة، فأنت حر حين أموت، فمات السيد قبل السنة؛ قال ابن القاسم ينظر في ثلثه: فإن خرج منه عتق، وإن لم يحمله الثلث، عتق منه ما حمل الثلث واستخدم الورثة البقية إلى السنة؛ وهو بمنزلة من قال لغلامه: أنت حر لأولنا موتا لنفسه، ولرجل آخر، فمات السيد قبل الأجنبي، قال مالك: ينظر في الثلث، فإن خرج منه عتق، قال ابن القاسم: فإن لم يحمله الثلث، عتق منه ما حمل الثلث واستخدم البقية إلى موت الآخر، وليس بينهما فرق؛ وهو بمنزلة من قال: أنت حر إلى موت فلان، إلا أن أموت قبل ذلك، ومسألة أشهب قال: أنت حر لأولنا انقضاء أنا أو السنة، فليس بينهما فرق، فهذا مثل مسألة مالك سواء؛ وقد قال مالك: يقوم رقبته وليس خدمته، وقال أشهب بن عبد العزيز: لا يقوم في ثلث إلا خدمته، وليس رقبته؛ لأنه إنما فيه خدمة. قال محمد بن رشد: قول أشهب أظهر؛ لأن العتق في الرقبة قد ثبت، وإنما بقي فيه الخدمة إلى أجل، وهو قول ابن القاسم في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الوصايا في الذي يعتق عبدا له إلى أجل، ثم يوصي في مرضه بوضع الخدمة عنه، وبعتاقة عبيد سواه، ولا يحمل ذلك

مسألة: الجارية تكون بين الرجلين فيقاومانها فيما بينهما فيبلغا بها ثمنا أضعافا

ثلثه، أنه يحاصهم بقيمة خدمته لا بقيمة رقبته، ووجه قول مالك في هذه الرواية، أنه يقوم رقبته، هو أن الحرية تبع للرق، وأنه في جميع أحكامه أحكام عبد، وبالله التوفيق. [مسألة: الجارية تكون بين الرجلين فيقاومانها فيما بينهما فيبلغا بها ثمنا أضعافا] مسألة وسألت ابن القاسم عن الجارية تكون بين الرجلين فيقاومانها فيما بينهما فيبلغا بها ثمنا أضعافا، فيعمد أحدهما فيعتقها، قال: وقعت هذه المسألة بالمدينة في جارية كانت بين رجل وامرأة، فوقع له فيها هوى واستتبعتها نفسه، فسأل امرأته أن تبيع منه نصيبها فأبت، فرفع أمرها إلى ابن عمران قاضي المدينة، فأمر ببيعها ممن يزيد، فزاد زوج المرأة فيها حتى بلغها ستمائة دينار، فألزموه ذلك، فأتى زوجها إلى المخزومي فقال له: ما الحيلة قد بلغت ستمائة دينار، وقد قصمت ظهري، فقال له المخزومي: أعتق حظك منها، فلا يلزمك إلا القيمة ففعل؛ فرفع ذلك إلى ابن عمران، وأخبر بما بلغت وبعتقه إياها؛ فقال: اذهبوا بها إلى السوق فصيحوا بها، فإن زادت على ستمائة دينار فألزموه ذلك، وإلا ألزموه الستمائة دينار وأعتقوها عليه؛ فرفع ذلك إلى مالك، فأعجبه ذلك، ورأى أنه الحق المستقيم، وأنه أبين من القمر. قال مالك: لو أن رجلا وقف برأس له في السوق وأعطي به ثمنا، فعدا عليه إنسان فقتله؛ أنه يكون له ذلك الثمن إلا أن تكون قيمته أكثر من الثمن، فيعطى القيمة، وذلك إذا كان قتله بحدثان ما أعطى به ذلك، قال ابن القاسم: ولقد كان ابن أبي حازم يضحك بالذي أمر به المخزومي

: وهب لرجل بعض من يعتق عليه من ذوي قرابته أو أوصى له أو تصدق به عليه

الرجل من عتق الجارية، ويقول: دمر المسكين، فكان يسره ذلك، قال: وأراهما كانا يتعارضان. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا في الذي وقف برأس له في السوق، فأعطي به ثمنا، فعدا عليه عاد فقتله، أنه يكون عليه الأكثر من قيمته، أو مما أعطي فيه يبين ما وقع من قوله في أول رسم من سماع ابن القاسم، من كتاب الغصب، أنه يلزمه الثمن الذي أعطي به، وأن معناه إن كانت قيمته أقل، وأما إن كانت أكثر، فيلزمه الأكثر على ما قاله هاهنا، وعلى قياس ما قضى به ابن عمران على الرجل، وسحنون يقول في مسألة مالك إنه لا يلزمه إلا القيمة، قاله في سماع ابن القاسم من كتاب الغصب، وذلك خلاف ما قضى به ابن عمران على الرجل في الجارية التي زاد فيها، مثل مذهب المخزومي على ما أشار به على الرجل من عتق حظه في الجارية، وبالله التوفيق. [: وهب لرجل بعض من يعتق عليه من ذوي قرابته أو أوصى له أو تصدق به عليه] ومن كتاب القطعان قال ابن القاسم: قال مالك: من وهب لرجل بعض من يعتق عليه من ذوي قرابته، أو أوصى له، أو تصدق به عليه فهو حر قبله المعطي أو لم يقبله، قال مالك: وأرى أن يبدأ على الوصايا مثل العتق بعينه، والولاء للموصى له به، أو الموهوب له، أو المتصدق به عليه؛ وإن أوصى له ببعضه، أو تصدق ببعضه، أو وهب له بعضه فقبله، استتم عليه ما بقي، وإن لم يقبله، عتق منه عليه ما أوصى له به، أو تصدق به عليه، ويبدأ أيضا على الوصايا، ويكون ولاء ذلك للموهوب له، أو الموصي به، قال ابن القاسم: من تصدق على رجل بمن يعتق عليه، أو وهبه له في صحته، أنه حر قبله أو لم

يقبله، وولاؤه له، مثل قول مالك في المرض والوصية، وإنما هو عندي بمنزلة من قال: غلامي حر عن أبي، أو عن فلان، والولاء للأب أو لفلان، وكذلك لو تصدق عليه بنصفه، أو وهبه له، فإنه إن قبله، استتم عليه عتقه، وكان الولاء كله له، وإن لم يقبله، عتق منه ما تصدق به عليه، وليس له أن يرد ذلك؛ ويكون ولاؤه له على كل حال، قبله أو لم يقبله، قال عيسى: لا يعجبني قوله في الولاء، وقد سمعته يقول: إن قبل فالولاء له، وإن لم يقبل، فالولاء للمتصدق. قال محمد بن رشد: قوله: إذا وهب له من يعتق عليه، أو تصدق به عليه، أو أوصى له به، فحمله الثلث؛ أن الولاء له، قبله أو لم يقبله؛ وأنه إذا وهب له شقصا منه، أو أوصى له به، فلم يحمله الثلث؛ أنه إن قبل، قوم عليه الباقي؛ وإن لم يقبل أعتق عليه ما وهب له منه، أو ما حمله الثلث منه، وكان الولاء له على كل حال، هو قوله في المدونة؛ ووجه ذلك أنه لما وهب له، أو تصدق به عليه، أو أوصى له به، وقد علم أنه يعمق عليه إذا ملكه، ولم يكن على يقين من قبوله إياه، حمل عليه أنه أراد عتقه عنه، فكان الولاء له قبل أو لم يقبل؛ ووجه القول الثاني: أنه لما علم أنه يعتق عليه فأوصى له به، أو وهبه إياه أو تصدق به عليه، فقد قصد إلى عتقه، فكأنه قال: إنه قبله، وإلا فهو حر، وكان القياس إذا لم يقبل، أن يرجع إلى الواهب، أو المتصدق، أو إلى ورثة الموصي، كان الكل أو البعض، وقد قاله علي بن زياد، عن مالك في المدونة إذا لم يحمله الثلث، وكذلك على قياس قوله إذا تصدق عليه ببعضه، أو وهب له بعضه؛ فيتحصل على هذا في المسألة إذا لم يقبل قوله أربعة أقوال؛ أحدها: أن الولاء له. والثاني: أن الولاء للواهب أو المتصدق. والثالث: أنه يرجع ملكا لواهبه أو للمتصدق به أو لورثة

مسألة: المرأة تعتق مدبرها عن أبيها

الموصي. والرابع: الفرق بين أن يتصدق عليه بالكل، أو يهبه إياه، أو يوصي له به، فيحمله الثلث؛ وبين أن يتصدق عليه بشقص منه، أو يهبه إياه، أو يوصي له به، أو يحمله فلا يحمله، فإن كان الكل عتق، وكان الولاء له؛ وإن كان البعض، رجع إلى الواهب، أو المتصدق، أو إلى ورثة الموصي ملكا، ولا اختلاف في أنه إذا قبل يعتق عليه، ويكون الولاء له إن كان جميعه؛ وإن كان بعضه عتق عليه وقوم عليه الباقي، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وقد مضى في رسم المكاتب، من سماع يحيى، من كتاب الصدقات والهبات، التكلم على هذه المسألة أيضا، وفي كل واحد من الموضعين زيادة على ما في الموضع الآخر، والله الموفق. [مسألة: المرأة تعتق مدبرها عن أبيها] مسألة وسئل ابن القاسم عن المرأة تعتق مدبرها عن أبيها، قال: لا أحب ذلك لها؛ فإذا فعلت، فالولاء لها، قيل له: فالمكاتب هل هو عندك في هذا مثل المدبر؟ قال: ما أشبهه به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الكتابة والتدبير عقدان لازمان يوجبان الولاء، إلا أن يطرأ ما ينقضهما من عجز المكاتب، أو دين يستغرق تركة المدبر، فوجب إذا أعتق واحدا منهما عن أبيه، أن يكون الولاء له لا لأبيه؛ إذ لا يملك نقل الولاء عن نفسه إلى أبيه؛ لنهي النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عن هبة الولاء وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. تم كتاب العتق الثاني، والحمد لله.

: كتاب العتق الثالث

[: كتاب العتق الثالث] [: يبدأ الدين فيؤدى وينظر إلى ثلث ما بقي] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كتاب العتق الثالث ومن كتاب أوله باع شاة وسألته: عن رجل حضرته الوفاة فدعا موالي له كان كاتبهم فقال: إني قد كنت حنثت فيكم بعتق قبل أن أكاتبكم فما أخذت منكم فهو في مالي فخذوه، وعليه دين للناس، وقد كان أخذ منهم عرضا من إبل أو غنم ورقيق فتناسل ذلك، وهو معروف. قال ابن القاسم: يبدأ الدين فيؤدى وينظر إلى ثلث ما بقي، فإن كان ثلثه يحمل ما لهم، الذي أخذ منهم، دفع ذلك إليهم، أو ما حمل ثلثه من ذلك، وما أقر به أنه قد كان حنث فيهم فذلك باطل لا يعتقون عليه بذلك، ويقال لهم: أدوا ما بقي عليكم من الكتابة فإن أدوا عتقوا وإلا رقوا. قال محمد بن رشد: قوله، فيما أقر في مرضه الذي مات منه أنه أخذه من مواليه في كتابتهم بعد أن كان حنث بعتقهم: إن ذلك يكون في ثلثه - معناه: إذا كان يورث بكلالة إذ لو كان يورث بولده لجاز ذلك من رأس ماله، على ما في المدونة وغيرها، وهو مثل أحد قولي ابن القاسم في كتاب المكاتب من المدونة خلاف المشهور من أن ذلك يبطل ولا يكون في رأس المال ولا في الثلث، إذ لم يرد به الثلث، وكان يلزم على قياس قوله أن يعتق الموالي أيضا من الثلث لإقراره أنهم أحرار بما حنث فيه من عتقهم.

مسألة: قال رأس من رقيقي حر إن شفاني الله فشفاه الله

فقوله في هذه المسألة متناقض، إذ فرق بين عتقهم وما أخذوه منهم في كتابتهم، فقال: إن العتق يبطل، وما أخذه منهم في الكتابة يكون في ثلثه. وقد قيل: إن ذلك ليس بتناقض، وإنه إنما قال فيما قبض من الكتابة: إنها تكون من الثلث؛ لقوله: فخذوه؛ لأن ذلك بمنزلة أن لو قال في العبيد: فأنفذوا ذلك لهم، إذ لو قال ذلك لعتقوا في الثلث، على ما زاده ابن حبيب عن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه في هذه المسألة، وعلى ما مضى في رسم أمهات الأولاد من سماع عيسى من كتاب الوصايا، وليس ذلك بصحيح؛ لأن قوله لرقيقه في المال: خذوه لأنه لكم - لا يشبه قوله لورثته في الرقيق: أنفذوا لهم الحرية، فالتناقض في المسألة ظاهر، وبالله التوفيق. [مسألة: قال رأس من رقيقي حر إن شفاني الله فشفاه الله] مسألة قال ابن القاسم: من شهد عليه بعتق كان منه في الصحة لم يكن يستطيع أن يخرج منه حتى يوقفه على من أحب من رقيقه، مثل أن يشهد عليه أنه قال: رأس من رقيقي حر إن شفاني الله أو قدم أبي، فشفاه الله أو قدم أبوه، وأثبتته البينة في الصحة فإن ذلك يقال له أوقع على من أحببت، فإن فعل كان ذلك له، وإن لم يفعل حتى مات جرى العتق في جميع رقيقه، إن كانوا ثلاثة أعتق أثلاثهم، وإن كانوا أربعة أعتق أرباعهم. ومن شهد عليه أنه أعتق رأسا من رقيقه سماه فنسيه الشهود فجحد أو لم يجحد حتى مات فلا عتق لمن بقي. وإن قال قد أعتقت جارية من جواري وتزوجتها وشهد عليه بذلك ولم يسمها وجهلوا أن يسألوه حتى مات وهو صحيح كان بمنزلة

من قال: رأس من رقيقي حر، وجرت الحرية في عددهم على حال ما سميت لك. قلت: أرأيت لو أن رجاله ثلاثة أرؤس فأقر عند موته أن أحدهم حر ونسوا أن يسألوه من هو حتى مات، أكانوا يرقون كلهم؟ قال: بل يعتق منهم أثلاثهم، وكذلك الذي أقر أنه أعتق جارية من جواريه وتزوجها فجهل الشهود أن يسألوه: من هي؟ فالعتق يجري فيهن على ما فسرت لك ولا ميراث لواحدة منهن، ولو أن أولئك الجواري هلك بعضهن وبقي بعض فلم يعلم الذي أعتق أهي فيمن مات أو فيمن بقي رأيت ألا يعتق من البواقي إلا ما يعتق منهن لو كن أحياء إن كن عشرا فمات خمس عتقت من الخمس أعشارهن، كما يعتق منهن لو كن أحياء، لأنا حين لم ندر أهي فيمن هلك أو فيمن بقي؟ لم يحمل على الورثة أكثر من الذي يصيبهم أن لو كانوا أحياء وهو عشر القيمة، قال: ولو كان باع بعضهم وبقي بعض ردت العتاقة فيمن بقي إن كانوا عشرة فباع خمسة وبقي خمسة عتق ممن بقي خمس كل واحدة منهن؛ لأنه قد علمنا حين باعهم أن العتاقة فيمن بقي. قلت: فلو أن الرقيق قالوا لواحد منهم: هذا هو الذي أعتق سيدنا، وقد أعلمنا بهم - لم يعتق بقولهم ولم يقبل واتهموا في أن يدفعوا عن أنفسهم الضرر، ضرر العتق. قال محمد بن رشد: لا اختلاف أحفظه في أن من قال رأس من رقيقي حر، يسأل: هل أراد واحدا منهم بعينه أم لا؟ ويصدق فيما قاله من ذلك، قيل: بيمين، وهو قول ابن القاسم في سماع محمد بن خالد بعد هذا، قاله إذا قال: لم أرد واحدا منهم بعينه، وقيل: بغير يمين، قاله في المدونة، إذا قال: أردت

فلانا منهم، ولا فرق بين الموضعين، والاختلاف في هذا على اختلافهم في لحوق يمين التهمة. ولا أعرف نص خلاف في أن له أن يعتق ما شاء منهم إذا قال لم أرد واحدا منهم بعينه، فلو أراد على هذا القول أن يسهم بينهم تحريا للعدل بينهم فيعتق من خرج سهمه لكان ذلك له، ولو أبى أن يعتق واحدا منهم لوجب أن يعتق الإمام عليه أحدهم بالقرعة ولو قال لما سئل أردت واحدا منهم بعينه فنسيت من هو منهم لوجب على قياس قولهم أن يعتقوا عليه كلهم؛ إذ لا يجوز له أن يسترقهم وأحدهم حر، ولو أعتق هو أحدهم لم يعتق عليه الباقون منهم إلا على الاختلاف في القضاء على الرجل بعتق ما شك فيه من عتق عبيده، والقولان في العتق الأول من المدونة. وأما إذا مات قبل أن يختار فاختلف قول ابن القاسم في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: قوله في هذه الرواية: إن العتق يجري فيهم كلهم بالسوية إن كانوا ثلاثة عتق ثلث كل واحد منهم، أو كانوا أربعة عتق ربع كل واحد منهم، وإن كانوا أكثر من ذلك أو أقل فعلى هذا. والثاني: أنه يعتق واحد منهم بالسهم يريد من غير أن يعتبر في ذلك ما يقع الواحد من جميعهم، وهو قوله في سماع عيسى أيضا على ما حكى عنه سحنون في رسم الصلاة من سماع يحيى. والثالث: قوله في سماع محمد بن خالد، وفي رسم الصبرة من سماع يحيى: إن الورثة منزلون منزلة الميت في الاختيار. وفي المسألة قول رابع: وهو قول مالك الذي حكى سحنون في سماع محمد بن خالد أنه بلغه عنه، أنه يعتق ثلثهم بالسهم إن كانوا ثلاثة، أو ربعهم إن كانوا أربعة، فقد يعتق منهم على هذا القول أقل من عبد وأكثر من عبد مثل أن يكونوا ثلاثة أعبد قيمة أحدهم مائة وقيمة الثاني مائتان وقيمة الثالث ثلاثمائة، لأنه إن خرج السهم على الذي قيمته مائتان عتق جميعه لا أكثر، لأن قيمته ثلث قيمتهم ثلاثتهم، وإن خرج السهم على الذي قيمته ثلاثمائة عتق منه ثلثاه، وإن خرج السهم على الذي

قيمته مائة عتق جميعه وأعيد السهم ثانية على الباقين، فإن خرج السهم على الذي قيمته مائتان عتق منه نصفه، وإن خرج على الذي قيمته ثلاثمائة عتق منه ثلثه. وفي المسألة قول خامس: وهو قول سحنون في رسم الصلاة من سماع يحيى: أنه إن اتفق الورثة على اختيار واحد كان لهم ذلك، وإن اختلفوا أقرع بينهم، فأعتق واحد منهم، على ما رواه عيسى في أحد الروايتين عنه. وفيها أيضا قول سادس: وهو قول سحنون في سماع محمد بن خالد: أنه إن اتفق الورثة على اختيار واحد كان ذلك لهم، وإن اختلفوا أقرع بينهم فأعتق ثلثهم بالسهم إن كانوا ثلاثة، أو ربعهم إن كانوا أربعة على ما حكى أنه بلغه عن مالك. وجه القول الأول: أن العتق لما كان أصله في الصحة ومات المعتق الذي كان له الخيار ولم تصح القرعة في ذلك؛ لأن السنة إنما جاءت فيها في الذي أعتق عند موته - وجب أن يجري العتق في جميعهم، إذ لا مزية لواحد منهم في العتق على صاحبه. ووجه القول الثاني: أن تنفيذ العتق لما كان بعد الموت أشبه الوصية فجازت في ذلك القرعة، فوجب أن يعتق واحد منهم بها، قلت قيمته أو كثرت، إذ قد علم أن الميت إنما أعتق عبدا واحدا منهم. ووجه القول الثالث: أن التخيير في عتقهم حق كان للميت فوجب أن يرثه ورثته عنه. ووجه القول الرابع: أن تنفيذ العتق لما كان بعد الموت وأثبتته الوصية وجازت في ذلك القرعة - وجب أن يعتق بها ثلثهم إن كانوا ثلاثة أو ربعهم إن كانوا أربعة، إذ لا يدري هل أراد الميت أقلهم قيمة أو أكثرهم، فكان العدل في ذلك أوسط القيم باعتبار عددهم، فعلى هذا القول لو أوصى رجل بعتق رأس من رقيقه لعتق ثلثهم بالسهم إن كانوا ثلاثة أو ربعهم إن كانوا أربعة، وعلى القول الثاني يعتق واحد منهم بالسهم، قلت قيمته أو كثرت.

والمغيرة يقول، فيمن أوصى بعتق رأس من عبيده: إن العتق يجري في جميعهم؛ لأنه لا يرى القرعة بحال، فقوله في ذلك مضارع لقول أهل العراق. وأما قولا سحنون فهما جميعا استحسان، إذ لا يخرج فيما اختاره في كل قول منهما عما تقدم من الاختلاف الذي قد مضى توجيهه. والذي يأتي على قياس القول بأن الورثة ينزلون منزلة الميت في الاختيار إذا اختلفوا في ذلك أن يعتق على كل واحد منهم حضه من العبد الذي اختاره. ولو قال الرجل في صحته: أنصاف رقيقي أو أثلاثهم أو أرباعهم أحرار - عتق جميعهم عليه. ولو بتل في مرضه الذي مات منه عتق أنصافهم أو أثلاثهم قوم باقيهم في ثلثه إن حمل ذلك ثلثه أو ما حمل منه، ولو أوصى بذلك لم يعتق منهم إلا ما عتق، وأما إذا قال: ثلث رقيقي أحرار أو نصفهم أو ربعهم - فيعتق ثلثهم أو ربعهم أو نصفهم بالسهم، كان ذلك في الصحة أو في المرض أو في الوصية بعد الموت، غير أن ذلك إن كان في الصحة فخرجت القرعة على عبد قيمته أكثر من ذلك الجزء عتق عليه جميعه، إذ لا يصح التبعيض في عتق الصحيح، وكذلك إن خرجت القرعة على عبد قيمته أقل من ذلك الجزء ثم خرجت بعده على عبد قيمته أكثر من ذلك الجزء يعتق جميعه. وقد قيل: إن قوله: نصف رقيقي أو ثلثهم أو ربعهم - بمنزلة قوله: أنصافهم أو أثلاثهم أو أرباعهم، حكاه ابن حبيب عن أصبغ. وأما قوله في الرواية في الذي شهد عليه أنه أعتق رأسا من رقيقه سماه فنسيه الشهود فجحد أو لم يجحد حتى مات: إنه لا عتق لمن بقي - معناه: أنه لا عتق لمن بقي منهم إن مات بعضهم، ولا لواحد منهم إن لم يمت أحد، فهو المشهور أن الشهادة تبطل، وقد قيل: إنها تجوز، وهو الذي يأتي على ما في

مسألة: حلف أن يبيع عبده إلى شهر فباعه بيعا فاسدا قبل الشهر

أصل الأسدية من كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة الذي طلق إحدى امرأتيه ولم يدر أيتهما المطلقة من أن الشهود شكوا فلم يعرفوا أيتهما المطلقة أن كانت التي دخل بها أو التي لم يدخل، ومثله في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الوصايا، وقد مضى القول على ذلك هنالك وفى رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى منه مستوفى، وهو قول ابن وهب أيضا في سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات، فهذا وجه القول فيما أشكل من هذه المسألة وسائرها بين لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف أن يبيع عبده إلى شهر فباعه بيعا فاسدا قبل الشهر] مسألة وسألته: عن رجل حلف في عبد له بحريته أن يبيعه إلى شهر فباعه قبل شهر بيعا فاسدا فمضى الشهر ثم رد عليه أو مات، فهل يحنث؟ أو باعه فوجد به عيب، علمه أو لم يعلمه فرد عليه هل يحنث؟ قال ابن القاسم: أما العيب الذي رد عليه وقد فات الأجل فهو حانث، علم أو لم يعلم بالعيب، فهو بمنزلة من حلف على جارية بحريتها أن يبيعها فوجدها حاملا أنها تعتق، وأما البيع الفاسد فإنه إن فات الأجل وهو على حاله أو لم يتغير بنماء أو نقصان حتى يكون قد فات الرد فيه رأيته يرد ويعتق عليه، وإن كان قد فات قبل الأجل لم أر عليه شيئا ورأيته رقيقا، لأن الأجل لم يفت حتى ضمنه المشتري فلذلك لم يعتق عليه. قال محمد بن رشد: أما الذي حلف أن يبيع عبده إلى شهر فباعه بيعا فاسدا قبل الشهر، فقوله: إنه إن مات قبل الأجل فقد بر وإن مضى الأجل وهو على حاله فقد حنث، سواء رد عليه أو فات بعد الأجل، لا أعرف نص خلاف إلا أن الخلاف يدخل فيه بالمعنى من مسألة الذي يبيع عبده بيعا فاسدا قبل يوم الفطر فيمضي يوم الفطر وهو بيد المشتري ثم يرده عليه بعد يوم الفطر أو لا يرده

عليه لفواته عنده قبل يوم الفطر أو بعده، إذ قد قيل: إن فطرته على المشتري، وإن رد على البائع بعد يوم الفطر؛ لأنه لو تلف عنده لكانت مصيبته منه، وهو قول ابن القاسم، فيأتي على قياس قوله هذا أن يبر بالبيع الفاسد، وإن رد عليه بعد أن قبضه المشتري، وهو قول أشهب في سماع أصبغ من كتاب النذور: إن الحالف ليقضين رجلا حقه يبر بالقضاء الفاسد وإن نقض ورد، وقيل أيضا: إن فطرته على المشتري إن لم يرد على البائع وإن كان لم يفت عنده إلا بعد يوم الفطر؛ لأنه إذا لم يرد على البائع فكأنه لم يزل ملكا للمشتري من يوم قبضه، وهو قول ابن الماجشون، فعلى قياس قوله يبر البائع بالبيع الفاسد إذا فات بيد المشتري وإن لم يفت عنده إلا بعد الأجل. وتفرقة ابن القاسم في هذه الرواية بين أن يفوت العبد عند المشتري قبل الأجل أو بعده هو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، لأن البر لا ينبغي أن يكون إلا بأكمل الوجوه، وعلى القول بأن البيع الفاسد لا ينتقل به الملك ويكون المصيبة فيه من البائع وإن تلف بيد المشتري وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع في بعض الروايات لا يبر الحالف بالبيع الفاسد على حال، وهو قول رابع في المسألة. وأما إذا حلف أن لا يبيعه فإنه يحنث بالبيع الفاسد على ما يأتي له في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ قولا واحدا، لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه إلا على القول بأن البيع الفاسد لا ينتقل به الملك. وأما قوله في الذي حلف أن يبيع عبده إلى أجل ثم رد عليه بعيب بعد الأجل: إنه حانث، فهو على قياس القول بأن الرد بالعيب نقض بيع بدليل استشهاده بمسألة أم الولد، وهو خلاف المشهور من قوله: لأن المشهور من قوله أنه ابتداء بيع، فعلى قوله المشهور لا يحنث إذا رد عليه بعيب بعد الأجل أو قبله؛ لأنه لو اشتراه قبل الأجل لم يعتق عليه عنده، وقع ذلك من قوله في المدنية من رواية عيسى عنه، وقال: إن من قال خلاف هذا فقد أخطأ،

مسألة: يحلف في جاريته بالحرية أن يتخذها أم ولد فيبيعها

وللمغيرة في المدنية: أن من حلف بحرية عبده ليبيعنه إلى أجل فباعه قبل الأجل - أنه يحنث إن ألفاه الأجل عنده، ومن قول ابن القاسم في المدونة وغيرها أن من حلف بحرية عبده أن لا يفعل فعلا فباعه ثم اشتراه أو وهب له أن اليمين ترجع عليه ويحنث بحريته إن فعل ذلك الفعل، إلا أن يعود إليه بميراث. ووجه ذلك: أنه يتهم على إسقاط اليمين عن نفسه ببيعه إياه ليرد عليه، فعلى قياس هذا يجب أن يحنث إذا رجع إليه قبل الأجل إلا أن يرجع إليه بميراث. فيتحصل على هذا في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يحنث بمضي الأجل إن اشتراه قبل الأجل أو رد عليه، وهو قول المغيرة في المدنية، والذي يأتي على قول ابن القاسم في المدونة. والثاني: أنه لا يحنث في الوجهين جميعا، وهو على قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء بيع، وعلى أنه لا يحنث بالشراء. والثالث: الفرق بين أن يشتريه أو يرد عليه بالعيب، وهو على قياس القول بأن الرد بالعيب نقض بيع، وهذا كله إذا لم يعلم بالعيب، وأما إذا علم به فلا اختلاف في أنه لا يبر إذا رد عليه قبل الأجل أو بعده؛ لأنه يتهم على أنه إنما باعه وهو عالم بالعيب ليرد عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف في جاريته بالحرية أن يتخذها أم ولد فيبيعها] مسألة وسألته: عن الرجل يحلف في جاريته بالحرية أن يتخذها أم ولد فيبيعها، هل يحنث فيها حين باعها أو يرد ذلك البيع، وتكون عنده موقوفة بحالها؟ أو قال، وهي في ملكه: والله لا أتخذها أبدا، هل تعتق عليه ساعة حلف بذلك أو لا تعتق عليه أبدا حتى يموت؟ قال ابن القاسم: أرى أن ترد وتكون في ملكه حتى يبر أو يموت فتعتق في ثلثه، وكذلك قال مالك فيمن حلف في رقيقه بحريتهم على أمر أن يفعله ثم باعهم: إنه يرد بيعهم ويوقفوا في يديه حتى يبر أو يموت فيعتقوا في ثلثه.

قلت: فإن فلس سيدهم قبل أن يبر وقد حلف بحريتهم قبل الدين أو بعده يباعوا في الدين؟ قال ابن القاسم: يباعوا في الدين للغرماء كانت يمينه فيهم قبل الدين أو بعده، وليس هم بمنزلة المدبر؛ لأنه هو إن أراد أن يبر بر وسقطت عنه اليمين، وأن المدبر ليس له أمر يبر فيهم. قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن ترد وتكون في ملكه حتى يبر أو يموت فتعتق في ثلثه، هو مثل ما في المدونة من قوله وروايته عن مالك، خلاف قول ابن دينار فيها: إنه إذا رد البيع فيها أعتقت على البائع، قال: لأنه لا ينقض صفقة مسلم إلى رق، وإنما ينقض إلى عتق، وقد ذهب بعض الشيوخ إلى أن ما وقع من قول مالك في رسم العتق بعد هذا هو مثل قول ابن دينار في المدونة، وليس ذلك بصحيح على ما سنذكره إذا وصلنا إليه إن شاء الله. وقوله: إنهم يباعون في الدين كانت يمينه فيهم قبل الدين أو بعده وأنهم ليسوا بمنزلة المدبرين صحيح للعلة التي ذكرها، وقد ذهب بعض الناس إلى أنه يعارض ذلك ما وقع في أول رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ بعد هذا: أن هذه اليمين التي تكون فيها على حنث أقوى من المدبرة، لأن المدبرة توطأ وهذه لا توطأ وليس ذلك ببين، لأنه إنما أراد أنها أقوى منها في أن ولدها يدخلون معها، وليست بأقوى منها في ذلك، بل هي أضعف، إذ قد اختلف في دخول ولدها معها في اليمين حسبما مضى القول فيه في رسم بع ولا نقصان عليك، ولم يختلف في دخول ولد المدبرة معها في التدبير، ورأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة: ولو اشتراهم بعد بيع السلطان عليه للغرماء لرجعت اليمين عليه؛ لأنهم بيعوا وهو على حنث. فأما قوله: إن اليمين ترجع عليه فهو صحيح، وأما تعليله ذلك بقوله: لأنهم بيعوا وهو على حنث، فليس بصحيح، لأن اليمين ترجع عليه على مذهبه، وإن كان على بر، فهو نص قوله في المدونة، خلاف قول غيره فيها، وبالله التوفيق.

مسألة: يحلف أن لا يبيع سلعة فتغصب منه فيجدها قد نقصت

[مسألة: يحلف أن لا يبيع سلعة فتغصب منه فيجدها قد نقصت] مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يحلف بحرية عبده أن لا يبيعه فيغتصبه منه إنسان فينقص عنده، فهل له أن يأخذ قيمته؟ قال: إن كان الذي نقصه أمر جاءه من الله وأخذ قيمته فقد حنث، لأنه كان مخيرا على الغاصب، إما أن يأخذه بعينه ولا شيء عليه في العيب، وبين أن يسلمه ويأخذ قيمته، فإذا أسلمه وأخذ قيمته كان بائعا له، ولو أصابه غيره فأخذ له أرشا أو لم يأخذ له فأسلمه كان حانثا إذا رضي بالقيمة من غاصبه، ولو أنه أخذه وأخذ ما أخذ الغاصب في جرحه أو اتبع الجارح بما جنى على عبده لم يكن عليه شيء، فقد قال ابن القاسم في رسم القطعان في الرجل يحلف أن لا يبيع سلعة فتغصب منه فيجدها قد نقصت، قال: إن كان نقصانا يسيرا فأخذ قيمتها حنث، وإن كان نقصانا فاحشا يكون الثلث فأكثر فأخذ له ثمنا فلا شيء عليه، وقال أيضا في كتاب المكاتب: إن كانت السلعة قائمة فهو حانث، وإن كانت قد فاتت فأخذ قيمتها أو سلعة مثلها فلا حنث عليه. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب النذور، وقلنا فيها هنالك: إن الذي يتحصل من هذه الروايات ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يحنث بأخذ القيمة منه إذا فاتت عنده فواتا يوجب له تضمين القيمة إياه، يسيرا كان النقصان أو كثيرا، بأي وجه كان، وهو الذي في كتاب المكاتب. والثاني: أنه يحنث بأخذ القيمة منه فيها، وإن فاتت ووجب له تضمين القيمة إياه، يسيرا كان النقصان أو كثيرا، بأي وجه كان، وهو الذي في هذا الرسم. والثالث: أنه يحنث بأخذ القيمة منه فيها، إن كان النقصان يسيرا، ولا يحنث إن كان النقصان كثيرا أكثر من الثلث.

مسألة: كل ولد يلحق بأبيه ويخرج حرا فولاؤه لأبيه

ووجه القول الأول أن ذلك ليس ببيع لأن البيع إنما يكون برضا المتبايعين، والغاصب مجبور على أخذ القيمة منه. ووجه القول الثاني: أن ذلك بيع من أجل أنه مخير بين أن يأخذ سلعته ويضمنه ما نقص يسيرا كان النقصان أو كثيرا وبين أن يسلمها إليه ويأخذ منه قيمتها، فأشبه من حلف أن لا يبيع سلعة قد باعها على أنه فيها بالخيار أنه يحنث إن أمضاها له وإن كان المبتاع مجبورا على أداء الثمن فيها للعقد المتقدم. والقول الثالث: لا يخرج عن القولين فهو استحسان على غير حقيقة القياس. وقد تؤول ما في كتاب المكاتب على أنه إنما أراد بما ذكره فيه من الفوات فوات عينها فترجع المسألة على هذا التأويل إلى قولين: أحدهما: أنه حانث بكل حال، والثاني: الفرق بين القليل والكثير، والصحيح أن تحمل الرواية على ظاهرها، وقد بينا وجه ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: كل ولد يلحق بأبيه ويخرج حرا فولاؤه لأبيه] مسألة وعن الأمة يكون بعضها حرا وبعضها رقيقا يطؤها الذي له فيها الرق، فتحمل فتعتق - هل على الذي كان أعتق بعضها من ولاء الولد شيء أم لا؟ قال: لا، الولد بينهما. قال محمد بن رشد: روى ابن المواز عن ابن القاسم مثل رواية عيسى هذه، وقال من رأيه، والصواب أن يكون الولاء لأبيه، والنسب أملك به، وعلى الأب عتق، وبالحمل عتق الأم، وكل ولد يلحق بأبيه ويخرج حرا، فولاؤه لأبيه ولو أعتق المتمسك بالرق ثم تزوجها رجل، فولاء ولده لمواليه دون مواليها، والذي قاله محمد بن المواز هو الصحيح، لأن كل ولد يولد للحر ويلحق به نسبه فولاؤه لموالي أبيه، فإن كان مولى ولا يكون الولاء لموالي الأم

: باع عبدا من رجل فأعتقه المشتري

إلا إذا كان النسب منقطعا من الأب مثل أن يكون ولد زنا أو منفيا بلعان أو كافرا حربيا، وبالله التوفيق. [: باع عبدا من رجل فأعتقه المشتري] ومن كتاب العتق وسئل ابن القاسم عن رجل باع عبدا من رجل فأعتقه المشتري فجاءه البائع فتقاضاه الثمن فأنكر أن يكون اشتراه، وقال: إنما استأجرته منك فخذ عبدك وقد علم البائع بالعتق. قال: إن كان له مال يوم أعتقه فيه وفاء ثمنه فلا أرى له أن يأخذه، وإن لم يكن له مال يوم أعتقه في ثمنه فضل عن دينه فأرى أن يأخذه ويبيع منه قدر دينه، ويعتق ما بقي منه إذا لم يكن علم بعتقه ولم يكن له مال يوم أعتقه. قال محمد بن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة أنه إن كان للمشتري وفاء بالثمن فلا يصح له أن يأخذه لأنه مقر أنه حر بعتق المشتري إياه بعلمه، وإن لم يكن له مال ولا كان في قيمته فضل عن ثمنه كان له أن يأخذه، لأن الثمن الذي له عليه يرد عتقه فيه. وأما إن كان في قيمته فضل عن ثمنه مثل أن يكون باعه منه بمائة وقيمته خمسون ومائة، فلا يأخذه إلا أن يكون لم يعلم بعتقه إياه فيأخذه ويبيع منه ثلثيه بمائة ويعتق ثلثه، وإنما لم ير أن يأخذه إذا علم بعتقه وكان فيه فضل لوجوب عتقه عليه، لأنه إذا أعتق عليه الفضل بإقراره أنه أعتقه أعتق عليه باقيه، وإنما يجب أن يعتق عليه باقيه على القول بأن ما أعتق عليه منه بإقراره بأن المشتري أعتقه يكون ولاؤه له لا للمشتري. فقول ابن القاسم في هذه المسألة خلاف ما مضى من قوله في رسم

مسألة: هلك وورثته ابنته وابنه فشهدوا أن أباهما أعتق هذا العبد واختلفا

يوصي لمكاتبه من أن من شهد على ابنه بعتق عبد له فملك منه شقصا زائدا على ميراثه منه أنه يعتق عليه جميع ما ملكه منه، ولا يقوم عليه باقية، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس قوله في رسم يوصي لمكاتبه أنه لا يقوم عليه باقية أن يكون له أن يأخذ العبد إذا كان في قيمته فضل عن ثمنه وإن كان عالما بعتق المشتري إياه فيباع منه بقدر الثمن ويعتق عليه باقية الباقي. وقوله فيها: إنه إن كان له مال يوم أعتقه فيه وفاء ثمنه فلا أرى له أن يأخذه - يريد: ويعتق عليه بإقراره أن المشتري أعتقه، على ما يأتي من قوله في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، هو على قياس أحد قولي ابن القاسم في المدونة في العبد بين الشريكين يشهد أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه منه وهو موسر أنه يعتق عليه نصيبه؛ لأنه مقر على نفسه بوجوب عتقه على شريكه بالتقويم، وكذلك هذا يعتق عليه العبد لإقراره على نفسه بوجوب عتقه على المشتري بالشراء، إذ قد أعتقه بعد أن اشتراه، فالمعنى في المسألتين سواء، يدخل الاختلاف في هذه ... تلك، وبالله التوفيق. [مسألة: هلك وورثته ابنته وابنه فشهدوا أن أباهما أعتق هذا العبد واختلفا] مسألة وسألته: عن رجل هلك فورثته ابنته وابنه فشهدوا أن أباهما أعتق هذا العبد واختلفا، فقال الابن: هذا، وقالت الابنة: هذا. قال: لا شهادة لهما، فإن ملك أحدهما من شهد له أعتق عليه كله أو ما حمل ثلث الميت، قال: وإن اجتمعا على عبد واحد عتق في ثلث الميت أو ما حمل الثلث منه إذا لم يكن للميت وارث غيرهما.

مسألة: إخوة ثلاثة شهد اثنان منهم بعتق عبد وقال الثالث لا

قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا شهادة لهما، إذ لا يثبت العتق بشاهد واحد، ولا تجوز فيه شهادته، وقد مضى في رسم العرية ورسم يوصي لمكاتبه تحصيل القول فيما يلزم من شهد من الورثة بعتق على موروثه فلا معنى لإعادته، فإن اجتمعا جميعا على عبد واحد ولم يكن للميت وارث غيرهما جاز إقرارهما على أنفسهما، وعتق في ثلث الميت، كما قال: إن كان إنما شهدا أنه أعتقه في مرضه أو أوصى بعتقه، وهذا بين لا إشكال فيه، وبالله التوفيق. [مسألة: إخوة ثلاثة شهد اثنان منهم بعتق عبد وقال الثالث لا] مسألة وسألته: عن إخوة ثلاثة، شهد اثنان منهم بعتق عبد، وقال الثالث: لا، بل هو هذا، ولا وارث له غيرهم. قال: يعتق الذي شهد له الشهيدان إن حمله الثلث ولا يعتق الذي أقر له الواحد إلا أن يملكه كله أو بعضه فيعتق عليه منه ما حمل الثلث، فإن لم يملكه كله وملك منه بعضه عتق منه عليه ما ملك، ولم يقوّم عليه حظوظ شركائه، قال: وإن لم يصر له منه إلا مال أمر بأن لا يأكله وأن يجعله في رقبة يعتقها، فإن لم يكن فيه ما يعتق به رقبة استتم به قطاعة مكاتب أو أعتق هو وقوم عبدا، قال عيسى: وهذا إذا كان الذي شهد للواحد مكذبا لشاهدي الآخر، وأما إذا كان الذي شهد لهذا غير مكذب لشهادة الأولين للآخر فإنما يعتق عليه من الذي شهد له، إذا ملكه ما كان يحمل الثلث منه مع الآخر أو تحاصا فيه. قال محمد بن رشد: قوله: شهد اثنان منهم بعتق عبد - معناه: أنه أوصى بذلك أو بتل عتقه في مرضه الذي مات منه، بدليل قوله: يعتق الذي شهد له الشهيد إن حمله الثلث.

مسألة: الطلاق والعتق بشهادة النساء

وقوله: ولا يعتق الذي أقر له الواحد، يريد: ولا حظه الذي صار له بالميراث منه. وقوله: إلا أن يملكه كله أو بعضه، يريد: إلا أن يملك بقيته فيستخلصه بذلك منه، أو يملك منه جزءا زائدا إلى ميراثه منه فيعتق عليه منه ما حمل الثلث. وقوله: فيعتق عليه ما حمل الثلث، معناه: دون الآخر الذي أعتق من الثلث بالشهادة؛ لأنه مكذب لها، على ما قاله عيسى من أن هذا إذا كان الذي شهد للواحد مكذبا لشاهدي الآخر، فقول عيسى بن دينار في هذا مفسر لقول ابن القاسم في هذه الرواية - خلاف قوله في سماع أبي زيد بعد هذا من هذا الكتاب، وخلاف ما مضى من قوله أيضا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الوصايا، إذ قد نص في هذين الموضعين جميعا على أنه إنما يعتق عليه ما حمل الثلث منه مع صاحبه الذي عتق بالشهادة، والذي في هذه الرواية هو الصحيح في النظر، وأما قول عيسى بن دينار إذا كان الذي شهد لهذا غير مكذب لشهادة الأولين فإنما يعتق عليه من الذي شهد له إذا ملكه ما كان يحمل الثلث منه مع الآخر لو تحاصا فيه، فلا ينبغي أن يحمل على التفسير لقول ابن القاسم، لأن المنصوص لابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب الوصايا أنه يسهم بينه وبين العبد الذي أعتق بالشهادة، فإن خرج السهم عليه عتق إن حمله الثلث أو ما حمل منه، وهو الصحيح في النظر، لأن هذا هو الذي كان يجب لهذا العبد لو ثبت ما أقر به الوارث من أنه أوصى بعتق العبدين جميعا، وبالله التوفيق. [مسألة: الطلاق والعتق بشهادة النساء] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل حلف بالحرية أو بطلاق إن لم يكن بفلانة عيب بموضع كذا وكذا مما لا يراه إلا النساء وهي حرة أو

مسألة: التدبير لا يلزم به التقويم

أمة مملوكة، فقالت الحرة: لا أمكن أحدا ينظر إليها لا امرأة ولا غيرها، وقال الرقيق والزوجة: ليس ذلك بنا، أو أذنت الحرة في أن ينظر إليها امرأة، فنظرت، فقالت: ليس بها ما قال، هل يحنث بالعتق والطلاق بقولها؟ قال: لا يحنث، وهو يدين وليس نظر النساء بشيء. قال الإمام القاضي: هذا كما قال، إذ لا يجب الطلاق والعتق بشهادة النساء، وبالله التوفيق. [مسألة: التدبير لا يلزم به التقويم] مسألة قال: وسألته: عن عبد بين رجلين، قال له أحدهما: اخدمني عشر سنين وأنت حر، وقال له الآخر: أنت مدبر. قال: أرى أن يترك على حاله في العتق والتدبير، فإن مات الذي دبر قبل عشر سنين وترك ما لا يخرج نصيبه من ثلثه عتق نصيبه وبقي النصف الآخر إلى الأجل الذي أعتق إليه، وإن مات ولا مال له أو كان له من المال ما لا يتم في ثلثه عتق نصفه، عتق منه ما عتق في ثلثه، وقوم ما بقي من الرق في النصف على الذي أعتق إلى عشر سنين فكان حرا إلى عشر سنين، وإن انقضت العشر سنون قبل موت الذي دبر، قوم على هذا الذي أعتق إلى عشر سنين نصف صاحب المدبر فيعتق عليه كله وانفسخ التدبير الذي دبر إلا إن شاء الذي دبر أن يعجل عتق نصيبه فيكون ذلك له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن التدبير لا يلزم به التقويم كالعتق، إذ قد يرده الدين، وإنما التقويم فيه أو المقاومة على اختلاف قول مالك حق للذي لم يدبر من أجل الفساد الذي أدخله عليه فيه بتدبير حظه منه، فإن شاء قومه عليه أو قاومه فيه على اختلاف قول مالك، وإن شاء

مسألة: يشتري بيع البراءة ويعجل له العتق

تمسك بحظه منه، فسواء في هذه المسألة علم الأول منهما أو لم يعلم، بخلاف إذا أعتق كل واحد منهما حظه منه إلى موت صاحبه أو إلى موت رجل سماه، وقد مضى الكلام على ذلك في رسم أوصى. فإن كان الذي أعتق نصيبه إلى عشر سنين هو الأول منهما لم يصح أن يقوم عليه نصيب شريكه المدبر، إذ قد يجب له العتق بالتدبير قبل العشر سنين لا سيما وقد قيل، وهو أحد قولي مالك: إنه لا يقوم على من أعتق حظه من عبد إلى أجل حظ شريكه حتى يحل الأجل، فإن مات الذي دبر حظه قبل العشر سنين فرده الدين أو لم يحمله الثلث قوم على ما قال ما رق منه على الذي أعتق إلى عشر سنين على القول بتعجيل التقويم على من أعتق حظه من عبد بينه وبين شريكه إلى أجل. وإن كان الذي دبر نصيبه هو الأول منهما لم يكن لشريكه عليه حجة فيما كان يجب له عليه من التقويم أو المقاومة إذ قد أفات نصيبه بعتقه إلى أجل، فإن حل الأجل قبل أن يموت شريكه الذي دبر نصيبه قوم عليه حظ شريكه المدبر كما قال على قياس قوله في المدونة في المدبر بين الرجلين يبتل أحدهما نصيبه: إنه يقوم عليه نصيب شريكه المدبر، ولا يقوم عليه على القول بأنه لا يقوم على من أعتق حظه من عبد حظ شريكه الذي كان دبره قبل من أجل أن التدبير عقد قوي لازم يصح به الولاء للمدبر، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري بيع البراءة ويعجل له العتق] مسألة وسئل عن رجل، قال: ابتاعوا غلاما فأعتقوه، أو قال: غلام بني فلان فأعتقوه، هل يوقف في الأيام الثلاثة أو يشتري بيع البراءة ويعجل له العتق. قال: أرى أن يشتري بيع البراءة ويعجل له العتق ولا يخاطر به.

مسألة: يخبر عن الرجل أنه قد أعتق عبده ثم يشتريه بعد ذلك

قال محمد بن رشد: أما إذا كان عبدا معينا فكما قال، لا ينبغي أن يشتري على العهدة فيخاطر به، إذ قد يموت في الأيام الثلاثة فتبطل الوصية له بالعتق. وأما إذا كان غير معين فالصواب أن يشتري على العهدة، لأنه إن مات في الثلاثة الأيام أو أصابه فيها عيب كان من البائع، واشتري غيره للعتق في الوصية، وإن اشتري على البراءة وعجل له العتق قد يصيبه عيب في الثلاثة الأيام فلا يمكن رده، ويكون قد أعتق عنه عبدا معيبا، وهذا بين، فلا ينبغي أن يحمل كلامه في الرواية إلا على العبد المعين بقوله: اشتروا غلام بني فلان فأعتقوه، وبالله التوفيق. [مسألة: يخبر عن الرجل أنه قد أعتق عبده ثم يشتريه بعد ذلك] مسألة وسئل: عن الرجل يخبر عن الرجل أنه قد أعتق عبده ثم يشتريه بعد ذلك. قال: إن كان خبره على وجه أنه قد علم ذلك منه، يخبر عنه بأنه قد أعتقه عندي ليس يخبره عن أحد أخبره به رأيت أن يعتق عليه. قال الإمام القاضي: هذا تفسير قوله في المدونة، وأشهب يرى أنه لا يعتق عليه إلا أن يقيم على قوله بعد أن اشتراه، وأما إن كذب نفسه فلا يعتق عليه، وإذا أعتق عليه فولاؤه عند ابن القاسم للذي أخبر عنه أنه أعتقه، وقال أشهب والمخزومي: ولاؤه للذي أعتق عليه، وقد ذكرنا هذا في رسم أوصى وما يلزم من تقويم الشقص على هذا الاختلاف، والله الموفق. [مسألة: مراعاة المال المأمون] مسألة وقال في المدبر والعبد يوصى بعتقه فيعتق أحدهما عبدا قبل أن يقوما بعد موت السيد.

مسألة: ملك من يعتق عليه

قال: منزلة من أعتقا بمنزلتهما إن كان للسيد أموال مأمونة فماتا أو مات من أعتقا قبل التقويم ورثهم ورثتهم من الأحرار وإن لم تكن له أموال مأمونة فلا عتق لهما ولا لمن أعتقا حتى يقوما في الثلث، فإن خرجا حرين في القيمة عتق من عتقا وكان ولاؤهم لهما. قال محمد بن رشد: هذا على مذهبه في المدونة في مراعاة المال المأمون، وقد قيل: إنه لا يراعى، وهو قول بعض الرواة في المدونة، فقيل المريض لا ينظر فيه إلا بعد الموت والتقويم كانت له أموال مأمونة أو لم تكن وهو القياس، وبالله التوفيق. [مسألة: ملك من يعتق عليه] مسألة قال في الذي يشتري أباه أو أخاه فلا يدفعه إليه البائع حتى يأتيه بالثمن فيهلك العبد قبل أن يأتيه أو يقتل. قال: إذا ملكه المشتري فهو حر وإن لم يقبضه، لأن ضمانه منه فهو في جراحه وميراثه وعقله، بمنزلة الحر إذا كان لمشتريه مال. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن من ملك من يعتق عليه بوجه من وجوه الملك فبنفس الملك يكون حرا دون أن يستأنف له العتق أو يحكم له به، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، ومعنى ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: هو «لا ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» معناه: فبعته بشرائه إياه الذي هو سبب لعتقه، لا أنه يكون له ملكا بعد الشراء حتى يعتقه، وفي القرآن ما ينفي أن يكون ولد الرجل عبدا له، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] .

مسألة: يحلف بحرية غلامه أن لا ينقصه من ألف دينار فيبيعه إلى أجل سنة

وإذا انتفى الملك مع النبوة فأحرى أن ينتفي مع الأبوة، وقد مضى في رسم العتق من سماع أشهب تحصيل القول فيمن يعتق على الرجل بالملك من ذوي محارمه إذا ملكهم، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بحرية غلامه أن لا ينقصه من ألف دينار فيبيعه إلى أجل سنة] مسألة وسئل: عن الرجل يحلف بحرية غلامه أن لا ينقصه من ألف دينار فيبيعه إلى أجل سنة. قال: لا يحنث إذا لم يكن سمي تأخيرا حين حلف. قال محمد بن رشد: في قوله في هذه المسألة: لا يحنث إذا لم يكن سمى تأخيرا حين حلف - نظر؛ لأنه إذا لم يحنث إذا لم يسم تأخيرا فأحرى أن لا يحنث إذا سمى تأخيرا، فمراده أنه لا يحنث وإن لم يكن سمي تأخيرا حين حلف، وإنما تكلم على الوجه الذي قد يشكل، وهو إذا لم يسم التأخير ولا نواه في يمينه، إذ لا إشكال في أنه لا حنث عليه إذا سمى التأخير ونواه، وقد قال ابن دحون فيها: إنها مسألة حائلة اللفظ، والجواب: قال: وإنما جوابها أنه لا يحنث إذا نوى تأخيرا حين حلف، فأما قوله: إنها مسألة حائلة اللفظ فليس بجيد، إذ له وجه يصح به، فهو ما بيناه من أنه تكلم على الوجه الذي قد يشكل في المسألة، وسكت عن الوجه الذي لا يشكل اتكالا على فهم السائل فلا يقام من قوله دليل على أنه يحنث إذا سمى تأخيرا حين حلف ونوى ذلك. وأما قوله: إن الجواب فيها أنه لا يحنث إذا نوى تأخيرا حين حلف فليس بصحيح، لأن فيه دليلا على أنه يحنث إذا لم ينو تأخيرا حين حلف، والصواب أنه لا حنث عليه إذا لم تكن له نية وإنما يحنث إذا نوى النقد أو سماه

مسألة: حلف بحرية جارية له على أمر أن يفعله فولدت بعد اليمين

أو كان ليمينه بساط يدل على أنه أراد النقد، ولو حلف على رجل بعينه أن لا يبيعه منه بأقل من عشرة وقد سأله أن ينقصه منها فحلف أن لا يفعل ثم باعه منه بعشرة إلى أجل لتخرج ذلك على الاختلاف فيمن حلف أن لا يضع عن رجل شيئا من دين له عليه فأخره به، وقد مضى الكلام على ذلك في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب وكتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بحرية جارية له على أمر أن يفعله فولدت بعد اليمين] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يحلف بحرية جارية له على أمر أن يفعله فولدت بعد اليمين أولادا فباعها وبقي أولادها في يده. قال ابن القاسم: يرد البيع وتكون موقوفة هي وولدها حتى يموت السيد فيعتقون في ثلثه أو يبر فيصنع بها ما شاء، ولا يطأ جارية إن كانت فيهم، وهذا كله قول مالك، فإن ماتت فولدها موقوف بمنزلتها. قلت: فإن أعتقها الذي اشتراها أو ولدت منه أولادا أو دبرها. قال: إن كان إلى أجل رد عتقه وأوقفت إلى أجل حتى يبر أو يحنث، وإن كان إلى غير أجل لم أر أن يرد عتقه، لأنها إنما تعتق في الثلث، ولعلها أن ترق فيلحقها الدين وقد عتقت وقد جاءها ما هو أثبت، والمدبرة والمدبر بمنزلة إذا أعتق لم يرد وإنما يعتق في الثلث، لأنه قد جاء ما هو أثبت، فأمرهما واحد. ولو كانت جارية فاتخذت أم ولد فإن كانت اليمين إلى أجل وفات الأجل وهي في يد المبتاع عتقت ورد الثمن وقاص بولدها من ثمن أمهم، فإن كانت قيمتهم أدنى من ثمن أمهم رجع على البائع ببقية الثمن، فإن كانوا سواء فلا شيء على البائع، وإن كانت قيمة الولد أكثر لم يرجع عليه البائع بشيء، قال: وإن مات السيد قبل

الأجل كانت أم ولد لمن اشتراها لأنه مات على بر فلم يحنث فيها، وإن عتقت ردت وأوقفت فإن مات السيد قبل الأجل جاز عتق من أعتقها وإن أتى الأجل ولم يبر عتقت عليه ورد الثمن إلى المشتري، وإن بر جاز عتق من أعتقها. وقال ابن كنانة: يعتق ما في يديه من ولدها وما باع فليس عليه في ذلك حنث، وقال أشهب: لا شيء عليه من قيمة ولدها منه، قال عيسى: أرى إن باعهم قبل الحنث فأعتقهم المشتري فأرى عتقهم جائزا ولا يرد البيع كان إلى أجل أو غير أجل. وقد سئل مالك: عمن حلف بعتق جارية ليضربنها فأنسي يمينه حتى باعها من رجل فأصابها ذلك الرجل فحملت منه، ثم شهد عليه شاهدان أنه قد كان حلف بعتقها ليضربنها. قال مالك: قد عتقت منه حين باعها قبل أن يضربها ويرد ثمنها إلى الذي كان باعها منه، قال ابن القاسم: إذا فاتت بحمل عتقت ورد على المشتري الثمن ولم يكن له عليها سبيل، وإن لم تحمل ردت فيبر فيها بضربها، قال عبد الله بن نافع: إن لم تحمل رأيت أن ترد إلى سيدها. قال محمد بن رشد: قوله في الذي حلف بحرية جارية له على أمر أن يفعله فولدت بعد اليمين: إن ولدها بمنزلتها يدخلون في اليمين معها - هو القياس والمشهور في المذهب، وقد قيل: إن ولدها لا يدخلون في اليمين، وهو قول المغيرة المخزومي، وقد ذكرنا ذلك في رسم بع ولا نقصان عليك، وأما إذا باعها قبل أن يبر فيها بفعل ما حلف ليفعلنه، فالمشهور أن البيع يرد وتبقى الأمة في يد البائع حتى يبر أو يحنث بموته فيعتق في ثلثه، وكذلك إذا دبرها وإن كان لم يجب في الرواية على التدبير، ولابن دينار في المدونة في

الذي يحلف بعتق جاريته ليضربنها فيبيعها: إن البيع يرد ويعتق عليه، قال: لأني لا أنقض صفقة مسلم إلى رق، ولا أنقضها إلا إلى عتق، فتعليله يدل على أنه لا فرق عنده بين أن يكون يمينه على ضربها أو على ما سوى ذلك من الأفعال، وهو بعيد أن يعتق عليه إذا كانت يمينه على ما سوى ضربها، لأن البر يمكنه بعد بيعها بفعل ما حلف ليفعلنه، وأما إذا حلف بحريتها ليضربنها فباعها فعتقها عليه ببيعه إياها وجه، وهو لا يمكنه البر فيها بضربها بعد بيعها، فوجب أن يحنث وتعتق عليه، وقد حكى ذلك ابن حبيب عن مالك. وقول ابن كنانة في هذه الرواية: إنه ليس عليه فيما باع حنث - قول ثالث في المسألة. ووجهه أنه لما باعها قبل أن يحنث فيها لم يكن عليه شيء. وأما إن لم يعثر على ذلك حتى أعتقها المشتري أو أولدها فينفذ عتقه فيها وإيلاده لها، ولا ترد على البائع على ما قاله ابن القاسم في هذه الرواية، ومعنى ذلك إذا كانت يمينه بغير ضربها، وأما إذا كانت يمينه بضربها فتعتق على البائع ويرد الثمن على المشتري، على ما قاله ابن القاسم في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ إذا أولدها المشتري، وعلى ما قاله مالك في هذه الرواية إذا أعتقها؛ إذ لا فرق بين العتق والإيلاد في هذا الموضع عند ابن القاسم، لأنه لا يرى على المبتاع قيمة الولد على ما قاله في سماع أصبغ، وهو الذي يدل عليه قول مالك: قد عتقت منه حين باعها، لأنها إذا كانت قد عتقت عليه حين باعها فإنما وطئ المبتاع حرة، ومن رأى أن عتقها لا يجب على البائع إلا بفواتها بالحمل من المشتري احتمل أن يوجب عليه قيمة الولد، والأظهر ألا يجب عليه فيه قيمة إذ لم يتقدم الحمل على العتق وإنما وقعا معا، وليس قول ابن القاسم في هذه الرواية بخلاف لقول مالك فيها. وأما إذا حلف بحريتها أن يفعل فعلا إلى أجل فباعها قبل الأجل فعثر على ذلك قبل أن يفوت فيرد البيع ويقر بيد البائع حتى يبر أو يحنث، ويأتي على تعليل ابن دينار أن يرد البيع ويعتق على البائع، وكذلك يأتي على ما

حكاه ابن حبيب عن مالك إن كانت يمينه ليضربنها حسبما مضى إذا كانت يمينه إلى غير أجل. وأما إذا لم يعثر على ذلك حتى أولدها أو أعتقها والأجل لم يحل، فقال ابن القاسم في الرواية: إن العتق يرد إن أعتقها ويوقف إلى الأجل حتى يبر أو يحنث، يريد فإن بر فيها بفعل ما حلف ليفعلنه أو مات قبل الأجل مضى البيع ونفذ عتق المبتاع فيها، وإن حنث بحلول الأجل عتقت عليه ورد الثمن إلى المشتري، وكذلك يجب في الإيلاد على مذهبه خلاف قول عيسى بن دينار من رأيه: إن البيع لا يرد إذا أعتقهم المشتري، ويمضي العتق كانت اليمين إلى أجل أو إلى غير أجل، وكذلك لا يرد البيع فيها إذا أولدها على مذهبه كانت اليمين إلى أجل أو إلى غير أجل، وهو الذي ذكرناه من مذهب ابن القاسم إذا فات عند المشتري بحمل أو عتق، إنما معناه إذا كانت يمينه بغير ضربها، وأما إذا كانت يمينه بحريتها ليضربنها إلى أجل فباعها ولم يعثر على ذلك حتى أعتقها المشتري أو أولدها فتعتق على البائع ويرد الثمن على المشتري أعتقها أو أولدها على ما قاله مالك إذا كانت اليمين إلى غير أجل، ولا خلاف في هذا الوجه إلا ما يتخرج من الاختلاف في وجوب القيمة في الولد على المشتري حسبما وصفناه إذا كانت اليمين إلى غير أجل. وأما إن لم يعثر على ذلك حتى فات الأجل فإنها تعتق على البائع ويرد الثمن على المشتري في العتق والإيلاد، ويكون عليه في الإيلاد قيمة الولد إلا أن يكون أكثر من الثمن، ومعنى ذلك عندي إذا كان الإيلاد قبل حلول الأجل، وقال أشهب: لا شيء عليه من قيمة ولده منها، ومعنى ذلك عندي إذا كان الإيلاد بعد حلول الأجل، فعلى هذا لا يكون قول أشهب مخالفا لقول ابن القاسم، ومن حمله على الخلاف فإنما ذلك إذا كان الإيلاد قبل الأجل، فيكون وجه قول أشهب أن البائع لما باع الجارية منه وهو قد حلف بعتقها فقد سلطه على إيلادها وترك حقه في ولدها. وأما إذا كان الإيلاد بعد حلول الأجل فلا إشكال في أنه لا قيمة عليه في

الولد، لأنه إنما أولد حرة، وإنما قال ابن القاسم: إنه لا يكون على المبتاع في الولد أكثر من الثمن، لأن البائع إذا باعها فقد رضي بالثمن فلا يكون له فسخ البيع في الولد أكثر من ذلك. وإنما ينقض البيع بعد العتق أو الإيلاد ويرد الثمن إلى المشتري إذا كانت على اليمين بينة أو أقر بذلك المبتاع، وأما إن لم يصدقه المشتري ولا قامت بذلك بينة فهي أم ولد له، وينتظر البائع بالثمن بتصديق المبتاع، فإن يئس من ذلك جعل ثمنها في رقبة يعتقها، قال ذلك أشهب وحكاه ابن سحنون عن أبيه. ولا اختلاف في أن البائع إن كانت يمينه ليضربنها لا يبر بضربها بعد العتق أو الإيلاد. واختلف هل يبر بضربها بعد أن باعها، فقال أشهب: إنه يبر بذلك وإن نقصها بضربه غرم النقصان، وقال ابن القاسم: لا يبر بذلك لأنه ضرب عدي على غير الوجه الذي حلف عليه، بخلاف حلفه على ما سوى ذلك من قضاء دين أو غير ذلك. واختلف أيضا إذا حلف ليضربنها فكاتبها ثم ضربها بعد الكتابة، فقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: يبر بذلك، وقال أشهب: لا يبر بذلك مثل قول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في رسم المدبر والعتق من سماعه بعد هذا، قال مالك: ولا ينقض كتابتها ولكن يوقف ما يؤدي، فإن عتقت بالأداء تم فيها الحنث، وصارت حرة وأخذت كل ما أدت، وإن عجزت ضربها إن شاء فبر، قال أشهب: ولو كان ضرب لا يجوز له عجل عليه الحنث، وقال سحنون في المجموعة: فإن مات السيد ولم تؤد الكتابة وله مال يحمل ثلث الأمة عتق فيه وسقط عنها باقي الكتابة، وكان ما وقف ردا عليها، وإن كان عليه دين يحيط مضت على الكتابة وكان للغرماء النجوم فإن ودت تم عتقها وإن عجزت كانت وما أخذ منها في دين سيدها، وبالله التوفيق.

مسألة: تلد ثم تهلك هي وولدها في ساعة واحدة

[مسألة: تلد ثم تهلك هي وولدها في ساعة واحدة] مسألة وقال ابن نافع لي في المرأة تلد ثم تهلك هي وولدها في ساعة واحدة، قال: يحلف أبو الصبي أو ورثته مع شهادة النساء أن الأم ماتت قبله ويستحقون ميراثه، لأنه مال، ورواها أصبغ في كتاب الكراء والأقضية، وقال: نظيرها من قوله شهادتهن أنه ذكر أو أنثى يجوز أن ذلك جائز ويحلف معهن. قال محمد بن رشد: أما شهادة النساء في المرأة تلد ثم تهلك هي وولدها في ساعة واحدة على أيهما مات أولا بلا اختلاف في إجازتها على ما قال؛ لأنها شهادة على مال لا تتعدى إلى ما سواه. وأما شهادتهن أنه ذكر أو أنثى فلا يجوز على قول ربيعة وسحنون في المدونة: إن شهادة النساء لا تجوز على الاستهلال ولا على قتل الخطأ إلا مع حضور البدن، لأنه يمكن بقاء البدن حتى يراه الرجال فيشهدون على أنه ذكر أو أنثى، وهو قول مطرف عن مالك وأشهب عن مالك أيضا في كتاب ابن سحنون، وهو القياس لأنه لا يصير نسبا قبل أن يصير مالا على ما قاله ابن القاسم في رواية أصبغ عنه في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وقد مضى هناك الكلام على هذا مستوفى، وبالله التوفيق. [: تزوج أمة فولدت له غلاما فلمن ولاء الولد] ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم في رجل تزوج أمة فولدت له غلاما فكبر الغلام ثم مات أبوه، فتزوج ابنه هذا حرة، فولدت له ولدا بعد وفاة الجد الحر والأب المملوك حي.

: يقول في كلام واحد نصف غلامي هذا حر ونصفه صدقة على فلان

قال: ولاؤه لموالي أمه ولا يجر الجد المتوفى ولاء ولده الذين ولدوا بعد موته، إنما يجر ما كان حيا. قال: ولو توفي الجد وأمه به حامل جر ولاءه وكان ولاؤه لموالي الجد إذا حملت به قبل وفاة الجد. قال: والأب المملوك هاهنا لا يحجب ولا يجر وهو بمنزلة الميت والكافر. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن ولد العبد من الحرة إذا كان جده قد مات قبل ولادتهم وقبل أن يحمل بهم، لموالي أمهم إن كانت معتقة ثم لمن يجب له ذلك بسببهم، وهم الأقرب فالأقرب من العصبة الرجال، فإن كانت حرة لم تعتق فولاؤهم لموالي أبيها، وإن كانت ابنة زنا أو منفية بلعان أو أمة أو كافرة فولاؤهم لموالي أمها، فإن أعتق أبوهم لجر الولاء إلى مواليه عن موالي الأم، ولو مات الجد بعد ولادة الأولاد لكان ولاؤهم لمواليه ما دام ابنه عبدا فإن أعتق جر ولاء الولد إلى مواليه عن موالي الجد، وبالله التوفيق. [: يقول في كلام واحد نصف غلامي هذا حر ونصفه صدقة على فلان] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يقول في كلام واحد نسقا: نصف غلامي هذا حر ونصفه صدقة على فلان، أو يقول: نصفه صدقة على فلان ونصفه حر. قال: إن بدأ بالعتاقة فهو حر كله، وإن بدأ بالصدقة فالنصف عتق والنصف الذي تصدق به يقوم عليه إن كان له مال، ثم قال لي

أيضا: بل أراه عتيقا كله، وذلك أن مالكا قال لي في الرجل يتصدق بالعبد ثم يعتقه قبل أن يحوزه المتصدق عليه: إن العتق عليه أولى به، فأرى هذا الذي أعتق نصفا وتصدق بنصف أنه قد أعتقه قبل أن يحاز من يديه، فهو بذلك عتيق كله، قال: وأحب ذلك إلي أن يعتق، قال أصبغ: القول الآخر ليس بشيء وليس بحجة، إنما يكون حجة إذا تصدق به ثم لم يعتق إلا بعد حين بقدر ما يمكن أن يعلم المتصدق عليه بصدقته فلا يقوم ولا يحوز حتى يعتق المتصدق فجوز عتقه، وأما إن تصدق ثم يعتق في مقامه ذلك وفي كلامه، فهذا متلف لصدقته نادم راجع فيه وليس ذلك له، وعليه أن يغرم له نصف القيمة بمنزلة الشريك. قال محمد بن رشد: أما إذا بدأ بالصدقة فالقول الأول الذي رجع عنه من أن النصف عتيق ويقوم عليه النصف الذي تصدق أولا هو القياس، وذلك أنه لما تصدق بنصفه أولا صار المتصدق عليه شريكا معه فيه قبل أن يعتق حصته منه، فوجب أن يقوم عليه كالعبد بين الشريكين يعتق أحدهما حظه منه أنه يقوم عليه إن كان موسرا. أما القول الثاني فإنما يتخرج على القول بأن الرجل إذا أعتق بعض عبده يكون حرا كله بالسراية دون أن يعتق عليه، وهو خلاف المشهور في المذهب. ووجهه أنه لما أعتق نصف عبده بعد أن تصدق بالنصف الآخر قبل أن يقبض منه راعى قول المخالف في أن الصدقة باقية على ملك المتصدق منه، فجعل العتق يسري إليه فبطلت بذلك الصدقة. والقول الأول أظهر لأنه هو الذي يأتي على المذهب في أن الصدقة تجب بالعقد، وعلى المشهور فيه من أن من أعتق شقصا من عبده فالباقي منه

باق على ملكه ما لم يعتق عليه، ولا يكون حرا بعتق ما أعتق منه. وأما إذا بدأ بالعتاقة فلم يختلف قوله في أنه يكون حرا كله وتبطل الصدقة إلا أنه إنما يأتي على قياس القول بالسراية، فيلزم على مذهبه في المدونة في أن من أعتق بعض عبده لا يكون باقيه حرا بعتق ما أعتق منه حتى يعتق عليه، وأنه إن لم يعتق عليه حتى وهبه أو تصدق به يقوم عليه ما وهب منه أو تصدق به أنه يكون عليه للمتصدق عليه نصف قيمته، إذا قال: نصف عبدي حر ونصفه صدقة على فلان. وفي المدنية لابن كنانة: أن الرجل إذا قال: نصف عبدي صدقة على فلان ونصفه حر كان ذلك جائزا على ما قال، يريد: ويقوم عليه النصف الذي تصدق به، فليس قوله بخلاف لقول ابن القاسم. قال: ولو بدأ بالعتاقة كان حرا كله، ولم يكن للمتصدق عليه شيء. ففي كل واحدة من المسألة قولان، والتفرقة بينهما قول ثالث، ويتخرج في المسألة قول رابع وهو أن تكون التفرقة بينها بالعكس، فيلزمه قيمة النصف الذي تصدق به إن بدأ بالعتاقة، ولا يلزمه إن بدأ بالصدقة وهو الأظهر، لأن العتق أو الطلاق لا يقع في الصحيح من الأقوال بنفس تمام اللفظ به، وإنما يقع بعد مهلة يتقرر فيها، وذلك بين من قوله في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة في الذي يقول لامرأته قبل الدخول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، في نسق واحد أنه يلزمه ثلاث تطليقات، إذ لو كان الطلاق يقع عليه بنفس تمام اللفظ به لما لزمته إلا طلقة واحدة لكونها قبل الدخول بائنة. فإذا قال الرجل في نسق واحد: نصف عبدي حر، ونصفه صدقة على فلان أو نصفه صدقة على فلان ونصفه حر صار المتقدم في اللفظ متأخرا في المعنى، والمتأخر في اللفظ متقدما في المعنى، وهذا بين. وقوله: إن النصف يقوم إذا بدأ بالصدقة هو خلاف ما في سماع زونان من كتاب الصدقات والهبات أن العبد كله يقوم فيكون للمتصدق عليه نصف القيمة

مسألة: قال الغلام حرإن لم أوفك يوما كذا وكذا فحنث

وهو ظاهر الحديث ووجه القياس، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال الغلام حرإن لم أوفك يوما كذا وكذا فحنث] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم: عن رجل قال لخصم له: احلف لي بِحُرِّيَّة غلامك فلان لتوافيني دار القاضي يوما كذا وكذا، قال: ليس الغلام لي إنما هو لامرأتي، فقال لي: احلف بِحُرِّيَّتِهِ وإن كان لامرأتك، فقال الرجل: فلان - لذلك الغلام - حر إن لم أوفك يوما كذا وكذا، فحنث، فقام الغلام بحريته، فادعته المرأة وهو لا يُعْرَفُ لها إلا بالذي كان من إقرار الزوج أنه لها حين أراد الخصم أن يحلفه. فقال: إن كان العبد معروفا للرجل فهو حر ولا حق فيه للمرأة بذلك الإقرار، قال: وإن كان معروفا للمرأة فهو لها ولا حرية للعبد ولا حنث على الرجل فيما لم يكن يملك من رقبة العبد يوم حلف. قلت: أرأيت قول مالك إن كان معروفا للرجل إذا كان لا يعرف إلا في خدمته وعمله وإليه ينسب، غير أن الذين يعرفونه لها في يدي الرجل لا يشهدون على أصل الشراء ولا ميراث ولا يعرفون أصل ملكه له إلا أنهم يعرفونه في خدمته. فقال: قد يستخدم الرجل عبيد امرأته فإذا كان مجهول ملك الأصل لم يعرف للرجل ولا للمرأة فهو للمرأة لإقرار الزوج به لها حين أراد الخصم أن يحلفه ولا لك عليه حنث وهو للمرأة بذلك الإقرار. قلت: أرأيت لو لم يكن حلف فادعته المرأة بذلك الإقرار،

مسألة: يقول في مرضه قد كنت أعتقت أمتي فلانة وتزوجتها

وقال الرجل: والله إن كان ذلك مني إلا لأدفع اليمين عني، وما هو إلا لي وهو مجهول ملك للأصل يعرف في خدمة السيد وينسب إليه. قال: تحلف المرأة بالله الذي لا إله إلا هو ويكون القول قولها إذا كان العبد في خدمته ولم يعرف أصله لها ولا له. قال محمد بن رشد: ما نص عليه في هذه الرواية من أنه إذا لم يعرف أصل الملك له وإن كان الظاهر أنه له لنسبته إليه لكونه في يديه واختدامه يعمل إقراره به لغيره وإن كان سببه الاعتذار ويستحقه المقر له بيمينه إذا ادعاه ملكا لنفسه قديما بغير ذلك الإقرار هو دليل ما في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، ومفسر لما وقع في سماع أشهب من كتاب الدعوى والصلح ولما في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات ولسائر الروايات. وأما إذا عرف أصل الملك له فلا يلزمه الإقرار به لغيره إذا كان سببه الاعتذار، وسواء على مذهب مالك، قال: هو لفلان أو قد وهبته لفلان، أو قد بعته منه أو تصدقت به عليه على ما قال في أول سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات، خلاف قول أصبغ في تفرقته بين ذلك، وقد اختلف إذا خطبت إليه ابنته، فقال: قد زوجتها فلانا على ثلاثة أقوال، قد مضى تحصيلها في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح، وفي رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول في مرضه قد كنت أعتقت أمتي فلانة وتزوجتها] مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يقول في مرضه: قد كنت أعتقت أمتي فلانة وتزوجتها، أتكون بذلك حرة من رأس المال أو من الثلث؟ وكيف إن سمى لها صداقا، أيكون ذلك لها؟ قال: لا حرية لها في رأس مال ولا ثلث، ولا صداق لها ولا

ميراث، وذلك أن العتاقة لم تثبت لها فكيف يجب لها صداق؟ وهي أمة بحالها، وكيف ترث وهي أمة ليست من الأزواج؟ قال: وسمعت مالكا يقول في الرجل يقول في مرضه: إني قد كنت أعتقت فلانا غلامي وأنا صحيح ولا يعرف ذلك إلا بقوله: إنه عبد لا يعتق في رأس مال ولا في ثلث لأنه لم يرد أن يوصي له بشيء ولا يثبت الذي أقر له به في مرضه إلا أن يثبته ببينة عدل أن ذلك كان في الصحة. قال: وإن أوصى بوصايا لم تدخل تلك الوصايا في العبد لأنه حين أقر له أنه أعتقه في الصحة ثم أوصى بالوصايا فقد أحب أن لا تقع الوصايا فيه، وكذلك قال مالك. قلت: فإن بتل عتقها في مرضه وثلثها واسع مأمون ثم تزوجها ومسها. قال: أراها حرة، وأرى لها الصداق في الثلث بمنزلة الأجنبية لو تزوجها في المرض ومسها، وذلك أنه حين بتلها والثلث واسع مأمون جازت شهادتها ووارثت أقاربها وتمت حريتها وجرت الحدود عليها ولها ولم يكن له الرجوع في عتاقتها إذا بتلها ولا يؤخر عتقها انتظار موته، لأنه ثلثه واسع مأمون، ولا ميراث لها لأنه لو تزوج أجنبية في مرضه لم ترث فهي بمنزلتها. قال: وإن بتل معها غيرها حتى يخشى ضيق الثلث عليهم أو كان ثلثه يخشى ضيقه عليها حين بتلها وحدها فلا تتم عتاقتها إلا بنظر السلطان وإحصاء المال بعد الموت، فإن تزوجها في هذه الحال كان النكاح مفسوخا ولا صداق لها في ثلث ولا في غيره؛ لأن

النكاح وقع ولا يدري أمن الأحرار يكون أم من الإماء، إذ لا يعرف أيسعها الثلث أم يضيق عنها، ولا يجوز للرجل أن ينكح أمته. قال محمد بن رشد: قوله في الأمة التي أقر في مرضه أنه قد كان أعتقها في صحته وتزوجها: إنه لا عتق لها من رأس مال ولا ثلث على ما قاله مالك في الذي يقول في مرضه: قد كنت أعتقت عبدي فلانا في صحتي، هو المشهور في المذهب المنصوص عليه في المدونة وغيرها، ويدخل الخلاف في ذلك من مسألة الذي يقر في مرضه في أمة له أنها قد ولدت منه ولا ولد معها. ويتحصل في ذلك إن كان يورث ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يعتق من رأس المال، والثاني: أنه لا يعتق من رأس المال ولا ثلث، والثالث: أنه يعتق من الثلث. وإن كان يورث بكلالة قولان: أحدهما: أنه يعتق من الثلث، والثاني: أنه لا يعتق من رأس مال ولا ثلث، ولا يدخل هذا الاختلاف فيمن أقر في مرضه أنه قد كان تصدق في صحته بكذا وكذا، والفرق بين الموضعين أن العتق لا يفتقر إلى حيازة، والصدقة تفتقر إليها، فلو قامت على ذلك بينة لنفذ العتق وبطلت الصدقة، فعلى المشهور من الأقوال أنها لا تعتق من رأس مال ولا ثلث لا يكون لها شيء من الصداق، والذي أقر لها به كمال، قال: إذ لا يجوز للرجل إنكاح أمته، وأما على القول بأنها تعتق من رأس المال يكون لها ما أقر لها به من الصداق، لأنه دين أقر لها به كما لو أقر في مرضه أنه تزوج فلانة لأجنبية وأصدقها كذا وكذا، وأما على القول بأنها تعتق من الثلث فيكون لها ما أقر لها به من الصداق في الثلث أيضا، ولا ميراث لها على حال بإقراره لها في مرضه أنها زوجة له. ولو علم إقراره في صحته بعتقها وأنه تزوجها وأقر لها في مرضه بأنه كان

مسألة: يعتق نصف عبده وهو صحيح ولا يرفع ذلك إلى السلطان حتى يموت المعتق

سمى لها من المهر كذا وكذا لكان لها الميراث لكونها في ملكه وتحت حجابه على أحد التأويلين اللذين ذكرناهما في مسألة رسم الجواب من سماع عيسى من كتابه الأقضية، ولكان لها ما أقر لها في مرضه من تسمية صداقها إن كان يورث بولد ولو لم تكن في ملكه وتحت حجابه لما كان لها منه ميراث إلا أن يكون قد علم إقرارها هي أيضا بنكاحها إياه مع طول الزمان وفشو ذلك في الجيران على اختلاف في ذلك قد مضى القول في بيانه في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الشهادات، وفي رسم الأقضية منه من كتاب النكاح. وأما قوله: إنه لا تدخل في ذلك الوصايا ويكون في ثلث ما بعده، فهو أمر لا اختلاف فيه؛ لأنه لما أقر في مرضه أنه أعتقه في صحته فقد أراد أن يكون خارجا من رأس ماله، وأن تكون الوصايا في ثلث ما بعده إلا أن يكون له مدبر في الصحة فإنه يدخل في ذلك، لأنه مال لم يعلم به إذا مات، وهو يرى أنه غير موروث عنه، فرجع بالحكم موروثا عنه لأن مدبر الصحة يدخل فيما علم الميت من المال وفيما لم يعلم، وكذلك إن كان التدبير في المرض على القول بأنه يدخل أيضا فيما علم الميت وفيما لم يعلم. وأما قوله في الذي بتل عتق أمة في مرضه وتزوجها وله مال واسع مأمون: إنه يكون بمنزلة من تزوج أجنبية في مرضه - فهو صحيح على القول بمراعاة المال المأمون، وقد قيل: إنه لا يعتبر بالمال المأمون، وهو قول بعض الرواة في المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: يعتق نصف عبده وهو صحيح ولا يرفع ذلك إلى السلطان حتى يموت المعتق] مسألة قال يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يعتق نصف عبده وهو صحيح ولا يرفع ذلك إلى السلطان حتى يموت المعتق، أيكون حرا كله أم لا؟ فقال: لا يعتق منه إلا ما أعتق السيد في صحته، قال: ومثل

ذلك الرجل يمثل بعبده المثلة البينة المشهورة التي لا يشك أن الإمام يعتق العبد على السيد بها فلا يرفع إلى الإمام حتى يموت السيد أنه لا يعتق، قال: وكل أمر لا يتم عتاقته إلا بنظر السلطان فإن مات الذي كان السلطان يعتقه عليه لم يجز للسلطان أن يعتقه على الورثة. ولكن من اشترى من إذا ملكه عتق عليه فهو حر ساعة يملكه، لا يرفع مثل هذا إلى السلطان، فإن جهل الأمر فاستخدمه المشتري حتى مات فإنه يعتق على الورثة لأنه عتيق ساعة ملكه السيد، وقال: ألا ترى أن كل ميراث وقع له من يوم اشتراه قريبه الذي يعتق عليه بالسنة فهو لا يمنع من أخذه ولا يحجب عنه وحدوده تامة وعقله عقل حر والذي يعتق سيده بعضه وهو صحيح لا يتم له شيء من حالات الأحرار إلا بنظر الإمام وحكمه. قال: وكذلك الذي يمثل به سيده. قال: وكذلك أيضا الذي يعتق نصيبه من عبده وهو مليء ولا ينظر في أمره حتى يموت، فإنه لا يقوم على ورثته، فحاله حال الذي يعتق سيده بعضه وهو صحيح، والذي يمثل به سيده ولا ينظر في أمرهم حتى يموت السيد إن هؤلاء لا يعتقون على الورثة وإنما يعتق على الورثة الذي إذا ملكه المشتري أعتق عليه ساعتئذ. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يعتق نصف عبده وهو صحيح فلا يحكم عليه بعتق باقيه حتى يموت: إنه لا يعتق منه إلا النصف الذي أعتق وهو المشهور في المذهب، وقد قيل: إنه يكون حرا كله بعتقه لبعضه لسريان العتق في جميعه على الإشاعة، حكى عبد الوهاب القولين في ذلك على المذهب.

وجه القول الأول: أن تتميم عتقه عليه ليست فيه سنة وإنما تتم عليه بالقياس على ما جاءت به السنة في العبد بين الشريكين يعتق أحدهما حصته منه، فإذا لم يعتق عليه نصيب شريكه إلا بالحكم كان ذلك حكم العبد يكون للرجل فيعتق بعضه. ووجه القول الثاني: أنه إذا أعتق بعض عبده فقد سرت الحرية في جميعه، وإذا وجب أن يكون حرا كله بعتق جارحه منه كيده أو رجله كان أحرى أن يكون حرا كله بعتق نصفه لسريان الحرية في جميعه، والفرق بين ذلك وبين العبد بين الشريكين أن الحرية إنما تسري إلى ملك المعتق لا إلى ملك من سواه، ولأن الرجل إذا أعتق شقصه من العبد قد لا يقوم حظ شريكه وإن كان موسرا إذا لم يرد شريكه أن يقومه عليه فأعتق حصته منه، فإذا كان التقويم موقوفا على اختيار الشريك وجب ألا يكون حرا حتى يقومه عليه فأعتق حصته منه، وإذا أعتق الرجل بعض عبده ولا دين عليه لا بد من عتق باقيه، فالحكم في ذلك مبني على التغليب، ولما لم يكن للرجل أن ينقض حق نفسه سرت الحرية في جميعه. والشافعي يقول: إذا أعتق حظه من العبد وهو موسر عتق جميعه بالسراية، وهو بعيد، إذ من حق الشريك أن يعتق نصيبه منه ولا يقومه عليه. وأما المعتق بالمثلة فلا يكون إلا بالحكم على المشهور في المذهب، وقال أشهب وابن عبد الحكم: إن المثلة إذا كانت مشهورة بينه كان العبد حرا بها دون حكم السلطان، ووجه ذلك اتباع ظاهر ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «من حرق مملوكه بالنار أو مثل به فهو حر، ولاؤه لله ورسوله» ، ووجه قول ابن القاسم الذي هو المشهور في المذهب، ما جاء في نص

: يعتق عبده النصراني ثم يسلم

الحديث: «من مثل بعبده فأعتقوه» ، ولم يقل فهو حر. وأما من يعتق على الرجل فلا اختلاف في أنه يكون حرا بنفس الملك دون حكم. واستدلاله بالميراث وسائر أحكام الحرية على الفرق بين من يعتق على الرجل وبين من يعتق بعض عبده بقوله: ألا ترى أن الميراث يجب لمن اشتراه من يعتق عليه من يوم اشتراه، وتكون أحكامه أحكام حر من يومئذ، والذي أعتق بعض عبده لا يجب له الميراث ولا تكون أحكامه أحكام حر حتى يعتق عليه باقيه ليس بصحيح، لأن ذلك هو نفس المسألة، ولا يقاس الشيء على نفسه، وإنما يقاس على غيره، فلا يصح أن يذكر ذلك إلا على بيان افتراق حكم المسألتين، لا على سبيل الاستدلال على الفرق بينهما، وبالله التوفيق. [: يعتق عبده النصراني ثم يسلم] ومن كتاب الصبرة وسئل: عن النصراني يسلم وقد كان أعتق أو دبر أو كاتب فيريد أن يرجع في ذلك كله، ويقول: قد كان الرجوع لي جائزا في ديني. قال: سمعت مالكا يقول في النصراني يعتق عبده النصراني ثم يسلم فيتعلق به يريد استرقاقه، قال: لا أرى أن يحال بينهما. قال ابن القاسم: وأنا أرى المدبر والمكاتب بمنزلة ذلك، لا أرى أن يمنع رد واحد منهما في الرق وفسخ ما كان جعل له إن أحب ذلك ما كانا على دينهما. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: ما كانا على دينهما - معناه: أنه لا يمنع بعد الإسلام من رد الكتابة والتدبير الذي أوجبه له ما كانا على دينهما، فليس قوله بخلاف لقول مالك، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] .

مسألة: يقول أحد عبيدي حر

فلا يلزم الكافر إذا أسلم الوفاء بما نذر ولا بما عقده على نفسه من العقود لله إذ كان لا يعرف الله ولا يؤمن به فلا يتوجه إليه في ذلك الحال خطاب الله تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وما روي «أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام، فقال: "ف بنذرك» ، معناه أنه أمره أن يفي لله عز وجل بطاعة يطيعه بها في الإسلام مكان النذر الذي لم يمكن منه طاعة حتى يعمل حسنة مكان النذر الذي لو عمله في حال شركه لم يكن كذلك؛ لأن "ف" لا تستعمل إلا فيما ليس بواجب، وإنما تستعمل في الواجب "أوف"، وإن كان قد جاء في بعض الآثار "أوف" فمعناه ما ذكرناه، إذ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما النذر ما ابتغي به وجه الله عز وجل» ، وقد علمنا أن المشرك لم يرد بنذره ولا بعتقه وجه الله عز وجل، وهذا إذا كان لما أعتقه لم يخل سبيله ولا خرج عن يده، وأما إن كان لما أعتقه خلى سبيله وأطلقه ثم أراد أن يرجع في عتقه بعد أن أسلم فلا يكون ذلك له على ما في كتاب الجنايات من المدونة، ويكون ذلك على ما يأتي في رسم يشتري الدور والمزارع بعد هذا وبالله التوفيق. [مسألة: يقول أحد عبيدي حر] مسألة وسئل: عن الرجل يقول أحد عبيدي حر فيقوم به عبيده إن له أن يعتق أيهم أحب، ولورثته إن مات قبل أن ينفذ العتق لأحدهم مما

مسألة: قول الرجل لعبده أو لأمته ائتني بكذا وكذا وأنت حرة

كان للميت، فإن نظر في أمره وقد مات العبيد كلهم إلا واحدا كان عتيقا ولم يجب له أن يجعل العتاقة لمن قد مات ويلزم الورثة مثل ذلك. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والكلام عليها مستوفى في رسم باع شاة من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [مسألة: قول الرجل لعبده أو لأمته ائتني بكذا وكذا وأنت حرة] مسألة وسئل: عن الرجل يقول لأمته ائتني بمائة دينار وأنت حرة فتلد قبل أن تأتي بالمائة ثم تأتي بها، أيعتق ولدها بعتقها؟ قال: لا أرى ذلك إلا لها خاصة لا يدخل الولد في شيء من هذا. قلت: أيجوز لسيدها أن يرجع فيما جعل لها من العتق بغرم المائة؟ قال: لا. قلت: أفيجوز له بيعها؟ قال: لا حتى يتلوم لها السلطان، فإن جاءت بالمائة دينار وإلا أمكنه من بيعها أو بطول الزمان وهي تاركة لغرم المائة لا تعتق بذلك فإن باعها بعد طول الزمان جاز بيعه إياها. قلت: فإذ لا يجوز لسيدها أن يرجع فيما جعل لها، ولا يجوز له بيعها إلا بما ذكرت من تلوم السلطان أو بعد طول زمان، فما الذي أخرج الولد عما عقد لها قبل أن تحمل به؟ قال: لأن الذي عقد لها ليست كتابة ولا عتاقة إلى أجل فيجري من ذلك للولد ما جرى للأم، ألا ترى أنه لو مات ولم يأت

بشيء لم يكن على ورثته أن يعتقوها وإن جاءت بالمائة الدينار إلا أن يرضوا إذا لم يوص لها بذلك ولم ينفعها ما قال لها في صحته، قال: ومثل ذلك عندي الأمة تجرح الرجل فلا يقوم المجروح بأخذ عقله حتى تلد فإن سيدها إن أسلمها لم يكن عليه أن يسلم ولدها معها وقد كانت مرهونة بما وجب عليها من عقل ما جنت. قال محمد بن رشد: قول الرجل لعبده أو لأمته ائتني بكذا وكذا وأنت حرة، أو متى ما جئتني أو إن جئتني أو إذا جئتني سواء كله عند ابن القاسم، وسواء عنده أيضا سمى لذلك أجلا أو لم يسمه، لأنه إن لم يسم لذلك أجلا كان ذلك إلى القدر الذي يؤدي إليه مثل ذلك العدد الذي سمى ذلك العبد أو تلك الأمة على ما يظهر من قدرتها على السعاية فيه باجتهاد السلطان في ذلك كله. فقوله في هذه الرواية: إن ولدها لا يدخلون معها فيما جعل لها سيدها من هذا خلاف نص قوله في المدونة: إنهم يدخلون معها، فعلى قوله فيها يلزم ورثة السيد إذا مات ما لزمه هو من ذلك على حكم الكتابة، وقوله فيها إن ذلك لا يلزم ورثته إن مات خلاف نص ما في سماع عبد الملك بعد هذا من هذا الكتاب، وخلاف ما تقدم في رسم إن خرجت من سماع عيسى في الذي يدفع إلى عبده مائة شاة ويقول له اعمل عليها فإذا بلغت كذا وكذا فأنت حر، فعلى ما في سماع عبد الملك وما تقدم في سماع عيسى من أن ذلك يلزم الورثة يدخل الأولاد معها على حكم الكتابة مثل ما في المدونة، لأن بعض ذلك يفسر بعضا، ورواية يحيى هذه هي المخالفة لذلك كله في أن الولد لا يدخلون معها، وفي أن ورثة السيد لا يلزمهم ما لزمه هو، وإنما وقع الخلاف في هذا بين هذه الرواية وبين سائر الروايات التي ذكرناها من المدونة وغيرها من أجل أنه ليس في شيء منها قبول الأمة لذلك ورضاها به والتزامها له، ولو رضيت بذلك وقبلته والتزمته لما اختلف في أنها كتابة على حكم الكتابة يدخل

ولدها فيها، ويلزم ورثة السيد ما لزمه هو، لأن الكتابة عقد من العقود بين العبد وسيده، فلا تتم إلا برضاهما جميعا على القول بأن السيد لا يجبر عبده على الكتابة، فالاختلاف الذي بين هذه الرواية وبين سائر الروايات في دخول الولد معها وفي لزوم ورثة سيدها ما لزمه راجع إلى هذا الاختلاف، فلم ير ابن القاسم في هذه الرواية قول الرجل لأمته ائتني بكذا وكذا وأنت حرة كتابة، إذ لم يعقد ذلك معها ولا التزمه لها، وذلك من قوله هذا على القول بأن السيد لا يجبر عبده على الكتابة فألزمه هو ما التزمه لها من عتقها إذا أتته بالمائة، ولم ير لولدها في ذلك دخولا ولا رأى ذلك لازما للورثة إذ ليست بكتابة ولا عتقا مؤجلا إذ قد يكون إن جاءت بالمائة، ولا يكون إن لم تأت بها، فأشبه قول الرجل لعبده إن جاء فلان فأنت حر في أن الولد لا يدخل في ذلك، وأن ذلك إنما يكون لها مع حياة سيدها، ورأى ذلك ابن القاسم في المدونة وفي سماع عيسى وعبد الملك كتابة وإن لم يكن منها في ذلك قبول ولا التزام على قياس القول بأن الرجل يجبر عبده على الكتابة، فهذا وجه القول عندي في هذه الرواية، وقال ابن الماجشون في الواضحة: إذا لم يقبل العبد ذلك ولا ألزمه لم يلزم السيد أيضا، وكان له أن يبيعه، فقول الرجل لعبده على مذهبه إن جئتني بكذا وكذا إلى أجل كذا وكذا إذا لم يقبل العبد بمنزلة قول الرجل لعبده إن قدم فلان في هذه السنة فأنت حر في جميع الوجوه. وهذا الذي ذكرته من أنه لا فرق عند ابن القاسم بين أن يسمي أجلا أو لا يسميه، ولا بين قوله ائتني بكذا وكذا أو إن جئتني وإذا جئتني أو متى ما جئتني بين من قوله في المدونة من رواية عيسى عنه. وفرق المغيرة بين قوله: إن جئتني بكذا أو إذا جئتني بكذا، فقال: إنه إذا قال: إن جئتني، يلزمه ذلك هو وورثته بعده، فليس له ولا لهم أن يبيعوه ما لم يطل الأمر جدا، وإن قال: إذا جئتني أو متى ما جئتني، لم يكن ذلك للعبد بعد موت السيد، وكان له ذلك في حياته وإن طال الزمان جدا ما كان في ملكه ولم يبعه، هذا معنى قوله.

مسألة: أعتق حظا له في عبد ثم أعتق بعد ذلك عبدا لا مال له سواه

وساوى ابن كنانة بين أن يقول إن جئتني بكذا وكذا فأنت حر وأنا أعتقك وفرق بين أن يسمي لذلك أجلا أو لا يسميه، فقال: إنه إن لم يسم أجلا يتلوم له في ذلك على ما ذكرناه من مذهبه، وفرق بين أن يقول فأنت حر أو فأنا أعتقك، فقال: إنه إذا قال فأنا أعتقك فأتى بما سمي له من المال لا يلزمه عتقه إذا قال لم أرد إيجاب ذلك على نفسي، ويحلف ما أراد إيجاب ذلك على نفسه، وإنما أراد أن يفعل ذلك إن شاء، وقول ابن القاسم هو الفقه بعينه، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق حظا له في عبد ثم أعتق بعد ذلك عبدا لا مال له سواه] مسألة وسألته: عن الرجل يعتق حظا له في عبد ثم أعتق آخر لا شركة له فيه ولا مال له غيره، أيمضي عتق الآخر ولا يعتق عليه من الأول نصيبه منه؟ أم يبطل عتق الآخر ويقوم عليه الأول؟ فقال: بل يمضي عتق الآخر ولا يقوم عليه الأول، إذ لا مال له إلا العبد الذي أنفذ عتقه قبل أن يقوم عليه الأول، وذلك أن القيمة لم تكن عليه كالدين الثابت، ألا ترى أنه لو كان ذا مال يوم أعتق نصيبه من الأول ثم داين الناس فقاموا يطلبونه بأموالهم التي داينهم بها بعد عتقه نصيبه من العبد وقام العبد يطلب أن يقوم عليه كان الغرماء أحق بماله ولو لم يقوم عليه العبد الذي أعتق بعضه، وإنما ينبغي للسلطان أن يقوم عليه فيه فيما يجد له من مال يوم يرجع إليه أمره. قلت له: أرأيت إن أحدث بعد عتق نصيبه من العبد صدقات وهبات، أتجيزها؟ قال: نعم، ذلك عندي ماض عليه جائز لمن كان ذلك منه إليه.

قلت له: وإن كاتب عبدا؟ قال: تمضي الكتابة ويباع ما على المكاتب بما يجوز له بيع ما عليه، ثم يقوم على المعتق من حصة شريكه في العبد بقدر ما يبلغ ما يباع به كتابة المكاتبة، فإن كان ذلك ما يعتق به جميعه قوم عليه فيه وأعتق ولا ترد الكتابة. قلت له: فإن أحدث تدبيرا؟ قال: أرى أن يرد التدبير فيباع العبد الذي دبر ويقوم عليه الأول في ثمن المدبر إلا أن يكون في ثمن المدبر فضل عن استتمام عتق الأول فلا يباع منه إلا بقدر ما يعتق به الأول. قلت: لم أجزت الصدقات والهبات ولم ترددها حتى يقوم عليه نصيب شريكه من العبد في ماله الذي أحدث فيه الصدقات والهبات ورددت التدبير، والتدبير كان أحق بأن يجوز له من الصدقة. قال محمد بن رشد: قوله في الذي أعتق حظا له في عبد ثم أعتق بعد ذلك عبدا لا مال له سواه أو تداين ديونا قبل أن يقوم عليه العبد تستغرق ماله: إن العتق ينفذ عليه في عبده، ويكون الغرماء أحق بماله ولا يقوم عليه العبد الذي أعتق حظه إذا لم تكن القيمة عليه كالدين الثابت صحيح لا اختلاف أحفظه في المذهب في أن ملك الشريك باق على حصته من العبد حتى يقوم على الذي أعتق نصيبه منه ويعتق عليه، ويأتي على ما ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا عن الشافعي أنه يعتق عليه حظ شريكه بالسراية أن يكون التقويم أحق من ديون الغرماء الحادثة بعد عتقه لنصيبه، وأحق من عتقه للعبد الذي أعتقه بعد ذلك، وهو بعيد على ما ذكرناه، إذ لا يسري ما أعتق من ملكه إلى ملك شريكه.

مسألة: جعل على نفسه رقبة من ولد إسماعيل

وقال في الرواية: إنه إذا أحدث بعد عتقه لنصيبه صدقات وهبات وتدبيرا إن الصدقات والهبات تنفذ ويكون أحق من التقويم، وإن التدبير يرد فيكون التقويم أحق، ولما سأله عن الفرق بين التدبير والصدقات والهبات واعترض عليه بأن الصدقات والهبات أحق أن يرد من التدبير - سكت له عن الجواب في ذلك، والجواب في ذلك: أن التدبير أحق أن يرد من الصدقات والهبات، إذ قد اختلف في التدبير، فقيل: إنه غير لازم وإن لسيده أن يبيعه، وإن للإمام أن يبيعه عليه في الدين الحادث بعد التدبير، ومالك يرى أنه يباع بعد الموت في الدين الحادث، فقد لا يحصل له في التدبير عتق، والصدقات والهبات لا اختلاف بين أحد من أهل العلم في وجوبها للموهوب له وللمتصدق عليه؛ إذ قبضاها وحازاها على الواهب والمتصدق، وهو الذي أراد ابن القاسم والله أعلم، وأما إذا لم يحزها الموهوب له والمتصدق عليه عن الواهب والمتصدق، فالذي يوجبه النظر في ذلك عندي على المذهب أن يتحاصا جميعا، لأن الشريك والعبد يطلب التقويم، والموهوب له أو المتصدق عليه يطلب هبته أو صدقته، وليس أحدهما بأحق بالقضاء له من صاحبه، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: إذا قيم عليه بالتقويم قبل أن يحاز عنه الصدقة والهبة والعطية فهي مردودة حتى يعتق منها باقي العبد ويمضي ما بقي، ولقوله وجه وهو مراعاة قول من يقول من أهل العلم: إن للواهب والمتصدق أن يرجع في هبته وصدقته ما لم يقبض منه، وبالله التوفيق. [مسألة: جعل على نفسه رقبة من ولد إسماعيل] مسألة وسئل: عن رجل جعل على نفسه رقبة من ولد إسماعيل. قال مالك: ليعتق رقبة، قيل له: أتجزيه رقبة من الزنج؟ قال: ليعتق رقبة أقرب إلى ولد إسماعيل. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن للشرف في النسب مزية

مسألة: العبد ينكح الحرة وأبو العبد حر فيولد للعبد من الحرة

توجب التنافس في العبيد من أجلها والزيادة في ثمنها، والأجر على قدر ذلك لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل: أي الرقاب أفضل؟ فقال: "أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها» ، فوجب أن يجري ذلك فيما نذر، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد ينكح الحرة وأبو العبد حر فيولد للعبد من الحرة] مسألة وسئل ابن القاسم: عن العبد ينكح الحرة وأبو العبد حر فيولد للعبد من الحرة، أيجر الجد ولاء ابني ابنه من الحرة؟ قال: نعم، وهو قول مالك، قيل له: أرأيت ما ولد للعبد من الحرة وقد مات الجد، أيكون ولاؤهم لموالي الجد كما كان يجر ذلك إليهم الجد في حياته؟ قال: لا، قيل: فهل يجر الجد ولاء من ولد لابنه العبد من الحرة قبل أن يعتق الجد إذا عتق الجد؟ قال: نعم، قيل له: فلم لا يجر الجد ولاء من ولد بعد موته كما جر إليهم الجد حين أعتق ولاء من كان ولد لابنه قبل أن يعتق؟ قال: إنما مثل الذين ولدوا بعد موت الجد بمنزلة ما لو أن العبد لم يولد له من امرأته الحرة ولد حتى مات أبوه الحر ثم ولد له بعد ذلك أولاد فإن ولاءهم لا يكون لموالي الجد، ولا ينتقل عن موالي الأم، فإذا لم يجر موالي الجد ولاء ما ولد لابنه إذا لم يولد منهم أحد في حياة الجد، فكذلك إذا ولد بعضهم في حياته وبعضهم بعد موته لا يكون لهم إلا ولاء الذين ولدوا في حياة الجد الذين كانوا ثبتت مواريثهم بينهم وبين الجد. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم النسمة من سماع عيسى ومضى الكلام عليها هنالك، وهي بينة صحيحة.

: حكم ما للعبد المعتق بعضه

وأما الحجة التي احتج بها إذ قال إنما مثل الذين ولدوا بعد موت الجد بمنزلة ما لو أن العبد لم يولد له ... إلى آخر قوله، فهي ضعيفة، لأن السؤال إنما هو فيمن ولد لابنه العبد بعد موته هل يجر ولاءهم إلى مولاه أم لا، فلا فرق فيهم بين أن يكون لابنه العبد ولد سواهم قد ولدوا في حياته أم لا، فالجد يجر إلى مواليه عن موالي الأم ولاء ولد ابنه العبد كان قد أعتق قبل أن يولدوا أو بعد أن ولدوا، فإن عتق أبوهم بعد ذلك جر الولاء عن موالي الجد إلى مواليه الذين أعتقوه، والمعنى في هذا أن الجد لما كان وارث ابنه العبد لو مات من أجل أن العبد لا يرث كان مولاه الذي أعتقه هو وارثه إذا مات، ولما لم يكن الجد وارث ابنه العبد لو مات إذا كان هو قد مات قبله لم يكن مولاه الذي أعتقه هو وارثه، لأن مولى الجد إنما يرث بالولاء من كان يرثه الجد لو كان حيا، وهذا بين، وبالله التوفيق. [: حكم ما للعبد المعتق بعضه] ومن كتاب الصلاة قال: وسمعته يقول في العبد يكون بين الرجلين يعتق أحدهما حظه فلا يجد له السلطان شيئا يقومه عليه فيعتق نصفه ويرق النصف للشريك: إن ماله يوقف بيده ولا يجوز استثناؤه للمعتق ولا أخذه للمتمسك بالرق، ولكنه يوقف بين العبد. قيل له: فإن جر جريرة تكون في رقبته؟ قال: يكون عليه غرم نصف قيمة الجريرة ويخير المتمسك بالرق في نصفه، فإن شاء أسلم نصيبه فيه إلى المجني عليه، وإن شاء افتداه، قيل له: فإن جرح العبد ممن عقل جرحه؟ قال: يقتسمان ذلك للعبد نصفه وللمتمسك بالرق نصفه، قيل له: أيدفع إلى السيد نصفه؟ قال: نعم.

قلت: وإلى العبد نصفه يصنع به ما أحب؟ قال: بل هو مال من ماله يوقف مع ماله الأول ويسوغ للسيد تعجيل أخذ نصيبه، قيل له: أرأيت إن ولد له من أمته فأعتق السيد نصيبه من أبيه؟ فقال: ابنه بمنزلته، فإن أعتق السيد حظه من ابنه فهو عتيق كله، قيل: فمات الابن عن مال فمن يرثه وأبوه لم يعتق بعد؟ قال: يورث بالولاء للمعتق الأول نصف الميراث وللشريك نصفه، قيل له: فإن تزوج حرة وولد له فمات الابن عن مال؟ قال: ميراثه لأمه ومواليه لأنه لم يعتق فيجر ولاء أبيه، قيل له: فإن أعتق المعتق نصف عبد له بإذن المتمسك بالرق فمات عن مال قبل أن يعتق سيده الذي أعتقه؟ قال: ميراثه للذي تمسك بالرق خالصا إذ لم يجز له أن يرثه من أجل أن العبد لا يرث الحر والمتمسك بالرق أحب بميراث مواليه من الشريك المعتق الأول، وقد قال ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب العرية: إن ولاء ما أعتق هذا العبد الذي نصفه حر بين الذي له فيه الرق وبين الذي أعتق النصف ما كان هذا الذي نصفه حر فيه الرق، وإن مات العبد وفيه الرق فهو بينهما أيضا، فإن عتق العبد الذي نصفه حر يوما ما رجع إليه ولاء ما أعتق لأنه ممن لا يجوز للذي فيه الرق انتزاع ماله، فكل ما لا يجوز لسيده انتزاع ماله فما أعتق بإذنه فولاؤه يرجع إليه إذا أعتق، وكذلك المعتق إلى سنين إذا دنا أيضا انقضاء أجل سنيه أو المدبر أو أم الولد إذا مرض سيدهما فما

أعتق هؤلاء بإذن ساداتهم أو بغير إذنهم فأجازوا ذلك لهم أو لم يعلموا به حتى عتقوا فولاء ما أعتقوه يرجع إليهم في حال لا يجوز لساداتهم أخذ أموالهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة تشتمل على سبع مسائل بعضها متفق عليها، وبعضها مختلف فيها، وهي حكم ما للعبد المعتق بعضه وجنايته، والجناية عليه، وميراث ولده من أمته قبل أن يعتق الشريك فيه حظه، وبعد أن أعتق حظه منه، وميراث ولده من حرة، وميراث ما أعتق بإذن الذي له فيه الرق. فأما ماله فلا اختلاف في أن الحكم فيه أن يقر بيده للشريك الذي له في نفسه بتحرية التجارة المأمونة، وليس له أن يهبه ولا يتصدق به، فإن عتق باقيه تبعه ماله، وليس لسيده أن يستثنيه إذ لم يكن له أن ينتزعه، فكذلك الشريك الذي أعتق نصفه أولا ليس له أن يستثني ماله كما قال في الرواية، من أجل أن العبد بين الشريكين ليس لأحدهما أن يأخذ حظه منه دون إذن شريكه. وأما جنايته فنصفها عليه في ماله وذمته يتبع بها إن لم يكن له مال، ونصفها على الذي له نصفه إن شاء افتداه وإن شاء أسلمه كما قال، ومثله في المدونة، ولا اختلاف أحفظه في ذلك. وأما الجناية عليه فهي بينهما على ما قاله في الرواية، وهو أحد قولي مالك في المدونة، قال فيها: وقد كان لمالك قول إذا جرح إن جرحه للسيد، ثم رجع فقال: هو بينهما، ولكلا القولين وجه، فوجه القول الأول أنه لما كان ميراثه الذي له فيه الرق من أجل أن الحرية تبع للرق كانت الجناية عليه، ووجه القول الثاني أنه شريك في نفسه، فوجب أن تكون الجناية بينهما كالعبد بين الشريكين يجنى عليه، وهو الأظهر، لأن ما نقص من رقبته بالجناية ليس للذي له فيه الرق إلا بعضه، فليس له أن يأخذه كله، والميراث بخلاف ذلك إذ لا يورث بالحرية إلا من يرث بها.

وأما ميراث ولده من أمته، فولده من أمته بمنزلته، نصفه حر بعتاقة الشريك لنصف أبيه، ونصفه مملوك للذي يملك النصف الآخر من أبيه، فإن مات ونصفه مملوك قبل أن يعتق الشريك نصفه فيه كان ميراثه له ولا اختلاف في هذا. وأما إن مات وهو حر كله بعد أن أعتق الشريك حظه فيه، فقال في الرواية: إنه يورث بالولاء، للمعتق الأول نصف الميراث، وللشريك نصفه، وفي هذا نظر؛ لأن أباه لم تكمل حريته فلا يجر ولاء ابنه إلى مولاه على أصله في هذه الرواية عنه في ميراث ولده من الحرة، وفي ميراث العبد الذي أعتقه بإذن الذي له فيه الرق، لأنه قال: ولده من الحرة لأمه ومواليه، كذا وقع في الرواية، وهو غلط، وصوابه: لأمه ومواليها، وإنما قال لأمه ومواليها لأن موالي أمه هم مواليه إذا كان أبوه عبدا، فلم يجعل نصف ما بقي من ماله بعد ميراث أمه للذي أعتق نصف أبيه كما جعل نصف ماله في ولده من أمته إذا أعتق الشريك حظه منها للذي أعتق نصف أبيه، فالمسألتان متعارضتان والذي يأتي في ميراث ولده من أمته إذا كملت حريته بعتق الشريك لنصيبه فيه على قياس قوله في ولده من الحرة أن يكون نصف ميراثه للشريك الذي أعتق نصفه والنصف الثاني لجماعة المسلمين، ويأتي في ميراث ولده من الحرة على قياس قوله في ولده من أمته إذا كملت حريته بعتق الشريك لنصيبه فيه أن يكون نصف ما بقي من ماله بعد ميراث أمه للذي أعتق نصف أبيه، والباقي لموالي أمه، لأن مولى الأب أحق بالميراث من مولى الأم إذا قلنا إنه يجر إلى أبيه ولاء ما أعتق منه قبل أن تكمل حريته، فالاختلاف في رواية يحيى من قول ابن القاسم في هاتين المسألتين على ما بيناه من تعارض قوله فيهما ووجوب رد كل واحد منهما إلى صاحبتها على اختلاف الروايتين عنه: رواية يحيى هذه، ورواية عيسى في رسم العرية في مسألة العبد المعتق نصفه يعتق عبدا له بإذن الذي له فيه الرق فيموت عن مال، لأن النكتة في

مسألة: يعتق نصيبه من عبد بينه وبين شريكه

المسألة إنما هي هل يجر العبد إذا أعتق بعضه إلى مولاه من ولاء ولده بقدر ما عتق منه أم لا يجره إليه على ما بيناه من اختلاف قول ابن القاسم، لتعارض قوله في ذلك، فعلى قياس القول بأنه يجره إليه يكون ميراث ما أعتق بإذن الذي له فيه الرق بين الذي فيه الرق وبين الذي أعتق النصف على ما قاله ابن القاسم في رواية عيسى، وعلى القول بأنه لا يجره إليه يكون جميع ميراثه للذي تمسك بالرق خالصا على ما قاله في رواية يحيى هذه. فقد أتى القول بتكلمنا في هذه المسألة على سائر السبع المسائل، وقد مضى في رسم سن من سماع ابن القاسم التكلم على ولاء ما أعتق العبد أو من فيه عقد عتق من مكاتب أو مدبر بإذن سيده أو بغير إذنه، وبالله التوفيق. [مسألة: يعتق نصيبه من عبد بينه وبين شريكه] مسألة قال: وسألته: عن الرجل يعتق نصيبه من عبد بينه وبين شريكه وهو معدم لا مال له، فيقول الشريك: أعتقوه عليه كله بالقيمة وأنا أرضى أتبعه به دينا عليه، فقال المعتق: لا أفعل ولا أرضى أن أتبع بشيء يكون علي دينا، وما أعتقت نصيبي إلا للذي علمت أنه لا يعتق علي غيره لعدمي، وما أردت أن أتبع بشيء من الدين، أيلزم عتقه كله أم لا؟ قال: لا يلزم عتقه كله، ولا يتبع بشيء، وتلك السنة. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات في أثناء المسألة المتقدمة بعد قوله فيها: ويسوغ للسيد تعجيل أخذ نصيبه، فكتبتها بعدها لاتصال بعضها ببعض، وقد حكى ابن أبي زيد عن ابن المواز أنه يقوم عليه وإن كان عديما، ويتبع بالقيمة ويعتق العبد، وقول ابن المواز هو القياس على ظاهر الحديث أن العبد كله يقوم عليه فيلزم المعتق نصف ذلك، وهو المشهور في المذهب؛ لأن المعنى في ذلك أنه قد أدخل فسادا على

مسألة: الحالف بحرية عبده أن لا يبيعه

شريكه بعتقه لحصته، إذ ينقص ذلك من قيمته، وأما قول ابن القاسم إنه لا يقوم عليه إذا كان عديما إلا برضاه فيأتي على قياس القول بأن المعتق لحصته من العبد لم يتعد على شريكه بما صنع، فلا يلزمه إلا نصف قيمته على أن نصفه حر، وهو ظاهر ما مضى في أول سماع يحيى من هذا الكتاب، ودليل ما في كتاب جنايات العبد من المدونة من قول ابن القاسم وقول غيره في كتاب أمهات الأولاد، وبالله التوفيق. [مسألة: الحالف بحرية عبده أن لا يبيعه] مسألة وقال في رجل سأل رجلا أن يبيعه عبده، فقال: هو حر إن بعتكه، وقال الآخر: امرأتي طالق إن لم أشتره منك، ثم باعه منه: إن العبد يعتق وتطلق امرأة الحالف ليشرينه، قال: وذلك لأن البيع وقع والحنث معا، فيعتق العبد بذلك، ونظر في اشتراء الحالف بالطلاق فلما رأى أن اشتراءه لم يتم له إذا عتق العبد وجب عليه الحنث لأن اشتراءه لم يكن بعد اشتراء إذ لا يثبت عليه ولا يتمسك به وهو ينقض عليه على صغار منه، فأما إذا كان البيع هكذا فالحنث لازم له؛ لأنه لا سبيل له إلى اشترائه أبدا إذا أعتق. قال محمد بن رشد: قد قيل في الحالف بحرية عبده أن لا يبيعه: إنه لا شيء عليه إن باعه، قاله عبد العزيز بن أبي سلمة، وهو القياس؛ لأنه إن انعقد البيع فيه صار معتقا لما في ملك المشتري، وإن لم ينعقد فيه لم يلزمه شيء، فعلى هذا القول لا يكون على واحد منهما في هذه المسألة شيء؛ لأن الشراء يصح للمشتري، ووجه القول بأنه يعتق على البائع وإن لم يتم فيه البيع لوجوب عتقه به، هو أن الحنث يدخل بأقل الوجوه، كمن حلف أن لا يبيع عبده فباعه بيعا فاسدا أنه يحنث به وإن نقض البيع فيه ورد عليه، ولما وقع البيع والعتق معا، قال سحنون: إن المال يبقى للبائع ولا يكون تبعا للعبد

مسألة: باع وقد حلف أن لا يبيع

كالعتق، وفي قوله نظر، لأن الذي يتناول على المذهب أن العتق وقع بأول البيع قبل تمامه، إذ لو تم البيع فيه لما لزم العتق، وإذا وقع العتق قبل تمام البيع وجب أن يكون المال تبعا للعبد، ووجه قوله أنه لما قصد إلى عتقه بالبيع، وحكم البيع أن يبقى المال فيه للبائع صار كأنه قد استثناه، وذلك بين من إرادته؛ لأنه قال: إن المال يكون للبائع؛ لأن البيع أوجب العتق، فصار البائع أولى بالمال من العبد، هذا نص قوله، وبالله التوفيق.. [مسألة: باع وقد حلف أن لا يبيع] مسألة وقال في الرجل يحلف بحرية جارية له إن باعها فتصدق بها على ابنة له في حجره ثم يريد بيعها لابنته في بعض مصلحتها: إنه إن باعها لزمه الحنث فعتقت عليه، وغرم القيمة لابنته. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأنه باع وقد حلف أن لا يبيع، فوجب أن يحنث إلا أن تكون له نية أو يكون ليمينه بساط يدل على أنه إنما حلف ألا يبيعها ليتمول ثمنها وينتفع به، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول أحد عبيدي حر وله عبيد] مسألة وقال في الرجل، يقول: أحد عبيدي حر، وله عبيد: إنه يقال له: أعتق من شئت ولا شيء عليك غير ذلك، وسئل: عنها سحنون وذكرت له هذه الرواية من قول ابن القاسم وما روى عنه عيسى أنه يقرع بينهم، فقال: أنا أقول بكلا القولين، أقول بما روى يحيى بن يحيى أن يكون ورثته بمثابة إذا اجتمعوا على الرضا بعتق واحد منهم، فإذا اختلفوا قلت بما روى عيسى أنه يقرع بينهم فأعتقت أحدهم بالسهم.

مسألة: كاتب جميع رقيقه فلم يجز ذلك الورثة

قلت: فإن مات قبل أن يعتق منهم أحدا وإنما كان قال ذلك في صحته، قال: يصير ورثته بمنزلته يعتقون أيهم أحبوا كما كان ذلك للميت، وليس هو بمنزلة الذي يوصي سيدهم أن يعتق رأس منهم ولا ينصه بعينه، ولأولئك مسألة قد فسرنا هنالك، وقال في رجل يقول وله نسوة إحدى نسائي طالق ولم ينو واحدة منهن: إنهن يطلقن عليه جميعا. قال: وأما إن قال أحد عبيدي حر وله مماليك ولم ينو واحدا بعينه: إنه يقال له أعتق من شئت منهم، وإن مات ولم يعتق منهم أحدا قيل لورثته قد نزلتم منزلته فأعتقوا من بدا لكم منهم. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة أن الطلاق لا يختار فيه، بخلاف العتق، وقد روى أبو عبيد عن مالك: أن الطلاق يختار فيه كالعتق وليس بينهما فرق بين في القياس. ووجه التفرقة في ذلك بين العتق والطلاق أن العتق يصح فيه التبعيض، بخلاف الطلاق. وقد مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى القول مستوفى في مسألة العتق هذه فلا وجه لإعادته. [مسألة: كاتب جميع رقيقه فلم يجز ذلك الورثة] مسألة قال يحيى: قلت لابن القاسم: أرأيت إن كاتب جميع رقيقه فلم يجز ذلك الورثة والثلث يضيق بهم أليس يعتق من كل واحد منهم ثلثه؟ قال: بلى. قلت: ولم لا يقرع بينهم في الثلث؟ قال: أرى إذا قطع لهم الورثة الثلث أن يسهم بينهم فيه كالموصى لهم بالعتق. قال محمد بن رشد: نفى القرعة أولا ثم رجع إليها آخرا، فهو اختلاف من قوله، فوجه القول بها القياس على الوصية بالعتق، لأنه وإن كان

مسألة: حلف بعتق رقيقه وهوصحيح ثم يقوم عليه الغرماء

الأصل كتابة فقد عاد ذلك إلى العتق، ووجه المنع منها أن القرعة في القياس غرر فلا تكون إلا حيث جاءت فيها السنة، وهي الوصية بالعتق، فقاس عليها ابن القاسم العتق في المرض لاتفاقهما في المعنى؛ لأنه في الحالتين جميعا عتق من الثلث، والكتابة بخلاف ذلك. وأشهب وأصبغ لا يريان القرعة، إلا في الوصية خاصة، وابن نافع لا يقول بها إلا إذا لم يكن للميت مال غيرهم اتباعا لظاهر الحديث، فهي ثلاثة أقوال، وإجازتها في الكتابة قول رابع، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بعتق رقيقه وهوصحيح ثم يقوم عليه الغرماء] مسألة وقال في رجل حلف بعتق رقيقه وهو صحيح ثم يقوم عليه الغرماء وفي قيمة رقيقه فضل عن دينه: إن الدين يفض على العبيد: قيمتهم، فيباع من كل واحد منهم بقدر ما صار على قيمته من الدين حين فض عليهم، ثم يعتق منهم ما بقي. وتفسير ذلك أنهم إن كانوا ثلاثة عبيد قيمة أحدهم خمسمائة والآخر ثلاثمائة، والثالث مائتان وكان الدين مائة دينار قسمت المائة الدينار على الألف الدينار التي هي قيمة العبيد، فما صار على المائة دينار من المائة الدين نظرت كم ذلك من المائتين؟ فإن كان عشرا بعث عشر رقبة وعتق ما بقي، كذلك يصنع بالثاني والثالث فيما يصير على قيمة كل واحد من المائة الدين إذا قسمت على جميع قيمتهم، وعلى هذا الحساب يقسم كل ما كان من هذا الوجه. قال: وإن كان أعتق بعضهم قبل بعض بيع الآخر فالآخر حتى ينفذ الدين ثم يعتق ما بقي. قال: وإن أوصى بعتاقتهم أجمعين ولا مال له غيرهم وعليه من الدين ما لا يحيط برقابهم أقرع بينهم أيهم يباع للدين ثم أخرج

ثلث ما بقي بعد ما بيع للدين فإذا عرف مبلغ الثلث أقرع بين العبيد الباقين أجمعين أيهم يعتق في الثلث، فإن اقتسموا أثلاثا فبسبيل ذلك، وإن لم ينقسموا أثلاثا أقرع بينهم الأول فالأول حتى يستكمل إخراج الثلث في قيمة من يخرج سهمه للعتاقة. وإن كانوا مدبرين في كلمة واحدة وعليه من الدين ما لا يحيط بجميعهم بيع من كل واحد منهم بقدر ما يصير على قيمته من الدين، ويعتق منه ثلث ما بقي، وإنما يقسم الدين على قيمتهم على ما فسرت لك في الذين يعتقون في الصحة وعلى المعتق من الدين ما لا يحيط بجميعهم ولا يسهم بينهم للبيع في الدين ولا بعد إخراج الدين للعتاقة، ولكن يباع من كل واحد ما ينوبه ويعتق منه ثلث ما بقي بعدما بيع منه للدين يتحاصون في الثلث، ولا يقرع بينهم فيه. قال: وإن كان دبر بعضهم قبل بعض بيع للدين الآخر فالآخر، فإذا قضي جميع الدين عتق في الثلث الأول فالأول ولا يحاص بينهم ولا يسهم بينهم، ولكن يبدون في العتاقة على قدر ما بدأ بهم السيد في التدبير، ويباع الآخر فالآخر للدين كما كان أخرهم السيد في التدبير. قال: والموصى لهم بالتدبير والمدبرون في الصحة في هذا الوجه سواء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة حسنة بينة على مذهبه في المدونة من أن القرعة إنما تكون في الوصية بالعتق إذا لم يحملهم الثلث، فيعتق منهم مبلغ الثلث بالقرعة، وكذلك إن كان عليه دين ولا مال له سواهم وقد أوصى بعتاقتهم أجمعين يسهم بينهم أيهم يباع في الدين ثم يسهم بينهم

أيهم يعتق في ثلث ما بقي بعدما بيع منهم في الدين، وكذلك المبتلون في المرض سواء على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في تكلمنا عن المسألة التي قبلها. وأما المدبرون في الصحة أو في المرض أو في الوصية بعد الموت فلا قرعة فيهم ولا فيمن يباع منهم في الدين إن كان على الميت دين ولم يكن له مال سواهم، وإنما يباع منهم في الدين بالحصص أيضا، وكذلك إذا أعتق عبيده في صحته وعليه دين لا يحيط بهم لا يقرع بينهم فيمن يباع منهم في الدين، وإنما يباع منهم بالحصص، ووجه العمل في ذلك أن يعرف ما يقع للدين من قيمتهم، فإن كان الثلث أو الربع أو التسع أو العشر بيع من كل واحد منهم ثلثه أو ربعه أو تسعه أو عشره قلت قيمته أو كثرت، وهو الذي قاله في هذه الرواية، وإن كان في كلامه التباس فهذا معناه، وذلك أنه قال: وتفسير ذلك أنهم إن كانوا ثلاثة عبيد قيمة أحدهم خمسمائة والآخر ثلاثمائة والثالث مائتان وكان الدين مائة دينار قسمت المائة دينار على الألف دينار التي هي قيمة العبيد، فما صار على المائة الدينار من المائة الدين نظرت كم ذلك من المائتين، فإن كان عشرا بعت عشر رقبة، وكذلك تصنع بالثاني والثالث إلى آخر قوله، وموضع الالتباس من قوله، قوله فيه قسمت المائة الدين على الألف التي هي قيمة العبيد، لأن قسمة القليل على الكثير إنما هي بأن يعرف ما يقع منها بالتسمية على ما ذكرناه. وقوله أيضا فما صار على المائة الدينار من المائة الدين إذ لا حاجة بنا أن نعرف ما يقع من الدين على كل مائة من قيمة العبيد، وإنما نحتاج أن نعرف ما يقع جملة الدين من جملة قيمة العبيد فيباع ذلك الجزء من كل واحد منهم على ما قلناه، ولابن نافع في المدنية أن المدبرين في المرض يقرع بينهم، كما يقرع بين الموصى بعتقهم وبين المبتلين، وبالله التوفيق.

: النصراني يعتق عبدا له ثم يريد بيعه

[: النصراني يعتق عبدا له ثم يريد بيعه] من كتاب أوله يشتري الدور والمزارع للتجارة قال يحيى: قال ابن القاسم في النصراني يعتق عبدا له ثم يريد بيعه: إنه لا ينبغي للإمام أن يمنعه من بيعه إن شاء، لأنهم يستحلون في دينهم مثل هذا، وإنما صولحوا على أن يقروا على دينهم. قلت: فإن أسلم العبد المعتق قبل أن يرجع السيد في عتقه؟ قال: إن كان يوم أعتقه برئ منه وخلى سبيله فصارت حاله حال الأحرار فلما أسلم وهو بتلك الحال أراد النصراني سيده الرجوع فيه فليس ذلك له، وإن كان لم يزل في يديه من يوم أعتقه يستخدمه بحاله التي كان عليها عبدا حتى أسلم العبد وهو في يدي الذي أعتقه وفي خدمته فإن له أن يرجع في عتقه فيسترقه إن شاء ولا ينتفع السيد بإسلامه لأنه يقول إنما قولنا لعبيدنا أنتم أحرار لا نعدل شيئا ولا يلزمنا به في ديننا عتق أحدهم، ولم يزل هذا العبد في يدي وخدمتي بعد أن قلت هو حر حتى أسلم، فليس إسلامه بالذي يوجب له عتقا لم أكن أجزته له ولا رضيت بإتمامه له، ومثل ذلك عندي ومما يبينه أن النصراني لو طلق امرأته البتة ثم أراد حبسها لم يمنع منها، فإن حبسها بعد الطلاق البتة ثم أسلمت فأرادت أن يلزمه ذلك الطلاق لم يكن ذلك لها، لأنه أمر قد قطعه عن نفسه في دينه بما يجوز له إذا حبسها بعد ذلك، فإسلامه لا يوجب لها طلاقا قد قطعه عن نفسه في دينه، وحبسها بعده، فهو إذا أسلمت إن أسلم في عدتها كان أحق بها ولا يعد الطلاق الذي كان أولا شيئا، قال: ولكن إن كان يوم طلقها البتة خلى سبيلها حتى انقطعت منه وبانت

عن حالها تحته ثم أسلمت فأراد ارتجاعها لم يمكن من ذلك لما قد تبين من تخلية سبيلها وبراءته منها ثم أراد أن يعتقها بالارتجاع بعد إسلامها فليس ذلك له. قال: والعبد المعتق إن كان خلى سبيله يوم أعتقه فلما أسلم المعتق أراد المعتق ارتجاعه فليس ذلك له. قلت: فالمدبر يدبره النصراني وهو على دينه ثم يسلم العبد المدبر فيريد سيده نقض التدبير والرجوع فيه؟ قال: ليس ذلك له إلا أن يرجع في تدبيره وهو نصراني مثله لم يسلم، فأما بعد أن أسلم المدبر فلا سبيل له إلى الرجوع فيه وإلى استخدامه ولكنه مخارج عليه. قلت: فما فرق بين المدبر يسلم بعد التدبير فلا يكون للسيد أن يرجع فيه، والمعتق يسلم بعد العتاقة فيكون للسيد أن يبطل عتقه ويرتجعه؟ قال: لأن المعتق لما لم يزل في خدمته وعمله وبحاله التي كان عليها عبدا قلنا لن يبرأ المعتق منه فيلزمه ببراءته منه عتاقة العبد، وإنما صار حابسا له ومستخدما فكان قوله هو حر ليس بقول لأنه يلزمه في دينه، فإسلام العبد الآن لا يزيده في خدمته ولا يوجب له عتاقة لم تظهر له من سيده ببراءة منه ولا تخلية سبيل، قال: والمدبر إن كان حابسا له لم يخرجه من خدمته، فإن المدبر يعذر بأن يقول إنما جعل لي شيئا بعد موته فكيف كنت أجد سبيلا إلى أن أبين بنفسي أو أنقطع عنه بخدمتي فإذا جعل لي ... قبل أن يموت أراد نقضه لإسلامي،

ولم يكن وجب لي عتق معجل ففرطت في استحقاقه ولا بين الرجوع منه في تدبيري قبل إسلامي فما يسقط حقي عني في حكم الإسلام؟ وأنا من أهله فبماذا يقدر مع ما مضى في ذلك من قول مالك وهو أحق من اتبع. قلت: فمكاتبة النصراني أيجوز له الرجوع فيما عقد من كتابته؟ قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن للنصراني أن يرجع في عتق عبده النصراني ما دام على النصرانية، لا يمنع من ذلك، وإن كان لما أعتقه قد كان خلى سبيله وخرج عن خدمته مثل قول ابن القاسم في كتاب المكاتب من المدونة خلاف دليل قول مالك في كتاب ... وذلك له إذا لم يخرجه من يده يدل على أن له أن يرجع في عتقه بعد إسلامه إن كان لم يخرجه من يده، خلاف ما في كتاب المكاتب من المدونة. فتحصيل المسألة أنه إذا أعتقه وخلى سبيله فخرج من خدمته، فلما أسلم أراد أن يرجع قي عتقه لم يكن ذلك له باتفاق، وإن كان أعتقه ثم أراد أن يرجع في عتقه وهو على دينه قبل أن يخرجه عن يده كان ذلك له ولم يمنع منه باتفاق، وإن خلى سبيله وأخرجه عن خدمته ثم أراد أن يرجع في ذلك قبل إسلامه كان ذلك له على ظاهر هذه الرواية، ولم يكن ذلك له على ما في كتاب الجنايات من المدونة من دليل قول مالك، وإن كان أعتقه ثم أراد أن يرجع في عتقه بعد أن أسلم ولم يكن خرج عن خدمته كان ذلك له على ما في هذه الرواية ولم يكن ذلك له على ما في كتاب المكاتب من المدونة والتدبير، بخلاف ذلك له أن يرجع فيه قبل إسلامه لا يمنع من ذلك، وليس له أن يرجع

مسألة: يحلف أن كل عبد يبتاعه إلى سنة فهو حر

فيه بعد إسلامه قولا واحدا، وقد بين ابن القاسم الوجه في ذلك بما لا مزيد عليه. والكتابة في ذلك كالتدبير سواء على ما قاله في المدونة، ولم يقع لها في هذه الرواية جواب، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف أن كل عبد يبتاعه إلى سنة فهو حر] مسألة وسألته: عن الرجل يحلف أن كل عبد يبتاعه إلى سنة فهو حر فيشتري كتابة مكاتب قبل انقضاء السنة التي حلف إليها. قال: ينتظر بالمكاتب، فإن أدى لم يكن عليه حنث، وإن رق عتق عليه ولزمه الحنث فيه. قلت: أرأيت إن عجز المكاتب بعد انقضاء السنة، قال: يعتق عليه ولزمه الحنث فيه. قلت: أرأيت إن عجز المكاتب بعد انقضاء السنة؟ قال: يعتق عليه أيضا، لأنه عقد اشتراءه في السنة التي حلف بحرية ما يشتري فيها. قال محمد بن رشد: سحنون يقول: إنه لا حنث عليه إن لم يعجز حتى انقضت السنة، وقول ابن القاسم أظهر لأنه إنما ملكه بعد السنة بما عقد فيه قبل السنة، فذلك عنده بمنزلة من تزوج في العدة ودخل بعد العدة، وفي ذلك اختلاف قد مضى تحصيله في موضعه، ولا اختلاف في أنه يعتق عليه إذا عجز في السنة، وبالله التوفيق. [مسألة: السفيه يعتق أم ولده أيتبعها مالها] مسألة وسئل: عن السفيه يعتق أم ولده أيتبعها مالها؟ فقال: لا أرى ذلك لها، لأن عتقها لم يمض على تجويز

مسألة: السفيه يمثل بعبده أيعتق عليه

العتاقة، وإنما أمضاه مالك لأنه رأى العتق قد كان سبق إليها بالولادة، فلما أعتقها كان إنما ترك ما كان له من الاستمتاع بها، فلذلك رأيت لا يتبعها مالها، لأني رأيت إن أتبعها مالها كنت قد جوزت للسفيه القضاء في ماله، قال ابن وهب: مثل ذلك، وقال سحنون مثله تافها كان أو غير تافه لأنه لا يتبعها مالها. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما مضى من قول مالك في رسم العتق من سماع أشهب، وقد مضى هنالك القول على ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: السفيه يمثل بعبده أيعتق عليه] مسألة قال يحيى: قلت لابن القاسم: فالسفيه يمثل بعبده أيعتق عليه؟ قال: لا، ووجه ما يأخذ به أن أنظر إلى كل من إذا ابتدأ عتاقه جاز عتقه فإنه إذا مثل أعتق عليه، وكل من إذا ابتدأ عتاقه لم يجز عتقه، فإنه إذا مثل بعبده لم يعتق عليه، وسئل ابن وهب عن السفيه يمثل بعبده، فقال: أرى أن يعتق عليه، قيل له: أفيتبع العبد ماله؟ قال: لا، قيل له: فالمرأة تمثل بخادم لها لا تملك غيرها فيرد الزوج عتقها؟ قال: لا يكون للزوج هاهنا رد، وإنما وقع العتق عليها بحكم قد مضت سنته فهي بالمثلة عليها حرة رضي الزوج أو كره، قال سحنون في مثلة المرأة ذات الزوج بعبدها أو بخادمها وقيمتها أكثر من ثلث مالها: لا أرى أن يعتق عليها وذلك مثل عتقها، وكذلك قال لنا ابن القاسم. قيل لسحنون: فالعبد يمثل بعبده؟ قال: لا يعتق عليه، وهو قول ابن القاسم والذي يمثل بعبده فلا يعتق عليه حتى يموت فلا يعتقون عليه بعد الموت.

قال يحيى: قلت لابن القاسم: فالمريض يمثل بعبده في مرضه؟ قال: يعتق عليه في ثلثه فإن صح فمن رأس ماله، قيل له: فالمديان الذي لا مال له إلا العبد وليس فيه وفاء لما عليه يمثل به؟ قال: لا يعتق عليه، ولو جاز مثل هذا لمثل المفلس بجميع عبيده فأعدم الناس أموالهم واستفاد بذلك موالي يعتقد ولاءهم. قال محمد بن رشد: اختلف في السفيه والعبد والمديان والمرأة ذات الزوج يمثلون بعبيدهم، فقيل: إنه لا يعتق على واحد منهم عبده بالمثلة إلا أن يجيز ذلك للمديان غرماؤه وللمرأة ذات الزوج زوجها، وهو مذهب ابن القاسم في هذه الرواية على ما أصله فيها من أنه لا يعتق بالمثلة إلا على من يجوز له عتق عبيده، ونص قوله في الواضحة على ما حكاه ابن حبيب عنه وهو أيضا مذهب سحنون في هذه الرواية، لأنه إذا قال ذلك في المرأة ذات الزوج فأحرى أن يقوله فيمن سواه منهم لأن أبعدهم من أن يعتق عليه بالمثلة المديان الذي لا وفاء عنده بدينه إلا العبد الذي مثل به للعلة التي ذكرها في الرواية من أنه يتهم في أن يمثل به ليعتق عليه فيكون له ولاؤه ولا يأخذه الغريم، ويليه العبد لقوة تحجير سيده عليه، وإذ قد قيل إنه لا يملك وإن ماله لسيده، ويليه السفيه للإجماع في أنه يحجر عليه في جميع ماله لقول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ} [النساء: 5] وتليه المرأة ذات الزوج لأن الزوج إنما يحجر عليها في ثلث مالها، وقد قيل إنه لا تحجير له عليها في شيء منه، فمن قال إنه لا يعتق على المرأة ذات الزوج عبدها بالمثلة إذا لم يحملها ثلثها أو لم يكن لها مال سواه فأحرى أن يقول ذلك فيمن سواها من المذكورين، وهو مذهب سحنون على ما ذكرناه، ومن يقول إنه يعتق على المديان عبده بالمثلة وإن كان الدين مستغرقا له فأحرى أن يقول ذلك فيمن سواه من المذكورين وهو قول أشهب، ومن يقول ذلك في السفيه وهو

قول ابن وهب في هذه الرواية فأحرى أن يقوله في المرأة ذات الزوج وقد لا يقوله في العبد ولا في المديان، ومن يقول ذلك في العبد فأحرى أن يقوله في السفيه وفي المرأة ذات الزوج وقد لا يقوله في المديان. فيتخرج على هذا في جملتهم خمسة أقوال: أحدها: أنه يعتق على كل واحد منهم عبده بالمثلة. والثاني: أنه لا يعتق على واحد منهم بها. والثالث: أنه لا يعتق على واحد منهم بها عبده إلا على المرأة ذات الزوج. والرابع: أنه يعتق بها على المرأة والسفيه ولا يعتق بها على العبد ولا على المديان. والخامس: أنه يعتق بها عليهم كلهم إلا على المديان، وإذا أعتق على العبد بها عبده على القول بأنه يعتق عليه فولاؤه لسيده لا له، قاله ابن حبيب في الواضحة. واختلف فيمن أعتق منهم عليه عبده بالمثلة على القول بأنه يعتق بها عليه، هل يتبعه ماله أم لا؟ فروي عن ابن القاسم في السفيه أنه يعتق عليه عبده بالمثلة ولا يتبعه ماله وهو قول ابن وهب في هذه الرواية، وروى ابن المواز عنه أن ماله يتبعه، قال: وأظنه قول أشهب لأنه روى عن مالك في السفيه يعتق أم ولده أنها تكون حرة ويتبعها مالها خلاف قول ابن القاسم. وأما إذا أعتق على المالك لأمر نفسه عبده بالمثلة فإنه يتبعه ماله ولا اختلاف أحفظه في ذلك، ويكون له ولاؤه، وقد قيل: إنه لا يكون له ولاؤه، ويكون لجماعة المسلمين، وولاؤه على ظاهر ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «من حرق عبده بالنار أو مثل به مثلة فهو حر وهو مولى الله عز وجل ورسوله» ، قال الليث: وهذا أمر معمول به، فظاهر قوله أن الولاء لا يكون له، قال ابن المواز: والقياس في السفيه أن لا يعتق عليه بالمثلة، ومن قال إنه يعتق عليه بها لم أعب قوله، والذي أقوله به أن القياس أن يعتق على كل واحد منهم عبده بالمثلة حاشا المديان، لأنها جناية توجب العتق بالسنة، وذلك من حق العبد، فوجب أن يحكم له بحقه على كل واحد منهم كما لو جنى على

مسألة: النصراني يمثل بعبده والعبد مسلم أو نصراني

غيره، ألا ترى أن المرأة ذات الزوج والسفيه لو قتلا عبدا لأحد لكانت قيمته في أموالهما، ولو قتل العبد عبدا لأحد لكانت جنايته في رقبته وماله، فعبده إذا مثل به أحرى أن يعتق عليه، ولا يلزم هذا في المديان، لأنه لو جنى على أحد بقتل عبده لم يكن المجني عليه أحق بجنايته من الغرماء، والقياس إذا لم يتهم في تمثيله به لجر ولائه أن يحاص الغرماء بقيمته، فيعتق منه بقدر ذلك. وقوله في الرواية في الذي يمثل بعبده فلا يعتق عليه حتى يموت: لا يعتق عليه بعد الموت - بين صحيح، لأن عتقه عليه بالمثلة عقوبة له، فلو أعتق عليه بعد الموت لكانت الورثة هم المعاقبون بفعله، وأما المريض إذا مثل بعبده فيعتق عليه في ثلثه إن مات من مرضه، لأن الثلث له حيا وميتا، وإن صح فمن رأس ماله كما قال، ولا اختلاف في هذا أحفظه، وبالله التوفيق. [مسألة: النصراني يمثل بعبده والعبد مسلم أو نصراني] مسألة قيل لسحنون: ما تقول في النصراني يمثل بعبده والعبد مسلم أو نصراني؟ فقال: كان أشهب يقول يعتق عليه ما مثل من رقيقه كفارا كانوا أو مسلمين، وكان ابن القاسم يأبى ذلك ويقول لا يعتق على النصراني ما مثل من عبيده النصارى، لأن النصراني لو أعتقه ثم باعه لم أعرض له، قال أصبغ: قال ابن القاسم: ولو مثل النصراني بعبده بعد أن أسلم لعتق عليه. قال محمد بن رشد: واتفقا جميعا ابن القاسم وأشهب في الحربي المعاهد ينزل بأمان فيمثل بعبده أنه لا يعتق عليه، وهو قول مالك في رسم العتق من سماع أشهب، ويأتي على ما حكى ابن حبيب عن أصحاب مالك أنه يعتق بالمثلة على كل واحد منهما، وقول ابن القاسم أنه لا يعتق على واحد منهما هو الأظهر، لأن العتق بالمثلة إنما هي عقوبة لحرمة المسلم، فوجب أن لا يعتق عليه بالمثلة إلا أن يمثل به بعد إسلامه سواء كان ذميا أو معاهدا كما قال ابن القاسم.

مسألة: الذي يمثل بامرأته

ولو مثل المسلم بعبده النصراني لعتق عليه لأنه حكم بين مسلم ونصراني، فيحكم فيه بحكم الإسلام، ووجه قول أشهب أنه حمل الحديث بالعتق على من مثل بعبده على العموم في المسلمين والكفار من أهل الذمة، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يمثل بامرأته] مسألة قال سحنون: كان مالك يقول في الذي يمثل بامرأته: إنها تطلق عليه، بمنزلة بيعه لها، لأنه ليس بمأمون على غيرها. قال محمد بن رشد: قول مالك في الذي يمثل بامرأته إنها تطلق عليه يريد طلقة بائنة، كذلك روى زياد بن جعفر عنه في المدنية، وقال ابن القاسم فيها: ما سمعت بهذا قط، وأرى أن لا يفرق بينهما ويكون بينهما القصاص والقود، إلا أن يرى السلطان للتفرقة بينهما وجها، قال عيسى مثل أن يخافه عليها، والذي أقول به في هذا أنه ليس باختلاف من القول، وإنما معناه أنه لا يفرق بينهما بالمثلة إلا أن تطلب هي الفرقة وتدعي أنها تخافه على نفسها فيفرق بينهما بطلقة بائنة. وأما بيعه لها فقول مالك إنما تطلق عليه يريد أيضا بطلقة واحدة بائنة على ما في سماع عيسى من كتاب الحدود وفي كتاب الاستبراء من كتاب أسن، على ما وقع في سماع عبد المالك من كتاب طلاق السنة، وهو قول ابن نافع فيه: إنها طلقة بائنة، وقد روى محمد بن عبد الحكم عن مالك أنها تطلق عليه بالبتة. قال محمد: وأنا أقول: لا يقع عليه طلاق، ويؤدب على فعله، وترد إليه زوجته، وهو قول ابن وهب في سماع عبد الملك من كتاب طلاق السنة ومثله ما في أول سماع ابن القاسم منه في الذي يزوج امرأته، إذ لا فرق في المعنى بين أن يزوجها أو يبيعها، وفي المجموعة أنها تحرم عليه بالبتات إذا زوجها بنى بها الزوج أو لم يبن بها، فهي ثلاثة أقوال أظهرها أنها طلقة واحدة بائنة، وبالله التوفيق.

: أوصى لأمة له وهو مريض

[: أوصى لأمة له وهو مريض] ومن كتاب المكاتب قال: وسألته: عن رجل أوصى لأمة له وهو مريض، فقال إن مت قبل سبعة أشهر أو نحو ذلك ففلانة حرة إلا أن تحدث حدثا من زنا يعرف، فمات قبل السبعة وولدت الجارية بعد موته قبل ستة أشهر فسئلت ممن هذا الولد؟ فقالت: من فاحشة، ثم ادعت بعد أنه من سيدها وأتت بشهيدي عدل يشهدان أنه كان مقرا بوطئها، قال يلحق به الولد وتلحق الأمة بالأحرار من رأس المال، ولا يضرها إقرارها الذي أقرت به أن ولدها من فاحشة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، وقد تكلم عليها ابن دحون بكلام صحيح، فقال: ولو لم ترجع عن إقرارها بالزنا للحق الولد بالسيد وحدت وكانت حرة لأن إقرارها بالزنا لا ينفي الولد عن والده وهو يشهد عليه بإقراره بالوطء، وإقرارها أيضا لا يوجب ملكها لأن إلحاق الولد بالأب يوجب أنها أم ولد، فهي حرة وإن حدت على إقرارها بالزنا، ولا تحد حتى تتمادى على الإقرار، ولا يجوز لها استرقاق نفسها، ولا معنى لقوله قبل ستة أشهر إذا أتت به لما يلحق به الأنساب وثبت إقراره بالوطء لحق به وإن ادعت أنه من زنا حدث ولم يضر ذلك الولد وهي حرة، والله الموفق. [مسألة: تحلف بالحرية لتفعلن كذا فتريد ترك ذلك] مسألة قال: وسألته: عن المرأة تحلف بالحرية لتفعلن كذا، فتريد ترك ذلك لتحنث نفسها، فينكر ذلك زوجها عليها ويرد يمينها. قال: حالها في الحنث الواقع عليها والذي تحنث به نفسها وابتداء عتاقتها سواء ما رد الزوج فهو مردود إذا جاوزت قيمة رقيقها ثلث مالها.

قلت: أرأيت ما يحنثها به الزوج مما لو شاء تركها فيه على بر؟ مثل أن تقول رقيقي أحرار إن وطئتني الليلة وأياما تذكرها، أو تقول رقيقي أحرار إن ضربت أمتي هذه الليلة أو نحو ذلك مما يخاف به تعدي زوجها عليها أو على رقيقها أو تكون هي المتعدية في يمينها مثل أن تقول إن وطئتني أبدا أو ضربتني أبدا وقد وجب عليها الأدب مرارا لما ارتكبت. قال محمد بن رشد: أما يمينها على نفسها بعتق رقيقها وهم أكثر من ثلث مالها ألا تفعل شيئا أو أن تفعله إلى أجل تسميه فلزوجها أن يرد يمينها قبل أن تحنث [أو بعد أن تحنث فإن رد يمينها قبل أن تحنث] ، اكْتَفَى بذلك ولم يكن عليه أن يرد فعلها بعد الحنث، وإن سكت على يمينها ولم ينكره كان له أن يرده إذا حنث ولم يضره سكوته على يمينها، قاله في الرسم الذي بعد هذا. وأما إذا حلفت عليه فحنثها هو فسكت في الرواية عن الجواب على ذلك، وقال ابن دحون فيها قياسها أنه إن حنثها كان له رد يمينها ورفع العتق عنها، وإن كان هو حنثها لأنه قد كان له أن يرد يمينها قبل أن يحنثها فلا يلزمها حنث بعد رده ليمينها، وليس قوله في ذلك بصحيح، والذي يوجبه النظر في ذلك أنه إن حنثها فيما له أن يحنثها فيه مما تكون متعدية عليه في اليمين به مثل أن تحلف بعتق رقيقها أن لا يطأها أو ألا يكلم فلانا أو ألا يضرب عبده في شيء استوجب الأدب عليه فله أن يحنثها ويرد يمينها بالعتق فلا يعتقون عليها،

مسألة: يحلف بعتق عبد له سماه فيكاتبه أو يدبره أو يوصي له

وأما إن حنث فيما ليس له أن يحنثها فيه مما لا تكون متعدية عليه في اليمين به مثل أن تحلف بحرية رقيقها أن لا يضرب أمتها أو ألا يضربها إذ لم تصنع شيئا استوجب عليه الضرب فتعدى وضربها أو ضرب أمتها فإنها تحنث ويلزمها العتق ولا يكون له أن يرده لأنه مختار لتحنيثها في غير شيء يجب له، وإلى هذا نحا ابن أبي زيد، فإنه قال في النوادر عقب هذه المسألة: لم يذكر لها جوابا، ويتبين لي في الوطء أن له رد العتق إن وطئها، وأما ضرب الأمة فلا رد له، فمعنى قوله في الوطء الذي يكون في الحلف عليه متعدية عليه، وأما لو حلف أن لا يطأها هذه الليلة لعذر لها في ذلك من مرض أو نحوه فحنثها ووطئها لم يكن له أن يرد العتق، ومعنى قوله في ضرب الأمة الضرب الذي يكون متعديا فيه على ما ذكرناه، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بعتق عبد له سماه فيكاتبه أو يدبره أو يوصي له] مسألة وسألته على الرجل يحلف بعتق عبد له سماه فيكاتبه أو يدبره أو يوصي له بعتقه إلى أجل. فقال: أما الوصية له بالعتاقة وتدبيره في الصحة والمرض فلا يوجب عليه حنثا، لأنه يرجع في الوصية إن شاء فيبطل ما جعل له فيها، والتدبير لا يعتق العبد فيه إلا بعد الموت والدين يلحقه أحيانا فيبطل تدبيره فلا أرى التدبير يوجب عليه حنثا، قال: وأما إن كاتبه فإنه ينتظر به أداؤه وعجزه فإن أدى ما عليه عتق بالكتابة وحنث سيده في سائر رقيقه، وإن عجز فرق فلا حنث عليه. قلت: ولم لا نراه حانثا إذا دبره إن سلم من البيع في دين يكون على سيده إذا وسعه ثلث ماله وكان مال سيده مأمونا حتى لا يشك أن الحرية وجبت له ساعة مات سيده، أما ترى حينئذ أن

مسألة: العبد الذي سماه أحدهما حر

الحنث وقع على سيده في الرقيق بموته لأنه قد كان عقد له عقدا في الصحة لا يستطيع الرجوع فيه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، ولا فرق في القياس والنظر بين الكتابة وبين التدبير والوصية إلا في كون حنثه في التدبير والوصية بعد الموت، فالقياس على قوله في الكتابة أن ينظر إذا مات في العبد الذي أوصى بعتقه أو دبره، وقد كان حلف ألا يعتقه فعتق عبدا له آخر فإن خرج من الثلث وقد بقيت منه بقية أعتقت فيما بقي منه العبد الذي حلف بعتقه أن لا يعتق هذا العبد الذي أوصى بعتقه أو دبره فيه، لأن حنثه فيه بعتقه إنما يحصل بعد الموت، فوجب أن يكون من الثلث، واعتراضه عليه بقوله. قلت: ولم لا تراه حانثا إذا دبره إن سلم من البيع إلى آخر قوله اعتراض صحيح لازم له، ولذلك سكت عن الجواب، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد الذي سماه أحدهما حر] مسألة قال: وسألته: عن الأخوين يرثان العبد فيشهد أحدهما أن أباه أعتقه في وصيته منهم عبد أو نصه باسمه ويشهد أخوه أن أباه أوصى بعتق عبد من عبيده نصه الأب فأنسيت اسمه، فما أدري أي عبد هو. قال: أما العبد الذي نصه أحد الأخوين فهو حر إن وسعه الثلث لأن أحدهما قطع له الشهادة وشكك الآخر فيه نفسه فلا ينبغي لواحد منهما أن يسترقه ولا شيئا منه. قلت: أفيحكم عليهما بذلك حكما لازما لهما؟ فقال: لا، ولكني آمرهما بذلك وأورعهما عن استرقاقه، لأن الشهادة لم تتم للعبد إذ لم يشهد له إلا واحد.

قلت: ثم يصنعان ببقية العبيد ماذا؟ فقال: يقتسمانهم فما صار للذي أبت فيها الشهادة حل له استرقاقهم، وما صار للشك في وصية أبيه أمرناه أن يحتاط على نفسه بالبراءة من جميعهم، ولا يسترق منهم أحدا، وذلك أنه لا يدري أيهم أعتق لأنه لو ثبتت الشهادة كان المشهود له عتيقا كله إن كان يسعه ثلث مال الموصي. قلت: فإن كانا عبدين كيف الأمر فيهما ولا مال للميت غيرهما؟ فقال: أرى لهما أن يعتقا من الذي بت أحد الأخوين له الشهادة مبلغ ثلث مال الميت، فإن كان ذلك قدر قيمة ثلثي العبد فذلك له. ويرق لهما ثلثه، سدس لكل واحد، ثم يقتسمان الباقي، فيطيب للقاطع الشهادة نصفه بما انقطع عنه من الشك في عمله، ويقال للشاك: احتط على نفسك، فإنا لا ندري لعل الوصية كانت إلى هذا؟ فانظر إلى مبلغ ثلث الميت من قيمة العبد فَابْرَأْ مما كان ينوبك من ذلك، فإن كان مبلغ الثلث قدر ثلثي العبد فقد كان يعتق منه ذلك ويرق ثلثه لو ثبت أن الوصية كانت له، فلا يبقى بيد الشاك إلا سدسه، وهو نصف ما كان يبقى بعد إنفاذ الوصية منه، فيعتق ثلثه ويرق للشاك سدسه، ويطيب للمستيقن نصفه، فعلى هذا الحساب يحمل ما أشبه هذا من أمور أهل الشك في الوصايا من الورثة احتياطا عليهم ونظرا لهم، ولا يلزمون ذلك حكما عليهم، ولكن يؤمرون به احتياطا لهم. قال محمد بن رشد: قوله في الأخوين اللذين شهد أحدهما على أبيه أنه أوصى بعتق عبد من عبيده سماه والثلث يحمله، وقال الآخر: لا أدري

هل هو هذا العبد أو غيره من عبيده لأني نسيته: إن العبد الذي سماه أحدهما حر لأن الواحد قطع له الشهادة، والآخر شك فيه، إلا أنه لا يحكم بذلك عليهما ويورعا عن استرقاقه لا يصح عندي على أصولهم، لأن أحدهما يقطع بوجوب حريته، والآخر يقول لا أدري هل هو هذا العبد أو غيره من العبيد، فالواجب أن يقال للشاك في أي عبد هو الذي أوصى أبوه بعتقه: أنت لا تشك في أن الحرية واجبة لأحدهم فإما أن تحتاط لنفسك فتعتق حظك من كل واحد منهم لاحتمال أن يكون هو الموصى له بالعتق، وإما أن يتقلد أن الوصية كانت لفلان منهم، وإما أعتقنا عليك حظك من كل واحد منهم إذ لا نمكنك من أن تملك حظك من جميعهم وأنت مقر لأحدهم بالحرية، فإن أعتق حظه من العبد الذي سماه أخوه حكم بحرية جميعهم، وكذلك إن أبى أن يعتق حظه من كل واحد منهم لحكم بحرية جميع العبد الذي سمى أخوه، لأنه إذا أعتق حظ أخيه منه بأحد الوجهين وجب عتق جميعه، لأنه مقر أن نصيبه حر بالوصية، وإما أن يتقلد الشاك أن الوصية كانت لغير الذي سمى أخوه فأعتق نصيبه منه، فلا يعتق على الذي سمى العبد نصيبه منه، للضرر الداخل في ذلك على أخيه وإنما يؤمر أن يجعل ثمنه في عتق أن يبيع العبد كله أو وجد لحظه منه ثمنا على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وعلى ما مضى في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى وفي غير ما موضع من هذا الكتاب إلا أن يملك العبد كله أو يملك شيئا زائدا منه إلى نصيبه فيه فيعتق عليه جميع ما ملك منه، فإذا أعتق العبد الذي سماه أحدهما بالوصية فقوله في بقية العبيد إنهما يقتسمانهم فما صار للذي أبت فيه الشهادة حل له استرقاقهم إلى آخر قوله في المسألة فهو صحيح بين وهذا الاعتراض الذي ذكرناه في هذه المسألة يدخل في المسألة الأخرى، إذا كانا عبدين ولم يكن للميت مال غيرهما، فتدبر ذلك تجده صحيحا، وقد ذكرها ابن المواز عن ابن القاسم على نحو ما وقعت هاهنا، فقال: إنه يعتق ثلثا العبد إن لم يدع غيرهما وقيمتهما سواء، ولا يعتق من الآخر شيء، ويقال للشاك: اجعل نصيبك

مسألة: ما أعتقت المرأة من عبيدها إذا فرقت العتاقة في أزمان شتى

من ثمن الآخر يريد إن بيع في رقبة يعتقها. قال محمد: وإنما أعتق ابن القاسم ثلثي المعتق حين لم ينكر الأخ قول أخيه فيه وأمر الشاك أن يجعل ما يأخذ من ثمن الآخر في رقبة لشكه، قال في كتاب آخر عن أشهب مثل ما ذكرها هنا إلا أنه قال يتقاومان الباقي، فإن صار للذي نص العبد الآخر لم يعتق عليه من هذا شيء، وإن صار للشاك لم يأمره أن يملك نصيبه، إذ قد يكون فيه العتق ويقضى بذلك عليه وثلثه رقيق ما لم يرجع قبل أن يقضي عليه فيقول ذكره أنه الذي قال أخي. وقول أشهب إنهما يتقاوماه معناه إن أراد ذلك، إذ لا يجبر على المقاومة من أباها من الشريكين. وأما قوله إنه يقضي عليه بعتق حظه من العبد إن صار له في المقاومة ما لم يرجع قبل أن يقضي عليه بذلك فهو خلاف مذهب ابن القاسم في أنه لا يقضي عليه بالعتق في الشك، وبالله التوفيق. [مسألة: ما أعتقت المرأة من عبيدها إذا فرقت العتاقة في أزمان شتى] مسألة قال: وسألته: عن امرأة ليس لها مال إلا ثلاثة أرؤس فأعتقت اليوم رأسا، ثم بعد زمان رأسا، ثم بعد ذلك أيضا الثالث، والقيم مختلفة. فقال: ينظر إلى قيمة الأول، فإن كان قدر ثلث جميع قيمتهم فأدنى فعتاقته جائزة، ثم انظر إلى ما بين عتاقته وعتاقة الثاني فإن كان زمانا قريبا يعرف بقربه أنها مضرة في عتقها الثاني فالعتاقة الثانية مردودة، وإن تباعد ما بين ذلك جدا حتى لا يتهم في الضرر نظرت إلى قيمة الثاني فإن كانت ثلث جميع قيمته وقيمة الثالث فأدنى، أجزت عتاقته أيضا، وأما الثالث فلا عتاقة له على حال من الأحوال، لأنها أعتقته ولا مال لها غيره.

يقول أول عبد أبتاعه فهو حر

قال: وإن كانت قيمة الأول أكثر من ثلث جميع قيم الثلاثة الأرؤس لم يجز عتقه، ثم إن كانت قيمة الثاني أكثر من ثلث جميع قيم الثلاثة لم يجر عتقه أيضا، وإن كانت قيمة الثاني بعد أن تبطل عتاقة الأول أقل من ثلث جميع قيم الثلاثة أو الثلث فقط جازت عتاقته، فعلى هذا النحو يكون ما أعتقت المرأة من عبيدها إذا فرقت العتاقة في أزمان شتى. قال محمد بن رشد: لم يجز في هذه الرواية القرب الذي يجوز فيه الأول إن كان الثلث فأقل، ويبطل الثاني من البعد الذي يعتق فيه الأول إن كان الثلث فأقل والثاني إن كان ثلث قيمته وقيمة الثلث، فأقل، والقرب في ذلك اليوم واليومان على ما قاله في رسم حمل صبيا من سماع عيسى إلى الشهر والشهرين على ما قاله ابن حبيب في الواضحة وحكاه عن أصبغ، لأن ذلك يحمل على التفسير لقول ابن القاسم، وقال ابن حبيب إذا لم يكن بين ذلك إلا اليوم واليومان ونحوهما فهو بمنزلة إذا كان في فور واحد يريد الأول وإن كان أقل من الثلث إذا كان مع الثاني أكثر من الثلث، وأما البعد فهو الستة أشهر فأكثر على ما حكاه ابن حبيب، وقد قيل: العام لأنه حد في غير ما مسألة، وقد قيل: إنها إذا تصدقت بثلث مالها فلا ينفذ لها عطية في باقيه قرب ذلك أو بعد، وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات، وبالله التوفيق. [يقول أول عبد أبتاعه فهو حر] ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حر قال يحيى: وسألت عبد الرحمن بن القاسم عن الرجل يقول أول عبد أبتاعه، فهو حر، فيبتاع رقيقا في صفقة واحدة، أيكون حانثا في جميعهم؟

فقال: نعم، وإنما مثل ذلك عندي الرجل يقول أول عبد أبتاعه فهو حر فيبتاع شقصا من عبد أنه يقوم عليه ما بقي من العبد فإذا ابتاع عبيدا في صفقة واحدة كان الحنث عليهم في جميعهم أوجب. قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب عن ابن الماجشون في الميراث أنهم يعتقون عليه جميعا، وإذا قاله في الميراث الذي لم يدخله على نفسه فأحرى أن يقوله في الشراء الذي أدخله على نفسه، وقد قيل إنه يعتق أحدهم بالسهم، وقيل يختار واحدا فيعتقه، والقولان لابن القاسم في أول سماع سحنون في الذي يقول من يشري بكذا فهو حر، فيأتيه ثلاثة من عبيده في مرة، إذ لا فرق بين المسألتين على ما نذكره هناك من أحد التأويلين إن شاء الله تعالى. وجه القول بأنهم يعتقون جميعا هو أنهم لما ملكهم معا ولم يتقدم أحدهم في الملك على صاحبه كان كل واحد منهم في حكم المتقدم إذ قد علم أنه ذلم يتقدم سواه منهم عليه، وهو في الشراء أيضا لما اشتراهم معا فقد قصد إلى عتق جميعهم. ووجه القول بأنه يختار واحدا منهم فيعتقه هو أنه لم يعتق إلا عبدا واحدا فلا يلزمه أكثر مما ألزمه نفسه ولما كان كل واحد منهم في حكم الأول وهو لم يعتق إلا واحدا كان له أن يختار من شاء منهم. وأما القول بالقرعة فوجهه أنه لما لم يكن لواحد منهم مزية في العتق على صاحبه كانت القرعة وجه العدل فيما بينهم، وله أن يقرع بينهم إن شاء على القول بأنه يختار واحدا منهم وليس له أن يختار على القول بأنه يقرع بينهم، وبالله التوفيق.

مسألة: اشترى عبدا فاستحق من يده

[مسألة: اشترى عبدا فاستحق من يده] مسألة قال: وسألته: عن الرجل يقول للرجل أعتق غلامك فلانا ولك مائة دينار فيأخذها ويعتق غلامه ذلك، ثم يأتي رجل يستحق ذلك الغلام عبدا، أو يستحق ذلك العبد بحرية بعد من أصله. قال: إذا استحق عبدا رجع صاحب المائة على المعتق بها فأغرمه إياها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو ما لا إشكال فيه، لأنه قد انكشف أنه أخذ مال الرجل باطلا إذا أعتق بأخذه إياه ما لا يجوز له عتقه، إما لأنه حر من أصله وإما لأنه ملك لغيره، وذلك كمن اشترى عبدا فاستحق من يده فله أن يرجع بالثمن على بائعه منه، وبالله التوفيق. [مسألة: تكون ابنته أمة فيريد سيدها بيعها] مسألة وسألته: عن الرجل تكون ابنته أمة فيريد سيدها بيعها فلما خاف أبوها تغربها عن بلده أتى رجلا، فقال له: اشتر ابنتي وأنا أعينك في ثمنها بمائة دينار، فيشتريها بالثمن الكثير ويستعين بالمائة أو عسى أن لا يشتريها إلا بتلك المائة أو نحوها أيجوز لمشتريها أخذ المائة من أب الأمة؟ وكيف إن أخذها بشرط أن يحبسها أو يتخذها أو بغير شرط؟ قال: أما إذا أعانه بالمائة على شرط الحبس أو الاتخاذ فإن فرجها يحرم عليه بذلك، ويلزمه رد المائة دينار، لأنه أعطاها إياه على ما لا يحل له، فإن أعطاها على غير شرط ولا عدة يفسد عليه مسيسها فلا بأس أن يأخذها منه، فإذا كان ذلك من الأب على وجه

مسألة: تحلف امرأته بالحرية لتفعلن شيئا

العون للمشتري والصلة له لما رأى من ضعفه عن اشترائها فهو له ولا يلزمه ردها. قلت له: فإن عجل بيعها، فقال الأب: إنما أعينك بالمائة لما رجوت من حبسك إياها قال ينظر في أمره: فإن كان يرى أنه إنما يعين مثله مثل المشتري لهذا الوجه فهو كالشرط يرد المائة على الأب ويجتنب المسيس حتى يردها، وإن كان مثل الأب إنما يعين مثل المشتري على وجه الصلة والمعروف حلت له أمته، وحل له حبس المائة وباع إذا شاء وحبس. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة تبين ما وقع في المدونة من قوله في الرجل يعطي الرجل المال يشتري به ابنه أو ابنته يعينه به فيفعل الرجل! إنه لا يعتق المشتري منها على واحد منهما، وهما رقيق للمشتري. وقوله في الرواية إذا عجل بيعها إنه ينظر فيما قال الأب من أنه إنما أعانه بالمائة لما رجاه من حبسها، فإن تبين إنما أعانه بالمائة لهذا الوجه كان ذلك كالشرط ولزمه رد المائة، وإن تبين أنه إنما أعانه بها على وجه الصلة له لا لهذا الوجه كانت المائة له، وفعل بالجارية ما شاء من بيع أو حبس، صحيح ولم يبين إذا لم يتبين الأمر في ذلك على ما هو محمول؟ والذي أراه في ذلك أنه إذا عجل بيعها من غير سبب لبيعه إياها فالأب يصدق فيما ادعاه من نيته مع يمينه على ذلك، ويسترجع مائته، والله الموفق. [مسألة: تحلف امرأته بالحرية لتفعلن شيئا] مسألة قال: وسألته: عن الرجل تحلف امرأته بالحرية لتفعلن شيئا أو لا تفعل شيئا تذكره فتخاف حنثها ويريد أن يرد يمينها لكي لا يعتق عليها رقيقها لما جاوزت يمينها من ثلث مالها، فقلت متى ترى أن

تشهد على رده عليها أحين تحلف أم حتى تحنث؟ قال: بل حتى تحنث، وذلك أن التي تقول كل شيء لها حر إن فعلت كذا وكذا فهي على بر ما لم تفعله، فما عليه إن سكت ما كانت على بر، والتي تقول إن أفعل كذا وكذا فكل شيء لها حر لعلها أن لا تحنث إلا بالموت ويكون حنثها كالوصية، فهذا لا يجوز له رد يمينها فيه إلا أن تكون قالت إن لم أفعل كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا فكل شيء لها حر، فهذه لعلها أن تفعل الذي حلفت عليه قبل محل الأجل فتبر، ففي كل ذلك لا أرى عليه في سكوته شيئا حتى يجب الحنث، فإذا وجب الحنث لزمه الإنكار وجاز له أن يفعل فيبطل بذلك عتاقة رقيقها إن كانت قيمتهم أكثر من ثلث مالها. قلت: أرأيت التي تقول إن لم أفعل كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا فرقيقي أحرار فعجل الزوج برد يمينها، وقال: اشهدوا أنها إن حنثت فلا حرية لرقيقها، ثم حنثت عند الأجل فسكت الزوج اكتفاء بالشهادة الأولى أيجزيه ذلك أم لا؟ قال: إذا رد عليها قبل أن تحنث ثم حنثت فلم يرد عليها فذلك يجزيه ولا شيء عليها، وذلك أن الرد الأول يرد عليها عتقها ولا أرى عليه أن يرد عليها مرة أخرى. قال محمد بن رشد: هذه المسألة أبين وأكمل من التي تقدمت في رسم المكاتب فهي تبينها، وقد مضى الكلام على ما فيها من الزيادة على هذه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: يعطي الرجل من قرابته نصف عبده في مرض المعطى على أن يعتقه

[مسألة: يعطي الرجل من قرابته نصف عبده في مرض المعطى على أن يعتقه] مسألة وسألته: عن الرجل يعطي الرجل من قرابته نصف عبده في مرض المعطَى على أن يعتقه. فقال: إن أعطاه إياه على أن يوصي بعتق نصفه فأوصى له بذلك ومات الموصي عتق ذلك النصف ولم يدخل في ثلث الميت ولم يلحقه دين الميت، وذلك أنه إنما أعطيه على العتق شرطا ويرق النصف الباقي لسيده المعطي. قال: وإن أعطاه إياه على أن يبتله في مرضه فقبل وبتله عتق ذلك النصف من غير ثلثه ولم يلحقه دين وعتق النصف الباقي عليه في ثلثه وقوم للسيد المعطَى فأُعطي قيمة النصف الباقي من ثلث الميت وعجل ذلك النصف الذي قوم في ثلث الميت، وإن كان عليه دين يحيط بماله لم يقوم عليه ذلك النصف، وعتق النصف الذي أعطَى. قال: وإن أعطيه في صحته على أن يعتق ذلك النصف فقبل وأعتقه جاز عتق ذلك النصف عليه، وقوم عليه النصف الباقي فعتق العبد كله، فإن لم يكن له مال أعتق منه النصف الذي أعطي ويبلغ ماله من النصف الباقي وإن لم يكن له شيء البتة لم يعتق من العبد إلا النصف الذي أعطَى. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إنه إذا أعطى نصف العبد في المرض على أن يعتقه بتلا في مرضه أو على أن يوصي له بالعتق لا يدخل ذلك النصف في ثلثه إذا لم يملكه قبل أن يعتقه، لأنه إنما ملك إياه بشرط العتق.

فإن أعطيه على أن يوصيَ له بالعتاقة فأوصى له بها أعتق إن مات من مرضه قارعا من رأس ماله، وإن صح من مرضه كان له ملكا ولم يصح له الرجوع فيما أوصى به من عتقه إذ لم يملك إياه إلا بشرط الوصية له بالعتق، فهو يعتق متى مات من رأس ماله، فله حكم الوصية في أنه لا يعتق إلا بعد موت الموصَى الذي أعطي إياه، وله حكم المعتق إلى أجل، لأنه يعتقه بموته من رأس ماله. فهذه المسألة من نوادر المسائل لأنه يعتق عليه ذلك النصف بعد موته من رأس ماله، وكذا لو وهب لرجل عبد على أن يوصى له بالعتق لكان هذا حكمه. وأما إذا أعطاه نصف عبده على أن يبتل عتقه في مرضه فذلك النصف الذي بتل في مرضه على الشرط حر على كل حال، لا يلحقه دين على ما قال، وقال إنه يقوم عليه النصف الذي للمعطي في ثلثه، وفي ذلك اختلاف قيل إنه لا يقوم عليه في ثلثه إلا بعد الموت، وهو المنصوص عليه في المدونة، وقيل إنه يعجل تقويمه عليه في مرضه ولا يبتل له العتق حتى يموت، فإن مات من مرضه ذلك جعلت تلك القيمة في ثلثه، وإن صح عتق من رأس ماله، وسواء كان له مال مأمون أو لم يكن، وقد قيل إنما يكون هذا إذا لم يكن له مال مأمون، وأما إن كان له مال مأمون فيعجل تقويمه في مرضه، وتنفذ الحرية له، فهذه التفرقة قول ثالث في المسألة وفيها قول رابع، وهو أنه لا يقوم عليه حظ شريكه عاش أو مات، قاله ابن الماجشون، وبالله التوفيق. تم الكتاب الثالث من العتق والحمد لله.

: كتاب العتق الرابع

[: كتاب العتق الرابع] [: يقول من يبشرني بغلام يولد لي فهو حر] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه كتاب العتق الرابع من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول من يبشرني بغلام يولد لي فهو حر فيأتيه ثلاثة من عبيده في مرة قال أحب ما فيه أن يقرع بينهم ويخرج واحدا حرا، ثم رجع فقال يختار واحدا بعينه، فإن مات ولم يختر اختاره الورثة وعتق من رأس المال، قال ابن القاسم: وكل ما كان قبل هذا فهو باطل. قال محمد بن رشد: قيل إنهم يعتقون كلهم قاله ابن القاسم في كتاب ابن المواز وهو قوله الذي تقدم له في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى في الذي يقول أول عبد أملكه فهو حر فيشتري رقيقا في صفقة واحدة إنهم يعتقون جميعا، إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى، وهذا إذا جعلت (من) بمعنى (الذي) ورفعت (يبشرني) ، فأما إن جعلت (من) للشرط وجزمت (يبشرني) فلا مخالف في أنهم يعتقون كلهم، لأن كل واحد قد بشره إذ جاءوا معا، و (من) في الشرط تقتضي العموم. وقوله على القول بأنه يختار أنه إن لم يختر حتى مات اختار الورثة وعتق من رأس المال هو على أحد أقواله في الذي يقول أحد عبيدي حر فلا يعلم بذلك إلا عند موته، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم باع شاة من سماع

مسألة: يختار واحدا من العبيد في العتق

عيسى، ولو أراد أن يقرع بينهم على القول بأنه يختار كان ذلك له، ولو أراد أن يختار على القول بأنه يسهم بينهم لم يكن له ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يختار واحدا من العبيد في العتق] مسألة قلت: فلو أن رجلا قال وهو مريض وسمى ثلاثة رجال غيب: أول من يقدم منهم فهو وصي فقدموا كلهم فقال ينبغي للسلطان أن يختار واحدا عدلا. قال محمد بن رشد: هذا على قياس قوله الذي رجع إليه في المسألة التي قبلها إنه يختار واحدا من العبيد في العتق. ويأتي على قياس القول بأنهم يعتقون كلهم أنهم يكونون أوصياء كلهم، ولا يبعد أن يقرع بينهم إذا استوت أحوالهم ولم يظهر أن بعضهم أولى بالإيصاء من بعض، على قياس القول بالقرعة بين العبيد في العتق، وبالله التوفيق. [مسألة: قول لغلامه إن جئتني بدينار كل شهر حتى أموت فأنت حر] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول لغلامه إن جئتني بدينار كل شهر حتى أموت فأنت حر، قال: أراه حرا في الثلث. قلت له: أفله أن يبيعه؟ قال: ما أحب ذلك، وإن رهقه دين؟ قال محمد بن رشد: قوله أراه حرا في الثلث معناه إن جاءه بالدينار كل شهر حتى يموت، لأنه إنما جعل له العتق بعد موته على هذا الشرط، واستحب أن لا يبيعه إلا أن يرهقه دين من ناحية الوفاء بالعهد إذ لم ير ذلك واجبا عليه كالتدبير من أجل الشرط الذي شهد عليه، وبالله التوفيق.

مسألة: يقول لجاريته إذا حملت فأنت حرة

[مسألة: يقول لجاريته إذا حملت فأنت حرة] مسألة وسئل ابن القاسم عن الذي يقول لجاريته إذا حملت فأنت حرة، قال: إن كانت حاملا فهي حرة، وإن لم يتبين أوقفت وحيل بينه وبينها وأوقف خراجها، فإن تبين حملها عتقت وكان كل ما أوقف من خراجها لها وإن حاضت ولم تكن حبلى فإن شاء أن يبيعها باعها. قال محمد بن رشد: أوجب ابن القاسم في هذه الرواية على القائل لجاريته إذا حملت فأنت حرة الحنث إن كانت حاملا يوم قال لها ذلك، والوجه في ذلك أنها حامل أبدا فيما تبقى من حملها، كالذي يحلف أن لا يسكن الدار وهو ساكن فيها أنه يحنث في التمادي في السكنى، فقال: إنها تعتق إن كانت يومئذ حاملا، ويوقف خراجها إن لم يتبين حملها، فإن تبين حملها أعتقت ودفع إليها ما وقف من خراجها، وإن حاضت فتبين أنه ليس لها حمل باعها إن شاء، فإن لم يبعها ووطئها وقف خراجها أيضا لاحتمال أن تكون قد حملت من هذا الوطء، فإن حاضت أخذ خراجها، وكذلك يفعل، يوقف خراجها كلما وطئها فإن حاضت أخذ كلما وقف من خراجها، وإن لم تحض وتبين بها حمل أعتقت ودفع إليها ما وقف من خراجها، وهو مذهبه في المدونة، وخلاف قول سحنون فيما حكى عنه ابن عبدوس من أن من قال لزوجته وهي حامل: إذا حملت فأنت طالق، إنها لا تطلق بهذا الحمل إلا بحمل يؤتنف، وقد مضى من قول ابن القاسم في رسم أسلم من سماع عيسى ما ظاهره مثل قول سحنون، والكلام عليه هنالك مستوفى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يقطع يد غلامه فيموت السيد ولم يحكم عليه فيه] مسألة قال ابن القاسم في الذي يقطع يد غلامه فيموت السيد ولم يحكم عليه فيه: إنه لا يعتق على ورثته، وإن رفع أمره إلى السلطان

مسألة: يكون للرجل وللعبد مال فيقول له السيد أنت حر ولي نصف مالك

قبل أن يموت السيد عتق عليه إلا أن يكون على السيد دين يحيط بماله. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يمثل بعبده فلا يعتق عليه حتى يموت السيد لا يعتق على ورثته، هو مثل ما تقدم في رسم يشتري الدور والمزارع، ولا اختلاف فيه على المشهور من أنه لا يكون حرا بنفس المثلة، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم الكبش من سماع يحيى. وأما إن رفع أمره إلى السلطان قبل أن يموت السيد فقوله إنه يعتق عليه إلا أن يكون على السيد دين يحيط بماله بين إن كان ذلك في مرضه إذ لا يعتق عليه في المرض بالمثلة إلا من ثلثه، وأما إن كان ذلك في صحته فالقياس أن يحاص الغرماء بقيمته إن كانت المثلة عليه قبل ديونهم فيعتق منه بقدر ذلك، لأن ذلك حق قد وجب له قبل ديونهم، وكذلك إن كانت المثلة عليه بعد ديونهم إذا لم يتهم على أنه إنما مثل به ليعتق عليه فيكون له ولاؤه ولا يأخذه الغرماء وقد مضى ما بين هذا في رسم الكبش من سماع يحيى، وبالله التوفيق. [مسألة: يكون للرجل وللعبد مال فيقول له السيد أنت حر ولي نصف مالك] مسألة وسألت أشهب: عن العبد يكون للرجل وللعبد مال فيقول له السيد أنت حر ولي نصف مالك، أو يقول له نصفك حر ولي نصف مالك، فإن العتق جائز وله ما اشترط من المال، لأنه كان يجوز أخذه، قيل لأشهب: فإن كان عبدا بين ابنين أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر، واشترط ماله فإن العتق جائز ويقوم عليه وليس له في المال شيء؛ لأنه لم يكن له أخذ شيء منه. قلت لأشهب: فإن أعتق مصيبته منه واشترط نصف ماله؟

مسألة: يقول لجاريته إن جئتني بمائة دينار إلى سنة فأنت حرة فتلد قبل السنة

قال: عتقه جائز وليس له من المال شيء. قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قاله، لأن العبد إذا كان جميعه له فله أن يستثني ماله أجمع أو ما شاء منه إذا أعتقه أو أعتق شقصا منه، لأن له أن ينزعه منه كله أو ما شاء منه دون أن يعتقه، فإن كان إنما أعتق منه بعضه فيعتق عليه جميعه ويكون له ما استثنى من ماله. وأما إذا كان العبد بينه وبين آخر فلا يجوز له إذا أعتق نصيبه منه أن يستثني ماله ولا شيئا منه موسرا كان يقوم عليه أو معسرا لا يقوم عليه لعسره، إذ ليس لأحد الشريكين أن يأخذ في العبد من ماله شيئا دون إذن شريكه، ويقوم عليه إن كان موسرا ويكون المال للعبد، وإن كان معدما بقي نصفه رقيقا، وأقر جميع مال العبد بيده. ولو أعتق أحد الشريكين في العبد حظه منه على أن يكون له ماله كله أو بقدر حصته منه بإذن شريكه لجاز ذلك موسرا كان أو معسرا، فإن كان موسرا قوم عليه وكان له ما استثنى من ماله أو جميعه إن كان استثنى جميعه وإن كان معسرا بقي نصفه رقيقا وأقر ما بقي من ماله إن كان المعتق لنصيبه لم يستثن جميعه، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لجاريته إن جئتني بمائة دينار إلى سنة فأنت حرة فتلد قبل السنة] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يقول لجاريته: إن جئتني بمائة دينار إلى سنة فأنت حرة فتلد قبل السنة وتأتي بالمائة، هل يعتق ولدها؟ قال: لا يعتق ولدها، وكذلك قال مالك، وليس له أن يبيعها حتى تنقضي السنة وتؤجل فلا تأتي بشيء، وكذلك إذا أعتقها في وصية وهي حامل بعد موته فولدت قبل موت السيد، قال مالك: لا

مسألة: المجوسي إذا أسلم ولده قبل أن يقسم ماله

يعتق ولدها ورواها يحيى من كتاب الصبرة وزاد فيها. قال محمد بن رشد: قوله: إن الولد لا يعتق بعتقها خلاف نص قوله في المدونة، فعلى هذه الرواية في أن ولدها لا يدخل معها لا يلزم ورثته ذلك بعد موته، وعلى ما في المدونة من أن ولدها يدخلون معها يلزم ورثته ذلك بعد موته، فقوله في هذه الرواية خلاف ما تقدم في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وخلاف ما يأتي في سماع عبد الملك من أن ذلك يلزمهم، وقد مضى في رسم الصبرة من سماع [يحيى] تحصيل القول في هذه المسألة والكلام عليها مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: المجوسي إذا أسلم ولده قبل أن يقسم ماله] مسألة قال: وسئل ابن القاسم: عن المجوسي إذا أسلم ولده قبل أن يقسم ماله أو النصراني فيموت فلا يقسم ماله حتى أسلم ولده أو بعضهم كيف يقتسمون؟ أقسم الإسلام أو الشرك؟ قال: قسم الشرك، وإنما ذلك في المجوس الذين ليسوا بأهل ذمة، فإن أسلم أولاد أولئك قبل أن يقتسموا الميراث قسم على قسم الشرك، ثم قال: ألا ترى إلى الحديث «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ؟ إنما ذلك في المجوس من أهل الذمة. قال محمد بن رشد: قوله: وإنما ذلك في المجوس - إشارة منه إلى الحديث الذي جاء «أيما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية، وأيما دار أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام» ، يقول: إنما الحديث في المجوس الذين لا ذمة لهم هم الذين تقسم مواريثهم إذا أدركها الإسلام قبل القسم على قسم الإسلام، وأما المجوس الذين لهم ذمة فتقسم

مسألة: وصية من أنفذت مقاتله

مواريثهم وإن أسلموا قبل قسمتها على دينهم كاليهود والنصارى من أهل الذمة، وذلك خلاف مذهبه في المدونة في أن الحديث إنما هو في المجوس كانت لهم ذمة أو لم تكن، تقسم مواريثهم إذا أدركها الإسلام قبل القسم على قسم الإسلام، وروى أشهب عن مالك وهو قول ابن نافع وغيره من كبار أهل المذهب أن الحديث على عمومه في المجوس وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، كانت لهم ذمة أو لم تكن، تقسم مواريث جميعهم إذا أدركها الإسلام قبل القسم على قسم الإسلام، قيل إذا أسلموا كلهم، وأما إن أسلم بعضهم فيقسم بينهم على قسم دينهم، وقد وقف مالك في رواية أشهب عنه إذا أسلم بعضهم فقال لا أدري، وقيل: سواء أسلموا كلهم أو بعضهم يقسم بينهم على قسم الإسلام، وهو قول عمر بن عبد العزيز في المدونة على ما جاء عنه من أن ناسا مسلمين ونصارى جاءوه من أهل الشام في ميراث بينهم فقسم بينهم على فرائض الإسلام. ولكلا القولين وجه، فوجه القول الأول: أن حق من لم يسلم منهم لا ينتقل بإسلام من أسلم منهم، ووجه القول الثاني: اتباع ظاهر قوله في الحديث أدركها الإسلام إذ لم يفرق فيه بين أن يسلموا كلهم أو بعضهم، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال، تتفرع إلى ستة على ما بيناه، وبالله التوفيق. [مسألة: وصية من أنفذت مقاتله] مسألة وسئل ابن القاسم: عن الذي يشق جوفه أو أمعاؤه أو يذبح فهو فيما هو فيه حتى يموت بعض ولده أتورثه؟ قال: نعم، إلا المذبوح فإنه لا يورث، وأما الذي يشق جوفه فعمر بن الخطاب في ذلك حجة. قلت: فإن قتله رجل في تلك الحال، أيقتل به؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: أما المذبوح فلا اختلاف في أنه لا يورث ممن

مسألة: أعتق ابن أمته من رجل عربي هل يثبت له ولاؤه

مات ولا يقتل من أجهز عليه، وأما الذي تنفذ مقاتله ففرق في هذه الرواية بين توريثه ممن مات والقصاص ممن قتله، وقد قيل إنه يقتل به من قتله وهو قول ابن القاسم في رواية أبي زيد عنه في كتاب الديات، والقياس أن لا يفرق بين القصاص والميراث فيورث ممن مات على قياس رواية أبي زيد، ولا يورث ممن مات على قياس قوله في هذه الرواية إنه لا يقتل به من قتله، وهو قول أشهب إنه لا يقتل به إلا الأول، فهي قولان وتفرقة، ويدخل هذا الاختلاف أيضا في البهيمة تنفذ مقاتلها وحياتها باقية هل تصح تذكيتها أم لا؟ والمنصوص أن التذكية فيها لا تصح وهو الأظهر، ولا اختلاف في إجازة وصية من أنفذت مقاتله لما ثبت من فعل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بحضرة جماعة الصحابة، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق ابن أمته من رجل عربي هل يثبت له ولاؤه] مسألة وسئل ابن كنانة: عن رجل أعتق ابن أمته من رجل عربي، هل يثبت له ولاؤه؟ فقال: لا، ولكن يصير إلى نسب أبيه وعشيرته، ولا يرثه الذي أعتقه، وقال سحنون مثله. قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن كنانة هذا أن من أعتق ابن أمته من رجل عربي لا يكون له ولاؤه ولا يرثه هو ولا أحد ممن يرث الولاء عنه من قرابته، ويكون ميراثه إن مات ولا وارث له يعرف قعدده من أبيه لجماعة المسلمين، وهو ظاهر ما وقع في كتاب العيوب من المدونة في الذي ابتاع أمة فإذا نسبها من العرب فأراد أن يردها من أجل أن العرب يجرون ولاءها، ولا يكون ولاؤها لولده، ولذلك قال يحيى بن عمر، واحتج بمسألة مالك في المدونة، وإلى هذا ذهب ابن أبي زيد أيضا، لأني رأيت له قد قال في قول ابن كنانة هذا في العربي خاصة، وقد قال بعض الأندلسيين فيما حكى عنه عبد الحق: جميع أصحاب مالك يجمعون أن الولاء لمن أعتق ما لم يكن المعتق من العرب فلا يكون لمن أعتقه ولاؤه إلا أشهب، فقال: ولاؤه لمن

: اجتمعوا أو اختلفوا على عتق واحد

أعتقه، وقول أشهب هو الصحيح الذي لا يصح القول بخلافه، لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الولاء لمن أعتق» ولم يفرق بين عجمي ولا عربي، ويحتمل أن يتأول قول ابن كنانة فيرد بالتأويل إلى قول أشهب، لأن الولاء لا يورث به إلا بعد انقطاع النسب فيكون معنى قوله إن الولاء لا يورث به في العربي إلا بعد انقطاع النسب فيكون معنى قوله إن الولاء لا يورث به في العربي إلا بعد انقطاع النسب، وكذلك مسألة المدونة هي محتملة مثل هذا التأويل، وبالله التوفيق. [: اجتمعوا أو اختلفوا على عتق واحد] من سماع محمد بن خالد من عبد الرحمن بن القاسم قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن الذي يقول عبدي حر إن فعلت كذا وكذا وله أعبد فيحنث فيما حلف فيه، فيقال له: من أردت من رقيقك؟ فيقول: ما أردت عبدا بعينه فيحلف على ذلك، ثم يقال له أعتق من شئت من رقيقك فيموت من قبل أن يفعل. قال ابن القاسم: أرى أن يكون لورثته مثل ما كان له، ويعتقون من أحبوا، هذا أحب القول إلي في ذلك. قال سحنون: بلغني عن مالك أنه قال: يعتق ثلثهم بالسهام إن كانوا ثلاثة، وإن كانوا أربعة عتق ربعهم على هذا الحساب، وأنا آخذ بقول ابن القاسم إذا اجتمعوا على عتق واحد، وإن اختلفوا أخذت بقول مالك.

مسألة: العبد إذا أعتق عبدا له بغير إذن سيده

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم باع شاة من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد إذا أعتق عبدا له بغير إذن سيده] مسألة قال: وسألت ابن القاسم على المولى عليه يحلف بيمين وهو مولى عليه فلا يحنث فيها وهي عتاقة حتى يبلغ حال الرضا فيحنث بها، أيلزمه اليمين؟ قال: لا، وهو قول مالك. قلت لابن القاسم: فالنصراني والصبي والعبد كذلك؟ قال: نعم إلا أن العبد أشدهم، وذلك أن العبد إذا أعتق عبدا له بغير إذن سيده فلم يعلم بعتقه حتى عتق هو، مضى عتق العبد عليه وكان ولاؤه له، قال ابن القاسم: والمولى عليه إن كان قد أعتق عبدا له بغير علم وليه فلم يعلم بذلك الولي حتى ولي المولى عليه ماله فإنه يرجع في عبده إن شاء. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم العتق من سماع أشهب فلا معنى لإعادته. [مسألة: المولى عليه يستلحق أخا له أيلزمه في ماله] مسألة قلت لابن القاسم: فالمولى عليه يستلحق أخا له، أيلزمه في ماله كما يلزم غيره؟ فقال: لا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن نسبه لا يلحق بأبيه باستلحاقه إياه، فإنما هو مقر له بمال، وإقراره لا يجوز، وبالله التوفيق.

مسألة: العبد يعتق وله جارية فيتبعه ماله والجارية حامل

[مسألة: العبد يعتق وله جارية فيتبعه ماله والجارية حامل] مسألة قال: وسألته: عن العبد يعتق وله جارية فيتبعه ماله والجارية حامل، فقال مالك: الولد للسيد. قلت لابن القاسم: فإن العبد بعد أن أعتق وتبعه ماله أعتق الجارية وهي حامل؟ فقال ابن القاسم: لا يتم عتقها حتى تضع ما في بطنها. قلت لابن القاسم: هل تباع عليه في الدين بعد أن أعتق إذا كان عتقه إياها في الحين الذي أعتق فيه جائز، فقال: لا، وإنما ذلك بمنزلة الرجل يعتق عبده إلى أجل ثم يقوم عليه الغرماء بعد ذلك، فلا يباع لهم في دينهم إذا كان يوم أعتقه جائز القضاء. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يعتق ولد أمة حامل إن الولد للسيد هو مثل ما في كتاب طلاق السنة من المدونة، وإنما قال ذلك؛ لأن ولد العبد من أمته بمنزلته، فوجب أن يكون ما في بطنها رقيقا لسيده وإن تبعته الجارية في الحرية؛ لأنها ماله، ولا تكون له بهذا الحمل أم ولد، كما لا تكون له أم ولد بما ولدته له في حال العبودية إلا أن يملك ذلك الحمل، فتكون به أم ولد على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك؛ لأنه عتق عليه بملكه إياه، ولا تكون له أم ولد على مذهب أشهب ورواية ابن عبد الحكم عن مالك؛ لأن الرق قد مسه في بطن أمه وأما ما ولدته في حال العبودية فلا تكون له به أم ولد باتفاق في المذهب خلافا لأهل العراق. واختلف قول مالك فيما ولدته أمة المدبر أو المكاتب في حال التدبير أو الكتابة، هل تكون به أم ولد أم لا؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: الفرق بين المدبر والمكاتب.

مسألة: يترك أولادا ولدوا في إسلامه وأولادا في نصرانيته

وأما قوله إن عتقها لا يتم إن أعتقها حتى تضع ما في بطنها فمثله في المدونة، والوجه في ذلك أنه لا يصح أن تكون حرة وما في بطنها رقيق للسيد، فوجب أن يوقف حتى تضع، وتكون أحكامها أحكام أمة حتى تضع كالمعتقة إلى أجل، واختلف إن أخلفها الحمل أو ماتت قبل أن تضع، فقيل: إن أحكامها أحكام حرة من يوم أعتقها العبد المعتق، وهو قول سحنون على القول بأنه لا يحكم للحمل حتى يوضع في غير ما وجه من اللعان والنفقة ووجوب الحرية للأمة يتوقف عنها سيدها وهي حامل إذ قد قيل إنه لا يلاعن على الحمل حتى يوضع، ولا يحكم بالنفقة للحامل المطلقة المبتوتة حتى يوضع الحمل، ولا تجب الخدمة للأمة يتوفى عنها سيدها وهى حامل حتى تضع لاحتمال أن ينفش الحمل في ذلك كله، والمشهور أنه يحكم للحمل بظهوره في هذا كله، فعلى هذا تكون أحكام هذه الأمة أحكام أمة على كل حال كالمعتقة إلى أجل وإن أخلفها الحمل أو مات قبل أن تضع. وقوله إنها لا تباع في الدين بعد أن أعتق إذا كان عتقه إياها في الحين الذي أعتق فيه جائزا يريد إذا لم يكن عليه دين يوم أعتق صحيح؛ لأنه إن كان عليه دين يوم أعتق فلا بد من أن تباع فيه، إذ لا يجوز عتق المديان إلا أنها لا تباع حتى تضع ما في بطنها فيأخذ السيد الولد على ما قاله في المعتق إلى أجل، سواء أنه إن كان يوم أعتقه جائز القضاء، يريد لا دين عليه لم يعتق، وإن كان عليه دين يوم أعتق بيع، وبالله التوفيق. [مسألة: يترك أولادا ولدوا في إسلامه وأولادا في نصرانيته] مسألة قال محمد بن خالد: قال ابن القاسم في الرجل يتوفى ويترك أولادا ولدوا في إسلامه وأولادا صغارا ولدوا في نصرانيته: إن ماله يوقف حين يبلغ ولده النصارى، فإن أسلموا ورثوا، وإن لم يسلموا كان الميراث للمسلمين من وُلده.

قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية خلاف نص قوله في النكاح الثالث من المدونة، أن النصراني إذا أسلم وله ولد صغار بنو خمس سنين أو ست أو نحو ذلك مما لم يعقلوا دينهم النصرانية فهم مسلمون ولهم الميراث. قال سحنون: وكذلك يقول أكثر الرواة إنهم مسلمون بإسلام أبيهم، وقد حكى ابن حبيب عن ابن القاسم أن من أبى الإسلام من الصغار يوم أسلم أبوهم يجبرون على الإسلام بالضرب والسجن، ولا يبلغ بهم القتل بعد البلوغ، وهو مثل ظاهر قوله في هذه الرواية، ومثل ما حكى في المدونة من أنه كتب إلى مالك من بلد آخر وهو قاعد عنده في رجل أسلم وله ولد صغار فأقرهم أبوهم حتى بلغوا اثني عشر سنة أو شبه ذلك فأبوا أن يسلموا، أترى أن يجبروا على الإسلام، فكتب إليهم مالك أن لا يجبرهم، والمشهور عن مالك المنصوص عليه في المدونة وغيرها أنهم مسلمون بإسلام أبيهم إذا كانوا صغارا لم يعقلوا دينهم يوم أسلم، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون، وقالا: إنه قول مالك وجميع أصحابه بالمدينة، وهو أصح القولين، يشهد بصحته ظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه» ولنا في التكلم على هذا الحديث مسألة مستغرقة لجميع معانيها في الوقوف عليها بيان صحة الاستدلال به على صحة هذا القول. والأم في هذا بخلاف الأب، وقد حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون أنهما قالا له وقد روى وجاءت به الآثار: أن إسلام الأم إسلام للولد الصغار. فيتحمل في المسألة ثلاثة أقوال، أحدها: أن الولد الصغار مسلمون بإسلام من أسلم من الأبوين، والثاني: أنهم لا يكونون مسلمين بإسلام من أسلم منهما،

والثالث: أنهم يكونون مسلمين بإسلام الأب منهما دون الأم، ويحتمل أن يريد ابن القاسم بالولد الصغار في هذه الرواية الذين لم يبلغوا الحلم وقد عقلوا دينهم، فيكون قوله فيها على هذا التأويل مثل قوله وروايته عن مالك في المدونة في الذي أسلم وله بنون حزاورة، أن المال يوقف إلى أن يبلغوا الحلم، فإن أسلموا ورثوه، وإن لم يسلموا لم يكن لهم فيه حق، ولا اختلاف بينهم إذا كانوا حزاورة قد عقلوا دينهم يوم أسلم أبوهم لا يكون إسلامهم في إسلامه، وإذا لم يكن إسلامهم في إسلامه فالصحيح ما ذهب إليه ابن الماجشون وحكاه عن مالك مطرف وابن الماجشون وجماعة أصحابهم بالمدينة، من أنه لا ميراث لهم، وإن قالوا نحن على الإسلام، لأنهم كمن دخل الإسلام بعد موت أبيه، واختلف إذا أسلموا قبل البلوغ وهم حزاورة قبل أبيهم أو دونه هل يعد إسلامهم قبل البلوغ إسلاما يقتلوا عليه إن رجعوا عنه بعد البلوغ وثبت لهم به جميع أحكام الإسلام أم لا؟ فذهب سحنون إلى أنه لا يعد إسلامهم قبل البلوغ إسلاما يقتلون عليه ولا يتوارثون به ولا توطأ به الأمة المجوسية، وهو ظاهر ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة، لأنه قال فيه إنهم يجبرون على الإسلام، ولم يقل إنهم يقتلون عليه، وفي كتاب النكاح الثالث منها دليل على أنهم يقتلون إن رجعوا عن الإسلام بعد البلوغ إلا أنه قال في المسألة إنه لا يفرق بينه وبين امرأته المجوسية بهذا الإسلام، إلا أن يثبت عليه حتى يبلغ، فهو يضعف الدليل على قتله إن رجع بعد البلوغ، ومن قوله في المدونة أنه يطأ به الأمة المجوسية، فهو اضطراب من قوله فيها، والأصح أنه إسلام يحكم له بحكمه في جميع الأشياء ويقتل عليه إن رجع عنه بعد البلوغ بدليل إجماعهم على أنه يصلي عليه بهذا الإسلام ويباع به العبد على سيده. قال سحنون وتقع به الفرقة بين الزوجين إذا كانت هي التي أسلمت، كما يباع به العبد على سيده، بخلاف إذا كان هو الذي أسلم وزوجته مجوسية، واعترض ابن عبدوس ذلك من قوله، فقال: كيف تقع الفرقة بإسلامها

: قال لغلامه متى ما جئتني بمائة دينار فأنت حر فأراد بيعه

ولا تقع بإسلامه في صغرهما، وكذلك قال أبو إسحاق التونسي: ليس بينهما فرق، وما الفرق بينهما إلا بين، وهذا أن للإسلام حرمة وإن كان قبل البلوغ فعليه إذا أسلمت ضرر في البقاء في عصمته كافر ولا ضرر عليه هو إذا أسلم في البقاء على عصمة كافرة، وكذلك يقول سحنون: إن الارتداد قبل البلوغ لا يعتبر به يرث ويورث بوراثة الإسلام، كما لا يعتبر إسلامه عنده قبل البلوغ ويورث بوراثة الكفر وبالله التوفيق. [: قال لغلامه متى ما جئتني بمائة دينار فأنت حر فأراد بيعه] من سماع عبد الملك وسؤاله ابن القاسم قال عبد الملك بن الحسن: وسئل ابن القاسم وأنا أسمع عن رجل قال لغلامه: متى ما جئتني بمائة دينار فأنت حر، فأراد بيعه قال: فليس ذلك له حتى يرفع أمره إلى السلطان فيلوم له أو يعجزه فيصير رقيقا له، فقال له: فإن مات السيد قبل أن يأتي العبد بالمائة التي جعل له على نفسه هل يلزم ورثته ما كان يلزم أباهم أو يكون رقيقا لهم؟ فقال: بل يلزمهم مثل ذلك حتى يرفعوا أمرهم إلى السلطان فيتلوم له أو يعجزه، والورثة في هذا بمنزلة أبيهم. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية إن ذلك يلزم ورثة السيد كما يلزم السيد خلاف ما تقدم من قوله في رسم الصبرة من سماع يحيى في أن الولد لا يدخلون مع الأمة في ذلك إن كاتب الأمة لأنه إن حكم لهذا القول بحكم الكتابة لزم ذلك الورثة ودخل في ذلك الولد وهو مذهبه في هذه الرواية، وإن لم يحكم له بحكم الكتابة لم يلزم ذلك الورثة ولا دخل فيه الولد، وقد مضى القول على ذلك مستوفى في رسم الصبرة المذكور من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

مسألة: ليس للرجل أن يرجع فيما دبر

[مسألة: ليس للرجل أن يرجع فيما دبر] مسألة وسئل وأنا أسمع عن رجل كان له مدبر فحضره الموت فقال: أقرعوا بين فلان وفلان، يريد المدبر وآخر من عبيده، قال: يقرع بينهما كما قال، فإن وقع على المدبر لم يكن للآخر عتق، وإن لم يقع على المدبر ووقع على الآخر فحملهما جميعا الثلث عتقا جميعا، وإن لم يحملهما الثلث بدئ بالمدبر ثم عتق من الآخر الذي وقع عليه السهم ما بقي من الثلث، وأخبرني محمد بن خالد عن عبد الملك بن عبد العزيز مثله سواء. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إذ ليس للرجل أن يرجع فيما دبر، فإن وقع السهم على المدبر خرج الآخر عن الوصية، وإن وقع على الآخر بدئ المدبر في الثلث، ثم أعتق هو في بقية الثلث أو ما حمل باقي الثلث منه، فإن لم يكن في الثلث فضل عن قيمة المدبر لم يكن للآخر عتق ولا احتيج في ذلك إلى قرعة، والمسألة متكررة في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب الوصايا، وقد مضى في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من هذا الكتاب إذا قال أعتقوا أحدهما ولم يقل أقرعوا بينهما، وأن الحكم في ذلك أن يقرع بينهما على نصف قيمتهما حسبما مضى بيانه، فلا معنى لإعادته. [مسألة: وصية للعبد بالكتابة] مسألة قال: وسئل عن رجل يقول لعبده: أخدم ورثتي سنة ثم لك سنة أخرى تأتي فيها بوضيف ثم أنت حر، فأتى بالوضيف بعد السنة بشهر أو نصف شهر أو أكثر من ذلك، فقال: يعتق.

مسألة: يوصي عند موته فيقول لغلامي فلان شهر من كل سنة

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأنها وصية للعبد بالكتابة على هذا الوجه، فإن حملها الثلث تمت له الوصية وعتق إذا خدم السنة وجاء بالوضيف، وإن أتى به قبل تمام السنة الثانية ولو أتى به في السنة الأولى لعتق بتمامها، لأن الأجل إنما مرفقه للعبد كالمكاتب إذا عجل كتابته قبل الأجل، ولو انقضت السنة الثانية ولم يأت بالوضيف لتلوم له في الإتيان به كما يتلوم للمكاتب في كتابته إذا حلت، فإن لم يأت به وعجزه السلطان كان رقيقا للورثة، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي عند موته فيقول لغلامي فلان شهر من كل سنة] مسألة وسئل وأنا أسمع عن الرجل يوصي عند موته فيقول: لغلامي فلان شهر من كل سنة، فقال: يعتق منه جزء من اثني عشر جزءا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأنه جعله شريكا للورثة في نفسه بذلك القدر، فوجب أن يكون منه ذلك القدر حرا كما لو نص على حريته، والله الموفق. [مسألة: العبد يكون معروفا بالإباق فيرسم سيده في جبهته عبد فلان] مسألة قال: وسألت عبد الله بن وهب عن العبد يكون معروفا بالإباق فيرسم سيده في جبهته عبد فلان، هل ترى هذا مثلة؟ قال: نعم، هي مثلة وأرى أن يعتق عليه. قلت: فلو رسمه بمداد وإبرة كما يفعل الناس في أيديهم وأجسادهم؟ قال: يعتق عليه. قال: وسألت عنها أشهب فقال: لا يعتق عليه. قال محمد بن رشد: إنما قال ابن وهب إنه يعتق عليه إتباعا لظاهر

مسألة: يقول اشهدوا أن أم ولدي قد أعتقت رقيقها وهي تجحد

قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من مثل بعبده أو أحرقه بالنار فهو حر» إذ عم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يخص مثلة من مثلة، وهذه مثلة، وإنما قال أشهب: إنه لا يعتق عليه؛ لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج بسبب، وهو ما فعله زنباع بعبده سندر من جبه وجذع أذنيه وأنفه، إذ وجده يقبل جارية له، فقصر الحديث على سببه، وهي المثلة بقطع عضو من الأعضاء، وقد اختلف في اللفظ العام المستقل بنفسه الوارد على سبب هل يقصر على سببه أو يحمل على عمومه، فاختلافهما في هذه المسألة راجع إلى هذا الأصل، وقول أشهب في هذه المسألة أظهر، لأن الأصل أن لا يخرج ملك أحد من يده إلا بيقين، ولا يقين في هذه المثلة للاحتمال في الحديث، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول اشهدوا أن أم ولدي قد أعتقت رقيقها وهي تجحد] مسألة وسئل: عن الرجل يقول اشهدوا أن أم ولدي قد أعتقت رقيقها أو قد حنثت فيهم بالعتق وهي تجحد، قال: إن كان السيد صحيحا فذلك عندي انتزاع، وهم أحرار، وإن كان مريضا لم يقبل منه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إذ لا وجه للإشهاد على فعلها إلا إرادة إلزامها ذلك، وإذا ألزمها ذلك فقد انتزعهم منها وأعتقهم، فوجب أن ينفذ ذلك عليها في الحال الذي يجوز له فيه انتزاع مالها، وبالله التوفيق.

: يعتق الأسفل إذا ملك سيده الأعلى

[: يعتق الأسفل إذا ملك سيده الأعلى] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع قال أصبغ بن الفرج: سمعت ابن القاسم يقول: لو أن رجلا له عبد ولعبده عبد فغضب الرجل على عبده فوهبه لعبده نفسه جاز، وإن كانت جارية وطئها العبد الموهوب له، ولو كانت لرجل جارية وللجارية عبد فوهبها لعبدها جاز، ووطئها العبد إن شاء. قال محمد بن رشد: في الثمانية لأبي زيد عن ابن الماجشون أنه يعتق الأسفل إذا ملك سيده الأعلى، ووجه قوله: إنه إنما ملك سيده كان له أن ينتزع نفسه منه، إذ للسيد انتزاع مال عبده، وإذا ملك نفسه بالانتزاع كان حرا، وابن القاسم لا يرى لواحد منهما عتقا، وقوله أظهر، إذ لا يستقيم ملك العبد لسيده، فيكون كل واحد منهما مالكا لصاحبه، فهبته له لا تصح إلا بعد أن ينتزعه منه، فيصيران جميعا له. وقوله: وإن كانت جارية وطئها العبد الموهوب هو قوله بعد ذلك بعينه، ولو كانت لرجل جارية وللجارية عبد فوهبها لعبدها جاز، ووطئها العبد إن شاء، فلا وجه لتكريره، فلو قال: ولو كان لرجل عبد، وللعبد جارية فوهبه لها لحرمت عليه لكان وجه الكلام لتبيين أنها تحرم عليه إذا وهب لها، كما تحل إذا وهبت له، وإنما تحل له إذا وهبت له إن كانت هبة صحيحة يشبه إن وهب مثلها لمثله على ما قاله في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وفي رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب منه، وبالله التوفيق. [: قال لغلامه اعمل على هذه الدابة فإن ماتت فأنت حر] ومن كتاب الوصايا قال: وسئل ابن القاسم عن رجل قال لغلامه: اعمل على

هذه الدابة، فإن ماتت فأنت حر، فمات السيد قبل الدابة، قال: فهو كما قال، وليس يعتق إلا إلى موت الدابة، فإن ماتت الدابة قبل موت السيد فهو حر، من الثلث، فإنما هو بمنزلة رجل قال: اخدم فلانا ما عشت أنا، فإن مات فلان قبلي فأنت حر، فإن مت قبل فلان فأنت حر إلى موته، فإن مات السيد قبل فهو حر من الثلث. قال أصبغ يبين ما قال: وما ناظر فليس ذلك له بنظير ولا حجة، والنظير صواب في ذاته، لأن ذلك استثناء وقيد بعضه ببعض، فله ثنياه التي عليها وضع، وأن الأول أعتق إلى آجال مهمة، كالذي يقول أنت حر إلى موت فلان أو عن دبر فلان بخدمتك لفلان، أو بغير خدمته، فهو أجل أعتقه إليه لا يرجع فيه، وهو من رأس المال، والإنسان والدابة في ذلك سواء، وهو من رأس المال إن مات السيد قبل ذلك أو بعد الدابة قبل أو بعد، قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وللورثة أن يبيعوا الدابة بموضع لا يغيب علمها. قيل: أرأيت إن قتل العبد الدابة خطأ أو عمدا؟ قال: إن قتل العبد الدابة خطأ عجل له العتق، وإن كان عمدا لم يعجل.، وخدم إلى قدر ما تعمر إليه الدابة، وكذلك إن بيعت وغاب عليها، وقاله أصبغ. وسئل سحنون عن رجل قال لغلامه: أنت حر بعد موت حماري، فعمل الغلام على الحمار وحمل عليه فوق طاقته وعنف عليه حتى مات الحمار قال: نعم، قيل له: فلو لم يحمل عليه فوق طاقته ولكنه قتله قتلا، فقال: أرأيت لو أن أم ولد قتلت سيدها؟ فقلت له: عمدا قتلته؟ قال: نعم، فقلت له: تقتل به؟ قال: نعم، قال: فإن سامحها أولياء القتيل، فقيل له تعتق وليس ما جنت بالذي

يحل عنها ما عقد لها من العتق القوي، وليست كالمدبرة تقتل سيدها، قال: فكذلك الذي سألت عنه من قاتل الحمار يعتق مكانه لأنه معتق إلى أجل ليس له بيعه ولا يلحقه الدين فليس كالمدبر، ألا ترى أن المدبر إنما يعتق من الثلث ويلحقه الدين ويتسلط عليه الغرماء بعد الموت. قيل له: فهل على هذا العبد قيمة الحمار، إذا أعتق؟ فقال: أما أنا فلا أرى عليه شيئا، وأما على مذهب ابن القاسم قد أخبرتك أن المدبر والمعتق إلى أجل إذا جنى أحدهما على السيد أن السيد يختدمه، وفي رواية ابن أبي زيد المصري، قال ابن القاسم في رجل قال لغلامه أنت حر بعد موت دابتي قال: فليس له إلى بيع الغلام سبيل؛ لأنه مرتهن بيمين، قيل له: فإن هلك سيد العبد؟ قال: يكون العبد موقوفا حتى تموت الدابة، ولا سبيل للورثة إلى بيعه، قيل له: أفيبيع الورثة الدابة إن شاءوا؟ قال: نعم، بموضع يعرف فيه هلاك الدابة. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في الذي يقول لغلامه اعمل على هذه الدابة، فإذا ماتت فأنت حر، إنه يكون حرا من الثلث إن مات السيد قبل الدابة مخالف للأصول؛ لأنه معتق إلى أجل هو آت على كل حال، ولا اختلاف في أن المعتق إلى أجل حر من رأس المال وجبت له الحرية بانقضاء الأجل قبل موت السيد أو بعد موته، وكذلك المسألة التي نظرها بها، وهو قول الرجل لغلامه اخدم فلانا ما عشت أنا، فإن مات فلان قبلي فأنت حر، وإن مت قبل فلان فأنت حر إلى موته، قوله فيها أيضا إنه حر من الثلث إن مات السيد قبل فلان مخالف للأصول، والصواب أنه حر من رأس المال على كل حال مات السيد قبل فلان أو بعده؛ لأنه معتق إلى موت فلان، وقول أصبغ

والنظير صواب في ذاته ليس بصواب، إذ لا فرق بين المسألتين، لأنه إذا قال اخدم فلانا ما عشت أنا، فإن مات فلان قبلي فأنت حر، وإن مت قبل فلان فأنت حر إلى موته، فهو في المعنى كما قال له: أنت حر إذا مات فلان، وله خدمتك حياتي، فإذا كان هذا هو المعنى المفهوم من اللفظ فالحكم له دون اللفظ. وقول ابن القاسم: إذا قتل العبد الدابة التي جعل حرا بعد موتها: إنه لا يعجل له العتق ويخدم إلى قدر ما تعمر إليه الدابة هو الصواب، وقول سحنون: إنه يعجل له العتق بعيد، وقياسه ذلك على أم الولد تقتل سيدها ليس بصحيح، لأن أم الولد إنما فيها من الرق ما لسيدها فيها من الاستمتاع، وهو يبطل لقتلها إياه كما يبطل بموته، إذ يستحيل أن يستمتع بها بعد موته أو قبله، فإذا بطل بقتلها إياه وجبت حريتها، والخدمة التي له في العبد إلى موت الدابة ليس للعبد أن يبطلها على السيد فيستعجل حريته بقتله إياها، فوجب أن يستوفيها بعد قتله للدابة إلى القدر التي تعمر إليه، إذ ليس بمستحيل، وكذلك يجب لو أعتق رجل عبده إلى موت رجل فقتل العبد ذلك الرجل أن لا يعتق إلا إلى حد تعميره، ومسألة المدبر يقتل سيده هي التي تشبه هذه المسألة، مسألة أم الولد، لأن المدبر لما أراد أن يتعجل العتق من ثلث سيده بقتله إياه حرم ذلك، وهذا إذا أراد أن يتعجل العتق بقتله للدابة، فوجب أن يحرم ذلك كما يحرم قاتل العمد الميراث لما أراد من استعجاله إياه قبل وجوبه له، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: الصواب ما قال سحنون: إنه إذا قتله متعمدا أن يعتق ويختدمه السيد أو ورثته بقدر الجناية عند ابن القاسم، ولا يعمر الحمار ويخدم العبد قدر ما بقي من عمره؛ لأنه لما قال له: أنت حر إلى موت حماري، فمعناه إلى موته بأجله الذي قدره الله له، فالله جل ذكره قد سبب موت الحمار بتعدي العبد عليه، فقد مات الحمار بأجله، فالعبد يعتق والجناية تلزمه عند ابن القاسم، وعلى قول سحنون وأشهب: لا شيء عليه في الجناية، وليس قول ابن دحون بشيء، لأن الدابة وإن ماتت بأجلها إذا قتلها فقد تعدى بقتله إياها فوجب أن لا يبطل

مسألة: أوصى فقال إن مت فغلامي حر

بذلك حق سيده، باختدامه إياه إلى حين موتها، كما لا يبطل حق من أخدم عبدا حياته بقتل من قتله متعمدا من أجل أنه مات بأجله، إذ ليس ذلك بعلة، ولو صح أن يكون ذلك علة لما وجب القصاص على من قتل عمدا، ولا لزم من قتل عبد رجل شيء، ولكان لقاتل العمد ميراث من قتل عمدا. وقول ابن دحون أيضا ويختدمه السيد أو ورثته بقدر الجناية ليس بصحيح، إذ لو وجب أن يعتق على مذهب ابن القاسم لما كان له ولا لورثته أن يختدموه بقدر الجناية كما قال، لأن الذي عليه قيمة الدابة فلا يجوز أن يختدم بها، إذ لا يختدم الحر في الدين، وإنما يؤخذ من ماله أو يتبع به دينا في ذمته إن لم يكن له مال، ولو قتل الدابة أجنبي عمدا أو خطأ لعتق العبد مكانه، قال ذلك في كتاب ابن المواز، ولا اختلاف في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى فقال إن مت فغلامي حر] مسألة وقال في رجل أوصى فقال: إن مت فغلامي حر، وإن صححت فغلامي فلان لغلام له آخر حر، فمات فأقام أحدهما شاهدين أنه مات وهو صحيح، وقد صح وأقام الآخر شهودا أنه هلك من مرضه، فأرى أن يعتق من كل عبد منهما نصفه، لأن العتق قد ثبت لواحد منهما، ونحن لا ندري من هو منهما، فيعتق من كل واحد منهما نصفه، إلا أن يكون بعض الشهداء أعدل فيقضي للذي هو أعدل شهودا، قال أصبغ: بل أرى الشهادة شهادة الصحة، وأراه أولا وهو المثبت له الوصية إذا قطعوا الشهادة بصحته، فهذا علم يغلب على علم الآخرين، كما لو شهد عليه في مرضه بوصية فاجتمعوا على الوصية له، وإن اختلفوا في الشهادة، فقال بعضهم صحيح العقل، وقال الآخر غامر العقل، فهم أولى؛ لأنهم علموا ما لم يعلم الآخرون.

مسألة: الولاء يجب للمعتق

قال محمد بن رشد: قول أصبغ في هذه المسألة: إن شهادة الصحة أعمل أظهر من قول ابن القاسم، لأنها علمت من صحته ما جهلته الأخرى، ومثل قول أصبغ لابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات في التي مرضت فأوصت في مرضها، فشهد شهود أنها كانت صحيحة العقل وشهد آخرون أنها كانت موسوسة، لأنه إذا قال في تلك: إن شهادة الصحة أعمل فأحرى أن يقول ذلك في هذه، وإذا قال في هذه أن ينظر إلى أعدل البينتين فأحرى أن يقول ذلك في تلك، وقد ساوى أصبغ بينهما في هذه الرواية. فيتحصل في مجموع المسألتين ثلاثة أقوال، أحدها: أنه ينظر فيهما جميعا إلى أعدل البينتين، والثاني: أن شهادة الصحة أعمل فيهما جميعا، والثالث: أن شهادة الصحة أعمل في اختلافهم هل صح من مرضه أو لم يصح، وأنه ينظر إلى أعدل البينتين في اختلافهم هل كان في حين الوصية صحيح العقل أو غامر العقل، وفي كل مسألة من هاتين المسألتين قولان، ويتخرج في اختلافهم في حين الوصية هل كان صحيح العقل أو غامر العقل قول ثالث، وهو أن شهادة المرض أعمل، ولا يقال ذلك في اختلافهم هل صح من مرضه أم لا؟ فهذا وجه القول. في هذه المسألة، وقد مضى ذلك في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: الولاء يجب للمعتق] مسألة قال أصبغ: سئل ابن وهب عن أختين اشترتا أباهما فعتق عليهما وهما من حرة كانت أمهما حرة، فتوفيت إحداهما فورثها أبوها، ثم توفي الأب قال: ترث الثانية النصف بالرحم والولادة، وترث نصف النصف الباقي بالولاء ويبقى الربع. فلها النصف نصف هذا الربع الباقي؛ لأن أباها جر ولاء ولده إليها، لأنه حين عتق جر ولاء ولده بعضهم لبعض، وكان مولاهما جميعا بجر ولاء هذه إلى هذه، فصار لها ها هنا سبعة أثمان الميراث.

قيل له: أرأيت إن كانت إحداهما اشترته والأم حرة فتوفي الأب؟ قال: يرثان الثلثين بالرحم.، وما بقي للتي أعتقته بالولاء. قيل له: فتوفيت الآن بعد التي لم تشتره بعد الأب وبقيت التي كانت اشترته؟ قال: فلها كل شيء بالرحم والولاء. قيل له: فإن رجلا اعتقها ثم اشتريا أباهما فيعتق عليهما ثم توفيت إحداهما بعد ثم توفي الأب بعد ذلك؟ قال: فلهذه الباقية النصف من أبيها بالرحم ولها نصف النصف الباقي بالولاء، فذلك ثلاثة أرباع، وما بقي فلمولاهما الذي أعتقهما. قال محمد بن رشد: قوله في الأختين اللتين اشترتا أباهما فيعتق عليهما وهما من حرة فتوفيت إحداهما فورثها الأب ثم توفي الأب، إن للباقية النصف بالرحم والولادة، ونصف النصف الباقي بالولاء، ونصف الربع الباقي بجرور الولاء، فيصير لها سبعة أثمان الميراث صحيح، وإنما ورثت نصف الربع الباقي من ميراث أبيها؛ لأن النصف الذي أعتقت أختها منه يجر إليها نصفه؛ لأنها أعتقت نصف أبيها، فهو مولى ابن مولاها، والمرأة ترث بالولاء من أعتق ولد من أعتقت، وبيان ذلك أن الولاء يجب للمعتق، ولم يجب له بسبب العتق ممن ينجر إليه عن المعتق أو يجره إليه المعتق على ما أحكمته السنة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. من ذلك أن الموالي ثلاثة، مولى الرجل الذي أعتقه، ومولى أبيه ومولى أمه، فالولاء ينجر عن السيد المعتق إلى ولده وعصبته الأقرب فالأقرب، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الولاء للكبر» والعبد المعتق يجر ولاء لده الذين لم يعتقوه، وولاء مواليهم إلى مواليه، والأمة المعتقة تجر ولاء ولدها الذين لم يعتقوا وولاء مواليهم إلى مواليها أيضا كان ولدها من زنى أو كان قد نفاهم أبوهم بلعان، أو كان عبدا أو كافرا، فلما أعتقت الابنتان أباهما في هذه

المسألة وكانتا حرتين لم يعتقا، ثم توفي الأب بعد موت إحداهما وجب أن ترث الابنة الباقية النصف بالرحم والولادة، وترث نصف النصف الباقي بالولاء؛ لأنه أعتق عليها نصفه، وترث نصف الربع الباقي بجرور الولاء، لأن النصف الثاني الذي أعتق منه على أختها الميتة ينجر إليها نصف ولائه، لأنها أعني الباقية لما أعتق عليها نصف أبيها جر إليها الأب نصف ولاء ابنته الميتة على ما بيناه من أن العبد المعتق يجر إلى مواليه ولاء ولده، ألا ترى أنها لو ماتت بعد الأب لورثت أختها الباقية منها النصف بالرحم ونصف النصف الثاني بجرور الولاء؛ لأنها ابنة مولى، لها نصف ولائه، وإذا جر الأب إليها نصف ولاء أختها فهو يجر إليها أيضا نصف ولاء ما أعتقت على ما بيناه، والذي أعتقت إنما هو نصف أبيها الثاني، فلها ولاء نصف هذا النصف وهو الربع، فوجب لها ثلاثة أرباع ولاء أبيها، النصف بعتقها إياه والربع بجر الولاء على ما بيناه، وهذا كله بين. ومما يزيده بيانا وإيضاحا أن الابنة الميتة لو أعتقت عبدا أجنبيا لكان للابنة الباقية نصف ولائه لأنه مولى ابنة رجل أعتق عليها نصفه، فكان لها نصف ولائه، فكذلك يكون لها نصف ولاء النصف الثاني الذي أعتقته من أبيها، لأن المرأة ترث بالولاء من أعتق ولد من أعتقت، وقد روي عن ابن القاسم في الأختين اللتين اشترتا أباهما فعتق عليهما أن الأب إن توفي قبلهما فورثتاه، ثم توفيت إحداهما أن الأخت الباقية ترث النصف بالنسب، ونصف النصف بشركة الولاء، ونصف الربع بجرور الولاء إليها، وهو غلط ظاهر، والصحيح ما ذكرناه من أن لها النصف بالنسب ونصف النصف بجرور الولاء، وهو منصوص عليه لابن الماجشون. وأما قوله إنه إن كانت اشترته إحداهما والأم حرة فتوفي الأب إنهما ترثان الثلثين بالرحم وما بقي للتي أعتقته بالولاء، فهو بين لا إشكال فيه، وكذلك قوله إنه إن توفيت التي لم تشتره بعد الأب إن للباقية من أبيها النصف بالرحم

: يقول لعبده إذا مت فأنت سائبة وهو يريد بذلك الحرية

ونصف النصف بالولاء؛ لأنه أعتق عليهما نصفه، وما بقي فلمولاهما الذي أعتقهما؛ لأنه أعتق الميتة منهما التي أعتق عليها نصف أبيها المتوفى، فوجب أن يكون له الباقي كما ذكر، لأنه أحق بميراث من أعتقت من أختها، لأنه هو أعتقها، وأختها إنما أعتقت أباها، ومولى المولى أحق بالميراث من مولى ابن المولى، وبالله التوفيق. [: يقول لعبده إذا مت فأنت سائبة وهو يريد بذلك الحرية] ومن كتاب البيوع الثاني قال: وسمعته يقول في تفسير السائبة، قال الذي يقول لعبده إذا مت فأنت سائبة، وهو يريد بذلك الحرية، أو يقول: اذهب فأنت حر، أو أنت سائبة، أو يقول أنت سائبة، وهو يريد الحرية، ولا يقول اذهب ولا أنت حر، وذلك كله سواء يعتق ويخرج حرا وهو سائبة ولاؤه للمسلمين، إلا أنه لا يعجبني أن يعتق اليوم سائبة؛ لأن ذلك هبة الولاء، وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الولاء وعن هبته، فإن فعل فهو على ما أخبرتك وقلت لك. قال أصبغ: لا يعجبني قوله في كراهية عتق السائبة، هو جائز أبدا، كما أن جائزا أن يعتق رجل عن غيره عن ابنه أو أبيه أو من أحب والولاء للمعتق عنه، لا كراهية فيه، فكذلك المسلمون جميعا، وقد جاء عن السلف من عملهم في عتق السائبة وكلامهم فيه، فليس فيه مكروه، ولا يعجبني قوله أيضا باستثنائه في السائبة إذا قال له أنت سائبة، أو اذهب أنت سائبة، حين استثنى وهو يريد الحرية، سواء أراد الحرية أو لم يرد الحرية، هي حرة على سنة السائبة، وهي سنة فيما جاء فيه الأثر وتكلم به، أو يقول أنت سائبة فقط، وليس فيه أكثر من قوله، إلا أن يكون لقوله ذلك سبب غير الحرية.

: قال الرجل قل لغلامي يلقاني غدا فإن لم يفعل فهو حر

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في آخر سماع أشهب من هذا الكتاب، قلا معنى لإعادته. [: قال الرجل قل لغلامي يلقاني غدا فإن لم يفعل فهو حر] ومن كتاب المدبر والعتق قال أصبغ: سألت ابن القاسم عمن قال لرجل: قل لغلامي يلقاني غدا في موضع كذا وكذا، فإن لم يفعل فهو حر، فنسي الرجل أن يقوله للعبد، أو قاله له فلم يفعل، إنه لا عتق فيه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم لم يدرك من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: ورثة ورثوا عبدا من ميت فقيل لهم إنه قد أعتقه] مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل: عن ورثة ورثوا عبدا من ميت فقيل لهم: إنه قد أعتقه، فقال أحدهم: قد أجزت مصابتي، فقال: يعتق مصابته، ولا يقوم عليه ما بقي، وليس هو بمنزلة من ابتدأ العتق. قال محمد بن رشد: قوله إنه يعتق مصابته من أجاز خلاف مذهبه في المدونة وغيرها، مثل مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة والمغيرة المخزومي، إذ لا فرق بين أن يشهد بذلك أو يمضي قول من شهد به، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم يوصي من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بعتق جاريته ليبيعها فتلد أولادا ثم تموت ولم تبع] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يحلف بعتق

مسألة: من اشترى مدبرا فأعتقه فالولاء له

جاريته ليبيعها فتلد أولادا ثم تموت ولم تبع: إنها تعتق وولدها جميعا في الثلث، ولا يبدأ أحد منهم على صاحبه، وهم بالسوية، قال: وقال مالك: وإنما هي بمنزلة المدبرة تلد أولادا، إلا أن المدبرة يطأها سيدها، وهذه لا يطأها، فهي أوكد من المدبرة، وهو بمنزلة أمر عقده لهم في الصحة جميعا هي وأولادها، وقاله أصبغ كله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم باع شاة من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته. [مسألة: من اشترى مدبرا فأعتقه فالولاء له] مسألة قال: وقال في رجل قال لرجل: علي عتق رقبة فبعني رأسا، فباعه مدبرا وكتمه، فاشتراه وأعتقه ثم علم. قال: عتقه جائز، وهو يجزيه في الرقبة التي كانت عليه، ومن اشترى مدبرا فأعتقه فالولاء له ولا يتبع البائع بشيء، وعتقه جائز نافذ. قال محمد بن رشد: اختلف في المدبر يباع فيعتقه المشتري، فقيل يمضي عتقه ولا يرد، وهو قوله في هذه الرواية، فقوله: إنه يجزيه عن الرقبة التي عليه إذا دلس له البائع ولم يعلمه أنه مدبر، هو على قياس هذا القول، ولو أعلمه البائع أنه مدبر لم يجزه عن الرقبة التي عليه، وإن لم يرد عتقه على هذا القول، لأنه إذا اشتراه وهو يعلم أنه مدبر فقد اشتراه بشرط العتق، إذ لا يجوز بيع المدبر على غير العتق، والرقبة الواجبة لا تشتري بشرط العتق، وقيل: إن المدبر إذا بيع يرد البيع، وإن أعتقه المشتري، فعلى هذا القول لا يجوز عتق الرقبة الواجبة، فإن أعتقه المشتري ففات رده بموت أو عيب، وكذلك إذا اشتراه فأعتقه من زكاته يجري جوازه على هذا الاختلاف، وقد مضى الكلام على هذه المسألة بأوعب من هذا في سماع أصبغ من كتاب الوصايا قرب آخر أول رسم منه، وبالله التوفيق.

مسألة: قطع يد أو يدي عبده

[مسألة: قطع يد أو يدي عبده] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن قطع يد أو يدي عبده فأره صناع فإنه يضمن قيمته وعتق وليس عليه. قال محمد بن رشد: مثل هذا في سماع أصبغ أيضا من كتاب الجنايات نصا، وفي المدونة نحوه، قال: إذا كان فسادا لا منفعة معه في العبد حتى يضمنه من تعدى عليه عتق عليه، وكان بمنزلة من مثل بعبده، وقال أصبغ: ذلك استحسان وليس بقياس، وقال ابن الماجشون في الواضحة: إنه لا يعتق عليه، وهو الأظهر، لأن السنة إنما جاءت فيمن مثل بعبده، وبالله التوفيق. [مسألة: قول السيد لعبده اخرج إلى إفريقية فإذا بلغتها فأنت حر] مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب بن عبد العزيز وسئل: عن رجل استأذنه عبده في الخروج إلى إفريقية، فقال له: اخرج فإذا بلغتها فأنت حر، ثم أراد أن يمنعه بعد ذلك من الخروج، قال: ليس ذلك له، قيل لأشهب فخرج فمات السيد والعبد في الطريق قبل أن يبلغ؟ قال: سواء مات أو لم يمت إذا بلغها فهو حر، فقيل له: أمن الثلث؟ فقال: لا، بل من رأس المال لو كان من الثلث كله. قال محمد بن رشد: لابن المواز في هذه المسألة زيادة قال: إلا أن يبدو للعبد في الخروج، فجعل قول السيد لعبده: اخرج فإذا بلغتها فأنت حر، تمليكا منه له في العتق، يلزم السيد ولا يلزم العبد، وقد قلنا في رسم يدبر

مسألة: رجل قال لغلامه اعمل هذا اليوم وأنت حر

من سماع عيسى: إن هذه المسألة يتخرج فيها ثلاثة أقوال، وأن قول ابن المواز في هذه المسألة وقول أشهب أيضا إن حمل قوله على التفسير له قول رابع في المسألة. [مسألة: رجل قال لغلامه اعمل هذا اليوم وأنت حر] مسألة وسئل: عن رجل قال لغلامه: اعمل هذا اليوم وأنت حر، فقال: هو حر أبدا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه يكون حرا إن عمل ذلك اليوم؛ لأنه عتق على شرط يجب له الوفاء به كالكتابة، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد بين عبد ورجل آخر أعتق العبد مصابته أيقوم عليه بقيته] مسألة وسئل: عن عبد بين عبد ورجل آخر أعتق العبد مصابته أيقوم عليه بقيته؟ قال: إن أعتقه بإذن سيده قوم على سيده في جميع ماله ويباع فيه رقبة عبده وغير ذلك، وإن كان أعتقه بغير إذنه فلا قيمة فيه أصلا، لا على السيد ولا على العبد، ولو قال السيد قوموه على العبد فيما بقي في يديه لم يقوم عليه، وإن كان أعتقه بغير إذن سيده فأجاز سيده عتقه فهو بمنزلة ما لو أعتقه بإذن سيده ابتداء سواء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا أعتقه بإذنه أو بغير إذنه فأجازه فهو المعتق له؛ لأنه كأنه انتزعه منه فأعتقه، بدليل كون الولاء له لا يرجع إلى العبد إن أعتق، بخلاف ما قال في رسم نقدها من سماع عيسى في العبد بين الشريكين، وقد ذكرنا هنالك الفرق بين المسألتين. وقوله: لا يقوم على العبد فيما بقي من ماله إذا دعى إلى ذلك شريكه، يريد أنه لا يقوم عليه في مغيب سيده، ولو كان حاضرا لكان وجه الحكم في ذلك أن يوقف على إجازة عتقه أورده، فإن أجازه قوم عليه كما قال بمنزلة ما لو أعتق بإذنه، وإن رده فهو مردود، ولو قال السيد لما وقف على ذلك. لا أجيز

مسألة: يبتاع العبد فيعتقه مكانه بحضرة البائع ثم يجحد الاشتراء

عتقه ولا أرده لوجب أن ينفذ عتق نصيبه منه الذي أعتقه، فإن أعتق قوم عليه باقية لأن الولاء إذا لم يجز السيد عتقه ولا رده حتى أعتق، وبالله التوفيق. [مسألة: يبتاع العبد فيعتقه مكانه بحضرة البائع ثم يجحد الاشتراء] مسألة وسئل: عن الذي يبتاع العبد فيعتقه مكانه بحضرة البائع ثم يجحد الاشتراء. قال: إن كان مليا بالثمن لم أر للبائع أن يسترقه، وإن كان معدما ولم يكن فضل في قيمة العبد لم أر بأسا أن يسترقه. قلت: أرأيت إذا أقر البائع بهذا من اشتراء المشتري وعتقه وجحوده والمشتري ملي أيعتق على البائع يحكم به عليه؟ فقال لي: نعم، قال أصبغ: صوابا حسنا. قال محمد بن رشد: قوله إنه إن كان مليا بالثمن لم يكن للبائع أن يسترقه هو على أحد قولي ابن القاسم في المدونة في العبد بين الشريكين يشهد أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه منه وهو موسر إنه يعتق عليه نصيبه. وقوله: إنه إن كان معدما ولم يكن في قيمته فضل عن ثمنه كان له أن يسترقه صحيح لا إشكال فيه، وإنما موضع الإشكال من المسألة إذا كان معدما وفي قيمته فضل عن الثمن هل له أن يأخذه فيباع منه بقدر الثمن ويعتق الباقي أم لا؟ فقال فيما تقدم في رسم العتق من سماع عيسى: إن ذلك له إذا لم يكن له مال يوم أعتقه ولم يكن علم بعتقه، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: باع الحالف نصيبه من العبد من غير شريكه] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن عبد بين اثنين حلف

أحدهما بعتق نصيبه إن كلم رجلا فباع نصيبه] من رجل أجنبي فاشترى نصيب صاحبه ثم كلمه،. قال: لا حنث عليه ولا عتق لما اشترى من نصيب صاحبه. قلت: فبادل صاحبه نصيبه ثم كلمه؟ قال: يحنث. قلت: فاشترى نصيب صاحبه ثم باع نصيبه ثم كلمه؟ قال: يحنث إنما باع نصفه. قلت: فباع نصيبه من صاحبه بدنانير أخذها منه ثم اشترى بعد ذلك نصيب صاحبه ثم كلمه. قال: يحنث. قال محمد بن رشد: أما إذا باع الحالف نصيبه من العبد من غير شريكه ثم اشترى نصيب شريكه فقوله إنه لا حنث عليه فيه هو مثل ما في المدونة والواضحة، ولا اختلاف في ذلك إن كان قال للمشتري أبيع منك نصيبي من هذا العبد وهو كذا وكذا النصف إن كان النصف، وأما إن كان قال له أبيعك نصف هذا العبد وله فيه النصف فالبيع يقع على نصف جميع العبد نصف حظه ونصف حظ شريكه على ما قاله ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الشفعة، فينتقض البيع في حظ الشريك وينفذ في حظه، فيبقى له ربع العبد ويكمل له إذا اشترى نصف شريكه ثلاثة أرباع العبد، ويحنث إن كلم الرجل فيعتق العبد كله ربعه بالحنث ونصفه الذي اشترى من شريكه بالحكم، والربع الذي باع من الأجنبي بالتقويم إن كان له مال خلاف ظاهر هذه الرواية وما في المدونة والواضحة، إذ لم يفرق في شيء منها إذا باع نصيبه من أجنبي بين أن يقول أبيعك نصف هذا العبد أو

يقول أبيعك نصيبي منه وهو النصف في أن البيع إنما يقع على نصيبه خاصة في الإبهام كما يقع في البيان. وأما إذا بادل شريكه حصته بحصته فقال في هذه الرواية إنه يحنث، وقال أصبغ في الواضحة إنه لا يحنث كما لو باع حصته من أجنبي واشترى من شريكه حصته، إذ لا فرق بين أن يبيع حصته من شريكه، أو من غيره، وعابه ابن حبيب واعترض عليه بقول ابن القاسم في الرهن المشاع يكتري الراهن حصة الشريك إن الرهن يبطل. ووجه قوله أنه إذا عامل شريكه فيه فقد بقيت الشركة بينهما فيه على ما كانت عليه، فكانت المبادلة أقوى. وقول أصبغ هو القياس، إذ ليست المبادلة لغوا، لأن الأملاك تنتقل بها ويصير لكل واحد منهما على صاحبه عهدة في نصيبه الذي عاوضه به. وأما إذا باع حصته من شريكه ثم اشترى منه حصته أو اشترى منه حصته ابتداء ثم باع منه حصته أو من غيره فقال في هذه الرواية إنه يحنث ويأتي على ما في كتاب المرابحة من المدونة أنه لا يحنث، وهو الأظهر إذا سمى حصة شريكه في الابتياع ألا يقع شراؤه إلا على ما ابتاع لا شائعا في جملة العبد، ألا ترى أنه لو حلف رجل ألا يبيع شيئا وهب له فوهب نصف عبد على الإشاعة واشترى النصف الثاني لجاز له أن يبيع النصف الذي اشترى ولا يحنث إلا أن يبيع النصف مبهما ولا يسمي شيئا؛ لأنه حينئذ يقع البيع على ما اشترى وعلى ما وهب له، فالاختلاف إذا كان العبد كله لرجل فباع منه حصة مسماة هل يقع البيع على ما سمى أو على الإشاعة كما لو لم يسم، والاختلاف إذا كان العبد بين الرجلين فباع أحدهما منه مقدار حصة أو أقل ولم يسم أنها حصته هل يقع البيع على الإشاعة في حظه وحظ شريكه أو على حصته كما لو سمى؟ ولو كان عبدان بين رجلين فحلف أحدهما بعتق نصيبه ألا يفعل فعلا فقاسم شريكه

مسألة: يقول إن فعلت كذا وكذا فجاريتي حرة

فيهما فحصل له أحدهما لرجعت اليمين فيه، قاله ابن القاسم، وهو عندي على قياس القول بأن القسمة تميز حق، ولو باع أحدهما حصته من أحدهما بحصة شريكه من الآخر فخلص له أحدهما بذلك ثم حنث لعتق عليه نصفه بالحنث، ونصفه بالقضاء، قاله أشهب، وهو صحيح، وكذلك يلزم في القسمة على قياس القول بأنها بيع من البيوع، وقد مضى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم الاختلاف، إذا حنت قبل القسمة فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: يقول إن فعلت كذا وكذا فجاريتي حرة] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الذي يقول إن فعلت كذا وكذا فجاريتي حرة فتلد عنده بعد ذلك أولادا ثم يفعل ذلك: قال: سألت مالكا عنها فرأى أن تعتق هي وولدها ورأيته يصغي إليه، وهو الذي آخذ به أنا أيضا وأستحسنه، وليس يحمله القياس. قال أصبغ: هذا ليس بشيء، وليس لولدها هنا عتق؛ لأنها لم تكن مرتهنة باليمين، ولم يكن فيها على حنث هو على بر حتى يحنث، فما وضعت قبل الحنث وزايلها فليس منها، ولا يقع عليه الحنث لأن الحنث إنما هو يوم يقع وإنما يقع على رقبتها، وقد كان له بيعها قبل ذلك، وإنما الذي يدخل الولد معها ما لم يكن له بيعها إن كانت باليمين مرتهنة، ومثله الذي يحلف ليبيعها إلى وقت أو ليفعلن كذا وكذا فلا يفعله، فأما الذي يحلف أن لا يفعل فليس بيمين منعقدة، ولا أحسب ابن القاسم إلا وقد رجع وكان له قول غيره فيها، ولا أظنه عن مالك إلا وهما من روايته، فأما الرواية لها فقد رواها زعم ظاهر أو هو يغلط في روايتها. قال محمد بن رشد: رأى أصبغ أن الولد يدخلون في اليمين الذي

مسألة: البينة على من أدعى

يكون الحالف فيها على حنث وليس له أن يطأ ولا يبيع، وفي اليمين التي ليس له أن يبيع فيها وإن كان له أن يطأ على اختلاف وهي اليمين ليفعلن إلى أجل، وقد قيل إن الولد لا يدخلون إلا في اليمين التي يكون فيها على حنث، وليس له أن يطأ ولا يبيع، فالمسألة يتحصل في جملتها أربعة أقوال، وقد مضت المسألة في مواضع من هذا الكتاب وغيره، وتحصيل القول فيها في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: البينة على من أدعى] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن رجل هلك فشهد عليه أنه حلف بعتق رقيقه وحنث، فادعت امرأته أنها أخذت تلك الرقيق في حقها وأقامت البينة على ذلك، ولا يدري الشهود متى أعطاها؟ ولا يدري الذين يشهدون على الحنث متى كان ذلك؟ فقال: المرأة أولى بهم إلا أن تقوم البينة على أن عتقهم وحنثه كان قبل بيعه إياهم منها، أو ثبت ذلك الذين شهدوا لهم بالحرية، وإنما ذلك إذا كانت المرأة قد حازتهم وهم في يديها، وإن لم تكن حازتهم فالعتق أولى، إلا أن تقيم البينة أن اشتراءها إياهم قبل ذلك، وقال ذلك أصبغ. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأنها إذا حازت الرقيق وجب أن لا يخرجوا من يديها إلا بيقين، وهو أن تشهد البينة لهم أن عتقهم كان متقدما لأخذها إياهم في حقها لأنهم هم المدعون، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وإذا لم تحز فهي الطالبة لقبضها بما شهد لها به من أنها أخذتهم في حقها، فلا يحكم لها بقبضهم إلا بيقين، وهي أن تشهد لها البينة أن أخذها في حقها كان قبل حنثه بعتقهم، ولا يعتبر عند ابن القاسم بتاريخ أحدهما إذا جهل الأول منهما، ويعتبر على ما حكى ابن حبيب عن مالك وأصحابه حاشا المغيرة، فيأتي على هذا قولان إذا حازت

مسألة: حلف بالطلاق ليبيعن غلامه ممن يخرج به إلى الشام

أحدهما أنها أولى بهم وإن كان وقت الحنث معلوما، والثاني أنها أولى بهم إلا أن يكون وقت الحنث معلوما. [مسألة: حلف بالطلاق ليبيعن غلامه ممن يخرج به إلى الشام] مسألة وسئل: عن رجل حلف بالطلاق ليبيعن غلامه ممن يخرج به إلى الشام فباعه من رجل على ذلك فمات مشتريه قبل أن يخرجه، قال: إن كانت يمينه ونيته إنما هي ليشترطن ذلك على مبتاعه ذلك الذي أراد فليس عليه شيء في يمينه، وإن كان إنما هو على الخروج ليخرجن به أو لم تكن له نية فهو حانث، وقاله أصبغ، وقال حسنة جيدة، ومحمل اليمين الإخراج حتى ينوي غيره. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: ومحمل اليمين الإخراج حتى ينوي غيره، هو مثل ما تقدم في رسم سلف من سماع عيسى لابن القاسم من رواية عيسى عنه، وخلاف قوله فيه من رواية محمد بن خالد عنه، وقد مضى هنالك الكلام على المسألة مستوفى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بحرية غلامه أن لا يبيعه اليوم ولا غدا] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عمن حلف بحرية غلامه أن لا يبيعه اليوم ولا غدا، فقال له رجل بعنيه، فقال: قد أوجبته لك بأربعة دنانير بعد غد، فقال هو حر، وهذا بيع، قيل له: فما ترى في مثل هذا البيع أن يبيعه إياه إلى بعد غد؟ قال: ليس بذلك بأس. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك وفرقنا به من البر والحنث، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

مسألة: حلف بحريته أن لا يبيعه فباعه بيعا فاسدا أو حراما

[مسألة: حلف بحريته أن لا يبيعه فباعه بيعا فاسدا أو حراما] مسألة قال ابن القاسم: ولو حلف بحريته أن لا يبيعه فباعه بيعا فاسدا أو حراما على أن يسلف أو سلف أو ما أشبهه من البيوع الفاسدة لرأيته بيعا يعتق عليه، قال: ولو قال أنت حر إن لم أبعك فباعه بيعا فاسدا فرد عليه كانت اليمين لازمة له حتى يبيعه ثانية، ولو حلف ألا يبيعه فباعه واشترط الخيار لم يكن ذلك بيعا حتى يمضيه، لأنه قد جعل ذلك لنفسه إن شاء أن يمضيه أمضاه، وإن شاء أن يرده رده، فليس يبيع حتى يمضيه، وقاله أصبغ على وجهها كلها ولها تفسير وحجج في افتراقها، وهي صواب. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أصبغ أن لافتراق هذه المسائل وجوها تفترق بها، فإنما فرق بين البر والحنث بمجرد عقد البيع الفاسد يريد مع القبض، فقال: إنه يحنث به إذا حلف أن لا يبيع وإن لم يفت البيع، وقال إنه لا يبريه إذا حلف أن يبيع إلا أن يفوت البيع، لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، والبر لا يكون إلا بأكملها، والوجه في ذلك أن ترك البيع ليس بفعل مقصود إليه، فإذا حلف ألا يفعله فقصد إلى فعل ما هو سبب له ففعله وجب أن يحنث بفعله إياه؛ لأنه يؤول إليه، والبيع فعل مقصود إليه، فإذا حلف أن يفعله وجب أن لا يبر إلا بفعله ألا يفعل سببه إذا لم يحلف أن يفعل سببه، وإنما حلف أن يفعله فوجب أن لا يبر إلا بتمامه وهو فوت السلعة بيد المبتاع الذي به ينتقل الملك، وقد مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى إذا حلف أن يبيع إلى شهر فباع بيعا فاسدا قبله وما يتخرج في ذلك من الاختلاف. ولكون الترك ليس بفعل مقصود إليه كان النهي أقوى من الأمر، قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» لأن الرجل قادر على الترك على كل حال، وقد لا يقوى على

مسألة: شراء الجنين في بطن أمه

الفعل، وإنما فرق بين البيع الفاسد وبين بيع الخيار فقال إنه يحنث بعقد البيع الفاسد، يريد مع دفع السلعة على ما ذكرناه، ولا يحنث بالبيع على الخيار إذا كان الخيار له؛ لأن السلعة إن تلفت في البيع الفاسد ضمنها المبتاع ولزمه البيع فيها بالقيمة، وإن تلفت السلعة في بيع الخيار والخيار للبائع كانت مصيبتها منه بإجماع، ولم تجب للمبتاع إلا بإمضاء البيع له، فوجب أن لا يحنث إلا بإمضاء البيع لا بالعقد. ولو حلف أن لا يبيعها إلى أجل فباعها قبل الأجل على أن الخيار له وأمضاها له بعد الأجل لتخرج وجوب حنثه بذلك على الاختلاف في بيع الخيار إذا مضى هل يمضي على العقد الأول فيكون كأنه قد باعها حين العقد أو لا يكون بائعا لها إلا في حين إمضاء البيع؟ وهذا على المشهور في المذهب من أن البيع الفاسد ينتقل الملك به فتكون المصيبة فيه بعد القبض من المبتاع وإن قامت على التلف البينة. وأما على القول بأن الملك لا ينتقل به وأن المصيبة فيه من البائع إذا قامت البينة على التلف وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع في بعض الروايات فلا يحنث بالبيع الفاسد وإن قبض المبتاع السلعة ففاتت عنده، وبالله التوفيق. [مسألة: شراء الجنين في بطن أمه] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن باع جارية له، فلما قبض ثمنها قال: كل ذكر أشتريه بثمنها فهو حر، فاشترى جارية حاملا فولدت ذكرا: إنه يعتق عليه الذكر ولا تعتق هي، وقاله أصبغ وليس بمنزلة الذي يقول: كل ذكر اشتريته فهو حر فيشتري جارية فتلد ذكرا أنه لا شيء عليه، إلا أن يكون أراد كل ذكر يملكه فهو حر، وفي رواية أبي زيد بن أبي الغمر قال: وسئل: عن رجل باع جارية ثم قال

كل غلام أشتريه من ثمن هذه الجارية فهو حر فاشترى جارية حاملا فولدت غلاما، قال يعتق الغلام ولا تعتق الجارية، وإن كان اشتراها وليست بحامل فولدت غلاما لم يعتق. قال محمد بن رشد: رواية أبي زيد هذه عن ابن القاسم مثل رواية أصبغ عنه، وما فيها من الزيادة عليها تتميم لها، قد قال غيره: إنه لا يلزمه في الجنين حنث؛ لأن الشراء لم يقع عليه، وإنما وقع على الأم إذ لا يحل شراء الجنين في بطن أمه، ولم يفرق ابن القاسم ولا غيره بين أن تكون حين الشراء ظاهرة الحمل أو غير ظاهرة الحمل، فأما إذا كانت غير ظاهرة الحمل والحمل يزيد في ثمنها فقول ابن القاسم أظهر؛ لأنه قد وقع للجنين حصة من الثمن، وأما إن كانت غير ظاهرة الحمل أو ظاهرة الحمل وهي من الجواري اللائي لا يزيد الحمل في أثمانهن أو ينقص منها فقول غيره أظهر، إذ لم يقع للجنين حصة من الثمن، فيحتمل أن يرد قولهما جميعا بالتأويل إلى هذا التقسيم فلا يكون بينهما اختلاف، وذلك قولهما إن ذلك عندهما سواء، فالتفرقة قول ثالث. والله أعلم. ولا اختلاف بينهما في أن الحمل إن لم يكن ظاهرا لا يجب للولد عتق إلا أن يشتريها بشرط أنها حامل على مذهب من يجيز ذلك، وهو قول أشهب في سماع عبد الملك من كتاب العيوب، فيعتق الولد لأنه قد حصل له بالشرط حصة من الثمن. وقوله وليس بمنزلة الذي يمول كل ذكر أشتريه فهو حر فيشتري جارية فتلد ذكرا إنه لا شيء عليه إلا أن يكون أراد كل ذكر يملكه فهو حر ليس في كل الروايات، ويحتمل أن يكون من قول ابن القاسم وأن يكون من قول أصبغ. وقوله فيه فتلد ذكرا يريد ولم تكن حاملا يوم الشراء، إذ قال إن الولد يعتق إذا كانت حاملا يوم الشراء، وفي قوله إلا أن يكون أراد كل ذكر يملكه

مسألة: يحلف بعتق عبده إذ لم يضربه ثم يكاتبه

فهو حر نص منه على أن يمينه على الذكران دون الإناث تخصيص يلزمه به اليمين وهو قول ابن نافع في المبسوطة. خلاف قول مالك فيها إن ذلك عموم لا يلزمه فيه اليمين وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بعتق عبده إذ لم يضربه ثم يكاتبه] مسألة قال أصبغ وسمعت ابن القاسم يقول في الذي يحلف بعتق عبده إذ لم يضربه ثم يكاتبه: إنه يمضي على كتابته ولا يضربه ولا ينقض، فإن عجز ضربه، وإن أدى كتابته وعتق رد عليه ما أخذ منه، وقال أصبغ، وإن عجل فضربه في الكتابة لم أر ذلك ينفعه ولا يبريه؛ لأنه ضرب تعدي ليس له، وإن أدى عتق وحنث ورد ذلك إليه، وإن عجز لم يبر حتى يضربه ثانية ضربا يجوز له. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم يمضي على كتابته ولا يضربه ولا تنقض الكتابة يريد وإن ضربه لم يبر بضربه في الكتابة على ما نص عليه بعد ذلك بقوله: وإن عجز فضربه في الكتابة لم أر ذلك ينفعه ولا يبر به، ويحتمل أن يكون ذلك من قول أصبغ، فإن كان من قوله فهو مفسر لروايته عنه، وإذا لم تنتقض الكتابة فيوقف ما يؤدي منها، فإن عتق بالأداء تم الحنث فيه وصار حرا، وأخذ كل ما أدى، وإن عجز ضربه إن شاء، قال ذلك في كتاب ابن المواز، ولم ينص ابن القاسم في هذه الرواية على توقيف ما يقبض منه، فيحتمل أن تكون هذه إرادته، ويحتمل أن يريد أن ذلك لا يوقف إذا كان السيد مليا ظاهر الملا لم يخش عليه العدم، وكذلك لا يبد عند ابن القاسم بضربه وهو في ملك غيره إن باعه قبل أن يضربه، وقال أشهب: يبر بضربه وهو في ملك غيره، ولا يبر بضربه في الكتابة، وله في كتاب ابن المواز أنه يبر بضربه

مسألة: يحلف بحرية جاريته إن وطئها فيبيعها ثم يشتريها بعد ذلك

في الكتابة، ففي جملة المسألة ثلاثة أقوال، قولان وتفرقة، ولا اختلاف في أنه لا يبر بضربها بعد أن أعتقها المشتري أو أولدها، وقد مضى هذا في رسم العتق من سماع عيسى وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بحرية جاريته إن وطئها فيبيعها ثم يشتريها بعد ذلك] مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن الذي يحلف بحرية جاريته إن وطئها فيبيعها ثم يشتريها بعد ذلك، قال: ترجع عليه اليمين قال: ترجع عليه اليمين قال: فورثها؟ قال: تسقط عنه اليمين قال أصبغ: ويطؤها ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذا مذهب ابن القاسم، وقوله في المدونة وغيرها إن الحالف بعتق عبده أن لا يفعل فعلا فيبيع العبد أو يهبه ويفعل ذلك الفعل بعد أن رجع إليه العبد إلا أن يكون رجع إليه بميراث أو يكون ذلك الفعل مما لا يتكرر، وقد فعله والعبد خارج عن ملكه، وقد قيل: إن اليمين لا ترجع عليه إذا خرج عن ملكه ثم عاد إليه بأي وجه كان، وهو مذهب الشافعي، وإليه ذهب ابن بكير، ووجه قولهما أنه إنما حلف بذلك الملك فلا يرجع عليه في اليمين في ملك آخر كمن حلف بالطلاق أن لا يفعل فعلا فطلق امرأته ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج أن اليمين لا ترجع عليه، وفي المسألة قول ثالث، وهو أن اليمين إنما ترجع عليه إذا اشتراه من الذي باعه منه أو وهبه إياه؛ لأنه يتهم على أنه عمل معه على أن يرده إليه ليحل اليمين عن نفسه، فإذا اشتراه من غيره أو من الذي باعه منه في تفليس، أو كان قد بيع هو عليه في تفليس فاشتراه من المشتري فلا ترجع اليمين عليه لارتفاع التهمة، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة وحكاه عن مالك وعن ابنه وعن المغيرة وابن أبي

مسألة: يقول لامرأته أنت طالق البتة إن دخلت بيت أبيك

حازم وابن دينار وغيرهم، ومن مذهب الشافعي أيضا أن الحالف بالطلاق أن لا يفعل شيئا ينحل عنه اليمين إذا خرجت عن عصمته بطلقة واحدة ثم راجعها فلا ترجع عليه، وقد مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى من معنى هذه المسألة ما فيه بيان لها وبالله التوفيق. [مسألة: يقول لامرأته أنت طالق البتة إن دخلت بيت أبيك] مسألة قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن امرأة حلفت بعتق رقيقها أن لا يخرج إلى موضع سمته حتى يقدم زوجها وخرج حاجا فمات قبل أن يرجع، فقال: إن كانت أرادت إلى مقدار قدومه لقدوم الناس من الحج فلا شيء عليها، أي إذا مضى ذلك القدر، قال: وإن لم تكن لها نية فاليمين عليها أبدا. قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق في الذي يقول لامرأته: أنت طالق البتة إن دخلت بيت أبيك حتى يقدم أخوك من سفره، فمات قبل أن يقدم، إنه إن كانت نيته في ذلك أن يقدم الحاج ولم يرد في ذلك الموت، فإن أقامت إلى ذلك القدر ثم دخلت فلا شيء عليه، وإن لم تكن له نية فهو حانث، ولا إشكال في المسألة أنها إن كانت أرادت إلى مقدار قدومه فلها نيتها، ولا يلزمها شيء إن خرجت إلى ذلك الموضع بعد مقدار قدومه عاش أو مات، وكذلك إن لم يرد ذلك وكان ليمينها بساط يدل على ذلك على المشهور في المذهب من مراعاة البساط في الأيمان عند عدم النية فيها. ولو كانت أرادت بذلك استرضاء زوجها، أو كان ليمينها بساط يدل على ذلك لما كان عليها شيء في خروجها إلى الموضع الذي حلفت عليه إذا مات زوجها قرب موته أو بعد، إذ لا يسترضى من قد مات، وأما إذا لم تكن لها نية، ولا كان ليمينها بساط، فحمل يمينها في هذه الرواية وفي المسألة التي ذكرناها

مسألة: حلف بعتقه ليضربنه فباعه

من كتاب الأيمان بالطلاق على ما يقتضيه اللفظ ولم يراع المعنى والمقصد، ويأتي على مراعاته أن لا تحنث إن فات إن خرجت إلى ذلك الموضع، بعد أن يمضي من المدة ما كان يمكنه فيها القدوم لو كان حيا، إذ قد علم من قصدها أنها لم ترد بقولها حتى يقدم زوجها إلا مع استمرار حياته، إذ لا يمكن أن يقدم الميت، وعلى هذا المعنى يأتي قول مالك في أول مسألة من رسم الطلاق الأول من سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق: هي الآن من أهل القبور، وعلى هذا المعنى اختلفوا في الرجل يحلف أن لا يكلم رجلا حتى يرى الهلال فعمي قبل استهلاله، فقال مالك. هو حانث إن كلمه أبدا، وقال ابن الماجشون يكلمه إذا رىء الهلال ولا شيء عليه لأنه إنما أراد أن لا يكلمه حتى يرى الهلال من حيث يرى، وقع هذا في المبسوطة وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بعتقه ليضربنه فباعه] مسألة وسئل عمن حلف بحرية غلامه ليوفين رجلا حقه إلى أجل فباع الغلام قبل الأجل وأوفاه حقه، قال: لا حنث عليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: لأنه يبر بالقضاء بعد البيع فلا يرد البيع إذا قضاه، ولو لم يقبضه لرد البيع حتى يبرأ ويحنث بانقضاء الأجل فيعتق عليه. ولو حلف بعتقه ليضربنه فباعه لم يبر بضربه بعد البيع على مذهب ابن القاسم، ويرد البيع على مذهبه حتى يبر بضربه ثانية، أو يحنث بمرور الأجل إن كانت يمينه إلى أجل فيعتق في ثلثه إن لم يضربه حتى مات، وأشهب يرى أنه يبر بضربه بعد أن باعه، وقد مضى ذلك فوق هذا، ومضت هذه المسألة أيضا

مسألة: حلف بحرية جارية له ليضربنها فباعها من رجل فأحبلها المشتري

في رسم نذر من سماع ابن القاسم، ومضى في رسم العتق من سماع عيسى القول في وجوب رد البيع ووجه الحكم في ذلك فلا معنى لإعادته. [مسألة: حلف بحرية جارية له ليضربنها فباعها من رجل فأحبلها المشتري] مسألة وسئل عن رجل حلف بحرية جارية له ليضربنها فباعها من رجل فأحبلها المشتري قال: أرى أن تعتق ويرد الثمن إلى المشتري ويكون له الولد بغير قيمة، قال أصبغ: لا أرى ذلك وأراها أم ولد للمشتري كالمدبرة تباع فتفوت بالاتخاذ فلا ترد، فليست هذه بأشد منها ولا بأعظم حرمة من التدبير، وهذا إذا لم يوقت لليمين وقتا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم العتق من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق شركا له في عبد فلم يقوم عليه حتى أعتقه الآخر] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن أمة بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه وغاب فباع الآخر حصته أو باعها كلها واتخذها المشتري أم ولد وولدت قال: تعتق على المشتري ساعتئذ وتخرج حرة، وإن كان باعه إياها على أنها أمة كلها قُوِّمت على أن نصفها حر ونصفها رقيق، فكان لبائعها قيمة ذلك النصف الرقيق إن كان أقل من نصف الثمن الذي باع به، ورجع عليه المشتري بما بقي يعني كعيب موجود، وإن كان أكثر من نصف الثمن الذي باع به لم يكن له إلا نصف الثمن، وإنما أعتقها عليه؛ لأنه لا يستطيع أن يطأها ونصفها حر. وأمهات الأولاد لا يحبسن على منفعة غير الوطء، وقد قاله مالك فيما يشبهه، وأهل العراق يخالفوننا يقولون من أعتق شركا له

في عبد فلم يقوم عليه حتى أعتقه الآخر فلا عتق له، ونحن نقول عتقه جائز، فإذا باع المتمسك بالرق نصيبه فأعتقها المشتري فهو في مثابة لو كان هو المعتق، فعلى هذا الأصل قست لك وبينت. فإن قال قائل: إن العتق يكون رضى بما حدث، فإن الوطء يكون رضى، والحمل جاء من الوطء، وقد كان له أن يرد بعد الوطء قبل الحمل، فالحمل ها هنا لا يكون كالعتق. قال أصبغ مثله، وذلك الصواب، ولو لم يبع إلا النصف الذي له وكتمه الحرية في النصف الآخر ووطئ وأحبل كان قيمة الرق فيها [كلها] فيعرف مبلغه ثم [يقوم] معيبا ثانية رأيته سواء، فما نقص رجع بقدر جزئه من الثمن فصواب، وهو يرجع إلى شيء واحد ويعاقب الواطئ في هذه الوطأة. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة وإن كان باعها على أنها أمة كلها قومت على أن نصفها حر ونصفها رقيق، فكان لبائعها قيمة ذلك النصف الرقيق إن كان أقل من نصف الثمن الذي باع به ويرجع عليه المشتري بما بقي، فإن كان أكثر من نصف الثمن الذي باع به لم يكن له إلا نصف الثمن ليس بمستقيم على أصولهم؛ لأن ذلك إنما هو عيب في نصفها الرقيق بما كتمته من حرية أصلها الآخر، واستحقاق في نصفها الآخر بالحرية، فوجه الحكم في ذلك على أصولهم أن يرجع المبتاع على البائع بنصف الثمن الذي دفع إليه في النصف المستحق بالحرية وتقوَّم الجارية يوم البيع على أنها أمة كلها ويقوم نصفها الرقيق يوم البيع أيضا على أن نصفها حر فينظر ما بين نصف قيمتها على أنها كلها رقيق وما بين قيمة نصفها على أن نصفها حر فيرجع عليه بذلك الجزء في ثمن نصفها قل أو كثر، مثال ذلك أن تكون قيمتها على

أنها رقيق كلها مائة، وقيمة نصفها على أن نصفها الآخر حر أربعون، فالعشرة التي بين الأربعين والخمسين من الخمسين خمسها، فيرجع المبتاع على البائع بخمس نصف الثمن الذي دفع إليه قل أو كثر، وهذا الذي قلت قد قالها بعد هذا، إذ لم يبع إلا النصف الذي له أنه يقوم النصف الذي باع على أن النصف الثاني رقيق، ويقوم ثانية معيبا بعيب حرية النصف الآخر. فما نقصه رجع بقدر جزئه من الثمن، وذلك صواب كما قال، إلا أنه لا يرجع مع ما ذكره أولا إلى شيء واحد كما زعم. وقوله: فإن قال قائل: إن العتق يكون رضى بما يحدث فإن الوطء يكون رضى والحمل جاء من الوطء، وقد كان له أن يرد بعد الوطء قبل الحمل، فالحمل ها هنا لا يكون كالعتق كلام فيه استكمال إشكال لإضمار وقع فيه وتقديم وتأخير، والمعنى فيه أن المخالف يقول: إن العتق رضا بما يطلع عليه من العيوب، فيمن اشترى عبدا فأعتقه ثم اطلع على عيب فيه لم يكن له رجوع به، وليس الحمل رضا بما يطلع عليه من العيوب؛ إذ لا كسب له فيه؛ لأنه إنما فعل هو الوطء، والوطء ليس برضا؛ إذ له أن يرد بعد الوطء، يقول: فكما له أن يرد بعد الوطء فكذلك له أن يرجع بقيمة العيب بعد الحمل فنقض عليه ابن القاسم قوله بقوله: فإن الوطء يكون رضا والحمل جاء من الوطء- يقول لهم- فيلزم على قياس قولكم إذا كان العتق عندكم رضى أن يكون الوطء رضى، والحمل رضى؛ لأنه يكون عن الوطء. وتقدير الكلام بإظهار ما فيه من الإضمار، فإن قال قائل: إن العتق يكون رضى بما يحدث ولا يكون الحمل رضى بما يحدث؛ لأنه فعل العتق ولم يفعل الحمل؛ لأنه وطئ، وقد كان له أن يرد الوطء قبل الحمل، فالحمل هاهنا لا يكون كالعتق؛ فإن الوطء يكون رضى، والحمل جاء من الوطء وبالله التوفيق، وسيأتي في سماع أبي زيد إذا باعها المعتق فنتكلم على ذلك إن شاء الله,، وبالله التوفيق.

مسألة: ابن لرجل وأجنبي اشتريا أب أحدهما فأعتقاه

[مسألة: ابن لرجل وأجنبي اشتريا أب أحدهما فأعتقاه] مسألة وسئل عن ابن لرجل وأجنبي اشتريا أب أحدهما فأعتقاه، ثم مات الأب وترك موالي فمات بعض الموالي، فقال: ولاؤهم للابن دون الأب ما دام حيا. قال أصبغ: لأن النسب قائم ولا ولاء مع النسب، وولد الابن فيهم بمثابة أبيهم لو كان حيا حتى ينقطع النسب فيصير الولاء نصفين بين الأجنبي وعصبة الابن يوم يموت الموالي ويرجع الولاء إلى غير ولد ولا نسب. قال محمد بن رشد: قوله فيمن مات من موالي الأب إن ميراثهم لابنه ولابن ابنه على ما قاله أصبغ يريد ولجميع عصبته أيضا الأقرب فالأقرب فالأقرب دون الآخر يريد دون الأجنبي الذي أعتق نصف الأب صحيح على ما قاله؛ لأن ولد الرجل ولد ولده وسائر عصبته الأقرب فالأقرب بميراث مواليه ممن أعتقه هو إذ لا ينتقل الولاء إلى مولى المولى حتى لا يكون للمولى ولد ولا عصبة، فإذا لم يكن له ولد ولا عصبة رجع الولاء إلى مولاه الذي أعتقه. فقوله: إذا انقطع النسب إن الولاء يصير نصفين بين الأجنبي وعصبة الابن يريد أن ميراثه يكون نصفه للأجنبي الذي أعتق في حق الأب والنصف الآخر لعصبة الابن الذي أعتق النصف الآخر، يعني مواليه إن كان مولى، وإن لم يكن مولى فهو لجماعة المسلمين، وبالله التوفيق. [مسألة: المكاتب بين الرجلين فيموت أحدهما] مسألة وسئل عن المكاتب بين الرجلين فيموت أحدهما فيوصي بعتق نصيبه وأن يستتم عتق نصيب صاحبه، قال: ليس ذلك له أن ينتقل عن صاحبه ولاء قد صار له وثبت له. قيل له: فإن رضي صاحبه أن يجيز له ما صنع؟ قال: لا يجوز

مسألة: عبد بين اثنين يستأذن العبد أحد مواليه بأن يعتق عبدا له

على حال، قال أصبغ: مثله حتى يعجز فيعتق على الميت في ثلثه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الكتابة من العقود اللازمة، وهي تثبت الولاء، فليس لأحد الشريكين أن يوصي بعتق نصيب صاحبه فينقل الولاء عنه إلى نفسه، ولا يجوز ذلك وإن رضي به شريكه لما جاء من النهي عن بيع الولاء وهبته إلا أن يعجز كما قال أصبغ: فيعتق على الميت في ثلثه بما أوصى له به، قيل: إذا رضي الشريك بذلك، وقيل: رضي أم لم يرض، وقد مضى الاختلاف في هذا وتوجيهه في رسم العتق من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد بين اثنين يستأذن العبد أحد مواليه بأن يعتق عبدا له] مسألة قال ابن القاسم في عبد بين اثنين يستأذن العبد أحد مواليه بأن يعتق عبدا له فأذن له وكتم مولاه الآخر ذلك حتى أعتقاه جميعا لمن يكون ولاء العبد الذي أعتقه العبد؟ قال: للعبد الذي أعتقه وليس للذي أذن له أن يعتق عبده من ولائه شيء؛ لأنه لو أراد أيضا أن يأخذ من ماله شيئا لم يكن له ذلك إلا أن يأذنا له جميعا فيكون الولاء لهما دون العبد وإن عتق. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إذ لا يجوز إذن أحدهما في ذلك له دون صاحبه من أجل أنه ليس له أن ينتزع ماله، فإذنه كلا إذن، فوجب أن يرجع إليه الولاء إذا أعتق، وقد مضى في رسم سن من سماع ابن القاسم ما فيه بيان هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد عليه أنه كان يقر أن ولاءه لبني فلان] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن شهد عليه أنه كان يقر أن ولاءه لبني فلان مثل بني زهرة أو بني تميم أو ما أشبه ذلك:

: قال لعبده أنت حر قبل موتي بخمس سنين

لا يكون لأحد من هؤلاء من ولائه قليل ولا كثير إذا سمى الفخذ هكذا بعينه حتى يبين لمن هو منهم خاصة؟ وإلا فليس لأحد منهم قليل ولا كثير. وقال أصبغ: حتى يسمي القوم بأعيانهم أو بني الأب بعينه عند الأب الجامع. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الولاء كالنسب، فلو ثبت لرجل أنه من بني تميم أو من بني زهر بن كلاب ولم يعرف من عصبته بأعيانهم معرفة قعددهم منه وحيث يلتقون معه من الآباء كان ميراثه لجماعة المسلمين، ولم يكن لواحد منهم للجهل بقعدده منه، وبالله التوفيق. [: قال لعبده أنت حر قبل موتي بخمس سنين] ومن كتاب الوصايا الصغير قال أصبغ: سئل عن رجل قال لعبده: أنت حر قبل موتي بخمس سنين. قال: لا يعتق حتى يموت، فإذا مات عتق في الثلث، ولو قال لعبده أنت حر قبل موتك بخمس سنين قال: لا حرية له أصلا. قال محمد بن رشد هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [: أعتق شركا له في عبد] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد ابن أبي الغمر: سئل ابن القاسم عن رجل أعتق شركا له في عبد، فلما أرادوا أن يقوموه عليه قال: إنه آبق سارق

مسألة: قال غلامي ميمون حر إن بعته

وشريكي يعلم ذلك منه، وليس له بينة فاستحلفوه. قال: أرى أن يقوم على أنه لا عيب فيه إلا أن يأتي المعتق ببينة، ولا أرى على الشريك يمينا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت والكلام عليها في رسم العتق من سماع أشهب فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: قال غلامي ميمون حر إن بعته] مسألة وقال في رجل قال: غلامي ميمون حر إن بعته ومرزوق غلام فلان حر إن اشتريته أبدا، فباع ميمونا بمرزوق الذي حلف بعتقه أن لا يشتريه قال: يعتقان عليه جميعا. قال محمد بن رشد: زاد ابن المواز في هذه المسألة، وعليه قيمة العبد الذي ابتاع وبزيادة تتم، وذلك أن البائع لمرزوق لما باعه من الذي حلف بحريته إن اشتراه عتق على المشتري بنفس الشراء، ولما كان بيعه إياه منه بالعبد الذي كان حلف البائع بحريته إن باعه لم يصح له ملكه لوجوب عتقه على البائع، فصار كمن باع عبده بعبد فأعتق المشتري العبد الذي اشتراه واستحق من يد البائع العبد الذي باعه بحرية، فوجب للبائع أن يرجع على المبتاع بقيمة العبد الذي باعه منه لفواته عنده بالحرية. وهذا التوجيه إن كان البائع لمرزوق لم يعلم بيمين المبتاع له، وأما إن علم بيمينه فوجه وجوب القيمة له فيه هو أنه لما باعه منه وقد علم أنهما يعتقان جميعا على المبتاع له بنفس الابتياع، وأنه لا يأخذ في عبده إلا قيمته صار كأنه باعه منه بقيمته وهو بيع فاسد فات بالعتق فوجبت له فيه القيمة، وبالله التوفيق. [مسألة: قال غلامي ميمون حر إن لم أفعل] مسألة وقال في رجل قال: غلامي ميمون حر أو مرزوق إن لم أفعل

مسألة: قالت لجارية لها إن ولدت غلاما فأنت حرة فولدت غلاما ميتا

كذا وكذا ثم يموت قبل أن يفعله، قال: يسهم بينهما ثم يعتق من وقع السهم عليه إذا حمله الثلث، ولا يقوموا ولا يبالي من وقع عليه العتق على من كان أرفعهم أو أخفضهم إذا حمله الثلث. قال محمد بن رشد: لما كان الحنث في أحد العبدين لا يجب إلا بالموت أشبه الوصية بعتق أحدهما، فوجب أن يسهم بينهما فيعتق من خرج السهم منهما عليه، كان أرفعهم أو أخفضهم كما قال؛ لأن الميت إنما أراد عتق واحد منهما، وقد قيل: إنه يعتق نصف قيمتهما بالسهم، وهو الذي يأتي على ما حكاه سحنون عن مالك في سماع محمد بن خالد، ولا يقال في هذه المسألة: إن العتق يجري فيهما، فيعتق من كل واحد منهما نصفه إن حمله الثلث على قياس قول ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى؛ لأن ذلك عتق كان أصله في الصحة، والسنة قد جاءت بالقرعة في العتق عند الموت إلا على من يرى القرعة أصلا كمذهب أهل العراق وهو قول المغيرة، فيقول إن العتق يجري فيهما ولا يسهم بينهما، وأما تخيير الورثة في هذه المسألة فلا يقال به فيها، والله الموفق. [مسألة: قالت لجارية لها إن ولدت غلاما فأنت حرة فولدت غلاما ميتا] مسألة وقال في امرأة قالت لجارية لها: إن ولدت غلاما فأنت حرة شكرا لله، فولدت غلاما ميتا قال: تعتق. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنها إنما قالت إن ولدت غلاما ولم تقل حيا ولا ميتا، فوجب أن يحمل قولها على عمومه، ومن جهة المعنى أيضا لا فرق بين أن تلده ميتا أو حيا فيموت قبل أن يبلغ مبلغ الانتفاع به، وقد خلصت في الوجهين جميعا مما خشته من أن تضع جارية لكراهيتها لها، والله أعلم، وتعتق عليها بالحكم؛ لأنها يمين وإن خرجت مخرج النذور، ولو قالت: لله علي أن أعتقك إن ولدت غلاما لم يحكم عليها بعتقها على مذهب ابن

مسألة: أعتق أم ولده على أن أسلمت له ولده الصغير منها

القاسم خلافا لقول أشهب، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن في الحكم عليها تفويتا بالوفاء بالنذر، إذ لا يكون الوفاء دون نية، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتق أم ولده على أن أسلمت له ولده الصغير منها] مسألة وقال في رجل أعتق أم ولده على أن أسلمت له ولده الصغير منها يكون عنده: إنه يرد إليها، وليس ذلك بمنزلة الحرة يصالحها على أن تسلمهم إليه، فذلك جائز، ولا يرجعون إليها. قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم أن ذلك يلزمها بمنزلة الحرة، حكى ابن المواز عنه القولين جميعا، وقد تكررت هذه المسألة في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك، وقلنا فيها هنالك: إن الأصل في هذا الاختلاف هو أنه لما أعتقها على أن أسلمت إليه ولده منها حصل إسقاطها لما يجب لها من حضانة ولدها في حال العتق معا، فمرة رأى الإسقاط مقدما على العتق فلم يلزمها إياه إذ لم تلتزمه إلا في حال رقها وفي حال لا تملك نفسها، ويقدر السيد فيه على إكراهها، فصارت في حكم المغلوبة على ذلك، ومرة رأى العتق مقدما على الإسقاط فألزمها إياه؛ إذ لم تلتزمه إلا في حال حريتها بعد عتقها، فأشبهت الحرة يصالحها على أن تسقط حقها في حضانة ولدها، والأظهر من جهة القياس أن ذلك لا يلزمها لأنهما إذا وقعا معا فقد وقع كل واحد منهما قبل كمال صاحبه، وعلى هذا الأصل وقع الاختلاف في الرجل يعتق أمته على أن تتزوجه بكذا وكذا، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، والأظهر من جهة المعنى أن ذلك يلزمها؛ لأنها اختارت عتقها على حضانة ولدها كما اختارت الزوجة نفسها على ذلك، فوجب أن يستويا، وبالله التوفيق. [مسألة: ترك غلامين أختلف في عتقهما] مسألة قال في رجل توفي وترك غلامين، يقال لهما: ميمون وسلام،

مسألة: حلف ليفعلن فعلا ولم يضرب له أجلا

فشهد رجلان عدلان أن أباه الميت قد أعتق ميمونا في صحته منه، وقال الابن: لا، بل سلام الذي أعتق في مرضه. قال ابن القاسم: يقال للابن: أنت تقول إنما شهد الشاهدان بزور، وأن المعتق إنما هو سلام، فانظر إلى قيمة ميمون وإلى ثلث ما ترك الميت فإن كان سلام يحمله الثلث مع قيمة الغلام الآخر فسلام حر، وخرج ميمون بالشهادة حرا، وإن لم يحمله ثلث ذلك فما حمل الثلث منه عتق وخرج الآخر حرا. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن سلاما يعتق إن حمله الثلث مع قيمة الغلام الآخر مثل قوله في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الوصايا وخلاف قوله في رسم العتق من سماع عيسى من هذا الكتاب على ما فسره عيسى بن دينار من أنه يعتق إن حمله الثلث دون الآخر، وقد مضى تمام القول على هذا هنالك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف ليفعلن فعلا ولم يضرب له أجلا] مسألة وقال في رجل قال في أخ له: إن لم يصنع لنا فجاريته حرة، فأقام أشهرا يماطله، ثم صنع له بعد أشهر، فقال: أخاف أن يحنث، قال: وأراه قد حنث. قال محمد بن رشد: خشي عليه الحنث أولا ولم يحققه عليه، ثم حققه عليه بقوله: وأراه قد حنث، وإيجابه الحنث عليه وإن كان قد صنع من أجل أنه أخره ولم يعجله يقتضي ظاهره أنه حمل يمينه على التعجيل حتى يريد التأخير، وهو خلاف المشهور في المذهب من أن من حلف ليفعلن فعلا ولم يضرب له أجلا لا يحنث إلا بالموت إذا كان يمكنه فعل ما حلف ليفعلنه طول حياته، فإن كانت يمينه بعتق أو بما فيه كفارة لزمه ذلك في ثلثه، وإن كانت

مسألة: قال لعبده إن فارقت غريمي فأنت حر ففارقه

بطلاق لم يكن عليه شيء؛ إذ لا يقع الطلاق على أحد بعد موته، وأما إذا فاته في حياته فعل ما حلف ليفعلنه مثل أن يحلف ليضربن عبده أو ليذبحن شاة فيموت العبد قبل أن يضربه أو الشاة قبل أن يذبحها فيحنث بالتفريط إن كان قد حيى أو حييت قدر ما لو أراد أن يضربه أو يذبحها أمكن ذلك. والاختلاف في هذا جارٍ على اختلاف أهل الأصول في الأمر بالشيء هل يقتضي الفور أم لا؟ وعلى هذا اختلفوا في الحج هل هو على الفور أو على التراخي، وقد قال أبو بكر بن محمد في هذه المسألة: لا شيء عليه؛ لأنه لم يضرب أجلا فجاوزه دون أن يفعل ما حلف عليه، وقال أبو محمد: إنما عني أبو بكر إذا لم ينو الاستعجال، وابن القاسم خاف عليه أن يكون نوى الاستعجال فلذلك أحنثه، ولا اختلاف إذا كانت له نية في التعجيل أو التأخير، وإنما الاختلاف إذا عريت يمينه من النية على ما تحمل؟ والمشهور في المذهب ما ذكرناه من أنها تحمل على التأخير فلا يحنث إلا بالموت أو بفوات الفعل، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لعبده إن فارقت غريمي فأنت حر ففارقه] مسألة وقال في رجل قال لعبده: إن فارقت غريمي فأنت حر، ففارقه قال: قد كان لا يراه عتيقا، ثم عرضته عليه مخليا وما بقي أحد فأمرني بمحوه ورآه حرا، قال: وكذلك من قال لعبده أنت حر إن دخلت دار فلان فدخلها. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم لم يدرك من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: اليمين لا يلحق إلا بتحقيق الدعوى] مسألة وقال في رجل كان جالسا في ملإ فمر به غلام له، فقال له

مسألة: جارية بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه

بعض القوم: ما اسم غلامك هذا؟ فقال حر، وليس اسمه حرا، قال: هو كاذب وليس عليه شيء. قلت: فهل عليه يمين أنه لم يرد بقوله عتقا؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يمين عليه هو على القياس بأن اليمين لا يلحق إلا بتحقيق الدعوى، وقد مضى الكلام على هذا المعنى مستوفا في رسم لم يدرك ورسم الرهون من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [مسألة: جارية بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه] مسألة وقال ابن القاسم في جارية بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه ثم إن معتق النصف باعها من رجل فوطئها فحملت منه، قال: يرجع الذي حملت منه بالثمن على من اشترى منه، ويرجع المتمسك بالرق على الذي أحبلها بنصف الثمن فقط. قال محمد بن رشد: قوله: ويرجع المتمسك بالرق على الذي أحبلها بنصف الثمن فقط كلام فيه نظر، وإنما الواجب أن يرجع عليه بقيمة نصفها فغلب حرية نصفها الآخر. إما يوم أحبلها ولا يكون عليه شيء من قيمة ولدها، وإما يوم الحكم عليه بذلك مع نصف قيمة ولدها على اختلاف قول مالك في ذلك؛ لأنه مستحق لذلك النصف من يد مشتر قد أولده، فيجري الحكم فيه على اختلاف قوله فيمن استحق أمته من يد مشتر بعد أن أولدها، ويكون من حقه أن يرجع على الشريك المعتق لحصته منها بما انتقصه من قيمة نصفها بسبب حرية النصف الآخر؛ لأنه كان من حقه أن يقومها عليه كلها على أنها أمة لا عتق فيها، فيأخذ منه نصف قيمتها على المشهور في المذهب، وهو ظاهر الحديث، وقد قيل: إن المعتق لحظه من العبد لا يلزمه لشريكه إلا قيمة حظه بعيب الحرية يقوم ذلك من قول ابن القاسم في كتاب الجنايات من المدونة ومن قول غيره في كتاب أمهات الأولاد منها، فعلى هذا القول لا يكون

مسألة: حلف بعتق جارية له ليبيعنها

له رجوع إلا أن يكون بين الوقتين اختلاف في القيمة وعلى القول بأن لمستلحق الجارية وقد ولدت أن يأخذها وقيمة ولدها يكون للمتمسك بالرق أن يأخذ حظه منها ونصف قيمة ولدها، فيقوم على المعتق لحظه منها ويكون لها ولاء جميعها، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وقد رأيت لابن دحون فيها كلاما مختلا لا يصح، قال: إنما رجع على المشتري بنصف الثمن لأنه هو أفاتها وقد كانت القيمة تلزم المعتق إلا أنه لما باعها أفاتها الذي أحبلها، فسقطت عنه القيمة ورجعت على الذي أحبلها، والأموال تضمن بالعمد والخطأ، وتعتق الجارية إذ لا منفعة فيها للذي أحبلها؛ لأن نصفها حر ونصفها أم ولد، ولا شيء عليه في الولد لأنه غير غاصب ولا متعدي، هذا نص قوله، وقد مضى من قولنا ما يدل على خطائه فيه في غير ما موضع منه، وبالله التوفيق. [مسألة: حلف بعتق جارية له ليبيعنها] مسألة وقال في رجل حلف بعتق جارية له ليبيعنها فولدت له أولادا أو فرط في بيعها ثم باعها أترى عليه بيع ولدها؟ قال: إذا باعها فقد بر في ولدها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إذ لم يحلف على بيع ولدها، وإنما حلف على بيعها فإذا بر فيها ببيعها لم يكن عليه في ولدها شيء، وإن لم يبعها حتى مات عتقت في ثلثه وعتق ولدها فيه أيضا على الاختلاف الذي قد مضى في غير ما موضع من هذا الكتاب وغيره، ومد مضى تحصيله في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: قيد عبده وقال أنت حر إن نزعت هذا القيد] مسألة وقال في رجل قيد عبده وقال: أنت حر إن نزعت هذا القيد عن رجلك أبدا حتى تحفر لي مرحاضا طوله كذا وكذا، قال: ينظر

مسألة: عبد بين رجل وامرأته أعتق كلا منهما نصيبه

السلطان فإن كان شيئا لا يستطيع رجل أن يحفره رأيت أن يترك؛ لأنه لا يترك وذلك، قيل له: أفيترك في القيد؟ قال: إن كان لا يقوى على ما حلف عليه عتق وحل عنه. قال محمد بن رشد: قوله إن كان لا يقوى على ما حلف عليه عتق وحل عنه القيد يدل على أنه إن كان يقوى على حفره وهو مقيد على حاله ترك مقيدا حتى يحفره، ولم يعتق عليه، وهذا إن كان لتقييده إياه وجه من أنه يخشى إباقه وأنه إنما قيده أدبا له على شيء صنعه. وأما إن كان قيده لغير سبب وحلف أن لا يحله منه حتى يحفر له ما حلف عليه لوجب أن يطلق عليه إلا أن يكون القيد خفيفا لا مشقة- عليه فيه، فقد قيل إن الرجل إذا حلف بحرية عبده أن يضربه الأسواط اليسيرة على غير سبب يمكن من ذلك ولا يعتق عليه، قال ذلك ابن أبي زيد، وهو ظاهر ما في الواضحة في الزوجة وهو بعيد، فلا يجب أن يحمل ذلك على ظاهرة، وإنما يتأول على أنه يصدق في أنه قد أذنب ما يستوجب ذلك الضرب اليسير، وقد مضى هذا المعنى مجودا في رسم العتق من سماع أشهب من هذا الكتاب، وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، وبالله التوفيق. [مسألة: عبد بين رجل وامرأته أعتق كلا منهما نصيبه] مسألة وسئل ابن القاسم عن عبد بين رجل وامرأته فقال الزوج: نصيبي منك حر إذا ماتت امرأتي، وقالت المرأة: نصيبي منك حر إذا مات زوجي. قال: إذا مات الزوج عتق نصيب امرأته من رأس ماله ولا يلحقه دين كان بعد، ويبدأ على الوصايا وخدم ورثة الزوج أبدا حتى تموت المرأة، فإذا ماتت المرأة خرج حرا كله من رأس المال ولا يلحقه دين كان بعد ويبدأ على الوصايا.

مسألة: يحلف بالطلاق أو بالحرية ليضربن غلامه مائتي سوط

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يحلف بالطلاق أو بالحرية ليضربن غلامه مائتي سوط] مسألة قال ابن القاسم في الرجل يحلف بالطلاق أو بالحرية ليضربن غلامه مائتي سوط أو ثلاثمائة فضربه ضربا ينهكه ويبلغه هل يعتق عليه؟ قال: لا أرى أن يعتق عليه إلا أن يكون قد بلغ به الضرب أمرا يكون فيه مثلة شديدة من الأثر، فإن كان الضرب قد بلغ به من ذهاب لحمه حتى صار مثلة، قال: ورب ضرب يذهب اللحم حتى يبلغ العظم فيصير جلدا على عظم يتآكل، فإن بلغ منه هذا حتى يصير مثلة بينة عند الناس رأيته مثل قطع الأصابع وما أشبهه ورأيت أن يعتق عليه وإلا فلا شيء عليه، ولو رفع مثل هذا إلى السلطان قبل أن يضرب الضرب الذي يعلم أنه إن ضربه إياه خيف على العبد منه رأيت أن يعتق عليه وتطلق عليه امرأته، ولا يمكن من ضربه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: لأنه إذا أثر الضرب بجسده هذا التأثير فهو تمثيل به وإن لم يقطع جارحة من جوارحه قياسا على الحرق بالنار الذي جاء فيه الأثر: قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من مثل بعبده أو أحرقه بالنار فهو حر» ، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لجاريته أنت حرة إن لم أبعك] مسألة وقال في رجل قال لجاريته: أنت حرة إن لم أبعك ولو بوضيعة عشرة دنانير، فلم يعط إلا وضيعة خمسة عشر دينارا قال: لا يحنث ويطأها وإن مات لم تعتق في ثلث ولا غيره، ويتعرض بها الأسواق. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في رسم

مسألة: يشتري الجارية فتوضع للاستبراء فيعتقها المشتري

يوصي لمكاتبه من سماع عيسى من هذا الكتاب وفي رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الإيالة فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري الجارية فتوضع للاستبراء فيعتقها المشتري] مسألة وقال في رجل اشترى أمة فوضعت للاستبراء فحلف بعتقها لرجل ليقضينه حقه فحنث، ثم ظهر بالجارية حمل ليس هو من البائع، قال: يردها بالحمل ويأخذ الثمن ولا عتق عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قال بعض الناس فيها: إنها مسألة حائلة لابن القاسم ليست على أصله في أن للمشتري أن يسقط المواضعة عن البائع ويقبلها بعيب الحمل إن ظهر بها إذا لم يقع على ذلك، خلاف ما ذهب إليه سحنون من أن ذلك لا يجوز له لأنه يتهم في إسقاط الضمان عن البائع وتعجيل النقد على أن يتعجل الانتفاع بالجارية قال: ورواية محمد بن خالد عنه في كتاب الاستبراء يردها، وذلك أنه قال فيها في الرجل يشتري الجارية فتوضع للاستبراء فيعتقها المشتري وهي في المواضعة من قبل أن تستبرأ: إن عتقه يمضي ولا يكون له أن يردها وإن ظهر بها حمل إذا كان بائعها لا يدعي حملها؛ لأنه قد قطع ذلك عن نفسه بعتقه إياها ورضي بذلك، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأنه إذا بتل عتقها فقد رضي بعيب الحمل إن ظهر وأسقط التبعة فيه عن البائع بقصده إلى تفويتها بالعتق، والحالف أن يقضي غريمه حقه ليس بقاصد إلى تبتيل العتق باليمين، وإنما قصد به إلى التخلص من غريمه فلا يحمل عليه إن رضي بعيب الحمل إن ظهر إذ لم يرد إلا البر بالقضاء، ولعله غلب على الحنث بالعجز عن القضاء، فوقع الحنث بغير اختياره، وهذا فرق بين بين المسألتين، فلا يحمل على ابن القاسم التناقض والاضطراب في ذلك، ويأتي على ما ذكرناه من مذهب سحنون أن عتق المشتري فيها في أمد المواضعة لا يلزمه، وأن له أن يردها إن ظهر بها حمل ويبطل العتق، وبالله التوفيق.

مسألة: قال إن تركته يطبخ هذا القدر فأنت حر فوجده قد طبخه

[مسألة: قال إن تركته يطبخ هذا القدر فأنت حر فوجده قد طبخه] مسألة وسئل عن رجل أرسل غلامه يستقي له على دابته فأبطأ، ثم أرسل غلاما له آخر فقال له: اذهب فخذ الدابة منه، فإن أبى عليك فاكسر القلل، وأنت حر إن تركته يستقي إن لم أبعك عبدا، فذهب فوجده قد استقى وهو مقبل، فأخذ الدابة منه فلم يمانعه فجاء الغلام بالماء فصب في البيت فقال: لا شيء عليه، أرأيت إن قال: إن تركته يطبخ هذا القدر فأنت حر فوجده قد طبخه أعليه شيء؟ فهذا مثله. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إنه لا شيء عليه إذا لم يدركه قبل أن يستقي وقبل أن يطبخ القدر، ومثله ما مضى في آخر رسم سلف من سماع عيسى من هذا الكتاب، وفي رسم العرية من سماع عيسى من كتاب النذور، وقد مضى الكلام على ذلك في الموضعين، وبينا فيهما أنه لا اختلاف في ذلك، بخلاف الذي يحلف أن لا يبيع السلعة هو وقد باعها، وبالله التوفيق. [مسألة: قالت إن تزوجت فلانا فجاريتها حرة] مسألة وقال في امرأة قالت: إن تزوجت فلانا فجاريتها حرة فتبيع الجارية ثم تتزوج فترد عليها الجارية بعيب. قال: تحنث، فإن ردت إلى المشتري قيمة العيب وحنثت وإن حبسها المشتري بذلك العيب ورضي لم يكن عليها حنث. قال محمد بن رشد: أما إذا ردت عليها الجارية بعيب فقوله: إنها تحنث هو على قياس القول بأن الرد بالعيب نقض بيع، ويأتي على قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء بيع أن لا حنث عليها. كما لو اشترتها إلا من وجه

مسألة: مفلسا ورث أباه أو وهب له ماذا يكون للغرماء فيه

أنها تتهم إذا اشترتها من الذي باعتها منه أنها عملت معه على ذلك لتبرأ من الحنث فيكون لذلك وجه إذ قال في. المدونة وغيرها إن من حلف بحرية عبده أن لا يفعل فعلا فباعه ثم اشتراه أو وهب له إن اليمين ترجع عليه ويحنث بحريته إن فعل ذلك الفعل إلا أن يعود إليه بميراث، وقد مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى ما فيه بيان هذا. وأما قوله إنها إن ردت إلى المشتري قيمة العيب وحنثت فهو بعيد إذ لم تنتقل الجارية بذلك عن ملك المشتري فكيف تحنث البائعة بعتقها وهي في ملك غيرها، ووجه ذلك على ما فيه من البعد أن الرد لما كان قد وجب للمشتري بإقراره له بالعيب ولعله قد دلس له به كان إذا أخذ منه قيمة العيب كأنه قد ردها إليه ثم اشتراها منه ثانية بما بقي من الثمن بعد قيمة العيب، وبالله التوفيق. [مسألة: مفلسا ورث أباه أو وهب له ماذا يكون للغرماء فيه] مسألة قال أبو زيد: قيل لابن القاسم أرأيت لو أن مفلسا ورث أباه أو وهب له ماذا يكون للغرماء فيه؟ قال: إن ورثه لم يعتق عليه إذا كان الدين يحيط بماله، وكان الدين أولى به لأنه كشيء أفاده. وأما ما وهب له فإنه يعتق عليه وليس لأهل الدين فيه شيء؛ لأنه لم يوهب له ليأخذه أهل الدين، وإنما أراد حين وهب له أن يعتقه، فإذا أخذه أهل الدين كان قد أضر به. قال محمد بن رشد: أشهب يقول: إن العتق أولى به في الميراث كالهبة، وبه قال محمد بن المواز، ولا وجه للتفرقة بينهما، واعتلاله لوجوب عتقه في الهبة بأن الواهب لم يهبه إلا ليعتق لا ليأخذه أهل الدين اعتلال ضعيف، إذ لا يدري لعل الواهب إنما أراد رفق الموهوب له ليؤدي عنه ديونه من ثمنه، ولعله ممن يجهل أنه يعتق عليه، فلا يصح في المسألة إلا قولان،

: تزوج أمة فولدت غلاما فكبر الغلام ثم مات أبوه

أحدهما: أنه يعتق في الوجهين على قياس القول بأنه لا يتقرر له عليه ملك وهو حر بنفس الشراء، والثاني: أنه لا يعتق عليه في الوجهين ويباع فيما عليه من الدين على قياس القول بأنه باق على ملكه حتى يعتقه أو يعتق عليه على ظاهر ما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» وقد مضت هذه المسألة متكررة والقول عليها مستوفى في سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس، وذكرنا هناك ما يختلف فيه من المسائل على هذين الأصلين فلا معنى لإعادته. [: تزوج أمة فولدت غلاما فكبر الغلام ثم مات أبوه] ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم في رجل تزوج أمة فولدت غلاما، فكبر الغلام ثم مات أبوه فتزوج ابنه هذا حرة فولدت له ولدا بعد وفاة الجد والأب المملوك حي قال: ولاؤه لموالي أمه ولا يجر الجد المتوفى ولاء ولده الذين ولدوا بعد موته إنما يجر ما كان حيا قال: ولو توفي الجد وأمه حامل جر ولاءه، وكان ولاءه لموالي الجد إذا حملت به قبل وفاة الجد، قال: والأب المملوك ها هنا لا يحجب ولا يضره وهو بمنزلة الميت والكافر. قال محمد بن رشد: هذا الرسم بجملته من سماع عيسى هو في آخر سماعه، وقد مضى الكلام عليه في موضعه مستوفى، وتكرر ها هنا في بعض الكتب فلا معنى لإعادة الكلام عليه.

مسألة: العبد بين الرجلين يحلف أحدهما بحريته أن يضربه والآخر أن لا يضربه

[مسألة: العبد بين الرجلين يحلف أحدهما بحريته أن يضربه والآخر أن لا يضربه] مسألة قيل لابن القاسم: أرأيت العبد بين الرجلين يحلف أحدهما بحريته أن يضربه، ويحلف الآخر بحريته أن لا يضربه، من يحنث منهما؟ قال ابن القاسم: ينظر في ذلك، فمن حلف منهما على الظلم والتعدي حنث وأعتق عليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن العبد بين الشريكين ليس لأحدهما أن يؤدبه إذا أبى ذلك عليه شريكه إلا بالسلطان، كما إذا كان بعضه حرا حسبما مضى في رسم البز من سماع ابن القاسم، فإذا حلف أحد الشريكين أن يضربه وحلف الآخر أن لا يضربه وجب أن ينظر السلطان في ذلك كما قال بأن يوقفه على المعنى الذي حلف أن يضربه من أجله، فإن كان مما لا يستوجب به الضرب أعتقه عليه وأغرمه نصف قيمته لشريكه، وإن كان مما يستوجب به الضرب وأقام بذلك بينة لا مدفع لشريكه فيها إذا كان منكرا أمكنه من البر فيه بضربه، وعتق العبد على شريكه على قوله في هذه الرواية، ورأيته عن مالك في رسم سلعة سماها ورسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق ودليل ما في كتاب التخيير والتمليك من المدونة من أن من حلف أن لا يفعل فعلا يحنث إذا قضى به عليه السلطان إلا أن يقول لم أرد مغالبة السلطان فينوى في ذلك مع يمينه على ما قاله في آخر رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق أيضا، ولا يعتق عليه على مذهب ابن الماجشون في أن من حلف أن لا يفعل فعلا فقضى به عليه السلطان لا يحنث إلا أن يقول ولا بالسلطان أو يحلف بحضرته فيتيقن بذلك إنه أراد مغالبته، وبالله التوفيق. تم الكتاب الرابع من العتق بحمد الله تعالى

: كتاب المدبر

[: كتاب المدبر] [: دبر عبده واشترط ماله من بعد موته بغير موت السيد] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين كتاب المدبر من سماع ابن القاسم من كتاب قطع الشجر أخبرني محمد بن عمر ابن لبابة قال: أخبرني العتبي قال: أخبرنا سحنون قال أخبرنا ابن القاسم عن مالك أنه قال: من دبر عبده واشترط ماله من بعد موته بغير موت السيد كان جائزا له. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، ومثله في سماع أصبغ عن ابن القاسم في رسم المدبر منه، قال: وهذا مما لا شك فيه، وإنما هو رجل أوصى فقال: إذا مت فعبدي حر خذوا منه ماله، ألا ترى لو أن مريضا قال في مرضه: غلامي مدبر وخذوا منه ماله أخذ منه فما استثنى في الصحة بمنزلة ما استثنى في المرض، قال: فإذا مات السيد قوم في الثلث بغير ما له ببدنه خالصا، وأخذ منه ما كان بيده فكان مالا من مال الميت يقوم فيه رقبته مع غيره من مال الميت، وقاله أصبغ، وفي المدنية لابن كنانة خلاف ذلك، قال: سئل ابن كنانة عن الرجل يدبر عبده ويستثني ماله، فقال: ليس ذلك من عمل الناس ولا مما يعرف في أمر المدبر ولا مما جاءت السنة فيه، وليس ذلك له، ويتبعه ماله كما جاءت السنة فيه، قال ابن كنانة: ومما يبين لك ذلك لو أن رجلا قال في مرضه: غلامي مدبر وخذوا منه ماله لم يؤخذ منه فهذا بين، والحجة فيه قوله؛ لأن ما استثنى في الصحة بمنزلة ما استثنى في المرض، وقول ابن القاسم وروايته عن مالك في هذه المسألة هو الصحيح في

مسألة: انتزع أم ولد مدبره ثم ردها إليه

النظر؛ لأنه إذا جاز أن يعتق الرجل عبده ويستثني ماله جاز أن يوصي بذلك وأن يدبره على ذلك، ولا يلزم ابن القاسم ما احتج به ابن كنانة من قياس امتناع جواز ذلك في الصحة على امتناعه في المرض؛ لأن جواز ذلك عنده أبين في المرض منه في الصحة، وقد استدل ابن القاسم على جوازه في الصحة بجوازه في المرض، فبان بذلك ضعف قول ابن كنانة وبطلان حجته على ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: انتزع أم ولد مدبره ثم ردها إليه] مسألة وقال مالك فيمن انتزع أم ولد مدبره ثم ردها إليه فهي على حالها الأول عنده. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر؛ لأن قوله إنما يرجع عنده إذا ردها إليه على حالها الأول معناه على حالها الأول من حرمة إيلاده لها الذي يوجب لها أن تكون به أم ولد إذا أعتق وهي عنده، وقد اختلف في ذلك قول مالك فقال مرة: إنها تكون أم ولده إذا أمضى إلى الحرية بما ولدته في التدبير، وقال مرة: إنها لا تكون بذلك أم ولد حتى يولدها بعد أن أعتق، فكان القياس إذا انتزعها منه ثم ردها إليه أن ترجع إليه رقيقا، وتبطل الحرمة التي كان لها بإيلاده إياها على أحد قولي مالك كما لو باعها بعد أن أولدها ثم اشتراها، ويحتمل أن يكون تكلم في هذه الرواية على القول بأنه لا حرمة لها بإيلاده إياها في حال التدبير حتى يولدها ثانية بعد أن أمضى إلى الحرية، فيكون قوله صحيحا لا اعتراض فيه؛ لأنها على هذا القول أمة له لا حرمة لها بإيلاده إياها قبل أن ينتزعها فكذلك تكون بعد أن ردها إليه، وبالله التوفيق. [: دبر رقيقا له في صحة أو في مرض] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ابن القاسم: قال مالك: من دبر رقيقا له في صحة أو في

مرض فدبر بعضهم قبل بعض وعليه دين، بيع الآخر فالآخر في الدين، فإذا استوعب الدين رجع إلى الأول فالأول فعتق ما حمل الثلث ورق ما بقي. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من أن المدبر في الصحة أو في المرض يبدأ في الثلث الأول منهم فالأول، وإذا بدئ الأول فالأول وجب على قياس ذلك أن يباع الآخر فالآخر في الدين على ما قال في هذه الرواية. وسحنون يقول: إن التدبير في الصحة وإن كان شيئا بعد شيء فهو بمنزلة ما لو دبرهم في كلمة واحدة؛ لأن له أن يعتق بعد تدبيره ويهب ويتصدق ولا يمنع ولا يقال له: أدخلت الضرر على المدبر، وأما إذا كان التدبير في كلمة واحدة في الصحة أو في المرض أو في الوصية بعد الموت فلا يبدأ أحد منهم على صاحبه ولا يسهم بينهم، وإنما يعتق من كل واحد منهم ما حمل الثلث من جميعهم، وكذلك إن كان عليه دين يباع من كل واحد منهم بالحصص ما نابه من الدين، اتفقت قيمتهم أو اختلفت، مثال ذلك أن يكون له ثلاثة مدبرون في كلمة واحدة قيمة أحدهم مائة، والثاني مائتان، والثالث ثلاثمائة وعليه دين مائة، فيباع من كل واحد منهم سدسه، وكذلك إن كانت قيمتهم سواء مائتان مائتان وعليه دين مائة يباع من كل واحد منهم سدسه، ولو كانت قيمة كل واحد منهم مائة مائة وعليه دين مائة لبيع من كل واحد منهم ثلثه، بخلاف الموصى بعتقهم والمبتلين في المرض، هؤلاء يقرع بينهم فيمن يباع منهم في الدين وفيمن يعتق منهم بعد الدين على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، ولابن نافع في المدنية أنه يقرع بين المدبرين كما يقرع بين الموصى بعتقهم وبين المبتلين، وقد مضى هذا في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب العتق، وبالله التوفيق.

مسألة: المرأة ذات الزوج تدبر ثلث جاريتها

[مسألة: المرأة ذات الزوج تدبر ثلث جاريتها] مسألة وسئل مالك عن المرأة ذات الزوج تدبر ثلث جاريتها، قال: يلزم ذلك، قال: وأراه أراد التدبير كله، مثل الرجل تدبر عليه كلها. قال ابن القاسم: وأرى أن تدبر عليها كلها، قال ابن القاسم: لأن عندنا من قول مالك في المرأة ذات الزوج تدبر جاريتها كلها وليس لها مال غيرها فيرد ذلك زوجها قال: ليس ذلك له، هي مدبرة كلها على حالها، قال ابن القاسم: وإنما فرق بين التدبير كله من المرأة ذات الزوج والعتق؛ لأن التدبير لا يخرج من يدها شيئا وهو موقوف معها حتى يخرج من ثلثها، فليس لزوجها في ذلك حجة، إنما هي وصية، والعتق يخرج ذلك من يديها، فهذا فرق ما بينهما، وهو وجه ما سمعت لم يروه سحنون وكرهه ورآه خطا لا شك فيه، وقاله مطرف، وأباه ابن الماجشون. قال محمد بن رشد: قد روي عن مالك مثل قول ابن الماجشون وسحنون ها هنا، وفي كتاب ابن سحنون أن المرأة ذات الزوج لا يجوز لها أن تدبر جاريتها إذا لم يكن لها مال غيرها إلا بإذن زوجها، قال في كتاب المدنية عبد الرحمن بن دينار: وحدثني محمد بن يحيى السبائي أنه سمع مالكا يقول في امرأة دبرت نصف عبدها ولها زوج وليس لها مال غيره: إنه لا تدبير عليها كله ولا يكون منه مدبرا إلا ما دبرت؛ لأن زوجها يمنعها من ذلك، فإن لم يكن لها زوج كان مدبرا كله، وفي قول مالك في هذه الرواية إنه لا يكون منه مدبرا إلا ما دبرت من أجل الزوج نظر على أصله في أن التدبير كالعتق للزوج أن يرد منه ما زاد على الثلث؛ إذ قال: إنه لم يكن لها مال غيره، فكان القياس على أصله أن لا يكون مدبرا منه إلا الثلث. ولكلا القولين وجه من النظر، فوجه قول ابن القاسم وروايته عن مالك

: قال غلامي مدبر عن ابني في وصية أوصى بها

في أن لها أن تدبر عبدها وإن لم يكن لها مال سواه أن من حقها أن تمسكه طول حياتها ولا تبيعه، فلا حجة له عليها في تدبيرها إياه، ووجه قول مالك في رواية محمد بن يحيى السبائي عنه وقول ابن الماجشون وسحنون أنها إذا دبرت عبدها ولا مال لها سواه فقد حجرت على نفسها جميع مالها وألزمت ذلك نفسها إلزاما لا رجوع لها فيه، فصار ذلك كالتفويت له، وبالله التوفيق. [: قال غلامي مدبر عن ابني في وصية أوصى بها] ومن كتاب المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل مالك عن رجل قال: غلامي مدبر عن ابني في وصية أوصى بها عند موته وأوصى بوصايا مع ذلك. قال ذلك جائز. قال ابن القاسم وليس له أن يرجع فيه لأنه أعتقه إلى أجل من الآجال، قال ابن القاسم ولو كانت جارية لم يطأها الأب ولا الابن، قال: وولاؤه للابن الذي دبر عنه. قال محمد بن رشد: حمل قوله في هذه الرواية لغلامه أنت مدبر عن ابني أنه إنما أراد أنه حر عنه بعد موته فرآه معتقا إلى موت ابنه عنه، كأنه قال عبدي حر إذا مات ابني وجعل له ولاؤه، لقوله عن ابني، فهو حر على هذه الرواية من رأس المال إذا مات ابنه، مات قبله أو بعده، وذلك خلاف ما يأتي في سماع أبي زيد من أنه إنما يعتق بعد موته من ثلثه إلا أن يقول هو حر عن دبر ابني فحينئذ يكون معتقا إلى موت ابنه من رأس ماله، والكلام محتمل للوجهين، فيجب على أصولهم أن يسأل عما أريد من ذلك، فما قال قبل قوله فيه، وإنما يكون هذا الاختلاف إذا سئل فقال لم تكن لي نية ولا أدري ما أردت أو مات قبل أن يسأل، فعلى قول ابن القاسم في هذه الرواية لا يعتق حتى يموت ابنه وعلى رواية أبي زيد إذا مات من ثلثه، وولاؤه على كل القولين للابن، وبالله التوفيق.

: بيع المدبرة

[: بيع المدبرة] ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان قال ابن القاسم: حدثني مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة ابنة عبد الرحمن عن عائشة أن جارية لها سحرتها وأن سنديا دخل عليها في مرضها، وأنه قال لها: إنك مسحرة قالت: من سحرني؟ قال لها: جارية في حجرها صبي وقد بال عليها، فدعت جاريتها فقالت حتى أغسل بولا في ثوبي فقالت: سحرتني؟ فقالت: نعم، قالت: وما دعاك إلى ذلك؟ قالت: أردت بذلك تعجيل العتق فأمرت أخا لها أن يبيعها من الأعراب ممن يسيء ملكها، فباعها، ثم إن عائشة أريت بعد ذلك في النوم أن اغتسلي من ماء ثلاثة آبار يمر بعضها بعضا، فاستقي لها فاغتسلت فبرئت، قال سحنون: معنى الجارية أنها كانت مدبرة. قال محمد بن رشد: إنما قال السندي لعائشة إنها سحرت وإن الذي سحرها جارية في حجرها صبي وقد بال من ناحية الكهانة، والكاهن قد يصيب في يسير من كثير بما يلقيه إليه وليه من الجن فيما استرق من السمع فيخلط إليها مائة كذبة على ما جاء من ذلك في الحديث، والله أعلم، وقول سحنون يعني الجارية أنها كانت مدبرة، صحيح، قد قاله مالك في كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون، وحكى ابن حبيب عن ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن أنهما قالا: كانت لعائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جارية مدبرة فاتهمتها بسحر، فقالت: أما والله لأغربنك فيمن لا يرثي لك، فباعتها من الأعراب فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فبعث في طلب الجارية فأعجزته ولم يجدها، فأرسل إلى عائشة فأخذ الثمن منها، فاشترى بها جارية فجعلها مكانها على تدبيرها، وقال مطرف عن مالك: ليس العمل عندنا على حديث عائشة حين باعت مدبرة لها

: متهم في اشترائه مال يتيمه

اتهمتها بسحر، وقال سحنون في كتاب ابنه ولا حجة علينا في فعل عائشة من ذلك؛ لأن الحادث الذي فعلت من السحر يوجب قتلها فكيف بيعها؟ ولا يجوز بيعها عند أحد من السلف بغير حادث، وليس قوله في ذلك عندي ببين، وإنما باعتها عائشة لأنها رأت أن تدبيرها قد بطل لما أرادت من استعجال عتقها بقتلها بالسحر الذي سحرتها به، وذلك بين من قولها في الحديث: أردت بذلك تعجيل العتق، فلما أرادت أن تتعجله قبل وقته حرمت إياه كما حرم القاتل عمدا الميراث بما أراد من تعجيله قبل وقته، فهدا وجه ما ذهبت إليه عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، ولم يَرَ ذلك عمر فحكم بما رآه باجتهاده إذ كان هو الإمام، ورأى مالك ما قضى به عمر فأخذ به وترك ما ذهبت إليه عائشة، وإليه ذهب أيضا ابن القاسم في رواية أصبغ عنه على ما يأتي له في رسم المدبر من سماعه خلاف قول أصبغ فيه على ما سنبينه إن شاء الله. [: متهم في اشترائه مال يتيمه] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب العتق قال أشهب: وسمعت مالكا يسأل فقيل له: إن عندي يتيما في عيالي وبيني وبينه مملوك، لي ثلاثة أرباعه، وله ربعه، فأردت تدبيره فقال: ما ثمنه؟ أم يسير أم كثير؟ فقال: ما لي علم بثمنه، فقال: إني أحب أن أعلم ما ثمنه، فقال هو وصيف رباعي، فقال: ما أرى لك ذلك، يكون أنت الذي تعمل فيما بينك وبين يتيمك، ولكن لو أتيت السلطان حتى يقيمه بقيمته وينظر فيه لليتيم، فأما أن يكون أنت الذي تعامل نفسك، فلا.

: قول الرجل لغلامه أنت مدبر إلى عشر سنين

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه متهم في اشترائه مال يتيمه، فالحظ له أن يأتي السلطان في ذلك حتى يكون هو الذي يحكم فيما بينه وبين يتيمه بما يراه له من السداد في القيمة، وبالله التوفيق. [: قول الرجل لغلامه أنت مدبر إلى عشر سنين] من سماع عيسى عن ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن رجل قال لغلامه: أنت مدبر إلى عشر سنين، قال أراه حرا إلى عشر سنين، فإن مات السيد قبل ذلك لم يعتق إلا إلى عشر سنين. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله ابن القاسم؛ لأن المعنى في قول الرجل لغلامه أنت مدبر إلى عشر سنين أنت حر إلى عشر سنين، فعبر بلفظ التدبير عن لفظ الحرية إذا كان التدبير سببا لها، وبالله التوفيق. [: وطئ العبد المدبرة فحملت] ومن كتاب أوله عبد استأذن سيده قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن عبد استأذن سيده في تدبير جارية له فأذن له فدبرها، قال: لا يمسها السيد ولا العبد لأنها معتقة إلى أجل، وهي تخرج من رأس المال، ولا يلحقها دين وولاؤها للسيد وإن عتق العبد. قلت: فإن وطئها العبد فحملت؟ قال: توقف هي وولدها حتى يموت العبد فتعتق. قلت: فإن وطئها السيد فحملت؟ قال: يلحق به الولد

مسألة: المدبر يقتل سيده

وتوقف هي حتى يموت العبد فتعتق أو يموت سيدها قبل موت العبد فتعتق عند موته، ولو قال قائل: إنها تعتق عليه ساعتئذ حملت، لم أعب قوله، ولكني لست أحب أن أحمل عليه في العتق حدا، قال عيسى: تعتق عليه الساعة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة بينة كلها، إذ لا فرق في المعنى بين أن يدبرها العبد بإذن سيده أو ينتزعها منه السيد فيعتقها إلى موت العبد فهي معتقة إلى أجل، وإن وطئها العبد فحملت منه كان ولدها منه بمنزلتها في أنه يعتق بعتقها، ويعذر بالجهل في وطئها فيلحق به ولده منها، وإن وطئها السيد لحق به ولدها أيضا لأن له شبهة في وطئها، إذ هي معتقة إلى أجل، وإذا ألحق به ولدها منها كان لها حكم أم الولد في وجوب العتق لها بموته، فوجب أن تعتق إلى أولهما موتا، هو أو العبد كما قال، ولم ير ابن القاسم أن يعجل لها العتق وإن كان لا يجوز له وطؤها لأن له أن يستمتع من خدمتها طول حياته بما يستمتع به السيد من خدمة أم ولده في الشيء اليسير الذي يشبهها، ولم يراع عيسى ذلك الاستمتاع الذي له من خدمتها ليسارته، فرأى أن يعجل عليه عتقتها، والظالم قد يحمل عليه بعض الحمل. [مسألة: المدبر يقتل سيده] مسألة قال: وسألته عن المدبر يقتل سيده قال: إن كان قتله خطأ عتق في ماله ولم يعتق في ديته، وكانت الدية عليه دينا وليس على العاقلة منها شيء لأنه صنع وهو مملوك، وإن كان قتله عمدا قتل به، فإن استحياه الورثة بطل تدبيره وكان عبدا لهم مملوكا. قال محمد بن رشد: قوله إن كان قتله خطأ تكون الدية عليه دينا صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها، قال أصبغ في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الديات: وهذا إذا حمله الثلث وإن لم يخرج من الثلث عتق

مسألة: مدبرة جرحت رجلا وهي حامل فلما وضعت أسلمها سيدها إلى المجروح

منه ما حمل الثلث وكان عليه من الدية بقدر ما عتق منه، يؤخذ من ماله إن كان له مال أو يتبع به دينا إن لم يكن له مال، ولا يدخل فيما يؤخذ منه الدية ولا يعتق فيها منه شيء، وقوله صحيح تذييل لقول ابن القاسم وزيادة عليه. وقوله إنه يبطل تدبيره إن كان قتله عمدا هو على قياس ما أجمعوا عليه من أن القاتل عمدا لا ميراث له ممن قتله، وبالله التوفيق. [مسألة: مدبرة جرحت رجلا وهي حامل فلما وضعت أسلمها سيدها إلى المجروح] مسألة وسألت ابن القاسم عن مدبرة جرحت رجلا وهي حامل، فلما وضعت أسلمها سيدها إلى المجروح. فقال: سيدها فيها بالخيار إن شاء أسلمها بغير ولد تختدم بدية الجرح أسلمها، وإن شاء افتداها بدية الجرح، فإن أسلمها أخدمت أو أجرت، فإن استوفى المجروح من خدمتها أو إجارتها دية الجرح رجعت إلى سيدها على ما كانت عليه من التدبير، وإن لم يستوف المجروح دية جرحه حتى توفي سيدها عتقت هي وولدها إن خرجوا من الثلث، واتبعها المجروح ببقيته دية جرحه دينا عليها، وإن لم تخرج هي وولدها من الثلث ولم يدع سيدها دينا عتق منها ومن ولدها ما خرج من الثلث، ورق ما بقي فيما عتق منها كان عليها من بقية دية الجرح بحسابه إن عتق نصفها كان عليه نصف بقيته دية المجروح، ويخير الورثة فيما رق منها إن كان نصفها أو ثلثها في أن يسلموه إلى المجروح مما يصيبه من بقية دية جرحه أو يفتكوه به، وإن كان الميت ترك دينا بيع منها ومن ولدها مقدار الدين وبيع منها أيضا بقدر دية الجرح، ثم يدفع إلى أهل الدين دينهم، وإلى المجروح بقية دية جرحه وعتق منها ومن ولدها ثلث ما بقي فيها من

الرق ومن ولدها، وكان لولدها في هذا الموضع من العاتق أكثر مما لها، وذلك أنه دخلها الرق بما أصابها من الدين وأصاب غيرها من ولدها، ودخلها بالجناية التي جنت. دون ولدها فصارت بذلك أكثر رقا وأقل عتقا وبما رقت الأم وعتق من الولد بعضهم، وذلك إذا أحاط الدين بما ينوبها من دين سيدها ودية الجناية بقيمة رقبتها. وتفسير ذلك أنه يباع بالدين منها ومن ولدها ثلث كل واحد منهم أو ربعه أو سدسه قدر ما يكون الدين، ثم يعتق ثلث ما بقي من رقبة كل واحد من ولدها، ثم ينظر إليها فيباع منه للجناية بعد الدين، فإن أحاطت الجناية بعد الدين بجميع رقبتها لم يكن لها عتق، ورقت كلها إذا كانت قيمتها كفاف ما حمل عليها من دين سيدها ومن الجناية، وإن كانت الجناية تحيط بجميع رقبتها سوى الدين كانت الجناية أولى برقبتها من الدين، ورجع الغرماء فيقاصوا جميع حقهم من ولدها، ويعتق منهم ثلث ما بقي من رقبة كل واحد بعد الدين ورقت الأمة كلها، وقيل لورثة الميت إن شئتم فافتكوها بالجناية وتكون لكم مملوكة ليس فيها عتق، وإن شئتم فأسلموها، فإن أسلموها كانت رقيقا للمجني عليه يبيع ويهب ويصنع ما شاء. وإن كانت الجناية وما حمل عليها من دين سيدها أقل من قيمتها عتق منها ثلث ما بقي بعد الجناية وبعد دين سيدها، وعتق من ولدها ثلث ما بقي بعد الدين، فكان الولد ها هنا أكثر عتقا من أمهم، وإن كان الدين يحيط بجميع ولدها وزيادة، والجناية تحيط بها فالمجني عليه أولى برقبتها إلا أن يزيد أهل الدين على الجناية فيكونون أحق بها ويقاصون الغريم بالزيادة التي زادوها على

الجناية، وإن أبوا وقالوا نحن نأخذها بدية الجناية لم يكن ذلك لهم أبدا حتى يزيدوا. قلت: أفتكون الزيادة ها هنا درهما أو دينارا؟ وكم الزيادة التي إذا زادوها الغرماء كانوا أولى بها؟ وما قدرها؟ وكيف إن أخذوها بزيادة فباعوها بفضل على ما أخذوها به هل يقضى لصاحب الدين بذلك الفضل؟ وإن ماتت أو نقصت ممن تكون مصيبتها؟ قال ابن القاسم: إنما يقضى له بالزيادة الأولى، وأما ما باعوها به بعد ذلك فإنما الزيادة لهم خالصة والنقصان عليهم، وإن ماتت كانت منهم، وإن باعوها بأكثر مما أخذوها به من المجروح كانت الزيادة لهم، قال: ولا يقبل منهم في الزيادة إلا ما يرى أنه زيادة، وأما الدرهم والدرهمان والفلوس فإن ذلك ليس بزيادة، قال: فإنما يباع أبدا أولا للمجروح ثم الدين، الجرح أبدا مبدأ على الدين، وقال سحنون مثله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على أصل قوله في المدونة إلا أنها مخالفة لما في المدونة في موضع واحد، وهو إذا كان ما يقع عليها من الدين مع الجناية التي عليها يغترق رقبتها. فقوله في هذه الرواية: إنه يباع منها بما يقع عليها من الدين ويباع منها بالجناية التي عليها وإن اغترق ذلك جميع رقبتها ولم يفضل منها شيء، هو خلاف قوله في المدونة؛ لأن من قوله فيها إذا كان ما على الميت من الدين وما على المدبر من الجناية يغترق رقبته ولا يفضل منها شيء كان أهل الجناية أحق بالرقبة إلا أن يزيد أهل الدين على أرش الجناية زيادة يحطونها على الميت من دينهم، وإنما يباع على مذهبه في المدونة من المدبر للدين وللجناية إذا كان يفضل بعد ذلك من رقبته فضل يعتق منه ثلثه، وأما إذا لم يفضل عن رقبته

فضل فأهل الجناية أحق عنده بالرقبة إلا أن يزيد الغرماء على أرش الجناية زيادة يحطونها عن الميت من دينهم فلا اختلاف إذا لم تف الرقبة بالدين والجناية أن أهل الجناية أحق بالرقبة إلا أن يزيد أهل الدين زيادة يعطونها من دين الميت. ولا اختلاف أيضا في أنه إذا كان في رقبة المدبر فضل عن الدين وعن الجناية يباع منه للدين وللجناية ويعتق ثلث ما بقي. واختلف إذا كانت الرقبة كفاف الدين والجناية لا فضل فيها عنهما ولا نقصان منهما، فقال في هذه الرواية إنها تباع للدين وللجناية وقال في المدونة: إن أهل الجناية أولى، وذهب سحنون إلى تفسير قوله في المدونة بما في هذه الرواية فقال فيها: ومعنى قوله أولى أن الدين لما رد العتق كانت الجناية مقدمة على الدين فبيع منه للجناية ثم بيع منه للدين، وليس قوله بصحيح؛ لأنه قد نص في المدونة على أنه إنما يباع منه للدين وللجناية إذا كان فيه فضل عنهما جميعا فعتق ثلثه. والأصل في هذه المسألة أن جناية المدبر لا تبطل تدبيره، والدين يبطل تدبيره، وإذا بطل تدبيره بالدين كانت الجناية أحق برقبته من الدين؛ لأن الجناية في رقبته، والدين في ذمة الميت، فإذا مات السيد ولا دين عليه وقد جنى مدبره جناية تغترق قيمة رقبته أو لا تغترقها فالواجب أن يعتق إن حمله الثلث، وتكون جناية في ذمته يتبع بها، وإن لم يحمله الثلث عتق منه ما حمل الثلث وفضت جنايته على ما عتق منه وعلى ما رق منه للورثة، فما ناب ما عتق منها اتبع به دينا، وما ناب ما رق منه كان الورثة فيه بالخيار بين أن يسلموه أو يفتكوه. وإذا مات السيد وعليه دين يغترق المدبر بيع في الدين ويبطل تدبيره. وإذا اجتمع الجناية والدين فلا تخلو من أن تكون الجناية والدين أقل من

: دبر نصف عبده وكاتب نصفه ثم علم به قبل الموت أو بعده

قيمة الرقبة أو أكثر منها أو مثلها، فإن كانا جميعا أقل منها بيع منها للدين وأعتق ثلث ما بقي، ولا اختلاف في هذا الوجه على ما ذكرناه، وإن كانا جميعا أكثر منها مثل أن يكون قيمته أربعين وقد جنى جناية قيمتها عشرون وعلى السيد دين أربعون أو ثلاثون فأهل الجناية أحق به؛ لأنها في رقبته يأخذوه بجنايتهم إلا أن يقول أهل الدين نحن نأخذه بأكثر من قيمة الجناية فيؤدوا إلى أهل الجناية جنايتهم ويسقط الزائد على الجناية من ديننا عن الميت، مثل أن يقولوا نحن نأخذه بثلاثين، فنؤدي إلى أهل الجناية عشرين جميع جنايتهم، وتنقطع العشرة من ديننا الذي لنا قبل الميت، فيكون ذلك لهم، إذ لا حجة لأهل الجناية إذا أعطوا جميع جنايتهم، ولا اختلاف في هذا أيضا على ما ذكرناه. وأما إن كانت الجناية والدين يحيطان بقيمة الرقبة بلا زيادة ولا نقصان، مثل أن يكون على الميت دين عشرون، والجناية عشرون، وقيمة المدبر أربعون، فهذا هو موضع الخلاف على ما ذكرته، قيل: إنه يباع بأربعين فيأخذ أهل الدين دينهم، وأهل الجناية جنايتهم وهو قوله في هذه الرواية، وقيل: إن أهل الجناية أحق بالعبد إلا أن يقول أهل الدين نحن نأخذه بزيادة على قيمة الجناية لنقطع من ديننا، مثل أن يقولوا نحن نأخذه بثلاثين فنؤدي إلى أهل الجناية أرش جنايتهم عشرين، ويبقى لنا على الميت عشرة دنانير، وهذا قوله في المدونة، وبالله التوفيق لا شريك له. [: دبر نصف عبده وكاتب نصفه ثم علم به قبل الموت أو بعده] ومن كتاب العرية وسئل عن رجل دبر نصف عبده وكاتب نصفه، ثم علم به قبل الموت أو بعده. قال: إن علم به قبل الموت كان مدبرا كله، وإن لم يعلم به

: التدبير عقد من عقود الحرية

حتى مات عتق نصفه في ثلث الميت، ومضى على الكتابة في نصفه. قال محمد بن رشد: قوله إن علم به قبل الموت كان مدبرا كله صحيح بين؛ لأن من دبر نصف عبد له أو أعتقه إلى أجل دبر عليه جميعه إن كان دبر نصفه، أو أعتق عليه جميعه إلى الأجل إن كان أعتق نصفه إلى أجل قياسا على ما أجمعوا عليه فيمن أعتق نصف عبد له أنه يعتق عليه جميعه؛ لأن التدبير والعتق إلى أجل من عقود الحرية اللازمة، ولأن من كاتب نصف عبده تفسخ كتابته ولا تجوز. وإنما قال إنه إن لم يعلم به حتى مات أنه يعتق نصفه في ثلث الميت ويمضي على الكتابة في نصفه لأنه إذا أعتق نصفه صحت الكتابة في النصف الآخر؛ لأن الكتابة في نصف العبد جائزة إذا كان نصفه الآخر حرا، وإنما لا تجوز الكتابة في نصفه إذا كان الباقي منه رقيقا للذي كاتبه أو لغيره، فهذا إذا حمل الثلث نصف العبد، وأما إذا لم يحمله الثلث فتفسخ الكتابة في النصف الآخر من أجل حق الورثة فيما لم يحمله الثلث من النصف المدبر إلا أن يشاء الورثة أن يكاتبوه ما لم يحمله الثلث من نصف المدبر بمثل كتابة النصف الآخر أو أقل أو أكثر، فيجوز ذلك باتفاق؛ لأنهم إذا أمضوا كتابة الميت في نصفه وكاتبوا هم ما رق لهم، فكأنهم قد كاتبوا الجميع. ولا يدخل في هذه المسألة الاختلاف الواقع في المدونة في العبد بين الشريكين يكاتب أحد الشريكين حظه منه بغير إذن شريكه، ثم يكاتب الشريك بعد ذلك حظه منه بمثل كتابة الأول أو بأقل أو بأكثر، وبالله التوفيق. [: التدبير عقد من عقود الحرية] ومن كتاب أسلم وله بنون قال: وقال مالك: إذا دبر الرجل في صحته ثم مرض فبتل

عتق عبد آخر في مرضه وأوصى بعتق آخر بعد الموت وتزوج في مرضه ودخل بها وأوصى بالزكاة فقال: تعطى المرأة صداق مثلها من الثلث، ثم يعتق المدبر الذي كان في الصحة، ثم الزكاة، ثم المبتول والمدبر في المرض، فإن بقي من الثلث شيء عتق فيه الموصى له بالعتق بعد الموت، قال: ولو اختلف المدبر والمبتول فكان أحدهما قبل صاحبه بدأ بالذي كان قبل بعد أن يخرج المدبر في الصحة والزكاة، ثم إن بقي بعد ذلك شيء عتق فيه الموصى له بالعتق بعد الموت، وقال في المدبر في الصحة هو مبدأ على الزكاة وعلى جميع العتق الذي يكون في المرض إلا أن يكون معه مدبرون دبرهم في صحته فإنه يبدأ الأول فالأول. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله تعطى المرأة صداق مثلها من الثلث أنه إن كان أصدقها أكثر من صداق مثلها بطل الزائد على صداق مثلها، وهو ظاهر ما في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، وقيل: إنه يحاص به أهل الوصايا ولا يبدأ، وهو قول أصبغ، وروي ذلك عن ابن القاسم، وقيل إنه يبدأ وهو قول مالك في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب الوصايا، وروى مثله عنه ابن نافع وعلي بن زياد وابن عبد الحكم، وهو قول ابن الماجشون واختيار سحنون. وفي قوله: إنه يعتق المدبر الذي كان في الصحة بعد ذلك اختلاف، قيل: إنه يبدأ المدبر في الصحة على صداق المريض، وهو قول ابن القاسم في العشرة، وقد روى عنه أنهما يتحاصان. فالثلاثة الأقوال كلها لابن القاسم، ولكل قول منها وجه، فوجه قوله في هذه الرواية إنه يبدأ صداق المريض على المدبر في الصحة هو أن صداق المريض حق للزوجة في استمتاعه بها يقضى لها به عليه شاء أو أبى، سمى

لها صداقا أو لم يسمه، فهو أوجب من التدبير الذي أوجبه على نفسه باختياره لا عوضا عن شيء، ووجه القول بأنه يبدأ المدبر في الصحة على صداق المريض هو أن التدبير عقد من عقود الحرية، فوجب أن يبدأ العتق اتباعا لما روي من أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر أن يبدأ العتق على الوصايا» ، فعم ولم يخص، ومن طريق المعنى أن المدبر في الصحة لما كان هو المتقدم اتهم المريض على القصد لإبطاله، وليس لمن دبر عبدا في صحته أن يدخل عليه ما يرد تدبيره، ألا ترى أنه إذا دبر عبدا بعد عبد يبدأ الأول على الثاني، ووجه القول بأنهما يتحاصان أنه لنا كان لهذا مزية من وجه، ولهذا مزية من وجه آخر، استويا في التأكيد، فوجب أن يتحاصا. وإنما قال: ثم الزكاة ثم المبتول والمدبر في المرض وإن بقي من الثلث شيء عتق فيه الموصى له بالعتق بعد الموت؛ لأنه إنما تكلم عن ما سأله عنه؛ لأن هذا هو عنده حكم ترتيب الوصايا في التبدية؛ لأن من مذهبه أن عتق الظهار وقتل النفس يبدآن بعد الزكاة، ثم بعد ذلك كفارة اليمين، ثم كفارة الفطر في رمضان متعمدا، ثم كفارة التفريط، وهذا دليل ما في كتاب الصيام من المدونة، وقد قيل: إن الطعام لقضاء رمضان يبدأ على كفارة اليمين عند ابن القاسم. والأول أظهر، ثم النذر قاله ابن أبي زيد، يريد في الصحة، ثم بعد ذلك العتق المبتل في المرض، والمدبر في المرض، ثم بعد هذا كله الموصى بعتقه بعينه، والذي أوصى أن يشترى بعينه فيعتق، وجعل ابن الماجشون العتق المبتل في المرض بعد صداق المريض وبعد المدبر في الصحة فبدأهما جميعا على الزكاة التي فرط فيها وأوصى بها، وهو أظهر من قول ابن القاسم؛ لأنه يتهم على إبطال ما دبر أو أعتق في مرضه بما أوصى به من أنه فرط فيه من زكاة ماله، وتبدأ زكاة المال والحرث والماشية على زكاة الفطر، واختلف في عتق الظهار وقتل النفس إذا اجتمعا في الوصية بهما حسبما مضى القول فيه في رسم الثمرة من سماع عيسى من كتاب الظهار.

واختلف أيضا في المدبر في المرض والمبتول فيه أيضا على ثلاثة أقوال: أحدها: أنهما يتحاصان ولا يبدأ أحدهما على الآخر، وهو قوله في هذه الرواية. والقول الثاني: أنه يبدأ المبتل في المرض. والثالث: أنه يبدأ المدبر فيه، ولكل قول منها وجه فوجه القول بأنهما يتحاصان استواؤهما في وجوب كونهما من الثلث، ووجه تبدية المبتل المزية التي له في أنه لو صح لكان حرا من رأس ماله، ووجه تبدية المدبر على المبتل أنه فعل في التدبير في المرض ما يجوز له، وفي التبتيل فيه ما لا يجوز له؛ لأنه أراد أن يعتقه في مرضه من رأس ماله، وذلك ما لا يجوز له، ولو علم أنه يعتق من ثلث ماله لم يرض بذلك ولهذه العلة قال من قال من أهل العلم أنه لا يكون في الثلث إلا ما أريد به الثلث، وهذا القول أظهر الأقوال وأولاها بالصواب. واختلف أيضا في الموصى بعتقه بعينه والموصى أن يشترى فيعتق، فقيل إنهما يتحاصان، وقيل يبدأ الذي في ملكه على الذي أوصى أن يشترى فيعتق، ثم بعد الموصى بعتقه بعينه الموصى بعتقه على مال إذا عجل المال، والموصى بكتابته إذا عجل الكتابة، والموصى بعتقه إلى أجل قريب الشهر ونحوه لا يبدأ أحد منهما على صاحبه، وقد قيل: إنه لا يبدأ أحد منهم على الموصى بعتقه على غير مال، ثم بعد ذلك الموصى بعتقه إلى سنة، ثم بعد ذلك الموصى بعتقه إلى سنين، والموصى بكتابته إذا لم يعجل الكتابة، والموصى بعتقه على مال إذا لم يعجل المال، وقد قيل: إن الموصى بعتقه إلى سنة كالموصى بعتقه إلى سنين على ما سيأتي القول فيه في سماع أصبغ من كتاب الخدمة، ثم بعد ذلك كله الوصية بالمال؟ بالعتق بقي عينه وبالحج حج الفريضة، وقد اختلف في ذلك على أربعة أقوال، فقيل: إنها كلها سواء في التحاص، وقيل: إنه يبدأ العتق ويتحاص المال مع الحج، وقيل: إنه يبدأ الحج

: مات الرجل وله مدبر

ويتحاص المال مع العتق، وقيل: إنه يبدأ العتق على الحج ويتحاص مع المال ووجه هذا القول أن العتق عنده أكدها كلها ثم يليه المال ثم يليه الحج فيتحاص المال مع الحج ومع العتق لقربه من كل واحد منهما ويبدأ العتق على الحج لبعد ما بينهما. وأما حجة التطوع فلم يختلف قول ابن القاسم في أن العتق مبدأ عليه، واختلف قوله هل يبدأ العتق عليه أو يتحاصان، وقال ابن وهب: يبدأ الحج على العتق ولم يفرق بين الضرورة وغيره. والصحيح على مذهب مالك أن الوصية بالعتق بغير عينه وبالمال يبديان على الوصية بحجة الإسلام؛ لأنه لا يرى أن يحج أحد عن أحد فلا مزية في ذلك عنده على أصل قوله، وقد حكى ابن زرب أن الشيوخ أجمعوا على أن الوصية بالحج تبدأ على كل شيء المدبر وغيره، وكان أبو عمر الإشبيلي يرى تبدية ما أوصى به في فك أسير على جميع الوصايا المدبر في الصحة وغيره، ويحتج لذلك برواية أشهب عن مالك في كتاب الجهاد، وحكى عبد الوهاب في المدونة أن الوصية بالعتق المعين تبدأ على الزكاة وهو بعيد في القياس. [ووجهه إتباع ظاهر المروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه أمر أن تبدأ العتاقة على الوصايا» فعم ولم يخص، وبالله التوفيق. [: مات الرجل وله مدبر] ومن كتاب التمرة قال عيسى حدثني عبد الله بن وهب عن ربيعة والليث ويحيى بن سعيد أنهم كانوا يقولون: إذا مات الرجل وله مدبر، فإنه يجمع المدبر وماله إلى مال الميت فينظر، فإن كان ثلث جميع ذلك

المدبر وماله عتق، وكان له ماله، وإن كان الثلث أقل وهو يحمل رقبة المدبر وبعض ماله عتق، وكان له الذي حمل من ماله مع رقبته، وإن كان ليس له مال غير المدبر وماله فإنه إن كان قيمة المدبر مائة دينار وله ثمانمائة دينار عتق المدبر، وكان له من ماله مائة دينار، فهكذا يعمل في المدبر أبدا يضم ماله إلى مال الميت إن كان ترك شيئا، وإلا فاصنع فيه مثل ما وصفت لك إن لم يترك إلا المدبر وماله، قال: وكذلك الذي يوصي بعتق عبد له عند الموت وللعبد مال يصنع به مثل ما يصنع في المدبر، وهذا رأي ابن وهب وبه يأخذ وكان له ماله وإن لم يحمله الثلث، وقال ابن القاسم عن مالك في غير هذا الكتاب في المدبر: إن حمله الثلث بماله عتق بماله، وإن لم يحمله الثلث بماله عتق منه بماله ما يحمل الثلث وأقر ماله في يديه. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك أن المدبر يقوم في ثلث الميت بماله، فإن حمله الثلث بماله عتق وكان ماله له، وإن لم يحمله الثلث بماله عتق منه ما حمل الثلث وأقر ماله في يديه هو القياس؛ لأن مال المدبر له ما لم ينتزعه في صحته قبل أن يموت، فوجب أن يقوم به في ثلث مال الميت؛ لأنه إذا لم يقوم به في ثلثه وأضيف إلى مال الميت وأعتق دونه فقد حصل ماله للورثة من غير أن يستثنيه السيد، وقد قيل: إن استثناءه إياه لا يجوز، فكيف إذا لم يستثنه؟ فقول ابن وهب وروايته عن ربيعة والليث ويحيى بن سعيد في تفرقتهم بين أن يحمله الثلث بماله ولا يحمله به استحسان واحتياط للعتق؛ لأنهم رأوا عتق جميعه دون مال أولى من عتق بعضه وإبقاء ماله بيده، وبالله التوفيق.

: يموت عن مدبر وله دين على أقوام إلى أجل بعيد إلى عشر سنين ونحوها

[: يموت عن مدبر وله دين على أقوام إلى أجل بعيد إلى عشر سنين ونحوها] ومن كتاب جاع فباع امرأته وسألته عن الرجل يموت عن مدبر وله دين على أقوام إلى أجل بعيد إلى عشر سنين ونحوها هل يوقف المدبر أبدا حتى يحل أجل الدين؟ قال: لا يوقف ولكن يباع ذلك الدين بعرض نقدا إن كان عينا أو بعين إن كان عرضا ثم يعتق المدبر في ثلثه أو ما حمل الثلث منه. قلت: فإن كان الذي عليه الدين غائبا غيبة طويلة مثل مصر من الأندلس؟ قال: يكتب فيه ويستخلف عليه، ويوقف المدبر حتى ينظر فيه فإما تقوضي إن كان حالا وإما بيع هنالك إن كان إلى أجل بعيد، يباع ممن هو معه في البلد بحضرته إذا أقر بذلك. قلت له: فإن آيس من الدين لغريم عديم هو عليه أو غيبته بعيدة لا ترجى؟ قال: يعتق من المدبر ما حمل ثلث مال الميت مما يحضر ويرق بقيته. قلت: فإن أيسر بعد ذلك الغريم المفلس الذي آيس منه أو قدم الغائب الذي آيس منه فتقوضي منهما جميعا؟ . قال: إن كان المدبر في أيدي الورثة عتق في ثلث ما تقوضي من الدين ما حمل ثلثه، وإن كان قد خرج المدبر من أيديهم ببيع أو هبة أو صدقة أو وجه من الوجوه كان ما تقوضي من الدين لورثة الميت ولم يكن للمدبر فيه قليل ولا كثير، قال عيسى: يعتق ذلك منه حيث كان، ولا يكون للمشتري أن يرد ما بقي في يديه. قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية في الدين المؤجل إلى

عشر سنين ونحوها: إن المدبر لا يوقف إلى ذلك الأجل، ولكن يباع الدين بعرض نقدا إن كان عينا، أو بعين إن كان عرضا ثم يعتق المدبر في ثلثه أو ما حمل الثلث منه، وفي العشرة عن يحيى عن ابن القاسم أنه إن كانت الديون بعيدة الآجال والمال الغائب في بلاد بعيدة لا يصل إلا بعد طول زمان فإنه يعتق منه ثلث ما حصل، فإذا جاء المال الغائب أو حل أجل المؤجل فاقتضي أعتق منه مبلغ ثلث جميع ذلك، وهو معنى ما في المدونة؛ لأنه قال فيها: إنه إن دعا العبد الموصى بعتقه إلى أن يعتق منه مبلغ ثلث المال الحاضر ويوقف ما بقي منه إلى أن يحل أجل المال لم يكن ذلك إلا أن يكون فيه ضرر على الموصي والموصى له، فقيل: إن هذا اختلاف من قول ابن القاسم في الدين المؤجل هل يباع ويعجل عتق المدبر والموصى له بالعتق فيه أم يعتق منهما ما حمل ثلث المال الحاضر منهما ويوقف الباقي إلى أن يحل أجل الدين فيتقاص ويعتق فيه بقيمتهما. والصواب أن لا يحمل ذلك على أنه اختلاف من قوله، وإنما المعنى في ذلك أنه رأى أن يباع الدين إذا تفاحش بعد أجله العشرة الأعوام ونحوها على ما قاله في هذه الرواية، وإذا لم يتفاحش بعده فمذهبه في المدونة أنه يوقف العبد حتى يحل الأجل، وإن دعا العبد إلى أن يعتق منه ثلثه أو ما حمل منه ثلث المال الحاضر ويوقف باقيه إلى أن يحل أجل الدين المؤجل لم يكن ذلك له إلا برضى الورثة؛ لأن الميت يكون إذا فعل ذلك قد أخذ أكثر من ثلث المال الحاضر؛ لأنه يعتق ثلثه فيه ويوقف باقيه، وأشهب يرى من حق العبد ما دعا إليه من ذلك، خلاف ما في المدونة من أن ذلك لا يكون له إلا أن يكون في توقيفه ضرر عليه وعلى الورثة لما يخشى من تلف المال الحاضر إذا وقف حتى يحل الأجل ويأتي المال الغائب، والمدبر الواحد والجماعة منهم في ذلك سواء، ويفترق الواحد من الجماعة في الموصى بعتقهم، فلا يجوز في الجماعة منهم أن يعتق منهم ما حمل ثلث المال الحاضر، ويوقف باقيهم إلى

أن يأتي المال الغائب أو يحل أجله وإن رضي الورثة بذلك من أجل الغرر في تكرير القرعة فيهم مرة بعد أخرى.. وقوله في الرواية إنه إن آيس من الدين بعدم الغريم أو بعد الغيبة فيعتق من المدبر ما حمل منه ثلث المال الحاضر ثم أيسر الغريم وقدم الغائب أنه لا يعتق ما بقي من المدبر في ثلث ما تقوضي من المال إلا أن يكون في أيدي الورثة لم يخرج عنهم ببيع ولا هبة ولا صدقة، وهو خلاف المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك وأصحابه في كل ديوان، فقول عيسى بن دينار هو المعروف في المذهب الصحيح في النظر؛ لأن حق المدبر في عتق ما يبقي منه لا يسقط ببيع الورثة إياه، ولا بما سوى ذلك من هبة أو صدقة، وإنما قال عيسى بن دينار: إنه لا يكون للمشتري أن يرد ما بقي منه إن كان لم يعتق جميع ما اشتراه من أجل أنه إنما دخل فيما اشترى منه على ضرر العتق إلا أن يعتق جل ما اشتراه منه، فيكون له حينئذ أن يرد الباقي منه، ولو كان على الميت دين فبيع المدبر فيه ثم طرأ له مال عتق في ثلثه شيء منه، وإن قل لكان للمشتري أن يرد باقيه لضرر العتق فيما اشتراه، ولو كان المشتري قد أعتقه ثم طرأ للميت مال يحمله ثلثه لنقض عتق المشتري فيه، ورجع بالثمن الذي أدى فيه وأعتق في ثلث ما طرأ ولو لم يحمل ثلث ما طرأ من المال جميعه لعتق منه ما حمل الثلث، وكان للمشتري أن يرجع من الثمن بقدر ما عتق منه عن الميت في ثلث المال الطارئ، ويرجع بقيمة عيب العتق في باقيه، إذ قد فات عنده بالعتق، ولا يقدر على رده. ووجه العمل في ذلك أن يقال: كم قيمته على أنه رقيق لم يعتق منه شيء؟ فإن قيل: مائة، قيل: كم قيمته ما لم يعتق منه عن الميت على أن ما أعتق منه عن الميت حر؟ فإن قيل: ستون وكان قد أعتق منه عن الميت الثلث، علم أن قيمة جميعه بعيب العتق فيه تسعون، فبين القيمتين عشرة، وهي من المائة عشرها، فيفض عشر الثمن، وهو قيمة عيب العتق على ما أعتق منه عن

: يقول غلامي فلان حر متى ما مات

الميت وعلى ما أعتق منه على المشتري، فما ناب من ذلك ما أعتق منه عليه رجع بذلك على الورثة، ولا يرجع بما ناب من ذلك ما أعتق منه عن الميت؛ لأنه قد أخذ ثمن ذلك، وكذلك لو باعه السيد في صحته ثم مات فأعتقه المبتاع بعد موته وفي ثلث البائع له مجملا له أو لبعضه، الحكم في ذلك سواء، بخلاف عتق المشتري إياه في حياة البائع هذا يمضي عتقه، وإن لم يعثر على ذلك إلا بعد موته؛ لأنه لو عثر على ذلك في حياته لم يرد عتقه على أحد قولي مالك، وبالله التوفيق. [: يقول غلامي فلان حر متى ما مات] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب المكاتب قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول: غلامي فلان حر متى ما مات، لا يغير عن حاله، كان ذلك في صحة أو في مرض، ثم أراد الرجوع فيه وبيعه وقال: إنما أردت فيه الوصية. فقال: لا أراه إلا على حال التدبير لا يجوز لسيده أن يرجع فيه، ولا سبيل إلى بيعه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه قد نص في قوله على حكم التدبير، فلا يصدق في أنه أراد بذلك الوصية، وبالله التوفيق. [مسألة: هل يطأ الرجل مدبرة مدبره] مسألة قال: وسألته هل يطأ الرجل مدبرة مدبره أو مدبرة أم ولده أو المعتق إلى أجل؟ فقال: لا يحل له وطء واحدة منهن. قلت: ولم وإنما هن مدبرات؟ قال: لأنهن يعتقن بموت من

دبرهن وإن بقي السيد بعد ذلك فهن كالمعتقات إلى أجل، قال: ولكن لو أن رجلا إذن لمدبره أو لأم ولده أن يدبر أمة يكون عتقها بعد موت الذي دبرها وموت السيد حل له الوطء كما يحل له وطء مدبرته بعينها، وذلك أنها لا تعتق إلا بعد موت السيد وموت الذي دبرها. قلت: فهل يجوز لهؤلاء التدبير إلا بإذن السيد؟ قال: لا. قلت: فلمن ولاؤهن إذا أذن؟ قال: للسيد. قلت: فهل يجوز له أن ينتزع منهن خدمتهن من أم الولد والمعتق إلى أجل والمدبرة؟ قال: نعم يجوز ذلك. قلت: فإن دبر هؤلاء بغير علم السيد ولا يعلم حتى مات وعتقوا ما حال مدبرهم؟ قال: التدبير ثابت لهم، وليس لواحد منهم دبر أن يرجع في ذلك بأن يقول: لم يأذن لي سيدي ولو علم بما صنعت فسخه، ولكن إن علم ففسخ كان مفسوخا ومنتقضا، ثم لا يلزمهم إمضاء التدبير بعد موت السيد. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا أعرف نص اختلاف في شيء منها، وإنما قال إنه لا يجوز له أن يطأ مدبرة مدبره ولا مدبرة أم ولده ولا مدبرة معتقه إلى أجل من أجل أنهن معتقات إلى أجل من رأس المال علي ما قاله في رسم استأذن من سماع عيسى، إذ لا فرق في المعنى بين أن يأخذ لعبده أو لمدبره أو لأم ولده أو لمعتقه إلى أجل بتدبير جاريته أو ينتزعها منه فيعتقها إلى موته، ولا فرق بين أن يأذن له في ذلك وبين أن يفعل ذلك فيجيزه. وقوله إن ما دبر هؤلاء بغير علم السيد ولا يعلم بذلك السيد حتى مات وعتقوا لازم لهم، هو نص قوله في كل موضع لا اختلاف فيه أحفظه إلا أن

: المدبر يكون ثمنه مائة دينار وللمدبر مائة دينارويترك سيده مائة دينار

يدخل فيه بالمعنى، فقد قال بعض أصحاب مالك في فعل المرأة ذات الزوج إذا زادت على ثلثها فلم يعلم بذلك الزوج حتى مات عنها أو طلقها إن ذلك لا يلزمها على قياس القول بأن فعلها فيما زاد على ثلث مالها على الرد حتى يجيزه الزوج، وإذا قيل ذلك في الزوج فأحرى أن يقال في السيد؛ لأن تحجير السيد على عبده أقوى من تحجير الزوج على امرأته. وأما إذا رد السيد فعل عبده فيما فعله من تدبير عبده أو كتابته أو عتقه ثم عتق وهو في يده فلا اختلاف في أنه لا يلزمه شيء من ذلك، ولا يدخل ذلك الاختلاف الذي في المرأة ذات الزوج تعتق عبدها ولا مال لها سواه فيرث الزوج ثم يموت عنها أو يطلقها وهو بيدها؛ لأن تحجير السيد على عبده أقوى من تحجير الزوج على امرأته فيما زاد على ثلث مالها، وبالله التوفيق. [: المدبر يكون ثمنه مائة دينار وللمدبر مائة دينارويترك سيده مائة دينار] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: سئل ابن القاسم عن المدبر يكون ثمنه مائة دينار وللمدبر مائة دينار] ويترك سيده مائة دينار فقال: قال مالك: يعتق من المدبر نصفه ويترك ماله بيده، ويكون نصفه رقيقا لورثة المدبر، وذلك أنه لما كانت قيمته مائة دينار وفي يديه مائة دينار وترك سيده مائة دينار فجميع ما ترك الميت ثلاثمائة دينار فعتق من العبد ثلث المائة وهو مائة دينار وهو نصف العبد بقيمة رقبته وماله، ولا يؤخذ ماله منه، ويكون ما بقي من رقبته وما ترك سيده من ماله لورثته، وهذا قول مالك. قال محمد بن رشد: هذا على ما تقدم من قول ابن القاسم وروايته

: دبر أمة له فولدت أولادا في تدبيرها فأبق الأولاد ومات السيد

عن مالك في رسم الثمرة من سماع عيسى في أن المدبر يقوم في ثلث مال الميت بماله، ويكون له ماله إن حمله الثلث، وإن لم يحمله عتق منه بماله ما حمل منه الثلث، وأقر ماله بيده، خلاف قول ابن وهب هناك وروايته عن ربيعة والليث ويحيى بن سعيد أنه إن لم يحمله الثلث بما له أضيف ماله إلى مال السيد فقوم فيه، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، إلا أن في قوله نظرا؛ لأنه قال: إن المدبر إذا كانت قيمته مائة وله مائة، ولسيده مائة، فجميع مال السيد ثلاثمائة، قيمة المدبر من ذلك بماله مائتان، فعتق منه نصفه ويقر ماله بيده، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه إذا كانت قيمة المدبر مائة، وله مائة فقيمته بماله لا شك أقل من مائتين، فإنما القياس أن يقوم بماله، ويضاف ذلك إلى مال السيد فيعتق ما حمل الثلث منه بماله، إلا أن يضاف ماله إلى قيمته فتجعل ثلث قيمته، إذ لا شك في أن ذلك يكون أكثر من قيمته بماله، ومثل ما وقع في هذه الرواية حكى ابن حبيب في الواضحة، وفيه هذا الاعتراض، وبالله التوفيق. [: دبر أمة له فولدت أولادا في تدبيرها فأبق الأولاد ومات السيد] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون وسئل سحنون عن رجل دبر أمة له فولدت أولادا في تدبيرها فأبق الأولاد ومات السيد فقام عليه الغرماء والدين يحيط برقبة الأمة ولا مال له غيرها: إنها تباع في قضاء دينهم ولا ينتظر بها الأولاد الذين أبقوا، فإن انصرف الأولاد نظر إلى ولدها وإليها ونظر إلى الدين، فإن كان يحيط بأثلاثهم وثلث الأم بيع من كل واحد ثلثه، ويعتق ثلث ما بقي من الولد والأم، ويقال لمشتري الأم: أنت بالخيار في الأم، فإن أحببت فرد، وإن أحببت أن تتمسك بما بقي من الأم رقيقا فذلك لك، والذي يصير في الأم من الرق سبعة أتساعها.

قال محمد بن رشد: ولد المدبرة مدبر بمنزلتها في مذهب مالك وجميع أصحابه، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل ذات رحم فولدها بمنزلتها» ، وما روي عن زيد بن ثابت أنه أجاز بيع ولد المدبرة، وقاله علي وعثمان وابن عمر وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز في عدة من التابعين، فالمعنى في هذه المسألة صحيح واللفظ فاسد؛ لأنه قال: إنه ينظر إلى الدين، فإن كان يحيط بأثلاثهم وثلث الأم بيع من كل واحد ثلثه، والأم قد يقدم بيعها كلها في الدين بسبب إباق الأولاد قبل أن يرجعوا من إباقهم، فكيف يباع ثلثها إذا رجع الأولاد ولا يحتاج أيضا إلى بيع ثلث الأولاد، وإنما يحتاج أن يباع منهم ما يرد إلى المشتري فيما يعتق منها. فإنما يكون صواب الكلام أن يقول: وجه العمل في ذلك إذا رجع الأولاد أن ينظر إلى الدين فإن كان يحيط بأثلاثهم وثلث الأم تبين أنه قد كان يجب أن يباع ثلث كل واحد منهم ويعتق ثلث ما بقي من كل واحد منهم وهو تسعاه، فيعتق من كل واحد من الولد تسعاه، ومن الأم التي بيعت تسعاها أيضا، ويرجع المشتري بتسعي الثمن الذي أدي فيها على الورثة، فيباع له في ذلك مما رق لهم من الأولاد ما يؤدي إليه، وإن أراد الورثة أن يؤدوا إلى المشتري تسعي الثمن من أموالهم ويتمسكوا بما رق لهم من الأولاد وهو سبعة أتساع كل واحد منهم كان ذلك لهم، ويبقى للمشتري في الأم سبعة أتساعها! يكون بالخيار كما قال بين أن يتمسك بذلك أو يرده للضرر الداخل عليه فيها باستحقاق جزء منها بالحرية. وهذا الذي ذكرناه بين كله، ونزيده بيانا بالتنزيل فنقول: مثال ذلك أن السيد توفي وعليه ثلاثون دينارا دين، وقيمة المدبرة ثلاثون، وولدها الذين أبقوا اثنان قيمة كل واحد منهما ثلاثون ثلاثون، فقام الغرماء قبل رجوع الولد فبيعت لهم المدبرة بثلاثين وأخذوها في حقوقهم، ثم رجع الابنان فكشف

مسألة: الرجلين يكون بينهما العبد فيدبر أحدهما نصيبه ولا مال له غيره

الغيب برجوعهما أن الواجب كان أن يباع من الأب ومن كل واحد منهما ثلثه في الدين؛ لأنهما مدبران بتدبير أمهما، وأن يعتق من كل واحد منهم ثلث الباقي وهو التسعان، فيعتق من كل واحد من الولد تسعاه، ويعتق من أمهم المبيعة تسعاها. أيضا، ويكون المشتري بالخيار بين أن يرد الباقي منهما على الورثة ويرجع عليهم بجميع الثمن، وبين أن يتمسك له بما بقي له منها رقيقا ويرجع عليهم بتسعي الثمن لما أعتق منها، والورثة بالخيار فيما يرجع به المشتري عليهم يؤثره مما شاءوا مما رق لهم من الولد، وإن شاءوا من أموالهم. ورجوع الأولاد في هذه المسألة من الإباق بعد أن بيعت الأم في الدين كمال طرأ للميت بعد بيعها، فقول سحنون فيها خلاف ما تقدم من قول ابن القاسم في رسم جاع فباع امرأته مثل قول عيسى بن دينار فيه من رأيه وما عليه الجماعة، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجلين يكون بينهما العبد فيدبر أحدهما نصيبه ولا مال له غيره] مسألة وسئل سحنون عن الرجلين يكون بينهما العبد فيدبر أحدهما نصيبه ولا مال له غيره. قال: اختلف فيه أصحابنا من أهل الحجاز، والذي أقول أنا به: إنه إذا دبر نصيبه وهو معسر أن تدبيره ليس بشيء، إذا لم يرض شريكه، ألا ترى أن المدبر لو قال: أنا أقاويك، فقال له: كيف تقاوي صاحبك وأنت لا مال لك؟ فإن وقع عند صاحبك غرم إليك القيمة، وإن وقع عندك في المقاواة لم يكن عندك ما تدفع إليه، فكيف تقاوي وأنت لا مال لك؟ وقد أدخلت عليه الضرر، وتدبيرك

إياه عيب تدخله على صاحبك في عبده، وليس هذا كالذي يعتق نصيبه ولا مال له أنه يعتق عليه ما أعتق؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل» ، ثم قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق» ، فإنما جاء هذا في العتق، والتدبير وليس بصريح العتق وهو يباع في الدين ولا يعتق إلا في الثلث، فلما أدخل على شريكه الضرر لشيء لم يتعجل به للعبد عتقا نفينا عن شريكه الضرر الذي أدخله عليه فخذ هذا على هذا فإنه أحسن ما سمعت ورويت. قيل له: فلو أنه أعتق نصيبه إلى أجل ولا مال له غيره؟ فقال: له بيعه ولا ينحل عن العبد ما عقد له من العتق، والمعتق إلى أجل ليس كالمدبر، فإن شاء أن يشتريه شريكه كان ذلك له، ولم يجز اشتراؤه لغيره. قيل له: فإن اشتراه منه شريكه ما يكون حال هذا العبد؟ فقال: يكون معتقا كله إلى الأجل الذي كان أعتق إليه نصفه قبل أن يشتريه. قال محمد بن رشد: اختلف في العبد بين الشريكين يدبر أحدهما حظه منه وهو معسر على أربعة أقوال أحدها: قول سحنون هذا، وهو مذهب ابن الماجشون في ديوانه أن الشريك بالخيار إن شاء أجاز له ما صنع، وإن شاء فسخ تدبيره، إذ لا يلزمه مقاواته إياه من أجل أنه غريم ولأن من حقه أن يلزمه قيمته فيتبعه بها، والقول الثاني: أنه بالخيار بين أن يجيز له ما صنع

ويتمسك بنصيبه، وإن شاء أن يتبعه بقيمة نصفه، وإن شاء أن يقاويه إياه على أنه إن وقع عنده اتبعه بما وقع به عليه، وهو أحد قولي ابن القاسم في سماعه، والقول الثالث: أنه إن شاء تمسك بنصيبه وأجاز له ما صنع، وإن شاء قاواه إياه، فإن وقع عند المدبر بيع منه بنصف ما وقع به عليه، كان أقل من نصيبه منه أو أكثر، وكان الباقي مدبرا، وإن وقع عند الذي لم يدبر كان رقيقا كله، وهذا القول حكاه ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، قال أصبغ في سماعه: وهذا هو القياس، والاستحسان إن وقع على المدبر ألا يباع منه إلا نصفه فأقل، فإن لم يف نصفه بما وقع به عليه في المقاواة اتبعه بالباقي دينا ثابتا في ذمته، واستحسان أصبغ هذا هو القول الرابع، وإذا كان له على مذهبهم أن يقاويه إياه فإن وقع على المدبر بيع منه بما وقع به عليه كان أقل من نصفه أو أكثر وما لم يكن أكثر من نصفه على ما استحسنه أصبغ فمن حقه إن شاء أن يترك المقاواة فيلزمه نصف قيمته فيباع منه بها ما بيع منه أو ما لم يكن أكثر من نصفه على ما تقدم من استحسان أصبغ؛ لأن وجه المقاومة في المدبر حيثما وقعت أن يقام قيمة عدل، ثم يقال للذي لم يدبر: إما أن تسلم إليه حظك بنصف هذه القيمة، وإما أن تزيد، فإن أسلمه إليه لزمه، وإن زاد قيل للذي دبر: إما أن تسلم إليه حظك بما زاد وإما أن تزيد، كذا أبدا حتى يقف على من وقف منهما. وأما إذا كان الذي دبر حظه منه مليئا ففي ذلك ثلاثة أقوال أحدها: أنه يقوم على المدبر فيكون مدبرا كله، ولا يكون للذي لم يدبر أن يتمسك بنصيبه ولا أن يقاويه كالعتق سواء، وهذا القول وقع لمالك في العتق الأول من المدونة، والقول الثاني أن الشريك بالخيار، إن شاء أن يقومه عليه وإن شاء أن يقاويه إياه، وليس له أن يتمسك بنصيبه ويجيز له ما صنع، وهذا قول مالك في رواية مطرف وابن الماجشون عنه، والقول الثالث أن الشريك بالخيار بين أن

مسألة: توفيت وتركت زوجها وأخاها ومدبرتها ولا مال لها غير المدبرة

يتمسك بحظه أو يقومه عليه أو يقاويه إياه، وهذا مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وأما قول سحنون في هذه الرواية في الذي أعتق نصيبه إلى أجل ولا مال له: إنه ليس كالمدبر فهو صحيح؛ لأن العتق إلى أجل عقد ثابت يجب به العتق للعبد عند الأجل على كل حال، فلا يصح إبطاله بالمقاواة. وأما قوله فإن شاء أن يشتريه شريكه كان ذلك له ولم يجز اشتراؤه لغيره فلا يستقيم على حال، إذ لا يلزم شريكه أن يبيعه منه إذا لم يكن له مال، ولا يصح أن يمنع من بيعه من غيره إذا لم يجب أن يقوم عليه لعدمه، وإنما لا يكون لشريكه أن يبيعه من غيره إذا أعتق نصيبه منه وهو موسر على القول بأنه بالخيار بين أن يتمسك بحظه منه وبين أن يقومه عليه، إذ قد قيل: إنه يقومه عليه ويكون حرا إلى الأجل، وقيل: إنه لا يقوم عليه حتى يحل الأجل، وقد يحتمل أن يكون أراد بقوله ولم يجز اشتراؤه لغيره إذا أيسر فيكون لذلك وجه؛ لأنه يخرج على القول بأنه إذا أعتق نصيبه إلى أجل وهو موسر يكون الشريك مخيرا بين أن يتمسك بحظه أو يقوم عليه. وأما قوله فإن شاء شريكه أن يشتريه كان ذلك له فلا وجه له بحال، إذ لا يصح أن يكون المعتق لحظه من العبد بالخيار في شراء حظ شريكه في قول قائل، وإنما الخلاف في هل يلزم تقويمه عليه، أو يكون الشريك في ذلك بالخيار، وبالله التوفيق. [مسألة: توفيت وتركت زوجها وأخاها ومدبرتها ولا مال لها غير المدبرة] مسألة وسئل سحنون عن امرأة توفيت وتركت زوجها وأخاها ومدبرتها ولا مال لها غير المدبرة وتركت على زوجها مائة وخمسين دينارا ولا مال له وقيمة المدبر خمسون دينارا. قال، يعتق من المدبرة ثلثها ويكون ثلثاها رقيقا للأخ

والزوج، فيكون ثلثها للزوج، وثلثها للأخ، ويكون ثلث الزوج كأنه مال طرأ، فيصير ثلث الزوج للأخ. والمدبرة، فيعتق من المدبرة أيضا نصف الثلث، فيتم من المدبرة نصفها عتيقا، ويبقى نصف جميع رقبتها رقيقا للأخ. قيل: فإن باع الأخ المدبرة ثم أفاد الزوج إلى زمان بعد ذلك مالا ترجع المدبرة على الزوج فيعتق منها ما بقي أم كيف يصنع؟ قال: نعم يرجع عليه فيعتق منها بقدر ذلك. قيل وهكذا يرجع أبدا كلما أفاد حتى تستتم رقبتها؟ قال: نعم. قيل له: فإن لم يبين الذي باعها أن لها دينا على الزوج إن أفاد يوما مالا، هل يكون عيبا يردها به؟ قال: لا. قيل: فإن أفاد الزوج مالا فرجعت الأمة على الزوج فيعتق منها بقدر ما قضى للزوج من الدين، فقال المشتري: أنا أرد لأن النصف الذي اشتريت قد فسد علي؟ فقال: إذا كان الذي أعتق منها تافها يسيرا بعد ما اشتراها فليس له ردها، وإن كان كثيرا فله ذلك. قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة: إن الثلث الذي لا يعتق فيما طرأ للميت من مال إذا كان قد خرج من أيدي الورثة ببيع أو صدقة أو هبة، وأما قول سحنون: إنه إن كان الذي أعتق مما اشترى من المدبرة يسيرا فلا رد له، وإن كان كثيرا فله ذلك، فهو صحيح؛ لأنه إنما اشترى بعضها على أن باقيها حر، فقد دخل على ضرر العتق، فلا رد له فيما استحق بالعتق مما اشترى منها، إلا أن يكون جل ما اشترى منها وهو الذي أراد بقوله: وإن كان كثيرا والله أعلم لأن العروض إذا استحق على المشتري منها بعضها فليس له

مسألة: استأجر مدبرا سنة لخدمة بتسعة دنانيرثم مات السيد وقد قبض التسعة

أن يرد ما بقي منها إلا أن يكون الذي استحق منها جلها، وقد تقدم هذا في رسم جاع من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: استأجر مدبرا سنة لخدمة بتسعة دنانيرثم مات السيد وقد قبض التسعة] مسألة وسئل عن رجل استأجر مدبرا سنة لخدمة بتسعة دنانير، ثم مات السيد وقد قبض التسعة فاستهلكها وليس له مال غير المدبر ولم يستوف المؤاجر من خدمة العبد شيئا. قال: تقسم التسعة على قيمة المدبر، فإن كانت قيمته ثلاثين دينارا فإن الثلث الذي كان يصير للعتق قد صار عليه من الدين ثلثه، وذلك ثلاثة دنانير، فيباع منه بثلاثة دنانير، ويعتق منه بقية الثلث وهو سبعة دنانير، فيكون ثلثا الخدمة للمستأجر، وثلثها بين العبد وبين الذي اشترى منه بثلاثة دنانير، فإذا تمت السنة رجع العبد إلى الورثة فقال لهم: أكملوا لي ثلث الميت لجمع ثلثيه وهو عشرون دينارا، وما صار إلى العبد وهو سبعة دنانير فجملة سبعة وعشرون، فيعتق ذلك من ثلث الميت وهو تسعة دنانير، فيزداد العبد دينارين فيكون للعبد في نفسه تسعة دنانير، وللورثة ثمانية عشرة دينارا فإن كانت الإجارة مثل الرقبة سواء فأرى أن لا يباع منه شيء، وأن تمضي الإجارة كلها؛ لأن الإجارة محيطة برقبته، فإذا انقضت السنة عتق ثلثه ورق ثلثاه. قلت: فلو كان على السيد دين لأجنبي خمسة دنانير والمسألة على حالها وقد مات السيد ولا مال له ولم يستوف المؤاجر من أجرته شيئا؟ قال: تفض للعشرة التي أوجر بها العبد على ما يعتق من العبد وعلى ما يرق منه، فيصير على الثلث العتيق منه ثلاثة دنانير

وثلث وتكون الخمسة التي هي للأجنبي في الثلث الذي يعتق منه؛ لأن ثلثي الورثة لا سبيل لصاحب الدين عليه؛ لأن المستأجر أحق به، ودين الأجنبي أولى من عتق المدبر فيباع من ثلث العبد بثمانية دنانير وثلث، ثلاثة وثلث للمستأجر وخمسة للأجنبي، ويعتق باقي ثلثه، فهو ديناران إلا ثلث، فإذا انقضت خدمة المستأجر ودفع ثلثي العبد إلى الورثة، رجع عليهم العبد فقال لي ثلث سيدي وقد ترك اثنين وعشرين دينارا إلا ثلثا وإنما أعتق مني دينارين إلا ثلثا، فيعتق منه ثلث الاثنين وعشرين دينارا إلا ثلثا. قلت فلو كان دين الأجنبي خمسة عشر دينارا؟ فقال: أرى دين الأجنبي قد استغرق ثلث العبد، فلا أرى أن يعتق منه شيء، ويكون صاحب الإجارة أولى به، فإذا انقضت الإجارة بيع نصفه للدين بخمسة عشر دينارا وعتق منه ثلث ما بقي، وهو سدسه. قلت وكذلك لو كان دين الأجنبي ثلاثين دينارا لم يعتق منه شيء وكان صاحب الإجارة أولى به إلى موتها ثم يباع كله للدين؟ قال: نعم. قلت فلو كان دين الأجنبي سبعة دنانير والمسألة على حالها؟ قال: فلا يعتق منه شيء، وصاحب الخدمة أولى به كما فسرت ذلك، فانظر فإن كان إذا بعت بدين الأجنبي وما يصير على الثلث من الإجارة وتفضل منه فضلة تعتق منه فإنه يباع، وإن كان لا تفضل منه فضلة يعتق منها لم يبع منه شيء، وكان صاحب الخدمة أولى به، وكذلك لو كانت الإجارة تغترقه كله وليس على السيد غيرها لم يبع منه شيء، ومضى في خدمته حتى تنقضي إجارته ثم يعتق ثلثه.

قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة جيدة صحيحة في المعنى بينة أدخلها ابن حبيب في الواضحة على نصها إلى قوله: فإذا انقضت السنة عتق ثلثه ورق ثلثاه، ولم يسم سحنونا فقال: وسمعت من أرضى من أهل العلم يقول، وزاد على ذلك قال: ولو كان للميت مال سواه انفسخت الإجارة وردت الدنانير من مال الميت وعتق في ثلث ما بقي، وهكذا قال ابن حبيب إذا كان ثلث ما بقي من مال الميت بعد الإجارة يحمل جميعه؛ لأن عتقه إذا وجب في الثلث وجب أن تفسخ الإجارة فيه. وأما لو كان ما ترك الميت من المال لا يحمل ثلثه بعد الإجارة جميع رقبته، مثل أن تكون قيمة المدبر أربعين فمات سيده وقد قبض في إجارته تسعة فاستهلكها وله سوى المدبر عشرون لوجب يجب للزوج من المدبرة يقسم بين الأخ والمدبرة، فيعتق نصفه ويكون للأخ نصفه، فيكمل لها عتقها نصف لا يصح؛ لأن جميع الشركة فيها مائتا دينار، قيمة المدبرة منها خمسون دينارا ومائة وخمسون دينا على الزوج فالواجب للمدبرة على هذا التنزيل جميع قيمتها، وذلك خمسون دينارا وللأخ مما على الزوج خمسة وسبعون دينارا، وللزوج خمسة وسبعون مما عليه، وإنما الذي يصح أن يقسم الثلث الذي يصير للزوج من المدبرة من الأخ والمدبرة على قدر ما بقي أنهما من حقوقهما، فالذي بقي للمدبرة من حقها في هذه المسألة ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار؛ إذ قد أعتق منها ثلثها بستة عشر وثلثين، والذي بقي للأخ من حقه ثمانية وخمسون وثلث، فعلى هذه التجزئة يتخلص الآخر والمدبرة في الثلث الذي يصير للزوج يضرب الأخ فيه بثمانية وخمسين وثلث، وتضرب المدبرة فيه بثلاثة وثلاثين وثلث، فما حصل للمدبرة في المحاصة من الثلث المذكور كان عتيقا مضافا إلى الثلث المعتق منها. وما حصل للأخ في المحاصة كان رقيقا له مضافا إلى الثلث الذي رق له أولا فكلما أفاد الزوج مالا اقتسم الأخ والمدبرة ما أفاد من المال على قدر ما بقي لهما من حقوقهما أيضا على هذا التمثيل،

فما صار للأخ كان له، وما صار للمدبرة عتق منها بقدر ذلك حتى يستتم عتق جميعها ويستوفي الأخ تمام الخمسة والسبعين حقه الواجب له قبل الزوج، وإنما يصح أن يقسم الثلث الحاصل للزوج بين الأخ والمدبرة بنصفين لو كان الدين الذي على الزوج مائة دينار وقيمة المدبرة خمسون دينارا ولا مال للمتوفاة غير ذلك؛ لأن الشركة حينئذ يتساوى فيه الأخ والمدبرة والزوج فيكون للمدبرة خمسون جميع قيمتها، وللأخ خمسون، وللزوج مما عليه خمسون، فتيساوى الأخ والمدبرة فيما لهما على الزوج، فيقتسمان على هذا الترتيب الحاصل للزوج على نصفين؛ لأن الذي يبقى للمدبرة من حقها مثل الذي يبقى للأخ، والذي يبقى لكل واحد منهما ثلاثة وثلاثون وثلث؛ لأن حق كل واحد منهما كان خمسون دينارا فيقبض الأخ من حقه ثلث المدبرة بستة عشرة دينارا وثلثي دينار وقبضت المرأة المدبرة من حقها ثلث قيمتها بستة عشر وثلثين أيضا، فيكمل للمدبرة عتق نصف نصيبها، ويكون للأخ نصف المدبرة رقيقا، فكلما أفاد الزوج مالا اقتسماه بينهما بنصفين أيضا؛ لأن الذي يبقى لهما من حقوقهما أبدا متساوي على هذا التنزيل حتى يكمل عتق المدبرة ويستوفي جميع حقه الخمسين، ويبقى للزوج مما عليه خمسون دينارا. وكذلك ذكر ابن سحنون هذه المسألة عن أبيه على هذا التنزيل أن الدين الذي على الزوج مائة دينار، وأن قيمة المدبرة خمسون دينارا، وهذه الرواية تبين أن ما وقع لسحنون في هذه النوازل وما روى موسى بن معاوية عن ابن القاسم من قسمة الثلث الذي يجب للزوج بين المدبرة والأخ نصفين مع أن يكون الدين الذي على الزوج مائة وخمسون دينارا وقيمة المدبرة خمسون دينارا غلط والله أعلم لأن من قول مالك وجميع أصحابه: أن الغريم إذا كان عليه دين لرجلين لأحدهما عشرة وللآخر عشرون فتقاضيا منه شيئا أن ما تقاضياه منه يتحاصان فيه على قدر ما لهما عليه، ثم ينظر في هذه المسألة على ما صححنا من التنزيل، وهو أن يكون الدين الذي على الزوج مائة دينار

إلى ما يجب للمدبرة على الزوج من حقها، فيباع بعرض ويعجل لها العتق على ما روى موسى عن ابن القاسم والذي يبقى لها من حقها عليه خمسة وعشرون دينارا؛ لأن جميع حقها كان خمسين دينارا، فقبضت ثلثها أولا ستة عشر وثلثين، ثم قبضت نصف الثلث بثمانية وثلث، فاستكملت نصف حقها وبقي لها النصف على الزوج، وكذلك ينبغي إذا قررنا أن الدين الذي على الزوج مائة وخمسون، وقيمة المدبرة خمسون على ما في الرواية أن ينظر إلى ما بقي لها من جميع قيمتها الخمسين بعد عتق ثلث قيمتها بستة عشر وثلثين، وبعد عتق ما يجب لها من الثلث الواجب للزوج على ما رتبناه، فيطرح ذلك من الخمسين فما فضل فهو الذي يجب للمدبرة على الزوج، وهو الذي يباع على ما روى موسى بن معاوية. وأما قوله في رواية موسى ثم ينظر إلى ما يصيب الخادم من ذلك وهو نصف خمسين ومائة، فيباع فلا يصح عندي بوجه، وقوله: إن الأخ إن باع المدبرة أي ما صار له منها ثم أفاد الزوج إلى زمان بعد ذلك مالا أنها ترجع فيعتق منها بقدر ذلك، أي بقدر ما يجب لها مما أفاد حتى تستتم رقبتها هو مثل ما تقدم من قوله في أول مسألة من هذه النوازل، ومثل قول عيسى ابن دينار في رسم جاع من سماع عيسى. وما عليه الجماعة خلاف قول ابن القاسم فيه أن تقسم التسعة على ما يجب عتقه من المدبر وعلى جميع بقيته المال، فالذي يجب عتقه من المدبر نصفه بعشرين؛ لأن جميع المال ستون، فثلثه عشرون، وقيمة المدبر أربعون، فيباع من نصف المدبر ثلاثة، ويعتق ما بقي من نصفه وهو سبعة عشر. قال ابن حبيب أيضا: وهذا التفسير على أن المستأجر علم أنه مدبر، فأما لو جهل تدبيره واستأجره على أنه عبد فلما مات سيده ثبت أنه مدبر ولا مال له سواه، وفيه فضل عما استؤجر به كما فسرنا في أول المسألة لانفسخت

الإجارة، ثم بيع منه معجلا لما استؤجر به؛ لأنه دين على السيد، ثم يعتق منه ما فضل منه، ويرق ثلثاه،. وهذا الذي قاله ابن حبيب صحيح، ومعناه إذا لم يرض المستأجر بذلك وأراد رده لأن ذلك عيب دخل عليه فيما استأجره من خدمة المدبر لانفساخ بعضها بما ثبت من التدبير الذي لم يعلم به. وأما لو رضي المستأجر بالتمسك ببقية إجارته لجاز ذلك، وكان بمنزلة إذا استأجره وهو يعلم أنه مدبر. والأصل في هذه المسألة أن ما وجب من عتق المدبر فلا بد أن تنفسخ فيه الإجارة إن وجب عتقه كله في ثلث مال الميت انفسخت الإجارة في جميعه وردت إلى المستأجر الإجارة من مال الميت، وإن وجب عتق ثلثه انفسخت الإجارة في ثلثه فبيع من الثلث الذي وجب عتقه بثلث الإجارة وأعتق الباقي من ذلك، فإذا انقضت الإجارة رجع المدبر على الورثة فأعتق منه بقية الثلث وهو ثلثا ما بيع منه، وكذلك إن وجب عتق نصفه أو ثلثيه في ثلث الميت فبيع منه بنصف الإجارة أو بثلثيها وأعتق الباقي، فإذا انقضت الإجارة رجع على الورثة فأعتق منه بقية الثلث وهو ثلثا ما بيع منه في الإجارة وإن لم يجب عتق شيء منه مثل أن تكون الإجارة تستغرق جميعه أو لا يستغرق جميعه وعلى الميت من الدين ما يستغرق جميعه، فالإجارة باقية لا تنفسخ، وهي مقدمة على الدين إن كان على الميت دين لأن الإجارة في عين العبد والدين في ذمة الميت إذا انقضت الإجارة بيع في الدين. وإنما قال: إذا لم يكن له مال غير المدبر إنه يباع من ثلثه بثلث الإجارة وبجميع الدين ثم يعتق ما بقي من أجل ما بيناه من أن الإجارة مبدأة على الدين، والدين مبدأ على العتق، فوجب من أجل ذلك أن يباع من ثلث المدبر بجميع الدين وبثلث الإجارة، فإذا استوفى المستأجر خدمته ورجع ثلثا المدبر إلى الورثة رجع عليهم المدبر فيه فاستوفى منه ما بقي من حقه في العتق

مسألة: باع مدبرة من رجل فزوجها المشتري من عبده

وهو ثلثا ما بيع منه في الدين لأنه بيع منه بجميع الدين من أجل أنه يبدأ على العتق ولا يجب عليه من الدين إلا ثلثه وثلثا ما بيع منه في الإجارة أيضا، وبالله التوفيق. [مسألة: باع مدبرة من رجل فزوجها المشتري من عبده] مسألة وسئل عن رجل باع مدبرة من رجل فزوجها المشتري من عبده وأولدها العبد جارية ثم أعتق المشتري الأمة وبقي ولدها. قال: يمضي عتقها ويكون ولدها رقيقا للمبتاع، وقاله عبد الله بن نافع. قال محمد بن رشد: رأيت لأبي إسحاق التونسي أنه قال في هذه المسألة: قوله ويكون ولدها رقيقا للمبتاع كلام فيه نظر، إلا أن يريد بقوله: يرق أن يكون مدبرا كأمه؛ لأن ولدها من زوج إنما يجب أن يكون كأمه، وهي مدبرة فيجب أن يكون ولدها مدبرا. فإن قيل لما أعتقها بطل تدبيرها، فكان ولدها رقيقا للمشتري، قيل: لو لزم هذا في المشتري للزم في المدبرة إذا ولدت فأعتقها المدبر أو ماتت أن يكون ولدها رقيقا؛ لأن موتها أو عتقها يبطل تدبيرها، وهذا بعيد، بل ولدها على ما كانت عليه أعتقت أو ماتت أو بقيت. هذا نص قوله، واعتراضه صحيح، وإذا وجب أن يكون الولد مدبرا على ما قاله فيرد إلى البائع بما ينويه من الثمن إذا فض على قيمتها يوم البيع وعلى قيمة الولد يوم أعتق الأم، وهذا على القول الذي رجع إليه مالك من أن المدبر إذا أعتقه المشتري لا يرد عتقه، وأما على قوله الأول فينقض العتق وترد الأمة وولدها إلى البائع ويرد عليه جميع الثمن.

مسألة: جهل فوطئ مدبرة امرأته فحملت

[مسألة: جهل فوطئ مدبرة امرأته فحملت] مسألة وسئل المغيرة عن رجل جهل فوطئ مدبرة امرأته فحملت، فلم تزل المرأة مقرة بإذنها له حتى ماتت. قال المغيرة أرى إن كان لها وفاء بعتق المدبرة فيه عتقت في ثلثها، ولم أنتظر الذي وطئ بالخطأ أن تكون له أم ولد، وأرى ولدها عليه بالقيمة، وأرى القيمة لورثة سيدتها أو الدين إن كان عليها دين. قال محمد بن رشد: إذنها له بوطئها شبهة تسقط عنه الحد وتوجب لحوق الولد به، ولم ير ذلك بمنزلة من اشترى مدبرة فوطئها فحملت في أن تكون أم ولد له وينفسخ التدبير من أجل أنه وطء فاسد وإن كانت القيمة تلزمه به لو كانت أمة، وهو معنى قوله: ولم أنتظر الذي وطئ بالخطأ أي بالخطيئة أن تكون له أم ولد، ولم يتكلم إذا لم يكن له وفاء تعتق فيه فأعتق بعضها أو كان عليها دين يغترق قيمتها. فأما إذا لم يكن لها وفاء تعتق به فأعتق بعضها فيلزمه على قياس قوله من قيمتها لورثة سيدتها بقدر ما رق منها، ويكون ما رق منها رقيقا له بما لزمه من قيمته، ويلزمه من قيمة ولدها لورثة سيدتها بقدر ما رق منها. وأما إذا كان عليها دين يغترقها فيلزمه قيمتها يوم وطئها ولا يكون عليه شيء من قيمة ولده منها، وبالله التوفيق. [: تموت عن مدبرة] من سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم قال موسى: قال ابن القاسم في المرأة تموت عن مدبرة

ووارثها زوج وأخ ولم تترك مالا غيرها إلا مهرا على زوجها، وذلك المهر خمسون ومائة دينار، والزوج معدم وقيمتها خمسون دينارا فإنه يعتق منها ثلثها وهو ثلث خمسين، وذلك قيمتها، ويكون الثلث لزوجها والثلث لأخيها، ثم ينظر إلى الثلث الذي صار لزوجها فتأخذه الجارية والأخ فيقسمانه بينهما بنصفين؛ لأن الذي بقي لهما على الزوج سواء فيما لهما عليه، ثم ينظر إلى ما بقي على الزوج من الدين فيكون بين الجارية والأخ بعد سهم الزوج، ويقال للأخ: إن أحببت أن تبيع نصيبك فبعه، وإلا فأبيعه دينا، ثم ينظر إلى الذي يصيب الخادم من ذلك وهو نصف خمسين ومائة، فيباع بعرض ويتعجل ويدفع ذلك إلى الأخ، ويعتق من الجارية بقدر ما خرج لها من ذلك، وهو أحب إلي من أن يؤجل ذلك على الزوج وينتظر به يسره؛ لأن الأخ يموت فيورث نصيبه ويباع ويدخله المواريث ويفلس ويعجل لها عتق حتى لا يبقى لها حق على الزوج إلا أدخل فيها، ولا يستأني به فيباع ذلك الشقص منها ثم يتقاصا يوما ما فعل من يعتق إذا خرجت من يد الأخ فقد فسرت ذلك وجه الذي أرى. وإن كان الزوج غائبا بعيد الغيبة بموضع لا يعرف فيه حاله ولا ماله لم يبع للجارية شيء مما عليه حتى يكون بموضع يجوز بيع ما عليه لها، فيكون على ما فسرت لك، وذلك بموضع يعرف فيه ملؤه من عدمه. قال محمد بن رشد: إنما يكون ما قال من أن يعتق من المدبرة ثلثها، ويكون الثلث الذي للزوج بينها وبين الأخ إلى آخر قوله إذا لم يجيزا الوصية وقطعا للمدبرة بثلث جميع المال. وقوله: ثم ينظر إلى الثلث الذي صار لزوجها فتأخذه الجارية والأخ

مسألة: دبر عبدا له في صحته فلما مرض قال قد كنت أعتقت فلانا

فيقتسمانه بينهما بنصفين لأن الذي بقي لهما على الزوج سواء فيما لهما عليه، لا يصح إلا إذا كان الدين الذي على الزوج مائة وقيمة المدبرة خمسين، ولا مال للمرأة سوى ذلك، وقد مضى بيان ذلك في نوازل سحنون فلا معنى لإعادته. وإجازة سحنون وابن القاسم في هذه الرواية بيع ما على الزوج من الدين إذا كان قريب الغيبة بموضع يعرف فيه ملؤه من عدمه خلاف المعروف من قوله في المدونة وغيرها: إن ذلك لا يجوز إلا أن يكون حاضرا مقرا، وقال في السلم الثاني من المدونة في اشتراء الكفيل ما على المتكفل به: إن ذلك لا يجوز إلا أن يكون حاضرا ولم يقل مقرا، فقيل: معناه مقرا، وقيل: هو خلاف من قول ابن القاسم في إجازة شراء الدين إن كان الذي عليه حاضرا وإن لم يكن مقرا، وقيل: إن ذلك ليس اختلافا من قوله وإنما فرق بين المسألتين، ولأصبغ في نوازله من جامع البيوع مثل قول ابن القاسم ها هنا، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك مستوفى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: دبّر عبدا له في صحته فلما مرض قال قد كنت أعتقت فلانا] مسألة قال ابن القاسم في رجل دبّر عبدا له في صحته، فلما مرض قال: قد كنت أعتقت فلانا لغلام له آخر. قال: يعتق المدبر وتكون قيمة الذي ذكر أنه أعتقه في الصحة في جملة المال للمدبر يعتق بها، ولا يعتق الذي ذكر أنه أعتقه في الصحة إلا أن تقوم بينة أو يقول أعتقوه، فإن قال ذلك عتق في الثلث بعد التدبير. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بيّنة صحيحة في المعنى على

: المدبر يباع فيفوت ببيعه فلا يدرى أين وقع ولا ما صار إليه

أصولهم، وإنما قال: إن المدبر يعتق وتكون قيمة الذي ذكر أنه أعتقه في الصحة في جملة المال للمدبر يعتق بها لأنه يهتم على أنه أراد إبطال التدبير بما أقر به من أنه أعتق عبده الآخر في صحته، فوجب أن يدخل فيه، بخلاف الوصايا لا اختلاف في أن الوصايا لا تدخل في الذي أقر أنه كان أعتقه في صحته. وقوله: إنه لا يعتق الذي ذكر أنه أعتقه في الصحة إلا أن تقوم له بينة هو نص ما في المدونة وغيرها، ويتخرج في ذلك قول آخر أنه يعتق في الثلث بعد المدبر وإن لم يقل أعتقوه، وأما إن قال: أعتقوه فلا اختلاف في أنه يعتق في الثلث بعد المدبر، ولا يدخل في هذه المسألة الاختلاف الذي ذكرناه في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الوصايا في الذي يقول في مرضه: قد كنت أعتقت عبدي في صحتي؛ لأنه يتهم مع المدبر كما يتهم مع الورثة إذا كان ورثته كلالة، وبالله التوفيق. [: المدبر يباع فيفوت ببيعه فلا يدرى أين وقع ولا ما صار إليه] من سماع أصبغ [من كتاب المدبر] قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في المدبر يباع فيفوت ببيعه فلا يدرى أين وقع ولا ما صار إليه. قال: أرى أن يجعل ثمنه كله الذي باعه به في مدبر، وليس ذلك بمنزلة فواته بالعتق والموت، هذا تكون له قيمته على الرجاء والخوف في الموت خاصة إذا مات فيصنع بها السيد ما شاء ويجعل الفضل في مدبر أو يعين به في عتق إن لم يبلغ تدبيرا، وفواته بالعتق ليس عليه قليل ولا كثير، يصنع بجميع الثمن ما شاء؛ لأنه قد صار

إلى خير مما كان فيه ومما يرد إليه، وقاله أصبغ، وذلك في الذي قد عمي أمره لا يدرى ما حاله؟ حياة أو موت أو عتق احتياطا عليه، وليس بالواجب عليه عندي ولا القياس والقياس أنه إذا استبرئ أمره وآيس منه إياسا منقطعا فهو بمنزلة الموت ولا يكون الموت أحسن حالا وإنما هو بين أمرين عتق أو موت، فالعتق ليس فيه شيء، والموت له فيه القيمة على التدبير، فهو مثله لأنه أوكد الوجهين كامرأة المفقود حين عمي أمره أنزل أمرها في عمايته في عدتها بمنزلة الموت فاعتدت عدة وفاة ولم تعتد عدة فرقة. قال محمد بن رشد: قوله في المدبر يباع فلا يدرى أين وقع ولا ما صار إليه إنما يجعل ثمنه كله الذي باعه به في مدبر بخلاف فواته بالعتق أو الموت صحيح بين في المعنى لأنه يخشى أن يكون حيا لم يمت ولا أعتق، فوجب نقض البيع فيه ورده إلى سيده على ما كان عليه من التدبير، فلما لم يكن ذلك وجب أن يجعل جميع الثمن في مدبر مثله. فقول أصبغ: إن القياس إذا عمي أمره أن ينزل بمنزلة الموت ولا يكون أحسن حالا منه غلط بين، وكذلك قال محمد بن المواز: قوله غلط، قال: وقد طلب عمر رد المدبرة التي باعت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فلما لم يجدها أخذ الثمن فجعله في مكانها. وتفرقة ابن القاسم بين الموت والعتق هو نص قوله في المدونة، وعلمه في العتق أنه قد صار إلى خير مما كان فيه ومما يرد إليه ليس بعلة بينة في أنه يسوغ له جميع الثمن ولا يلزمه أن يتمخى منه شيئا لأنه وإن كان أعتق فإنما أعتقه المشتري وثواب عتقه له، فالقياس أن يلزمه أن يتمخى مما قبض زائدا

على قيمته على الرجاء والخوف كما يفعل في الموت، وقد قال أبو إسحاق التونسي: القياس أن يكون لسيده البائع ثمنه كله إذا عند المشتري، كما يكون له جميع ثمنه إذا أعتقه المشتري؛ لأن التدبير يبطل بموته عند المشتري كما يبطل بعتقه أيضا، ولو أمكن أن يعلم أن المدبر يموت قبل سيده لجوزنا بيعه؛ إذ العتق إنما يجب له بعد موت سيده من الثلث، هذا معنى قول أبي إسحاق، قال وقد كان القياس أن يشتري بالثمن كله مدبرا مكان الأول فيكون له منه خدمته حياته كما كان له من الأول؛ لأنه إذا أخذ من ثمن الأول قيمته على الرجاء والخوف ناجزا وخدمه المدبر الذي يشترى بالفضل حياته فقد حصل له أكثر مما كان له في الأول إذ لم يكن له فيه سوى خدمته حياته، هذا معنى قول أبي إسحاق دون لفظه. وهذا الذي قاله هو قول ابن كنانة في المدنية، قيل له: ما تقول في الذي يبيع المدبر فيموت بعتق أو غيره؟ قال: يؤمر أن يمخي من ثمنه، قال عيسى: قال ابن القاسم: هو له حلال يصنع به ما شاء، ورواية عيسى عن ابن القاسم هذه في المدنية أن الثمن له حلال في الموت والعتق يصنع به ما شاء، هو الذي ذهب إليه أبو إسحاق من أنه لا فرق بين الموت والعتق لبطلان التدبير في الوجهين جميعا، والذي اخترت أنا وبينت وجهه أنه يجب عليه أن يتمخى من الزائد على قيمته على الرجاء والخوف فيجعله في مدبر. فيتحصل على هذا في المسألة أربعة أقوال، أحدها: أنه لا يجب عليه أن يتمخى من شيء من ثمنه في الوجهين جميعا، والثاني: أنه يجب عليه أن يتمخى من جميع ثمنه في الوجهين جميعا، والثالث: أنه يجب عليه أن يتمخى مما زاد على قيمته على الرجاء والخوف جميعا، والرابع: الفرق بين الموت والعتق، ورواية ابن كنانة عن ابن القاسم في المدنية نحو قول ابن نافع، واختيار محمد بن خالد في سماعه من كتاب الولاء على ما حمله عليه بعض أهل النظر، وهو صحيح على ما ذكرناه هنالك، وبالله التوفيق.

مسألة: مدبر عجل له سيده بالعتق

[مسألة: مدبر عجل له سيده بالعتق] مسألة وسئل عن مدبر عجل له سيده بالعتق على أن يعطيه عشرة دنانير إلى شهر ثم مات السيد وترك مالا أيعتق المدبر في ثلثه وتسقط العشرة؟ قال: لا، وهي له لازمة. قيل له: فإن أفلس العبد؟ قال: لا يحاص السيد بالعشرة، والغرماء يبدؤون عليه، وقاله أصبغ كله والعطية بتعجيل الحرية وقد تم له واتبع به ولو طرقه دين. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الحرية قد وجبت للمدبر قبل موت سيده بما قاطعه عليه من العشرة إلى أجل، فلا تسقط عنه بموت سيده وإن كان ثلثه يحمله، ولا محاصة للسيد بها، إذ ليست بدين ثابت عليه، وإنما هي كالقطاعة ليس للسيد أن يقاص بها غرماء المكاتب، وبالله التوفيق. [مسألة: المولى عليه يدبر عبده] مسألة قال أصبغ وسمعت ابن القاسم وسئل عن المولى عليه يدبر عبده. قال: لا يجوز تدبيره وإن حسنت حاله، ولا يلزمه، كان ذلك المال واسعا أو غير واسع، وإنما هو بمنزلة العتق، وكذلك قال مالك في العتق، قال ابن القاسم: والعتق لا يجوز منه قليل ولا كثير كان ماله واسعا أم لا. قال محمد بن رشد: في المدونة لابن القاسم مثل قوله في هذه

مسألة: يدبر عبده في الصحة ويستثني ماله

الرواية إن تدبيره بمنزلة عتقه، لا يجوز منه القليل ولا الكثير، كان ماله واسعا أو غير واسع، وقال ابن كنانة فيها: إن، كان ليس له غير ذلك العبد الذي دبر لم يجز تدبيره، وإن كان ماله واسعا ليس ذلك العبد بالذي يجحف بماله كان ذلك له وجاز، قال: وإن دبر عبدا هو وجه رقيقه أو أكثرهم ثمنا أو جارية مرتفعة هي جل ماله فإن ذلك لا يجوز، ولو كان ذلك جائزا عليه كان إذا بلغ حال الرضى قد حبس عليه من ماله بما صنع في حال الشحطة مالا يقدر أن ينتفع به إذا بلغ حال الرضى فليس يجوز له من ذلك إلا ما وصفنا. وقول ابن القاسم هو القياس، وما ذهب إليه ابن كنانة استحسان، وبالله التوفيق. [مسألة: يدبر عبده في الصحة ويستثني ماله] مسألة قال أصبغ وسمعته يقول في الرجل يدبر عبده في الصحة ويستثني ماله: لا بأس بذلك، وكذلك رويت عن مالك أن له أن يستثنيه ولا بأس بذلك، وقاله أصبغ، وتفسيره أن يستثنيه لبعد الموت إذا أعتق ليس استثناء انتزاع عن التدبير، وبعده ذلك يكون له استثناه أو لم يستثنه ولكن لبعد الموت وهو مقر في يديه مع ما يفيد إلى ذلك على ذلك دبر واستثنى فذلك جائز وذلك له، قال أصبغ: قال ابن القاسم: فإذا مات السيد قوم في الثلث بغير ماله ببدنه خالصا وأخذ منه كل ما كان بيديه، وكان مالا من مال الميت تقوم فيه رقبته مع غيره من مال الميت، وقاله أصبغ: قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وهذا مما لا شك وإنما هو رجل أوصى فقال: إذا مت فعبدي فلان حر وخذوا منه ماله، ألا ترى لو أن مريضا قال في مرضه: غلامي مدبر وخذوا منه ماله أخذ منه، فما استثنى في الصحة بمنزلة ما استثنى في المرض، ولأنه حين اشترط ذلك عليه حين دبره

مسألة: مكاتب اشترى مدبرة فحملت

في الصحة وكأنه انتزاع منه له في موضع يجوز له فيه انتزاع. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والكلام عليها في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: مكاتب اشترى مدبرة فحملت] مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن مكاتب اشترى مدبرة فحملت قال: أرى أن يوقف عنها، فإن أعتق المكاتب كانت أم ولد له، وإن عجز ردت إلى التدبير ورد الثمن إلى صاحبه، وكانت هي وولدها مدبرين لسيدهما، وأرى الثمن يوقف إلا أن يكون البائع مليئا. قال محمد بن رشد: هذا على القول بأن أمة المكاتب تكون أم ولد له إذا أفضى إلى الحرية بما ولدت له في حال الكتابة قبل إفضائه إلى الحرية أو بما حملت به منه في حال الكتابة فوضعته قبل إفضائه إلى الحرية وبعد إفضائه إلى الحرية وأما على القول بأنه لا حرمة بإيلاده إياها ولا تكون بشيء من ذلك كله أم ولد، فإن البيع يتنقض فيها وترد إلى سيدها البائع لها على ما كانت عليه من التدبير. وقد اختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا تكون له أم ولد بشيء من ذلك، والثاني: أنها تكون له أم ولد وإن كان الحمل قبل الشراء إذا كان الوضع بعده في حال الكتابة، والثالث: أنه لا تكون له أم ولد إلا أن يكون أصل الحمل بعد الشراء في حال الكتابة، وأما ما ولد له قبل الشراء فلا تكون له أم ولد إلا على مذهب أبي حنيفة، وبالله التوفيق.

مسألة: يهب مدبره جاهلا ويقبضه الموهوب له ويحوزه ثم يموت السيد ولا مال له

[مسألة: يهب مدبره جاهلا ويقبضه الموهوب له ويحوزه ثم يموت السيد ولا مال له] مسألة وسئل أشهب عن الرجل يهب مدبره جاهلا ويقبضه الموهوب له ويحوزه ثم يموت السيد ولا مال له غيره. قال: يعتق ثلثه، قلت فالثلثان الباقيان لمن هما؟ قال: للموهوب اللذان هما في يديه، قال أصبغ: وكذلك قال لي ابن القاسم فيها. قال محمد بن رشد: قد تقدم مثل هذا من قول ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات في الصدقة، ومعناه إذا لم يعثر على ذلك حتى مات المتصدق، وأما لو عثر على ذلك في حياته لفسخت الهبة أو الصدقة، رد المدبر إلى الذي دبره؛ لأن المدبر لا يجوز بيعه ولا هبته ولا صدقته. ولو وهبه ما رق منه إن لم يحمله الثلث وخدمته من الآن فقبضه وجازه من الآن لجاز ذلك ولم يرد، وكان للمتصدق عليه بعد موته ما رق منه؛ لأن هبة المجهول جائزة كما يجوز رهنه لجواز رهن الغرر ويكون المرتهن إذا حازه أحق به من الغرماء بعد الموت يباع له دونهم على ما قاله في المدبر من المدونة، والله الموفق. [مسألة: يشتري المدبر وهو لا يعلم فيموت عنده] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يشتري المدبر وهو لا يعلم فيموت عنده: إن مصيبته منه ولا يرجع على البائع بشيء لا بالثمن ولا بما بين القيمتين، وكذلك قال مالك، وقاله أصبغ وقاله ابن وهب عن مالك. قال محمد بن رشد: لابن القاسم في سماع محمد بن خالد من

مسألة: دبر عبدا فأبق العبد ومات السيد وأوصى بوصايا

كتاب الولاء أنه يرجع على البائع بما بين قيمته مدبرا وقيمته غير مدبر، وهو الذي يأتي على أصله في المدونة؛ لأنه قال فيها: إذا حدث عند المبتاع به عيب فرده وما نقص العيب عنده على حكم البيع المردود بالعيب خلاف ظاهر هذه الرواية قول ابن نافع واختيار محمد بن خالد في سماعه فيما لم يعلم به من المال على القول بأن المدبر في المرض يدخل فيما علم به الميت من المال وفيما لم يعلم، ولا يكون له حكم التدبير في اللزوم له، ويصدق إن رجع عنه في أنه أراد به الوصية، وفي إعمال شهادة الشهود بما ظهر إليهم من قصد المشهود عليه اختلاف، أعملها في هذه الرواية وفي رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب التخيير والتمليك، ولم يعملها في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق. [مسألة: دبر عبدا فأبق العبد ومات السيد وأوصى بوصايا] ومن كتاب الوصايا قال: وسئل ابن القاسم عن رجل دبر عبدا فأبق العبد ومات السيد وأوصى بوصايا. قال: يوقف من الثلث قدر قيمته حتى ينظر في شأنه، فإن مات في إباقه ذلك ردت تلك الدنانير على أصحاب الوصايا إن كان بقي لهم شيء أو الورثة. قيل له: إلى متى يوقف ذلك؟ قال: ينظر إلى قدر ما أتى عليه من السنين وما يعيش مثله، قال أصبغ: مسألة جيدة دقيقة من المسائل في بعض وجوهها جامعة. قال محمد بن رشد: قوله يوقف من الثلث قدر قيمته حتى ينظر في شأنه فيه نظر، وإنما ينبغي أن ينظر، فإن كان يخرج المدبر وجميع الوصايا

مسألة: السكوت هل يعد إذنا في الشيء وإقرارا به

من الثلث بعد عتق المدبر ودفع إلى أهل الوصايا وصاياهم وأخذ الورثة بقية المال ولم يوقف شيء فإن كان المدبر حيا فقد أنفذت [له] الوصية وإن كان ميتا فقد سقطت فيه الوصية، والوصايا قد حملها الثلث فأنفذت وأما إن كان الثلث لا يحمل إلا الوصايا أو المدبر وتمثيل ذلك أن يكون الموصي قد ترك من المال مائتي دينار والمدبر الآبق وقيمته مائة دينار وأوصى بمائة دينار فإن كان المدبر حيا فقد عتقه وسقطت الوصايا لأن ثلث الميت قد استغرقه المدبر وكانت المائتان للورثة ميراثا وإن كان المدبر ميتا وجب لأهل الوصايا ثلث المائتين وذلك ستة وستون وثلثان؛ لأن المدبر إذا مات فكأنه لم يكن، فالواجب أن يوقف على هذا التنزيل ثلث المائتين، فإن انكشف أن المدبر حي كان الثلث الموقف للورثة، وإن كان ميتا كان لأهل الوصايا، وأما قوله إنه يوقف قيمة المدبر فليس ببين ولا صحيح، وبالله التوفيق. [مسألة: السكوت هل يعد إذنا في الشيء وإقرارا به] مسألة وسئل عن مكاتب دبر عبدا له فعلم السيد بذلك فلم ينكر عليه حتى عجز. قال: لا تدبير له إلا أن يكون أمره بتدبيره، وليس السكوت والعلم شيئا. قال محمد بن رشد: اختلف في السكوت هل يعد إذنا في الشيء وإقرارا به أم لا؟ على قولين مشهورين في المذهب منصوص عليهما لابن القاسم في غير ما وضع من كتابه أحدهما قوله في هذه الرواية وفي سماع عيسى من كتاب النكاح والصلح أنه ليس بإذن والثاني أنه إذن، وهو قوله في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس، ورسم أسلم من سماع

: دبر عبده فمات السيد فجهل الورثة فباعوه

عيسى من كتاب النكاح، وأظهر القولين أنه ليس بإذن؛ لأن في قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «والبكر تستأذن وإذنها صماتها» دليلا على أن غير البكر خلاف البكر في الصمت، وقد أجمعوا على ذلك في النكاح، فوجب أن يقاس ما عداه عليه إلا ما يعلم بمستقر العادة أن أحدا لا يسكت عليه إلا راضيا به، فلا يختلف في أن السكوت عليه إقرار به كالذي يرى حمل امرأته فيسكت ولا ينكر ثم ينكره بعد ذلك وما أشبه ذلك، وقد مضى هذا المعنى في المواضع المذكورة وفي غيرما موضع من كتابنا هذا، وبالله التوفيق. [: دبر عبده فمات السيد فجهل الورثة فباعوه] من سماع أبي زيد ابن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: وسئل ابن القاسم عن رجل دبر عبده فمات السيد فجهل الورثة فباعوه ثم مات في يد المشتري أو هو قائم بعينه وكان الذي اشتراه به غنما فتوالدت وكثرت. قال ابن القاسم: أما العبد فإن كان قائما بعينه رد فإن كان للميت مال يعتق فيه أخرج في ثلثه عتيقا، وإن كان ليس له مال يخرج من ثلثه عتق منه ما حمل الثلث ورق ما بقي، وكان المشتري بالخيار فيما رق منه إن شاء تمسك بما رق منه إن كان نصفه دفع إلى الورثة نصفه وأخذ نصف قيمة الغنم يوم قبضت منه، وأما الغنم فهي للورثة ليس له منها شيء، إنما يرجع عليهم بقيمتها يوم قبضت منه إن لم يخرج العبد كله كان بالخيار في ما بقي منه على ما بينت لك. وإن مات العبد ولسيده أموال، المذكور من كتاب الولاء أنه لا

مسألة: المدبر في المرض أيدخل في المال الغائب الذي لم يعلم به الميت

يرجع على البائع بشيء، فيحتمل أن يكون معنى قوله في هذه الرواية: وهو لا يعلم، أن لا يعلم بأن بيع المدبر لا يجوز، لا أنه لم يعلم أنه مدبر، فلا يكون على هذا اختلاف من قول ابن القاسم في أن المبتاع يرجع على البائع، وقد مضى في أول الرسم تحصيل القول فيما يلزم البائع في الثمن، وقد كان القياس على المذهب إذا اشتراه وهو يعلم أنه مدبر ففات عنده بموت أن تكون عليه قيمته؛ لأنه بيع فاسد لعقده فات الرد فيه بالموت على القول بأن البيع الفاسد لعقده إذا فات يرد إلى القيمة ولا يمضي، بالثمن، وإن حملت هذه الرواية على ظاهرها من أنه لا رجوع للمشتري على البائع بشيء إذا مات المدبر عنده وإن كان اشتراه وهو لا يعلم بتدبيره فيأتي مثل قول ابن نافع في كتاب الولاء وخلاف مذهبه في المدونة وخلاف ما في المدونة أيضا في أن البائع يلزمه أن يتمخى مما أخذ زائدا على قيمته على الرجاء. والخوف؛ لأنه إذا لم يجب للمبتاع عليه رجوع إذا دلس له بالتدبير فمات عنده لا يجب عليه هو أن يتمخى من شيء من الثمن، وبالله التوفيق. [مسألة: المدبر في المرض أيدخل في المال الغائب الذي لم يعلم به الميت] مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن المدبر في المرض أيدخل في المال الغائب الذي لم يعلم به الميت؟ قال: نعم، قلت فالعتق بتلا؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: قوله إن المدبر في المرض يدخل فيما علم الميت من المال وفيما لم يعلم هو ظاهر ما في رسم جاع من سماع عيسى من

كتاب الديات، ومثل نص قوله في المدنية من رواية عيسى عنه خلاف مذهبه في المدونة من أنه لا يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال إلا المدبر في الصحة، فعلى هذه الرواية إذا اجتمعا بدئ المدبر في المرض على المبتول فيه، وقد قيل إنهما يتحاصان وقيل أيضا إنه يبدأ المبتول في المرض، فعلى هذا القول يدخل المبتول في المرض فيما لم يعلم به الميت من المال، فإن اجتمعا جميعا على القول بأنه لا يدخل المبتل في المرض في المال الذي لم يعلم به الميت، وللميت مال قد علم به ومال لم يعلم به فثلث المال الذي علم به يقصر عن قيمتهما قوما جميعا في ثلث المال الذي علم به، ثم أكمل عتق المدبر منهما في ثلث المال الذي لم يعلم به أو ما حمل منه زائدا إلى ما أعتق منه مع المبتل في ثلث المال الذي علم به، مثال ذلك أن يترك المتوفى ثلاثين دينارا ومدبرا في المرض قيمته ثلاثون دينارا أو مبتلا فيه قيمته ثلاثون دينارا أيضا ويطرأ له ثلاثون دينارا لم يعلم بها الميت، فجميع مال الميت الذي علم به على هذا تسعون، الثلث من ذلك ثلاثون فيعتق من حل واحد منهما نصفه بخمسة عشر، ثم يرجع المدبر فيقول لي ثلث الثلاثين التي طرأت للميت، فيعتق منه بعشرة زائدا إلى ما أعتق منه مع المبتل، فيكمل فيه من الحرية خمسة أسداسه. ولو كان المال الذي طرأ للميت خمسة وأربعون فأكثر لعتق باقيه في ثلث ذلك، ولو كان المال الذي علم به الميت ستين، والمال الذي طرأ له ثلاثون لعتق من كل واحد منهما في ثلث ما علم به الميت من المال ثلثاه؛ لأن جميع المال الذي علم به الميت مع قيمة المدبرين مائة وعشرون، الثلث من ذلك أربعون، فيعتق من كل واحد منهما بعشرين، ثم يرجع المدبر فيستتم باقيه في ثلث المال الطارئ، وبالله التوفيق.

: قال في مرضه إن مت من مرضي هذا فغلامي مدبر

[: قال في مرضه إن مت من مرضي هذا فغلامي مدبر] ومن كتاب الوصايا قال ابن القاسم في رجل قال في مرضه: إن مت من مرضي هذا فغلامي مدبر. قال: إن مات فيه فهي وصية وليس تدبيرا وإن عاش فهو أيضا وصية يصنع بها ما شاء إلا أن يكون أراد بذلك تدبيرا واجبا ساعته مثل أن يكون تعمد التدبير عند الوصية وأخطأ وجه الكتاب والوصية فظن أن ذلك وجه الصواب والمأخذ وأنه التدبير، قال أصبغ: فهو تدبير حينئذ، أو يرى الشهود أنه إنما أراد التدبير ويقطعون ذلك فيما يرون، أو يوقف قبل موته ويسأل عن ذلك فيذكر أنه أراد التدبير، والقول قوله لما يذكر من إرادته. قال محمد بن رشد: قوله إن مات فهي وصية يريد أن له حكم الوصايا في التبدئة وفيما لا يدخل فيما لم يعلم به من المال، وفي أن له أن يرجع عنه في مرضه ذلك إن شاء. وقوله: إن عاش فهي وصية يريد إن كان كتب ذلك في كتاب ووضعه عند غيره أو أبقاه عند نفسه على اختلاف قول مالك في ذلك، وأما إن لم يكتب ذلك في الكتاب فالوصية باطلة إن لم يمت من مرضه ذلك حسبما مضى من تحصيل ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا، وقد قيل: إنه تدبير لازم لا رجوع له، حكى ذلك ابن المواز عن ابن القاسم، ومثله في كتاب ابن سحنون لابن القاسم ولابن كنانة، وقال أصبغ: إن أراد به التدبير مثل قوله بلفظ وقول ابن القاسم في هذه الرواية، ولكلا القولين وجه؛ لأنه لفظ بلفظ التدبير وعلقه بموته من مرضه ذلك.

والذي أقول به في هذا أنه إن مات من مرضه ذلك كان مدبرا على ما قال، يكون له حكم التدبير من التبدئة. والدخول مأمونة من دور وأرضين فهو حر ويلزمه رد قيمة الغنم إلى المشتري، وإن كان لا يخرج إلا بعضه رد بقدر ما يخرج منه، وما بقي كانت مصيبته من المشتري، وإن كان موته بعد زمان واقتسمت الأموال على أمانة لو كان بأيديهم كان حرا رأيت للمشتري أن يرجع فيما يأخذ قيمة الغنم من الورثة وتكون مصيبته منهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على ما قال؛ لأن العتق قد وجب للمدبر بموت سيده إن حمله الثلث أو ما حمل منه، فإذا باعه الورثة وعثر عليه قبل أن يموت وجب أن يرد ويعتق في ثلث الميت إن حمله الثلث، ويأخذ المبتاع غنمه إن كانت قائمة أو قيمتها إن كانت قد فاتت، والولادة فيها فوت لأنها تفوت في هذا بما يفوت به البيع الفاسد من حوالة الأسواق فما فوق ذلك، وإن لم يحمل الثلث عتق منه ما حمل الثلث ورجع بقدر ذلك من قيمة الغنم إن كانت فاتت، وكان بالخيار فيما رق منه إن شاء تمسك به وإن شاء رده ورجع بجميع قيمة الغنم يوم وقع البيع فيها. وإن مات العبد عند المشتري ولسيده أموال مأمونة كانت مصيبته من الورثة، ورجع المشتري عليهم بجميع قيمة الغنم لفواتها بالولادة؛ لأن الحرية تجب له بموت سيده إن كانت له أموال مأمونة، وإن لم تكن له أموال مأمونة وكان موته بحدثان بيعه قبل النظر في مال الميت فمصيبته من المشتري وينفذ بيعه، قاله ابن المواز، وهو مفسر لقول ابن القاسم، وإن كان موته بعد طول فمصيبته من الورثة إن علم أنه كان يخرج من الثلث ويرجع المبتاع عليهم بجميع قيمة الغنم، وإن علم أنه كان لا يخرج منه في الثلث إلا بعضه رجع على الورثة من قيمة الغنم بقدر ما كان يحمل الثلث منه، وكانت مصيبته باقية من المبتاع، هذا معنى قول ابن القاسم في هذه الرواية، وبالله التوفيق.

مسألة: قال في مرضه جاريتي مدبرة عن ولدي إن حدث بي حدث فصح

[مسألة: قال في مرضه جاريتي مدبرة عن ولدي إن حدث بي حدث فصح] مسألة وسئل عن رجل قال في مرضه جاريتي مدبرة عن ولدي إن حدث بي حدث فصح. قال فلا شيء عليه، ولا تكون مدبرة عن ولده، ولو قال في مرضه جاريتي مدبرة ولم يستثن شيئا ولم يقل إن مات من مرضه إلا قال مدبرة فقط، قال فهي مدبرة وإن صح من مرضه ذلك. قال محمد بن رشد: أما الذي قال في مرضه جاريتي حرة إن حدث بي حدث فصح من مرضه فبين أنه لا شيء عليه كما قال؛ لأنها وصية بتقييده إياها بذلك المرض، فيبطل إذا صح منه إلا أن يكون كتب بذلك كتابا ووضعه عند غيره أو أمسكه عند نفسه على اختلاف في ذلك حسبما بيناه في رسم الوصايا من سماع أصبغ قبل هذا، وسواء قال في ذلك عن ولده أو لم يقل، الأمر في ذلك سواء إذا صح من مرضه ذلك، وإنما يفترق ذلك إن مات منه، فإن لم يقل عن ولدي أعتق بعد موته من ثلثه، قيل على حكم الوصية، وقيل على حكم التدبير حسبما مضى من الاختلاف في ذلك في رسم الوصايا من سماع أصبغ، وإن قال: عن ولدي فقيل: تعتق بموته من ثلثه، وقيل: تعتق بموت ابنه من رأس المال، والولاء للابن على كل حال حسبما مضى بيانه في رسم المحرم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لغلامه أنت مدبر عن أبي] مسألة وقال في رجل قال لغلامه أنت مدبر عن أبي: فإنه سواء كان أبوه حيا أو قد مات أبوه حين قال ذلك لا يعتق إلا بعد موت سيده الذي دبره عن أبيه ولا يعتق عند موت أبيه إلا أن يقول العبد عن دبر من

أبي، فإن كان أبوه قد مات كان حرا الساعة قال وإن كان أبوه حيا فإنما يعتق إذا مات أبوه، وولاؤه لأبيه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية خلاف ما تقدم من قوله في رسم المحرم من سماع ابن القاسم، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك وبالله التوفيق لا شريك له. تم كتاب المدبر بحمد الله تعالى وحسن عونه

: كتاب المكاتب

[: كتاب المكاتب] [: قطاعة المكاتب على أن يضع عنه ويعجل له] كتاب المكاتب من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب قطع الشجر قال: أخبرنا سحنون قال ابن القاسم: قال مالك فيمن قاطع عبده: إنه إن جاء به إلى الأجل أو ما أشبهه فذلك له، وإلا أخر العبد شهرا ونحوه كما يؤخر الغريم، فإن جاء به وإلا فلا قطاعة له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مثل ما في المدونة وغيرها أنه يتلوم له في القطاعة كما يتلوم له في الكتابة إذا عجز عن أدائها، وسواء كان المقاطع عبدا على ظاهر هذه الرواية أو مكاتبا؛ لأن قطاعة المكاتب على أن يضع عنه ويعجل له جائزة لأنه يتعجل العتق بذلك، وليست الكتابة بدين ثابت فيدخله ضع وتعجل. وأما مقاطعته على أن يؤخره بالكتابة ويزيده فيها فاختلف في ذلك إذا لم يعجل عتقه، والقولان في المدونة، أجاز ذلك في كتاب المكاتب، ولم يجزه في آخر كتاب الحوالة. وقوله فإن جاء به وإلا فلا قطاعة عليه معناه لا قطاعة له لأن حرف الجر قد تبدل بعضها من بعض، قال تعالى {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أي عليها، فإذا بطلت قطاعته بالحكم بتعجيزه بعد التلوم له

مسألة: يشتري كتابة المكاتب أيقاطعه بالذهب كما يقاطعه سيده

بقي على ما كان عليه من الكتابة إن كان مكاتبا حتى يعجز عن أداء كتابته عند حلولها، وعلى ما كان عليه من الرق إن كان عبدا، وقيل: إنه إن كان مكاتبا فعجز عن المقاطعة التي قوطع عليها رجع رقيقا، وهو الأظهر؛ لأن القطاعة في الكتابة إنما معناها فسخ الكتابة والانتقال عنها إلى القطاعة، وفي قوله وإلا أخر شهرا أو نحوه كما يؤخر الغريم نص منه على لزوم الحكم بتأخير الغريم إذا أعسر بالدين بعد حلول الأجل على ما مضى عليه الحكم عندنا بفتوى جميع الشيوخ من أن يؤجل الغريم بعد حلول الأجل إذا أعسر بالدين ولم يكن عنده ناض إلا أن يبيع عروضه بالاجتهاد على قدر قلة المال وكثرته بحميل يقيمه في ذلك، ولا يوكلون عليه في بيع عروضه وعقاره في الحال إذا لم يعامله الغريم على ذلك خلاف ما كان يفتي به سائر فقهاء الأمصار بالأندلس من التوكيل عليه في بيع ماله وتعجيل إنصافه، وبالله التوفيق. [مسألة: يشتري كتابة المكاتب أيقاطعه بالذهب كما يقاطعه سيده] مسألة وسئل مالك عن الذي يشتري كتابة المكاتب أيقاطعه بالذهب كما يقاطعه سيده؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن مشتري الكتابة بما يجوز اشتراؤها به مما يصح اشتراء الديون به يحل محل البائع في أنه يرثه إن مات، وتكون له رقبته إن عجز، فكذلك يحل محله في جواز مقاطعته إياه وإن مات وعليه دين أو فلس لم يحاص الغرماء بما قاطعه به، قال ذلك مالك في كتاب ابن المواز لأنه ينزل في ذلك منزلة سيده الذي كاتبه. وجواز شراء كتابة المكاتب عند مالك وأصحابه أمر متبع لا يحمله القياس؛ لأنه غرر، وقد روي عن ابن القاسم أنه قال: بلغني أن ربيعة وعبد العزيز قالا: بيع كتابة المكاتب غرر لا يجوز؛ لأنه إن عجز كانت له رقبته، وإن أدى كان ولاؤه للبائع الذي كاتبه، ووقع قول ربيعة في رسم شك من سماع ابن القاسم

مسألة: مكاتب وضع عنه سيده ثلث ما عليه من كتابته في مرضه

من كتاب الجامع من رواية ابن القاسم عن مالك عنه، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة أن بيع كتابة المكاتب لا يجوز، وبالله التوفيق. [مسألة: مكاتب وضع عنه سيده ثلث ما عليه من كتابته في مرضه] مسألة وسئل مالك عن مكاتب وضع عنه سيده ثلث ما عليه من كتابته في مرضه، ثم إن المكاتب عجز عن أداء الكتابة، قال: قد عتق ثلثه. قال محمد بن رشد: معناه أنه مات من مرضه ذلك فعجز بعد موته؛ لأن وضع ثلث كتابته عنه في مرضه كالوصية له بعتق ثلثه، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، وأما لو صح من مرضه فعجز في حياته لم يعتق عليه منه شيء، وكذلك لو أعتق ثلثه في صحته ثم عجز لم يعتق عليه منه شيء؛ لأن عتقه لما أعتق منه إنما هو وضع لما عليه من الكتابة وليس بعتق إذ ليس بمالك لرقبته، وإنما يملك منه كتابته، وكذلك إن كان المكاتب بين اثنين فأعتق أحدهما حظه منه، ثم عجز في نصيب صاحبه لم يعتق على المعتق حظه منه في قول مالك وجميع أصحابه، وفي ذلك اختلاف بين السلف ذكره في المدونة عن الليث بن سعد أنه سمع يحيى بن سعيد يقول: إن الناس قد اختلفوا في حظ المعتق منه إذا عجز، فقال ناس: يكون له حظه منه إذا عجز؛ لأنه لم يعتق له رقا وإنما ترك له مالا، وبالله التوفيق. [: العبد بين الرجلين لا يجوز لأحدهما أن يكاتب نصيبه منه بإذن شريكه] ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك عن عبد كان بين ثلاثة إخوة فكاتبه اثنان منهما بإذن أخيهما شريكهما فيه، وكان على كتابته، ثم إن اللذين كاتباه

: المكاتب يضع عنه سيده ما عليه عند موته وله ولد

قاطعاه بإذن شريكهما الذي له فيه الرق وعتق نصيبهما، ثم إن الذي بقي له فيه الرق مات ورثه ورثته وخدمهم في نصيبه سنين، ثم قيل له ذلك تقوم على الذين قاطعاك. قال مالك: أراه رقيقا ولا ينفعه ما كاتباه به بإذن شريكهما ولا مقاطعتهما إياه دون شريكهما. قيل له: إنه قد أذن لهما؟ قال: لا ينفعه ذلك وأراه رقيقا، قال لي قبل ذلك: ويردان ما أخذا منه فيكون بينهم. قال محمد بن رشد: هذا بين على مذهبه في أن العبد بين الرجلين لا يجوز لأحدهما أن يكاتب نصيبه منه بإذن شريكه ولا بغير إذن شريكه، فإن فعل فسخ ولم يجز، وإن لم يعثر عليه حتى أدى ما كوتب عليه كان ما قبض بينهما، وكان العبد رقيقا لهما، وقد قال في موطأه: إنه الأمر المجتمع عليه عندهم؛ لأنه خلاف لما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل» الحديث، ولا فرق في هذا بين أن يقبض الشريك ما كاتبه عليه أو يقاطعه على ذلك فيقبض ما قاطعه عليه، ولا فرق أيضا بينهم وبين ورثتهم فيما يجب من فسخ الكتابة، فالمسألة بينة لا إشكال فيها، وبالله التوفيق. [: المكاتب يضع عنه سيده ما عليه عند موته وله ولد] ومن كتاب ليرفعن أمرا قال ابن القاسم سئل مالك عن المكاتب يضع عنه سيده ما عليه عند موته وله ولد قد ولدوا في كتابته أيقام بولده أم برقبته وحده؟ قال: بل يقام وولده معه، فإن كانوا أقل من القيمة من قيمة الكتابة عتقوا، وإن كانت قيمة الكتابة أقل من القيمة عتقوا.

مسألة: قول العبد في تعجيل الوضيعة من أول النجوم

قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن ولده الذين ولدوا في الكتابة بمنزلته، فإذا أوصى بعتق مكاتبه أو بوضع ما عليه من كتابته فيوضع في الثلث الأقل من قيمته على ما هو عليه من ملاءة وقيمة ولده أو الأقل من قيمة الكتابة، هذا قول ابن القاسم في المدونة وروايته عن مالك، وقال غيره: إنما ينظر إلى الأقل من قيمة الرقبة وعدد الكتابة، ومثله لمالك في كتاب الجنايات من المدونة في موضع واحد منه. وكذلك إذا قتل المكاتب يغرم قاتله لسيده قيمته على الحالة التي كان عليها، قاله في كتاب الجنايات من المدونة، وطرح سحنون منها قوله على الحال التي كان عليها، وقال: إنما يقوم في المثل بغير ماله؛ لأن ماله يبقى إلى سيده، ولم يرد مالك أن يقوم في القتل بماله، وإنما أراد أن يقوم بغير ماله على الحال التي كان عليها من قدرته على اكتساب المال وبصره في ذلك، والله أعلم وبه التوفيق. [مسألة: قول العبد في تعجيل الوضيعة من أول النجوم] مسألة وسئل مالك عن مكاتب كاتبه سيد على أربعمائة دينار وخمسين دينارا على أن يدفع له في أول سنة سبعة عشر دينارا والنجم الآخر أدنى من ذلك، ونجم آخر مثله، فأوصى إن أدى هذه الأربع نجوم وضع عنه من كتابته خمسين دينارا فتكاملت عليه أربع نجوم سوى الأول، فقال العبد: قاصوني بها فيما وضع عني سيدي من الخمسين. قال مالك: لا أرى له شرطا في أول ولا آخر، وأرى أن تقسم تلك الخمسون الدينار على النجوم فيوضع عنه بقدر كل نجم ما يصيبه من الخمسين، وكانت وصيته وقد تداركت على العبد أربع

مسألة: أعتقت نصف عبد لها بعد الموت وأمرت أن يكاتب نصفه الآخر

نجوم لم يؤدها، قال أرى أن يقسم ذلك على ما حل وما لم يحل، ولا ينظر في ذلك إلى قول العبد لأن يعجل له، ليس ذلك له. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه. من أن وجه الحكم في ذلك الفض على جميع النجوم إذ لم يخص الموصى الأول منها من الآخر، فلا ينظر إلى قول العبد في تعجيل الوضيعة من أول النجوم، ولا إلى قول الورثة في تأخيرها إلى آخر النجوم، وبالله التوفيق. [مسألة: أعتقت نصف عبد لها بعد الموت وأمرت أن يكاتب نصفه الآخر] مسألة وسئل عن امرأة أعتقت نصف عبد لها بعد الموت، وأمرت أن يكاتب نصفه الآخر كيف يكاتب النصف؟ قال: على قدر حاله وقوته في ذلك وجرائه عدى قدر تأديته. قال محمد بن رشد: قوله أعتقت نصف عبد لها بعد الموت معناه أوصت بعتقه بعد موتها فالمسألة بينة على ما قال؛ لأنها إذا أوصت بعتق نصفها فلا يجب أن يعتق عليها النصف الآخر في ثلثها باتفاق في المذهب، وإذا لم يجب ذلك وجب أن تنفذ وصيتها بأن يكاتب النصف الآخر على ما قال من قدر حاله وقوته على الأداء وجرائه، ونقل ابن أبي زيد هذه المسألة في النوادر فقال فيها: أعتقت نصف عبد لها عند موتها والحكم في ذلك سواء؛ لأنها إذا أعتقت نصفها في مرضها فلم يعثر على ذلك حتى ماتت لا يعتق النصف الآخر عليها في ثلثها إلا أن يكون الموت قد عافصها على اختلاف في ذلك قد مضى تحصيله في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق، ولو أعتقت نصف عبد لها في مرضها فأوصت بأن يكاتب النصف الآخر فعثر على ذلك قبل موتها لعتق عليها باقيها في ثلثها وبطلت الوصية في ذلك بعتقها، وبالله التوفيق.

مسألة: يعطى المكاتب من الزكاة ما يعتق به

[مسألة: يعطى المكاتب من الزكاة ما يعتق به] مسألة وسئل عن قوم يقسمون من الصدقة وجدوا مكاتبا قد بقيت عليه بقية من كتابته أترى أن يعطى منها ما يعتق به؟ قال: ما أرى بأسا وغيره أحب إلي يعني تركه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال أحدها هذا أنه يجوز أن يعطى المكاتب من الزكاة ما يعتق به وإن كان ولاؤه للذي كاتبه، وكذلك يجوز على هذا القول أن يعطي الرجل من زكاة ماله الرجل على أن يعتق عبده وإن كان ولاؤه للمعتق، وكذلك الرقبة يكون بعضها حرا وبعضها رقيقا يجوز أن يشتري ما رق منها من الزكاة فيتم ذلك عتاقتها، وقد حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة عن مالك والقول الثاني أنه لا يجوز أن يعطى من الزكاة المكاتب وإن تمت ذلك عتاقتة من أجل أن ولاءه للذي كاتبه، وهو نص قول ابن القاسم في الواضحة أنه لا يجوز أن تجعل زكاته إلا في رقبته يكون ولاؤه لجميع المسلمين وظاهر روايته عن مالك في المدونة، والقول الثالث أنه يجوز أن يعان بذلك المكاتبون الذين لا يقدرون على أداء كتابتهم فيودوا عتقهم بقدر قله المال وكثرته من غير أن يشترط في ذلك كمال حريتهم، هذا ظاهر قول المغيرة في تأويل قول الله تعالى وفي الرقاب وظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف أنه قال: وقد أشار على مالك وعلى بن أبي حازم أن يجعل من الصدقات في المكاتبين وفي الرقاب، والقول الأول استحسان، والثاني هو القياس، وقول المغيرة ضعيف، ووجهه إتباع ظاهر قَوْله تَعَالَى {وَفِي سَبِيلِ} [التوبة: 60] قال ابن حبيب: وكان أصبغ لا يرى أن يفك أسرى المسلمين من الزكاة، ومن فعل ذلك ضمنها، وأنا لا أرى ذلك؛ لأنها رقاب قد جرى عليها الرق لأهل الشرك، فإنما يفك من رق إلى عتق، وبالله التوفيق.

مسألة: أعانوا المكاتب على وجه الفكاك لرقبته

[مسألة: أعانوا المكاتب على وجه الفكاك لرقبته] مسألة قال مالك: كان زياد قد أعانه الناس في فكاك رقبته وأسر الناس في ذلك، وفضل ما قوطع عليه مال كثير، فرده إلى من أعطاه بالحصص، وكتبهم زياد عنده فلم يزل يدعو لهم حتى مات. قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك وقوله في المدونة أنهم إن كانوا أعانوا المكاتب على وجه الفكاك لرقبته ولم يكن ذلك منهم على وجه الصدقة عليه، كان عليه أن يستحل من ذلك أو يرده عليهم بالحصص كما فعل زياد مولى ابن عباس. [: أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد] ومن كتاب البز قال مالك في الذين يرون الاستسعاء وخطأ ما يقولون، كيف يصنعون بالصبي الصغير؟ يريد الذي ليس فيه عمل، والجارية التي تستسعى ولا تقوم على عمل؟. قال محمد بن رشد: لم يأخذ مالك بحديث الاستسعاء وهو ما رواه أبو هريرة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من أعتق نصيبا أو شركا في مملوك فعليه خلاصه كله في ماله، فإن لم يكن مال استسعي العبد غير مشفوق عليه» وإنما أخذ بحديث ابن عمر الذي رواه عن نافع عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطي شركاؤه حصصهم وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه منه ما عتق» إما لأنه لم يصح عنده حديث أبي هريرة في

الاستسعاء، يكون العبد ممن لا تصح السعاية منه على ما قاله في هذه الرواية وتابعه جميع أصحابه على قوله فلم يوجبوا للشريك على المعتق لحظه من العبد إذا كان معسرا قيمة، ولا على العبد سعاية، وقالوا: هو بالخيار إن شاء أعتق حظه، وإن شاء تمسك به رقيقا، وقد قيل: إن من حقه أن يضمنه القيمة فيتبعه بها في ذمته ويعتق العبد عليه، وقد مضى ذلك في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب العتق. ومن أهل العلم خارج المذهب من رأى المعتق ضامنا لقيمة نصيبه موسرا كان أو معسرا، وقالوا: هي جناية منه عليه في نصيبه فيلزمه قيمته في اليسر والعدم ويكون له ولاؤه شاء شريكه أو أبى، وحجتهم على ما روي عن أبي الملح عن أبيه «أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فأعتقه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال ليس لله شريك» . ومنهم من قال: إن الشريك مخير إن شاء أعتق نصيبه وفك له نصف ولائه وإن شاء ضمن المعتق فعتق عليه جميعه وكان له ولاؤه كما يقول أصحاب مالك في الموسر. ومنهنم من يقول: إن العبد يعتق كله على الذي أعتق حظه منه، ويكون ولاؤه له موسرا كان أو معسرا، فإن كان موسرا ضمن القيمة لشريكه، وإن كان معسرا استسعى العبد فيها، وهذا قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن. ومنهم من قال: إن الشريك مخير إذا كان المعتق لحظه معسرا بين أن يعتق حظه فيكون له نصف ولائه، وبين أن يستسعى العبد في نصف قيمته، فإذا أداها إليه عتق، وهو قول أبي حنيفة، ومن قوله أيضا في الموسر أن الشريك بالخيار إن شاء أعتق كما أعتق وكان الولاء بينهما، وإن شاء استسعى العبد في نصف القيمة، فإذا أداها عتق وكان الولاء بينهما، وإن شاء ضمن المعتق نصف القيمة فإذا أداها عتق ورجع بها المضمن على العبد استسعاه فيها وكان ولاؤه للعتق، وبالله التوفيق.

مسألة: القول قول المكاتب مع يمينه

[مسألة: القول قول المكاتب مع يمينه] مسألة وسئل مالك عن مكاتب كوتب على كذا وكذا درهما في نجوم وزعها عليه فجاء بنجومه عددا ولم يكن في شرطه عدد ولا كيل فأبى أهله أن يأخذوا إلا كيلا وفيها زيادة في وزنها، فقال مالك: إذا أعطاهم دراهم وازنة فرادى فليس لهم غير ذلك. قال محمد بن رشد: معنى هذا إذا كان البلد يجري فيه الفرادى والكيل ولم يكن بينهما شرط ولا ادعى أحدهما نية، وأما إن كان البلد يجيء فيه الفرادى والكيل ولم يكن بينهما شرط فقال المكاتب: إنما أردت الفرادى، وقال السيد إنما أردت الكيل، فالقول قول المكاتب مع يمينه، فإن نكل كان القول قول السيد مع يمينه، وكذلك إذا اختلفا فقال المكاتب: كان الشرط بيننا على الفرادى، وقال السيد بل كان الشرط بيننا على الكيل، فالقول قول المكاتب مع يمينه على ما يدعي من الشرط، فإن نكل كان القول قول السيد على ما يدعي منه أيضا، هذا الذي يأتي في هذه المسألة على أصولهم، وبالله التوفيق. [: الوكلاء مؤتمنون] ومن كتاب باع غلاما بعشرين دينارا قال مالك في مكاتب كان يبيع لسيده في ماله، كان رجل قد دفع إلى سيده سلعة يبيعها له، فزعم المكاتب أنه قد باعها وحاسبه سيد بثمنها وقبضه منه. قال: ما أرى أن يلزم المكاتب ما أقر به من أمر تلك السلعة بشيء من ثمنها.

: مكاتب بين رجلين فيريد أحدهما بيع نصيبه منه

قال محمد بن رشد: معنى قوله: إنه لا يلزمه غرم ثمن السلعة ويصدق مع يمينه في أنه قد حاسب سيده به وقبضه منه على أصولهم في أن الوكلاء مؤتمنون مصدقون مع أيمانهم في دفع أثمان ما وكلوا على بيعه، وفي ذلك تفصيل واختلاف قد مضى تحصيله في رسم حلف أن لا يبيع سلعه سماها من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات، وفي غير ما موضع سواه، وبالله التوفيق. [: مكاتب بين رجلين فيريد أحدهما بيع نصيبه منه] ومن كتاب نذر سنة يصومها وسئل عن مكاتب بين رجلين فيريد أحدهما بيع نصيبه منه. قال: ما أعلم أن المكاتب يباع بعضه، قلت أفتكره ذلك؟ قال: نعم، إما أن يباع كله وإما أن يترك. قال سحنون: إنما يكره بيع نجم من نجوم المكاتب، فأما ثلث ما عليه أو ربعه أو نصفه فليس به بأس، قال أصبغ مثله، وإنما يكره بيع نجم من نجومه إذا كان بعينه فإذا لم يكن بعينه لم يكن به بأس؛ لأن ذلك يرجع إلى أن يكون جزءا من الأجزاء، وقال سحنون مثله، وقال إذا اشترى نجما من عشرة أنجم واشتراه مسجلا ليس بعينه فهو جائز، وهو كأنه اشترى عشر الكتابة. قيل له: فإن عجز المكاتب عن أداء كتابته؟ قال: يكون عشر رقبته رقيقا لهذا الذي اشترى نجما من عشرة أنجم. قال محمد بن رشد: لم يجز مالك في هذه الرواية لأحد الشريكين في كتابة المكاتب أن يبيع حصته منها، وله مثل ذلك في سماع يحيى وفي سماع سحنون، خلاف ما له في موطأه من إجازة ذلك، ولم يختلف قوله في

أنه لا يجوز للرجل، إذا كانت الكتابة كلها له أن يبيع جزءا منها، وأجاز ذلك ابن القاسم في سماع أصبغ مثل قول سحنون وأصبغ ها هنا في إجازة بيع جزء من أجزاء الكتابة وبيع نجم منها إذا لم يكن معينا؛ لأنه يرجع إلى جزء معلوم، وسواء اتفقت النجم في العدد أو اختلفت إذا عرف عددها وعدد كل نجم منها، جاز شراء نجم منها إذا لم يكن بعينه لأنه يرجع إلى جزء معلوم، وقد وقع في العشرة ليحيى. قلت لم كره لأحد الشريكين بيع نصيبه من الكتابة ولو اجتمعا جميعا على بيعها لم يكن بذلك بأس؟ قال: إنما بيع الشريك نصيبه بمنزلة الذي يملكه كله فيبيع نصفه. قلت له: فإذا كان كله لرجل فلأي شيء يمنع من بيع نصفه وقد يجوز له بيع الجميع؟ فقال: لم يختلف في هذا قول مالك، وبه مضى الأمر عندهم في المكاتب أن لا يبعض، وإنما يجوز بيعه كله وبيعه كله فيه مغمز،. وإنما يجوز إتباعا لمالك فكيف يجوز بيع بعضه؟ فهذا من قول ابن القاسم خلاف قوله من سماع أصبغ عنه، وخلاف قول سحنون وأصبغ ها هنا مثل قول مالك في هذه الرواية ومثل ما وقع له أيضا في سماع يحيى وفي سماع سحنون. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال، أحدها: أنه لا يجوز بيع جزء من الكتابة كلها لرجل واحد فباع بعضها أو كانت بين رجلين فباع أحدهما حصته منها، وهو قول مالك في هذه الرواية، وما وقع من قوله في سماع يحيى وسماع سحنون؛ لأنه إذا لم يجز لأحد الشريكين بيع نصيبه فأحرى أن لا يجيز للذي له الكتابة كلها بيع بعضها، وقول ابن القاسم في العشرة أيضا، والثاني أن ذلك جائز في الوجهين جميعا، وهو قول سحنون وأصبغ ها هنا، وقول ابن القاسم في سماع أصبغ بعد هذا؛ لأنهم إذا أجازوا للرجل الواحد أن يبيع بعض كتابته أو نجما غير معين منها فأحرى أن يجيزوا لأحد الشريكين في الكتابة بيع حصته

منها، والثالث الفرق بين الوجهين، وهو قول مالك في موطأه؛ لأنه أجاز فيه لأحد الشريكين في الكتابة بيع نصيبه منها.، ولم يختلف قوله في أنه لا يجوز إذا كانت الكتابة لرجل واحد أن يبيع جزءا منها، وإنما يجوز لأحد الشريكين في الكتابة بيع حصته منها على مذهب من يجيز ذلك إذا باع حصته من أجنبي، فأما إن باعها من المكاتب فلا يجوز؛ لأن ذلك كالقطاعة، ولا يجوز لأحد الشريكين أن يقاطع المكاتب على نصيبه من الكتابه دون إذن شريكه، قال ذلك ابن الماجشون في كتاب ابن المواز، وقاله محمد بن المواز أيضا، وهو قائم من قول مالك في موطأه؛ لأنه قال فيه: إنه إذا باع أحد الشريكين في الكتابة نصيبه في الكتابة لم يكن للمكاتب في ذلك شفعة؛ لأنه يصير بمنزلة القطاعة، وليست له بذلك حرمة. قال: وأما إذا بيعت الكتابة كلها فأحسن ما سمعت أنه أحق باشتراء كتابته ممن اشتراها إذا قوي أن يؤدي إلى سيده الثمن الذي باعه به نقدا، وذلك أن اشتراءه نفسه عتاقة، ومعنى ذلك عندي أنه أحق بها بما يعطي فيها ما لم ينفذ البيع فيها على ما قاله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب العتق في الرجل تكون تحته المرأة ثلثها حر وثلثاها رقيق، وله منها ولد أنه أحق بهم بالثمن الذي أعطى سيدهم به إن أراد بيعهم، ومثله أيضا لمالك في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب النكاح، وسيأتي في سماع أشهب بعد هذا ما ظاهره أن المكاتب أحق بكتابته إذا بيعت بعد نفوذ البيع فيها مثل ما حكى ابن حبيب عنه من رواية مطرف وعن ابن الماجشون وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ خلاف ما حكي عن مالك من رواية ابن القاسم عنه من أنه كان يرى ذلك حسنا ولا يرى القضاء به، وقال أبو بكر الأبهري: إنما كره لأحد الشريكين في الكتابة بيع حصته منها لأن ذلك بمنزلة مقاطعته على مال يأخذه دون شريكه، وذلك غير جائز، ووجه إجازته أنه إذا جاز بيع كتابته كلها حالة بيع بعضها كرقبة العبد يجوز بيع جميعها وبيع بعضها، وبالله التوفيق.

: قاطع سيده فيما بقي عليه من كتابته

[: قاطع سيده فيما بقي عليه من كتابته] من سماع أشهب وابن نافع من مالك قال أشهب سمعت مالكا سئل عن مكاتب قاطع سيده فيما بقي عليه من كتابته بعبد دفعه إليه فاعترف في يديه بسرقة فأخذ منه، قال: يرجع على المكاتب بقيمة ما أخذ منه ما كان، وكذلك المكاتب يقاطعه سيده بحلي استرفعه أو ثياب استودعها ثم يعترف ذلك في يدي سيده فيؤخذ منه، أيعتق المكاتب هكذا بباطل؟ لا يؤخذ الحق بالباطل!!! قال محمد بن رشد: قال في الذي قاطع سيده فيما بقي عليه من كتابته بعبد دفعه إليه فاعترف في يديه بسرقة فأخذ منه: إنه يرجع على المكاتب بقيمة ما أخذ منه ما كان، يريد فإن لم يكن له مال اتبع به دينا ولم يرد إلى الكتابة؛ لأن حريته قد تمت بالقطاعة، قاله أشهب في المدونة، وهو يحمل على التفسير لروايته عن مالك هذه، وفي المدونة وهو أحد قولي ابن القاسم في المدونة، وقد قيل: إنه إن لم يكن له مال رد مكاتبا كما كان حتى يؤدي القيمة، وهو قول ابن نافع في المدونة، وقيل: إنه إذا استحق العبد من يده رجع مكاتبا كما كان حتى يؤدي قيمته، وهو أحد قولي ابن القاسم في المدونة، قاله في المكاتب يؤدي كتابته إلى سيده من أموال غرمائه فيأخذون ذلك منه، ولا فرق بين المسألتين؛ لأن له شبهة فيما بيديه من أموال غرمائه. فيتحصل في المكاتب يقاطع سيده من كتابته على شيء بعينه له فيه شبهة المالك فيستحق من يد سيده ثلاثة أقوال، أحدها: أنه يرجع في الكتابة حتى يؤدي إلى سيده قيمة ذلك مليئا كله أو معدما، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في المدونة في الذي يؤدي كتابته إلى سيده مما بيده من أموال

مسألة: المكاتب يشتري أخاه أيدخل معه في الكتابة

غرمائه، والثاني: أنه لا يرجع في الكتابة إلا أن يكون معدما، وهو قول ابن نافع في المدونة، والثالث: أنه لا يرجع في الكتابة مليئا كان أو معدما، ويتبع بذلك إن كان معدما في ذمته، وهو حر بالقطاعة، وهو قول أشهب في المدونة مفسرا لروايته هذه عن مالك. واختلف قول ابن القاسم إذا قاطع عبده القن على عبد بعينه فاستحق من يده، فمرة قال: إنه كالمكاتب يرجع عليه بقيمته، ومرة قال: إنه لا يرجع عليه بشيء لأن ذلك كالانتزاع إذا كان بعينه، حكي القولين عنه ابن المواز، ولا اختلاف إذا قاطع سيده على عبد موصوف فاستحق من يده أنه يرجع عليه بقيمته ولا يرد في الكتابة. وأما إذا قاطع سيده على شيء بعينه لا شبهة له في ملكه اعترفه مولاه كالحلي يسترفعه أو الثياب يستودعها وما أشبه ذلك، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز له، ويرجع في الكتابة على ما كان عليه حتى يؤدي قيمة ما قطع به. قوله في هذه الرواية وكذلك المكاتب يقاطع سيده بحلي استرفعه أو ثياب استودعها ليس يريد أن ذلك مثل المسألة التي تقدمت في جميع الوجوه، وإنما يريد أنها مثلها عنده في أن للسيد الرجوع عليه وإن افترق الحكم في ذلك؛ لأنه لا يرجع إلى الرق في المسألة الأولى، على قوله، ويرجع إليه في الثانية، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: المكاتب يشتري أخاه أيدخل معه في الكتابة] مسألة وسئل عن المكاتب يشتري أخاه أيدخل معه في الكتابة؟ فقال: ما سمعت ذلك، فقيل له: لا يدخل معه إلا الولد؟ فقال: برأسه نعم. قال محمد بن رشد: هذا خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة؛ لأنه قال فيها: إن كان من يعتق على الرجل إذا ملكه

مسألة: المكاتب إذا باع سيده كتابته أهو أولى بذلك

يدخل في كتابة المكاتب إذا اشتراهم بإذن سيده أو وهبوا له فقبلهم بإذنه، وقال ابن نافع وغيره: لا يدخل في كتابته إلا الابن خاصة إذا اشتراه بإذن سيده لأن له أن يستحدثه. فهي ثلاثة أقوال في المسألة لكل قول منها وجه، فوجه القول الأول: أنه لما كان إذن السيد لمكاتبه في أن يشتري من يعتق عليه إذنا له منه له في أن يدخله معه في الكتابة، إذ لا وجه في إذنه له في شرائه إلا ذلك، إذ لو أراد أن يمنعه من شرائه على أن لا يدخله معه في كتابته لم يكن ذلك له، إذ لا ضرر عليه في ذلك لأنه يبيعهم إن خشي العجز ويعتقون بعتقه إن أدوا لما أذنه له في شرائهم على أن يدخلوا معه في كتابته قد يؤدي إلى عجزه؛ لأن أثمانهم التي اشتراهم بها كان يتقوى بها على سعايته لم ير أن يدخل في كتابته إذا اشتراهم بإذنه إلا الولد والأب الذي اتفق أهل العلم أنهم يعتقون على من ملكهم ووجه القول الثاني وهو مثل قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أنه يدخل في كتابة المكاتب كل من يعتق عليه إذا اشتراهم بإذن السيد. فقوله إذا اشتراهم بإذنه على أن يدخلهم في كتابته فكأنه قد كاتبهم معه ولا يراعى ما يخشى من أن يؤدي ذلك إلى عجزه فيمن يعتق عليه مما سوى الأبوين والولد كما لا يراعى ذلك في الأبوين والولد، وهذا القول هو القياس على المذهب؛ لأن مراعاة الخلاف إنما هو استحسان، ووجه القول الثالث وهو قول ابن نافع أنه لا يدخل في كتابته إذا اشتراه بإذن السيد إلا الابن وحده. [مسألة: المكاتب إذا باع سيده كتابته أهو أولى بذلك] مسألة وسئل عن المكاتب إذا باع سيده كتابته أهو أولى بذلك؟ قال: هو أولى بكتابته إذا كان ما اشترى منها يعتق به، وإن كان لا يعتق به فليس ذلك له.

مسألة: كاتب عبده واشترط أن ما ولد له من ولد فهم عبيد

قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية عن مالك أن المكاتب أحق بكتابته إذا بيعت بعد نفوذ البيع فيها كالشفعة مثل ما في كتاب المكاتب من المدونة لعمر بن عبد العزيز وعطاء وسعيد بن المسيب، ومثل ما في كتاب أمهات الأولاد من المدونة في باب الرجل يطأ أمة مكاتبه فتحمل لغير ابن القاسم، ومثل ما حكى ابن حبيب عن مالك من رواية مطرف في أن الشفعة واجبة في الكتابة والدين خلاف ما حكي عن مالك من رواية ابن القاسم عنه من أنه لا يرى القضاء بذلك، وهو مذهبه في المدونة لأنه قال فيها: ولا شفعة في دين ولا حيوان، فيحتمل أن تتأول هذه الرواية على ذلك بأن يقال: معناها أنه يريد أنه أولى بكتابته إذا أراد سيده بيعها يأخذها بما يعطى فيها ما لم ينفذ البيع، فإن نفذ البيع فيها لم يكن له من الحق أن يأخذها من المبتاع كالشفعة إذ لا شفعة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة في شيء من الديون ولا العروض بعد نفوذ البيع فيها. وأما إذا كان الذي بيع من كتابته حظ أحد الشريكين فليس هو أولى بذلك لوجهين: أحدهما: أن ذلك كالقطاعة لا تجوز إلا بإذن الشريك الآخر، والثاني: أنه لا حرمة له بذلك، قال ذلك في الموطأ وقد تقدم ذكره في سماع رسم نذر من سماع ابن القاسم. [مسألة: كاتب عبده واشترط أن ما ولد له من ولد فهم عبيد] مسألة وسمعته يسال عمن كاتب عبده واشترط أن ما ولد له من ولد فهم عبيد، فقال: لا يجوز هذا الشرط قد كاتب المسلمون. قلت: أفتمضي الكتابة؟ قال: لا بل تفسخ الكتابة. قيل له: أرأيت إذا قال السيد أنا أضع عنك ما اشترطت عليك من رق ولدك وأثبت على كتابتك؟ قال: إذا يكون ذلك له.

قال محمد بن رشد: قوله: إن الكتابة تفسخ بهذا الشرط إلا أن يشاء السيد وضعه فيجوز خلاف مذهبة في المدونة من أن الشرط باطل والكتابة جائزة في هذا وفي اشتراط جنين المكاتبة في كتابتها أو وطئها طول كتابتها، وكذلك يأتي في هاتين المسألتين على رواية أشهب هذه الكتابة تفسخ إلا أن يرضى السيد بترك الشرط، وقد وقع ذلك من قول أشهب وروايته عن مالك في النوادر منصوصا عليه فيهما، وإنما يخير السيد في ذلك على هذه الرواية ما لم تفت الكتابة باستيفاء جميعها وإن لم يبق منها إلا درهم واحد وأما إذا فات باستيفاء جميعها فيبطل الشرط ويدخل الولد في الكتابة، وقال محمد بن المواز من رأيه: إنما يخير السيد في ذلك ما لم يقبض من الكتابة شيئا وأما إذا قبض منها ولو نجما واحدا فيسقط الشرط وتمضي الكتابة. وكذلك يأتي على القياس قول مالك في هذه الرواية إذا اشترط على المكاتب أن لا يخرج من خدمته حتى يؤدي أن يكون السيد بالخيار بين أن يترك الشرط ويفسخ الكتابة، وقد قيل إن اشتراط وطء المكاتبة بخلاف هذه الشروط؛ لأنه شرط حرام فيبطل وتجوز الكتابة، وهو مذهب ابن القاسم على ما روى عنه أصبغ في سماعه بعد هذا أن اشتراط السيد على مكاتبه أن لا يخرج من خدمته حتى يؤدي يلزم وتجوز الكتابة بخلاف هذه الشروط، وأصبغ يساوي بين هذه الشروط كلها ويرى الحكم فيها أن تبطل الشروط وتجوز الكتابة. فالشروط تنقسم على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك قسمان، أحدهما: شرط حرام كاشتراط الوطء على المكاتبة في كتابتها، وشرط فيه غرر كاشتراط كون جنين المكاتبة عبدا وكون ما ولد للمكاتب من أمته عبدا وما أشبه ذلك، فهذا القسم الحكم فيه عنده أن يبطل الشرط وتجوز الكتابة، والقسم الثاني: أن يكون الشرط لا حرام فيه ولا غرر إلا أنه مخالف لما مضى من سنة الكتابة، مثل أن يشترط عليه أن لا يخرج من خدمته وما أشبه ذلك

مسألة: كاتب عبدا له واشترط عليه خدمة ثم جاء العبد بكتابته كلها

فهذا يلزم فيه عنده الشرط، وتجوز الكتابة، وفي سماع عبد المالك بن الحسن عن ابن وهب من كتاب الصدقات والهبات في هذا الشرط أن الكتابة منفسخة، وإذا قال ذلك في هذا الشرط الذي لا حرام فيه ولا غرر فأحرى أن يقوله فيما سواه من الشروط التي لا تجوز لحرمتها أو لغررها. ويتحصل على هذا في جملة المسألة خمسة أقوال، أحدها: أن الشروط التي لا تجوز كلها سواء والحكم فيها أن تفسخ الكتابة بها إلا أن يرضى السيد بترك الشرط فيجوز الكتابة، وهو قول مالك في هذه الرواية، والقول الثاني: أنها كلها سواء والحكم فيها أن تبطل الشروط وتجوز الكتابة، وهو قول أصبغ، والقول الثالث: أنها كلها سواء والحكم فيها أن تبطل الكتابة بها، وهو الذي يأتي على قول ابن وهب في سماع عبد المالك من كتاب الصدقات والهبات، والقول الرابع: تفرقة ابن القاسم التي ذكرناها بين الشرط الحرام والغرر، وبين الشرط الذي لا حرام فيه ولا غرر إلا أنه مخالف لما مضى من سنة الكتابة، والقول الخامس: الفرق بين الشرط الحرام والشرط الغرر والذي هو مخالف لما مضى عليه العمل في الكتابة، فيبطل الشرط الحرام وتجوز الكتابة، وتفسخ الكتابة فيما سوى ذلك من الشروط إلا أن يرضى السيد بتركها، وهذا القول هو تأويل بعض أهل النظر على رواية أشهب عن مالك هذه، ولو اشترط المكاتب على سيده في كتابته إياه أن يدخل فيها ما يولد له من زوجة له أمة لسيده لجاز ذلك باتفاق، وابن الماجشون يقول في شرط السيد على مكاتبه في كتابته إياه أن لا يخرج من عمله أنه يجعل له أياما من الجمعة يسعى فيها لنفسه على ما يؤدي إليه الاجتهاد ولا تفسخ الكتابة، وبالله التوفيق. [مسألة: كاتب عبدا له واشترط عليه خدمة ثم جاء العبد بكتابته كلها] مسألة وسئل وأنا أسمع عمن كاتب عبدا له واشترط عليه خدمة أو سفرا أو ضحية ثم جاء العبد بكتابته كلها فقال: يوضع عنه كل ما كان

من شرط في حسر العبد من خدمة أو سفر أو غير ذلك وكل ما كان مثل الرقيق والكسوة والضحية فإنه يقوم ذلك عليه فيغرم قيمته مع كتابته. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا كاتبه واشترط عليه خدمة أو سفرا في كتابته مثل أن يكاتبه بكتابة منجمة أو غير منجمة إلى خمسة أعوام أو ستة ويشترط عليه خدمة أيام من كل جمعة وضحية وكسوة كل سنة إنه إن عجل الكتابة سقط عنه كل ما كان في بدنه من خدمة وسفر إذ لا تتم عتاقة أحد وعليه بقية من رق، ولم يسقط عنه ما كان في ماله من ضحية وكسوة، فلا يعتق حتى يؤدي قيمة ذلك حالا في كتابته، وأصل ذلك أن ما كان يسقط عنه بالمرض يسقط عنه بتعجيل الأداء وهو ما كان في يديه، وما لا يسقط عنه بالمرض لا يسقط عنه بتعجيل الأداء. وكذلك لو اشترط عليه خدمة أو سفرا بعد أداء كتابته أو ضحية في كل سنة طول حياته لسقطت عنه الخدمة والسفر بأداء الكتابة ولم تسقط عنه الضحية التي شرط عليه في كل سنة طول حياته وكان الحكم في ذلك أن يعمر ثم ينظر إلى قيمة عدد الضحايا في تعميره، فيقال له: أد قيمتها الساعة وأنت حر، وإن لم يكن له مال لم يعتق حتى يؤدي قيمتها ساعتئذ وليس إلى أجلها، قال ذلك ابن القاسم في كتاب ابن حبيب، ورواه عن مالك. وإنما تسقط عنه الخدمة بأداء الكتابة إذا كانت الخدمة مشترطة في الكتابة وكان إنما يعتق بأداء الكتابة، مثال ذلك أن يقول له كاتبتك على أن تؤدي إلي كذا وكذا وأنت حر على أن تخدمني في كل شهر كذا وكذا وما أشبه ذلك، وأما إن كانت الكتابة مشترطة في الخدمة وكان إنما يعتق بتمام الخدمة فلا تسقط عنه الخدمة بأداء الكتابة، مثال ذلك: أن يقول له: أكاتبك على أن تخدمني كذا وكذا ثم أنت حر على أن تؤدي إلي فيها كذا وكذا، فهذا إن أدى المال قبل تمام أمد الخدمة لم يعتق إلا بانقضاء أمد الخدمة، وإن انقضى أمد

مسألة: الكتابة على إحياء عدد من الغرس

الخدمة قبل أن تؤدي المال أعتق في أمد الخدمة وكان ما بقي من المال المشترط عليه بعد انقضاء أمد الخدمة دينا عليه يؤديه وهو حر، إذ قد بتلت حريته بانقضاء أمد الخدمة، هذا معنى ما حكاه ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ فيما سأله عنه من تفسير قول مالك، وبالله التوفيق. [مسألة: الكتابة على إحياء عدد من الغرس] مسألة وسمعته يقول «كاتب سلمان الفارسي أهله على مائة ودية يحييها لهم فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا غرستها فأذني، فلما غرسها أذن رسول الله فدعا له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها فلم تمت منها ودية واحدة» . قال محمد بن رشد: في هذا الحديث إجازة الكتابة على هذا النحو من الغرر في حق المكاتب؛ لأنه لا يدري إذا اغترس من النخل هل يحيى أم لا؟ ففيه حجة على ما أجازوه من الكتابة على عبد فلان وهولا يدري هل يقدر على أن يتخلصه من صاحبه أم لا من أجل أنه عبده يجوز له فيما بينه وبينه عن الغرر ما لا يجوز له فيما بينه وبين غيره، والكتابة على هذا من ناحية الجعل الذي أجازه أهل العلم لما شهد بجوازه من صحيح الآثار مع ما دل عليه من حكم القرآن في قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] فالكتابة على إحياء عدد من الغرس أو على عبد فلان يشبه قول الرجل لعبده إن جئتني بعبدي الآبق أو بجملي الشارد فأنت حر فالقياس على هذا إن لم يقدر على إحياء الغرس أو تخلص العبد إلى الأجل الذي يضرب له في ذلك أن يرجع في الرق، وقد قال سحنون: إنه إن لم يقدر عليه كانت عليه قيمته، وقاله أيضا محمد بن المواز، وليس ذلك على الأصول، وبالله التوفيق.

مسألة: المكاتب ليس له أن ينكح ولا يسافر إلا بإذن سيده

[مسألة: المكاتب ليس له أن ينكح ولا يسافر إلا بإذن سيده] مسألة قال وسمعته يقول: أتى إلى سعيد بن المسيب مكاتب له، فقال له إيذن لي أن أخرج إلى مكان كذا وكذا، فقال له سعيد: [لا] فانصرف عنه المكاتب فأصلح شأنه وأراد الخروج فأتي إلى سعيد بن المسبب فقيل له إن مكاتبك يخرج، فقال: موعده يوم القيامة، فقال مالك: يوقن بيوم الحساب ويعلم أن الناس سيوفون حقوقهم. قال محمد بن رشد: هذا من قول سعيد بن المسبب مذهب مالك، ونصه في موطأه وفي المدونة وغيرها أن المكاتب ليس له أن ينكح ولا يسافر إلا بإذن سيده، اشترط ذلك عليه أو لم يشترطه إذ قد يجحف النكاح بماله فيعجز فيرجع رقيقا إلى سيده لا مال له، وقد تحل نجومه وهو غائب عن سيده فليس على ذلك كاتبه، وبالله التوفيق. [: من اشترى كتابة مكاتب أو وهبت له أو أوصي له بها] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: سئل ابن القاسم عمن كاتب عبده فأوصى لرجل عند موته بربعه، وأعتق ربعه ثم هلك العبد بعد ذلك وترك مالا أو عجز. قال: إن عجز فللذي أوصى له بربعه ربع الخدمة وهو ربع الرقبة، وللورثة نصفها وربع العبد حر. فإن مات وترك مالا استوفى الذي أوصى له بالكتابة وللورثة ما

مسألة: مات أحد المكاتبين في كتابة واحد

بقي لهم عليه من الكتابة وهي ثلاثة أرباع الكتابة للذي أوصى له بربع الكتابة ربع الكتابة، وللورثة الربعان، فإن فضل فضلة كان للموصى له بالربع الثلث وللورثة الثلثان لأنه إنما ورث بالرق. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن من اشترى كتابة مكاتب أو وهبت له أو أوصي له بها يحل محل السيد في أن له رقبته إن عجز وميراثه إن مات، وكذلك فيما اشترى منها له إن اشترى البعض منها أو وهب له أو أوصي له به لأن معنى قوله: أو أوصي له بربعه أو أوصي له بربع كتابته؛ لأن الكتابة هي التي يملك منه، وأما إذا أعتق السيد بعض مكاتبه أو حظه منه إن كان له فيه شريك أو وضع له بعض ما له عليه من الكتابة أو حظه منها إن كان له فيه شريك فذلك بخلاف إذا أوصى بذلك هو في الحياة وضع لا عتق وفي الوصية بعد الموت عتق من الثلث، هذا قوله في المدونة وغيرها، فوجب إذا أوصى رجل عند موته لرجل بربع كتابة مكاتبه وأعتق ربعه ثم مات أن يعتق منه الربع في ثلثه وأن يحل الموصى له بربعه محل الموصي، فيكون شريكا للورثة في رقبته إن عجز بالربع وللورثة الربعان، ويكون ربع العبد حرا. وإن مات وترك مالا استوفى الذي أوصي له بالكتابة والورثة ما بقي لهم عليه من الكتابة، وهي ثلاثة أرباعها إذ قد أعتق الربع منه بالوصية ثم كل ما بقي ميراثا بين من له فيه الرق على قدر ما لهم فيه من الرق، للموصى له بربع رقبته الثلث وللورثة الثلثان على ما قال، وبالله التوفيق. [مسألة: مات أحد المكاتبين في كتابة واحد] مسألة وعن رجل كاتب عبدين له فمات أحدهما وترك أم ولد وولدا له منها، والعبد الباقي له مال كثير أو لا مال له، فما حال أم الولد؟ قال إذا لم يكن للعبد الباقي مال ولم يكن لها ولد بيعت، فإن كان في ثمنها وفاء للكتابة عتق العبد الباقي واتبعه السيد بالذي كان

يصيبه من الكتابة، وإن كان لها ولد ولم يقووا وقفت هي وولدها، فإن أدى العبد الباقي جميع الكتابة عتق وعتقوا واتبعهم بما أدى عنهم مما كان يصيبهم من الكتابة، وإن عجز هو وهم رجعوا رقيقا لسيدهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن حرمة أم الولد المكاتب إنما هي لسيدها ولولده منها أو من غيرها، فإذا مات أحد المكاتبين في كتابة واحد؟ وترك أم ولده ولم يكن له ولد منها ولا من غيرها لم تكن لهم حرمة، وكانت كسائر أموال المتوفى يؤدى منه الكتابة، فإن كان فيها وفاء بها عتق العبد الباقي واتبعه السيد بالذي يصيبه من الكتابة كما كان يتبعه المتوفى لو أدى هو جميع الكتابة؛ لأن المكاتبين معا في كتابة واحدة كل واحد منهما حميل عن صاحبه بما ينوبه منها يتبعه بما أدى عنه منها إذا لم يكن بينهما رحم يوجب عتق كل واحد منهما على صاحبه إذا ملكه؛ لأن مال المتوفى منهما قد صار إلى السيد فوجب إذا أعتق فيه الباقي أن يرجع السيد عليه بما كان يرجع به عليه لو أدى عنه في حياته. وإن لم يكن له فيها وفاء بالكتابة قبض السيد ثمنها من الكتابة، فإذا أدى الباقي بقية الكتابة عتق ونظر إلى ثمنها، فإن كان أكثر مما يجب على الميت من الكتابة اتبعه السيد بنصف ذلك. وأما إن كان لها ولد فلا تباع إلا أن يعجز ولدها والمكاتب الباقي عن الكتابة، فإن لم يعجزوا وأدى المكاتب الباقي جميع الكتابة عتق وعتقوا واتبعهم بما أدى عنهم مما كان يصيبهم من الكتابة كما قال، وذلك نصف ما أدى إن كان أدى جميع الكتابة، وكانت حاله مع صاحبه المتوفى متساوية في القيمة والقدرة على أداء الكتابة، وبالله التوفيق.

: يبيع مكاتبه فيعتقه الذي اشتراه

[: يبيع مكاتبه فيعتقه الذي اشتراه] من كتاب استأذن سيده قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يبيع مكاتبه فيعتقه الذي اشتراه، قال: إن أعتقه جاز عتقه، وإن لم يعتقه رد إلى الذي كاتبه ورد الثمن، وإن مات عند المبتاع قبل أن يعتقه أو أعتقه فقد ضمنه المبتاع، وليس على البائع أن يرد شيئا من الثمن ولا أن يخرج منه شيئا فيجعله في رقبته مثل ما يفعل في المدبر إذا باعه ففات بموت. قال محمد بن رشد: قوله إنه إن أعتقه المشتري جاز عتقه ولم يرد، يريد إذا كان المكاتب قد علم بالبيع على ما قاله في المدونة من أن ذلك عنده رضى بفسخ الكتابة، وهو مثل قول أشهب فيها إن يعتق يرد إذا كان المكاتب لم يعلم بالبيع، وهذا إذا لم يكن للمكاتب أموال ظاهرة لأنه إنما يكون له أن يعجز نفسه إذا لم تكن له أموال ظاهرة، وقد قال بعض الرواة في المدونة: وهو قول ابن نافع في سماع محمد بن خالد في كتاب الولاء: إن العتق يرد على كل حال، هذا الذي أقول به في تأويل ما وقع في المدونة في هذه المسألة، فعلى هذا الاختلاف في أن العتق يرد إذا كانت له أموال ظاهرة علم المكاتب بالبيع أو لم يعلم به، إذ ليس له أن يعجز نفسه إذا كانت له أموال ظاهرة، وقد كان من أدركنا من الشيوخ يحملون الروايات على ظاهرها من غير تفصيل، فيقولون فيها: إنها ثلاثة أقوال، يرد العتق، ولا يرد، والفرق بين أن يعلم المكاتب أو لا يعلم. وأما إذا أعتق على البائع قبل أن يفوت بالعتق فلا اختلاف في وجوب رده. وقوله في هذه الرواية إنه إن أعتقه المبتاع أو مات عنده فليس على البائع

: وطئ مكاتبة مكاتبه فحملت

أن يرد شيئا من الثمن، فمعنا؟ إذا كان المباع قد علم أنه مكاتب، وأما إن كان البائع دلس له بذلك فله أن يرجع عليه بقيمة عيب الكتابة من الثمن على ما قاله في سماع يحيى بن خالد من كتاب الولاء في المدبر، وهو مذهبه في المدونة. وأما قوله إنه ليس على البائع أن يخرج من الثمن شيئا فيجعله في رقبته كما يفعل في المدبر إذا فات بموت، فالفرق عنده بين المكاتب والمدبر في هذا والله أعلم أن التدبير ألزم من الكتابة إذ قد يقدر المكاتب وإن كان له ماله أن يذهب ماله ويعجز نفسه ولا يقدر المدبر على أن يبطل عقد التدبير فيه، وبالله التوفيق. [: وطئ مكاتبة مكاتبه فحملت] ومن كتاب العرية قال عيسى وسألته عن رجل وطئ مكاتبة مكاتبه فحملت. قال: يدرأ عنه الحد ويلحق به الولد، وتخير الأمة في أن تمضي على الكتابة وفي أن تكون أم ولده، فإن أحبت أن تكون أم ولده قومت عليه وغرم قيمتها للمكاتب نقدا، ولم يكن له أن يقول أحاسبك بقيمتها من كتابتك ألا أن يشاء المكاتب لأن الأمة مال من مال المكاتب يتقوى به على كتابته، ليس للسيد أن يتعجل شيئا لم يحل له بعد، وإن اختارت الكتابة قيل للسيد الواطئ أخرج قيمتها فإن أدت كتابتها عتقت ورجعت القيمة إلى الذي أخرجها وهو الواطئ، وإن عجزت كانت القيمة لسيدها المكاتب، وكانت أم ولد للواطئ، ولم يكن له عليه في ولده شيء، وإن ماتت قبل أن يؤدي أخذ من القيمة التي وقفت قيمة الولد فتدفع إلى المكاتب،

ورجع ما فضل من القيمة التي وقفت عن قيمة الولد إلى الواطئ لأنه يقول لا تذهب قيمة ولد مكاتبي باطلا إذ لم يؤد ما كان لي عليها، فتعتق فتحوز ولدها أو تعجز فيكون لي قيمتها على سيدي الذي وطئها فإذا فاتت بموت فلي قيمة ولدها فذلك له ويدفع إليه. قال محمد بن رشد: الأصل في هذه المسألة قول مالك ومن تابعه: إن الحكم فيمن وطئ مكاتبته فحملت أن تخير بين أن تقيم على كتابتها وبين أن تكون أم ولد له، فوجب على قياس ذلك إذا وطئ مكاتبة مكاتبه فحملت ما قاله من أن تخير، فإن أحبت أن تكون أم ولد له قومت- فغرم قيمتها للمكاتب نظرا. وأما قوله: ولم يكن له أن يقول أحاسبك بقيمتها من كتابتك إلا أن يشاء المكاتب فهو الصحيح في النظر للمعنى الذي ذكره فيه، وفيه اختلاف في كتاب ابن المواز لابن القاسم فيمن وطئ أمة مكاتبه فحملت أن القيمة تلزمه ويعتق فيها المكاتب، ويتبع سيده بفضل ما بقي، وهي له أم ولد، وعاب ذلك محمد فقال: هذا ظلم للمكاتب أن يتعجل السيد الكتابة في القيمة التي لزمته، بل يأخذ القيمة ويؤدي النجوم على حالها، فإن لم يكن للسيد شيء بيعت الكتابة عليه في القيمة أعني كتابة مكاتبه، قال أحمد بن ميسر: ويكون أولى بما بيع من ذلك، ولابن القاسم في كتاب أمهات الأولاد وقال غيره هنالك: ليس ذلك للسيد وإن كان معدما، وتباع الكتابة على السيد فيما لزمه من القيمة، ويبقى المكاتب على كتابته إلا أن يشاء أن يكون أولى بما بيع من كتابته لتعجيل العتق، مثل قول أحمد بن ميسر، فإن قصر ثمن الكتابة عن قيمة الأمة كان الباقي منها رقيقا للمكاتب إن كان ثمن الكتابة مثل نصف قيمة الأمة كان نصفها بحساب أم ولد للسيد ونصفها رقيقا للمكاتب، واتبع سيده بنصف قيمة الولد. وقوله إنه ليس للسيد أن يقاص المكاتب مما لزمه من قيمة له عليه من

مسألة: يطأ مكاتبة ابنه فتحمل

الكتابة وإن كان معدما هو الذي يوجبه النظر، وتفرقة ابن القاسم في المدونة في ذلك بين اليسر والعدم استحسان. وأما قوله في كتاب ابن المواز إن له المقاصة في ذلك وإن كان موسرا فهو بعيد وظلم للمكاتب كما قاله محمد، وأما إذا اختارت الكتابة فقوله إن قيمة الأمة يؤخذ من السيد ويوقف فإذا أدت كتابتها رجعت القيمة إليه، وإن عجزت كان القيمة للمكاتب وكانت الأمة أم ولد للواطئ فهو صحيح لا اختلاف فيه. وأما قوله إنها إن ماتت قبل أن تؤدي فيؤخذ من القيمة التي وقفت قيمة الولد فيدفع إلى المكاتب، ويرجع ما بقي منه إلى الواطئ فليس ببين في وجه الحكم، وقد تكون قيمة الولد أكثر من القيمة التي وقفت؛ لأنها إنما قومت يوم الحمل دون ولد، ولابن القاسم في كتاب ابن المواز أن القيمة تكون للمكاتب إذا ماتت قبل الأداء كما إذا عجزت وهو صحيح في النظر؛ لأنها إذا ماتت قبل أن تؤدي كتابتها فقد ماتت في حال الرق؛ لأن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء، فوجب أن تكون القيمة لسيده كما لو ماتت بعد أن عجزت، وبالله التوفيق. [مسألة: يطأ مكاتبة ابنه فتحمل] مسألة وسئل عن الرجل يطأ مكاتبة ابنه فتحمل. قال: تخير بين أن تقوم عليه فتكون أم ولد وتبطل الكتابة، وبين أن تسعى في كتابتها، فإن أدت عتقها وإن عجزت قومت عليه، قيل له: فإنها اختارت أن تكون على كتابتها؟ قال: إذا هي اختارت أن تثبت على كتابتها قيل للولد: أخرج الآن قيمتها فأوقفها،

فإن أدت كتابتها رجعت إليك القيمة، وإن عجزت أعطيتها ابنك وكانت الجارية أم ولد لأنا نخاف أن تعجز وقد فلست أنت فيذهب حق سيد الجارية، قيل: أرأيت إذا قوم منها عليه حين وطئها أم لا تجعل كتابتها له تسعى فيها له؟ فإن أدت عتقت وكان ولاؤه للذي عقد لها الكتابة، وإن عجزت كانت أم ولد للذي أدى قيمتها قلت: ولم - إذ رأيت - لا تسعى على هذا الواطئ، ولم تعجل له كتابتها لم تقومها عليه اليوم؟ لم لا تؤخر قيمتها إلى أن تعجز؟ فإذا عجزت قومتها عليه يوم تعجز لأنك حين تقومها عليه اليوم حين وطئها وتؤخرها إلى أن تعجز لعلها تعجز حين تعجز وقد ذهب بصرها أو يداها أو رجلاها أو أصابها أمر في جسدها فيصير هذا يأخذ قيمتها اليوم صحيحة وإنما أخذ الواطئ إياها الآن منقوصة الجسد ولعل ما دخلها من النقص قد أدت بعد أن قومت جميع كتابتها إلا دينارا واحدا فعجزت في ذلك الدينار فصارت قد أخذ قيمتها صحيحة وأخذ جميع كتابتها إلا دينارا واحدا فيدخل على الواطئ في هذا ضرر، قال: نعم كذلك هو، والظالم أحق من يحمل عليه. قلت: وسواء الذي أصابها في جسدها بعد أن قومت على هذا الواطئ أن كان من السماء أو صنعه بها إنسان فأخذ لذلك أرشا؟ قال: ليس هو سواء، إذا كان ذلك من السماء كان كما وصفت لك، وإذا أصابها بذلك إنسان أخذ عقلها، فإن كان في عقلها ما تعتق به عتقت ورجعت القيمة إلى الواطئ، وإن كان ليس فيه ما يعتق فيه سعت فيما بقي فإن أدت عتقت وإن عجزت فض واطئها من قيمتها بما أخذ في ثمن جسدها.

قال محمد بن رشد: لسحنون في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب فيمن وطئ مكاتبة ابنه فحملت أنه لا يجوز أن تخير بين أن تكون أم ولد للواطئ أو تبقى على كتابتها، إذ ليس لها أن تنقل ولاءها عن الابن الذي قد انعقد له إلى الأب خلاف قول ابن القاسم في هذه الرواية إنها تخير في ذلك، وقول سحنون هو الذي يأتي على قياس مذهب مالك في أنه لا يجوز بيع المكاتب ممن يعتقه من أجل نقل ولائه إلى المشتري، وإنما يجيز ذلك إذا وقع فيمضي العتق استحسانا مخافة أن يرده فتعجز عند البائع. فقول ابن القاسم في هذه الرواية إنما يأتي على مذهب من يجيز ذلك ابتداء وهو مذهب جماعة من السلف ذكر في المدونة عن يحيى بن سعيد أنه باع مدبرا ممن أعتقه، وأن عمرو بن الحارث دخل في ذلك حين اشتراه. ولو قيل: إن ذلك يجوز في الذي يخشى عليه العجز ولا يجوز في الذي يؤمن عليه العجز في ظاهر حاله، ونظر إلى هذا في مكاتبة الابن إذا وطئها الأب فحملت لكان قولا وسطا، وإنما توقف القيمة على مذهب ابن القاسم إذا اختارت المضي على كتابتها إذا كان الأب الواطئ ممن يخشى عليه العدم. ولما سأله لم لم تكن الكتابة للأب إذا قومت عليه فيسعى فيها، فإن أدت عتقت وكان ولاؤها للذي عقد لها الكتابة، وإن عجزت كانت أم ولد للذي أدى قيمتها، سكت له عن الجواب في ذلك. والجواب فيه: أنه لا يصح أن تكون له الكتابة على حكم من اشتراها، إذ لم يشترها ولا تعدى عليها فلزمته قيمتها، وإنما تعدى على الرقبة بوطئه إياها فلزمته قيمتها، فلا يصح أن يعدى الحكم في ذلك عن الرقبة إلى الكتابة. وأما اعتراضه عليه بأن القياس كان أن يكون التقويم فيها إذا اختارت المضي على كتابتها يوم عجزت حتى يقضي له بها، فقد سلمه، إلا أنه قال: إن الظالم أحق أن يحمل عليه، فلا وجه للقول فيه. وتفرقته على أصله في وجوب التقويم

: المكاتب يبتاع من بعض من يعتق على سيده إذا ملكه أيعتق عليه

يوم الحمل بين أن تكون الجناية عليها من أمر من السماء أو من جناية أحل صحيحة، إذ لا يصح أن يأخذ من الجاني عليه قيمة الجناية عليها ومن الواطئ لها جميع قيمتها، فيكون قد أخذ قيمتها مرتين، وبالله التوفيق. [: المكاتب يبتاع من بعض من يعتق على سيده إذا ملكه أيعتق عليه] ومن كتاب يدير ماله وسألته عن المكاتب يبتاع من بعض من يعتق على سيده إذا ملكه، أيعتق عليه؟ قال لا، ويبيع ويصنع ما شاء ويطؤهن إن كن نساء وإن كانت أم سيده أو أخته؛ لأنه ليس لسيده أن ينتزع ماله، ولأن بعض الناس قد قال في العبد إنه يملك من قرابة سيده من يعتق على سيده إذا ملكهم، ولا يعتقون، ويطؤهن إن كن نساء. واحتجوا في ذلك بأنهن مال للعبد حتى ينتزعه السيد، ولأنه ليس على السيد في مال عبده زكاة، فكيف المكاتب؟ إلا أن هذا القول عندنا في العبد ليس بشيء. قال مالك: إذا ملك العبد من لو ملكه سيده عتق عليه فإنه يعتق عليه بملك العبد إياه. قال ابن القاسم في المكاتب: فإن عجز وهم عنده عتقوا عليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إنما يعتق على العبد من ملك ممن يعتق على سيده من أجل أنه يملك انتزاعهم، فلما كان يملك انتزاعهم عتقوا عليه، إذ لو انتزعهم لعتقوا عليه؛ فوجب أن لا يعتق على المكاتب ما ملك ممن يعتق على سيده، إذ لا يملك سيده انتزاعهم منه بإجماع. وإذا كان قد قيل في العبد الذي يملك سيده انتزاع ماله: إنه لا يعتق عليه من قرابة سيده، فأحرى أن يقال في المكاتب الذي ليس للسيد أن ينتزع ماله كما قال، ولا اختلاف في ذلك أعلمه في المكاتب. وأما في العبد ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم لا يعتقون عليه، وهو القول الذي حكاه عن بعض

: المكاتب يشتري الرجل كتابته

الناس في هذه الرواية، وهي التي يأتي على حقيقة القياس بأن العبد يملك، وقيل إنهم يعتقون إذا اشتراهم وهو لا يعلم أنهم يعتقون على سيده، وهو الذي اختاره سحنون، وقال فيه: إنه أصح أقوال ابن القاسم، فقيل: إنهم يعتقون وإن اشتراهم وهو يعلم أنهم يعتقون على سيده، وقع ذلك من قول ابن القاسم في كتاب الرهون، وطرحه سحنون فقال: إنما يعتقون عليه إذا اشتراهم وهو لا يعلم. وقد قال بعض الناس: إن قول مالك في أنهم يعتقون إذا ملكهم اضطراب من قوله في أن العبد يملك، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه إنما رأى أنهم يعتقون من أجل أن السيد يملك انتزاعهم، لا من أجل أن العبد لا يملك، وبالله التوفيق. [: المكاتب يشتري الرجل كتابته] ومن كتاب سلف دينارا في ثوب وقال ابن القاسم في المكاتب يشتري الرجل كتابته: إنه فيه بمنزلة سيده، يقاطعه كما كان سيده يقاطعه. قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا من قول مالك في أول رسم من سماع ابن القاسم، ومضى هنالك القول عليه فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: كان ثلاثة إخوة في كتابة واحدة فجنى أحدهم] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار قال ابن القاسم: إذا كان ثلاثة إخوة في كتابة واحدة فجنى أحدهم فإنه يقال له: أد جنايتك، فإن لم يقو، قيل لمن بقي: أدوا الجناية وقوموا بنجومكم وإلا عجزتم، فإن لم يقوموا وعجزوا رق الاثنان وقيل للجانى: إما أن تسلم الجاني وإما أن تفتكه بقيمة الجناية. وإن

قالوا نحن نؤدي فأدوا الجناية، فإن من أدى الجناية منهم رجع بها على الجاني بعد العتق، وليس هو بمنزلة الكتابة التي يؤدي بعضهم عن بعض، فإن أولئك لا يرجع من أدى على من لم يؤد إذا كانوا إخوة وأقارب. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم إن من أدى منهم الجناية يرجع بها على الجاني خلاف قول غيره وهو أشهب، والله أعلم، في كتاب الجنايات من المدونة إن الجناية كالكتابة لا يرجع بها من أداها عمن هو معه في كتابة واحدة إلا على من يرجع عليه بما أدى عنه من الكتابة. وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يرجع على زوجته ولا أحد ممن يعتق عليه، ويرجع على سواهم ممن لا يعتق عليه وإن كانوا من ذوي محارمه كالعم والخال، وهو مذهب ابن القاسم؟ والثاني: أنه لا يرجع على زوجته ولا أحد من ذوي محارمه وإن كان منهم من لا يعتق عليه، وهو مذهب أشهب؟ والثالث: أنه لا يرجع على زوجته ويرجع على من سواها وإن كانوا من ذوي محارمه الذين يعتقون عليه كالأب والأخ، وهو مذهب المغيرة، وقوله في نوازل سحنون بعد هذا من هذا الكتاب، فلا اختلاف في أنه لا يرجع على الزوجة ولا في أنه يرجع على ذوي رحمه الذين ليسوا من ذوي محارمه كابن العم وابن الخال وشبههم. وقد حكى ابن حبيب عن أصبغ في ثلاثة إخوة مختلفين: أخ لأب وأم، وأخ لأب، وأخ لأم، كوتبوا كتابة واحدة فأداها أحدهم كلها، أنه إن أداها الذي لأب وأم لم يرجع عليهما بشيء، وإن أداها الأخ للأم رجع على الأخ للأب ولم يرجع على الأخ للأب والأم، وإن أداها الأخ للأب رجع على الأخ للأم ولم يرجع على الأخ للأب والأم. وقوله صحيح على ما ذكرناه من أن ذوي الرحم الذين ليسوا من ذوي المحارم كالأجنبي. واختلف أيضا في توارث المكاتبين في كتابة واحدة على ثلاثة أقوال:

مسألة: يضع عن مكاتبه عند الموت نجما من نجومه

أحدها: أنه يتوارث جميع الورثة الزوجة وغيرها، روي ذلك عن مالك، ووقع اختلاف قوله في ميراث الزوجة في المبسوطة؛ والثاني: أنه يتوارث جميع الورثة إلا الزوجة، وفي المدونة ما ظاهره هذا القول؛ والثالث: أنه لا توارث بينهم إلا فيمن كان منهم يعتق بعضهم على بعض، وهذا القول هو المنصوص عليه في المدونة. ولا خلاف بين ابن القاسم وأشهب في أن الجناية كالكتابة في أنه لا يعتق الجاني ولا من معه في الكتابة إلا بعد أداء الجناية، وإنما اختلفا إذا أدى الجناية غير الجاني هل يرجع بها على الجاني إذا كان ممن لا يرجع عليه بالكتابة أم لا حسبما وصفناه من اختلافهما في ذلك. وأما الدين فمذهب ابن القاسم أن الكتابة لا تبطل بالعجز عن أدائه، فيعتق المكاتبون إذا أدوا الكتابة وإن عجزوا عن أداء الدين، ويبقى الدين بعد العتق في ذمة الذي كان في ذمته منهم، بخلاف الجناية عنده في هذا؛ لأن الدين لا يؤدى من الخراج والعمل، والكتابة والجناية يؤديان من ذلك؛ وأشهب يرى الدين كالكتابة والجناية في جميع الوجوه، وهي كلها مفترقة عند ابن القاسم، لكل واحد منها حكم غير حكم صاحبه على ما بيناه، وبالله التوفيق. [مسألة: يضع عن مكاتبه عند الموت نجما من نجومه] مسألة قال عيسى وسألت ابن القاسم عن الرجل يضع عن مكاتبه عند الموت نجما من نجومه لا يدرى من أوله أو من آخره، قال: إنه إن كانت النجوم ثلاثة وضع عنه من كل نجم ثلثه، وإن كانت أربعة فربعها، فكذلك حسابها. فإن أدى عتق، وإن عجز فإنه إن كانت النجوم عشرة عتق عشره، وإن كانت ثلاثة فثلثه، فبحساب هذا يعتق. وإنما الوضيعة عتق إذا كان في وصية في أداء كتابة، فإن أدى عتق وإن عجز رجع إلى الذي وجبت عليه. قال محمد بن رشد: هذا بين على قياس ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف فيه أحفظه، وبالله التوفيق.

: من أوصى بوصية لرجل أو بعتق أو كتابة

[: من أوصى بوصية لرجل أو بعتق أو كتابة] ومن كتاب العتق قال وسألت ابن القاسم عن رجل قال كاتبوا عبدي فلانا. فأصيب يد العبد أو رجله، فبأي القيمتين يكاتب؟ أبقيمته حين أوصى أو حين مات سيده؟ أو حين جرح؟ قال قيمته يوم يكاتب، وكذلك لو قال هو حر فاعتل فإنما قيمته يوم يقوم للعتق، ولا ينظر إلى يوم أوصى ولا يوم مات ولا يوم اعتل. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله ولا اختلاف فيه؛ لأنه من أوصى بوصية لرجل أو بعتق أو كتابة إنما ينظر ذلك كله إلى قيمته يوم تنفذ الوصية فيه، وبالله التوفيق. [: يقول اخدم ابني كذا وكذا سنة ثم أنت حر فيموت قبل الأجل] ومن كتاب شهد على شهادة ميت قال وسئل عن امرأة قالت لخادمها عند موتها: ربي ولدي هذا وأدي ثلاثين دينارا ثم أنت حرة والولد صغير حين وضعته أمه ثم هلكت، فلم تلبث إلا يسيرا هلك الصبي ولها ولد غيره. قال ابن القاسم: إذا أدت الثلاثين دينارا فهي حرة؛ لأنها إنما أرادت تربية الغلام ما عاش إلى أن يبلغ. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنها عينت الولد ولم تحد لتربيتها إياه حدا من السنين، فوجب أن يحمل ذلك على حياته، ولو حدت لتربيتها إياه حدا من السنين والأعوام لوجب أن لا يكون عليها شيء فيما اشترط عليه من تربيتها فيما بقي من المدة لأنها إنما أرادت كفالة الولد وتربيته، لا هبة خدمتها له فتكون موروثة عنه على معنى ما في المدونة في

مسألة: قال الرجل لعبده أنت حر على أن تدفع إلي كذا وكذا

الذي يقول: اخدم ابني كذا وكذا سنة ثم أنت حر فيموت قبل الأجل، إنه حر إذا لم يكن من عبيد الخدمة، وإنما أريد به ناحية الكفالة والحضانة. فإذا سقطت تربية الولد عنها بموته وجب أن تجب لها الحرية بأداء الثلاثين دينارا كما قال، وبالله التوفيق. [مسألة: قال الرجل لعبده أنت حر على أن تدفع إلي كذا وكذا] مسألة وسألت عن رجل قال لغلامه: أعتقك على أن لا تفارقني فإن فارقتني فعليك خمسون دينارا فأعتقه على ذلك، هل ترى هذا الشرط لازما له؟ قال ابن القاسم: أراه حرا وعليه خمسون دينارا، وأما ما اشترطه عليه من أن لا يفارقه فهو باطل كأنه أعتق على أن يدفع إليه خمسين دينارا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه بتل عتقه وشرط عليه بعد العتق أحد الوجهين إما أداء خمسين دينارا وإما أن لا يفارقه، وأحد الوجهين لا يجوز اشتراطه عليه بعد العتق، وهو أن لا يفارقه، فوجب أن تجب عليه الخمسون التي يجوز اشتراطها بعد العتق. وقوله: كأنه أعتقه على أن يدفع إليه خمسين دينارا معناه كأنه أعتقه على أن يدفع إليه خمسين دينارا بعد العتق، وأما إذا قال الرجل لعبده: أنت حر على أن تدفع إلي كذا وكذا فمذهب ابن القاسم في ذلك إن قبل العبد ذلك كان حرا إذا أدى ذلك، وإن لم يقبل فلا حرية له، وفي ذلك اختلاف كثير سأذكره في رسم الصبرة من سماع يحيى إن شاء الله. [: تحضره الوفاة فيقول لرجل خذ من عبدي فلان مائة] ومن كتاب الرهون وعن رجل تحضره الوفاة فيقول لرجل: خذ من عبدي فلان مائة

: اقتسام الشركاء في الكتابة

دينار ثم هو حر أتنجم عليه؟ قال: لا أرى أن تنجم عليه تؤخذ منه جميعا إلا أن يكون أمر أن تنجم عليه. قال محمد بن رشد: لم ير أن تنجم عليه المائة لقوله فيها خذ لأن الظاهر من لفظ الأخذ في الشيء أخذه مجتمعا، فوجب أن يحمل على ذلك إلا أن تقترن به قرينة تدل على أنه لم يرد أخذ ذلك منه جميعا معا، فينجم عليه كما لو أمر أن تنجم عليه، فليس ذلك بخلاف لما في المدونة من أنه إذا قال لأمة له إن أديت إلي أو إذا أديت إلى ورثتي ألف درهم أو أد إلى ورثتي ألف درهم والثلث يحملها أنها إذا أدت الألف درهم فهي حرة ويتلوم له السلطان على قدر ما يرى يوزعه عليها؛ لأن لفظ الأداء للمشتري لا يقتضي في ظاهره أخذه مجتمعا معا، وبالله التوفيق. [: اقتسام الشركاء في الكتابة] من سماع يحيى ابن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن ورثة ورثوا مكاتبا أيجوز لهم اقتسام كتابته فينظره منهم من أحب، ويتعجل من كره النظرة كما يجوز ذلك للشركاء في اقتسام الدين يكون لهم على الغريم؟ فقال: لا يجوز للورثة أن يقتسموا ما على المكاتب إلا عند انقضاء كل نجم، وذلك أن النجوم التي عليه ليست بدين ثابت فيقسم كاقتسام الدين الذي يكون للشركاء على الغريم، ومما يبين ذلك أن مالكا قال في المكاتب يكون بين الرجلين: إنه ليس لأحدهما أن يبيع نصيبه من الكتابة دون صاحبه إلا أن يبيعا جميعا، ولا تجوز القسمة إلا فيما يجوز بيعه من الديون.

مسألة: حل النجم الثاني قبل عجزه فتعذر على المكاتب وانتظر لما يرجى له

قال محمد بن رشد: أما اقتسام الشركاء في الكتابة كتابة المكاتب بينهم فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز؛ لأنهم إذا اقتسموا كتابته صار كل واحد كأنه قد كاتبه على حصته دون شركائه، وذلك ما لا يجوز؛ لأنه غرر، إذ ليست الكتابة بدين ثابت، فقد يعجز في نصيب أحدهما فيرجع حظه منه رقيقا ويؤدي إلى الآخر فيعتق حظه ويصير ذلك خلاف السنة الثابتة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في قوله: «من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل» الحديث، وأما بيع أحد الشريكين نصيبه من كتابة المكاتب فقد مضى ذكر الاختلاف فبه وتحصيله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، ولا يدخل هذا الاختلاف في فسخ كتابة المكاتب بدليل قوله: ولا تجوز القسمة إلا فيما يجوز بيعه من الديون؛ لأن المعنى في ذلك ولا تجوز القسمة إلا في الديون التي يجوز بيعها إلا في الكتابة إذ ليست من الديون وإنما هي جنس من [إلغاء مبطل فترجع] إلي الرقبة، وبالله التوفيق. [مسألة: حل النجم الثاني قبل عجزه فتعذر على المكاتب وانتظر لما يرجى له] مسألة قلت أرأيت إن حل نجم من نجوم المكاتب فقال أحد الورثة: بدؤوني بهذا النجم واقتضوا ما أنقدكم به في القبض مما بقي عليه من نجومه أيجوز ذلك؟ قال: نعم لا بأس به، قلت فإن عجز المكاتب ولا مال له؟ قال: يرجع المقتضي بحصته في الرقبة ويغرم للشركاء حصصهم فيما كانوه بدأوه به، وذلك أنه كان منهم كالسلف عليه لهم، قلت: فإن كان حين حل النجم أعسر به فأنظروه إلا واحدا شح واقتضى ثم عجز؟ قال: يرجع المقتضي بحصته في الرقبة ولا يغرم لشركائه شيئا، وذلك أنه إنما اقتضى نصيبه ولم يبدؤوه بشيء، قال: وإن مات المكاتب عن مال وقد اقتضى أحدهم حقه من نجوم

المكاتب وأنظره الآخر دون اقتضاء من بقي، ثم اقتسموا ما بقي وإن لم يكن فيما ترك وفاء وقد اقتضى بعضهم بعض حقه وأنظره بعض بجميع حقه اقتسموا ما ترك على حساب ما بقي لكل واحد من حصته من النجوم على قدر ما كانوا يطلبونه كما يقسم مال المفلس على قدر أموال أهل الديون. قلت: أرأيت حين بدأوه يتقاضى نجما أو نجمين ليقتضوا مما باقي من النجوم، فقلت: إن عجز رد عليهم بقدر ما ينوبهم مما اقتضى ورجع بحصته في الرقبة أرأيت إن لم يعجز؟ فلما حلت النجوم قالوا لشركائهم: اقضنا ما قدمناك به سلفا مما لك فاقبض أنت ونحن المكاتب واقضنا ما قد صار لنا قبلك أترى ذلك عليه؟ قال: لا أرى لهم قبله شيئا إلا أن يعجز المكاتب. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها؛ لأن المكاتب إذا كان بين الشريكين فيبدئ أحدهما صاحبه بنجم من نجومه على أن يأخذ النجم الآخر فيما بدأه به سلف منه له، فإن عجز المكاتب في النجم الآخر رد الذي قبض النجم الأول نصفه ورجع بحظه في رقبة المكاتب، وإن مات وترك مالا استوفى الذي لم يقبض شيئا من ماله مثل ما قبض صاحبه وكان ما بقي من ماله بينهما، وإن لم يكن فيما ترك من المال وفاء لما قبض صاحبه اتبعه بما بقي من حقه، مثال ذلك أن يكون النجم الذي قبض خمسين وترك المكاتب من المال ثلاثين فيرجع عليه بعشرة، ولو عجز أو مات قبل محل النجم الثاني لم لكن عليه رجوع حتى يحل الثاني، قاله في كتاب ابن المواز قال محمد: ولو حل النجم الثاني قبل عجزه فتعذر على المكاتب وانتظر لما يرجى له لكان على الشريك أن يعجل لشريكه سلفه ثم يتبعان المكاتب بالنجم الثاني.

وإنما قال: إذا حل النجم الثاني ولم يمت ولا عجز إنه لا يلزمه أن يقضيه معه لأنه إنما بدأه من النجم الأول على أن يقبض هو الثاني، فكأنه قد التزم اقتضاءه هذا معنى ما ذهب إليه في الرواية. وأما إذا حل النجم على المكاتب فأنظره أحدهما بحقه فيه وشح صاحبه فاقتضى حقه منه فلا رجوع له عليه إن عجز أو مات ولم يترك شيئا، ويكون له حظه من رقبة المكاتب في العجز، وإن ترك مالا استوفى منه الذي لم يقبض شيئا مثل ما قبض صاحبه، وكان ما بقي بينهما. وإن لم يكن فيما ترك وفاء لما قبض صاحبه اقتسما ما ترك على قدر ما لكل واحد منهما يضرب الأول بما بقي له من النجم الأول، والثاني بجميع النجم الثاني على سنة التحاص في مال المفلس كما قال، واقتضى أحد الشريكين في المكاتب من الكتابة شيئا دون شريكه بتبدئته إياه بذلك أو بغير تبدئة خلاف حكم قطاعة أحدهما المكاتب بإذن شريكه أو بغير إذنه. أما إذا قاطعه بإذنه ثم عجز في نصيب شريكه فهو بالخيار بين أن يرد نصف ما قاطعه به ويكون حظه في رقبة العبد، وبين أن يتمسك بقطاعته ولا يكون له في رقبة المكاتب شيء، وأما إذا قاطعه بغير إذنه ثم عجز في نصيب شريكه فليس له أن يرجع في رقبة المكاتب وإنما له ما قاطع به، وحكم الموت والعجز سواء إذا قاطعه أحدهما بغير إذن شريكه، تلزمه القطاعة ولا يكون له شيء في رقبته إن عجز، ولا في ماله إن مات؛ لأنه قد رضي بما قاطعه به، فليس له أن يرجع في رقبته إن عجز، ولا في ماله إن مات صح إلا أن لا يشاء شريكه أن يمضي له ما فعل من قطاعته إياه فيرجع عليه بنصف ما قاطع به ويكون العبد بينهما إن عجز، وإن مات ولم يف ما ترك بما قاطع به

: يشتري ما على مكاتب لو ملك رقبته عتق عليه بالرحم

رجع عليه بنصف الزائد إن كان قاطعه بعشرين فمات ولم يترك إلا عشرة رجع عليه بخمسة. وأما إذا قاطعه أحدهما في نصيبه بإذن شريكه فقال: إن الموت في ذلك كالعجز أيضا يكون الذي قاطع مخيرا بين أن يتمسك بقطاعته ولا يكون له شيء من ميراثه، وبين أن يرد نصف ما قاطع به ويكون الميراث بينهما، قاله في الموطأ، رواية يحيى ذلك غلط وقع في روايته، وإنما الحكم في ذلك أن يستوفى الذي لم يقاطع مما ترك المكاتب حقه من الكتابة أو بقية حقه منها إن كان قبض الذي قاطع، ويكون بقية المال بينهما، وهو نص قول مالك في موطأه في الباب نفسه في صدر كلامه، وبالله التوفيق. [: يشتري ما على مكاتب لو ملك رقبته عتق عليه بالرحم] ومن كتاب يشتري الدور والمزارع وسألته عن الرجل يشتري ما على مكاتب لو ملك رقبته عتق عليه بالرحم، فقال: أرى أن الذي على المكاتب موضوع عنه، فقيل له: ولم لم يملك رقا؟ ألا ترى أنه لو أدى ما عليه كان ولاؤه للذي عقد كتابته؟ قال: وإن كان ولاؤه للذي عقد كتابته فإن الذي اشترى الكتابة إذا كان ممن لو ملكه عتق عليه فهو إذا صار يأخذ منه كتابته فكأنه يأخذ منه ثمن رقبته، ألا ترى أنه إن عجز صار رقيقا له، فكيف يجوز له أن يقتضي منه ثمن رقبته وهو إن عجز عن أداء الذي يقتضيه منه فرق بالعجز عتق عليه بالرحم؟ قيل له: فإن ورثه؟ قال: فذلك أبين أن الكتابة موضوعة عنه ساعة يرثها من إذا ملكه عتق عليه. قال محمد ابن رشد: ولو أوصى بكتابة من يعتق عليه لعتق عليه إن قبل الوصية، قاله أصبغ في نوازله في آخر الكتاب، ومعناه أنه تسقط عنه

: قال أنت حر على أن عليك خمسين دينارا

الكتابة فيعتق ويكون ولاؤه للذي عقد كتابته، وهو مذهب ابن القاسم في هذه الرواية، ولا أعرف في المذهب في ذلك نص خلاف، قال أصبغ في النوازل المذكورة: وذلك بخلاف إذا أوصى له بثمن من يعتق عليه لإنه إنما له الثمن بعد بيعه وليس بيعه في يديه، وبالله التوفيق. [: قال أنت حر على أن عليك خمسين دينارا] ومن كتاب الصبرة وقال فيمن قال: أنت حر على أن عليك خمسين دينارا: فالعبد بالخيار إن شاء أن تكون الخمسون دينارا عليه ويتبع بها ويعجل له الحرية فذلك له، وإن كره أن يكون غريما بها فلا عتاقة له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال أحدها قول ابن القاسم في هذه الرواية، والثاني قول مالك في المدونة إنه حر، والمال عليه بمنزلة قوله أنت حر بتلا وعليك كذا وكذا والثالث قول ابن القاسم في العتق الثاني من المدونة أنه إن قبل كان حرا إذا أدى المال كالكتابة، وإن لم يقبل فلا حرية له، إلا أن يفرق على مذهبه بين قوله أنت حر على أن عليه كذا وكذا أو أنت حر على أن تدفع إلي كذا وكذا، فقد فرق بين ذلك، وللتفرقة بينهما وجه، وقد قيل: إن هذين اللفظين سواء بخلاف قوله على أن تؤدي إلي كذا وكذا. والصواب أن لا فرق بين أن يقول على أن تدفع أو على أن تؤدي وأن ذلك بخلاف قوله على أن عليك، فالأظهر من قوله على أن يؤدي أو على أن يدفع أن العتق بعدى الأداء، والأظهر من قوله على أن عليك أن الأداء بعد العتق، ويتخرج في المسألة قول رابع، وهو أن يكون حرا إذا أدى المال شاء أو أبى على مذهب من يرى جبر العبد على الكتابة، وهل هذا يختلف في الذي يقول لعبده أنت حر على أن تخدمني ما عشت؟ فقال المغيرة: هو كالمدبر

: قال إن بلغت غنمي ألفا وأنا حي فأنت حر

لا يقدر على بيعه، وقال عيسى عن ابن القاسم في المدنية: أراه حرا الساعة، وليس عليه خدمة، قال: ولو قال: أنت حر على أن تخدمني عشر سنين كان حرا الساعة وسقطت الخدمة، وقال في آخر كتاب المدبر من المدونة ينظر في ذلك، فإن كان عجل العتق وجعل الخدمة بعده فهي ساقطة، وإن كان أراد أن يعجل عتقه بعد الخدمة فهو كما قال، لا يعتق حتى يخدم. وإنما وقع هذا الاختلاف في هذه الألفاظ لاحتمال أن يريد بكل لفظ منها إيجاب المال على العبد بعد العتق برضاه وبغير رضاه. فالاختلاف المذكور فيها إنما ينبغي أن يكون إذا لم يكن سؤاله عما أراد بذلك، وأما إذا أمكن ذلك ولم يفت سؤاله فيسأل، فإن قال: أردت بذلك إيجاب المال عليه بعد الحرية إن رضي صدق قوله وكان الجواب في ذلك ما قاله في هذه الرواية، وإن قال أردت بذلك إيجاب المال عليه بعد الحرية وإلزامه ذلك بتلت حريته ولزمه المال في قول مالك، ولم يلزمه عند ابن القاسم، وإن قال: أردت أن لا يعتق حتى يؤدي المال إن رضي كان ذلك على ما قال إن رضي العبد بذلك كان مكاتبا، وإن لم يرض بقي رقيقا، وإن قال: أردت إلزامه العتق بعد الأداء شاء أو أبى جرى ذلك على الاختلاف في جبر السيد عبده على الكتابة، ومسألة آخر كتاب المدبر من المدونة التي ذكرناها تدل على ما قلناه من سؤال السيد، والله الموفق. [: قال إن بلغت غنمي ألفا وأنا حي فأنت حر] ومن كتاب أوله أول عبد أبتاعه فهو حر قال: وسألته عن الرجل يعطي غلامه مائة شاة أو مائة بقرة أو نحو ذلك فيقول أصلح إليها وأحسن بتفقدها، فإذا بلغت ألفا أو نحو ذلك مما يقول فأنت حر، فيموت السيد قبل أن تبلغ ما كان السيد

ذكره من العدة التي جعل له الحرية إذا بلغتها الغنم أو البقر. قال: لا حرية له، والورثة يبيعونه إن شاؤوا ويقتسمون الغنم والبقر، قلت: أرأيت إن صارت بعد موت السيد إلى تلك العدة قبل أن يقتسمها الورثة أو يخرجوها من يد العبد أو يكون بذلك حرا؟ فقال: لا؛ لأنه بمنزلة رجل قال: إن بلغت غنمي ألفا وأنا حي فأنت حر، فلما مات لم يلزم الورثة من ذلك الشرط شيء. قلت: أرأيت إن أراد السيد في حياته بيع العبد أو إخراجه من الغنم أو إدخال غيره فيها لما رأى من تضييعه إياها أو أراد بيع الغنم أو شيئا منها لبعض حاجته أيمنع أم يوقف العبد وتوقف الغنم في يديه لا يبيعه ولا يبيعها ولا شيئا منها؟ وكيف إن رأى ضيعة فيها تلف الماشية على يدي العبد أيقره؟ وقال أصبغ عن رجل كاتب عبده على غنم كانت له في يد العبد على أن يبلغها ثلاثمائة أو أقل من ذلك أو أكثر إلى أجل هل تصح الكتابة؟ وكيف إن مات السيد قبل أن تتم الغنم أو ماتت الغنم كلها أو بعضها أو مات جميعها قبل الكتابة أو بعد الكتابة؟ قال أصبغ: لا تعجبني هذه الكتابة وليست من كتابة المسلمين، وأرى إن وقعت ونزلت وعقد ذلك له أن يتمه كما لو استأجره بمال دفعه إليه ويشترط له حريته بربحه فيه إذا بلغ كذا وكذا، فهو عقد عتق بشبهة فينفذ، فإن كان له أجل وجاء أجله وعجز رق وعجز، وإن لم يكن له أجل فإلى مقدار ما يرى من سعي مثله وكتابة مثله بأجل مثله، ورأيت ذلك له ثابتا، وإن مات السيد فإن أتمه بعد موت السيد فذلك له، وإن عجز عجز لعجزه في حياته بعد حد ذلك ووقته لما يرى، وإن لحق السيد دين لم أر أن يضره ذلك إن كان محدثا بعد الذي عقد له.

وإن ماتت الغنم فإن العبد على رأس أمره إلى حده الذي كان يرى، أو إلى أجله، فإن قام بذلك فرجا من حيث طمع حتى يبلغه كان ذلك له، ولا أرى عليه إعلاق ما بقي، ولا أرى عليه في الأموات التي كان دفع الأشياء، وأرى أن تجعل الأموات ها هنا كالحية التي لم تمت ويحسبها ويقوم بما بقي، وأرى هذا إلى العبد إن شاء أن يمضي وإن شاء أمكن من نفسه، وليس للسيد إلزامه إياه، فإن فعل وإلا عجز إن شاء، وسواء عليه دفعها إلى السيد أو ماتت في يد العبد. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة ها هنا وفي أول رسم سماع أصبغ بعد هذا من هذا الكتاب، وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب العتق، فلم يرها ابن القاسم ها هنا ولا في سماع أصبغ بعد هذا كتابة وقال في ذلك: إنه إنما عتق أوجبه لعبده إن بلغت الغنم في حياته العدد الذي سمى، ورآها في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب العتق كتابة، وقال أصبغ ها هنا: إنها كتابة إذا لفظ بها بلفظ الكتابة، وهو ظاهر ما وقع له في أول رسم من سماع أصبغ بعد هذا، ولم يفرق ابن القاسم بين أن يلفظ بلفظ الكتابة فيقول: إذا كاتبتك على أن تقوم على هذه الغنم، وإذا بلغت كذا وكذا فأنت حر ولا يلفظ بلفظ الكتابة، فيقول له قم على هذه الغنم فإذا بلغت كذا وكذا من العدد فأنت حر، بل اختلف قوله في ذلك اختلافا واحدا؛ لأنه إذا حكم لها بحكم الكتابة ولم يلفظ بلفظ الكتابة على ما وقع من قوله في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب العتق فأحرى أن يحكم لها بحكم الكتابة إذا لفظ فيها بلفظ الكتابة وإن لم يحكم لها بحكم الكتابة إذا لفظ فيها بلفظ الكتابة على ما وقع من قوله في سماع أصبغ بعد هذا، فأحرى أن لا يحكم لها بحكم الكتابة. وتفرقة أصبغ على ما يظهر من مذهبه بين أن يلفظ بلفظ الكتابة أو لا

يلفظ به قول ثالث في المسألة، ومن حكم لها بحكم الكتابة إذا لفظ فيها بلفظ الكتابة أو إذا لم يلفظ به على ما ذكرناه من الاختلاف في ذلك، فلم يراع التعبير في الغنم الذي دفع إليه وأبطل الشرط في تعينها وجعله مكاتبا بعدد ما زاد من الغنم على ما دفع إليه إلى الأجل أنه سمي له أو إلى ما يضرب له من الأجل إن لم يسم له أجلا تلفت الغنم التي دفع إليه أو لم تتلف، وهو نص قول أصبغ في هذه الرواية على أصله في أن الكتابة على الشرط الفاسد تجوز ويبطل الشرط؛ لأنه قال: الغنم إن ماتت فهو على رأس أمره إلى حده الذي كان يرى أو إلى أجله يريد الذي سمي إن سمى أجلا، وبين ما ذكرناه من أن الكتابة على مذهب من يجيزها إنما يراها كتابة بما زاد العدد على ما دفع إليه، قوله: إن الغنم الذي دفع إليه محسوبة له كانت حية أو ميتة ماتت في يديه أو بعد أن دفعها إلى سيده، فإن كان كتابته بأن دفع إليه مائة من الغنم على أنه حر إذا بلغت ثلاثمائة فإنما هو مكاتب بما يتبين؛ لأن المائة التي دفع إليه محسوبة له على كل حال في الثلاث المائة التي كاتبه عليها، كانت حية أو ميتة، ماتت في يديه أو بعد أن ردها إلى سيده، ومن رآها كتابة لم يضرها عنده الدين المستحدث على ما قاله أصبغ في هذه الرواية، ومن لم يرها كتابة وإنما جعله عتقا بشرط بلوغ الغنم العدد الذي سمي في حياته رأى الدين المستحدث يبطله على ما قاله ابن القاسم في أول سماع أصبغ، فكل واحد منهما شيء على أصله. ولما سأله يحيى في هذه الرواية: هل له على أصله فيها أنها ليست بكتابة أن يبيع العبد أو الغنم أو يدله منها لما خشي من تضييعه إياها سكت له عن الجواب على ذلك، فأما إدالته منها وإدخال غيره مكانه فيها فلا إشكال في أن ذلك له، وأما بيعه للعبد أو الغنم فيجري على ذلك على اختلاف قول مالك وابن القاسم في الذي يقول لعبده: أنت حر إذا قدم فلان هل له أن يبيعه أم لا؟ لأنه لم يجعلها كتابة وإنما رآه معتقا إلى أجل قد يأتي وقد لا يأتي، فأشبه قوله: أنت حر إذا قدم فلان، والله أعلم، وفي المدنية لابن القاسم من رواية عيسى

: ولد المكاتبة يدخل معها في كتابته

عنه مثل نص قوله في هذه الرواية، وفيها لابن كنانة أنه سئل عن رجل قال لغلامه: أكاتبك على أن أعطيك عشر بقرات، فإذا صارت خمسين فأنت حر فهذه كتابتك، فرضي بذلك العبد. قال ليست هذه كتابة ومتى ما علم بهذا فسخ، قال: ولكنه إن جاء بالبقرات وقد صارت خمسين قبل أن يعلم بها وسيده حي عتق، قال: فإن مات السيد لم تكن تلك الكتابة شيئا وكان موروثا هو والبقرات، وليس قول ابن كنانة مخالفا لقول ابن القاسم؛ لأن معنى قوله: إنها ليست بكتابة ويفسخ متى ما علم بها يريد ويكون الحكم فيها إذا فسخت ما قاله بعد ذلك من أنه يعتق إن صارت البقرات خمسين في حياة سيده، وهو نص قول ابن القاسم في المدنية، وفي هذه الرواية خلاف قوله في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب العتق وخلاف قول أصبغ أيضا، وبالله التوفيق. [: ولد المكاتبة يدخل معها في كتابته] من سماع محمد ابن خالد من ابن القاسم قال محمد بن خالد سألت ابن القاسم عن رجل أوصى ورثته فقال: إن أعطتكم فلانة- في جارية له- ثلاثين دينارا فأعتقوها فغفل ورثته عنها من بعد موته حتى ولدت، ثم إنهم اقتضوا منها الثلاثين دينارا فأعطتها إياهم هل تعتق هي وولدها؟ فقال: لا يعتق غيرها وقد سألني عنها رجل بالإسكندرية فأخبرته مثل ما أخبرتك فقال لي: إنها وقعت فكتب بها إلى مالك فأجاب فيها بجوابك، قلت لابن القاسم: فرجل قال لجاريته: إن جئتني بمائة دينار إلى سنة فأنت حرة فقبلت، ثم إنها ولدت من قبل أن تأتي السنة هل تعتق هي وولدها إن هي أعطته المائة أو هل يبيعها

: ميراث مكاتب المكاتب إذا أعتق

من قبل أن تأتي السنة، قال ابن القاسم: أما ولدها فلا يعتق معها وليس له أن يبيعها حتى تعطي المائة عند السنة أو لا تعطي. قال محمد بن رشد: أما قوله في المسألة الأولى إن ولد الجارية لا يعتق معها إن أعطتهم الثلاثين فهو بيّن على ما قاله؛ لأنها ولدت الولد قبل أن يجب لها العتق؛ إذ هي مخيرة بين أن تعطي الثلاثين أو لا تعطها، ويدخل في ذلك من الاختلاف بالمعنى ما في دخول ولد المحلوف بحريتها معها في اليمين التي الحالف فيها على بر، وقد مضى ذلك في غير ما موضع من كتاب العتق وغيره. وأما قوله في المسألة الثانية: إن ولدها لا يعتق معها فهو بعيد مخالف للأصول؛ لأنهم مجمعون على أن ولد المكاتبة يدخل معها في كتابته، وهذه كتابة بينة إذا قبلت ما أعطاها السيد؛ إذ لا وجه لقبولها ذلك إلا التزامه، وإذا التزمته صارت كالمكاتبة لم يكن لها أن لا تؤدي المائة عند السنة وتعجز نفسها إلا أن لا يكون لها مال ظاهر، ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم أنها إنما قبلت أن يكون إليها ما جعل إليها من أن تأتي بالمائة إن شاءت فتعتق أو لا تأتي بها فلا تعتق، وهذا بعيد لأن ذلك يجب لها بقول السيد، وإن لم تقل: قد قبلت، وقد مضى في رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب العتق ما فيه بيان هذا العتق، وبالله التوفيق. [: ميراث مكاتب المكاتب إذا أعتق] ومن سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن المكاتب يكاتب عبده فيعتق الأسفل ثم يموت عن مال وللمكاتب الأول أولاد أحرار من امرأة حرة وأولاد أحرار كانوا معه في الكتابة عجل السيد عتقهم

برضاه، أيرثون هذا المكاتب الأسفل إذا مات وقد أعتق؟ قال: لا. قلت له: فإن كان المكاتب الأول بقي معه في كتابه بعض ولده فمات وترك مالا فيه وفاء؟ قال ابن القاسم: يؤدي الذين معه في الكتابة بقية الكتابة، ويكون بقية المال بينهم دون الأحرار الذين عجل عتقهم وغيرهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، من أن ميراث مكاتب المكاتب إذا أعتق لا يكون لوُلد سيده المكاتب له الأحرار ما دام على كتابته؛ لأن ولاء المكاتب الأسفل إذا عتق إنما هو للمولى الأعلى ما دام المولى الأسفل على كتابته، فإن أدى كتابته رجع ولاء كتابته، فما لم يؤد كتابته لم يجب له ولاء من أعتق من مكاتبيه، فما لم يجب له لا يصح أن يرثه عنه ورثته الأحرار. وقوله: إن المكاتب الأول إذا مات وترك مالا فيه وفاء بكتابته وله ولد معه في كتابته وولد أحرار، إن ولده الذين معه في كتابته يؤدون مما ترك بقية كتابته ويكون ما فضل لهم دون ولده الأحرار، فهذا نص قوله في المدونة والموطأ وغيرهما من الدواوين، ولا اختلاف أحفظه في أنهم أحق بميراث أبيهم من ولده الأحرار إذا مات وترك وفاء من كتابته وفضلا وإنما يختلف هل يكون أحد منهم بولاء مكاتب أبيهم الذي أدى فعتق قبل موته، فقيل: إن الولاء لا ينجر إليهم عن أبيهم إذا أدوا كتابته مما ترك ويكونون أحق به من ولده الأحرار، وقيل: إنهم لا يكونون أحق منهم ويدخلون معهم، اختلف قول مالك، وقع اختلاف قوله في ذلك في المبسوطة، وقال ابن كنانة: ليس لواحد منهم من ولاء مكاتب أبيهم شيء؛ لأنه مات قبل أن يعتق، فولاء مكاتبه للسيد ولو أدى كتابته فعتق قبل أن يموت لرجع إليه ولاء مكاتبه وورثه عنه جميع ولده الذين كانوا معه في كتابته والأحرار الذين لم يدخلوا معه في كتابته، ولو مات ولم يترك

مسألة: المكاتب إذا مات وترك وفاء بكتابته وله أم ولد وولد منها أو من غيرها

وفاء من كتابته فسعى ولده في بقيتها فعتقوا لم يكن لهم من ولاء مكاتبه شيء ولا للأحرار الذين لم يدخلوا في الكتابة، وكان ولاؤه للسيد، فقف على افتراق هذه المواضع الثلاثة إذا أدى المكاتب كتابته في حياته، وإذا أداها بنوه مما تخلفه وفاء بها فسعوا في بقيتها، وقد مضى في رسم إن خرجت من سماع عيسى تحصيل الاختلاف فيمن يرث المكاتب ممن هو معه في كتابته إذا مات قبل أن يؤدي كتابته فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: المكاتب إذا مات وترك وفاء بكتابته وله أم ولد وولد منها أو من غيرها] مسألة وقال ابن القاسم، في المكاتب يموت ويترك أم ولده وولدًا له منها أو من غيرها وترك المكاتب مالا فيؤدي عنه فيعتقون، قال: لا يرجعون عليه بشيء، وكذلك لو لم يترك مالا فسعوا عتقت بأدائهم. قلت: فإن لم يكونوا ولدها ولكنهم ولد المكاتب من غيرها؟ قال: هم بمنزلة ولدها، قلت: فإن إخوة المكاتب وليس معها ولد وقد ترك وفاء أو لم يترك وفاء؟ قال: سواء، يعتق الإخوة وتكون أما لهم، وإنما تتم حرمتها مع ولده منها ومن غيرها. قال محمد بن رشد: قوله: إن المكاتب إذا مات وترك وفاء بكتابته وله أم ولد وولد منها أو من غيرها فيؤدي عنهم فيعتقون، إن الولد لا يرجعون على أم الولد بشيء كانت أمهم أو لم تكن أمهم - صحيح؛ لأنه لو أدى هذا الكتابة لم يرجع على أم ولده بشيء، فكذلك لا يرجعون هم عليها بما أدوا من ماله، كانت أمهم أو لم تكن أمهم، ولو لم يترك مالا فعتقت بسعيهم رجعوا عليها بما أدوا عنها إن لم تكن أمهم على مذهب ابن القاسم؛ إذ ليست ممن تعتق عليه، ولم يرجعوا عليها على مذهب أشهب في أن المكاتب لا يرجع على من معه في الكتابة بما أدى عنه إذا كان من ذوي محارمه، وإن كان مما لا يعتق عليه، وقد مضى هذا من قول أشهب والاختلاف

مسألة: يطأ أم ولد مكاتبه فتحمل منه

فيه في رسم إن خرجت من سماع عيسى. وأما قوله: إن لم يترك المكاتب ولدا وترك إخوة، فسواء ترك وفاء أو لم يترك لا يعتق الولد بعتق الإخوة، وتكون أمة لهم، هو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، ولأشهب في كتاب ابن المواز: أنه إن ترك وفاء عتقت مع الأب والأخ، وإن لم يترك وفاء رقت، ولا تعلق في سعيها بعد ذلك، فاتفق ابن القاسم وأشهب على أنها تسعى مع الولد ولا تسعى مع الأب والأخ، واختلفا هل تعتق بعتقهما إذا ترك وفاء؟ فقال ابن القاسم: إنها لا تعتق بعتقهما، وقال أشهب: إنها تعتق بعتقهما، وبالله التوفيق. [مسألة: يطأ أم ولد مكاتبه فتحمل منه] مسألة قال: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يطأ أم ولد مكاتبه فتحمل منه. قال: يُحال بين المكاتب وبين وطئها حتى ينظر إلى ما يصير إليه حال المكاتب، فإن أدى عتق وكانت أم ولده، وإن عجز كانت أم ولد السيد. قلت لابن القاسم: فإن خاف العجز فأراد بيعها؟ قال: لا يبيعها ولكن يكون على السيد قيمتها يوم تؤخذ، ويعتق المكاتب فيها، فإن فضل شيء كان له. قلت لابن القاسم: فالولد ألا يأخذ المكاتب قيمته يستعين بها في كتابته؟ قال: لا، وهو في القندان على خلاف هذا. قال محمد بن رشد: إنما قال: إن السيد لا يجب عليه لمكاتبه شيء في أم ولده إذا وطئها فحملت منه وهو لا يخاف العجز من أجل أن أمرها لا يخلو من أن تصير ملكا له إن عجز أو حرة إن أدى كتابته ولم يعجز، وفي كلا

مسألة: المكاتب إذا أعتق السيد أمته ثم عجز المكاتب وهي عنده أيعتق أم لا

الحالتين تسقط القيمة عن السيد، هذا وجه قول ابن القاسم، وفيه نظر؛ لأنه قد أفسدها على المكاتب ومنعه ما كان له من الاستمتاع بها، فكان القياس أن تكون عليه قيمتها كما لو قتلها هو أو رجل غيره، ولما لم ير عليه ابن القاسم قيمتها للوجه الذي ذكرناه لم ير عليه أيضا في الولد قيمة، وقال: الجواب فيها في القندان على خلاف هذا، فيحتمل أن يكون الذي في القندان أن يؤخذ من السيد الواطئ قيمة ولده على أنه ولد أم ولد فيوقف، فإن أدى أو عجز رجعت القيمة إليه؛ لأنها إذا أدت أو عجزت سقط حقه فيها [وإذا سقط حقه فيها] ، سقط في ولدها، وإن ماتت قبل أن تؤدي أو تعجز كانت له القيمة يستعين بها في كتابته، وأما إذا خاف المكاتب العجز فكان له أن يبيعها من أجل خوفه العجز. فقوله: إنه يكون على السيد الواطئ قيمتها يوم تؤخذ منه ويعتق المكاتب فيها - فهو مثل ما في كتاب ابن المواز لابن القاسم في سيد المكاتب يطأ أمة مكاتبه فتحمل أنها يعتق فيما لزمه من قيمتها؛ لأن أم ولده تصير في هذا الحد كأمته في أن له بيعها، وقد مضى في رسم العرية من سماع عيسى اعتراض محمد بن المواز قول ابن القاسم في أنه يعتق فيما لزم السيد من قيمة أمته، ووجه العمل في ذلك وما في المدونة فيه، فلا معنى لإعادته. [مسألة: المكاتب إذا أعتق السيد أمته ثم عجز المكاتب وهي عنده أيعتق أم لا] مسألة قال: وسألت ابن القاسم: عن المكاتب إذا أعتق السيد أمته ثم عجز المكاتب وهي عنده أيعتق أم لا؟ قال: نعم، قلت: وكيف إن خاف العجز أله أن يبيعها أم لا؟ أو لم يخف العجز أله أن يبيعها؟ قال: نعم، قلت: وكيف إن خاف العجز أو لم يخف ولا

مسألة: المكاتب يكون بين الرجلين فيريد أحدهما بيع نصيبه بإذن شريكه

يعتق على السيد إلا وهي عنده؟ وإن فيه لقولا ولكن هذا أحسنه إن شاء الله. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على قياس قوله في المدونة في المكاتبين في كتابة واحدة يعتق السيد أحدهم ممن فيه قوة على السعاية فلا يرضى أصحابه ثم يعجزون: إنهم يعتق عليه، وكذلك أيضا لو أعتق المكاتب أو العبد عبده فردَّ ذلك السيد ثم أعتق العبد أو أدى المكاتب كتابته والعبد عنده: إنه يعتق على كل واحد منهما واختُلف. وقد اختلف في المرأة تعتق العبد وهو أكثر من ثلث مالها فيرده الزوج ثم يموت عنها أو يطلقها، فقيل: إنه يعتق عليها، وهو قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وقيل: إنه لا يعتق عليها وهو قول أشهب، وقيل: إنها تؤمر بذلك ولا تجبر عليه، وهو قول ابن القاسم، والاختلاف في هذه المسألة داخل في مسألتنا؛ لأنه إذا لم يلزم ذلك المرأة فأحرى أن لا يلزم ذلك السيد، فالاختلاف من مذهب ابن القاسم قائم من مسألتنا هذه، وقد أشار إلى هذا بقوله: وإن فيه لقولا، ولكن هذا أحسنه، ولا اختلاف في أن له أن يبيع خاف أو لم يخف، وبالله التوفيق. [مسألة: المكاتب يكون بين الرجلين فيريد أحدهما بيع نصيبه بإذن شريكه] مسألة قال ابن القاسم، في المكاتب بين الشركاء فيبتاع أم المكاتب من بعض الشركاء فيه جزءا مما على المكاتب، قال: سألت مالكا على المكاتب يكون بين الرجلين، فيريد أحدهما بيع نصيبه بإذن شريكه، قال: لا يجوز إلا أن يبيعاه جميعا، فالأم عندي بمنزلته إلا أن يبتاعه كله أو لا يبتاع منه شيئا.

: وهب لرجل نصف كتابته أو جلها ثم عجز

قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الأم بمنزلة الأجنبي في ابتياع بعض كتابة المكاتبة، إذ لا يعتق المكاتب بابتياع أمه جزءا من كتابته، وإنما يعتق إذا ابتاعه كتابته كلها؛ لأنها تسقط عنه بابتياعها له على ما مضى في رسم يشتري الدور من سماع يحيى فيعتق بذلك، وقد مضى تحصيل الاختلاف في بيع جزء من كتابة المكاتب، في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وتكررت المسألة في رسم الكبش من سماع يحيى وفي رسم المدبر عن سماع أصبغ، وبالله التوفيق. [: وهب لرجل نصف كتابته أو جلها ثم عجز] من سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم قال موسى بن معاوية: قال ابن القاسم، في رجل أعطى رجلا كتابة مكاتبه في صحته فعجز عن المعطى، فقال مالك: هو للذي وهبت له كتابته، وهو بمنزلة من ابتاعه. وكذلك قال لي مالك. قال أبو زيد بن أبي الغمر عن ابن القاسم: ولو أن رجلا أعطى رجلا في حياته وصحته كتابة مكاتبه، فعجز عنه المعطى كانت رقبته لسيده المعطي. قال محمد بن رشد: رواية أبي زيد هذه خلاف ما يأتي له في سماعه بعد هذا، مثل رواية موسى، وقد ذكر ابن المواز عن مالك فيمن وهب لرجل نصف كتابته أو جلها ثم عجز، فإن له بقدر ذلك من رقبته ملكا مثل البيع، وقاله أشهب وأصبغ، وذكر أبو بكر بن محمد عن أشهب مثل رواية أبي زيد هذه، والقياس أن لا فرق في هذا بين البيع والهبة، وأن تكون له رقبته إذا وهبت له كتابته فعجز عما كان يكون له إذا اشتراها فعجز، وكذلك إذا وهب له منها جزءا أو نجما بغير عينه فعجز يكون له من رقبته بقدر ذلك الجزء أو بقدر النجم من عدد النجوم، ورأى على إحدى روايتي أبي زيد وأحد قولي أشهب:

: العبد تكون له أم ولد فيكاتبه سيده عليها ويجعل كتابتهما واحدة

أن الواهب للكتابة إذا قصد إلى هبة المال لا إلى هبة الكتابة على ما يوجبه الحكم في شرائها من أن تكون له الرقبة إن عجز عنها، وليس ذلك بيّنا، وبالله التوفيق. [: العبد تكون له أم ولد فيكاتبه سيده عليها ويجعل كتابتهما واحدة] مسألة وسئل ابن القاسم: عن العبد تكون له أم ولد فيكاتبه سيده عليها ويجعل كتابتهما واحدة، قال: يحرم فرجها على سيده، ويكون ذلك كالانتزاع منه. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لأنه إذا كاتبها معه فقد انتزعها منه، فوجب أن تحرم بذلك عليه، وبالله التوفيق. [: المكاتب يعجز نفسه ويرضى بفسخ الكتابة] مسألة قال ابن القاسم، في المكاتب يقول لسيده: امح عني كتابتي وارددني على حالي التي كنت عليها، هل له أن يفعل ذلك به؟ قال ابن القاسم: سألنا مالكا عن المكاتب يعجز نفسه ويرضى بفسخ الكتابة، وسمعته غير مرة، وهو يقول: إن كان له مال ظاهر لم يكن له أن يعجز نفسه، وإن كان له مال صامت لا يعرف وعجز نفسه ورضي بفسخ الكتابة رأيت ذلك له دون السلطان. قال محمد بن رشد: هذا نص ما في المدونة وهو المشهور في المذهب أن المكاتب ليس له أن يعجز نفسه إذا كان له مال ظاهر وإن رضي بذلك سيده؛ لأن الكتابة يتعلق فيها حق الله تعالى، وقيل: إن للمكاتب أن يعجز نفسه وإن كان له مال ظاهر ما لم يكن له بنون صغار، قاله ابن عبد الحكم في مختصره عن مالك، ومعناه: إذا رضي بذلك سيده خلافا للشافعي في قوله: إن ذلك له وإن أبق سيده بالكتابة على رواية ابن عبد الحكم عن مالك

كالبيع الذي لا يتعلق فيه حق لغير المتبايعين، فتجوز الإقالة بينهما فيه، والقول الأول أظهر؛ لأن الكتابة عقد من عقود الحرية فلا يجوز إبطاله إلا من ضرورة، والشافعي لا يرى في الكتابة حقا إلا للعبد، فيراه أحق بالتمسك بها وبنقضها، وقول مالك أصح؛ لأنها عقد معاوضة بتراضيهما، فإذا لم يكن للسيد الرجوع فيه وجب أن لا يكون للعبد الرجوع فيه. وأما إذا لم يكن للمكاتب مال ظاهر فجحد أن يكون له مال باطن وأراد أن يعجز نفسه وأبى السيد ذلك عليه لم يكن له ذلك إلا بإذن السلطان كما أنه إذا أراد السيد تعجيزه وأبى هو من ذلك لم يكن ذلك إلا بالسلطان. واختلف إذا أجابه سيده إلى ما دعا إليه من تعجيزه نفسه وصدقه فيما ادعاه من أنه لا مال له، فقال في هذه الرواية وفي المدونة: إن ذلك له دون السلطان، فإن عجز نفسه برضا سيده دون السلطان ثم ظهرت له أموال أخفاها مضى التعجيز وبقي رقيقا ولم يرجع في الكتابة إلا برضاهما جميعا. وقال سحنون: لا يكون التعجيز إلا عند السلطان، وهو قول ابن كنانة في المدنية، فعلى قولهما: إن عجز نفسه برضا سيده دون السلطان ثم ظهرت له أموال كان أخفاها وجب أن يرد على كتابته، وهذا القول أظهر على قياس القول بأن الكتابة يتعلق بها حق لله تعالى، فلا يجوز للمكاتب أن يعجز نفسه إذا كان له مال ظاهر وإن رضي سيده؛ لأنه إذا لم يكن له مال ظاهر فرضي سيده دون السلطان اتهما جميعا على إسقاط حق الله تعالى في إبطال الكتابة، والسلطان يكشف عن حال المكاتب إذا ارتفعا إليه ورضيا بالتعجيز، فإن تبين له كذبه فيما يدعي من أنه لا مال له لم يمكنه من تعجيز نفسه، وقد قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: إنه إن اتهم بمال ولدد رأيت عليه العقوبة، وله أن يعجز نفسه إذا لم يكن له مال وإن كان صانعا، قاله ابن القاسم في كتاب ابن المواز، قال محمد: وأما إن كان له مال ظاهر فلا يعجز نفسه ويؤخذ منه لسيده شاء أو أبى، يريد بعد محله ويعتق، وبالله التوفيق.

: قال لغلامه أكاتبك على أن أعطيك عشر بقرات فإذا صارت خمسين فأنت حر

[: قال لغلامه أكاتبك على أن أعطيك عشر بقرات فإذا صارت خمسين فأنت حر] من سماع أصبغ من ابن القاسم قال أصبغ: سئل ابن القاسم: عمن قال لغلامه: أكاتبك على أن أعطيك عشر بقرات، فإذا صارت خمسين فأنت حر، هذه كتابتك. فرضي الغلام بذلك، قال: ليست هذه عندي كتابة ولا أرى لسيده أن يفسخها لما جعل له من العتق، وهو عندي مثل ما يقول رجل: اشهدوا إذا بلغت بقري هذه خمسين فغلامي حر، ويعطيه إياها، وليس له أن يبيعها ولا يفسخ ما جعل له إلا أن يرهقه. قال أصبغ: لا يعجبني قوله، وأراها كتابة، وقد يجوز في الكتابة الغرر والمجهول من المال والآجال، ومن لفظ الكتابة وفعلها ما هو أكبر من هذا وأشد، ولا أرى أن يفسخ عنه حتى يتبين عجزه عما قال بأمر بين. قال محمد بن رشد: أصبغ يراها كتابة جائزة فلا يبطلها الدين المستحدث على أصله ومذهبه، وقد نص على ذلك في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى، وإلى قوله ذهب أحمد بن ميسر، فقال: إن له بيع الذكور وأحصى عددها وكذلك الإناث التي انقطع ولادتها ولا يفسخ ما جعل له وإن رهقه دين، وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في الرسم المذكور من سماع يحيى فلا معنى لإعادته، وإنما قال أحمد: إن له بيع الذكور والإناث التي انقطع ولادتها وأحصى عددها؛ لأن من حقه أن يعدها على سيده في العدد الذي كاتبه عليه كما يعد عليه ما مات منها على ما قاله أصبغ فيما مضى من رسم سماع يحيى، وقد بينا وجهه، وبالله التوفيق. [: يكاتب عبده ويشترط عليه غير ما مضى من عمل الناس في الكتابة] من كتاب المدبر قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، يقول في الذي يكاتب عبده

مسألة: بيع جزء من المكاتب

ويشترط عليه غير ما مضى من عمل الناس في الكتابة وغير وجه الكتابة، مثل أن لا يخرج من عمله وخدمته حتى يؤدي، وما أشبه ذلك. فقال: أراه على كتابته، والكتابة ثابتة لازمة حتى يعجز، والشرط لازم ولا يفسخ عنه؛ لأنه ليس فيه حرام من واحد منهما لصاحبه، وإنما هو رجل قال له: إن دفعت إلي عشرة دنانير في كل شهر مع خدمتك إياي فأنت حر، فهو جائز، وغيره أحسن منه مما يعرف من وجه الكتابة، ولهذا جاز أن يشترط عليه أن يسافر معه. قال: وإن كانت خدمته بعد قضاء الكتابة بطلت عنه. قال أصبغ: لا يعجبني ما قال في إلزامه الشرط، ولكن أرأيت إن ثبتت الكتابة وسقط الشرط كالذي يشترط وطء الأمة في كتابتها أو استثناء ولدها مما تلد أو مما يولد للمكاتب من أمته بعد ذلك رقيقا وتمضي الكتابة على سنتها حتى يعجز ويسقط الشرط ولا يكون له أن يطأ ولا يرد الولد في الرق، ولا تبطل الكتابة لشرطه، فكذلك الخدمة ونحوها إلا خدمة مؤقتة بسفر وما أشبهها حتى يعتق. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في سماع أشهب، فلا وجه لإعادته. [مسألة: بيع جزء من المكاتب] مسألة وسئل: عن بيع جزء من المكاتب نصفه أو ثلثه أو جزء منه. قال: لا بأس بذلك، ولا بأس أن يبيع نجما من نجوم المكاتب، وذلك يرجع إلى أن يكون جزءا، وذلك إذا اشترى نجما من جميع نجومه، وليس نجما بعينه، وقاله أصبغ.

: أوصى بخدمة جارية للابن له حياته فإذا مات كوتبت بعشرين دينارا

قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم خلاف ما مضى من قول مالك في سماع يحيى وسحنون، وفي رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم مثل قول أصبغ وسحنون فيه، وقد مضى هنالك القول على ذلك مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [: أوصى بخدمة جارية للابن له حياته فإذا مات كوتبت بعشرين دينارا] ومن كتاب الوصايا قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم، وسئل: عمن أوصى بخدمة جارية للابن له حياته فإذا مات كوتبت بعشرين دينارا. فقال: إن وسعها الثلث وقفت نجوم الابن إن أجاز له الورثة الخدمة وإن أبوا أن يجيزوا الخدمة اقتسموا الخدمة على الفرائض ما عاش الابن الموصى له بالخدمة، فإذا مات كوتبت بعشرين دينارا كما أوصى الميت، وتكون تلك الكتابة إن أدت بين من ورث الميت على فرائض الله، وتعتق إن أدت، وإن عجزت رقت وكانت بين من ورثه الميت على الفرائض رقيقا لهم. قال أصبغ: وولاؤها إن أدت وعتقت للميت الموصي بكتابتها وعصبته الذين يرثون الولاء من الرجال، قال أصبغ: قال ابن القاسم: وإن لم يحملها الثلث خير الورثة بين أن ينفذ ما أوصى له به. قال أصبغ: فإن أنفذوا ذلك كان كخروجها من الثلث على مجرى ذلك سواء. قال ابن القاسم: وتكون موقوفة على الابن في خدمتها إلى الأجل، ويقتسمون الخدمة معه إن لم يجيزوا له خدمة خاصة ويكاتبوها بعد ذلك. قال أصبغ: وبين أن يعجلوا لها الكتابة الساعة وتسقط الخدمة وتسعى فيها فتؤدي وتعتق أو تعجز فترق أو يعتقوا منها ما حمل الثلث بتلا، ويسقط ما سوى ذلك كله إذا أبوا ما فوقه.

مسألة: أوصى لثلاثة نفر بكتابة مكاتبه

قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا موضع للقول إلا قول أصبغ إذا لم يحملها الثلث إن الورثة يخيرون بين أن ينفذوا الوصية أو يعجلوا لها الكتابة وتسقط الخدمة ويعتقوا منها ما حمل الثلث بتلا، فإنما يكون ما ذكره من تعجيل الكتابة وإسقاط الخدمة إذا اتفق الورثة كلهم على ذلك الموصى له بالخدمة ومن سواه منهم، فإن أبى ذلك أحدهم أعتق منها ما حمل الثلث بتلا إلا أن يجيزوا الوصية على وجهها، وقد تكررت هذه المسألة في آخر سماع موسى بن معاوية، وزاد فيها هذه الزيادة من قول ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لثلاثة نفر بكتابة مكاتبه] مسألة وقال، في رجل أوصى لثلاثة نفر بكتابة مكاتبه، أوصى لرجل بالنجم الأول، وللثاني بالنجم الثاني، وللثالث بالنجم الثالث، فعجز المكاتب بعدما قبض الأولان، قال: يرجع بين الثلاثة نفر رقيقا ويكون لكل واحد منهم بقيمة نجمه منه ولا يرجع الآخر على الأولين بشيء مما أخذا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة وفي مسألة رسم الوصايا الصغير بعد هذا أن الموصي لهم بجميع كتابة مكاتبه، ثم قال: يأخذ فلان منهم منها النجم الأول، وفلان النجم الثاني، وفلان النجم الثالث. وأما لو أوصى لأحد منهم بالنجم الأول من نجوم مكاتبه، وللثاني بالنجم الثاني، وللثالث بالنجم الثالث، دون أن يتقدم من إيصائه لهم بجميع كتابته ما يكون هذا من قوله تفسيرا لما يأخذه كل واحد منهم من الكتابة التي أوصى لجميعهم بها لما كانت رقبته إن عجز إلا للموصي له بآخر نجم منها؛ لأن من أوصى له بنجم بعينه من نجوم مكاتبه لو اشتراه أو وهب له لم يكن له حق في رقبته إن عجز باتفاق إلا أن يكون النجم الذي اشتراه أو وهب إياه أو

مسألة: أوصى لرجل بنجم من نجوم مكاتبه

أوصى له به آخر نجوم المكاتب، فيكون بمنزلة من اشترى جميع الكتابة أو وهبت له وأوصى له بها في أنه يكون له رقبته إن عجز فرده. قوله في هذه الرواية: إذا أوصى لهم بجميع كتابة مكاتبه، وقال أن يأخذ أحدهم منها النجم الأول، والثاني: النجم الثاني، والثالث: النجم الثالث، فقبض الأول النجم الأول، والثاني: النجم الثاني، ثم عجز المكاتب في النجم الثالث - إنه يرجع رقيقا بين الثلاثة نفر على قدر قيمة نجومهم، ولا يكون للآخر رجوع على الأولين بشيء مما أخذا هو أن الأول والثاني إنما قبضا حقهما الذي أوصى لهما به من غير أن يبديهما الثالث، فوجب أن لا يكون له عليهما به رجوع قياسا على ما قالوا في المكاتب بين الشريكين يحل عليه نجم من النجوم فقبض أحدهما حقه منه وينظره الآخر بنصيبه منه، ثم يعجز في النجم الثاني: إنه يكون رقيقا بينهما، ولا يكون للثاني رجوع على الأول بما قبض من النجم الأول؛ لأنه إنما قبض حقه منه دون أن يبديه به صاحبه على ما قال في رسم الكبش من سماع يحيى، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى لرجل بنجم من نجوم مكاتبه] مسألة قلت: فلو أوصى لرجل بنجم من نجوم مكاتبه، فقال الورثة: نحن ندفع إليك نجما، وقال هو: لا أرضى لعله أن يعجز فيكون لي فيه حق. قال: إن كان النجم لم يحل فذلك له، وإن حل فذلك لهم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن النجم الذي أوصى له به هو آخر نجم من نجوم المكاتب؛ لأن من أوصي له بنجم بعينه من نجوم المكاتب وليس بآخر نجم من نجومه، فلا حق له في رقبة المكاتب إن عجز.

: أوصى لهم الميت بالكتابة ولم يخص لواحد منهم نجما بعينه

وقوله: إن كان النجم لم يحل فمن حق الموصي له أن لا يعجل له وأن يبقى حقه على المكاتب رجاء أن يعجز، فيكون له في رقبته حق، خلاف قوله في رسم الوصايا الصغير من سماع أصبغ من كتاب الوصايا في الذي يوصي لرجل بألف درهم على مكاتبه، فقال الورثة للموصى له: نحن نعطيك الألف وتكون جميع الكتابة لنا والعبد، فأبى ذلك، وقال: يكون لي في العبد والكتابة لعله يعجز. قال: ليس ذلك له؛ لأن الظاهر من قوله فيها: إن الكتابة لم تحل، فإذا لم يكن للموصي له في ذلك حق وإن كانت لم تحل فأحرى أن لا يكون له في ذلك حق إن كانت قد حلت. والاختلاف في هذا جار على الاختلاف فيمن وهب كتابة مكاتب فعجز، هل تكون له رقبته أو للواهب؟ وقد مضى ذكر ذلك في سماع موسى، وقد قيل: إن تفرقته في هذه الرواية بين أن يحل النجم أو لا يحل مبين لما في سماع أصبغ من كتاب الوصايا لا خلاف له، إذ لا نص فيه على أن الألف لم تحل، فمعناه أنها قد حلت. فيأتي هذا فيمن وهب كتابة مكاتب فعجز عنه ثلاثة أقوال فيمن تكون له الرقبة؟ أحدها: أنها تكون للواهب بخلاف البيع، والثاني: أنها تكون للموهوب كالبيع، والثالث: الفرق بين أن يكون قد حلت الكتابة أو لم تحل، وبالله التوفيق. [: أوصى لهم الميت بالكتابة ولم يخص لواحد منهم نجما بعينه] ومن كتاب الوصايا الصغير وسئل ابن القاسم: عن المكاتب يموت سيده وعليه ثلاثة آلاف فيوصي لرجل بالأولى وآخر بالثانية، ولآخر بالثالثة، فيستوفي الأولان منه، ثم يعجز العبد، قال: إن ردا ما أخذا رجع أنصباؤهما في العبد، وإن لم يردا رجع ما كان نصيبهما من العبد إلى ورثة الميت

الموصي، قيل له: الذي يردان إلى من يردانه؟ قال: إلى العبد يكون في يديه. قال محمد بن رشد: قد تقدم من قولي في الرسم الذي قبل هذا أن معنى هذه المسألة أنه أوصى لهم بجميع الكتابة، ثم فسر ما يأخذ كل واحد منهم منها من النجوم. وقوله في هذه المسألة: إنهما إن ردا ما أخذا رجع أنصباؤهما في العبد، وإن لم يردا رجع ما كان يصيبهما من العبد إلى ورثة الموصي - خلاف ما تقدم من قوله في الرسم الذي قبل هذا، ولكلا القولين وجه، وقد مضى وجه القول المتقدم ووجه هذا: أن الموصي لما أوصى لهم بالكتابة معا ثم بين ما يأخذ كل واحد منهم منها فقد ساوى بينهم في الوصية إلا فيما بدى بعضهم على بعض، فوجب إذا قبض الأولان نجميهما ثم عجز في النجم الثالث: أن لا يكون للأولين مشاركة الثالث في رقبة المكاتب، إلا أن يردا عليه ما يجب له مما قبضا من المكاتب، وهو ثلث ما قبضا منه، وهو معنى قوله: إنهما يردان ذلك إلى العبد؛ لأنهما إذا ردا ذلك إلى العبد ورجعا معه في رقبته فقد استووا جميعا فيه، وفيما قبضا منه، ولا يلزمهما أن يردا إلى الثالث ما يجب لهما مما قبضاه من المكاتب إذ لم يبدئهما بذلك، ومن حقهما أن يتمسكا بما قبضا منه ويرجع حظهما من رقبة العبد لورثة الموصي كما قال في الرواية، ولو أوصى لهم الميت بالكتابة ولم يخص لواحد منهم نجما بعينه، فحل النجم الأول والثاني، فبدأ أحدهم صاحبه بهما على أن يقبض هو النجم الثالث، فعجز فيه للزمهما أن يردا عليه ما يجب له من النجمين اللذين قبضاهما ويرجعا معه في رقبة المكاتب، على ما مضى في رسم الكبش من سماع يحيى في المكاتب بين الورثة، وهذا القول أظهر من القول الذي تقدم في الرسم الذي قبل هذا، وبالله التوفيق.

: كاتب عبده ثم دبره

[: كاتب عبده ثم دبره] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم: عمن كاتب عبده ثم دبره، قال: ينظر إلى أدنى القيمتين من قيمة رقبته أو قيمة الكتابة فجعلت في ثلث الميت. وإن دبره ثم كاتبه لم يجعل في ثلثه إلا قيمة رقبته. قال محمد بن رشد: أما إذا كاتبه ثم دبره، فقوله: إنه يجعل في الثلث الأقل من قيمة الرقبة أو قيمة الكتابة فهو بين على ما قاله، ومثله في المدونة في الذي يوصي بعتق مكاتبه، وقيل: الأقل من قيمة الرقبة أو عدد الكتابة، والقولان في المدونة. وأما إذا دبره ثم كاتبه ففي قوله: إنه يجعل في الثلث قيمة رقبته نظر؛ لأنه إنما يقوم يوم ينظر في الثلث وهو مكاتب بعد، فلا فرق في القياس والنظر بين أن يدبره ثم يكاتبه، أو يكاتبه ثم يدبره فيما يجب أن يجعل في الثلث، وبالله التوفيق. [مسألة: مكاتب بين رجلين أوصى أحدهما صاحبه في مرضه] مسألة وقال، في مكاتب بين رجلين أوصى أحدهما صاحبه في مرضه، فقال: ثلث النصف الذي لي في فلان المكاتب لفلان أخي، والثلث حر، ثم هلك وهلك المكاتب عن مال، كيف يورث؟ قال: على خمسة أسهم، فيكون لشريكه ثلاثة أسهم من خمسة ويكون للذي أوصى له ثلث النصف سهم، ولورثته سهم من خمسة، وذلك بعدما يستوفون ما لهم فيه من الكتابة، وإن قال ذلك في صحته ثم هلك

مسألة: كاتب عبدا له ثم وهب لرجل نجما من نجومه ثم عجز العبد

المكاتب عن مال كان للذي لم يعتق ثلاثة أسهم من ستة، ولشريكه سهمان من ستة، وللذي تصدق عليه بسدس العبد سهم من ستة، وذلك بعد أن يستوفوا من ماله بقيمة كتابتهم. قال محمد بن رشد: هذا بين كله صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها لأن الثلث من نصف المكاتب الذي أوصى أحد الشريكين فيه بعتقه يعتق في ثلثه، وإن أعتق ثلث النصف منه بقي فيه من الرق خمسة أسداسه فيها يورث؛ لأن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء، والعبد لا يورث بالحرية حتى لا يبقى فيه شيء من الرق. وأما إذا قال ذلك في صحته فلا يوجب ذلك له عتقا؛ لأن عتق بعض المكاتب في الصحة وضع، وليس بعتق، فوجب أن يورث على أن جميعه رقيق، فيكون للشريك فيه نصف ميراثه، وللمتصدق عليه بثلث نصفه سدس ميراثه وللمتصدق المعتق ما بقي وهو الثلث؛ لأن عتقه ليس بعتق إنما هو وضع، والله الموفق. [مسألة: كاتب عبدا له ثم وهب لرجل نجما من نجومه ثم عجز العبد] مسألة وقال، في رجل كاتب عبدا له، ثم وهب لرجل نجما من نجومه، ثم عجز العبد. قال: يكون له في رقبته حصة بقدر النجم الذي وهب له. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه وهبه نجما من نجوم مكاتبه بغير عينه، فقد حصل شريكا معه في جميع كتابته على الإشاعة بما يقع ذلك النجم من جميع النجوم على قدر قيمة من قيمته جميعا، وصار ذلك كأنهما كاتباه جميعا، فوجب إذا عجز في آخر النجوم أن تكون رقبته بينهما كالمكاتب بين الشريكين يعجز، وهذا خلاف ما تقدم له من رواية أبي زيد عنه

مسألة: العتق إلى أجل

في سماع موسى بن معاوية، إذ لا فرق في هذا بين هبة جميع الكتابة أو نجما بغير عينة، وقد مضى هنالك التكلم على ذلك فلا معنى لإعادته ولابن القاسم في كتاب ابن المواز، قال: فإن وهبه نجما منها بعينه في صحته فلا يكون له من رقبته شيء إن عجز، وكأنه هبة لمال ذلك النجم، وقد مضى في رسم الوصايا ورسم الوصايا الصغير أيضا من سماع أصبغ ما ظاهره أن الموصي له بنجم بعينه يصير له من رقبة المكاتب إن عجز بقدر ذلك النجم من جميع الكتابة، وهو بعيد في المعنى، فتأولناه على أنه إنما تكلم في ذلك على نجم بغير عينه، وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: العتق إلى أجل] مسألة وقال، في رجل أعتق مكاتبه إلى عشر سنين. قال: يخير المكاتب بين أن يسقط الكتابة ويعتق إلى عشر سنين أو يكون على كتابته. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن العتق إلى أجل عقد لازم لا يبطله شيء يحدث بعد، فهو أوجب من الكتابة، إذ قد يعجز عنها فيرجع رقيقا، فلذلك قال: إنه يخير بين أن يسقط الكتابة عن نفسه ويبقى معتقا إلى أجل، وبين أن تبقى كتابته، وإنما يخير بين الأمرين ما لم ينفذ عتقه إلى الأجل، وأما إن أنفذه فإما أن يخير بين أن يسقط الكتابة وبين أن يبقى على كتابته مع العتق المؤجل، فإن أدى كتابته قبل الأجل خرج حرا بأداء الكتابة وإن حل الأجل قبل الكتابة سقط عنه ما بقي عليه منها وخرج حرا، وبالله التوفيق. [مسألة: مكاتب بين ثلاثة نفر قاطعه أحدهم بإذن صاحبه وتمسك الثاني] مسألة وسئل: عن مكاتب بين ثلاثة نفر، قاطعه أحدهم بإذن صاحبه وتمسك الثاني، ووضع الثالث، ثم عجز المكاتب.

مسألة: كاتب عبده على أن يأتيه بعبده الآبق

قال: إن رد الذي قاطع نصف ما في يديه إلى الذي تمسك كان العبد بين الثلاثة بالسواء، وإن أبى أن يرد شيئا لم يكن له في العبد شيء، وكان العبد بين الذي تماسك وبين الذي وضع بنصفين. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الذي وضع منهم حظه من الكتابة لم يسقط بوضعه حظه منها حقه في الرقبة، إن عجز عما بقي منها لشركائه، فإن عجز وبقي الذي قاطع على ما قاطع به كان المكاتب بين الذي وضع وبين الذي تماسك بنصفين كما قال، وإن أراد الذي قاطع أن يرجع على حظه في رقبة المكاتب، قيل له: رد نصف ما قاطعت به؛ لأن الذي وضع لا حق له فيما قاطعت به، إذ قد كان وضع عن المكاتب ما كان له عليه، ولو كانت مقاطعته إياه بغير إذن شريكه لم يكن له أن يرد نصف ما قاطع به ويرجع في رقبة المكاتب، ولكان الخيار في ذلك إلى الذي تماسك بالكتابة، وبالله التوفيق. [مسألة: كاتب عبده على أن يأتيه بعبده الآبق] مسألة وقال، في رجل كاتب عبده على أن يأتيه بعبده الآبق أو بعيره الشارد: إن الكتابة جائزة، وعليه أن يأتي بالعبد أو بالبعير، فإن لم يأت به وأيس منه عجز. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، والكتابة على هذا تشبيه للجعل الجائز، وهي جائزة، والأصل في جوازها ما جاء: من «أن سلمان الفارسي كاتب أهله على مائتي ودية يحييها لهم، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا غرستها فأذني"، فلما غرسها أذنه، فدعا له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم تمت منها ودية واحدة» وقد مضى هذا في رسم أشهب، وبالله التوفيق.

مسألة: يكاتب أمته وهي حامل لم يعلم به

[مسألة: يكاتب أمته وهي حامل لم يعلم به] مسألة وقال، في الرجل يكاتب أمته وهي حامل لم يعلم به، أيكون مكاتبا مع أمه أم لا؟ قال لي مالك: نعم يكون مكاتبا مع أمه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ولا اختلاف فيه أعلمه، والأصل في ذلك قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «كل ذات رحم فولدها بمنزلتها» . [مسألة: يضع عن مكاتبه نجما من نجومه في الوصية] مسألة قال أبو زيد: وسئل ابن القاسم: عن تفسير المسألة التي في كتاب المكاتب من الموطأ في الذي يضع عن مكاتبه نجما من نجومه أولها أو آخرها أو وسطها في الوصية وما ذكر فيها من قسمة قيمة العبد على تلك النجوم ويقدر قربها من الأجل وبعدها. قال ابن القاسم: تفسير ذلك أن يكون على المكاتب ثلاثمائة دينار، في كل نجم مائة، فإن كان وضع المائة الأول نُظِرَ كَمْ قِيمَتُهَا نقدا إِنْ لو بيعت في قرب محلها؛ لأن النجم الأول ليس مثل آخرها في القيمة، ويقوم على ذلك على قدر مال العبد وملائه في الأداء، فإن كان قيمتها خمسون دينارا قلنا كم قيمة الثاني بعده؟ فإن قيل: ثلاثون دينارا، قلنا: كم قيمة الثالث الذي بعدهما؟ فإن قيل: عشرون دينارا كان للذي أوصى له من ذلك نصف رقبته، ثم ينظر إلى ذلك، فإن كان أقل في القيمة من نصف قيمة رقبته أو قيمة النجم الأول فيوضع ذلك في ثلث مال الميت، فإن خرج من الثلث عتق، ولا ينظر إلى قيمة الكتابة في النجم الأول إن كان قيمة نصف رقبته أقل، ولا إلى قيمة نصف رقبته إن كانت قيمة النجم أقل؛ لأنه إذا أعتق نصفه والذي أخذ من الكتابة نصفها فيوضع ذلك في ثلث مال الميت

على ما أحب ورثة الميت أو كرهوا، وإن وضع عنه الأوسط أو الآخر فعلى هذا يحسب، ويدخل في ثلث الميت الذي هو أقل أبدا، ولا يدخل في ثلث الميت قيمة النجم الأول ولا الثاني ولا الثالث، إن كان ذلك أكثر من قيمة ما يصيب من رقبته؛ لأنه لو وضع عنه ذلك كله لم يدخل في مال الميت إلا الذي هو أقل من قيمة الكتابة كان أو قيمة رقبته. وكذلك النجم بعينه إنما يدخل في ثلث مال الميت قيمة أو قيمة ما يصيبه من قدر رقبته؛ لأن الوصايا تدخل معه فيكون ذلك خيرا لأهل الوصايا أن يتموا وصاياهم، وليس على الورثة في ذلك ضرر. وإن كان النجم الأقل هو نصفه ولم يترك الميت مالا غيره خير الورثة بين أن يضعوا هذا النجم بعينه ويعتق الذي كان يصيبه من قيمة رقبته، وهو النصف، ويسقط ذلك النجم بعينه ويكون له النجمان الباقيان، فإن استوفوا فذلك، وإن عجز ورق عتق منه إلا نصفه، وإن أبوا أن يجيزوا ذلك عتق ثلثه، ووضع عنه من كل نجم ثلثه، فإن عجز كان ثلثه حرا وثلثاه رقيقا لهم، وهذا وجه ما سمعت وبلغني عنه ممن أثق به. قال محمد بن رشد: هذا صحيح من قوله وَبَيِّنٌ من تفسيره على قياس ما في المدونة وغيرها من أن من أوصى بعتق مكاتبه يوضع في ثلث الميت الأقل من قيمة رقبته أو قيمة كتابته، وقد مضى هذا في أول سماع أبي زيد وغيره، فلا معنى لإعادته.

: نصراني كاتب عبدا له نصرانيا بمائة قسط من خمر

[: نصراني كاتب عبدا له نصرانيا بمائة قسط من خمر] من مسائل نوازل سئل عنها سحنون قال سحنون، في نصراني كاتب عبدا له نصرانيا بمائة قسط من خمر، فأسلم المكاتب بعدما أدى نصف الخمر، قال: يكون على المكاتب نصف قيمته عبدا قنا، أو يكون عليه نصف كتابة مثله في قوته على السعاية. قيل له: فإن أسلم السيد ولم يسلم المكاتب؟ قال: هو كما أخبرتك، من أسلم منهما فهو على ما أخبرتك. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يكون عليه لسيده إذا أسلم أحدهما نصف قيمته أو نصف كتابة مثله - ليس على سبيل التخيير لأحدهما في ذلك، وإنما هو قولان، فمرة قال: إنه يكون عليه نصف كتابة مثله؛ لأن ما بقي من الكتابة هو الذي بطل بإسلام من أسلم منهما إذ لا يصح أن يقضي بالخمر لمسلم ولا على مسلم، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة: أن يكون عليه حصة ما بقي من كتابة مثله، فإن بقي نصف الخمر والخنازير طالبه بنصف كتابة مثله، إن ثلث فثلث، وإن ربع فربع، ومرة كان يقول: عليه نصف قيمة رقبته، ووجه ذلك: أن المكاتب لما كان عبدا ما بقي عليه من كتابته شيء، فبطل ما بقي من كتابته بإسلام من أسلم منهما، وجب عليه نصف قيمة رقبته إن كان بقي عليه نصف ما كاتبه عليه من الخمر والخنازير، إذ قد كان يمكن أن يعجز عنها فيرجع رقيقا، والقول الأول أظهر، والله أعلم. [مسألة: مكاتبة وطئها سيدها فحملت ولها مال كثير] مسألة وسئل: عن مكاتبة وَطِئَهَا سَيِّدُهَا فحملت ولها مال كثير، هل تكون بالخيار في أن تكون على كتابتها، أم تكون أم ولد؟ قال: نعم إن أرادت أن تكون أم ولد، فذلك لها.

مسألة: أوصى أن يكاتب عبده ويعطي رجل سماه عشرة دنانير

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه، إذ ليس ذلك منها كتعجيز المكاتب نفسه، وله مال ظاهر أن لا ترجع رقيقا باختيارها أن تكون أم ولد لسيدها ولا تنقل بذلك ولاءها عنه، ولا فيه ضرر على أحد إذا لم يكن معها أحد في كتابتها، فوجب أن يكون ذلك لها، ولو كان معها أحد في كتابتها لم يكن ذلك إلا برضاهم إلا أن تكون هي أقدر على السعي منهم وتخاف عليهم العجز بذلك، فلا يكون ذلك لهم وإن رضوا، وقال بعض الرواة: لا يكون ذلك لها وإن رضوا ورضيت، إذا كان قبلهم من السعي ما قبلها؛ لأنه لا يدري ما يئول إليه مالهم، وإذا رجعت أم ولد برضاها ورضاهم حط عنهم من الكتابة مقدار حصتها، وسواء على مذهب مالك وطئها طائعة أو أكرهها ويؤدب في الحالتين جميعا إلا أن يعذر بحبها له، وأدبه في استكراهه أشد. وقال سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي: إذا وطئ الرجل أمته فحملت كانت أم ولد له وبطلت كتابتها. وقال ربيعة: إن طاوعته بطلت كتابتها وكانت أم ولده، وإن أكرهها فهي حرة، وَوَلَدُهَا على كل حال لَاحِقٌ به، وهذا كله في المدونة، وبالله التوفيق. [مسألة: أوصى أن يكاتب عبده ويعطي رجل سماه عشرة دنانير] مسألة وسئل: عن رجل أوصى أن يكاتب عبده ويعطي رجل سماه عشرة دنانير، وليس له مال غير العبد. قال: يقال للورثة: أتجيزون ما أوصى به الميت؟ فإن قالوا: نعم، نجيز ذلك، وإن قالوا: نحن نجيز الكتابة ولا نجيز ما أوصى به الميت لهذا الرجل، قيل لهم: كاتبوه، ثم يقال لهم: إنما لكم من هذا المكاتب الثلثان وليس لكم الثلث، فاختاروا، فإن شئتم فادفعوا إلى هذا

مسألة: وطئ مكاتبة ابنه فأولدها

الموصى له بالعشرة دنانير ما أوصى له به، ولكم ثلث كتابته، وإلا فأسلموا إليه ثلث كتابة الكاتب. قال محمد بن رشد: هذا بيِّن على ما قاله: إنهم إذا أجازوا الكتابة فهم يخيرون بين أن يسلموا ثلثها إلى الموصى له بالعشرة، أو يسلموا له العشرة؛ لأن ثلث الكتابة هي ثلث جميع مال الميت إذا لم يكن له مال سوى العبد الذي أجازوا وصية المكاتب بكتابته، ولو لم يجيزوا الكتابة أيضا لم يكن عليهم أكثر من أن يعتقوا ثلثه بتلا بما أوصى له به من الكتابة، وتبطل وصيته بالعشرة؛ لأن الوصية بالعتق مقدمة على الوصية بالمال، وبالله التوفيق. [مسألة: وطئ مكاتبة ابنه فأولدها] مسألة وسئل: عمن وطئ مكاتبة ابنه فأولدها هل تكون بالخيار إن شاءت كانت أم ولد للواطئ وإن شاءت كانت على كتابتها؟ قال: ليس ذلك لها. قيل له: لم قال لأنه ليس لها أن تنقل ولاءها عن الابن الذي قد انعقد له إلى الأب؟ قيل: فإن عجزت؟ قال: يكون الابن بالخيار إن شاء قومها على أبيه فعل، وقد روى في كتاب العرية أن لها الخيار أن تمضي على كتابتها أو تكون أم ولد للأب. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والكلام عليها في رسم العرية من سماع عيسى فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: وطئ مكاتبة فأحبلها فاختارت أن تكون أم ولد] مسألة قيل له: فلو أن رجلا وطئ مكاتبة فأحبلها ولها مال كثير فيه وفاء بكتابتها وفضلة فاختارت أن تكون أم ولد أيكون لها الخيار في أن تكون على كتابتها أو تكون أم ولد؟ قال: نعم، قال سحنون:

مسألة: مكاتب اشترى أمته وهي امرأة سيده هل يفسخ النكاح

وتكون نفقتها على السيد في حملها بمنزلة المبتوتة إذا كانت حاملا إذا اختارت أن تمضي على كتابتها. قال محمد بن رشد: قد مضى قبل هذا في هذه النوازل القول على وجه رضاها برجوعها أم ولد وإن كان لها مال، وأما قول سحنون: إن لها النفقة في حملها فهو القياس على ما قاله، ولأصبغ في الواضحة أنه لا نفقة لها، والذي أقول به أن لها النفقة إن أكرهها على الوطء ولا نفقة لها إن طاوعته، ويحتمل أن يفسر قول سحنون وأصبغ على هذا فلا يكون في المسألة اختلاف، وبالله التوفيق. [مسألة: مكاتب اشترى أمته وهي امرأة سيده هل يفسخ النكاح] مسألة قال سحنون، في مكاتب اشترى أمته وهي امرأة سيده، هل يفسخ النكاح؟ ولمن يكون حقها من زوجها؟ قال: يفسخ النكاح ويكون الصداق للبائع إلا أن يشترطه المبتاع. قال محمد بن رشد: قوله: إن النكاح يفسخ إذا اشتراها، معناه: إذا اشتراها بإذن سيدها؛ لأنه إذا اشتراها بإذنه دخلت معه في كتابته فصارت مكاتبة له، ولا يجوز للرجل أن يتزوج أمته ولا مكاتبته. وقوله: إن الصداق يكون للبائع إلا أن يشترط المبتاع - صحيح؛ لأنه مال لها، ومال العبد للبائع إلا أن يشترطه المبتاع على ما أحكمته السنة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومعنى ذلك: إذا كان شراؤه إياها بإذن سيده بعد أن دخل بها، وأما لو كان اشتراها بإذنه قبل أن يدخل بها لم يكن لها صداق ولا نصف صداق؛ لأن كل نكاح يفسخ قبل الدخول لفساده فلا صداق فيه، ولو اشتراها بغير إذن سيده لم تدخل في كتابته، وإذا لم تدخل في كتابته فلا يفسخ النكاح بشرائه إياها فإن احتاج إلى بيعها في الأداء عن نفسه باعها، وإن أدى خرجت حرة، وإن عجز كانت أمة له وكان لسيده أن ينتزعها منه إن شاء؛

مسألة: مكاتب اشترى ابن مولاه هل يعتق عليه أم لا

فإن فعل انفسخ نكاحه ووطئها بملك يمينه، وبالله التوفيق. [مسألة: مكاتب اشترى ابن مولاه هل يعتق عليه أم لا] مسألة وقال، في مكاتب اشترى ابن مولاه، هل يعتق عليه أم لا؟ قال سحنون: يكون رقيقا في يد المكاتب. قال محمد بن رشد: قد مضى مثل هذا من قول ابن القاسم في رسم يدير ماله من سماع عيسى والكلام عليه، فلا معنى لإعادته. [مسألة: المكاتب يموت ويترك مائة ديناردينا عليه من كتابته] مسألة وسئل: عن المكاتب يموت ويترك مائة دينار دينا عليه من كتابته ويترك ثلاث أمهات أولاد له من كل واحدة منهن ولد واحد فشح كل واحد منهم أن تباع أمه فيما عليهم من الكتابة، وقيمة كل واحدة منهن مائة دينار. قال: يباع من كل واحدة منهن ثلثها، قيل: فلو كانت قيمتهن مختلفة، فكانت قيمة واحدة ثلاثمائة دينار، وقيمة الأخرى مائتان، وقيمة الأخرى مائة؟ قال: يباع من كل واحدة منهن سدسها، يباع من الثمن قيمتها، ثلاثمائة سدسها خمسون دينارا، ومن التي قيمتها مائة، سدسها ستة عشر وثلثان، ومن التي قيمتها مائتان، سدسها ثلاثة وثلاثون وثلث، فجميع ذلك مائة. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه يقرع بينهن فيمن يباع في الدين اتفقت قيمتهن أو اختلفت، فإن اختلفت فخرج السهم على التي قيمتها مائة بيعت وعتقت الاثنان بعتق الولد، وإن خرج السهم على التي قيمتها مائتان بيع نصفها وعتقت الاثنتان بعتق الولد، وإن خرج السهم على التي قيمتها ثلاثمائة بيع ثلثها وعتق الباقيتان، وهذا القول أيضا لضرر الشركة في العتق في كل

مسألة: كاتب عبيدا له ثلاثة كتابة واحدة

واحدة منهن، وهو الذي يأتي على ما رواه سحنون في أنه إذا لم يكن ولد إلا لواحدة منهن إلا بالقرعة سوى الأم، ولا تدخل الأم في القرعة، وعلى ما في المدونة إنما بيع التي فيها نجاتهم كانت أمة أو غير أمة، ولم ير أن يبيع أمه إذا كان في سواها من أمهات أولاد أبيه كفاف لدينه، ولم يتكلم في المدونة إذا كان لكل واحد منهن ولد، والقرعة في ذلك أولى من قول سحنون في هذه الرواية، وبالله التوفيق. [مسألة: كاتب عبيدا له ثلاثة كتابة واحدة] مسألة وسئل المغيرة: عن رجل كاتب عبيدا له ثلاثة كتابةً واحدةً، وبعضهم حملاء عن بعض، ثم إن بعض المكاتبين أَبِقَ وأبقى أصحابه على حالهم فعجزهم السلطان، ثم إن الآبق قدم ومعه قوة على أداء الكتابة كلها والسلطان الذي عجزهم قائم لم يمت ولم يعزل، هل يعتق لحصته من الكتابة، أو يعتق هو وأصحابه؟ قال: أرى أن الآبق من المكاتبين على كتابته إن جاء بها عتق الذين عجزوا من شركائه بما أدى عنهم من كتابتهم وكتابته. قيل له: فهل يرجع المكاتب على شركائه في كتابته بما أدى عنهم بقدر حصصهم؟ قال: نعم، قيل: ذوو رحم كانوا أو غيرهم؟ قال: نعم، هو سواء في هذا الموضع؛ لأن المرء يتبع في دينه أباه وأخاه وابنه، ولو مات ورثوه، فهؤلاء كذلك. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: وبعضهم حملاء عن بعض، ظاهره: أنهم لا يكونون حملاء بعضهم عن بعض إذا كوتبوا كتابة واحدة إلا أن يشترطوا ذلك، وهو خلاف ما في المدونة وغيرها. وأما قوله في آخرها: إنه يرجع الآبق الذي أدى الكتابة على من كان معه

: يوصي أن يكاتب نصف عبده

فيها وإن كان ابنه أو أباه أو أخاه فهو خلاف نص مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذا في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [: يوصي أن يكاتب نصف عبده] من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ قال أصبغ، في الرجل يوصي أن يكاتب نصف عبده، فقال: يقال للورثة: إما أن تكاتبوا هذا العبد كله حتى تجوز فيه وصية الميت، وإما أعتقتم من نصف العبد مبلغ ثلث مال الميت؛ لأنه لا يجوز أن يكاتب نصف عبده، ولا بد من أن ينفذ له ما أوصى به له، ويعتق ثلث ما بلغ مال الميت منه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إنما يعتق ما حمل الثلث من نصفه وإن كان الثلث يحمل الرقبة كلها؛ لأن الميت لم يوص في الجميع وإنما أوصى في البعض، فللورثة حجة في أن لا يعتق منه بتلا أكثر مما أوصى به أن يكاتب منه، وهي وصية فيها قربة على وجه لا يجوز، فوجب أن تنفذ وصيته للقربة التي فيها على الوجه الذي يجوز، كما لو أوصى أن يحج عنه على أن يقدم السعي على الطواف ما أشبه ذلك من مخالفة أمر السنة في الحج، وبالله التوفيق. [مسألة: يوصي لرجل بثمن أبيه] مسألة وسئل: عن رجل يوصي لرجل بثمن أبيه، يقول: بيعوا فلانا وأعطوا فلانا ثمنه ابنه، أو يقول: أعطوا ثمن فلان لفلان، فقبل ذلك الابن، أترى أن يعتق عليه؟ قال: لا أرى ذلك، والوصية جائزة له، وأرى أن يباع ويدفع إليه ثمنه.

قلت له: أرأيت إن أوصى بكتابة مكاتبه وهو ابنه أو أبوه أو بعض من يعتق عليه، قيل: ولم رأيت ذلك في الكتابة ولم تره في ثمنه، إذا قال: أعطوا فلانا ثمن فلان؟ قال: لأنه إذا أوصى له بالكتابة أو أعطاه إياها فقد نزل منزلة الذي كاتبه إن أدى عتق، وإن عجز رق ولم يعتق عليه إن ملكه، فملك الكتابة كملك الرقبة. وأما إذا قال: أعطوه ثمنه، فإنه يصير له الثمن بعد بيعه، ليس بيعه في يدي ابنه ولا رقبته، وإنما له ثمنه إذا بيع، فلا أرى عليه فيه عتقا. قال محمد بن رشد: قوله: إذا أوصى له بكتابة من يعتق عليه، فقيل ذلك إنه يعتق عليه، معناه: أنه أسقط عنه الكتابة فيعتق بذلك ويكون ولاؤه للذي عقد كتابته، وهو بين من قول ابن القاسم في رسم يشتري الدور من سماع يحيى. وتفرقة أصبغ بين أن يوصي له بكتابة من يعتق عليه أو بثمنه بينة صحيحة، وقد مضى ذلك في سماع يحيى المذكور، وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. تم كتاب المكاتب والحمد لله

: استودع وديعة فدفنها في أهله فهلكت

[: استودع وديعة فدفنها في أهله فهلكت] كتاب الوديعة من سماع ابن القاسم من مالك قال سحنون: أخبرني ابن القاسم، عن مالك: فيمن استودع وديعة فدفنها في أهله وأشهد عليها، أو خلفها عند أهله أو استودعها بعض إخوانه فهلكت، قال: لا ضمان عليه في شيء من ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة ليست على ظاهرها، وفيها تقديم وتأخير، وتقديرها، قال ابن القاسم عن مالك فيمن استودع وديعة فدفنها في أهله أو خلفها عند أهله أو استودعها بعض إخوانه وأشهد عليها فهلكت، قال: لا ضمان عليه في شيء من ذلك، وإنما وجب أن يقدر هذا التقدير؛ لأن من أودع وديعة فدفنها في بيته أو خلفها عند أهله لا يجب عليه الإشهاد على ذلك، إذ هو مصدق في ذلك، قاله في المدونة وغيرها، وإنما يجب عليه الإشهاد إذا استودعها غيره لحاجة دعته إلى ذلك من إرادته سفرا أو خراب منزله أو ما أشبه ذلك من الوجوه التي يعذر بها، فمعنى قوله في الرواية: أو استودعها بعض إخوانه، يريد: عند سفره أو خراب منزله مع أن يعلم ذلك، فإذا أودع الرجل وديعة فأودعها غيره فتلفت عنده، فهو ضامن لها إلا أن تكون له بينة إيداعها، ويعلم السبب الذي من أجله أودعها، إذ لا يصدق في شيء من ذلك دون أن يبينه، وإذا علم السبب صدق في أنه إنما أودع من أجله، وكان القول في ذلك قوله.

وقوله في هذه الرواية: إنه إذا خلف الوديعة عند أهله فتلفت إنه لا ضمان عليه - هو نص قوله في المدونة: إنه لا ضمان عليه في الوديعة إذا أودعها عند امرأته وخادمه، خلاف قول أشهب: إنه ضامن في ذلك، وقد قيل: إن قول أشهب ليس بخلاف لقول ابن القاسم وروايته عن مالك، وأن المعنى في ذلك أنه يضمن إذا كان العرف والعادة أن الناس لا يسترفعون أموالهم عند أهليهم ولا يأتمنونهم على ذلك، ولا يضمن إذا كان العرف والعادة أن الناس يسترفعون أموالهم عند أهليهم ويأمنونهم على ذلك، فكل واحد منهم تكلم على غير الوجه الذي تكلم عليه صاحبه؛ لأن قولهما مختلف، فعلى هذا الاختلاف في ذلك بينهما إذا علم العرف والعادة في البلد، وإنما يختلفان إذا جهل العرف في ذلك البلد، فأشهب يضمنه حتى يقيم البينة أن العرف والعادة في البلد أن الناس يأتمنون أهليهم على أموالهم ويسترفعونهم إياها، وابن القاسم لا يضمن حتى يقيم صاحب الوديعة البينة أن العرف والعادة في البلد أن الناس لا يسترفعون أموالهم عند أهليهم ولا يأتمنونهم عليها، والأظهر أنه اختلاف من القول؛ لأن من حجة صاحب الوديعة أن يقول: أنا إنما رضيت أمانتك ولم نعلم أنك تأمر أهلك كما يفعل الناس. ويتحصل على هذا في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا ضمان عليه وإن كان الناس لا يأتمنون أهلهم إذا كان هو مؤتمن أهله بماله، وهو ظاهر ما في المدونة، ووجه هذا القول: أن المودع لما أودعه فقد علم أنه يحرزها في منزله كما يحرز ماله. والقول الثاني: أنه ضامن وإن كان الناس يأتمنون أهلهم، وهو ظاهر قول أشهب، ووجهه: أن صاحب الوديعة يقول: إنما رضيت أمانتك لا أمانة سواك إذ لم أعلم أنك تأتمن أهلك كما يفعل الناس. والقول الثالث: الفرق بين أن يكون العرف والعادة في البلد أن يأتمن الناس أهليهم أو لا يأتمنون، ولو كان الرجل لا يأمن أهله على ماله ولا يسترفعها إياه لضمن الوديعة، إن دفعها إليها فتلفت، وإن كان الفرق في البلد أن الناس يسترفعون أهليهم أموالهم ويأتمنونهم عليها قولا واحدا.

: الوديعة يستودعها الرجل فيقر بها الذي هي عنده عند نفر من غير أن يشهد عليه

ولم يعط في المدونة جوابا بينا في العبد والأجير إذا كان في عياله فوضع عندهما ما أودع إياه فتلف، والذي يأتي على مذهبه فيها أنه لا ضمان عليه إذا كان يأتمنهما على ماله ويسترفعهما. [: الوديعة يستودعها الرجل فيقر بها الذي هي عنده عند نفر من غير أن يشهد عليه] ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان وسئل: عن الوديعة يستودعها الرجل فيقر بها الذي هي عنده عند نفر من غير أن يشهد عليه. قال مالك: إن لهذه الأمور وجوها، أرأيتك لو تقادم هذا حتى يمر به عشرون سنة ثم مات فقام صاحبها يطلبها، ما رأيت له شيئا، وكأني رأيته إن كان قريبا أن يكون ذلك له، قال ابن القاسم: وذلك رأيي، ولو كان إنما ذلك الأشهر والسنة وما أشبهه ثم مات ثم طلب ذلك الذي أقر به لرأيته في ماله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الرجل إذا أقر بالوديعة من غير أن يشهدها عليه، ثم مات وقام صاحبها يطلبها فلم توجد في ماله، إنه لا شيء له إذا طالت المدة؛ لأنه لو كان حيا فادعى ردها أو تلفها لكان القول قوله مع يمينه، فإذا كانت على الميت اليمين فقد سقطت عنه بموته، ويلزم من كان كبيرا من الورثة أن يحلف ما يعلم لها سببا، ولم يحمل عليه إذا لم يوجد بعد طول المدة أنه قد استسلفها له إن كانت دنانير أو أكلها إن كانت طعاما، أو استهلكها إن كانت عروضا؛ لأن الأصل براءة الذمة فلا تعمر إلا بيقين، ولأن ذلك كان يكون منه لو فعله عداء فعلى من ادعاه أن يثبته، وهذا كان القياس، وإن لم تطل المدة؛ لأنه لو كان حيا فادعى أنه ردها أو تلفت لكان القول قوله في ذلك مع يمينه.

: يبيع من الرجل الجارية على أن ينفق عليه حياته

فتفرقته بين القرب والبعد استحسان، ووجهه: أن الذي يغلب على الظن في البعد أنه ردها، وفي القرب أنه استسلفها؛ لأن الودائع في أغلب الأحوال لا تترك عند المودع الدهور والأعوام. وقال، في العشرين سنة: إنه طول، وكذلك العشر سنين على ما قاله في موضع آخر، وقال في السنة وما أشبه ذلك: إنه يسير، فقيل: إن ذلك خلاف لما في آخر كتاب الشركة من المدونة في الشريكين يموت أحدهما، فيقيم شريكه البينة أنه قد كانت عنده مائة دينار من الشركة، فلم يوجد ولا علم لها مسقط أنها تكون في ماله، إلا أن تطول المدة، أرأيت لو كان ذلك مثل السنة لكان يؤخذ ذلك من ماله، وقيل: إنها ليست بخلاف لها وهو الصحيح؛ لأنها مسألة أخرى، والفرق بينهما أن للشريك التصرف في المال، وليس للذي يودع أن يتصرف فيما أودع إياه، وبالله التوفيق. [: يبيع من الرجل الجارية على أن ينفق عليه حياته] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل: عن جارية وضعها رجل عند رجل فأنفق عليها ثلاثين صاعا من تمر، ثم جاء سيدها، فقال: إنما لك ثلاثون صاعا، وقال المنفق: بل لي بسوق يوم أنفقت واشتريت، والطعام يوم جاءه صاحبها أرخص، قال مالك: يحسب يوم أنفق، يعطي بذلك دراهم، قال ابن القاسم: وذلك إذا كان المنفق اشترى بالثمن، فأما إن كان طعاما أخرجه من عنده فليس له إلا مكيلة طعامه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم تفسير لقول مالك: إنه إن كان اشترى الطعام فله قيمته يوم اشتراه؛ لأن الثمن الذي اشتراه به إذ قد تعين في الشراء فلا يلزم صاحب الجارية ما عين فيه، وهذا مثل ما في كتاب السلم

: امرأة أعطتني ذكر حق لها على زوجها ثم ماتت وسألني زوجها إعطاءه

الثاني من المدونة في الذي يبيع من الرجل الجارية على أن ينفق عليه حياته: إن البيع يفسخ ويرجع المشتري على البائع بقيمة ما أنفق عليه، وفي رواية أبي زيد: أنه يغرم ما أنفق عليه، وليس ذلك باختلاف من القول، ومعناه: أنه يغرم له الثمن الذي اشترى به الطعام إن كان لم يكن في الشراء تغابن، وقيمته إن كان فيه تغابن، وقد قيل: إن ذلك اختلاف، والأول أظهر، والله أعلم، والحكم فيما يرجع به المنفق على الجارية الموضوعة عنده حكم الحميل يتحمل بالطعام، فيؤخذ به فيشتريه للمتحمل له، بخلاف من تطوع فأدى عن الرجل بغير أمره طعاما عليه اشتراه بذلك، يرجع بالأقل من مثل الطعام أو الثمن الذي اشتراه به. [: امرأة أعطتني ذكر حق لها على زوجها ثم ماتت وسألني زوجها إعطاءه] من سماع أشهب وابن نافع من كتاب الأقضية قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع، قالا: سئل مالك، فقيل له: امرأة أعطتني ذكر حق لها على زوجها ثم ماتت، وسألني زوجها إعطاءه الذكر، وهو زوجها ومولاها ولا وارث لها غيره، فقال: يسأل فإن كان على المرأة دين فلا تعطيه إياه، وإن كانت لا دين عليها فأشهد عليه وأعطه إياه، قيل: إن المرأة قد أوصت بوصايا، فقال له هذه المقالة: أشهد عليه وأعطه إياه. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أنه فرق بين الدين والوصايا، فقال: إنه لا يعطيه ذكر الحق إن كان عليها دين، ويعطيه إياه ويشهد وإن كان عليها وصايا إذا لم يكن عليها دين، وذلك لا يصح، إذ لا فرق في هذا بين الدين والوصايا، والواجب في هذا أن ينظر إلى ما عليها من الدين، فإن كان لا يفي به ما تركت من المال سوى ما لها من الحق على زوجها لم

مسألة: بيده مال ليس له أله أن يسلفه

يدفع ذكر الحق إليه، وإن كان يفي به دفع ذكر الحق إليه وأشهد به عليه، وكذلك الوصايا أيضا ينظر إليها فإن كان لا يفي بها ثلث ما تخلفت من المال سوى ما لها على زوجها لم يدفع ذكر الحق إليه، وإن كان يفي بها دفع إليه ذكر الحق وأشهد عليه، والأولى أن لا يدفعه إليه بحال، ويضعه على يدي عدل مخافة أن يطرأ عليها ديون لم يعلم بها. فقوله: إن كان على المرأة دين فلا يعطيه إياه - معناه: دين لا يفي به ما تخلفت من المال سوى ما لها على زوجها في ذكر الحق، وبالله التوفيق. [مسألة: بيده مال ليس له أله أن يسلفه] مسألة وسئل: عمن بيده مال ليس له، أله أن يسلفه؟ قال: ترك ذلك أحب إلي، وقد أجازه بعض الناس فراجعه فيها، فقال: إن كان مال فيه وفاء وأشهدت على ذلك، فلا بأس به. قال محمد بن رشد: وهذا كما قاله: إن ترك ذلك أولى وأحسن، ومعناه: إذا كان له مال فيه وفاء، وأشهد بذلك، وأما إذا لم يكن له مال فيه وفاء فلا يجوز له ذلك وإن أشهد، ومثله في سماع عبد الملك بن الحسن من كتاب البضائع والوكالات من قول ابن وهب. وقد اختلف إذا تسلف منها بغير أمر ربها ثم رد ما تسلف، هل يصدق في الرد ويبرأ بذلك من الضمان أم لا؟ على أربعة أقوال: أحدها: أنه يصدق في ذلك ويبرأ من الضمان، وهو أحد أقوال مالك، وبه أخذ ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ. والثاني: أنه لا يبرأ إلا أن يرد بإشهاد، قال ذلك مالك أيضا، وبه أخذ ابن وهب وابن كنانة. ولمالك قول ثالث: أنه لا يبرأ وإن أشهد؛ لأنه دين قد ثبت في ذمته، رواه المدنيون عنه، ورواه عنه المصريون أيضا ولم يقولوا به. ولابن الماجشون قول رابع: وهو تفرقته بين أن يكون المال مصرورا أو منثورا.

: أقر أنه كانت له عليه ثلاثة وعشرون دينارا

ولو قال له صاحبها: تسلف منها إن شئت، فتسلف لم يبره رده إياها إلا إلى ربها، قال ذلك في كتاب ابن شعبان، وهو صحيح لا اختلاف فيه، وبالله التوفيق. [: أقر أنه كانت له عليه ثلاثة وعشرون دينارا] ومن كتاب الأقضية وسئل، فقيل له: كانت لي عند رجل ثلاثة وعشرون دينارا وديعة، فكنت آخذ منها الشيء بعد الشيء حتى بقيت لي عنده ثمانية عشر دينارا، فسألته إياها، فقال: وضعتها في بعض حاجتي، ولكن اكتبها علي فكتبتها عليه بالشهود والبينة مؤرخة فغبت ثم رجعت فتقاضيته إياها، فجاء علي ببراءة فيها مكتوب براءة لفلان ابن فلان من أربعة دنانير ليست إلا ربعة مؤرخة ولا منسوبة من الثمانية عشر ولا من الثلاثة وعشرين، فهو يقول: هي من الثمانية عشر، وأنا أقول: من الثلاثة وعشرين التي كانت لي عليك قبل أن أكتب عليك الثمانية عشر. قال مالك: ليست البراءة مؤرخة ولا منسوبة إلى ثمانية عشر ولا إلى ثلاثة وعشرين؟ وذكر حقي عليه مؤرخ بثمانية عشر، فقال له: أيقر لك بأنه قد كان لك عليه ثلاثة وعشرون دينارا؟ فقال: لا، فأطرق طويلا، ثم قال: إن أقمت البينة أنه قد كانت لك عليه ثلاثة وعشرون دينارا حلفت بالله ما هذه البراءة من الثمانية عشر، وكانت لك عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا أقر أنه كانت له عليه ثلاثة

مسألة: البينة على ما ادعى واليمين على ما أنكر

وعشرون دينارا أو أقام عليه بذلك البينة كان القول قوله: إِنَّ البراءة ليست من الثمانية عشر وإنما من الثلاثة وعشرين، ولو لم يقر بذلك ولا قامت عليه به بينة لكان القول قول المطلوب إن البراءة من الثمانية عشر باتفاق إن كان لم يكن بينهما مخالطة، وعلى اختلاف إن كانت بينهما مخالطة. وقد مضى هذا في أول سماع أبي زيد من كتاب الشهادات بزيادات لها بيان، وبالله التوفيق. [مسألة: البينة على ما ادعى واليمين على ما أنكر] مسألة وسئل: عمن استودع صبرة حنطة فاستنفق المستودع الحنطة، فلما جاءه الرجل فطلب قمحه، قال: قد استنفقته، أنا أعطيك مثله، قال الرجل: إني قد كنت قد صورت دينارا وطرحته في صبرة القمح، أترى له أن يحلف ويأخذ الدينار منه أم يحلف المستودع ويبرأ؟ فقال: أرأيت لو قال: جعلت فيها مائة دينار؟ أرى أن يحلف ويبرأ، قيل له: كيف يحلف؟ أيحلف أنه لم يكن في الصبرة شيء؟ أم يحلف على عمله؟ فقال: لا، ولكن يحلف ما أخذت شيئا ولا علمت لك فيها شيئا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا اختلاف؛ لأن صاحب الطعام مُدَّعٍ، وقد أحكمت السنة أن البينة على ما ادعى واليمين على ما أنكر، هذا إن حقق الدعوى عليه أنه وجد الدينار وأخذه، وإما إن لم يحقق عليه الدعوى أنه وجده، يجري الأمر على الاختلاف المعلوم في لحوق يمين التهمة، وبالله التوفيق. [: استودع رجلا متاعا فعدا عليه عاد] من سماع ابن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار قال عيسى: قال ابن القاسم: لو أن رجلا استودع رجلا متاعا

فعدا عليه عاد، فأغرمه على ذلك المتاع غرما لم يكن على صاحب المتاع غرم شيء مما غرم عن متاعه. قال محمد بن رشد: قد قيل: إن له أن يرجع على صاحب المتاع بما أغرم على متاعه، وعلى هذا يأتي قول ابن وهب في المبسوطة في الخليطين يكون لأحدهما مائة وعشرون شاة، وللثاني ثلاثون شاة، فيأخذ الساعي منه شاتين: إن الشاة الواحدة تكون على صاحب العشرين ومائة، والثانية يتراداها بينهما على عدد غنميهما، وقد مضى بيان هذا هنالك، وهذا الاختلاف إنما هو فيما لم يعلم صاحب المتاع به، وأما ما علم به مثل المتاع يتوجه به الرجل من بلد إلى بلد مع رجل، وقد علم أن بالطريق مكانا يؤدي الناس على ما يمرون عليه من المتاع، فلا ينبغي أن يختلف في أنه يجب على رب المتاع للرجل ما أغرم على متاعه. وقد رأيت ذلك لابن دحون، وقال: إنه بمنزلة الرجل يتعدى عليه السلطان، فيغرمه يتسلف ما يغرم، فذلك بين لازم، وهو حلال لمن أسلفه، ووجه ما ذهب إليه: أنه لما علم إذا بعث المتاع معه أنه سيغرم عليه فكأنه سأله أن يسلفه ما لزم إياه من الغرم على متاعه. ومن هذا المعنى ما قال سحنون في الرفاق في أرض المغرب يعرض لهم اللصوص، فيريدون أكلهم فيقوم بعض أهل الرفقة فيصالحهم على مال، عليه وعلى جميع من معه، وعلى من غاب من أصحاب الأمتعة، فيريدون من غاب أن يدفع ذلك عن نفسه، قال: إذا كان ذلك مما قد عرف من سنة تلك البلاد أن إعطاء المال يخلصهم وينجيهم، فإن ذلك لازم لمن حضر ولمن غاب ممن له أمتعة في تلك الرفاق وعلى أصحاب الظهر من ذلك ما ينويهم، وإن كان يخاف أن لا ينجيهم ذلك وإن أعطوا، وكان فيهم موضع لدفع ذلك، فما أحب لهم إلا أن يدفعوا عن أنفسهم وأموالهم، فإن لم يفعلوا وأعطوا على ذلك شيئا لم يرجع بذلك على من غاب من أصحاب الأمتعة، وبالله التوفيق.

: يكون في يديه الودائع للناس وهويعلم أنه ينفق منها فيموت فيوصي بودائع

[: يكون في يديه الودائع للناس وهويعلم أنه ينفق منها فيموت فيوصي بودائع] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار قال عيسى: وسئل: عن الرجل يكون في يديه الودائع للناس وهو يعلم أنه ينفق منها فيموت فيوصي بودائع فيوجد في تابوته وتحت غلقه كيس فيه دنانير، وفي الكيس مكتوب: إنها لفلان وعددها كذا وكذا، فيوجد العدد الذي كتب فيه أكثر من عدد ما وجد فيه من الدنانير، هل ترى نقصان عدتها مما في الكتاب في ماله؟ فقال: إن قال شهيدان: إن الخط خطه كان ذلك في ماله، وإن لم يشهد على ذلك أحد حلف الورثة أنهم لا يعلمون من ذلك شيئا ولا شيء عليهم. قال محمد بن رشد: قد مضى مثل هذا في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس. وزاد أصبغ هناك: وكذلك لو وجد عليها خط صاحب الوديعة أنها له مع كونها في حوز المستودع وتحت غلقه لقضي له بها، وقد رأيت لابن دحون: أنه لا يُقضى له بها لاحتمال أن يكون بعض الورثة أخرجها له فكتب عليها اسمه وأخذ على ذلك جعلا. ولا اختلاف في أنه لا يُقضى له بها إذا وجد عليه اسمه ولا يُدرى من كتبه على ما يأتي في سماع أبي زيد بعد، ولا في أنه يقضى له بها إذا وجد عليها اسمه بخط يد المتوفى المستودع إلا على مذهب من لا يرى الحكم بالشهادة على الخط في موضع من المواضع، وقد مضى تحصيل القول في الشهادة على الخط في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات، فمن أحب الوقوف على ذلك تأمله هناك.

مسألة: استودع رجلا قمحا فاحتمله المستودع إلى بلد فأراد بيعه فأدركه صاحبه

[مسألة: استودع رجلا قمحا فاحتمله المستودع إلى بلد فأراد بيعه فأدركه صاحبه] مسألة قال مالك: لو أن رجلا استودع رجلا قمحا فاحتمله المستودع إلى بلد فأراد بيعه فأدركه صاحبه والقمح بيده لم يغيره لم يكن له أن يأخذه منه إلا بالمكان الذي استودعه فيه، وكذلك السلف، وكذلك السارق لو سرق بالمدينة طعاما فأخذه بمصر لم يكن عليه أن يؤديه إلا بالمدينة، ولو وجد بيده طعاما بعينه، قال عيسى: إذا كان الطعام هو طعام المسروق بعينه فله أن يأخذه حيث أدركه إن أحب. قال محمد بن رشد: ساوى مالك في هذه الرواية بين الوديعة والسلف والسرقة في أنه ليس للمودع ولا للمقرض ولا للمسروق منه أن يأخذ طعامه إلا في البلد الذي أودعه فيه أو أسلفه فيه أو سرق منه فيه. فأما السلف فلا خلاف فيه؛ لأنه إن لو حكم له بأخذه في غير البلد الذي أسلفه فيه لكان قد ربح الحملان. وأما الطعام الذي أودعه أو سرق منه فاختلف إن وجده بعينه في غير البلد الذي أودعه فيه أو سرق وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك. والثاني: أنه مخير بين أن يأخذ طعامه بعينه أو مثله في البلد الذي أودعه فيه أو سرق منه فيه، وهو قول عيسى بن دينار في هذه الرواية من رأيه وقول ابن نافع وأشهب في رواية أصبغ عنه من كتاب الغصب. والثالث: تفرقة أصبغ من رأيه في سماعه من الكتاب المذكور بين أن يكون البلد قريبا أو بعيدا، فقال في القريب بقول أشهب، وفي البعيد بقول ابن القاسم، قال: والظالم يحمل عليه بعض الحمل، ولكن قاله في السرقة، والوديعة مثله، وفرق ابن القاسم بين الطعام والعروض والحيوان، فقال في الطعام ما ذكر عنه من أنه ليس له إلا

طعامه بالموضع الذي أخذ منه، وقال في الرقيق الذي لا يحتاج إلى الكراء عليهم في حملهم من بلد إلى بلد، وفي الدواب ليس له إلا أخذهم حيث وجدهم، وقال في الرقيق الذي يحتاج إلى الكراء عليهم في حملهم من بلد إلى بلد، وفي البز والعروض: إنه مخير بين أن يأخذ ذلك في الموضع الذي وجده فيه وبين أن يأخذ قيمته في الموضع الذي أخذ منه، وساوى أشهب بين ذلك كله في أنه بالخيار بين أن يأخذه حيث ما وجده، وبين أن يأخذ مثل الطعام في الموضع الذي أخذه منه وقيمة العروض والحيوان في الموضع الذي أخذها فيه يوم أخذها. وفرق أصبغ بين الطعام والعروض والحيوان، فقال في الطعام بقول ابن القاسم: إنه ليس له إلا طعامه بالموضع الذي أخذه منه إلا أن يكون قريبا على ما ذكرناه عنه من تفرقته في ذلك بين القريب والبعيد. وقال في العروض والحيوان بقول أشهب: إنه مخير أن يأخذ ذلك منه أو قيمته في الموضع الذي أخذه منه. وفرق سحنون أيضا بين الطعام والعروض والحيوان، فقال في الطعام بقول ابن القاسم: إنه ليس له إلا طعامه بالموضع الذي أخذه منه، وقال في العروض والحيوان: إنه ليس له إلا أخذ متاعه بعينه في الموضع الذي وجده فيه. فيتحصل في العروض والحيوان ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ليس له إلا أن يأخذها حيث وجدها، وهو قول سحنون. والثاني: أنه مخير بين أن يأخذها وبين أن يأخذ قيمتها في البلد الذي أخرجها، وهو قول أصبغ، وظاهر روايته عن أشهب في سماعه من كتاب الغصب. والثالث: تفرقة ابن القاسم بين العروض والرقيق الذي يحتاج إلى الكراء عليهم في حملهم من بلد إلى بلد، ويين الدواب والرقيق الذي لا يحتاج على الكراء عليهم. وفي الطعام ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ليس له إلا مثل طعامه في الموضع الذي أخذ منه، وهو قول ابن القاسم. والثاني: أنه له الخيار في أن يأخذه بعينه إن شاء. والثالث: تفرقة أصبغ بين القريب والبعيد، فلا يقول أحد منهم في

: يتكفل برجل إلى أجل على أنه إن لم يوافه فهو ضامن للمال فلا يوافه

الطعام: إنه يلزمه أن يأخذه حيث وجده، وإنما اختلفوا هل له أن يأخذه بعينه حيث وجده، أو ليس له إلا مثله في الموضع الذي أخذ منه، ولا في العروض والحيوان أنه ليس له أن يأخذها، وإنما اختلفوا هل له أن يأخذها أو هل يلزمه أن يأخذها، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [: يتكفل برجل إلى أجل على أنه إن لم يوافه فهو ضامن للمال فلا يوافه] ومن كتاب جاع فباع امرأته وسألته: عن الرجل يستودع الرجل الوديعة فيقبضها منه، فيقول: نقصت وديعتي، ويقول المستودع: بل هي وديعتك كلها، فيتداعيان إلى السلطان، فيقول له المستودع: أنا أريد سفرا فلا تشغلني عنه، فإذا انصرفت مما ادعيت مما حلفت عليه فهو لك قبلي، فيدعه على ذلك، فلما انصرف، قال: ما لك قبلي شيء، وإنما قلت ذلك لئلا تقطعني عن سفري، قال: لا يلزمه ذلك، ويغرم له كل ما حلف عليه المدعي. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن اليمين كانت واجبة له على المودع، فرضي بردها عليه، فلزمه ذلك، فلم يكن له عنه رجوع، ولو قال: دعني أخرج إلى سفري، فإن لم أرجع إلى وقت كذا وكذا فأنت مصدق فيما تدعي مع يمينك، لم يلزمه ذلك؛ لأنه مخاطرة خلاف هذه المسألة، حكى التفرقة بين الوجهين ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ من أن ذلك لا يلزمه في الشرط هو على قياس قول ابن القاسم في الكفالة من المدونة في الذي يتكفل برجل إلى أجل على أنه إن لم يوافه به عند الأجل فهو ضامن للمال فلا يوافه به عند الأجل أن المال لا يلزمه إن أتى به بعد ذلك قبل أن يحكم عليه، ومحمد بن

مسألة: قال هذه المائة وديعة عندي لفلان أو لفلان

عبد الحكم يقول: إن ذلك لا يلزم المودع وإن كان قوله على وجه الشرط ويحلف ويبرأ، فإن نكل عن اليمين حلف رب المال وأخذ تمام وديعته، ووجه قوله: أنه عذر المودع بما اعتذر به من أنه إنما قال ذلك لئلا يقطع به عن سفره، ولو رد عليه اليمين دون سبب للزمه ذلك قولا واحدا، وإنما يختلف إذا نكل عن اليمين، فقال: لا أحلف، ولم يصرح بردها على المدعي ثم أراد أن يحلف بعد ذلك، هل يكون ذلك له أم لا؟ على قولين، وأهل المشرق لا يرون رد اليمين على المدعي، فإذا نكل المدعى عليه عندهم عن اليمين كان نكوله كالإقرار ولزمه الحق، وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: إنما يصح هذا الجواب على أن الوديعة كانت ببينة، أو على قول من رأى اليمين على المودع إذا انتقصت الوديعة، فإن لم تكن ببينة فكأنه رضي برد اليمين على المودع فلزمه ذلك، ولم يكن له عنه رجوع، وهو غير صحيح؛ لأنه لا خلاف في وجوب اليمين على المودع في دعوى النقصان إن لم يكن على الوديعة بينة، ولا في أن الغرم يلزمه دون أن يحلف رب الوديعة إذا كانت عليها بينة، وبالله التوفيق. [مسألة: قال هذه المائة وديعة عندي لفلان أو لفلان] مسألة وسئل: عن الرجل يستودع الرجل ثلاثين دينارا وبين يديه ثلاثون دينارا فيجعلها في قرب التي بين يديه، فتذهب منها عشرة فلا يدري من أي ذهبت؟ قال: عليه أن يدفع إلى المستودع ثلاثين تامة. قال محمد بن رشد: قوله: لا أدري من أين ذهبت - معناه: لا أدري الثلاثين التي ذهبت منها العشرة أن كانت في المودعة أو التي كانت بين يديه، إذ لو عرف المودعة من التي كانت بين يديه لعرف من أين ذهبت بوجودها ناقصة إذا وزنت، وجوابه هذا في هذه المسألة إنما يصح على قول من قال، في رجل قال: هذه المائة وديعة عندي لفلان أو لفلان: أنه يغرم لهما مائتين مائة لكل واحد منهما. وأما على قول من قال: إنهما يحلفان جميعا

: دفع إليه ثلاثة دنانير إلى عشرته فضاع من ذلك ديناران

ويقتسمان المائة ولا يكون على المقر شيء، فيأتي على قياس قوله في هذه المسألة: إن ادعى المدع الثلاثين التي لم يذهب منهما شيء كانت له، قيل: بيمين، وقيل: بغير يمين، على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، وإن لم يدعها وقال لا أدري أيتهما لي، إن كانت التي لم يذهب منها شيء أو الأخرى التي ذهبت منها العشرة، فتكون مصيبة العشرة منها، ويقتسمان الخمسة الباقية بينهما بنصفين دون يمين، وقيل: بعد أن يحلف كل واحد منهما؛ لأنه لا يدري إن كانت العشرة ذهبت من متاعه أو من متاع صاحبه، فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا عن اليمين على هذا الوجه كانت الخمسون بينهما بنصفين، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كانت الثلاثون للحالف بينهما، وهذا الاختلاف في اليمين على اختلافهم في لحوق يمين التهمة، وبالله التوفيق. [: دفع إليه ثلاثة دنانير إلى عشرته فضاع من ذلك ديناران] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألته: عن الرجل يكون معه عشرة دنانير لنفسه فيدفع إليه رجل دينارا استودعه إياه فيذهب منها دينار، كيف يكون ضمانه عليهما؟ قال: يأخذ صاحب العشرة تسعة دنانير ويقتسمان العاشر ويكون ضمان الذاهب بينهما بنصفين، قلت له: فقول مالك: إن صاحب الدينار يكون شريكا في الأحد عشر دينارا على حساب الدينار، ولا يكون عليه من ضمان الدينار الذاهب إلا سهم من أحد عشر سهما، أيؤخذ به؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب تضمين الصناع من المدونة وفي غيره من المواضع، هو اختلاف مشهور معلوم، وسواء في هذا كان المودع صاحب العشرة الدنانير أو صاحب الدينار، وسواء تقارا على تلف

: دفع إلى رجل مائة دينار وعهد إليه أن لا يدفعها إلا إلى من أتاه بأمارة

الدينار أو علم ذلك ببينة إذا دعاه المودع فصدق في ذلك بغير يمين أو بيمين إن كان متهما. ولو دفع إليه ثلاثة دنانير إلى عشرته، فضاع من ذلك ديناران، كان لصاحب العشرة ثمانية ولصاحب الثلاثة دينار، ويقتسمان الدينارين الباقيين بينهما بنصفين، ولو ضاع من ذلك ثلاثة دنانير لكان لصاحب العشرة سبعة، ويقتسمان الثلاثة بينهما على نصفين، وعلى قول مالك: يقتسمان الأحد عشر، إن كان ضاع منها ديناران، أو العشرة إن كان ضاع منها ثلاثة دنانير على ثلاثة عشر جزءا. والحكم في الشيء يتداعى فيه الرجلان، فيقول أحدهما: لي جميعه، ويقول الآخر: لي عشره - يجري على هذا الاختلاف إذا لم يكن في يد واجد منهما باتفاق، واختلف إن كان بأيديهما جميعا، فقيل: إنه يجري على هذا الاختلاف أيضا بعد أيمانهما، وقيل: إن القول قول الذي ادعى العشر مع يمينه؛ لأنه حائز للنصف، فعلى من ادعى عليه أن له أكثر من النصف إقامة البينة، وبالله التوفيق. [: دفع إلى رجل مائة دينار وعهد إليه أن لا يدفعها إلا إلى من أتاه بأمارة] ومن كتاب الأقضية قال يحيى: وسألت ابن وهب: عن رجل دفع إلى رجل مائة دينار يستودعه إياها وعهد إليه أن لا يدفعها إلا إلى من أتاه بأمارة أعلمه بها لم يطلع عليها غيره، فأتى رجل بتلك الأمارة فدفع إليه المال ومات المستودع صاحب أصل المال، فقام ورثته إلى الذي قبض المال بالأمارة، فقالوا: قد وصل إليك مالنا فما الذي صنعت به، فقال: صنعت به الذي أمرني أبوكم به، وهو صاحب المال، قالوا: فما أمرك به؟ قال: ليس علي أن أخبركم بالذي أمرني به، غير أني قد صنعت بأمره، قال: أرى أن يحلف قابض المال بالأمارة بالله الذي

: يستودع الوديعة ثم يتصدق بها على رجل

لا إله إلا هو لقد فعل الذي أمره به في المال لم يتعد إلى غيره، ثم يبرأ، وسألت عن ذلك ابن القاسم، فقال لي مثل ما قال ابن وهب. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر؛ لأن القياس كان فيها إذا لم يدع الورثة علم ما أمره به موروثهم قابض المال بالأمارة أن يصدق فيما زعم أن رب المال أمره أن يفعله فيه، ولا يصدق أنه قد فعله حتى يعلم ما هو، إذ من الأشياء ما لا يصدق المأمور فيها أنه قد فعله حتى يقيم البينة على ذلك، فكان الواجب أن يسأل قابض المال بالأمارة عما أمر به في المال، وهل فعله أم لا؟ وإن ذكر أنه أمره أن يفعل فيه ما هو مصدق على فعله صدق مع يمينه في أنه أمر بذلك وفي أنه قد فعله، وإن ذكر أنه أمره أن يفعل فيه ما لا يصدق على فعله حتى يقيم البينة على ذلك صدق مع يمينه في أنه أمر بذلك، ولم يصدق في أنه قد فعله حتى يقيم البينة على ذلك. وأما إن ادعى الورثة معرفة ما أمره به موروثهم في المال فينزلون منزلته في الدعوى، ويكون القابض للمال مدعيا فيما زعم أنه أمره به فيما مما لم يقر له به الورثة وكذبوه فيه، فما لهذه المسألة عندي وجه إلا أن يتأول على أن قبض المال بالأمارة لم يعلم إلا من قبل قابضه بأن يأتي الورثة فيقول لهم كان أبوكم قد أمرني أن أقبض مالا له عند فلان بأمارة أعلمني بها فقبضته وصنعت فيه ما أمرني أبوكم، فليس عليه إذا كان الأمر على هذا أن يبين لهم ما أمره به أبوهم إذ لو شاء أن لا يقر بشيء لفعل، وبالله التوفيق. [: يستودع الوديعة ثم يتصدق بها على رجل] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: سألت ابن القاسم: عن الرجل يستودع الوديعة ثم يتصدق بها على رجل يقول أشهدكم أني قد تصدق بالوديعة التي

عند فلان على فلان لا يكون منه أكثر ولم يأمره أن يقبض له، ثم مات. قال: إن علم المستودع أنه يصدق بذلك فأراها للمتصدق عليه، وإن لم يعلم فلا أرى للمتصدق عليه شيئا، قلت: من أي وجه قال؟ من قبل أنه إذا علم أنه تصدق بما في يديه فقد صار قابضا للمتصدق عليه حتى لو أراد صاحب الوديعة أخذها لكان يبتغي للمستودع أن لا يدفعها إليه، فإن دفعها إليه ضمنها. قال محمد بن رشد: وقعت هذه الرواية بعينها في هذا السماع من كتاب الصدقات والهبات وشرط فيها في صحة الحيازة معرفة المستودع خلافا لما في المدونة؛ لأنه جعل فيه قبض المستخدم والمستعير قبضا للموهوب له، ولم يشترط معرفتهما، ويخرج في المسألة قول ثالث، فالقياس على ارتهان فضلة المرهن أن الحيازة لا تصح إلا أن يعلم المستودع ويرضى أن يكون حائزا للموهوب له إلا أن يفرق في ذلك بين الرهن والصدقة حسبما مضى القول فيه مجودا في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب الرهون، وإنما يكون قبض المستودع قبضا للمتصدق عليه إذا علم على هذه الرواية أو علم أو لم يعلم على مذهبه في المدونة، إذا قبل الموهوب له الهبة، فأما إذا لم يعلم منه قبول حتى مات الواهب، فلا شيء له، ولا شيء على المستودع في ردها قبل قبول الموهوب له الهبة وعلمه بها، هذا إذا كان الموهوب له حاضرا، وأما إن كان غائبا تصح حيازة المستودع له وإن مات الواهب قبل أن يقبل الموهوب له، وسواء على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك كان الشيء الموهوب بيد الموهوب له أو بيد حائز يحوزه له وهو حاضر إن لم يقبل حتى مات الواهب بطلت الهبة، وقال أشهب: إذا كان الشيء الموهوب بيد الموهوب له صحت له الحيازة، وإن لم يقبل حتى مات الواهب؛ لأن كون ذلك في يديه أحوز الحوز، وبالله التوفيق.

: أتى رجلا يستودعه مالا فقال له ادفعه إلى عبدي هذا فدفعه فاستهلكه العبد

[: أتى رجلا يستودعه مالا فقال له ادفعه إلى عبدي هذا فدفعه فاستهلكه العبد] من سماع عبد الملك بن الحسن من أشهب قال عبد الملك بن الحسن: سئل أشهب: عن رجل أتى رجلا يستودعه مالا، فقال له الرجل: ادفعه إلى عبدي هذا، فدفعه فاستهلكه العبد. فقال: هو في ذمة العبد، قيل: فإن كان السيد غره من العبد؟ قال: ليس عليه إلا ما قلت لك. قال محمد بن رشد: ولا يكون ذلك في ذمة العبد بإقراره حتى تقوم بينة باستهلاكه، قال ذلك محمد بن عبد الحكم، وهو صحيح، وقد قيل: إن السيد ضامن إذا غره، وذلك على الاختلاف المعلوم في الغرور بالقول، وإذا ضمن السيد ذلك على هذا القول بيع في ذلك العبد وغيره من ماله، وبالله التوفيق. [: سأله وديعته فإن أبى أن يعطيه إياها في ذلك الوقت لعذر] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم قال أصبغ: وسئل ابن القاسم: عن رجل جعل عند رجل مالا وديعة فأتاه يوما يتقاضاه، فقال: إني مشغول وراكب إلى موضع كذا وكذا فانتظرني إلى غد، فأبى فتصايحا حتى حلف أن لا يعطيها إياه الليلة فلما أتاه من الغد يتقاضاها إياه، قال: ذهبت، هل عليه غرمها؟ قال: إن كان إنما ذهبت من قبل أن تلقاني ضمن؛ لأنه قد أقر

بها ولا يقبل قوله، وإن قال لا أدري متى ذهبت، وإنما عهدي بها منذ كذا وكذا أحلف وكان القول قوله، ولا ضمان عليه، وقاله أصبغ ويحلف ما علم بذهابها حين منعه ولا منعه لذلك، ولقد كان علمه على أنها ثم فيما يرى ساعتئذ ولا يعلم غير ذلك. قال ابن القاسم: وإن قال ذهبت مني بعد ما حلفت وفارقتك رأيته ضامنا؛ لأنه قد تعدى عليه حين لم يدفع إليه حقه ساعتئذ، إلا أن يكون كان على أمر لا يستطيع الرجوع فيه، ويكون في رجوعه عليه ضرر، فلا ضمان عليه إذا كان كذلك. قال أصبغ: ليس في هذا تعدي وليس عليه ضمان إذا كان أمره ذلك الذي منعه واحفزه عذرا غالبا عليه فيه ضرر، ولم يكن الأمر كان يمكنه عند بابه أو هو في يديه ونحوه هاهنا، وليس عليه في أخذه ومناولته تطويل ولا أمر، ولا فتح وغلق ولا استخراج ولا أمر لا يصح إلا به وبنظره وبرجوعه، فإن كان هذا كله هكذا رأيته ضامنا ومتهما بدفعه إياه له عنه، وإلا فلا ضمان عليه، فقد يعوق الرجل ما يعوق وقد ينتقل في الحين الذي يأتي فيه إعطاؤه، وقد يرد الناس الناس مثل هذا ويشتغلون ويكلمون وهم أعلم بأنفسهم وأهوائهم ومرافقهم وشأنهم، فأرى أن يحلف ويبرأ إن شاء الله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا اختلاف بينهم أنه إذا سأله وديعته فإن أبى أن يعطيه إياها في ذلك الوقت لعذر ذكره ثم أتاه بعد ذلك فيها فذكر أنها قد كانت تلفت قبل أن يلقاه فيها أولا أنه ضامن لها؛ لأنه لما اعتذر في دفعها إليه في ذلك الوقت فقد أقر أنها باقية لم تتلف فكذب ذلك دعواه الآن أنها قد كانت تلفت فلا يقبل قوله في ذلك إلا أن يقول: لم أعلم في ذلك الوقت أنها قد كانت تلفت ولذلك اعتذرت إليه في دفعها إليه في ذلك

مسألة: يستودعه وديعة يبعث بها المستودع إلى صاحبها فيعدوا عليها اللصوص

الوقت ووعدته لوقت آخر، فيحلف على ذلك كما قال أصبغ، ويسقط عنه ضمانها، وكذلك إن قال: لا أدري متى تلفت إن كان قبل طلبك إياها أو بعد ذلك، فيحلف على ذلك ويسقط عنه الضمان. وأما إن قال: تلفت بعد ذلك، فإن كان منعه إياها لعذر ألجأه إلى ذلك، ولم يكن متعديا في منعه إياها في ذلك الوقت، فلا ضمان عليه، فإن كان منعه إياها لغير عذر تعديا منه في ذلك فهو ضامن لها. واختلف هل هو محمول على العذر حتى يثبت التعدي أو على التعدي حتى يثبت العذر؟ وظاهر قول ابن القاسم أنه محمول على التعدي حتى يثبت العذر، وظاهر قول أصبغ أنه محمول على العذر حتى يثبت التعدي لا اختلاف في هذه المسألة إلا في هذا الوجه. وقد وقع في النوادر لمحمد بن عبد الحكم: أنه لا ضمان عليه تلفت قبل أو بعد، وليس ذلك بخلاف لشيء مما تقدم؛ لأن معنى قوله: إذا لم يعلم بذلك إلا بعد، ومعنى قوله: أو تعدى إذا كان له في صنعه عذر ولم يكن متعديا في ذلك، قال محمد بن عبد الحكم: ولو أبى أن يدفعها إليه إلا بالسلطان فتلفت في خلال الدفع لم يكن عليه في ذلك ضمان؛ لأن له في ذلك عذر، يقول: خفت شغبه وأذاه، وسيأتي القول على هذا في آخر سماع أبي زيد إن شاء الله. [مسألة: يستودعه وديعة يبعث بها المستودع إلى صاحبها فيعدوا عليها اللصوص] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل: عن الرجل يستودع الرجل وديعة يبعث بها المستودع إلى صاحبها فيعدوا عليها اللصوص فينزعونها، فيقول المستودع: لم آمرك أن تبعث بها إلي، ويقول المستودع: بل أنت أمرتني أن أبعث بها إليك، ولا بينة بينهما. قال: المستودع ضامن؛ لأنه مُتَعَدٍّ وهو مُدَّعٍ، فإذا تعدى كان عليه الضمان، ولكن لو كان قال سقطت مني أو دفعتها إليك،

مسألة: استودع وديعة وهو في المسجد أو في مجلس فجعلها على نعليه فذهبت

أو سرقت مني فذهب بها لم يكن عليه شيء. قال محمد بن رشد: إنما يضمن المودع الوديعة إذا ادعى أن ربها أمره أن يبعث بها إليه بعد يمينه أنه إنما أمره أن يبعث بها إليه ولقد تعدى عليه في البعث بها إليه بغير أمره فيحق عليه التعدي بيمينه، وهو معنى قوله في الرواية: المستودع ضامن؛ لأنه متعدٍ، فإنما قال فيه: إنه متعدٍ؛ لأن العداء قد ثبت عليه بيمين رب الوديعة. وقوله: ولكن لو قال: سقطت مني أو دفعتها إليك أو سرقت مني فذهب بها، لم يكن عليه شيء، معناه: لم يكن عليه غرم؛ لأن اليمين عليه في دعوى الرد باتفاق، وفي دعوى التلف على اختلاف إن لم يحقق عليه الدعوى، قيل: إنه يحلف، فإن نكل عن اليمين غرم، قيل: بعد يمين رب الوديعة، وقيل: إن اليمين لا يرجع عليه، وقيل: إنه لا يمين عليه على اختلافهم في لحوق يمين التهمة وفي ردها، وقيل: إن كان من أهل التهم أحلف وإلا لم يحلف، وهو المشهور في المذهب، وأما إن حقق عليه الدعوى فلا اختلاف في وجوب اليمين عليه، وفي أن له أن يردها، وبالله التوفيق. [مسألة: استودع وديعة وهو في المسجد أو في مجلس فجعلها على نعليه فذهبت] مسألة قال: وسألته عن رجل استودع وديعة وهو في المسجد أو في مجلس فجعلها على نعليه فذهبت، أعليه ضمان؟ فقال: ما أرى عليه ضمانا، قلت: ولا تراه متعديا؛ لأنه إنما أعطاه إياها يحوزها، فليس هذا حوزا؟ قال لي: فإنه الآن يقول: لم يكن معي خيط أربطه به، قلت: يربطها في طرف ردائه، قال: فإنه يقول: ليس علي رداء علي برنس، قلت: فإن كان عليه رداء؟ قال: ما أرى عليه شيئا بحال. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا دفع إليه الوديعة وهو في مسجد أو في مجلس فجعلها على نعليه، يريد: بين يديه حيث ينظر إليها،

: تكون عنده الوديعة فتطلب منه فيقول قد ضاعت مني منذ سنين

فتلفت - إنه لا ضمان عليه؛ لأن ذلك هو وجه الحوز لها في ذلك الموضع على ما جرت به العادة، فوجب أن لا يضمن، قال مطرف وابن الماجشون: ولو نسيها في الموضع الذي دفعت إليه فيه وقام ضمنها، وكذلك لو كانت في داره فأخذها فأدخلها كمه يظنها دراهمه فسقطت فإنه يضمن، قالا: وهذه جنايات، فضمناه بالنسيان ولم يعذراه بذلك، وقد يتخرج في هذا اختلاف بالمعنى من مسألة الرجلين يدعيان مائة دينار وديعة عند رجل، فيقول المدعى عليه: لا أدري من دفعها إلي منكما؛ لأنه عذر بالنسيان على القول بأنه لا يلزمهما أكثر من أن يغرم لهما المائة فيحلفان ويقتسمانها بينهما، وقد مضى تحصيل الاختلاف في ذلك في رسم يدير من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس، وبالله التوفيق. [: تكون عنده الوديعة فتطلب منه فيقول قد ضاعت مني منذ سنين] ومن كتاب القضاء المحض قال أصبغ: سألت ابن القاسم: عن رجل تكون عنده الوديعة فتطلب منه فيقول قد ضاعت مني منذ سنين إلا أني كنت أرجو أن أجدها وكنت أطلبها وما أشبه ذلك ولم يسمع ذلك منه، وصاحبه الذي استودعه أيضا حاضر، ألا يذكر ذلك له؟ فقال: هو مصدق ولا ضمان عليه إلا أن يكون قد طلبت منه فأقر بها أنها عنده كما هي، ثم زعم أنها قد ضاعت منه سنين، فهو هاهنا ضامن وإلا فلا شيء عليه، والقراض مثل ذلك سواء، قال أصبغ: لا يعجبني وهو ضامن إذا أمسك، ولا يعرف طلبا منه ولا ذكر لصاحبها ولا لغيره، ولا وجه مصيبة تطرق ولا سماع سرقة ولا غرق ولا غير ذلك قبل ذلك، وحضور الطالب أشد وأبين بإمساكه عنه، وكل سواء إذا طال هذا جدا وادعى أمرا قريبا لا ذكر له.

: استودع رجلا سيفا وضمنه إياه فعدا عليه ابن له فقاتل به فانكسر

قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم عندي أظهر من قول أصبغ؛ لأن الأصل براءة الذمة، فالواجب فيها سببا إلا بيقين، وهو قول محمد بن عبد الحكم، قال: أصحابنا يقولون: إن سمع ذلك منه قبل ذلك الوقت الذي يسألها فيه قبل منه، وإن لم يسمع ذلك منه إلا ذلك الوقت لم يقبل، قال محمد: وأنا أرى أن يحلف ولا شيء عليه، وبالله التوفيق. [: استودع رجلا سيفا وضمنه إياه فعدا عليه ابن له فقاتل به فانكسر] ومن كتاب الكراء والأقضية وسئل ابن القاسم: عمن استودع رجلا سيفا وقيمته أربعة دنانير وضمنه إياه فعدا عليه ابن له فقاتل به فانكسر وقيمته يوم تعدى الابن عشر دنانير. فقال: أرى عليه قيمته يوم استودعه إلا أن يكون القيمة يوم تعدى عليه أكثر، قال أصبغ: إن كان الضمان إنما ضمن أربعة التي هي القيمة فليس عليه غيرها والفضل على الابن المتعدي، وإن كان ضمن السيف ضمانا فعليه قيمته الكبرى كانت الأولى أو الآخرة. قال محمد بن رشد: قول أصبغ إن كان الضمان إنما ضمن أربعة التي هي القيمة فليس عليه غيرها والفضل على الابن المتعدي صحيح لا اختلاف فيه ولا كلام، وقوله: وإن كان ضمن السيف ضمانا فعليه قيمته الكبرى كانت الأولى أو الآخرة هو مثل قول ابن القاسم سواء وذلك بعيد جدا، والذي يوجبه النظر على أصولهم أن تكون عليه قيمته يوم دفعه إليه على الضمان إلا أن تعلم قيمته يوم تعدى عليه الابن فيكون ذلك عليه، كان أقل من قيمته يوم دفعه إليه أو أكثر ويرجع بذلك على الابن، وإنما يصح أن يكون عليه الأكثر من القيمتين إذا لم يعلم قيمته يوم تعدى عليه الابن إلا بقوله؛ لأنه إن ادعى أن قيمته

: استودع وديعة فطلب صاحب الوديعة وديعته فقال المستودع ما أدري

يوم تعدى عليه ابنه أقل لم يصدق، وإن ادعى أنها أكثر كان مقرا على نفسه، وهذا أبين وأصح، والله اعلم. [: استودع وديعة فطلب صاحب الوديعة وديعته فقال المستودع ما أدري] من نوازل سئل عنها أصبغ وقال أصبغ، في رجل استودع وديعة فطلب صاحب الوديعة وديعته من المستودع، فقال المستودع: والله ما أدري دفعتها إليك أم ضاعت مني؟ قال: لا أرى عليه ضمانا؛ لأنه إن كان دفعها فقد برئ وإن كانت ضاعت منه فهو فيها مؤتمن، فلا ضمان عليه إلا أن يكون المستودع إنما استودعها إياه ببينة فلا يبرأ منها بقوله: قد دفعتها إليك؛ حتى يقيم البينة بدفعها إليه وإلا غرم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا دفعها إليه بغير بينة فلا ضمان عليه، يريد: بعد أن يحلف ما هي عنده ولقد دفعها إليه أو تلفت؛ لأن القول قوله في كل واحد من الوجهين لو ادعاه بعينه، فكذلك إذا ادعى أحدهما بغير عينه، وأما إذا دفعها إليه ببينة، فبين أنه لا يبرأ منها بقوله: لا أدري إن كنت دفعتها إليك أو تلفت؛ لأنه لو ادعى أنه دفعها إليه لم يصدق، فكيف إذا قال: لا أدري إن كنت دفعتها إليك أو تلفت، ولو دفعها إليه ببينة، فقال المودع لربها: إن كنت دفعت إلي شيئا فقد ضاع؛ لبرئ منها بيمينه، قال ذلك عبد الله بن عبد الحكم، وهو على قياس قول أصبغ المذكور، وبالله التوفيق. [مسألة: استودع وديعة فدفنها في بيته] مسألة قلت له: فرجل استودع وديعة فدفنها في بيته أو بموضع فلما طلبها صاحبها، قال له المستودع: والله ما أدري ما فعلت، دفنتها حين دفعتها إلي، فطلبتها فلم أقدر على موضعها ولم أصبه.

: لا يقضى بالصرة لمن وجد عليها اسمه إذا لم يكن بخط يده

قال: أراه ضامنا، هذا مضيع لا يدري حيث دفنها إلا أن يقول: دفنتها في بيتي أو حيث يجوز لي دفنها من المواضع التي يرى أنه أحرزها فيها كما كان يحرز متاعه، فيزعم أنه طلبها في ذلك الموضع فلم يجدها، وقد اتفق أنه دفنها فيه فلا ضمان عليه فيها؛ لأنه هاهنا بمنزلة ما لو سقطت منه أو جاء عليها تلف من غير صنعه؛ لأنه فعل في دفنه ما يجوز له إذا كان يحفظ الموضع الذي دفنها فيه، وأما إذا قال: دفنتها ولا أدري حيث، فهذا متلف لها مضيع فهو ضامن. قال محمد بن رشد: لم يعذره في هذه المسألة بنسيان الموضع الذي دفن فيه الوديعة ويدخل في هذا اختلاف بالمعنى قد ذكرته في أول رسم من سماع أصبغ قبل هذا، فلا معنى لإعادته. [: لا يقضى بالصرة لمن وجد عليها اسمه إذا لم يكن بخط يده] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم: عن رجل هلك وترك ودائع ولم يوص فتوجد صرر فيها مكتوب وديعة فلان بن فلان وفيها كذا وكذا دينارا، أتراها لفلان الرجل الذي اسمه على الصرة إذا لم تكن بينة على أنه استودعها إياه إلا بقول وقد وجدوها عند الهالك كما ادعى؟ قال: ليس له فيها شيء لعله دفعه إلى أهل البيت دراهم حتى كتبوا له فوق هذه الصرر ما يريد. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه أنه لا يقضى بالصرة لمن وجد عليها اسمه إذا لم يكن بخط يده ولا بخط يد المودع، وقد مضى

مسألة: رد الرهن إذا قبضه بغيربينة

تحصيل القول في ذلك في رسم أسلم من سماع عيسى قبل هذا، فلا معنى لإعادته. [مسألة: رد الرهن إذا قبضه بغيربينة] مسألة وقال ابن القاسم، في رجل دفع إلى رجل وديعة أو رهنه رهنا ثم جاء يطلب وديعته أو جاء بافتكاك الرهن فأبى الذي في يديه الوديعة أو الرهن أن يدفع ذلك إلى أهله حتى يأتي السلطان فيعدي عليه بالدفع، فضاع ذلك الرهن أو الوديعة قبل أن يقضي عليه السلطان وبعد طلب المستودع وديعته وبعد طلب الراهن رهنه. قال: إن كان دفع ذلك إليه بغير بينة في الرهن والوديعة فأراه ضامنا. قال محمد بن رشد: في مساواته في هذه المسألة بين الرهن والوديعة بقوله: إن كان دفع ذلك إليه بغير بينة في الرهن فأراه ضامنا - دليل على أن القول قوله في رد الرهن إذا قبضه بغير بينة كالوديعة سواء، وذلك بعيد؛ لأن الرهن قبضه لمنفعة نفسه فلا يصدق في ضياعه ولا في رده بأن قبضه بغير بينة، والوديعة قبضها لمنفعة صاحبها ويصدق في ضياعها وفي ردها إلا أن يكون دفعت إليه ببينة، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الرواحل والدواب، فلعله إنما تكلم في هذه الرواية على الرهن الذي لا يغيب عليه فتصح المسألة؛ لأن الرهن الذي لا يغاب عليه يصدق المرتهن في رده إذا قبضه بغير بينة كما يصدق في تلفه كالوديعة. وقد اختلف إذا أبى المودع أن يدفع الوديعة إلى الذي أودعه إياها إلا بالسلطان، فترافعا إليه، فضاعت بين سؤاله إياه وبين إتيانه السلطان على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا ضمان عليه وإن كان قبضها منه بغير بينة؛ لأن له في ذلك

عذرا، يقول: خفت شغبه وأذاه، وهو قول محمد بن عبد الحكم. والثاني: أنه ضامن وإن كان قبضها منه ببينة؛ لأنه متعد، إذا منعه إلا بالسلطان وكان يقدر على أن يشهد عليه بالرد كما أشهد هو عليه بالقبض، وإلى هذا ذهب ابن دحون، فالرهن والوديعة على مذهبه سواء في هذا. والثالث: ما ذهب إليه في هذه الرواية من تفرقته بين ما يصدق فيه في الرد وبين ما لا يصدق، وبالله التوفيق. تم كتاب الوديعة والحمد لله

: استعار دابة إلى بلد فاختلفا

[: استعار دابة إلى بلد فاختلفا] كتاب العارية من سماع ابن القاسم من مالك قال سحنون: أخبرني ابن القاسم: عن مالك فيمن استعار دابة إلى بلد فاختلفا، فقال: أعرتنيها إلى بلد كذا وكذا، وقال المعير: بل أعرتك إلى بلد كذا وكذا، فإن كان يشبه ما قال المستعير فعليه اليمين. قال ابن القاسم: وذلك إذا ركب المستعير ورجع فالقول قوله، ولعل الدابة تعتل ويطلب منه كراء ما زاد، فإذا كان يشبه ما قال المستعير فالقول قوله مع يمينه، وإذا لم يركبها فالقول قول صاحب الدابة، وإنما ذلك بمنزلة رجل أخدم رجلا خادما أو أسكنه منزلا فسكن الرجل الدار واختدم العبد سنة، فقال المخدم: أخدمتني سنة وأسكنتني سنة وقد انقضت السنة، فالقول قول المخدم إذا جاء بما يشبه، إن قال الآخر: أخدمتك أو أسكنتك ستة أشهر لم يقبل قوله، وهو مدعٍ إلا أن يأتي المخدم أو المسكن بما لا يشبه، ولو كان لم يقبض المسكن أو المخدم ما أُعْطِيَ كان القول قول صاحب العبد أو المسكن، هذا يبين لك العارية. قال محمد بن رشد: لا اختلاف بينهم في أن القول قول المعير إذا اختلفا في العارية إلى أي بلد أعاره إياها قبل الركوب أو بعد وصوله إلى البلد

الذي أَقَرَّ بِهِ المعير، فتفسير ابن القاسم لقول مالك في قوله: إن القول قول المستعير إذا كان يشبه وعليه اليمين بقوله، وذلك إذا ركب المستعير ورجع - صحيح. ومثله في المدونة من رواية عبد الرحمن عن مالك، وفي الدمياطية لابن القاسم خلافه: أن القول قول المعير إذا اختلفا بعد الرجوع، بخلاف إذا كان معه في سفره فاختلفا بعد الرجوع. ونص الرواية، قال: وسئل ابن القاسم: عن رجل استعار ثوبا فحبسه عن صاحبه شهرا أو شهرين فجاء به وقد تغير، وقال صاحبه: إنما أعرتك اليوم واليومين، وقال المستعير: إنما استعرته منك إلى أن أقدم من سفري وأتجمل به حتى أكتسي، قال: أرى إن كان حاضرا وهو معه لا يسأله عنه، فالقول قول المستعير ويحلف. وأما السفر فإني أراه متعديا إذا حلف صاحب الثوب إلا أن يكون للمستعير بينة على ما قال، فالخلاف في المسألة إنما هو إذا غاب المستعير عن المعير بالدابة أو الثوب، فلما رجع قال له المعير: قد تعديت في وصولك بالدابة إلى حيث وصلت بها، أو في إمساكك الثوب عني طول هذه المدة إذ لم أعرك الدابة إلا إلى بلد كذا أو الثوب إلا إلى مدة كذا. فوجه قول مالك: أن المعير لما أسلم الدابة أو الثوب إلى المستعير فقد ائتمنه وصار مدعيا عليه في تضمينه الدابة إن كانت تغيرت أو تلفت في المسافة التي يدعي أنه لم يأذن له فيها أو في تضمينه الكراء فيها إن كانت على حالها، وهو الذي اعتل به ابن القاسم بقوله في الرواية: وذلك لعل الدابة تعتل، يريد: فيكون مدعيا عليه في تضمين قيمتها أو لا تعتل، فيكون مدعيا في طلب كراء ما زاد، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، فوجب أن يكون القول قول المستعير إذا أشبه ما ادعاه. ووجه قول ابن القاسم في الدمياطية: أن الأصل قد حصل في أنه لا يؤاخذ أحد بأكثر مما يقر به على نفسه، والمستعير مدع على المعير في المسافة التي لم يقر أنه أعاره إليها، ولا دليل له على دعواه لكونه غائبا عنه، بخلاف إذا كان حاضرا معه؛ لأن في سكوته على طلب دابته منه عند انقضاء المسافة الأولى - دليل على أنه أعاره إياها إلى الثانية، وكذلك الثوب، فقوله

: يسأل الرجل أن يهبه الذهب فيقول نعم فيبدو له أن لا يفعل

في الرواية: وإنما ذلك بمنزلة رجل أخدم رجلا خادما أو أسكنه منزلا ... إلى آخر قوله: لا يلزم المخالف. وهو قول ابن القاسم في رواية الدمياطي عنه؛ لأن الذي يأتي على قياس قوله في الرواية: أن يكون القول في الإخدام والإسكان قول رب الخادم ورب المسكن في المدة التي أخدمه إليها وأسكنه إليها إذا كان غائبا عنه ولم يكن حاضرا معه، فيكون سكوته عن طلب خادمه ومسكنه عند انقضاء المدة التي أقر أنه أخدمه وأسكنه إليها دليلا على دعوى المخدم أو المسكن، فوجب أن يكون القول قوله، إذا ادعى من ذلك لما يشبه، وبالله التوفيق. [: يسأل الرجل أن يهبه الذهب فيقول نعم فيبدو له أن لا يفعل] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل: عن الرجل يسأل الرجل أن يهبه الذهب، فيقول: نعم، فيبدو له أن لا يفعل، أفترى ذلك يلزمه؟ قال: أما إن قال: أنا أفعل أو أنا فاعل، فما أرى ذلك يلزمه، ومن ذلك وجوه لو كان في قضاء دين فسأله، فقال: نعم، ورجال شهود عليه، فما أحراه أن يلزمه، والشهادة في ذلك أبين وما أحق إيجابه. قال ابن القاسم: إذا اقتعد الغرماء على موعد منه أو أشهد بإيجاب ذلك على نفسه أن يقول أشهدكم أني قد فعلت، فهذا الذي يلزمه، فأما أن يقول له نعم أنا أفعل ثم يبدو له، فلا أرى ذلك عليه. قال محمد بن رشد: اختلف في العدة هل يلزم القضاء بها أم لا؟ على أربعة أقوال: أحدها: أنه يلزم القضاء بها وإن لم يكن على سبب، رُوِيَ عن عمر بن عبد العزيز أنه قضي بها على ما وقع في كتاب العدة، على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وأي المؤمن واجب» ، وهذا لا حجة فيه؛ لأن

الحديث ليس على ظاهره في الوجوب؛ لأن معناه واجب في مكارم الأخلاق ومحاسنها، بدليل تخصيصه المؤمن؛ لأنه لما لم يعم، فيقول: الوأي واجب؛ علم أنه أراد بعض المؤمنين، وهم الممدوح إيمانهم، فدل ذلك على الندب إذا لم يعلم به جميع المؤمنين؛ كقول الله تعالى في المتعة: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] و {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] . والثاني: أنه يقضي به إن كان على سبب وإن لم يدخل بسبب عدته في السبب، وهو قول أصبغ في كتاب العدة، وقول مالك في هذه الرواية نحوه؛ لأنه قال فيها: ولو كان في قضاء دين فسأله فقال نعم ورجال شهود عليه، فما أحراه أن يلزمه ولم يحقق إيجابه؛ لأن قوله: أنا أقضي عنك دينك، وأنا أسلفك لتقضي دينك، أو أهبك لتقضي دينك عدة بسبب، فهي كالعدة على سبب، إذ لا فرق بين أن يسأله أن يسلفه أو يهبه ليقضي دينه فيقول له: نعم أنا أفعل، وبين أن يقول له ابتداء من غير أن يسأله: أنا أسلفك أو أهبك لتقضي دينك، أو أنا أقضي عنك دينك، وقوله: أنا أسلفك أو أنا أسلفك عدة على غير سبب، ففرق مالك بين الوجهين. ومعنى قوله: ورجال شهود عليه، أي: ورجال حضور شهدوا عليه قوله من غير أن يشهدهم على نفسه. وقوله: والشهادة في ذلك أبين وما أحقق إيجابه، معناه: إذا قال نعم أشهدكم أني أفعل أو أني فاعل، وأما لو قال: أشهدكم أني قد فعلت لما وقف عن التحقيق في إيجابه عليه، ولزم القضاء به عليه كما قال ابن القاسم. والثالث: أنه لا يقضي بها وإن كانت على سبب إلا أن يدخل من أجل عدته في السبب، وهو معنى قول ابن القاسم في هذه الرواية: إنما اقتعد الغرماء منه على موعد

: أمة أتت إلى جارة لها بقلادة استعارتها لها فأنكرت حين جاءتها بها

أن ذلك يلزمه بمنزلة إشهاده بإيجاب ذلك على نفسه؛ لأنهم تركوا بوعده إياهم التوثق من غريمهم فأضرت بهم عدته إن أخلفهم فيها، وهو قول سحنون في كتاب العدة: إن العدة لا تلزم إلا أن يكون على سبب فيدخل من أجل عدته في السبب، مثل أن يقول الرجل للرجل: افعل كذا وكذا وأنا أسلفك، فيفعله، فقول الرجل للذي عليه الدين أنا أقضي عنك الدين الذي عليك يفترق عند ابن القاسم من قوله للذي عليه الدين: أنا أقضيك الدين الذي لك، لا يلزمه في الأول ويلزمه في الثاني على ما بيناه. والرابع: أن العدة لا تلزم ولا يقضي بها وإن كانت على سبب ودخل في السبب، وهو الذي يأتي على ما روى ابن نافع عن أشهب عن مالك في أول سماع أشهب بعد هذا؛ لأنه غره بما وعده فترك أن يحتال لنفسه بما يبريه من سلف أو غيره، فكان بمنزلة من قال لرجل: تزوج وأنا أنفق عنك، أو تزوج وأنا أسلفك، فتزوج فأبى أن يسلفه، فقول ابن القاسم في هذه الرواية خلاف قول مالك فيها على ما تأولناه؛ لأنه لم ير العدة تلزم بالسبب حتى يدخل فيه، ورآها مالك لازمة بالسبب، وإن لم تدخل فيه، ولم يرها في رواية أشهب لازمة بحال، وإن دخل بالسبب، وبالله التوفيق. [: أمة أتت إلى جارة لها بقلادة استعارتها لها فأنكرت حين جاءتها بها] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وقال مالك، في أمة أتت إلى جارة لها بقلادة استعارتها لها، فأنكرت حين جاءتها بها، فقالت: ما حملك على أن استعرتها لي؟ وأنكرت ذلك وشهد عليها ناس فقبلتها منها لتردها على التي استعارتها منها، فاغتلت القلادة عندها قبل أن تردها، قال مالك: أرى أن تغرمها حين قبلتها، فلو شاءت لم تقبلها، قيل له: إن التي هي لها تزعم أنها ثمن خمسة عشر دينارا، وقالت التي قبلتها: ما ثمنها إلا ستة دنانير، قال: أرى أن تصفها التي قبلتها ثم تحلف على صفتها ثم تقوم على ذلك، ثم يلزمها غرم ما قومت به.

مسألة: خرج إلى مسكين بشيء فلم يقبله

قال محمد بن رشد: إنما وجب أن تغرمها إذا قبلتها فاغتلت منها قبل أن تردها؛ لأنها لما قبلتها فقد صدقتها في أنها استعارتها لها، ولو أقرت المستعيرة أنها لم تأذن لها في استعارتها لها لوجب أن يكون الضمان منها؛ لأنها كانت تكون كالرسول لها على ردها. وقوله: إن الغارمة لها هي التي يكون القول قولها في قيمتها وتحلف على صفتها - صحيح؛ لأنها هي المدعى عليها، وبالله التوفيق. [مسألة: خرج إلى مسكين بشيء فلم يقبله] مسألة وقال، في الرجل يسأله الرجل الشيء يعطيه إياه ويذكر له حاجته، ويقول: ائتني غدا، فيأتي بشيء يعطيه إياه ولا يجده، فقال مالك: ما أراد بذلك؟ فقيل: أراده لله، قال: فلينفذ ذلك لله على غيره، قيل له: فإن لقيه بعض إخوانه وأقاربه فسأله أن يوصله فوعده فذهب فلم يلقه؟ فقال: إن أحب أن ينفذه على مثل ذلك، فإن أبى فلست أراه عليه بواجب. قال مالك، في السائل يقف عند الباب، فيأمر الرجل جاريته تعطيه شيئا فتجده قد ذهب، فقال مالك: أرى أن تعطيه غيره من المساكين، وما أراه عليه بواجب. قال محمد بن رشد: ذكر ابن أبي زيد مسألة السائل يقف بالباب هذه - في النوادر، ووصل بها، قال: ومن خرج إلى مسكين بشيء فلم يقبله فليعطه غيره، وهو أشد من الأول وليس بينهما فرق بين. والمعنى الذي ذهب إليه ابن أبي زيد في الفرق بينهما، والله أعلم: هو أنه لما وجده فأبى أن يقبلها وقد كان له أن يقبلها فردها أشبه عنده بردها إليه بعد قبوله إياها، ولعله إنما ردها إليه ليعطيها لغيره، مثل أن يقول له: أنا لا حاجة لي بها فادفعها لغيري، فيكون ذلك قبولا منه لها، ويكون بذلك راجعا في صدقته، والاختيار في هذه

: استعار ثوبا يوما أو يومين أو أياما مسماة ثم تعدى فلبسه أكثر مما استعاره

المسائل كلها أن ينفد ذلك على غير الذي قصده بصدقته من غير وجوب، وأخفها الرجل يلقاه بعض إخوانه أو أقاربه فيسأله أن يصله، وتليها الرجل الأجنبي يلقاه الرجل فيذكر له حاجته فيعده أن يعطيه، وتليها الرجل يأمر بالشيء للسائل يسمعه فيوجد قد ذهب، وتليها أن يوجد فلا يقبل وهو أشهدها على ما وقع في النوادر، وهذا إذا لم تكن له نية إن لم يجده في أن يصرفه إلى ملكه أو يبتله لغيره، وأما إن كانت له نية فله نيته، وبالله التوفيق. [: استعار ثوبا يوما أو يومين أو أياما مسماة ثم تعدى فلبسه أكثر مما استعاره] ومن كتاب باع غلاما وسئل: عمن استعار ثوبا يوما أو يومين أو أياما مسماة ثم تعدى فلبسه أكثر مما استعاره، قال: يلزمه ما نقص من قيمتها بعد الأيام التي استعار إليها وإن كان قد أخلقه رده وما نقص من ثمنه بعد تلك الأيام التي استعاره إليها. قال محمد بن رشد: المعروف من قوله أن صاحب الثوب مخير إذا أخلقه إن شاء أخذ ثوبه وما نقصه اللباس، وإن شاء أخذ قيمته يوم تعدى عليه، وقال أشهب: إنما هو مخير بين أخذ ثوبه ولا شيء له غيره، أو يأخذ قيمته يوم تعدى عليه، وقد روي عن ابن القاسم مثل قول أشهب، والقولان قائمان من المدونة، وما هاهنا أيضا يقوم من قوله في المدونة: وقد كان مالك يقول: يغرم ما نقص ولا يفرق بين قليل من كثير، فهي ثلاثة أقوال في الفساد الكثير، ولا اختلاف في الفساد اليسير: أنه ليس عليه إلا ما نقصه بعد الرفق، وبالله التوفيق.

: حلف لرجل له عليه حق ليوفينه إلى أجل

[: حلف لرجل له عليه حق ليوفينه إلى أجل] من سماع أشهب وابن نافع من مالك قال سحنون: قال لي أشهب وابن نافع: سئل مالك: عمن حلف لرجل له عليه حق ليوفينه إلى أجل فلما خشي الحنث ذكر ذلك لرجل، فقال له: لا تخف ائتني العشية أعطيكها، فلما كان العشي جاءه فأبى أن يعطيه شيئا، فقال له: غررتني حتى خفت أن تدخل على الطلاق، أتراه له لازما أن يسلفه؟ فقال: والله ما أرى ذلك لازما له، قال له: أنا أسلفك، فلم يسلف، أنا أعيرك دابتي، فلم يعره، أنا أهب لك فلم يهبه - ما أرى له عليه شيئا ولا أدري كيف هو في ذلك بينه وبين الله، وما هذا من مكارم الأخلاق ولا محاسنها. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه يلزمه، وهو أظهر؛ لأنه غره ومنعه أن يحتال لنفسه بما يبريه من سلف أو غيره، وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذه المسألة في رسم طلق من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [: يستأذن جاره في خشبة يغرزها في جداره فيأذن له ثم يغضبه فيريد أن ينزعها] ومن كتاب الأقضية وسئل مالك: أترى من قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ «لا ضرر ولا ضرار» أن يستأذن الرجل جاره في خشبة يغرزها في جداره فيأذن له ثم يغضبه، فيريد أن ينزعها، فقال: إن كان أذن له فما أرى له أن ينزعها على وجه الضرر؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال: «لا ضرر ولا ضرار» ، فهذا منه، فأما إن كان احتاج إلى جداره لأمر لم يرد به الغرز، رأيت ذلك للرجل أن يبني في جداره ويرفعه ما بدا له وإن كان في ذلك مضرة على جيرانه؛ لأن الرجل يعمل في حقه ما أحب.

: أرفق رجلا مرفقا ثم بدا له أن ينتزعه

فقيل له: أرأيت إن كان أراد البيع فجاءه، فقال: إني أريد البيع وأريد أن تنتزع خشبتك والمشتري ينزع هذه الخشبة، تزيدني خمسين دينارا، فقال: تبيعها على حالها وفيها الخشب، أرأيت إن كان المشتري عدوا له، فأراد الإضرار به، ما زاد ذلك له؟ قلت: أرأيت إن عرف صحة ذلك؟ قال: ما أراه ذلك له. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية مستوفى، فلا معنى لإعادته. [: أرفق رجلا مرفقا ثم بدا له أن ينتزعه] من كتاب الأقضية الثاني وسئل: عمن أرفق رجلا مرفقا ثم بدا له أن ينتزعه، فقال: أما أنا فأرى أنه إن كان إنما أراد ذلك لحاجته إليه، فأرى ذلك له إن أراد أن يرفع جداره ويكون ذلك أضر به، فأما أن يكون على وجه الضرر له والشنآن، فلا أرى ذلك له، فقلت له: أذلك لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ضرر ولا ضرار» ؟ فقال: إنا نقول: ليس له أن يفعله على وجه الضرر. قال محمد بن رشد: وهذه المسألة من معنى المسألة المتقدمة في الرسم الذي قبله، وقد مضى القول عليه في سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية مستوعبا حسبما ذكرناه، فلا وجه لإعادته. [: رجل قال لبيعه بع ولا نقصان عليك ثم رجع عن ذلك] ومن كتاب فيه الوصايا والحج قال أشهب: وسمعت مالكا يسأل عن رجل، قال لبيعه: بع ولا

نقصان عليك، ثم رجع عن ذلك، فقال: لو قال له قولا غارما بينا ثم رجع لم أر ذلك له، ورأيته لازما له، فقال له: أرأيت الذي يقول بعد إيجاب البيع: بع ولا نقصان عليك، فيبيع ثم يدعي أن قد نقص، قال: يصدق فيما يشبه وعليه اليمين. قال: وسمعته أيضا يسأل عن المبتاع يقال له بع ولا وضيعة عليك، ثم يقول وضعت كذا وكذا، أيصدق؟ قال: نعم إذا جاء بما يشبه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا قال له بعد البيع: بع ولا نقصان عليك - يلزمه؛ لأن معنى قوله: بع ولا نقصان عليك: أن بع والنقصان علي، فهو أمر قد أوجبه على نفسه، والمعروف على مذهب مالك وجميع أصحابه لازم لمن أوجبه على نفسه، يحكم به عليه ما لم يمت أو يفلس، وسواء قال له ذلك قبل أن ينتقد أو بعدما انتقد إلا أن يقول له قبل أن ينتقد: أنقدني وبع ولا نقصان عليك، فلا يجوز ذلك؛ لأنه قد دخله بيع وسلف. وقال في سماع عيسى من كتاب العدة: إنه لا خير في ذلك؛ لأنه يكون فيه عيوب وخصومات، فإن باع بنقصان لزمه أن يرد عليه النقصان إن كان قد انتقد وإلا يأخذ منه أكثر مما باع به إن كان لم ينتقد، وهذا إذا لم يغبن في البيع غبنا بينا وباع بالقرب ولم يؤخر حتى تحول الأسواق، فإن أخر حتى حالت الأسواق فلا شيء له؛ لأنه فرط، والقول قوله مع يمينه في النقصان إذا أتى بما يشبه كما قال؛ لأنه قد ائتمنه على ذلك، فوجب أن يصدق إلا أن يأتي بما يستنكر. واختلف إذا كان عبدا فأبق أو مات، فقيل له: إنه لا شيء له، وقيل: إنه موضوع عنه، وهو اختيار ابن القاسم في سماع عيسى من الكتاب المذكور، قال فيه: وأما إن كان ثوبا أو ما يغلب عليه فلا يصدق في تلفه إلا ببينة، ولا يحل للمشتري أن يطأها إن كانت أمة إذا رضي بالشرط وقبله، قال ابن

: دفع إلى رجل حمارا ليحج عليه فتعدى عليه الحاج فباعه

القاسم: فإن وطئ لزمته الجارية بجميع الثمن، ولا يعدى على البائع بشيء؛ لأنه لما وطئ فقد ترك ما جعل له، وأما إذا باع منه على أن لا نقصان عليه فلا يجوز، واختلف إذا وقع، فقيل: إنه بيع فاسد، ويحكم له بحكم البيع الفاسد، وقيل: إنه ليس ببيع فاسد، وإنما هي إجارة فاسدة، وسيأتي القول على هذا في موضعه من كتاب العدة، إن شاء الله تعالى. [: دفع إلى رجل حمارا ليحج عليه فتعدى عليه الحاج فباعه] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم وقال، في رجل دفع إلى رجل حمارا ليحج عليه فتعدى عليه الحاج فباعه بعشرة دنانير، ثم وجده الحاج بعد ذلك يباع فابتاعه بخمسة دنانير: إن صاحب الحمار بالخيار إن شاء يأخذ حماره وخمسة دنانير، وإن شاء ضمنه العشرة وترك الحمار. قال محمد بن رشد: قال: إنه إذا باع الحمار بعشرة دنانير ثم اشتراه بخمسة، إن صاحبه بالخيار بين أن يأخذ حماره والخمسة، وبين أن يضمنه العشرة ويترك له الحمار، ولم يفرق بين أن يكون اشترى الحمار بخمسة لنفسه أو لربه، وكذلك روى ابن أبي جعفر الدمياطي عن ابن القاسم في رجل اغتصب حمارا فباعه بعشرين ثم اشتراه بعشرة فاستحقه صاحبه وهو عند غاصبه على حاله لم يتغير، قال: هو مخير، إن شاء أخذ حماره والعشرة التي يفضلها، وإن شاء تركه وألزمه العشرين التي كان باعه بها، ولم يفرق أيضا بين أن يكون اشترى الحمار بعشرة لنفسه أو لرب الحمار، ولا يصح أن يحمل الكلام على ظاهره في واحدة من المسألتين، بل يفسر بما قاله محمد بن المواز، وذلك أنه حكى المسألة الأولى على نصها، فقال: وهذا إذا اشتراه لربه، وأما لنفسه أو لمن يأمره بشرائه، فالخمسة له، وليس لرب الحمار إلا الرضا بالبيع الأول ويأخذ عشرة أو يأخذ حماره فقط.

قال محمد بن رشد: قال أبو إسحاق التونسي: فإن أخذ حماره رجعت الخمسة إلى مشتريه أولا بعشرة؛ لأن رب الحمار إذا أخذ حماره بالاستحقاق انتقضت البيعتان جميعا، وكان المشتري الأول قد أخرج عشرة رجع إليه منها خمسة وبقي له خمسة، فرجع بها على البائع منه، وهو المستعير تمام العشرة التي دفع إليه، وقول أبي إسحاق صحيح مفسر لكلام ابن المواز، ألا ترى أنه لو باعه المستعير بعشرة، ثم باعه مبتاع بعشرة من آخر بخمسة، فجاء صاحبه فأخذه من يد الثاني لرجع الثاني على الأول بالخمسة التي دفع إليه، والأول على المستعير البائع منه بالعشرة التي دفع إليه، وهو دليل ما في سماع سحنون بعد هذا أنه إنما اشتراه لربه، ولو باع الحمار بعشرة ثم اشتراه بخمسة عشر كان صاحب الحمار بالخيار إن شاء أن يأخذ حماره أخذه، وإن شاء أن يجيز البيع الثاني فيأخذ الخمسة عشر من البائع الثاني الذي قبضها، وإن شاء أن يجيز البيع الأول فيأخذ العشرة من البائع الأول الذي قبضها وهو المستعير، فإن أخذ حماره انتقضت البيعتان جميعا ورجع المبتاع الثاني المأخوذ من يده الحمار على البائع منه، وهو المبتاع الأول بالخمسة عشر التي دفع إليه، ويرجع هو عليه بالعشرة التي باع الحمار بها منه ولا يقاصه بها من الخمسة عشر فيرجع عليه بخمسة لا أكثر، وإن أجاز البيع الثاني، فأخذ الخمسة عشر من البائع الثاني الذي قبضها صح البيع الثاني وانتقض البيع الأول، ورجع البائع الذي قبض صاحب الحمار منه الخمسة عشر على بائعه، وهو المشتري الثاني الذي بقي الحمار بيده بالعشرة التي دفع إليه، وإن أجاز البيع الأول وأخذ العشرة من البائع الأول وهو المستعير للحمار المشتري الثاني بقي الحمار بيده، وصحت البيعتان جميعا ولم يكن بينهما تراجع. وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة كلاما لا يصح، قال: إنه إن أخذ الخمسة عشر صح البيع الأول وبقي الحمار للمشتري الأول، وإن أخذ العشرة بطل البيع الأول والثاني، وبقي الحمار للمستعير بالعشرة. والصواب ما ذكرناه أنه إن أخذ الخمسة عشر صح البيع الثاني،

: أعارت أخرى حجلة لها ولم تشهد على ذلك إلا امرأتان

وانتقض البيع الأول، وإن أخذ العشرة صحت البيعتان جميعا وبقي الخيار في الوجهين جميعا للمشتري الثاني والمستعير للحمار، وبالله التوفيق. [: أعارت أخرى حجلة لها ولم تشهد على ذلك إلا امرأتان] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل: عن امرأة أعارت أخرى حجلة لها ولم تشهد على ذلك إلا امرأتان، فتزوجت المستعيرة، ودخلت المعيرة إلى الريف وأقامت عشر سنين وماتت المستعيرة فأتت المعيرة تطلب الحجلة وأنكر ورثة المستعيرة فشهدت المرأتان بالعارية وقد غابت الحجلة. قال ابن القاسم: تحلف المرأة مع شهادة المرأتين بالله الذي لا إله إلا هو ما قبضتها بعد عاريتها ولا باعت ولا وهبت، وتستحق ذلك في مال المتوفاة. قال محمد بن رشد: قوله: إن المعيرة تحلف مع شهادة المرأتين بالله الذي لا إله إلا هو ما قبضتها بعد عاريتها ولا باعت ولا وهبت، معناه: بعد يمينها مع شهادتها لقد أعارتها إياها، وهذا ما لا خفاء به، وإنما سكت عنه بالعلم به، إذ لا يخفي بأنها لا تستحق العارية بشهادة المرأتين دون يمين، فأراد أنها لا تكفي بحلفها مع شهادة المرأتين أنها أعارتها دون أن تحلف ما قبضتها بعد عاريتها ولا باعت ولا وهبت، ولا بد من أن تحلف أيضا على صفتها، فيكون في مال المتوفاة ما قومت به الصفة التي حلفت عليها، وبالله التوفيق. [مسألة: هلكت العارية عند المستعيرة] مسألة وقال: إذا هلكت العارية عند المستعيرة وصفتها وحلفت على الصفة إذا كانت العارية مما يغاب عليها، فإن نكلت عن اليمين

: ادعى وكالة رجل يقبض له بها مالا وادعى تلفه

وصفتها المعيرة وحلفت على الصفة وتستحق حقها، وذلك إذا لم يكن على صفتها شهود. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف أعلمه فيه في المذهب؛ لأن لمستعيرة غارمة لما تغيب عليها من المتاع، فالقول قولها في صفة ذلك على ما أحكمته السنة من أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر. [: ادعى وكالة رجل يقبض له بها مالا وادعى تلفه] ومن كتاب البراءة وسألته: عن الخادم أو الحرة تأتي قوما فتستعير منهم حليا وتزعم أن أهلها بعثوها فيعيرونها فيهلك الحلي منها فيجحد أهلها ويقرون أنهم بعثوها وقد هلك منها المتاع قبل أن تخلص إليهم، أو يأتي الرجل الرجل، فيقول: إن فلانا بعثني إليك لتعيره شيئا من متاعك أو تبتاع له بدين، قال: إن صدقوه الذين بعثوه فهم ضامنون والرسول برفي، وإن حجدوا وحلفوا ما بعثوه حلف الرسول بالله لقد بعثوه ولا شيء على كل واحد منهم؛ لأن الذين بعثوه لم يقروا له بشيء وإن الرسول قد صدقه الذين أعطوه بما جاء به من الرسالة، فليس عليهم أكثر من يمينهم بالله ما بعثوه، وإن أقر الرسول بأنه تعدى وكان حُرًّا ضَمِنَ، وإن كان عبدا كان في ذمته إن أعتق يوما ما أو أفاد مالا ولم يكن في رفقته شيء، قال: ولو زعم الرسول أنه قد أوصله إلى الذين بعثوه وجحدوه لم يكن عليهم ولا عليه إلا اليمين ويبروا. قال محمد بن رشد: اختلف فيمن ادعى وكالة رجل يقبض له بها مالا وادعى تلفه، فقيل: يصدق فيما ادعى من الوكالة مع يمينه؛ لأن الغريم

الدافع إليه قد صدقه، ويسقط عنه الضمان ويرجع صاحب المال بماله على الغريم بعد يمينه إن كانت للغريم بينة على معاينة الدفع، وهذا يأتي على رواية عيسى هذه، ولا يرجع الغريم على الوكيل بشيء؛ لأنه قد صدق فيما ادعى من الوكالة بيمينه، فكان ذلك كما لو ثبت بالبينة أو أقر بها صاحب المال على ما في كتاب النكاح الأول من المدونة إلا أن يكون فرط في دفع المال إلى الموكل حتى تلف عنده. قاله ابن الماجشون، وهو مذهب ابن القاسم، وحمله مطرف على التفريط، فأوجب للغريم الرجوع عليه، وقيل: لا يصدق وهو ضامن، يحلف صاحب المال ما وكله، ويرجع بماله على من شاء منهما، فإن رجع على الغريم رجع الغريم على الوكيل، وإن رجع على الوكيل لم يكن للوكيل أن يرجع على أحد، وهذا يأتي على ما في كتاب الوديعة من المدونة وعلى ما في سماع سحنون بعد هذا من هذا الكتاب لابن القاسم وأشهب. فعلى القول بأن الوكيل يصدق فيما ادعاه فيحلف ويسقط عنه الضمان، وهو قوله في هذه الرواية: إن أقر بالعداء كان ذلك في ذمته إن كان عبدا، ولم تكن في رقبته؛ لأنه لا يلزمه عليها شيء إلا بالإقرار، وإقراره لا يجوز على سيده ولا يعدو ذمته. وأما على القول بأنه لا يصدق فيما ادعاه من الوكالة ويلزمه الغرم بعد يمين صاحب المال أنه ما وكله، فاختلف إن كان عبدا، هل يكون ذلك في رقبته أم لا؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك يكون في رقبته، وإن كان الغريم قد صدقه فيما ادعاه من الوكالة ودفع إليه باختياره؛ لأنه خلبه، وهو قول أشهب وابن القاسم في سماع سحنون بعد هذا. والثاني: أن ذلك لا يكون إلا في ذمته؛ لأن الغريم قد صدقه فيما ادعاه من الوكالة ودفع إليه باختياره. والثالث: أن ذلك لا يكون في رقبته إلا أن يقر بالعداء، وبالله التوفيق.

: يستعير العارية مما يغيب عليه فيأتي به مكسورا

[: يستعير العارية مما يغيب عليه فيأتي به مكسورا] ومن كتاب أوله باع شاة قلت لابن القاسم: فالرجل يستعير العارية مما يغيب عليه مثل الثوب أو الفأس أو المنشار أو غير ذلك فيأتي به مكسورا فيقول انكسر في الذي أعرتنيه، هل يصدق في ذلك؟ قال: لا يصدق فيه، وهو ضامن، وقال ابن وهب مثله، قال عيسى: لا ضمان عليه إذا أتي بذلك بما يشبه، ويرى أنه إنما انكسر في العمل؛ لأن ذلك لا يخفى. قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها أربعة أقوال: أحدها: قول ابن القاسم وابن وهب هذا أنه لا يصدق إذا أتى به مكسورا في أنه انكسر في الشيء الذي أعاره إلا أن يأتي على ذلك بالبينة، وهي رواية ابن أبي جعفر الدمياطي عن ابن القاسم أيضا. والثاني: أنه يصدق إذا أتى من ذلك بما يشبه، وهو قول عيسى بن دينار، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وأصبغ، واختاره، غير أنه رأى من محاسن الأخلاق أن يصلحه. والثالث: قوله في المدونة في السيف: إنه لا يصدق إلا أن يكون له بينة أنه كان معه في اللقاء. والرابع: قول سحنون: أنه لا يصدق إلا أن يكون بينة أنه ضرب به في اللقاء ضربا يجوز له، وهذا أبعد الأقاويل. وأولاها بالصواب قول عيسى بن دينار الذي اختاره ابن حبيب أن يصدق إذا أتى من ذلك بما يشبه، ويرى أنه إنما انكسر في العمل الذي أعاره فيه، يريد: مع يمينه، والله أعلم، وبه التوفيق. [: الجدار يكون بين الدارين لأحد الرجلين ويكون قد مال] من نوازل سئل عنها عيسى بن دينار وسئل عيسى: عن الجدار يكون بين الدارين لأحد الرجلين

: يستعير الثوب المرتفع أو الدني يحبسه ويمسك مصباحا فيسقط على الثوب فيفسده

ويكون قد مال، فيسأل الذي ليس هو له صاحبه الذي هو له أن يأذن له يهدمه، فيهدمه ويبنيه له على أن يحمل عليه خشب بيته فيفعل، هل يكون سبيل هذا سبيل العارية، يكون المعير إذا احتاج إلى جداره أولى به من المعار؟ قال: بل سبيله عندي الاشتراء، لا يكون لصاحب الجدار أن يرفع خشب الباني عنه أبدا وإن احتاج إليه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، إذ لا فرق بين أن يسمي له حائطه على أن يحمل عليه خشب بيته وبين أن يعطيه على ذلك دنانير أو دراهم، وإنما الاختلاف إذا أذن له في ذلك على غير عوض، ثم أراد أن ينزعها حسبما مضى القول فيه مستوفى في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية، وبالله التوفيق. [: يستعير الثوب المرتفع أو الدني يحبسه ويمسك مصباحا فيسقط على الثوب فيفسده] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم وسألته: عن الرجل يستعير أو يكتري الثوب المرتفع أو الدني يحبسه ويمسك مصباحا فيسقط على الثوب فيفسده، أيضمن ما أفسد فيهما أو لا؟ فقال: نعم، ضمان ذلك واجب عليه في الرفيع والدني، فإن كان يسيرا أصلحه وإن كان مفسدا غرم قيمة الثوب وحبسه، قال: وسواء سقط على ثوب استعاره، أو سقط على رجل كان إلى جنبه هو ضامن في الأمرين جميعا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

: يستعير الدابة إلى موضع يركبها إليه فيبيعها قبل أن ينتهي الموضع بعشرة دنانير

[: يستعير الدابة إلى موضع يركبها إليه فيبيعها قبل أن ينتهي الموضع بعشرة دنانير] من سماع سحنون من ابن القاسم قال: وسألته: عن الرجل يستعير الدابة إلى موضع يركبها إليه فيبيعها قبل أن ينتهي الموضع بعشرة دنانير، فلما رجع اشتراها بخمسة دنانير وأتى بها إلى صاحبها، قال ابن القاسم: سيد الدابة بالخيار إن شاء أخذ دابته والخمسة دنانير التي نقصها البائع لأنها ثمن دابته، وإن شاء أخذ العشرة دنانير، وكذلك بلغني عن مالك. قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية: وأتى بها إلى صاحبها - يدل على أنه إنما اشتراها لربها، وعلى ذلك أتى جوابها به وقد مضى الكلام على ذلك في أول سماع عيسى فلا وجه لإعادته. [مسألة: ركوب الدابة إلى غير البلد الذي استعارها إليه] مسألة قال سحنون: أخبرني علي بن زياد أنه سمع مالكا يقول، وسئل: عن رجل استعار دابة إلى بلد سماه فركبها إلى غير ذلك البلد الذي استعارها إليه فعطبت الدابة، أتراه ضامنا أم لا؟ فقال مالك: إن كان البلد الذي ركبها إليه في السهولة والحزونة مثل البلد الذي استعارها إليه فلا ضمان عليه. قال محمد بن رشد: قوله: لا ضمان عليه - يدل على أنه ليس بمتعد في ركوبها إلى غير البلد الذي استعارها إليه إذا كان مثله في السهولة والحزونة وأن له أن يفعل ذلك، ولابن القاسم في المبسوطة أنه ضامن إن ركبها إلى غير البلد الذي استعارها إليه، وهو الذي يأتي على أصله في كتاب الرواحل والدواب من المدونة في أن من أكرى دابة إلى بلد فليس له أن يركبها إلى بلد

مسألة: العبد يطلب الشيء فيعطاه ثم يدعى تلفه

غير ذلك البلد إلا برضا المكري، وعلى قول غيره فيه: إن ذلك لا يجوز وإن رضي المكري، فيأتي على رواية علي بن زياد هذه أن من أكرى دابة إلى بلد فله أن يركبها إلى بلد غيره إن كان مثله في الحزونة والسهولة. ويتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك له. والثاني: أن ذلك ليس له. والثالث: أن ذلك لا يجوز. وقد مضى هذا المعنى في أول سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة وفي آخر سماع أشهب من كتاب الرواحل والدواب، وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يطلب الشيء فيعطاه ثم يدعى تلفه] مسألة وسألت أشهب: عن العبد يأتي إلى الرجل، فيقول: سيدي أرسلني إليك في كذا وكذا فيعطاه، ثم يزعم العبد أنه أعطاه إلى سيده أو يتلف، وينكر السيد، قال: أراه فاجرا خلابا، وأرى ذلك في رقبته كالجناية، فلو كان حرا كان دينا عليه. وسألت عنها ابن القاسم، فقال: إنما هو على أحد وجهين، إذا أقر السيد غرم، وإن لم يقر كان في رقبته لأنه خدع القوم. قال محمد بن رشد: قد قيل: إن ذلك يكون في ذمته، ولا يكون في رقبته، وهو الذي يأتي على ما في رسم البراءة من سماع عيسى قبل هذا، وإنما يكون ذلك في رقبة العبد بعد يمين السيد أنه ما أرسله إن حقق المرسل إليه الدعوى عليه باتفاق، وإن لم يحققها عليه على اختلاف، فإن نكل عن اليمين رجعت على المرسل إليه إن حقق الدعوى باتفاق، وإن كان لم يحققها على اختلاف، ويكون الغرم عليه يباع فيه عليه العبد وغيره من ماله، وعلى ما مضى في رسم البراءة من سماع عيسى يحلف العبد لقد تلف أو لقد دفعه إلى سيده ويسقط عنه الضمان ويحلف السيد إن كان ادعى أنه دفعه إليه ويسقط عنه الضمان أيضا، وبالله التوفيق.

مسألة: اشترط المستعير أو المرتهن أن لا ضمان عليه فيما يغاب عليه

[مسألة: اشترط المستعير أو المرتهن أن لا ضمان عليه فيما يغاب عليه] مسألة من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم قال أصبغ: وسمعته، يقول في المستعير للعارية بضمان مثل الدابة وما يظهر أنه لا ضمان عليه إذا لم يفرط ولم يتعد، وقال أصبغ: وشرط المعير باطل ساقط؛ لأنه شرط خلاف السنة في ذلك، وقال أشهب، في العارية والرهن يشترط المستعير والمرتهن أن لا ضمان عليه: إن شرطه باطل وإنه ضامن فيهما جميعا، سئل عن هذا فأجاب بهذا، ولم أسمعه فحكى قوله بعض أهل المجلس لبعض وهو يسمع، فلم ينكر ذلك وسكت عليه، وقاله أصبغ، وقد قاله ابن القاسم لي سواء. قال محمد بن رشد: أما إذا اشترط المعير على المستعير ضمان ما لا يغاب عليه فقول مالك وجميع أصحابه: إن الشرط باطل جملة من غير تفصيل، حاشا مطرف فإنه قال: إن كان شرط عليه الضمان لأمر خاف من طريق مخوفة أو نهر أو لصوص أو ما أشبه ذلك فالشرط لازم إن عطبت في الأمر الذي خافه واشترط الضمان من أجله، وقال أصبغ: لا شيء عليه في الوجهين، مثل قول مالك وأصحابه، وينبغي إذا اشترط المعير على المستعير الضمان فيما لا يغاب عليه فأبطل الشرط بالحكم عن المستعير أن يلزم إجارة المثل في استعماله العارية؛ لأن الشرط يخرج العارية عن حكم العارية وسنتها إلى باب الإجارة الفاسدة؛ لأن رب الدابة لم يرض أن يعيره إياها إلا أن يشترط أن يحرزها في ضمانه، فهو عوض مجهول يرد إلى المعلوم. وأما إذا اشترط المستعير أو المرتهن أن لا ضمان عليه فيما يغاب عليه أو اشترط ذلك الصانع فشرطه باطل. قال ابن القاسم في المدونة في الرهن وفي

بعض الروايات فيها في العارية والصانع، وقال أشهب هاهنا في العارية والرهن: وكذلك يلزم على قياس ذلك في الصانع، وقد حكى ابن أبي زيد في المختصر عن أشهب في الصانع يشترط أن لا ضمان عليه: إن شرطه جائز ولا ضمان عليه، فيلزم على قياس قوله مثله في العارية والرهن؛ لأنه إذا لزم الشرط في الصانع فأحرى أن يلزم في المستعير؛ لأن المعير إذا أعاره على أن لا ضمان عليه فقد فعل المعروف معه من وجهين، فالأظهر إعمال الشرط وما لإسقاطه وجه إلا أن يكون ذلك من باب إسقاط حق قبل وجوبه، فلا يلزم على أحد القولين. وقد يحتمل أن يفرق على مذهبه بين الصانع والمستعير أن الأصل في الصناع أنه لا ضمان عليهم لأنهم أجراء، وإنما ضمنوا لمصلحة العامة، والأصل في العارية عنده الضمان «لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لصفوان بن أمية: "عارية مضمونة مؤداة» ؛ لما سأله عما استعاره منه من السلاح والأداة، هل هي مضمونة أو مؤداة؟ ألا ترى أنه يضمن المستعير. وإن قامت البينة على التلف فرأى إعمال الشرط في الصانع؛ لأنه اشترط ما هو الأصل، ولم ير إعماله في العارية؛ لأنه اشترط خلاف الأصل، والأول أظهر؛ لأنه اختلاف من قوله، وإلا فرق في ذلك بين الصانع والمستعير، إذ قد روى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «ليس على المستعير ضمان» ، وإذا وجب على المستعير ضمان

: ثمرة العارية تكون للمعري

العارية فإنه يضمن قيمة الرقبة يوم انقضاء أجل العارية على ما ينقصها الاستعمال المأذون فيه بعد يمينه لقد ضاعت ضياعا لا يقدر على ردها؛ لأنه يتهم على أخذها بقيمتها بغير رضا صاحبها، وبالله التوفيق. [: ثمرة العارية تكون للمعري] من سماع محمد بن خالد قال محمد بن خالد: وسألت ابن القاسم: عن رجل يعري رجلا نخلا من نخله حياة المعرى فيموت المعرى وقد أبر النخل لمن تكون الثمرة؟ قال مالك: للمعري ما لم تطب الثمرة، فإن مات وقد طابت الثمرة فمن كان أعرى فذلك لورثته. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا في هذه الرواية: إن ثمرة العارية تكون للمعري وإن أبرت ما لم تطب - صحيح على قياس القول بأن السقي والزكاة على المعري؛ لأنه رأى العارية باقية على ملكه ما لم يطب؛ لأنها حملها محمل الحبس، وعلى القول بأن السقي والزكاة على المعرى يكون حكمها حكم الهبة لا حكم الحبس، ويستحقها المعرى بالإبار، وتكون لورثته إن مات قبل الطياب، وهو مذهب أشهب أن التمرة تجب لورثة المحبس عليه بالإبار كالهبة، وكذلك العارية على قياس قوله، وبالله التوفيق لا شريك له. تم كتاب العارية بحمد الله تعالى

: كتاب العدة

[: كتاب العدة] [: هلك وعليه مشي إلى بيت الله فسأل ابنا له أن يمشي] من سماع ابن القاسم من كتاب أوله باع غلاما وسألت مالكا: عن رجل هلك وعليه مشي إلى بيت الله فسأل ابنا له أن يمشي فوعده بذلك، قال: أما إذا وعده فإني أحب له أن لو فعل ذلك به، ولكن ما ذلك رأيي أن يمشي أحد عن أحد ولكني أحب إذا وعده أن يفعل ذلك به. قال محمد بن رشد: تكررت المسألة بعينها في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الحج، والمعنى فيها: أن مالكا استحب له أن يفي لأبيه بما وعده به من أن يمشي عنه وإن كان ذلك عنده لا قربه فيه من ناحية استحباب الوفاء بالوعد في الجائزات، وبالله التوفيق. [: يبتاع من الرجل السلعة على أن لا نقصان عليه] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم قال عيسى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يبتاع من الرجل السلعة على أن لا نقصان عليه، قال مالك: ليس بيعا، فإن باع فله إجارته وإن أدرك قبل أن يفوت فسخ ذلك، وإن كان عبدا فمات في يديه كانت مصيبته من البائع.

قلت له: فإن أعتقه المشتري على هذا الشرط؟ فإن عتقه جائز وتكون عليه القيمة وإن كانت جارية فأحبلها كانت عليه القيمة ومضى البيع لأنه أمر قد اختلف فيه. ولقد كان عبد العزيز بن أبي سلمة يقول: إن مات فضمانه من المبتاع، ولكنا نتبع مالكا في الموت إذا فات إنه من البائع، قال: فإن فات بحمل أو عتق كان عليه القيمة، قال أصبغ: قلت لابن القاسم: فإن كانت جارية فوطئها المبتاع فحملت أو لم تحمل أو أعتقها أو وهبها أو تصدق بها؟ قال: يكون عليه بالثمن الذي اشتراها به؛ لأنه ذلك رضا منه بالثمن إذا فعل ذلك، وذلك أحمل للقياس؛ لأني إن جعلته أجيرا لم أجز بيعه ولا هبته ولم أجعلها أم ولد ... وإن أبا أنا جعلته بيعا فاسدا وألزمته القيمة لم يحمله القياس، وأحب إلي أن يلزمه الثمن في الفوت في هذه الأشياء الذي سألت عنها وأجعل ذلك رضا منه بالثمن. قلت له: فإن جاء بالبيع؟ فقال: عليه قيمة ما جاء به، قال عيسى: قلت: فإن قال له ذلك بعد البيع ولم يقل له ذلك في عقدة البيع: بع ولا نقصان عليك، قال: إذا يلزمه ذلك إن باع بنقصان، وهو قول مالك أيضا، قال أصبغ: وأما إذا كان عبدا فأبق أو مات وكان الشرط بعد عقد ففيه اختلاف، والذي أقول أنا به: إنه موضوع عن المشتري، وأما إذا ذهب الثوب فلا يقبل قوله إلا ببينة أنه ذهب وإلا فهو منه، ولا يحل للمشتري أن يطأها إذا رضي بالشرط وقبله، قال لي ابن القاسم: فإن وطئ لزمته الجارية بجميع الثمن، ولا

يعدى على البائع بشيء؛ لأنه لما وطئ فقد ترك ما جعل له. قال عيسى: قلت له: فرجل اشترى من رجل سلعة ونقده الثمن ثم جاءه بعد ذلك يستوضعه؟ قال: اذهب بع ولا نقصان عليك، قال: لا بأس بهذا إذا كان قد انتقد، فإن لم يكن انتقد، فقال له: بع ولا نقصان عليك من غير أن ينقده أيضا، فلا بأس به، وإن قال له: أنقدني وبع ولا نقصان عليك فلا خير فيه، قلت: لم ذلك؟ قال: لأنه يكون فيه عيوب وخصومات. قال محمد بن رشد: اتفق مالك وأصحابه فيما علمت على أنه لا يجوز أن يبيع الرجل سلعته أو جاريته من الرجل بثمن يسميه له على أنه لا نقصان عليه منه فإن وقع وعثر عليه قبل أن يفوت بوجه من وجوه الفوت فسخ، وإن لم يعثر عليه حتى فات ببيع أو حوالة سوق أو موت، فاختلف هل يحكم بذلك بحكم البيع الفاسد أو بحكم الإجارة الفاسدة، فقيل: إنه يحكم في ذلك بحكم البيع الفاسد فيصح البيع في ذلك كله بالقيمة يوم القبض وهو أحد قولي مالك وأحد قولي عبد العزيز بن أبي سلمة، وقيل: إنه يحكم في ذلك كله بحكم الإجارة الفاسدة؛ لأنه كأنه استأجره على بيعها بما كان فيها من ربح، وعلى الثمن الذي سماه له، فتكون المصيبة فيها من البائع إن ماتت وترد إليه إن كانت فاتت بحوالة أسواق أو عيب من العيوب المفسدة، ويكون له الثمن الذي بيعت به إن فاتت بالبيع كان أقل من الثمن الذي سمي له أو أكثر، ويكون للمبتاع إجارة مثله في بيعه إياها، وهذا قول مالك في هذه الرواية وقوله في موطئه وقول عبد العزيز بن أبي سلمة في الواضحة. وأما إن لم يعثر على ذلك حتى أفاتها المبتاع بهبة أو صدقة أو عتق إن كان عبدا أو حمل إن كانت أمة فاختلف في ذلك على القول بأنها إجارة فاسدة، فقيل: إنه يكون على المبتاع في ذلك القيمة، يريد: يوم الهبة أو الصدقة أو العتق

مسألة: يشتري من الرجل طعاما نقدا أو إلى أجل

أو الإحبال مراعاة لقول من يقول: إنه بيع فاسد، فيراها في ضمانه بالقبض، وهو خلاف قول مالك في هذه الرواية، وقيل: إنها تكون عليه بالثمن الذي اشتراها به؛ لأن ذلك رضا منه بالثمن، وهو قول ابن القاسم من رواية أصبغ عنه في هذه الرواية، وأما على القول بأنه بيع فاسد فتكون عليه القيمة في ذلك كله يوم القبض على حكم البيع الفاسد قولا واحدا واختلف في هذه المسألة أيضا قول ابن القاسم؛ لأن ابن حبيب حكي عنه: أنه بيع فاسد لا إجارة فاسدة مثل قول مالك الذي رجع إليه، خلاف قوله في هذه الرواية وفي موطئه، وقوله في رواية أصبغ عنه في هذه الرواية: إنها يكون عليه بالثمن إن فوتها بعتق أو هبة أو صدقة أو إيلاد يأتي على قياس قول مالك في هذه الرواية في موطئه، وقد مضى في آخر سماع أشهب من كتاب العارية القول مستوفى في إذا باع منه بيعا صحيحا دون شرط ثم قال له بعد البيع: بع ولا نقصان عليه، فأغنى ذلك عن إعادته. [مسألة: يشتري من الرجل طعاما نقدا أو إلى أجل] مسألة قلت: فالرجل يشتري من الرجل طعاما نقدا أو إلى أجل فاستغلاه، فقال للبائع: أقلني، فقال: بع ولا نقصان عليك، ثم قال: بع عشرة أرادب فما نقص منها وضعت لك من كل عشرة بحساب ذلك، وكان اشترى منه مائة إردب بثلاثين دينارا، فباع العشرة بدينارين، فوضع عنه عشرة دنانير. فقال: هذا لا بأس به، وسواء كان نقدا أو إلى أجل، قبض الثمن أو لم يقبض. قال محمد بن رشد: قوله: يشتري من الرجل طعاما نقدا أو إلى أجل، معناه: بثمن نقدا أو بثمن إلى أجل. وقوله في آخر المسألة: إن هذا لا بأس به، وسواء كان نقدا أو إلى أجل

مسألة: البيع على أن لا نقصان على المشتري

قبض الثمن أو لم يقبض - كلام فيه نظر، أما إذا لم يقبض البائع الثمن فوضع عن المبتاع منه العشرة التي انتقص في الطعام فلا إشكال في أن ذلك جائز؛ لأنه يصير ثمن الطعام له عليه بما بقي منه بعد الوضيعة، وأما إن كان قد قبض ثمن الطعام منه وغاب عليه ثم رد إليه منه ما انتقص في ثمن الطعام فهذا لا يجوز، ويدخله البيع والسلف؛ لأن ما رد إليه من الثمن يكون سلفا، وما بقي منه يكون ثمنا للطعام، فيتهمان على القصد إلى ذلك والعمل عليه، كانا من أهل العينة أو لم يكونا إن كان الثمن إلى أجل، وإن كان الثمن نقدا فلا يتهمان في ذلك إلا أن يكونا من أهل العينة، وهذا في ما يوجبه الحكم بالمنع من الذرائع، فإن طلب المبتاع الوضيعة لم يحكم له بها في الموضع الذي يتهمان فيه على أنهما قصدا إلى البيع والسلف. وإن لم يعثر على ذلك حتى يقبض المبتاع العشرة فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أنه يرد العشرة إليه ولا يفسخ البيع، والثاني: أنه يفسخ البيع ولا شيء عليهما في ذلك فيما بينهما وبين الله تعالى إن كانا لم يعملا على ذلك ولا قصدا إليه، وقد مضى في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال ما فيه بيان هذا المعنى، فَقِفْ عليه وَتَدَبَّرْهُ يَبِنْ لك وَجْهُهُ إن شاء الله. [مسألة: البيع على أن لا نقصان على المشتري] مسألة قال عيسى: وسألته عن رجل اشترى من رجل طعاما بعينه، فلما ذهب يقبضه وجده مسوسا فمخطه، فقال له البائع: بع ولا وضيعة عليه، فحمله في سفينة فغرقت السفينة. قال: مصيبته من البائع؛ لأن البيع الأول لم يكن بشيء، وإنما هو بيع حادث فضمانه من البائع، ويعطي المشتري أجرته فيما حمله وشخص فيه.

مسألة: اشترى كرما فخاف الوضيعة فأتى يستوضعه فقال له بع وأنا أرضيك

قال محمد بن رشد: هذا صحيح على قياس القول بأن البيع على أن لا نقصان على المشتري بشرط في أصل العقد إجارة فاسدة تكون المصيبة فيها من البائع، ويكون للمبتاع أجر مثله؛ لأنه لما وجد المبتاع الطعام مسوسا وجب نقض البيع، فقوله له بعد وجوب البيع لما وجب رده بسبب العيب: بع ولا نقصان عليك، بمنزلة قوله ذلك في أصل العقد؛ لأنه الآن بيع مبتدأ، وقد مضى القول على حكم هذا البيع وما فيه من الاختلاف قبل هذا، فلا معنى لإعادته. [مسألة: اشترى كرما فخاف الوضيعة فأتى يستوضعه فقال له بع وأنا أرضيك] مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب، وسئل عن رجل اشترى كرما فخاف الوضيعة فأتى يستوضعه، فقال له: بع وأنا أرضيك. فقال: إن باع برأس المال أو بربح فلا شيء له، وإن باع بوضعية كان عليه أن يرضيه، فإن زعم أنه أراد شيئا سماه فهو ما أراد، وإن لم يكن أراد شيئا أرضاه بما شاء وحلف أنه ما أراد أكثر منه يوم قال له ذلك، قال: فسألت عنها ابن وهب فقال: عليه رضاه فيما بينه وبين ثمن السلعة والوضيعة فيها، وهو أحب إلي، وبالله التوفيق. قال محمد بن رشد: كذا وقع قول ابن وهب هاهنا، عليه رضاه فيما بينه وبين ثمن السلعة والوضيعة فيها، وهو كلام ملتبس المعنى، وقد وقعت هذه المسألة بعينها في آخر أول رسم من سماع أصبغ من كتاب جامع البيوع فقال فيها: عليه رضاه بما يشبه ثمن ملك السلعة والوضيعة فيها، وهو المعنى الذي أراد هنا، فيفسر بما وقع من قوله هناك، وقد مضى القول هناك على هذه المسألة مستوفى، فلا معنى لإعادته مرة ثانية هنا.

: ما يلزم من العدة

[: ما يلزم من العدة] قلت لسحنون: ما الذي يلزم من العدة في السلف والعارية. قال: ذلك أن يقول الرجل للرجل: اهْدِمْ دَارَكَ وأنا أسلفك، واخرج إلى الحج وأنا أسلفك، أو تزوج امرأة، وما أشبه هذه الأشياء مما يدخله ويكون سبب دخوله لموعده، فهذه العدة تلزم، فأما أن يقول رجل لرجل أنا أسلفك أو أنا أعطيك وذلك لغير شيء ألزمه نفسه المأمور بأمر الأمر فهذا لا يلزم. وسئل أصبغ عن العدة والرأي الذي يقضى به على من كان ذلك منه، وعن العدة التي لا يلزم بهما الحكم بما وعد، قلت: أرأيت لو أن رجلا أتاني فقال لي إني أريد النكاح فأسلفني مائة دينار لأجل كذا وكذا أقضيكها إن شاء الله، فقلت له: نعم أنا أسلفك فانكح، فذهب فنكح ثم جاء يستسلفني المائة، فقلت: قد بدا لي ألا أسلفك؟ وإنما قلت لك سأفعل، ولست أسلفك شيئا، هل يحكم علي بمثل هذه العدة، قال: نعم يحكم عليك بأن تسلفه ما وعدته على هذا السبب ويجبرك السلطان. قلت: فإن كان لم ينكح على عدة حتى بدا لي في العدة فأعلمته قبل أن ينكح أني لا أسلفك شيئا، أيلزمني القضاء بما وعدته ولم يدخل من سبب وعدي في شيء يلزمه به شيء؟ قال: لا رجوع لك فيه سواء نكح أو لم ينكح إذا كنت قد وعدته على سبب النكاح وأخبرك حين سألك السلف بالذي يريده له وبين لك حاجته فوعدته أن تسلفه على ذلك، فالعدة تلزمك بالحكم

نشب في الأمر الذي سألك السلف له أو لم ينشب فيه بعد، قال: وكذلك لو جاء، فقال لك: أعرني دابتك أركبها غدا إلى موضع كذا وكذا، وسمى لك حاجته، فقلت: نعم أنا أعيرك غدا، ثم بدا لك لم يكن ذلك لك، ويحكم عليك بعاريته. قلت: فإن قلت لرجل: أسلفني مائة دينار إلى أجل كذا وكذا فإني أريد شراء جارية فلان أو دابة فلان أو سلعة من السلع، فقال: نعم أسلفك، ثم بدا له أن لا يفعل؟ قال: يحكم عليه بأن يسلفك ما وعدك، قال: وكذلك لو جئته، فقلت له: إن غرمائي يلزمونني بدين لهم علي وهو كذا وكذا فأسلفني أقضهم، قال: نعم، ثم بدا له لم يكن ذلك له، ويحكم عليه بأن يسلفك ما وعدك. قلت: وكيف تلزمني هذه العدة ويحكم علي بها، وإنما أنا رجل قلت له: أنا أفعل، ولم أقل: قد فعلت، فيكون علي بواجب، وإنما هي كذبة كذبتها، فقلت: أنا أسلفك أو أعيرك، ثم بدا لي في ذلك ومالي في يدي وأنت أيضا لم تنشب في نكاح بسبب عدتي ولا ألزمك شرا ولا تجهزت لسفرك على عدتي فيكون هذا شيئا أدخلته عليك فيلزمني لذلك إمضاء ما وعدتك به للذي دخلت فيه من أجل عدتي. قال: إنما يلزمك ذلك؛ لأن «وأي المؤمن واجب» جاء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ. سحنون عن ابن وهب عن هشام بن سعد يرفعه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وأي المؤمن واجب» قال: فتفسير الوأي العدة، قال: وقضى بها عمر بن عبد العزيز.

ابن وهب عن يونس بن زيد عن ابن شهاب: أن قوما وعدوا رجلا في أعطياتهم بشيء وجدوه منها إذا خرجت فنكصوا عنه، فرافعهم إلى عمر بن عبد العزيز فقضى له عليهم بها، وهو كتاب النظرة بالدين إذا وأوا أو وعدوه بالنظرة وعدا. قلت: فالعدة التي لا يحكم بها، ما هي؟ قال: يأتيك رجل فيقول أعرني دابتك أو أسلفني كذا وكذا بغير سبب يذكره من نكاح يريده، أو سفر يصفه، أو حاجة نزلت به في ذلك يصفها أو دين يريد قضاءه، إلا أنه كلام هكذا، فقال لك: أسلفني، فقلت: نعم أسلفك مائة دينار وأعيرك دابتي غدا، فإذا كانت العدة هكذا لم يعدها بسبب الحاجة التي يريدها له حتى تكون إنما وعدته على سبب ما وصفت لك من حاجته إلى ما سألك واضطراره إليه بالذي يريد بالدخول فيه من سبب عدتك فوعدته على ذلك فلا شيء عليك إن بدا لك ولكن إذا قاد العدة أبدا سبب الحاجة التي أرادها فوعدته بعد علم بالذي أرادها له وبين لك سبب حاجته إلى مالك فوعدته فذلك يلزمك له نشب في شيء من حاجته التي سألك فيها الذي وعدته أو لم ينشب إلا أن يترك الأمر الذي وعدته من أجله تركا فتسقط العدة عنه. قلت: أرأيت لو أتيت رجلا، فقلت له: إني أريد غدا جمع أزواج للحرث فأعرني زوجك يحرث عندي غدا، ثم بدا له أن يعيرني، قال: أرى أن يلزمه إذا كنت قد أخبرته بإجماعك على العمل غدا ولجمعك الأزواج ونصبك لذلك، فليس له أن يرجع عما وعدك،

قال: وكذلك لو أن لك على رجل دينا فسألك أن تؤخره إلى أجل كذا وكذا، فقلت: أنا أؤخرك ثم بدا لك أن لا تؤخره، لم يكن ذلك لك، ولزمك تأخيره إلى هذا الأجل. قلت: وسواء قلت له: أنا أؤخرك أو قد وخرتك؟ قال: نعم هما سواء في الحكم عليك، غير أن قولك أنا أؤخرك عدة تلزمك، وقولك وقد وخرتك شيء واجب عليك؛ لأنه في أصل حقك لم تبتده الساعة، فكلاهما يلزمك الحكم به، غير أن قولك قد وخرتك أوجبها وأوكدها وأثبتها فيما يلزم به الحكم وإن كانا لازمين جميعا، قال أصبغ: جيدة، قيل له: فما سألناك عنه من العدة بالسلف؟ قال: إن قال له أسلفني كذا وكذا فإني أريد النكاح أو إني أريد أن أشتري سلعة أو شيئا مما أراد له السلف، فقال: نعم أنا أسلفك ما سألت ولم يكن الطالب سمى أجلا يسلفه إليه أكثر من قوله: أسلفني كذا وكذا، فقال: نعم، ثم بدا له أن لا يسلف شيئا، أيكون هذا وعدته على غير ذكر الأجل سواء؟ قال: نعم سمى أجلا أو لم يسمه له، يقضي عليه فيهما جميعا وليس له أن يبدو له ذكر الأجل أو لا يذكره له. قلت: فإن المسلف يقول لم أعده بأن أسلفه إلى أجل بأن يحكم له بأن يسلفه ما وعده فأنا أدفع إليه ما وعدته من السلف وآخذه منه مكاني؛ لأنه حال ليس بيني وبينه فيه أجل؟ قال: يقضي عليه بأن يسلفه ما وعده به، وليس له أن يأخذه منه من ساعته حتى ينتفع به المتسلف ويمضي القضاء في قرب ذلك أو بعده فيعمل على قدر ذلك، فأما أن يعطيه السلف ثم يأخذه منه في المجلس فإن هذا لا

: يسأل رجلا دينارين فأتاه بدينار فأبى أخذه إلا جميعا

يكون؛ لأنه إذا أخذه منه في المجلس فكأنه سلف لم يتم الحكم ولا القضاء به. قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول فيها في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب العارية، فلا معنى لإعادته. [: يسأل رجلا دينارين فأتاه بدينار فأبى أخذه إلا جميعا] من سماع أصبغ من ابن القاسم قال أصبغ: سئل أشهب: عن رجل يسأل رجلا دينارين فأتاه بدينار فأبى أخذه إلا جميعا، أيجبر على ذلك؟ فقال: إن كان الذي عليه الحق موسرا لم يجبر الطالب على أخذ الدينار، وأجبر الغريم على دفع الدينارين جميعا، وإن كان معسرا أجبر الطالب على أخذ الدينار وَأُنْظِرَ المطلوب بما بقي عليه، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: وقع قول أشهب هذا في رسم البيوع والعيوب من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، ووصل بذلك، وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الرجل يكون له على الرجل حق وقد حل فيأتيه ببعض حقه فيقول لا أقبله منك إلا جملة، أله ذلك أم يجبر على قبض ما جاء به؟ قال: أرى أن يجبر على قبض ما جاء به، وتكلمنا هناك على المسألة بما أغنى عن رده فمن أحب الوقوف عليه تأمله في موضعه، وبالله التوفيق. تم كتاب العدة بحمد الله تعالى

: كتاب اللقطة

[: كتاب اللقطة] [: اللقطة مثل المخلاة والحبل والدلو وأشباه ذلك] من سماع ابن القاسم من مالك بن أنس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم، في اللقطة مثل المخلاة والحبل والدلو وأشباه ذلك: أنه إن كان في طريق وضعت في قرب الأماكن إلى ذلك الموضع، وإن كان في مدينة انتفع به وعرفه، وإن تصدق به أحب إلي، وإن جاء طالبه كان على حقه. قال محمد بن رشد: قوله في اللقطة مثل المخلاة والحبل والدلو وأشباه ذلك من اليسير الذي له قدر وفيه منفعة ويعلم بمستقر العادة أن صاحبه شح به ويطلب أنه يعرفه، وإن كان في طريق وضعه في أقرب المواضع إليه صحيح لا اختلاف في وجوب تعريف ذلك، وإنما اختلف في حد تعريفه، فقيل: إنه يجب تعريفه حولا كاملا كالكثير الذي له قدر وبال، وهو ظاهر ما حكى ابن القاسم عن مالك في المدونة، بدليل أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر بتعريف اللقطة حولا ولم يفرق بين قليل ولا كثير، وقيل: إنه ليس عليه أن يبلغ بتعريف اليسير حولا، وهو قول ابن القاسم من رأيه في المدونة، ورواية عيسى عن ابن وهب بعد هذا في رسم النسمة من سماعه في مثل الدرهمات والدينار أنه يعرف ذلك أياما، وأما اليسير جدا الذي لا قدر له ولا بال ويعلم بمستقر العادة أن صاحبه لا يشح به ولا يطلبه فإنه لا يجب على واجده أن يعرفه، وله أن يأكله إن كان طعاما وينتفع به دون تعريف إن كان عرضا مثل

العصا والسوط وما أشبه ذلك، وهو نص قول أشهب في الذي يجد العصا والسوط: إنه يعرفه فإن لم يفعل فأرجو أن يكون خفيفا. وقوله في هذه الرواية في اليسير الذي له قدر وفيه منفعة إنه إن كان في مدينة انتفع به وعرفه، وإن تصدق به أحب إلي معناه عرفه وانتفع به، يريد: بعد التعريف، فالكلام فيه تقديم وتأخير. وقوله: وإن تصدق به أحب إلي. معناه: بعد التعريف. وقوله: وإن جاء طالبه كان على حقه، يريد: في الصدقة والانتفاع جميعا إن كان انتفاعه به وقد أنهكه أو نقصه فإن وجدها صاحبها في الصدقة بأيدي المساكين وهي على حالها لم يكن إلا أن يأخذها، وهذا إن كان تصدق بها عنه، وأما إن كان تصدق بها عن نفسه فله أن يضمنها قيمتها إن شاء ويدعها في أيدي المساكين، وأما إن وجدها بأيدي المساكين وقد نقصت فهو مخير بين أن يضمنه قيمتها يوم تصدق بها أو يأخذها من أيدي المساكين ولا شيء له في نقصانها، وهذا إن كان تصدق بها عنه أيضا، وأما إن كان تصدق بها عن نفسه فهو مخير بين أن يضمنه قيمتها يوم تصدق بها وبين أن يأخذها من أيدي المساكين ناقصة ويرجع عليه بما نقصها، واختلف إن أكلها المساكين هل له أن يضمنهم إياها أم لا؟ فقال في المدونة: ليس ذلك له، وقال أشهب: له أن يضمنهم إن شاء ويدع الملتقط، وإن شاء أخذ الملتقط بقيمتها يوم تصدق بها، قال: وسواء في هذا تصدق بها عن نفسه أو عن ربها، وإن وجدها صاحبها بيد الملتقط وقد أنقصها بالاستعمال أخذها وما نقص منها، وإن كان قد أنهكها به كان بالخيار بين أن يضمنه قيمتها أو يأخذها ناقصة ولا شيء له أو يأخذها وقيمة ما نقصها، وقد قيل: إنه ليس له إلا ما نقصها، وقد مضى ذكر هذا الاختلاف في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب العارية وفي غيره من المواضع، وإن وجدها صاحبها بيد الملتقط على حالها فلا كراء عليه

: أسلم دابته على وجه اليأس منها

في استعماله إياها لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها» . واختلف: هل للملتقط أن يستنفق اللقطة بعد التعريف أم لا؟ على أربعة أقوال: أحدها: أنه ليس له أن يستنفقها غنيا كان أو فقيرا، وهو مذهب مالك، ومعنى قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عنده: «فشأنك بها» أنه مخير فيها بين أن يزيد في تعريفها أو يتصدق بها عن صاحبها، فإن جاء كان مخيرا بين أن ينزل على أجرها أو يضمنه إياها. والثاني: أن له أن يستنفقها غنيا كان أو فقيرا على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فشأنك بها» فإن جاء صاحبها غرمها له، وهو مذهب الشافعي. والثالث: أنه ليس له أن يستنفقها إلا أن يحتاج إليها، وهو قول ابن وهب في رسم النسمة من سماع عيسى بعد هذا، ومذهب أبي حنيفة وسائر أصحابه. والرابع: أنه ليس له أن يستنفقها إلا أن يكون له بها وفاء، وبالله التوفيق لا شريك له. [: أسلم دابته على وجه اليأس منها] ومن كتاب أوله حلف أن لا يبيع رجلا سلعة سماها وسئل: عن الرجل تقوم عليه دابته في السفر فيسلمها على وجه اليأس منها فأخذها رجل فتعيش عنده وينفق عليها، هل ترى لصاحبها أن يأخذها؟ قال: نعم أرى ذلك له، قيل له: أله أجرة في قيامه؟ قال: لا أرى ذلك، ولا أرى له إلا نفقته.

قال محمد بن رشد: قوله في الذي أسلم دابته على وجه اليأس منها: إن له أن يأخذها من الذي أخذها فعاشت عنده بعد أن يدفع إليه ما أنفق عليها - صحيح؛ إذ لم تخرج عن ملكه بإسلامه لها، فيكون له أن يأخذها ممن أخذها إلا أن يكون أسلمها على أنها لمن أخذها أو قام عليها، فيلزمه ذلك ولا يكون له أن يأخذها ممن أخذها وقام عليها، وقد قيل: إنه إذا أسلمها على وجه اليأس منها فهو محمول على أنه إنما أسلمها لتكون لمن أخذها وقام عليها، إلا أن يكون أسلمها في أمن وماء وكلاء فيكون أحق بها، حكى ذلك ابن شعبان في كتابه عن ابن وهب والشعبي والأوزاعي، فلا اختلاف إذا أرسلها في أمن وماء وكلاء أن له الرجوع فيها، وإنما اختلاف إذا أرسلها في غير أمن ولا ماء ولا كلاء، فقيل: إن له الرجوع فيها. وقيل: إنه لا رجوع له فيها. واختلف إذا رجع فيها هل يرجع فيها بيمين أو بغير يمين، والاختلاف في اليمين في هذا على اختلافهم في لحوق يمين التهمة. وتحصيل القول في هذه المسألة أن إسلامه إياها على وجه اليأس منها لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يسلمها على أن له الرجوع فيها إن أخذها أحد وعاشت عنده. والثاني: أن يسلمها على أنها لمن أخذها. والثالث: أن يسلمها ولا نية له. فأما إذا أسلمها على أن له الرجوع فيها إن أخذها أحد فعاشت عنده ولم يشهد على ذلك، فقيل: إنه يصدق في ذلك، وقيل: إنه لا يصدق فيه إلا أن يكون إرساله إياها في أمن وماء وكلاء، واختلف إذا صدق في ذلك، هل يصدق بيمين أو بغير يمين حسبما ذكرناه من اختلافهم في لحوق يمين التهمة. وأما إذا أسلمها على أنها لمن أخذها فلا سبيل له إلى أخذها ممن أخذها وقام عليها. وأما إذا أسلمها ولا نية له، فقيل: إنه محمول على أنه إنما أسلمها على

: قال هذا دينار وجدته في حانوتي ولم يدخل علي اليوم أحد غيرك

أن له الرجوع فيها، وقيل: إنه محمول على أنه إنما أسلمها على أنها لمن أخذها وقام عليها إلا أن يكون إسلامه لها في أمن وكلاء وماء. وإنما لم ير لمن أخذت منه أجرة في قيامه عليها؛ لأنه إنما قام عليها لنفسه لا لصاحبها، ولو شهد أنه إنما يقوم عليها لصاحبها إن شاء أن يأخذها ويؤدي إليه أجر قيامه عليها لكان ذلك له، ولو لم يشهد على ذلك وادعاه لصدق في ذلك على اختلاف، قيل: بيمين، وقيل: بغير يمين، وأما النفقة فلا إشكال في أن له أن يرجع بها عليه؛ إذ قد أثرت في الدابة وأحدث فيها نماء فلا يكون له أن يأخذها بنمائها ويخسر هذا نفقته، وبالله التوفيق. [: قال هذا دينار وجدته في حانوتي ولم يدخل علي اليوم أحد غيرك] ومن كتاب أوله حلف ليرفعن أمرا وسئل مالك: عن رجل دخل حانوت بزاز ليشتري منه ثوبا ثم خرج منه فاتبعه صاحب الحانوت، فقال: يا أبا عبد الله، هذا دينار وجدته في حانوتي ولم يدخل علي اليوم أحد غيرك فعد الرجل نفقته فافتقد منها دينارا أترى أن يأخذه؟ فقال مالك: لا أدري هو أعلم بنفسه، إن استيقن أنه ديناره فليأخذه، قيل له: التاجر يقول لم يدخل عَلَيَّ اليوم أحد غيرك، وقد افتقد الرجل من نفقته دينارا، قال: إن استيقن أنه له فليأخذه. قال محمد بن رشد: في قوله: إنه إن استيقن أنه له فليأخذه - دليل على أنه لا يأخذه إلا أن يستيقن أنه له زيادة على ما ذكر له فجعل له به اليقين أنه له، وهذا على سبيل التورع والنهاية فيه إذ لم يعتره شك في أنه له فأخذه له حلال سائغ؛ لأن الغالب على ظنه أنه له إذ قد افتقد من نفقته دينارا، ولو لم يعلم عدد نفقته لساغ له عندي أن يأخذه، لقول صاحب الحانوت له إنه لم يدخل أحد علي اليوم غيرك، وإن كان التورع عن أخذه أولى وأحسن،

: للقطة يجدها الرجل أيأخذها

وكذلك لو قال له صاحب الحانوت هذا الدينار وجدته في مكانك ولا أدري هل هو لك أو لغيرك ممن دخل الحانوت، فعد الرجل نفقته فافتقد منها دينارا، وأما لو قال له صاحب الحانوت هذا الدينار وجدته في مكانك بعد خروجك عني ولا أدري هل هو لك أو لغيرك ممن دخل الحانوت والرجل لا يعلم عدد نفقته لما ساغ له أن يأخذه بشك. [: للقطة يجدها الرجل أيأخذها] ومن كتاب أوله حديث طلق بن حبيب وسئل مالك: عن اللقطة يجدها الرجل أيأخذها؟ قال: أما الشيء الذي له بال فإني أرى ذلك، فقال له الرجل: إني رأيت شنف قرط في المسجد مطروحا فتركته؟ قال: لو أخذته فأعطيته بعض نساء المسجد يعرفنه كان أحب إلي، قال: فكذلك الرجل يجد الشيء فإن كان لا يقوى عليه فإنه يجد من يثق به يقبله منه فيعرفه، وإن كان الشيء له بال فأراد أن يأخذه، قال سحنون: قال لي ابن القاسم، وقال لي مالك غير مرة: إذا كان شيئا يسيرا فليتركه، قال: قلت لابن القاسم: أرأيت إذا دفعه إلى مثله في الأمانة والثقة فضاع منه ثم جاء صاحبه، هل يكون على الذي وجده ضمان؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: قال في اللقطة التي لها بال: إن من وجدها يأخذها ولم يذكر هل ذلك واجب عليه أو مستحب له، وفي ذلك تفصيل. أما إذا كانت بين قوم مأمونين وإمام عدل لا يخشى منه إن هو عرفها أن يأخذها، فأخذها وتعريفها مستحب له، مخافة أن تقع إلى غير مأمون فيذهب بها. وأما إن كانت بين قوم غير مأمونين وإمام عدل فأخذها وتعريفها واجب؛

مسألة: اللقطة يجدها الرجل فيعرفهما سنة فلا يجد

لأن ذلك حفظها على ربها، وحفظ أموال الناس واجب وفي تركها إضاعتها، وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن إضاعة المال، ولو كانت بين قوم مأمونين وإمام غير عدل فخشى إن هو عرفها أن يأخذها لكان الاختيار له أن لا يأخذها، ولو كانت بين قوم غير مأمونين والإمام غير عدل لكان أخذها مباحا له إن شاء أن يأخذها مخافة أن يأخذها غيره فيذهب بها، وإن شاء أن يتركها مخافة أن يأخذها السلطان إن هو أخذها فعرفها. وأما اللقطة اليسيرة التي لا قدر لها إلا أنها مما قد يشح بها صاحبها ويطلبها، فاختلف قول مالك هل الأفضل أخذها أو تركها، وذلك إذا كانت بين قوم مأمونين، فمرة رأى أخذها وتعريفها أفضل مخافة أن تقع إلى من يذهب بها، ومرة رأى أن تركها أفضل رجاء أن يرجع صاحبها فيجدها، وأما إذا كانت بين قوم غير مأمونين فأخذها وتعريفها أفضل، واحدا، والله أعلم. وقد اختلف في حد تعريفها، فقيل: يعرفها حولا كاملا كالتي لها بال، وهو ظاهر قول مالك في رواية ابن القاسم عنه في المدونة، وقيل: يعرفها أياما، وهو قول ابن القاسم من روايته في المدونة ورواية عيسى عن ابن وهب في رسم النسمة من سماعه من هذا الكتاب، وأما اللقطة اليسيرة جدا التي يعلم أن صاحبها لا يشح بها ولا يطلبها فهي لمن وجدها ليس عليه أن يعرفها وإن شاء تصدق بها، والأصل في ذلك ما روى «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بتمرة في الطريق، فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها» ولم يذكر فيها تعريفا، وبالله التوفيق. [مسألة: اللقطة يجدها الرجل فيعرفهما سنة فلا يجد] مسألة وسئل مالك: عن اللقطة يجدها الرجل فيعرفهما سنة فلا يجد

: أخذ الثوب وهو يظنه لقوم فسألهم عنه فقالوا ليس هو لنا فرده في موضعه

صاحبها فيستنفقها ثم تحضره الوفاة فيوصي بها ويترك دينا عليه ولا وفاء له، كيف ترى؟ قال: أرى أن يحاص الغرماء بها أهل الدين بقدر ما يصيبها. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن إقرار المديان بالدين عند مالك جائز لمن لا يتهم عليه، كان إقراره في صحته أو في مرضه، وإنما يفترق عنده الصحة من المرض في رهنه وقضائه بعض غرمائه دون بعض وفي إقراره بالدين لمن جهم عليه فلا يجوز شيء من ذلك عنده في المرض، واختلف قوله في جواز ذلك في الصحة، فمرة أجاز ذلك كله، ومرة لم يجزه، ومرة فرق بين الرهن والقضاء والإقرار لمن يتهم عليه، فأجاز الرهن والقضاء ولم يجز الإقرار، ومرة أجاز القضاء خاصة ولم يجز الرهن ولا الإقرار. وأما إن أقر أنه استنفق اللقطة ولا دين عليه ولم يقم بذلك عليه حتى مات، فإن كان إقراره بذلك في صحته جاز ذلك من رأس ماله على ورثته، وإن كان إقراره بذلك في مرضه فإن كان يورث بولد جاز إقراره من رأس المال أوصى أن يتصدق بها عن صاحبها أو توقف له، واختلف إن كان يورث بكلالة، فقيل: إنه إن أوصى أن يحبس ويوقف حتى يأتي صاحبها جازت من رأس المال، وإن أوصى أن يتصدق بها عنه لم يقبل قوله ولم تخرج من رأس المال ولا من الثلث، وقيل: إنه يكون من الثلث، وقيل: إنه إن كانت يسيرة جازت من رأس المال، وإن كانت كثيرة لم تكن في رأس المال ولا في الثلث، وقد مضى هذا المعنى مجودا في رسم ليرفعن من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس. [: أخذ الثوب وهو يظنه لقوم فسألهم عنه فقالوا ليس هو لنا فرده في موضعه] ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس وسئل مالك: عن الرجل يجد الثوب ملقى فيأخذه وهو يظنه لقوم

: قال صاحب الجمل لرجل قم عليه ولك نصفه إن حيي

يراهم فيسألهم عن ذلك، فيقولون: ليس هو لنا، فيريد أن يرده حيث وجده فيضعه فيه، قال: لا أرى بذلك بأسا، قيل لابن القاسم: فإن كانت دنانير أو دراهم؟ قال: فلو أخذها فعرفها كان أحب إلي. قال محمد بن رشد: قوله في الذي أخذ الثوب وهو يظنه لقوم فسألهم عنه فقالوا ليس هو لنا فرده في موضعه: إنه لا بأس بذلك - معناه: أنه لا ضمان عليه إن فعل، والاختيار له أن لا يفعل، كما قال في الدنانير والدراهم، إذ لا فرق في ذلك بين الثوب والدنانير والدراهم. ومعنى ذلك: إذا أخذ الثوب على غير وجه الالتقاط ورده بالقرب أيضا، ولو أخذه على وجه الالتقاط لكان ضامنا له وإن رده بالقرب في موضعه، هذا مذهب ابن القاسم. وقال أشهب: لا ضمان عليه إن رده في موضعه بقرب ذلك أو بعده، فإن رده في غير موضعه ضمن، والقول قوله في رده في موضعه مع يمينه على ذلك، وقول أشهب في مساواته بين أن يرد الثوب في موضعه بالقرب أو بالبعد بعيد، لا سيما إن كان أخذه على وجه الالتقاط، وبالله التوفيق. [: قال صاحب الجمل لرجل قم عليه ولك نصفه إن حيي] ومن كتاب أوله الشريكين يكون لهما مال وسئل: عن جمل قام ببعض الطريق فأخذه رجل فأنفق عليه وقام عليه، ثم إن صاحبه رجع إليه فوجده قد صح، قال مالك: يدفع إليه الذي قبضه ما أنفق عليه ويأخذ جمله. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول عليها مستوفى في رسم حلف قبل هذا، فلا معنى لإعادته، ولو قال صاحب الجمل لرجل: قم عليه وأنفق ولك نصفه إن حيي لم يجز؛ لأنه غرر في الثمن والمثمون، فإن جاء ربه وقد أنفق عليه أخذ جمله وكان للمنفق قيمة نفقته وخدمته، وكذلك إن مات الجمل كان على ربه قيمة ما أنفق أيضا وما خدم، وبالله التوفيق.

: أخذ اللقطة

[: أخذ اللقطة] ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مالك: لا أحب لأحد يجد اللقطة أن يأخذها، إلا يكون لها قدر. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم طلق بن حبيب، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يأخذ متاعه ويغرم للذي احتمله أجر ما احتمله] مسألة وسئل: عن رجل ماتت راحلته بفلاة من الأرض فأسلم متاعه فأخذه رجل فاحتمله إلى منزله ثم وجد متاعه، قال: أرى أن يأخذ متاعه ويغرم للذي احتمله أجر ما احتمله. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إن كان أخذه واحتمله إلى منزله على وجه الحفظ لصاحبه والنظر له أو هو يرى أنه يستحقه بحمله إلى منزله إذ قد أسلمه صاحبه، وأما إن كان أخذه واحتمله على وجه الاغتيال له والسرقة والتعدي وهو يعلم أن ملك صاحبه باق عليه إلى أن يرجع عنه فلا كراء له في حمله، والقول قوله مع يمينه أنه لم يأخذه إلا على الوجه الذي يذكره من ذلك، والله الموفق. [مسألة: طرحوا من متاعهم ثم وجدوها عند قوم أخذوها من ماء البحر] مسألة وقال مالك في قوم خافوا على مركبهم غرقا فطرحوا من متاعهم، ثم وجدوها عند قوم أخذوها من ماء البحر، قال مالك: يأخذون متاعهم منهم، وهذا بين بأنهم يأخذونه وعليهم أجر إخراجه

: أخذ وتعريف ضالة الإبل

من البحر إن كانوا غاصوا عليه وأجر حمله إن كانوا حملوه إلى مأمن. قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة كالقول في التي قبلها، ويدخل فيها من الاختلاف ما ذكرنا في رسم حلف من سماع ابن القاسم في الذي يقوم عليه دابته في السفر فيسلمها على وجه اليأس منها، فلا معنى لإعادة ذلك، وبينهما جميعا ما مضى من التفصيل في رسم حلف أن لا يبيع سلعة سماها؛ لأن المعنى فيها كلها سواء، وقال سحنون فيمن وقع له ثوب في بئر أو جب فنزل فيه رجل فأخرجه فأتى ربه فطلب منه أجرة فامتنع فرده مخرجه في البئر أو الجب فطلبه فيه ربه فلم يجده، قال: يخرجه الذي كان رده فيه وإلا ضمنه، قال محمد: وإذا أخرجه فينبغي أن يكون له أجره إذا كان ربه لا يصل إلى ذلك إلا بأجر، وبالله التوفيق. [: أخذ وتعريف ضالة الإبل] من سماع أشهب وابن نافع عن مالك من كتاب الأقضية قال أشهب: سألت مالكا: عن قول عمر بن الخطاب في الذي وجد البعير ضالا: أرسله حيث وجدته، فقال لي مالك: نعم يرسله حيث وجد. قلت: له: يشهد عليه أم لا؟ فقال: ما شأنه يشهد عليه؟ كأنه لا يرى ذلك عليه، قال ابن نافع: وأرى أن يشهد على إرساله أحب إلي. قال محمد بن رشد: ثبت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال في ضالة الإبل: «ما لك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى

يلقاها ربها» ، فالاختيار فيها أن لا تؤخذ فإن أخذت عرفت، فإن لم تعرف ردت حيث وجدت، جاء ذلك عن عمر بن الخطاب، وأخذ به مالك في أحد قوليه، وهو قوله هاهنا وفي المدونة، وقيل: إنها تؤخذ وتعرف، فإن لم تعرف بيعت ووقف ثمنها لصاحبها، فإن لم يأت وأيس منه تصدق به عنه، جاء ذلك عن عثمان بن عفان، رُوِيَ ذلك عن مالك أيضا، قال: من وجد بعيرا ضالا فليأت به الإمام يبيعه ويجعل ثمنه في بيت المال، يريد: بعد أن يعرف، وقال في مدونة أشهب: يوقف ثمنه حتى يأتي ربه، وإن كان الإمام غير عدل خلي حيث وجد. وإنما اختلف الحكم في ذلك من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان لاختلاف الأزمان بفساد الناس، وكان الحكم فيها في زمن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وخلافة عمر بن الخطاب: أن لا تؤخذ، فإن أخذت عرفت، فإن لم تعرف حيث وجدت تركت. ثم كان الحكم فيها في زمن عثمان لما ظهر من فساد الناس أن تؤخذ وتعرف فإن لم تعرف بيعت ووقفت أثمانها، وكذلك ينبغي أن يكون الحكم فيها اليوم إن كان الإمام عدلا وإن كان غير عدل يخشى عليها إن أخذت لتعرف تركت ولم تؤخذ، فإن كان إنما يخشى على ثمنها إن بيعت أخذت فعرفت وإن لم تعرف ردت حيث وجدت. واختلف إن كانت الإبل الضوال بعيدة من العمران في موضع يخاف عليها السباع، فقيل: إنها في حكم الشاة؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد ذكر العلة التي من أجلها فرق بين ضالة الغنم وضالة الإبل بقوله في الشاة: «هي لك أو لأخيك أو للذيب» وقيل: إنها تؤخذ وتعرف بخلاف الشاة إذ لا مشقة في

مسألة: تعريف اللقطة في المساجد

حلبها، وكذلك البقر إن كانت بموضع يخاف عليها السباع يدخل فيها من الخلاف ما دخل في الإبل إن كان المشقة في حلبها، والمنصوص فيها في المدونة أنها بمنزلة الغنم. وقوله في الرواية: ليس عليه أن يشهد على إرسالها، معناه: في غير المتهم، بدليل قوله بعد هذا في هذا الرسم: إن المتهم يشهد. وقول ابن نافع: وأرى أن يشهد على إرسالها أحب إِلَيَّ - ظَاهِرُهُ: وإن لم يتهم ليدفع عن نفسه الظنة، وأما المتهم فإن لم يشهد لحقته اليمين. [مسألة: تعريف اللقطة في المساجد] مسألة وسألته عن تعريف اللقطة في المساجد، قال: لا أحب رفع الصوت في المساجد، وقد بلغني أن عمر بن الخطاب أمر أن تعرف اللقطة على أبواب المساجد، فأحب إلي أن لا تعرف في المساجد. ولو مشى هذا إلى الخلق في المساجد يخبرهم بالذي وجد ولا يرفع صوته - لم أر بذلك بأسا إن شاء الله. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن رفع الصوت في المسجد مكروه حتى في العلم، وقد بنى عمر بن الخطاب رحبة بناحية المسجد تسمى البطيحا، فقال: من أراد أن يلغط أو ينشد شعرا ويرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة، وفي فعله الأسوة الحسنة، وبالله التوفيق. [مسألة: ضالة الإبل تعرف فلا تعرف] مسألة وسئل: عن ضالة الإبل تعرف فلا تعرف، أترى أن يخليها؟ قال: نعم أرى أن يخليها حيث وجدها، قيل: أفترى أن يشهد على تخليتها؟ قال: أما المتهم فهو خير إن شاء الله أن يشهد، وأما الرجل المأمون فلا أرى ذلك عليه، قيل له: أفترى الأباق كذلك إذا

عرفه، قال: نعم أرى إذا عرفه فلم يجد من يعرفه أن يخليه خيرا له من أن يبيعه فيهلك ثمنه ويوكل، أو يطرح في السجن فيقيم ولا يجد من يطعمه. قال محمد بن رشد: قد تقدم فوق هذا في هذا الرسم بعينه القول في حكم ضوال الإبل للتعريف وإرسالها حيث وجدت إذا لم تعرف والإشهاد على ذلك، فلا معنى لإعادة القول في ذلك. وأما الأباق فساوى في هذه الرواية بينهم وبين ضوال الإبل في أنهم يرسلون إذا عرفوا فلم يعرفوا، وقال في المدونة: إنهم يحبسون سنة ثم يباعون فتحبس أثمانهم لأربابهم ولا يرسلون؛ لأنهم إن أرسلوا أبقوا ثانية، بخلاف ضوال الإبل، فالظاهر أن ذلك اختلاف من القول، وعلى ذلك كان يحمله الشيوخ، والأولى أن يحمل على الخلاف فيكون الوجه في ذلك أنه إن خشي عليه أن يضيع في السجن بغير نفقة وأن يتلف ثمنه إن بيع كان إرساله أولى من حبسه على ما قال في هذه الرواية، وإن لم يخش عليه أن يضيع في السجن ولا أن يتلف ثمنه إن بيع كان حبسه سنة، ثم بيعه بعد السنة وإمساكه لصاحبه أولى من إرساله لئلا يأبق ثانية إن أرسل، بخلاف ضوال الإبل، على ما قاله في المدونة. وموضع الخلاف في ذلك عند من حمله على الخلاف إنما هو إذا خشي عليه أن يضيع في السجن وأن يتلف ثمنه إذا بيع، فمرة رأى إرساله أولى لئلا يضيع ويتلف ثمنه، ومرة رأى حبسه وبيعه وإمساك ثمنه أولى من إرساله لئلا يأبق ثانية إن أرسل، والاختلاف في هذا إنما هو بحسب الاجتهاد في أي الخوفين أشد، وأما إن لم يخش عليه أن يضيع في السجين ولا أن يتلف ثمنه إذا بيع فلا يرسل لئلا يأبق ثانية قولا واحدا والله أعلم، ولو لم يخش عليه أن يضيع في السجن وخشي على ثمنه أن يضيع إن بيع لوجب أن يسجن سنة يعرف فيها، فإن لم يأت له طالب سرح ولم يحبس أكثر من السنة التي هي حد

مسألة: من أخذ ضالة فهو ضال

تعريف اللقطة، ولو لم يخش على ثمنه ضياع إن بيع وخشي عليه إن سجن أن يضيع في السجن لوجب أن يباع ويوقف ثمنه رجاء أن يأتي صاحبه ولا يسجن مخافة أن يضيع في السجن، وبالله التوفيق. [مسألة: من أخذ ضالة فهو ضال] مسألة وسئل: عن قول عمر بن الخطاب: من أخذ ضالة فهو ضال " ما يريد بقوله؟ قال: يريد هو مخطئ فلا يأخذها، يرى أن يتركها، وإنما يعني بذلك الإبل، وليس يقول أحد: ضل غلامي، وإنما يقال: الضالة الإبل، وقد قال ابن شهاب: كانت ضوال الإبل في زمن عمر إبلا مؤبلة. قال محمد بن رشد: إنما رأى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن لا تؤخذ الضالة، وقال: من أخذها فهو ضال، أي: مخطئ؛ لنهي الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن أخذها بقوله: «ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها» ، فقيل: إن ذلك عام في جميع الأزمان، وقيل: بل هو خاص في زمن العدل وصلاح الناس، وقد مضى القول على هذا في أول الرسم، وبالله التوفيق. [: أخذ ضالة فباعها وتصدق بثمنها وجاء صاحبها] ومن كتاب الأقضية الثالث وسألته: عمن أخذ ضالة فباعها وتصدق بثمنها وجاء صاحبها، أيغرمه؟ فقال: لم أقل في هذا شيئا، ولو جوز هذا للناس لعمد الفاجر فباعها وأكل ثمنها، ثم قال: تصدقت بها. قال محمد بن رشد: أما الفاجر فلا يصدق أنه تصدق بها، ويلزمه غرمها، وإنما اختلف في غير الفاجر، فقيل: إن عليه الغرم لصاحبها إذا جاء

إلا أن يشاء أن ينزل على أجرها كلقطة الدنانير والعروض، وهو دليل قوله في هذه الرواية: ولو جوز هذا للناس لعمد الفاجر فباعها وأكل ثمنها، ثم قال: تصدقت بها. ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك من رواية مطرف عنه: أنه إذا وجد الشاة في العمران فعرفها فلم يجد صاحبها فأكلها أو تصدق بها أنه يغرم لصاحبها قيمتها يوم أكلها أو تصدق بها إلا أن يشاء أن يجيز الصدقة ويكون له أجرها، وهو قول سحنون في نوازله من هذا الكتاب، وقيل: إنه لا ضمان عليه في المواشي إن تصدق بها أو بأثمانها بعد بلوغ ما عليه من التعريف بها، بخلاف لقطة الدنانير والدراهم والعروض إذ لا يقدر على حبسها لعلفها، وهو قول مالك في الرسم الذي بعد هذا، ومثله في كتاب ابن عبد الحكم عنه. واختلف قول مالك أيضا: هل له أن يأكلها بعد التعريف؟ فقال مرة: له أن يأكلها ويضمنها لصاحبها إن جاء، وهو قوله في رواية ابن عبد الحكم عنه، وفي رواية مطرف أيضا على ما حكي عنه ابن حبيب، بخلاف لقطة الدنانير والدراهم، وقال مرة: ليس له أن يأكل لقطة الدنانير والدراهم؛ لأن معنى قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عنده: «فشأنك بها» - أنه مخير بين أن يمسكها لصاحبها ويزيد في تعريفها، وبين أن يتصدق بها ويضمنها لصاحبها إن جاء إلا أن يشاء أن يجيز الصدقة ويكون له الأجر، ومن أهل العلم من يجيز له أن يأكلها على وجه السلف على ظاهر الحديث، غنيا كان أو فقيرا، وهو مذهب الشافعي. ومنهم من لا يجيز له أكلها إذا كان محتاجا إليها، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقول ابن وهب في رسم السنة بعد هذا من سماع عيسى من هذا الكتاب، ومنهم من لا يجيز ذلك له إلا أن يكون له بها وفاء إن جاء صاحبها وهو ظاهر الأقوال وأولاها بالصواب. فيتحصل في المسألة على هذا أربعة أقوال: أحدها: أن له استنفاقها بكل حال. والثاني: أنه ليس له استنفاقها على حال. والثالث: أنه ليس له استنفاقها إلا أن يكون محتاجا إليها. والرابع: أنه ليس له استنفاقه إلا أن يكون له وفاء بها. والأظهر أن لا فرق بين لقطة الماشية إذا وجدها قريبة من العمران حيث يجب

مسألة: يجد الدرهم مطروحا أيأخذه أو يتركه

تعريفها، وبين لقطة الدنانير والدراهم في جواز أكلها على وجه السلف ولا في وجوب الغرم عليه فيها لصاحبها إن تصدق بها، وبالله التوفيق. [مسألة: يجد الدرهم مطروحا أيأخذه أو يتركه] مسألة وسئل: عن الرجل يجد الدرهم مطروحا، أيأخذه أو يتركه ويمضي لوجهه؟ فقال: لو أعلم أنه يجد صاحبه لكان أحب إلي أن يأخذه، ولكن أخاف أن يلزمك فأحب إلي أن تدعه فلا تأخذه، ولو وجدت من يأمره به رأيت ذلك. قلت له: أفرأيت إن وجد دنانير لها بال أيأخذها فيعرفها أحب إليك أم يدعها فلا يأخذها؟ فقال: إذا كانت دنانير أو شيئا له بال فأحب إلي أن لا يدعها وأن يأخذها فيعرفها، وليس هذا مثل الدرهم والشيء الذي لا بال له خفيف المئونة على صاحبه لا تناله كبير مؤنة، وأما إذا كان الشيء الذي له بال فأحب إلي أن يأخذه فيعرفه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته. [: يجد الضالة فتنتج عنده] ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل: عن الرجل يجد الضالة فتنتج عنده، أيجوز له أن يأكل من نتاجها شيئا أو يأكل من ألبانها؟ فقال: أما نتاجها فلا يأكل منه شيئا، فقال: ألبانها فعسى أن يأكل منها، فقيل له: كيف يصنع بها؟ فقال: إذا بلغ الذي عليه فيها فليتصدق بها، قيل له: فلا يحبس لنفسه منها شيئا؟ فقال: نعم، لا يحبس لنفسه منها شيئا ولكن يتصدق بها، فقيل له: فإن جاء صاحبها لم يغرم من ثمنها شيئا؟

فقال: لا؛ لأن المواشي في مثل هذا ليست كالدنانير والدراهم، المواشي تؤكل فلا يقدر على حبسها لعلفها، فإذا تصدق بثمنها ثم جاء طالبها لم أر عليه شيئا. قال: وكان عمر بن الخطاب يقول لمن أخذها: خلها حيث وجدتها. وأول من أمر ببيعها عثمان بن عفان، قال: تباع، وقد عرف صفتها ثم توقف أثمانها، فإن جاء طالبها أعطى ثمنها، فقال الذين يعذرون عثمان فيما أمر به من بيعها: إنه أمر ببيعها؛ لأن الناس سرقوها وذهبوا بها، فلذلك أمر عثمان ببيعها، قيل له: أفرأيت إن لم يأت من يعرفها؟ فقال: يتصدق بها. قال محمد بن رشد: حكم نتاج الضالة حكم ألبانها؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل ذات رحم فولدها بمنزلتها» ، فلذلك قال: إنه ليس له أن يأكل من نتاجها على وجه الاقتطاع، وأما أكله منها على وجه السلف بعد بلوغ ما عليه من التعريف بها، فعلى ما ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا من الاختلاف في أمهاتها، إذ لا فرق بينها وبين نتاجها. وأما ألبانها فخفف أن يأكل منها، يريد: بقدر قيامه عليها والله أعلم؛ لأنه ينزل في ذلك منزلة الوصي في مال يتيمه، وقد قال ابن عباس في ذلك: إن كنت تبغي ضالة إبله وتتاجر بها وتلط حوضها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب. وأما الزائد على ذلك فإن كان له قدر يشح به صاحبه فحكمه حكم اللقطة نفسها، وإن كان يسيرا لا قدر له ولا يعلم أن صاحبها لا يشح به فله أن يأكله، وقد مضى ذلك والقول فيه في رسم طلق من سماع ابن القاسم. وقوله: إنه لا شيء عليه في الضالة لصاحبها إن تصدق بها - خلاف قوله في الرسم الذي قبل هذا، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى فلا وجه لإعادته،

مسألة: يجد العصا والسوط أيعرف

ومضى في الرسم الأول من هذا السماع القول في جواز أخذ ضالة الإبل للتعريف وفي وجوب ردها حيث وجدت بعد التعريف فلا معنى لإعادته. [مسألة: يجد العصا والسوط أيعرف] مسألة وسئل: عمن يجد العصا والسوط، أيعرف؟ فقال: ماله يأخذه؟ لا يأخذه، قيل: فقد أخذه، قال: يعرف، فإن لم يعرف فأرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: فأرجو أن يكون خفيفا، معناه عندي: فأرجو أن يكون خفيفا أن ينتفع به على وجه التملك له ما لم يجد صاحبه، وإن أبى الانتفاع عليه، وهذا في التافه الذي لا قيمة له؛ لأن تعريفه غير واجب، فقوله: يعرفه، يريد: على وجه الاستحباب والله أعلم، ولو كان له قدر يجب تعريفه لما صح له تمليكه بعد التعريف، وقد مضى بيان هذا في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: حكم لقطة العروض] مسألة وسئل: عمن وجد حديدة، فقال: يعرفها، فإن لم يعرف فليتصدق بها، فإن جاء طالبها فليعطه قيمتها، قيل له: أفيتصدق بالحديدة بعينها أم يبيعها فيتصدق بثمنها؟ فقال: إن شاء تصدق بها كما هي يجمع مساكين يطعمهم إياها يقول هذه بينكم، قيل: أرأيت إن كانت من الحديد الذي يحتاج إليه بعض السفهاء مثل الخنجر؟ فقال مالك: والعصا أيضا يقاتل به، أرأيت لو ورث ذلك، أَبِبَيْعِهِ بَأْسٌ؟ قال: ليس به بأس وما أرى عليه أن يكسرها ثم يبيعها، وإنما يكره هذا في الموضع الذي يتحدث فيه أن يباع للعدو، وقال: إنه إنما خرج حين عمدت إليه فأقمته قيمة ثم كسرته

: التقاط العبد الآبق

فذهبت به أفيجزي عنى أن أتصدق بثمنه؟ قال: نعم ذلك يجزيك منه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن حكم لقطة العروض كحكم لقطة الدنانير والدراهم التي قال فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اعرف عفاصها ووكاءها، وعرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها» ، فإذا وجد حديدة وجب عليه أن يعرفها فإن لم يعرف فإن شاء حبسها وإن شاء تصدق بها ويكون صاحبها على حقه فيها إن شاء ضمنه، وهو مخير إن شاء تصدق بها بعينها على مسكين واحد أو على مساكين تكون بينهم كما قال، وإن شاء باعها فتصدق بثمنها لزمه الأكثر من قيمتها يوم تصدق بها أو من الثمن الذي باعها به، وليس عليه أن يكسرها إن كانت من الخناجر التي يتخذها السفهاء أو من السلاح التي يقاتل بها، ويبيعها كما هي إلا أن يخشى أن يصل إلى العدو أو إلى من يناوئ المسلمين من أهل الإسلام في الفتن التي تكون بينهم، فيكره له أن يبيعها حتى يكسرها. واختلف إن باعها قبل أن يكسرها من العدو أو ممن يقاتل بها المسلمين من أهل الإسلام أو ممن يعلم أنه يحملها إليهم ويبيعها منهم فيما يجب عليه في الثمن الذي أخذه فيها إن لم يقدر على استرجاعها على ثلاثة أقوال قد ذكرناها في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب التجارة إلى أرض الحرب فهو موضعها الأليق بها، وبالله التوفيق. [: التقاط العبد الآبق] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم قال ابن القاسم: الشأن والسنة في الآبق أن يحبس سنة إلا أن يخاف عليه الضيعة فيباع.

مسألة: المجعول له الثاني هو المنتفع بعمل الأول إذا أفلت قريبا من مكان سيده

قلت: أرأيت إذا انقطعت السنة ولم يخف عليه ضيعة، أيباع؟ قال: نعم ولا يحبس بعد السنة. قال محمد بن رشد: قوله: إن الآبق يحبس سنة - هو مثل ما في المدونة. وقوله: إنه إن خشيت عليه الضيعة بيع قبل السنة - هو مفسر لما في المدونة، وقد مضى في أول رسم من سماع أشهب أنه إن خشيت عليه الضيعة خلي سبيله ولم يبع، وقد مضى القول على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [مسألة: المجعول له الثاني هو المنتفع بعمل الأول إذا أفلت قريبا من مكان سيده] مسألة وسألته: عن الرجل في آبق له خمسة دراهم لمن جاء به فيذهب رجل فيأتي من إفريقية حتى إذا كان بطربوط أفلت له فأخذه آخر فأتى به، قال ابن القاسم: قال لي مالك: إذا أفلت بعيدا من مكان سيده فالجعل كله للآخر الذي جاء به، وليس للذي جاء به من إفريقية شيء، وإذا أفلت منه قريبا من مكان سيده فأخذه آخر فأتى به فالجعل بينهما على قدر شخوص كل واحد منهما قدر ما يرى. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن المجعول له الثاني هو المنتفع بعمل الأول إذا أفلت قريبا من مكان سيده بخلاف المجاعلة على حفر الآبار وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة، والله الموفق. [مسألة: يجد القبر في أرض العدو فيه فضة وذهب وجوهر وغير ذلك] مسألة قلت: أرأيت من اشترى دارا واشترط على بائعها إني اشتري

منك ما كان لك في هذه الدار من مجهول أو معلوم قليل أو كثير فيجد المشتري في الدار صخرا أو عمدا أو ورقا أو ذهبا أو آنية مغيبة تحت الأرض، والذهب والجوهر والآنية لا يعرفها البائع ولا المشتري؟ فقال: ما أرى للمبتاع فيها حقا، وأما الفضة والذهب والجوهر والآنية فإن كانت في بلد فتحت عنوة فأراها للمسلمين، وإن كانت بصلح فأراها لذمة أهل تلك القرية الذين صالحوا عليها إذا كان ذلك من دفن الجاهلية، وإن كان ذلك مما يعرف أنه من دفن الإسلام فإنها مثل الفضة يجدها الرجل فإنه يعرفها السنة ونحوها، فإن جاء طالب دفعها إليه وإلا لم أحب له أكلها، أما أن يتصدق بها ويخير صاحبها إذا جاء في أخذها ويغرمها له أو أن يحبسها لصاحبها ما طمع به. قال ابن القاسم: وإنما قلت لك: هو لذمة تلك القرية؛ لأن مالكا سئل عن الكنز يوجد، فقال: أما ما كان ببلد صالح غير أهله من بلدان أهل الذمة فهو لهم، وما كان من ذلك عنوة فهو للمسلمين، وأما الكنز الذي يخرج منها الخمس فتكون لمن وجدها فهي التي تكون في أرض العرب وكل أرض لم يدخلها المسلمون بصلح ولا عنوة. قال: وقد سئل مالك عن الرجل يجد القبر في أرض العدو فيه فضة وذهب وجوهر وغير ذلك، فقال: هو لجميع أهل ذلك الجيش؛ لأنه إنما وصل إليه بالجيش. وأما ما ذكرت من العمد والخشب والصخر فإن كان أمرا يعرف أنه من دفن الجاهلية فهو عندي بمنزلة ما يوجد من ركازهم فإن كانوا أهل صلح كان ذلك لأهل ذلك البلد من أهل الذمة، وإن كانوا عنوة رأيته لجماعة المسلمين ورأيت لمن وجده أن يبيعه ويتصدق بثمنه،

فإن كان أمرا يعرف أنه من متاع الإسلام لم أره للمبتاع. وقلت للبائع: فإن عرفت أنه لك أو قامت لك عليه بينة فهو لك، وإن لم تدعه رأيت لمن وجده أن يعرفه كما يعرف اللقطة، وما يوجد من دفن الإسلام وإن لم يوجد له أحد باعها عنه وتصدق بثمنه. قال ابن القاسم: إذا لم يوجد من أهل تلك القرية التي صالحوا عليها أحد وكانوا قد بادوا تصدق بما وجد من ذلك كله كما يتصدق بما وجد في القرية التي أخذت عنوة. قال محمد بن رشد: سأله في هذه الرواية عما وجد المشتري في الأرض التي اشتراها واشترط مجهولها ومعلومها مما جهلاه من الصخر والحجارة والعمد والرخام والأبنية والذهب والفضة، فقال: إن ذلك لا يكون للمبتاع، ويكون حكمه حكم الركاز إن علم أنه من دفن الجاهلية على التفصيل الذي ذكرناه على أصل مذهبه في أن الركاز تبع للأرض الذي وجد فيها، إن كانت مفتحة بصلح وغيره وأنه لا يكون لواجده بعد إخراج الخمس منه إلا أن يكون موجودا في أرض حرة لم تفتح بصلح ولا عنوة وحكم اللقطة إن علم أنه من دفن الإسلام، ومعنى ذلك إذا لم يدعه البائع أو ادعاه فلم يشبه قوله وتبين كذبه. وأما إذا ادعاه فأشبه قوله فإنه يكون له مع إذا لم يكن له عليه بينة على قياس قوله. وفي تَكَلُّمِ ابْنِ القاسم على حكم ما وجد المبتاع في الأرض التي ابتاع على الشرط الذي ذكره وسكوته عن البيع - دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ عنده وأن الشرط لا يفسد، وقد اختلف في ذلك، فروى زياد قال: سألت مالكا عن رجل ابتاع منزلا أو حظا من منزل فكتب المشتري مجهولا أو معلوما أو كتب يعلم أو لا يعلم، قال: لا ينقض هذا البيع ونحوه مما يتوثق به المشتري بعد أن ينص ما

: العشرة دراهم أو النصف دينار يجده الرجل

اشترى نصفا أو ربعا أو جزءا من الأجزاء. وفي تفسير ابن مزين: أن البيع فاسد في الأرض إذا اشتراها واشترط معروفها ومجهولها، بخلاف إذا اشترى العبد واشترى مجهول ماله ومعلومه، وقال: إن الفرق بينهما أن مال العبد إنما يستثنيه المشتري ويشترطه للعبد لا لنفسه، ألا ترى أنه يطأ ملك يمينه ويكون له حتى ينتزعه منه سيده، وأن مجهول الأرض إذا اشترطه المشتري قد اشترى ما لا يعرف، ومحمد بن دينار يقول للمبتاع ما يوجد في الأرض الذي ابتاع مما جهلاه، وهو قول سحنون في نوازله من كتاب جامع البيوع، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. قال في الورثة يقتسمون الأرض فيجد أحدهم في حظه بئرا وبيتا أو صخرا أو عمدا أو الرجل يشتري الأرض فيجد فيه شيئا من ذلك: إن ذلك لمن وقع في قسمه من الورثة وللمشتري في الشراء، ولا حق فيه للبائع، وهذا الاختلاف إنما هو في المجهول الذي لا يعلم صاحبه، وأما إن ثبت أن ما وجد مغيبا في الأرض من متاع البائع أو متاع من ورثه عنه فلا اختلاف في أنه له، وكذلك ما علم أنه من دفن الجاهلية يكون حكمه حكم الركاز الموجود في تلك الأرض بلا اختلاف، فيكون تبعا للأرض على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك إن كانت مفتحة بعنوة أو بصلح ولواجده إن كانت حرة من أرض العرب، ويكون لواجده على مذهب ابن نافع كانت الأرض حرة أو عنوة أو صلحية متملكة أو غير متملكة، وبالله التوفيق. [: العشرة دراهم أو النصف دينار يجده الرجل] ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم وابن وهب، في الحاج يجد اللقطة نحوا من عشرين دينارا أو أكثر فيعرفها سنة فلم يجد لها طالبا، هل يأكلها، وفي العشرة دراهم أو النصف دينار يجده الرجل، كم ترى له أن يحبسه ويعرفه؟ قال ابن وهب: قد بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

مسألة: ما يقذف البحر من الخشب والحوت والقصاع ونحو هذا

وسلم قال في اللقطة: إنه يعرفها سنة فإن جاء لها طالب دفعها إليه، فإن لم يأت لها طالب دفعها إليه، فإن لم يأت لها طالب بعد اليوم أداها إليه إن كانت عنده، وإن لم يكن عنده شيء كانت عليه دينا حتى يجد قضاءها ويكون صاحبها أسوة الغرماء، وإن مات كان في سعة إن شاء الله إن لم يوجد له مال؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد أذن له في أكلها، وأما الشيء اليسير مثل الدريهمات والدينار فإني أرى أن يعرف أياما فإن لم يجد له صاحبا وكان محتاجا أنفق ذلك على نفسه، وإن كان غنيا عنه تصدق به عن صاحبه، قال ابن القاسم: ما ينبغي أن ينفق على نفسه منه شيئا قليلا ولا كثيرا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب فلا وجه لإعادته. [مسألة: ما يقذف البحر من الخشب والحوت والقصاع ونحو هذا] مسألة وسئل ابن القاسم: عما يقذف البحر من الخشب والحوت والقصاع ونحو هذا يجده الرجل على ساحل البحر، هل هو له خاص؟ قال: هو لمن وجده إلا أن يعرف صاحبه فيؤديه إليه. قال محمد بن رشد: معنى هذا عندي في الشيء اليسير الذي يعلم أن صاحبه لا يشح به ولا يطلبه، وأما الشيء الذي له قدر وبال فحكمه حكم اللقطة على ما يأتي في الرسم الذي بعد هذا، وقد كان الشيوخ يحملون المسألتين على أنهما متعارضتان وليس ذلك بصحيح، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم من قولنا ما بَيَّنَ هذا الذي ذهبنا إليه في هذه المسألة.

: ما لفظ البحر من المتاع

[: ما لفظ البحر من المتاع] ومن كتاب العتق وسئل ابن القاسم: عما لفظ البحر من المتاع فيجده الرجل مما حمله التجار ولا يعرفه، فقال: إن كان من متاع المسلمين عرفه، وإن كان من متاع أهل الشرك نظر السلطان فيه فوضعه على ما يرى، ولم يكن لمن أخذه، وإن شك فيه رأيت أن يعرفه ثم يتصدق به. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا اختلاف فيما لفظه البحر من أموال التجار المعطوبين فيه أن حكمه حكم اللقطة، بخلاف مسألة رسم سن من سماع ابن القاسم فيما ألقوه بأيديهم من متاعهم لتجارة أنفسهم، هذا قد قيل فيه: إنه لمن وجده، إذ قد ألقوه بأيديهم على وجه اليأس منه، بمنزلة الذي تقوم عليه دابته في السفر فيسلمها على وجه اليأس منها على الاختلاف في ذلك، وقد ذكرناه في مسألة حلف أن لا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [: اللقطة بعد تعريفها سنة] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألته: هل ينبغي للذي يجد اللقطة أن يأتي بها إلى الإمام بعد تعريف سنة ليكون هو الذي يأمر ببيعها وتفرقة ثمنها صدقة على المساكين، فقال: وما للإمام ولها؟ ليس هو مما يلزم الناس أن يرفعوه إلى الإمام؛ لأن المتصدق بها إن جاء صاحبها فأراد أخذ قيمتها أغرمها الذي كان وجدها وتصدق بها، قال: فإن تعدى الإمام

: اللقطة توجد في قرية ليس فيها إلا أهل الذمة

فأخذها فباعها وتصدق بثمنها رأيت عليه غرمها إذا جاء صاحبها إن أحب أن يغرمه. قال محمد بن رشد: هذا بيِّن على ما قاله: إن الخطاب يوجه في اللقطة من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى واجدها بقوله له: «اعرف عفاصها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها» ، فإن أخذها منه وتصدق بها كان متعديا فيها وضامنها له إلا أن يعطيه إياها واجدها باختياره ليتصدق بها على سبيل الوكالة له، فلا ينتقل عنه الضمان إن جاء صاحبها، وبالله التوفيق. [: اللقطة توجد في قرية ليس فيها إلا أهل الذمة] من سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم وسئل مالك: عن اللقطة توجد في قرية ليس فيها إلا أهل الذمة فقال: تدفع إلى أحبارهم. قال محمد بن رشد: هذا قول فيه نظر، إذ في الإمكان أن تكون لمسلم وإن كانت وجدت بين أهل الذمة، فكان الاحتياط أن لا تدفع إلى أحبارهم إلا بعد التعريف لها استحسانا لقلة الظن أنها لهم على غير قياس، فإن دفعت إليهم بعد التعريف لها ثم جاء صاحبها غرموها له، وإنما كان يلزم أن تدفع ابتداء إلى أحبارهم لو تحقق أنها لأهل الذمة بيقين لا شك فيه مع من يقولوا: إن من ديننا أن يكون حكم اللقطة لأهل ملتنا مصروفا إلينا، وأما إذا لم يتحقق ذلك فكان القياس أن لا تدفع إلى أحبارهم وتكون موقوفة أبدا، وبالله التوفيق. [: يجد الشاة قد اختلطت بغنمه فلا يجد لها صاحبا] من نوازل سحنون وسئل: عن الرجل يجد الشاة قد اختلطت بغنمه فلا يجد لها

: اللقطة يجدها الرجل فيستنفقها بعد السنة

صاحبا، قال: يكون سبيلها سبيل اللقطة يتصدق بها، فإن جاء صاحبها ضمنها له، قيل له: فما يصنع بلبنها؟ قال: يشربه، وهذا خفيف؛ لأنه يرعاها ويتفقدها. قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا إنه يضمنها لربها إن جاء إذا تصدق بها مثل قول مالك في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، خلاف قوله في رسم الأقضية الثاني منه. وقوله في لبنها: إنه يشربه؛ لأنه يرعاها ويتفقدها - يبين قول مالك في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، وقد مضى تحصيل القول في ذلك كله في الموضعين، وبالله التوفيق. [: اللقطة يجدها الرجل فيستنفقها بعد السنة] من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب قال عبد الملك: سألت ابن وهب: عن اللقطة يجدها الرجل فيستنفقها بعد السنة فيقوم عليه الغرماء ولم يأت صاحبها، أترى أن يحاص بها الغرماء، فقال: نعم أرى للسلطان أن يحاص بها الغرماء، وسألت أشهب، فقال لي مثله إلا أنه لم يذكر السلطان. قال محمد بن رشد: ليس سكوت أشهب عن ذكر السلطان في هذا بمخالف لقول ابن وهب؛ لأن السلطان هو الناظر في هذا لصاحب اللقطة لكونه في منزلة الغائب؛ إذ لا يعرف، ومعنى ذلك إذا عرف إقراره باستنفاقه اللقطة قبل أن يقوم عليه الغرماء، إذ لا يجوز إقرار المفلس بالدين بعد التفليس لمعين معلوم، فكيف لغائب مجهول، وبالله التوفيق. [: الرجلين يدعيان اللقطة عند الرجل] من نوازل سئل عنها سحنون وسئل أشهب: عن الرجلين يدعيان اللقطة عند الرجل قد

وجدها فيصف أحدهما العفاص والوكاء، ويصف الآخر عدد الدنانير ووزنها، قال: فهي للذي عرف العفاص والوكاء، وكذلك لو عرف العفاص وحده كانت له أيضا بعد الاستبراء، قيل: فلو أن رجلا ادعاها وحده وعرف العفاص؟ قال: فيستبرئ فإن لم يأت أحد أعطيها الذي عرف العفاص، وإنما الحديث الذي جاء: «اعرف العفاص والوكاء» ، فإن جاء طالبها فإنما ذلك مثل الخليطين إذا كان الدلو والراعي والمراح واحدا، فهو إذا جمعا الراعي أو المراح أو الدلو فهما خليطان، فكذلك إذا عرف هذا بعضا ولم يعرف بعضا. قلت: فلو قال: هي في خرقة حمراء وخيط أبيض فوجدت الخرقة كما قال والخيط أسود؟ قال: فيستبرأ أيضا ثم يرجع بعد ذلك، فقال لي: هذا قد أكذب نفسه إذ ادعى المعرفة بالوكاء والعفاص ثم وجد بعد ذلك على غير ما قال، فلا يصدق، وإنما يصدق إذا أصاب في بعض وادعى الجهالة في بعض فيستبرأ، فإن جاء أحد بأحق مما ادعى وإلا أعطيها، قيل: فوصف العفاص والوكاء وادعى أنها دنانير فوجد العفاص والوكاء كما قال ووجد فيها دراهم؟ قال: لا يعطاها؛ لأنه إنما ادعى دنانير ذهبت منه، لم يدع دراهم، قال لي: وكذلك لو قال خرقة حمراء وخيط أبيض والدنانير هاشمية، فوجدت الخرقة والخيط كما قال، ووجدت الدنانير عتق لم يكن له شيء. قال محمد بن رشد: قال: إنه إذا ادعى اللقطة رجلان، فوصف أحدهما العفاص والوكاء، ووصف الآخر عدد الدنانير ووزنها، إنها للذي عرف العفاص والوكاء، يريد: مع يمينه، والاختلاف في هذا، وإنما لا اختلاف إذا جاء وحده، فقيل: إنها تدفع إليه بالصفة دون يمين، وهو ظاهر مذهب ابن القاسم في المدونة، والوجه في ذلك أن الصفة في اللقطة التي لا دافع لها

كالبينة القاطعة فيما له من يدفع عنه، وقيل: إنه لا يدفع إليه إلا بيمين. وقال: إن وصفها رجلان أحلفا، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر فهي لمن حلف منهما، وإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا قسمت بينهما، فقوله: إنه يقسم بينهما إذا نكلا رد لقوله: إنه لا يدفع إليه إذا جاء وحده إلا بيمين، واستحسن أصبغ في أحد قوليه إذا وصف أحدهما العفاص والوكاء ووصف الآخر عدد الدنانير والدراهم، وصفتها أن تقسم بينهما بعد أيمانهما كما لو اجتمعا جميعا على صفة العفاص والوكاء. والاختيار أن يصف مدعي اللقطة العفاص والوكاء وما اشتملا عليه من عدد الدنانير والدراهم وصفتها، فإن وصف بعضا وجهل بعضا أو غلط فيه ففي ذلك اختلاف وتفصيل: فأما جهله بالعدد فلا يضره إذا عرف العفاص والوكاء، وكذلك غلطه فيه بالزيادة لا يضره لجواز أن يكون قد اغتيل في شيء منها، واخلف في غلطه فيه بالنقصان إذا عرف العفاص والوكاء على قولين، وكذلك واختلف في غلطه فيه بالنقصان إذا عرف العفاص والوكاء وأما إذا غلط في صفة الدنانير فلا أعلم خلافا في أن لا شيء له. وأما العفاص والوكاء إذا وصف أحدهما وجهل الآخر أو غلط فيه ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا شيء له إلا بمعرفتهما جميعا. والثاني: أنه يستبري أمره فإن لم يأت أحد بأثبت مما أتى به دفعت له. والثالث: أنه إن ادعى الجهالة استبرئ أمره، وإن غلط لم يكن له شيء، وهذا أعدل الأقوال، والله أعلم. ولو جهل العفاص والوكاء جميعا وعرف عدد الدنانير وصفتها ووزنها لتخرج على قول أصبغ الذي قاله على طريق الاستحسان إذا وصف أحد المدعيين العفاص والوكاء، والآخر عدد الدنانير وصفتها ووزنها أن تقسم بينهما

مسألة: يلتقط الشاة الضالة بموضع يجوز له أكلها

أن تكون له إذا جاء وحده فوصف عدد الدنانير والدراهم وصفتها ووزنها وجهل العفاص والوكاء جميعا، وبالله التوفيق. [مسألة: يلتقط الشاة الضالة بموضع يجوز له أكلها] مسألة قيل لأصبغ: الرجل يلتقط الشاة الضالة بفلاة من الأرض بموضع يجوز له أكلها فيذبحها ثم يأتي بها معه إلى الأحياء، أعليه أن يعرفها؟ قال: ليس عليه أن يعرفها، وأكله لها طيب كان غنيا عنها أو لم يكن وكذلك جلدها. قلت: فلو اعترفها ربها في يديه قبل أن يأكلها، قال: فهو أولى بها إذا أدركها، قيل: فلو كان ملتقطا استحياها حتى قدم بها الأحياء، أيكون له أن يعرفها؟ قال: هذا مخالف لما ذكرت، وعليه أن يعرفها أو يصرفها إلى أهل قرية يعرفونها ولا حق له فيها ولا يحل له حبسها؛ لأنه إنما جاز أكلها وذبحها بالفلاة أو المنقطع لئلا تتلف إن تركها أكلتها السباع وإن تحملها أضرت به، فلما تحمل من حملها ما لم يكن عليه حتى بلغها الأحياء كانت كما التقطها هنا، تعرف ولا تؤكل. قال محمد بن رشد: اعترض أبو إسحاق التونسي قول أصبغ هذا إذا قدم بها الأحياء مذبوحة، فقال: الأصوب أن لا يأكل اللحم وأن يبيعه ويوقف ثمنه؛ لأن الإباحة إنما كانت له حيث لا ثمن له، ولو تركه هناك لأكله الذئب وفي الحاضرة قد صار له ثمن، وهو صحيح، وبالله التوفيق. تم كتاب اللقطة بحمد الله تعالى

: كتاب المزارعة

[: كتاب المزارعة] [: اشتركا على مزارعة] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب السلم قال عيسى: وسئل ابن القاسم: عن رجلين اشتركا على مزارعة فاشترى أحدهما نصف البذر قمحا جيدا نقيا، فعرضه على صاحبه فرضيه وأجازه، ثم اشترى الشريك الآخر النصف الآخر قمحا رديئا فزرع منه ثلثه فعرضه على صاحبه فرضيه واستجازه على وجه التجوز والمسامحة، فزرع صاحب النصف الجيد قمحه رقيقا فدادين، وزرع الآخر قمحه الرديء فزرع به فدادين وشيئا، ثم تشاحا؟ قال: يؤدي كل واحد منها إلى صاحبه نصف ثمن زريعته فيستويان. قال محمد بن رشد: قوله: اشتركا على مزارعة، معناه: اشتركا في الحرث للزراعة، وإرادته أنهما اشتركا على أن يجعل كل واحد منهما زوجه ويده ونصف البذر، والأرض لهما أو بأيديهما اكتراء أو مزارعة أو منحة؛ بدليل قوله: فزرع صاحب النصف الجيد قمحه فزرع منه كذا وكذا، وزرع الآخر قمحه الرديء فزرع منه كذا وكذا، والشركة على هذا إنما تصح إذا كان يحتاجان فيها إلى التعاون في إقران البقر للحرث وحلها والقيام عليها في سقيها وعلفها وما أشبه ذلك. ويختلف في هذه الشركة، هل تلزم بالعقد أم لا؟ على اختلافهم في

المزارعة، فجاء جوابه في هذه المسألة على القول بأنها لا تلزم بالعقد، وهي رواية أصبغ عنه في سماعه بعد هذا؛ لأنه أفسد الشركة بينهما مسامحة أحدها الآخر بعد العقد فيما أخرج من القمح الذي لا يعدل قمحه في الطيب، مع ما بينهما من التفاوت الكثير الذي لا يجوز أن يسمح في مثله في الشركة التي لا تلزم بالعقد، وذلك معارض لقوله في رسم الجواب بعد هذا على ما سنذكره ونبين وجهه إن شاء الله، وأما على القول بأنها تلزم بالعقد فيجوز أن يسمح أحدهما للآخر بعد العقد بالقليل والكثير قولا واحدا. فقوله على القول بفساد الشركة بمسامحة أحدهما الآخر بعد العقد إذ لم يرها لازمة بالعقد: إنه يؤدي كل واحد منهما إلى صاحبه نصف ثمن زريعته فيستويان - صحيح على القول بأن الزرع في المزارعة الفاسدة بينهما على ما اشتركا عليه ويتعادلان فيما أخرجاه فمن كان له منهما فضل على صاحبه رجع به عليه، وهو قول ابن حبيب في الواضحة إذا سلما من كراء الأرض بما يخرج منها، وهو الذي يأتي أيضا على القول بأن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب العمل، إذ قد عملا جميعا، وعلى القول أيضا بأنه من اجتمع له شيئان من ثلاثة أصول: وهي العمل والأرض والبذر، وعلى القول أيضا أنه لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة أصول: وهي الأرض والبذر والبقر؛ إذ قد اجتمع لكل واحد منهما البذر والبقر، وعلى القول أيضا بأنه لمن اجتمع له منهما شيئان من أربعة أصول: وهي الأرض والعمل والبقر والبذر إذ قد اجتمع لكل واحد منهما ثلاثة أشياء. وأما على القول بأن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر فيجب أن يكون لكل واحد منهما ما أنبت قمحه، وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي، فقال: إن كان بينهما تفاوت لا يجوز أن يسمح به في الشركة، فكان يجب أن يكون لكل واحد منهما ما أنبت قمحه كشعير وقمح، إلا أن يقدر أن التفويت إذا كان بإذن صاحبه صار كالقبض، فيجب مثل ذلك في القمح والشعير وفي الشركة الفاسدة بالعروض أن يضمن كل واحد منهما نصف قيمة عرض

صاحبه، وهذا الذي قاله أبو إسحاق التونسي صحيح؛ كأن وجه القول في كون الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر هو بقاء يده على بذره مع شريكه فلم يبن بحصته منه بينونة صحيحة، هذا وجه القول في هذه المسألة. وقد قال ابن دحون فيها: هذه مسألة مشكلة؛ لأنه أبطل ما قد تراضيا به، وإنما ذلك لأنهما لما القمح من السوق وكانا كأنهما إنما اشتركا بالأثمان التي اشتريا بها. فردها إلى تساوي الأثمان، ألا ترى أنه لو ضاع ما اشترى أحدهما قبل شراء الآخر كان عليهما إذا اشتراه للزراعة وللشركة التي عقدا حول ذلك على أنهما إنما اشتركا بأثمان ما اشتريا، فردهما إلى التساوي، ولو كان ثمن القمح الرديء مثل القمح الجيد لم يتراجعا إذا تراضيا، ولو كان ثمن الرديء أكثر من ثمن الطيب لرجع على صاحب الطيب بما فضله إذا تراضيا أولا، ولو كان القمح أخرجه كل واحد منهما من داره ولم يشتره وتراضيا بجيده ورديئه لم يكن لأحدهما رجوع في ذلك، وإنما جاز له الرجوع لما اشتريا من السوق فصار إنما اشتركا بالأثمان فيها وتراجعا. هذا نص قول ابن دحون، وهو كلام مختل الوجه له؛ لأن لفظ الشركة تقتضي التكافؤ فيما يخرجه كل واحد منهما عوضا عما يخرجه صاحبه، فإذا رضي أحدهما بعد عقد الشركة بأن يخرج صاحبه أدنى من القمح الذي يخرج هو، فقد يفضل بنصف ما زادت قيمة طعامه على طعام صاحبه، وكان ذلك على القول بأن العقد غير لازم بمنزلة ما لو شاركه على ذلك ابتداء، ووجب أن تفسخ الشركة بينهما إلا أن يفوت بالبذر فيكون لكل واحد منهما ما أنبت قمحه على القول بأن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر، ويكون الزرع بينهما على القول الآخر ويتعادلان في قيمة ما أخرج كل واحد منهما من الطعام اشتراه من السوق أو جاء به من داره، واستدلاله على الفرق بين الوجهين بما ذكره من الضمان لا يصح، إذ لا فرق بينهما في الضمان أيضا وإن تلف بعد أن عرضه على صاحبه فرضيه وأجازه لكانت مصيبته منهما على قياس القول بأن الزرع بينهما ومن صاحبه الذي جاء

: القول قول مدعي الصحة

له من عنده على قياس القول بأن له ما أنبت دون شريكه، ولا فرق في ذلك كله بين أن يشتريه من السوق أو يأتي به من داره، وبالله التوفيق. [: القول قول مدعي الصحة] ومن كتاب شهد على شهادة ميت وسئل: عن الرجل يعطي أرضه وبقره رجلا وزريعته يعمل بها على أن يخرج عند دفع الزرع ما أعطاه من زريعته ثم يقتسمان ما بقي على النصف، ثم يزعم الذي أمسك الزوج أن له نصف الزريعة، وهو مقر لصاحبه بأرضه وبقره ونصف الزريعة، وأنكر الآخر أن يكون له شيء إلا عمله بيده، فالقول قول من تراه؟ قال ابن كنانة: القول قول من زرع الأرض، والزريعة بينهما شطران، وهو الزارع الذي رُئِيَ يزرع الأرض. قال ابن القاسم مثله، وهو من ناحية قول مالك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال على مذهب مالك؛ لأن رب الأرض يدعى على الزارع أنه أسلف نصف الزريعة، وأنه شاركه على ذلك بشرط، وذلك يوجب فساد الشركة، فوجب أن يكون القول للزارع الذي ينكر السلف ويدعي صحة الشركة على أصولهم في أن القول قول مدعي الصحة، وبالله التوفيق. [: الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر] ومن كتاب الجواب وسألته: عن رجلين اشتركا على الزرع، فجعل أحدهما زوجا والآخر يمسك الزوج ويحرث به، وجعل صاحب الزوج الزريعة كلها على أن يرد عليه الشريك نصف الزريعة أو ثمنها؟ قال ابن

مسألة: المزارعة تفسد باشتراط السلف فيها

القاسم: هذه شركة فاسدة، لأنها شركة وسلف، قبل كل شيء فالزرع بينهما نصفين على قدر شركتهما، ويرد على صاحب الزريعة نصف زريعته، وينظر إلى قدر قيمة عمل الزوج البقر، وإلى قدر قيام الآخر عليه وإمساكه إياه وحرثه به، فأيهما كان له الفضل منهما رجع على صاحبه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنها شركة أبدان، فلما فسدت باشتراط السلف فيها وجب أن يكون الزرع بينهما على مذهب ابن القاسم، ويتعادلان فيما أخرجاه، فمن كان منهما له فضل على صاحبه رجع به عليه، وسحنون يقول: إن الزرع لصاحب السلف على أصله في أن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر وبالله التوفيق. [مسألة: المزارعة تفسد باشتراط السلف فيها] مسألة وسألته عن رجلين اشتركا في الحرث على النصف أو على الثلث لأحدهما الأرض والآخر يعمل بيديه وزوجه، فقال أحدهما لصاحبه: اجعل الزريعة كلها وعلى نصفها أو ثلثها أردها عليك، فعملا جميعا على ذلك فصلح الزرع أو هلك، وكيف إن قال له: أسلفني بعدما عقد الشركة؟ قال ابن القاسم: الشركة فاسدة للسلف الذي أسلفه من الزريعة إذا كانا على ذلك اشتركا، فإن وقع هذا فالزرع بينهما على قدر ما اشتركا من النصف أو الثلثين أو الثلث، والمصيبة بينهما على قدر ذلك إن هلك الزرع أو لم ينبت، ويرجع مسلف الزريعة على صاحبه ما أسلفه متى شاء، وينظر إلى قيمة كراء الأرض وإلى قيمة عمل الآخر ببدنه وزوجه فأيهما كان له فضل منهما رجع به دراهم أو دنانير، وليس في الزرع.

وإن كانت الشركة على غير سلف ثم سأله أن يسلفه الزريعة ففعل فليس بذلك بأس، والشركة حلال جائزة، إذا كان قيمة العمل مكافئة لقيمة كراء الأرض على ما فسرت لك، فإن كان في ذلك فضل رجع من كان له الفضل بالفضل على صاحبه على نحو ما أخبرتك، ورواها أصبغ. قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة كالقول في المسألة التي فوقها؛ لأن المزارعة تفسد باشتراط السلف فيها كما تفسد الشركة بذلك، وإذا فسدت بذلك وجب في مذهب ابن القاسم أن يكون الزرع بينهما على ما اشترطاه من الأجزاء، ويتعادلان فيما أخرجاه، فمن كان له منهما فضل على صاحبه رجع به عليه، وببطل الأجل في السلف لفساده إن كان له أجل، وسحنون يبطل السلف لبقاء يد السلف عليه، ويجعل الزرع كله للعامل الذي جعل البذر، ويكون عليه لصاحب الأرض كراء المثل فيها على أصله في أن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر في قول ابن القاسم في الرواية. وإن كانت الشركة على غير سلف ثم سأله أن يسلفه الزريعة ففعل فليس بذلك بأس نظر على أصله في أن المزارعة لا تلزم بالعقد، لأن القياس على القول بأنها لا تلزم بالعقد ألا يجوز السلف بعد العقد كما لا يجوز في العقد، فهذا من قوله معارض لقوله في أول مسألة من السماع، وقد قال بعض أهل النظر: إن هذا من قوله يدل على أن المزارعة تلزم بالعقد خلاف رواية أصبغ، إذ لو لم يلزم بالعقد عنده لما جاز السلف قبل العقد ولا بعده ما لم يعمل، كما لا يجوز ذلك في القراض، ولا دليل من قوله في هذه الرواية على ذلك، إذ قد ذكر فيها ما يدل على أنها لا تلزم بالعقد، وهو قوله فليس بذلك بأس، والشركة حلال جائزة إذا كان قيمة العمل مكافئة لقيمة كراء الأرض، لأن من يرى المزارعة لأزمة بالعقد يجيز التفاضل فيها، فلا يشترط في جوازها

: كراء الأرض بالثلث والربع

التكافؤ فيما يخرجان، وإنما لم تفسد المزارعة إذا كان السلف بعد العقد، وإن كانت عنده غير لازمة بالعقد مراعاة لقول من يراها لازمة بالعقد ولعلهما ظنا أنها لازمة بالعقد فبعدت التهمة عنده عليهما، ولو علما أنها لا تلزم بالعقد ولا يحكم بلزومها على من أبى التزامها منهما لاتفقا أن تفسد المزارعة بينهما بالطواعية بالسلف بعد العقد، فهذا يوجبه قوله في هذه الرواية وبالله التوفيق. [: كراء الأرض بالثلث والربع] ومن سماع سحنون قال سحنون: قال ابن القاسم: قال مالك: من دفع أرضه إلى رجل يزرعها على أن ما أخرج إليه فيها من الزرع بين الزارع وبين صاحب الأرض فإن الزرع كله للذي زرعه، ويغرم الزارع لصاحب الأرض كراء أرضه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأنه كراء الأرض بالجزء مما يخرج منها، ولا اختلاف في المذهب في أن ذلك لا يجوز لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن المحاقلة والمخابرة. والمزارعة إذ تأولوا أن المراد بذلك كراء الأرض بالجزء مما يخرج منها، وقد جاء النهي عن ذلك نصًّا: روى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال:

مسألة: دفع حبا إلى رجل يزرعه في أرضه على أن الزرع بينهما

«من كانت له أرض ليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكرها بثلث ولا بربع ولا طعام» . وأجاز ذلك جماعة من أهل العلم منهم الليث بن سعد، وحجتهم في ذلك إعطاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يهود خيبر الأرض والنخل على شطر ما يخرج من ذلك وتأولوا في المحاقلة أنها اشتراء الأرض بالحنطة، والصحيح ما ذهب إليه مالك، لأن النص قد جاء بالنهي عن كراء الأرض بالثلث والربع. وحديث المسافات يمكن تأويله على ما تأوله إليه مالك من أن الأرض كانت يسيرة بين أضعاف السواد، وقد اختلف أهل العلم في جواز كراء الأرض وفيما يجوز أن تكرى به اختلافا كثيرا لتعارض ظواهر الآثار الواردة في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يتحصل فيها ثمانية أقوال قد ذكرتها في غير هذا الكتاب وبالله التوفيق. [مسألة: دفع حبا إلى رجل يزرعه في أرضه على أن الزرع بينهما] مسألة وقال ابن القاسم قال مالك: من دفع حبا إلى رجل يزرعه في أرضه على أن الزرع بينهما فإن الزرع كله لصاحب الأرض ويعطي صاحب الأرض صاحبَ الحب مكيلة حبه، قال سحنون: لا يعجبني هذا، وأرى الزرع كله لصاحب الحب ويعطي الزارع أجرته وأجرة بقره وكراء أرضه.

مسألة: الوكيل إذا أقر بما ادعي عليه شريكه

قال محمد بن رشد: الفساد في هذه المزارعة بين لأنه يدخلها كراء الأرض بما يخرج منها من الطعام، فلا اختلاف في المذهب في وجوب فسخها وإبطال الجزء بينهما، وإنما الاختلاف في الزرع لمن يكون على هذين القولين؟ لا ثالث لهما وبالله التوفيق. [مسألة: الوكيل إذا أقر بما ادعي عليه شريكه] مسألة وسئل ابن القاسم عن الأرض تكون بين الرجلين فيقول أحدهما لصاحبه: خذ هذه الدنانير فاشتر بها ما يصير علي من الزريعة فيأخذ ويزرع ثم يقول الموكل على الشراء: ما اشتريت وإنما أخرجت ذلك من عندي. قال: فللموكل أن يكذبه ويكون الزرع بينهما، لأنه يتهم أن يكون يدعي عليه سلفا من طعام وقد أمر بالشراء قال: ولو كان الذي أمره باشترائه صدقه أنه لم يشتر؟ قال: فهو بالخيار إن شاء أعطاه المكيلة وكان شريكه في الزرع، وإن شاء أخذ دنانيره ولم يكن له في الزرع شيء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن الوكيل إذا أقر بما ادعي عليه شريكه من أنه دفع إليه دنانيره ليشتري بها ما يصير عليه من الزريعة ويزرع، ثم ادعى أنه زرع من عنده ولم يشتر لشريكه شيئا لا يصدق في ذلك لأنه يدعي سلفا من الطعام على شريكه. وقوله: "فللموكل أن يكذبه" معناه: لا يلزمه أن يصدقه لأن له أن يكذبه وإن علم أنه صادق، وإنما معناه أن القول قوله فيما يدعى من كذبه أو الجهل بصدقه، فإن حقق الدعوى عليه بأنه كاذب حلف على ذلك، وكان له نصف الزرع ولم يكن للوكيل عليه ما ادعاه من الطعام، وكذلك إن لم يحقق الدعوى عليه بذلك، غير أنه يحلف أنه لا يعلم ما يقول الوكيل من أنه زرع من عنده

ولم يشتر شيئا، فإن نكل عن اليمين حلف الوكيل ورد إليه دنانيره وأخذ منه الطعام الذي زعم أنه زرعه له من عنده. وأما إن صدقه الموكل أنه لم يشتر شيئا فقال في الرواية إنه بالخيار إن شاء أعطاه الكيل، وكان شريكه في الزرع، وإن شاء أخذ دنانيره ولم يكن له في الزرع شيء، وذلك كلام وقع على غير تحصيل، لأنه إنما يخير بين أن يترك الزرع وبين أن يأخذه ويؤدي الطعام، وأما الدنانير فيأخذها على كل حال إذ قد صدقه أنه لم يشتر له بها شيئا، وفي تخيره في ذلك اختلاف، قد قال ابن القاسم في سماع أصبغ بعد هذا في نظير هذه المسألة إنه لا ينبغي أن يكون صاحب البذر مخيرا بين أن يعطي بذرا ويأخذ زرعا، وبين أن يسلم الزرع، وكذلك قال يحيى بن عمر إنه إن صدقه أنه لم يشتر أو قامت بذلك بينة وزرع من عنده فالزرع لباذره، ولا يجوز للآخر الرضي بأخذ نصفه ويؤدي الزريعة، وهذا حرام، وليأخذ دنانيره وما يجب له من كراء الأرض وبقر وعبيد، وكذلك قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون إنه إن صدقه وقد تم الزرع يريد بالبذر، فهو لمن زرعه وللآخر كراء أرضه بعد أن حكي عن ابن القاسم مثل ما قاله في العتيبة في هذه الرواية، وإنما يكون مخيرا في ذلك على القول بأنه مخير فيه، إذا قال الوكيل إنما زرعت له ولنفسي على أن يكون لي نصف البذر عليه سلفا، وأما إن قال زرعت لنفسي خاصة فالزرع له وعليه كراء نصف الأرض ونصف البقر ونصف العبيد إن كان ذلك كله بينهما، ولا تخيير في ذلك للشريك بحال عند أحد، ولو علمنا صدق قول الوكيل فيما ادعاه من أنه زرع لنفسه أو للشريك لم يكن له في ذلك خيار، وإنما الخلاف إذا لم يعلم صدقه من كذبه، فهو يخشى إن صدقه أن يكون كاذبا، وإن كذبه أن يكون صادقا، فيدخل ذلك في كل وجه بيع الزرع بطعام، لأنه إن كان زرع لنفسه فالزرع له لا يجوز أن يأخذ فيه طعاما من الشريك، وإن كان زرع للشريك لا يجوز أن يسلمه إليه بما له عليه من الطعام، ولهذا المعنى قال القائل في

مسألة: اكترياها ليزرعاها بينهما فغاب أحدهما فزرع الآخر نصفها وطاب

سماع أصبغ بعد هذا أنه ينتظر بالزرع حتى يحصد ويدرس فيستوفي الوكيل منه بذره، ويكون ما بقي لصاحب الأرض لأنه زرعه له وباسمه، هذا وجه القول في هذه المسألة فيما يجب الحكم والقضاء به. وأما الاستفتاء فسبيله أن يقال فيه للشريك أنت تعلم إن كنت توقن أنه قد صدقك في قوله إنه زرع لك من عنده فادفع إليه الطعام وخذ زرعك، وإن كنت توقن أنه قد كذبك في قوله وأنه إنما زرع لنفسه فلا يجوز لك أن تدفع إليه الطعام وتأخذ الزرع، وإن كان لا يقين عندك في واحد من الوجهين فوجه الخلاص ما قاله القائل في سماع أصبغ من أن يحصد الزرع ويدرس فيستوفي منه الوكيل بذوره ويكون ما بقي لك لأنه زرعه لك على ما أقر به وبالله التوفيق. ا [مسألة: اكترياها ليزرعاها بينهما فغاب أحدهما فزرع الآخر نصفها وطاب] مسألة قال: وقال ابن القاسم في الأرض تكون بين الرجلين يحرثانها جميعا أيام البذر فيغيب أحد الشريكين فيقوم أحدهما فيبذرها، قال: إن جاء صاحبه قبل أن يفوت الزرع رأيت أن يبذر نصيبه من الأرض يزرعها، ولا يجوز له أن يأخذ فيها طعاما ولا ذهبا ولا أرضا يحرثها ولا متوبة إذا لم يفت البذر، فإذا فات كان على الذي بذرها أن يعطيه كراء عمله الذي كان عمل إذا فات. قال محمد بن رشد: لم يبين في هذه الرواية إن كان الشريك زرع الأرض في مغيب شريكه لنفسه أو بينهما، والمعنى فيها أنه زرعها لنفسه، ولذلك قال إن من حق الشريك الغائب إن كافا إبان الزرع لم يفت أن يأخذ نصيبه في الأرض فيزرعها لنفسه يريد بعد أن تقسم إذا كانت مشاعة بينهما، ومثله في كتاب ابن المواز، قال ولو اكترياها ليزرعاها بينهما فغاب أحدهما فزرع الآخر نصفها وطاب فهو له خاصة، وعليهما كراء ما تعطل منها. قال

: تزارعا في أرض أحدهما فكان الزوج لأحدهما والأرض للآخر

أصبغ وعلى الزارع نصف قيمة كراء المزروع منها إن كان ذلك أكثر من الثمن، وما تعطل فهو عليهما وكراؤها كلها عليهما، قال ابن المواز: وهذا قول ابن القاسم، وقول ابن القاسم في هذه الرواية إن للشريك الغائب أن يأخذ حظه من الأرض فيزرعها إن كان لم يفت إبان الزرع هو مثل قول ابن القاسم في أول سماعه من كتاب الاستحقاق إنه يكون له فيما بنى في أرض شريكه قيمة بنائه منقوضا إن صار في حظ شريكه، خلاف قوله في سماع أبي زيد بعد هذا، وفي رسم إن أمكنتني من سماع عيسى من كتاب الشركة إن الزرع للذي زرعه وعليه نصف كراء الأرض لشريكه يريد وإن كان إبان الحرث لم يفت فمرة رأى ابن القاسم الشركة بينهما في الأرض مبهمة توجب أن يكون الزرع لزارعه وإن لم يفت إبان البذر، ومرة لم يرَ ذلك بشبهة، ورأى من حق الشريك أن يأخذ نصيبه من الأرض يزرعها إذا لم يكن للذي بذره فيه منفعة إن قلعه، وإن كانت له فيه منفعة كان من حقه أن يقلعه إلا أن يشاء الشريك المتعدى عليه أن يأخذه بقيمته مقلوعا، فيكون ذلك له، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في أول سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، وفي رسم إن أمكنتني من سماع عيسى من كتاب الشركة. ولو زرع الأرض بينهما لنفسه وللغائب، لكان الغائب مخيرا بين أن يسلم له الزرع وبين أن يأخذ حظه منه ويعطيه البذر على ما قال في المسألة التي قبل هذه، وقد مضى القول على ذلك فلا معنى لإعادته. [: تزارعا في أرض أحدهما فكان الزوج لأحدهما والأرض للآخر] من سماع عبد الملك بن الحسن قال عبد الملك: سألت ابن وهب عن رجلين تزارعا في أرض أحدهما، فكان الزوج لأحدهما والأرض للآخر، فاخرجا زريعة بينهما، فلما فرغ الذي كان ولي الازدراع من الحرث قال لشريكه

صاحب الأرض إذًا لي الزريعة التي زرعت عنك، فقال صاحب الأرض: قد زرعت ما كان علي منها وخلطنا زريعتنا جميعا، أخرجت أنا النصف وأخرجت أنت النصف، وإنما زرعت زريعتنا جميعا، وليس لك علي شيء ولم تسلفني شيئا، وقال الزارع: بل الزريعة كلها من عندي، وقد صار نصفها لي عليك، فعلى من البينة منهما؟ قال: القول للعامل منهما وهو الزارع الذي ولي الزريعة والعمل، والزرع بينهما نصفان لأنها شركة فاسدة قد وقعت وفاتت بالبذر والزرع، لأنه يقر أنه إنما زرع على أن نصف الزريعة على صاحبه مضمونة سلفا منه، فهو كمن أخرجها من عنده، ولصاحب الأرض نصف قيمة كراء الأرض على صاحبه ونصف قيمة العمل إن كان هو العامل، وإن كان الآخر هو العامل فله نصف قيمة كراء أزواجه وعمله، وما سوى من ذلك من المسألة فهو على ما فسرت لك في صدرها، لا يبالي أيهما كان ويرجع العامل بنصف البذر على صاحبه بعد اليمين، وقال أشهب: إذا قامت البينة لأحدهما أنه الزارع وأن البذر كان في يديه فله على صاحبه نصف ذلك البذر، ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه له، وما لصاحبه مما زرع من الزريعة قليل ولا كثير. قال محمد بن رشد: قول ابن وهب في هذه المسألة إنها شركة فاسدة معناها على ما حملها عليه من أن العامل ادعى أنه زارع صاحبه على أن يجعل عنه نصيبه من الزريعة سلفًا، فهو يصدق فيما يدعي من أنه هو أخرج الزريعة كلها من عنده، لأنه هو الذي ولي زراعتها، ولا يصدق فيما ادعاه من الفساد في المزارعة بشرط السلف، غير أنه مقر بذلك على نفسه، فإن كان عليه في ذلك درك لشريكه أداه إليه، إذ قد يكون قيمة كراء ما أخرج أقل من قيمة كراء ما أخرج شريكه فيرجع عليه بنصف ما زاد كراء ما أخرج على ما

أخرج هو، مثال ذلك أن يكون صاحب الأرض هو الذي ولي العمل والزراعة فادعى أنه جعل جميعه على السلف لشريكه وقيمة كراء الأرض وعمله عشرة دنانير، وقيمة كراء بقر صاحبه عشرون دينارا فيصدق فيما ادعى من السلف؛ لأنه هو الذي ولي الزراعة ويلزمه إقراره على نفسه بفساد الشركة فيرجع عليه شريكه بخمسة دنانير، لأن جميع كراء ما أخرجاه جميعا ثلاثون دينارًا، على مدعي السلف من ذلك خمسة عشر دينارا أخرج منها عشرة عليه ولشريكه خمسة يأخذها منه إن رجع إلى تصديقه، وكذب نفسه على اختلاف في هذا الأصل، إذ قد قيل إنه يأخذ ما أقر له به، وإن تمادى على إنكاره وإن كان قيمة ما أخرج الذي ادعى عليه سلف الزريعة أكثر من قيمة ما أخرج صاحبه لم يكن له عليه رجوع على القول بجواز التفاضل في المزارعة، وهو الظاهر من ابن وهب في هذه المسألة، لقوله فيها: ولصاحب الأرض قيمة كراء الأرض على صاحبه ونصف قيمة العمل معناه، ويكون لصاحبه عليه نصف كراء أزواجه، فإن كان كراء أرضه وعمله أكثر من قيمة كراء أزواج صاحبه لم يرجع عليه بشيء، وإن كان قيمة كراء أزواج صاحبه أكثر من قيمة كراء أرضه وعمله رجع عليه بنصف فضل ما بين الكراءين، لأنه مقر على نفسه بفساد الشركة ووجوب التقويم والتراجع، وأما على القول بأن التفاضل في المزارعة لا تجوز فيرجع من كان له فضل منهما على صاحبه حتى يعتدلا، لأن المزارعة تفسد من هذا الوجه أيضا، فيجب بذلك لمن كان له منهما فضل على صاحبه في قيمة كراء ما أخرج أن يرجع به حتى يعتدلا. ولم يتكلم أشهب على التقويم فيحتمل أن يكون سكت عنه فلا يكون قوله مخالفا لقول ابن وهب، ويحتمل أن يكون لم يره بحال إذ ليس في السؤال بيان أن مدعي السلف ادعى أنه شريك صاحبه على ذلك، فحمله على أنه تطوع بالسلف خلاف ما حمله عليه ابن وهب والله أعلم وبه التوفيق.

: يشتركان في عمل الزرع فيريد أحدهما الخروج

[: يشتركان في عمل الزرع فيريد أحدهما الخروج] من سماع أصبغ من كتاب البيوع العاشر قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجلين يشتركان في عمل الزرع فيريد أحدهما الخروج ويبدو له، قال: إن كانا لم يبذرا كان ذلك له، وإن كانا قد بذرا فليس ذلك له، ويلزمه العمل معه على ما أحب، وإن عجز ولم يقو قيل لشريكه اعمل فإذا يبس الزرع فاستوف حقك واد فضلا إن كان فيه إلى صاحبك، وإن لم يكن فيه فضل وقصر عما انفق اتبعه به، لأن العمل كان يلزمه معه على ما أحب، لأنه ليس مما يستطاع أن يقسم ولا يباع، فإن ترك العمل مع صاحبه هلك زرع صاحبه وقد اشتركا على أمر حلال، فليس له أن يتركه بعد بذره. قال محمد بن رشد: قوله إن كانا لم يبذرا كان ذلك له، وإن كان قد بذرا فليس ذلك له، يريد فليس ذلك له فيما قد بذر إذ لا يستطيعان أن يقسما ما قد بذرا حتى يحصداه ويقتسماه بالكيل، وأما ما لم يبذرا بعد فلا يلزم الآبي أن يتمادى مع شريكه على بذر ما بقي من زراعتهما، وكذلك إن كانا قد قلبا الأرض ولم يزرعاها بعد فلا يلزم الآبي منهما أن يزرعها معه لأنهما يقدران على قسم القليب وعلى بيعه وقسم ثمنه على معنى قول ابن القاسم هذا، وهو معنى قوله في المدونة إذ لم تجز الشركة في الحرث إلا على التساوي والاعتدال في قيمة كراء ما يخرجه كل واحد منهما عوضا عما يخرجه صاحبه، إذ لو كانت المزارعة تلزم بالعقد لجارت وإن قيمة كراء ما يخرجه أحدهما أكثر من قيمة كراء ما يخرجه صاحبه. وابن الماجشون وسحنون يريان المزارعة تلزم بالعقد، وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في كتاب ابن سحنون، وإنما وقع هذا الاختلاف في المزارعة لأنها شركة وإجارة كل واحدة منهما مفضية للأخرى بكليتهما، لا

مسألة: وكل وكيلا يزرع له فأخطأ فزرع أرضه ببذر لابنه أو لامرأته أو لغيرهما

فضل فيها عنهما، فاختلف أيهما يغلب، فإن غلب الشركة لم يرها بالعقد لازمة ولا أجازها إلا على التكافي والاعتدال إلا أن يتطول أحدهما على صاحبه بما لا قدر لكرائه، ومن غلب الإجارة ألزمها بالعقد فأجاز التفاضل بينهما، ولم يراع التكافؤ غير ابن حبيب، قال ما لم يتفاحش الأمر بما لا يتغابن في مثله في البيوع، وقال سحنون: ذلك جائز وإن تفاحش الفضل في قيمة كراء الأرض ما لم يخرج أحدهما شيئا منفردا له بال لم يخرج صاحبه عنه عوضا فلا يجوز ذلك، والقياس على القول بتغليب الإجارة وإلزام العقد أن يجوز التفاضل بكل حال، وفي المسألة قول ثالث جرى به العمل بقرطبة ألا تلزم المزارعة بالقول حتى يشرعا في العمل، وهو قول يروى عن ابن كنانة، وليس بقياس، وإنما هو استحسان إذ لا يخرج عن القولين في كلتا الحالتين، ويشبه رواية علي بن زياد عن مالك في أن الجاعل يلزمه الجعل بشروع المجهول له في العمل، وبالله التوفيق. [مسألة: وكل وكيلا يزرع له فأخطأ فزرع أرضه ببذر لابنه أو لامرأته أو لغيرهما] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل وكل وكيلا يزرع له فأخطأ فزرع أرضه ببذر لابنه أو لامرأته أو لغيرهما قال: يغرم الوكيل لابن الرجل أو لامرأته أو لغيرهما بذرهما، ويكون الزرع للوكيل ويكون عليه كراء أرض الرجل الذي وكله إنما يكرى به مثلها؛ وذلك لأنه لا ينبغي أن يكون صاحب البذر مخيرا بين أن يعطى بذرا ويأخذ زرعا، وبين أن يسلم الزرع. قال: وفيه قول آخر لو قال قائل ينتظر بالزرع حتى يحصد ويدرس فيستوفي الوكيل منه بذره، ويكون ما بقي لصاحب الأرض لأنه زرعه له وباسمه، ثم أفكر فأقول: فحصاده ودرسه وذروه على من يكون فيتفاحش ذلك؟ فالقول ما قلت لك في أول ذلك إذا كان بذر بذرا مخالفا لما أمره، مثل أن يأمره أن يبذر قمحا فيبذر شعيرا

: تكون أرضه ملاصقة بأرض جاره فيزرعها ثم يزعم أنه أخطأ وظن أنها أرضه

أو قطاني، وإن كان الذي أخطأ به قمحا مثل ما أمره فالزرع له ويغرم مكان البذر لأصحابه، وليس على الوكيل شيء. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة إن الزرع للوكيل وعليه كراء الأرض لموكله، ومكيلة البذر لأصحابه، ولا ينبغي أن يكون صاحب البذر - يريد الموكل الآمر له بالبذر - مخيرا بين أن يعطى بذرا ويأخذ زرعا وبين أن يسلم الزرع خلاف ما مضى من قوله في نظير هذه المسألة في نوازل سحنون وتفرقته بين أن يكون البذر الذي بذر مخالفا للذي أمره به أو غير مخالف له استحسان، ووجهه أن البذر إذا كان مخالفا لما أمره به كان الذي يغلب على الظن أنه إنما زرعه لنفسه، فلا ينبغي له أن يصدقه فيما زعم من أنه زرعه له على سبيل الغلط، وإذا كان البذر غير مخالف له أشبه ما يقول من أنه زرعه له، فوجب عنده أن يأخذه ويغرم مثل البذر لأصحابه، وقد مضى في نوازل سحنون من القول في نظير هذه المسألة ما فيه بيان لهذه. فيتحصل في هذه المسألة على هذا ثلاثة أقوال، أحدها أنه يصدق ويأخذ الزرع ويؤدي البذر لأربابه، والثاني أنه لا يصدقه فيسلم إليه الزرع ويأخذه بكراء أرضه، والثالث الفرق بين أن يكون البذر مخالفا لما أمره به أو غير مخالف وبالله التوفيق. [: تكون أرضه ملاصقة بأرض جاره فيزرعها ثم يزعم أنه أخطأ وظن أنها أرضه] من نوازل أصبغ وسئل أصبغ عن رجل تكون أرضه ملاصقة بأرض جاره فيزرعها ثم يزعم أنه أخطأ وظن أنها أرضه؟ وكيف إن كان المكتري اكترى فدانَ أرضٍ فلما جاء وقت الزريعة زرع ثم تبين له أنه أخطأ هل يعذر رب الأرض أو المكتري بالجهالة، ويجعل عليه الكراء أم لا؟ وكيف إن كانت له عرصة قريبة من عرصة صاحبه فبني في

عرصته وفي عرصة جاره ثم قال والله ما ظننت إلا أنها من حيث بنائي؟ أو بنى في عرصة صاحبه أصلا، ولم يبن في عرصته هل يعذر بالجهالة أم لا يعذر؟ ولا يعرف خطأه إلا بقوله. قال أصبغ: أما العرصة فلا كلام فيها وصاحبها بالخيار بين أن يأخذه بقيمته نقضا ولا يصدق قوله فيه على الخطأ فلا يكون له عذر، وبين أن يأمره بقلع نقضه. وأما الفدان فإني أراه عذرا لأنه يشبه الخطأ في الأحواز وفي الازدراع إلى جنبه وإلى تشابه الحدود، فأرى الجهل على الخطأ حتى يعرف أنه عمد، فأرى أن يحلف لأخطأ وما تعمد، ثم يقدر زرعه فيه كراء مثله ولا ينتزع لإبان زرع ولا غيره، ويحمل محمل من اكترى فزرع ثم جاء صاحبه فهي بشبهة وعذر فكذلك هذا أراه بشبهة وعذر ولا يقلع حتى يبلغ زرعه، قال سحنون: هو عندي كالغصب ولا يعذر بجهل، ولو كان يعذر في هذا أقلع وجاء فزرع فدان جاره ثم قال: ظننت أنه فداني فأرى أن يسلك سبيل الغاصب. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في العراص أنه لا يعذر الباني فيها بالجهل فيصدق فيما ادعاه من الغلط، لأن ذلك لا يشبه في العراص المعروفة بحدودها لكثرة التكرار عليها، بخلاف الفدادين في الفحوص التي قد تجهل أحوازها لاشتباهها مع قلة التكرار عليها لبعدها فيعذر فيها بالجهل، ويصدق فيما ادعاه من الغلط عند أصبغ، وهو قول مالك، رواه أشهب عنه في سماعه من كتاب الغصب. وسحنون لا يعذره في الفدادين أيضا بالجهل ولا يصدقه فيما ادعاه من الغلط، ووجه قوله أن العداء قد ظهر بحرثه ما ليس له، فلا يصدق فيما ادعاه من الغلط ولا يعذر بذلك عنده إن كان يلزمه أن يثبت حتى لا يحرث مال غيره، فهو عنده كالغاصب فيكون الزرع عنده لصاحب الأرض، وكذلك قال

: اشتركا في أرض خرج من عنده بذرا فبذرها كلها فجاء صاحبه بعد ذلك

الزرع لرب الأرض ولا شيء للزارع إلا أن يقدر على جميع حبه وإلا فلا شيء له، وقال في موضع آخر إلا أن يكونا لم يتحاكما ولم يعلم بذلك حتى يجب الزرع وفات إبان الزراعة فيكون الزرع لزراعه وعليه كراء الأرض، وقال في كتاب ابنه: وإذا زرع هذا أرضه قمحا وحرث جاره في أرضه شعيرا فطار من بذر كل واحد منهما فنبت فإن ذلك لمن حصل في أرضه ولا شيء عليه لجاره، ولو كان بين أرضهما جسر أو حصا فنبت فيه حب مما تطاير فذلك بينهما اختلفت زريعتهما في الجنس أو اتفقت، لأن ذلك الموضع من أرضهما وبالله التوفيق. [: اشتركا في أرض خرج من عنده بذرا فبذرها كلها فجاء صاحبه بعد ذلك] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر قال: وسئل ابن القاسم عن رجلين اشتركا في أرض يزرعانها بينهما، فحرثاها فلما كان إبان الزرع غاب أحد الشريكين فلما خشي صاحبه فوات الزرع أخرج من عنده بذرا فبذرها كلها، فجاء صاحبه بعد ذلك، قال ابن القاسم: لا يكون له شرك في الزرع، وإنما يكون له مثل كراء تلك الأرض محروثة، ويكون الزرع للذي زرع، قال: فقيل له: فإن كان قسم الأرض بين اثنين فأحضر لذلك رجالا فزرع حصته وترك ما بقي؟ قال: لا ينفعه ذلك، ويكون للذي غاب كراء نصف ما زرع ولا ينفعه ذلك إلا أن يتعدى السلطان فيكون هذا الذي يقسمها فيزرع حصته فهذا الذي لا يكون له شيء فيما زرع صاحبه. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم مثل قوله في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى من كتاب الشركة، وخلاف لقوله في سماع سحنون من هذا الكتاب، وقد مضى الكلام هنالك على وجه الاختلاف في ذلك فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. تم كتاب المزارعة بجيد الله تعالى وحسن عونه

: كتاب المغارسة

[: كتاب المغارسة] [مسألة: يغرس له نخلا في أرض له على أن له جعلا] من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال في رجل قاضى رجلا على أن يغرس له نخلا في أرض له على أن له في كل نخلة تنبت جعلا قد سماه، وأن ينبت غرسه فلا شيء له عليه، ولا يلزمه العمل في ذلك إن شاء أن يتركه تركه فقال: لا أرى به بأسا إذا اشترطا للنخل قدرا يعرف، أربع سعفات أو خمسا أو نحو ذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأنه جعل محض، والمغارسة على الجعل جائزة، لأنها تجوز على الجعل وعلى الإجارة وعلى جزء من الأصل إذا بلغ الغرس حدا تجوز المغارسة إليه، ولا اختلاف أحفظه في المذهب في إجازة المغارسة على الجعل؛ لأن الجعل أصل في نفسه كالقراض والمساقاة لا تقاس على الإجارة ولا تقاس الإجارة عليه، وإن أخذ شبها منها، والأصل في جوازه قول الله عز وجل: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يوم حنين: «من قتل قتيلا فله سلبه» وقوله يوم

بدر من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا ومن فعل كذا وكذا فله كذا وكذا، وإن كان مالك قد كره ذلك، فإنما كرهه لئلا تفسد نيات الناس في الجهاد لا أنه عنده حرام وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للنفر من أصحابه الذين رقى أحدهم سيد حي من أحياء العرب مروا بهم من لدغة لدغ بها على قطيع من الغنم فرقاه فكأنما أنشط من عقال فسألوه عن ذلك: «قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم بسهم» . ولجوازه أربعة شروط متفق عليها، وهي أن يكون الجعل معلوما، وألا ينقد، وألا يضرب للعمل أجل وأن لا يكون للجاعل فيه منفعة إلا بتمامه، وشرط خامس مختلف فيه، وهو أن يكون للجاعل فيه منفعة إذا تم، وهذه الشرائط كلها موجودة في المغارسة على الجعل فوجب أن يجوز، وقد قال ابن دحون: مسائل المغارسة لا أصل لها وفيها غرر وخطار ظاهر، وقد أجازها مالك وأصحابه وللمخالفين عليهم فيها تعلق قوي، لأن أصحاب مالك كلهم منعوا من الغرر والخطر في جميع مسائلهم وأجازوه في هذا وجعلوه من باب الجعل، ومن أصلهم أن لا يجوز الجعل إلا في اليسير، وأجازوه في هذا العمل الكثير، وهو خطر عظيم، وليس قول ابن دحون بصحيح؛ لأنهم إنما منعوا من الغرر الكثير في البيع لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بيع الغرر وعن الخطر والقمار في غير البيع؛ لأنه من ميسر الجاهلية، وأما الجعل فقد جوزته السنة وأجازته الشريعة على ما فيه من الغرر على الشروط التي ذكرناها، وليس من شروط صحته ما ذكره من أنه لا يجوز إلا في اليسير، وإن كان قد قاله عبد الوهاب وغيره، بل يجوز في اليسر والكثير إذا لم يكن للجاعل فيه منفعة إلا بتمامه. وإنما قال مالك: لا يجوز الجعل على بيع الثياب الكثيرة وإنما يجوز على بيع الثوب والثوبين من أجل أن الثياب الكثيرة إذا أسلمها إليه ليبيعها له بالجعل

: الأرض البيضاء يعطيها الرجل للرجل على أن يغرس له أصولا

فلم يبعها وصرفها إليه كان قد انتفع بحفظه لها وحوزه إياها مدة كونها بيده، فهذه هي العلة في أن لا يجوز الجعل على بيعها لا كونها كثيرة، فقد يجوز الجعل باتفاق على طلب العبد الآبق وحفر البئر وما أشبه ذلك، وإن كان العمل في ذلك كله كثير من أجل أنه إن لم يتم حفر البئر لم ينتفع الجاعل بما مضى فيها من عمل المجعول له، وكذلك إن عني المجعول له في طلب العبد الآبق إلى البلاد البعيدة فلم يجده لم يكن للجاعل في طلب المجعول له إياه منفعة، فهذا هو الشرط في جواز الجعل لا ما ذكره وبالله التوفيق. [: الأرض البيضاء يعطيها الرجل للرجل على أن يغرس له أصولا] ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل مالك عن الأرض البيضاء يعطيها الرجل للرجل على أن يغرس له أصولا، فإذا بلغت الأصول فهي بينهما نصفان نصف الأرض، ونصف النخل، قال: لا بأس بذلك أيضا إذا اشترط للأصل قدرا معلوما أن يقول حتى يثمر أو شيئا معروفا من قدرها، فإذا اشترطا هذا فلا بأس به، ولا خير فيه في بقل ولا زرع. قيل له فبصل الزعفران يعطى على هذا النحو، وهو يقيم تسع سنين ونحو ذلك ثم ينقطع؟ قال: لا خير فيه إنما هو بمنزلة الثمرة وليس بمنزلة الأصل، فلا ينبغي ذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن مغارسة الرجل للرجل أرضه البيضاء على أن يغرسها أصولا بجزء منها جائزة جوزها أهل العلم قياسا على ما جوزته السنة من المساقاة، كما جوزوا قياسا عليها بناء الرحى الخربة بجزء منها، فهي سنة على حيالها ليست بإجارة محضة ولا جعل محض؛ لأنها أخذت بشبه منهما جميعا، أخذت بشبه من الإجارة في لزومها بالعقد، وشبه من الجعل في أن الغارس لا يجب له شيء إلا بثبوت الغرس وبلوغه الحد

المشترط، فإن بطل قبل ذلك لم يكن له شيء ولا كان من حقه أن يعيده مرة أخرى. واختلف إن نبت منه يسير وبلغ الحد، وبطل سائر ذلك أو بطل منه يسير، وثبت سائر ذلك، فقيل إن القليل تبع للكثير، وهو رواية حسين بن عاصم في بعض الروايات من هذا الكتاب، وقيل إن حقه يثبت في اليسير الذي بلغ ويبطل من اليسير الذي لم يبلغ، وهو قول أشهب في سماع أصبغ، وأما إن كان الذي ثبت أو بطل له قدر وبال فإن كان الأقل فلا يكون تبعا، ويثبت حقه فيما ثبت ويبطل فيما بطل، ولا يجوز إلا على شروط قد حدها أهل العلم، من ذلك أن يكون الحد في قدر الشجر إلى ما دون الإطعام، واختلف إن كان حدها الإطعام، فأجازه في هذه الرواية وفي رسم الجواب بعد هذا وفي كتاب محمد بن المواز، وله في موضع آخر منه أن ذلك لا يجوز، لأنه لا يدري متى يثمر، وكذلك اختلف أيضا إن كان حدها إلى أجل دون الإطعام، فأجاز ذلك في أول سماع حسين بن عاصم، ومنع منه في أثنائه بدليل، وهو قول مالك في الواضحة. وكذلك اختلف أيضا إن سكتا عن الحد في ذلك، ففي رسم الجواب من سماع عيسى أن ذلك لا يجوز، وقيل إن ذلك جائز قاله ابن حبيب، وجعل حده الإثمار. وأما إن كان الحد أو الأجل إلى ما فوق الإطعام فلا يجوز باتفاق، وكذلك إن اشترطا أن يكون الشجر أو الغلة بينهما دون الأصل لم يجز باتفاق. ولا تجوز المغارسة في بقل ولا زرع، وأما بصل الزعفران التي تقيم في الأرض أعواما ثم تنقطع وما أشبهه فلم تجز المغارسة فيه في هذه الرواية، وأجازها سحنون في كتاب ابنه، قال: ومن دفع أرضه إلى رجل يزرعها قطنا على أن للعامل نصف الأرض ونصف القطن، فإن كان القطن يزرع في كل عام

: المغارسة الفاسدة إذا لم يجعل للعامل فيها جزء من الأصل

ولم يكن له أصل ثابت فذلك فاسد، وإن كان القطن يبقي السنين العدد وليس يزرع في كل عام، فهذا إن أجلا آجلا دون الإطعام فإذا بلغاه كان القطن يعني الشجر والأرض بينهما فذلك جائز والله الموفق. [: المغارسة الفاسدة إذا لم يجعل للعامل فيها جزء من الأصل] من سماع عيسى بن دينار من كتاب استأذن سيده في تدبير جاريته قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن رجل أعطى أرضا له بيضاء لرجل يغرسها شجرا على الثمر بينهما بالسواء، فغرس وأثمر واقتسما الثمرة زمانا ثم علم بفسخ ما صنعا، قال: يرد صاحب الأرض إلى العامل فيها ما أخذ من الثمرة مثلها إن كان يجد مثلها وإلا فقيمتها، ويكون له كراء أرضه على العامل من حين أخذها منه، وليس من حين أثمر الشجر، ويقال لصاحب الأرض: إن شئت فاغرم قيمة الغرس مقلوعا، وإن شئت فدعه يقلع غرسه. قال محمد بن رشد: اختلف في المغارسة الفاسدة إذا لم يجعل للعامل فيها جزء من الأصل على قولين أحدهما أنه يحكم لها بحكم الكراء الفاسد، لأنه كأن الغارس اكترى منه الأرض إلى أمد غير معلوم بنصف الثمرة التي يغرسها ليبقيها فيها، وهو قوله في هذه الرواية، فتكون الغلة على هذا للغارس يرد عليه رب الأرض ما أخذ منها: المكيلة إن عرفت أو خرصها إن جهلت ويقلع غرسها إلا أن يشاء رب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا، وقيل: إن له قيمته قائما، قاله يحيى في سماعه من كتاب السداد والأنهار في المعاملة الفاسدة في بناء الأرحى، ولا فرق بينهما، ويكون عليه قيمة كراء الأرض قيل من يوم أخذها، وهو قوله في هذه الرواية، ومعناه عندي إن كان أخذها في وقت يمكنه وضع الغرس فيه، لأنه إن كان أخذها قبل إبان يمكنه وضع الغرس

فيه فيها فالكراء إنما انعقد بينهما من يوم يمكنه وضع الغرس فيه فيها إذ لا منفعة له في الأرض قبل ذلك، وقبضه إياها للأقبض، وقيل من يوم وضع الغرس فيها وهو قوله في سماع يحيى بعد هذا، ومعناه عندي من يوم يمكنه وضع الغرس فيها، فليس رواية يحيى على هذا بمخالفة لرواية عيسى فتدبر ذلك تجده صحيحا. وقد كان الشيوخ يحملون ذلك على أنه اختلاف من القول فلا يوجبون عليه الكراء في رواية يحيى إلا من يوم وضع الغرس في الأرض، وإن كان أخذها، وقد أمكنه وضع الغرس فيها، وهو محتمل، وأما إن كان أخذها قبل أن يمكنه وضع الغرس فيها فلا يصح أن يكون عليه الكراء من يومئذ، وقيل من يوم أثمر النخل وهو قوله في لسماع أبي زيد وسماع حسين بن عاصم بعد هذا من هذا الكتاب. وجه قوله في هذه الرواية ورواية يحيى أنه كراء فاسد قد فات بانتفاع المكتري به؛ فوجب أن تكون عليه قيمته من يوم قبضه، وهو يوم يمكنه الانتفاع بما قبض. ووجه رواية أبي زيد وحسين أن الأمر لما لم ينعقد بينهما نصًّا على كراء فاسد ولا على أن يكون عليه كراء أصلا فصرفناه إلى حكم الكراء الفاسد لم يجعل عليه الكراء إلا من يوم انتفاعه بالأرض، وهو يوم أثمرت النخل، والقول الثاني يحكم له بحكم الإجارة الفاسدة، لأنه كأن رب الأرض استأجر الغارس على أن يغرس له هذه الأرض بنصف ثمرتها فيكون الحكم في ذلك أن يكون للغارس على رب الأرض قيمة غرسه يوم وضعه في الأرض مقلوعا وأجرة مثله في غرسه وقيامه عليه، وتكون الغلة كلها لرب الأرض يرد عليه الغارس ما أخذ منها: المكيلة إن عرفت أو خرصها إن جهلت. وهذا الاختلاف مبني على ما غرسه الغارس من الغرس هل هو على

: بيع الثمر قبل أن تخلق

ملكه أو على ملك رب الأرض، فمن علل بأن الغرس على ملك الغارس جعله كراء فاسدا، ومن علل بأن الغرس على ملك رب الأرض جعله إجارة فاسدة وبالله التوفيق. [: بيع الثمر قبل أن تخلق] ومن كتاب يوصي لمكاتبه وسئل عن الرجل يعطي أرضه رجلا يغرس فيها شجرا على أنها إذا بلغت قدر كذا وكذا من قدر يسمونه فالأصل والشجر بينهما، فتطعم تلك الشجر قبل أن يبلغ ذلك القدر. قال ابن القاسم: لا يصلح أن يتعامل على مثل هذا ولا يصلح العمل فيها إلا على تسمية قدر يكون قبل الإطعام أو إلى الإطعام وأما أن يشترط للشجر من الطول والقدر ما لا يبلغه إلا بعد إطعام الشجر فإن ذلك لا يصلح. قلت: أرأيت إن وقع على هذا كيف العمل فيه؟ قال: وتكون الثمرة لصاحب الأرض ويعطي العامل أجر مثله فيما عمل، وليس له في الأرض قليل ولا كثير. قال محمد بن رشد: قوله: "إن المغارسة إلى حد من الأصول يثمر الشجر دونه" لا يجوز بين؛ لأنه يدخله بيع الثمر قبل أن تخلق، لأنه باع منه نصف الأرض بغرسه النصف الآخر، وبما يغتل من جميع الغرس إلى أن يبلغ الحد الذي شرطاه، وقد مضى في رسم طلق من سماع ابن القاسم تحصيل القول فيما يجوز من الأجل في ذلك مما لا يجوز، ومضى في الرسم الذي قبل هذا من هذا السماع القول في حكم المغارسة الفاسدة إذا وقعت دون أن يكون للعامل من الأرض شيء، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك.

ونتكلم هاهنا على حكمها إذا وقعت فاسدة مع أنه قد جعل للغارس فيها جزء من الأرض كنحو هذه المسألة، فالذي يتحصل فيها لابن القاسم ثلاثة أقوال. أحدها - أن العامل يرد إلى إجارة مثله في الجميع، ولا يكون له في الأرض شيء، فيعطي قيمة غرسه يوم وضعه في الأرض، وأجرة مثله في غرسه وقيامه عليه إلى يوم الحكم، ويرد إلى رب الأرض ما أكل من الثمرة: مكيلتها إن علمت أو قيمة خرصها إن جهلت، هذا معنى قوله في هذه الرواية وإن كان لم ينص عليها فيها، وهو مذهب سحنون، وهذا القول يأتي على تعليل من علل أن الغرس في المغارسة الفاسدة كيفما وقعت على ملك رب الأرض. والقول الثاني - أنه بيع فاسد في نصف الأرض قد فات بالغرس، فيكون على الغارس فيه لرب الأرض قيمته يوم غرسه، وإجارة فاسدة في النصف الثاني، فيكون فيه على رب الأرض للغارس قيمته مقلوعا يوم وضعه في الأرض وأجرة مثله في غرسه وقيامه عليه إلى يوم الحكم، وقيل: إنه يكون عليه للغارس نصف قيمة الغرس قائما يوم الحكم فيه من أجل سقيه وعلاجه، وهي رواية عيسى عن ابن القاسم بعد هذا في رسم الجواب، وقيل: إنه يكون عليه للغارس قيمة نصف غرسه يوم بلغ وتم، وأجرته من يومئذ في قيامه عليه إلى يوم الحكم، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، ويتحاسبان في ذلك فمن كان له الفضل بينهما على صاحبه رجع به عليه، والغلة بينهما في جميع ذلك على ما اشترطاه، والصحيح من ذلك ما بدأنا به من أنه يكون عليه نصف قيمة الغرس مقلوعا يوم وضعه في الأرض وأجرة مثله في غرسه وقيامه عليه إلى يوم الحكم، فالغرس على قياس هذا القول نصفه على ملك الغارس ونصفه على ملك رب الأرض. والقول الثالث - أنه بيع فاسد أيضا في نصف الأرض قد فات بالغرس

: باعه نصف الأرض على أن يغرس له النصف الثاني

فيكون على الغارس فيه قيمة يوم فوته بالغرس، وتكون في النصف الثاني كراء فاسدا، فيكون على الغارس فيه لرب الأرض كراء مثله يوم أخذها، أو يوم وضع الغرس فيها، أو يوم أثمرت، على الاختلاف الذي قد ذكرناه في رسم استأذن، وبينا فيه معناه، ويقلع الغارس غرسه من النصف الذي لرب الأرض بعد أن تقسم إلا أن يشاء رب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا أو بقيمته قائما على قول يحيى بن يحيى المتقدم في رسم استأذن، وهو مذهب مالك في رواية المدنيين عنه، ويكون على هذا القول الغلة كلها للعامل يرد عليه رب الأرض ما أخذ منها، المكيلة إن عرفت أو خرصها إن جهلت، وهذا هو قول ابن القاسم في رواية حسين عنه، وهو يأتي على أن الغرس على ملك الغارس، وهو أظهر من القول الثاني، لأن اجتماع البيع والكراء في هذه السلعة أولى من اجتماع البيع والإجارة فيها، لأنهما يصيران كأنهما قد تمما الفساد بينهما، وبالله التوفيق. [: باعه نصف الأرض على أن يغرس له النصف الثاني] ومن كتاب الجواب وسألته عن رجل أعطى أرضه رجلا يغرسها على النصف، فاغترسها الرجل وأكل الثمرة نحوا من أربع سنين أو خمس سنين، وأن صاحب الأرض باع نصفه ذلك من الغارس أو غيره، ثم أراد البائع صاحب الأرض بعد ذلك أن يرجع في النصف الذي في يد الغارس الذي عمر به في الأرض وغرسه عليه. قال ابن القاسم: ليس له أن يرجع فيه، لأن أحدهما كان حلالا حين أعطاه الأرض يغرسها له وله نصفها إذا كانا سميا للغرس شبابا أو قدرا معلوما، فإن لم يكونا سميا ذلك ولا حداه كان كبيع فاسد، لأنه باعه نصف الأرض على أن يغرس له النصف الثاني،

: الجعل على خدمة شهر

فلما لم يسميا ولا حداه فقد باعه إياه بشيء لا يدريان ما هو، فهو بيع فاسد، وقد فاتت الأرض كلها بالغرس، والغرس فوت، فيقوم على الغارس النصف الذي صار له يوم قبضه، لأنه قد فات في يديه، والغراس فوت، ويكون للغارس على صاحب الأرض نصف قيمة الغرس؛ لأن له نصف الأرض ونصف الغرس لأن الغارس هو الذي غرسه له في نصف الأرض، ويقوم الغراس قائما على حاله يوم يحكم فيه؛ لأن له سقيا وعلاجا، وبالسقي بلغ وتم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في الرسم الذي قبل هذا فلا وجه لإعادته. [: الجعل على خدمة شهر] ومن كتاب العتق قال عيسى: قلت لابن القاسم أرأيت لو قال له أستأجرك على أن تغرس في أرضي هذه كذا وكذا نخلة، فإن خرجت ونبتت فهي بيني وبينك. قال: لا بأس به إنما هو جعل وليس بإجارة، ولو شاء أن يذهب ذهب، ولو غرسها ثم ماتت لم يكن له شيء حتى تنبت، ولو لم يكن جعلا ما جاز لأنه شرط عليه شيئا لا يدري أيتم أم لا يتم؟ ولعله أن يعمل فيه ويبطل ولا يستطيع أن يخرج عنه فيكثر تعبه ويطول عناؤه، ثم لا يخرج النخل فيكون قد ذهب عمله فيه بغير شيء أخذه، ولكنه لو استأجره على أن يغرس له في حائطه هذا كذا وكذا نخله بنصف أرضه هذه لم يكن بذلك بأس، وكانت إجارة ولم يكن له أن يخرج حتى يفرغ من غراسه، فإذا غرسها وغيبها في الأرض

ثبتت له أجرته لا يبالي نبتت أو عطبت، ولو كان لا يثبت له أجر حتى تخرج وتنبت ولا يستطيع هو أن يخرج كان قد منعه هو من منفعة نفسه بما لا يدري أيتم أم لا يتم؟ ولعله لا ينبت إلا بعد سنتين أو ثلاثا، ولعلها لا تنبت أبدا فيكون قد ذهب عناؤه باطلا، فلا خير فيه إلا على ما فسرت لك. قال محمد بن رشد: قوله أستأجرك على أن تغرس في أرضي هذه كذا وكذا نخلة، فإن خرجت ونبتت فهي بيني وبينك، معناه وما نبت منها فهو أيضا بيني وبينك بموضعه من الأرض، إذ لا يصح أن يجوز الجعل إلا على هذا، لأن من شرط جوازه أن لا يكون للجاعل فيه منفعة إلا بتمامه، لأنا لو حملنا المسألة على ظاهرها من أن المجعول له لا يجب له شيء إلا بأن يخرج النخل كلها وتنبت لوجب إذا لم تنبت كلها ونبت بعضها أن لا يكون للغارس فيما نبت حق، ويكون لرب الأرض الجاعل، وذلك ما لا يجوز باتفاق، ألا ترى أنه لا يجوز الجعل على خدمة شهر ولا خياطة ثوب من أجل أنه إن خدم بعض الشهر أو خاط بعض الثوب ثم ترك الخياطة أو الخدمة لم يجب له حق فيما خدم ولا فيما خاط فأخذ الجاعل باطلا، وذلك باطل لا يجوز، ولم يلتفت إلى لفظ الإجارة في قوله استأجرك لما شرطا فيها العمل على حكم الجعل، وهذا قوله في المدونة إنه إنما ينظر إلى الفعل لا إلى اللفظ. وقوله في هذه المسألة إن المغارسة في الأرض على خدمتها لا تجوز إلا على وجه الجعل بأن لا يلزم المغارس التمادي على العمل ويكون له أن يخرج ويتركه متى ما أراد خلاف المشهور من أن المغارسة في الأرض على جزء منها جائزة على أنها لهما جميعا لازمة وإن كان لا يحملها الناس قياسا على المساقاة، وهذا أظهر، وإن كان فيه اعتراض لأن من شرط صحة المجاعلة أن يكون الجعل فيها معلوما، والجعل في هذه المغارسة غير معلوم، لأنه الجزء الذي شرط له من الأرض بعد غرسها كيف يكون الغرس، فالمغارسة على

مسألة: من استأجرأجيرا فليعلمه أجره

هذه الرواية لا تجوز إلا على وجهين أحدهما الإجارة على وجهها من لزومها لهما جميعا، والثاني الجعل على وجهه من أن لا يلزم المجعول له العمل وإن كان فيه من الاعتراض ما ذكرناه وهو الجعل بالجعل إذا كان على الجزء من الأرض بعد غرسه، إذ لا يدري كيف يكون الغرس، فهذا كله بين، والله الموفق. [مسألة: من استأجرأجيرا فليعلمه أجره] مسألة قلت: أرأيت لو قال له اغرس لي في أرضي هذه نخلا، ولم يسم عددها أو رمانا أو أصلا من الأصول معينا على وجه الجعل أو على وجه الإجارة قال: لا بأس بهما جميعا. قلت له: ألا ترى أنه لا يدري كم يغرس له فيها أيقل الغرس أم يكثر؟ قال: بل ذلك عند الناس معروف غروس الأصول كلها لها قدر عند أهل المعرفة بها يغرسونها عليه أن يرد الغارس غرسه منع من ذلك وعلم أنه أراد الضرر، وإن قارب بينهما علم أنه أراد تلافها أو هلاكها، فمعرفة ذلك ثابتة عند الناس معروفة قيل لك أجرته. قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه، لأن العرف المعلوم في العمل يغني عن وصفه، بدليل قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فسمى الإجارة وضرب الأجل ولم يصف الخدمة والعمل لاستغنائهما عن ذلك بالعرف والعادة وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره» وقال «من استأجر أجيرا فليؤاجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم» فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتسمية الأجرة وضرب الأجل، وسكت عن وصف العمل إذ قد يستغنى عن ذلك بالعرف والعادة اللذين يقومان مقامه.

: يعطي الرجل أرضه البيضاء على أن يغرسها شجرا وتكون الثمرة بينهما يقتسمانها

[: يعطي الرجل أرضه البيضاء على أن يغرسها شجرا وتكون الثمرة بينهما يقتسمانها] ومن كتاب الصبرة من سماع يحيى من ابن القاسم قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل أرضه البيضاء على أن يغرسها شجرا وتكون الثمرة بينهما يقتسمانها عند كل جناء أو يعامله فيها على ما لا يصلح مما أشبه هذا، فيعملها العامل ويثمر الشجرة ويقتسمان الثمرة زمانا على شرطهما. فقال: أخطأا وجه الصواب في تعاملهما الذي جاءت به السنة، وذلك أن يكون للعامل نصف الأرض بما فيها من الغرس إذا تم نصفها أو ثلثها أو جزء من أجزائها على ما يقع به الشرط بينهما من هذا الوجه، فإذا تركا هذا وتعاملا بما لا يصلح منها، فلصاحب الأرض على العامل كراؤها لما مضى من السنين من يوم وضع فيها الغرس إلى يوم ينظر في أمرهما، يقوم له كراؤها نقدا على قدر ما يرى من رغبة الناس فيها عاما بعام، ثم يدفع ذلك إليه، ويكون على صاحب الأرض أن يغرم للعامل مكيلة ما أكل من الثمر إن كان أخذه يابسا، وإن كان أخذه رطبا غرم قيمته على خرصه، ثم يقال للعامل اقلع غرسك واصنع به ما بدا لك شرط أن لا يرضي صاحب الأرض أن يعطيه قيمة الشجر مقلوعا، ويكون أحق بها لأن قلعها فساد لا منفعة فيه للعامل، قلت: ولم لا يجعل الشجر لرب الأرض ويغرم العامل ما أكل من الثمرة ويعطيه أجر ما عمل في قيامه بالسقي والعلاج كله، ويكون صاحب الأرض أولى بثمرة شجر أرضه؟ فقال: لأني سمعت مالكا يقول إذا تعامل المتنازعان على ما لا يحل كان

: القليل تبع للكثير

الزرع لصاحب الحب، ولم يكن لصاحب الأرض إلا كراء أرضه، والشجر والزرع عندنا سواء، ثمرة الشجرة للذي غرسها صلة من عنده، كما أن الزرع لصاحب البذر إذا تولى عمله كما تولى صاحب الشجر غرسه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم استأذن من سماع عيسى فلا وجه لإعادته، وما حكى عن مالك من أن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر إذا تولى عمله، هو مذهب ابن القاسم في المدونة على ما تأول عليه أبو إسحاق التونسي من أن الزرع في المزارعة الفاسدة لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة أصول، وهي الأرض والعمل والبذر، وفي ذلك اختلاف كثير قد ذكرته في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب المزارعة فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا وبالله التوفيق. [: القليل تبع للكثير] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتابه الأقضية والأحباس قال أصبغ: وسمعت أشهب وسئل عمن يدفع أرضه إلى رجل يغرسها نخلا وسمى له سعفات معلومة وقدرا معلوما على أن الأرض والشجر بينهما فيغرسها فتموت كلها إلا ثلاث نخلات. قال: ما نبتت فهو بينهما، وبقية الأرض لربها، قال أصبغ: وهو قول ابن القاسم فيما أعلم، وهو رأيي. قال محمد بن رشد: لا فرق على هذا بين أن يكون الذي نبت هو الأقل أو القليل أو الأكثر أو الكثير يكون للمغارس حقه فيما نبت على كل حال، ويبطل فيما بطل ولم ينبت على كل حال، وفي سماع حسين بن عاصم

: أعطاه الأرض يغرسها على أنها إذا بلغت قدرا معلوما كان له جزء منها

عن ابن القاسم أن القليل تبع للكثير إلا أن يكون الذي نبت أو بطل له قدر وبال وإن كان الأقل فلا يكون تبعا ويثبت حقه. فيما نبت ويبطل فيما بطل، وهو قول سحنون، وهو الذي يأتي على المشهور من أن المغارسة على جزء من الأجزاء جائزة على أنها لهما جائزة، والقول الأول يأتي على القول بأن المغارسة في الأرض على جزء منها لا تجوز إلا على وجه الجعل الذي لا يلزم المجعول له فيه العمل وبالله التوفيق. [: أعطاه الأرض يغرسها على أنها إذا بلغت قدرا معلوما كان له جزء منها] ومن نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج وسئل عن رجل أعطى رجلا أرضا له ليغرسها بينهما فلما غرس بعضها أو جلها إلا أنه لم يتم العمل إلى الشرط الذي جعلاه بينهما عجز الغارس أو غاب فأدخل صاحب الأرض آخر في الغرس فعمله وقام به أو عمله صاحب الأرض بنفسه، وتم ما بقي منه، ثم قدم الأول فطلب حقه مما كان غرس فما ترى له إذا كان غائبا أو حاضرا؟ قال أصبغ: إن كان غائبا أو حاضرا حضورا لم يسلم في مثله ولم يرض فيما يرى ولم يقطع عليه برؤية التسليم أو الرضى أو الخروج منه على حقه ويعطي الذي كفاه ما كفاه به أو أتمه يأتيه به ما لم يسرف عليه بما يعمل مثله فيرد إلى الحق وإلى ما لو كان هو العامل لزمه مثله ولحقه. قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه أعطاه الأرض يغرسها على أنها إذا بلغت قدرا معلوما كان له جزء منها فعجز بعد ما عمل وغرس بعض الغرس، فأدخل رب الأرض مكانه من يتم عمله بأجرة استأجره عليها أو عمل هو ذلك بنفسه، فقال: إنه إذا لم يظهر تركه بما دخل فيه فهو على شرطه، ولمن أتم العمل أجرته على الذي عجز ما لم يكن سرفا فإن أسرف رب الأرض

مسألة: لا يجوزلرب الأرض أن يشترط على المغارس إلا القدر اليسير

فيما استأجر به رد إلى الحق، وقول أصبغ فيها عندي خلاف لقول ابن القاسم في أول مسألة من سماع يحيى فن كتاب البضائع والوكالات في الخصام، ولقول ابن القاسم وسحنون في مسألة كتاب الجعل والإجارة في الرجل يستأجر الرجلين لحفر بئر فيمرض أحدهما ويحفرها الآخر إن الحافر متطوع، قال ابن القاسم لصاحبه وقال سحنون لصاحب البئر لأن ابن القاسم حمل الإجارة على أنها مضمونة على كل واحد منهما، وحملها سحنون على أنها معينة فانفسحت بالمرض، ولم يفرق أحد منهم في شيء من ذلك بين أن يكون لصاحب الأرض أو البئر أو الشريك عبيد أو أُجراء لا يحتاج من أجلهم على الاستئجار على ما عمل له، كما فرق في ذلك في سماع أبي زيد من كتاب الجعل والإجارة، فقيل رواية أبي زيد مفسرة للقولين، وقيل إنها قول ثالث في المسألة وهو الأظهر والله أعلم، ولو لم يطلب الأول حقه وانتبذ منه فقال: لا حاجة لي به، وطلب الذي كفاه ما كفاه به وأتمه لتخرج ذلك على الاختلاف في المغارسة على جزء من الأرض هل هي لازمة لهما قياسا على المساقاة أو لا تلزم المغارس منهما قياسا على الجعل وحملا عليه، وقد مضى ذكر الاختلاف في رسم العتق من سماع عيسى. ولو عجز قبل أن يفوت المغارسة في الأرض مغارس رب الأرض فيها غيره لكان الأول على حقه، ويؤدي قيمة عمل الثاني للثاني أو لرب الأرض إن لم يرد الثاني أن يرجع على رب الأرض وبالله التوفيق. [مسألة: لا يجوزلرب الأرض أن يشترط على المغارس إلا القدر اليسير] مسألة وسئل أصبغ عن رجل أعطى رجلا أرضا على أن يضرب حولهـ جدارا أو يحفر حولها سياجا أو يزرب حولها ويغرسها، فإذا بلغ الغرس كذا وكذا لأجل حدداه بينهما فله النصف من جميع الغرس والجدار والسياج والزرب والأرض، فإنه لا يتم في موضعه ذلك إلا أن

يسدوا حوله من كثرة المواشي واختلاف الناس والمضيق في موضعهم ذلك، وكيف إن كانت الأرض في موضع لا يخاف على الغرس فيه فساد ما ذكرت لك واشترط عليه السداد؟ قال أصبغ: إن كانت مؤونة يسيرة فهو جائز، وإن كانت مؤونة السياج والحائط والزرب يعظم ويكثر فلا خير فيه، وهو زيادة في المجاعلة وهو غرر أيضا لعله لا يتم من الغراس شيء فترجع الأرض بحيطانها وسياجاتها إلى ربها فيكونان قد تخاطرا، ويكفيك أن يحمل هذا على ما تحمل على المساقاة من سد الحظار وسد الشرب وما لا تعظم مؤنته ولا تكثر نفقته، فيجوز كذلك، قال مالك فيما قد علمت، وإلا لم يجز. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يجوز لرب الأرض أن يشترط على المغارس إلا القدر اليسير الذي يجوز لرب الحائط أن يشترطه على المساقي في المساقاة صحيح، لأن المغارسة على جزء من الأرض مقيسة عليها حسبما قد ذكرناه في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وهي على القول الثاني مقيسة على الجعل فلا يجوز أيضا اشتراط الزيادة الكثيرة فيه إذ لا يجوز ذلك في الجعل لأنه متى أحيل عن سنته باشتراط الزيادة فيه من أحدهما خرج عن أصله وعاد إلى الإجارة الفاسدة، وقد أجاز ابن القاسم في سماع حسين بعد هذا أن يشترط رب الأرض على العامل عمل نصيبه سنين مسماة بعد المقاسمة، وأنكر ذلك سحنون، فقوله في إنكاره صحيح على قياس قول أصبغ هذا، ولأصبغ في الواضحة مثل قول ابن القاسم هذا في سماع حسين، وزاد قال: وذلك أنه إذا غارسه على حد معروف واشترط أن يقوم له بحصته إلى أجل من السنين قد تمت المجاعلة بينهما، وصار لكل واحد نصفه يصنع فيه ما شاء، وصار لصاحب الأرض على الغارس عمل وخدمة إلى أجل معروف في نصفه الذي صار له، فجاز ذلك، واعترض عليه الفضل قوله قد تمت المجاعلة

: أعطى رجلا أرضا يغرسها شجرا على أن الشجر بينهما نصفان

بينهما، وقال: أرأيت إن أبطل الغرس من قبل أن يبلغ النبات الذي تعاملا عليه وأبى الغارس أن يعيد غرسه أتتم المغارسة بينهما؟ واعتراضه صحيح والله الموفق. [: أعطى رجلا أرضا يغرسها شجرا على أن الشجر بينهما نصفان] ومن كتاب النسمة وسئل عن رجل أعطى رجلا أرضا يغرسها شجرا على أن الشجر بينهما نصفان فلما غرس وأطعم الغرس أراد صاحب الأرض إخراجه حيث عمل ما عملا عليه، هل للغارس من إجارة عمله يوم يخرج، أو قيمة غرسه؟ قال: أرى له غرم قيمة غرسه الذي جاء به على صاحب الأرض، وإجازته فيما عمل وسقى وأصلح، ويقيم له ذلك أهل البصر، ويأخذ إجارته تامة إن كان أقام في ذلك سنة أو سنتين أو أقل أو أكثر، ويكون له مع ذلك قيمة الغرس الذي غرس في أرض هذا. قال محمد بن رشد: قوله على أن الشجر بينهما نصفان يريد الشجر دون الأرض، ولذلك حكم لها بحكم المغارسة الفاسدة، فيردهما فيها إلى حكم الإجارة، وقد مضى الاختلاف في ذلك في رسم استأذن من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [: دفع أرضه إلى رجل على أن يغرسها نخلا والثمر بينهما] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: قال ابن القاسم: في رجل دفع أرضه إلى رجل على أن يغرسها نخلا حتى إذا أثمرت كانت النخل والأرض بينهما قال: لا بأس به.

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم طلق من سماع ابن القاسم أن المغارسة إلى الإطعام جائزة، ومثله يأتي في رسم حسين بن عاصم، وهو قول ابن حبيب في الواضحة وأحد قولي ابن المواز في كتابه، وله فيه قول آخر أن ذلك لا يجوز لأنه لا يدري متى يثمر؟ إذ قد يعجل ذلك وقد يؤخر، وبالله التوفيق. مسألة قال: أرأيت لو دفعها إليه مبهما، فادعى أحدهما الحلال والآخر الحرام؟ قال: ينظر إلى عمل أهل ذلك البلد، فإن كان الغالب عليهم الحرام سلك بهم سبيل الحرام، إن كانت الثمرة لم تثمر أعطى العامل النخل مقلوعا إلا أن يشاء صاحب الأرض أن يعطيه قيمتها مقلوعا ولا شيء له في عمله ولا سقيه، وإن كانت أثمرت كانت الثمرة للعامل وكان لصاحب الأرض كراء أرضه يوم أثمرت النخيل، فإن كان عمل أهل ذلك البلد الحلال سلك بهم سبيل الحلال، وإن كان أهل تلك البلدة يعملون بالحلال والحرام وهذا يدعي حراما وهذا يدعي حلالا حلفا ويفسخ الأمر بينهما. قال محمد بن رشد: تكلم في أول هذه المسألة على الفوات وفي أخرها على القيام، وبنى قوله في ذلك كله على أنه لا مزية لمدعي الحلال في دعواه على مدعي الحرام إلا أن يشهد له العرف بمنزلة مدعي الحرام، فقال في أول المسألة في الفوات: إنه إن كان الغالب في البلد الحرام يسلك بهم سبيل الحرام يريد بعد يمين مدعي الحرام على ما يشهد له به العرف من الحرام فيعطى النخل مقلوعة إلا أن يشاء رب الأرض أن يأخذها بقيمتها مقلوعة ولا كراء على العامل في الأرض إذا لم يثمر النخل إذ لم ينتفع بها وأما إن أثمرت فعميه الكراء، قال في هذه الرواية من يوم أثمرت، وقد مضى ذكر

الاختلاف في ذلك وتوجيهه في رسم استأذن من سماع عيسى، وقال إنه إن كان عمل أهل البلدة الحلال سلك بهم سبيل الحلال يريد أنه يكون القول قول مدعي الحلال مع يمينه على ما يدعيه من الحلال لشهادة العرف له بذلك، ولو لم يشهد العرف لواحد منهما أو شهد لهما لوجب على قياس هذه الرواية أن يكون قول من يدعي عليه منهما أكثر مما يجب عليه على ما يقر به من الحرام والحلال. وقال في آخر المسألة في الفوات وإن كان أهل البلد يتعاملون بالحلال والحرام حلفا وفسخ الأمر بينهما، وتحصيل القول في اختلافهما في الحلال والحرام أن اختلافهما في ذلك لا يخلو من أن يكون قبل الفوات أو بعد الفوات، فإن كان قبل الفوات فعلى القول بأنه لا يراعي دعوى الإشباه مع القيام، يتحالفان ويتفاسخان، هذا نص قولهم والذي يوجبه النظر أن يحلف مدعي الحرام وينفسخ البيع، وإن نكل عن اليمين حلف مدعي الحلال وثبت البيع إذ لا معنى لحلف مدعي الصحة إلا بعد نكول مدعي الفساد، لأنه إذا حلف انتقض البيع على كل حال حلف مدعي الصحة أو نكل عن اليمين، فلا معنى ليمينه إلا إذا نكل مدعي الفساد. وأما على القول بأنه يراعي دعوى الإشباه مع القيام، فيكون على هذه الرواية التي لم ير فيها لمدعي الحلال مزية في دعواه على مدعي الحرام القول قول من يشهد له العرف منهما دون صاحبه، فإن شهد العرف لهما أو لم يشهد لواحد منهما حلفا وفسخ الأمر بينهما، هذا نص قوله. وقد مضى أن الذي يوجبه النظر أن يبدأ بيمين مدعي الحرام، إذ لا معنى ليمين مدعي الصحة إلا إذا نكل مدعي الفساد، وأما على المشهور في المذهب من أن لمدعي الحلال مزية في دعواه على مدعي الحرام فيكون القول قول من يدعي الحلال منهما إلا أن يشهد العرف لمدعي الحرام دونه. وأما إن كان اختلافهما في ذلك بعد الفوات فلا اختلاف في مراعاة

: يدفع أرضه إلى لرجل ليغرسها على انها بينهما نصفين

دعوى الإشباه في ذلك، فيكون على المشهور في المذهب من أن لمدعي الحلال مزية في دعواه على من يدعي الحرام، القول قول من يدعي الصحة إلا أن يشهد العرف لمدعي الفساد دونه، وبكون على رواية أبي زيد الذي لم ير فيها لمدعي الحلال مزية في دعواه على مدعي الحرام القول قول من شهد له العرف منهما دون صاحبه، فإن شهد العرف لهما أو لم يشهد لواحد منهما كان القول قول من يدعي منهما أكثر مما يلزمه على ما يدعي من الحرام أو الحلال، وبالله التوفيق. [: يدفع أرضه إلى لرجل ليغرسها على انها بينهما نصفين] ومن سماع حسين بن عاصم من ابن القاسم قال حسين: قلت لابن القاسم أرأيت الرجل يدفع أرضه إلى الرجل ليغرسها أصولا معروفة على أن الشجر والأرض بينهما بنصفين؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك إذا سميا للشجر قدرا معلوما أو شبابا معروفا ينتهي إليه. قال: قلت لابن القاسم ما هذا الشباب الذي وصفه مالك لكم؟ قال: حد الشجر في ارتفاعها حتى تكون تزيد قدرا معلوما كالقامة والبسطة ونصف القامة وما أشبه ذلك في سعفات تلقيها الشجر معروفة أيضا، قال: فقلت له أيجوز هذا إذا كانت الشجرة تثمر قبل بلوغها لهذا الشباب والقدر الذي وصفت لك؟. قال: لا يجوز ذلك وتفسخ معاملتهما. قلت له: لم فسخت ذلك بينهما؟ قال من قبل: إن العامل تكون له الثمرة التي تثمر تلك النخل إلى أن تبلغ الشباب والقدر الذي سمياه بينهما ثم يكون نصف تلك الشجر بأرضها للعامل مع

الثمرة كلها التي كانت قبل ذلك، فصار أجيرا بثمرة لم يبد صلاحها وبنصف هذه الأرض بما ينبت فيها، فلا يجوز. قلت: فإن سميا عدة سنين يعملها العامل يغرسها ثم يكون بعد ذلك بنصفين؟ فقال: لا بأس بذلك إذا كانت أرضا مأمونة قد عرفها الناس لأنها لا يخفى أمرها ونبات شجرها، وذلك إذا كانت السنون لا تتم الشجر قبلها، فإن أثمرت قبل الأجل لم يصلح، لأنه لا يدخله ما وصفت لك من بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحه إذا كان به أجيرا وبنصف الشجر إلى هذا الأجل. قلت: فإن اشترط إلى أن تثمر؟ قال: لا بأس بذلك. قلت: لم والإثمار مختلف؟ منه ما يتعجل فيقل عمل العامل فيه فيغبن رب الأرض وقد ظن رب الأرض أنه سيبطأ عمله ويكثر عمل الناس فيه، ومنه ما يبطأ فيظن العامل أنه سيتم معجلا ويقل عمله فيه، فإن كان إثماره قريبا غبن العامل رب الأرض، وإن كان إثماره بطيئا غبن رب الأرض العامل. فقال الإثمار معروف قدره، وإنما يختلف منه الشيء اليسير فلا يحمل الناس على الخاص وإنما يحملون على العام. قال محمد بن رشد: أما إجازته المغارسة على جزء من الأرض إلى قدر من الشجر دون الإطعام فلا اختلاف في جواز ذلك، وكذلك منعه من جوازها إلى حد يكون الإطعام دونه أو إلى أجل يكون الإطعام دونه فلا اختلاف أيضا فيه. وأما إجازته إياها إلى أجل لا يكون الإطعام دونه فهو خلاف ما يأتي له في هذا السماع بعد هذا وجواز ذلك هاهنا على القول بلزوم

مسألة: يدفع أرضه إلى الرجل ليغرسها فأثمر بعضها وبقي بعض

المغارسة قياسا على المساقاة، والمنع من ذلك على ما يأتي له على القول بأن المغارسة على جزء من الأرض لا يجوز إلا على وجه الجعل الذي لا يلزم المجعول له فيه العمل ولا يجوز فيه الأجل، ويكون له الخروج متى شاء على ما قد مضى القول فيه في رسم العتق من سماع عيسى. وأما إجازته إياها إلى الإثمار فهو المشهور في المذهب قد مضى مثله في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وإليه ذهب ابن حبيب في الواضحة، ومثله في كتاب ابن المواز، وله في موضع آخر أن ذلك لا يجوز إذ قد يتأخر الإثمار ويتعجل، فهو غرر. [مسألة: يدفع أرضه إلى الرجل ليغرسها فأثمر بعضها وبقي بعض] مسألة قلت فإن أثمر بعضها وبقي بعض؟ قال إذا أثمر الجل منها وبقي الشيء التافه كان تبعا لما أثمر منها، ويكون العامل على شرطه، قلت: فإن أخذها على شباب وحد معروف ينتهي إليه فغرسها مات بعضها وحيي بعضها؟ فقال: إن كان الذي حيي منها ونبت جلها وأكثرها فالأرض وما فيها بينهما، ولا يضره ما مات منها، وإن كان الذي مات جلها أو أكثرها لم يكن له فيما نبت من ذلك الشيء اليسير شيء، لأنه ليس وجه ما عامله عليه، قال: قلت وما باله إذا كان الذي نبت منها الشيء الذي له بال وقدر في الأصول من الغرس، وإن لم يكن جلها ولا أكثرها لا يكون العامل فيما نبت من ذلك على شرطه؟ فقال: نعم، أراه فيما نبت مما وصفت على شرطه ولا يكون له فيما لم ينبت قليل ولا كثير، قال سحنون: لا يكون للعامل قليل ولا كثير إذا كان الذي نبت منه الشيء اليسير لا مما نبت ولا مما لم ينبت، قال سحنون: وأصل قولنا في المغارسة إذا كان الذي نبت منها جلها وأكثرها وحسن منها

مسألة: المغارسة على جزء من الأرض دون أن يسميا شبابا ولا حدا

الشيء اليسير فجميع الأصل والأرض بينهما ما حسن منها وما لم يحسن، وإذا كان الذي نبت إنما هو الشيء اليسير وحسن منها جلها وأكثرها فلا يكون للعامل منه قليل ولا كثير، لا مما نبت ولا مما لم ينبت، فكما يكون للعامل نصف الجميع إذا كان الذي حسن منها الشيء اليسير ما حسن منها وما لم يحسن، فكذلك لا يكون له قليل ولا كثير إذا كان الذي نبت منها اليسير وحسن أكثرها لا مما نبت ولا مما لم ينبت. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في سماع أصبغ فلا معنى لإعادته، والله الموفق. [مسألة: المغارسة على جزء من الأرض دون أن يسميا شبابا ولا حدا] مسألة قلت فإن أخذها العامل على أن يغرسها على النصف ولم يسميا شبابا ولا قدرا موصوفا ينتهي إليه أو أخذها إلى أجل تكون الثمرة دونه ولا تكون الثمرة أو لا تكون الثمرة دونه ففسخت أمرهما ومعاملتهما، وقد نبت الغرس؟ فقال لي أرى أن يقسم الغرس بينهما نصفين، ثم يكون النصف للعامل بقيمته يوم قبض الأرض براحا لا غرس فيها بتفويته إياها بالغرس، لأنه مبتاع لذلك النصف بعمله في نصف الأرض إلا ما لا أمد له ولا وقت، فصار بمنزلة من ابتاع أرضا بثمن مفسوخ يفوتها بغرس أو بناء، فإنها تقوم عليه بقيمتها يوم ابتاعها بلا غرس فيها ولا بناء، فيعطي تلك القيمة البائع وتكون الأرض للمبتاع لتفويته إياها، فهذا يدلك على ما وصفت لك ومما يدلك على ذلك أيضا لو أن رجلا أعطى رجلا أرضا في إبان القليب ليفلحها ويثنيها ويزرعها فقبلها وثناها وزرعها في إبان الزرع على أن تكون الزريعة منهما والأرض غير مأمونة ويكون الزرع بينهما نصفين فإنه يفسخ عليهما إذا لم تكن

مأمونة لأنه أجير في نصف الأرض بالنصف الذي أخذ، وهو لا يدري أيتم له الزرع فيها إن مطرت السماء أو لا يتم له إن قحطت السماء، فإذا فسخت عملهما قسمت الأرض بينهما نصفين فيكون للعامل نصف تلك الأرض تلك السنة إن رويت الأرض في إبان الزرع بكراء مثلها؛ لأن الحرث فيها فوت كما كان الغراس فوتا هنالك، ويكون للعامل على رب الأرض قيمة عمل مثله في قليبه وحرثه عطشت الأرض أو رويت، فهذا يدلك على مسألتك أيضا. قيل: فإن أثمرت الشجر وقد اغتلاها زمانا؟ قال: يكون ما اغتل للعامل من نصفه الذي ضمنه يوم فوته بالغرس له، ولا كراء عليه فيه، ويكون عليه الكراء في سهم شريكه من يوم اغتله، وتكون له ثمرة ذلك النصف على رب الأرض يرجع بها عليه منذ يوم اغتلها، لأنه إنما دفع إليه أرضا فصار الذي أخذ منها من الثمرة من كراء أرضه فدخل في ذلك كراء الأرض بالثمرة، ففسخ ذلك وردت الثمرة إلى من أخذت منه، وصار على أخذها كراء نصف الغرس براحا لا غرس فيها منذ يوم اغتلها وهو العامل، قال سحنون: لا تكون له الغلة وجميع الغلة لصاحب الأرض يردها عليه العامل، ويكون على صاحب الأرض قيمة غرسه إن كانت له قيمة وأجرة عمل مثله، قال سحنون: لو أني جعلت له الثمرة لكان بيعا للثمرة قبل أن يبدو صلاحها. قال محمد بن رشد: أما حكمه بفساد المغارسة على جزء من الأرض دون أن يسميا شبابا ولا حدا ينتهي إليه المغارسة فهو المشهور في المذهب، وأجاز ذلك ابن حبيب وجعل حدها الإطعام. وأما حكمه بفسادها إلى أجل لا يكون الإطعام دونه فهو خلاف ما تقدم

مسألة: الإجارة في عين الأجير

في هذا السماع، وقد مضى القول هنالك على ما يتخرج عليه كل قول منها على الأصول، وقوله في مسألة البيع الفاسد الذي نظر بها إن القيمة تكون في ذلك يوم ابتاعها، معناه إن كان البيع والقبض في وقت واحد؛ لأن القيمة لا تجب في البيع الفاسد إلا يوم القبض لا يوم البيع هذا اختلاف، ومسألة القليب الذي استدل بها على ما ذهب إليه من أنه بيع فاسد في نصف الأرض مسألة صحيحة إلا أنها لا حجة فيها إذ لا يلزم فيها على قياس القول بأنه يلزم المغارس قيمة نصف الأرض يوم فوتها بالغرس والكراء في النصف الثاني أن يلزمه الكراء في جميع الأرض لتفويته لها بالقليب. وقوله: "إنه يكون له الكراء في سهم شريكه من يوم اغتله" هو مثل ما تقدم في سماع أبي زيد خلاف ما في سماع يحيى وفي رسم استأذن من سماع يحيى وفي رسم استأذن من سماع عيسى، وحكى ابن زرب أنه وجد في بعض الكتب لابن القاسم أنه لا كراء عليه في نصيب صاحب الأرض؛ لأنه كأنه أباح له الغرس فيها، قال فلذلك سكت عنه في غير هذا الموضع، وقد مضى توجيه الاختلاف هناك فلا معنى لإعادته، ومضى أيضا في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى تحصيل الاختلاف في هذه المسألة فلا معنى لإعادته، وقول سحنون: إنها إجارة فاسدة في الجميع هو أحد أقوال ابن القاسم في المسألة في رسم يوصي من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: الإجارة في عين الأجير] مسألة قال: قلت: فإن أخذها على شباب معروف وحد ينتهي إليه وشرط عليه رب الأرض عمل شطره سنين مسماة بعد المقاسمة هل يجوز ذلك له أم لا؟ فقال: إن كان عمل النصف محدودا معروفا وكان مضمونا على العامل عاش أو مات فذلك جائز، وإن كان ذلك في عمل بدنه بعينه ما قام شخصه فلا خير فيه ويفسخ لأنها مخاطرة

ولا يدري أيعيش العامل إلى ذلك الأجل أو يموت قبله؟ فإن مات غبن رب الأرض، فإن عاش إلى الأجل غبنه رب الأرض فتخاطرا بهذا، قال سحنون: هذا خطأ ولا يجوز هذا، وأول خطأ هذا أنه جعل وبيع شيء، فلا يجوز هذا على حال من الحال، ويصنع في هذا كما وصفت لك في أول المسألة. قال محمد بن رشد: في الواضحة لمطرف وأصبغ مثل قول ابن القاسم، وزاد عن مطرف قال: فإن بطل الغرس بعد أن غرسه قيل لرب الأرض أعطه غرسا مثله يغرسه لك، ويقوم لك به إلى أجله، وهذا هو قول سحنون وقول أشهب في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ من كتاب الجعل والإجارة، وإليه ذهب ابن حبيب خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها من أن الإجارة لا تجوز في ذلك إلا بشرط الخلف وزاد عن أصبغ أنه أجاز ذلك، لأن المغارسة قد تمت بينهما، واعترض ذلك الفضل واعتراضه صحيح، إذ لا فرق في القياس بين أن يشترط عليه في المغارسة عملا يعمله قبل الغرس أو بعده، فقول ابن القاسم في هذه الرواية وقول أصبغ في الواضحة معارض لما مضى من قول أصبغ في نوازله حسبما بيناه هناك. ويتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها - أن المغارسة على هذا الشرط لا تجوز كان العمل مضمونا على العامل أو في عينه غير مضمون عليه، على حكم الإجارة في عين الأجير، وهو الذي يأتي على قياس ما تقدم من قول أصبغ في نوازله. الثاني - أن ذلك جائز إن كان العمل مضمونا على العامل، ولا يجوز إن كان في عينه غير مضمون عليه إلا أن يشترط الخلف إن بطل الغرس. والثالث - إن ذلك جائز في الوجهين جميعا والحكم يوجب الخلف، وأما إن اشترط العمل في بدنه ما قام شخصه، فإن مات بطل عنه الشرط ولم يجب عليه لرب الحائط شيء فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز، فإن وقعت المعاملة على ما لا يجوز باتفاق أو على ما لا يجوز عند من لا يجيزها على ما

مسألة: ذهب الغرس وبطل ورجعت الأرض براحا على حالها الأول

وقعت عليه فسخت، فإن فاتت بالعمل كان الحكم فيها على الاختلاف الذي قد مضى تحصيله في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى، وقول سحنون فيها على أصل مذهبه وأحد أقوال ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: ذهب الغرس وبطل ورجعت الأرض براحا على حالها الأول] مسألة قلت: أرأيت إن عامله على النصف بحال ما ذكرت لك معاملة يفسخها بينهما فاغتلاها زمانا ثم ذهب الغرس وبطل ورجعت الأرض براحا على حالها الأول؟ فقال: يكون نصفها للعامل بقيمتها يوم أخذها براحا، لأنه ساعة فوتها بالغرس ضمنها بقيمتها فلا يسقط عنه الضمان رجوعها إلى حالها الأولى، ويكون أيضا للعامل الغلة كلها، وعليه كراء نصف الأرض منذ يوم أغتلها، فلا يكون عليه في نصفها الذي قوم عليه كراء ويكون على رب الأرض للغارس في نصفه الذي ذهب أجر عمله فيها إلى أن يبلغ الشباب الذي سمياه، هلك بعد ذلك أو كان قائما، وإن فات الغرس من قبل أن يبلغ ذلك الشباب فليس للغارس أجرة في غرسه نصف الأرض وما يدلك عليه قول مالك في الرجل يستأجر حفار القبور على حفر قبر فينهدم القبر من قبل أن يفرغ الحافر منه: إن ذلك عليه حتى يحفر ويفرغ منه، وإن انهدم القبر بعد فراغه منه فهو من المستأجر، وعليه للحافر أجرته كاملة، قال: قال سحنون: تكون جميع الغلة لصاحب الأرض، ويكون للعامل منها شيء ويعطى العامل أجرة مثله بعد أن يرد جميع ما أخذه من الغلة من قبل أن الشجر لو نبتت لم أجعل له فيها ولا في الأرض شيئا، فكيف إذا لم تنبت حينئذ أخرى أن لا يكون له شيء، قال ابن القاسم ومما يدلك على ذلك أيضا قولنا فوق هذه المسألة في القليب في الأرض غير المأمونة.

محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة وتكون أيضا للعامل الغلة كلها معناه إلى يوم بلغت النخل الحد الذي اشترط إتمام المغارسة إليه، وأما فيما بعد ذلك إلى حين الحكم فتكون الغلة بينهما كما اغتلاها، ولا شيء في ذلك على واحد منهما لصاحبه، لأن العامل اغتل النصف الذي قد ضمن بالقيمة، وصاحب الأرض اغتل النصف الآخر الذي قد صار بانقضاء أمد المغارسة إليه وتولى القيام لنفسه عليه. وقوله: "فعليه كراء النصف لرب الأرض منذ يوم اغتلها" معناه أيضا إلى يوم بلوغ النخل الحد المشترط. فأما قوله: ويكون على رب الأرض للغارس في نصف الذي ذهب أجرة عمله فيه إلى أن يبلغ الشباب الذي سمياه هلك بعد أو كان قائما وإن مات الغارس من قبل أن يبلغ ذلك الشباب فليس للغارس أجرة في غرسه نصف رب الأرض فإنه كلام لا يستقيم رده على ما تقدم من القول، بأن الغلة كلها للعامل، وعليه كراء نصف الأرض، وإنما يصح على القول بأنه يرد في نصف رب الأرض إلى إجارة المثل فيؤديها إلى العامل وتكون غلة ذلك النصف له لا للعامل، ويرد إليه مع ذلك قيمة الغرس يوم وضعها في الأرض، فهو خروج من قول إلى قول دون واسطة، وأراه سقط من الأم شيء من الكلام. وأما قوله: "إن الغرس إن مات من قبل أن يبلغ ذلك الشباب للغارس أجرة في غرسه نصف رب الأرض" فهو قول سحنون ومذهبه، وخلاف المعلوم من مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها في أن له من الأجر بقدر ما مضى من العمل، وإنما اختلف قوله في ذلك في المدونة إذا كانت الإجارة بما لا يملك من الأرض كالقبر يستأجر الرجل على حفره في المقبرة. فإن صح هذا الكلام والاحتجاج لابن القاسم يحصل من مذهبه في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها - أنه لا شيء له من أجرته إلا بعد تمام العمل. والثاني - أن له من أجرته بحساب ما عمل. والثالث - الفرق في ذلك بين ما يملك من

مسألة: يستأجران فيدعي أحدهما في مبايعة صاحب الحلال ويدعي الآخر الحرام

الأرضيين أو لا يملك، وقول سحنون على ما اختاره من أقوال ابن القاسم أنه يرد في الجميع إلى أجرة مثله. [مسألة: يستأجران فيدعي أحدهما في مبايعة صاحب الحلال ويدعي الآخر الحرام] مسألة قال: قلت فإن أخذها على أن يغرسها على النصف ولم يذكر الأرض ولا الثمر فاختلفا فقال العامل عاملتك على أن لي نصف الأرض، بل على أن الثمرة بيننا وحدها أو الشجر بيننا وحدها دون الأرض؟ فقال لي: إن كان للبلد سنة في معاملتهم حملوا عليها، قلت: فإن كان البلد العامل فيه على الوجهين، وهما يجريان به جميعا؟ فقال: القول في ذلك قول العامل مدعي الحلال منهما مع يمينه، ورب الأرض مدعي لأنه يدعي سببا يريد فسخ عملهما في ارتجاع الأرض، وقد قال مالك في الرجلين يستأجران فيدعي أحدهما في مبايعة صاحب الحلال ويدعي الآخر الحرام: إن القول قول مدعي الحلال منهما مع يمينه، والآخر مدعي؛ لأنه يريد فسخ ما ثبت من يبيع الحلال. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في سماع أبي زيد فلا معنى لإعادة شيء منه. [مسألة: ثبتت بينة على أنهما تعاملا على أن الثمرة بينهما ما قامت الشجرة] مسألة قال: قلت: فإن ثبتت بينة على أنهما تعاملا على أن الثمرة بينهما ما قامت الشجرة فإذا ذهبت الشجرة فلا شيء للعامل في الأرض أو على أن الشجر وحدها دون البياض. فقال: لا يجوز ذلك ويفسخ متى ما عثر عليه وترد إلى ربها ويكون عليه للعامل قيمة غرسه مقلوعا بالأرض أو يتركه يقلع غرسه إن

أبى أن يعطيه قيمته، وتكون الغلة كلها للعامل ويكون عليه كراء الأرض كلها منذ يوم اغتلها، قال: قال سحنون: الغلة كلها لصاحب الأرض ويعطي للعامل أجرة مثله. قلت: ولم جعلت للعامل قيمة عمله مقلوعا وهو إنما عمل على وجه شبهة؟ فقال: من قبل أن رب الأرض إنما أكراه أرضه بثمرة تخرج منها على أن يغرسها أصولا ما قامت الشجر، فصار كراء لا أمد له، وكراء الأرض بالثمرة أيضا، فلا بد من رد الأرض إلى صاحبها على حال ما خرجت من يديه براحا لا غرس فيها، لأنك إن لم تفعل وجعلت عليه فيها القيمة لعمل العامل أدخلت عليه ما يحجبه عن أرضه، فإن لم يقدر عليها أو كره أن يعطيها إياه وألزمته إياها صرت أن بعت منه شيئا للعامل في أجرته أو أعطيتها إياه فيها، فصار ما خرج من يديه من أرضه منفوصا حين رجع إليه محجوبا عنه حتى يعطي ما لزمته من الأجرة فهذا يبين لك ما سألت عنه، ولأنه أيضا إنما عامله على أن يعطيه في كرائها ثمرة أو أصلا ما قام الأصل، وفي المسألة الأولى إنما عامله على أن يغرس له نصف الأرض بالنصف الذي أعطاه منها، فصار أجيرا في غرس نصفه بما أعطاه من نصف أرضه. قلت فإن ذهب الغرس ورجعت الأرض إلى حالها أولا براحا لا غرس فيها والمسألة على حالها؟ فقال: تكون الثمرة كلها للعامل، ويكون عليه كراء الأرض منذ يوم اغتلها، ولا يكون له على رب الأرض فيما هلك من الغرس قيمة ما عمل، لأنه إنما كان يعطيه قيمته مقلوعا بالأرض، فقد ذهب وبطل؛ لأنه إنما كان العمل له لا لرب الأرض، وفي المسألة الأولى

إنما كان نصف الغرس الذي بطل بعد أن بلغ الشباب والقدر لرب الأرض لا للغارس، ولذلك أو جبنت للغارس قيمة عمله فيه على رب الأرض فهذا شأنه، قال سحنون: الثمرة كلها لصاحب الأرض ويعطي العامل أجرة مثله. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة وفي المسألة الأولى إنما عامله على أن يغرس له نصف الأرض بالنصف الذي أعطاه منها يريد المسألة المتقدمة التي غارسه فيها على نصف الأرض إلى أجل تكون الثمرة دونه. فقوله فيها هاهنا فصار أجيرا في غرس نصفه بما أعطاه من نصف أرضه وقوله بعد ذلك: وفي المسألة الأولى إنما كان نصف الغرس الذي بطل بعد أن بلغ الشباب والقدر لرب الأرض لا للغارس فلذلك أوجبت للغارس قيمة عمله على رب الأرض، فهذا شأنه خلاف قوله في المسألة المتقدمة لأنه لم يجعله فيها أجيرا في نصف رب الأرض، وإنما جعله فيها مكتريا له، فأعطاه جميع الغلة، وقول سحنون على أصله في أنه يكون أجيرا في الجميع، وقد تقدم هذا المعنى في مواضع، ومضى تحصيل الاختلاف فيه في رسم يوصي لمكاتبة من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله تعالى التوفيق. تم كتاب المزارعة والمغارسة بحمد الله تعالى وحسن عونه وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الكريم اللهم عونك. تم كتاب المغارسة بحمد الله تعالى

: كتاب الديات الأول

[: كتاب الديات الأول] [مسألة: أهل الذهب والورق إذا وقعت عليهم الدية كيف تغلظ] من سماع ابن القاسم من كتاب قطع الشجر قال وسئل مالك عن أهل الذهب والورق إذا وقعت عليهم الدية مثل ما وقع على المذحجي كيف تغلظ عليهم إن غلظت؟ قال: نعم تغلظ عليهم، وإنما يعتبر ذلك بفضل ما بين أسنان المغلظة وأسنان الخطأ على أهل الإبل، ينظر إلى قيمة المغلظة كم قيمة الثلاثين حقة والثلاثين جذعة والأربعين خلفة فيعرف؟ وينظر كم قيمة أسنان دية الخطأ الأخماس، عشرين بنت مخاض وكم قيمة عشرين بنت لبون، وكم قيمة عشرين ابن لبون وكم قيمة عشرين حقة وكم قيمة عشرين جذعة، فيعرف كم قيمة ذلك كله، فينظر كم فضل ما بين القيمتين؟ قيمة الأثلاث دية الخطأ، وقيمة الأخماس دية الخطأ، فإن كان خمسا أو سدسا أو ربعا أو ما كان فيزاد على أهل الذهب والورق بقدر ما زادت قيمة التغليظ في الإبل على دية الخطأ ينظر كم هو من دية الخطأ؟ إن كان ثلثا أو ربعا أو ما كان زيد مثل ذلك، قال مالك: فأرى الجراح مثل ذلك إذا كانت شبيها بذلك أن يزاد فيها للخرمة أو فقاء العين أو قطع الرجل كان عليه خمسة عشر حقة وخمسة عشر جذعة وعشرون خلفة، فإن فعل ذلك أحد من أهل الذهب أو الورق نظر أيضا إلى فضل هذه الأسنان التي سميتها

وإلى نصف قيمة دية الخطأ من الإبل فتغلظ عليه بقدر ذلك إذا صار ذلك ثلثا على أهل الإبل أو ربعا أو ما كان في القيمة، وصنع بأهل الذهب والورق مثل ذلك في الجراح والنفس، قال ابن القاسم: ليس يكون ذلك في الجراح إلا في الأب، قال سحنون: إلا الجائفة والمأمومة والمنقلة، فإن الأجنبي لا يقاد منه فكذلك الأم والأب والجد لا تغلظ عليهم الدية فيها. قال محمد بن رشد: الديات على مذهب مالك وأصحابه ثلاث: دية الخطأ، ودية العمد إذا قبلت، ودية التغليظ في مثل ما فعل المذحجي بابنه، وهي دية شبه العمد على مذهب من يراه ويقول به، وهو قول أكثر أهل العلم ورواية العراقيين عن مالك. فأما دية الخطأ فإنها على أهل الإبل مائة من الإبل على عاقلة القاتل سنة من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا اختلاف بين أحد من أهل العلم في ذلك، وتؤخذ في ثلاث سنين وقيل في أربع بخمسة عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون ذكرا وعشرون حقة وعشرون جذعة، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة غير أن أبا حنيفة جعل مكان ابن لبون ابن مخاض، وقد ذهب جماعة من السلف منهم علي بن أبي طالب إلى أن دية الخطأ مربعة واختلفوا في أسنانها اختلافا كبيرا. وأما دية العمد فليست بموقتة ولا بمعلومة بدليل قول الله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] وشيء نكرة تقع على القليل والكثير، فإن اصطلحوا على الدية مبهمة فإنها تكون حالة في مال القاتل مائة من الإبل على أهل الإبل مربعة: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة وخمس عشرون جذعة، وفي كتاب ابن المواز أنهم إن

اصطلحوا على دية مبهمة أو عفا بعض الأولياء فرجع الأمر إلى الدية فالدية في ذلك مثل دية الخطأ إلا أن العاقلة لا تحمل منها شيئا وهي في مال الجاني منجمة في ثلاث سنين، قال: وإنما تفترق دية الخطأ من دية العمد في أن العاقلة لا تحملها، وأما في الأسنان فلا، والأول هو المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك وأصحابه، وذهب الشافعي إلى أن دية العمد إذا قبلت كدية شبه العمد مثلثة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة. وأما الدية المغلظة في مثل ما صنع المذحجي بابنه وفي شبه العمد على مذهب من يراه من أهل العلم وهو قول مالك في رواية العراقيين فإنها على أهل الإبل مثلثة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها، قيل حالة في مال القاتل غير مؤجلة، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة وروايته عن مالك، وقد كان ابن القاسم يقول: إنها على العاقلة كهيئة دية الخطأ حكى ذلك عنه ابن حبيب، وقيل: إنها على العاقلة حالة تنجيمها وهو قول ابن الماجشون، قال: ومن تغليظها أن يطرح تنجيمها ويدل على ذلك قول عمر بن الخطاب سراقة بن جعشم المذحجي وهو غير القاتل إلا أنه رأس قومه: اعدد لي على ماء قديد عشرين ومائة من الإبل، وإلى هذا ذهب أشهب وسحنون، وقيل: إنها في ماله إن كان له مال وعلى العاقلة إن لم يكن له مال، وهو قول مطرف وإياه اختار ابن حبيب. وأما الدية على أهل الذهب والورق فهي في الخطأ على ما قومها به عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ألف دينار على أهل الذهب واثني عشر ألف درهم على أهل الورق، هذا مذهب مالك وجميع أصحابه. واختلف هل تغلظ على أهل الذهب والورق دية العمد المربعة إذا قبلت بفضل ما بين أسنانها وأسنان دية الخطأ أم لا؟ وهل تغلظ أيضا عليهما الدية المثلثة في مثل ما صنع المذحجي بابنه بفضل ما بين أسنانها وأسنان دية الخطأ أم لا على ثلاثة أقوال: أحدها - أنها لا تغلظ واحدة منهما، حكى هذا القول

عبد الوهاب في المعونة. والثاني - أنها تغلظ كل واحدة منهما، وهو الذي يأتي على ما في رسم الصبرة من سماع يحيى عن أشهب، لأنه إذا رأى التغليظ في الدية المربعة فأحرى أن يراه في الدية المثلثة. والثالث - أنه لا يغلظ الدية المربعة وتغلظ الدية المثلثة، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وقول ابن نافع في رسم الصبرة المذكور من سماع يحيى وهو أولى الأقوال إذ قد قيل في دية العمد إذا قبلت إنها مخمسة مؤجلة على ما في كتاب محمد. واختلف في صفة التغليظ على ثلاثة أقوال: أحدها - أنه ينظر إلى قيمة أسنان الدية المخمسة وإلى قيمة أسنان الدية المربعة أو المثلثة في ذلك البلد إن كان البلد بلد إبل، وإن لم يكن بلد إبل ففي أقرب بلدان الإبل إليهم قاله أصبغ في الواضحة، فما كان بين القيمتين سمي من قيمة أسنان الدية المخمسة فما كان من خمس أو ربع أو ثلث أو أقل أو أكثر أخذ ذلك الجزء من الألف المثقال أو الاثني عشر ألف درهم فزيد عليه، وهو قوله في هذه الرواية والمشهور في المذهب. والثاني - أنه يزاد على الألف مثقال أو الاثني عشر ألف درهم ما كان بين القيمتين من العدد من غير تسمية، وهذا القول في المعنى أظهر، والأول أشهر. والثالث أن يقوم أسنان الدية المثلثة أو أسنان الدية المربعة فتكون تلك الدية ما كانت إلا أن ينقص من الألف دينار أو اثني عشر ألف درهم فلا ينقص من ذلك شيء، وهذا القول حكاه عبد الوهاب وهو ينحو إلى مذهب الشافعي في أن الدية على أهل الذهب والورق قيمة الإبل على أسنانها وقت الحكم في كل زمن نقصت من الألف دينار أو زادت عليه، قال: لأن عمر قوم الدية ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم فالحكم أن يقوم في كل زمن. ولا حجة له فيما روي عن عمر بن الخطاب في ذلك، إذ قد روي أنه قوم الدية، وأنه جعل الدية، وأنه قضى في الدية، وحكم للجراح في التغليظ في الديتين جميعا المربعة والمثلثة حكم الدية الكاملة يؤخذ ذلك من الاختلاف في التغليظ وفي صفته ما ذكرناه في الدية وفي صفته ما ذكرناه في

الدية الكاملة إلا الجائفة والمنقلة والمأمومة وما أشبهها من الجراح التي هي متألف فلا يقتص منها في الأجنبي فيستوي في حكم تغليظها الأب والأجنبي، فلا يغلظ على الأب إلا على القول بوجوب تغليظ دية العمد المربعة وجراحات العمد، فقول سحنون إلا الجائفة والمنقلة والمأمومة فإن الأجنبي لا يقاد منه. فكذلك الأب والأم والجد لا تغلظ عليهم فيها الدية هو على ما اختاره وأخذ به من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في أنه لا تغليظ على أهل الذهب والورق في دية العمد وجراحاته، والتغليظ عند ابن القاسم وأشهب وأصحابهما فيما صغر من الجراح أو كبر، وقد ذكر عن ابن القاسم أنه قال: إنما ذلك فيما يبلغ ثلث الدية فأكثر، وقول ابن القاسم ليس يكون ذلك في الجراح إلا في الأب يريد والأم، إذ لا يفرق أحد بين الأب والأم في هذا، فعلى ظاهر قوله هذا لا تغلظ الدية في جد ولا جدة خلاف قوله في المدونة إنما تغلظ في الجد يريد والجدة من قبل الأم ومن قبل الأب - والله أعلم - فلا يغلظ على مذهبه في المدونة في الجد للأم ولا في الجدة أم أب الأم والأم أب الأب، وهو قول أشهب، وذهب ابن الماجشون إلى أن الدية تغلظ في الأجداد والجدات كلهم من قبل الأب ومن قبل الأم وهو قول سحنون في نوازله من كتاب الأقضية إن الدية تكون له في ولده وولد ولده، والتغليظ يلزمه في ولده وولد ولده من الرجال والنساء، وقد روى عن ابن القاسم مثل قول ابن الماجشون، وروى عنه أنه توقف في الجد للأم. والتغليظ تابع للقصاص فمن تغلظ الدية فيهم كلهم فلا يقتص من واحد منهم ألا أن يعمد لقتله مثل أن يضطجعه فيذبحه أو يأخذ سكينا فيقطع يده أو يفقأ عينه، ومن يرى أن لا تغلظ الدية على الجد للأم أو الجدة أم أب الأب أو أم أب الأم فهو يرى القصاص منهم في العمد الذي يشبه العمد وإن لم يعمد للقتل، إذ لا اختلاف في أنه لا يقتص من واحد منهم فيما هو من شبه العمد مثل أن يضربه بعصا فيموت من ذلك، أو بسوط فيفقأ عينه وما أشبه ذلك.

مسألة: الأب إذا قتل ابنه خطأ مع رجلين معه هل ترى له من الدية شيئا

فالديات عند مالك ثلاث مخمسة ومربعة ومثلثة، وعلى ما في كتاب ابن المواز اثنتان مخمسة في الخطأ وفي العمد إذا قبلت الدية مبهمة، ومثلثة في مثل ما فعل المذحجي، وعند الشافعي اثنان مخمسة في دية الخطأ ومثلثة في العمد إذا قبلت وفي شبه العمد، وعند أبي حنيفة اثنتان مخمسة في دية الخطأ ومربعة في شبه العمد وفي العمد إذا قبلت الدية فيه مبهمة، وهذا كله لا مدخل للرأي والقياس في شيء منه، وكل يدعي التوقيف فيما ذهب إليه من ذلك. ولا يؤخذ في الدية عند مالك وجل أهل العلم إلا الإبل والدنانير والدراهم. وقد روى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه وضع الدية على الناس في أموالهم ما كانت؟ على أهل الإبل مائة بعير، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الإبل مائتي حلة، وهو قول عطاء وقتادة وروى ذلك أيضا عن عمر بن الخطاب، وبالله التوفيق. [مسألة: الأب إذا قتل ابنه خطأ مع رجلين معه هل ترى له من الدية شيئا] مسألة وسئل مالك عن الأب إذا قتل ابنه خطأ مع رجلين معه هل ترى له من الدية شيئا؟ وكيف إن كان الابن لم يهلك ساعة أصابوه عاش شيئا من النهار ثم هلك وقامت البينة على ذلك وترك ابنه من الورثة أمه وأختيه وعصبته إن لم يرث الأب. قال مالك: أرى أن يحلف ورثته خمسين يمينا لمات من ذلك ثم تكون الدية عليهم على عاقلة الأب الثلث وعلى عاقلتي الرجلين

ثلثا الثلث على عاقلة كل واحد منهما ثلث الدية، وأرى للأم السدس من الدية كلها وأرى للعصبة والأختين ما على عاقلة الأب بعد سدس الأم وبعد أن يحلفوا، وأرى من الدية للأب ثلثي الدية التي وقعت على عاقلتي الرجلين اللذين شركاه في القتل بعد سدس الأم، وبعد أن يحلف الأب لمات من ذلك، فإن الله تعالى يقول: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فأبوه من أهله، وأرى إذا لم يأت أهل الميراث جملة أهل الثلث وأهل الثلثين يحلف أهل الثلث الأختان والعصبة خمسين يمينا وأخذوا، ثم جاء الأب بعد ذلك فأرى أيضا أن يحلف خمسين يمينا فيكون سهمان الدية ستة وثلاثون سهما، للأم من ذلك سدس الثلثين اللذين يصيران للأب وهو أربعة أسهم وسدس الثلث أيضا الذي يصير للأختين والعصبة، وهما سهمان فذلك ستة أسهم من ستة وثلاثين للأختين ثلثا الثلث وهو ثمانية وللعصبة ما بقي وهما سهمان وللأب عشرون سهما وهو ما بقي من الثلثين بعد سدس الأم. ورأيت أن لا يجمع على الأب أمران: مصيبة ابنه، وحرمان عقل ابنه يكون على عاقلة قومه يخرجونها إلى أهله قال الله تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فأبوه وورثته من أهله، ولأن ذلك من الخطأ الذي لا شك فيه. ولو ولي الأب قتله وحده لم يكن له من ديته شيء، قال ولو أنهم قتلوه عمدا قتلتهم به بثلاثتهم الأب والرجلين إذا عمد الأب للقتل متعمدا لذلك قتل به، وأما إذا كان من الضرب والرمية وأشباه

ذلك فإنه لا يقاد منه، وإذا كان مثل ذلك من الناس يرمي الرجلُ الرجل بحجر أو بعصا أو يضربه بذلك فيموت من ذلك فعليه القود ليس حال الأب في هذا كحال غيره. وتكون الأيمان عليهم على قدر مواريثهم، فمن كان عليه كسر جبرها، قال مالك: وإن علم أنه هلك منه حين وقعت عليه الخشبة لم يتكلم في غمرته حتى هلك لم يكن في ذلك قسامة، قال ابن القاسم: ويحلف الأب على الرجلين لمات ابنه مما صنعا به، ويحلف العصبة والأختان لمات مما فعل الأب، وتحلف الأم أنه مات من فعلهم كلهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة صحيحة جارية على الأصول إلا أن في سياقتها إشكالا يفتقر إلى بسط وبيان، وهو أن دية الخطأ موروثة عن المقتول يرثها ورثته وبستحقونها على عاقلة القاتل بقسامتهم على قدر مواريثهم مع شاهد على القتل أو شاهدين على الجرح إذا حيي بعد ذلك حياة بينة، فإن كان القاتل من الورثة لم يرث منها ولا أقسم فيها، لأن القاتل الخطأ لا ميراث له من لدية، فإذا قتل الرجل ابنه خطأ مع رجلين سواه فلا ميراث له في ثلث ديته الواجبة على عاقلته بما شاركه في قتله، وله ميراثه في ثلثي الدية الواجبة على عاقلتي الرجلين المشاركين له في قتله، فثلث الدية الواجبة على عاقلة الأب ميراث لأمه ولأخته ولعصبته، لأمه السدس، ولأخته الثلث، ولعصبته النصف بعد أن يقسموا خمسين يمينا لمات من الجرح الذي أصابه به الأب تكون على العصبة منها خمسة وعشرون يمينا لأن لهم نصف الميراث، وعلى الأم ثمانية أيمان، وعلى الأختين ستة عشر يمينا ويجبر اليمين الباقية على أكثرهم حظا منها أو من الأيمان فإن جاءت الأختان والعصبة دون الأم لم يكن لهم أن يأخذوا حظهم من الدية إلا أن يحلفوا خمسين يمينا على ما قاله في الرواية من أن الأختين والعصبة يحلفون خمسين يمينا وثلثا

الدية للذان على عاقلتي الرجلين ميراث لأبيه وأمه لأمه السدس ولأبيه الباقي بعد أن يقسما خمسين يمينا لمات من الجرح الذي أصابه به الرجلان، تكون على الأم منها سدس الأيمان، وعلى الأب الباقي منها، فتحلف الأم ثمانية أيمان ويحلف الأب إحدى وأربعين يمينا، وتجبر عليه اليمين الباقية من الخمسين فسواء جاؤوا مجتمعين أو متفرقين لا بد أن تحلف الأم مع الأب خمسين يمينا لمات مما أصابه به الرجلان، وتحلف الأم مع الأختين والعصبة خمسين يمينا لمات مما أصابه به الأب. وما في ظاهر أول المسألة من التفرقة بين أن يجيء أهل الثلث وأهل الثلثين جميعا أو مفترقين يقضي عليه ما في آخر المسألة. وقول ابن القاسم: إن الأب يحلف على خلاف ما يحلف عليه العصبة والأختان وقوله وتحلف الأم أنه مات من فعلهم كلهم معناه أنها تحلف مع العصبة والأختين سدس الخمسين يمينا كما يحلفون، وتحلف مع الأب سدس الخمسين يمينا أيضا كما يحلف، لأنها تحلف سدس الأيمان مرة واحدة أنه مات من فعلهم كلهم. وقوله من كان عليه كسر جبرها الظاهر منه أن اليمين المنكسرة تجبر على من كان حظه منها أكثر وهو الذي في الديات من المدونة، وفي الموطأ رواية يحيى أنها تجبر على من كان عليه أكثر الأيمان، وفي رواية ابن القاسم وابن بكير مثل ما في المدونة، فإن استوى الورثة في الميراث فانكسرت عليهم يمين أو أيمان مثل أن يكونوا ثلاثين من الإخوة؛ فيجب على كل واحد منهم من الأيمان يمين وثلثا يمين، فقيل إنه يجبر اليمين المنكسرة على كل واحد منهم فيحلفون يمينين يمنين، وهو قول ابن القاسم، وقيل يحلفون يمينا يمينا ويقال لهم: لا بد من أن تأتوا بعشرين رجلا منكم يحلفون يمينا يمينًا، وهو قول أشهب

مسألة: عبيد وأحرار وقعت عليهم الدية خطأ

فإن تشاحوا على قوله فيمن يحلف منهم، فقيل: إنه يقرع بينهم وقيل: إنه يقال لهم لا تعطون شيئا إلا أن تحلفوا بقية الأيمان، وهو قول ابن كنانة، وإن كان عدد العصبة أكثر من خمسين حلفوا كلهم يمينا يمينا على مذهب ابن القاسم، وعلى مذهب أشهب يقال لهم: لا بد من أن تأتوا بخمسين منكم يحلفون يمينا يمينا فإن تشاحوا في ذلك فعلى ما تقدم من الإسهام بينهم فيمن يحلف منهم، أو من أن يقال لهم لا تعطون شيئا حتى تأتوا منكم بخمسين يحلف كل واحد منهم يمينا يمينا، ولو كان الأخوة ثلاثة لحلف كل واحد منهم سبعة عشر يمينا على مذهب ابن القاسم، وعلى مذهب أشهب يحلف كل واحد منهم ستة عشر يمينا، ويقال لهم: لا بد من أن تأتوا برجلين منكم يحلفان يمينا يمينا، فإن كان الورثة زوجات وبنات وأخوات وما أشبه ذلك من أهل السهام فلا يختلف ابن القاسم وأشهب في قسم الأيمان بين الزوجات والبنات والأخوات على سهام الميراث، وإنما يختلفان فيما حصل على كل فريق منهن من الأيمان إذا قسمت عليهن على ما تقدم من الاختلاف في قسمة الأيمان بين الإخوة وبالله التوفيق. [مسألة: عبيد وأحرار وقعت عليهم الدية خطأ] مسألة وسئل مالك عن عبيد وأحرار وقعت عليهم الدية خطأ فكان ما على العبيد من ذلك الثلثين وكان على الأحرار الثلث أو أدنى كيف الأمر في ذلك؟. فقال: يقال لأرباب العبيد افتدروا عبيدكم بما يقع عليهم من الدية في ثلاث سنين أو أسلموهم فأي ذلك شاءوا فعلوا، قال سحنون: ويكون الثلث الذي وقع على الأحرار على عواقلهم في ثلاث سنين، وإن كان الذي وقع عليهم أقل من ثلث الدية فهو على العاقلة في ثلاث سنين، قال ابن القاسم: وإذا كانوا ثلاثة أو أكثر

فوقع عليهم ثلاثتهم ثلث الدية فيصير على كل إنسان ثلث الثلث من الدية وهو تسع الدية، فذلك تحمله العاقلة، قال: ولم يكن الأحرار إلا واحدا فوقع عليهم أكثر من الثلث أو أقل فهو على العاقلة في ثلاث سنين، وكان على العبيد ما بقي منها، يقال لأربابهم افتدوهم بما يقع عليهم من الدية في ثلاث سنين أو أسلموهم أي ذلك شاءوا فعلوا. ويقسم ما يقع على العبيد على عددهم ولا يكون ذلك على قيمتهم فمن شاء من أرباب العبيد أن يفدي عبده بما يقع عليه من الدية وإن كانت قيمته أكثر مما وقع عليه فذلك له، ومن شاء منهم أن يسلمه بما وقع عليه وإن كانت قيمته أقل مما يقع عليه فذلك له. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية إن ما وقع على الأحرار من ثلث الدية فأكثر يكون على عواقلهم وإن كان أقل من الثلث هو خلاف روايته عن مالك مثل رواية أشهب عنه، حكى اختلاف قوله في ذلك ابن المواز، قال إن وقع على الأحرار أقل من ثلث الدية فذلك في أموالهم، قاله مالك مرة وروى عنه أن ذلك على العاقلة في ثلاث سنين، وبه قال سحنون، قال يحيى بن عمر: والأول رواية ابن القاسم والقولة الأخيرة رواها أشهب. ولكلا القولين وجه من النظر، فوجه القول بأن ذلك على العاقلة القياس على ما أجمعوا عليه من أن الدية إذا وجبت على جماعة من الأحرار أنها على عواقلهم، وإن كان الذي يجب على كل واحد منهم أقل من ثلثها، ووجه القول بأن ذلك في أموالهم هو أن الأصل كان أن لا يحمل أحد جناية أحد لقوله عز وجل: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] .

: تعرض عليهم الأيمان في القسامة فينكلون ثم يطلبون بعد ويقولون نحن نحلف

وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأبي رمثة في ابنه: «لا تجني عليه ولا يجني عليك» فوجب أن لا يخصص من هذا العموم إلا ما خصصته السنة والإجماع، وهو الثلث من الدية فأكثر إذا وقع على الواحد من الأحرار أو الجماعة منهم لأنهم في معنى الواحد لاستوائهم فيما يجب عليهم في ذلك. وقوله ما وقع على العبيد منها يكون أربابهم بالخيار بين أن يفتدوهم بذلك في ثلاث سنين أو يسلموهم به هو خلاف روايته عن مالك في المدونة في الحر والعبد يصطدمان فيموتان جميعا إن ثمن العبد في مال الحر، ودية الحر في رقبة العبد، فإن كان في ثمن العبد فضل عن دية الحر كان في مال الحر وإلا لم يكن لسيد العبد شيء، والذي يأتي في الحر والعبد يصطدمان على قول ابن القاسم في هذه الرواية ما قاله أصبغ في أول نوازله بعد هذا من هذا الكتاب أنه يكون في مال الحر قيمة العبد تدفع إلى سيده ثم يقال لسيد العبد افتك قيمته بدية الحر أو أَسْلِمْها، فإن أسلمها لم يكن لولاة الحر غيرها، وإن افتداها افتداها بجميع الدية، معناه في ثلاث سنين، إذ لو لم تكن مؤجلة لوجب أن يكون مقاصة بالقيمة كما قال في المدونة، والأظهر أن يكون مؤجلة على ما قاله في هذه الرواية، لأن ثمن المقتول خطأ دية مؤجلة فوجب أن لا يلزم السيد أكثر مما جنى عبده. [: تعرض عليهم الأيمان في القسامة فينكلون ثم يطلبون بعد ويقولون نحن نحلف] ومن كتاب القبلة وقال مالك في الذين تعرض عليهم الأيمان في القسامة فينكلون ثم يطلبون بعد ويقولون نحن نحلف.

قال: كل من عرضت عليه اليمين: فأباها فقد أبطل حقه بتركه اليمين إلا أن يكون له في تركها عذر بين، قال سحنون: يريد بالعذر مثل أن يزعموا أن الميت عليه دين أو يكون أوصى بوصايا. قال محمد بن رشد: لما سئل مالك عن الذين تعرض عليهم الأيمان في القسامة فينكلون ثم يطلبون بعد ويقولون نحن نحلف أجاب عن ذلك بجواب عام في الحقوق والدماء أن كل من عرضت عليه اليمين فأباها فقد أبطل حقه بترك اليمين إلا أن يكون له في تركها عذر بين ففسر سحنون العذر الذي يكون له في الحقوق فقال: يريد بالعذر مثل أن يزعموا أن الميت عليه دين أو يكون أوصى بوصايا، وقول سحنون بين لأنه إذا أبى أن يحلف مع شاهده على حق يدعيه على الميت من أجل أنه قيل له إنه أوصى لغيره بوصايا ثم علم أنه ليس على الميت دين ولا أوصى به بوصايا فمن حقه أن يرجع إلى اليمين، لأنه يقول: إنما نكلت عنها من أجل محاصة الغرماء لي في الدين أو من أجل محاصة أصحاب الوصايا لي في الوصية، وأما العذر الذي يكون لهم في نكولهم عن القسامة فعلى غير هذا لأن الدم إذا كان خطأ فإنما يستوجب الورثة بقسامتهم الدية على العاقلة، وإن كان عمدا فإنما يستوجب الأولياء بقسامتهم الاستقادة من المقتول. وقوله: إن لهم أن يرجعوا إلى القسامة إن كان لهم عذر يتبين به أن نكولهم عن القسامة لم يكن على وجه العفو في العمد ولا على ترك حقهم من الدية الخطأ؛ ينبغي أن يحمل على التفسير لما في كتاب الديات من المدونة. ولابن نافع في المدنية ما ظاهره أن من نكل عن اليمين فله أن يرجع إليها ما لم يرد اليمين على المطلوب، ويلزم في القسامة مثل هذا على ظاهر قوله، ولا اختلاف إذا نكل عن اليمين مع شاهده، وردها على المطلوب أو نكل المطلوب عن اليمين إذا لم يكن للطالب شاهد فردها على الطالب أن ليس لواحد منهما أن يرجع إلى اليمين، ومثل هذا يقال في المقاسمة إنهم إذا

مسألة: مات المحبوس في دم العمد

نكلوا عنها فردوا الأيمان فيها لم يكن لهم أن يرجعوا إليها باتفاق، وسيأتي في أول رسم من سماع عيسى تحصيل الاختلاف على من ترجع الأيمان في القسامة إذا ردت في العمد والخطأ، وفي أي موضع ترجع باتفاق وعلى اختلاف إن شاء الله تعالى. ولو نكلوا في القسامة عن الأيمان فردوها على المدعى عليهم فحلفوا فوجد الطالبون بينة تشهد لهم على القتل لجرى ذلك على الاختلاف في الذي ينكل عن اليمين مع شاهده فيرد اليمين على المطلوب فيحلف ثم يجد شاهدا آخر أو شهودا على حقه، وقد مضى تحصيل الاختلاف في ذلك في أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى من كتاب الشهادات. [مسألة: مات المحبوس في دم العمد] مسألة قال مالك: من حبس في قتل خطأ أو عمد ثم مات قبل أن يقسم عليه إنه يبطل العمد ولا يقام عليه ولا يبطل الخطأ يقسمون ويأخذون الدية، وقد قيل لا يحبس أحد بقتل الخطأ. قال محمد بن رشد: قوله إذا مات المحبوس في دم العمد إنه يبطل ولا يقام عليه يريد أنه لا يقام عليه حكمه من أخذ الدية من ماله بعد القسامة عليه، وأما القصاص فيستحيل أن يقام عليه بعد موته فلا معنى لقوله إنه لا يقام عليه إلا ما ذكرته، وهذا عندي على القول بأنه ليس لولي المقتول أن يأخذ الدية من القاتل شاء أو أبى، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وأما على القول بأن من حقه أن يأخذ الدية منه شاء أو أبى وهو قول أشهب وأحد قولي مالك على ما ثبت من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودي، وإما أن يقاد» فلا يبطل الدم بموته قبل القسامة ويكون من حق الأولياء أن يقسموا بعد موته فيستحقون الدية في ماله. وأما الدم الخطأ فلا إشكال ولا اختلاف في أنه لا يبطل بموت القاتل

: غر الرجل الهابط في البئر بإمساكه أحد الحبلين اللذين تأمر بهما في البئر

قبل القسامة عليه، إذ الحق في ذلك إنما هو على عاقلته، وهو كرجل منهم فيما يلزمهم فيؤخذ من ماله بعد موته ما يلزمه من ذلك. وأما قوله: "وقد قيل إنه لا يحبس أحد في قتل الخطأ" فليس ذلك باختلاف من القول، ومعناه أنه لا يحبس فيه إذا كان مشهور العين فلم يحتج إلى الشهادة على عينه، وأما إذا لم يكن مشهور العين فإنه يحبس حتى يشهد على عينه قال ذلك سحنون، وقوله صحيح ولا يبريه من الحبس هاهنا إلا حميل بوجهه ملي بالدية إن لم يحضره وبالله التوفيق. [: غر الرجل الهابط في البئر بإمساكه أحد الحبلين اللذين تأمر بهما في البئر] ومن كتاب أوله باع سلعة سماها وسئل عن رجل ربط رجلا بحبل ودلاه في بئر وربط حبلا آخر في خشبة فتدلى الرجل في البئر لموضع حمام يطلبه فانقطع الحبل الذي في الخشبة فخر هابطا فخشي الرجل أن يذهب به معه في البئر فخلى سبيل الحبل أترى عليه الدية؟ قال: نعم ولا أراه يشبه السفينة وسئل عن ثلاثة مراكب أصابتهم الريح فأتى أحدهم فربط مركبه بصخرة ثم أتى الآخر فربط بتلك الصخر، ثم أتى الآخر بعده فوضع قلعة قبل أن يبلغهما ثم نزل رجلان منهما بحبلين إلى المركبين فسأل أحدهما أن يربط له مركبه بحبله وأبى وقالوا: إنا نخاف الغرق، ثم سأل الآخر فأبى، ثم كلموهم، فقال صاحب المركب: اللهم إني إنما أربطه لك فجره المركب الذي كان في الغرق حتى كادوا أن يغرقوا فلما رأوا ذلك سرحوا المركب فذهب وغرق كل من كان فيه، أترى على الذين سرحوه شيئا.

مسألة: يحمل ابنه في المركب ولم يستأذن أمه فيه فغرق

قال: ما أرى ذلك، قد أرادوا خيرا حتى خافوا الهلاك فلا أرى عليه شيئا. قال محمد بن رشد: قوله في الذي ربط الرجل في حبل ودلاه في بئر فلما انقطع الحبل الآخر الذي ربطه في الخشبة فخشي أن يذهب معه فخلى سبيل الحبل فمات؛ إن عليه الدية ولا يشبه السفينة يريد بالسفينة المسألة التي ذكر بعدها، والفرق بينهما بين لأن هذا غر الرجل الهابط في البئر بإمساكه أحد الحبلين اللذين تأمر بهما في البئر، فوجب عليه الضمان بتسريحه الحبل بما زعم من أنه خافه على نفسه والدية في هذا عليه في ماله ليس على العاقلة، لأن فيه شبهة من العمد، وأما صاحب المركب الذي ربط بمركبه المركب الذي كان في الغرق فلم يغره بما فعل، وإنما فعل ما فعل لله تعالى رجاء أن ينجيه من الغرق فلما خشي أن يذهب مركبه سرحه فلم يكن عليه شيء إذ لو لم يربطه بمركبه ابتداء لغرق كما غرق، فلم يضره ربطه بمركبه وبالله التوفيق. [مسألة: يحمل ابنه في المركب ولم يستأذن أمه فيه فغرق] مسألة وسئل عن عبد تزوج حرة فولدت غلاما وكبر حتى بلغ نحوا من عشر سنين أو قريبا منها وكان يسكن القلزم فركب البحر يريد الحجاز، فيحمل ابنه في المركب ولم يستأذن أمه فيه فغرق المركب فغرق الغلام ونجا أبوه فقامت أمه وأولياء أمه يتكلمون في ذلك ويريدون أخذ العبد فيما حمل ابنه في المركب. فقال مالك: لا أرى عليه في ذلك شيئا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إذ لم يمت في البحر بجناية من أبيه عليه في ذلك، لأن الله تعالى قد أباح ركوبه بدليل قوله:

: صالح في دم على أن يعطي في كل سنة كذا وكذا وكان شرطه أن يعطاها جملة

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] . لأنه يبعد أن لعدد الله من نعمه على عباده ما حظره عليهم، فإنما فعل أبوه ما يجوز له، فوجب أن لا يكون بذلك جانيا عليه، وبالله التوفيق. [: صالح في دم على أن يعطي في كل سنة كذا وكذا وكان شرطه أن يعطاها جملة] ومن كتاب شك في طوافه وسئل مالك عن رجل صالح في دم على أن يعطي في كل سنة كذا وكذا وكان شرطه أن يعطاها جملة، قال الذي عليه الإبل: آتيك بها رسلا رسلا يتبع بعضها بعضا، قال الآخر الذي له الإبل: أنا على شرطي أن لا آخذها إلا جملة واحدة. قال مالك: ما أرى بأسا يأخذها كما قال رسلا رسلا، فرد عليه فرأى أن يعمل به، قيل له إنما شرط عليه في سنة ولم يسمها في شهر منها، قال: أرى أن يعطيه في وسطها يعني السنة. قال محمد بن رشد: إنما وقع في الذي صالح في الدم على أن يعطى كذا وكذا من الإبل في كل سنة جملة فأراد الذي عليه الابل أن يأتي بها رسلا رسلا يتبع بعضها بعضا إن ذلك له لقول الله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] فرأى أن من الاتباع بالمعروف والأداء بإحسان الذي أمر الله تعالى به ما دعا إليه الذي عليه الإبل أن يأتي بها رسلا رسلا، وإذا كان من حق الذي عليه الحق إذا حل عليه الحق وأعسر به يؤجل فيه بالاجتهاد على ما مضى في أول سماع ابن القاسم من

مسألة: المباشر للقتل خطأ لا يكون الدية عليه

كتاب المكاتب كان أحرى أن يكون الذي عليه الإبل في هذه المسألة ما دعا إليه من أن يأتي بالإبل رسلا رسلا. وقوله ما أرى بأسا أن يأخذها كما قال رسلا رسلا معناه لا أرى بأسا بالقضاء بذلك إذ لا إشكال في أنه لا بأس أن يأخذها رسلا رسلا، ولو كان من حقه أن يأخذها جملة واحدة. وأما قوله: "إنه يعطيه إياها في وسط السنة" إذ لم يسم أولها ولا أخرها ففيه دليل على أن من باع من رجل بيعا على أن يقضيه الثمن في شهر كذا أو في سنة كذا أنه بيع جائز ويحل عليه الثمن في وسط الشهر أو في وسط السنة خلاف ما يروى عن ابن لبابة من أنه قال: البيع على هذا فاسد لأنه أجل مجهول، وقد أجاز في المدونة وغيرها البيع إلى الحصاد والجداد وجعله أجلا معلوما يحل على المشتري في عظم الحصاد والجداد، وكذلك لو باعه على أن يحل عليه الثمن في الحصاد والجداد، فسواء باعه على أن يؤدي إليه في الحصاد والجداد في عظمى الحصاد والجداد إذ ليس لأول الحصاد والجداد من آخره حد معلوم محصور فيحمل في الوجهين جميعا على عظمه، بخلاف الشهر إذا باعه على أن يعطيه الثمن في شهر كذا جاز البيع وحل عليه الثمن في وسطه بدليل هذه الرواية من جهة المعنى أن الشهر لما كان أوله من آخره معلوما كان وسطه معروفا يقضى بحلول الثمن عنده، وإذا باعه إلى شهر كذا وكذا حل عليه الثمن بحلوله لأن إلى غاية وهذا بين والحمد لله. [مسألة: المباشر للقتل خطأ لا يكون الدية عليه] مسألة وسئل عن الرجل يحمل الغلام على دابته ابن اثنتي عشرة سنة إلى الماء يسقيها أو حيازة يخرج إليها وما أشبه ذلك فيصاب. قال: أرى إن اتبع كان ذلك عليه، قلت له: فالرجل يأمر يتيما عنده أو ابن أخيه يركب دابته؟ قال: أراه مثله إن اتبع كان

: الأم أحق بالقيام بالدم من العصبة

ضامنا له، قلت: أتراه على العاقلة؟ قال: نعم، قال مالك: وعندنا قوم يأمرون الغلمان أن يرقوا النخل فيصاب أحدهم فهذا مثله. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء أنه خطأ والدية فيه على العاقلة، وهو كما قال، لأنه إذا كان المباشر للقتل خطأ لا يكون الدية عليه وتكون على العاقلة كان هذا أحرى أن تكون الدية فيه على العاقلة، وذلك عندي بخلاف الذي دلى الرجل في البئر بالحبل ثم أرسله لما خشي على نفسه على ما تقدم في الرسم الذي قبل هذا ولو وطئ الصبي بالدابة على رجل لكانت ديته على عاقلة الصبي قال في المدونة: ولا ترجع عاقلة الصبي على عاقلة الرجل، وقال أشهب إنها ترجع عليه وبالله التوفيق. [: الأم أحق بالقيام بالدم من العصبة] ومن كتاب الشجرة وسئل مالك عن رجل ضربه رجلان فادعى الرجل، وذكر أن فلانا وفلانا ضرباه، وأن أحدهما لم يجرحه والآخر هو الذي جرحه وقتله، فحبسا فصالح أولياء الضارب الذي ادعى عليه بالقتل أولياء المقتول على ثلثي الدية، وكانت له أم فقال أولياء القاتل كيف أصالحكم وتم أمه؟ فقال أولياء المقتول صالحونا ونحن نبريكم من أمه، ففعلوا فأتوا الأم فأبت أن تصالح أو تعفو إلا أن يتموا الدية أو يقوم بالدم. قال: ذلك لها، قيل له: فلا ينفع صلح الأولياء؟ قال: لا، قيل له: فإن الأم قد ماتت؟ قال: فورثتها يقومون بالذي كان لها من ذلك، إن شاءوا صالحوا وإن شاءوا قاموا بالدم ولا ينفع ما صالح عليه الأولياء.

مسألة: القسامة لا تكون فيمن قتل بين الصفين

قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن صلح الأولياء بما صالحوا عليه به من ثلثي الدية إنما كان بعد أن أقسموا واستحقوا الدم بقسامتهم، ولو كان صلحهم قبل أن يقسموا لم يكن للأم في ذلك كلام بوجه، إذ لا سبيل إلى قتل دون قسامة. وقوله: "إن الأم أحق بالقيام بالدم من العصبة وإن كان الدم" إنما ثبت بقسامتهم هو مذهبه في المدونة أن الدم سواء ثبت ببينة أو بقسامة إذا كان الأولياء بنات وإخوة وأخوات وعصبة أو أما وعصبة فمن قام بالدم من البنات والإخوة أو الأخوات والعصبة أو الأم والعصبة فهو أحق فمن عفا ولا عفو إلا بالاجتماع منهم على العفو. وفي المسألة ثلاثة أقوال: أحدها - هذا وهو مذهبه في المدونة. والثاني - أن هذا إنما يكون إذا ثبت الدم ببينة، وأما إذا ثبت بقسامة العصبة فلا حق للنساء معهم في عفو ولا قيام لأنهم هم الذين استحقوا الدم بقسامتهم، وهو قول ابن القاسم ومذهبه في رسم الجواب من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب. والثالث - أنه إن ثبت الدم ببينة فالنساء أحق بالعفو والقود من العصبة لأنهن أقرب منهم، فلا حق للعصبة معهن إذا لم يثبت الدم بقسامتهم، ولو ثبت بقسامتهم فمن قام بالدم كان أحق به ولا عفو إلا باجتماعهم والله الموفق. [مسألة: القسامة لا تكون فيمن قتل بين الصفين] مسألة وسئل عن رجل كان بينه وبين رجلين قتال فأتي وبه أثر ضرب وجراح فزعم أن فلانا وفلان قتلاه، وأنه قد أثر فيهما في مواضع سماها، وأنهما اللذان عملا به هذا، فأقام نحوا من يومين حيا ثم مات. قال مالك: أرى أن يسجنا حتى يكشف أمرهما وإنه ليستحب

في مثل هذا أن يصطلحوا فأما القصاص في مثل هذا فلا أعلمه. قال محمد بن رشد: إنما استحب في هذا الصلح بعد الكشف فيه والبحث ولم ير القصاص فيه بالقسامة وإن كان مذهبه أن قول المقتول دمي عند فلان لوث يوجب القسامة والقود من أجل ما ذكره من أنه قاتلهما فأثر فيهما فدل ذلك على أنه أراد قتلهما كما أرادا قتله فاتهمه - في تدميته عليهما من أجل ذلك، وقد روي عنه أنه لا قسامة فيمن قتل بين الصفين، فقيل معنى ذلك بالتدمية من أجل أنهم تقاتلوا على زحل وعداوة، فلم يقبل تدمية من دمى من أحد الطائفتين على أحد من الطائفة الأخرى من أجل ما بينهم من الزحل والعداوة، وهذا أحرى لظهور العداوة بين المدمي والمدمى عليهما بأعيانهما، وقيل معنى قوله إنه لا قسامة فيمن قتل بين الصفين بحال إلا بقول المقتول ولا بشاهد على القتل، وهو قول ابن القاسم من رواية سحنون عنه في رسم الجواب من سماع عيسى من هذا الكتاب، وقيل معنى قوله: إنه لا قسامة بينهم بدعوى أولياء المقتول على الطائفة التي نازعت طائفته، وأما إذا دمى المقتول على واحد منهم أو شهد عليه بالقتل شاهد واحد فالقسامة في ذلك واجبة، وهو قول ابن القاسم أيضا من رواية عيسى عنه في رسم الجواب المذكور، وقول مطرف وابن الماجشون وأصبغ في الواضحة وقول أشهب في المجموعة، قال: لأن كونه بين الصفين لم يزد دعواه إلا قوة، قال ابن المواز: وإلى هذا رجع ابن القاسم بعد أن كان يقول لا قسامة فيمن قتل بين الصفين بدعوى المقتول ولا بشاهد، ويحتمل أن يريد بقوله ولا بشاهد إذا كان الشاهد من طائفة المدمي؛ لأنه لا تجوز شهادة أحد من إحدى الطائفتين على أحد من الطائفة الأخرى، وإذا كان من إحدى الطائفتين على ما حكى ابن حبيب في الواضحة من أنه إذا جرح أحد منهم فعقل جرحه على الطائفة التي نازعته، وليس له أن يقتص من أحد بقوله إلا أن يكون له شاهد على ذلك من غير الطائفتين، فيحلف مع شاهده من غير الطائفتين، وأما مع شاهد من طائفة القاتل فيجري ذلك على الاختلاف في القسامة مع الشاهد الذي ليس بعدل، وأما مع شاهد من طائفة المقتول فلا

: الدية على العاقلة

إشكال في أن القسامة لا تكون معه، وقد قال ابن المواز في قول ابن القاسم إنه لا قسامة فيمن قتل بين الصفين بقول المقتول ولا بشاهد على القتل أنه خطأ؛ لأنه حمل قوله على ظاهره من أن القسامة لا تكون فيمن قتل بين الصفين بحال وإن كان الشاهد الذي شهد على القتل من غير الطائفتين، وتأويل قوله أولى من تخطئته وبالله التوفيق. [: الدية على العاقلة] ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا وسئل مالك عن صبيين رمى أحدهما صاحبه بحجر؛ فنزي في رميته، فمات، فضمن عمه الدية عنه، ثم رفع ذلك إلى السلطان فقال له السلطان: ليس ذلك عليك، وإنما ذلك على العاقلة وإن عمد الصبي خطأ فضمن ذلك العاقلة وكتب بذلك كتابا إلى السلطان الذي في ناحيتهم فضمنهم ذلك وأخذ منهم أول نجم والثاني، ثم إن عاقلة صاحب الغلام لقوا الرجل الذي كان ضمن لهم عم الغلام بعد أخذهم نحوا من ثلثي العقل. قال مالك: ليس ذلك لهم إذا كانوا قد رضوا واقتضوا فلا أرى شيئا يلزمك وليس عليك شيء. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة ثم إن عاقلة صاحب الغلام لقوا الرجل الذي كان ضمن لهم عم الغلام كلام فيه التباس؛ لأنه عبر عن الورثة بالعاقلة تجاوزا أو أضمر وقدم وأخر، ووجه الكلام أن يقول ثم إن ورثة الغلام المقتول صاحب الغلام القاتل لقوا الرجل عم الغلام القاتل الذي كان ضمن لهم، والمسألة فيها نظر؛ لأن الأمر إذا رفع إلى السلطان فحكم بإسقاط الضمان عن العم وألزم العاقلة الدية وكتب بذلك كتابا إلى السلطان الذي في ناحيتهم فقد لزم الورثة اتباع العاقلة؛ وسقط طلبهم عن العم، لأن الحكم قد

فسخ الضمان عنه وإن لم يرضوا ولا قبضوا لأنه حكم يلزمهم فالمعنى إنما هو أن العم هو الذي رفع الأمر إلى السلطان، وقال له: إني ضمنت الدية عن ابن أخي وأنا أظن أنها لازمة له، فقال له: ليس ذلك عليك لأنها إنما تجب على العاقلة، فضمن العاقلة إياها وكتب بذلك كتابا إلى السلطان الذي من ناحيتهم دون أن يحضر ورثة المقتول وتسمع حجتهم، فإن لم يقروا له بما ادعا من أنه ظن أنها كانت لازمة لابن أخيه استحلفه على ذلك، ونفذ حكمه بإسقاط الطلب عنه وتضمين العاقلة للدية، فلما قصر في ذلك بقي الورثة على حجتهم، وكان لهم اتباع العم بما ضمن لهم إلا أن يبين رضاهم باتباع العاقلة وإسقاط طلبهم للعم بقبض بعض النجوم من العاقلة كما قال في الرواية، ولو لم يرضوا ولا قبضوا من النجوم ما يتبين به رضاهم لكان من حقهم أخذ العم بما ضمن لهم. إلا أن يقول لم أعلم أن الدية على العاقلة وظننت أنها على ابن أخي فيكون القول قوله في ذلك مع يمينه إذا كان يشبه أن يجهل ذلك، لأنه محمول على غير العلم حتى يثبت عليه العلم، أو يكون ممن لا يجهل مثل هذا على ظاهر الرواية وما في كتاب الصلح من المدونة، وقد قال ابن المواز: يلزمه ما ضمن حتى يعرف أنه جهل وظن أن الدية على ابن أخيه، قال ابن المواز: وأما إذا رد ذلك على العاقلة فقد لزمهم، والذي قاله ابن المواز صحيح إذا ردت الدية على العاقلة بحكم تام صحيح، وأما إذا لم يتم الحكم على وجهه فما قاله في الرواية من أن الورثة لا يلزمهم اتباع العاقلة إلا أن يرضوا بين على ما بيناه وكذلك لو حملت العاقلة شيئا ظنت أنه يلزمها ثم رجعوا فلهم الرجوع ما لم يطل الأمر بعد الدفع السنين الكثيرة التي يرى فيها أن قد علموا ذلك، قاله في كتاب ابن المواز والله الموفق.

: الحدود التي تدرأ بالشبهات لا يسجن المدعي عليه فيها لمجرد الدعوى

[: الحدود التي تدرأ بالشبهات لا يسجن المدعي عليه فيها لمجرد الدعوى] ومن كتاب تأخير صلاة العشاء وسئل مالك عن امرأة نزل بها رجل، فمات، فجاءت، فاتهمت به فجاء وليه يسأل مالكا عن ذلك ويتهمها ويقول إني اتهمتها بوجه لا أستطيع بته. قال مالك: أرى أن يكشف أمرها فإن كانت غير متهمة لم أر أن تحبس يوما واحدا ويخلى سبيلها، فقيل له أتهدد؟ فقال: لا أرى ذلك إذا كانت غير متهمة، قال ابن القاسم: فإن كانت متهمة حبست ولم يعجل تسريحها لعلها لا يعثر عليها بشيء، فإن لم يوجد شيء وطال حبسها استحلفت خمسين يمينا وخلي سبيلها. قال محمد بن رشد: ذهب بعض أهل النظر إلى أن رواية ابن القاسم عن مالك في هذه الرواية فإن كانت غير متهمة لم أر أن تحبس يوما واحدا مثل قوله في المدونة في الذي يدعي قبل الرجل حدا من الحدود فيقدمه إلى القاضي، ويقول بينتي حاضرة أجيك بها غدا أو العشية إن ذلك إن كان قرينا أوفقه ولم يحبسه إن رأى لذلك وجها وكان أمرا قريبا خلاف قوله في سماع عبد الملك بن الحسن بعد هذا من هذا الكتاب: إن غير المتهم لا يحبس في الدم إلا الأمر القريب اليوم واليومين والثلاثة، والذي أقول به أن ذلك ليس باختلاف من القول، والفرق بين هذه المسألة وبين مسألة سماع عبد الملك أن الطالب في مسألة عبد الملك ذكر أن له بينة على ما ادعاه عليه من القتل وسأل أن يحبس حتى يأتي ببينة، ولم يسأل ذلك الطالب في هذه المسألة، ولو سأل ذلك لكان من حقه أن يحبس اليوم واليومين والثلاثة كما قال ابن القاسم في سماع عبد الملك، لأن الدم شديد يلزم فيه من الشدة والأخذ بالشبهة ما لا يلزم في غيره، وإنما لم ير في مسألة المدونة على المدعي عليه السجن بمجرد الدعوى، وإن قال الطالب: إن له بينة على دعواه لأنه إنما سأله على

الحدود لا على القتل، والحدود بخلاف القتل؛ لأنها تدرأ بالشبهات فالحدود التي تدرأ بالشبهات لا يسجن المدعي عليه فيها لمجرد الدعوى على ما قاله في المدونة، والقتل بخلاف ذلك إذا قال المدعي: إن له بينة على دعواه حبس بمجرد الدعوى اليوم واليومين والثلاثة إن لم يتهم، وإن كان من أهل التهم حبس الشهر ونحوه، وإن قويت عليه التهمة بما أشبه به عليه معالم يتحقق تحققا يوجب القسامة حبس الحبس الطويل، قال ابن حبيب في الواضحة: حتى يتبين براءته أو يأتي عليه السنون الكثيرة، قال مالك: ولقد كان الرجل يحبس في الدم باللطخ والشبهة حتى إن أهله ليتمنون له الموت من طول حبسه، ويحتمل أن يقول: إنه إن كان المدعي عليه القتل ممن لا تقع عليه التهمة للمعرفة بحاله لم يسجن بمجرد الدعوى، وإن ادعى الطالب أن له بينة على ما ادعاه على ما قاله مالك في هذه الرواية، وإن كان المدعي عليه القتل ممن لا تقع عليه التهمة للجهل بحاله سجن بمجرد الدعوى اليوم واليومين والثلاثة إذا ادعى الطالب أن له بينة على دعواه على ما قاله في سماع عبد الملك، فهذا وجه يمكن أن يفرق به بين المسألتين ولا يجعل ذلك اختلافا من القول، ويحتمل أن يفرق بين هذه الرواية وبين ما في سماع عبد الملك أنه لم يحقق الدعوى في هذه الرواية وحققه في سماع عبد الملك. وفي قوله في الرواية إنها لا تهدد إذا كانت غير متهمة دليل على أنها تهدد إذا كانت متهمة، والوجه في ذلك أنها قد تقر إذا هددت فتتمادى على الإقرار بعد ذلك وهي آمنة فتؤخذ به ما لم ترجع عنه، إذ لا يلزمها الإقرار بالتهديد. وقوله في المتهمة: إنها تستحلف خمسين يمينا ويخلى سبيلها إذا طال حبسها. مثله في سماع أبي زيد وهو مبين لما سكت عنه من ذلك في سماع عبد الملك وبالله التوفيق.

: الكفارة على الأم التي سقت ابنها الدواء فشرق به فمات

[: الكفارة على الأم التي سقت ابنها الدواء فشرق به فمات] ومن كتاب البز وسئل مالك عن امرأة يكون لها الصبي فتصيبه القروح في حلقه فتسقيه أمه الدواء فيشرق به فيموت أترى عليها كفارة؟ فقال: لا، ثم قال أما أن أراه واجبا عليها أو قضاء عليها فلا، وكذلك الطبيب مثلها يسقي الدواء الرجل فيموت، فلا أرى عليه شيئا، وإن كانا موسرين، فإذا أرادا أن يفعلا ذلك من غير أن رآه عليهما واجبا فهو حسن. قال محمد بن رشد: إنما لم ير الكفارة واجبة على الأم التي سقت ابنها الدواء فشرق به فمات؛ لأنها فعلت ما يجوز لها من سقيها إياه الدواء فلا فرق بين أن يشرق به فيموت أو بالطعام الذي تطعمه إياه أو بالماء تسقيه إياه. ولو أخطأت عليه فسقته دواء لا يوافقه فمات منه لوجبت عليها الكفارة، وكذلك الطبيب إذا أخطأ على المريض فسقاه ما لا يوافق مرضه فمات لكانت عليه الكفارة، بخلاف إذا سقاه ما يوافق مرضه فمات، لأنه إذا سقاه ما يوافق مرضه فمات لم يخط كما لم تخط المرأة على ولدها في سقيها إياه الدواء الذي شرق به فمات. والدية تابعة للكفارة تجب على العاقلة في المكان الذي تجب فيه الكفارة وتسقط في المكان الذي تسقط فيه الكفارة، وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفيا في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، وتأتي المسألة أيضا في رسم المجالس من سماع أصبغ من هذا الكتاب وبالله التوفيق.

: الحمل الذي يسقط على الجارية

[: الحمل الذي يسقط على الجارية] ومن كتاب باع غلاما وسئل مالك عن الحمل الذي يسقط على الجارية، قال: أراه ضامنا على الجمال إذا كان حرا فعليه، وإن كان مملوكا كان ذلك في رقبته إلا أن يفديه سيده بقيمتها. قال محمد بن رشد: يريد مسألة المدونة في الجمال الذي حمل على بعير عدلين فسار بهما وسقط الزقاق فانقطع الحبل فسقط أحد العدلين على جارية فقتلها والحمل لغيره ولكنه أجير حمال. قال مالك: أراه ضامنا ولا شيء على صاحب البعير فبين هاهنا وجه الضمان الذي أجمله في المدونة، فقال: إن كان حرا فعليه، يريد إن كان الجمال حرا فعليه قيمة الجارية وإن كان مملوكا كان ذلك في رقبته، وذلك بين على ما قاله؛ لأن الجناية على العبد والأمة تستوي فيما يلزم من ضمانها العمد والخطأ، ولو كانت الجارية حرة لكانت الدية في ذلك على عاقلة الجمال إن كان حرا وفي رقبته إن كان عبدا يفديه سيده بها أو يسلمه، وقد مضى في آخر الرسم الأول ذكر الاختلاف هل يفديه بالدية حالة أو مؤجلة فلا معنى لإعادته. [: السن إذا أصيبت فاصفرت] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ابن القاسم في السن إذا أصيبت فاصفرت فإنها تعقل بقدر شينها وليس فيها العقل كاملا حتى تسود، وكذلك إذا تغيرت فليس فيها العقل حتى تسود. قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم يبين مذهبه في

: مات تحت الضرب أو بقي بعد الضرب مغمورا لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم

المدونة، إذ لم يعط في المدونة عن هذا جوابا بينا، ورد الأمر فيه إلى النكر فقال: ما سمعنا من مالك إلا إذا اسودت فقد تم عقلها فلا أدري ما الخضرة أو الحمرة أو الصفرة إن كان ذلك مثل السواد؟ فقد تم عقلها وإلا فعلى حساب ما نقص. وقال أصبغ مثل قول ابن القاسم في هذه الرواية ليس ذلك مثل السواد إنما فيه حكومة باجتهاد الإمام إلا أن له في اخضرارها أكثر مما ناله في احمرارها، وله في احمرارها أكثر مما له في اصفرارها وبالله التوفيق. [: مات تحت الضرب أو بقي بعد الضرب مغمورا لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم] ومن كتاب اغتسل من غير نية وسئل عن الرجل يضرب الرجل الرأس فيمكث مغمورا لا يفيق وقد شهد على ضربه ثم يموت، فقال إذا غمر فكان للموت ثم مات فلا قسامة فيه، وليست القسامة إلا فيمن أفاق أو طعم أو فتح عينه وتكلم وما أشبه ذلك. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة، أنه إذا مات تحت الضرب أو بقي بعد الضرب مغمورا لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم ولم يفق حتى مات، فهذا الذي لا قسامة فيه، وأما من أكل وشرب وعاش ثم مات بعد ذلك ففيه القسامة؛ لأنه لا يؤمن من أن يكون إنما مات من أمر عرض له مرض أو غير ذلك، وهذا ما لم ينفذ له مقتل وأما إذا نفد له مقتل بما أصيب به فلا قسامة فيه، وإن عاش بعد ذلك وتكلم وشرب وأكل كما أن البهيمة إذا أصاب السبع لها مقتلا فلا تذكى ولا تؤكل باتفاق، وإن كانت الحياة فيها بينة، وإنما اختلف إذا لم يصب لها مقتل إلا أنها قد بلغت من ذلك إلى حد يعلم أنها لا تعيش منه، وقد مضى بيان ذلك والقول فيه وفي المقاتل ما هي مستوفى في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الضحايا وبالله التوفيق لا شريك له.

: الرجل يقتل الرجل بالعصا

[: الرجل يقتل الرجل بالعصا] ومن سماع أشهب وابن نافع عن مالك قال وسئل مالك عن الرجل يقتل الرجل بالعصا فيمكن منه ولي المقتول أيقتله بالعصا أو بالسيف؟ قال ذلك له، إن شاء قتله بالسيف وإن شاء قتله بالعصا، وقد سمعت ذلك أنه يقتل بالعصا، قيل له: أفله أن يقتله بالعصا؟ قال: نعم إذا ضربه ضربة واحدة يجهز عليه فيها لا يكون شيئا مختلفا يقطع عليه الضرب ولا يجهز عليه، فأما إذا كان هكذا يضرب ضربات فلا. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة أنه يقتل بمثل ما قتل من عصا أو حجر أو خنق أو تغريق في نهر أو بسم وكذلك النار على قياس قوله في السم خلاف قول أصبغ إنه لا يقاد بالسم ولا بالنار، وسيأتي بيان هذا في سماع عبد الملك، وقال فيها: إنه إن كان ضربه عصوين فضرب القاتل عصوين فلم يمت إنه يضرب بالعصا يريد مع أن يقصد بكل ضربة منها الإجهاز عليه كما قال في هذه الرواية فبعض ذلك يفسر بعضا لا اختلاف في شيء من ذلك، والحجة لمالك فيما ذهب إليه من أن القاتل يقتل بمثل القتلة التي قتل بها اتباع ظاهر قول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] لأن القصاص إنما أخذ من قص الأثر وهو اتباعه، فكان المعنى أن يتبع الجارح والقاتل فيفعل به ما فعل بالمجروح والمقتول، وقد جاء في السنة بيان ذلك وهو ما روى قتادة عن أنس «أن يهوديا رض رأس صبي بين حجرين فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرض رأسه بين حجرين» وهو ما روى هشام بن زيد

عن أنس بن مالك قال: «عدا يهودي في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على جارية فأخذ أوضاحا كانت عليها ورض رأسها فأتى بها أهلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي في آخر زمن وقد أصمتت فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قتلك أفلان؟ لغير الذي قتلها، فأشارت برأسها أن لا، قيل لرجل آخر غير الذي قتلها فأشارت برأسها أن لا، فقال لفلان لقاتلها فأشارت أن نعم، فأمر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض رأسه بين حجرين» وما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لا قود إلا بالسيف» لم يأخذ به مالك إما لأنه لم يبلغه، وإما لأنه لم يصح عنده، فاتبع ظاهر قول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] مع ما روي من قضاء من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في اليهودي الذي أمر برض رأسه قصاصا مثل ما فعل بالجارية. وما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «أحسن الناس قتلة أهل الإيمان» وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية شداد بن أوس: «إن الله تعالى كتب الإحسان في كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحدد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» لا حجة فيه على مالك؛ لأن المعنى فيه عنده إنما هو فيمن وجب عليه قتل في غير قصاص، وما احتج المخالف من أهل العراق على مالك في هذه المسألة من قوله: أرأيت لو نكح

مسألة: اللوث من الشهادة في القسامة أهو الشاهد الواحد العدل

رجل رجلا فقتله بذلك الجب للوالي أن يفعل بالفاعل ما فعل؟ هو من الاحتجاج المرغوب عنه الذي لا يصدق مثله عمن هو من أهل التحصيل لقوله. وأما قوله: " أرأيت لو رمى إنسان رجلا بسهم فقتله أكان ينصب ثم يرمى حتى يقتل؟ وقد «نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أن يتخذ شيء فيه الروح غرضا» ونهى عن المجثتة وهي الشاة ترمى بالنبل حتى تقتل، فلا يلزم مالكا لأنه يقول بذلك، وإنما يقول إنه يجهز عليه بمثل القتلة التي قتل دون أن يقصد إلى تعذيبه فلو رمى رجل رجلا بسهم فقتله لكان الواجب في ذلك على مذهب مالك أن يقتل طعنا بمثل السهم الذي رماه به فقتله لا أن ينصب غرضا للسهام، وقد روى عن سحنون أنه قال إذا كان العصا والحجر يجهز قتل بمثله، وإذا كان غير مجهز لم يقتل به وقتل بالسيف، وكان القتل مما يأتي عليه لأن الحجر إذا لم يكن مجهزا فإنما هو عذاب، أرأيت لو أن رجلا رماه رجل بحجر فقتله برمية واحدة أكنت توقفه فيرمى رمية واحدة؟ فإن لم يمت رجم أبدا بالحجارة حتى يموت، لا يكون هذا ولا يقتل به، ولكن إذا كان الحجر مجهزا قتل به وإلا لم يقتل به، وقتل بالسيف، وكذلك العصا وجميع هذا الأصل فاحمله هكذا، وإنما يقتل على مذهب مالك بمثل القتلة التي قتل بها من حجر أو عصا أو غيره من ثبت عليه القتل بذلك، وأما من قتل بقسامة فلا يقتل إلا بالسيف وبالله التوفيق. [مسألة: اللوث من الشهادة في القسامة أهو الشاهد الواحد العدل] مسألة قال: وسئل عن اللوث من الشهادة في القسامة أهو الشاهد الواحد العدل؟ فقال: لا والله ما هو باللوث، فقيل له: أهو الشاهد إذا لم يكن عدلا؟ فقال: هاه أرجو ذلك. قال محمد بن رشد: قوله في الشاهد العدل لا والله ما هو باللوث

مسألة: الحمل إذا صاح وجب ميراثه

معناه ما هو باللوث الذي لا تكون القسامة بما دونه، إذ لا اختلاف في أنه لوث تجب القسامة به والقود في مذهب مالك وجميع أصحابه. وإنما اختلف فيما دونه، فرأى في هذه الرواية الشاهد الذي ليس بعدل لوثا يوجب القسامة، وقد حقق القول بذلك بعد هذا في هذا الرسم، ومعنى ذلك في الشاهد المجهول الحال الذي لا يتوسم فيه جرحة ولا عدالة إذ من أهل العلم من يحمل الشاهد على العدالة حتى تعلم جرحته، وأما الشاهد المعروف بالجرحة أو الذي يتوهم فيه الجرحة فلا يكون على مذهبه في هذه الرواية لوثا، بدليل قوله بعد هذا في العبد إنه لا يكون لوثا يريد وإن كان عدلا، وكذلك الصبي على هذه الرواية لا يكون لوثا، وأما المرأة فقال فيها بعد هذا إنها لوث، وقد روى مطرف عن مالك في الواضحة أن اللوث اللطخ البين مثل اللفيف من النساء والسواد والصبيان قال مطرف: وقد قتل بذلك عندنا بالمدينة، قال مالك: ومثل الرجلين والنفر يشهدون على ذلك وهم غير عدول، قال مالك: والشاهد العدل على اللوث وأحقه، وليست رواية مطرف هذه بخلاف لرواية أشهب، وقد روى ابن وهب عن مالك أن اللوث الشهادة غير القاطعة من شهادة النساء أو شبهها، قال ومثل أن يرى المتهم بحذاء المقتول وقربه وإن لم يكونوا رأوه حين أصابه، وقد حكى الليث عن يحيى بن سعيد وربيعة أنهما قالا: كل ما شهد فيه النساء أو العبيد أو الصبيان أو اليهود أو النصارى أو المجوس من قتل يكون فجأة أو ضرب أو جراح وأشباه ذلك فلا يحضره غير أولئك فإن شهادتهم في مثل هذا لطخ ولوث بين يجب به القتل مع القسامة وبالله التوفيق. [مسألة: الحمل إذا صاح وجب ميراثه] مسألة وسئل عن استهلال الصبي فقال: الصياح فإذا صاح وجب ميراثه وتمت ديته وصلي عليه وليس العطاس باستهلال.

مسألة: أصابها رجل بجرح يكون ثلث ديتها هي أتحمله لها العاقلة

قال محمد بن رشد: عبد العزيز بن أبي سلمة وابن وهب يريان العطاس استهلالا، وأما الرضاع فهو استهلال إذ لا يمكن أن يرضع إلا بعد أن يستهل، وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في أول سماع ابن القاسم من كتاب الولاء وبالله التوفيق. [مسألة: أصابها رجل بجرح يكون ثلث ديتها هي أتحمله لها العاقلة] مسألة وقال ابن كنانة لمالك: الذي كنا نعرف من قولك يا أبا عبد الله أن العاقلة تحمل ثلث الدية دية المجروح كائنا من كان رجل أو امرأة إذا بلغ عقل تلك الجراح ثلث عقل المجروح حملته للعاقلة، وإنه قد حمل هاهنا عنك أنك قلت إن المرأة إذا أصابت الرجل بجرح يكون ثلث ديتها وهو سدس دية الرجل المجروح حملته العاقلة، فقال: لا، لقد كذب من قال هذا، ولقد حمل قولي على غير وجهه، قيل له: أرأيت امرأة أصابها رجل بجرح يكون ثلث ديتها هي أتحمله لها العاقلة؟ قال: نعم في رأيي، قال ابن كنانة- ومالك يسمع- من أصيب من رجل أو امرأة بجرح يكون ثلث ديته حملته العاقلة، فأما أن تصيب المرأة رجلا بجرح يكون ثلث ديتها هي فلا تحمله العاقلة هذا الذي كنا نعرف من قول أبي عبد الله - ومالك يسمع-. قال محمد بن رشد: هذا الذي أنكره مالك في هذه الرواية وقال فيه: إنه من تأوله عليه فقد حمل قوله على غير وجهه من أن العاقلة تحمل الجناية إذا بلغت ثلث دية الجاني كما تحملها إذا بلغت ثلث دية المجني عليه قد رواه عنه ابن القاسم في المدونة، وأنه قال فيه: إنه بين وإن كان الاعتبار بدية المجني عليه في ذلك أبين، وإنما قال إن ذلك أبين لأن الجناية بالمجني عليه أخص منها بالجاني فيما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من مراسل عمرو بن شعيب

مسألة: اللوث الذي تجوز القسامة به من الشهادة

وعكرمة أن «الجناية إذا بلغت ثلث الدية حملتها العاقلة» ولو قيل إنه إذا جنى أحدهما على صاحبه جناية خطأ لا تحملها العاقلة إلا أن يبلغ ثلث دية الرجل منهما كان الجاني أو المجني عليه لكان الأظهر، لأن الأصل كان أن لا يحمل أحد جناية أحد دم ولا مال لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وقوله: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] «وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأبي رمثة في ابنه: لا تجني عليه ولا يجني عليك» فكان وجه النظر في ذلك أن لا يخص منه شيء إلا بسنة قائمة أو إجماع، والإجماع إنما يصح في ثلث دية الرجل منهما فوجب أن لا تحمل العاقلة دون ذلك، ووجه قوله الثاني الذي أنكره في هذه الرواية اتباع ظاهر الحديث بحمله على عمومه إذ لم يخص فيه دية ذكر من دية أنثى وبالله التوفيق. [مسألة: اللوث الذي تجوز القسامة به من الشهادة] مسألة وسئل مالك ما اللوث الذي تجوز القسامة به من الشهادة؟ فقال: الأمر الذي ليس بقوي ولا قاطع، قيل لمالك: أترى شهادة المرأة من ذلك؟ فقال: نعم أراه من ذلك، قيل له فشهادة الرجل الذي ليس بعدل من ذلك؟ فقال: نعم أراه من ذلك، قيل له أفترى شهادة العبد من ذلك ولا أرى فقال: لا، ليست شهادة العبد من ذلك ولا أرى شهادة العبد لوثا. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة قبل هذا في هذا الرسم فلا وجه لإعادته. [مسألة: إقرار العبد بقتل العبد عمدا] مسألة قال مالك وما اعترف به العبد من قتل فإن سيد المعترف يقول

لسيد المضروب إنما اعترف عبدي ليذهب من يدي فهات على ضربه عبدك البينة، فأرى أن يكشف عن ذلك وينظر فيه، قيل لمالك: أفترى السيد المقتول أن يحلف ويكون ذلك له؟ قال: لا أرى ذلك له إلا أن يأتي بشبهة، قيل له؟ فإن جاء بشاهد يحلف مع شاهده؟ قال: نعم يحلف ويكون ذلك له، قيل له: أرأيت إن أبى أن يحلف ورد اليمين على سيد العبد المشهود عليه بشاهد واحد يكون ذلك عليه؟ فقال: لا أظن ذلك. قال محمد بن رشد: إقرار العبد بقتل العبد عمدا يجوز عليه إن أراد سيد العبد المقتول أن يستفيد منه كان ذلك له، ولا يجوز على سيده إن لم يرد أن يستفيد مكانه وأراد أن يأخذه بجناية عبده لأن العبد يتهم على أنه أراد الخروج من ملك سيده إلى الذي أقر بقتل عبده، فلا يكون لسيد العبد المقتول أن يحلف مع إقرار العبد ويستحقه كما قال، إذ لا تجوز شهادته على سيده بأن كان له شاهد على أنه قتل عبده كان له أن يحلف مع شاهده ويستحق العبد إلا أن يشاء سيده أن يفتديه بقيمة العبد المقتول فيكون ذلك له وهذا ما لا اختلاف فيه، ولو لم يمت من ذلك الجرح بفور ذلك وحيي بعده لما استحقه بيمينه مع الشاهد إلا بعد أن يحلف أيضا أنه مات منه على ما قاله في رسم شهد من سماع عيسى من كتاب الجنايات، وكذلك لو ثبت الجرح بشهادة شاهدين أو أقر به سيد العبد القاتل أو القاتل إن كان حرًّا لم يستحقه إلا بعد أن يحلف أنه مات من ذلك الجرح على ما قاله في رسم المجالس من سماع أصبغ بعد هذا، وفي المدنية خلاف هذا. وروى محمد بن يحيى السبائي أنه سمع مالكا يسأل عن العبد يجرحه الحر فيقر الحر بجرحه أو تقوم عليه بينة ثم يمكث أياما فيموت العبد فيقول سيده إنه مات من تلك الجراح هل عليه في ذلك يمين أنه مات من ذلك، فقال: إذا أقر بذلك على نفسه أو قامت عليه بينة ثم مات العبد في ذلك فهو

مسألة: الرجل يقتل الرجل وله أولياء كثير فعفا أحد الذين يجوز لهم العفو

ضامن وليس على سيده أن يحلف أنه مات من ذلك الجرح، قال عيسى بن دينار: قال ابن القاسم: قد سمعت هذا عنه، وسمعت أنا منه أنه يحلف وهو أحب قوله إلي. وأما قوله إن أبى أن يحلف ورد اليمين على سيد العبد القاتل إن ذلك لا يكون له، فمعناه إذا لم يحقق عليه الدعوى إن علم أنه قتله فهي يمين تهمة فالاختلاف في لحوق يمين التهمة مرض وجوبها في هذه المسألة في هذه الرواية، فقال: لا أظن ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يقتل الرجل وله أولياء كثير فعفا أحد الذين يجوز لهم العفو] مسألة وقال في الرجل يقتل الرجل وله أولياء كثير فعفا أحد الذين يجوز لهم العفو فلا يكون إلى القتل سبيل، ويكون في ذلك الدية قيل له: بالقسامة؟ قال: بالقسامة وغيرها إذا عفا أحدهم لم يكن إلى القتل سبيل، وكذلك إن نكل أحدهم على القسامة، قال سحنون: وقال ابن نافع: إذا كان نكول الناكل إنما كان على وجه التورع والتحرج حلف من بقي وقتلوا، وإذا كان نكوله على وجه العفو والترك لحقه حلف من بقي وكانت له الدية وهذا الذي أرى. قال محمد بن رشد: في قول مالك في رواية أشهب هذه التباس والظاهر عندي من معناه ومراده أن عفو أحد الأولياء إذا كانوا في القعدد سواء يبطل ولا تبطل الدية، فإن كان ذلك العفو ممن عفا منهم بعد القسامة كان لمن بقي حظوظهم من الدية، وإن كان قبل القسامة أقسم من بقي وكان لهم حظوظهم من الدية، وكان الشيوخ يختلفون في قول ابن نافع، فمنهم من كان يحمله على التفسير لقول مالك ويقول لا اختلاف في أن نكول الناكل عن القسامة إذا لم يكن على وجه العفو والترك وكان على وجه التورع والتحرج فلمن بقي من الأولياء أن يقسموا ويقتلوا، ومنهم من كان يحمله على الخلاف

: تشرب الدواء وهي حامل فيسقط ولدها

له، ويقول إذا نكل أحد الأولياء عن القسامة فلا سبيل إلى القتل، وكان لمن بقي حظوظهم من الدية، وابن الماجشون يساوي بين أن يكون العفو قبل القسامة أو بعدها في أن الدية تبطل على كل حال، ولا يكون لمن بقي من الأولياء شيء من الدية، والنكول عن القسامة عند جميعهم كالعفو سواء كل على مذهبه، فهي ثلاثة أقوال في المسألة، ومن قول ابن القاسم في المدونة أن رجوع أحد الأولياء بعد القسامة وتكذيبه نفسه يبطل حق من بقي من الأولياء بمنزلة إذا عفا أو نكل قبل القسامة وبالله التوفيق. [: تشرب الدواء وهي حامل فيسقط ولدها] ومن كتاب العقول قال أشهب: وسئل مالك عن المرأة تشرب الدواء وهي حامل فيسقط ولدها أترى عليها شيئا؟ فقال: ما أرى به بأسا إذا كان دواء يشبه السلامة فليس به بأس إن شاء الله، قد يركب الإنسان الدابة فتصرعه، وقد «كوى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعدا فمات فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بئس الميت ليهود يفتنون به يقولون لم يغن عنه صاحبه» . قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله وهو على قياس ما تقدم في رسم البز من سماع ابن القاسم في الصبي الذي تسقيه أمه الدواء فيشرق به فيموت وبالله التوفيق.

مسألة: قتل جنينا في بطن أمه فطرحت ميتا أعليه عتق رقبة

[مسألة: قتل جنينا في بطن أمه فطرحت ميتا أعليه عتق رقبة] مسألة وسئل عمن قتل جنينا في بطن أمه فطرحت ميتا أعليه عتق رقبة؟ فقال: ليس ذلك عليه. محمد بن رشد: زاد في غير هذه الرواية وإن سقط حيا كانت فيه الكفارة، قال أشهب: وعليه الغرة واستحسن مالك في المدونة الكفارة في الجنين إن خرج ميتا وفي الذمي والعبد وفي جنينهما وبالله التوفيق. [مسألة: فجر فتحمل فتضع فتلقيه في بير أتقتل به] مسألة وسئل عن المرأة تفجر فتحمل فتضع فتلقيه في بير أتقتل به؟ فقال: إن لذلك وجوها أن ألقته في مهلك مثل البير الكثير الماء أو البحر أو ما أشبه ذلك فمات فما أحقها من أن تقتل، وإن قتلت كانت لذلك أهلا كأنه ينحو إلى أن تقتل ويراه قال أصبغ مثله هذه متعمدة للقتل كما لو ذبحته ذبحا فالغرق مثله، قال ابن القاسم: وإن كانت مثل البئر اليابسة التي يقدر أن يؤخذ منها أو ما أشبه ذلك فهذه لا تقتل إلا أن يكون البئر مهواة لا تدرك ولا تنزل وإن كانت يابسة فأرى أن تقتل. قال محمد بن رشد: هذا كله بين مثل ما في المدونة وغيرها من الأب يقتل بابنه إذا عمد لقتله، وإنما لا يقتل به وتغلظ عليه الدية إذا فعل به مثل ما فعل المدلجي بابنه من حذفه إياه بالسيف إذ قد يذهب الرجل على ابنه بالسيف ولا يريد قتله وبالله التوفيق. [مسألة: النصراني يقتل المسلم خطأ على من ديته] مسألة وسئل مالك عن النصراني يقتل المسلم خطأ على من ديته؟

مسألة: نامت مع ولد لها من الليل فتمرغت فأصبح ميتا

فقال: على أهل دينه من أهل كورته الذين إذا جرحوا نصرانيا أدوا عنه، فكذلك يؤدون عنه إذا جرح المسلم. قال: أما إذا لم يحمل أهل هذه المعاقل الدية لم يقو عليها رجل واحد قيل له: ربما كانت القرية ليس فيها إلا الذي جرح وحده أو قلة؟ قال: يضم بعض ذلك إلى بعض يحمل ذلك عنه الذين إذا جرح نصرانيا عقلوا عنه. قال محمد بن رشد: هذا بين مثل ما في المدونة وغيرها فلا وجه للقول فيه. [مسألة: نامت مع ولد لها من الليل فتمرغت فأصبح ميتا] مسألة وسئل عن امرأة نامت مع ولد لها من الليل فتمرغت فأصبح ميتا، ولم تر به أثرا فخافت أن تكون هي قتلته؟ فقال: تكفر بعتق رقبة، قلت له: فما ترى على عاقلتها الدية؟ قال: ومن يطلب ذلك؟ ومن أين يعلم أنها هي قتله قيل له: أفرأيت إن تبين به خضرة من غمها إياها؟ فقال: إن تبين ذلك فعلم أنها قتلته فديته على عاقلتها. قال محمد بن رشد: هذا كله بين لا إشكال فيه إن علمت أنها هي قتلته كانت عليها الكفارة واجبة، وإن شكت أن تكون قتلته فالكفارة عليها مستحبة لها، وإن صح أنها قتلته بوجه لا يشك فيه كانت الدية على عاقلتها. [مسألة: توحر ولدها أوتسقطه فيموت في يدها أترى له عقلا] مسألة قلت أفرأيت المرأة توحر ولدها أو تسقطه فيموت في يدها أترى له عقلا؟ فقال: لا أرى في هذا عقلا لا على العاقلة ولا على عليها، ولا أرى عليها كفارة والطبيب يداوي الرجل فيموت فلا أرى

مسألة: العبد يكون أكثره حرا يصاب كم يغرم قاتله

على عاقلته دية ولا عليه كفارة، وما ذلك بالبين وإن الطبيب ليداوي فيمات من دوائه. قال محمد بن رشد: قد تقدم مثل هذا والقول فيه في رسم البز من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: العبد يكون أكثره حرا يصاب كم يغرم قاتله] مسألة وسئل عن العبد يكون أكثره حرا يصاب كم يغرم قاتله؟ قال: قيمة رقيق كله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه لأن الحرية في العبد تبع لما فيه من الرق في جميع الأحكام من الميراث والشهادة والحدود فكذلك إذا قتل يكون على عاقلة قيمته رقيقا كله واختلف قول مالك إذا جنيت عليه جناية فمرة قال جنايته لسيده، ومرة قال تكون لسيده منها بقدر ماله فيه من الرق ويوقف بيده منها قدر ما فيه من الحرية يكون مالا له إن أعتق باقيه كان له، وإن مات قبل أن يعتق باقيه ورث ذلك سيده، والقولان لمالك في المدونة. وأما إذا جنى هو؛ ففي ماله من الجناية قدر ما فيه من الحرية، وفي رقبته من ذلك قدر ما فيه من الرق يدفعه سيده بذلك أو يفتكه به وبالله التوفيق. [مسألة: المكاتب يصاب كم يغرم قاتله] مسألة قيل له: أرأيت المكاتب يصاب كم يغرم قاتله؟ قال: قيمته بما عليه من الكتابة مكاتب بألف دينار أو مائة درهم، وليس قيمته عبدا لو بيع يوم أصيب على هيئته وعليه ألف درهم أو مائة درهم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن يقوم على أنه مكاتب عليه من كتابته بقية كذا وكذا على ما يعرف من قدرته على اكتساب المال وبصره

مسألة: يكون مع غير قومه في الديوان أيعقل معهم ولا يعقل مع قومه

بذلك دون ما عليه له، لأن ماله يبقى لسيده، هذا معنى قوله في المدونة: إن المكاتب إذا قتل يقوم على هيئة في الحال التي كان عليها، يريد من قدرته على الاكتساب وبصره بجمع المال، لا من كثرة ماله وقلته، إذ لا يقوم بماله، ولا احتمال الحال المال طرح سحنون في المدونة قوله على الحال التي كان عليها فاللفظة صحيحة وتأويلها ما ذكرناه إلا أن في هذه الرواية أنه يغرم قيمته مما عليه من الكتابة خلاف ما في المدونة من قوله: إنه لا ينظر إلى ما أدى من كتابته ولا إلى ما بقي منها، فيقال على هذه الرواية كم قيمة هذا على أنه مكاتب وقوته على أداء كتابته كذا وكذا وعليه من كتابته كذا وكذا، ولا مال له، ويقال على ما في المدونة كم قيمة هذا على أنه مكاتب وقوته على أداء كتابته كذا وكذا ويسكت عن ما عليه من الكتابة ولا مال له أيضا، إنما يقوم المكاتب بماله في العتق إذا أوصى سيده بعتقه فيجعل في الثلث الأقل من قيمته بماله مكاتبا أو الأقل مما عليه من عدد الكتابة أو من قيمتها على الاختلاف الواقع في ذلك في الجنايات من المدونة، وقد مضى هذا المعنى في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب المكاتب. [مسألة: يكون مع غير قومه في الديوان أيعقل معهم ولا يعقل مع قومه] مسألة وسألته عن الرجل يكون مع غير قومه في الديوان أيعقل معهم ولا يعقل مع قومه؟ فقال: نعم أرى إذا كان الرجل في الديوان مع غير قومه أن يعقل عنهم ويعقلوا عنه إن كان رجل من الأنصار في قريش عقل عنهم وعقلوا عنه، قلت أفترى أن يعينهم قومهم ممن ليس معهم في الديوان؟ فقال: ما يفعلون ذلك، قلت له: أفتراه؟ قال: نعم ولقد انقطع الديوان وقل. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ظاهر ما في المدونة من قول مالك: إنما العقل على القبائل كانوا أهل ديوان أو غير أهل ديوان فجعل على هذه الرواية أهل الديوان الواحد كالقبيلة من القبائل وإن كانوا من قبائل شتى

مسألة: أتقام الحدود في الحرم

يعقل بعضهم ما جنى بعض فإن لم يكن فيهم من يحمل العقل ضم إليهم قومهم من أهل الديوان الأقرب حتى يجتمع منهم من العدد ما يحمل العقل دون مشقة ولا كبر مؤنة لأن طريقها المواساة لحياطة الدماء فهي على ما لا يضر بالمواسي ولا يقع فيه المشاحاة في الغالب، وقد روى عن سحنون أنه إذا كانت العاقلة خمسمائة أو ألفا فهم قليل ويضم إليهم أقرب القبائل إليهم، وقال بعض الشافعين إن الحد في ذلك على وجه النظر باعتبار الحد فيما سواه بما قرره الشرع ربع دينار على المعسر؛ لأنه أول حدود الشيء الخطير؛ لأن اليد لا يقطع فيها، دونه ونصف دينار على الموسر لأنا وجدناه يجب في النصاب من الذهب زكاة، ولا يرى مالك هذا الحد في الدية، وإنما يرى أن يفرض بالاجتهاد على العاقلة على الموسر بقدره وعلى المعسر بقدره في ثلاث سنين، قال في كتاب ابن سحنون: وإذا وقعت الدية على أهل إبل فرضت على جميعهم ولا يقدحون حتى يشترك النفر في النفر، وأنكر قول الشافعي لا يزاد فيها على نصف دينار ولا ينقص من ربع دينار، وبالله التوفيق. [مسألة: أتقام الحدود في الحرم] مسألة وسألته أتقام الحدود في الحرم؟ قال: نعم ويقتل بقتل النفس في الحرم؟ قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه بين فقهاء الأمصار، لأن حرم الله أحق ما أقيمت فيه حدود الله، وكذلك قال في سماع أبي زيد، وسنذكر هناك ما يؤثر فيه من الخلاف عن السلف وبالله التوفيق.

: ستحق دمه بقسامة فقدم ليقتل فقال رجل أنا قتلته

[: ستحق دمه بقسامة فقدم ليقتل فقال رجل أنا قتلته] ومن سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم قال عيسى وسئل ابن القاسم عن رجل استحق دمه بقسامة فقدم ليقتل، فقال رجل: أنا قتلته، قال: بلغني عن ربيعة أنه قال: يقتل هذا بالقسامة وهذا بالإقرار، ولست آخذ به، قال ابن القاسم لم يقتله اثنان، وإنما قتله واحد، فيقال لهم: اقتلوا أيهما وخلوا سبيل الآخر. قال محمد بن رشد: قد روى عن مالك وابن عبد الحكم وأصبغ؟ مثل قول ربيعة، حكى ابن المواز عنهم في كتابه أن القسامة إذا وجبت في نفر فأقر غيرهم بالقتل أن المقر يقتل بإقراره، ويقسمون على واحد من هؤلاء ويقتل، وحكي عن ابن القاسم مثل قوله هاهنا أنه لا يقتل إلا واحد إما المقر وإما أحد هؤلاء بقسامة، قال ابن المواز: وإذا قتل المقر فقال ابن القاسم مرة بقسامة ومره بغير قسامة، وأنكر ابن المواز وأصبغ قوله بقسامة، وقد قيل إن ذلك ليس باختلاف من قوله، وإنما معناه أنه يقتل بغير قسامة إن لم يكن للمقتول حياة، وإنما وجبت القسامة على غير المقر بشاهد على القتل وبقسامة إن كانت له حياة، وإنما وجبت القسامة على غير المقر بشاهدين على الجرح أو بقول المقتول دمي عند فلان بدليل ما وقع من قوله في رسم العتق بعد هذا من هذا السماع أنهم يقسمون على ذلك إن كانت حياة، وفي رسم الصبرة من سماع يحيى بعد هذا في النفر يجرحون الرجل فيحمل مجروحا فيموت فتجب القسامة عليهم إنهم لو أقروا بقتله أجمعون لم يكن لهم أن يقتلوا منهم أحدا حتى يقسموا على أيهم أحبوا فقط فيقتلونه، ولا يكون لهم أن يقتلوا واحدا بالقسامة وسائرهم بالإقرار، قال وكذلك إذا لم يقر إلا واحد قال أنا قتلته لم يكن لهم أن يقتلوه حتى يقسموا عليه، ولا أن يقسموا على غيره ويقتلوا المقر بإقراره، ليس لهم أن يقسموا إلا على واحد منهم فيقتلونه كما لو لم يقروا ولم

يقر واحد منهم فسواء على مذهب ابن القاسم كان المقر بالقتل من الذين وجبت عليهم القسامة أو من غيرهم ليس للأولياء أن يقتلوا المقر بإقراره ويقسموا على أحد ممن بقي، وسواء أيضا على مذهب ربيعة وما حكى ابن المواز عن مالك، وابن عبد الحكم، وأصبغ كان المقر بالقتل، ممن وجبت عليهم القسامة أو من غيرهم لهم أن يقتلوا المقر بإقراره ويقسموا على واحد ممن بقي فيقتلوه، وهو قول المغيرة في المجموعة، وفرق سحنون بين أن يكون المقر بالقتل من الذين وجبت عليهم القسامة أو من غيرهم فاختار قول ابن القاسم إذا كان المقر بالقتل من غير الذين وجبت عليهم القسامة واختار قول المغيرة، ومن قال بقوله إذا كان المقر بالقتل ممن وجبت عليه القسامة وقال: ليس قول ابن القاسم هاهنا شيئا وقد كان من مضى يقتلون بالقسامة النفر جميعا حتى كان معاوية ابن أبي سفيان أو عبد الملك فحكم أن لا يقتل بالقسامة إلا واحدا فرأى مالك وأصحابه ذلك واستحسنوه. فإذا أقروا بالقتل جميعا قتلوا جميعا كما قال المغيرة، وإن أقر واحد منهم قتل المقر، وأقسموا على واحد من الباقين وقتلوه، وكذلك إن أقروا جميعا إلا واحد منهم قتلوا جميعا بالإقرار وأقسموا على المنكر وقتلوه إن شاءوا، والذي قال مالك في موطئه: إنه لم يعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد، وإذا حملنا ما حكى ابن المواز عن ابن القاسم في المقر على نفسه بالقتل إنه يقتل قال مرة بقسامة ومرة بغير قسامة على ظاهره من أنه اختلاف من قوله فالاختلاف من قوله إنما يصح ويشبه إذا كانت للمقتول حياة فأقر القاتل أنه قتله ومن جرحه مات كان المقر بالقتل من وجبت عليه القسامة بقول المقتول أو بشاهدين على الجرح أو لم يكن منهم وكان من غيرهم، وأما إذا لم يكن للمقتول حياة، فأقر القاتل أنه قتله قتلا مجهزا؛ فإنه يقتل بغير قسامة قولا واحدا لا يصح في ذلك اختلاف، كان المقر بالقتل ممن وجبت عليه القسامة بشاهد على القتل أو من غيرهم والفرق بين الموضعين بين، ألا ترى أنه من أقر أنه قتل رجلا قتلا مجهزا لا يقبل رجوعه ومن أقر أنه جرح فلانا ومات من جرحه ثم رجع عن

مسألة: النصراني يقتل النصراني ثم يسلم

إقراره يقبل رجوعه لأنه يقول كنت ظننت أنه مات من جرحي ثم تحققت أنه لم يمت منه، وهذا الذي ذكرناه من أنه يقبل. رجوع المقر بالقتل في هذا الموضع منصوص عليه لمالك في كتاب ابن المواز، وبالله التوفيق. [مسألة: النصراني يقتل النصراني ثم يسلم] مسألة وقال في النصراني يقتل النصراني ثم يسلم: إنه يقتل وأخبرنا يحيى بن يحيى قال: سألت ابن القاسم عن النصراني يقتل النصراني ولا ولي له إلا المسلمون ثم يسلم القاتل أترى أن يقتل به؟ فقال: العفو عن قتل هذا أحب إلي من قتله، وذلك أن حرمته إذا أسلم أعظم من حرمة الكافر الذي قتل، فلو كان للمقتول أولياء كان لهم القود لأنهما كانا على دين واحد يوم قتله. فإذا كان أمره إلى الإمام فالعفو عنه أعجب إلي وإن كان القود قد لزمه. قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في النصراني يقتل النصراني ثم يسلم: إنه يقتل، وإن لم يكن للنصراني المقتول أولياء إلا المسلمون، وهو قول مالك في رواية ابن نافع عنه: إن إسلامه لا يمنعه من القتل ولا يبريه منه، ويقتل مكانه؛ فعلى هذا لا يجوز للإمام إذا لم يكن له أولياء إلا المسلمون أن يعفو عنه إذا كان له مال على غير شيء، وهو القياس لوجوب القود، ويجوز له أن يصالحه على مال يأخذه منه للمسلمين، وإن كان أقل من الدية على القول بأن القاتل لا يجبر على غرم الدية، وأما على القول بأنه يجبر على غرم الدية فليس له أن يعفو عنه على أقل من الدية إذا كان بها مليا، وأمَّا على قوله في رواية يحيى عنه؛ فيجوز له أن يعفو عنه على غير شيء يأخذه منه، وإن كان له مال؛ لأنه استحب العفو عنه لحرمة إسلامه بخلاف المسلم يقتل المسلم الذي لا ولي له إلا المسلمون، هذا لا يجوز للإمام أن يعفو عنه إلا على شيء يأخذه منه نظرا للمسلمين كالوصي على الصغير لا يجوز له أن يعفو عن دم أبيه، ويجوز أن يعفو عنه نظرا ليتيمه على

مسألة: قال عند موته فلان قتلني وناس معه

الدية أو على أقل منها على الاختلاف الذي ذكرناه في القاتل هل يجبر على غرم الدية أم ولا؟ وسيأتي هذا في رسم أبي زيد وبالله التوفيق. [مسألة: قال عند موته فلان قتلني وناس معه] مسألة قال: وسئل عن رجل قال عند موته فلان قتلني وناس معه، قال: يقسمون على الذي سمى ويقتلونه إن شاءوا. وأما قوله وناس معه فإن عرفوا وأثبتتهم البينة أنهم ضربوه معه أقسموا على أيهم شاءوا منهم. قال محمد بن رشد: القسامة في العمد تجب بأحد ثلاثة أشياء على اتفاق، وبأحد وجهين على اختلاف. فأما الثلاثة الأشياء التي تجب القسامة بكل واحد منها باتفاق فهي أن يقول الميت دمي عند فلان أو يشهد على قتله رجل واحد أو على جرحه رجلان. وأما الشيئان المختلف في وجوب القسامة بكل واحد منهما أن يشهد رجل واحد على الجرح أو شاهد واحد على إقرار القاتل بالقتل فإذا وجبت القسامة على الجماعة بأحد هذه الأشياء التي تجب القسامة بها أو باختلاف على القول بوجوب القسامة به فلا اختلاف في المذهب في أنه لا يقتل بها إلا واحد منهم، واختلف هل لأولياء المقتول أن يقسموا على جميعهم أو على من شاءوا منهم، ثم يقتلون واحدا ممن أقسموا عليه أو ليس لهم أن يقسموا إلا على الذي يقتلونه، وهو مذهب ابن القاسم ونص قوله في هذه الرواية وغيرها، وقول مالك في موطئه: ولم نعلم قسامة قط كانت إلا على رجل واحد. وإذا أقسموا عليه قالوا في قسامتهم عليه لمات من ضربه ولا يقولوا من ضربهم، وروى ذلك ابن القاسم عن مالك في المجموعة والواضحة، قال

مسألة: توبة القاتل

عبد الملك إذ لا يدرى هل مات من فعلهم كلهم أومن فعل واحد منهم فلا بد لهم لأن يقسموا على الذي يريدون أن يقتلوه؛ لأنه مات من فعله، هذا معنى قوله: وقيل: لهم أن يقسموا عليهم كلهم أنه مات من فعله ثم يقتلون ما شاءوا منهم وهذا الاختلاف إنما هو إذا احتمل أن يكون مات من فعل بعضهم دون بعض، فإذا لم يحتمل ذلك مثل أن يصبوا عليه صخرة وهم جماعة تعاونوا على رفعها إذ لا يقدر بعضهم على ذلك فلا اختلاف عندي في أنهم يقسموا عليهم كلهم ثم يقتلون ما شاءوا، وإن كان ظاهر ما في المدونة أنهم لا يقسمون إلا على واحد منهم، فلا ينبغي أن يحمل على ظاهره لأنه بعيد. وقد قيل إنهم يقتلون كلهم بالقسامة إذا كان القتل على هذا الوجه، وهو قول سحنون، وقد كان من مضى يقتلون بالقسامة النفر جميعا حتى كان معاوية بن أبي سفيان أو عبد الملك، فحكم أن لا يقتل بالقسامة إلا واحد فرأى ذلك مالك وأصحابه، وقع ذلك في كتاب سحنون وفي الموطأ ما يرد ذلك، وهو قول مالك: ولم يعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد وبالله التوفيق. [مسألة: توبة القاتل] مسألة وسئل عمن كتب إليه والٍ في قتل رجل فقتله ثم أراد التنصل والتوبة فعرض نفسه على أولياء المقتول وأخبرهم، فقالوا له لسنا بقاتليك، إنا نخاف إن قتلتاك عاقبة ذلك ممن وراءك يعنون الموالي فعرض عليهم الدية فأبوا أن يقبلوها. قال: أحب إلي أن يؤدي ديته إليهم وأن يعتق الرقاب وأن يبكي وأن يتقرب إلى الله بالدعاء والرغبة إليه ويلحق بهذه الثغور، ويحج ويكثر من العمل الصالح ما استطاع، فإن لم يقبل الدية فليعتق وليصنع هذا، ويمكن من نفسه ويتصدق بما استطاع ويكثر الحج والغزو وإن استطاع أن يلحق بهذه الثغور ويكون فيها أبدا حتى يموت

بها فهو أحب إلي وما الدية عندي بالقوي. قال محمد بن رشد: اختلف السلف ومن بعدهم من الخلف في قبول توبة القاتل، وإنفاذ الوعيد عليه على قولين، فمنهم من ذهب إلى أنه لا توبة له، وأن الوعيد لاحق به، فممن روي ذلك عنه ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة أنهم قالوا لمن سألهم عن ذلك هل يستطيع أن يحييه؟ هل يستطيع أن يبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء؟ وإن ابن عمر سئل عن ذلك فقال: ليستكثر من شرب الماء البارد، وإن ابن عباس سئل عن ذلك فقال للسائل كالمتعجب من ذلك: ماذا تقول؟ فأعاد عليه قوله، فقال ماذا تقول مرة أو ثلاثا، ثم قال: ويحك وأنى له بالتوبة؟. وإلى هذا ذهب مالك فيما روي عنه من أن إمامة القاتل لا تجوز وإن تاب، ويؤيد هذا المذهب ما روى من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال: «كل ذنب عسى الله أن يعفو عنه إلا من مات كافرا أو قتل مؤمنا متعمدا» وذلك - والله أعلم - لأن القتل يجتمع فيه حق الله تعالى وحق للمقتول المظلوم، ومن شرط صحة التوبة من مظالم العباد تحللهم ورد التباعات إليهم، وهذا ما لا سبيل للقاتل إليه إلا بأن يدرك المقتول قبل موته فيعفو عنه، ويحلله من قتله إياه طيب بذلك نفسه، ومنهم من ذهب إلى أن القاتل في المشيئة وأن توبته مقبولة، ومن روي ذلك عنه ابن عباس وأبو هريرة وعلي بن أبي طالب ومجاهد وغيرهم من السلف، وخص مالك في هذه الرواية للقاتل أن يعتق الرقاب ويبكي ويتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة ويلزم الثغور والجهاد دليلا على الرجاء عنده في قبول توبة القاتل خلاف ما روي عنه من أن إمامته لا تجوز وإن تاب، ولكلا المذهبين وجه من النظر، وكفى باختلاف الصحابة في ذلك، فقل ما تجدهم يختلفون إلا فيما يتعارض فيه

الحج وتتكافأ فيه الأدلة، فينبغي لمن لم يواقع هذا الذنب العظيم أن ينتهي عنه ويستعيذ بالله منه مخافة أن لا يصح له متاب إن واقعه فيحق عليه سوء العذاب ويناله شديد العقاب، ولمن واقعة أن يتوب إلى الله ويستغفره ولا يأس من رحمته فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وقد كان ابن شهاب إذا سئل هل للقاتل توبة يتعرف من السائل هل قتل أم لا ويطاوله في ذلك، فإن تبين له منه أنه لم يقتل قال له لا توبة له، وإن تبين له من أنه قد قتل قال له توبة، وإن هذا لحسن من الفتوى، وأما من قال إن القاتل مخلد في النار أبدا فقد أخطأ وخالف السنة لأن القتل لا يحبط ما تقدم من إيمانه ولا ما اكتسب من صالح أعماله؛ لأن السيئات لا تبطل الحسنات، ومن مات على الإسلام فلا بد أن يجازيه الله على حسناته، فإنه يقول وقوله الحق {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94] وقال: {فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47] ومن مثل هذا في القرآن كثير. واختلف أهل العلم أيضا في القصاص من القاتل هل يكفر عنه إثم القتل أم لا. على قولين، فمنهم من ذهب إلى أنه يكفر عنه بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الحدود كفارات لأهلها» فعم ولم يخص قتلا من غيره، ومنهم من ذهب إلى أنه لا يكفره عنه؛ لأن المقتول مظلوم لا منفعة له في القصاص، وإنما هو منفعة للأحياء عن القتل، وهو معنى قول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] فيكون القصاص في القتل على هذا القول مخصصا من

مسألة: نكل أحد من أولياء الدم عن القسامة في دم الخطأ

حديث عبادة: «الحدود كفارات لأهلها» ويبقى الحديث مخصصا فيما هو حق الله تعالى لا يتعلق فيه حق المخلوق وفي قول مالك في هذه الرواية دليل على القولين جميعا قوله في أولها أحب إلي أن يؤدي ديته إليهم يدل على أن القتل يكون كفارة له لأنه رآه حقا لأولياء المقتول تنوب عنه الدية إذا رضوا بها، وقوله في آخر المسألة وما الدية عندي بالقوي يدل على أنها لا تنوب مناب القصاص منه في الانتفاع به في الآخرة وبالله التوفيق. [مسألة: نكل أحد من أولياء الدم عن القسامة في دم الخطأ] مسألة قال سحنون وعيسى: قال ابن القاسم: إذا نكل المدعى عليهم في الخطأ غرموا الدية والقاتل كرجل منهم، ولا يستحلف هو، وفي سماع عيسى فإن نكل أحد من أولياء الدم عن القسامة في دم الخطأ فهو حق قد وجب على عاقلة المدعي عليهم فليس يبريهم إلا اليمين لو كانوا عشرة آلاف، فمن حلف منهم سقط عنه بقدر ما يصيبه، ومن نكل غرم ما يقع عليه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في رواية سحنون وعيسى عنه إذا نكل المدعي عليهم في الخطأ غرموا الدية والقاتل كرجل منهم يريد بالمدعي عليهم العاقلة كلها. وقوله ولا يستحلف هو معناه ولا يستحلف هو وحده بل يحلف مع جميع العاقلة فيما يجب عليه من الدية، كما يحلف كل واحد منهم فيما يجب عليه منها. وقوله في رواية عيسى عنه وحده فإن نكل أحد من أولياء الدم عن القسامة في دم الخطأ فهو حق قد وجب على عاقلة المدعي عليهم يريد أن حظ من نكل عن اليمين من الورثة من الدية قد وجب على جميع العاقلة ولو كانوا عشرة آلاف والقاتل كرجل منهم، فمن حلف منهم سقط عنه ما يصيبه من ذلك،

ومن نكل غرم ما يصيبه منه، ومن حلف من أولياء الدم وهم الورثة فقد استحق ما يجب له من الدية على جميع العاقلة والمدعي عليه كرجل منهم، وإنما يستحق منهم ما يجب له من الدية بعد أن يستكملوا جميع الأيمان، لأن من نكل من الورثة عن اليمين فهو بمنزلة من غاب لا يستحق من حضر حظه من الدية حتى يحلف جميع الأيمان، فإذا جاء من غاب حلف ما يجب عليه من الأيمان واستحق حظه من الدية، وإن نكل عن اليمين فكما قال في الرواية يكون حظه من الدية على جميع العاقلة، ولو كانوا عشرة آلاف والمدعي عليهم كرجل منهم فمن حلف منهم سقط عنه ما يجب عليه من ذلك، ومن نكل غرم ما يجب عليه منه، فليس قول ابن القاسم في سماع عيسى عنه بخلاف لما قبله من رواية سحنون وعيسى عنه، وإنما تكلم أولا على نكول الورثة، وتكلم آخرا على نكول العاقلة أيضا بعد نكول الورثة فقال إن جميع العاقلة والمدعى عليه الدم يحلفون في جميع الدية، ولو كانوا عشرة آلاف إذا نكل جميع الورثة وفيما بقي من الدية، ولو كانوا عشرة آلاف أيضا إذا نكل بعض الورثة وحلف بعضهم. وفي سماع سحنون خلاف هذا القول أنه لا يحلف من العاقلة في الوجهين جميعا إلا خمسون رجلا يمينا لأنها جميع أيمان القسامة، فإن حلف منهم خمسون رجلا برئوا وسقطت الدية، وإن حلف بعضهم برئ من حلف معهم من الدية ووجبت الدية كلها على من بقي منهم إلا أن يأتوا بمن يحلف ما بقي من الخمسين يمينا، ولو حلف منهم تسعة وأربعون رجلا يمينا وبقيت يمين واحدة من الخمسين يمينا كانت الدية كلها على من لم يحلف حتى يأتوا منهم بمن يحلف اليمين الباقية من الخمسين، هذا معنى قوله في سماع سحنون مفسرا، وله فيه قول آخر مثل ما في هذه الرواية أن جميع العاقلة والمدعي عليه الدم يحلفون كلهم إذا نكل الورثة عن اليمين، وفي المسألة قول ثالث أنهم إن نكلوا لم يكن لهم شيء، وإن نكل بعضهم وحلف بعض لم يكن لمن نكل منهم شيء، ولا ترجع الأيمان على العاقلة

مسألة: نكل ولاة الدم في العمد

لأن الدية لم تجب عليهم بعد، وإنما تجب بالفرض وهو قول ابن الماجشون، وفي المسألة قول رابع " أنهم إن نكلوا حلف المدعي عليه الدم وحده، فإن حلف سقطت الدية عنه وعن جميع العاقلة، وإن نكل لزمه ما يلزم واحدا من العاقلة ولم يلزم العاقلة بنكوله شيء؛ لأن نكوله كالإقرار والعاقلة لا تحمل الإقرار، لأنه بنكوله شاهد على العاقلة، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، وفي المسألة قول خامس أن الأيمان ترد على العاقلة، فإن حلفت برئت وإن نكلت عن اليمين غرمت نصف الدية قاله ربيعة، وهو قول على ما روى عن عمر بن الخطاب في قضائه على السعدين وبالله التوفيق. [مسألة: نكل ولاة الدم في العمد] مسألة وفي سماع سحنون قال ابن القاسم: إذا نكل ولاة الدم في العمد ردت الأيمان على أولياء القاتل، فإن حلف منهم خمسون رجلا خمسين يمينا برئ، ولم يكن على المدعي عليه أن يحلف معهم، ولا يجبر هؤلاء على الأيمان إلا أن يتطوعوا، فإن لم يجدوا خمسين رجلا ووجدوا أقل من ذلك العدد حلفوا خمسين يمينا إذا أطاعوا بحملها كلها وردت عليهم حتى يستتموا، فإن أبوا أن يحملوها كلها، وقالوا نحن نحمل بعضها واحمل أنت بقيتها، فليس ذلك لهم إما حملوها كلها ولا يكون على المدعي عليه منها شيء، وإما أن تسقط عنهم ويحملها المدعى عليه كلها وحده ويبرأ، فإن أبى سجن حتى يحلف، قال ابن القاسم ولا يحلف عنه أقل من رجلين. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال: أحدها - هذا وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز. والثاني - أن الأيمان ترد على المدعى عليهم فيحلف منهم رجلان أو أكثر خمسين يمينا تردد الأيمان عليهم ويحلف

فيهم المتهم، فإن نكلوا أو لم يوجد غير المتهم لم يبرأ حتى يحلف خمسين يمينا وحده، وهو قول ابن القاسم في المجموعة. والثالث - أن المدعى عليه يحلف وحده ولا يكون له أن يستعين بأحد من ولاته في الأيمان كما يكون ذلك لولاة المقتول، وهذا قول مطرف في الواضحة وظاهر ما في رسم أول عبد من سماع يحيى وما في المدونة من قول ابن القاسم، وروايته عن مالك، وهذا القول أظهر الأقوال من جهة القياس، لأن المدعي عليه حقيقة هو الذي يدعى عليه القتل ويطلب منه القصاص ويتعلق به حكم بالنكول، فوجب أن يكون هو الذي يحلف وحده لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» . وللقولين الآخرين حظ وافر من النظر، وهو أنه لما كانت الدماء تقع فيها الحمية والعصبة صار عصبة المقتول هم الطالبون بدم المقتول بحق التعصيب لا بحق الوراثة، وصار عصبة القاتل هم المطلوبون معه لتعصبهم له ودفاعهم عنه، ووجب أن ترجع الأيمان إذا نكل عنها عصبة المقتول على عصبة القاتل إذ هم المطلوبون بما فعل وليهم، بدليل «قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحارثيين في قتيلهم الذي قتل بخيبر أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ فلما قالوا له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كيف نحلف ولم نشهد ولم نحضر؟ قال فتبريكم يهود بخمسين يمينا» فعمهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بالأيمان لما كانوا هم المدعى عليهم بأن صاحبهم قتل، فرأى ابن القاسم في الرواية الواحدة من حق القاتل أن يستعين في الأيمان بعصبة الذابين عنه المتعصين له المناصبين دونه كما كان من حق القريب من عصبة المقتول أن يستعين في الأيمان بالبعيد منهم. ورأى في الرواية الأخرى من حق عصبة القاتل إذا ردت عليه الأيمان أن يتحملوها عنه ويحلفوها دونه إن دعوا إلى ذلك لجدهم في الدفاع عنه لما يزعمون من صحة يعنيهم ببراءته من قتله، فإن أبوا أن يحملون عنه جميعا وأرادوا أن يعينوه فيها بأن يحملوا عنه بعضا لم يمكنهم من ذلك لما تبين بمشاحتهم في ذلك من ضعف يقينهم في أنه بريء مما ادعى عليه وبالله التوفيق.

مسألة: كان بعض عاقلة القاتل في غير الإقليم الذي هو به

[مسألة: كان بعض عاقلة القاتل في غير الإقليم الذي هو به] مسألة وعن الذي يقتل خطأ وبعض العاقلة بأطرابلس وبها قتل وبعضهم بأفريقية وهم كثير والذين بأطرابلس نفر يسير فهل يضم الذين بأطرابلس إلى الذين بإفريقية أو حتى يستوعب الدية بأفريقية، قال: أرى أن يضم بعضهم إلى بعض. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما في المدونة لأن أفريقية وطرابلس إقليم واحد، فوجب أن يضم من بأفريقية من عاقلة القاتل إلى من بطرابلس منهم، ولو كان بعض عاقلة القاتل في غير الإقليم الذي هو به، مثل أن يكون قتل القاتل في غير الإقليم الذي هو به، مثل أن يكون قتل بمصر وقومه بالشام أو بالشام وقومه بالعراق فعقل عنه أقرب القبائل إليه من الإقليم الذي هو من أهله، ولا يضم إليه أحد من عاقلته إذا كانوا في إقليم آخر، هذا قوله في المدونة وهو معنى قوله في هذه الرواية والله الموفق. [مسألة: عفا أحد الأولياء عن الدم بعد وجوبه بالبينة أو بالقسامة] مسألة قال ابن القاسم في رجل قتل وله ابنان وترك خمسمائة دينار ناضة وعليه دين خمسمائة دينار وعفا أحد الابنين عن القاتل بلا شيء فقضى على القاتل للذي لم يعف بنصف الدية. قال ابن القاسم يقسم الخمسمائة الدين على الخمسمائة الناضة والخمسمائة الدية فيكون نصفها في الخمسمائة التي أخذ، هذا وهو مائتان وخمسون ويكون بقيتها له خاصة، فلا يدخل عليه فيها أخوه لأنه عفا، وتكون المائتان والخمسون الباقية تمام الدية في الخمسمائة الناضة، ويكون بقية الخمسمائة الناضة ميراثا بين الابنين، قال: وإن كانت الثلث والثلثين فعلى هذا الحساب، قال: وقد بلغني

: جرحه رجل ثم ضربته دابته فلم يدر من أي الأمرين كان حتفه

ما فسرت لك في هذه المسألة عن مالك إلا في القود. قال محمد بن رشد: قوله: فقضى على القاتل للذي لم يعف بنصف الدية صحيح على مذهبه وروايته عن مالك إنه إذا عفا أحد الأولياء عن الدم بعد وجوبه بالبينة أو بالقسامة فلمن لم يعف حظه من الدية، وقد مضى تحصيل الاختلاف في ذلك في أول رسم من سماع أشهب قبل هذا. وقوله: إن الخمسمائة الدين تقسم على الخمسمائة الناضة والخمسمائة الدية فيكون نصفها في الخمسمائة الدية، ويكون بقيتها له خاصة لا يدخل عليه فيها أخوه الذي عفا ويكون نصفها في الخمسمائة الناضة، ويكون الباقي منها ميراثا بين الابنين صحيح على ما قاله، لأنه يجب على كل واحد منهما من الدين بقدر ما صار له من المال، فالذي عفا لم يصر له إلا مائتان وخمسون نصف الخمسمائة الناضة والذي لم يعف صار له مائتان وخمسون نصف الخمسمائة الناضة وخمسمائة حظه من الدية، فذلك سبعمائة وخمسون ثلاثة أمثال ما صار للذي عفا فيجب عليه من الدية ثلاثة أرباعه ثلاثمائة وخمسة وسبعون فتبقى له ثلاثمائة وخمسة وسبعون، ويجب من الدين على الذي عفا ربعه مائة وخمسة وعشرون فيبقى له مائة وخمسة وعشرون، فهذا بيان ما قاله، وبالله التوفيق. [: جرحه رجل ثم ضربته دابته فلم يدر من أي الأمرين كان حتفه] ومن كتاب العرية وسئل عن رجل جرحه رجل ثم ضربته دابته فلم يدر من أي الأمرين كان حتفه. قال: أرى نصف الدية على عاقلة الجارح، قلت بقسامة أم بغير قسامة؟ قال أرأيت قسامة في نصف دية؟

مسألة: الرجل يجرح ثم يمرض فيموت

قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن جرح الرجل له وضرب الدابة إياه كان في فور واحد ومات لحينه، فحمل أمره على أنه مات من الأمرين جميعا لاحتمال موته من كل واحد منهما احتمالا واحدا، لا يمكن أن يغلب أحدهما على صاحبه، ولابن القاسم في المجموعة أن في ذلك القسامة، قال: وهو كمرض المجروح بعد الجرح، يريد أن أولياء الميت يقسمون لمات من جرح الرجل إياه ويستوجبون جميع ديته على العاقلة إن كان الجرح خطأ أو الاستفادة منه إن كان الجرح عمدا، فإن لم يقسموا على هذا القول لم يكن لهم شيء. قال: ومن شج موضحة فتراخى به برؤه حمى سقط عليه جدار فقتله أو قتل إن له نصف عقل الموضحة وذلك عندي من أجل أنه لا يدري لعله إنما مات من الموضحة ولو جرحه أولا ثم ضربته ذلك فلم يدر من أي الأمرين مات لكانت في ذلك القسامة والدية في الخطأ أو القصاص في العمد قولا واحدا؛ لأن الظاهر أنه مات من الأمر الآخر بمنزلة إذا جرح ثم مرض فمات وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يجرح ثم يمرض فيموت] مسألة قال وفي كتاب الصلح في الرجل يجرح ثم يمرض فيموت إن فيه القسامة. قال محمد بن رشد: الدية على العاقلة في الخطأ، والقصاص في العمد، وهذا ما لا اختلاف فيه، لأنه لوحيي بعد الجرح حياة بينة ثم مات من غير أن يمرض لكان هذا هو الحكم فيه فكيف إذا مرض؟ وهذا إذا أثبت الجرح بشهادة شاهدين، وصفة اليمين في هذا أن يحلفوا لمات من الجرح الذي أصابه به لا من المرض الذي دخل عليه بعد ذلك، وسيأتي في أول نوازل سحنون الاختلاف ما إذا لم يشهد على الجرح إلا شاهد واحد ونتكلم على معناه - إن شاء الله -.

مسألة: رجل قتل عمدا فأوصى أن تقبل ديته وأوصى بوصايا

[مسألة: رجل قتل عمدا فأوصى أن تقبل ديته وأوصى بوصايا] مسألة وقال في رجل قتل عمدا فأوصى أن تقبل ديته وأوصى بوصايا. قال: ذلك جائز وتكون وصاياه فيمن يؤخذ من ديته وتكون الدية كغيرها من ماله. قلت: أرأيت إن أوصى بالدية كلها لقوم بعد أن تقبض وليس له مال غيرها أتجوز وصيته فيها كلها كما كان يجوز له أن يعفو عن القتل والدية؟ فقال: لا يجوز له إلا في الثلث. قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى أن تقبل ديته وأوصى بوصايا إن وصاياه تكون فيما يؤخذ من ديته، وهو مثل ما قاله في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب الوصايا، وإنما يصح ذلك على قياس القول بأنه إذا عفا عنه على الدية أو أوصى أن يعفا عنه على الدية إن ذلك يلزمه، وأما على القول بأن ذلك لا يلزمه إلا برضاه وهو المشهور من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك فلا يدخل فيها الوصايا، وإن أوصى أن تقبل، إذ ليس على يقين من أنه يرضى بذلك، كما لو قال: إن قبل ولاتي ديتي فوصيتي فيها، إذ ليس على يقين من قبول ولاته لديته. وإنما لم تجز وصيته بالدية كلها إذا لم يمكن له مال غيرها، وإن كان يجوز له أن يعفو عن القتل والدية من أجل أن الدية ليس بمال للميت، غير أن السنة قد أحكمت أن يحكم لها بحكم مال الميت إذا قبلت، فلما لم تكن مالا للميت قبل أن تقبل كان للميت أن يعفو عنها، ولما صار حكمها إذا قبلت حكم مال الميت وجب أن لا تجوز وصيته، إذا أوصى بها لقوم إلا أن يحملها ثلثه، فإن لم يحملها ثلثه جاز لهم منها ما حمله الثلث وبالله التوفيق.

مسألة: اتبعه الناس وهو قاتل فاقتحم بيتا فيه ثلاثة نفر لا يدري أيهم هو

[مسألة: اتبعه الناس وهو قاتل فاقتحم بيتا فيه ثلاثة نفر لا يدري أيهم هو] مسألة وعن رجل قتل إنسانا في وسط الناس، فاتبعه الناس وهو هارب فاقتحم بيتا، ودخلوا البيت بإثره فإذا فيه ثلاثة نفر لا يدري أيهم هو. قال إن حلف كل واحد منهم خمسين يمينا أنه لم يقتله كان العقل عليهم ثلاثتهم، وإن نكل أحدهم كان العقل على من نكل. قلت له: فإن حلفوا ثلاثتهم أنهم براء من قتله كيف تستحق عليهم الدية بقسامة أم بغير قسامة أو نكل أحدهم عن اليمين أيقسم عليه أم لا؟ قال بل تكون عليهم الدية بغير قسامة. قال محمد بن رشد: قوله في آخر المسألة قال بل تكون عليهم الدية بغير قسامة، إنما هو جواب قلت له فإن حلفوا ثلاثتهم أنهم براء من قتله كيف تستحق عليهم الدية بقسامة أم غير قسامة لا جواب لقوله أو نكل أحدهم عن اليمين أيقسم عليه أم لا؟ لأنه لم يقع على ذلك جواب. والجواب على ذلك إنما هو أنه لا يقسم على من نكل لأن اليمين في هذا لا ترجع في النكول على أولياء المقتول؛ لأن القتل قد ثبت على أحدهم من غير تعيين، فإن حلفوا كلهم أو نكلوا كلهم كانت الدية عليهم جميعا، وإن حلف بعضهم ونكل بعضهم عن اليمين كانت الدية على من نكل منهم واحدا كان أو اثنين، ولا يمين في شيء من ذلك كله على أولياء القتيل، وإيجاب القسامة على كل منهم هو على ما تقدم في تأخير العشاء من سماع ابن القاسم في أن المتهم بالدم يستحلف خمسين يمينا، لأن كل واحد منهم متهم بالدم إذ لم يعلم من هو القاتل منهم، هذا مذهب ابن القاسم في هذه المسألة، وسحنون يقول: إنه لا شيء عليهم، وشهادة البينة أنهم رأوه دخل فيهم ولا يعرفونه بعينه باطل.

مسألة: قال أحد عبدي حر وهو صحيح مسلم فقتل أحدهما

[مسألة: قال أحد عبدي حر وهو صحيح مسلم فقتل أحدهما] مسألة وسألته عن رجل قال أحد عبدي حر وهو صحيح مسلم فقتل أحدهما أو قتلا جميعا أو مات أحدهما وبقي الآخر وكان الذي قتلهما رجل واحد أو رجلان قتل كل واحد منهما رجل قبل أن يعلم بعتق واحد منهما، فقال السيد حين قتل الواحد، وبقي الآخر: إن المقتول هو الذي كنت أعتقته، وقال القاتل: أنت كاذب ومدعي الدية ومدرئ عن نفسك عتق هذا الباقي فلا يقبل قولك. قال ابن القاسم القول قول السيد ويكون على القاتل قيمته عبدا ويصدق فيما زعم أنه كان أعتقه ولا يصدق في الدية، ويسترق الباقي منهما إذا ادعى السيد أن المقتول هو الذي أراد بالعتق، قال سحنون في العتق مثله إن القول قوله بعد أن يحلف بالله ما أردت إلا الميت ثم لا يكون للآخر من العتق شيء، وإن قال أردت الباقي حلف وعتق أيضا من جميع المال، وقال سحنون: ولو كان هذا القول منه في الصحة مثبتا بالبينة ثم قال في مرضه لم أكن أردت واحدا منهما بعينه عتق هذا الباقي من رأس المال وفيه تنازع، وهذا أصح ما نعلمه وبالله التوفيق. قال عيسى: وقال لي: فقس ذلك بالرجل يقول إحدى امرأتي طالق فتموت إحداهما فيدعي الزوج أن الميتة هي التي أراد بالطلاق أن القول قوله ويمسك الباقية. قال: ولو قال أيضا في العبدين لم أكن أعتقت بعد واحدا منهما حتى قتل إن الباقي من العبدين يعتق عليه، وتكون دية المقتول قيمة عبد.

قلت فلو قتلهما جميعا رجل واحد؟ فقال: إن السيد قد كنت أعتقت أحدهما كان على القاتل قيمتهما أيضا عبدين، ولو قال السيد: لم أكن أعتقت واحدا حتى قتلا لم يكن على قاتلهما إلا قيمتهما عبيدا أيضا؛ لأنهما عبيد حتى يعتق أحدهما بعد قوله أحدكما حر، قال: وسواء قتلهما واحد أو قتل كل واحد منهما رجل إن قال: لم أكن أعتقت منهما أحدا حتى قتلا لم يكن على قاتلهما إلا قيمتهما عبدين وقال قد كنت أعتقت أحدهما كان أيضا على ذلك لم يكن على قاتلهما إلا قيمتهما عبدين. قلت أرأيت إن كان قال ذلك في وصية قال أحد عبيدي حر فقتل أحدهما أو جميعا قتلهما رجل واحد، وقتل كل واحد منهما واحد قيل أن يقوما ويعتقا. قال ديتهما أبدا دية عبيد حتى يحكم فيهما بالعتق لأنهما لا يعتقان حتى يقوما، وإن قتل أحدهما أو مات وبقي الآخر فإنه يعتق في ثلث ما بقي، ويكون الذي مات منهما أو قتل كمن لم تكن فيه وصية، وهو بمنزلة الذي يقول عبد من رقيقي حر ثم يموتوا كلهم إلا واحدا أو مات منهم يكون كمن لم تكن فيه وصية ويعتق هذا الباقي في ثلث ما بقي من مال الميت. قال محمد بن رشد: تلخيص هذه المسألة أنه إن قتل أحدهما فقال أردت بالعتق الذي قتل أو الذي بقي صدق في الوجهين جميعا مع يمينه، لأنه إن قال: أردت الميت؛ اتهم على أنه أراد إرقاق الباقي، وإن قال: أردت الباقي اتهم على أنه أراد أن يجر إليه ميراث الميت بالملك، إن كان له ورثة أحرار، وإن قال لم أرد واحدا منهما لم يكن له أن يجعل العتق لمن مات أو أعتق الباقي على كل حال، هذا هو قوله في هذه الرواية وفي رسم الصبرة من سماع يحيى من

مسألة: جنين النصرانية من العبد النصراني

كتاب العتق، وسواء قال: لم أرد واحدا منهما في صحته أو في مرضه على ما قاله سحنون، وقد حكى أن في ذلك اختلافا إذا قاله في مرضه، ويحتمل أن يكون الاختلاف الذي أشار إليه أن يعتق هذا الباقي، ويكون ما زادت قيمته على قيمة الميت في ثلثه. وأما إن قتلا جميعا قتلهما رجل واحد أو رجلان فلا يصدق في أنه أراد واحدا منهما، ويكون على عاقلتهما قيمتهما عبدين، وإن كان قال ذلك في وصيته فقتلا جميعا كان على قاتلهما قيمتهما عبدين لأنهما عبدين حتى يقوما في الثلث، وإن قتل أحدهما أو مات فعتق الباقي منهما في الثلث وهو مما لا اختلاف فيه وبالله التوفيق. [مسألة: جنين النصرانية من العبد النصراني] مسألة وسئل عن جنين النصرانية من العبد النصراني. قال: هو حر ديته دية جنين الحر. قلت فما دية جنين الحر المسلم من النصرانية إذا طرح أو العبد المسلم من النصرانية قال دية جنين الحرة من الحر المسلم نصف عشر دية أبيه المسلم، ودية جنين النصرانية الحرة من العبد المسلم نصف عشر دية المسلم الحر، وهو بمنزلة أن لو كان أبوه حرا؛ لأنه على دين أبيه. قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قاله؛ لأن الولد تبع لأبيه في الدين ولأمه في الحرية وبالله التوفيق.

: شج موضحة فاستؤنى به البرء فسقط عليه جدار فقتله

[: شج موضحة فاستؤنى به البرء فسقط عليه جدار فقتله] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده قال: ومن شج موضحة فاستؤنى به البرء فسقط عليه جدار فقتله أو قتل: إن له عقل الموضحة. قال محمد بن رشد: في المجموعة أن له نصف عقل الموضحة وقد ذكرنا ذلك في رسم العرية، وما في هذه الرواية من أن له عقل الموضحة أظهر، لأن الظاهر أنه مات من الأمر الآخر، ووجه ما في المجموعة أنه لما سقط عليه الجدار أو قتل قبل أن يبرأ من الموضحة لم يدر من أي الأمرين مات، وإن كان من الموضحة فلا يجب فيها شيء لأن الموت يأتي عليها، وإن كان من الأمر الآخر فالعقل فيها لازم فيجعل فيها النصف من أجل الشك، وهو ضعيف وبالله التوفيق. [: يجرح فيعتقه سيده وهو مجروح ثم ينزى في جرحه فيموت] ومن كتاب بع ولا نقصان عليك وسئل عن العبد يجرح فيعتقه سيده وهو مجروح ثم ينزى في جرحه فيموت، قال: قال مالك: عقله عقل حر الدية كاملة قلت: كان عمدا أو خطأ؟ قال: نعم كان عمدا أو خطأ، قلت بقسامة أم بغير قسامة؟ قال: بل بقسامة، وكيف يستحق دم من قد عاش صاحبه إلا بقسامة، قلت له: فما باله لا يقتل به في العمد؟ قال: القتل عظيم للشبهة التي دخلته، ولو قال قائل ديته دية عبد لكان له مطعن فلا أرى له في العمد والخطأ إلا الدية، فلو كان الجارح أنفذ مقاتله فأعتقه سيده على تلك الحال قال أليس يورث بالحرية قلت: بلى. قال فسواء أنفذ مقاتله أم لا أرى فيه الدية كاملة.

قال محمد بن رشد: لأشهب في كتاب ابن سحنون أن ديته دية عبد لسيده وهو القياس، لأنه وإن كان مات وهو حر فإنما مات من الجرح الذي أصيب به وهو عبد، وقول ابن القاسم وروايته عن مالك في هذا استحسان لأنه هو راعي حاله يوم الجرح فيوجب القيمة لسيده، ولا يوم الموت فيوجب القصاص على قاتله وأوجب الدية كاملة في ماله مع القسامة إذا ثبت الجرح أو بقول المقتول بعد عتقه أو بعد إسلامه على ما قاله في سماع سحنون يريد في العمد والخطأ لأن أصل الجناية في حال الرق والعاقلة لا تحمل الجناية على العبد، فكما لا يقتص من الجاني من أجل أن الجناية بحال الرق، فكذلك لا تكون الدية في الخطأ على العاقلة من أجل أن أصل الجناية في حال الرق، ولو لم يمت العبد بعد العتق من ذلك الجرح إلا أنه تراقى إلى مأمومة أو إلى شيء آخر فأما إذا تراقى إلى شيء آخر مثل أن يجرحه موضحة أو يقطع أنفه وهو عبد فيذهب من ذلك بعد عتقه عينه أو ما أشبه ذلك فللسيد في الموضحة نصف عشر قيمته، وفي قطع أنفه ما نقص من قيمته، وللعبد في ذهاب عينه دية عين حر خمسمائة في مال الحر أيضا إن كان الجاني حرا وفي رقبة العبد إن كان الجاني عبدا يخير سيده بين أن يفتكه بذلك أو يسلمه إلا أن يشاء السيد القصاص إن كانت الجناية عمدا والجاني عليه عبد فلا يكون له إلا ذلك وليس له هو قصاص فيما تراقى إليه جرحه بعد العتق للشبهة في ذلك بكون الجرح في حال الرق، كما لا يقتص منه في العمد إذا آل الجرح بعد العتق إلى النفس للشبهة التي دخلته، وأما إذا تراقى إلى زيادة في الجرح لا إلى شيء آخر مثل أن يجرحه وهو عبد موضحة فتصير بعد عتقه منقلة أو مأمومة أو منقلة فتصير مأمومة وما أشبه ذلك ففيه اختلاف قيل: إنه يكون عليه لسيده عقل موضحة العبد نصف عشر ثمنه، ويكون له هو ما بين الموضحة والمنقلة أو المأمومة من دية الحر بمنزلة إذا تراقى إلى شيء آخر، وهو قول سحنون في أول سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات، والذي يأتي على مذهب ابن القاسم وأحد قولي مالك في أول سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات في أن من

: حبس الرجل في القتل فعفي عنه بعد التثبت

جرح موضحة فصارت منقلة يقتص له من الموضحة، ويكون له عقل ما بين الموضحة والمنقلة، ويأتي على قياس القول بأنه ليس له إلا عقل المأمومة أن يكون للسيد إذا اعتق عبيده بعد أن جرح موضحة فصارت منقلة عقل منقلة، وقال ابن الماجشون على جارحه دية منقلة حر يريد للعبد المعتق فحكم للمجروح بمال آل إليه المجروح من المنقلة، وهذا القول الثالث أبعد الأقوال، لأنه جعل تراقي الجرح بعد إلى العتق إلى مأمومة كتراقيه إلى الموت على مذهب ابن القاسم الذي يرى في ذلك الدية دية الحر كاملة. وأما قوله إذا أنفذت مقاتله وهو عبد ثم أعتق إن فيه الدية كاملة؛ لأنه يورث بالحرية ففيه نظر، والقياس أن تكون قيمته لسيده وميراثه له بالرق، وقد روى عن سحنون فيمن انفذت مقاتله أن وصيته لا تجوز وقع ذلك من قوله في الجهاد من النوادر، فعلى قوله لا يرث ولا يورث، وقال غيره إن وصية جائزة وقد أوصى عمر حين طعن فجازت وصيته فقول ابن القاسم في هذا يأتي على قياس رواية أبي زيد فيمن أنفذ مقاتل رجل ثم أجهز عليه آخر إن الآخر يقتل به ويعاقب الأول. فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال بالتفرقة بين أن يعتق العبد أو يسلم النصراني قبل أن تنفذ مقاتله أو بعد أن أنفذت مقاتله وبالله التوفيق. [: حبس الرجل في القتل فعفي عنه بعد التثبت] ومن كتاب لم يدرك وقال إذا حبس الرجل في القتل فعفي عنه بعد التثبت بالبينة أو بالقسامة جلد مائة واستقبل به حبس سنة من يوم يجلد ولا يحسب في السنة ما حبس قبل ذلك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الحبس الذي حبس قبل

مسألة: الثور العقور إذا عرف بالعداء على الناس

العفو حق للولي والحبس الذي بعد العفو حق لله فلا يدخل أحدهما في الآخر وبالله التوفيق. [مسألة: الثور العقور إذا عرف بالعداء على الناس] مسألة وقال في الثور العقور والجمل الضول والكلب العقور أو شيء من العجماء إذا عرف بالعداء على الناس أمر صاحبه بذبحه وتقدم إليه، فإن عقر أحدا بعد التقدم فهو ضامن له في ماله. قلت فلو كان الثور قد قتل رجلا بعد التقدم إلى سيده ولم يشهد على قتله إلا شاهد واحد هل يحلف ورثة الميت مع شاهدهم ويستحقون الدم؟ قال: نعم يحلفون يمينا واحدة كما يحلف في الحقوق، ويستحقون الدم مع شهادة شاهدهم، وقال لا يكون شيء مما عدوا به على الناس على العاقلة، وإنما ذلك في ماله خاصة وإن بلغ الدية كاملة. قال محمد بن رشد: قوله إن عدا بعد التقدم إليه فهو ضامن يريد وإن كان التقدم إليه بالجيران دون السلطان، وهو مثل ما في المدونة خلاف ما في سماع عبد الملك بن الحسن من كتاب السلطان أنه لا يضمن إلا أن يتقدم إليه في ذلك بالسلطان، وقد قيل إنه ضامن وإن لم يتقدم إليه ولا أشهد عليه، قاله أشهب وسحنون في الحائط إذا بلغ مبلغا يجب عليه هدمه فتركه، وكذلك يلزم على قياس قولهما في الكلب العقور والجمل الصؤول أنه لا ضمان على صاحبهما بحال، وإن تقدم إليه، فهو قول رابع في المسألة، وقد مضى هذا في سماع يحيى وعبد الملك من كتاب السلطان.

مسألة: قوما أقسموا على رجل فقال أنا قتلته

وقوله إنه لا يكون على العاقلة من ذلك شيء وإن كان المعقور حرا خلاف قول ابن وهب في سماع زونان من كتاب السلطان إن ذلك على العاقلة إن بلغ الثلث فصاعدا، وقول ابن القاسم أظهر أن لا يكون على العاقلة من ذلك شيء لأن العاقلة لا تحمل العمد وهذا فيه شبه من العمد؛ لأنه متعد في حبس هذا الحيوان المؤذي حيث لا يجوز له. وقوله: إنه يستحق ذلك باليمين مع الشاهد الواحد كالحقوق صحيح على قوله في أنه لا يكون على العاقلة من ذلك شيء، ولا يحلف على قياس قوله مع قول العقور، وحكى ابن مزين عن أصبغ أن ذلك لا يثبت إلا بشهادة شاهدين وأنكر رواية عيسى هذه، ويأتي على قياس قول ابن وهب أن يستحق ذلك بما يستحق به دم الخطأ من القسامة وغير ذلك، روى عيسى عن ابن القاسم أنه إن قتل رجل الجمل الصؤول بعد التقدم إلى صاحبه فذكر أنه أراده وصال عليه فلا غرم عليه فيه، ويقبل قوله في ذلك، يريد مع يمينه بغير بينة إذا كان بموضع ليس يحضره الناس، وهذا على ما مضى تحصيل القول فيه في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع في الذي يدعي ضياع ما أؤتمن عليه مما لا يغاب عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: قوما أقسموا على رجل فقال أنا قتلته] مسألة وسألته عن الرجل يقتل فيدعي دمه قبل رجل صالح فيصالح عليه ورثته على شيء يدفعه إليهم، ثم يقوم رجل فيقول أنا قتلته. قال: إن شاء ولاة الدم تماسكوا بصلحهم وأمضوه وإن شاءوا قتل الذي أقر لهم وفسخ الصلح، قلت: وكيف يكون الصلح أبعد أن تثبت لهم القسامة؟ قال: وإن لم تثبت لهم القسامة إذا قال لهم المدعي عليه ما تصنعون بالبينة وطلبها؟ صالحوني فإذا صالحهم جاز الصلح فهم مخيرون في أن يمضوا الصلح وفي أن يقتلوا الذي أقر لهم.

مسألة: أصاب الكلب العقور في الموضع الذي لا يجوز اتخاذه قبل التقدم إليه

قلت بقسامة أو بغير قسامة؟ قال: بغير قسامة قلت: فلو أن قوما أقسموا على رجل، فقال أنا قتلته؟ قال: ما أخذت الأول إلا من هذا، هم مخيرون إن شاءوا قتلوا الذي أقسموا عليه، وإن شاءوا الذي أقر لهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في أول سماع عيسى، إذ لا فرق بين أن يقر الرجل بقتل الرجل بعد أن صالحوا غيره، أو أقسموا عليه أو وجبت لهم القسامة عليه، فلا معنى لإعادة شيء منه. [مسألة: أصاب الكلب العقور في الموضع الذي لا يجوز اتخاذه قبل التقدم إليه] مسألة قال ابن القاسم: وما أصاب الكلب العقور في الموضع الذي لا يجوز اتخاذه قبل التقدم إليه فصاحبه ضامن. قال محمد بن رشد: هذا بين أن الاختلاف الذي ذكرناه فيما تقدم في هذا الرسم إنما هو إذا اتخذه في الموضع الذي يجوز له فيه اتخاذه والله الموفق. [: نصراني حر قتل عبدا مسلما عمدا] ومن كتاب سلف دينارا وقال في نصراني حر قتل عبدا مسلما عمدا، قال فيه اختلاف، ورأى أن يقتل به، قال سحنون أرى عليه قيمته وهو سلعة من السلع. قال محمد بن رشد: قوله وأرى أن يقتل به معناه إذا أراد سيد العبد المقتول أن يستفيد منه، وأما إن أراد أن يضمنه قيمة عبده ولا يقتله به فلا اختلاف في أن ذلك له، وإنما الاختلاف إذا أراد أن يقتله، فقيل: إن ذلك ليس له وهو الأظهر من جهة اتباع ظاهر ما في القرآن، وذلك أن الله تعالى قال

في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] فعم ولم يخص مسلما من كافر، والمعنى في قوله كتب عليكم القصاص أن كتب عليكم الحكم به، فوجب أن يحمل على عمومه في الكافر والمسلم، وقال عز وجل: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] والولي المختص بالرجل هو العاصب والذي له الميراث والعبد لا عاصب له يرثه؛ لأن ميراثه لسيده الذي يملك رقبته وهو ماله، وقيل إن ذلك له، وهو الأظهر من جهة المعنى، وذلك أن القصاص إنما يكون في الموضع الذي تتكافأ فيه الدماء بالحرية والإسلام أو يكون دم المقتول أعظم حرمة من دم القاتل بحرية أو إسلام؛ لأنه إذا كان المسلم يقتل بالمسلم لتكافئ دمائهما بالحرية فالنصراني أحق أن يقتل به لنقصان مرتبته عن مرتبة المسلم، وإذا كان الحر يقتل بالحر لتكافئ دمائهما بالحرية، فالعبد أحرى أن يقتل به لنقصان مرتبته عن مرتبة الحر، فإذا قتل النصراني الحر العبد المسلم فللنصراني مزية على العبد بالحرية، وللعبد عليه مزية بالإسلام، وحرمة الإسلام أعظم من حرمة الحرية، فوجب أن يقتل به ويجعل الآية في قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] مخصوصة على المسلمين المخاطبين بها، بدليل قوله فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ} [البقرة: 178] . وقوله: في آخر الآية الأخرى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] يحتمل أن يدخل فيه السيد؛ لأنه أحق بعيده، وهو يرثه فيكون له بمنزلة العاصب للحر، وهذا القول أظهر وهو قول ابن القاسم أيضا بعد هذا في هذا الرسم، وقول أشهب في سماع عبد الملك والله أعلم.

مسألة: القصاص من حق أولياء المقتول

[مسألة: القصاص من حق أولياء المقتول] مسألة وقال ابن القاسم إذا تساوق النصراني إلى حكم المسلمين في قتل وقع بينهم، فقال النصراني القاتل: ليس في ديننا قتل ولا قود. قال: لا يقبل منه في ذلك لأنه من الفساد وعلى حكم المسلمين أن ينظر في ذلك، فإن شهد عنده على القتل شهيدا عدل من المسلمين مثل من شهد عليه قال عيسى: يسلم إلى أولياء النصراني فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استحيوه، فإن عفوا رأيت الإمام أن يضربه مائة ويسجنه سنة. قال محمد بن رشد: قول عيسى مفسر لقول ابن القاسم، لأن القصاص من حق أولياء المقتول، وضرب مائة وسجن سنة حق لله تعالى لا يجوز العفو عنه، والمسألة بينة صحيحة لا اختلاف فيها؛ لأن القتل العمد من التظالم الذي يجب على الإمام الحكم فيه بين أهل الذمة، وإنما اختلف فيما لم يكن من التظالم كالربا وشبهه من طلاقهم وحدودهم هل يجب على الإمام الحكم بينهم فيه إذا ارتفعوا إليه وحكموه، فقيل إن ذلك يجب عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وقيل إن ذلك لا يجب عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] وقد مضى الكلام في الاختلاف في تأويل الآيات في هذا واختلاف العلماء في الحكم في ذلك لاختلافهم في تأويلها مستوفى في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب فلا معنى لإعادته.

مسألة: إذا قتل اليهودي الحر أو النصراني عبدا مسلما

[مسألة: إذا قتل اليهودي الحر أو النصراني عبدا مسلما] مسألة وقال ابن القاسم: إذا قتل اليهودي الحر أو النصراني عبدا مسلما قتلا به، وإن قتل العبد المسلم النصراني الحر أو اليهودي الحر لم يقتل به وخُيِّرَ صاحبه في أن يفتكه بديته أو يسلمه فيباع له، وقال غيره: لا يقتل واحد منهما؛ لأن العبد مال من الأموال ولكن يضرب ويغرم قيمة العبد. قال محمد بن رشد: غير ابن القاسم هو قول سحنون الذي تقدم في أول الرسم، وقد مضى الكلام فوق هذا في قتل النصراني الحر العبد المسلم وتوجيه الاختلاف فيه فلا وجه لإعادته. وأما إذا قتل العبد المسلم النصراني الحر فلا اختلاف في أنه لا يقتل به إذ لا تتكافأ دماؤهما؛ لأن حرمة الإسلام أعظم من حرمة الحرية، فهي جناية من العبد يخير سيده في إسلامه فيها فيباع له إذ لا يمكن النصراني من ملك العبد المسلم أو افتكاكه بها كما قال، وكذلك إذا جرحه يخير السيد في افتكاكه بالجناية أو إسلامه بها إلا أنه يختلف إن أسلمه بها فكان ثمنه أكثر من الجناية فقيل إنه يكون له ثمنه كله، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في المدنية، قال وكذلك قال مالك، وروى محمد بن صدقة عن مالك مثل ذلك، وقال مطرف وابن الماجشون في ثمانية أبي زيد إذا أبى سيده أن يفتديه بيع وأعطي النصراني من ثمنه دية جرحه فإن فضل فضلٌ فهو لسيده، قال أصبغ بن الفرج: وقد كان مالك يقول هذا في موطئه، ثم رجع عنه وقال يعطى ثمنه كله للنصراني، وهو أصوب القولين عندنا وبالله التوفيق. [مسألة: المدبر يقتل سيده عمدا أو خطأ] مسألة وسئل عن المدبر يقتل سيده عمدا أو خطأ.

قال: إن كان قتله خطأ عتق في ماله ولم يعتق في ديته، وكانت الدية عليه دينا، وليس على عاقلته منها شيء لأنه إنما صنع ما صنع وهو مملوك قال أصبغ، وهذا إذا حمله الثلث، وإن لم يخرج من الثلث عتق منه مبلغ الثلث، وكان عليه من الدية بقدر ما عتق منه، ويؤخذ من ماله إن كان له مال أو يتبع به دينا إن لم يكن له مال ولا يدخل فيما يؤخذ منه من الدية ولا يعتق فيها منه شيء، قال عيسى: قال ابن القاسم: وإن كان قتله عمدا قتل به، فإن كان استحياه الورثة بطل تدبيره وكان عبدا مملوكا قلت لسحنون: فلو فعلت ذلك أم الولد لسيدها خطأ؟ قال: تعتق في ماله، وتكون الدية عليه دينا تتبع به في ذمتها، ولا يكون على عاقلتها منها شيء، وإن كانت قتلته عمدا قتلت به إلا أن يستحييها الورثة على أمر يصطلحون به. قال محمد بن رشد: أما مسألة المدبر يقتل سيده عمدا أو خطأ فكما قال: لا اختلاف فيه، وقول أصبغ تفسير له، وقد مضت المسألة في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب المدبر. وأما قول سحنون في أم الولد تقتل سيدها خطأ إنها تعتق في رأس ماله، وتكون الدية عليها دينا تتبع به في ذمتها، ولا يكون على عاقلتها منه شيء ففيه اختلاف، حكى ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم أنها تعتق، ولا تتبع هي ولا عاقلتها بشيء بخلاف المدبر، وقال أصبغ من رأيه: إنها تتبع مثل قول سحنون، فغلب ابن القاسم في حقها حكم الحرية فلم يلزمها الدية لأن ما جنى الحر خطأ فهو على العاقلة لا عليه، ولم يوجب على عاقلتها شيئا إذ لا تحمل العاقلة إلا جناية من قد بتلت حريته، ويلزم على قياس قوله أن يلزمها من الدية ما يجب عليها منها مع العاقلة، وأما أصبغ وسحنون فغلبا في أمرها حكم الرق على حكم الحرية لأن أحكامها أحكام أمة حتى يموت سيدها، والجناية منها عليه متقدمة على موته منها، فأشبهت عندهما المدبر يجني على

: إذا وقع الذباب على الدابة فنفخت إنسانا

سيده ثم يعتق في الثلث أن الورثة يتبعونه بما بقي عليه من جنايته بعد خدمته ولا يشتبهان؛ لأن أم الولد لا تتبع بما جنت على سيدها، وقد قال غير ابن القاسم في المدونة: إن المدبر لا يختدمه سيده بالجناية ولا يتبع بعد عتقه بها، فكيف بأم الولد. واختلف أيضا في المكاتب يقتل سيده فيستحيى، فقال ابن القاسم إنه لا يتبع إلا بالكتابة، وقال عبد الملك جنايته على سيده كجنايته على أجنبي إما ودي الدية معجلة وإلا عجز. وأما جناية المعتق إلى أجل ثم يخرج حرا ويتبع بما بقي، وقال عبد الملك: يتبع بجميع الدية ولا يحتسب على الورثة بخدمته وبالله التوفيق. [: إذا وقع الذباب على الدابة فنفخت إنسانا] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وقال ابن القاسم إذا وقع الذباب على الدابة فنفخت إنسانا لم يكن على راكبها شيء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مثل ما في المدونة وغيرها، لأن ما لم يكن له فيه سبب فهو هدر لأن جرح العجماء جبار بالسنة الثابتة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

مسألة: أصاب رجلا بجراح فأراد أن يصالحه في الجراحات بشيء

[مسألة: أصاب رجلا بجراح فأراد أن يصالحه في الجراحات بشيء] مسألة وسئل عن رجل أصاب رجلا بجراح فأراد أن يصالحه في الجراحات بشيء يعطيه عن الجراح والموت إن كان. فقال لا يصلح الصلح على وضع الموت، ولكنه يصالحه على شيء معلوم ولا يدفع إليه شيئا فإن برئ كان له ما صولح عليه، وإن مات كانت فيه القسامة والدية إن كان خطأ بعد أن يقسموا أو القتل إن كان عمدا. قال محمد بن رشد: لم يجز ابن القاسم في هذه الرواية الصلح في جراحات العمد، والخطأ عليها وعلى ما تراقت إليه من موت أو غيره جملة من غير تفصيل. وفي ذلك تفصيل. أما جرح الخطأ فيما دون الثلث كالموضحة وشبهها فلا اختلاف في أن الصلح فيها على ما تراقت إليه من موت وغيره لا يجوز، لأنه إن مات كانت الدية على العاقلة فهو لا يدري يوم صالح ما يجب عليه مما لا يجب، فإن وقع الصلح على ذلك فسخ متى ما عثر عليه، فإن برئ كانت عليه دية للموضحة، وإن مات كانت الدية فيه على العاقلة بقسامة. وأما جرح الخطأ فيما فوق الثلث فيتخرج جواز الصلح فيه على ما يتراقى إليه من موت أو غيره على قولين أحدهما أن ذلك لا يجوز، وهو قوله في هذه الرواية وظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة إذ لم يفرق في جرح الخطأ بين أن يكون أقل من الثلث أو أكثر منه، والثاني أن ذلك جائز إذ لا غرر فيه؛ لأن دية الجراح إنما تجب على العاقلة كما يجب عليه دية النفس، فكأنه إنما صالح عن العاقلة.

وأما جرح العمد فيما فيه القصاص فالمصالحة فيه على وضع الموت جائزة على ظاهر ما في الصلح من المدونة، وما نص عليه ابن حبيب في الواضحة خلاف قوله في هذه الرواية، والجواز فيها أظهر لأنه إذا كان للمقتول أن يعفو عن دمه قبل موته جاز أن يصالح عنه بما شاء. وأما جرح العمد الذي لا قصاص فيه فلا يجوز الصلح فيه على وضع الموت، حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة ولا أعرف فيه نص خلاف. وأما الصلح فيه على الجرح دون وضع الموت فأجازه ابن حبيب فيما له دية مسماة كالمأمومة والمنقلة والجائفة، قال في موضع واحد: إن الصلح فيه جائز على ما تراقى إليه مما دون النفس، وقال في موضع آخر لا يجوز إلا فيه بعينه على ما تراقى إليه من زيادة ولم يجزه فيما لا دية له مسماة إلا بعد البرء، فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة. واختلف إذا صالحه على الجرح الخطأ أو العمد خاصة فنزي في جرحه فمات على ثلاثة أقوال: أحدها: أن أولياء المجروح بالخيار بين أن يتمسكوا بصلحهم وبين أن يردوا ما وقع به الصلح فيقسموا ويقتلوا في العمد ويأخذوا الدية في الخطأ من العاقلة، وهو قول أصبغ في الواضحة. والثاني: أنه ليس لهم أن يتمسكوا بالصلح لا في العمد ولا في الخطأ إلا برضى القاتل، لأن من حقه أن يقول في العمد قد عادت الجناية فليس لكم أن تتمسكوا بالصلح، لأنه إنما لهم القسامة والقود، هو قول أشهب على أصله في أن من قطعت يده فنزي فيها فمات أن أولياء القتيل إنما لهم أن يقسموا ويقتلوا، وليس لهم القود في الجرح إن أبوا من القسامة، لأن الدم آل إلى النفس كما أن من حقه أن يقول في الخطأ قد عادت الجناية إلى النفس، ووجبت الدية على العاقلة بقسامتكم فردوا عليَّ مالي. والثالث: الفرق بين العمد والخطأ وهو مذهب ابن القاسم وظاهر قوله في المدونة وفي رسم المكاتب من سماع يحيى بعد هذا فيخير ورثة المقتول في العمد بين أن يتمسكوا بالصلح وبين أن يردوه ويقسموا

: قتل عمدا وله مائة دينار وعليه مائة دينار وقد أوصى بوصايا

فيقتلوا على أصله في أن من قطعت يده فنزي فيها فمات أن الورثة بالخيار بين أن يقسموا ويقتلوا وبين أن يقطعوا يده ولا يقسموا ولا يخيروا في الخطأ، فيردون على الجارح ما أخذ منه في الصلح ويقسمون فيستحقون الدية على العاقلة، وبالله التوفيق. [: قتل عمدا وله مائة دينار وعليه مائة دينار وقد أوصى بوصايا] وفي كتاب جاع فباع امرأته قلت: فلو قتل عمدا وله مائة دينار وعليه مائة دينار، وقد أوصى بوصايا فعفا عن القاتل فأخذت الدية. قال: يقضي المائة الدين من المائة التي علم، وتكون الدية خالصة لورثة المقتول وتسقط الوصايا. قلت: فلو كان ترك مائة دينار وخمسة وأربعين دينارا وعليه مائة دينار دين وأوصى بوصايا ثم طرأ له مال بعد الموت؟ قال يقضي المائة من هذا المال الذي علم به، وينظر إلى ما فضل وذلك خمسة وأربعون دينارا فتكون لأهل الوصايا خمسة عشر دينارا يتحاصون فيها على قدر وصاياهم، إلا أن يكون في الوصية عتق فيبدأ به في الخمسة عشر دينارا على أهل الوصايا، ويكون لورثة الميت ثلاثون دينارا، ويكون المال الطارئ لأهل ميراثه لا يدخل فيها شيء من وصاياه إلا أن يكون تدبيرا فإن كان مدبر ووصايا فإن المدبر يعتق بعد إخراج الدين فيما علم وفيما لم يعلم. وتفسير ذلك أنه لا ينظر في ثلث هذا المال الذي علم به بعد إخراج الدين منه، فإن كان ثلثه مائة دينار وثلث المال الطارئ مائتان قسمت قيمة المدبر على الثلث والثلثين فعتق ثلثاه في ثلث الطارئ

وثلثه في ثلث المال الذي علم به، فإن فضل من ثلث المال الذي علم به بعد عتق ثلث المدبر فيه شيء كان ما فضل لأهل الوصايا، وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم، وإن أحاط الذين بجميع المال الذي علم به سقطت الوصايا، ورجع المدبر فعتق به في ثلث المال الطارئ أو ما حمل منه الثلث. قال ولو كان الدين أكثر من المال الذي علم به الميت قضى صاحب الدين المال الذي علم به الميت، ورجع فتقاضى بقية حقه من المال الطارئ، ثم كان المدبر في ثلث ما بقي من المال الطارئ وسقطت الوصايا. قال محمد بن رشد: لم يفرق في هذه الرواية بين تدبير الصحة والمرض، وقال إنه يدخل فيما علم الميت من المال، وفيما لم يعلم بظاهر قوله: إن المدبر في المرض يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال، وهو نص قوله في رسم المدبر من سماع أصبغ من كتاب المدبر، ونص قوله أيضا في المدنية من رواية عيسى عنه خلاف مذهبه في المدونة من أنه لا يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال إلا المدبر في الصحة. واختلف في المبتل في المرض هل يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال أم لا؟ فالمنصوص عليه لابن القاسم في رسم المدبر من سماع أصبغ من كتاب المدبر أنه لا يدخل فيما لم يعلم به من المال بخلاف المدبر في المرض، وقد مضى هناك الكلام إذا اجتمعا جميعا على هذا القول وللميت مال قد علم به ومال لم يعلم به، فلا معنى لإعادته. وسائر ما ذكره في هذه الرواية من أن الوصايا لا تدخل فيما يطرأ

مسألة: قتل عبدا وله وليان وترك مائة دينار وعليه مائة دينار دينا

للميت من مال لم يعلم به صحيح لا اختلاف فيه. وما ذكره من أنه إذا كان على الميت من الدين مثل ما ترك من المال وطرأ له مال لم يعلم به أن الدين يخرج من المال الذي علم به، ولا يكون لأهل الوصايا شيء من المال الذي لم يعلم به، بين لا إشكال فيه والحمد لله. [مسألة: قتل عبدا وله وليان وترك مائة دينار وعليه مائة دينار دينا] مسألة قلت: فلو أن رجلا قتل عبدا وله وليان وترك مائة دينار وعليه مائة دينار دينا، فعفا أحد الوليين عن الدم والدية وأخذ الذي لم يعف منها من الدية خمسمائة دينار؟ قال: تفض المائة الدين على المائة التي مات عنها الميت وعلى الخمسمائة التي أخذت من الدية، فيصيب كل مائة من الدين ما أصابها عنده، ثم يرجع الذي لم يعف فيقاسم صاحبه ما بقي من المائة التي مات عنها الميت بعد إخراج سدس المائة الدين منها. وتفسير ذلك أن حسابها يقوم من اثني عشر سهما، ألا ترى لو أن الميت لم يكن عليه دين، وقد مات عن مائة دينار لكان لهذا الخمسمائة دينار من الدية خالصا، وكان له نصف المائة التي مات عنها، فصار له إذا ضمت الخمسمائة إلى المائة، ثم قسمت صار للذي لم يعف أحد عشر جزءا من اثني عشر جزءا، وللذي عفا جزء من اثني عشر جزءا، وذلك خمسون دينارا، فأحببنا أن نفرق بهذا ما يرجع به هذا الذي عفا على الذي كان لم يعف في الخمسمائة التي أخذ من الدية إذا قضيت هذه المائة الدينار التي مات عنها هذا

الغريم، فقلنا تقسم الخمسمائة على اثني عشر جزءا، فيكون للذي لم يعف أحد عشر جزءا، ويصير للذي عفا جزء، فيصير له في الجزء من الخمسمائة دينار من الاثني عشر جزءا أحد وأربعون دينارا وثلثا دينار. قال محمد بن رشد: في قوله في هذه المسألة: فيصير له في الجزء من الخمسمائة دينار من الاثني عشر جزءا تقديم وتأخير يحصل منه بعض إشكال، وصوابه فيصير له من الخمسمائة في الجزء من الاثني عشر. وهي مسألة صحيحة مثل التي تقدمت في آخر أول رسم من هذا السماع، ومضى بيانها هناك على ما نزلها فيه من الدين كان خمسمائة، والذي ترك الميت من الناض خمسمائة، وهذه ذكر فيها أن الدين مائة، والذي ترك الميت من الناض مائة، فهي على قياس تلك سواء، لأن الواجب فيها أن يكون على كل واحد منهما من المائة الدين بقدر ما يجب له من المال، والذي يجب للذي عفا من الابنين خمسون دينارا لا أكثر نصف المائة الناضة التي ترك المتوفى، ويجب للذي لم يعف خمسمائة، وخمسون نصف المائة الناضة التي تركها المتوفى، والخمسمائة التي صارت له من الدية إذا لم يعف كما عفا أخوه، فيجب على الذي عفا من الدين بقدر ما صار له من المال، وذلك نصف سدسه: ثمانية وثلث، يبقى له من الخمسين أحد وأربعون وثلثان؛ ويجب على الذي لم يعف من الدين بقدر ما صار له أيضا من المال، وذلك خمسة أسداسه ونصف سدسه: أحد وتسعون وثلثان، يبقى له من الخمسمائة وخمسين أربعمائة وثمانية وخمسون وثلث، فإن قبض صاحب الدين المائة الناضة في دينه وبقيت بين الابن الذي لم يعف الخمسمائة التي صارت له من الدية، رجع عليه الذي عفا بالواجب له من الخمسمائة إذ قد أخذ صاحب الدين المائة الناضة، وذلك أحد وأربعون وثلثان كما قال في الرواية، ويبقى للأخ الآخر من الخمسمائة أربعمائة وثمانية وخمسون وثلث، وبالله التوفيق.

مسألة: الدين يخرج من رأس المال والمدبر لا يخرج إلا من الثلث

[مسألة: الدين يخرج من رأس المال والمدبر لا يخرج إلا من الثلث] مسألة قلت: فلو قتل وله وليان وله مدبر، فعفا أحد الوليين عن الدم والدية، وأخذ الآخر الدية خمسمائة دينار، ولم يترك إلا المدبر وحده. قال: (كذا) مخالف للدين، لأن الدين يخرج من رأس المال، والمدبر لا يخرج إلا من الثلث. ويقال للذي عفا كم كان يكون لك من هذا المدبر لو لم يكن دية ولا غيره ولم يترك مالا سواه؟ قلنا له: ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، لأن قيمة المدبر مائة دينار، قلنا: فالمدبر سيتم عتقه في الخمسمائة دينار، فيعتق المدبر ويرجع هذا على صاحبه الذي لم يعف وأخذ الخمسمائة دينار بثلاثة وثلاثين وثلث دينار، ولا يكون سبيله هاهنا سبيل الذي مر كما قال من قال بفض قيمة المدبر على الخمسمائة دينار، وهذا خطأ، لا يكون الذي عفا أحسن حالا إذا لم يعف صاحبه وأخذ الدية منه لو قتلاه جميعا، ولم يأخذا دية، ألا ترى أنهما لو قتلاه لم يكن له إلا ثلاثة وثلاثون وثلث، ولصاحبه ثلاثة وثلاثون وثلث، ويعتق منه ثلاثة وثلاثون وثلث؟ فهذا أبين من ذلك، وهو الصواب - إن شاء الله -. وهذا كله إذا كان القتل عمدا، لأن العمد لم يعف الذي عفا عن مال وإنما عفا عن دم، فلذلك جاز عفوه ولم يضمن الدين. وأما إذا كان خطأ فليس لأحد عفو حتى يخرج الدين ويخرج ثلث ما

بقي بعد الدين للمدبرين ولأهل الوصايا وإن أحاطت وصاياهم بذلك أو بما أحاطت منه، ويكون ما بقي ميراثا لورثته يجوز عفوهم وقضاؤهم فيه، وأما إذا كان القتل عمدا فعفوا عن جميع الدم والدية فليس لأهل الدين ولا للمدبرين ولا لأهل الوصايا قليل ولا كثير، لأنهم إنما عفوا عن دم ولم يعفوا عن مال. قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: هذا مخالف للدين؛ لأن الدين يخرج من رأس المال والمدبر لا يخرج إلا من الثلث، صحيح في أنهما يفترقان في أن أحدهما من الثلث والآخر من رأس المال، إلا أنهما وإن افترقا في هذا فهما يجتمعان في أنهما جميعا مفضوضان على ما علم به الميت من المال وعلى ما لم يعلم به مما أخذه أحد الوليين من الدية، فالقياس في المدبر أن يكون سبيله سبيل الدين، كما قاله بعض من قاله، فيفض قيمة المدبر على الخمسمائة دينار يريد وعلى قيمته، فإن كانت قيمته في التمثيل مائة عتق منه سدسه في قيمته وخمسة أسداسه في الخمسمائة، فيرجع الذي عفا على الذي لم يعف وأخذ الخمسمائة بخمسة أسداس قيمة المدبر، ولا يمتنع أن يكون الذي عفا في هذا أحسن حالا إذا لم يعف صاحبه وأخذ الدية منه أو قتلاه جميعا، ولم يأخذا دية ولو عفيا جميعا ولم يأخذ واحد منهما دية كما لم يمتنع أن يكون في الدين أحسن حالا إذا أخذ أحدهما دية منه إذا قتلا جميعا، ولم يأخذا دية ألا ترى أنه لو ترك مائة وعليه دين مائة إن قتلاه جميعا لم يحصل له من المائة شيء؛ لأن الدين يكون أولى بها وأن أخذ أحدهما دية كان الدين مفضوضا على المالين فيحصل له نصف ما بقي منهما بعد ما نابهما من الدين، فقول المخالف هذا القياس، وقول ابن القاسم استحسان. وقوله: وهذا كله إذا كان القتل عمدا إلى آخر المسألة صحيح بين لا إشكال فيه ولا موضع للقول، لأن الدية في الخطأ واجبة.

: الأب والبنات إذا اجتمعوا في دم العمد

فعفو المقتول خطأ عن دمه وصية منه بالدية يكون في ثلثه، وعفو من عفا من الورثة هبة لما وجب له منها بالميراث، وكذلك إن عفوا كلهم فلا يصح عفوهم إلا بعد أداء الدين وتنفيذ الوصايا. وأما دية العمد فليست بواجبة فعفو الميت عن دمه جائز، وكذلك عفو الأولياء وعفو من عفا منهم. فإن أوصى الميت بقبول الدية ورثت عنه على سبيل الميراث وأخرجت منها الديون وجرت فيها الوصايا، وإن عفا الأولياء فيها أو أحدهم على حظه منها دون من سواه كان حكمها أو حكم ما أخذ منها حكم مال طرأ للميت تؤدي منه الديون، ولا يدخل فيها من الوصايا إلا المدبر حسبما تقدم في المسألة التي قبل هذه وبالله التوفيق. [: الأب والبنات إذا اجتمعوا في دم العمد] ومن كتاب الجواب وسألته عن الأب والبنات إذا اجتمعوا في دم العمد فكان ما تقدم في المسألة التي قبل هذه بقسامة أو بينة من أولى بأخذ القود أو بالعفو؟ عن الجدود والأخوات على مثل ذلك؟ قال ابن القاسم: قال مالك: إذا اجتمع البنون والبنات في دم العمد وإن كان ببينة فلا كلام مع البنين فيه في عفو ولا قيام بالدم، والبنون أولى بذلك كله، وكذلك الإخوة والأخوات سواء يجرون إذا اجتمعوا مجرى البنين والبنات في ذلك كله لا اعتراض للأخوات مع الأخوة إذا كانوا كلهم في القعدد سواء في عفو ولا قيام، قال ابن القاسم: وإذا اجتمع الأب والبنات فلا عفو للبنات إلا به، ولا له إلا بهن، وأي الفريقين قام بالدم فهو أولى به الأب كان أو البنات، وإن كان الأب والأم فقط فلا حق للأم معه ولا كلام في عفو

ولا قيام، والأب هو أولى، وإذا كان الأب والإخوة والأخوات فعلى مثل ذلك أيضا لا اعتراض لهم معه بوجه من الوجوه في عفو ولا قيام والأب هو أولى، وإذا كان الأب والولد الذكور فلا حق للأب معهم في عفو ولا قيام بوجه من الوجوه، وهم أولى، والجد مع الإخوة يجري مجرى أخ إن عفا جاز عفوه عليهم والجد مع الأخوات أخ لا كلام لهن معه في عفو ولا قيام، وهو أولى بالعفو والقيام، قال عيسى: يعني إذا عفا الجد أنه لا سبيل للأخوة إلى الدم غير أن لهم نصيبهم من الدية، قال: والجد والبنات بمنزلة الأب والبنات لا عفو لهن إلا به ولا له إلا بهن ومن قام بالدم فهو أولى، والجد والولد الذكور لا كلام له معهم في ذلك بوجه من الوجوه ولا عفو ولا قيام، وهم أولى بذلك منه، والأم والإخوة لا عفو لها إلا بهم ولا لهم إلا بها، وأيهم قام بالدم فهو أولى الأم أو الأخوة والأم والأخوات والعصبة إن اجتمعت الأم والعصبة على العفو جاز ذلك، وإن كره ذلك الأخوات، وإن اجتمع الأخوات والعصبة على العفو وأبت الأم فالأم أولى بالقتل، وتقتل ولا ينظر إلى عفو الأخوات إذا أبت الأم لأن الأم أقعد من الأخوات وأقرب، وإنما الدم للأقعد فالأقعد والبنات والأم والعصبة إن عفا البنات والعصبة جاز على الأم وإن كرهت، وإن عفت الأم والعصبة لم يجز إلا بالبنات، ولا تجري الأم هنا مجرى ابنة عفت؛ لأن البنات أقعد وأقرب من الأم، وإن عفت واحدة من البنات وواحد من العصبة جاز على من بقي وسقط القتل، والبنات والأخوات إذا اجتمعن فلا كلام للعصبة معهن ولا حق في قيام ولا عفو لأنهن قد أحرزن الميراث كله، وذلك إذا كان القتل ببينة، فأما إن كان بقسامة فلا حق للنساء فيه بوجه من الوجوه ولا كلام لأنهن لا يحلفن فيه، وإنما العصبة هي

التي تستحقه بأيمانها، والجدة لا تجري مجرى الأم في شيء من الأشياء مما يكون لها في عفو ولا قيام لا جدة الأم ولا جدة الأب. قال محمد بن رشد: تحصيل القول في هذه المسائل كلها أن ترتيب الولاة في القيام بالدم كترتيبهم في ميراث الولاء وفي الصلاة على الجنائز وفي النكاح لا يشد عن ذلك على مذهب ابن القاسم إلا قوله في الجد مع الإخوة إنه بمنزلتهم في العفو عن الدم والقيام به. فأحق الناس بالقيام بدم الرجل ولده ثم ولد ولده، ثم أبوه ثم ولد الأب وهو الأخ، ثم ولذ الأخ ثم الجد ثم ولد الجد وهو العم، ثم ولده هكذا أبدا، فلا حق في القيام بالدم لأب مع الولد ولا مع ولده لولد الولد مع الولد ولا للأخ مع الأب ولا لولد الأخ مع الأخ، ولا للعم مع الجد ولا لولد العم مع العم. فإذا اجتمع الأولياء في درجة واحدة بنون أو إخوة أو بنو أخوة أو أعمام أو بنو أعمام فعفا أحدهم ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها - أن عفو من عفا منهم يبطل الدم والدية كان عفوه قبل القسامة أو بعدها. والثاني - أن عفوه يبطل الدم ولا يبطل الدية كان العفو أيضا قبل القسامة أو بعدها. والثالث - أنه إن كان قبل القسامة أبطل الدم والدية، وإن كان بعد القسامة أبطل الدم، وكان لمن بقي حظه من الدية حسبما مضى بيانه في آخر أول رسم من سماع أشهب. وأما النساء فلا حق لمن لا ميراث لها منهن في القيام بالدم كالعمات وبنات الإخوة وبنات الأعمام ومن أشبههن من القرابات ولا لمن يرث منهن ممن لو كان في مرتبتها رجل لم يرث بالتعصيب، وهن الأخوات لأم ولا لمن يرث منهن، ولو كان رجل في مرتبتهما ورث في حال دون حال، وهن الزوجات والجدات لأنهن لا يرثن إن كن من قوم المتوفى، وكذلك الأم عند ابن الماجشون وسحنون، لأنها قد تكون من قوم آخرين خلاف مذهب ابن القاسم في أن لها حقا في الدم لكونها بمنزلة الأب في القرب. وأما ما يرث منهن لو كان في مرتبتها رجل ورث مثل البنات والأخوات

والأمهات فلهن في القيام بالدم حق، ولا يخلو أمرهن من ثلاثة أحوال: أحدها - أن يكن مع من هو بمنزلتهن من الرجال كالبنات مع البنين، والأخوات مع الإخوة أو الأب مع الأم أو مع من هو أقرب منهن كالأخوات مع البنين. والثانية - أن يكون مع من هو أبعد منهن إلا أنه وارث معهن كالبنات مع الأب والأم مع الإخوة. والثالثة - أن يكون أيضا مع من هو أبعد منهن إلا أنه لا ميراث له معهن كالبنات والأخوات مع العصبة. فأما إذا كن مع من هو بمنزلتهن أو أقرب منهن كالبنات مع البنين أو الأخوات مع الإخوة أو مع البنين فلا حق لهن مع الرجال في عفو ولا قود، والرجال أحق منهن بالقيام بالدم والعفو عنه. وأما إذا كن مع من هو أبعد منهن إلا أنه وارث معهن كالأم مع الإخوة، والبنات مع العصبة فمن قام بالدم منهن كان أولى ممن عفا، إن عفت الأم فالإخوة أحق بالقود، وإن عفا الإخوة فالأم أحق بالقود، وإن عفا البنات فالعصبة أحق، وإن عفا العصبة فالبنات أحق بالقود إلا أن يكون بعض النساء أقرب من بعض كالأم أو البنت مع الأخوات والعصبة أو كالبنت مع الأم والعصبة، فيكون للأقرب منهن العفو إذا اجتمعت على ذلك مع العصبة. وأما إن كن مع أبعد منهن إلا أنه لا ميراث له معهن كالأخوات والبنات مع العصبة، فإن اجتمعت البنات والأخوات على القتل أو العفو فهن أولى بذلك من العصبة لانفرادهن بالميراث دونها، فإن افترقن فأراد بعضهن القتل وبعضهن العفو رجع الأمر إلى العصبة فيما أرادوه من قتل أو عفو هذا كله سواء على مذهب ابن القاسم في المدونة ثبت الدم ببينة أو بقسامة وفي ذلك ثلاثة أقوال - قد مضى تحصيلها في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم. أحدها - قوله في هذه الرواية إن الدم إذا استحق بقسامة فلا حق للنساء في ذلك مع العصبة في عفو ولا قيام، لأنها هي التي استحقته بأيمانها، واختلف في الجد مع الأخوة، فذهب ابن القاسم إلى أنه بمنزلة أخ عفا منهم جاز عفوه على من

مسألة: يقول الرجل من إحدى الطائفتين أنا قتلته من غير طائفته

بقي، وأنه أحق من بينهم قياسا على الميراث، وذهب أشهب إلى أن الإخوة وبنيهم أحق من الجد وهو الأظهر، لأن ترتيب الولاة في الدماء إنما هو على حسب ترتيبهم في ميراث الولاء لا في ميراث المال ولا مدخل للزوج في ذلك بسبب الميراث بإجماع. وأما قول ابن القاسم في هذه الرواية إن الجدة لا تجري مجرى الأم في شيء من الأشياء، مما يكون لها في عفو ولا قيام لا جدة الأب ولا جدة الأم فهو على ما قسمناه من أنه لا حق في الدم لأحد من النساء إلا لمن يرث منهن ممن لو كان في مرتبتها رجل وارث، وابن الماجشون وسحنون يقولان إن الأم كالجدة لا حق لها في الدم مع العصبة لأنها من قوم آخرين وبالله التوفيق. [مسألة: يقول الرجل من إحدى الطائفتين أنا قتلته من غير طائفته] مسألة وسألته عن الطائفتين يقتتلون فيفترقون على قتلى وجرحى فيقول الرجل من إحدى الطائفتين أنا قتلته من غير طائفته ما الأمر في ذلك؟ قال ابن القاسم ولاة المقتول مخيرون إن شاءوا قتلوه بإقراره، وإن شاءوا تركوه وألزموهم الدية، لأنه يتهم بإقراره في طرح الدية التي قد وجبت عليه وعلى طائفته وأصحابه. قال محمد بن رشد: الجواب في هذه المسألة بين صحيح، والتعليل ضعيف إذ لو اتهم في إقراره لما ألزمه وهو له لازم على كل حال إن شاء ولاة المقتول أن يأخذوه به ويقتلوه كان ذلك لهم على ما قال، وإنما هو مقر على نفسه وشاهد بالبراءة لغيره فيلزمه إقراره على نفسه ولا تجوز شهادته بالبراءة للطائفة التي نازعت المقتول من قبله لأنه ليس بشاهد على فعل، وإنما هو شاهد على نفي فعل والشهادة بالنفي ليست بعامله.

مسألة: لا قسامة فيمن قتل بين الصفين

[مسألة: لا قسامة فيمن قتل بين الصفين] مسألة وإن افترقوا عن قتيل وزعم المقتول أن دمه قبل رجل من الطائفة التي نازعوه ونازعوا أصحابه، وأنه هو الذي ضربه أو قتله أو يشهد لهم بذلك شاهد واحد عدل كانت فيه القسامة مع شهادة الشاهد ومع قول المقتول أيهما كان، وإنما تفسير قول مالك لا قسامة فيمن قتل بين الصفين، إنما ذلك إذا لم يكن بكلام من المقتول، ولا بشهادة شاهد، وكان بدعوى من ولاة المقتول بأن يقولوا فلان قتله لرجل من غير طائفته، أو يقولوا إنما جاء قتله من قبل هذه الطائفة التي قاتلوه، لأنه يعلم أنهم الذين قاتلوه وقاتلوا أصحابه، فلم يمحضهم قتله فنحن نريد أن نقسم ونقتل واحدا منهم فليس لهم ذلك، ولا قسامة فيمن قتل بين الصفين إلا بكلام من المقتول إن سمى من قتله أو يقوم شاهد عدل على من قتله منهم، قال سحنون: قال: لي ابن القاسم فيمن قتل بين الصفين فشهد على قتله رجل واحد أو على إقراره فلا قسامة فيه. قال سحنون وسألت ابن القاسم عمن يوجد قتيلا بين الصفين، قال مالك لا قسامة فيه وديته على الذين نازعوهم، قيل له: على عواقلهم أو في أموالهم؟ قال بل في أموالهم، قيل له: فإن عرف من قتله منهم أيقتل به؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: القتيل الذي وجد بين الصفين إنما كانوا قوما يقاتلون على تأويل] مسألة قيل له فإن كان القتيل الذي وجد بين الصفين إنما كانوا قوما

يقاتلون على تأويل؟ قال: فليس على الذين قتلوه قتل وإن عرفوا، قيل له فديته هل عليهم منها شيء؟ قال: لما سقط القتل عنهم سقطت الدية عنهم، وليس أهل التأويل كغيرهم. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في الأثر من كتاب الجهاد من المدونة من قول ابن شهاب: هاجت الفتنة الأولى فأدركت رجالا ذوي عدد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فكانوا يرون أن يهدر أمن الفتنة فلا يقام على أحد قصاص ولأحد في سبي امرأة مست ولا يرى بينها وبين زوجها ملاعنة يريد إن نفى ولدها ولا يرى أن يقفوها أحد إلا جلد الحد، ومثله روى مطرف وابن الماجشون عن مالك أنه لا يقتل به ولا يقاد منه، ومن أهل العلم من يرى أنه يقاد به ويقتص منه، وهو قول أصبغ ومذهب عطاء، وهذا الاختلاف في القصاص منه سواء تاب أو أخذ قبل أن يتوب، ولا يقام عليه حد الحرابة وإن أخذ قبل أن يتوب ولا يؤخذ ما أخذ من المال وإن كان موسرا إلا أن يوجد بيده شيء بعينه فيرد إلى ربه، وأما من أوسر منهم في الحرب وهي قائمة لم يظهر بعد على أهل رأيه فللإمام أن يقتله إن رأى ذلك، لما يخاف من أن يعين مع أصحابه على المسلمين. وإن كان ذلك بعد انقطاع الحرب والظهور على أهل رأيه فإنه لا يقتل، وحكمه حكم البدعي في جماعة المسلمين، الذي لا يدعوا إلى بدعته يستتاب في قول مالك، فإن تاب، وإلا قتل وهو قول مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ، وقال ابن الماجشون وسحنون ينهي عن بدعته ويؤدب عليها ويستتاب ويقبل منه ما أظهر من قليل التوبة وكثيرها، ولا يقتل وهو قول عطاء وبالله التوفيق.

: يطلب الرجل بالسيف فيعثر المطلوب قبل أن يضربه فيموت

[: يطلب الرجل بالسيف فيعثر المطلوب قبل أن يضربه فيموت] ومن كتاب باع شاة وسألته عن الرجل يطلب الرجل بالسيف فيعثر المطلوب قبل أن يضربه فيموت قال: أرى أن يقتل به، وقال أبو حمزة عن المخزومي مثله. قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون، وهو بين لا أعرف فيه نص خلاف في المذهب، ويدخل فيه الاختلاف بالمعنى لأنه من شبه العمد الذي اختلف في وجوب القصاص منه على ما مضى في أول سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: رمي بحجرعمدا فيتقيه المرمى فيرجع الحجر فيصيب آخر فيقتله] مسألة وسألته عن الرجل يرمي بحجر عمدا فيتقيه المرمى فيرجع الحجر فيصيب آخر فيقتله. قال: إن كان إنما اتقى عن نفسه من غير أن يرد الحجر بشيء فعقله على الرامي، وإن كان دفع الحجر عن نفسه بشيء فرده حتى أوقعه على غيره فديته على المرمي وليس على الرامي شيء. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المجموعة من رواية علي بن زياد عن مالك، قال فيمن رمى رجلا بحجر فاتقاها بيده فرجع الحجر فأصاب رجلا فعلى الذي رده العقل، وهو من الخطأ، وقال أصبغ في الواضحة: بل ذلك على الرامي دون المرمي وأن دفع الرمية، إذ لا يتقي الرمية إلا بدفعها، وكما لو طلبه بسيف فهرب منه فوقع على صبي فقتله أو على شيء فكسره، فذلك على طالبه وهو من الخطأ إلا أن يعثر المطلوب نفسه فيموت فيكون فيه القود، وكذلك دافع الحجر عن نفسه بشيء بيده أو رجع الحجر عنه لشأنه

: حلفتا خمسين يمينا فأخذتا ثلثي الدية ثم نزعت إحداهما

فأصاب رجلا غير المرمى فذلك من الخطأ وهو على الرامي فإن أصاب المرمي فهو من العمد إلا أن يكون الحجر قد كان قد مغره وانكسر حده قبل أن يرده فيكون على المرمى، وكذلك لا اختلاف أيضا إذا اتقى الحجر، ولم يرده أنه على الرامي، وإنما الاختلاف إذا دفعه من نفسه في اتقائه إياه وكيف ما كان فهو من الخطأ إلا أن يكون المرمي هو الذي مات فهو من العمد وبالله التوفيق. [: حلفتا خمسين يمينا فأخذتا ثلثي الدية ثم نزعت إحداهما] ومن كتاب العلق وسألته عن امرأة أقسمت خميس يمينا في قتل خطأ فأخذت قدر حصتها من الميراث ثم أنها نزعت وندمت وردت ما أخذت على الذي أقسمت عليه ثم أتت أخت لها فقالت: أنا أقسم بقدر نصيبي من الميراث. قال: أرى أن تحلف بقدر مالها من الميراث، لأن يمين الأولى حكم قد مضى لا ينقضه نزعها، ألا ترى لو أنهما حلفتا خمسين يمينا فأخذتا ثلثي الدية ثم نزعت إحداهما لم يقل للباقية استكملي خمسين يمينا وإلا فردي ما أخذت لأنه حكم قد مضى. قال محمد بن رشد: هذا بين لا إشكال فيه ولا اختلاف وبالله التوفيق. [مسألة قال عند موته قتلني فلان] مسألة وسئل عن رجل قتل خطأ فقال فلان قتلني خطأ، وقال الرجل بل قتلته عمدا أو قتلني عمدا، وقال الرجل بل قتله خطأ.

قال: قال مالك: فيمن قال عند موته قتلني فلان خطأ إنه يقسم عصبته مع قوله ويستحق الدية ولا يتهم لأنه لو قال قتلني عمدا أقسم مع قوله وقتل، قال ابن القاسم: وقد أخبرني من أثق به أنه كان قوله قديما أنه لا يقبل قوله لموضع التهمة أن يكون إنما أراد غناء ولده، فسئل عن ذلك فرجع، فقال أرى أن يقسم مع قوله ويستحق الدية، قال ابن القاسم فأما القاتل بالعمد فأرى الورثة بالخيار إن أحبوا أقسموا وأخذوا الدية، وإن أحبوا قتلوا بالإقرار، ويقسمون على ذلك إن كانت حياة. قال محمد بن رشد: القسامة في العمد مع قول المقتول دمي عند فلان لم يختلف بأنه يلزمه ويؤخذ به بإقراره قيل بقسامة وقيل بغير قسامة، ومعنى ذلك إذا كانت للمقتول حياة، وأما إذا لم تكن له حياة فيقتل بإقراره دون قسامة قولا واحدا أو قد قيل إن ذلك ليس باختلاف من القول، وإنما معناه أنه يقتل بقسامة إذا كانت الحياة له حياة، وبغير قسامة إذا لم تكن له حياة، وقد مضى هذا في أول السماع، فإذا قال الرجل قتلني فلان عمدا أو أقر القاتل بذلك، فإن لم تكن له حياة قتل بإقراره دون قسامة قولا واحدا، وإن كانت له حياة قيل يقتل بغير قسامة وقيل بقسامة وهو قوله في هذه الرواية، وقسامتهم إنما هي أن يحلفوا لقد مات من الجرح الذي أقر القاتل به، بخلاف قسامتهم يقول المقتول قتلني فلان، لأنهم يقسمون مع قوله أنه جرحه وأنه مات من جرحه. وأما القسامة في الخطأ مع قول المقتول قتلني فلان خطأ فالمشهور من قول مالك أنه لوث يوجب القسامة والدية على العاقلة، وقد حكى ابن القاسم فيما بلغه عنه على ما وقع في هذه الرواية أن قوله لا يقبل لموضع التهمة أن يكون أراد غناء ولده، وهو قول ابن وهب وابن أبي حازم من أصحاب مالك، وقد قال محمد بن المواز لم تثبت عندنا الرواية في منع القسامة مع قوله إلا في

قول الرجل أنا قتلت فلانا خطأ، وأما قوله قتلني فلان خطأ أو عمدا فما علمنا فيه اختلافا من قول مالك وأصحابه كلهم إلا ابن وهب. واختلف إذا قال الرجل قتلت فلانا خطأ: فقيل إنه لوث يوجب القسامة والدية على العاقلة إذا لم يتهم أن يكون أراد غناء ولد المقتول على ما قاله في المدونة، وقيل إن الدية تكون عليه في ماله لأن العاقلة لا تحمل الإقرار قيل بقسامة وقيل بغير قسامة، وذلك إذا كانت للمقتول حياة، وأما إذا لم تكن له حياة فالدية عليه في ماله دون قسامة قولا واحدا هو الذي يجب أن يحمل عليه ما وقع من ذلك في كتاب الصلح من المدونة مجملا، وهذا الذي ذكرناه أصل هذه المسألة التي تنبني عليه، فإذا قال الرجل قتلني فلان خطأ، وقال فلان بل قتلته عمدا فعلى المشهور من المذهب أن قول المقتول قتلني فلان خطأ لوث يوجب القسامة والدية على العاقلة، يكون عصبة المقتول بالخيار بين أن يقتلوه بإقراره دون قسامة إن لم تكن له حياة، أو مع القسامة إن كانت له حياة على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك، وبين أن يقسموا مع المقتول فتكون الدية على عاقلته. وإذا قال قتلني فلان عمدا، وقال فلان بل قتلته خطأ فعلى القول بأن قول الرجل قتلت فلانا خطأ لوث يوجب القسامة والدية على العاقلة يكون الأولياء مخيرين بين أن يقسموا مع قول المقتول فيقتلوا القاتل وبين أن يقسموا مع قوله فتكون لهم الدية على عاقلته، وعلى القول بأن قول الرجل قتلت فلانا خطأ يوجب الدية عليه في ماله يكون الأولياء مخيرين بين أن يقسموا مع قول المقتول فيقتلوا القاتل وبين أن يلزموا القاتل الدية في ماله بإقراره بالقتل دون قسامة إن لم تكن له حياة أو مع قسامة إن كانت له حياة على ما ذكرنا من الاختلاف في القسامة في ذلك، فهذا بيان وجه القول في هذه المسألة مستوفى.

مسألة: ادعى أن رجلا سقاه سما

[مسألة: ادعى أن رجلا سقاه سما] مسألة وسئل ابن كنانة عن رجل ادعى أن رجلا سقاه سما وأشهد رجالا وقال لهم اشهدوا أن فلانا سقاني سما، وهو في جوفه فإن مت فدمي عنده، هل تكون القسامة في ذلك؟ قال: لا تكون القسامة في مثل هذا إلا في الضرب المشهود عليه أو الإشارة البينة من الجراح والضرب. قال محمد بن رشد: قول ابن كنانة هذا في أن التدمية لا تكون عاملة إلا مع الشهادة على الضرب أو الآثار البينة منه أو من الجراح خلاف قول ابن القاسم في سماع أبي زيد ودليل قوله في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى وقول ابن كنانة إلا في الضرب المشهود عليه يريد الضرب الذي يثبت بالشهادة، فلو شهد على قوله شاهد واحد أنه ضربه فمات من ضربه، ولم يظهر به أثر منه أو أنه سقاه سما فمات منه ولم يظهر لذلك أثر من قيء أصابه منه لم يكن في ذلك قسامة كما لا يكون القسامة بذلك مع قول المقتول، وقال أصبغ: إن القسامة منه تكون في ذلك مع قول المقتول كما تكون فيه مع الشاهد الواحد. فاحتجاج أصبغ لا يلزم ابن كنانة وإنما يلزم من يفرق بين الوجهين. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها - أن القسامة لا تكون إذا لم يكن بالمقتول أثر لا بشهادة واحد ولا بقول المقتول، وهو قول ابن كنانة. والثاني - أن القسامة تكون لأولياء المقتول في الوجهين جميعا، وهو قول أصبغ. والثالث - أنهم يقسمون في ذلك مع الشاهد الواحد ولا يقسمون فيه مع قول المقتول، وإذا أعملت، التدمية على نص رواية ابن زيد ودليل رواية يحيى دون أثر من جرح أو ضرب يكون بالمدمي فإنما تعمل بعد موته في إيجاب قتل

المدمى عليه بالقسامة، وأما في حياته فلا يلزم المدمى عليه بالتدمية سجن لأنه يتهم أن يكون أراد سجنه بدعواه. وقول ابن كنانة في أن التدمية لا تعمل أصلا أظهر من قول ابن القاسم للاختلاف في أصل التدمية إذ لم يتابع مالكا على قوله في إيجاب القود بها إلا أصحابه وبالله التوفيق لا شريك له وصلى الله على من لا نبي بعده. انتهى كتاب الديات الأول بحمد الله تعالى

: كتاب الديات الثالث

[: كتاب الديات الثالث] [: أيلزم القاتل عمدا من أهل الذهب والورق إذا قتل] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم وأشهب وابن نافع من كتاب الصبرة قال يحيى: وسألت أشهب عن تغليظ الدية في مثل ما فعل المدلجي بابنه أيلزم القاتل عمدا من أهل الذهب والورق إذا قتل

مسألة: النفر يجرحون الرجل فيحمل مجروحا فيموت

أجنبيا أن تغلظ عليه بقدر فضل ما بين أسنان دية الخطأ من الإبل؟ فقال: نعم إذا قتل الرجل الرجل عمدا فقبلت منه الدية، وهو من أهل الذهب والورق، نظرت إلى قيمة أسنان دية الخطأ، ثم قيمة أسنان دية العمد؛ فإذا عرفت ما بينهما من الفضل فإن كان خمس الدية أو سدسها أو عشرها أو جزءا من أجزاء الدية كائنا ما كان ذلك؛ فإنه يزاد على قاتل العمد بقدر ذلك مع الألف دينار إن كان من أهل الذهب أو الاثنا عشر ألف درهم إن كان من أهل الورق، فهذا تغليظها في هذا الوجه، وهو على قياس تغليظ الدية في مثل ما حكم به عمر بن الخطاب في المدلجي في ابنه، وعلى هذا الحساب تغليظ عقل الجراح في العمد إلا أن يصطلحوا على أمر يجوز بينهم، وسألت ابن نافع عنه فقال: لا تغليظ عندنا إلا في مثل ما صنع عمر بن الخطاب بالمدلجي. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول مسألة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: النفر يجرحون الرجل فيحمل مجروحا فيموت] مسألة وقال في النفر يجرحون الرجل فيُحمل مجروحا فيموت فتجب القسامة عليهم: إنهم لو أقروا بقتله أجمعون لم يكن لهم أن يقتلوا منهم أحدا حتى يقسموا على أيهم أحبوا فقط، فيقتلونه، ولا يكون لهم وسائرهم بالإقرار، قال: وكذلك إذا لم يقر منهم إلا واحد قال: أنا قتلته لم يكن لهم أن يقتلوه حتى يقسموا عليه، ولا أن يقسموا على غيره، ويقتلوا المقر بإقراره، وليس لهم أن يقسموا إلا على واحد منهم فيقتلونه كما لو لم يقروا أو لم يقر أحد منهم.

مسألة: أيجوز للإمام أن يعفو عن القاتل

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: أيجوز للإمام أن يعفو عن القاتل] مسألة وسئل على المسلم يقتل المسلم عمدا الذي لا ولي له إلا المسلمون أيجوز للإمام أن يعفو عن القاتل؟ قال: لا ينبغي له أن يهدر دم المسلم، ولكن يستقيد منه، قيل فالنصراني يقتل النصراني عمدا الذي لا ولي له إلا المسلمون ثم يسلم القاتل أترى أن يقتل به؟ قال: العفو عن مثل هذا أحب إلي من قتله، وذلك أن حرمته إذا أسلم أعظم من حرمة الكافر المقتول، قال: ولو كان للمقتول أولياء كان لهم القود؛ لأنهما كانا على دين واحد يوم قتله، فإذا صار أمره إلى الإمام فالعفو عندي أعجب إلي وإن كان القود قد لزمه، قيل له أفيعفو على أخذ الدية للمسلمين أو بغير دية. قال محمد بن رشد: لم يجب عما سأله عنه من العفو الذي اختاره هل يكون على أخذ الدية للمسلمين أو بغير دية، والجواب عن ذلك على قوله أن يعفو عندي بغير دية للمسلمين، والدليل على أن ذلك مذهبه في هذه الرواية تفرقته فيها بين المسلم الذي يقتل المسلم ولا ولي له إلا المسلمون وبين النصراني يقتل النصراني ثم يسلم القاتل ولا ولي للمقتول إلا المسلمون، فقال في المسلم يقتل المسلم الذي لا ولي له إلا المسلمون إنه لا يجوز للإمام أن يعفو عن القاتل، وقال في النصراني يقتل النصراني ثم يسلم القاتل ولا ولي للمقتول إلا المسلمون: العفو أحب إليه فيه، فلو كان لا يجوز له أن يعفو عنه إلا على الدية لكان ذلك كالمسلم يقتل المسلم سواء؛ إذ ليس للإمام أن يعفو عنه إلا على دية يأخذها منه للمسلمين إن رأى ذلك على وجه نظر لهم، وعلى ما

مسألة: ارتحل عن البلدة التي وجبت فيها الدية على الجاني قبل فرضها

تقدم من قوله في رواية عيسى عنه في أول سماعه لا يجوز له أن يعفو عنه إلا على الدية يأخذها منه إن كان له مال، وقد مضى بيان هذا هنالك وبالله التوفيق. [مسألة: ارتحل عن البلدة التي وجبت فيها الدية على الجاني قبل فرضها] مسألة وسألته عن عاقلة الرجل من أهل المدينة يقع عليهم عقله فيرتحل منهم رجال من أهل المدينة إلى مصر بعد وجوب الدية عليهم وقبل أن تقسم، أو يرتحل رجال من أهل مصر من قبيلتهم وقد وقعت الدية على أهل المدينة قبل ارتحال المصريين إليهم ولم يقسم بعد عليهم، قال: لا ينظر إلى ارتحال بعضهم إلى بعض قبل أن يقسم عليهم، فإنا نقول: إنما تجب الدية على من يوجد بالبلد الذي تجب على أهله يوم يقسم، وليس يوم يقع الحكم على العاقلة بغرم الدية. قلت: وما أسقطها على المرتحل وقد وجبت على عاقلته وأهل بلده قبل أن يرتحل عنهم؟ فقال: لأنها ليست بدين واجب عليه، ألا ترى أن الغرماء لا يحاصهم طالب الدية وهم يُبَدَّوْنَ عليه؟ (قلت: أرأيت من مات من بعدما تقسم الدية) ويعلم ما وجب عليه أيؤخذ ذلك من رأس ماله؟ قال: لا أرى ذلك على ورثته ولا في ماله واجبا؛ لأنه ليس يجب كوجوب الدين فيتبع به بعد موته، قلت: ولم لا نجعله في ماله بعد إخراج دينه كما تفرضها على الحي الذي لا دين عليه وقد كانت وجبت عليه وعرف ما كان يلزمه من الغرم مع عاقلته؟ قال: لا أرى أن تؤخذ من ماله، ولكن يرد غرم ذلك إلى بقية العاقلة، قلت: أيقسم عليهم أجمعين أم يجزأ على

أهل الغنى منهم، ويرى أن يؤخذ ذلك الجزء الذي يقتضي من عام قابل؟ فقال: أعدل ذلك ألا يؤخر لقابل من الجزء الأول بشيء، ولكن يجبر غرم ذلك على أهل الغنى من العاقلة. قال محمد بن رشد: أما من ارتحل عن البلدة التي وجبت فيها الدية على الجاني قبل فرضها فلا اختلاف أحفظه في أنه لا شيء على المرتحل قبل فرضها إلا أن يرتحل فرارا منها فيلحقه حكمها حيث كان، وذلك يروى عن ابن القاسم وغيره، وكذلك من مات قبل فرضها لم يلزمه شيء من حكمها، ومن ارتحل إلى ذلك البلد من قبيل الجاني قبل فرض الدية لزمه حكمها، وإن كان ارتحاله بعد وجوبها، فإن ارتحل إليه بعد فرضها لم يلزمه شيء من حكمها؛ لأن الحكم في الدية أن تفرض على من كان في بلد الجاني من قبيلته يوم فرضها حيا بالغا ذكرا عاقلا غير مجنون، وأما إذا وضعت ووظفت فلا يسقط عمن غاب أو ارتحل ما صار عليه منها، ويؤخذ به حيثما كان. واختلف إن أعدم على قولين، أحدهما: أنها تسقط عنه بالعدم ولا يحاص بها الغرماء ويرد ذلك على بقية الغرماء العاقلة أو يجزأ على الأغنياء منهم على ما اختاره ابن القاسم في هذه الرواية، والثاني أنه يتبع بما لزمه منها في ذمته ولا يرجع ذلك على العاقلة، وهو مذهب ابن الماجشون وسحنون. واختلف إن مات على ثلاثة أقوال، أحدها قوله في هذه الرواية: إنها لا تؤخذ من ماله وإن كان له مال، ويرد غرم ذلك على بقية العاقلة أو يجزأ على أهل الغنى والوفر منهم، والثاني: أنها تؤخذ من ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال أو كان له مال وعليه دين يستغرق ماله سقطت، ولم يحاص بها الغرماء، وجزئت على بقية العاقلة أو على أهل الغنى منهم، والثالث: قول ابن الماجشون وسحنون أن الدية إذا فرضت على العاقلة فقد وجبت على من فرضت عليه كثبات الدين لا يسقط بموت ولا فلس، فيتبع بها العديم في ذمته

: وجبت لهم القسامة على نفر فأقسموا على أحد منهم ثم ادعوا أنه شبه لهم

ويحاص لها الغرماء في الموت والفلس، ولا يؤتنف ذلك في حكم بعدم أحد ممن فرض عليه ولا بموته ولا بيسر من لم يفرض عليه شيء منها لعدمه وبالله التوفيق. [: وجبت لهم القسامة على نفر فأقسموا على أحد منهم ثم ادعوا أنه شبه لهم] ومن كتاب يشتري الدور والمزارع قال: وسألته عن أولياء مقتول وجبت لهم القسامة على نفر فأقسموا على أحد منهم ثم ادعوا أنه شُبِّهَ لهم، وأنهم أيقنوا أن أحد الباقين كان هو الذي تولى أشد ما كان بصاحبهم من الجراحات، وأرادوا أن يقسموا عليه ويتركوا الأول أذلك لهم؟ فقال: أما الثاني فلا سبيل إليه بعد تركهم إياه ولا حين خيروا، وأما الأول فإن كانوا أبروه حين زعموا أن الآخر بصاحبهم فلا سبيل لهم إليه أيضا ولا يقسموا على واحد منهم وإن كانوا إنما أرادوا أن ينتقلوا إلى الآخر غضبا عليه وندامة على فوت قتله ولم يبروا الأول وأوقفوا أمره لينظروا، هل يمكنون مما دعوا إليه أم لا؛ فلهم أن يقتلوه بقسامتهم إن أحبوا؟ قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله إن تبين أحد الأمرين من إرادتهم بإفصاح منهم به، وأما إن أشكل ذلك ووقع التداعي بينهم فيه فالقول قولهم مع أيمانهم أنهم لم يبروا الأول ويكون لهم أن يقتلوه بقسامتهم، وبالله التوفيق.

مسألة: يقتل الرجلين عمدا فيثبت ذلك عليه فيصالح أولياء أحد القتيلين ويأبى الآخر

[مسألة: يقتل الرجلين عمدا فيثبت ذلك عليه فيصالح أولياء أحد القتيلين ويأبى الآخر] مسألة وسئل عن الرجل يقتل الرجلين عمدا فيثبت ذلك عليه فيصالح أولياء أحد القتيلين على الدية وعفوا عن دمه، وأبى أولياء الآخر إلا أن يستقيدوا، فقال: القود لمن أحب أخذه، ولا يمنع من قتله الولي الذي لم يرد إلا القتل من أجل ما رضي به الذين صالحوا عن صاحبهم، ولكن إن استقادوا بطل صلح الذين صالحوا؛ لأنهم إنما صالحهم للنجاة من القتل، فإذا أبى الآخرون إلا القود فلا يجمع عليه القتل وذهاب المال في أمر لم يدخل عليه فيه مرفق. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة هاهنا في بعض الروايات وهي ثابتة في هذا الرسم بعينه، من كتاب الدعوى والصلح، وقد مضى هناك الكلام عليها فلا معنى لإعادته. [مسألة: العبد يقتل أباه الحر عمدا فيسلمه سيده إلى أولياء المقتول فيستحيوه] مسألة وسئل عن العبد يقتل أباه الحر عمدا فيسلمه سيده إلى أولياء المقتول وهم إخوة العبد القاتل أو ولده فيستحيوه أيعتق عليهم؟ قال: لا يعتق عليهم، ولكن يباع فيعطون ثمنه، قيل له فإن جرحه عمدا فأسلمه إليه سيده أيسترقه أبوه؟ فقال: بل يعتق عليه سواء جرحه عمدا أو خطأ، قلت فإن قتله خطأ فأسلمه إلى وارثه وهو ممن إذا ملكه عتق عليه؟ قال: يعتق عليه لأنه يقدر في الخطأ ولا يقدر في العمد، قلت له: أفيرث إذا أعتق؟ قال: لا، ألا ترى إن ملكه قد كان بيد سيده حتى أسلمه بعد موت المقتول، قلت:

أرأيت إن لم يكن للمقتول مال؟ وأنتم إنما رأيتم أنه إذا أسلم في العمد لم يعتق لما مضى من السنة أنه «لا يرث قاتل مَن قتل» وقال مالك: يرث من المال في الخطأ ولا يرث في العمد ولا من المال، قلت: فإذا قتل عمدا فأسلم إلى من إذا ملكه عتق عليه فإن عتق فكأنه قد ورث؛ لأن فك رقه إنما كان فيما ملك عنه المقتول، فإذا صار يعتق فيه فكأنه قد ورث منه قلت: فالذي يقتل خطأ ولا مال للمقتول فأسلم إلى من إذا ملكه عتق عليه فقلت يعتق في الخطأ أفما تراه الآن قد عتق في دية المقتول وهو لا يرث من الدية وإن كان القتل خطأ؟ ألا ترى أن المقتول لم يورث (شيئا عن دية فلما أسلم هذا العبد ... للقاتل صار هو دية المقتول؟ فإذا أعتق على الذي أسلم إليه إنما هو كمن ورث دية من قتل خطأ، قال سحنون: وكذلك أخبرني ابن القاسم في العبد يقتل ابنه الحر كما فعل المدلجي بابنه فإن الجناية في رقبته، قلت لابن القاسم: فإن أسلمه مولاه أيعتق عليه؟ قال: لا، ولكن يباع (فيكون ثمنه لورثة) ابنه قلت له: فإن جرح ابنه فأسلمه سيده لجنايته؟ قال: يعتق لأنه حكم لأن سيده كان مخيرا، قلت وكذلك لو أنه قتل ابنه خطأ فأسلم إلى ورثته ابنه، قال: كذلك يعتق عليهم، وكل من فعل هذا فأسلم إلى بعض من إذا ملكه عتق عليه، فهو يعتق؛ لأن ذلك حكم وقع؛ لأن سيده كان مخيرا في حبسه ودفع الأرش، فلما كان دفعه إلى (أولياء المقتول حكما) عليهم بأخذه فإذا أخذوه حكم عليهم بحريته.

قال محمد بن رشد: إنما لم يعتق العبد على ورثة أبيه الحر إذا قتله عمدا فأسلم إليهم وهو ممن يعتق عليهم؛ لأنه لم يجب لهم رقبة العبد، وإنما وجب لهم قتله بأبيهم إن كانوا ولده، أو بأخيهم إن كانوا إخوته، فإن لم يريدوا أن يقتلوه بيع لهم وأعطوا ثمنه، وقال إنه يعتق عليهم إن كان قتله خطأ من أجل أن رقبة العبد هي الواجبة لهم؛ إذ لا قصاص في الخطأ، فإن أخذوها في الجناية على أبيهم عتق عليهم، فهذا هو وجه تفرقته بين العمد والخطأ في القتل، ألا ترى أنه لما كانت الجراح لا يجب فيها دم العبد، وإنما تجب فيها للمجروح رقبته إلا أن يفتكها سيده بدية الجرح استوى في ذلك العمد والخطأ، وتفرقته بين العمد والخطأ بقوله؛ لأنه يعذر في الخطأ ولا يعذر في العمد يرجع إلى هذا الذي ذكرناه من الفرق بين العمد والخطأ في القتل؛ لأن قوله: لأنه يعذر في الخطأ ولا يعذر في العمد إنما معناه أنه في القتل الخطأ يعذر فلا يقاد منه، فيجب لهم فيه رقبة العبد، وفي العمد لا يعذر فيقاد منه فلا يجب لهم فيه إلا دم العبد، ولو كانت العلة في أنه يعتق في الخطأ أنه يعذر فيه، وفي أنه لا يعتق في العمد أنه لا يعذر فيه لافترق العمد من الخطأ في الجراح أيضا. ولم يبين يحيى بن يحيى هذا الفرق وظن أن العلة في أنه لم يعتق عليه في العمد من جهة أن القاتل عمدا لا يرث من قتل، فاعترض على ابن القاسم بقتل الخطأ إذا لم يكن للمقتول مال بقوله: قلت أرأيت إن لم يكن للمقتول مال، وأنتم إنما رأيتم أنه إذا أسلم في العمد لم يعتق لما مضى من السنة أنه «لا يرث قاتل من قتل» إلى قوله: إنما هو كمن ورث دية من قتل خطأ، فلم يجبه على اعتراضه بشيء، والجواب عن ذلك أن نقول له: إنما لم نقل إنه لا يعتق من أجل ما مضى من السنة أنه «لا يرث قاتل من قتل» وإنما قلنا ذلك من أجل أنه لا يجب لهم رقبة العبد، وإنما يجب لهم دمه، وقول سحنون

وكذلك أخبرني ابن القاسم في العبد يقتل ابنه الحر كما فعل المدلجي بابنه فإن الجناية في رقبته يريد أن القتل كان يجب عليه لأنه من العمد؛ لأن القود صرف عنه في السنة فرأى أن يعتق عليهم العبد إذا أسلم إليهم لأنهم كأنهم إنما وجب لهم دمه لا رقبته إذ كان القياس أن يقتل لولا ما جاء فيه من السنة في تغليظ الدية وترك القود، وهذا من ابن القاسم في هذا الموضع استحسان، وكان القياس أن يعتق عليه لأنه أشبه بالخطأ منه بالعمد، لارتفاع القود فيه. وقد قال محمد بن مسلمة تفسير قول ابن القاسم إن الجناية في رقبته أن سيده مخير في أن يفتكه أو يسلمه، فإن اختار فكه افتكه بدية التغليظ إن كان من أهل الإبل فعليه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وإن كان من أهل الورق أو الذهب جبر عليه ما بين دية الخطأ من الإبل وبين دية التغليظ يغرمه مع الورثة من الذهب أو الورق، فإن أسلمه لم يعتق عليه في قول ابن القاسم، وفي قول سحنون وأشهب يعتق كأنه من الخطأ عندهما ليس من العمد إذا كان الورثة ممن يعتق عليهم، وإن كان فيهم من يعتق عليه وفيهم من لا يعتق عليه عتق نصيب من لزمه عتقه منهم ورق سائره للورثة، وهو قول المغيرة في التغليظ والعتق وقول محمد بن سحنون إن ما فعل المدلجي بابنه من العمد عند ابن القاسم، ولذلك لم ير أن يعتق عليه، ومن الخطأ عند أشهب وسحنون فلذلك لا يعتق عليهم عندهما فيه نظر إذ لا اختلاف بين ابن القاسم وغيره في أنه عمد لا أنه من العمد الذي قد أحكمت السنة صرف

: من لا وارث له إلا جماعة المسلمين يقتل أحدهم فلا يشهد على قتله إلا رجل واحد

القود فيه وتغليظ الدية فراعى ابن القاسم الأهل في وجوب القصاص فيه استحسانا، وراعى أشهب وسحنون ما أحكمته السنة من أنه لا قصاص فيه لأنه إذا لم يكن فيه قصاص وجب لهم ملكه إذا أسلم إليهم فوجب عتقه عليهم وهو القياس أنه لا فرق في وجوب ملكه إذا أسلم إليهم بينه وبين الخطأ المحض، وهو القياس وبالله التوفيق. [: من لا وارث له إلا جماعة المسلمين يقتل أحدهم فلا يشهد على قتله إلا رجل واحد] ومن كتاب المكاتب قال وسألته عن المنبوذ أو من لا وارث له إلا جماعة المسلمين مثل مسألة أهل الذمة وأشباههم يقتل أحدهم خطأ أو عمدا فلا يشهد على قتله إلا رجل واحد أيقسم على ذمه من قام بذلك من المسلمين أم هل ينبغي للإمام أن يأمر من يقوم به ويستحقه بالقسامة؟ فقال: لا يستحق دم من لا وراث له إلا جماعة المسلمين إلا بشهيدي عدل لا يستحق بالقسامة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إذ لا يحلف أحد عن أحد ولو كان للمقتول خطأ وارث معلوم مع جماعة المسلمين مثل الزوجة أو الابنة أو الأخت أو الأم لحلف الوارث المعلوم خمسين يمينا واستحق حقه من الدية وبطل الباقي منها وبالله التوفيق. [مسألة: جنين النصرانية يطرحه المسلم فيستهل صارخا] مسألة وسئل عن جنين النصرانية يطرحه المسلم فيستهل صارخا أيكون فيه القسامة؟ قال: لا قسامة لليهود ولا للنصارى ولا تجب دياتهم إلا بالبينة.

مسألة: شهد رجل عدل على جرح رجل فمات من ذلك الجرح

قال محمد بن رشد: قوله ولا تجب دياتهم إلا بالبينات ظاهر أن دية الجنين تبطل إذا استهل صارخا وإن كانت البينة على ضرب بطن أمه، وأن النصراني إذا قتل فأتى ولاته بشاهد من المسلمين عدل أنهم لا يحلفون مع شاهدهم، ويحلف المشهود عليه خمسين يمينا ويبرأ من الدية خلاف ما في المدونة من أنهم يحلفون مع شاهدهم يمينا واحدة ويستحقون ديته ويحلفون في الجنين إذا استهل صارخا يمينا واحدة لمات من ذلك ويستحقون ديته، ولو شهد على مذهبه في المدونة على الضرب شاهد واحد لحلفوا على الضرب وعلى أنه مات منه يمينا واحدة أيضا وخلاف ما في سماع سحنون بعد هذا من أن النصراني إذا ضرب فقال: فلان قتلني ثم مات لم يكن فيه شيء لا بقسامة ولا بيمين إلا أن يقوم شاهد واحد فيحلف ولاته يمينا واحدة ويأخذوا الدية، قال: وإلى هذا رجع، وهو خلاف لما في كتب المسائل، فيحتمل أن يكون الذي في كتب المسائل أنهم لا يحلفون مع شاهدهم ويحلف المشهود عليه خمسين يمينا مثل قول أشهب وظاهر هذه الرواية، ويضرب المشهود عليه مائة ويسجن سنة عند أشهب حلف أو نكل وعند ابن القاسم وإن غرم الدية بيمين أولياء المقتول، ولم ير ابن الماجشون ضرب مائة وسجن سنة إلا على من أشاطت القسامة بدمه فعفي عنه أو أقسم على غيره فترك هو، والمغيرة يقول: إنهم يحلفون مع شاهدهم خمسين يمينا ويستحقون ديته وهو قول ثالث في المسألة وبالله التوفيق. [مسألة: شهد رجل عدل على جرح رجل فمات من ذلك الجرح] مسألة قلت: فجنين الحرة المسلمة يطرح فيستهل ويشهد على الاستهلال امرأتا عدل ولا يشهد على ضربها إلا رجل واحد عدل

أتجب القسامة لأوليائه بشهادة واحد على الضرب؟ قال: لا وكذلك لو شهد رجل عدل على جرح رجل فمات من ذلك الجرح لم تجب فيه قسامة وإن صح المجروح حلف مع شاهده واقتص. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا قسامة مع الشاهد الواحد على الجرح خلاف نص قوله في المدونة، وفي نوازل سحنون بعد هذا القولان جميعا، فعلى القول بأنه يكون في ذلك القسامة يحلفون لقد جرحه ولقد مات من جرحه، ولا يحلفون مع الشاهدين على الجرح إلا لقد مات من ذلك الجرح، وأما مع الشاهد على القتل فيحلفون لقد قتله خاصة، فتفترق الثلاثة الوجوه في صفة الأيمان، وتختلف أيضا في القسامة مع الشاهد الواحد على إقرار القاتل بالقتل عمدا، فقال أشهب في ذلك القسامة، ولابن القاسم في كتاب ابن المواز أنه لا قسامة في ذلك، ومثله في آخر سماع سحنون، وهو ظاهر ما في المدونة، إلا أن سحنون أصلح ما في المدونة ورده إلى مثل قول أشهب لأن ابن القاسم قال فيها: وهذا عندي مخالف للدم، زاد سحنون في ذلك دم الخطأ على سبيل التفسير لقوله، وذلك خلاف المنصوص له في كتاب ابن المواز من أن القسامة لا تكون مع الشاهد الواحد على إقرار القاتل بالقتل في العمد، وإذا قاله في العمد فأحرى أن يقوله في الخطأ، وقد اختلف أيضا قوله في القسامة مع الشاهد الواحد على إقرار القاتل بقتل الخطأ، وقع اختلاف قوله في ذلك بعد هذا في سماع سحنون، وإذا قال بالقسامة مع الشاهد الواحد في قتل الخطأ فأحرى أن يقول ذلك في العمد. فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: إيجاب القسامة مع الشاهد الواحد على إقرار القاتل بالقتل عمدا أو خطأ، والثاني: لا قسامة في ذلك لا في العمد ولا في الخطأ، والثالث: الفرق بين العمد والخطأ، وإلى هذا ذهب سحنون وعليه أصلح ما في المدونة، وهو الأظهر من الأقوال إذ قد قيل إن إقرار القاتل

مسألة: يجرحان رجلا أحدهما عمدا والآخر خطأ فتقوم عليهما البينة بذلك فيموت المجروح

بالقتل خطأ ليس بلوث يوجب القسامة، فكيف إذا لم يثبت قوله وإنما شهد به شاهد واحد، وأما القسامة مع الشاهد على القتل أو الشاهدين على الجرح أو على قول المقتول دمي عند فلان فلا اختلاف في المذهب في وجوب القسامة بذلك في العمد والخطأ، وقد مضى بعض هذا في أول رسم من سماع عيسى. وأما قوله: وإن صح المجروح حلف مع شاهده ففي ذلك ثلاثة أقوال، أحدها: هذا وهو قوله في كتاب الأقضية من المدونة. والثاني: أنه لا يقتص في الجراح مع الشاهد الواحد وهو قوله في كتاب الشهادات منها، وكل جرح لا قصاص فيه فإنما هو مال فلذلك جازت فيه اليمين مع الشاهد، والثالث: الفرق بين صغار الجراح وكبارها، وهو قول سحنون ومذهب ابن الماجشون وبالله التوفيق. [مسألة: يجرحان رجلا أحدهما عمدا والآخر خطأ فتقوم عليهما البينة بذلك فيموت المجروح] مسألة وسألته عن الرجلين يجرحان رجلا يجرحه أحدهما عمدا والآخر خطأ فتقوم عليهما البينة بذلك فيموت المجروح، قال: يخير الأولياء فإن شاءوا أقسموا على الجارح عمدا فقتلوه وأخذوا من الجارح خطأ عقل الجرح الذي جنى، وإن شاءوا أقسموا على الجارح خطأ وأخذوا الدية تامة من عاقلته واستقادوا من الجارح عمدا مثل الجرح الذي بصاحبهم، وليس لهم أن يقسموا عليهما فيستقيدوا من الجارح عمدا ويأخذوا الدية من عاقلة الجارح خطأ ولكنهم يخيرون فيما فسرت لك.

قلت: فإن لم يثبت الجرحان على الرجلين إلا أن الميت ادعى أن فلانا جرحه عمدا وأن فلانا جرحه خطأ بجرحين كانا به؟ فقال: أمره فيما يدعي عند موته مثل الذي تثبته البينة من أمر جرحيه - فيما فسرت لك سوى إن أقسموا على الجارح عمدا قتلوه وأخذوا عقل الجرح خطأ، وإن أقسموا على الجارح خطأ أخذوا الدية من عاقلته واقتصوا من الجارح عمدا بمثل جرحه. قال محمد بن رشد: أما إذا قامت البينة على الجرحين فقوله إن الأولياء مخيرون بين أن يقسموا على الجارح عمدا فيقتلوه ويأخذوا من الجارح خطأ عقل الجرح الذي جنى، وبين أن يقسموا على الجارح خطأ فيأخذوا الدية من عاقلته ويقتصوا من الجرح صحيح على أصل ابن القاسم وروايته عن مالك في أن من قطع يد رجل عمدا فنزا فيه فمات أن الأولياء مخيرون بين أن يقسموا فيقتلوه، أو لا يقسموا فيستقيدوا منه بقطع يده، ويأتي فيها على قياس قول أشهب في أنه ليس للولاة أن يقتصوا منه بقطع يده إلا باختياره لأن الجناية قد عادت نفسا بما قاله في سماع أبي زيد أنهم إن أقسموا على الذي ضربه عمدا قتل به ولا شيء على الآخر، وإن أقسموا على الذي ضربه خطأ كانت عليه الدية كاملة يريد على العاقلة، وبرئ الآخر، وأما إذا لم تكن بينة على الجرحين وإنما كان ذلك بدعوى من الميت فقوله: إن ذلك بمنزلة البينة على الجرحين مخالف للأصول؛ لأن الجراح لا تستحق بالقسامة منها في العمد، ولا الدية في الخطأ، وهو نص قوله في المدونة إن الجراح ليس فيها قسامة، والصحيح فيه ألا سبيل إلى القصاص من الجرح ولا إلى أخذ الدية فيه، وإنما لهم الخيار في أن يقسموا على من أحبوا فإن أقسموا على المتعمد قتلوه ولم يكن على الآخر شيء ولا على عاقلته وإن أقسموا على المخطئ أخذوا الدية من عاقلته ولم يكن على الآخر شيء لأنه لا تكون قسامة في جرح فيستحقون بها أرشه أو القود منه بجرح صاحبهم، قاله محمد بن المواز،

مسألة: يجرح الرجل عمدا فيصالحه ثم ينزى في جرحه فيموت

وعاب رواية يحيى هذه وعابها أيضا يحيى بن يحيى، ولو شهد على كل واحد من الجرحين شاهد واحد لكان الحكم في ذلك على ما اخترناه وصححناه في الوجهين المتقدمين أن يكون الأولياء مخيرين، فإن أقسموا مع الشاهد على جارح الخطأ استحقوا الدية على عاقلته ولم يكن لهم على جارح العمد شيء إذ لا يقتص باليمين مع الشاهد إلا المجروح وأما ورثته فلا وإن أقسموا على جارح العمد قتلوه بقسامتهم وحلفوا مع شاهدهم على الجرح الخطأ فاستحقوا أرشه لأنه مال من الأموال كدين ثبت للميت بشاهد واحد فيستحقونه مع أيمانهم مع شهادته. [مسألة: يجرح الرجل عمدا فيصالحه ثم ينزى في جرحه فيموت] مسألة قال: وسألته عن الرجل يجرح الرجل عمدا فيصالحه على شيء غرمه ثم ينزى في جرحه فيموت فيقول وليه: إنما كان صالحك في الجراح ولم يصالحك في دمه قال: أرى القود يجب لهم إن أقسموا إذا كان المقتول إنما صالحه بعد ثبوت الجرح عليه بإقرار أو بينة، ويرد عليه ما كان أخذ منه في الصلح، قال: وإن كان الجرح خطأ وكان قد صالحه فيما كان وجب عليه من عقل الجرح ثم نزي في جرحه فمات أقسموا لمات من ذلك الجرح وتمت لهم الدية على العاقلة ويرد على القاتل ما كان غرم بالصلح. قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أنه خير ولي المقتول في العمد بين التمسك بالصلح أو الرجوع إلى القود ورد ما أخذ بالصلح ولم يخيره في الخطأ إذ من حق القاتل أن يرد إليه ما أخذ منه في الصلح لأن الجرح قد آل إلى النفس ووجبت فيه الدية على العاقلة وهو ظاهر ما في المدونة،

: تحمل العاقلة مما يبلغ ثلث العقل

وأشهب لا يوجب له الخيار في العمد ولا في الخطأ، وحكى ابن حبيب في الواضحة أن له الخيار في العمد والخطأ"، وقد مضى بيان القول في هذا في رسم أسلم من سماع عيسى. [: تحمل العاقلة مما يبلغ ثلث العقل] ومن كتاب الأقضية وسئل عما تحمل العاقلة مما يبلغ ثلث العقل أذلك إذا بلغ عقل ما جنى الجاني ثلث عقل نفسه، أم ثلث عقل المجني عليه فإنه قد يختلف أحيانا فيكون الجاني رجلا والمجني عليه امرأة وتجني المرأة على الرجل فقلت: إلى ثلث عقل أيهما ينظر؟ أم لا تحمل العاقلة إلا أن تبلغ الجناية ثلث عقل الرجل ولا ينظر في ذلك إلى عقل الجاني والمجني عليه؟ فقال: إنما الأمر فيه أن ينظر إلى عقل المجني عليه إذا كان أحدهما رجلا والآخر امرأة، فإذا بلغت الجناية ثلث عقل المجني عليه حملت ذلك عاقلة الجاني. قلت: أرأيت إن كان المجني عليه مجوسيا أو نصرانيا أو يهوديا فبلغ عقل ما أصابه به المسلم ثلث عقل المجوسي والنصراني واليهودي أتحمل ذلك العاقلة؟ فقال: هذا مما لا تحمله العاقلة قل ما أصاب به المسلم المجوسي أو النصراني أو اليهودي أو كثر بلغ قتله فما دونه. قلت له: ولم لا تحمل عاقلة المسلم ما جنى على أهل الكتاب ولا مجوسي؟ قال: لأن حالهم في ذلك عندنا كحال العبيد إلا أن دياتهم قد مضت السنة بنصها وفرضها وتسميتها بهم على ما مضى من دياتهم، ولا تحمل عاقلة مسلم أصابهم بقتل فما دونه.

مسألة: يرمى بقتل الرجل وتقوم عليه بذلك بينة

قال محمد بن رشد: هذه المسألة لابن نافع لا لابن القاسم والله أعلم؛ لأنها في الأصل: وسألت ابن نافع في أولها وقلت لابن نافع في آخرها، وقد قال في أول السماع إنه لابن القاسم وأشهب وابن نافع. وقوله فيها إن الأمر في ذلك أن ينظر إلى عقل المجني عليه إن كان أحدهما رجلا والآخر امرأة، فإذا بلغت الجناية ثلث ديته حملته عاقلة الجاني هو القول الذي قال به مالك في أول رسم من سماع أشهب وأنكر أن يكون قال إنه إن بلغت الجناية ثلث دية أحدهما حملته عاقلة الجاني، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك وقلنا: إنه كان الأظهر ألا تحمل عاقلة الجاني جنايته إلا أن تبلغ ثلث ديتهما جميعا وبينا الوجه في ذلك فلا معنى لإعادته. وأما قوله: إنه لا تحمل عاقلة الجاني من المسلمين ما جنى على يهودي أو نصراني أو مجوسي قل ذلك أو كثر لأن أهل ذمتنا بمنزلة عبيدنا، فهو خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها وهو بعيد أيضا إلا أن يتأول على أنه إنما أراد أهل الذمة من أهل العنوة دون أهل الصلح فيصح قوله ويخرج على أحد قولي ابن القاسم في أنهم كالعبيد المأذون لهم في التجارة فلا يحرم تزويج إمائهم، وهو قوله في سماع سحنون عنه، وأما على قوله بأنهم أحرار فالقياس بأن تحمل عاقلة الجاني من المسلمين ما جنى عليهم إذا بلغ ذلك ثلث دية المجني عليه أو الجاني على الاختلاف المذكور إلا أن يقال إنها لا تحمل شيئا من ذلك مراعاة للقول بأنهم عبيد، فيكون لذلك وجه، فتأويل قول ابن نافع هذا على أنه إنما تكلم على أهل الذمة من أهل العنوة أولى من حمله على ما لا يصح وبالله التوفيق. [مسألة: يرمى بقتل الرجل وتقوم عليه بذلك بينة] مسألة قال وسألته عن الرجل يرمى بقتل الرجل وتقوم عليه بذلك بينة أو ثبت عليه لوث تجب به القسامة أو يرميه المقتول بدمه فيأتي

: تكون به جراحات فيقول بي فلان وفلان ثم ينص ما أصابه به كل رجل منهم

المتهم ببينة عدول يشهدون أنه قد كان معهم في اليوم الذي قتل فيه القتيل ببلد ناء بعيد لا يرى أن يبلغ المتهم من ذلك الموضع إلى الموضع الذي قتل فيه القتيل من ليلته ويرجع، فقال: أما إذا رماه بدمه أو لم يثبت عليه إلا لوث وكان الذين شهدوا له أنه كان معهم بمثل الموضع الذي وصفت عدولا فإن ذلك يدرأ عنه القسامة، قال يحيى: ولم يجبني في الذي تقوم البينة عليه بالقتل ومعاينة الضرب. قال محمد بن رشد: أما التدمية والشبهة التي توجب القسامة فلا اختلاف في سقوطها بالشهادة للمدعى عليه أو المتهم بأنه كان في ذلك اليوم بغير ذلك البلد كما قال في هذه الرواية، ويحتمل أن يكون ابن وهب لأنه كذلك وقع في أصل السماع، ومثله في نوازل سحنون من كتاب الشهادات. وأما الذي تقوم عليه البينة بالقتل أو معاينة الضرب فالمشهور في المذهب أن ذلك أعمل من شهادة من شهد له أنه كان في ذلك اليوم في ذلك البلد، وهو قول ابن الماجشون وسحنون في نوازله من كتاب الشهادات وقول أصبغ في نوازله منها أيضا، وذهب إسماعيل القاضي إلى أن الشهادة تبطل بذلك، وهو قول محمد بن عبد الحكم يريد والله أعلم إذا كانت مثلها في العدالة أو أعدل منها، وقد مضى الكلام على هذا المعنى مستوفى في الموضعين المذكورين من كتاب الشهادات فلا معنى لإعادته. [: تكون به جراحات فيقول بي فلان وفلان ثم ينص ما أصابه به كل رجل منهم] ومن كتاب أول عبد وسئل عن الرجل تكون به جراحات وآثار ضرب فيقول بي فلان وفلان ثم ينص ما أصابه به كل رجل منهم فيقول: أما فلان فطعنني بالرمح وضربني فلان بالسيف وضربني فلان بالعصا فأوضحني،

وخنقني فلان فمن فعل هؤلاء أموت إن مت مما ترون بي، ثم يموت فيوجد بعض تلك الجراحات قد أثخنته وبلغت مقاتله وشأن الخنق خفي أيجوز للأولياء أن يقسموا على من أحبوا؟ وكيف إن قال الميت أشدهم ألما الخنق أو الركض الذي فيه بي فلان، أو قال ضربة فلان بلغت مقاتلي أو طعنة فلان أو نص ما صنع به كل واحد منهم ولم يذكر مبلغها منه؟ قال: إذا لم يرم بدمه واحدا دون دوم واحد ولكن نص ما جرحه به كل واحد منهم فإنه ينظر إلى ما جرحه به كل رجل منهم، فإن وجد جرح أحدهم قد أنفذ مقاتله دون ما صنع به أصحابه لم يكن لهم أن يقسموا إلا عليه وحده، ولا خيار لهم في أن يقسموا على غيره، وإن وجدوا مقاتله قد أنفذها جراحات اثنين أو ثلاثة أو أجمعين أقسموا على من أحبوا ممن رئي أنه قد بلغ مقاتله فلم يدر من جرح أيهم مات، ولم يكن لهم الخيار في أن يقسموا على من جرحه جراحات لم توهنه ورئي أن جراحات غيره كانت أخلص إلى نفسه وأنفذ لمقاتله قال: وإن كانت كلها منفذه لمقاتله أو كلها [غير موهنة له] فيما يرى حتى لا يدرى من فعل أيهم مات أقسموا على من أحبوا من جميع القوم وقتلوه، قلت: أرأيت من برئ من أن يقسم عليه حين رئي أن جرح غيره أنفذه أيجب عليه ضرب مائة سوط وسجن عام كما يجب على الذين يجب عليهم القسامة؟ فيقسم الأولياء على أحدهم ويضرب الآخرون مائة مائة ويسجنون عاما. قال محمد بن رشد: قوله إذا نص ما أصاب به كل واحد منهم من

مسألة: دمي على رجل ثم برأه ودمي على غيره

طعن برمح وضرب بسيف وركض وخنق أنه إن لم يرم واحد منهم دون غيره لم يكن لهم أن يقسموا إلا على من أنفذت جراحه مقاتله دون غيره ممن وصف ما أصابه به من الخنق والركض الخفي الشأن الذي لا يظهر يدل على أنه لو رمى بدمه الذي ركضه أو الذي خنقه لم يكن لهم أن يقسموا على سواه، وذلك مثل ما في سماع أبي زيد من أن التدمية بالركض والخنق وشبهه مما لا أثر له عاملة، وهو مذهب أصبغ قال: وقد قال مالك في الذي يلكز أو يضرب بالعصا أو يرمي بالحجر: إن فيه القسامة والقود إن كان عمدا بلا استثناء من ملك إن كان لذلك أثر أو جرح، والغالب من معرفة الناس أن اللكزة والعصا لا تجرح، وكذلك الركضة توهن داخل الجوف ولا تجرح، خلاف ما تقدم من قول ابن كنانة في آخر رسم العتق من سماع عيسى، وقد مضى هناك زيادة بيان فيه تتميم للمسألة. ولم يجبه فيما سأله عنه من هل يجب على من برئ من أن يقسم عليه حين رئي أن جرح غيره أنفذ مقاتله ضرب مائة وسجن سنة أم لا؟ والجواب أن ذلك يجب عليهم؛ لأن الذي رماهم به من التعاون على قتله بالطعن والضرب والخنق لو قامت عليه البينة لقتلوا به جميعا، فإذا لم يكن إلا قوله فلم يمكنوا من القسامة [إن على واحد منهم وجب أن يضرب سائرهم مائة مائة ويسجنوا حولا كاملا إذ من أهل العلم من يرى أنهم يقتلون كلهم بالقسامة] كما كانوا يقتلون كلهم لو قامت على ذلك من فعلهم بينة. وبالله التوفيق. [مسألة: دمي على رجل ثم برأه ودمي على غيره] مسألة وسئل عن الرجل يضرب فيسأل من به؟ فيقول: فلان وفلان ثم

يقيم أياما فيقال له اتق الله ولا ترم بدمك بريئا فيقول بي فلان وفلان لغير الذين سماهما أولا بدمه، ولا يذكر تبرية الأولين أيخير الورثة بين أن يقسموا على من أحبوا من الأولين والآخرين؟ فقال: لا ولكن يكون قوله الذي رجع إليه تكذيبا لقوله الأول فتسقط القسامة عن الأولين والآخرين بما تبين من وهمه فيمن يرميه بدمه وجهالته بموضع حقه، ثم لا يقسم على دم مثل هذا إلا بلوث من بينة وهذا عندي بمنزلة رجل يرمي بدمه رجلا ثم يبرؤه ويرمي به آخر فتسقط القسامة عن الأول والآخر. قال محمد بن رشد: هذا مذهب ابن القاسم وأشهب أنه إن دمي على رجل ثم برأه ودمي على غيره أو دمي على غيره ولم يبرئه أو دمي على جماعة ثم برأ بعضهم أو دمي على رجل ثم دمي عليه وعلى غيره أو قال لا أدري من بي لأني كنت سكرانا ثم دمي على رجل أن القسامة تبطل في ذلك كله، وقال أصبغ إلا إذا دمي على رجل ثم دمي عليه وعلى غيره فقال: إن كان لم يقل أولا ليس بي غيره فيقبل قوله الآخر، وقال ابن الماجشون يؤخذ بقوله الآخر في ذلك كله ولو لم يقبل قوله الآخر ما قبل قوله الأول وهو بعيد يرده ما روي عن أنس بن مالك قال «عدا يهودي في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على جارية فأخذ أوضاحا كانت عليها ورضخ رأسها فأتى بها أهلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي في آخر رمق وقد أصمتت، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قتلك فلان؟ لغير الذي قتلها فأشارت برأسها أي لا، فقيل لرجل آخر غير الذي قتلها فأشارت برأسها أي لا، فقال فلان لقاتلها فأشارت أي نعم، فأمر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض رأسه بين جرحين» لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أعمل قولها إذ

مسألة: تجب لهم القسامة بالشاهد العدل فينكلون عن الأيمان

لم تضطرب فيه عند الاختبار، وإذا كان الشاهد تسقط شهادته باضطرابه فيها وشهادته بها بعد إنكاره لها حسب ما مضى القول فيه في رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات فأحرى أن ترد تدمية المدمى باضطرابه فيها وقوله بها بعد إنكاره لها، ورأى أصبغ تدميته على الرجل ثم تدميته عليه وعلى غيره إذا لم يقل أولا ليس بي غيره من ناحية زيادة الشاهد في شهادته، فأجازها وإن كان ذلك لا يقبل إلا من المبرز في العدالة، فقول ابن القاسم أظهر والله أعلم؛ لأن التدمية أضعف من الشهادة وأما إذا قال بي فلان أو فلان على الشك منه في أحدهما فلا اختلاف في أن تدميته تبطل ولا يكون للأولياء أن يقسموا على واحد منهما وبالله التوفيق. [مسألة: تجب لهم القسامة بالشاهد العدل فينكلون عن الأيمان] مسألة قال يحيى: قلت له فالقوم تجب لهم القسامة بالشاهد العدل فينكلون عن الأيمان ويردونها على القاتل فيحلف ويبرأ ثم يجدون شاهدا آخر؟ قال: هم مثل الذي فسرت لك من أمر طالب الحق يشهد له عليه شاهد واحد فينكل عن اليمين ويرد اليمين على المطلوب ثم يجد شاهدا آخر أنه لا حق له ولا لأهل القسامة إذا عرضت عليهم حقوقهم بأيمانهم مع شاهدهم فنكلوا، قلت: أرأيت أهل القسامة لو لم تجب لهم إلا بقول المقتول فنكلوا ثم وجدوا شهداء على قاتل صاحبهم أيستحقون دمه بالشهداء أم لا حق لهم إذا نكلوا عن القسامة؟. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن نكول الأولياء على القسامة بالشاهد الواحد وردهم الأيمان على المدعى عليه بمنزلة نكول صاحب الحق عن اليمين مع شاهده ورده اليمين على المطلوب، وإذا كان بمنزلته وجب أن يدخل في مسألة القسامة من الاختلاف ما ذكرناه في رسم أول عبد من سماع

مسألة: كيف يحلف أهل القسامة

يحيى من كتاب الشهادات في مسألة صاحب الحق ينكل عن اليمين مع شاهده فيرد اليمين على المطلوب فيحلف ثم يجد شاهدا آخر أو شاهدين سوى الأول، ولم يجب إذا نكلوا عن اليمين مع قول المقتول وردوا الأيمان على القاتل فحلف ثم وجدوا شهودا على القاتل هل يكون لهم القيام بهم أم لا ولا فرق بين المسألتين يدخل فيهما من الاختلاف ما دخل في الذين نكلوا عن القسامة مع الشاهد فردوا الأيمان على المدعى عليه وفي الذي نكل عن اليمين في حقه مع شاهده فردها على المطلوب، إلا أنهم لم يجدوا إلا شاهدا واحدا على القتل، فلا يضاف إلى قول المقتول، إذ ليس بشاهد وإنما هو لوث أوجب القسامة لأوليائه على مذهب مالك وأصحابه. [مسألة: كيف يحلف أهل القسامة] مسألة قلت له كيف يحلف أهل القسامة أعلى البت أم على العلم؟ وكيف تكون أيمانهم؟ قال يحلفون بالله الذي لا إله إلا هو لمات من ضرب فلان بالبت لا يجزيهم أن يدخلوا في أيمانهم علمنا ولا ظننا ولا رأينا ولا شيئا غير أن يبتوا الحلف لمات من ضربه وتنتهي أيمانهم في ذكر الله والحلف باسمه تبارك وتعالى إلى أن يقولوا بالله الذي لا إله إلا هو وليس عليهم أن يقولوا الرحمن الرحيم ولا الطالب الغالب المدرك ولا شيء غير ما فسرت لك. قال محمد بن رشد: قوله في أهل القسامة إنهم يحلفون لمات من ضرب فلان معناه إذا كانت القسامة بشاهدين على الضرب، وأما إذا كانت بشاهد واحد على الجرح على القول بوجوب القسامة بذلك فيحلفون لقد جرحه ولقد مات من جرحه، وكذلك إذا كانت القسامة بقول المقتول وقد حيي حياة بينة، وإما إن كانت بقوله وهو في غمرة الموت أو بشاهد واحد على القتل فيحلفون لقد قتله أو لقد جرحه الجرح الذي مات منه لا أكثر، قال ابن حبيب ويحلفون على قوله لقد ضربه ولمات من ضربه إن كان سمى ضربا، ولقد قتله

مسألة: لم يكن للمقتول عمدا عصبة ولا وارث

ولمات من قتله إن كان سمى الميت قتلا، وسواء كان به أثر أو لم يكن، وأما قوله في أيمانهم إنها تنتهي من ذكر اسمه إلى أن يقولوا بالذي لا إله إلا هو فهو قوله في المدونة المشهور من مذهبه وقد قيل إنه يزيد في يمينه عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، وهو قول ابن كنانة في المدنية، وفي كتاب ابن شعبان أن من حلف على المنبر فليقل ورب هذا المنبر، وقد روى ابن القاسم وابن وهب من مالك أن الحالف في القسامة يقول بالله الذي أحيى وأمات ذكر ذلك ابن حبيب في الواضحة، والزيادة على بالله الذي لا إله إلا هو عند من رأى ذلك إنما هو استحسان، إذ لم يختلف في أن من لم يزد على ذلك شيئا تجزيه يمينه، فالاختلاف إنما هو هل تستحسن الزيادة أم لا؟ واستحسانها أحسن، وأما إذا لم يزد على بالله أو قال والذي لا إله إلا هو فلا تجزيه اليمين، قاله أشهب في الحالف والذي لا إله إلا هو. ولا يحلف في القسامة إلا قائما مستقبل القبلة، ويستحب أن يكون ذلك في دبر صلاة العصر، وأما في الحقوق فقيل إنه يحلف قائما مستقبل القبلة وهو قول ابن الماجشون، وقيل إنه يحلف قائما وليس عليه أن يستقبل القبلة وهو ظاهر ما في المدونة وما في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية، وقيل ليس عليه أن يحلف قائما وهو قول ابن كنانة وبالله التوفيق. [مسألة: لم يكن للمقتول عمدا عصبة ولا وارث] مسألة قلت: أرأيت إن لم يكن للمقتول عمدا عصبة ولا وارث أتقسم القبيلة التي هو منها وهو معروف الانتماء إليهم يعقل معهم ويعقلون معه؟ قال: لا قسامة لهم ولا لأحد إلا بوراثة بنسب ثابت أو مولى ولاء أهل نعمته عليهم، ولا يقسم الموالي الأسفلون ولا تقسم القبيلة التي لا تستوجب ميراثه بالانتماء إلى أب يلقاهم عنده بالبينة العادلة.

مسألة: تقول دمي عند فلان ثم تطرح جنينا ميتا

قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قاله، ولا اختلاف فيه أحفظه وبالله التوفيق. [مسألة: تقول دمي عند فلان ثم تطرح جنينا ميتا] مسألة وسألته عن المرأة تقول: دمي عند فلان ثم تطرح جنينا ميتا، فقال: إن ادعت دمها عمدا قتل بالقسامة، قلت أرأيت إن ضربها رجل عمدا فثبت عليه الضرب فطرحت جنينها ثم ماتت أيجب عليه عقل الجنين مع القود إذا سقط ميتا أو إذا ثبت عليه ضربها بالبينة خطأ فسقط ميتا ثم ماتت أيكون عليه عقله مع عقلها أو هل تكون الغرة في خاصة ماله أو على العاقلة؟ وكيف في ثبوت الضرب عليه عمدا أو خطأ بالبينة إن طرحت جنينها حيا فاستهل ثم مات؟ فقال: إذا ثبت عليه أنه ضربها خطأ فطرحت جنينها، ثم ماتت كان عقلها على عاقلته إذا أقسم أولياؤها لماتت من ضربه، ويحلف ورثة الجنين يمينا وحده لمات من ضربه إياها ثم يكون عليه لهم الغرة في خاصة ماله إذا طرحته ميتا، فإن طرحته حيا ثم مات كانت في الأم قسامة وفي الجنين أيضا قسامة، وكان عقلاهما تأمين على عاقلة الضارب، قال فإن قامت عليه البينة أنه ضربها عمدا فطرحت جنينها ميتا ثم ماتت أقسم عليه أولياؤها واستحقوا دمها، وحلف ورثة الجنين يمينا واحدة فأغرموه الغرة في ماله واستقيد منه بدم الأم، وإن طرحت حيا فاستهل ثم مات؛ فإن كان ضربه إياها عمدا في بعض جسدها كانت في الجنين القسامة واستحق بذلك عقله في ماله وأقسم أولياء المرأة على ضاربها عمدا فقتلوه، وإن كان ضرب بطنها حتى رأى الشهود أن عمد القتل الجنين فطرحته حيا واستهل ثم مات كانت فيه

القسامة وفي أمه كذلك، ووجب القتل على الضارب لأولياء المرأة وأولياء الجنين يعفون إن أحبوا أو يقتلون ولا يضر أولياء الجنين عفو أولياء المرأة، ولا يضر أولياء المرأة عفو أولياء الجنين وأولياء كل واحد منهما أحق بالاستقادة لدم صاحبهم إلا أن يعفو من أولياء كل واحد منهما واحد ممن يجوز له العفو فلا سبيل إلى القتل. قلت فلم رأيت عقل الجنين في مال الضارب حين ثبت عليه أنه ضرب أمه عمدا في بعض الجسد فطرحته حيا ثم مات؟ قال: لأن الضرب إذا كان عمدا فصار منه هلاك الجنين ولم يعمد لقتل الجنين بخاصة فهو عندي بمنزلة الذي يقطع أصبع الرجل عمدا فيشل يده ثم يستقاد منه بقطع الأصبع فلا تشل يد المستقاد منه، فإنه يعقل للمجروح الأول عقل شلل اليد ويكون ذلك في خاصة مال الجارح. قلت: أرأيت ما كان مثل هذا مما يجب في خاصة مال الجاني؟ من أي أسنان الإبل يؤدي أمن أسنان العمد الأربعة أم من أسنان الخطأ الخمسة؟. قال محمد بن رشد: دية جنين الحرة المسلمة أو النصرانية من المسلم إذا ضربت أو ضرب بطنها فألقت جنينها ميتا وهي حية غرة عبد أو وليدة على ما جاءت به السنة، وقال أشهب: إذا ماتت من الضربة ففي جنينها الغرة خرج قبل موتها أو بعد موتها، وهو قول ربيعة والليث وقيمة الغرة على مذهب مالك خمسون دينارا أو ستمائة درهم وهو من الجراح ويستوي فيه العمد والخطأ؛ لأنه أقل من ثلث الدية فلا تحمله العاقلة، ولو كان الجاني عليه من المجوس لافترق فيه العمد من الخطأ لأنه أكثر من ثلث دية الجاني فيكون في الخطأ على عاقلته، ولا يثبت بالقسامة مع قول أمها، وإنما يثبت بشاهدين

على الضرب أو بشاهد واحد مع يمين كل واحد من الورثة لأنه مال من الأموال والذي يأتي في هذا على معنى ما في المدونة إذا تدبرته، والذي في هذه الرواية من أنه لا يستحق ورثة الجنين الغرة إلا بأيمانهم لمات من ضربه أظهر فإن لم يشهد على الضرب إلا شاهد واحد حلف الورثة على الضرب، وعلى أنه مات منه على هذه الرواية، وعلى معنى ما في المدونة إنما يحلفون على تحقيق ما شهد به الشاهد من الضرب خاصة إذ لوثبت الضرب لاستحقوا الغرة على معنى ما فيها دون يمين، هذا الذي رجع إليه مالك من أن دية الجنين لورثته، وقد كان يقول أولا إنها لأبويه خاصة على الثلث والثلثين فأيهما خلا بها كانت له كلها ولا شيء فيها لأحد من سائر ورثته، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة والمغيرة وابن دينار، وقال ربيعة إنه للأم خاصة؛ لأنه عضو من أعضائها وجرح من جراحها، فإن ماتت هي من الضرب كان فيها الدية في الخطأ على العاقلة والقصاص في العمد بالقسامة مع قولها أو مع شهادة شاهدين على الضرب أو شهادة شاهد واحد على الاختلاف في القسامة مع الشاهد الواحد على الجرح، وكذلك إن استهل الجنين بعد خروجه فمات كانت فيه الدية في الخطأ على العاقلة والقصاص في العمد إلا أنه لا يثبت بالقسامة مع قول أمه، وإنما يثبت بالقسامة مع شاهدين على الضرب لمات منه، وقد قال بعض المدنيين عن مالك: إنه لا قسامة فيه إذا استهل فمات مكانه وإنما تكون فيه القسامة إذا عاش ثم مات أو بشاهد واحد على الضرب على القول بأن القسامة تكون مع الشاهد الواحد على الجرح. هذا إذا كان الضرب في البطن، وأما إذا كان في سائر أعضائها فقيل إنه لا قصاص في ذلك وإنما فيه الدية في مال الجاني، وهو قوله في هذه الرواية، ومثله في المدونة من قول ابن القاسم قال: لا يكون العمد في المرأة إلا أن يضرب بطنها خاصة تعمدا، فهذا الذي يكون فيه القصاص بقسامة،

إلا أن سحنون علم عليه فقال ليس من الأمهات، وهذا القول ينحو إلى القول بشبه العمد الذي قال به أكثر أهل العلم ورواه العراقيون عن مالك لأنه عمد في الضرب وخطأ في القتل إذ لم يقصد الضارب في غير البطن إلى قتل ما في البطن وشبه ذلك في هذه الرواية بما شبهه به، وهو بشبه العمد أشبه، وقيل: إن فيه القصاص إذا علم أن سقوطه كان من الضربة كانت في بطنها أو في ظهرها أو في أي عضو ما كان من أعضائها وقع ذلك لابن القاسم في النوادر، وهو القياس على أصل مذهب مالك في أن شبه العمد باطل. ولما سأله عن الدية هل تكون في ماله مربعة أو مخمسة لم يجبه على ذلك، والجواب في ذلك أنها تكون في ماله مربعة كدية العمد إذ لا مدخل للخطأ في ذلك، بل لو قيل إنها تكون مثلثة لأنها دية شبه العمد عند من رآه من أهل العلم حسبما ذكرناه في أول سماع ابن القاسم لكان له وجه، فقوله في أول المسألة في المرأة تقول دمي عند فلان وتطرح جنينا ميتا إنها إن ادعت دمها عمدا قتل بالقسامة، يريد وإن ادعته خطأ كانت ديتها على العاقلة بقسامة أيضا، وسكت عن الجنين إذ لا يجب فيه شيء بالقسامة على ما ذكرناه خرج ميتا أو استهل صارخا إذ لا يقبل قول الأم في قتل ابنها، وقد أتى ما ذكرناه على سائر المسألة، وقد مضى في رسم المكاتب القول فيما يستحق به دية جنين النصرانية فلا معنى لإعادته. واختلف في جنين الأمة فقيل فيه عشر قيمة أمه، وهو قوله في المدونة، وقيل ما نقصها وهو قول ابن وهب، وكذلك جنين أم الولد من غير سيدها ففيه الغرة كجنين الحرة من زوجها وبالله التوفيق.

مسألة: يجرحه جرحا يبلغ مقاتله ثم يعدو عليه رجل آخر فيجهز عليه

[مسألة: يجرحه جرحا يبلغ مقاتله ثم يعدو عليه رجل آخر فيجهز عليه] مسألة وسألته عن الرجل يشق بطن الرجل عمدا أو يجرحه جرحا يبلغ مقاتله ثم يعدو عليه رجل آخر فيجهز عليه، قال: يستقاد من الأول الذي بلغ مقاتله ويعاقب الثاني الذي أجهز عليه، ولا يقتل به إلا الأول، وأما الثاني فلا قتل عليه ولكن ليفظع في عقوبته فقد اجترم عظيما، قال وإنما ينظر في هذا إلى ما بلغ منه فإن أنفذ مقاتله حتى لا تعود له حياة لترجى كان أمره على ما وصفت لك وإن أكل وشرب وتكلم، قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن الرجل يضرب الرجل للبطن فيشق أمعائه أو يضربه ضربة يعلم أنه لا يحيى من مثلها ثم يجهز عليه آخر. قال: يقتل الأول ويعاقب الثاني وكذلك كل من ضرب ضربة يعلم أنه لا يحيى من مثلها ثم أكل بعد ذلك أو تكلم ثم مات فإنه قاتله يقتل بلا قسامة. قال محمد بن رشد: في سماع أبي زيد بعد هذا أن القاتل الآخر هو الذي يقتل، ولا يكون على الأول إلا الأدب، وإيجاب القود على الأول أظهر، ولو قيل إنهما يقتلان جميعا لأنهما قد تشاركا في قتله لكان لذلك مطعن، ووجه رواية أبي زيد أنه بعد إنفاذ مقاتله معدود في جملة الأحياء يرث ويورث ويوصي بما شاء من عتق وغيره، فوجب أن يقتل قاتله وإن علم أن حياته لا تتمادى به كما لو قتل من بلغ به المرض مع الكبر إلى حال يعلم أنه لا تتمادى حياته معه، وقد روي عن سحنون أن وصية من أنفذت مقاتله لا تجوز، فعلى قوله لا يرث ولا يورث ولا يقتل به قاتله، وعلى رواية أبي زيد يرث ويورث ويقتل به قاتله ولم يتكلم ابن القاسم في هذه الرواية هل يرث بعد إنفاذ مقاتله ويورث أم لا؟ والقياس على قوله في أنه يقتل الأول به ألا يرث ولا يورث، والمنصوص من قوله على ما مضى في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى أنه يرث ويورث، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال بالتفرقة

مسألة: الميت أحق بدمه من الأولياء

بين القصاص والموارثة وهي أحسن الأقوال والله أعلم. [مسألة: الميت أحق بدمه من الأولياء] مسألة قال يحيى: وسألته عن الرجل يقتله النفر عمدا فيعفو قبل موته عن بعضهم أو يأخذ الدية من بعضهم ويأمر بقتل بعضهم، فقال: عفوه جائز ومن عفا عنه أيضا على أخذ الدية منه فذلك جائز له ولازم للذي صالحه على غرم الدية، قلت: أرأيت إن مات فأراد الورثة العفو عن الذي أمر ألا يعفى عنه يكون لهم العفو وقد كان أمر بقتلهم إن مات من جراحاته التي أصابوه بها؟ قال محمد بن رشد: لم يقع على هذه المسألة جواب. وحكى ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ أنه لا عفو للأولياء إلا أن يستحقوه بقسامتهم فيكون العفو إليهم، وقوله صحيح بين؛ لأن الميت أحق بدمه من الأولياء فلما لا يكون لهم أن يقتلوه إذا عفا عنه لا يكون لهم أن يعفوا عنه إذا أوصى ألا يعفى عنه، فإذا مات ولم يعف ولا أوصى بعفو ولا قتل نزل ورثته في ذلك بمنزلته فكانوا مخيرين بين القتل والعفو بدليل قول الله عز وجل: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] . وقد ذكر فضل عن أشهب أنه لا عفو للولاة إذا أقسموا، وهو بعيد إذ لا فرق بين أن يجب القود بإقامة البينة على القتل أو بالقسامة في جواز العفو لهم وبالله التوفيق. [مسألة: قال لا تقسموا إلا على فلان] مسألة قلت: أرأيت إن لم يثبت الدم بقسامة أله أن يقول: لا تقسموا إلا على فلان فيلزمهم ألا يقسموا على غيره؟ قال: ما أرى ذلك إلا

مسألة: قال لا تقسموا إلا على فلان وضعوا القسامة عن سائرهم

له لأنه أعلم بأشدهم ضربا له وأيهم كان أشد عليه فلا أرى إذا قال لا تقسموا إلا على فلان أن يقسموا على غيره. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله واحتج به فلا وجه للقول فيه. [مسألة: قال لا تقسموا إلا على فلان وضعوا القسامة عن سائرهم] مسألة قلت أرأيت إن قال دمي خطأ عند فلان وفلان وفلان فسمى رجالا وقال: لا تقسموا إلا على فلان وضعوا القسامة عن سائرهم؟ فقال: إن كان ثلث المقتول يسع ما كان يصير من الدية على الذين أمر بوضع القسامة عنهم لم يكن للورثة أن يقسموا إلا على الذي أمر الميت أن يقسم عليه ويكون لهم على عاقلته بقدر ما كان يصير عليه من الدية بالقسامة لو أقسموا عليهم أجمعين، وتسقط القسامة عن الآخرين ويسقط عنهم ما كان يجب عليهم من الدية بالقسامة، قال: وإن لم يسع ذلك الثلث خير الورثة فإن أحبوا أن يقسموا على الذي أمر به وحده ويحوزوا وصية صاحبهم، فيسقطون من الدية ما كان يصير على الذين أمر الموصي ألا يقسموا عليهم، فذلك لهم وإن أبوا ذلك لضيق الثلث أقسموا عليهم أجمعين وتحاص الذين أوصى لهم المقتول ألا يقسم عليهم في الثلث ثم يوضع عن كل واحد منهم مما وجب عليه من الدية بقدر ما نابه من الثلث، وكان ما بقي على عواقلهم أجمعين وثبت على الذي أمر أن يقسم عليه ما ينوبه من جميع الدية على كل حال إن أقسموا عليه وحده أو عليهم أجمعين. قلت: أرأيت إن قال الورثة لا نقسم إلا عليهم أجمعين وسع ذلك الثلث أو لم يسع، فإذا ثبت الدم أسقطها عن الذين وضعت

عليهم القسامة ما وجب عليهم من الدية أذلك لهم؟ وهل لعاقلة الذي يقسم عليه وحده إذا كان بعد ثبوت الدم لا يصير عليه إلا أقل من ثلث الدية أن يقولوا: لا نغرم شيئا إلا الذي وجب على صاحبنا لم يبلغ الثلث، والدم لم يرم به هو وحده، وأنتم لم تحلفوا على جميع من وجب لكم عليه القسامة. قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا كان ثلث المقتول يسع ما يصير على الدية على الذين أمر بوضع القسامة عنهم لم يكن لهم أن يقسموا إلا على الذي أمر الميت أن يقسم عليه خلاف ما في سماع سحنون أنهم يقسمون على جميعهم، وليس لهم أن يقسموا على بعض دون بعض، فإذا أقسموا على جميعهم نظر حينئذ إلى الذين أمر ألا يقسم عليهم، فإن كان ثلث ماله يحمل ما يقع عليهم من الدية لم يكن عليهم شيء، يريد وإن لم يحمل ذلك ثلث ماله سقط عن كل واحد منهم ما حمل الثلث من ذلك، وكان الباقي على عاقلة كل واحد منهم. ووجه هذا الاختلاف أنه حمل قوله في هذه الرواية على أنه إنما أمر بالقسامة على بعضهم من أجل أنهم كانوا أشد عليه فيما أصابوه به فوجب ألا يتعدى بالقسامة من أمر أن يقسم عليه؛ لأنه أعرف بقدر ما أصابه به كل واحد منهم، وحمل قوله في رواية سحنون على أنه إنما أراد الإحسان إلى الذين أوصى ألا يقسم عليه منهم مع تساويهم فيما أصابوه به، فلم يكن له أن يكلف الورثة القسامة على بعضهم دون بعض مع تساويهم فيما أصابوه به فتكون أيمانهم على ذلك أيمان غموسة، ولو بين فقال لا تقسموا إلا على فلان فإن الذي أصابني هو به أشد مما أصابني سائرهم لم يكن لهم أن يقسموا إلا عليه

مسألة: أولياء الدم الذين وجبت لهم القسامة يغيب بعضهم

قولا واحدا، ولو بين أيضا فقال: لا تقسموا إلا على فلان وإن كان هو وغيره سواء فيما أصابوني به لم يلزم الورثة وصيته بذلك وكان لهم أن يقسموا عليهم كلهم قولا واحدا والله أعلم. وتفسير ما ذكره من التحاص إذا كان ثلث ماله لا يحمل ما يصير من الدية على الذين أوصى ألا يقسم منهم إلا على واحد ويكون المقتول قد ترك من المال سوى الدية مائتي دينار فمال الميت على هذا ألف دينار ومائتا دينار، وثلثه أربعمائة دينار والموصى لهم تسعة أنفس بتسعمائة دينار فيتحاصون في ثلث الميت فيصير لكل واحد منهم أربعة أتساع ما عليه من الدية فيسقط عن كل واحد منهم أربعة أتساع المائة التي عليه وعلى عاقلته، ويكون عليه وعلى عاقلته خمسة أتساع المائة التي كانت عليه وعليهم؛ لأنه كرجل منهم فيما يلزمهم. وقوله في الرواية قلت: أرأيت إن قال الورثة: لا نقسم إلا عليهم أجمعين إلى آخر قوله لم يقع عليه فيها جواب، وذلك يجري على ما تقدم من الاختلاف، فلا يكون ذلك لهم على هذه الرواية ويكون ذلك لهم على ما في سماع سحنون وبالله التوفيق. [مسألة: أولياء الدم الذين وجبت لهم القسامة يغيب بعضهم] مسألة وسألته عن أولياء الدم الذين وجبت لهم القسامة يغيب بعضهم أيقسم من حضر منهم؟ فقال: إذا كان الذي غاب من أهل القعدد ممن يجوز عفوه على من حضر لو ثبت لهم دم وممن لو حضر فنكل ردت القسامة بنكوله على المدعى عليه فمن غاب من هؤلاء انتظر أبدا حتى يقدم فيقسم أو يعرف نكوله، ولا سبيل إلى القتل دون ذلك وإن أقسم من حضر ممن هو من الميت بمنزلته، وإنما يؤمر من حضر منهم أن يقسم وإن غاب صاحبه؛ لأنه إن نكل من عاجل سقطت القسامة عنه وعمن حضر من أصحابه أو غاب، وردت الأيمان على

المدعى عليه، وإن حلف الحضور ولم ينكل أحد منهم فذلك أمر قد احتيطت فيه لأولياء الدم لما يخاف عليهم من الموت قبل أن يقدم صاحبهم الغائب خوفا من أن يقدم ليقسم فيوجد هؤلاء قد ماتوا أو لا يوجد أحد يقسم معه فيبطل الدم، ولكن يتعجل القسامة ممن حضر ثم يحبس القاتل حتى يقدم على الغائب فيقسم أو يعرف نكوله ولا يعجل في القتل دون قدومه وإن كان الحضور الذين أقسموا اثنين فصاعدا، فليس ذلك بالذي يوجب لهم القتل بقسامتهم دون حضور الغائب منهم، قال: ولو كان الغائب منهم ممن لو حضر فثبت الدم لم يجز عفوه وإن نكل لم تسقط القسامة بنكوله حلف الحضور الذين هم أقعد واستحقوا الدم، وإن لم يكن الحاضر الأقعد إلا واحدا فوجد ثانيا فما فوقه ممن تجوز له القسامة حلف واستحق الدم ولم ينتظر الغائب، وإن كان في القعدد مثل الذي يستعين بقسامته الأقعد الحاضر مثل أن يكون الأقعد الحاضر ابن المقتول والمستعان به أخ أو ابن عم والغائب أيضا ابن عم أو أخا، فهذا الذي لا ينتظر وإن حضر فنكل لم يضر نكوله ابن المقتول إذا جاء بثاني فما فوقه من إخوة الميت أو بني عمه أو عصبته يقسمون معه. قلت: أرأيت إن نكل أخو المقتول أن يحلف مع ابن أخيه فحلف مع ابن المقتول عم المقتول أو ابن عم أو مولاه الذي أعتقه أتسقط القسامة بنكول هذا الذي هو أقعد من الذين يريدون أن يقسموا مع ابن المقتول؟ فقال: لا تسقط قسامتهم ما لم ينكل الأقعد دنيا الذي يجوز عفوه على من معه وهو أطرف منه، ولكن يقسم هو والأطرف ولا ينظر إلى نكول الأوسط.

مسألة: يقول دمي عند أبي خطأ أوعمدا

قال محمد بن رشد: قوله فمن غاب من هؤلاء انتُظر أبدا حتى يقدم، ظاهره وإن كان بعيد الغيبة، وهو ظاهر ما في المدونة أيضا بخلاف الصغير، وقد قيل: إنه ينتظر الصغير كالغائب، وقال سحنون إن قرب بلوغ الصغير أو مغيب الغائب انتظر، وإن بعد الغائب ولم يقرب بلوغ الصغير لم ينتظر واحد منهما، فحمل المسألتين بعضهما على بعض، والقياس أن ينتظر الصغير وإن بعد بلوغه والغائب وإن بعدت غيبته. وقوله: وردت الأيمان على المدعى عليه ظاهره أنه هو يحلف وحده إذا ردت عليه الأيمان، ومثله في المدونة، وهو نص قول مطرف، وقد مضى الاختلاف في هذا وتوجيهه في أول رسم من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته وسائر ما ذكره في المسألة بيّن لا إشكال فيه ولا وجه للقول. [مسألة: يقول دمي عند أبي خطأ أوعمدا] مسألة وسألته عن الرجل يقول دمي عند أبي خطأ أو عمدا، قال: أما الخطأ فإن الورثة تستوجب عقله على عاقلة الأب بقسامتهم والقسامة تجب لهم على الأب بقول ابنه: دمي عند أبي خطأ، وأما قوله دمي عند أبي عمدا فإنه إن لم يفسر العمد وأبهمه رأيت أن يقسموا على قوله فإن استحقوا دمه درأ عنه القتل لإبهام ابنه العمد الذي رماه به وأغلظت عليه الدية كما صنع عمر بالمدلجي، وكانت في خاصة ماله. قال: وإن قال أضجعني وذبحني ذبحا وأخذني فبقر بطني وما أشبه هذا مما لو صنع مثله فأثبتته عليه بينة أقيد منه (و) يقتل به، فإن القسامة تقسم على الأب بقول ابنه ويستحقون الدم، فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا. قال محمد بن رشد: هذا كله بين على المشهور من قول مالك في

مسألة: من تغلظ عليه الدية أيرث من المال

أن القسامة تكون في الخطأ بقول المقتول قتلني فلان خطأ، وقد مضى الاختلاف في ذلك في رسم العتق من سماع عيسى ولا اختلاف في المذهب في أن قول المقتول قتلني فلان عمدا لوث يوجب القسامة والقود، وإذا وجب به القود في الأجنبي. فأحرى أن يجب به في الأب إذا بين في تدميته عليه أنه قصد إلى قتله بالوجوه التي ذكرها وشبهها. [مسألة: من تغلظ عليه الدية أيرث من المال] مسألة قلت: أرأيت الأب أو كل من تغلظ عليه الدية إذا غلظت عليه أيرث من المال؟ بمنزلة من قتل وليه خطأ أم لا يرث من المال ولا من الدية؟ قال محمد بن رشد: لم يقع لهذه المسألة جواب، والجواب فيها ما وقع من قوله في المدونة أنه لا يرث من ماله قليلا ولا كثيرا لأنه من العمد، وليس من الخطأ، ولو كان من الخطأ لحملته العاقلة، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم، الاختلاف في كونها على العاقلة، ولا يدخل الاختلاف في الميراث من ذلك، والله أعلم. [مسألة: الكبير يقول دمي عند فلان يرمي به صبيا] مسألة وسألته عن الرجل الكبير يقول: دمي عند فلان يرمي به صبيا قال: يقسم القسامة مع قوله، ويكون العقل على العاقلة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن عمد الصبي خطأ وبالله التوفيق.

: يقول قتلني فلان وقتل فلانا لرجل آخر

[: يقول قتلني فلان وقتل فلانا لرجل آخر] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول: قتلني فلان وقتل فلانا لرجل آخر، قال: يقبل قوله في نفسه وفي غيره، وتكون القسامة مع قوله في غيره إذا كان عدلا، وليس مثل الرجل يقول: قتلني فلان وقتل ابني أن قوله لا يقبل في ابنه ويقبل في نفسه، قلت وإن قال قتلني خطأ وقتل فلانا عمدا فسكت. قال محمد بن رشد: الفرق بين أن يقول: قتلني فلان وقتل فلانا وبين أن يقول: قتلني وقتل ابني بين؛ لأنه شاهد لنفسه مدع دعوى قد أحكمت السنة إسقاط التهمة عنه فيها، فوجب أن تجوز شهادته مع ذلك لغيره، إذ لو شهد لغيره دون أن يشهد لنفسه لجازت شهادته له وألا تجوز لابنه إذ لو شهد لابنه دون أن يشهد لنفسه لم تجز شهادته له. وأما إذا قال قتلني فلان خطأ وقتل فلانا عمدا فسكت عن الجواب في ذلك، وذلك يتخرج على الاختلاف في إعمال قوله قتلني فلان خطأ؛ لأنه إذا لم يتهم في قوله قتلني فلان خطأ وأعمل وجب إعمال قوله وفلانا عمدا، وإذا اتهم في قوله قتلني فلان خطأ في أنه أراد غنى ولده فلم يجز قوله، وجب ألا يعمل قوله وقتل فلانا عمدا؛ لأنها شهادة واحدة، فإذا سقط بعضها للتهمة سقطت كلها على المشهور في المذهب، وقد مضى في نوازل أصبغ من كتاب الشهادات تحصيل القول فيما يجوز فيه بعض الشهادة إذا رد بعضها مما لا يجوز وبالله التوفيق. [مسألة: على من تكون الدية] مسألة وسئل عن الرجل يجرح النصراني أو العبد ثم يسلم النصراني ويعتق العبد ويقول هذا العبد بعد العتق والنصراني بعد الإسلام دمنا

مسألة: قال الرجل دمي عند فلان قتلني خطأ

عند فلان أن أولياء النصراني إن كان له أولياء مسلمون أو العبد كذلك إن كان له أولياء أحرار من ولد وإلا فمواليه أقسموا واستحقوا الدية في النصراني وفي العبد ألف دينار (أ) واثنا عشر ألف درهم تكون للورثة الذين أقسموا. قلت على من تكون الدية أعلى العاقلة أم في مال الجاني؟ قال: بل في مال الجاني. قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم أنه لا قسامة في ذلك فإن ثبت الجرح حلف ورثته يمينا واحدة واستحقوا الدية في ماله، وهو قول له وجه؛ إذ لا يستحق بذلك الدم فيجب فيه القصاص في العمد أو الدية على العاقلة في الخطأ، وإنما يستحق به مال، وقوله إن الجناية في مال الجاني يريد كانت الجناية عمدا أو خطأ، وقد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم بع من سماع عيسى لتكررها هناك فلا معنى لإعادته. [مسألة: قال الرجل دمي عند فلان قتلني خطأ] مسألة وسألته عن القسامة وما تفسيرها إذا قال الرجل: دمي عند فلان قتلني خطأ فقيل لولاته وهم ورثته: أقسموا فأبوا وردوا الأيمان على المدعى عليهم من هؤلاء الذين ترد عليهم الأيمان المدعى عليهم أو العاقلة التي تحمل عقل الجناية؟ فقال لي: ذلك على المدعى عليهم الدم وعاقلتهم الذين يجب عليهم العقل، قلت فيحلف منهم خمسون رجلا أو يحلفهم كلهم؟ فقال لي: يحلف خمسون رجلا، قلت: فإن أبوا وتقدم عشرة وحلفوا؟ فقال لي: يبرأ هؤلاء ويكون العقل على من بقي، قلت: ما معنى هذا يبدؤون ويكون العقل على من بقي أيسقط خمس الدية لأن عشرة حلفوا؟ أو يسقط عنهم ما يقع عليهم على قدر العاقلة وكثرتهم؟ فقال لي غير القول الأول إن مالكا

مسألة: النصراني يضرب ثم يسلم فيقول قتلني فلان

قال لي هو مثل الحق، فإذا نكل أولياء الدم عن القسامة فهو حق قد وجب على عاقلة المدعى عليه، فليس يبرئهم إلا اليمين ولو كانوا عشرة آلاف، ومن حلف منهم سقط عنه بقدر ما يصيبه، ومن لم يحلف غرم بقدر ما يقع عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول رسم من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: النصراني يضرب ثم يسلم فيقول قتلني فلان] مسألة قال ابن القاسم في النصراني يضرب ثم يسلم فيقول قتلني فلان فقال: يقسم ورثته ويأخذون الدية، وليس لهم أن يقتلوا، وكذلك العبد يجرح ثم يعتق فيقول: فلان قتلني مثله، وأما النصراني لو ضرب فقال: فلان قتلني ثم مات فليس له فيه شيء لا بقسامة ولا بيمين إلا أن يقوم بشاهد واحد فيحلف أولياؤه يمينا واحدة ويأخذون الدية وهو خلاف لما في كتاب المسائل رجع إلى هذا، ورجع إلى أن قال إذا قال الرجل قتلت فلانا خطأ أنه لوث، فإن شهد على إقراره رجل أنه أقر أقسم مع شاهده ثم ترك هذا وقال: لا يجوز حتى يشهد على إقراره شاهدان ورجع في مسألة أم الولد عما في كتاب المسائل. قال محمد بن رشد: قوله في النصراني يسلم والعبد يعتق بعد الجناية على كل واحد منهما، قد تقدم في هذا الرسم قبل هذا، ومضى الكلام عليه في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى. وأما قوله في النصراني يضرب فيقول: فلان قتلني ثم يموت إنه ليس فيه قسامة ولا يمين فهو أمر لا اختلاف فيه، وأما إذا كان لولاته شاهد على قتله فقوله: إنهم يحلفون مع شاهدهم يمينا واحدة ويأخذون الدية مثله في المدونة،

مسألة: قال قتلني فلان ولم يقل عمدا ولا خطأ

وهو خلاف ظاهر ما تقدم في رسم المكاتب من سماع يحيى، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته ومضى الكلام أيضا في القسامة مع إقرار القاتل بقتل الخطأ ومع الشاهد الواحد على إقراره بذلك فلا معنى لإعادته، ومسألة أم الولد التي أشار إليها وذكر رجوعه عما قال في كتب المسائل فيها هي مسألة أم الولد تقتل سيدها والله أعلم، وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في رسم سلف من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [مسألة: قال قتلني فلان ولم يقل عمدا ولا خطأ] مسألة [قال وسمعت أشهب يقول إذا قال: قتلني فلان ولم يقل عمدا ولا خطأ وقال رجلان من ولاته قتل عمدا وقال الآخرون وهم اثنان أيضا قتل خطأ وهم في القعدد سواء أقسموا كلهم واستحق الذين أقسموا على الخطأ نصف الدية على العاقلة، واستحق الذين أقسموا على العمد نصف الدية في ماله. [قال أشهب وكذلك لو قال اثنان منهم: قتل عمدا، وقال الآخرون: لا علم لنا أو نكلوا حلف الذين ادعوا العمد واستحقوا نصف الدية في ماله] . وإنما نكولهم عن الأيمان عن القسامة قبل أن يجب لهم الدم كعفوهم عنها لو وجبت للميت فيصير لمن بقي نصيبهم من الدية ويسقط القتل، قلت لأشهب: فإن قال دمي عند فلان ولم يقل عمدا ولا خطأ أو شهد بذلك شاهد ولم يقل عمدا ولا خطأ وللميت بنات وعصبة فقال البنات: قتل عمدا وقال العصبة: خطأ؟ قال: فإن البنات لا يقسمن في العمد، ولا يكون لهن إلى الدم سبيل ولكن يقسم

البنات والعصبة فيكون للعصبة ثلث الدية على عاقلته، ويكون للبنات ثلث الدية في مال الجاني خاصة لأنهن يزعمن أنهم لا شيء لهن على العاقلة، وقلت لأشهب إنه يزعمن أنهن لا حق لهن في ماله وإنما حقهن في دمه؟ قال: إنه لما لم يكن لهن إلى القتل سبيل كان بمنزلة ما لو استحقوه ثم عفا بعض من يجوز له العفو وصار نصيب من بقي في ماله، فكذلك إذا لم يكن إلى الدم سبيل لأن البنات لا يقسمن في العمد ليقتلن، إنما أقسمن واستحققن الدية في ماله ولم يكن لهن على العاقلة شيء. قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا إنه إن قال بعض الأولياء: قتل عمدا، وقال بعضهم: قتل خطأ وهو في القعدد سواء أقسموا كلهم واستحق الذين أقسموا على الخطأ نصف الدية على عاقلته، والذين أقسموا على العمد نصف الدية في ماله خلاف قول ابن القاسم في المدونة أنهم إن حلفوا كلهم كانت لهم دية الخطأ بينهم كلهم الذين ادعوا العمد والذين ادعوا الخطأ، ولكلا القولين وجه من النظر، فوجه قول أشهب أن المقتول لما أبهم الأمر في تدميته عليه فلم يقل عمدا ولا خطأ كان القول قول كل طائفة من الولاة فيما ادعوه من عمد أو خطأ إن حلفوا جميعا فإن نكل بعضهم أو قالوا لا علم لنا حلف من ادعى المعرفة منهم على ما يدعيه من عمد أو خطأ وكان القول قولهم في حظهم من الدية على القاتل في ماله إن ادعوا العمد وحلفوا عليه على أصله في أن نكول بعض الأولياء في العمد لا يبطل حق من لم ينكل من الدية، وعلى العاقلة إن ادعوا الخطأ وحلفوا عليه ولم يكن للذين نكلوا أو قالوا: لا علم لنا شيء، ولو كان بعضهم أقعد من بعض على مذهب أشهب لكان القول قول الذين هم أقعد فيما ادعوه من عمد أو خطأ يحلفون عليه ويستحقونه إما على العاقلة وإما في ماله، ولا سبيل لهم إلى القول على حال إذ لم ينص الميت على عمد ولا خطأ، ولا شيء للأبعد معهم في ذلك، ووجه قول ابن

القاسم أن الميت لما أبهم التدمية وجب أن تحمل على الخطأ؛ لأنه الأقل حتى يعرف الأكثر على الأصل في براءة الذمة فكان لمن ادعى الخطأ من الولاة أن يقسموا ويستحقوا الدية على العاقلة، فإن حلف الذين ادعوا العمد شاركوهم في الدية؛ لأنهم مقرون لهم بدخولهم معهم فيها وإن أبوا أن يحلفوا وقالوا: لا علم لنا لم يكن للذين ادعوا الخطأ وحلفوا عليه إلا حظهم من الدية، وإن نكل الذين ادعوا الخطأ وقالوا: لا علم لنا، لم يكن للذين ادعوا العمد أن يحلفوا على ما يدعونه من العمد إذ لم يقل ذلك الميت، بل لو قال ذلك الميت لم يكن لهم أن يحلفوا ويستحقوا الدم ولا الدية على مذهبه إذا نكل بعضهم عن اليمين أو عفا عن الدم، ولا فرق بين أن يعفوا على الدم أو [يقر] أنه خطأ، وهذا إذا كانوا في قعدد واحد، فإن لم يكونوا في قعدد واحد وكان الذين ادعوا الخطأ أقرب حلفوا واستحقوا الدية على العاقلة ولم يكن للذين هم أبعد منهم شيء؛ إذ لا دخول لهم معهم في الدية، وإن كان الذين هم أقرب هم الذين ادعوا العمد لم يكن لهم أن يقسموا على العمد إذ لم يقل ذلك الميت وإن كانوا بنات وعصبة فادعوا كلهم الخطأ حلفوا واستحقوا الدية على العاقلة، وإن ادعى البنات الخطأ والعصبة العمد حلف البنات واستحققن ثلثي الدية على العاقلة ولم يكن للعصبة شيء، وإن ادعى العصبة الخطأ حلفوا عليه واستحقوا ثلث الدية على العاقلة ولم يكن للبنات شيء؛ لأنهن ادعين العمد ولا قسامة لهن فيه هذا الذي يأتي في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم في المدونة وهو أظهر من قول أشهب، وقد كان القياس أن يبطل الدم ولا يكون في ذلك قسامة لا لمدعي الخطأ ولا لمدعي العمد؛ لأن العاقلة تنازع مدعي الخطأ تقول لهم ليس لكم أن تقسموا على الخطأ إذ لم يقل ذلك الميت والقاتل ينازع مدعي العمد يقول لهم: ليس لكم أن تقسموا على العمد إذ لم يقل ذلك الميت.

مسألة: ما أصيب من أصابع المرأة خطأ شيئا بعد شيء

وكذلك القياس أن تبطل شهادة الشاهد إذا شهد بالقتل ولم يقل خطأ ولا عمدا خلاف قول أشهب في مساواته بين ذلك وبين قول الميت دمي عند فلان ولم يقل عمدا ولا خطأ، وأما قول أشهب إنه إذا كان له بنات وعصبة فادعى البنات العمد والعصبة الخطأ إن البنات لا قسامة لهن في العمد ولكن يقسمن على ما ادعين وتقسم العصبة على ما ادعت من العمد ويكون للعصبة الثلث ثلث الدية على عاقلته ويكون للبنات ثلثا الدية في مال الجاني خاصة لأنهن يزعمن أنهن لا شيء لهن على العاقلة فقد وجهه بما ذكره من التوجيه وهو ضعيف ولو ادعى على مذهبه البنات الخطأ والعصبة العمد لحلف البنات واستحققن ثلثي الدية على العاقلة، وحلف العصبة واستحقوا الثلث في مال القاتل، والصحيح ما ذكرناه من مذهب ابن القاسم في ذلك وبالله التوفيق. [مسألة: ما أصيب من أصابع المرأة خطأ شيئا بعد شيء] مسألة وقال أشهب في المرأة تقطع أصبعيها عمدا فتقتص أو تأخذ لذلك شيئا ثم يقطع ما بقي من أصابعها خطأ بقطع الثلاثة معا أو واحد بعد واحد أن لها في ذلك عشر عشر وإن كان في الأصبعين الأولين خطأ فإذا استكملت من ذلك الكف ثلث الدية دية الرجل رجعت إلى النصف. قال محمد بن رشد: اختلف فيما أصيب من أصابع المرأة خطأ شيئا بعد شيء على ثلاثة أقوال، أحدها أنه لا يضاف شيء من ذلك إلى شيء، ويكون لها في كل أصبع عشر من الإبل كالرجل سواء إلا أن يقطع لها في مرة أربع أصابع فترجع في ذلك إلى عقل نفسها ويكون لها عشر من

مسألة: دية التغليظ أتكون في المال أم على العاقلة

الإبل وهو قول المغيرة وعبد العزيز بن أبي سلمة قالا: لا تضم مصيبة إلى مصيبة والثاني أن لها أيضا في كل أصبع يقطع لها عشرا إلا أن ينقطع لها في مرة أربع أصابع فترجع فيها إلى عقل نفسها فحينئذ يكون لها في الأصبع الخامسة خمس على حساب عقلها، وهذا القول حكاه ابن الماجشون عن مالك ونفى عنه ما سواه، والقول الثالث أنه يضاف بعض ذلك إلى بعض فإذا اجتمع من ذلك الدية رجعت إلى عقل نفسها فيكون لها على هذا القول وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها في الأصبع الأولى عشر، وفي الثانية عشر، وفي الثالثة عشر، وفي الرابعة خمس، وفي الخامسة خمس، واختلف على هذا القول هل يحسب عليها ما قطع من أصابعها عمدا فاقتصت به أو أخذت له عقلا، فقال أشهب في هذه الرواية: إنه يحسب عليها ويكون لها في الثلاثة الأصابع ثلاثون من الإبل قطعت معا أو شيئا بعد شيء، كما لو أصيب الأصبعان بأمر من السماء، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك لم يختلف في ذلك قوله، وقد روي عن أشهب أنه يحسب عليها من أصابها ما أصيبت عمدا، وهو قول سحنون وأبي إسحاق والبرقي ولم يروا ذلك بمنزلة ما ذهب بأمر من السماء، هذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق. [مسألة: دية التغليظ أتكون في المال أم على العاقلة] مسألة وسألت ابن القاسم عن دية التغليظ مثل ما صنع عمر بالمدلجي أتكون في المال أم على العاقلة؟ قال: بل في المال وتكون حالة ولا تكون في ثلاث سنين. قال محمد بن رشد: هذا مذهبه في المدونة وروايته عن مالك، وقد روي عنه أنها على العاقلة كدية الخطأ مؤجلة وقيل إنها على العاقلة

مسألة: دية العمد إذا قبلت ولم يشترطوا فيها شيئا

حالة، وقيل: إنها في ماله. إن كان له مال، وعلى العاقلة إن لم يكن له مال، وقد مضى هذا في أول سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: دية العمد إذا قبلت ولم يشترطوا فيها شيئا] مسألة قال ابن القاسم: ودية العمد إذا قبلت لم تكن في ثلاث سنين وكانت حالة. قال محمد بن رشد: قد قيل في دية العمد إذا قبلت ولم يشترطوا فيها شيئا سن بها سنة دية الخطأ في التأخير، وهو قول مالك في رواية ابن نافع عنه، وقول ابن القاسم في رواية حسين بن عاصم عنه، وأما إذا صولح القاتل على دنانير أو دراهم أو عروض فلا اختلاف في أنها تكون حالة وبالله التوفيق. [مسألة: قال أقسموا على فلان ولا تقسموا على من بقي] مسألة وسئل عن ثلاثة نفر ضربوا رجلا عمدا فقال: أقسموا على فلان ولا تقسموا على من بقي، قال: ذلك له ألا يقسموا إلا على من قال؛ لأنه لو لم يقل لم يكن لهم أن يقسموا إلا على واحد يختارونه فهو أولى بدمه وبالخيار، قلت له وإن كان خطأ؟ [قال: وإن كان خطأ] فإن الذي يقع بالقلب أن ذلك لا يقبل منه ويقال للورثة أقسموا عليهم كلهم وليس لكم أن تقسموا على بعض دون بعض، فإن أقسموا نظر إلى الذين قال: لا تقسموا عليهم فإن كان ثلث ماله يحمل ما يقع عليهم لم يكن عليهم شيء، وكذلك لو قال: لا تقسموا على أحد قيل لهم أقسموا إن أحببتم فإن أقسموا فكان ثلث ماله يحمل الدية كان كالوصية تجوز في ثلثه مع غيره من الوصايا.

مسألة: شهد رجلان على رجل أنه جرح فلانا ثم مات من تلك الجراحات

قلت: أرأيت لو لم يقل شيئا فقال أولياؤه نحن نقسم على واحد ونترك البقية؟ قال: ليس ذلك لهم وهو لا يدري من ضرب من مات منهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في أول رسم عبد ابتاعه من سماع يحيى فلا معنى لإعادته والله الموفق. [مسألة: شهد رجلان على رجل أنه جرح فلانا ثم مات من تلك الجراحات] مسألة قال: وقال ابن القاسم فيمن قتل بين الصفين إذا شهد رجلان على رجل أنه جرح فلانا ثم مات من تلك الجراحات بعد ذلك بأيام فإن فيه القسامة، قال ابن القاسم: وإن شهد على قتله رجل واحد أو على إقراره رجل واحد فلا أرى فيه القسامة، قيل له فالرجل يقول: قاتلت فلانا وفلانا وأثرت فيهما ثم يموت هل تكون فيه قسامة؟ قال: لا، من قبل أنه بمنزلة من قتل بين الصفين؛ ولأنه زعم أنه قاتلهما وهو كشاهد، ولا يشهد لنفسه، وليس هو بمنزلة من يقول: ضربني فلان وفلان؛ لأنه لما قال قاتلتهما كان بمنزلة من قتل بين الصفين. قال محمد بن رشد: قوله فيمن قتل بين الصفين إنه إذا شهد رجلان على رجل أنه جرح فلانا ثم مات من تلك الجراحات بعد ذلك بأيام فإن فيه القسامة خلاف قوله عقيب ذلك وأن شهد على قتله رجل واحد فلا أرى فيه القسامة إذ لا فرق في القسامة بين الشاهدين على الجرح وبين الشاهد على القتل فمرة رأى القسامة فيمن قتل بين الصفين بكل واحد من الوجهين وبقول المقتول دمي عند فلان، ومرة لم ير القسامة فيمن قتل بين الصفين بواحد من الوجهين ولا بقول المقتول دمي عند فلان، ومرة رآها بالشاهد على القتل والشاهدين على الجرح ولم يرها بقول المقتول دمي عند فلان، وقد مضت

مسألة: قال شجني فلان ولم يسمع ذلك عنه إلا رجل واحد

هذه المسألة في رسم الجواب من سماع عيسى ومضى الكلام عليها مستوفى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، وأما شهادة الشاهد الواحد على إقرار القاتل بالقتل فلم ير في هذه المسألة الرواية بذلك قسامة وقد مضى بيان الاختلاف في ذلك في رسم المكاتب من سماع يحيى وبالله التوفيق. [مسألة: قال شجني فلان ولم يسمع ذلك عنه إلا رجل واحد] مسألة قال ابن القاسم: وأما إذا قال الرجل: شجني فلان ولم يسمع ذلك عنه إلا رجل واحد فشهد على ما سمع منه ذلك الرجل وحده، قال لا يقسم مع شهادة هذا وحده، ولا تكون قسامة حتى يشهد على قوله رجلان؛ لأن الذي قال فلان ضربني كأنه وقف موقف شاهد فلا يقسم على [الذي ادعى عليه حتى يشهد على قوله رجلان، وكذلك إذا قال فلان قتلني. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله لا إشكال فيه ولا اختلاف. [مسألة: يضربه القوم فيحمل فيقيم أياما فيموت فيقرون أن من ضربهم مات] مسألة قال ابن القاسم: في الرجل يضربه القوم فيحمل فيقيم أياما فيموت فيقرون أن من ضربهم مات أنه لا قتل عليهم لأنهم كذبة لا يصدقون. قال محمد بن رشد: إنما قال إنهم لا يقتلون جميعا بإقرارهم أن من ضربهم مات لاحتمال أن يكون إنما مات من ضرب بعضهم لا من ضرب جميعهم أو من شيء عرض له غير ضربهم فلا يقتل واحد منهم إلا بالقسامة يقسم الأولياء على أحدهم أنه مات من ضربهم ويقتلونه، وكذلك لو كان الذي ضربه واحدا فعاش بعد ضربه إياه ثم مات فأقر أن من ضربه مات لم

مسألة: شهدا على رجل بقتل خطأ فأخذ الأب من العاقلة الدية ثم جاء ابنه حيا

يقتل بإقراره إلا مع القسامة على هذه الرواية وعلى ما تقدم في رسم الصبرة من سماع يحيى، وعلى قول المغيرة واختيار سحنون يقتل المقر أن من ضربه مات بغير قسامة وإن أقروا كلهم أن من ضربهم مات قتلوا بغير قسامة فعلى قول المغيرة يقتل المقر أن من ضربه مات بغير قسامة إلا أن يرجع عنه فيقبل رجوعه لأنه يقول ظننت أنه مات من ضربي ثم تحققت أنه لم يمت منه، وقد حكى ابن المواز أن قول ابن القاسم قد اختلف في ذلك، فمرة قال: إنه يقتل بقسامة، وقال مرة بغير قسامة، فقوله: إنه يقتل بغير قسامة هو مثل قول المغيرة، والأولى ألا يحمل ذلك على أنه اختلاف، وأنه إنما قال إنه يقتل بغير قسامة إذا لم تكن له حياة، وقد مضى هذا في أول رسم من سماع عيسى. [مسألة: شهدا على رجل بقتل خطأ فأخذ الأب من العاقلة الدية ثم جاء ابنه حيا] مسألة قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن شاهدين شهدا على رجل بقتل خطأ فأخذ الأب من العاقلة الدية ثم جاء ابنه حيا، قال يرد الدية التي أخذ من العاقلة لأنه وإن كان شهد له بمال فقد جاء من ينتزعه من يديه؛ لأنه لا شيء له أصلا، وقد يتقن إن شهد له به ليس كما شهد، قيل له: فإن وجد الأب عديما؟ قال: يغرمه الشاهدان. قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة هاهنا في بعض، الروايات وهي ثابتة في كل رواية في الرسم الأول من سماع أصبغ وهي صحيحة بينة لا إشكال في أن الأب يرد ما قبض إذ قد تبين أنه قبض ما لم يجب له. وأما قوله إنه يغرم الشاهدان إن وجد الأب عديما فهو بيّن إن كانا شهدا بزور إذ لا اختلاف في أن الشاهد يضمن ما أتلف بشهادته من المال إذا تعمد الزور وأما إن كانا شبه عليهما فقد قيل إنهما لا يضمنان وقد مضى تحصيل

: يجرحه الرجل فينزى في جرحه فيموت فيقوم لأوليائه شاهد واحد

القول في هذا في أول سماع عيسى من كتاب الشهادات، وإذا غرم الشاهدان للعاقلة في عدم الأب كان لهما أن يتبعا الأب بذلك وبالله التوفيق. [: يجرحه الرجل فينزى في جرحه فيموت فيقوم لأوليائه شاهد واحد] من نوازل سحنون وسئل سحنون عن الرجل يجرحه الرجل فينزى في جرحه فيموت فيقوم لأوليائه شاهد واحد أن فلانا جرحه ليس مع الشاهد غيره هل تثبت القسامة لهم؟ قال: نعم، بمنزلة ما لو شهد لهم على القتل، وقد قال لا تجب القسامة بالشاهد الواحد على الجرح حتى يشهد على القتل بعينه. قال محمد بن رشد: وإذا ثبتت لهم القسامة مع الشاهد الواحد على الجرح على القول بوجوب القسامة وهو الذي في المدونة فيقسمون لجرحه ولمات من جرحه، وقد مضى القول على هذه المسألة وما يتعلق بها في رسم المكاتب من سماع يحيى فلا معنى لإعادته. [مسألة: جرح في منازعة لا يدري من جرحه] مسألة قال سحنون في قوم وقعت بينهم منازعة فدخل رجل يحجز بينهم فأصابه جرح لا يدري من جرحه؟ وكيف إن قتل؟ قال سحنون: إن جرح أو قتل فعلى الفريقين في القتل الدية على العاقلة وفي الجراح في أموالهم إلا أن يبلغ الثلث فيكون على العاقلة. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لا إشكال فيه في القتل أو الجراح إذا كان مما تحمله العاقلة لأنه يدري أنه لم يفعله غيرهم، فيفرق العقل على قبائلهم أجمعين، وأما الجرح فيما دون الثلث فيكون في أموال جميعهم إن حلفوا كلهم أو نكلوا كلهم عن اليمين، وإن حلف بعضهم ونكل

مسألة: الحربي ينزل بأمان طالبا الفدا فيقتل رجلا مسلما خطأ

بعضهم عن اليمين برئ من حلف منهم وكان عقل الجرح على من نكل منهم وبالله التوفيق. [مسألة: الحربي ينزل بأمان طالبا الفدا فيقتل رجلا مسلما خطأ] مسألة وأخبرنا أبو إسحاق بن أبي الفياض البرقي قال: سمعت أشهب يقول في الحربي ينزل بأمان طالبا الفدا أو نازلا للتجارة فيقتل رجلا مسلما خطأ، قال: يحبس ويرسل إلى أهل موضعه وكورته التي هو بها يعلمهم بما أحدث صاحبهم وبالذي يجب عليهم في أحكام المسلمين فإن حملوا جنايته فبسبيل ذلك وإن أبوا لم يكن على الجاني إلا بقدر ما كان يصيبه لو أطاعوا بحملها على قدر الاجتهاد، قال سحنون: فسألت عنها أشهب فقال: الدية على الحربي في ماله، وليس على أهل بلده من ذلك شيء، وفي رواية أبي زيد قال سئل ابن القاسم عن حربي دخل بأمان فقتل رجلا من المسلمين خطأ، قال: ديته على أهل دينه يريد الحربيين. قال محمد بن رشد: رواية أبي زيد عن ابن القاسم مثل رواية البزي عن أشهب خلاف رواية سحنون عنه ولكلا القولين وجه، فوجه قول ابن القاسم ورواية البزي عن أشهب أن السنة قد أحكمت أن الدية في قتل الخطأ على العاقلة فإذا أبى أهل الحرب من أن يؤدوا عنه ما يجب عليهم في ذلك عندنا لم يلزمه هو إلا ما يجب عليه في خاصته، ووجه قول أشهب في رواية سحنون عنه أن الأصل كان ألا يحمل أحد جناية أحد وأن تكون جنايته عليه في ماله عمدا كانت أو خطأ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وقوله: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فخرج عن ذلك بالسنة

مسألة: قتل مرتدا عمدا ماذا يجب عليه

المسلمون، ومن تجري عليه الأحكام من أهل الذمة والمصالحين، وبقي من كان من لا يجري عليه أحكامنا من أهل الحرب على الأصل في كونه مطلوبا بجنايته، وأيضا فإنا ما أمَّناه على أن تمضي جنايته هدرا، فهذا القول أظهر والله أعلم. [مسألة: قتل مرتدا عمدا ماذا يجب عليه] مسألة وكتب إلي سحنون من طرابلس ما تقول- والى الله حفظك - في رجل قتل مرتدا عمدا ماذا يجب عليه؟ قال سحنون: من قتل مرتدا عمدا فلا غرم عليه لديته ولا شيء، وسواء قتله مسلم أو نصراني ولا دية عليه ولا قتل، وقد كان عبد العزيز يقتل المرتد ولا يستتيبه، ويذكر ذلك عن معاذ بن جبل ويقول غير أن السلطان يؤدب القاتل لما افتات عليه؛ لأن مثل هذا، الحكم فيه بيد السلطان، قال أبو إسحاق البرقي: عقله في الخطأ والعمد عقل مجوسي في نفسه وجميع جراحاته، وكذا قال أشهب وابن القاسم، وأخبرني بعض أصحابنا عن أصبغ مثله، وسأل عنها سحنون وذكر له رواية البرقي عن ابن القاسم وأشهب أنهما قالا: عقله عقل مجوسي فاذكر روايته عنهما وقال: سألت عنها أشهب غير مرة فقال لي: عقله عقل الدين الذي ارتد إليه. قال محمد بن رشد: أما سحنون فقد بين وجه قوله أنه استحسان مراعاة لقول من لا يرى استتابته ويوجب عليه القتل ما لم يرجع إلى الإسلام والقياس على القول بوجوب استتابته ما رواه سحنون عن أشهب أن عقله عقد الدين الذي ارتد إليه؛ لأنه إن كان ارتد إلى النصرانية أو اليهودية فقد قتل نصرانيا

مسألة: قال له أقتلنى فقتله

محرم القتل أو يهوديا محرم القتل فوجبت عليه الدية نصراني أو يهودي، وإن كان ارتد إلى المجوسية فقد قتل مجوسيا محرم القتل فوجبت عليه دية مجوسي، ووجه القول بأن ديته دية مجوسي هو أنه لما كان لا يقر على الدين الذي ارتد إليه وإن بذل الجزية عليه لم يعتبر به فكأن قاتله قد قتل كافرا محرم القتل فوجب أن يكون عليه أقل ديات الكافر وهى ديات المجوس؛ لأن الأقل واجب، وما زاد عليه مشكوك فيه، فوجب ألا يجب الزيادة على القاتل إلا بيقين وبالله التوفيق. [مسألة: قال له أقتلنى فقتله] مسألة وسئل سحنون عن الرجل يقول يا ليتني أجد من يقتلني فقال له رجل: أشهد لي على نفسك أنك قد وهبت لي دمك وعفوت عني وأنا أقتلك، فأشهد له على ذلك فقتله، فقال لي قد اختلف في ذلك بعض أصحابنا وأحسن ما رأيت في ذلك أنه يقتل القاتل؛ لأن المقتول عفا عن شيء لم يجب له، وإنما يجب لأوليائه ولا يشبه من قتل فأدرك حيا فقال أشهدكم أني قد عفوت عنه. قيل له: فلو أنه قال: اقطع يدي فقطع يده؟ قال: لا شيء عليه لأن هذا ليس بنفس وإنما هو جرح. قال محمد بن رشد: قد بين سحنون وجه ما اختاره من الاختلاف الذي ذكره، وهو أنه عفا عن شيء لم يجب له بعد، فلم يلزم، وفي المسألة ثلاثة أقوال أحدها قول سحنون هذا، والثاني أنه لا شيء على القاتل لأن المقتول قد عفا له عن دمه فسقطت عنه التبعة فيه على القول بجواز إسقاط

: يوقد تحت قدره فمات الصبى دون أن يره

الحق قبل وجوبه، والثالث أنه لا يقتص منه لشبهة عفو المقتول له عن دمه وتكون عليه الدية في ماله، وهذا القول أظهر الأقوال والله أعلم. [: يوقد تحت قدره فمات الصبى دون أن يره] من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم قال محمد بن خالد: وسأل رجل ابن القاسم فقال له إني رجل أطبخ هذا القصب السكر، وإني جعلت حوالي قدري قصبا فسترته عن الناس، وإن صبيا قام خلف القصب ولا علم لي به فكنت أوقد تحت قدري ففارت القدر بما فيها، فأصاب الصبي ما خرج منها فمات فقال له ابن القاسم: لا أرى عليك شيئا، قال محمد بن خالد: ونزلت. قال محمد بن رشد: قوله لا أرى عليك شيئا يريد لا في ماله ولا على عاقلته، وهو صحيح؛ لأنه فعل ما يجوز له، فلم يكن منه جناية على الصبي بعمد ولا خطأ على معنى ما قاله في المدونة في الذي يرسل النار في أرضه وأرض جاره بعيدة مأمونة من هذا النار فتحاملت النار أو حملتها الريح إلى أرض جاره فلا شيء عليه فيما أحرقت فيه، ولو كانت أرض جاره قريبة غير مأمونة من هذه النار لكان ما أحرقت فيه من الناس من الخطأ الذي [يكون على العاقلة على ما قاله في المدونة، والخطأ في الجنايات على الأحرار ينقسم على قسمين، خطأ لا شبهة فيه للعمد، وخطأ فيه شبهة للعمد فأما ما كان من الخطأ الذي] لا شبه فيه للعمد فهو على العاقلة باتفاق إلا فيما دون الثلث. وأما ما فيه شبهة العمد فيفترق فيه الحكم بحسب قوة الشبهة وضعفها.

: يقول هذا قاتل أخي ويسأل القاضى أن يسجنه

فمنها ما تقوى فيه الشبهة فتكون الدية فيه في مال الجاني، وذلك كالشاهدين يشهدان بالزور فيقتل المشهود عليه بشهادتهما، وقد قيل إن القصاص يجب عليهما، ولذلك وجه وهو أنهما بشهادتهما قد أكرها الحاكم على قتله، وقد مضى تحصيل في ذلك في أول سماع عيسى من كتاب الشهادات. ومنه ما تضعف فيه الشبهة فتكون فيه الدية على العاقلة كالذي يرسل النار في أرض قريبة من أرض جاره فيحرق فيها ناسا. ومنه ما تكون الشبهة فيه دون القوية وفوق الضعيفة فيختلف في الدية فيه هل تكون على الجاني في ماله أو على العاقلة كالطبيب يغر من نفسه فيخطئ على المريض فيموت من علاجه، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، وكالكلب العقور يعدو على الناس بعد التقدم إليه فيه حسبما مضى القول فيه في رسم لم يدرك من سماع عيسى قبل هذا من هذا الكتاب وبالله التوفيق. [: يقول هذا قاتل أخي ويسأل القاضى أن يسجنه] من سماع عبد الملك من ابن القاسم قال عبد الملك: سئل ابن القاسم عن الرجل يتعلق بالرجل فيقول هذا قاتل أخي أو ابن عمي أو قريب لي فيأتي به إلى القاضي فيسأله أن يسجنه حتى يأتي بالبينة إلى ثلاثين ليلة أو أكثر من ذلك أو أقل فهل يسجن له بقوله حتى يستبرئ أمره والمدعى عليه من أهل الريبة والتهمة أو لا يكون من أهل الريبة والتهمة؟ قال ابن القاسم: إن كان المدعى عليه من أهل التهم والريبة رأيت أن يحبس ويضرب للمدعي أجل شهر أو نحوه ليس الشهر للمتهم المريب بكثير وإن كان

مسألة: النصراني يقتل العبد المسلم

غير متهم فلا يكون له أن يحبس بقوله إلا الأمر القريب اليوم واليومين والثلاثة. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. [مسألة: النصراني يقتل العبد المسلم] مسألة وسألت أشهب عن النصراني يقتل العبد المسلم، قال: يقتل به، قيل: فإن قال السيد لا أريد القتل وأنا أريد أن آخذ قيمة عبدي؟ قال: ذلك له. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم سلف دينارا من سماع عيسى قبل هذا فلا معنى لإعادته. [مسألة: يفر من موت إلى موت أيسر منه] مسألة وأخبرني من أثق به من أصحابي عن ابن وهب أو عن أشهب أنه سأل عن الرجل يخرج بكفه ريشته فيذهب لذلك بعض كفه ويخاف على ما بقي من يده منها فيقال له: اقطع يدك من المفصل قال إن كان ذلك أمرا مخوفا يخاف عليه الموت من قطعه لم ينبغ له أن يقطع وإن كان أمرا لا يخاف عليه الموت فلا أرى بأسا. قال محمد بن رشد: إما إذ لم يخف إذا لم يقطع يده من المفصل إلا على ما بقي من يده فلا يجوز أن يقطع يده من المفصل [إذا كان ذلك أمرا يخاف عليه منه الموت، وأما إن خشي إن لم يقطع يده من المفصل أن

مسألة: جريحا يقال له من جرحك فيقول ما أعرفه ثم يقول فلان

يتراقى أمر الريشة إلى أن يموت منها فله أن يقطع يده من المفصل وإن كان ذلك أمرا مخوفا إذا كان الخوف عليه من الريشة أكثر وقد أجاز مالك في المدونة لأهل السفينة من المسلمين إذا أحرقها العدو أن يطرحوا بأنفسهم في البحر وإن علموا أن في ذلك هلاكهم وقال لا بأس بذلك إنما فروا من الموت إلى الموت فإذا أجاز أن يفروا من الموت إلى الموت فأحرى أن يفروا من الموت إلى ما يرجى فيه الحياة ويخاف فيه الموت، ولم يجز له ربيعة أن يفر من موت إلى موت أيسر منه، فلا اختلاف بينهم في أنه يجوز له أن يفر من أمر يخاف فيه الموت إلى أمر يرجو فيه النجاة وإن لم يأمن فيه الموت وبالله التوفيق. [مسألة: جريحا يقال له من جرحك فيقول ما أعرفه ثم يقول فلان] مسألة وسألت ابن وهب عن الذي يوجد جريحا فيقال له: من جرحك؟ فيقول: ما أعرفه غلبني السكر وظلام الليل ثم يسأل بعد يوم أو يومين فيقول: فلان جرحني هل يقبل ذلك منه؟ قال: لا يقبل قوله وقد نزلت هذه عندنا فرأينا ألا يقبل قوله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى، وأن المخالف في ذلك ابن الماجشون ويرد قوله الحديث المأثور في ذلك فلا معنى لإعادته. [مسألة: النصراني يقتل العبد المسلم] مسألة وسئل وأنا أسمع عن النصراني يقتل العبد المسلم، قال: يقتل به. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة فوق هذا وفي رسم سلف من سماع عيسى ومضى الكلام عليها هناك فلا معنى لإعادته.

مسألة: يغرق رجلا فيهلك أترى أن يقتل بتلك القتلة

[مسألة: يغرق رجلا فيهلك أترى أن يقتل بتلك القتلة] مسألة وسألته عن الذي يغرق رجلا فيهلك أترى أن يقتل بتلك القتلة؟ قال: نعم، قلت له: فالذي يقتل بالسم هو عندك مثله؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: قوله هو عندك مثله يريد أنه يقاد منه بالسم كما يقاد منه في التغريق بالتغريق، وهو نص قوله في المدونة: إنه يقاد منه بالسم إذا قتله بالسم، وقد تأول ابن أبي زيد هذه المسألة وحملها على غير ظاهرها، يعني يوجب القود بغير السم، وهو من التأويل البعيد، وكذلك حمل أصبغ قول مالك في الواضحة على غير ظاهره لأنه حكى عنه أنه قال: يقتل من سقي السم، فقال هو: غير أنه لا يقاد من ساقي السم بالسم ولا من حرق رجلا بالنار لم يقتل بالنار؛ لأنهما من المثل ولكن يقتل بالسيف، فقول أصبغ خلاف لقول ابن القاسم وروايته عن مالك في القود بالنار وبالسم؛ لأنه إذا قيد على مذهب مالك من القاتل بالسم بالسم فأحرى أن يقاد من القاتل بالنار بالنار، وقد مضى الكلام على هذا في أول سماع أشهب مستوفى فلا معنى لإعادته. [: قتل وله وليان فقام أحد الوليين على القاتل فقتله] من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب الحدود قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن قتل وله وليان فقام أحد الوليين على القاتل فقتله، فقال: ليس عليه قتل ويغرم لصاحبه لأنه الذي أبطل حقه لعله يعفو عنه، يقول لعله كان يصالح عليه ويأخذه، وقاله أصبغ. قال محمد بن رشد: قال إنه يغرم لصاحبه، ولم يقل ما يغرم له؟

مسألة: الأب إذا اقتص من الذي شهد له عليه بقتل ابنه ثم جاء ابنه

والذي يغرم- على مذهبه في أن القاتل لا يجبر على غرم الدية- نصف ما يرى أنه كان يرضى أن يصالح به عن نفسه، ولا يقتل، وعلى مذهب أشهب يغرم له نصف الدية إن كان القاتل مليا بالدية، أو نصف ما كان له من المال إن لم يكن مليا بها وبالله التوفيق. [مسألة: الأب إذا اقتص من الذي شهد له عليه بقتل ابنه ثم جاء ابنه] مسألة قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول فيمن شهد عليه شاهدان أنه قتل ابنه عمدا فأسلم إلى الولي وهو الأب فقتل ثم جاء ابنه فإذا هو حي، قال: يغرم الشاهدان الدية، وليس على الأب شيء؛ لأنه إنما هو دم شهد له به فأخذه، وقاله أصبغ وخطأ من الشاهدين، وهو كالرجوع فأراه إن تعمدا في أموالهما، وإن شبه عليهما فعلى عواقلهما، قيل له: فإن صالح الأب من ذلك على مال ثم قدم ابنه أيضا؟ قال: يغرم الأب إنما شهد له بدم ولم يشهد بمال فأخذ في ذلك الدم مالا فهو يرده، قيل فيوجد معدما أيؤخذ من الشاهدين؟ قال: لا أرى عليهما شيئا، وقاله أصبغ وهو الحق إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قوله إن الأب إذا اقتص من الذي شهد له عليه بقتل ابنه ثم جاء ابنه أنه لا شيء على الأب معناه إن ادعى أنه لم يعلم وظن أن الشاهدين شهدا بحق وصدّقه ورثة المستقاد منه في دعواه، فإن لم يصدقوه

مسألة: شهدا على قتل رجل خطأ فأخذ الأب الدية من العاقلة ثم جاء ابنه حيا

وادعوا عليه أنه علم كذب الشهود لزمته اليمين في ذلك باتفاق إن حققوا عليه الدعوى في ذلك، وعلى اختلاف إن لم يحققوا عليه الدعوى وأرادوا أن يحلفوه بالتهمة في ذلك فإن نكل عن اليمين حلف ورثة الميت إن كانوا حققوا عليه الدعوى ولزمه غرم الدية مع الشاهدين يكون كل واحد منهم حميلا عن صاحبه بما يجب عليه منها. وأما قوله: إن الغرم على الشاهدين فإن تعمدا ففي أموالهما وإن شبه عليهما فعلى عواقلهما فهو خلاف قوله في أول سماع عيسى من كتاب الشهادات إن ذلك في أموالهما تعمدا الزور أو شبه عليهما، وفي المسألة قول ثالث أنهما إن تعمدا اقتص منهما، وإن شبه عليهما كانت الدية في أموالهما، وهو قول ابن نافع وأشهب، وروى ذلك عن علي بن أبي طالب، وقول رابع أنهما إن تعمدا كانت الدية في أموالهما وإن شبه عليهما كان ذلك هدرا، وهو قول ابن الماجشون والمغيرة وابن دينار وابن أبي حازم وغيرهم. وأما قوله إنه إن صالح الأب من ذلك على مال ثم قدم ابنه أن الأب يغرم ما أخذ إن كان له مال، فإن لم يكن له مال اتبع به دينا ولم يكن على الشاهدين شيء فهو على قياس قوله في أن القاتل لا يلزمه غرم الدية إلا برضاه، ويأتي على قياس قول أشهب وأحد قولي مالك في أنه مجبور على غرم الدية أن يرجع على الشاهد في عدم الأب فيغرمان ويتبعان الأب وبالله التوفيق. [مسألة: شهدا على قتل رجل خطأ فأخذ الأب الدية من العاقلة ثم جاء ابنه حيا] مسألة وسئل ابن القاسم عن شاهدين شهدا على قتل رجل خطأ فأخذ الأب الدية من العاقلة ثم جاء ابنه حيا، قال: يرد الدية الذي أخذ من العاقلة لأنه وإن كان شهد له بمال فقد جاء من ينتزعه من يديه؛ لأنه لا شيء له أصلا وقد تبين أن ما شهد به ليس كما شهد، قيل: فوجد الأب معدما، قال: يغرمه الشاهدان.

مسألة: يضرب فيذهب عقله أيستأنى بذهاب عقله

قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في آخر سماع سحنون والكلام عليها فلا معنى لإعادته. [مسألة: يضرب فيذهب عقله أيستأنى بذهاب عقله] مسألة وسألت أشهب عن الذي يضرب فيذهب عقله أيستأنى بذهاب عقله؟ قال: نعم، قلت كم؟ قال: سنة، قلت فإن أخذ العقل بعد السنة ثم رجع إليه عقله؟ قال: حكم قد مضى، أو قال مضى ما مضى أي لا يرد شيئا. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يستأنى بذهاب العقل سنة صحيح كما قال، والوجه في ذلك أن تمر عليه الفصول الأربعة، فإذا مرت عليه ولم يرجع إليه عقله حكم له بعقل عقله وهو الدية كاملة، ولا اختلاف في أنه ينتظر به سنة كما قال؛ إذ ليس في ذلك معنى سوى الرجاء في رجوع عقله إليه باختلاف الأربعة الأزمنة عليه، وإنما اختلف في الجراح، فقيل إنه ينتظر بها سنة وإن بريت قبل السنة، فإن أتت السنة عليها ولم تبرأ انتظر برؤها بعد السنة وهو مذهبه في المدونة، فقال ابن حبيب ينتظر بها بروها، فإن بريت [قبل السنة لم ينتظر تمامها إلا أن تبرأ على عثل فإن برئت على] عثل انتظر بها إتمام السنة ولا ينتظر بها بعد السنة، ويحكم فيها بالقود إذا انقضت السنة، وإن لم تبرأ فإن ترامى الجرح إلى ذهاب عضو آخر نظر فيه كما كان ينظر فيه لو حكم بالقود بعد البرء، وقول أشهب في هذه الرواية إنه لا يرد العقل برجوع عقله إليه بعد الحكم مثله قال في كتاب ابن المواز في الذي ضربت عينه فنزل الماء فيها أو ابيضت فأخذ الدية ثم بريت بعد ذلك إنه لا يرد شيئا، وهو اختيار ابن المواز إذا كان القضاء بذلك بعد الاستقصاء والأناة فلم ير بين

المسألتين فرقا، ورأى القضاء بذلك حكما وقع باجتهاد صحيح، فلا يرد، وأما ابن القاسم فقال في المدونة، في الذي ابيضت عينه أو نزل الماء فيها فحكم له بالدية ثم برئت أنه يرد ما أخذ، فقيل إنه هو الذي يأتي في مسألة العقل على مذهبه، وأنه لا فرق عنده بين المسألتين، وقيل إن المسألتين مفترقتان عنده وإن مذهبه في مسألة العقل كقول أشهب؛ لأن العقل يذهب حقيقة ثم يعود بعد ذهابه، فإذا حكم بالعقل فيه لذهابه لم ينقض الحكم فيه لرجوعه، وأما البصر فقد يستره ساتر دون أن يذهب حقيقة، فإذا حكم بالعقل فيه لذهابه في الظاهر ثم رجع علم أنه لم يكن ذهب حقيقة وإنما كان ستره ساتر، فانكشف برجوعه خطأ الحكم بالدية، فوجب ردها. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال أحدها أنه يرد الدية في المسألتين، والثاني أنه لا يردها في واحدة منهما، والثالث الفرق بينهما فيردها في رجوع البصر ولا يردها في رجوع العقل، ولا اختلاف بينهم في أنه إذا عاد البصر أو العقل قبل الحكم لا يقضى له بشيء. وحكم السمع يذهب ثم يعود قبل الحكم أو بعد الحكم حكم البصر على ما ذكرناه فيه. وأما الكبير تصاب سنه فيقضى له بعقلها ثم يردها صاحبها فثبتت فلا اختلاف بينهم في أنه لا يرد العقل إذ لا ترجع على قوتها، هذا مذهب ابن القاسم وقول أشهب في كتاب ابن المواز وروايته عن مالك في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب الجنايات. والأذن بمنزلة السن في ذلك لا يرد العقل إذا ردها بعد الحكم فتثبتت واستمسكت، وإنما اختلف فيهما إذا ردهما فثبتتا واستمسكتا وعادتا لهيئتهما قبل الحكم على ثلاثة أقوال: أحدها: قوله في المدونة إنه يقضى له بالعقل فيهما جميعا إذ لا يمكن أن يعودا لهيئتهما أبدا، وقال أشهب إنه لا يقضى له فيهما بشيء إذا عادا لهيئتهما قبل الحكم، والثالث: الفرق بين السن والأذن فيقضي

مسألة: أهل مكة والمدينة أهم أهل ذهب أو ورق أو إبل في الدية إذا وقعت عليهم

بعقل السن وإن ثبتت، ولا يقضى له في الأذن بعقل إذا استمسكت وعادت لهيئتها، وإن لم تعد لهيئتها عقل له بقدر ما نقصت، وهو قول ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الجنايات، ولا اختلاف بينهم في أنه يقضى له بالقصاص فيهما وإن عادا لهيئتهما فإن اقتص بعد أن عادا لهيئتهما فعادت أذن المقتص منه أو عينه فذلك وإن لم يعودا أو قد كانت عادت سن الأول أو أذنه فلا شيء له، وإن عادت سن المستقاد منه أو أذنه ولم تكن عادت سن الأول ولا أذنه غرم العقل قاله أشهب في كتاب ابن المواز وبالله التوفيق. [مسألة: أهل مكة والمدينة أهم أهل ذهب أو ورق أو إبل في الدية إذا وقعت عليهم] مسألة قال أصبغ: وسألت أشهب عن أهل مكة والمدينة أهم أهل ذهب أو ورق أو إبل في الدية إذا وقعت عليهم؟ قال: لا بل هم أهل ذهب وقال أصبغ: هم اليوم أهل ذهب. قال محمد بن رشد: هذا مما لا إشكال فيه؛ لأن أهل الإبل إنما هم أهل البوادي وأهل العمود، وأما أهل الأمصار والمدن فهم إما أهل ذهب أو أهل ورق، وقول أصبغ هم اليوم أهل ورق دليل على أن أحوال البلاد في ذلك قد تنتقل، وكذلك أهل الأندلس هم اليوم أهل ذهب وقد كانوا في القديم أهل ورق على ما يوجد في وثائقهم وقاله أهل تواريخهم وبالله التوفيق.

: قول الغائب لا يثبت في شيء من الأشياء إلا بشاهدين

[: قول الغائب لا يثبت في شيء من الأشياء إلا بشاهدين] ومن كتاب المجالس قلت: أرأيت أن أقمت شاهدا واحدا على قول ولي إن فلانا ضربه ومن ضربه يموت أيجب به القسامة؟ قال: لا، ولا يكون ذلك بأقل من شاهدين لأن الميت غائب، وقول الغائب لا يثبت في شيء من الأشياء إلا بشاهدين، قلت: أيجب على المرمى بالدم بهذه الشهادة حبس؟ قال: لا يلزمه بهذه الشهادة شيء. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في آخر سماع سحنون وهو مما لا إشكال فيه ولا اختلاف. [مسألة: العقل على الرجال الأحرار البالغين من القبيلة] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في السفيه إنه يعقل مع العاقلة وقال في موالي القبيل إنهم يعقلون مع القبيل. قال محمد بن رشد: العقل على الرجال الأحرار البالغين من القبيلة، ويعقل السفيه والمولى عليهم معهم، ويؤخذ من ماله ما نابه من العقل، ويعقل عن الموالي الأسفلين المنعم عليهم بالعتق، وجميع القبيلة لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مولى القوم منهم» واختلف هل يعقل المولى الأسفل مع القبيلة التي مواليه منها ما جناه مواليه وسائر أهل القبيلة أم لا؟ فقال في هذه الرواية في موالي القبيل أنهم يعقلون مع القبيل، وخالف في ذلك سحنون فقال إنه لا يعقل مع الجاني مواليه الذين أنعم هو عليهم لأنهم لا يرثونه، ويعقل عنه مواليه الذين أنعموا عليه وقومهم، هذا نص قوله، وإلى هذا ذهب محمد بن المواز فقال أجمع العلماء أن الموالي من أسفل لا يعقلون

مسألة: طبيب مسلم أو نصراني سقى رجلا مسلما دواء فمات منه

مع من أعتقهم، قال: وهو معنى قول ابن القاسم، وليس قول ابن المواز بصحيح، بل يعقلون معهم على مذهب ابن القاسم، وهو نص قوله في هذه الرواية، وله مثله في جنايات العبيد من المدونة، ومثله لابن كنانة في المدونة، والذي في كتاب جنايات العبيد من المدونة هو قوله في المبتل في المرض إذا لم يكن لسيده أموال مأمونة إن جنايته جناية عبد لأن العاقلة لا تحمل له جريرة حتى يحمل هو مع العاقلة ما لزم العاقلة من الجراير، واعتلال سحنون في ذلك بأنهم لا يرثونه ليس بصحيح إذ ليس العقل مرتبطا بالميراث؛ لأن الرجل يعقل عمن لا يرثه من عشيرته، وكما لا يعقل عنه من لا يرثه من قبيلة مولاه فكذلك يعقل هو عمن لا يرثه من مواليه وسائر قبيلته والعقل في هذا بخلاف القيام بالدم لا اختلاف في أنه لا حق للمولى الأسفل في القيام بالدم والقسامة فيه، ولا عقل على النساء ولا على العبيد ولا على الصبيان والمجانين. [مسألة: طبيب مسلم أو نصراني سقى رجلا مسلما دواء فمات منه] مسألة قال أصبغ في طبيب مسلم أو نصراني سقى رجلا مسلما دواء فمات منه ليس عليه شيء إلا أن يعرف أنه سقاه شيئا أراد به قتله. قال محمد بن رشد: قوله ليس عليه شيء إلا أن يعرف أنه سقاه شيئا أراد به قتله معناه إذا لم يخطأ ولا غر من نفسه وهو محمول على أنه لم يخطأ حتى يتبين خطأه، وعلى أنه لم يغر إذا أخطأ حتى يعلم غروره، وظاهر قوله أنه لا شيء عليه وإن أخطأ وغر حتى يعلم أنه أراد بما سقاه قتله، وإنما حمل قوله في هذا على ظاهره فيكون معنى قوله: إنه ليس عليه شيء أي ليس عليه شيء في ماله وإنما تكون الدية في ذلك على عاقلته إلا أن يعلم أنه سقاه شيئا أراد به قتله فيقتل به؛ إذ لا خلاف في أن الدية على عاقلته إذا أخطأ ولا ما إذا غر من نفسه، فقيل إن الدية في ماله وهو ظاهر قول مالك في رسم

مسألة: عبدا لامرأة ذات زوج ضرب بطن سيدته وهي حامل فألقت جنينا ميتا

كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، وقيل إنها على العاقلة، وهو قول عيسى بن دينار هناك وظاهر قول أصبغ هاهنا وبالله التوفيق. [مسألة: عبدا لامرأة ذات زوج ضرب بطن سيدته وهي حامل فألقت جنينا ميتا] مسألة قيل لأصبغ: أرأيت عبدا لامرأة ذات زوج ضرب بطن سيدته وهي حامل فألقت جنينا ميتا؟ قال: تخير المرأة بين أن تدفع إلى زوجها ما يصيبه من دية الجنين وتحبس العبد، وبين أن تدفع جميع العبد إليه، قيل له ولم ودية الجنين بين أبيه وأمه؟ فلم لا يكون لها ثلث العبد وتخير في افتكاك ثلثيه من زوجها بثلثي دية الجنين أو تسلم ثلثيه إن أحبت؟ [قال: لا يكون لها ثلث العبد وتخير في افتكاك ثلثيه من زوجها بثلثي دية أجنبي، مع أن السيد يخير] قال: لا يكون لها ذلك لأن جناية العبد على سيدته هاهنا كجنايته على سيدته وعلى أجنبي معها وقد قال ابن القاسم في العبد يجني على سيده وعلى أجنبي معه أن السيد يخير، بين أن يفتكه كله بدية جناية الأجنبي وبين إسلامه كله في جناية الأجنبي ولا يقاصه بجنايته، فكذلك مسألتك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه وبالله التوفيق.

مسألة: الرجل يدعي قبل الرجل أنه قتل عبده

[مسألة: الرجل يدعي قبل الرجل أنه قتل عبده] مسألة قال أصبغ قال ابن القاسم في الرجل يدعي قبل الرجل أنه قتل عبده فيقر المدعى عليه أنه رماه أو ضربه ويقول: لم يمت من ذلك، ويدعي الرجل أنه مات منه، قال ابن القاسم: يحلف المدعي يمينا واحدة لمات منه ويستحق ثمنه، قال ابن القاسم: وكذلك لو ثبت أنه ضربه أو رماه ثم مات أنه يحلف يمينا واحدة ويستحق ثمنه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها وعلى ما فيها من الاختلاف في أول رسم من سماع أشهب فلا معنى لإعادته. [: عبد وحر اصطدما فماتا جميعا كيف يحكم فيهما] من نوازل سئل عنها أصبغ وسئل أصبغ عن عبد وحر اصطدما فماتا جميعا كيف يحكم فيهما؟ قال: يكون في مال الحر قيمة العبد يدفع إلى سيده، ثم يقال لسيد العبد افتك قيمته بدية الحر أو أسلمها، فإن أسلمها لم يكن لولاة الحر غيرها وإن افتداها، افتداها بجميع الدية. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا في هذه المسألة يأتي على ما مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم من أن سيد العبد يخير في جنايته على الحر بين أن يسلمه بها أو يفتديه بها مؤجلة في ثلاث سنين لا حالة؛ لأن معنى قوله وإن افتداها، افتداها بجميع الدية معناه في ثلاث سنين، إذ لو لم تكن مؤجلة لوجب أن يكون مقاصة بالقيمة كما قال في المدونة، وقد مضى هذا مبينا في أول رسم من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: يقول إن مت من جراحاتي ففلان غلام فلان بي] مسألة وسئل عن الرجل يقول: إن مت من جراحاتي ففلان غلام فلان

بي، فيوجد لفلان ذلك غلام يسمى بذلك الاسم فيقر السيد باسمه بهذا الاسم ويزعم أنه لا غلام له غيره يسمى بهذا الاسم أو يزعم أنه كان له غلمان يسمون بهذا الاسم وليسوا اليوم في ملكه، أو يزعم في بعض من هلك من غلمانه أن هذا اسمه كذا وكذا لذلك الاسم الذي سماه المجروح، ولا يعلم ذلك إلا بقول السيد أو يرمي رجلا حرا ويسميه باسمه واسم أبيه ولا يعرفه الشهداء ويذكر مسكنه فيوجد في ذلك الموضع الذي سماه له مسكن ذلك الاسم وتلك النسبة أو لا يوجد بموضعه ذلك الاسم ولا تلك النسبة، وعلى من يرى طلب أنه ليس بهذا الموضع أحد غير هذا فنحن نقسم عليه، ويقول الآخر لا علم لي، فكيف إن كان لرجل غريم غائب أو أبق له عبده فأثبت دينه وصفة غريمه أو عبده عند القاضي فكتب له كتابا باسمه وحليته كلها على حال ما ثبت عنده ليطلبه به فتوجد تلك الصفة فأنكر أن يكون غريمه أو أن يكون عبده وهو عبد لرجل آخر بالمكان الذي وجد به، على من ترى طلب أنه ليس بذلك المكان من يسمى بذلك الاسم وعلى تلك الحلية أعلى المدعي أو على المدعى عليه أم يكون كشف ذلك على السلطان؟ وهل تأخذ بهذا القول أنه إن لم يوجد بذلك المكان مثله أن ذلك يلزمه إلا أن يأتي بالمخرج، فإنه بلغني عن عبد الملك أنه قال في العبد: إنه توضع قيمته ثم يأخذه فيسيره به إلى موضع شهوده، فإن عرفوه بعينه أخذوه وإلا رده، فإن رأيت قوله حسنا أرأيت إن وضع قيمته فأخذه فوجد شهوده قد ماتوا أيكون له شيء أم لا؟ قال أصبغ لا أرى أن يعبأ بقول السيد، وأرى أن يقع على ذلك الغلام الذي يعرف في ملكه بذلك

الاسم يوم قال المجروح مثل ما قال، ويوم ادعى أنه جرحه ولا يلتفت إلى ما قبل ذلك من دعوى السيد ولا الغلام إلا بأمر يعرف سببه فإن عرف السبب أنه قد كان يوم الجراح له مثل ذلك أشكل ذلك حينئذ وكف عنه حتى يقع على واحد معروف، وإلا فهو هو إذا لم يكن غيره من السبب ومعرفة الناس ولا بشبهة يذكر غير ذكر السيد والعبد، وكذلك أمر الحر في الحقوق وغيره يقع ذلك على المنسوب المعروف في موضعه وفي صفاته إذا لم يكن في الحارة أو في البلدة غير ذلك، فإن كان وأشكل ترك حتى يعرف ويستثبت، وهذا يجزيك من جميع مسألتك التي طولت فيها وأكثر. قال محمد بن رشد: لم يأت أصبغ في هذه المسألة بجواب بين عما يسأله عنه إذا وجد في ملك الرجل الذي ذكر أنه قتله غلامه عبد يسمى بذلك الاسم فأنكر السيد أن يكون هو المدعى عليه وزعم أنه قد كان له عبيد يسمون بذلك الاسم أو وجد بالبلد الذي ادعى أن فيه الحر الذي دمى عليه رجل يسمى بذلك الاسم وينتسب بتلك النسبة فأنكر أن يكون هو المدعى عليه أو وجد بالبلد الذي ادعى أن فيه غريمه رجل يسمى بذلك الاسم فأنكر أن يكون هو غريمه على من يكون طلب أنه ليس بهذا الموضع أحد غير هذا يسمى بهذا الاسم أعلى المدعي أم على المدعى عليه لأنه قال: إن التدمية تلزم للغلام الذي يعرف في ملكه بذلك الاسم يوم دمى عليه، ولا يلتفت إلى قول السيد إلا بأمر يعرف سببه فيشكل الأمر حينئذ ويكف عنه حتى يعرف بعينه، قال وكذلك أمر الحر في الحقوق وغيره يقع ذلك على المنسوب المعروف في موضعه إذا لم يكن فيه غيره فإن كان فيه غيره أشكل الأمر وترك حتى يستثبت فيه، هذا معنى قوله وفيه دليل على أن على المدعى عليه أن يثبت أن في البلد سواه من يتسمى بذلك الاسم وينتسب إلى ذلك النسب، فإن لم يثبت ذلك لزمته التدمية إن كان مدعى عليه، أو الحق إن كان مطلوبا بحق، وهو

مسألة: العبد يسلم للقتل ثم يستحيى

مذهب أشهب وقول ابن القاسم في المدنية، وقيل: إن على الطالب أن يثبت أنه ليس بالبلد سواه من يتسمى بذلك الاسم وينتسب إلى ذلك النسب يريد على العلم، فإن لم يثبت ذلك لم يلزم هذا شيء، وهو الذي يدل عليه قول ابن وهب في سماع عبد الملك بن الحسن من كتاب الأقضية، وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى هناك وفي رسم العتق من سماع عيسى من الكتاب المذكور فلا معنى لإعادته. [مسألة: العبد يسلم للقتل ثم يستحيى] مسألة قال أصبغ: اختلف قول ابن القاسم في العبد يسلم للقتل ثم يستحيى فمرة قال: لا يكون ماله تبعا له لأن إسلامه للقتل وإن استحيي كقتله، ومرة قال: يكون ماله تبعا له إذا استحيي، قال أصبغ: والقول الأول أحب إلي ألا يكون ماله تبعا له إذا استحيي، ثم رجع أصبغ وقال: إنه يسلم بماله؛ لأنه لما عفا عنه كان بمنزلة الخطأ وسواء قتل عبدا أو حرا أو كان جرحا أو نفسا قال أشهب: يؤخذ بماله في العمد والخطأ إلا أن يستقاد منه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم الأول الذي رجع عنه أصبغ أظهر من القول الثاني الذي رجع إليه؛ لأنه لما أخذه ليقتله وقد علم أنه إذا قتله يبقى ماله لسيده فإذا استحياه بعد أن أخذه ليقتله فقد رضي أن يأخذه في جنايته دون ماله، إلا أن يفتديه منه سيده بجنايته فعلى القول الأول يكون سيده مخيرا بين أن يسلمه دون ماله أو يفتكه بجنايته، وعلى القول الثاني يكون مخيرا بين أن يسلمه بماله كما لو استحياه قبل أن يأخذه ليقتله، وبين أن يفتكه وماله بجنايته، والحكم في مال العبد الجاني أن يكون معه في الجناية وكذلك ما أفاد بعد هذا أو كسب، قال ذلك ابن القاسم في المجموعة، قال سحنون: وقال غيره إن كان ماله عينا لم يخير سيده ووديت من ماله إن حملها وأما إذا لم

: الذي يطرح جنين الأمة ما عليه

يحملها أو كان عينا غائبا أو عرضا فيخير سيده، ومذهب ابن القاسم أن يخير سيده على كل حال وإن كان ماله عينا يفي بالجناية والله أعلم. [: الذي يطرح جنين الأمة ما عليه] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد بن أبي الغمر سئل ابن القاسم عن الذي يطرح جنين الأمة ما عليه؟ قال: عشر ثمن أمه، قيل له أرأيت إن استهل صارخا حين طرح؟ قال: يغرم ثمنه على قدر الرجاء فيه والخوف. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا خرج ميتا ففيه عشر ثمن أمه لا اختلاف في ذلك في المذهب، قال ابن نافع عن مالك: زادت عشر قيمتها على الغرة أو نقصت، وسواء كان أبوه حرا أو عبدا لأنه تبع لأمه، قال ذلك مالك في المجموعة وابن القاسم وأشهب، ومذهب الشافعي في ذلك كمذهب مالك، وقال أبو حنيفة إن كان ذكرا ففيه نصف قيمته لو كان حيا، وإن كان أنثى ففيها عشر قيمتها لو كانت حية، وذكر عن أبي يوسف أن فيه ما نقص من أمه كما يكون في جنين البهائم، وقال حماد: فيه حكومة وهو نحو قول أبي يوسف وقال سعيد بن المسيب فيه عشرة دنانير، وأما قوله إذا استهل صارخا أن فيه قيمته على الرجاء والخوف ففيه نظر، إذ لا يقوم على أنه يعيش أو يموت وقد خرج مطروحا بالجناية على أمه وإنما يقوم فيقال كم كانت تكون قيمته اليوم لو وضعته أمه من غير جناية عليه؟ فتكون عليه قيمته بالغة ما بلغت وبالله التوفيق. مسألة وسئل عن رجل كان له ابن يجري الخيل فأتاه رجل فسأله إياه أن يجري فرسه فأذن له فوقع من الفرس فمات الصبي، قال: لا

مسألة: جرح رجلا جرحا فترامى جرحه فمات

نرى على الذي حمله شيئا إلا عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لأنه من الخطأ، وأما الدية فلا أرى عليه دية لأنه بمنزلة رجل عفا عن ديته فهو إذا أذن له أن يحمله على فرس فهلك فهو من الخطأ، وهو بمنزلة ما لو عفا عن ديته لأن الدية إنما تصير إليه وحده. [قال محمد بن رشد: معناه إذا لم يكن له أم وذلك بيّن من قوله: لأن الدية إنما تصير إليه وحده] ولو كانت له أم لكان على عاقلته ثلث ديته لأمه وبالله التوفيق. [مسألة: جرح رجلا جرحا فترامى جرحه فمات] مسألة وعن رجل جرح رجلا جرحا فترامى جرحه فمات فاستحق وليه الدم فعفا عنه على أن يخرج من ذلك البلد فإن وجده فيه قتله فخرج ثم إنه وجده فيها قال: أرى أن يقتل به. قال محمد بن رشد: زاد ابن حبيب فإن شرطوا إن لم يفعل أو فعل ثم عاد فله الدية، فإن كان الذي قد ثبت حين الصلح فذلك جائز في القود والدية، وإن كان لم يثبت لم يجز إلا أن يقولوا فإن لم يفعل أو فعل فعاد فنحن على حجتنا في الدم وكذلك الجراحات مثله وبالله التوفيق. [مسألة: طلب غريقا فلما أخذه خشي على نفسه الموت فسرحه] مسألة وقال ابن القاسم في رجل طلب غريقا فلما أخذه خشي على نفسه الموت فسرحه، قال: لا شيء عليه، ولو أنه ذهب يعلمه العوم فلما خشي على نفسه سرحه قال: فذلك عليه، يريد الدية.

مسألة: يقتل فيوجد بمكة فيقوم أولياؤه أترى أن يقتل في الحرم

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله في الوجهين جميعا؛ لأن الذي ذهب يعلمه العوم غره بما فعل، فوجب عليه الضمان بتسريحه إياه حين خشي على نفسه الموت، وهو من الخطأ، فقوله فذلك عليه يريد الدية على العاقلة والله أعلم، وأما الذي طلب الغريق لينجيه فلما خشي على نفسه سرحه فلم يغره بشيء، وإنما أراد الخير فيما فعل فلم يكن في تسريحه شيء، إذ لو لم يطلبه ولا أخذه لغرق أيضا، فلم يضره فيما فعل وبالله التوفيق. [مسألة: يقتل فيوجد بمكة فيقوم أولياؤه أترى أن يقتل في الحرم] مسألة وعن الرجل يقتل فيوجد بمكة فيقوم أولياؤه أترى أن يقتل في الحرم؟ وقد قال تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] قال: نعم يقتل ولا ينتظر به الفراغ من حجه والحرم أحق ما أقيم فيه حدود الله. قال محمد بن رشد: مثل هذا ما تقدم من قول مالك في آخر سماع أشهب، ولا أحفظ فيه اختلافا بين أحد من فقهاء الأمصار، وقول الله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] إنما هو إخبار عما كان في جاهليتهم على ما قاله أهل التفسير، لو أن رجلا جرح حرة ثم لجأ إلى الحرم لم يطلب ولم يتناول، فأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من حد، من قتل قتل ومن أصاب حدا أقيم عليه، قال الحسن: أصابه فيه أو في غيره، وروي عن ابن عباس أنه قال: إذا أصاب الرجل الحد في الحرم أقيم عليه، وإن أصابه في غيره ثم لجأ إليه فإنه لا يكلم ولا يجالس ولا يؤوى حتى يخرج منه فيؤخذ فيقام عليه الحد، وقيل إنه إذا لجأ إليه أخرج منه فأقيم عليه وبالله التوفيق.

مسألة: يقتل ولا يترك إلا ولدا أصاغر أو لا ولي له إلا السلطان

[مسألة: يقتل ولا يترك إلا ولدا أصاغر أو لا ولي له إلا السلطان] مسألة وقال في الذي يقتل ولا يترك إلا ولدا أصاغر أو لا ولي له إلا السلطان قال: يقيم لولده وليا فيجعله خليفة عليهم بعد أبيهم فيكون من ولاة السلطان ذلك من أمرهم بمنزلة الوصي الولي فإن رأى أن يأخذ للأيتام العقل أخذه وإن رأى أن يقتل قتل، ويمضي الذي رأى في ذلك إلا أنه إن عفا عن القاتل بغير شيء يأخذه للأيتام فرأى أن لهم فيه خطأ لم يجز ذلك؛ لأن ذلك ليس فيه نظر للأيتام أن يترك حقهم بغير شيء أخذه لهم، فلا عقل أخذه ولا قود فلا يجوز ذلك، وإن رأى أن يصالح بالدية كاملة صالح، ولا يكون له أن يصالح بدون الدية إن كان مليا بها، فإن لم يكن مليا بها جاز صلحه على ما يرى إذا كان على وجه النظر لهم، وإذا صالح بدونها والقاتل مليء بها لم يجز ذلك، ورجع على القاتل ولم يرجع القاتل على الولي بشيء. قال محمد بن رشد: أجاز أشهب أن يصالح بأقل من الدية على وجه النظر ما لم يكن يسيرا جدا فتبين فيه المحاباة، وقول أشهب أصح على مذهب ابن القاسم، وقول ابن القاسم أصح على مذهب أشهب، أصل ذلك اختلافهم في القاتل هل هو مجبور على غرم الدية؟ فمن جبره على غرم الدية وهو المعلوم على مذهب أشهب فيلزمه ألا يجيز للوصي أن يصالح بأقل من الدية إذا كان مليا، ومن لم يجبره على غرم الدية وهو المعلوم من مذهب ابن القاسم أجاز صلح الولي بأقل منها لا على وجه النظر لأنه مال لم يملك أخذه وبالله التوفيق.

مسألة: شق جوف رجل حتى بلغ إلى مقاتله ثم جاء رجل آخر فقتل الذي شق جوفه

[مسألة: شق جوف رجل حتى بلغ إلى مقاتله ثم جاء رجل آخر فقتل الذي شق جوفه] مسألة وقال في رجل شق جوف رجل حتى بلغ إلى مقاتله ثم جاء رجل آخر فقتل الذي شق جوفه وكان حينئذ حيا قبل أن يقتل القاتل الآخر، ولا يكون على الذي شق جوفه إلا الأدب فقط، قيل له فإنه لو لم يقتله لم يحيا، قال: وإن. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم أول عبد ابتاعه من سماع يحيى فلا معنى لإعادته. [مسألة: استحقت عليها القسامة فجاء رجل آخر فقال أنا والله قتلته] مسألة وقال في جماعة أربعة أو خمسة شهد عليهم شاهد أنهم قتلوا رجلا فاستحقت عليها القسامة فجاء رجل آخر فقال: أنا والله قتلته إنه لا يقتل واحد منهم إلا بقسامة لا الذي أقر ولا الآخرون إلا بقسامة. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة عندي أن المقتول كانت له حياة بعد الجرح، وإنما وجبت لهم القسامة مع الشاهد الواحد على الجرح، ولذلك قال: إنه لا يقتل واحد منهم إلا بقسامة لا الذي أقر ولا الآخر، ولو لم تكن له حياة فقال المقر أنا قتلته قتلا مجهزا لكان لهم أن يقتلوه بلا قسامة، وقد مضى بيان القول في هذا في آخر سماع سحنون وفي أول سماع عيسى وبالله التوفيق. [مسألة: ضرب رجلا خطأ وجاء آخرفضربه عمدا] مسألة وعن رجل ضرب رجلا خطأ وجاء آخر فضربه عمدا إن مات مكانه قتل به الذي ضربه عمدا، وكان على الذي ضربه خطأ نصف

مسألة: قال والله ما زلت من يوم ركضني فلان منها بشر وما قتلتني إلا ركضته

الدية، وإن عفا عن القاتل عمدا سجن عاما بعد مائة سوط، وإن عاش بعد ضربهما جميعا ثم مات "أقسم ولاته على أيهم شاءوا، فإن أقسموا على الذي ضربه عمدا قتل به ولا شيء على الآخر، وإن أقسموا على الذي ضربه خطأ كانت عليه الدية كاملة وبرئ الآخر، إلا أن يعلم أنه ضربه ضربة لا يموت من مثلها، فإن كان كذلك فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إنهم إن أقسموا على الذي ضربه عمدا قتل به ولا شيء على الآخر وإن أقسموا على الذي ضربه خطأ كانت عليه الدية كاملة وبرئ الآخر خلاف ما تقدم في رسم المكاتب من سماع يحيى، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك مستوفى، وذكرنا هناك أن رواية أبي زيد هذه تأتي على أصل أشهب حسبما بيَّناه فلا معنى لإعادته. وأما قوله إذا مات من الضرب مكانه إنه يقتل به الذي ضربه عمدا ويكون على الذي ضربه خطأ نصف الدية يريد على العاقلة، فهو بيّن لأنهما قد اشتركا جميعا في قتله، ودم الخطأ يتبعض ودم العمد لا يتبعض فإذا قتل الجماعة رجلا قتلوا به جميعا، وإذا قتلوه خطأ لم يكن فيه إلا دية واحدة على عواقلهم أجمعين وبالله التوفيق. [مسألة: قال والله ما زلت من يوم ركضني فلان منها بشر وما قتلتني إلا ركضته] مسألة وعن رجل ركض رجلا برجله البطن فمكث أياما فزعم أنه يجد من الركضة على فؤاده أمرا شديدا فمات، قال: ينبغي لمثل هذا أن يخوف ويذكر الله، فإن أصر وقال والله ما زلت من يوم ركضني فلان منها بشر، وما قتلتني إلا ركضته رأيت أن يقسموا معه ويستحقوا دمه إذا كان مضطجعا من يوم ركضه حتى مات، وإن لم يضطجع إذا رئي به ضرر ذلك وشينه كان بمنزلة الاضطجاع.

مسألة: الذي يدعي الدم قبله إذا نكل ولاة المقتول عن القسامة

قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما تقدم من قول ابن كنانة في آخر رسم العتق من سماع عيسى، ومثل ما تقدم بالدليل من مسألة رسم أول عبد من سماع يحيى وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته. [مسألة: الذي يدعي الدم قبله إذا نكل ولاة المقتول عن القسامة] مسألة وقال في الذي يدعي الدم قبله إذا نكل ولاة المقتول عن القسامة وردوها على أولياء القاتل فحلفوا وبرأوا صاحبهم لم يكن بد من أن يجلد مائة ويحبس عاما. قال محمد بن رشد: قوله وردوها على أولياء القاتل فحلفوا وبرأوا صاحبهم هو مثل ما في أول رسم من سماع عيسى، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك وذكر ما فيه من الاختلاف وتوجيهه فلا وجه لإعادته [مسألة: قال عند موته فلان قتلني وناس معه] مسألة وقال في رجل قال عند موته فلان قتلني وناس معه، قال يقسمون على الذي سمى ويقتلونه، وأما قوله وأناس معه فإن عرفوا وأثبتتهم البينة أنهم ضربوه معه أقسموا على أيهم شاءوا منهم. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم من المعلوم من مذهب مالك في غير ما موضع من أنه لا يقتل بالقسامة إلا رجل واحد والله الموفق. [مسألة: ليس الشهر للمتهم المريب بكثير] مسألة وقال في رجل اتهم بقتل رجل عمدا فحبس ولا بينة لهم على ذلك فأقر على نفسه أنه قتله خطأ أعليه البينة أنه قتله خطأ أم لولاة المقتول من الدية شيء أم يطال حبسه؟ قال: قال مالك: يطال حبسه لعله يأتي عليه بلطخ، فإن لم يأت عليه بشيء من ذلك أقسم

خمسين يمينا وخلي سبيله، ولو أنه أتى بشاهد من أول وهو ممن لا يتهم أنه يريد غنى ولده أقسم ولاة المقتول مع قوله: إني قتلت فلانا خطأ واستحقت الدية كاملة كذلك قال مالك. قال محمد بن رشد: قوله إنه يطال حبسه يريد الثلاثين يوما ونحوها على ما قاله في سماع عبد الملك من أنه ليس الشهر للمتهم المريب بكثير، وقوله لعله يأتي بلطخ يريد بلطخ يكون لوثا فيقسمون معه ويقتلونه أو لا يبلغ أن يكون لوثا فتستحق المرأة الطويلة حتى يتبين براءته وتأتي عليه السنون الكثيرة على ما قاله في الواضحة حسبما بيناه، وقال إنه إن لم يأت عليه بشيء يستحلف خمسين يمينا ويخلى سبيله يريد ولا يكون لهم عليه بإقراره على نفسه بالخطأ دية، ولا شيء؛ لأنهم لما ادعوا العمد فقد أقروا أن حقهم إنما هو في دمه لا في ماله ولا على عاقلته، وقوله ولو أنه أتى بشاهد من أول معناه ولو أن الولاة ادعوا الخطأ من أول ولم يدعوا العمد واستظهروا بشهادته على نفسه بأنه قتله خطأ وهو ممن لا يتهم بأنه أراد غنى ولد المقتول مثل أن يكون صديقا له ملاطفا على ما قاله في المدونة أقسموا مع قوله: إني قتلت فلانا خطأ واستحقوا الدية كاملة ولم يبين هل تكون في ماله أو على العاقلة فقيل: إنها تكون في ماله لأن العاقلة لا تحمل الإقرار، وقيل إنها تكون على العاقلة، والقولان في كتاب الصلح من المدونة وبالله التوفيق. تم كتاب الديات بحمد الله تعالى وحمد عونه.

: كتاب الجناية الأول

[: كتاب الجناية الأول] [مسألة: شج رجلا موضحة فصارت منقلة فأراد أن يقتص له من الموضحة] من سماع عبد الرحمن ابن القاسم من مالك من كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سئل مالك عن رجل شج رجلا موضحة فصارت منقلة فأراد أن يقتص له من الموضحة

ويأخذ فضل المنقلة فوقف فيها، ثم قال: أكتب إليه إن أراد أن يأخذ عقل المنقلة فذلك له، وذلك أنها إنما صارت منقلة لأن الضربة هشمت العظم والبط لا يأتي منه منقلة، وسكت عن القصاص، قال ابن القاسم: قد كان يقول قبل ذلك يقاد له من الموضحة فإن صارت منقلة فلا شيء له، وإن برأت موضحة ولم تصر منقلة عقل له ما بين عقل الموضحة والمنقلة ورأى أن يعجل فيها كما يعجل في الجراح إذا قطع كفه أو أصبعه فتآكلت أكثر مما قطع منها أقيد مما أصاب منه ثم استؤني به فإن برأت على حالها عقل له ما بينهما، وإن تآكلت أقل مما أكلت يد الأول عقل له على قدر ذلك وإن أكلت مثل أو أكثر من يد الأول لم يكن على الأول شيء، قال ابن القاسم: لم يزل مالك يقول يأخذ عقل منقلة ولا شيء له في القصاص، قال سحنون: وأنا أقول كل من جرح رجلا جرحا مما مثله يفرغ في بعض، مثل أن يجرحه ملطاة فتصير موضحة، أو يجرحه موضحة فتصير منقلة أو يجرحه منقلة فتصير مأمومة، فهذه الجراح كلها مما يفرغ بعضها في بعض، فإذا جرح رجل رجلا بعض ما وصفت لك

من هذه الجراح ثم ترامت إلى نحو ما وصفت لك مما يفرغ بعضه في بعض فاحكم له بالجرح الذي ترامى إليه كأن الجارح جرحه إياه، ولا يلتفت إلى الأول، وإذا ترامى الجرح إلى غير ما وصفت له مما لا يفرغ بعضه في بعض مثل أن يجرحه موضحة فيذهب منها عينه أو تشل منها يده فأحكم له بالجرح الأول موضحة كان أو غيره وبعقل اليد والعين جميعا كأن الجارح جرحه إياهما. قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة في السؤال فأراد أن يقتص له من الموضحة ويأخذ فضل المنقلة معناه فأراد أن يقتص له من الموضحة ويأخذ فضل المنقلة إن برئ المقتص منه من الموضحة دون أن تصير منقلة، وقول مالك: أكتب إليه إن أراد أن يأخذ عقل المنقلة فذلك له، وذلك أنها إنما صارت منقلة؛ لأن الضربة هشمت العظم يدل دلالة ظاهرة أنه خيره بين أن يأخذ عقل المنقلة وبين أن يقتص من الموضحة ويأخذ عقل فضل ما بينهما وبين المنقلة إن لم تصر موضحة المقتص منه منقلة فهو خلاف قوله الثاني الذي حكى ابن القاسم عنه أنه رجع إليه من أنه يأخذ عقل المنقلة، ولا شيء له في القصاص، وهذا القول أقيس على تعليله بأن الضربة هشمت العظم والبط لا تأتي منه منقلة والتخيير بين أن يأخذ عقل المنقلة وبين القصاص استحسان. وأما قول مالك الأول وما حكى سحنون أنه مذهب ابن القاسم من أن يقتص من الموضحة ويأخذ عقل فضل ما بين الموضحة والمنقلة إن برئ المقتص منه دون أن يترامى أمره إلى منقلة فهو القياس على ما أجمعوا عليه في الذي يترامى جرحه إلى شيء آخر مثل أن يجرحه موضحة فتذهب منها عينه، وكذلك لو جرحه ملطاة فصارت موضحة لكان بالخيار بين أن يقتص من الملطاة وبين أن يأخذ عقل الموضحة على أحد قولي مالك، وعلى قوله الآخر ليس له إلا عقل الموضحة لا القصاص منها، إذ لا يصح القصاص مما آل إليه

مسألة: لو جرح عبد موضحة فأعتقه سيده بعد الجرح ثم ترامت بعد عتقه إلى منقلة

الجرح وإنما فيه الدية، وعلى قول مالك الأول ومذهب ابن القاسم يقتص له من الملطاة، بأن صارت موضحة وإلا عقل له ما بين الملطاة والموضحة وبالله التوفيق. [مسألة: لو جرح عبد موضحة فأعتقه سيده بعد الجرح ثم ترامت بعد عتقه إلى منقلة] مسألة قلت لسحنون: فلو جرح عبد موضحة فأعتقه سيده بعد الجرح، ثم ترامت بعد عتقه إلى منقلة، قال: يكون عليه عقل موضحة عبد وعقل ما بين الموضحة والمنقلة من دية الحر. قال محمد بن رشد: قوله يكون عليه عقل موضحة عبد يريد لسيده، وقوله وعقل ما بين الموضحة والمنقلة من دية الحر يريد العبد المعتق، وقول سحنون في هذه المسألة هو على قياس قول ابن القاسم وقول مالك الأول في الذي يجرح رجلا موضحة فتصير منقلة أنه يقاد له من الموضحة ويعقل له ما بين الموضحة والمنقلة إن برئ المقتص منه دون أن يصير جرحه بالقصاص منه منقلة خلاف ما اختاره وأخذ به في ذلك من أنه يحكم له بالجرح الذي ترامى إليه كان الجارح جرحه إياه، والذي يأتي في الذي تصير موضحته منقلة بعد العتق على قياس قوله في هذه المسألة أن يكون على الجارح دية منقلة حر لسيد العبد المجروح، فقول سحنون في هذه المسألة معترض لقوله في المسألة المتقدمة وعلى خلاف أصله فيها، وقال ابن الماجشون: على جارحه دية منقلة حر للعبد المعتق يحكم للمجروح بما آل إليه الجرح من المنقلة، وهو أبعد الأقوال؛ لأنه جعل تراقي الجرح بعد العتق إلى ما فوقه كتراقيه إلى الموت على مذهب ابن القاسم الذي يرى في ذلك دية الحر كاملة وقد مضى الكلام على هذا في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب الديات.

مسألة: من حق الجارح أن يقتص ممن جرحه

[مسألة: من حق الجارح أن يقتص ممن جرحه] مسألة وقال مالك: إذا اقتص الرجل من الجراح فإني أرى أن يقتص له طبيب وأرى جعله على الذي يقتص له، ومثل ذلك بالدين، قال ابن القاسم وتفسير الدين أن يكون على الرجل الدين فيرسل إليه من يقبضه فعلى صاحب الدين جعله، وليس على الذي عليه الدين شيء. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله لأن من حق الجارح أن يقتص ممن جرحه، ولم يمكن من أن يأخذ ذلك بيده مخافة أن يتعدى في القصاص، فوجب أن يكون الجعل في ذلك على الذي كانت عنه النيابة، وقد قيل إن الجعل في ذلك على المقتص منه؛ لأن القصاص حق عليه يجب أن يوفيه لصاحبه فيكون عليه أجرة الذي يقتص منه، كما يكون على المطلوب بمكيل أو موزون أجرة الكيل والوزن، وهو مذهب الشافعي، وفيه بُعد إذ لا يجب على الجارح أن يقتص من نفسه للمجروح، وإنما الذي يجب عليه القصاص أن يمكن من نفسه للقصاص منه فذلك بخلاف توفية الحقوق المكيلة والموزونة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} [يوسف: 88] وبالله التوفيق. [: ركب ورمحه في يده فأصاب به فرس رجل وهو لا يتعمده] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل مالك عن رجل كان في أرض العدو وأنه دخل وجماعة من المسلمين مضيقا فخاف على نفسه وعلى ميت معه فنزل وأمر أصحابه بالنزول فقالوا له: لا نفعل، فإنا نخشى أن يقطع بنا العدو، فاركب فركب ورمحه في يده فأصاب به فرس رجل وهو لا يتعمده

: العبد يعدى عليه فيخصى فينقص منه أو لا ينقص أولا أو يزيد فيه

وصاحبه لا يعلم فلم يسيروا إلا يسيرا حتى سقط الفرس وصاحبه يظن أن العدو هم الذين أصابوه أفترى عليه شيئا؟ قال: ما أرى عليه شيئا، وما الدابة عندي بمنزلة الإنسان يصيبه ما لا يستطيع أن يدع سلاحه لموضع خوفه، فلا أرى عليه شيئا في ذلك، قال ابن القاسم: وإن كان أصاب إنسانا فعليه، ولو كان أصاب دابّة في حضر فعليه، قال سحنون: السفر والحضر واحد وعليه الغرم. قال محمد بن رشد: تفرقة مالك في هذا بين الدابة والإنسان استحسان، والقياس على أصولهم في أن أموال الناس تضمن بالعمد والخطأ قول سحنون، ووجه ما ذهب إليه مالك أنه رآه مغلوبا عليه في هذه الحال، فلم يكن جناية فيها بقصد، فأشبه جناية المجنون فقوله في هذه الرواية على قياس القول بأن ما أصاب المجنون من الأموال هدر، وما أصاب من الدماء يكون حكمه فيها حكم الخطأ، تحمل العاقلة منه ما بلغ الثلث فصاعدا وهو قول ابن القاسم في رسم العشور من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب، وقد قيل: إن حكمه حكم الخطأ في الأموال والديات، وهو قول مالك في أول رسم من سماع أشهب بعد هذا، وقيل إنه فيما جنى في الأموال والدماء كالبهيمة وبالله التوفيق. [: العبد يعدى عليه فيخصى فينقص منه أو لا ينقص أولا أو يزيد فيه] ومن كتاب القبلة وقال مالك في العبد يعدى عليه فيخصى فينقص منه أو لا ينقص أولا أو يزيد فيه، قال: إن نقصه ذلك فله ما بين القيمتين كجراحه، وإن لم ينقصه وزاد فيه فإني أرى أن ينظر إلى ما ينقص الخطأ من مثله إذا خصي من أوسط صنفه فيحمله عليه، وإنما يكون ذلك أن ينظر إلى ما نقص الذي زيد فأجعله جزءا من ثمنه، فإن كان

عشرا كان له عشر ثمنه ثم على نحو هذا يكون في الأجزاء. قال محمد بن رشد: أما إذا نقص الخصا من قيمته فلا إشكال ولا اختلاف في أنه يلزم الجاني عليه ما نقص ذلك من قيمته، وأما إذا زاد فيه فقوله إنه ينظر إلى ما نقص الخصا من مثله إلى آخر قوله ففيه إشكال، لقوله إنه ينظر إلى ما نقص الذي زيد فيجعل ذلك جزءا من ثمنه، فإن كان عشرا كان له عشر ثمنه، فقد تأول بعض الناس أن معنى ذلك أنه إن كان زاد الخصا في ثمنه الثلث كان على الجاني ثلث قيمته، وإن كان زاد فيه الربع أو النصف كان عليه ربع قيمته أو نصفها، وإن زاد فيه الخصا مثل ثمنه أو أكثر كان عليه غرم جميع قيمته وهو بعيد في المعنى فلا ينبغي أن يحمل الكلام على ذلك، وإن ساعده اللفظ، وإنما معنى قوله ينظر إلى ما نقص الذي زاد أن ينظر إلى ما نقص منه الخصا الذي زاد في قيمته كمن كان ينقص منه لو لم يرغب فيه من أجل خصائه إذ لا شك في أن الخصا ينقص بعض منافعه فتنقص قيمته من أجل ذلك ويرغب فيه الملوك أيضا فتزيد قيمته لذلك، فقد نفى الزيادة بالنقصان فتكون قيمته مخصيا وغير مخص سواء وقد يكون ما يزيد فيه الرغبة لخصائه أكثر مما ينقص منه الخصا، فتكون قيمته مخصيا أكثر، وقد يكون ما تزيد فيه الرغبة لخصائه أقل مما ينقص منه الخصا، فيكون قيمته مخصيا أقل من قيمته غير مخص فأراد في الرواية أنه ينظر إلى ما نقص منه الخصا لو لم يرغب فيه من أجل خصائه وقد قال سحنون: إنه إن أراد الخصا فإنه ينظر إلى عبد دني، وعبد ممن ينقص مثله الخصا فيقال ما ينقصه المخصي؟ فيقال خمسه فيغرم الجاني خمس قيمة العبد الذي جنى عليه، وفي قوله نظر؛ لأن الخصا ينقص من قيمة العبد النبيل الرائع أكثر مما ينقص من قيمة الوخش، فقول مالك على ما تأولناه عليه هو أصح في النظر، وقد قال ابن عبدوس: إذا لم ينقصه الخصا فلا غرم على الجاني، والذي أقول به في هذا أنه إذا لم ينقصه الخصا فيكون على الجاني جميع قيمته لأن الخصا

مسألة: إذا شهد لرجل شاهد واحد على جرح خطأ

يقطع النسل وفي ذلك في الحر الدية كاملة، فيكون فيه في العبد قيمته كاملة قياسا على موضحته ومنقلته ومأمومته وبالله التوفيق. [مسألة: إذا شهد لرجل شاهد واحد على جرح خطأ] مسألة وقال ابن القاسم: إذا شهد لرجل شاهد واحد على جرح خطأ حلف مع شاهده واستحق دية جرحه إن كان مما فيه دية، وإن نكل عن اليمين فردها على الجارح حلف وإلا أدى إليه دية الجرح بمنزلة المال الدين، قال عيسى وسحنون: وذلك إذا كان جرحه أدنى من الثلث، فإن كان جرحه الثلث فأكثر فلا شيء عليه ولا يمين عليه، قال سحنون: وإنما أبطل ذلك عنه لأن الدية قد صارت على غيره. قال محمد بن رشد: قوله إنه يحلف مع شاهده على جرح الخطأ ويستحق ديته صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنه مال من الأموال، وقد قال في الشهادات من المدونة وكل جرح لا قصاص فيه فإنما هو مال، ولذلك جازت فيه اليمين مع الشاهد. وقوله إن نكل عن اليمين فردها على الجارح حلف وإلا أدى إليه دية الجرح لا اختلاف فيه إذا كان الجرح له دية وهو أقل من الثلث، وأما إذا كان الثلث فما عدا فقول سحنون إنه لا شيء عليه ولا يمين إذا نكل المجروح عن اليمين مع شاهده؛ لأن الدية قد صارت عليه هو على قياس قول ابن الماجشون في أن الأولياء إذا نكلوا عن القسامة في دم الخطأ لم ترجع الأيمان على العاقلة، والذي يأتي على مذهب ابن القاسم إذا نكل المجروح عن اليمين مع شاهده أن ترجع اليمين على الجارح وجميع عاقلته، فمن حلف منهم برئ مما يقع عليه من دية الجروح، ومن نكل غرم ما يجب عليه منها، وعلى قول مالك في رواية ابن وهب أن يحلف الجارح وحده، فإن حلف سقطت دية الجرح عنه وعن العاقلة، وإن نكل عن اليمين لزمه ما يلزم واحدا

مسألة: إذا جرحت أم الولد خطأ فتوفي سيدها

من العاقلة، وقد مضى في أول سماع عيسى من كتاب الديات تحصيل القول في نكول الولاة عن القسامة في دم الخطأ وهو أصل لهذه المسألة وبالله التوفيق. [مسألة: إذا جرحت أم الولد خطأ فتوفي سيدها] مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: إذا جرحت أم الولد خطأ فتوفي سيدها أخذ عقلها وكانت مالا للورثة، قال ابن القاسم: ثم قال بعد ذلك أراه لها؛ لأن أم الولد ليست كغيرها لها حرمة وليست بمنزلة العبد، ولذلك إذا لم يقبضه سيدها حتى مات قال ابن القاسم: وقد رأيت مالكا كأنه يعجبه هذا القول ويستحسنه، قال ابن القاسم: وأنا استحسن قول مالك الذي رجع إليه. قال محمد بن رشد: لابن القاسم في كتاب ابن المواز إن قوله الأول هو القياس، ونحن نستحسن ما رجع إليه، وكذلك لو أعتقها قبل أن تؤخذ دية الجناية كانت لها، وقال أشهب: بل ذلك للسيد، وقال سحنون في المبسوطة بالقول الأول أقول وهو الفقه فيها، وكذلك يختلف على هذا أيضا إذا جنت هي فتوفي سيدها قبل أن يحكم عليه بالجناية هل تؤخذ من ماله أو تكون عليها، فقال ابن القاسم في المدونة ورواه عن مالك إن ذلك يؤخذ من ماله ولا يكون عليها، وقال غيره فيها إذا لم يقم على السيد بالجناية حتى مات فهي عليها، فاختلاف قول مالك في المسألة الأولى يدخل في هذه، إذ لا فرق بينهما في القياس، ولا اختلاف في أنها إذا ماتت هي قبل أن يحكم على سيدها بما جنت فلا شيء عليه من جنايتها.

: جراح الخطأ التي دون الثلث

[: جراح الخطأ التي دون الثلث] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا قال ابن القاسم: كل ما كان من جراح الخطأ التي دون الثلث التي يستأنى بصاحبها خوفا أن يأتي فيها أكثر من الثلث مثل اليد يقطع منها الأصبع وما أشبه ذلك فما كان مما يصاب به مما هو دون الثلث أخذ عقله فوضع فإن برئ دفع إليه، وإن نزي فيها حتى يكون ذلك أكثر من الثلث رد إليه وحملته العاقلة وكان الجارح كرجل منهم يعقل معهم كما يعقلون، وما كان مما تحمله العاقلة استؤني به ولم يؤخذ له عقل حتى ينظر إلى ما يصير إليه أمره، ولأن العاقلة أمر مأمون ولأن الرجل في خاصته يخاف أن يذهب ماله وتلحقه الديون وبرئ فيكون أقل من الثلث فلا تحمل العاقلة شيئا ولا يوجد له مال، وإنما هو بمنزلة سن الصبي التي تنزع قبل أن يثغر، قال سحنون إذا كان الجرح مما تحمله العاقلة فإنه يفرض له ولا يستأنى به في الجرح ويكون منجما على العاقلة فإن آل الجرح إلى غير ما هو عليه زيد ذلك على العاقلة. قال محمد بن رشد: قوله في جرح الخطأ إذا كان دون الثلث إن عقله يوضع حتى ينظر إلى ما يصير إليه، بخلاف إذا كان أكثر من الثلث لأن العاقلة أمر مأمون صحيح على معنى ما في المدونة؛ لأنه قال فيها في سن الصغير: إنه يوضع على يدي عدل حتى ينظر إلى ما يصير إليه، وأما قول سحنون إن الجرح إذا كان مما تحمله العاقلة إنه يفرض ولا يستأنى به برء الجراح ويكون منجما على العاقلة فإن آل الجرح إلى غير ما هو عليه زيد ذلك على العاقلة فهو خلاف نص ما في المدونة أن دية المأمومة لا تفرض على العاقلة حتى تعرف ما تصير إليه المأمومة لأنها ربما آلت إلى النفس فلم تجب الدية على العاقلة إلا بقسامة ولما سأله فيها عن المعنى في تأخير فرض

: من قتل كلبا معلما أو كلب ماشية أو حرث

المأمومة على العاقلة وهي لا بد أن تفرض عليها عاش أو مات قال هذا الذي سمعنا، وإنما هو الاتباع ومع الاتباع قله وجوه صحاح في النظر، منها أن الجرح ربما آل إلى النفس فوجب فرض الدية على العاقلة في ثلاث سنين فإن فرض على العاقلة دية الجرح منجما كما قال قد يحل قبل موته فيؤول ذلك إلى قبض دية النفس من العاقلة قبل وجوبها؛ لأن الحكم فيها أن تفرض بعد الموت بالقسامة في ثلاث سنين فهي تجب لورثته فلا يصح أن تفرض له دية الجرح لا يدري أهل يعيش فتجب له؟ أو يموت فتجب لورثته، وهذه علة بينة صحيحة، وقد أجمع أهل العلم أنه لا يقتص من الجرح إلا بعد البرء فوجب على قياس ذلك ألا يعقل الجرح إلا بعد البرء، وقول سحنون في هذه المسألة بعيد وبالله التوفيق. [: من قتل كلبا معلما أو كلب ماشية أو حرث] ومن كتاب الرطب باليابس قال ابن القاسم: قال مالك: من قتل كلبا معلما أو كلب ماشية أو حرث غرم ثمنه، قيل لسحنون أيأكل ثمنه؟ قال: نعم، ويحج به إن شاء، قال أصبغ: لا يجوز بيع الكلب وإن احتاج صاحبه إلى ثمنه؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد نهى عن ذلك والناس كانوا يومئذ أحوج إلى إجازته من اليوم فلم يؤذن لهم. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم عن مالك في هذه الرواية إن من قتل كلبا معلما أو كلب ماشية أو حرث يغرم ثمنه أي قيمته هو قول ابن القاسم وروايته عن مالك من قتله كان عليه قيمتها ولا يحل بيعها مثل قول أصبغ خلاف قول سحنون إن بيعها وأكل ثمنها جائز وأجاز ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع شراءها من أجل الحاجة إليها ولم يعجبه بيعها، وذلك نحو قول أشهب في المدونة في الزبل إن المشتري أعذر في

: الذي يقتص منه هل ترى عليه مع ذلك عقوبة

شرائه من البائع؛ لأن الحاجة تدعوه إلى شراء الكلب للصيد وشبهه مما جوز له اتخاذه له، وكذلك الزبل إذا لم يجد من يعطيه ذلك دون ثمن ولا حاجة بأحد إلى بيع ذلك؛ لأنه إذا لم يحتج إليه تركه لمن يحتاج إليه، فحمل مالك نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على عمومه في جميع الكلاب الضارية وغير الضارية التي لم يؤذن في اتخاذها، وجعل سحنون نهيه عليه السلام مخصصا في الكلاب المنهي عن اتخاذها، وهو قول ابن نافع وابن كنانة وأكثر أهل العلم، بدليل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من اقتنى كلبا لا يغني عنه ضرعا ولا زرعا نقص من عمله كل يوم قيراط» والاقتناء يكون بالاشتراء وقد مضى في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع زيادات في هذه المسألة وبالله التوفيق. [: الذي يقتص منه هل ترى عليه مع ذلك عقوبة] ومن كتاب سلعة سماها وسئل مالك عن الذي يقتص منه هل ترى عليه مع ذلك عقوبة قال نعم أرى أن يعاقب. قال محمد بن رشد: قد قيل إنه لا عقوبة عليه مع القصاص لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] فلم يذكر معه زيادة عليه وقوله عز وجل: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وهو الأظهر، ووجه قول مالك هذا في إيجاب الأدب عليه مع القصاص هو الزجر والردع ليتناهى الناس عن الجناية،

مسألة: الرجل يدفع المرأة فتسقط عذرتها ماذا ترى عليه

إذ منها ما لا يجب فيه القصاص، والأول أظهر؛ لأن في حسبه إن برئ الجرح فيقتص منه، إذ لا يقتص منه إلا بعد البرء وقد لا يبرأ إلا في المدة الطويلة ما فيه زجر له ولمن سواه وردع، وأما الجرح الذي لا قصاص فيه مثل المنقلة والمأمومة فيعاقب مع الغرم على ما قاله في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود، ولا اختلاف في ذلك. [مسألة: الرجل يدفع المرأة فتسقط عذرتها ماذا ترى عليه] مسألة وقال ابن القاسم في الرجل يدفع المرأة فتسقط عذرتها ماذا ترى عليه؟ قال: أرى عليه قدر ما شانها به، قلت له: أفرأيت إن صنع بها ذلك بأصبعه؟ فقال: ذلك سواء ليس عليه إلا قدر ما شانها به، وسواء فعل ذلك بها غلام أو رجل أو امرأة ليس لها في ذلك إلا قدر ما شانها به. قال محمد بن رشد: يريد مع الأدب في ذلك كله، والأدب في الذي فعل ذلك بها بأصبعه أكثر من الذي فعله بالدفعة، ومعنى ما شانها به أي ما نقصها من صداقها بذلك عند الأزواج، ولا اختلاف في هذا، وإنما يختلف إذا فعل الزوج بامرأته ذلك بأصبعه، فقيل إنه يجب عليه بذلك الصداق، وقيل لا يجب به عليه الصداق وإنما يجب عليه ما شانها عند غيره من الأزواج إن طلقها ولم يمسكها على ما مضى من اختلاف قول ابن القاسم في ذلك بين رواية سحنون وأصبغ عنه من كتاب النكاح، وأما إن فعل ذلك الزوج بزوجته بالدفعة فلا يجب عليه بذلك الصداق، وإنما يجب عليه به ما شانها عند غيره إن فارقها ولم يمسكها وبالله التوفيق. من سماع أشهب وابن نافع من كتاب القراض قال أشهب وابن نافع، قيل لمالك أليس النصراني بمنزلة

العبد يجرح الحر المسلم فلا يكون بينهما قود؟ فقال: إن العبد يؤخذ في ذلك أحيانا عبدا وإن النصراني لا يؤخذ في ذلك عبدا، ففي هذا تسليط للنصراني على المسلمين أن يعمدوا النصراني إلى المسلم فيفقأ عينه ثم يعطيه دراهم يعينه فيها أهل دينه ويحوطونه في ذلك، فأرى أن يجتهد في مثل هذا السلطان الرأي، وقد كان ربيعة وغيره يقولون في مثل هذا النصراني يزني بالمسلمة وما أشبه هذا. هذا نقض لعهدهم، فقيل لمالك يا أبا عبد الله: أفترى أن يقاد منه؟ فقال: لا أدري الآن، وما هو بمنزلة العبد يؤخذ في ذلك أحيانا رقيقا، والنصراني لا يؤخذ في ذلك رقيقا، وقد يحتمي له أهل دينه فيفقأ عين مسلم فيعطيه دراهم وهو أيسرهما عليه، قال سحنون، قال ابن نافع: المسلم بالخيار إن شاء استقاد وإن شاء أخذ العقل. قال محمد بن رشد: من شروط صحة القصاص في الجراح استواء الجارح والمجروح في المرتبة بالإسلام أو الكفر وبالحرية أو الرق، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] يوجب ألا يقتص في الجراح من العبد للحر ولا من الحر للعبد وألا يقتص فيها من النصراني للمسلم ولا من المسلم للنصراني إلا أن مالكا وقف إذا جرح النصراني المسلم فأراد المسلم أن يقتص منه للعلة التي ذكرها وصرف ذلك إلى اجتهاد الإمام إن رأى يمكنه من القصاص منه أمكنه من ذلك، أو يحكم له بدية جرحه فعل، وصرف مالك الحكم في ذلك إلى اجتهاد الإمام يدل من مذهبه على القول بتصويب المجتهدين، وقال ابن نافع: إن من حق المسلم المجروح أن يقتص من جارحه النصراني إن شاء، ومثله لابن عبد الحكم في المختصر، وقد قال له الدية ولا قود بينهما، فالاختلاف إنما هو إذا أراد المسلم أن يقتص، هل له

مسألة: المجنون يكسر أمتعة الناس أعليه غرم

ذلك أم لا، فمن جعل ارتفاع القصاص بينهما في الجراح عبادة لا لعلة اتباعا لما يدل عليه قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ولم يوجب للمسلم أن يقتص من النصراني كما لا يوجب للنصراني أن يقتص من المسلم، ومن جعل ارتفاع القصاص بينهما لعلة الحرمة رأى ذلك حقا للمسلم في ألا يقتص منه النصراني لحرمته وفي أن يقتص هو منه إن شاء، إذ لا حرمة له عليه بل له هو الحرمة عليه بإسلامه قياسا على القصاص منه في القتل، وهو قول ابن نافع، ويأتي على مذهبه أن للحر أن يقتص من العبد في الجراح كما يقتص له منه في القتل، وسيأتي في سماع سحنون وعبد الملك من كتاب القذف القول فيما ينتقض به عهد المعاهد مما لا ينتقض به إن شاء الله وبالله التوفيق. [مسألة: المجنون يكسر أمتعة الناس أعليه غرم] مسألة قال سحنون أخبرني أشهب وابن نافع قال: سئل مالك عن المجنون المغلوب على عقله يخرج إلى السوق فيكسر أمتعة الناس ويفسد، أترى عليه لذلك غرما في ماله؟ قال: نعم، فقلت له: أفتراه شبيها بجراحه؟ فيكون ذلك خطأ يغرم لمن أصاب بذلك الجرح؟ قال: نعم أراه شبيها به، قيل له وتراه إذا أفاق يتوضأ؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: لابن القاسم في رسم مرض من سماعه من كتاب طلاق السنة مثل قول مالك هذا، وله في رسم العشور من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب خلافه أن ما أصابه المجنون المطبق والصبي الذي لا يعقل ابن سنة ونصف ونحوها من الأموال أنه هدر بخلاف الدماء، وفي كتاب ابن المواز، قول ثالث في المسألة أن ما أصابه في الدماء والأموال هدر كالبهيمة التي جرحها جبار، ولكل قول من الأقوال الثلاثة وجه، وقد مضى بيانه في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة، ولا اختلاف في أن

مسألة: يستوفي المجروح من مال المدبر

عليه الوضوء إذا أفاق، وإنما الاختلاف هل عليه الغسل؟ فقال في المدونة إنه لا غسل عليه، وقال ابن حبيب إذا أجنب في جنونه فلا بد من أن يغتسل، وعلى هذا يختلف فيمن لسعته عقرب أو ضرب بسيف فأمنى هل عليه غسل أم لا؟ وبالله التوفيق. [مسألة: يستوفي المجروح من مال المدبر] مسألة وسألت مالكا عن المدبر يجرح رجلا جرحا فيه عقل فيسلمه سيده إلى المجروح فيختدمه بجراحه ثم يموت المدبر ويترك مالا ولم يستوف المجروح دية جرحه كلها من يرث مال المدبر؟ فقال: يستوفي المجروح من مال المدبر بما بقي من عقل جرحه، ثم يكون ما فضل من مال المدبر لسيده. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه كما يسلم العبد في الجناية بماله فكذلك يكون ما مات المدبر عنه من مال لصاحب الجناية حتى يستوفي جنايته. [مسألة: يتنازعان فيجرح كل واحد منهما صاحبه ثم يطلبا القود] مسألة قال: وسألت مالكا عن الرجلين يتنازعان فيجرح كل واحد منهما صاحبه ثم يأتيان يطلب كل واحد منهما من صاحبه القود بجراحه كلها أو يطلب ذلك أحدهما أن يقاد منه أو يقاد له، فقال لي: كيف قلت؟ فقلت: يتنازعان فيجرح هذا هذا موضحة، وهذا هذا موضحة، أو يجرح كل واحد منهما صاحبه في جسده فيقولان أو يقول أحدهما أقيدوا مني وأقيدوا منه، فقال لي: يفقأ هذا عين هذا وهذا عين هذا ثم يأتي يطلب فيقول: افقئوا عين الآخر أو عين صاحبي الآخر أفليس ذلك له؟ فقيل لمالك أفيكون في ذلك الدية؟

مسألة: يجرح ملطا عمدا فتصير موضحة أيقاد له من موضحته أو من ملطا

فقال: لا، ولكن قد أخذ لنفسه قوده بيده، فليس بينهما قود فيما قد أخذه لنفسه. قال محمد بن رشد: أما إذا أوضح كل واحد منهما صاحبه في الموضع الذي أوضحه فيه من رأسه أو جسده أو فقأ كل واحد منهما عين صاحبه اليمنى أو فقأ كل واحد منهما عين صاحبه اليسرى أو ما أشبه ذلك فلا إشكال في أنه لا قصاص بينهما إذ قد أخذ قوده بيده، وأما إذا أوضح أحدهما صاحبه في غير الموضح الذي أوضحه فيه، مثل أن يوضع أحدهما صاحبه في رأسه فوضحه هو في جسده، فلكل واحد منهما أن يقتص من صاحبه إن طلبا ذلك، ولمن طلبه منهما إن طلب ذلك أحدهما، وكذلك إن فقأ أحدهما عين صاحبه اليمنى فقأ هو عينه اليسرى إذ لا يقتص يمنى بيسرى ولا يسرى بيمنى، ويجري ذلك على الاختلاف في الأعور يفقأ عين الصحيح وفي الصحيح يفقأ عين الأعور، فيكون لكل واحد منهما أن يقتص من عين صاحبه الآخر في قول، ويكون مخيرا بين أن يقتص من عين صاحبه وبين أن يأخذ دية عينه التي بقيت، وذلك خمسمائة دينار في قول، ويكون مخيرا بين أن يقتص من عين صاحبه وبين أن يأخذ دية العين التي يترك، وذلك ألف دينار في قول حسبما يأتي من الاختلاف في ذلك في رسم القطعان من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: يجرح ملطا عمدا فتصير موضحة أيقاد له من موضحته أو من ملطا] مسألة وسئل مالك عن الرجل يجرح ملطا عمدا فتصير موضحة أيقاد له من موضحته أو من ملطا؟ قال: بل يقاد له من ملطا، فإن صارت موضحة كان ذلك، وإن لم تستوضح عقلت الموضحة؟ فقيل لمالك أيعقل له الموضحة كلها أم ما بين الموضحة والمطا؟

قال: لا أدري، قال سحنون: قال عبد الله بن نافع وأرى له عقل الموضحة كلها لأنه ليس دون الموضحة عقل. قال محمد بن رشد: يدخل هذه المسألة من الاختلاف الثلاثة الأقوال التي تقدمت في أول سماع ابن القاسم في الذي يجرح رجلا موضحة فتصير منقلة، فقوله إنه يقاد له من ملطا فإن صارت موضحة كان ذلك، وإن لم تستوضح عقلت له الموضحة، هو على القول في الذي يجرح موضحة فتصير منقلة إنه يقاد له من الموضحة ويعقل له ما بين الموضحة والمنقلة إن لم تصر موضحة المقتص منه منقلة. وقوله: إن له عقل الموضحة كلها بعيد خارج عن القياس إذ لا يصح أن يأخذ جميع عقل الموضحة إذ قد اقتص من بعضها، وإن لم يكن للمطاء دية مسماة عند مالك فيجب أن ينظر إلى قدر جرح الملطا ما هو من جرح الموضحة؟ فإن كان ثلثه أو ربعه حط من عقل الموضحة ثلثه أو ربعه إذ قد أخذه في القصاص، وقد روي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان أنهما قضيا في الملطا وهي السمحاق بنصف دية الموضحة، فعلى هذا إذا اقتصر من الملطا ولم تصر موضحة كان له نصف عقل الموضحة، وقد روي عن زيد بن ثابت أنه قال في الدامية بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة أبعرة إذا كانت في الرأس، فعلى هذا يكون له إذا اقتص من الملطا ولم تصر موضحة بعير واحد، إلا أن مالكا لم ير هذا وقال في موطئه: ولم تقض الأئمة في القديم ولا في الحديث عندنا فيما دون الموضحة بعقل، فيحمل ما روي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت في ذلك على وجه الحكومة بالاجتهاد لا على وجه التوفية ويأتي في هذه المسألة على القول الآخر أنه ليس له إلا عقل الموضحة، وعلى القول الثالث أنه مخير بين أن يقتصر من الملطا ويأخذ عقل الموضحة أو بقية عقلها

مسألة: مملوك أيتام شج رجلا ثلاث مواضح وملطاوين

على ما بيناه من أنه هو القياس وبين أن يأخذ عقل الموضحة ولا شيء له في القصاص. [مسألة: مملوك أيتام شج رجلا ثلاث مواضح وملطاوين] مسألة قال: وسئل مالك عن مملوك أيتام شج رجلا ثلاث مواضح وملطاوين فوجب عليه في ذلك خمسون ومائة دينار، فأخذ ولي الأيتام العبد وأعطى المجروح الخمسين والمائة الدينار عقل الجراح، فقال: أخذه لنفسه أو للأيتام؟ فقال: بل لنفسه، قال بئس ولي الأيتام هذا، ولم غرر وليس هذا له ولا نعمة عين، قيل له: أفترده على الأيتام؟ قال: يرفع ذلك إلى السلطان حتى ينظر فيه. قال محمد بن رشد: قوله فوجب عليه في ذلك خمسون ومائة دينار هو على مذهبه في أنه ليس فيما دون الموضحة عقل، وقد مضى في المسألة التي قبلها ما في ذلك من الاختلاف بين السلف وقوله: إن ذلك ليس للأيتام ولا نعمة عين، صحيح إذ لا يجوز لولي الأيتام أن يشتري شيئا من متاع أيتامه، فإن فعل نظر السلطان في ذلك كما قال، فإن رآه نظرا للأيتام أمضاه، وإن لم يكن نظرا يوم ابتاعه ولم يره نظرا للأيتام رده وإن كان نظرا يوم ابتاعه وبالله التوفيق. [: عض رجل إصبع رجل فجبذ إصبعه فطرح ثنية العاض] ومن كتاب الأقضية الثالث قال: وقال مالك: إذا عضّ رجل إصبع رجل فجبذ إصبعه فطرح ثنية العاض: إن على المعضوض عقل السن، وهذا من الخطأ، وروى يحيى بن يحيى عن الليث أنه قال: ليس على

المعضوض في ثنيتي الذي عضه عقل لأنه كان أظلم وأسوأ. قال محمد بن رشد: رواية يحيى عن الليث بن سعد لم تثبت في جميع الروايات وهي مطابقة لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية عمران بن الحصين «أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال: يعض أحدكم أخاه كما يعض العجل لا دية لك» فيحتمل أن يكون الحديث لم يبلغ مالكا ويحتمل أن يكون بلغه فرأى القياس المعارض له مقدما عليه على ما حكى ابن القصار من أن مذهب مالك أنه إذا اجتمع خبر الواحد مع القياس ولم يمكن استعمالهما جميعا قدم القياس، والحجة فيه أن خبر الواحد لما جاز عليه النسخ والغلط والسهو والكذب والتخصيص ولم يجز على القياس من الفساد إلا وجه واحد وهو هل الأصل معلول بهذه العلة أم لا فصار أقوى من خبر الواحد فوجب أن يقدم عليه، وجه القياس في ذلك أن هذه جناية من عاقل حديث بفعله ما يجوز له فعله فوجب أن يكون خطأ ولا يكون هدرا، أصله إذا رمى طائرا فأصاب إنسانا، وأولى ما يقال في هذا عندي أنه حديث لا حجة فيه على مالك، إذ ليس هو لأمره من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بإسقاط الدية في مثل هذا الفعل فيجب امتثال أمره على من بلغه إياه، وإنما هو حكاية قضية منه في عين يحتمل أن يكون بمعنى، فلا يصح أن يعدى الحكم إلى غير تلك العين إلا أن يكون المعنى موجودا فيها، ويحتمل أن يكون النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما حرم العاض دية ثنيته وإن كانت واجبة له على المعضوض عقوبة له لعضه إياه حين كانت العقوبات على الجنايات في الأموال ثم نسخ ذلك فعادت العقوبات على الجنايات في الأجسام فيعاقب العاض بالأدب على ما يؤدي إليه اجتهاد للحاكم ويكون له دية ثنيته على مذهب مالك وبالله التوفيق.

: اقتتلا فعض أحدهما لسان الآخر فقطع منه ما منع الكلام شهرين

[: اقتتلا فعض أحدهما لسان الآخر فقطع منه ما منع الكلام شهرين] ومن كتاب العقول والجبائر وسئل عن رجلين اقتتلا فعض أحدهما لسان الآخر فقطع منه ما منع الكلام شهرين ثم تكلم وقد نقص من كلامه، أترى فيه قودا؟ فقال: أحب إلي ألا يقاد منه، ولم أسمع أنه أقيد منه، فلا أرى أن يقاد منه؛ لأنه ليس له قدر يعرف في القصاص أخاف أن تسرع الحديدة فيذهب كلامه ويستحسف فأحب إلي ألا يقاد منه وأن يعقل. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يقاد منه إذ ليس له قدر يعرف في القصاص مخافة أن تسرع الحديدة فيذهب كلامه يريد أو يذهب منه أكثر مما ذهب من المجني عليه أو أقل يبين مذهبه في المدونة أنه قال فيها: إنه يقاد منه إن كان يستطاع قود ذلك ولا يخاف منه، فبين هاهنا أن ذلك لا يستطاع عليه، وقال أشهب فيه إنه مخوف فلا يقاد منه وقوله: إنه يعقل يريد بقدر ما ذهب من كلامه؛ لأن الدية إنما هي في الكلام، فإن ذهب كلامه كله وجبت له الدية كلها، وإن بقي بعض جارحة لسانه وإن ذهب من كلامه بعضه كان له من الدية بقدر ما نقص من كلامه بعد أن يجرب صدقه فيما يدعي أنه ذهب من كلامه من كذبه ويحلف على ذلك على ما قاله بعد هذا في هذا الرسم، وإنما يقدر نقصان كلامه بالاجتهاد بعد الاختبار والتجربة، ولا ينظر في هذا إلى الأحرف على ما قاله ابن القاسم بعد هذا في رسم الكبش من سماع يحيى، وقد قيل: إنه يكون له من الدية بقدر ما لم ينطق به من حروف المعجم، وهو بعيد؛ إذ بعض الحروف أخف على اللسان من بعض؛ ولأن فيها أيضا ما لا حظ للسان فيه وبالله التوفيق. [مسألة: تعلق أحدهما بالآخر وأصبعه مجروحة تدمي يزعم أنه عضها] مسألة وعلى رجلين كان بينهما كلام ثم اصطلحا، ثم تعلق أحدهما

مسألة: ضربت يده بسيف فقطعت إحدى قصبتي يده

بالآخر وأصبعه مجروحة تدمي يزعم أنه عضها، فقال: إن لكل شيء سببا فليأت بشيء وإلا فيمين المدعي، وأرى إن كان من أهل التهمة أن يضرب. قال محمد بن رشد: قوله: وأرى إن كان من أهل التهمة أن يضرب معناه إذا أتى على دعواه بسبب لا يبلغ أن يكون شاهدا عدلا على دعواه مثل أن يشهد له أنه مشهور بمثل ما ادعى عليه به وما أشبه ذلك، وتحصيل القول في هذه المسألة أنه إن لم يأت على دعواه بسبب ولا شيء فقيل إنه يحلف على تكذيب ما ادعى عليه به، وهو قوله في هذه الرواية، وقيل إنه لا يمين عليه وهو الذي يأتي على ما في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود في دعوى الفرية، فإن أتى على دعواه بسبب فقيل إنه يضرب وهو معنى قوله في هذه الرواية، وقيل إنه يحلف فإن أبى أن يحلف سجن حتى يحلف، قاله ابن القاسم في سماع أصبغ بعد هذا، قال أصبغ فإن طال سجنه وأبى أن يحلف أدب وخلي إلا أن يكون مبرزا في ذلك فيخلد في حبسه، وأما إن أتى على دعواه بشاهدي عدل فقيل إنه يحلف مع شاهده ويقتص، وقيل لا يحلف مع شاهده ويحلف المدعى عليه فإن أبى أن يحلف سجن حتى يحلف، والقولان في المدونة، وفرق ابن الماجشون وسحنون في هذا بين الجرح الصغير والكبير، فقالا: إنه لا يقتص باليمين مع شاهده في الجرح الصغير دون الكبير، وقد مضى التكلم على هذا المعنى في رسم القضاء من سماع أشهب من كتاب الشهادات. [مسألة: ضربت يده بسيف فقطعت إحدى قصبتي يده] مسألة وسئل عمن ضربت يده بسيف فقطعت إحدى قصبتي يده أترى فيه قودا؟ قال: نعم إن استُطيع ذلك وأرى الأطباء ومن يعرف ذلك يكون هو الذي يلي ذلك.

مسألة: الكبير تصاب سنه فيأخذ ديتها ثم تثبت

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن كل جرح لم يكن متلفا فيقاد منه إلا ألا يستطاع على القود منه. [مسألة: الكبير تصاب سنه فيأخذ ديتها ثم تثبت] مسألة وسئل عن الكبير تصاب سنه فيأخذ ديتها ثم تثبت هل يتبع الدية قبله؟ فقال: لا أرى ذلك، إذا يقع في ذلك اتباع وتخليط، وإنما أخذ ذلك حين أخذه بوجه الحق، ولعلها تثبت ليس على مثل حالها. قال محمد بن رشد: اعتلاله في أنه لا يرد ما حكم له به من دية السن إذا ردها صاحبها فثبتت بقوله ولعلها تثبت ليس على حالها يدل على أن هذه المسألة بخلاف الذي يضرب فتبيض عينه أو ينزل الماء فيه فيأخذ الدية ثم يبرأ بعد ذلك أنه يرد الدية على ما قاله في المدونة؛ لأن بصره قد رجع إليه على ما كان والذي يدل على الفرق بين المسألتين أيضا أن الذي ضرب فابيضت عينه أو نزل الماء فيها لو رجع إليه بصره قبل أن يحكم له بالدية لم يكن له شيء باتفاق، لا من دية ولا من قصاص، والذي قلعت سنه إذا ردها فثبتت يقتص منه في العمد باتفاق، وتكون له الدية في الخطأ على اختلاف، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في سماع أصبغ من كتاب الديات وبالله التوفيق. [مسألة: جرح موضحة فصارت منقلة] مسألة وسئل عمن جرح موضحة فصارت منقلة، قال: أرى أن يعطى عقل المنقلة فقط، قلت: أرأيت لو أصيبت من ذلك عينه فقال أرى أن يعطى عقل موضحة وعقل العين، قال: وقد كان أصيب بالمدينة رجل بمأمومة فسقطت من ذلك يده ورجله، فقضي له بعقل ذلك كله، عقل المأمومة واليد والرجل، قلت له: أرأيت

مسألة: أصاب يد رجل فقطع وهي سومة سليمة فأراد الاستقادة من يده

ذلك؟ قال: نعم رأيت ذلك، قلت له: وأعجبك؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: أما الذي أصيب بمأمومة فذهب منها يده ورجله فلا اختلاف في أن يقضى له بدية ذلك كله وكذلك الذي أصيب بموضحة فذهبت منها عينه لا اختلاف أيضا في أنه يقاد له من الموضحة فإن برأت ولم تذهب من ذلك يمينه كان له عقل العين، وأما الذي أصيب بموضحة فصارت منقلة فقد مضت والقول عليها مستوفى في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: أصاب يد رجل فقطع وهي سومة سليمة فأراد الاستقادة من يده] مسألة وسئل عمن أصاب يد رجل فقطع وهي سومة سليمة فأراد الاستقادة من يده فأصابوا بها عيبا أو نقصا عثلا أو شلا وفيها استمتاع ومنفعة، فقال الذي أصيبت يده أنا أرضى أن أستقيد من يده هذه الناقصة فقال: أما الذي كان فيها استمتاع ومنفعة فإني أرى ذلك له وأما إذا لم يكن فيها استمتاع ولا منفعة فإني لا أرى ذلك له وأخاف أن يكون من العبث تكون العين بها النقص والضعف فيقول أنا أرضى أن استقيد منها فيكون ذلك له فإذا كانت ذاهبة قائمة فقال أنا أرضى أن استقيد بأبخسها منها لم أر له ذلك؛ لأن ذلك من العبث. قال محمد بن رشد: أما إذا كانت جل منفعة عين الجاني أو يده باقية فلا اختلاف في أن المجروح بالخيار بين أن يستقيد منها بنقصانها وبين أن يأخذ عقل يده أو عينه. وأما إذا كانت منفعتها كلها قد ذهبت أو جلها فاختلف في ذلك على ثلاثة أقوال أحدها أن له أن يقتص إن شاء وإن كانت منفعتها كلها قد ذهبت، وهو قوله في رسم المكاتب من سماع يحيى أنه إن شاء اقتص وقطع الشلاء التي فيها حقه، وإن شاء تركها وأخذ العقل، والثاني قول أشهب في

مسألة: كل أمر لا يقدر على القود منه

المجموعة وكتاب ابن المواز أنه ليس له أن يقتص منها وإن بقي فيها منفعة إذا كانت جل منفعتها قد ذهبت، والثالث قوله في هذه الرواية وهو مذهبه في المدونة أنه إن كانت قد ذهبت منفعتها كلها فليس له أن يقتص، وإن كان بقي فيها منفعة وإن قلت فهو بالخيار بين أن يأخذ العقل أو يقتص. [مسألة: كل أمر لا يقدر على القود منه] مسألة قال: وقال مالك: كل أمر لا يقدر على القود منه فليس فيه قود واللسان لا قود فيه فليس فيه قود، ويعقل له ذلك بقدر ما نقص من الكلام، فإذا قطع طرف اللسان فذهب منه الكلام كله ففيه الدية كاملة لا شك فيه، والعين تصاب فتكون قائمة قد ذهب بصرها ففيها الدية كاملة لا شك فيه، والذي قطع لسانه لا يقدر على القود منه وذلك مختلف، أخاف أن يؤخذ من لسانه مثل الذي قطع من لسان هذا فيمنعه ذلك الكلام، قال ويحلف الذي قطع طرف لسانه على ما ذهب من كلامه بعد تجربة ذلك، قال وسئل عن حد ما يعرف به ما ذهب من السمع والبصر إذا ادعى أن قد ذهب كذا وكذا فقال في الذي ادعى أن قد ذهب من بصره كذا وكذا، قال ينصب له شيء ويخلى عن عينه فإذا انتهى بصره ربطت عينه الصحيحة وقيل له انظر بعينك التي أصيبت فينصب له ذلك في موضع، فإذا انتهى ذلك حول ذلك إلى موضع آخر حتى يستوي ذلك، فإن اختلف ذلك لم يصدق، وإن استوى ذلك وثبت أعطي من الدية بقدر ما نقص بصره من الغاية الأولى إلى حيث انتهى بصره حين ربط على عينه الصحيحة فأعطى ذلك وأحلف عليه، وقال في الذي يقول: ذهب من سمعي كذا وكذا قال يتباعد منه إنسان فيصيح به حتى إذا قال قد سمعته تحول له في ناحية أخرى يجرب بذلك سمعه، فإذا اتفق

مسألة: الصبي المدبر الذي لم يبلغ الخدمة يجرح إنسانا

ذلك كان له العقل، وإن اختلف ذلك لم يكن له شيء، وإذا اتفق أعطي من ذلك بقدر ما نقص من سمعه ويستحلف على ذلك. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يقاد من اللسان إذ لا يستطاع على القصاص منه مخافة أن يزيد أو أن ينقص هو مثل ما تقدم من قوله قبل هذا، وقوله إنه يحلف على ما ذهب من كلامه بعد تجربة ذلك يبين ما تقدم أيضا، والتجربة في ذلك إنما معناه اختبار دعواه ليعلم صدقه فيه من كذبه، فإن لم يتبين كذبه فيما يدعي حلف مع ذلك لاحتمال أن يكون كذب فلم يتبين كذبه للمختبرين له، وسيأتي في سماع يحيى وجه تقدير ما نقص من كلامه كيف يكون وما يكون له إن شك الشهود في قدر ما نقص من كلامه إن كان الثلث أو الربع. [مسألة: الصبي المدبر الذي لم يبلغ الخدمة يجرح إنسانا] مسألة قال وسألته عن الصبي المدبر الذي لم يبلغ الخدمة يجرح إنسانا أيؤخر حتى يكبر ويبلغ العمل؟ فقال: نعم يؤخر حتى يكبر ويبلغ العمل، قيل أرأيت إن مات قبل أن يبلغ العمل أيذهب عقل جرح هذا المجروح؟ فقال: نعم، وكذلك الأمة التي لا عمل عندها إذا كانت مدبرة فجرحت تؤخر حتى تبلغ العمل وتكبر الجارية كيف تؤخر وما ينتظر بها؟ فقال: حتى يموت سيدها فتصيب مالا أو يكون شيء لها ألا ترى عثمان - رَحِمَهُ اللَّهُ - كيف جمعهما فقال: لا يكلف الصغير ولا المرأة غير ذات الصنعة الكسب. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة لا إشكال فيها ولا وجه للقول وبالله التوفيق. وسئل فقيل له جاءني صبي قد أثغرت أسنانه كلها إلا سنا واحدة فإنها

مسألة: قاس أصبع المقطوعة أصبعه وأخذ قياس ما قطع منه

تتحرك فقلت له أنزعها لك؟ فقال: نعم، فجعلت فيها خيطا ثم نزعتها فأقام ثلاثة أيام وقد كانت برجله قرحة؟ فقال له: أعتق رقبة فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين وما أدري أذلك عليك أم لا؟ إلا أنه إن كان أديته وإلا أجرت. قال محمد بن رشد: إن علم أنه مات من قلعه لضرسه فالكفارة عليه واجبة، وإن علم أنه لم يمت من ذلك، وأنه إنما مات من القرحة التي كانت برجله أو من شيء عرض له فلا شيء عليه، وإن خشي أن يكون مات من قلعه لضرسه فهو الذي قاله في الرواية من استحباب الكفارة له، فإن كانت عليه وإلا أجر فيها، وبالله التوفيق. [مسألة: قاس أصبع المقطوعة أصبعه وأخذ قياس ما قطع منه] مسألة وسئل عن طبيب استقاد من أصبع رجل لرجل قطعت أصبعه فقاس أصبع المقطوعة أصبعه وأخذ قياس ما قطع منه فقطع من أصبع القاطع بقدر ذلك القياس، فنقص من أصبع المستقاد منه أكثر من الذي قطع من أصبع المستقيد لطول أصابع المستقيد وقصر أصابع المستقاد منه، فقال: أخطأ وبئس ما صنع، فقلت له فكيف يصنع بمثل هذا؟ فقال: بعض الناس أطول أصابع من بعض فليقس الأنملة التي قطع بعضها، فإن كان ما قطع منها ثلثها أو ربعها قطع من أنملة هذا الثلث أو الربع، فعلى هذا الحساب يكون هذا، كانت أنملة قصيرة أو طويلة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه لأنه كما قطع الأنملة بالأنملة كانت أطول منها أو أقصر فكذلك إذا قطع جزءا منها يقطع من أنملة القاطع مثل ذلك الجزء كان أطول أو أقصر وإنما اختلف في الجرح في الرأس وفي عضو من الأعضاء كالذراع أو العضد ونحوه هل ينظر إلى قدر ذلك الجرح من رأس المجروح وذراعه، فإن كان الثلث أو الربع شيء في

مسألة: تضرب فتطرح جنينين لم يستهلا

رأس الجارح أو ذراعه ثلثه أو ربعه أو ينظر إلى قدر الجرح فيؤخذ في رأس الجارح أو ذراعه ذلك القدر وإن أتى ذلك على رأسه كله أو ذراعه فقال أشهب الحكم في ذلك كالحكم في الأنامل إنما ينظر إلى ما يقع الجرح من رأس المجروح فيؤخذ من رأس الجارح مثل ذلك الجزء، واختلف في ذلك قول ابن القاسم، قال ابن المواز والأمر عندنا كما قال أشهب وقول ابن القاسم قديما إنه يقاس الشق حتى يؤخذ في رأس الجارح بطول الشق وإن استوعب رأس المستقاد منه يريد ولم يف بالقياس، قال فليس عليه غير ذلك وكذلك الجبهة والذراع يريد بطول ذلك ما لم يضق عنه العضو فلا يزاد من غيره، والصحيح عندي قول ابن القاسم هذا لا قول أشهب الذي اختاره ابن المواز؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] فوجب أن يقتص من الجارح بمثل الجرح الذي جرحه في طوله وقصره؛ لأن الألم في الجرح إنما هو بقدر عظمه وطوله وقصره لا بقدره من رأس المجروح؛ لأنه إذا شق من رأس الجارح بطول ما شقه من رأس المجروح فقد استويا في الألم وإن كان الجرح من رأس أحدهما ربعه ومن رأس الآخر نصفه، ألا ترى أن الكافر يعظم خلقه في النار ليتضاعف عليه العذاب وبالله التوفيق. [مسألة: تضرب فتطرح جنينين لم يستهلا] مسألة وسئل عن المرأة تضرب فتطرح جنينين لم يستهلا، فقال: فيهما غرتان ولو استهلا لكان عليه ديتان. قال محمد بن رشد: هذا كما قال وتستحق الغرتان في مال الضارب بشهادة شاهدين على الضرب أو بشهادة شاهد واحد مع يمين كل واحد من الورثة ويستوي فيه العمد والخطأ؛ لأنه أقل من الثلث فلا تحمله العاقلة، وأما الديتان إذا استهلا فتستحقا في الخطأ على العاقلة بالقسامة مع

مسألة: ضربوه وشهود ينظرون فتفرقوا وقد شجوه أربع مواضح

شاهدين على الضرب باتفاق أو مع شاهد واحد على اختلاف، ويجب في العمد القصاص مع القسامة إن كان الضرب في البطن باتفاق، وإن كان في غير البطن على اختلاف، وقد مضى الكلام على هذا كله مستوفى في رسم أول عبد ابتاعه من سماع يحيى من كتاب الديات وبالله التوفيق. [مسألة: ضربوه وشهود ينظرون فتفرقوا وقد شجوه أربع مواضح] مسألة وسئل مالك عن نفر ثلاثة شرعوا جميعا في ضرب رجل واحد فضربوه وشهود ينظرون فتفرقوا وقد شجوه أربع مواضح، فقال مالك: إن أحب أن يحلف على أيهم شاء أنه شجه تلك الشجاج ثم أقيد منه، وقال ابن القاسم قال مالك: يحلف عليهم كلهم إن شاء ويقتص أو على من أحب منهم، فإن لم يحلف ونكل كانت عقول تلك الشجاج عليهم كلهم فإن كانت الشجاج ملاطي أو يقاد منه مما يكون دون الموضحة فله أن يحلف على أيهم شاء ويستقيد منه، فإن أبى أن يحلف بطل ذلك كله، وإنما يعطى اليمين إذا شهد الشهود أنهم شرعوا فيه، وكذلك لو شرعوا فيه فلم يشج إلا شجة واحدة وشهدوا عليهم بذلك حلف المشجوج على أيهم شاء واستقاد منه إذا لم يثبت الشهود أيهم شجه تلك الموضحة، فإن أبى أن يحلف عقلاه جميعا، قال ابن نافع: كل شيء لا يعقل فليس للمجروح إلا أن يثبت من جرحه فيستقيد، وإن لم يثبت وأبى أن يحلف حلف الجارح، وبرئ. قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه الرواية إن أحب أن يحلف على أيهم شاء أنه شجه تلك الشجاج ثم يقاد منه هو مثل قول ابن القاسم في سماع أصبغ بعد هذا في الفئتين يقران بأصل النايرة بينهما أو يقوم بذلك

: العبد يكون بين الرجلين فيشج العبد أحدهما موضحة

بينة ولا يشهد على جراحات بعضها بعضا أنه يحلف كل واحد منهما على صاحبه إذا عرف أنه به وأنه الذي جرحه ثم يستقيد منه، وهو الاستحسان على غير حقيقة القياس؛ لأنه مدع على الذي يدعي عليه منهم أنه جرحه، فالقياس ألا يكون له أن يحلف ويستقيد ممن يدعي عليه منهم أنه جرحه إلا بشاهد عدل على أنه هو الذي جرحه، فإن لم يكن عليه شاهد بجرحه إياه حلف المدعى عليه وبرئ ولم يكن على الأخر شيء لأنه لما ادعى على أحدهم أنه هو الذي جرحه فقد برأ الآخر، وكذلك إن نكل عن اليمين على قياس قوله إنه يحلف ويستقيد، يحلف المدعى عليه ويبرأ ولا يكون على الآخرين شيء إذ قد أبرأهما- بدعواه على الثالث وهو قول مالك في رواية ابن القاسم عنه، فإن لم يحلف ونكل كانت عقول تلك الشجاج عليهم كلهم، لا يصح إذا ادعى على واحد منهم أنه هو الذي جرحه، وإنما يصح ذلك إذا قال لا أحلف لأني لا أدري من جرحني منهم، ولا يكون عقل تلك الجراح عليهم إذا قال لا أدري من جرحني منهم إذا حلف كل واحد منهم أنه ما جرحه أو نكلوا كلهم عن اليمين، وأما إن حلف بعضهم ونكل بعضهم عن اليمين فيبرأ من حلف منهم، وتكون عقول تلك الشجاج على من نكل منهم عن اليمين، وقول ابن نافع في الملاطي التي لا عقل فيها في آخر المسألة وإن لم يثبت وأبى أن يحلف حلف الجارح وبرئ يبين ما قلناه من أنه إذا نكل عن اليمين في المواضح يحلف المدعى عليه ويبرأ ولا يكون على الآخر شيء، وبالله التوفيق. [: العبد يكون بين الرجلين فيشج العبد أحدهما موضحة] ومن سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله استأذن سيده قال عيسى بن دينار وسألت ابن القاسم عن العبد يكون بين الرجلين فيشج العبد أحدهما موضحة أو يشج أحدهما ورجلا آخر

موضحتين أو شجهما جميعا موضحة موضحة، قال ابن القاسم: أما إذا أوضح أحد سيده قيل للآخر إن شئت فافتد نصفه بنصف دية الجناية، وإن شئت فأسلمه خالصا وإن جنى على أحد سيديه وعلى أجنبي بموضحتين أو منقلتين أو جائفتين كان العبد بينهما على أربعة أرباع فكان للأجنبي ثلاثة أرباعه، وللسيد ربعه، قلت لعيسى: أرأيت إن أوضح أحد سيديه بموضحة والآخر منقلة؟ قال: يقال للمجروح موضحة إن شئت فافتك نصفك بخمسين دينارا أو إن شئت فأسلمه، ولذلك تفسير. قال محمد بن رشد: هذا بين كله على ما قاله، وذلك أنه إذا أوضح أحد سيديه بنصف موضحة هدرا لأنها جناية عبده عليه، فلا شيء له فيها، والنصف الآخر جنى عليه نصف شريكه، فوجب أن يكون شريكه مخيرا بين أن يسلم إلى شريكه المجني عليه النصف الذي له من العبد، وبين أن يفتكه بنصف أرش الموضحة كما قال، وأما إذا جنى على أحد سيديه وعلى أجنبي بموضحتين أو منقلتين أو مأمومتين فقوله إن العبد بينهما على أربعة أرباع للأجنبي ثلاثة أرباعه، وللسيد ربعه هو كما قال، وبيان ذلك أن الذي لم يجن عليه العبد من السيدين يخير في نصفه بين أن يسلمه إلى المجني عليهما شريكه والأجنبي فيكون بينهما بنصفين وبين أن يفتكه منهما بنصف جنايته عليهما، وذلك نصف موضحة نصف موضحة على كل واحد منهما إن كان جنى على كل واحد منهما موضحة موضحة ونصف منقلة نصف منقلة إن كان جنى على كل واحد منهما منقلة منقلة فإن أسلم نصفه إليهما ولم يفتكه كان بينهما نصفين لكل واحد منهما ربع العبد فيصير للمجني عليه من الشريكين ثلاثة أرباع الربع الذي صار إليه من شريكه والنصف الذي كان له، ثم يخير في النصف الذي كان له بين أن يدفعه إلى الأجنبي في نصف جنايته عليه موضحة كانت أو منقلة أو مأمومة، فإن دفعه إليه ولم يفتكه بقي في يديه

مسألة: يخدم الرجل عبدا له إلى أجل ثم يعدو عليه سيده الذي أخدمه فيقتله

ربع العبد وكان للأجنبي المجني عليه ثلاثة أرباعه كما قال، فهذا تفسير قوله. وأما إذا أوضح أحد سيديه بموضحة والآخر بمنقلة فقول عيسى إنه يقال للمجروح موضحة إن شئت فافتك نصفك بخمسين دينارا وإن شئت فأسلمه فهو صحيح، والتفسير الذي أراد بقوله ولذلك تفسير هو أن المجروح موضحة يقول للمجروح منقلة قد جرحني كما جرحك فلا مطالبة له قبلي إلا بما زاد جرحك على جرحي، إذ لو جرحك موضحة كما جرحني لم يكن لواحد منا على صاحبه شيء في حصته من العبد، لوجوب التقاصص في ذلك بيننا على ما قاله سحنون وأصبغ وغيرهما من أهل العلم، فوجب أن أقاصك من عقل المنقلة وهو خمسون ومائة بعقل الموضحة وهو خمسون، فتبقى الجناية عليك بمائة جناها عليك العبد الذي نصفه لي ونصفه لك، فلا يجب علي في نصفي إلا خمسون، فأنا مخير بين أن أسلم نصفي من العبد إليك بالخمسين، وبين أن أفتكه بها، وهذا بين والحمد لله. [مسألة: يخدم الرجل عبدا له إلى أجل ثم يعدو عليه سيده الذي أخدمه فيقتله] مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يخدم الرجل عبدا له إلى أجل ثم يعدو عليه سيده الذي أخدمه فيقتله عمدا أو خطأ أو يعدو عليه أجنبي فيقتله، فقال: إن قتله سيده خطأ فلا شيء عليه، وإن قتله عمدا أخرج قيمته فيؤاجر للمخدم منها من يخدمه إلى ذلك الأجل الذي أخدم إليه، فإن انقضى الأجل قبل أن تنفذ القيمة رجع ما بقي منها إلى سيده وإن نفذت القيمة قبل الأجل فلا شيء له غيرها، وإن قتله أجنبي عمدا أو خطأ فالدية للسيد وليس للمخدم منها قليل ولا كثير. قال محمد بن رشد: قد قيل إنه إن قتله السيد عمدا يأتي بعبد يخدم المخدم مكان العبد الذي قتل، فإذا انقضى أجل الخدمة رجع إليه

: يصيبه الرجل بموضحة أو منقلة فينزى فيها فيموت

عبده، وإن مات قبل الأجل لم يكن عليه في بقية الأجل شيء، والقولان في آخر كتاب الأمهات من المدونة، وقد قيل: إنه يشترى بالقيمة عبد يخدم المخدم مكانه، وهو قول المخزومي، وأما إذا قتله خطأ فلا شيء عليه كما قال لأنه أخطأ على نفسه، وأما إذا قتله غيره فسواء كان قتله إياه عمدا أو خطأ، وقد مضت هذه المسألة في رسم يشتري الدور من سماع يحيى من كتاب الخدمة. [: يصيبه الرجل بموضحة أو منقلة فينزى فيها فيموت] ومن كتاب أوله أوصى لمكاتبه بوضع نجم من نجومه وسألته عن الرجل يصيبه الرجل بموضحة أو منقلة فينزى فيها فيموت وقد شهد على الضربة شهيدان، قال: إن مات في فوره ذلك ولم يعش بعد الضرب كانت له قيمته بلا يمين، وإن عاش بعد الضرب ثم مات فإنه لا يستحق قيمته بشهادة الشاهدين دون يمين، ولكن يحلف يمينا واحدة لمات من ذلك الجرح ويستحق قيمته، فإن نكل عن اليمين لم يكن على الذي جنى عليه إلا قيمة الموضحة أو المنقلة إن كانت منقلة، وقد ذكر بعض الناس أنه يستحقه بغير يمين، ولست أرى ذلك، قال: وكذلك النصراني يصاب بجرح فيشهد شهيدان على الجرح ثم يعيش، بعد ذلك ينزى في جرحه ثم يموت أن ولاته يحلفون يمينا واحدة ويستحقون ديته، ولا يستحقونها أبدا دون يمين إذا عاش بعد الضرب، فإن نكل وليه عن اليمين لم يكن له إلا عقل الجرح إن كان مما فيه عقل، وهذا كله قول مالك،

قلت وكذلك النصراني إذا قتل وليه فأتى بشاهد واحد إنما يحلف يمينا واحدة مع شاهده ويستحق ديته؟ فقال: نعم كذلك هو يحلف يمينا واحدة مع شاهده ويستحق ديته، قال: وكذلك للعبد أيضا إذا قتل فأتى بشاهد واحد أنه يحلف مع شاهده ويستحق قيمته، وكذلك قال لي مالك لأنهما إنما يستحقان مالا ولا يستحقان دما، قلت فإن كان أولياء النصراني غير واحد وسادة العبد واحدا فأتى بشاهد واحد أو شهد رجلان على جرحه ثم عاشا بعد ذلك ثم ماتا هل يجزي أن يحلف في كلا الوجهين رجل واحد من أولياء النصراني يمينا واحدة وواحد من أرباب العبد يمينا واحدة ولا يجزي يمين رجل واحد من النصراني حتى يحلف كل من يرث النصراني، يمينا يمينا وكل من له في العبد المقتول شقص يمينا يمينا مع شاهده الواحد أو مع شهادة الشاهدين إذا عاش بعد، قال: لا يجزي إلا أن يحلف جميع أولياء النصراني وجميع أرباب العبد، ومن حلف من أولياء النصراني وأرباب العبد أخذ حقه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصله في المدونة ومذهبه فيها وما يأتي في الرسم الذي بعد هذا وما مضى في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الديات وفي رسم المجالس من سماع أصبغ منه، وقد قيل إن دم النصراني لا يستحق بالشاهد مع اليمين، وهو قول أشهب وظاهر ما في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الديات، وفي المسألة قول ثالث وهو أن أولياء يحلفون مع شاهدهم خمسين يمينا ويستحقون ديته، وهو قول المغيرة، وقد مضى هذا كله مستوفى في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الديات، وقوله وقد ذكر بعض الناس أنه يستحقه بغير يمين هو قول مالك في المدنية من رواية محمد بن يحيى السبائي عنه، وقد ذكرنا ذلك أيضا في سماع أشهب من كتاب الديات.

: العبد يقتل العبد ولم يشهد على قاتله إلا رجل واحد

[: العبد يقتل العبد ولم يشهد على قاتله إلا رجل واحد] ومن كتاب شهد على شهادة ميت قال عيسى قال ابن القاسم قال مالك في العبد يقتل العبد ولم يشهد على قاتله إلا رجل واحد، قال: يحلف رب العبد المقتول يمينا واحدة مع شاهده ويستحق بذلك العبد القاتل، كان قتله إياه عمدا أو خطأ ولا يقتل العبد القاتل بيمين سيد العبد، ولكن يستحقه بيمينه ويستحييه، وليس له أن يقتله، ولو شهد شاهد على أن عبدا ضرب عبد رجل فنزي في ضربة فمات، وشهد على ضربه رجل عدل ولم يشهد على قتله، قال: يحلف سيد العبد المقتول يمينا واحدة بالله الذي لا إله إلا هو لمات من ضربه ثم يستحق العبد بيمينه ولا يقتله ولكن يسترقه إن أحب. قال محمد بن رشد: قوله إنه يحلف يمينا واحدة لمات من ضربه معناه أنه يحلف لضربه ومات من ضربه، وإنما يحلف من ضربه لا أكثر إذا شهد بالضرب شاهدان على ما مضى في الرسم الذي قبل هذا، وقد مضى أيضا من معنى هذه المسألة زيادات في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الديات وبالله التوفيق. [مسألة: الجارية تقتل رجلا فيبيعها سيدها ويكتم ذلك منها] مسألة وسألت ابن القاسم عن الجارية تقتل رجلا عمدا أو خطأ أو تجرح رجلا فيبيعها سيدها ويكتم ذلك منها أو لا يعلم بذلك البائع ولا المشتري حتى تلد من المشتري أولادا ثم يقوم عليها أهل الجناية، قال ابن القاسم أما إذا كان قتلها عمدا دفعت إلى أولياء المقتول فإن قتلوا نظر إلى قيمة ولدها، فإن كان قيمة ولدها مثل الثمن الذي اشتراها به فلا شيء للمشتري على البائع، وإن كان

قيمة ولدها أدنى من ذلك الثمن رجع عليه بما بين قيمة ولدها والثمن الذي اشتراها به، وإن كانت قيمة ولدها مثل الثمن أو أكثر لم يرجع الولد عليه بشيء، ولم يرجع البائع على المشتري بفضل قيمة الولد على الثمن، قلت أرأيت إن استحييت أيكون أولياء المقتول مخيرين بين ثمنها الذي باعها به وبين قيمتها يوم يحكم فيها؟ قال: نعم إذا استحيوها فهم مخيرون بين الثمن الذي بيعت به يأخذونه من البائع، وبين القيمة يوم يحكم فيها يأخذونها من المشتري، فإن اختاروا الثمن أخذوه ومضى البيع، ولم يكن لهم على المشتري قليل ولا كثير، وإن اختاروا القيمة أخذوا القيمة من المشتري ورجع المشتري على البائع فأخذ منه الثمن كله، قلت ولا ينظر في قيمة ولدها للبائع إذا استحييت كما ينظر له في قيمتهم إذا قتلت؟ قال: لا ينظر في قيمتهم إذا استحييت وليس يوضع عنه لقيمة ولدها من الثمن قليل ولا كثير، قلت أرأيت إن كانت القيمة التي أخذ من المشتري أقل من الثمن أيرجع المشتري على البائع بجميع الثمن أم بالقيمة التي أخذ منه؟ قال: بل بجميع الثمن الذي دفع إليه لأنه بمنزلة رجل باع جارية ليست له فاستحقت في يد المشتري وقد فاتت عنده فأخذ منه قيمتها، فهو يرجع على البائع بجميع الثمن كانت القيمة أكثر من الثمن أو أقل، قال ابن القاسم: إلا أن يشاء سيد الجارية أن يدفع إليه ألف دينار دية المقتول، ويكون له الثمن كله كان أكثر من الدية أو أقل، قلت: أرأيت إن كان البائع عديما والثمن الذي باعها به أكثر من القيمة؟ فقال: نحن نأخذ القيمة من هذا المشتري ونتبع البائع بما بين الثمن والقيمة أيكون ذلك لهم، قال ابن القاسم: لا يكون ذلك لهم، وإنما لهم أن يختاروا القيمة يأخذونها من المشتري أو الثمن يأخذونه من البائع، فإن اختاروا الثمن لم يكن لهم على

المشتري قليل ولا كثير وإن كانت القيمة أكثر من الثمن، وإن اختاروا القيمة لم يكن لهم من الثمن على البائع قليل ولا كثير وإن كان أكثر من القيمة والثمن كله للمشتري يأخذه من البائع إلا أن يشاء البائع أن يدفع إليه الدية ويكون له الثمن كله فذلك له، وليس للمشتري ولا لأهل الجناية من الثمن قليل ولا كثير وإن كان أضعاف الدية إذا رضي البائع أن يدفع الدية، قال وأما إذا كان قتلها خطأ أو جنايتها جراحات فإن الجراحات إذا كانت مما فيه العقل عمدا كانت أو خطأ والقتل خطأ سواء لأنه ليس في شيء من ذلك قصاص، فإنه يقال للبائع اغرم جناتها، فإن غرم جنايتها مضى البيع ولم يكن عليه أكثر من غرم الجناية، وفي سماع أصبغ قال ابن القاسم: فإن أبى أن يغرم الجناية أخذ منه الثمن فأعطيه المجني عليه، إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن فيرجع على المشتري ببقية القيمة عن الثمن لأنه كان له أن يأخذ المبتاع بالقيمة كلها إن شاء؟ قال أصبغ: فإن أخذ بقية القيمة من المبتاع رجع المشتري على البائع بقيمة العيب فقط إذا لم يكن المشتري علم به، وهو ما بين قيمتها جانية وقيمتها غير جانية فيرجع بالذي أصاب العيب إلا أن تكون قيمة العيب أكثر من الذي أخذ من المبتاع في بقية القيمة، فإن كان أكثر فليس له إلا ما أخذ منه؛ لأن الجناية لم تضر به، وإنما يرجع بالعيب حين أضرته الجناية فإذا لم تضره لم يرجع بشيء، فإن كان قيمة العيب أقل لم يكن على البائع غيره مع الثمن الذي أخذ منه، فإن وجد البائع المجني عليه عديما أخذ المشتري بالقيمة كلها ورجع المشتري على البائع بالثمن وبما بين القيمتين على التفسير الذي فسرت لك، والقيمة التي تؤخذ من المشتري أو يؤخذ تمامها إنما هو قيمتها يوم قام المجني عليه ليس قيمتها يوم جنت ولا يوم اشتراها

ولا يوم أحبلها لأنها لو ماتت قبل ذلك لم تكن تلزم المشتري، ولو ماتت في يدي البائع ولم يبع لم يضمن من الجناية شيئا. قال محمد بن رشد: الجارية الجانية هذه تباع فتفوت عند المبتاع بولادة قبل قيام المجني عليه بجناية أصلها في المدونة، وهي مسألة حسنة إلا أن وجوهها غير مستوعبة، وفي بعضها اعتراض واختلاف، منه ما هو منصوص عليه، ومنه ما يتخرج بالمعنى على الأصول، فأما إذا كانت الجناية عمدا فيها القصاص فاقتص أولياء المقتول منها فقتلها فاختلف بماذا يرجع المشتري على البائع؟ فقال في الرواية إنه إن كان في قيمة الولد وفاء بالثمن الذي دفع رجع إليه لم يرجع عليه بشيء، وإذا لم يكن فيها وفاء بالثمن الذي رجع عليه ببقية الثمن، ومعنى هذا عندي إذا كان المشتري قد علم بجنايتها، وأما إن لم يعلم بذلك ودلس له به البائع فينبغي أن يرجع على البائع بجميع الثمن ولا يحاسب فيه بشيء من قيمة الولد وفي محاسبته بقيمة الولد إذا علم بجنايتها نظر؛ لأنه إما أن يحكم للولد بحكم الغلة أو بحكم أمه، فإن حكم له بحكم الغلة وجب له الرجوع بجميع الثمن، وإن حكم له بحكم أمه وجب أن يفض الثمن على قيمة الأم وقيمة الولد يوم البيع، فيرجع على البائع بما ناب الأم من الثمن، وأما إذا لم يرد صاحب الجناية القصاص أو كان القتل خطأ فيحلف البائع ما علم بالجناية أو ما باعها وهو يريد حمل الجناية على ما قاله في المدونة، فإن حلف ورد الدية ثبت البيع وصح له الثمن، وإن أبى أن يؤدي الدية كان أولياء الجناية بالخيار بين أن يجيزوا البيع ويأخذوا الثمن من البائع ويمضي البيع للمشترى وبين أن يأخذوا القيمة من المشتري لفواتها عنده على ما قاله في الرواية، ولم يكن لهم عليه من قيمة الولد شيء لأن الأمة إذا جنت ثم ولدت بعد الجناية لم يدخل ولدها في الجناية، فإن أخذوا القيمة منه رجع بجميع الثمن على البائع ولم يحاسبه البائع في ذلك بقيمة الولد، بخلاف إذا اقتص منها، والفرق بين الموضعين أنها إذا قتلت قصاصا فكأنها باقية على

ملك البائع إلى أن قتلت، فكانت له في الولد شبهة وجب أن يحاسب بقيمة الولد من أجلها وإذا لم تقتل وإنما أخذ أولياء الجناية منه قيمتها فالقيمة إنما يأخذونها منه يوم وطئها فحملت، وإذا أخذت القيمة منه يوم حملت وجب أن يرجع على البائع بجميع الثمن ولا يحاسب فيه بشيء من قيمة الولد لأنهم إنما حدثوا بعد موجب القيمة عليه فيها بحملها، وقد قال أصبغ في آخر المسألة: إن القيمة التي تؤخذ من المشتري ويؤخذ منه تمامها إنما هو قيمتها يوم قام المجني عليه ليس يوم جنت ولا يوم اشتراها المشتري ولا يوم أحبلها، فعلى قياس قوله: إذا رجع بالثمن يحاسب فيه بقيمة الولد كما إذا قتلت. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال أحدها أنه يحاسب البائع بقيمة الولد قتلت أو أخذت منه القيمة، والثاني أنه لا يحاسب بقيمة الولد قتلت أو أخذت منه القيمة فيها، والثالث الفرق في ذلك بين أن تقتل أو يؤخذ منه قيمتها، وللمشتري إذا أراد أولياء الجناية أن يأخذوا القيمة منه أن يؤدي إليهم الدية ويرجع على البائع بالأقل من الثمن أو الدية على ما قاله في المدونة ورواية أصبغ عن ابن القاسم في أن لأولياء الجناية أن يأخذوا الثمن من البائع وبقية القيمة من المشتري وبقية الثمن من البائع إن كان الثمن أكثر من القيمة خلاف رواية عيسى عنه في أنهم إذا أخذوا الثمن من البائع لم يكن لهم على المشتري شيء، وإذا أخذوا القيمة من المشتري لم يكن لهم على البائع شيء ورجع المشتري عليه بجميع الثمن، وقول أصبغ: إنهم إن رجعوا على المشتري بما زادت القيمة على الثمن يرجع المشتري على البائع بقيمة العيب إلا أن يكون ذلك أكثر من الذي رجعوا به عليه صحيح على قياس روايته عنه. وأما قوله إنهم إن رجعوا على المبتاع بالقيمة وهي أكثر من الثمن رجع المبتاع على البائع بالثمن وبما بين القيمتين على التفسير الذي فسرت لك يريد بقوله على التفسير الذي فسرت لك أنه يرجع بالأقل من قيمة العيب وبما زادت القيمة على الثمن، فهو مفسر لروايته عن ابن القاسم ولرواية عيسى

: حر جرح عبدا فعدا عليه العبد فجرحه والحر البادي

عنه، وقد قيل إنه خلاف لرواية عيسى عنه وأن الذي يأتي لروايته عنه إذا رجعوا على المبتاع بالقيمة وهي أكثر من الثمن أن يرجع المبتاع على البائع بما رجع به عليه إن كان دلس عليه بالجناية وإن كان لم يدلس عليه بها لم يكن له أن يرجع عليه إلا بالثمن وبالله التوفيق. [: حر جرح عبدا فعدا عليه العبد فجرحه والحر البادي] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل عن حر جرح عبدا فعدا عليه العبد فجرحه والحر البادي، فقال: يأخذ سيد العبد من الحر قيمة دية الجرح الذي جرح عبده ويخير السيد في جرح الحر الذي جرحه عبده إن ما افتداه وإن شاء أسلمه. قال محمد بن رشد: قوله يأخذ سيد العبد من الحر قيمة دية الجرح يريد إن كان من الجراح التي فيها الديات مثل الموضحة والمنقلة والمأمومة، فيكون عليه في الموضحة نصف عشر ثمنه وفي المنقلة عشر ونصف عشر ثمنه وفي المأمومة ثلث ثمنه، وفي ما سواه من الجراح ما نقص من قيمته، ثم يخير سيد العبد بين أن يسلمه إلى الحر معيبا أو يفتكه منه بدية جرحه؛ لأنه إنما جرحه وهو مجروح قد استوجب سيده دية جرحه، ولو كان العبد هو البادي لخير سيده بين أن يسلمه إلى الحر وما وجب له في جرحه إياه، وبين أن يفتكه منه بما جنى عليه ويقاصه في ذلك بما وجب له عليه في جرحه لعبده، مثال ذلك أن يقطع العبد يد الحر ثم يجرح الحر العبد موضحة فإن سيد العبد يخير بين أن يسلمه إلى الحر بجنايته عليه ولا يتبعه بما جني على عبده، وبين أن يفتديه بنصف الدية يقاصه منها بما وجب له عليه في جنايته على عبده وذلك نصف عشر ثمنه.

مسألة: مقطوع الأصبعين من أصابعه قطع كف رجل تامة الأصابع

[مسألة: مقطوع الأصبعين من أصابعه قطع كف رجل تامة الأصابع] مسألة وقال في رجل مقطوع الأصبعين من أصابعه قطع كف رجل تامة الأصابع مثل تلك اليد: إنه يقطع كفه تلك ويكون عليه عقل أصبعين، فإن قطع أصابع رجل الخمس من مثل تلك الكف قطعت الأصابع التي بقيت في كفه الثلاثة وعقل له أصبعان أيضا، وإن قطعت كفه تلك المنقوصة بالأصابع الباقية وحدها لم يكن له في ذلك كله إلا العقل ولا قود فيه. قال محمد بن رشد: قوله في مقطوع الأصبعين من أصابعه يقطع كف رجل تامة الأصابع إنه يقطع كفه تلك ويكون عليه عقل أصبعين معناه إن أراد القصاص، فهو على هذه الرواية بالخيار بين أن يقتص ويأخذ عقل الأصبعين الناقصة من المقتص منه، وبين أن يترك القصاص ويأخذ دية هذه كاملة، وقد قيل إنه إنما هو بالخيار بين أن يقتص ولا شيء له، وبين أن يأخذ دية يده كاملة، وهو مذهبه في المدونة وقوله في رسم المكاتب من سماع يحيى بعد هذا، وكذلك إذا نقصت أصابع الجاني أكثر من أصبعين، وأما إذا لم ينقص من أصابعه إلا أصبع واحد فليس للذي جني عليه إلا القصاص لا يكون له أن يستقيد منه ويغرمه عقل أصبعه الناقصة، هذا مذهب ابن القاسم يختلف، ويأتي على مذهب أشهب أنه بالخيار بين أن يستقيد وبين أن يترك القود منه ويأخذ دية يده كاملة، وهو القياس، وسواء كان نقصان ما نقص من أصابعه خلقة أو بأمر من السماء أو بجناية جان عمدا، أو خطأ، وأما إن قطع المقطوع أصبعين أصابع يد رجل الخمس من تلك اليد فإنه يقطع أصابعه الثلاثة الباقية ويأخذ عقل الأصبعين كما قال في هذه الرواية، ولا اختلاف في ذلك، وأما إن كان المجني عليه هو المقطوع بعض أصابعه فإن كان الذي نقص من أصابعه أصبع واحدة فليس له على الذي قطع يده بالأربع الأصابع التي بقيت فيها إلا القصاص وليس عليه أن يغرم شيئا لنقصان أصبعه، هذا مذهب ابن

: عبد جرح رجلا ثم أبق

القاسم في رسم المكاتب من سماع يحيى وقوله في المدونة وروايته عن مالك، قال في المبسوطة: وما يحمل ذلك القياس، والقياس في ذلك ما قاله أشهب ألا يكون له القصاص إذا قطعت من يده أصبع واحدة عمدا أو خطأ، قال أشهب: وإنما استحسن على غير قياس إن كان الذي أصيب منه أنملة أو نحوها عمدا أو خطأ أن يكون له القصاص إن أصيب كفه عمدا وإن كان استقاد لتلك الأنملة أو أخذ لها عقلا قال: وإن أصيبت كفه خطأ نقص من الدية قدر الأنملة، وأما إن كان الذي نقص من أصابعه أصبعان فأكثر فلا قصاص له على من قطع كفه بما بقي فيه من الأصابع، وليس له على قاطع إلا عقل ما بقي فيه من الأصابع إلا أن يكون لم يبق في الكف إلا أصبع واحدة، فقيل إنه يكون له مع عقل الأصبع حكومة في الكف، وهو قوله في المدونة، وقال أشهب لا يكون في الكف حكومة ما بقي منها أنملة ويكون لها عقل، واستحسن ذلك سحنون، وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم المكاتب بعد هذا من سماع يحيى، وسواء أيضا كان نقصان ما نقص من أصابعه من خلقة أو من أمر من السماء أو من جناية عمدا أو خطأ، وأما إن أصيبت يده الناقصة أصبع أو أكثر أو أقل خطأ فليس على من أصابها إلا عقل ما بقي من أصابعه ولا اختلاف في ذلك. [: عبد جرح رجلا ثم أبق] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل ابن القاسم عن عبد جرح رجلا ثم أبق، فقال المجروح لسيد العبد إما أن تدفع إلي قيمة جرحي وإما أن تخلي بيني وبين العبد أطلبه، فإن وجدته فهو لي، قال: لا خير فيه، هذا مخاطرة إن وجده غبن صاحبه وإن دفع إليه قيمة الجرح لم يدر لعل العبد قد مات فلا خير فيه، وقد بلغني أن مالكا قاله.

مسألة: إذا جنت المدبرة الصغيرة أو المدبر الصغير

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الغرر فيه بين، والواجب في ذلك على قوله أن يرجأ الأمر إلى أن يوجد العبد فيخير سيده بين أن يفتكه أو يسلمه بدية الجرح، واتفاقهم على هذه المسألة يقضي بصحة قول أصبغ فيما اختلفوا فيه من مسألة الرجل يشتري العبد بثمن إلى أجل فيأبق منه ثم يفلس إذ قد قيل: إن البائع بالخيار بين أن يتبع العبد ويطلبه ولا شيء له غيره، وبين أن يحاص بالثمن إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه الثمن، وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى ومن كتاب المديان والتفليس، وقيل: إنه يخير بين أن يحاص الغرماء وبين أن يطلب العبد فإن وجده وإلا رجع فحاص الغرماء، وقال أصبغ ليس له إلا المحاصة ولا يجوز له أن يتركها ويتبع العبد؛ لأنه دين بدين وخطأ وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب قياسا على هذه المسألة وبالله التوفيق. [مسألة: إذا جنت المدبرة الصغيرة أو المدبر الصغير] مسألة وقال ابن القاسم إذا جنت المدبرة الصغيرة أو المدبر الصغير تركا حتى يقويا على الخدمة فيخدمان إلا أن يشاء سيدهما أن يفتكهما. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم العقول والجبائر من سماع أشهب، وهي بينة لا إشكال فيها وبالله التوفيق. [: مدبر قتل سيده] ومن كتاب سلف دينارا وقال في مدبر قتل سيده: إنه إن كان قتله عمدا فلا أرى أن يعتق إن استحيي ولا شيئا منه وكان عبدا لهم مملوكا، وإن كان قتله خطأ

: يجرح الرجل عمدا فيؤخر حتى يبرأ فيقتص من صاحبه ثم ينفجر جرح الأول فيموت

فإنه يعتق في مال السيد إن حمله الثلث أو ما حمل منه، ويكون عليه من الدية بقدر ما أعتق منه، ولا يدخل شيء منه في رقبته وهو قول مالك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها، وقد مضت بزيادة في معناها في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الديات وفي رسم استأذن من سماع عيسى أيضا من كتاب المكاتب والله الموفق. [: يجرح الرجل عمدا فيؤخر حتى يبرأ فيقتص من صاحبه ثم ينفجر جرح الأول فيموت] ومن كتاب الثمرة وقال ابن القاسم في الرجل يجرح الرجل عمدا فيؤخر حتى يبرأ فيقتص من صاحبه ثم ينفجر جرح الأول فيموت، قال ابن القاسم: يقسم أولياؤه أنه مات من جرحه ويقتلون جارحه وإن كان قد اقتص منه ولا يكون له في الجرح شيء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ إذ ليس الخطأ في القصاص من الجرح بالذي يسقط حق الأولياء فيما يجب لهم من القود بقسامتهم إذ آل الجرح إلى النفس. [: يجتمع عليه النفر فيقطع يده فلا يدري في الشهود من قطعها] ومن كتاب البراءة قال: وسألته عن الرجل يجتمع عليه النفر فيقطع يده فلا يدري في الشهود من قطعها ويتعلق المقطوعة يده بواحد ويدعي عليه أو لا يدري هو أيضا من قطعها أو يعمدون لقطع يده جميعا عمدا فيقول المقطوعة يده فلان قطعني لواحد منهم إلا أنهم قد بطشوا به جميعا قال: إن كانوا إنما ضربوه ولم يجتمعوا على قطع يده ولم

: الأعور يفقأ عين الصحيح

يثبت الشهود من قطعه منهم وادعى ذلك هو قبل رجل منهم حلف واقتص، وإن لم يثبت من فعل ذلك به ولم يثبت الشهود من هو؟ كان على جميعهم الدية، وإن اجتمعوا على قطع يده فأمسكوه لذلك وقطعه واحد منهم قطعوا به جميعا إذا أمسكوه ليقطعه وعرف ذلك منهم، ورواها أصبغ وقال في الذي ضربوه واجتمعوا عليه لغير القطع ذلك الجواب فيه إذا شهدوا أنه كان سليما حين اجتمعوا عليه فانكشف مقطوعا. قال محمد بن رشد: أما إذا اجتمعوا لقطع يده وتعاونوا على ذلك فإنهم يقطعون به جميعا، وإن كان الذي ولي القطع واحد منهم لا اختلاف في أن الأيدي تقطع باليد كما أن الأنفس تقتل بالأنفس، فقد قال عمر بن الخطاب: لو تمالئ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا، وأما إذا لم يجتمعوا على قطعه ولا قصدوا إلى ذلك ففي قبول دعواه على من ادعى منهم أنه هو الذي قطعه نظر، قد مضى بيانه في رسم الجبائر والأقضية من سماع أشهب فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق. [: الأعور يفقأ عين الصحيح] ومن كتاب القطعان قال عيسى قال ابن القاسم: سألنا مالكا عن الأعور يفقأ عين الصحيح، قال لنا: إن أحب الصحيح أن يقتص اقتص، وإن حلف فله دية عينه خمسمائة دينار، ثم رجع بعد ذلك فقال: إن أحبّ الصحيحُ أن يقتص اقتص، وإن أحب فله دية عين الأعور ألف دينار، قال ابن القاسم: وقوله الآخر أحب إليّ وأحسن ما سمعت في ذلك أن يكون الأعور إذا بقيت عينه مخيرا على الجاني إن شاء فقأ عينه بعينه، وإن شاء أخذ الدية ألف دينار؛ لأنه لا يقتص من

عين تشبه عينه؛ لأن عينه كانت بصرَه كله، فلذلك خُيِّر. وأما إذا فقأ الأعور عين الصحيح فليس للصحيح أن يقتص من عين الأعور؛ لأن العين التي تفقأ خير من عينه، فليس له إلا القصاص إلا أن يصطلحا على أمر فهو ما اصطلحا عليه؛ لأن الله تعالى قال: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] قال ابن القاسم: فإن صالحه على الدية مبهمة فإنما له عليه عقل عينه التي بقيت وذلك خمسمائة دينار، ثم رجع ابن القاسم وأخذ بقول مالك الآخر أن يكون الصحيح أيضا إذا فقأ الأعور عينه مخيرا على الأعور في فقئ عينه بعينه، وأخذه بعينه ألف دينار ثمن عينه التي يترك، وقال قياسا على قول مالك هذا الآخر الذي به أخذ. فإن فقأ الأعور عيني الصحيح جميعا فإنه إن فقأهما في فور واحد فالصحيح مخير إن شاء فقأ عينه وأخذ منه خمسمائة دينار دية عينه الآخر، وإن شاء ترك عينه وأخذ ألفا وخمسمائة دينار؛ لأن الأعور إذا فقأ عين الصحيح كان الصحيح عليه مخيرا في أن يفقأ عينه أو يأخذ عقل العين التي يترك له، وإن فقأهما في غير فور واحد، فقأهما في أيام مختلفة أو مجالس نظر، فإن كان التي فقأ أولا هي اليمنى وكانت عين الأعور الباقية يمنى كان مخيرا في أن يفقأ عينه أو يأخذ عقله منه ألف دينار، وإن كان الذي فقأ أولا اليسرى لم يكن له إلا عقلها خمسمائة دينار لأنه لا قصاص بينهما، ثم إن فقأ عينه الآخر بعد ذلك لم يكن له إلا القصاص إلا أن يصطلحا على أمر، وليس هو بمنزلة الصحيح يفقأ الأعور عينه فيخير الصحيح بين

أن يفقأ عين الأعور أو يأخذ ديتها لأن عينه مثل عينه، وإذا فقأ الصحيح عين الأعور كان الأعور مخيرا عليه في أن يفقأ عينه بعينه أو يأخذ ألف دينار لأنه لا يجد عينا تعدل عينه، قال: وإذا فقأ الأعور عين الصحيح اليمنى ثم فقأ بعد ذلك اليسرى فإنه إن شاء فقأ عينه وأخذ منه ألف دينار عقل عينه التي ترك له أيضا؛ لأن الأعور إذا فقأ عين الصحيح خير في أن يفقأ عينه أو يأخذ عقلها، فانظر في الأعور أبدا، فإذا بدأ بالتي فيها القصاص كان الصحيح مخيرا في أن يفقأ عينه أو أن يأخذ منه عقل عينه التي ترك وإن بدأ باليسرى التي لا قصاص له فيها فإنما عقلها خمسمائة دينار فإن بدأ باليمنى كانت له أَلْفَان ألف التي ترك له من عينه وألف آخر في عقل الآخر؛ لأن الأعور إذا فقأت عينه ففيها ألف دينار. وإذا فقأ الصحيح العينين، عيني رجل جميعا فإن كان في فَوْر واحد فليس له إلا القود، وليس له من الدية شيء إن أرادها، وإن كان مرة بعد مرة كان له في الأولى القصاص، ولم يكن له غير ذلك إن طلبه من الدية، وكان في الأخرى مخيرا إن شاء اقتص منها، وإن شاء أخذ ديتها ألف دينار، ليس له إلا أن يفقأهما جميعا ولا شيء له، أو يفقأ الأولى ويأخذ ألف دينار أو يأخذ ألف دينار ويدعها إن شاء. قال محمد بن رشد: اختار ابن القاسم من قولي مالك في الأعور يفقأ عين الصحيح قوله الآخر إن المجني عليه مخير بين أن يفقأ عين الأعور بعينه وبين أن يأخذ دية عين الأعور التي يتركها له ألف دينار، وأخبر أن أحسن ما سمع في ذلك أنه ليس له إلا القصاص من عين الأعور إلا أن يصطلحا على أمر فهي ثلاثة أقوال أحدها قول مالك الأول، أنه مخير بين القصاص وبين

: أصيبت بعض عين رجل فأخذ عقل ما أصيب به منها ثم أتى رجل ففقأ ما بقي

أخذ الدية وهو على قياس القول بأن لولي المقتول أن يجبر القاتل على غرم الدية وهو مذهب أشهب وأحد قولي مالك، والقول الثاني أنه مخير بين أن يقتص منه وبين أن يأخذ منه دية العين التي يترك له وهو ألف دينار، وجه هذا القول مراعاة المعنى في إلزام القاتل الدية شاء أو أبى وهو أنه لما ألزمه أن يفدي نفسه من القتل بديتها إذا أراد ولي المقتول أن يأخذها منه ولا يقتله لزمه أن يفدي عينه من القصاص بديتها إذا أراد المجني عليه أن يأخذها منه ولا يقتص منها، ووجه القول الذي أخبر ابن القاسم أنه أحسن ما سمع القياس على أصل مذهبه وروايته من مالك في أنه ليس لولي المقتول أن يجبر القاتل على غرم الدية، وإذا لم يلزمه أن يفدي نفسه من القتل بديتها فأحرى ألا يلزمه أن يفدي عينه من القصاص منها بديتها، فلكل قول من هذه الثلاثة الأقوال وجه حسبما ذكرناه، ثم رجع ابن القاسم أخيرا إلى ما كان اختاره أولا وهو أن يكون الصحيح إذا فقأ الأعور عينه مخيرا بين أن يقتص منه وبين أن يأخذ منه دية العين التي يترك له وهي ألف دينار وإجراء ما ذكرناه من المسائل على قياس ذلك من تلك أنه إذا فقأ عيني الصحيح في غير فور واحد فإن بدأ بالتي فيها القصاص مثل أن يفقأ أولا اليمنى وعينه الباقية هي اليمنى فيكون مخيرا إن شاء أن يقتص من عين الأعور بعينه التي فقأها أولا ويأخذ دية عينه التي فقأها آخرا ألف دينار وإن شاء أن يترك القصاص من عينيه ويأخذ منه ألفي دينار وإن بدأ أولا بالتي لا قصاص فيها لم يكن له إلا خمسمائة دينار في العين التي فقأها أولا إذ لا قصاص فيها ولم يكن له في الثانية إلا القصاص إلا أن يصطلحا على شيء لأنها عين أعور بعين أعور، فلا يجب فيها إلا القصاص كما إذا فقأ الصحيح عين الصحيح لم يجب له إلا القصاص وبالله التوفيق. [: أصيبت بعض عين رجل فأخذ عقل ما أصيب به منها ثم أتى رجل ففقأ ما بقي] مسألة قال عيسى: وإن أصيبت بعض عين رجل فأخذ عقل ما أصيب به منها ثم أتى رجل ففقأ ما بقي منها وفقأ الأخرى جميعا معا

فإنه ينظر فإن كان الذي أصيب من العين أولا يسيرا اقتص من هذا الذي فقأهما جميعا معا فيفقأ عينيه جميعا إن كان عمدا يكون سبيلهما سبيل الصحيح وإن كان خطأ أخذ في الصحيحة خمسمائة دينار وأخذ في الأخرى ما بقي من عقله إن كان الذي أصابها أمر من السماء كان له ألف دينار فيهما جميعا، وإن كان فقأهما مرة بعد مرة فبدأ بالناقصة فقأهما عمدا فإنه يقتص إن كان الذي نقص منها قليلا، فإن كان ذلك كثيرا فلا قصاص فيها، وإنما له قدر ما بقي من العقل، وإن كان خطأ فله ما بقي من عقلها يسيرا كان النقصان أو كثيرا وإذا أصابها أمر من السماء ففيها القصاص إن كان عمدا أو جميع عقلها إن كان خطأ كان الذي نقص منها قليلا أو كثيرا ثم إن أصيبت الأخرى كان سبيلها سبيل عين الأعور في العمد والخطأ، وإن أصيبت الصحيحة أولا ففيها ما في الصحيحة، ثم إن أصيبت الناقصة بعد ذلك عمدا اقتص إن شاء قليلا كان نقصانها أو كثيرا وإن شاء أخذ عقل ما بقي منها على حساب ألف دينار إن كان الذي نقص منها ربعها كان له فيما بقي منها ثلاثة أرباع ألف دينار. قال محمد بن رشد: رأيت لبعض أهل النظر أنه قال: تلخيص قول عيسى هذا أنه إن أصيبت بعض العين بأمر من السماء ثم أصيب باقيها بجناية ففيها القود إن كان عمدا أو جميع الدية إن كان خطأ كان الذي نقص منها بأمر من السماء يسيرا أو كثيرا، وأما إذا كان الذي نقص منها بجناية ثم أصيبت باقيها فإن كان أصيب باقيها خطأ ففيها باقي عقل العين كان النقصان يسيرا أو كثيرا، وإن كان عمدا ففيه القصاص إن كان النقصان يسيرا وإن كان كثيرا فله ما بقي من العقل وليس هذا التلخيص بصحيح. وتحصيل القول في هذه المسألة ملخصا أن العين الناقصة إذا أصيبت عمدا فإن كان النقصان منها يسيرا كان فيها القصاص إلا أن يصطلحوا على

: العبد يطأ أم ولد ابنه أو أمة له بكرا فنقصها ذلك

شيء إلا أن يكون المجني عليه أعور فيكون بالخيار بين أن يقتص وبين أن يأخذ عقل ما بقي بعدما نقص من عينه، إن كان نقص منها الربع كان له ثلاثة أرباع ألف دينار وإن كان كثيرا لم يكن فيها إلا ما بقي من عقلها سواء كان النقصان منها بجناية أو بأمر من السماء، وإنما يفترق ذلك إذا أصيبت خطأ فإن أصيبت خطأ والنقصان فيها بأمر السماء كان فيها جميع الدية كان النقص فيها يسيرا أو كثيرا إلا أن يكون النقصان قد أتى على أكثرها فلا يكون فيها إلا ما بقي من عقلها. وإن أصيبت خطأ والنقصان فيها بجناية عمدا أو خطأ ففي ذلك ثلاثة أقوال أحدها أن فيها ما بقي من عقلها وهو أحد قولي مالك في المدونة، والثاني فيها أن العقل كامل وهو قول ابن نافع على قياس قولهم في السن إذا اسودت إن فيها العقل كاملا، فإن طرحت بعد ذلك كان فيها العقل أيضا كاملا، والقول الثالث الفرق بين أن يقتص للنقصان إن كان عمدا أو يأخذ له دية إن كان خطأ وبين ألا يقتص لذلك ولا يأخذ له دية، فإن لم يقتص لذلك ولا أخذ له دية كان له العقل كاملا، وإن اقتص لذلك وأخذ له عقلا لم يكن له إلا ما بقي من العقل. [: العبد يطأ أم ولد ابنه أو أمة له بكرا فنقصها ذلك] ومن كتاب أوله باع شاة وسألته عن العبد يطأ أم ولد ابنه أو أمة له بكرا فنقصها ذلك هل يكون في رقبة العبد من ذلك شيء؟ وما الأمر فيه؟ قال: أرى أن يدرأ عنه الحد وتكون قيمة أم ولد ابنه في رقبته لأنه قد حرمها عليه فتعتق أم الولد على سيدها ويخير العبد في أن يفتكه بقيمة أم الولد أو يسلمه فيعتق على الولد والبكر كذلك، فإن قال قائل فإنا نتهمه أن يكون إنما فعل ذلك ليكون عبدا لابنه فيعتق عليه فليس كذلك،

أرأيت لو جدع آذانهم أو قطع أيديهم ألم يكن ذلك في رقبته وتعتق على الابن إن أسلمه سيده، فكذلك ما سرق من مال ابنه أو حرَّمه عليه فهو في رقبته؛ لأنه بلغني عن بعض من أرضى به من أهل العلم أنه قال في الرجل يطأ أم ولد ابنه إنه يغرم قيمتها لابنه وتعتق على ابنه لأنه لا يستطيع وطئها ويدرأ عنه الحد، والحر والعبد في ذلك بمنزلة واحدة، وكذلك من سرق من مال ابنه الحر لم يقطع يده، وكان ذلك في رقبته، فهذا يدلك على الوطئ، قال ابن القاسم: ولو كان وطئ أمة لابنه ليست بكرا لم يكن في رقبته من ذلك شيء، ولو كانت بكرا فنقصها الافتضاض كان ذلك في رقبته. قال محمد بن رشد: قوله إن العبد يعتق على ابنه الحر إذا أسلم إليه في جناية عليه في بدنه أو فيما استهلك من ماله أو حرمه عليه بالوطء من أمهات أولاده وإمائه، هو مثل ما مضى من قوله في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الديات حسبما بيناه هناك من وجه قوله، وهو صحيح لأنه إنما يأخذه إذا أسلمه إليه سيده باختياره، ولو شاء لم يأخذه وتركه وأسقط التبعة عنه في جنايته إذ لا يلزم سيده أن يفتكه فإذا أخذه وجب أن يعتق عليه بمنزلة إذا اشتراه، وإن قلت إنه يجب له بنفس جنايته عليه إلا أن يشاء سيده أن يفتكه منه كان أبين لوجوب عتقه عليه إلا أن ذلك لا يصح أن يقال، إذ لو قيل ذلك لوجب أن يعتق عليه بنفس جنايته عليه وألا يكون لسيده أن يفتكه منه بجنايته ولما لم يكن مالكا له بنفس الجناية إلا أن يسلمه إليه سيده وارتفعت التهمة عنه بجنايته على ابنه ولم يكن كالقاتل الذي يقتل وارثه فيتهم أنه إنما قتله ليرثه لأن الميراث يجب له بالموت فاتهم فيه ومنع إياه. وأما قوله لو وطئ أمة لابنه ليست بكرا لم يكن في رقبته إلا ما نقصها الافتضاض ففيه اختلاف؛ لأنه قد حرمها عليه، فقال إن له أن يحبس كل واحدة منهما ولا يحل له، ويكون ما نقص البكر منهما في رقبته وإن شاء. ألزمه

مسألة: يتصدق بالأمة الحامل ويتصدق بجنينها على آخر فتجني قبل أن تضع

قيمة كل واحدة منهما وكان ذلك في رقبته وبالله التوفيق. [مسألة: يتصدق بالأمة الحامل ويتصدق بجنينها على آخر فتجني قبل أن تضع] مسألة وسئل عن الرجل يتصدق بالأمة الحامل يتصدق برقبتها على رجل ويتصدق بجنينها على آخر فتجني قبل أن تضع، قال ابن القاسم يخير الذي له الرقبة فإن فداها كان الجنين إذا وضعته للمتصدق عليه به، ولا يغرم من الجناية شيئا، وإن أسلمها كانت الأمة وجنينها للمجني عليه، وليس لصاحب الجنين قليل ولا كثير قلت: فإن قال صاحب الجنين إذا أسلمها الذي له الرقبة أنا أفتكها أيكون ذلك له؟ قال عيسى: أرى ذلك له، قلت لابن القاسم أرأيت لو لم تجن الأمة على أحد ولحق الذي له رقبتها دين قبل أن تضع أتباع في دينه ويذهب حق صاحب الجنين؟ قال ابن القاسم: لا تباع في دينه حتى تضع، قلت أرأيت لو أن صاحب الجنين أعتقه ثم جنت على رجل قبل أن تضع كيف يصنع بجنينها إذ لو أعتقت الأم والجنين في بطنها لم يعتق، ثم جنت على رجل قبل أن تضع، قال ابن القاسم أما إذا أعتقت الأمة فإن الجناية تكون دينا عليها تتبع به ويأخذ صاحب الجنين جنينه إذا وضعت وليس لصاحب الجرح فيه شيء، وأما إذا أعتق الجنين والأمة على حالها فجنت قبل أن تضع، قال أصبغ إن كان الجنين إنما صار لصاحبه بعطية من رب الرقبة فأرى إسلامه الأم إسلاما للجنين بمنزلة أن لو أعتقها بطل الجنين وكان حرا ولو افتداها رب الرقبة كان لصاحبه ولم يكن عليه في الجرح شيء وأما إذا كان الجنين صار لربه من عند غير صاحب الرقبة

مثل أن يهب لرجل رقبتها ولآخر جنينها قسم الجرح عليها وعلى جنينها، فجنينها منها العشر فيفتدي رب الرقبة بتسعة أعشار الدية ويفتدي صاحب الجنين بعشر قيمة أمه لا بعشر الدية؛ لأنه لو طرح كان على طارحه مثل ذلك. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية في الذي يتصدق بأمته الحامل على رجل وبجنينها الذي في بطنها على رجل فتجني جناية قبل أن تضع إن الذي له الرقبة يخير بين أن يفتكها أو يسلمها، فإن أسلمها بطلت الصدقة بالجنين وكان للمجني عليه، هو على قياس قوله بأنه إذا أعتق صاحب الرقبة الأمة كانت حرة وما في بطنها وبطلت الصدقة بالجنين، وقد اختلف قوله في ذلك، فمرة قال هذا، ومرة قال يعتق الجنين بعتقها ويغرم صاحب الرقبة للآخر قيمة الولد يوم يخرج إن خرج حيا، وإن خرج ميتا فلا شيء له، فيأتي على قياس هذا القول أنه إن أسلم الرقبة في الجناية كان الولد للمجني عليه إن خرج حيا وغرم صاحب الرقبة قيمته يوم يخرج للمتصدق عليه، ومرة قال: عتقه موقوف حتى يخرج الجنين فيأخذه المتصدق به عليه وينفذ العتق حينئذ، وهو اختيار محمد بن المواز على هذا القول يأتي قوله في هذه الرواية إنها إذا أعتقت والجنين في بطنها لم يعتق ثم جنت على رجل قبل أن تضع فإن الجناية تكون دينا عليها تتبع به ويأخذ صاحب الجنين جنينه إذا وضعته إذ لا يصح أن تبتل حريتها ويكون ما في بطنها رقيقا للمتصدق به عليه فمعنى قوله أن يكون عتقه موقوفا حتى تضع فيأخذ صاحب الجنين جنينه وتبتل حينئذ حريتها، وتتبع بالجناية دينا ثابتا في ذمتها أو بما بقي منها إن استوفى بعضها من إجارتها في مدة حملها لأنها على هذا القول كالمعتقة إلى أجل فيأتي على قياس هذا القول أن يستأنى بها إذا جنت حتى تضع، فيأخذ صاحب الجنين جنينه ويخير صاحب الرقبة حينئذ بين افتكاكها بالجناية وإسلامها فيها، فقول أصبغ إن الجناية مفضوضة على الرقبة وعلى الجنين قول

رابع في المسألة، وكذلك اختلف قول ابن القاسم أيضا هل يباع في دين صاحب الرقبة قبل الوضع أم لا؟ فمرة قال إنها لا تباع في دينه حتى تضع فيأخذ صاحب الجنين جنينه، وهو قوله في هذه الرواية واختيار محمد بن المواز على ما اختاره من أن عتقه موقوف، ومرة قال إنها تباع في دين صاحب الرقبة بما في بطنها كما كانت تباع على سيدها الأول، وهو الذي يأتي على قياس قوله: إن ما في بطنها يعتق بعتقها وإن جنينها يكون للمجني عليه إن أسلمت إليه، فكان القياس أن ينتظر بها في الجناية حتى تضع كما ينتظر بها في الدين حتى تضع، ووجه التفرقة بين بيعها في الدين قبل أن تضع، وإسلامها في الجناية قبل أن تضع هو أن الجناية متعلقة برقبتها، والدين ليس بمتعلق برقبتها وإنما هو في ذمة سيدها، ولو تأخر النظر فيها حتى تضع لكان الولد لصاحبه لا تلحقه الجناية، ويخير صاحب الأم فإما فداها أو أسلمها وحدها، وهذا الخلاف كله إنما هو إذا صار الجنين لصاحب الجنين من غير صاحب الرقبة، وأما إذا صار إليه من عند صاحب الرقبة مثل أن يهب الرجل جنين أمته لرجل فلا اختلاف في أنها إذا جنت يخير صاحب الرقبة بين أن يسلمها بجنايتها فتبطل الهبة في الجنين بذلك، كما أنه لا اختلاف في أنه إن اعتقها سيدها بعد أن وهب جنينها لرجل يعتق ما في بطنها بعتقها وتبطل الهبة في الجنين، ولم يجب في هذه الرواية إذا أعتق صاحب الجنين الجنين فجنت قبل أن تضع، والجواب في ذلك أن الأمر يكون فيه كما لو لم يعتقه، إذ لا عتق لصاحب الجنين في الجنين قبل أن يوضع، وكذلك قال في كتاب ابن المواز، واختلف قول ابن القاسم وأشهب إذا أوصى الرجل بعتق جنين أمته وهي تخرج من الثلث فأعتق الورثة الأم فقال ابن القاسم عتق الميت أولى ولا الولد له، وقال أشهب عتق الورثة أولى ولا الولد والأم لهم، وقول

: أخدم عبده رجلا كذا وكذا ثم مرجعه إلى فلان بتلا فجرح العبد رجلا

أشهب أظهر إذ لم يختلفوا في أنها إذا أوصى بجنينها لرجل والثلث يحملها فأعتق الورثة الأم أن الوصية بالجنين تبطل وبالله التوفيق. [: أخدم عبده رجلا كذا وكذا ثم مرجعه إلى فلان بتلا فجرح العبد رجلا] ومن كتاب العتق قال وسألته عن رجل أخدم عبده رجلا كذا وكذا ثم مرجعه إلى فلان بتلا فجرح العبد رجلا أو جرح، قال قد اختلف عن مالك في هذه المسألة، فأما رأيي والذي أستحسن فإني أرى دية جراحه وقتله لسيده الأول، وليس لصاحب المرجع شيء، وإنما هو عندي بمنزلة ما لو قال هو حر بعد خدمة فلان، فأرى عقل جراحه لسيده، وقد ذكر عن مالك أنه ليس للسيد الذي بتل له وجعل له المرجع، والقول الأول أحب إليّ أن يكون ذلك للسيد الأول وإن جنى العبد جناية خير المخدم في أن يفتكه ويختدمه، فإن أفتكه اختدمه إلى الأجل الذي له فيه الخدمة ثم أسلمه إلى صاحب البتل، ولم يكن لصاحب الخدمة على الذي بتل له شيء مما أفتكه به من الجناية؛ لأنه إنما طلب الفضل والزيادة التي رجا في الخدمة، ولأنه لو أسلمه كان المبتول له مخيرا فإن أفتكه كانت خدمته له، وإن أسلمه كان المبتول له مخيرا إن أحب أن يفتديه ويكون عبدا له فذلك له، وإن أحب أن يسلمه فذلك له. قال محمد بن رشد: اختلاف قول مالك في جرح العبد وميراثه إذا مات وقيمته لمن تكون إذا أخدمه سيده رجلا مدة ما ثم جعل مرجع رقبته

مسألة: عبد يجنى عليه في عهدة الثلاث لمن أرش الجناية

لغيره، هل يكون لسيده الذي أخدمه أو للذي إليه مرجع الرقبة اختلاف مشهور، وقد تقدم في سماع أصبغ من كتاب الخدمة، وعليه يأتي الاختلاف في مسألة العتق من سماع عيسى من كتاب الخدمة في الذي يخدم عبده فلانا سنة ثم هو لفلان وعليه دين هل يباع عليه في الدين قبل انقضاء السنة أم لا؟ وفي مسألة أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس في الذي يحبس الحبس على رجل فيقول هو لك حياتي ثم هو في سبيل الله هل يكون إذا مات في ثلثه أم ينفذ من رأس ماله حسبما مضى القول فيه مستوفى في الموضعين فلا معنى لإعادته، وأما إذا جنى جناية قبل أن ينقضي أجل الخدمة وتصير لصاحب الرقبة ففي ذلك ثلاثة أقوال، أحدها أن الحق في الافتكاك لصاحب الخدمة من أجل أنه هو المقدم بها على صاحب الرقبة الذي المرجع إليه، وهو المبدأ بالتخيير وهو قوله في هذه الرواية، والقول الثاني أن الحق في ذلك لصاحب الرقبة الذي المرجع إليه إلا أنه يبدأ صاحب الخدمة بالتخيير من أجل أنه هو المقدم بها على صاحب الرقبة، فإن أفتكه على هذا القول واختدمه لم يكن لصاحب الرقبة إليه سبيل حتى يدفع إليه ما أفتكه به، والقول الثالث الحق في ذلك لصاحب الرقبة الذي المرجع إليه وهو المبدأ بالتخيير، وقد مضى بيان هذا كله وشرحه في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب الخدمة فلا معنى لإعادته. [مسألة: عبد يجنى عليه في عهدة الثلاث لمن أرش الجناية] مسألة وسألته عن عبد يجنى عليه في عهدة الثلاث لمن أرش الجناية؟ أو جنى هو على رجل فعلى من دية جنايته؟ أعلى البائع أم على المشتري؟ أو هلك بعض مال [العبد في عهدة الثلاث وقد كان اشتراه] ، بماله فقال المشتري أنا أرده إذ ذهب ماله، قال ابن

القاسم قال مالك: إن جنى عليه فعقل جنايته لسيده الذي باعه، والمشتري مخير إن أحب أخذه، وإن أحب تركه وإن تلف ماله أو بعضه فالبيع له لازم ولا يفسخ البيع بينهما لذهاب ماله، قال ابن القاسم: وأما ما جنى العبد فلم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن سيده البائع بالخيار إن شاء أسلمه وإن شاء أفتكه، فإن أفتكه كان المشتري على بيعه ولا يضع ذلك منه شيئا إلا أن تكون تلك الجناية عمدا فيكون عيبا حدث إن شاء أخذه وإن شاء رده، بمنزلة العيب الذي يحدث في العهد، وإن أسلمه كان المشتري بالخيار إن أحب أن يفتكه من المجروح بدية الجرح أو يسلمه، فإن أفتكه بدية الجرح نظر، فإن كانت الدية أقل من ثمن العبد أسلم الزيادة إلى البائع، وإن كان كفافا أو أكثر لم يكن للبائع على المشتري شيء. قال محمد بن رشد: قوله إن عقل ما جني على العبد في عهدة الثلاث للبائع صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن الضمان منه، فدية الجرح له، وأما قوله والمشتري مخير إن أحب أخذه وإن أحب تركه ففيه نظر إلا أن يكون البائع قد برأ الجاني من الجرح؛ لأنه إذا أبرأه من الجرح كان ضمانه من المشتري إن أخذه، وصار كمن اشترى عبدا مجروحا فيجوز باتفاق إن لم يكن الجرح مخوفا، وعلى اختلاف إن كان مخوفا، إذ قد قيل إنه لا يجوز شراء العبد المريض المخوف عليه الموت من مرضه حسبما مضى القول فيه في رسم أخذ يشرب خمرا من كتاب العيوب، وأما إن لم يبره من الجرح فضمانه من الجاني لأنه إن مات من الجرح لزمه قيمته للبائع وانتقض البيع، فرضى المشتري بأخذه إن صح من جرحه غرر لو عقد البيع على هذا ابتداء لم يجز، لكنه أجازه ابن القاسم لتقدم العقد على صحة، كنحو قوله في الكافر يشتري العبد الكافر من كافر على أنه بالخيار، فيسلم العبد في أيام الخيار: إنه إن اختار الشراء بيع على المبتاع، وإن لم يختره بيع على الكافر، فأجاز

للمشتري اختيار العبد بعد إسلامه وهو لا يجوز له ابتداء شراؤه، وقد أنكر ذلك عليه سحنون، وقد مضى على هذا المعنى في سماع سحنون من كتاب العيوب، وأما إن كان العبد هو الجاني فقوله إن البائع مخير بين أن يسلم العبد أو يفتكه، فإن أفتكه مضى البيع ولزم المشتري ولم يكن له أن يرده إن كانت الجناية خطأ، وإن أسلمه انتقض البيع فيه وسقط الثمن عن المبتاع إن كان لم يدفعه ورجع إليه إن كان دفعه إلا أن يشاء المشتري أن يفتكه بجنايته لماله فيه من الحق بشرائه إياه، فيكون ذلك له ويثبت البيع ويؤدي الثمن إن كان لم يدفعه، ولا يرجع على البائع بشيء مما أفتكه به، فإن كان لم يدفع الثمن، وهو أكثر مما أفتكه به أسلم الزيادة إلى البائع، وإن كان ما أفتكه به مثل الثمن أو أكثر منه لم يكن له أن يرجع على البائع بشيء؛ لأنه إنما أفتكه لنفسه على ما قاله في الرواية؛ لأنه إنما تكلم فيها على البائع لم ينتقد الثمن، ولا يصح انتقاده بشرط في العهدة وإن كان قد دفع الثمن للبائع ورجع عليه بالأقل منه أو مما أفتكه به لأنه لو أسلمه ولم يفتكه لرجع عليه بجميع الثمن، فإذا أفتكه بأقل من الثمن لم يكن له أن يرجع عليه إلا بما أفتكه به، هذا بيان ما قاله في الرواية ونص عليه فيها. وفي قوله إن البائع مخير بين أن يفتكه فيمضي البيع أو يسلمه فينتقض إلا أن يشاء المبتاع أن يفتكه نظر إذ لا يملك البائع إسلامه لما انعقد فيه من البيع الذي لا خيار له في نقضه، وقد قال ابن حبيب من أجل هذا إنه إنما يخير بين أن يسلم الثمن أو يفتكه بعقل الجرح، فإن أفتكه مضى البيع، وإن أسلمه وكان مثل عقل الجرح أو أكثر منه لزمه، وإن كان أقل من عقل الجرح ولم يرض بذلك رجع الخيار حينئذ إلى المشتري في افتكاكه، فإن أفتكه لم يكن له على البائع رجوع بما أفتكه به، وإن أسلمه رجع على البائع بالثمن، هذا معنى قوله. وقوله إن البائع يخير بين أن يسلم الثمن أو يفتكه بالجناية أظهر من قول ابن القاسم في هذه الرواية إنه يخير بين أن يسلمه الثمن أو يفتكه بالجناية،

: قطعت يده فأخذ عقلها أو صالح على بعض ديتها ثم تآكلت إلى العضد

لأنه إنما يملك الثمن لا الرقبة إذ قد عقد فيها البيع. وظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية وما حكى ابن حبيب في الواضحة أنه لم ير للمجني عليه خيارا في إجازة البيع وأخذ الثمن إذا لم يفتكه البائع منه بالجناية. والصحيح في النظر أن له في ذلك الخيار، وهو الذي يأتي على ما في كتاب الجنايات من المدونة في الذي يبيع العبد بعد أن جنى إذ لا فرق بين أن تكون جنايته قبل البيع أو بعده في عهدة الثلاث، والصحيح في هذه المسألة على ما قاله في المدونة أنه إن أفتكه البائع بالجناية مضى البيع، وإن لم يفتكه بها كان المجني عليه بالخيار بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن في جنايته، وبين أن يفسخ البيع ويأخذ العبد، فإن أجاز البيع وأخذ الثمن مضى البيع ولم يكن للبائع في ذلك كلام ولا للمبتاع إذا كانت الجناية خطأ وإن لم يجز البيع وأراد فسخه وأخذ العبد كان للمشتري حينئذ أن يفتكه بالجناية ويمضي البيع فيرجع على البائع، وإن كان قد نقده بالأقل من الثمن أو مما افتداه به، وإن كان لم ينقد رجع عليه البائع بما زاد الثمن على ما افتداه به إن كان افتداه بأقل من الثمن على ما قاله في الرواية، وقد يكون الثمن غير عين طعاما أو عرضا فيظهر وجه تخيير المجني عليه في إجازة البيع وأخذ الثمن في جنايته إذا لم يفتكه البائع منه بجنايته، وأما ما تلف من ماله في عهدة الثلاث فلا إشكال ولا اختلاف في أن البيع لا ينقض من أجل ذلك لأن ماله تبع له إذا استثنى وبالله التوفيق. [: قطعت يده فأخذ عقلها أو صالح على بعض ديتها ثم تآكلت إلى العضد] ومن كتاب العرية وقال في رجل قطعت يده فأخذ عقلها أو صالح على بعض ديتها ثم تآكلت إلى العضد، قال لا شيء له إلا ما أخذ؛ لأن عقل اليد قد قبله، وكذلك لو صالح منها على بعض الدية ثم تآكلت إلى العضد لم يكن له أكثر مما أخذ لأن عقل اليد قد صالح عليه.

: تزويج أبيه له أو وليه المولى عليه وإن كان كبيرا

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن دية اليد سواء قطعت من الكوع أو من المرفق أو من المنكب سواء، فإذا أخذ دية اليد وقد قطعت من الكوع أو صالح على ذلك فلا شيء له إن نزا فيها بعد الصلح إلى المرفق أو إلى العضد، والعمد والخطأ في ذلك سواء، ولو تآكل الجرح إلى غير ما صالح عليه مثل أن يقطع من يده أربع أصابع فيأخذ ديتها أو يصالح على بعض ديتها ثم يتآكل الجرح بعد الصلح فتذهب الأصبع الخامسة لوجبت له ديتها إذ لم يصالح عليها، ولو قطعت أولا من يده أصبع أو أصبعان فصالح عليهما أو أخذ ديتها ثم تآكلت بعد الصلح فذهب بقية أصابع يده لافترق العمد في ذلك من الخطأ؛ لأنه يجب في الخطأ أن يرد دية الأصبع أو الأصبعين ويكون جميع الدية على العاقلة بعد أن كانت وجبت على الجاني في ماله، ولا يجب في العمد إلا أن يزاد المجروح على ما أخذ بقية دية اليد من مال الجارح، وقد مضى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الديات تحصيل الاختلاف فيمن صالح على قطع يده خطأ أو عمدا ثم نزي فيها فمات فلا معنى لإعادته، ومضى هناك أيضا تحصيل القول فيمن صالح على جرح خطأ أو عمدا عليه وعلى ما يتراقى إليه مما دون النفس أو على ما تراقى إليه وإن تراقى إلى النفس وما يجوز من ذلك مما لا يجوز باتفاق أو على اختلاف. [: تزويج أبيه له أو وليه المولى عليه وإن كان كبيرا] ومن كتاب إن أمكنتني من حلق رأسك قال ابن القاسم في المولى عليه وإن كان كبيرا: إن تزويج أبيه له أو وليه جائز عليه كما يجوز على الصغير ومبارأتهما عليه جائزة ولا يستأمرانه، قلت لابن القاسم وإن زوجه أبوه ولا مال للمولى عليه يوم زوجه أبوه فالصداق في مال أبيه دينا عليه مثل ما يكون عليه في ابنه

الصغير إذا زوجه ولا مال له؟ قال: نعم هو بمنزلة الصغير في حالاته كلها إلا في الحدود والقتل، قال: وحاله كلها حال الصبي، ولا يجوز نكاحه ولا عتقه وإن داينه أحد بشيء لم يعد عليه بشيء وذهب ماله هدرا غير أنه إن كسر جرة أو أحرق بيتا أو أحرق ثوبا أو أفسد شيئا فهو في ماله بمنزلة الصبي إذا كان له مال إلا اتبع به دينا عليه، قال وانظر أبدا كل شيء يلزم العبد مما يكون في رقبته سوى النفس والجراحات فهو في مال الصبي والسفيه إن كان لهما مال وإن لم يكن لهما مال اتبعا به دينا عليهما، قلت فالكبير المولى عليه يسرق هل يقطع؟ قال: نعم يقطع إن سرق ويجوز عليه طلاقه. قال محمد بن رشد: رأى ابن القاسم في هذه الرواية تزويج الأب لابنه البالغ إذا كان في ولايته والوصي ليتيمه البالغ الذي إلى نظره ومخالعتهما عليه بغير أمره جائزة عليه، وهو دليل قوله في النكاح الأول من المدونة إن إنكاحه إياه لا يلزمه إذا كان قد ملك أمره خلاف ماله في كتاب إرخاء الستور من المدونة من أنه لا يجوز إنكاحه إياه ولا مخالعته عليه بغير إذنه، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة، ولابن حبيب فيها من رأيه مثل قول ابن القاسم ههنا إن إنكاحهما إياه ومبارأتهما عليه لازمة له بغير إذنه كالصغير، ولا اختلاف في أن تزويجهما للصغير ومخالعتهما عليه لازمة، وإنما اختلف هل يطلقان عليه بغير مخالعة؟ ولا اختلاف في أن طلاقهما على الكبير لا يجوز وإنما اختلف هل يجوز خلعهما عليه ويدخل هذا الاختلاف في لزوم الصداق له إذا لم يكن له مال، فقوله إنه بمنزلة الصغير في حالاته كلها إلا في الحدود والقتل يريد أنه بمنزلة الصغير فيما يجوز عليه من فعل الأب والوصي على قياس قوله في هذه الرواية إنه لا يكون بمنزلته على القول الآخر. وقوله بعد ذلك وحاله كلها حال الصبي يريد إلا في الطلاق؛ لأن طلاقه لازم له، بخلاف الصبي.

: العبد يقتل الحرعمدا فيسلم إلى وليه فيحييه أيباع عليه

وقوله إنه لا يجوز نكاحه ولا عتقه صحيح إلا أن ذلك يفترق إذا وقع، فيرد عتقه على كل حال، وينظر الوصي في نكاحه، فإن رآه نظرا أجازه، وكذلك بيعه وشراؤه. وأما قوله إنه إن داينه أحد لم يعد عليه بشيء وذهب ماله هدرا فظاهره أن ذلك سواء أنفق ما تداين به في شهواته ولذاته أو في وجود منافعه وما لا بد له منه من مصلحته، إذ لم يفرق بين ذلك، وهو نص قوله في المدنية والمبسوطة خلاف قول ابن كنانة فيهما، وخلاف قول أصبغ في نوازله من كتاب المديان والتفليس، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك مستوفى. وأما قوله إنه يلزمه ما أفسد وكسر في ماله بمنزلة الصبي فهو كما قال، ولا اختلاف فيه إذا كان الصبي في سن من يعقل، وأما إن كان في سن من لا يعقل فهو كالمجنون يدخل فيما أفسد من الأموال وجناه من الجنايات ما يدخل في أفعال المجنون وجناياته، وهذا فيما أفسد مما لم يؤتمن عليه، وأما ما أفسد مما أؤتمن عليه ففي ذلك اختلاف. [: العبد يقتل الحرعمدا فيسلم إلى وليه فيحييه أيباع عليه] ومن كتاب العشور وسئل عن العبد يقتل الحر عمدا فيسلم إلى وليه فيحييه أيباع عليه؟ قال: لا إلا أن يخاف أن يمثل به بعد أن عفا عنه. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قاله لا إشكال فيه والحمد لله. [مسألة: حكم الصبي الذي لا يعقل في جناياته] مسألة قال وكل ما أصاب المجنون المطبق والمخبول والصبي الصغير الذي لا يعقل ابن سنة ونصف ونحوها من فساد أموال الناس فهو هدر ولا شيء عليهم في أموالهم كانت لهم أموال ولا يتبعون به في ذمتهم إن لم يكن لهم أموال مثل أن يأتي المجنون بنار

فيشعلها في بيت أو يهدم بنيانا أو يكسر آنية أو يهرق إداما أو نحو هذا والصبي أيضا مثله فيما أفسد من ذلك مثل أن يأخذ لؤلؤة فيكسرها بحجر أو يأخذ جوهرا فيلقيه في النهر، فجميع ما أصابوه من أموال الناس مثل ما أخبرتك من حرق ثوب أو غيره فهو هدر ولا شيء عليهم، وما أصابوه من قتل أو جرح يبلغ الثلث فصاعدا فهو على عواقلهم، وأما إن كان أدنى من الثلث فهو في أموالهم إن كان لهم أموال، وإلا اتبعوا به دينا مثل الصبي يحبو إلى الرجل النائم فيطعنه أو يقتله أو يفقأ عينه. قلت فالمجنون هل يعقل ما عليه مع عاقلته؟ قال: لا، وهو بمنزلة الصبي لا يعقل معهم، قال: وكل ما أفسد الصبي الذي قد عقل أو الكبير المولى عليه من أموال الناس وأصابوه برميه تعمد ذلك من حرق ثوب أو كسر آنية وهدم بيت أو إهراق زيت أو غير ذلك من الإدام أو ما أفسد من أموال الناس أو ما أصابوه برمية تعمدوا ذلك أو لم يتعمدوا فذلك في أموالهم إن كان لهم مال وإلا اتبعوا به دينا، قال: وما أصاب الكبير المولى عليه به إنسانا من قتل أو جرح عمدا فإنه يقاد منه، وما أصاب به خطأ فهو على عاقلته إلا أن يكون أدنى من الثلث فهو في ماله. وما أصاب به الصغير الذي لم يبلغ الحلم وإن كان يعقل به إنسانا من قتل أو جرح عمدا أو خطأ فهو على العاقلة، ولا يقتص منه إلا أن يكون الذي أصاب من ذلك أدنى من الثلث فيكون في ماله إن كان له مال أو يتبع به دينا إن لم يكن له مال. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن حكم الصبي الذي لا يعقل ابن سنة ونصف ونحوها في جناياته على الأموال أو في الجراح والدماء حكم

: يؤاجر عبده سنة فيعتقه قبل السنة

المجنون سواء، وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال، أحدهما أن جنايتهم على الأموال في أموالهم، وعلى الدماء على عواقلهم إلا أن يكون أقل من الثلث ففي أموالهم، والثاني أن ذلك هدر في الأموال والدماء، والثالث تفرقته في هذه الرواية بين الأموال والدماء حسبما ذكرناه سماع أشهب ولكل قول منها وجه قد مضى بيانه في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة، وأما إذا كان الصبي يعقل فلا اختلاف في أنه ضامن لما جنى عليه من الأموال بالعمد والخطأ وأن عمده فيما جناه في الدماء خطأ يكون عليه من ذلك من ماله ما كان وعلى عاقلته ما بلغ الثلث فأكثر، وأما الكبير المولى عليه فحكمه في جناياته في الأموال وفي الدماء حكم المالك لأمر نفسه الذي ليس في ولاية يضمن ما استهلكه من الأموال ويقتص منه فيما جناه عمدا في الدماء. [: يؤاجر عبده سنة فيعتقه قبل السنة] ومن كتاب إن خرجت وسئل عن رجل يؤاجر عبده سنة فيعتقه قبل السنة، قال: لا يعتقه حتى السنة، قيل له: فكراؤه لمن؟ قال: كراؤه لسيده استثنى مال العبد أو لم يستثنه، قيل له فلو كانت أمة هل كان له أن يطأها؟ قال: لا يطأها، قال أصبغ: لا أرى للسيد من الأجرة إلا ما وجب له قبل العتق كان قد قبضها أو لم يقبضها وسائرها للعبد. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يعتق حتى السنة، هو مثل ما في غير موضع من المدونة، ومثل ما في رسم يوصي لمكاتبه من سماع يحيى من كتاب الخدمة، وظاهر قول ابن القاسم أن الكراء لسيده قبضه أو لم يقبضه

خلاف قول أصبغ، وأما قوله إنه لا يطأها إن كانت أمة فهو بين لا إشكال فيه؛ لأنها معتقة إلى أجل، وقال ابن حبيب الإجارة أملك به وهو حر بتمامها ولا يلحقه دين، وأحكامه أحكام عبد، واختلف في إجارته لمن هي؟ فقال مالك السيد فإن أراد حرا بتمام الإجارة صدق والإجارة له قبضها أو لم يقبضها، وإن قال أردت تعجيل العتق فالإجارة للعبد قبضها أو لم يقبضها وفي المدنية لمالك من رواية داود بن جعفر عنه مثل ما حكى ابن حبيب عنه وزاد أنه يحلف إن أراد حرا بتمام الإجارة، وما حكى ابن حبيب عن مالك من أن السيد يسأل هل أراد تعجيل العتق الآن أو تأخيره إلى انقضاء أجل الإجارة يجب أن يحمل على التفسير لقول ابن القاسم، فإن مات قبل أن يسأل أو سئل- فقال لم تكن لي نية فيتخرج ذلك على قولين، أحدهما أنه محمول على أنه أراد حريته بعد تمام الإجارة ويكون له الإجارة وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية، وظاهر ما حكاه ابن حبيب عن مالك من أنه يصدق إن قال إذا سئل أردت حرا بتمام الإجارة إذ لم يقل يستحلف على ذلك، فالمعنى في قوله أنه رأى له الإجارة إلا أن يقول أردت تعجيل عتقه فيصدق في ذلك على نفسه، والقول الثاني أنه محمول على أنه أراد حريته من الآن فإن ادعى أنه أراد حريته بعد انقضاء أجل الإجارة صدق في ذلك مع يمينه، وهو معنى قول مالك في رواية داود بن جعفر عن مالك، فتحصيل المسألة أن فيها ثلاثة أقوال أحدها أنه يحكم عليه بما ظهر منه من تعجيل حريته ولا يصدق إن قال إنما أردت أنه حر بتمام الإجارة، وهو قول أصبغ، والثاني أنه يصدق مع يمينه أنه قال أردت أنه حر بتمام الإجارة، وهو قول مالك في رواية داود بن جعفر عنه، والثالث أن أمره يحمل على أنه إنما أراد حريته إذا انقضت الإجارة إلا أن يقول أردت تعجيل حريته فيصدق في ذلك على نفسه، وتكون الإجارة للعبد وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية وما حكى ابن حبيب عن مالك، وقال ابن نافع هو حر

وعليه أن يخدم وأما في الحد فحده حد عبد، وقول ابن نافع مثل قول أصبغ إذ لا اختلاف بينهم في أنه لا يعتق حتى تنقضي الإجارة وأن أحكامه كلها أحكام عبد في الحدود وغيرها كالمعتق إلى أجل وبالله التوفيق تم كتاب الجنايات الأول بحمد الله.

: كتاب الجنايات الثاني

[: كتاب الجنايات الثاني] [مسألة: مدبر جرح عبدا فنزي في جرحه فمات العبد وقد عاش المدبر] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن مدبر جرح عبدا فنزي في جرحه فمات العبد وقد عاش المدبر أيقتل به أم تكون عليه قيمة العبد ويسقط القود عنه؟ فقال إذا جرح المدبر العبد عمدا أو كان الجارح عبدا غير مدبر فالأمر فيهما سواء، إن ترامت بالعبد المجروح جراحته فنزى فيها فمات حلف سيد العبد المجروح بالله يمينا واحدة لمات من تلك الجراح واستحق قيمة عبده على سيد العبد الجارح إلا أن يسلمه إليه، فإن كان عبدا أسلم إليه رقبته، وإن كان مدبرا أسلم خدمته يختدمه بالجرح، وإن لم ينظر في أمره حتى يعتق المدبر بموت سيده كان ذلك دينا على المدبر يتبع به، ويسقط عن ورثة سيده ما كان يلزمه من التخيير في ذلك، وذلك أن الدم لا يستحق إلا بالبينة على القتل والقسامة مع اللوث، والعبيد ليست فيهم قسامة، فمن أجل ذلك لم يستقد من المدبر أو العبد الذي جرح عمدا فنزى في جرحه فمات؛ لأن دمه إنما استحق بيمين سيده وحده مع الجراحات التي كانت تثبت بالبينة.

مسألة: الدية كاملة تجب في ذهاب العقل جملة وفي ذهاب الكلام جملة

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه؛ لأن دم العبد ومن فيه بقية كالمدبر والمكاتب والمعتق إلى أجل لا يستحق بالقسامة فلا يقتص له ممن قتله من العبيد إلا بإقرار القاتل بالقتل أو قيام البينة على القتل المجهز ولو قتل العبد حرا لاقتص منه بالقسامة مع قول المقتول أو مع شاهد على القتل أو بشاهدين على الجرح باتفاق، أو مع شاهد واحد على الجرح أو على إقرار القاتل بالقتل على اختلاف، وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الديات. [مسألة: الدية كاملة تجب في ذهاب العقل جملة وفي ذهاب الكلام جملة] مسألة قال يحيى قال ابن القاسم إنما يقدر نقصان الكلام والعقل باجتهاد الناظر على ما يتوهم إذا ما اختبره أياما أهل العدل والتجربة فقالوا إنه ليقع في أنفسنا قد ذهب نصف كلامه أو ثلثه أو ربعه فكان ذلك عندهم بينا بتوهمهم واجتهادهم أعطي على قدر ذلك، فإن شكوا فقالوا هو الربع أو الثلث أعطي على الثلث، وكان الظالم أولى أن يحمل عليه، قال: والعقل كذلك إن قالوا إنه يفيق أكثر نهاره بإفاقته قدر ثلثي نهاره أو ثلاثة أرباعه أو نحو ذلك أعطي على قدر ما رأوه، وإن شكوا احتيط له على الجاني مثل ما وصفت لك في تجربة الكلام، وقد قال بعض الناس على الأحرف في البا والتا وهو أحب ما سمعت إلي. قال محمد بن رشد: الدية كاملة تجب في ذهاب العقل جملة وفي ذهاب الكلام جملة أيضا، فإذا ذهب بعض العقل أو بعض الكلام أعطى من الدية بقدر ما ذهب من كلامه أو من عقله على ما يقدر ذلك أهل المعرفة والبصر بعد التجربة لذلك وبعد يمينه هو على ذلك على ما مضى في رسم العقول من سماع أشهب، وقوله إنهم إن شكوا في ذلك بين الثلث أو الربع

: يؤاجرعبده سنة ثم يعتقه فيجرح العبد رجلا أو تكون أمة فتلد

أعطى الثلث وكان الظالم أولى أن يحمل عليه، فالوجه في ذلك أنهم إذا شكوا في قدر ما نقص من عقله أو كلامه فقد شكوا في قدر ما بقي من عقله أو كلامه، فإذا لم يعلموا هل بقي من عقله أو من كلامه ثلثاه أو ثلاثة أرباعه وجب أن يعمل في ذلك على اليقين ويطرح الشك، والذي يوقن به أنه قد بقي من كلامه ومن عقله ثلثاه فيكون له ثلث الدية وأن يؤخذ من الجاني شيء من الدية بشك أولى من أن يسقط من حق المجني عليه شيء من الدية بشك؛ لأنه إن أخذ من الجاني أكثر من دية ما جنى فبجنايته، وإن أسقط من حق المجني عليه شيء فلغير سبب، إذ ليس بجان ولا متعد، ولو كانت الجناية خطأ فشكوا في مقدار ما نقص من كلامه هل هو الثلث أو الربع لكان الأولى ألا يحكم إلا بالأقل، وقول من قال إنه ينظر فيما نقص من كلام المجني عليه إلى عدد الحروف ليس بصحيح لما قاله في المدونة من أن بعض الحروف أثقل على اللسان من بعض، ولأن بعض الحروف لا حظ للإنسان فيها كالبا والميم. [: يؤاجرعبده سنة ثم يعتقه فيجرح العبد رجلا أو تكون أمة فتلد] ومن كتاب الصبرة قال وسألته عن الرجل يؤاجر عبده سنة ثم يعتقه فيجرح العبد رجلا أو تكون أمة فتلد بعدما عتقت وقبل أن يجنى، قال: أما العبد فإن سيده يخير بين أن يفتديه ولا غرم عليه فيما أخذ من أجرته للسنة ويكون عتيقا بعد السنة وإن كره افتداه خير المستأجر فإن شاء افتداه واختدمه بقية الأجرة، وإن شاء فسخ الإجارة وحاسب سيده بما مضى منها وقبض منه ما بقي عليه ويكون العبد حرا ساعة تنتقض الإجارة، وذلك أن المستأجر لو لم يجن العبد جناية غير أن سيده أعتقه بعدما أجره منه فشاء المستأجر أن يفسخ الإجارة فعل، وعجلت الحرية للعبد وغرم السيد للمستأجر ما بقي من استكمال

أجرته، فإن كان رضي بفسخ الإجارة وقد جنى العبد فهو حر ساعة إذ يفسخ، ويكون عقل ما جنى العبد دينا على العبد يتبع به. قلت: أرأيت إن افتداه سيده أيكون ما غرم عنه من عقل الجناية دينا له على العبد يتبعه به لأنه افتداه وقد أعتقه؟ قال: وأما ولد الأمة الذين ولدوا بعد العتق وقبل الجناية. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر؛ لأن ما قاله في الذي يؤاجر عبده سنة ثم يعتقه فيجرح العبد رجلا من أن المستأجر يخير إذا أبى السيد أن يفتديه بين أن يفتديه بجنايته ويختدمه بقية الأجرة وبين أن تفسخ الإجارة ويحاسب سيده بما مضى منها فيعجل له الحرية ويتبع بما جني دينا ثابتا في ذمته لا يستقيم، ووجه العمل في هذا أن يبدأ بتخيير المستأجر بين أن يفسخ الإجارة وبين أن يتمسك بها، فإن فسخها عجلت له الحرية واتبع في ذمته بالجناية، وإن أبى إلا التمسك بالإجارة كان ذلك له وخير السيد حينئذ بين أن يفتكه بالجناية وتكون له الإجارة، وبين أن يسلم الإجارة للمجني عليه لم يكن له إلا أن يأخذها من جنايته، فإذا انقضت عتق العبد واتبعه بما بقي من جنايته في ذمته، إذ ليس له أن يفسخ الإجارة لتقدمها على الجناية. وقوله في الرواية إن المستأجر يخير فإن شاء افتداه واختدمه بقية الإجارة، وإن شاء فسخ الإجارة يدل على أنه رأى أن من حق المجني عليه إذا أبى السيد أن يفتكه بالجناية أن يفسخ الإجارة فيؤاجر له من غيره، إذ قد يجد من يؤاجره بأكثر من ذلك، فيكون من حق المستأجر حينئذ أن يفتكه بالجناية ليبقى العبد في إجارته. ولما سأله في الرواية هل للسيد إذا افتداه بالجناية أن يتبع العبد ذلك في ذمته سكت له عن الجواب في ذلك، والجواب في ذلك أنه ليس له أن يتبعه بذلك لأنه إنما فداه ليستحق بذلك الإجارة إذ ليس يلزمه أكثر من أن يسلمها،

مسألة: يجني مدبره جناية فيسلمه إلى المجروح فيختدمه بعقل جنايته

ولم يجب أيضا ما يكون حكم ولد الأمة الذين ولدوا بعد العتق وقبل الجناية؟ هل يدخلون في الجناية أم لا؟ ولا إشكال في أنهم لا يدخلون في الجناية؛ لأنهم ولدوا قبلها، ولو ولدوا بعدها لما دخلوا في الجناية على المشهور في المذهب، فكيف إذا ولدوا قبلها، وإنما الكلام هل تعجل حريتهم أو لا يعتقون إلا بعتق أمهم إذا انقضت الإجارة، والذي يوجبه النظر أن تعجل حريتهم لأن الأم إنما منع من تعجيل حريتها ما سبق من الإجارة فيها، والولد لا إجارة فيهم، فوجب أن تعجل حريتهم. [مسألة: يجني مدبره جناية فيسلمه إلى المجروح فيختدمه بعقل جنايته] مسألة وقال في الرجل يجني مدبره جناية فيسلمه إلى المجروح فيختدمه بعقل جنايته ثم يبدو للسيد بعد إسلامه إياه أن يفتديه بعقل الجناية أو بما بقي على المدبر من عقل الجناية بعدما خدم المجروح زمانا إن سيده أحق بمدبره متى ما بدا له في افتدائه فإنه يغرم ما بقي على المدبر من عقل الجناية ويكون أحق به، ولا يضره إسلامه إياه أولا، وليس حاله في إسلام المدبر كحال السيد إذا أسلم رقبة عبده الجاني؛ لأن سيد المدبر إنما أسلم خدمته ولم يكن له أن يسلم رقبته ولا يسترق بإسلامه إياه ولا ينتقض بذلك تدبيره، وإنما للمجروح استخدامه بالجراح، فهو إنما يقتضي عقل جرحه مفترقا شيئا بعد شيء، فإذا جمع له ذلك سيد المدبر متى بدا له فلا حجة للمجروح إن أراد التمسك باستخدام المدبر، فلذلك كان سيده أحق به، وأما العبد الذي ليس بمدبر فإذا أسلمه سيده رق للمجروح، وإنما يسلم سيده رقبته، وليس يسلم خدمته، فلذلك كان المجروح الذي أسلم إليه العبد أحق برقبته إذا أسلمه إليه سيده، ولا يجوز للسيد بعد إسلامه أن يقول أنا أفتديه وأكون أحق به.

: تجني أم ولده ثم يتبين أنها أخته من الرضاعة

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه؛ لأن المجني عليه إذا أسلمت إليه خدمة المدبر لا يستحقها بجنايته، وإنما له أن يستوفى منها جنايته، ألا ترى أنه إن استوفى جنايته من خدمته قبل موت سيده رجع المدبر إلى خدمة سيده، ولو أسلم المجني عليه خدمة المدبر حياة سيده في جنايته على ألا يكون له سواها طالت حياة سيده أو قصرت لكان ذلك من الغدر الذي لا يحل ولا يجوز. [: تجني أم ولده ثم يتبين أنها أخته من الرضاعة] ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع للتجارة وسئل عن رجل تجني أم ولده ثم يتبين أنها أخته من الرضاعة قبل أن يقام عليها بعقل جنايتها وقبل أن يعتقها عليه الإمام على من يكون عقل ما جنت؟ فقال: على سيدها أن يخرج قيمتها، ولا يتبع الأمة بشيء من ذلك؛ لأنه قد وجب عليه افتداؤها، وإنما عتقت عليه للحرمة التي ثبتت لها، فلما تبين أن وطأها لا يحل له ولم يكن بقي له فيها إلا الاستمتاع بها عتقت عليه، ولو أن قائلا قال لا يعتق لكان غير تارك لسنة مضت، فعتقها ليس بالقوي الماضي المجتمع عليه، فلذلك وجب عليه غرم قيمتها، قال سحنون الجناية عليها دينا تتبع به مثل أم ولد النصراني سواء، قال لابن القاسم: فأم ولد النصراني تسلم ثم تجني جناية قبل أن تعتق عليه؟ قال: عقل جنايتها عليها دينا تتبع به؛ لأنه لا ينبغي أن تعتق على سيدها لإسلامها ويغرم عنها عقل جنايتها؛ لأن عتقها لازم ثابت عليه لا

ينبغي لها أن ترق له على حال، فلذلك لا تتبع بشيء من جنايتها. وسئل أصبغ عن أم ولد النصراني تسلم ثم تجرح رجلا قبل أن يحكم السلطان بعتقها، قال: جنايتها دين على سيدها تؤخذ من ماله إن كان له مال وإلا اتبع به دينا ويعتقها عليه السلطان بإسلامها إلا أن يسلم فيكون أولى بها تكون أم ولد على حالها. قلت ولم جعلت جنايتها دينا على سيدها وأنت تعتقها عليه وتخرجها من يديه؟ قال: من قبل أنها لو ماتت بعد إسلامها وقبل أن يحكم بعتقها لورثها؛ لأنها لن تخرج من رقه بعد، ولو أنه أسلم قبل أن يحكم بعتقها لكان أولى بها، وتكون أم ولده على حالها، ولو قتلت أيضا على تلك الحال كانت قيمتها قيمة أمة لسيدها، فلهذا جعلت الجناية عليه، ولأنه أيضا لا يقدر على إسلامها إلى المجروح لأنها أم ولده ويفتكها كما يفعل بالمسلمة. قال محمد بن رشد: تفرقه ابن القاسم في هذه الرواية بين جناية أم ولد المسلم قبل أن تعتق عليه بما ظهر من أنها أخته من الرضاعة وبين جناية أم ولد النصراني بعد إسلامها قبل أن تعتق عليه أن أم ولد المسلم يلزم سيدها افتكاكها ولا يصح له إسلامها في الجناية بحال تقدمت جنايتها للمعنى الموجب لعتاقتها من ثبوت كونها أخته من الرضاعة وتأخرت عن ذلك فوجب ألا تنتقل الجناية عنه بما وجب من وجوب عتقها عليه، وأم ولد النصراني لوجب قبل وجوب العتق بإسلامها لم يكن عليه أن يفتديها وكان له أن يسلمها لجنايتها وإن أسلمت،

مسألة: تصاب بعض أذنه فيذهب من ذلك بعض سمعه

وتكون رقيقا للمجني عليه، قال ذلك أبو زيد في الثمانية إن إسلامها بعد الجناية ليس بالذي يمنعه من إسلامها، وقد قيل إنه إنما له أن يسلمها بجنايتها ما لم تسلم بعد الجناية، فإن أسلمت بعد الجناية عتقت، وكانت الجناية دينا عليها كما لو جنت بعد إسلامها، فوجب إذا جنت بعد إسلامها أن تعتق لإسلامها وتكون الجناية دينا عليها، فهذا وجه تفرقة ابن القاسم بين المسألتين وساوى سحنون بين المسألتين في أن الجناية تكون عليها إذا أعتقت لا على السيد، هذا قوله في هذه الرواية إن الجناية عليها دينا تتبع به مثل أم ولد النصراني سواء، يريد إن أسلمت، وله في كتاب ابنه أنها تتبع بالأقل من قيمتها أو الجناية، وساوى أصبغ بين المسألتين في أن الجناية تكون عليه لا عليها؛ لأنه إذا قال ذلك في أم ولد النصراني تجني بعد أن أسلمت فأحرى أن يقوله في أم ولد المسلم إذا جنت ثم ثبت أنها أخته من الرضاعة، فوجب أن تعتق عليه فإذا جنت أم ولد النصراني ثم أسلمت فقيل إن سيدها يخير بين أن يسلمها فتكون رقيقا للمجني عليه أو يفتكها فتعتق عليه، وهو قول لأبي زيد في الثمانية، وقيل إنها تعتق عليه وتكون الجناية [دينا عليه لا عليها على القاسم تعتق بها عليه لا عليها] وهو قول أصبغ وبالله التوفيق. [مسألة: تصاب بعض أذنه فيذهب من ذلك بعض سمعه] مسألة وسئل عن رجل تصاب بعض أذنه فيذهب من ذلك بعض سمعه، فقال: يكون له من عقل السمع بقدر ما نقص سمعه، ومن عقل الذي أصيب من الأذن الاجتهاد، قيل له فإن ذهب السمع واصطلمت الأذن؟ قال: تكون في السمع الدية كاملة ولا شيء في اصطلام الأذن، قيل له: فلم جعلت فيما نقص من الأذن اجتهاد مع

غرم العقل على قدر ما نقص من السمع، وإذا ذهب السمع كله سقط عقل اصطلام الأذن كله؟ قال ": أرأيت إن ذهب نصف السمع وجميع الأذن أيسقط عقلها وعقل السمع لم يتم؟ قلت: كأنك إنما رأيت له الاجتهاد فيما جاوز من الأذن قدر ما نقص من السمع إن كان أصيب جميع الأذن وذهب نصف السمع عقلت له بالاجتهاد نصف الأذن وأسقطت النصف الذي أخذ من نصف السمع وإن كان ذهب ثلثا الأذن عقلت له سدس الأذن، فعلى هذا الحساب يعقل له ما أصيب من الأذن فوق ما يعطي من عقل ما نقص السمع، قلت له إن في ذهاب نصف السمع نصف الدية كاملة وهو لو أصيب جميع السمع واصطلمت أذناه لم يكن لهما عقل، وإنما يعطى عقل السمع أفلا يسقط الاجتهاد من الأذن إذا ذهب نصف السمع وإن أصيبت كلها ويجعل جميع الأذن بما أخذ من نصف العقل ولا يجعل فيه الاجتهاد حتى يكون الذي نقص السمع أقل من النصف فينظر حينئذ فيما أصيب من الأذن وما ذهب من السمع فيجتهد فيما أصيب من الأذن فوق قدر ما نقص من السمع. قال محمد بن رشد: الدية إنما هي في السمع لا في الأذنين، فإن قطعت أذنا الرجل ولم يذهب شيء من سمعه فليس في الأذنين إلا حكومة، وإن ضرب فذهب سمعه ولم تذهب أذناه فله في ذهاب سمعه الدية كاملة، وإن قطعت أذناه وذهب سمعه فله في ذهاب سمعه الدية كاملة، ولا شيء له في قطع أذنيه لأنهما تبع للسمع، وكذلك إن قطعت أنصاف أذنيه وذهب من ذلك نصف سمعه فليس له إلا نصف الدية لما ذهب من نصف سمعه، فإن قطع من أذنيه أكثر مما ذهب من سمعه فله فيما زاد على ما ذهب من سمعه حكومة، مثال ذلك أن تقطع أنصاف أذنيه ويذهب ربع سمعه فله ربع الدية لذهاب ربع سمعه، وله حكومة في نصف ما قطع من أذنيه وهو ربعها لأن

: يقطع أذن الرجل فيردها وقد كانت اصطلمت فتثبت

النصف الآخر وهو الربع دخل في دية ربع السمع الذي أخذه، فمتى قطع من الأذنين مثل ما ذهب من السمع فأقل لم يكن فيما قطع منهما شيء لدخولهما في دية ربع السمع، ومتى قطع منهما أكثر مما ذهب من السمع كان له في الزائد على ما ذهب من السمع حكومة، هذا الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، وإلى هذا يرجع ما في هذه الرواية، ولا يلتفت إلى ما يظهر في ألفاظها من الاضطراب؛ لأنه إنما وقع على غير تحصيل وبالله التوفيق. [: يقطع أذن الرجل فيردها وقد كانت اصطلمت فتثبت] ومن كتاب الزكاة قال وسئل عن الرجل يقطع أذن الرجل فيردها وقد كانت اصطلمت فتثبت أيكون له عقلها تاما؟ فقال إذا ثبتت وعادت لهيئتها فلا عقل فيها، فإن كان في ثبوتها ضعف فله بحساب ما يرى من نقص قوتها. قيل له فالسن تطرح ثم يردها صاحبها فتثبت فقال يغرم عقلها تاما، قيل له فما فرق بين هاذين عندك؟ قال لأن الأذن إنما هي بضعة إذا قطعت ثم ردت استمسكت وعادت لهيئتها وجرى الدم والروح فيها، وإن السن إذا بانت من موضعها ثم ردت لم يجر فيها دمها كما كان أبدا ولا ترجع فيها قوتها أبدا، وإنما ردها عندي بمنزلة شيء يوضع مكان التي طرحت للجمال، وأما المنفعة فلا تعود إلى هيئتها أبدا. قال محمد بن رشد: قد قيل أنه لا يقضي له فيهما بشيء إذا عادا لهيئتهما وهو قول أشهب، وقيل إنه يقضي له فيهما جميعا بالدية وإن عادا لهيئتهما وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة، ولا اختلاف بينهم في أنه

: يعدو عليه آخر فيقطع يده المقطوعة بعض أصابعها

يقتص من كل واحد منهما في العمد، وهو نص قول ابن القاسم في المدونة وقول أصبغ، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في سماع أصبغ من كتاب الديات. [: يعدو عليه آخر فيقطع يده المقطوعة بعض أصابعها] ومن كتاب المكاتب وسئل عن الذي يعدو على الرجل فيقطع بعض أصابعه عمدا أو خطأ فيستقيد أو يأخذ العقل ثم يعدو عليه آخر فيقطع يده المقطوعة بعض أصابعها، فقال إن كان الأول إنما أصاب من اليد أصبعا واحدة فإن المقطوعة يده يستقيد من قاطعها ولا يغرم له شيئا من أجل ما كان نقص من أصابعه، ولا يمنع القود لذلك، وإن كانت يده ناقصة أصبعين فما فوق ذلك لم يكن له أن يستقيد من قاطع يده؛ لأن يده بينة النقصان، فليس له أن يقطع يد القاطع التي لا نقصان فيها. قلت له: أرأيت إن كان المتعدى عليه إنما أصيب أصبعه خطأ أو عمدا فاستقاد أو أعطي العقل ثم قطعت يده خطأ أيأخذ عقل يده صحيحة أم عقل ما بقي من أصابعه وقد قطعت من الكوع أو من المرفق فكيف إن كان الجاني هو الناقص أصبع من أصابعه أو أكثر من ذلك والمجني عليه صحيح اليد أو يكون الجاني أشد اليد وقد أخذ ممن فعل ذلك به عقلها؟ قال: وأما الذي تصاب يده وهي ناقصة أصبع وقد استقاد ممن كان قطع أصبعه أو أخذ عقلها فليس له على من قطع يده خطأ بعد قطع الأصبع إلا عقل ما بقي من اليد، وذلك عقل أربع أصابع وإن كانت ناقصة أصبعين أو أكثر فليس على قاطع يده بعد نقص أصابعه إلا عقل ما بقي فيها من الأصابع إلا أن

مسألة: الفصاص من الجاني الأشل

يقطعها وقد أصيبت أصابعه كلها فلا يكون على قاطعها إذ ليس فيها شيء من أصابعها إلا حكومة يجتهد فيها الإمام، قال: وسواء قطعها بعد أن ذهب بعض أصابعها من الكوع أو من المرفق أو المنكب ليس فيها إلا عقل ما بقي من أصابعها، قال وإن كان الجاني هو الناقص بعض أصابعه فإن كان ناقص أصبع واحدة فقط فليس للمقطوع يده إلا القود وليس على الجاني أن يستقاد منه ويغرم عقل أصبعه الناقصة، قال: وإن نقصت أصابعه أكثر من أصبع خير المقطوع يده فإن شاء استقاد وليس له مع القود غرم شيء من الأشياء، وإن شاء ترك القود لنقصان يد قاطعه وأخذ العقل كاملا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها وبيان ما يتفق عليه من وجوهها مما يختلف فيه منها في رسم أوصى من سماع عيسى قبل هذا ولا وجه لإعادته. [مسألة: الفصاص من الجاني الأشل] مسألة قلت: فإن كان الجاني أشل؟ قال: يخير المجني عليه فإن شاء اقتص وقطع الشلا التي فيها حقه، وإن شاء تركها وأخذ العقل، قد قال ابن القاسم في كتاب الديات من كتاب أمر في الجاني إذا كانت يده شلاء ليس للمقطوعة يده إلا العقل، وليس له إلى قطع اليد الشلا سبيل. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام فيها في رسم الجبائر والعقول من سماع أشهب فلا وجه لإعادته. [مسألة: في يده أصبغ زائدة كم عقلها] مسألة قلت أرأيت الذي في يده أصبغ زائدة أو في رجله كم عقلها؟

قال: إن كانت قوتها تشبه قوة سائر الأصابع فعقلها تام، قلت: ما تمامها؟ أعقل سدس اليد أم يكون عقلها عشر من الإبل؟ قال: بل يكون عشر من الإبل، قلت: إذا يكون عقل الأصابع ستين من الإبل، قال: وإن قلت فإن قطعت يده أيكون عقلها ستين من الإبل كما كان يأخذ في أصابعها كلها أم لا يزاد على خمسين؟ قال: يكون عقلها ستين من الإبل مثل عقل جميع أصابعه الستة، قلت فإن كانت ضعيفة ليست على مثل قوة الأصابع لم يكن فيها إلا حكومة؟ قال: نعم، ومن سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب استأذن سيده، قال عيسى: قلت لابن القاسم فإن قطع ما بقي من الأصابع بعد أن أخذ لها حكومة هل يقاص بما أخذ في الحكومة في دية اليد؟ قال: لا يقاص بالحكومة في دية اليد وعلى من قطع تلك اليد بعد الأصبع الدية كاملة، قلت: فإن قطعت اليد كلها وتلك الإصبع الزائدة فيها هل يكون فيها خمسمائة وحكومة الأصبع؟ قال: لا ليس فيها إلا خمسمائة وليس فيها حكومة، قال عيسى: قلت له فهل فيها قود إذا قطعت عمدا وهي في القوة والمنفعة كغيرها، قال: لا أرى فيها قودا لأنه ليس لها نظير، والعمد والخطأ فيها سواء، قال ابن القاسم وقد بلغني جميع ما فسرت لك في هذه المسألة عن مالك إلا في القود. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إن في الأصبع الزائدة عقلها تاما إذا كانت في القوة كسائر الأصابع لأنه ليس ينتفع بها كلها انتفاعا واحدا وإن قطعت نقصت منفعة يده، ولا قصاص فيها إذ لا نظير لها، وأما إن لم تكن منفعتها كمنفعة سائر الأصابع فإنما فيها حكومة إذا أصيبت

مسألة: يكون خلقة يده من أربع أصابع كم عقل أصبعه إذا قطعت

مفردة، فإن قطعت يده بالإصبع الزائدة التي إنما فيها حكومة فليس له إلا عقل يده دون حكومة للأصبع الزائدة. وصفة الحكومة في الإصبع الزائدة التي إنما فيها حكومة أن ينظركم ينقص ذهاب الأصبع من قيمته لو كان عبدا فيؤخذ ذلك القدر من ديته، فإن لم ينقص ذلك من قيمته شيئا أو لعله يزيد فيه لكونه بعد اليد فإن كان ذلك، لم يكن فيه شيء إلا الأعب في العمد، ولا يدخل في ذلك من الاختلاف ما في العبد يخصى فتزيد قيمته لمخالفته في المعنى، وقد مضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم ما فيه بيان ذلك. وقوله في الأصبع السادسة إذا كانت قوتها مثل قوة سائر الأصابع إن العمد فيها والخطأ سواء معناه في ارتفاع القصاص فيه خاصة دية العمد مربعة ودية الخطأ مخمسة، وقد تقطع الأصبع الزائدة مع غيرها مما يبلغ ثلث الدية فيكون العقل في ذلك في الخطأ على العاقلة وبالله التوفيق. [مسألة: يكون خلقة يده من أربع أصابع كم عقل أصبعه إذا قطعت] مسألة قال يحيى: قلت لابن القاسم فالرجل يكون خلقة يده من أربع أصابع كم عقل أصبعه إذا قطعت؟ قال: عشر من الإبل، قلت له: إذا لا يكون في جميع أصابعه إلا أربعون من الإبل؟ قال وإن قلت فعقل يده أيكون قدر ما كان في أصابعه أم يتم عقلها، قال: لا يكون له إلا عقل ما كان يكون في أصابعه الأربع، وذلك أربعون من الإبل، قال: ولو لم يكن له إلا ثلاث أصابع أو أصبعان ثم قطعت يده ما كان عقلها إلا على قدر ما كان يكون في أصابعه الأربع، وذلك أربعون من الإبل إن كن ثلاثا فعقل يده ثلاثون من

مسألة: أنملة الأصبع التي ليس فيها إلا أنملتان

الإبل، وإن كانت أصبعين فعقل يده عشرون من الإبل، قلت أرأيت الذي يكون خلقته بنقصان الأصابع إذا قطع يد رجل أو قطعت يده عمدا كيف يستقيد أو يستقاد منه؟ قال على نحو ما فسرت لك في الذي نقص أصابعه من جناية، إن كان ناقص أصبع استقاد ممن قطعه ولم يكن لمن قطع يده إلا القود أيضا، وإن كان النقص أكثر من أصبع كان له على قاطعه العقل ولم يستقد، ولا يقطع له يد تامة بيده الناقصة، وإن قطع هو غيره خير المقطوعة يده فإن شاء استقاد وإن شاء أخذ العقل. قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قاله إذ لا فرق في نقصان الأصبع فما زاد على ذلك بين أن يكون نقصانه خلقة أو جناية فيما يجب له أو عليه من القصاص في العمد أو الدية في الخطأ، وقد مضت المسألة فوق هذا في هذا الرسم ومضت أيضا والتكلم عليها في رسم أوصى من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [مسألة: أنملة الأصبع التي ليس فيها إلا أنملتان] مسألة قلت كم في أنملة الأصبع التي ليس فيها إلا أنملتان؟ قال: قال مالك: فيها نصف عقل أصبع. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وفي الأنملة الثالثة التي في الكف حكومة، وقد قيل إن في كل أنملة من أنامل الإبهام الثالث ثلث عقل الإصبع وبالله التوفيق. [مسألة: يفسد الثوب فسادا يجب عليه ضمانه] مسألة قال يحيى: وسألته عن الرجل يكسر بقرة الرجل أو شاته فيخاف صاحب البقرة أو الشاة عليها الموت فيذبحها ماذا يجب على

كاسرها؟ قال: إن كان كسرها كسرا معطبا يجب من مثله على الكاسر غرم جميع القيمة فأراد ذبحه إياها رضا بحبسها ولا أرى على الذي كسرها غرما قليلا ولا كثيرا، وذلك أن صاحبها كان مخيرا إذا أعطبها الذي كسرها بين أن يأخذ جميع قيمتها ويبرأ منه إليها وبين أن يحبسها ولا يأخذ قدر ما نقص الكسر من ثمنها، فلما كان مخيرا بعد كسرها في حبسها بلا شيء يأخذه معها، أو تركها وأخذ جميع قيمتها فتعدى فذبحها بعد وجوب قيمتها له على كاسرها كان ذلك منه رضا بحبسها فلا أرى عليه شيئا غير شاته، قال: وإن كان الذي أصابها به غير عيب معطب لها فإنما له على الذي أصابها قدر ما نقص العيب من ثمنها فذلك واجب له على الذي تعدى عليها ذبحها سيدها أو تركها، وذلك أنه لم يكن مخيرا بين إسلام قيمتها وأخذها وبين حبسها بلا شيء يأخذه وإنما وجب له ما نقص من ثمنها على كل حال، فذبحه إياها لا يسقط عنه حقه الذي كان وجب له على الذي كان أصاب بالعيب. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة على خلاف المشهور من مذهبه في الذي يفسد الثوب فسادا يجب عليه ضمانه أنه مخير بين أن يضمنه قيمته ويسلمه إليه، وبين أن يمسك ثوبه ويأخذ منه ما نقصه؛ لأن الذي يأتي على قياس قوله هذا في هذه المسألة أن يكون له أن يأخذ منه ما نقصها وإن ذبحها بعد أن كسرها الجاني كسرا معطبا، وإنما يأتي جوابه في هذه المسألة على مذهب أشهب، وما روي عن ابن القاسم من أنه إذا كان الفساد كثيرا فليس له أن يضمنه ما نقص، وإنما له أن يضمنه قيمته أو يمسكه ولا شيء له، وهذا القول قائم لابن القاسم من كتاب الحدود في الحذف، وفي المسألة قول ثالث أنه لا خيار له في التضمين وإن كان الفساد كثيرا، وإنما له ما نقص كان الفساد قليلا أو كثيرا، وهو قول مالك في رسم باع غلاما

: عبد مأذون له في التجارة اشترى جارية مع رجل ثم وطئها العبد فأولدها

من سماع ابن القاسم من كتاب العارية ويقوم من قوله في المدونة: وقد كان مالك يقول يغرم ما نقص ولا يفرق بين قليل ولا كثير. [: عبد مأذون له في التجارة اشترى جارية مع رجل ثم وطئها العبد فأولدها] من سماع سحنون من ابن القاسم ونوازل سئل عنها قال سحنون: سئل ابن القاسم عن عبد مأذون له في التجارة اشترى جارية مع رجل ثم وطئها العبد فأولدها، قال: يقال للسيد إما أن تفتك عبدك بنصف قيمة الجارية وإما أن تسلمه وماله لصاحب الجارية. قال محمد بن رشد: رواية سحنون هذه عن ابن القاسم في أن إيلاد العبد الجارية التي بينه وبين شريكه جناية منه على شريكه في نصفه منها، يخير سيده بين أن يفتكه بنصف قيمة الجارية وبين أن يسلمه وماله لصاحب الجارية خلاف قوله من رأيه في أول نوازله من كتاب الاستبراء أنها ليست بجناية لأنه كان مأذونا له في ذلك أي لما كان مأذونا له في وطء ما ملكت يمينه وكان له شرط في الجارية التي وطىء يقدر بهذه الشبهة ودرأ عنه الحد بها فخرجت من أن تكون جناية، فقال إن الجارية تباع فيما لزمه من نصف قيمتها يوم وطئها، ولا يباع الولد معها إذ ليس بملك له، فإن لم يكن في قيمتها وفاء بما لزمه من نصف قيمتها اتبع بالباقي دينا ثابتا في ذمته ولا يكون في رقبته من ذلك شيء، وهذا أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم هل الشركة شبهة لأحد الشريكين في حظ شريكه حسبما مضى بيانه في سماع سحنون من كتاب المزارعة وبالله التوفيق. [مسألة: يزعم العبد أنه دفعه إلى سيده أو تلف] مسألة وسألت أشهب عن العبد يأتي الرجل فيقول له سيدي أرسلني إليك في كذا وكذا فيعطاه، ثم يزعم العبد أنه دفعه إلى سيده أو تلف

وينكر ذلك السيد، قال: أراه فاجرا خلابا وأرى ذلك في رقبته كالجناية، ولو كان حرا كان دينا عليه، وفي سماع عيسى من كتاب البراءة أنه لا ضمان عليه، وسألت عنها ابن القاسم فقال لي: إنما هو على أحد وجهين، إذا أقر السيد غرم، وإن لم يقر كان في رقبته لأنه خدع القوم، ولقد سئل مالك عن رجل استأجر عبدا من سيده على أن يبعثه ببعير إلى منهل من المناهل، فذبح العبد البعير بعدما سار به، وزعم أنه خاف على البعير الموت، قال مالك: ومن يعلم ذلك؟ أراه في رقبة العبد، فهذا بمنزلته. قال محمد بن رشد: وجه رواية سحنون هذه عن أشهب وابن القاسم أن ذلك يكون في رقبة العبد إن أنكر سيده أن يكون بعثه معناه بعد يمينه على ذلك باتفاق إن حقق عليه باعث المال الدعوى بذلك، وعلى اختلاف إن لم يحقق عليه الدعوى بذلك، هو ما قاله في الرواية من أنه خلبه وغره، وفي ذلك اختلاف قد قيل إنه لا يكون إلا في ذمته لأنه دفع إليه باختياره ولو شاء لم يفعل، وقيل إن ذلك يكون في ذمته ولا يكون في رقبته إلا أن بالعدا خلاف ما ذكره من رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب البراءة أنه لا ضمان عليه. وقد سقط في بعض الكتب قوله إنه لا ضمان عليه، والصحيح ثبوته فبذلك تستقيم المسألة، وكذلك وقعت الرواية في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب العارية، ووجه رواية عيسى هذه أنه صدق العبد فيما ادعى من أن سيده بعثه مع يمينه فإذا حلف على ذلك كان بمنزلة إذا كانت له بينة على أن سيده بعثه، واستدل ابن القاسم في رواية سحنون عنه على أن ذلك يكون في رقبة العبد بقول مالك في الذي استأجر عبدا من سيده على أن يبعثه ببعير إلى منهل من المناهل فذبح العبد البعير، ووجه التنظير بينهما

مسألة: سيد العبد إذا جنى عبده ثم سباه العدو فصار في سهمان رجل

استواؤهما في أن صاحب البعير دفع البعير إلى العبد المستأجر باختياره، كما دفع صاحب المال إلى العبد باختيار، ولم يصدق العبد في مسألة مالك فيما زعم أنه خشي على البعير الموت كما لم يصدق العبد في مسألة ابن القاسم فيما زعم من أن سيده أرسله وقد مضى التكلم على هذا كله في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب العارية وفي سماع سحنون منه، وفي رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب البضائع والوكالات. [مسألة: سيد العبد إذا جنى عبده ثم سباه العدو فصار في سهمان رجل] مسألة قيل لسحنون أرأيت العبد يجني الجناية ويركبه الدين من تجارة وقد كان أذن له فيها سيده فيأسره أهل الحرب ثم يغنمه المسلمون فيصير في سهمان رجل من المسلمين ثم أتى سيده يريد افتكاكه كيف يفتكه؟ فقال لي: يفتكه بالأكثر من أرش الجناية أو مما صار لهذا الرجل في سهمانه، فإن كان الذي صار له في السهمان عشرة دنانير، وأرش الجناية عشرون أفتكه بالأكثر وهو أرش الجناية فيأخذ صاحب السهمان عشرة دنانير، ويأخذ صاحب الجناية عشرة دنانير، وإن كانت الجناية عشرة والذي صار له في السهمان عشرون أفتكه السيد بالأكثر، وذلك عشرون فيأخذها صاحب السهمان، وليس لصاحب الجناية شيء، وكذلك لو أن أم ولده سباها العدو ثم غنمها المسلمون فصارت في سهمان رجل بمائتي دينار ثم سباها العدو ثانية فغنهما المسلمون فصارت في سهمان رجل بمائة دينار ثم سباها العدو ثالثة فغنمها المسلمون فصارت في سهمان رجل بخمسين دينارا ثم يأتي السيد الأول وكل من صارت في سهمانه وهي في يد الذي صارت في سهمانه بخمسين دينارا أن السيد الأعلى أولى بالخيار يأخذها بالأكثر مما صارت به في المقاسم، وهي مائتا

دينار، فيعطى الذي هي في يديه خمسين دينارا لأنه أولى بها من غيره، ولأنه أحدثهم ملكا، ثم يعطى الذي يليه مائة دينار ثم يعطى الثالث ما بقي الذي كانت في يديه بمائتي دينار وإن كان أولى من صارت في سهمانه بخمسين دينارا، والثاني بمائة دينار، والثالث بمائتي دينار فإن السيد الأول أولى بالخيار يفتكها بأكثر الأثمان وهي مائتا دينار، فيأخذها من الذي هي في يديه ويسقط حق صاحب المائة والخمسين، وكذلك لو كان في موضع أم الولد عبد فاسلك به مسلك ما وصفت لك حرفا بحرف تصب إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قول سحنون إن سيد العبد إذا جنى عبده ثم سباه العدو فصار في سهمان رجل إن سيده يأخذه من الذي صار في سهمانه بالأكثر من أرش الجناية أو مما صار به لهذا الرجل في سهمانه خلاف مذهب ابن القاسم على ما حكاه عبد الحق عن بعض شيوخه القرويين من أنه إنما يفتكه على أصل ابن القاسم ومذهبه إن أحب افتكاكه بالثمن الذي المشتري وبالجناية جميعا؛ لأنه إذا أفتكه بالأكثر وكان في العبد فضل كثير كيف يستبد بالفضل؟ ومثل هذا في كتاب ابن المواز أن ربه لا يأخذه حتى يدفع الثمن والجناية، فإن أسلمه فاختلف هل يبدأ صاحب الجناية على المشتري فيدفع إليه الثمن ويأخذ العبد، أو يبدأ المشتري فيدفع الجناية إن شاء ويتمسك بالعبد، وكذلك مذهب ابن المواز في الذي سباه العدو ثالثة أن سيده الأول أحق به بالثمانين جميعا إن أراد أخذه خلاف قول سحنون هذا أنه يأخذه بأكثر الثمنين وخلاف ما في سماع سحنون من كتاب الجهاد أن سيده الثاني أحق به من السيد الأول، وأنه يأخذه بما وقع به في القسم الثاني، وقد مضى هذا في سماع سحنون من كتاب الجهاد.

مسألة: عدا عليه رجل فجرحه جرحا فعفا المجروح عن نصف جرحه

[مسألة: عدا عليه رجل فجرحه جرحا فعفا المجروح عن نصف جرحه] مسألة قيل لسحنون ما تقول في رجل عدا عليه رجل فجرحه جرحا يمكن فيه القصاص أو لا يمكن، فعفا المجروح عن نصف جرحه هل ترى النصف الباقي يرجع إلى دية أم لا؟ قال: كل جرح لا يمكن فيه القصاص ولا يحكم على الجارح بالقصاص لما يخاف منه فحكمه حكم الخطأ، فإن عفا عن نصفه فله النصف الباقي، وإن أمكن فيه القصاص ويمكن إذا سقط النصف أن يقتص من نصفه اقتص وإن كان لا يمكن إذا سقط نصفه أن يقتص من النصف الثاني فالجارح بالخيار إن شاء أجاز ذلك له فعليه نصف عقل الجرح وإن قال لا أجيز لك عفوا قيل له إما أن تقتص وإما أن تعفو. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة على قياس القول بأنه ليس لولي المقتول أن يجبر القاتل على غرم الدية فيدخل في هذه المسألة الاختلاف بالمعنى من مسألة الأعور يفقأ عين الصحيح حسبما مضى بيانه في رسم القطعان من سماع عيسى وبالله التوفيق. [مسألة: أمر رجلا بقتل عبده فقتله] مسألة قيل لسحنون إن أصبغ يقول من أمر رجلا بقتل عبده فقتله إن على القاتل قيمته، فقال: ليس هذا القول بشيء لا قيمة على القاتل؛ لأن صاحب العبد هو الذي عرض عبده للتلف فهو بمنزلة مال له عرضه للتلف، والعبد مال من الأموال فليس على من أتلفها بأمر أربابها شيء، ويضرب قاتل العبد مائة ويسجن سنة، ويؤدب السيد الآمر أدبا موجعا. قال محمد بن رشد: لأصبغ في الواضحة مثل قوله ها هنا إلا أنه

مسألة: جرحا عبدا لرجل جرحه أحدهما موضحة والآخر منقلة

قال إنما أغرمته القيمة لجرمه، وقال يضرب القاتل والسيد مائة مائة سوط ويسجنان عاما، وقول أصبغ في الواضحة إنما أغرمته القيمة لجرمه ليس بجيد؛ لأن إغرامه القيمة لجرمه على قوله إنما هو من باب العقوبة في الأموال، وإذا عاقب القاتل بغرم ما لا يجب عليه غرمه فالسيد أحق ألا يعطي القيمة لجرمه في الأمر بقتل عبده، فقول سحنون أظهر، ولو قال أصبغ إنما أغرمته القيمة لإسقاط سيد العبد إياها عنه قبل وجوبها له عليه إذ لا تجب عليه إلا بعد قتل العبد لكان ذلك وجها؛ لأن لزوم إسقاط الحق قبل وجوبه أصل مختلف فيه والله الموفق. [مسألة: جرحا عبدا لرجل جرحه أحدهما موضحة والآخر منقلة] مسألة قال سحنون لو أن رجلين جرحا عبدا لرجل جرحه أحدهما موضحة والآخر منقلة أو قطع يده فمات العبد ولا يدري أمن أي ضربة مات، قال: يخير في أخذ القيمة من جارحه الأول تامة، ويرجع الأول على الثاني فيأخذ منه ما نقص جرحه من قيمة العبد فيكون له؛ لأنه قد غرم قيمته تامة، أو يأخذ القيمة من الثاني قيمته بالجرح الأول، ويرجع سيد العبد فيأخذ من الجارح الأول ما نقص جرحه. قال محمد بن رشد: قوله إنه يخير في أخذ القيمة تامة من جارحه الأول أو ناقصة من الجارح الثاني معناه أنه يصدق فيمن ادعى عليه منهما أنه مات من جرحه مع يمينه، فيكون الحكم فيه على ما ذكر؛ لأن من جرح عبده فحيي بعد الجرح ثم مات لا يستحق سيده قيمته إلا بعد يمينه أنه مات من ذلك الجرح على ما مضى في رسم شهد من سماع عيسى من هذا الكتاب وفي رسم المجالس من سماع أصبغ من كتاب الديات، وهو نص قول أصبغ في سماعه بعد هذا أنه يحلف على من شاء منهما أنه مات من جرحه ثم يكون الحكم فيه

ما ذكره. فإن قال لا أدري من جرح أيهما مات حلف على ذلك باتفاق إن حققت عليه الدعوى فيه وعلى اختلاف إن لم تحقق عليه الدعوى فيه ووجبت له قيمة عبده على الجارحين جميعا، إذ لا يشك في أنه مات من جرح أحدهما وحصل الدعوى بينهما فيما يجب على كل واحد منهما لأن كل واحد منهما يقول لم يمت من جرحي فلا يلزمني إلا ما يجب علي في جرحي إياه ولا مزية لواحد منهما في دعواه على ما يدعيه من أنه لم يمت من جراحه، فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا عن اليمين وكان جرحهما سواء كانت القيمة عليهما بالسواء، وإن اختلفت جراحهما مثل أن يجرحه أحدهما موضحة ويقطع الآخر يده وقيمة العبد مائة وقطع يده ينقص من قيمته نصفها فيكون على الذي قطع يده خمسون نصف قيمته، وعلى الذي جرحه موضحة خمسة نصف عشر قيمته، ويكون الباقي من قيمته وهو خمسة وأربعون عليهما جميعا بالسواء؛ لأن كان واحد منهما يدعي أنها على صاحبه دونه، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين كان القول قول الحالف منهما، فإن كان الحالف هو الذي قطع يده كانت عليه نصف قيمته لقطع يده، وكانت بقية القيمة على صاحبه الذي نكل عن اليمين، وإن كان الذي حلف هو الذي [يدعي على صاحبه دونه] جرحه موضحة كان عليه نصف عشر قيمته وكانت بقية القيمة على صاحبه الذي نكل عن اليمين، فهذا تمام القول في هذه المسألة وقد قيل إنه إذا أبى السيد أن يحلف لم يكن له إلا ديات الجراح لاحتمال أن يكون مات من شيء آخر دخل عليه غير الجرحين، وهو قول أصبغ في سماعه بعد هذا، والذي ذكرناه هو على قياس رواية محمد بن يحيى عن مالك في أن من جرح عبده فمات من جرحه بعد أيام أن سيده يستحق قيمته على الذي جرحه دون يمين وبالله التوفيق.

مسألة: أم الولد إذا جنت جناية فلم يفتدها سيدها حتى جنت جناية أخرى

[مسألة: أم الولد إذا جنت جناية فلم يفتدها سيدها حتى جنت جناية أخرى] مسألة وكتب إلى سحنون من طرابلس ما تقول ولي الله حفظك في أم ولد لرجل جنت على رجلين موضحتين فعلم السيد بأحدهما وغاب الآخر ولم يعلم بالغائب فأسلم السيد قيمة أم ولده إلى هذا الحاضر ثم جنت أيضا على رجل ثالث موضحة فقام الثالث وجاء الغائب الثاني ما ترى على السيد؟ وما يكون للأول من القيمة التي أسلمت إليه؟ وهل يدخل معه فيها الثاني أم لا؟ وما يكون للثالث؟ وكيف يكون الحكم والقضاء؟ فقال سحنون: إن كان قيمتها يوم قام أحد المشجوجين خمسين دينارا فأسلم سيدها خمسين وهي القيمة وهي دية الموضحة ثم قام المجني عليه الثالث وقدم الغائب فإنه يرجع السيد على الأول بخمسة وعشرين دينارا؛ لأنه كان له يوم قام نصف الجناية، ثم ينظر إلى قيمتها اليوم فإن كانت ستين دينارا قيل للثالث قد جنى عليك نصفها المفتك وهو قائم، والنصف الآخر وهو مرتهن بجناية الغائب، فنصف موضحتك في النصف الفارغ ويفتكه منك سيده بخمسة وعشرين دينارا لأن نصف جنايتك أقل من نصف قيمتها، وإنما يفتك السيد أبدا بالأقل، فالنصف الثاني بينك وبين صاحبك على ما بقي لك وله، فالثلاثون بينك وبينه أثلاثا، لك ثلثها وهو عشرة؛ لأن حقك خمسة وعشرون، ولصاحبك عشرون لأن حقه خمسون دينارا وهذا أحسن ما نعرف في ذلك إن شاء الله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة قد بين سحنون فيها وجه قوله بما لا مزيد عليه، وذلك أن أم الولد إذا جنت جناية فلم يفتدها سيدها حتى جنت جناية أخرى يلزم سيدها أن يفتديها بالجنايتين جميعا أو

مسألة: باع عبده بعد أن جنى فحلف أنه لم يرد حمل الجناية

يسلم قيمتها إليهما، فتكون بينهما على قدر جناية كل واحد منهما، وإذا جنت جناية فافتداها سيدها ثم جنت جناية أخرى بعد ذلك على سيدها في الجناية الثانية ما كان عليه في الأولى من أن يفتديها بجميع الجناية أو يسلم إلى المجني عليه قيمتها، فهذا هو الأصل الذي بنى عليه سحنون قوله في هذه المسألة وبالله التوفيق. [مسألة: باع عبده بعد أن جنى فحلف أنه لم يرد حمل الجناية] مسألة وكتب إليه أيضا يسألونه عن رجل تحته جارية لرجل ادعى سيدها أنه باعها منه وقد أولدها وادعى الآخر أنه زوجه إياها وقد كانت الجارية إذ كانت عند سيدها جنت على رجل موضحة فعلم بذلك السيد، ثم إنه باعها فيما زعم ولم يعلم ذلك حتى قام المجني عليه والسيد الأول عديم أو مليء، وكيف إن جنت بعد إذ كانت عند الثاني ما تقول في الوجهين؟ والحكم فيهما من ترى يلزم الجناية؟ وما حال الجارية وولدها؟ قال سحنون: إن كان السيد موسرا وزعم أنه باعها وهو عالم بالجناية حلف بالله ما باعها وهو يريد حمل الجناية، فإن حلف قيل له ليس ما ادعيت من بيعها بالذي يبطل ما وجب في رقبتها من الجناية إذا كان من ادعى عليه جاحدا نافيا لقولك، فأنت بالخيار إن شئت فافتكه بالجناية وأنت على خصومتك، وإن شئت فأسلمها برقبتها، فإن نكل عن اليمين أغرم رأس الجناية وكان على خصومته، وإن كان فقيرا كانت الجارية لصاحب الجناية ولم تكن دعواه تبطل ما وجب في رقبتها، وليس هو ممن يفدي وقد زعم أن مثلها لا يتسلط عليه البيع حين زعم أنها أم ولد رجل، وإذا جنت عند الثاني قيل للسيد أيضا إن شئت فافتك، وإن شئت فأسلم وليس في الولد جناية، وقد ذكر بعض أصحابنا أن الولد أحرار.

قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه ليس على قياس قول ابن القاسم، وإنما هو على قياس قول غيره في المدونة، وأن الرجل إذا أعتق عبده بعد أن جني وحلف أنه لم يرد حمل الجناية كان للمجني عليه لأنه كذلك يلزم على قياس قوله إذا باع عبده بعد أن جنى فحلف أنه لم يرد حمل الجناية كان العبد للمجني عليه وانتقض البيع فيه خلاف قول ابن القاسم في أن المجني عليه بالخيار بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن في جنايته، وبين أن يأخذ العبد، فإن أجاز البيع وأخذ الثمن مضى البيع، وإن أراد أخذ العبد كان للمشتري أن يفتكه منه بجنايته ويرجع على البائع بالأقل من الثمن أو مما أفتكه به، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس قول ابن القاسم في المدونة وما مضى في رسم شهد من سماع عيسى من هذا الكتاب إذا حلف البائع أنه ما علم بالجناية أو ما باعها وهو يريد حمل الجناية أن يكون على خصومته ابتداء، فإن صح له البيع كان المجني عليه بالخيار بين أن يجيز البيع وبين أن يأخذ قيمتها من المشتري لفواتها عنده بالولادة، فإن أجاز البيع وأخذ الثمن مضى البيع، وإن أخذ القيمة من المشتري انتقض البيع ورجع المبتاع على البائع بجميع الثمن إلا أن تكون الجناية أقل من الثمن فيكون من حق المبتاع أن يؤدي للمجني عليه جنايته ويتمسك ببيعه ويرجع على البائع بما أفتكها به إن شاء وإن لم يصح له البيع وانتقض كان البائع مخيرا بين أن يسلمها في الجناية أو يفتكها بها، فإن أسلمها فيها كانت ملكا للمجني عليه، وإن أفتكها بها عتقت عليه لإقرارها أنها حرة بإيلاد المشتري إياها الذي ادعى أنه باعها منه ويثبت نسب الولد من المشتري ويكونون أحرارا بإقرار البائع أنهم ولد المشتري من أمته الذي ادعى أنه باعها منه هو الذي يأتي في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم، وفي قول سحنون في هذه الرواية، وليس في الولد جناية، وقد ذكر بعض أصحابنا أن الولد أحرار، دليل على أنه لم يرهم أحرارا ورآهم له مماليكا بإقرار أيهم له بملكهم إذ زعم أنه إنما زوجه الأمة ولم يبعها منه ألا تعتق عليه الأمة إذا أفتكها خلاف ما ذكرناه من أنها تعتق عليها إذا أفتكها

مسألة: العبد إذا جنى جناية بعد جناية

على مذهب ابن القاسم، وقد مضى في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح وجه الحكم في التداعي المذكور في الجارية وبالله التوفيق. [مسألة: العبد إذا جنى جناية بعد جناية] مسألة وكتب إليه يسألونه عن رجل أودع رجلا جارية ثم إن المستودع عدا على غلام لرب الجارية فغصبه إياه فجنى العبد عند هذا الغاصب جناية قتل رجلا خطأ ثم قتل الجارية المستودعة خطأ فقام أولياء المقتول وقام رب الجارية يطلبون، قال سحنون: لرب الغلام المغصوب أن يأخذ قيمة غلامه فارغا بلا جناية عليه، وينظر إلى قيمة الجارية والدية، فإن كانتا معتدلتين ألفا ألفا قيل للغاصب الذي صار إليه العبد إنما صار إليك والجنايتان في رقبته، فلك أن تفتدي نصفه بدية المجني عليه أو تسلم نصفه ويبقى لك نصفه بدية المجني عليه أو تسلم نصفه ويبقى لك نصفه، ويقال له أيضا إن شئت أن تفتدي النصف الباقي بقيمة الجارية وهو ألف وإلا فأسلم الباقي في يديك، قيل له أرأيت إن جنى العبد المغصوب على رجل خطأ ثم جنت الجارية على العبد أيضا جناية خطأ فقام أولياء المقتول وقام أولياء الجارية على الغاصب كيف الحكم فيه؟ قال سحنون: إن أخذ المغصوب حقه قيمة غلامه فهو يأخذ قيمته فارغا بغير جناية، قال: يقال لرب الجارية تسلم جاريتك بما نقص العبد أو يفتك فإن سلم فإنه يقال للغاصب قد صار العبد إليك والجارية التي جنت عليه، وهما جميعا مرتهنين بجناية الحر، فإن شئت فأسلم العبد والجارية إلى أولياء الحر المقتول، وإلا فافتكهما جميعا بالدية وهي ألف، فإن أفتك رب الجارية الجارية على نقص العبد وكان الذي نقص

مسألة: عبد بين شريكين عدا عليه أحد الشريكين

العبد ألف دينار فأكثر قيل لرب العبد ادفع ألفا إلى أولياء الجناية فتصير كأنك افتككت العبد بالدية، وإن كان ما نقص العبد أقل من ألف دينار قيل لرب العبد إن شئت فافتك العبد وارشه بالدية، وإن شئت فأسلم العبد وارشه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم في أن العبد المغصوب بجنايته والجناية عليه وفي أن العبد إذا جنى جناية بعد جناية يخير سيده بين أن يفتكه بجميع ما جنى وبين أن يسلمه إلى أولياء الجنايات فيكون بينهم على قدر جناياتهم، وفي أن العبد إذا جنى ثم جني عليه يخير سيده بين أن يفتكه وما أخذ في الجناية عليه بما جنى وبين أن يسلمه وما أخذ في الجناية عليه بما جناه وبالله التوفيق. [مسألة: عبد بين شريكين عدا عليه أحد الشريكين] مسألة وعن عبد بين شريكين عدا عليه أحد الشريكين ففقأ عينه عمدا وأصابه الشريك الآخر بضربة خطأ ففقأ بها عينه الأخرى وكيف إن كان الخطأ أولا والعمد آخرا. إلا أن الشهود لا يعرفون الجاني الأول من الجاني الآخر، ولا الخطأ من العمد، إلا أنهم يشهدون على الفعل، وأنكر السيدان ما شهد به عليهما، وكيف إن أقرا بالخطأ وأنكرا العمد وادعى كل واحد منهما على صاحبه جناية العمد وأقرا بالخطأ ما القول والحكم فيه؟ قال سحنون: سقطت شهادة الشهود وسقطت مسألتك من أن تكون مسألة، وأنا أكره لكم مثل هذا وما قبله من مسائل الطلاق فإن هذا ليس من مسائل الفقهاء، ولكن إن كان أحدهما فقأ العين الأول عمدا وهو معروف ثم فقأ الآخر خطأ وهو معروف قبل أن ينظر في أمر الأول فإن على الأول نصف ما نقصه يوم جنى عليه الآخر وهو مفقوء العين، فيقال ما قيمته مفقوء العين

الأول؟ فيقال عشرون، ثم يقام وهو مفقوء الآخر فيقال عشرة، فيرجع الفاقي في الأول على الفاقي الآخر بخمسة، ثم يقال كم قيمته يوم يقام به فيعتق بالمثلة فيقال عشرة فيضمن نصفها ويعتق عليه لأنه إنما يعتق عليه بالمثلة يوم يقام به ليس يوم جني عليه، ويكون عليه نصف قيمة ما نقصته جناية العمد، وإن كان الفاقي الأول خطأ والثاني عمد أغرم الأول للثاني نصف ما نقصه، ثم ينظر إلى قيمته يوم يقام به فيعتق على الممثل به فيغرم نصفه للشريك ويعتق عليه. قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة سقطت شهادة الشهود وسقطت المسألة من أن تكون مسألة ليس بصحيح إذ لشهادتهم فيما شهدوا به تأثير يوجب إذ قد شهد عليه الشهود أنه هو قطع أحد يديه في المسألة حكما إذا شهدوا أن أحدهما قطع يده عمدا وأن الآخر قطع يده الأخرى خطأ، فإن لم يثبتوا من كان المتعمد منهما أن يكون جرحه أصلا وادعى هو على صاحبه أنه هو قطع يده جميعا لم يصدق واحد منهما في أنه لم يجرحه أصلا، إذ قد شهد عليه الشهود أنه قطع إحدى يديه ولا قبلت دعواه على صاحبه أنه قطع يديه جميعا، إذ قد شهد عليه الشهود أنه هو قطع أحد يديه ويقال لهما قد أحقت الشهادة للعبد العتق بالمثلة على أحدكما، فكان وجه الحكم في ذلك أن يحلف كل واحد منهما على ما ادعاه، فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا عن اليمين عتق العبد عليهما، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين عتق على الناكل منهما عن اليمين وغرم نصف قيمته للحالف، ولولا البينة لحلف كل واحد منهما لصاحبه على ما ادعاه عليه وبرئ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين غرم الناكل للحالف نصف ما نقصه قطع يديه جميعا، وإن أقر بالخطأ وأنكر العمد فادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه هو الذي جرحه عمدا وأنه هو الذي جرحه أولا أو أنه هو الذي جرحه آخرا لكان وجه الحكم في ذلك أن يحلف كل واحد منهما على ما يدعيه من ذلك، فإن حلفا جميعا أو

نكلا عن اليمين جميعا عتق العبد عليهما جميعا بالمثلة التي قد تحققت بالبينة على أحدهما، ولم يكن لواحد منهما على صاحبه شيء، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين عتق العبد على الناكل منهما عن اليمين، فإن كان هو الأول منهما كان عليه لصاحبه نصف ما نقصته جنايته وكان له هو على صاحبه نصف ما نقصته جنايته أيضا، ويكون عليه نصف قيمته يوم يقام به فيعتق عليه بالمثلة. وتفسير ذلك أن يقال ما قيمته صحيح العينين يوم جنى عليه الأول؟ فإن قيل مائة قيل ما قيمته يومئذ مقطوع اليد الأول؟ فإن قيل ثمانون غرم الأول للثاني ما بين القيمتين وذلك عشرة دنانير، ثم يقال ما قيمته يوم جنى عليه الثاني مقطوع اليد الأولى؟ فإن قيل سبعون قيل ما قيمته يومئذ مقطوع اليدين جميعا؟ فإن قيل ثلاثون غرم الثاني للأول ما بين القيمتين وذلك عشرون ثم يقال ما قيمته مقطوع اليدين يوم يقام به للعتق بالمثلة فإن قيل عشرون كان على الأول نصفها عشرة دنانير وعتق عليه وكان له ولاؤه، وعلى هذا المثال لا يكون لأحدهما على صاحبه شيء؛ لأن الأول وجب له على الثاني في جنايته عليه عشرون، ووجب للثاني على الأول عشرة في جنايته عليه، وعشرة في تقويمه عليه للعتق، وهذا هو الحكم إذا ثبت أن جناية الأول كانت عمدا وجناية الثاني كانت خطأ وهو معنى ما ذكره سحنون في الرواية. وإن كان الناكل عن اليمين هو الآخر منهما كان له على الأول نصف ما نقصته جنايته عليه يوم جني عليه، وكان للأول عليه نصف ما نقصته جنايته عليه يوم جني عليه وعتق عليه بالمثلة، فكان عليه بذلك نصف قيمته يوم يقام عليه بذلك.

مسألة: ادعى قبل رجل أنه فقأ عينه خطأ فقال المدعى عليه إنما فقأتهما عمدا

وتفسير ذلك أن يقال ما قيمته صحيح اليدين يوم جنى عليه الأول؟ فإن قيل مائة قيل ما قيمته يومئذ مقطوع اليد الأولى؟ فإن قيل ثمانون كان للثاني على الأول ما بين القيمتين وذلك عشرة دنانير، ثم يقال ما قيمته يوم جنى عليه الثاني مقطوع اليد الأولى؟ فإن قيل سبعون قيل ما قيمته يومئذ مقطوع اليدين جميعا؟ فإن قيل سبعون قيل ما قيمته يومئذ مقطوع اليدين جميعا؟ فإن قيل ثلاثون كان للأول على الثاني ما بين القيمتين وذلك عشرون، ثم يقام يوم يقام عليه للعتق بالمثلة، فإن قيل عشرون كان عليه نصف عشرة دنانير ويعتق عليه، وكان له ولاؤه، فيكون للأول على الثاني على هذا المثال عشرون دينارا، وهذا هو الحكم فيه إذا ثبت أن جناية الأول عليه كانت خطأ وجناية الثاني عمدا، فقول سحنون في الرواية وإن كان الفاقيء الأول خطأ والثاني عمدا غرم الأول للثاني نصف ما نقصته، ثم ينظر إلى قيمته يوم يقام به فيعتق على الممثل به فيغرم نصفه للشريك ويعتق عليه معناه إذا أقيم عليه بالعتق مثل يوم جني عليه، وأما إن تأخر القيام عليه في العتق بالمثلة فعلى ما ذكرناه؛ لأن القيم قد تختلف باختلاف الأيام، وبالله التوفيق. [مسألة: ادعى قبل رجل أنه فقأ عينه خطأ فقال المدعى عليه إنما فقأتهما عمدا] مسألة وكتب إليه في رجل ادعى قبل رجل أنه فقأ عينه خطأ فقال المدعى عليه إنما فقأتهما عمدا كيف الأمر والحكم فيه؟ قال سحنون لو أن الجاني ساعد المجني عليه في أنه فقأ عينه خطأ ما كان عليه شيء لأن العاقلة لا تحمل الإقرار. قال محمد بن رشد: قوله إن الجاني لو لو ساعد المجني عليه في أنه فقأ عينه خطأ ما كان عليه شيء لأن العاقلة لا تحمل الإقرار صحيح على

مسألة: ليس على السيد إذا جنى عبده أكثر من أن يسلمه بجنايته

ما قاله، وكما لا يلزمه شيء بإقراره بالخطأ كذلك، لا يلزمه شيء بإقراره بالعمد إذ لا يلزمه في العمد إلا القصاص وهو لا يجوز له أن يقتص منه ما دام مقيما على قوله إنه إنما فقأ عينه خطأ، ولو كذب نفسه فرجع إلى قول الجاني إنه فقأها عمدا لجرى ذلك على الاختلاف في الذي يقر للرجل بالحق فينكر ذلك المقر له ثم يرجع إلى ادعاء ما أقر له به، وهذا عندي في الجناية ما دام الجاني على إقراره بالعمد، وأما إن رجع عن إقراره بالعمد قبل أن يقتص منه فلا يقتص منه، بخلاف الحقوق؛ لأن له في الحقوق أن يأخذ منه ما أقر له بلا إذا رجع إلى تصديقه وإن رجع هو بعد ذلك عن إقراره، وأما إذا رجع عن إقراره قبل أن يرجع هو إلى تصديقه فلا شيء للمقر له في الحقوق ولا في القصاص وبالله التوفيق. [مسألة: ليس على السيد إذا جنى عبده أكثر من أن يسلمه بجنايته] مسألة وكتب إليه أيضا في رجل شهد لعبد أن مولاه أعتقه فأصاب العبد الشاهد بضربة خطأ فقأ بها عينه كيف الحكم فيه؟ قال سحنون ليس للمجني عليه في العبد شيء والعبد لسيده. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إذ ليس على السيد إذا جنى عبده أكثر من أن يسلمه بجنايته، والمجني عليه لا يصح له أن يأخذه لإقراره بأنه حر بما شهد له به من عتق سيده إياه وبالله التوفيق. [مسألة: يفقأ عين عبده أو عين امرأته فيقولا عمدا ويقول خطأ] مسألة وكتب إليه أيضا ما تقول في الرجل يفقأ عين عبده أو عين امرأته فيقول العبد والمرأة فعل ذلك بنا عمدا، وقال السيد والزوج بل كنت أؤدبهما فأخطأت من ترى القول قوله؟ قال: القول قول العبد والمرأة لأن العداء قد ظهر، قلت له ولم؟ وقد أذن له في الأدب يؤدب عبده وامرأته رأيت الطبيب إذا قطع فجاوز فقال زلت

: أم ولد النصراني تسلم فتجني من قبل أن تعتق عليه

يدي فأخطأت وادعى عليه العمد، فقال: الطبيب قد ظهر فعله أنه بدا بما يجوز له، وهذا الزوج والسيد لم يظهر لنا منهما غير العداء، ثم قال بعد ذلك: اكتب إليه أنه لا شيء على السيد ولا الزوج حتى تظهر العداء والقول قولهما. قال محمد بن رشد: أما الطبيب فلا شك ولا اختلاف في أن ما تجاوز فيه محمول منه على الخطأ حتى يعلم خلاف ذلك، أما السيد في عبده والزوج في امرأته فلكلا القولين المذكورين وجه من النظر، والأظهر في السيد أن يحمل أمره في عبده على الخطأ فلا يعتق عليه بما ظهر من التمثيل به إلا أن تعلم أنه قصد التمثيل به، ويباع عليه إن دعا إلى ذلك العبد، وأما الزوج في امرأته فالذي أراه في ذلك ألا يحمل أمره على الخطأ، فيلزم ذلك العاقلة، ولا على العمد فيقتص منه لها، ويجعل ذلك كشبه العمد الذي يسقط فيه القصاص. وتكون فيه الدية على الجاني في ماله، وإن طلبت المرأة أن يفرق بينه وبينها وزعمت أنها تخافه على نفسها طلقت عليه طلقة بانية، وقد مضى هذا المعنى في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب العتق وبالله التوفيق. [: أم ولد النصراني تسلم فتجني من قبل أن تعتق عليه] من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم أخبرنا محمد بن خالد قال: سألت ابن القاسم عن أم ولد النصراني تسلم فتجني من قبل أن تعتق عليه أيكون عقل جنايتها عليها تتبع به أم على سيدها؟ فقال: بل عليها وذلك قول عبد المالك بن عبد العزيز. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تقدمت والكلام عليها في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى فلا معنى لإعادته.

مسألة: جرحه رجل عمدا فعقل له جرحه طوله وغوره وكتب له ذلك في كتاب

[مسألة: جرحه رجل عمدا فعقل له جرحه طوله وغوره وكتب له ذلك في كتاب] مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل جرحه رجل عمدا فعقل له جرحه طوله وغوره وكتب له ذلك في كتاب ليقتص له من صاحبه إن هو برئ فذهب منه الكتاب الذي فيه معرفة جرحه وقد أصابه من ذلك الجرح عيب أو شلل والبينة لا تثبت طول غوره ولا جرحه، قال يستنزل البينة في معرفة الجرح إلى ما لا يشكون فيه، فيقال لهم قدروا ذلك على الذي ترون وتثبتون معرفته واطرحوا ما تشكوا فيه، فإذا ثبتوا على أمر اقتص المجروح من الجارح ما استقرت عليه معرفتهم، فإن عابه ذلك أو شله كما عاب الأول فذلك القصاص، وإن لم يعبه ولم يشله عقل للأول عيبا وشلله فأخذ ذلك من الجارح، قيل له فهل ينتفع المجروح بشهادة الذي عقل جرحه وعرف طول غوره إذا لم يكن له أحد يعرف قيس جرحه غيره؟ قال: نعم شهادته له تامة إذا كان عدلا مع يمينه. قال محمد بن رشد: وإذا استنزلت البينة فشهد على ما لا يشك فيه حلف الجارح فيما ادعاه المجروح مما زاد على ذلك فاقتص منه على ما شهدت به البينة، فإن نكل الجارح عن اليمين حلف المجروح على ما ادعى واقتص له منه، وهو قول أشهب، قال أشهب في المجموعة وإذا جرح الرجل الرجل موضحة وعليه بينة لا يدري كم طولها ثبت له موضحة وليس في العمد إلا القود فليوقف الشهود على أقل موضحة، فإن وقفوا عنده ولم يجاوزوه حلف المشهود عليه على ما فوق ذلك وأقيد منه بذلك، وإن لم يحلف حلف الآخر واستقاد على ما ادعى، وقاله سحنون فيمن جرح رجلا عمدا ولو يؤخذ قياس من الجرح حتى يرى فليدع الجارح فيصف قدر ضربته وأين بلغت ويحلف على ذلك ويقتص على ما أقر به، وإن لم يصف وأبى قيل للمجروح

: يجرح الرجل وليس له شاهد أو يضربه أيستحلف

صف ولا حلف ويقتص له على ما حلف وبالله التوفيق. [: يجرح الرجل وليس له شاهد أو يضربه أيستحلف] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم ونوازل سئل عنها قال أصبغ سئل ابن القاسم عن الرجل يجرح الرجل وليس له شاهد أو يضربه أيستحلف؟ قال: لا ينبغي أن يستحلف بقول المجروح والمضروب إلا أن يكون مشهورا بذلك فإن كان كذلك رأيت أن يحلفه، فإن أبى سجن حتى يحلف، وقاله أصبغ وإن طال سجنه ولم يحلف ولم يعثر عليه بشيء عوقب إن أبى ذلك وخلي سبيله إلا أن يكون مبرزا في ذلك فيخلد في حبسه، قال أصبغ المبرز المتردد في ذلك الشيء المصر فيه بالحنث، وقد كتب عمر بن عبد العزيز في بعض هذا المعروف بالسرقة بالمبرز فيها. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الروايات المبر وفي بعضها المبرز ومعنى المبرز في الشيء الظاهر فيه المشهور به، مثل المبر فيه سواء في المعنى، يقال أبر فلان بمعنى ظهر يبر فهو مبر، والمفعول به مبر، ويقال أبر فلان على خصمه بمعنى ظهر، قال طرفة بن العبد: يكشفون الضر عن ذي ضرهم ... ويبرون على الآلىء المبر أي يظهرون على الآلئ الظاهر، يمدحهم بذلك، وقد مضى في رسم العقول والجبائر من سماع أشهب قبل هذا تحصيل القول في إيجاب اليمين على الجارح بمجرد دعوى المجروح دون سبب أو بسبب لا يبلغ أن يكون شاهدا عدلا، وكيف إن كان شاهدا عدلا فلا معنى لإعادته.

مسألة: يوضح الرجل موضحة فيقتص له منه فيقصر الذي يقتص له عن حقه

[مسألة: يوضح الرجل موضحة فيقتص له منه فيقصر الذي يقتص له عن حقه] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يوضح الرجل موضحة فيقتص له منه فيقصر الذي يقتص له عن حقه، ثم يعلم بذلك، قال إن علم بحضرة ذلك قبل أن يبرأ أو ينبت اللحم أتم له ذلك، وإن برأت فلا شيء له لتمام ذلك ولا عقل ولا غير ذلك؛ لأنه أمر قد اجتهد فيه وأمكن من حقه واقتص وأتى بمن يقتص له واجتهد، فلا أرى له شيئا، قال أصبغ: لا يعجبني ما قال جملة، وأرى إن كان قصر عن القصاص شيئا يسيرا جدا فالقول ما قال ولا يقاد له ولا يعذب له قبل برءه ولا بعده ولا شيء فيه، وإن كان شيئا كثيرا متفاوقا أو متفاحشا فإنه إن كان في دمه وحرارته اقتص التمام واستتم له، وإن كان قد برد وأخذه الدواء فلا يرجع إليه برأ أو لم يبرأ لأني أخاف أن يكون متلفا أو عذابا أو يجعل الباقي عقلا ولا يبطل كنحو الذي يقتص ثم يترامى، ويبرأ المقتص منه وإن كان هو المقتص لنفسه ممن تأتى له أو يجعله سلطان فذلك سواء. قال محمد بن رشد: قول أصبغ حسن ينبغي أن يحمل على التفسير لمذهب ابن القاسم بأن يقسم ما قصر فيه من حقه على ثلاثة أقسام، يسير جدا كالعشر ونحوه، ويسير كالربع وما دون الثلث، وكثير كالثلث فما فوقه، فإن كان يسيرا جدا فلا يقتص له تمام حقه، وإن كان الأمر قريبا قبل أن يبرد ويأخذه الدواء ولا يكون له فيه شيء كما قال أصبغ في اليسير جدا، وإن كان يسيرا كالربع وما دون الثلث فإن كان بفور ذلك قبل أن يبرد ويأخذه الدواء وينبت اللحم اقتص له تمام حقه، وإن كان قد فات ذلك وأخذه الدواء لم يقتص له تمام حقه ولا كان له فيه شيء كما قاله ابن القاسم، وإن كان كثيرا كالثلث وما فوقه اقتص له تمام حقه إن كان بفور ذلك قبل أن يبرد ويأخذه الدواء، وإن فات ذلك ولم يعثر عليه بفوره حتى أخذ الجرح الدواء عقل له

مسألة: قطع يد رجل من المنكب ويد آخر من الكف

تمام حقه كما قال أصبغ، وبالله التوفيق. [مسألة: قطع يد رجل من المنكب ويد آخر من الكف] مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عمن قطع يد رجل من المنكب ويد آخر من الكف، فقام به صاحب المنكب فقطع، ثم جاء الآخر أنه لا شيء له؛ لأن القطع الأول يأتي على القود لهما جميعا، وإن قام به صاحب الكف أولا فقطع له، ثم جاء صاحب المنكب لم يكن له إلا أن يقطع ما بقي من العضد فقط، قال أصبغ مثله، وأحب إلي ألا يقطع له لعذابه وقطع أرابه مرتين في فور واحد، ويعقل له ما بقي إلا أن يشاء أن يمكنه من نفسه لذلك ويأبى العقل فليس عليه غير ذلك إن شاء الله. قال محمد بن رشد: أما إذا قام به صاحب المنكب أولا فقطع له فبين أنه لا شيء للثاني؛ لأن الذي كان حقه فيه قد ذهب، وأما إذا قام به أولا صاحب الكف فقطع له ثم جاء الثاني فقول ابن القاسم الذي قال به أصبغ أولا أنه ليس له إلا قطع ما بقي من العضد هو الصحيح في النظر، وأما ما استحسنه أصبغ ورجع إليه من أنه لا يقطع له ما بقي من العضد ويعقل له ما بقي إلا أن يشاء أن يمكن من نفسه لذلك ويأبى العقل فليس عليه غير ذلك فهو بعيد، وما اعتل به في ذلك من أنه لا يعذب مرتين في قود واحد ليست بعلة صحيحة؛ لأنه قد عذب هو كل واحد منهما بالقطع، فواجب أن يعذب بالقصاص مرتين؛ لأن ذلك حق لرجلين، ولو قال إن الخيار في ذلك للذي قطعت يده من المنكب بين أن يقتص فيقطع ما بقي من العضد وبين أن يأخذ العقل لكان لذلك وجه؛ لأن من حجته أن يقول لا أقطع بقية عضوه بيدي الكامل، ولو قاما معا لكان الأشبه أن يقتص لهما جميعا قصاصا واحدا فيقطع يده لهما جميعا من المنكب؛ لأن القصاص للذي قطع يده من الكوع، وفي ذلك اختلاف، فقد قال أصبغ فيمن قطع أصابع رجل ثم قطع كفه تلك التي

مسألة: يشج الرجل موضحة فيصالحه على موضحة ثم تعود منقلة

قطعت منها الأصابع إنه يقطع أصابعه ثم كفه إذا لم يكن ذلك في ضربة واحدة، وإذا قال ذلك أصبغ في رجل واحد فأحرى أن يقوله في رجلين إذا قاما معا، وإذا قاله في الرجلين إذا قاما معا فأحرى أن يقوله في الرجلين إذا قام صاحب الكف أولا فقطع له، ثم قام الثاني، فقول أصبغ في هذه المسألة يرد ما استحسنه في هذه الرواية، وأما ابن القاسم فقال في الذي قطع أصابع رجل ثم قطع بعد ذلك كفه إنه لا يقطع أصابعه ثم كفه، وقطع الكف يأتي على قطع الأصابع كالذي قتل وقطع إنه لا يقطع ثم يقتل وبالله التوفيق. [مسألة: يشج الرجل موضحة فيصالحه على موضحة ثم تعود منقلة] مسألة وسمعت ابن القاسم يقول في الرجل يشج الرجل موضحة فيصالحه على موضحة ثم تعود منقلة ليس يكون العقل في الجراح ولا الصلح إلا بعد البرء وتبين الجرح، فإن كان هذا قد صالح قبل ذلك فأرى أن يرجع بفضل ما بين الموضحة والمنقلة، فإن مات أقسم أولياؤه أنه مات منها وكان لهم عقله كاملا ويردون ما أخذوا من الصلح. قال محمد بن رشد: قوله إنه يرجع بفضل ما بين الموضحة والمنقلة صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنه إنما صالح على الموضحة والعمد والخطأ في ذلك سواء، وهذا الخلاف إذا صالح على قطع يده ثم تآكلت إلى العضو حسبما مضى بيانه في رسم العرية من سماع عيسى، وأما إن مات من ذلك الجرح فيفترق فيه العمد والخطأ على مذهب ابن القاسم، ففي الخطأ يرد أولياؤه على الجارح ما أخذ منه في الصلح، ويقسمون فيستحقون الدية على العاقلة، وهو معنى قوله الذي تكلم عليه في هذه الرواية والله أعلم، وفي العمد يخير ورثة المقتول بين أن يتمسكوا بالصلح وبين أن يردوه ويقسموا فيقتلوا، وقد قيل إنهم يخيرون في العمد والخطأ، وقيل إنهم لا يخيرون

مسألة: مدبرجرح رجلين موضحتين

في العمد ولا في الخطأ، وقد مضى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الديات بيان هذا والقول فيه وفي المصالحة على الجرح وعلى ما تراقى إليه مما دون النفس أو عليه وعلى ما تراقى إليه وإن أتى ذلك على النفس فلا معنى لإعادته. [مسألة: مدبرجرح رجلين موضحتين] مسألة وسئل أصبغ عن مدبر جرح رجلين موضحتين فدفع السيد إلى أحدهما دية جرحه ولم يعلم بذلك صاحبه ثم مات سيده ولم يترك مالا غيره فعتق ثلثه ورق ثلثاه، فقام المجروح الذي لم يأخذ من المدبر شيئا يطلب دية جرحه، قال: أرى أن يرجع إلى المجروح الذي أخذ من السيد دية جرحه فيؤخذ منه نصف ما بيده ثم يدفع إلى ورثة السيد ثم يخير الورثة في أن يسلموا إلى المجروحين ثلثي العبد وفي أن يفتدوه بثلثي دية الجرحين، فإن أسلموه إليهما ضرب فيه المجروح الذي لم يأخذ من جرحه شيئا بجميع دية جرحه، وضرب الآخر الذي أخذ نصف جرحه بنصف جرحه الذي لم يأخذ فيه شيئا ثم يرجعان بما بقي لهما من تمام دية جرحيهما على الثلث الذي عتق من المدبر فيتبعانه به في ذمته يتبعه الذي لم يكن أخذ شيئا بثلث دية جرحه، والآخر بسدس جرحه. قال محمد بن رشد: قوله ثم يخير الورثة في أن يسلموا إلى المجروحين ثلثي العبد وفي أن يفتدوه بثلثي دية الجرحين غلط ووهم؛ لأن الصحيح في ذلك على قياس قوله أن يخيروا بين أن يسلموا إلى المجروحين ثلثي العبد وفي أن يفتدوه بثلثي ما بقي من دية الجرحين إذ قد تأدى من ذلك إلى أحدهما نصف دية جرحه، والمسألة كلها معترضة لا تصح في النظر، والواجب فيها على ما يوجبه القياس والنظر أن يرجع إلى المجروح الذي أخذ من السيد دية جرحه فيؤخذ منه نصف ما بيده فيدفع إلى المجروح الآخر لا

مسألة: العبد إذا جرح فمات من جرحه بعد أن حيي

إلى ورثة سيد المدبر لاستوائهما فيما كان لهما على المدبر فإذا رجع بذلك على صاحبه استويا فيما صار إليهما من دية جرحيهما وفيما بقي لهما على المدبر، فيخير الورثة فيما رق لهما من المدبر وهو ثلثاه بين أن يسلموه إلى المجني عليهما في ثلثي ما بقي لهما من دية جرحيهما أو يفتكوه بذلك، فإن أسلموه ما كان بينهما بالسوية ثلثه لكل واحد منهما، وإن أفتكوه بذلك كان ما أفتكوه به بينهما بنصفين، ثم يرجعان بما بقي لهما من تمام دية جرحيهما على الثلث الذي عتق من المدبر فيتبعانه به في ذمته على السواء فيما بينهما إذ لا فضل لأحدهما في ذلك على صاحبه، إذ قد رجع الذي لم يأخذ منهما من السيد شيئا على صاحبه بنصف ما أخذه منه، وهذا بين والحمد لله. [مسألة: العبد إذا جرح فمات من جرحه بعد أن حيي] مسألة وسئل عن رجل أوضح عبد رجل، وأن رجلا آخر أوضح العبد فمات ولم يدر من أي الموضحتين مات، قال أصبغ: يحلف سيده على أيهما شاء لمات منها وتكون له قيمته، وإن لم يحلف لم يكن له إلا ديات المواضح. قال محمد بن رشد: قوله إنه يكون له قيمته على الذي حلف أنه مات من جرحه كلام مجمل يفسره ما تقدم من قول سحنون، في سماعه أنه إن كان الأول كان عليه قيمته صحيحا، ورجع هو على الثاني بما نقصه جرحه، وإن كان الثاني كان له عليه قيمته بالجرح الأول، ورجع على الأول بما نقصه جرحه، وقوله إنه إن لم يحلف لم يكن له إلا ديات المواضح صحيح لاحتمال أن يكون مات من غير الجرحين، ويأتي على ما روي عن مالك من أن العبد إذا جرح فمات من جرحه بعد أن حيي يستحق سيده قيمته على جارحه دون يمين على ما ذكرناه في تفسير قول سحنون المذكور في سماعه وبالله التوفيق.

مسألة: حلف بحرية غلامه ليضربنه فجنى جناية قبل أن يضربه

[مسألة: حلف بحرية غلامه ليضربنه فجنى جناية قبل أن يضربه] مسألة وسئل أصبغ عن رجل حلف بحرية غلامه ليضربنه فجنى جناية قبل أن يضربه، قال: يخير في افتدائه أو إسلامه، فإن أسلمه رد وعتق عليه مثل البيع، ويرجع المجروح على السيد بقيمته إلا أن تكون القيمة أقل فليس له إلا الأقل من قيمة العبد أو الجناية. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا في هذه الرواية إنه إن أسلمه رد وعتق عليه مثل البيع خلاف مذهبه وروايته عن مالك في المدونة في أن من حلف بعتق غلامه ليضربنه فباعه يرد البيع ويبقى العبد في يده حتى يبر فيه بضربه أو يموت فيعتق في ثلثه مثل قول ابن دينار في كتاب العتق الأول وكتاب الإيلاء منها أنه إذا باعه يرد البيع ويعتق عليه ومثله لمالك في الواضحة من رواية ابن الماجشون عنه، والذي يأتي في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أنه إن أسلمه في الجناية يرد ويكون عليه للمجني عليه الأقل من قيمته أو الجناية ولا يعتق عليه، فإن لم يبر في ضربه حتى مات عتق في ثلثه ولو لم يعثر على ذلك حتى أعتقه المشتري أو الذي أسلم إليه في الجناية، يعتق في البيع على البائع ورد الثمن على المشتري، وفي الجناية على سيده الذي أسلمه وغرم للمجني عليه الأقل من قيمته أو الجناية على مذهب مالك وابن القاسم لم يختلف في ذلك قولهما وقد مضى من قولنا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب العتق ما فيه بيان هذا لمن تدبره ووقف عليه وبالله التوفيق. [مسألة: عبد لرجل جرح رجلين فأسلم إلى أحدهما ولم يعلم بالآخر] مسألة قال أصبغ سألت عبد الرحمن بن القاسم عن عبد لرجل جرح رجلين فأسلم إلى أحدهما ولم يعلم بالآخر فجرح عند المسلم إليه رجلا فقام عليه هو والأول الذي لم يعلم بجرحه، فقال ابن

القاسم يرجع المجروح الذي لم يكن علم به في العبد بقدر جرحه ثم يخير هو والمسلم إليه العبد الأول في أن يفتكاه من الثالث أو يسلماه إليه، فمن شاء منهما أفتك ومن شاء أسلم وليس للسيد الأول الذي كان أسلمه في ذلك شيء، قال ابن القاسم: وإن لم يكن جرح ثالثا حتى قام المجروح الثاني الذي لم يكن علم به فإنه يرجع في العبد بقدر جرحه ولا يكون للسيد فيه افتكاك ما يصيب هذا الثاني من ذلك؛ لأنه لو مات العبد قبل أن يقوم هذا بجرحه بطل جرحه إذا كان السيد لم يكن علم به، قال ابن القاسم ولو كان علم به ثم أسلمه كله إلى الذي قام به دون العبد ثم مات العبد في يدي المسلم إليه كان السيد ضامنا لجرح هذا المجروح؛ لأنه الذي أتلف حقه بإسلامه العبد، قال أصبغ وكذلك قال عبد الله بن نافع وبه أقول. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة إن المجروح الذي لم يكن علم به يرجع في العبد بقدر جرحه ثم يخيران جميعا في أن يفتكاه من الثالث أو يسلماه إليه معارض لما تقدم من قول أصبغ قبل هذا في المدبر يجني على رجلين موضحتين فيدفع السيد إلى أحدهما دية جرحه ولم يعلم بذلك صاحبه حتى مات سيده إن ما وجب للذي لم يعلم به مما دفع السيد إلى المجروح يرجع إلى ورثة سيده، ولا يكون للمجروح الذي لم يعلم به؛ لأنه إذا قال ابن القاسم في هذه المسألة إن المجروح الذي لم يكن علم به يرجع في العبد بقدر جرحه فأحرى أن يقول في مسألة المدبر إن المجروح الذي لم يكن علم به يرجع فيما دفع السيد إلى المجروح الذي علم به فيأخذ منه نصفه على ما قلناه من أنه هو القياس والذي يأتي في هذه المسألة على قياس ما قاله أصبغ في مسألة المدبر أن يرجع نصف العبد إلى السيد؛ لأن المدفوع إليه إنما كان يجب له نصفه، ثم يقال للمدفوع إليه العبد إن شئت فأسلم نصفه الذي بقي بيدك منه إلى الثالث في نصف جنايته، أو أفده

مسألة: العبد يجرح فلم يقم به حتى جرح فأخذ السيد عقل جرحه ثم قيم به

بذلك، فإن أسلمه كان قد استوفى نصف جرحه وبقي له نصف جرحه وبقي للذي لم يعلم به وبقي جرحه كاملا، فيخير السيد في النصف الآخر بين أن يفتديه بجميع أرش الثاني وبين أن يسلمه إليهما فيكون بينهما على قدر ذلك، للثاني ثلثاه وللثالث ثلثه إن كانت جراحهما مستوية؛ لأن الثالث قد استوفى نصف دية جرحه، وهذا هو قول سحنون في كتاب ابنه وقول ابن المواز وقول ابن القاسم في هذه الرواية إنه إن لم يكن جرح ثالثا حتى قام المجروح الثاني الذي لم يكن علم به يريد بعد أن أسلمه إلى الأول فإنه يرجع في العبد بقدر جرحه ولا يكون للسيد فيه افتكاك ما يصيب هذا الثاني من ذلك صحيح على قياس قوله إن نصف العبد لا يرجع إليه وأنه يكون للثالث، ويأتي على قول سحنون وابن المواز أنه يكون مخيرا بين أن يسلم إليه نصفه أو يفتكه منه بجميع جنايته، وأما إذا أسلمه كله إلى أحدهما وقد علم بجرح الآخر فمات في يد المسلم إليه فقول ابن القاسم الذي تابعه عليه ابن نافع وقال به أصبغ من أنه يضمن جرح المجروح لأنه الذي أتلف حقه بإسلامه العبد يدل على أنه قد لزمته جنايته بإسلامه إليه وإن جاء الثاني والعبد قائم في يديه لم يفت لم يكن له فيه شيء، وفي المجموعة لابن الماجشون مثل قول ابن نافع ولو كان من حق الثاني إذا جاء بعد إسلامه إلى الأول وقد علم به أن يأخذ نصفه إن ألفاه قائما بيده لوجب ألا يكون على السيد شيء إذا مات موته دون أن يقتله الذي أسلمه إليه كما لو لم يسلمه ومات في يديه وإلا يكون عليه إذا قتله الذي أسلم إليه إلا قيمة نصفه يوم أسلمه إليه. [مسألة: العبد يجرح فلم يقم به حتى جرح فأخذ السيد عقل جرحه ثم قيم به] مسألة وسألت ابن القاسم عن العبد يجرح فلم يقم به حتى جرح فأخذ السيد عقل جرحه ثم قيم به، فقال: السيد مخير، إن شاء فداه بعقل الجرح وإن شاء أسلمه وما أخذ من جرحه، قال أصبغ: قلت له فإن جرح آخر بعد ما جرح وأخذ السيد عقل جرحه وذلك قبل

أن يقوم به الأول؟ قال: السيد مخير إن شاء أفتكه منهما بأرش جرحهما وإن شاء أسلم العبد إليهما وما أخذ من جرحه فيتحاص فيه الأول والآخر جميعا في رقبته وفي ثمن جرحه جميعا؛ لأنه حكم وقع الساعة، وقد كان يقول قبل ذلك إن الأرش للمجروح الأول خاصة، ويقتسمان العبد على قدر جرحهما، قال أصبغ وأنا أرى أن يكون الأرش للأول وينظر كم هو من العبد إذا اجتمعا، فإن كان سدسا فقد استوفى سدس جرحه، ويضرب بخمسة أسداسه في العبد معيبا، والثاني بجرحه كله. قال محمد بن رشد: أما إذا جرح العبد ثم جرح فأخذ السيد عقل جرحه ثم قام عليه المجروح فلا اختلاف أحفظه في أن السيد مخير بين أن يفتكه بجنايته وبين أن يسلمه وما أخذ من جنايته، وهذا بين إذا كانت الجناية عليه إنما فيها ما نقص من قيمته مثل أن يقطع يده أو يفقأ عينه أو ما أشبه ذلك مما إنما فيه ما نقص من قيمته، وأما إذا كانت الجناية عليه موضحة أو منقلة أو مأمومة فالقياس أن يكون مخيرا بين أن يسلمه والأقل من ما نقصته الجناية من قيمته أو مما أخذ فيها وبين أن يفتكه وما أخذ في جنايته بما جنى. وأما إذا جنى العبد ثانية بعد أن يجنى عليه وأخذ السيد أرش ما جنى به عليه ففي ذلك ثلاثة أقوال، أحدها قول ابن القاسم الثاني الذي رجع إليه أن السيد مخير بين أن يفتكه بأرش الجرحين جميعا وبين أن يسلمه وما أخذ من أرش جرحه، ووجه هذا القول أن أرش الجناية عليه تجبر عيب نقصانه، فكأنه قائم على حاله يخير بين أن يفتكه، وما أخذ من أرش الجناية عليه بالجنايتين، أو يسلمه وما أخذ من أرش الجناية بالجنايتين، والثاني قول ابن القاسم الذي كان يقول به ثم رجع عنه أن الأرش يكون للمجروح الأول خاصة، ويقتسمان العبد على قدر جرحهما معناه إلا أن يفتكه السيد وأرش جرحه بالجنايتين جميعا، ووجه هذا القول أن ما بقي من العبد بعد الجناية عليه

مسألة: الفئتين يقع بينهما الجراحات

مرتهن بالجنايتين جميعا، فيكون بينهما إن أسلمه السيد إليهما وأرش الجرح للأول قد استحقه بتقدم جنايته عليه والثالث قول أصبغ إنه إن أسلمه السيد إليهما تحاصا فيه، الثاني بجميع جنايته، والأول بقدر ما بقي من جنايته، إذ قد أخذ أرش ما نقصت الجناية منه، وهذا قول ابن الماجشون، وإياه اختار ابن المواز، وهو أظهر الأقوال والله أعلم. [مسألة: الفئتين يقع بينهما الجراحات] مسألة قال أصبغ وسئل ابن القاسم عن الفئتين تأتيان القاضي كلتاهما مدعية على صاحبتها جراحات بها ومنكرة لما بصاحبتها من الجراحات وهما مقرتان جميعا بأصل النايرة بينهما، قال ابن القاسم: أرى كل واحدة منهما ضامنة لجراح صاحبتها، قلت لابن القاسم: فإن كانت كل واحدة منهما مدعية على صاحبتها الجراحات التي بها ولا يقران بأصل النايرة بينهما؟ قال: فإن قامت بينة على نايرة بينهما ولم يشهدوا جراحات بعضها بعضا فأرى أن يحلف كل واحد منهما على صاحبه إذا عرف أنه به، وأنه الذي جرحه ثم يستقيد منه، قال ابن القاسم: فإن لم يعلم كل واحد منهما صاحبه تحالفوا على الجراحات أنها كانت من الفئة المدعى عليهم وهم جرحوهم فإذا حلف كل الفريقين ضمن بعضهم جراحات بعض، فإن لم تقم بينة بأصل نايرة ولا يقران بها بينهم إلا أن بعضهم يدعي على بعض أنه جرحه من غير قتال كان بينهما أو أصل نايرة ويتبرأ كل واحد منهما من جارحات صاحبه فلا أرى أن يعدى بعضهم على بعض حتى تقوم بينة على أصل النايرة أو يتقاران بذلك، قلت فإن قال أحدهم جرحني صاحبي هذا ثلاث جراحات، وقال صاحبه إنه إنما جرحته جرحتين ولم أجرحه الثالثة قال أرى أن يحلف على الجرح الثالث

بالله لجرحه إياه ثم يستقيد منها ثلاثتها، وذلك أنه أقر بجراحه وأنه قاتله. قال محمد بن رشد: قوله في الفئتين يقع بينهما الجراحات إنهما إذا أقرتا بأصل النايرة بينهما أو قامت على ذلك بينة فإن لمن ادعى منهم أن يحلف على من جرحه ويستقيد منه هو مثل ما تقدم في آخر رسم العقول والجبائر من سماع أشهب وفي رسم البراءة مستوفى في رسم العقول والجبائر من سماع أشهب فلا معنى لإعادته. وأما قوله فإن لم يعلم كل واحد منهما صاحبه تحالفوا على الجراحات أنها كانت من الفئة المدعى عليهم وهم جرحوهم فالمعنى فيه أن يحلف كل واحد من المجروحين أن جرحه إنما كان من الفئة المنازعة لهم، وأنه لا يعرف من جرحه منهم بعينه، فإذا حلف كل واحد منهم على ذلك من الطائفتين ضمنت كل طائفة منهما جراحات الطائفة الأخرى على عددهم إن أقروا، وإن أنكروا فحلفوا كلهم أو نكلوا عن اليمين وإن حلف بعضهم ونكل بعضهم عن اليمين برئ من حلف وكانت ديات الجارحات على من نكل منهم إلا أن يكون الذي نكل منهم الواحد والاثنان ومن لا عدد له ممن بدا أنه لا يشبه أن يختصوا هم بجراحاتهم دون من سواهم ممن حلف، فتكون ديات الجراحات عليهم كلهم كما لو حلف جميعهم، هذا الذي يأتي في هذه المسألة على أصولهم وقد مضى في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الديات وفي غيره من الأسمعة منه الحكم فيمن قتل بين الصفين، ومضى الكلام على الكلام على ذلك مستوفى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم منه فلا معنى لإعادته.

مسألة: عبد بين رجلين يجرحه عبد لأحدهما

[مسألة: عبد بين رجلين يجرحه عبد لأحدهما] مسألة قال عيسى عن ابن القاسم في عبد بين رجلين يجرحه عبد لأحدهما: إن سيد الجارح بالخيار إن شاء افتداه بنصف العقل وإن شاء أسلم العبد كله إلى شريكه، قال أصبغ عن ابن القاسم مثله. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن العبد الجاني لما جنى على عبد هو بين سيده وبين رجل آخر كانت نصف جنايته هدرا؛ لأنه لو جنى على عبد هو كله لسيده لكانت جنايته كلها هدرا، فوجب لما جنى على عبد هو بين سيده وبين رجل آخر أن يكون كله مرتهنا بنصف جنايته التي جناها على حظ شريك سيده من العبد المجني عليه، فإن كانت جنايته عليه نقصت في التمثيل من قيمته أربعين كان سيد العبد الجاني بالخيار بين أن يسلمه كله إلى شريكه في العبد المجني عليه وبين أن يفتكه منها بعشرين التي نقصت جنايته عليه من حظه منه، ولو كان العبد الذي بينهما هو الذي جنى على عبد لأحدهما لكان شريكه في العبد الجاني مخيرا بين أن يسلم حظه منه إليه في نصف ما جنى على عبده وبين أن يفديه بذلك، قاله ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وهو بين صحيح لا إشكال فيه وبالله التوفيق. [مسألة: عبدا بين رجلين جرح عبدا بين أحدهما وبين أجنبي] مسألة قال ابن القاسم: وكذلك لو أن عبدا بين رجلين جرح عبدا بين أحدهما وبين أجنبي أنه يقال للذي له فيه النصف أفتك نصيبك منهما جميعا بنصف الجرح، وإن شئت فأسلم نصيبك إليهما يقتسمانه، وإن شئت فأفتك من أحدهما نصيبه وأسلم إلى الآخر ما يصيبه من نصيبك، وأما صاحب النصف الآخر الذي جرح هذا العبد عبدا بينه وبين آخر فيقال جرحه نصيبك من العبد باطل كجرحه إياك لو جرحك، وما لك جرحه بعضه بعضا فإن شئت فافتك نصيبك

مسألة: الصبي الذي لم يثغر ينزع سنه خطأ

من شريكك في العبد المجروح بنصف دية الجرح أو أسلمه إليه كله ليس لك فيه شيء. قال محمد بن رشد: هذا بين أيضا على ما قاله، ويزداد بيانا بالتنزيل، مثال ذلك أن يكون عبد اسمه ميمون لزيد وعمر وبينهما بنصفين وقيمته عشرون، ويكون لعمرو منهما عبد بينه وبين خالد رجل آخر اسمه موفق وقيمته أربعون، فيجني ميمون على موفق جناية تنقص من قيمته ثلاثين، فإنه يقال لزيد منهما أفتك نصيبك من ميمون بنصف جنايته التي جنى على موفق وهي خمسة عشر من سيديه جميعا عمرو وخالد، فادفع إلى كل واحد منهما سبعة ونصفا أو أسلم نصيبك إليهما فيكون بينهما بنصفين، وإن شئت أن تفتك نصف نصيبك ممن شئت منهما بسبعة ونصف وتسلم إلى الآخر نصف نصيبك فذلك لك، ثم يقال لعمرو: والنصف الثاني من جناية ميمون على موفق هدر لأن موفقا بينك وبين خالد، فالنصف الذي لك في ميمون مرتهن كله بنصف جنايته على موفق وذلك سبعة ونصف، فإن شئت فأسلم النصف الذي لك في ميمون إلى خالد في سبعة ونصف، وإن شئت فأفتكه بسبعة ونصف، وقد اختلف بمن يبدأ به أولا منهما، فقال أشهب إنه يبدأ بالذي ليس له في المجروح حق، وهو قول ابن القاسم. في هذه الرواية على ما نزلناه من البداية يريد الذي ليس له في موفق شيء، ولابن القاسم في كتاب ابن المواز أنه يبدأ بالذي له نصف العبد المجروح وهو عمرو على ما نزلناه فيخير أولا بين أن يسلم حظه من ميمون إلى خالد بنصف ما جني على موفق، وذلك سبعة ونصف أو يفتكه بذلك، وذلك يرجع إلى معنى واحد فلا وجه للاختلاف في ذلك. [مسألة: الصبي الذي لم يثغر ينزع سنه خطأ] مسألة قال عيسى: قال لي مالك في الصبي الذي لم يثغر ينزع سنه خطأ، قال: أرى أن يؤخذ العقل كاملا فيوضع على يدي ثقة،

مسألة: شهد شاهد أنها موضحة وشهد آخر أنها منقلة

فإن عادت لهيئتها رد العقل إلى الجارح، وإن هي لم تعد أعطى عقلها كاملا، فإن هلك قبل أن تنبت فالعقل كامل لورثته، وإن نبتت أصغر من قدرها بالتي قلعت منه كان له من العقل قدر ما نقصت فإن نزعت عمدا فإنه يوضع العقل أيضا ولا يعجل القود حتى يستبرى أمرها، فإن عادت لهيئتها فلا عقل ولا قود، وإن لم تعد اقتص منه، وإن عادت أصغر من قدرها أعطى عقل ما نقص، قال ابن القاسم وأرى في قياس قول مالك أنه إذا مات الصبي ولم تعد اقتص منه وليس فيه عقل؛ لأنه إنما استؤني به النبات لرفع القود، فإذا مات فهو بمنزلة ما لو لم ينبت. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم إذا مات الصبي قبل أن ينبت سنه إنه يقتص منه وليس فيه عقل معناه أن الواجب في ذلك إنما هو القصاص لا العقل إلا أن يتفقا فيه على شيء، والمسألة كلها صحيحة، وقد وقعت آخر كتاب الجراحات من المدونة في بعض الروايات، وكذلك اللسان إذا قطع فنبت لا دية فيه في الخطأ ولا قود في العمد، وذلك بخلاف سن الكبير تقلع فيردها فتنبت أو الأذن تقطع فيردها صاحبها فتلتئم وتعود إلى هيئتها لا اختلاف في وجوب القصاص في ذلك فيه في العمد ويختلف وجوب الدية فيهما في الخطأ على ثلاثة أقوال قد مضت في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى وبالله التوفيق. [مسألة: شهد شاهد أنها موضحة وشهد آخر أنها منقلة] مسألة قيل لأصبغ ما تقول في رجل شج رجلا موضحة فلما برأت الشجة طلب صاحبها عقلها فشهد شاهد أنها موضحة وشهد آخر أنها منقلة فأي الشاهدين يثبت؟ قال: إن كانت الشجة لم تفت ببرء ولا زيادة ولا نقصان نظر إليها غيرهما من أهل المعرفة والعدالة، فإن

مسألة: جرحا عبدا عمدا موضحتين قد شهد بذلك شاهدان فمات ولم يدر من أيهما مات

فاتت عن ذلك كان للمجروح إن شاء حلف مع شاهد المنقلة وكانت له دية المنقلة، وإن شاء فدية الموضحة بغير يمين؛ لأن الموضحة قد اجتمعت عليها الشهادتان، ولأن المنقلة لا تكون منقلة حتى تكون موضحة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن ذلك بمنزلة رجل يدعي على رجل مائة فيشهد له شاهد بمائة وشاهد بخمسين أنه إن شاء أن يحلف مع الذي شهد له بالمائة وإن شاء أن يأخذ الخمسين بغير يمين، بل هي أبين منها، فلا يدخل فيها من الخلاف ما يدخل في الشاهد بالمائة والشاهد بالخمسين وبالله التوفيق. [مسألة: جرحا عبدا عمدا موضحتين قد شهد بذلك شاهدان فمات ولم يدر من أيهما مات] مسألة قيل لأصبغ فلو أن رجلين جرحا عبدا عمدا موضحتين قد شهد بذلك شاهدان فمات ولم يدر من أيهما مات؟ قال: إن عرف الضارب الأول فالسيد بالخيار إن شاء حلف عليه يمينا واحدة مع شاهديه أن من ضربته مات فأخذ منه قيمة عبده، ويرجع الضارب الأول على الضارب الثاني فيأخذ منه نصف عشر قيمته وهو قيمة الموضحة، وإن شاء رب العبد حلف على الثاني وأخذ منه قيمة عبده مغصوبا ويرجع سيد العبد على الضارب الأول فيأخذ منه ما نقص العبد الجرح؛ لأنه إنما أخذ من الثاني قيمته مغصوب، والأول قد جرحه موضحة فأخذ منه قيمتها، وإن كان جرحاه في فور واحد ولم يدر الأول من الثاني فعلى كل واحد منهما نصف قيمته بعد أن يحلف كل واحد منهما ما علم أنه الأول. قال محمد بن رشد: قول أصبغ إنه يحلف على من شاء منهما أنه مات من جرحه يبين قول سحنون الذي تقدم في سماعه حسبما ذكرناه هناك،

مسألة: عبدا جرح عبدا فأقام سيد العبد المجروح شاهدا واحدا

وقوله إنهما إن كانا جرحاه في فور واحد لم يدر الأول من الثاني فعلى كل واحد منهما نصف قيمته بعد أن يحلف كل واحد منهما ما علم أنه الأول معناه وبعد يمينه هو أنه لم يمت إلا من جرحيها، فإن لم يحلف لم يكن له إلا ديات المواضح، وقد مضى ذلك من قوله في صدر هذا السماع مضى من قولنا هناك ما فيه بيان له، وقوله بعد أن يحلف كل واحد منهما ما علم أنه الأول، يريد أو بعد أن ينكلا جميعا عن اليمين؛ لأن نكولهما جميعا كحلفهما جميعا فإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين، نظر، فإن كان يجب على الناكل عن اليمين بالمعرفة أنه هو الأول أو أنه هو الثاني أكثر من نصف القيمة كان ذلك عليه. [مسألة: عبدا جرح عبدا فأقام سيد العبد المجروح شاهدا واحدا] مسألة قال أصبغ لو أن عبدا جرح عبدا فأقام سيد العبد المجروح شاهدا واحدا: إن سيده بالخيار إن شاء حلف مع شاهده وأخذ قيمة جرح عبده، وإن أراد القصاص حلف العبد مع الشاهد واقتص. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على القول بوجوب القصاص في الجراح باليمين مع الشاهد؛ لأن القصاص إنما هو حق للعبد فلذلك كانت اليمين في ذلك عليه، لا على السيد، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي تقطع أنملته كيف تكون ديتها على أهل الإبل] مسألة قال أصبغ سئل ابن القاسم عن الذي تقطع أنملته كيف تكون ديتها على أهل الإبل؟ فقال: أحب إلي أن يأتي بالعشرة من الإبل دية الأصبع كلها على [أسنانها] ، يجبر على ذلك فيكون المقطوع شريكا له فيها بقدر ديته دية الأنملة، ثم يقتسمان بعد أو يبيعان يجبر

مسألة: قطع يدا واحدة من عبد لرجل والعبد فاره صناع

على ذلك كما لو لم يكن عنده إبل، وكانت عنده دنانير، وهو من أهل الإبل كان عليه أن يأتي بالإبل في الدية شاء أو أبى. قال محمد بن رشد: قوله أحب إلي أن يأتي بالعشرة من الإبل إلى آخر قوله يدل على أن هذا هو اختياره مما قيل في ذلك، إذ قد قيل في ذلك بالقيمة لضرر الشركة، وهو الذي يأتي على قولهم في الخلطاء يجب عليهم سن واحدة في الزكاة، وعلى ما قاله مالك في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح يتزوج بأرؤس ولا يبين حمران ولا سودان أن عليه نصف القيمتين يريد إذا كان رقيق البلد الذي يتناكحون عليها حمرانا وسودانا وكان قد تزوج بعبد واحد أو بثلاثة أعبد فتكون عليه القيمة في العبد الثالث حسبما مضى القول فيه هناك. [مسألة: قطع يدا واحدة من عبد لرجل والعبد فاره صناع] مسألة قال أصبغ قال ابن القاسم فيمن قطع يدا واحدة من عبد لرجل والعبد فاره صناع إنه يضمن قيمته ويعتق عليه. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه إذا قطع يديه جميعا أو يده الواحدة وهو صناع أنه يضمن قيمته، واختلف في عتقه عليه، فقال في هذه الرواية إنه يعتق عليه وهو مذهبه في المدونة؛ لأنه قال فيها إنما يعتق عليه إذا كان فسادا لا منفعة معه فيه، وقال أصبغ عتقه استحسان، وقال ابن الماجشون لا يعتق عليه، وأما إذا قطع يده الواحدة وهو غير صناع فلا يعتق عليه، واختلف فيما يلزمه لسيده على ثلاثة أقوال قد تقدمت في رسم المكاتب من سماع يحيى وفي غير ما موضع من هذا الديوان فلا معنى لإعادته ذلك. [مسألة: عبد لرجل جرح رجلا جرحا خطأ فباعه سيده] مسألة وسئل أصبغ عن عبد لرجل جرح رجلا جرحا خطأ فباعه سيده

قبل قيام المجروح، ثم جرح عند المشتري رجلا آخر جرحا خطأ أيضا ثم قام المجروحان الأول والثاني، قال يبدأ بالبائع فيقال له افتد من المجروح الأول الذي جنى عليه العبد وهو في ملكك وينفذ البيع بينك وبين المشتري، فإن نفد البيع لم يكن للمبتاع عليه مقال ولا كلام ولا قيمة عيب؛ لأن الجرح خطأ فليس فيه شيء ولا له عيب والاشتراء له لازم ثم يقال للمشتري حينئذ إن شئت فافتك من المجني عليه الآخر عبدك، وإن شئت أسلمه إليه، أنت مخير في ذلك بمنزلة عبد لك جنى جناية وليس فيه قبل ذلك جناية ولا غيرها سواء، فإن أبى البائع الأول أن يفتك بدية الجناية قيل له فأسلم الثمن كله، فإذا أسلمه فهو كإسلام العبد نفسه، ثم قيل للمجني عليه الأول إن شئت فخذ الثمن بدية جرحك وسلم البيع للمبتاع، فإن فعل فهو سبيل ما وصفت لك في افتكاك البائع بدية الجرح سواء، وإن أبى المجروح وقال لا أقبل الثمن قيل للمشتري إن شئت فافد من المجني عليه آخرا والعبد عبدك؛ لأن ما جني العبد وهو عندك فهو في ضمانك، وخذ الثمن كله وافيا وأسلم العبد إلى المجني عليه أولا عند البائع، وإن شئت فافتد منهما جميعا بدية جرحيهما، ويكون لك الثمن كله، والعبد أيضا أي ذلك شئت أن تفعل من هذا فهو لك وإن أبى المشتري أن يفتدي منهما ويسلم له العبد والثمن أو من الآخر الذي جنى عليه وهو عنده ويسلم له الثمن وافيا ويسلم العبد إلى المجروح الأول عن البائع نظر إلى قيمة العبد صحيحا وقيمته وقد جنى الجناية التي جنى عند المشتري، فينظركم بين ذلك؟ فما فضل من قيمة العبد عن دية الجرح كان للمشتري من الثمن بقدره، وذلك أن الجرح الذي جرح العبد آخرا هو له ضامن فهو عليه، والباقي إنما خرج من يديه من العبد باستحقاق الجرح

الأول، فهو يرجع به في الثمن، وليس له عليه تمام ما بقي من الثمن عما فضل من قيمة العبد صحيحا وقيمته وقد جرح عند المشتري وهو والعبد نفسه بين المجني عليهما جميعا يقتسمانه بينهما جميعا على قيمة العبد صحيحا وقيمته وفيه جناية على قدر جنايتهما، فيضرب فيه المجني عليه أولا عند البائع بقيمته صحيحا لأنه جرحه وليس لأحد فيه قبله جرح، ويضرب بالثاني بقيمته وقد جرح جرحا قبله على جراحهما ومبلغ ذلك، فعلى هذا يكون إن شاء الله. قال محمد بن رشد: وقع في سياقة هذه المسألة تطويل وتكرير وتقديم وتأخير، وتلخيصها أن البائع يخير فإن أفتكه بالجناية التي جنى عنده أو أسلم الثمن فرضي به المجني عليه في جنايته لزم المبتاع الشراء ولم يكن له فيه كلام، وكان بالخيار فيما جنى عنده بين أن يفتكه أو يسلمه، فإن أبى البائع أن يفتديه وأسلم الثمن فلم يرض به المجني عليه رجع الخيار إلى المشتري فكان بالخيار بين أن يفتكه بالجنايتين جميعا ويكون له العبد والثمن وبين أن يفتكه بأحد الجنايتين ويسلم العبد في الجناية الأخرى فيسلم له الثمن وإن كان لم يتكلم في الرواية إلا على الوجه الواحد وهو أن يفتكه من الذي جنى عليه وهو عنده ويدفع العبد في الجناية الأولى، فإن أبى المشتري من ذلك كله كان ما ذكر له في الرواية من قوله إنه ينظر إلى قيمة العبد صحيحا وقيمته وقد جنى إلى آخر قوله، وهو كلام فيه التباين، ومعنى ما ذهب إليه فيه أن المبتاع يرجع على البائع من الثمن بالزائد على ما نقصت العبد الجناية عنده؛ لأن ما نقصته الجناية عنده ضمانه منه، فلا رجوع له به على البائع فيسلم إلى المجني عليهما العبد لأنه مرتهن بالجناية التي جناها عنده وما رجع به على البائع لأن ذلك مرتهن أيضا بالجناية التي جناها عند البائع، فيكون

ذلك كله بينهما على ما ذكر، ووجه العمل في ذلك [أن يقال كم قيمة العبد سالما من الجنايتين فيقال مائة، ثم يقال كم قيمته بالجناية التي جناها عند البائع؟ فيقال ثمانون، فالذي بين القيمتين على هذا من القيمة الأعلى هو الخمس الذي ضمانه من المبتاع، لا رجوع له بما نابه من الثمن، ويرجع عليه بأربعة أخماس الثمن، فيكون ذلك مع العبد بين المجني عليهما، ولو لم تكن له قيمة بالجناية أصلا لما وجب أن يرجع على البائع بشيء ولو كان العبد وحده بين المجني عليهما جميعا، فهذا بيان هذه المسألة وبالله التوفيق. تم كتاب الجنايات الثاني بحمد الله.

: كتاب القطع في السرقة

[: كتاب القطع في السرقة] [مسألة: ليس على من سرق من حلي الكعبة قطع] من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب القبلة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال: ليس على من سرق من حلي الكعبة قطع لأنهم يؤذن لهم في دخولها وكل بيت دخل فيه بإذن فسرق منه شيء فلا قطع عليه فيه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن البيت محجور عن الناس لا يدخل إلا بإذن، فمن سرق ممن أذن له في دخوله لم يكن عليه قطع؛ لأنه خائن وليس بسارق، وسواء كان الذي سرق من الحلي متشبتا بما هو فيه مما حلي به أو موضوعا في البيت غير متشبت بشيء، ولو دخل البيت أحد ممن لم يؤذن له في دخوله مستسرا ليلا أو نهارا فسرق منه شيئا لوجب عليه القطع إذا خرج به من البيت إلى موضع الطواف وإن لم يخرج به عن المسجد؛ لأن حكم البيت الحرام الذي لا يدخل إلا بإذن فيما سرق منه حكم البيت يكون في المسجد مختزن فيه ما يحتاج إليه في المسجد من زيته وفناديله وحصره لا قطع على من دخله بإذن فسرق منه، والقطع واجب على من دخله مستسرا من غير أن يؤذن له فسرق منه ما يجب فيه القطع إذا خرج به من البيت إلى المسجد وإن أخذ فيه قبل أن يخرج منه؛ لأنه إذا أخرجه من البيت إلى المسجد فقد

أخرجه إلى غير حرزه، وأما من سرق من المسجد الحرام ليلا أو نهارا أو من سائر المساجد التي تغلق ليلا أو نهارا شيئا مما هو متشبت به كجائزة من جوائزه أو باب من أبوابه أو ثرية من ثرياته المعلقة فيه المتشبتة به أو حصير قد سمر في حائط من حيطانه أو خيط إلى ما سواه من الحصر على ما روي عن سحنون فلا اختلاف في وجوب القطع على من سرق شيئا من ذلك تبلغ قيمته ما يجب فيه القطع، واختلف أن من سرق شيئا من ذلك من موضعه وغير متشبت به كقناديل موضوعة في ثرياته أو حصر موضوعة في مواضعها، فقيل إن مواضعها حرز لها يقطع من سرق شيئا من ذلك إن أزاله عن موضعه وإن أخذ قبل أن يخرج به من المسجد، وقيل إنه لا قطع عليه في شيء من ذلك كله، وإن خرج به من المسجد اختلف في ذلك قول ابن القاسم على ما يأتي في رسم نقدها من سماع عيسى، واختلف في الفطرة توضع في المسجد فقيل إن حكمها حكم حصر المسجد يدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في حصر المسجد إذا سرقت نهارا، وإلى هذا ذهب أصبغ وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في رسم نقدها من سماع عيسى بعد هذا؛ لأنه قال إن سارقها يقطع وإن لم يخرج بها من المسجد، ولم يشترط أن يكون عليها حارس، فظاهر ذلك أنه حكم لها بحكم حصر المسجد، وقيل إنه لا قطع على من سرقها نهارا إلا أن يكون عليها حارس، وهو قول مالك في الواضحة، وإياه اختار ابن حبيب؛ لأن المسجد ليس بموضع للفطرة يختص بها كالحصير، ولو أتى رجل بطنفسة إلى المسجد ليصلي عليها لما يقيه من حر أو برد ثم ينقلب بها ولم يضعها في المسجد كسائر حصره فذهب وتركها ناسيا لها أو غير ذلك فلا قطع على من سرقها ليلا أو نهارا وإن كان على المسجد غلق؛ لأن الغلق لم يكن من أجلها ولم يكلها صاحبها إليه، قال ذلك ابن حبيب في الواضحة، وكذلك الفطرة توضع فيه على مذهبه، فيتحصل على هذا في سارق الفطرة من المسجد وفي سارق الحصير منه الذي يضعه الرجل فيه ليصلي عليه ثلاثة أقوال، وأما من فتح المسجد الذي يغلق

مسألة: سرق أجنبي من بعض بيوت السكان شيئا

ليلا بالليل فيسرق منه أو الذي يغلق نهارا في الحين الذي يغلق فيه فسرق منه شيئا من حصره أو قناديله الموضوعة فيه أو المتشبتة فيه فلا اختلاف في وجوب القطع على من سرق من ذلك ما يجب فيه القطع، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق. [مسألة: سرق أجنبي من بعض بيوت السكان شيئا] مسألة وقال مالك في الدار تكون للرجل بابها مفتوح أو لعله لا باب له يدخل بغير إذن قد حجر الرجل على نفسه في ناحية منها وليس لأحد معه فيها شرك فيسرق السارق بعض ما في حجرة من بيوتها فيؤخذ وقد خرج به من البيت إلى الموضع الذي يدخل بغير إذن، قال: لا أرى عليه قطعا حتى يخرج من الدار كلها، ولا أراها كالدار المشتركة، قال ابن القاسم وهو رأيي. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الرجل إذا أذن للناس في الدخول إليه في دار سكناه إذنا عاما كالعالم والطبيب أو الرجل يحجر على نفسه في بيت من داره ويترك بابها مفتوحا لمن جاء إليه لما قد يشق عليه من الخروج إلى باب الدار لكل من أتاه وقصده فسرق بعض من دخل الدار من بعض بيوتها التي قد حجرها عن الناس فلا قطع على من سرق منها حتى يخرج بما سرقه منها عن جميع الدار لأن الدار من بقية الحرز وليست كالمحجة وإن كان قد أذن فيها لجميع الناس لأنهم لم يدخلوها إلا بإباحة صاحبها، وإنما لم يسقط عنه القطع إذا خرج بما سرقه عن جميع الدار كالضيف على مذهب ابن القاسم لأن الضيف خصه بالإذن فصار مؤتمنا فيما أخذ وكان له فيما أخذ على مذهبه حكم الخائن لا حكم السارق، فالمسألة صحيحة بينة لا اختلاف فيها بخلاف الدار المشتركة بين السكان فيها خاصة تلك إن سرق بعض السكان فيها من بعض يقطع باتفاق، وإن لم يخرج بما سرقه من

: الغسال يأخذ ثيابا يغسلها فيخرج إلى البحر

الدار ولا دخل به بيته، وإن سرق أجنبي من بعض بيوت السكان شيئا فأخذ في الدار قبل أن يخرج منها، فقيل إنه يقطع، وقيل إنه لا يقطع، من قال إنه لا يقطع في الأول يقول يقطع في الثاني، ومن قال إنه يقطع في الأول يقول أنه لا يقطع في الثاني؛ لأن الصحن حرز عن الأجنبيين وليس بحرز عن السكان إن سرق بعض السكان من الصحن شيئا لم يقطع باتفاق وإن دخل في بيته أو خرج به من الدار، وإن سرق أجنبي من الصحن شيئا فأخرجه من الدار قطع باتفاق، فمن غلب أنه حرز يقول إن الأجنبي إذا سرق من بيت من البيوت شيئا وأخذ في الدار لم يقطع وإن سرق من الصحن شيئا قطع لأن الأول لم يبن به عن الحرز والثاني أخرجه من الحرز، ومن غلب أنه ليس بحرز يقول إن الأجنبي إذا سرق من بيت من البيوت شيئا وأخذ في صحن الدار قطع، وإن سرق من صحن الدار شيئا لم يقطع وإن أخرجه من الدار، وهذا إذا كان ما في الصحن قد نسيه فيه بعض أو وضعه فيه ثم قام عنه وتركه، وأما إن كان جالسا على متاعه الذي وضعه في الصحن إن كان ذلك الموضع الذي وضع فيه المتاع موضعا معروفا له كمعلف الدابة فحكمه في سرقة السارق إياه حكم ما سرق الشراك من بيوت الدار كان من السكان فيها أو من الأجنبيين يبين هذا ما يأتي في رسم أوصى من سماع عيسى من قول مالك في السفيه حسبما سنبينه إن شاء الله. وأما الدار المشتركة بين السكان فيها المباحة قاعتها لجميع الناس كالفنادق والتي في قاعتها البيع والشراء فهذه إن سرق منها سارق قطع باتفاق وإن أخذ قبل أن يخرج من الدار وبالله التوفيق. [: الغسال يأخذ ثيابا يغسلها فيخرج إلى البحر] ومن كتاب شك في طوافه وسئل مالك عن الغسال يأخذ ثيابا يغسلها فيخرج إلى البحر

فيغسلها وينشرها يجففها فيسرق منها وهو معها لعمله أن يكون مشتغلا ببعضها يغسله وما أشبه ذلك مما يعالج إلا أنه معها أترى على من سرقها قطعا؟ ففكر فيها طويلا ثم قال: لا أرى في ذلك قطعا، وإنما مثل ذلك عندي الغنم، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أواها المراح أو الجرين» فالغنم قد يكون معها صاحبها يرعاها وهي في الرعي فليس على من سرقها قطع فهذا عندي يشبهه، ولا أرى على من سرقها قطعا، وسئل مالك عن الصباغين الذين يأخذون أمتعات الناس من القطف والثياب الصوف والقطن يصبغونها ألوانا فينشرونها على حبال يمدونها على حوانيتهم في الطرق فيسرق بعض ما على بعض تلك الحبال أترى أن يقطع من سرق مما عليها شيئا؟ قال: ذلك عندنا مثل ما وصفت لك ولا أرى فيها قطعا، ولعله يذهب ويتركها أو يطرحها الريح وما أشبه هذا، فلا أرى في ذلك قطعا. قال محمد بن رشد: شبه مالك المسألة الثانية بالأولى فلم ير فيها قطعا، وموضع الشبه بينهما أنها في المسألتين جميعا ثياب موضوعة في غير ملك لا حارس عليها؛ لأن الغسال الذي نشر ثيابه يجففها بعد أن غسل بعضها إنما هو مشتغل بغسل ما بقي منها لا يحفظ ما نشر منها، فأشبهت عنده الغنم في الرعي وإن كان معها راع؛ لأن الراعي لا يحوط بحفظها من السرقة لانتقالها بالرعي من موضع إلى موضع كما لا يحوط الغسال بحفظ ما نشر من ثيابه من السرقة لاشتغاله بغسل ما سواها، ولو كان معه من يحفظ كل ما نشر منها ما دام هو يغسل بقيتها لوجب القطع على من سرق شيئا منها، وكذلك

: دراهم تكون عندنا تنقص الخروبة والثلاث حبات هل يقطع في ثلاث دراهم منها

الصباغ الذي نشر ثيابه على حبال يمدها في الطريق لو جعل عليها حارسا يحرسها لوجب القطع على من سرق شيئا منها، وقوله في هذه الرواية إن على من سرق شيئا منها القطع إذا لم يكن حارس هو على قياس قوله في المدونة في الذي يسرق ثوب الرجل وهو منشور على حائط بعضه في الدار وبعضه خارج من الدار إنه لا قطع عليه، وقد روي عن مالك في حبل الصباغ والقصار أنه يقطع من سرق منه، قال ابن القاسم: ولا فرق بين حبل قديم وحديث، وأنكر قول من فرق بينهما، قال سحنون: أكثر الرواية يقطعون في الثوب المنشور على الحائط وهو رأيي، ويرد قول ابن القاسم في ذلك قوله في الذي يسرق الثوب الملقى على ظهر البعير إنه يقطع، فالأظهر فيما نشر الصباغ على حباله في الطريق أن يقطع من سرق منها وإن لم يكن عليها حارس؛ لأن وضعه إياها على حباله حرز لها، والأظهر فيما نشر الغسال من الثياب التي غسلها فسرق منها وهو مشتغل بغسل بقيتها ألا قطع على سارقها لأنها في الحال كالمهملة دون حارس، ولو سرق منها سارق شيئا بعد أن أكمل غسل جميعها وجلس يحفظها لوجب أن يقطع يده قولا واحدا وبالله التوفيق. [: دراهم تكون عندنا تنقص الخروبة والثلاث حبات هل يقطع في ثلاث دراهم منها] ومن كتاب أخذ يشرب خمرا قال وسألت ابن القاسم عن دراهم تكون عندنا تنقص الخروبة والثلاث حبات، هل يقطع في ثلاث دراهم منها؟ قال: لا، ولا يقطع إلا في ثلاث دراهم قائمة إذا كانت تنقص خروبة نقصت نحوا من خمس درهم وأحب إلي أن يدرأ الحد بالشبهة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن نقصان خروبة أو ثلاث حبات من كل دراهم نقصان كثير يتفق الموازين على نقصانه، فإنما قال والله أعلم فأحب إلي أن يدرأ الحد بالشبهة إذا كانت تجوز بجواز الوازنة، ولو

: الدواب التي تكون في الربيع فتسرق منها دابة

كانت لا تجوز بجواز الوازنة لسقط الحد على كل حال، ولأصبغ في كتاب ابن المواز أنه إذا نقص من كل درهم مثل الحبتين فيقطع، ومعنى ذلك والله أعلم إذا كانت تجوز بجواز الوازنة؛ لأن الحبة مما يمكن أن تختلف فيه الموازن، فإذا كان النقصان يسيرا تختلف فيه الموازن وتجوز بجواز الوازنة قطع بلا إشكال، وإذا كان النقصان كثيرا يتفق عليه الموازن ولا تجوز بجواز الوازنة لم يقطع بلا إشكال، وإذا كان النقصان كثيرا وهي تجوز بجواز الوازنة أو قليلا وهي لا تجوز بجواز الوازنة فالصواب أن يدرأ الحد بالشبهة على ما قاله في الرواية، وهذا على قياس قولهم في اعتبار النقصان في نصاب الزكاة، فإذا كان النقصان يسيرا وهي لا تجوز بجواز الوازنة وجبت فيها الزكاة، وإذا كان النقصان كثيرا وهي لا تجوز بجواز الوازنة لم تجب فيها الزكاة وإذا كان النقصان كثيرا وهي تجوز بجواز الوازنة أو يسيرا وهي لا تجوز بجواز الوازنة فقيل إن الزكاة تجب فيها، وقيل إنها لا تجب وبالله التوفيق. [: الدواب التي تكون في الربيع فتسرق منها دابة] ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل مالك عن الدواب التي تكون في الربيع وقومتها معها مقيمون يبيتون معها فتسرق منها دابة وهي على أوتادها مربوطة أترى أن يقطع من سرقها؟ قال: ما أراها إلا من ناحية المرعي وما يعجبني، قال ابن القاسم: وذلك رأيي. قال محمد بن رشد: روى ابن وهب عن مالك مثله وقال ابن وهب أما أنا فكنت أرى عليه القطع إذا جاء إلى مرابطها بالليل أو النهار فحلها فأرى عليه القطع، ولكلا القولين وجه من النظر، فوجه قول ابن القاسم وروايته عن مالك في هذه الرواية أنها لما كانت في المرعى وكان قومتها ينقلونها من موضع إلى موضع يربطونها فيه للأكل لئلا تشتغل عنه إن كانت مسرحة لم ير

مسألة: سرق من الحمام

تلك المراح حوزا لها، وأشبه كونها مسرحة في الرعي، ووجه قول ابن وهب أن كل موضع يربط فيه فقد صار حوزا لها كالدابة إذا ربطت بالفناء أن ذلك يكون حوزا لها. [مسألة: سرق من الحمام] مسألة وسئل عمن سرق من الحمام، قال: إن الحمام ربما أخطأ الرجل وربما اعتلوا ولقد قلت لصاحب السوق آمره أن يضمن أصحاب الحمامات ثياب الناس فيضمنونها أو يأتوا بمن يحرسها، وأمرته أن يضمنهم ثياب الناس الذين يدخلون الحمام، قال سحنون يعني بقوله اعتلوا بقول أحدهم إني ظننت أنه ثوبي. قال محمد بن رشد: اعتلاله لو سرق من الحمام أنه لا يقطع بقوله إن الحمام ربما أخطأ الرجل وربما اعتلوا يجب أن يحمل على التفسير لما في المدونة وغيرها من أنه لا قطع على من سرق من الحمام ثياب الناس إذا دخل من مدخلهم إلا أن يكون معها من يحفظها قطع سارقها إلا أن يقول أخطأت أو ظننت أنه ثوبي فيصدق في ذلك ولا يقطع إذا أشبه ما يقول ولم يتبين في ذلك كذبه، بدليل قوله في هذه الرواية ولو لم يكن معها من يحفظها فسرق السارق ثوب أحدهم وهو حاضر مع ثيابه قبل أن يتحمم أو بعد أن تحمم لوجب عليه القطع لأن متجرد الحمام مشترك بين جميعهم فلا يقطع من سرق من ثياب أحدهم شيئا إلا أن يكون المسروق منه مع ثيابه على ما قاله في سماع أشهب بعد هذا في القوم ينزلون في المسجد فيسرق السارق متاع أحدهم أنه لا قطع عليه إلا أن يكون مع متاعه، وإذا كان مع الثياب في الحمام من يحرسها فسرقها سارق فلا قطع عليه حتى يخرج بها من الحمام على قياس ما قاله في المسألة الثانية من أول رسم من السماع إذا دخل يتحمم لأنه قد أذن له في ذلك، بخلاف من سرق من المسجد ما يجب فيه القطع عليه أنه يقطع إذا أزال ما سرقه من موضعه وإن لم يخرج به من المسجد، وأما إذا دخل للسرقة

: القمح الذي يحصد ويوضع في مواضعه أياما لييبس فيسرق منه

وأخذ قبل أن يخرج من الحمام فيجري ذلك على الاختلاف في الأجنبي يسرق من بعض بيوت الدار المشتركة بين السكان، فيؤخذ في الدار قبل أن يخرج منها حسبما مضى بيانه في أول رسم من سماع ابن القاسم هذا وقد مضت هذه المسألة متكررة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب تضمين الصناع وذكرنا هناك معنى ما ذهب إليه مالك بقوله ولقد قلت لصاحب السوق إلى آخر قوله، فلا معنى لإعادته. [: القمح الذي يحصد ويوضع في مواضعه أياما لييبس فيسرق منه] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل عن القمح والفرط زرع أهل مصر الذي يحصد ويوضع في مواضعه الذي يحصد أياما لييبس فيسرق منه أترى على من يسرق منه قطعا؟ قال: إنما جاء الحديث: «فإذا آواه المراح أو الجرين» فهذا ليس بمراح عندي ولا جرين، قلت له: ولا ترى فيه قطعا؟ فقال: ما هو عندي بين، وما هو مراح ولا جرين، ثم قال لي: فأين يدرس؟ قلت له: في الجرين، فقال: هذا بين إذا سرق منه، فكأنه يريد القطع، قال ابن القاسم: إنما يريد الجرين. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله في هذه الرواية أنه لا قطع في الزرع بعد أن يحصد إذا ترك في موضعه ما لم ينقل إلى الجرين خلاف ما في أول رسم من سماع أشهب من أن الزرع إذا حصد فجمع من الغائط في موضع ليحمل إلى الجرين أن على سارقه القطع، ومن الناس من تأولها فلم يحملها على الخلاف وقال هي رواية ابن القاسم أن الزرع لما حصد ترك في موضعه ولم يضم بعضه إلى بعض، فلذلك لم ير القطع على من سرقه، بخلاف إذا جمع بعضه إلى بعض بعد أن يحصد ليحمل إلى الجرين على ما قاله في رواية أشهب وهو ظاهر من لفظ الرواية لأنه قال فيها: لأنه قد جمع وضم بعضه إلى

بعض، والأظهر في المعنى أنه اختلاف من القول، ولا فرق إذا حصد ما لم ينقل إلى الجرين بين أن يجمع بعضه إلى بعض أو لا يجمع، وإلى هذا ذهب ابن المواز واختار رواية ابن القاسم فقال: هذا أحب إلي، فيتحصل في هذا ثلاثة أقوال، أحدها أن يقطع من سرقه بعد أن يحصد ضم بعضه إلى بعض أو لم يضم، والثاني أنه لا يقطع سارقه ضم بعضه إلى بعض أو لم يضم حتى ينقل إلى الجرين، والثالث الفرق بين إن سرق بعد أن يضم بعضه إلى بعض أو قبل ذلك، وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا لم يكن عليه حارس، وأما إذا كان عليه حارس فلا اختلاف في أن على سارقه القطع، وكذلك إن كان الزرع في حائط لا اختلاف أحفظه نصا في وجوب القطع على من سرقه بعد أن يحصد وإن كان في موضعه قبل أن ينقل أو يجمع أو بعد ذلك على ما قاله في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى بعد هذا، وقد يدخل في ذلك اختلاف بالمعنى، فقد روى ابن القاسم في الجدع من النخل يقطع ويوضع في الجنان أنه يقطع سارقه، قال وكذا جميع الشجر، قال محمد: وأظنه لا حرز لها إلا حيث ألقيت فيه، ولو كان إنما وضعت لتحمل إلى حرز لها معروف لم تقطع حتى تضم إليه، وهذا أحب إلي، قال وأحب فيه اختلافا، ومالا حرز له كالمقاتي وشبهها فالقطع على من سرقها بعد أن يجمع في الموضع الذي تحمل منه للبيع على ما قاله أصبغ ورواه عن ابن القاسم بعد هذا في رسم الحدود من سماعه، وإذا سرق الزرع في الطريق إلى الجرين فالقطع على سارقه قولا واحدا من أجل كون حامله معه، ومن سرق من ثمر نخلة قبل أن تجد وهي في دار رجل قطع إذا بلغت قيمته على الرجاء والخوف ربع دينار، بخلاف الحوائط والبساتين، قاله في كتاب ابن المواز وبالله التوفيق.

: سرق العبد من مال ابن سيده

[: سرق العبد من مال ابن سيده] ومن كتاب سعد في الطلاق قال ابن القاسم قال مالك: وإن سرق العبد من مال ابن سيده قطعت يده. قال محمد بن رشد: رأيت لأحمد بن خالد، قال: أخبرني إبراهيم بن محمد بن باز قال: سئل يحيى بن يحيى عن عبد سرق من مال ابن سيده ما يجب فيه القطع؟ قال فسألته فقال: إن كان في حضانة أبيه فلا قطع عليه وإن كان قد بان عليه فعليه القطع، قال: فأخبرت سعيد بن حسان بقوله فما أعجبه، قال إبراهيم بن محمد: فلما رحلت سألت عنها سحنون بن سعيد فقيه القيروان، فقال لي: كان ابن القاسم يروي عن مالك أن عليه القطع وابن وهب يروي عنه ألا قطع عليه ولكلا الروايتين عن مالك وجه، والأظهر إيجاب القطع عليه؛ لأن القطع معلق بالضمان، ألا ترى أن العبد لما كان إذا سرق من مال سيده لم يقطع فيه من أجل أنه لا يضمنه وجب أن يقطع فيما سرق من مال ابن سيده من أجل أنه يضمنه، ألا ترى لو استهلك مال ابن سيده لكانت جناية في رقبته يدفعه بها سيده إلى ابنه أو يفتديه، فإذا كان لابنه أن يأخذ العبد في جنايته عليه في ماله وجب إذا سرقه أن تقطع يده إذ لا حرمة بينه وبينه يدرأ الحد بها وإنما الحرمة فيما بين مولاه وبينه لأنه ابنه فهو الذي لا يقطع في ماله إن سرقه عبدا كان أو حرا، وهو قول ابن القاسم رواه عنه محمد بن خالد في سماعه بعد هذا من هذا الكتاب؛ لأنه لا يقطع العبد إذا سرق من مال ابنه الحر، قال وكذلك إن سرق من مال ابنه العبد؛ لأن مال ابنه العبد له حتى ينتزعه منه سيده. واختلف في الجد يسرق من مال ابن ابنه، فقال ابن القاسم لا يقطع، وقال أشهب يقطع ويقطع من سواهم من القرابات، ووجه القول بأنه لا يقطع العبد إذا سرق من مال ابن سيده قوله في الحديث: «أنت ومالك

مسألة: الحرز إنما هو على ما جرت به عادة الناس

لأبيك» . فلما كان مال الابن كأنه مال الأب لم ير أن يقطع يد عبد الأب فيه، إذ لا يقطع العبد إذا سرق مال سيده، وهو ضعيف؛ لأنه إنما لم يقطع العبد إذا سرق من مال سيده إذ لا يجمع على السيد عقوبتان: ذهاب ماله وقطع يد غلامه، ووجه تفرقة يحيى بن يحيى بين أن يكون الابن في حضانة أبيه أو لا يكون في حضانته هو أنه إذا كان في حضانته فهو الحائز لماله وقد قال في كتاب محمد بن المواز إن العبد إذا سرق من وديعة عند سيده الأجنبي من بيت لم يؤمن على دخوله لم يقطع، وإذا لم يقطع فيما حازه سيده الأجنبي فأحرى ألا يقطع فيما حازه لابنه فهي تفرقة جيدة وبالله التوفيق. [مسألة: الحرز إنما هو على ما جرت به عادة الناس] مسألة وقال مالك في مطامر يجعل الناس فيها أطعماتهم يخزنونها فيها، منها ما يغيب ويعفي حتى لا يعرف موضعها بالفلاة وبحضرة الدار، ومنها ما يكون بينا بحضرة أهله فيسرق منه قيمة ثلاثة دراهم أو أكثر، قال مالك: أما ما كان في الفلوات قد عفا عليه وأسلمه صاحبه ولا خفاه فلا أرى فيها قطعا والله أعلم، وأما ما كان بحضرة أهله معروفا بيننا فالقطع على من سرق منه قيمة ثلاثة دراهم فصاعدا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الحرز إنما هو على ما جرت به عادة الناس أن يحرزوا به امتعاتهم، فمن أسلم طعامه وتركه في الفيفاء قد عفى عليه وأسلمه وأعفاه فليس في حرز إذ ليس يحرز أحد طعامه بهذا، بل من فعل ذلك فقد أهمله وعرضه للتلف.

: لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل

[: لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الحدود قال سحنون أرانا أشهب قال سئل مالك عن الدار المسكونة يكون للرجل فيها الشاة والآخر شاتان فيكون في الدار فيغلق الباب بالليل فيأتي الرجل فيتسور من الجدار وهو قصير فيأخذها فيذهب بها أتراه سارقا؟ فقال: نعم، وعليه القطع. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله وفيه النص، وهو قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن» . [مسألة: السرقة من مساجد يحرس فيها ليست لها أبواب تغلق] مسألة وسئل فقيل إن عندنا بالإسكندرية مساجد يحرس فيها ليست لها أبواب تغلق، من شاء دخلها وخرج منها فربما قام بعضنا إلى البحر يتوضأ وسيوفنا معلقة في المسجد وهو مسجد يدخل ويخرج منه بغير

مسألة: السرقة من الزرع يحصد فيجمع من الغائط ليحمل إلى الجرين

إذن فربما خالفنا إليه السارق فيسرق منها والأمير في المسجد يؤخذ وقد خرج من المسجد، فقال: ما أرى عليه قطعا، سرقه وصاحبه ليس عنده وقد تركه هكذا، قيل له ألا ترى عليه قطعا، فقال: ما أرى ذلك إنما سرقه وليس صاحبه عنده، ولو سرقه وصاحبه عنده كان في ذلك شيء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال المسجد مشترك بجميع الناس فنزولهم فيه بخلاف نزول الرفقاء في الأسفار في الصحاري؛ لأنهم إذا نزلوا في الصحراء صار منزل كل واحد منهم حرزا لمتاعه كان معه أو قام عنه وتركه، إذ لا شركة لأحد معه في موضع نزوله، وإذا نزلوا في المسجد لم يكن موضع نزوله حرزا لمتاعه إلا أن يكون معه، فإن كان معه وسرق منه سارق قطع وإن أخذ بما سرق منه قبل أن يخرج من المسجد، والأصل في هذا ما ثبت من أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقطع يد سارق رداء صفوان من المسجد إذ سرقه منه وقد توسده وبالله التوفيق. [مسألة: السرقة من الزرع يحصد فيجمع من الغائط ليحمل إلى الجرين] مسألة سئل عن الزرع يحصد فيجمع من الغائط في موضع ليحمل إلى الجرين فربما كان عليه من يحرسه فيجيء السارق يسرق منه قتاتا يجب في قيمتها القطع أترى عليه قطعا؟ فقال: نعم فيما أرى الآن

: سئل أسرقت قال أي والله لقد سرقت وما عندي مما سرقت إلا هذا الدرهم

عليه القطع، فإنما هم عندي بمنزلة الزرع إذا آواه الجرين لأنه قد جمع ههنا في الغائط وضم بعضه إلى بعض وصار له حرزا، وربما ترك هناك الزمان الطويل لكثرة ذلك عليهم، قيل له وليس ذلك عندك بمنزلة الزرع القائم ولا في رؤوس الشجر من الثمر بمنزلة ما في أصولها قد حصد ووضع في أصلها فأرى على هذا القطع وأرى الزرع إذا حصد ربما أقام الشهر ونحوه في الغائط قبل أن ينقل لكثرة ذلك عليهم وغلبته إياهم، فهذا بين أن في ذلك القطع، قلت له أترى أن تقطع من سرق من ذلك شيئا يجب فيه القطع كان عنده حارس أو هو حارس عنده، فإنه ربما سرق منه الشيء من الغائط ولا حارس عنده، ومنهم من يحرس ذلك، فقال لي: ومن يستطيع أن يحرس هذه السنة كلها أو ما أقام في ذلك الموضع وهذا أمر يطول، وأرأيت الجرين إذا سرق منه ولا حارس عنده فأرى على السارق فيه القطع وإن لم يكن عنده حارس، فأنا أرى هذا الذي سألت عنه مثل ما سرق من الجرين. قال محمد بن رشد: قوله إن القطع على من سرق من الجرين كان عليه حارس أو لم يكن، معناه إذا كان بالقرب وفي المواضع المعلومة لها وأما إذا كان في الصحراء فقد قال أشهب إنه لا قطع على من سرق منه إذا لم يكن عليه حارس، وقد مضى بقية القول في هذه المسألة المعلومة في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم. [: سئل أسرقت قال أي والله لقد سرقت وما عندي مما سرقت إلا هذا الدرهم] ومن كتاب السرقة وسئل مالك عمن اتهم بالسرقة فأخذ فيها فسئل أسرقت؟ قال: أي والله لقد سرقت، وما عندي مما سرقت إلا هذا الدرهم

فهو يقر بالسرقة ولا يعطيهم شيئا إلا الدرهم يقول قد ذهب ذلك كله مني إلا هذا الدرهم، فهو يقر بالسرقة ولا يعطيهم شيئا، قال أما القطع فلا أرى عليه قطعا، لم يأت بشيء يحق ذلك عليه، ولا أراه وجب عليه في هذا قطع، لم يأت بأمر يقين ولا بأمر تعين ولا شهادة عليه ولا هو جاء بمتاع يعرف أنه مسروق منه ولا يعرف الدرهم، فلا أرى عليه قطعا، وأرى أن يعاقب. قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم العتق من سماع عيسى بعد هذا خلاف ظاهر ما في المدونة، ولا اختلاف أحفظه في أنه يقطع بغير تعين إذا أقر قبل أن يؤخذ، ولا في أنه لا يقطع دون تعيين إذا أقر بعد التهديد، وإنما اختلف هل يقطع مع التعيين إذا كان إقراره بعد التهديد ورجوعه عما أقر به على نفسه من السرقة مبني على هذا التقسيم؛ لأنه كلما قوي وجوب القطع ضعف إعمال الرجوع، فإذا أقر على نفسه بالسرقة قبل أن يؤخذ ثم رجع عن إقراره فقيل إنه يقبل رجوعه، وقيل إنه لا يقبل إلا أن يقول إنما أقررت لوجه كذا وكذا، فإن أقر بالسرقة قبل أن يؤخذ وعينها ثم رجع عن إقراره فقيل إنه لا يقبل رجوعه، وقيل إنه يقبل إذا قال أيضا أقررت لوجه كذا وكذا، فإن أقر بالسرقة بعد أن يؤخذ ولم يعين ثم رجع على القول بأنه يقطع دون تعيين قبل رجوعه وإن جحد الإقرار ولم يأت لرجوعه عنه بوجه قولا واحدا وهو ظاهر ما في كتاب ابن المواز، قال ومن أقر بالسرقة بغير محنة ثم رجع فإنه يقال ولا يقطع ويتبع في عدمه، ولو ثبت على إقراره لم يتبع في عدمه وقطع وإن أقر بالسرقة بعد أن يؤخذ وعينها ثم رجع فذلك بمنزلة إذا أقر قبل أن يؤخذ ولم يعين ثم رجع لوجوب القطع في الوجهين جميعا باتفاق، فقيل إنه يقبل رجوعه، وقيل إنه لا يقبل إلا أن يقول إنما أقررت لوجه كذا وكذا، وإن أقر بالسرقة بعد التهديد وعينها ثم رجع عن إقراره على القول بأنه يقطع إذا عين ما سرق فذلك بمنزلة إذا أقر بالسرقة بعد أن يؤخذ ولم يعينها للاختلاف في

مسألة: مسافرين ضربوا أخبيتهم فسرق بعضهم من بعض

وجوب القطع عليه في الوجهين جميعا، فيقبل رجوعه وإن جحد الإقرار ولم يأت لرجوعه عنه بوجه يذكره، واختلف على القول بأنه لا يقطع إذا أقر وإن عين إذا كان إقراره بعد التهديد أو الضرب إن تمادى على إقراره وهو آمن فقيل أنه يقطع، وقيل إنه لا يقطع فهذا تحصيل القول عندي في هذه المسألة، وسيأتي طرف منها في رسم نقدها ورسم العتق من سماع عيسى وفي سماع محمد بن خالد وبالله التوفيق. [مسألة: مسافرين ضربوا أخبيتهم فسرق بعضهم من بعض] مسألة وسئل عن المسافر ينزل بأرض فلاة فيضرب فيها خباه، فمن متاعه ما يدخله الخباء ومنه ما يكون خارجا منه، وينيخ إبله أفترى على من سرق من متاعه الذي في الخباء أو خارجا منه قطعا، وإن سرق شيئا من إبله المناخة؟ فقال: نعم أرى عليه القطع، ومن الناس من ليس له خباء فأرى القطع على من سرق من إبلهم المناخه معلفة كانت أو غير معلفة إذا كانت قرب صاحبها عندها: أرأيت الذي جاء عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا آواه المراح أو الجرين» أيكون على المراح والجرين حرز. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف في ذلك أحفظه في المذهب؛ لأنه قد صار الموضع الذي نزل من الفلاة منزلا له وحرزا لمتاعه لا شرك لأحد معه فيه، فوجب القطع على من سرق منه كان حاضرا مع متاعه أو غائبا عنه. وإن كانوا جماعة مسافرين ضربوا أخبيتهم فسرق بعضهم من بعض قطع، وقاله في كتاب محمد، قال محمد: يريد ما لم يكونوا من أهل خباء واحد وقال مالك في الرفقة ينزلون في الفلاة كل قوم على حدة ويضم كل رفقاء متاعهم على حدة إلا أنهم نزلوا بموضع واحد، فإن سرق بعضهم من بعض

مسألة: لا قطع على من سرقه في مرات

فذلك كالدار المشتركة ذات المقاصر، فلا يقطع إن سرق بعضهم من بعض، ومن سرق منهم من غير رفقائه أو من غير أهل خباءه قطع، والخباء نفسه إذا سرق قطع سارقه، قال محمد: وأما أهل السفينة يسرق بعضهم من بعض فلا قطع عليه، وهي كالحرز الواحد إلا أن يسرق منهم أحد من غيرهم مستسرا فليقطع إن أخرج ذلك من المركب ويقطع من سرق السفينة إلا أن تكون مخلاة لا أحد فيها، وقول محمد في أهل السفينة إنه لا قطع في سرقة بعضهم من بعض يريد إذا لم يكن المسروق منه على متاعه على ما حكاه ابن القاسم عن مالك في رسم أوصى من سماع عيسى بعد هذا هو نحو قول مالك في الرفقة ينزل كل قوم من أهلها على حدة ويضم كل رفقاء منهم متاعه على حدة أنه لا قطع في سرقة بعضهم من بعض؛ لأن معناه إذا لم يكن المسروق منه مع متاعه، وأما قوله إن ذلك كالدار المشتركة ذات المقاصر فلا يقطع إن سرق بعضهم من بعض لأن المعروف في الدار المشتركة بين السكان خاصة أن القطع واجب على من سرق منهم من بيت صاحبه حسبما مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: لا قطع على من سرقه في مرات] مسألة وسئل عن الذي يسرق ما لا يجب عليه فيه القطع فلا يظهر عليه حتى سرق ما لا يجب فيه القطع ثم يظهر عليه وقد اجتمع في ذلك ما يجب فيه القطع، قال: لا أرى عليه قطعا حتى يسرق في مرة ما يجب فيه القطع. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، وهو مما لا اختلاف فيه لأنه ما يجب فيه القطع محدود، فلا قطع على من سرقه في مرات.

مسألة: يأتي البيت فيه القمح فيسرق منه وينقل بقيته قليلا قليلا

[مسألة: يأتي البيت فيه القمح فيسرق منه وينقل بقيته قليلا قليلا] مسألة قيل له أرأيت الذي يأتي البيت فيه القمح فيسرق منه وينقل بقيته قليلا قليلا ما لا يجب فيه القطع في كل نقلة نقلها إلى خارج فينقله. حتى يجتمع له ما يجب فيه القطع في سرقة واحدة، فقال: أرى على هذا القطع لأنها سرقة واحدة، ولكن ثقل ذلك عليه فحمل من البيت إلى الحجرة ومن الحجرة إلى خارج، فأراه وجب عليه في هذا القطع. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن السارق إذا وجد الشيء المجتمع في البيت من الطعام أو المتاع الذي لا يقدر أن يخرجه في مرة فجعل ينقله شيئا شيئا أنها سرقة واحدة؛ لأنه إنما خرج بما خرج به مما وجد بنية العودة إلى الرجوع عن الباقي، فوجب عليه في ذلك القطع ولم يصدق في أنها سرقة أخرى بنية ثانية، وما في سماع أبي زيد عن ابن القاسم من أن السارق إذا دخل البيت في ليلة عشر مرات، وكل ذلك يخرج بقيمة درهم، أو درهمين لا قطع عليه حتى يخرج في مرة واحدة بقيمة ثلاثة دراهم ليس بخلاف لقول مالك في هذه الرواية؛ لأن الذي دخل في البيت في ليلة عشر مرات يحتمل أن يكون عاد مرة بعد أخرى لانتقال ما وجد في البيت، ويحتمل أن يكون عاد مرة بعد أخرى ليلتمس ما يسرق سوى ما سرق أولا احتمالا واحدا فصدق السارق في أنها سرقات مفترقات، والذي وجد القمح فجعل ينقله شيئا فشيئا الأظهر أنها سرقة واحدة فلم يصدق السارق في أنها سرقات مفترقات، وقد قال سحنون في الذي يدخل البيت مرات في ليلة واحدة فيجتمع مما خرج به ما يجب فيه القطع أنه يقطع إن كان ذلك في فور واحد فلم يصدق في أنها سرقات مفترقات إذا كانت في فور واحد، وصدقه ابن القاسم في رواية أبي زيد عنه، وقوله أولى؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وأما في مثل القمح

مسألة: يدخل في الحانوت فيه البز فيسوم به فيسرق المتاع

وشبهه مما يجده السارق مجتمعا فينقله شيئا بعد شيء فلا ينبغي أن يختلف فيه والله أعلم. [مسألة: يدخل في الحانوت فيه البز فيسوم به فيسرق المتاع] مسألة وسئل عن الرجل يدخل في الحانوت فيه البز فيسوم به فيسرق المتاع أعليه القطع؟ فقال: أما الذي يدخل يسوم فيخرج صاحب المتاع فيدعه في البيت أو يأمره فيقول ناولني هذا أو ناولني هذا فلا أرى عليه قطعا، وأما الذي يدخل يسوم فهذا يسوم من ناحية وهذا يسرق من ناحية، فليس هذا على وجه الائتمان فأرى عليهم القطع، وليس على هذا الحديث الناس ربما تكثر المساومة فيجيء هذا فيسرق. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن السارق دخل الحانوت في جملة السوام كأنه منهم ملبسا في ذلك على صاحب الحانوت من غير أن يأذن له في دخوله، فلهذا أوجب مالك عليه القطع ولو أتاه بعينه يسومه فلما أدخله حانوته للسوم سرق منه لما وجب عليه قطع، فهذا معنى ما ذهب إليه مالك في هذه المسألة والله أعلم. [مسألة: أدخل رجلا منزلا فسرق ما في كمه قطعه أو احتله] مسألة وسئل مالك عمن أدخل رجلا منزلا فسرق ما في كمه قطعه أو احتله أترى عليه قطعا؟ فقال: قد أدخله منزله وائتمنه، أرأيت لو أن امرأته قطعت ما في كمه أو أجيره؟ وترك القطع في الشيء يشك فيه خير من القطع؛ لأن الذي لا يقضى عليه بالمال إذا رد المال لم يستطع أن يرد يده، وإن الذي يقطع يده لا يقدر على ردها كما كانت.

مسألة: الصبي يكون على الدابة بباب المسجد فيأتي سارق فيقطع الركابين

قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة بين؛ لأن من أؤتمن فسرق ليس بسارق، وإنما هو خائن، وليس عن الخائن قطع، وقول مالك في هذه المسألة يشهد لصحة تأويله في المسألة التي قبلها، ولا إشكال فيما قاله من أن الخطأ في المال أخف من الخطأ في القطع لإمكان رد المال بخلاف قطع اليد، وبالله التوفيق. [مسألة: الصبي يكون على الدابة بباب المسجد فيأتي سارق فيقطع الركابين] مسألة قلت أرأيت الصبي يكون على الدابة بباب المسجد فيأتي سارق فيقطع الركابين؟ قال: أراه سارقا وأرى عليه القطع إن كان الغلام منتبها، وإن كان راقدا فإنه يشبه ألا يكون عليه قطع، وما أدري وإني أراه يشبه الدابة لا يكون معها أحد فتسرق فلا أرى عليه قطعا، وليس ذلك مثل الدابة التي تربط في حرزها؛ لأن الدابة تربط فتسرق منها فأرى على سارقها القطع وأرى النائم يشبه بمن يكون دابته مخلاة فجاء السارق فحل السرج أو قطع الركاب فلا أرى على هذا القطع، قيل: أرأيت الذي تكون دابته يخليها على باب المسجد ويدخل يركع فتسرق أعلى سارقها القطع؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية في الصبي الذي يكون على الدابة إنه إن كان نائما فلا قطع على من سرق الركابين من عليها؛ لأن ذلك يشبه كونها مخلاة، فلم يعتبر كون الصبي على الدابة لكونه نائما، وقال في كتاب اللقطة من المدونة في السارق يسرق من الدار وترك بابها مفتوحا فيسرق منها غيره: إن على السارق الأول ضمان ما أخذه السارق الثاني من الدار من أجل أنه ترك بابها مفتوحا إن لم يكن في الدار أحد وأما إن كان فيها أحد فلا ضمان عليه فيما أخذ منها كان الذي فيها نائما أو غير نائم فساوى في السكان في الدار بين أن يكونوا نياما أو غير نيام في إسقاط الضمان عن الذي

مسألة: ما سرق من المحمل وفيه صاحبه أو ليس هو فيه

ترك بابها مفتوحا، وفرق في الصبي الذي يكون على الدابة بين أن يكون نائما أو غير نائم في وجوب القطع ممن سرق الركابين منها وهو عليها، وإنما فرق بين الموضعين لأن القطع حد من الحدود الذي الحكم فيه أن يدرأ بالشبهات، وتضمين المال ليس من هذا الباب، والمعنى فيه أنه تلف بسببين، أحدهما ترك السارق الباب مفتوحا، والثاني نوم الساكن في الدار عن غلقه، فلا يدخل الاختلاف في هذه المسألة من مسألة المدونة لما ذكرناه من أن الحد يدرأ بالشبهة ويشبه أن يدخل في مسألة المدونة من هذه، فيوجب الضمان فيما أخذ على الذي فتح الباب وتركه مفتوحا إذا كان الساكن فيها نائما؛ لأن النائم في حال نومه كالميت، فلم يكن تضييع، والذي فتح الباب ظالم فهو أحق أن يحمل عليه، وإنما قطع سارق رداء صفوان وإن كان سرق وهو نائم على ما جاء في الحديث من أجل أنه كان توسده، وأما الذي خلى دابته على باب المسجد ودخل للصلاة فيه فلا إشكال في أنه لا قطع على من سرقها؛ لأنها مخلاة في غير حرز وبالله التوفيق. [مسألة: ما سرق من المحمل وفيه صاحبه أو ليس هو فيه] مسألة فقيل له أرأيت ما سرق من المحمل وفيه صاحبه أو ليس هو فيه؟ فقال: أرى عليه القطع كان فيه صاحبه أو لم يكن إلا أن يكون مخلا هكذا فلا أرى عليه القطع. قال محمد بن رشد: المحمل الذي على البعير كالسرج الذي على الدابة، فمن سرقه من عليه أو سرق شيئا قطع إلا أن يكون مخلى في غير حرز ولا حارز فلا يكون على من سرقه أو سرق شيئا منه قطع كما لو سرقه بحمله أو الدابة بسرجها وهي مخلاة وبالله التوفيق.

مسألة: يأتي الشاة وهي في حرزها فلا يدخل عليها ويشير إليها بالعلف حتى تخرج إليه

[مسألة: يأتي الشاة وهي في حرزها فلا يدخل عليها ويشير إليها بالعلف حتى تخرج إليه] مسألة وسئل مالك عن الذي يأتي الشاة بالعلف وهي في حرزها فلا يدخل عليها ويشير إليها بالعلف حتى تخرج إليه، قال: لا أرى عليه قطعا، قال أشهب وابن القاسم: عليه القطع. قال محمد بن رشد: في سماع أبي زيد من ابن القاسم مثل قوله ههنا ومثل قول أشهب وهو قول ابن الماجشون وأنكر ذلك محمد بن المواز واختار قول مالك ألا قطع عليه، وقول ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون في إيجاب القطع هو الأظهر لأنه في معنى من دخل في الحرز فأخرجها منه، إذ لا فرق بين أن يدخل السارق الحرز فيخرج منه المتاع أو يحتال له من خارج حتى يخرجه من حرزه دون أن يدخل الحرز ووجه القول الثاني أنه لم يتحقق أنه هو المخرج لها بإشاراته بالعلف إليها إذ لعله لو لم يشر لها به لخرجت أيضا. [مسألة: يسرق من دار الرجل ثم يبدو له فيرد السرقة] مسألة وأرانا أبو إسحاق البرقي قال: سألت أشهب عن السارق يسرق من دار الرجل ثم يبدو له فيرد السرقة في الموضع الذي أخذها منه، قال يقطع؛ لأن القطع قد كان وجب عليه قبل أن يردها. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن القطع حد من حدود الله وحق من حقوقه، فلا يسقط برد السارق السرقة إلى موضعها إن كان ذلك قبل أن يرفع أمره إلى الإمام، كما لا تسقط بهبة المسروق إياها له وإن كان وهبها له قبل أن يرفع أمره إلى الإمام، وقد «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصفوان بن أمية فهلا قبل أن تأتيني به» إذ أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقطع يد سارق ردائه، فقال: إني لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة؛ لأن المعنى في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهلا قبل أن تأتيني به فهلا تصدقت عليه به قبل أن تأتيني به، وأبو حنيفة يقول إنه إذا ملك السارق السرقة

: القطع في الحرابة والسرقة لا يتعين في اليد التي لم تقطع دون التي قطعت

قبل أن يقطع لم يقطع، فيأتي على قياس قوله أنه لو رد السرقة في موضعها قبل أن يقطع لم يقطع، ولو قيل أنه إن رد السرقة في موضعها قبل أن يرفع أمره إلى الإمام أو وهبها له المسروق منه قبل أن يرفع أمره إلى الإمام لم يقطع لكان لذلك وجه، وهو التعلق بظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لصفوان بن أمية فهلا قبل أن تأتيني به لأن الظاهر منه أنه لو تصدق به عليه قبل أن يأتيه به ثم أتاه به لم يقطع يده فيأتي في المسألة على هذا ثلاثة أقوال، أحدها أنه يقطع وإن رد السرقة في موضعها أو وهبها له المسروق منه، وهو مذهب مالك، الثاني أنه لا يقطع إذا ردها في موضعها أو وهبها له المسروق منه، وهو نص قول أبي حنيفة في الهبة، والثالث الفرق بين أن يردها موضعها أو يهبها له المسروق منه قبل أن يرفع أمره إلى الإمام أو بعد أن رفع إليه، وهو قول أبي يوسف في الهبة على ظاهر الحديث. [: القطع في الحرابة والسرقة لا يتعين في اليد التي لم تقطع دون التي قطعت] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها قال وسألت عن لص أخذ وقد ضرب ضربة بسيف على يده اليسرى فقطعت أو بقيت متعلقة لا ينتفع بها وقد وجب عليه قطع اليد والرجل، قال ابن القاسم: إن كان أصابه ذلك في فوره الذي أخذ فيه لم أر أن يقطع إلا رجله اليمنى وإن كان إنما هو شيء فعله بعد ذلك تلصص فيه لم يكن في فوره ذلك فأرى أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، وكذلك السارق يتبعه صاحب المتاع بسيفه فيضرب يده فيقطعها ثم يؤخذ فليس عليه غير ذلك. قال محمد بن رشد: تفرقته في اللص والسارق يقطع يد أحدهما في فور، وتلصصه أو سرقته في غير فور ذلك لسبب آخر صحيحة لأن القطع في الحرابة والسرقة لا يتعين في اليد التي لم تقطع دون التي قطعت، إذ لو

مسألة: يسرق ربع دينار تبرا أووزن ثلاثة دراهم كيلا فضة

كانت التي لم تقطع شلاء لقطعت في السرقة أو الحرابة الأخرى والرجل الذي يقطع منها، فقول ابن القاسم في هذه المسألة على قياس قول مالك في المدونة في الإمام يأمر بقطع يمين السارق فيخطئ القاطع فيقطع شماله أن ذلك يجزيه ولا يقطع يمينه، وابن نافع يقول لا يجزيه ويكون على القاطع الدية، وتقطع يده اليمنى فيلزم على قياس قوله في هذه المسألة ألا يجزى عنه قطع يده اليسرى وإن كان ذلك في فور تلصصه، وتقطع يده اليمنى والرجل التي تقطع معها، وذلك بخلاف القصاص لو وجب أن يقتص من يمين رجل فقطعت شماله لم يجزه ذلك باتفاق، وفي الواضحة لابن الماجشون مثل قول ابن نافع قال ليس خطأ الإمام ولا خطأ القاطع بالذي يزيل القطع عن الموضع الذي يجب، فتكون الدية في مال القاطع أو الإمام إن كان هو المخطئ، لا على العاقلة، قال: وإلى هذا القول رجع مالك، واختار ابن حبيب القول الأول وحكى في ذلك قضية عن علي بن أبي طالب، واختلف على القول إن سرق بعد ذلك، فقيل تقطع رجله اليسرى، وقيل بل اليمنى ليكون من خلاف وبالله التوفيق. [مسألة: يسرق ربع دينار تبرا أووزن ثلاثة دراهم كيلا فضة] مسألة وعن الرجل يسرق ربع دينار تبرا أو وزن ثلاثة دراهم كيلا فضة والفضة والعين ليستا سواء في الجواز، قال ابن القاسم: تقطع يده. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن وجوب القطع في السرقة وتحديد ما يجب القطع فيه قد أحكمه الشرع في حياة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل أن تضرب الدنانير والدراهم. [مسألة: سرق الحصر حصر المسجد] مسألة وقال ابن القاسم: من سرق الحصر حصر المسجد قطع وإن

مسألة: أقربسرقة بغير محنة ولا شيء ثم نزع

كان من المسجد الحرام الذي لا أبواب له، وليست الأبواب التي تحرز، ومن سرق الأبواب قطع أيضا، ومن سرق القناديل فإني أرى أن يقطع ليلا سرق ذلك أو نهارا، قد قال ابن القاسم في كتاب أسلم وله بنون صغار في الذي يسرق من حصر المسجد إن كانت سرقته نهارا لم أر عليه قطعا، وإن كان تسور عليها ليلا بعد أن أغلق بابه فأخرج منها ما يكون فيه القطع قطع وقال فيه أيضا في الذي يسرق من المسجد الحرام أو مسجد لا يغلق عليه إنه لا قطع عليه، ومن سرق القناديل قطع، وقال أرى أن يقطع سرقه ليلا أو نهارا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها محصلا مستوفى في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: أقربسرقة بغير محنة ولا شيء ثم نزع] مسألة وقال مالك فيمن أقر بسرقة بغير محنة ولا شيء ثم نزع، قال: لا أرى أن يقام عليه الحد حتى يعين على ما قال بأمر يقيم عليه، وقال ابن القاسم: هو رأيي، قيل له فإن أخرج الدينار وقال هي هذه؟ فقال ليس هذا بتعيين، ليس في الدينار تعيين، وقد روى عن مالك في كتاب أوله كتب عليه رجل ذكر حق، قال ابن القاسم وسئل مالك عمن اعترف بغير محنة ثم نزع لم أر أن يقال، قال ابن القاسم يريد إذا عين، وبلغني ذلك عنه، وقال أشهب مثل ذلك كله إذا كان إما ما يخاف ولا تؤمن سطواته مثل صاحب الشرط، وهو عندي إكراه وإن لم يمتحن لأنه يرى السياط موضوعة ويخاف، وقال في الدنانير مثله إلا أن يعرف إنما هي بأعيانها.

مسألة: سرق من القمح يجمع في المسجد لزكاة الفطر

قال محمد بن رشد: قوله فيمن أقر بسرقة بغير محنة ولا شيء ثم نزع، قال لا أرى أن يقام عليه الحد حتى يعين على ما قاله بأمر يقيم عليه معناه إذا كان إقراره بعد أن أخذ إذ لا اختلاف في أنه يقطع إذا أقر وإن لم يعين إذا كان إقراره قبل أن يؤخذ، وفيه تناقض؛ لأن قوله ثم نزع يدل على أنه لو لم ينزع لأقيم عليه الحد وإن لم يعين، وهو قد قال إنه لا يقام عليه الحد حتى يعين على ما قال، وقوله بأمر يقيم عليه يدل على أنه يقبل رجوعه بعد التعيين، وفي ذلك اختلاف، قيل إنه يقبل رجوعه وإن جحد الإقرار أصلا وهو ظاهر قوله بأمر يقيم عليه، وقيل لا يقبل رجوعه إلا أن يقول إنما أقررت لوجه كذا وكذا، وهو قول مالك في كتاب أوله كتب عليه ذكر حق أن من اعترف بغير محنة ثم نزع لم أر أن يقال؛ لأن المعنى في ذلك أنه لا يقال إلا أن يقول إنما أقررت لوجه كذا وكذا، وذلك إذا عين على ما فسره ابن القاسم، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم السرقة من سماع أشهب فلا معنى لإعادته. [مسألة: سرق من القمح يجمع في المسجد لزكاة الفطر] مسألة وسئل عمن سرق من القمح يجمع في المسجد لزكاة الفطر أيقطع وإن لم يخرج به من المسجد؟ قال: نعم هو قول مالك. قال محمد بن رشد: ظاهر قوله وإن لم يكن عليها حارس فحكم لها بحكم حصر المسجد، وهو قول أصبغ خلاف ما حكاه عن مالك في الواضحة واختاره ابن حبيب، وقد مضى هذا في أول سماع ابن القاسم. [مسألة: سرق متاعا لرجل ثم قال إنما هو متاع لي استودعته إياه] مسألة وسئل عمن سرق متاعا لرجل وشهد عليه بذلك ثم قال إنما هو متاع لي استودعته إياه، قال: يقطع ولا يصدق، قيل له ويحلف له صاحب المتاع؟ قال: ما أرى أن يحلف له، قيل له فإن صدقه

صاحب الحق وقال هو متاعه؟ قال: لا يقبل منه ويقطع، قال عيسى: أحب إلي إذا صدقه صاحب المتاع ألا يقطع. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يصدق صاحب المتاع في أن المتاع متاع السارق إذا شهد عليه بالسرقة فادعى أن المتاع متاعه هو على قياس قوله في المدونة في الذي يشهد عليه بسرقة مال رجل غائب فيدعي أن صاحب المتاع أرسله عنه فيصدقه في ذلك أنه لا ينظر في قوله ويقطع يده، يريد ويدفع إليه المال بإقراره له به وإن قطعت يده، وقوله ما أرى أن يحلف إذا كذبه صحيح على قياس قوله إنه لا يصدق إن صدقه، وقد قيل إنه يحلف، ووقع في المدونة اختلاف في الرواية إذا نكل عن اليمين على القول بأنه يحلف السارق وأخذ المتاع هل تقطع يده أم لا، وفي بعض الروايات قال أرى أن تقطع يده ويحلف مدعي المتاع، وهو قول أشهب إن يده تقطع وإن حلف واستحق المتاع، وفي بعضها قال أرى أن يحلف مدعي المتاع أن المتاع ليس للسارق، فإن نكل حلف السارق ودفع إليه المتاع ولم يقطع يده، وهو الأظهر؛ لأن الذي يوجبه النظر أن ينظر فيما يدعيه السارق من أن المتاع متاعه، فإن أشبه قوله وصدقه صاحب المتاع لم يقطع يده، وإن كذبه لزمته اليمين، فإن نكل عنها وحلف السارق [استحق] ، المتاع ولم يقطع يده، وإن لم يشبه قوله وصدقه صاحب المتاع لم يصدق وقطعت يده، وإن كذبه لم يلزمه يمين على ما قاله في هذه الرواية، فهذا هو المعنى فيها إن قول السارق لم يشبه فلذلك لم يصدق صاحب المتاع في ألا قطع إن صدقه، ولا أرى عليه اليمين إن كذبه، واستحب عيسى بن دينار أن لا يقطع إذا صدقه صاحب المتاع وإن لم يشبه قوله؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، والذي وقع في بعض روايات المدونة من أنه يقطع يده ويحلف المسروق منه، فإن نكل عن اليمين حلف السارق واستحق المتاع وقطعت يده بعيد لأنه يبعد إن أشبه قوله ونكل

: يدخل الحرز أو يدخل دار الرجل فيذبح شاة ثم يخرجها مذبوحة

المدعي فحلف هو واستحق المتاع أن تقطع يده، ويبعد إن لم يشبه قوله أن يجب على المدعي للمتاع يمين وبالله التوفيق. [: يدخل الحرز أو يدخل دار الرجل فيذبح شاة ثم يخرجها مذبوحة] ومن كتاب العرية وسئل عن السارق يدخل الحرز أو يدخل دار الرجل فيذبح شاة ثم يخرجها مذبوحة، فقال: إن كان قيمتها مذبوحة ما يجب فيه القطع قطع، فإن كان له مال يوم سرق غرم قيمة الشاة حية، وإن لم يكن له مال قطع ولم يتبع بقيمة الشاة مذبوحة واتبع بما بين قيمتها مذبوحة وقيمتها حية دينا في ذمته كان له مال يوم سرق أو لم يكن له مال؛ لأنه فساد أفسده قبل أن يخرج، فكل ما أفسده السارق في حرز رب المتاع من كسر جرة بزيت أو سمن أو حرق ثوب أو فساد شيء فهو لقيمته ضامن إذا قطع كان له مال أو لم يكن له مال؛ لأنه ليس فيه قطع، وإنما قطع في الذي خرج به، وكذلك لو دخل بيتا فأخذ ثوب وشيء فقطعه خرقا ثم خرج بالخرق وثمن ما خرج به من الحرق ما يجب فيه القطع فإنه إن كان له مال قطع وغرم قيمة الثوب صحيحا إلا أن يشاء رب الثوب أن يأخذ الخرق إذا وجدها في يديه ويرغب فيها، فإن أخذها فلا شيء على السارق، وإن لم يكن له مال اتبع بما بين قيمته صحيحا وقيمته مقطوعا إذا أبى أن يأخذ الخرق كان له مال يوم سرق أو لا مال له، فقس جميع هذه الأشياء على هذا الوجه.. قال محمد بن رشد: لا اختلاف فيما أفسده السارق في داخل الحرز أنه لا يقطع فيه ولا في أنه يضمن قيمته مليا كان أو معدما وإنما اختلف فيما أفسد مما يوصل إلى السرقة ككسر الأقفال وهدم الجدر وما أشبه ذلك،

مسألة: السارق كم من رجل يقوم سرقته أو هل يجوز تقويم واحد

فقال ابن دينار في المدنية إن كل شيء لا يصل إلى السرقة إلا به فكسره أو هدمه فسرق لم أر عليه ضمانا لما فعل إذا قطعت يده، فإن أدرك قبل أن يسرق أو يموت قبل أن يسرق رأيت عليه الضمان، وقال فيها ابن القاسم هو ضامن لما كسر أو هدم أو أفسد قطع أو لم يقطع، وإنما ذلك بمنزلة ما لو دخل بيت رجل فأفسد شيئا وخرج بشيء آخر فهو يقطع فيما خرج به ولا يكون عليه غرمه إلا أن يكون موسرا، وما أفسد مما لم يخرج به فعليه غرمه كان موسرا أو معسرا وقوله في الرواية في الثياب التي خرقها في الحرز وخرج بها مخرقة إنه إن أخذها فلا شيء على السارق هو مثل ما يقوم من كتاب الحدود في القذف من المدونة، ومثل قول أشهب خلاف ماله في كتاب الغضب منها من أنه مخير بين أن يأخذه وما نقصه، أو يضمنه جميع قيمته، وقد قيل إنه ليس له إلا ما نقصه، وهو قول مالك في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب العارية والثلاثة الأقوال كلها قائمة من المدونة، وهذا في الفساد الكثير، وأما الفساد اليسير فلا اختلاف في أنه لا يجب عليه إلا ما نقصه بعد الرفو وبالله التوفيق. [مسألة: السارق كم من رجل يقوم سرقته أو هل يجوز تقويم واحد] مسألة وسألته عن السارق كم من رجل يقوم سرقته أو هل يجوز تقويم واحد؟ فقال قال مالك: لا يقوم سرقة السارق إلا رجلان ذوا عدل، قلت فإن دعا رجلين فاختلفا في القيمة، قال: لا يقطع حتى يجتمع رجلان، فإذا اجتمعا على القيمة لم يلتفت إلى من خالفهما، قلت وكذلك العبد الذي يقوم في الحرية وكل ما يحتاج إليه القاضي من التقويم لا يقوم ذلك إلا رجلان؟ قال: نعم لا يقوم ذلك إلا رجلان، قلت فإن دعا أربعة فاجتمع رجلان على قيمة ورجلان على قيمة؟ قال: ينظر القاضي إلى أقرب التقويم إلى السداد. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يقوم سرقة السارق إلا رجلان عدلان نحوه في المدونة، ومعناه في الاختيار وما يستحب له أن يفعل، لا أنه

لا يجوز له إلا ذلك؛ لأن كل ما يبتدى القاضي فيه السؤال فالواحد يجزى لأنه من باب الخبر لا من باب الشهادة كالرسول لتحليف المرأة والمترجم له عمن لا يفهم كلامه، والمستنكه لمن استراب في سكره وما أشبه ذلك كثير، فلو اكتفى الإمام في تقويم سرقة السارق بواحد لأجزأه. وأما إذا دعا رجلين فاختلفا في قيمتها فقوله إنه لا يقطع حتى يجتمع على أن قيمتها ما يجب فيه القطع رجلان بين لا يجب أن يختلف فيه، إذ لا يصح أن يعمل قول أحدهما وأما إذا دعا رجلين فاختلفا في قيمتها فقوله إنه لا يقطع حتى يجتمع على أن قيمتها ما يجب فيه القطع رجلان بين لا يجب أن يختلف فيه، إذ لا يصح أن يعمل قول أحدهما وقد خالفه الآخر، إذ لا مزية لأحدهما على صاحبه. وأما لو دعا أربعة فاختلفوا قال الاثنان منهم قيمتها ثلاثة دراهم، وقال الاثنان قيمتها درهمان لوجب أن يقطع بشهادة اللذين شهدا أن قيمتها ثلاثة دراهم لأنهما أثبتا بشهادتهما حكما نفاه الآخران، فكان من أثبت حكما أولى ممن نفاه ومثل هذا في المدونة، وقوله في هذه الرواية إنه إن دعا أربعة فاجتمع رجلان على قيمة، ورجلان على قيمة إن القاضي ينظر إلى أقرب القيمة إلى السداد لا يعود على مسألة تقويم السرقة، وإنما يعود على تقويم العبد في الحرية وما أشبه ذلك، ونظر القاضي إلى أقرب القيمة إلى السداد هو أن يسأل من سواهم، إذ قد اختلفوا عليه حتى يتبين له السداد من ذلك وذلك يبعد في تقويم السرقة لأن الاثنين قد أوجبا بشهادتهما حكما وهو القطع فوجب أن يعمل قولهما ولا يلتفت إلى من خالفهما كالشهود إذا اختلفوا في شهادتهم ولا مزية لأحد الطائفتين على الأخرى فيما شهدت به، غير أن إحدى الطائفتين أوجبت بشهادتها حكما فإنه يؤخذ بشهادة الطائفة التي أوجبت الحكم منهما على المشهور في المذهب، وقد قيل إنهما إذا تكافيا في العدالة أسقطتا، فعلى هذا إذا دعا القاضي أربعة لتقويم السرقة فاختلفوا في تقويمها قومها الاثنان منهم بثلاثة دراهم والاثنان بدرهمين يسأل الإمام غيرهما ويترك قولهم إذ قد سقط باختلافهم وبالله التوفيق.

: سارق العبد الكبير الأعجمي يقطع سارقه

[: سارق العبد الكبير الأعجمي يقطع سارقه] ومن كتاب يوصي لمكاتبه قال وسألته عن العجمية تسرق فتوطأ، فقال: على سارقها الحد والقطع، وقال: إن كان حصنا رجم ولم يقطع لأن القتل يأتي على ذلك كله، وإن كان بكرا قطع وأخذ حد الزنا منه مائة جلدة إن كان حرا ورواها أصبغ. قال محمد بن رشد: قوله في العجيمة إن سارقها يقطع هو مثل ما في المدونة وغيرها من أن سارق العبد الكبير الأعجمي يقطع سارقه، بخلاف العبد الكبير الفصيح؛ لأن العبد الفصيح لا تتأتى سرقته؛ لأنه لجهله وعجومته وقلة مبرزه في حكم البهيمة أو أدنى مرتبة منه، وكذلك الصغير يقطع سارقه حرا كان أو عبدا وقال ابن الماجشون: لا يقطع سارق الصغير الحر إذ ليس بمال وأما وجوب حد الزنا على سارقها إذا وطئها فلا إشكال فيه؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون: 6] الآية. [مسألة: يسرق من الملاهي] مسألة وسألت ابن القاسم عما يسرق من الملاهي مثل المزمار والعود والدف والكبر وجميع الملاهي هل فيه قطع إذا كان قيمته ربع دينار؟ قال: إذا كان قيمته ربع دينار بعد أن يكسر أو تكون فيه فضة يكون وزنها ربع دينار ففيها القطع إلا ما كان من الدف والكبر فإنه من سرقهما فإن كان في قيمته صحيحا ما يكون فيه القطع قطع؛ لأن الدف والكبر قد أرخص في اللعب بهما، فكل ما رخص فيه ففيه قيمته صحيحا إذا كان قيمته ربع دينار يقطع.

مسألة: الكلب يسرق وفي عنقه قدة وثمن القدة ربع دينار

قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية في الكبر إنه يقطع سارقه في قيمته صحيحا لأنه قد رخص في اللعب به يريد في العرس والملاك خلاف قوله في سماع سحنون من جامع البيوع إن البيع يفسخ فيه ويؤدب أهله، ولا اختلاف في ترخيص اللعب بالدف وهو الغربال في العرس والملاك، واختلف قول ابن القاسم في الكبر فأجازه في رواية عيسى عنه، وفي كتاب النكاح، ولم يجزه في سماع سحنون من كتاب جامع البيوع، وأجاز ابن حبيب المزهر وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح فلا معنى لإعادته. [مسألة: الكلب يسرق وفي عنقه قدة وثمن القدة ربع دينار] مسألة قلت فالكلب يسرق وفي عنقه قدة، وثمن القدة ربع دينار قال: إن كان ثمن القدة ربع دينار ففيه القطع. قال محمد بن رشد: هذا بين على قياس قوله وروايته عن مالك في أن الكلب لا يجوز بيعه لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ثمن الكلب فحمله على عمومه في جميع الكلاب ما أذن منها في اتخاذه وما لم يؤذن، وذهب سحنون إلى إجازة بيع الكلب المأذون في اتخاذه وأكل ثمنه، وهو قول ابن نافع وابن كنانة وأكثر أهل العلم؛ لأنهم جعلوا نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن ثمن الكلب مخصصا في الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه، بدليل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط» ، والاقتناء لا يكون إلا بالاشتراء، فعلى قول هؤلاء يقطع سارق الكلب المأذون في اتخاذه إذا كانت قيمته ربع دينار فصاعدا وقد

مسألة: سرق النصراني من النصراني مزمارا

مضى هذا المعنى في كتاب الرطب باليابس من سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات وفيما سواه من المواضع. [مسألة: سرق النصراني من النصراني مزمارا] مسألة قلت فإذا سرق النصراني من النصراني مزمارا أيقطع في قيمته صحيحا أو مكسورا؟ قال: بل في قيمته مكسورا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الله تعالى يقول: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] فلا يقطع النصراني في سرقته من النصراني إلا فيما يقطع به المسلم في سرقته من النصراني أو المسلم ألا ترى أنه لو سرق منه خمرا أو خنزيرا لم يقطع فيه وإن كان ذلك مالا لهم يحكم بغرمه على من استهلكه لهم على المشهور في المذهب وبالله التوفيق. [: سرق جلد ميتة مدبوغا] ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده قال: ومن سرق جلد ميتة مدبوغا إنه يقطع إذا بلغ ما يقطع فيه وقد قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب إن كان فيه من صنعته ما تكون قيمته ثلاثة دراهم قطع وإلا لم يقطع. قال محمد بن رشد: قوله إنه يقطع إذا بلغ ما يقطع فيه يدل على جواز بيعه وأنه يطهر بالدباغ طهارة تامة تجيز لبسه والصلاة به وبيعه إذ ضعف عنده الاختلاف في ذلك حتى لم يره شبهة يدرأ الحد عنه بها، والقول الثاني الذي ذكره من غير هذا الكتاب أنه لا يقطع إلا أن تكون قيمة ما فيه من صنعة ثلاثة دراهم هو قوله في المدونة وفيه نظر؛ لأن الصنعة مستهلكة

: السفينة يركب فيها الجماعة فيسرق بعضهم من بعض

فيه لا يمكن أن تفصل منه فتهلك، ألا ترى أنه لا يجيز على قوله وروايته عن مالك في أنه لا يطهر بالدباغ إلا للانتفاع به ببيعه أصلا ولا بقيمة ما فيه من الصنعة فكان القياس على القول بأنه لا يباع ألا يقطع فيه على حال، ولو قيل إنه لا يقطع على مذهب من يجيز بيعه مراعاة لقول من لا يجيز بيعه لكان لذلك وجه ويتحصل فيه على هذا ثلاثة أقوال وبالله التوفيق. [: السفينة يركب فيها الجماعة فيسرق بعضهم من بعض] ومن كتاب أوصى قال ابن القاسم في السفينة يركب فيها الجماعة كل إنسان منهم على متاعه قد أحرزه كله تحته فيسرق بعضهم من بعض قال زعم مالك أنه إن سرق منه وهو عليه قطع، وإن قام فسرق منه وقد قام عنه فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: السفينة مشتركة بين الركاب فيها، فالحكم في السرقة منها حكم السرقة من صحن الدار المشتركة بين السكان فيها يحاص إن سرق بعض الركاب فيها من متاع بعض وهو على متاعه قطع وإن لم يخرج بما سرق عن السفينة وإن سرقه وهو قد قام عن متاعه لم يقطع وإن خرج به عن السفينة، وإن سرق أجنبي من السفينة شيئا من متاع أحد وصاحب المتاع على متاعه فأخذ قبل أن يخرج بما سرق قبل أن يخرج من السفينة قطع على اختلاف، وإن كان سرقه وصاحب المتاع ليس على متاعه لم يقطع باتفاق، وأما إن خرج بما سرق من السفينة فيقطع كان صاحب المتاع على

: اتزر بإزار فأخذ في البيت والإزار عليه ثم أفلت من أيديهم

متاعه إذ سرقه أو لم يكن عليه، وقد مضى بيان هذا في أول سماع ابن القاسم وطرف منه في رسم كتاب السرقة من سماع أشهب وبعض ذلك كله يبين بعضا. [: اتزر بإزار فأخذ في البيت والإزار عليه ثم أفلت من أيديهم] ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك وسئل عن سارق دخل بيت رجل فاتزر بإزار فأخذ في البيت والإزار عليه ثم أفلت من أيديهم فخرج من الدار والإزار عليه علم به أهل البيت أو لم يعلموا، قال: لا قطع عليه إذا أخذ فأفلت من أيديهم علم أهل البيت أن الإزار عليه أو لم يعلموا فرواها محمد بن خالد عن ابن القاسم. قال محمد بن رشد: هذا بيِّن على ما قاله؛ لأنه لم يخرج به على وجه السرقة، وإنما خرج به مختلسا له، فوجب ألا يقطع. [: يدخل بيت رجل فأكل من الطعام ما يكون ثمنه أكثر من ربع دينار] ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وسئل عن السارق يدخل بيت رجل فأكل من الطعام ما يكون ثمنه أكثر من ربع دينار فيؤخذ خارجا من الدار، فقال: لا قطع عليه، وعليه العقوبة وغرم ما أكل. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لأن ما أكله في الحرز فقد استهلكه ولا منفعة له فيه إذا خرج به، بخلاف الدينار يزدرده في الحرز، هذا يقطع فيه إذا خرج به؛ لأنه ليس بمستهلك له بازدراده إياه وبالله التوفيق.

مسألة: يسرق بساطا من بسط المسجد التي تطرح في رمضان

[مسألة: يسرق بساطا من بسط المسجد التي تطرح في رمضان] مسألة وسئل عن السارق يسرق بساطا من بسط المسجد التي تطرح في رمضان، فقال: إن كان عنده صاحبه حين سرقه قطع وإلا فلا قطع عليه لأنا سألنا مالكا عن محارس الإسكندرية يعلق الناس سلاحهم ومتاعهم فيسرق من ذلك شيء، فقال: إن كان صاحبه عنده حين سرقه قطع وإلا فلا قطع عليه، وكذلك الحمام إذا سرق السارق منه شيئا فإن كان عند المتاع الذي سرق حارس قطع وإلا فلا قطع عليه إلا أن يكون أخرجه من وراء الجدار فنقب الجدار حتى سرق المتاع فإن ذلك يقطع كان عند المتاع أحد أو لم يكن، قلت أفترى المسجد حرزا للبساط حتى يخرج؟ قال: إذا احتمله من مكانه قطع وإن لم يخرج به من المسجد لأن المسجد ليس حرازا لشيء. قال محمد بن رشد: ساوى في هذه الرواية بين البساط الذي يطرحه الرجل في رمضان في المسجد ليصلي عليه ثم يأخذه وبين ثياب الذين يدخلون الحمام في أنه لا قطع على من سرق ذلك إلا أن يكون معها صاحبها أو يكون عليها حارس، وقال في الحصير إنه إذا كان معه صاحبه فالقطع على من سرقه إذا احتمله من موضعه وإن لم يخرج به من المسجد، وسكت في ذلك عن الحمام، وفيه تفصيل قد مضى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، وهو الفرق بين أن يدخل للسرقة أو ليتحمم ولم يحكم في هذه الرواية للحصير الذي يضعه الرجل في المسجد ليصلي عليه في رمضان ثم يأخذه بحكم حضور المسجد، وقد قيل: إنه يحكم له بحكمها فيدخل ذلك من الاختلاف ما يدخل في الفطرة توضع فيه فتسرق منه، وقد مضى بيان هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم، وأما ما طرح في المسجد من البسط في رمضان ومن الحصر المحبسة عليه لترفع منه بعد رمضان فلا اختلاف في أن حكمها في السرقة حكم حصور المسجد الثابتة فيه في رمضان وغيره وقد مضى

مسألة: لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل

تحصيل الاختلاف في ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق. [مسألة: لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل] مسألة قلت فالراعي يبعد بغنمه فيدركه الليل في موضع لم يكن لها المراح فيجمعها ثم يبيت فيسرق منها، قال: على من سرق منها ما يجب فيه القطع القطع؛ لأن ذلك مثل مراحها، قال وحريسة الجبل كل شيء يسرح للرعي من بعير أو بقرة أو شاة أو غير ذلك من الدواب ليس على من سرق منها شيئا القطع، وإن كان أصحابها عندها. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله لا اختلاف فيه للنص الوارد في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن» ، ومبيت الراعي بماشيته إذا جمعها وبات عليها مراح لها في وجوب القطع على من سرق منها، وإن لم يكن ذلك مراحها المعلوم؛ لأنه بمنزلته في المعنى. [مسألة: السرقة من حوانيت السوق التي تدخل بغيرإذن] مسألة وقال في حوانيت السوق التي تدخل بغير إذن ليس على من سرق منها شيئا القطع. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن من سرق من موضعٍ أُذن له في دخوله فليس بسارق، وإنما هو خائن. [: سرق من رجل طعاما فلقيه بغيرالبلد الذي سرقه فيه] ومن كتاب شهد على شهادة ميت قال ابن القاسم قال مالك من سرق من رجل طعاما فلقيه بغير

: يدخل البيت فيأخذ دينارا فيزدرده ثم يخرج من الدار

البلد الذي سرقه فيه فليس على السارق أن يعطيه إياه إلا بالبلد الذي سرقه منه فيه، قال ابن القاسم قال مالك: إلا أن يتراضيا على مثل ما تراضيا عليه في السلف. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أنه ليس للمسروق منه إلا مثل طعامه في البلد الذي سرق منه وإنما اختلف إذا وجد طعامه بعينه في غير البلد الذي يسرقه منه على ثلاثة أقوال، أحدها أنه ليس له إلا مثل طعامه في البلد الذي سرقه منه، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في سماع سحنون من كتاب الغصب، والثاني أنه مخير بين أن يأخذ طعامه وبين أن يضمنه مثله في البلد الذي سرقه منه فيه وهو قول أشهب في سماع أصبغ من كتاب الغصب، والثالث الفرق بين أن تكون البلد بعيدا أو قريبا وهو قول أصبغ، وقد مضى القول على حكم العروض والحيوان في ذلك في السماعين من الكتاب المذكور فلا معنى لإعادته. [: يدخل البيت فيأخذ دينارا فيزدرده ثم يخرج من الدار] من كتاب إن أمكنتني من حلق رأسك وسألته عن السارق يدخل البيت فيأخذ دينارا فيزدرده ثم يخرج من الدار، قال عليه القطع؛ لأنه خرج به وهو شيء يخرج به ويأخذه. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ إذ ليس ازدراده إياه باستهلاك فهو بخلاف الطعام يأكله في الحرز، وقد مضى هذا في رسم أسلم وبالله التوفيق. [مسألة: ساق غنمه من مراحها إلى مسرحها فسرق منها أحد] مسألة وسئل عن الراعي يجمع غنمه ثم يسوقها وإيجابها إلى المراح

مسألة: الزرع إذا جمع وكان في حظير إن على سارقه القطع

فيسوقها على الطريق قد أخرجها من الرعي فيسرق رجل منها شاة، قال على من سرق منها ما يساوي ربع دينار القطع. قال محمد بن رشد: وكذلك على قياس قوله لو سرق منها شيء في خروجه بها من مراحها إلى مسرحها، وهي في الطريق قبل أن تصل إلى المسرح، وقال ابن حبيب قال أصبغ ومن ساق غنمه من مراحها إلى مسرحها فسرق منها أحد قبل أن تخرج من بيوت القرية إنه يقطع، وكذلك إذا ردها من مسرحها إلى مراحها فإذا سرق منها بعد أن أدخلها القرية وخالطت البيوت وهو يسوقها فإنه يقطع وإن لم تدخل المراح، وقول ابن القاسم أظهر من جهة المعنى، وذلك أن القطع إنما سقط عن السارق فيها إذا كانت في مسرحها؛ لأن الراعي لها لا يقدر على حفظها؛ لتفرقها في المرعى فصارت مهملة في غير حرز، فإذا جمعها وساقها في الطريق كان كونه معها سائقا لها حرزا لها كالمراح، وقول أصبغ أظهر من جهة الاعتبار بالدليل؛ لأن في قوله في الحديث فإذا آواها المراح فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن دليل على أنه لا قطع فيها قبل أن يأويها المراح، وقول ابن القاسم أولى بالصواب؛ لأن القياس يقدم على الدليل، إذ قد قيل إنه لا يجب الحكم بدليل الخطاب وبالله التوفيق. [مسألة: الزرع إذا جمع وكان في حظير إن على سارقه القطع] مسألة وقال إذا كان على النخل أو الزرع حظير فحصد الزرع أو جَدَّ الثمر فجمع في مكان واحد وأغلق عليه الباب فعلى من سرق منه القطع، وأما الذي لا قطع عليه فيه الذي يكون في الفحوص من غير حظير ولا باب يغلق ولا جرين فذلك الذي لا قطع عليه فيه. قال محمد بن رشد: قوله: إن الزرع أو الثمر إذا جمع أو جد وكان في حظير إن على سارقه القطع وإن ترك بموضعه لم يحمل بعد إلى الجرين لا

: سرق غزلا فنسجه ثوبا أو سرق لبنا فعمل منه جبنا أو سرق كتانا فغزل منه ثوبا

أعرف فيه نص خلاف، وقد ذكرنا في رسم المحرم أن الخلاف قد يدخل في ذلك في المسألة التي ذكرناها من كتاب محمد وقوله: إنه إذا كان في الفحوص من غير حظير ولا باب يغلق ولا جرين فلا قطع فيه هو مثل ما تقدم في رسم المحرم من سماع ابن القاسم خلاف ما في رسم كتاب الحدود من سماع أشهب، وقد ذكر ابن المواز الروايتين جميعا، واستحسن رواية ابن القاسم وذكر ابن حبيب الروايتين جميعا وقال إن أصبغ أخذ برواية ابن القاسم مثل ما استحسن ابن المواز، وقد ذكرنا فيما مضى من رسم المحرم أن من الناس من ذهب إلى أن ذلك ليس باختلاف من القول، وأن ذلك إنما يرجع إلى الفرق بين أن يجمع الزرع إذا حصد بعضه إلى بعض ويربط على ما قاله في كتاب ابن المواز، وبين أن يحصد ويترك في موضعه دون أن يجمع أو يربط وبالله التوفيق. [: سرق غزلا فنسجه ثوبا أو سرق لبنا فعمل منه جبنا أو سرق كتانا فغزل منه ثوبا] ومن سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب العتق قال عيسى وسألت ابن القاسم عن رجل سرق غزلا فنسجه ثوبا أو سرق لبنا فعمل منه جبنا أو سرق كتانا فغزل منه ثوبا أو سرق حنطة فطحنها دقيقا أو عجن منها خبزا أو سرق بيضا فأخرج منها فراخا، أو سرق جلودا فصنع منها فروا يعرف (أهل كل صنف من هذا بأعيانهم أو سرق فضة أو ذهبا فصاغ منها حليا، أو سرق حديدا فعمل منه سيفا، قال: أما الطعام فعليه مثله في جودته وصنفه إن كان يوجد وإلا فقيمته إلا أنه قد دخلني الشك من الدقيق الذي طحن من حنطة مسروقة أن تكون الدقيق له وقد ذكر فيه عن من مضى إلا أني أرى

عليه حنطة مثله والخبز عندي قوي بين ألا يكون عليه فيه إلا القمح الذي أخذ، قال وأما الغزل فعليه قيمته، وأما الكتان والحديد فعليه مثله؛ لأن مالكا قال لي في البيع الفاسد في الكتان يرد مثله وما أشبه ذلك مما يوزن، وقال لي في القطن مثله، وهو رأيي، والحديد كذلك؛ لأن هذه الأصناف يوجد مثلها، وإن الحيوان والثياب لا يوجد من شيء منها مثله، وأما الفضة والذهب ففضة وذهب مثلها ولا يأخذها مصوغة. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم في السارق أو الغاصب إذا أفات ما سرقه بعمله فيه أن ذلك إن كان مكيلا أو موزونا فسواء أخرج فيه شيئا من ماله سوى العمل كالسويق يلته بسمن وما أشبه ذلك أو لم يخرج فيه من ماله شيئا سوى العمل كالحديد يعمل منه سيوفا والفضة والذهب يعمل منها حليا وما أشبه ذلك ليس للمسروق منه إلا المثل فيما سرقه له إلا أن يكون العمل يسيرا مثل القمح يطحنه فاختلف في ذلك قوله، مرة قال يأخذه مطحونا ومرة قال ليس له إلا مثل قمحه. وأما العروض فيفترق الأمر فيها عنده بين أن يخرج فيها شيئا من ماله سوى العمل كالثوب يصبغه وما أشبه ذلك أو لا يخرج فيها شيئا من ماله سوى العمل، فأما ما أخرج فيه من ماله شيئا سوى العمل فمرة قال: هو فوت ليس لربه إلا قيمته، ومرة قال هو مخير بين أن يدفع إليه قيمة الصبغ ويأخذ ثوبته، وبين أن يلزمه قيمته يوم سرق منه، وأما ما لم يخرج فيه شيئا سوى العمل، فإن كان يسيرا أخذه معمولا كالرفو والخياطة في الثوب، وإن كان كثيرا كالخشبة يعمل منها أبوابا أو توابيت وما أشبه ذلك فليس للمسروق منه إلا قيمتها، والغزل عنده كالعرض وإن كان مما يوزن، هذا قوله في هذه الرواية وفي تضمين الصناع من المدونة، وقال غيره فيه: إن عليه في الغزل مثله، هذا تحصيل مذهب ابن القاسم في هذه المسألة، وأشهب لا يفرق في هذا بين المكيل والموزن

مسألة: سارق سرق عصفورا

وبين غيره من العروض ولا بين ما أخرج فيه من ماله سوى العمل أو لم يخرج فيه سواه، ويرى من حق المسروق منه والمغصوب أن يأخذ متاعه معمولا ومصبوغا وملتوتا، ولا شيء عليه في عمل السارق ولا في ما أخرج فيه من ماله، إذ قد افتات فيه ولا يقدر على نزعه منه، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس لعرق ظالم حق» . [مسألة: سارق سرق عصفورا] مسألة وسألته عن سارق سرق عصفورا أو زعفرانا وسرق ثيابا فصبغها بذلك، ثم أُخذ فقُطعت يده، وأُخذ المتاع وأتى تائبا، قال: إن كان له مال يوم قطع لزمته قيمة الثياب ووزن الزعفران والعصفر في جودته وحاله، وإن لم يوجد له مال ووجد الثياب مصبغة نظر كم ثمن العصفر والزعفران؟ وكم قيمة الثياب؟ فيتحاص صاحب الثياب وصاحب الزعفران على قدر ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة لا إشكال فيها ولا التباس في شيء من معانيها، إلا أنه إن كان له مال لزمه أن يغرم لصاحب الثياب قيمة ثيابه، ولصاحب الزعفران مثل زعفرانه قطعت يده أو أتى تائبا فلم تقطع يده، وإن لم يكن له مال سوى ذلك تحاص صاحب الزعفران وصاحب الثياب فيها على قدر قيمة ما لكل واحد منهما، فإن قطع لم يكن لهما عليه شيء، وإن أتى تائبا ولم يقطع اتبعاه ببقية حقوقهما دينا ثابتا في ذمته وبالله التوفيق. [مسألة: تى إلى أرض قوم فضرب فيها طوبا بغير إذنهم] مسألة قلت له: فرجل أتى إلى أرض قوم فضرب فيها طوبا بغير إذنهم أو عمل فيها قلالا بغير إذنهم فأنكروا ذلك وقالوا نأخذ الطوب

مسألة: سرق ولا يمين له ولا يسار هل يقطع رجله

والقلال أو حفر فيها بئرا بغير إذنهم، قال أما البير فعليه ردها وله نقضها إلا أن يشاءوا أن يعطوه قيمة نقضها ملقى مطروحا، وليس له أن يأبى ذلك، وهو قول مالك، وأما القلال والطوب فلا أرى لهم عليه فيها شيئا، وأراه لمن عمله إلا أن تكون عليهم منه في أرضهم ضرر لما أحدث فيها فعليه أن يكنس ذلك لهم، قال: وإن كان أفسد أرضهم فسادا بينا فعليه قيمة ما أفسد من الأرض. قال محمد بن رشد: أما البئر فكما قال على المعتدي ردمها وله نقضها إلا أن يشاء رب الأرض أن يعطيه قيمة نقضه منقوضا ويبقى البئر لنفسه على حالها فيكون ذلك له، وأما إن أخذ المعتدي بردم البئر فليس له أخذ النقض بقيمته؛ لأنه إذا نقض كان صاحبه أحق به، وأما الذي عمل القلال والطوب في أرض الرجل فقوله: إنه لا شيء عليه فيها، فمعناه إذا لم يكن للتراب الذي عمل منه الطوب والقلال قيمة، وأما إن كانت له قيمة فعليه قيمته مع كنس الأرض وإصلاحها وتعديلها وردها إلى ما كانت عليه أو غرم قيمة ما أفسد فيها إن لم يمكن إصلاحه وبالله التوفيق. [مسألة: سرق ولا يمين له ولا يسار هل يقطع رجله] مسألة قال وسألته عن رجل سرق ولا يمين له ولا يسار هل يقطع رجله؟ قال ابن القاسم: يقطع رجله فإن عاد قطعت رجله الأخرى. قلت له فأيهما يبدأ؟ قال أما أنا فأحب إلي أن يبدأ برجله اليسرى؛ لأنه كانت تقطع أولا يده اليمنى ثم رجله اليسرى؛ لأنه من قول مالك قديما في الرجل يسرق وهو أشل اليد اليمنى أنها تقطع رجله اليسرى واليمنى آخر القطع ثم رجع فقال أرى أن تقطع يده اليسرى وهو أحب قوله إليّ. محمد بن رشد: اتفق مالك وأصحابه فيما عملت على أن السارق

يقطع في السرقة يده اليمنى ثم رجله اليسرى ثم يده اليسرى ثم رجله اليمنى فإن سرق بعد ذلك ضرب وسجن وحبس، وقد جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه يقتل بعد الرابعة وليس بالثابت، ولم يقل به أحد من أصحاب مالك غير أبي مصعب، وسواء كانت سرقاته من رجال شتى أو من رجل واحد أشياء شتى أو شيئا واحدا سرقه من رجل واحد بعد أن عاد لحرزه إذا كانت سرقته الثانية بعد أن يقطع في الأولى، وأما إذا سرق سرقات قبل أن يقطع فقطع في أحدها فذلك القطع يجزي لكل سرقة تقدمت كان قد رفع فيها أو لم يرفع، فإن سرق وهو أشل اليدين والرجلين ضرب وحبس، وإن سرق وهو أشل اليدين جميعا أو مقطوع أصابعهما أو أصبعين من كل يد فأكثر، فاختلف هل تقطع رجله اليسرى أو اليمنى فقال ابن القاسم في هذه الرواية إنه يقطع رجله اليسرى لأنها كانت تقطع أولا يده اليمنى ثم رجله اليسرى أو على ما اختاره من قول مالك في السارق يسرق وهو أشل اليد اليمنى إنه يقطع رجله اليسرى على ما كان يقوله أولا ثم رجع إلى أن تقطع يده اليسرى، فعلى قياس هذا القول إذا سرق السارق وهو أشل اليدين قطعت رجله اليمنى، وظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية أن الذي اختاره من قول مالك في السارق يسرق وهو أشل اليد اليمنى أن تقطع رجله اليمنى على القول الذي رجع إليه مالك خلاف اختياره في المدونة، وحكى ابن حبيب عنه قولا ثالثا وهي التفرقة بين أن تكون يده اليمنى شلاء أو مقطوعة في قصاص، فإن كانت شلاء قطعت يده اليسرى وإن كانت قطعت في قصاص قطعت رجله اليسرى، ولا فرق عند مالك بين أن تكون يده اليمنى شلاء أو مقطوعة في قصاص، واختلف قوله في ذلك اختلافا واحدا، واختيار أصبغ أن تقطع يده اليسرى كانت اليمنى شلاء أو مقطوعة في قصاص على القول الذي رجع إليه مالك، قال لا يقطع من السارق رجل ما دام له يد لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وقد مضى في أول سماع عيسى

مسألة: أقر بسرقة هل يقطع بغير تعيين

الاختلاف إذا أخطأ الإمام أو القاطع على السارق فقطع شماله هل يجتزي بذلك أو لا يجتزي به فيكون على المخطئ عليه الدية في ماله ويقطع يمينه، والاختلاف أيضا على القول بأنه يجتزي بذلك إن سرق بعد ذلك هل تقطع رجله اليسرى أو اليمنى حتى يكون من خلاف فلا معنى لإعادة ذلك. [مسألة: أقر بسرقة هل يقطع بغير تعيين] مسألة وسئل عن رجل أقر بسرقة هل يقطع بغير تعيين حرا كان أو مملوكا؟ وما حد التعيين في ذلك وإن كان إقراره من بعد ضرب، قال: إن جاء تأيبا مستهلا رأيت أن يقام عليه الحد إلا أن ينزع قبل أن يقطع ويسأل كيف سرق، فإن كان في إقراره ما يوجب القطع قطع، فربما أقر الرجل بالسرقة ولا قطع فيها، وأما بعد أن يؤخذ فإني لا أرى أن يقطع إلا بتعيين، قال والحر والعبد في ذلك سواء، والآخر قول مالك فيما أعلم. قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية إنه إذا أتى تائبا مستهلا يقطع بغير تعيين يبين ما مضى من قول مالك في رسم كتب السرقة من سماع أشهب، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك مستوفى فلا معنى لإعادته. [مسألة: عبد مملوك أوصي له بعتق فسرق بعد ما مات سيده] مسألة وسألته عن عبد مملوك أوصي له بعتق، فسرق بعد ما مات سيده وقبل أن يقوم متى يقوم أيوم أوصى له؟ أم يوم مات سيده؟ أو يوم يرجع إلى القيمة؟ قال: إنما يقوم يوم يرفع إلى القيمة وينظر فيه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله ولا اختلاف فيه لأن المال لو تلف قبل أن ينظر فيه لم يعتق من العبد إلا ثلثه وبالله التوفيق.

مسألة: يدعي قبله السرقة فيصالح على الإنكار لها ثم يأتي رجل فيقر أنه الذي سرقها

[مسألة: يدعي قبله السرقة فيصالح على الإنكار لها ثم يأتي رجل فيقر أنه الذي سرقها] مسألة وقد سئل عن الرجل يدعي قبله السرقة فيصالح على الإنكار لها ثم يأتي رجل فيقر أنه الذي سرقها، قال: إن ثبت على إقراره قطع ثم إن كان مليا أخذ منه المدعي قبله الأول ما صالح به وأخذ المسروق منه تمام قيمة سرقته، وإن كان عديما لم يكن عليه شيء ولم يكن للمصالح الأول أن يرجع على الذي صالحه بما أعطاه لقول المقر الآخر، وإن كان عديما فرجع عن إقراره قبل القطع درء عنه القطع واتبعه المصالح بما صالح به واتبعه المسروق منه بتمام قيمة سرقته وإن أقر بها على الضرب وعينها ثم أنكر فلا قطع عليه. قال محمد بن رشد: قوله إن ثبت على إقراره قطع يدل على أنه إن رجع لم يقطع، وفي ذلك اختلاف قيل إنه لا يقبل رجوعه إلا أن يقول إنما أقررت لوجه كذا وكذا، والقولان في المدونة، وقوله في آخر المسألة وإن أقر بها على الضرب وعينها ثم أنكر فلا قطع عليه. قال محمد بن رشد: قوله إن ثبت على إقراره قطع يدل على أنه إن رجع عنه لم يقطع، وفي ذلك اختلاف؟ قيل إنه لا يقبل رجوعه يدل على أنه يقطع إذا عين على الضرب، وفي ذلك اختلاف، وأما قوله إنه لا يقطع إذا أنكر فلا اختلاف فيه، والأصل في هذا أنه في الموضع الذي يقطع باختلاف يقبل رجوعه فيه باتفاق وفي الموضع الذي يقطع فيه باتفاق يقبل رجوعه فيه على اختلاف وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم كتاب الحدود من سماع أشهب وبالله التوفيق.

: نشر في الدار ثوبا نشره بعض الأشراك فسرقه أجنبي

[: نشر في الدار ثوبا نشره بعض الأشراك فسرقه أجنبي] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: قلت لابن القاسم أرأيت إذا كان في الدار المحجور عن الناس بئر يستقي منه الأشراك فينسى بعض الأشراك على البئر تورا أو قدحا أو شيئا فيسرقه رجل من الأجنبيين فأخرجه من الدار؟ قال: يقطع، وكذلك لو نشر في الدار ثوبا نشره بعض الأشراك فسرقه أجنبي قطع، وأما ما سرقه الأشراك مما ينشر في الدار فليس عليهم قطع؛ لأن ذلك الموضع مباح لهم. قال محمد بن رشد: قوله فيما نسيه بعض الأشراك في هذا الدار أو نشره فسرقه سارق إنه يقطع إذا أخرجه من الدار ليس بأمر متفق عليه، قد قيل إنه لا يقطع، وكذلك اختلف أيضا إذا سرق أجنبي من بيت من بيوت سكان الدار فأخذ في الدار قبل أن يخرج منها وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: أضاف الضيف وأدخله داره فسرق من بعض منازل الدار] مسألة قلت فالرجل تكون له الدار يكون ساكنا في بعضها وله في بعض حوانيت وليس معه في الدار غيرها وهي محجورة عن الناس فأضاف ضيفا في بعض الحوانيت وبقية الحوانيت مغلقة فيها متاع قد أحرزه فيسرق الضيف من بعض تلك الحوانيت، قال لا يقطع وإن لم يكن فيها نازلا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنها حوانيت تفضي إلى الدار بأبواب فيما بينها وبينها فأضاف ضيفا في حانوت منها وبقية الحوانيت مغلقة دونه فسرق منها، فقوله إنه لا يقطع وإن لم يكن نازلا فيها هو مثل قوله في المدونة في الذي أضاف الضيف وأدخله داره فسرق من بعض

: العبد يسرق من مال ابنه الحر

منازل الدار التي قد كان خزن فيها متاعه، وأقفل عليه أنه لا قطع عليه؛ لأنه خائن وليس بسارق، وفي ذلك اختلاف قد قيل: إنه يقطع إذا أخرج المتاع من حرزه وصار بيده وإن لم يخرج به من الدار، وهو قول سحنون؛ لأنه أشبه عنده الشركاء في ساحة الدار إذا سرق أحدهم من بيت صاحبه شيئا فخرج بما سرق إلى ساحة الدار، وحكى عبد الحق في المسألة قولا ثالثا تأوله على ما في المدونة، وقال: إنه قول مالك في كتاب ابن المواز، وهو أنه لا يقطع حتى يخرج به من جميع الدار وهو بعيد، إذ قد مضى في المدونة وكتاب ابن المواز على أنه خائن وليس بسارق، ولا يقطع الخائن على حال. [: العبد يسرق من مال ابنه الحر] من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال وسألته عن العبد يسرق من مال ابنه الحر هل عليه قطع؟ قال: لا، قلت له فسرق من مال ابنه العبد؟ قال: يدرأ عنه الحد وفي ذلك أن مال العبد للعبد حتى ينتزعه سيده. قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف أحفظه فيه في المذهب لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك» ، والحدود تدرأ بالشبهات فكما لا يحد إذا وطئ أمته، لا يقطع إذا سرق ماله، ومما يتعلق بهذه المسألة سرقة العبد من مال ابن سيده، وقد مضى الكلام على ذلك في رسم سعد في الطلاق من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وأجاز عبد الله بن عبد الحكم نكاح الرجل أمة ابنه إذا وقع ولم يفسخه، ولم يتابعه على ذلك أحد من أصحاب مالك وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يقر بالسرقة فيعينها] مسألة وسئل عن الرجل يقر بالسرقة فيعينها، والتعيين الإظهار لها هل عليه قطع إن أنكر بعد ذلك؟ فقال: إن كان أقر بها وعينها عند غير

مسألة: يجعل ثوبه قريبا منه وهو في المسجد فيسرق الثوب

السلطان فهو يقطع إذا بلغ ثمنها ما يجب فيه القطع، فإن أقر بها على الضرب وعينها ثم أنكر فلا قطع عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إن كان أقر بها وعيَّنها عند غير السلطان فهو يقطع إذا بلغ ثمنها ما يجب فيه القطع كلام خرج على السؤال فلا يقام منه دليل على أنه إذا أقر بالسرقة دون أن يرفع إلى السلطان أنه لا يقطع إلا أن يعين أن الاختلاف في أنه يقطع، وإن لم يعين على ما قاله في رسم العتق من سماع عيسى قبل هذا، وقد مضى الكلام على قوله: فإن أقر بها على الضرب وعينها، ثم أنكر فلا قطع عليه في آخر رسم العتق من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. [مسألة: يجعل ثوبه قريبا منه وهو في المسجد فيسرق الثوب] مسألة وسألته عن الرجل يجعل ثوبه قريبا منه وهو في المسجد ثم يقوم فيصلي فيختله رجل فيسرق الثوب هل عليه قطع؟ قال: نعم، قلت له فمتى يجب عليه القطع إذا هو قبضه أم حتى يتوجه به؟ فقال ابن القاسم: إذا هو قبضه، قال ابن القاسم ولو لم أر عليه القطع إذا قبضه حتى يتوجه به إذا لا يكون عليه القطع حتى يخرجه من المسجد. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن المسجد مباح لجميع الناس ليس بحرز للثوب الذي جعله صاحبه قريبا منه، وإنما حرزه كون صاحبه حارسا له فوجب إذا سرقه منه وصار بيده وبان به عنه وهو لا يشعر أن تقطع يده، وإن لم يتوجه به ولا خرج من المسجد كما قاله في المدونة.

: الذي يسرق حريسة الجبل فينضيها وتهزل عنده

[: الذي يسرق حريسة الجبل فينضيها وتهزل عنده] من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب القضاء قال أصبغ وسمعته في الذي يسرق حريسة الجبل فينضيها وتهزل عنده: إن صاحبها إن أحب أن يُضَمِّنَه إياها يوم أخذها فذلك له، وإلا فليس له إلا دابته يأخذها، قال: وأما السارق إذا أصابها ذلك عنده وقد سرقها غير حريسة فإنه يقطع، فإن كان له مال فإن شاء صاحبها أخذها وإن شاء ضمنه القيمة أيضا، وإن لم يكن له مال فليس له إلا دابته ولا يتبع بشيء ولا يلزمه القيمة وإن كان نقصها من قبله وعمله؛ لأنه لو سرق ثيابا فلبسها فأبلاها أو طعاما فأكله ثم قطع فيه ولم يكن له مال لم يتبع بشيء، قال أصبغ: والأولى في الحريسة إن لم يكن له مال يتبع به؛ لأنه لا يقطع فيه فهي خيانة وله تفسير. قال محمد بن رشد: قوله في حريسة الجبل إذا أنضاها فهزلت عنده إنه بالخيار بين أن يضمنه قيمتها يوم أخذها أو يأخذها ولا شيء له صحيح على ما قاله؛ لأن حريسة الجبل لا قطع فيها، فحكم السارق لها حكم الغاصب في اليسر والعدم، وكذلك سارق غير الحريسة إذا لم يقطع لمعنى درئ عنه به القطع، فقول أصبغ في سارق الحريسة: إن لم يكن له مال يتبع به؛ لأنه لا يقطع فيه تفسير لقول ابن القاسم، وأما قوله: إنها خيانة وله تفسير، فالتفسير الذي أراد أن نقصانها بالهزال عنده يفترق على ما ذهب ابن القاسم بين أن يكون هذا هزلها بعد أن سرقها أو حدث بها الهزال عنده من غير فعله، فإن كان حدث بها الهزال عنده من غير فعله فربها مخير بين أن يضمنه قيمتها يوم سرقها أو يأخذها مهزولة كما هي، وإن كان هو أهزلها فربها مخير بين أن يضمنه قيمتها يوم سرقها وبين أن يأخذها وما نقص الهزال منها، وسحنون

: سرق من مقثأة

يساوي بين الوجهين في أنه ليس له إلا أن يضمنه قيمتها يوم سرقها أو يأخذها مهزولة كما هي، والقولان قائمان من المدونة لابن القاسم، وأما إذا سرق الدابة غير حريسة فقُطع فيها وقد هزلت عنده وهو عديم فليس لصاحبها إلا أن يأخذها مهزولة كما هي ولا شيء له في هزالها، وبالله التوفيق. [: سرق من مقثأة] ومن كتاب الحدود قال أصبغ: وسئل عمن سرق من مقثأة: إنه لا قطع عليه حتى يأويه جرينه، وهو موضعه الذي يُجمع فيه ليُحمل بعدُ، وقاله أصبغ، وهو قبل ذلك كالتمر المعلق وحريسة الجبل. قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لأن الموضع الذي يجعل فيه ليحمل منه بمنزلة الجرين فيما له جرين وبالله التوفيق. [مسألة: يرى السارق يسرق متاعه فيأتي بشاهدين لينظرا إليه] مسألة وقال في الرجل يرى السارق يسرق متاعه فيأتي بشاهدين لينظرا إليه ويشهدا عليه بسرقته فينظران إليه ورب المتاع معهم لو أراد أن يمنعه منعه، قال: ليس عليه قطع، ونحن نقول: إنه قول مالك، قال أصبغ: أرى عليه القطع. قال محمد بن رشد: قول أصبغ أظهر؛ لأنه أخذ المتاع مستسرا به لا يعلم أن أحدا يراه لا رب المتاع ولا غيره، كمن زنى والشهود ينظرون إليه ولو شاءوا أن يمنعوه منعوه وهو لا يعلم أن الحد عليه واجب بشهادتهم، ووجه قول ابن القاسم وما حكاه أنه من قول مالك هو أنه رآه من ناحية المختلس لما أخذ

مسألة: دار الرجل حرز لما فيها وإن تركت مفتوحة

المتاع من صاحبه وهو ينظر إليه، وليس بمنزلة المختلس على الحقيقة إذ لم يعلم هو بنظر صاحب المتاع إليه. [مسألة: دار الرجل حرز لما فيها وإن تركت مفتوحة] مسألة وسئل عن دار نسي صاحبها أن يغلقها فتبيت مفتوحة فدخل سارق فسرق متاعا في الدار، قال: يقطع، واحتج فقال قد تكون النهار مفتوحة ولكن ليس الدار التي تدخل بإذن وبغير إذن في ذلك سواء. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن دار الرجل حرز لما فيها وإن تركت مفتوحة إذ ليس لأحد أن يدخلها إلا بإذن وإن كانت مفتوحة، بخلاف الدار التي تدخل بغير إذن كما قال، وهي الفنادق تلك التي لا تكون بابها حرزا لما في ساحتها إلا إذا كان مقفولا، فمن فتح بابها بالليل أو حين يغلق فيه بالنهار فسرق منها قطع، فإذا فتح بابها وترك مفتوحا لم يكن على من سرق منها قطع. [مسألة: الراكب على البعير أو الحارز له حرز له] مسألة وسمعته يقول في الرجل يغتسل في عسكر له قصير فألقى ثوبه عليه وكان بعضه مدلى إلى خارج فجاء سارق فجبذه من الطريق فقال يقطع، وهذا أبين من الأول. قال محمد بن رشد: قد قال في المدونة في هذا إنه لا يقطع إذا كان بعضه خارجا من الدار، ولكلا القولين وجه من النظر، فوجه قوله إنه يقطع هو أن العسكر من الدار، فوجب أن يكون حرزا لما عليه كالمحمل الذي هو حرز لما فيه من المتاع، ووجه القول إنه لا يقطع هو أن الرجل لما ألقى ثوبه على الحائط مدلى إلى الطريق فقد أخرجه من الحرز وفارق ما في

مسألة: القطع في السرقة حق لله تعالى

المحمل؛ لأن الراكب على البعير أو الحارز له حرز له ولما عليه من سرج أو إكاف أو محمل، وقد مضى هذا المعنى في رسم كتاب السرقة من سماع أشهب. [مسألة: القطع في السرقة حق لله تعالى] مسألة قال ابن القاسم في سارق سرق لرجل متاعا فتعلق به يريد به السلطان، فطلب إليه السارق أن يصالحه قبل أن يبلغ السلطان فصالحه وخلى سبيله ثم هاجت بين السارق وبين صاحب المتاع بعد ذلك منازعة فرفعه إلى السلطان، قال: يقطع يد السارق في قول مالك، فأما ما كان صالحه عليه فإن كان صالحه على ألا يرفعه إلى السلطان فأرى للسارق أن يرجع عليه بما صالحه به فيأخذه، وإن كان إنما صالحه على متاعه الذي سرق له فلست أرى أن يرجع بشيء. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن القطع في السرقة حق لله تعالى، ولا يجوز العفو عنه ولا الشفاعة فيه عند الإمام إذا انتهى إليه بالصلح على ترك رفع السارق إلى الإمام لا يجوز، ويجب الرجوع بما صولح به على ذلك، بخلاف الصلح على المتاع المسروق، وبالله التوفيق. [: يخبب الدابة بالعلف فتخرج إليه] من سماع أبي زيد من ابن القاسم وسئل ابن القاسم عن السارق يخبب الدابة بالعلف فتخرج إليه أو يخبب الباز فيجيبه من حرزه أنه يقطع في جميع ذلك، قال أشهب مثله، قيل لأشهب فالمراطن إذا راطن العبد بلسانه أيقطع؟ قال: لا يقطع، قلت فإن دعا صبيا صغيرا فخرج إليه ثم سار به؟ قال: يقطع أيضا.

قال محمد بن رشد: المسئول في قوله قلت فإن دعا صبيا صغيرا فخرج إليه ابن القاسم؛ لأن السؤال معطوف على سؤاله عن الذي يخبب الدابة بالعلف فتخرج إليه، وقول أشهب فيما بين ذلك ساقط عند ابن لبابة، وساوى ابن القاسم بين أن يدعو الصبي فيخرج إليه أو يخبب الدابة بالعلف فتخرج من حرزها إليه، ومساواته بينهما صحيحة إذ لا فرق بينهما في المعنى، فيدخل الاختلاف في الذي يخبب الدابة بالعلف فتخرج إليه من حرزها، إذ قد مضى في رسم كتاب السرقة من سماع أشهب عن مالك أنه لا يقطع خلاف قول ابن القاسم وأشهب، وفرق أشهب على ما وقع من قوله هاهنا في غير رواية ابن لبابة بين الذي يخبب الدابة بالعلف وبين الذي يراطن العبد بلسانه، فرأى على مخبب الدابة بالعلف فتخرج إليه القطع، ولم ير ذلك على الذي يراطن العبد بلسانه فيخرج إليه، وكذلك الصبي على قياس قوله إذا دعاه فخرج إليه من حرزه لا يقطع، والفرق على قوله بين الدابة تخرج إليه بإشارته عليها بالعلف وبين الذي يراطن العبد بلسانه أو يدعو الصبي هو أن العبد والصبي لهما عقل ومبرز فهما مكتسبان لخروجهما إذا خرجا باختيارهما، ولو شاءا لم يخرجا، والدابة لا عقل لها ولا مبرز تكون به مكتسبة لخروجها، ولو كان الصبي ابن سنة أو سنة ونصف ونحوها لكان كالبهيمة إذا دعاه فخرج إليه أو أراه الشيء يعجبه فخرج إليه يقطع عند ابن القاسم وأشهب، خلاف قول مالك في رواية أشهب، والصبي الذي له عقل ويمكن أن يخدع فهو كالعجمي الذي يخدع فيهما عند ابن القاسم، قاله هاهنا في الصبي، وقاله في رسم يوصي من سماع عيسى في العجمية، ولا يقطع عند أشهب على ما قاله هاهنا في الصبي، ولا اختلاف في الصبي الصغير الذي لا يعقل إذا دخل إليه فأخرجه من حرزه أنه يقطع إن كان عبدا، وكذلك إن كان حرا إلا عند ابن الماجشون فلا يقطع إذ ليس بمال يتمول، وبالله التوفيق.

مسألة: قال رأيت فلانا سرق ساجا وقال الآخر أشهد أنه سرق رداء

[مسألة: قال رأيت فلانا سرق ساجا وقال الآخر أشهد أنه سرق رداء] مسألة قال ابن القاسم: من قال: رأيت فلانا سرق ساجا وقال الآخر أشهد أنه سرق رداء، قال لا يقطع حتى يشهدا جميعا على ثوب واحد أنه سرقه، وإن قال سرق بكرة وقال الشاهد الآخر أشهد أنه سرق عشية وهو ثوب واحد اجتمعا عليه أنه لا يقطع. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، ولا اختلاف فيه عندي إذ لم يجتمع الشاهدان على سرقة الساج ولا على سرقة الرداء ولا على السرقة بكرة ولا على السرقة عشية فسقط القطع بشهادتهما على المشهود عليه بالسرقة، وبالله التوفيق. [مسألة: سرق فراشا لا يساوي ثلاثة دراهم وفيه نفقة] مسألة وسئل عمن سرق فراشا لا يساوي ثلاثة دراهم وفيه نفقة، قال عليه القطع، علم السارق بالنفقة التي فيه أو لم يعلم بها، وكذلك الوسادة والمرفقة، قيل له فسرق عصا محفورة فيها النفقة؟ قال: لا قطع عليه، قيل فخشبة محفورة فيها النفقة؟ قال: لا قطع عليه، وكذلك الحجر، وروايته في معنى قوله، كأنه يرى أن كل من سرق شيئا مما لا يرفع في مثله نفقة وفيه نفقة ألا قطع عليه. قال محمد بن رشد: هذا مثل قوله في المدونة سواء، والأصل في هذا أن ما يشبه أن يسترفع فيه الذهب مثل الفراش والوساد والقميص وشبه ذلك فعليه القطع فيما وجد فيه من الذهب وإن لم يعلم به حين سرقه، والمعنى في ذلك أنه لا يصدق أنه لم يعلم به، ويأتي على قول أصبغ في نوازله من كتاب النذور في الذي يحلف ألا يأخذ من فلان درهما فأخذ منه قميصا وفيه درهم وهولا يعلم ثم علم بالدرهم فرده على صاحبه أنه لا شيء عليه ألا يقطع السارق إذا سرق قميصا أو فراشا لا يساوي ثلاثة دراهم وفيه نفقة لأنه إذا لم

مسألة: سرقت أوخادمها من مال الزوج من بيت قد حجره عليهم

يحنث في ذلك فأحرى ألا يقطع فيه؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، ولا اختلاف في أنه لا يقيم فيما وجد من الذهب فيما لا يشبه أن يسترفع في مثله الذهب مثل العصا والحجر وشبههم، ولا في أنه لا يقطع في ما العرف فيه أن تسترفع فيه الأذهاب، وإن قال لم أعلم أن في ذلك ذهبا ولا قصدت سرقته لم يصدق في ذلك. [مسألة: سرقت أوخادمها من مال الزوج من بيت قد حجره عليهم] مسألة وسئل عن وال جمع شيئا من الزكاة ليقسمه بين المسلمين فأدخله بيته وأغلق عليه ثم خالفه عبده ففتح الباب فسرق شيئا من ذلك، فقال: عليه القطع، وينبغي أن مالكا قضى به، وكان ذلك العبد ليس يأتمنه مولاه على ذلك البيت ولا يدخله، ولو كان يأتمنه ويدخله ويأتمنه على فتحه ثم سرق لم يقطع. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على قياس قوله في المدونة وقول مالك في الموطأ في الرجل أو خادمه يسرق من مال زوجته من بيت حجرته عليهم أنهما يقطعان، وكذلك لو سرقت المرأة أو خادمها من مال الزوج من بيت قد حجره عليهم، خلاف قول مالك في كتاب ابن المواز أنه لا قطع في ذلك؛ لأنه رأى ذلك خيانة ولم يرها سرقة كما قال ابن القاسم في المدونة في الضيف، والفرق عنده بين الضيف والزوجين يسرق كل واحد منهم من بيت يحجر عليه أن الإذن في الزوجين محكوم به، فأشبه السكان المتحاجرين في السكنى في دار واحدة، وإذن الضيف ليس بمحكوم به وإنما هو ائتمان منه باختياره، وبالله التوفيق. [مسألة: سرق الرجل مال ابنه مع أجنبي] مسألة وقال في ثلاثة نفر يدخلون بيت رجل فسرقوا ما يجب فيه

مسألة: القت يحمل إلى الجرين فيمسي عليه الليل فينزل ويبيت عليه

القطع فأخذوا وقطعوا وكان أحدهم مليئا، قال يغرم المليء قيمة ما سرقوا كلهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنهم إذا سرقوا معا فهم كالمحاربين كل واحد منهم ضامن بجميع ما سرقوا جميعا، ولا اختلاف في هذا احفظه، وقال في رجل دخل مع غلامي بيتي فسرق وقال: لا قطع عليهما، وغرم ما سرقا على الحر، وليس على غلامه شيء منه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في المدونة، والمعنى في ذلك أن العبد قد أدخله دار مولاه الذي هو غير محجور عليه، فصار بذلك مأذونا له في دخول الدار، فسقط عنه القطع، ووجب عليه غرم جميع السرقة لاشتراكه مع العبد فيها؛ لأن السارقين معا كل واحد منهما ضامن لجميع السرقة، وكذلك إذا سرق الرجل مال ابنه مع أجنبي يسقط القطع عن الأجنبي، ويكون كل واحد منهما ضامنا لجميع السرقة، وكذلك إذا سرق الرجل مال ابنه مع رجل أجنبي يسقط القطع على الأجنبي، ويكون كل واحد منهما ضامنا لجميع السرقة يؤخذ بها المليء منهما عن المعدم، وأما إذا سرق رجل وصبي، أو مجنون سرقة قيمتها ثلاثة دراهم فإن القطع واجب على الرجل قاله في المدونة وغيرها، وبالله التوفيق. [مسألة: القت يحمل إلى الجرين فيمسي عليه الليل فينزل ويبيت عليه] مسألة قال ابن وهب في الراعي إذا أدركه الليل ولا يبلغ مراحه فيبيت على غنمه وقد جمعها إليه ثم سرق رجل منها شيئا، قال: يقطع من سرق منها شيئا، وقال ابن القاسم مثله، وقال أيضا في القت يحمل إلى الجرين فيمسي عليه الليل فينزل ويبيت عليه إنه يقطع من سرق شيئا من ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة وقد تقدمت في رسم أسلم من

مسألة: لا قطع على المختلس

سماع عيسى ومضى هنالك توجيهها فلا معنى لإعادته. [مسألة: لا قطع على المختلس] مسألة وقال فيمن دخل بيت رجل فأخذ ثوبا فاتزر به ثم أخذ في البيت فانفلت منهم وخرج بالإزار وهم لا يعلمون به أنه عليه، قال: لا قطع عليه. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى، وهي صحيحة لأنه لم يخرج بالإزار على وجه السرقة إذا أخذوه به قبل أن يخرج من الحرز، وإنما خرج به على وجه الاختلاس، ولا قطع على المختلس. [مسألة: لا قطع حتى يخرج في مرة واحدة ثلاثة دراهم] مسألة وقال في السارق يدخل البيت في ليلة عشر مرات، وكل ذلك يخرج بقيمة درهم أو درهمين: إنه لا قطع حتى يخرج في مرة واحدة ثلاثة دراهم فيقطع. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والكلام عليها مستوفى في رسم كتاب السرقة من سماع أشهب فلا معنى لإعادته. [مسألة: عبيد الخمس يسرقون من الخمس] مسألة وقال ابن القاسم في عبيد الخمس يسرقون من الخمس: إنهم يقطعون، وإن سرق عبيد الفيء شيئا: إنهم يقطعون أيضا مثل المسألة الأولى سواء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أن ليسوا بملك لرجل معين فيكونون في سرقتهم بمنزلة العبد يسرق من مال سيده، وبالله التوفيق.

مسألة: ربط دوابه لا يحولها من موضعها فيسرق رجل منها دابة

[مسألة: ربط دوابه لا يحولها من موضعها فيسرق رجل منها دابة] مسألة وقال في رجل ضرب خباه في قرط وربط دوابه عليها لا يحولها من موضعها فيسرق رجل منها دابة، قال: لا قطع عليه فيها. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والكلام عليها في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. [مسألة: السارق يسرق من الإمام] مسألة وقال في السارق يسرق من الإمام: إنه يحكم عليه في القطع ولا يحكم عليه في السرقة، ورواها ابن عبد الحكم عن مالك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله ابن القاسم في هذه الرواية ورواه ابن وهب عن مالك؛ لأن القطع حد من حدود الله وحق من حقوقه واجب على الإمام الحكم به، ولا تهمة عليه في ذلك إذ لا ينجر إليه به منفعة، وأما السرقة فلا يحكم بها لنفسه عليه، إذ لا يجوز حكمه لنفسه كما لا تجوز شهادته لها، فإذا شهد الشهود عليه عنده بالسرقة منه وهو منكر للسرقة ومدع للمتاع أنه ماله وعجز عن المدفع في الشهود الذين شهدوا عليه حكم عليه بقطع يده وترك المال له، إلا أن يقر له به فيأخذه منه، وذهب الطحاوي إلى أنه لا يحكم عليه الإمام بالحد فيما سرق من ماله أو من مال من لا تجوز شهادته له إلا أن يقر بذلك على نفسه، قال: وإنما قطع أبو بكر الصديق الأقطع الذي سرق عقد أسماء زوجته من أجل أنه اعترف بذلك وإن كان في

حديث مالك فاعترف به الأقطع أو شهد عليه به، ففي غيره من الأحاديث أنه اعترف به من غير شك وهو الصواب، وإن كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد قطع أيدي النفر الذين قتلوا الراعي واستاقوا الذود إلى أرض الشرك وأرجلهم وسمرأعينهم، واللقاح إنما كانت له، لا من الصدقة، بدليل قوله في الحديث: «اللهم عطش من عطش آل محمد» فليس ذلك لأحد بعده؛ لأن ما كان يفعله صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه فبأمر الله كان يفعله، فالحاكم به على من يفعل ذلك به وهو الله عز وجل، والقائم به بأمره هو رسوله فإليه أن يفعل ذلك بالبينات والإقرارات جميعا، بخلاف من سواه، هذا معنى قوله مختصرا، والصحيح ما ذهب إليه مالك على ما بيناه من وجه قوله، وبالله التوفيق.

: كتاب الحدود في القذف

[: كتاب الحدود في القذف] [مسألة: قوله إن لم أكن أصح منك فأنت ابن الزانية] من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب قطع الشجرة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك في رجل قال لرجل على وجه المشاتمة يريد عيبه ولا يطعن عليه في نفسه يقول: إن لم أكن أصح منك فأنت ابن الزانية، يقول: أنا أصح منك في الأمور لست أقارب ما تقارب من العيوب، قال: عليه البينة أنه أصح كما ذكر، فإن جاء بالبينة على أمر معروف أنه أصح منه نكل بإذاية أخيه المسلم نكالا شديدا في هذا الوجه، وإن لم يأت ببينة فعليه الحد. قال محمد بن رشد: إنما أوجب مالك عليه الحد إن لم يأت بالبينة أنه أصح منه؛ لأن كلامه خرج على وجه المشاتمة وهو يقتضي نفيه عن أبيه بشرط كونه أصح منه في الأمور؛ لأن معنى قوله إن لم أكن أصح منك فأنت ابن الزانية، إن كنت أصح مني فأنت ابن الزانية، ولعله قد قال له: فأنا أصح منك فخرج قوله جوابا له على ذلك؟ فوجب عليه الحد كما قال إن لم يثبت أنه أصح منه، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لرجل إن لم أكن أفضل منك فأنت ابن الزانية] مسألة وسئل عمن قال لرجل إن لم أكن أفضل منك أو خيرا منك أو نحو

مسألة: العبد يعتقه سيده عند موته فيقذفه رجل قبل أن يقام عليه في ثلثه

هذا فأنت ابن الزانية، من أولى بطلب البينة في مثل هذا؟ القاذف أو المقذوف، قال: بل القاذف. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة كالمعنى في التي قبلها سواء، فلا زيادة على ما قلناه فيها، والله الموفق. [مسألة: العبد يعتقه سيده عند موته فيقذفه رجل قبل أن يقام عليه في ثلثه] مسألة قال مالك: أيما أمة قذفت برجل وقد أعتقت في وصية قبل أن يمضيها السلطان أن تخرج وإن كان في المال سعة فلا حد لها حتى تخرج، وقال ابن القاسم: ثم قال لي ذلك مالك غير مرة: إن كان له مال مأمون من عور وأرضين فهي حرة ترث وتورث، قال سحنون: بعد وفاة سيدها، ولم يكن في كتاب عيسى بعد الوفاة، قال ابن القاسم: وعلى من قذفها الحد إذا كان له مال مأمون كما وصفنا، وقال مالك في العبد يعتقه سيده عند موته فيقذفه رجل قبل أن يقام عليه في ثلثه ولسيده مال مأمون من دور وأرضين، قال: لا أرى فيه حدا حتى يقام ويتم حرمته وتجوز شهادته ويوارث أوراثه إن مات منهم ميت، ويرثونه إن مات، قال ابن القاسم: قال مالك: إن كان له مال دورا مأمونة وأرضين رأيت أن يعتق ويرثها ويورث ويضرب له الحد. قال محمد بن رشد: حكم الموصي بعتقه بعد موت سيده كحكم المبتل في المرض في حياة سيده قبل أن يموت، اختلف قول مالك في ذلك اختلافا واحدا إذا كان له أموال مأمونة، فمرة قال: إنه يكون الموصي بعتقه بموت سيده حرا يرث ويورث، ويجب له الحد وعليه، ويكون المبتل في

: الذي يشتمه خاله أو عمه أو جده

المرض بنفس تبتيله إياه حرا يرث ويورث ويجب الحدود له وعليه، ومرة قال: لا يكون الموصى له بالحرية حرا بموت سيده وإن كانت له أموال مأمونة حتى يقوم ويعتق، ولا يكون المبتل في المرض حرا بتبتيله إياه حتى يصح أو يموت فيعتق في ثلثه، والقولان في المدونة، وقول سحنون: بعد وفاة سيدها، يريد أن الموصى بعتقها لا يحد من قذفها إذا كانت لسيدها أموال مأمونة إلا إذا كان ذلك بعد وفاة سيدها، وذلك على ما قال لا إشكال فيه، وبالله التوفيق. [: الذي يشتمه خاله أو عمه أو جده] ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مالك في الذي يشتمه خاله أو عمه أو جده لا أرى عليهم في ذلك شيئا إن كان على وجه الأدب له وكأني رأيت مالكا لا يرى الأخ مثله إذا شتمهم، وسئل ابن القاسم عن العم والجد والخال إذا كان من شتم أحدهم ما يفتري عليه، قال: يحدون إذا طلب ذلك. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم تفسير لقول مالك؛ لأنه إنما يتجافى لهم عن الشتم فيما دون ما يجب فيه الحد إذا كان ذلك منهم على وجه الأدب، ولم ير الأخ في ذلك مثل الجد والعم والخال، يريد إذا كان يقرب منه في السن والحال، وأما إذا كان له عليه من الفضل في السن والسداد والعقل والفضل ما يشبه أن يكون شتمه إياه أدبا منه له فيتجافى عنه في ذلك كالجد والعم والخال، وأما القذف فيحدون له إذا قذفوه كما قاله ابن القاسم، وإنما اختلف في الأب إذا قذف ابنه فاستثقل مالك في المدونة أن يحده، وقال: ليس ذلك من البر، وقال ابن القاسم: يحد له وعفوه عنه جائز عند الإمام، قال في كتاب ابن المواز: ولا تقبل شهادته إن حده لأن الله تعالى يقول: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وهذا يضرب، وهو معنى قول مالك في المدونة: ليس ذلك من البر، وحكى ابن حبيب عن أصبغ أن الأب لا يحد له أصلا، وبالله التوفيق.

: قال يا مجلود قال إن كنت مجلودا فأنت فاسق فأتى عليه بالبينة أنه مجلود

[: قال يا مجلود قال إن كنت مجلودا فأنت فاسق فأتى عليه بالبينة أنه مجلود] ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك عن رجل قال لرجل يا مجلود، قال: إن كنت مجلودا فأنت فاسق فأتى عليه بالبينة أنه مجلود، أترى عليه شيئا؟ قال بئس ما قال حين قال فاسق ما أخف ما عليه، كأنه رأى أدبا يسيرا لقوله يا فاسق. قال محمد بن رشد: قوله فأتى عليه بالبينة أنه مجلود يدل على أنه لو لم يأت عليه بالبينة في ذلك لحد، ولما كان قوله: إن كنت مجلودا فأنت فاسق إقرارا منه بأنه مجلود؛ لأنه إنما قاله على سبيل الجواب والرد لقوله، وإنما يسقط عنه الحد بإقامة البينة عليه أنه مجلود في حد، ولو أقام البينة عليه أنه مجلود في غير حد لوجب أن يحلف ما أراد إلا ذلك ويسقط عنه الحد، ورأى في قوله يا فاسق أدبا يسيرا لقوله ذلك في المشاتمة، ولو قال ذلك له ابتداء لوجب أن يكون الأدب في ذلك شديدا، وعلى قدر حال المقول له ذلك وحال القائل، فليس قول الساقط من الناس ذلك للرجل العالم الفاضل كقوله لغير الفاضل، ولو قاله الفاضل للساقط لوجب أن يتجافى له عن ذلك، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم» على اختلاف بين أهل العلم في ذلك، إذ قيل إن معنى الحديث فيما لا يتعلق به حق لآدمي ولم يبلغ أن يكون حدا، وبالله التوفيق. [: يفتري عليه فيريد صاحبه المفترى عليه أن يستحلفه وليست له بينة إلا بادعائه] ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل عن الرجل يفتري عليه فيريد صاحبه المفترى عليه أن يستحلفه وليست له بينة إلا بادعائه قال: لا أرى أن يستحلف له، من يعلم ما قال؟ قيل له: فإن أتى بشاهد؟ قال: أرى أن يحلف

له، قيل له: فإن أبى أن يحلف قال: وهل يستطيع إلا أن يحلف إلا أن أصحابه أخبروني أنه قال يسجن أبدا حتى يحلف، ولم يختلفوا فيه جميعا أنه قال: يسجن حتى يحلف، وهو قولي. قال محمد بن رشد: قد اختلف إذا لم يكن للمدعي بينة على دعواه على ثلاثة أقوال، أحدها: قوله في هذه الرواية: إنه لا يمين على المدعى عليه، والثاني: قوله في رسم العقول والجبائر من كتاب الجنايات: إن عليه اليمين، والثالث: قول ابن القاسم في أول سماع أصبغ من كتاب الجنايات: إنه لا يمين عليه إلا أن يكون مشهورا بذلك، فإن حلف على رواية أشهب أو على رواية أصبغ إن كان ذلك مشهورا بذلك برئ وإن نكل عن اليمين سجن حتى يحلف ما لم يطل ذلك، فإن طال خلي سبيله ولم يؤدب، وقال أصبغ: إنه يؤدب إذا كان معروفا بالأذى وإن كان مبرا في ذلك أي مشهورا به مبرزا فيه خلد في السجن، وكذلك اختلف أيضا إذا كان له شاهد واحد على دعواه على ثلاثة أقوال، أحدها: أن المدعى عليه يحلف وهو قوله في هذه الرواية فإن نكل عن اليمين سجن حتى يحلف ما لم يطل، فإن طال فعلى ما تقدم من قول أصبغ وروايته عن ابن القاسم إذا أوجبت عليه اليمين بالدعوى فنكل عنها، والثاني: إنه إن كان معروفا بالشتم والسفه عزر ولم يستحلف، وإن لم يكن معروفا بذلك استحلف، وهو قول مالك في رسم القضاء لأشهب من سماع أشهب من كتاب الشهادات، إلا أنه ضعف اليمين، والثالث: إنه يحلف مع شاهده ويحد له، روي ذلك عن مطرف وهو شذوذ في المذهب أن يحد في الفرية باليمين مع الشاهد، ويتخرج في المسألة قول رابع: إنه لا يحلف مع شاهده في الفرية ويحلف معه فيما دون الفرية من الشتم الذي يجب فيه الأدب، وكذلك اختلف أيضا في القصاص من الجراح باليمين مع الشاهد على ثلاثة أقوال وقد مضى هذا كله في الرسم المذكور في سماع أشهب من كتاب الشهادات عليه، وبالله التوفيق.

: قال له الذي تزعم أنه أبوك

[: قال له الذي تزعم أنه أبوك] ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا وسئل مالك عن رجلين من بني سلمة وقعت بينهما مشاتمة فقال أحدهما لصاحبه: أبي خير من أبيك وأمي خير من أمك وما أمشى مقنعا رأسي، فقال له الآخر: هلم أباك الذي تزعم أنه أبوك فهذا من يعرف أبي ويعرف أباك ويعرف أمي ويعرف أمك، قال قال مالك: هذا أنكر ما تكلم به حين قال الذي تزعم أنه أبوك، ثم قال ما أرى في مثل هذا كله حدا والعفو في مثل هذا أمثل والصفح أفضل، فأما الحد فلا أراه ولا أرى في مثل هذا حدا. قال محمد بن رشد: إنما قال إن أنكر ما تكلم به قوله الذي تزعم؛ لأن " زعم " إنما تستعمل في الأشياء المكروهة وفيما يتهم فيه القائل بالكذب، بخلاف قال وذكر، ولما كان لفظ يزعم لا يقتضي تحقيق الكذب عليه فيما زعمه لم ير في ذلك حدا، ورأى التجافي عن العقوبة في مثل ذلك أمثل وأولى من العقوبة فيه؛ لأنه قول خرج منه على سبيل الجواب لتعريضه بالريب في قوله وما أمشي مقنعا رأسي أي: إنك أنت تفعل ذلك، وعبر عن التجافي عن عقوبته بالعفو والصفح تجاوزا واستعارة، إذ ليس تجافي الحاكم عن عقوبة من تلزمه العقوبة عفوا له عن العقوبة ولا صفحا عنها، إذ ليس ذلك إليه، وإنما العفو والصفح للمقول له ذلك القول المؤذى به والله الموفق. [مسألة: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته] مسألة وسئل مالك عن تفسير حديث علي بن أبي طالب إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته أي البكر والثيب جميعا إذا أتى بأربعة

شهداء خلي سبيله، قال: لا أدري ما هذا لم أسمع فيه شيئا إنما أريد بهذا الحديث موضع الشهادة الذي يدعي هذا الأمر للبراءة له، قال ابن القاسم: أرى إذا قام أربعة شهداء في البكر والثيب يشهدون أنهم رأوه يزني بها ترك، وهذا تفسير الحديث. قال محمد بن رشد: قوله في الحديث فليعط برمته معناه فليسلم بذاته للقود منه بمن قتل منهما، فنص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أنه يقتل إن لم يأت بأربعة شهداء، وسكت عن الحكم في ذلك إن أتى بهم، فاقتضى دليل قوله بحمله على عمومه ألا يقتل إن أتى بأربعة شهداء على معاينة الزنا كان المقتول منهما بكرا أو ثيبا، وقد اختلف في القول بدليل الخطاب ولذلك توقف مالك في ذلك فقال: لا أدري ما هذا لم أسمع فيه شيئا ثم قال بعد ذلك: إنما أريد بهذا الحديث موضع الشهادة الذي يدعي هذا الأمر للبراءة له، فرأى بدليل الخطاب ألا يقتل إذا أتى بأربعة شهداء ظاهره في البكر والثيب مثل قول ابن القاسم، وقد اختلف في ذلك إذا كان المقتول منهما بكرا على أربعة أقوال، أحدها: أنه لا يقتل ويكون دمه هدرا، وهو قول المغيرة وعبد الرحمن، وظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في هذه الرواية، وقاله ابن عبد الحكم إذا علم التشكي منه به قبل ذلك، والثاني: أنه لا يقتل به وتكون الدية فيه على عاقلته، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز وفي المدنية وفي تفسير ابن مزين من رواية أصبغ عنه، والثالث: أنه لا يقتل وتكون الدية عليه في ماله، وهو قول أصبغ من روايته في تفسير ابن مزين، والرابع: أنه يقتل به وهو قول ابن الماجشون، فوجه القول الأول أن من أصابه مثل هذا يدركه من الغضب ما يفقد معه عقله فيكون حكمه في ذلك حكم المجنون الذي لا يعقل، وقد قيل فيه إن جنايته في المال والدم هدر، ويؤيد هذا ما روى حذيفة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبي بكر: أرأيت لو وجدت مع أم رومان رجلا ما كنت صانعا به؟ قال: كنت صانعا به شرا، قال فأنت يا عمر؟ قال: كنت قاتله، قال فأنت يا سهيل بن بيضاء؟ قال: كنت أقول أو قائلا لعن الله الأبعد

والبعد ولعن أول الثلاثة أخبر بهذا، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تأولت القرآن يا ابن بيضاء {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] » الآية وموضع الدليل من الحديث أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم ينكر على عمر بن الخطاب قوله كنت قاتله فدل على أنه رآه معذورا فيما أخبر به من أنه كان يقتله، ومن طريق القياس أن هذا قتل عمد لا قصاص فيه ولم يجب فيه دية، ووجه القول الثاني أنه لما عذر بما أدركه من الغضب وحكم له في ذلك بحكم المجنون كانت الدية على عاقلته إذ قد قيل ذلك في المجنون، ووجه قول أصبغ أن الدية في ماله هو أن الشبهة في درء القود عنه لما لم يكن بينة أشبه شبه العمد عند من يقول به، وهذا هو أظهر الأقوال، إذ قد قيل إنه يقتل به، وممن قال ذلك ابن الماجشون، ووجهه أنه قاتل لمن لم يجب عليه بما صنع قتل فوجب أن يقاد منه، والدليل على ذلك من الحديث ما رواه أبو هريرة من حديث مالك في موطئه «أن سعد بن عبادة قال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نعم؛» لأن

: كان بينه وبين قريب له شر وجدته أخت أبيه فقال له إن نسبك مني بعيد

معنى قوله نعم النهي له عن قتله لما تقدم من قوله على ما روي عنه أنه كان يقول لو وجدته لضربته بالسيف غير مصفح إلا أنه يجب عليه أن يخليه معها حتى يخرج فيأتي بالبينة، بل يجب عليه أن يضربه ويخرجه عن منزله ولا يقتله وإن رآه يزني بها وهو محصن إذ لا يصدق في ذلك، وقال ابن الماجشون: إنه إن قتله وأتى بأربعة شهداء على معاينة الفعل وهو محصن عاقبه الإمام لقتل من وجب عليه القتل دون الإمام، ومن قول ابن الماجشون إنه إن قاتله فقطع يده أو رجله فهو هدر إلا أن يقتله فيقتل به إن لم يأت بأربعة شهداء أو أتى بهم وهو بكر غير محصن، وبالله التوفيق. [: كان بينه وبين قريب له شر وجدته أخت أبيه فقال له إن نسبك مني بعيد] ومن كتاب سلف في المتاع والحيوان وسئل عن رجل كان بينه وبين قريب له شر وجدته أخت أبيه فقال له إن نسبك مني بعيد هل ترى في هذا شيئا؟ قال مالك: ما أرى في هذا شيئا. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قاله لأنه حفيد عمته فإن كان زوجها من قوم آخرين فلا نسب بينه وبينهم أصلا وإن كان من قومه فنسبه منه بعيد كما قال. [مسألة: يقول الذي يقول إني فعلت كذا وكذا فهو ابن الزانية] مسألة وقال مالك في رجل يقول له إنك فعلت كذا وكذا فيقول: الذي يقول إني فعلت كذا وكذا فهو ابن الزانية، فيقول الرجل أنا

: يشج الرجل منقلة ما لا قود فيها أيعاقب مع الغرم

قلته قال: إن قامت له بينة أنه قاله أخذ منه الحد وإلا فلا حد عليه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأنه لما قال له إنك فعلت كذا وكذا كان الظاهر من قوله أنه يقول ذلك فصار بقوله الذي يقول إني فعلت كذا وكذا بمنزلة أن لو قال له: إن كنت قلت كذا وكذا فأنت ابن الزانية، فوجب أن يحد إن أثبت أنه قاله، معناه إن قامت أمه بحدها لأنها هي المقذوفة وليس له أن يقوم بحدها إذا كانت حية إلا أن توكله على ذلك. [: يشج الرجل منقلة ما لا قود فيها أيعاقب مع الغرم] ومن كتاب مساجد القبائل وسئل عن الرجل يشج الرجل منقلة ما لا قود فيها أيعاقب مع الغرم؟ فقال: نعم، فقيل له كيف ترى عقوبته أيجرد أهلها أم يجلدون بثيابهم؟ قال: بل يجردون، قيل لمالك فالنساء؟ قال: يقعدن، وقد أخذت امرأة جعلت تحت ثيابها قطيفا فنزعت عنها، قيل يا أبا عبد الله نزعت؟ قال: نعم، وأرى أن تنزع إذا كان مثل ذلك، قيل له: أفيجلد الرجل قياما أم قعودا؟ قال: ما أدركت أحدا يضرب إلا قاعدا، وأنكر المد في الحبال، قال مالك: وقد كان يتخذ للنساء قفاف يدخلن فيها فأعجبني ذلك وأرى أن يفعل ذلك. قال محمد بن رشد: قوله إنه يعاقب في الجرح الذي يقتص منه مع الغرم صحيح لا اختلاف فيه، وإنما يختلف: هل يعاقب مع القصاص فيما يقتص منه فيه حسبما مضى القول فيه في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات، وما ذكره من أن الرجل يضرب قاعدا ويجرد ولا يمد، ومن أن المرأة لا تجرد إلا أنه ينزع عنها ما يقيها الضرب ومن استحسانه لضرب النساء في قفاف يدخلن فيها وهو نص ما في المدونة في ذلك كله ولا

مسألة: وجد مع صبي في سطح وقد جرده وضمه إلى صدره وغلق على نفسه معه

إشكال ولا اختلاف في شيء منه، وبالله التوفيق. [مسألة: وجد مع صبي في سطح وقد جرده وضمه إلى صدره وغلق على نفسه معه] مسألة وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن امرأة خرجت إلى بعض الحرار فلما نزلت مزقرة عرض رجل من أصحاب الحمر فنزل إليها ثم أرادها عن نفسها وكشف ثيابها عنها فامتنعت منه فرمته بحجر فشجته ثم.... فذهب فأتت مروان بن الحكم، وكانت فيه شدة في الحدود، فذكرت ذلك له، فسألها عن اسمه فلم تعرفه، فقال لها أتعرفينه إذا رأيته؟ قالت: نعم، فأدخلت بيتا ثم قال ايتوني بالمكاريين الذين يكرون الحمر، وقال: لا يبقى أحد أكريتموه إلا جئتموني به، فأتوه بهم، فجعل يدخل عليها رجلا رجلا، فتقول: ليس هو هذا حتى دخل به عليها مشجوجا، فقالت: هو ذا، فأمر به مروان فحبس فأتاه أبوه فكلمه، فقال مروان: جانيك يجني عليك وقد ... يعدي الصحاح مبارك الجرب فلرب مأخوذ بذنب عشيرة ... ونجا المقارف صاحب الذنب فقال أبوه: ليس كذلك قال الله، إنما قال الله: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فقال مروان: لاها الله، إذا لا يخرج منه حتى ينقدها ألف درهم لما كشف منها، قال أبوه هي علي، فأمر به مروان فأخرج. قلت لمالك: أترى هذا من القضاء الذي يؤخذ به؟ فقال: ليس

هذا عندي من القضاء، ولكنه على غلظة من مروان في الحدود، ولقد كان مروان يؤتى بالرجل قد قبل المرأة فينزع ثنيته، فلم ير مالك مع التهمة البينة أن يؤخذ بها ولكن يطال سجن المتهم رجاء أن توجد عليه بينة. قال محمد بن رشد: تضمينه هذه الحكاية عن مروان بن الحكم من أنه قضى للمرأة بدعواها على الكري الذي ادعت أنه أرادها عن نفسها وكشف عنها ثيابها بألف درهم بما ادعت عليه من كشفه إياها مع الشبهة التي ألحقت التهمة به وحققت المظنة عليه لا يأخذ به مالك ولا يرى القضاء به، إذ لا يرى العقوبات في الأموال؛ لأن العقوبات في الأموال أمر قد كان في أول الإسلام، من ذلك «ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في مانع الزكاة: إنا آخذوها منه وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا» «وما روي عنه في حريسة الجبل: أن فيها غرامة مثيلها وجلدات نكال» «وما روي عنه من أن سلب من أخذ وهو يصيد في الحرم لمن أخذه» كان ذلك كله في أول الإسلام وحكم به عمر بن الخطاب ثم انعقد الإجماع بأن ذلك لا يجب، وعادت العقوبات على الجرائم في الأبدان، وقد أنكر ذلك على مروان بن عبد الحكم، فقال على سبيل إنكار ذلك عليه: إنه قد كان يؤتى بالرجل يقبل المرأة فينتزع ثنيته، وهذه نهاية في الإنكار، والعقوبات على الجرائم عند مالك على قدر اجتهاد الوالي وعظم جرح الجاني وأن يجاوز الحد، وقد أمر مالك صاحب الشرط في الذي وجد مع صبي في سطح وقد جرده وضمه إلى صدره وغلق على نفسه معه فلم يشكوا في المكروه بعينه أن يضربه ضربا مبرحا ويسجنه سجنا طويلا حتى تظهر توبته وتتبين، فسجنه صاحب الشرط أياما قبل أن يضربه فكان أبوه يختلف إلى مالك ويتردد عليه ويقول اتق الله فما خلقت النار باطلا، فيقول مالك: أجل وإن الذي ألفي عليه ابنك لمن الباطل، ثم ضربه صاحب الشرط أربعمائة سوط فانتفخ فمات، فما أكبر ذلك مالك ولا بالى به، فقيل له يا أبا عبد الله إن مثل هذا من الأدب والعقوبة لكثير، فقال هذا بما أجرم، وما رأيت أنه أمسه من

: العسل يخلط باللبن

العقوبة إلا بما اجترم، وقال مطرف بن عبد الله في المبسوطة: الأدب إلى الحاكم موكل إلى نظره يؤدب في ذلك باجتهاده، وإن أتى الأدب على النفس وإخراج الروح، وله في الواضحة أن أقصى ما يبلغ في الأدب في المعروف بالجرم ثلاثمائة فما دون ذلك، وروي عن أصبغ أن أقصى الأدب في جرم الفاسد البين الفساد مائتان، وروي عنه أن ذلك إلى اجتهاد الإمام وإن أتى على النفس، وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية ابن عباس أنه قال: «من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين» وذهب إلى هذا محمد بن سلمة فقال: قد انتهى غضب الله في الزانية والزاني إلى مائة جلدة فقال: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} [النور: 2] فلم يجعل عليهما أكثر من ذلك، فلا يتجاوز في العقوبة ثمانون سوطا، وقد روى عبد الله بن مسلمة بن قعنب عن مالك أنه لا يتجاوز فيها خمسة وسبعين، وأنه كان يقول: الأدب عندي دون الحد، والمشهور عنه المعلوم من مذهبه أن ذلك إلى اجتهاد الإمام، وهو مذهب ابن القاسم، وقال أبو حنيفة: لا يبلغ بالضرب أكثر من ثلاثة أسواط في الأدب، ولا يزاد على الثلاثة إلا في حد، وروي ذلك عن الليث بن سعد، وقال أبو يوسف: لا يبلغ في الأدب ثمانين، وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة: لا يبلغ فيه مائة، ومن أهل العلم من رأى أنه لا يضرب في الأدب أكثر من عشرة أسواط على ما روى أبو بردة «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن الأدب لا يكون فوق عشرة أسواط» وروي مثله عن أشهب قال لا يزيد السلطان في الأدب على عشرة أسواط ولا المكتب على ثلاثة فإن زاد على ثلاثة اقتص منه، وبالله التوفيق. [: العسل يخلط باللبن] ومن كتاب البز وسئل ابن القاسم عن العسل يخلط باللبن فقال: لا بأس به.

مسألة: شهدا على رجل أنه شرب خمرا فحلف بطلاق امرأته ما شرب خمرا

قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن النهي إنما جاء في الخليطين من الأشربة التي يصنعها الناس من الأطعمة كالتمر والزبيب والعسل والبر وما أشبه ذلك، وأما اللبن فليس بشراب من صنع آدمي، فلا كراهة في خلطه بالعسل ولا شراب من الأشربة، والأصل في هذا أنه إذا كان الشيئان يصلح أن ينبذ كل واحد منهما فلا يجوز أن يجمعا في الانتباذ ولا أن يخلط شرابهما إذا انتبذ كل واحد منهما على حدة، وإذا كان الشيئان لا يصلح أن ينبذ أحدهما أو كلاهما فلا بأس بخلط شرابيهما، وإنما نهي عن خلط الشرابين إذا اختلف أصولهما ومن جمع الشيئين المختلفين في الإنباذ من باب حماية الذرائع؛ لأن الشدة والإسكار يسرع إليهما بذلك، فمن خلطهما وشربهما في الفور لم يكن عليه في ذلك حرج، وقيل إن النهي في ذلك عبادة لا لعلة، فعلى هذا القول لا يجوز ذلك وإن شربهما بالفور، وأما شراب الورد وشراب السكنجبين وما أشبه ذلك من الأشربة السكرية أو العسلية فالجمع بينهما جائز باتفاق؛ لأن أصلهما جميعا واحد ولا يجوز خلط شراب سكري وعسلي لاختلاف أصلهما، وبالله التوفيق. [مسألة: شهدا على رجل أنه شرب خمرا فحلف بطلاق امرأته ما شرب خمرا] مسألة وسئل مالك عن رجلين شهدا على رجل أنه شرب خمرا فحلف بطلاق امرأته ما شرب خمرا، أترى أن يطلق عليه امرأته؟ قال أرى أن يضرب الحد، ولم نر عليه طلاقا، وقد قال: إن هذه وجوه يكون لها تفسير، من الناس من يقول: إنما الخمر من العنب، قيل له أفتقول ذلك؟ قال: وكل خمر فهو خمر إذا أسكر، قيل له: أفتوجب عليه الطلاق؟ قال: لا ولكن أوجب عليه الحد. قال محمد بن رشد: إنما نواه لأن كل ما أسكر فهو خمر عنده، خلاف ما يذهب إليه أهل العراق في أن الخمر إنما يقع على ما أسكر من

: يخلط الشيئان للخل

العنب، وبعضهم يقول إنه يقع على ما أسكر من العنب والتمر والزبيب النقيع، فلما شهدا عليه أنه شرب خمرا ولم يقولا مم هي الخمر التي شرب كانا بمنزلة أن لو شهدا عليه أنه شرب سكرا، فنواه في أنه لم يشرب الخمر التي هي الخمر عند أهل العراق ولو شهدا عليه أنه شرب خمر العنب فحلف أنه لم يشرب خمرا لطلقت عليه زوجته باتفاق، وقد قيل إنه لا ينوي مع قيام البينة وإنما ينوي إذا جاء مستفتيا، وقيل إنه لا ينوي وإن جاء مستفتيا، وإلى هذا ذهب ابن المواز، وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النذور. [: يخلط الشيئان للخل] ومن كتاب أوله سلعة سماها وسئل عن العصير يجعل فيه الشعير وغير ذلك مما يخلل به التماس أن يكون خلا فيخلل، أترى به بأسا؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن النهي إنما هو في خلط الشرابين للشرب إذا اختلفت أصولهما، وفي انتباذ الشيئين المختلفين للشرب، وكذلك خلط ما ينبذ مع الشراب الذي قد نبذ من شيء آخر ليشرب، وأما الخل فليس من ذلك في شيء؛ لأنه ليس بشراب، وإنما هو إدام؛ فجائز أن يخلط الخلان وإن اختلفت أصولهما وأن يخلط الشيئان للخل وأن يخلط مع العصير الذي يراد للخل ما شاء من الأشربة والأطعمة، هذا هو المشهور من قول مالك، وفي ذلك اختلاف حسبما يأتي ذكره في رسم الحدود من سماع أشهب وفي رسم الأشربة والحدود منه أيضا، وبالله التوفيق. [مسألة: يقذف الرجل الغريب فيقول له يا ابن زانية] مسألة وسئل عن الرجل يقذف الرجل الغريب فيقول له يا ابن زانية

: قال لرجل يا ابن أمي فقال له الرجل ابن أمك الشيطان

وهو غريب لا تعرف أمه ... عليه فيقول السلطان هذا غريب لا تعرف أمه فيستشير في ذلك في أن يقيم عليه الحد أم لا؟ قال مالك أرى أن يضرب الحد إذا كان رجلا مسلما، وقد يقدم الرجل البلد فيقيم فيها سنتين من أهل خراسان وغير ذلك فيقذفه الرجل فيقال له أقم البينة أن أمك حرة أو مسلمة، قال ما أرى ذلك عليه، ولكن أرى أن يضرب من قذفه، والظالم هو الذي يحمل عليه فأرى أن يحد قاذفه. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن أم الحر المسلم محمولة على الحرية والإسلام حتى يعلم خلاف ذلك، كما أنه محمول على الحرية حتى يعلم أنه عبد لو قذفه رجل لوجب على قاذفه الحد إلا أن يثبت أنه عبد، وإنما يحد إذا قال له: يا ابن الزانية، إذا كانت أمه قد ماتت أو حاضرة فوكلته، وأما إن كانت غائبة قريبة الغيبة فلا يحد لها إلا بعد الإعذار إليها. [: قال لرجل يا ابن أمي فقال له الرجل ابن أمك الشيطان] ومن كتاب باع غلاما وسئل مالك عن رجل قال لرجل: يا ابن أمي، فقال له الرجل: ابن أمك الشيطان، فقال: ليس في هذا فرية، وهذا من كلام أهل السفه، قيل له: أفترى فيه أدبا؟ قال: إنه لخفيف وهو إذا. قال محمد بن رشد: هذا بين أنه خفيف على ما قال؛ لأن ذلك من قول القائل محال فلا يلحق المقول له بذلك نقص ولا عيب، وبالله التوفيق.

مسألة: رجل من الموالي قال لرجل عربي أنا أقرب برسول الله عليه السلام منك

[مسألة: رجل من الموالي قال لرجل عربي أنا أقرب برسول الله عليه السلام منك] مسألة وسئل مالك عن رجل من الموالي قال لرجل عربي، أنا خير منك أصلا وفصلا وأقرب برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منك، قال مالك: ما أرى من أمر بين، قيل له: أفترى عليه حدا حين قال: أنا أقرب برسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - منك؟ قال: ما أرى من أمر بين والعفو في ذلك أفضل. قال محمد بن رشد: الأصل النسب، والفصل الحسب، فقوله أنا خير منك أصلا وفصلا بمنزلة قوله أنا خير منك نسبا وحسبا أو أنا أكرم نسبا وحسبا، والحسب قد يراد به النسب، وقد يراد به الدين، بدليل قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كرم المؤمن تقواه ودينه حسبه. الحديث، فإذا أفرد الرجل الحسب عن النسب فقال لصاحبه في سبه إياه: أنا خير منك أو أفضل منك أو أكرم منك حسبا، حمل قوله على النسب، وإذا جمعه معه فقال له: أنا خير منك وأفضل منك وأكرم منك حسبا ونسبا، حمل الحسب على الدين، فيتحصل في قول الرجل للرجل: أنا خير أو أفضل منك أو أكرم منك حسبا ونسبا أو أصلا ثلاثة أقوال، أحدها: قول مالك في هذه الرواية وغيرها إنه لا حد عليه؛ لأن ذلك لا يرجع عنده إلا إلى تفضيل العجم على العرب، إن كان القائل من العجم والمقول له من العرب لا إلى نفي المقول له عن نسبه لأن قول المولى للعربي: أنا خير منك بمنزلة قوله: العجم خير من العرب، هذا الذي ذهب إليه مالك، والثاني: إنه إن قال له: أنا أكرم منك أو أفضل منك أو خير منك نسبا، فعليه الحد إن كان قاله عربي لقرشي أو مولى لعربي أو لقرشي، وإن لم يقل نسبا وقال حسبا فعليه الأدب ولا حد عليه، وهو مذهب ابن أبي حازم والثالث: إنه إن قال له: أنا أكرم منك أو أفضل منك أو خير منك نسبا، فعليه الحد وإن لم يقل نسبا وقال حسبا فعليه الحد إلا أن يقول إنما أردت الدين فيحلف على ذلك ويسقط عنه الحد إذا كان يشبه أن يكون كذلك، وإن كان لا يشبه أن

: رجل من العرب ورجل من قريش فادعى كلاهما أنه أفضل من الآخر

يكون كذلك لظهور سفه لم يصدق في ذلك، ووجب عليه الحد، وهو مذهب مطرف وابن الماجشون وأصبغ فيما حكى ابن حبيب عنهم من أنه إذا قال عربي لعربي مثله أو فوقه أو لقرشي: أنا خير منك، فلا حد عليه، وكذلك إذا قاله مولى لمولى، وإذا قاله مولى لعربي حد للنفي، كأنه قال: لست من العرب حيث فضل عليه المولى، إلا أن يقول: إنما أردت أني خير منك عند الله، فيحلف بالله ما أراد إلا ذلك، ثم لا حد عليه إن كان قائل ذلك مثله يشبه أن يكون كذلك، وإن كان سفيها مثله لا يشبه أن يكون كما قال، لم يقبل قوله، وحمل عليه أنه أراد تنحيته عن نسبه، قالا: ولو قاله ابنا عم من العرب أو من قريش أحدهما لصاحبه كان فيه الحد؛ لأنه لا مذهب له هاهنا إلا النفي إلا أن يقول: أردت أني خير منه دينا ومثله يشبه أن يكون كذلك فيحلف وينجو من الحد، فقول مطرف وابن الماجشون وأصبغ مثل قول ابن أبي حازم في قوله: أنا أكرم منك نسبا، وخلاف له في قوله: أنا أكرم منك حسبا، وقوله في الرواية: والعفو في ذلك أفضل معناه ودرأته الحد في ذلك أولى وأحسن إذ ليس العفو على الحد إلى الإمام، وإنما ذلك لصاحب المقذوف، ولو قال الرجل لصاحبه في مشاتمة: ما لك أصل ولا فصل لم يجب عليه الحد على مذهب مالك، خلاف قول أصبغ وخلاف ما حكى ابن حبيب عن ابن الماجشون من أنه إن قاله لعربي حد، إلا أن يعذر بجهالة، فيحلف ما أراد قطع نسبه ويؤدب، وإن نكل عن اليمين حد، وإن قاله لمولى فلا حد عليه. [: رجل من العرب ورجل من قريش فادعى كلاهما أنه أفضل من الآخر] ومن كتاب صلى نهارا وسئل عن رجل من العرب ورجل من قريش كانا في دعوة في قسمهم وهم حلفاء، فذهب العربي يتقدم القريشي وكلاهما قد صحب أبوه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال القريشي للعربي: لا تتقدمني أنا خير منك وأقرب برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

: جلد الحد رجلا قال لرجل إن أمك لتحب الظلم فجلده الحد

منك، فقال له العربي: بل أنا خير منك وأقرب برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منك، فسئل مالك عنه: هل ترى في مثل هذا حدا؟ فقال: ما أرى من حد يثبت، والعفو في مثل هذا أفضل. قال محمد بن رشد: درء الحد في هذه المسألة بين على ما قاله، إذ لم يزد على قوله أنا خير منك، فلا أعرف في ذلك نص خلاف، ولو قال: أنا خير منك نسبا لوجب عليه الحد عند ابن أبي حازم، وقد مضى في المسألة التي قبل هذه من الكلام ما فيه بيان هذه، وبالله تعالى التوفيق. [: جلد الحد رجلا قال لرجل إن أمك لتحب الظلم فجلده الحد] ومن كتاب طلق قال وحدثني أن مروان بن الحكم جلد الحد رجلا قال لرجل: إن أمك لتحب الظلم فجلده الحد، قال ابن القاسم، قال مالك: ليس عليه العمل. قال محمد بن رشد: إنما لم ير مالك عليه العمل إذ ليس عنده بتعريض بين، لاحتمال أن يريد أنها تحب الظلم لئلا يبدو قبح صوتها أو سماجة هيئتها أو ما أشبه ذلك من المعاني التي لا يراد بها الزنا، وبالله التوفيق. [: رائحة الخمرتوجد بالرجل هل يحد] ومن كتاب اغتسل على غير نية وسئل مالك عن الرائحة توجد بالرجل، قال: إن شهد عليه ذوا عدل أنه شرب مسكرا حد، وإن لم يستيقن وكان من أهل السفه نكل، وإن كان رضا في حاله لم أر عليه نكالا ولا حدا. قال محمد بن رشد: قوله: إن شهد عليه ذوا عدل أنه شرب مسكرا

: يقول للرجل يا ابن البربرية وأمه عربية

حد، معناه إذا كانت الشهادة عليه بذلك دون أن يأمر السلطان باستكناهه لأن الواحد يجزي في الاستكناه إذا أمر الإمام بذلك، ولا اختلاف في مذهب مالك، وجل أهل العلم في أن المسكر من جميع الأشربة خمر يجب الحد على من شربها سكر أو لم يسكر لقول النبي عليه السلام «ما أسكر كثيره فقليله حرام» وإنما يخالف في ذلك أهل العراق فيرون شرب ما دون السكر من الأنبذة المسكرة حالا، ولا يحرمون اليسير والكثير إلا من خمر العنب أو العنب والتمر على قول بعضهم، وهو من المذاهب المرغوب عنها البينة خطؤها. [: يقول للرجل يا ابن البربرية وأمه عربية] ومن كتاب سعد قال مالك في الرجل يقول للرجل يا ابن البربرية وأمه عربية: إنه يضرب الحد؛ لأنه نفى أمه من أبيها، فإن قال: ليست أمك فلانة، فلا أرى عليه حدا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن من قال لعربي: يا بربري، وهو يعرف أنه عربي فعليه الحد؛ لأنه قد نفاه عن نسبه، فقوله: إنه يضرب الحد إذا قال له: يا ابن البربرية، وأمه عربية، معناه إذا كان يعرف أن أمه عربية، وإنما وجب الحد في قول الرجل للرجل: ليس أبوك فلانا، ولم يجب في قوله: ليست أمك فلانة لأن نسب الرجل يثبت من أبيه بالحكم وغلبة الظن دون المشاهدة واليقين، ويثبت من أمه بالمشاهدة واليقين، فإذا قال له: لست لأمك لم يغره بذلك ولا كانت عليه فيه غضاضة لأنه يعلم كذبه فيما قاله، وإذا قال له لست لأبيك فقد غره بذلك إذ لا يعلم كذبه قطعا فيما رماه به، وقذف أمه

مسألة: منبوذ افتري عليه فقيل له يا ابن الزانية

بالزنا، فيجب عليه حدان، حد له لقطع نسبه من أبيه، وحد لأمه لتزنيته إياها، ويختلف هل يجب عليه حد لأبيه أم لا، فلا يجب عليه على مذهب أشهب ويجب عليه على مذهب ابن القاسم في المدونة في إيجاب الحد على من قال لعبده: لست لأبيك وأبوه مسلم وأمه كافرة، قال: لأنه حمل أباه على غير أمه، وهو بعيد، وقول أشهب أصح، وبالله التوفيق. [مسألة: منبوذ افتري عليه فقيل له يا ابن الزانية] مسألة وسئل مالك عن منبوذ افتري عليه فقيل له: يا ابن الزانية، فقال: أرى أن يعزر بإذايته إياه ولا حد على من افترى عليه. قال محمد بن رشد: إنما لم ير الحد على من قال لمنبوذ يا ابن الزانية من أجل أن أمه لا تعرف، ولا حد على من قذف مجهولا لا يعرف، وكذلك لو قال له: يا ابن الزاني لم يحد، إذ لا يعرف أبوه، وكذلك قال ابن حبيب في الواضحة: لا حد على من قذف منبوذا بأمه أو بأبيه، وهو معنى قوله في هذه الرواية ولا حد على من افترى عليه، وأما لو قال له: يا ولد زنا، لوجب عليه الحد؛ لاحتمال أن يكون لرشده، وان كان قد نبذ، وأما اللقيط والمجهول فيحد من قذفه بأبيه أو بأمه، قاله ابن حبيب في الواضحة، وبالله التوفيق. [: ينتهر بالمرأة في الشعر] من سماع أشهب وابن نافع من مالك وسئل عن الذي ينتهر بالمرأة في الشعر فيوقف على ذلك، فيقول: قول قلته ليس له عندي أصل أيحد؟ قال: ما رأيت أحدا حد في مثل هذا، ولم يزل الشعراء يقولون، فما رأيت أحدا حد في مثل هذا إلا أن يكون الشيء البين جدا. قال محمد بن رشد: رأيت لأبي بكر بن محمد أنه قال: المعروف

مسألة: قال لعربي يا مولى أو يا عبد

من قول أصحابنا أنه يعتبر شعره، فإن كان فيه تعريض القذف حد، فكأنه تأول عن مالك أنه لا يحد الشاعر إذا عرض في شعره بقذف المرأة، وليس ذلك بتأويل صحيح؛ لأنه قد نص على أنه يحد إذا كان الشيء البين جدا، وإنما شرط ألا يحد حتى يكون الشيء البين جدا؛ لأن للشعراء في أشعارهم استعارات لطيفة ومجازات بعيدة، فلا يتأول عليهم في شيء منها القصد إلى الحقيقة إلا أن يكون ذلك أمرا بينا، فليس قوله بخلاف لأصله في إيجاب الحد في التعريض بالقذف؛ لأنه لا يرى ذلك إلا في التعريض البين الذي يرى في أنه أراد بذلك القذف، لا في الكلام المحتمل، ألا ترى أنه لم ير العمل على فعل مروان في جلده الحد لقائل: إن أمك لتحب الظلم؛ لاحتمال الكلام غير القذف حسبما مضى من قولنا في رسم طلق، فكذلك إذا كان كلام الشاعر في شعره محتملا أن يكون أراد به القذف وألا يكون أراد به القذف لم يحد. [مسألة: قال لعربي يا مولى أو يا عبد] مسألة وسئل عن رجل قتل أخوه فجاء أخو القاتل وهو عربي يكلمه في ذلك وهو مغضب فقال له: تنح عني أيها العبد وهو ابن لسوداء أو سندية، ثم قال لم أرد نفيه، وإنما أردت سواده ولونه أترى عليه حدا؟ فقال إني لأرجو ألا يكون ذلك عليه إن شاء الله، قيل له: أترى عليه اليمين ما أراد نفيه؟ قال: ذلك أدنى ما عليه إن لم يكن عليه غير ذلك هو أدنى ما عليه. قال محمد بن رشد: هذا خلاف قوله في المدونة: إنه من قال لعربي: يا مولى أو يا عبد، أنه يحد، بخلاف إذا قال لمولى: يا عبد، وإنما فرق في المدونة بين أن يقول ذلك للعربي أو للمولى؛ لأن العبيد والموالي من العجم، فإذا قال للعربي يا مولى أو يا عبد فقد قطع نسبه؛ لأن ذلك بمنزلة أن يقول له يا عجمي، فما في المدونة أظهر من هذه الرواية، ويحتمل أن يفرق

مسألة: عفو المقذوف عن القاذف

بين المسألتين بما ذكره في المسألة من سواد المقول له: تنح عني أيها العبد هو ابن سوداء أو سندية، لاحتمال أن يكون القائل أراد بقوله ذلك له أنه ابن أمة سوداء من عربي بنكاح، فلم ينفه بذلك عن نسبه من العرب، واستظهر عليه في ذلك باليمين، وبالله التوفيق. [مسألة: عفو المقذوف عن القاذف] مسألة وسئل عن رجل نازع رجلا قد كانت أمه أمة فأعتقت وهو لا يعلم فنازعه بعد عتقها فقال له: أخزاك الله وأخزى زانية ولدتك، ولم يكن علم بعتق أمه، فقال: ما أراه إلا وقد فرغ ووجب عليه الحد، قيل له: إنها كلمته، فقيل لها: لم يعلم أنك عتقت حين ذهبت. لتطلب ذلك منه، فقالت: اشهدوا أنه إن حلف في المسجد أنه لم يعلم فقد عفوت عنه، فلما ذهب ليحلف رجعت عن ذلك فأرادت إتباعه بالحد، قال أرى ذلك لها، وأرى أن يحد، قيل له: إنها قد أشهدت أنها قد عفت إن حلف أنه لم يعلم أنها حرة ثم أفسدت فقال: إني لا أرى عفوها في مثل هذا جائزا، قيل له: أرأيت إن تمت على العفو؟ فقال: لا أرى لها في ذلك عفوا وأرى أن يحد ولا يجاز عفوها لأن في ذلك إسقاط شهادته ليس حدها بالحد فليس قبول شهادته وردها بيد هذه المرأة، فلا أرى عفوها جائزا وأرى أن يحد إلا أن تكون امرأة تريد سترا أو يخاف إن كتبت أن يثبت ذلك عليها، فأرى عفوها في مثل هذا جائزا وإلا فإن عليه الحد؛ لأن في ذلك شهادته، فلا أرى أن تقبل شهادته، ولو جاز العفو في مثل هذا لعمد الرجل الموسر الكثير المال فافترى على الرجل المعسر فأعطاه مائة دينار أو مائتي درهم وأبرأه من ذلك الحد، فلا أرى ذلك جائزا عليه وأرى عليه الحد وفي رواية ابن القاسم عن مالك العفو جائز.

قال محمد بن رشد: قوله في الذي قذف المرأة بالزنا وهو يظنها أمة وقد كانت أعتقت وهو لا يعلم بعتقها: إن عليه الحد لها، ولا يعذر بجهله بعتقها صحيح لا اختلاف فيه أعلمه؛ لأن الحقوق الواجبة لها بالعتق من الحد والقصاص والميراث وسائر أحكام الحرية لا تسقط بالجهل بها، لو قتلها أحد لقتل بها وإن لم يعلم بحريتها، وكذلك لو شهد بشهادة فردها القاضي إذ لم يعلم بحريته ثم علم بها لأجازها، وإنما اختلف إذا شهد بها عند غيره بعد أن ردها الأول بجهله بحريته، فقيل إنها تقبل منه، وقيل إنها لا تقبل منه؛ لأنها قد ردت، والأصح أن تقبل منه لأن الغيب قد كشف أن ردها أولا لم يكن صحيحا. وظاهر رواية أشهب هذه أن عفو المقذوف عن القاذف لا يجوز وإن كان عفوه قبل أن يبلغ الإمام، خلاف رواية ابن القاسم عنه، فهي تدل على أن القذف يتعلق به حق الله تعالى، وهو مذهب أبي حنيفة، ويأتي على قياسها أن الإمام يقيم حد القذف على القاذف بقيام من قام به من الناس، وهو ظاهر قوله في المدونة في الذي يقذف الرجل عند الإمام وهو غائب أنه يقيم عليه الحد إذا كان معه شهود؛ لأن ظاهر قوله أنه يقيم الحد عليه وإن كان المقذوف غائبا، مثل ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن القاسم وغيره، خلاف ما تأول محمد بن المواز من أن معنى ذلك إذا جاء المقذوف وقام بحقه، وقد قيل: إنه لا يتعلق بالقذف حق لله تعالى فللمقذوف على هذا القول أن يعفو عن القاذف، وإن انتهى الأمر إلى الإمام أراد سترا أو لم يرده، وهو أحد قولي مالك في المدونة، وقد قيل: إنه لا يتعلق به حق لله تعالى حتى ينتهي إلى الإمام إلا أن يريد سترا، وهو أحد قولي مالك في المدونة ومذهب الشافعي، فهي ثلاثة أقوال في المسألة، ولا اختلاف في أن القذف حق للمقذوف، وإنما اختلف هل يتعلق فيه حق لله تعالى أم لا؟ على الثلاثة الأقوال التي ذكرناها، وقد قال عبد الوهاب في المعونة: اختلف عن مالك في حد القذف هل هو من حقوق الله تعالى، أو من حقوق الآدميين، وفائدة ذلك أنه إن كان من حقوق الله فلا

: المدمن على الخمر الذي قد خلع أيجلد الحد كلما أخذ

يجوز العفو عنه بعد بلوغه إلى الإمام، وإن كان من حقوق الآدميين جاز العفو عنه، والصحيح أنه من حقوق الآدميين بدليل أنه يورث عن المقذوف وحقوق الله تعالى لا تورث، ولأنه لا يستحق إلا بمطالبة الآدمي، والله اعلم، هذا نص قوله في المعونة، وفيه نظر فالصحيح ما ذكرناه. [: المدمن على الخمر الذي قد خلع أيجلد الحد كلما أخذ] ومن كتاب الحدود والأشربة وسألته عن المدمن على الخمر الذي قد خلع أيجلد الحد كلما أخذ؟ قال: نعم رأيي أرى أن لو ألزم السجن إذا كان مدمنا خليعا، وقد سجن عامر بن عبد الله بن الزبير ابنا له حتى جمع كتاب الله فيه، فأتى فقيل له: قد جمع كتاب الله فخله، فقال ما من موضع خير له من موضع جمع فيه كتاب الله فأبى أن يخليه فأرى ذلك عليه. قال محمد بن رشد: قوله في المدمن على الخمر إنه يجلد الحد كلما أخذ، هو أمر متفق عليه في المذهب، وعليه جماعة فقهاء الأمصار، وما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وجرير بن عبد الله البجلي أنه يقتل في الرابعة وقول عبد الله بن عمرو بن العاص ايتوني برجل أقيم عليه الحد ثلاث مرات فإن لم أقتله فأنا كذاب، «وما روى عن أبي سليمان مولى أم سلمة أن أبا الرمدا البلوي أخبره أن رجلا منهم شرب الخمر فأتوا به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضربه، ثم شرب الثانية، فأتوا به فضربه، فما أدري قال في الثالثة أوفي الرابعة فأمر به فجعل على العجل ثم ضربت عنقه» تعلق به من شذ من أهل العلم، والذي عليه جماعة العلماء أن ذلك منسوخ، بدليل ما روي عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن عاد فاجلدوه، فأمر في الرابعة بالجلد أيضا ولم يأمر

: يخلط الزبيب والتمر للخل

بالقتل» وقد روي عن محمد المنكدر أنه حدث أنه بلغه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في شارب الخمر: إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه، فأتي ثلاث مرات برجل قد شرب الخمر فجلدوه ثم أتي به في الرابعة فجلدوه، ووضع القتل عن الناس» وقد دل على نسخه أيضا قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث أن يكفر بعد إيمان، أو يزني بعد إحصان أو يقتل نفسا بغير نفس» أو كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد روي هذا الحديث عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بألفاظ مختلفة ومعان متفقة، واستحسان مالك للخليع المدمن على شرب الخمر أن يلتزم السجن كما فعل عامر بن عبد الله بابنه الماجن نظر صحيح؛ لأنه إذا كان لا يكف عن شرب الخمر ولا يقلع عنه بالحد كلما أخذ فإلزامه السجن أحوط لدينه وأبقى على جسمه، وبالله التوفيق. [: يخلط الزبيب والتمر للخل] ومن كتاب الحدود وسئل عن الذي يخلط الزبيب والتمر للخل، فقال: ما سمعت أنه يكره إلا في الشراب الذي يشرب. قال محمد بن رشد: قد كره ذلك مالك في مختصر ابن عبد الحكم، والأظهر ألا كراهية في ذلك على ما قاله في هذه الرواية لأن النهي عن الخليطين وعن انتباذ الشيئين معا إنما جاء في الشراب الذي يشرب، والنهي في ذلك إنما هو من أجل أن الشدة والإسكار تسرع إليهما إذا جمعا معا حسبما مضى القول فيه في رسم البز، من سماع ابن القاسم، وهذه العلة معدومة في الخل فوجب ألا يكون في ذلك كراهية، وقد قيل إن النهي في ذلك إنما هو عبادة لا لعلة وهو قول مالك في موطئه؛ لأنه قال فيه: وهو الأمر

مسألة: النبيذ يجعل فيه الدردي دردي النبيذ ليشتد

الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا أنه يكره ذلك لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه، فعلى هذا يكره ذلك في الخل وغيره؛ لأن النهي إذا كان عبادة لا لعلة وجب أن يحمل على عمومه في الخل وغيره مما يشرب أو يتداوى به أو يمتشط به على ما قاله في رسم الأشربة والحدود بعد هذا في النضوح تعمله المرأة من التمر والزبيب لتمتشط به حسبما يأتي القول فيه إن شاء الله. [مسألة: النبيذ يجعل فيه الدردي دردي النبيذ ليشتد] مسألة وسئل عن النبيذ يجعل فيه الدردي دردي النبيذ ليشتد، فقال: لا بأس به إلا أن يكون مسكرا، قيل له: إنما هو تفل نبيذ، فقال ذلك النبيذ كان مسكرا، فإذا كان ذلك النبيذ مسكرا فهذا حرام، فروجع فيه وقيل له إن ناسا لا يرون به بأسا، فقال هذا حرام. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في المذهب في أن دردي النبيذ المسكر لا يحل أن يجعل في نبيذ ليشتد به؛ لأن النبيذ المسكر بمنزلة الخمر في تحريم قليله وكثيره، فدرديه بمنزلته، وإنما يجوز ذلك على مذهب أهل العراق والذين يرون ما دون السكر من النبيذ المسكر حلالا، وأما دردي النبيذ الذي لا يسكر فجائز أن يجعل في نبيذ غيره ليشتد به إذا كان أصلهما واحدا، وأما إن كان النبيذ من تمر فلا يجوز أن يجعل فيه دردي نبيذ زبيب أو ما أشبه ذلك للنهي الذي جاء في الخليطين، وبالله التوفيق.

: الحدود في الحرم

[: الحدود في الحرم] من كتاب العقول وسئل مالك أتقام الحدود في الحرم؟ قال: نعم وتقتل النفس بالنفس في الحرم. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في هذا الرسم من هذا إلى السماع من كتاب الديات، ومضى مثله في سماع أبي زيد أنه يقتص منه في القتل في الحرم، ولا اختلاف في هذا بين أحد من فقهاء الأمصار أحفظه، وإنما يؤثر فيه خلاف عن جماعة من السلف لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وقد مضى الكلام على هذا في الموضعين من كتاب الديات. [: افترى على الرجل فأعطاه مائة دينارفأعفاه من الحد] ومن كتاب الأشربة والحدود وقال في الكثير المال إذا افترى على الرجل فأعطاه مائة دينار أو مائتي دينار فأعفاه من الحد: ما أرى ذلك جائزا وأرى عليه الحد. قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا من قوله في أول رسم من السماع ومضى الكلام عليه مستوفى فلا معنى لإعادته. [مسألة: تعمل من التمر والزبيب نضوحا تمتشط به] مسألة وسئل عن المرأة تعمل من التمر والزبيب نضوحا تمتشط به، قال: أرجو ألا يكون به بأس، قيل له: ربما اشتكى الرجل فيشتريه من أجل شكوة فقال: لا خير فيه إذا أرادوا أن يتداووا بما أحل الله، يريد

أن يقارب الله ولا أرى بأسا أن تمشط به المرأة، وسئل عن المرأة تجعل في رأسها من نبيذ التمر والزبيب جميعا، فقال: سمعت أنهما لا يخلطان، فلا أرى أن تجعل في رأسها منه شيئا، لقد قام عليها رأسها بالغلاء. قال محمد بن رشد: في كتاب الأشربة من مختصر ابن عبد الحكم أن النضوح من الخليطين لرأس المرأة مكروه، وفيه أيضا إجازته على ترخيص، والقولان قائمان من هذه الرواية إذا اعتبر الكلام فيها؛ لأنه قال في أولها لا بأس بذلك، وقال في آخرها: فلا أرى أن تجعل في رأسها منه شيئا، فمن جعل النهي عبادة لغير علة وحمل الحديث على عمومه لم يجز ذلك، ومن لم يحمله على عمومه وقال: إن المراد بذلك الشراب الذي يشرب، وعلل النهي بإسراع الشدة والإسكار إلى الشراب بخلطهما أو بخلط أصولهما في الانتباذ أجاز ذلك، وقد مضى بيان هذا وذكره في رسم كتاب الحدود قبل هذا في رسم مسألة الزبيب والتمر يخلطان للخل، ولم يتكلم في الرواية على كراهة امتشاط المرأة بالطعام من أجل حرمته وما في ذلك من السرف والتشبه بفعل الأعاجم لأنه سكت عن ذلك للعلم به، إذ لا اختلاف في كراهته، وقد نص على ذلك في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الوضوء وفي رسم النذور والجنائز من سماع أشهب منه، ويحتمل أن يكون ما يظهر من التعارض والاختلاف في هذه الرواية يرجع إلى هذا المعنى فيكون الوجه فيها أنه أجاز ذلك في أول الرواية ولم يره داخلا في النهي عن الخليطين، وكرهه في آخرها وإن لم يكن داخلا في النهي عن الخليطين من ناحية حرمة الطعام والشراب، وبالله التوفيق.

مسألة: للشاهد أن يشهد بما علم

[مسألة: للشاهد أن يشهد بما علم] مسألة وقال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب رأى رجلا قاء خمرا فقال لأبي هريرة: اشهد أنه قاءها، فقال: ما هذا التعمق؟ قال محمد بن رشد: زاد في رسم الحدود من سماع أصبغ بعد هذا تجوز الشهادة بذلك فلا وربك ما قاءها حتى شربها، وهذا الحديث فيه وجهان من الفقه، أحدهما أن الحاكم لا يقضي بعلمه، وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في موضعه، وهو رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الأقضية، والوجه الثاني أنه يجوز للشاهد أن يشهد بما علم من جهة النظر والاستدلال، كما يجوز له أن يشهد بما علمه ضرورة بالعين، لقول عمر بن الخطاب لأبي هريرة: اشهد أنه شربها وهو لم يعاين شربه إياها، وإنما عاين أنه قاءها ولكن يعلم بالنظر والاستدلال أنه لم يقئها حتى شربها، وقد أشبعنا الكلام على هذا في الشهادات من كتاب المقدمات وإنما توقف أبو هريرة عن الشهادة أنه شربها لاحتمال أن يكون لم يشربها باختياره، وإنما أكره عليها فصبت في حلقه ولم ير عمر الشهادة تبطل بهذا الاحتمال؛ لأن أمره يحمل على أنه شربها باختياره إذ لم يدع أنه أكره على شربها وإنما أنكر أن يكون شربها، ولهذا قال له: ما هذا التعمق؟. [مسألة: الزكوة للخمر تغسل فيجعل فيها الخل] مسألة وسئل عن الزكوة للخمر تغسل فيجعل فيها الخل، فقال أما الزكوة فلا أرى ذلك لأنها قد تشربت، فلا أرى ذلك ولو غسلت، ولو كان بعض هذه الجرار فغسلها لم أر به بأسا وأخاف ألا يخرج ريحها من الزكوة ليشقها ولا يجعله فيها.

مسألة: أيحرق بيت الرجل الذي يوجد فيه الخمر يبيعها

قال محمد بن رشد: الفرق بين الجرار والزقاق على ما قاله، فلا إشكال فيه ولا موضع للقول، وبالله التوفيق. [مسألة: أيحرق بيت الرجل الذي يوجد فيه الخمر يبيعها] مسألة وسئل مالك أيحرق بيت الرجل الذي يوجد فيه الخمر يبيعها؟ فقال: لا. قال محمد بن رشد: إنما وقع السؤال عن هذا لما جاء من أن عمر بن الخطاب أحرق بيت رجل من ثقيف يقال له رويشد الثقفي كان يبيع الخمر ووجد في بيته خمرا فقال له أنت فويسق ولست رويشدا، فقوله في الرواية إنه لا يحرق بيته هو المعلوم من مذهبه لأنه لا يرى العقوبة في الأموال، إنما يراها في الأبدان، وقد قال في سماع أشهب من كتاب السلطان: وأرى أن يضرب من انتهب ومن أنهب، وقد حكى ابن لبابة عن يحيى بن يحيى أنه قال: أرى أن يحرق بيت الخمار، واحتج بحديث عمر بن الخطاب في حرقه بيت رويشد الثقفي لبيعه الخمر فيه، وقد حكى يحيى بن يحيى عن بعض أصحابه أن مالكا كان يستحب حرق بيت المسلم الذي يبيع الخمر، قيل له: فالنصراني يبيع الخمر من المسلمين، قال: إذا تقدم إليه فلم ينته فأرى أن يحرق عليه بالنار، واحتج بفعل عمر بن الخطاب وهي رواية شهادة في المذهب لأن العقوبات في الأموال أمر كان في أول الإسلام، من ذلك «ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في مانع الزكاة " إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا» «وما روي عنه في حريسة الجبل أن فيها غرم مثليها وجلدات نكال» «وما روي عنه من أنه من أخذ من يصيد في حرم المدينة شيئا فلمن أخذه سلبه» ومن مثل هذا كثير ثم نسخ ذلك كله بالإجماع على أن ذلك لا يجب، وعادت العقوبات في الأبدان، وبالله التوفيق.

مسألة: المجلود في الخمر والفرية أترى أن يحلقوا

[مسألة: المجلود في الخمر والفرية أترى أن يحلقوا] مسألة وسئل مالك عن المجلود في الخمر والفرية أترى أن يحلقوا؟ قال: لا، وأنا أكرهه قيل له: ربما كان الرجل الماجن الخبيث يراد أن يكسر بذلك ويزجر؟ قال: ينبغي أن يتبع الذين مضوا بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة: 100] ولم أسمع أحدا منهم رأى أن يحلقوا، وإنما هذه عقوبات وعذاب أحدثها الحجاج، ومثله، قيل له: أترى أن يطاف بهم وبشراب الخمر؟ قال إذا كان فاسقا مدمنا فأرى أن يطاف بهم وتعلن أمورهم ويفضحون. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة لا إشكال في صحة مذهب مالك فيها؛ لأن الذي أنكره من حلق الشعر في العقوبة على من بلغه عنه أنه الحجاج وشبهه قد أنكره ابن عباس على من بلغه عنه ذلك من أهل وقته، فروي عنه أنه كان يقول: إن الله جعل حلق الشعر نسكا وتجعلونه أنتم عقوبة، وإنما كان يقول ذلك والله تعالى أعلم لما وقع في مصنف عبد الرزاق عن ابن عمر قال: شرب أخي عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة عقبة بن الحرث وهما بمصر في خلافة عمر فسكرا فلما صحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا: طهرنا، فإنا قد سكرنا من شراب شربناه، قال عبد الله فذكر لي أخي أنه سكر، فقلت ادخل الدار أطهرك، قال: ولم أعلم أنهما أتيا عمرا فأخبرني أنه قد أخبر الأمير، فقال لا تحلق اليوم على رؤوس الناس، ادخل الدار أحلقك، فدخل الدار قال عبد الله: فحلقت لأخي

مسألة: يقول للرجل يا ابن الأسود وأبوه أبيض

بيدي، ثم جلدهما عمرو فسمع بذلك عمر فكتب إلى عمرو وأن أبعث إلي بعبد الرحمن على قتبه ففعل ذلك عمرو وذكر باقي الحديث، وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من مثل بالشعر فليس له خلاق عند الله يوم القيامة» فقيل إن مثلة الشعر حلقه في الخدود، ويروى عن طاوس أنه قال جعله الله طهرة فجعله الناس نكالا وقيل إن مثلة الشعر نتفه أو تغييره بالسواد، وبالله التوفيق. [مسألة: يقول للرجل يا ابن الأسود وأبوه أبيض] مسألة وسألته عن الذي يقول للرجل يا ابن الأسود وأبوه أبيض، قال: هذا شديد، فأما الذي يقول لابن النبطي يا ابن القبطي- ولابن الأسود يا ابن النوبي فإن هذا أيسر، والأسود والنوبي غريب، وإنما الشديد أن يقول يا ابن الأسود وهو ابن أبيض، قلت: أرأيت إن قال له يا ابن الأبيض وهو ابن الأسود فقال ما أقول في هذا شيئا، ولكن إنما قلت ذلك في الذي يقول لابن الأبيض يا ابن الأسود. قال محمد بن رشد: قال في الذي يقول للرجل وهو ابن ابيض يا ابن الأسود إنه شديد، ولم ينص على إيجاب الحد فيه، وفي ذلك اختلاف، قيل إن عليه الحد، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها؛ لأنه حمل قوله على أنه نسبه إلى غير أبيه فرآه قذفا بينا، وقيل لا حد عليه، وهو مذهب أشهب لأنه حمل قوله على أنه وصف أباه بغير صفته كما لو قال له: يا ابن فلان الأسود، وسمى أباه باسمه وهو أبيض، وكذلك لو قال يا ابن الأقطع أو يا ابن الأعرج أو يا ابن اليهودي أو يا ابن النصراني يجري على هذا الاختلاف كان المقول له عربيا أو أعجميا أو مولى الحكم في ذلك كله سواء، وأما إن قال له: يا ابن الحجام أو يا ابن الخياط أو ما أشبه ذلك من الصنائع والأعمال، ففي ذلك أقوال أحدها: أنه يحد كان من الموالي أو من العرب وهو مذهب ابن وهب،

والثاني أنه لا يحد كان من الموالي أيضا أو من العرب، وهو مذهب أشهب على أصله في أنه وصف أباه بغير صفته، والثالث أنه يحد إن كان من العرب ولا يحد إن كان من الموالي لأنها أعمال الموالي ويحلف ما أراد بذلك قطع نسبه، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وقال في الذي يقول لابن النبطي يا ابن القبطي إنه أيسر ولم ينص على سقوط الحد في ذلك، وقد نص على ذلك في المدونة وغيرها لأن الأجناس كلها ما عدا العرب من البربر والفرس والنبط والقبط وما أشبههم لا يحفظون أنسابهم كما تحفظ العرب أنسابها فلا حد على من نسب أحدا منهم إلى غير جنسه من البيض كلهم باتفاق، وكذلك لا حد فيمن نسب أحدا من جنس من أجناس السود إلى غيره كالحبش والنوبة وما أشبههم باتفاق، واختلف إن نسب أحدا من جنس من أجناس البيض إلى جنس من أجناس السود أو نسب أحد من جنس من أجناس السود إلى جنس من أجناس البيض على ثلاثة أقوال، أحدها أنه لا حد في شيء من ذلك كله، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، والثاني أن عليه الحد في ذلك كله إلا أن يكون المقول له أسود أو ابن اسود، وإن كان من جنس البيض فيقول له يا ابن النوبي ويا ابن الحبشي، وهو مذهب ابن الماجشون في الواضحة، والثالث أنه إن قال لبربري أو فارسي أو قبطي أو نبطي يا حبشي أو يا نوبي فعليه الحد إلا أن يكون أسود أو في آبائه أسود، وإن قال لحبشي أو نوبي: يا بربري أو فارسي أو يا قبطي أو يا نبطي فلا حد عليه، وهذا يأتي على أحد قولي مالك في المدونة في وجوب الحد على الذي يقول لبربري أو لرومي يا حبشي: إن عليه الحد، ويقوم من تفرقته في هذه الرواية بين أن يقول لابن الأسود يا ابن الأبيض وبين أن يقول لابن الأبيض يا ابن الأسود. ووجه هذه التفرقة أنه قد يقال للأسود أبيض على سبيل التفاؤل كما سمي اللديغ سليما ويسمى الأعمى أبو بصير، وقال في الرواية في الذي يقول لابن الأسود يا ابن النوبي، إنه أيسر يريد أنه لا حد في ذلك، وسواء على مذهبه

مسألة: يقول السلطان له لك الأمان وأخبرني

كان المقول له ذلك من العرب أو من جنس من أجناس العجم، وأما العرب فإنها تحفظ أنسابها، فمن نسب أحدا من العرب إلى غير العرب أو نسب أحدا منهم إلى غير قبيلته فعليه الحد قولا واحدا، وقريش من العرب والعرب ليسوا من قريش، فمن قال لقريشي يا عربي لم يحد، ومن قال لعربي يا قريشي حد، وكذلك كل قبيلتين من العرب يجمعها أب واحد، يحد من نسب أحدا من القبيلة الأعلى إلى القبيلة الأدنى، ولا يحد من نسب أحدا من القبيلة الأدنى إلى القبيلة الأعلى، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وتلخيصه. [مسألة: يقول السلطان له لك الأمان وأخبرني] مسألة وسئل مالك أيكره للسلطان أن يأخذ الناس بالتهمة فيخلو ببعضهم فيقول: لك الأمان وأخبرني، فيخبره؟ فقال: إني والله إني لأكره ذلك أن يقوله لهم ويغرمهم وهو وجه الخديعة. قال محمد بن رشد: وجه الكراهية في ذلك بين؛ لأنه إذا قال له لك الأمان وأخبرني فقد حصل مكرها له على الإخبار فلعله يخبر بالباطل لينجو من عقابه، فإن فعل ذلك الإمام كان فيما أخبره به وأقر به على نفسه كمن أقر تحت الوعيد والتهديد لم يلزمه إقراره، إلا أن يقر لأحد بشيء يعينه، وقد اختلف هل يقطع إذا أقر وعيّن السرقة تحت الوعيد والتهديد حسبما مضى القول فيه في رسم السرقة من سماع أشهب من كتاب السرقة، وستأتي المسألة أيضا في رسم إن خرجت من سماع عيسى من هذا الكتاب. [مسألة: الرجل يقال له يا كلب] مسألة وسئل عن الرجل يقال له يا كلب، قال ذلك يختلف، إن قال ذلك لذي الفضل والهيئة والشرف في الإسلام أو الرجل الدين لأنه ينبغي أن يوقر ذو الفضل في الإسلام وذلك يختلف عندي في عقوبته إذا قاله للدين، قيل له: أفتروا إذا قاله لذي الهيئة أن يختلف منه

ومن غيره فقال لا أدري ما هذا إذا كان ذا هيئة خلوه، وإن كان غير ذي هيئة جلدوه وما أدري هذا؟ وما أحب أن أحد الناس في مثل هذا. قال محمد بن رشد في بعض الكتب: أفترى إذا قاله لذي الهيئة أن يختلف منه ومن غيره كما في داخل الكتاب، وفي بعضها: أفترى إذا قاله ذو الهيئة أن يختلف منه ومن غيره، وهو الصحيح في المعنى الذي يدل عليه قوله: لا أدري ما هذا إذا كان ذا هيئة خلوه، وإذا كان غير ذي هيئة جلدوه، وإنما توقف مالك، والله أعلم عن الفرق بين ذي الهيئة وغيره، فقال: لا أدري ما هذا مع ما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم» لوجهين، أحدهما أن المراد في الحديث لذوي الهيئات أهل المروءة والصلاح على ما روى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «تجافوا عن عقوبة ذوي المروة والصلاح» فخشي أن يحمل ذلك على عمومه في أهل الصلاح وغيرهم، والثاني أن التجافي عن ذوي المروءة والصلاح إنما يكون إلى الإمام فيما لا يتعلق به حق لمخلوق، ولم يبلغ أن يكون حدا لأنه إذا بلغ أن يكون حدا فقد خرج به فاعله عن أن يكون من أهل الصلاح إلى أن يكون من أهل الفسق، ومن أهل العلم من رأى أن التجافي فيها كان من ولات ذوي الهيئات إلى الإمام في حقوق الله تعالى وحقوق الناس ولم ير ذلك مالك، ولذلك قال: لا أدري ما هذا إذا كان ذا هيئة خلوه وإذا كان غير ذي هيئة جلدوه؛ لأن التجافي عن السب إنما هو إلى المسبوب لا إلى الإمام، فقول الرجل للرجل يا كلب يفترق فيه ذو الهيئة من غيره في القائل والمقول له، فأما إذا كانا جميعا من ذوي الهيئة عوقب القائل عقوبة خفيفة بها، ولا يبلغ به السجن، وإذا كانا

مسألة: الرجل يقول للرجل لا أب لك

جميعا من غير ذي الهيئة عوقب القائل أشد من عقوبة الأول يبلغ به فيها السجن، وإذا كان القائل من ذوي الهيئة والمقول له من غير ذوي الهيئة عوقب بالتوبيخ ولا يبلغ به الإهانة ولا السجن، وإذا كان القائل من غير ذوي الهيئة والمقول له من ذوي الهيئة عوقب بالضرب، فهذا وجه الحكم في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: الرجل يقول للرجل لا أب لك] مسألة وسئل عن الرجل يقول للرجل لا أب لك، قال: لا شيء عليه إلا أن يكون أراد نفيا، وإن هذا لمما يتكلم الناس به على الرضى ليستكثر الناس الكلام، فأما إن قال ذلك في غضب ومشاتمة فذلك شديد. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه كلام ظاهره السب والمراد به المدح، وذلك مثل قولهم للذي يأتي بالشيء الغريب الحسن: فعل فلان كذا وكذا قاتله الله، ومثله قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما له ضرب الله عنقه أليس هذا خيرا له» لا يريد بذلك الدعاء عليه ومثله قوله: تربت يمينك وما أشبه ذلك. [مسألة: شرب النبيذ إن كان حلوا] مسألة وسئل مالك: أترى للمرء أن يجتنب شرب النبيذ وإن كان حلوا؟ فقال: لا أرى أن يشرب الرجل النبيذ لا في البيت ولا خارجا وإن كان حلوا فإني لأحب تركه وإني لأنهى أهل المدينة لا يتخذونه ولا ينتبذونه مخافة أن يعرض نفسه لسوء الظن. قال محمد بن رشد: كذا وقع في بعض الروايات إلا ليتخذونه ولا ينتبذونه ومعناه أن يتخذونه وينتبذونه لأن اللام زائدة، ومثل هذا في

: قال لرجل كذبت وأثمت

الكلام كثير، وفي القرآن قال تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1] معناه: أقسم، وقال: لئلا يكون، معناه: ليكون، وقد بين في الرواية وجه الكراهة في ذلك بما لا مزيد عليه. [: قال لرجل كذبت وأثمت] ومن كتاب الأقضية من سماع أشهب وسئل عن رجل قال لرجل: كذبت وأثمت، قال: إن لم يكن كذوبا ولا آثما وكان من مراة الناس، فأرى أن يقرر بالسوط، هذا أشد من الشحيح، الكذب خبيث، وذلك يختلف أن يختصم رجلان فيقول أحدهما لصاحبه في شيء يقول في خصومتهما: كذبت وأثمت، فهذا مخالف للذي يأتي الرجل ليس بينه وبينه عمل فيكذبه، وسئل عمن قال لرجل: إنك لشحيح بخيل، قال: أرى أن ينهى عنه ولا أرى عليه ضربا. قال محمد بن رشد: قوله أرى أن يقرر بالسوط إذا قال له كذبت وأثمت، معناه إذا قال ذلك له في مشاتمة فهو بمنزلة قوله له يا كذاب، وأما إن نازعه في شيء فقال له: أنت في هذا كاذب آثم فلا يجب عليه في ذلك أدب إلا أنه ينهى عن ذلك ويزجر عنه إن كان لا يتعلق به حق فيما نازعه فيه، ويجري قول الرجل للرجل: يا كذاب، على التفصيل الذي ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا في قوله له: يا كلب، وبالله التوفيق. [: قال لعبده اذهب فقل لفلان إن فلانا يقول لك يا ابن الفاعلة فذهب فقال له] من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم قال عيسى: قال ابن القاسم: من قال لعبده أو لرجل أجنبي

مسألة: قال لعبده أو لرجل حراذهب فاقذف فلانا فذهب فقذفه

: اذهب فقل لفلان: إن فلانا يقول لك: يا ابن الفاعلة فذهب فقال له، فقال: إن قامت لأحدهما البينة أنه أمره بذلك، كان الحد على الآمر وليس على المأمور شيء، عبدا كان أو حرا، وإن لم يقيما البينة على أنه أمر واحدا منهما ضرب الذي قال له ذلك الحد. قال محمد بن رشد: أما إذا أنكر الآمر ولم تقم عليه بينة فلا اختلاف في أنه يحد المأمور، وأما إذا أقر الآمر أو قامت عليه بذلك بينة فاختلف في حد المأمور، قال ابن القاسم في هذه الرواية: إنه لا يحد، وقال مطرف وابن الماجشون: إنه يحد؛ لأنه قد قاله له، وذلك أشد من التعريض، وكذلك إن جاءه من عنده في ذلك بكتاب وهو يعرف ما فيه، ومثله في كتاب ابن المواز، قال: ومن حمل إلى رجل كتابا من رجل وفيه " يا ابن الفاعلة " فدفعه إليه، فإن كان يعرف ما فيه حد، وهو أشد من التعريض، وأما من قال لرجل: إن فلانا يزعم أنك زان، إن قاله له في مشاتمته ومخاصمته حد، وإن أتى بالبينة على قول فلان، وإن قاله مخبرا فلا حد عليه إن أتى بالبينة على قول فلان، قاله ابن الماجشون، ولا اختلاف في هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لعبده أو لرجل حراذهب فاقذف فلانا فذهب فقذفه] مسألة وإذا قال لعبده أو لرجل حر: اذهب فاقذف فلانا، فذهب فقذفه، فقامت البينة على أنه أمره بالقذف؟ قال: أما في العبد فيضرب العبد وسيده، وأما في الحر فإنه يجلد الذي قذفه وليس على الآمر شيء. قال محمد بن رشد: قال ابن الماجشون في الواضحة وسواء في عبده قال له " اقذف فلانا " أو قال له: قل " يا ابن الفاعلة "؛ لأن عبده كنفسه لما يلزمه من خوف سيده، وأما في الأجنبي فتفترق ذلك فيه، إن قال له اقذفه، حد المأمور ولم يكن على الآمر حد، وإن قال له قل يا ابن الفاعلة أو يا زان أو يا ولد زنا حدا جميعا، وقوله بين يحمل على التفسير لقول ابن القاسم، ويدخل

مسألة: رجلا حرا أمر رجلا حرا أن يقتل رجلا فقتله

في العبد اختلاف بالمعنى من قول ابن وهب في تفرقته بين العبد الفصيح والأعجمي إذا قال اقتل فلانا فقتله، فيأتي على قياس قوله: إنه إن كان فصيحا حد هو حد القذف دون سيده، وإن كان أعجميا حد السيد ولم يحد هو، ووجه قوله: إنه لم يعذره إذا كان فصيحا في طاعة سيده فيما أمره به من قتل أو قذف إذ لا يجب عليه طاعته في ذلك، وعذره إذا كان أعجميا بالجهل، وبالله التوفيق. [مسألة: رجلا حرا أمر رجلا حرا أن يقتل رجلا فقتله] مسألة ولو أن رجلا حرا أمر رجلا حرا أن يقتل رجلا فقتله قال: يقتل القاتل ويضرب الآمر مائة سوط ويسجن سنة، ولو أنه أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله قتلا جميعا العبد والسيد قيل: فإن كان العبد ليس فصيحا عارفا؟ قال: يقتلان جميعا، وإن كان أعجميا، وقال ليس من أمر عبده بقتل رجل كمن أمر رجلا حرا بقتل رجل في سماع أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم، مثله قال أصبغ، ولم أر ابن القاسم يفرق بين العبد الفصيح والأعجمي، قال يحيى: وسألته عن الرجل يأمر عبده أو ابنه، أو المعلم يأمر صبيانه أو الصانع يأمر متعلمه، أو الإمام يأمر رجلا بقتل رجل والعامل ظالم له، ماذا يجب على الآمر والمأمور؟ قال ابن القاسم: أما السيد في عبده والإمام يأمر بعض أعوانه يقتلان رجلا بغير حق فإنه يقتل الآمر والمأمور، وأما الأب يأمر ابنه أو المعلم للصبيان يأمر بعضهم، أو الصانع يأمر متعلميه فإن كان المأمور قد بلغ الحلم وإن كان في حجر أبيه أو يحضر الكتاب والعمل عند معلمه فإنه يقتل ولا قتل على الآمر ولكنه يبالغ في عقوبته ولا عقل على عاقلته، وروى سحنون عن ابن القاسم إذا كان الغلام قد بلغ الحلم فإنه يقتلان جميعا الآمر والمأمور، قال يحيى

قال ابن القاسم: وإن كان الابن صغيرا في حجر أبيه أو صبيان المعلم كذلك لم يبلغوا الحلم ومتعلم الصانع صغيرا أيضا لم يبلغ الحلم ولم تجر الحدود عليهم فمن قتل منهم بأمر من يليه ويلزمه أن يطيعه فإن الآمر يقتل، ويكون على عاقلة الصبي المأمور نصف عقل المقتول، وإن كثر الصبيان المأمورون بالقتل قتل الآمر وقسم العقل على عواقل الصبيان، وإن لم يصر على كل صبي في نصيبه من العقل الأقل من ثلث الدية فإن العاقلة تحمله، ومن سماع أصبغ من ابن القاسم، قال أصبغ: لا أرى أن يقتل أبو الصبي إذا كان الصبي قد بلغ مبلغ العقل مثله يعرف ويتناهى عن ما ينهى عنه بمعرفة مثل اليفاع والمراهق وما أشبه فهو كالخطأ وهو كغير ولده لو أمره بذلك، وهو على عاقلته، ولا قتل على واحد منهم وذلك إذا كان أمره بالقتل بإرسال وأمر يغيب عليه دونه، فأما أن يحضره ويأمره بالقتل وهو مشدد ذلك له إما بإمساك وإما بإشلاء فهو قاتل حينئذ بأمر بين أبا كان أو غيره، كما لو اجتمع اثنان أجنبيان على قتل رجل وقد صمدا لذلك صمدا أو أخذ يباشر الضرب أو الجرح بيده يحد لحديده أو غيره والآخر يقول " اقتل اقتل " قتلا جميعا، وقد نزلت هذه بأصحابنا عندنا ومشايخنا الفقهاء متوافرون فرأوا أن يقتل بقوله " اقتل " إذا كان على هذه الصفة. قال محمد بن رشد: هذه المسألة تشتمل على ست مسائل: إحداها: أن يأمر الرجل رجلا حرا أو عبدا لغيره بقتل رجل فيقتله، والثانية: أن يأمر الرجل عبده بقتل رجل فيقتله، والثالثة: أن يأمر الإمام بعض أعوانه بقتل رجل ظلما فيقتله، الرابعة: أن يأمر الرجل ابنه الذي في حجره ومن بلغ الحلم بقتل رجل فيقتله أو الصانع لمتعلميه والمؤدب لمن يؤدبه والخامسة: أن يكون مراهقا لم يبلغ الحلم مثله يتناهى عما ينهى عنه، والسادسة: أن يكون ذلك في السن في

حد الإثغار أو فوقه، فأما إذا أمر الرجل رجلا آخر أو عبدا لغيره بقتل رجل فقتله فلا اختلاف في أنه يقتل القاتل ويضرب الآمر مائة ويسجن سنة، وأما إذا أمر الرجل عبده بقتل رجل فقتله فإنهما يقتلان جميعا عند ابن القاسم، ثم يختلف في ذلك قوله: كان العبد فصيحا أو أعجميا، وحكى ابن حبيب عن أصبغ أن ابن وهب كان يقول من أمر عبده الأعجمي بقتل رجل فقتله فعلى السيد وحده القتل وعلى العبد جلد مائة وحبس سنة، وأما عبده الفصيح فالقتل على العبد وحده ويجلد السيد مائة ويسجن سنة، قال أصبغ: وهو استحسان، وقولنا أن يقتلا جميعا السيد والعبد كان أعجميا أو فصيحا، وأما إذا أمر الإمام بعض أعوانه بقتل رجل ظلما فقتله فلا اختلاف في أنهما يقتلان جميعا، وأما إن أمر الأب ابنه الذي في حجره وقد بلغ الحلم أو أمر الصانع بعض متعلميه ممن قد بلغ الحلم أو المؤدب بعض من يعلمه ممن قد بلغ الحلم بقتل رجل فقتله، فاختلف في ذلك قول ابن القاسم، روى يحيى عنه في هذه الرواية أنه يقتل القاتل ويبالغ في عقوبة الآمر، وروى سحنون عنه أنهما يقتلان جميعا، وأما إن كان مراهقا لم يبلغ الحلم مثله يتناهى عما ينهى عنه فإن الآمر يقتل ويكون على عاقلة الصبي القاتل نصف عقل المقتول عند ابن القاسم، فإن كثر الصبيان المأمورون كانت الدية على عواقلهم وإن لم يصر على عاقلة كل واحد منهم إلا أقل من ثلث الدية، وقد كان ابن القاسم يقول: إن على عاقلة الصبي الدية كلها. قال أبو محمد: ولا يعجبني، قال أبو محمد: يريد: ولا يؤدب، وقال أصبغ: من رأيه في هذه الرواية لا قتل على واحد منهما، وهو من الخطأ كما لو أمر غير ولده بذلك، قال في كتاب ابن المواز: ويضرب الآمر مائة سوط ويسجن سنة، ويضرب الغلام ضربا صالحا بقدر احتماله إلا أن يكون الأب أو المعلم أو المؤدب مباشرا لذلك ومسددا له ومغريا به فحينئذ يجب القتل عليه، وأما إن كان دون ذلك في السن فلا اختلاف في أن الآمر يقتل، ويكون على عاقلة الصبي الصغير نصف العقل، وبالله التوفيق.

مسألة: وطئ امرأة بملك اليمين ممن تحرم عليه بالرضاعة

[مسألة: وطئ امرأة بملك اليمين ممن تحرم عليه بالرضاعة] مسألة قال عيسى: قال لي ابن القاسم: كل من وطئ امرأة بملك اليمين ممن تحرم عليه بالرضاعة من أم أو ابنة أو أخت أو ما كان ممن يشبههن فلا حد عليه وإن علم أنهن محرمات عليه؛ لأنهن لا يعتقن عليه إذا ملكهن وهذا ماله يبيع ويحترم ويتصدق ويصنع فيهن ما شاء غير الوطء إلا أن يكون حملهن منه فإنه يلحق فيه الولد ويعتقن عليه ويعجل عتقهن، وذلك أحب ما فيه إلي؛ لأنه ليس له فيهن متعة ولا منفعة، وكل من وطئ امرأة بملك اليمين ممن تحرم عليه بالنسب ولا تعتق عليه إذا ملكها من عمة أو خالة أو بنت أخت أو ما أشبه ذلك فلا حد عليه أيضا وإن علم أنهن محرمات عليه؛ لأنهن لا يعتقن عليه بالملك، ولأنه يجوز له بيعهن واشتراؤهن واختدامهن، وسبيلهن سبيل الأول المحرمات بالرضاع في البيع وغير ذلك إلا أن يحملن فيلحق به الولد ويعجل لهن العتق كالأول، وكل من وطئ شيئا من هؤلاء النسوة المحرمات عليه من النسب أو الرضاعة فإنه إذا أتى شيئا منهن عامدا عالما بالتحريم فعليه العقوبة المملكة ويبعن عليه إذا لم يحملن، وكل من وطئ امرأة بالملك ممن تحرم عليه بالنسب وتعتق عليه بالملك إذا ملكها مثل البنت والأم والأخت والجدة وما أشبههن عامدا عالما فإني أرى أن يقام عليه الحد ولا يلحق به الولد، قال ابن القاسم: إلا أن يعذر بالجهالة، فإن عذر بالجهالة فإنه يدرأ عنه الحد ويلحق به الولد ويعتق عليه. فإن قال قائل: إن العمة وبنت الأخت ممن لا يعذر أحد فيهن

مسألة: جاءت تدمي فادعت أن رجلا من أهل الفسق اغتصبها

بالجهالة وقد أسقطت عنه الحد بالملك فإنه كما قال، ولكن العمة والخالة وبنت الأخ ممن لا يعتقن عليه، وهن لما يملكهن؛ فلذلك أسقطت عنه الحد بالملك، ولا يجتمع حد وملك، ولو حددته فيهن في النسب لحددته فيما يملك من أخته وأمه في الرضاعة، فهذا وجه ما سمعت في ذلك والله أعلم، قال ابن القاسم: إلا أن يعذر أحد فيمن يعتق عليه بجهالة فأرى أن يدرأ عنه الحد ويلحق به الولد ويعتق عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها لا اختلاف في شيء منها إلا في قوله: إذا وطئ أمة من ذوات محارمه بنسب أو رضاع فحملت منه أنه يعجل عتقها عليه، فمن الناس من يقول: إنه يستخدمها بالمعروف ولا تعتق عليه، وقع ذلك في رسم الفصاحة من سماع عيسى من كتاب الاستبراء من أمهات الأولاد. واختلف في المذهب في الأمة بين الشريكين يطؤها أحدهما فتحمل ولا مال له فيتمسك شريكه بنصيبه أو يباع على الواطئ فيما لزمه من نصف قيمتها على الاختلاف في ذلك، هل يعتق على الواطئ نصيبه منها أم لا؟ فقال ابن القاسم في المدونة: إنه يعتق عليه نصيبه منها إذ ليس له استخدامها ولا يعذر على وطئها، وقال غيره فيها: إنه لا يعتق عليه نصيبه لا أن يعتق الشريك نصيبه إذ قد تشتريه فيحل له وطؤها، وعلى قول بعض الناس لا يعتق عليه نصيبه بحال، فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال، وبالله التوفيق. [مسألة: جاءت تدمي فادعت أن رجلا من أهل الفسق اغتصبها] مسألة وسئل عن شهيدين شهدا على ثلاثة نفر أنهم غصبوا امرأة فذهبوا بها إلى الصحراء، فادعت المرأة أنهم وطئوها كلهم، ثم أبرأت

بعضهم قال: تحلف المرأة وتأخذ صداقا صداقا من كل من ادعت عليه أنه وطئها، ويكون القول قولها ولا حد عليهم إلا أن يقروا أولا عليها إذا علم أنها غصبت. ولو أن امرأة جاءت تدمي فادعت أن رجلا من أهل الفسق اغتصبها لم تأخذ من صداقها شيئا ولو كان أشر من عبد الله الأزرق في زمانه إلا أن يشهد على أخذه إياها، كأنه يقول فتحلف وتأخذ الصداق، قال: وإلا فحسبها أن تدفع الحد عن نفسها بذلك إن جاءت تدمي، قال ابن القاسم: قال مالك: وينظر الإمام في ذلك فإن رآه أهلا للعقوبة عاقبه، قال أصبغ: سألت ابن القاسم فقلت له المغتصبة التي يجب لها الصداق على من اغتصبها هل يجب ذلك لها بشهادة رجلين؟ قال لي لا يجب ذلك عليه إلا بما يجب به الحدود، وذلك أربعة شهداء، وإلا كانوا قذفة يجلدون الحد، قال سحنون، قال ابن القاسم: لو شهد رجلان أنهما رأيا رجلا اغتصب امرأة فأدخلها منزلا وغاب عليها وشهدا على ذلك فادعت المرأة أنه أصابها وأنكر ذلك الرجل حلفت المرأة مع شهادتهما واستوجبت الصداق صداق مثلها ولم يكن عليه في ذلك حد. قال محمد بن رشد: أما إذا ثبت اغتصابه لها ومغيبه عليها، فلا اختلاف في أن القول قولها في أنه وطئها وتستوجب بذلك صداق مثلها، وكذلك إن كانوا جماعة فادعت ذلك على كل واحد منهم تأخذ من كل من ادعت عليه منهم أنه وطئها صداق مثلها، قيل بيمين وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وقيل بغير يمين وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز وقول مالك في سماع أشهب من كتاب الغصب، ويثبت اغتصابه لها ومغيبه عليها بشهادة شاهدين على ما قاله في رواية سحنون هذه عنه، وقوله في رواية أصبغ هذه عنه أن المغتصبة التي يجب لها الصداق على من اغتصبها لا يجب ذلك

مسألة: أتى الحر إلى سيد العبد فقال قذفني أفبأمرك هذا قال نعم

لها إلا بما تجب به الحدود وذلك أربعة شهداء معناه على معاينة الوطء، وذلك بين من قوله: وإلا كانوا قذفة يجلدون الحد، فالصداق يجب لها بدعواها مع ثبوت مغيبه عليها، ولا يجب عليه الحد بذلك، وإنما يجب الحد بأربعة شهداء على معاينة الوطء، وإذا وجب الحد بذلك وجب به الصداق أيضا، وأما إذا ادعت عليه أنه اغتصبها وغاب عليها ولم يعلم ذلك إلا بقولها فيفترق الأمر في ذلك بين أن تأتي متشبثة به وهي تدمي إن كانت بكرا، أو لا تأتي متشبثة به وبين أن تدعي ذلك على من لا يليق به ذلك أو على من يليق به، وقد مضى القول على ذلك مستوفى في أول سماع أشهب من كتاب الغصب فأغنى ذلك عن إعادته. [مسألة: أتى الحر إلى سيد العبد فقال قذفني أفبأمرك هذا قال نعم] مسألة وقال ابن القاسم في عبد قذف حرا فأتى الحر إلى سيد العبد فقال: ألا ترى ما فعل لي عبدك قذفني أفبأمرك هذا؟ قال: نعم، عن أمري، قال ابن القاسم: أما في قول مالك فإنه يضرب السيد الحد قال ابن القاسم: وهو رأيي ويضرب العبد أيضا الحد. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في هذا الرسم، وقد مضى أنه يدخل في ذلك اختلاف بالمعنى من قول ابن وهب في تفرقته بين أن يكون العبد فصيحا أو أعجميا. [: السلطان إذا سمع الرجل يفتري على رجل أو رآه على حد من الحدود] من كتاب العرية قلت: فالسلطان الذي يقيم الحد يسمع رجلا يفتري على رجل أو يراه على حد من حدود الله؟ قال: يرفعه إلى من فوقه ويكون شاهدا، قلت أفيجوز العفو فيه إذا اطلع عليه هذا السلطان قبل أن

مسألة: افترى على قوم فلم يقم به حتى أخذ في شرب خمر فجلد الحد

يرفعه إلى من فوقه؟ قال: نعم العفو فيه جائز؛ لأن ذلك السلطان شاهد وهو كغيره من الشهداء. قال محمد بن رشد: قوله: إن السلطان إذا سمع الرجل يفتري على رجل أو رآه على حد من الحدود: إنه يرفعه إلى من فوقه ويكون شاهدا، هو مثل ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف في ذلك، إذ لا يقضي القاضي بعلمه لا في الأموال ولا في الحدود، وفرق أهل العراق بين الأموال والحدود، فقالوا: ينفذ الإقرار في ولايته ولا ينفذ الحدود. والإقرار ينقسم على ثلاثة أقسام، فما كان منه قبل ولايته لا يقضي به عند الجميع، وما كان منه في ولايته في غير مجلس الحكم يقضي به عند أهل العراق، وما كان منه في مجلس الحكم بين المتخاصمين يقضي به عند مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون، وهو دليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بما أسمع منه» ، خلاف مذهب مالك وابن القاسم، وقوله في الرواية: إن العفو يجوز في القذف إذا سمعه الإمام لأنه شاهد، هو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وقد مضى الاختلاف في ذلك في أول سماع أشهب فلا معنى لإعادته. [مسألة: افترى على قوم فلم يقم به حتى أخذ في شرب خمر فجلد الحد] مسألة وسئل عن رجل افترى على قوم فلم يقم به حتى أخذ في شرب خمر فجلد الحد، قال: إذا جلد الحد في الخمر فقد سقطت عنه كل فرية كانت قبله. قال محمد بن رشد: هذا مذهبه في المدونة وروايته عن مالك؛ لأنه قال فيها: إنه إذا قذف وسكر أو شرب الخمر ولم يسكر جلد حدا واحدا، فرأى أن حد الشرب والفرية يتداخلان فينوب أحدهما على الآخر؛ لأنهما من جنس واحد، بدليل أن حد الشرب إنما أخذ من حد الفرية بقول علي بن أبي

طالب لبعض الصحابة: إذ استشار عمر بن الخطاب في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى، أو كما قال، وجلد عمر بن الخطاب في الخمر ثمانين، وكذلك إذا قذف الرجل جماعة مفترقين أو مجتمعين فحد لهم أو لأحدهم فذلك لكل قذف تقدم قام طالبوه أو لم يقوموا في مذهب مالك وجميع أصحابه إلا المغيرة - فإنه قال: إن قاموا جميعا فحد فذلك حد لهم أجمعين، وإن قاموا مفترقين حد لكل واحد منهم، وقول المغيرة هو القياس؛ لأنهم قد قالوا: إن القتل يأتي على جميع الحدود إلا الفرية فإنه يجلد فيها ثم يقتل، لما في ذلك من حق المقذوف؛ لأنه تعرض له بذلك فيقال له: إنك كذلك إذ لم تحده، فإذا لم يسقط حد المقذوف بالقتل فأحرى ألا يسقط بحده في الشرب أو بحده لغيره، والحجة لمالك في أنه ليس على قاذف الجماعة إلا حد واحد، أن قاذف المحصنة قاذف للذي زناها، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الآية، فلم يوجب على قاذف المحصنة إلا حدا واحدا، وقد جلد عمر أبا بكرة وأصحابه حدا واحدا ولم يحدهم للمرأة، وسواء على مذهب مالك وأصحابه قذف الجماعة في كلمة واحدة أو مفترقين، وهو مذهب أبي حنيفة، وقال الشافعي: يحد لكل واحد منهم قذفهم في كلمة واحدة أو مفترقين، وفرق ابن أبي ليلى بين أن يقذفهم في كلمة واحدة أو في مجالس شتى، وقال ابن المواز: ومن قال لجماعة أحدكم زان أو يا ابن زانية فلا يحد إذ لا يعرف من أراد، وإن قام به جماعتهم فقد قيل لا حد عليه، ولو قام به أحدهم فادعى أنه أراده لم يقبل منه إلا بالبيان أنه أراده، ولو عرف من أراد لم يكن للإمام أن يحده له إلا بقيامه عليه، قال: ومن قذف من لا يعرف فلا حد عليه، وقول ابن المواز في الذي قال لجماعة أحدكم زان إلى آخر قوله بين

: قال لرجل يا زوج الزانية وتحته امرأتان فعفت واحدة وقامت الأخرى تطلب حدها

كله إلا ما حكاه من أنه قد قيل: إنه لا يحد وإن قام به جماعتهم، فهو بعيد؛ لأنه يعلم أنه قد قاله لأحدهم، فلا حجة له إذا قام عليه جميعهم، ووجه على ما فيه من البعد أنه لما كان المقذوف لا يعرف من هو منهم لم يحد إنما هو لإسقاط المعرة عن المقذوف والمعرة لم تلحق بواحد منهم بحينه فيحد له ولا لجميعهم إذ لم يقذف إلا واحدا منهم، وأما إذا قام به أحدهم فمن حجته أن يقول: لم أرد إلا سواك ممن لم يقم، وبالله التوفيق. [: قال لرجل يا زوج الزانية وتحته امرأتان فعفت واحدة وقامت الأخرى تطلب حدها] ومن كتاب يوصي لمكاتبه وسألت ابن القاسم عن رجل قال لرجل يا زوج الزانية وتحته امرأتان فعفت واحدة وقامت الأخرى تطلب حدها، قال: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا الله هو ما أردت بالقذف إلا التي عفت ويبرأ، فإن نكل قال: يحد إن نكل. وكذلك لو كانت له امرأة واحدة وقد ماتت له امرأة فقالت، فقامت امرأته الحية بحدها لكان القول قوله مع يمينه أنه إنما أراد التي قد ماتت. قال ابن المواز: من قال يا قران؛ فعليه الحد إن قامت به امرأته؛ لأن القران عند الناس زوج الفاعلة، قال أبو بكر بن محمد: وقاله ابن القاسم، ولم ير يحيى بن عمر فيه حدا، وقال يعزر عشرين سوطا.

: يقيم الرجل الحدود على عبيده وإمائه في الزنا

وقال يحيى بن عمر فيمن قال لامرأة " يا قحبا ": إنه يحد، ومن رمى امرأته بامرأة ثانية أدب أدبا موجعا، ولعل يحيى بن عمر لم يتحقق أن القران عند الناس زوج الفاعلة كما تحقق عندهم أن القحبا الزانية، وإلا فذلك اضطراب من قوله، وبالله التوفيق. مسألة قال: وسألته عن الرجل يقذف الرجل المسلم وأبواه نصرانيان فقال: إن كان رجل له هيئة فأرى أن يضرب عشرين سوطا أو أكثر، وإن كان لا هيئة له فأدنى من ذلك. قال محمد بن رشد: معناه: إذا قال له يا ابن الزاني ويا ابن الزانية، وأما إن قال له يا ولد الزنا أو لست لأبيك أو يا زان فالحد عليه واجب، وبالله التوفيق. [: يقيم الرجل الحدود على عبيده وإمائه في الزنا] ومن كتاب أوصى قال ابن القاسم: يقيم الرجل الحدود على عبيده وإمائه في الزنا ولا يقيمها عليهم حتى يشهد أربعة شهداء سواه، ولا يقيم على أمته إذا كان لها زوج، كان زوجها عبدا أو حرا، إلا أن يكون زوجها عبده فإنه يقيم عليها الحد إذا كان زوجها عبده، قال ابن القاسم: لأنه يقيم عليه وعليها، ولا يقيم على زوجها إذا لم يكن عبده، ولا على أمته إلا السلطان. قال محمد بن رشد: هذا صحيح بين على معنى ما في المدونة وغيرها، والأصل في ذلك «قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت

: يطؤها بعد التطليقة ويقول ظننت أن الواحدة لا تبينها مني

فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير» فالرجل يقيم حد الزنا والقذف والشرب على عبيده وإمائه، كانوا متزوجين أو غير متزوجين إلا أن يكون للأمة زوج حرا أو عبدا لغيره فلا يقيم عليها حد الزنا إلا السلطان؛ لما يتعلق بذلك من حق الزوج، ولا يقيم عليه الحد في السرقة ولا في القتل، وهذا كله ما لا اختلاف فيه. [: يطؤها بعد التطليقة ويقول ظننت أن الواحدة لا تبينها مني] ومن كتاب القطعان وسألته عن الرجل يطلق امرأته التي قد دخل بها واحدة فتحيض ثلاث حيض فتبين منه ثم يدخل عليها فيطؤها فيدعي أنه جاهل أو أنه كان رأى أن ذلك يجوز له، وتدعي ذلك المرأة أو لا تدعي جهالة وليس هو من أهلها والمرأة ليست بجاهلة أو هو جاهل والمرأة ليست بجاهلة، فقال ابن القاسم: من كان منهما ممن يعذر بالجهالة لم يكن عليه الحد ومن أقر منهم أنه عالم وأقر بمعرفة ذلك وأن ذلك عليه حرام أقيم عليه الحد، قال: وإن كان ممن لا يعذر بجهالة والمرأة ممن تعذر بالجهالة فإنه يقام عليه الحد ويؤخذ لها من ماله الصداق، وإن كان هو والمرأة عالمين أقيم عليهما الحد ولم يكن لها صداق. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة؛ لأنه قال فيها في الذي يطلق امرأته تطليقة قبل البناء بها فيطؤها بعد التطليقة ويقول: ظننت أن الواحدة لا تبينها مني وأنه لا يبرئها مني إلا الثلاث أو يطلقها ثلاثا فيطؤها في العدة، ويقول: ظننت أنها تحل لي أنه يعذر بالجهالة فلا يحد ولا يكون عليه إلا صداق واحد فكذلك هذا إذا قال: ظننت أنها لا تبين مني بالثلاث حيض فيصدق في ذلك فلا يحد ولا يكون عليه صداق ويلحقه

مسألة: يصب العسل على النبيذ

الولد، وكذلك هي لا تحد إن عذرت بالجهالة، ومن لم يعذر منهما بالجهالة لزمه الحد، فإن لم يعذر واحد منهما بالجهالة حدا جميعا ولم يلحق به الولد ولا كان لها صداق، وإن عذرا جميعا بالجهالة لم يحدا ولحقه الولد ولم يكن لها صداق، وإن عذر هو ولم تعذر هي لحقه الولد ولم يلزمه صداق وحدت هي، وإن عذرت هي ولم يعذر هو حد ولم يلحقه الولد ولم تحد هي وكان لها صداق مثلها. [مسألة: يصب العسل على النبيذ] مسألة وقال ابن القاسم: لا خير في أن يصب العسل على النبيذ وإن حل شربه وكرهه، قال أصبغ: وذلك إذا كان نبيذا من غير عسل، وأما إن كان نبيذ عسل فلا بأس أن يجعل فيه العسل. قال محمد بن رشد: قول أصبغ صحيح مبين لابن القاسم لأنه إنما كره أن يصب العسل على النبيذ الحلال الذي لا يسكر من ناحية ما نهي عنه من خلط الشرابين وانتباذ الشيئين معا، فإذا كان النبيذ من العسل جاز أن يخلط بالعسل لأنه منه، وكذلك يبين قول أصبغ، هذا ما وقع في المدونة من أنه لا يصلح للرجل أن يخلط عسلا بنبيذ فيشربه أن معنى ذلك إذا كان النبيذ من غير عسل، وقد وقع في بعض الروايات " بنبيذه " بإثبات الهاء، فيتأول ذلك على أن الهاء عائدة على الرجل لا على النبيذ فتصح المسألة. [: قال قائل إن رمى من رماني فهو ابن الزانية فرماه رجل] ومن كتاب استأذن سيده وسئل عن رجل كان في مجلس فرمي بحجر، فقال: من رماني فهو ابن الزانية، فقال رجل من المجلس أنا رميتك، قال: قال مالك: لا يحد له إلا أن يقيم البينة أنه رماه لأنه مدع الحد. قال ابن

: الشهادة في الزنا

القاسم وإن كان أصابه بجرح لزمه الغرم بإقراره ولا يلزم الآخر الحد. قال محمد بن رشد: المعنى في قوله " من رماني فهو ابن الزانية، الذي رماني فهو ابن الزانية " فيحمل عليه أنه علم الذي رماه فقذفه وأبهمه لقوله من رماني فهو ابن الزانية لينجو بذلك من الحد، فالذي يدعي أنه رماه يقول: إني قصدت بالقذف؛ لأني إنما رميتك فلا يحد له إلا أن يقيم البينة أنه رماه، ولو قاموا به جميعا كل واحد منهم يدعي أنه هو رماه لجرى ذلك على الاختلاف في الذي يقول للجماعة: أحدكم زان؛ فتقوم كلها عليه، وقد مضى القول على ذلك في رسم العرية، ولو قال قائل: إن رمى من رماني فهو ابن الزانية فرماه رجل لم يحد بخلاف من قال: من دخل المسجد فهو ابن الزانية، فقد سئل ابن القاسم عن هذا فقال: سمعت من مالك فيما يشبهه أنه يضرب ثمانين، وهو رأي، والفرق بينهما أن المسجد لا بد للناس من دخوله، والأظهر عندي ألا حد في ذلك أيضا؛ إذ لم يتعين المقذوف، والحد إنما هو لإسقاط المعرة بالقذف عن المقذوف، وبالله التوفيق. [: الشهادة في الزنا] ومن كتاب.. قال ابن القاسم في الشهادة في الزنا إنها لا تجوز حتى يشهد أربعة في موضع واحد في يوم واحد في ساعة واحدة. قال محمد بن رشد: معنى قوله في موضع واحد في ساعة واحدة أن يكون الزاني الذي شهد عليه الأربعة زنا واحد وليس من شرط صحة

مسألة: الرجل يقول للرجل يا سارق

الشهادة على الزنا تسميته المواضع ولا ذكر اليوم والساعة، وإنما من شرط صحتها عنده ألا يختلف الشهود بذلك، فإنما معنى قوله إن الشهادة لا تجوز حتى يشهد أربعة في موضع واحد في يوم واحد في ساعة واحدة أنها لا تجوز إذا اختلفوا في ذلك، خلاف مذهب ابن الماجشون في إجازتها وإن اختلفوا في ذلك، وأما قوله في موقف واحد فالمعنى في ذلك أن تكون تأديتهم للشهادة عند الإمام في ذلك معا، فإن تفرقوا في تأدية الشهادة بطلت على قوله هذا، وهو قوله وروايته عن مالك في أول رسم من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وقد قيل: إن الشهادة جائزة وإن تفرق الشهود في تأدية الشهادة، وهو مذهب ابن الماجشون، وعليه يأتي ما وقع لابن القاسم في أول رسم المكاتب من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وأما قوله: على صفة واحدة، فهي الصفة التي لا تتم الشهادة إلا بها، وهي معاينة الفرج كالمرود في المكحلة، وقد مضت هذه المسألة والكلام عليها بأوعب من هذا في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الشهادات. [مسألة: الرجل يقول للرجل يا سارق] مسألة وقال في الرجل يقول للرجل يا سارق، قال: يضربه خمسه عشر سوطا أو نحوها. قال محمد بن رشد: تحديده للخمسة عشر سوطا أو نحوها هذا ليس له أصل يرجع إليه من الكتاب والسنة؛ إنما هو الاجتهاد، ويختلف باختلاف حال القائل والمقول له حسبما مضى القول فيه في رسم الأشربة والحدود من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته يا زانية قالت زنيت بك] مسألة وسئل عن رجل قال لامرأته يا زانية، قالت: زنيت بك، قال ابن القاسم: هي؛ لم تقذفه فليس عليها حد، ويجلد هو الحد إلا أن

يلاعن، قال عيسى: لا يعجبني هذا، ولا حد عليه ولا لعان. قال محمد بن رشد: لم ير ابن القاسم مجاوبتها له بقولها زنيت بك. إقرارا منها على نفسها بالزنا ولا قاذفة؛ لاحتمال أن تريد بقولها " زنيت بك " إصابته إياها بالنكاح، وذلك بين من قوله في سماع يحيى بعد هذا، فلما لم يرها بهذا القول مقرة على نفسها بالزنا ولا مصدقة فيما زناها به منه، قال: إنه يجلد الحد إلا أن يلاعن، وذلك على القول بأن اللعان يجب بالقذف، وهو أحد قولي ابن القاسم في المدونة، وقول عيسى: إنه لا حد عليه ولا لعان، المعنى فيه أنه رأى قولها إقرارا منها على نفسها بالزنا وتصديقا له فيما رماها به منه، فأسقط عنه حكم القذف بذلك يريد ويجب عليها بذلك حد الزنا إلا أن ينزع عنه، وحد القذف لزوجها إلا أن يعفو عنها كما لو قال لأجنبية يا زانية، فقالت زنيت بك، حسبما قاله ابن القاسم في سماع يحيى، فلم يفرق عيسى في ذلك بين الزوجة والأجنبية كما فعل ابن القاسم، ولأصبغ في الزوجة قول ثالث في سماع يحيى، وهو أنها تكون في مراجعتها لزوجها بهذا القول قاذفة له غير مقرة على نفسها بالزنا فيحد كل واحد منهما لصاحبه إلا أن يلاعن هو على القول بأن اللعان يكون في القذف، ولأشهب في الأجنبية قول ثان في كتاب ابن المواز، وهو أنها تكون بمراجعتها له بهذا القول مقرة على نفسها بالزنا وقاذفة له إلا أن تنزع عن ذلك فتقول: إنما قلت ذلك على المجاوبة فيحد الرجل ولا تحد هي في قذف ولا زنا، وقول ابن القاسم أظهر أنه يقبل رجوعها في إقرارها على نفسها بالزنا ولا تقبل في قذفها لزوجها، وقد حكى أبو إسحاق عن أشهب في الأجنبية أن قولها له: بك زنيت ليس بإقرار منها على نفسها بالزنا ولا قذف منها للرجل، كأنها قالت إن كان الأمر كما تقول فبك زنيت، وهو يقول ما زنيت بها فكأنها أنكرت أن يكون هناك زنا منها ومنه بحال، وإذا قال أشهب هذا في الأجنبية فأحرى أن يقوله في الزوجة، وإذا قال أصبغ في الزوجة إنه يحد كل واحد منهما لصاحبه فأحرى أن يقوله في الأجنبية، وابن القاسم هو الذي يفرق بين الزوجة والأجنبية على ما تقدم بيانه، وبالله التوفيق.

مسألة: شهد عليه أربعة بالزنا اثنان بالطواعية واثنان بالاغتصاب أنه اغتصبها

[مسألة: شهد عليه أربعة بالزنا اثنان بالطواعية واثنان بالاغتصاب أنه اغتصبها] مسألة قال ابن القاسم في رجل شهد عليه أربعة بالزنا شهد اثنان بالطواعية أنها طاوعته، وشهد الاثنان بالاغتصاب أنه اغتصبها، قال: يضرب الشهود ولا يحد الرجل؛ لأن الشهادة قد اختلفت عليه، إلا أن يقر الرجل فإن أقر حد، وإن أنكر جلدوا هم جميعا الشهود، وإن أنكرت المرأة ضربوا الحد، وإن أقر الرجل أقيم عليه الحد بإقراره؛ لأنهم قذفوها فصدقهم واحد ولم يصدقهم الآخر. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة إلا أن في سياقتها إشكالا يرجع في التحصيل إلى أن الشهادة ساقطة فيحد الشهود ولا يجب بشهادتهم شيء على الرجل ولا على المرأة إن أنكر، فإن أقر حد وسقط الحد عن الشهود، وإن أقر أحدهما وأنكر الآخر حد المقر والشهود من أجل إنكار المنكر منهما وسقط الحد من المنكر، وبالله التوفيق. [: يقر بعد ضرب عشرة أسواط أو بعد حبس سنة] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وسئل ابن القاسم عن الرجل يقر بعد ضرب عشرة أسواط أو بعد حبس سنة، قال: لا يلزمه إقراره عدلا كان الوالي أو غير عدل، وربما أخطأ الوالي العدل، وقد قال رجل لعمر بن عبد العزيز: إن ضربتني سوطا واحدا أقررت على نفسي، فقال: ما له قبحه الله، فإذا أقر على خوف لم يلزمه إقراره إلا أن يعين، يعني: يري بعض ما أقر. قال محمد بن رشد: قوله: إلا أن يري بعض ما أقر به يدل على أن السارق يقطع إذا أقر بالسرقة بعد الوعيد والتهديد وعينها، وقد قيل إنه لا يقطع

مسألة: المرأة تؤخذ مع المرأة تساحقها فتقر أو يشهد عليهما

وإن عينها إذا كان إقراره بها وتعينه لها بعد الوعيد والتهديد، ولا خلاف في أنه يقطع بغير تعيين إذا أقر قبل أن يؤخذ، ولا في أنه لا يقطع دون تعيين إذا أقر بعد أن أخذ، وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم السرقة من سماع أشهب من كتاب السرقة، وبالله التوفيق. [مسألة: المرأة تؤخذ مع المرأة تساحقها فتقر أو يشهد عليهما] مسألة وسئل عن المرأة تؤخذ مع المرأة تساحقها فتقر أو يشهد عليهما، كم يضربان على ذلك وما عقوبتهما؟ قال ابن القاسم: ليس في ذلك إلا اجتهاد الإمام على ما يرى من شنعة ذلك وخبثه. قال محمد بن رشد: هذا الفعل من الفواحش التي دل القرآن على تحريمها، بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] إلى قوله {الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] ، وأجمعت الأمة على تحريمه، فمن تعدى أمر الله في ذلك وخالف سلف الأمة فيه كان حقيقا بالضرب الوجيع، وليس في ذلك حد يرجع إليه في الكتاب والسنة، وإنما هو الاجتهاد كما قال، وقد روي عن ابن شهاب أنه قال: سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: إنهما يحدان مائة مائة، وقال أصبغ: يجلدان خمسين خمسين وعليهما الغسل إن أنزلتا، وقاله ابن وهب، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد رجلان أنهما رأيا رجلا وامرأة تحت لحاف] مسألة وقال: إذا شهد رجلان أنهما رأيا رجلا وامرأة تحت لحاف أو شهدا أنهما رأيا رجليها على عنقه أو شيئا هو أدنى من أن يرياه مثل المرود في المكحلة عوقب الرجل والمرأة ولم يكن على الشهيدين شيء؛ لأنهما لم يقذفا، ولو قالا: رأيناه يزني بها مثل المرود في

: جاع فباع امرأته من رجل وأقرت له بذلك فوطئها مشتريها ثم عثر على ذلك

المكحلة ضرب كل واحد منهما ثمانين جلدة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن شهادتهما لا تسقط إلا بما يوجب الحد عليهما من الشهادة التامة بالزنا، وإذا لم تسقط شهادتهما وجب بها الأدب عليهما. [: جاع فباع امرأته من رجل وأقرت له بذلك فوطئها مشتريها ثم عثر على ذلك] ومن كتاب جاع فباع امرأته وسألت ابن القاسم عن رجل جاع فباع امرأته من رجل وأقرت له بذلك فوطئها مشتريها ثم عثر على ذلك، قال: وجدت في مسائل بعض أصحابنا عن مالك وهو رأيي أنهما يعذران بالجوع وتكون تطليقة من زوجها بائنة حين أوطأها غيره، ويرجع عليه المشتري بالثمن، قلت: فلو لم يكن بهما الجوع؟ قال فحري إذا أن تحد وينكل زوجها، ولكن قد جاء الحديث «ادرءوا الحدود بالشبهات» ودرء الحد أحب إلي، وقد قال مالك في الرجل يسرق من جوع يصيبه: إنه لا قطع عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إنهما يعذران بالجوع بين؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وأي شبهة أقوى من الجوع الذي قد أباح الله به أكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وقد روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا قطع في سنة، وحكى ابن حبيب عن أبي هريرة أنه قال: لا قطع في سنة مجاعة، وذلك للمضطر.

وأما قوله في بيعه إياها إنه يكون طلقة بائنة فهو ظاهر قول مالك في رسم يشتري الدور من سماع يحيى من كتاب العتق، ومثله في كتاب الاستبراء من الأسدية على ما وقع في سماع عبد الملك من كتاب طلاق السنة، وهو قول ابن نافع فيه، وقد قيل: إنها تبين منه بالبتة، وهو قول مالك فيما روى عنه محمد بن عبد الحكم، وقد قيل: إنه لا يقع عليه بذلك طلاق ويؤدب على فعله، وترد إليه امرأته، وهو قول محمد بن عبد الحكم وقول ابن وهب في سماع عبد الملك من كتاب طلاق السنة ومثله في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة في الذي يزوج امرأته، إذ لا فرق في المعنى بين أن يزوجها أو يبيعها، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى، وأما قوله: إذا لم يكن بهما فحري أن تحد وينكل زوجها ولكن قد جاء الحديث «ادرءوا الحدود بالشبهات» ودرء الحد أحب إلي، فوجه الشبهة في ذلك هو أنها وإن طاعت له ببيعه إياها دون جوع ولا ضرورة فالمشتري يملكها بشرائه إياها ملك الأمة، فتكون في وطئه إياها كالمكرهة، وإن كانت طائعة، إذ لو امتنعت لقدر على إكراهها وهذا نحو ما في رسم حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع ابن القاسم من كتاب الحج أن المحرم إذا وطئ جاريته وهي محرمة فعليه أن يحجها ويهدي عنها أكرهها أو لم يكرهها؛ لأن الأمة ليست في الاستكراه مثل الحرة، ومثله ما في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب النكاح في الذي تزوج امرأة فأدخلت عليه جارية امرأته فوطئها وهو لا يعلم أنه لا حد عليه، ولا على الجارية خلاف قول ابن الماجشون في الذي زوج ابنته رجلا فحبسها وأرسل إليه بأمته فوطئها أنها تحد إلا أن تدعي أنها ظنت أنها زوجت منه، فيأتي على قول ابن الماجشون أنها تحد إذا طاعت لزوجها ببيعها فوطئها المشتري إلا أن تدعي أن المشتري أكرهها على الوطء، وهو قول ابن وهب في سماع عبد الملك من كتاب طلاق السنة أنها ترجم إن طاوعته على البيع وأقرت أن مشتريها قد أصابها طائعة، وإن زعمت أنه استكرهها برئت من الحد.

: أربعة شهدوا على رجل بالزنا وهم عدول وأحدهم ولد زنا

[: أربعة شهدوا على رجل بالزنا وهم عدول وأحدهم ولد زنا] ومن كتاب العتق وسألته عن نفر أربعة شهدوا على رجل بالزنا وهم عدول وأحدهم ولد زنا أو ابن ملاعنة، قال: أما ولد الزنا فلا تجوز له الشهادة في مثل هذا، وأما ابن الملاعنة فتجوز شهادته في القذف وغيره ويضربون جميعا الحد. قال محمد بن رشد: قوله: إن شهادة ولد الزنا لا تجوز في الزنا هو مثل ما له في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات، وهو مذهب سحنون؛ لأنه قال في آخر نوازله منه: إنه لا تجوز شهادة أحد فيما حد فيه من الحدود، وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك وقول ابن القاسم وقول أصبغ حسبما بيناه في النوازل المذكورة، وقال في هذه الرواية: إنه إذا كان أحد الشهود الأربعة الذين شهدوا على الزنا ولد زنا لم تجز شهادته ولم يقل ما يكون الحكم فيهم؟ وقد اختلف في ذلك، فقيل: إنهم يحدون كما لو كان أحدهم عبدا، وهو قول أصبغ ومذهب ابن القاسم في المدونة؛ لأنه قال فيها إذا شهد على المرأة أربعة شهود بالزنا أحدهم زوجها جلد الثلاثة ولاعن الزوج، ولا فرق بين المسألتين، وقيل: إنهم لا يحدون بخلاف إذا كان أحدهم عبدا وهو قول ابن أبي حازم في المبسوطة واستحسان ابن القاسم فيها، وأما إن لم يعثر على أنه ولد زنا أو على أنه زوجها حتى يقيم الحد فيدرأ الحد عن الثلاثة ويحد ولد الزنا والزوج إلا أن يلاعن، وقد مضى بقية القول في هذه المسألة في النوازل المذكورة، وبالله التوفيق. [مسألة: زنى عبده فضربه خمسين ضربة بغير سوط] مسألة وسألته عن رجل زنى عبده فضربه خمسين ضربة بغير سوط هل يجزيه ذلك من الحد؟ قال: قال مالك: لا يضرب الحد إلا بالسياط.

مسألة: رجل من الموالي قال لرجل من العرب لست لي بكفء

قال محمد بن رشد: سأله في هذه الرواية: هل يجزيه ذلك من الحد فلم يجبه على ذلك، وحكى له ما قال مالك من أن الحدود لا تضرب إلا بالسياط، وقال في سماع أبي زيد بعد هذا: إنه إن ضربه في الزنا بالدرة في ظهره أجزأه، قال: وما هو بالبين، فيحمل قوله في سماع أبي زيد على التفسير لقوله في هذه الرواية؛ لأنه وإن كان الواجب أن تضرب الحدود بالسياط كما قاله مالك فلا يجب أن يعاد عليه الضرب بالسياط إذا ضرب بالدرة؛ إذ قد يكون من الدرر ما هو أوجع من كثير من السياط فلا يجمع عليه حدين، إلا أن تكون الدرة التي ضرب بها لطيفة لا تؤلم ولا توجع فلا بد من إعادة الحد بالسوط، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل من الموالي قال لرجل من العرب لست لي بكفء] مسألة وسأله عن رجل من الموالي قال لرجل من العرب: لست لي بكفء، هل يكون عليه الحد؟ قال مالك يقول في رجل قال لرجل من العرب وهو من الموالي " أنا خير منك وأقرب نسبا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، قال: ليس في مثل هذا حد، قال ابن القاسم: وذلك أن يقول الرجل الرومي أنا خير من عربي وأكرم حسبا، فلا يكون في ذلك حد؛ إنما الحد في قذف أو نفي أو تعريض يرى أنه أراد به حدا، وسألته عن رجل قال لرجل في منازعة: إنك لعظيم في نفسك، فقال الآخر: وما يمنعني وأنا معروف الحسب والنسب، فقال له الذي نازعه: إنك لتعرض بي، فاستعدى عليه، فهل يكون عليه في هذا القول حد؟ قال: قال مالك في رجل نازع رجلا فقال أحدهما لصاحبه أنا خير منك وأبي خير من أبيك وأمي خير من أمك، فقال له الآخر: هلم أباك الذي تزعم أنه أبوك، قال مالك:

: يقول للمرأة يا زانية فتقول بك زنيت

لقد قال قولا عظيما، وما أرى في مثل هذا حدا، قال ابن القاسم: وهذا عندي أشد من مسألتك، ولكن يحلف بالله ما أراد نفيا ولا حد عليه. قال محمد بن رشد: إنما لم ير على المولى حدا في قوله للعربي أنا أقرب نسبا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منك؛ لأنه رآه كاذبا في قوله إذ جعل الموالي أقرب من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في النسب من العرب لا نافيا له عن أبيه، وابن أبي حازم يقول في المولى يقول للعربي أنا أكرم منك نسبا: إن عليه الحد، ففي هذا عنده أحرى أن يحد، وقد مضى بيان هذا في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، وإنما لم ير عليه الحد أيضا في قوله: وما يمنعني وأنا معروف الحسب والنسب، إذ ليس بتعريض له في نفي حسبه ونسبه؛ لأن كلامه إنما خرج على نفي النقيصة عن نفسه التي ألحقها به في قوله: إنك لعظيم في نفسك، لا على إلحاق النقيصة به في نفسه عن حسبه ونسبه، واستظهر عليه مع ذلك باليمين، وأما المسألة التي احتج بها من قول مالك في الذي نازع رجلا فقال له: أنا خير منك وأبي خير من أبيك، إلى آخر المسألة، فقد مضى الكلام عليها في رسم ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [: يقول للمرأة يا زانية فتقول بك زنيت] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم قال يحيى: وسألته عن الرجل يقول للمرأة يا زانية فتقول بك زنيت، فقال: أراها قد أقرت بالذي رماها به، وهي له مع إقرارها على نفسها قاذفة، فإن أقامت على الإقرار رجمت وإن كانت محصنة

: الصبية تمكن من نفسها رجلا فيطأها

بعد أن تجلد ثمانين جلدة للفرية التي افترت على الرجل حين قالت: بك زنيت، وإن كانت بكرا جلدت ثمانين للفرية ومائة للإقرار على نفسها بالزنا، وإن لم تقم على الإقرار جلدت حد الفرية ووضع عنها الحد الذي كانت أقرت به على نفسها، قيل له: فإن كان إنما قال ذلك لامرأته فقالت بك زنيت، فقال: لا أرى عليها شيئا؛ لأنه يجوز لها أن تقول: إنما أرادت إصابته إياي بالنكاح، فذلك يدرأ عنها حد القذف ولا تعد بهذا القول مقرة بالزنا مثل الأجنبية، قال أصبغ: ليس قولها تصديقا إنما هو جواب؛ أي إن كنت زنيت فبك إلا أني أرى عليه لها حد الفرية، وله عليها حد الفرية؛ لأن كل واحد منهما قاذف. قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في رسم سلف دينارا من سماع عيسى مستوفى فلا معنى لإعادته. [: الصبية تمكن من نفسها رجلا فيطأها] من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب قال: وسألت أشهب عن الصبية تمكن من نفسها رجلا فيطأها، قال: إن كان مثلها يخدع فالصداق على الواطئ، وإن كان مثلها لا يخدع وإن كانت لم تحض فلا صداق عليه، قلت: وكذلك الأمة البالغة العذراء إذا أمكنت من نفسها فافتضت؟ قال: لا أرى على الذي افتضها غرما، وعليه الحد، قال سحنون: وكذلك قال غيره في الأمة البالغة. قال محمد بن رشد: قوله في الصبية إذا كان مثلها يخدع: إن الصداق على واطئها، بين على ما قاله؛ لأنها في حكم المغتصبة ولا اختلاف

مسألة: الخليطين من النبيذ إذا تخللا

في ذلك أحفظه، وأما قوله في الأمة البالغة العذراء إذا أمكنت من نفسها فافتضت: إنه لا غرم على الذي افتضها، ففيها ثلاثة أقوال، أحدها أنه لا غرم على الذي زنا بها طائعة بكرا كانت أو ثيبا وهو قوله في هذه الرواية لأنه إذا لم ير عليه غرما إذا كانت بكرا فأحرى أن لا يكون عليه غرم إذا كانت ثيبا، والثاني أن عليه ما نقصها بكرا كانت أو ثيبا، وهو ظاهر ما في كتاب المكاتب من المدونة، ودليل ما في كتاب الرهون منها، والثالث الفرق بين أن تكون بكرا أو ثيبا، وهو قوله في كتاب الرهون منها، المدونة في بعض الروايات، وأما إذا اغتصبها فلا اختلاف في أن عليه ما نقصها بكرا كانت أو ثيبا كانت صغيرة مثلها يخدع فهي في حكم المغتصبة على ما قاله في الحرة، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: الخليطين من النبيذ إذا تخللا] مسألة قال ابن القاسم في الخليطين من النبيذ إذا تخللا فلا بأس به. قال محمد بن رشد: هذا على قياس ما قاله مالك في رسم الحدود من سماع أشهب من أنه لا بأس أن يخلط الزبيب والتمر للخل وأن ذلك إنما يكره في الشراب الذي يشرب، وقد مضى هناك الاختلاف في ذلك وتوجهه، فعلى القول بأنه يكره خلط التمر والزبيب للخل يكره الخليطان من النبيذ وان تخللا. [مسألة: النصراني يغتصب الحرة المسلمة فيطؤها فيجب عليه بذلك القتل] مسألة قال سحنون: وسئل ابن القاسم عن النصراني يغتصب الحرة المسلمة فيطؤها فيجب عليه بذلك القتل أيجزي في ذلك شهادة رجلين؟ فقال ابن القاسم: لا يقتل حتى يشهد عليه بذلك الفعل

أربعة شهود أنهم رأوه كالمرود في المكحلة مثل الزنا سواء؛ لأنه لا يستوجب القتل إلا بالوطء، ولا يثبت إلا بأربعة شهداء، قال سحنون: وقد كان ابن القاسم يقول: يجزئ في ذلك شهادة رجلين، ثم رجع إلى هذا. قال محمد بن رشد: وجه ما كان ابن القاسم يقوله في أنه يجزئ في ذلك شهادة رجلين هو أنه كان يرى اغتصابه إياها وغيبته عليها نقضا لعهده يوجب عليه القتل لما جاء من أن امرأة مرت تسير على بغل فنخس بها علج، فوقعت من البغل فبدا بعض عورتها فكتب بذلك أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر أن اصلب العلج في ذلك المكان، فإنا لم نعاهدهم على هذا، إنما عاهدناهم على أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ووجه القول الذي رجع إليه أنه لا يراه ناقضا لعهده بغصبه إياها حتى يطأها على ما روي من أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا اغتصب النصراني المسلمة نفسها فليقتل فإن ذلك ليس مما صولح عليه، فإنما يقتل إذا اغتصبها فوطئها؛ لنقض العهد لا على حد الزنا، ولا يلحق به الولد وهو على دينه، فإن أسلم هدر عنه القتل، وإن رئي ذلك خوف من القتل إذا ثبت صحة إسلامه، وعليه صداق مثلها أسلم أو لم يسلم؛ لأنه حق للمرأة، قال ذلك ابن حبيب وحكاه عن أصبغ، فلا اختلاف إذا اغتصبها نفسها فوطئها أن ذلك نقض لعهده، واختلف إذا زنى بها وهي طائعة فقال ربيعة: هو نقض لعهده، وقال في سماع عبد الملك بعد هذا: إنه يضرب ضربا يموت منه، وقال أشهب: يضرب الضرب الموجع لما لم يوف لهم بالعهد، ولو وفي لهم بالعهد كان هذا منهم نقضا للعهد، وقال محمد بن عبد الحكم: لا يكون نقضا للعهد وإن وفى لهم بالعهد إذا كان على الطوع، وأما جرح النصراني للمسلم وقذفه إياه فلم يروه نقضا لعهده، وبالله التوفيق.

مسألة: يقدم فيجد مع امرأته ولدا فيقول لها ليس هذا الولد ابني ولا ابنك

[مسألة: يقدم فيجد مع امرأته ولدا فيقول لها ليس هذا الولد ابني ولا ابنك] مسألة وقال أشهب في الرجل يقدم فيجد مع امرأته ولدا فيقول لها: ليس هذا الولد ابني ولا ابنك، قال: يحلف بالله ما أراد قذفا ولا شيء عليه، وأما إن كان حاضرا مقرا بالولد ثم قال بعد: ليس هذا الولد مني ولا من امرأتي جلد الحد. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إنه إذا أنكر الولد الذي وجد معها حين قدم من مغيبه ثم رجع إلى تصديقها والإقرار بالولد أن القول قوله مع يمينه أنه ما أراد بذلك قذفا؛ إذ لم يتقدم له به إقرار قبل أن ينكره، وأما إذا كان حاضرا مقرا بالولد فأنكره، فإنه يجلد الحد ويلزمه، وهذا ما لا اختلاف فيه. [مسألة: رجل قال لرجل يا ابن الجافي] مسألة وقال مالك في رجل قال لرجل يا ابن الجافي: أرى عليه العقوبة وإن قال له يا بن الجافي والجافية عوقب وزيد في العقوبة لما سب أمه، وذلك أنه يقول أردت الجفا في الدين. قال محمد بن رشد: هذا بين لا إشكال فيه؛ لأنه من السب الذي فيه العقوبة على حال القائل والمقول له، وقد تقدم هذا المعنى في رسم الأشربة من سماع أشهب وفي غيره من المواضع، وبالله التوفيق. [مسألة: النصراني يغتصب الأمة المسلمة] مسألة وسئل عن النصراني يغتصب الأمة المسلمة، قال: إذا شهد على ذلك أربعة شهداء كان عليه القتل. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو قول الليث وابن عبد

: قال أردت أن أباك الذي هو أبوك أعتق أمس

الحكم لأن لها حرمة الإسلام وإن كانت أمة ويكون في ماله ما نقص من ثمنها بكرا كانت أو ثيبا، روى ذلك ابن وهب عن مالك في سماعه، وبالله التوفيق. [: قال أردت أن أباك الذي هو أبوك أعتق أمس] من سماع عبد الملك بن الحسن من أشهب قال عبد الملك: سألت ابن وهب عن رجل من العرب نازع رجلا من الموالي فقال العربي للمولى: إنما أعتق أبوك أمس في زمان كذا وكذا، فقال له المولى مجيبا: أنا أقدم منك ومن أبيك، فهل يجب عليه في مثل هذا القول حد أم لا يكون إلا النكال، قال: ليس عليه حد وإنما هو عندي بمنزلة أن لو قال له: أنا أخير منك، فليس في هذا حد، وكذلك قال مالك في هذا فيما أعلم: وأرى عليه النكال والحبس، وقال: وإن كان إنما أراد بقوله إني أقدم منك في الإسلام هذا وما يشبه فلا حد عليه. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا حد عليه في قوله له: أنا أقدم منك في العتق ومن أبيك، بين لا إشكال فيه ولا اختلاف؛ لأنه إنما نفى عن نفسه أن يكون أبوه معتقا فكذبه في ذلك عليها، وأما قوله: إن كان إنما أراد بقوله إني مثلك أي إن أباك أعتق أمس وإني مثلك فعليه الحد، فمعناه: أنه إن قال أردت أن أباك إنما هو الذي أعتق أمس كان عليه الحد، وأما إن قال أردت أن أباك الذي هو أبوك أعتق أمس فلا حد عليه وهو مصدق فيما يذكره من ذلك مع يمينه؛ لأن إرادته لا تعلم إلا من قبله، وأما إذا قال له نصا في منازعة أو مشاتمة إن أباك أعتق أمس وهو عربي فيحد على مذهب ابن القاسم؛ لأنه بمنزلة أن لو قال له إن أباك كان معتقا أو إنه كان نصرانيا أو يهوديا أو أسود أو أقطع أو يا ابن المعتق أو يا ابن النصراني أو اليهودي أو الأسود أو الأقطع، ولا يحد على مذهب أشهب لأنه عنده واصف لأبيه بغير صفته كما لو سمى أباه باسمه فقال له يا ابن فلان

مسألة: البنس يجعل فيه العسل هل تراه من الخليطين

الأسود أو الأقطع أو اليهودي أو النصراني، وبالله التوفيق. [مسألة: البنس يجعل فيه العسل هل تراه من الخليطين] مسألة وسئل عن البنس يجعل فيه العسل هل تراه من الخليطين الذي كرهه أهل العلم؟ قال: لا بأس به، والبنس بمنزلة الماء. قال محمد بن رشد: البنس والله أعلم هو شراب الفقع الذي كان يعمل في الأعراس، وهو شراب يصنع من العسل ويجعل فيه خمير القمح وأفاوه الطيب على ما قد ذكرناه في سماع أبي زيد من كتاب بيع الخيار، فسأله: هل هو من الخليطين من أجل ما يضاف إلى العسل من خمير القمح فخففه ولم ير به بأسا ليسارة ما فيه من العجين، فقال: إنما هو بمنزلة الماء الصرف، فجائز أن يضاف إليه العسل، وقوله في هذه الرواية هو على أحد قولي مالك في المدونة لأنه سأله فيها عن النبيذ يجعل فيه العجين أو الدقيق والسويق ليشتد به قليلا أو ليتعجل؛ فقال إنه سأل مالكا عنه فأرخص فيه ولم ير به بأسا، ثم سأله عنه فنهي عنه، وبالله التوفيق. [مسألة: اللبن يضرب بالعسل] مسألة وسئل: وأنا أسمع عن اللبن يضرب بالعسل، قال: لا بأس به. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والقول فيه في رسم البز من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته. [مسألة: نصراني زنى بمسلمة] مسألة وسئل: وأنا أسمع عن نصراني زنى بمسلمة فقال: إن كان طاوعته بذلك ضربت الحد وضرب النصراني ضربا يموت منه، وإن كان اغتصبها نفسها صلب.

: أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنا فتعلقوا به وأتوا السلطان فشهدوا عليه

قال محمد بن رشد: مضى الكلام على هذه المسألة في سماع سحنون مستوفى فلا معنى لإعادته. [: أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنا فتعلقوا به وأتوا السلطان فشهدوا عليه] من سماع أصبغ وسؤاله ابن القاسم من كتاب البيوع قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنا فتعلقوا به وأتوا السلطان فشهدوا عليه، قال: لا أرى أن تجوز شهادتهم وأراهم قذفة. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وقلنا فيها هناك: إنه إنما لم تجز شهادتهم عليه لأن ما فعلوه من أخذه وتعلقهم به ورفعهم إياه إلى السلطان لا يلزمهم ولا يجب عليهم، بل هو مكروه لهم؛ لأن الإنسان مأمور بالستر على نفسه وعلى غيره، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصاب من هذه القاذورة شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبدي صفحته نقم عليه كتاب الله» ، «وقال لهزال: يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك» فلما فعلوا ذلك صاروا طالبين له ومدعين الزنا عليه وقذفة له، فوجب عليهم الحد إلا أن يأتوا بأربعة شهداء سواهم على معاينة الفعل كالمرود في المكحلة ولو كانوا أصحاب شرط موكلين بتغيير المنكر ... أحدهم فأخذوه أو أخذه فجاءوا به وشهدوا عليه لقبلت شهادتهم لأنهم فعلوا في أخذه ورفعه ما يلزمهم، وفي الواضحة

مسألة: الاستنكاه هل يعمل به

لمطرف وابن الماجشون وأصبغ أنه إذا شهد أربعة بالزنا على رجل جازت شهادتهم وان كانوا هم القائمين بذلك مجتمعين جاءوا أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريبا بعضه من بعض، ووجه ذلك أنه لما كان ما فعلوه من قيامهم عليه مباحا لهم، وان كان الستر أفضل لم يكونوا خصماء إذ لم يقوموا لأنفسهم وإنما قاموا لله؛ فوجب أن تجوز شهادتهم، ولو كانت الشهادة فيما يستلزم فيه التحريم من حقوق الله كالطلاق والعتق لجازت شهادتهما في ذلك، وإن كانا هما القائمين بذلك؛ لأن القيام بذلك متعين عليهما، وقد قال بعض المتأخرين: إن ذلك لا يجوز على مذهب ابن القاسم، وقوله في هذه المسألة خلاف لمطرف وابن الماجشون وأصبغ، ووجه ذلك بأن كل من قام في حق يريد إتمامه فهو يتهم أن يزيد في شهادته ليتم ما قام فيه، وهو عندي بعيد، وبالله التوفيق. [مسألة: الاستنكاه هل يعمل به] مسألة ومن كتاب الحدود قال أصبغ: وسألته عن الاستنكاه أيعمل به؟ قال: نعم، وذلك رأس الفقه، قال أصبغ: وهو رأيي فيمن استنكر سكره واستكره اختلاطه، وقد حضرت العمري القاضي أمر بالاستنكاه في مجلسه بمحضر جماعة من الناس فيهم أهل العلم والفقه وفيهم ابن وهب فختله المستنكه بالكلام والسؤال والمراجعة والمفاوهة ثم أدخل شق أنفه وشمه في شدقه ثم قطع عليه أنها خمر، قال أصبغ: والأحب إلي أن يكون اثنان كالشهادة، فإن لم يكن إلا واحد

أمضي عليه الحد إذا كان الإمام هو الذي يأمر بالاستنكاه حين استرابه ووكله به، فإن كان إنما هو شاهد يؤدي علمه بالاستنكاه منه من قبل نفسه فلا يجوز إلا اثنان؛ لأنهما شهادة مؤداة كالشهادة على الشرب بعينه ( ... ) الاستنكاه والشهادة به، وجوازه أن أبا هريرة قد شهد أنه قاءها ولم يشهد أنه شربها، ثم قال له عمر تجويزا لذلك: فلا وربك ما قاءها حتى شربها، قال أصبغ: سألت ابن القاسم فقلت له: أرأيت الموكل بالمسلحة يمر بالرجل أو يمر به الرجل يتهمه بالشراب أيأمر به فيستنكه؟ قال: إن رأى تخليطا واختلاطا فنعم، قال أصبغ: شبه السكران الذي يخلط في مشيه وكلامه وتكفيه بنفسه وميلانه وعبثه وشتمه، فإن كان كذلك أمر به ولا يسعه تركه؛ لأنه سلطانه، كحد انتهى إلى السلطان فلا يتركه، وإن كان على غير ذلك من الصفة ولم يكن كنحو ذلك تركه، ولم يتحسس عليه، وإن رأى مخرجه مخرج سوء تهمة نظر في مخرجه إن خرج من مخرج سوء فعاقبه على نحوه ولم يبلغ كشفه في الشرب ولا تفتيشه إذا لم يكن كنحو ما وصفنا وكان صاحيا متشكلا. قال محمد بن رشد: العمري القاضي الذي حكى عنه ما حكاه من الحكم بالاستنكاه هو عبد الرحمن بن عبد الله بن المجير بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، ولاه هارون الرشيد قضاء مصر سنة خمس وثمانين ومائة، ثم شكي به إليه فقال: انظروا كم ولي القضاء من ولد عمر؟ فلم يوجد أحد، فقال: والله لا عزلته، فبقي قاضيا إلى أن عزله الأمين سنة أربع وتسعين، والمسألة كلها صحيحة بينة من قول ابن القاسم وأصبغ لا اختلاف فيها ولا إشكال في شيء من معانيها، وبالله التوفيق.

مسألة: المسلم يقول للنصراني يا ابن الفاعلة فيقول أخزى الله كل ابن فاعلة

[مسألة: المسلم يقول للنصراني يا ابن الفاعلة فيقول أخزى الله كل ابن فاعلة] مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن المسلم يقول للنصراني يا ابن الفاعلة، فيقول أخزى الله كل ابن فاعلة، فقال: إن النصراني يحلف بالله ما أراد قذفا، فإن لم يحلف سجن حتى يحلف، قال أصبغ: بل أرى أن يجلد الحد وأرى هذا جوابا في مشاتمة فهو رد عليه وتعريض له، كالذي يقول للمرأة يا زانية فتقول زنيت بك فيكون جوابا وردا لمثل ما قال، فيضرب له الحد، فالنصراني مثله غير أن المسلمين يحدان البادئ والراد عليه، والنصراني والمسلم كذلك يجب عليهما جميعا ويكونان قاذفين جميعا ومشاتمين له، غير أن النصراني لا حد له فيعاقب له قاذفه المسلم فيكون ذلك هو حده، وقد حرمته من الحد وهو يحد للمسلم الحد بعينه كاملا ثمانين سوطا. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في المذهب في أن الحد يجب بالتعريض البين كما يجب بالتصريح به، فرأى أصبغ قوله هذا في مجاوبته إياه من التعريض البين، ولم ير ذلك ابن القاسم، وقوله أظهر؛ لاحتمال أن يكون أراد بما قاله نفي ما رماه به عن نفسه من أن يكون ابن زانية لا قذفة، فرأى أن يحلف بهذا الاحتمال، وقال: إنه إن لم يحلف سجن حتى يحلف، ولم يقل ما يكون الحكم فيه إن طال الأمر ولم يحلف وذلك يتخرج على قولين، أحدهما أنه يطلق ولا يكون عليه شيء، والثاني أنه يحد إذا طال حبسه وأبى أن يحلف، والأصل في هذا اختلافهم في الكلام المحتمل أن يراد به القذف كقول الرجل للرجل يا خبيث أو يا ابن الخبيثة، فقال ابن القاسم: إنه ينكل إن طال حبسه فلم يحلف، وقال أشهب: إنه يحد إن طال حبسه ولم يحلف، فعلى أصل ابن القاسم في هذا أنه ينكل ولا يحد إذا طال حبسه فخلي سبيله في هذه المسألة؛ إذ لا موضع فيها للنكال، وكذلك إذا حلف ابتداء لا ينكل، ولو قال الشهود الذي شهدوا عليه بذلك تبين لنا من قصده أنه أراد بذلك

مسألة: الذي يقوم عليه بشاهد واحد بالقذف فلا يحلف ويسجن حتى يحلف

القذف أو أنه لم يرد بذلك القذف لأعمل قولهم في ذلك وارتفع الخلاف في المسألة؛ لأن هذا مما قد يظهر بصورة الحال حتى يقع العلم به للشاهد، وبالله التوفيق. [مسألة: الذي يقوم عليه بشاهد واحد بالقذف فلا يحلف ويسجن حتى يحلف] مسألة وقال في الذي يقوم عليه بشاهد واحد بالقذف فلا يحلف ويسجن حتى يحلف: إنه إذا طال حبسه جدا ولم يحلف فأرى أن يخلي سبيله، قلت: فيؤدب إذا طال ولم يحلف فخلي، أيؤدب له بهذا الشاهد الواحد؟ فقال: أما الأدب في هذا فلست أعرفه، قال أصبغ: وأنا أرى أن يؤدب له إذا كان معروفا بالأذى والفحش والمشارة للناس، وإلا فأدبه حبسه الذي حبس، ولا يؤدب المتساهل للأدب في هذا إلا بعد الإياس من حلفه أو ثباته عليه أو غير ثباته عليه وعند تخليته. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم والكلام عليها هناك فلا معنى لإعادته، وقوله: إنه لا يؤدب في المتساهل للأدب في هذا إلا بعد الإياس من حلفه أو ثباته عليه معناه بعد الإياس من حلفه وثباته عليه فأو هاهنا بمعنى الواو؛ لأنه إنما أراد أنه لا يؤدب إلا بعد الإياس من حلفه ومن ثبات ذلك عليه، وهو معنى قوله أو ثبات ذلك عليه، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل يقول للرجل يا ولد الخبث] مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول وسئل عن رجل يقول للرجل يا ولد الخبث، قال: يضرب الحد، ولا يعلم الخبث إلا الزنا، وقاله أصبغ، وذلك إنما مخرجه على القذف، وإنما ولد

الخبث ولد الزنا، ليس الخبث بالحديث الذي يذكر إذا كثر الخبث أنه من أشراط الساعة، والخبث في ذلك أولاد الزنا، فإذا قال يا ولد الخبث كان قاذفا له بأنه ولد الزنا، وإنما حرف الناس بذلك الكلام فقالوا يا ولد الخبث وجرت مجرى الخبث في القذف في المشاتمة على اللسان، ومعنى ذلك بينهما الحد، ورواها عيسى بن دينار في كتاب العتق، قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول فيمن قال لرجل يا خبيث الفرج أو قال أنا أعف منك فرجا: إن ذلك كله يضرب فيه الحد تاما، وقاله أصبغ إذا كان في مشاتمة أو غضب ورواها عيسى أيضا في كتاب لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يقول للرجل يا ولد الخبث: إنه يضرب ثمانين، مثله في كتاب ابن المواز وغيره ولا أعرف فيه نص خلاف، وهو بين في المعنى؛ لأن الخبث اسم الفعل من خبث يخبث فنسبة الرجل إليه (نفي له عن) أبيه، إذ ليس هو بصفة فيقال: إنه إنما وصف أباه بذلك، ومخرجه عند الناس أيضا مخرج القذف على ما قاله أصبغ، فإيجاب الحد فيه ظاهر. وقوله: ليس الخبث بالحديث الذي ذكر إذا كثر الخبث إنه من أشراط الساعة، والخبث في ذلك أولاد الزنا، معناه: ليس الخبث في قوله الرجل للرجل يا ولد الخبث من الخبث المذكور في الحديث وإن كان المراد به أيضا أولاد الزنا؛ لأنه الخبث بفتح الخاء لا الخبث بضمها، وقد قيل: تفسير الحديث «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث» : إنهم شرار الناس، ولو

مسألة: قذف رجلا فأتى بشاهدين شهدا أنهما حضراه يضرب الحد في الزنا

قال له يا خبيث أو يا ولد الخبيثة لم يجب عليه في ذلك حد، قال في المدونة: ويحلف ما أراد بذلك قذفا، فإن أبى أن يحلف ما أراد بذلك قذفا حبس حتى يحلف فإن طال حبسه نكل، وقال أشهب: إنه يحد إذا أبى أن يحلف، ولابن القاسم في المدونة مثل قول أشهب في نظير هذه المسألة: إنه يحد إذا أبى أن يحلف وهو أظهر، وإنما لم يحد في ذلك لأن الخبث قد يكون في الأخلاق والأفعال فيحلف أنه ما أراد إلا ذلك، وأما إذا قال له يا خبيث الفرج فلا إشكال في أنه يحد إذ قد بين أنه أراد بالخبث الزنا، وبالله التوفيق. [مسألة: قذف رجلا فأتى بشاهدين شهدا أنهما حضراه يضرب الحد في الزنا] مسألة وسئل عن رجل قذف رجلا فأتى بشاهدين شهدا أنهما حضراه يضرب الحد في الزنا، قال: لا ينفعه، ويضرب الحد والشاهدان جميعا، قال: ولو جاء بأربعة شهداء أنه حد في الزنا سقط عنه الحد. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة يأتي على قياس قول سحنون في آخر نوازله من كتاب الشهادات في أنه لا يثبت كتاب القاضي إلى القاضي في الزنا إلا بأربعة شهداء على رواية مطرف عن مالك في أن الشهادة على الشهادة في الزنا لا تجوز فيها إلا أربعة على كل واحد من الأربعة اجتمعوا في الشهادة على جميعهم أو افترقوا مثل أن يشهد ثلاثة على الرؤية ويغيب واحد فلا تثبت شهادته إلا بأربعة، وابن القاسم يجوز أن يشهد على شهادته اثنان، وهو مذهب ابن الماجشون، فيأتي على قياس قولهما: إنه يجوز أن يشهد على كتاب القاضي في الزنا شاهدان، وإنه إذا جاء القاذف بشاهدين يشهدان أن المقذوف قد حد في الزنا سقط عنه حد القذف، وهو الذي يوجبه القياس والنظر؛ لأن الشهادة قد تمت على الزنا بأربعة شهداء، فلا يحتاج إلا إلى إثبات قول القاضي على كتابه أو على ضربه أنه إنما يضربه في الزنا، فينبغي أن يثبت ذلك من قوله في الزنا بما يثبت في غير الزنا، إذ لا

مسألة: رجل قال لرجل من الموالي يا ساقط

فرق بين الموضعين فيما يلزم الشاهد في تحمل الشهادة، وبالله التوفيق. [مسألة: رجل قال لرجل من الموالي يا ساقط] مسألة وسئل مالك عن رجل قال لرجل من الموالي يا ساقط، قال: يضرب الحد، قيل لابن القاسم: فإن لجأ إلى أمر يريده؟ أما أنا فأرى أن يحلف ما أراد نفيه. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة أظهر من قول مالك لاحتمال أن يريد يا ساقط المرتبة في النسب، إذ لست من العرب، وحمله مالك على أنه أراد يا ساقط النسب؛ كأنه قال له: لست من الموالي، ولو قال لرجل من العرب يا ساقط لحد على قولهما جميعا والله أعلم. [مسألة: شهد عليه شاهد بشرب الخمر وشهد عليه آخر بشرب النبيذ المسكر] مسألة وسمعت ابن القاسم وسئل عمن شهد عليه شاهد بشرب الخمر وشهد عليه آخر بشرب النبيذ المسكر، فقال يضرب الحد ثمانين؛ لأن شهادتهما قد اجتمعت على المسكر. قال محمد بن رشد: لفق ابن القاسم الشهادة في هذا وإن كان كل واحد من الشاهدين إنما شهد على غير الشرب الذي شهد عليه صاحبه إذ لو شهدا عليه بهذه الشهادة في موضع واحد لبطلت الشهادة وسقط عنه الحد على ما قاله بعد هذا في سماع أبي زيد، وهو مثل قوله في سماع أبي زيد بعد هذا ومثل روايته عن مالك في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الشهادات في أنه إذا شهد رجلان على رجل بطلاق أو فرية أو شرب الخمر في أيام مختلفة فقال هذا: أشهد أنه طلق امرأته أو رأيته يشرب الخمر أو قذف فلانا في شوال وشهد آخر على مثل ذلك إلا أنه قال في رمضان؛ فإنه يضرب في الفرية والخمر وتطلق عليه امرأته، وكذلك رأى ابن القاسم، وإذا لفق ابن القاسم

: قولهما إنا رأينا فلانا يزني ومعنا فلان وفلان

الشهادة في الشرب وإن كان فعلا، ومن مذهبه أن الأفعال لا تلفق من أجل أن الشهادة في هذا على الفعل مسندة إلى القول، وهو المعبر فيها لأنه إنما يحد في الشرب حد القذف من أجل أنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى كما قال علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، هذا وجه قول ابن القاسم هذا وروايته عن مالك، والقياس ألا تلفق الشهادة في الشرب؛ لأنه فعل كما لا تلفق في سائر الأفعال، وهو قول محمد بن مسلمة وابن نافع وقد مضى بيان هذا كله في رسم أوصى ورسم العرية ورسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وبالله التوفيق. [: قولهما إنا رأينا فلانا يزني ومعنا فلان وفلان] من سماع أبي زيد من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن رجلين شهدا على رجل بالزنا فقالا: معنا شاهدان آخران فلان وفلان، وهما في البلد هل يمكنهما أن يأتيا بهما أم يحدا إذ لم يأتوا جميعا، قال: أرى أن يحدا وذلك لأن قولهما إنا رأينا فلانا يزني ومعنا فلان وفلان، إنما يقولان سلوا فلانا وفلانا عن تصديق ما قلنا، فليس هذا بوجه الشهادة إلا أن يأتوا جميعا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في أول رسم من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وزاد فيها " قد بلغني ذلك عن مالك "، وعلل ابن القاسم تضعيف الشهادة وإيجاب الحد على الشاهدين في هذه المسألة بعلتين، إحداهما تفرق الشهود في الشهادة فقال: ليس وجه الشهادة إلا أن يأتوا جميعا، والثانية قول الشاهدين اللذين شهدا: معنا فلان وفلان لأنهما حصلا قولهما هذا في معنى من قام على رجل في الزنا وشهد عليه في ذلك فلا يجزئه أن يأتي بثلاثة شهود سواه ويحد إلا أن يأتي بأربعة شهداء، فكذلك

مسألة: قال لرجل من مشاتمة ما أعرف أباك وهو يعرفه

هذان يحدان إن لم يأتيا على تصديق شهادتهما عليه إلا بشاهدين، وقوله: فإن قالا نعم ثبتت شهادتهما وإن قالا لا كانا قاذفين، هو من قول ابن القاسم على سبيل الإنكار بعد تمام ما حكى من معنى قولهما، كأنه قال تثبت شهادتهما إذا قالا نعم وإلا كانا قاذفين، هذا ما لا يصلح بل قاذفين على كل حال، وقد قيل: إن الشهادة على الزنا جائزة وإن تفرق الشهود ولم يأتوا معا، وعلى هذا القول يأتي ما وقع لابن القاسم في أول رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الشهادات وهو قول ابن الماجشون، واختلف أيضا، إن كان الشهود في الزنا هم القائمون على المشهود عليه به، فقال ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الشهادات: إن شهادتهم لا تجوز، وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ أن شهادتهم جائزة وإن كانوا هم القائمين بذلك مجتمعين جاءوا أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريبا بعضهم من بعض، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لرجل من مشاتمة ما أعرف أباك وهو يعرفه] مسألة وقال من قال لرجل من مشاتمة ما أعرف أباك وهو يعرفه، قال: يضرب الحد ثمانين. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه قد نفى أن يكون أبوه هو الذي يعرفه، فقد قطع نسبه منه ونفاه عنه. [مسألة: قالت لابنها لست ابن أبيك] مسألة وقال في امرأة قالت لابنها لست ابن أبيك، قال: عليها الحد. قال محمد بن رشد: وهذا بين أيضا كالمسألة التي قبلها بل هي أبين منها في وجوب الحد إذا قالت ذلك له في مشاتمة؛ لأنها إذا قالت ذلك له

مسألة: قال لجماعة من المسلمين والله ما ترون إلا أني ولد زنا وأنتم أولاد حلال

في غير مشاتمة أشبه قول الرجل في ولده ما أنت لي بابن يريد في عصيانه إياه وما أشبه ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لجماعة من المسلمين والله ما ترون إلا أني ولد زنا وأنتم أولاد حلال] مسألة ومن قال لجماعة من المسلمين: والله ما ترون إلا أني ولد زنا وأنتم أولاد حلال معرضا بأشباه هذا، قال: ينظر؛ فإن كانت بينهم عداوة حلف ما أراد حدا، وإن لم تكن عداوة كانت بينهم حلف أيضا، ولم يحد إذا قال ما أردت بذلك فاحشة. قال محمد بن رشد: قوله " ينظر فإن كانت بينهما عداوة " يقتضي الفرق بين أن تكون بينهما عداوة أو لا تكون، وهو قد ساوى بين ذلك بقوله: إنه يحلف في الموضعين. فآخر كلامه يقضي على أوله، وإنما لم ير عليه الحد إذ ليس بتعريض بين لاحتمال أن يريد: والله ما ترون إلا أني لست ولد حلال كما أنتم، وفي قوله: حلف ولم يحد، ما يدل على أنه إن نكل عن اليمين حد، وفي هذا الأصل اختلاف، فالمشهور من قول ابن القاسم فيه أنه ينكل إذا أبى أن يحلف بعد أن يسجن، وله في بعض المسائل أنه يحد إذا لم يحلف، وهو مذهب أشهب، وقد مضى هذا المعنى في رسم الحدود من سماع أصبغ قبل هذا، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لامرأته قد سرحتك من زنا] مسألة وقال: من قال لامرأته قد سرحتك من زنا، قال: يحد ولا طلاق عليه. قال محمد بن رشد: قوله يحد ولا طلاق عليه يريد إلا أن يلاعن على ما قاله في رسم سلف من سماع عيسى، وهذا على أحد قوليه في المدونة في إيجاب اللعان بالقذف، وفي قوله: إنه لا طلاق عليه نظر وكان القياس أن

مسألة: رجل قال لرجل يا ساقط

يحد وتطلق عليه امرأته لأن الظاهر من قوله قد سرحتك من زنا أي قد سرحتك من أجل أنك زانية، ومن قال لامرأته قد سرحتك فهي ثلاث في التي قد دخل بها إلا أن ينوي واحدة، وفي التي لم يدخل بها واحدة إلا أن ينوي ثلاثا، وقد قيل: إنها في التي لم يدخل بها ثلاث أيضا إلا أن ينوي واحدة كالتي قد دخل بها، وقد مضى هذا في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك، وإنما قال: إنه لا طلاق عليه لاحتمال أن يريد بقوله قد سرحتك من زنا، أي: قد سرحت لك بأنك زانية، وإذا قلنا: إن هذا معنى ما ذهب إليه؛ فيجب على أصولهم أن يحلف ما أراد إلا ذلك، وحينئذ يسقط عنه الطلاق فيجب أن يتأول قوله على ذلك والله الموفق. [مسألة: رجل قال لرجل يا ساقط] مسألة وقال في رجل قال لرجل يا ساقط، قال يحلف بالله ما أراد قذفا فإن حلف لم يكن عليه شيء إلا الأدب إلا أن يقول يا ساقط يتتبع الولائم وما أشبهه. قال محمد بن رشد: قد مضى في آخر رسم الحدود من سماع أصبغ من قول مالك: إنه يحد في قوله يا ساقط إذا قاله لرجل من الموالي، فأحرى أن يحد إذا قاله لرجل من العرب، وقال ابن القاسم في هذه الرواية: إنه يحلف، ولم يفرق بين أن يكون من الموالي أو من العرب، وظاهره أنه لا فرق بين أن يكون من الموالي أو من العرب، والأظهر أن يفرق بينهما على ما حملنا عليه قوله في رسم الحدود المذكور، وقوله: إلا أن يقول يا ساقط يتتبع الولائم وما أشبهه، يريد: فلا يجب عليه يمين؛ لأنه يجب عليه الحد، وبالله التوفيق. [مسألة: شهدا على رجل أحدهما أنه سكر في رمضان والآخر أنه سكر في شعبان] مسألة وقال في رجلين شهدا على رجل شهد أحدهما أنه شرب خمرا

مسألة: قال لرجل يا محدود في الزنا

في رمضان وشهد الآخر أنه شرب المسكر في شعبان، قال: يضرب الحد، قيل له: أرأيت إن شهدا بهذه الشهادة في موضع واحد؟ قال: لا يحد. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في آخر رسم الحدود من سماع أصبغ فلا معنى لإعادته. [مسألة: قال لرجل يا محدود في الزنا] مسألة وقال في من قال لرجل يا محدود في الزنا: فإن لم يأت بأربعة شهداء على أن الإمام جلده في زنا جلد الحد. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في آخر رسم من سماع أصبغ فلا معنى لإعادته. [مسألة: تقاذفا فأرادا أن يتعافيا قبل أن يبلغا السلطان] مسألة وسئل عن رجلين تقاذفا فأرادا أن يتعافيا قبل أن يبلغا السلطان، قال: ذلك لهما، وإن لم يتعافيا إلا بعد أن يبلغا السلطان فليس ذلك لهما، فهو بمنزلة السرقة. قال محمد بن رشد: هذا مثل أحد قولي مالك في المدونة أن للمقذوف أن يعفو عمن قذفه ما لم ينته الأمر إلى السلطان، فإذا انتهى إليه لم يجز عفوه عنه إلا أن يريد سترا، وقد مضى في أول رسم من سماع أشهب الكلام على هذا المعنى مستوفى، وأنه يتحصل فيه ثلاثة أقوال، أحدها أنه لا يتعلق بالقذف، حق الله تعالى، فللمقذوف أن يعفو عمن قذفه وإن بلغ إلى السلطان أراد سترا أو لم يرده، والثاني أنه يتعلق به حق الله تعالى فلا يجوز للمقذوف أن يعفو عمن قذفه بلغ السلطان أو لم يبلغ، والثالث قوله في هذه الرواية: إنه لا يتعلق به حق الله تعالى حتى يبلغ إلى السلطان فله أن يعفو إن لم

مسألة: أربعة نفر شهدوا على رجل أنه زنى بامرأة فأخذ الرجل وهربت المرأة

يبلغ إلى السلطان، فإذا بلغ لم يجز له العفو عنه إلا أن يريد سترا، وبالله التوفيق. [مسألة: أربعة نفر شهدوا على رجل أنه زنى بامرأة فأخذ الرجل وهربت المرأة] مسألة وسئل عن أربعة نفر شهدوا على رجل أنه زنى بامرأة فأخذ الرجل وهربت المرأة، قال شاهدان: رأيناه يزني بفلانة التي هربت، وقال الآخران: رأيناه يزني بامرأة، وشهادتهم معتدلة في موضع واحد على أمر واحد إلا أنهما لا يدريان أهي فلانة أو غيرها؟ ولا يعرفان المرأة، قال: يحد الشهود جميعا لأنهم قذفة للمرأة. قال محمد بن رشد: قوله: يحد الشهود جميعا لأنهم قذفة للمرأة، معناه: يحد الشهود جميعا للرجل؛ لأن شهادتهم عليه بالزنا تسقط بقذفهم للمرأة التي شهدوا أنها زنى بها؛ إذ لم يعينها منهم إلا اثنان، ولو عينوها جميعا أو لم يعينها واحد منهم لجازت شهادتهم في الزنا وحد حد الزنا، وحدت المرأة أيضا إن عينوها جميعا، وإسقاط شهادتهم في الزنا بقذفهم المرأة خلاف المشهور في المذهب من أن شهادة القاذف لا تسقط إلا بعد إقامة الحد عليه، والذي يأتي في هذه المسألة على المشهور في المذهب من أن شهادة القاذف لا تسقط إلا بعد إقامة الحد عليه أن تجوز شهادتهم على الرجل في الزنا فيحد بها حد الزنا، وإن كان الاثنان منهم قاذفين للمرأة التي شهدا أنه زنى بها وعرفاها فهربت، وإن أتت فقامت بحدها عليهما حدا لها، وقد مضت شهادتهما قبل في الزنا على الرجل، وما ذهب إليه ابن القاسم في هذه المسألة من أن القاذف تسقط شهادته بالقذف قبل إقامة الحد عليه مثله لأصبغ في نوازله من كتاب الشهادات، ولابن الماجشون وسحنون وهو مذهب الشافعي قال: هو قبل الحد شر منه بعد الحد؛ لأن الحدود كفارات لأهلها فكيف تقبل شهادته في شر حاليه، وخالفه مالك وأكثر أصحابه وأبو حنيفة وأصحابه، وقد حمل

مسألة: يؤخذ مع المرأة في بيت واحد وهما متهمان

بعض أهل النظر قوله: يحد الشهود لأنهم قذفة للمرأة على ظاهره، واعترض المسألة فقال: انظر قوله: يحد الشهود لأنهم قذفة فإن من أصله ألا يحد في القذف للغائب، وهم إذا لم يحدوا كيف يستجرحوا؟ فتدبر ذلك، والمعنى في المسألة إنما هو ما قد ذكرته، وبالله التوفيق. [مسألة: يؤخذ مع المرأة في بيت واحد وهما متهمان] مسألة وسئل عن رجل يؤخذ مع المرأة في بيت واحد وهما متهمان، قال: يضربان ضربا جيدا وجيعا، قيل له: بثيابهما؟ قال: لا؛ بل على حال تضرب الحدود. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، وكذلك قال مالك في الذي يوجد مع قوم يشربون الخمر وهو لا يشرب: إنه يؤدب، وإن قال إني صائم ولا يلتفت إلى قوله. [مسألة: المرأة في ضرب الحد يكون عليها ثوبان] مسألة قيل له: المرأة في ضرب الحد يكون عليها ثوبان؟ قال: لا أرى بأسا بثوبين وينزع عنها ما سوى ذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها أنه ينزع عنها ما يقيها الضرب ويترك عليها ما سوى ذلك، وقد مضى في مساجد القبائل من سماع ابن القاسم زيادات في هذا المعنى، وبالله التوفيق. [مسألة: شهد أربعة نفر بالزنا على رجل ثم نزع واحد بعدما تمت الشهادة وأنفذت] مسألة قال ابن القاسم: إذا شهد أربعة نفر بالزنا على رجل ثم نزع واحد بعدما تمت الشهادة وأنفذت: إنه لا يضرب الحد إلا الذي نزع، قيل له: فإن نزع أيضا آخر بعد ذلك من الأربعة وذلك بعدما أقيم عليه الحد؟ قال يضرب الخامس الذي نزع أولا والرابع الذي

نزع آخرا، ولا شيء على الثلاثة الذين ثبتوا على الشهادة، وكذلك لو رجم ثم نزع الخامس لم يكن عليه شيء، فإن نزع أحد من الأربعة ضرب الخامس الذي نزع والرابع الذي نزع وكان عليهما ربع الدية. قال محمد بن رشد: أما إذا رجع الخامس من الشهود في الزنا فسواء كان رجوعه قبل إنفاذ الشهادة بإقامة الحد أو بعد ذلك لا شيء عليه كما قاله ابن القاسم في هذه الرواية، وقد روي عنه أن عليه الحد، ذكر ابن المواز اختلاف قوله في ذلك وأن قول أشهب اختلف في ذلك أيضا، واختار هو قوله هاهنا أنه لا حد عليه، ولا اختلاف في أنه لا شيء عليه من الدية إن كان رجوعه بعد إقامة الحد عليه بالرجم، وأما إن رجع بعد ذلك أحد الأربعة؛ فإن كان ذلك قبل إقامة الحد عليه حدوا كلهم بدليل قوله في هذه الرواية: إنه لا يضرب إذا نزع أحدهم بعدما تمت الشهادة وأنفذت إلا الذي نزع وحده، وقد قيل: إنه لا يضرب إذا نزع أحدهم إلا الذي نزع وحده كان نزوعه ورجوعه قبل إقامة الحد أو بعده، وهو ظاهر قوله في المسألة التي بعد هذه، قيل له: فإن نزع أحد من الشهود الأربعة؟ قال: يضرب الذي نزع، وهو الذي يوجبه النظر؛ لأنه يتهم أن ينزع عن الشهادة ليوجب الحد على من شهد معه، وإنما يحد الشهود كلهم إذا شهد الثلاثة منهم ولم يأت الرابع بالشهادة على وجهها، وإن كان ذلك بعد إقامة الحد عليه حد هو والخامس الذي رجع قبله إن كان لم يحد، ولا حد على الثلاثة الذين ثبتوا على الشهادة، ولا اختلاف في هذا، واختلف فيما يكون عليه وعلى الخامس من الدية إن كان رجوعه بعد أن رجم فقال في هذه الرواية: إنه يكون عليهما ربع الدية، وهو قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وقيل: يكون عليهما خمسا الدية، وهو قول ابن وهب وأشهب، ولا اختلاف في أن الدية تكون عليهم أخماسا إن رجعوا كلهم، وبالله التوفيق.

مسألة: رجع واحد منهم قبل أن تتم الشهادة على الزنا

[مسألة: رجع واحد منهم قبل أن تتم الشهادة على الزنا] مسألة قال ابن القاسم: ولو أن رجلا قذف رجلا بالزنا فلما أرادوا أن يقيموا عليه حد الفرية قال: أنا آتي بالمخرج مما قلت، فأتى بأربعة شهداء فشهدوا عليه، قال: يضرب المقذوف ولا شيء على القاذف لأنه قد أتى بالمخرج مما قال، قيل له: فإن نزع أحد من الشهود الأربعة؟ قال: يضرب المقذوف ولا شيء على القاذف؛ لأنه قد برئ أولا وتمت الشهادة، فليس نزوع أحد الشهود بالذي يوجب عليه الحد، وقد برئ منه أولا، وكذا لو نزع الأربعة ضربوا كلهم الحد ولا شيء على القاذف. قال محمد بن رشد: قوله: إذا أتى بأربعة شهداء فشهدوا يضرب المقذوف الذي نزع يريد يحد حد الزنا: الجلد إن كان بكرا أو الرجم إن كان ثيبا، وقوله: ولا شيء على القاذف؛ لأنه قد أتى بالمخرج مما قال وهو كما قال بدليل قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] لأن فيه دليلا هو كالنص لإجماع العلماء عليه أنه إن أتى بأربعة شهداء سقط عنه الحد، وأما قوله: إنه إن نزع أحد الشهود الأربعة يضرب الذي نزع ولا شيء على القاذف فمعناه: يضرب الذي نزع وحده ولا شيء على القاذف وذلك إذا رجع واحد منهم بعد أن شهدوا كلهم وتمت الشهادة، وكذلك إن رجعوا كلهم بعد أن شهدوا وتمت الشهادة، وأما إن رجع واحد منهم قبل أن تتم الشهادة مثل أن يشهد ثلاثة فيرجع الواحد منهم ثم يأتي الرابع فيشهد؛ فإنهم يحدون كلهم إذ لم تتم الشهادة ويحد القاذف إلا أن يأتي

مسألة: ضرب عبده الحد في الزنا بالدرة

بأربعة شهداء سواهم؛ لأن الشهادة إذا تمت فقد سقط بتمامها الحد عن القاذف ووجب الحد على المشهود عليه، فإن رجع واحد منهم بعد ذلك أو رجعوا كلهم لم يصح أن يرجع برجوع من رجع منهم عن الشهادة الحد على القاذف الذي قد سقط عنه، ولا أن يحد المشهود عليه وقد رجع بعض الشهود عليه عن الشهادة، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق. [مسألة: ضرب عبده الحد في الزنا بالدرة] مسألة وقال في رجل ضرب عبده الحد في الزنا بالدرة قال إن كان ضربه بها الظهر أجزأه، وما هو بالبين. قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم العتق من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. [مسألة: البكر يزني فيوجد بمكة وهو محرم حاج] مسألة وسئل عن البكر يزني فيوجد بمكة وهو محرم حاج أترى إذا أقيم عليه الحد أن ينفى وهو محرم ولا يترك يحج؟ قال: نعم ينفى ولا ينتظر به أن يفرغ من الحج. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن التغريب على البكر الزاني من تمام الحد الذي أوجبه الله على لسان رسوله، فتعجيله واجب لا يصح أن يؤخر من أجل إحرامه بالحج ولعله إنما أحرم به فرارا من السجن، وقد كان مالك إذا سئل في شيء من الحدود أسرع الجواب وأظهر السرور، وقال: بلغني أنه يقال: لحد يقام بأرض خير من مطر أربعين صباحا، وإذا سجن في ذلك بما أوجبه الله تعالى عليه على لسان رسوله كان حكمه كحكم المحصر بمرض لا يحل من شيء من إحرامه حتى يطوف بالبيت، فإن بقي على إحرامه إلى حج قابل فحج به لم يكن عليه هدي، وإن حل بعمرة قبل أن يحج كان عليه قضاء الحج وهدي عن تحلله من إحرامه بالعمرة،

مسألة: قال فمن أكرمني لابني فهو ابن الفاعلة

ينحره في حج القضاء لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ} [البقرة: 196] الآية فهذا الهدي على مذهب مالك هو الهدي الأول، وعند عروة بن الزبير وجماعة من العلماء أن الهدي الأول غير الثاني، وأن الأول يجب له به لبس الثياب وإلقاء التفث وهو بموضعه إذا وصل الهدي إلى مكة بميعاد يضربه، والثاني لفوات الحج وتحلله بالعمرة، وبالله التوفيق. [مسألة: قال فمن أكرمني لابني فهو ابن الفاعلة] مسألة وقال في رجلين كانت بينهما منازعة فقال أحدهما لصاحبه إنما أكرمك لكرامة ابنك، وكثير من جيرتك يكرمونك لولدك قال فمن أكرمني لابني فهو ابن الفاعلة، قال: ينظر فإن كان ذلك أمرا معروفا لا شك فيه إنما يكرم لولده ضرب الحد وإلا فلا شيء عليه، ونزلت. قال محمد بن رشد: المعنى عندي في هذه المسألة أن الذي قال إنما أكرمك لكرامة ابنك ادعى لما قال: فمن أكرمني لابني فهو ابن الفاعلة فهو إنما أكرمه لابنه فقال: إن كان ذلك أمرا معروفا لا شك فيه أنه إنما يكرم لولده ضرب الحد أي صدق فيما ادعاه من أنه إنما أكرمه لابنه فوجب عليه الحد دون يمين على ظاهر هذه الرواية؛ لأنها يمين تهمة، وقد سقطت التهمة عنه في ذلك بكون إكرام الناس له بسبب ابنه أمرا معروفا لا شك فيه، وهذا من معنى ما تقدم في رسم استأذن من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: قال لرجل يا مرائي ما ترى عليه] مسألة وسئل عن رجل قال لرجل يا مرائي ما ترى عليه؟ قال على

مسألة: قالت له امرأته زنيت بجاريتي ثم نزعت وقالت حملتني على ذلك الغيرة

قدر ما يرى الإمام، أرأيت لو قال رجل لليث بن سعد يا مرائي، وقال لي مثل ذلك أكنت ترى أن يضرب الذي قال لي مثل ربع ما يضرب الذي قال لليث؟ ومن الناس ناس لو قيل لهم ذلك لرأيتهم لذلك أهلا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الإذاية بالشتم فيما دون الحد، العقوبة فيه على قدر حال القائل والمقول له، وضرب ابن القاسم المثل في هذا بنفسه مع الليث بن سعد تواضعا منه وإقرارا بموضع الليث بن سعد من الجلالة والفضل، وله هو من الجلالة والفضل والورع ما يستوجب به قائل ذلك أشد ما يستوجب من قال لأحد من الناس ذلك القول، وبالله التوفيق. [مسألة: قالت له امرأته زنيت بجاريتي ثم نزعت وقالت حملتني على ذلك الغيرة] مسألة قال ابن القاسم في رجل قالت له امرأته زنيت بجاريتي أو بجارية فلان ثم نزعت وقالت حملتني على ذلك الغيرة، قال: لا حد عليها، وقد قال مالك في امرأة قالت لزوجها رأيتك تلوط بصبي، قال فلم ير عليها الحد. قال محمد بن رشد: المسألة التي لم ير مالك فيها الحد على المرأة بقولها لزوجها رأيتك تلوط بصبي هي نازلة نزلت في زمنه وقعت في الثمانية بكمالها من رواية مطرف قال: ولقد كانت عندنا بالمدينة امرأة لها زوج فكان يدخل عليها كل يوم ومعه صبي فيرقى به في سطح ويكون معه ويقعد ثم يخرج فيذهب، فكانت امرأته تقول له: ما شأن هذا الصبي يرقى معك إلى السطح كل يوم وكأنها اتهمته؟ فاعتذر لها وقال: هو ابن صديق لي، وإنما

مسألة: قال رأيت امرأتي في لحاف واحد مع رجل

أقعد معه أتحدث ومثل ذلك من العذر، وإن زوجها جاء به يوما فصعد به إلى السطح فذهبت.. ما يصنع؟ فوجدته على الصبي فذهبت به إلى الأمير فرفعت ذلك إليه وأعلمته بالقصة، فاستشار الأمير فيها فقهاء المدينة المغيرة وغيرهم، فكلهم قال: أرى أنها قد رمته بحد فنرى عليها الحد ولا نرى عليه شيئا إذ لم يكن إلا قولها واستشار فيها مالكا وبعث إليه بالمرأة فأخبرته بالخبر، فأشار عليه مالك أن يخلي سبيلها وأن يضرب زوجها خمسة وسبعين سوطا، قال: فخلاها وضربه خمسة وسبعين سوطا، وقال أصبغ مثل قول مالك، وقال: هو الحق والصواب إن شاء الله، وإنما أسقط الحد عنها المغيرة وقد جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إن الغيرة ألا تدري أين أعلى الوادي من أسفله» ، قال أصبغ: الغيرة شبه الجنون، ولا أظن ضربه مالك إلا بأمر قد أقر به على نفسه، قال أصبغ: فالغيرة شبهتها التي سقط عنها بها الحد، ولو كانت غير زوجة كان عليها الحد، وبهذا المعنى أسقط ابن القاسم الحد عن التي قالت لزوجها زنيت - بجاريتها أو بجارية فلان - ثم نزعت. والله الموفق. [مسألة: قال رأيت امرأتي في لحاف واحد مع رجل] مسألة قال في رجل قال رأيت امرأتي في لحاف واحد مع رجل: إنه يؤدب وكذلك الرجل يقول لامرأته رأيت على بطنها رجلا: إنه يؤدب أدبا شديدا ولا يبلغ به الحد. قال محمد بن رشد: أما إذا قال رأيت امرأتي في لحاف واحد مع رجل أو رأيت امرأة أجنبية مع فلان في بيت فبين أنه لا حد عليه، وأما إذا قال رأيت رجلا على بطن امرأتي أو على بطن فلانة - لأجنبية - فإنه يشبه أن يكون ذلك من التعريض الذي يجب فيه الحد، فقد قال في المدونة في الذي قال

مسألة: قال أنا أقذفك بالزنا إن كنت في عيال زوج أمي

جامعت فلانة بين فخديها أو في أعكانها: إنه من التعريض الذي يجب فيه الحد، فالذي يجيء على أصله في المدونة، إذا قال رأيت فلانا على بطن امرأتي أو على بطن فلانة - لأجنبية - ألا يؤدب إلا بعد أن يحلف أنه ما أراد بذلك تزنيتها، وإن نكل عن اليمين أدب أدبا شديدا لا يبلغ به الحد وعلى أصل أشهب: يحد إذا نكل عن اليمين، وقد مضى هذا المعنى في رسم الحدود من سماع أصبغ. [مسألة: قال أنا أقذفك بالزنا إن كنت في عيال زوج أمي] مسألة وقال في رجل قال لرجل ألا تستحي وأنت في عيال زوج أمك؟ فقال أنا أقذفك بالزنا إن كنت في عيال زوج أمي، قال ابن القاسم: إن وجد بينة أنه في عيال زوج أمه ضرب الحد، وإن لم تكن له بينة أدب. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن من قال: إن كان كذا وكذا لشيء يعلم أن ذلك الشيء كذلك ففلان زان أو ولد زنا فعليه الحد فكذلك هذا إذا أثبت المقول له أن القائل في عيال زوج أمه حد له حد القذف لأنه قد حصل قاذفا له بوجود الشرط الذي شرط قذفه به، وبالله التوفيق. [مسألة: لا يضرب السكران الحد حتى يفيق] مسألة قال ابن القاسم: لا يضرب السكران الحد حتى يفيق، قيل له: فإن خشي الإمام أن تأتيه شفاعة فيبطل حدا من حدود الله، أترى أن يضربه وهو سكران؟ قال: لا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو لا اختلاف فيه؛ لأن السكران إذا لم يكن معه عقله لا يجد ألم الضرب، ولم يقل إن فعل هل يجزئه من الحد أم لا؟ والذي أقول به: إن كان مستغرقا في السكر قد بلغ منه

مسألة: حكم دردي النبيذ الذي يسكر

إلى حد لا يعرف فيه الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فلا يجزئه، ويحد إذا أفاق، وإن كان ممن يخطئ ويصيب ويميز بعض الميز فلا يعاد عليه الضرب إذا أفاق، وبالله التوفيق. [مسألة: حكم دردي النبيذ الذي يسكر] مسألة وسئل عن عجين عجن بدردي، وذلك أنه لم توجد خميرة تجعل فيه، أترى أن يؤكل؟ قال: يطرح ولا يؤكل، والدردي: الخاتر الذي يكون في قاع القلة من النبيذ. قال محمد بن رشد: يريد دردي النبيذ الذي يسكر؛ لأن حكم دردي النبيذ الذي يسكر حكم النبيذ المسكر، كما أن حكم دردي الخمر حكم الخمر، فكما لا يجوز أن يعجن العجين بالخمر ولا بدرديه ويطرح إن عجن بذلك، فكذلك يطرح على مذهبه إذا عجن بدردي النبيذ المسكر أو بالنبيذ المسكر، وإنما يخالف في هذا أهل العراق الذين يقولون: إن ما دون المسكر من الأنبذة المسكرة حلال، ويرد قولهم السنة الثابتة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - المنقولة نقل التواتر «ما أسكر كثيره فقليله حرام» ولو لم ترد في ذلك سنة لوجب تحريم قليل الأنبذة المسكرة وكثيرها بالقياس على الخمر لوجود علة التحريم فيها وهي الإسكار الذي يوجب العداوة والبغضاء ويصد عن ذكر الله والصلاة، وقد نص الله تعالى على هذه العلة في قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 91] الآية، وبالله التوفيق. تم كتاب الحدود والقذف بحمد الله.

: كتاب المرتدين والمحاربين

[: كتاب المرتدين والمحاربين] [مسألة: اقتتلت طائفتان من المؤمنين] من سماع ابن القاسم من مالك بن أنس قال: وحدثني محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة أنها قالت: ما رأيت ما ترك الناس في هذه الآية: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا} [الحجرات: 9] الآية. قال محمد بن رشد: روي عن عبد الله بن عباس أنه قال في تأويل هذه الآية: إن الله تعالى أمر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ما اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله وينصف بعضهم من بعض، فإن أجابوا حكم بينهم بكتاب الله حتى ينصف المظلوم من الظالم، فمن أبى منهم فهو باغ وحق على الإمام أن يجاهدهم ويقاسمهم حتى يفوا إلى أمر الله ويقروا بحكم الله، وروي أن الآية نزلت في طائفتين من الأوس والخزرج اقتتلتا في بعض ما تنازعتا فيه وروي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أقبل على حمار حتى وقف في مجلس من مجالس الأنصار فكره بعضهم موقفه وهو عبد الله بن أبي بن سلول، فقال له: خل لنا سبيل الريح من نتن هذا الحمار وأمسك بأنفه، فمضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغضب له بعض القوم وهو عبد الله بن رواحة، فقال له: قلت هذا القول؟ فوالله لحماره أطيب ريحا منك، فاستبا، ثم اقتتلت عشائرهما، فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقبل يصلح بينهم فكأنهم كرهوا ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: 9] إلى آخر الآية» فأرادت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بقولها، والله أعلم: ما رأيت ما ترك الناس في هذه الآية نسبة التقصير إلى من أمسك من الصحابة عن الدخول في الحرب التي وقعت بينهم واعتزلهم وكف عنهم ولم يكن مع بعضهم على بعض، ورأت أن الحظ لهم والواجب عليهم إنما كان أن يروموا الإصلاح بينهم، فإن لم يقدروا عليه، كانوا مع من رأوا أنه على الحق منهم على ما تقضيه الآية، وإنما أمسك من أمسك منهم عن نصرة بعضهم على بعض طلبا للخلاص والنجاة مما شجر بينهم إذ لم يبن لهم من كان على الحق منهم والله أعلم، فكان فرضهم ما فعلوه من الإمساك، إذ لا يحل قتال مسلم بشك، كما كان فرض كل من قاتل منهم ما فعلوه من القتال لاعتقاد أنه مصيب به باجتهاده، فكلهم محمود على ما فعله، القاتل منهم والمقتول في الجنة، فهذا الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده فيما شجر بينهم لأن الله تعالى قد أثنى عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله فقال عز من قائل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] ، أي خيارا عدولا، وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: 29] ، الآية، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

«أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» ، وقال: «عشرة من قريش في الجنة» فسمى فيهم عليا وطلحة والزبير والذي يقول أئمة أهل السنة والحق أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن اتبعه كان على الصواب والحق، وأن طلحة والزبير كانا على الخطأ إلا أنهما رأيا ذلك باجتهادهما فكان فرضهما ما فعلاه، إذ هما من أهل الاجتهاد، ومن الناس من يجعل هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، ويقول: إن كل مجتهد فيها مصيب كسائر مسائل الأحكام، وليس ذلك بصحيح، ومن أئمة المعتزلة من يقف في علي وطلحة والزبير وعائشة فيقول: لا يدرى من المصيب منهم من المخطئ؟ ومن الناس من يقول: إن من خالف عليا كان على الخطأ والعصيان إلا أنهم تابوا ورجعوا إلى موالاة علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قبل أن يموتوا، واستدلوا على ذلك برجوع الزبير وندم عائشة وبكائها إذ ذكر لها يوم الجمل، وقول طلحة لشاب من عسكر علي وهو يجود بنفسه: امدد يدك أبايعك لأمير المؤمنين. والذي قلناه من أنهم اجتهدوا فأصاب علي وأخطأ طلحة والزبير هو الصحيح الذي يلزم اعتقاده، فلعلي أجران لموافقته الحق باجتهاده ولطلحة والزبير أجر واحد لاجتهادهما، وبالله التوفيق.

مسألة: طاعة ولى الأمر

[مسألة: طاعة ولى الأمر] مسألة قال مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهاب: إن شداد بن أوس غطى رأسه فبكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: إنما أخاف عليكم من قبل رؤسائكم الذين إذا أمروا بطاعة الله أطيعوا، وإذا أمروا بمعصيته أطيعوا، إنما مثل المنافق كالجمل المختنق فمات في ريفه لا يعدو شره ريقه، قال عيسى: قال ابن القاسم: الريق الذي يجعل للخروف يمنع به الرضاع. قال محمد بن رشد: شداد بن أوس هذا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأنصار ابن أخي حسان بن ثابت الأنصاري قال فيه عبادة بن الصامت: كان شداد بن أوس ممن أوتي العلم والحلم، وقال أبو الدرداء: يؤتي الرجل العلم ولا يؤتيه الحلم ويؤتيه الحلم ولا يؤتيه العلم وإن أبا يعلى شداد بن أوس ممن آتاه الله العلم والحلم، وبكاؤه من حذره على الناس طاعتهم لرؤسائهم في الطاعة والمعصية من الحلم الذي آتاه الله إياه، وتمثيله للمنافق بالجمل الذي يختنق في ريقه فيموت فيه من العلم الذي قد آتاه إياه لأنه تمثيل صحيح؛ لأن المنافق يهلك باعتقاده فلا يتأذى به سواه إذ لا يظهره كالخروف يموت بريقه إذا اختنق به فلا يتأذى به سواه وبالله تعالى التوفيق. [مسألة: التكذيب برسول الله مضاد للإيمان] مسألة قال مالك: قال آية في كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] ويقول الله {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: 106] الآية، قال مالك: فأي كلام

أبين من هذا؟ قال ابن القاسم وروايته تأولها على أهل الأهواء قال ابن القاسم: قال مالك: إنما هذه الآية. لأهل القبلة، قال مالك: كان هاهنا رجل يقول والله ما بقي دين إلا وقد دخلت فيه، يعني الأهواء فلم أر شيئا مستقيما، يعني بذلك فرق الإسلام فقال له رجل: أنا أخبرك، ما شأنك لا تعرف المستقيم لأنك رجل لا تتقي الله، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] قال سحنون: بلغني أن الذي قال له ذلك القاسم بن محمد. قال محمد بن رشد: تأويل مالك لهذه الآية في أهل القبلة يدل على أنه رآهم كفارا بما يؤول إليه قولهم وذلك في مثل القدرية الذين يقولون إنهم خالقون لأفعالهم قادرون عليها بمشيئتهم وإرادتهم دون مشيئة الله، لم يرد الكفر والعصيان من عباده ولا شاءه ولا قدره عليهم، ففعلوه هم بمشيئتهم وقدرتهم وإرادتهم، وفي مثل المعتزلة الذين ينكرون صفات ذات البارئ عز وجل من علمه وكلامه وإرادته وحياته إلى ما سوى ذلك من الأشياء التي تسد عليهم طريق المعرفة بالله تعالى وأشباههم من الروافض والخوارج والمرجئة لأن هؤلاء ونحوهم هم الذين يختلف في تكفيرهم بما لقولهم فيرى من يكفرهم بما لقولهم على من صلى خلفهم إعادة الصلاة في الوقت وبعده ويستتيبهم أسروا بدعتهم أو أعلنوها على ما قاله في رسم يدبر من سماع عيسى، فإن تابوا وإلا قتلوا كما يفعل بالمرتد، ولا يرى من لا يكفرهم بما لقولهم إعادة الصلاة على من صلى خلفهم ولا استتابهم وإنما يفعل بهم كما فعل عمر بن الخطاب بصبيغ من ضربه أبدا حتى يتوب، ومنهم من يستحب له إعادة الصلاة في الوقت، ومنهم من يفرق بين أن يكون الإمام الذي تؤدى إليه الطاعة أو غيره من الناس حسبما مضى القول فيه في رسم الصلاة الثاني من

سماع أشهب من كتاب الصلاة، ومن أهل الأهواء ما هو اعتقادهم كفر فلا يختلف في تكفيرهم، ومنه ما هو خفيف لا يؤدي بمعتقديه إلى الكفر إلا بالتركيب، وهو أن يلزم على قوله ما هو أغلظ منه وعلى ذلك الأغلظ ما هو أغلظ حتى يؤول به ذلك الأغلظ إلى الكفر فهذا لا يكفر به بإجماع، والكفر بالله الذي هو التكذيب برسول الله أو بشيء مما جاء به عن الله مضاد للإيمان الذي هو المعرفة بالله والتصديق به وبكل ما جاء به رسوله من عنده، فلا يجتمع الكفر والإيمان في محل واحد لتضادهما، وهما من أفعال القلوب، فلا يعلم أحد كفر واحد ولا إيمانه قطعا لاحتمال أن يظن خلاف ما يظهر كالمنافقين والزنادقة وشبههم إلا بالنص من صاحب الشرع على كفر أحد أو إيمانه أو بأن يظهر منه عند المناظرة والمجادلة والمباحثة لمن ناظره أو باحثه ما يقع له به العلم الضروري لأنه معتقد لما يجادل عليه من كفر أو ما يدل عليه من مذهب يعتقده إلا أن أحكامه تجري على الظاهر من حاله، فمن ظهر منه ما يدل على الكفر حكم له بأحكام الكفر، ومن ظهر منه ما يدل على الإيمان حكم له بأحكام الإيمان. ويدل على الكفر وجهان باتفاق، أحدهما أن يقر على نفسه بالكفر، والثاني أن يفعل فعلا أو يقول قولا قد ورد السمع والتوقيف بأنه لا يقع إلا من كافر فيصير ذلك علما على الكفر، وإن لم يكن كفرا في نفسه، وذلك نحو استحلال شرب الخمر وغصب الأموال واستباحة القتل والزنا والسرقة وعبادة شيء من دون الله والاستخفاف بالرسل وجحد سورة من كتاب الله وأمثال ذلك مما ورد التوقيف فيه أنه لا يكون إلا من كافر، ووجه ثالث على اختلاف وهو أن يقر - على نفسه باعتقاد - مذهبا يسد عليه طريق المعرفة بالله كنحو ما يعتقده القدرية والمعتزلة والخوارج والروافض، فقيل إنهم يكفرون بذلك، وهو الذي يدل عليه قول مالك في هذه الرواية حسبما ذكرناه، وقوله في آخر كتاب الجهاد في المدونة: إنهم يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا لأن هذا هو حكم المرتد، وقيل إنهم لا يكفرون بذلك وهو الأظهر لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

مسألة: يبيع السلاح لمن يناوئ به أهل الإسلام

وسلم في الخوارج ويتمارى في الفرق لأنه يدل على الشك في خروجهم عن الإيمان وإذا شك في خروجهم منه وجب ألا يخرجوا إلا بيقين، وبالله التوفيق. [مسألة: يبيع السلاح لمن يناوئ به أهل الإسلام] مسألة وقال مالك في الذي يسافر إلى أرض البربر فيدخل بلاد أهل الأهواء فيكون معه السيف والسرج فيريد أن يبيع منهم وهم أصحاب بدع وأصحاب أهواء يقاتل بعضهم بعضا، قال: لا أحب أن يبيع السلاح لمن يناوئ به أهل الإسلام. قال محمد بن رشد: قوله: لا أحب، معناه: لا يجوز أن يفعل ذلك، وقد اختلف إن فعل ذلك ومضى وفات ولم يعلم من باعه منه ولا قدر على رده فيما يلزمه فيما بينه وبين ربه في التوبة من ذلك على ثلاثة أقوال، أحدها أنه يلزم أن يتصدق بجميع الثمن وهذا على القول بأن البيع فيها غير منعقد وأنها باقية على ملكه لوجوب رد الثمن على هذا القول إلى المبتاع إن علمه والصدقة عنه به إن جهله كالربا والثاني أنه لا يلزم أن يتصدق إلا بالزائد على قيمته لو بيع على وجه جائز، وهذا على القول بوجوب فسخ البيع في القيام وتصحيحه بالقيمة في الفوات، والثالث أنه لا يجب عليه أن يتصدق بشيء منه إلا على وجه الاستحباب مراعاة للاختلاف، وهذا على القول بأن البيع إن عثر عليه لم يفسخ ويباع على المبتاع، وقد مضى هذا المعنى في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب التجارة إلى أرض الحرب. [: الرد على أهل القدر] ومن كتاب الحرب وسمعت مالكا يقول لرجل: سألتني أمس عن القدر؟ فقال له

الرجل: نعم، قال: يقول الله تعالى في كتابه: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] حقت كلمته ليملأن جهنم منهم، فلا بد من أن يكون ما قال. قال محمد بن رشد: هذه الآية بينة في الرد على أهل القدر كما قال، وذلك أنهم يقولون إن الله تعالى أمر عباده بالطاعة وأرادها منهم ونهاهم عن المعصية ولم يردها منهم، فلم يكن ما أراد من الطاعة وكان ما لم يرد من المعصية؛ لأن العباد عندهم خالقون لأفعالهم بمشيئتهم وإرادتهم، دون إرادة ربهم وخالقهم، وذلك ضلال بين وكفر صريح عند أكثر العلماء؛ لأنهم يلحقون العجز بالله تعالى في أن يكون ما لا يريد، ويريد ما لا يكون، والجهل به أيضا؛ لأنهم إذا كانوا هم الخالقون لأفعالهم بمشيئتهم فلا يعلم وقوعها منهم على قولهم حتى يفعلوها، وهذا كفر صريح، وتكذيب لِقَوْلِهِ تَعَالَى في غير ما آية من كتابه، وذلك قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125] وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] وقال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] وقال: {خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وقال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] والآيات في

مسألة: الرحمن على العرش استوى كيف كان استواؤه

الرد عليهم أكثر من أن تحصى وأبين من أن تخفى، وقد قال عون بن معمر: سمعت سعيد بن أبي عروبة - وكان يترهب بمذهب أهل القدر - يقول: ما في القرآن آية أشد علي من قوله: {إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 155] قال: فقلت القرآن يشق عليك؟ والله لا أكلمك أبدا، فما كلمته حتى مات، فرحم الله عون بن معمر، والآثار في ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متواترة، لا تحصى، من ذلك قوله: «كل شيء بقدر» وقوله: «لا تسأل المرأة طلاق أختها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها» وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: ففيم العمل؟ فقال رسول الله: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله به النار» «وقول آدم لموسى في حديث محاجته: أفتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق» وبالله التوفيق. [مسألة: الرحمن على العرش استوى كيف كان استواؤه] مسألة قال سحنون: وأخبرني بعض أصحاب مالك، أنه كان قاعدا عند مالك، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله: مسألة، فسكت عنه، ثم قال له مسألة، فسكت عنه، ثم عاد عليه، فرفع إليه مالك رأسه

كالمجيب له، فقال له السائل: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف كان استواؤه؟ قال: فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم رفعه، فقال: سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول، ولا أراك إلا امرأ سوء، أخرجوه. قال محمد بن رشد: قد روي عن مالك أنه أجاب هذا بأن قال: استواء منه غير مجهول، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، وأراك صاحب بدعة، وأمر بإخراجه، وهذه الرواية تبين معنى قوله: سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول؛ لأن التكييف هو الذي لا يعقل، إذ لا يصح في صفات الباري عز وجل لما يوجبه من التشبيه بخلقه تعالى عن ذلك، وأما الاستواء فهو معلوم غير مجهول كما قال؛ لأن الله وصف به نفسه فقال في محكم كتابه {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه: 6] وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] فوجب الإيمان بذلك، وأن يوصف بما وصف به نفسه من ذلك، ويعتقد أنها صفة من صفات ذاته، وهي العلو؛ لأن معنى قوله تعالى: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] على العرش علا، كما يقال: استوى فلان على العرش، علا عليه، واستوت الشمس في كبد السماء، علت، ولما كان العرش أشرف المخلوقات وأعلاها وأرفعها مرتبة ومكانا، أعلم الله تعالى عباده بقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] أي: علا، فإنه أعلى منه، وإذا كان أعلى منه فهو أعلى من كل شيء، إذ كل شيء من المخلوقات دون العرش في الشرف والعلو والرفعة، فالمعنى في وصف الله عز وجل نفسه بأنه استوى على العرش، أنه أعلى منه ومن كل مخلوق، لا أنه استوى عليه بمعنى الجلوس عليه والتحيز فيه

: من جعل دينه غرضا للخصومات

والممارسة؛ لأنه مستحيل في صفات الله تعالى؛ لأنه من التكييف الذي هو من صفات المخلوق، ولذلك قال فيه مالك في الرواية: إنه غير معقول، ولا أنه استوى عليه بمعنى أنه استولى عليه لوجهين، أحدهما: أن الاستيلاء إنما هو بعد المدافعة والمقالبة، والرب تبارك وتعالى منزه عن ذلك، والوجه الثاني: أن الاستيلاء هو القهر والقدرة، والله تعالى لم يزل قادرا قاهرا عزيزا مقتدرا، قوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن، ولا يمتنع أن يكون استواء الله على عرشه من صفات ذاته، وإن لم يصح وصفه بها إلا بعد وجود العرش، كما لا يوصف بأنه غير لما غايره إلا بعد وجود سواه، وقد قيل: إن استواء الله تعالى على عرشه من صفات فعله، بمعنى أنه فعل في العرش فعلا سمى نفسه به مستويا على العرش، أو بمعنى أنه قصد إلى إيجاده أو إحداثه؛ لأن الاستواء يكون بمعنى الإيجاد والإحداث، كما قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11] قصد إلى إيجادها وإحداثها. وحمل الاستواء فيما وصف الله به نفسه من استوائه على عرشه على أنها صفة ذات من العلو والارتفاع أولى ما قيل في ذلك، والله أعلم. [: من جعل دينه غرضا للخصومات] ومن كتاب مرض وله أم ولد قال ابن القاسم: قال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر للتنقل، قال مالك: أراه يعني أصحاب الأهواء. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأن من خاصم أهل الأهواء والبدع وجادلهم، يوشك أن يسمع من شبههم ما لا يظهر له إبطاله

مسألة: اصطحبا في سفر فقتل أحدهما صاحبه

فينتقل عن اعتقاده إلى ذلك، فلا ينبغي للرجل أن يمكن زائغا من أذنه، ولا ينعمه عينا بالمجادلة في بدعته، وبالله التوفيق. [مسألة: اصطحبا في سفر فقتل أحدهما صاحبه] مسألة وقال مالك في رجلين اصطحبا في سفر فقتل أحدهما صاحبه فقال: إن كان قتله على وجه الحرابة أو أخذ متاعه فإني أرى أن يقتل، وإن كان قتله على وجه العداوة أو نائرة، فذلك إلى أوليائه، إن شاءوا قتلوه، وإن شاءوا عفوا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن القتل على أربعة أوجه خطأ وعمد وشبه عمد وغيلة، فالخطأ فيه الدية على العاقلة، والعمد فيه القصاص للأولياء إلا أن يعفوا على الدية أو بغير دية، وهو أن يقتل قاصدا للقتل على وجه النائرة والعداوة، وشبه العمد قيل فيه الدية ولا قصاص، وقيل فيه القصاص، وهو أن يعمد للضرب فيقتل به غير قاصد للقتل، والقولان لمالك، والمشهور عنه أن فيه القصاص، وقتل الغيلة وهو أن يقتله على ماله، فهذا يجب عليه القتل حدا من حدود الله عز وجل، لا عفو للأولياء فيه، قياسا على المحارب في قوله عز وجل {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ} [المائدة: 33] الآية. [: نادى رجلا باسمه فقال لبيك اللهم لبيك] ومن كتاب صلى نهارا وسئل مالك عن رجل نادى رجلا باسمه فقال: لبيك اللهم لبيك أعليه شيء؟ قال مالك: إن كان جاهلا أو على وجه السفه فلا شيء عليه.

: توعد قرة بن هبيرة لعمرو بن العاص بعد وفاة النبي

قال محمد بن رشد: أما الجاهل فبين أنه لا شيء عليه؛ لأنه لا يدري ما معنى الكلام، وإنما هو شيء حفظه من تلبية الملبين فجرى على لسانه، وأما الذي قاله على وجه السفه فلم ير عليه مالك في ذلك شيئا، فمعناه الذي يقوله على وجه الاستخفاف بالداعي له لإرادته بإجابته إياه بهذا الكلام ضد هذا الكلام الذي لا يليق به معناه، فعرض له بذلك أنه لا شرف له ولا حق ولا كرامة يستوجب بها الإجابة، وأما لو قال ذلك على وجه السفه استخفافا بالتلبية في الحج لوجب عليه الأدب المؤلم، وهو محمول على أنه قاله على وجه الاستخفاف بالداعي، حتى يعلم أنه أراد بذلك الاستخفاف بالتلبية؛ لأن هذا معلوم في كلام الناس أن يراد بالكلام ضد موجبه، فمعناه فيقال لابن الأسود ابن الأبيض، ومنه تسمية الأعمى أبو بصير، والمهلكة الفائزة، ومثل هذا كثير، ولا يحمل على أحد أنه قال لأحد مجدا معتقدا أنه إلهه إلا أن يقر بذلك على نفسه وهو عاقل غير مجنون ولا سكران، وبالله تعالى التوفيق. [: توعد قرة بن هبيرة لعمرو بن العاص بعد وفاة النبي] ومن كتاب طلق بن حبيب قال مالك: بلغني أن رجلا قال لعمرو بن العاص - وكان عمرو عاملا على البحرين في زمان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأنه قال له: إن النبي قد توفي فالحق ببلدك، فالحق ببلدك، وإلا فعلنا وفعلنا - يتواعده - فقال له عمرو بن العاص: لو كنت في حفش أمك لدخلنا عليك فيه. قال محمد بن رشد: القائل لعمرو قرة بن هبيرة بن سلمة، كان ارتد وأتي به موثقا إلى أبي بكر مع عيينة، وشهد عليه بذلك عمرو بن العاص، فأراد بقوله هذا: أنه لا يفلته ولا ينجو منه حتى يقيم حد الله عليه، وبالله التوفيق.

: حراسة القليل من المسلمين

[: حراسة القليل من المسلمين] ومن كتاب ليرفعن أمرا قال: وسئل مالك عن طريق بخراسان وبه قوم من أهل الكفر قريبا منهم يخرجون إلى تلك الطريق فيقطعون على المضعفين من المسلمين مثل الرجل والقافلة الضعيفة، وإن كانت جماعة لهم قوة لم يقدموا عليهم، وهم ليست لهم من القوة أن يظهروا على ما حاز المسلمون، إلا أنهم يقطعون على هؤلاء، أترى هذا مرابطا؟ قال: نعم، إذا كانوا يقطعون، فإنما مثل هؤلاء مثل اللصوص، فأرى أن يحرس ذلك الموضع، وكأنه رآه مرابطا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه يجب حراسة القليل من المسلمين كما يجب حراسة الكثير، وقد قال تعالى: {كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا} [المائدة: 32] الآية. فملازمة حراسة هذه الطريق رباط، والأجر في الرباط على قدر الخوف على أهل ذلك الموضع، وقد قال عبد الله بن عمر: فرض الجهاد لسفك دماء المشركين، والرباط لحقن دماء المسلمين، فكان يقول: حقن دماء المسلمين أحب إلي من سفك دماء المشركين، يريد والله أعلم: أن الرباط أحب إليه من الجهاد على غير إصابة السنة، فقد قيل: إنه إنما قال ذلك حين دخل الجهاد ما دخل؛ لأن الرباط إنما هو شعبة من شعب الجهاد، والأجر فيه على قدر الخوف في ذلك الموضع، وبالله التوفيق. [مسألة: يكونون على السفر فيلقاهم اللصوص] مسألة وقال مالك في القوم يكونون على السفر فيلقاهم اللصوص، قال: يناشدونهم بالله، فإن أبوا فيقاتلونهم، وسئل عنها سحنون فقال:

: المراد بالمحارب وحكمه

أرى أن يقاتلوا ولا يدعوا؛ لأن الدعوة لا تزيد إلا شدة واستئسادا وجرأة، فلا يرى أن يدعوا، ويقاتلوا بلا دعوة. قال محمد بن رشد: تكلم سحنون على ما يعرف من غالب أمرهم، وتكلم مالك على قدر ما يرجى في النادر منهم، وذلك يرجع إلى أنه إن رجي إن دعوا أو نشدوا أن يكفوا استحب دعاؤهم وترك معاجلتهم بالقتال، وإن تيقن ذلك وجب أن يدعوا، وإن خيف إن دعوا أن يستأسدوا ويعالجوا المسلمين، وجب أن لا يدعوا كما قال سحنون، وأما دعاء أهل الحرب قبل القتال فقد مضى القول فيه مستوفى في أول نوازل أصبغ من كتاب الجهاد، وبالله التوفيق. [: المراد بالمحارب وحكمه] ومن كتاب سن في الطلاق قال مالك: أما المحارب فرجل حمل على قوم بالسلاح على غير نائرة، ولا دخل ولا عداوة، أو قطع طريقا، أو أخاف المسلمين، فهذا إذا أخذ قتل ولا ينتظر به، والإمام يلي قتله، ولا يجوز فيه عفو، وأما المغتال فرجل عرض لرجل أو صبي فخدعه حتى أدخله بيتا فقتله، ثم أخذ متاعه ومالا، إن كان معه المال، إنما يقتله على ذلك، فهذه الغيلة، وهو يعد بمنزلة المحارب، وأما ذو النائرة والعداوة فرجل دخل عليه رجل في حريمه مكابرا له حتى جرحه أو قتله أو ضربه، ثم خرج مكانه ولم ينتهب متاعا، إنما كان ضربه إياه لنائرة كانت بينهما، فهذه النائرة لا يشك فيها أحد، فإذا أخذ هذا فعليه القصاص، والعفو يجوز فيه من أولياء المقتول، فإن عفوا جلد مائة وحبس عاما.

: القتل لا يجب إلا بكفر بعد إيمان

قال محمد بن رشد: هذا تقسيم صحيح في قتل العمد على " المشهور في المذهب من أن شبه العمد باطل؛ لأن القتل عمدا ينقسم على ثلاثة أقسام عند من لا يرى القود في شبه العمد، وقد مضى ذلك في رسم مرض وله أم ولد. وقوله: حتى جرحه أو ضربه، يريد فمات في الحين من ضربه لمن جرحه، وأما إن حيي بعد ذلك حياة بينة فلا يقسم إلا بقسامة أولياء المقتول، وقد مضى بيان ذلك في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الديات وفي غير ما موضع منه، وبالله التوفيق. [: القتل لا يجب إلا بكفر بعد إيمان] من سماع أشهب وابن نافع من مالك من مسائل القراض قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن جارية أطمعت إنسانا في بلع شيئا أذهبت عقله فمرة يفيق ومرة يذهب عقله فيصيح ويرعد، وقد اعترفت بذلك على نفسها وزعمت أنها لا تقدر على حل ذلك عنه؛ لأن ذلك دخل في بطنه، أفتراها بذلك ساحرة تقتل؟ فقال: أراها قد أتت عظيما، فأرى أن لا تترك وأن يرجع أمرها إلى السلطان، وإني لأراها محقونة بكل شر، قيل لمالك: أفترى عليها القتل؟ فقال: لا أدري ما القتل، ولكني أراها قد أتت عظيما، وأنها محقونة بكل شر، فأرى أن يرجع أمرها إلى السلطان، أفعلت هذا الفعل بغيره من الناس قبله؟ فقال السائل: نعم، قال: أرى أن يرفع أمرها إلى السلطان، وأراها محقونة بكل شر، فأما القتل فلا أدري. قال محمد بن رشد: توقف مالك عن إيجاب القتل على من فعل هذا الفعل بأحد، بقوله: فأما القتل فلا أدري صحيح؛ لأن القتل لا يجب إلا بكفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق على ما قاله في

مسألة: أخذ المال على سبيل المحاربة

الحديث، أو فساد في الأرض على ما نصه الله في محكم التنزيل، وإنما توقف مالك في هذه المسألة لما خشي أن يكون هذا الفعل من السحر الذي يحكم على فاعله بالكفر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] وليس هذا من السحر بسبيل، إنما السحر ما يفعله الساحر في غير المسحور فيتأذى به المسحور بما يصيبه به من ذهاب عقله، حتى يخيل إليه بأنه يفعل الشيء ولا يفعله، ويتوهم رؤية المستحيلات من الأمور، وإنما هذا من ناحية ما يسقاه الرجل أو يطعم إياه من الأشياء المسمومة، التي تأتي على نفسه أو يصيبه بلاء في جسمه أو اختلال في عقله، فإن أتت على النفس وجب على الفاعل في ذلك القتل، فإن لم تأت على النفس لم يجب عليه في ذلك إلا الضرب والسجن، إلا أن يكون أراد بما سقاه من ذلك ذهاب عقله لأخذ ماله، فيكون ذلك من الغيلة الموجبة للقتل، فيحتمل أن يكون ظن مالك هذا بهذه المرأة ولم يتحققه، ولذلك توقف في قتلها ولم يوجبه. [مسألة: أخذ المال على سبيل المحاربة] مسألة وسئل عن رجلين لقيا رجلا نحو عين القسري وفي ثوبه رطب، فسألاه من الرطب فأبى، فأخذاه وكتفاه ونزعا منه الرطب وثوبه، ثم وجد فقال: سألني الأمير عن ذلك، قيل له فما قلت له فيهما؟ فقال: إنه ليقول قاتل حارب، قيل أفترى ذلك؟ قال: إنهما ليشبهان ذلك، وما أرى من أمر بين في القتل والصلب والقطع، قيل لمالك: إن رجلين بالأندلس أخذا ومعهما دابتان فسئلا عنهما، فقالا: أما إحداهما فوجدناها ترعى في فحص فلان فأخذناها، وأما هذه الأخرى فوجدنا عليها رجلا فأنزلناه عنها وأخذناها منه، فقال: هذه مثل الأخرى الذي نزعا منه الثوب والرطب.

مسألة: حدود الله يجب البدار إلى إقامتها

قال محمد بن رشد: إنما لم ير مالك في هذا القتل والصلب والقطع وذهب إلى أن يؤخذ فيه بأيسر عقوبات المحارب، وهو الضرب والسجن؛ لأنه لم يخرج محاربا، ولكنه أخذ مالا على سبيل الحرابة فأشبه المحارب، فهو عند مالك في الحكم بمنزلة الذي يخرج محاربا فيؤخذ في أول خروجه قبل أن يقتل أو يأخذ مالا أو يخيف سبيلا، ووجه الشبه بينهما أن هذا تحققت عليه الحرابة بخروجه محاربا ولم يكن منه شيء من معناها ولا أخذ مال ولا إخافة سبيل، والأول وجد منه معنى الحرابة، وهو أخذ المال على سبيل المحاربة، وليس بما فعل اسم المحارب إذا لم يقصد الحرابة ولا خرج إليها، فسقط عنه بذلك ما يجب على المحارب إذا أخاف السبيل وأخذ المال، فهذا وجه القول في هذه المسألة، والله أعلم. [مسألة: حدود الله يجب البدار إلى إقامتها] مسألة قال لنا مالك: أرسل الأمير فسألني عن رجل صحب قوما، فلما حضر غداؤهم جاءهم بسويق معه فصبه مع سويقهم فأكلوا منه وهم أربعة ولم يأكل هو، فلم يلبث رجلان من القوم أن ماتا ولبط بصاحبهما فلم يدر أحيين هما أم ميتين، حتى مثلهما من الغد وأخذ منهم خمسة دنانير، ثم أخذ فسئل عن ذلك فقال: قد فعلت، وإنما هو سويق أعطانيه إنسان، فأخبر أنه يسكر من أكله فأطعمتهم إياه ليسكروا، ولم أرد قتلهم، وإنما أردت أن أخدرهم فآخذ ما معهم، فلما طعموه فمات هذان ولبط بهذين حللت من أكمامهم خمسة دنانير فذهبت بها، ولم أظن أن ذلك يقتل، ولم يكن ذلك الذي أردت، فاعترف على نفسه بهذا بغير ضرب ولا امتحان، فما ترى؟ فقلت لمالك: فهل رأيت فيه يا أبا عبد الله؟ فقال لي: رأيت عليه القتل،

فقلت له: أرأيت عليه القتل؟ قال: نعم، رأيت عليه القتل، فقلت له: أرأيت ذلك عليه للحرابة؟ فقال لي: نعم للحرابة، ولما أراد من قتلهم، أرأيت الذي سمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه في الشاة فمات بعضهم، ألم يكن ذلك على هذه القتل؟ فقلت له: إن تلك اليهودية التي سمت لرسول الله أرادت القتل، وهذا لم يرد القتل، فقال لي: ومن يقبل ذلك منه أنه لم يرد القتل؟ فلا يقبل منه ولا يغني ذلك عنه، قد سحرت تلك الجارية سيدتها فأمرت بها فقتلت، وهذا لم يعتذر بعذر فيقول أخطأت وإنه لعظيم أن يفعل هذا بابن السبيل ثم يسلم فاعله هذا مع أخذه أموالهم وأنهما ماتا مكانهما، إني قد كنت قلت للرسول: قل للأمير لا يعجل به، ثم نظرت في ذلك بعد ذهابه فأرسلت إليه فجاءني فقلت له قل للأمير يقتله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة، وقد استدل مالك لما ذهب إليه من إيجاب القتل عليه بما ذكر مما لا مزيد عليه، وأما قوله: قد سحرت تلك الجارية سيدتها فأمرت بها فقتلت بها، فلم يقله على سبيل الحجة لإيجابه القتل على الذي أطعم لأصحابه السويق المسموم فمات بعضهم وأخذ منهم الدنانير واعترف بذلك على نفسه، إذ ليس منه بسبيل، وإنما ذكره على سبيل الاغتباط بالفتوى بقتل من وجب عليه القتل؛ لأن حدود الله يجب البدار إلى إقامتها وترك التأني في ذلك، فقال: أمرت بقتل هذا بما وجب عليه من القتل بالحرابة، كما أمرت بقتل تلك بما وجب عليها من القتل بالسحر، فقد كان إذا سئل في شيء من الحدود أسرع الجواب وأظهر السرور بإقامة الحدود، وقد بلغني أنه يقال:

: يرتد عن الإسلام فيعرض عليه الإسلام فيسلم

لحد يقام بأرض خير له من مطر أربعين صباحا، ولو قال هذا الرجل: ما أردت قتلهم ولا أخذ أموالهم، وإنما هو سويق. لا شيء فيه إلا أنه لما ماتوا أخذت أموالهم لم يكن عليه شيء غير رد المال، قاله في كتاب ابن المواز، وبالله التوفيق. [: يرتد عن الإسلام فيعرض عليه الإسلام فيسلم] ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل مالك عن المسلم يرتد عن الإسلام فيعرض عليه الإسلام فيسلم، أترى عليه حدا فيما صنع من ارتداده عن الإسلام إلى الكفر؟ فقال: لا أرى عليه حدا إن رجع إلى الإسلام، إنما كان عليه القتل لو ثبت على النصرانية، فأما إذ رجع إلى الإسلام فلا شيء عليه، واحتج في ذلك بآية من كتاب الله، قال سحنون: وكذا لو رجع عن شهادته قبل أن يقضى بها، وإنه يقال: ولا عقوبة عليه وإن كان غير مأمون؛ لأنه لو عوقب الناس بالرجوع عن شهادتهم لم يرجع أحد عن شهادة شهد بها على باطل إذا تاب خوفا من العقوبة قياسا على المرتد. قال محمد بن رشد: أما المرتد فإنما لم يجب عليه حد فيما صنع من ارتداده إذا رجع إلى الإسلام لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وهذه الآية التي ذكر أنه احتج بها من كتاب الله، والله أعلم، وأما قول سحنون في الراجع عن شهادة شهد بها قبل الحكم وهو غير مأمون: إنه لا يعاقب، فهو خلاف مذهب ابن القاسم؛ لأنه قال في المدونة: ولو ردت لكان لذلك أهلا، واعتلال سحنون لإسقاط العقوبة عنه بما ذكره من

مسألة: المرتد إلى الإسلام هل له حد يترك إليه

أن الشهود لو عوقبوا بالرجوع عن شهادتهم لم يرجع أحد عن شهادة شهد بها على باطل بين، وأما قياسه ذلك على المرتدين فليس بصحيح؛ لأن المرتد إنما سقطت عنه العقوبة بالآية المذكورة، لا من أجل أن معاقبته لو عوقب لم يجترئ أحد على الرجوع إلى الإسلام خوفا من العقوبة؛ لأن القتل يجب عليه بالتمادي على الكفر، فهو أشد من العقوبة التي يخشاها إن رجع إلى الإسلام، فلا تشتبه المسألتان، ولا يصلح قياس إحداهما على الأخرى. [مسألة: المرتد إلى الإسلام هل له حد يترك إليه] مسألة وسئل عن المرتد إلى الإسلام هل له حد يترك إليه؟ فقال: إنه ليقال ثلاثة أيام، وأرى ذلك حسنا، وإنه ليعجبني، ولا يأتي من الاستظهار الأخير، وسئل عن قول عمر بن الخطاب: أفلا حبستموه ثلاثا، وأطعمتموه كل يوم رغيفا، هل ترى أن يتربص بالذي يكفر بعد إسلامه كذلك أو يستتاب ساعتئذ؟ قال: ما أرى بهذا بأسا، وليس على هذا أمر جماعة الناس. قال محمد بن رشد: قوله: وليس على هذا أمر جماعة الناس، يريد في الإيقاف ثلاثا، قاله ابن أبي زيد في النوادر متصلا بقوله، هذا الظاهر من الرواية، ويحتمل أن يريد أنه ليس أمر جماعة الناس على استتابة المرتد، إذ من أهل العلم من يرى أنه يقتل ولا يستتاب على ظاهر قول النبي عليه السلام: «من بدل دينه فاقتلوه» وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة في رسم الصلاة من سماع يحيى بعد هذا، واحتج بما روي من أن أبا موسى الأشعري وقف على معاذ بن جبل وأمامه مسلم تهود، فقال له معاذ: انزل يا أبا موسى، فقال: لا والله لا نزلت حتى يقتل هذا، فقال: فلو رأى عليه استتابة ما قاله،

: المراد بالقدرية وحكمهم

وقد قال بعض الرواة عن أبي موسى في هذا الحديث: إنه قد كان استتابه قبل ذلك أياما، وهو الصحيح إن شاء الله؛ لأنه لم يحفظ عن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اختلاف في استتابة المرتد، وإنما اختلفوا في حدها، فمنهم من قال: يستتاب مرة واحدة، ومنهم من قال: شهرا، ومنهم من قال: ثلاثة أيام، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم، والأصل في ذلك قَوْله تَعَالَى: {فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل لأحد أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام» .. الحديث، فبان بهذا أن الثلاثة أيام في حيز اليسير، فمن ذلك أخذ استظهار الحائض بثلاثة أيام إذا استمر بها الدم، ومنه أخذ الحاكم التلوم في الإعذار ثلاثة أيام، ومنه أخذ تأخير الشفيع بالنقد ثلاثة أيام، ومنه أخذ جواز تأخير رأس مال السلم اليومين والثلاثة، وما أشبه ذلك في غير موضع من العلم كثير، وقد مضى في نوازل سحنون من كتاب الديات القول فيمن قتل مرتدا عمدا قبل أن يستتاب وتوجيه الاختلاف في ذلك، وبالله التوفيق. [: المراد بالقدرية وحكمهم] ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل مالك عن القدرية فقال: قوم سوء فلا تجالسوهم، قيل: ولا نصلي وراءهم؟ قال: نعم، وقال سحنون: كان ابن غانم يقول في كراهية مجالسة أهل الأهواء: أرأيت لو أن أحدكم قعد إلى سارق في كمه بضاعة أما كان يختزنها منه خوفا أن يغتاله فيها فلا يجد بدا أن يقول نعم، قال: فدينكم أولى بأن تحرزوه وتتحفظوا به، وسئل

عن الرجل يكون بينه وبين الرجل من أهل القدر في ذلك منازعة حتى يبقى يأتيه القدري فيأخذ بيده ونتصل إليه، فقال إن كان جاء نازعا تاركا لذلك فليقبل منه ذلك وليكلمه، وإن لم يكن جاء لذلك فإني أراه في سعة من ترك كلامه، قيل له: إنه قد يتشبث ويتعلق ويأخذ بيدي ويسألني الكلام؟ فقال: لا أرى بأسا أن يترك كلامه. قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه الرواية في أهل القدر إنهم قوم سوء فلا يجالسوا ولا يصلى وراءهم، نص منه على أنهم لا يكفروا باعتقادهم خلاف ظاهر قوله في أول رسم من سماع ابن القاسم آية في كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] الآية، قال: فأي كلام أبين من هذا، قال ابن القاسم: ورأيته تأولها على أهل الأهواء، فالقدرية عند عامة العلماء كفار؛ لأنهم نسبوا إلى الله تعالى العجز والجهل في قولهم: إن الله لم يقدر المعاصي ولا الشر، وإن ذلك جار في خلقه وسلطانه بغير قدرته ولا إرادته، فنفوا القدرة والإرادة في ذلك عن الله تعالى، ونسبوها لأنفسهم، حتى قال بعض طواغيتهم: إنه لو كان طفل على حاجز بين الجنة والنار لكان الله تعالى موصوفا بالقدرة على طرحه إلى الجنة، وإبليس موصوفا بالقدرة على طرحه في النار، وإن الله لا يوصف بالقدرة على ذلك، وزعموا أن خلاف هذا كفر وشرك، وعند بعضهم قوم سوء ضلال لأنهم خالفوا أهل السنة والجماعة في عقود الدين؛ لأن الله تعالى أضلهم وأغواهم ولم يرد هداهم وعمى بصائرهم عن الحق ولم يرد شرح صدورهم له، كما قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ} [الأنعام: 125] الآية، وقد تواترت الآثار بإخراجهم عن الإسلام وإضافتهم إلى أصناف الكفر، من ذلك

قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «القدرية مجوس هذه الأمة» «والقدرية نصارى هذه الأمة» وقوله: «صنفان من أمتي ليس لهم نصيب في الإسلام، المرجئة والقدرية،» وقوله: «لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة القدرية، لا تعودوهم إذا مرضوا، ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا» وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا هذه القدرية، فإنها شعبة من النصرانية» ومن مثل هذا ونحوه كثير، وقد نهى مالك عن مجالستهم، وإن لم يرهم كفارا بما لقولهم على هذه الرواية لوجوه ثلاثة، أحدها أنهم إن لم يكونوا كفارا فهم زائغون ضلال يجب التبرؤ منهم وبغضهم في الله؛ لأن البغض في الله والحب فيه من الإيمان، وقد قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا} [المجادلة: 22] الآية، وهم ممن حاد الله ورسوله باعتقادهم الفاسد الذي خرجوا به عن الملة في قول كافة الأمة، والوجه الثاني: مخافة أن يعرض بنفسه سوء الظن بمجالستهم فيظن به أنه يميل إلى هواهم، والثالث: مخافة أن يستمع كلامهم فيدخل عليه شك في اعتقاده بشبههم، وكفى من التحرير عن ذلك المثل الصحيح الذي ضربه مالك في رواية ابن غانم عنه، ونهى عن الصلاة خلفهم على مقتضى هذه الرواية من أنهم كفار؛ لأنهم وإن لم يكونوا كفارا هم زائغون ضلال، وقد قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أئمتكم شفعاؤكم، فانظروا بمن تستشفعون» فإن صلى خلفهم على هذه الرواية أعاد في الوقت، وهو مذهب ابن القاسم، وقيل: لا إعادة عليه، وهو مذهب سحنون وكبار أهل مذهب مالك، وأما على القول بأنهم يكفرون بما لقولهم فيعيد من صلى خلفهم في

مسألة: يعذبون الناس في الدنيا

الوقت وبعده، وهو قول محمد بن عبد الحكم، وقد فرق في ذلك بين أن يكون هو الوالي الذي تؤدى إليه الطاعة أو غيره، وقد مضى هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم، وقوله في الذي غايظه القدري في منازعته إياه ثم جاءه متنصلا إليه: إنه لا يكلمه حتى يعلم صحة متنصله مما قال وتوبته عنه، وأنه إنما يريد بكلامه معه التثبت في اعتقاد أهل السنة، وأما إن لم يعلم صحة ذلك فله سعة في ترك كلامه كما قال، مخافة أن يظهر له التنصل والتوبة وغرضه أن يسمعه شبهة رجاء أن يشككه في اعتقاده، فمن الحظ له أن لا ينعمه عينا بذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: يعذبون الناس في الدنيا] مسألة وسئل مالك عن عذاب اللصوص بالرهزة بهذه الخنافس التي تحمل على بطونهم، فقال: لا يحل هذا، إنما هو السوط والسجن، وإن لم يجد في ظهره مضربا فالسجن، قيل: أرأيت إن لم يجد في ظهره مضربا أترى أن يسطح فيضربه في أليتيه؟ فقال: لا والله، لا أرى ذلك، إنما عليك ما عليك، وإنما هو الضرب في الظهر بالسوط أو السجن، أرأيت إن مات؟ قال: فقيل له: أرأيت إن مات أيضا بالسوط؟ قال: فإنما عليك ما عليك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه لا يصلح أن يعاقب أحد فيما يلزمه فيه العقوبة إلا بالجلد والسجن الذي جاء به القرآن، وأما تعذيب أحد بما سوى ذلك من العذاب فلا يحل ولا يجوز، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله ليعذب في الآخرة الذين يعذبون الناس في الدنيا» . [: المحارب إذا تاب] ومن كتاب أوله قراض ثم مساقات وسئل عن المحارب إذا تاب ونزع وظهر لجيرانه وجاء إلى

المسجد أترى عليه شيئا أو أحب إليك أن يأتي السلطان؟ قال: بل أحب إلي أن يأتي السلطان. قال محمد بن رشد: قوله أحب إلي أن يأتي السلطان يدل على أنه ليس بواجب عليه، وأنه إن ترك ما هو عليه ونزع منه وظهر بجيرانه وجاء إلى المسجد فهي توبة شرعية من إقامة حد الحرابة عليه، وإن لم يأت الإمام، وقد اختلف في صفة التوبة التي تقبل منه وتسقط عنه حد الحرابة على ثلاثة أقوال، أحدها: أنها تصح بأحد الوجهين، إما بأن يترك ما هو عليه ويظهر لجيرانه ويأتي إلى المسجد معهم، وإما بأن يلقي سلاحه ويأتي الإمام، وهو مذهب ابن القاسم، والقول الثاني: أن توبته لا تقبل منه إلا بالإتيان إلى السلطان، فإن لم يأت السلطان وترك ما هو عليه وظهر لجيرانه وشاهد الصلوات معهم لم ينتفع بذلك، وأقام الإمام عليه الحد، وهو قول ابن الماجشون، والقول الثالث: عكس هذا القول، أن توبته لا تقبل منه إلا بترك ما هو عليه، ويظهر لجيرانه ويشاهد الصلوات معهم، فإن لم يفعل ذلك وألقى سلاحه وأتى الإمام أقام عليه الحد، فإن نزع وترك ما هو عليه وظهر لجيرانه وجاء المسجد ثم أتى الإمام بعد ذلك قبل أن يظهر عليه برئ من الحد بإجماع، وقد اختلف فيما تسقط عنه التوبة من الأحكام على أربعة أقوال، أحدها: أنه لا يسقط عنه إلا حد الحرابة خاصة، ويؤخذ بما سوى ذلك من حقوق الله وحقوق الناس من الدماء والأموال، فيضمن الأموال ويكون لأولياء المقتول القصاص منه إن أحبوا، والثاني: أنها تسقط عنه حقوق الحرابة وحقوق الله تعالى من الزنا والسرقة وشرب الخمر، ولا يسقط عنه ما سوى ذلك من الدماء والأموال، والثالث: أنها تسقط عنه حد الحرابة وحقوق الله والأموال، إلا أن يوجد من ذلك شيء بعينه فيرد إلى أهله، ولا تسقط عنه الدماء، فيكون لأولياء المقتول القصاص، والرابع: أنها تسقط عنه كل شيء من الحدود والدماء والأموال، إلا أن يوجد منها شيء بعينه فيرد إلى أهله، وبالله التوفيق.

: يأخذ الرجل في الليل فيكابره على ثوبه فينتزعه إياه

[: يأخذ الرجل في الليل فيكابره على ثوبه فينتزعه إياه] ومن كتاب الحدود وسئل عن الرجل يلقى الرجل بعد العشاء، أو في السحر في الخلوة، فيبتزه ثوبه حتى ينتزعه منه، أترى عليه قطعا؟ قال: لا أرى عليه قطعا حتى يكون محاربا أو لصا، فأما الذي يأخذ الرجل في الليل فيكابره على ثوبه فينتزعه إياه، فلا أرى عليه قطعا قد كان عندك حديثا هاهنا، ربما اتبع الرجل في المسجد، فانتزع ثوبه عن ظهره. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن هذا إنما هو مختلس ليس بسارق فيقطع، ولا محارب فيحد حد الحرابة؛ لأن السارق هو الذي يأخذ المتاع من حرزه، والمحارب هو الذي يخرج على الناس ليقطع عليهم الطريق، ويأخذ منهم أموالهم بسلاح، أو بغير سلاح خارج المصر باتفاق، أو داخل المصر على اختلاف. [: به لمم فقيل له إن شئت أن نقتل صاحبك قتلناه] ومن كتاب الأقضية وسئل عن رجل به لمم، فقيل له: إن شئت أن نقتل صاحبك قتلناه، فقال له بعض من عندنا: لا تفعل، اصبر واتق الله، وقال له بعضهم: اقتله فإنما هو مثل اللص يعرض يريد مالك فاقتله، فقال: إن أعظمهم عندي جرما الذي مثله باللص، قيل: فما رأيك؟ قال: لا علم لي بهذا، هذا من الطب. من سماع موسى من ابن القاسم قال العتبي: حدثنا موسى بن معاوية الصمادحي، قال:

حدثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر، عن أبيه علي بن حسين قال: وجدنا صحيفة مقرونة مع قائم سيف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أشد الناس عذابا القاتل غير قاتله، والضارب غير ضاربه، ومن جحد نعمة مولاه، فقد كفر بما أنزل الله، ومن آوى محدثا فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل. قال محمد بن رشد: قوله: به لمم، أي خبل وصرع، وبه جنون من مس الشيطان، قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] ، لا يقوم أكلة الربا في الآخرة إلا كما يقوم في الدنيا الذي يصيبه الخبل والصرع من الجنون، وقوله: وقيل له: إن شئت أن تقتل صاحبك قتلناه هو من كذب الذين يعالجون المجانين ومخاريقهم الذين يزعمون أنهم يقتلون بكلامهم وعزائمهم الشيطان الذي يصرع المجنون ويسجنونه إذا شاءوا ويعاقبونه بما شاءوا، وذلك من خرق العادة الذي خص الله به سليمان - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بإجابته دعوته في قوله: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ} [ص: 35] الآية. وقد جاء في الصحيح عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «اعترض لي الشيطان في مصلاي هذا، فأخذته بحلقه فخنقته حتى إني لأحد برد لسانه على ظهر كفي، ولولا دعوة لأخي سليمان قبلي لأصبح مربوطا تنظرون إليه» فإذا لم يقدر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على ربطه من أجل دعوة أخيه سليمان {وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] فأحرى

: اشترى جارية مسلمة ولما وجدت معه قال أنا مسلم ثم علم أنه نصراني

أن لا يقدر الذي يعالج المجانين على قتل الشيطان بالكلام دون أن يراه، أو يباشر قتله بما أجرى الله العادة من أنه يقتل به الأحياء، فإذا كان قتله إياه من المستحيل المحتم الذي لا يدخل تحت قدرته، لم يصح أن يقال ذلك جائز كما قاله الذي مثله باللص، فأنكر عليه قوله مالك إلا أن ذلك لا يجوز، كما ذهب إليه العتبي بدليل إدخاله على ذلك الحديث الذي ذكره من سماع موسى. والخبل والصرع والتخبط الذي يعتري المجنون مرض من الأمراض يصيبه من وسوسة الشيطان إياه وتفزيعه له، وترويعه إياه بما يسوله له، ويلقيه في نفسه؛ إذ لا يقدر له على أكثر من الوسوسة التي أمر الله بالاستعاذة منها في سورة الناس، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحمد لله الذي لم يقدر منكم إلا على الوسوسة» وقال: «إن الشيطان لا يفتح غلقا، ولا يحل وكأ ولا يكشف أما» ولكون ما يصيب المجنون من الصرع من الأمراض، قال مالك في هذه الرواية: لا أعلم في هذا من الطب، يريد أن الطبيب هو الذي يداوي الأمراض، ويعالج الأدواء بما أنزل الله لها من الدواء، لا هؤلاء الذين يكذبون فيما يزعمون من قتلهم الشيطان، وبالله التوفيق. [: اشترى جارية مسلمة ولما وجدت معه قال أنا مسلم ثم علم أنه نصراني] ومن سماع ابن دينار من ابن القاسم وسئل عن نصراني اشترى جارية مسلمة، ولما وجدت معه قال: أنا مسلم، ثم علم أنه نصراني، وقال: أنا نصراني، وإنما قلت: أنا مسلم لمكانها، قال: يؤدب، قيل له: أيبلغ به السبعين؟ قال: الأدب في هذا دون ذلك.

: النصراني واليهودي يتزندق

قال محمد بن رشد: إنما رأى عليه الأدب في تملكه المسلمة، وعذره في قوله: أنا مسلم، لما خاف العقوبة على اشترائه المسلمة بصدقه في ذلك، ولم يجعل قوله: أنا مسلم، إسلاما يراه بالرجوع عنه مرتدا، وهذا مثل ما في رسم الأقضية، من سماع يحيى بعد هذا، من قول ابن القاسم خلاف قول أشهب: إنه لا عذر له في مثل هذا، ويقتل إن لم يرجع إلى الإيمان، وبالله التوفيق. [: النصراني واليهودي يتزندق] ومن كتاب بع ولا نقصان عليك قال في النصراني يوجد على الزندقة قال: شرك وزندقته. قال محمد بن رشد: قد قيل في النصراني واليهودي يتزندق: إنه يقتل؛ لأنه خرج من ذمة إلى غير ذمة، وأنه إن أسلم يقتل كالمسلم يتزندق ثم يتوب؛ أنه يقتل ولا تقبل توبته، روي ذلك عن ابن الماجشون وبعض الأندلسيين على ما حكى أبو بكري بن محمد، وذلك ظاهر في المعنى؛ إذ ليس للزنديق ذمة، إذ لا يصح أن تؤخذ منهم الجزية؛ لأنها إنما تؤخذ من أهل الكتاب بالقرآن، ومن المجوس بالسنة، وفي سماع أصبغ بعد هذا في الساحر من أهل الذمة، إذا عثر عليه أنه يقتل إن لم يسلم، والسحر بمنزلة الزندقة، فيتحصل في النصراني يتزندق ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يترك وزندقته. والثاني: أنه يقتل وإن أسلم. والثالث: أنه يقتل إلا أن يسلم، وأما الزنادقة من المسلمين فالحكم فيهم أن يقتلوا من غير استتابة، بخلاف المرتدين، واختلف في ميراث من تزندق من المسلمين يقتل على زندقته، هل يكون ميراثه لجماعة المسلمين، أو لورثته من المسلمين؟ وكذلك يختلف في ميراث من تزندق من النصارى واليهود، فقتل على زندقته على قول من يوجب عليه القتل، هل يكون ميراثه لجماعة المسلمين، أو لورثته من أهل الدين الذي كان عليه.

: المرتد يجرح أو يقتل في ارتداده ثم يسلم

[: المرتد يجرح أو يقتل في ارتداده ثم يسلم] ومن كتاب لم يدرك وسئل عن المرتد يقتل في ارتداده نصرانيا أو يجرحه، قال: إن أسلم لم يقتل به، ولم يستقد منه في جرح؛ لأنه ليس على دين يقر عليه، وحاله في ارتداده في القتل والجراح إن أسلم حال المسلم إن جرح مسلما اقتص منه، وإن قتل نصرانيا لم يقتل به، ولم يستقد منه، قال عيسى: إن ثبت على ارتداده حتى قتل، فالقتل يأتي على ذلك كله. قال محمد بن رشد: اختلف قول ابن القاسم في المرتد يجرح أو يقتل في ارتداده ثم يسلم، فمرة نظر إلى حاله يوم الحكم في القود والدية، ومرة نظر إلى حاله فيهما يوم الجناية، ومرة فرق بين الدية والقود، فنظر إلى القود يوم الفعل، وإلى الدية يوم الحكم، فعلى قوله الذي نظر إلى حاله يوم الحكم في القود والدية قال: إن قتل مسلما قتل به، وإن جرحه اقتص منه، وإن قتل نصرانيا أو جرحه، لم يقد منه في القتل، ولا اقتص منه في الجرح؛ إذ لا يقتل المسلم بالكافر، ولا يقتص له منه في الجرح، وكانت الدية في ذلك في ماله، وإن كان القتل خطأ كانت الدية على العاقلة؛ لأنه مسلم يوم الحكم له عاقلة تعقل عنه جناياته، وهو قوله في هذه الرواية، وفي رسم العتق بعد هذا من هذا السماع، وعلى القول الذي نظر إلى حاله يوم الفعل في القود والدية يقاد منه إن قتل مسلما أو كافرا؛ لأنه كان كافرا يوم الفعل، والكافر يقتل بالكافر والمسلم، وإن جرح نصرانيا عمدا اقتص منه، وإن جرح مسلما عمدا جرى ذلك على الاختلاف في النصراني يجرح المسلم حسبما مضى القول فيه في أول سماع أشهب، من كتاب الجنايات. وإن قتل مسلما أو نصرانيا خطأ كانت الدية على المسلمين؛ لأنهم ورثته يوم الجناية، ولا عاقلة له يومئذ، وهو قول ابن القاسم، في رسم الصلاة، من

سماع يحيى بعد هذا أنه إن قتل هو خطأ، ودي عنه من بيت مال المسلمين، وعلى هذا القياس يجري حكم جناياته على القول الثالث الذي فرق فيه بين القود والدية، ولا اختلاف فيما قاله عيسى من أن القتل يأتي على ذلك كله إن ثبت على ارتداده حتى يقتل، وبالله التوفيق. ومن كتاب أسلم وله بنون صغار قال ابن القاسم في المرتد إذا تزوج في ارتداده، ثم قتل، وقد دخل بها، فإني أرى أن تعاظ بمسيسه إياها، وليس لها صداق ولا ميراث. قال محمد بن رشد: إنما لم يوجب لها الصداق، وإن دخل بها؛ لأنه رأى المال، والله أعلم، قد وجب لجماعة المسلمين بارتداده إن قتل على ردته، فهو على ظاهر الرواية محجور عليه في ماله بنفس ارتداده، وإن لم يحجر عليه فيه بعد، فلا يجوز له إذا قتل على ردته بيع ولا شراء، ولا يلحقه فيه المدانية، ولا تجوز له فيه المحاباة، وهو ظاهر ما في النكاح الثالث من المدونة، ونص قول سحنون قال: ما أعرف فيه الحجر وردته حجر، ويصير بالردة ممنوعا من ماله، إلا أن يبايعه أحد في ذمته، وكذلك يجوز له إن تزوج يهودية أو نصرانية في ذمته، كما يجوز مبايعة المفلس ونكاحه في ذمته، قال: وإذا باع المرتد شيئا نظر فيه الإمام، فإن رأى بيع غبطة أمضاه، وإن كان فيه محاباة أوقفه، فإن تاب كان عليه، وإن قتل أبطله، وكذلك إن تزوج وبنى، فإن قتل فلا شيء لها، وإن تاب فلها الصداق، والمعلوم من مذهب ابن القاسم المنصوص له في كتاب ابن المواز، وكتاب ابن سحنون وغيرهما أن ما باع المرتد أو اشترى أو أقر به قبل تحجير السلطان لازم له ما خلا نكاحه، وإن أقام سنين يبيع ويشتري قبل أن يعلم

مسألة: إذا أخفى الرجل دينا فأتى تائبا منه

بردته، وما أقر به، أو بايع بعد الحجر عليه لم يدخل في ماله إلا أن يتوب، وروي مثل ذلك عن مالك، وعلى هذا يأتي ما في كتاب ابن المواز من أن المرتد إذا تزوج في ردته، ودخل بها فلها الصداق في ماله إن كان صداق مثلها؛ لأن المعنى في ذلك إذا كان ذلك قبل أن يعلم الإمام بارتداده، فيحبسه للقتل، ويحجر عليه؛ إذ لا اختلاف في أنه ليس لها صداق في ماله إن قتل على ردته أو مات فيها إذا كان تزوجه بعد أن حجر عليه فيه وإن دخل، وإنما الاختلاف إذا تزوج قبل أن يحجر عليه ودخل، فقتل على ردته أو مات فيها، فقيل: إن لها صداقها، إلا أن يكون أكثر من صداق مثلها، وهو المنصوص عليه لابن القاسم، وقيل: إنه لا صداق لها، وهو مذهب سحنون، وظاهر هذه الرواية، وقد ذكرت لأصبغ فردها بالتأويل إلى المعلوم من مذهبه، فقال: ذلك إذا تزوج بعد الحجر عليه، وهو تأويل محتمل ينتفي به الخلاف عن ابن القاسم، وبالله التوفيق. [مسألة: إذا أخفى الرجل دينا فأتى تائبا منه] مسألة قال ابن القاسم: إذا أخفى الرجل دينا، فأتى تائبا منه قبلت منه توبته ولم يقتل، قال: وإن أخذ على دين أخفاه مثل الزندقة أو اليهودية أو النصرانية، وكان دينا يخفيه قتل ولم يستتب؛ لأن توبته لا تعرف، وإن أنكر ما شهد عليه به لم يقبل إنكاره، وقتل ولم يستتب، وإن ادعى التوبة أيضا لم تقبل توبته. قال محمد بن رشد: هذا أمر متفق عليه في المذهب، أن المرتد المظهر الكفر يستتاب، وأن الزنديق والذي يسر اليهودية أو النصرانية أو ملة من الملل سوى ملة الإسلام يقتل ولا يستتاب، والشافعي يرى أنهما يستتابان جميعا الذي يعلن الكفر والذي يسره إذا ظهر عليه وحضرته البينة فيه، وعبد العزيز بن أبي سلمة يرى أنهما يقتلان جميعا، ولا يستتاب واحد منهما على ظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من بدل دينه فاقتلوه» وقد مضى هذا في رسم الأقضية الثاني، من سماع أشهب.

: من غير دينه فاقتلوه

[: من غير دينه فاقتلوه] ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار وحدثني ابن القاسم، عن الليث بن سعد، عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي: أن أبا بكر الصديق استتاب امرأة من بني فزارة، من قيس يقال لها: أم قرفة، ارتدت عن الإسلام، فلم تتب فضرب عنقها. قال محمد بن رشد: إنما جاء هذا الحديث حجة على أهل العراق في قولهم المرأة: إن ارتدت تحبس وتكره على الإسلام ولا تقتل. وروي ذلك عن ابن العباس والحسن، وقالوا: إنها إن أسلمت لم تسترق كالرجل يرتد ثم يتوب. وقال الحسن: إن أسلمت كانت أمة للمسلمين، مثل الحرة تسبى. والصحيح أنها تقتل إن لم تسلم؛ لأن قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من غير دينه فاقتلوه» عام يتناول الرجال والنساء، وقد روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الاستتابة في امرأة ارتدت، واستدل أهل العراق لما ذهبوا إليه من أن المرتدة لا تقتل بنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن النساء من كفار أهل الحرب، وهذا لا حجة فيه؛ لأنهن إنما لم يقتلن لأجل أنهن لا يقاتلن، بدليل قوله في الحديث؛ إذ وقف على المرأة المقتولة ما كانت هذه تقاتل، فالمرأة إذا لم تقاتل لم تقتل، وإذا قاتلت قتلت، وكذلك الرجل أيضا إذا علم أنه ممن لا يقاتل كالرهبان وشبههم لم يقتل، فلا فرق في هذا بين الرجال والنساء إلا أن الرجل محمول على أنه يقاتل حتى يعلم أنه ممن لا يقاتل والمرأة، محمولة على أنها لا تقاتل

: قال لا أتوضأ وأنا أصلي

حتى يعلم أنها تقاتل، وقد ساوى الله عز وجل في القتل بين الرجال والنساء في الزنا مع الإحصان، فلذلك يجب أن يساوي بينهم في الكفر الذي هو أعظم من الزنا وأغلظ منه، وقد مضى الكلام في سبي ذراري المرتدين وأموالهم إذا بانوا بدارهم، في سماع سحنون، من كتاب الجهاد، فلا معنى لإعادته. [: قال لا أتوضأ وأنا أصلي] وفي كتاب حمل صبيا قال ابن القاسم: قال مالك: من قال لا يصلي استتيب، فإما صلى، وإما قتل، ومن قال: لا أتوضأ وأنا أصلي، فإما أن يتوضأ وإما قتل، ومن قال: لا أؤدي زكاة مالي، فإنه يؤخذ منه على ما أحب أو كره، ومن قال: لا أحج فأبعده الله، ولا يجبر على الحج. [: من جحد فرض الوضوء والصلاة والزكاة أو الصيام أو الحج] ومن مسائل نوازل سئل عنه أصبغ قال أصبغ في الذي يدع الصلاة فيقال له: صل، فيقول: لا أصلي فيقال له: أتجحد؟ أنها ليست عليك مفروضة من الله؟ فيقول: لست بجاحد لها، وأعلم أنها الحق غير أني لا أصلي، قال: أرى أن يقتل إذا قال: لا أصلي، وإن كان غير جاحد لها، فتركه إياها أو إصراره على أنه لا يصلي جحد لها؛ فإن أقام على قوله: لا أصلي قتل، وإن زعم أنه غير جاحد لها، وبلغني عن ابن شهاب أنه قال: إن فات وقتها، ولم يصل ضربت عنقه، وبلغني عن عبد الملك بن عبد العزيز أيضا أنه كان يقول: إذا قال: لا أصلي قتل كما قال أصبغ، قال أصبغ: وأما الزكاة فإن جحدها أيضا قتل، وإن أقر أنها حق عليه، وقال: لا أؤديها أخذت منه إن شاء أو أبى، ولا يقتل بقوله: لا أؤدي؛ لأنه يقدر على

أخذها منه صاغرا، وإن دفع من يريد أخذها منه، فإن كان ليس به قوة يدفع بها مثل أن يدفع هو بنفسه ضرب، وأخذت منه كارها، إلا أن يدفع في جماعة، ويمنع بقوة، فإنه يجاهد ويقتل، ومن دفع معه كما فعل أبو بكر - رَحِمَهُ اللَّهُ - حين منع الزكاة، فقال: والله، لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه، قال: ولو جحد الوضوء والغسل من الجنابة قتل، وإن لم يجحد الوضوء والغسل من الجنابة إلا أنه قال: أنا أؤمن بالوضوء والغسل، ولا أتوضأ ولا أغتسل قتل أيضا؛ لأن تركه ذلك جحد له، وكذلك لو قال: لا أصوم رمضان، وأصر على ذلك قتل، وإن لم يجحد؛ لأن تركه الصوم الذي فرضه الله عليه جحد له. قيل: فإن قال: لا أوتر قال: أؤدبه على صلاة الوتر أدبا موجعا، وأضربه حتى يصلي الوتر، قيل: فركعتا الفجر؟ قال: لا، ركعتا الفجر هما أخف شأنا من الوتر، الوتر سنة. قال محمد بن رشد: أما من جحد فرض الوضوء والصلاة والزكاة أو الصيام أو الحج، أو استحل شرب الخمر، أو الزنا، أو غصب الأموال، أو جحد سورة، أو آية من القرآن، أو ما أشبه ذلك، فلا اختلاف في أنه كافر، وإن قال: إنه مؤمن فيعلم أنه في ذلك كاذب للإجماع المنعقد على أن ذلك لا يكون إلا من كافر، وإن لم يكن شيء من ذلك في نفسه كفرا على الحقيقة، وأما من أقر بفرض الصلاة والصيام والوضوء، وأبى من فعل ذلك، وهو قادر عليه، فقول مالك في هذه الرواية: إنه يستتاب في ذلك كله، فإن أبى في شيء منه أن يفعله قتل، يدل على أنه يقتل على الكفر، فيكون ماله لجماعة المسلمين كالمرتد إذا فتل على ردته؛ لأنه وإن لم يكن نفس الترك لشيء من ذلك كله كفرا على الحقيقة، فإنه يدل على الكفر، ولا يصدق من قال في شيء من ذلك كله: إنه مؤمن بوجوبه عليه إذا أبى أن يفعله، فحكمه حكم الزنديق الذي يقتل على الكفر،

ولا يصدق فيما يدعيه من الإيمان. وإلى هذا ذهب أصبغ في قوله: فإصراره على أن لا يصلي جحد لها، وقد قيل: إنه يقتل على ذنب من الذنوب لا على الكفر، فيرثه ورثته من المسلمين، وهو أظهر الأقوال في هذه المسألة، ومن أهل العلم من رأى نفس الترك للصلاة عمدا كفرا على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ترك الصلاة فقد كفر» ومن ترك الصلاة فقد حبط عمله، وهو ظاهر قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وذهب ابن حبيب إلى أن من ترك الصلاة وهو متعمد لتركها، أو مضيعا لها، أو متهاونا بها، فهو كافر على ظواهر الآثار الواردة في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقاله أيضا في أخوات الصلاة من الزكاة والصيام، واحتج بالمساواة بينها وبينهن بقول أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة وبين الزكاة، وهو قول شاذ بعيد في النظر خطأ عند أهل التحصيل من العلماء، لأن الدلالة تمنع من حمل الأحاديث على ظاهرها، فالقياس عليها لا يصح، وما قاله أصبغ من التفرقة فيمن منع زكاة ماله بين أن يكون وحده، وبين أن يكون في جماعة، فيمنع من ذلك، ويدفع عنه بقوة صحيح مفسر لقول مالك، لا اختلاف فيه. وإنما لم يستتب من أبى أن يؤدي زكاة ماله طوعا؛ لأن الواجب أن تؤخذ

: نصرانى يقول للمسلمين ديننا خير من دينكم

منه كرها؛ لقول الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] . واختلف إذا أخذت منه كرها هل تجزيه أم لا؟ فقيل: إنها لا تجزيه؛ لأنه لا نية له في أدائها، والأعمال لا تصح إلا بالنيات، وقيل: إنها تجزئه لأنها متعينة في المال، وهو الصحيح على مذهب مالك في إيجابها على الصبي والمجنون، وإنما لم يستتب من قال: لا أحج من أجل أن الحج ليس له وقت معلوم، فإذا قال: لا أحج وأبى الحج في هذا العام، فله أن يحج فيما بعده، وكذلك في الذي بعده، وذلك بخلاف الصلاة الذي ينتظر به فيها آخر وقتها إذا أبى من فعلها، فإن مضى الوقت، ولم يصل قتل. والوقت في ذلك طلوع الشمس للصبح، وغروب الشمس للظهر والعصر، وطلوع الفجر للمغرب والعشاء. وقول أصبغ في ركعتي الوتر والفجر: إنهما بخلاف الوتر؛ لأن الوتر سنة يدل على أن ركعتي الفجر عنده ليستا بسنة، وأما ركعتا الفجر فيستحب العمل بها خلاف رواية ابن القاسم عنه في رسم مساجد القبائل، من كتاب الصلاة المذكور، وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد منه، وما يدل عليه ما في المدونة من أنهما سنة، وأصل هذا الاختلاف اختلافهم في المعنى الذي من أجله تسمى النافلة سنة، إن كان لكونها مقدرة لا يزاد عليها ولا ينقص منها، أو لكون الاجتماع لها والجماعة مشروعين فيها، وبالله التوفيق. [: نصرانى يقول للمسلمين ديننا خير من دينكم] ومن كتاب شهد على شهادة ميت وعن رجل من النصارى يقول للمسلمين ديننا خير من دينكم،

وإنما دينكم دين الحمير، ونحو هذا من التعريض القبيح، ومثل قول النصراني للمؤذنين إذا قالوا: أشهد أن محمدا رسول الله، كذلك يعطيكم الله، وإذا قال: شتموا النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ماذا يجب عليهم في ذلك كله؟ وكيف لو أن رجلا من المسلمين سمع بعض النصارى أو اليهود يشتمون النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بشتم يجب عليهم فيه القتل، فغاظ ذلك المسلم فقتله ماذا عليه في ذلك؟ قال ابن القاسم: أما إذا قال: ديننا خير من دينكم، وما قال للمؤذنين، فأرى أن يعاقبوا فيها عقوبة موجعة، ولا يقصر فيها على السجن الطويل، وأما شتمه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا شتمه شتما يعرف، قال: قال مالك: أرى أن نضرب عنقه، قال ذلك غير مرة إلا أن يسلم، ولم يقل لي يستتاب، إلا أن محمل قوله عندي إن أسلم طائعا من عند نفسه، فإن الله تعالى يقول: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . قال ابن القاسم: ولقد سألنا مالكا عن نصراني كان بمصر، فشهد عليه أنه قال: مسكين محمد يخبركم أنه في الجنة، هو الآن في الجنة، ما له لم ينفع عن نفسه إذ كانت الكلاب تأكل ساقيه لو كانوا قتلوه استراح الناس منه، فسألناه عن ذلك، وكتب إلينا بها من مصر، ونحن بالمدينة، فلما قرأته عليه صمت، وقال: حتى أنظر فيها، فلما كان بعد ذلك المجلس، قال لنا: أين كتاب الرجل؟ فقلنا له: هو في المنزل، ونحن نحفظ المسألة، فقال: لقد كنت حين قرأتم علي هممت ألا أتكلم فيه بشيء، ثم تفكرت في ذلك، فإذا أنا أرى أن لا ينبغي الصمت عنه اكتبوا إليه ضرب عنقه، قال ابن القاسم: قال مالك: وإذا شتم المسلم النبي ضربت عنقه، ولم يستتب، قال: وقال عيسى في الذي أغاظ قتل النصراني الذي شتم النبي: إنه إن كان شتمه شتما يجب فيه قتل، وثبت ذلك ببينة، فلا شيء عليه، وإن لم يثبت ذلك أو شتمه شتما،

لا يجب عليه القتل، فأرى عليه ديته، ويضرب مائة ويسجن عاما. قال الإمام القاضي: هذا كله بين لا إشكال فيه؛ إذ لا اختلاف في أن من سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أو عابه، أو نقصه بشيء من الأشياء؛ يقتل، ولا يستتاب مسلما كان أو كافرا أو ذميا، إلا أن يبدو الذمي فيسلم قبل أن يقتل من غير أن يستتاب، فلا يقتل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] ، وقد روى ابن وهب عن مالك أنه قال: من قال: إن إزار النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسخ أراد به عيبه قتل، وروى عنه فيمن عير رجلا بالفقر، فقال له: تعيرني بالفقر، وقد رعى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الغنم؛ أنه يؤدب؛ لأنه عرض بذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في غير موضعه. وروى أن عمر بن عبد العزيز قال لرجل: انظر لنا كاتبا يكون أبوه عربيا، فقال كاتب له: قد كان أبو النبي كافرا، قال له: جعلتَ هذا مثلا؛ فعزله وقال: لا تكتب لي أبدا، وهذا لأن الله تعالى أمر بتعزيزه وتوقيره، فمن ضرب به المثل في مثل هذا، فقد خالف حد الله فيما أمر به من تعزيزه وتوقيره، فوجب عليه في ذلك الأدب، وكذلك حكم سائر الأنبياء فيمن شتم أحدا منهم أو نقصه؛ لقوله عز وجل: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] ، وكذلك حكم من شتم ملكا من الملائكة. وحكم ميراث من قتل من المسلمين على سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أو أحد من الملائكة، أو النبيين حكم ميراث الزنديق يكون لورثته على قول مالك في رواية ابن القاسم عنه، وهو مذهب ابن القاسم، ولجماعة المسلمين في قوله على رواية ابن نافع عنه، وهو اختيار ابن عبد الحكم، وكذلك من شتم الله عز وجل يقتل بلا استتابة كالزنديق، إلا أن يكون إنما افترى عليه بارتداده إلى دين دان به، فإن أظهره استتيب، وإن لم يظهره قتل دون استتابة.

: قال إن الله لم يكلم موسى

ومن سبه عز وجل من المعاهدين بغير ما يحله إياه، ويدين به، ويؤخذ منه الجزية على أن يقر عليه، فإنه يقتل ولا يستتاب، لكنه إن أسلم قبل أن يقتل؛ لم يقتل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . [: قال إن الله لم يكلم موسى] ومن كتاب جاع فباع امرأته قال ابن القاسم: أرى من قال: إن الله لم يكلم موسى أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، أراه من الحق الواجب وهو الذي أدين الله عليه. قال محمد بن رشد: أما من قال: إن الله عز وجل لم يكلم موسى، فلا إشكال ولا اختلاف في أنه كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه مكذب لما نص الله تعالى عليه في كتابه من تكليمه إياه حقيقة لا مجازا بقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ؛ لأن المجاز لا يؤكد بالمصدر، وأما من قال من أهل الاعتزال والزيغ والضلال: إنه كلمه بكلام خلقه واخترعه في حين تكليمه إياه، ونفى أن يكون كلام الله تعالى صفة من صفات ذاته، وزعم أنه خلق من خلقه، وأن القرآن مخلوق، وأن أسماءه وصفاته محدثة مخلوقة، وأن الصفة هو الوصف، فنفوا أن يكون لله تعالى في أزله كلام أو علم أو قدرة أو إرادة، فأهل العلم في تكفيرهم على فرقتين، منهم من يكفرهم بذلك، وهم الكافة، ومنهم من لا يكفرهم بذلك؛ لأنهم إنما فروا من الكفر؛ إذ ظنوا بإضلال الله لهم أن من أثبت لله عز وجل حياة وكلاما وعلما وإرادة وسمعا وبصرا فقد شبهه بخلقه؛ لأن هذه صفات المخلوقين المحدثين، ومالك ممن اختلف قوله في تكفيرهم حسبما مضى من قوله في أول سماع ابن القاسم من الأقضية الثالث، من سماع أشهب. والأدلة على إثبات صفات ذاته عز وجل، وأنها قديمة غير مخلوقة ولا محدثة كثيرة ظاهرة بينة لمن شرح الله صدره وهداه، ولم يرد إضلاله وإغواءه،

مسألة: الدعاء بيا حنان وبيا سيدي

وقد نص على ذلك المتكلمون في كتبهم، وبينوا صحة ما عليه أهل السنة والجماعة من ذلك، فلا معنى للتطويل والإكثار في جلب الأدلة على ما انعقد عليه الإجماع. [مسألة: الدعاء بيا حنان وبيا سيدي] مسألة قال: ولا ينبغي لأحد أن يصف الله إلا بما وصف به نفسه في القرآن، ولا يشبه يديه بشيء، ولا وجهه تبارك وتعالى بشيء، ولكنه يقول: له يدان كما وصف به نفسه، وله وجه كما وصف نفسه، تقف عندما وصف به نفسه في الكتاب، فإنه تبارك وتعالى لا مثل له ولا شبيه ولا نظير، ولا يروِيَنَّ لنا أحد هذه الأحاديث: «إن الله خلق آدم على صورته» أو نحوها من الأحاديث، ولكن هو الله الذي لا إله إلا هو كما وصف نفسه، ويداه مبسوطتان كما وصفهما {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ولا يصفه بصفة، ولا يشبه به شيئا، فإنه تبارك وتعالى لا شبيه له، وأعظم مالك أن يحدث أحدا بهذه الأحاديث أو يرويها، وضعفه. قال محمد بن رشد: قوله: لا ينبغي لأحد أن يصف الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه في القرآن يريد، أو وصفه به رسوله في متواتر الآثار، واجتمعت الأمة على جواز وصفه به، وكذلك لا ينبغي عنده على قوله هذا أن يسمى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو سماه به رسوله، أو اجتمعت الأمة عليه، والذي يدل على ذلك من مذهبه كراهيته في رسم الصلاة للرجل أن يدعو بيا سيدي، وقال: أحب إلي أن يدعوه بما في القرآن، وبما دعت به الأنبياء بيا رب، وكره الدعاء بيا حنان، وهذا هو قول أبي الحسن الأشعري، وذهب القاضي

أبو بكر بن الباقلاني إلى أنه يجوز أن يسمى الله تعالى بكل ما يجوز في صفته مثل مسير وجليل وحنان وما أشبه ذلك ما لم يكن ذلك الجائز في صفته، مما اجتمعت الأمة على أن تسميته به، لا تجوز كعاقل وفقيه وسخي، وما أشبه ذلك. وقوله: ولا يشبه يدي ربه بشيء ولا وجهه تبارك وتعالى بشيء، ولكن يقول له يدان كما وصف نفسه، وله وجه كما وصف نفسه، يقف عندما وصف به نفسه في الكتاب، فإنه تبارك وتعالى لا مثل ولا شبيه، ولا نظير قول صحيح بين لا اختلاف فيه بين أحد من أهل القبلة في أنه لا يجوز أن يشبه يديه ولا وجهه بشيء؛ إذ ليس كمثله شيء كما قال تعالى في محكم كتابه، ولا هو بذي جنس ولا جسم ولا صورة، ولا اختلاف بينهم أيضا في جواز إطلاق القول بأن لله يدين ووجها وعينين؛ لأن الله وصف بذلك نفسه بكتابه، فوجب إطلاق القول بذلك، والاعتقاد بأنها صفات ذاته من غير تكييف ولا تشبيه ولا تحديد؛ إذ لا يشبهه شيء من المخلوقات، هذا قول المحققين من المتكلمين، وتوقف كثير من الشيوخ عن إثبات هذه الصفات الخمس، وقالوا: لا يجوز أن يثبت في صفات الله ما لم يعلم بضرورة العقل ولا بدليله وتأولوها على غير ظاهرها، فقالوا: المراد بالوجه الذات كما يقال وجه الطريق، ووجه الأمر ذاته ونفسه، والمراد بالعينين إدراك المرئيات، والمراد باليدين النعمتين، وقَوْله تَعَالَى: {بِيَدَيَّ} [ص: 75] أي ليدي؛ لأن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض، والصواب قول المحققين الذين أثبتوها صفات لذاته تعالى، وهو الذي قاله مالك في هذه الرواية. وصفات ذات الباري تبارك وتعالى تنقسم على ثلاثة أقسام؛ قسم منها يعلم بالسمع ولا مجال للعقل فيه، وهي هذه الخمس صفات: الوجه، واليدان، والعينان، وقسم منها يعلم بالعقل، وإن ورد السماع بها؛ فإنما هو على معنى تأكيدها في العقل منها، ولو لم يرد بها سمع لاستغنى في معرفتها عنه بالعقل،

وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة؛ لأن العلم بالنبوات، لا يعلم إلا بعد العلم بأنه حي عالم قادر مريد، ويستحيل وجود حي بلا حياة، وقادر بلا قدرة، ومريد بلا إرادة، وقسم منها يعلم بالسمع والعقل، فيصح العلم بالنبوات قبلها، ويصح العلم بها قبل النبوات، وهي السمع والبصر والكلام والإدراك؛ لأن الدليل قائم من العقل على أنه عز وجل سميع بصير مدرك، والسمع قد ورد بذلك، ويستحيل وجود سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، ومتكلم بلا كلام، ومدرك بلا إدراك. وما تضمنته هذه الرواية من كراهية مالك لرواية هذه الأحاديث التي يقتضي ظاهرها التشبيه، وإعظامه أن يحدث بها مثل ما روي من: الله خلق آدم على صورته؛ ونحوها من الأحاديث، فالمعنى من ذلك أنه كره أن تشاع روايتها، ويكثر التحدث بها، فيسمعها الجهال الذين لا يعرفون تأويلها، فيسبق إلى ظنونهم التشبيه بها، وسبيلها إذا صحت الروايات بها أن تتأول على ما يصح مما ينتفي بها عن الله تشبيهه بشيء من خلقه، كما يصنع بما جاء من القرآن والسنن المتواترة والآثار مما يقتضي ظاهره التشبيه، وهو كثير؛ كالإتيان في قوله عز وجل: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة: 210] ، والمجيء في قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] ، والاستوا في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] ، وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، والنظر في قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] ، والتنزل في قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يتنزل ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل ... » الحديث، والنزول والضحك وما أشبه ذلك.

والحديث في قوله: «إن الله خلق آدم على صورته» يروى على وجهين؛ أحدهما: «إن الله خلق آدم على صورته» . والثاني: إن الله خلق آدم على صورة الرحمن، فأما الرواية: «إن الله خلق آدم على صورته» فلا خلاف بين أهل النقل في صحتها؛ لاشتهار نقلها، وانتشاره من غير منكر لها، ولا طاعن فيها، وأما الرواية: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» فمن مصحح لها، ومن طاعن عليها، وأكثر أهل النقل على إنكار ذلك، وعلى أنه غلط وقع من طريق التأويل لبعض النقلة توهم أن الهاء ترجع إلى الله عز وجل، فنقل الحديث على ما توهم من معناه، فيحتمل أن يكون مالك أشار في هذه الرواية بقوله وضعفه إلى هذه الرواية، ويحتمل أن يكون إنما ضعف بعض ما تؤول عليه الحديث من التأويلات، وهي كثيرة. منها أن الهاء من قوله: «إن الله خلق آدم على صورته؛» عائدة على رجل «مر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليه وأبوه أو مولاه يضرب وجهه لطما، ويقول له: قبح الله وجهه، فقال: إذا ضرب أحدكم عبده فليتق الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته» وقد «روي أنه سمعه يقول: قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك، فزجره النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن ذلك، وأعلمه بأنه قد سب آدم؛» لكونه مخلوقا على صفته ومن دونه من الأنبياء أيضا. ومنها أن الكناية في قوله على صورته ترجع إلى آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولذلك ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون معنى الحديث وفائدته الإعلام بأن الله لم يشوه خلقه حين أخرجه من الجنة بعصيانه كما فعل بالحية والطاووس اللذين أخرجهما منها، على ما روي من أنه سلب الحية قوائمها، وجعل أكلها من التراب، وشوه خلق الطاووس. والثاني: أن يكون معناه وفائدته إبطال قول أهل الدهر الذين يقولون: لا إنسان إلا من النطفة، ولا نطفة إلا من إنسان، ولا دجاجة إلا من بيضة، ولا بيضة

إلا من دجاجة لا إلى أول. والثالث: أن يكون معناه وفائدته إبطال قول أهل الطبائع والمنجمين الذين يزعمون أن الأشياء تولدت بتأثير العنصر والفلك والليل والنهار، فأعلم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بهذا الحديث أن الله خلق آدم على ما كان عليه من الصورة والتركيب والهيئة، لم يشاركه في ذلك فعل طبع ولا تأثير فلك، وخص آدم بالذكر تنبيها على سائر المخلوقات؛ لأنه أشرفها، فإذا كان الله هو المنفرد بخلقه دون مشاركة فعل طبع أو تأثير فلك، فولده ومن سواهم على حكمه كذلك. وقد قيل في ذلك وجه رابع: وهو أن فائدة الحديث تكذيب القدرية فيما زعمت من أن صفات آدم منها ما خلقه الله تعالى، ومنها ما خلقها آدم لنفسه، فأخبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بتكذيبهم، وأن الله تعالى خلق آدم على جميع صورته وصفته ومعانيه وأعراضه، وهذا كما تقول: عرفني هذا الأمر على صورته إذا أردت أن يعرفكه على الاستيفاء والاستقصاء دون الاستبقاء. وقد قيل فيه وجه خامس، وهو أن يكون معناه إشارة إلى ما يعتقده أهل السنة من أن الله خلق السعيد سعيدا، والشقي شقيا، وأن خلق آدم على ما علمه وأراد أن يكون عليه من أنه يعصي ويتوب، فيتوب الله عليه، ففي الحديث دليل على أن أحوال العبد تتغير على حسب ما يخلق عليه، وييسر له من الخير والشر، وأن كل شيء بقضاء وقدر. وقد قيل: إن الكناية من قوله على صورته راجعة إلى بعض المشاهدين من الناس، وأن المعنى في ذلك والفائدة فيه هو الإعلام بأن صورة آدم كانت على هذه الصورة إبطالا لقول من زعم أنها كانت مباينة لخلق الناس على الحد الزائد الذي يخرج عن المعهود من متعارف خلق البشر؛ إذ لا يأتي ذلك من وجه صحيح يوثق به.

ومنها أن الكناية في قوله على صورته راجعة إلى الله عز وجل، وهو أضعف التأويلات؛ لأن الأولى أن يرجع الضمير إلى أقرب مذكور، إلا أن يدل دليل على رجوعه إلى الأبعد، ولا دليل على ذلك إلا ما روي من الله عز وجل: «خلق آدم على صورة الرحمن» وقد ذكرنا أن بعض أهل النقل لا يصحح الرواية لذلك، وأن الراوي لها ساق الحديث على ما ظنه من معناه، وقد قال بعض الناس: إن ذلك لا يصح أيضا من طريق اللسان؛ لأن الاسم إذا تقدم فأعيد ذكره كني عنه بالهاء من غير أن يعاد الاسم، ألا ترى أنك تقول إذا أخبرت عن ضرب رجل لعبده: ضرب زيد غلامه، ولا تقول ضرب زيد غلام زيد؛ لأنك إذا قلت ضرب زيد غلام زيد يفهم من قولك: إنه لم يضرب غلامه؛ وإنما ضرب غلام رجل آخر اسمه زيد، وليس ذلك بصحيح؛ لأن القرآن قد جاء بذلك، قال تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85] ولم يقل إلينا، فإنما يضعف الحديث من جهة النقل. ومع ضعف رد الكناية من صورته إلى الله تعالى، فلها وجوه كثيرة محتملة ينتفي بها التشبيه عن الله تعالى. منها أن يكون المراد بالصورة الصفة؛ لأن آدم موصوف بما يوصف الله به عز وجل من أنه حي عالم مريد سميع بصير متكلم، ولا يوجب مشاركته له في تسميته والوصف تشبهه به؛ لأن صفات الله تعالى قديمة غير مخلوقة، وصفات آدم محدثة مخلوقة، ويكون فائدة الحديث على هذا الإعلام بتشريف الله إياه بأن أبانه على سائر الجمادات والحيوانات. ومنها أن يكون إضافة الصورة إليه إضافة تشريف وتخصيص؛ لأن الإضافة قد تكون بمعنى التشريف والتخصيص على طريق التنويه بذكر المضاف إذا خص بالإضافة إليه، وذلك نحو قوله: {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: 13] فإنها إضافة تشريف

: من أسر اليهودية أو النصرانية

وتخصيص وتشريف تفيد التحذير والردع من التعرض لها، ومن ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29] ، وقوله في المسلمين: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ} [الفرقان: 63] إلى ما وصفهم به، وقول المسلمين للكعبة: بيت الله، وللمساجد: بيوت الله، فشرفت صورة آدم بإضافتها إلى الله عز وجل من أجل اختراعها وخلقها على غير مثال سبق، ثم بسائر وجوه الشرف التي خص بها آدم من فضائله المعلومة المشهورة، فالتشبيه منتف على الله تعالى بهذا الحديث على جميع الوجوه من إعادة الضمير في صورته إلى الله عز وجل، أو إلى آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أو إلى الذي خرج عليه الحديث على ما روي من أنه خرج على سبب، أو إلى بعض المشاهدين، والحمد لله رب العالمين. وقد ذهب ابن ... إلى التمسك بظاهر الحديث، فقال: إن لله صورة لا كالصور، كما أنه شيء لا كالأشياء، فأثبت لله تعالى صورة قديمة زعم أنها ليست كالصور، قال: إن الله تعالى خلق آدم على تلك الصورة، فتناقض في قوله، وتوغل في تشبيه الله تعالى بخلقه، فهو خطأ من القول لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه، وبالله التوفيق. [: من أسر اليهودية أو النصرانية] ومن كتاب أوله يدير ماله قال ابن القاسم: قال مالك: من أسَرَّ اليهودية أو النصرانية قتل ولم يستتب، قاله ابن القاسم، وقال ميراثه لورثته من المسلمين، ومن كفر برسول الله فأنكره من المسلمين فهو بمنزلة المرتد، ومن

عبد شمسا أو قمرا أو حجرا أو غير ذلك، فأولئك يقتلون إذا ظهر عليهم لا يستتابتون إذا كانوا في ذلك مظهرين للإسلام مستسرين بما أخذوا عليه؛ لأن أولئك لا يعرف لهم توبة، ويرثهم في ذلك ورثتهم من المسلمين؛ لأنهم مقرون بالإسلام وبأحكامه، وهم بمنزلة المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهم على غير الإسلام؛ لأن النفاق الذي كان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما كان إسرار الكفر وإظهار الإسلام والاستخفاء به؛ لأن الله تعالى يقول: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] الآية، ولكن يستخفون بذلك، قال ابن القاسم: ويجوز وصاياهم وعتقهم؛ لأنهم يرثون، قال لي سحنون: سألت ابن نافع عن ميراث الزنديق والمرتد لمن ميراثهما؟ وهل سمعت في ذلك من مالك شيئا؟ فقال ابن نافع: نعم، سمعت مالكا يقول: ميراثهما للمسلمين يسن بأموالهما سنة دمائهما، قال سحنون: فأخبرت بذلك ابن عبد الحكم، فاستحسن روايته فيهما جدا، قال ابن القاسم: وكل من أعلن من أولئك دينه الذي هو عليه وأظهره واستمسك به حتى يقول: هو ديني فاقتلوني عليه أو اتركوني، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وميراثه للمسلمين كافة، ولا يورث بورثة الإسلام، وإنما هو بمنزلة المرتد عن دين الإسلام في جميع ذلك في الاستتابة والميراث، فكل من يستتاب فلم يتب، فلا يرثه ورثته من المسلمين؛ لأنه خرج عن الإسلام ولا يرثه ورثته من الكفار؛ لأنه لا يترك على ذلك الدين ويقتل عليه، وميراثه لجماعة المسلمين بمنزلة الفيء، ولا تجوز وصاياهم ولا عتقهم؛ لأنهم لا يرثون، إنما ميراثهم للمسلمين عامة، ولا

يستتاب، فمن استسر دينا، فإن ورثتهم من المسلمين يرثونهم وتجوز وصاياهم وعتقهم. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في المذهب في أن ميراث المرتد لجماعة المسلمين مات في ردته، أو قتل عليها بعد الاستتابة، أو دون أن يستتاب على مذهب من لا يرى الاستتابة، وفي كتاب ابن سحنون، وقال أهل العراق: إذا قتل المرتد دفع ماله إلى ورثته من المسلمين، وذكر ذلك عن علي بن أبي طالب، والحسن، وابن المسيب، وقد ثبت في الحديث عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يرث المسلم الكافر» ولا يتوارث أهل ملتين شيئا، وإن عليا لم يرث أبا طالب، وإنما ورثه عقيل وطالب، وأما حجتهم بابن المسيب، فقد روى عنه أهل العراق وأهل الحجاز أنه قال: نرث المشركين ولا يرثونا، وهذا خلاف ثم ناقضوا، فقالوا: إن مات له ولد في حال ارتداده لم يرث منه، ولا فرق بين ذلك، هذا نص ما وقع في كتاب ابن سحنون، فأما قوله: إذ لا حجة لهم في قول ابن المسيب فصحيح؛ لأن مذهبه على ما حكاه عنه أن المسلم يرث الكافر، وهم لا يقولون بذلك فقوله صحيح على أصله؛ لأنه إذا كان يرث عنده الكافر الذي يقر على كفره، فأحرى أن يرث المرتد الذي لا يقر على كفره، وأما ما ألزمهم من التناقض فلا يلزمهم؛ لأنهم لم يجهلوا ماله إذا قتل على ردته لورثته من أجل أنهم حكموا له بحكم الإسلام، فيلزمهم ما ألزمهم من أن يكون له ميراث ابنه، وإنما جعلوا ميراثه لورثته من المسلمين من أجل أنه على دين لم يقر عليه؛ لأنهم لم يحملوا قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يرث المسلم الكافر؛» على عمومه في المرتد وغيره، بل رأوه مخصصا في الكافر الذي يقر على كفره. ففي المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: قول مالك والشافعي أنه لا يرث المسلم الذمي ولا المرتد على عموم قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يرث المسلم الكافر» . والثاني: أنه يرث المسلم الذمي والمرتد، وهو قول سعيد بن المسيب، ومعاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان، روي ذلك عن عمر بن الخطاب أنه

مسألة: استاتبة أهل الأهواء

قال: أهل الشرك نرثهم ولا يرثونا، والصحيح في الرواية أنه قال: أهل الشرك لا نرثهم، ولا يرثونا، ومن ذهب إلى هذا لم يبلغه الحديث، فقال: إن المسلم يرث الكافر، ولا يرث الكافر المسلم، قياسا على المسلم يتزوج الكافرة، ولا يتزوج الكافر المسلمة، ولا اختلاف في أن الكافر لا يرث المسلم. والقول الثالث: قول أهل العراق: إن المسلم يرث المرتد، ولا يرث الكافر الذي يقر على دينه. وأما الزنديق ومن أسر الكفر فظهر عليه، فإنه يقتل ولا يستتاب ولا يقبل منه توبته، وإن تاب؛ إذ لا يصدق فيها ويكون ميراثه لورثته من المسلمين على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، خلاف قول مالك في رواية ابن نافع عنه، واختيار ابن عبد الحكم. ووجه قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن القتل حد من الحدود يقام عليه بما شهد به عليه من الكفر، ولا يصدق في الرجوع عنه إلى الإسلام؛ إذ لم يكن مقرا بالارتداد، ومراعاة أيضا لقول من يرى أن المرتد يقتل وإن رجع إلى الإسلام على ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من غير دينه، فاقتلوه» والميراث بخلاف ذلك؛ لأنه مسلم في ذلك في الظاهر، فلا يحرم الورثة ميراثه إلا بيقين ومراعاة لمن يقول: إن المسلم يرث الكافر بكل حال، فقول ابن القاسم وروايته عن مالك أظهر من قول مالك في رواية ابن نافع عنه: يسن بأموالهما سنة دمائهما، وبالله التوفيق. [مسألة: استاتبة أهل الأهواء] مسألة وأما أهل الأهواء الذين هم على الإسلام العارفين بالله، غير المنكرين له مثل القدرية والإباضية وما أشبههم ممن هو على غير ما عليه جماعة المسلمين، والتابعين لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من البدع والتحريف لكتاب الله وتأويله على غير تأويله، فأولئك يستتابون أظهروا ذلك أو أسروه فذلك سواء؛ لأن إظهارهم ذلك

إسرار، وإسرارهم إظهار، فهم يستتابون وإلا ضربت رقابهم لتحريفهم كتاب الله عز وجل، وخلافهم جماعة المسلمين والتابعين لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولأصحابه بإحسان، وبهذا عملت أئمة الهدى، وعمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال: الرأي أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا عرضوا على السيف، وضربت أعناقهم، ومن قتل منهم على ذلك، فميراثه لورثته؛ لأنهم مسلمون إلا أنهم قتلوا لرأي السوء. وسئل سحنون عن قول مالك في أهل البدع الإباضية والقدرية وجميع أهل الأهواء: إنه لا يصلى عليهم، فقال: لا أرى ذلك، وأرى أن يصلى عليهم، ولا يتركوا بغير صلاة لذنب ارتكبوه، ومن قال: لا يصلى عليهم فقد كفرهم، وقد جاء الحديث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا تكفروهم بذنوبهم، وإنما قال مالك: لا يصلى على موتاهم تأديبا لهم، ونحن نقول ذلك على وجه التأديب لهم، فأما إذا بقوا وليس يوجد من يصلي عليهم، فليس يتركون بغير صلاة، وليصلى عليهم، قيل له: فأهل البدع أيستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا كما قال مالك؟ قال: أما من كان بين أظهرنا، وفي جماعة أهل السنة، فإنه لا يقتل، وإنما الشأن فيه أن يضرب مرة بعد أخرى، ويحبس وينهى الناس عنه أن يجالسوه، وأن يسلموا عليه تأديبا له، ولا يبلغ به القتل، ألا ترى أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضرب صبيغا؟ ضربه بجريد وحبسه حتى إذا كادت أن تبرأ الجراح ضربه وحبسه إذا كادت أن تبرأ ضربه وحبسه، ثم قال له صبيغ: يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد دواء، فقد بلغت مني الدواء، وإن كنت تريد قتلي فأجهز علي، فخلى عمر عنه، ونهى الناس أن يجالسوه، فيفعل فيمن كان بين

أظهر الجماعة مثل ما فعل عمر بصبيغ ولا يقتل. فأما من كان من أهل البدع، قد بان عن الجماعة، وصاروا يدعون إلى ما هم عليه، ومنعوا فريضة من الفرائض كان على الإمام أن يستتيبهم، فإن تابوا وإلا قتلوا، ألا ترى أن أبا بكر الصديق - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - استتابهم، قال أبو بكر: لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لجاهدتهم عليه، فجاهدهم أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأمر بجهادهم، وقتلوا على تلك البدعة، فهذا يبين لك جميع ما سألت عنه من أمر أهل البدع، وقد مضت فيهم سنة عمر بن الخطاب فيمن كان بين أظهر الجماعة، وعن أبي بكر الصديق فيمن كان بان عن الدار، ومنع فريضة، ودعا إلى ما هم عليه. فقيل له: فهؤلاء الذين قتلهم الإمام من أهل الأهواء لما بانوا عن الجماعة ودعوا إلى ما هم عليه، ونصبوا الحرب هل يصلى على قتلاهم؟ قال: نعم، وهم من المسلمين، وليس بذنوبهم التي استوجبوا بها القتل تترك الصلاة عليهم، ألا ترى أن الزاني المحصن قد وجب عليه القتل بذنبه، والمحارب والقاتل عمدا قد استوجبوا القتل، فإذا قتلوا لم تترك الصلاة عليهم، وليس بذنوبهم التي ارتكبوها واستوجبوا بها للقتل تخرجهم من الأحكام، وأرى أن يصلى عليهم كما يصلى على أهل الإسلام والبدع. قلت: فما تقول في إعادة الصلاة خلف أهل البدع؟ قال: لا يعيد من صلى خلفهم، قيل: لا في الوقت ولا بعد الوقت؟ قال: لا في الوقت، ولا بعد الوقت، وكذلك يقول أصحاب مالك: أشهب، والمغيرة، وابن كنانة وغيرهم، أنها لا تعاد الصلاة خلفهم، وإنما يعيد من صلى خلف نصراني، وإن هذا مسلم، وليس ذنبه يخرجه عن الإسلام،

فلما يجوز صلاته لنفسه، فكذلك تجوز لمن صلى خلفه، والنصراني لا تجوز صلاته لنفسه، فكذلك لا تجوز لمن صلى خلفه، وقد أنزله من يقول: إنه يعيد خلفه في الوقت وبعد الوقت بمنزلة النصراني، وركب قياس قول الإباضية والحرورية الذين يكفرون جماعة المسلمين بالذنوب من القول، وأخبرني ابن وهب عن أسامة بن زيد، عن أبي سهيل بن مالك: أن عمر بن عبد العزيز قال له: ما الحكم في هؤلاء القدرية؟ قال: قلت: يستتابون، فإن تابوا قبل منهم، وإن لم يتوبوا قتلوا على وجه البغي. وأخبرني ابن وهب، عن مسلمة بن علي، عن الأوزاعي أنه قال في الحروراء: إذا خرجوا فسفكوا الدماء فقتلهم حلال، قال ابن وهب: سمعت الليث يقول ذلك، وأخبرني ابن وهب، عن محمد بن عمرو، عن ابن جريج، عن عبد الكريم: أن الحروراء خرجوا فنازعوا عليا، وفارقوه وشهدوا عليه بالشرك، فلم يبحهم، ثم خرجوا إلى حروراء فأتى علي بن أبي طالب، فأخبر أنهم يتجهزون من الكوفة، فقال: دعوهم ثم خرجوا فنزلوا بالنهروان، فمكثوا به شهرا فقيل له: أغزهم، فقال: لا حتى يهريقوا الدماء ويقطعوا السبيل، ويخيفوا الآمن، فلم يهاجمهم حتى قتلوا، فغزاهم فقتلوا. قال الإمام القاضي قوله: وأما أهل الأهواء الذين هم على الإسلام العارفين، فهم غير المنكرين له مثل القدرية والإباضية إلى آخر قوله، فمن قتل منهم على ذلك فميراثه لورثته؛ لأنهم مسلمون إلا أنهم إنما قتلوا الدائهم السوء يدل على أنه إنما يقتلون عنده إذا أبوا أن يتوبوا على ذنب لا على كفر،

مسألة: سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمه

والمعنى في ذلك أنه عنده كفر، إلا أنه لما اعتقده على سبيل التأويل والفرار من الكفر حصل الرجاء لهم من الله في أن يتجاوزه عنهم، فأشبه في ذلك الذنب، وإن كان عنده في الحقيقة كفر يجب عليه به من الخلود في النار ما يجب على الكفار، فالفرق بينهم وبين الكفار أنه لا يقطع بخلودهم في النار كما يقطع بخلود الكفار فيه، ومن لا يكفرهم باعتقادهم يقول: إن ذلك ذنب من الذنوب، لا يجب عليهم به الخلود في النار، ولا يجب قتلهم إن استتيبوا فأبوا، إلا أن يبينوا بدراهم، ويدعوا إلى بدعتهم، ويمنعوا فريضة من الفرائض، أو يسفكوا الدماء، ويخيفوا السبيل على ما قاله سحنون، وحكى أنه قول جماعة أصحاب مالك، وهذا في مثل القدرية والإباضية والمعتزلة وشبههم؛ إذ من أهل الأهواء ما هو كفر صريح لا يختلف في أنه كفر كالذي يقول: إن جبريل أخطأ بالوحي، وإنما كان النبي علي بن أبي طالب وما أشبه ذلك، ومنه ما هو خفيف لا يختلف في أنه ليس بكفر كالذي يقول: إن علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر، وما أشبه ذلك، وقد مضى هذا التفصيل من قولنا في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي غير ما موضع، وسيأتي بيانه أيضا في هذا الرسم بعد هذا، فالكفار يقطع على خلودهم في النار، والقدرية والإباضية والمعتزلة وشبههم من أهل الأهواء لا يقطع بخلودهم فيه، وأهل الأهواء يقطع على أنهم لا يخلدون في النار كالمصرين على الذنوب. [مسألة: سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمه] مسألة قال عيسى بن دينار: قال ابن القاسم: ومن سب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو شتمه أو أعابه أو نقصه، فإن كان مسلما قتل ولم يستتب، وميراثه لجماعة المسلمين، وذلك لأن المسلم الذي يدعي الإسلام، ويشتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنزلة الزنديق الذي لا تعرف له توبة، فلذلك لا يستتاب؛ لأنه يتوب بلسانه، ويراجع ذلك في قلبه، فلا يعرف له توبة، وأما إذا كان نصرانيا؛ فإنه يقتل إلا

مسألة: أظهر النبوة في نفسه ودعا إليها

أن يسلم؛ لأنه ليس على ذلك عوهد، ولا نعمت عين على شتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهو يقتل صاغرا قميئا إلا أن يسلم، فيكون الإسلام توبته، ونزوعا منه عما كان يقول، ومتصلا منه، وليس يقال له: أسلم أو لا تسلم، ولكن يقتل إلا أن يسلم، وكذلك قال لي مالك، قال العتبي: وبلغني عن مالك أنه قال: من السباب سب يجب القتل عليه، ومنه ما لا يجب القتل عليه، وأما قول الذمي من النصراني أو اليهودي: إن محمدا لم يرسل إلينا، وإنما أرسل إليكم، وإنما نبينا عيسى وموسى، وهو أرسل إلينا، وهو نبينا، وما أشبهه، فليس عليهم في ذلك شيء؛ لأن الله تعالى يقول: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] ، وقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: 29] الآية، فأما إن سبوه فيقولون: ليس بنبي، ولم يرسل، ولم ينزل عليه شيء من القرآن، وإنما هو شيء تقولونه، فالقتل على من قال ذلك واجب لا شك فيه، والمسلم إذا قال في النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شبه ذلك، فالقتل عليه أيضا. قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قاله، وقد تقدم في رسم شهد، من سماع عيسى نحو هذا مما يبين بعضه بعضا، وبالله التوفيق. [مسألة: أظهر النبوة في نفسه ودعا إليها] مسألة قال عيسى: قال ابن القاسم: وأما من تنبأ فإنه يستتاب، فقلت له: أسر ذلك أو أعلنه؟ فقال: وكيف يسر ذلك؟ قلت: يدعو إليه في السر، قال: إذا دعا إليه فقد أعلنه، وليس للإسرار في ذلك وجه،

مسألة: سب أحدا من الأنبياء والرسل

وإن إسرار ذلك إظهاره وعلانيته، وإنه يستتاب في ذلك كله، وميراثه لجميع المسلمين؛ لأنه بمنزلة المرتد؛ لأن من أظهر النبوة في نفسه ودعا إليها فقد كذب بما أنزل على محمد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، والصواب أن يفرق فيها بين الإسرار والإعلان، وأن يكون حكمه إذا دعا إلى ذلك في السر، وجحد في العلانية حكم الزنديق، لا تقبل له توبة إذا حضرته البينة، وهو منكر للشهادة عليه بذلك، وهو قول أشهب فيمن تنبأ من أهل الذمة، وزعم أنه رسول إلينا، وأن بعد نبينا نبي أنه إن كان معلنا استتيب إلى الإسلام، فإن تاب وإلا قتل سأل ابن عبد الحكم عن ذلك أشهب لسحنون، إذ كتب إليه أن يسأله له عن ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: سب أحدا من الأنبياء والرسل] مسألة قال: ومن سب أحدا من الأنبياء والرسل، أو جحد ما أنزل عليه، أو جحد منهم أحدا، أو حجد ما جاء به فهو بمنزلة من سب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يصنع فيه ما يصنع فيه هو؛ لأن الله تعالى يقول: {آمَنَ الرَّسُولُ} [البقرة: 285] إلى قوله: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] ، وقال: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] الآية، ثم قال تعالى على إثرها: {فَإِنْ آمَنُوا} [البقرة: 137] الآية، وقال في النساء: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء: 150] الآية، ففي هذا كله بيان.

مسألة: أعراب قطعوا الطريق

قال محمد بن رشد: أما من جحد ما نزل على نبي من الأنبياء مثل أن يقول: إن الله لم ينزل التوراة! على موسى بن عمران، أو الإنجيل على عيسى ابن مريم، أو جحد نبوة أحد منهم فقال: إنه لم يكن بنبي، فإنه كفر صريح إن أعلنه استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وإن أسره حتى ظهر عليه قتل، ولم يستتب؛ لأنه حكمه، وحكم من سب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو أحد من الأنبياء يقتل بلا استتابة. فقوله في الرواية، ومن سب أحدا من الأنبياء والرسل أو جحد ما أنزل إليه، أو جحد منهم أو جحد ما جاء به، فهو بمنزلة من سب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصنع فيها ما يصنع فيه سواء، معناه في الذي جحد النبي، أو ما أنزل إليه مستسرا بذلك فعثر عليه، وأما إن كان معلنا بذلك غير مستسر به، فالحكم فيه أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل بسب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أو أحد من الأنبياء، وبالله التوفيق. [مسألة: أعراب قطعوا الطريق] مسألة وسئل ابن القاسم عن اللص يولي مدبرا أيتبع؟ فقال: إن كان قتل فنعم يتبع ويقتل، وإن لم يكن قتل، فلا يعجبني أن يتبع ولا يقتل، قال: والأسير من اللصوص يستتاب، وإلا قتل، وإن يبلغ به الإمام، وهو رأي مالك إذا كان قد استوجب القتل قتل، قلت لابن القاسم: قل يستوجب القتل وإن لم يقتل؟ قال: ذلك أشكل، ولا يقتله إلا الإمام إذا اجتهد الرأي، قلت له: أرأيت إن كان بعضهم قتل؟ فقال: إذا قتل واحد منهم، فقد استوجبوا القتل جميعا، لو خرج مائة ألف فقتل واحد منهم قتلوا كلهم، وسئل سحنون عن اللصوص إذا ولوا أيتبعوا؟ فقال: نعم، يتبعون لو بلغوا برك الغماد، قيل لسحنون: فلو أن لصا أو محاربا عرض لي فجرحته، أو ضربته بشيء فأسقطته،

أترى أن أجهز عليه؟ فقال: نعم، فأعلمته بقول ابن القاسم أنه يجهز عليه فلم يره شيئا، وقال: قد حل حين عرض ونصب الحرب وقطع الطريق وأخاف السبيل. قال محمد بن رشد: جهاد المحاربين عند مالك وجميع أصحابه جهاد، قال أشهب عنه: من أفضل الجهاد وأعظمه أجرا، وقال مالك في أعراب قطعوا الطريق: إن جهادهم أحب إلي من جهاد الروم، وقد قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ومن قتل دون ماله فهو شهيد» فمن قتل دون ماله ومال المسلمين فهو أعظم لأجره، واستحب أن يدعو إلى التقوى والكف، فإن أبوا قوتلوا، وإن عاجلوا قوتلوا، وأن يعطوا الشيء اليسير إذا طلبوا مثل الثوب والطعام وما خف، ولا يقاتلوا، ولم ير سحنون أن يعطوا شيئا، وإن قل، ولا أن يدعوا وقال: هذا أوهن يدخل عليهم، وليظهر لهم الصبر والجلد والقتال بالسيف، فهو أكثر لهم وأقطع لطمعهم، ذهب في ذلك كله مذهب ابن الماجشون، وقول مالك أحسن، والله أعلم. واختلف إذا امتنع فأمنه الإمام على أن ينزل، فقيل: له الأمان له، وقيل: لا أمان له، ويقام عليه حد الحرابة، إنما يؤمن المشرك على أن يؤدي الجزية، ويكون على الذمة، وتأمين المحارب إنما هو على أن يعطل حدود الله تعالى في إقامة الحد عليه، وكره ابن القاسم في هذه الرواية أن يتبع اللص إذا ولى مدبرا فيقتل، إلا أن يكون قد قتل، وأن يجهز عليه إذا جرح، ولم يكن قتل، وأجاز ذلك كله سحنون، بل استحسنه، ومعنى ذلك إذا ولى هاربا وأمن رجوعه، وأما إن لم يؤمن رجوعه فلا اختلاف في أنه يتبع ويقتل، وما ذهب إليه سحنون هو القياس، وقول ابن القاسم استحسان. ولا اختلاف في أنه إذا قتل واحد منهم فقد استوجبوا القتل كلهم. ولا في أن كل واحد منهم ضامن لجميع ما أخذوا من المال، يتبع من وجد

منهم بذلك في ذمته إن لم يكن له مال، إن كان لم يقم عليه حد الحرابة، وإن كان أقيم عليه حد الحرابة، ولم يوجد عنده المال بعينه، فلا يتبع به إذا وفره متصلا، حكمه في ذلك حكم السارق سواء. والآية في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ} [المائدة: 33] الآية عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - على التخيير لا على الترتيب، والإمام مخير عنده في المحارب إذا أخاف السبل، ولم يأخذ مالا، ولم يقتل بين أن يقتله وأن يصلبه أو يقطعه بخلاف، أو يجلده أو ينفيه، وليس معنى تخييره في ذلك أن يعمل فيه بالهوى، وإنما معناه أن يتخير من العقوبات التي جعلها الله جزاءه ما يرى أنه أقرب إلى الله، وأولى بالصواب، فكم من محارب لم يقتل هو أضر على المسلمين ممن قتل في تدبيره وتأليبه على قطع طرق المسلمين، فإن كان المحارب ممن له الرأي والتدبير فوجه الاجتهاد فيه قتله وصلبه؛ لأن القطع لا يدفع ضرره عن المسلمين، وإن كان ممن لا رأي له، ولا تدبير، وإنما يخوف ويقطع السبيل بذاته، وقوة جسمه قطعه من خلاف ولم يقتله؛ لأن ذلك يقطع ضرره عن المسلمين، وإن لم يكن على هذه الصفة، وأخذ بحضرة خروجه أخذ فيه بأيسر ذلك، وهو الضرب والسجن. وإن قتل فلا بد من قتله، ويخير بالاجتهاد بين صلبه أو قتله، وإن لم يقتل وأخذ المال، فلا تخيير للإمام في نفيه، وإنما يخير الإمام بالاجتهاد بين قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف، ومعنى ما وقع في المدونة من أن من نصب نصبا شديدا، وعلا أمره، وطال زمانه قتله الإمام، ولم يكن له في ذلك خيار، معناه أن هذا هو الذي ينبغي للإمام أن يختاره، ويأخذ به في مثل هذا، فلا يكون قوله على هذا التأويل خلافا لمذهبه في أن الآية عنده على التخيير. ويروى برك الغماد بكسر الغين، وبرك الغماد بضمها، وكذلك وقع في الدلائل في حديث أبي بكر أنه خرج مهاجرا قبل أرض الحبشة، حتى بلغ برك الغماد، وذكر الحديث، وبالله التوفيق.

مسألة: يقول وهو مغضب لا صلى الله على من صلى عليه

[مسألة: يقول وهو مغضب لا صلى الله على من صلى عليه] مسألة ولابن لبابة قال: حدثني عبد الأعلى، عن أصبغ في الرجل يكون له على الرجل دين، فيلزمه حتى يغضب، فيقول له الغريم: صل على محمد، فيقول صاحب الدين وهو مغضب: لا صلى الله على من صلى عليه، هل ترى على هذا القتل، وتراه كمن شتم النبي، وشتم الملائكة الذين يصلون عليه؟ فقال: لا، إذا كان على ما وصفت على وجه الغضب؛ لأنه لم يكن مضمرا على الشتم، وإنما لفظ بهذا على وجه الغضب، ولا يكون عليه القتل. قال محمد بن رشد: سقطت هذه المسألة من بعض الروايات، ووقعت في بعض الروايات من قول سحنون، قيل له: أرأيت، وكذلك ذكرها ابن أبي زيد في النوادر على أنها من كلام سحنون، وأنها من أصل المستخرجة، ووصل بها قال يحيى وأبو إسحاق البرقي: لا يقتل لأنه شتم الناس، وذهب الحارث وغيره في مثل هذا إلى القتل، وقوله: لا صلى الله على من صلى عليه؛ يحتمل أن يريد به لا صلى الله على من يصلي عليه، فمن حمله على ذلك بدليل قوله صلى عليه؛ لأن قوله: لا صلى الله على من صلى عليه، خرج جوابا عليه لم ير عليه القتل؛ لأنه إنما شتم الناس كما قال أصبغ، وأبو إسحاق البرني، فيما حكى عنهما ابن أبي زيد، ويحمل أن يؤيد بقوله: لا صلى الله على من صلى عليه، ولا صلى الله على من قد صلى عليه، وعلى ذلك حمله الحارث وغيره، فلذلك رأوا عليه القتل ولم يعذره واحد منهم بالغضب كما عذره به أصبغ في الرواية، فلم ير عليه القتل، ويأتي على مذهبه أن عليه الأدب، وكذلك يجب الأدب عليه أيضا على مذهب من يرى أنه إنما شتم الناس؛ لأن في شتم من يصلي على النبي من الناس سبب من الإخلال بحقه، وبالله التوفيق.

مسألة: حكم من شتم نبيا

[مسألة: حكم من شتم نبيا] مسألة وكل من شتم نبيا قتل، قلت: فإن تاب عن الشتم، وقال: أتوب إلى الله، وأكون كمن أسلم الساعة ولا أعود؟ قال: لا توبة إلا لمن كان نصرانيا، قلت: فإن شتم نبيا غير النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شتم نبيا غيره موسى أو هارون أو عيسى، أو أحدا من الأنبياء؟ قال: عليه القتل، قلت: فإن شتم ملكا من الملائكة؟ قال: عليه القتل. قلت: فإن شتم أحدا من أصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أبا بكر أو عمر أو عثمان أو عليا أو معاوية أو عمرو بن العاص؟ فقال: أما إذا شتمهم، وقال: إنهم كانوا على كفر وضلال قتل، وإن شتمهم بغير هذا كما يشتم الناس رأيت أن ينكل نكالا شديدا. قال محمد بن رشد: هذا كله بين لا إشكال فيه، وقد مضى نحوه في هذا الرسم، وفي رسم شهد، من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: قال جبريل أخطأ في الوحي] مسألة قلت: فإن قال: إن جبريل أخطأ في الوحي، وإنما كان النبي علي بن أبي طالب إلا أن جبريل أخطأ بالوحي هل يستتاب، أم يقتل ولا يستتاب؟ قال: يستتاب فإن تاب وإلا قتل. قال محمد بن رشد: هذا من البدع التي هي كفر صريح، فلا يختلف في أن من قال ذلك كافر، فلا يستتاب إلا إذا كان معلنا بذلك، وأما إذا كان مستسرا به، فهو بمنزلة الزنديق يقتل بلا استتابة، بخلاف أهل البدع مثل القدرية والمعتزلة وشبههم، الذين يستتابون أسررا بدعتهم أو أعلنوا بها، فإن تابوا لم يكن عليهم شيء، وإن لم يتوبوا قتلوا على مذهب من يكفرهم بما لقولهم، وضربوا أبدا على مذهب من مر أنهم لا يكفرون بما لقولهم حتى يتوبوا حسبما مضى فوق هذا في هذا الرسم، وبالله التوفيق.

مسألة: زعم أنه نبي يوحى إليه هل يستتاب

[مسألة: زعم أنه نبي يوحى إليه هل يستتاب] مسألة قلت: فلو أن رجلا تنبأ، وزعم أنه نبي يوحى إليه هل يستتاب؟ قال: نعم، يستتاب فإن تاب من ذلك وإلا قتل. قال محمد بن رشد: لم يقل هاهنا: إنه يستتاب على ذلك إن استسر به، ودعا إليه في السر كما قال قبل هذا، والصواب أن يحمل قوله هاهنا على أنه أعلن بذلك، ولذلك رأى أن يستتاب، بخلاف إذا دعا إلى ذلك بالسر حسبما ذكرناه فوق هذا من أنه هو القياس. [مسألة: قول عند العجب بالشيء صلى الله على محمد] مسألة قيل لسحنون: أرأيت الرجل يقول عند العجب بالشيء صلى الله على محمد النبي وسلم هل يكره ذلك؟ قال: نعم، مكروه، ولا يجوز أن يصلي على النبي إلا في موضع الاحتساب، ورجاء ثواب الله عز وجل. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه، وبالله التوفيق. [: المرتد عن الإسلام يقتل مسلما أو نصرانيا أو عبدا خطأ أو عمدا] ومن كتاب العتق قال: وقال مالك في المرتد عن الإسلام يقتل مسلما أو نصرانيا أو عبدا خطأ أو عمدا، أو يجرح بعضهم، أو يسرق، قال: لا يستتاب، فإن لم يرجع للإسلام قتل، فكان القتل يأتي على جميع ما كان منه إلا الفرية، وإن راجع الإسلام اليم عليه ما يقام عن المسلمين فيما وصفت كله، إن كان خطأ حملته العاقلة عنه إن كان مما

تحمل، وإن كان عمدا أقيم ذلك عليه، واقتص منه إن كان الذي أصاب به مسلما، وإن كان نصرانيا حكم بينهما بما يحكم به بين المسلم والنصراني في جميع الأشياء، وكذلك إن قذف أو سرق، [وكل ما كان منه في الارتداد فهو بمنزلة ما كان منه] قبل الارتداد إذا راجع الإسلام. وإن قذفه رجل في ارتداده، فلا حد على القاذف رجع المرتد إلى الإسلام، أو قتل على ارتداده إن كان إنما قذفه في ارتداده، وإن كان إنما قذفه قبل ارتداده، فإن رجع إلى الإسلام أخذ له بحده، وإن قتل على ارتداده فلا حد له. وإن كان حج قبل ارتداده كان عليه أن يحج حج الإسلام ثانية. وإن كانت له امرأة حين ارتد لم يرجع إليها إلا بنكاح جديد بعد إسلامه، فيكون ارتداده تطلقه بائنة. قال محمد بن رشد: قوله فإن لم يراجع الإسلام قتل فكان القتل يأتي على جميع ما كان منه يريد ويؤخذ من ماله قيمة العبد الذي قتل؛ لأنه إنما سقط عنه بقتله على الارتداد ما كان في بدنه من القصاص في الجرح والقطع في السرقة، ولا يكون ذلك في ماله على قياس قول سحنون الذي يرى أنه محجور عليه في ماله بنفس الارتداد، وإلى هذا ذهب الفضل، وأما جناياته الخطأ التي تحملها العاقلة فاستحسن أصبغ أن يعقلها عنه المسلمون؛ لأنهم يرثون ماله. وأما قوله: إنه إن راجع الإسلام أقيم عليه ما يقام على المسلمين فيما

وصفت كله إلى آخر قوله فهو مثل ما تقدم في رسم لم يدرك من سماع عيسى على قياس القول بأن ما جنى المرتد في حال ارتداده ثم أسلم ينظر فيه إلى حاله يوم الحكم في القود والدية، وقد روى عن ابن القاسم أنه إنما ينظر إلى حاله في ذلك يوم الفعل، لا يوم الحكم، فيقتل بمن قتل مسلما كان أو نصرانيا؛ لأنه كان كافرا يوم الفعل، والكافر يقتل بالكافر والمسلم، وعلى هذا يأتي ما قاله في رسم الصلاة من سماع يحيى بعدها: إنه إن قتل خطأ ودي عنه من بيت مال المسلمين؛ لأنهم هم كانوا ورثته يوم الجناية، ولا عاقلة له يومئذ، وقد روى عن سحنون مثل هذا القول وروى عنه أيضا أن دية ما قتل خطأ تكون في ماله؛ إذ لا عاقلة له يومئذ، وهو على خلاف أصله في أنه محجور عليه في ماله بنفس ارتداده. يتحصل في دية من قتل المرتد خطأ إذا أسلم ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك على عاقلته. والثاني: أن ذلك على جماعة المسلمين. والثالث: أن ذلك في ماله، وفي المسألة قول رابع، روي عن أشهب أن ديته على أهل الدين الذي ارتد إليه. قال أشهب: ولو جنى معاهد على أحد خطأ كانت الدية في ماله، بخلاف الأول، وقع ذلك من قوله في النوادر. وأما ما جنى خطأ قبل أن يرتد، فإن راجع الإسلام كانت جنايته على العاقلة قولا واحدا، وأما إن قتل على ردته فيتخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: أن ذلك على العاقلة؛ لأنه يوم جنى كانت له عاقلة. والثاني: أنها على جماعة المسلمين؛ لأنهم هم ورثته. وقوله: إن قذفه أحد قبل ارتداده أخذ له بحده إن راجع الإسلام بخلاف إذا قذفه أحد وهو مرتد، هو خلاف ما في المدونة من أنه إذا قذفه وهو مسلم ثم ارتد فهو بمنزلة إذا قذفه وهو مرتد لا يحد إن راجع الإسلام، وعلى هذا

الاختلاف يأتي ما قاله سحنون في كتاب ابنه: لو أن رجلا مسلما جنى على مسلم، ثم ارتد المجني عليه عن الإسلام، ثم رجع إلى الإسلام، فإن فيه تنازعا بين أصحابنا، ففي قول أشهب: إن لورثته أن يقسموا ويقتلوا الجاني، وفي قول غيره: إن أحبوا أن يقتصوا من الجرح فذلك لهم، وإن أحبوا أن يقسموا ويقتلوا فليس ذلك لهم؛ لأن القصاص قد امتنع بارتداده، وإن أحبوا أن يقسموا ويأخذوا الدية فذلك لهم، فما حكى سحنون عن أشهب يأتي على قياس قول ابن القاسم في هذه الرواية، وما حكى عن غيره ينحو إلى ما في المدونة؛ لأنه جعل ارتداد المجني عليه شبهة يسقط بها القصاص بالقسامة عن الجاني كما يسقط الحد في القذف عن القاذف، وكان القياس على ما في المدونة، ألا يكون لهم أرش الجرح كما لو جرحه وهو مرتد. وأما قوله: وإن كان حج قبل ارتداده كان عليه أن يحج حج الإسلام ثانية، فهو مثل قوله في النكاح الثالث من المدونة؛ لأن الأعمال تحبط بنفس الكفر، وإن راجع الإسلام على ظاهر قول الله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] . وقد قيل: إن الأعمال لا تحبط بالكفر إلا مع شرط الموافاة؛ بدليل قوله عز وجل: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ} [البقرة: 217] الآية، وهو قول ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية، من كتاب الوضوء؛ لأنه استحب لمن توضأ ثم ارتد، فراجع الإسلام أن يعيد الوضوء ولم يوجب ذلك، وقد زدنا هذه المسألة هناك بيانا، ولهذا الاختلاف أشار في المدونة بقوله: وهذا أحسن ما سمعت [فأسمعت] ، وقال فيها على قياس قوله: إن الحج لا يجزيه أنه لا يلزمه قضاء ما ضيع من الفرائض، وبدليل قوله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وأوجب أصبغ عليه قضاء ما صنع من

الفرائض، وخالفه في ذلك ابن حبيب، وقال فيه وفي الحج كقول ابن القاسم: إنه لا يجزئ الحج ولا يجب عليه قضاء ما ترك وضيع من الفرائض. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يجزيه ما ضيع من الفرائض، ولا يلزمه قضاء ما ترك منها، وهو قوله في المدونة، واختيار ابن حبيب. والثاني: أنه يجزيه ما ضيع ويلزمه قضاء ما ترك وضيع، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في سماع موسى من كتاب الوضوء. والثالث: تفرقة أصبغ بين الوجهين، فلا يجزيه الحج، ويلزمه قضاء ما ضيع، ووجه هذه التفرقة الاحتياط والاسحتسان مراعاة للخلاف. ومذهب ابن القاسم في ذلك أن الردة تسقط الأيمان بالطلاق وبالعتق وبالظهار، والإحصان لو تزوج رجل امرأة ودخل بها ثم ارتد أو ارتدت، ثم راجعا الإسلام قريبا بعد الإسلام لم يرجما، فكذلك على مذهبه لو طلقت امرأة ثلاثا، فتزوجها زوج ودخل بها، ثم ارتدت ثم أسلمت، لم تحل لزوجها الذي طلقها ثلاثا حتى تتزوج بعد الردة؛ ولا يسقط الطلاق ولا العتق إذا وقعا بيمين أو بغير يمين، لو طلق رجل امرأة ثلاثا بيمين أو بغير يمين، ثم ارتد ثم تاب لم تحل له إلا بعد زوج، وقال إسماعيل القاضي: إنها تحل له قبل زوج، وهو مذهب أبي حنيفة أن الردة تسقط حد الزنا وشرب الخمر، ولا تسقط حد السرقة، ولا حد القذف. وقال أصبغ، واختاره ابن حبيب: إنها لا تسقط شيئا من الحدود كما لا تسقط الطلاق ولا العتق ولا اليمين؛ لأنه يتهم على أن يرتد في الظاهر ليسقط ذلك عنه. واختلف على مذهب ابن القاسم في الظهار، فقيل: إنه يسقط عنه بالارتداد، حنث فيه بالوطء أو لم يحنث على ظاهر ما في المدونة، وقيل: إنه إن حنث سقطت عنه الكفارة بالارتداد، وإن لم يحنث فيه لزمه ولم يسقط عنه. ولا اختلاف في أنه لا يسقط بارتداده تحصين من حصنه من النساء، ولا

: نصراني صلى بقوم من المسلمين وهم لا يعلمون

تحليل من حلله منهن، مثل أن يتزوج امرأة ثم يرتد وتزني هي، أو يتزوج امرأة مطلقة ثلاثا فيحلها لزوجها ثم يرتد، أن تحليله إياها لزوجها لا يسقط. وأما قوله: وإن كانت له امرأة حين ارتد لم يرجع إليها إلا بنكاح جديد بعد إسلامه يكون ارتداده تطليقة بائنة، فمثله في المدونة، وقد روي عن مالك أن ارتداده طلقة رجعية يكون أحق بها إن أسلم في عدتها، وقع ذلك في بعض الروايات من كتاب أمهات الأولاد من المدونة، وقد روى ذلك عن سحنون في ارتداد الزوجة، وفي الثمانية لابن الماجشون أنه فسخ بغير طلاق. فيتحصل في ارتداده أحد الزوجين ثلاثة أقوال، وسنذكر هذا في رسم الأقضية، من سماع يحيى بعد هذا، وأصبغ يفرق بين أن تكون زوجته مسلمة أو ذمية فيقول: إنه إن كانت زوجته نصرانية فارتد إلى النصرانية؛ أنه يكون أحق بها إن أسلم، وكذلك إن كانت يهودية فارتد إلى اليهودية تكون زوجته إذا أسلم، وبالله التوفيق. [: نصراني صلى بقوم من المسلمين وهم لا يعلمون] من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصلاة قال يحيى: قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في النصراني يصحب القوم فيصلي بهم أياما، ثم يتبين لهم أمره: إنهم يعيدون كل صلاة صلاها بهم في الوقت وفي غيره، قيل لمالك: أفيقتل بما أظهر من الإسلام عليه، ومن إخفاء الكفر؟ قال: لا أرى ذلك عليه. وسئل سحنون عن نصراني صلى بقوم من المسلمين وهم لا يعلمون، ثم تبين أنه نصراني، فقال: إن كان النصراني إنما كان في موضع يخاف فيه، فدارى بذلك على نفسه وعلى ماله، فلا سبيل إليه، ويعيد القوم صلاتهم، وإن كان في موضع يكون فيه آمنا، فإنه يعرض عليه

مسألة: المرتد إذا كان ارتداده في دار الإسلام ثم قتل رجلا

الإسلام، فإن أسلم لم يكن على القوم إعادة وصلاتهم تامة، وإن لم يسلم ضربت عنقه وأعاد القوم صلاتهم. قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه الرواية: إنه لا يقتل بما أظهر من صلواته ظاهره، وإن كان في موضع هو فيه آمن على نفسه، ووجه ذلك أنه رأى صلاته بهم مجونا وعبثا، فيجب عليه بذلك الأدب المؤلم ولا يقتل، وفي الواضحة لمطرف وابن الماجشون مثل قول ابن القاسم في الإعادة أبدا، وقالا: إن ذلك منه إسلام، ولا حجة له إن قال: لم أرد به الإسلام، وسواء على قولهما كان في موضع هو فيه آمن على نفسه، أو في موضع يخاف فيه على نفسه، فدارى بذلك عليها مثل قول أشهب في رسم الأقضية بعد هذا من هذا السماع، وتفرقة من قول ابن القاسم في أول رسم من سماع عيسى، وبين قوله وقول ابن وهب، وفرق سحنون بين أن يكون في موضع هو فيه آمن على نفسه، أو في موضع يخاف فيه على نفسه في هل يعد ذلك منه إسلاما يقتل على الخروج منه إن لم يعد إليه، هو أظهر الأقوال في هذه المسألة على ما تقدم في رسم الأقضية من هذا السماع بعد هذا، وأما تفرقة سحنون في إيجاب إعادة الصلاة على القوم إذا كان في موضع هو فيه آمن على نفسه بين أن يجيب إلى الإسلام أو لا يجيب فهو استحسان، ووجهها أنه إذا لم يجب إلى الإسلام اتهمه فيما أظهر من إسلامه بصلواته، وإذا أجاب إليه لم يتهمه عليه، والقياس إذا عدت صلاته بهم إسلاما يستتاب عليه إن رجع عنه، ألا يجب على القوم إعادة صلاتهم، أجاب إلى الإسلام أو لم يجب. [مسألة: المرتد إذا كان ارتداده في دار الإسلام ثم قتل رجلا] مسألة قال يحيى: قال ابن القاسم في المرتد إذا كان ارتداده في دار الإسلام ثم قتل رجلا: أقيد منه، والعفو للأولياء في ذلك مثله لهم في غيره، وإن ارتد ولحق بدار الشرك، فعدى على رجل من

المسلمين فقتله، وكان فيمن يخرج على المسلمين من العدو وفر، ثم ظفر به المسلمون، فعلى الإمام أن يقتله ولا يستبقيه ولا يجعل أمره إلى الأولياء الذين قتل من المسلمين؛ لأن أمره كأمر المحارب الخارج على المسلمين بالسلاح، وهو يقتل ولا يستتاب كاستتابة المرتد في دار الإسلام، ولا يجوز لأولياء المقتول العفو عنه ما لم يسلم، قال: وإن قتل خطأ ودي عنه من بيت مال المسلمين، وإن قتل هو خطأ فعقله لجميع المسلمين، وإن قتل عمدا تعديا عليه في عداوة أو نائرة كان على قاتله العقل في خاصة ماله، ويكون ذلك العقل لجميع المسلمين. قال محمد بن رشد: قوله: إن المرتد إذا كان ارتداده في دار الإسلام، ثم قتل رجلا؛ أنه يقاد منه، والعفو فيه للأولياء مثله لهم في غيره صحيح، لا اختلاف في أن الارتداد لا يسقط عليه شيئا من حقوق الناس في الدماء ولا في الأموال، وقد مضى في رسم العتق، من سماع عيسى قبل هذا تحصيل القول فيما يسقط عنه الارتداد مما لا يسقط عنه، فلا وجه لإعادته. وقوله: إنه إذا ارتد ولحق بدار الشرك، فكان ممن يخرج على المسلمين، ثم ظفر به المسلمون؛ أنه يقتل ولا يستتاب كاستتابة المرتد في دار الإسلام، ولا يجوز لأولياء المقتول العفو عنه ما لم يسلم، فإن أسلم لم يقتل وهدر عنه كل ما أصابه من الدماء والأموال في حال ارتداده على ما روى عيسى، عن ابن القاسم، في رسم أسلم وله بنون صغار من كتاب الجهاد، وقد مضى الكلام عليه هنالك. وقوله: وإن قتل خطأ ودي عنه من بيت مال المسلمين، قد مضى الكلام عليه، وتحصيل القول فيه في رسم العتق، من سماع عيسى قبل هذا، وفي رسم لم يدرك منه، فلا وجه لإعادته.

مسألة: المرتد يقتل عمدا

وقوله: وإن قتل عمدا تعديا عليه في عداوة أو نائرة، فالعقل للمسلمين، فهذا أمر لا اختلاف فيه؛ لأن المسلمين يرثونه، فهم يأخذون ديته على مذهب من يوجب فيه دية، وبالله التوفيق. [مسألة: المرتد يقتل عمدا] مسألة قال سحنون في المرتد يقتل عمدا: إنه لا دية له ولا قصاص على قاتله، إلا الأدب من السلطان بما افتات عليه، وقد كان عبد العزيز بن أبي سلمة يقول: يقتل المرتد ولا يستتاب، ويذكر أن أبا موسى الأشعري وقف على معاذ بن جبل، وأمامه مسلم تهود، فقال له معاذ: انزل يا أبا موسى، فقال: لا والله لا نزلت حتى يقتل هذا، فلو رأى عليه استتابة ما قاله، ولو رأيت له الاستتابة لرأيت ذلك في المحارب والزاني المحصن، وذنبهما أيسر خطبا من المرتد. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، تحصيل القول في استتابة المرتد، فلا معنى لإعادته، ومضى في نوازل سحنون من كتاب الديات القول فيما يجب على قاتل المرتد عمدا، لتكرر المسألة هناك، وأن في ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا دية له، وهو قول سحنون، وروي مثله عن أشهب أيضا. والثاني: أن ديته دية مجوسي، وهو قول البرني، وحكاه عن أشهب وابن القاسم، وحكى سحنون عن أشهب أن عقله عقل الدين الذي ارتد إليه، وقد روى عن ابن القاسم مثل ذلك، وذكرنا هناك وجه الاختلاف في ذلك، فلا وجه لإعادته. [مسألة: المرتد إذا جرح في ارتداده عمدا أو خطأ] مسألة قال ابن القاسم: إذا جرح المرتد في ارتداده عمدا أو خطأ، فإن عقل جراحاته للمسلمين إن قتل، وله إن تاب، وعمد من جرحه كالخطأ لا يقتص ممن جرحه، قلت: فإن كان جارحه عمدا نصرانيا؟

مسألة: الولاء للمسلمين

قال: لا قود؛ لأنه ليس على دين يقر عليه، فعمد من أصابه بجرح خطأ يعقل ولا يقاد، أصابه بالجرح مسلم أو غير مسلم. قال محمد بن رشد: قوله في المرتد إذا جرح في ارتداده عمدا أو خطأ، إن عقل جراحاته للمسلمين، إن قتل يريد من حساب دية مجوس الدين الذي ارتد إليه على ما تقدم في المسألة التي قبل هذه من الاختلاف في ذلك، ومن لا يرى في المرتد الذي قتل دية، وهو قول سحنون، وأحد قولي أشهب، فلا دية على جارحه في جرحه إذا قتل، وأما إن تاب فجراحاته على حساب الدين الذي ارتد إليه قاله سحنون، ولا أعرف في هذا نص خلاف. [مسألة: الولاء للمسلمين] مسألة قلت له: أرأيت ولاء من أعتق من عبيده المسلمين، أيثبت له إذا تاب ولزمه إمضاء عتقهم؟ قال: الولاء للمسلمين؛ لأنه أعتقهم حين لم يكن يثبت له ولاء من أعتق من المسلمين، وكذلك من كاتب من المسلمين إذا أدى ما كوتب به، فولاؤه للمسلمين إذا أدى ما كوتب به فهو للمسلمين، وإن عجز رق له، والكتابة تمضي عليه إذا تاب، وترد إن قتل، قيل له: فالتدبير؟ قال: إذا تاب مضى، وإن قتل رد ولم يجز تدبيره. قال محمد بن رشد: لا اختلاف فيما دبر المرتد قبل ارتداده، أو أولد من إمائه، أو أعتق إلى أجل من رقيقه، أو كاتب في أن ذلك يمضي على المرتد، وإن قتل أو مات في ردته، فتمضي الكتابة على كتابته، ويعتق المعتق إلى أجل إلى أجله، ويعتق المدبر من ثلثه وأم الولد من رأس ماله، ويكون ولاؤهم له إن تاب، ولعصبته من المسلمين إن قتل أو مات على ردته، وقال أشهب: إن مات أو قتل على ردته فولاؤه لجماعة المسلمين، دون مسلمي ولده، قال محمد بن المواز: وقول ابن القاسم أحب إلينا؛ لأنه عقد كان منه في

مسألة: وقعت له شفعة وهومرتد أيأخذها

إسلامه وأما وصاياه التي له الرجوع عنها، فلا تجوز ولا تنفذ إن قتل أو مات في ردته، فإن رجع إلى الإسلام جازت وصاياه. واختلف في أمهات الأولاد فقال ابن القاسم: يرجع إلى وطئهن، وقال أشهب: قد عتقن بارتداده، ولا يرجعن إليه، واختلف فيما فعل من ذلك كله بعد الردة قبل أن يحجر عليه في ماله بنفس ارتداده، فقيل: إن ذلك لا يجوز إن قتل أو مات على ردته، ويبطل تدبيره وعتقه المؤجل وكتابته، ويسترق ما استولد من الإماء، وهو قول أشهب ومذهب سحنون، ومذهب ابن القاسم في هذه الرواية؛ لأنه قال: إن ذلك يرد كله إن قتل، ويمضي إذا تاب وراجع الإسلام، فيعتق المدبر من ثلثه، ويمضي العتق المؤجل إلى أجله، وتمضي الكتابة على سنتها، ويكون ولاؤهم للمسلمين، وأما أمهات أولاده فيرجع إلى وطئهن على مذهب ابن القاسم، خلاف قول أشهب على ما تقدم، وأما إن فعل ذلك بعد الحجر، فلا يجوز باتفاق إن قتل، واختلف إن تاب وراجع الإسلام، فقيل: إن ذلك لا يجوز أيضا، وقيل: إنه يجوز، وهو اختيار محمد بن المواز. [مسألة: وقعت له شفعة وهومرتد أيأخذها] مسألة قيل له: أرأيت إن وقعت له شفعة، وهو مرتد أيأخذها؟ قال: ليس ذلك له، قال العتبي: إن رجع أخذ شفعته. قال محمد بن رشد: لا اختلاف فيما قاله العتبي من أنه أحق بشفعته إذا تاب، ولا في أنه ليس له أن يأخذ بعد أن يحجر عليه، وإنما الكلام هل له أن يأخذ شفعته قبل أن يحجر عليه، فظاهر هذه الرواية أن ذلك ليس له، فإن أخذها كان للسلطان أن يرد فعله في ذلك، وهو قول سحنون على أصله في أنه محجور عليه في ماله بنفس ارتداده، وحكى عنه ابن أبي زيد في النوادر على أنه من العتبية في المرتد يحبس، فتجب له الشفعة، قال: هو محجور عليه، فإن تاب فله الشفعة، وإن قتل فهي للسلطان يأخذها إن شاء لبيت المال أو يترك.

مسألة: إذا أقيم على المحارب الحد

والمشهور من مذهب ابن القاسم أن أفعال المرتد في ماله ماضية ما لم يحجر عليه برفع أمره إلى السلطان، وسجنه خلاف ظاهر قوله في هذه الرواية، وقد مضى هذا المعنى في المسألة التي قبل هذه، وفي رسم إن خرجت، من سماع عيسى، وبالله التوفيق. [مسألة: إذا أقيم على المحارب الحد] مسألة قال سحنون: إذا أقيم على المحارب الحد، فحكمه حكم السارق فيما وجب عليه من الأموال إن كان له وفر، وهو متصل، يؤخذ منه جميع الأموال دية النصراني، وقيمة العبيد واستكراه النساء، وجميع ما استهلك من الأموال، وإن لم يكن له وفر متصل، لم يتبع بشيء إذا لم تقم عليه الحدودات، فحكمه حكم رجل فعل هذه الأشياء، وليس بمحارب يلزمه ذلك في ذمته وماله والقصاص لمن له القصاص. قال محمد بن رشد.: وقعت هذه المسألة في خارج كتاب ابن لبابة من الأصل، وهي صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا اختلاف في المذهب. [: النصراني يسلم في أيام شدة وضيق من الخراج ثم يرجع إلى الإسلام] ومن كتاب الأقضية قال يحيى: وسأله ابن وهب عن راهب قيل له: أنت رجل فصيح عربي قد عرفت فضل الإسلام وأهله على غيره من الأديان، فما يمنعك من الإسلام؟ فقال: قد كنت مسلما زمانا فعرفت الإسلام، ولم أر دينا أفضل من النصرانية، فرجعت إليها للذي عرفت من فضلها، فبلغ ذلك السلطان فأرسل إليه فسأله عن قوله، فقال: قد قلت ذلك، ولم أكن مسلما قط، وإنما كان ذلك قولا قلته، فحبسه السلطان، والتمس عليه البينة في إسلامه، فلم يجد بينة تشهد على

إسلامه إلا القول الذي أقر به، فماذا يجب عليه؟ قال: لا أرى عليه قتلا ولا عقوبة، ولا يستتاب كمن يعد مرتدا، إلا من شهد عليه أنه رئي يصلي ولو ركعة واحدة من الصلاة. قلت: فإن تشهد وأقر بالنبي، وعرف الفرائض من أداء الزكاة والحج وصيام رمضان فريضة، وتشهد به بعد العلم به، وهو ممن لا يعذر بالجهالة؟ فلم يجب بشيء. وسألت عن ذلك ابن القاسم، فقال: سمعت مالكا يقول: لا يقتل على الارتداد إلا من ثبت عليه أنه كان على الإسلام، يعرف ذلك منه طائعا يصلي مقرا بالإسلام من غير أن يدخل الإسلام هربا من ضيق عذاب عذب به في جزية، أو ما أشبه ذلك، أو يكون حمل من جزيته ما لا طاقة له به فألجأه ذلك إلى الإسلام، فمن ألجئ إلى ذلك منهم لما بلغ به من عذابه في خراجه أو طول سجن، فإنه يقال: إن أسلم إذا عرف ذلك من عذره. قال أصبغ: قال ابن وهب مثله. وسألت عنها أشهب وقلت له: النصراني يسلم في أيام شدة وضيق من الخراج، ثم يرجع إلى الإسلام، ويرجع ويزعم أن إسلامه إنما كان من ضيق ضيق به عليه، ولا يعلم ذلك إلا بقوله، فقال لي: بل لو علم ذلك كما قال، وشهد له بذلك غيره، لرأيت أن يقتل إن لم يرجع إلى الإسلام، ولم ير ابن وهب عليه القتل إذا كان عن ضيق أو عذاب أو خوف، وأشارا به جميعا على إسحاق بن سليمان الهاشمي، ونزلت به عندنا في مصر. قال الإمام القاضي: أما الراهب الذي قال: كنت مسلما زمانا، ثم قال لما وقف على ذلك: ما كنت مسلما قط، وإنما كان ذلك قولا قلته، فقول ابن

وهب فيه: إنه لا قتل عليه ولا عقوبة، بين صحيح؛ لأنه شاهد على نفسه بالإسلام، فلا يصح أن يقتل بشهادته على نفسه؛ إذ قد رجع عنها، وقال: إنه كذب على نفسه فيها كما لو شهد عليه شاهدان بالإسلام، ثم رجعا عن شهادتهما، وقالا: كذبنا فيما شهدنا به عليه من ذلك، ولما سأله عمن رضي بالإسلام بعد وقوفه على فرائضه، وأقر بالنبي، وتشهد، ثم رجع عن الإسلام لم يجبه بشيء، ومن مذهبه أنه لا يقتل على الكفر من أنكر الإسلام من أهل الذمة، إذا لم يشهد عليه إلا بالتشهد بالإسلام، وذلك بين من قوله، ولا يستتاب كمن يعد مرتدا إلا من شهد عليه، أنه رئي يصلي ولو ركعة واحدة من الصلاة، مثل ما حكى ابن القاسم أنه سمع مالكا يقول: لا يقتل على الارتداد إلا من ثبت عليه أنه كان على الإسلام يعرف ذلك منه طائعا يصلي؟ وأصبغ يقول: إنه من أسلم طائعا ثم ارتد بعد طول مكث أو بقرب، صلى وصام ولم يفعل، ثم رجع في موقفه، فيسلك به مسلك من ولد على الفطرة. والاستتابة ثلاثة أيام يخوف فيها القتل، ويذكر الإسلام ويعرض عليه، ولا اختلاف فيمن اعتقد الإسلام بقلبه أنه مسلم مؤمن؛ لأن الإيمان من أفعال القلوب، ولا في أنه يحكم له بحكم الإسلام بإظهار الشهادة، فيورث به ويصلي عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، وإن مات من ساعته قبل أن يصلي أو يصوم؛ نعم وإن مرت به أوقات صلوات قبل أن يموت، فلم يصل لأن ذلك يحمل منه على التضييع والتفريط الذي لا يخرج من الإسلام والإيمان في قول كافة العلماء، فقول أصبغ: إنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهو القياس. ووجه ما ذهب إليه ابن وهب ومالك فيما حكى ابن القاسم من أنه لا يستتاب ولا يقتل حتى يصلي؛ اتباع ظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من غير دينه فاضربوا عنقه» لأنه لا يستحق أحد التسمية بأنه على دين الإسلام

إلا بالتمادي على فعل شرائعه من الصلاة والزكاة والصيام والحج؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا» ، ولأنا لسنا على يقين من صحة الشهادة عليه بالإسلام إذا كان منكرا لاحتمال أن الشهود قد شبه عليهم فيما شهدوا به عليه؛ لأن الاختلاف إنما هو إذا كان منكرا لما شهد به عليه من الإسلام، ولو أقر بما شهدوا به عليه من الإسلام، لوجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن كان لم يصل باتفاق، والله أعلم. وقول ابن القاسم وابن وهب: إنه يعذر في أنه إنما أسلم لما ذكره من أنه حمل من جزيته ما لا يحتمله وما أشبه ذلك، إذا عرف ذلك من عذره يدل على أنه لا يصدق في ذلك إذا لم يعرف عذره. وقد روى أبو زيد عن ابن القاسم في النصراني يسلم ويصلي ويقول: أسلمت مخافة الجزية، أو أن أظلم، قال: يقبل ذلك منه، وليس كالمرتد، ذكر هذه الرواية ابن أبي زيد في النوادر، ومعنى ذلك إذا أشبه ما ادعاه. وتحصيل هذا أنها مسألة فيها قولان: أحدهما أنه لا يعذر، وهو قول أشهب، وحكى ابن حبيب مثله عن مطرف وابن الماجشون. والثاني: أنه يعذر، واختلف على القول بأنه يعذر هل يصدق في العذر إذا ادعاه على قولين: أحدهما: أنه لا يصدق، وهو قول ابن القاسم وابن وهب في هذه الرواية. والثاني: أنه يصدق هو قول ابن القاسم في رواية أبي زيد عنه، ومعنى ذلك إذا أشبه ما ادعاه، وقد مضى في أول السماع من معنى هذه المسألة، وفي أول سماع عيسى أيضا، فقف على ذلك كله وتدبره، وبالله التوفيق.

مسألة: ارتداد أحد الزوجين يقطع العصمة فيما بينهما

[مسألة: ارتداد أحد الزوجين يقطع العصمة فيما بينهما] مسألة قال ابن القاسم في المرتدة: لا تحل لزوجها إذا تابت إلا بنكاح جديد، ولا يحل له وطؤها في ارتدادها. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب النكاح الثالث من المدونة: أن ارتداد أحد الزوجين يقطع العصمة فيما بينهما، قال فيها: وتكون تطليقة بائنة، وهو معنى قوله في هذه الرواية، وابن الماجشون يرى أن ارتداد أحد الزوجين فسخ بغير طلاق، وقد روي عن سحنون أنها إن رجعت إلى الإسلام كان زوجها أملك بها، ومعناه ما كان في عدتها؛ لأن الوجه في ذلك أنه رأى ارتدادها في ذلك طلقة رجيعة، وهو عن مالك في كتاب أمهات الأولاد من المدونة: أن ارتداد الزوج طلقة رجيعة، يكون أحق بها إن أسلم في عدتها. فيتحصل في ارتداد أحد الزوجين ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنها طلقة بائنة. والثاني: أنها طلقة رجعية. والثالث: أنه فسخ بغير طلاق، وقد مضى هذا في رسم العتق، من سماع عيسى، وروي عن علي بن زياد، عن مالك أنه إن علم أنها أرادت بارتدادها الضرر بزوجها لم يكن ذلك طلاقا، وأمسك امرأته كما كانت، وبالله التوفيق. [مسألة: ذبيحة المرتد] مسألة قال: ولا تحل ذبيحة المرتد، ولا يقام عليه حد الزنا، ولا شرب المسكر، فعل ذلك في ارتداده أو قبل ذلك، ولكن يقام عليه حد الفرية والقطع في السرقة، جنى هذين الذنبين في الارتداد أو قبله، قال: وإنما ينظر في هذا كله إذا تاب، قلت له: فإن أصر على الكفر؟ قال: يعفى عنه من القطع ولا يوضع حد القذف. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من أن المرتد إذا تاب

مسألة: قوم يصلون ركعتين ويجحدون السنة

لا يؤخذ من الحدود بما يؤخذ به الكافر حال كفره وهو السرقة والقذف؛ لأن النصراني إذا سرق قطع، وإذا قذف مسلما حد القذف على ما ذهب إليه ابن حبيب، وحكاه عن أصبغ من أنه يؤخذ بالحدود كلها حد الزنا وحد الشرب، وغيرهما من الحدود، وأنه يتهم على أن يظهر الارتداد؛ ليسقط عن نفسه ما وجب عليه من الحدود، وأما إذا قتل على ردته، فالقتل يأتي على جميع الحدود الواجبة عليه حاشى حد القذف، وبالله التوفيق. [مسألة: قوم يصلون ركعتين ويجحدون السنة] مسألة قال معن: وكتب إلى مالك من المغرب يسأل عن قوم يصلون ركعتين ويجحدون السنة، ويقولون: ما نجد إلا ركعتين، قال مالك: أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا. قال محمد بن رشد: قول معن، وكتب إلى مالك من المغرب ويجحدون السنة أي الطريقة؛ لأن صلاة الظهر والعصر والعشاء الأخيرة أربع ركعات، لا يقال فيها: إنها سنة، بل هي فريضة أحكمتها السنة، وانعقد عليها الإجماع، فمن جحد ذلك كان كافرا كما قال، يستتاب إن تاب وإلا قتل؛ لأنه بمنزلة أن لو جحد فرض صلاة من الصلوات، ويحتمل أن يريد بقوله في السؤال: ويجحدون السنة في تقصير المسافر الصلاة، ويزعمون أنها في الأصل مقصرة، والأول أبين، وهو الذي حفظته في ذلك عن الشيخ ابن جعفر، وبالله التوفيق. [: لا يجبر الصبي المسبي على الإسلام إذا كان قد عقل دينه] من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال محمد بن خالد: قال ابن القاسم: لا يجبر الصبي المسبي على الإسلام إذا كان قد عقل دينه، وأراه قد ذكره عن مالك.

مسألة: تزوج نصرانية فولدت له أولادا فلما بلغوا قالوا لا نسلم

قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يجبر على الإسلام إذا كان قد عقل دينه يدل على أنه يجبر عليه إذا كان لم يعقل دينه، وفي ذلك اختلاف كثير تحصل فيه ستة أقوال؛ أحدها: أنه يجبر عليه جملة من غير تفصيل. والثاني: أنه لا يجبر عليه جملة أيضا من غير تفصيل. والثالث: أنه يجبر عليه إذا لم يسب معه أحد أبويه، إذا لم يكن معه في ملك واحد، فإن سبي معه أحدهما لم يجبر عليه. الرابع: أنه يجبر عليه، وإن سبي معه أحد أبويه إذا لم يكن معه في ملك واحد. والخامس: أنه يجبر عليه إن لم يسب معه أبوه، ولا يلتفت في ذلك إلى أمه، فإن سبي معه أبوه لم يجبر عليه. والسادس: أنه يجبر عليه، وإن سبي معه أبوه، إذا لم يكن معه في ملك واحد وفرق بينهما السهمان، واختلف على القول بأنه يجبر في الموضع الذي يجبر فيه إن مات صغيرا قبل أن يعقل، هل يحكم له بحكم الإسلام في غسله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين على خمسة أقوال قد مضى تحصيلها في رسم الشجرة، تطعم في سنة من سمع ابن القاسم من كتاب الجنائز. وأما إذا سبي وقد عقل دينه، فلا أذكر نص خلاف فيما ذكروه من أنه لا يجبر عليه، وقد يدخل في ذلك الاختلاف بالمعنى على بعد، وهو أن لا يعتبر بكونه ممن يعقل دينه على قياس القول، بأنه لو أسلم في هذه الحال لم يعتبر بإسلامه، فيكون لسيده أن يجبره على الإسلام، والأظهر ما قاله في الرواية من أنه لا يجبر على الإسلام، ولقوله عز وجل: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ، وبالله التوفيق. [مسألة: تزوج نصرانية فولدت له أولادا فلما بلغوا قالوا لا نسلم] مسألة وسئل عن رجل تزوج نصرانية، فولدت له أولادا، فلما بلغوا قالوا: لا نسلم، فماذا ترى عليهم؟ قال: يجبرون على الإسلام على ما أحبوا أو كرهوا، ولا يبلغ بهم القتل.

: المحارب إذا أتى تائبا وقد كان زنى أو سرق

قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن أمهم حملتهم على النصرانية حتى بلغوا، ولذلك لم ير أن يبلغ بهم القتل إذا أبوا الإسلام؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه؛» إذ لا اختلاف في أنه لو لم تنصرهم أمهم لكانوا مسلمين بإسلام أبيهم، يقتلون عليه بعد البلوغ إن أبوه؛ إذ لا اختلاف في أن الولد تبع لأبيه في الدين، وبالله التوفيق. [: المحارب إذا أتى تائبا وقد كان زنى أو سرق] من سماع عبد الملك بن الحسن قال عبد الملك بن الحسن، سألت أشهب عن المحارب إذا أتى تائبا، وقد كان زنى أو سرق، هل يوضع ذلك عنه؟ فقال: لا يوضع عنه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم القراض، من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته. [مسألة: ولد المرتد الصغار إذا أبوا الإسلام إذا كبرواهل يقتلون] مسألة وسألت ابن القاسم عن ولد المرتد الصغار، إذا أبوا الإسلام إذا كبروا، هل يقتلون؟ وكيف بمن ولد له، وهو في ارتداده هل سبيلهم واحد؟ قال: أما ما ولد له، وهو في الإسلام؛ فإنه يستتاب، ويكره على الإسلام على ما أحب أو كره، ويضيق عليه، ولا يبلغ به القتل إذا كان أبوه قد أدخله في نصرانيته قبل أن يموت، وأما ما ولد له في ارتداده؛ فإنهم إن أدركوا قبل أن يحتلموا أو يحضن إن كن نساء، فإني أرى أن يردوا إلى الإسلام، ويجبروا على ذلك، وإن لم يدرك ذلك منهم حتى يكبروا، أو يصيروا رجالا ونساء، رأيت أن يقروا على دينهم؛ لأنهم إنما ولدوا على

ذلك، وليس ارتداد أبيهم قبل أن يولدوا ارتدادهم؛ لأنهم على النصرانية ولدوا، فأحسن ذلك أن يجبروا إذا كانوا صغارا إن أطاعوا، وإن كبروا تركوا على دينهم، وقال ابن كنانة في ولد المرتد إذا قتل: إنه يعقل عنه المسلمون، ويصلون عليه إذا مات، فإن تنصر وعلم بأمره استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وإن غفل عنه حتى يشيخ ويتزوج لم يستتب ولم يقتل. قال محمد بن رشد: إنما قال ابن القاسم في ولد المرتد الصغار الذين ولدوا له قبل ارتداده: إنهم يستتابون إذا بلغوا ويكرهون على الإسلام، ولا يبلغ بهم القتل إذا كان أبوهم قد أدخلهم في نصرانيته؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه» فرأى لهذا الحديث إدخال أبيهم إياهم في نصرانية شبهة لهم تمنع من قتلهم إن أبوا الإسلام لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ؛ لأنهم على دين قد أدخلهم أبوهم فيه، فوجب أن لا يقتلوا على التمسك به، وقول ابن القاسم في هذه المسألة يصحح تأويلنا في مسألة سماع محمد بن خالد المتقدمة، وأما ولد الذين ولدوا له بعد ارتداده، فاستحسن ابن القاسم أن يردوا إلى الإسلام إن أدركوا قبل البلوغ، وأرى أن يتركوا على حالهم، إن لم يدركوا حتى يبلغوا من أجل أنهم على الكفر ولدوا، فليسوا بمنزلة أبيهم في الارتداد؛ إذ لم يكفروا بعد إسلام منهم خلاف ما قاله ابن كنانة من أنهم يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا ما لم يشيخوا على الكفر ويتزوجوا عليه. ووجه ما ذهب إليه ابن كنانة من أنهم يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا، وإن

مسألة: المسلم تكون أمه نصرانية فتسأله السير معها إلى الكنيسة

كانوا لم يرتدوا من الإسلام إلى الكفر لولادتهم على الكفر هو أنه لما كان الحكم أن يكون الولد تبعا لأبيه في الدين، وكان الأب على دين لا يقر عليه، وجب أن يكون بمنزلته في ألا يقر عليه، وأن يقتل إن أبى الإسلام إلا أن يشيخ ويتزوج، فيترك مراعاة للاختلاف في ذلك، وبالله التوفيق. [مسألة: المسلم تكون أمه نصرانية فتسأله السير معها إلى الكنيسة] مسألة وسئل ابن وهب عن المسلم تكون أمه نصرانية، فتسأله السير معها إلى الكنيسة، فهل ترى له سعة في المسير معها؟ قال: لا أرى بأسا أن يسير بها حتى يبلغها ولا يدخلها الكنيسة، قيل له: فله أن يعطيها نفقة لعيدها؟ قال: نعم، يعطيها نفقة لطعامها وشرابها، ولا يعطيها نفقة لما تعطي لكنيسها. قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد تقدمت متكررة في هذا السماع من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وقلنا فيها هناك: إن رأي المسير معها إلى الكنيسة أخف من أن يعطيها ما تعطى فيها؛ لأن مسيره معها إلى الكنيسة لا منفعة فيه للكنيسة، وإنما هو عون لأمه على الوصول إليها، وإعطاؤها ما تعطى فيها منفعة لها، وسبب لعمارتها بمثابة أن لو أعطى ذلك هو فيها، وفي المبسوطة لمالك أنه لا يسوغ أن يسير معها إلى الكنيسة، والاختلاف في هذا على الاختلاف في الكفار هل هم مخاطبون بالشرائع أم لا؟ وقد مضى بيان هذا في رسم يسلفون في المتاع والحيوان المضمون، من سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور.

: ميراث الذي يرتد عند الموت

[: ميراث الذي يرتد عند الموت] من سماع أصبغ بن الفرج، من ابن القاسم من كتاب الحدود قال أصبغ: سئل ابن القاسم عمن قال في مرضه: لم أكن مسلما قط، وإنما كنت أرى فيها أنه لا يورث إذا مات؛ لأنه بلغني أن مالكا سئل عن رجل كفر عند موته، قال: لا أرى أن يورث. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة أن المرتد في مرضه لا يورث منه ورثته، وزاد فيها قال: لا يتهم هاهنا أحد أن يرتد عن الإسلام في مرضه؛ لئلا يرثه ورثته، قال: وميراثه للمسلمين، وهو بين على ما قاله إذا استتيب، فلم يتب فقتل على ردته؛ لأن القتل يرفع عنه التهمة، وأما إذا لم يقتل ومات من مرضه ذلك، فينبغي أن يورث منه ورثته، إذا اتهم على أنه إنما ارتد على أن لا يرثه ورثته، على ما روي عن ابن وهب أنه قال: سمعت مالكا يقول: الذي يرتد عند الموت لا يرثه ورثته من المسلمين، إلا أن يتهم أنه أراد أن يمنعهم ميراثهم منه، فعلى هذا لا تكون رواية ابن وهب مخالفة لما في المدونة من أن المرتد في مرضه لا يتهم بقطع ميراث ورثته؛ لأنه إنما تكلم فيها على أنه قتل على ردته. [مسألة: من قتله أمير المؤمنين من الزنادقة] مسألة قال: وبلغني عن مالك ممن أثق به، وكتب إليه يستفتيه فيمن قتله أمير المؤمنين من أولئك الزنادقة، فرأى مالك أن يورث منهم ورثتهم المسلمون، ورآهم مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد كان رسول الله يعلم أنهم

مسألة: الساحر من أهل الذمة إذا عثر عليه

كفار، فورثهم ورثتهم من المسلمين، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حي، وأخبرني ابن أبي زنبر: أن رجلا جاء إلى مالك فقال: إن أبي كان يعبد الشمس، أفترى لي أن أرثه؟ قال: نعم، أرى ذلك، يعني أنه كان يعبد الشمس سرا، ويظهر الإسلام. قال محمد بن رشد: ما حكى ابن القاسم في هذه الرواية من أنه بلغه عن مالك أن الزنادقة المقتولين على الزندقة، يرثهم ورثتهم من المسلمين، وأنه رآهم مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هو مثل ما تقدم في رسم يدير ماله، من سماع عيسى، خلاف رواية ابن نافع عن مالك، وقد مضى هناك الكلام على ذلك، فأغنى عن إعادته هنا مرة أخرى. [مسألة: الساحر من أهل الذمة إذا عثر عليه] مسألة قلت: أرأيت الساحر من أهل الذمة إذا عثر عليه؟ قال: إن أسلم لم يقتل، وإن لم يسلم قتل، وهو بمنزلة من شتم النبي من النصارى؛ إن أسلم لم يقتل، وإن لم يسلم قتل. قال محمد بن رشد: السحر كفر، فهو بمنزلة الزندقة، قال ابن المواز: من قول مالك وأصحابه أن الساحر كافر بالله، فإذا سحر هو بنفسه، فإنه يقتل ولا يستتاب، والسحر كفر قال تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] ، وقال مالك: هو كالزنديق إذا عمل السحر هو بنفسه؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: 102] ، وقد أمرت حفصة بجارية لها سحرتها أن تقتل فقتلت، قال ابن عبد الحكم وأصبغ: هو

مسألة: الزنديق إذا أقر بالزندقة ثم قال أنا تائب

كالزنديق، ميراثه لورثته من المسلمين، وإن كان للسحر والزندقة مظهرا استتيب، فإن لم يتب قتل، وكان ماله في بيت المال، ولا يصلي عليه بحال، وأما الذي يسر ذلك إذا قتل فيرثه ورثته، ولا يأمرهم بالصلاة عليه، فإن فعلوا فهم علم. ويقتل الساحر إذا كان من أهل الذمة، إلا أن يكونوا أدخلوا بسحرهم ضررا على المسلمين، فيكون نقضا للعهد، فإن تاب فلا توبة له إلا بإسلام، وقال مالك: وإن سحر بذلك أهل ملته فليؤدب، إلا أن يقتل أحدا فيقتل به، فقوله في هذه الرواية في الساحر من أهل الذمة: إنه يقتل إلا أن يسلم خلاف ما تقدم من قوله في رسم بع ولا نقصان عليك، من سماع عيسى في النصراني، لا يؤاخذ على الزندقة؛ أنه يترك وزندقته. ويتحصل في النصراني يتزندق أو يعثر على أنه ساحر ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يترك، وما هو عليه من الزندقة والسحر، إلا أن يدخل بسحره ضررا على المسلمين، فيكون ذلك نقضا للعهد. والثاني: أنه يقتل إلا أن يسلم، وهو قوله في هذه الرواية. والثالث: أنه يقتل وإن أسلم؛ لأن الزنديق لا تقبل منه توبة، روي ذلك عن ابن الماجشون، وقد ذكرنا ذلك في رسم بع ولا نقصان عليك، من سماع عيسى. وأما الساحر من المسلمين فيقتل سحر مسلما أو ذميا، روى ذلك ابن وهب عن مالك، وبالله التوفيق. [مسألة: الزنديق إذا أقر بالزندقة ثم قال أنا تائب] مسألة وسئل أصبغ عن الزنديق إذا أقر بالزندقة ثم قال: أنا تائب؟ قال: إن كان إقراره بعدما ظفر به أو ظهر عليه، فلا توبة له، وليقتل قتلا ... إلى النار، ولا يناظر بشيء، وإن كان من قبل نفسه جاء تائبا فعسى.

مسألة: رجل أيقن برجل أنه زنديق فاغتاله فقتله

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لا إشكال فيه، والحمد لله. [مسألة: رجل أيقن برجل أنه زنديق فاغتاله فقتله] مسألة قلت: فرجل أيقن برجل أنه زنديق، فاغتاله فقتله؟ قال: إن صح له ذلك بالثبت، برئ من السلطان وعقوبته، ولم يكن للسلطان عليه مجاز إلا النهي والتعزير في العجلة قبل أن يثبت للسلطان، فإما قتل أو غير ذلك من العقوبة، فليس عليه إذا صح ذلك على المقتول صحة بينة، وهو محسن فيما بينه وبين الله إذا كان على يقين، لا لبس فيه من أمره وكفره وزندقته، ولعل الولاة تضيع مثل هذا، ولا تصححه، وقد بلغني عن ابن عمر أنه ذكر له أن راهبا يتناول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال: هلا قتلتموه، وأخبرنا سفيان بن عيينة، وبلغني عنه في يهودي تناول شيئا من حرمة الله تعالى غير الذي هو فيه من ذمته، وتحاج فيه آونة فخرج عيينة بالسيف، فطلبه حتى هرب منه، ذكره ابن وهب عن أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر. قال محمد بن رشد: هذا بين لا إشكال فيه، ولا وجه للقول، وبالله التوفيق. تم كتاب المحاربين والمرتدين بحمد الله تعالى. انتهى الجزء السادس عشر من البيان والتحصيل لأبي الوليد بن رشد.

كتاب الجامع الأول

[كتاب الجامع الأول] [لباس الحرير للرجال] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كتاب الجامع الأول من سماع ابن القاسم، من كتاب أوله مساجد القبائل، قال مالك: رأيت ربيعة يلبس القلنسوة وبطانتها وظهارتها خز وكان إماما. قال محمد بن رشد: الخز هو ما كان سداه حريرا فالحم بالوبر. وقد اختلف فيه وفيما كان في معناه من الثياب المشوبة بالكتان والقطن كالمحررات التي سداها حرير وطعمتها قطن وكتان - على أربعة أقوال: أحدها: أن لباسها جائز من قبل المباح، من لبسها لم يأثم بلبسها، ومن تركها لم يؤجر بتركها، وهو مذهب ابن عباس وجماعة من السلف، منهم ربيعة على قوله في هذه الرواية؛ لأن لباس القلنسوة لباسهم؛ لأنهم تأولوا أن النهي والتحريم في لباس الحرير للرجال إنما ورد في الثوب المصمت الخالص من الحرير. والثاني: أن لباسها غير جائز، وإن لم يطلق عليه أنه حرام، فمن لبسها أثم، ومن تركها نجا، إذ قد قيل في حلة

عطارد السيراء، التي قال فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة» - إنها كانت يخالطها الحرير، كانت مضلعة بالقز، وهو مذهب عبد الله بن عمر، والظاهر من قول مالك، وإن كان قد أطلق القول فيه أنه مكروه، والمكروه ما كان في تركه ثواب، وليس في فعله عقاب. إذ قد يطلق فيما هو عنده غير جائز، تحرزا من أن يحرم ما ليس بحرام، والذي يدل على ذلك من مذهبه قوله في المدونة: وأرجو أن يكون الخز في الصبيان خفيفا. والثالث: إن لباسه مكروه على حد المكروه، من لبسه لم يأثم بلبسه، ومن تركه لم يؤجر على تركه، وهذا هو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب؛ لأن ما اختلف أهل العلم فيه لتكافؤ الأدلة في تحليله وتحريمه، فهو من المشبهات التي قال فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنه من اتقاها فقد استبرأ لدينه وعرضه» ، وعلى هذا القول يأتي ما حكاه مطرف من أنه رأى على مالك بن أنس كساء

يعاب العالم بما لا يؤثر في عدالته

إبريسم كساه إياه هارون الرشيد، إذ لم يكن ليلبس ما يعتقد أنه يأثم بلباسه. والرابع: الفرق بين ثياب الخز وسائر الثياب المشوبة بالقطن والكتان، فيجوز لباس ثياب الخز اتباعا للسلف، ولا يجوز لباس ما سواها من القطن والكتان، بالقياس عليها؛ لأن الخز إنما استجيز اتباعا للسلف؛ لأن لباسه رخصة، والرخص لا يقاس عليها، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وهو أضعف الأقوال، إذ لا فرق في القياس بين الخز وبين غيره من المحررات التي قيامها حرير ة وطعمها قطن أو كتان؛ لأن المعنى الذي من أجله استجاز لباس الخز من لبسه من السلف أنه ليس بحرير محض، موجود في المحررات وشبهها، فلهذا المعنى استجازوا لبسه لا من أجل أنه خز، إذ لم يأت أثر للترخيص لهم في لباس الخز، فيختلف في قياس غيره عليه. وبالله التوفيق. [يعاب العالم بما لا يؤثر في عدالته] خبر: قد يعاب العالم بما لا يؤثر في عدالته قال مالك: بلغني أن رجلا دخل على رجل له قدر، وهو يأكل، فلم يعرض عليه أن يأكل معه، فعاب عليه ذاك ذلك الرجل، فقال: إن في مستمعها أمورا كثيرة وقد يكون في العالم الأمر يعاب به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن هذا مما يعاب به الرجل؛ لأنه من مذموم الأخلاق، وليس من مكارمها ومحاسنها، وإن النقص الذي يعاب به الرجل لا يخلو من أكثر البشر. فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا ثلاثة: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد» .

خبر في فضل أبي أيوب الأنصاري وعمر بن عبد العزيز

وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية ابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد» وليس لهذا العيب تأثير في العدالة؛ لأنه إنما يؤثر فيها العيوب في الأديان، لا في الأخلاق ولا في الأبدان. [خبر في فضل أبي أيوب الأنصاري وعمر بن عبد العزيز] وقال مالك: بلغني أن الروم يستصبحون على قبر أبي أيوب الأنصاري. قال مالك: وبلغني أن صالح بن علي مر بموضع قبر عمر بن عبد العزيز، فقيل له: إن هاهنا راهبا قديما فأرسل إليه لعله يعرف موضعه، فقال: عمن تسألني؟ عن قبر الصديق؟ قال محمد بن رشد: أبو أيوب الأنصاري هذا، من كبار أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد، عليه نزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قدم المدينة مهاجرا من مكة، حتى بنى مسجده ومساكنه، فانتقل إليها، وكان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، مع علي بن أبي طالب في الحروب كلها، ومات بالقسطنطينية في خلافة معاوية، خرج إليها غازيا تحت راية يزيد فمرض بها، فلما ثقل عاده يزيد، فأوصاهم إذا مات أن يكفنوه ثم يأمر الخيل بالركوب، فيحملوه إلى حيث يقدرون على الوصول إليه فيدفنونه تحت أقدامهم عند مصاقبتهم

خبر في صفة الريح التي عذب بها عاد

العدو، ففعلوا، فقبره عند سورها معلوم معظم محفوظ يستصبحون عليه على ما قاله في الرواية، ويستسقون به إذا أمحلوا فيسقون. ويروى أن يزيد أمر الخيل أن تقبل وتدبر على قبره ليعفى أثره، فقال لهم الروم صبيحة دفنهم إياه: لقد كان لكم شأن، فقالوا: نعم صاحب لنا من كبار أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توفي ودفناه حيث رأيتم فوالله لئن نبشتموه، لا يضرب لكم ناقوس بأرض العرب ما دامت لنا مملكة، فما أقدموا على ذلك بل تنافسوا في حفظه، وتبركوا بقبره، وذلك كرامة عظيمة من الله عز وجل. وقول الراهب في عمر بن عبد العزيز عمن تسألني عن قبر الصديق؟ هو من هذا المعنى؛ لأن الله إذا أحب عبدا أحبه أهل السماء، ووضع له القبول في الأرض، وانطلقت الألسنة بالثناء عليه. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء» . وبالله التوفيق. [خبر في صفة الريح التي عذب بها عاد] قوم هود قال مالك: وسئلت امرأة من بقية قوم عاد يقال لها هريمة: أي عذاب الله أشد؟ قالت: كل عذابه شديد، وسلامة الله ورحمته ليلة لا ريح فيها، ولقد رأيت العير يحملها الريح فيما بين السماء والأرض، ويقال: ما فتح عليهم إلا مثل حلقة الخاتم،

ولو فتح عليهم مثل منخر الثور لأكفت الأرض. قال الإمام القاضي: يشهد بصحة هذه الحكاية قول الله عز وجل: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41] {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ} [الذاريات: 42]-يريد: ما مرت به- {إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 42] أي: كالشجر اليابس الهشيم، ومنه قَوْله تَعَالَى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] يريد: مما مرت به، إذ لم تدمر هودا، ولا من كان آمن به، وذلك أن هودا لما خوف قومه بعذاب الله إن لم يؤمنوا به، سخروا به، {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأحقاف: 22] {قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحقاف: 23] ، أي: لا يعلم متى يأتي العذاب إلا الله {وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف: 23] {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] فرحوا به لأنهم كانوا في محل وظنوا أنهم يمطرون به، وقالوا: كذب هود كذب هود، فلما خرج نبي الله هود، فشامه، قال لهم: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24] فجاءتهم ريح جعلت تلقي الفسطاط، وتجيء بالرجل الغائب، وتذهب بالظعينة حتى ترى كأنها جرادة، تدمر كل شيء مما مرت به، ترمي بعضه على بعض وتهلك. ومما قاله في الحكاية من قوله: ويقال ما فتح عليهم إلا مثل الخاتم، ولو فتح عليهم مثل منخر الثور لأكفت الأرض، هو مروي عن ابن عباس. ومثله لا يكون رأيا. قال: ما أرسل الله على عاد من الريح إلا قدر خاتمي هذا. ونزع خاتمه، يريد والله أعلم: فتح الله عليهم من خزائن ريح

الإشفاق من استفتاء من ليس من أهل الفتوى

العذاب بابا إلا بقدر حلقة الخاتم. وبالله التوفيق. [الإشفاق من استفتاء من ليس من أهل الفتوى] في الإشفاق من استفتاء من ليس من أهل الفتوى قال مالك: إن ربيعة بكى، فقيل له: ما الذي يبكيك؟ أقضية نزلت بك؟ قال: لا ولكنه أبكاني أنه اسْتُفْتِيَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ. قال: وسمعت مالكا يقول: كان سليمان بن يسار أفقه رجل كان ببلدنا بعد سعيد بن المسيب، والكثير ما كانا يتفقان في القول، فكان إذا ارتفع الصوت في مجلسه، أو كان مرا أخذ نعليه ثم قام. قال محمد بن رشد: إنما بكى ربيعة من استفتى من لا علم له؛ لأن ذلك مصيبة في الدين، وهي أعظم من المصيبة في المال. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الناس، ولكنه يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» ، فلا يصح أن يستفتى إلا من كان من العلماء الذين كملت لهم آلات الاجتهاد، بأن يكون عارفا بالكتاب، والذي يجب عليه أن يعلم منه ما تعلق بذكر الأحكام من الحلال والحرام، فيعرف مفصله ومجمله، ومحكمه وناسخه ومنسوخه، دون ما فيه من القصص والأمثال، والمواعظ والأخبار، ويحفظ السنن المروية عن النبي في ذلك من بيان الأحكام وناسخها ومنسوخها ويعرف معاني الخطاب وموارد الكلام ومصادره، من الحقيقة والمجاز، والخاص والمفصل والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، ويعرف من اللسان ما

رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل ولا حرم إلا ما في كتاب الله

يفهم به معاني الكلام ويعرف أقاويل العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، وما اتفقوا عليه مما اختلفوا فيه، ويعرف وجه النطق والاجتهاد والقياس، ووضع الأدلة في مواضعها والترجيح والتعليل. وما تضمنته هذه الحكاية من أن سعيد بن المسيب كان أفقه من سليمان بن يسار هو المشهور الذي ذهب إليه مالك ومن أخذ بناحيته. وأما ربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة، ومن أخذ بناحيتهما وأهل الكوفة، فيقولون: سليمان بن يسار أفقههما، وقد قيل: إن الفقه كان له، والذكر لسعيد، فهما جميعا فرسا رهان في الفقه والدين والورع. وما حكاه عن سليمان بن يسار: من أنه كان إذا ارتفع الصوت في مجلسه أو كان مرا أخذ نعليه ثم قام - من أدل الدلائل على ورعه وخيره وفضله؛ لأن رفع الصوت في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكروه حتى في العلم، فقد كان رسول أمير المدينة يقف بابن الماجشون في مجلسه إذا استعلى كلامه وكلام أهل مجلسه، فيقول له: يا أبا مروان، اخفض من صوتك، وأمر جلساءك يخفضوا من أصواتهم. روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم وبيعكم وشراءكم وسل سيوفكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم، وجمروها أيام جمعكم، واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم» . وبنى عمر بن الخطاب رحبة بناحية المسجد تسمى البطيحاء، وقال: من أراد أن يلغط وينشد شعرا ويرفع صوته، فليخرج إلى هذه الرحبة. والمراء في العلم منهي عنه. فقد جاء: أنه لا تؤمن فتنته، ولا تفهم حكمته. وبالله التوفيق. [رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل ولا حرم إلا ما في كتاب الله] في أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يحل ولا حرم إلا ما في كتاب الله قال مالك: بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال

في اليوم الذي توفي فيه، ووقف على بابه، فقال: «إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه، يا فاطمة بنت رسول الله، ويا صفية عمة رسول الله، اعملا لما عند الله، فإني لا أغنيكما من الله شيئا» . قال الإمام القاضي: هذا حديث يدل على صحته قول الله عز وجل: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وقال: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] فالمعنى في ذلك أن الله عز وجل نص على بعض الأحكام، وأجمل القرآن في بعضها، وأحال على الأدلة في سائرها بقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] فبين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما أجمله الله في كتابه كما أمره به حيث يقول: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فما أحل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أو حرم ولم يوجد في القرآن نصا فهو مما يبين من مجمل القرآن أو علمه بما نصب من الأدلة فيه. فهذا معنى قوله والله أعلم: «لا أحل إلا ما أحل الله في

تفسير قول النبي عليه السلام أمرت بقرية تأكل القرى

كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه» ، فما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. [تفسير قول النبي عليه السلام أمرت بقرية تأكل القرى] في تفسير قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أمرت بقرية تأكل القرى» " وسئل مالك: عن تفسير حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمرت بقرية تأكل القرى» قال: يثرب تفتح في رأيي، قال: وأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123] قال: يلون المدينة. قال محمد بن رشد: تفسير مالك لهذا الحديث بين صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن معناه أمرت بالهجرة من مكة إلى قرية تفتح منها القرى، وهي التي يسميهما الناس يثرب، فكان كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتحت عليه وعلى أصحابه بعده منها سائر القرى وهي المدن والأمصار. وتمام الحديث في الموطأ وهو قوله: «يقولون يثرب وهي المدينة، تنفي الناس كما تنفي الكير خبث الحديد» فمعنى قوله "يقولون يثرب " أي: يسميها الناس يثرب وهي المدينة، فسماها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وقوله «تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد» ليس على عمومه، ومعناه: في حياة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه لا يخرج من المدينة في حياة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ويرغب عن المقام معه إلا مريض

مواساة الأنصار للمهاجرين

الإيمان، وأما بعد وفاته، فقد خرج منها إلى العراق والشام جماعة من جلة أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمون الناس القرآن والإسلام؛ لأنهم رأوا ذلك أفضل من المقام بالمدينة بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإن كان الصلاة في مسجده خيرا من الصلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام لعظم الأجر على تعليم الناس الإسلام والقرآن، والله أعلم. [مواساة الأنصار للمهاجرين] في مواساة الأنصار للمهاجرين قال: وسمعت مالكا: «لما قدم المهاجرون على الأنصار، قال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: واسوهم، قالوا: يا رسول الله، نقاسمهم الثمر، قال: أَوَغَيْرَ ذلك، قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: يكفونكم المئونة وتقاسمونهم الثمر، قالوا: سمعنا وأطعنا» . قال: إن كان أحدهم لتكون له امرأتان فيخير أخاه في أيتهما شاء. وما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة إلا وما دار من دور الأنصار إلا وفيها الأنصار. قال محمد بن رشد: في هذا فضل الأنصار في مواساتهم المهاجرين القادمين عليهم، وكفى بالثناء على ذلك قوله عز وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] فيما أشار عليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أن يكفوهم المؤونة، ويقاسموهم الثمر

ما يفضل به العراق على الشام

جواز المساقاة على ما ذهب إليه مالك وجميع أصحابه والشافعي، فهو حجة له في إجازتها وتبطل عند أبي حنيفة فيما ذهب إليه من أنها لا تجوز قوله: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما ساق يهود خيبر من أجل أنهم كانوا عبيدا للمسلمين، وبالله التوفيق. [ما يفضل به العراق على الشام] في ما يفضل به العراق على الشام قال: وسمعت مالكا يقول: أقدم معاوية بن أبي سفيان رجلا من أهل الدين والفضل الشام، فقال: سئل بعد ذلك: كيف وجدت الشام؟ فقال: ما رأيت إلا خيرا، إلا أن ظمأ الهواجر الذي كان يصيبني بالعراق لم أجده، وإني كنت أسمع المؤذنين يتجاوبون عند الصلاة، وإني أسمع هاهنا النواقيس، وإني كنت أجالس أقواما يتخيرون طيب الكلام، كما يتخير أطايب الثمر. قال سحنون: هو عامر بن عبد قيس. قال محمد بن رشد: فضل العراق على الشام بثلاثة: أحدها: ظمأ الهواجر فيها، وهو شدة ما يصيب الصائم في صيامه فيه من أجل حره؛ لأن العراق بلاد حرارة، والشام بلاد باردة، والأجور في الأعمال على قدر ما يلحق العامل من المشقة فيها، فكأن الصيام في العراق أفضل من الصيام بالشام، ألا ترى أن أجر المتوضئ في الوضوء، في زمان البرد والشتاء أكثر من أجره في زمان الحر والصيف، وذلك بين من قوله في الحديث: «ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد» ... الحديث، والثاني: كثرة أهل الخير

فضل سعد بن معاذ

فيه، والثالث: عدم سماع النواقيس فيه، إذ لا أهل ذمة فيه، وإن كان فيسير، بخلاف الشام، والله أعلم. [فضل سعد بن معاذ] فيما يروى من فضل سعد بن معاذ قال مالك: مر سعد بن معاذ بعائشة وهي في أطم من الآطام، عليه درع مقلصة مشمرة الكمين، فقالت عائشة: ما أخاف على الرجل إلا من أطرافه، وما رأيت رجلا أجمل منه حاشى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأصيب أكحله، فقال: اللهم إن كانت حرب بني قريظة لم يبق منها شيء فاقبضني إليك، وإن كانت بقيت فأبقني حتى أجاهد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعداءه، فلما حكم في بني قريظة، توفي وفرح الناس، وقالوا: نرجو أن تكون قد استجيبت دعوة سعد. قال محمد بن رشد: سعد بن معاذ من فضلاء الصحابة من الأنصار، رُوِيَ عن عائشة أنها قالت: كان في عبد الأشهل ثلاثة، لم يكن بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أحد أفضل منهم: سعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير، وعباد بن بشر، وهو الذي جاء فيه أنه اهتز العرش لموته. وفضائله أكثر من أن تحصى والآطام الحصون فمروره بعائشة وهي في حصن من الحصون كان في بعض غزواتها مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرع بين نسائه عند غزوه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها. ولما رأته في درع مقلصة مشمرة الكمين أعجبها ذلك منه لما فيه مما يبعد

الكبر عنه. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا» . وَرُوِيَ عن ابن عباس أنه كان لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قميص قطني قصير الطول، قصير الكمين. وروي عن أنس قال: قميص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى رسغه. وكان سعد بن معاذ أصيب أكحله يوم الخندق بسهم رمي به، فضرب له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيمة في المسجد، ونقله إليها ليعوده من قريب، فكان يعوده كل يوم إلى أن نزفه الدم فمات من جرحه بعد الخندق بشهر وبعد قريظة بليالٍ، وكان قد دعا الله قبل موته بما جاء في الرواية. وروي أنه قال في دعائه: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعل لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة. فلما نزل بنو قريظة على حكم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَّمَهُ فيهم فحكم أن تقتل رجالهم ويسبى نساؤهم وذَرَارِيهِمْ، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أنفعة» ، وكانوا أربعمائة، فأمر بهم رسول الله صلى

الالتحاء بالعمامة

الله عليه وسلم فَأُخرجوا وخندق لهم خناديق، وضربت رقابهم فيها، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه، فمات، فعلم أنه استجيبت دعوته. وبالله التوفيق. [الالتحاء بالعمامة] في ترك الالتحاء بالعمامة وسئل مالك: عن العمامة يعتم بها الرجل في بيته عند غسله أو مرضه، ويصلي بها في بيته، لا يجعلها تحت حلقه، قال: لا بأس بذلك، يردده على أنه لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قوله لا بأس بذلك، أي: لا كراهية في ذلك وأما في المساجد والجماعات، فيكره ترك الالتحاء بها، ويقال: إن ذلك من بقايا عمل قوم لوط، ولما كان التعمم من غير التحاء خلاف شكل العربي المستحسن، كره تركه في المساجد، اتباعا لظاهر قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] ، والمصلي يناجي ربه، ويقف بين يدي خالقه، وهو أحق من تزين له. وقد رأى عبد الله بن عمر مولاه يصلي بغير رداء، فقال له: أرأيت لو كنت مرسلك إلى السوق، أهكذا كنت تمضي؟ قال: لا، قال: فالله أحق من تجمل له. [لباس القلانس] في لباس القلانس وسئل مالك: عن القلانس، هل كانت قديمة ومن أول من أحدثها؟ قال: كانت في زمان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقبل ذلك فيما روي، وكانت لخالد بن الوليد قلنسوة، قاتل بها يوم اليرموك وكان اليوم شديدا، فوقعت

سرد الصيام

من رأسه، فدخل مدخلا متعبا في طلبها حتى أخرجها، فعوتب في ذلك، فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين حلق ناصيته، أخذت شعره، فحملته فيها، فلذلك طلبتها. قال محمد بن رشد: القلانس ما كان لها ارتفاع في الرأس على أي شكل ما كانت. وقد روي عن ابن عمر أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلبس قلنسوة بيضاء» . وهو يشهد لما قاله مالك في هذه الحكاية من أن القلانس كانت في زمن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأنها من الزي الحسن، وبالله التوفيق. [سرد الصيام] في سرد الصيام قال: وسمعت مالكا يقول: سرد سعيد بن المسيب الصيام، فقيل له: إن قوما يحتجون بقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعثمان بن مظعون، فقال: إن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كان إمام المسلمين كان يعمل الأشياء ليوسع على الناس، وقد سرد قوم من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: سرد الصيام هو أن يتابع الرجل إياه، فلا يفطر إلا في الأيام المنهي عن صيامها، وذلك صيام الدهر وقد كرهه جماعة من العلماء لحديث أبي قتادة «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه سئل عن صيام الدهر، فقال: " من فعل ذلك لا صام ولا أفطر، أحب الصيام إلى الله عز وجل

صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما» . ولا حجة لهم في الحديث؛ لأن قوله فيه: «لا صام ولا أفطر» ليس معناه الدعاء عليه، فيقتضي ذلك النهي عن صيام الدهر، وإنما معناه: ما صام وما أفطر؛ لأن الحروف قد يبدل بعضها من بعض، أي: ما صام الصيام الذي أعلى مراتب الصوم، إذ لا يؤمن أن يضعف على التمادي على ذلك، أو على سائر ما كان يفعله من أعمال البر، كالصلاة وقراءة القرآن، وما أشبه ذلك من الأعمال التي قد يضعف عنها بموالاة الصيام. وذكر في الرواية: أن قوما يحتجون لذلك بقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعثمان بن مظعون، ولم يذكر فيها نص ما قاله له. وفي الصحيح عن أنس بن مالك أنه قال: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، وقالوا: وأين نحن من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» . فإن كان عثمان بن مظعون أحد هؤلاء الثلاثة رهط، فهذا هو نص الكلام الذي قاله له، وإن لم يكن هو فالكلام الذي قاله له هو ما كان في معناه والله أعلم، يدل على ذلك تأويل مالك له، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعمل الأشياء ليوسع على الناس، وهو تأويل جيد؛ لأن معناه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصوم ويفطر، وإن كان الأفضل أن يسرد الصيام مخافة أن يسرده الناس، فلا يقدرون على التمادي على ذلك، ويضعفون عن سائر

الحجامة والإطلاء يوم السبت والأربعاء

أعمال البر، فلا يختار الرجل أن يترك سرد الصيام إلا مخافة أن يضعف على التمادي على ذلك، وعن سائر أعمال البر؛ لأن الصوم والفطر أفضل من سرد الصيام إذا لم يضعف عن التمادي ولا على شيء من أعمال البر، فهذا معنى ما ذهب إليه مالك. يشهد بصحته قَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ، وقوله: {اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ، وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله لا يمل حتى تملوا، اكلفوا عن العمل ما لكم به طاقة» ، وقوله: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» . [الحجامة والإطلاء يوم السبت والأربعاء] في الحجامة والإطلاء يوم السبت والأربعاء وسئل مالك: عن الحجامة والإطلاء يوم السبت ويوم الأربعاء؟ قال: لا بأس بذلك، فقيل له: فتفعله أنت، قال: نعم، وَأُكْثِرُهُ وأتعمده، وليس يوم إلا وقد احتجمت فيه، ولا أكره شيئا من هذا لا حجامة ولا طلاء ولا نكاحا ولا سفرا في شيء من الأيام. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا بأس بالحجامة

والإطلاء والنكاح والسفر وغير ذلك من الأشياء في يوم السبت ويوم الأربعاء؛ لأن الامتناع من شيء من ذلك في يوم السبت ويوم الأربعاء، من التطير الذي قد أبطله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «لا طيرة» وبقوله: «لا عدوى، ولا هام ولا صفر» . والأصل في تطير الناس بيوم الأربعاء ما جاء من أن الأيام النحسات التي أهلك الله فيهما قوم عاد بالريح، كانت ثمانية أيام أولها الأربعاء وآخرها الأربعاء. وهي الثمانية الأيام التي قال الله فيها: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ} [الحاقة: 7] ... الآية، والأصل في تطيرهم يوم السبت أن بني إسرائيل عدوا فيه فمسخهم الله قردة وخنازير. قال تعالى: {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [الأعراف: 163] الآية. ولصحة إيمان مالك بالقدر، ومعرفته أن اليوم لا يضر ولا ينفع، وتصديقه بما جاء عن رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إبطال التطير، كان لا يكره حجامة ولا نكاحا ولا شيئا من الأشياء في السبت والأربعاء، بل يتعمد ذلك فيهما، وكذا ينبغي لكل مسلم أن يفعل؛ لأن من يتطير فقد أثم. وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا طيرة، والطيرة على من تطير» ومعنى قوله "من تطير" أي: عليه إثم ما تطير به على نفسه، يكون قد نفي ذلك في أول الحديث بقوله: «لا طيرة» ، وبالله التوفيق.

بحث عمر بن عبد العزيز عن أقضية عمر بن الخطاب

[بحث عمر بن عبد العزيز عن أقضية عمر بن الخطاب] في بحث عمر بن عبد العزيز عن أقضية عمر بن الخطاب قال مالك: وكان عمر يرسل إلى سعيد بن المسيب عن أقضية عمر بن الخطاب. قال محمد بن رشد: وقع في بعض الروايات: كان ابن عمر، والصواب: كان عمر، يريد بذلك عمر بن عبد العزيز؛ لأنه كان أتبع الناس لعمر بن الخطاب، يسير في سيرته في جميع الأمور، وذلك من جملة فضائله التي تؤثر عنه، وبالله التوفيق. [صيام أيام الغر] في صيام أيام الغر وسئل مالك: عن صيام الغر الثلاثة الأيام: ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، فقال: ليس هذا ببلدنا وإني لأكره أن يتعمد صيامها، وقال: الأيام كلها لله. قال الإمام القاضي: وقعت هذه المسألة في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب الصيام. وقد روي فيها وفي الأيام البيض، وهي أول يوم من الشهر، ويوم عشرة، ويوم عشرين، أنها صيام الدهر. وقد روي عن مالك: أنه كان يصوم الأيام البيض. وقد كتب إلى هارون الرشيد في رسالته يحضه على صيام الأيام الغر، ويذكر الحديث فيها. فإنما كره في هذه الرواية صيامها ولم يحض عليها مخافة أن يكثر العمل بذلك لكثرة إسراع الناس إلى الأخذ بقوله، فيحسب ذلك من لا علم عنده من الواجبات. وقد ذكرنا ذلك هناك. [ركوب البحر] في ركوب البحر قال: وقال مالك: استأذن معاوية بن أبي سفيان عمر بن

الخطاب في ركوب البحر فأبى أن يأذن له، فلما ولي عثمان بن عفان، كتب إليه يستأذنه، فأبى ثم رد عليه، فكتب إليه عثمان: إن كنت تركبه بأهلك وولدك، فقد أذنت لك، فركبه معاوية ومعه امرأته بنت قرطة، قال مالك: سأل عمر بن الخطاب عمرو بن العاص عن البحر فقال: خلق ضعيف، دود على عود، إن ضاعوا هلكوا، وإن بقوا فرقوا، قال عمر: لا أحمل فيه أحدا، فلما كان بعد عمر، حمل فيه، فلم يزل يركب حتى كان عمر بن عبد العزيز، فاتبع فيه رأي عمر بن الخطاب. قال محمد بن رشد: البحر على ما وصفه به عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فلا شك في أن ركوبه غرر، وقد اختلف القضاء من عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، في إباحة ركوبه للناس، فمنع من ذلك عمر بن الخطاب وتبعه في ذلك عمر بن عبد العزيز، وأباحه عثمان بن عفان وبإباحته استمر الأمر بعد خلافة عمر بن عبد العزيز إلى هلم جرا، وهو الأظهر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] لأنه يبعد أن يعدد الله من نعمه على عباده ما حظره عليهم. ووجه المنع من ذلك أن قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] لما احتمل أن يكون إخبارا بما يفعلون لا يقتضي الإباحة، وجب أن يمنع من ذلك لما فيه من الغرر، تعلق بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وبظاهر قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] ، وهذا في ركوبه في الحوائج وطلب المال والتجارة وأما في ركوبه في الجهاد والحج، فلا اختلاف في جواز ركوبه في ذلك، لم

فيما يذكرعن المغيرة بن شعبة في نكاح النساء

يختلف فيه قضاء الخلفاء والله أعلم. لأن السنة قد دلت على جوازه وذلك «قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأم حرام حين نام عندها ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت له: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: " ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون لجج هذا البحر، ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة» يريد في الجنة، جزاء غزوهم في البحر، يركبون لجه، وإذا جاز في الغزو، فأحرى أن يجوز في الحج. وهذا إذا ركب في إبان ركوبه، وأما في حين ارتجاجه فلا يجوز ركوبه في غزو ولا حج ولا غيره. وهذا هو معنى قول عثمان بن عفان لمعاوية: إن كنت تركبه بأهلك وولدك، فقد أذنت لك، أي: إن كنت تركبه في إبان ركوبه، وفي حال ترجو السلامة فيه، ولا تكون مغررا بأهلك وولدك، فقد أذنت في ركوبه في هذه الحال، والله أعلم. [فيما يذكرعن المغيرة بن شعبة في نكاح النساء] فيما يذكر عن المغيرة بن شعبة في نكاح النساء قال مالك: قال المغيرة بن شعبة، وكان نكاحا للنساء، وكان ربما اجتمع عنده أربعة، ثم يفارقهن جميعا، قال: كان يقول: صاحب المرأة الواحدة إن مرضت مرض معها، وإن حاضت حاض معها، وصاحب المرأتين ناران تشتعلان. قال محمد بن رشد: في هذا وصف ما كان عليه المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مما وهبه الله إياه من القدرة على كثرة الاستمتاع بالمباح من النساء، وتلك فضيلة في الدنيا والآخرة؛ لأن الرجل يؤجر في وطء زوجاته

الأميرين في الغزو أحدهما في البر والآخر في البحر يجتمعان

وجواريه وفي الاغتسال من وطء كل واحدة منهن كلما وطئها، فهو يستمتع بالحلال، ويؤجر باستمتاعه به، فأي موهبة أعظم من هذه. وبالله التوفيق. [الأميرين في الغزو أحدهما في البر والآخر في البحر يجتمعان] في الأميرين في الغزو، أحدهما في البر، والآخر في البحر يجتمعان قال مالك: أَمَّرَ عثمان بن عفان - عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان، عمرو على البر، ومعاوية على البحر، فإذا اجتمعا فمعاوية الأمير، فلما بلغا رأس مغزاهما أرسل معاوية إلى عمرو أن يأتيه فأبى فأرسل يعزم عليه، فقال عمرو: وأنا أعزم على نفسي ألا آتيك، فقال معاوية: فادن مني على شاطئ البحر، فأتى عمرو على قوس متوكئا عليها، فكلمه ما شاء الله، فقال له معاوية: أشات أنت أم أمه؟ فقيل لمالك: ما أراد أشات أنت؟ قال: يثنون، فقال: أمه؟ فقال: قافلون. قال محمد بن رشد: وقع في موطأ ابن وهب: أشاتون أم أمه؟ فقال: أمه، فقفلوا جميعا. وإنما لم يأت عمرو معاوية إذ عزم عليه في الإتيان إليه، إذ لم يجب عليه الإتيان إليه من أجل أنه لم يجعل له عليه عثمان بن عفان إمرة إلا إذا اجتمعا. ولعله قد كانت عليه في الإتيان إليه مشقة، ولما سأله أن يدنو منه أجابه إلى ذلك لخفة الأمر عليه. والحكاية كلها بينة، لا إشكال فيها، وفيها إجازة الغزو في البحر وقد ذكرنا فوق هذا أنه مما لا يختلف في جوازه. [المؤمن إذا غدر] في أن المؤمن إذا غدر لم يلزم الوفاء له بالإيمان وسئل مالك: عن أهل قبوس فيما كتب إليه عبد المالك بن

يوصي أن يحبس جواريه

صالح إلى مالك من أمرهم، فقال: رأيت لهم عهودا كثيرة من معاوية وعبد المالك وسليمان وغيرهم، فقلت: يا أبا عبد الله، فإن عرف منهم عدو، أترى أن يجلوا؟ قال: إني لا أرى ذلك إن عرف وتبين أن يجلوا منها. قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قاله؛ لأن الوفاء بالأيمان واجب. قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: 34] ، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» ، وقال: «يجبر على المسلمين أدناهم» . فإذا أمن الإمام أهل البلد أن يقروا ببلدهم لزم ذلك من بعده من الأئمة، ولم يكن له أن ينقضه، فيجليهم عن ذلك البلد إلا أن يحدثوا ما يوجب ذلك عليهم. وبالله التوفيق. [يوصي أن يحبس جواريه] في الذي يوصي أن يحبس جواريه المدة الطويلة وسئل مالك: فقيل له: إن محمد بن سليمان أوصى في جواريه أن يحبسن سبعين سنة، ثم هن أحرار، فسأل أمير المؤمنين عنهن بعض من حضره، فقال مالك: ما رأى في ذلك؟ فقال: منهم من رأى أن يبقين، ومنهم من رأى أن يحبسن، قال مالك: يبعن أو يعتقن. قال محمد بن رشد: قول مالك: يبعن أو يعتقن، معناه: ينظر السلطان فيه، فإن رأى أن يبعن بعن، وإن رأى أن يعتقن أعتقن وعجل

ما يروى من مناقب سعد بن معاذ

عتقهن، هكذا قال في رسم المُحرم يتخذ الخرقة لفرجه من هذا السماع من كتاب العتق. ووجه النظر في ذلك أن ينظر في ذلك، فمن كان له منهن من السن ما يعلم حقيقة أنها لا تعيش سبعين سنة، بيعت إذ قد علم أن العتق لا يدركها، فهي كمن أوصى لها بعتق بعد موتها، ومن كان لها منهن من السِن ما يمكن أن تعيش إليه عجل عتقها؛ لأن بقاءها سبعين سنة، من الضرر البين بها. وقد زدنا المسألة هناك بياناً، وذكرنا ما فيها من الاختلاف. وأما قول من قال: إنهن يُبعن أو يحبسنَ جملة من غير أن ينظر إلى أسنانهن يوم أوصى، فلا يصح، إلا أن يستوي أسنانهن في أنه يعلم في أنهن لا يعشن سنة، أو في أنه يشبه أن يعشن أكثر من السبعين، واللَّه الموفق. [ما يروى من مناقب سعد بن معاذ] فيما يروى من مناقب سعد بن معاذ قال مالك: لما كان يوم بدر، قَالَ رَسُولُ اللهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أشِيرُوا عَلًيّ، فَقَامَ أبُو بَكر، فَتَكًلّمَ ثمَّ قَالَ: أشِيرُوا عَلَيَّ فَقَامَ عُمَر، فَتَكًلّمَ، ثمَّ قَعَدَ، ثَمّ قَالَ: أشِيرُوا عَلَيَّ، فَقَالَ سَعدُ بْنُ مُعَاذٍ: كَأنَّكَ إِيَّانا تُرُيدُ يَا رَسُولَ اللهِ لَا نَقولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ، وَلَكِنْ اذْهَبَ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا مَعَكُم مُتبِعونَ، لَوْ أتَيْتَ الْيَمَنَ لَسَلَلْنَا سُيُوفَنَا وَاتَّبَعْنَاكُم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا مَصَافَّكُم» . قال محمد بن رشد: هذا المقام المحمود من مناقب سعدٍ المأثورة وهي كثيرة؛ لأنه من فضلاء الصحابة، وكفى من الشهادة لفضله اهتزاز عرش الرحمن لِمَوتهِ. وقد مضى قبل هذا شيء من خبره وقد وقع

انحياز السرية إلى العسكر

في البخاري «عَن عبدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قَالَ: شَهدْتُ مِنَ المِقْدَادِ بْنِ الأسْوَدِ مَشْهَدَاً لأنْ أكُونَ صَاحِبَه أحَبًّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أتَى النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْم موسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَشِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ، قَالَ: فَرأيْتُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أشْرَق وَجْهُهُ وَسَرَّهُ قولُه» . [انحياز السرية إلى العسكر] في انحياز السرية إلى العسكر وسئل مالك: عن القوم يكونون في الغزو فيبعث السرية القليلة نحواً من عشرين أو ثلاثين، فيلقون أضعَافهم من العدو، فيكثرون عليهم، فيريدون أن ينحازوا إلى أصحابهم، أترى لهم في ذلك سَعة؟ قال: نعمٍ. وتأول كتاب الله {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] قيل له: أفترى ذلك واسعاً لهم فيما بينهم وبين ما في القرآن؟ قال: نعم. قال الإِمام القاضي: هذه مسألة فيها نظر لأنه لم ير لهم سعة في الانحياز إلى أصحابهم، إلا إذا كان الذين لقوا من العدو أكثر من أضعافهم، والذي يدل عليه القرآن، أن للجماعة أن تنحاز إلى فئتها وإن كان العدد الذين لقوا أقل من مثلهم، إذ ليس انحيازهم إلى فئتهم ليكروا ثانية فِراراً. قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] الآية، فدل ذلك على أنه ليس بفار من تحيز إلى فئة ليعود، وقد جاء بيان ذلك في السنة، رُوي «عنْ

عدة أصحاب بدر

عَبد الله بْنِ عُمَر أنَّهُ قَالَ: كُنْتُ فِي سَرِيَّةٍ مِنْ سَرَايَا رَسُول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَاصَ النَّاسُ حيْصةً، فَكنْتُ فِيمَنْ حَاصَ فَقُلْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ وَقَدْ فَرَرْنَا مِن الزَّحْفِ، وَبُؤْنَا بِالْغَضَبِ؟ فَلَوْ دَخَلْنَا الْمَدِينَة فَبِتْنَا فِيهَا، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ عَرَضْنَا أنْفُسَنَا عَلَى رَسُول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ كَانَتْ لَنَا تَوْبَةٌ، وَإِلاَّ ذَهَبْنَا، فَأتَيْنَاه قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ، فَخَرَجَ فَقَالَ: "مَنِ الْقَوْمُ؟ " فَقُلْنَا: نَحْنُ الفَرَّارُونَ. قَالَ: "بَلْ أنْتُمُ الْعَكَّارُونَ، أنَا فئَتكُم وَأنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ"، فَأتَيْنَاهُ حَتَّى قَبَّلْنَا يَدَيْهِ» . والعكارون هم الكرارون، فالمعنى في ذلك: أنهم لما كروا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو فئتهم ليرجعوا إلى ما يأمرهم به، كان ذلك كرّاً منهم إليه، وعودةً إلى ما كانوا عليه من بذلهم أنفسهم لقتال عدوهم، فاستحقوا بذلك اسم العَكَّارِين، لا الفرَّارِين. وهذا عندي من خواص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا يكون الِإمام فئة للسرية إذا خرجت من عنده فأقام هو -يعنِي الِإمام- في بلده، وإنما يكون فئة لها إذا أخرجها من عسكره، فلقيت جماعة، وإن كانت أقل من مثليها فانحازت إلى الفئة التي خرجت منها. والله الموفق. [عدة أصحاب بدر] في عدة أصحاب بدر وسئل عن عدة أصحاب بدر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: ثلاثمائة وثلاثة عشر. قال محمد بن رشد: في الصحيح للبخاري عن البراء بن عازب قال: كنا أصحاب محمد نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضع عشرة وثلاثمائة. وقد قيل: إنهم كانوا سبعة عشر وثلاثمائة، ثمانون رجلاً من

كتاب المغازي

المهاجرين كلهم شهدها بنفسه، إلا ثلاثة رجال، وهم: عثمان وطلحة وسعيد بن زيد فلم يشهدوها بأنفسهم. وضرب لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسهامهم وأجورهم، فهم كمن شهدها، واحدٌ وستون رجلًا من الأوس، ومائة وسبعون رجلاً من الخزرج، واثنان من الأوس. ذكر ذلك ابن عبد البر في الدرر في اختصار السير. [كتاب المغازي] في كتاب المغازي وسُئل مالك: عن المغازي أَتَرى أَن تكتب؟ فأنكر ذلك وقال: ما أدركت الناس يكتبونها، فقيل له: مَن الناس؟ أهل الفقه؟ فقال: نعم، ولا أرى أَن تكتب، ولا أُحب أن أَكتبها، ولا أبتدع ذلك، وما وجدت الناس أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ والتابعين، القاسم وسعيد وسالم، يكتبونها. ولقد أدركت شيخاً كبيراً قد زاد على المائة خمس سنين ما يقبل منه حديثه، وُيعاب ذلك على من يقبله ويجرح. قال محمد بن رشد: إنَّما كره كتاب المغازي بطولها مخافة مواقع الكذب فيها، وإذ ليس في سياقتها بكمالها فائدة، من تحليل أو تحريم، تعبد الناس بحفظه والتفقّه فيه، كالأحاديث المروية عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الأحكام، ووقع في بعض الكتب مكان يجرح يطرح، والمعنى في ذلك سواء.

الأمر بإتقان العمل

[الأمر بإتقان العمل] في الأمر بإتقان العمل وحدَّثنا مالك: «أَن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ فَكَأَنَّهُ رأى في لَبنَةٍ خَلَلًا فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُصْلَح، وقال: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ عَمَلاً أَنْ يُحَسِّنَهُ أَوْ يُتْقِنَه» . قال محمد بن رشد: هذا حديث بيِّن المعنى، ليس فيه ما يخفى فيحتاج أَن يُبَيَّن. [صفة مصحف مالك المكتوب على عهد عثمان] في صفة مصحف مالك المكتوب على عهد عثمان قال ابن القاسم: وأخرج إلينا مالك مصحفاً لجدِّه، فحدَّثنا أنه كتب على عهد عثمان بن عفان، فوجد حليته فضة وأغشيته من كسوة الكعبة، فوجدنا في البقرة: (وَأَوْصَى) وفي آل عمران: (سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) . وفي المائدة: (يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) وفيها أيضاً: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) وفي براءة: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وفي الكهف: (لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهما مُنْقَلَبًا) وفي قد أفلح: كلها الثلاث لله، وفي طسم " باخِعٌ "

(فتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) وفي حمِ عسق (فَيمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) وفي الزخرف: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) وفي الحديد: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ، وفي الشمس وضحاها: (فَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا) وفي الطوْل: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ وأَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) . قال الِإمام القاضي: ما ذكر ابن القاسم في هذه الحكاية من أنه وجد في المصحف الذي أخرج إليهم مالك لجده المكتوب على عهد عثمان، في البقرة، وفي آل عِمران، وفي المائدة، وفي براءة، وفي الكهف، وفي قد أفلح، وفي طسم، وفي الطول هو كله مثل ما ثبت بين اللوحين عندنا في المصاحف، وأما الذي ذكر أنه وجده في حم عسق، وفي الزخرف، وفي الحديد، وفي الشمس وضحاها، فهو خلاف ما ثبت بين اللوحين عندنا في المصاحف؛ لأن الذي ثبت عندنا في حم عسق (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) ، وفي الزخرف: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ، وفي الحديد (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) وفي الشمس وضحاها: (فلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا) ولا تأثير في هذا الاختلاف، إذ لا يتغير بشيء منه المعنى ولا اختلاف أحفظه في إجازة تحلية المصحف بالفضة، وأما تحليته بالذهب

المعنى الذي من أجله تركت البسملة في براءة

فأجيز وكره، وظاهر ما في الموطأ إجازته، وقد أقام إجازة ذلك بعض العلماء من حديث فرض الصلاة قوله فيه: «فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي ثم غَسَلَهُ بِمَاءَ زَمْزَمَ، ثمَّ جَاءَ بطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ ممتلئ حِكْمَةً وَإِيْمَاناً فَأفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثمَّ أطْبَقَهُ» ، والمعنى في إقامة ذلك منه خفي وقد يبثه في موضعه، وبالله التوفيق. [المعنى الذي من أجله تركت البسملة في براءة] في المعنى الذي من أجله تركت البسملة في براءة قال مالك في أول براءة: إنما ترك من مضى أَن يكتبوا في أولها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فكَأَنَّه رآه من وجه الإتباع في ذلك، وكان في آخر ما أنزل من القرآن، وسمعته يقول: أخبرني ابن شهاب: أن القتل استحر يوم اليمامَة في القراء وحَمَلَة القرآن في خلافة أبي بكر الصديق، فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لو جمعت القرآن فإني أخاف عليه، أن يذهب، فقال: أفعلُ ما لم يفعل رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يزل يكلمه حتى عطفه بعض العطف، ورأى ما قال، فوقف واستشار أَصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرأوا ذلك، فجمعه أَبو بكر، وكتبه في الصُّحف، فلمَّا مات أبو بكر، قبضه عمر، وكان عنده، فلما مات أوصى إِلى حفصة، فقبضته حفصة، وكان عمر أَوصى إِليها وذلك في رأْيي لمكانتها

من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقبضت حفصة الكتاب، فلما ولي عثمان بن عفان، اختلف الناس في اختلاف القرآن اختلافاً شديداً، حتى إِن كان الرجل ليقول للرجل أَنا أكفُر بالذي تقول، فلما رأى ذلك عثمان بن عفان، بعث إلى حفصة يسألها الكتاب فأتت عليه فأعطاها أيماناً أخذتها عليه لا يزيد فيه حرفاً ولا ينقص منه حرفاً، وأن يردها عثمان بن عفان وجميع القراء، وأرسل إلى البلدان وجميع قراء الناس، حتى إن كان الِإنسان ليأتي بالآية في جريدة فكتبه عثمان بن عفان، وردَّه إليها، وبعث في الأجناد يأمرهم بالقراءة، فلما كان مروان بن الحَكم، أرسل إلى تلك الصحف التي كانت عند حفصة فأَحرقها بالنار. قال محمد بن رشد: ما تأوّله مالك من أنه إنَّما ترك من مضى أَن يكتبوا في أَول براءة " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " من وجه الإتباع، المعنى فيه، والله أعلم: أنه إنما ترك عثمان ومن كان بحضرته من الصحابة المجتمعين على جمع القرآن البسملة بين سورة الأنفال وسورة براءة، وإن كانتا سورتيِن، بدليل أن براءة كانت من آخر ما أَنزل الله من القرآن، وأَن الأنفال أُنزلت في سنة أربع، اتباعاً لما وجدوه في الصحف التي جمعت على عهد أبي بكر، وكانت عند حفصة. وقَدْ رُوِي عَنِ ابْنِ عًبّاس أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، مَا حَمَلَكُم أَن عَمَدْتُمْ إِلَى الَأنْفَال، وهي مِنَ المَثَانِيَ وَإِلَى بَرَاءَة وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَارَنْتُم بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُما سَطْرَ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَوَضَعْتمُوهَا فِي السَّبْع الطُّوَل، مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَانَ رَسُوْلُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معنا يَأتِي عَلَيْهِ الزَّمانُ،

وَهُوَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ ذَوَاتُ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَدَخَلَ بَعْضُ مَنْ يَكْتُبُ، يَقُوْلُ: ضَعُوا هذَا فِي السُّورةِ الَّتِي فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ الآيَاتُ قَالَ: ضَعُوا هَذِه الآيَاتِ فِي السُّورَةِ التِي فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتِ الَأنْفَالُ مِنْ أَوَائِل مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَة مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ - يَعْنِي نزولَاَ- وَكَانَتْ قَصّتُهَا شَبِيهَةً بِقصَّتِهَا، فَظَنَنْت أَنَّهَا نَزَلَتْ مِنْهَا، وَتُوفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْها فَمِنْ أَجل ذَلِكَ قَارَنْتُ بَيْنَهُمَا ولم أكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ". وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْع الطُّوَل. في حديث ابن عباس هذا عن عثمان بن عفان أنه ظنَّ أَنها منها، ولذلك لم يكتب بينهما " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَذلك خلاف لما ذهب إِليه مالك من أنها ليست منها وأنها سورة أُخرى فاتبع ما وجد في المصحف من ترك الفصل بينهما " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، وهو الأظهر أنها ليست منها، وأَنَّها سورة أخرى بدليل افتراقهما في النزول، وبدليل ما روي عن أوس بن حذيفة أنه قال: سألتُ أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كيف كنتم تحزِّبون القرآن؟ قالوا: كنا نحزِّبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، يريدون: وحزب المفصل، إِذ قيل: إن الثلاث سور من أَول القرآن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والخمس سور: المائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، وبراءة، والسبع سور: يونس، وهود، ويوسف، والرعد، وإبراهيم، والحجر، والنحْل، والتسع سور: إِسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، والحجر، والمؤمنون، والنور، والفرقان، والِإحدَى عشرة الطواسِين، والعنكبوت، والرُّوم، ولقمان، والسجدة، والأحزاب، وسبأ، وفاطر، ويس والثلاث عشرة: والحاقة،

وصاد والزُّمر، وحم، يعني إلى حم، وسورة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، والفتح، والحجرات، وحزب المفصل، إلَا أنه لما احتمل أن يكونا سورة واحدة لاشتبَاه قصصهما، وإذ قد يجتمع في السورة الواحدة ما أُنزل في أزمان متباعدة ولم يأت عن النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نص بأنهما سورتان، ولم يجد عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الصحف بينهما فصل " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " اتبع ما وجده فيها، فكان إتباعه لذلك في موضع الاحتمال، لا في موضع اليقين. والله أَعلم بالحقيقة في ذلك كيف كان. وقد قيل: إنَّما ترك عثمان الفصل بين السورتين " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "؛ لأنها حروف رحمة، وسورة براءة ليست من جنس ما تراد به الرحمة؛ لأنها إنما هي وعيدات، وتخويفات، ونقض عهود، وِإبانةُ نفاق مَن نافق، وهذا يرده البسملة في: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] وقيل: إِنَّه إنما ترك الفصل بينهما بـ" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " إعظاماً لمخاطبة المشركين به، وهذا يرده ما في كتاب الله من قصة سليمان في كتابه إلى صاحبة سَبَأ وما في سنّة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ من كتابه إِلى المشركين: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وِإنَّما أخذت حفصة الأيمان على عثمان في الصحف أَن لا يزيد فيها ولا ينقص منها؛ لأنها اؤتُمنت عليها، فلم ترد أن يغير شيئاً منها بزيادة ولا نقصان فوفَّى لها - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعنها بما وعدها به، وحلف لها عليه، وصرفها إِليها على حالها، بعد أن كتب ما فيها وزاد إليها ما خرج عنها ممَّا ثبت عنده أنَّه قرآن بنقل الكَّافةِ عن الكافة، لا بالشهادة على ذلك، وما جاء من أَن عثمان كان لا يثبت آيةً في المصحف حتى يشهد عنده فيها رجلان، ليس معناه حتى يشهدا عنده أَنَّها من القرآن، وِإنَّما معناه حتى يشهد عنده كل واحد منهما أَنَّه

الإقبال على الذكر بعد الصبح وترك الكلام

أَخذها عن النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِن فيه، لا من غيره عنه، وعلى موضعها من السورة التي هي منها مع حصول العلم أنها من القرآن باستفاضة نقل الكافة عن الكافة، فما ذكر من أن الِإنسان كان يأتي بالآية في جريدة، معناه: كان يأتي بالآية فتذكر، ويعلم أنها قرآن فيثبتها في المصحف بعد الشهادة عنده على موضعها من السورة، وعلى سماع من فِي النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأثبت الآيتين من آخر سورة براءة قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] ... إلخ السورة، بشهادة رجل واحد لِما تضمنتهُ مما هو معلوم من صفات النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقد مرَّ بي فيما أحسب أَنَّه إِنَّما أَثبتها بشهادة خزيمة بن ثابت إِذ قد جعل رسول الله شهادته كشهادة رجلين. ولما حصل العلم على أَن ما تضمنه مصحف عثمان، هو جميع القرآن لا زيادة فيه ولا نقصان منه، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] رأى مروان بن الحكم مع استشارته مع علماء عصره أن يحرق الصحف المجموعة من القرآن، في زمن أبي بكر الصدّيق إذ كانت لم تستوعب جميعه، وبالله التوفيق. [الِإقبال على الذكر بعد الصبح وترك الكلام] في الِإقبال على الذكر بعد الصبح وترك الكلام قال مالك: وكان نافع مولى ابن عمر؛ وسعيد بن أَبي هند، وموسى بن ميسرة، يجلسون بعد الصبح يذكرون الله ثم ينصرفون حين السُّبحة وما يكلم أحد منهم صاحبه. قال محمد بن رشد: وقعت هذه الحكاية في الصلاة الثاني من المدونة بهذا المعنى سواء، وزاد فيها: يفترقون للركوع، يريد أنهم كانوا

الاختيار في قيام رمضان

يجلسون في مواضعهم التي يصلون فيها للذكر، وما يكلم أحدهم صاحبه، فإِذا حلَّت الصلاة تفرقوا لركوع الضحى، ثم انصرفوا وهذا على ما ذهب إليه مالك من أنه يكره الكلام بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، ولا يكره فيما بين ركعتيّ الفجر إلى صلاة الصبح، لما روي عن عائشة أَنَّها قالت: «إِنَّ النَبيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ثمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقهِ الأيْمَنِ، فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَانَةً حَدَّثَنِي حَتَّى يَأتِيَهُ ألْمُؤَذِّنُ فَيُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، وَذلِكَ بَعْدَ طُلُوع الْفَجْرِ» . وأهل العراق على ضد قول مالك يكرهون الكلام بعد ركعتيّ الفجر إلى صلاة الصبح، ولا يرون به بأساً بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس. وقال أحمد بن خالد: والسنّة ترد ما قالوا. وما قال مالك حديث عائشة هذا يرد ما قاله أهل العراق وحديثه: أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حًوّلَ وَجْهَهُ إِلَى النَّاس، وَقَالَ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رًؤْيا؟ يرد ما قاله مالك، وَحدُّ المكروه ما كان في تركه ثواب، فإِذا ترك الرجل الكلام بعد صلاة الصبح وأقبل على الذِكر أجر على الذكر، وعلى ترك الكلام، وإن ترك الكلام ولم يذكر الله أجر على ترك الكلام عند مالك، وعند أهل العراق لا يؤجر على الذكر خاصة، إِن ذَكر الله، كما يقول مالك في ترك الكلام بعد ركعتي الفجر إلى صلاة الصبح، وبالله التوفيق. [الاختيار في قيام رمضان] في الاختيار في قيام رمضان وسئل مالك: عن القيام في رمضان: أَمع الناس أحبُّ إليك أم ينصرف إلى منزله؟ قال: بل ينصرف إلى منزله، وليس فيه

شك، إذا كان ممن يقرأُ القرآن ويقوى عليه، وما قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في بيته. وحدثنا مالك: أن يزيد بن عبد الله بن هُرمز كان ينصرف إلى منزله، ويقوم بأهله، وكان ربيعة بن عبد الرحمن ينصرف ولا يقوم مع الناس، قال مالك: الانصراف لمن قوي عليه أفضل. قال الإمام القاضي: هذا كما قال، والحجة في ذلك قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أفْضَلُ الصلاَةِ صَلَاتُكُم فِي بُيُوتِكُم إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» ، وقول عمر بن الخطاب إذ جمع الناس على قارئ واحد: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضل مِن الَّتِي تَقُومُونَ. يعني آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله وهذا للرجل في خاصة نفسه، ما لم يكن ذلك سبباً لتعطيل القيام في المسجد؛ لأنها سنة أحياها عمر بن الخطاب لما ارتفعت العلة التي من أجلها ترك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القيام في رمضان بالناس في المسجد، وذلك «أَنَّهُ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى بصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثمَّ صًلّى الْقَابِلَةَ، فَكثرَ النَّاسُ، ثًمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أًو الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجُ إلَيْهِم رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلًمّا أَصْبَحَ قال: رَأَيْتُ الَّذِي صَنعْتم فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوج إلَيْكُم إلّاَ أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُم» . وَذَلكَ فِي رَمَضَانَ. وَقَد قالت عائشة: «إِن كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَدَع الْعَمَلَ وَهُو يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، خَشْيَةَ أَنْ

حسن الصوت بالقرآن وما يخاف من العين

يَعْمَلَ بِهِ الناسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِم» . ومن أهل العلم من رأى القيام مع الناس في رمضان في المسجد أفضل من الصلاة في البيوت؛ لأنها سنة لا ينبغي تضييعها، وهو قول محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم من أصحاب مالك. وذهب الليث بن سعد إلى نحو ما اخترناه، فقال: لو أَن الناس كلهم قاموا في رمضان لأنفسهم ولأهليهم حتى تركوا المسجد لا يقوم فيه أحد لكان ينبغي أن يخرجوا من بيوتهم إلى المسجد حتى يقوموا فيه في رمضان؛ لأن قيام الناس بالمسجد في رمضان من الأمر الذي لا ينبغي تركه، وهو مما سن عمر بن الخطاب وجمعهم عليه. قال: فأما إذا كانت الجماعة قد قامت في المسجد فلا بأس أن يقوم الرجل لنفسه في داره لأهل بيته، ومن حجة من ذهب إلى هذا قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عَلَيْكُم بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَاشِدِينَ مِنْ بَعْدي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنوَاجِذِ» . [حسن الصوت بالقرآن وما يخاف من العين] في حسن الصوت بالقرآن وما يخاف من العين قال مالك: وكان عمر بن عبد العزيز حسن الصوت بالقرآن، فصلى بهم يوماً فأصابته العين حين قدم الشام. قال محمد بن رشد: حسن الصوت بالقرآن موهبة من الله، وعطية؛ لأن حسن الصوت مما يوجب الخشوع ورقة القلوب، ويدعو إلى الخير. وقد قيل في قول الله عز وجل: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر: 1] : حسن الصوت، وما يصيب المعين يقول العائن إذا لم يُبرِّك، أمر أجرى الله به العادة في الغالب، مع القدر السابق، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

في أن صهيبا صلى على عمر بن الخطاب

وسلم: «عَلَامَ يَقْتُلُ أحَدُكُمْ أخَاهُ؟ ألاَ بَرَّكْتَ، إِنَّ الْعَيْنَ حَق» . يريد: إن اللَه قد أجرى العادة به؛ لأن قول العائن هو المُحدِث لما أصاب المعين، وبالله التوفيق. [في أن صهيبا صلى على عمر بن الخطاب] وسئل مالك: هل صلى صهيبٌ على عمر؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: حقق مالك في هذه الرواية أنه صلى عليه، ومثله في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز، ووقع في سماع أشهب منه. قلت له: أبلغك أن عمر بن الخطاب صلى عليه صُهيب؟ قال: لم أسمع ذلك، ولكني أظن ذلك، لقول عمر بن الخطاب: يصلي بكم صهيب ثلاثاً، وهو ظني أن صهيباً صلى عليه، وذلك لقوله: يصلي بكم صهيباً، وهو ظن كاليقين؛ لأنه يبعد في القلوب أن يستخلفه على الصلاة أيام الشورى فيصلي عليه غيره، ولم يجتمعوا بعدً على إمام. وهو صهيب بن سنان الرومي يعرف بالرومي، وهو من العرب؛ لأنه أصابه سبيٌ وهو صغير، فصار أعجمي اللسان. صحب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل أن يوحى إليه، ثم أسلم معه بمكة هو وعمار بن ياسر في يوم واحد، وهاجر إلى المدينة وشهد بدراً فهو من المهاجرين الأولين. وروي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مَنْ كَانَ يُؤمِن باللَّهِ وَالْيَوْم الآخِرِ،

حكاية عن مروان بن الحكم في شدته في الحدود

فَلْيُحِبَّ صُهَيْباً حُبّ الْوَالِدَةِ وَلَدَهَا» . [حكاية عن مروان بن الحكم في شدته في الحدود] حكاية عن مروان بن الحكم في شدته في الحدود قال مالك: حدثنا يحيى بن سعيد أن امرأة خرجت إلى بعض الحرار فلما نزلت قرقوة عرض لها رجل من أصحاب الحمر، فنزل إليها ثم أرادها على نفسها فكشف عنها ثيابها فامتنعت منه فرمت بحجر فشجته ثم صاحت، فذهب، فأتت مروان بن الحكم، وكانت فيه شدة في الحدود فذكرت ذلك، فسألها عن اسمه فلم تعرفه، وقال لها: تّعرفينه إذا رأيته؟ قالت: نعم، فأُدخلت بيتاً ثم قال: ائتوني بالمكارين الذين يكرون الحمر، وقال: لا يبقى أحد أكريتموه، إلا جئتموني به، فأتوه بهم فجعل يُدخل عليها رجلًا رجلاً، فتقول: ليس هو هذا حتى دخل عليها به مسجوجاً، فقالت: هو هذا، فأمر به مروان أن يحبس في السجن، فأتى أبوه فكلمه فيه فقال مروان: جانيك من يجني عليك، وقد تُعدي الصحاحَ مَباركُ الجَرب، فقال أبوه: ليس كذلك، إنما قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فقال مروان: لاها الله لا يخرج منها حتى ينفدها الفيد؟ وهم بما كشف منها، فقال أبوه: هي علي، فأمر به مروان فأخرج، فقيل لمالك: أترى هذا من القضاء يؤخذ به؟ قال: ليس هذا عندي من القضاء ولكنه على غلطة من مروان، ولقد كان مروان يُؤتَى إليه بالرجل قد قبَّل المرأة فيَنزع ثَنِيَته. قال محمد بن رشد: وقعت هذه الحكاية في رسم مساجد القبائل

من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود. وما تضمنته عن مروان بأنه قضى للمرأة بدعواها على الذي ادعت عليه أنه أرادها على نفسها وكشف عن ثيابها بألفي درهم بما ادعت عليه من كشفه إياها مع الشبهة التي ألحقت التهمة به وحققت الظنة عليه - لا يأخذ به مالك ولا يرى عليه القضاء به، إذ لا يرى العقوبات في الأموال؛ لأن العقوبات في الأموال أمر كان في أول الإسلام، من ذلك ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في مانع الزكاة: أنا آخذها منه، ونظر عزمة من عزمات الإسلام. وما روى عنه في حريسة الجبل: أن فيها غرامة مثليها. وما روي عنه: من أن سَلَبَ مَنْ أحد وهو يصيد في الحرم لمن أخذه. كان ذلك كله في أول الِإسلام وحكم به عمر بن الخطاب، ثم انعقد الِإجماع بأن ذلك لا يجب، وعادة العقوبات على الجرائم من الأبدان، وقد أنكر ذلك على مروان بن الحكم، فقال على سبيل إنكار ذلك عليه: إنه كان يؤتى بالرجل يقبل المرأة فينزع ثنيته. وهذه نهاية في الِإنكار. والعقوبات في الجرائم عند مالك على قدر عقوبات الوالي وعظم جرم الجاني على أن لا يجاوز الحد، وقد أمر مالك صاحب الشُّرط في الذي وجد مع صبي في سطح، وقد جرده وضمه إليه وغلق على نفسه معه، فلم يشكوا في المكروه بعينه، أن يضربه ضرباً مبرحاً ويسجنه سجناً طويلاً حتى تظهر توبته، وتتبيّن، فسجنه صاحب الشرط أياماً قبل أن يضربه، فكان أبوه يختلف إلى مالك ويتردد، ويقول: اتق الله فما خلقت النار باطلاً، فيقول له مالك: أجل وإن الذي أبقى عليك ابنك لمن الباطل، ثم ضربه صاحب الشرط أربعمائة سوط، فانتفخ، فمات، فما أكبر ذلك مالك ولا بالى به. فقيل له: يا أبا عبد الله، إن مثل هذا من الأدب والعقوبة لكثير، فقال: هذا بما اجترم، وما رأيت أنه أمسه من العقوبة إلا بما اجترم. وقال مطرف بن عبد الله في المبسوطة: الأدب إلى الحاكم موكل إلى نظره، يؤدب في ذلك

فضل الزمن المتقدم على المتأخر

باجتهاده وإن أتى الأدب على النفس وإخراج الروح، وله في الواضحة: إن أقصى ما يبلغ من الأدب في المعروف بالجرم ثلاثمائة فما دون ذلك. وروي عن أصبغ: أن أقصى الأدب في جرم الفاسد البيِّن الفساد مائتان. وروي عنه: أن ذلك إلى اجتهاد الِإمام، وإن أتى على النفس. وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية ابن عباس أنه قال: «مَنْ بَلَغَ حَدَاً في غَيْرِ حَدٍّ فَهُو مِنَ الْمُعْتَدِينَ» . وذهب إلى هذا محمد بن مسلمة، فقال: انتهى غضب الله في الزانية والزاني إلى مائة جلدة، فقال: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] فلم يجعل عليهما أَكثر من ذلك فلا يتجاوز في العقوبة ثمانون سوْطاً. وقد روى عبْد الله بن مسلمة بن القعب عن مالك: أنه لا يجاوز فيها خمسة وسبعينَ، وأنه كان يقول: الأدب عندي دون الحد. والمشهور عنه المعلوم من مذهبه: أن ذلك إلى اجتهاد الإمام، وهو مذهب ابن القاسم. وقال أبو حنيفة: لا يبلغ بالضرب أكثر من ثلاثة أسواط في الأدب، ولا يزاد على الثلاثة إلا في حد. وروي ذلك عن الليث بن سعد، وقال أبو يوسف: لا يبلغ في الأدب ثمانين، وقال ابن أبي ليلى، وابن شُبرمة: لا يبلغ فيه مائة. ومن أهل العلم من رأى: أنه لا يضرب أكثر من عشرة أسواط. وروي مثله عن أشهب. قال: لا يزيد السلطان في الأدب على عشرة أسواط ولا المكتب "كذا" على ثلاثة فإن زاد على ثلاثة اقتص منه. وقد مضى هذا كله في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود. [فضل الزمن المتقدم على المتأخر] في فضل الزمن المتقدم على المتأخر قال مالك: قال عبد الله بن مسعود: لَيْسَ عَامٌ إلَّا وَالَّذِي

ما يجوز من فتنة المال

قَبْلَهُ خَيْرٌ مِنْه، فقال مالك: أراه منذ زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، إن عامنا هذا أخصب وأرخص سعرِاً من العام الماضي، فقال: أيهما أكثر فقهاء وقراء وأحدث عهداَ بالنبوة؟ قال: الذي مضى، قال ابن مسعود: ذلك الذي أردت. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين ليس فيه ما يشكل؛ لأن صلاح الزمن وخيره إنما في صلاح أهله وكثرة الخير فيهم، وفساده وشره إنما هو بفساد أهله وشرهم، وقلة الخير والدعة فيهم، والخير والصلاح في الناس بكثرة علمائهم وخيارهم. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الْقُرًونِ قَرْني ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم ثم الَّذِينَ يَلُونَهُم» ، فزمن قرنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير من زمن القرن الذي بعده وزمن القرن الذي بعده خير من زمن القرن الذي يليه، وزمن الذي يليه خير من زمن الذي يليه، وهكذا أبداً؛ لأن الزمن إنما يُمدح بأهله، لا بكثرة الرخاء والخصب فيه، إذ قد يكثر الشر في زمن الرخاء فيكون زمنا مذموماً وتقل المعاصي والشر في زمن قلة الرخاًء والجذب، فيكون زمناً ممدوحاً. فهذا وجه قول ابن مسعود "ما من عام إلا والذي قبله خير منه ". وبالله التوفيق. [ما يجوز من فتنة المال] وحدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب لما رأى ما جُلب إليه من المال الذي أفاء الله عليه، فقال: ما ظهر مثلُ هذا قط في أًمةٍ إلا سفكت دماؤها، وقطعت أرحامها، قال مالك: ولا أرى دعاء بما دعا به إلا لما خاف من الفتن، وقد كان يجب أن يعيش في الدنيا ويستمتع منها.

قال الإِمام القاضي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ما ظهر مثل هذا في أمة إلا سفكت دماؤها وقطعت أرحامها، معناه: أن الناس بما ركب الله فيهم من حب المال والرغبة فيه، والحرص عليه، حسبما ذكره في كتابه حَيثُ يَقُولُ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} [آل عمران: 14] يتنافسون فيه ويتقاتلون عليه فيسفكون دماءهم، ويقطعون أرحامهم بسببه. وقول مالك: ولا أرى دعاء بما دعا به إلا لما خاف من الفتن، يريد: دعاءهُ الذي دعا عند صدره: من مِنا؛ إذ أناخ بالأبطح، فكوم كومة بطحاً ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم مد يده إلى السماء، ثم قال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، واستشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. وما قاله مالك من أَنه إنما دعا بما دعا به لما خافه من الفتن - بيِّن، من قوله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط، فإنما تمنى الموت مخافة أن يعيش فيمتحن بالفتن، ويكون منه تضيع أو تفرط فيما يلزمه فيها، إذ هو الخليفة للمسلمين. وقول مالك: وقد كان يحب أن يعيش في الدنيا، ويستمتع بها، ليس معناه: أنه كان يحب أن يعيش فيها لمجرد التمتع بالشهوات المباحة، وإنما معناه: أنه كان يحب أن يعيش في الدنيا ويستمتع بما يقوى به على طاعة ربه، ويتقرب به إلى خالقه من الصلوات والأعمال الزاكيات، فخيْرُ الناس مَن طال عمره، وحسن عمله؛ لأن زيادة السن زيادة في الفضيلة. ولهذا يقدم الأسن من الرجلين في الصلاة عند استوائهما في العلم والدين. والدليل على هذا: «قَوْلُ رَسُول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّجُلَيْنِ الأخَوَيْنِ اللَّذَيْنِ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بأرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَذُكِرَتْ فَضِيلَةُ الأوَّل عنْدَهُ فَقَالَ: "ألمْ يَكُنْ الآخَرُ مُسْلِمَاً؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ وَكَانَ لَا بَأسَ بِهِ، قَالَ: "وَمَا يُدْرِيكُم مَا بَلَغَتْ بِهِ صلاَتُهُ بَعْدَهُ؟ إِنَّمَا

حكاية من سعد بن معاذ

مَثَلُ الصَّلَاةِ كَمَثَل نَهْرٍ عَذْب غَمْرٍ بِبَلَدٍ أحَدِكُمْ يَقْتَحِم فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَمَا تَرَوْنَ ذَلِكَ يُبقِي من درَنِهِ؟ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلاَتُهُ» . وليس قول عمر: اللهم اقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط، بخلاف لما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «لاَ يَتَمَنَّينَّ أَحَدُكُم الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ» لأنه إنما دعا بما دعا به، شفقة على دينه، وخوفاً من أن تدركه فتنة تصده عن القيام بأمور المسلمين في دينهم ودنياهم، لما غصب به من الخلافة عليهم. والنهيُ إنما هو عن تمني الموت عند نزول المصائب في الدنيا وحلول البلايا فيها سخطاً بالقضاء وقلة رضا به، وعدم صبر على الأذى والشدة، لا عند الخوف على فساد الدين بحلول الفتن. والله أعلم. [حكاية من سعد بن معاذ] قال مالك: وكان من أمر سعد حين مرَّ وعليه الدرع وهو يقول: مَهْلًا قليلاً نَلْحَقُ الْهَيْجَا حَمَلْ ... لَا بَأْسَ بالْمَوْتِ إِذَا حَلَّ الَأجَلْ قال محمد بن رشد: حين مر وعليه الدرع المقلصة المشمَّرة الكمين، فقالت: ما أخاف على الرجل إلا من أطرافه. وقد مضى الكلام على هذا في صدر هذا الرسم. وقوله في البيت: مهلا قليلاً نلحق الهيجا حَمَلْ معناه الدعاء على أن يمهله الله على ضعفه حتى يلحق الحرب؛ لأن

إجلاء عمر يهود خيبر

الحَمَل: الصغيرُ من ولد الضأن، وقد يحتمل أن يكون قال ذلك وهو ضعيفٌ من الجرح الذي أصابه بالخندق، فمات منه بعد شهر. وقوله في قسم البيت الثاني: لَا بَأسَ بِالْمَوْتِ إِذَا حَلٌ الأجَلْ معناه: لا أكره الموت في سبيل الله، بل أرغبه إذا لم يكن منه بُدٌّ، وحان له الأجل. وبالله التوفيق. [إجلاء عمر يهود خيبر] في إجلاء عمر يهود خيبر قال مالك: قال ذلك اليهودي لعمر، وَقَدْ أقَرَّنَا مُحَمَّدٌ، فَقَالَ عُمَرُ: ألَمْ أسْمَعْهُ يَقُولُ لَكَ: كَيْفَ بكَ إِذا رَقَصَتْ بك قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيلةٍ، قال: إِنَّمَا كانت هَزِيلَةً مِنْ أبِي الْقَاسِم، فَقَالَ عُمَرُ: كًلّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْل. قال محمد بن رشد: القائل ذلك لعمر، من اليهود رجل من كفار أهل خيبر، حين أجلى أهل خيبر عن خيبر بما ثبت عندهُ من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأرْض الْعَرَبِ» - وروي: بِجَزِيرَةِ العَرَبِ، وجزيرة العرب هي منبتهم: مكة والمدينة واليمامة واليمن، وقيل لها جزيرة العرب، لِإحاطة البحر والأنهار بها من أقطارها إلى البصرة، فأبطل عمر احتجاج اليهودي عليهم في إجلائهم عن خيبر، بإقرار النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إياهم فيها بما أخبر أنه سمعه من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لأن ذلك يدل

السبب التي استحل به رسول الله صلى الله عليه بني النضير

على أن إقراره إياهم فيها لم يكن على التأبيد بِحق أوجبه لهم، وإنما كان لمنفعة المسلمين، إلى أن يأمر بإجلائهم فَيُمْتَثَلَ أمرُهُ فيها، وذلك من أعْلام نبوته؛ لأنه أخبر بما كان قبل أن يكون، فكان كما أخبر به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكذلك أجلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يهود نجران وَفَدَك. فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الأرض والثمر شيء، وأما يهود فَدَكَ فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صالحهم على ذلك، فأعطاهم عمر قيمته من ذهب وورق وجمال وأقتاب وأجلاهم عنها. وبالله التوفيق. [السبب التي استحل به رسول الله صلى الله عليه بني النضير] في السبب التي استحل به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بني النضير قال مالك: «جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بني النضير يستعينهم في دية فقعد في ظل جدار، فأرادوا أن يلقوا عليه رَحَا. فأخبرهُ الله بذلك، فقام وانصرف، فبذلك استحلهم وأجلاهم إلى خيبر» وصَفيَّةُ من أهلها، سباها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر، قال: «فرجع إليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأجلاهم على أن لهم من أموالهم ما حملت الإبل والصفراء والبيضاء والخلقة والدِّنَان وَمِشَكِّ الحمل» . قال: الصفراء والبيضاء الذهب والورق والخلقة السلاح والدنان الفخار ومشك الحمل يستقي فيه الماء جلود يدبغونها بشعرها، «فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ حين رجعَ إليهم: يَا أخَاييثُ يَا وُجُوهَ القِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ» . قال الِإمام القاضي: الدية التي ذهب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وسلم إلى بني النضير ليستعينهم فيها هي دية الرجلين الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية في منصرفه من بئر معونة، بعد أن أسره عامر بن الطفيل وأطلقه، وذلك أنهما نزلا معه في ظل، فسألهما: ممن أنتما؟ فقالا: من بني عامر، فأمهلهما حتى إذا ناما قتلهما وهو يرى أن قد أصاب منهما ثأره من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بئر معُونة، وكان معهما عهد من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعلم به عمرو فلما قدم على رسول الله وأخبره الخبر، قال: لقد قتلت قتيلين كان لهما جوار، لأدينهما، هذا عمل أبي براء، وذلك أن أبا براء الكلابي، ويعرف بملاعب الأسِنّة، كان قد وفد على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فدعاه إلى الِإسلام فلم يسلم ولم ينقد. وقال له: لو بعثت رجالَاَ من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم لرجوت أن يستجيبوا لك، فقال له النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إني أخشى عليهم أهل نجد، فقال: أنا جارٌ لهم، فبعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم جماعة من أصحابه، قيل: في سبعين من خيار المسلمين، فنهضوا حتى نزلوا ببئر معونة، وبعثوا منها حرام بن ملحان بكتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عدو الله عامر بن الطفيل فلم ينظر في كتابه حتى عَدَى عليه فقتله، واستصرخ عليهم قبائل من سليم عُصية ورعل وذكوان فأجابوه وخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم، فأخذوا سيوفهم، ثم قاتلوا حتى قُتلوا من عند آخرهم إلا من كان منهم غائباً في سرحهم. منهم عمرو بن أمية، أسروه فأطلقه عامر بن الطفيل بعد أن جر ناصيته في رقبة كانت على أمه زعم. فلما ذهب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بني النضير، وكانت بينه وبينهم موادعة، ليستعين بهم في دية هذين القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية ولهما منهما منه جوار. قالوا له: اجلس يا أبا القاسم حتى تطعم، وترجع بحاجتك، ونقوم نتشاور ونصلح أمرنا فيما جئتنا به، فقعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أبي بكر، وعمر وعلي ونفر من الأنصار إلى جدار

من جُدرهم فتآمروا على قتله، وقالوا: مَن رجل يصعد على ظهر البيت فيلقي على محمد صخرة فيقتله ويريحنا منه؟ فانتدب لذلك بعضهم وهو عمرو بن جِحاش وأوحَى الله إلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بما ائتمروا به من ذلك، فقام ولم يشعر أحد ممن معه ونهض إلى المدينة، فلما استبطأه أصحابه وراث عليهم خبره، أقبل رجل من المدينة فسألوه، فقال: لقيته وقد دخل أزقة المدينة، فقالت اليهود لأصحابه: لقد عجل أبو القاسم قبل أن نقيم له حاجته، ولحق به أصحابه بالمدينة، فأخبرهم بما أوحى الله به إليه ونزل في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ} [المائدة: 11] ... الآية، وأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه بالتهيؤ إلى قتالهم وخرج بهم إليهم، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فتحصنوا منه في الحصون، فحاصرهم ست ليال، وأمر بقطع النخل وإحراقها. ودسَّ إليهم عبد الله بن أبي ابنُ سلول ومن معه من المنافقين أنهم يقاتلون معهم وينصرونهم، وذلك قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ} [الحشر: 11] إلى قوله: {لا يُنْصَرُونَ} [الحشر: 12] فلما جاءت الحقيقة خذلوهم وأسلموهم فألقوا بأيديهم وسألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكف عن دمائهم ويخليهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح، فاحتملوا كذلك إلى خيبر. وذلك معنى قوله في هذه الرواية: وأجلاهم إلى خيبر ومنهم من صار إلى الشام، وكان ممن صار منهم إلى خيبر أكابرهم كحيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فدانت لهم خيبر، فَصفيَّةُ بنتُ حيي بن أخطب من أهل خيبرَ كما قاله مالك في هذه الرواية؛ لأن أباها حيي بن أخطب من بني النضير، احتمل إلى خيبر، فصار من أهلها. وروي عن الحسن قال: بلغني «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أجلى بني النضير. قال لهم:

" امْضُوا فَهَذَا أوَّلُ الْحَشْرِ وَأنَا عَلَى الأثَرِ» . وأنزل الله تعالى في ذلك في سورة الحشر: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ} [الحشر: 2] إلى قوله: {وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: 2] . وذلك أن المؤمنين جعلوا يخربونها من ظاهرها وجعلوهم يخربونها من أجوافها لما أيقنوا أن الله أعلم بغلبة المسلمين عليهم فيها. وقد قيل: إنما كانوا يخربون بيوتهم ليبنوا ببعضها ما هدم المسلمون من حصونهم. والأول أظهر. والله أعلم. وأنزل في أمرهم: {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} [الحشر: 3] يقول عز وجل: لولا أن كتب على اليهود من بني النضير في أم الكتاب الانتقال من موضع إلى موضع، ومن بلد إلى آخر لعذبتهم في الدنيا بالقتل والسباء، لكني رفعت العذاب عنهم في الدنيا بالقتل، وعذبتهم فيها بالجلاء، ولهم في الآخرة عذاب النار مع ذلك. وأنزل تعالى في أمرهم: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [الحشر: 6] فكانت بنو النضير صافية لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لم تخمس، فكانت منها صدقاتَه، على ما قاله مالك في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد، وما وقع في المدونة من أنه قسم النضير بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار، معناه: ما بقي منها بعض صدقاته، وإنما خص بذلك المهاجرين دون الأنصار، حاشى سهل بن حنيف وأبي دُجانة، لفقرهما، والحارث بن الصمة؛ لأنه كان شرط على الأنصار في بيعة العقبة أن يواسوا من يأتيهم من المهاجرين، فكانوا يكفونهم المئونة، ويقاسمونهم في الثمر فلما جلا بنو قينقاع وبنو النضير، قال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن

عمر بن عبد العزيز زهده في زهده وخوفه الله

شِئْتُم بَقِيتُم عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ، وَقَسَمْتُ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ شِئْتُم رَجَعَتْ إِلَيْكُم أمْوَالُكُم وَقَسَمْتُ لَهُم دونَكُم» فاختاروا ذلك ففعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد وقع في رسم صلى نهاراً بعد هذا من قول مالك: إِن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسم قريظة بين المهاجرين، ونفَرٍ من الأنصار، سمعت منه أنهم ثلاثة: سهل بن حُنيف، والحارث بن الصمة، وسماك بن حرشة. قال: فأما النضير فإنها كانت صافية، لم يكن فيها خُمس، وخيبر، كانت صافية إلا قليل منها فتحت عنوة، وذلك يسير، فخمس ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما في المدونة وفي سماع أشهب عن مالك من كتاب الجهاد هو الصحيح؛ لأن ما لَم يُوجَفْ عليه بخيل ولا ركاب، هو الذي لا خمس فيه، ولا حق لأحد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يقسمه باجتهاده، فخص بالنضير المهاجرين للمعنى المذكور، إلا ثلاثة من الأنصار، ومنها كانت صدقاته، وكذلك ما كان من خيبر، لم يُوجَفْ عليه بخيلٍ ولا ركاب، لم يكن فيه خمس، ولا حق لأحد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقطع منه لأزواجه، وأما ما كان منها قد أوجف عليه بالخيل والركاب، فخمَسه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقسمه بين الغانمين، وكذلك قريظة؛ لأنها افتتحت بقتال، ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان، أحرزا أموالهما، أحدهما يامن بن عمير وابن كعب بن عمرو بن جحاش. وذكر أنه جعل جعلاً لمن قتل ابن عمه عمرو بن جحاش لما هم به في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [عمر بن عبد العزيز زهده في زهده وخوفه الله] حكاية عن عمر بن عبد العزيز في زهده وخوفه الله قال مالك: أمر عمر بن عبد العزيز رجلاً يشتري له ثوباً

أول ظعينة قدمت المدينة

بستمائة درهم، للحاف، فسخطه، فلما ولى أمر ذلك الرجل، أن يشتري له كساء بسبعة دراهم، فلما جاء به أخذه فلبسه ثم تعجب لحسنه، فضحك الرجل، فقال له عمر: إني لأظنك أحمق، تضحك من غير شيء، قال: إنما ضحكت لمكان اللحاف الذي أمرتني أن أشتريه بستمائة درهم، قال: فصمت ساعة، ثم قال: أخشى ألا يشتري أحد ثوباً بستمائة درهم وهو يخاف الله. قال محمد بن رشد: هذا من زُهد عمر بن عبد العزيز في الدنيا وخوفه لله نهاية في ذلك. وفضائله أكثر من أن تحصى، ومناقبه مشهورة لا تخفى، قد حصل الإجماع على الثناء عليه والشهادة بالخير له، حتى قال ابن القاسم في رواية الصلت عنه على ما وقع في سماع عبد الله بن الحسن من كتاب الأيمان بالطلاق: إن من حلف بطلاق امرأته أنه من أهل الجنة لا تطلق عليه امرأته. وقد مضى الكلام على ذلك هنالك. وبالله التوفيق. [أول ظعينة قدمت المدينة] في أول ظعينة قدمت المدينة قال مالك: كان أَول ظعينة قدمت المدينة أُم سلمة، فخرجت وحدها من مكة مهاجرة، فرآها رجل من قريش فتبعها حتى إِذا نزلت حط رحلها ورحل لها، حتى إِذا أَرادت الرحيل تنحَّى عنها، فإِذا همَّت بالرحيل رحل لها، حتى رأى المدينة، فقال لها: هذا الموضع الذي تريدين ثم انصرف. قال محمد بن رشد: أُم سلمة هذه هي بنت أَبي أُمية بن المغيرة المعروف بزاد الراكب، أحد أَجواد قريش المشهورين بالكرم زوج النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كانت قبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ تحِت أَبي سلمة بن عبد الأسود فولدت له أَولاداً منهم أبو سلمة الذي كُنيت به، وهاجرت معه إلى

تفسير بكة ومكة

أرض الحبشة، وذكر ابن عبد البر في كتاب الصحابة له: أَنها أَولُ من هاجرت مع زوجها إلى أَرض الحبشة. وذكر في كتاب الدرر له: أَن أول من خرج من المسلمين فارّاً بدينه إلى أَرض الحبشة عثمان بن عفان مع زوجته رقية بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم رجع أَبو سلمة مع زوجته أم سلمة المذكورة من أرض الحبشة إلى مكة في جملة من رجع إليها، لمَّا كان اتصل بهم من أن قريشاً قد أَسلمت أَو أَكثرها خبراً كاذباً، ثم هاجر أبو سلمة ثانية من مكة إلى المدينة، وحبست عنه امرأته أم سلمة سنة، ثم أَذن لها باللحاق بزوجها، فانطلقت مهاجرة، فكانت أول ظعينة قدمت المدينة على ما قاله مالك في هذه الرواية. والرجل الذي شيعها من قريش حتى رآها تحل المدينة وكان كافراً هو عثمان بن طلحة، وذكر ابن عبد البر في كتاب الصحابة من رواية محمد بن مسلمة المغني عن مالك قال: هاجرت أم سلمة وأم حبيبة إلى أرض الحبشة ثم خرجت مهاجرة إِلى المدينة، وخرج معها رجل من المشركين، وكان ينزل بناحية منها، إِذا نزلت، ويسير معها إذا سارت، ويرحل بعيرها ويتنحَّى إذا ركبت، فلما رأى خيل المدينة قال: هذا الأرض التي تريدين ثمَّ سلَّم عليها وانصرف. والذي في هذه الرواية من أنها إِنما خرجت من مكة مهاجرة يريد بعد رجوعها إليها من أرض الحبشة هو الصحيح، والله أَعلم. [تفسير بَكّةَ ومكَّة] في تفسير بَكّةَ ومكَّة قال: وسئل مالك: عن تفسير مكة وبَكة؟ فقال: بكة موضع البيت، ومكة غيره من المواضع، يريد القرية. قال محمد بن رشد: أَراه أخذ ذلك والله أعلم من قوله عزَّ وجلّ؛ لأنه قال في بَكَّة: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران: 96] وهو إِنَّما وضع بموضعه الذي وضع فيه لا فيما سواه من

ما جاء من أن عبد المطلب حفر بئر زمزم

القرية. وقال في مكة: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: 24] ، وذلك إنَّما كان في القرية لا في موضع البيت. [ما جاء من أن عبد المطلب حفر بئر زمزم] فيما جاء من أنَّ عبد المطلب حفر بئر زمزم قال مالك: رأى عبد المطلب أنه يُقال له: احفر زمزم، لا تنزف ولا تهزم، بين فرث ودم، تروي الحجيج الأعظم، في موضع التراب الأعصم. قال: فحفره. قال الِإمام القاضي: قد جاء في الصحيح: أن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما كان بينه وبين أهله ما كان خرج بابنه إسماعيل وأمه ومعهم شنة فيها ماء، حتى قدم مكة، فوضعها تحت دوحة فجعلت تشرب من الشنّة ويدرّ لبنها حتى لما فني الماء قالت: لو ذهبت فنظرت لعلّي أحس أحداً فصعدت على الصفا فنظرت فلم تر أَحداً ثم هبطت فلما صارت في الوادي، رفعت رأسها فسعت سعي الِإنسان المجهود، ثم صعدت على المروة، فلم تر أحداً، فعلت ذلك سبع مرات وابنها يلتوي من العطش، فلما كان في آخر ذلك، سمعت صوتاً فأصغتَ إليه فقال: قد سمعت أن كان عندك غواث، فإذا جبريل فقال بعقبه هكذا، فاندفق الماء فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفن، قال: فقال أبو القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِراً» أي: لكانت زمزم عيناً معيناً، فيحتمل أن يكون بعد ذلك قد رفعت السيول فتلقاه الرمل والتراب حتى انطمس وعفا أثره، فكان من عبد المطلب في حفره ما ذكر في هذه الحكاية، والله أعلم.

ما يزع الإمام الناس

[ما يزع الِإمام الناس] فيما يزع الِإمام الناس قال مالك: بلغني أَن عثمان بن عفان قال: ما يزع الِإمام الناس أكثر مما يزعهم القرآن، قال: يزعهم يكفهم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الناس مخافة السلطان، أكثر من الذين ينتهون عنها لأمر الله، ففي الِإمام صلاح الدين والدنيا، ولا اختلاف بين الأمة في وجوب الِإمامة ولزوم طاعة الِإمام. [تكنية الصبي] من تكنية الصبي وسئل مالك: عن الصبي أيُكنَّى؟ قال: لا بأس بذلك، فقيل له: فكنّيت ابنك أبا القاسم، قال: أمَّا أنا فلا أفعله، ولكن أهل البيت يكنّونه فلا أرى بذلك بأساً. قال محمد بن رشد: قوله في تكنية الصبي: إنَّه لا بأس بذلك - يدل على أن ترك ذلك أحسن عنده، ولذلك قال في تكنية ابنه: أمَّا أنا فلا أفعله. وأهل البيت يكنونه. وإنَّما كان تركه أحسن، لما في ظاهره من الِإخبار بالكذب؛ لأن الصبي لا ولد له يكنى عن اسمه به كما يفعل ذلك من له ولد من الرجال، وجاز، ولم يكن فيه إثم ولا حرج، إِذ لا يقصد بذلك إلى الِإخبار بأنه والد للمكنى باسمه، وإنَّما تجعل الكنية التي يكنَّى بها اسماً علماً له على سبيل الِإكرام له والترفيع به، وبالله التوفيق. [دليل النبي عليه السلام في هجرته إِلى المدينة وما ظهر في ذلك من معجزاته] في دليل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في هجرته إِلى المدينة وما ظهر في ذلك من معجزاته قال مالك: كان اسم الدليل رقيط، وكانوا أربعة، النَّبي عليه

السلام، وأبو بكر، وعامر بن فهيرة مولي أبي بكر، والدليل. قال محمد بن رشد: كذا وقع في بعض الكتب: رُقيط، وفي بعضها: أُريقط. وقال ابن عبد البر في الدرر له: إِن اسمه عبد الله بن أرقط. ويقال: أريقط. وكان النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر قد استأجراه حين خروجهما من مكة ليدل بهما إلى المدينة، وكان معهما عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر، فكانوا في مسيرتهم إلى المدينة أربعة كما قال، وذلك أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما بايَع أهل المدينة الأنصار، ودخلوا في الِإسلام، وهاجر إليها من هاجر من المسلمين، شق ذلك على قريش، وقالوا: هذا شيء شاغل لا يطاق، فأجمعوا أَمرهم على قتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فبيّتوه ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج، فأمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه، ودعا الله عزَّ وجلّ أن يعمي عليهم أثره فطمس اللَّه تعالى على أبصارهم، وخرج وقد غشيهم النوم فوضع على رؤوسهم تراباً ونهض فلما أصبحوا خرج عليهم علي وأخبرهم أن ليس في الدار دَيار، فعلموا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد فات ونجا وتواعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أَبي بكر الصدِّيق للهجرة، ودفعا راحلتيهما إلى الدليل المذكور، وكان كافراً لكنهما وَثقا به، فاستأْجراه ليدل بهما إلى المدينة، ثم نهضا حتى دخلا الغار بجبَل ثور، وكانت أسماء بنت أَبي بكر تأتيهما بالطعام، ويأتيهما عبد الله بن أبي بكر بالأخبار ثم يتلوهما عامر بن فهيرة بالغنم، فيعفي آثارهما، فلما فقدته قريش جعلت تطلبه بقائف معروف فقفا الأثر حتى وقف على الغار، فقال: هاهنا انقطع الأثر، فانظروا، فنظروا فإِذا بالعنكبوت قد نسج على فم الغار من ساعته، وأمر الله تعالى حمامة فباضت على نسج العنكبوت، وجعلت ترقد على بيضها، فلما نظر الكفار إلى ذلك أيقنوا أن ليس في الغار أحد، فرجعوا، «فقال أبو بكر للنَّبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ عِنْدَ قَدَمَيْهِ لأبْصَرَنا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» .

فلما مضت لبقائهما في الغار ثلاثة أيام أتاهما الدليل براحِلتيهما وأسماء بسُفرتهما، وكانت قد شقًت نِطاقها، فربطتَ بنصفه السُفرة، وانتطقت النصف الآخر ولهذا سميّت أم النطاقين فركبا راحلتيهما وأردف أبو بكر عامر بن فُهيرة، وتقدمهم الدليل، فصاروا أربعة كما قال في الحكاية، حتى وصلوا إلى المدينة. وروي عن النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ» . وقد وصف أصحاب السير مراحله في طريقه مرحلة مرحلة، وما كان منه فيها من أعلام نبوَته المعجزات، من ذلك خبره مع سراقة بن مالك بن جعشم وذلك أنهم مروا في مسيرهم بناحية موضع سراقة بن جعشم، فلما رآهم علم أنهم الذين جعلت فيهم قريش ما جعلت لمن أتى بهم، فركب وتبعهم ليردهم بزعمه، فدعا عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فساخت يدا فرسه في الأرض، ثم استقلَّت فأتبعها دخان، فعلما أنها آية فناداهم قفوِا علي وأنتم آمنون فوقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فهم به فساخت يدا فرسه، فقال: ادع الله لي فلن تر مني ما تَكره، وأنا أَنصرف عنك الطلب فدعا له فاستقلت فرسه، وسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَن يكتب له كتاباً فأمر أبا بكر فكتب له وانصرف، وجعل يرد كل من لقي يقول لهم: قد كفيتكم هذه الناحية فكان أَول النهار طالباً لرسول الله وآخره معه راداً للطالبين عنه. وخبره مع أُم معبد حين مروا بها في خيمتها في شاتها الحائل على ما هو مشهور معلوم بنقل الثقات وساروا على غير الطريق المعهودة حتى وصلوا إلى المدينة فنزلوا بقباء ضحى يوم الاثنين، وقيل: عند استواء الشمس، لاثنتي عشرة ليلة خلت لربيع الأول، وأول من رآه رجل من اليهود وكان أكثر أهل المدينة قد خرجوا ينظرون إليه، فلما ارتفع النهار وقلصت الظلال، واشتدَّ الحَر يَئِسوا منه وانصرفوا ورآه

ذم الحسد

رجل من اليهود كان في نخل له، فصَاح: يا بني قيلة، هذا جدّكم قد جاء، يعني حظكم، فخرجوا وتلقوه، فقيل: إنَّه دخل معهم المدينة، فقيل: إنًه نزل على سعد بن خيثمة، وقيل: إنَّه نزل على كلثوم بن هرم، وكان فيمن خرج إليه قوم من اليهود كان فيهم عبد الله بن سلام، قال: فلما نظرت إلى وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعت منه: «أَيها النًاسُ أفْشُوا السَّلامَ وَأَطْعِموا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الَأرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللًيْل وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنًةَ بِسَلاَمٍ» . [ذم الحسد] في الحسد قال مالك: بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكِبَر والشحّ، حسد إبليسِ وتكبّر على آدم، وشحّ آدم، فقيل له: كلْ من شجر الجنة كلها إلَا التي نهاه الله فشحَّ فأَكل منها. قال محمد بن رشد: الحسد من الذنوب العظام لأن الله تَعالى نهى عنه وحرمه في كتابه وعلى لسان رسوله فقال عزَّ وجلّ: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32] وقال: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] أن يعطيه مثل ما أعطاه لغيره، دون أن تزول

النعمة عنه فليس ذلك بمحظور ولا حسد، وإنما هو الغبطة، تقول غبطت الرجل في كذا، وحسدته عليه، فالغبطة مباحة، والحسد محْظور. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا حَسَدَ إِلّاَ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُل آتَاهُ اللًهُ الْقُرْآنِ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْل وآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَهُوَ يُنْفِقهُ آنَاءَ اللَّيْل وَالنَّهَارِ» معناه لا حسد أصلاً، لكن في هذين الاثنتين تغابطوا فيهما فالاستثناء في الحديث استثناء منقطع، ومن الناس من ذهب إلى أن قول النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليس على عمومه؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد أَباحه في الخير، وقال: «لا حسد إلّاَ في اثنتين» ، والذي ذهب إلى هذا قال: إن الحسد على وجهين: حسد معه بغيٌ، وحسدٌ لا بغي معه. وروي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إِذَا حَسَدْتُم فَلَا تَبْغُوا» . والبغي والله أعلم هو أَن يريد الإِضرار بالمحسود بزوال النعمة عنه، فالحسد الذي لا بغي معه جائز، والحسد الذي معه البغي محظور. فالحسد على هذا ينقسم على قسمين: حسد في الخير، وحسد في المال، فالحسد في الخير مرغب فيه، إذ لا بغي فيه، والحسد في المال جائز إذا لم يكن معه بغي، ومحظور إن كان معه بغي، وكذلك الكبر محظور مذموم؛ لأن الكبرياء إِنَّما هي لله تعالى، فمن تكبَّر قصمه الله ومن تواضع رفعه الله. والشحّ على وجهين: شحّ بالواجبات، وشحّ بالمندوبات، فأما الشحّ بالواجبات فحرام، وأما الشح بالمندوبات فمكَروه. فمن وُقي الشح في الوجهين فقد أفلح، قال عزَّ وجلّ: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16] . وقوله في آدم: فشحَّ فأكل منها. معناه: فشحَّ أَن يأكل من ثمر الجنَّة التي أباح الله له الأكل منها إِبقاءً عليها وشحًّا بها، وأكل من التي نهاه الله عنها. والله الموفق.

الأدب في الأكل

[الأدب في الأكل] في الأدب في الأكل وسُئل مالك: عن رجل يأكل في بيته مع أهله وولده، فيأكل معهم فيما بينهم، ويَتناول ذلك من أَيديهم، قال: لا بأس بذلك، وسُئل مالك: عن القوم يأكلون في مثل الحرس، فيتناول بعضهم بين يدي بعض، وبعضهم يتوسع لبعض. قال: لا خير في ذلك، وليس هذا من الأخلاق التي تعرف عندنا. قال محمد بن رشد: إنَّما لم ير بأساً إذا أكل الرجل في بيته مع أهله وولده، مما يليهم؛ لأن الرجل لا يلزمه أن يتأدَّب مع أهله وولده في الأكل، ويلزم أَهله وولده أن يتأدّبوا معه فيه، وعليه هو أَن يأمرهم بذلك على ما جاءت به السنّة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في قوله لربيبه عمر بن أبي سلمة: «سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» ، وكذلك الرفقاء إذا اجتمعوا في الأكل يلزم أن يتأدَّب كل واحد منهم في أكله مع صاحبه، فلا يأكل إلَّا مما يليه على ما قاله مالك في القوم يأكلون في مثل الحرس أَو في مثل الجريش على ما وقع في بعض الكتب. وهذا في الطعام الذي صفته واحدة، لا تختلف أغراض الآكلين فيها كالثريد واللحم وشبهه، وأما الطعام المختلف الذي تختلف أغراض الآكلين فيه، فلا بأس أن يتناول بعضهم ما يعجبه منه، وإن كان يلي غيره. وقد جاءت به السنّة. رُويَ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ عِكْرَاشٍ بْنِ ذُؤيْبِ قَالَ: «بَعَثَنِي بَنُو مرةَ بن عُبَيْدٍ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدْتُهُ جَالِساً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ فَأَتَيْتُهُ بِإِبلٍ كَأَنَّهَا عُرُوقُ الأرطى فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: عِكْرَاشُ بْنُ ذُؤيْبٍ، فَقَالَ: ارْفَعْ فِي النَّسَبِ، فَقُلْتُ: ابْنِ حُرْقُوصٍ بْنِ جعْدةَ بْنِ عَمْرِو بنِ النزال بنِ مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ. وهَذه صَدَقَاتُ بَنِي مُرةَ بن عُبَيدٍ، فَتَبَسَّمَ

كراهية التنعم وزي الأعاجم

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثمَّ قَالَ: بَل هذه إِبِلُ كرمي ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُوسَمَ بِمِيْسَم إِبِل الصَّدَقَةِ وَتُضَمَّ إلَيْهَا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي وَانْطَلَقَ بِي إِلَى مَنْزِل أُمِّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: هَلْ مِنْ طَعَام؟ فَأَتَتنَا بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالْوَدكِ فَأَقْبَلْنَا نأكلُ مِنْهَا فَأكًلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَجَعَلْتُ أَخْبِطُ فِي نَوَاحِيهَا، فَقَبَضَ رَسولُ اللَّهِ بِيدهِ الْيًسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى. وَقَالَ: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ، ثمَّ أَتَتْنَا بِطَبَقٍ فِيهِ ألْوَانٌ مِن رطِبِ أَوْ ثَمْرِ -شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ: رُطَباً كَانَ أَو ثَمْراً؟ - فَجَعَلْتُ آكُلُ مِمَّا بَيْنَ يَدِيَّ فَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّبَقِ، وَقَالَ: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْث شِئْتَ ثمَّ أَتَتْنَا بِمَاءٍ فَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمَّ مَسَحَ بِبَلَل كَفَّيْهِ وَجْهَهُ وذِرَاعَيْهِ وَرَأسهُ ثمَّ قَال: لا يَا عكْرَاشُ هذَا الْوُضوءُ» . [كراهية التنعُّم وزَيِّ الأعاجم] في كراهية التنعُّم وزَيِّ الأعاجم قال مالك: بلغني أَن عمر بن الخطاب قال: إِيَّايَ والتَّنعّمَ وَزَيَّ الأعَاجِمَ. قال محمد بن رشد: قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِيَّاي والتنعم، معناه: التحذير من التنعم بالمُباحات في الدنيا، وذلك منه على سبيل التورع فيها، والتقلل منها؛ لأن من تنعم بشيء في الدنيا، فلا بد أن يسأل عن تنعمه، وما يجب لله من الحقوق فيه، قال عزَّ وجلّ: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] . قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه في الطعام الذي أكلوه عند أَبي الهيثم بن التيهان، وقد صنع لهم

إيثار الرجل المساكين على نفسه

خبزاً من شّعير وذبح لهم شاة واستعذب لهم ماء فعلق في نخلة: «لتسألنَّ عن النعيم هذا اليوم» . ومن حق المسلم الخائف لله، لا يتنعّم في الدنيا، ويطوي بطنه عن جاره وابن عمه، وقد أدرك عمر بن الخطاب جابر بنَ عبد الله ومعه حِمل لحم، فقال: ما هذا؟ فقال: يا أَمير المؤمنين قدمنا إلى اللحم، فاشتريت بدرهم لحماً فقال عمر: أَمَا يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره وابن عمه؟ أَين تذهب هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20] ، وأمَّا زي العجم فإنَّما نهى عنه عمر بن الخطاب لما فيه من التشبّه بهم، وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «مَن تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم، وَمَنْ رَضِيَ عَمَلَ قَوْم كَانَ شَرِيكَ مَنْ عَمِلَهُ» . فزي العجم منهي عنه ملعون لابسه، وكذلك سيوفهم وشكلهم، وجميع زيهم، هو مثله في اللعنة والكراهة، قال ذلك ابن حبيب في الواضحة، فلا يجوز لأحد لبسه في صلاة ولا غيرها، ومن جهِل فلبسه في الصلاة فلا إعادة عليه إذا كان طاهراً وقد أساء. وبالله التوفيق. [إيثار الرجل المساكين على نفسه] في إيثار الرجل المساكين على نفسه بالطيب من الطعام قال مالك: كان طاووس يشتري الجزرة لسُفرتِهِ، فيدفعها إِلَى المساكين قبل أن يذبحها، وكان يعمل الطعام الطيب، ويدعو إليه المساكين، فقيل له: لو دعوت أشراف الناس،

يمد من بسم الله الرحمن الرحيم ما لا يمد

فقال: لا، إن هؤلاء لا عهد لهم بمثل هذا، فقيل لمالك: فإِنَّه كان بمصر رجلٌ يسمى مروان اليحصبي يفعل ذلك، فقال: ما أَجود أن يفعل هذا، وأعجبه العمل به. قال محمد بن رشد: الفضل في هذا بيِّن لا يخفى، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان: 8] . وقال: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] . وقال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] فإذا أعطى الرجل المساكين فضل الطعام كان له عند الله فضل. [يَمُد من بسم الله الرحمن الرحيم ما لا يُمَدُّ] فيمن يَمُد من بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " ما لا يُمَدُّ وسئل مالك: عن مد " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، أترى به بأساً؟ قال: لا بأس به، وما الذي يسْأَل عن مثل هذا؟ قال: وسألته عن مد " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قبل أن يجعل السين، قال: ما يعجبني. قال محمد بن رشد: إذا لم ير بأساً في المد في الخط فيما بين السين والميم من " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، وأنكر السؤال عنه؛ لأن الجواز فيه بيِّن، بل هو مستحب مستحسن؛ لأن مد الخط في كتاب اسم الله تفخيمٌ له، وتحسين فيه، ومن الحق أن يفخم له عز وجل في الكتاب، ويحسن غاية ما يقدر عليه، على ما جرى به عمل الناس في القديم والحديث، ولا يدمج ويخرج، وأما المد فيما بين الباء والسِّين من اسم الله في الخط،

القران في الثمر

فوجه الكراهة في ذلك، أن الباء ليست من اسم الله، وإنما دخلت عليه للِإلزاق والِإعلام بالبداءة؛ لأن المعنى في ذلك: أستفتح كلامي وفعلي باسم الله، فلا يحسن أن يفرق بينهما بالمد كما يفعل بين الحرفين من الاسم ليحْسن به؛ إذ ليس من الاسم، وبالله التوفيق. [القران في الثمر] في القران في الثمر وسئل مالك: عن القران في الثمر، قال: لا خير في ذلك، قال ابن القاسم: يعني أن يكون الإنسان يأكل ثمرتين أو ثلاثاً في لقمة. قال مالك: خرج عمر بن الخطاب إلى أرض الحبشة في الجاهلية في جهد أصابهم، فاستضاف قوماً من الحبشة فجاءوهُ بخزيرة غير كبيرة، وعلى رأسها شيء من سمن، فطفق أحدهم يدور منها مثل النواة فيأكله، قال عمر: فخيَّرتُ نفسي بين أن آكل كما كنت آكل أو آكل كما يأكلون، فرأيت أن آكل كما يأكلون، فأكلت، وذكر ذلك عند القران في الثمر. قال ابن القاسم: يعني بخزيرة: عصيدة. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: إنه يأكل الإِنسان ثمرتين أو ثلاثاً في لقمة - تفسير صحيح لا اختلاف فيه وفي صحته، وإنما قال مالك: لا خير في ذلك، للنهي الوارد في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقد اختلف في علة النهي عن ذلك، فقيل: إنما نهى عنه لما فيه من سوء الأدب، فعلى هذا لا يجوز لمن واكل قوماً يلزمه أن يتأدب في أكله

انتظار الإمام الناس للخطبة بعد صعوده على المنبر

معهم - أن يقرن دونهم، وإنما يجوز ذلك له مع أهله وولده، إذ لا يلزمه أن يتأدب في أكله معهم على ما مضى فوق هذا من أنه لا بأس إذا أكل معهم أن يتناول مما بين أيديهم، وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية. وما فعله عمر بن الخطاب مع الذين استضافهم في الخزيرة التي أتوه بها؛ لأنهم لما أتوه بها، فقد أذنوا له في الأكل منها على أي صفة شاء، فرأى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يترك عادته في الأكل، تأدباً معهم. وقيل: إنما نَهى عن ذلك لئلا يستأثر في الأكل على من يواكله بأكثر من حقه، فعلى هذا يجوز لمن أطعم قوماً وأكل معهم أن يقرن دونهم. وهو قول مالك في رسم الأقضية من سماع أشهب بعد هذا. وللشركاء في الطعام إذا كان ملكاً لهم، وأطعموا إياه أن يقرن أحدهم إذا استأذن أصحابه في ذلك. وذلك مروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية ابن عمر. قال: «نهى رسول اللَه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُقرِن الرجُلُ بَيْنَ الثَّمْرَتَيْنِ حَتَى يَسْتَأذِنَ أَصْحَابَهُ» وبالله التوفيق. [انتظار الِإمام الناس للخطبة بعد صعوده على المنبر] في انتظار الِإمام الناس للخطبة بعد صعوده على المنبر قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فجلس عليه وصمت حتى ذهب الأذان إلى العوالي فأذن الناس بجلوس عمر على المنبر قبل الخطبة حتى جاءوا ثم تكلم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [قال الِإمام القاضي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] : إنما جلس عمر على المنبر قبل الخطبة ليعلم الناس أنه يريد أن يخطب عليهم فيجتمعوا لاستماع خطبته. وهذا أحسن من الفعل في الخطبة على الناس لأمر ينزل بهم، لا في خطبة الجمعة؛ لأنه إنما يجلس فيها على المنبر ما دام

صفة القصد المحمود

المؤذنون يؤذنون، على ما أتت به السنة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. [صفة القصد المحمود] في صفة القصد المحمود قال: وسمعت مالكاً يذكر القصد وفضله، قال: وإياك من القصد ما تحب أن تُرفع به، فقيل له: لم؟ فقال: ما يعجب به، ولعجب الناس. قال محمد بن رشد: القصد الاقتصاد في الإنفاق واللباس، وفي معناه جاء الحديث: «ما عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ» ، وكفى في بيان فضله ثناءُ الله تعالى على أهله بقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] ، وذكر مالك في الموطأ أنه بلغه عن عبد اللهِ بن عباس أنه كان يقول: الْقَصْدُ وَالتُّؤدة وَحُسْنُ السّمت جُزْءٌ مِن خَمْسِةِ وَعِشْرِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوءَةِ. وقد روي عن ابن عباس معناه مرفوعاً إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَيُكْرَهُ مِنَ الْقَصْدِ كَمَا قَال: مَا يُعْجَبُ بِهِ فَاعِلُه فَيُعْجِبُ النَاسَ، وَيَذْكُرونَهُ بِهِ، ويُشَارُ إليه بسببه. وقد روي عن الحسن قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كفى بالمرء مِن الشرِّ أن يشَارَ إليُه بالأصَابع في دينه أَوْ دُنْيَاهُ، إلاَّ مَنْ عَصَمَ اللَهُ» . وروي عن رجل من الأنصار أنه قال: ما استوى رجلان صالحان، أحدهما يشار إليه، والآخر لا يشار إليه؛ لأن الرجل

القاضي لا يقضي وهو جائع

إذا أُثني بالخير عليه وأُشير به إليه، لا يخلص من أَن يعجبه ذلك، ويُسَر به، ولا ينبغي للرجل أن يسر إلا بما يرجوه مِنَ الثواب عند الله في الدار الأخرى، لا بثناء الناس عليه في الدنيا. وبالله التوفيق. [القاضي لا يقضي وهو جائع] في أن القاضي لا يقضي وهو جائع ولا وهو شبعان جداً قال مالك: إنه يقال: لا يقضي القاضي وهو جائع من غير أن يشبعِ جداً؛ لأن الغضب يحضر الجائع، والشبعان جداً يكون بطيناَ. قال محمد بن رشد: هذا بيِّن على ما قاله؛ لأن القاضي لا ينبغي له أن يقضي إلا وهو فارغ البال عما يشغله، ليفهم ما يقضي به، كما لا ينبغي له أن يصلي إلا وهو فارغ البال عما يشغله في صلاته. فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُصَلِّين أَحَدُكُم بِحَضْرَةِ الطَّعَام، وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُه الأخْبَثَانِ: الْغَائِطُ وَالبَوْلُ» . وبالله التوفيق. [أحكام ما أحله الله ونهى عنه وعفا عنه] في أحكام ما أحله الله ونهى عنه وعفا عنه قال مالك: يقال: أمرٌ أحله الله فاتبعوه، ونهيٌ نَهى الله عنه فاجتنبوه، وعفو عفا الله عنه فدعوه. قال مالك فيه {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: 101] .

امتيار القمح من بلد إلى بلد

قال ابن القاسم: وشذ قوله في هذه الحكاية: أمر أحله الله فاتبعوه، معناه: أمر أحله الله فأحلوه؛ لأن ما أحله الله فهو حلال، يجوز أكله، ولا يجب. وقوله فيها: عفو عفا الله عنه فدعوه، يدل بحمله على ظاهره، أن المسكوت عنه محظور لا يباح أكله، وإلى هذا ذهب مالك في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان؛ لأنه قال فيه في المد الذي يأكله الناس: أنه ينبغي للِإمام أن ينهى الناس عما يضر بهم في دينهم ودنياهم، واحتج للمنع من جواز أكله بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] ، أما الطين من الطيبات ولم يحمله مالك في هذه الرواية على ظاهره، بل رأى المعنى في قوله: فدعوه اختياراً لا إيجاباً، بدليل قوله فيها: قد رفع اللَّه فيه الحرج عنهم بعفوه عنه؛ لئلا يحرم عليهم إن سألوه عنه فيسوؤهم ذلك، فقول مالك في هذه الرواية: إن المسكوت عنه مباح، وإلى هذا ذهب أبو الفرج. ووجه القول الأول من طريق النظر: أنه قد ثبت أن الأشياء مِلكُ مالك، والأصل لا يستباح مِلْك أحدٍ إلا بإذنه، ووجه الثاني وأن خلق اللَّه تعالى له دليل على الِإباحة، إذ لا يجوز أن يخلقه عبثاً لغير وجه منفعة. [امتيار القمح من بلد إلى بلد] في امتيار القمح من بلد إلى بلد قال مالك: بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز على

أيْلَة كتب إليه: إن قومي يمتارون القمح منها يمتارونه إلى غيرها، وإنه بلغني أن أَمير المؤمنين منع طعاماً أن ينقل. فكتب إليه عمر: ما ظننت أن أحداً أبَه لهذا، وإن الله تعالى أحل البيع وحرم الربا، فخل بين الناس وبين البيع والابتياِع. قال مالك: كان مِن العيب الذي يُعاب به من مضى ويرونه ظلماَ عظيماً منعُ التجر. قال محمد بن رشد: المعنى عندي والله أَعلم فيما كتب به عامل أيلة إلى عمر بن عبد العزيز أن الناس كانوا يمتارون القمح من أيلة إلى غيرها ليبيعوه بها فهمَّ أن يمنعهم من ذلك لما بلغه أنه منع طعاماً أن ينقل وإنما كان منع والله أعلم مِن نقله للاحتكار، فكتب إليه: ما ظننت أن أحداً أبه لهذا، أي: ما ظننت أن أحداً هم بالمنع من مثل هذا فلا تمنع منه، وخل بين الناس وبينه، فإن الله قد أَحل البيع وحرم الربا، فنقل الطعام من بلد إلى بلد للبيع جائز، وإن أضر ذلك بسعر البلد الذي ينقل منه كان بأن تعلية الأسعار بالبلد الذي ينقل منه ترخيصاً في البلد الذي ينقل إليه. والمسلمون في جميع البلد أُسوة، ليس بعضهم أحق بالرفق من بعض. وأما نقل الطعام من بلد إلى بلد للاحتكار، ففيه خلاف وتفصيل، قد مضى القول فيه في رسم يسلم من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، فلا معنى لإِعادته هنا. وقول مالك: كان من العيب الذي يعاب به من مضى ويرونه ظلماً عظيماً منع التجر، معناه: شراءُ الطعام للحكرة؛ لأن الحكرة قد أتت آثار في التشديد فيها، فحملها بعض من مضى على عمومها في جميع الطعام، وفي كل الأزمان، ولم ير ذلك مالك.

التسليم لأمر الله والرضا بقدره

وقد مضى تحصيل القول فيما يجوز من الاحتكار مما لا يجوز منه في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع فأغنى ذلك عن إعادته. [التسليم لأمر الله والرضا بقدَره] في التسليم لأمر الله والرضا بقدَره وسمعت مالكاً: يذكر أن القاسم بن محمد وقف بعرفة ومعه عمر بن الحسين فافتقد عبد الرحمن، فقال القاسم: يا عمر، التمس أخاكَ، فالتمسه فلم يجده، فقال القاسم: قضاء الله خير للمؤمنين. قال محمد بن رشد: في هذا الرضا بقضاء الله والتسليم له، والِإيمان بالقدر خيره وشره من عقود الِإيمان، فقال عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] ، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتًّى الْعَجْزِ وَالْكَيْس، أَوِ الْكَيْس وَالْعَجْزِ» ، فالتكذيب به كفر وضلال، وقد مضى القول في هذا في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب المحاربين والمرتدين، فلا وجه لِإعادته. [لباس الرجل الثوب المصبوغ] في لباس الرجل الثوب المصبوغ قال مالك: رأيت ابن المنكدر يلبس الثوبين المصبوغين

الموردين المتينين بالزعفران، ولقد رأيت في رأسه الغالية، ورأيت ابن هرمز يلبس الثوبين بالزعفران، ورأيت عامر بن عبد الله، وربيعة بن عبد الرحمن وهشام بن عُرْوة يفرقون شعورهم، وكانت لهم شعور، وكانت لهشام جمة إلى كتفيه. قال مالك: إن كان ابن عمر ليتبع أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حتى إن كان يخاف على عقله. قال محمد بن رشد: اختلف السلف الماضي في لباس المزعفر والمعصفر من الثياب، لما رُوي: من «أنّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أن يَتَزَعْفَرَ الرَجُلُ» وأنه «نَهَى عَنِ المُعَصْفَرِ» . ولما جاء «عن عبد الله بن عمر، وقال: رَآني رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيَّ ثَوْب مُعَصْفَرٌ، فَقَالَ: "ألْقِهَا فَإنَّهَا ثِيَابُ الْكُفّارِ» . «وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ، أنَّهُ قَال: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ أَقُولُ نَهَاكُم عَنْ لِبَاسَ الْمُعَصْفَرِ» . ولم ير أكثرهم في ذلك بأساً. منهم عبد الله بن عمر والبراء بن عازب وطلحة بن عبيد اللَّه ومحمد بن علي وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وأبو وائل شقيق بن سلمة وزر بن بن حبيش وعلي بن حُسين ونافع بن جبير بن مطعم، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم. وقال مالك في الموطأ في الملاحق المعصفرة في البيوت للرجل وفي الأفنية: لا أعلم من ذلك شيئاً حراماً، وغير ذلك من اللباس أحب إلي. وما حكاه مالك عن عامر بن عبيد الله وربيعة وهشام من أنهم كانت لهم شعور، هو المستحسن عند عامة العلماء، لما في ذلك من الاقتداء بما كان عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فقد روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه كان يَسْدُلُ شَعَره، وكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُوسَهُم، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُؤُوسَهم، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْل الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثًمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ رَأَسه. وروي أَن شَعرَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ كَانَ دونَ الْجُمَّةِ وَفَوْقَ الْوَفْرَة» وروي «عن أنس أنه قِيلَ لَه:

كَيْفَ كَانَ شَعَر رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: كَانَ شَعراً رَجِلاً لَيْسَ بِالْجَعْدِ وَلاَ بِالسَّبِطِ، بَيْن أُذُنِهِ وَعَاتِقِه» . وروي عن أنس أيضاً أنه قال: «كَانَ شَعَرُ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ مَنْكِبَيْه» . وروي عن أنس أيضاً أنه قال: «كَانَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، شَعَرُهُ إلى شَحْمَةِ أُذُنِهِ» . ومن أهل العلم من ذهب إلى أن إحفاء الشعر أحسن من اتخاذه؛ لما روي «عن وائل بن حجر قال: أَتَيْنَا النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولِي شَعَرٌ طَوِيلٌ فَقَالَ: ذبَابٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِينِي فَذَهَبْتُ فحززته، ثم أَتَيْتُ النَّبَيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: ما عَنَيْتُك، ولَكِنْ هَذَا أَحْسَنُ» . قالَ: وما جعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحسن كان لا شيء أحسن منه. ومعقولٌ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد صار بعض هذا القول إلى هذا الأحسن وترك ما كان عليه قبل ذلك؛ إذ هو أولى بالمحاسن كلها من دون الناس، وليس حديث وائل بن حجر في هذه بحجة بينة، لاحتمال أن يكون شعره قد طال طولاً كثيراً خرج به عن الحد المستحسن، ولهذا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءه وقد حزه: " هَذَا أَحْسَنُ "، ولعله لم يحزه كله وأبقى منه لِمَّةً أو وفرة. ومن الصحابة من كانت له لمة، ومنهم من كانت له وفرة، ومنهم من حلق، فالأمر في ذلك واسع، وما تظاهرت به الآثار من أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان له شعر طويل أحسن، ففيه الأسوة الحسنة، وقد كان ابن عمر على ما حكاه عنه مالك هاهنا يتبع أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حتى إن كان ليخاف على عقله وقد رُئي يدور بناقته في مَوْضِعٍ رَأَى نَاقَةَ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد دارت به فيه، فقيل له في ذلك، فقال: أحببتُ أن تطأ ناقتي المواضع التي وطئتها ناقة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

تفسير قول الله ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا

[تفسير قول الله وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا] في تفسير قول الله {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وسئل مالك: عن قول الله: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] ما تفسيره؟ أن يدعى قبل أَن يَشهد، أو يكون قد أشهد، فقال: إنما ذلك بعدما أشهدوا، وأما قبل أن يشهدوا فأرجو أَن يكون في سعة، إذا كان ثَم من يشهد، وليس كل أمر يجب على الرجل أن يشهد عليه من الأمور أُمور لا يجب على الرجل أن يشهد فيها. قال محمد بن رشد: قول مالك: قول الله عز وجل: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] . معناه: إذا دعي لأدَاء الشهادة بعدما أشهد، وأما إذا دعي ليشهد فهو في سعة إذا كان ثم من يشهد - صحيح، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه واجب على كل من دعي إلى الشهادة أن يجيب دُعي إلى أن يستحفظ الشهادة أو يؤدي ما حفظ، لقول الله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] ، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الشاهد لا يصح أن يسمى شاهداً إِلا بعد أن يكون عنده علم بالشهادة، وأما قبل أن يعلم فليس بشاهد، ولا يدخل تحت قوله: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] إلا من هو شاهد. وهذه المسألة قد مضى القول عليها في أول نوازل سحنون من كتاب الشهادات وتمامه في رسم شهد على شهادة ميت من سماع عيسى منه. وقوله: وليس كل أمر يجب للرجل أن يشهد عليه - صحيح؛ لأن مَن دعي أن يشهد على أمر مكروه فيكره له أن يشهد عليه فقد

تقوى الله

روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبي النعمان بن بشير بن سعد؛ إذ أشهده على أنه نَحل ابنه النُّعمان غلاماً له، لَمَّا أَخبرهُ بأنه خصَّ ابنه بنحلة الغلام، دون سائر ولده: «أَشْهِدْ غَيْرِي فَإنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» ، ومن دعي إلى أن يشهد على حرام فلا يحل له أن يشهد عليه، ومن دعي إلى أن يشهد على أمر جائز أو مستحب أو واجب، فالإجابة عليه فرض من فروض الكفاية، وبالله التوفيق. [تقوى الله] في تقوى الله قال: وسمعت مالكاً يذكر أنَّ رجلاً أمر رجلَاَ بتقوى الله، ثم قال له: إنما هو لحمُك ودمُك. قال محمد بن رشد: هذا بين لا إشكال فيه؛ لأنه إن اتقى الله سلم من عذاب الله وإن لم يتقه خاف على نفسه وبدنه في الآخرة عقاب الله، وبالله التوفيق. [ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم] فيما كان عليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مالك: بلغني أن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا ينزعون الدلاء في سقي النخل على ثمره، ثمرة كل دلو. قال محمد بن رشد: في هذا بيان ما كان عليه أصحاب رسول

الإغلاظ على أهل الجور من الأمراء بالقول

الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من التقليل من الدنيا وامتهانهم فيها بإجارة أنفسهم للخدمة والعمل، فذلك جائز لا عيب فيه، ولا غضاضة على من فعله، فقد قالت ابنة شعيب لأبيها في موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26] . وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ نَبِيِّ إلاَ وَقَدْ رَعَى غَنَماً. قِيلَ لَهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَهِ؟ قَالَ: وَأَنَا» . واستئجار الرجل الرجلَ على سقي النخل كلُ دلو بدرهم إذا لم يواجبه على عدد معلوم، يشبه كراء الدار مشاهرة، له أن يترك متى شاء، ولرب النخل أَن يمنعه من التمادي على السقي إذا شاء ما لم ينقده، فإن نقده عدداً من الثمر لزمهما جميعاً بمنزلة إذا واجبه على عدد معلوم. وبالله التوفيق. [الإغلاظ على أهل الجور من الأمراء بالقول] في الإغلاظ على أهل الجور من الأمراء بالقول وذكر مالك: أن الحجاج قال لعبد الله بن عمر في كلام قاله له عبد الله بن عمر إلا يكون ضرب عنقه، فقال له عبد الله: إذن لسقرك الله به في جهنم على رأسك. قال محمد بن رشد: قول عبد الله بن عمر للحجاج فيما كان هم به من قتل عبد الله بن عمر: إذن لسقرك الله به في جهنم على رأسك - يدل على ما هو معلوم من مذهب عبد الله بن عمر أن القاتل لا توبة له وأن الوعيد لاحق به؛ لأنه أخبر أنه لو فعل لسقره الله به في جهنم على رأسه، ولم يستثن توبةً ولا غيرها. وقد روي أنه سُئل عن القاتل عمداً هل له من توبة؟

قال: ليستكثر من شرب الماء البارد. يريد: أنه لا توبة له، وهو مذهب ابن عباس وأبي هريرة وزيد بن ثابت. روي أن سائلاً سأل ابن عمر وابن عباس وأبا هريِرة عمن قتل مؤمناً متعمد، أَهل له من توبة؟ فكلهم قال: هل يستطيع أن يحييه؟ هل يستطيع أن يبتغي نَفَقاً في الأرض أو سُلًماً فِي السمَاءِ؟ وإلى هذا ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه روي عنه أن إمامة القاتل لا تجوز وإن تاب، ويؤيد هذا المذهب ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كُلُّ ذَنْبِ عَسَى اللَّه أَنْ يَعْفُوَ عَنْه إلَّا مَنْ مَاتَ كَافِراً أَوْ قَتَلَ مُؤمِناً مُتَعَمِّداً» وذلكَ والله أعلم لأن القتل يجتمع فيه حق لله تعالى وحق للمقتول المظلوم. ومن شروط صحة التوبة من مظالم العباد تحللهم أو رد التباعات عليهم. وهذا ما لا سبيل للقاتل إليه إلا بإذن يدرك المقتول قبل موته، فيعفو عنه ويحلله من قتله إياه طيبةً بذلك نفسه. وذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى أن القاتل في المشيئة، توبته مقبولة، فممن رُوي ذلك عنه: ابن عباس، وأبو هريرة، وعلي بن أبي طالب ومجاهد وغيرهم، ولكلا القولين وجه من النظر باختلاف أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فقلما تجدهم يختلفون، إلا فيما تتعارض فيه الحجج وتتكافأ فيه الأدلة، فينبغي لمن لم يواقع هذا الذنب العظيم أن ينتهي عنه ويستعيذ بالله منه مخافة ألا يصح له منه متاب، فيحق عليه سوء العذاب ويناله شديد العقاب. ولمن أوقعه أن يتوب إلى الله ويستغفره، ولا ييأس من رحمة الله، {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] . وكان ابن شهاب إذا سئل: هل للقاتل توبة يتعرف منه

الحاكم لا يلزمه القعود للحكم إلا في ساعات من النهار

هل قتل أم لا؟ ويطاوله في ذلك، فإن تبين له منه أنه لم يقتل، قال: لا توبة له، وإن تبين له منه أنه قتل، قال: له توبة، وهو من حسن الفتوى. ومن توبة القاتل أن يعرض نفسه على أولياء المقتول فإن أقادوا منه وإلا بذل لهم الدية، وصام شهرين متتابعين، أو أعتق رقبة إن كان واحداً أو أكثر من الاستغفار، ويستحب له أن يلازم الجهاد، ويبذل نفسه لله، وهذا كله مروي عن مالك، وفيه دليل على الرجاء عنده في قبول التوبة. واختلف أيضاً في القاتل إذا أُقيد منه هل يكون القصاص كفارة أم لا؟ على قولين وقد مضى في كتاب المقدمات القول في أحكام القاتل في الآخرة وفي الدار الدنيا مستوفى، وبالله التوفيق. [الحاكم لا يلزمه القعود للحكم إلا في ساعات من النهار] في أن الحاكم لا يلزمه القعود للحكم إلا في ساعات من النهار قال مالك: سألني صاحب السوق في شغله بأمر الناس وقضائه بينهم، فكأنه رآه من أشغال أهل المدينة بعمله، فقال: إني ما أكاد أن أفرغ، قال مالك: ما ذلك عليك، اقعد للناس في ساعات من النهار، وإني أخاف عليك أن تكثر فتخطئ، ولم يرَ ذلك عليه، أن يتعب نفسه للناس نهاره إلا ساعة واحدة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو ممَّا لا اختلاف فيه، إذ لا يلزمه الحمل على نفسه بموالاة الجلوس، وربما كان ذلك سبباً إلى أَن يكل ذهنه فيُخطئ في حكمه، فالحسن أن يجم نفسه في ساعات من النهار، فإن ذلك ممَّا يعينه على ما هو بسبيله، وله أَن يخرج إلى ضيعته يستريح بذلك المرة بعد المرة، ويقيم فيها اليوم واليومين على ما قاله ابن القاسم في رسم الجامع من سماع أَصبغ من كتاب تضمين الصناع، وبالله التوفيق.

التحليل من المظالم

[التحليل من المظالم] في التحليل من المظالم وسُئل مالك: عن قول ابن المسيب في فعله: إِنَّه كان يقول: لا أحلل أحداً، فقال: ذلك يختلف، فقلت: يسلف الرجل الذهب فيهلك، ولا وفاء له. قال: أرى أن يحلله، فإِنَّه أفضلِ عندي فإن الله يقول: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18] وليس كل ما قال أحد وإن كان له فضل يتبع على ما قال. قيل له: فالرجل يظلم الرجل، قال: لا أرى ذلك، هو مخالف عندي للأول، يقول الله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ} [الشورى: 42] ويقولُ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فلا أرى أن يجعل في حل من ظلم. قال محمد بن رشد: اختلف في التحليل من التباعات والظلامَات على ثلاثة أَقوال: أَحدها: إِن ترك التحليل منها أَولَى وهو مذهب سعيد بن المسيب هذا. والثاني: إِن التحليل منها أفضل. والثالث: تفرقة مالك بين التباعات والظلامات، فوجه القول الأول أَن التباعات والظلامات يستوفيها صاحبها يوم القيامة من حسنات من وجبت له عليه، على ما جاء من أن الناس يقتصُّ بعضهم لبعض يوم القيامة بالحسنات والسيئات وهو في ذلك الوقت مفتقر إلى زيادة حسناته، ونقصان سيئاته، بما له من التباعات والظلامات التي حلَّل منها، وهو لا يدري هل يوازي أجره في التحليل

ما يجب له من الحسنات في الظلامات والتباعات، ويزيد عليها أو ينقص منها، فكان الحظ ألَّا يحلل منها. ووجه القول الثاني: أن التحلل إحسان للمحلل عظيم، وفضل يسديه إليه جسيم، ينبغي عليه المكافأة من الله عزَّ وجلّ، وهو تعالى أَكرم من أن يُكافئه بأقل مما وهب، فإنَّه عزَّ وجلّ يقول: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ} [التغابن: 17] فهذا القول أظهر والله أعلم. ووجه تفرقة مالك في هذا بين الظلامات والتباعات ما استدلَّ به قوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42] فرأَى ترك تحليل المظالم للظالم عقاباً له، هو عليه محمود، لما في ذلك من الِإخافة له، والردع بذلك عن أن يعود إلى مثله، وأما في الدنيا فالعفو والصفح عن الظالم أولى من الانتصار منه بأخذ الحق منه في بدنه أو ما له لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] وقوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43] ولا يعارض هذا قوله عَزَّ وجلّ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] ؛ لأن المدحة من الله تعالى، وإن كانت متوجهة بهذه الآية لمن انتصر من بغي عليه بالحق الواجب، ولم يتعد في انتصاره منه وكان مُثاباً على ذلكَ، لما فيه من الردع والزجر، فهو في العفو والصفح أَعظم ثواباً، بدليل قوله بعد ذلك: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] . وقيل:

أمر الرجل بالمعروف من يعلم أنه لا يطيعه

إِنَّ الآية نزلت في الباغي المشرك، وينبغي أن يكون معنى الآية في الانتصار ممَّا فيه حد لله، لا يجوز العفو عنه. والله أعلم. [أَمر الرجل بالمعروف من يعلم أَنَّه لا يطيعه] في أَمر الرجل بالمعروف من يعلم أَنَّه لا يطيعه وسئل مالك: عن الرجل يأمر الرجل بالمعروف، وهو يعلم أَنَّه لا يطيعه، وهو ممَّن لا يخاف، مثل الجار والأخ، قال: لا أرى به بأساً، ولا يشبه ذلك إذا رفق به، فإِنَّ الله ربما نفع بذلك. يقول الله: {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] . قال مالك: بلغني أن رجلَاَ من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقع بالشام، وأنه انهمر في الخمر فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فكتب إليه: {حم - تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر: 1 - 2] إلى قوله: {الْمَصِيرُ} [غافر: 3] ، قال: فتركَ ذلك الرجل الخمر فتاب ونزع عنها. قال محمد بن رشد: قوله لا أرى به بأساً، معناه: جائز له أن يفعله. وإن ظنَّ أنَّه لا يطيعه، إذ لعلَّه سيطيعه فينفع الله بذلك، لا سيّما إذا رفق به، إذ لا يشبه الرفق في ذلك ترك الرفق فيما يرجوه من أن ينتفع بقوله. واستدلَّ على استحباب الرفق في ذلك بقول عمر، مع الذي بلغه عنه أنه انهمر في الخمر من أصحاب النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إذ وعظه بما كتب له من كتاب الله، ولم يُغلظ عليه بالقول. وفي قوله: لا بأس أن يأمره بالمعروف وإن علم أنه لا يطيعه نص منه على أَنَّه لا يلزمه ذلك، وهو صحيح؛ لأنَّ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاثة شرائط: شرطان

تقبيل العبد أو المولى ليد مولاه أو سيده

في الجواز، أحدُهما: أن يكون ممَّن يعرف المعروف من المنكر، إذ لا يأمن إذا كان جاهلا بذلك أن يأمر بمنكر أو ينهَى عن معروف. والثاني: أن يأمن، أن يغلب على ظنّه أن نهيه عمَّا نهى عنه من المنكر، لا يؤدي إلى منكر أعظم منه، مثل أن ينهى عن شرب الخمر، فيؤدّي إلى قتل نفس، وشرط ثالث في الوجوب بعد حصول شرطي الجواز، وهو أن يعلم أَو يغلب على ظنه أَن أمره بالمعروف مؤثر في فعله، وداع إليه، وأن نهيه عن المنكر مُزيلٌ له أَو لبعضه، فإذا علم ذلك أو غلب على ظنه، وجب عليه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإن لم يعلم ذلك ولا غلب على ظنه، لم يجب ذلك عليه، وكان في سعة من تركه. وهذا هو معنى قول مالك في هذه الرواية: لا أرى به بأساً حسبما بيناه. وقد مضى في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب السلطان تمام القول مستوفى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبالله التوفيق. [تقبيل العبد أو المولى ليد مولاهُ أو سيّده] في تقبيل العبد أو المولى ليد مولاهُ أو سيّده وسُئل مالكٌ: عن الرجل يقدم من السفر فيتناوَل غلامه ومولاه يده فيقبلها. قال: ترك ذِلك أحب إِليّ، وذكر له حديث سالم "شيخ يقبل شيخاً" فأَنكره إنكاراَ شديداً، قال: فَإِيَّاكم مثل هذه الأحاديث أن تهلكوا فيها. قال محمد بن رشد: إنَّما كره مالك أن يقبل يد الرجل مولاه أو غلامه في سلامه عليه عند قدومه من سفر أو شبهه، وإن كان له عليه حق صار به دونه في الكفاءة والمرتبة والحرمة، فقال: ترك ذلك أَحبّ إليّ من أجل أنه قد يكون أكرم منه عند الله إن كان أَتْقَى منه لله بنص قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] إذ قد جمعته وإيَّاه حرمة الِإسلام،

فصار بذلك وليّاً له، وأخاً فيه. قال عزَّ وجلّ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] . والنّبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان أحق أن تكون التحية له بتقبيل يديه، إذ هو سيد الخلق أجمعين، ورسول رب العالمين، الشافع يوم القيامة فيِ المُذنِبِين، لو كان ذلك ممَّا يُستحق في الشرع، فإذا لم تكن التحية له إلاَّ بما شرعه الله من السلام، وجب أن يستوي في ذلك الفاضل والمفضول، والعبد وسيده، والمولَى ومولاه. وِإنَّما ينبغي أن يفعل ذلك المولى بمولاه، والعبد بسيده، فلا ينهاه إذا لم يكن مسلماً. فقد روي عن صفوان بن عسال المرادي، قال: «قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... لا تقل نبيّ، إنَّه لو سمعه كان له أربعة أعين، فأَتيا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألاه عن تسع آيات بيّنات، فقال لهم: "لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حًرّمَ اللَّهُ إِلّا بِالْحَقِّ وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إلَىٍ السُّلْطَانِ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تأكلُوا الرِّبا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلَا تُوَلّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُم خَاصَّة الْيَهُودِ أن لَا تَعْدُوا يَوْمَ السَّبْتِ". فَقَامُوا فَقبَّلُوا يَدَهُ. وفي بعض الأحاديث: فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَقَالَا: نَشْهَد أَنكَ نَبِيُّ اللَّهِ وَإِنَّا نَخَافُ إِنِ اتَّبَعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ» . قال الترمذي: وهو حديث حسن صحيح. وأَما حديث سالم الذي أَنكره إذ ذكر له، فهو ما روي أن عبد الله بن عمر كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَر، قَبَّلَ سَالِماً، وَقَالَ: شَيْخٌ يُقَبِّلُ شَيْخاً. وإنَّما ذكر له والله أَعلم، لما جرى من ذلك القبلة، لا على سبيل الحجة في جواز تقبيل العبد والمولى يد سيده أو مولاه لافتراق المعنى في ذلك؛ لأن تقبيل العبد أو المولَى يد سيده أو مولاه على سبيل التعظيم،

وتقبيل الرجل لابنه الكبير وما أشبهه من ذوات المحارم من النساء، على سبيل المحبة والمودة والحَنان والرحمة، كتقبيل الطفل الصغير، فذلك بخلاف تقبيل الرجل يد سيده ومولاه، وِإنَما أَراد عبد الله بن عمر بقوله: "شيخ يقبل شيخاً" الِإعلام بأن ذلك جائز على هذا الوجه، لا على وجه مكروه. وقد جاء ذلك عن النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. روي عن عائشة من روايةِ محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عنها قالَ: «قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِي فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامِ إِلَيْهِ رَسول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُريَاناً يَجُر ثَوْبَهُ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ عُرياناَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ» . وَقَالَ فيه الترمذي: إِنَّه حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث الزهري من غير هذا الوجه. وجاء أيضاً «عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنهُ اعْتَنَقَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَقبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ حِينَ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ» . فيجب أن يُتَأَوَّل ما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تقبيله لزيد بن حارثة، وما روي عن عبد الله بن عمر من تقبيله لابنه سالم، أنَها إِنَّما كانت فيما بين العينين أَو الرأس، أو الخدين، لا في الفم. ولما كان الأظهر في القبلة إِذا أطلقت أنها في الفم، أنكر مالك حديث سالم في تقبيل عبد الله بن عمر إِيَّاه، وقوله: "شيخ يقبل شيخاً"، وقال: "إِيَّاكم أَن تهلكوا في مثل هذه الأحاديث"، فنهى أَن يُتحدث بها، تحذيراً منه أَن يحملها الجاهلُ على ظاهرها فيستبيح بها أَن يقبل الرجل وليهُ أو قريبه أَو صديقه أَو ولده الكبير في فمه، فيتراقى ذلك في الناس إلى ما لا يصلح، وهذا من نحو ما مضى في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى من كتاب المحاربين والمرتدين، لا يروي لنا أَحد هذه الأحاديث: «إنَّ اللَّه خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورتِهِ» أَو نحو هذا من الأحاديث، وأعظم أن يتحدث بها أَحد أو يرويها لِما يخشى من أَن يحملها الجاهل على ظاهرها من تشبيه الله بخلقه

فيهلك بذلك، ومالك يكره للرجال المعانقة والقبلة فيما بين العينين، ويرى ما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك خاصاً له. روي عن علي بن يونس المدني قال: كنت جالِساً عند مالك، فإِذا سفيان بن عُيينة بالباب يستأذن، فقال مالك: رجل صاحب سنة، أدخلوهُ، فدخل فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قال مالك: وعليكم السلام يا أَبا محمد ورحمة الله وبركاته، فصافحه مالك، وقال: يا أَبا محمد لولَا أنها بدعة لعانقناك، فقال سفيان بن عيينة: عانق خيرٌ منك ومنا النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قال مالك: جعفر، قال: نعم، قال: ذلك حديث خاص يا أبا محمد، ليس بعامٍّ. قال سفيان: ما يعم جعفر يعمنا إذا كنا صالحين، وما يخصه يخصنا، أَفَتَأذن لي أَن أُحدث في مجلسك؟ قال: نعم، يا أَبا محمد. قال: حدَّثني عبد الله بن طاوس عن أَبيه، عن عبد الله بن عباس قال: «لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بن أبي طالبِ من الحبشة، اعتَنَقَهُ النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبلَ بين عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: " جَعْفَر أَشْبَهُ النَّاس بِي خَلْقاً وَخُلُقَاً يَا جَعْفَرُ مَا أَعْجَبَ مَا رَأَيْتَ بِأَرْض الْحَبَشَةِ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذَا سَوْدَاءُ عَلَى رَأسِهَا مِكتَلٌ فِيهِ بُرٌّ فَصَدَمَهَا رَجَلٌ عَلَى دَابَّتِهِ فَوَقَعَ مِكْتَلُهَا وَانْتَشَرَ بًرُّهَا فَأَقْبَلَتْ لِتَجْمَعَهُ مِنَ التُّرَابِ، وَهِيَ تَقُولُ: وَيْل لِلظالِم من دَيَّانِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيْلٌ لِلظَّالِم مِنَ الْمَظْلوم يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيْلٌ للَظّالِم إِذَا وُضِعَ الْكُرْسِيُّ لِلْفَصْل يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقالَ النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "لَا يُقَدسُ اللَهُ أُمَّة لَا يَأْخَذُ ضَعِيفُهَا مِنْ قَوِيِّهَا حَقَّهُ غَير متمتع ".» ثمَّ قَالَ سُفْيَانُ: قَدِمْتُ لِأصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأُبَشِّرَكَ بِرُؤْيَا رَأَيْتُهَا، ثمَّ قَالَ مَالِكٌ: قَامَتْ بِشَارَتُكَ خَيْرٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ سُفْيَانُ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْشَقَّ فَأقْبَلَ النَّاسُ يَهرعون من كُلِّ جِانبٍ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَردّ بِأَحْسَنِ رَدٍّ، قالَ

ضحك النبي عليه السلام سرورا بما أعطى الله أمته

سُفيَانُ: فَأُتِيَ بِكَ واللَّهِ أعْرِفُكَ فِي مَنَامِي كَمَا أعْرِفُكَ فِي يَقَظَتِي، فَسًلّمْتَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْكَ السلاَمَ، ثُمَّ رَمَى في حَجْرِكَ بِخَاتَمٍِ، ثُمّ نَزَعَهُ مِنْ أصْبُعِهِ، فَاتَّقِ اللَّهَ فيمَا أعْطَاكَ. فَبكى مالك بُكَاءً شديداَ. قال سفيان: السلام عليكم. قال: خارج الساعة؟ قال: نعم، فودَّعه مالك وخرج. وأمَّا القُبلة للرجل في الفم من الرجل، فلا رخصة فيها بوجه ولا على حال إن شاء اللَه. [ضحك النبيّ عليه السلام سُروراً بما أعطى الله أمته] في ضحك النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سُروراً بما أعطى الله أمته قال مالك: «وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَهِ تَبسَّمَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: مَا يضحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَال: " لِهَذَا المُؤمِنِ يُصِيبُهُ مَا يُحِبُّ فَيُشْكَرُ اللَّهَ فَيَكُونُ خَيْراً لَهُ» . قال محمد بن رشد: يشهد بصحة هذا الحديث قول الله عزَّ وجلّ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} [التوبة: 128] ... الآية، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «لِكُلِّ نَبيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا فَأُرِيدُ أَن أختَبِئَ دَعْوتِي شَفاعَةً لأِمَّتِي» . والله الموفق. [مشي عيسى ابن مريم على الماء وإحيائه الموتى] في مشي عيسى ابن مريم على الماء وإحيائه الموتى قال مالك: بلغني أن عيسى ابن مريم قال له رجل من

أصحابه: إنك تمشي على الماء، فقال له عيسى: وأَنت إِن كنت لم تخط خطيئة مشيت على الماء، فقال له الرجل: مَا أَخطأت خطيئة قط. فقال له عيسى: فامش، فمشى ذاهباً وراجعاً، حتى إذا كان ببعض البحر إِذا هو قد غرق، فدعا عيسى فأخرج، فقال له عيسى: ما لك ذهبت ورجعت فغرقت؟ أَليس زعمت أنك لم تخط خطيئة قط؟ فقال: ما أخطأتَ شيئاً قط، إِلَّا أَنَّه وقعِ في قلبي أَنِّي مثلك. قال مالك: وبلغني أن عيسى ابن مريم أتته امرأتان فقالتا له: ادع الله يخرج لنا أَبانا فإِنَّه مات ونحن غائبتان عنه، قال: فأين قبره؟ فأشارتا إليه في قبره، فدعا فأُخرج، فإذا هو ليس هو، قال: ثم دلَّتاه على قبر آخر فخرجَ فإذا هو هو، والتزمتاه، ثم قالتا له: اتركهُ يكون معنا. قال: كيف أتركه وليس له رزق يعيش فيه؟ قال الِإمام القاضي: مشيُ عيسى ابن مريم على الماء معجزة من معجزاته، وكذلك مشي الرجل من أَصحابه على الماء بحضرته إلى أن غرق بما حدث به نفسه من معجزاته أَيضاً؛ لأن ما كان من الآيات الخارقة للعادات في زمن نبي من الأنبياء، لبعض أصحابه فهو معدود في جملة معجزاته، والخطيئة التي غرق من أَجلها صاحب عيسى ابن مريم هي مما قد يجاوز الله لهذه الأمة بفضله عن مثلها. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَجَاوَزَ اللَّهُ لأِمَّتِي عَمَّا حًدّثْت بِهِ نَفْسَهَا مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ لِسَانٌ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ يَدٌ» . ويروى الحديث: "مَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسَهَا" بالنصب، "وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا" بِالرفع، فمن رواه "ما حدثت به أنفسُها" بالرفع، قال: الخواطر التي ببعض الرجل من غير قصد منه إِليها ولا اختيار لها، مثل قوله عزَ وجلّ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16] ،

وبدليل ما روي «أن أَصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَنا يُحَدِّثُ نَفْسَه بِالشَيْءِ؛ لأن يَكُونَ حُمَمةَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ مِنْكُم إِلَّا عَلَى الْوَسْوَسَةِ وَالْحَمْدُ لَلّهِ الَّذِي رَدَّ أَمْرَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ» . قالوا: وإن كان في الحديث: إن أحدنا يحدث نفسه، وإنَا نحدث أنفسنا، فإن جواب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاهم بقوله: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ مِنْكُم إِلَّا عَلَى الْوَسْوَسَةِ» هو المعتمد، وفيه الحجة لقوله فيه: ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان، أي: إن التوقِي من أَن ينطق بما غلب على نفسه من خطوات الشيطان أو يعتقده - هو من صريح الإيمان الذي يثاب عليه فاعله. ومن روى: "ما حدثت به أنفسها" بالنصب، قال: معناه: ما يهمُ به العبد باختياره من المعاصي أن يفعله، ثم لا يفعله، فتجاوز الله لأمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك. واستدلَّ من ذهب إلى هذا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تجاوز الله"، والتجاوز لا يكون إلَّا عمَّا كان للإنس فيه كسب باختياره له. وبما رُوي عن النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّه قال: «قَالَ اللًهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِحَسَنَةِ فَاكْتبُوهَا عَلَيِهِ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْراً وَإِذَا هًمّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَلَا تَكْتُبُوها عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ خَشْيَتِي فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً» . وقد رأيت لبعض أهل الأصول من المتكلمي: أَن الهموم بالسيئة خطية، وأَرى

فضائل عمر بن عبد العزيز

هذا القائل ذهب في الحديث إلى رواية من رواه "حدثت به أنفسُها" بالضم، والله أَعلم. وأما إحياء عيسى الموتى فليس من فعله، ولا داخلٌ تحت قدرته، وِإنَّما هو أمر كان يفعله الله دليلَاَ على صدقه فيما يُخبر به عن الله، ومصداق ذلك في كتاب الله عزَّ وجلّ: {وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي} [المائدة: 110] ، وذلك بين أيضاً في هذا الحديث، وقوله فيه: فدعاه فأخرج، فلم يكن له في ذلك إلّاَ إجابة الدعوة، وبالله التوفيق. [فضائل عمر بن عبد العزيز] قال مالك: جاء مسلمة بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز وهو مريض يموت، فاستأذن عليه، فمنع، فألقى بنفسه، فقعد، ثم قال: لا أبرح حتى يؤذن لي، فأذن له فدخل، وقيل له: أقل المكث، فقال: لقد لَيَّنْتَ لنا قلوباً كانت قاسية، وجعلت لنا في الصالحين ذكراً. قال مالك: وبلغني أن هشام بن عبد الملك قال له: إنا لا نعيب أبانا ولا نضع شرفنا في قومنا، فقال له عمر: ومن أعيبُ ممن عابه القرآن؟ قال مالك: كتب عمر بن عبد العزيز: إن من قطع به من الجزية، فأسلفوه من مال المسلمين، قال مالك: وبلغني أن عمر بن عبد العزيز كان يغاضب بعض أهله، فكان له نساء، فكان يأتيها في ليلتها فيبيت في حجرتها وتبيت هي في بيتها، فقيل له: أفترى ذلك؟ فقال: نعم، وكذلك في كتاب اللَّه: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز ترك أن يخدم، فكان يدخل بعد المغرب، فيجد الخوان موضوعاً عليه منديل، فيتناوله فيقدمه (كذا) إليه فيكشف المنديل ويأكل، ويدعو عليه من كان معه.

افتراق أحوال الناس في عبادتهم وأعمالهم

قال محمد بن رشد: هذا كله بيِّن لا إشكال فيه، فيه الإِقرار لعمر بن عبد العزيز بالفضل، وتواضعه هو في تناوله أخذ طعامه هو بيده، وعدله بين نسائه فيما يلزمه فيه العدل بينهن من المبيت في بيت كل واحدة منهن في ليلتها وإن كان واجداً عليها. وقد مضى في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح ما يلزمه في العدل بينهن مما لا يلزم، وفي رسم الأقضية الثاني، ورسم الطَّلاق من سماع أشهب فيه. فلا معنى لذكره هنا، وفيه اهتباله بالوصية لأهل الذمة بأن يسلف من احتاج منهم من بيت مال المسلمين، معناه: إذا كان شيء يرجوه. وأما من افتقر منهم واحتاج ولم يكن له شيء يرجوه، فالواجب أن ينفق عليه من بيت مال المسلمين. وباللَّه التوفيق. [افتراق أحوال الناس في عبادتهم وأَعمالهم] في افتراق أحوال الناس في عبادتهم وأَعمالهم قال: وحدثنا ابن القاسم عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: يقال: رُبَّ نائم مغفور له، وقائم مشكور، ودائب مضيع، وساع لغيره. قال محمد بن رشد: النائم المغفور له هو الذي يكتب له أجر عمله بالنية، فيغفر له بذلك. قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنَ امْرِئ تَكُونُ لَهُ صَلاَةً بِلَيْلٍ يَغْلُبُه عَلَيْهَا نَوْمٌ إِلاَّ كُتِبَ لَهُ أجْرُ صَلاَتِهِ، وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهَا صدَقَةً» . وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض غزواته بالمدينة: «إن بالمدينة أقْواماً مَا سِرْتُم مَسِيرةً وَلَا قَطَعْتُم وَادِياً -أو كما قال- إِلَّا وَهُمْ مَعَكُم". قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "حَبَسَهُم الْعُذْرُ» . وقال اللَّه عز وجل:

يعطي الله في الدنيا لمن يحب ولمن يبغض

{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] ... الآية. فدل ذلك على استوائهم في ذلك مع أولي الضرر. والقائم المشكور هو الذي يعمل العمل على سنته، والدائب المضيع هو الذي يعمل العمل على غير السنة، والساعي لغيره كثير، فترى الرجل يسعى في طلب الرزق، ولعله لا يتوقى فيه ولا يؤدي حق اللَّه منه فيصير لوارثه، فيفعل الخير منه، ويؤدي حق اللَّه فيه فيؤجر، وينعم فيما قد سعى له غيره فيه، فإنما للرجل من ماله ما لبِس فأبلى، أو أكل فأفنى، أو تصدق في طاعة اللَّه فأمضى اللَّه. قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَمَا لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلّاَ مَا تَصَدَّقْتَ فَأمْضَيْتَ، أوْ أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ، أوْ لَبِسْتَ فَأبْلَيْتَ» . وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ ماله؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنّا أَحَدٌ إِلَّا ماله أحَبُّ إِلَيْهِ مِن مَال وَارِثِهِ. قَالَ: "اعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ؟ " قَالُوا: مَا نَعْلَمُ إِلَّا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "مَا مِنْكُم مِن رَجُلٍ إِلّاَ مَالُ وَارِثِهِ أحَبُّ إِلَيْهِ مِن ماله"، قَالًوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِنَّمَا مَالُ أحَدِكُم ما قدًّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أخَّرَ» ، ومعنى هذا الحديث: إِن ما ترك الرجل من مال لوارثه ولم ينتفع به في حياته، فكأن لم يكن له بمال؛ لأن ملكه إياه في حياته منتف عنه في الحقيقة، وإنما انتفى عنه في الحقيقة الانتفاع به، وباللَّه التوفيق. [يعطي اللَّه في الدنيا لمن يحب ولمن يبغض] فيما يعطي اللَّه في الدنيا لمن يحب ولمن يبغض قال: وحدثنا ابن القاسم عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، قال: يقال: "إِنَّ اللَّه يحب العبد حتى يبلغ من حبه إياه إن يسكنه في

نهي النساء عن لباس القباطي

أَعلى غُرف الجنة، ثم يعمد إلى خير ما يعلم له من الدنيا فيكون ما يكره ذلك العبد، فيكثر له منه حتى إن الناس لا يرحمونه، وإن الله ليرحمه به، وإن الله ليبغض العبد حتى يبلغ من بغضه له ما يسكنه في أسفل درك جهنم، ويعطيه من الدنيا شر ما يعلم فيكون ما يحب ذلك العبد، فيكثر له منه ". قال محمد بن رشد: مثل هذا لا يكون رأياً، ومصداقه في كتاب اللَّه، قال اللَّه عز وجل: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] . [نهي النساء عن لباس القباطي] في نهي النساء عن لباس القباطي قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب نهى النساء عن لباس القباطي، قال: فإن كانت لا تشف، فإنها تصف. القباطي ثياب ضيقة تلصق بالجسم لضيقها فتبدو ثخانة جسم لابسها من نحافته، وتصف محاسنه، وتبدي ما يستحسن منه مما لا يستحسن، فنهى عمر بن الخطاب أن يلبسها النساء امتثالاً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ، واللَّه أعلم. [ما ذكر في قتل يحيى بن زكريا] فيما ذكر في قتل يحيى بن زكريا قال مالك: وبلغني أن يحيى بن زكريا إنما قتل في امرأة، وأن بخت نصر لما دخل بيت المقدس بعد زمن طويل، وجد دمه يفور لا يطرح عليه سقي تراب، ولا شيء إلا فار وعلا عليه، فلما رآه

دعا بني إسرائيل وسألهم، فقالوا: لا علم لنا، هكذا وجدناه. وأخبرنا به آباؤنا عن آبائهم: أنهم هكذا وجدوه. قال بخت نصر: هذا دم مظلوم ولأقتلن عليه، فقتل سبعين ألفاً من المسلمين والكفار فهدأ بعد ذلك. قال محمد بن رشد: قال في هذه الحكاية: إِن يحيى بن زكرياء إنما قتل في امرأة ولم يبينِ كيف كان سببه مع المرأة التي قتل من أجلها؟ فرُوي عَنِ ابْنِ عًبّاس «أن رَسولَ اللَهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ أسْرِي به رَأى زَكَرِيَّاءَ فِي السمَاء، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَه: يَا أبَا يَحْيى، أخْبِرْنِي عَنْ قَتْلِكَ، وَكَيْفَ قَتَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ؟ فَقَالَ: يَا مُحَمَدُ، أخْبِرُكَ أنَّ يَحْيىَ كَانَ خَيْرَ أهْل زَمَانِهِ وَأجْمَلَهُم وَأصْبَحَهُم وَجْهاً. وَكَانَ كَمَا قَالَ اللَهُ: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] لَا يَحْتَاجُ إِلَى النِّسَاءِ، فَهَوِيَتْهُ امْرَأةُ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأرْسَلَتْ إِلَيْهِ فَعَصَمَهُ اللَّه، وَامْتَنَعَ مِنْهَا، فَأَجْمَعَتْ عَلَى قَتْله، وَكَانَ لَهُم عِيد يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ سَنةٍ، وَكَانتْ سُنَّةُ الْمَلِكِ معه إِذَا وَعَدَ لَمْ يُخْلِفْ وَلَا يَكْذِبُ، فَخَرَجَ إِلَى الْعِيدِ، فَقَامَتِ امْرَأتُهُ فَشَيَّعَتْه، وَكَانَ بِهَا مُعْجَباً وَلَم تَكنْ تَفْعَلُهُ، فَقَالَ لَها الْمَلِكُ: سَلِي حَاجَتَكِ، فَمَا تَسألِيني شَيْئاً إِلَا أعْطَيْتُكِ، فَقَالَتْ: دَم يَحْيىَ، فَقَالَ: سَلِي غَيرَهُ، قَالَتْ: هُوَ ذَلِكَ، قَالَ: هُوَ لَكِ، فَبَعَثَ إِلَى يَحْيىَ وَهُوَ فِي مِحْرَابِهِ يُصَلِّي وَأنَا إِلَى جَنْبِهِ أصَلِّي فَذُبحَ فِي طَسْتٍ فَحُمِلَ رأسُهُ وَدَمُهُ إِلَيْهَا، قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَمَا بَلَغَ مِنْ صَبْرِكَ؟ قَالَ: ما أبطلت مِنْ صَلاَتِي، فَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَيْهَا فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَلما أمْسَوْا خَسَفَ اللَّهُ بالْمَلِكِ وَأهْلَكَ بَيْتَهُ وَحَشَمَهُ، فَلَمَا أصْبَحُوا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: قَدْ غَضِبَ إلهُ زَكَرِيَّاء لِزَكَرِيَّاءَ، فَتَعَالَوْا حَتَّى نَغْضبَ لِمَلِكِنَا فَنَقْتُلَ زَكَرِيَّاءَ، فَخَرَجُوا فِي طلَبي لِيَقْتُلُونِي فَجَاءَنِي النذِيرُ، فَهَرَبْتُ مِنْهُم وَإِبْلِيسُ أمَامَهُم يَدُلُّهُم عَلًيّ فَلًمّا تخَوّفْت أَن يَلْحَقُونِي عَرَضَتْ لِي شَجَرَةٌ، فَنَادتني: إليَّ إِلَيَّ، فَانْصَدَعَتْ لِي، فْدَخَلتُ فِيهَا وَأخَذَ إِبْلِيسُ بِطَرَفِ رِدَاء لي وَالْتَأمَتِ الشَّجَرَةُ فَبَقِيَ طَرَفُ رِدَائِي خارِجاَ مِنَ الشَّجَرَةِ، فجاءَت بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ إِبْلِيس: دَخَلَ فِي هَذِهِ

الشَجَرَةِ، وَهَذَا طَرَفُ رِدَائِهِ دَخَلَهَا بِسِحْرِه، فَقَالَ: نَحْنُ نَحرِقُ الشَّجَرَةَ، فَقَالَ إِبْلِيسُ: بَلْ شقُوهَا، فَشَقُّوها فانْشَقَقْتُ مَعَ الشَجرةِ بِالمِنْشَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَا زَكَرِياءُ، هَلْ وَجَدْتَ مسا أوْ وَجَعاً؟ قَالَ: لَا، إِنمَا وَجَدْتُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ، جَعَلَ اللَهُ رُوحي فيهَا» . وقد جاء في بعض الأخبار: أن سبب طلبهم ليقتلوه حين هرب منهم، فانصدعت له الشجرة، هو أن مريم لما حملت قالوا: ضيع بنت سيدنا في كفالته إياها حتى زنت. وروىِ عن ابن عباس: أن الذي انصدعت له الشجرة فدخل فيها هو أشعب - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل عيسى، وأن زكريا مات موتاً. فاللَّه أعلم. وقد جاء في بعض الأخبار: أن يحيى بن زكريا كان تحت يدي ملك، فهمت بنت الملك بأبيها، وقالت: لو تزوجت أبي فيجتمع لي سلطانه دون نسائه إن تزوجني، ودعته إلى نفسها، فقال: يا بنية، إن يحيى بن زكريا لا يُحل لنا هذا. فقالت: من لي بيحيى بن زكريا، ضيف عليَ، وحال بيني وبين تزويجي أبي، فأغلب على ملكه ودنياه دون نسائه، فتحيلت لقتل يحيى وأمرت اللعاب، فقالت: ادخلوا على أبي فالعبوا فإذا فرغتم فإنه سيحكِّمكم، فقولوا: دم يحيى بن زكريا ثم لا تقتلوا غيره، وكان الملك إذا حدث فكذب، أو وعد فأخلف، خُلع واستبدل غيره، فلما لعبوا وكثر عجبه منهم، قال: سلوني، قالوا: نسألك دم يحيى بن زكريا، قال: سلوني غير هذا، قالوا: لا نسألك غيره، فخاف على ملكه إن هو خالفهم أن يستحل بذلك خلعه، فبعث إلى يحيى وهو في محرابه يصلي، فذبحوه ثم جروا رأسه، فاحتمله الرجل في يده، والدم في الطَّست معه حتى وقف على الملك ورأسه في يد الذي يحمله، والرأس يقول: لا يحل لك ما تريد. وروي عن كعب

نحو من هذا، إِلاَ أنه قال: لما قتل يحيى أقبل رأسه ينحدر ويقول بين يدي ظهراني الناس: لا يحل لك ما تريد من نكاح أختك، قال كعب: كانت أخته. وقال غير كعب: كانت بنت أخيه. وقد جاء: أنها كانت زوجة أخيه؛ لأن ذلك في زمن لم يكن للرجل منهم أن يتزوج امرأة أخيه بعده. وإذا كذب متعمِّداً لم يول الملك فمات الملك. وأراد الملك أن يتزوج امرأة الملك الذي مات، وكان أخاه، فسألهم فرخصوا له، فسأل يحيى بن زكريا، فأبى أن يرخص له، فحقدت عليه امرأة أخيه، وجاءت بنت أخي الملك الأول إليه، فقال: سليني اليوم حكمك، فقالت: حتَى أنطلق إلى أمي، فأتت أمها فقالت: قولي له: إن أردت أن تفي لنا بشيء، فأعطني رأس يحيى بن زكرياء، قال: قولي غير هذا خير لك، قال: فلبث وكره أن يخالفها فلا يولى الملك. فدفع لها يحيى بن زكريا فذبحته فناداها مناد من فوقها: يا ربة البيت الخاطئة العادية، أبشري فإنك أول من يدخل النار، وخسف بابنتها وجاءوا بالمعاول، فجعلوا يِحفرون عليها، وتدخل في الأرض حتى ذهبت. ولما كثر الفساد في بني إسرائيل، وجاهرَوا بالمناكر، وعلوا في الأرض واستكبروا فيها كما أخبر اللَّه عز وجل بقوله: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: 4] ... الآية - انتقم منهم بما سلط عليهم. ويقال: إنه كان من فسادهم الثاني قتل يحيى بن زكرياء، فبعث الله عليهم بخت المجوسي، فسبى وقتل منهم سبعين ألفاً وخرَّب بيت المقدس، وحرق التوراة. وكان من شأنه في دم يحيى الذي وجده نصر البابلي يفور ما ذكر في الحكاية. وجاء في بعض الأخبار: أن الذنوب والمعاصي لما كثرت في بني إسرائيل، بعث الله لهم نبيّاً يقال له أرمياء، فلما أنذرهم بعذاب اللَّه لهم على طغيانهم وعصيانهم، وأنه مُهلكهم ومُخلي الأرض منهم، وقعوا به فضربوه وحبسوه، فَأنجز اللَّه وعده، وسلط عليهم بخت نصر، ولم يزل أرمياء محبوساً حتى جاء بخت نصر فيما لا يحصى من العدد، فحاصرهم

التوقي في حمل الحديث

حتى مات من مات منهم في الحصَار، إلى أن نزلوا على حكمه، فقتل مقاتلتهم كل قتلة، منهم من حرق بالنار، ومنهم من بطح على وجهه ومشيت عليه الخيل والدواب، وصفد الأحبار والرهبان، وسبى النساء والولدان، وحرق التوراة، وخرب المسجد. وجاء في بعض الأخبار: أن رجلًا من علماء أهل الشام وجد نعت بخت نصر في الكتاب: إنه غلام يتيم، وله أم وله دواته ينزل ببابل وهو من أهلها، فقدم الرجل بابل، فطلبه وسأل عنه حتى عرفه بالنعت، وكان فقيراً يسرق الفراريج في صغره، فقال العالم ذات يوم: إنك ستملك الشام، فتظهر على الناس فاكتب لي ولقومي أماناً، فقال: لا أدري ما هذا الذي تذكر؟ فلم يزل به حتى كتب له ولقومه أماناً، فلما شب قطع الطريق واجتمع الناس إليه فأرسل إليه ملك فارس جيشاً فهزمهم، ثم أرسل إليه جيشاً آخر فهزمهم، ثم سار إلى فارس، فغلب عليها، ثم لبث ما شاء اللَه أن يلبث، ثم توجه إلى الشام، فلما دنا من الشام، خرج العالم إلى مقدمته، فقال: إن الملك عندي بصحة، فجعل قوم يدفعه إلى قوم حتى دخل عليه، فقال له: هل تعرفني؟ فقال: ما أعرفك. فقص عليه العالم القصة، فقال: ما أدري ما هذا الذي تقول، ما هذا إلا مال ورثتهُ عن آبائي، فلم يزل به حتى أقر له، ووفى بأمانه، وأمنه، وقال: لا تخبر أحداً. فلما ظهر على الشام إذا هو بدم يحيى بن زكريا يفورُ، فقال: لأقتلن على هذا الدم حتى يسكن، فقتل عليه سبعين ألفاً، فجعل لا يسكن حتى جاء قاتله، فقال: هذا الدم لا يسكن أبداً حتى تقتلني، فأنا الذي قتلته، فسكن الدَم وظهر على الشام وخرب بيت المقدس وحرق التوراة. وبالله التوفيق. [التوقي في حمل الحديث] في التوقي في حمل الحديث قال مالك: وبلغني أن ابن سيرين كان يقول: إنما هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تحملون دينكم. قال: وكان يحدث بالحديث ثم يتركه، ويقول لأصحابه: قد تركت حديث كذا وكذا فاتركوه.

قال محمد بن رشد: قوله: فانظروا عمن تحملون دينكم - يدل على أنه لا يجب قول خبر الراوي والعمل به، إلا بعد أن ينظر فيه، فتعرف عدالته، بأن يكون مجتنباً للكبائر متوقياً للصغائر. هذا أحسن ما قيل في حدِّ العدالة؛ لأن من واقع كبيرة من الكبائر، فهو فاسق محمول على الفسق حتى تعلم توبته منها، ومن لم يتوق من الصَّغائر، فليس بعدل حتى تعلم توبته منها؛ لأن متابعة الصغائر كمقارفة الكبائر، والشافعي يشترط المروءة في جواز الشهادة، ولا تصح العدالة إلا بعد الإِسلام والبلوغ. فهذه الثلاثة أوصاف مشروطة في العدالة، فمن ظهر فسقه لم تقبل روايته، ومن ظهرت عدالته، قبلت روايته إجماعاً. واختلف إذا جهلت حاله، فلم يعلم منه فسق ولا ظهرت منه عدالته، فقال بعض أصحاب أبي حنيفة: يحمل على العدالة، وتقبل روايته، وكذلك قالوا في الشهادة على الأموال خاصة، دون الشهادة على ما سواها من الحدود والأبضاع وشبهها. واستدلوا لِما ذهبوا إليه من ذلك بقول عمر بن الخطاب: "الْمُسْلِمُونَ عُدولٌ بَعْضُهم عَلَى بَعْضٍ " ... الحديث، ولا حجة لهم في ذلك، إذ ليس على ظاهره؛ لأن معناه: إنما هو أن المسلمين هم الذين تجوز شهادتهم على بعضهم، لا الكفار، بدليل قوله: "وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لا يُؤسر رَجَلٌ فِي الإِسْلاَم بِغَيْرِ الْعُدًول". والذي ذهب إليه مالك وجمهور العلماء أنه لا تقبل روايته، ولا تجوز شهادته إلا بعد أن تعرف عدالته؛ لقوله عز وجل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] إذ لا يُرضى إِلاَّ من عرف بالعدل والرضا. وقد مضى الكلام على هذا مستوعبا في سماع سحنون من كتاب الشهادات، وأما تحمُّل الخبر والشهادة فلا يشترط في صحته إلا الميز والضبط خاصة، لا الإِسلام، ولا البلوغ، ولا العدالة، ولا الحرية.

حفظ قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم

وتَرْكُ ابن سيرين للحديث بعد أن حدث به قد يكون لنسخٍ بلغه فيه، أو لشيء اتصل به عن روايته، واللَّه أعلم. [حفظ قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] في حفظ قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال مالك: انهدم حائط بيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي فيه قبره، فخرج عمر بن عبد العزيز، واجتمع رجالات قريش، فأمر عمر بن عبد العزيز فستر بثوب، فلما رأى ذلك عمر بن عبد العزيز من اجتماعهم، أمر مزاحماً أن يدخل يخرج ما كان فيه فدخل فَقَمَّ ما كان فيه من لبِنٍ أو طحين وأصلح في القبر شيئاً كان أصابه حين انهدم الحائط ثم خرج وستر القبر، ثم بنى. قال محمد بن رشد: إنما ستر عمر بن عبد العزيز القبر إكراماً له وخشي لما رأى الناس قد اجتمعوا أن يدخلوا البيت فيتزاحموا على القبر فيؤذوه بالوطء لتزاحمهم عليه رغبةً في التبرك به، فأمر مزاحماً مولاه بالانفراد بالدخول فيه، وقمه وإصلاح ما انثلم منه بانهدام الحائط عليه. وإنما ستر القبر على الناس وبنى عليه بيتاً صيانة له مخافة أن ينتقل تُرابه ليستشفى به، أو ليتخذ مسجداً يصلى فيه، فقد قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ لَا تَجّعَلْ قَبْرِي وَثناً يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْم اتَّخَذُوا قُبورَ أنْبِيَائِهم مَسَاجِد» . وباللَّه التوفيق. [حرمة ظهر المسجد] في أن لظهر المسجد من الحرمة ما للمسجد قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز يفرش له على ظهر المسجد في الصيف فيبيت فيه ولا تأتيه فيه امرأة. ولا تقربه وكان فقيهاً.

غسل اليد قبل إدخالها في الوضوء

قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن لظهر المسجد من الحرمة ما للمسجد، ألا ترى أنه لم يجز في المدونة للرجل أن يبني مسجداً ويبني فوقه بيتاً يرتفق به. واحتج للمنع بفعل عمر بن عبد العزيز هذا. وقال: إنه لا يورث المسجد ولا البنيان الذي يكون على ظهره، ويورث البنيان الذي يكون تحته، وإنما اختلف هل لما فوق المسجد من ظهره حكم المسجد في جواز صلاة الجمعة فيه؟ على قولين: أحدهما: قوله في المدونة: إنه يعيد مَن فعل ذلك ظهراً أربعاً، وأشهب يكره ذلك ابتداء ولا يرى عليه إعادة إن فعل، في وقت ولا غيره، وهو اختيار أصبغ. وفي كتاب السرقة من المدونة دليلٌ على هذا القول، وهو قوله فيه في الذي ينشر ثيابه على ظهر بيته وهو محجورٌ عن الناس، فيسرقها سارق: إنه يقطع. وفي المبسوطة لأنس بن مالك، وعروة بن الزبير: أنهما كان يصليان الجمعة بصلاة الِإمام في بيوت محمد بن عبد الرحمن وبينها وبين المسجد الطريق، وذلك خلاف مذهب مالك وأصحابه. [غسل اليد قبل إدخالها في الوضوء] في غسل اليد قبل إدخالها في الوضوء قال مالك: قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا قَامَ أحَدُكُمْ مِن مَنَامِهِ، فَلْيُفْرِغْ عَلَى يَدِهِ الْمَاءَ قَبْلَ أنْ يُدْخِلَهَا" فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ أصْنَعُ بِهَذَا الْمِهْرَاس؟ فَقَالَ أبُو هُرَيرَة: أفٍّ لَكَ» . قال محمد بن رشد: لما أمره في الحديث أن يُفرغ عَلى يديه الماء قبل أن يدخلهما ليه، سأله كيف يصنع بالمهراس الذي لا يُمكنه أن يفرغ منه

تفسير مائلات مميلات

على يديه، وتأول عليه أبو هريرة أنه لم يسأله مستفهماً، وإنما سأله معارضاً للحديث، يقول: كيف يأمره أن يفرغ على يده من الماء قبل أن يدخلهما فيه، وقد يكون المهراس، فلا يمكنه أن يفرغ على يده منه؟ ولذلك قال له: أفٍّ لك، أي: لا تعارض الحديث، يريد أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاله. وهذه الزيادة وقعت في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الوضوء. ومضى الكلام على هذه المسألة في غير ما موضع من الكتاب المذكور. وتحصيل القول في ذلك: أن الماء إذا وجده القائم من نومه في مثل المهراس الذي لا يمكنه أن يفرغ منه على يديه ليغسلهما، فإن أيقن بطهارة يده أدخلها فيه، وإن أيقن بنجاستها لم يدخلها فيه، واحتال لغسلها، بأن يأخذ الماء بفيه، أو بثوب، أو بما قدر عليه. وإن لم يوقن بنجاستها ولا بطهارتها، فقيل: إنه يدخلها في المهراس، ولا شيء عليه؛ لأنها محمولة على الطهارة، وهو قول مالك في آخر سماع أشهب من كتاب الوضوء. وقيل: إنه لا يدخلها فيه، وليحتلْ لغسلها بأخذ الماء بفيه، أو بما يقدر عليهِ، وهو ظاهر قول أبي هريرة في هذه الرواية. وأما إِن قام من نومه، فوجد الماء في إناء يُمكنه أن يفرغ منه على يديه في الماء، فلا يدخل يديه في الماء حتى يغسلهما، فإن أدخلهما فيه قبل أن يغسلهما فالماء طاهر إن كانت يده طاهرة، ونجس إن كانت يده نجسة على مذهب ابن القاسم: يتيمم ويتركه، فإن لم يعلمِ بيده نجاسة فهي محمولة على الطهارة، لا تفسد عليه المَاء، وسواء أصبح جنباَ أو غير جنب، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من تفرقته بين الوجهين. [تفسير مائلات مُميلات] في المائلات المميلات وسئل مالك: عن تفسير مائلات مُميلات. قال: مائلات عن الحق، مميلات مَن أطاعهن. قال محمد بن رشد: يريد: سئل عن تفسير ما جاء في الحديث من قوله "مَائِلَات مميلات"، وهو حديث وقع في الموطأ بكماله موقوفاً على أبي

الخروج من المسجد بعد الأذان

هريرة قال: «نسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلاَت لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَريحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمَائَةِ عَامٍ» . ومثله لا يكون رأياً. وقد رواه عن مالك مرفوعاً عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عبد اللَّه بن نافع الصائغ. والكاسيات العاريات من النساء هن اللواتي يلبسن الرقيق من الثياب التي تصف وتشف ولا تستر، فهنَّ في الحقيقة لابسات، وفي المعنى: عاريات. وقوله: «إِنًهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَهوَ يُوجَدُ مِن مَسِيرَة خَمْسِمائَةِ عَام» - مَعناه: إِن هذا هو جزاؤهن عند اللَّه عز وجل على هذا الفعل، إن جازاهن عليه ولم يغفره لهن، فإنه عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، وليس معنى قوله "إِنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ" على التأبيد، وإنما معناه: إِنَّهنَّ لا يدخلن فيها إلا بشفاعة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في المذنبين. [الخروج من المسجد بعد الأذان] في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان قال مالك: بلغني أن رجلًا قدم حاجاً وأنه جلس إلى سعيد بن المسيب وأذن المؤذن فأراد أن يخرج من المسجد، واستبطأ الصلاة، قال له سعيد: لا تخرج، فإنه بلغني أنه من خرج بعد المؤذن خروجاً لا يرجع إليه، أصابه أمر سوء. قال: فقعد الرجل، ثم إنه استبطأ الِإقامة، قال الرجل: ما أظنه إلا قد حبسني فخرج،

ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته

فركب راحلته فصرع، فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال: ظننت أنه يصيبه ما يكره. قال محمد بن رشد: قول سعيد: وقد بلغني أنه من خرج بعد المؤذن خروجاً لا يرجع إليه أصابه أمر سوء - معناه: إن ذلك بلغه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إذ لا يقال مثله بالرأي، وهي عقوبة معجلة من اللَه عز وجل للخارج بعد الأذان من المسجد على أن لا يعود إليه لإيثاره تعجيل حوائج دنياه على الصلاة التي حضر وقتها. قال عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] ، وأمّا إن خرج راغباً عنها وآبياً من فعلها فهو منافق. وقد قال سعيد بن المسيب: بلغني أنه لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء، إلى حد يريد الرجوع إليه، إلا منافق. وباللَّه تعالى التوفيق. [ما كان عليه أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حياته] فيما كان عليه أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حياته إلى أن توفي في التقلل في الدنيا وترك التنعُّم فيها والرضا بالدون من العيش قال: وسمعت مالكا، يقول: سمعت أنه توفي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس بالمدينة منخل ينخل به، فقيل لبعض أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كيف كنتم تفعلون؟ قالوا: نطحن الشعير ثم ننفضه ثم ننفخه، فما طار طار، وما بقي بقي. قال الِإمام القاضي: في هذا دليل على أن أحوال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم تتسع بالوفر والغنى في حياته، كما اتسعت بعد وفاته

مما أفاء الله عليهم من الغنائم والفتوحات، التي وعدهم الله بها حيث يقول: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 20] ، فكثرت أموالهم من ذلك واتسعت أحوالهم، وصاروا أهل ثروة وغنى، منهم الزبير بن العوام، بلغت تركته خمسين ألف ألف ومائتي ألف، بعد أن ودَى عنه ابنه عبد الله ما كان عليه من الدين، وذلك ألف ألف ومائتا ألف، باع فيه بعض ما كان تخلفه من الأموال، وقطع من الغابات التي كان تخلفها ميراثاً قطعة لعبد الله بن جعفر في أربعمائة ألف كان له عليه، فباعها ابن جعفر بستمائة ألف، ربح فيها مائتي ألف، وفضلت من الغابة بعدما باع منها مائة ألف، فقوم على معاوية، وأخبر بذلك، وعنده عمرو بن عثمان، ومنذر بن الزبير وعبد الله بن ربيعة، فقال عمرو بن عثمان: قد أخذت منها سهماً بمائة ألف، وقال منذر بن الزبير: قد أخذت منها سهماً بمائة ألف، وقال عبد الله بن ربيعة: قد أخذت منها سهماً بمائة ألف، وقال معاوية: قد أخذت السهم الباقي ونصف السهم بمائة ألف وخمسين ألفاً، وكان له أربع زوجات، وأوصى بثلث ماله، فأخرج الثلث، وأصاب كل امرأة من نسائه، ألف ألف ومائتا ألف وكانوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في كلتا الحالتين محمودين؛ لأنهم صبروا في حالة الفقر على ضيق العيش، وشكروا الله على ذلك وقنعوا بما أعطوا، وآثروا على أنفسهم من القليل كما وصفهم الله به؛ حيث يقول: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] فكان لهم من الأجر على ذلك كله ما لا يعلم مقداره إلا الله عز وجل. وشكروا الله في حال الغنى على ما آتاهم الله من فضله، ووسع عليهم من رزقه، وأدوا ما افترض الله عليهم في أموالهم من الزكوات الواجبات، وقاموا بما يلزمهم القيام به من اللازمات، وتطوعوا لوجه الله تعالى بما لا يلزمهم من القرب والصدقات، فكان لهم من الأجر على ذلك كله ما لا يعلم مقداره إلا الله

عز وجل، وقد اختلف الناس في الفقر والغنى على أربعة أقوال: فمنهم من ذهب إلى أن الغنى أفضل، ومنهم من ذهب إلى أن الفقر أفضل. ومنهم من توقف في ذلك، ولم ير المفاضلة. وهذا فيمن كَان يؤدي ما لله عليه من حق في حال الفقر لفقره، وفي حال الغنى لغناه؛ لأن من كان يؤدي حق الله الواجب عليه في الفقر، ولا يؤدي حقهُ الواجب عليه في الغنى فلا اختلاف في أن الفقر أفضل له من الغنى، ومن كان يؤدي حق الله الواجب عليه في الغنى، ولا يؤدي حقه الواجب عليه في الفقر، فلا اختلاف في أن الغنى أفضل؛ لأن الفضل في الفقر والغنى ليس لذاتهما، وإنما هو لما يكتسب بسبب ما يؤجر عليه، فيكتسب بسبب الفقر الرضا والصبر، على ما قسم له، والشكر لله على ذلك، والتصرف والخدمة فيما يحتاج إليه من كسوته ونفقته، ونفقة من يلزمه الِإنفاق عليه، فيؤجر على ذلك كله، ويكتسب بسبب المال الصبر على إنفاقه في الواجبات، وما يندب إليه من القربات، مع حبه إياه، قال تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} [البقرة: 177] إلى قوله: {هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] . والشكر لله تعالى على ما أتاه من فضله فيؤجر على ذلك كله. والذي أقول به في هذا تفضيل الغنى على الفقر وتفضيل الفقر على الكفاف، وإنما قلت: إن الغنى أفضل من الفقر، لقوله عز وجل: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32] فلو كان الفقر أفضل من الغنى، لكان تعالى يأمرنا أن نسأله تفضيل الأفضل بالأدنى، وذلك خلاف المعلوم

من المعنى، وقوله عز وجل: {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] فلو كان الفقر أفضل من الغنى لكان تعالى قد امتن عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بأن نقله من الأفضل إلى الأدنى، وقَوْله تَعَالَى: {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92] فلو كان ما كانوا فيه أفضل وأولى لم يكن لحزنهم معنى، وقَوْله تَعَالَى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا} [البقرة: 268] وشتان في الفضل بيْن ما يُعبد الله به من الغنى، وما يعبد الشيطان به من الفقر، وقوله عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28] وَقَوله: {وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 74] وما أشبه ذلك من الآيات كثير، ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: حين قيل له: ذهب الأغنياء بالأجور: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة: 54] ، وبقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا نَفَعَنِي مَال مَا نَفَعَنِي مَالُ أبِي بَكْرِ» ، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ ضَمِنْتُ لَهُ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ» ، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّكَ أنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيرٌ

مِنْ أنْ تَذَرَهُم عالة يَتَكًفّفُونَ النَّاسَ» . وأمره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقبول ما أتى من غير مسألة، ونهيه عن إضاعة المال، وعن الوصية بما زاد على الثلث. وما أشبه ذلك من الأحاديث التي يكثر عددها ولا يمكن حصرها، ولأن الفقير يؤجر من وجهين: أحدهما: الصبر على الفقر والفاقة، مع الرضا بذلك، والشكر لله تعالى عليه، والثاني: تصرفه وعمله فيما يعيد به على نفسه ما لا بد له منه من نفقته ونفقة من تلزمه نفقته. والغني يؤجر من وجوه كثيرة، منها الشكر لله عز وجل على ما أتاه من فضله، ومنها الصبر على ما يعطيه من ماله لوجه الله عز وجل في الواجب عليه من الزكاة، وفيما سِوى ذلك من القربات ومن الِإنفاق على ما يجب عليه الِإنفاق عليه من الزوجات والبنين الصغار والآباء والأمهات المعدمِين، مع حبه له، وشحه عليه. قال عز وجل: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} [البقرة: 177] ... الآية، وقال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان: 8] ثناءً منه عز وجل بذلك عليهم. وقد يتزوج الغني الزوجتين والثلاث والأربع، ويتسرى الِإماء ذوات العدد، فيستمتع بوطئهن، ويؤجر بذلك فيهن. والفقير لا يقدر على شيء من ذلك، وما فضل على الرجل من ماله بعد أن أدى منه الواجب عليه فيه باستمتاعه به في الرفيع من اللباس الطيب، والطعام الحسن، والحسن من الركوب، والجيد من السكنى من غير إسراف في شيء من ذلك كله؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] ، أولى من ترك ذلك وإمساك المال، إذ لا أجر في مجرد إمساك المال، وإنما يؤجر على إمساكه إذا أمسكه لخير يريد أن يفعله منه. وقد يؤجر على الاستمتاع بماله في لباس الحَسَن؛ لأن الله يحب أن يرى أثر

نعمته على عبده. «وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صاحب جابر بن عبد الله لما لبس الثوبين الجديدين بأمره له بذلك ونزع الخفين: "مَا لَهُ ضَرَبَ اللهُ عُنُقَه، أَلَيْسَ هَذَا خَيْرٌ لَهُ؟» وقال عمر بن الخطاب: إنِّي لأحِبَ أنْ أنْظُرَ إلَى الْقَارِئِ أَبْيَضَ الثِّيَاب. وقال: إِذا أوسعَ اللهُ عليكم فَأوْسِعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ. ويؤجَر عَلى التوسعة على أهله في الِإنفاق. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حتَّى مَا تَجْعَل فِي فِي امْرَأتكَ» . ففي هذا كله بيان واضح على أن وجود المال خير من عدمه؛ لأنه إذا عدِمه لم ينتفع بعدمه، وإذا وَجَدَه انتفع بوجوده، إما باستمتاع مباح غير مكروه لا أجر له فيه، وإما باستمتاع مندوب إليه فيه أجر إلى ما يفعل منه من الخير الواجب والتطوع، وإنما قُلت: إن الفقر أفضل من الكفاف؛ لأن الذي عنده الكفاف، إنما يؤجَر على شكر نعمة الله عليه فيما أعطاه من المال الكفاف الذي لا فضل فيه عما يحتاج إليه، فأغناه ذاك عن الكدْح والتصرف فيما يحتاج إليه. والفقير يؤجر من وجهين، حسبما ذكرناه، واستدل من ذهب إلى أن الفقر أفضل من الغني بقول الله عز وجل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] ولا دليل لهم فيه؛ لأن الأغنياء يشاركونهم في الصبر، والأجور في الأعمال على قدر النيات فيه.

قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن اللهَ قَدْ أوْقَعَ أجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نيَّتِهِ» ، ومقدار النيات لا يعلمها إلا المجازي عليها. روي: أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء. ولا دليل فيه أيضاً، إذ ليس على عمومه؛ للعلم الحاصل بأن طائفة من أغنياء المسلمين كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان يدخلون الجنة قبل كثير من الفقراء وأنهم أفضل من أبي ذر، وأبي هريرة، ولأن السبق إلى الجنة لا يدل على زيادة الدرجات فيها، وكذلك ما روي من كون "الفقراء أفضل أهل الجنة" لا دليل لهم فيه، إذ ليس لهم فيه في الحديث أنهم أكثر أهل الجنة وأفقرهم، وإنما كانوا أكثر أهل الجنة؛ لأن الفقراء في الناس أكثر من الأغنياء، فالمحمودون منهم أكثر من المحمودين من الأغنياء، وليس الكلام في أي الطائفتين أكثر، وإنما هو في أيهما أفضل، أي: أكثر ثواباً. وقد بينا وجه كثرة الثواب في ذلك، وأقوى ما يحتج به من ذهب إلى أن الفقر أفضل من الغنى، هو أن الفقراء أيسر حساباً وأقل سؤالاً، إذ لا بد أن يسأل صاحب المال من أين كسبه؟ وهل أدى الحق الواجب عليه فيه أم لا؟ وسأل أيضاً عن تنعُّمه فيه بالمبَاح من المطاعم والملابس، بنص قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] ، وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأصحابه: «لَتُسْألُنّ عَنْ نَعِيم هَذَا الْيَوْم» ، في طَعَامٍ صنَعَهُ لَهُم أبُو الْهَيْثَم بن التَّيْهان: خبز شَعيرِ ومَاءٍ مُسْتَعْذَب. وهذا لا حجة لهم فيه أيضاً؛ لأن السؤال عن ذلك كله لا

ما يتشرف به الرجل من مناقب سلفه

يضرهم إذا أتوا بالبراءة منه. بل يؤجرون على ما يذكرونه من فعل الواجب عليهم فيه، ولا خفاء في أن من وجب لله عليه شيء، فسُئل: هل عمله أم لم يعمله؟ فوجد قد عمله، أفضل ممن لم يجب عليه، ولا سئل عنه؛ لأنه يؤجر على ما عمل من الواجب، كما يؤجر على ما عمل من التطور. وإنما توقف على المفاضلة بين الفقر والغنى من لم يفصل أحدهما على صاحبه، والله أعلم. من أجل أن لكل طائفة منها معنى تؤجرُ عليه دون الأخرى، والأجور في ذلك على قدر النيات في ذلك المعنى، ولا يعلم قدرها إلا المجازي عليها، فوجب الوقوف عن ذلك؛ لاحتمال أن يؤجر الفقير على معنى واحد، لقوة نيته فيه أكثر مما يؤجر الغني على معان كثيرة، لضعف نيته فيها. وهذا صحيح مع التعيين، فلا يصح أن يقال: إن أَجر فلان في غناه لكثرة ما يفعل منه من الخير - أكثر من أجر فلان في فقره ورضاه بما قسم الله له من ذلك، ولأن أجره في فقره ورضاه بما قسم الله له منه أكثر من أجر فلان في غناه على ما يفعل منه من الخير. وأما في الجملة فالغنى أفضل من الفقر لما بيناه من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وأما من فضل الكفاف على الفقر والغنى، فلا وجه له في النظر والله أعلم. وأما الفقير الذي لا يقدر أن يقومَ بما يحتاج إليه حتى يسأل، فالغني أفضل منه قولاً واحداً، والله أعلم؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السًّفْلَى» ؛ لأن اليد السفلى هي السائلة، والعليا النافقة، وقد استعاذ النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الفقر المُنسى، كما استعاذ من الغني المطغي. وباللَّه التوفيق. [ما يتشرف به الرجل من مناقب سلفه] حكاية عن عمر بن عبد العزيز فيما يتشرف به الرجل من مناقب سلفه وسمعت مالكاً يذكر: أن عمر بن عبد العزيز قام إليه رجلٌ فذكر

تحفظ الرجل بدينه

مناقب أبيه، فقال: شهد بدراً والعقبة وما أشبه ذلك، ثم قام إليه رجل آخر من أهل الشام، فقال: إن أباه شهد الزاوية، وكان مع الحجاج بن يوسف، فقال عمر: كم من شيء يفرح به صاحبه، وهو عليه وَبالٌ يوم القيامة، ثم قال عمر: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبَا بماءٍ فعادا بعدُ أبوالا قال محمد بن رشد: هذا كما قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن الرجل إنما يتشرف بمناقب أبيه على الحقيقة، ويجب أن يفرح بها إذا كانت مما يُقربه إلى الله تعالى؛ لأنه يرجو أن يلحقه الله بدرجته لِتقر به عينه، بدليل قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] ، وبالله التوفيق. [تحفظ الرجل بدينه] في تحفظ الرجل بدينه وسمعته يذكر: أن رجلاً من الحكماء قال: ما كنتَ لاعباً لا بدَّ أن تلعب به، فلا تلعب بدينك. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يسامح أحداً في شيء من دينه إن لم يكن عليه في مسامحته فيه إثم، وإن سامحه في ماله أو فيما هو ... وذلك أن يصبح الرجل صائماً متطوعاً فيريده رجل من الفقراء في صنيع يصنعه، فقد قال مطرف: إنه إن حلف عليه بالطلاق والعتق ليفطرن فأعنته، ولا يفطر وإن حلف هو فليكفر، ولا يفطر، وإن عزم عليه أبواه أو أحدهما في الفطر فليطعهما وإن لم يحلفا عليه، إذا كان ذلك رِقَّةً منهما عليه لاستدامة صومه. وقد مضى الكلام على هذه

الارتزاق من الصدقات

المسألة في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الصيام. وبالله التوفيق. [الارتزاق من الصدقات] في الارتزاق من الصدقات قال مالك: كان أرزاق عمال المدينة من الصدقات، وكان أبو بكر بن محمد يذكر إنما هي غفلة، وفرض له رزقه سبعة وثمانين ديناراً وثلث دينار من فَدَك. قال محمد بن رشد: قوله: كان أرزاق عمال أهل المدينة من الصدقات، معناه، والله أعلم: أن الأموال من الصدقات وغيرها كانت مختلطة. فإذا ارتّزق منها وهي مختلطة كان بعض رزقه من الصدقات إذا لم يخرج في غيرها من وجوه الصدقة عوض ما أعطي منها، واستجازة ذلك غفلة؛ كما قال أبو بكر بن محمد، إذ لا يتحقق السلامة من ذلك، ويحتمل أن يكون إنما كانوا يرزقون من الصدقات، وبتأويل أنهم كانوا أمهر عمالًا ينظرون في جميع الأمور من الصدقات وغيرها، وأما لو لم يكن لهم نظر عليها ولا عمل فيها لما جاز أن يرزقوا منها؛ لأن الصدقات إِنما هي لمن فرضها الله لهم في كتابه بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] ، لا يجوز أن يخرج عنهم إلى غيرهم. والأمراء والكتَّاب والعُمال وجُباة الأموال إنما يُرزقون من بيت المال. وبالله التوفيق. [كراهية طول الكمين] في كراهية طول الكمين قال ابن القاسم: بلغني أن عمر بن الخطاب قطع كُم رجل إلى قدر أصابعه بشفرة، ثم أعطاه فضل ذلك، وقال له: خذ هذا فاجعله في حاجتك. قال الإِمام القاضي: إنما فعل عمر بن الخطاب هذا؛ لأنه رأى

ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من شظف العيش

أن الزيِادة في طول الكمين على قدر الأصابع مما لا يحتاج إليه، فرآه من السرَف، وخشي أن يدخل عليه منه عجب، وفي مثل هذا قالت عائشة: ما أخَافُ عَلَى الرًجُل إلاَّ مِنْ أَطْرَافِهِ؛ إذْ مَر عليها سعدُ بن معاذ وَعَلَيْهِ دِرْع مقلصة مشمرة الكمين، على ما مضى في أول السماع. وقد تكلمنا على ذلك هنالك. والله الموفق. [ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من شظف العيش] فيما كان عليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من شظف العيش وحدثني ابن القاسم عن مالك عن عمر بن الخطاب، قال وهو بمكة: لقد رأتني وما لِيَ من طعام غير أن خالاتٍ لي كنَّ يحفنَّ حفنة حفنة من زبيب. قال محمد بن رشد: هذا من معنى ما تقدم القول فيه قبل هذا، فلا معنى لِإعادته، وبالله التوفيق. [طول الرداء] في كراهية طول الرداء قال مالك: بلغني أن عاملًا لعمر بن عبد العزيز على اليمن، وأنه ارتدى ببُردة، وكانت طويلة فانجرت من خلفه، فقيل له: ارفع ارفع، فرفع فانجرت بين يديه. قال: هكذا الشيء يجعل بغير قدره. قال محمد بن رشد: إنما قيل له: ارفع؛ لما انجرت خلفه، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلى مَنْ جَرَّ إزَارَه بَطَراً» ، فطول الرداء مكروه، مخافة أن يغفل عنه فيجره من خلفه. وقد

تفسير وقدور راسيات

جاء النهي عن ذلك لمن فعله بَطراً، فالتوقي من ذلك على كل حال من الأمر الذي ينبغي. وبالله التوفيق. [تفسير وَقُدُورٍ راسِيَاتٍ] في تفسير {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13] وسئل مالك: عن تفسير {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13] ، قال: لا تحمل ولا تحرك. بدليل قوله: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات: 32] ، قال مالك: يريد أثبتها. وسئل مالك: عن تفسير {كَالْجَوَابِ} [سبأ: 13] ، قال: كالجوبة من الأرض فيما أرى. قال محمد بن رشد: تفسير مالك للقدورِ الَرّاسِيَاتِ التي لا تحمل ولا تحرك بدليل قوله: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات: 32] أثبتها تفسير صحيح نحو تفسير السدي؛ لأنه قال فيِ {رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13] : معناه ثابتات في الأرض، عظام تنقر من الجبال بأثافيها، فلا تحول عن أماكنها. وقال مجاهد في تفسير قوله: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [سبأ: 13] معناه: وصحاف كالحياض، وهو نحو تفسير مالك في هذه الرواية، وقوله عز وجل في أول الآية: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: 13] ، يعملون له ما يشاء من مساجد. وقيل: من مساجد وقصور. وقوله: {وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: 13] يُرِيدُ تصاوير من نحاس ولم تكن الصور يومئذ. وروي: أن سليمان أمر الشيطان ببناء بيت المقدس، فقالوا له: زوبعة الشيطان وله عين في جزيرة في البحر يردها كل سبعة أيام، فأتوها فنزحوها، ثم صبوا فيها خمراً فجاء لورده، فلما أبصر الخمر قال في كلام له: ما عليك، إنك إذا شربك صاحبك تظهرين عليه عذره في أساجيع له لا أذوقك اليوم، فذهب ثم رجع لظمأٍ آخر، فلما رآها قال كما قال أول مرة ثم ذهب ولم يشرب حتى جاء لظمأٍ لإِحدى وعشرين ليلة، فقال: ما علمت أنك لتذهبن الهم في سجع له، فشرب منها فسكر، فجاءوا إليه فأروهُ خاتم

رقية البثرة الصغيرة مخافة أن تعظم

شجرة فانطلق معهم إلى سليمان، فأمرهم بالبناء، فقال زوبعة: دلوني على بيض الهدهد، فدل على عشه، فأكب عليه جمجمته، يعني زجاجة، فجاء الهدهد فجعل لا يصل إليها، فانطلقت، فجاء بالماس الذي يثقب به الياقوت، فوضعه عليه فقط الزجاجة نصفين، ثم ذهب ليأخذه، فأزعج بالماس إلى سليمان، فجعلوا يستعرضون الجبال، كأنما يخطون في نواحيها في نواحي الجبال في الطين، قال: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ: 13] ، أيَ: توحيداً. وقال بعضهم: لما نزلت لم يزل إنسان منهم قائماً يصلي. قال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] أي: أقل الناس المؤمن. [رقية البثرة الصَّغيرة مخافة أن تعظم] في رقية البثرة الصَّغيرة مخافة أن تعظم قال مالك: بلغني أن عائشة كانت ترى البثرة الصغيرة في بدنها فتلح عليها بتعويذ، فيقال لها: إنها صغيرة، فتقول: إن اللَّه يعظم ما يشاء من صغير، ويصغر ما يشاء من كبير. قال محمد بن رشد: فعل عائشة هذا مطابق لما تواترت به الآثار عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. من ذَلِكَ «حَدِيثْ عُثْمَان ابْنِ أبي الْعَاص أنه أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبِهِ وَجَعٌ قَدْ كَادَ أَن يُهْلِكَهُ، فَقَالَ لَه رَسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "امْسَحْهُ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مًرّاتٍ، وَقُلْ: أَعُوذُ بِعَزّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِه مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ". قَالَ: فَقُلْتُ ذلك، فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ بِي فَلَمْ أَزلْ آمُرُ بها أهلي وغيرهم» . وحديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

صفة نعل النبي عليه السلام

وسلم: «كَانَ إذَا اشْتَكَى يقْرأُ بِالْمُعَوِّذَاتِ عَلَى نَفْسِهِ، قَالَتْ: فَلًمّا اشْتَدَ وَجَعُهُ كُنْت أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُ عَلَيهِ بِيَمِينِه، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا» . ولا يكون التعويذ والرقية في المرض، إلا بكتاب الله على ما جاء في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. واختلف في رقية أهل الكتاب، فأجاز ذلك الشافعي إذا كانت بكتاب الله؛ لحديث يحيى بن سعيد عن عمر عن عائشة: أن أبا بكر الصديق دخل عليها يوماً وهي تشتكىِ، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله. وكره ذلك مالك؛ إذ لا يدري أَهَلْ ترقى بكتاب الله أو بغير ذلك مما يضاهي السحر؟ وقوله من طريق النظر أظهر، والله أعلم. وقد مضى في رسم الصلاة الأول من سماع أشهب من كتاب الصلاة - القول في تعليق التمائم على المريض وعلى الصحيح؛ مخافة المرض مستوفى، فلا وجه لإعادته، والله أعلم. [صفة نعل النبي عليه السلام] في صفة نعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسئل مالك: عن نعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التي رآها كيف حدُّوها؟ قال: رأيتها إلى التدوير ما هي وتخصيرها في مؤخرها وهي مخصرة ومعقبة من خلفها، قلت: كان لها زمامان. قال: ذلك الذي أظن، قال: وكانت عند آل ربيعة المخزوميين من قبل أم كلثوم أمهم. وسمعت مالكاً يذكر: أن عند آل عمر بن الخطاب فراش من شعر وجرس، وكان ذلك الفراش لحفصة، قلت له: ما قصة الجرس؟ قال: لا أدري إلا أنه بلغني كذلك.

قال محمد بن رشد: ليس في هذه الحكاية ما يشكل، فتكلم عليه حامي الحرمين الذي سئل عن قصته، فقال: لا أدري والأجراس كانت تعلق في أعناق الِإبل لتعرف مواضعها بأصواتها إن شدت أو ضلَت. وتأول مالك: أنهم إنما كانوا يعلقونها عليها من أجل العين، وبوَّب على ذلك في موطئه " باب في نزع المعاليق والجرس "، وأدخل عليه ما حدَّثه عبدُ اللَّه بن أبي بَكْر عن عبَّاد بن تميم «أن أَبَا بَشيرِ الأنصارِي أَخبرَهُ: أَنه كَانَ مَعَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض غَزَواته، قَالَ: فَأَرْسَل رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولاً، قَالَ عبدُ اللَّهِ بنُ أَبي بَكرِ: حسبت أَنَّهُ قَالَ، وَالنَّاسُ في مَقِيلِهِم: "لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدةٌ مِنْ وَتَرِ أَو قِلاَدةُ إلَّا قُطِعَتْ» . فرأَى مالك الأجراس دَاخلة في عموم ما أَمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقطعه من أعناق الِإبل، وتأول أن ذلك إنما كانوا يفعلونه من أجل العين، وتابعه على تأويله جماعة من أهل العلم، فلم يجيزوا أَن يعلق على الصحيح من بني آدم ولا من البهائم شيء من العلائق خوف نزول العين. وقد مضى الكلام مستوفى على هذا المعنى في رسم الصلاة الأول من سماع أشهب من كتاب الصلاة. ومعنى السؤال في هذه الحكاية عن قصة الجرس، إنما هو لِمَ كانوا يحبسونه ويرفعونه، وقد جاء النهي في استعماله فلم يجبه على سؤاله. والجواب فيه أن استعماله وإن كان لا يجوز ففي حبسه منفعة، وهو أنه يذكر به العهد القديم، ويتراحم من أجله على من قد مات من السلف الكريم. والله أعلم.

مناقب مصعب بن عمير

[مناقب مصعب بن عمير] خبر في منقبة مصعب بن عمير قال مالك: إن مصعب بن عمير كانت عليه جبة من صوف مرقوعة بفروة، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه إلى المدينة يدعو الناس إلى الِإسلام، ويعلمهم القرآن وأنه حين قتل كانت تّلك الجبة عليه. قال محمد بن رشد: مصعب هذا القرشي العبدري من بني عبد الدار بن قصي كان من جلة الصحابة وفضلائهم، بعثه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة قبل الهجرة بعد العقبة الثانية يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين، كان يُدعى القارئ. وقيل: إنه أول من دخل المدينة من المهاجرين، وأول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، ثم قدم بعده المدينة عمرو بن أم كلثوم، ثم عمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود، وبلال، ثم أَتى عمر ابن الخطاب في عشرين راكباً، ثم هاجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقدم المدينة، وكان مصعب بنُ عمير هذا فتَى مكة شباباً وجمالاً، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكره فيقول: «مَا رَأَيْت بِمًكّةَ أَحْسَنَ لِمَّةً وَلَا أَرَقَّ حُلّةً وَلَا أَنْعَمَ نِعْمَةً مِن مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْر،» فَبَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو إلَى الإسْلَام فِي دار ابْن الأرْقَم، فَأسْلَمَ، وَكَتَمَ إسْلاَمَهُ خَوْفاً مِن أمِّهِ وَقَوْمِهِ وَكان يَخْتَلِفُ إلَى رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِرّاً فَبَصرَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ يُصَلِّي فَأَخْبَرَ بِهِ قَوْمَهُ وَأُمَّهُ، فَأَخَذُوه فَحَبَسًوهُ، فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوساً عِنْدَهُم حَتَّى خَرَجَ مُهَاجِراً وَاسْتُشْهِد يَوْمَ أُحُدِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا نَمِرَةٌ، كَانُوا إذَا غَطُّوا بِهَا رَأسَهُ خَرَجَت رِجْلاَهُ، وَإذَا غَطُّوا بِهَا رِجْلَيْهِ، خَرَجَ رَأسُهُ، وَهِى الْجُبّة الْمَرْقُوعَةُ بِالْفَرْوَةِ. عَلَى مَا قَالَه فِي هَذِه الْحِكَايَةِ، وَاللَّه أعلم. فَأَمَرَهُمّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

الصيام قبل الاستسقاء

وَسَلَّم أَن يغَطُّوا بهَا رَأسَه وَيَجْعَلْوا عَلَى رِجْلَيه من الِإذْخِرِ. وبالله التوفيق. [الصيام قبل الاستسقاء] في الصيام قبل الاستسقاء وسئل مالك: عن الصيام قبل الاستسقاء مما يعمل به، فقال: ما سمعت إنكاراً على من عمله. قال الإمام القاضي: الصيام قبل الاستسقاء مما لم يأت به أثر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولا عن الخلفاء الراشدين المهديين بعده، وإذا هو أمر أحدثه بعض الأمراء استحسنه كثير من العلماء، فعله موسى بن نصير بإفريقية، حين رجع من الأندلس فاستحسنه الخزامي وغيره من علماء المدينة. وإلى هذا ذهب ابن حبيب فقال: استحب للِإمام أن يأمر الناس قبل بروزه للمصلى بهم أن يصبحوا صياماً يومهم ذلك. ولو أمرهم أن يصوموا ثلاثة أيام، آخرها اليوم الذي فيه يبرزون - كان أحب إلي. والمعلوم من مذهب مالك إنكارُ هذه الأمور المحدثات كلها، من ذلك أنه كره في سماع ابن القاسم القراءة في المسجد والاجتماع يوم عرفة بعد العصر في المساجد للدعاء والدعاء عند خاتمة القرآن. فيحتمل ما في هذه الرواية من قوله: ما سمعت إنكاراً على مَن عمله، أن يكون انتهى كلامه -أي: مالك - إلى قوله: ما سمعت، أي: ما سمعت أن ذلك يفعل، ويكون إنكاراً على من عمله من قول ابن القاسم. أخبر أن مالكاً أراد بقوله: ما سمعت الِإنكار على، فيكون ذلك مطابقاً لمذهب ابن القاسم، ويحتمل أن يكون الكلام كله من قول مالك فيقتضي جواز ذلك عنده إذ قد نفى أن يكون سمع الإِنكار على من عمله. والأول من التأويلين أولى. واللَّه أعلم. وقد مضى هذا كله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب

اتخاذ الإبل من مال الله ليحج بها الناس

الصيام؛ لتكرَّر المسألة هناك. وبالله التوفيق. [اتخاذ الِإبل من مال الله ليحج بها الناس] في اتخاذ الِإبل من مال الله ليحج بها الناس قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب اتخذ إبلًا من مال الله يعطيها الناس، يحجون عليها، فإذا رجعوا ردوها إليه. قال محمد بن رشد: هذا من النظر الصحيح في مال اللَّه؛ لأن أولى ما صرف فيه مال اللَّه ما يستعان به على أداء فرائض اللَّه، فينبغي للأئمة أن يأنسوا في ذلك بفعله. فقد قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنواجذِ» وقد مضى هذا كله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الحج لتكرر الحكاية عن عمر بن الخطاب فيه، وباللَّه تعالى التوفيق. [ما جاء عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في زينب زوجته] ما جاء عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في زينب زوجته قال مالك: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنسائه: «أوَّلُكُنَّ يَلْحَقُنِي أطْوَلُكُنّ بَاعاً» ، قال: فكن يتطاولن حتى ينظرن أيهن أطول؟ حتى هلكت زينب، وكانت امرأة صناعاً، عظيمة الصدقة، فلما ماتت عرفن أن رسول اللَّه أراد بذلك الصدقة، وأنها قالت: إِني أرى عمر بن الخطاب سيبعث إلي بكفني وكانت قد

أعدت لها كَفَناً، فإن بعث إلي بشيء فتصدقوا به. قال: وكان عمر أول من جعل عليها هذا النعش الذي جعل على النساء سترها به. قال الِإمام القاضي: ويروى أنه قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أطْوَلُكُن يَداً أسْرَعُكنً لَحَاقاً بِي» والمعنى في ذلك سواء؛ لأنه أراد طول اليد والباع بالصدقة، وذلك من الاستعارات البليغة الحسنة، وفيه فضل الصدقة وعلَم من أعلام النبوءة؛ لأنه أخبر بمن يموت بعده أولاً من نسائه، فكان كما قال، ولم يصرح باسمها لما كان عليه من الخلق الكريمة، مخافة أن يعلمها بما تشفق منه وتكرهه؛ لأن المؤمن يكره الموت لشدته، ويخاف تعجيله، ويود تأخيره رجاءَ الازدياد من الأعمال الصالحات. وقد «قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأخوين اللذين تأخرت حياة أحدهما، فذكرت فضيلة الأول عند رسول اللَّه، فقال: "أَلَمْ يَكُنِ الآخَرُ مُسْلِمَاً؟ فَقَالوا: بَلَى كَان لَا بَأسَ بِهِ. قَالَ: فَمَا يُدْرِيكم مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلاَته؟ إِنَّمَا مَثَلُ الصّلاَةِ كَمثَل نَهْرٍ عَذْبٍ غَمْرٍ يَقْتَحِمُ فِيه أحَدُكُمْ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مًرّاتٍ، فَمَا تَرَوْنَ ذَلِكَ يُبْقِي مِن دَرَنِهِ، فَإِنَّكُم لَا تَدْرُونَ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلاَتُه» . وقد روي عن شريح بن هانئ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحب لقاء اللَه أحب اللَه لقاءه، ومن كره لقاء اللَّه كره اللَّه لقاءه ". قال شريح: فأتيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثاً إن كان ذلك فقد هلكنا، قالت: وما ذلك؟ قلت: " من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه، ومن كره لقاء اللَّه كره اللَه لقاءه» ، فبينتَ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن ذلك إنما هو عند المعاينة وحضور الموت، وحين لا تقبل توبة التائب، إن لم يتب قبل ذلك. وزينب هذه بنت جحش تزوجها رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سنة خمس من الهجرة، وقيل: في سنة ثلاث،

الاختيار للذبائح

وكانت قبله تحت زيد بن حارثة الذي كان تبَنَاهُ رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال عز وجل: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] ... الآية، وذلك أن المنافقين تكلموا في ذلك لما تَزوجها، فقالوا: تزوجِ حليلة ابنه، وقد كان ينهى عن ذلكـ فأنزل الله هذه الآية، أنزل قوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] الآية، وقال: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] . فدعي من يومئذ زيد بن حارثة، وكان يدعى زيد بن محمد، وكانت زينب تفخر على نساء النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بأن اللَّه زوجه إياها، تقول: إِن آباءَكن أنكحوكن، واللَه أنكحني من فوق سبع سماوات. وتوفيت سنة عشرين من خلافة عمر. وهي السنة التي افتتحت فيها مصر. وقيل: توفيت في سنة أحد وعشرين، وهي السنة التي افتتحت فيها الإسكندرية، واللَّه أعلم. [الاختيار للذبائِح] في الاختيار للذبائِح قال مالك: ولقد أخبرني شيخ من بني عبد الأشهل، قال: أدركت الناس يختارون لذبائحهم. قال محمد بن رشد: وقعت هذه الحكاية في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الصيد والذبائح ساقها فيه على أن الاختيار للمرأة إذا اضطرت إلى ذكاة ذبيحة وعندها نصراني أن تذكيها ولا تكلها إلى النصراني. ووجه اختيار أهل الفضل للذبائح صحيح؛ لأن الفاسق وإن كانت تؤكل ذبيحته، لكن لا ينبغي أن يؤتمن ابتداء على الذبح، مخافة أن يقصر فيما يلزمه فيه، فيكتم ذلك، ولا يعلم به. وذلك مأمون من أهل الفضل. وقد مضى في الرسم المذكور من الكتاب المذكور بيان القول فيمن تجوز ذبيحته ومن لا تجوز ومن تكره.

الشكر على الطعام والشراب

[الشكر على الطعام والشراب] فيما يلزم من الشكر على الطعام والشراب قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب أتى قُباء فاستسقى فسُقي عسلًا، فقال: من يأخذه يشكر عليه، فقال رجل: أنا، فأعطاه إياه. قال الِإمام القاضي: معنى قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من يأخذه يشكر عليه - أي: من يأخذه يشكر الله تعالى على النعمة به حق شكره. وقد «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه في الطعام الذي صنعه لهم أبو الهيثم بن التَيِّهان والماء الذي استعذبه لهم: " لَتُسْألُنّ عَن نَعِيم هذا الْيَوْم» ، أي: هل أديتم الواجب عليكم من الشكر للَّه تعالى، وباللَّه التوفيق. [إجابة عبد اللَّه بن الأرقم عن النبي عليه السلام] في إجابة عبد اللَّه بن الأرقم عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال مالك: بلغني «أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إليه كتاب، فقال: " مَنْ يُجِيبُ عَنِّي؟ " فقال ابن الأرقم: أنا. فأجاب عنه، فأتى به النبي فأعجبه وأنفذه» فكان عمر يعجبه ذلك، ويقول: أصاب ما أراد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يزل في قلبه، حتى لما ولي استعمله على بيت المال. فقال عمر: ما رأيت أحداً أخشَى للَّه منه، حاشَى رسول اللَّه. قال الإِمام القاضي: عبد اللَّه بن الأرقم هذا القرشي الزهري أسلم

أشد البلاء ما هو

عام الفتح، وكتب للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثم لأبي بكر، واستكتبَه أيضا عمر، واستعمله على بيت المال وعُثمان بعده أيضاً سنين حتى استعفاه من ذلك فأعفاه. وروي أنه أعطاه ثلاثمائة درهم، فأبى أن يأخذها. وقال: إنما عملت للًه، وإنما أجري على اللَّه. وروى ابن وهب عن مالك قال: بلغني أن عُثمان أجاز عبد الله بن الأرقم، وكان له على بيت المال بثلاثين ألفاً، فأبى أن يقبلها. وروي: أنه بلغ من أمانته عند رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب، ويأمره أن يطبعه ويختمه من غير أن يقرأه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأمانته عنده. [أشد البَلاءِ مَا هو] في أشد البَلاءِ مَا هو؟ قال مالك: كان يقال: من أشد البلاء الِإملاء في المعاصي. قال محمد بن رشد: هذا بيِّن شهد له قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران: 178] فلا شيء أشدُ على العبد من الازدياد في الِإثم الموجب لسخط الرب؛ لأن العبد إذا ابتلي في ماله أو جسمه، إِن رضي بقدر اللَّه وصبر واحتسب - أُجِرَ، وإن سخط ولم يصبر ولا احتسب ثم مع ذهاب ماله وفقدان صحته، لم يتكرر عليه الِإثم كما يتكرر على من أملي له في المعاصي، وباللَّه التوفيق. [إقادة الِإمام من نفسه] في إقادة الِإمام من نفسه قال مالك: بلغني أن أبا بكر لما تولى أمر الناس ضرب رجلًا ثم ندم، فقال: ما لي وما لهذا؟ لأردنها عليه، فلما سمعت عائشة أرسلت إلى عمر، فجاءَه، فقال: ما لَكَ؟ قال: قد ضربتُ رجلًا وقد واللَّه أعلم؛ لأن اللَّه قال فيها: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] ،

اختلاف قدر الإطعام باختلاف البلدان

كنت مُعافى من هذا أن أضرب أحداً أو أشتمه. فقال له عمر: كذلك الإمام. قال: ومَا المَخرج؟ قال: تأتي الرجل فتسأله أن يجعلك في حل، فأتاه فأحله. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أنه ضربه أدباً بالاجتهاد في غير حد، فخشي أن يكون قد أخطأ في الاجتهاد، فتجاوز في الضرب، وضربه فيما كان يجب التجاوز فيه، وترك الأدب بالضرب. وهذا على طريق التواضع والورع والخوف للَّه والتنحي من المتشابه، لا على سبيل الوجوب؛ لأن للإمام أن يؤدب الجناة بالضرب، كما يؤدب الرجل عبده وأمته، وكما يؤدب الرجل زوجته بالضرب، فلا يكون عليه في ذلك حرج، لقوله عز وجل: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] فالِإمام مأجور على اجتهاده وإن أخطأ فيه. قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِن اجْتهَدَ الْحَاكِمْ فَأخطَأ، فَلَهُ أجْرٌ، وَإِن أجْتَهَدَ فَأصابَ فَلَهُ أجْرَانِ» . وباللَّه التوفيق. [اختلاف قدر الِإطعام باختلاف البلدان] في اختلاف قدر الِإطعام باختلاف البلدان سمعت مالكاً يقول: إن أنس بن مالك كانت له مكيلةٌ بالعراق، فأطعم عشرة، ثم جاء هاهنا، يريد المدينة، فكال بها فأطعم عشرين. قال محمد بن رشد: يريد أنه أطعم بالمدينة عشرين مسكيناً من

تفسير السبع المثاني

المكيلة التي كان يطعم منها بالعراق عشرة مساكين، وذلك في كفارة اليمين. وذلك يختلف باختلاف عيش أهل البلد، وذلك حجة لقول مالك في المدونة. وأما عندنا هاهنا فليكفر بِمدِّ النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الأيمان باللَّه. وأما أهل البلدان فإن لهم عيشاً غير عيشنا، فأرى أن يكفروا بالوسط من عيشهم، ولا ينظر في البلدان إلى مد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيجعله مثل ما جعلته في المدينة. [تفسير السبع المثاني] في السبع المثاني قال: وسمعت مالكاً يقول: السبع المثاني أُم القرآن. قال محمد بن رشد: قول مالك في السبع المثاني هي أم القرآن هو قول جمهور العلماء. وروي عن ابن عباس في قول اللَّه عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87] ، قال: فاتحة الكتاب. قيل لها ذلك لأنها تُثَنَّى في كل ركعة. وقد قيل في فاتحة الكتاب: إنها السبعُ المثاني والقرآن العظيم. وذلك مروي عن ابن عباس، وبيِّنٌ من حديث أبَي بن كعب في الموطأ: «أن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا فَرَغَ مِن صَلَاتِهِ لَحِقَهُ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ عَلَى يَده، يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: "إِنِّي لأرْجُو أن لَا تخْرُجَ من الْمَسْجِد حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً، مَا أنْزَلَ الله في التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الإِنْجِيل مِثْلَهَا"، فَجَعَلْتً أبْطِئُ فِي الْمَشي، رَجَاءَ ذَلِكَ، ثُمَّ قلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، السّورةَ الَّتِي وَعَدْتَنِي، قَالَ: كَيْفَ تَقْرَأ إِذَا افْتَتَحْتَ؟ قَالَ: بِقَرَاءةِ "الْحَمْدُ لِلّهِ" حَتَّى أتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا، فَقَالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هِيَ هذِهِ السُّورَةُ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي"

إقامة قبلة مسجد النبي عليه السلام

وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمُ.» على ما جاء في حديث أبي قال: المعنى في ذلك، أنها تعدل القرآن في الثواب، كما تقول قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ ثلث القرآن في الثواب. وقد مضى الكلام في معنى ذلك مجرداً في رسم يتخذ الخرقة لفرجه من كتاب الصلاة من سماع ابن القاسم. وقيل لها سبعٌ، لأنها سبع آيات، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] آية. {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] آية. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] آية. {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] آية. {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] آية. {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] آية. {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] آية. ومن جعل بِاسْم اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم آية من الحمد، وأوجب قراءتها في الصلاة. وهو مذهب الشافعي لم يعد الَذِينَ أنْعَمت عَلَيْهِم. وباللَّه التوفيق. [إقامة قبلة مسجد النبي عليه السلام] في إقامة قبلة مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال مالك: سمعت أن جبريل هو الذي أقام لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبلة المسجد مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسجد المدينة. قال محمد بن رشد: يريد بقوله: إنه أقام له قبلة المسجد، أي أعلمه بحقيقة، سمت القبلة، وأراه إياها وذلك واللَّه أعلم حين حولت القبلة إلى الكعبة. وذلك أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام بالمدينة ستة عشر شهراً يصلي إلى بيت المقدس، ثم حولت القبلة إلى المسجد الحرام، قبل بدر بشهرين. قال عز وجل: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} [البقرة: 144] إلى

ضرب الرجل امرأته

قوله: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] . فتحول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصلاته إلى الكعبة، وأقام له جبريل قبلة مسجده، وأراه السمت إليها، فقِبلتُه قُبالة الميزَاب، على ما قاله في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة. ولم يختلف في أن صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ كانت إلى بيت المقدس، حتى حولت القبلة وإنما اختلف في صلاته بمكة قبل قدومه المدينة، فروي أنها كانت إلى الكعبة، وروي أنها كانت إلى بيت المقدس، وأنه كان يصلي إلى بيت المقدس، الكعبة بين يديه وباللَّه التوفيق. [ضرب الرجل امرأته] في كراهية ضرب الرجل امرأته قال مالك: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أُحب أن أَرى الرجل ثامراً فريض عصبه رقبته على امرأته يقاتلها» . قال الإمام القاضي: هي قوله يقتبها أي يكثر منازعتها وضربها وهذا من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مطابق لما أنزل الله في كتابه العزيز من قوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] لأن من أكثر من ضرب امرأته لم يعاشرها بالمعروف كما قال الله عزَّ وجلَّ. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خطبة بعرفة: «فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُم أَخَذْتمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُم فُرُوجَهُنَّ بِكلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمِ عَلَيْهَنّ أَلَاّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُنَّ أَحَداً تَكْرَهُونَ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباَ غَيْرَ مُبْرِّحٍ وَلَهُنّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ» .

: تفسير إن ناشئة الليل والحض على مداومة العمل

[: تفسير إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْل والحضِّ على مداومة العمل] في تفسير: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْل والحضِّ على مداومة العمل وسُئل مالك عن تفسير: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا} [المزمل: 6] قال: هي قيام الليل، وهي بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا: قد نشأ فلان. قال: وحدَّثنا مالك قال أبو هريرة: الغُدُوُّ وَالرَّوَاحُ وَشَيْء مِن الدُّلَج وَالْقَصْدَ تَبْلُغُوا. فقيل له وما المدلج إلى الصلاة؟ يعني صلاة الصبح. قال محمد بن رشد: قول مالك في ناشئة الليل قيام الليل، مروي عن ابن عباس روي عنه أنَّه قال: نَاشِئَةُ اللَّيْل هِيَ مَا وَرَاءَ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ، وَأنه قال: الصَّلَاةُ بَعْدَ الْعِشَاءِ نَاشِئَةُ اللَيْل. وروي مثله عن قتادة. وقال مجاهد: ساعة تسجد من الليل فهي ناشئة، وسكت مالك عن تفسير بقية الآية فقوله: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} [المزمل: 6] . تُقرأ على وجهين: وطْئاً وَوِطَاء. فقيل معناه: أَثبت في القلب، وقيل معناه: أَشد في تواطئ القلب. وقيل معناه فراغ القلب. وقوله: {وَأَقْوَمُ قِيلا} [المزمل: 6] معناه وأَصوب قيلًا. وأَصدق في التلاوة. وأَجدر أَلَّا يلبس عليك الشَيطان تلاوتك. قال: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا} [المزمل: 7] أي فراغاً طويلًا لحوائجك. قال: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} [المزمل: 8] وقول أبي هريرة: الْغُدُوُّ وَالرَّواحُ وَشَيْء مِنَ الدُّلَج وَالْقَصْدَ تَبْلُغُوا ادأبُوا على هذه الأعمال، وهي صلاة الصبح، وصلاة الضحى والرواح إلى سائر الصلوات في الجماعات، تبلغوا بها وإن قلت إلى ما تريدون من مرضات ربكم، يقول ولا تحملوا على أنفسكم بكثرة العمل فتقطعون عنه. يشهد بصحة قوله قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَمل حَتَى تَمَلُّوا أكْلُفُوا مِنَ الْعَمَل مَا لَكُم بِهِ طَاقَةٌ» وكان أحبّ

رفع اليدين في الدعاء

العمل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ الذي يدوم عليه ما حبه، وقال: «إِنَّ المُنبِت لَا أرضاً قَطَعَ، وَلَا ظَهْراً أَبْقَى» والله أعلم. [رفع اليدين في الدعاء] في رفع اليدين في الدعاء قال مالك: رأَيت عامر بن عبد الله بن الزبير يرفع يديه وهو جالس بعد الصلاة يدعو فقيل له: أَترى بذلك بأساً؟ قال لا أرى بذلك بأساً. قال الإمام القاضي: إجازة مالك في هذه الرواية لرفع اليدين في الدعاء عند خاتمة الصلاة نحو قوله في المدونة لأنه أَجاز فيها رفع اليدين في الدعاء، في مواضع الدعاء، كالاستسقاء، وعرفة، والمشعر الحرام، لأن ختمة الصلاة موضع للدعاء. واختلف قوله في المدونة في المقامين عند الجمرتين، فرآه في كتاب الصلاة من مواضع الدعاء ترفع الأيدي فيهما ولم يره في كتاب الحج الأول من مواضع الدعاء التي ترفع الأيدي فيها. وسئل في رسم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة عن رفع اليدين في الدعاء، فقال: ما يعجبني فظاهره خلاف لما في هذه الرواية ولما في المدونة وقد يحتمل أن يتأول ذلك على أنه إنَّما أراد الدعاء في غير مواضع الدعاء، ولذلك قال: إِنَّه لا يعجبه رفع اليدين في ذلك. وقد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم المحرم المذكور من كتاب الصلاة وفي رسم شك في طوافه منه وبالله التوفيق. [ترك الاهتمام بهَمَّ سَنَةٍ عَلَى يَوْمٍ] في ترك الاهتمام بما يأتي قال مالك: قال عيسى ابن مريم: لَا تَحْمِلُوا هَمَّ سَنَةٍ عَلَى يَوْمٍ حَسْبُ كُلِّ يَوْم بِمَا فِيهِ.

أي المواضع أفضل من مسجد النبي عليه السلام للصلاة

قال الإمام القاضي: وصية عيسى ابن مريم بما أوصى من هذا حكمة، إذ لا يدري المهتم بما يحتاج إليه في السنة، هل يعيش إلى تمام السنة أم لا؟ فاهتمامه بما يخاف من الموت قبل السنة آكَدُ عليه من الاهتمام بما يحتاج إِليه في السنة وبالله التوفيق. [أي المواضع أَفضل من مسجد النبي عليه السلام للصلاة] في أي المواضع أَفضل من مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للصلاة؟ وسُئل مالك عن الصلاة في مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيّ المواضع أَحبُّ إليك؟ قال: أَمَّا النافلة، فمُصلَّى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وأَما الفريضة، فالتقدم إلى أول الصف أَحب إلي. قال محمد بن رشد: استحب مالك صلاة النافلة في مصلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للتبرك بموضع صلاته، ورأَى للصلاة في ذلك الموضع فضلاً على سائر المسجد. ومن الدليل على ذلك، «أَنَّ عُتبان بنَ مَالكِ، قَالَ لِرَسُول اللهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يا رَسولَ اللَّه. إِنهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ وَالْمَطَرُ، وَأَنَا رَجَلٌ ضَرِير البَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيتي مَكَاناً أَتَخِذُهُ مُصًلّى فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: " أَيْنَ تُحِبًّ أَنْ أصَلِّيَ؟ " فَأَشَارَ لَهُ إِلَى مَكَان مِنَ الْبَيْتِ فَصَلَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» فإذا كان ذلك الموضع من بيته بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه صلاة واحدة أَفضل من سائر بيته، وجب أن يكون الموضع الذي يواظب على الصلاة فيه من مسجده أفضل من سائر المسجد بكثير وإنما قال: إنَّه يتقدم في الفريضة إلى أَول الصف، يريد إلى أَول

ما يلزم في التثبت في مسائل الاجتهاد

الصفوف، وهو الصف الأول، لأن فضل الصف الأول معلوم بالنص من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فهو أولى مما علم فضله بالدليل ومُصلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من مسجده هو العمودُ المخلق قاله ابن القاسم في رسم نذر سنه من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة وبالله التوفيق. [ما يلزم في التثبت في مسائل الاجتهاد] فيما يلزم في التثبت في مسائل الاجتهاد وتقديم اجتهاد أهل المدينة قال مالك: وبلغني أن ابن مسعود كان يُسأل عن المسألة فيفكر فيها شهراً ثم قام فقال: اللَّهم إن كان صواباً فمن عندك، وإن كان خطأً فمن عند ابن مسعود يسأل عن الشيء بالعراق، فيقوم فيه، ثم يقدم المدينة، فيسأل، ثم يجد الأمر على غير ما قال، فإِذا رجع لم يحط رحلته، ولم يدخل بيته حتى يرجع إلى ذلك الرجل فيخبره بذلك. قال محمد بن رشد: المسألة التي فَكّر فيها شهراً ثم أَجاب فيها، فقال ما قال، هي مسألة الرجل يموت عن زوجته قبل الدخول وقبل أَن يفرض لها هل لها مع الميراث صداق أم لا؟ وهي مسألة اختلف فيها الصحابة ومن بعدهم فروي «أن ابن مسعود سُئل عنها فقال: ما سًئلت منذ فارقت النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن شيء أَشد علي من هذه المسألة. سألوا غيري، فَترددُوا فِيها شهراً وقالوا: من نسأل؟ أنتم جلة أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذه البلد، فقال: سأقول فيها رأْيي فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأً فمني والشَّيطان. أرى لها مهر امرأة من نسائها لا وكْس ولا شطط. ولها الميراث، وعليها العدة. فقال معقل بن سنان وفي بعض الآثار معقل بن يسار وفي بعضها أيضاً فقام ناس من أشجع،

فقالوا: نشهد أَن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قضى فيها مثل الذي قضيتَ في امرأة منا يقال لها: يرْوع بنت واشق، قال فرأيت ابن مسعود لم يفرح بشيء مثل ما فرح يومئذٍ» . وقال عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، لا صداق لها. ولها الميراث على ما وقع في الموطأ من أَن ابنة لعُبيد اللَّهِ بْنِ عمر، كَانَتْ تَحْتَ ابْن لِعَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، فمَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَمْ يُسَم لَهَا صَدَاقاً فَابْتَغَتْ أمُّهَا صَدَاقَهَا وَهِيَ بِنْتُ زَيْدٍ بنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ، وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ، لَمْ تُمْسِكْهُ، وَلَم نَظْلِمْهَا فَأبَتْ أمها أنْ تَقْبَلَ ذلكَ، فَجَعَلُوا بَيْنَهُم زَيْدَ بْنَ ثَابِتَ فَقَضَى أنْ لَا صَدَاقَ لَهَا، وَلَهَا الْمِيرَاثُ. فأخذ مالك والليث بن سعد والأوزاعي بمذهب ابن عمر. وهو قول ابن شهاب ومذهب أهل الحجاز. وأَخذ أَبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي بما روي عن ابن مسعود، وجاء عن النبي عليه السلام في يروع بنت واشق. واختلف قول الشافعي في ذلك، فروي عنه مثل قول مالك، وروي عنه مثل قول أَبي حنيفة، وذكر المزني عنه أَنَه قال: إِن ثبت حديث يروع، فلا حجة لأحد معَ السنة، وإن لم يثبت فلا مهر لها. ولها الميراث. وقال مسروق لا يكون ميراثاً حتى يكون مهراً يريد والله أَعلم وجوب المهر لوجوب الميراث. وقد تعلق من ذهب إلى أَن الحق عند الله فيما لا نص فيه من مسائل الاجتهاد. وقد يصيبه المجتهد وقد يخطئه بقول ابن مسعود: هذا إن يكن صواباً فمن الله، وإن

يكن خطأً فمن ابن مسعود ولا تعلق له في ذلك، لاحتمال أن يريد إصابة النص إن كان في النازلة نص لم يعلم به، كحديث يروع بنت واشق في نازلتِه. والصواب أَن كل مجتهد مصيب عند الله تعالى. وقد بينا هذه المسألة بياناً شافياً في كتاب الأقضية من مختصر كتاب الطحاوي في شرح مشكل الحديث والشيء الذي سُئِل عنه بالعراق فقال فيه: ثم قدم المدينة فوجد الأمر بخلاف ما قال، فلما رجع لم يحط رحلته ولا دخل بيته، حتى أتى الرجل، فأَخبره بذلك، هو أَنه سئل عن نكاح الأم بعد الابنة إن لم تمس الابنة، فأَرخص في ذلك فلما قدم المدينة سأَل عن ذلك فأُخبر أن الأمر بخلاف ما قال، وأَن الشرط إنَّما هو في الربائب، لا في أُمهات النساء، فرجع الكوفة، فلم يدخل منزله حتى أتى الرجل الذي رخص له في ذلك، فأمره أن يفارق امرأَته على ما وقع من ذلك في الموطأ وقد روي إجازة ذلك عن علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت. وقال به من شذَّ من العلماء. وله وجهان من التأويل: أَحدهما أن يجعل قوله: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] عائد على الربائب وعلى أُمهات النساء، بإِضمار أَعني إذ لا يجوز في العربية أَن يكون اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ. نعت لأمهات الربائب، وبنات الأمهات، لأن بنات الأمهات مخفوض بالإِضافة، وأُمهات الربائب مخفوض بمن، ولا يجوز أَن ينعت بنعت واحد، ما عمل فيه عاملان. والوجه الثاني أن يجعل قوله: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] شرط لاتصال الكلام، فيبيح نكاح الأم إذا لم يدخل بالبنت، ويبيح نكاح الربيبة إذا لم يدخل بالأم، فالقياس عليها. وبدليل قوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] إذ لا تكون الربيبة في حجره حتى يدخل بأُمها، لأن من ذهب إلى هذا يجعل قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] كلاماً متصلًا

ما ذكر من خلاء مسجد النبي عليه السلام

تاماً، فيصح رد قوله: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] إِلَى أول الكلام وهو قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] أَوْ إِلَيهما جميعاً بإِضمار أَعني على ما ذكرناه. والذي قال به عامة العلماء وفقهاء الأمصار: مالك، والشافعي، وأَبو حنيفة، إِن الأم مبهمة لا شرط فيها، وإن الشرط إِنَّما هو في الربائب، فلا يحل نكاح الأم إذا تزوج البنت، وإن لم يدخل بها هو الصحيح، لِأنَّ الظاهر أن الكلام يتم في قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ويحسن الوقف عليه ثم يبتدأُ بقوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] الآية. [ما ذكر من خلاء مسجد النبيّ عليه السلام] في ما ذكر من خلاء مسجد النبيّ عليه السلام قال مالك: بلغني أَن سعيد بن المسيب قال: خلاء بيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أيام، لم يجمع فيه من حين كان: يوم قُتل عثمان، ويوم الحَرة، ويوم آخر قال مالك: أُنسيته. قال محمد بن رشد: أما قتل عثمان رضي الله عنه وما وقع يوم قتله ممَّا أدى إلى الاشتغال عن إِقامة الصلاة في المسجد على العادة، فهو معروف، وأمَّا يوم الحَرة فإنه كان في خلافة يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين من الهجرة وذلك أَن أهل المدينة خلعوا طاعة يزيد بن معاوية، وكان القائم بذلك عبد الله بن حنظلة. وكان قد وفده أمير المدينة عثمان بن محمد إلى يزيد بن معاوية فيمن وفد إليه مع بنين ثمانية، فأعطاه مائة أَلف، وأعطى كل واحد من بنيه عشرة ألف درهم، سِوى كسوتهم وحملانهم، فلما قدم المدينة أتاه الناس فقالوا: ما وراءك؟ فقال: أَتيتكم من عند رجل والله لو.

لم أَجد إلاَّ بنيَّ هؤلاء، لجاهدته بهم، قالوا: سمعنا أَنَّه أجازك وأكرمك وأعطاك، فقال: قد فعل، ولكني ما قبلت ذلك منه، إِلّاَ أن أتقوَى به عليه، وحض الناس فبايعوه، ودعوا إلى الرضى والشورى، وأَمَّرُوا على قريش عبد الله بن مطيع العدوي وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة الغسيل وعلى قبائل المهاجرين معقل بن سنان الأشجعي، وأَخرجوا أمير المدينة ومن كان بها من بني أُمية، فبلع ذلك ابن عباس وهو بالطائف، فقال: أميران؟، هلك القوم. وكتب مروان إلى يزيد بالذي كان من أمر القوم، فأَمر بقُبة فضربت له خارجاً من قصره، وقطع البعوث على أَهل الشام، وولَّى عليهم مسلم بن عقبة، وبعث أَهل المدينة إلى كل ماء بينهم وبين أهل الشام، فصبوا فيها زقاً من قطران، وغوروه، فأرسل الله عليهم ماء السماء، فلم يستقوا بدلو حتى وردوا المدينة، فخرج إليهم أَهل المدينة بجموع كثيرة، وبهيئةٍ لم يُر مثلها فلمَّا رآهم أَهل الشام، هابوهم وكرهوا قتالهم فأمر مسلم بسريره، فوضع بين الصَّفين، ثم أَمر مناديه: قاتلوا عني ودعوا، فشدَّ الناس في قتالهم، وانهزم أهل المدينة وعبد الله بن حنظلة متسانداً إِلى بعض بنيه يغط نوماً، فنبَّهه ابنه، فلما فتح عينه، ورأى ما صًنع، أَمر أكبر بنيه، فتقدم حتى قتل، فلم يزل يقدمهم واحداً بعد واحد حتى أَتى القتل على جميعهم، فكسر هو جفن سيفه، وقاتل حتى قتل. ودخل مسلم بن عقبة المدينة، ودعا الناس إلى البيعة على أَنهم خَوَلٌ ليزيد ابن معاوية، يحكم في أَهليهم ودمائهم وأموالهم ما شاء، حتى أَتى يزيد بن عبد الله بن زمعة أَسيراً، وكان صديقاً ليزيد بن معاوية وصفيّاً له فقال: بايع على أَنك خَوَلٌ لأمير المؤمنين، يحكم في دمك وأَهلك ومالك، فقال أُبايعك على أني ابن عم أمير المؤمنين، يحكم في دمي وأَهلي، فقال: اضربوا عنقه، فوثب مروان فضمه إليه، فقال: يبايعك على ما أَحببت، فقال: والله ولا أقيلها إِيَّاه أبداً وقال: إن تنحا وإلّاَ فاقتلوهما جميعا. فتركه مروان وضربت عنق ابن زمعة. وقتل معقل بن سنان الأشجعي صبرا

ومحمد بن أَبي حذيفة العدوي صبراً ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي صبراً. وانتهى عدد من مثل ذلك اليوم من قريش والأنصار ثلاثمائة رجل، وستة رجال. هذا كله على ما ذكره بعض المؤرخين والله أعلم بصحة ذلك. فهذه المحنة هي التي أوجبت ذلك اليوم خلاء مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من التجميع كاليوم الذي قتل فيه عثمان. والله أسأله العصمة والغفران برحمته. وقد وقع في رسم مرض بعد هذا من قول ابن القاسم: إِنَّه سمع مالكاً يقول: قتل يوم الحرة سبعمائة رجل كلهم قد جمعوا القران. قال ابن القاسم: شككت أنه قال: كان فيهم أربعة أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. واليوم الثالث الذي ذكر مالك أَنَّه أنسيه. قال محمد بن عبد الحكم هو يوم خرج بها أَبو حمزة الخارجي وكان خروجه فيما ذكروا في خلافة مروان آخر خلفاء بني أُمية الذي خلفه أَبو العباس السفاح من بني العباس في سنة ثلاثين ومائة قال خليفة ابن خياط في تاريخه: سار أَبو حمزة في أول سنة ثلاثين ومائة. يريد المدينة، واستخلف على مكة إبراهيم بن الصباح الحميري، وجعل على مقدمته بلج بن عقبة السعدي، وخرج أهل المدينة فالتقوا بقُديدٍ يوم الخميس لتسعة خلون من صفر سنة ثلاثين ومائة، وبلج في ثلاثين ألف فارس، فقالوا لهم: طريقنا تأتي هؤلاء الذين بغوا علينا، وجاروا في الحكم، ولا تجعلوا أخذنا بكم، فإنَّا لا ندري قتالكم، فأبوا وقاتلوهم،، فانهزم أَهل المدينة، وجاءهم أبو حمزة فقال له علي بن الحصين: اتبع هؤلاء القوم، وأجهز على جريحهم، فإن لكل زمن حكماً والأثخان في هؤلاء أمثل. قال: ما أرى ذلك، وما أَرى أَن أُخالف من مضى قبل. ومضى أَبو حمزة إلى المدينة فدخلها يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر، سنة ثلاثين ومائة. ففي يوم دخوله إياها والله أعلم خلا مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أن يجمع فيه وأصيب من قريش يومئذٍ ثلاثمائة رجل، ومن آل الزيبر، اثنا عشر رجلَاَ، فما سمع الناس بواكي أَوجع

تشميت العاطس

للقلوب من بواكي قديد، ما بقي بالمدينة أَهل بيت إلَّا وفيهم بكاء. وقالت نائحة تبكيهم: ما للزَّمَانِ وَمَاليه ... أفْنى قُديدٌ رِجالِيهْ فَلأَبْكِينَّ سرِيرةً ... وَلأبُكِينَّ عَلَانِيَهْ [تشميت العاطس] في تشميت العاطس وسُئل مالك عن العاطس إذا لم يحمد الله أَو لم يسمعه أَيَشمته؟ قال: لا يشمته حتى يسمعه يحمد الله. قيل له: فإنه ربما كانت الحلقة كثيرة الأهل فأَسمع القوم يشمتونه؟ قال: إِذا سمعت الذين يلونه يشمَتون فشمته. قال الإمام القاضي: إِنما قال: إنه لا يشمته حتى يسمعه يحمد الله لما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أنه قال: «إِذَا عَطَسَ أحَدُكُم فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلّهِ ". وإذا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَلْيَقًلْ لَه، يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُم اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُم» . وروي عنه أنه قال: «إذا عَطَسَ أحَدُكُم فليحْمِدْ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ يَرْحَمُكَ اللهُ وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَكُمْ» . وقال مالك: إن شاء قال العاطس في الرد على من شمته: يغفر الله لنا ولكم، وإن شاء قال: يهديكم الله ويصلح بالَكم. وهو قول الشافعي أي ذلك قال فحسن، وقال أصحاب أبي حنيفة يقول: يغفر الله لنا ولكم، ولا يقول يهديكم الله ويصلح بالكم. وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: يهديكم اللهُ ويصلح بالكم. وهذا شيء قالته الخوارج لأنهم لا يستغفرون

للناس. والصحيح ما ذهب إليه مالك من أنه يرد عليه بما شاء من ذلك إذ قد جاء عن النبي الأمران معاً. وقد اختار الطحاوي وعبد الوهاب وغيره، يهديكم الله ويصلح بالكم على قوله: يغفر الله لنا ولكم. لأن المغفرة لا تكون إلا من ذنب، والهداية قد تعري من الذنوب. والذي أقول به: إن قوله: يغفر الله لي ولكم أولى إذ لا يسلم أحد من مواقعة الذنوب، وصاحب الذنب محتاج إلى الغفران، لأنه إِن هدي فيما يستقبل ولم يغفر له ما تقدم من ذنوبه، بقيت التَبَاعات عليه فيها، وإن جمعهما جميعاً. فقال: يغفر الله لنا ولكم، ويهديكم ويصلح بالكم كان أحسن وأولى إلا في الذمي إذا عطس، ويحمد الله فلا يقال له: يرحمك الله، وإنما يقال له: يهديك الله ويصلح بالك، لأن اليهودي والنصراني لا تغفر له السيئات، حتى يؤمن. ومما يدل على هذا ما رُوي: مِنْ «أن الْيهودَ كَانُوا يَتَعَاطَسونَ عِنْدَ النَّبيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجَاءَ أنْ يَقُولَ: يَرْحَمُكُم اللهُ، فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُم.» واختلف في تشميت العاطس فقيل: هو واجب على كل من سمعه كرد السلام، وقيل هو ندب وإرشاد وليس بواجب. ولا اختلاف في أنه لا يجب تشميت العاطس إذا لم يحمد الله. وإنما أمر العاطس أن يحمد الله لما في العطاس من المنفعة ما لم يكن مضنوكاً على ما دل عليه قوله في الحديث: «إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ، ثمَّ إِن عَطسَ فَشَمِّتْه، ثَمّ إن عَطِسَ فَشَمِّتْهُ ثم إِنْ عَطَسَ فَقل: إنك مضْنُوكٌ. وقال عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي بَكْر: لاَ أدرِي أبَعْدَ الثّالِثَةِ أو الرابِعَةِ.» ويقال: تشميت، وتسميت، وقال الخليل تسميت العاطس لغة في تشميته. وقال ثعلب: التشميت معناه: أبعد الله عنك الشماتة، وجنبك ما يشمت به عليك. وأما التسميت فمعناه جعلك الله على سمت حسن وبالله التوفيق لا إلهَ إلا هو رب العرش العظيم.

كتاب الجامع الثاني

[كتاب الجامع الثاني] [قراءة الطالب على الراوي] ومن كتاب أوله حلف أن لا يبيع سلعة سماها في العرض على العالم هل يقال فيه حدثنا؟ وسئل مالك فقيل له: أرأيت ما عرضنا عليك القول فيه حدثنا قال: نعم، قد يقول الرجل يقرأ على الرجل: أقرأني فلان وإنما قرأ عليه. ولقد قال ابن عباس: كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف، فقيل له: أفيعرضِ الرجل أحب إليك أم تحدثه؟ قال: بل يعرض إذا كان مثبتاَ في قراءته، وربما غلط الذي يحدث أو سها، إِن الذي يعرض أحب إلي وأعجب في ذلك. قال محمد بن رشد: هذا معلوم من مذهب مالك، إِن قراءة الطالب على الراوي أصح له من قراءة الراوي عليه، لأن الطالب إذا كان هو القارئ فيها وغلط رد عليه الراوي بعلمه، مع حضور ذهنه أو من بحضرتّه، وإذا كان الراوي هو القارئ لم يرد عليه الطالب، إِما لجهله، وإِما لمهابته الشيخ، وإِما لأنه صادف موضع اختلاف، فيظن ذلك له مذهباً يحمله عنه. وروى ابن أبي أويس عنه أنه قال: السماع عندنا على ثلاثة أضرب: أولُها قراءةٌ على العالم، والثاني قراءة العالم عليك، والثالث أن يدفع

العالم إليك كتاباً قد عرفه، فيقول: اروه عني. والذي عليه الجمهور أن قراءة الطالب على العالم مقدمة على قراءة العالم على الطالب، وروى علي وابن عباس أنهما قالا: قراءتك على العالم، كقراءة العالم عليك، وهو مذهب أهل المدينة قديماً وحديثاً، فهي ثلاثة أقوال. وأهل العراق لا يجيزون الرواية عن العالم حتى يكون هو القارئ وقد قال بعض الحفاظ: لا يختلف أهل الحديث في أن أصح مراتب السماع، قول العالم: سمعت فلاناً قال: سمعت فلانا، ولا فرق في حكم اللسان بين أن يقول سمعت فلاناً أو حدثني أو أخبرني، أو أنبأني أو خَبَّرني أو قال لي، أو ذكر لي، وإنما تفترق هذه الألفاظ عند المحدثين في استعمالها من جِهة العرف والعادة، لا من جِهة موضع اللسان. وروي عن ابن وهب أنه قال: يقال فيما هو قراءة عن العالم: أخبرنا وفيما هو سماع من لفظ العالم: حدثنا فكأنه أراد أن يعرف بهذا من حديثه، ما هو سماع عن الراوي مما هو قراءة عليه واختار ابن إسحاق بن رَاهويه وجماعة من أصحاب الحديث، أخبرنا في الوجهين جميعاً. وقالوا: أخبرنا أعم في التحديث من حدَّثنا. وهذه الألفاظ كلها في السماع من العالم حقيقة، وفي القراءة عليه مجازاً. والحقيقة فيه أن يقول: قرأت على فلان، لأن العدول من الحقيقة إلى المجاز فيما لا يلتبس فيه المعنى جائز سائغ موجود في القرآن وفي السنن وفي الآثار. وساغ المجاز في هذا لما كان الحكم فيما هو سماع وفيما هو قراءة سواء من جهة أنه إذا قرأ على العالم فقد أقر به وأمره بنقله عنه، إذا

تفسير قول الله تعالى وليوفوا نذورهم

سمعه منه، وكذلك الإِجازة، وإن كانت على مراتب، أعلاها المناولة، وأدناها أن يقول له: ما صح عندك من حديثي فارْوه عني من غير أن يعين له شيئاً يستوي مع السماع من العالم والقراءة عليه في إقراره وأمره بنقله عنه، فجاز أن يقول فيه: حدثنا وأخبرنا مجازاً ومن المحدثين من ذهب إلى أنه يقول في الِإجازة: أنبَأنا ليفرق في ذلك بين الِإجازة وبين السماع والقراءة. وقد قيل إِنه يجوز لمن أتى إلى العالم بجزءٍ فسأله هل هو من حديثه؟ فأخذه فنظره، وقال له: نعم هو من حديثي: إِنه يجوز له أن يحدث به عنه وإِن لم يقل له حَدث به عني. وكذلك لو رآهُ ينظر في جزء، فقال له ما هذا الجزء؟ فقال: جزء من حديثي عن شيوخي فسرقه الطالب واستحسنه من غير علمه، لجاز له أن يحدث به عنه. ونظير هذا: أن يأتي الرجل بذكر حقّ إلى رجل، فيقول له: أتعرف هذا الصك؟ فيقول: نعم هو دين علي لم أؤده بعد، فإِنه يصح له أن يشهد بما فيه، وإِن لم يقل له: اشهد به على اختلاف في هذا في مذهبنا. وبالله التوفيق. [تفسير قول الله تعالى وَلْيُوفوا نُذُورَهُم] في تفسير قول الله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وسئل مالك عن تفسير قول الله: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] قال هو رميُ الجمار. من كلام العرب أن يسمعوا العقل النذر، يريدون بذلك العدد. قال محمد بن رشد: إِنما تأول مالك إِن مراد الله بقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] هو رمي الجمار، من أجل أن الوفاء بالشيء لا يكون إلا بإِكماله إلى آخره. ورمي الجمار هو آخر عمل الحج مع الطواف الذي ذكره الله معه فقال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] واستدل على ذلك بأن

تفسير قوله عز وجل سواء العاكف فيه والباد

العرب تسمي العقل نذرا. وهو العدد الذي يجب في الجراح. يريد فكذلك رمي الجمار، سماه الله نذراً، لأنه عددٌ واجب رميه في الحج. وقد مضى في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الحج لتكرار المسألة هناك. وبالله التوفيق. [تفسير قوله عز وجل سَوَاءٌ الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ] في تفسير قوله عز وجل: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] وسئل مالك عن هذه الآية {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] قال: سواء في الحق والسعة. والباد: أهل البادية وغيرهم ممن يقدم عليهم. وكانت الفساطيط تضرب في الدور. ولقد سمعت أن عمر بن الخطاب كان ينزع أبواب مكة إذا قدم الناس. قال محمد بن رشد: تأويل مالك لهذه الآية، على أن حق أهل مكة وغيرهم ممن يقدم عليهم من الناس في دور مكة، سواءٌ. واستدلاله على ذلك بما ذكر بأن عمر بن الخطاب كان ينزع أبواب مكة إذا قدم الحاج يدل على أنها لا تباع ولا تكرى، خلاف ظاهر أقوال ابن القاسم في كتاب كراء الأرضين، وكتاب الحوائج من المدونة ولما ذكر فيهما من نفاق كراء الدور بها في أيام الموسم. وليس في الآية بيان يرفع العذر، لاحتمال رجوع الضمير من قوله تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] على المسجد المذكور، دون سائر البلاد. على ما قاله جماعة المفسرين. والأصل في اختلاف أهل العلم في هذه المسألة خلافهم في افتتاح مكة في ذهب إلى أنها افتتحت عنوة. قال: إن دورها لا تباع ولا تكرى. وهو قول أبي حنيفة وجماعة سواء ويشهد لهذا القول ما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

حرق ما التبس من كتب الخصوم

وسلم قال: «مَكَّة كُلُّها مُبَاح لا تُبَاعُ وَلا تُؤَاجَرُ» ومن ذهب إلى أنها مؤمَّنة. والأمان كالصلح، وأن أهلها مالكون لرباعها. وأجاز لهم بيعها وكراءها. وهو قول الشافعي. ولا خلاف عند مالك وأصحابه في أنها افتتحت عنوة. إلا أنهم اختلفوا، هل من بها على أهلها فلم تقسم كما لم يُسبَ أهلُها لما عظم الله من حرمتها؟ أو هل أقرت للمسلمين؟. فعلى هذا جاء الاختلاف في جواز كرائها في المذهب، فروي عن مالك في ذلك ثلاثة روايات: إحداها المنع. والثانية الِإباحة. والثالثة كراهية كرائها في الموسم خاصة. وقد مضى هذا كله في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الحج لتكرر المسألة هناك. [حرق ما التبس من كتب الخصوم] في استحسان حرق ما التبس من كتب الخصوم قال مالك: وقد كان قاض في زمن عثمان وأنه رُفع إليه كتب قد تقادم أمرها والتبس الشأن فيَها، فأخذها فأحرقها بالنار. فقيل لمالك: فَحَسَنٌ ذلك، قال: نعم. هذه الأمور لا أرى ما هي. قال محمد بن رشد: معنى هذه الكتب إنها كتب في الخصومات، طالت المحاضر فيها والدعاوي، وطالت الخصومات حتى التبس أمرها على الحكام، فإذا احرقت قيل لهم: بينوا الآن ما تدعون، ودعوا ما تلبسون به من طول خصوماتكم، ووثقوا العمل علي وهو حسن من الحكم على ما استحسنه مالك. وقد مضى هذا في الرسم من هذا السماع من كتاب الحج لتكرر المسألة هناك.

بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجمله الله في القرآن والصلاة والزكاة

وإنما أمر بحرق الكتب، ولم يأمر بخرقها وتمزيقها، صيانة لما وقع من أسماء الله فيها كما فعل عثمان بالصحف، إِذ جمع القرآن. وبالله التوفيق. [بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجمله الله في القرآن والصلاة والزكاة] في بيان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أجمله الله في القرآن والصلاة والزكاة قال مالك: الحج كله في كتاب الله تعالى والصلاة والزكاة ليس لهما في كتاب الله تفسير. ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن ذلك. قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك هذا إن الحج كله في كتاب الله تعالى مفسر، وإن الصلاة والزكاة ليستا مفسرتيْن فيه، وأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فسرهما وليس ذلك بصحيح، بل ما أتى في القرآن من ذكر الحج مفتقراً إلى التفسير والبيان الذي فسرهُ به رسول الله وبين مراد الله تعالى فيه قولاً وعملًا، كافتقار الصلاة والزكاة إلى ذلك سواء، ولو تركنا وظاهر ما في القرآن من أمر الحج لما صح لنا منه امتثال أمر الله تعالى به، إذ لم يبين فيه شيئاً من صفة عمله وترتيبه في أوقاته التي لا يصح إلا فيها، وشرائطه التي لا يتم إلا بها وسنته التي لا يكمل إِلّا بها، فليس الكلام على ظاهره، وإنما معناه الذي أراده به أن الحج كله في كتاب الله تبارك وتعالى، والصلاة والزكاة، تََم الكلام هاهنا، ثم ابتدأ فقال ليس لها أي لجميع ذلك في كتاب الله تفسير. ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين ذلك، ويبين تأويلنا هذا ما في كتاب محمد بن المواز من قوله: وكذلك الحج والزكاة ونزل وجوبهما في القرآن مجملاً، وبين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أراد منه وفسره وبينه. وقوله في الرواية أيضاً ليس لها ولم يقل لهما، وقد نقل ابن أبي زيد هذه الرواية بالمعنى على ظاهرها نقلا غير

الركوع بعد صلاة الجمعة

صحيح فقال فيها: الحج كله في كتاب الله تعالى. وأما الصلاة والزكاة فذلك مجمل فيه ولهذا وشبهه رأى الفقهاء قراءة الأصول أولى من قراءة المختصرات والفروع. وقد تقدم هذا كله في هذا الرسم من هذا السماع لتكرر المسألة هناك. [الركوع بعد صلاة الجمعة] في الركوع بعد صلاة الجمعة قال مالك: ليس من السنة أن يركع الِإمام بعد الجمعة في المسجد وأما غيره فليركع إن شاء. قال الإمام القاضي: إنما قال مالك: ليس من السنة أن يركع الِإمام بعد الجمعة في المسجد لما بلغه من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا صلى الجمعة انصرف ولم يركع في المسجد، وإذا دَخل بيته ركع ركعتين» وقع له ذلك في المدونة قال فيها: وينبغي للإِمام اليوم إذا صلى الجمعة أن يداخل منزله ويركع ركعتين، ولا يركع في المسجد. وقال في هذه الرواية فيمن عدى الِإمام: إنه يركع إن شاء، فظاهر قوله فيها إباحة الركوع له دون كراهة، خلاف ما في المدونة من كراهة ذلك له، لأنه قال في كتاب الصلاة الأول منها: أنه لا يتنقل في المسجد، لكراهة ذلك بدليل قوله في كتاب الصلاة الثاني منها: أحب إلي أن ينصرف ولا يركع في المسجد. قال: وإِن ركع فواسع، لأنه إذا استحب ترك الركوع، فقد كره الركوع. وقوله: وإن ركع فواسع، يريد: إِنه لا إِثم عليه ولا حرج إن فعل، فعلى ما في المدونة. إِن صلى أجر في صلاته، وإن قعد ولم يصل أجر في قعوده، لأن حد المكروه ما في تركه ثواب، كما أن حد المندوب ما في فعله ثواب. وعلى ما في هذه الرواية، إِن صلى أجر في صلاته، وإن قعد ولم يصل لم يؤجر في قعوده. وقد كان من أدركنا من الشيوخ يحملون ما في كتاب الصلاة الأول من المدونة على ما في كتاب الصلاة الثاني منها، ويقولون: قوله: وإن ركع فواسع، يدل على أنه لم يكره له

إمامة الأعمى

الركوع مثل ظاهر هذه الرواية، وليس ذلك بصحيح، لما بيناه من أنه إذا استحب ترك الركوع فقد كره الركوع. وذهب الطحاوي إلى أنه يجوز أن يتنفل بعد الجمعة في المسجد أربعاً ولا ينتفل بعدها ركعتين، وينتفل ركعتين في بيته بعد صلاة الجمعة على تصحيح أحاديث رواها في ذلك. [إمامة الأعمى] في إمامة الأعمى وسئل عن الأعمى يؤُم الناس، قال: نعم قد أمّ على عهد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعمى. قال محمد بن رشد: مثل هذا في قوله الأول من كتاب الصلاة من المدونة قال: لا بأس أن يُتخذ الأعمى إماماً. وقد أمّ على عهد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو أعمى ابن مكتوم، وإنما لم ير مالك في ذلك بأساً، من أجل أن حاسة البصر لا تعلق لها بشيء من فرائض الصلاة، ولا بسنتها ولا بفضائلها، بل ربما كان بصره سبباً لاشتغاله عن الِإقبال عليها. فقد جاء «أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُعل في نعليه شِراكان جديدان، فأمر أن يُنزعا وترد فيهما الحلقتان اللتان كانتا فيهما. قيل: لِمَ يا رسول اللَّه؟ قالَ: إنِّي نظرت إليهما في الصلاة» . وصلى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خَمِيصَةٍ شَامِيةٍ، لَهَا عَلَمٌ، فَلَمَا انْصَرَفَ مِنْ الصلَاةِ رَدَّهَا إِلَى مُهْدِيهَا إِلَيْهِ أبي جهْم وَقَالَ: «إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلاَةِ فَكَادَ يَفْتِننُي» . وإذا خشي النبي

الحض على الصدق وما جاء فيه

- عَلَيْهِ السَّلَامُ - الفتنة في صلاته بالنظر فيها؟ إلى ما يروق منظره، فغيره بذلك أولى. ولهذا المعنى كره العلماء تزويق المساجد. وكذلك سائر الحواس الخمس، لا تعلق لها بشيء من الصلاة حاشى السمع، فإِن الأصم لا ينبغي أن يُتخذ إماماً راتباً، لأنه قد يسهو فيسبح له، فلا يسمع، فيكون ذلك سبباً لِإفساد الصلاة. وإنما كره أن يتخذ الأعمى إماما راتباً مَن كرهه. واللَّه أعلم. من أجل أنه قد يتوضأ بماءٍ غير طاهر، يصلي بثوب نجس، وهو لا يعلم، إذ لا يبصر النجاسة، ولا تغير لون الماء، وأما نقصان الجوارح كاليد والرجل فلهما تعلق بالصلاة، ولذلك اختلف في إمامة الأشل، والأقطع، وقد مضى الكلام على هذا في سماع زونان من كتاب الصلاة. [الحض على الصدق وما جاء فيه] في الحض على الصدق وما جاء فيه قال: وسمعت مالكاً يقول: قال عمر بن الخطاب: عليك بالصدق ولو ظننت أنه مُهلك. قال محمد بن رشد: قوله: وإن ظننت أنه مهلك. معناه: وإن خشيت ذلك، ما لم تتيقنه، لأن الظن قد يكون بمعنى الشك، وبمعنى اليقين، وذلك لما يلزم الرجل أن يصدع فيه بالحق، لما يرجو في الصدق من الصلاح، ويخاف في الكذب من الفساد، كالكلام عند السلطان وشبه ذلك، فهذا الذي ينبغي فيه الصدق، وإن ظن أن في ذلك هلاكه، ما لم يتيقن الهلاك في الصدق فيه فيسعُه السكوت عليه. ولا يحل له الكذب فيه، إِلَا أن يضطر إلى ذلك بالخوف على نفسه، وإنما يلزمه الصدق وإن خاف على نفسه فيما عليه من الحقوق، كالقتل والسرقة والزنا. وشبه ذلك. والكذب ينقسم على أربعة أقسام: كذب لا يتعلق فيه حق لمخلوق، وهو الكذب فيما لا مضرة فيه، ولا يقصد به وجهاً من وجوه الخير، وهو قول الرجل في حديثه كان كذا وكذا، وجرى كذا وكذا، لِما لم يكن ولا جرى، فهذا الكذب محرم في الشريعة بإجماع العلماء، وهو الذي جاء فيه عن النبي عليه السلام: " إن

الْمُؤْمِنَ الممدُوحَ إيمَانُه لَا يَكُونُ كَذَّاباً " وهو الذي يغلب عليه. الكذب حتى يعرف وقد كان جباناً وبَخِيلاً. وعن ابن مسعود: إنهُ لَا يَزالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَتُنْكَثُ في قلبه نُكْثَةٌ سَوْدَاءُ حًتّى يَسْوَدً قَلْبُه فَيُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِن الْكَذَّابينَ. والتوبة منه بالإِقلاع عنه والاستغفار منه. وكذب يتعلق به حق لمخلوق، وهو أَن يكذب الرجل على الرجل، فينسب إليه أنه فعل ما لم يفعل، أو قال ما لم يقل، وهو أشد من الأول، لأن التوبة منه لا تصح، إلا أن يحلله صاحبه، أو يأخذ حقه منه. وكذب فيما لا مضرة فيه على أحد، ويُقصد به وجه من وجوه الخير، وهو الكذب في الحرب والِإصلاح بين الناس وكذب الرجل لامرأته فيما يَعِدُها ليستصلحها، فهذا كله جوزته السنة. وقيل: إنه لا يباح فيه إلا معاريض الكلام، لا النص بالكذب. والأول أصح، لأن التصريح بالكذب في ذلك جائز، يدل عليه قوله عز وجل حكاية عن إبراهيم: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] وقوله في قصة يوسف: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] إلى قوله: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} [يوسف: 76] وقد قيل: إن معاريض القول جائزة في كل موضع، لما جاء عن بعض السلف إن فيها مندوحة عن الكذب، والذي أقولُ به: إن ذلك مكروه، لما فيه من الألغاز على المخاطب، فيظن أنه قد كذبه، فيعرض نفسه بذلك إلى أن ينسب إليه الكذب، فتركه أحسن، وكذبه في دفع مظلمة عن أحد، مثل أن يختفي رجل عنده ممن يريد قتله أو ضربه، فيسأل هل هو عنده أو يعلم مستقره؟ فيقول: ما هو عندي ولا أعلم مستقره. فهذا الكذب واجب، لما فيه من حقن دم الرجل، أو الدفع عن بشرته. وباللَّه التوفيق.

حكم دخول الأسواق

[حكم دخول الأسواق] في جواز دخول الأسواق وكراهية ترديد اليمين قال: وسمعت مالكاً يذكر، قال: كان ابن عمر ربما أتى السوق وجلس فيه،، وأنه قعد يوماً ورجل يبيع شيئاً، وهو يحلف ويردد، وابن عمر يَسمعه. فقال له: اتق اللَّه، ونهاه، فإن هذه سبعون يمينا. فقال: لا واللَّه رداً على ابن عمر فقال: هذه إحدى وسبعون. قال محمد بن رشد: أما دخول الأسواق والجلوس فيها فلا اختلاف أن ذلك مباح غير محظور، ولا مكروه. وكفى من الدليل على ذلك، قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] رداً لقول المشركين: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] الآية وإنما نهى ابن عمر الرجل عن ترْدِيد الأيمان ووعظه في ذلك، لأن من ردد الأَيمان وأكثر منها لم يسلم من مواقعة الحِنث فيها والتقصير في الكفارة، وأن يحلف على ما لم يفعله يقيناً فيأثم في ذلك كله. وأما حلف الرجل على شيء أن لا يفعله فلا كراهية في ذلك، لأن اللَّه أمر نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالحلف باسمه في غير ما آية فقال: {قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس: 53] وقال: {بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] ، وكان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيراً ما يحلف " لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ "، وَلَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ فلا وجه لكراهية ذلك، لأن القصد إلى الحلف بالشيء تعظيم له، فلا شك في أن في ذكر اللَّه عز وجل على وجه التعظيم له أجراً عظيماً. وقد مضى هذا المعنى في آخر رسم الجنائز والذَّبائح والنذور، من

تعجيل ما اجتمع عند العامل من زكاة الفطر

سماع أشهب من كتاب النذور في تكلمنا على ما وقع هناك من أن عيسى بن دينار كان يقول: يا بني إسرائيل، إن موسى كان ينهاكم أن تحلفوا باللَّه إِلاَ وأنتم صادقون ألا وإني أنهاكم أن تحلفوا باللَّه كاذبين أو صادقين واللَّه أعلم. [تعجيل ما اجتمع عند العامل من زكاة الفطر] في الأمر بتعجيل ما اجتمع عند العامل من زكاة الفطر قال مالك: بلغني أن عاملًا لعمر بن عبد العزيز كتب إليه يخبره أنه اجتمع عنده من زكاة الفطر شيء كثير، وأن ذلك لما رجوا من عدل أمير المؤمنين فكتب إليه عمر إنهمِ لم يخبروني وإياك كما رجوا، فإذا جاءك كتابي هذا فإن جاءك ليلا فإن استطعت ألا تصبح حتى تقسمه فافعل، وأي شيء رأيي فيه حين تكتب إلي فيه؟ قال سحنون: يقال: إنه عثمان. قال محمد بن رشد: وقعت هذه الحكاية في كتاب زكاة العين في رسم الرطب باليابس من هذا السماع على خلاف ما وقعت هاهنا إذ لم يذكر هناك كون الزكاة مجتمعة عند العامل من زكاة الفطر ونص الرواية هناك قال: وسمعت مالكاً يذكر أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز كتب إليه إن الناس قد أسرعوا في أداء الزكاة فرغبوا في ذلك لموضع عدلك، وأنه قد اجتمعت عندي زكاة كثيرة فكأن عمر كره ذلك من كتابه لمدحه، فكتب إليه: ما وجدوني وإياك على ما رجوا وظنوا، فاقسمها. قال ابن القاسم: وقال عمر: وأيُّ رأيٍ لي فيها حين تكتب إلي؟ وهذا أصح مما وقع هاهنا لأن زكاة الفطر، الحكم فيها أن تجمع قبل يوم الفطر فتفرق يوم الفطر. لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أغْنُوهُم عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْم» . فلو كان المجتمِع عنده من

الإقبال على الذكر والتسبيح في الصلاة

زكاة الفطر نبه عمر على تأخير تفريقها عن يوم الفطر وأما سائر الزكوات فلا حد في وقت تفريقها إلَّا أن الواجب فيما اجتمع فيها تعجيل تفريقها على ما أمر به عمر بن عبد العزيز وباللَّه التوفيق. [الِإقبال على الذكر والتسبيحِ في الصلاة] في الِإقبال على الذكر والتسبيحِ في الصلاة قال مالك: كان عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود وعامر بن عبد اللَّه، لا ينصرفان من صلاتهما لأحد يجلس إليهما قلت له: أفيحسب ذلك له؟ قال: نعم إِلا أن يأتيه الرجل إلى الحاجة الخفيفة، تكون به إليه أو الرجل يسأله عن المسألة تنزل به، فهذا، وما أشبهه أرى أن ينصرف فيه. وأما غيره فلا. قال محمد بن رشد: إنما كانا يفعلان ذلك، لما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «مَنْ سَبحَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ، وَكَبرَ ثَلَاثاً وَثَلاَثِين، وَحَمِدَ ثَلَاثاً وَثًلاَثِينَ، وَكمّلَ الْمِائَةَ بِلاَ إِلَهَ إِلَا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، غفِرتْ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ-» ، ولما يُرجى من قبول الدعاء، عند خاتمة الصلاة، فهو حسن من الفعل، والاقتداء بهما في ذلك خير. وبالله التوفيق. [يقول للرجل في منازعة ما يشبه أن يريد به القذف] في الذي يقول للرجل في منازعة ما يشبه أن يريد به القذف وسئل عن رجل كانت بينه وبين رجل محاورة فقال: واللَّه لأجلدنك حدين. أترى هذا فرية؟ قال: أرى أن يحلف بالله ما

ما جاء عن صفوان بن أمية في تأليف النبي عليه السلام إياه بالعطاء

أردت فرية وما أردت إلا كذباً، فإن حلف قال: رأيت أن يؤدب له. قال محمد بن رشد: قال: إنه إن حلف أدب، وهو صحيح، لأنه سب يشبه أن يكون أراد به القذف. فإن حلف أنه لم يرد القذف، لم يسقط عنه الأدب الذي يجب عليه في السب، ولم يقل إن نكل عن اليمين: ما يكون الحكم فيه، والحكم في ذلك أن يسجن حتى يحلف، واختلف إن طال سجنه ولم يحلف فقيل إنه يؤدب ولا يحد، يريد أدَباً فوق الأدب الذي يؤدب إذا حلف وهو مذهب ابن القاسم. وقيل إنه يحد إذا طال سجنه ولا يحلف. وقد مضى هذا المعنى في رسم الحدود من سماع أصبغ من كتاب الحدود في القذف وفي غير ما موضع واللَّه الموفق. [ما جاء عن صفوان بن أمية في تأليف النبي عليه السلام إياه بالعطاء] ما جاء عن صفوان بن أمية في تأليف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إياه بالعطاء قال مالك: بلغني «أن صفوان بن أمية وكان من المؤلفة قلوبهم وكان شريفاً. قال: لقد حضرت حُنْيْنا مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما أحد من الخلق أبغضَ إلي منه. فما زال يعطيني حتى ما كان أحد من الخلق أحب إِلي منه» . قال محمد بن رشد: في هذا بيان موضع العطاء والإِحسان من النفس، وما له فيه من التأثير، ولعلم اللَّه عز وجل بذلك جعل للمؤلفة قلوبهم سهماً من الصدقة، ليسلموا فيسلم بإسلامهم مَن وراءهم. واختلف في الوقت الذي بُدئ فيه بائتلافهم، فقيل: قبل أن يسلموا لكي يسلموا، وقيل: بعد ما أسلموا كي يحبب إليهم الِإيمان، فكانوا على ذلك إلى صدرٍ من خلافة أبي بكر الصديق، وقيل إلى صدر من خلافة عمر، ثم قال لأبي

التوقي في الحديث عن النبي عليه السلام

سفيان: " قدْ أغْنَى اللهُ عنكَ وعن ضرَبَائِك ". إنما أنت رجل من المسلمين. وقطع ذلك عنهم. واختلف هل يعود ذلك إليهم إن احتيج إليه أم لا يعود إليه؟ فرأى مالك أنه لا يعود. وهو مذهب أهل الكوفة. وقيل: إنه يعود إن احتيج إليه ورأى ذلك الِإمام وهو قول ابن شهاب وعمر بن عبد العزيز وإليه ذهب الشافعي والله أعلم. [التوقي في الحديث عن النبي عليه السلام] في التوقي في الحديث عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب شيع قوماً خارجين إلى العراق، فقال لهم خيرا، ثم أوصاهم بما أوصاهم به، وقال لهم: أقلوا الحديثَ عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا شريككم في ذلك في الأجر، قال: لا ولكن أنا أفعل ذلك أنا أقل الحديث عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قال محمد بن رشد: المعنى عندي فيما أمر به عمر بن الخطاب في إقلال الحديث عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مع أمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتبليغ عنه وقوله: «لِيُبَلِّغ الشَّاهِد الْغَائِبَ» وقوله: «بَلِّغوا عَنِّي وَلوْ آيَةً» هو أنه لما كان للصاحب أن يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا وكذا لِما لم يسمعه منه، وإنما حدثه به غيره من الصحابة، فكان بمنزلة ما سمعه منه، من أجل أن الجرحة مرتفعة عنهم، خشي أن يكون الذي سمع الحديث من

معاقبة من لم يشهد الجمعة والمنع من البيع في يوم الجمعة

النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد نقله إلى غيره من الصحابة على المعنى، ولا يستوي جميعهم في ذلك، لتباينهم في العلم، فأمر ألا يحدث الصاحب بالحديث الذي لم يسمعه من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلا أن يكون الذي حدثه به عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من فقهاء الصحابة، مخافة أن يكون نقله على المعنى الذي عنده، وليس كما ظنه. وفي الاحتياط في الانتقاء في ذلك بالاجتهاد تقليل الحديث عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كما أمر به عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وإذا شاركهم في إقلال الحديث، فقد شاركهم في الأجر على ذلك وباللِّه التوفيق. [معاقبة من لم يشهد الجمعة والمنع من البيع في يوم الجمعة] في معاقبة من لم يشهد الجمعة والمنع من البيع في يوم الجمعة وسئل مالك عن إمام بلد يأمر إذا فُرغ من صلاة الجمعة من يخرج، فمن وجد لم يحضر الجمعة، ربطه بعمد المسجد، فأنكر ذلك، ورأى أنه قد أخطأ، فقيل له: أفَيُمنعُ السوق قبل الأذان يوم الجمعة؟ قال: لا قد قال ذلك الرجل الصالح، حين جاء ولم يغتسل كنت في السوق، فأنت تعلم أن الأسواق قائمة على عهد عمر بن الخطاب، ورأى أنه أخطأ حين جاء إلى الجمعة ولم يغتسل، فإنما ذهب إلى السوق في حاجته، فأنت تعلم أن الأسواق كانت قائمة في زمن عمر بن الخطاب والذاهب إلى السوق عثمان، ولا أرى أن يمنع أحد يوم الجمعة الأسواق، يريد إلى انتصاف النهار قال ابن القاسم: وكذلك قال لنا مالك. قال محمد بن رشد: إمام البلد الذي سئل مالك عن فعله أنكره، ورأى أنه قد أخطأ، هو عمر بن عبد العزيز واللَّه أعلم لأن هذه الحكاية ذكرها سحنون في نوازله من كتاب الشهادات وزاد فيها وعوقب. وقال: أراه عمر بن عبد العزيز. قال أصبغ: بل لا شك فيه أنه عمر بن عبد

العمل بالصرف

العزيز، وإنما رأى مالك أن فعله خطأ وأنكره، لوجهين: أحدهما: أنه لم يرَ أن يعاقب من وجد لم يشهد الجمعة، إذّ لعله قد كان له عذر منعه من شهودها يتوالى ذلك من فعله ويتكرر، فيتبين أنه قصد إلى ترك شهودها بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثلاث مًراتٍ مِن غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا علة، طَبَعَ اللَّه عَلَى قَلْبِهِ بِطَابع النِّفَاقِ» . والثاني: معاقبته على ذلك بربطه بسارية المسجد، إذ لم يتخذ المسجد لذلك، وإنَّما ينبغي أن يؤدب على ذلك بالسجن أو الضرب. وقوله: إنه لا يمنع السوق قبل الأذان يوم الجمعة إذا نوديِ بالصلاة، فوجب أن لا يمنع فيما قبله، واحتجاجه على ذلك بأن الأسواق كانت قائمة في زمن عمر بن الخطاب إلى حين أذان الجمعة بالحديث الذي ذكره صحيح. وباللَّه تعالى التوفيق. [العمل بالصرف] في العمل بالصرف وسُئل مالك عن العمل بالصرف هل يكره للرجل أَن يعمل به؟ قال: نعم، إلَّا أن يكون في ذلك يتقي الله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن الرِّبا في الصرف كثير لدخوله في أَكثر وجوهه، فالتخلص منه عسير، لا يسلم من عمل به، إلًا

الاهتمام بهم السنة في اليوم

أن يتقي الله ويتحفظ فيه وقليل ما هم، ولذلك كان الحسن يقول: إن استقيت ماءً فسقيت من بيت صراف فلا تشربه. وكره أَصبغ أن يستظل بظل الصيرفي. قال ابن حبيب: لأن الغالب عليهم الربا. ولذلك استحب مالك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف للرجل أن يصرف من التجار إن وجد صرفا ومن أَهل الصيانة. [الاهتمام بهمِّ السّنَةِ في اليوم] في النهي عن الاهتمام بهمِّ السّنَةِ في اليوم قال مالك بلغني أَن عيسى ابن مريم كان يقول: لا تحملوا هَم سَنةٍ على يوم، حَسْبُ كل يوم بما فيه، قيل له: وما تفسير ذلك عندك، قال: يَقول: لا تهتموا برزق السنة وطلبه ولكن يوماً بيوم. قال محمد بن رشد: وقد مضى هذا متكرراً في الرسم الذي قبله والكلام عليه فلا وجه لإِعادته. [الشروط في النكاح] في كراهية الشروط في النكاح قال مالك: وأشرت على قاض منذُ دهْرِ أَنِ أنْهَ الناس ألَّا يتزوجوا بالشروط، ولا يتزوجوا إلَّا على دين الرَجلِ وأمانته وأنه كتب في ذلك كتاباً وصيحَ به في الأسواق، وعابها عيباَ شديداً. قال محمد بن رشد: يريد الشروط اللازمة بيمين، كطلاق الداخلة، وعتق السُّرِية، وما أشبه ذلك. فهذه الشروط التي يكرهها مالك، فإِذا وقع النكاح عليها مضى ولم يفسخ قبل الدخول ولا بعده، ولزم الشرط، ووجه الكراهية في ذلك، أن المرأة قد حطَّت من صداقها بسبب الشروط، ولا تدري هل يفعل الزوج ذلك أَم لا؟ فأَشبه ذلك الصداق

ما يستحب من مكارم الأخلاق

الفاسد. وقد روي عن سحنون لهذه العلة، أَنَه نكاح فاسد، يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده، ويكون فيه الصداق المسمى، وللخروج من هذا الاختلاف يعقد الناس هذه الشروط في صدقاتهم على الطوع، وذلك إذا وقع الشرط في أَصل النكاح على تسمية الصداق. وأَما إذا نكحها نكاح تفويض على الشرط، فلا اختلاف في أَن النكاح لا يفسد. وقد مضت هذه الحكاية متكررة والكلام عليها باستيعاب من هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب السلطان. [ما يستحب من مكارم الأخلاق] في ما يستحب من مكارم الأخلاق قال مالك: لقد أَدركت بعض من مضى، وإِنَّه لتكون تحته المرأة ما له بها حاجة، يمنعه الحياء والتكرم أَن يطلقها ويطلع أحد منهما على مثل ما اطلع عليه. وفي حديث ابن عمر قال: «إنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَبِرَ ذَهَبَ حُسامُهُ، كَمَا يَذْهَبُ حُسَامُ السَّيْفِ» . قال مالك: الحسام الغيرة. قال: وهو في السيف حده. وكان رجل يسائله عن بيت بعض أَهله، قال: قال مالك: أراها صفية. قال: هذا منزلُها. قال محمد بن رشد: معنى هذا أن ابن عمر لما أرى الرجل منزل زوجته صفية. قال هذا القول، كأَنه يقول: لو كنت في غير هذا السِّن لكرهت سؤالك. وبالله التوفيق. [فضل عُمر بن حُسين وعبادته] في فضل عُمر بن حُسين وعبادته قال مالك: كان عمر بن حسين من أَهل الفضل والعلم، وكان عابداً، ولقد أَخبرني رجل أَنَّه كان يسمعه في رمضان يبتدئ

من أين يستحب للداخل مكة أن يدخلها وأن يخرج منها

القرآن في كل يوم إِذا راح فقيل له: أكان يختم؟ قال: نعم في رأيي في يومه وليلته. وكان في رمضان إذا صلَّى العشاء انصرف فإذا كان في ليلة ثلاث وعشرين قائماً مع الناس، لم يكن يقم معهم غيرها، فقيل له: فالرجل المحصي يختم القرآن كل ليلة، قال: ما أَجود ذلك إن القرآن إمامٌ لكل خير. قال الإمام القاضي: استحبَّ مالك في هذه الرواية قراءة القرآن كله في كل يوم وليلة، ولمن قدر على ذلك، على ما روي عن عمر بن حسين وقال: ما أَجود ذلك، إن القرآن إمامٌ لكل خير وقد ذكر في موطئه عن يحيى بن سعيد أَنَّه قال: كنت أنا ومحمد بن يحيى بن حبان جالسين فدعا محمد رجلًا قال: أخبرني بالذي سمعت من أَبيك فقال: أَخبرني أَبي أَنَه أتى زيد بن ثابت، فقال: كيف ترى في قراءة في سبع؟ فقال: حسن، ولأن أقرأه في نصف شهر أَو عشرين، أحب إليَّ، وسألني لم ذلك؟ قّال: فإني أسلك، قال زيد: لكي أتدبره وأقف عليه وإنَّما رأى زيد بن ثابت قراءة القرآن في شهر أَو عشرين يوماً أحب لله من قراءته في سبع. وإن كان للقراء بكل حرف من القرآن عشر حسنات بالألف من الحمد عشر حسنات وباللام عشر حسنات، وبالحاء عشر حسنات، لأن الحسنة قد تضاعف إلى سبعمائة فرجا أَن تكون حسناته إِذا قرأ القرآن في شهر أَكثر من حسناته إذا قرأه في سبع، لتضعيف الحسنات له في قراءته من أَجل تدبره. وبالله التوفيق. [من أين يستحب للداخل مكة أَن يدخلها وأن يخرج منها] قال مالك: بلغني أَن ابن عمر، دخل مكة من عقبة كَدَاء

ضحى بالليل

وخرج من كُدى. قال محمد بن رشد: كَداء هي الثنية التي بأَعلى مكة بشرقها وكُدى هي الثنية التي بأَسفلها بغربيها وذلك مما يستحب للحاج أَن يفعله لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله دخل مكة يوم الفتح، وفي حجته وفي عُمَره الثلاث من العقبة كداء، وهي الثنية التي بأعلى مكة. وخرج من الثنية السفلَى التي يُقال لها عقبة كُدى. وقال: «خُذُوا عَنَي مَنَاسِكَكُم» . وبالله التوفيق. [ضحَّى بالليل] فيمن ضحَّى بالليل وسُئل مالك عن رجل قدم على أَهله من الليل بعد يوم النحر، فوجد عندهم ضحية قد أَعدوها، فضحى بها بالليل، قال أَرى أن يعود بضحية أُخرى. وقال في الحديث الأضحى يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْم الأضْحَى وَلَيْسَ يُضحَّى بِلَيْل. قال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] . ولم يذكر الليل، فأَرى عليه الِإعادة وإن الذي يفتِي أن يضحي بالليل، قد جارَ جوْراً بعيداً. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة وغيرها من أن من ضحى بالليل أَعاد وروي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مَنْ ضحَّى لَيْلاً أعَادَ وَمَنْ ضحَّى قَبْلَ الِإمَام أعَادَ» . وكذلك الهدايا، لا تنحر ولا

تحديد يوم الحج الأكبر

تذبح بالليل، ومن فعل ذلك لم يجزه، لا اختلاف في هذا إلَّا ما قاله أَشهب في الهدي إن نحره في الليل إذا لم يكن في ليلة النحر أَجزأه والله أعلم. [تحديد يوم الحج الأكبر] في يوم الحج الأكبر وسُئل عن يوم الحج الأكبر، فقال: هو يوم النحر. قال محمد بن رشد: اختلف أَهل العلم في قوله عزّ َوجلّ: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة: 3] هل الأكبر نعت لليوم، أو للحج؟ واختلف الذين قالوا: إنَه نعت للحج، فمنهم من قال: إنَّما قيل له الأكبر لأن ثمَّ حجاً أصغر، وهو العمرة، ومنهم من قال: إنما قيل له الأكبر، لأنه عنى به حج أَبي بكر، إذ وقع في ذي القعدة، على ما كان عليه أهل الجاهلية من النسيء، وقد كان الحج في العام الذي قبله في ذي القعدة أيضاً فسماه الله الأكبر، لأن الأكبر من الحجتين الواقعتين في ذي القعدة. وقيل: إن حجة أبي بكر وقعت في ذي الحجة، فسمَّاها الله الأكبر، لاستدارة الزمن إليه وثبوت الحج فيه إلى يوم القيامة واختلف الذين قالوا: إن الله نعت اليوم أيضاً، فمنهم من قال: إنَّه يوم عرفة، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الحج عَرَفَة» . ولأن من فاته الوقوف بعرفة، فقد فاتّه الحج. ومنهم من قال: إنَّه يوم النحر، وإلى هذا ذهب مالك، وهو أَظهر الأقوال، لأن المراد به المجتمع الأكبر، ولأن رسول الله

الرقى بالحديد والملح وعقد الخيط

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أبا بكر أميراً على الحج سنة تسع، والنسيء قائم، والمشركون يحجون مع المسلمين، وكان قريش ومن ولدته قريش، يقفون بالمشعر الحرام يوم عرفة، ويقف سائر الناس بعرفة، ثم يجتمعون كلهم يوم النحر بمنى، فأَمر الله تعالى نبيّه عليه السلام أن يؤذن الناس ببراءة الله ورسوله من المشركين يوم الحج الأكبر أي يوم اجتماعهم الأكبر وهو يوم النحر، ليسمع جميع الناس النداء، فيبلغ شاهدهم غائبهم، فكان مما أوذنوا به ألَّا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وتليت عليهم سورة براءة إنذاراً لهم، وإعذاراً إليهم. وقد مضى هذا كله في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب الحج لتكرر المسألة هناك وبالله التوفيق. [الرقى بالحديد والملح وعقد الخيط] في الرقى بالحديد والملح وعقد الخيط قال: وسُئل مالك عن الرقى بالحديد والملح وعقد الخيط، فكره ذلك كله، وكان العقد عنده في ذلك أَعظم كراهية فقيل له: فالشيء ينجم، ويجعل عليه حديدة، قال: أما التنجيم فأَرجو أَن يكون خفيفاً، إنَّه ليقع في قلبي إنَّما التنجيم لطول الليل. قال الإمام القاضي: كراهة مالك للرقى بالحديد والملح، وعقد الخيط بينه، لأن الاستشفاء لا يكون بما سوى كلام الله تعالى وأسمائه الحسنى، وما يعرف من ذكره جلَّ جلاله، وتقدست أسماؤه، ورأى العقد في الخيط، أشد في الكراهة، لأن العقد في الخيط من ناحية السحر الذي أمر الله تعالى بالاستعاذة منه بقوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] واستحبَّ التنجيم إذ ليس فيه أكثر من التبرك بالنجوم، لما جعل الله فيها من المنفعة لعباده باهتدائهم بها في ظلمات البر والبحر.

ما جاء عن معاذ بن جبل من عدله بين نسائه

وقد مضى في رسم الصلاة الأول من سماع أَشهب من كتاب الصلاة زيادات في هذا المعنى، لها بيان. وبالله التوفيق. [ما جاء عن معاذ بن جبل من عدله بين نسائِه] فيما جاء عن معاذ بن جبل من عدله بين نسائِه قال مالك: حدَّثني يحيى بن سعيد أَن معاذ بن جبل كانت له امرأتان وأنهما هلكتا في طاعون جميعاً فأَسهم بينهما أَيَّهما تدفن قبل. قال محمد بن رشد: هذا لا يلزم، لأن العدل بينهما إنّما يجب لهما عليه في حياتهما، بدليل قوله عزَّ وجلّ: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] فإنَّما فعل ذلك تحريَاَ للعدل بينهما على وجه الاستحباب، وقد كان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا كان يَوم إحداهما لم يشرب من بيت الأخرى الماء. ذكر ذلك مالك عنه في رسم الطلاق من سماع أَشهب، من كتاب النكاح، وإنما كان يفعل ذلك تحرياً للعدل والمساواة بينهما، من غير أن يكون ذلك واجباً عليه. لا بأس على الرجل أَن يتوضأ من ماء المرأة من زوجاته، ويشرب من بيتها الماء، ويأكل من طعامها الذي ترسل إِليه في يوم غيرها، من غير أَن يتعمد بذلك ميلاً، وأن يَقف ببابها، فيتفقد من شأنها وحالها، ويسلم من غير أن يدخل عليها أَو يجلس عندها. وقد ذكرنا في رسم الطلاق المذكور من سماع أشهب من كتاب النكاح الحجة في جواز ذلك، من السنَة وبالله التوفيق. [صبغ الشعر] في صبغ الشعر وسُئل مالك عن الصبغ بالحنّا والكتم. قال ذلك واسع.

وأَما السواد فما سمعت فيه شيئاً. وغيره من الصباغ أَعجب إليّ منه. قال محمد بن رشد: أما صبغ الشعر وتغيير الشيب بالحنا والكتم، والصفرة، فلا اختلاف بين أَهل العلم في أن ذلك جائز، وإنَّما اختلفوا هل الصبغ بذلك أحسن، أو ترك الصبغ جملة أحسن؟، بدليل هذه الرواية أن ترك الصبغ أحسن، لأنه لما وسع في الصبغ دلَّ على أن تركه عنده أحسن. ودليل ما في الموطأ أن الصبغ بذلك أحسن، لأنه قال فيه: إن ترك الصبغ كله واسع إن شاء الله، ليس على أحد فيه ضيق. ودليل هذا ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنِّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُم» وما ذكره في موطئه عن أبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ قَالَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ الأسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ. قَالَ: وكَانَ جَليساً لَهُم، وَكَانَ أَبْيَضَ اللِّحْيَة والرأس قَالَ: فَغَدا عَلَيْهِم ذَاتَ يَوْمٍ، وَقَدْ حَمَّرَهَا فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: هذَا أَحْسَنُ فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي عَائِشَة زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَتْ إِلَيَّ الْبَارِحَةَ جَارَتَهَا نُخَيلَةَ فَأَقْسَمَتْ عَلًيّ لأصْبُغَنَّ، وَأَخْبَرَتْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ يَصْبُغُ. وفي هذا الحديث بيان أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصبُغ قاله مالك، إذ لو صبغ لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرَّحمن. وقد «سُئل أنس بن مالك عن الخضاب فقال: خضب أبو بكر بالحنا والكتم، وخضب عمر بالحنا قيل له: فرسول الله، قال: لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء» وسُئل سعيد بن المسيب، أَخضب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: " لم يبلغ ذلك ". وروي «عن أَبي الدرداء أَنَّه قال: ما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يخضب، ولكنه قد كان فيه شعرات بيض، فكان

يغسلها بالحنا والسدر» وما في كتاب الحج من الموطأ من قول عبد الله بن عمر وأَما الصفرة فإني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصبغ بها، فأَنا أحب أَن يصبغ بها. قيل: في الثياب، وقيل معناهُ في الخضاب. وكان مالك لا يخضب، وروي أن بعض ولاة المدينة قال له: ألا تخضب يا أبا عبد الله، فقالَ له: لم يبق عليك من العدل إلَّا أن أخضب. وكان الشافعي قد عجل به الشيب فكان يخضب. وأما الخضاب بالسواد، فكرهه جماعة من العلماء، لما رُوي من أَنَه «جِيءَ بأَبِي قُحافة إِلَى النَّبِيَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ الْفَتْح. وكَأَنَ رَأسَهُ ثَغَامَة فقال: اذهْبُوا بِهِ إِلَى بَعْض نِسَائِهِ، فَغَيِّرُوهُ، وَجَنِّبُوهُ السوَادَ» . وقد سُئل سعيد بن جبير عن الخضاب بالوسمة فقال: يكسو الله العبد في وجهه النور، ثم يُطفِئه بالسواد، وقد خضب بالسواد جماعة، منهم الحَسن، والحسين، ومحمد، بنو علي بن أَبي طالب، ونافع بن جُبير، وموسى بن طلحة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعقبة بن عامر، وكان عقبة ينشد في ذلك. تخَضَّبُ أَعْلاها وَتَأبَى أُصولها ... وَلَا خَيْرَ فِي الأعْلَى إِذَا فَسَدَ الأصْلُ وكان هُشيم يخضب بالسواد، فأَتاه رجل فسأله عن قول الله عزَّ وجلّ: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37] فقال له: إِنه الشيب. فقال له السائل: فما تقول فيمن جاء النذير من ربه فسود وجهه، فترك الخضاب. وبالله التوفيق.

غضب سعيد بن المسيب على ابن شهاب

[غضب سعيد بن المسيب على ابن شهاب] في غضب سعيد بن المسيب على ابن شهاب قال بلغني أَن سعيد بن المسيب غضب على ابن شهاب، وقال: ما حكمك علي أن حدثت عني بحديثي ابن مروان؟ فما زال حتى ترضاه. فقلت له: أهو حديث أُمهات الأولاد؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: حديث أمهات الأولاد الذي عاتبه على أن حدَّث به، عنه عبد الملك بن مروان هو ما كان حدث به بأنَّ عمر بن الخطاب قضى بأن أُمهات الأولاد، متعة لساداتهنً ما عاشوا، ثم هنَّ بعد موتهم أحرارٌ من رءوس أموالهم، بعد مشورة من حضره من بقية العشرة والمهاجرين والأنصار، فيحتمل أن يكون مذهبه في أُمهات الأولاد خلاف ذلك، ولذلك عاتبه على أَن حدَثه بحديثه، لأنه قضى بما حدَّثه به، ورآهُ حجة، لانعقاد الِإجماع عنده على ذلك من الصحابة، ولم ير ذلك هو حجة إذ قد رَجع علي بن أبي طالب حين أفضت إليه الخلافة عن ذلك، فبطل الإِجماع على مذهب من يرى أَن الإِجماع لا ينعقد إلًا بعد انقراض العصر، وإذا بطل الإِجماع وسع الخلاف، فرأَى سعيد حكم ابن مروان بما حكم به خطأ أَوجبه عليه ما حدث به عنه، فلذلك عاتبه على ذلك، وغضب عليه من أجله. وهذا على أن الحق في واحد، ولو كان عنده كل مجتهد مصيب، لما عاتب ابن شهاب على أَن حدثه بحديثه. وبالله التوفيق. [وضع الحكمة عند من لا يعقلها] في كراهية وضع الحكمة عند من لا يعقلها قال وحدَّثني مالك أَنَّه بلغه أَن لقمان قال لابنه: لا تضع الحكمة عند من لم يعقلها، ولا يعيها ولا يعمل بها، فإن مثل ذلك كمثل الذي يتغنى عند رأس الميت. فقيل له ما تفسيره؟

أغضبته امرأته فطلقها البتة

قال: الذي يتغنى عند رأس الميت من السفه، وإن الذي يضع الحكمة عند غير أَهلها هو الأمر الذي لا ينبغي. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، لا يحتاج إلى بيان والله الموفق. [أغضبته امرأته فطلّقها البتة] حكاية فيمن أغضبته امرأته فطلّقها البتة وحدَثني سحنون عن ابن القاسم عن مالك عن ربيعة أن رجَلَا كان من أَشراف الناس، وأَنَّه كان بينه وبين امرأته عتاب في جوف الليل، فلما أصبحت وخرج زوجها إلى الصبح، جمعت عليها ثيابها وخرجت، حتى أتت امرأة مروان بن الحكم، فذكرت ذلك لها، فلما دخل مروان من الصلاة ذكرت امرأته له شأنها، فقال لها: وأين هي؟ فقالت: هي في الحجاب، فأَرسل مروان إلى زوجها فوادعه في ذلك، فقال للرسول الساعة؟ ما له؟ قال: لا أدري إلَّا أنه أمرني أن أدعوك، فخرج حتى دخل عليه فذكر له شأنها فقال له الرجل: وما يدريك؟ أنه كان بيني وبينها أمر، قال: هي أخبرت بذلك، قال: فأين هي؟ قال: هي في الحجاب قال: فإنها طالقة البتة. قال مروان: ما هذا الذي دعوتك له، فقال: أَما إذا بلغت هذا فهي طالق البتة. قال محمد بن رشد: هذه حكاية ليس فيها معنى يحتاج إلى شرحه وبيانه. والله الموفق. [الركوع بعد صلاة الجمعة] في الركوع بعد صلاة الجمعة قال: وحدثنا سحنون عن ابن القاسم، عن مالك عن نافع، عن ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يصلي بعد

تعريف النجش

الجمعة شيئاً حتى ينصرف» . قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام قبل هذا من هذا الرسم على هذه المسألة فلا معنى لِإعادته وباللَّه تعالى التوفيق. [تعريف النجش] في النجش قال مالك: قال نافع: عن ابن عمر: إِن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عن النَّجْش» . قال محمد بن رشد: النجش هو أن يعطي الرجل العطاء في السلعة، لا يريد شراءها، ليغتر بذلك غيره. فإن فعل ذلك غيره ليس من قبل البائع، ولا كان له فيه سبب، لزم المشتري الشراء، وباع الناجش بالِإثم، وإن كان البائع هو دسَّ من زاد في السلعة، أو كان له فيه سبب، مثل عبده أو أجيره أو شريكه أو ما أشبه ذلك، فالمشتري بالخيار في السلعة، ما كانت قائمة، إن شاء التزمها بالثمن الذي كان اشتراها به، وإن شاء ردها، وإن فاتت في يده، ردت إلى القيمة، وإن كانت أقل من الثمن. قاله ابن حبيب في الواضحة. وقد مضى هذا في هذا السماع من كتاب السلطان وباللَّه تعالى التوفيق. [الحض على حياطة الدين] في الحض على حياطة الدين وحدثني سحنون عن ابن القاسم عن مالك أن عطاء بن يسار كان يقول: دينَكم دينَكم فأما دُنياكم فلا أوصيكم بها أنتم عليها

لباس الخز

أحرص وأنتم بها مستوصون. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بيِّن لا يفتقر إلى كلام وباللَّه التوفيق. [لباس الخز] في لباس الخز، والشرب في القدح المضَبّب بالفضة وسئل مالك عن لباس الخز فقال: أما أنا لا يعجبني، ولا أحرمه. فقيل له: فالقدَح تكون فيه الحلقة من الفضة أو تضبيب في شفته؟ قال: ما يعجبني أن يشرب فيه وهذا ليس من عمل الناس ولا يعجبني ذلك. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام مستوفى على لباس الخز محصلاً غاية التحصيل في أول مسألة من سماع ابن القَاسم، فلا معنى لإِعادته. وأما الحلقة من الفضة، تكون في القدح والتضبيب في شفتهِ، فقياسه قياس العلم من الحرير في الثوب، كرهه مالك، وأجازه جماعة من السلف. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه أجازه على قدر الأصبعين والثلاث والأربع. وقع ذلك في مختصر ما ليس في المختصر لابن شعبان، وسيأتي التكلم على هذا في سماع أصبغ وباللَّه تعالى التوفيق. [النفخ في الطعام والشراب] في النفخ في الطعام والشراب وسئل مالك عن النفخ في الطعام أتكرهه كما تكره النفخ في الشراب؟ قال: نعم هو مكروه. قال محمد بن رشد: هذا بيِّن على ما قاله لأن المعنى الذي جاء من أجله النهي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن النفخ في الشراب وهو مخافة أن يتطاير من ريقه فيه شيء، فيتقزز ذلك من سواه موجود في الطعام. وقد روي ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نصاً، روِي عن عقيل «عن ابن شهاب قال: بَلَغَني أن

رفع اليدين في الدعاء

رَسُولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عَنِ النفْخ فِي الطعَام وَالشرَابِ» وباللَّه تعالى التوفيق. [رفع اليدين في الدعاء] في رفع اليدين في الدعاء وسئل عن رفع اليدين في الدعاء فكره ذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المُحرِم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة. وقد مضى في الرسم الذي قبل هذا الكلام على هذا مستوفى فلا معنى لِإعادته. [لبس الخز] في لبس الخز قال مالك: وذكر لبس الخز فقال: قوم يكرهون لباس الخز ويلبسون القلانس من الخز، تعجباً من اختلاف رأيهم. وإنما كره لباس الخز لأن سداه حرير. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة أول رسم من سماع ابن القاسم حسبما ذكرناه فوق هذا فلا معنى لِإعادته. [عدد مَن قتل من الأنصار يوم أحُد ويوم حسر أبي عبيد ويوم اليمامة] ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق في عدد مَن قتل من الأنصار يوم أحُد ويوم جسر أبي عبيد ويوم اليمامة قال مالك: حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب

قال: قتل من الأنصار في ثلاث معارك، سبعون يوم أحد، ويوم جسر أبي عبيد ويوم اليمامة. قال محمد بن رشد: كانت الوقْعة بأحد يوم السبت للنصف من شوال سنة ثلاثٍ من الهجرة. وذلك أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج عشية يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خَلَتْ من شوال، وكانت الوقْعة يوم السبت بعده، وكانت اليمامة في سنة إحدى عشرة من الهجرة في خلافة أبي بكر الصديق. روي أن أبا بكر الصديق وجه خالد بن الوليد إلى اليمامة، وأمره أن يصمد لمسيلمة الكذاب، فلما دنا من اليمامة نزل وادياً من أوديتهم، فأصاب فيها مُجاعة بن مرارة، في عشرين رجلاً كانوا خرجوا في طلب رجل من بني نمير فقال لهم خالد: يا بني حنيفة، ما تقولون؟ قالوا: نقول: منَّا نبي ومنكم نبي. فعرضهم خالد على السيف، فقتلهم إلا مجاعة، فاستوثق منه بالحديد، ثم سار، فاقتتلوا، فكان أول قتيل من المشركين رحال بن عُنفوة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانكشف المسلمون، ثم تداعوا، فقال ثابت بن قيس بن شماس: بِئسَ ما عودتم به أنفسكم يا معشر المسلمين، اللَّهم إني أبرا إليك مما يصنع هؤلاء، ثم قاتل حتى قتل. وروي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: جاء المسلمون حتى بلغوا الرِّحال، فقال ابن العوام: يا أيها الناس قد بلغتم الرحال، فليس لأحدٍ مفر عن رحله، فارجعُوا فرجعوا، فهزم اللَّه المشركين، وقتل مسيلمة. وكانت وقعة جسر أبي عبيدة في آخر شهر رمضان، وأول شوال، من سنة ثلاث عشرة، في صدر خلافة عمر بن الخطاب. وذلك أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعث أبا عبيد بن مسعود الثقفي إلى العراق، فلقي جابان بيْن الحرة والقادسية، ففض جمعه، وأسره، وقتل أصحابه. ففدى جابان نفسه، ثم أغار على تلك النواحي، وبعث البعوث في تلك الجهات فسبوْا ومثَّلُوا، فلما رجع المشركون منهزمين إلى مليكهم شتمهم وأقصاهم ودعا بهمان ذا الحاجب وعقد له على اثني عشر ألفاً وأعطاه سلاحاً كثيراً. وحمل معه من آلة الحرب أوقاراً ودفع إليه الفيل الأبيض، وبلغ

ما وعد به عمر رضي الله عنه من المساواة بين الناس في العطاء

أبا عبيد مسيرهم، فعبر الفرات، وقطع الجسر، وأقبل ذو الحاجب فنزل، وبينه وبين أبي عبيد الفرات، فأرسل إليه، إما أن تعبُر إلينا أو نعبُر إليك، فقال أبو عبيد: نعبُر إليكم، فعقد له ابن صلوتا الجسر، وعبر، فالتقوا في مضيق، وقدم ذو الحاجب جاليوس معه الفيل الأبيض، فاقتتلوا قتالاً شديداً وضرب أبو عبيد مشفر الفيل، وضرب أبو محجن عرقوبه، وقُتل أبو عبيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقد كان قال: إن قُتلت فعليكم فلان، وإن قُتل فعليكم فلان، وإن قُتل فعليكم فلان. فقُتل جميع الأمراء، وأخذ المثنى بن حارثة الراية، واستحرَّ القتل في المسلمين، فمضوا نحو الجسر، حتى انتهوا إليه، وقد سبقهم إليه عبد اللَّه بن يزيد الخَطي، ويقال: عبد بن يزيد الثقفي، فقطع الجسر، وقال: قاتلوا عن دينكم، فاقتحم الناس الفرات فغرق ناس كثير، ثم عقد المثنى الجسر، وعبر المسلمون، واستشهد يومئذ من المسلمين ألف وثمانمائة، وقيل: أربعة آلاف بين قتيل وغريق، وانحاز بالناس المثنى بن حارثة الشيباني. وباللَّه التوفيق. [ما وعد به عمر رضي اللَّه عنه من المساواة بين الناس في العطاء] في ما وعد به عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من المساواة بين الناس في العطاء قال: وحدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر بن الخطاب قال: لَئِن بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ، لألْحِقَنَّ أسْفَلَ النَّاس بِأعلَاهُمْ. قال الإمام القاضي: كان أبو بكر الصديق يساوي بين الناس في قسم مال اللَّه عليهم، ولا يفضل أحداً في العطاء بسابقةٍ ولا قِدَم، فكلمه عمر بن الخطاب في ذلك، فقال: تلك فضائل عملوها لله، وثوابهم فيها على اللَّه. وهذا المعاش الناس فيه أسوة، وإنما الدنيا بلاغ. وقسم عمر بن الخطاب بعد أبي بكر، ففاضل بين الناس، وفرض لهم الديوان على سوابقهم في الِإسلام وفضلهم على أنفسهم، وكان يقول: الرجل وبلاؤه،

إقادة الإمام من نفسه

والرجل وسابقته. وظاهر قول عمر هذا: لئن بقيت إلى قابل، لألحقن أسفل الناس بأعلاهم، إنه رجوع منه عن مذهبه الذي كان يسير به من تفضيل أهل السوابق والفضل في العطاء على من لا سابقة له في العطاء، ولا فضل معلوم، إلى مذهب أبي بكر في المساواة بينهم. وذهب ابن حبيب إلى أن معنى قوله عنده التسوية على جميع الناس من المال، حتى يصير نصيب أدنى المسلمين لكثرة ما أفاء اللَّه به عليهم، مثل ما يصيب أعلاهم منه، يوم قال هذا القول، ولم يرد أن يرد الأعلى إلى الأسفل، وإنما تأول قوله على هذا، لأنه اختار مذهبه على مذهب أبي بكر وأخذ عثمان بِفعْل عمر، وأخذ علي بالعراق بفعل أبي بكر، ساوى ولم يفضل، ثم وليَ عمرُ بن عبد العزيز، فأخذ في ذلك باْلأمْرَينِ جميعاً، وذلك أنه فرض العطاء، ففاضل فيه بين الناس على قدر شرفهم، ومنازلهم في الإِسلام، وقسم قسمين على العامة على غير ديوان العطاء، فساوى بين الناس في ذلك، واختار مالك فعل أبي بكر الصديق. فقال: يبدأ بالفقراء ثم يساوي بين من بقي، إلا أن يشاء الإِمام أن يحبسه لنوائب الِإسلام. ومعنى قوله: يساوي بينَ من بقي، أن يعطي الصغير قدر ما يغنيه، والكبير قدر ما يغنيه، والمرأة قدر ما يغنيها، فإن فضل شيء ورأى الِإمام أن يحبسه لنوائب الإِسلام حبسه وإن رأى أن يرده عليهم رده. وقال: قد يُجيز الإمام الرجل بالجائزة، لوجه يراه قد استحق به الجائزة. وباللَّه التوفيق. [إقادة الإِمام من نفسه] في إقادة الإِمام من نفسه قال: وبلغني أن عمر بن الخطاب ضرب رجلًا بالدِّرَة، ثم قال عمر للرجل: اسْتَغْفِرْ لِي، فقال الرجل: أنت استغفر لي، فأنا ظالم، ثم قال عمر: أولا عِلْمَ لَكَ بِنَزَوَاتِ الْإِمَارَةِ أوِ الْمُلْكِ؟ قال مالك: حدثني عاصم بن عبيد اللَّه بن عاصم، أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، نَزَلَ يَوْماً بِطَرِيقِ مَكَّةَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَمَّا اشْتَدَّت

الشَّمْسُ، خَرَجَ مِنْ تَحْتِهَا، فَطَرَحَ عَلَيْهِ ثَوْبا يَسْتَظلَّ بهِ، فَنَادَاهُ رَجُلٌ: يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ لَكَ في رَجُلٍ قَدْ رَثَدْتَ حَاجَتَه، وَطَالَ انْتِظَاره؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ رَثَدَهَا؟ فَقَالَ: أنْت فما زال القول والمراجعة حتى ضربه بالمحقنة، فأخذ الرجلِ بثوب عمر، وقال: عجلت علي قبل أن تنظر، فإن كنت مظلوماَ رددتني إلى الحق، فقال عمر: صدقت، ثم أخذ عمر بثوب الرجل ثم أعطاه الدِّرة، فقال له: اسْتَقِدْ مِنِّي. فقال الرجل: ما أنا بفاعل، فقال له عمر: واللَّه لتفعلنَّ أو لتفعلن ما يفعل المنصف من حقه. قال الرجل: فإني أعفو قال: فالتفت عمر إلى الرجل من أصحابه، فقال: أنصفت من نفسي قبل أن ينتصف مني. وأنا كاره فلو كنت بالأراك لسمعت خنين ابن الخطاب. قال محمد بن رشد: هذا من عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نهاية في الخوف والورع للَّه تعالى، إذ لم يضربه متعدياً عليه فيكون القود منه واجباً، وإنما ضربه بالاجتهاد الذي رأى به أن الضرب يجب عليه فإن كان أصاب في اجتهاده، فله أجران، وإن كان أخطأ فله أجر والضرب مع الخطأ في الاجتهاد خطأ والخطأ لا قصاص فيه، إِلَّا أنه خشي أن يكون قد قصر فيما يلزمه، فيكون مسئولاً عن ذلك، فتورع بما فعل لئلا يبقى عليه سؤال ولا تبعة يوم القيامة، والخنين بالخاء المعجمةَ يريد البكاء وقيل الخنين الغنة التي تصير في صوت الباكي، من تردد البكَاء يقال فيه خَنً يَخِنُّ خَنِيناً. وقيل: الخَنين الضحك إذا خرج جافياً والخُنَة ضرب من الغُنَة يقال امرأة خناء وغناء. وباللَّه تعالى التوفيق.

صفة إشعار البدن في الحج

[صفة إشعار البُدْن في الحج] في صفة إشعار البُدْن في الحج قال: وحدثني عن ابن القاسم عن نافعِ عن أبي نعيم عن نافع مولى عبد الله بن عمر أنه كان يُشعر بُدْنهُ من الشقين جميعاً إذا كانت صعاباً مقرنة موثقة. قال محمد بن رشد: زاد في هذا الحديث في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الحج. وَإِنًمَا كَانَ ابنُ عُمَرَ يَفْعَلُ هَذَا ليدللها بِذَلِك، وَلَيْسَ لأنَّ ذَلِكَ سُنَةُ إشْعَارِهَا، وَإِنَّمَا سُنةُ إِشْعَارِهَا، صَعْبَةً كَانَتْ أو دُلُلًا مِن الشَق الأيْسَرِ. وقوله: وإنما كان ابن عمر يفعل هذا ليدللها بذلك يدل على أنه يشعرها من الشقين جميعاً معاً خلاف ما ذهب إليه ابن المواز من أن معنى قوله من الشقين جميعاً أي من أيَ الشقين أمكنه ومثل تأويل ابن المواز حكى ابن حبيب عنه نصاً من رواية مطرف عن العمري عن نافع عن ابن عمر. وزاد في صفة الإِشعار أنه طولًا في سنامها وفي المدونة عرضاً وقوله: إِن السنة في الإِشعار أن تكون في الشق الأيسر، هو مثل ما في المدونة. وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن الإِشعار في الشق الأيمن. وروي هذا كله في كتاب الحج. ووجه الإِشعار في الشق الأيسر وفي الأيمن وباللَه التوفيق. [تفسير يَجِدْ فِي الأرْض مُرَاغَماً] في تفسير يَجِدْ فِي الأرْض مُرَاغَماً وسئل مالك عن قول اللَّه تعالى: {مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100] قال المراغم الذهاب في الأرض، وَسَعَةً، سعة البلد.

أخذ الماء إلى الأذنين في الوضوء

قال محمد بن رشد: قوله: المراغَم الذهاب في الأرض بين في المعنى. يقول: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 100] أي ومن يهاجر في سبيل الله قومه وأهله، ويخرِج عنهم، ولا يبالي بأن يُعادوه، يجد في الأرض مراغماً كثيراً أي مضطرباَ ومطلَباً وتحولًا وسعةً في البلاد، وقيل: في الرزق، وقيل: في إظهار الدين، لما كان يلحقهم من تضييق المشركين عليهم في أمر دينهم حتى يمنعوهم من إظهاره، والمراغم والمهاجر واحد، تقول: راغمت وهاجرت، وأصله أن الرجل كان إذا أسلم خرج عن قومه مراغماً لهم، أي مغاضباً ومهاجراً أي مقاطعاً من الهجران، فقيل للمذهب مراغم، وللمصير إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هجرة لأنها كانت بهجرة قومه. وباللَه تعالى التوفيق. [أخذ الماء إلى الأذنين في الوضوء] في أخذ الماء إلى الأذنين في الوضوء قال: وحدثني مالك عن نافع عن ابن عمر أَنه كَانَ يَمسحُ رَأسهُ بالْمَاء، وَيُدْخِلُ أصْبَعَهُ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ يُدْخِلُهَا فِي أُذُنِهِ. قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك وابن القاسم وجميع أصحابهما أن الأذنين يستأنف لهما الماء، فمسحهما مع استئناف الماء لهما سنة، والمنصوص عليه عن مالك أن الأذنين من الرأس، ويستأنف لهما الماء، فإنما السنة على هذا في استئناف الماء لهما، لأن بلة اليد تذهب في مسح الرأس، فيستأنف أخذ الماء لهما سنة. وقد قيل في غير المذهب: إنهما من الرأس يمسحان معه، ولا يستأنف لهما ماء. وقيل: إنهما من الوجه، يغسلان معه. وقيل: إن باطنهما من الوجه وظاهرهما من الرأس. والصواب ما ذهب إليه مالك يشهد بصحته الحديث، قوله: «إذَا

التكبير في العيدين

تَوَضَّأ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَمَضْمَضَ خَرَجَ الْخَطَايَا من فِيهِ» إلى قوله: «فَإِذَا مَسَحَ رَأسَهُ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأسِهِ حَتَى تَخْرُجَ مِنْ آذُنَيْهِ» وبالله تعالى التوفيق. [التكبير في العيدين] في التكبير في العيدين وحدثني عن نافع عن أبي نعيم عن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر قال: التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الأولَى سَبْعاَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وفِي الآخِرَةِ خَمْساً قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. قال محمد بن رشد: وقف نافع عن نافع هذا الحديث عن ابن عمر، وأسنده عبد الله بن عامر الأسلمي عن نافع عن ابن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وروي أيضاً عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كبر في العيدين في الأضحى والفطر، في الركعة الأولى سبعاَ قبل القراءة، وفي الركعة الأخيرة خمساً قبل القراءة، على ما وقع في رسم من بعد هذا. وهذا أمر متفق عليه في المذهب، في أن التكبير في صلاة العيدين سبعاً في الأولى بتكبيرة الإِحرام، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة الإِحرام، وفي خارج المذهب في ذلك اختلاف كثير في عدد التكبير، وفي موضعه، لاختلاف الآثار في ذلك، عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وعن جماعة من أصحابه، فروي عن النبي عيه السلام من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن التكبير في العيدين سبع في الأولى وخمس في الآخرة سوى

من أسباب السعادة

تكبيرة الصلاة. وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن التكبير فيهما أربعٌ أربعٌ، مثل تكبير الجنائز، وروي عن علي بن أبي طالب أنه كان يكبر في النحر خمس تكبيرات: ثلاثٌ في الأولى واثنتين في الثانية، وأنه كان يكبر يوم الفطر إحدى عشرة تكبيرة، يفتتح بتكبيرة واحدة، ثم يقرأ، ثم يكبر خمساً، يركع بإحداهن، ثم يقوم فيقرأ، ثم يكبر خمساً، يركع بإحداهن. وفي موضع التكبير ثلاثة أقوال: أحدها: مذهب مالك أنه يكبر في الأولى قبل القراءة، وفي الآخرة قبل القراءة، فلا يوالي بين التكبيرتين، ولا بين القراءتين. والثاني: أنه يكبر في الأولى والثانية بعد القراءة، فيوالي بين التكبير، ولا يوالي بين القراءة، وهو الذي مضى عن علي بن أبي طالب. والثالث: أنه يكبر في الأولى قبل القراءة، وفي الثانية بعد القراءة، فيوالي بين القراءة، ولا يوالي بين التكبير. وهو مذهب أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد على ما روي من أن عمر بن الخطاب وعبد الله اجتمع رأيُهما في تكبير العيدين على تسع تكبيرات. خمس في الأولى، وأربع في الآخرة. وبالله التوفيق. [من أسباب السعادة] فيما يقال فيه: إنه من السعادة قال مالك يقال: من السعادة المرأة الصالحة، والمسكَنُ الوَاسع، والدابة الصالحة. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بيِّن، لأن من اجتمعت له هذه الثلاثة الأشياء، فقد سلم في دنياه. [براءة هل يقال فيها بسم الله الرحمن الرحيم] في براءة هل يقال فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ قال وسئل مالك عن براءة يقرأ فيها بسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ

التحري في الشهادة

الرَّحِيم قال مالك: تقرأ كما أُنزلت ليس فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في أول رسم من هذا السماع مستوفى فلا معنى لِإعادته وبالله تعالى التوفيق. [التحري في الشهادة] في التحري في الشهادة قال مالك: قال عمر بن الخطاب لرجل: أتشهد أنه شرب خمراً قال: أشهد أنه قاءها. قال عمر: هذا التعمق، يعني في الشهادة. قال محمد بن رشد: في هذا: إنه يجوز للرجل أن يشهد بما علمه من جهة النظر والاستدلال كما يجوز له أن يشهد بما علمه ضرورة بالعيان، لأن عمر بن الخطاب أمر الرجل وهو أبو هريرة أن يشهد أنه شربها وهو لم يعاين شربه إياها، وإنما عاين أنه قاءها، فلما توقف عن الشهادة بذلك، قال له: ما هذا التعمق؟ يعني في الشهادة. وقد مضى هذا الوجه الذي توقف أبو هريرة من أجله على الشهادة أنه شربها في رسم الأشربة والحدود من سماع أشهب من كتاب الحدود في القذف، وهو يحتمل أنه لم يشربها باختياره، وإنما أكره عليها، فصُبت في حلقه، ولم ير عمر الشهادة تبطل بهذا الاحتمال، لأن أمره يحمل على أنه شربها باختياره، إذ لم يدَّع أنه أُكره على شربها، وإنما أنكر أن يكون شربها. وفي قول عمر لأبي هريرة: أتشهد أنه شربها؟ دليل بين واضح على أن القاضي لا يقضي بعلمه. وبالله تبارك وتعالى التوفيق. [فضل الشهادة في سبيل الله] في فضل الشهادة في سبيل الله قال مالك: وحدثني يحيى بن سعيد «أن رجلَاَ يسمى حارثهّ

استشهد يوم بدرٍ وأن أمه حزنت عليه، فاجتمع إليها النساء يعزينها وقلن ما لك لا تبكين على حارثة؟ فقالت: لا أبكي عليه حتى يأتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسأله، فإن كان في الجنة لا أبكي عليه، وإن كان غير هذا فسترين بكائي، قال: فعجلت فلقيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند بير أبي عنبة عند الحرة، فقالت: يا رسول الله: أَقُتِلَ حَارِثَة؟ قال: نَعَمْ، قالت: أفي الْجَنَّةِ هُو؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أمَّ حَارِثَةَ، إنَّهَا لَجِنَانٌ كَثِيرَةٌ وإنَّهُ فِي الْفِرْدَوْس الأعْلَى.» قال مالك: «إن عبد الله بن عمرو بن حرام أبا جابر بن عبد الله صاحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان استشهد يوم أحد، وأنه كان عليه دين قد رهقه فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا كان الجداد فآذني فأَذنته فوضع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده ودعا فيه فكال منه لأهل دينه وبقي بعد ذلك مثل الذي كان فيه قبل قضاء الدين» . قال محمد بن رشد: حارثة المذكور في الحديث الأول هو حارثة بن سُراقة بن الحارث الأنصاري من بني النجار، شهد بدراً فكان أول قتيل قتل فيه، رماه حبان بن العرقة بسهم وهو يشرب من الحوض، فأَصاب حنجرته فقتله. وفيه أن منزلة الشهيد في سبيل الله، أرفعُ المنازل في الجنة عند الله. قال عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169]

الآية. وبير أبي عنبة على ميل من المدينة خرجت إلى النبي فتلقته عند البير المذكور. وأما حديث عبد الله بن حرام ففيه علم جليل من أعلام نبوة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لأنه كان عليه من الدين أكثر مما في الحائط من الثمر بكثير، لا يشك في ذلك، فكال منه لأهل دينه جميع ديونهم وبقي بعد ذلك من الثمر مثل ما كان فيه قبل قضاء الدين ببركة دعاء النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وفي قوله: فكال منه لأهل دينه وبقي منه بعد ذلك مثل الذي كان فيه بعد قضاء الدين، تقديم وتأخير، وصواب الكلام دون تقديم ولا تأخير فكال منه لأهل دينه، وبقي منه بعد ذلك بعد قضاء الدين مثل الذي كان. ففي بعض الآثار: وَبَقِيَ لَنَا خَرْص نَخْلِنَا كَمَا هُوَ. وفي بعضها: وَفَضِلَ مِنْة مِثْلُ ثَمَرِ النَّخْل فِي كلِّ عَامٍ. والحديث يروى من وجوه كثيرة بألفاظ مختلفة، وعلى المعجزة في ذلك متفقة. منها ما روي «عن جابر بن عبد الله أن أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيداً وَعَلَيْهِ ديْنٌ، فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حقُوقِهِم. قَالَ جَابِرٌ: فَأَتَيْتُ النَّبيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَكَلَّمْتُهُ، فَسَأَلَهُم أَنْ يَقبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي وَيُحَلٍّلُوا أَبِي فَأبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهم رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَائِطِي وَلَمْ يَكْسِرْهُ لَهُم وَلَكِنَّهُ قَالَ: سَأَغْدُو عَلَيْكَ، فَغَدَاه عَلَيَّ حِينَ أَصْبَحَ، فَطَافَ فِي النَّخْل وَدَعَا فِي ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ» . الحديث، وفي هذا الحديث من الفقه أنه من كان له على رجل مكيلة ثمر فجائز له أن يأخذ منه فيما له من المكيلة ثمراً جِزافاً في رءوس النخل إذا كان قد استجد وحان قِطافه، إذا لم يشك أن ذلك مما كان له من المكيلة، ويحلله من بقية حقه، وهو مذهب مالك. ومن أهل العلم من يخالفه في ذلك وبالله التوفيق.

سؤال الإمارة

[سؤال الِإمارة] في النهي عن سؤال الِإمارة قال مالك: سمعت وكان مما يحدث به الناس أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لَا تَسَل الْإمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ تُؤتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ تعَنْ عَلَيْهَا وَإِنَّكَ إِنْ تُؤتَهَا عَنْ مَسألَتِهَا تُوكَلْ إلَيْهَا» . قال محمد بن رشد: الذي قال ذلك له النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عبد الرحمن بن سَمُرة، كذلك في البُخاري عنه. والمعنى في هذا الحديث بيِّن. فيه من الفقه أنه لا ينبغي أن يولى القضاء من أراده، وإن اجتمعت فيه شروط القضاء، مخافة أن يوكل إليه، فلا يقوم به، ولا يقوى عليه. قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنا لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أرَادَ» ونظر عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى شاب في وفد وفدَ عليه، فاستحلاه وأعجبه، فإذا هو يسأله القضاء فقال له عمر: كدت أن تغُرنا بنفسك، إن الأمر لا يقوَى عليه من يُحبه. [ما يُحذَّر من فساد الزمان] فيما يُحذَّر من فساد الزمان قال مالك: يوشك أن يأتي على الناس زمان يَقل فيه الخير في الدين، ويقل فيه الخير في الدنيا. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ُثَم الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم» وقال

صفة السوائب والبحائر

عبد الله بن مسعود: ما من عامٍ إلا وَالذي بعده شر منه. واللَّه أعلم. وبه التوفيق. [صفة السوائب والبَحائر] في السوائب والبَحائر قال: وحدثني عيسى عن ابن القاسم عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أوَّلُ مَن نَصَبَ النُّصُبَ، وَسَيَّبَ السَّوَائِبَ، وَغيًرَ عَهْدَ إِبْرَاهِيمَ عَمْرُو بنُ لحَيّ. وَلَقَدّ رَأيْتُه في النَّارِ يَجُرُّ قُصْبَهُ يُؤذِي أهْلَ النَّارِ بِرَائِحَتِهِ. وأوَّل مَنْ بَحّرَ الْبَحَائِرَ رَجُلٌ مِن بَنِي مُدْلِجٍ، عَمَدَ إِلى نَاقَتَيْنِ لَهُ فَجَذَعَ أذناهما وَحَرَّمَ ألكانَهُمَا وَظُهُورَهُمَا، ثمَّ احْتَاجَ إِلَيْهِمَا فَشَربَ ألْبَانَهُمَا وَرَكِبَ ظُهُورَهُمَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَلَقَدْ رَأيْتُهُ وإياهُمَا يخْبِطَانِهِ بِأخْفَافِهِمَا وَيَعَضَّانِهِ بِأَفْوَاهِهِمَا» . قال محمد بن رشد: قد اختلف في صفات المسميات بهذه الأسماء. وما السبب الذي من أجله كانت العرب تفعل ذلك. فروي عن أبي هريرة أنه قال: «سمعت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لأكثمَ بن الجَوْن الخُزاعي، يَا أكثمُ رَأيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحيِّ يَجُرّ ُقُصْبَهُ فِي النَّارِ، فَمَا رَأيْتُ مِن رَجُلٍ أشْبَهَ مِنْ رَجلٍ منك به وَلَا به منك. قالَ أكثمُ: أَيَضُرّنِي شَبَهُهُ يَا نَبِيَّ الله قَالَ: لاَ لِأنًكَ مُؤْمِن وَهُوَ كَافِر وَإِنًهُ كَانَ أوّلَ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ فَنَصَبَ الأوْثَانَ وَسَيَبَ السَّائِبَةَ فِيهِمْ» وَإِن ذلك الناقة إذا تابعت اثنتي عشرة إناثاً ليس فيهن ذكر، سيبت فلم تُركب ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى تشق أذنها ثم خلى سبيلها مع أمها في الِإبل، فلم يُركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف، كما فعل بأمها

فهي البَحِيرة، ابنة السائبة، والوصيلة إن الشاة إذا أنتجت عشرة إناث متتابعات، في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر، جعلت وصيلة، قالوا: وصلت، فكان ما ولدت بعد ذلك للذكر منهم، دون إناثهم، إِلَا أن يموت منها شيء، فيشتركون في أكله ذكورهم وإناثهم، والحامي إن الفحل إذا تم له عشر إناث متتابعات، ليس فيهن ذكر، قالوا: حما ظهره فلم يركب، ولم يجز وَبره ويخلى في إبله يضرب فيها، ولا يتبع به لغير ذلك. قال اللَّه لمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} [المائدة: 103] الآية، وقال قتادة: البحيرة من الإِبل، كانت الناقة إذا انتجت خمسة أبطن، فإن كانت الخامسة ذكراً كان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى بتكوا أذنها ثم أرسلوها فلم ينحروا لها ولداً. ولم يشربوا لها لبنَاَ ولم يركبوا لها ظهراً. وأما السائبة فإنهم كانوا يسيبون بعض إبلهم، فلا تمنع حوضاً أن تشرع فيه، ولا مرْعى أن ترْتع فيه، والوصيلة الشاة كانت إذا وَلدت سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكراً ذبح وأكله الرجال دون النساء، وإن كانت أنثى تركت. وقالوا أيضَاَ: إن الوصيلة: الشاة إذا ولدت سبعة أبطن ذبحوا السابع إذا كان جدْياً وإن كان عناقَاَ استحيوها، وإن كان جَدياً وعناقاً استحيوهما كليهما، وقالوا: إن الجدي وصلته أخته فحرمته علينا. وجملة القول في هذه الآية: إن القوم كانوا يحرمون من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرمه الله عليهم، اتباعاً منهم لخطوات الشيطان، فوبخهم اللَّه بذلك. ولا يضر الجهل بكيفية ذلك. واختلف في قوله عز وجل: {وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [المائدة: 103] في المعني بالذين كفروا، وبالمراد بقوله: {وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103] فقيل: الذين كفروا هاهنا أهل الكتاب، والذين لا يعقلون أهل الأديان، وقيل هم أهل ملة واحدة. والمفترون المبتدعون والذين لا

أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

يعقلون، الأتباع، وقيل هم مشركوا العرب، لأن الابتداء كان فيهم فالخبر بهم أولى من غيرهم إذا لم يكن عَرَضَ في الكلام ما يصرف من أجله عنهم إلى غيرهم. والقُصْب: المِعَي في قوله: يجر قُصْبه والجمع الأقصاب، والبَحِيرة المشقوقة الأذن، والبَحْر الشقّ. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَقَدْ رَأيْتُهُ فِي النًارِ يَجُر قُصْبَهُ وفِي أهْلَ النارِ بِرَائِحَتِهِ» . معناهُ: أنه عرضت عليه النار في الدنيا ممثلة، فرآه فيها ممثلًا في الدنيا على الحال التي تكون عليها في الآخرة، لأن الآخرة هي دار الجزاء والعقاب التي يصير الناس فيها فريقين: فريقٌ فِي الْجَنَةِ، وَفَرِيقٌ فِي السعيرِ. وباللهَ التوفيق. [أحب الناس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] فيمن هو أحب الناس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وحدثني عن ابن القاسم عن مالك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثاً وَأمَرَ عَلَيْهِم أسَامَهَّ بْنَ زَيدٍ فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إمَارَتِهِ، فَقَامَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِن تَطْعَنُوا فِي إمَارَتِهِ، فَقَدْ كنْتُم تَطْعَنُونَ فِي إمَارَةِ أبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَأيْمُ اللَّهِ إنْ كَانَ لَخَلِيقاً بِالِإمَارَةِ وَإِن كَانَ لَمِنْ أحَبِّ الناس إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أحَبِّ النَّاس إِلَيَّ بَعْدَه» . قال محمد بن رشد: قَدْ روي «أنَّ عَلِيّاً سَألَ النَّبَي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أيُّ النَّاس أحَبُّ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: فَاطِمَةُ بِنْت مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ أسْألُكَ عَنِ النِّسَاءِ، وَإِنَّما أسْألُكَ عَنِ الرِّجَال، قَالَ: مَنْ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأنْعَمْت عَلَيْهِ

أسَامَةُ بْنُ زَيْدِ. قَالَ عَلِيّ: ثَم مَنْ؟ فَقَالَ: ثُمَّ أنْتَ، فَقَالَ الْعَباسُ شِبْهَ الْمُغْضَبِ: ثمَّ مَنْ يَا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ثمَّ عَمَي، فقَالَ: جَعَلتَ عمكَ آخِرَ الْقَوْم، فَقَالَ: يَا عَباسُ، إِنَّ عَلِياً سَبَقَكَ بِالْهِجرَةِ» . ورُوي «أن عَمْرو بْنَ العاص سَأل النبيَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مَنْ أحَبّ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: عَائِشَةُ، فَقُلْتُ: مِنَ الرجَالِ، قَالَ أبُوهَا. قُلْتُ: ثَُم مَنْ؟ قَالَ: عُمَرَ بْنُ الْخَطّابِ، فَعَدَ رِجالاً.» وَرُوي أنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتَ عَنْ أَي أصْحَابِ رَسُول اللهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أحبّ إِلَيْهِ؟ قَالَتْ: أبُو بَكرِ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَ أبو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجرَاحِ. وَرويَ عنها أنَّهُ ذُكِرَ لَهَا عَلِيٌّ فَقَالَتْ: مَا رَأيْتُ رَجلا كَانَ أحَبَّ إِلَى رسول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ وَلَا امْرَأةٌ أحَب إلَى رَسُول اللَهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ امرأَتهِ. والحكم في هذه الأحاديث أن لا تحمل على التعارض، وأن تصحح بِأن يُقال: إِن أهل بيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أحب إليه ممن سواهم، وإن أحب أهل بيته إليه من النساء، فاطمة، ومن الرجال علي بن أبي طالب، ثم العباس، لأن ما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقديمه أسامة على علي في محبته إياه كان واللَّه أعلم إذ كان من أهل بيته، تبنَّى ابنه زيداً لأنه كان اْبن ابنه، فلما نسخ اللَّه ذلك بقوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] وقوله: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] فخرج عن أن يكون من أهل بيته، ذهب المعنَى الذي من أجله تقدم في محبته، فعادت المحبة إلى من ذكر بعده، وهو علي بن أبي طالب، وأن أحب، من سِوى أهل بيته إليه من النساء، عائشة، ومن الرجال أبوها، ثم عمر بن الخطاب، ثم أبو عبيدة بن الجراح واللَّه الموفق.

ما جاء من أن يحيى بن زكرياء لم يذنب ذنبا بخلاف من سواه

[ما جاء من أن يحيى بن زكرياء لم يُذنب ذنباً بخلاف مَن سواه] فيما جاء من أن يحيى بن زكرياء لم يُذنب ذنباً بخلاف مَن سواه وحدثني ابن القاسم عن مالك عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال: ما من الناس أحد إلا يلقى اللَّه يومَ القيامة ذا ذنب، إلا يحيى بن زكرياء، فإن اللَّه تعالى ذكر يحيى فقال: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39] قال: ثم ذُبح ذبحاً قال: ثم تناول سعيد بن المسيب شيئا من الأرض صغيراً فقال: لم يكن ذَكَرُه إِلا مثل هذا. قال محمد بن رشد: الحديث مرفوع إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ومثله لا يكون رأْيا. رواه سعيد بن المسيب عن ابن العاص سمع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولهُ ذَنْب إِلَّا مَا كَانَ مِنْ يِحْيَى ابْنِ زَكَرِياء» وذكر الحديث. وفي قوله: كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ ذَنْبٌ إِلَّا مَا كَانَ مِن يَحْيَى ابْنِ زَكَرِيًاءَ دليل ظاهر على أن الأنبياء غير معصومين من الذنوب الصغائر، إذ لا اختلاف أنهم معصومون من الكبائر. ويدل على ذلك من القرآن قوله عز وجل: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] وقد قيل: إِنهم معصومون من الصغائر والكبائر، وأن الخطاب في قوله تعالى للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والمراد به أمته. والمعنى في ذلك: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] . في الدين لتهتدي به أنت والمسلمون فيكون ذلك سبباً لغفران ذنوبهم. والأظهر أن الخطاب في ذلك للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأن المعنى فيه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] . إِنا حكمنا لك حكماً

يبين به لمن سمعه أو بلغه أنا قضينا لك بالنصر والظفر على من خالفك، وناصبك من كفار قومك، لتشكر ربك على ذلك وتسبحه وتستغفره فيغفر لك بفعلك ذلك، ما تقدم من ذنبك وما تأخر. وقيل: عَنَى بالفتح، فتح مكة، فيغفر له على شكره ذلك ما تقدم من ذنبه قبل الفتح وما تأخر عنه، وقيل: ما تقدم من ذنبه قبل الرسالة، وما تأخر عنها. وقيل: ما تقدم من ذنبه يوم بدر، وما تأخر عنه يوم حُنْينٍ، وذلك أن الذنب المتقدم يوم بدرٍ أنه جعل يدعو ويقول: «إِنْ تَهْلِكْ هَذِه الْعِصَابَةُ لَا تُعْبَدُ فِي الأرْض أبَداً» فأوحى اللَّه إليه من أين تعلم أنه إن أهلكتُ هذه العصبة لا أعبد في الأرض؟ فكان هذا الذنب المتقدم، وأما الذنب المتأخر، فيوم حُنيْنٍ لَما انهزم الناس، «قال لعمِّه الْعبّاس، ولابن عَمِّه أبي سفيان: ناوِلاني تحفْاً مِنْ حَصَاةِ الْوَادي فَنَاوَلَاهُ فَأخَذَهُ بِيَدِه وَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْكُفّار، وَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، لَا ينصَرُونَ، فَانْهَزَُم الْمُشْرِكُونَ عَن آخِرِهِم، وَلَمْ يَبْقَ أحدٌ إِلّاَ امْتَلَأتْ عَيْنَاهُ رَمْلاً وَحَصاً ثمَّ نَادى أصْحَابَه، فَرَجَعُوا فَقَالَ لَهُم عِنْدَ رُجُوعِهِم: لَو لَمْ أرْمِهِم لَمْ يَنْهَزِمُوا فَأنْزَلَ اللًهُ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] » . فكان هذا هو الذنب المتأخر. واللَه أعلم. والذي أقول به: إِن الأنبياء معصومون من القصد إلى إتيان الصغائر، كما أنهم معصومون من القصد إلى إتيان الكبائر، إلا أنهم يؤاخذون لمكانهم ومنزلهم بما ليس بكبائر ولا صغائر، في حق من سواهم. وهذا نحو قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أمْلِكُ، فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا تَمْلِكُ وَلَا أمْلِكُ» فسأل الله عز وجل أن لا يؤاخذه بما ليس في وسعه، ولا يدخل تحت طاقته وقدرته، وأن يغفر ذلك له، وإن كان الله قد تجاوز لعباده عنه بقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]

أشراط الساعة

ونحو ما كان من شأنه مع ابن أم مكتوم حتى عاتبه اللَّه على ذلك بقوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: 1] {أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس: 2] ، إلى قوله: {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس: 11] والحَصور الذي لا يقدر على جماع النساء. ومنه حصر الخطيب في خطبته، والقارئ في قراءته. ومنه حصر العدو. وقوله: ذُبح ذبحاً قد مضى الكلام على السبب الذي من أجله ذبح في رسم نذر سنة قبل هذا فلا معنى لإِعادته. [أشراط الساعة] فيما هو من أشراط الساعة وحدثني ابن القاسم عن مالك عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن معمر بن مُحيريز، قال: من أشراط الساعة المعلومة المعروفة أن يرى الرجل يدخل البيت، فلا يشك من يراه أنه يدخل لسوء إِلَاّ أن الجُدُر تواريه. قال محمد بن رشد: يريد: إِن من أشراطها المؤذنة بقربها، أن يكثر الفسوق في الناس، ويشتهر المتهمون به، فإذا رُئي الواحد منهم يدخل البيت الذي يتهّم أهلُه بالمكروه، لم يشك رائيه أنه يدخله لسوء يريده لغلبة ظنه بذلك، وهي كثيرة. من ذلك أن يؤتمن الخائن، ويخون الأمين، وأن يوسَّد الأمر إلى غير أهله وأنْ تَلِدَ الأمةُ رَّبَّتَها. على ما أتت به الروايات عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وهي أكثر من أن تحصى. والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أشراطها، إذ لا نبي بعده قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُعِثْتَ أنَا وَالساعَةَ كَهَاتيْنِ وَأشَارَ بِأصْبُعِه الْوُسْطَى الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ» . وأما الأشراط

ما أعلم النبي عليه السلام به من الفتنة التي تكون بعده

الكبار التي بين يدي الساعة، فمنهما الدابة، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، وباللَّه التوفيق. [ما أعلم النبي عليه السلام به من الفتنة التي تكون بعده] فيما أعلم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - به من الفتنة التي تكون بعده قال مالك: «ذكر النبي عليه السلام فتنة، فقالوا: يا رسول اللَّه ما النجاةُ منها؟ فقال: " تَرْجِعُوَنَ إِلَى أمْرِكُمُ الأوَّل» . قال مالك: «قال النبي عليه السلام لعبد اللَّه بن عمرو بن العاص: " يَا عَبْدَ اللَّهِ، كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ الناس قَدْ مَرِجَتْ عُهُودهم وَأمَانَتُهُم وَاخْتَلَفُوا وَشَبَّكَ بَيْنَ أصابِع يَدِهِ؟ فَقَالَ: كَيْفَ بِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تَدَعُ عوَامَّهُم وَعَلَيْكَ بِخَاصَّتِكَ» . قال محمد بن رشد: في هذا علم من أعلام نبوة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لأنه أخبر بما كان بعده من الفتون والاختلاف، ودل على وجه السلامة من ذلك بقوله: «تَرْجِعُونَ إِلَى أمْرِكُم الأوَّل» . يريد التمسك بكتاب الله. وباللَّه التوفيق. [ترك تولي الولاية للرَّجُل] في أن ترك تولي الولاية للرَّجُل خير له قال مالك: دعا عمر بن الخطاب رجلاً ليوليه ولاية فأبَى فجعل عمر يديره عليها، فقال الرجل: نَشَدْتُكَ باللَّه أي ذلك تعلم أنه خيرٌ لي؟ قال: تركها خير لك. قال محمد بن رشد: في رواية أخرى قال: فاعفني، قال: قد فعلت. وإنما رأى عمر بن الخطاب ترك الولاية خيرا له، وإن كان في العمل

ترك عمرما كان أراده من كتاب الأحاديث

فيها بالصواب أجر عظيم، مخافة أن لا يتخلص في عمله، ويضعف عن إقامة الواجب عليه فيها، ولا يعدلُ بالسلامة شيء. وإذا كان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: وددت أني أَنجُو مِنْ هَذَا الأمْرِ كَفَافَاً لَا لِي وَلَا عَلًيّ، فكيف بمن بعده من الناس؟ وبالله التوفيق. [ترك عمرما كان أراده من كتاب الأحاديث] ومن كتاب أوله حلف ليرفعنَّ أمراً إلى السلطان في ترك عمر ما كان أراده من كتاب الأحاديث. قال مالك: كان عمر بن الخطاب قد أراد أن يكتب الأحاديث، أو كتب منها ثم قال: كتاب مع كتاب الله تعالى لا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا والله أعلم أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان أراد أن يكتب الأحاديث المأثورة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ليجعلها أصلاً يحمل الناس عليها في الآفاق، كما يفعل بالقرآن، فتوقف عن ذلك، إذ لا يقطع على صحة نقل الأحاديث عن النبي عليه السلام، كما يقطع على صحة نَقل التواتر، فقامت الحجة فَرأى أن يكل أمر الأحاديث إلى الاجتهاد، والنظر في صحة نقلها، ووجوب العمل بها، وأما أن يكتب الرجل الحديث قد رواه لِيَتَذَكَّرُه ولا ينساه، فلا كراهة في ذلك. وقد «حدَث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحديث، فجاء رجلٌ من أهل اليمن فقال: " اكتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّه، فقال: اكْتُبُوا لأِبِي فلانٍ ".» وقال أبو هريرة: مَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ أكْثَرَ حَدِيثاً عَنْهُ مِنِّي، إلَاّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أكْتُبُ. ولولا أن العلماء قيدوا الحديث ودنوه وميزوا الصحيح منه من السقيم، لدرس العلم وعمي أمر الدين. فالله يجازيهم على اجتهادهم في ذلك بأفضل جزاء المحسنين. وبالله التوفيق.

القلائد في أعناق الإبل والأجراس

[القلائد في أعناق الإبل والأجراس] في كراهة القلائد في أعناق الإبل والأجراس وسئل مالك عن كراهية القلائد في أعناق الإبل أهو مثل الجرس؟ قال: لا الجرس أشدُّ. قيل له: لم كُره الجرس؟ قال: لا أراه كُرِه إلا لصوته. ذلك الذي يقع في قلبي. قال محمد بن رشد: تعليق الأجراس والقلائد، وهي التمائم بما ليس فيه ذكر اللَّه، في أعناق الإبل مكروه عند عامة العلماء، لِمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئهُ، مِن «أَنَّ رَسُولَ اللًّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بَعَثَ فِي بَعْض أسْفَارِه رَسُولاً، وَالنَّاسُ فِي مَقِيلِهِم، أَلَّا يبْقى فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَة مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادةِّ إلاَ قُطِعَتْ. فعمَّ ولم يخص جرساً من غيره» . ورأى مالك الجرس أشد، لما فيه من الِإذاية بصوته. وفي رسم باع غلاماً بعد هذا عن سالم بن عبد الله أنه مر على عير لأهل الشام، وفيها جرس، فقال لهم سالم: إن هذا نهي عنه فقالوا له: نحن أعلم بهذا منك إنما يُكره الجلجل الكبير، فأما مثل هذا صغير، فليس فيه بأس، فسكت سالم. وإذا كان الجرس إنما يكره لصوته كما قال مالك، فلا شك في أنه كلما عظم فهو أشد كراهية. ويحتمل أن يكون وجه الكراهية فيه شبهه بالناقوس الذي يضرب به النصارى. وقد جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «الْعِيرُ الَّتِي فِيهَا الْجَرَسُ، لَا تَصْحَبُهَا الْمَلاَئكَةُ» وقع هذا بعد هذا في رسم باع غلاماً المذكور. وقوله في الحديث قِلاَدة مِنْ وَتَرٍ أو قِلاَدَة

حكم الخضاب

شك من المحدث. ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه إنما تكره القلادة من الوتر خاصة، لأن البهيمة قد تختنقُ بها في خشبة أو شجرة، والخيط ينقطع سريعاً، فلا تختنق به. وأما الحديث الذي جاء: «قلدوا الْخَيْلَ وَلَا تُقلَدُوهَا الأوتار» . فمعناه لا تركبوها في الدخُول وطلب التراث. وأما التميمةُ بذكر الله وأسمائه، فأجازها مالك مرة في المرض، وكرهها في الصحة، مخافة العين، أو لِما يُتقى من المرض، وأجازها مرةً بكل حال، في حال الصحة والمرض. ومن أهل العلم من كره التمائم في كل حال، كان فيها ذكر أو لم يكن، وفي كل حال، كان ذلك في حال الصحة أو المرض لما جاء في الحديث، مِنْ أن «من تَعَلَّقَ شَيْئاً وُكِلَ إلَيْهِ، وَمَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أتَمً اللَّهُ لَه وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعةَ فلا وَدَعَ اللهُ لَهُ» . ومنهم من أجازها على كل حال في حال المرض، ومنع منها في حال الصحة. لما روي عن عائشة من أنها قالت: ما عُلَقَ بَعْدَ نُزُول الْبَلَاء فَلَيْسَ بِتَمِيمَةٍ. وقد مضى هذا والكلام عليه مستوفى في الرسم الذي قبل هذا. وبالله التوفيق. [حكم الخضاب] في الخضاب قال مالك في قول عائشة: إنَّ أَبَا بَكْرِ كَانَ يَصْبُغُ، من الدلائل على أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصبُغ ولو كان يصبغ لبدأت به. قال محمد بن رشد: يريد لبدأتْ به ولَذكرتْه لعبد الرحمن بن

تفسير الفدادين والداء العضال

الأسود بن عبد يغوث حين أرسلتْ إليه جاريتها نُخَيْلَةَ، تَعزمُ عليه أَن يصبُغ، وتخبرُه أن أبا بكر الصديق كان يصبُغ. وقد مضى هذا كله والكلام عليه مستوفى في الرسم الذي قبل هذا وبالله التوفيق. [تفسير الفَدادين والداء العًضال] في تفسير الفَدادين والداء العًضال وما جاء من أن بخيبر وادياً قد سال ناراً وسئل مالك عن تفسير الفدَّادِين قال: هم أهل الجفا. قال مالك: وقد سألت عنهمِ، فقيل ليِ: هم أهل الجفا وقال مالك: إنه يقال: إن بخيبر وادياَ قد سال ناراَ. وسئل مالك عن الداء العُضال فقال: هو الهلاك في الدين. قال محمد بن رشد: تفسير مالك للفدادين يريد الفدادين المذكورين في حديث أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «رَأسُ الْكُفْرِ فِي الْمَشْرِقِ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَهْل ألْخَيْل وَالِإبِل وَالْفدَّادينَ مِنْ أَهْل الْوَبَر. وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْل الْغَنَم» . صحيح وتفسيره أيضا للداء العضال يريد المذكور في حديث مالك: أنَّهُ بَلَغَهُ أَن عُمَرَ بْنَ الْخَطَابِ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْعِرَاقِ، فَقَالَ لَهُ كَعْبُ الأحْبَارِ: لَا تَخْرجْ إلَيْهَا يَا أمِير الْمُؤمِنِين، فَإنَّ بِهَا تِسْعَةَ أَعْشَارِ السِّحْرِ، وبِهَا فَسَقَةُ الْجِنِّ، وبِهَا الدَّاءً الْعُضَالُ. صحيحِ أيضاً بيِّن، لا إشكال فيه. وما ذكره من أنه يقال: إن بِخيْبَرَ وادياً قَدْ سَالَ نَاراَ، فالمعنى في ذلك إن صح أنه كان فيما خلا من الأمم السالفة عقوبة لأحد، أو معجزة لنبي. وبالله التوفيق.

حديث عيينة بن بدر

[حديث عيينة بن بدر] في حديث عيينة بن بدر قال ابن القاسم: سأَلنا مالكاً عن حديث عيينة بن بدر حين دخل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد عنده امرأة يقال لها: أمُّ مسلمة، وهو الحديث الذي قال فيه عيينة ما هذه الحُميراء؟ قال محمد بن رشد: عيينة بن بدر هذا هو عيينة بن حصن بن بدر الفزاري يكنى أبا مالك، أسلم بعد الفتح وشهد الفتح مسلماً. وهو من المؤلفة قلوبهم. وكان من الأعراب الجفاة. وحديثه الذي سأل ابن القاسم مالكاً عنه هو ما روي أنهُ «دَخَلَ عَلَى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِغَيْرِ إِذْنٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَأَيْنَ الِإذْنُ؟ فَقَالَ: مَا اسْتَأذَنْتُ عَلَى أَحَدٍ مِن مُضَر وَكانَت عَائِشَةُ مَعَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَالِسَةً فَقَالَ: مَنْ هَذهِ الْحُمَيْرَاءُ؟ فَقَاَلَ: أُمُ الْمُؤمِنِين، فَقَالَ أَفَلَا أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أَجْمَلَ مِنْهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ هَذَا يَا رَسُولَ الله فَقَالَ: هَذَا أَحْمَقٌ مُطَاعٌ وَهًوَ عَلَى مَا تَرَيْنَ سَيِّدُ قَوْمِهِ» . وفي حديث آخر أَنَهُ دَخَلَ عَلَى رَسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ قَبْل أَن يَنْزِلَ الْحِجَابُ، وعِنْدَهُ عَائِشَةُ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: عَائِشَةُ. قَالَ أَفَلَا أَنْزِلُ لَكَ عَن أُمِّ المُؤْمِنينَ فَتنْكِحُهَا فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ وَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا أَحْمَقٌ مُطَاعٌ يعني في قومه وكان لعيينة هذا ابنُ أخ له دين وفضل من جلساء

اللقحة الصفي

عمر بن الخطاب. يقال له الحر بن قيس. فقال لابن أخيه: ألا تدخلني على هذا الرجل؟ قال: إني أخاف أن تتكلم بكلام لا ينبغي. فقال: لا أفعل فأدخله على عمر فقال: يا ابن الخطاب، والله ما تقسم بالعدل، ولا تعطي الجزل، فغضب عمر غضباً شديداً حتى هم أن يوقع به. فقال ابن أخيه: يا أمير المؤمنين: إن الله يقول في كتابه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] قال: فخلى عنه عمر. وكان وقافاً عند كتاب الله. وإنما سأل ابن القاسم مالكاً عن حديث عيينة المذكور. والله أعلم هل بلغه أم لا؟ لما فيه من جهله على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه، وحِلْمِه عليه. وبالله التوفيق. [اللِّقْحَة الصَفِيّ] في اللِّقْحَة الصَفِيّ هي الغَزيرَة الكثيرة اللبن. قال محمد بن رشد: قول مالك في اللقحة الصفي: إنها الغزيرة الكثيرة اللبن صحيح، لأن ذلك مفسر في الحديث: حديث أبي هريرة رواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول اله قال: «نِعْمَ المنيحَة اللَّقْحَةُ الصَفِيُ، والشَّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإنَاءٍ وَتَرُوحُ بآخَر» ومعنى الصفي المختارة، لأن صاحب اللقاح والغنم، يصطفي لنفسه غزار اللبن منها أي يختارها. فإذا منح جاره وابن عمه ما يصطفيه ويختاره، فنعمت المنحة هي، كما جاء في الحديث قَال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] الآية والله أعلم وبه التوفيق.

حكاية عن عمر بن عبد العزيز

[حكاية عن عمر بن عبد العزيز] قال مالك: لما قدم على عمر بن عبد العزيز ابن زرارة قال: يا أمير المؤمنين: جئتك من عند قوم أحوج الناس إلى معروفك وصلتك، قال: أجل يا ابن زرارة إلا من كان من أهل قسطنطينة. قال محمد بن رشد: يريد والله أعلم بقوله: إلا من كان من أهل قسطنطينة إلا من كان من أسرى المسلمين بقسطنطينة فإنهم لا يحتاجون من صلتي ومعروفي إلى أكثر مما أصلهم وإنما هذه من أمرهم. فقد ذكر بعض المؤرخين أنه كتب إلى الأسرى بقسطنطينة لَسْتُم أسرى ولكنكم حُبسَاء في سبيل الله ولست أقْسِمُ شيئاً إلا خصصت أهلكم بمثله. وقد بعثت إلى كل شخص منكم خمسة دنانير، وبعثت أن يُفادَى كبيركم وصغيركم فأبشروا وبالله التوفيق. [التلبية في الحج في القفول] في النهي عن التلبية في الحج في القفول قال مالك: كان رجل من أهل العراق يُحرم بالحج إذا قفل فلقيه مولى لابن عباس، أراه عكرمة، وكان مفوهاً. فقال له: لم فعلت هذا؟ إني أظنك رجلِ سوء يقول الله في كتابه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] وأنت تلبي راجعا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن المدعوّ إنما يجيب الدعاء حتى يصل إليه ولا وجه لِإجابته في انصرافه عنه. وذلك ازدراءٌ من فعله، ولذلك قال عكرمة لمن رآه يلبي في رجوعه من الحج، أراك رجل سوء لأن

التحذير من الأهواء

إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما دعا الناس إلى الحج كما أمره عز وجل حيث يقول: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] من عرفة فإليها تنهي غاية الملبي. وأجاز مالك لمن أبقَ غلامه، أو ذهب بعض متاعه في ذهابه إلى الحج، فرجع في طلبه أن يلبي في رجوعه في طلبه، لأنه في حكم الذاهب، وقد مضى في هذا الرسم من هذا السماع في كتاب الحج. وبالله التوفيق. [التحذير من الأهواء] في التحذير من الأهواء قال مالك: كان هاهنا رجل يقول: ما بقي من دين إلا وقد دخلت فيه يعني الأهواء فلم أر شيئاً مستقيماً، يعني بذلك فرق الِإسلام، فقال له الرجل: أنا أخبرك ما شأنك لم تعرف المستقيم، إِنك رجل لا تتقي الله. يقول الله في كتابه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] . قال محمد بن رشد: أهل الأهواء على ثلاثة أقسام: قسم يكفرون بإجماع وهم الذين اعتقادهم كفر صريح، كالذين يقولون: إِن جبريل أخطأ بالوحي، وإنما كان النبي علي بن أبي طالب. وقسم لا يكفرون بإجماع وهم الذين لا يؤول قولهم إلى الكفر إلا بالتركيب، وهو أن يقال: إذا قال كذا وكذا، فلزمه عليه كذا أو كذا وإذا قال كذا وكذا لزمه عليه كذا وكذا، حتى يؤول بذلك إلى الكفر. وقسم يختلف في تكفيرهم وهم الذين يعتقدون مذهباً يسد عليهم طريق المعرفة بالله تعالى، كنحو ما يعتقده القدَرية والمعتزلة والخوارج، والروافض. فروي عن مالك أنهم يكفرون بمآل قولهم. قاله في أول سماع ابن القاسم من كتاب المحاربين والمرتدين، فيستتابون على هذا القول كالمُرْتَدِّ وقيل: إنهم لا

ما كان عليه الناس من ضيق العيش في أول الأمة

يكفرون بمآل قولهم لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في المثل الذي ضربه فيهم. وتتمارَا في الفرق، لأنه يدل عن الشك في خروجهم عن الِإيمان، وإذا شك في خروجهم عن الِإيمان وجب ألا يحكم بكفرهم إِلا بيقين فيضربون على هذا القول، كما فعل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بصبيغ ولا يقتلون. وبالله التوفيق. [ما كان عليه الناس من ضيق العيش في أول الأمة] فيما كان عليه الناس من ضيق العيش في أول الأمة قال مالك: كان الناس في أول هذه الأمة، ليس لهم غداءٌ ولا عشاء، إن وجد شيئاً أكل وإلا ترك. يعني في أوَّل الساعة. قال محمد بن رشد: الغداء والعشاء نهاية الترفه في الدنيا ولذلك قال عز وجل في أهل الجنة: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] أي إِن الذي بين غدائهم، وعشائهم في الجنة قدر ما بين غداءِ أحدنا وعشائه في الدنيا لأنه لا ليل في الجنة ولا نهار. وهذا مثل قوله عز وجل: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] و {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54] يعني من أيام الدنيا وبالله التوفيق. [حسن الصوت بالقرآن] في حسن الصوت بالقرآن وسئل مالك عن النفر يكونون في المسجد، فيحف أهل المسجد، فيقولون لرجل حَسَن الصَّوت اقرأْ علينا. يريدون حسن صوته، فكره ذلك وقال: إِنما هذا يشبه الغناء، فقيل أفرأيت

الذي قال عمر لأبي موسى؟ ذَكِّرْنَا رَبَّنَا فقال: إِن من الأحاديث أحاديث قد سمعتها وأنَا أتقيها، ووالله ما سمعت هذا قط قبل هذا المجلس، وكره القراءة بالألحان. وقال هذا عندي يشبه الغناء، ولا أحِبُّ أن يعمل بذلك. وقال: إِنما اتخذوها يأكلون بها، ويكسبون عليها. قال: وسئل مالك عن النفر يتحلقون في السورة الواحدة، فكره ذلك، وقال: لا يعجبني هذا من العمل. قال ابن القاسم فهو رأيي. قال محمد بن رشد: إنما كره مالك للقوم أن يقولوا للحسن الصوت: اقرأ علينا، إذا أرادوا بذلك حسن صوته كما قال، لا إذا قالوا ذلك له استدعاءً لرقة قلوبهم بسماع قراءته الحسنة. فقد روي أن رسُولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أذِنَ لِنَبيٍّ يَتَغنَّى بالقرآن» أي ما استمع لشيء يحسن صوته بالقرآن طلباً لرقة قلبه بذلك. وقد كان عمر بن الخطاب إِذَا رَأى أبا موسى الأشعري قال: ذَكّرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأ عِنْدَهُ. وكان حسن الصوت، فلم يكن عمر ليقصد الالتذاذ بحسن صوته، وإنما استدعى رقة قلبه بسماع قراءته للقرآن، وهذا لا بأس به، إذا صح من فاعله على هذا الوجه. وقول مالك: إن من الأحاديث أحاديث قد سمعتها وأنا أتقنها، إنما اتقى أن يكون التَّحدثُ بما روي عن عمر بن الخطاب من هذا ذريعةً لاستجازة قراءة القرآن بالألحان ابتغاء سماع الأصوات الحسان، والالتذاذ بذلك، حتى يقصد أن يقدم الرجل للِإمامة لحسن صوته، لا لما سوى ذلك، مما يجب أن يرغِّب في إِمامته لأجله، فقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتّاً» . فذكرها أحدها: «نشْوا يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمون أحَدَهُم لِيُغَنِّيَهُم، وَإِنْ كَانَ

أقَلَّهُم فِقْهاً» . فالتحذيرُ إنما وقع في الحديث لِإيثارهم تقديم حَسَنِ الصوت على الكثير الفقه، فلو كان رجلان مستويَيْن في الفضل والفقه، وأَحدهما أحسن صوتا بالقراءة، لَما كان مكروهاً أن يقدم الأحسن صوتاً بالقراءة، لأنها مزية زائدة محمودة، خصه الله بها. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي موسى الأشعري تغْبيطاً له بما وهبه الله من حسن الصوت، «لَقَدْ أوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آل دَاوودَ» . وأما ما روي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بالْقُرْآنِ» . فقيل معناه: من لم يستغن بالقرآن أي من لم ير أنه به أَفضل حالاً من الغناء بغناه. وقيل: معناه من لم يحسن صوته بالقرآن استدعاء لرقة قلبه بذلك. وقد قيل لابن أَبي مليكة: أحَدِ رُواة الحديث: فمن لم يكن له حلق حسن. قال: يحسنه ما استطاع والتأويل الأول أولى، لأن قوله في الحديث. «لَيْس منَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» يدل على أنه من لم يفعل ذلك فهو مذموم، وليس من ابتغى ثواب الله من غير أن يحسن به صوته مذموماً على فعله. وقد مضى هذا في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة لتكرر المسألة هناك. وإِنما كره مالك لقوم يتحلقون في السورة الواحدة، لأنه أَمر مبتدع، ليس من فعل السلف، ولأنهم يبتغون من الألحان وتحسين الأصوات بموافقة بعضهم بعضاً، وزيادة بعضهم في صوت

نهي عمر للمهاجرين أن يتخذ مالا خلف الروحا

بعض، على نحو ما يفعل في الغناء فوجه المكروه في ذلك بيِّن. وقد مضى هذا في رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة. وبالله التوفيق. [نهي عمر للمهاجرين أن يتخذ مالا خلف الروحا] في نهي عمر للمهاجرين أن يتخذ مالا خلف الروحا قال مالك: قال عمر بن الخطاب: لَا يَتَّخِذْ أحدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَالًا خَلْفَ الرَّوْحَا، فَإِنَّ قَلْبَ الرَّجُل مُعَلَّقٌ بِمَالِهِ. قال محمد بن رشد: إِنما قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا لأنه استحب للمهاجرين المقام بالمدينة التي هاجروا إليها فالمهاجر لا يجوز له المقام بمكة لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُقِيمًنّ مُهَاجِرٌ بِمَكَةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ» . ويستحب له المقام بالمدينة وترك الخروج منها إلى غيرها على ما يدل عليه قول عمر في هذا الحديث. وبالله التوفيق. [وقت فتح خيبروالخندق والفتح] في وقت فتح خيبر والخندق والفتح قال مالك فتحت خيبر على رأس ستِّ سنين، والخندق على أربع، والفتح على ثمان. قال محمد بن رشد: قوله في خيبر إنها فتحت على رأس ستِّ سنين صحيح. كذا قال أهل السير. وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما انصرف من الحُديبية إلى المدينة، مكث بها ذا الحجة، وبعض المحرم، ثم خرج في البقية منه غازياً إلى خيبر، ولم يبق من السنة السادسة من الهجرة، إلا شهر وأيام، وكان الله عز وجل قد وعده إياها وهو بالحُديبية. فأنزل عليه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 18] الآية. فلم يختلف أهل العلم أنها

البيعة بالحُديبية وكانت الشجرة سمرة بالحديبية. وأما قوله في الخندق: إِنه كان على أربع، فهو خلاف ما قاله أهل السير من أنه كان في شوال من السنة الخامسة. وكان سببه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أجلَى بني النضير خرج نفر من سادات اليهود منهم حُيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، حتى قدموا مكة، فدعوا قريشاً إلِى حرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأجابهم أهل مكة إِلى ذلك، ثم خرجوا إلى غطفان، فدعوهم فأجابوهم، فخرجت قريش يَجرهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان يقودهم عُيينة بن حصين الفزاري، فأقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم وخروجهم إليه، شاور أصحابه، فأشار عليه سلمان بحفر الخندق، فرضي رأيه، وعمل المسلمون في الخندق، ونكص المنافقونَ وجعلوا يتسللون لِوَاذاً فنزلت فيه آيات من القرآن وكان من فرغ من المسلمين من حصته، عاد إلى غيره فأعانه حتى كمل الخندق، وكانت فيه آيات بينات، وعلامات للنبوءة مذكورات. وأما قوله في الفتح: إِنه كان على ثمان، فهو صحيح، لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَما انصرف من عمرة القضاء سنة سبع، أقام بالمدينة ذا الحجة والمحرم، وصفر، وشهري ربيع، ثم بعث - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في جمادى الآخرة من السنة الثامنة الأمراء إلى الشام، وأمَّر على الجيش زيد بن حارثة مولاه. وقال: إِن أصيب فعلى الناس جعفر بن أبي طالب، وشيعهم وودعهم، ثم انصرف ونهض، وكان من أمرهم ما هو مذكور في السيَر. ثم أقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة بعد بعث موتة، جمادى ورجب، ثم حدث الأمر الذي أوجب نقض عقد قريش المعقود يوم الحديبية، تركتً ذكره احتصاراً. وخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عشرة آلاف، واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين الغفاري، وكان خروجه لعشر خلون من رمضان من سنة ثمان كما قال مالك في الرواية. وبالله تعالى التوفيق.

لباس الحرير في الجهاد

[لباس الحرير في الجهاد] في لباس الحرير في الجهاد قال مالك: وسئل عن رجال بالإسكندرية يتهيئون يوم العيد بالسلاح، ويلبسون عليها ثياباً من حرير، ليتهيَّبوا بها العدو. قال مالك: ما يعجبني لبس الحرير، ولم ير ابن القاسم بأساً أن يتخذ منها راية في أرض العدو. قال محمد بن رشد: أما اتخاذ الراية من الحرير فلا اختلاف في جواز ذلك، وأما لباسه عند القتال، فقد أجازه جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك لِما في ذلك من المباهاة بالِإسلام، والِإرهاب على العدو، ولما يقي عند القتال من النبل وغيره من السلاح، وهو قول محمد بن عبد الحكم. وحكاه ابن سفيان عن مالك من رواية عيسى عن ابن القاسم عنه، فإن استشهد وهو عليه، نزع عنه على مذهب من لا يجيز له لباسه في الجهاد. وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الجهاد لتكرر المسألة هناك. [شراء اللحم يأخذ منه كل يوم رطلاً أو رطلين والثمن إلى العطاء] في شراء اللحم يأخذ منه كل يوم رطلاً أو رطلين والثمن إلى العطاء وحدثنا مالك عن عبد الرحمن بن المحبر عن سالم بن عبد الله، قال: كنا نبتاعٍ اللحم من الجزارين بسعر معلوم، نأخذ بكل يوم رطلين أَو ثَلاثةً نشترط عليهم أَن ندفع الثمن إلى العطاء قال: وَأنا أرى ذلك حَسَناً. قال مالك: وما أرى به بأساَ. وذلك إذا كان الطعام معروفاً، وإن كان الثمن إلى أجل فلا أرى به بأساً. قال محمد بن رشد: قوله: كنا نبتاع اللحم من الجزارين بسعر

حكاية عن سعيد بن المسيب

معلوم، نأكل كل يوم رطلين أو ثلاثة، نشترط عليهمِ أن ندفع الثمن إلى العطاء. يدل على أن ذلك كان معلوماً عندهم مشهوراَ من فعلهم، لاشتهار ذلك من فعلهم، سميت بيعة أهل المدينة، وهذا أجازه مالك وأصحابه، اتباعاً لما جرى عليه العمل بالمدينة بشرطين: أحدهما أن يشرع في أخذ ما سُلم فيه، والثاني أن يكون ذلك أصل المسلم إليه على ما قاله غير ابن القاسم في سماع سحنون، من كتاب السلم والآجال، فليس ذلك بسلم محض، ولذلك جاز تأخير رأْس المال فيه، ولا شراء شيء بعينه حقيقة، ولذلك جاز أن يتأخر قبض جميعه إذا شرع في قبض أوله. وقد روي عن مالك أنه لم يجز ذلك، ورآه ديناً بدين. وقَال: تأويل حديث ابن المحبر أن يجب عليه ثمن ما يأخذ كل يوم إلى العطاء، وهو تأويل سائغ في الحديث، لأنه إِنَّما سمى فيه السوم ولم يأخذه في كل يوم، ولم يذكر عدد الأرطال التي اشترى منه، فلم ينعقد بينهما في ذلك بيع على عدد مسمّى، من الأرطال، فكلما أخذ منه شيئاً وجب عليه ثمنه إلى العطاء ولا يلزم واحداً منهما التمادي على ذلك، إذا لم يعقد بيعهما على ثمن معلوم مسمى من الأرطال، وإجارة ذلك مع تسمية عدد الأرطال التي يأخذ منها في كل يوم رطلين أو ثلاثة، على الشرطين المذكورين هو المشهور في المذهب. وقوله في هذه الرواية: وَأَنا أرى ذلك حسناً، معناه: وأنا أجيز ذلك استحساناً اتباعاً لعمل أهل المدينة. وإن كان القياس بخلافه. وبالله التوفيق. [حكاية عن سعيد بن المسيب] قال مالك: بعث رجلٌ إلى سعيد بن المسيب بخمسة آلاف درهم، وكان أموياً، فجاءه الرسول وهو يحاسب غلاماً له في نصف درهم، يذكر أنه له قِبَله، فعرض عليه الخمسة الآلاف فأبى أن يقبلها، فعجب الرسول منه فقال: أنا أعطيك خمسة آلاف وأَنت تحاسب في نصف الدرهم، قال: النصف درهم هو أحب إلي من هذه الخمسة الآلاف.

علم الحرير في الثوب

قال محمد بن رشد: هذا كما قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إن النصف درهم أحب إليه من هذه الخمسة الآلاف. لأن الأمير الذي أعطاه الخمسة الآلاف لم يكن الخليفة أو أميراً مفوضا إليه قسمةُ مال الله بين الناس وإِجازةُ من يستحق الجائزة منهم، فلا يجوز له الأخذ منه، وإِن كان للخليفة أو من فوض إليه الخليفة أمر مال الله، فتَرْكُه خير من أخذه، وإن كان المجبى حلالاً وعدل في قسمه بين الناس، لأنه إذا تركه، ليعطى لمن هو أحوج إليه منه فقد أجر في ذلك، مع قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِحكيم بن حزام: «إِن خَيْراً لِأحَدِكُمْ أن لَا يَأخُذَ مِن أحَدِ شَيْئاً، قَالَ: وَلَا مِنْكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: وَلَا مِنَي» وتركه لمحاسبة غلامه بما له عنده، من إضاعة المال المنهي عنه. [علم الحرير في الثوب] في علم الحرير في الثوب وسُئل مالك عن الملاحف يكون فيها العلم من الحرير قدر الأصبع والأصبعين والثلاثة، فكره ذلك، وقال: لا أحب لباسها. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في آخر رسم حلف قبل هذا فلا معنى لإِعادته. [ما يلزم المستشار من النصح] فيما يلزم المستشار من النصح قال عيسى: وأَخبرني ابن القاسم عن يحيى بن زكريا، «أَن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له رجل أَشِرْ عَلي. قال ابن القاسم لا أَعلمه إِلا قال لي فحَسَرَ رسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَقَال: "الْمُسْتَشارُ أَمينٌ» .

صلاة الرجل في داره بصلاة الإمام

قال محمد بن رشد: في هذا الحديث أن على المستشار للمستشير أَن يعمل نظره فيما يراه من الرأي، ولا يشير عليه إلاَّ بعد أن يَتثَبَّتَ في ذلك، ويجهد النظر فيه، فإنًه قد ائْتَمَنَه في ذلك، ورجا حسن نظره له، وأَداءُ الأمانة من الإيمان والنصيحةُ من الدِّين. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قِيلَ: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَلِأئمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم» . وبالله التوفيق. [صلاة الرجل في داره بصلاة الِإمام] في صلاة الرجل في داره بصلاة الِإمام قال: وسُئل مالك عن الدار تكون قريباً من المسجد يصلون بصلاة الناس في المسجد قال: نعم إلَّا الجمعة. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها، ولا أَعرف في ذلك اختلافاً في مذهبنا. وبالله التوفيق. [ترك الصلاة بين الظهر والعصر] في ترك الصلاة بين الظهر والعصر وذكر مالك الصلاة بين الظهر والعصر فقال: كان عمر بن الخطاب إذا صلَّى الظهر يقعُد للناس يحدّثهم بما يأتيه من أَخبار الأجناد ويحدثونه عن أَحاديث النبيّ عليه السلام، وقوم إذا رأوا الناس يتحدثون يقولون لهم: اذكروا الله ولم يكن ذلك شأن الأخيار وكانوا يتحدثون. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن ما بين الظهر والعصر

تواضع عمر بن الخطاب وإشفاقه على المسلمين

ليس من الأوقات المرغب فيها للصلاة كالْهواجِرِ وآخر الليل بدليل ما ذكره عن عمر بن الخطاب، فلا يعاب على أَحد ترك الصلاة فيما بين الظهر والعصر والحديث فيه إذ كان الأخيار يفعلونه. وقد اختار مالك في رسم صلَّى نهاراً ثلاث ركعات من كتاب الصلاة على القعود لمذاكرة العلم في الأوقات التي تستحب فيها الصلاة، ولم ير ما بين الظهر والعصر من تلك الأوقات، بدليل قول سعيد بن المسيب، وقد قيل له: إن قوماً يصلون ما بين الظهر والعصر: ليست هذه عبادة، إنَّما الورع عمَّا حرم الله والتفكر فيما أمر الله به، يريد أنها ليست عبادة إنما العبادة الورع عمَّا حرم الله والتفكير في أمر الله يريد: أنها ليست عبادة من العبادات المرغب فيها لا أنها ليست عبادة أصلاً، وبالله تعالى التوفيق. [تواضع عمر بن الخطاب وإشفاقه على المسلمين] حكاية في تواضع عمر بن الخطاب وإشفاقه على المسلمين قال مالك لما خرج عمر بن الخطاب إلى الشام لقيه راهب فجعل يتعجب ويقول: ما رأيت ملكاً في رهبانيته قبل اليوم. قال مالك: كانت الرِّمادة في زمن عمر بن الخطاب سنين ليست واحدة، وأول ما أُغيثوا في الخريف. قال: وقال مالك عن عمر في السمن الذي اشترته له عاتكة، لا أطعمه حتى يجيء الناس من أَول ما يحيون، قال يريد: حتى يُغاث الناس. قال محمد بن رشد: الذي رأى الراهب من حال عمر التي تعجب منها هو ما وقع في سماع أَشهب من كتاب الدعوى والصلح من أنه لما خرج إلى الشام فتلقاه عجمها ركب خلف أَسلم وقلب فروهُ، فجعلوا كلما لقوا أَسلم، قالوا: أَين أمير المؤمنين؟ فيقول: أَمامكم أَمامكم، حتى أكثر، فقال له عمر كثرت عليهم، أخبرهم الآن، فسألوه فقال: هو هذا. فوقفوا كالمتعجبين من حاله، فقال عمر: لا تَروْنَ عَليَّ كَسْوة قوم غَضِبَ اللِّهُ عَلَيْهِم، فنحن تزدري بنا أعينهم، ثم لم يَزل قابضاً بين عينيه،

قصة ثابت بن قيس مع ضيفه

حتى لقيه أبو عبيدة بن الجرَّاح فقال: أَنت أخي حقاً لم تغيِّرك الدنيا. ولقيَه عَلَى بعِيرٍ خطامه حبل شَعَر أَسود. قال مالك: وتلقى عمر يومئذٍ ببِرْذَون تخاربي فركبه ثم نزل عنه وسبَّه، فقيل له: ما له؟ قال: حملتموني على شيطان حتى، أنكرت نفسي. وقوله في الرمادة: إنها كانت سنين، مثله في المدونة وبالله التوفيق. [قصة ثابت بن قيس مع ضيفه] في قصة ثابت بن قيس مع ضيفه قال: وسمعت مالكاً يحدّث «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ لِثَابِتِ بْن قَيْس بن شَمَّاس: انقَّلِبْ بِهَذَا الرِّجُلَ فَأَضفْهُ اللَّيْلَةَ فَانْقَلَبَ بِهِ ثَابِت فَقَالَ لَأهْلهَ: إِذا وَضَعْتُمُ الطَّعَامَ فَضَعوا أَيْدِيَكُم وَارْفَعُوهَا وَلَا تَمَسّوا فيه شَيْئَاَ، وَقَالَ: أَطْفِئُوا الْمِصْبَاحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَقْبَلَ إِلَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فقَالَ: يا ثَابِتُ مَا فَعَلْتَ بِضَيْفِكَ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسولهُ أَعْلَمُ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيَضْحَكُ لِفِعْلِكَ بِضَيْفِكَ» . قال محمد بن رشد: لم يسم البخاري الرجل المنقلب بالضيف إلى منزله في هذا الحديث، ذكر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلاَّ الْمَاءُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صًلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: مَن يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا؟ قَالَ رَجَلُ مِنَ الأنْصارِ: أَنَا فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أكْرِمِي ضَيْفَ رَسُول اللَّهِ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَاّ قُوتُ الصِّبْيَانِ فَقَالَ هَيِّئي طَعَامَكِ وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادوا عَشَاءً فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ فَجَعَلاَ يُريَانِهِ أَنَّهُمَا يأكلاَنِ فَبَاتَا طَاوِيين فَلما أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُول اللًهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،

فَقَالَ: ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] » وروي عن أبي هريرة أنه قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُضِيفَهُ فَلَْم يَكُن عِنْدَهُ مَا يُضِيفهْ، فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يُضِيفُ هَذَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -؟ فَقَالَ رَجُل مِنَ الأنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو طَلْحَةَ، فانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَقَالَ لْامْرَأَتِهِ» . وساق الحديث بمعنى حديث البُخاري. فيحملُ أن يكون ثابت بن قيس بن شماس يُكنَى أبا طلحة، ويحتمل أن يكون رجلاً آخر فعل مثل ما فعل ثابت بن قيس في وقت آخر. ومعنى ضَحِكَ اللَّهً مِن فَعَالِكُمَا اللَّيْلَةَ أي أَبدى رضاه عن ذلك، وعظيم كرامته لهما على ذلك وأَظهر بمنه عليهما جزيل ثوابه على فعليهما، لأن معنى الضحك في لسان العرب راجع إلى ظهور ما كان مستتراً. يقال: ضحكت الأرض إذا ظهر فيها النبات، وضحك الطريق إذا ظهر وتبين فيحمل من الله عزَّ وجلّ على ما ذكرناه مما يليق به، ولا يستحيل في صفته. وقوله في حديث البخاري: أَوْ عَجِبَ شك من المحدث في أَي اللفظين قاله النبيّ عليه السلام، ومعناهما متقارب، لأن معنى عجب الله من فعل الرجل أي رضي عنه وعظم عنده من أَجله قدرُه، لأن المتعجب منا، معظم لما تعجب منه، راضٍ به، وذلك جائز في صفة الله تعالى، وذلك لا يكون منا إِلّاَ مِن أمر يطرأُ علينا علمُه، وذلك مستحيل في حقه تعالى، لتقدم علمه بما كان ويكون، فيحمل التعجب إذا أُضيف لله تعالى على ما يليق به ويجوز في حقه، دون ما يستحيل عليه ولا يجوز. ومعنى قوله: باتا طاوييْن أَي ضامري البطن من الْخَوَا يقال طويَ بطنُه يطوى فإذا تعمد ذلك، قيل:

حكاية عن عيينة بن بدر

طوى بَطنَه يَطويه. والطيان الجائع. قاله الكسائي. وبالله التوفيق. [حكاية عن عُيينة بن بدر] قال مالك: قدم عُيينةُ بن بدر المدينة فنزل على ابن أَخ كان أَعمى، فبات ابن أَخيه يصلي، فلما أَصبح غدا إلى المسجد، فقال: ما رأيت قوماً أَوجهَ للناس لما وجهوهم له من هذا الحي من قريش، كان ابن أخي عندي أربعين سنة لا يطيعني، وإنهم قد وجهوه لأمر فأطاعهم، ما زالَ الليلة يصلي. قال: فدخل عمر بن الخطاب فقال: والله ما تعطينا الجزيل، وما تقضي بيننا بالحق، قال: فقعد عمر فاستوى. قال: فقام ابن أخيه فقعد بينه وبين عمر، ثم قال: يا أمير المؤمنين: إن الله يقول في كتابه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين، فقال عمر: أَخْرِجُوهُ عَني. قال محمد بن رشد: عيينة بن بدر هذا هو عيينة بن حصن بن بدر يكنى أَبا مالك، أَسلم بَعد الفتح. وقيل قبل الفتح، وشهد الفتح مسلماً. وهو من المؤلفة قلوبهم. وكان من الأعراب الجُفاة وقد مضى حديثه قبل هذا الرسم في دخوله على النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بغير إذن، وما قاله بحضرة عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ممَّا أغضبها. وابن أَخيه هو الحر بن قيس بن حصن، الذي تمارى مع ابن عباس في صاحب موسى الذي سألَ لقاءه على ما ذكر من شأنهما في القرآن، فعربهما أُبي بن كعب، فحدَّثهما بقصة موسى والخضر، على ما وقع من ذلك في كتاب العلم من كتاب البخاري وبالله التوفيق.

التمسك بما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده

[التمسك بما سنَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده] ومن كتاب أوله سَن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التمسك بما سنَّهُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وولاة الأمر من بعده قال مالك بن أَنس: إِن عمر بن عبد العزيز قال: سنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وولاة الأمر من بعده سنناً. الأخذ بها اتًباعاً لكتاب الله واستكمالًا لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها، ولا تغييرها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها مهتد، ومن استنصر بها منصور، ومن تركها اتَّبَعَ غَيْر َسَبِيل الْمُؤْمِنينَ، وَوَلّاَه اللَّه مَا تَوَلَّى وصلاه جهنّم، وساءت مصيراً. [ما جاء من إن الأعمال بالنيات] فيما جاء من إن الأعمال بالنيات وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن علقمة بن وقاص أنه سمع عمر بن الخطاب على المنبر يقول: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات وإِنَّما لكل امرئ ما نَوَى فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجُها فهجرتُه إلى ما هَاجَر إليه» . قال محمد بن رشد: لفظة إنما في قوله إنّما الأعمال بالنيات هي من ألفاظ الحصر ولا ترِدُ أبداً إلا على سببه، فهي تنفي الحكم عن السبب وتوجبه للمذكور وتدل على نفيه عما سواه. وقد قيل إنها لا تدل على ذلك، فقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنما الأعمال بالنيات» معناه إنما العبادات التي ينتفع بها عند الله ما أخلصت النية فيه للَّه، والسبب الذي ورد عليه هذا الحديث ما روي أن رجلاً هاجر يريد نكاح امرأة، فنفى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديث أن يكون له في هجرته ثواب،

قتل المشرك في الحرب بعد أن قال لا إله إلا الله

وأوجب الثواب في الأعمال التي يراد بها وجهُ الله، يريد العبادات منها، لأن لفظ الأعمال هاهنا عموم يراد به الخصوص، فدل على أنه لا ثواب فيما لم يرد به وجه اللَّه من الأعمال. ومن الناس من قال: لا دليل في الحديث على ذلك وإنما هو معلوم بالإجماع. وهذا الذي قلته من أن معنى الحديث إيجاب الانتفاع بالعمل إذا قارنته النية، ونفي الانتفاع به إذا لم تقارنه النية معقول منه تجري مجرى النص في العلم به، إذ لا يصح أن يحمل على ظاهره في الإعلام بوجود الأعمال بالنيات وعدمها بعدم النيات. وقد ادعى بعض أصحاب أبي حنيفة فيه الإِجمال بحق ظاهره، وذلك بعيد، لاستحالة حمله عليه. وهذا فيما كان من العبادات يصح أن يفعل للًه ولغير الله، أما ما كان من العبادات لا يصح أن يفعل للَّه، وذلك كالنظر والاستدلال عند من يراه أول الواجبات ولا يصح أن يفعل إِلَا للَه وذلك النية، إذ لو افتقرت النية إلى نية في لتسلسلت النيات إلى ما لا نهاية له، وذلك مستحيل، والكلام في هذا المعنى وما يتعلق به يطول فأومأنا منه إلى هذا القدر من البيان وباللَه التوفيق. [قتل المشرك في الحرب بعد أن قال لا إله إلا اللَّه] في قتل المشرك في الحرب بعد أن قال لا إله إلا اللَّه قال: وسمعت مالكاً قال: بلغني «أن رجلًا من المسلمين في بعض مغازي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حمل على رجل من المشركين، فلما علاه بالسيف قال المشرك: لا إله إِلَّا اللَّه. فقال الرجل: إنما تتعوذ بها من القتل فقتله، فأتى إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره، فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيف لك بلا إله إلا اللَّه. فقال: يا رسول اللَّه إنما كان يتعوذ بها من القتل، فما زال يعيدها على النبي والنبي يعيد عليه: فكيف لك بلا إله إلا اللَّه. فقال الرجل: وددت أني أسلمت في ذلك اليوم، وأنه بطل ما كان من عملي قبل ذلك، وأني استأنفت من ذلك اليوم» .

قال محمد بن رشد: الرجل المذكور في الحديث هو أسامة بن زيد، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه في جيش إلى الحراقات من جهينة، فكان من أمره مع المشرك ما ذكره في الحديث، فعنّفه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قتله بعد أن قال: لا إله إلا الله، وعذره باجتهاده فلم تنحط بذلك مرتبته عنده لأنه اجتهد فأخطأ، فكان له في ذلك أجر، على ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أن «القاضي إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر» . وإنما عنفه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه ترك الاحتياط، إذ كان الاحتياط ترك قتله وإن كان أداه اجتهاده إلى إجازة قتله، فلم يكن كمن قتل مسلماً عمداً فيأثم في قتله، ولا كمن قتله خطأ فيكون عليه في قتله ما على قاتل الخطأ من الكفارة والدية على العاقلة. ويحتمل أن يكون تأول في الاجتهاد قول اللَّه عز وجل: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا} [غافر: 84] الآية إلى قوله: {فِي عِبَادِهِ} [غافر: 85] أي الذين تقدموا ذلك الزمان كفرعون في قوله لما أدركه الغرق: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90] . فأجيب عن ذلك بأن قيل له: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] . فأعلم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن مجيء البأس من اللَّه بخلاف مجيئة من الناس. وقد روي «عن خالد بن الوليد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه إلى ناس من خثعم فاستعصموا بالسجود فقتلهم، فودّاهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنصف الدية ثم قال: أنا بريء من كل مسلم مع مشرك لا تراءى نارهما» (كذا) . وإنما وداهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما ودّاهم به تطوعاً منه وتفضلًا عليهم واستئلافاً لمن سواهم، إذا لم يكن قتلهم من الخطأ الذي تكون فيه الدية والكفارة، وإنما كان باجتهاد من خالد بن الوليد في قتلهم كما فعل في بني

كراهية تفسير القرآن بما يظهر من المعنى

جذيمة، إذ دعاهم إلى الإِسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، وجعل يقتل ويأسر فيهم، فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذ بلغه ذلك: «اللهم إني أبرأ إليك مما فعله خالد» . فعنفه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ لم يتثبت حتى يقف عن إرادتهم بقولهم: صبأنا صبأنا. وفعل خالد في هؤلاء كفعل أسامة في قتيله بعد أن قال: لا إله إِلَّا اللَّه، فلم يكن عليه حرج فيما فعل إن شاء اللَّه بل كان ما جوا في اجتهاده والمعنى فيما روي عن عِمراَن بن حُصين قال: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي سَرِيَّةٍ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ أبِي عَلَى رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَلَمَّا غَشيَهُ بِالرُّمْح قَال: إِنِّي مُسْلِم فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أتَى النَّبِيِّ فَقالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أذْنَبْتُ فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنِّي حَمَلْتُ عَلَى رَجُلٍ، فلَمَّا غَشِيَهُ بِالرُّمْح قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ فَظَنَنْت أَنَّهُ مُتَعَوِّذ، فَقَتَلْتُهُ، فَقَالَ: أَفَلَا شَقَقتَ عَنْ قَلْبه حَتَّى يَستَبينِ لَكَ؟ قَالَ: وَيَسْتَبِينَ لي؟ قَالَ: قَدْ قَالَ لَكَ بِلِسَانِهِ فَلَمْ تصَدِّقْهُ عَلَى ما فِي قَلبه، فلَمْ يَلْبَثِ الرَّجُلُ أَنْ مَاتَ فَدُفِنَ فَأصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الأرْض فقلنا عَدُوٌّ نَبشه، فأمَرْنَا عبيدنا وَمَوالينا فحرسُوهُ، فأصْبَح عَلَى وَجْهِ الأرض، فقلنا فَلَعَلَهُم غَفلُوا، فحَرَسْنَا فَأَصْبحَ على وَجه الأرض، فأَتَيْنَا النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الأرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِن أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يخْبِرَكم بِعِظَم الدَم، ثَمّ قَالَ: انتَهُوا بِهِ إلَى سَفْح هَذا الْجَبَل، فَأَنْضِدُوا عَلَيْهِ مِن الْحِجَارَةِ فَفَعَلْنَا» انتهى الحديث، إنَّه إنما قتله بعد أن علم أن قتله لا يجوز بقيام الحجة عنده على ذلك. والدليل على ذلك من الحديث قوله فيه للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إِنِّي قَدْ أَصَبْتُ ذَنْباً فاسْتَغْفِرْ لِي والله أعلم. [كراهية تفسير القرآن بما يظهر من المعنى] في كراهية تفسير القرآن بما يظهر من المعنى فيه قال مالك: أَخبرني يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب

حكم المفاوضة والمناظرة

أنه سُئل عن آية في كتاب الله، قال سعيد: لا أَقول في القرآن شيئاً. قال ابن القاسم: قال مالك: وبلغني عن القاسم بن محمد نحو ذلك قال مالك: وبلغني أَنَّ أَبا بكر قال: أَيُّ سماء تُظلني؟ وَأَيُّ أَرضٍ تُقِلُّني إن أَنا قلت على الله ما لا أَعلم. قال محمد بن رشد: هذا من قول الأئمة من السلف الصالح حجة لقول من ذهب إلى أَن المتشابه من القرآن لا يعلم تأويله إلَّا الله، وأَن ذلك ممَّا استأثر الله بعلمه، فلا يعلم تأويله سواه، وأن الوقف في الآية يَحسُن عند قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] فَثم تمَّ الكلام، ثم يبتدئ القارئ بقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] ومن أَهل العلم من يقول: إِن الراسخين في العلم يعلمون تأويله أيَضاَ بما نصب لهم من الأدلة على معرفته، وجعل لهم من الطرق الموصلة إليه. وتمام الكلام الذي يحسن فيه الوقف، {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] ، ثم يبتدئ القارئ بقوله: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] أي وهم يقولون: آمنا به. وسيأتي الكلام على تفسير الآية في رسم البز إن شاء الله وبالله التوفيق. [حكم المفاوضْة والمناظرة] في استحسان المفاوضْة والمناظرة قال مالك كان عمر بن عبد العزيز يقول: ما رأيت أحداً لَاحَى الرجال لم يأخذ بجوامع الكلم. قال محمد بن رشد: الملاحاة المفاوضة والمناظرة، فمن تدرب في ذلك تعلم تحسين العبارة في الحجة، فكان له بذلك فضل بيان الصواب بتحرير العلة. ورواه أَبو عبيدة في غريب الحديث: "عَجِبْت لِمَن لَاحَنَ الرِّجَالَ " بالنون. واللَّحَن الفطنة بفتح الحاء ومنه حديث النبي عليه

تمتشط الحاد بالحناء وتجعل في عينها صبرا

السلام: «وَلَعلَّ بَعْضَكُم أَن يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ» . [تَمْتَشِطَ الْحَادُّ بِالْحِنَّاء وَتَجْعَلَ فِي عَيْنِهَا صَبِراً] فيما كرهت أم سلمة للحادِّ أن تفعله قال مالك: بلغني أَنَّ أمَّ سَلَمَةَ كَرِهَتْ أن تَمْتَشِطَ الْحَادُّ بِالْحِنَّاء وَتَجْعَلَ فِي عَيْنِهَا صَبِراً. قال محمد بن رشد: هذا في المدونة عن أمِّ سَلَمَةَ أنَّهَا كَرِهَتْ أن تَمْتَشِطَ الْحَادُ بِالْحِنَّاء وقالت: تَجْمَعُ رَأسَهَا بِالسِّدْرِ، وهو مذهب مالك. قال: لا تمتشط بالحناء ولا الكتم، ولا بشيء مما يختمر في رأسها، وإنما كرهت - أم سلمة - أن تجعل في عينها صَبِراً لما جاء من «أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ دَخَل عَلَيْهَا وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنِهَا صَبراً، فقَالَ: مَا هَذَا يا أمَّ سَلَمَةَ؟ قَالَتْ: إِنَّمَا هُوَ صبِرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أجْعَلِيهِ بِاللَّيْل وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ» . ذكر ذلك مالك في الموطأ وباللَّه التوفيق. [قصر الصلاة بمنى وعرفة] في قصر الصلاة بمنى وعرفة قال مالك: بلغني أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد اللَّه يفتيان بقصر الصلاة بمنى وعرفة، قال مالك: وحدثني نافع، أن ابن عمر كان يصلي ركعتين بمنى وعرفة، إلا أن يصلي مع الِإمام فيصلي بصلاته. قال محمد بن رشد: معناه أنهما كانا يفتيان من حج من أهل مكة أو

ما يقال في الحج عند محاذاة الركن في بطن المسعى

كان مقيماً بها من غير أهلها بقصر الصلاة بمنى وعرفة، كما كان يفعل ابن عمر في رواية نافع. وهو مذهب مالك لم يختلف قوله في أنه يقصر بمنى وبعرفة وفي مواطن الحج إلا في رجوعه من منى إلى مكة بعد انقضاء حجه، إذا نوى الإِقامة بمكة أو كان من أهلها على ما تقدم، فكان أولاَ يقول: إنه يتم، مراعاة لقول من يرى أنه يتم، إذ ليس في سفر تقصر في مثله الصلاة، وهو مذهب أهل العراق، ثم رجع فقال: إنه يقصر حتى يأتي مكة، بناء على أصله في أنه من أهل القصر دون مراعاة منه لقول غيره. وكذلك اختلَف في ذلك أيضاً اختيار ابن القاسم. فمن ذهب إلى أنه يتم قال: إنما قصر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنى وعرفة، لأنة كان مسافراً إذ لم يقم بمكة قبل. خروجه إقامة يجب عليه بها الإِتمام وهو مذهب أهل العراق. ومن ذهب إلى أنه يقصر قال: بل قصر رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بمنى وعرفة وقد أقام بمكة إقامة تخرجه عن السفر، لأنه قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة. فأقام بمكة إلى يوم التروية. وذلك أربع ليال، وقد مضى هذا المعنى في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة وباللَّه التوفيق. [ما يقال في الحج عند محاذاة الركن في بطن المسعى] فيما يقال في الحج عند محاذاة الركن في بطن المسعى وسئلِ مالك عما يتكلم به الناس إذا حاذوا الركن الأسود: اللَّهُمَّ إِيمَاناَ بِكَ وَتَصدِيقاً بِكِتَابِكَ، وما يتبعه من الكلام مثل ما يقول في بطن المسعى: اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ واعْفُ عمّا تَعْلَمُ، فأَنكر ذلك وقال: ليس في هذا شيء معروف، ولا أعرف هذا، وأنكر أن يكون هذا من العمل، قال: وليس في ذلك شيء معروف، إلا على ما تيسر. قال محمد بن رشد: قد استحب ابن حبيب أن يقول الحاج عند استلام الركن: بِاسْم اللَّهِ وَاللَّهُ أكْبَرُ اللَّهمَّ إِيماناً بِكَ، وَتَصْدِيقاً بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال فقد حدثني أصبغ عن ابن وهب عن محمد بن

كراهية اتكاء الرجل على يده اليسرى عند أكله

عمر، أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم ناساً من أصحابه أن يقولوا هذا. واستحب أيضاً أن يقول في هرولته ببطن المسيل بين الصفا والمروة: رَبِّ اغفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَا تعْلَمُ أنْتَ الرَّبُّ الأحْكَمُ، وَأنْتَ الأعَزُّ الأكْرَمُ. قال: فقد كان ابن عمر يقوله في هذا الموضع على ما حدثني غسان بن قيس عن ابن جريح عن مجاهد، وهذا كله من الكلام الحسن، فلا يكره مالك لأحد أن يقوله، وإنما أنكر أن يكون هذا من القول أمراً قد جرى العمل به فلا يتعدَّى إلى مَا سِوَاه من الذِّكر والدعاء. وبالله التوفيق. [كراهية اتكاء الرجل على يده اليسرى عند أكله] في ذكر كراهية اتكاء الرجل على يده اليسرى عند أكله وسئل مالك عن الرجل يأكل وهو واضعِ يده اليسرى على الأرض. فقال: إِني لأتَّقيه، وما سمعت فيه شيئاَ، وإني لأكرهه. قال محمد بن رشد: كره مالك هذا لأنه أشبه عنده الاتِّكاءَ، وقد قال رسول اللًه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما أنا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئَاً» والمعنى الذي من أجله أبى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأكل متكئِاً هو مَا رُوي «أنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ إِلَيهِ مَلَكاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، وَمَعَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ الْمَلَكُ: إِنَّ اللَّهَ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْداً نَبيّاً وبين أن تَكُونَ مَلِكاً، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى جِبْرِيل كَالْمُسْتَشِير، فَأشَارَ جِبْرِيلُ إلَيْهِ أنْ تَوَاضَعْ فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا بَلْ أكُونَ عَبْداً نَبِياً فَمَا أكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَاماً مُتَّكِئاً» . ويحتمل أن يكون المعنى في ذلك أنه يورث العجب والخيلاَء وأنه من فعل الأعاجم وباللَّه التوفيق. [ثناء النبي عليه السلام على أصحابه] في ثناء النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على أصحابه قال مالك: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:

«نِعْمَ الرَّجُلُ أبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عمَر بْنُ الْخطَّاب، نِعْمَ الرجُلُ أبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجراح، نِعْمَ الرَّجُلٌ مُعَاذُ بْنُ جَبلٍَ، نِعْمَ الرَّجُلُ أسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، نِعْمَ الرجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ بْنِ شَمَاسٍ، نِعْمَ الرَّجُل عُمَرُو بْن الْجَمُوحَ» . قال محمد بن رشد: في هذا الحديث تقديم أبي بكر الصديق على عمر بن الخطاب، وليس في قوله: نِعْمَ الرَجُلُ أبو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجرَّاح بعد قوله عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، دليل على أنه أفضل الناس بعده، والذي عليه عامة أهل السنة، وكافة علماء الأمة، أن أمة نبينا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أفضل الأمم، كما أنه هو أفضل الأنبياء والرسل، وخاتم النبيين، وسيد الخلق أجمعين، وأَن أفضل أصحابه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثمِ عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، وقد روي هذا عن مالك نصاَ وقيل: إنه الذي رجع إليه بعد أن كان وقف في عثمان وعلي، فلم يفضل أحدهما على صاحبه على ظاهر ما وقع في كتاب الديات من المدونة على أنه كلام محتمل للتأويل، لأن قوله: ويرى الكف عنهما يحتمل أن يكون من كلام ابن القاسم، حكاية عن مالك، ويحتمل أن يكون من قول مالك، حكاية عمن أدرك ممن يقتدي به ولعله يريد في الرواية، لا في العلم والفقه، ولعلَّه قد صح عنده عمَّن لم يدرك ممن هو أرفع مرتبةً ممن أدرك تفضيل عثمان على علي، فأخذ بذلك، على ما روي عنه منصوصاً عليه، وقد وقع في بعض الروايات، ورأيته يرى الكف عنهما، فيكون هذا تأويلاً من ابن القاسم على مالك، والتأويل قد يخطئ ويصيب. ثم يقدم بعد هؤلاء الخلفاء في التفضيل، بقية العشرة، الذين شهد لهم رسول اللًه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، وهم الزبيرُ بن العوَّام، وطلحة بن عُبيد اللَّه، وعبد الرحمن بن عوف، وسعدُ بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجرَّاح، وسعيد بن زيد.

وهؤلاء العشرة كلهم بدريُون، ثم التقدم بعد هؤلاء العشرة في الفضل لبقية أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، وهم أصحاب الشجرة ومنهم من اتفقت له هذه المواطن كلها، ومنهم من نال بعضها، ثم مَنْ أنْفَقَ مِن بَعْدِ الْفَتح وَقَاتَلَ وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ومن أهل العلم من ذهب إلى أن من مات في حياة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الشهداء، مثل حمزة، وجعفر، وسعد بن معاذ، ومصعب بن عمير، أو مات في حياته وإن لم يكن من الشهداء، كعثمان بن مظعوّن الذي قال فيه رسول اللًه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذَهَبْتَ وَلَمْ تَلبَّسْ مِنهَا بِشَيْءٍ» أفْضَل مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدهُ. وإياه اختار ابن عبد البر ومن حجتهم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَهَدَاءُ أحَدُ هَؤُلَاءِ اشهد عَلَيْهِمْ، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ الصدَيقُ: ألَسْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ بِإِخْوَانِهِم أسْلَمْنَا كَمَا أسْلَموا وَجاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا؟ فَقَال رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بَلَى وَلَكِنْ لَا أدرِي ما تُحْدثونَ بَعْدِي» . وهذا لا حجة لهم فيه، لأن الحديث ليس على عمومه في أبي بكر وغيره، لأن العموم قد يراد به الخصوص، كقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اللَّهُمَّ أشْدُدْ وَطْأتَكَ عَلَى مُضَرٍ» . وإنما أراد الكافر منهم دون المؤمن، فالقول الأول هو الصحيح، ويؤيده ما روي عن ابن عمر أنه قال: كُنَّا نفاضل على عهد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنقول: أبو بكر ثم عثمان، ثم نسكَت، وباللَّه تعالى التوفيق.

التوصية بالقبط

[التوصية بالقبط] في التوصية بالقبط قال مالك: عَن ابْنِ شِهَاب، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكَ أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا افتَتَحْتُمْ مِصْرَ، فَاسْتَوْصُوا بِالقِبْط خَيْراَ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً» قال: وكان يقال: أم إسماعيل بن إبراهيم آجرُ منهم. قال محمد بن رشد: في هذا الحديث علم من أعلام النبوءة، لأنه أعلم فيه بما يكون من افتتاح مصر بعده، والرحم الذي للقبط هو ما ذكره من أن أم إسماعيل منهم. وأما قوله: إِنَّ لهُم ذِمَّةً وَهم يومئذ لا ذمة لهم، لأنهم أهلُ حرب، فمعناه: إِن لهم ذماماً برحمهم، يجب مراعاتها لهم إذا عوهدوا أو مُلكوا ويقال: هَاجَرَ وَآجَر، وذلك واحدٌ، مثل أرقت الماء وهرقت الماء. واللَّه الموفق. [ما جاء من أن الكافر يأكل في سبعة أمعاء] فيما جاء من أن الكافر يأكل في سبعة أمعاء قَالَ مَالِكٌ عَن نَافِع عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْكَافِرُ يأكلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يأكلُ فِي مِعي وَاحِدِ» .

ما جاء في أن الحمى من فيح جهنم

قال محمد بن رشد: هذا من المجاز على غير حقيقة اللفظ، لأن عدد أمعاء الكافر والمؤمن سواء، فإنما هو مَثَلٌ ضربه في قلة الأكل من كثرته، على سبيل الاستعارة. وهو كثير. من ذلك قوله عز وجل: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4] واختلف في تأويله، فقيل: إنه على ظاهره في مقدار أكل المؤمن من أكل الكافر، ومعناه: في الرجُل بِعَيْنِهِ الَذِي ضَافَ النَّبيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهُوَ كَافِرٌ، فَأمَرَ لَهُ النَّبيُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا ثَمّ بِأخْرَى فَشَرِبَه، ثُمَ بِأخْرَى فَشَرِبَهُ، حًتّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْع شِياهٍ، ثمَ إِنَّهُ أصْبَحَ فَأسْلَمَ فَأمَرَ لَهُ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أمَرَ لَهُ بِأخْرَى فَلَمْ يَسْتَتمَّها فقال ذلك القول، فكان مقصوراً على ذلك الرجل الذي كان سببه، ولم يكن على عمومه في كل مسلم وكافر، وقيل: ليس على ظاهره في مقدار أكل المؤمن من أكل الكافر إذ قد يكون الكافر قليل الأكل، والمؤمن كثير الأكل، وقد كان يطرح لعمر صاع من تمر فيأكله، حتى يأكل حشفه، وَمَن يُساويه في جودة الإيمان؟ وإنما معناه: إِنَّ الكافر يرغب في الدنيا ويستكثر منها، ولا يؤثر على نفسه، إذ لا يعتقد القربة بذلك، والمؤمن يدخر فيها، ولا يستكثر منها، ويطوي بطنه عن جاره، ويؤثره على نفسه، أي إن هذا هو فعل المؤمن الممدوح إيمانه، وهذا أولى ما قيل في تأويل الحديث. وقد قيل: المعنى فيه إِن المسلم يسمي اللَّه تعالى على طعامه ليضع له البركة به، والكافر لا توضع له البركة في طعامه أي لا يسمي اللَّه عز وجل واللَّه أعلم. [ما جاء في أنَّ الحُمّى مِنْ فَيْح جَهَنَّمَ] في أنَّ الحُمّى مِنْ فَيْح جَهَنَّمَ قال مالك: عَن نَافِعٍ عَن ابن عُمَرَ إِنَّ النَّبيً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

ما يروى عن ابن عمر أنه كان يدعو به

وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْحُمّى مِنْ فيْح جَهًنّمَ، فأبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» . قال محمد بن رشد: أعلم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بهذا الحديث أن ما يجده المحموم من حر الحمى هو من حر جهنم، كما أعلم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ما يجده الناس من شدة الحر، هو من فيح جهنم، فوجب الِإيمان بذلك، وأن اللَّه عز وجل يبتلي المؤمن بالحمى من فيح جهنم، ليثيبه على ذلك، وقد كان مجاهد يقول في قول اللَّه عز وجل: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] أن ورود المؤمن هو ما يصيبه في الدنيا من حمى ومرض، وذلك حظ من النار. وروي ذلك في حديث عَنْ أبِي صَالِحٍ «عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قَالَ: خَرَجَ رسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُود رَجلاً مِنْ أصْحَابِهِ وَعِكاً وَأنَا مَعَهُ ثُمِّ قَالَ: إِنَ اللَّهَ عًزّ وَجَلَّ قَالَ: هِيَ نَارِي أسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ لِتَكُون حَظَّهُ مِنَ النَّارِ فِي الآخِرَة» . [ما يروى عن ابن عمر أنه كان يدعو به] فيما يروى عن ابن عمر أنه كان يدعو به قال مالك عن نافع، قال: كان ابن عمر يقول: اللَّهُمَّ أذهِبْ عَنِّي الرَجْزَ. قال محمد بن رشد: الرجز العذاب، قال عز وجل: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ} [الأعراف: 135] أي العذاب الذي أرسله عليهم من الطوفان والجراد والقمل والضفادع. وقد يراد بالعذاب وسوسة الشيطان، لأنها مُؤدية إلى

وصايا عمر بن الخطاب

العذاب. قال عز وجل: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال: 11] إلى قوله: {رِجْزَ الشَّيْطَانِ} [الأنفال: 11] أي وسوسته، وهو الذي أراد ابن عمر بما دعا به. واللَّه أعلم، لأن من سلم من وسوسة الشيطان بعصيانه، وترك طاعته، فقد نجا، واستوجب جنة المأوى. فخير ما يدعو به العبد ويرغب فيه إلى ربه أن يعصمه من الشيطان الرجيم. وباللَّه التوفيق. [وصايا عمر بن الخطاب] فيما ذكر عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أوصى به عن زيد بن أسلم أنَّ عمرَ بْنَ الْخَطَّاب قَالَ: أوصِيكُم بِالأنْصَارِ خَيْراً وأوصِيكُم بِالْعَرَب خَيْراً وَأوصِيكُم بَأهل الذِّمَةَ خَيْراً. وقال مالك عن يحيى بن سعيدَ، أن عمر بن الخطاب كان يقول: مَنْ كَانَتْ لَهُ أرْضٌ فَلْيَعْمُرْهَا، ومن كان له مال فليصل فيوشك أن يأتي من لا يعطي إلا من أحب. قال محمد بن رشد: المعنى في توصيته بمن وصى بهم أن يُحفظوا ويُراعوا ويُحسَن إِلى مُحسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم. وإنما أوصى بالأنصار لتقدمهم في الِإسلام، وسابقتهم فيه، ولأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أوصى بهم، وَدَعَا لَهُم وَلِأبْنَائِهِم، فَقَالَ: «اللَّهًمَّ اغْفِرْ لِلأنْصَارِ، وَلأِبْنَاء الأنْصَارِ» . وإنما خص العرب بالتوصية بهم دون غيرهم، من العجم، لمكانتهم من النسب، ولما خشِي أن يُجْهَلَ عليهم، لما في كثيرٍ منهم من الجهل، وإنما أوصى بأهل الذمة مخافة أن تُستخف إذايتُهم من أجل كفرهم. وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَداً أوْ ذِمِّيَاَ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وإنَّ رَائِحَتَها لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ» . وإنما

ما يقاتل عليه الناس

أوصى الناس بحفظ أموالهم بالقيام عليها، مخافة أن يضيعوها اتكالاً منهم على أعطيات الِإمام. وقد نهى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَن إِضَاعَةِ الْمَال. وهذا من إضاعته. وقد قيل في تأويله غيرُ ما وَجْهٍ. وقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَيُوشِكُ أن يَأتِيَ مَن لَا يُعْطِي إِلاَّ مَنْ أحبَّ. معناه: فيغلب على الظن أن ذلك يكون فكان كما غلب على ظنه. وقد كان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول الشيء على ظنه، ويرأسه، فيكون على ما قال. من ذلك قوله: " وَافَقْتُ ربِّيِّ فِي ثَلَاثٍ. منها: آيَةُ الْحِجَابِ، وآيَةُ فِدَاءِ الأسْرَى، وَمَقَامُ إِبْرَاهِيمَ " وقد قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَيَكُونُ بَعْدِي مُحَدَّثُونَ، فَإِن يَكُنْ فَعُمَرُ، فَقَال: إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ عَلَى قَلْبِ عمَرَ وَلِسَانِهِ بِالصِّدْقِ» وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: كنّا نَعُدّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ على لِسان عُمر. وأما قوله: أدركْ أهلَك فقد احترقوا للذي سأله عن اسمه، فقال حمزة: فقال: ابن من؟ قال: ابن شهاب. قال: مِمّن؟ قال من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار، قال: بأيتها؟ قال: بذاتِ لظى. فكان كما قال، فإنما ذلك واللَّه أعلم من معنى قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ الْبَلاَءَ مًوَكَّلٌ بِالْقَوْل» . وباللَّه التوفيق. [ما يقاتل عليه الناس] فيما يقاتل عليه الناس قال مالك عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمِرْت أن أقَاتِلَ النَّاسَ حًتّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلّاَ اللَّهَ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي مَاءهُم وأَمْوَالَهُم إِلَّا

بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُم عَلَى اللَّهِ» . قال محمد بن رشد: معنى قوله: " حَتَّى يَقُولُوا لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ " أي حتى يسلموا فيقولوا لا إلهَ إلّاَ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ ويلتزموا سائر قواعد الِإسلام. وهي الصلاة والزكاة والصيام، وحج بيت الله الحرام، من استطاع إليه سبيلاً، لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «بُنيَ الِإسْلَامُ عَلَى خَمْس شَهَادَة أَن لَا إله إلاَّ الله وَإقَام الصَّلاَةِ وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْم رَمَضَانَ، وَحَجِّ بَيْتِ اللِّهِ الْحَرَام» لَا أن قتالهم يحرم بمجرد قول لا اله إلا الله فقد قال أبو بكر الصديق: والله لأقَاتِلَنَّ من فرَّق بَيْنَ الصَلاَةِ وَالزَّكَاةِ. وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة ذُكر في بعضها مع شهادة أن لا اله إلا اللَّه الصلاة، وفي بعضها الصلاةُ والزكاة، وفي بعضها الصيام والصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان. وأداءُ الخمس وهو بين ما ذهبنا إليه من أنَّ الشرائع داخلة في الحديث بالمعنى، وإن لم تذكر فيه. وقد ذهب بعض من تكلم على معاني الحديث أن ما روي في هذا الحديث من اختلاف الألفاظ فيه، محمولة على ظاهرها من التعارض، لأن المعنى فيها أنها مرتبة على الأزمان، لأن الفرائض كانت تَنْزِلُ شيئاً بعد شيء، فالحديث الذي لم يذكر فيه شيء من الشرائع، كان في أول الإسلام قبل فرض الصلاة، والحديث الذي ذكر فيه الصلاة، ولم يذكر فيه الزكاة، كان قبل فرض الزكاة، والحديث الذي ذكر فيه الزكاة والصلاة، ولم يذكر فيه صيام رمضان كان قبل فرض صيام رمضان. والحديث الذي ذكر فيه صيام رمضان متأخراً عن الأحاديث الأول، والذي ذكرناه وذهبنا إليه في تأويل الحديث أولى والله أعلم. ومعنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " وَحِسَابُهُم عَلَى اللَّهِ " أي أنه

ترك غسل الجمعة

هو يحاسبهم بما يعلمه من صدق نياتهم في ذلك، إذ لا يعلم حقيقة ذلك سواه. فإن اعتقدوا بقلوبهم ما قالوه بألسنتهم، كانوا مسلمين مؤمنين، وانتفعوا بإسلامهم، وإن لم يعتقدوه بقلوبهم، لم ينتفعوا بإسلامهم. وقد تكلمنا في صدر كتاب المقدمات على حكم الِإيمان والِإسلام والفرق بينهما عند من رآه وبالله التوفيق. [ترك غسل الجمعة] في جهل تارك غسل الجمعة قال مالك: بلغني عن ابن مسعود أنه سئل عن شيء فقال: لئن جهلت هذا لأنا أجهل من تارك غسل يوم الجمعة. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لأنه لا يترك سنة الغسل يوم الجمعة إلا من جهل السنة في ذلك، ولم يعرف قدرها لمن التزمها، ولم يضيعها من الفضل في ذلك، أو علمه فحرم التوفيق. وَقَدْ وَبَّخَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَاب عُثْمَانَ بْن عَفانَ، إذْ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: أَيَّةُ سَاعَةِ هَذِهِ؟ فَقَالَ يَا أميرَ الْمُؤْمِنِين: انْقَلَبْتُ مِن السُّوقِ، فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ، فَمَا زِدْت عَلى أن تَوَضَّأت، فَقَالَ عُمَرُ وَالْوُضُوءَ أَيْضاً؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَن رسولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يَأمرُ بِالْغُسل. وبالله تعالى التوفيق. [هل يكون الرجل أحق بمجلسه إذا قام عنه ثم رجع إليه] في هل يكون الرجل أحق بمجلسه إذا قام عنه ثم رجع إليه؟ وسئل مالك عن الرجل يقومُ من المجلس، فقيل له: إن بعض الناس يزعم أنه إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع إليه، إنه

ما جاء في أن المرء مع من أحب

أحق به، فقال سمعت في ذلك شيئاً، وإنه لحسن إن كان إتيانه قريباً، وإن تباعد ذلك حتى يذهب بعيداً ونحو ذلك، فلا أرى ذلك له. وإن هذا لمن محاسن الأخلاق. قال محمد بن رشد: قوله: وإنه لحسن إن كان إتيانه قريباً، معناه: إذا قام عنه على أن لا يرجع إليه، وأما إن قام عنه على أن يرجع إليه فهو أحق به إن رجع بالقرب، فتحصيل هذا أنه إن قام عنه على أن لا يرجع إليه فرجع بالقرب، حسُن أن يقوم له عنه من جلس بعده فيه، وإن لم يرجع بالقرب، لم يكن ذلك عليه في الاستحسان، وإن قام عنه على أن يعود إليه فعاد إليه بالقرب، كان أحق به، ووجب على من جلس فيه بعده أن يقوم له عنه، وإن لم يعد إليه بالقرب، حسُن أن يقوم له عنه مَن جلس فيه بعده، ولم يجب ذلك عليه. وبالله التوفيق. [ما جاء في أن المرء مع من أحب] قال مالك: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: عَن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ «إنَّ أعرابِياً أدْرَكَ النبيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَالَ: مَتَى تَقُومُ السَّاعَة؟ فَقَالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا، قَالَ لَا شَيْءَ، وَاللَّهِ لأنِّي قَلِيلُ الصَّلَاةِ، قَلِيلُ الصِّيَام، إلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإنَّكَ مَعَ مَن أحببت» . قال محمد بن رشد: قوله: إني لقليل الصلاة، قليل الصيام، معناه في النافلة لا في الفريضة، لأن من ترك بعض الصلاة المفروضة، والصيام المفروض، مضيِّعاً لذلك أو مفرطاً فيه فمذهب ابن حبيب فيه أنه كافر. وذهب غيره إلى أنه لا يكون كافراً بترك شيء من الشرائع إلا بترك الصلاة خاصة، تعلقاً بظاهر ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: مَن

سؤال الناس النبي عليه السلام الاستقاء

تَرَكَ الصَّلاَةَ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَن تَرَكَ الصَلَاةَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلهُ، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ فَقَدْ حُشِرَ مَعَ هَامَانَ وَقَارُونَ) . والصحيح أنه لا يكون كافراً وإن تركها مضيعاً لها أو مفرطاً فيها، إذا كان مقراً بفرضها. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُن اللهُ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْم وَاللَّيلة، مَن جَاءَ بِهِن لَمْ يُضَيًعْ مِنْهُن شَيئَاَ اسْتِخْفَافاً بِهَن، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أن يُدْخله الجنةَ، ومَن لَم يأتِ بِهِن، فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الله عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذبَهُ، وإن شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» ، فإنما يستحق الرجل بتضييع الصلوات اسم الفسق، لا اسم الكفر. وقوله في الحديث: كَان لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْد أَن يدخله الجنة، معناه: ابتداءً دون أن يعذبه بإدخال النار، وقوله: فَلَيْس لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إن شَاءَ عَذبَهُ، وإن شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجنًةَ معناه: إن شاء عذبه ثم أدخله الجنة، وإن شاء أدخله الجنة ولم يعذبه، لأن من مات على الِإيمان، فلا بد له من دخول الجنة، لأنهُ إن دخل النار، فلا بد أن يخرج منها بالشفاعة على ما تظاهرت به الآثار وبالله التوفيق. [سؤال الناس النبي عليه السلام الاستقاء] في سؤال الناس النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الاستقاء وسمعت مالكاً يقول: «أُتي إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقيل له: يَا نَبيَّ اللَّهَ: اسْتَسْقِ لَنَا فَدَعَا اللَّهَ لَهُم فَسُقُوا. ثمَّ لَمَّا كَانَ مِنْ قابِل، جَاؤُوهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِينَا، فَقَالَ: أَتُرِيدُونَ سَقْيَ الْكُفَّارِ؟» . قال محمد بن رشد: في هذا دليل على صحة رواية أبي

ما جاء في أن لله عبادا أهل عافية في الدنيا والآخرة

المعصب عن مالك، إن الاستسقاء على سنة الاستسقاء من البروز إلى المصلى لا يكون إلا عند الحطمة الشديدة، ولا يؤثر عنه ولا عن أصحابه فيما علمت خلاف ذلك، فيحمل على البيان للمذهب، ويشهد لصحتهما أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنمَا اسْتَسْقَى حِينَ جَاءَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه: هَلَكَتِ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتِ السبُلُ، فَادْعُ الله وبالله التوفيق. [ما جاء في أن لله عباداً أهل عافية في الدنيا والآخرة] قال مالك وبلغني أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إنَّ لَلّهِ عباداً أَهْلَ عَافِيَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» . قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، إذ قد يكون الرجل يرزق المال الحلال فيعيش منه العيش الحسن، ويؤدي حق الله، ويقيم فرائضه من الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويجتنب محارمه، ويعافيه الله في بدنه طول حياته، ثم يميته على الِإيمان، فيكون معافيه في الدنيا والآخرة وبالله التوفيق. [الحلف بالله على الصدق] في الحلف بالله على الصدق قال مالك: بلغني أن عيسى عليه السلام قال لقومه: إنَّ مُوسَى قَالَ لِقَوْمِهِ: لَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إلاَّ وَأَنْتُم صَادِقُونَ، وَأَنَا أَقُولُ لَكُم لَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ صَادِقِينَ وَلَا كَاذِبِينَ، قُولُوا: بَلَى وَنَعَمْ.

وصية لقمان لابنه

قال محمد بن رشد: ظاهر قول عيسى ابن مريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن شرعه مخالف لشرع موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبله فيِ إباحة الحلف بالله عز وجل على الصدق، ومخالف لشرعنا أيضاً، لأن اللَّه تعالى قد أمر نبيه بالحلف باسمه في غير ما آيةٍ فقال: {قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس: 53] ، وقال: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] وقال: قُلْ: {بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيراً ما يحلف لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَلَا وَمُقَلِّب الْقُلُوب. وَلا وجه لكراهة ذلك، لأن القصد إلى الحلف بالشيء تعظيم له، فلا شَك أن في ذكر الله تعالى على قصد التعظيم له أجراً عظيماً، ويحتمل أن يكون عيسى ابن مريم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما كره لهم اليمين بالله صادقين وكاذبين، مخافة أن يكثر منهم، فيكون ذريعةً إلى حلفهم بالله على ما لم يقولوه يقيناً أو يواقعوا الحنث كثيراً ويقصروا في الكفارة، فيواقعوا الإثم من أجل ذلك، لا من أجل اليمين بالله. وقد مضى في آخر سماع أشهب من كتاب النذور، لتكرر المسألة هناك. [وصية لقمان لابنه] في وصية لقمان لابنه قال مالك: وبلغني أن لقمان قال لابنه: يا بُنَيِّ جَالِس الْعُلَمَاءَ، وَزَاحِمْهُم بِرُكْبَتِكَ، فَلَعَلَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِم فَتصيبك مَعَهُم، وقال له في الفجار، في مجالستهم، مثل ما قال له في العلماء في الرحمة لئلاَّ ينزل عليهم سخط فيصيبك معهم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين واضح ليس فيه ما يشكل وبالله تعالى التوفيق.

ما جاء في الإبار

[ما جاء في الِإبار] قال مالك: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَعْض الْحَوَائِطِ وَهُم يَأبرُون النَّخْلَ وَيُلَقِّحُونَهَا، فَقَالَ: " مَا عَلَيْكُمْ أَلّاَ تَفْعَلُوا " قالَ: فترك الناس الإبار في ذلك العام، فلم تطعم النخل، فشكوْا ذلك إلى رسول اللًّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " إِنَّما أنَا بَشَر، فَاعْمَلُوا بِمَا يُصْلِحُكُم» . قال محمد بن رشد: التلقيح وضع الذكور في الأنثى. وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، يقرب بعضها من بعض منها: أنه قال: «مَا أَظنّ هَذَا يُغْنِي شَيْئاً وَلَوْ تَرَكُوهُ لَصَلُحَ، أَوْ لَا لِقَاحَ، أَوْ مَا أَرَى اللِّقاح شَيْئاً فتركوه فشيص فأخبر به رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " مَا أنَا بِزَارِعٍ وَلَا صِاحِبِ نَخْلٍ، لَقِّحُوا أو قال: " إنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنّاً، وَالظَّنُّ يَخْطِئُ وَيُصِيبُ أَو لا تؤاخِذُوني بِالظَّنِّ، وَلَكِن إذَا حًدّثْتًكُم عَنِ اللَّهِ شَيْئاً فَخُذُوهُ، فَإنِّي لَنْ أكْذِبَ عَلَى اللَّهِ» . فقال الطحاوي فيما روي من ذلك كله: إنه ليس باختلاف تعارض، وإنما معناه أنه قال ما قال من ذلك لقوم بعد قوم، فحكى كل واحد منهم ما سمع، ولم يكن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممن يعاني ذلك ولم يكن من بلد فيه نخل، فاتسع له أن ينفي ما توهم بالظن استحالته، وهو أن يكون الِإناث من غير الحيوان يأخذن من الذكور شيئاً، ولم يكن ذلك إخبار منه عن وحي. هذا معنى قول الطحاوي والذي أقول به في ذلك إنه إنما قال للذين رآهم يأبرون النخل ويلقحونها ما قال لهم مما روي عنه في ذلك أنه قاله لهم لما علمه من أنه لا تأثير لشيء من

حكم الصفرة للرجل

المخلوقات في شيء منها بإفساد ولا إصلاح. وإنما الله هو المفسد المصلح، الفاعل لكل شيء، إلا أنه تعالى قد أجرى العادة بأن يفسد من المخلوقات، وأن يصلحها عند مباشرة غيرها لها، ويعلم ذلك من الناس من جرَّبه، فوجد العادة مستمرة عليه، كالأطباء الذين يعلمون الأدوية النافعة من الضارة لتجربتهم وتجربة من تقدم من أسلافهم، ولا يسلم من ذلك سواهم ممن لم يجرب من ذلك ما جربوه، فكذلك إبار النخل وتلقيحه، علِم الانتفاع به من جربه من أهل النخل بطول التجربة، ولم يعلمه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذ لم تتقدم له به تجربة، فقال لهم ما قال، مما هو مذكور في الآثار. وقولي كالأطباء الذين يعلمون الأدوية النافعة من الضارة، تَجَوُّزٌ في العبارة، إذ ليس الأدوية على الحقيقة بنافعة ولا ضارة، وإنما النافع والضار الله رب العالمين. [حكم الصفرة للرجل] في إنكار النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصفرة للرجل، وإقادته من نفسه قال مالك: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلاً فيه أثَرُ صُفْرَةٍ، فَطَعَنَهُ بقدحٍ كَانَ مَعُه، فَقَالَ: له: أوْجَعْتنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَطَرَحَ الْقَدَحَ إلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُ: " اسْتَقِدْ " فَقَالَ لَهُ الرجُل: إنَّ اللَّهَ بَعَثَكَ بِالْحَقِّ وَعَلَيْكَ قَمِيصٌ، وَلَيْسَ عَلَيَّ قميصٌ. قال: فَكَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَمِيصَ عَنْهُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُقَبِّلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ» . قال محمد بن رشد: قوله: وبهِ أثَرُ صُفرَة معناه والله أعلم وبه ودع من زعفران، ففي طعنِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياه لِما رأى به من ذلك على ما يدل عليه ظاهر الحديث، دليل على أن ذلك لا يجوز له، إذ لا ينكر على أحد ما يجوز له أن يفعله. وهذا نحو ما جاء عنه صلى الله

عليه وسلم من رواية أنس بن مالك: «أنه نَهَى أن يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ» وهو معارض لحديث أنس بن مالك في الموطأ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ أثرْ صُفْرَةٍ، فَسَألَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأخْبَرَهُ أنَّهُ تَزَوَّجَ. الحديث إلى قوله: أوْلِمْ وَلَوْ بشَاةٍ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يُنكر عليه ما رأى به من أثر الصفرة، كما فعل بالرجل الذي طعنه بالقدح. ولتعارض هذه الآثار اختلف العلماء هل يكره للرجل أن يصفر لحيته بالزعفران، ويلبس الثياب المصبوغة؟ فذكر مالك في الموطأ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْمِشْقِ، وَالْمَصْبُوغَ بالزّعْفَرَانِ. وجاء ذلك عن جماعة من السلف، وأخذ به مالك وأصحابه، فأجازوا لباس الثياب المصبوغة بالزعفران للرجال. وإنما كره ذلك مالك في الإِحرام. وقد سئل ابن شهاب عن الخلوق، فقال قد كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتخلقون، ولا يرون بالخلوق بأساً. وكره الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما أن يصبغ الرجل ثيابه ولحيته بالزعفران. وقال ابن شهاب هذا جائز عند أصحابنا في الثياب دون الجسد، وهو قول ثالث في المسألة. وإقادة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرجل الذي طعنه بالقدح من نفسه تواضعاً منه لله بأن أعطى من نفسه ما لم يجب عليه، إذ لم يفعل به إلا ما كان له أن يفعله به، لمخالفته ما كان قد علمه من أمره والله أعلم. لكنه لما قال له: قدْ أوجعتني خشي أن يكون قد تجاوز القدر الذي كان أراده خطأً منه. والخطأ ليس بمسئول عنه، فتنحى من ذلك بالِإقادة من نفسه تطوعاً من غير

ما جاء من أن رسول الله لم ينتقم قط لنفسه

أن يجب ذلك عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عدَّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم فمر به ابن غزية حليف بني عدي ابن النجار وهو مستنصل من الصف فطعن في بطنه بالقدح، وقال: استوِ في الصف يا سواد، فقال: أوجعتني يا رسول الله وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني قال: فكشف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بطنه. فقال. استقد. قال: فاعتنقه وقبل بطنه. فقال: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا يا سَوَادُ قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له بخير وقاله» . وقع هذا الحديث في البر لابن هشام فإن كان حديث الجامع، على ما يدل عليه ظاهره من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِنما طعن الرجل من أجل ما رأى به من الصفرة، فهو حديث آخَر، في رجل آخَر، ويحتمل أن يكون هو الحديث بعينه، ويكون المعنى فيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى الرجلَ يريد سواد بن غزية، وفيه أثر صفرة خارجاً عن الصف يوم بدر، فطعنه بقدح كان بيده، ليعتدل في الصف. الحديث. وقوله: فجعل الرجل يقبل ذلك الموضع، إشارة منه إلى الموضع الذي كشفه له ليستقيد منه. وبالله تعالى التوفيق. [ما جاء من أن رسول الله لم ينتقم قط لنفسه] فيما جاء من أن رسول الله لم ينتقم قط لنفسه قال مالك: بلغني «أن عائشة قالت: مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صلّي اللهُ عَلَيْهِ وَسلّمَ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ أتَى إِلَيْهِ إِلّاَ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ فَيَنْتقِم لِلّهِ مِنْهَا» . قال محمد بن رشد: يشهد لما قالته عائشة قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] «وسئلت عائشة عن خُلقِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

التحذير من الدخول في الفتن

وسلم قالت: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ» تريد أنه كان جبل على ما حَض الله عليه في القرآن من العفو والصفح. والتفضل والإِحسان بقوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] وقوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] فكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحلمُ عمن جهل عليه، ويعفو عمن ظلمه، فلا ينتقم إلا لله، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُعِثْتُ لأتَمِّم حسن الأخْلَاقِ» وبالله التوفيق. [التحذير من الدخول في الفتن] في التحذير من الدخول في الفتن قال مالك: وبلغني أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان مجالس رجل من الأنصار يسمى أبا جُهَيْم، قال: فكان عبد الله ابن عمرو بن العاص يحدثه عن الفتن، فلما كانت الفتنة، بلغ أبا جهيم الذي كان من عبد الله بن عمرو بن العاص. قال: دخل فيما دخل فيه. وقد كان يحدثني بما يحدث به في الفتن. إن لله علي أَلَّا أكلمه أبداً. قال: فقدم عبد الله بن عمرو بن العاص فلقي الرجل فكلمه فأبى ثم كلمه فأبى فقال عبد الله: أنَا أعْرِفُ لم تركت كلامي لما كنت أُحدثك؟ قال محمد بن رشد: أبو جُهَيم هذا هو والله أعلم عبد الله بن جهيم الأنصاري الذي روى عن النبي عليه السلام في المارِّ بَيْنَ يَدَي

الْمُصَلي أنَّهُ لَوْ عَلِمَ مَا عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أن يَمُرَ بَيْنَ يَدَيْهِ ويحتملّ أن يكون أبو جهيم بن الحرث بن الصمة الأنصاري الذي روى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه أتى من نحو بير جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه شيئاً، حتى أتى على جدار، فمسحَ بوجهه ويديه، ثم رد عليه. وعبد الله بن عمرو بن العاص من فضلاء الصحابة، ولد لأبيه عمرو وهو ابن بضع عشرة سنة، وأسلم قبله، وكان يسرد الصوم، ويقوم الليل، فشكاه أبوه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وإن لأهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً وَإِنَّ لَزَوْجك عَلَيْك حَقاً قُمْ وَنَمْ وَصُمْ وأفْطِرْ صُمْ ثَلَاثَةٌ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ، قَالَ: فَإنِّي أطِيقُ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُهُ في الصِّيَام حَتَى قَالَ لَهُ: لَا صَوْمَ أفضَلُ مِنْ صَوْم دَاوُودَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً» «ونازل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضاً في ختم القرآن فقال: " اخْتمْهُ في شَهْرٍ، فَقَالَ: إِنِّي أطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعه حَتَّى قَالَ: لَا تَقْرَأهُ فِي أقلَّ مِنْ سَبْع» وروي في أقلَّ مِنْ خَمْسٍ والأكثر على سبع. فوقف عند ذلك فكان لَمَّا أسنَّ يقول: وددت أنَّي قبلت رخصة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والذي كان يحدث به أبا جُهَيم عن الفتن هو ما روي عن النبي عليه السلام من التحذير منها نحو قوله: «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِد فِيها خَيْر مِنَ الْقَائِم، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ

المَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الساعِي مَن تَشَرَّفَ لَهَا تَستَشْرِفُه وَمَنْ وَجَد فيهَا مَلْجأً وَمَعَاذَاً فَلْيَعُذْ بِهِ ".» وقوله: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفِّاراً يَضرِب بَعْضُكُم رِقَابَ بَعْضٍ» وما أشبه ذلك من الآثار المروية في ذلك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإِنه كان حافظاً لآثاره، لأنه استأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكتب حديثَه فأذِنَ له في ذلك، فكان واقفاً عليه وحافظاً له. والذي دخل فيه من أمر الفتنة وهجره عليه أبو جُهيم، هو شهوده صفين وقتاله مع معاوية. وقد ذكر أنه كانت بيده الراية يومئذ، وليس ذلك مما يقدح في عدالته، لأنه لم يفعل ذلك إلا وهو على بصيرة من أمره فيما أداه إليه اجتهاده. وقد روي أنه اعتذر من ذلك وأقسم أنه لم يرم فيها برمح ولا بسهم، وأنه إنما شهدها لعَزْم أبيه عليه في ذلك، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «أطع أبَاكَ» . وإنما أطاعه بما عرض عليه من الحجة التي ظهرت عليه حينئذ، لا أنّه أطاعه ويعتقد أنه على خطأ. هذا ما لا يحل أن يتأول عليه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه لا طَاعَةَ لأَحدٍ في مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ثم اعتذر بعد ذلك من الأمر، إذ ظهر له خلاف رأيه الأول فيه، فهو محمود في كِلتي الحالتين، وَعتْبُ أبي جُهيم عليه، إنما كان إذ لم يتورع عن ذلك. وقد كان في سعة منه. وإن كان يرى حينئذ أن معاوية على صواب لأنه رآه مغرراً إذ من يقاتل على الاجتهاد فيما لا نص فيه، فقد تذكره البصيرة في خلاف رأيه، وهو قد نشب في القتال، فتذكره الحمية مما دخل فيه من القتال فيتمادى عليه،

التحفظ من سوء الظن ونصيحة الإمام لرعيته

فيكون قد وقع في الحرج، والتوقي من ذلك هو الحظ، كفعل أحد ابني آدم، إذ قال لأخيه: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ} [المائدة: 28] ولا شك أنه رجع إلى تكليمه إذ بين له الوجه الذي دخل فيما دخل فيه من أجله، فهو الذي يدل عليه قوله له: أنا أعرف لما تركت كلامي لما كنت أحدثك به، لأن المعنى في ذلك، أنا أعرف ذلك، وإنما دخلت فيما دخلت فيه لوجه كذا والله أعلم. [التحفظ من سوء الظن ونصيحة الِإمام لرعيته] في التحفظ من سوء الظن ونصيحة الِإمام لرعيته قال مالك: بلغني أن ابن عمر باع من رجلين تبناً، قال: فكان يكيل لهما، وقعد إلى جنب حائط في ظله، فذهب الظل عنهما، وأصابت ابن عمر الشمس، فقال له الرجل: إن لو انصرفت عن الشمس، فإنا لا نزيد على حقنا. فقال: أما إني لا أرى إلا وقد صدقتكما، ولكن القعود في الشمس أحب إلي من ظن السوء. قال مالك عن قطن بن وهب عن عمه، أنه سمعه يقول: كنت مع عمر بن الخطاب حتى إذا كنا بالرَّوْحَا أو قريباً من الروحا، رأى عمر بن الخطاب راعياً فعدل إليه من الطريق برواحله، حتى دنا منه، ثم قال: يا راعي إني رأيت مكاناً هو أكلأ من هذا المكان الذي أنت فيه، فانتقل إليه وهو مكان كذا وكذا، ألا وإن كل راع مسئول عن رعيته. ثم انصرف. قال محمد بن رشد: المعنى في هذين الحديثين بيِّن، ليس فيه ما يخفى فيحتاج إلى بيانه وبالله التوفيق. [التحذير من اتباع الهوى ومن الزيغ البعيد] في التحذير من اتباع الهوى ومن الزيغ البعيد وقال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قال: أُحَذِّرُكُم مَا

حكاية بينة في المعنى ليس فيها ما يخفى

مَالَتْ إِلَيْهِ الأهْوَاء وَالزَّيْغَ الْبَعِيدَ. قال محمد بن رشد: إنما حذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من اتباع الهوى لقوله عز وجل: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] والزيغ البعيد هو الِإغراق في القياس، والغلو في الدِّين، وكلاهما مذمومان، لأنك لا تكاد تجد الِإغراق في القياس إلا مخالفاً للسنة، والغلو في الدِّين منهي عنه. قال عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة: 77] وبالله التوفيق. [حكاية بينة في المعنى ليس فيها ما يخفى] قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قال: إني لست متبوعاً ولكن متَّبِعاً، ولست بقاض ولكن منفَذ، ولست بخير من أحدكم ولكنَي مِن أثقَلِكم حملاً. قال مالك: ورفعوه إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: " مَنْ «أحْدَثَ في المدينَةِ أوْ أَوَى مُحْدِثاَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالُمَلاَئِكَةِ والنَّاس أجْمَعِينَ» . قال مالك: يريد من عمل بمعاصي الله، أو أوى أهل المعاصي في رأي. قال مالك: بلغني أن المِسْوَر بن مخرمة، دخل على مروان، فجلس معه. قال: فسأله مروان عن شيء، أو ابتدأَهُ به المسور فقال له: بئس ما قلت، فركضه مروانُ برجله، قال: فخرج المسور، قال: ثم إن مروان نام فأتِيَ في المنام، فقيل له: ما لك وللمسور؟ {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلا} [الإسراء: 84] ، قال

ما روي عن النبي عليه السلام في سعد بن معاذ

فأرسل مروان إلى المسور فقال: إني قد زجرت عنك في المنام، وأخبره بالذي رأى، فقال له المسور: ولقد نهيت عني في اليقظة والمنام، وما أراك تنهى. قال مالك: كان في المسجد مجلس من أهل الفضل فيما مضى والفقه، فكان الرجلان يأتيان في الأمر يكون بينهما، فيدليان بحججهما، فإذا رأوا أن أحدهما أظلمُ، قالوا له: ما نراك إلا أظلم. ووعظوه. فإن انتهى، وإلا حصبوه بالحصباء كلهم، حتى يقوم من عندهم وباللَّه التوفيق. [ما روي عن النبي عليه السلام في سعد بن معاذ] في قول مالك فيما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في سعد وسألت مالكاً عن الحديث الذي يذكره الناس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في سعد بن معاذ. فأنكره وقال: إني أنهاك أن تقوله، وما يدعو أمرأ أن يتكلم بهذا ولا يدري ما فيه من التغرير. وقال مالك: حدثنيِ يحيي بنِ سعيد قال: لَقَدْ نَزَلَ لِمَوْت سعد بْنِ مُعَاذ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ مَا نزَلُوا الأرْض قَبْلَهَا. قال محمد بن رشد: إنما نهى مالك أن يتحدث بهذا الحديث وهو ما رُوي أنّ الْعَرْشَ اهْتَزَّ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ويتكلم به، مخافة أن يَشِيعَ في الناس فيسمعها الجهال الذين لا يعرفون تأويلها فيسبق إلى ظنونهم التشبيه بها، لظنهم أنّ العرش إذا اهتز أي تحرك، تحرك الله بتحركه، كالجالس منا على كرسيه إذا تحرك الكرسي تحرك هو بتحركه. وليس عرش الرحمن بموضع استقرار له، إذ ليس في مكان، ولا مستقر بمكان، تعالى

ما كتب به عبد العزيز إلى ابنه عمر

عن ذلك ذو الجلال والِإكرام. وقد اختلف في تأويل الحديث، فقيل: بأن المراد بالعرش سريره الذي حمل كلليه، فيكون المعنى فيه: إِن الله أحياه معجزة للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأفهمه منزلته عند الله، فاهتز هيبة له، كما أحيا الجذع الذي كان يخطب إليه، إذ صنع له الكرسي فحنَّ إليه وجأر، حتى ارتجَّ له المسجد، وقيل: إن المراد به عرش الرحمن، وذلك مذكور في بعض الآثار، فقيل على هذا المعنى فيه: إنه اهتز حملته استبشاراً لقُدومه عليهم. خرج مَخْرَجَ: وَاسْأْل الْقَرْيَةَ أي أهلها. وَمَخْرَجَ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبًّنَا وَنُحِبُّه» . أي يحبنا أهله ونحب أهله. وقيل المعنى فيه، اهتز حقيقة بأن أحياه الله، وأفهمه منزلته عنده، فتحرك هيبة له، ولا يلحق ذلك الله عز وجل، إذ ليس بمستقر عليه ولا يحويه مكان. وبالله التوفيق. [ما كتب به عبد العزيز إلى ابنه عمر] فيما كتب به عبد العزيز إلى ابنه عمر قال مالك: بلغني أن عبد العزيز كتب إلى ابنه عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة: إنَّه لا دين لمن لا نية له، ولا جديد لِمَن لا خِلقَ له، ولا مال لمن لا رفق له، وكأنه بلغه عنه إسرافٌ في الكسوة. فلقد رؤي بعد كتاب أبيه إليه، وإِن ثوبه لمرقوع. قال محمد بن رشد: قوله لا دين لمن لا نية له صحيح، يشهد له قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنيَّاتِ» ومعناه نفي الانتفاع بالعمل دون نية، لا نفي العمل، فمن أسلم ولم تكن له نية في أعماله، فهو ضعيف الدِّين، ليس له دين ممدوح، وقوله: لا جديد لمن لا يلبس الخلق، حكمة صحيحة منه، لأنه إِن لم يضن ثوبه الجديد بالخلق خلق الجديد بسرعة، فلم يكن له جديد. وقوله: لا مال لمن لا رفق له،

أول من أحدث القتل

صحيح أيضاً لأن من لا يرفق بماله، هلك سريعاً. وفي الحديث المحفوظ: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ، يُحِبًّ الرِّفْقَ وَيرْضَى بِهِ وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لاَ يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ، فَإذَا رَكِبْتُم هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعُجْمَ، فَأنْزِلُوهَا مَنَازِلَهَا، فَإنْ كَانَتِ الأرْضُ جَدْبَةً، فَانْجُوا عَلَيْهَا بِنقْيِهَا فإنَّ الأرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْل مَا لَا تُطْوَى بِالنَّهَارِ» وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ المُنْبَتَّ لا أرضاً قَطَعَ، وَلَا ظَهْراً أبْقَى» وبالله التوفيق. [أول من أحدث القتل] أحاديث بينة في المعنى قال مالك: بلغني أن ابن آدم الذي قتل أخاه حمله على عنقه، قال: فَبَعَثَ اللهُ الغرابَ، قال: {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} [المائدة: 31] قال ابن القاسم بلغني أن ما من قتيل يقتل إلا ضوعف عليه العذاب، لأنه أول من أحدث القتل. قال ابن القاسم: وسمعت مالكاً قال: حدثني أبو الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «قَالَ اللهُ تَعَالَى يا ابْنَ آدَمَ أنْفِقْ أنْفِقْ عَلَيْكَ» ، حدثنا مالك: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أذِنَ لِي أنْ أحَدِّثَ عَن مَلَكِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِنّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أذُنِهِ وَعاتِقِهِ لمجرَى الطَّيْرِ سَبْعِينَ عَاماً» . قال محمد بن رشد: هذه أحاديث بينة في المعنى ليس فيها ما يخفى فلا وجه لتكلف القول بما هو بيِّنٌ يُدْرَى.

التكبير في الفطر والأضحى

[التكبير في الفطر والأضحى] في التكبير في الفطر والأضحى قال سحنونٌ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بن نَافِعٍ عَن كُثَيِّرَ بْن عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِي، عَنْ أبيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَكانَ من أصْحَاب رَسُول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «أن النبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الأضْحَى وَالْفِطْرِ، فِي الرَّكْعَةِ الأولَى سَبْعاً قَبْلَ الْقِرَاءةِ وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ خَمْساً قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» . قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة قبل هذا في رسم كتب عليه ذكر حق فلا وجه لِإعادته. [أخذ زكاة الفطر من أهل البادية] في أخذ زكاة الفطر من أهل البادية قال ابن القاسم: وحدثني عبد الله بن نافع عن كُثير بن عبد الله عن رِبح بن عبد الرحمن عَنْ أَبى سَعِيِدِ الْخُدْري «أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أخَذَ زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ أهْل البَادِيَةِ» . قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك وأصحابه والشافعي وأبي حنيفة. وقال الليث بن سعد ليس على أهل العمود زكاة الفطر أصحاب الخصوص والمظال، وإنما هي على أهل القرى. وهو قول ضعيف، لأنه كما يستوي الحاضرة والبادية في جميع شرائع الدين، من الصلاة والصيام، وزكاة العين والحرث والماشية، فكذلك يلزم أن يستويا في زكاة الفطر. وبالله التوفيق.

ما جاء في أن يحيى بن زكريا وعيسى ابن مريم ابنا خالة

[ما جاء في أن يحيى بن زكريا وعيسى ابن مريم ابنا خالة] في أن يحيى بن زكريا وعيسى ابن مريم ابنا خالة قال: وبلغني أن عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا ابنا خالة، وكان حماهُما جميعاً معاً، فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم: إني أرى ما في بطني سجد لما في بطنك، لتفضيل عيسى، فإن الله جعله يُحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ولم يكن ليحيى عيشٌ إلا عشب الأرض، وإن كان ليبكي من خشية الله، حتى لو كان على خده القار لأذابه، ولقد كان الدمع اتخذ في وجهه مجرى. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بيِّن، ليس فيه ما يخفى فيُحتاج إلى بيانه. وبالله التوفيق. [ما جاء في أَن الدعاء لا يرد القدَر] في أَن الدعاء لا يرد القدَر قال: وحدَّثني مالك أن ابناً لعبد الملك بن مروان مرض، فكأنَّهم رقوا له. قال: فقالت أُمه لو أخرجته إلى القراء والناس يدعون له. قال: فخرج، ثم إنه مات، قال: فدخل عليها عبد الملك. فقالت: قد دُعي له فمات، قال عبد الملك: إن لِلَّهِ عَزَائِمَ مِنْ قَضَائِهِ لَا مَرْدُودَ لَهَا. قال محمد بن رشد: قول عبد الملك، إن لله عزائم من قضائه لا مردود لها، كلام ليس بمحصل، لأن فيه دليلاً على أنَّ له عزائم من قضائه يردها الدعاء، والدعاء لا يرد القضاء، إذ لا يدعو الداعي، ولا يجاب لدعائه إلّاَ بأمر من الله. قد سبق به القضاء. فقد علم اللهُ في أَزله، من يدعو فيجيب دعاءه، ومن يدعو فلا يجيب دعاءه. ومن لا يدعو إذا لم يوفقه للدعاء. وعلم أن من قضى عليه أَن يدعو فيجيب دعاءه فيما دعا به وسأَله لو سبق قضاؤه ألَّا يدعو في ذلك الشيء لم يكن إذ لم يدع فيه،

موقع الحسنة من قلب المؤمن

لأن الله تعالى يعلم ما كان وما يكون، إذ قدْ قدَّره وقضى به ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان. قال عز وجلّ: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28] وهم لا يردون، إذ قد سبق في علم الله أَنهم لا يردون، فقد يود الرجل الشيء ويُحِب أَن يكون، فيدعو فيه، فيجيب الله دعاءه فيه، ويكون بما سبق من قضاء بذلك، وقد لا يجيب دعاءه ولا يكون إذا كان قد سبق من قضاء الله أَن ذلك لا يكون، وقد لا يدعو فيه فيكون أيضاً. ولا يكون بما سبق أيضاً من قضائه بأن ذلك لا يكون، أَو يكون. فلو قال عبد الملك بن مروان: إن عزائِم الله وقضاياه لا مردود لها، لكان قوله صحيحاً، وإن لم يستجب للداعي فيما دعا فيه، أُجر في دعائه. فكتبت له به حسنات وكفرت عنه سيئات. لأنَه عبادة من العبادات. [موقع الحسنة من قلب المؤمن] في موقع الحسنة من قلب المؤمن قال مالك: وبلغني أن ابن مسعود قال: لأن أَعلم أَن اللهَ قد قبِل مني حسنة، أحبُّ إلي ممَّا على الأرض. قال محمد بن رشد: هذا اعتقاد صحيح، لأن ما على الأرض جميعاً لو كان له يموت ويتركه. والجزاء من الله عزَّ وجلّ على الحسنة المقبولة سرمداً أبداً لا نهاية له، فينبغي لكل مسلم أَن يُسر بقبول الله تعالى له حسنة واحدة أكثر ممَّا يسر بمتاع الدنيا كله لو أعطيه، وأَمكن أن يملكه وينفعه، لأنه متاع قليل، يموت ويتركه. وبالله التوفيق. [المشرك يُسلم هل يُثاب على ما عمل من خير في حال شركه] في المشرك يُسلم هل يُثاب على ما عمل من خير في حال شركه؟ وسُئل مالك عن عمل أَهل الشرك، أَبلغك أَنهم ما عملوا من خير كتب لهم بعد أن يسلموا حسناتٍ؟ فأنكر ذلك وقال: لا

أدري ما هذا؟ وإنما الأعمال بالنية فأما اليهود والنصارى يعملون الآن، فإذا أسلموا كتب لهم، فأنكر ذلك. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا في أن الكافر لا يثاب إذا أسلم بما عمله من الخير في حال كفره، صحيح، واحتجاجه في ذلك بقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما الأعمال بالنيات» . بين واضح، لاسيما بما في الحديث من قوله فيه: «وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» والكافر ما عمل في حال كفره من صلة رحم أو فعل معروف، أو عتق رقاب أو قرا ضيف فإنما يريد بذلك أن يحمد بذلك ويشكر عليه، فليس له بما فعله من ذلك إلا ما نوى به، وإذا كان المسلم لا يكون له بما عمله إذا لم يرد به وجه الله إلا ما نواه من أمر دنياه، فأحرى ألا يكون للكافر إلا ذلك، ويؤيد هذا ما روي «عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله: إن أبي كان يفعل كذا وكذا ويصل الرحم. قال: إن أباك أراد أمرا فأدركه» . أي إنما كان ذلك منه لمعنى قد بلغه وناله في دنياه، فلا ثواب له عليه في أخراه وقد ينتفع بذلك ولده من بعده، فيكون له به شرف عند الناس وحرمة، ويؤيد هذا ما روي من «أن سلمان بن عامر أتى النبي عليه السلام فقال: إن أبي كان يقري الضيف، ويفعل ويفعل، وإنه مات قبل الإسلام، فقال: " لن ينفعه ذلك ". فلما ولى قال علي الشيخ، فلما جاء قال إن ذلك لن ينفعه، ولكن في عقبه، إنهم لن يفتقروا ولن يذلوا ولن يجزوا.» والمعنى في رده إياه والله أعلم أنه أراد أن يبين له أن قوله لن ينفعه ذلك، إنما أراد بذلك أنه لا ينفعه في الآخرة، ولم يرد أن المنفعة بذلك في الدنيا تنقطع بموته، إذ قد ينتفع بذلك عقبه من بعده، فيكون لهم به حرمة يراعون من أجلها ويتمكنون من

النهبة حكمها

اكتساب المال بسببها، فيبين له آخرا ما أجمله من قوله أولا، وقد قيل في تأويل رده: إنه إنما كان لوحي أتاه به الملك في الحين. والذي قلته أولى والله أعلم. وما روي «عن حكيم بن حزام أنه قال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرأيت أمورا كنت أتحدث بها في الجاهلية، من صدقة وعتاقة وصلة رحم، هل لي فيها من أجر؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أسلمت على ما أسلفت من خير.» يحمل على أن ذلك الخير هو الخير الذي يناله في دنياه من المحمدة والشكر والثناء وينتفع به ولده من بعده. فيحظى عند الناس من أجله. وبالله التوفيق. [النهبة حكمها] في النهبة قال مالك: أخبرني شيخ قديم قال: لما كانت فتنة ابن الزبير انتهب الناس تمرا من تمر مال الله، قال: فاشترت أمي ذلك الثمر، فعملت منه خلا حتى طاب وذهبت الفتنة، فأمرتني أمي أن أذهب إلى ابن عمر فأسأله عن ذلك، فذهبت إلى ابن عمر فسألته عنه فأفتاني أن أهرقه، ولا آكله، قال مالك: أرى ابن عمر إنما كرهه لموضع النهبة. قال محمد بن رشد: وجه فتوى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المرأة أن تهرقه ولا تأكله، هو أن الثمر الذي عملته منه هو من مال الله، فكان الحق منه أن يقسمه الإمام بالاجتهاد، فلما لم تكن هي ممن لها الاجتهاد في ذلك، لم يأمرها بالتصدق به، ورأى لها الخلاص أن تهرقه ولا تأكله، لأن تصدقها به من غير أن يكون لها الاجتهاد في ذلك، من جنس النهبة التي وقعت فيه أولا. والله أعلم. ويحتمل أن يكون ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أفتاه بإراقته وترك أكله، عقوبة لها على ما فعلت من عملها إياه من التمر المنهوب ولم يأمرها بالصدقة، لئلا يظن ظان أنها تصدقت به على ملكها، فتكون مأجورة في فعلها، فيكون ذلك ذريعة إلى استجازة ذلك الفعل، وهذا من

نحو ما قيل فيمن يفعل ما لا يجوز له من تخليل الخمر إنها لا تؤكل وتهرق، ولا يتصدق بها. وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بإكفاء القدر يوم خيبر من لحوم الحمر الأهلية، إنما كان من أجل أنها كانت نهبة. وأما ما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم، وفي العرائس، فتكون فيه النهبة، فكرهه مالك بكل حال، لظهور الآثار الواردة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك. من ذلك نهيه عن النهبة، وأنه قال: «النهبة لا تحل» وأنه قال: «من انتهب فليس منا» وفي ذلك تفصيل أما ما ينثر عليهم ليأكلوه على وجه ما يؤكل دون أن ينتهب حرام، لا يحل ولا يجوز، لأن مخرجه إنما أراد أن يتساووا في أكله على وجه ما يؤكل. فمن أخذ منه أكثر مما كان يأكل منه مع أصحابه على وجه الأكل فقد أخذ حراما، وأكل سحتا لا مرية فيه. ودخل تحت الوعيد. وأما ما ينثر عليهم لينتهبوه، فهذا كرهه مالك، وأجازه غيره. وتأول أن نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الانتهاب، إنما معناه انتهاب ما لم يؤذن في انتهابه، بدليل ما روي عن عبد الله بن قوط قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحب الأيام إلى الله يوم النحر ثم يوم القر» فقرب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدنات خمسا، أو ستا فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفية لم أفقهها، فقلت للذي كان إلى جنبي: ما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ؟ قال: قال: " من شاء اقتطع ". وما روي من «أن صاحب هدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال يا رسول الله: كيف

تحريق رحل الغال

أصنع بما عطب من الهدي فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " انحرها، ثم ألق قلائدها في دمها، ثم خل بين الناس وبينها يأكلونها» . لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أباح في هذين الحديثين للناس الذين يحل لهم الهدي أن يأخذ منهم من شاء ما أخذ، من غير مقدار ولا قسم معلوم، وفي هذا بيان إن شاء الله. [تحريق رحل الغال] في تحريق رحل الغال وسئل مالك عن الحديث الذي جاء فيه من غل أحرق رحله. فأنكر ذلك وقال لا حرق في الإسلام، ولا يحرق رحل رجل في الإسلام. قال محمد بن رشد: الحديث الذي جاء بإحراق رحل الغال حديث شاذ لم يأخذ به مالك ولا أحد من فقهاء الأمصار ولا قال بذلك من الفقهاء إلا مكحول، وقوله شاذ بعيد في النظر إذ لا يحل إهلاك مال أحد بذنب من الذنوب، وإن قتل. وإن صح الحديث، فمعناه أنه كان في أول الإسلام حين كانت العقوبات في الذنوب بالأموال. من ذلك ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في مانع الزكاة أن خذوها منه وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا. وما روي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ في حريسة الجبل، أن فيها غرامة مثليها وجلدات نكال. وما روي عنه من أن من أخذ يصيد في حرم المدينة شيئا فلمن أخذه سلبه ثم نسخ ذلك كلها بالإجماع، على أن ذلك لا يجب، وأن العقوبات إنما تجب في الأبدان، وقد روي أنه يجب عليه مع حرق رحله، ضرب عنقه. حكى «أن مسلمة بن عبد الملك، دخل

ركوع الإمام وغيره في المسجد بعد الجمعة

أرض الروم فغل رجل، فبعث مسلمة إلى سالم بن عبد الله فقال: حدثني أبي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يقول: " من أخذتموه قد غل فاضربوا عنقه وأحرقوا متاعه» وهذا ما لم يقل به أحد من فقهاء الأمصار، ويعارضه القرآن قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] فإذا لم يجب على السارق في سرقة ما لا حظ له فيه، ضرب عنقه، فأحرى ألا يجب ذلك على من سرق من المغنم الذي له فيه حظ. وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: أن يكفر بعد إيمان أو يزني بعد إحصان أو يقتل نفسا بغير نفس» فاقتضى ذلك إسقاط القتل عمن سوى هؤلاء الثلاث نصا، فلا يصح أن يوجب القتل على الغال بهذا الحديث، وإن صح إلا أن يعلم أنه كان بعده، فيكون ناسخا له، لأنه إذا احتمل أن يكون قبله وأن يكون بعده، لم يصح أن يحمل على أنه كان بعده، لأن الدماء محظورة فلا تباح إلا بيقين. [ركوع الإمام وغيره في المسجد بعد الجمعة] في ركوع الإمام وغيره في المسجد بعد الجمعة قال مالك: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى الجمعة انصرف من المسجد ولم يركع بعدها في مقامه شيئا. قال مالك: والإمام يفعل ذلك، فأما الناس، فمن شاء ركع، ومن شاء لم يركع، قال ابن القاسم: وأحب إلى غير الإمام أن يرجع إلى بيته فيصلي ركعتين.

المثل الذي ضربه رسول الله لأمته مع من قبلها من الأمم

قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في رسم حلف قبل هذا مستوفى فلا معنى لإعادته. [المثل الذي ضربه رسول الله لأمته مع من قبلها من الأمم] في المثل الذي ضربه رسول الله لأمته مع من قبلها من الأمم وحدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال: «إنما أجلكم فيما خلا من الأمم كمثل ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط، قيراط فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى على قيراط قيراط ثم قال من يعمل من صلاة العصر إلى مغيب الشمس على قيراطين قال: فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغيب الشمس على قيراطين قيراطين. قال: فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال: فهل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا. قال: فإن فضلي أوتيه من أشاء» . قال محمد بن رشد: في هذا الحديث مثلان، ضربهما النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أحدهما في مقدار مدة أمته، من سائر الأمم، وهو قوله في أول الحديث: إنما أجلكم فيما خلا من الأمم، كمثل صلاة العصر إلى مغرب الشمس، فأعلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بهذا المثل، أن نسبة مدة أمته، من نسبة مدة سائر الأمم كنسبة مدة ما بين العصر إلى المغرب من نسبة مدة جميع النهار، وذلك نحو الربع في المقادر. والمثل الثاني في مقدار أجور

أمته، من أجور أهل التوراة، والإنجيل. وهو قوله: " وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا " إلى آخر الحديث. فأعلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بهذا المثل، أن أجور أمته ضعف أجور أهل التوراة وضعف أجور أهل الإنجيل، وإن كانوا أقل عملا منهم؛ لأن مدتهم أقصر مدة منهم. وهذا في الجملة، والمعنى فيه على التفصيل، والله أعلم، أن لمن آمن بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وعمل بما شرعه إلى أن توفي، من الأجر ضعف ما لمن آمن بموسى وعمل بما شرعه، إلى أن توفي، وضعف ما لمن آمن بعيسى وعمل بما شرعه إلى أن توفي أيضا، وقد خرج البخاري هذا الحديث عن عبد الله بن عمر، من غير رواية مالك معناه وإن خالفت ألفاظه ألفاظه، وخرجه من رواية يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى بما يخالف لفظه ومعناه، من الأجراء الآخرين الذين عملوا من العصر إلى المغرب، يستوجبون أجر الفريقين جميعا الذين عملوا من أول النهار إلى نصف النهار، ومن نصف النهار، إلى حين صلاة العصر، ويذهبان غما ولا شيء لهما. وهذا المثل إنما ضربه صلى الله عليه فيمن آمن بموسى من أهل التوراة، وكان على شرعه، إلى أن بعث عيسى، فلم يؤمن به، وفيمن آمن من أهل الإنجيل بعيسى، وكان على شرعه، إلى أن بعث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلم يؤمن به؛ لأن هذين يبطل أجرهما جميعا، الأول بكفره بعيسى، والثاني بكفره بمحمد عليه السلام، ويكون لمن آمن بالنبي عليه السلام ضعف ما كان يكون لمن آمن بموسى ولم يدرك عيسى ولا كفر به، وضعف ما كان يكون لمن آمن بعيسى، ولم يدرك نبينا عليه السلام، ولا كفر به. وأما من آمن بموسى وكان على شرعه إلى أن بعث عيسى فآمن به، أو كان على شرع عيسى إلى أن بعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فآمن به، فله أجره مرتين، على ما جاء فيما كتب به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى هرقل، وبالله التوفيق.

أنكر لون ولده

[أنكر لون ولده] في الذي أنكر لون ولده وحدثني عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: «أن رجلا من أهل المدينة أتى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فقال: يا رسول الله، ولدت امرأتي غلاما أسود. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا. قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: فأراه عرقا نزعه، قال: فلعل ابنك نزعه عرق» . قال محمد بن رشد: زاد في حديث آخر: ولم يرخص له في الانتفاء منه. وهو المعنى فيه. فلا اختلاف فيمن أقر بوطء امرأته فجاءت بولد لما يلحق به، ولم يستبرئها، فأنكر لونه أنه يلزمه، ولا يكون له أن ينفيه عن نفسه؛ لأن اللعان لا يكون إلا على ستة أوجه، الثلاثة منها متفق عليها، وهي أن ينفي حملا لم يكن مقرا به ويدعي الاستبراء، أو يدعي رؤية لا مسيس بعدها في غير ظاهرة الحمل، أو ينكر الوطء جملة، فيقول: لم أطأها قط، أو منذ مدة كذا وكذا، لما لا تلحق به الأنساب. والثلاث المختلف فيها هي أن يقذف زوجته ولا يدعي رؤية، أو ينفي حملها ولا يدعي استبراء، أو يدعي رؤية ولا مسيس بعدها في حامل بينة الحمل. وفي هذا الحديث إثبات الحكم بالقياس؛ لأن القياس إنما هو تمثيل الشيء بالشيء، وإجراء حكمه عليه. وبالله التوفيق. [الاستعانة بالمشرك على قتال العدو] في الاستعانة بالمشرك وحدث عن مالك، عن الفضيل بن أبي عبد الله، عن

عبد الله بن دينار، عن عروة بن الزبير، «عن عائشة زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنها قالت: خرج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة، أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين رأوه، فلما أدركه قال: يا رسول الله: جئتك لأتبعك، وأصيب معك، فقال له النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: أرجع فلن أستعين بمشرك، قالت عائشة: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال كما قال أول مرة، فقال: لا، أرجع فلن أستعين بمشرك، قالت. فرجع، ثم أدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم، قال: فانطلق» . قال محمد بن رشد: وقع هذا الحديث في كتاب الجهاد من المدونة، وأخذ به مالك وأصحابه، فلم يجيزوا للإمام أن يستعين بالكفار على قتال العدو، ولا أن يأذن لهم في الغزو مع المسلمين، ولا منفردين أيضا؛ لأنه وجه من العون، ولأنهم يستبيحون فيه ما لا يجوز في الغزو على ما قاله أصبغ في نوازله؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لن أستعين بمشرك» . ولما روي من «أن الأنصار قالوا يوم بدر: ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا حاجة لنا فيهم» . وهو نص قول ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب الجهاد. قال: لا أحب للإمام أن يأذن لهم بالغزو. ودليل على أنهم إن لم يستأذنوه لم يجب عليه أن يمنعهم.

وعلى هذا يحمل غزو صفوان بن أمية مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حنينا والطائف، خلاف قول أصبغ في نوازله إنهم يمنعون من ذلك أشد المنع. وقد ذكر أبو الفرج عن مالك أنه لا بأس على الإمام أن يستعين بالمشركين في قتال المشركين إذا احتاج إلى ذلك. وهو دليل قوله للأنصار: لا حاجة لنا فيهم. وقد روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أنه لما بلغه جمع أبي سفيان ليخرج إليه يوم أحد استعان بيهود النضير. فقال لهم: (إنا وأنتم أهل كتاب، وإن لأهل الكتاب النصر على أهل الكتاب، فإما قاتلتم معنا، وإما أعرتمونا سلاحا» فإن غزوا بإذن الإمام أو بغير إذنه منفردين تركت لهم غنيمتهم ولم تخمس، وإن غزوا مع المسلمين في عسكرهم، لم يكن لهم في الغنيمة نصيب، إلا أن يكونوا متكافئين أو يكونوا هم الغالبين فتقسم الغنيمة بينهم وبين المسلمين قبل أن تخمس، ثم يخمس سهم المسلمين خاصة. وأهل الكتاب وغيرهم عند مالك سواء في هذا. وحكى الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه أنهم أجازوا الاستعانة بأهل الكتاب دون من سواهم من المشركين عبدة الأوثان والمجوس، وصحح الآثار على ذلك. قال: وإنما لم يستعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحلفاء الأنصار من يهود، للحلف الذي كان بينهم وبين عبد الله بن أبي المنافق؛ لأنهم خرجوا بذلك من حكم أهل الكتاب، وهو من التأويل البعيد، ولا بأس بأن يستعار السلاح من الكفار، كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأجاز ابن حبيب أن يقوى الإمام على من سالمه من أهل الحرب على من لم يسالمه منهم بالقوة والسلاح أن يسايروا عسكر المسلمين ما لم يكونوا في داخله وبسبيل أهله. وقد مضى في أول سماع يحيى من كتاب الجهاد، وبالله التوفيق.

في الرؤيا والحلم

[في الرؤيا والحلم] وحدثنا محمد بن أحمد العتبي، عن عيسى بن دينار، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم الذي يكرهه في منامه فلينفث عن يساره ثلاث مرات ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنها لا تضره» . قال عيسى: وقال لي ابن وهب مثل هذا، إلا أنه قال: يقول: «أعوذ بالله بما عاذت به ملائكة الله ورسوله من شر ما رأيت في منامي أن يصيبني منه شيء أكرهه في الدنيا والآخرة وليتحول على شقه الآخر» . قال محمد بن رشد: الحديث الذي ذكره موسى عن عيسى بن دينار هو في الموطأ مسند من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي قتادة بن ربعي أنه سمع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «الرؤيا الصالحة من الله» . الحديث. فزاد فيه الصالحة. وهو يبين ما في الحديث. والمعنى فيه أن الرؤيا الصالحة وهي الحسنة التي تبشر بالخير في الدنيا وفي الآخرة، لا مدخل فيها للشيطان. وهي من الله جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوءة، إذا رآها الرجل الصالح. وروي من خمسة وأربعين جزءا، وروي من سبعين جزءا. والمعنى في هذه التجزئة، أن ما يصاب في تأويله من هذه الرؤيا التي هي على الصفة المذكورة، يتخرج على ما يعبر به مما يخطأ في تأويله. فلا تخرج على ما يعبر يكون جزءا من خمسة وأربعين أو من ستة وأربعين أو من سبعين، إذ لو خرجت كلها على ما تعبر لكانت كالنبوءة في الإخبار

بالمغيبات. وهذا هو الفرق بين الأنبياء وبين رؤيا سائر الناس؛ لأن رؤيا سائر الناس قد يخطأ في تأويلها فلا تخرج على ما تعبر. وقد يصاب في تأويلها فتخرج على ما تعبر. وما يصاب في تأويله منها هو الجزء من النبوءة، لكونه في معنى النبوءة. فالرؤية الصالحة المبشرة من الله عز وجل، جزء من الأجزاء المذكورة في الحديث، إن كانت من الرجل الصالح، وإن لم تكن من الرجل الصالح فلا يقال فيها، وإن كانت من الله عز وجل، إنها جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوءة، ولا من ستة وأربعين، ولا من سبعين. والرؤيا المكروهة تنقسم على قسمين: منها رؤيا من الله عز وجل، قد يصاب في تعبيرها فتخرج على ما يعبر به، وقد يخطأ في تعبيرها فلا تخرج على ما تعبر به، ولا يقال فيها أيضا: إنها جزء من خمسة وأربعين جزءا ولا من ستة وأربعين ولا من سبعين. ومنها حلم من قبل الشيطان، يحزن به الإنسان لا يضر رائيه، فأمر الرجل إذا رأى في منامه ما يكرهه أن يستعيذ بالله من شر ما رأى، فإذا فعل ذلك موقنا بما روي في ذلك لم يضره ما رأى، أو المعنى في ذلك أن الله لا يوفقه للاستعاذة مما رأى إلا بيقين صحيح، إلا فيما هو من تحزين الشيطان، وفيما هو بخلاف ما تأوله مما كره. وقد يصرف الله عنه ما كرهه مما رآه في منامه، وإن كان من الله، بالاستعاذة منه، كما يصرف عنه سوء القدر بالدعاء الذي سبق في علمه أنه يصرف به على ما تقدم القول فيه قبل هذا الرسم، وبالله التوفيق. تم الجزء الثاني من الجامع بحمد الله.

كتاب الجامع الثالث

[كتاب الجامع الثالث] [الكلام بعد طلوع الفجر] ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية في الكلام بعد طلوع الفجر قال مالك: حدثني أبو النصر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، ثم ينصرف، قالت: فإن كنت يقظانة حدثني، وإن كنت نائمة اضطجع حتى يأتيه المؤذن، وذلك بعد طلوع الفجر» . قال: وقد كان سالم بن عبد الله يتحدث بعد الفجر، قال: ولم أدرك الناس إلا على ذلك. قال ابن القاسم: ورأيت مالكا يفعل ذلك. قال محمد بن رشد: هذا كله في كتاب الصلاة الثاني من المدونة وزاد فيها قال: وإنما يكره الكلام بعد صلاة الصبح، ولقد رأيت نافعا مولى ابن عمر، وموسى بن ميسرة، وسعيد بن أبي هند يجلسون بعد أن يصلوا الصبح، فيتفرقون للركوع، وما يكلم أحد منهم صاحبه، يريد بذلك، اشتغالا بذكر الله، فأجاز مالك الكلام بعد الفجر، إلى صلاة الصبح،

تفضيل عمررضي الله عنه لركبة على الشام

اتباعا لحديث عائشة، وكره الكلام بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، أو قرب طلوعها. وأهل العراق على ضد هذا، يكرهون الكلام بعد طلوع الفجر إلى صلاة الصبح، ولا بأس بالكلام عندهم بعدها. قال أحمد بن خالد: والسنة ترد ما قالوه، وما قاله مالك من حديث عائشة يرد قول أهل العراق. وما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من «أنه كان إذا صلى الصبح حول وجهه إلى الناس وقال: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا» وبالله التوفيق. [تفضيل عمررضي الله عنه لركبة على الشام] في تفضيل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لركبة على الشام وقال في تفسير قول عمر: بيت بركبة خير من عشرة أبيات بالشام. قال مالك: يريد بذلك الوباء بالشام وصحة ركبة. قال محمد بن رشد: ركبة موضع بين الطائف ومكة، في طريق العراق، قاله ابن وضاح. وقال غيره: ركبة واد من أودية الطائف. وتفسير مالك للحديث صحيح. والمعنى فيه أن الأمراض تقل بركبة. وتطول أعمار أهلها بها في الغالب من أحوالهم، بخلاف الشام، التي ينتابها الوباء وتكثر فيها الأمراض بعادة أجراها الله في البلدين مع اختلاف الهواء فيهما، لا أن في ذلك للهواء تأثيرا. ولم ينكر قول القائل من الحكماء: هواء بلد كذا جيد مصح للأجسام. وهواء بلد كذا فاسد مولد للأمراض؛ لأن ذلك عندهم مجاز، ليس على ظاهره من الحقيقة؛ لأن الهواء لا يصح الجسم، ولا يولد فيه مرضا بحال، والفاعل لذلك كله إنما الله عز وجل، لكنه تعالى أجرى ما يفعله من ذلك كله على عوائد أمره عليها، فلما وجدت بلدان على مر الدهور والأزمان، يختلف هواؤها ويختلف أحوال أهلها فيها بالصحة

استتابة القدرية

والمرض على وتيرة واحدة، نسب إلى هواء كل بلد حال أهله من الصحة والسقم، مجازا على غير حقيقة. هذا هو الواجب اعتقاده في هذا، وما عداه كفر. والحديث عن عمر في الجامع من الموطأ، وقد روي عنه أنه قال: لأن أعمل عشر خطايا بركبة، أحب إلي من أن أعمل واحدة بمكة. والمعنى في هذا تفضيل مكة على ركبة، بأن السيئات تضاعف فيها، كما تضاعف فيها الحسنات، وقد رأى بعض العلماء تغليظ الدية في الجراح والنفس في البلد الحرام والشهر الحرام. وبالله التوفيق. [استتابة القدرية] في استتابة القدرية قال مالك في القدرية: إن لم يتوبوا أرى أن يقتلوا. قال محمد بن رشد: قول مالك في القدرية: إنهم يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا. كما يفعل بالمرتدين، يدل على أنه كفرهم بما يدينون به من اعتقادهم. وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب المرتدين والمحاربين. وفي رسم يريد من سماع عيسى منه، فمن أراد الوقوف على الشفاء من ذلك تأمله هناك، وبالله التوفيق. [ما جاء من اختتان إبراهيم صلى الله عليه بالقدوم] فيما جاء من اختتان إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بالقدوم قال: وسمعت مالكا يحدث، قال: «اختتن إبراهيم بالقدوم على رأس عشرين ومائة سنة. وبقي بعد ذلك ثمانين سنة» . قال محمد بن رشد: قد روي هذا الحديث عن سعيد بن المسيب

عن أبي هريرة، عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فمن الرواة من أوقفه على سعيد بن المسيب، ومنهم من أوقفه على أبي هريرة، ومنهم من أسنده إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وهو الصحيح؛ لأن مثله لا يكون رأيا. وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله غليه وسلم أنه قال: اختتن إبراهيم بعد ما مرت عليه ثمانون سنة، واختتن بالقدوم. والقدوم موضع، وقيل فيه: إنه الحديدة التي اختتن بها. روي عن عكرمة أنه قال: ختن نفسه بالفاس فصرف بصره عن عورته أن ينظر إليها. قال: فلم يطف بالبيت بعد على ملة إبراهيم إلا مختونا. والمعنى في صرفه بصره عن عورته، أنه فعل ذلك تكرما إذ لا حرج على الرجل في النظر إلى عورته. والختان طهرة الإسلام. روي عن المسيب بن رافع أنه قال: أوحى الله إلى إبراهيم أن تطهر فتوضأ، فأوحى الله أن تطهر فاغتسل، فأوحى الله إليه أن تطهر، فاختتن. فصار الختان من ملته وشريعته التي أمر الله نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالتزامها حيث يقول: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] . أي الزموها. {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [الحج: 78] . الآية. روي عن ابن عباس أنه قال: الأقلف لا تؤكل له ذبيحة، ولا تقبل له صلاة، ولا تجوز شهادته. وروى أبو بردة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الأقلف: «أنه لا يحج بيت الله حتى يختتن» . وفي الحديث من الفقه وجوب الختان على من أسلم كبيرا. فروي عن مالك أنه كان يرخص بذلك للشيخ الكبير، ولا يرى بإمامته بأسا، ولا بشهادته وذبيحته وحجه. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا ضعف وخاف على نفسه، كان له أن يترك الختان. وقال سحنون: ليس له أن يتركه، وإن خاف على نفسه منه. ألا ترى أن الذي يجب عليه قطع يده، لا يترك عنه ذلك، وإن خيف عليه منه. وحد الختان عند مالك، إذا أدب على الصلاة ابن عشر سنين ونحوها. وكره الختان يوم السابع. قال: لأنه فعل اليهود. وروي أن إبراهيم عليه السلام ختن ابنه

الشرب في القدح المضبب بالفضة

إسماعيل لثلاث عشرة سنة، وإسحاق لسبعة أيام. وأنه كان بين ختان إسماعيل ومولد إسحاق سنة. وأما الخفاض للنساء، فإنه مكرمة للنساء، وكان أول ذلك ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حديث سارة مع الملك. قال فيه: فوهب لها هاجر فخدمتها ما شاء الله، ثم إنها غضبت عليها ذات يوم فحلفت لتغيرن منها ثلاثة أشياء. فقال إبراهيم لها: تخفضينها وتشقين أذنيها، واختلف فيمن ولد مختونا فقيل: تمر الموسى عليه، فإن كان فيه ما يقطع قطع، وقيل قد كفي المؤنة فيه. وهو الأظهر إن شاء الله. [الشرب في القدح المضبب بالفضة] في الشرب في القدح المضبب بالفضة وسئل مالك عن الرجل يشرب في القدح وفيه تضبيب ورق أو حلقة من ورق. قال: لا أحب الشرب فيه. قال محمد بن رشد: قياس القدح المضبب بالفضة، أو الذي يكون فيه الحلقة من الفضة، قياس الثوب يكون فيه العلم من الحرير. وقد مضى هذا في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها قبل هذا. [الشرب في نفس واحد] في الشرب في نفس واحد قال مالك في حديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إني لا أروى من نفس واحد، فقال له النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فأبن القدح عن فيك» ، وإني لا أرى بالشرب من نفس واحد بأسا، وأرى فيه رخصة لموضع الحديث. إني لا أروى من نفس واحد. قال محمد بن رشد: استدلال مالك بالحديث على إجازة الشرب في نفس واحد بين واضح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما نهى عن

كسر معاصر الخمر

النفخ في الشراب فقال له الرجل: إني لا أروى من نفس واحد قال له: «فأبن القدح عن فيك ثم تنفس» ومعناه: فإن كنت لا تقدر على ذلك فأبن القدح عن فيك ثم تنفس. وفي ذلك دليل ظاهر على أنه إن قدر على ذلك جاز له أن يفعله. والنظر يدل على جواز ذلك أيضا؛ لأن النهي إنما جاء عن النفخ في الإناء أو التنفس فيه. روي عن ابن عباس قال: «نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أن ينفخ في الإناء أو يتنفس فيه» . وعن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب. ولكن إذا أراد أن يتنفس فليؤخره عنه ثم يتنفس» . فإذا لم يتنفس في الإناء جاز له أن يشرب كيف شاء، إن شاء في نفس واحد، وإن شاء في نفسين. وهو قول عمر بن عبد العزيز. روي عن ميمون بن مهران أنه قال: رآني عمر بن عبد العزيز وأنا أشرب، فجعلت أقطع شرابي وأتنفس. فقال: إنما نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تنفس في الإناء، فإذا لم تنفس فيه فاشربه إن شئت في نفس واحد. وقوله عين الفقه، وهو قول سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح عن جماعة من السلف، أنهم كرهوا ذلك، منهم ابن عباس وطاوس وعكرمة. قالوا: الشرب من نفس واحد شرب الشيطان، وبالله التوفيق. [كسر معاصر الخمر] في كسر معاصر الخمر قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز بعث في كسر معاصر الخمر، فكسرت أو كسر بعضها. قال مالك: قد تكون أشياء فيها رخص، من تركها غير محرم لها فلا أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: ما بلغ مالكا من أن عمر بن عبد العزيز بعث

حكم أكل الضب

في كسر معاصر الخمر معناه: في معاصر المسلمين، لا في معاصر أهل الذمة. قاله مالك في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان. وهو صحيح؛ لأن أهل الذمة إنما بذلوا الجزية على أن يقروا في ذمتهم على ما يجوز لهم في دينهم، فلا يمنعون من عصر الخمر إذا لم يظهروها في جماعة المسلمين. وقوله أو كسر بعضها معناه: أنه ترك منها ما لم يتهم صاحبه على أنه إنما يعصر الخمر فيها ليشربها أو ليبيعها، لاحتمال أن يكون إنما يعصرها فيها ليخللها أو ليبيعها. وقول مالك قد تكون أشياء فيها رخص من تركها غير محرم لها فلا أرى به بأسا. كلام فيه نظر؛ لأن من ترك الرخص وتجنبها فقد أخذ بالاحتياط لنفسه، وذلك نهاية الورع، فلا يقال في مثل هذا: إنه لا بأس به، وإنما يقال فيه: إنه قد أتى ما يستحب له، فينبغي أن يتأول الكلام على أن فيه إضمارا، فيكون معناه من تركها غير محرم لها فقد أحسن لأنه مأجور على ذلك، ومن أتاها فلا بأس به أي لا إثم عليه في ذلك، وذلك في مثل أن يعصر الرجل الخمر ليجعلها خلا فلا بأس بذلك، إذ قد رخص فيه من أباحه، ومن لم يأخذ بالرخصة في ذلك فقد أحسن. وإلى هذا الوجه من الرخص ذهب مالك - والله أعلم- في قوله: وقد تكون أشياء بما دل عليه من جواز المسألة، وقد ذكرنا في كتاب الأشربة من المقدمات حكم تخليل الخمر وتخللها مستوفى لمن أراد الوقوف عليه. [حكم أكل الضب] في أكل الضب قال: وسئل مالك عن أكل الضب فقال: لا أرى بأكله بأسا. قال محمد بن رشد: قوله: لا أرى في أكله بأسا، معناه مباح لا إثم في أكله. ولا جزاء في تركه. وقوله صحيح، للأحاديث الواردة فيه، منها حديث عبد الله بن عمر في الموطأ «أن رجلا نادى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فقال يا رسول الله: ما ترى في الضب، فقال رسول الله صلى الله

عليه: لست بآكله ولا محرمه» وإنما لم يأكله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه عافه.، إذ لم يكن بأرض قومه، على ما جاء من «أن عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد دخلا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيت ميمونة، زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فأتي بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده، فلما أخبر أنه ضب، رفع يده. فقال له خالد بن الوليد: أحرام يا رسول الله؟ فقال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. قال خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينظر» . لما نص النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في هذا الحديث على أنه ليس بحرام وأخبر بالعلة التي من أجلها رفع يده ولم يأكله، مع أنه مباح ليس بمحرم ولا مكروه، وقد كره أكله جماعة من العلماء، لما روي عن ثابت بن وديعة قال: «كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جيش، فأصبنا به ضبابا. قال: فشريت منها ضبا وأتيت رسول الله فوضعته بين يديه، قال: فأخذ عودا فعد به أصابعه فقال: إن بني آدم مسخت دواب في الأرض، ولا أدري أي الدواب هي؟ قال: فلم يأكل ولم ينه» . وإذا لم يأكله مخافة أن يكون مسخا فهو مكروه. من تركه أجر، ومن أكله لم يأثم. وقد روى ابن مسعود عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما يبطل هذه العلة. وذلك أنه «سئل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن القردة والخنازير، أهم من نسل الذين مسخوا؟ فقال: إن الله لم يهلك قوما أو لم يمسخ قوما فيجعل لهم عاقبة

تفسير الفدادين

ولا نسلا، ولكنهم من شيء كان قبل ذلك» وليس هذان الحديثان بمتعارضين.. والمعنى فيهما- والله أعلم- أن ما أخبر به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث ابن مسعود من أن المسوخ لم يكن لها نسل، متأخر عما جاء عنه في حديث ثابت ابن وديعة، من أنه شك في الضب، وخشي أن يكون من المسوخ، فعلم آخرا ما شك فيه أولا. وهذا يقضي بأنه لا كراهية في أكل الضب، وأنه من الجائز المباح. فمن كرهه لم يبلغه حديث ابن مسعود. والله أعلم. إذ لا يصح أن يحمل الحديثان على التعارض. [تفسير الفدادين] في تفسير الفدادين وسئل مالك عن تفسير الفدادين قال: هم أهل الجفا. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا التفسير لمالك في رسم حلف، وهو تفسير صحيح، وبالله التوفيق. [يمر بالحوائط هل يأكل من فاكهتها] في الذي يمر بالحوائط هل يأكل من فاكهتها؟ وسئل مالك عن الأعناب والفاكهة التي في الأجنة يمر بها الناس، مثل فواكه الشام ومصر، قال: لا أحب لأحد أن يأكلها. قيل له: فإن أجراءها يطعمون الناس منها. قال: لا أحب لكم أن تأكلوه. ثم قال: أرأيت رجلا مر براعي غنم ليست له، أله أن يبتاع منها؟ وقد مر ابن عمر على راع معه غنم، فسأله: ألك هذه الغنم؟ فقال: لا. فقال: ابتعني من هذه الغنم، فقال: ليست لي فقال له ابن عمر: بلى فبعني وما علم أربابها. قال: فأين الله؟ قال: فأعجب ذلك ابن عمر. فسأل عنه حتى اشتراه فأعتقه. وإن في حديث الابن عن النبي عليه السلام ما فيه عبرة، وهو أهون على أهله من فواكههم. وإنما ذكرنا هذا لهذا.

قال محمد بن رشد: لم ير مالك لرجل إذا مر بجنان غيره أن يأكل من ثمره، وكذلك إذا مر بجنان أبيه أو أمه أو أخيه على ما يأتي له في صدر سماع أشهب بعد هذا. وإن أذن له في ذلك أجيره وأطعمه إياه؛ لأن الأجير لم يؤذن له بذلك. واستدل على ذلك بما ذكره من أن الرجل إذا مر براعي غنم لا يجوز له أن يشتري شيئا منها. واختلف هل يصدقه أولا يصدقه إذا زعم أنه أذن له في ذلك، أو كان ممن يشبه أن يؤذن له فيه؟ فقيل: إنه يصدقه إذا زعم أنه أذن له في ذلك، وكان ممن يشبه أن يؤذن له فيه. وهو قول مالك في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الضحايا. وقيل: إنه لا يصدقه وهو ظاهر ما في سماع أشهب من كتاب المديان والتفليس. واعتبر في المنع من أن يأكل الرجل من ثمار ما مر به من الحوائط بحديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الابن الذي أشار إليه، وهو قوله في حديث عبد الله بن عمر في الموطأ: «لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته، فينتقل طعامه؟، وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم، فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه» . وهو اعتبار صحيح؛ لأنه إذا لم يجز أن تحتلب ماشيته إلا بإذنه، واللبن يعود في الضروع كل يوم، فأحرى ألا يكون له أن يأكل من ثمر حائطه. وهو إنما يأتي من عام إلى عام. ومن الحجة له قوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يحل مال امرئ مسلم بغير طيب نفس منه» وقد فرق بين اللبن والثمار بأن اللبن

مختزن في الضروع، فهو بمنزلة ما اختزن من الثمار في البيوت. وقال في الرواية في الثمار: لا أحب لأحد أن يأكلها، ولم يقل لا يحل ذلك له، وإن كان عنده لا يجوز له إلا عند الضرورة التي تبيح له أكل الميتة إذا أمن أن يعد سارقا على ما قاله في موطاه؛ لأن أهل العلم قد اختلفوا في إجازة ذلك للآثار الواردة فيه. منها حديث عبيد الله ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من دخل حائطا فأكل منه فلا يتخذ خبنة» . ومنها حديث سمرة بن جندب، أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإذا أذن له فليحتلب وليشرب، وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثا، فإن أجابه أحد فليستأذنه، فإن لم يجبه أحد فليشرب ولا يحمل» ، ولا حجة في شيء من هذه الآثار إلى مالك؛ لأن الحديث الأول قد ذكر فيه الحاجة، والحديث الثاني والثالث، يحتمل أن يكون المعنى فيهما في ذي الحاجة، كما في الحديث الأول. وقد حمل هذين الحديثين على ظاهرهما جماعة من أهل العلم عن أبي زينب قال: صحبت عبد الرحمن بن سمرة وأنس بن مالك، وأبا بردة في سفر، فكانوا يصيبون من الثمار. وقال الحسن: يأكل، ولا يفسد، ولا يحمل. وروي عن عمر بن الخطاب مثل ذلك في أموال أهل الذمة وغيرهم. وذلك خلاف ما ذكرناه من مذهب مالك، أنه لا يأكل إلا أن يحتاج. قال ابن وهب عنه: فإن دخل الحائط فوجد الثمر ساقطا فلا يأكل منه، إلا أن يحتاج، أو يعلم أن صاحبه طيب النفس به، يريد لصداقة بينهما، والله أعلم. فقد ذكر حارث بن مسكين قال: سمعت أشهب بن عبد العزيز

الدؤابة للصبيان

يقول: خرجنا مرابطين إلي الإسكندرية، فمررنا بجنان الليث بن سعد، فأكلنا من الثمر، فلما رجعت دعتني نفسي إلى أن أستحل ذلك من الليث، فدخلت إليه فقلت: يا أبا الحارث إنا خرجنا مرابطين، ومررنا بجنانك، فأكلنا من الثمر، فأحببنا أن تجعلنا في حل، فقال الليث: يا ابن أخي لقد نسكت نسكا أعجميا. أما سمعت الله يقول: {أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: 61] : فلا بأس أن يأكل الرجل من مال أخيه الشيء التافه الذي يسره بذلك. ومن أهل العلم من لم يجز له أن يأكل شيئا، وإن كان صديقا له إلا بإذنه. وهو مذهب مالك، - لأنه إذا لم يجز ذلك، وإن كان أباه أو أمه أو أخاه، فأحرى ألا يجيز ذلك إن كان صديقا. فيتحصل في المسألة إذ لم يحتج ثلاثة أقوال: الجواز، والمنع، والفرق بين الصديق وغيره. وهو أعدل الأقوال، وأولاها بالصواب. وهذا في ثمر الحائط، دون لبن الماشية؛ لحديث عبد الله بن عمر في الموطأ في لبن الماشية. وقيل: بل ذلك في لبن الماشية وفي ثمر الحائط سواء، لحديث سمرة بن جندب الذي ذكرناه. وأما إذا احتاج فلا اختلاف في أنه يجوز له أن يأكل من ثمر الحائط الذي يمر به، ويحتلب من لبن الغنم الذي يمر بها ما يرد به جوعه من ذلك كله. وبالله تعالى التوفيق.. [الدؤابة للصبيان] في الدؤابة للصبيان قال مالك: أكره الدؤابة للصبيان، وأن يترك بعض رأسه ويحلق بعضها. قال محمد بن رشد: الدوابة للصبيان هي الناصية تترك في بعض رأس الصبي، ويحلق سائره، فكره ذلك لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن القزع» . وهو حلق بعض الرأس دون بعض. فعم

تفسير الشؤم في الدار والفرس

ولم يخص صغيرا من كبير. وكذلك كره في رسم الجامع من سماع أشهب من كتاب السلطان القصة والقفا للصبيان لهذا الحديث. وقال: إن كانوا يريدون أن يدعوا شعره كله فليدعوه، وإن كانوا يريدون أن يحلقوه كله فليحلقوه. وقد كاتبت في ذلك بعض الأمراء وأمرته أن ينهى عنه، فسئل عن القصة وحدها بلا قفا فقال مثل ما قال في القصة والقفا. وقد مضى الكلام على ذلك هناك مستوفى، وبالله التوفيق. [تفسير الشؤم في الدار والفرس] في الشؤم في الدار والفرس وسئل مالك عن تفسير الشؤم في الدار والفرس قال: ذلك فيما نرى: كم من دار سكنها ناس فهلكوا ثم سكنها آخرون فهلكوا، ثم سكنها آخرون فهلكوا، وهذا تفسيره فيما نرى، والله أعلم. قال محمد بن رشد: قوله سئل عن تفسير الشؤم في الدار والفرس معناه: سئل عن الشؤم الذي جاء الحديث أنه في الدار والفرس ما هو؟ والمروي في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حديثان في جامع الموطأ: أحدهما قوله: «إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن» يعني الشؤم. والثاني قوله: «الشؤم في الدار والمرأة والفرس» وليس ذلك بتعارض بين الحديثين. والمعنى فيهما أنه قال في الأول منهما: إن كان قبل أن يعلم أن ذلك يكون، فلما علم بإعلام الله له، إذ لا ينطق عن الهوى أن ذلك يكون، قال: «الشؤم في الدار والمرأة والفرس» وفسر مالك الشؤم بما قد فسره به مما يصيب ساكن بعض الدور في أغلب الأحوال، من الهلاك وشبهه

ومعناه، بعادة أجراها الله من غير أن يكون للدار في ذلك تأثير، أو عدوى، وقد ذهب بعض الناس إلى أن حديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في «الشؤم في الدار والمرأة والفرس» يعارضه ما جاء عنه من أنه قال: «لا عدوى ولا طيرة» . وضعف حديث الشؤم لما روي من «أن عائشة أنكرت على أبي هريرة حديثه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: الطيرة في المرأة والدار والدابة، وأقسمت أنه ما قاله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قط. وإنما كان أهل الجاهلية يقولونه. ثم قرأت {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] » ومنهم من صحح الحديث وتأوله على أن معنى الشؤم في الدار، سوء الجوار، وفي المرأة سوء خلقها. والذي أقول به: إنه لا تعارض بين الحديثين؛ لأن المعنى الذي أوجبه في أحدهما غير المعنى الذي نفاه في الأخرى. نفى في الحديث الواحد أن يكون لشيء من الأشياء عدوى في شيء من الأشياء أو تأثير فيه بقوله: «لا عدوى ولا طيرة» ، إذ لا فاعل في الحديث سوى الله عز وجل. وأعلم في الحديث الأخر أنه قد يوجد الشؤم في الدار والمرأة والفرس، وهو تكرر الأذى على ساكن بعض الدور، أو نكاح بعض النساء، أو اتخاذ بعض الخيل بقضاء الله وقدره السابق على ما أخبر به في كتابه حيث يقول: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ} [الحديد: 22] .... الآية. وفي الفرس ركوبه فيما لا ينبغي ركوبه فيه، لا بعدوى في شيء من ذلك إلى شيء ولا تأثير له فيه، فلم ينف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله «لا عدوى» وجود ما هو موجود مما يعتدي، وإنما بقي أن يكون شيء من الأشياء يعدي على ما يعتقده أهل الجاهلية والجهالة بالله. ألا ترى إلى

تفسير حديث النبي عليه السلام اعلفه نضاحك

ما جاء في الحديث الصحيح من قوله: «لا عدوى ولا هام ولا صفر، ولا يحل الممرض على المصح وليحلل المصح حيث شاء، قالوا: يا رسول الله وما ذاك؟ فقال رسول الله: إنه أذى» فنفى أن يكون لشيء عدوى، ونهى أن يحل الممرض على المصح؛ لأنه أذى، أي لأنه قد يتأذى بذلك على ما هو موجود من جري العادة في ذلك، من فعل الله وقدره السابق. ويبين هذا الذي ذكرناه، حديث أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا هامة ولا صفر ". فقام أعرابي فقال يا رسول الله: إن الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيرد عليها البعير الجرب فتجرب كلها. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فمن أعدى الأول؟» وبالله التوفيق. [تفسير حديث النبي عليه السلام اعلفه نضاحك] في تفسير النضاح في الحديث وسئل مالك عن تفسير حديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اعلفه نضاحك» " قال: رقيقك؛ لأن النضاح عندهم الرقيق. ويكون من الإبل. ولكن تفسيره الرقيق. قال محمد بن رشد: حديث النبي عليه السلام الذي جاء فيه «اعلفه نضاحك» هو حديث مالك في موطئه عن ابن شهاب «عن ابن محيصة الأنصاري أحد بني حارثة، أنه استأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إجارة الحجام فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال " اعلفة نضاحك» يعني رقيقك. وهو كما قال - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أن النضاح الرقيق.

تفسير قوله عليه السلام في الحديث انجو عليها بنقيها

وقد يكون من الإبل، والأظهر في الحديث أنه أراد النضاح فيه من الإبل؛ لأنه حال فيه اعلفه، ولم يقل أطعمه؛ لأن العلف إنما يستعمل في البهائم، لا في بني آدم. ويبين هذا قوله في غير هذا الحديث: «اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك» . ولم ينه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن إجارة الحجام، من أجل أنها حرام، وإن كان قد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في كسب الحجام، أنه سحت. وروي عنه أنه قال: «السحت كسب الحجام» . وأنه قال فيه: " إنه خبيث " إذ لو كان حراما أو سحتا أو خبيثا لما جاز أن يطعمه رقيقه. وإنما المعنى فيه أنه من الكسب الذي يستحب لذوي الفضل والأقدار أن يتنزهوا عنه. فإن كان ولا بد فلا يأكلوه ويطعموه رقيقهم، كما جاء في الحديث، وقد قال مالك: لا بأس بإجارة الحجام. واحتج في ذلك بأن قال: كل ما يحل للعبيد أكله يحل للأحرار، وبالله التوفيق. [تفسير قوله عليه السلام في الحديث انجو عليها بنقيها] في تفسير قوله في الحديث «انجو عليها بنقيها» وسئل مالك عن تفسير قوله: انجو عليها بنقيها قال: نقيها شحومها وأنفسها. أما تسمع أنه يقال: لا تنقي فهو النقي. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن النقي الشحم والقوة في

النفس، والحديث الذي جاء هذا فيه. هو حديث مالك الذي رواه في موطئه عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك، عن خالد بن معدان يرفعه: «إن الله تبارك وتعالى رفيق يحب الرفق ويرضى به، ويعين عليه ما لا يعين على العنف، فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها، فإن كانت الأرض جدبة فانجو عليها بنقيها، وعليكم بسير الليل، فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار، وإياكم والتعريس على الطريق، فإنها طرق الدواب، ومأوى الحيات» وقوله في الحديث «ويعين عليه ما لا يعين على العنف» والعنف لا يحبه الله ولا يرضى به. والمعنى فيه إن الله يعطي صاحب الرفق من بلوغ حاجته التي يستعين بها على أمور دينه ودنياه، ما لا يعطي لصاحب العنف، يريد بهذا التأويل قوله في الحديث: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى» . وسائر ما في الحديث أدب أرشد النبي عليه السلام إليه المسافر، من أن ينزل الدواب منازلها في الخصب لترعى فيه، وتقوى على المسير، ويسرع السير عليها في الجدب قبل أن تضعف، فلا تقدر على السير. وحض على السير بالليل؛ لأن الدواب إذا استراحت بالنهار نشطت على المشي بالليل، وكان أخف عليها من المشي بالنهار، فقطعت فيه من المسافة ما لا تقطع في قدره من النهار. فهذا هو معنى قوله: «فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار» . إذ لا تطوى على الحقيقة لا في الليل ولا في النهار إلا للأنبياء معجزة وللأولياء كرامة.

ما جاء في قول الرجل هلك الناس

[ما جاء في قول الرجل هلك الناس] فيما جاء في قول الرجل هلك الناس وسئل مالك عن تفسير: «إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم» قال: ما أرى ذلك فيما أرى، والله أعلم، إلا أن يقول: هلك الناس، أي إني خير منهم. قال: وأما إذا قال هلك الناس تحزنا عليهم فلا بأس. قال محمد بن رشد: الحديث الذي جاء هذا فيه وسئل مالك عن تفسيره هو حديث أبي هريرة في جامع الموطأ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم» وتفسير مالك صحيح لا اختلاف أعلمه في أن معنى الحديث، إذا قال ذلك إعجابا بنفسه، واحتقارا للناس. وأما إذا قاله إشفاقا على من بقي، لقلة الخير فيهم، وتحزنا على من مضى لكثرته فيهم، فليس ممن جاء الحديث فيه، والله أعلم. وقد قال مسلم بن يسار: إذا لبست ثوبا فظننت أنك فيه أفضل منك في غيره، فليس الثوب هو لك. قال مسلم: وكفى بالمرء من الشر أن يرى أنه أفضل من أخيه. [خشية عمر بن عبد العزيز] في خشية عمر بن عبد العزيز قال مالك: صلى بالناس عمر بن عبد العزيز المكتوبة، فقرأ بهم: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] فلما بلغ: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14]

ما يلزم من بر الأب

خنقته العبرة فلم يستطع أن يجاوز ذلك ثم أعادها فلما بلغ ذلك الموضع أيضا خنقته العبرة، فتركها. ثم قرأ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1] . قال محمد بن رشد: هذا من فعل عمر بن عبد العزيز نهاية في الخوف لله. ومن بلغ هذا الحد فهو من أهل الجنة بفضل الله. قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] . وقد روى الصلت عن ابن القاسم أنه قال: لا يطلق على من حلف بالطلاق، وأن عمر بن عبد العزيز من أهل الجنة. وسئل مالك عن ذلك فتوقف، وقال: عمر بن عبد العزيز إمام هدى أو قال رجل صالح، وفضائله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أكثر من أن تحصى. وقول ابن القاسم بالصواب أولى لأن الأمة قد اجتمعت على الثناء عليه، والشهادة له بالخير وهي معصومة. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «لن تجتمع أمتي على ضلالة» ، وقال: «أنتم شهداء الله في الأرض، فمن أثنيتم عليه بخير وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه بشر وجبت له النار» . وقد مضى هذا في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة. [ما يلزم من بر الأب] ما جاء فيما يلزم من بر الأب وسئل مالك عن الرجل يكتب اسمه قبل اسم أبيه فقال: هذا الضلال، والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «كبر كبر» .

وضع المرأة جلبابها عند زوج ابنتها

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن للأب عليه حق السن الذي أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يقدم بسببه. وحق الأبوة الذي هو أكبر من حق السن. قال الله عز وجل: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] وقال: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» . ولما جاء من أنه ما بر أبويه من شد النظر إليهما أو إلى أحدهما. وبالله التوفيق. [وضع المرأة جلبابها عند زوج ابنتها] في وضع المرأة جلبابها عند زوج ابنتها وسئل مالك عن الرجل أتضع أم امرأته عنده وهي قاعدة جلبابها؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الله يقول: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] الآية. فأباح عز وجل أن تضع خمارها عن جيبها وتبدي زينتها عند ذوي محارمها من النسب والصهر، زوج ابنتها من ذوي محارمها، فجاز أن تضع عنده جلبابها، وقد كره مالك في رسم حلف في كتاب النكاح أن يسافر الرجل بامرأة أبيه، بعد أن يفارقها أبوه استحسانا، بعد أن استدل بقوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]

صلاة الرجل في بيته بزوجته

الآية. على جواز ذلك. وكره ذلك ابن القاسم فارقها أو لم يفارقها، لاحتمال أن يكون أراد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله: «لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع محرم من ذوي محارمها» من النسب دون الصهر. وقد نص الله في هذه المسألة على ذوي محارمها من النسب والصهر بقوله: {آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] فوضع جلبابها عنده أبين في الجواز من سفرها معه. وبالله تعالى التوفيق. [صلاة الرجل في بيته بزوجته] في صلاة الرجل في بيته بزوجته وسئل مالك عن الرجل يصلي في بيته المكتوبة، أيصليها بزوجته وحدها؟ قال: نعم. وتكون وراءه. قال محمد بن رشد: قوله: إن للرجل أن يصلي بزوجته وحدها وتكون وراءه صحيح مما اجتمع عليه العلماء، ولم يختلفوا فيه؛ لأن سنة النساء في الصلاة أن يكن خلف الرجال وخلف الإمام، لا في صف واحد معه ولا معهم، واحدة كانت أو اثنتين أو جماعة، وإنما الكلام في الرجل أو الرجلين إذا كانا مع الإمام، على ما مضى القول فيه في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة، وبالله تعالى التوفيق. [يقين يعقوب عليه السلام برؤيا ابنه يوسف] في يقين يعقوب برؤيا ابنه يوسف وسمعته يقول: كان يعقوب يقول في غمراته التي كان فيها: فأين رؤيا يوسف؟ يقينا بما أراه الله. قال محمد بن رشد: معنى هذا أنه كان يقول في غمراته التي

ما يخشى على محتكر الطعام من فساد نيته

كانت تعتريه من شدة وجده على يوسف، لما كان يوسف منه، فأين رؤيا يوسف؟ يقينا بأنها ستخرج على ما تأولها عليه، وذلك أن يوسف لما قال له: {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] تأول أن إخوة يوسف، وكانوا أحد عشر رجلا، وأبويه سيسجدون له، أعلمه الله بذلك، فقال: {يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف: 5] يقول: يحسدونك ظنا منهم، فكان حقا، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5] أي بين العداوة. ثم قال له: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} [يوسف: 6] أي يصطفيك ربك، وهو الإخبار بالنبوءة. وهو شيء أعلمه الله يعقوب، أنه سيعطي يوسف النبوءة. وقوله {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} [يوسف: 6] قيل: تعبير الرؤيا، وقيل: عواقب الأمور التي لا تعلم إلا بوحي النبوءة. {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [يوسف: 6] بالنبوءة {وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} [يوسف: 6] . أعلمه أنه سيعطي أولاد يعقوب النبوءة كلهم. [ما يخشى على محتكر الطعام من فساد نيته] فيما يخشى على محتكر الطعام من فساد نيته قال: وسمعت رجلا كان عنده طعام كثير، فغلا الطعام، فأتى الناس يغبطونه بذلك، قال: فإني أشهدكم أنه للناس بما أخذته. وقال: أبجوع الناس تغبطوني. قال محمد بن رشد: في قوله: هو للناس بما أخذته، دليل على أنه اشتراه للحكرة، ولم يصبه من حرثه. ومعنى ذلك أنه اشتراه في وقت لا يضر شراؤه بالناس، إذ لو اشتراه في وقت يضر شراؤه بالناس، لكان ما فعل من إعطائه لهم بما اشتراه به، هو الواجب عليه، إذ لا اختلاف في أنه لا يجوز احتكار شيء من الأطعمة في وقت يضر احتكاره بالناس، وأما

الدعاء في حوائج الدنيا

احتكارها في وقت لا يضر احتكارها فيه بالناس، ففيه أربعة أقوال، أحدها: إجازة احتكارها كلها: القمح والشعير وسائر الأطعمة، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة. والثاني: المنع من احتكارها كلها جملة من غير تفصيل، للآثار الواردة في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وغيره، فقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال: «لا يحتكر إلا خاطئ» وهو مذهب مطرف وابن الماجشون. والثالث: إجازة احتكارها كلها ما عدا القمح والشعير، وهو دليل رواية أشهب عن مالك في رسم البيوع الأول من كتاب جامع البيوع. والرابع: المنع من احتكارها كلها، ما عدا الأدم والفواكه، والسمن، والعسل والتين، والزبيب وشبه ذلك. وقد قال ابن أبي زيد فيما ذهب إليه مطرف وابن الماجشون من أنه لا يجوز احتكار شيء من الأطعمة: معناه في المدينة، إذ لا يكون الاحتكار أبدا إلا مضرا بأهلها، لقلة الطعام بها، فعلى قوله، هم متفقون على أن علة المنع من الاحتكار تغلية الأسعار، وإنما اختلفوا في جوازه لاختلافهم باجتهادهم في وجود العلة وعدمها. ولا اختلاف بينهم في أن ما عدا الأطعمة من العصفر والكتان والحنا وشبهها من السلع يجوز احتكارها إذا لم يضر ذلك بالناس. [الدعاء في حوائج الدنيا] في استحباب الدعاء في حوائج الدنيا قال: وحدثني يحيى بن سعيد أنه كان بإفريقية، قال: فأردت حاجة من حوائج الدنيا، قال: فدعوت فيها ورغبت ونصبت واجتهدت، قال: ثم ندمت بعد ذلك، فقلت: لو كان دعائي هذا في حاجة من حوائج آخرتي، قال: فشكوت ذلك إلى رجل كنت أجالسه فقال لي: فلا تكره ذلك. فإن الله قد بارك

لعبد في حاجة أذن له فيها بالدعاء. قال مالك: بينما عروة بن الزبير في المسجد، إذا برجل يصلي، ثم انصرف ولم يدع كثيرا. قال: فدعاه عروة بن الزبير فقال له: أما كانت لك حاجة إلى الله؟ والله إني لأدعو في حوائجي حتى في الملح، وقد بلغني أنه ما من داع يدعو إلا كان على إحدى ثلاث: إما أن يعطى الدعوة التي دعاها، أو يدخر له، أو يصرف عنه بها. قال محمد بن رشد: قوله في الحكاية الأولى: فإن الله قد بارك لعبد في حاجة أذن له فيها بالدعاء. معناه قد بارك له في حاجة وفقه فيها للدعاء، إذ هو مأذون له في الدعاء في جميع حوائجه؛ لأن الدعاء عبادة من العبادات يؤجر عليها الأجر العظيم، أجيبت دعوته فيما دعا به أو لم تجب. لأنه لا يدعو ويجتهد في الدعاء إلا بإيمان صحيح، ونية خالصة. ولن يضيع له ذلك عند الله تعالى، فإن الله عز وجل يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] فهذا وجه بركة تلك الحاجة عليه إن كانت سببا لانتفاعه بدعائه في أخراه، وإن حرم المنفعة به في دنياه؛ لأن الذي أعطي خير من الذي حرم. وليس فيما جاء في الحديث من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له، وإما أن يدخر له، وإما أن يكفر عنه» . ما يدل على أنه لا يدخر له ولا يكفر عنه إذا استجيب له. لأن المعنى فيه إلا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له، وإما أن يدخر له، وإما أن يكفر عنه مع الاستجابة له. والله أعلم، وبالله تعالى التوفيق.

حسن الأدب مع السائل الجاهل

[حسن الأدب مع السائل الجاهل] في حسن الأدب مع السائل الجاهل قال: وسمعته يقول جاء رجل بدوي إلى القاسم فقال له: أنت أفقه أم سالم؟ فقال له: ها أنذا وذاك سالم، فإن تأته لم يخبرك إلا بما أحاط به علما. قال محمد بن رشد: لما سأله عما يكره الجواب فيه بما يعتقده في نفسه، من أنه أفقه من سالم، عدل له عن الجواب عما سأله عنه إلى الثناء على سالم بما يعتقده فيه من محاسن الأخلاق. [اقتناء الكلاب] فيما جاء في اقتناء الكلاب قال محمد بن أحمد العتبي: وحدثني سحنون بن سعيد، عن ابن القاسم، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان» . قال محمد بن رشد: القيراط مثل جبل أحد على ما جاء في حديث ثواب المصلي على الجنازة، فالمقدار الذي يكون للمصلي على الجنازة من الأجر، هو المقدار الذي يحط كل يوم من أجر مقتني الكلب لغير ماشية ولغير صيد. وهو عدد ما في جبل أحد من مثاقيل الذر؛ لأن الله تعالى يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] . فإذا كان من يعمل من

قول النبي عليه السلام في غفار وأسلم وعصية

الخير والشر مثقال ذرة يراه، فالذي يعمل مثقال القيراط من الخير والشر. يكون له من الخير وعليه من الشر زنة جبل أحد من مثاقيل الذر، ولا يعلم قدر ذلك من الثواب أو الإثم الذي يستحق عليه العقاب، إلا أن يغفر الله له، إلا يوم الجزاء والحساب؛ لأن الثواب ليس بجسم، يعبر بالوزن، وإنما هو تمثيل وتشبيه. وقد يمثل ما يعقل مما لا يوزن، ليفهم معناه ويعلم. فعقلنا بهذا الحديث أنه ينتقص من أجر مقتني الكلاب لغير ماشية ولا صيد كل يوم من الثواب، عدد ما في جبل أحد من المقدار الذي تفضل الله به على من عمل أدنى يسير من الخير. وهو مقدار الذرة. وفي قوله في الحديث: «من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية» دليل على أنه يجوز اقتناء كلب الصيد وكلب الماشية. والاقتناء لا يكون إلا بالاشتراء. ففيه دليل على جواز بيع كلب الماشية والصيد، وهو قول ابن نافع وابن كنانة وسحنون وأكثر أهل العلم، والصحيح في النظر؛ لأنه إذا جاز الانتفاع به، وجب أن يجوز بيعه، وإن لم يحل أكله، كالحمار الأهلي الذي لا يجوز أكله، ويجوز بيعه لما جاز الانتفاع به. وهو دليل هذا الحديث، على ما ذكرناه، خلاف ما قاله ابن القاسم، ورواه عن مالك، من أنه لا يجوز بيع كلب ماشية ولا صيد، كما لا يجوز بيع ما سواها من الكلاب، لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن ثمن الكلب عموما. وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع، وبالله تعالى التوفيق. [قول النبي عليه السلام في غفار وأسلم وعصية] قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في غفار وأسلم وعصية وحدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك، عن عبد الرحمن بن دينار، عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قال: «غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله» . قال محمد بن رشد: إنما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عصية إنها عصت الله ورسوله، لما كان من غدرهم بأهل بير معونة، وذلك أن رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، على ما في الصحيح «استمدوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار، كانوا يسمون بالقراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنقار ويصلون بالليل، حتى إذا كانوا ببير معونة قتلوهم وغدروا بهم. فبلغ النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقنت شهرا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب، على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان. قال أنس راوي الحديث: فقرأنا فيهم قرآنا، ثم إن ذلك رفع: بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا. وأما أسلم، فإنما قال فيها: سالمها الله. لما روي عن أبي هريرة أسلم ومعه سبعون راكبا من أهل بيته. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الحمد لله إذ أسلمت بنو سهم طائعين غير مكرهين، ودعا لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فقال: أسلم سالمها الله» . وذلك إن إسلامهم كان سالما من غير حرب. وإما غفار فإنما خصهم بالدعاء والمغفرة - والله أعلم- لمبادرتهم إلى الإسلام، وقد أسلم أبو ذر في أول أيام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بمكة، غير ظاهر، وفي قصة إسلامه أنه قال: «أتيت رسول الله فأسلمت، فرأيت الاستبشار في وجهه، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا جندب رجل من غفار، فكأنه ارتدع وود أني كنت من غير قبيلتي.» وذلك لما كانوا يقرفون به من الشر. وكانوا يستحلون

التبرك بما لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم

الشهر الحرام في الجاهلية، ويسرقون الحجيج، ويشبه والله أعلم أن يكون " إنما دعا لهم بالمغفرة ليمحو تلك السيئة ويزيلها عنهم، ثم حسن بلاء هاتين القبيلتين في الإسلام. ويقال كان مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أسلم يوم حنين أربعمائة فارس. ومن غفار مثل ذلك، ذكر ذلك الخطابي. وبالله التوفيق. [التبرك بما لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم] في التبرك بما لبسه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مالك: حدثني يحيى بن سعيد، «أن النبي عليه السلام لبس بردة من صوف. قال فلبسها ونزع خلق ثوب كان عليه، قال فجاءه رجل فقال يا رسول الله اكسني إياه، قال: فأعطاه إياه، وأخذ خلق ثوبه، فكره الناس ما صنعه الرجل، فعاتبوه في ذلك، فقال: أما إني لم أسأله إياه أن ألبسه، ولكني أردت أن أجعله كفنا لي» . قال محمد بن رشد: في هذا ما كان عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من السخاء وبذل المال، والإيثار به عن نفسه، وترك رد من يسأله خائبا. وبالله التوفيق. [الربا بين العبد وسيده] في الربا بين العبد وسيده قال مالك: ولا أحب للسيد أن يكون بينه وبين عبده ربا؛ لأنه لو كان عليه أين كان يحاص سيده بما أربا؟ ولو أعتقه تبعه ماله، فلا أحب أن يكون بينه وبين عبده ربا. قال محمد بن رشد: كره مالك الربا بين العبد وسيده، ولم يحرمه فقال: لا أحب للسيد أن يكون بينه وبين عبده ربا، وان كان العبد يملك على مذهبه ما ملكه سيده أو ملكه غيره بوجه جائز، من أجل أن ملكه لماله غير مستقر، إذ لسيده أن ينزعه منه، فلما كان له أن ينتزع ماله بغير رضاه، لم يحرم عليه أن يأخذ منه ما أربى معه فيه، إلا أنه كره ذلك، إذ لم

الحديث الذي جاء من أنه ما مات نبي حتى يؤمه رجل من قومه

يأخذه بوجه الانتزاع، وإنما أخذه باسم الربا، فكره ذلك لذلك، ولما ذكره في الرواية. من أن الربا يثبت له عليه فيحاص به غرماءه إن كان عليه دين. ومراعاة للخلاف في ملك العبد أيضا، إذ من أهل العلم من يقول: إنه لا يملك، وإن ماله لسيده، ويجب عليه زكاته، ولا يجوز للعبد أن يتصرف فيه، وهو مذهب الشافعي. وأبي حنيفة، القولين وجه، وقول مالك أظهر؛ لأن الله تعالى يقول: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] ولا يوصف بالفقر والغنى من لا يملك، فربا السيد مع عبده من المشتبهات التي من تركها أجر، ومن فعلها لم يأثم، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحلال والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، فمن أتقى المشتبهات استبرا لدينه» وكذلك الربا مع الحربي في دار الحرب مكروه، وليس بحرام؛ لأنه لما جاز له أن يأخذ من ماله ما لم يؤتمن عليه لم يحرم عليه أن يربي معه فيه، وكره من أجل أنه لم يأخذه على الوجه الذي أبيح له أخذ ماله، وإنما أخذه بما عامله عليه من الربا. وبالله تعالى التوفيق. [الحديث الذي جاء من أنه ما مات نبي حتى يؤمه رجل من قومه] في الحديث الذي جاء من أنه «ما مات نبي حتى يؤمه رجل من قومه» قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما مات نبي حتى يصلي وراء رجل من قومه» . قال محمد بن رشد: قد روى مالك هذا الحديث عن ربيعة، فصحح «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذ خرج في مرضه الذي توفي منه وأبو بكر يصلي بالناس، صلى خلفه جالسا، ولم يخرج أبو بكر» عن الإمامة، فلم يجز للإمام

القنوت في الصلاة

أن يؤم جالسا بالأصحاء قياما. وقد تعارضت الآثار في ذلك، فجاء في بعضها ما دل على «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما خرج في مرضه وأبو بكر يصلي بالناس، فتأخر أبو بكر عن الإمامة وتقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى بالناس بقية صلاتهم وهو جالس، والقوم خلفه قياما» . وجاء في بعضها ما دل على أن أبا بكر لم يتأخر عن الإمامة وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما صلى مؤتما بأبي بكر. فمن الناس من صحح ما دل منها أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كان الإمام. ومعنى ذلك أنه أحرم خلفه، ثم أتم بالناس بقية صلاتهم، وصار أبو بكر مؤتما به فيها، إذ لا يصح أن يحرم بعد أن خرج أبو بكر عن الإمامة؛ لأنه لا يكون قد أحرم قبل بالناس، ولا يصح أن يحرم الإمام قبل القوم، ورأى ذلك شرعا شرعه لأمته، ولم ينسخه عنهم، ولا اختص به دونهم، فأجاز إمامة المريض جالسا، بالأصحاء قياما. وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك. ومنهم من صحح منها ما دل أيضا أنه كان الإمام، إلا أنه رأى ذلك من خواصه، فلم يجز لأحد بعده إذا كان مريضا أن يؤم بالأصحاء قياسا. وهو المشهور من قول مالك وقول أصحابه. ومنهم من ذهب إلى أن ذلك كان منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاتين، فكان في الصلاة الأولى هو الإمام، وائتم في الثانية بأبي بكر، فكان فعله في الصلاة الثانية ناسخا لفعله في الصلاة الأولى، والتأويلان قائمان لمالك في رواية ابن القاسم عنه في رسم سن من سماعه من كتاب الصلاة. وعلى هذا التأويل تتخلص الآثار من التعارض، فهو أولاها بالصواب. وقد زدنا هذه المسألة بيانا في رسم سن المذكور من هذا السماع، من كتاب الصلاة. وبالله تعالى التوفيق. [القنوت في الصلاة] في القنوت في الصلاة قال: وما يعجبني القنوت إلا في الصبح، ولا أرى القنوت في آخر رمضان ولا في أوله. قال محمد بن رشد: قوله: ما يعجبني القنوت إلا في الصبح يدل

على أنه عنده مستحب، وليس بسنة. وهو مذهبه في المدونة لأنه قال فيها: لا سجود سهو على من نسيه. وقال فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى: القنوت في الفجر سنة ماضية، فعلى قوله من نسيها سجد لسهوه. وروى زياد عن مالك أنه يسجد للسهو عنه قبل السلام من ألزمه نفسه، ولا يسجد من لم يلزمه نفسه. معناه يسجد من اعتقد فيه أنه سنة. وقال يحيى بن يحيى: لو كنت ممن يقنت ثم نسيته لسجدت. وقوله: ولا أرى القنوت في آخر رمضان ولا في أوله مثله في كتاب الصيام من المدونة إنه لا يقنت في الوتر أصلا، لا في أول رمضان ولا في آخره، ولا فيما سواه. وهو المشهور عنه-. وقد اختلف قوله في ذلك. فروى علي بن زياد عنه أنه لا يقنت في الوتر إلا في النصف الآخر في رمضان. وروى ابن نافع عنه الروايتين جميعا. وقال في المدونة: ليس العمل على ما جاء من لعن الكفرة في رمضان. يريد- والله أعلم- لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينما هو يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن اسكت، فسكت فقال: يا محمد إن الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذابا {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] . ثم علمه القنوت» . وقد اختلف في ذلك اختلافا كثيرا فمن أهل العلم من رأى القنوت في الوتر في رمضان كله، ومنهم من رآه في النصف الآخر منه وهو الأكثر، ومنهم من رآه في النصف الأول، ومنهم من رأى لعن الكفرة فيه على ما في الموطأ عن الأعرج أنه قال: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان. وقد سئل في رواية محمد بن يحيى السيابي كيف كان ذلك؟ فقال: كان يدعو في النصف الآخر من رمضان في الوتر على الكفرة ويلعنهم، ويستنصر للمسلمين يجهر بذلك. وأول من قطعه زياد بن عبد الله وحين قطعه- والله أعلم- قال الأعرج: ما

العلم بكثرة الرواية

أدركت الناس وقد أدرك جماعة من الصحابة إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، إنكارا عليه، واستحسنه مالك في رواية محمد بن يحيى عنه. وقال: لم يكن في الزمن الأول زمن أبي بكر وعمر وعثمان، وقال ابن القاسم: كان مالك بعد ذلك ينكره إنكارا شديدا، وبالله تعالى التوفيق. [العلم بكثرة الرواية] في أن العلم ليس في كثرة الرواية قال: وسمعته يقول: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم نور يضعه الله في القلوب. قال محمد بن رشد: النور الذي يضعه الله في القلوب، هو الفهم الذي به تستبين المعاني فيتفقه فيما حمل، فشبه ذلك بالنور وهو الضياء الذي به ينكشف الظلام، فمن لم يكن معه ذلك النور، فهو بمنزلة الحمار فيما حمل من كثرة الروايات يحمل أسفارا. فمن أراد الله به خيرا أعطاه من ذلك النور. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» . وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] قال مالك: هو الفقه في دين الله. وقد أثنى الله عز وجل على من آتاه الفهم، فقال: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] . والحكم الفهم والفقه، والله أعلم، وبه تعالى التوفيق.

ما جاء من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة

[ما جاء من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة] ما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف على نسائه في ليلة واحدة فاغتسل من كل واحدة منهن وحدثني مالك عن رجل من آل أبي رافع «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف على نسائه ليلة من ذلك، فأصابهن، فاغتسل من كل طوفة غسلا، كلما فرغ من واحدة اغتسل. فقال له الذي يحمل له الماء: لو أخرت ذلك يا رسول الله. قال: هذا أطهر» . ولا أعلم إلا أن أبا رافع الذي كان يحمل له الماء. قال محمد بن رشد: قوله: هذا أطهر، دليل على أنه كان له الغسل إلى آخرهن. ومعنى ذلك- والله أعلم- أنه فعله عند قدومه من سفره، ثم استأنف القسم لهن، أو بإذن التي كان في ليلتها؛ لأن من عدل الرجل بين نسائه، أن لا يطأ المرأة في يوم الأخرى. وكذلك قال مالك في موطئه: لا بأس أن يطأ الرجل جاريته قبل أن يغتسل، فأما النساء الحرائر فإنه يكره أن يصيب الرجل المرأة في يوم الأخرى. وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ وضوءه للصلاة، وإنما يؤمر بالوضوء عندهما - والله أعلم- رجاء أن ينشط فيغتسل كالجنب إذا أراد أن ينام. وقال أحمد بن حنبل: إن توضأ فهو أعجب إلي، وإن لم يفعل فأرجو ألا يكون به بأس. وكذلك قال إسحاق إلا أنه قال: لا بد من غسل الفرج إن أراد أن يعود. وليس لذلك وجه ظاهر، وبالله التوفيق.

الرعي في الحرم

[الرعي في الحرم] في الرعي في الحرم وقال مالك حين «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى فدك رأى رجلا يرعى قال: " هشوا أو رعوا» . قال محمد بن رشد: معناه في الحرم، والهش أن يضع المحجن في الغصن، فينفضه فيسقط منه، فترعاه الغنم. ولا يعضد ولا يكسر والعضد الكسر. وهذا في المدونة، وبالله التوفيق. [حكم الأكل متكئا] في أن من التواضع ترك الأكل متكئا وحدثني ابن القاسم عن مالك «أن ملكا خير نبي الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: أنبي ملك أم نبي عبد؟ فأشار إليه جبريل أن تواضع فقال: بل نبي عبد. فما رئي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يأكل متكئا حتى لقي الله» . قال محمد بن رشد: فالأكل متكئا مكروه؛ لأنه من الكبر وقد كره مالك أن يأكل الرجل متكئا وواضعا يده اليسرى بالأرض؛ لأنه رآه من ناحية الاتكاء. وقد مضى هذا في الرسم الذي قبل هذا. [كراهية القصص] في كراهية القصص وقال استبطأ القاسم بن محمد ابنه عبد الرحمن ليلة في الانقلاب فقال: ما حبسك يا بني؟ فقال: مررت بقوم يذكرون الله فجلست معهم، فقال: هذا حسن ولا تعد. قال: وسمعت مالكا يقول: سمعت أن سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وخارجة بن

فضل الرباط والجهاد

زيد كانوا لا يجلسون إلى قاص الجماعة. قال محمد بن رشد: القصص مكروه، وروي عن يحيى بن يحيى أنه قال: خرج معنا فتى من طرابلس، فكنا لا ننزل منزلا إلا وعظنا فيه، حتى بلغنا المدينة، فكنا نعجب بذلك منه، فلما أتينا المدينة إذا هو قد أراد أن يفعل بهم ما كان يفعل بنا، فرأيته في سماط أصحاب السقط، وهو قائم يحدثهم، وقد لهوا عنه، والصبيان يحصبونه ويقولون له: اسكت يا جاهل، فوقفت معجبا لما رأيت، فدخلنا على مالك فكان أول شيء سألناه عنه بعد ما سلمنا عليه ما رأينا من الفتى، فقال مالك: أصاب الرجال إذ لهوا عنه، وأصاب الصبيان إذ ذكروا عليه باطله، قال يحيى: وسمعت مالكا يكره القصص فقيل له: يا أبا محمد، فإذ تكره مثل هذا فعلى ما كان يجتمع من مضى؟ فقال على الفقه. وكان يأمرهم وينهاهم. وبالله التوفيق. [فضل الرباط والجهاد] في الرغبة في الرباط والجهاد وقال: عوتب أبو أيوب صاحب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الغيبة عن أهله، فقال: إني أحب أن أبعث من هذه الجزيرة، وكان قد لحق بغزو الجزائر. قال محمد بن رشد: أبو أيوب الأنصاري من أصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، اسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة من بني النجار شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وشهد مع علي حروبه، وكان يلازم الرباط والجهاد، ولا يتخلف عن الغزو في كل عام، فلما ولى معاوية يزيد على الجيش إلى القسطنطينية جعل أبو أيوب يقول: وما علينا إن أمر علينا شاب فغزا تحت رايته قسطنطينة، فمات بها. وقد مضى خبره في ذلك في أول رسم من السماع.

وفضائل الجهاد والرباط أكثر من أن تحصى من ذلك قَوْله تَعَالَى في الجهاد: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 111] الآية وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ} [الصف: 10] الآية وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] ومن أحبه الله أمنه من عذابه وأكرمه بجواره في الجنة التي أعدها لأوليائه. «وسئل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي الأعمال أفضل؟ فقال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله» وقال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع، فقال الرجل: لو قمت الليل وصمت النهار ما بلغت نوم المجاهد» . «وقال لرجل له ستة آلاف دينار لو أنفقتها في طاعة الله، ما بلغت غبار شراك نعل المجاهد.» ومن ذلك قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الرباط: «رباط ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقوم ليلها لا يفتر ويصوم نهارا لا يفطر» . وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من رابط فواق ناقة، حرمه الله على النار» . الرباط هو أن يخرج من منزله إلى ثغر يقيم فيه لحراسة ذلك الثغر

ما لا يؤخذ في صدقة الغنم

ممن يجاوره. وليس من سكن الثغر بأهله وولده مرابطا. وقد قيل فيه: إنه أفضل من الجهاد. روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: فرض الجهاد لسفك دماء المشركين، والرباط لحقن دماء المسلمين فحقن دماء المسلمين أحب إلي من سفك دماء المشركين. فقيل: إن ذلك حين دخل الجهاد ما دخل. والأظهر في تأويل ذلك أنه عند شدة الخوف على أهل ذلك الثغر، وتوقع هجوم العدو عليهم وغلبتهم إياهم على أنفسهم ونسائهم وذراريهم، إذ لا شك في أن إغاثتهم في ذلك الوقت وحراستهم مما يتوقع عليهم، أفضل من الجهاد إلى أرض العدو، فلا يصح أن يقال: إن أحدهما أفضل من صاحبه على الإطلاق، وإنما ذلك على قدر ما يرى وينزل. وذلك قائم من قول مالك في سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد. [ما لا يؤخذ في صدقة الغنم] في تفسير ما جاء عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يؤخذ في صدقة الغنم وقال مالك: الربا التي قد وضعت، والماخض الحامل، والأكولة شاة اللحم، وفحل الغنم التيس، والحافل ذات الضرع العظيم، وحزرات الناس، كرائم الأموال وضنائنهم. وقال: العقال القلوص من الإبل. قال محمد بن رشد: تفسير مالك للربا والماخض والأكولة وفحل الغنم، والحافل الذي جاء عن عمر بن الخطاب أنها لا تؤخذ في الصدقة في حديث سفيان الثقفي أن عمر بن الخطاب بعثه مصدقا، فكان يعد على الناس بالسخل فقالوا: أتعد علينا بالسخل ولا تأخذ منه شيئا؟ فلما قدم على

عمر بن الخطاب ذكر له ذلك، فقال عمر: نعم تعد عليهم بالسخلة، يحملها الراعي ولا تأخذها، ولا تأخذ الأكولة ولا الربي ولا الماخض ولا فحل الغنم، وتأخذ الجذعة والثنية، وذاك عدل بين غذاء الغنم وخياره تفصيل صحيح، هو نص قوله، وتفسيره في الموطأ لذلك وتفسيره للحرزات الذي جاء عن عمر أنها لا تؤخذ في الصدقة في حديث عائشة أنها قالت: مر على عمر بن الخطاب بغنم الصدقة، فرأى فيها شاة حافلا ذات ضرع عظيم، فقال عمر بن الخطاب: ما هذه الشاة؟ فقالوا: شاة من الصدقة، فقال عمر بن الخطاب: ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون، ولا تفتنوا الناس، لا تأخذوا حزرات المسلمين نكبوا عن الطعام. تفسير صحيح أيضا لأن الحزرات مأخوذة من الحزر، وهو ما يحزر الرجل أنه خيار ماله وكريمه الذي يظن به. وأما تفسيره للعقال الذي جاء في «حديث أبي بكر الصديق من قوله: لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه حين ارتد من ارتد من العرب، ومنعوا زكاة أموالهم، فبعث لقتالهم، فقال له عمر بن الخطاب: يا أبا بكر، ألم تسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عز وجل، فقال: ألا أقاتل أقواما فرقوا بين الصلاة

والزكاة، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسام لقاتلتهم عليه» وقد اختلف فيه، فقيل: العقال الحبل الذي يعقل به البعير المأخوذ في الصدقة، وقيل: العقال صدقة عام. واحتج من ذهب إلى ذلك من اللغة بما روي أن معاوية استعمل ابن أخيه عمرو بن عتبة على صدقات كليب فاعتدى عليهم، فقال عمرو بن العداء الكلبي في ذلك: سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا ... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين لأصبح الحي أو بادوا ولم يجدوا ... عند التفرق في الهيجا جمالين وقيل: العقال الفريضة المأخوذة، روي عن الأعرابي أنه قال: إذا أخذ المصدق غيرها في الماشية، قيل: أخذ عقالا. وإذا أخذ به ثمنا، قيل: أخذ نقدا، وقد روي في بعض الآثار: لو منعوني عناقا. مكان عقال، والعناق الصغير من أولاد المعز. ففيه حجة لمن يقول: إن الغنم إذا كانت صغارا كلها، يؤخذ منها. وهو قول أبي يوسف وقيل: إن فيها مسنة. وهو قول زفر. وقد قيل: لا شيء فيها. وهو مذهب محمد بن الحسن، وقد قيل في المذهب فيها قولان: أحدهما، وهو المنصوص عليه فيه: إن فيها مسنة. والثاني: إنه يؤخذ منهما قياسا على القول بأنه يؤخذ منها إذا كانت عجافا كلها أو ذوات عوار كلها. وكذلك يختلف أيضا إذا كانت أكولة كلها، أو مواخض على قولين: أحدهما إن فيها السن المأخوذ في الصدقة. ولا يأخذ منها إلا برضا ربها. وهو المنصوص عليه. والثاني: إنه يؤخذ منها قياسا على القول بأنه يؤخذ منها إن كانت صغارا كلها، أو عجافا كلها، أو ذات عوار كلها. وقد قيل: إن الخلاف لا يدخل فيها ولا في الصغار، ويلزم رب المال في الصغار أن يعطي مسنة باتفاق. ولا يجوز للساعي في المواخض والأكولة أن يأخذ منها

الصدقة في حب الفجل

إلا برضا ربها. والصحيح دخول الاختلاف فيهما؛ لأن عمر بن الخطاب قال: وتأخذ الجذعة والثنية. وذلك عدل بين غذاء الغنم وخياره. فإذا كانت الغنم صغارا كلها، أو مواخض كلها أخذ منها، لعدم العلة التي توجب أن يأخذ الجذعة والثنية، وهي أن يكون في الغنم أرفع وأدنى فيكون السن عدلا بينهما. [الصدقة في حب الفجل] في الصدقة في حب الفجل وقال مالك: في حب الفجل الصدقة. قال محمد بن رشد: قد اختلف قول مالك في الزكاة في حب القرطم فمرة قال: إن فيه الزكاة، ومرة قال: إنه لا زكاة فيه. وهو قول سحنون. وابن القاسم يرى فيه الزكاة من زيته، وقع ذلك في هذا الرسم من هذا السماع، من كتاب زكاة الحبوب. وهذا الاختلاف داخل في هذه المسألة إذ لا فرق بين حب القرطم وحب الفجل في إيجاب الزكاة فيهما لأن الزكاة إنما وجبت في كل واحد منهما عند من أوجبه، من أجل ما يخرج منه من الزيت قياسا على الزيتون. وما اجتمع الناس على إيجاب الزكاة في الزيتون، فالأظهر أنه لا زكاة في واحد منهما. وقول ابن القاسم: إن الزكاة تؤخذ من زيته إغراق في القياس، ومثله لمالك في رسم يسلف من هذا السماع، من كتاب الزكاة. وقد مضى هذا كله بما فيه زيادة بيان في الرسم المذكور من كتاب الزكاة. ولم يختلف مالك في أنه لا زكاة في حب بزر الكتان ولا في زيته. ولأصبغ في كتاب ابن المواز إن فيه الزكاة، وإنما فرق مالك بين بزر الكتان وحب القرطم في الزكاة في أحد قوليه؛ لأنه رأى أن الناس يعصرون الزيت الكثير من القرطم، ويتخذونه لذلك ولا يفعلون ذلك

ثناء ابن مسعود على معاذ بن جبل

في بزر الكتان، إذ لا فرق بينهما في القياس؛ لأن الزكاة إنما تجب في ذلك عند من أوجبها فيه، من أجل ما يخرج منه من الزيت، قياسا على الزيتون. [ثناء ابن مسعود على معاذ بن جبل] في ثناء ابن مسعود على معاذ بن جبل قال مالك: بلغني أن عبد الله بن مسعود كان يقول: يرحم الله معاذ بن جبل، كان أمة قانتا لله. فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، إنما ذكر الله بهذا إبراهيم. قال ابن مسعود: إن الأمة التي تعلم الناس الخير، وإن القانت هو المطيع لله ورسوله. قال محمد بن رشد: المعنى بين فيما وصف ابن مسعود معاذ بن جبل؛ لأنه من فضلاء الصحابة وعلمائهم. قال فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنه أعلمهم بالحلال والحرام وإنه يأتي أمام العلماء يوم القيامة» وكان من السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار، وشهد بدرا والمشاهد كلها. وآخى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين ابن مسعود. وقيل: بل آخى بينه وبين جعفر بن أبي طالب، وهو أحد عماله على اليمن، بعثه على الجند من اليمن واليا ومعلما. «وقال له حين بعثه: بما تقضي؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي. فقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضي رسوله» . وكان شابا جميلا براق الثنايا عظيم العينين، حسن الشعر، سمحا، لا يمسك، فلم يزل يدان حتى استغرق الدين ماله، فجعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لغرمائه، ثم استعمله على اليمن، فقدم منه بعد موت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خلافة أبي بكر. وقد تجر في مال الله، فأصاب فيه، فأشار عليه عمر أن يتخلى عنه، فقدم به على

حكاية عن عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن عمر والقاسم بن محمد

أبي بكر الصديق، فوهبه له، فلم يأخذ منه. فقال عمر: الآن حل له، ثم خرج إلى الشام، فمات بناحية الأردن في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة من الهجرة. وهو ابن اثنين وثلاثين سنة. وقيل: ابن ثمانية وعشرين سنة. ولم يولد له قط وقيل: إنه ولد له ولد، سماه عبد الرحمن، وبه كان يكنى، وبالله تعالى التوفيق. [حكاية عن عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن عمر والقاسم بن محمد] حكاية عن عمر بن عبد العزيز وعبد الله ابن عمر والقاسم بن محمد وقال مالك: كان دخول زياد مولى ابن عياش على عمر بن عبد العزيز وهو مملوك، فقال: السلام عليكم، ثم قعد، فتفكر زياد فيها فلام فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال عمر: أما إني لم أنكر الأولى. قال مالك: سافر رجل مع ابن عمر، فكان يصوم، فيصب على رأسه الماء في الهواجر من شدة الحر، فيقول ابن عمر: إن عذبك الله بعد هذا إنك لشقي. قال مالك: التقى عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد. فقال له القاسم: عليك بالصبر في مواطن الصبر. قال: وعرض عليه عمر بن عبد العزيز أشياء فقال القاسم: إني امرؤ لا أرزأ أحدا شيئا. قال محمد بن رشد: هذه حكاية كلها بينة في المعنى. فيها تواضع عمر بن عبد العزيز في أنه لم ينكر على زياد ترك تخصيصه بالسلام، وتسميته بما خصه الله به من الإمارة على العادة في ذلك. وفيه شدة خوف عبد الله بن عمر. والله تعالى يقول: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] . وفيها حض القاسم بن محمد لعمر بن عبد العزيز على الصبر؛ لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [آل عمران: 200]

حكم الصلاة في الكنائس

ووعد بالثواب الجزيل عليه فقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] وما فعله من رده لما عرضه عليه مع جواز الأخذ منه لعدله، فضل منه؛ لأن ذلك مما يستحب له فعله، للحديث الذي جاء: «إن خيرا لأحدكم ألا يأخذ من أحد شيئا، قالوا: ولا منك يا رسول الله؟ قال: ولا مني؛ لأنه إذا ترك ذلك فقد آثر به على نفسه غيره ممن يعطاه» . [حكم الصلاة في الكنائس] في صلاة الكنائس وحدثني عن ابن القاسم عن مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب كان يكره الصلاة في الكنائس التي فيها الصور. قال مالك: وأنا أكره الصلاة في الكنائس لأن موضعها نجس ووطئهم بأقدامهم فيها. قال محمد بن رشد: وقع هذا الحديث في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة ولم يذكر فيه التي فيها الصور. وفي قوله: التي فيها الصور دليل على أنه إنما كرهت الصلاة فيها إذا كانت عامرة؛ لأن العامرة هي التي تكون فيها الصور. وقد اختلف في علة كراهة الصلاة في الكنائس. فقال مالك: لنجاستها من أقدامهم وما يدخلون فيها من النجاسات. وقال ابن حبيب: لأنها بيوت متخذة للكفر بالله. وقيل: إن الصلاة تكره فيها للوجهين جميعا. فإن صلى فيها على القول بأن العلة في الكراهة إنها بيوت متخذة للكفر بالله، لم يجب عليه إعادة، بسط فيها ثوبا

موضع المقام من البيت وحدود

صلى عليه أو لم يفعل. وإن صلى فيها على القول بأن العلة في الكراهة في الصلاة فيها نجاستها، لم تجب عليه إعادة إن صلى على ثوب بسطه، وإن صلى دون أن يبسط ثوبا فقيل يعيد أبدا. وهو قول ابن حبيب على أصله فيمن صلى بثوب نجس عامدا، إنه يعيد أبدا. وقيل يعيد في الوقت، إلا أن يضطر إلى النزول فيها، فلا يعيد، من أجل أن نجاستها غير متيقنة، وهو قول سحنون. وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، وبالله تعالى التوفيق. [موضع المقام من البيت وحدود] في موضع المقام من البيت وحدود الحرم ومواضع مناسك الحج قال مالك: كان المقام ملتصقا بالبيت فأخره عمر بن الخطاب إلى موضعه، وهو حدد علم الحرم ومعالمها. قال مالك: لما وقف إبراهيم على المقام، أوحى الله للجبال أن تأخري عنه، فتأخرت حتى أراه المناسك. وهو قول إبراهيم: ربنا أرنا مناسكنا. قال محمد بن رشد: وقع هذا كله في كتاب الحج الثاني من المدونة بزيادة بيان ونص ذلك فيها: قال مالك: بلغني أن عمر ابن الخطاب لما ولي وحج ودخل مكة، أخر المقام إلى موضعه الذي هو فيه اليوم. وقد كان ملصقا بالبيت في عهد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وفي عهد أبي بكر، وقبل ذلك وقد كانوا قدموه في الجاهلية، مخافة أن يذهب به السيل، فلما ولي عمر أخرج أخبوطة كانت في خزانة الكعبة، قد كانوا قاسوا بها ما بين

موضعه وبين البيت إذ قدموه مخافة السيل فقاسه عمر، فأخرجه إلى موضعه اليوم، فهذا الذي كان في الجاهلية وعلى عهد إبراهيم. قال: وسار عمر في أعلام الحرم، واتبع رعاة قدماء كانوا مشيخة من مكة، كانوا يرعون في الجاهلية، حتى تتبع أنصاب الحرم فحدده، فهو الذي حدد أنصاب الحرم ونصبه. وقال مالك: وبلغني أن الله تعالى لما أراد أن يري إبراهيم مواضع المناسك، أوحى إلى الجبال أن تنحي له، فتنحت له حتى أراه مواضع المناسك. فهو قول إبراهيم في كتاب الله تعالى: (ربنا أرنا مناسكنا) وليس في التلاوة ربنا، وإنما فيها {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] مجازا، أي وأرنا مواضع مناسكنا، خرج ذلك مخرج: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي واسأل أهل القرية؛ لأن المناسك هي الأعمال التي يتقرب إلى الله بها، وينسك له في تلك المواضع من الطواف والإفاضة، والوقوف بعرفة والمزدلفة، وسائر أفعال الحج. والرواية في قوله: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] رواية عين على ما نص عليه في الحديث. وقد قيل: إن مناسك الحج مشاعره وهي المواضع التي تفعل فيها أفعال الحج، من الطواف والسعي، والرمي والذبح. فعلى هذا القول يكون قوله: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] على هذا الحديث رواية عين حقيقة، لا مجاز فيه. وقيل لم يرد بقوله: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] رواية عين وإنما أراد علمنا إياها ودلنا كيف نصنع فيها. من ذهب إلى هذا بما روي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: قد فعلت أي ربي فأرنا مناسكنا أبرزها لنا علمنا إياها، فبعث الله عز وجل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فحج به. وقيل: المناسك في قوله عز وجل:

الرعي في الحرم

{وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] المذابح، أي علمنا كيف تذبح نسائكنا. [الرعي في الحرم] في الرعي في الحرم قال مالك في «الذي رآه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يرعى في حرم المدينة وأرسل إليه فارسين يسوقانه سوقا رفيقا حتى يخرجاه من الحرم، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: هشوا وارعوا» . قال مالك: الهش أن يضع الرجل المحجن في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقه ولا يكسر العود. فهذا الهش ولا يخبط. قال محمد بن رشد: هذا تفسير ما تقدم قبل هذا في هذا الرسم ومثله في المدونة، وبالله التوفيق. [مس الفرج] في ما جاء في مس الفرج قال سحنون حدثني ابن القاسم عن مالك، عن يزيد بن عبد الملك بن المغيرة، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أفضى بيده إلى فرجه ليس بينهما حجاب فقد وجب عليه الوضوء للصلاة» . قال محمد بن رشد: وقد روي هذا المعنى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أوجه كثيرة. وروي «عن طلق بن علي أنه قال: قدمنا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاءه رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله: ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ؟ فقال: وهل هو إلا بضعة منك؟» فمن

يصبح جنبا في رمضان

أهل العلم من أوجب الوضوء من مس الذكر، ومنهم من لم يوجبه، ومنهم من فرق بين العمد والنسيان، فاستعمل الآثار الواردة في ذلك، ولم يطرح منها شيئا. والأقوال الثلاثة قائمة في المذهب لمالك، روى أشهب عنه في كتاب الوضوء أنه قال: من مس ذكره انتقض وضوؤه. فظاهره في العمد والسهو، وروي عنه في كتاب الصلاة أنه سئل عن مس الذكر فقال: لا أوجبه رأيا، فروجع في ذلك فقال: يعيد ما كان في الوقت، وإلا فلا، فظاهره أيضا في العمد والسهو. وروى ابن وهب عنه في سماع سحنون من كتاب الوضوء، القول الثالث إنه لا إعادة عليه إلا أن يمسه عامدا، وإلى هذا يرجع ما في المدونة على تأويل بعض الناس، وقد تأول ما فيها على الظاهر من التفرقة بين باطن الكف وظاهره، ومن غير اعتبار يقصد، ولا وجود لذة. وهذا كله إذا مسه على غير حائل. واختلف قوله إن مسه على حائل خفيف على قولين: أحدهما: أنه لا وضوء عليه. وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه في سماع سحنون، من كتاب الوضوء، اتباعا لظاهر هذا الحديث. والثاني: أن عليه الوضوء، وهو قوله في رواية علي بن زياد، عن مالك. وأما إن كان الحائل كثيفا، فلا وضوء عليه قولا واحدا. وقد مضى هذا كله في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الوضوء لتكرر الحديث هناك. [يصبح جنبا في رمضان] ما جاء في الذي يصبح جنبا في رمضان وحدثني عن ابن القاسم عن مالك عن يزيد بن عبد الملك بن المغيرة، عن يزيد بن خصيبة، عن السائب بن يزيد، «عن عمر بن الخطاب أنه قال: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والله لينفض رأسه بيده فيتطاير عنه الماء من غسل الجنابة في رمضان» .

قال محمد بن رشد: الحديث إنما يرويه الناس عن ابن القاسم عن يزيد، عن عبد الملك، فوهم العتبي بقوله فيه: ابن القاسم عن مالك، ويزيد هذا متروك الحديث ضعيف، إلا أنه قد ثبت معناه من رواية عائشة وأم سلمه، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم» ذكر ذلك مالك في موطأه، ولا خلاف في ذلك إلا ما جاء عن أبي هريرة من أنه كان يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم، وقد تبرأ من ذلك حين وقفه على عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام بإرسال مروان إياه إليه إلى أرضه بالعقيق على ما وقع من ذلك في الموطا، فقال: لا علم لي بذلك، إنما أخبرنيه مخبر، فروى عنه أنه الفضل بن عباس، وروى عنه أنه أسامة، وروى أن عبد الله بن عبد الله بن عمر

احتلم ليلا في رمضان فاستيقظ قبل أن يطلع الفجر ثم نام قبل أن يغتسل فلم يستيقظ حتى أصبح، قال فأتيت أبا هريرة حين أصبح فاستفتيته في ذلك فقال: أفطر، فإن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر بالفطر إذا أصبح جنبا، قال عبد الله بن عبد الله فجئت ابن عمر: فذكرت الذي أفتاني به أبو هريرة، فقال: قسم بالله لئن أفطرت لأوجعن مشفيك، فإن بدا لك أن تصوم يوما آخر فافعل. وقد روي عن أبي هريرة من وجوه أنه نزع عن الفتوى بهذا. والذي عليه جماعة الصحابة وفقهاء الأمصار: مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وعامة العلماء أن صيام من أصبح جنبا صحيح جائز لا قضاء عليه فيه، علم بجنابته قبل الفجر أو لم يعلم، وكذلك الحائض إذا طهرت من الدم قبل الفجر فاغتسلت بعده هي من أهل الصيام تصوم ولا تقضي، وقال ابن الماجشون: إنها إن طهرت قبل الفجر فقامت ولم تتوان في غسلها فلم تفرغ منه حتى طلع الفجر فليست من أهل الصيام قياسا على الصلاة، وهو قول محمد بن مسلمة، وحكى ابن عبد البر، عن ابن الماجشون: أنها إذا طهرت قبل فأخرت غسلها إلى بعد الفجر أن يومها يوم فطر لا يجزيها صيامه. وخطأه في ذلك، احتج فيه عليه، وأراه غلطا فيما نسب من ذلك إليه، والصواب ألا فرق في هذا بين الحائض والجنب على ما ثبت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ودل عليه قول الله عز وجل: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] الآية؛ لأن الجماع إذا كان مباحا إلى طلوع الفجر فالغسل إنما يكون بعده. وفي ذلك بين جماعة التابعين اختلاف كثير، منهم إبراهيم النخعي

الإحرام على من أهدى هديه

وعروة بن الزبير، وطاوس، وسالم بن عبد الله، والحسن، يتحصل فيه ستة أقوال أحدها، أن من أصبح جنبا فهو مفطر، والثاني: أنه يصوم ذلك اليوم ويقضيه، والثالث: أنه يستحب له القضاء، والرابع: الفرق بين أن يعلم بجنابته قبل الفجر أو لا يعلم بها إلا بعد الفجر، فإن علم بها قبل الفجر فهو مفطر، وإن علم بها بعد الفجر أتم صيامه وقضاه، والخامس: أنه إن علم بجنابته قبل الفجر أتم صيامه وقضاه، وإن لم يعلم بها إلا بعد الفجر أجزأ صيامه، والسادس: أنه إن علم بجنابته قبل الفجر استحب له القضاء، وإن لم يعلم بها إلا بعد الفجر فصيامه تام لا يؤمر فيه بالقضاء، فكذلك الحائض على مذهبهم إذا طهرت قبل الفجر فاغتسلت بعده، وبالله التوفيق. [الإحرام على من أهدى هديه] فيما جاء من أن الإحرام لا يجب على من أهدى هديه فبعث به وحدثني عن عيسى، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن نافع، عن أبي نعيم القاري، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، عن أبيه «عن عائشة قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بيدي، فيبعث بها النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم» . قال محمد بن رشد: في هذا الحديث بيان ما كان عليه أزواج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ من عملهن بأيديهن وامتهانهن في ذلك، وكذلك كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يمتهن نفسه في عمل بيته، فربما خاط ثوبه وخصف نعله، وقد قلد هديه بيديه على ما جاء عن عائشة في غير هذا الحديث أنها فتلت قلائد هدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بيديها، ثم قلدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بيده فلم يحرم عليها شيئا مما أحله الله حتى يخرج الهدي، وفيه أن من أهدى هديا لا يكون بتقليده وبإشعاره محرما

حتى يحرم، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم، وفي ذلك اختلاف بين السلف، من ذلك ما في الموطأ، عن ابن عباس من أنه قال: من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي، وتابعه على ذلك جماعة سواه لحديث «جابر بن عبد الله قال: كنت عند النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ -جالسا فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه، فنظر القوم إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال: أمرت ببدني الذي بعثت بها أن تقلد وتشعر على مكان كذا وكذا، فلبست قميصي ونسيت، فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي» . فذهب قوم إلى أن الرجل إذا بعث بهديه وأقام في رحله في أهله فقلد الهدي وأشعره أنه يتجرد فيقيم كذلك حتى يحل الناس من حجهم. وروي عن ابن سيرين أن ابن عباس بعث بهديه ثم وقع على جارية له فأتي مطرف بن الشخير في المنام فقيل له: ائت ابن عباس فمره أن يطهر فرجه فأبى أن يأتيه، فأتى الليلة الثانية، فقيل له مثل ذلك، فأبى أن يأتيه، وأتى ثالثة، وقيل له قول فيه بعض الشدة، فلما أصبح أتى ابن عباس فأخبره بذلك، فقال ابن عباس: ومم ذلك؟ فقال له: إني وقعت على فلانة بعد ما قلدت الهدي، فكتب ذلك اليوم الذي وقع عليها، فلما قدم ذلك الرجل الذي بعث معه الهدي سأله أي يوم قلدت الهدي؟ فأخبره، فإذا هو قد وقع عليها بعدما قلد الهدي، فأعتق ابن عباس جاريته تلك.

واختلفت الرواية في ذلك عن عبد الله بن عمر، فروى عنه نافع أنه قال: إذا فقد الرجل الهدي فقد أحرم، والمرأة كذلك، ما لم تحج فهو حرام حتى ينحر هديه، وروي عن أبي العالية أنه سمعه يقول: يقولون إذا بعث الرجل بالهدي فهو محرم، والله لو كان محرما ما كان له حل دون أن يطوف بالبيت، والله هذا أولى؛ لأنه أصح في النظر وأثبت من جهة الأثر، وإن كان نافع أثبت في ابن عمر من أبي العالية. وهذه مسألة يتحصل فيها من أقوال العلماء أربعة أقوال. أحدها: أنه لا يكون بالتقليد والإشعار محرما حتى يحرم، كان مع هديه أو لم يكن معه، وبعث به على أن يتبعه وهو يقيم في أهله، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه، على حديث عائشة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وما روي عنها من أنها قالت: لا يحرم إلا من أهل ولبى. والثاني: ضد هذا القول، أنه يكون بالتقليد والإشعار محرما، كان مع الهدي أو لم يكن معه، وبعث به على أن يتبعه وهو يريد الحج، أو على ألا يتبعه ويقيم في أهله، وهو مذهب ابن عباس وجماعة سواه، على ما جاء في حديث ابن جابر. والثالث: أنه يكون بالتقليد والإشعار محرما إذا أراد الحج، كان مع هديه أو بعث به، وهو يريد أن يتبعه وبحج، ولا يكون محرما إذا لم يرد الحج، بعث به مع من يقلده ويشعره أو قلد هو وأشعره وبعث به، وهو قول الثوري. والرابع: أنه لا يكون محرما بالتقليد إلا أن يكون مع هديه وهو يريد الحج، فإن بعث بهديه فقلد وأشعر وهو لا يريد الحج ثم بدا له أن يحج فلا يكون بخروجه محرما، حتى يدرك هديه فيأخذه ويسير به، وهو قول أبي حنيفة، ومن مذهبه لا يكون محرما إلا بالتقليد، ولا يراعى في ذلك الإشعار، وأنه إن أهدى الغنم فلا يكون بتقليدها محرما إذ لا يقلد الغنم،

ومن مذهبه أيضا ومذهب أبي يوسف ومحمد أنه إن بعث بهدي لمتعة ثم أقام أياما حكاما ثم خرج وقد كان قلد الهدي وأشعر، أنه لا يكون محرما بخروجه حتى يدركه ويسير به، بخلاف هدي التطوع، وفي حديث عائشة هذا ما يرد حديث «أم سلمة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: إذا دخل العشر فأراد أحدهم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره حتى يضحي» إذ قد علم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ كان لا يترك الأضحية، ولم يأخذ مالك بحديث أم سلمة وإن كان قد رواه؛ لأن حديث عائشة عنده أصح منه، وقد ترك مالك أن يحدث به، روي عن عمر أن ابن أنس سأله عنه فقال: ليس من حديثي، قال: فقلت لجلسائه قد رواه عنه شعبة وهو يقول ليس من حديثي، فقالوا لي إن لم يرد الأخذ بالحديث يقول: ليس من حديثي، وإلى ما ذهب إليه مالك من أنه لا بأس بحلق الرأس وقص الأظفار والشارب وحلق العانة من عشر ذي الحجة ذهب أبو حنيفة، واختلف قول الشافعي، فمرة قال: من أراد الضحية لم يمس في عشر ذي الحجة من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي، ومرة قال: أستحب ذلك، فإن فعل فلا بأس لحديث عائشة. وقال الأوزاعي: إذا اشترى أضحية بعدما دخل العشر فإنه يكف عن ذلك حتى يضحي، وإن اشتراها قبل أن يدخل العشر فلا بأس. فيتحصل في المسألة أربعة أقوال. أحدها: أنه يجب ترك ذلك في العشر على من يضحي إذا كان واجد الضحية وإن لم يشترها بعد. والثاني: أن ذلك لا يجب عليه إلا بشرائها في عشر ذي الحجة منذ اشتراها، وإن اشتراها قبل ذي الحجة لم يكن به بأس. والثالث: أن ذلك يجب عليه في العشر إن اشتراها قبله، وفي بقية إن اشتراها بعد إن مضى بعضه.

الطيب عند الإحرام

والرابع: قول مالك وأصحابه، أن ذلك لا يجب عليه بحال على حديث عائشة.. وذهب الطحاوي إلى أن حديث عائشة غير معارض لحديث أم سلمة؛ لأن المعنى في حديث عائشة أنه لم يحرم عليه شيء مما أحله الله من أهله حتى ينحر الهدي على ما جاء في بعض الآثار، وفي حديث أم سلمة المنع من حلق الشعر وقص الأظفار لمن أراد أن يضحي في العشر اشترى أضحية أو لم يشترها، وكان واجدا لها فيباح له في العشر الإلمام بأهله على حديث عائشة، ويمنع من حلق الشعر وقص الأظفار على حديث أم سلمة، هذا الذي ذهب إليه الطحاوي، وهو خلاف مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما، وبالله التوفيق. [الطيب عند الإحرام] في الطيب عند الإحرام «قالت عائشة: طيبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ في حجه لحرمه ولحله» . قال محمد بن رشد: الحديث بهذا عن عائشة ثابت صحيح روى مالك في موطأه عنها قالت: «كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت» وقد روي عنها في هذا الحديث زيادة تبين معناه، وهي أنها قالت: «طيبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فطاف على نسائه ثم أصبح محرما، وإذا كان على هذا بالغسل قد أتى على الطيب» .

قول النبي عليه السلام في عمر بن الخطاب

وهذه مسألة قد اختلف فيها الصحابة ومن بعدهم من التابعين، فمنهم من أجاز للمحرم أن يتطيب قبل الإحرام بما يبقى عليه بعد الإحرام، وأن يتطيب إذا رمى الجمرة قبل أن يطوف طواف الإفاضة، ومنهم من لم يجز ذلك، منهم عمر بن الخطاب جاء عنه أنه وجد ريح طيب من ذي الحليفة من معاوية بن أبي سفيان وابن كثير بن الصلت فتغيظ عليهما وأمرهما بغسل ذلك عنهما، وأنه قال بخطبته في عرفة في الحج: إذا جئتم منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم على الحاج إلا النساء والطيب، وإلى هذا ذهب مالك فلم يجز لأحد أن يتطيب قبل الإحرام بطيب يبقى عليه بعد الإحرام، ولا أن يطيب قبل طواف الإفاضة، وإن كان قد رمى الجمرة، إلا أنه لا يرى على من فعل ذلك الفدية، لما جاء في ذلك من الاختلاف وحصل بين العلماء من الصحابة ومن بعدهم، والله الموفق. [قول النبي عليه السلام في عمر بن الخطاب] في قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في عمر بن الخطاب وعنه أيضا عن نافع عن ابن عمر أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن الله جعل الحق على قلب عمر ولسانه» . قال محمد بن رشد: ويروى: «إن الله ضرب بالحق على قلب عمر ولسانه» والمعنى في ذلك سواء، وهو أنه كان يرى الرؤية بقلبه ويقوله بلسانه فيوافق فيه الحق، وقد نزل فيه القرآن، بموافقته في تحريم الخمر، وفي أسرى بدر، وفي الحجاب، وفي مقام إبراهيم على ما جاء في ذلك كله، وكان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يظن الظن ما يكاد يخطئه، روي عن عبد الله بن

عمر أنه قال: قل ما يكون عمر يقول الشيء أظنه كذا إلا كان على ما ظن، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر من كثرة ما كان يصيب في قوله الحق، وقد توجد الزكانة والفطنة وإصابة الرأي في القول في كثير من الناس، وروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «كان فيما مضى محدثون يعني ملهمون، فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر» . فمن ذلك ما روي عنه أنه بعث بعثا أمر عليهم سارية بن زنيم - رجل من أصحابه -، فبينما عمر يخطب إذ صرخ ثلاث صرخات يقول: يا سارية بن زنيم الجبل الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم، قال فشنع ذلك، فلما سمع عبد الرحمن بن عوف دخل على عمر فقال: كأنك أعرابي إذ صرخت ثلاث صرخات، بينما أنت تخطب يا سارية بن زنيم الجبل الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم قال: وقع في روعي أنه ألجأه العدو إلى الجبل، قال: فلعل عبدا من عبيد الله يبلغه صوتي، قال فجاء سارية من الجبل فقال: نعم سمعت صوتا يوم الجمعة نصف النهار يا سارية بن زنيم الجبل الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم، وذكر أيضا أن سارية ابن زنيم لما قصد نساودرا بجرد وانتهى إلى عسكرهم نزل عليهم وحاصرهم ما شاء الله، ثم إنهم استمدوا وتجمعوا وتجمعت إليهم أكراد فارس، فدهم المسلمين أمر عظيم وجمع كثير، ورأى عمر في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في ساعة من النهار، فنادى من الغد الصلاة جامعة، حتى إذا كان في الساعة التي رأى فيها ما رأى خرج إليهم، وكان أربهم والمسلمين بصحراء إن أقاموا فيها أحيط بهم، فإن أووا إلى جبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجه واحد، ثم قال: يا أيها الناس إني رأيت

ما جاء عن عمر بن الخطاب في أن القبلة ما بين المشرق والمغرب

هذين الجمعين، وأخبر بحالهما، ثم قال يا سارية الجبل الجبل، ثم أقبل عليهم وقال: إن لله جنودا، ولعل بعضهم أن يبلغهم، ولما كانت تلك الساعة من ذلك اليوم أجمع سارية والمسلمون على الاستناد إلى الجبل، ففعلوا وقاتلوا القوم من وجه واحد، فهزمهم الله فكتبوا بذلك وباستيلائهم على البلد إلى عمر، فنفذ الرسول عن عمر لأمره الذي أمره به فيما غنموه، وقد سألوه أهل المدينة عن سارية وعن الفتح وهل سمعوا شيئا يوم الوقعة؟ فقال: نعم، سمعنا: يا سارية الجبل، وقد كدنا نهلك فألجأنا إليه، ففتح الله علينا. ومن ذلك قوله: أدرك أهلك فقد احترقوا، وكان كما قال للذي سأله ما اسمك؟ فقال: جمرة، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار؟ قال: بأيتها؟ قال: بذات لظى. وقد قيل إن قوله أدرك أهلك فقد احترقوا، من معنى ما روي عن ابن مسعود أنه قال: لا أقول لا أعبد هذا العود، إن البلاء موكل بالقول. [ما جاء عن عمر بن الخطاب في أن القبلة ما بين المشرق والمغرب] فيما جاء عن عمر بن الخطاب في أن القبلة ما بين المشرق والمغرب وفيه أيضا عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه قبل البيت. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن القبلة إنما تتحرى فيما بين المشرق والمغرب، لا في المشرق ولا في المغرب، بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يستقبلن أحدكم القبلة لبول ولا لغائط، ولكن شرقوا أو غربوا» ، وإنما خوطب بهذا أهل المدينة، إذ تكون القبلة فيما بين

المشرق والمغرب، إلا لمن كان في الجنب والشمال، وأما إن كان في المشرق أو المغرب فقبلته في الجنوب والشمال، أي يتحرى القبلة فيما بينهما على ما ذكرناه، ومن كان فيما بين الشمال والمشرق أو فيما بين الجنوب والمغرب فإنما يتحرى القبلة فيما يقابله من الخط الذي يكون بين الشمال والمغرب، ومن كان فيما بين الجنوب والمشرق أو فيما بين الشمال والمغرب فإنما يتحرى القبلة فيما يقابله من الخط الذي يكون مما بين المغرب إلى الجنوب إلى ما بين المشرق والشمال. وقد قال بعض الناس في تفسير قول عمر بن الخطاب: ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه قبل البيت، وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ولكن شرقوا أو غربوا» هو أن ينظر الرجل إلى مطلع الشمس وإلى مغربها عند اعتدال الزمن حتى يستوي الليل والنهار، فينصب خطا من المشرق إلى المغرب، ثم يصلي الناس إلى ذلك الخط يتعاطونه من الجهتين، ولا يشرقوا ولا يغربوا، وهو خطأ ظاهر وغلط بين؛ لأن التوجه في الصلاة إنما يجب بنص القرآن إلى شطر المسجد الحرام، يتحرونه من كل جهة من الجهات الأربع، لا إلى الخط الذي يخرج من المشرق إلى المغرب، وقد قال بعض الناس: إن البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل مكة، ومكة قبلة لأهل الحرم، قبلة لسائر الناس، وهذا أيضا ليس بصحيح، إذ لا يؤمر أحد أن يتوجه تلقاء الحرم، وإن بعد موضعه من مكة، إنما يؤمر أن يتوجه تلقاء بيت الله الحرام من مكة التي في داخل الحرم. ووجه ما ذهب إليه قائل هذا القول: إن القبلة كلما بعدت اتسع الخطأ فيها، فيكون سبيل الذي يخرج في اجتهاده من أهل مكة عن استقبال شيء من المسجد كسبيل الذي يخرج في اجتهاده من سائر الناس عن استقبال

شيء من الحرم، وكسبيل الذي يخرج في اجتهاده من أهل الحرم عن استقبال شيء من مكة، وهذا لا معنى له، إذ لا يفترق في الحكم قلة الخطأ في ذلك من كثرته. والخطأ في القبلة لا يخلو من أربعة أوجه. أحدها: أن يكون الخطأ مما يرجع به من اجتهاد إلى اجتهاد.. والثاني: أن يكون مما يرجع فيه من يقين إلى يقين. والثالث: أن يكون مما يرجع فيه من يقين إلى اجتهاد. والرابع: أن يكون مما يرجع فيه من اجتهاد إلى يقين. فأما ما يرجع فيه من اجتهاد إلى اجتهاد، مثل أن ينحرف الرجل عن القبلة من غير أن يشرق أو يغرب، فلا إعادة عليه في وقت ولا غيره. وأما ما يرجع فيه من يقين إلى يقين، مثل أن يصلي الرجل بمكة إلى غير القبلة، فعليه الإعادة في الوقت وبعده. وأما ما يرجع فيه من يقين إلى اجتهاد، مثل أن يصلي الرجل مستدبر القبلة أو مشرقا أو مغربا، فهذا فيه قولان في المذهب، أحدهما أنه يعيد في الوقت، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك، والثاني: الفرق بين أن يشرق أو يغرب أو يستدبر القبلة، فإن شرق أو غرب أعاد في الوقت، وإن استدبر القبلة أعاد بدءا، وهو قول المغيرة. وجه قول ابن القاسم وروايته عن مالك، أنه لما كان لا يرجع إلى يقين لم يجب عليه الإعادة إلا في الوقت. ووجه قول المغيرة بالتفرقة بين الذي يصلي مستدبر القبلة وبين الذي يصلي مشرقا أو مغربا، أن الذي صلى مستدبر القبلة يعلم قطعا أنه صلى إلى غير القبلة، والذي صلى مشرقا أو مغربا يوقن أنه صلى إلى غير القبلة، ولا يعلم

الإهلال بالحج

ذلك قطعا، لقول عمر بن الخطاب: ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه قبل البيت.. ولعمري من صلى عندنا مغربا ليعلم قطعا أنه صلى إلى غير القبلة، إذ يعلم أن القبلة عندنا ليست في الغرب، كما يعلم أنها ليست في الجوف. وأما الوجه الرابع: وهو ما يرجع فيه من اجتهاد إلى يقين، مثل أن يصلي في البعد من مكة مجتهدا في القبلة، ثم يأتي مكة فيعلم فيها أن صلاته الأولى كانت إلى غير القبلة، فالحكم في ذلك عندي حكم من يرجع من يقين إلى اجتهاد، ولا أعلم في ذلك نصا، وقد قال بعض العلماء: إن القبلة يستدل عليها في كل بلد بأي جهة كان من الأرض، بأن يستقبل الرجل الشمس ويجعلها بين عينه إذا استوت الشمس في كبد السماء في أطول يوم من السنة؛ لأن الشمس تكون في ذلك الوقت في ذلك مقابلة للبيت ومسامتة له، بدليل أنه لا فيء له، فإذا استقبل الناظر إليها فقد استقبل البيت، وهذا القول ظاهره الصحة، وليس بصحيح؛ لأن الشمس لا تستوي في كبد السماء في وقت واحد في البلد المتباين بالبعد الكثير، وبالله التوفيق. [الإهلال بالحج] ما جاء في الإهلال بالحج وعنه، عن نافع، عن أبي نعيم، عن نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال: «يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن» ، وقال: يهل أهل الحد من يلملم. قال محمد بن رشد: ذو الحليفة مهل أهل المدينة على مقربة من

صيام عاشوراء

المدينة والجحفة مهل أهل الشام على بعد منها في الطريق من المدينة، وأما قرن ويلملم فليسا في طريق مكة من المدينة، وكذلك ذات عرق التي وقتها عمر بن الخطاب لأهل العراق فمن مر من أهل الشام ومن وراءهم من المغرب على المدينة كان له أن يؤخر إحرامه إلى مهله الجحفة، والفضل له أن يحرم من ميقات النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذي الحليفة، ومن مر من أهل العراق وأهل نجد أو أهل اليمن بالمدينة فعليه أن يحرم من ذي الحليفة مهل أهل المدينة، إذ لا يمر واحد منهم بطريقه على مهله وإنما يمر على الجحفة وليست بميقات له، وإنما هي ميقات لأهل الشام، وهذا بين في المدونة وغيرها، فكل من مر بميقات ليس هو له بميقات فعليه أن يحرم منه واجبا إلا أهل الشام إذا مروا بذي الحليفة عليهم أن يحرموا منه لأن ميقاتهم أمامهم، ومن لم يمر بميقات من المواقيت في طريقه فعليه أن يحرم إذا حاذى الميقات. واختلف فيمن كان في البحر، فقيل إنه يحرم فيه إذا حاذى الميقات، وقيل لا يحرم حتى يخرج منه لقول الله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] وهو قول مالك في رواية علي بن زياد، وبالله التوفيق. [صيام عاشوراء] ما جاء في صيام عاشوراء وعنه أيضا عن نافع عن أبي نعيم عن نافع مولى ابن عمر ذكر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صيام يوم عاشوراء فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. «كان يوم عاشوراء يوما تصومه الجاهلية فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطر» .

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا الحديث - والله أعلم - أنه كان بعد أن فرض رمضان لأن صومه كان واجبا قبل أن يفرض صوم رمضان، بدليل ما جاء عن عائشة في حديث الموطأ من قولها: «كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يصومه في الجاهلية، فلما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه؛» لأن في قولها فلما فرض رمضان كان هو الفريضة دليل ظاهر على أنه كان هو الفريضة قبل أن يفرض رمضان، وقد دل على هذا أيضا ما روي «عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي عن عمه قال: غدونا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صبيحة عاشوراء وقد تغدينا، فقال: أصمتم هذا اليوم؟ فقلنا: قد تغدينا، قال: فأتموا بقية يومكم» وروي «عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر يوم عاشوراء فعظم فيه، ثم قال لمن حوله: " من كان لم يطعم منكم فليصم يومه هذا، ومن كان قد طعم فليصم بقية يومه» ؛ لأن هذا هو حكم الفرض لا حكم التطوع، إذ لا يصح صيام التطوع لمن لم يبيته، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل» . وقد روي عن ابن عباس ما دل على أن صومه لم يكن إلا للشكر لا للفرض، قال: «لما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله عز وجل فيه موسى على فرعون، فقال: أنتم أولى بموسى منهم فصوموه» فجمع الطحاوي بين الحديثين بأن قال: يحتمل أن يكون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوجب صيامه بعد أن لم يكن واجبا.

ما جاء في ليلة القدر

وما في الحديثين من التعليل يبعد الجمع بينهما على هذا، فالأولى أن يتأول على ما في حديث ابن عباس من قوله: فصوموه على أنه أراد: فصوموه واجبا كما كنتم تصومونه في الجاهلية. ويوم عاشوراء هو اليوم العاشر من محرم، وقد قيل فيه: إنه التاسع بدليل ما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لئن عشت إلى العام المقبل لأصومن عاشوراء يوم التاسع» ، وهذا الدليل يضعف بما في رواية آخر لهذا الحديث «لئن أعشت، إلى قابل لأصومن يوم التاسع» يعني عاشوراء لأنه يحتمل لأصومن التاسع مع العاشر كيلا أقصد إلى صيامه بعينه دون أن أخلطه بغيره كما يفعله اليهود، بدليل ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في يوم عاشوراء: «صوموه وصوموا قبله يوما وبعده يوما ولا تشبهوا باليهود» ، وبالله تعالى التوفيق [ما جاء في ليلة القدر] فيما جاء في ليلة القدر وعنه أيضا عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال: «أري ناس من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان، فقال: " إني أرى رؤياكم، قد تواطأت على السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» . قال محمد بن رشد: ليلة القدر هي الليلة المباركة التي ذكر الله أنه أنزل فيها الكتاب المبين، وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم وأنها {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] وأن الملائكة تتنزل فيها بكل أمر، وأنها سلام حتى مطلع الفجر، وفي تأويل ذلك خلاف.

إرداف الحج على العمرة

واختلف أيضا هل كانت في حياة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم رفعت، أو هي باقية لأمته إلى يوم القيامة؟ وهو الصحيح من الأقوال، وهل هي في العام كله أو في شهر منه؟ وهو رمضان منه أو في العشر الأواخر منه أو في العشر الوسط أو العشر الأواخر؟ وهل هي في ليلة بعينها لا تنتقل عنها؟ واختلف على هذا في تعيينها على اختلاف ظواهر الآثار في ذلك، وقد ذكرنا بيان هذا كله مستوفى في كتاب المقدمات، وبالله التوفيق. [إرداف الحج على العمرة] في إرداف الحج على العمرة وعنه أيضا عن نافع عن ابن أبي نعيم عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر أنه خرج فأهل بالعمرة من الشجرة ثم صار حتى ظهر على البيداء فقال: ما شاء الله إن الحج والعمرة إلا واحدا أشهدكم أني أوجبت الحج مع العمرة. قال محمد بن رشد: إحرام ابن عمر هذا كان في الفتنة وهو يخشى أن يصد عن البيت فأحرم بعمرة من أجل أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان معتمرا إذ صده المشركون وقال: إن صددت عن البيت صنعت كما صنعنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين صد عن البيت على ما جاء عنه في غير هذا الحديث. وقوله في هذا الحديث حين ظهر على البيداء: ما شاء الله معناه ما شاء الله أن يكون كان من الوصول إلى مكة والصدود عنها. وقوله إن الحج والعمرة إلا وحدا معناه إن الحكم في الصدود عن البيت في الحج والعمرة سواء في أن يحل المصدود منها في الموضع الذي صد فيه على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي قوله أشهدكم أني أوجبت الحج والعمرة دليل بين على أن القران أفضل عنده من التمتع لأنه لم ينتقل من التمتع إلى القران إلا ابتغاء الفضل في ذلك. وقد اختلف في الإفراد والتمتع والقران أن أيهم أفضل على اختلافهم في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل كان في حجة الوداع مفردا أو قارنا أو متمتعا؟ فمن صح عنده أنه كان مفردا رأى الإفراد أفضل وهو مذهب مالك، ومن صح عنده أنه كان قارنا رأى القران أفضل، ومن صح عنده أنه كان متمتعا رأى التمتع أفضل. ومن أهل العلم من رأى الإفراد أفضل ثم التمتع لأن الله تعالى أباحه في القران، ثم القران، ومنهم من لم يفضل شيئا من ذلك على شيء منها؛ لأن الله تعالى قد أباحها كلها وأذن فيها ورضيها. وإرداف ابن عمر الحج على العمرة التي كان قد أحرم بها قبل أن يعمل منها شيئا أمر متفق عليه من فقهاء الأمصار، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه أن المحرم بالعمرة له أن يردف الحج ما لم يطف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، فإن أردف الحج على العمرة قبل أن يتم الطواف بالبيت فهو قرن، واختلف بالتأويل على ما في المدونة إن أردفه عليها بعد أن يكمل الطواف بالبيت قبل أن يركع، وأما إن أردفه عليها بعد أن ركع وشرع في السعي أو قبل أن يشرع فيه فليس بقارن يمضي على سعيه ويحل ثم يستأنف الحج، وأما إن أردفه بعد أن أكمل السعي قبل أن يحلق فيلزمه الحج وليس بقارن ويكون عليه دم لتأخير الحلاق ولا يرتدف الحج على الحج ولا العمرة على العمرة ولا الحج على العمرة. وقال أبو ثور: إذا أحرم لحجة فليس له أن يضم إليها عمرة، وكذلك إذا أحرم بعمرة فليس له أن يدخل عليها حجة ولا يدخل إحراما على إحرام، كما لا يدخل صلاة على صلاة، وما روي في السنة الثابتة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

الاعتكاف في رمضان وتحري ليلة القدر

من قوله لمن كان أحرم بالعمرة من أصحابه: «من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا» يرد قوله، والله أعلم، وبالله تعالى التوفيق. [الاعتكاف في رمضان وتحري ليلة القدر] في الاعتكاف في رمضان وتحري ليلة القدر وعنه أيضا عن نافع بن أبي نعيم عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: «اعتكف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشر الوسط من رمضان فلما كانت ليلة إحدى وعشرين قال: من اعتكف معي فليعتكف هذه العشر الأواخر فإني رأيت ليلة القدر فأنسيتها ورأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين» . قال محمد بن رشد: وقع في حديث أبي سعيد هذا في الموطأ «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعتكف في العشر الوسط من رمضان» . وقوله كان يعتكف يدل على أن ذلك كان فعله الذي يواظب عليه، وفي ذلك دليل على أن ليلة القدر قد يكون فيها وفيه زيادة أيضا، «قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى جبينه أثر الماء والطين من صبح ليلة القدر ليلة أحد وعشرين من رمضان» فتبين من هذا أن ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين من رمضان وفي «أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعبد الله بن أنيس الجهني أن ينزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان» على ما وقع من ذلك في الموطأ دليل على أن ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين من رمضان، فمن الناس من ذهب إلى أن ليلة القدر لا تنتقل، فحمل ذلك على التعارض وصحح أحد الحديثين ورآه أولى من الآخر، ومنهم من ذهب إلى أنها تنتقل فقال: كانت في العام الواحد ليلة إحدى وعشرين، وفي العام الثاني آخر ليلة ثلاث وعشرين، وفي عام آخر ليلة سبع وعشرين، على حديث أبي بن كعب

قضاء الحاج بالليل ما فاته بالنهار

ومعاوية وهو الصحيح في النظر؛ لأنها كلها أحاديث صحاح فلا يصح أن يحمل التعارض والجمع بينها بالتأويل محتمل ظاهر بين، والله الموفق. [قضاء الحاج بالليل ما فاته بالنهار] في قضاء الحاج بالليل ما فاته بالنهار قال مالك: بلغني أن ابن عمر أمر بعض أهله أن يقضوا ما فاتهم بالنهار بالليل ولم يبلغني أن يهرقوا دما. قال محمد بن رشد: بعض أهله الذين أمرهم أن يقضوا ما فاتهم بالليل هما صفية بنت أبي عبيد زوجته وبنت أخ لها والتي فاتها رمي جمرة العقبة، يبين هذا الحديث الموطأ رواه مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه أن بنت أخ لصفية بنت عبيد نفست فتخلفت هي وصفية حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرهما عبد الله بن عمر أن يرميا الجمرة حين أتتا، ولم ير عليهما شيئا، وهو ظاهر قول مالك في الموطأ، واختلف قوله في ذلك في المدونة، فمرة قال في ذلك بالدم، ومرة لم يقل فيه دما وكذلك من ترك رمي جمرة من الجمار الثلاث حتى غربت الشمس اختلف قول مالك في وجوب الدم عليه، مرة رآه عليه ومرة لم يره. وأما من ترك رمي جمرة من الجمار حتى ذهبت أيام منى وفات الرمي فلم يختلف قوله في وجوب الدم، واستحب لمن ترك جمرة العقبة أو رمي يوم من أيام أن يهدي بدنة، فإن ترك جمرتين من يوم من أيام منى فليهد بقرة، وإن لم يترك إلا جمرة واحدة فشاة، والشاة تجزيه في ذلك كله في باب الإجزى، وبالله التوفيق.

فضل هشام بن حكيم وقول عمر فيه

[فضل هشام بن حكيم وقول عمر فيه] ومن كتاب أوله [الشجرة] تطعم بطنين في السنة في فضل هشام بن حكيم وقول عمر فيه وحدثني مالك عن هشام بن حكيم بن حزام ومثل ما حدثني به أولا، قال: كان عمر بن الخطاب إذا سئل الأمر الذي لا ينبغي يقول أما ما بقيت أنا وهشام فلا يكون ذلك، وقال هشام لبعض أمراء الشام ورأى نبطا قد أقيموا في الشمس لخراجهم فقال لهم: أشهد أني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله ليعذب في الآخرة الذين يعذبون الناس في الدنيا» ، وكان هشام رجلا قد تبتل وترك نكاح النساء، وكان في حاله شبيها بالسياحة. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا الإخبار بين لا وجه للقول فيه وكفى منه قول الله عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: 29] الآية فوصفهم الله في التوراة لموسى بن عمران بما وصفهم به من السيماء التي في وجوههم من السجود، ووصفهم في الإنجيل لعيسى بأنهم كزرع أخرج شطأه أي فراخه يقال منه أشطأ الزرع إذا أفرخ يشطي فهو أشطأ وقرأ ابن كثير شطأه بفتح الطاء، وهما لغتان، وإنما مثلهم عز وجل بالزرع المشطأ لأنهم أبتداوا في الدخول في الإسلام وهم عدد قليلون ثم جعلوا يتزايدون ويدخل فيه الجماعة بعدهم ثم الجماعة بعد الجماعة حتى كثر عددهم كما يحدث في أصل الزرع الفرخ منه ثم الفرخ بعده حتى يكثر وينمي وقوله: فآزره يقول فقواه أي قوى الزرع شطئه، ويقرأ فأزره بالقصر وهو في القراءتين جميعا من المؤازرة وهي المعاقدة، فاستغلظ يقول فغلظ الزرع، فاستوى على سوقه، والسوق جمع ساق، وساق الزرع والشجر حامله، وقوله: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29] معناه يعجب زراع هذا الزرع لتمامه وحسن نباته، وكذلك محمد

حمل العلم بالإجازة

وأصحابه ابتدأ أمرهم بالضعف ثم قوي واشتد، فعل الله ذلك بأصحاب محمد ليغيظ بهم الكفار، وبالله تعالى التوفيق. [حمل العلم بالإجازة] في حمل العلم بالإجازة وسئل مالك عن الرجل يقول له العالم هذا كتابي فاحمله عني وحدث به. قال: لا أرى هذا يجوز ولا يعجبني، ولقد كان ناس يفعلون ذلك وإنما يريد هؤلاء كثرة الحمل بالأمانة اليسيرة. قال محمد بن رشد: معناه: هذا مكروه لا يعجبني؛ لأن ما يجوز لا يصح أن يقال فيه لا يعجبني، وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم حلف قبل هذا. [العمل مقدم على خبر الواحد] في أن العمل مقدم على خبر الواحد وحدثني أن محمد بن أبي بكر بن عمر بن حزام كان قاضيا وكان أخوه عبد الله بن أبي بكر كثير الأحاديث، وكان رجل صدق، فكان إذا قضى محمد بالقضية قد جاء فيها الحديث مخالفا للقضاء يقول له أخوه: لم يأت في هذا حديث كذا وكذا، قال: بلى، قال: فما لك لا تقضي؟ قال: فأين الناس عنه؟ يريد بذلك أن العمل أثبت من الأحاديث. قال محمد بن رشد: هذا معلوم عنده من مذهب مالك أن العمل أقوى عنده من خبر الواحد؛ لأن العمل المتصل بالمدينة لا يكون إلا عن توقيف فهو يجري عنده مجرى ما نقل نقل التواتر من الأخبار فيقدم على خبر الواحد وعلى القياس، والقياس أيضا مقدم على خبر الواحد؛ لأن خبر الواحد يجوز عليه النسخ والغلط والسهو والكذب والتخصيص ولا يجوز من الفساد على

القياس إلا وجه واحد وهو: هل الأصل معلول بهذه العلة أم لا؟ وما جاز عليه أوجه كثيرة مما تبطل الحجة به أضعف مما لم يجز عليه إلا وجه واحد، وكذلك إجماع أهل المدينة عنده من جهة حجة تجري مجرى نقل التواتر؛ لأنهم إذا أجمعوا على أمر من الأمور فلا يخلو من أن يكونوا أخذوه توقيفا أو رآهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأقرهم ولم يتعرض للنهي عنه ولا أنكره، وأي ذلك كان فقد حصل النقل له من جميعهم والتواطؤ عليه من كافتهم، فوجب أن يقدم على غيره ولا سيما إذا كان الأمر مما لا ينفك منه أهل عصر والحاجة إليه عامة كالأذان والإقامة والصلاة على الجنائز وترك أخذ الزكوات من الخضراوات وما أشبه ذلك كثير. ولما كانت المدينة معدن العلم ومهبط التنزيل وعنها خرج العلماء، والكافة من العلماء بها مقيمون، والعمل جار منهم على ما استقر من أركان الشريعة وجب أن يكون إجماعهم على الحادثة يحج من سواهم ممن رحل عنهم فخالفهم لجواز أن يكون قد نسي أو شبه له، كما روي أن ابن مسعود أفتى في الكوفة بتزويج الأم قبل أن يدخل بها ثم قدم المدينة فأخبروه أن الأم مطلقة وأن العمل بخلاف ما أفتى، فرجع إلى الكوفة فأمر الرجل أن يفارق امرأته، ولو حصل إجماعهم من طريق القياس لوجب أن يقدم على قياس غيرهم؛ لأنهم وإن شاركوا أهل الأمصار في مقامات العلم فقد زادوا عليهم بمشاهدة الوحي وترتيب الشريعة ووضع الأمور مواضعها والعلم بناسخ القرآن من منسوخه واستقر عليه آخر أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأن القياسين إذا تعارضا وجب أن يقدم أرجحهما على الآخر ويرجح قياس أهل المدينة أيضا بقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها» .

الدخول على المعذبين

[الدخول على المعذبين] في النهي عن الدخول على المعذبين إلا للاعتبار والبكاء وحدثني عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم» . قال محمد بن رشد: هؤلاء القوم المعذبون هم ثمود قوم صالح أصحاب الحجر الذين كذبوه وعقروا الناقة التي أخرجها الله من- الصخرة آية إذ قال له قومه: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [الشعراء: 153] {مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 154] ، قالوا له على ما في التفسير: إن كنت صادقا فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة، فتصدعت الصخرة فخرجت منها ناقة عشراء فنتجت فصيلا فقال لهم: {هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} [الشعراء: 156] أي بعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 156] {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ} [الشعراء: 157] {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} [الشعراء: 158] وقال عز وجل: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} [الشمس: 11] أي بطغيانها {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس: 12] {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13] {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} [الشمس: 14] أي أهلكهم {بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} [الشمس: 14] أي بالعقوبة {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 15] قيل معناه فلم يخف الذي عقر الناقة العقبى من الله في ذلك، وقيل معناه فلا يخاف الله أن يتبع بذلك مثل قوله: {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: 69] ولما مر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحجر ثمود في غزوة تبوك أمر أصحابه ألا يتوضئوا من بئر ثمود ولا يعجنوا خبزا بمائها ولا يستعملوا شيئا منها، فقيل له: إن قوما عجنوا خبزا من ذلك الماء فأمر

مفاتح الغيب

بالعجين فطرح للإبل علفا وأمرهم أن يستعملوا ماء بئر الناقة في كل ما يحتاجون إليه، أمر أصحابه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بأن لا يدخلوا بيوت ثمود وقال: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم ونهاهم أن يخرج أحدهم منفردا فخرج رجلان من بني ساعدة كل واحد منهما منفرد عن صاحبه، أحدهما يريد الغائط فخنق أحدهما فأخبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بذلك فدعا له فشفي، والآخر خرج في طلب بعير له فأخذته الريح فرمته في جبل طي فردته طي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالله تعالى التوفيق. [مفاتح الغيب] في مفاتح الغيب وحدثني عن مالك عن ابن دينار عن ابن عمر قال: «مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، علم الساعة ولا يدري أحد متى يأتي المطر، ولا يدري أحد ما في الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت» . قال محمد بن رشد: قد روي حديث ابن عمر هذا مرفوعا إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس لا يعلمهن إلا الله "، وتلا قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] إلى آخر السورة» . ويريد بمفاتح الغيب قول الله عز وجل: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ} [الأنعام: 59] وليس في قوله خمس لا يعلمهن إلا الله دليل على أنه يعلم سواها من المغيبات من عداه، بل لا يعلم أحد شيئا من الغيب إلا الله، قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26] {إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27]

رفع الأمانة وفضل العلم

فعم من جميع الغيوب بقوله: الغيب؛ لأن الألف واللام إذا دخلت على النكرة اقتضت استغراق الجنس، قال عز وجل: {وَالْعَصْرِ} [العصر: 1] {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2] فكأن معناه: إن الإنسان لفي خسر، بدليل استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم، وإذا اعتبرت هذه الخمس وجدتها مستغرقة لجميع الغيوب؛ لأن قوله عز وجل: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34] معناه أنه يقتضي أنه لا تعلم نفس ما يكون في غد من الأشياء، وإنما ذكرنا الكسب دون ما سواه من الأشياء؛ لأنه جل ما يحرص الناس على معرفته من الأشياء، وقد «روي أنه جاء رجل من البادية فقال: إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد؟ وبلادي مجدبة فأخبرني متى ينزل المطر؟ وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية» وبالله التوفيق. [رفع الأمانة وفضل العلم] في رفع الأمانة وفضل العلم وحدثني عن ابن القاسم عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن أول ما يرفع من الناس الأمانة وآخر ما يبقى فيهم الصلاة، وحدثني أنه بلغه أن ابن مسعود كان يقول: إذا لم يعلم أحدكم الفرائض وسنة الحج والطلاق فما فضله على أهل البادية؟ قال محمد بن رشد: المعنى في هذا كله بين؛ لأن أهل البادية أهل جمالة، فإنما فضلهم أهل الحاضرة بالمعرفة بأمور الدين، قال عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] وقال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] .

تصديق الرسل واليقين بقولهم

[تصديق الرسل واليقين بقولهم] في تصديق الرسل واليقين بقولهم وحدثني عن ابن القاسم، عن مالك، أنه بلغه أنه خرج مع موسى رجلان من أصحابه إلى البحر، فلما إليه قالا له: ماذا أمرك؟ قال. أمرني أن أضرب البحر بعصاي فقال له: افعل ما أمرك به ربك. فلن نخلفك، ثم ابتدرا البحر فألقيا أنفسهما فيه تصديقا له، قال مالك في تفسيره: فما زال البحر كذلك حتى دخل فرعون ومن معه، ثم رجع إلى ما كان. قال محمد بن رشد: في كتاب الله بيان هذا، وتفسيره قال عز وجل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الشعراء: 52] فخرج بهم ليلا على ما روى: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء: 53] {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} [الشعراء: 54] يعني هم قليلون في كثيرنا، وكان أصحاب موسى ستمائة ألف، وقيل إنه اتبعهم فرعون على ألف ألف حصان ومائتي ألف حصان، وقيل مبلغ جنوده كان أربعين ألف ألف {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء: 60] كما قال إلى حين أشرقت الشمس: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] {قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] يريد الطريق، قال قتادة: ذكر لنا أن مؤمنا من آل فرعون كان بين يدي نبي الله موسى يومئذ يسير ويقول: أين أمرت يا رسول الله، فيقول له موسى: أمامك، فيقول له المؤمن: وهل أمامي إلا البحر، والله ما كذبت ولا كذبت، ثم يسير ساعة

الاستمتاع بما أباحه الله من متاع الدنيا

ثم يلتفت، فيقول: أين أمرك يا نبي الله؟ فيقول: أمامك، فيقول: وهل أمامي إلا البحر؟ والله ما كذبت ولا كذبت، ثم يسير ساعة، ثم يلتفت فيقول مثل ذلك، حتى دخلوا البحر، فلما انتهوا إلى البحر أوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، جاءه جبريل على فرس وأمره أن يضرب بعصاه البحر، فضربه موسى بعصاه {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63] ، أي كالجبل العظيم، صار اثني عشر طريقا لكل سبط طريق، وصار ما بين كل طريق منه مثل القناطير ينظر بعضهم إلى بعض، واتبعهم فرعون. قال قتادة: ذكر لنا أنه لما خرج آخر أصحاب موسى دخل آخر أصحاب فرعون شطط البحر فغرقهم، قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} [الشعراء: 67] أي لعبرة لمن اعتبر وحذر أن ينزل به ما نزل بهم، فأخرج الله آل فرعون كما قال: {مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء: 57] {وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 58] أي كريم في الدنيا، وقيل أي منزل حسن في الدنيا، قال: {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 59] رجعوا إلى مصر بعدما أهلك الله فرعون وقومه. [الاستمتاع بما أباحه الله من متاع الدنيا] في جواز الاستمتاع بما أباحه الله من متاع الدنيا قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: دخل عباس البصري على ابن هرمز في بيته فرأى فيه أسرة ثلاثا عليها ثلاثة فراش ووسائد ومحابس معصفرة، فقال له يا أبا بكر ما هذا؟ فقال له ابن هرمز: ليس بهذا بأس، وليس الذي تقوله بشيء، أدركت الناس على هذا. قال محمد بن رشد: هو كما قال ابن هرمز؛ لأن الله تعالى يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] إلى قوله: {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 32]

الاستشارة في الفتوى

أي هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مستقرة سائغة خالصة، وروى ابن عمر عن النبي أنه قال: «إن الله يحب أن يرى نعمته على عبده» ، وروى «عن أبي الأحوص عن أبيه أنه أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قشف الهيئة، فقال له رسول الله: " هل لك مال "؟ قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: من كل من الخيل والإبل والرقيق، قال: فكل ما آتاك الله من مال فلير عليك» . وقال عمر بن الخطاب: إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم. جمع رجل عليه ثيابه وقال إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب، والقارئ ها هنا أراد به العابد الزاهد المتقشف؛ لأن القراء عندهم العباد العلماء، ومن هذا كان يقال عندهم للخوارج قبل خروجهم القراء، لما كانوا فيه من العبادة والاجتهاد. وما فضل عند الرجل من ماله بعد أن أدى منه الواجب عليه فيه فاستمتاعه به في الرفيع من اللباس، والطيب من الطعام، والحسن من الركوب والجيد من السكنى من غير إسراف في شيء من ذلك كله لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] أولى من ترك ذلك وإمساك ماله، إذ لا أجر فيه، وإنما يؤجر على إمساكه إذا أمسكه لخير يريد أن يفعله منه، وقد يؤجر على الاستمتاع بماله في لباس الحسن، لما جاء من أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وما أشبه ذلك من الآثار التي ذكرناها، فبانت صحة قول ابن هرمز وأنه الفقه. [الاستشارة في الفتوى] في الاستشارة في الفتوى قال مالك: وجاء رجل ابن هرمز فأرسل بعض السلاطين

طلب العلم وتقوى الله

يستشيره في الفتوى فسأله أتراني أهلا لذلك؟ قال إن كنت عند الناس كذلك، ورأوك أهلا لذلك فباشر. قال محمد بن رشد: زاد في هذه الحكاية في كتاب الأقضية أنه قال له: إن رأيت نفسك أهلا لذلك ورآك الناس أهلا لذلك فافعل، وهي زيادة صحيحة لأنه هو أعرف بنفسه، فإذا لم ير نفسه أهلا لذلك فلا ينبغي له أن يفعل، وإن رآه الناس أهلا لذلك، وأما إذا لم يره الناس أهلا لذلك فلا ينبغي أن يفتي وأن رأى هو نفسه أهلا لذلك؛ لأنه قد يغلط فيما يعتقده في نفسه من أنه أهل لذلك، ولا حرج عليه إن فعل إذا علم من نفسه أنه قد كملت له آلات الاجتهاد بأن يكون عالما بالقرآن يعرف ناسخه من منسوخه، ومفصله من مجمله، وخاصه من عامه، عالما بالسنة مميزا بين صحيحها وسقيمها، عالما بأقوال العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار، وما اتفقوا عليه، وما اختلفوا فيه من أهل النظر والاجتهاد، بصيرا بوجه القياس، عارفا بوضع الأدلة في مواضعها، ويكون عنده من علم اللسان ما يفهم به معاني الكلام، فإذا اجتمعت فيه هذه الخصال مع العدالة والخير والدين صح استفتاؤه فيما ينزل من الأحكام وجاز للعاصي تقليده فيها. [طلب العلم وتقوى الله] في طلب العلم وتقوى الله قال مالك: وكان ابن هرمز يقول إن سأله رجل عن طلب العلم، إن رأيت أنك أهل لذلك فاطلبه وكان يقول: اتق الله بني آدم يحبك الناس وإن كرهوا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا عندي أنه كان إذا سأله رجل عن طلب العلم أواجب هو عليه أم لا؟ يجيبه بما ذكر من وجوب الأمر في رد ذلك عليه إلى ما يعلم من نفسه، فإن كان من أهل الذكاء والفهم ما ترجى به إمامته تعين عليه من العلم ما يحتاج في خاصته من وضوئه وصلاته وصيامه وزكاته إن كان من أهل الزكاة، وما يحل عليه ويحرم من المحرمات، وما يجوز عليه مما لا يجور في البيع إن كان من أهل التجارات، وبالله التوفيق.

صدقة الماشية

وإنما قال: من اتقى الله يحبه الناس وإن كرهوا؛ لأن من اتقى الله يحبه الله ومن أحبه الله أحبه أهل السماء ووضع له القبول في الأرض، على ما جاء في الحديث من رواية أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أحب الله العبد قال لجبريل: قد أحببت فلانا، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله العبد، قال مالك: لا أحسبه قال في البغض إلا مثل ذلك» . [صدقة الماشية] في صدقة الماشية وحدثنى عن مالك، عن ربيعة، أنه ذهب معه إلى عبد الله بن واقد بن عمر وكان فاضلا واحدا، يعجب لفضله، فسأله عن كتاب عمر بن الخطاب إليه في الصدقة فأخرجه إليه. قال محمد بن رشد: هذا هو سند مالك في كتاب عمر بن الخطاب في الصدقات الذي ذكره في موطئه أنه قرأه ولم يسنده، قال: فوجدت فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا كتاب الصدقة في أربع وعشرين من الإبل، فدونها الغنم، في كل خمس شاة، الكتاب إلى آخره بطوله هو كتاب صحيح مشهور عند أهل المدينة، أصله من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، روي عن ابن شهاب، عن سالم، عن ابن عمر، «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ كتب كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، وعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمر حتى قبض، فكان فيه: في أربع وعشرين من الإبل فدونها الغنم، في كل خمس ذود شاة» وذكر معنى ما ذكره مالك في موطئه في كتاب ابن عمر سواء، وروي عن ابن شهاب أيضا قال: أخرج إلي سالم وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر نسخة كتاب رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الصدقة، قال ابن شهاب أقرأنيها سالم فوعيتها

كيد الشيطان

على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز وأمر عماله بالعمل بها، ولم يزل خلفاؤه يعملون بها، قال: وهذا تفسيرها: لا يؤخذ في شيء من الإبل صدقة حتى يبلغ خمس ذود، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة، ثم ذكر معنى ما ذكر مالك عن عمر في كتابه، ثم قال: فإذا كانت إحدى وعشرين ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ ثلاثين ومائة، فإذا بلغت ثلاثين ومائة ففيها حقة وبنتا لبون، وليس بين أهل العلم اختلاف في زكاة الإبل إلا في هذا الموضع، وهو إذا زادت الإبل على عشرين ومائة واحدا، فابن شهاب يقول فيها ثلاث بنات لبون على ما في حديثه، ومالك يرى الساعي مخيرا بين أن يأخذ حقتين أو ثلاث بنات لبون، والمغيرة وابن الماجشون يقولان ليس فيهما إلا حقتين حتى تبلغ ثلاثين ومائة فيكون حقة وابنتا لبون، وروى ذلك أشهب عن مالك، وبالله التوفيق. [كيد الشيطان] في كيد الشيطان قال مالك: إنه ليقال إن الشيطان إذا لم يجبه العبد إلى المعاصي جاءه من قبل المقنط والإياس [منه] وتعظيم الشيء عليه.

التورع من أخذ العطاء ومداراة الإمام

قال محمد بن رشد: قد مضى هذا المعنى بغير هذا اللفظ في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الوضوء والجماعة من سماع أشهب منه، وليس في ذلك معنى يشكل فيحتاج إلى بيانه؛ لأنه من فعل الشيطان ووسوسته التي أقدره الله عليها ومكنه منها ابتلاء لعباده يجازي الحسن بإحسانه ويعاقب العاصي بإساءته، فهو يلبس على الناس بها ويفسد عليهم طاعتهم بما يلقي في نفوسهم من التقصير فيها، فالذي يؤمن به من اعتراه شيء منها أن يضرب عنقه ولا يلتفت إليه، فإن ذلك يقطعه عنه بفضل الله ورحمته، وبالله تعالى التوفيق. [التورع من أخذ العطاء ومداراة الإمام] في التورع من أخذ العطاء ومداراة الإمام وحدثني أنه لما قدم الوليد بن عبد الملك سأل عمر بن عبد العزيز أن يدله على رجل صالح يعطيه مالا، فدله على بشر ابن سعيد، فأرسل إليه بألف درهم أو خمسمائة درهم وحلة، فأبى أن يقبل منه، فدخل عليه عمر بن عبد العزيز وجده مغضبا، فقال: دللتني على حروري، فقال يا أمير المؤمنين: بل هو رجل متغن، وأنت تحب من هو أحوج منه تعطيه، فتركه الوليد وأعطى غيره. قال محمد بن رشد: إنما رد بشر عطيته من أجل أنه لم يستجز أخذ جائزته، والله أعلم، وفهم ذلك منه الوليد، ولذلك غضب، فاستلطفه عمر بن عبد العزيز واعتذر إليه. وقد اختلف في قبول جوائز الخلفاء، فروي عن مالك أنه لا بأس بذلك إذا كان المجبى حلالا، ومن أهل العلم من كرهها وإن كان المجبى ممن يعطاه على نفسه فله أجر ذلك. وأما إن كان المجبى يشوبه حلال وحرام فالأكثر يكرهونها، ومنهم من يجيزها، وأما إن كان المجبى حراما فمنهم من يحرمها ومنهم من يكرهها

ما جاء في وادي العقيق

ومنهم من يجيزها، وهم الأقل. ومن أعطى من المجبى الحرام أو المجبى الذي يشوبه الحرام والحلال مما فيه من الحرام فهو كمن أعطى من المجبى [الحرام] ، ومن أعطى مما فيه من الحلال، فهو كمن أعطى من المجبى الحلال، وإن كان الغالب على المجبى الحرام فله حكم المجبى [الحرام] ، ومن لم يأخذ من المجبى الحلال وإن كان يعدل في القسم فهو أفضل، لقول النبي عليه السلام: «إن خيرا لأحدكم ألا يأخذ من أحد شيئا قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا» لأن من ترك حقه فيه ولم يأخذه فقد آثر به غيره ممن يعطاه على نفسه، فله أجر ذلك ". [ما جاء في وادي العقيق] وقال مالك: " بلغني «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نائما بالعقيق، وأن رجلا حرك رجله بشيء، فقال له: لقد أيقظتني وإني أراني بواد مبارك» . قال محمد بن رشد: وادي العقيق هو بذي الحليفة، عرس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فيه، فقيل له: إنك ببطحاء مبارك، روى موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه ريء وهو في معرس بذي الحليفة ببطن الوادي، قيل له إنك ببطحاء مباركة» قال، وقد أناخ بنا سالم يتوخى المناخ الذي كان عبد الله ينيخ فيه يتحرى معرس رسول الله، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي، بينه وبين الطريق وسط من ذلك، وقال عمر بن الخطاب: «سمعت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول بوادي العقيق: أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فقال: صل في هذا الوادي المبارك» وقال: عمرة في حجة، والموضع المبارك هو الذي تزكو فيه الأعمال، وينال فيه الأجر الكثير من الله عز وجل، قال عز وجل:

جزاء الصادق في الدنيا

{حم} [الأحقاف: 1] {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ - إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 2 - 3] وهي ليلة القدر التي قال عز وجل فيها إنها {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] أي ثواب العمل فيها أكثر من ثواب العمل في ألف شهر. [جزاء الصادق في الدنيا] في جزاء الصادق في الدنيا قال: وبلغني أنه يقال ما كان رجلا صدوقا ليس من أهل الكذب إلا متع بعقله ولم يصبه ما يصيب غيره من الهرم والخرف. قال محمد بن رشد: مثل هذا لا يكون إلا عن توقيف، وإن صح فمعناه في الغالب، والله أعلم، وقد أثنى الله على الصديقين في غير ما آية في كتابه فقال: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] وقال: {أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} [الحديد: 19] وقال عمر بن الخطاب فيما تقدم قبل هذا: عليكم بالصدق وإن ظننت أنه مهلكك، وقد مضى الكلام عليه، وكان ابن مسعود يقول: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار» ألا ترى أنه يقال صدق وبر، وكذب وفجر، وقد «قيل لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: أيكون المؤمن كذابا؟ قال: لا» ومعناه أنه لا يكون مؤمنا ممدوح الإيمان ممن يمدح بأن يقال فلان مؤمن حقا. [تفسير قوله تعالى بنين وحفدة] في تفسير قَوْله تَعَالَى: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] قال: وسمعت مالكا يقول في تفسير قوله عز وجل: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] قال: الحفدة الخدام والتباع.

ما جاء في معاذ بن جبل

قال محمد بن رشد: تفسير مالك للحفدة أنهم الخدام والتباع صحيح بين، وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: الحفدة الأختان، وليس ذلك بمخالف لما قاله مالك لأن الأختان من الخدمة والتباع لأنهم يتصلون به بسبب الصهر فيحفون به ويشاركونه في أموره ويعينونه فيها، ومعنى الآية في قوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] . إن الله عدد نعمته على خلقه بأن خلق من الرجال النساء، وأصل ذلك أن خلق حواء من آدم، فجعل النساء أزواجا للرجال يسكنون إليهم، ويكون لهم منهن البنون والأنسال، يكون منهم التباع والخدمة والعبيد والأعوان؛ لأن الناس يخدم بعضهم بعضا، قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] وهي حكمة عظيمة في عمارة الدنيا، وعبرة ظاهرة لمن اعتبر، إذ لا يقوم حال أحد بنفسه، ولا يصل النفع إليه الذي به حياته إلا بعمل غيره من حرث وحصد ودرس وطحن وخبز وطبخ، والحرث لا يكون إلا بالآلات، يخدم في عملها الجماعات، وكذلك الخبز والطحن والطبخ، إذ لا بد لذلك كله من الآلات يعملها الجماعات، فلا يحصي أحد عدد ما يخدمه من البشر في اللقمة التي يأكل أو في الثوب الذي يلبس إلا الله عز وجل، فالفكرة في هذا وشبهه والاعتبار فيه وشكر الله تعالى عليه من أعظم العبادات. [ما جاء في معاذ بن جبل] قال مالك: بلغني أن معاذ بن جبل أمام العلماء برتوة. قال محمد بن رشد: الرتوة الدرجة، وإنما يتقدمهم بالدرجة

ولاية القاسي القلب

لكونه أعلم منهم بالحلال والحرام على ما جاء في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ لأنه قال الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] فدرجتهم في الآخرة على مقدار تقدمهم في المعرفة والعلم مع الفضل والدين، وبالله التوفيق. [ولاية القاسي القلب] في أن القاسي القلب لا ينبغي أن يولى الإمارة قال مالك: إن عمر بن الخطاب دعا رجلا يستعمله، فجاء ابن لعمر صبي فأخذه عمر فقبله، فقال له يا أمير المؤمنين، أتقبله؟ قال: نعم، قال إن لي كذا وكذا ولدا ما قبلت أحدا منهم قط، فقال له عمر: أنت لا ترحم ولدك، فأنت للناس أقل رحمة، وأبى أن يستعمله. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لا وجه للقول فيه. [تفسير وسبح بحمد ربك حين تقوم] وفي تفسير {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] وسئل عن تفسير {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] قال: حين تقوم إلى الصلاة في رأيي، وقد قال الله {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] . قال محمد بن رشد: تفسير مالك في هذه الرواية لقوله عز وجل: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] أي إن المعنى في ذلك حين تقوم

تواضع الصحابة وما كانوا عليه

إلى الصلاة، هو مثل ما روي عن الضحاك أنه قال: معنى ذلك إذا قمت إلى الصلاة فقل: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك، وتعالى جدك ولا إله غيرك، بدليل احتجاجه على ذلك بقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] يريد أن المراد بذلك أن يسبح الله عز وجل في هذه الأوقات، وقد قيل في قوله عز وجل: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] أن المعنى في ذلك أن يقال حين يقوم من نومه سبحان الله وبحمده. والمختار في هذا من أقوال العلماء أن يكون المراد بالأمر بالتسبيح في هذه الآية وما أشبهها الصلوات المفروضات، لا التسبيح، بأن يقول سبحانك اللهم وبحمدك، إذ لا يجب على أحد فرضا واجبا أن يقول ذلك في الصلاة ولا في غير الصلاة، إنما يجب اعتقاد ذلك، والإيمان بمعنى التسبيح، وهو التنزيه لله عن مشابهة شيء من مخلوقاته، فمعنى قول الله عز وجل: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] صلاة الظهر، وكذلك قوله {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [الطور: 49] يعني ومن الليل فعظمه بالصلاة، وذلك صلاة المغرب والعشاء، وقوله {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] يعني صلاة الصبح. وقد قيل: المعنى المراد بذلك ركعتا الفجر، وقد روي ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: «سئل رسول الله عن إدبار النجوم فقال هما الركعتان قبل صلاة الصبح» . [تواضع الصحابة وما كانوا عليه] في تواضع الصحابة وما كانوا عليه من الخدمة لأنفسهم وقال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب لقي رجلا وعلى عنقه شيء يحمله، فقال له: يا أبا الحسن ما بقي من شد؟، قال فوضع علي ذلك ثم شد بين يديه فقال له

الشفعة في البئر

عمر: إن البقية بعد الصالحة، قال ابن القاسم قال الليث: حزمة حطب. قال محمد بن رشد: ليس في هذا معنى يشكل؛ لأن الشد الجري، فظن عمر أنه قد أعياه حمل ما كان يحمله لثقله فرآه يشده بين يديه أنه لم يدركه بذلك إعياء ولا كلال. [الشفعة في البئر] ومن كتاب صلى نهارا ثلاث ركعات في الشفعة في البئر وسئل مالك عن تفسير لا شفعة في بئر، فقال: إنما ذلك في بئر الأعراب، وأما بئر الزرع ففيه الشفعة إذا كانت النخل لم تقسم. قال محمد بن رشد: أما آبار الأعراب وهي الآبار التي تحتفر في البراري والمهامه للمواشي فلا شفعة فيها، إذ لا يجوز بيع مائها، وإنما يكون حافرها أحق بمائها حتى تروى ماشيته ويخلى بين الناس وبين الفضل، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ» . وأما بئر الزرع فلا اختلاف في وجوب الشفعة فيه إذا بيع جزء منها مع الأرض أو دون الأرض والأرض لم تقسم، واختلف إذا بيع جزء منها والأرض قد قسمت وبقيت البئر بينهما يقسمون ماءها بالقلد، فقال في المدونة: إنه لا شفعة في ذلك مثل قوله في هذه الرواية، وروى يحيى عن ابن القاسم في كتاب الشفعة فيما بيع: فيها الشفعة، وذهب سحنون وابن لبانة إلى أن رواية يحيى ليست بمخالفة لما في المدونة، واختلفا في تأويل

قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريضة بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار

ذلك، وذهب غيرهما إلى أنها مخالفة لما فيها، واختلفوا في تأويل ذلك على ما قد ذكرناه وبيناه في سماع يحيى من كتاب الشفعة. ولو أشهد حافر البئر في المهامه والبراري عند حفره إياها أنها لا يحفرها للصدقة، وإنما يحفر لتكون له يبيعها أو يبيع ماءها إن شاء ويمنع فضله إن أراد لكانت فيها الشفعة على رواية يحيى، وبالله التوفيق. [قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريضة بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار] ما جاء في قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قريضة بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار قال مالك: قسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قريضة بين المهاجرين ونفير من الأنصار، سمعت منه أنهم ثلاثة: سهل بن حنيف، وحارث بن الصمة، وسماك بن خرشة. فأما النضير فإنها كانت صافية لم تكن فيها خمس. وخيبر كانت صافية إلا قليلا منها فتحت عنوة، وذلك يسير فخمس ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ. فقيل له يا أبا عبد الله: كان في خيبر زرع حين ساقاها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ؟ قال: نعم، كان ذلك يسيرا، وهي على حالها اليوم. قال محمد بن رشد: قوله إن رسول الله قسم قريضة بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار خلاف ما وقع في المدونة، وخلاف ما وقع في رسم نذر قبل هذا من هذا الكتاب، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته، وما قاله في زرع خيبر من أنه كان يسيرا هو مثل ما قاله في المدونة من أنه كان يسيرا بين ضعاف السواد، إذ لا يجوز كراء الأرض

الصلاة في الهاجرة بين الظهر والعصر

بالجزء مما يزرع فيها من الزرع، فتأول من ذلك على أنه كان يسيرا في حيز التبع. فجاز دخوله في المسافات. [الصلاة في الهاجرة بين الظهر والعصر] في الصلاة في الهاجرة بين الظهر والعصر قيل لسعيد بن المسيب: إن قوما يصلون ما بين الظهر والعصر، قال سعيد: ليست هذه عبادة، إنما العبادة الورع عما حرم الله والتفكر في أمر الله، قال مالك: وإنما كانت صلاة القوم بالهاجرة والليل، لم تكن هذه صلاة القوم. قال محمد بن رشد: قول سعيد بن المسيب في الصلاة فيما بين الظهر والعصر إنها ليست بعبادة، يريد أنها ليست عبادة من العبادات المرغب فيها، إذ ليس ذلك الوقت من الأوقات التي جاء الترغيب فيها في الصلاة كالهاجرة وصلاة الليل؛ لأنها ليست بعبادة أصلا على ظاهر قوله، وقد مضى في رسم حلف قبل هذا، وبالله التوفيق. [المتوارثين يهلكون ولا يدرى أيهما مات] في المتوارثين يهلكون ولا يدرى أيهما مات قبل صاحبه قال مالك: بلغني أنه قتل طلحة بن عبد الله وابنه محمد بن طلحة يوم الجمل فاختصموا في ميراثه، فلم يورث أحد منهم من صاحبه، فأصلحت بينهم عائشة. قال محمد بن رشد: هذا هو مذهب مالك وجميع أصحابه ألا يورث واحد منهما من صاحبه، ويكون ميراث كل واحد منهما لورثته من الأحياء، وهو مذهب زيد بن ثابت، وجمهور أهل المدينة، ومذهب الشافعي، ومذهب أبي حنيفة وأصحابهما، فيما حكى ابن عبد البر أن الطحاوي ذكره، ولم يقع ذلك له في كتابيه المعروفين، وقد قيل إنه يورث كل واحد منهما من

تبدئة الرجل أخاه على نفسه في كتاب الله وهو أصغر منه

صاحبه مما تركه لا مما ورثه عنه، مثال ذلك أن يموت رجل وابنه ولكل واحد منهما ولد ولا يدرى أيهما مات قبل صاحبه، ويترك كل واحد منهما ستمائة دينار فيورث الأب من ابنه، فيكون له من الستمائة دينار التي ترك مائة دينار تكون لولده الحي، ويورث الابن من أبيه، فيكون له من الستمائة التي ترك ثلاثمائة دينار تكون لولد الحي، فيحصل لولد الابن ثمانمائة دينار، خمسمائة دينار ورثها مما ترك أبوه، والثلاثمائة دينار التي ورثها أبوه عن والده، ويحصل لولد الأب أربعمائة دينار ثلاثمائة دينار ورثها من الستمائة التي ترك أبوه، والمائة دينار التي ورثها والده عن ابنه، وكذلك لو مات زوجان غرقا في البحر وترك كل واحد منهما أربعمائة دينار وعاصبا، فيورث الزوج من زوجته مائتي دينار من أربعمائة دينار التي تركت الزوجة، مائة دينار من الأربعمائة دينار التي ترك، فيصير لعاصب الزوجة مما تركت المائتان التي فضلت بعد نصيب الزوج، والمائة التي ورثت عن زوجها، ويصير لعاصب الزوج الثلاثمائة التي فضلت مما ترك بعد نصيب الزوجة، والمائتان التي ورث من زوجته، وهذا القول يروى عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وهو قول شريح وأبي عبيدة والشعبي وأبي حنيفة فيما ذكر في الفرائض. [تبدئة الرجل أخاه على نفسه في كتاب الله وهو أصغر منه] في تبدئة الرجل أخاه على نفسه في كتاب الله وهو أصغر منه وسئل عن الرجل يكتب إلى أخيه وهو أصغر منه فيبتدئ باسمه قبله لمعرفته بحاله ودينه، وقال مالك: لا بأس بذلك إذا كانت تبدئته على هذا الوجه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أنه أبدأه على نفسه لفضله ودينه لا لغرض من أغراض الدنيا فلا بأس بذلك؛ لأن الرجلين إذا كان أحدهما أسن والأخر أفضل فالأفضل أولى بالتقديم من الأسن، وإنما يجب تقديم الأسن

المراد باللينة من النخل

إذا استويا في الفضل لأن زيادة السن زيادة في الفضل، وسيأتي هذا المعنى بزيادة عليه في رسم شك في طوافه. [المراد باللينة من النخل] في اللينة من النخل وقال مالك في قول الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5] قال اللينة فأمر العجوة من الثمار من الألوان. قال محمد بن رشد: قد قال في اللينة إنها لون من النخل، وروي ذلك عن ابن عباس، وقال مجاهد اللينة النخل كلها العجوة وغيرها ويشهد بصحة قول مالك ما وري عن ابن عباس وغيره من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقطع نخل بني النضير إلا العجوة، وذلك كانت قوتهم الذي يعتمدون عليها، وهي التي جاء الحديث في فض جلتها، قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «العجوة من الجنة» وثمرها يغدو ما لا يغدو غيره والله أعلم، فشق ذلك عليهم وقالوا: أنتم تزعمون أنكم تكرهون الفساد وهذا من الفساد دعوا النخل لمن غلب، فأنزل الله تعالى الآية بتصويب فعل نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأن ما أمر به عن إذنه عز وجل. وقيل إنهم أخا قطعوا بعضا وتركوا بعضا سألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل لهم اجر فيما قطعوا؟ وهل عليهم وزر فيما تركوا؟ فأنزل الله الآية فهي دالة على إباحة القطع وعلى ألا حرج في الترك، وتوقف مالك في المدونة في الأفضل من ذلك، وتأول الآية على أنه لا بأس بالقطع

مناقشة الحساب

[والأظهر] أفضل من الترك، لما في ذلك من إذلال العدو وإصغارهم ونكايتهم، وقد قال الله عز وجل: {وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120] إلا أن يكون بلد يرجى أن يصير للمسلمين فيتوقف عن القطع والتحريق والتخريب أفضل بدليل نهي أبي بكر الصديق أمراء جيوشه إلى الشام لما علم من أن المسلمين يستفتحونها، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحديث المشهور: «وتفتح الشام فيأتي قوم فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» ، وبحضه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصلاة في بيت المقدس وبشد المطايا إليها، وما أشبه ذلك من الآثار الدالة على ذلك، وإنما نهى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قطع العجوة لأنها من ثمار الجنة على ما روي عنه، والله أعلم، وقد مضى هذا الرسم من هذا السماع [من كتاب الجهاد المذكور] ، وبالله تعالى التوفيق. [مناقشة الحساب] في مناقشة الحساب وسمعته يقول: قالت عائشة: «من نوقش الحساب هلك. » قال محمد بن رشد: قول عائشة هذا يشهد القرآن بصحته قوله عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الانشقاق: 7] {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 9] ، وبالله التوفيق. وهو حسبي ونعيم الوكيل.

دعاء النبي عليه السلام في فتح خيبر

[دعاء النبي عليه السلام في فتح خيبر] ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت في دعاء النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في فتح خيبر قال: وسمعته يذكر أنه «لما كان فتح خيبر قال أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا رسول الله لا نستطيع القتال، قال: لم؟ قالوا: الجوع منعنا والبرد والعري، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اللهم افتح عليهم اليوم أكثرها طعاما وودكا» . قال محمد بن رشد: وقع هذا الحديث في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد، وزاد فيه ففتح الله عليهم خيبر، وإنما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خيبر: «اللهم افتح عليهم اليوم أكثرها طعاما وودكا؛» لأنه كان بخيبر حصون كثيرة ففتح الله عليهم ذلك اليوم بدعاء النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خيبر نفسها، ولا شك في أنها كانت أكثرها طعاما وودكا، وبالله تعالى التوفيق. [رفع عمر بن الخطاب صوته في صلاته بسورة النبي عليه السلام] في رفع عمر بن الخطاب صوته في صلاته بسورة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعدما كان يفعل وقول عائشة فيه قال مالك: قرأ عمر بن الخطاب بسورة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فرفع بها صوته فوق ما كان من قراءته كأنه يريد أن يسمع قراءتها أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقيل له: يا أمير المؤمنين لم رفعت صوتك؟ قال: أريد أن أذكرهن العهد، قال مالك: وكانت عائشة تقول: إذا أردتم أن يطيب لكم المجلس فاذكروا عمر.

ما رأى النائم لعمر في خلافة أبي بكر

قال محمد بن رشد: في رفع عمر بن الخطاب صوته في الصلاة فوق ما كان يفعل ليسمع أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قراءة السورة التي فيها ذكرهن ليذكرهن بذلك العهد دليل على إجازة رفع صوت المأموم بالتكبير ليسمع ذلك من بعد من الإمام فيقتدي بتكبيره، إذ لا فرق بالمعنى بين الموضعين، وقد كره ذلك جماعة من الفقهاء المتأخرين ولم يجيزوه، وفيما جاء في الحديث الصحيح من تأخر أبي بكر عن الصلاة بالناس إذ خرج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في مرضه وهو يصلي، فتقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر، دليل أيضا على إجازة ذلك؛ لأن المعنى فيه على القول بأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان الإمام في تلك الصلاة، أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضعف عن رفع صوته بالتكبير، فكان أبو بكر هو الذي يسمع الناس التكبير فيصلون بصلاته، أي يقتدون بتكبيره في صلاتهم خلف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وفي ذلك اختلاف قد مضى في رسم اغتسل فوق هذا. وقول عائشة في عمر إن المجلس يطيب بذكره بين على ما قالته؛ لأن ذكر هديه وما كان عليه من أمره مما تنشرح له الصدور، وتطيب به النفوس، وبالله تعالى التوفيق. [ما رأى النائم لعمر في خلافة أبي بكر] فيما رأى النائم لعمر في خلافة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال ابن القاسم: سمعت مالكا يذكر أن رجلا على عهد أبي بكر رأى فيما يرى النائم أن الناس حشروا، وأنه رأى عمر ابن الخطاب يفضل الناس قد فرعهم بثلاثة أدرع أو ثلاث بسطات، فقلت: بم

فضل عمر بن الخطاب؟ فقيل له: بالشهادة والخلافة وبأنه لا يخاف في الله لومة لائم، فأتى الرجل إلى عمر وهو قاعد مع أبي بكر فقص عليه الرؤيا، فقال عمر: أحلام نائم، فلما ولى أرسل إليه، فقال: أخبرني بالرؤيا، فقال: ما كنت أخبرتك فرددتها علي، فقال: أو لا تستحي أن تقصها وأبو بكر حي، فقصها عليه الرجل فقال: الخلافة، فقال: هذه أولهن ثم قال: وبالشهادة، فقال عمر: أنى لي بالشهادة والعرب حولي، ثم قال: والله إني لقادر على ذلك، ثم قال: وإنه لا يخاف في الله لومة لائم، فقال عمر: ما أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من دار الحق فأدير. قال محمد بن رشد: وقعت هذه الحكاية في المدونة فقال فيها: وما كنت تستحيي أن تذكر فضيلتي في موضع فيه أبو بكر؟ والذي ها هنا أولى وأصح في المعنى؛ لأنه إنما كره أن يقص الرؤيا بحضرة أبي بكر والله أعلم، لما فيها من ذكر الخلافة وأبو بكر خليفة، وأما فضيلته فمعلومة يعرفها أبو بكر ويقر له بها، وإن كان هو لا يدعيها، وما يظهر من قوله أن تذكر فضيلتي، وليس في الرؤيا ما يدل على أن له عليه فضلا، إذ لم يقل إن أبا بكر كان في جملة الناس الذين فضلهم، فإنما أنكر عليه أن يقص الرؤيا بحضرة أبى بكر لما فيها من خلافته، والله أعلم، وهذه الرؤيا وما كان مثلها حق؛ لأنها جزء من أجزاء النبوءة، قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الرؤية الصالحة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوءة، أو من خمسة وأربعين، أو من سبعين» على ما روي من ذلك كله عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقد مضى الكلام في المعنى

قول الأنصار إذ دعاهم النبي عليه السلام ليقطع لهم بالبحرين

في هذه التجزية مستوفى قبل هذا، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [قول الأنصار إذ دعاهم النبي عليه السلام ليقطع لهم بالبحرين] في قول الأنصار إذ دعاهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليقطع لهم بالبحرين قال: وسمعت مالكا يقول: حدثني يحيى بن سعيد، عن انس بن مالك، «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دعا الأنصار فأراد أن يقطع لهم بالبحرين فقالوا: لا يا رسول الله حتى تقطع لإخواننا من المهاجرين، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنه ستصيبكم أثرة من بعدي، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» . قال محمد بن رشد: مصداق هذا الحديث في كتاب الله، حيث يقول في ثنائه على الأنصار: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] نزلت في الذي أضافه منهم ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه، فقال لامرأته: نومي الصبية وأطفئي السراج، فجعل يري ضيفه أنه يأكل معه وهو لا يأكل، وقوله: ستصيبكم بعدي أثرة، يروى أثرة بفتح الألف والثاء، ويروى أثرة بضم الألف وإسكان الثاء، والمعنى في ذلك سواء يقول: سيأتي زمن يستأثر عليهم فيه بالأموال، وأراد بقوله: ستصيبكم أمته إلا المخاطبين بأعيانهم، فكان كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي هذا ترك الخروج على أمراء الجور.

قول أبي بكر عند نزول قول الله عز وجل ولو أنا كتبنا عليهم

[قول أبي بكر عند نزول قول الله عز وجل ولو أنا كتبنا عليهم] في قول أبي بكر عند نزول قول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} [النساء: 66] الآية قال: وسمعت مالكا يقول: لما نزلت هذه الآية {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66] قال أبو بكر: والذي بعثك بالحق إن كنت لفاعلا. قال محمد بن رشد: لا شك أن أبا بكر من القليل الذي استثنى الله في الآية، فلا أحد أحق بهذه الصفة منه، ويمينه على ذلك برة، وفي هذا حجة لرواية ابن الماجشون عن مالك فيمن حلف في أمر سلف لو كان كذا وكذا لفعلت كذا وكذا لما يمكنه فعله، لا حنث عليه، خلاف قول أصبغ إنه حانث، لا يدري هل كان يفعل أو لا يفعل. [قول ابن عباس إنه لا يزال لله في الأرض ولي] في قول ابن عباس: إنه لا يزال لله في الأرض ولي قال مالك: بلغني عن ابن عباس أنه كان يقول: لا يزال لله في الأرض ولي ما كان للشيطان فيها ولي. قال محمد بن رشد: إن لم يكن هذا عند ابن عباس عن توقيف من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه أخذه من قول الله عز وجل حاكيا عن إبليس: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [ص: 79] {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [ص: 80] {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [ص: 81] {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 83]

ما خص به عيسى دون سائر البشر

وفي هذا أن الإملاء باق إلى قيام الساعة، وبالله تعالى التوفيق. [ما خص به عيسى دون سائر البشر] فيما خص به عيسى دون سائر البشر قال مالك: بلغني أنه ما من مولود يولد إلا والشيطان يطعن في خصيبه، إلا عيسى ابن مريم فإن الشيطان حين طعن حال بينه وبين ذلك الحجاب. قال محمد بن رشد: ولا يرى في غير هذا الحديث ألا تسمعون إلى صراخه؟ ومن هذا قال أهل العلم: إن المولود لا يورث حتى يستهل صارخا، وإن رضع أو عطس أو تنفس إلا وقد استهل، وكذلك قال سحنون: إن الرضاع يدل على الحياة، ولا يمكن أن يرضع حتى يستهل، وليس العطاس عنده مما يدل على الحياة، ورآه عبد العزيز بن أبي سلمة مما يدل على الحياة، وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في أول سماع ابن القاسم من كتاب الزكاة. [قرب الساعة] في قرب الساعة قال مالك: وبلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «بعثت أنا والساعة كأصبعي هاتين، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام والأخرى» . قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن قيام الساعة متصل بانقراض أمته إذ لا نبي بعده، قال الله عز وجل: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77] .

المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لقرب الساعة

[المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لقرب الساعة] في المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لقرب الساعة قال مالك: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثلي ومثلكم مثل قوم بعثوا طليعة إلى عدوهم فأراد أن يرجع إليهم فأعجله ما رأى منهم فألاح إليهم أتيتم أتيتم» . قال محمد بن رشد: هذا مثل ضربه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقرب الساعة والحض على المبادرة بالأعمال قبل حلول الأجل، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بعثت أنا والساعة كهاتين» ، ولما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ناداهم اعملوا لما عند الله فإني لا أملك لكم من الله شيئا، وقال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، وبالله تعالى التوفيق. [النار التي تبعث في أرض اليمن] في النار التي تبعث في أرض اليمن في آخر الزمن قال مالك: بلغني أنه تبعث نار من أرض اليمن تسوق الناس سوقا إلى أرض المحشر. قال محمد بن رشد: المحشر هي الشام التي يحشر الناس إليها

بعد البعث للحساب، وهذه النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر هي أول شرط من شروط الساعة الكبار التي تكون بين يدي الساعة كالدابة والدخان وياجوج وماجوج والدجال، وطلوع الشمس من مغربها، يبين هذا قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أول أشراط الساعة بأن تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، ذكر البخاري في الترتيب، وخرج من رواية أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» ، وهذا الحديث يشهد لصحته قول كعب الأحبار الذي يأتي بعد هذا في هذا الرسم من أن الساعة لا تقوم إلا على شعل نار بهذا الوادي، يعني وادي سرواغ بأكناف قديد، نار تضيء منه أعناق الإبل بأيلة، فيحتمل أن تكون هذه النار هي التي تبعث بأرض اليمن فتسوق الناس إلى أرض المحشر فتمر في طريقها على الحجاز على وادي سرواغ بقديد، ويحتمل أن تكون نارا أخرى، والله أعلم بحقيقة ذلك. وأما أشراطها المؤذنة بقربها فكثيرة، من ذلك انشقاق القمر في حياة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على ما روي، قال الله عز وجل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] ومنها رمي الشياطين بالشهاب، ومنها موت الفجاة، والتطاول في البنيان، ومنها يؤتمن الخائن ويخون الأمين، وأن تلد الأمة ربها وربتها، وأشياء كثيرة أتت بها الروايات عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والنبي أيضا من أشراطها إذ هو آخر الأنبياء لا نبي بعده، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بعثت أنا والساعة كهاتين» ، وأشار بأصبعيه التي تلي الإبهام والأخرى، يريد أن قيام الساعة متصل بانقراض أمته إذ لا نبي بعده، قال عز وجل: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77] على ما مضى فوق هذا، وبالله تعالى التوفيق.

التثبت في مسائل الاجتهاد

[التثبت في مسائل الاجتهاد] فيما يلزم من التثبت في مسائل الاجتهاد قال مالك: كان عمر بن الخطاب إذا شاور أصحابه قال لهم: ارجعوا وتثبتوا فإنه أثبت لكم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين؛ لأن ما يعين من الاجتهاد في الأحكام التي لا نص فيها في الكتاب ولا في السنة ولا فيما اجتمعت عليه الأمة، يفتقر إلى إعمال النظر في رد ما اختلف عليه إلى ما اتفق عليه بالمعنى الجامع بينهما، ووضع الأدلة في ذلك موضعها، وذلك لا يكون إلا بعد روية وتدبر، لا يصح إلا بصرف الهمة إلى ذلك، والانفراد له دون الاشتغال بما سواه، والله أعلم، وبالله تعالى التوفيق. [ما أمر به عمر من عد الأئمة] فيما أمر به عمر من عد الأئمة قال: وسمعت [مالكا] يذكر، قال عمر بن الخطاب: عدوا الأئمة، فعدوا له رهيطا، قال: سبحان الله أمتروك الناس بغير أئمة؟ قال محمد بن رشد: أراد عمر بالأئمة الأئمة في الدين والعلم الذين يفتونهم في ذلك كله، فلما لم يبلغ ما عدوا منهم إلا رهيطا قال: سبحان الله!! أنكر ألا يكون في عهده من الأئمة إلا من عدوه، هذا معنى قوله، والله أعلم، ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم» . كان الصحابة في زمن عمر

تعريف التقي

ابن الخطاب متوافرين، فيبعد ألا يكون فيهم أئمة يعتمد بهم [إلا رهيطا] . [تعريف التقي] في التقي قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز يقول: التقي ملجم لا يستطيع أن يعمل بكل ما يريد. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين؛ لأن من خاف الله عز وجل حجزه خوفه عن هواه، قال الله عز وجل: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] ، وبالله تعالى التوفيق. [المسجد الذي أسس على التقوى] في المسجد الذي أسس على التقوى قال مالك: بلغني أن المسجد الذي أسس على التقوى مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قال محمد بن رشد: هذا الذي حكى مالك أنه بلغه، يريد عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، من أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هو مذهبه، وبه قال، وله احتج في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الصلاة، بأن قال: أين كان يقوم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أليس في هذا؟ ويأتونه أولئك. وقال الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] فإنما هو مسجد رسول الله

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد قال عمر بن الخطاب: لولا أني رأيت رسول الله أو سمعته يريد أن يقدم القبلة وقال عند ذلك بيده ما قدمتها، قدمها عمر لموضع المقصورة الآن، فلما كان عثمان بن عفان قدمها إلى موضعها الذي هي به الآن، ثم لم تحول بعد، وهو مروي عن أبي سعيد الخدري وغيره، «أن رجلا من بني خدرة، ورجلا من بني عمرو بن عوف امتريا في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال العوفي: هو مسجدنا بقباء، وقال الخدري: هو مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرجا فأتيا النبي فسألاه عن ذلك فقال: هذا المسجد، هو مسجد رسول الله» وفي ذلك خير كثير، وإلى هذا ذهب ابن عمر. وخالفه ابن عباس وجماعة من العلماء فذهبوا إلى أنه مسجد قباء مسجد سعد بن ختمة بظاهر ما في كتاب الله عز وجل من قوله: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: 108] إلى قوله: {الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] يريد الأنصار بما روي من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لما نزلت: " يا معشر الأنصار إن رسول الله قد أثنى عليكم في الطهور في طهوركم، قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجي بالماء، وفي بعض الآثار: ونستنجي بالأحجار ثم بالماء» ، فقال: هو ذلك فعليكموه، وهذا ليس بدليل قاطع لاحتماله التأويل؛ لأن أولئك الرجال كانوا في مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لأنه كان معمورا بالمهاجرين والأنصار ومن سواهم من الصحابة. واستدلوا أيضا ببنيان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياه، روي «عن عائشة أنها قالت: أول من حمل حجر القبلة بمسجد قباء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم حمل أبو بكر آخر، ثم حمل عمر آخر، ثم حمل عثمان آخر، فقلت: يا رسول الله أما ترى هؤلاء يتبعونك؟ فقال: أما هم

أمراء الخلافة من بعدي» وهذا لا دليل فيه أيضا؛ لأنه بنى مسجده أيضا فلم يختص بناء مسجد قباء دون مسجده، فصح ما ذهب إليه مالك بتأييد الأثر له عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالنص على أنه مسجده. واستدلال مالك في رواية أشهب عنه بقول عمر بن الخطاب ظاهر، وذلك أن الله تعالى لما ذكر فيه أنه أسس على التقوى لم يستجز نقض أسه وتبديل قبلته إلا بما سمع من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك وأراه قد أراد أن يفعله. وروي عن ابن عباس أنه قال: «لما بنى رسول الله مسجد قباء خرج رجال من الأنصار وهم اثنا عشر رجلا من المنافقين فبنوا مسجد النفاق، فقال رسول الله لأحدهم: ويلك ما أردت إلى ما أرى؟ فقال: يا رسول الله ما أردت إلا الحسنى، وهو كاذب، فصدقه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وروي «أن رسول الله أقبل من تبوك حتى نزل بذي أوان: بلد بينه وبين المدينة ساعة من النهار، وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاقة، وإنا لنحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال: إني على جناح سفر وحال شغل، أو كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو قد قدمنا أتيناكم فصلينا لكم فيه، فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد بما أنزل الله فيه من قوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 107] » يعني ليلا يصلون في مسجد قباء جميعا {وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 107] يعني رجلا كان منهم يقال له أبو عامر الراهب، كان محاربا لرسول الله، وكان قد انطلق إلى هرقل، فكانوا يرصدون إذا قدم أبو عامر أن يصلي فيه، وكان قد خرج

ما جاء في الفردوس

من المدينة محاربا لله ورسوله، فقالوا: إذا رجع أبو عامر من عند هرقل أو من عند قيصر صلى فيه ثم يظهر على محمد: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 107] {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: 108] أي لا تقم يا محمد في المسجد الذي بنى هؤلاء المنافقون ضرارا وتفريقا بين المؤمنين، ثم أقسم عز وجل فقال: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ} [التوبة: 108] إلى قوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 19] وكل القراء قرأ أسس بنيانه بالنصب في هذين الموضعين، وهذا بين في المعنى، إلا نافعا وابن عامر فإنهما قرآ أسس بنيانه بالرفع على ما لم يسم فاعله. [ما جاء في الفردوس] قال مالك: حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «الجنة مائة درجة، أعلاها وأوسطها الفردوس، منها تتفجر أنهار الجنة، وعليها العرش، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس» . قال محمد بن رشد: في هذا أن الاختيار للداعي إذا دعا الله عز وجل يسأله أرفع المنازل؛ لأن الله جواد كريم يستجيب للداعي إذا دعاه، وبالله تعالى التوفيق. [تسمية المولود يوم سابعه] في تسمية المولود يوم سابعه قال مالك: يسمى الصبي في اليوم السابع. قال محمد بن رشد: مثل هذا لمالك في رسم يسلف المتاع والحيوان المضمون من سماع ابن القاسم من كتاب العقيقة، وإنما اختار مالك أن يسمى المولود يوم السابع لما جاء في الحديث من قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه

ما أعطى عمر لامرأته بالشام حين قدمها

ويسمى» ، وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «سموا المولود يوم سابعه» ، والأمر في ذلك واسع، روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال حين ولد له ابنه إبراهيم: «ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم» «وأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتي بعبد الله ابن أبي طلحة صبيحة الليلة التي ولد له فيها، فحنكه بثمر عجوة ودعا له وسماه عبد الله،» في حديث طويل. ويحتمل أن يكون معنى ما في الحديث من تسمية المولود يوم سابعه ألا تؤخر تسميته عن ذلك؛ لأنه إذا سماه يوم السابع فهو مسمى يوم السابع وقبله، فيتفق الآثار على هذا، وقال ابن حبيب على اختيار مالك: ولا بأس أن يتخير له الأسماء قبل السابع، ولا يقع عليه الاسم إلا يوم السابع. فإن مات قبل يوم السابع سمي بعد موته، ولم تترك تسميته؛ لأنه ولد ترجى شفاعته، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن السقط ليظل حبطيا على باب الجنة يقال له: ادخل الجنة، فيقول لا أدخل حتى يدخل أبواي» وذكر لمالك الحديث الذي ذكر أن السقط يقول يوم القيامة لأبيه: تركتني بلا اسم فلم يعرفه، وبالله التوفيق. [ما أعطى عمر لامرأته بالشام حين قدمها] فيما أعطى عمر لامرأته بالشام حين قدمها قال مالك: لما قدم عمر بن الخطاب الشام أعطى أبا عبيدة مائتي دينار يجعلها في حاجته، ثم دفع إلى معاذ بن جبل مثلها ففرقها، فقالت له امرأته: غفر الله لك، ما لنا فيها حق؟ وكانت قد

التحذير من الكذب

بقيت أربعة دنانير فطرحها إليها. قال محمد بن رشد: في هذا ما كان عليه أبو عبيدة ومعاذ بن جبل من الزهد في الدنيا والرغبة فيما رغب الله فيه في بذل المال في طاعته وأثنى على فاعله بقوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} [البقرة: 177] إلى قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] ، وبالله التوفيق. [التحذير من الكذب] في التحذير من الكذب قال مالك: يقال عن ابن مسعود كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن من يحدث بكل ما سمع يحدث بالحق والباطل، ولكن ليس ذلك بحقيقة الكذب المحرم إذ لم يختلقه هو، فإن كان كذبا فإثمه على دس من اختلقه، وقد مضى الكلام في الكذب وتقسيمه في أول رسم حلف قبل هذا. [الصلاة بغير رداء] في كراهية الصلاة بغير رداء وقال مالك: رأى ابن عمر نافعا يصلي بغير رداء، فقال له: ألا أخذت رداءك، فإن الله أحق من تجمل له، قال: وجاء عنه من وجه آخر أنه رآه يصلي في خلوته بثوب واحد، فقال له: ألم أكسك يوم الأول ثوبين؟. قال: بلى، قال: أفكنت تخرج إلى السوق بثوب واحد؟ قال: لا، قال: فالله أحق أن يتجمل له. قال محمد بن رشد: حض ابن عمر نافعا مولاه على أن يصلي بردائه وفي ثوبين إن كان في خلوته هو مثل ما في المدونة لمالك من قوله:

عدد من قتل يوم الحرة

وأحب إلي أن يجعل على عاتقه عمامة إن كان مسافرا أو صلى في داره، وكره في المدونة للإمام أن يجعل على عاتقه عمامة في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، ونزع بقوله عز وجل: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] . وما كره تركه ففعله مستحب، والاستحباب في هذا على مراتب أربعة، فأعلاها في الاستحباب وأكرهها فيه صلاة الأئمة في مساجد الجماعات ومساجد القبائل بالأردية، وما كان في معناها من الغفائر والبرانس، ويليها في الاستحباب صلاة المنفرد في الجماعات ومساجد القبائل بالرداء وما كان في معناه، ويلي ذلك في الاستحباب صلاة الإمام في داره وفي فنائه بالرداء وما كان في معناه، ويلي ذلك صلاة المنفرد بداره بالرداء أو ما يقوم مقامها وهو أدناها مرتبة في الاستحباب، فإذا صلى الإمام بالناس في مساجد الجماعات بخس نفسه حظا وافرا من الأجر، والله أعلم بقدره، وإذا صلى وحده في مساجد الجماعات بغير رداء فقد بخس نفسه من الحظ والأجر دون ذلك، وإذا أم الرجل الجماعة في داره بغير رداء فقد بخس نفسه من الحظ والأجر دون ذلك، وإذا صلى الرجل في داره بغير رداء فلا بأس بذلك لأن الذي بخس نفسه في صلاته وحده بغير رداء يسير. [عدد من قتل يوم الحرة] في عدد من قتل يوم الحرة قال وسمعت مالكا يقول: قتل يوم الحرة سبعمائة رجل كلهم قد جمعوا القرآن، قال ابن القاسم شككت أنه كان فيهم أربعة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ. قال محمد بن رشد: الحرة كان في خلافة يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين من الهجرة، وذلك أن أهل المدينة خلعوا طاعة يزيد بن معاوية

ما حكي عن كعب الأحبار من أنه ستشتعل بوادي سوارغ نار

وأخرجوا المغيرة بالمدينة وكان القائم بذلك عبد الله بن حنظلة، فكتب بذلك مروان بن الحكم إلى يزيد فجيش إليهم الجيوش، فكان من أمرهم ما قد مضى في رسم حلف فيما ذكر مالك فيه عن سعيد بن المسيب من أنه قال: خلا مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يجمع فيه ثلاثة أيام يوم قتل عثمان ليوم الحرة ويوم آخر. [ما حكي عن كعب الأحبار من أنه ستشتعل بوادي سوارغ نار] فيما حكي عن كعب الأحبار من أنه ستشتعل بوادي سوارغ نار قال مالك: قال كعب الأحبار لأبي واقد الليثي أبو واقد رجلا أعرابيا عارفا بالبلد وهو بأكناف قديد أي واد هذا؟ قال: هذا سوارغ، قال كعب: والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من هذا الوادي تضيء منه أعناق الإبل. قال محمد بن رشد: مثل هذا من الأخبار بما يكون بالمغيبات لا يكون إلا عن توقيف، وشهد له ما خرجه البخاري من رواية أبي هريرة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» فإن صح هذا وكان على الحقيقة فهو من أشراط الساعة التي تكون بين يديها، مثل ما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في النار التي تبعث من اليمن فتسوق الناس إلى المحشر على ما حكى

إهلال عيسى ابن مريم بالحج

مالك فوق هذا أنه بلغه، ويحتمل أن يكون ذلك مجازا على غير حقيقة واستعارة من فتنة تكون بالوادي المذكور واختلاف واختلاط يبلغ ضرره إلى أن يكون أيلة، فإن المجاز جائز استعماله، وقد جاء ذلك كثيرا في القرآن والسنن والأخبار، من ذلك قول الله عز وجل: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4] والاشتعال لا يكون حقيقة إلا في النار، وقوله عز وجل: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] والذل لا جناح له حقيقة. [إهلال عيسى ابن مريم بالحج] في إهلال عيسى ابن مريم بالحج قال مالك: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليهلن ابن مريم بفج الروحا حاجا ومعتمرا، أو ليثنينهما، فقيل ما معنى ذلك؟ أيقرن أم يحج ويعتمر قال: بل يحج ويعتمر» . قال محمد بن رشد: قد أعلم الله عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن عيسى ابن مريم ما قتل ولا صلب وأن الله رفعه إليه، وأخبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إخبارا أوقع العلم به أنه سينزل في آخر الزمن حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، وفي بعض: فيهلك الله في أيامه الملل كلها، فلا يبقى إلا الإسلام، وتقع الأمنة في الأرض، حتى يرعى الأسد الإبل، والنمور مع البقر، والذياب مع الغنم، والغلمان بالحيات، فلا يضر بعضهم بعضا، فهذه الأحاديث يعضد بعضها بعضا، ويشهد بصحة ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ في هذه الحكاية، وقد وقعت في رسم الحج من سماع أشهب من كتاب الحج.

المقسطون على منابر يوم القيامة على يمين الرحمن

وقال مالك فيها متصلا بقوله: أو ليثنينهما، أراد في رأيي يجمعنهما، والجمع. بين الحج والعمرة هو القران بعينه، وذلك أظهر في تأويل ليثنينهما من قوله في هذه الرواية ليس معنى ذلك القران، وإنما معناه أن يحج ويعتمر، وبالله تعالى التوفيق. [المقسطون على منابر يوم القيامة على يمين الرحمن] ومن كتاب أوله سئل عن تأخير صلاة العشاء في الحرس حكاية عن مالك أن كعب الأحبار تكلم بكلام- خفي فقال له عمر: ما لك تكلمت به؟ قال: لا شي، قال: لتخبرني، قال، قلت: ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء، فقال عمر: إلا من حاسب نفسه، قال كعب: والذي نفسي بيده وأنه تعالى آثرها في كتاب الله. قال محمد بن رشد: فهم عمر - والله أعلم - أن الكلام الخفي الذي تكلم به قاله بسببه، فلذلك سأله عنه وعزم عليه أن يخبره به. وقوله: ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء، معناه إن لم يعدل فيما جعل الله له عليه السلطان وهو معنى قول عمر ابن الخطاب: إلا من حاسب نفسه؛ لأن من عدل في سلطانه فهو في أرفع المنازل عند الله، روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «المقسطون على منابر يوم القيامة على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين» . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله» فبدأ بالإمام العادل، ومثل هذا كثير، وفي موافقة بقوله

ما قل وكفى خير مما كثر وألهى

إلا من حاسب نفسه، كتاب الله أي التورية على ما أخبر به كعب وحلف عليه، بيان قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فيه «إن الله ضرب بالحق على قلب عمر ولسانه» ، فكان يرى الرأي بقلبه ويقول الشيء بلسانه فيوافق الحق فيه، وقد نزل القرآن بموافقته في تحريم الخمر وفي أسرى بدر وفي الحجاب وفي مقام إبراهيم على ما جاء في ذلك كله. [ما قل وكفى خير مما كثر وألهى] في أن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وسمعت مالكا يقول كان داود النبي يقول: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. قال محمد بن رشد: في قول داود النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، دليل على أنه ليس بخير مما كثر إذا لم يله، وفي هذا تفضيل الغنى على الكفاف، وهو أيضا أفضل من الفقر على ما يختاره مما قيل في ذلك في رسم نذر منه، وبيان هذا بالحجة فيه، وبالله تعالى التوفيق. [تواضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه] في تواضع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وسمعت مالكا يقول: قيل لعمر: تركب دابة بالشام حين دخلها فقال: لا، إنما أعزنا الله بالإسلام. قال محمد بن رشد: قال مالك في سماع أشهب من كتاب الدعوى والصلح وتلقي عمر يومئذ ببرذون نحاري فركبه حتى نزل عنه

الركوع بعد أذان المغرب

وسبه فقيل له ما لك؟ فقال ركبتموني على شيطان حتى أنكرت نفسي، ولما دخل الشام تلقاه عجمها ركب خلف أسلم وقلب فرويه فجعلوا كلما لقوا أسلم يقولون أين أمير المؤمنين؟ فيقول أمامكم أمامكم حتى أكثروا، فقال له عمر: أكثرت عليهم، أخبرهم الآن، فسألوه فقال: هو هذا، فوقفوا كالمتعجبين من حاله، فقال عمر: لا يرون علينا ثياب قوم غضب الله عليهم، فنحن تزدري بنا أعينهم، ثم لم يزل قابضا بين عينيه حتى لقيه أبو عبيدة بن الجراح فقال: أنت أخي حقا لم تغيرك الدنيا، ولقيه على بعير خطامه حبل شعر أسود، وقد قال أنس بن مالك: رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد وقع بين كتفيه برقاع ثلاث لبس بعضها فوق بعض، وهذا كله نهاية في التواضع من عمر بن الخطاب، ومن تواضع لله رفعه، والله أعلم، وبالله تعالى التوفيق. [الركوع بعد أذان المغرب] في الركوع بعد أذان المغرب وسمعت مالكا يقول: أدركت بعض الشيوخ إذا سمع مؤذن المغرب قام فركع ركعتين قبل صلاة المغرب. قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم: قال مالك: لا يعجبني هذا العمل لاختلاف بين أهل العلم في أن الصلاة قد حلت عند غروب الشمس لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى يبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب» ولما جاء من أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة

بعد العصر حتى تغرب الشمس، إلا أن صلاة المغرب قد وجبت بغروب الشمس، فلا ينبغي لأحد أن يصلي نافلة قبل صلاة المغرب؛ لأن تعجيل صلاة المغرب عند أول وقتها أفضل عند من رأى وقت الاختيار لها يتسع إلى مغرب الشفق، وهو ظاهر قول مالك في موطئه، وقد قيل إنه ليس لها في الاختيار إلا وقت واحد فلا يجوز أن تؤخر عنه إلا لقدر. واختلف فيمن كان في المسجد منتظرا للصلاة هل له أن يتنفل بين الأذان والإقامة، فقيل ذلك له على ما حكاه مالك في هذه الرواية عن بعض من أدرك من الشيوخ، ومن حجتهم ما روى المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك قال: كان إذا نودي بالمغرب قام بباب أصحاب رسول الله يبتدرون السواري يصلون الركعتين، ومن حجتهم أيضا التعلق بظاهر ما روي عن النبي عليه السلام من قوله: «بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة. لمن شاء» على ما تأولوه من أنه أراد بذلك ما بين كل أذان وإقامة؛ لأن الإقامة أذان. وقيل: ليس ذلك له، وهو مذهب مالك على ما روى ابن القاسم عنه في هذه الرواية من قوله: لا يعجبني هذا العمل. وما ذهب إليه مالك من كراهة ذلك أظهر لثلاثة أوجه. أحدها: حماية للذرائع؛ لأن ذلك لو أبيح في الناس فكان ذلك سببا لتأخير المغرب عن وقتها المختار، وعن أول وقتها المختار على مذهب من رأى لها وقتين في الاختيار. والثاني: ما روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال: «عند كل أذان ركعتان ما خلا صلاة المغرب» .

سكنى البلد الذي تظهر فيه المناكر

والثالث: استمرار العمل من عامة العلماء على ترك الركوع في هذا الوقت، وأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يفعله ولا أبو بكر ولا عمر، إذ لو فعلوا ذلك لنقل عنهم، وقال إبراهيم النخعي من أجل هذا المعنى: إن الركعتين قبل المغرب بدعة، ويتخرج في المسألة قول ثالث بين أن يكون في المسجد جالسا من قبل غروب الشمس، وبين أن يدخل فيه بعد غروبها، فيجب إذا دخل فيه بعد غروبها منتظرا للصلاة ألا يجلس حتى يركع لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» ، وبالله تعالى التوفيق. [سكنى البلد الذي تظهر فيه المناكر] في كراهية سكنى البلد الذي تظهر فيه المناكر ظهورا لا يقدر على تغييرها قال: وسمعت مالكا ذكر مرانطابلس في آثارها فقال: ما يعجبني سكنى هذه البلدة، وقال سعيد بن المسيب: إذا جئت قوما لا يوفون بالمكيال أو الميزان فأقل اللبث معهم، وإن حديث سعيد بن المسيب أيسر شدة مما ذكرتم. قال محمد بن رشد: قوله في أثرها يريد في أثر أهلها مما يضيفون ويبيحون لهم ما لا يجوز مثل الربا وشبهه، والله أعلم، فكره السكنى معهم لذلك، كما كره سعيد بن المسيب المقام مع القوم الذين لا يوفون بالمكيال ولا بالميزان.

حكم التنعم بالحلال

والسكنى معهم مكروه لوجهين، أحدهما: مخافة أن يعاقبهم الله على فعلهم فتأخذه العقوبة معهم، فقد روي «أن أم سلمة قالت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال رسول الله: " نعم إذا كثر الخبث» ، وكان عمر بن عبد العزيز يقول ما يقال إن الله تعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحلوا العقوبة كلهم، والوجه الثاني: إذا عملوا بالربا ولم يوفوا بالمكيال والميزان فقد خالط مالهم الحرام والحلال، ولا ينفك من سكن معهم من معاملتهم، ومعاملة من خالط الحرام ماله مكروهة، ووقع في بعض الكتب، وسمعت مالكا يذكر أمر أنطابلس في أمر آبارها بالباء المعجمة من أسفل، فيحتمل أن يكون المعنى في ذلك على هذا أن آبارها ينضب الماء عنها فيضطر جميعهم إلى الغسل والوضوء والشرب من أجبابها ومراجلها، ولا يوقن بطهارة مائها؛ لأنه من ماء المطر يشرب إليها حتى يجتمع فيها، فقد تمر على المواضع النجسة، وقد تقع فيها النجاسات وتموت فيها الدواب، وتختلف في أخذ الماء منه أيدي الناس، ومنهم الجنب والحائظ ومن لا يتحفظ بدنه فيتوقى من النجاسة على ما يجب، فكره سكناها لذلك، وبالله التوفيق. [حكم التنعم بالحلال] في التنعم وزي العجم قال مالك: قال عمر: وإياكم وهذا التنعم وزي العجم. قال محمد بن رشد: أما التنعم بالحلال فهو حلال وإن كان لا بد من السؤال عنه، قال الله عز وجل: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] وقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لتسألن عن نعيم هذا اليوم في الطعام» الذي كان عمله لهم أبو الهيثم بن التيهان، وقد كان صنع لهم خبزا من شعير، وذبح لهم شاة، واستعذب لهم ماء، لكنه يكره من أجل أنه إذا اعتاد التنعيم فيما رزقه

استكتاب النصراني

الله من المال قل فعله للخير فيه، وقد قال عمر بن الخطاب: إياكم واللحم فإن له ضراوة الخمر، وأدرك جابر بن عبد الله ومعه جمال لحم فقال ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى الفحم فاشتريت بدرهم لحما، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه، أين تذهب هذه الآية؟ {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20] . وأما زي العجم فمكروه للتشبه بهم، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «من تشبه بقوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمله» وقد جاء في لابسه أنه ملعون، وكذلك سيوفهم وشكلهم وجميع زيهم فهو مثله في اللعنة والكراهة، وروي «عن علي بن أبي طالب أن رسول الله نظر إلى رجل متنكب قوسا فارسية، فقال له يا صاحب القوس ألقها عنك فإنها ملعونة ملعون حاملها، وعليكم بهذه القسي العربية وبها الغنى، فبها يعين الله دينكم ويمكن لكم في البلد» فلا يجوز لأحد لبس شيء من زي العجم في صلاة ولا غيرها، ومن جهل فلبسه في صلاة فقد أساء، ولا إعادة عليه إن كان طاهرا، وبالله التوفيق. [استكتاب النصراني] في أن النصراني لا يستكتب وسئل مالك عن النصراني أيستكتب؟ فقال: لا أرى ذلك، ومن ذلك أن الكاتب يستشار، أفيستشار النصراني في أمر المسلمين وغير ذلك؟ فما يعجبني أن يستكتب. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا متكررا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب السلطان، وهو بين على ما قاله، ومثله في الأقضية من

النبي صلى الله عليه وسلم كان يرد الصدقة ويقبل الهدية

المدونة، ولا ينبغي أيضا أن يستكتب القاضي من المسلمين إلا العدول المرضيين، وبالله التوفيق. [النبي صلى الله عليه وسلم كان يرد الصدقة ويقبل الهدية] في أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرد الصدقة ويقبل الهدية قال مالك: بلغني أن سلمان أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصدقة في أول الإسلام، فردها عليه، وأتى بهدية فقبلها منه. قال محمد بن رشد: الفرق في المعنى بين الصدقة والهدية أن الصدقة هي ما يقصد بها المتصدق الإحسان إلى المتصدق عليه والتفضل عليه، والهدية هي ما يقصد بها المهدي إكرام المهدى إليه وإتحافه بالهدية لكرامته عليه ومنزلته عنده إرادة التقرب منه، فالمتصدق يتفضل على المتصدق عليه وليس المهدي يتفضل على المهدى إليه، وإنما المهدى له هو المتفضل على المهدي في قبول الهدية، فنزه الله تبارك وتعالى نبيه عن الصدقة بأن حرمها عليه، وأباح له الهدية لما فيها من صلة المهدي وإدخال السرور عليه بتبليغه، أما ما قصد بهديته إليه فهذا حكم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خاصته، لا تحل له الصدقة بوجه من الوجوه، ولا على حال من الأحوال. وأما آله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنها تحرم عليهم الزكوات والكفارات التي هي أوساخ الناس، يغسلونها عنهم، لا صدقة التطوع جائز للرجل أن يتصدق على من شاء منهم بما شاء من ماله تطوعا. والأصل في جواز ذلك ما روي «عن ابن عباس قال: قدمت عير المدينة فاشترى منه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - متاعا فباعه بربح أواق من فضة، فتصدق بها على أرامل بني عبد المطلب» . واختلف فيما أخرج الرجل تطوعا من ماله دون أن يجب عليه صدقة للمساكين هل لمفرقها أن يعطي منها لفقراء النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شيئا ويسوغ لهم

قبول الرجل ما أعطي من غير مسألة

ذلك أم لا على قولين، والله أعلم، وبالله تعالى التوفيق. [قبول الرجل ما أعطي من غير مسألة] في قبول الرجل ما أعطي من غير مسألة قال مالك: بلغني «أن عمر بن الخطاب رد شيئا أعطيه، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لم رددته؟ فقال: للذي قلت يا رسول الله في العطية، قال: إنما ذلك على وجه المسألة، فأما ما أتى الله به من غير المسألة فإنما هو رزق رزقك» إقيل له: كان في الحديث رخصة. قال محمد بن رشد: قوله: رد شيئا أعطيه يريد رد شيئا أعطاه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من مال الله. وقوله: للذي قلت يا رسول الله في العطية، يريد الحديث الذي جاء حرا «إن خيرا لأحدكم ألا يأخذ من أحد شيئا، قالوا: ولا منك يا رسول الله؟ قال: ولا مني» . وقوله فيما أعطي الرجل من غير مسألة أنه رزق رزقه الله دليل على إباحة أخذ الرجل عطية الإمام من بيت المال إذا لم يعلم أن كان المجبى حلالا أو حراما، وليس عليه أن يبحث على ذلك، وكذلك إذا علم أن في المجبى حلالا وحراما له، في ظاهر الحديث رخصة أن يأخذ دون أن يبحث هل أعطاه مما فيه من الحلال، أو مما فيه من الحرام، أو مما اختلط حلاله بحرامه، وقد مضى قبل هذا في رسم الشجرة القول في الأخذ من بيت المال على افتراق أموال المجبى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد وآله تم الجزء الثالث من الجامع والحمد لله

كتاب الجامع الرابع

[كتاب الجامع الرابع] [نظرالإمام في أمر قد قضى فيه من قبله من الأئمة العدول] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كتاب الجامع الرابع في إن الإمام لا ينظر في أمر قد قضى فيه من قبله من الأئمة العدول قال: وكان بين رجلين خصومة من أصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خرجا من المدينة في أرض لهما حتى ارتفع الشأن بينهما فركب عثمان في ذلك وكانت خصومتهما في زمن عثمان، وركب معه رجال، فلما ساروا قال له رجل: إن عمر قد قضى فيه، فقال عثمان: لا أنظر في أمر قضى فيه عمر فرجع. قال محمد بن رشد: وقعت هذه الحكاية في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الأقضية، ووقعت أيضا في آخر الزكاة الأول من المدونة. وفائدتها والذي فيها من الفقه أن القاضي يستحسن له أن يركب ويقف على الحقوق بنفسه وبمن معه من أهل العلم فيما التبس وأشكل، وقد يكون هذا كثيرا في الضرر وشبهه، ولو أمكنه أن يقف على جميع الأمور بنفسه لكان أحسن، ولكن هذا لا يمكنه فيستنيب من يوجهه مكانه لذلك في الحيازات وشبهها، والواحد يجزئ في ذلك كما قال في المدونة في الذي يرسله لتحليف المرأة، والاثنان أحسن، وإنما رجع عثمان، وترك ذلك لأن المحكوم عليه كان يريد فسخ قضاء عمر فيه، وذلك ما لا يجوز، ففي

الحديث من الفقه أن القاضي إذا بلغه أن قاضيا قضى في أمر لم يكن له أن ينظر فيه، وهذا ما لا اختلاف فيه إذا كان القاضي الذي قضى في ذلك الأمر عدلا. والذي قال ذلك لعثمان هو معاوية، وكانت الخصومة بين علي بن أبي طالب وطلحة ابن الزبير في ضفير بين ضيعتهما كان علي يحب أن يثبت وطلحة يحب أن يزال، فوكل علي عبد الله بن جعفر فتنازعا الخصومة فيه بين يدي عثمان وهو خليفة، فقال لهما: إذا كان غد ركبت في الناس معكما حتى أقف على الضفير فأقضي فيه بينكما معاينة، فقال وهما يتنازعا الخصومة في الطريق: لو كان منكرا لأزاله عمر، فكان قوله سبب توجه الحكم لعبد الله على طلحة، فوقف عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والناس معه على الضفير فقال: يا هؤلاء أخبرونا أكان هذا أيام عمر؟ فقالوا: نعم، قال: فدعوه كما كان أيام عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقصصت عليه القصة حتى بلغت إلى كلام معاوية، فضحك ثم قال: أتدري لم أعانك معاوية؟ قال: قلت: لا، قال: أعانك بالمنافسة، قم الآن إلى طلحة فقل له: إن الضفير لك فاصنع به ما بدا لك، فأتيته فأخبرته فسر بذلك، ثم دعا بردائه ونعليه وقام معي حتى دخلنا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فرحب به وقال: الضفير لك فاصنع به ما شئت، فقال: قد قبلت وأنا جئت شاكرا ولي حاجة ولا بد من قضائها، فقال له علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اسأل حتى أقضيها لك، فقال طلحة: أحب أن تقبل الضيعة مع من فيها من الغلمان والدواب والآلة، فقال علي: قد قبلت، قال: ففرح طلحة وتعانقا وتفرقنا، وقال عبد الله: فوالله لا أدري أيهما أكرم في ذلك المجلس، أعلي إذ جاء بالضفير؟ أم طلحة إذ جاء بالضيعة بعرصته بمسناة. روي عن الشعبي أنه قال: أول من جرى جريا أي وكل وكيلا من

دخول أهل الفضل الأسواق

الصحابة علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكل عبد الله بن جعفر، فقيل له: لم وكلت عبد الله وأنت سيد من سادات الناطقين؟ فقال: إن للخصومات فحما، قال عبد الله: فنازعني طلحة في ضفير كان بين ضيعة لعلي وضيعة لطلحة، ثم ساق بقية الحكاية وإن كان فيها بعض الخلاف لحكاية مالك بالمعنى المقصود منها، وهو استحسان ركوب القاضي فيما أشكل، ووجوب إمضاء أحكام من قبله لا خلاف فيه، وبالله التوفيق. [دخول أهل الفضل الأسواق] في جواز دخول أهل الفضل الأسواق ومقاربتهم في البيع والشراء وسئل مالك عن الرجل له فضل وصلاح يحضر السوق يشتري لنفسه فيقارب لذلك لفضله أو لحاله، قال: لا بأس بذلك، وقد كان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يدخل السوق، وسالم بن عبد الله إن كان ليقعد في سوق الليل ويجلس معه رجال وإن كان الحرس ليمرون بجلسائه فيقولون: يا أبا عمر أمن جلسائك؟ فقيل له: ما بال الحرس؟ قال: يطردون عنه أهل السفه والعبث. قال محمد بن رشد: هذا كما قال من أن مقاربة أهل الأسواق الرجل فيما يشتريه منهم لفضله وخيره سائغ له لا بأس به؛ لأن ذلك شيء كان منهم إليه دون سؤال منه، فهو رزق رزقه الله إياه على ما جاء في الحديث الذي مضى قبل هذا بيسير في هذا الرسم. وأما جواز دخول الأسواق والمشي فيها فكفى من الحجة في جواز ذلك قول الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] ردا لقول المشركين: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] الآية.

التورع عن العطاء

ووقع في بعض الكتب أمن جلسائك، والمعنى في ذلك إعلامهم إياه أنهم يحفظونهم لمجالستهم إياه، فهم آمنون، ومعنى أمن؟ في داخل الكتاب الاستفهام في الرجل هل هو من جلسائك فيحفظونه من أهل السفه كما يحفظونه وجلساءه، وبالله التوفيق. [التورع عن العطاء] في التورع عن العطاء قال مالك: قد كان رجال ببلدنا هذا من أهل الفضل والعبادة يردون العطية يعطونها، حتى إن كان بعضهم ليؤامر نفسه، يعني بذلك إذا كان يرى أن له عنها غنى. قال محمد بن رشد: يريد بالعطية العطية من بيت المال، والله أعلم. وفي قوله: حتى إن كان بعضهم ليؤامر نفسه نظر؛ لأن الذي يرد العطية ولا يؤامر نفسه في ذلك أزهد فيها من الذي يؤامر نفسه في أخذها أو ردها، وحتى غاية تدل على أنه أراد أن منهم من يربي في الزهادة والعبادة على الذين يردونها ولا يقبلونها، فكان وجه الكلام أن يقول، حتى إن كان بعضهم لا يؤامر نفسه في قبولها فيردها، وإن كان يرى أنه لا غنى به عنها. وردهم إياها يحتمل أن يكون زهادة فيها مع جواز أخذها لهم لا كراهة فيها إذا كان المجبى حلالا، وقسم بوجه الاجتهاد دون مأثرة ومحابات، وهذا نهاية في الزهد والفضل؛ لأنه يترك حقه الجائز له أخذه ويؤثر فيه غيره ممن يعطاه، وإن كانت به حاجة إليه، فمن فعل ذلك كان من الصنف الذين أثنى الله تبارك وتعالى عليهم بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] . وإن كان المجبى حلالا ولم يعدل في قسمته فمن أهل العلم من يكره

شدة خشية عمر

الأخذ منه، وأكثرهم يجيزه. وأما إن كان المجبى يشوبه حلال وحرام فمن أهل العلم من يجيز الأخذ منه وأكثرهم يكرهه. وأما إن كان المجبى حراما فمن أهل العلم من حرم الأخذ منه وروي ذلك عن مالك، ومنهم من أجازه ومنهم من كرهه وهم الأكثر، وقد مضى هذا كله في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصدقات والهبات لتكرر الحكاية هناك ومضى من هذا المعنى في رسم الشجرة قبل هذا من هذا الكتاب، ومضى في آخر سماع سحنون من كتاب الشهادات القول فيه مستوفى، ومضى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات استحباب ترك الرجل قبول ما وصل به، وبالله التوفيق. [شدة خشية عمر] في شدة خشية عمر السؤال قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب قال: لو مات جمل بشط الفرات ضياعا لخشيت أن يسألني الله عنه. قال محمد بن رشد: هذا من عمر بن الخطاب نهاية في الخوف لله؛ لأن مثل هذا لو وقع لم يؤاخذه الله به، إذ لم يكن بتضييع منه ولا إهمال، ومن بلغ هذا الحد من الخشية فهو من الفائزين، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52] ، وبالله تعالى التوفيق. [أول من استقضي] في أول من استقضي ومجلس القاضي للحكم قال: وسئل مالك: عن أول من استقضي، قال: معاوية بن

أبي سفيان، قيل له: أفرأيت شريحا؟ قال: كذلك يقول أهل العراق، ونحن ننكر ذلك، وإني لأنكر ذلك من قولهم. قيل له: يا أبا عبد الله أفترى للقاضي أن يجلس في المسجد؟ قال: نعم، وذلك من أمر الناس القديم، ويستحسن ذلك، ولقد كان قاضي عمر بن عبد العزيز وابن خلدة وغيره يجلسون في المسجد يقضون فيه، وما زال ذلك شأن الناس، وإني لأرى فيه خيرا، وأفضل الناس يدخلون ولا يغلق دونهم باب، وهل للقاضي أن يرضى بالدون من المجلس؟ قال محمد بن رشد: إنكار مالك لما قاله أهل العراق من أن شريحا كان قاضيا لعمر بالعراق يدل على أنه أراد أن معاوية أول من استقضي بموضعه الذي هو فيه لاشتغاله بما سوى ذلك من أمور المسلمين كبعث البعوث وسد الثغور وفرض العطاء وقسم الفيء وما أشبه ذلك، فقد ولى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما ذكر قضاء البصرة أبا مريم الحنفي ثم عزله، وولي كعب بن سور اللقيطي فلم يزل قاضيا حتى قتل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وولي شريحا قضاء الكوفة. وأما استحسانه أن يكون جلوس القاضي للحكم بين الناس في المسجد للمعاني التي ذكرها من التواضع بالرضا بالدون من المجلس، وأن يصل إليه القوي والضعيف ولا يحجب عنه أحد فهو قوله في المدونة وغيرها والماضي من فعل السلف الصالح المقتدى بهم، فقد جاء في بعض الآثار: أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بلغه أن أبا موسى الأشعري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضي بالعراق في دار سكناه فبعث رسولا إليه من المدينة وأمره أن يضرمها نارا، فدخل الرسول العراق ووافي أبا موسى الأشعري في الدار يقضي، فنزل عن بعيره وأوقد النار في بابها فأخبر أبو موسى بذلك، فخرج فازعا، فقال له: ما بالك؟ فقال: أمرني أمير المؤمنين بأن أضرمها عليك نارا لالتزامك القضاء فيها، ثم

قدوم الرجل على أهله عشاء

انصرف الرسول من فوره ذلك، ولم يعد أبو موسى إلى القضاء في داره، وبالله التوفيق. [قدوم الرجل على أهله عشاء] في قدوم الرجل على أهله عشاء وسئل مالك: عن الذي يقدم العشاء على أهله، أترى أن يأتيهم تلك الساعة؟ فقال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قد جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية جابر بن عبد الله، قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يطرق أهله ليلا» خرجه البخاري، وعن أنس بن مالك قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يطرق أهله، وكان لا يدخل إلا غدوة أو عشية» . وفي بعض الآثار: «نهى أن يأتي الرجل أهله طروقا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة» . فمعنى قول مالك: لا بأس بذلك - أي: لا إثم عليه في ذلك ولا حرج، وإن كان قد أتى مكروها؛ لأنه رأى النهي الوارد في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهي أدب وإرشاد، لا نهي تحريم، وبالله التوفيق. [إقامة الحدود في المسجد] في كراهية إقامة الحدود في المسجد وإجازة الأدب اليسير فيه وسئل مالك: عن القاضي يعاقب الرجل في المسجد بالأسواط، قال: لا أرى بذلك بأسا، وكره أن تضرب فيه الحدود وما كثر فيه الضرب من الأدب وإن لم يكن حدا. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة وغيرها، والذي قاله

حلق وسط الرأس والقفا

مالك من أنه لا يضرب في المسجد الحد ولا ما كثر من الضرب هو نحو ما حكاه البخاري عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب في تبويبه، وأقامه من الحديث الذي خرجه فيه، وذلك أنه بوب: من حكم في المسجد حتى إذا أتى على حد أمر أن يخرج من المسجد فيقام، وقال عمر: أخرجاه من المسجد واضرباه، ويذكر عن علي نحوه، ثم ساق حديث أبي هريرة، قال: «أتى رَجَلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في المسجد فناداه، فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما شهد على نفسه أربعا، قال: أبك جنون؟ قال: لا، قال: اذهبوا به فارجموه» . وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم وبيعكم وشراءكم وسل سيوفكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم، وجمروها أيام جمعكم واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم» . فهذا كله مما يجب أن تنزه عنه المساجد لقول الله عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] . ويكره رفع الصوت فيها حتى في العلم، وقد بنى عمر بن الخطاب رحبة في مؤخر المسجد تسمى البطيحاء، وقال: من كان يريد أن يلغط أو يشعر، ينشد شعرا، أو يرفع صوته، فليخرج إلى هذه الرحبة، وبالله التوفيق. [حلق وسط الرأس والقفا] في حلق وسط الرأس والقفا واستئصال الشارب والأخذ من اللحية وسمعت مالكا: يكره حلق وسط الرأس للمحجمة، فقد ذكر مالك:

وجه الكراهية في ذلك وهو التشبه بالنصارى الذين يفحصون عن أوساط رءوسهم من الشعر على ما جاء في ما أوصى به أبو بكر الصديق ليزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام، فقال له: إنك ستجد أقواما فحصوا عن أوساط رءوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف. وأما حلق القفا فكرهه مالك إذ لم يرد في حلقه أثر يتبع يراه مثله، وقربا عنده من فعل النصارى الذين يحلقون مؤخر رءوسهم. وأما استئصال الشارب فاختلف أهل العلم فيه لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بإحفاء الشارب وإعفاء اللحى» . والإحفاء الاستئصال بالحلق، فحمله جماعة من العلماء على ظاهره وعمومه، منهم أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما، فقالوا: إحفاء الشواب أفضل من قصها، وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل، فكان يحفي شاربه إحفاء شديدا، ويقول: السنة فيه أن يحفى؛ كما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحفوا الشوارب» . وذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن السنة أن يقص ويؤخذ منه حتى يبدو أطراف الشفة الإطار ولا يستأصل جميعه بالحلق، لأنه روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا» ، وأنه قال: «خمس من الفطرة، فذكر منها قص الشارب» ، فجعل ذلك من قوله: "فينا" لأمره بإحفاء

الشوارب، فقال: معناه أن يقص حتى يحفي منه الإطار لا جميعه. وقوله صحيح؛ لأن استعمال الأحاديث وحمل بعضها على التفسير لبعض أولى من الأخذ ببعضها والاطراح لسائرها، لا سيما وفي العمل المتصل من السلف بالمدينة بترك إحفاء الشوارب دليل واضح على أنهم فهموا عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه إنما أراد بإحفاء الشوارب قصها والأخذ منها وألا تعفى كما يفعل باللحى، وهو دليل واضح، ولذلك قال مالك: إن حلق الشارب مثله، وحكم له في رسم الجامع من سماع أشهب من كتاب السلطان بأنه بدعة، ورأى أن يؤدب من فعل ذلك؛ لما فيه من تقصير المتقدم في مخالفتهم ظاهر الحديث والجهل به، وهم ما جهلوه ولا خالفوه، لكنهم تأولوه على ما تأوله عليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يصح أن يكون المتأخر أعلم بمراد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من السلف المتقدم، وقد قال بعض المتأخرين: إن الشارب لا يقع إلا على ما يباشر به شرب الماء وهو الإطار، فذلك هو الذي يحفى. والصحيح أن الشارب ما عليه الشعر من الشفة العليا إلا أن المراد بإحفائها إحفاء بعضها وهو الإطار منها، لا إحفاء جميعها بدليل الحديثين الأخيرين، وقد روي عن ابن القاسم أنه كان يكره أن يؤخذ من أعلاه، ويقول: تفسير حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إحفاء الشارب إنما هو الإطار، والأظهر أن ذلك ليس بمكروه، وأنه مستحسن، فيقص الشارب لما جاء في الحديث من أن قصه من السنة، ويحفى الإطار منه لما جاء في الحديث من الأمر بإحفاء الشوارب.

صفة المؤمن

وما استحسنه مالك من أن يؤخذ من اللحى إذا طالت جدا حسن ليس فيه ما يخالف أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بإعفائها، بل فيه ما يدل على ذلك بالمعنى، لأنه إنما أمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإعفاء اللحى لأن حلقها أو قصها تشويه ومثله، وكذلك طولها نعما سماجة وشهرة، ولو ترك بعض الناس الأخذ من لحيته لانتهت إلى سرته أو إلى ما هو أسفل من ذلك، وذلك مما يستقبح، وبالله التوفيق. [صفة المؤمن] في صفة المؤمن قال مالك: المؤمن يسير المؤنة حسن المعونة. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن هذه هي صفة المؤمن الممدوح إيمانه، ومنها أن يكون حسن السمت هينا لينا مكرما لجاره وضيفه لا ينطق إلا بخير ويسارع إلى فعل الخير، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" جائزته يوم وليلة» الحديث. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» ، إن المؤمن يزهد في الدنيا ولا يستكثر منها، ويطوي

ما جاء في بلال رضي الله عنه

بطنه عن جاره ويؤثر على نفسه، والكافر يرغب في الدنيا ويستكثر منها ولا يؤثر على نفسه فيها، وبالله التوفيق. [ما جاء في بلال رضي الله عنه] في ما جاء في بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وسمعت مالكا يذكر أنه بلغه: أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال لبلال: «يا بلال، إني دخلت الجنة فسمعت خشفا أمامي» ، وقال: الخشف الوطء، «فقلت: من هذا؟ فقالوا: بلال، فكان بلال إذا ذكر ذلك بكى» . قال محمد بن رشد: بلال هذا هو بلال بن رباح مولى أبي بكر الصديق، كان يعذب على دينه، فاشتراه أبو بكر وأعتقه، فكان له خازنا ولرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنا، فأذن له حتى توفي، ثم أذن لأبي بكر حياته، ولم يؤذن في زمن عمر، فقال له: ما منعك أن تؤذن؟ قال: إني أذنت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى قبض، وأذنت لأبي بكر حتى قبض؛ لأنه كان ولي نعمتي، وقد سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «يا بلال، ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله» ، فخرج مجاهدا، ويقال: إنه أذن لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا دخل الشام مرة فبكى عمر وغيره من المسلمين، وروي: أنه كان يؤذن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما مات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد أن يخرج إلى الشام، فقال له أبو بكر: بل تكون عندي، فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله عز وجل، فقال: اذهب، فذهب إلى الشام، فكان بها حتى مات.

فضل الفقه في الدين

ورؤية النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إياه في الجنة شهادة منه له بها؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، وبكاؤه إذا ذكر ذلك كان شوقا لله وتوقا إلى لقائه، وبالله التوفيق. [فضل الفقه في الدين] في الفقه في الدين وسمعت مالكا يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» . قال محمد بن رشد: يشهد لصحة معنى هذا الحديث قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] جاء في التفسير أنه الفقه في دين الله، وهو تفسير يشهد بصحته قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ، والفقه في الدين هو العلم به، وقد أثنى الله على العلماء بما أثنى ووعدهم بالدرجات العلى، فقال عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] ، وقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43] ، وقال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] ، وقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] ، وطلب العلم أفضل أعمال البر، روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «ما أعمال البر كلها في الجهاد إلا كبصقة في بحر، وما أعمال البر كلها والجهاد في طلب العلم إلا كبصقة في بحر» ، فنص في هذا

تفسير إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا

الحديث على أن طلب العلم أفضل من الجهاد، ومعناه في الموضع الذي يكون فيه الجهاد فرضا على الكفاية إذا كان قد قيم به لأنه حينئذ يكون له قافلة، وأما القيام بفرض الجهاد [والجهاد] في الموضع الذي يتعين فيه الجهاد على الأعيان فلا شك أنه أفضل من طلب العلم، والله أعلم. وظاهر الحديث أن طلب العلم أفضل من الصلاة. وما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه «سئل عن أفضل الأعمال فقال: " الصلاة لأول ميقاتها» - معناه في الفرائض، وأما النوافل فطلب العلم أفضل منها على ظاهر الحديث المذكور، والله تعالى أعلم. وقد سئل مالك: عن القوم يتذاكرون الفقه، القعود في ذلك أحب إليك أم الصلاة؟ فقال: بل الصلاة، وروي عنه أن العناية بالعلم أفضل، وليس ذلك عندي اختلافا من قوله، ومعناه: أن طلب العلم أفضل من الصلاة لمن ترجى إمامته، والصلاة أفضل من طلب العلم لمن لا ترجى إمامته إذا كان عنده منه ما يلزمه في خاصة نفسه من صفة وضوئه وصلاته وزكاته إن كان ممن تجب عليه الزكاة، وقال سحنون: يلزم أثقلهما عليه. [تفسير إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا] في تفسير {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] وسئل مالك: عن تفسير: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] ، قال: مخرجا؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] . قال محمد بن رشد: فسر مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إحدى الآيتين بالأخرى، فقال: معنى فرقانا في الآية الواحدة معنى مخرجا في الآية الثانية، وقد قيل:

القدوم على البلد الذي تقع فيه الأمراض

معنى فرقانا: نصر، وقيل: نجاة، وأحسن ما قيل في ذلك أن المعنى فيه فصلا بين الحق والباطل، حتى يعرفوا ذلك بقلوبهم ويهتدوا إليه؛ لأن الفرقان في لسان العرب مصدر من قولهم فرقت بين الشيء والشيء أفرق فرقا وفرقانا. وأما قول الله عز وجل {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] ، فمعناه: يجعل له من أمره مخرجا، وذلك أنه إذا اتقى الله فطلق كما أمره الله ولم يطلق ثلاثا كان له مخرجا بالارتجاع الذي يملكه في العدة وبالخطبة التي هي له مباح بعد العدة، وقد روي: أن الآية نزلت في رجل من أصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقال له عوف بن مالك الأشجعي كان له ابن أسره المشركون، فكان يأتي إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليشكو إليه مكان ابنه وحالته التي هو بها أو حاجته، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمره بالصبر، ويقول له: إن الله سيجعل له مخرجا، فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا فانفلت من أيدي العدو فمر بأغنام لهم فاستاقها فجاء بها إلى أبيه وجاء معه بعثا قد أصابه من الغنم، فنزلت فيه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3] ، فمن اتقى الله عز وجل وهو في شدة من أمره جعل الله له منه مخرجا على ما في سورة الطلاق، وإن كان في حيرة جعل الله له فرقانا، أي: فصلا يبين له به الحق من الباطل، والصواب وفيما تحير فيه على ما في سورة الأنفال. فتأويل من تأول لكل آية منها معنى غير معنى الأخرى أولى ممن صرفهما إلى معنى واحد على ما ذهب إليه مالك، والله تعالى أعلم. [القدوم على البلد الذي تقع فيه الأمراض] 17 -

في القدوم على البلد الذي تقع فيه الأمراض فيكثر فيه الموت وسئل مالك: عن الأمراض تقع في بعض البلدان فيكثر فيهم الموت- وقد كان الرجل يريد الخروج إلى ذلك الموضع فلما بلغه كثرة ذلك المرض والموت كره أن يخرج إليه. قال: ما أرى بأسا إن خرج أو أقام وذكر الحديث الذي جاء عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الطاعون، فقلت له: أفتراه يشبه ما جاء فيه الحديث من الطاعون؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: الحديث الذي جاء في الطاعون قول عبد الرحمن بن عوف لعمر بن الخطاب إذ خرج إلى الشام، فلما بلغ سرغ، بلغه أن الوباء قد وقع فيه، فاستشار المهاجرين والأنصار في القدوم عن الوباء أو الرجوع عنه، فاختلفوا عليه في ذلك: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» ، فرجع عمر بن الخطاب، قيل: بحديث عبد الرحمن بن عوف، وقيل: بل إنما حدثه به بعد أن كان عزم على الرجوع بما أشار به عليه مشيخة الفتح إذ لم يختلفوا عليه في ذلك. وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه» - ليس بنهي تحريم، وإنما هو نهي أدب وإرشاد من ناحية قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل الممرض على المصح، وليحل المصح حيث شاء» ، لئلا يقع بنفسه إن قدم عليه فأصابه فيه قدر أنه لو لم يقدم عليه لنجا منه، ولا مجير

لأحد عن القدر، فلهذا قال مالك: ما أرى بأسا إن خرج أو أقام، أي: لا حرج عليه إن قدم على البلد في مخالفة النهي، إذ ليس بنهي تحريم، بل له الأجر إن شاء الله إذا قدم عليه موقنا بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فهو يؤجر إذا قدم عليه لهذا الوجه، ويؤجر إذا لم يقدم عليه لاتباع نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن ذلك، فهذا وجه تخيير مالك إياه في ذلك. وكذلك قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» - ليس بنهي تحريم وإنما هو أمر بالمقام الذي هو أفضل من أجل الاستسلام للقدر، فالمقام أفضل بوجهين: أحدهما: اتباع الحديث، والثاني: الاستسلام للقدر، والخروج جائز لا حرج فيه إن شاء الله إلا أنه مكروه لمخالفة الحديث. وقد أمر به عمرو بن العاص فروي عن الطاعة، فقال: تفرقوا عنه فإنما هو بمنزلة نار، فقام معاذ بن جبل، فقال: لقد كنت فينا وأنت أضل من حمار أهلك، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «هو رحمة لهذه الأمة» اللهم فاذكر معاذا فيمن تذكره في هذه الرحمة "، فمات في طاعون عمواس بالأردن من الشام سنة ثماني عشرة، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، وروي عن شرحبيل بن حسنة أن عمرو بن العاص قال وقد وقع الطاعون بالشام: إنه رجس فتفرقوا عنه، فقال شرحبيل: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إنها رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم فلا تفرقوا عنه» . قال ابن عبد البر في الاستذكار أظن قوله " ودعوة نبيكم " قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم فاجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون، قالت عائشة: يا رسول الله، الطعن عرفناه، فما الطاعون؟

قال: غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط» . ووجه ما ذهب إليه عمرو بن العاص من أن الخروج عن البلد الذي يقع فيه الطاعون أولى من المقام فيه، هو مخافة الفتنة في ذلك بأن يصيبه قدر في مقامه فيقول القائل لو خرج لنجا، فقد روي عن ابن مسعود أنه قال: الطاعون فتنة على المقيم وعلى الفار، أما الفار فيقول: فررت فنجوت، وأما المقيم فيقول: أقمت فهلكت، وكذبا جميعا، فر من لم يجئ أجله، وأقام فمات من جاء أجله، وقد قال المدائني: يقال: إنه قل ما فر أحد من الطاعون فسلم من الموت. فيتحصل على هذا في الأفضل من القدوم على الوباء والخروج عنه أو ترك ذلك بعد الإجماع على أنه لا إثم ولا حرج في شيء من ذلك ثلاثة أقوال للسلف: أحدها: أن الأفضل أن يقدم عليه وأن لا يخرج عنه، وهو مذهب من أشار من المهاجرين والأنصار على عمر بن الخطاب أن يقدم عليه ولا يرجع عن وجهته؛ لأن ترك القدوم عليه أحب من الرجوع عنه، فإذا كره الرجوع عنه فأحرى أن يكره الخروج عنه. والثاني: أن الأفضل أن لا يقدم عليه وأن يخرج، وهو الذي ذهب إليه عمرو بن العاص؛ لأنه إذا كره المقام فيه فأحرى أن يكره القدوم عليه.

نتف الشيب وقرضه

والقول الثالث: أن الأفضل ألا يقدم عليه وألا يخرج عنه للنهي الوارد في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رواية عبد الرحمن بن عوف، وهذا القول أصح الأقوال؛ لأن السنة حجة على القولين الآخرين، وبالله التوفيق. [نتف الشيب وقرضه] في نتف الشيب وقرضه وسئل مالك: عن نتف الشيب؟ فقال: ما أعلم حراما، وتركه أحب إلي من نتفه، قال ابن القاسم: ولا أحب نتفه، قيل له: لو قرضه؟ فقال: أكره أن يقرضه من أصله، وهو عندي يشبه النتف. قال محمد بن رشد: الكراهية في ذلك ما جاء من أن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول الناس ضيف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه، وأول الناس رأى الشيب، فقال: يا رب ما هذا؟ فقال الله تبارك وتعالى: (وقارا يا إبراهيم، فقال: رب زدني وقارا) ، فما دعا إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به الزيادة فيه لا ينبغي لأحد أن ينقصه من نفسه، وبالله التوفيق. [ماء غير متملك يجري على قوم إلى قوم دونهم] في سيل مهزور ومذينب وسئل مالك: عن سيل مهزور ومذينب حين قضى فيهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أكان فيهما يومئذ أصول نخل؟ فقال: نعم. قال محمد بن رشد: مهزور ومذينب واديان معروفان من أودية المدينة يسيلان بالمطر يتنافس فيهما أهل المدينة فقضى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن

تغيير الشيب

يمسك الأعلى إلى الكعبين ثم يرسل على الأسفل، وهذا هو الحكم في كل ماء غير متملك يجري على قوم إلى قوم دونهم أن من دخل الماء أرضه أولا فهو أحق بالسقي به حتى يبلغ الماء في أرضه إلى الكعبين. ثم اختلف الناس إذا بلغ الماء إلى الكعبين هل يرسل جميع الماء إلى الأسفل أو لا يرسل إليه إلا ما زاد على الكعبين؟ وقال ابن القاسم: بل يرسل جميع الماء ولا يحبس منه شيئا، والأول أظهر، وروى زياد عن مالك: أن معنى الحديث أن يجري الأول الذي هو أقرب إلى الماء من الماء في ساقيته إلى حائطه بقدر ما يكون الماء في الساقية إلى حد كعبيه حتى يروى حائطه بقدر ما يكون الماء في الساقية، ثم يفعل الذي يليه كذلك ما بقي من الماء شيء، قال: وهذا السنة فيهما وفيما يشبههما مما لا حق فيه لأحد بعينه أن الأول أحق بالتبدئة ثم الذي يليه إلى آخرهم رجلا، وبالله التوفيق. [تغيير الشيب] في تغيير الشيب قال: وسمعته يذكر، قال مالك: كان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وسعيد بن المسيب والسائب بن زيد لا يغيرون الشيب. قال محمد بن رشد: أما صبغ الشعر وتغيير الشيب بالحناء والكتم والصفرة فلا اختلاف بين أهل العلم في أن ذلك جائز، وإنما اختلفوا هل الصبغ بذلك أحسن أو ترك الصبغ جملة أحسن، واختلف في ذلك قول مالك بدليل ما له في الموطأ أن الصبغ بذلك أحسن، ودليل ما تقدم من قوله قبل هذا في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها أن ترك الصبغ بذلك كله أحسن، وقد مضى الكلام على هذا هناك مستوفى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

قضاء الرجل الرجل الذهب في المسجد

[قضاء الرجل الرجل الذهب في المسجد] في قضاء الرجل الرجل الذهب في المسجد وسئل مالك: عن الرجل يقضي الرجل ذهبا في المسجد، فقال: لا أرى به بأسا، وأما ما كان على وجه التجارة والصرف فلا أحبه. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا متكررا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب السلطان، وكره في رسم شك في طوافه منه في كتاب ذكر الحق في المسجد إلا أن يكون شيئا خفيفا لا يطول، وهذا كله بين؛ لأن المساجد إنما وضعت لذكر الله والصلاة، قال الله عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور: 36] {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] ، فواجب أن ترفع وتنزه عن أن تتخذ لغير ما وضعت له، وقد اتخذ عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رحبة بناحية المسجد تسمى البطيحاء، فقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة، وكان عطاء إذا مر به بعض من يبيع في المسجد دعاه فسأله: ما معه وما يريد؟ فإذا أخبره أنه يريد أن يبيعه، قال: عليك بسوق الدنيا فإنما هذا سوق الآخرة، وبالله التوفيق. [ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام من قلة السعة] فيما كان عليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أول الإسلام من قلة السعة وسمعت مالكا يقول: كان عبد الله بن عمر يقول: ما شبعنا من الثمر حتى فتحت خيبر. قال محمد بن رشد: قد مضى معنى هذا في رسم نذر سنة

ظهور أثر السجود بين عيني الرجل

وتكلمنا هناك على ما يتعلق به من التفضيل بين الفقر والغنى، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [ظهور أثر السجود بين عيني الرجل] في كراهية ظهور أثر السجود بين عيني الرجل وسمعته يقول: بلغني أن سعد بن أبي وقاص رأى رجلا بين عينيه سجدة، فقال: منذ كم أسلمت، فذكر الرجل أمدا كأنه تقربه، فقال سعد: أسلمت منذ كذا وكذا وما بين عيني شيء. قال محمد بن رشد: كره له سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يشد جبهته بالأرض حتى يؤثر فيها السجود فيبدو ذلك للناس؛ إذ ليس ذلك هو المعنى المراد بقول الله عز وجل: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] ، وإنما هو ما يعتريهم من الصفرة والنحول بكثرة العبادة وسهر الليل، وقيل: إن ذلك في الآخرة لا في الدنيا، ولعله اتهمه أن يكون قصد إلى ذلك ليعرف به، فلذلك وبخه بما قرره عليه في الرواية، والله أعلم. وقد روي أن عمر بن عبد العزيز استعمل عروة بن عياض على مكة فاستعداه عليه رجل ذكر أنه سجنه في حق فلم يخرجه منه حتى باع ماله منه بثلاثة آلاف، وقد كان أعطاه به ستة آلاف فأبى أن يبيعه منه، واستحلفه بالطلاق ألا يخاصمه في ذلك أبدا، فنظر عمر إلى عروة ونكت بالخيزران بين عينيه في سجدته، ثم قال: هذه غرتني منك، لسجدته، ولولا أني أخاف أن تكون سنة من بعدي لأمرت بموضع السجود فغور، ثم قال للرجل: اذهب فقد رددت عليه مالك ولا حنث عليك، وقد مضى هذا في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة لتكون الحكاية هناك، وبالله التوفيق.

شكل المصاحف

[شكل المصاحف] في شكل المصاحف وسئل مالك: عن شكل المصاحف أتشكل؟ فقال: أما أمهات المصاحف فإني أكره ذلك، وأما ما يشكل للتعليم فلا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: المعنى في كراهيته لشكل أمهات المصاحف هو أن الشكل مما قد اختلف القراء في كثير منه، إذ لم يجئ مجيئا متواترا فلا يحصل العلم بأي الشكلين أنزل، وقد يختلف المعنى باختلافه، فكره أن يثبت في أمهات المصاحف ما فيه اختلاف، وبالله التوفيق. [يأمر للسائل بشيء فيجده قد ذهب] في الذي يأمر للسائل بشيء فيجده قد ذهب وسئل مالك: عن السائل يقف بالباب فيأمر له بدرهم فيجده قد انصرف، أترى أن يسترجعه؟ فقال: لا، ولكن يتصدق به، قال له: فالكسوة؟ قال: كذلك يتصدق بها. قال محمد بن رشد: زاد في هذه المسألة في هذا الرسم من كتاب العارية، وما رآه عليه بواجب، ووصل ابن أبي زيد بها في النوادر، وقال: ومن خرج إلى مسكين بشيء فلم يقبله فليعطه غيره، وهو أشد من الأول، وليس بينهما فرق بين، والمعنى الذي ذهب إليه ابن أبي زيد في الفرق بينهما والله أعلم هو أنه لما وجده فأبى أن يقبلها وقد كان له أن يقبلها فردها أشبه عنده ردها إليه بعد قبوله إياها، ولعله إنما ردها إليه ليعطيها لغيره، مثل أن يقول له أنا لا حاجة لي بها فادفعها لغيري، فيكون ذلك قبولا منه لها، ويكون بذلك راجعا في صدقته، وكذلك إذا سأله قريبه أو

مقاتلة العصبية

أجنبي أن يعطيه شيئا فيعده بذلك فيأتي بما وعده به فلا تجده يستحب له أن يعطيه لغيره. فآكدها في الاستحباب الذي يخرج بالشيء إلى السائل فيجده فلا يقبل، ويليها إذا لم يجده، ويليها الرجل الأجنبي يعده بالشيء فلا يجده، ويليها القريب يعده بالشيء فلا يجده، وهو أخفها كلها من أجل أنه إنما أراد عينه لقربه منه، وبالله تعالى التوفيق. [مقاتلة العصبية] في مقاتلة العصبية وسئل مالك: عن العصبية مثل ما كان في أهل الشام، قال: أرى للإمام أن يتدارك ذلك وأن يزجرهم، فإن طاعوا وإلا جوهدوا فيه، يعني أن يقاتلوا. قال محمد بن رشد: هذا نص ما في كتاب الجهاد من المدونة، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] ، أي: حتى ترجع إلى الحق الذي أمر الله به، وبالله التوفيق. [حد المنجم] في المنجم وسئل مالك: عن الذي ينظر في النجوم فيقول الشمس تكسف غدا والرجل يقدم غدا، وما أشبه هذا. قال: أرى أن يزجر عن ذلك، فإن لم يفعل أدب في ذلك، ثم قال: وإني لأرى هؤلاء الذين يعالجون المجانين

ويزعمون أنهم يعالجونهم بالقرآن وقد كذبوا ليس كما قالوا، ولو كانوا يعلمون ذلك لعلمته الأنبياء، قد صنع لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سحر فلم يعرفه حتى أخبرته الشاة. وإني لأرى هذا ينظر في الغيب، وإنها عندي لمن حبائل الشيطان. قال محمد بن رشد: ليس قول الرجل: الشمس تكسف غدا والقمر يكسف ليلة كذا - من جهة النظر في النجوم وعلم الحساب، بمنزلة قوله من هذا الوجه: فلان يقدم غدا، في جميع الوجوه؛ لأن الشمس والقمر مسخران لله تعالى في السماء يجريان في أفلاكهما من برج إلى برج على ترتيب وحساب وقدر لا يتعديانه، قال الله عز وجل: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] وقال: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] وقال: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] . فالقمر سريع الذهاب يقطع جميع بروج السماء في شهر واحد ولا تقطعها الشمس إلا في اثني عشر شهرا، فهو يدرك الشمس في آخر كل شهر ويصير بإزائها من البروج الذي هي فيه، ثم يخلفها فإذا بعد وكلما زاد بعده منها زاد ضوءه إلى أن ينتهي في البعد ليلة أربعة عشر فتكمل استدارته وضوءه لمقابلة الشمس، ثم يأخذ في القرب منها، فلا يزال ضوءه ينقص إلى أن يدرك الشمس فيصير بإزائها على ما أحكمه خالق الليل والنهار، لا إله إلا هو. فإذا قدر الله عز وجل على ما أحكمه من أمره وقدره من منازله في سيره أن يكون بإزاء الشمس في النهار فيما بين الأبصار وبين الشمس ستر جرمه عنا ضوء الشمس كله إن كان مقابلها أو بعضه إن كان منحرفا عنها، فكان ذلك هو

الكسوف للشمس، آية من آيات الله عز وجل يخوف بها عباده، كما قال عز وجل: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] ، ولذلك أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالدعاء عند ذلك، وسن له صلاة الكسوف. فليس في معرفة وقت كون الكسوف بما ذكرناه من جهة النجوم وطريق الحساب ادعاء علم غيب ولا ضلالة وكفر على وجه من الوجوه، لكنه يكره الاشتغال به؛ لأنه مما لا يعني، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» . وفي الإنذار به قبل أن يكون ضرر في الدين؛ لأن من سمعه من الجهال يظن أن ذلك من علم الغيب، وأن المنجمين يدركون علم الغيب من ناحية النظر في النجوم، فوجب أن يزجر عن ذلك قائله ويؤدب عليه كما قال؛ لأن ذلك من حبائل الشيطان، وقد روي: أن رجلا قال بالإسكندرية عند عمرو بن العاص: زعم حسطال هذه المدينة أنه يكسف بالقمر الليلة أو أن القمر ينكسف الليلة، فقال رجل: كذبوا هذا هو، علموا ما في الأرض فما علمهم بما في السماء؟ فقال عمرو بن العاص: إنما الغيب خمسة: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] وما سوى ذلك يعلمه قوم ويجهله آخرون. وأما قوله فلان يقدم غدا فهو من التخرص في علم الغيوب والقضاء بالنجوم.

وقد اختلف في المنجم يقضي بتنجيمه، فيقول: إنه يعلم متى يقدم فلان، ويعلم وقت نزول الأمطار وما في الأرحام وما يستسر به الناس من الأخبار وما يحدث من الفتن والأهوال وما أشبه ذلك من المغيبات، فقيل: إن ذلك كفر يجب به القتل دون استتابة؛ لقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا} [الفرقان: 50] ، ولقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «قال الله عز وجل: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» ، وقيل: إنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، روي ذلك عن أشهب، وقيل: إنه يزجر عن ذلك ويؤدب عليه، وهو قوله في هذه الرواية، والذي أقول به: إن هذا ليس باختلاف قول في موضع واحد، وإنما هو اختلاف في الأحكام بحسب اختلاف الأحوال، فإذا كان المنجم يزعم أن النجوم واختلافها في الطلوع والغروب هي الفاعلة لذلك كله وكان مستسرا بذلك فحضرته البينة قتل بلا استتابة؛ لأنه كافر زنديق، وإن كان معلنا بذلك غير مستسر به يظهره ويحاج عليه استتيب، فإن تاب وإلا قتل كالمرتد سواء، وإن كان مؤمنا بالله عز وجل مقرا بأن النجوم واختلافها في الطلوع والغروب لا تأثير لها في شيء مما يحدث في العالم، وأن الله هو الفاعل لذلك كله إلا أنه جعلها أدلة على ما يفعله، فهذا يزجر عن اعتقاده ويؤدب عليه أبدا حتى يكف عنه ويرجع عن اعتقاده ويتوب عنه؛ لأن ذلك بدعة يجرح بها، تسقط إمامته وشهادته على ما قاله سحنون في نوازله من كتاب الشهادات. ولا يحل للمسلم أن يصدقه في شيء مما يقول، وأنى يصح أن يجتمع في قلب مسلم تصديقه مع قول الله عز وجل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65]

وقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26] {إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] ، وروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من صدق كاهنا أو منجما أو عرافا فقد كفر بما أنزل الله على قلب محمد» ، ويمكن أن يصادف في بعض الجمل وذلك من حبائل الشيطان، فلا ينبغي أن يغتر أحد بذلك ويجعله على صدقه دليلا فيما يقول، كما لا ينبغي أن يصدق المعالجون الذين يعالجون المجانين فيما يزعمون من أنهم إنما يعالجون بالقرآن، فلا يعلم الأمور الغائبة على وجوهها وتفاصيلها إلا علام الغيوب أو من أطلع عليها علام الغيوب من الأنبياء ليكون ذلك دليلا على صحة نبوته، قال الله عز وجل في كتابه حاكيا عن عيسى ابن مريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 49] ، فادعاء معرفة ذلك والإخبار به على الوجه الذي يعرف ذلك الأنبياء ويخبر به تكذيبا لدلالتهم. وفي دون هذا كفاية لمن شرح الله صدره للإسلام وهداه ولم يرد إضلاله وإغواءه. والذي ينبغي أن يعتقد فيما يخبرون به من الجمل فيصيبون مثل ما روي عن هرقل: أنه أخبر أنه نظر في النجوم فرأى ملك الختان قد ظهر، أن ذلك إنما هو على معنى التجربة التي قد تصدق في الغالب من نحو قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين الغديقة» ، وبالله التوفيق.

كراء الأفنية

[كراء الأفنية] في كراء الأفنية وسئل مالك: عن الأفنية التي تكون في الطريق يكريها أهلها، أترى ذلك لهم وهي طريق المسلمين؟ قال: إذا كان فناء ضيقا إذا وضع فيه شيء أضر ذلك بالمسلمين في طريقهم فلا أرى أن يمكن أحد من الانتفاع به وأن يمنعوا، وأما كل فناء إن انتفع به أهله لم يضيق على المسلمين في طريقهم شيئا لسعته لم أر بذلك بأسا، قال: وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» ، فإذا وضع في طريق المسلمين ما يضيق عليهم به فقد أضر بهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن لأرباب الأفنية أن يكروها ممن يضع فيها ما لا يضيق به في الطريق على المارة فيه، لأنه إذا كان لهم أن ينتفعوا بها على هذه الصفة وكانوا أحق بذلك من غيرهم كان لهم أن يكروها؛ لأن ما كان للرجل أن ينتفع به كان له أن يكريه، وهذا ما لا أعلم فيه خلافا. وإنما الذي لا يباح لصاحب الفناء أن يقتطعه ويدخله في داره، فإن فعل وكان ذلك يضر بالطريق هدم عليه وأعيد إلى حاله. واختلف إن كان لا يضر، فقيل: إنه يهدم عليه أيضا، وهو قول أشهب وابن وهب في سماع زونان من كتاب السلطان، وقيل: إنه لا يهدم عليه، وهو قول أصبغ وروايته عن أشهب في رسم الأقضية والحبس من سماع أصبغ من الكتاب المذكور، وقد مضى هذا كله في هذا الرسم من هذا السماع من الكتاب المذكور لتكرر المسألة هناك، وبالله التوفيق.

أول طعام أهل الجنة

[أول طعام أهل الجنة] في أول طعام أهل الجنة قال: وسمعت مالكا يحدث أنه يقال: أول ما ينزله أهل الجنة بلام ونون، قال: يلبث الثور نافشا في الجنة يأكل من ثمرة الجنة، فإذا أضحى ذكاه الحوت بذنبه فأكلوا منه، ويظل الحوت يسبح في أنهار الجنة يأكل من ثمار الجنة، فإذا أمسى نهره الثور بقرنه فأكلوا من لحمه. قال محمد بن رشد: البلام الثور، والنون الحوت، قال الله عز وجل: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [الأنبياء: 87] ، وقال في موضع آخر: {كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم: 48] ، فبان أن النون هو الحوت، والمعنى في هذا الحديث إن صح: أن الله يعيد الثور بعد أن ذكاه الحوت فأكلوا منه حيا كما كان، فينهر الحوت بقرنه فيأكلوا منه، ويحتمل أن يكون النون الذي ينهر الحوت غير الذي ذكاه الحوت فأكلوا منه، لا ذلك الثور بعينه؛ لأن الألف واللام في قوله "يلبث الثور" قد تكون للعهد وقد تكون للجنس، والنفش الرعي بالليل، قال الله عز وجل: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] والجنة لا ظلام فيها ولا ليل ولا ضحى ولا مسى، روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الجنة بيضاء تتلألأ، وأهلها بيض، لا ينام أهلها وليس فيها شمس ولا ليل مظلم ولا حر ولا برد يؤذيهم» . وروي عن عبد الله بن أبي أوفى: «أن رجلا قال: يا رسول الله أفي الجنة ليل؟ فقال: "ليس في الجنة ظلمة، إن الليل ظلمة، إن شجرها نور وأنوارها نور وثمرتها نور وخدمها نور» .

فساد الناس وقلة زعتهم

فقوله "يلبث في الجنة الثور نافشا في الجنة" أي: آكلا من ثمرها مقدار ليل الدنيا. وقوله "فإذا أضحى ذكاه الحوت بذنبه فأكلوا منه، فإذا أمسى نهره الثور بقرنه فأكلوا منه" - مثل قول الله عز وجل في كتابه العزيز: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] ، يريد: أنهم يؤتون به على قدر ما كانوا يشتهونه في الدنيا الغداء والعشاء، وقيل: إنه إذا مضى مقدار ثلاث ساعات من اثنتي عشرة ساعة من ساعات الدنيا التي هي مقدار النهار فيها أتوا بغدائهم، وإذا بقيت ثلاث ساعات أتوا بعشائهم، فيكون على هذا بين الأكل والأكل مقدار ست ساعات من ساعات الدنيا، ويروى: أنه يغدى على أدنى منزلة في الجنة كل يوم بسبعين ألف صحفة من ذهب، في كل واحدة منها لون ليس في الأخرى، يأكل منها من آخرها كما يأكل من أولها، ويراح عليه بمثلها، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما روي عنه حاكيا عن ربه عز وجل: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين نظرت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» ، وبالله التوفيق. [فساد الناس وقلة زعتهم] ومن كتاب البز في فساد الناس وقلة زعتهم قال مالك: وذكر فساد الناس وقلة زعتهم، وقال: لقد قال ذلك الرجل: لقد رأيتنا في الجاهلية وكأنا في ملك ضابط، يريد بذلك كف بعضهم عن بعض وأحلامهم فيما بينهم، وذكر عنه، قال ابن القاسم: إنه الزبير بن العوام.

معنى الحكمة والعقل

قال محمد بن رشد: وإذا كان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد أشفق في زمنه لما رأى من فساد الناس وقلة زعتهم. فناهيك من زمننا هذا الوادركه، وقد قال عبد الله بن مسعود: ما من عام إلا والذي بعده شر منه، يريد في فساد الناس وقلة زعتهم وكثرة الشر فيهم، وبالله التوفيق. [معنى الحكمة والعقل] في الحكمة والعقل قال: وسمعت مالكا يقول: وسمعت زيد بن أسلم يقول: {وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] ، إن الحكمة العقل، قال مالك: والذي يقع بقلبي أن الحكمة هي الفقه في دين الله، ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا ذا بصر، وتجد آخر ضعيفا في دنياه عالما في أمر دينه بصيرا به يؤتيه الله إياه ويحرم هذا، فهذه الحكمة، الفقه في دين الله. قال محمد بن رشد: تأويل مالك أظهر؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] ، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحمل على التفسير لقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] ، وقد قيل: معنى "حكما وعلما" فهما وعقلا، وقيل: معناه: فهما وعلما، فيأتي في تأويل الحكم في هذه الآية ثلاثة أقوال، قيل: الفقه، وقيل: الفهم، وقيل: العقل، وفي رسم شك في طوافه بعد هذا أن الحكمة في قوله عز وجل:

تمني عمر بن عبد العزيز الموت

{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269] التفكير في أمر الله والاتباع. والتفكير في أمر الله لا يكون إلا بالعقل والفهم، والتأويلات كلها قريبة بعضها من بعض في المعنى؛ لأن الفقه لا يكون إلا بالفهم، والفهم لا يكون إلا بالعقل، وفي قوله عز وجل: {وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] مع اختلافهما فيما حكما به يدل على أن كل مجتهد مصيب، وللقول في هذا مكان غير هذا، وبالله التوفيق. [تمني عمر بن عبد العزيز الموت] في تمني عمر بن عبد العزيز الموت قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز في مرضه الذي توفي فيه أنه حبا حتى توضأ، ثم أتى المسجد فركع ثم ذكر موت سهل أخيه وعبد المالك ابنه ومزاحم مولاه، فقال: ما ازددت إلا حبا، وما ازددت فيما عندك إلا رغبة، قال ابن القاسم: ولا أعلمه إلا قال: فاقبضني إليك. قال محمد بن رشد: في تمني عمر رغبة فيما عند الله وحبا في لقاء الله - دليل على ما له عند الله، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قال الله تبارك وتعالى: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه» ، ومن أحب الله لقاءه فهو من أهل الجنة؛ لأن معنى محبة الله لقاءه إرادته لتنعيمه، وبالله التوفيق.

حشف التمر

[حشف التمر] في حشف التمر لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: وسمعت مالكا في حديث عمر بن الخطاب في الصاع من التمر، قال: يحشف له، قال: يريد يقشر له، فقيل له: تفسير يحشف؟ قال: ينزع له قشره والحشف. قال محمد بن رشد: هذه الحكاية عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تدل على أنه ينتقى له التمر فيأكل طيبه، وذلك جائز لا بأس به بإجماع من العلماء، قال الله عز وجل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] ، وهي خلاف لما ذكره مالك في موطئه عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين يطرح له صاع من تمر فيأكله حتى يأكل حشفه. وهذا يدل على أنه كان يقتصر في أكله على التمر، وأنه كان لا يأكل حتى يجوع، وأنه كان لا ينقى له من حشفه فيأكله بحشفه، لأنه كان مخشوشنا في طعامه لا ينتقيه، والحشف الرديء من التمر المسوس من اليابس، وللعرب مثل تضربه فيمن باع شيئا رديا وكال كيل سوء، قالت: أحشفا وسوء كيله بكسر الكاف. وقد روى عن حفصة بنت عمر، قالت لعمر: يا أمير المؤمنين، لو لبست ثوبا هو ألين من ثوبك، وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك فقد وسع الله من الرزق وأكثر من الخير، قال: إني سأخاصمك إلى نفسك، ألا تذكرين ما كان يلقى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من شدة العيش؟ فما زال يذكرها حتى

يضعف عن حمل العلم على وجهه

أبكاها، ثم قال: والله لئن استطعت لأشاركنهما بمثل عيشهما لعلي أدرك معهما الرخاء. وسيأتي في رسم طلق بن حبيب أنه كان يحشف له الصاع من التمر فيأكله كله، فقيل له: ما يحشف؟ قال: يأكله بحشفه، والمعنى في ذلك، والله أعلم: أنه كان يحشف له فيكره ذلك من فاعله لما كان عليه من الخشونة في مطعمه وملبسه، ويأكله بحشفه، وهو نحو ما في الموطأ، وبالله التوفيق. [يضعف عن حمل العلم على وجهه] في الذي يضعف عن حمل العلم على وجهه قال مالك: كنت أسمع ربيعة بن عبد الرحمن يقول: إن الرجل لتجده صالحا صائما مصليا رجل صدق وعابدا، وآخر ضعيفا ليس فيه محمل لهذه الأشياء، ويضعف عن العلم أن يحمله ويخاف أن يحمله على غير وجهه، فهو عندي خير من هذا الذي حمل الفقه، قال: ورأيت مالكا يعجبه قول ربيعة ويقول: صدق، يسمع الشيء فيضعف عن وجه حمله فيفتي به الناس ويحملهم عليه وقد أخطأ في ذلك؟ وقال: مثل فلان. قال محمد بن رشد: ما قاله ربيعة واستحسنه مالك صحيح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من القلوب، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» ، فمن نظر في العلم وضعف عن حمله على وجهه وأفتى الناس بتأويله إياه على غير وجهه يخشى ألا يقوم ما عليه من الوزر في ذلك بما له من الأجر والثواب في صلاته وصيامه وعبادته، وبالله التوفيق. [سن عمر بن عبد العزيز] 17 -

في سن عمر بن عبد العزيز وسئل مالك: كم أتى على عمر بن عبد العزيز من السنين؟ قال: اثنان وأربعون سنة. قال محمد بن رشد: من مات في هذا السن فلم يبلغ سن الشيخ وهو يعد في حد الشباب والكهولة بدليل ما روى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «دخلت الجنة فإذا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لشاب من قريش فظننت أني هو، فقلت: من هو؟ فقالوا: عمر بن الخطاب، فيا أبا حفص لولا ما أعلم من غيرتك لدخلته، فقال عمر: من كنت أغار عليه يا رسول الله فإني لم أكن أغار عليك» . وما روى عنه من أنه قال في أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب: «هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والأخيرين إلا النبيين والمرسلين» . وروى ذلك عنه علي بن أبي طالب، وأنه قال: «ولا تخبرهما بذلك يا علي،» فكل كهل شاب وليس كل شاب كهلا؛ لأن الرجل يولد طفلا فيقع عليه اسم الطفولة ما لم يحتلم، فإذا احتلم كان شابا ما لم يبلغ الأشد، وقيل فيه: إنه خمس وثلاثون سنة فإذا بلغ خمسا وثلاثين سنة فهو شاب إلى أن يبلغ حد الشيخوخة، فعمر بن عبد العزيز إمام عدل شاب نشأ في عبادة الله، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ... » الحديث، فجمع الله لعمر هاتين

فضل الفتيان

الفضيلتين وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وبالله التوفيق. [فضل الفتيان] في الفتيان قال مالك: كان محمد بن كعب القرظي إذا ذكر الفتيان، قال: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60] وقال: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] ويذكر فضلهم. قال محمد بن رشد: الفتيان هم الشبان فإذا نشأ الشاب في عبادة الله فهو في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله على ما جاء في الحديث، وبالله التوفيق. [الركوب بصفة الأرجوان] في الركوب بصفة الأرجوان وسئل مالك: عن الركوب بصفة الأرجوان. قال: ما أعلم بأسا، وغيره أحب إلي منه. قال محمد بن رشد: الأرجوان أظنه الخز الأحمر، ويحتمل أن يكون الصوف الأحمر، فإن كان الخز الأحمر فإنما سئل عنه والله أعلم لما روي عن «علي بن أبي طالب أنه أتي ببغلة عليها سرج خز، فقال: "نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الخز وعن ركوب عليه وعن جلوس عليه» . فلم ير به مالك بأسا؛ لأنه لم يعرف النهي عن ذلك، والله أعلم، ورأى غيره أحب إليه منه لما فيه من الحرير؛ لأنه يكره لباس الخز لما فيه من الحرير، والركوب عليه إذا جعلت صفة السرج منه، يشبه اللباس له. وإن كان الأرجوان هو الصوف الأحمر فإنما رأى غيره أحب إليه منه

والله أعلم لما في ذلك من التشبه بالعجم، ألا ترى أنه قد روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الميثرة» وهي جلود السباع. «وعن معاوية: أنه دعا نفرا من الأنصار في الكعبة فقال: أنشدكم بالله عز وجل، ألم تسمعوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن صفف النمور؟ فقالوا: اللهم نعم، قال: وأنا أشهد» وعن المقدام بن معدي كرب أن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الركوب على جلود السبع» ولا وجه للنهي عن ذلك إلا التشبه بالعجم؛ إذ قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر، وذكاة كل أديم دباغه» ، وروي عن أبي أيوب الأنصاري: أنه أتي بدابة بسرج نمور فنزع الصفة، فقيل: الجديتان نمور، فقال: إنما ينهى عن الصفة، يريد

الوضيعة على من باع تمر حائطه

لاستعمال العجم إياها كما ذكرناه. وقد أباح ذلك جماعة من التابعين من أجل أن النهي في ذلك إنما هو لهذه العلة لا نهي تحريم، فروى أن عروة بن الزبير كان له سرج نمور , وروي ذلك عن الحسن البصري وابن سيرين، ولهذه العلة فرق في حديث علي الذي ذكرناه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الخز بين لباسه والركوب عليه والجلوس عليه، وبالله التوفيق. [الوضيعة على من باع تمر حائطه] في أن الوضيعة لا تجب على من باع تمر حائطه إذا لم تصبه جائحة قال مالك: باع عبد الله بن عمر حائطا له واشترط على الذي باعه شروطا، واستثنى عليه فيه شيئا، وكان فيما اشترط عليه ألا يخرج منه أشياء إلا بعلمه فعمل فيه الرجل ثم تبين له فيه وضيعة، فجاءه يستوضعه، فأبى، فسأله الإقالة فأبى، فذهب الرجل. فقال له أبو الرجال: إن أمي عمرة حدثتني «أن رجلا ابتاع حائطا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعمل فيه فتبين له الوضيعة، فجاءه فسأله الوضيعة، فتألى ألا يفعل، فجاءت أم المشتري إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، وقالت: يا رسول الله، ما أصبنا منه إلا تمرة أو رطبة رفعها أحدنا إلى فيه أو شيئا استطعمناه مسكينا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " تألى ألا يفعل خيرا؟ " فسمع بذلك البائع فأتى إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله هو له» فلا أدري الوضيعة أم الإقالة رد إليه الثمن.

فضائل عمر بن عبد العزيز

قال محمد بن رشد: قوله فقال أبو الرجال، يريد فقال لمالك أبو الرجال؛ لأنه حديث مالك عن أبي الرجال أدخله في موطئه في باب الجائحة في بيع الثمار والزروع ليبين أن الوضيعة إذا دخلت على المشتري من غير جائحة جرت عليه في الثمن لا رجوع له على البائع؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما ندب البائع إلى الوضع ولم يوجب ذلك عليه. ولا اختلاف في أن ذلك لا يجب عليه، ولذلك أبى عبد الله بن عمر أن يقيل الذي باع منه ثمر حائطه أو يضع عنه، وأما إذا جرت على الثمر جائحة قبل تناهي طيبها وإمكان جذاذها فمذهبه وجوب وضع الجائحة إذا بلغت الثلث فأكثر، لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بوضع الجوائح بهذا بحديثه هذا، وقال: أدخله في موطئه في باب وضع الجائحة، وليس فيه الأمر بالوضع، وإنما فيه الندب إلى ذلك، ولم يدخله مالك فيه إلا ليبين أن الوضيعة إذا دخلت على المشتري بغلة الإصداق أو انحطاط الأسواق فلا حجة له بذلك على البائع، بخلاف إذا أجيحت الثمرة، وبالله التوفيق. [فضائل عمر بن عبد العزيز] في ما يحكى من فضائل عمر بن عبد العزيز قال مالك: قال ابن حبان، وكان عاملا لعمر بن عبد العزيز على المدينة: ما جاءني رسول لعمر بن عبد العزيز إلا بخبر خير، قال مالك: بلغني أنه قال لعمر بن عبد العزيز: أوص، فقال: ما لي من مال أوصي فيه صغار ولدي إلى كبارهم. قال محمد بن رشد: ليس في هذا إلا ما هو معلوم من فضائل عمر بن عبد العزيز، وبالله التوفيق.

تعظيم الخطيئة في الحرم

[تعظيم الخطيئة في الحرم] في تعظيم الخطيئة في الحرم قال مالك: بلغني أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان إذا قدم مكة لم يضطرب بناه إلا خارجا من الحرم، فقلت لمالك: لم كان يفعل ذلك؟ قال: يريد إعظام الخطيئة في الحرم. قال محمد بن رشد: تأويل مالك على عمرو بن العاص صحيح بين؛ لأن من تعظيم الحرم أن لا يعصى الله فيه، قال الله عز وجل: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] ، وقال: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] ، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لأن أعمل عشر خطايا بركبة أحب إلي من أن أعمل واحدة بمكة، والمعنى في ذلك بأن السيئات تضاعف فيها كما تضاعف فيها الحسنات، وقد رأى بعض العلماء تغليظ الدية في الجراح والنفس في البلد الحرام والشهر الحرام لهذا المعنى، وبالله التوفيق. [الإشارة بالرجل للعمل] في الإشارة بالرجل للعمل قيل لمالك: فإن فلانا لا يعمل وهو يشير بمن يعمل. قال: إن كان يشير برجل مأمون لا بأس بحاله فلا بأس بذلك، فقيل له: أفيطلب الرجل للرجل حتى يوليه؟ قال: إن علم فيه خيرا للمسلمين أشار بذلك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن من أشار على الإمام بتولية من لا خير في توليته للمسلمين أو من ليس بثقة ولا مأمون فقد

ما يدعو به الرجل من أسماء الله

غشه وغش المسلمين، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من غشنا فليس منا» ، وقال: «الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» ، وقد أعان على الإثم والعدوان، والله عز وجل يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وبالله التوفيق. [ما يدعو به الرجل من أسماء الله] فيما يدعو به الرجل من أسماء الله وسئل مالك: عن الرجل يقول يا الله يا رحمن يا رحيم، قال: يقول: يا رحمن يا رحيم فيقول بالله، قال: يقول: اللهم أبين، ويدعو بما دعت به الأنبياء. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في جواز الدعاء بـ "يا الله" ويا رحمن ويا رحيم؛ لأن الله من أسماء الله العظام، وقد قيل فيه: إنه اسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، والرحمن اسم من أسمائه المختصة به، والرحيم اسم من أسمائه التي سمى بها نفسه في كتابه، إلا أن الدعاء بـ "يا رحمن يا رحيم" غير بين، لما ذكرناه من أنهما من أسمائه التي قد أجمعت الأمة على تسميته بها لتسمية الله عز وجهه نفسه بها في كتابه العزيز. و"اللهم" بمنزلة "الله"؛ لأن الميم زيدت في اسم الله عوض "يا" النداء المحذوفة من أوله تعظيما له بذلك، وقد جاء القرآن بذلك، قال الله عز

وجل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26] الآية، وقال: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: 114] ، وقال: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} [الأنفال: 32] ، وقال: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ} [الزمر: 46] ، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ، وكان من دعائه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: «اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد ... » الحديث. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت » الحديث، والسنن في هذا أكثر من أن تحصى، ولذا استحب مالك "اللهم" في الدعاء، وإنما كره مالك الدعاء بـ "يا سيدي ويا حنان" وبما أشبه ذلك من الأسماء لاختلاف أهل العلم في جواز تسميته بها، إذ لم ترد في القرآن ولا في السنن المتواترة، ولا أجمعت الأمة على جواز تسميته بها. وأما الدعاء بـ "يا منان" فلا كراهية فيه؛ لأنه من أسماء الله القائمة من القرآن، قال الله عز وجل: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11] ، وقد مضى هذا في رسم الصلاة الثالث من سماع أشهب من كتاب الصلاة، وبالله التوفيق.

فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

[فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه] فيما يحكى من فضائل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال مالك: كان عمر بن الخطاب لا يفرض لصبي حتى يعظم، فمر من الليل وصبي يبكي، فقال لأمه: أرضعيه، فقالت: لا يفرض له عمر، ففرض عمر بعد ذلك للمولود مائة درهم في السنة. قال محمد بن رشد: وقعت هذه الحكاية في كتاب الزكاة الثاني من المدونة، فزاد فيها: فولى عمر وهو يقول: كدت والذي نفسي بيده أن أقتله، ففرض للمنفوش من ذلك اليوم مائة درهم. وقوله في هذه الرواية: في السنة - تتميم لما وقع في المدونة، وفي هذا إشفاق عمر بن الخطاب للمسلمين وحنوه عليهم لعلمه أنه مسئول عنهم، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم» ، وقد قال عمر بن الخطاب إيمانا بهذا الحديث وتصديقا له: لو مات جمل بشط الفرات ضياعا لخشيت أن يسألني الله عنه، وبالله تعالى التوفيق. [يوم بدر وفتح مكة كان كل واحد منهما في يوم سبعة عشر من رمضان] في أن يوم بدر وفتح مكة كان كل واحد منهما في يوم سبعة عشر من رمضان قال مالك: فتحت مكة في سبعة عشر يوما من رمضان، وكان يوم بدر في سبعة عشر يوما من رمضان، كانا جميعا في رمضان. قال محمد بن رشد: فيما أخبر به مالك من هذا ما يدل على أن المعرفة بسير النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وغزواته وبعوثاته وأحواله إلى حين وفاته من

العلم الشريف الذي يحظى به صاحبه ويغبط فيه ويحمد عليه، فكانت بدر وهي أعظم المشاهد وأكثرها فضلا لمن شهدها؛ لأن الله أعز بها الدين ونصر فيها المسلمين، وأمدهم بالملائكة المسومين، وأذل بها المشركين في يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هاجر إلى المدينة فقدمها في ربيع الأول يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت منه، فأقام بها إلى أن دخلت السنة الثانية. ففي السنة الثانية في صدر صفر منها كانت غزوة ودان، ويقال لها غزوة الأبواء، وهي أول غزواته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، خرج فوادع بني ضمرة بن عبد مناة، وعقد ذلك معه سيدهم مخشي بن عمرو ثم رجع ولم يلق كيدا. وفيها بعث حمزة بن عبد المطلب في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد إلى سيف البحر من ناحية العيص فلقي أبا جهل في ثلاثمائة راكب من كفار أهل مكة فحجر بينهم مجدي بن عمرو الجهني وتوادع الفريقان، فلم يكن بينهم قتال. وفيها بعث عبيدة بن الحارث في ستين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد، فنهض حتى بلغ ابني وهي ماء بأسفل ثنية المرة من الحجاز، فلقي بها جمعا من قريش عليهم عكرمة بن أبي جهل، فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص كان في ذلك البعث، فرمى فيه بسهم، فكان أول سهم رمى به في سبيل الله، واختلف أهل السير في هذين البعثين أيهما كان قبل صاحبه.

وفيها كانت غزوة بواط، خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا. وفيها كانت غزوة العشيرة، خرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسار حتى بلغ العشيرة فوادع فيها بني مدلج، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا. وفيها كانت غزوة بدر الأولى، أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بلغ سفوان في ناحية بدر، وفاته كرز فرجع إلى المدينة. وفيها كان بعث سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين، قيل في طلب كرز بن جابر فبلغ الحرار ثم رجع. وفيها بعث عبد الله بن جحش في ثمانية من المهاجرين، منهم واقد بن عبد الله التميمي وعتبة بن غزوان، وكتب له كتابا وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، ولا يكره أحدا من أصحابه، ففعل ما أمره به، فلما فتح الكتاب وجد فيه إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها وتعلم لنا أخبارهم، فلما قرأ الكتاب قال: سمعا وطاعة، وأخبر أصحابه أنه لا يكره أحدا منهم، وأنه يمضي بمن أطاعه منهم أو وحده إن لم يطعه منهم أحد، وقال: من أحب الشهادة منكم فلينهض معي، ومن كره الموت فليرجع، فقالوا: كلنا نرغب فيما ترغب، وما منا أحد إلا سامع مطيع لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنهضوا حتى نزلوا بنخلة فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وتجارة من الشام، فيها عمرو ابن الحضرمي، وعبد الله ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة المخزوميان، وكان ذلك في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فتشاوروا في ذلك، وقالوا: إن نحن قاتلناهم هتكنا حرمة

الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اتفقوا على لقائهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي منهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، وأفلت نوفل بن عبد الله، فقدموا بالعير والأسرى، وقال لهم عبد الله بن جحش: اعزلوا مما غنمنا الخمس لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان أول خمس في الإسلام، ثم نزل القرآن: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الآية، فأقر الله ورسوله فعل عبد الله بن جحش في ذلك ورضياه وسناه للأمة إلى يوم القيامة، فكانت هذه أول غنيمة في الإسلام وأول أسير أسر فيه، وعمر بن الحضرمي أول قتيل قتل فيه، وأنكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتله في الشهر الحرام، فسقط في أيدي القوم، فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217] الآيات إلى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218] ، فأخبر الله تعالى أن القتال في الشهر الحرام كبير، وأن الكفر بالله والصد عن سبيله وإخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام أكبر عند الله من ذلك، وذلك أن المشركين عيروا أصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالقتل في الشهر الحرام، فأخبر الله عز وجل أن الذي هم عليه من الكفر أشد وأكبر من القتل في الشهر الحرام، ثم أثنى على أصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ} [الأنفال: 72] إلى قوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 70] فدل ذلك على أنه قد غفر لهم. وقد قيل: إن قتلهم لعمرو بن الحضرمي وقتالهم إنما كان في أول ليلة من رجب وآخر ليلة من جمادى، وغمد المسلمون سيوفهم حتى دخل رجب، فالله

أعلم، وقبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الفداء في الأسيرين، فأما عثمان ابن عبد الله فمات بمكة كافرا وأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى استشهد ببئر معونة، ورجع سعد وعتبة إلى المدينة سالمين. وفيها صرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة. ولما دخل رمضان منها اتصل بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن عيرا لقريش عظيمة فيها أموال لهم كثيرة مقبلة من الشام إلى مكة معها ثلاثة وأربعون رجلا من قريش رئيسهم أبو سفيان بن حرب، فندب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلمين إلى تلك العير، وأمر من كان ظهره حاضرا بالخروج، ولم يحتفل لأنه أراد العير، ولم يعلم أنه يلقى حربا، فاتصل بأبي سفيان خروج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فأرسل إلى أهل مكة مستصرخا لهم إلى نصر عيرهم، فخرج أكثر أهل مكة ولم يتخلف من أشرافهم إلا القليل، ولما أتى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الخبر بخروج نفير قريش لنصر العير، أخبر أصحابه بذلك واستشارهم فيما يعملون، فتكلم كثير من المهاجرين وتمادى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يريد ما يقول الأنصار، فبادر سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، لو استعرضت هذا البحر لخضناه معك، فسر بنا يا رسول الله على بركة الله حيث شئت. فسر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله، وقال: سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفين. ولما قرب أبو سفيان من بدر تقدم وحده حتى أتى ماء بدر، فقال لمجدي: هل أحسست أحدا؟ قال: لا، إلا أن راكبين أناخا إلى هذا التل واستقيا الماء ونهضا، فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيرهما ففته، فإذا فيه النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب، فرجع سريعا حذرا، فصرف العير عن طريقها، وأخذ طريق الساحل فنجا، وأوصى إلى قريش يخبرهم بأنه قد نجا هو والعير فارجعوا، فأتى أبو جهل، وقال: والله لا نرجع أو نرد ماء بدر ونقيم عليه ثلاثا فتهابنا العرب أبدا وسبق رسول الله

متى وقعت غزوة ذي أمر

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قريشا إلى ماء بدر، ومنع قريشا من السبق إليه مطر أنزله الله عليهم عظيم لم يصب منه المسلمين إلا ما شد لهم دهش الوادي، وأعانهم على المسير، ومشى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على موضع الوقعة، فعرض على أصحابه مصارع رءوس الكفار من قريش مصرعا مصرعا، يقول: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فما عدا واحد منهم مصرعه ذلك الذي حده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكانت الوقعة ببدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان السنة الثانية من الهجرة. وفيها كانت غزوة بني سليم، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقم بالمدينة بعد منصرفه عن بدر إلا سبعة أيام، ثم خرج بنفسه يريد بني سليم، فبلغ ماء يقال له الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال ثم انصرف ولم يلق حربا. وفيها كانت غزوة السويق، وذلك أن أبا سفيان بن حرب لما انصرف قبل بدر ندب إلى أن يغزو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخرج في مائتي راكب حتى أتى العريض في طرف المدينة فحرق أصوارا من النخل وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له وجدهما في حرث لهما، ثم كر راجعا فنفر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون في إثره وبلغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرقرة الكدر، وفاته أبو سفيان والمشركون وقد طرحوا سويقا كثيرا من أزوادهم يتخففون بذلك، فأخذه المسلمون فسميت غزوة السويق. [متى وقعت غزوة ذي أمر] وفي السنة الثالثة كانت غزوة ذي أمر في صفر، غزا رسول الله صلى

الله عليه وسلم نجدا يريد غطفان، فأقام - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنجد صفرا كله، ثم انصرف ولم يلق حربا. وفيها كانت غزوة بحران في ربيع الأول، ذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام بالمدينة ربيعا الأول، ثم غزا قريشا فبلغ بحران معدنا بالحجاز فأقام هنالك ربيعا الآخر وجمادى الأولى، ثم انصرف إلى المدينة ولم يلق حربا. وفيها كانت غزوة بني قنينقاع، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لما قدم المدينة وادعته اليهود وكتب بينه وبينهم كتابا، وألحق كل قوم بلحقائهم وشرط عليهم فيما اشترط ألا يظاهروا عليه أحدا، فنقض بنو قنينقاع من اليهود عهده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرج إليهم وحاصرهم حتى نزلوا على حكمه، فشفع فيهم عبد الله بن أبي ابن سلول، ورغب في حقن دمائهم وألح على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأسعفه فيهم، وحقن دماءهم، وهم قوم عبد الله بن سلام، وكان حصاره لهم خمس عشرة ليلة. وفيها كان البعث إلى كعب بن الأشرف، وذلك أنه لما اتصل به قتل صناديد قريش ببدر، قال: بطن الأرض خير من ظاهرها، ونهض إلى مكة فجعل يرثي كفار قريش ويحرض على قتال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وكان شاعرا، ثم انصرف إلى موضعه، فلم يزل يؤذي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالهجو والدعاء إلى خلافه ويسب المسلمين حتى آذاهم، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لكعب بن الأشرف، فإنه يؤذي الله ورسوله والمؤمنين؟ "، فقال له محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا أقتله إن شاء الله، قال: " فافعل إن قدرت على ذلك» ، فكان من خروجه إليه وتلطفه في قتله بما أذن له فيه

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من القول ما هو مذكور في السير. وفيها كانت غزوة أحد، وذلك أن كفار قريش غزته في شوال منها، وقد استمدوا بحلفائهم والأحابيش من بني كنانة، وخرجوا بنسائهم لئلا يفروا عنهن، وقصدوا المدينة فنزلوا قرب أحد على جبل على شفير الوادي بقناة مقابل المدينة، فرأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في منامه أن في سيفه ثلمة، وأن بقرا له تذبح، وأنه أدخل يده في درع حصينة، فتأولها أن نفرا من أصحابه يقتلون، وأن رجلا من أهل بيته يصاب، وأن الدرع الحصينة المدينة، وأشار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أصحابه ألا يخرجوا إليهم، وأن يتحصنوا بالمدينة، فإن قربوا منهم قوتلوا على أفواه الأزقة، ووافق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على هذا الرأي عبد الله بن أبي ابن سلول، وأبى كبراء الأنصار إلا الخروج إليهم ليكرم الله منهم من شاء بالشهادة، فلما رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عزيمتهم دخل بيته فلبس لأمته وخرج، وذلك يوم الجمعة، وندم قوم من الذين ألحوا في الخروج، وقالوا: يا رسول الله إن شئت فارجع، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل» ، فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ألف من أصحابه نحو أحد، وانصرف عنه عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس مغاضبا إذ خولف رأيه، حتى نزل الشعب من أحد من عدوة الوادي إلى الخيل، فجعل ظهره إلى أحد وبنى الناس عن القتال حتى يأمرهم، وتعبأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للقتال وهو في سبعمائة، فيهم خمسون فارسا، وكان رماة المسلمين خمسين، وقيل: إن المشركين كانوا في ثلاثة آلاف فيهم مائتا فارس، وظاهر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ بين درعين، وقاتل الناس قتالا شديدا ببصائر ثابتة، فانهزمت قريش واستمرت الهزيمة عليهم،

فلما رأى ذلك الرماة قالوا: قد هزم أعداء الله فما لقعودنا هاهنا معنى، وقد كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رتبهم خلف الجيش لئلا يأتي العدو من ورائهم، فذكرهم أميرهم أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياهم ألا يزولوا فلم يلتفتوا إلى قوله، وقالوا: قد انهزموا، ثم كر المشركون فتولى المسلمون وثبت منهم من أكرمه الله بالشهادة، وجرح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر وهشمت البيضة رأسه وأكبت الحجارة عليه حتى سقط في حفرة كان أبو عامر الراهب قد حفرها مكيدة للمسلمين، فخر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على جنبه فأخذ علي بيده واحتضنه طلحة حتى قام ونشبت حلقتان من درع المغفر في وجهه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح بثنيتيه فسقطتا فكان أهتم يزينه هتمه، ومص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من جرح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجزاه عن أمته ودينه بأفضل ما جازى به نبيا من أنبيائه عن صبره، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان الظفري، فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعينه على وجنته فردها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده وغمزها، فكانت أحسن عينيه وأصحهما، وأدرك أبي بن خلف يومئذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتناول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحربة من الحارث ابن الصمة ثم طعنه في عنقه فكر منهزما، فقال له المشركون: والله ما بك من بأس، فقال: والله لو بصق علي لقتلني، أليس قد قال: بل أنا أقتله، وقد كان أوعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقتل بمكة، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بل أنا أقتلك إن شاء الله، فمات عدو الله من ضربة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرجعه إلى مكة بموضع يقال له سوق، وكان خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشية الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من شوال، والوقيعة يوم السبت للنصف منه، وكان على ميمنته علي بن أبي طالب، وعلى

أحداث آخر السنة الثالثة من هجرة النبي عليه السلام

الميسرة المنذر بن عمرو، وعلى الرجالة الزبير بن العوام، ويقال المقداد، وعلى الرماة عبيد الله بن جبير ومعه سعد بن مالك. وسائر ما جرى في هذه الغزوة ومن استشهد فيها من المهاجرين والأنصار، وقتل فيها من الكفار - قد ذكره أصحاب السير. وفي اليوم الثاني من هذه الوقعة كانت غزوة حمراء الأسود، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر باتباع العدو، فخرج بالناس إلى موضع يدعى حمراء الأسد على ثمانية أميال من المدينة، فأقام به يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة، ولما بلغ العدو خروجه في اتباعهم فت ذلك في أعضادهم وقد كانوا هموا بالرجوع إلى المدينة فكسرهم خروجه عن ذلك وتمادوا إلى مكة. وفي رمضان من هذه السنة تزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زينب بنت خزيمة من بني عامر بن صعصعة، وهي أم المساكين، فعاشت عنده شهرين أو ثلاثة. وفي شعبان منها تزوج حفصة. وفيها تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وفيها ولد الحسن بن علي بن أبي طالب. [أحداث آخر السنة الثالثة من هجرة النبي عليه السلام] وفي السنة الرابعة في صفر منها وهو آخر السنة الثالثة من هجرة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قدم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفر من عضل والقارة، فذكروا له أنهم قد أسلموا ورغبوا أن يبعث معهم نفرا من المسلمين يعلمونهم القرآن ويفقهونهم في الدين، فبعث

معهم ستة رجال: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وخالد بن بكير الليثي، وعاصم بن ثابت بن الأقلح، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة بن عبيد، وعبد الله بن طارق حليف بني ظفر، وأمر عليهم مرثد بن أبي مرثد، فنهضوا مع القوم حتى إذا صاروا بالرجيع وهو بالهذيل بناحية الحجاز استصرخوا عليهم هذيلا وغدروا بهم، فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا والرجال قد غشوهم وبأيديهم السيوف، فأخذوا سيوفهم ليقاتلوهم فأمنوهم، فأبى مرثد بن أبي مرثد وعاصم بن ثابت وخالد بن البكير أن يقبلوا منهم، فقاتلوا حتى قتلوا، وكان عاصم منهم قد قتل يوم أحد فتيين أخوين، من بني عبد الدار فنذرت أمهما سلافة بنت سعد بن شهيد إن الله أمكنها من رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر، فرامت بنو هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلامة، فأرسل الله عز وجل دونه الدبر فحمته عنهم، فقالوا: إذا كان الليل فسيذهب الدبر، فبعث الله في الليل سيلا لم ير مثله فذهب به فلم يقدروا عليه، وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق فألقوا بأيديهم فأسروهم وخرجوا بهم إلى مكة، فلما ساروا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران، ثم أخذ سيفه وتأخر عن القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه وحملوا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فباعوهما بمكة فصلب خبيب - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالتنعيم، وهو القائل حين قدم ليصلب:

ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع في أبيات له، وهو أول من سن الركعتين عند القتل. وقال له أبو سفيان بن حرب: أيسرك يا خبيب أن محمدا عندنا بمكة نضرب عنقه وأنك سالم في أهلك؟ ... والله ما يسرني أني في أهلي وأن تصيب محمدا شوكة تؤذيه. وابتاع صفوان بن أمية زيد بن الدثنة فقتله بأبيه. وفي هذه السنة في شهر صفر منها أيضا كان بعث بئر معونة، وكان سببه أن أبا براء الكلابي من بني كلاب، ويعرف بملاعب الأسنة واسمه «عامر بن مالك قدم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعاه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال: لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك لرجوت أن يستجيبوا لك، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " إني أخشى عليهم أهل نجد "، فقال أبو براء: أنا لهم جار، فبعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنذر بن عمرو الساعدي» وهو الذي يعرف بالمعنق ليموت لقب غلب عليه، والأكثرون يقولون أعنق ليموت في أربعين رجلا، وقيل: في سبعين رجلا من خيار المسلمين، منهم شباب من الأنصار كانوا يسمون القراء، كانوا يتنحون ناحية من المدينة يحسب أهلوهم أنهم في المسجد،

ويحسب أهل المسجد أنهم في أهليهم، فيصلون من الليل حتى إذا تقارب الصبح احتطبوا الحطب واعتذبوا الماء فوضعوه على أبواب حجر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأمر على جميعهم المنذر بن عمرو، فنهضوا حتى نزلوا بئر معونة من أرض بني عامر وحرة بني سليم ثم بعثوا منها حرام بن ملحان بكتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عدو الله عامر ابن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه، وقالوا: لا نخفر أبا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا، فاستصرخ عليهم قبائل من سليم: عصية ورعل وذكوان، فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ثم قاتلوا حتى قتلوا من آخرهم إلا كعب بن زيد منهم، فإنهم تركوه وبه رمق فأرتت من بين القتلى وعاش حتى قتل في الخندق شهيدا وكان في سرحهم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الأنصار، فلما رجعا لينظرا حال قومهم وقد شعروا بأمرهم إذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال الأنصاري لعمرو ابن أمية: ما ترى؟ فقال: أرى أن تلحق برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتخبره الخبر، فقال الأنصاري: ما كنت لأرغب عن موضع قتل فيه المنذر بن عمرو، فقاتل حتى قتل، وأسر عمرو بن أمية فجز عامر بن الطفيل ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه، فقدم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد أن قتل في طريقه

رجلين كانا نزلا معه في ظل من بني عامر أو من بني سليم، وقد كان لهما من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عهد وجوار لم يعلم به، وظن أنه قد أصاب منهما ثارة من بني عامر فيما أصابوه من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما أخبر بذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لقد قتلت رجلين كان لهما مني جوار، لأدينهما» ، هذا عمل أبي براء، وقد كنت لهذا كارها، وبلغ أبا براء ما فعل عامر ابن الطفيل، فشق عليه إخفاره إياه. ولحسان بن ثابت في ذلك شعر يحرض فيه بني أبي براء على عامر بن الطفيل. وفيها في شهر ربيع الأول منها كانت غزوة بني النضير، غزاهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتحصنوا منه، فحاصرهم ست ليال وأمر بقطع النخل وإحراقها فألقوا بأيديهم وسألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكف عن دمائهم ويجليهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح، فاحتملوا كذلك إلى خيبر، ومنهم من صار إلى الشام. وممن صار منهم إلى خيبر أكابرهم كحيي بن أخطب، وسلام بن الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فدانت لهم خيبر، وقسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أموالهم بين المهاجرين إلا أنه أعطى منها أبا دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف لفقرهما، والحارث بن الصمة، وقد مضى في رسم نذر سنة، المعنى الذي من أجله خص بذلك المهاجرين دون الأنصار، ونزلت سورة الحشر في بني النضير قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر: 2]

إلى قوله: {وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [الحشر: 17] فكان إجلاء بني النضير أول الحشر في الدنيا إلى الشام، ولذلك قيل للشام أرض المحشر، وفي الحديث: «تجيء نار من قعر عدن تحشر الناس إلى الشام تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا» . وكان سبب غزوة بني النضير أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قال لعمرو بن أمية: لقد قتلت قتيلين لأدينهما خرج بنفسه إلى بني النضير مستعينا بهم في ذلك، وكانت بينه وبينهم موادعة، فتوامروا على قتله، وهموا أن يلقوا عليه صخرة في مكانه الذي كان فيه جالسا عندهم، فأعلمه الله بذلك، فخرج عنهم ولم يشعر أحد ممن معه، ونهض إلى المدينة، فلما استبطأه أصحابه وراث عليهم خبره أقبل رجل من المدينة فسألوه، فقال: لقد لقيته وقد دخل أزقة المدينة، فقام أصحابه ولحقوا به، فأخبرهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما أوحى الله إليه مما أرادت اليهود فعله، وأمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه بالتهيؤ لقتالهم وحربهم، وخرج إليهم. وفيها كانت غزوة ذات الرقاع، في جمادى الأولى منها خرج لخمس خلون من الشهر يريد بني محارب وبني ثعلبة بن غطفان حتى نزل نخلة، فلقي بها جمعا من غطفان، وتقارب الناس ولم يكن بينهم قتال، وصلى بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف، ثم انصرف، وإنما سميت ذات الرقاع؛ لأن أقدامهم

متى وقعت غزوة دومة الجندل

نقبت فكانوا يلفون عليها الخرق، وقيل: قيل لها ذات الرقاع لأنهم رقعوا راياتهم فيها، وقيل: ذات الرفاع شجرة بذلك الموضع تدعى بذات الرقاع، وقيل: بل الجبل الذي نزلوا عليه كانت أرضه ذات ألوان من حفرة وصفرة وسواد، فسموا غزوتهم ذات الرقاع لذلك، فالله أعلم، وبه التوفيق. وفيها كانت غزوة بدر الثانية في شعبان منها، وذلك أن أبا سفيان كان نادى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد: موعدنا معكم بدر في العام المقبل، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يجيبه بنعم، فخرج للميعاد المذكور، ونهض حتى أتى بدرا، فأقام هنالك ثماني ليال ينتظر أبا سفيان بن حرب، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى بلغ عسفان، ثم رجع واعتذر هو وأصحابه بأن العام كان عام جدب. وفي هذه السنة بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة من طريق العراق. [متى وقعت غزوة دومة الجندل] وفي السنة الخامسة كانت غزوة دومة الجندل، في ربيع الأول منها خرج إلى دومة الجندل، وانصرف من طريقه قبل أن يبلغ إليها، ولم يلق حربا.

وفي شوال منها كانت غزوة الخندق وكان سببها أن اليهود اجتمعوا وألبوا وخرجوا إلى مكة فدعوا قريشا إلى حرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إليهم، فأجابهم أهل مكة إلى ذلك، ثم خرج اليهود المذكورون وهم الذين حزبوا الأحزاب إلى غطفان، فدعوهم إلى ذلك فأجابوهم، فخرجت قريش يقودهم أبو سفيان، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن في فزارة والحارث بن عوف المري في بني مرة، ومسعود بن رخيلة الأشجعي في أشجع، فلما سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهم ضرب الخندق على المدينة، فأقبلت قريش ومن معها من هذه القبائل في نحو عشرة آلاف، وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد، وخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون حتى نزلوا بظهر سلع في ثلاثة آلاف، وضربوا عسكرهم والخندق بينهم وبين المشركين، فأقام بضعا وعشرين يوما، فلم يكن بينهم حرب إلا رمي بالنبل، وخرج عمرو بن عبد ود في أصحاب له، فدعا إلى المبارزة، فخرج علي فقتله، وهرب أصحابه واقتحموا الثغرة التي كانوا أجازوا الخندق فيها فرجعوا، وقتل من المسلمين يوم الخندق ستة نفر، منهم سعد بن معاذ أصابه سهم فمات بعد قريظة، وانصرفت الأحزاب عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكفى الله المؤمنين القتال. وكان سبب ذلك أن نعيم بن مسعود قدم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسلم وقال: مرني بما شئت وما عسى أن تفعل وأنت رجل واحد، فلو ذهبت فخذلت بين القوم فإن

الحرب خدعة، فذهب فخذل بين قريش وبين بني قريظة، فاختلفت كلمتهم، وبعث الله عليهم ريحا شديدة عاصفة في ليال باردة لم يبق لهم بناء إلا قلبته، ولا قدر إلا كفأته، وكان في حفر الخندق آيات بينات، وعلامات النبوءة مذكورة عند أهل السير والآثار. وفي هذه السنة كانت غزوة بني قريظة، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أصبح وقد ذهبت الأحزاب ورجع إلى المدينة ووضع الناس سلاحهم عند صلاة الظهر أتاه جبريل في صفة دحية الكلبي على بغلة عليها قطيفة. فقال لهم: إن كنتم وضعتم سلاحكم فإن الملائكة لم تضع سلاحها، والله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة، وإني متقدم إليهم ومزلزل بهم، فنادى منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من كان سامعا مطيعا فلا يصل العصر إلا في بني قريظة، فحاصرهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسا وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم أن يقتل الرجال وتقسم الأموال، وتسبى النساء والذراري، فقتل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجالهم: حيي بن أخطب وكعب بن أسد ستمائة أو سبعمائة، استنزلهم ثم قتلهم بالمدينة، واصطفى من نسائهم عمرة بنت قحافة، ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة وهي نباتة امرأة الحكم القرظي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتله. وروي عن عائشة أنها قالت: إن كانت لعندي تضحك وتحدث ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقتل رجالهم؛ إذ هتف هاتف: أين فلانة؟ قالت: أنا والله مقتولة، قلت: ويلك لم؟ قالت: لحدث أحدثته، فانطلق بها فضربت عنقها.

ولما انقضى شأن الخندق وقريظة تذاكرت الخزرج من في العداوة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كابن الأشرف الذي قتله محمد بن مسلمة، حتى لا تنفرد الأوس دوننا بمثل تلك المنقبة، فذكروا ابن أبي الحقيق، واستأذنوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قتله، فأذن لهم، فخرجوا إليه خمسة نفر من الخزرج كلهم من بني سلمة، وهم عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن أنس، ومسعود بن سنان، وأبو قتادة بن ربعي، وخزاعي بن أسود حليف لهم، وطرقوه في بيته بخيبر ليلا فقتلوه، وقدموا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على المنبر، فقال: أفلحت الوجوه، فقالوا: أفلح وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «قال: أقتلتموه؟ قالوا: نعم، قال: ناولوني السيف، فسله فقال: أجل، هذا طعامه في ذباب السيف» . وروي أنهم تداعوا في قتله، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هاتوا أسيافكم» ، فأروه إياها، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن سيف عند عبد الله بن أنس: «هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام» ، وقد كانوا لما تعاوروه بأسيافهم صاحت امرأته، فخرج أهل الآطام وأوقدوا النيران، فخرجوا وهم لا يوقنون بموته، فرجع أحدهم فدخل بين الناس، فسمع امرأته تقول: والله لقد سمعت صوت ابن عتيك، ثم قلت: أنى بابن عتيك بهذه البلاد، قال: ثم إنها نظرت في وجهه، فقالت: فاض وإله يهود.

غزوة بني لحيان

[غزوة بني لحيان] وفي السنة السادسة كانت غزوة بني لحيان، خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شهر جمادى الأولى منها إلى بني لحيان مطالبا بثأر عاصم ابن عدي وأصحابهما المقتولين بالرجيع، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال، فتمادى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مائتي راكب حتى نزل عسفان وبعث - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم، ثم كرا ورجع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قافلا إلى المدينة. وفي هذه الغزوة قالت الأنصار: إن المدينة خالية منا وقد بعدنا عنها، ولا نأمن عدونا أن يخالفنا إليها فأخبرهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن على أنقاب المدينة ملائكة، على كل نقب منها ملك يحميها بأمر الله تعالى عز وجل. وفي هذه السنة كانت غزوة ذي قرد، ولما رجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غزوة بني لحيان لم يقم بالمدينة إلا ليالي، وأغار على سرح المدينة عيينة بن حصن في بني عبد الله بن غطفان، فاقتسموا لقاحا كانت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وسلم بالغابة وناقته العضبا، وكان فيها رجل من بني غفار وامرأة له، فقتلوا الغفاري وحملوا المرأة واللقاح، وكان أول من أنذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي، كان ناهضا إلى الغابة، فلما علا على ثنية الوداع نظر إلى خيل الكفار فصاح وأنذر المسلمين ثم نهض في آثارهم فأبلى بلاء عظيما ورماهم بالنبل حتى استنقذ أكثر ما في أيديهم، ووقعت الصحية بالمدينة، وجاء الناس إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وأول من جاء منهم المقداد بن الأسود، ثم خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فرس لأبي طلحة، وقال: إن وجدته لبحرا وانهزم المشركون، وبلغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماء يقال له ذو قرد، فأقام على ذلك الماء يوما وليلة، ولما قام القوم يوما وليلة قامت امرأة الغفاري المقتول، فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا حتى أتت العضبا، فإذا ناقة ذلول، فركبتها ونذرت إن أنجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة عرفت ناقة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فأخبر بذلك، فأرسل إليها فجيء بها والمرأة، فقالت: يا رسول الله، نذرت إن أنجاني الله عليها أن أنحرها، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بئس ما جزيتها، لا وفاء في نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم» ، وأخذ ناقته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وفي شعبان من هذه السنة غزا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بني المصطلق، وأغار عليهم وهم غازون على ماء يقال له المريسيع من ناحية قديد بما يلي الساحل، فقتل من قتل وسبى النساء والذرية، وقد قيل: إنهم جمعوا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأرادوه، فلما بلغه ذلك خرج إليهم فلقيهم على ماء يقال له المريسيع، فاقتتلوا فهزمهم الله، والقول الأول أصح أنه أغار عليهم وهم غارون. ومن ذلك السبي كانت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق، وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها فأدى عنها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتابتها وأعتقها وتزوجها، قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: وما رأيت أعظم بركة على قومها منها، ما هو إلا أن علم المسلمون أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوجها وأعتقوا كل ما في أيديهم من سبي المصطلق، وقالوا: أصهار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأسلم سائر بني المصطلق. وفي هذه الغزاة قال عبد الله بن أبي ابن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. وَبَلَّغَ زيدُ بن أرقم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقالة عبد الله بن أبي ابن سلول، فأنكرها ابن أبي، فأنزل الله عز وجل سورة المنافقين، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لزيد بن أرقم: «وفت أذنك يا

غلام» وأخذ بأذنه، وتبرأ عبد الله بن عبد الله بن أبي من فعل أبيه، وأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، أنت والله العزيز، وهو الذليل، أو قال: أنت الأعز وهو الأذل وإن شئت لتخرجنه من المدينة. وقال سعد بن عبادة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا رجل يحمله حسده على النفاق فدعه إلى عمله، فقد كاد قومه على أن يتوجوه بالخرز قبل قدومك المدينة ويقدموه على أنفسهم، فهو يرى أنك نزعت ذلك منه، وقد خاب وخسر إن كان يضمر خلاف ما يظهر، وقد أظهر الإيمان فكله إلى ربه. وقال عبد الله بن عبد الله: يا رسول الله بلغني أنك تريد من قتل أبي، فإن كنت تريد ذلك فمرني بقتله فوالله لئن أمرتني بقتله لأقتلنه، وإني أخشى إن قتله غيري أن لا أصبر عن طلب فأقتل مسلما فأدخل النار وقد علمت الأنصار أني أبر أبنائها بأبيه، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيرا، ودعا له، وقال: «بر أباك ولا يرى منك إلا خيرا» . وفي هذه الغزاة، قال أهل الإفك في عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، ونزل القرآن ببراءتها. وقد قيل في هذه الغزاة: إنها كانت قبل الخندق وقريظة، والصواب أنها كانت بعدها، ثم بعث رسول الله صلى الله

عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد إسلامهم بأكثر من عامين - الوليد بن عقبة بن أبي معيط مصدقا لهم، فخرجوا ليتلقوه ففزع منهم وظن أنهم يريدونه بسوء، فرجع عنهم وأخبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم ارتدوا ومنعوا الزكاة وهموا بقتله، فتكلم المسلمون في غزوهم، فبينا هم كذلك إذ قدم وافدهم منكرا لرجوع مصدقهم عنهم دون أن يأخذ صدقاتهم وأنهم إنما خرجوا إليه مكرمين، فأكذبه الوليد بن عقبة، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] يعني الوليد بن عقبة، {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6] . وفي هذا العام كانت غزوة الحديبية، خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذي القعدة منها معتمرا واستنفر الأعراب الذين حول المدينة، وخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعه من العرب وجميعهم نحو ألف وأربعمائة أو ألف وخمسمائة، وساق معه الهدي. وأحرم بعمرة ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب، فلما بلغ خروجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قريشا خرج جميعهم صادين له عن المسجد الحرام ودخول مكة، وأنه إن قاتلهم قاتلوه دون ذلك، وقدموا خالد بن الوليد في خيل إلى كراع الغميم، فورد الخبر بذلك على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بعسفان فسلك طريقا يخرج وراء ظهورهم فخرج إلى الحديبية من أسفل مكة، ولما وصل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الحديبية بركت ناقته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال الناس: خلأت، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما خلأت ولا هو لها بخلق،

ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تدعوني اليوم قريش إلى خطة يسألوني فيها صلة رحم إلا أعطيتهم إياها» ، ونزل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هناك، وجرت السفراء بينه وبين كفار قريش، وطال التراجع بينهم إلى أن جاء سهيل بن عمرو العامري، فقاضاه على أن ينصرف عامه ذلك، فإذا كان من العام المقبل أتى معتمرا، ودخل مكة بلا سلاح إلا السيوف في قرابها، فيقيم بها ثلاثا ويخرج، وعلى أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام يتداخل الناس فيها ويأمن بعضهم بعضا، وعلى أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلما رد إليهم، ومن جاء من المسلمين إليهم مرتدا لم يرد إليهم، فشق ذلك على المسلمين، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصبروا فإن الله يجعل هذا الصلح سببا إلى ظهور دينه» ، فأنس الناس إلى قوله واطمأنت له نفوسهم وأبى سهيل بن عمرو أن يكتب في كتاب الصلح بذلك محمد رسول الله، وقال: لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، وقد كان علي بن أبي طالب كاتبه، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «امحه، فقال: والله لا أمحو اسمك، فقال: أرني إياه، فأراه فمحاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكتب محمد بن عبد الله» وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد بعث عثمان بن عفان قبل الصلح إلى مكة رسولا، فأخبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أهل مكة قتلوه، فدعا رسول إليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلمين إلى المبايعة على قتال أهل مكة، قيل: على الموت، وقيل: على أن لا يفروا، وهي بيعة الرضوان تحت الشجرة التي قال الله فيها: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] ،

إلى قوله: {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18] يريد فتح مكة {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 19] يريد ما غنموا بخيبر، وضرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيمينه على شماله لعثمان، فهو من أهل بيعة الرضوان، وكان قد جاء من قريش نحو السبعين أو الثمانين للإيقاع بالمسلمين وانتهاز الفرصة في أطرافهم، والسفراء يمشون بينهم في الصلح، ففطن لهم المسلمين فخرجوا إليهم فأسروهم، وجاءوا بهم إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأطلقهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فهم الذين يسمون العتقاء، وإليهم ينسب العتقيون. ولما كمل الصلح بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين، فنحروا وحلقوا، وقد كانوا توقفوا عن النحر والحلق إذ أمرهم به، فلما رأوه قد نحر وحلق تتابعوا في ذلك وتسابقوا إليه، ودعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة. ولما رجع إلى المدينة رد بالشرط من جاء من الرجال مسلما، وأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] إلى آخر السورة، فلم يرد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جاء من النساء مسلمات، وقد بينا في أول سماع ابن القاسم من كتاب التجارة إلى أرض الحرب هذا المعنى بيانا شافيا، وبالله تعالى التوفيق.

أحداث السنة السابعة من الهجرة

[أحداث السنة السابعة من الهجرة] وفي السنة السابعة كانت غزوة خيبر، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما انصرف من الحديبية أقام بالمدينة ذا الحجة، وخرج في المحرم إلى خيبر، وافتتحها في صفر، ورجع في غرة ربيع الأول، وكانت حصونا كثيرة، فافتتحها حصنا حصنا، فكان أول حصونهم افتتح حصن ابن أبي الحقيق، ومن سباياه كانت صفية بنت حيي بن أخطب، كانت تحت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أصابها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وابني عم لها، فقيل: إنه أعطاها لدحية بن خليفة الكلبي ثم ابتاعها منه بسبعة أرؤس، وقيل: إنه كان سأله إياها، فلما اصطفاها لنفسه أعطاها ابني عمها وجعلها عند أم سليم حتى اعتدت وأسلمت، ثم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها، فمن أهل العلم من جعل ذلك خصوصا للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كالموهوبة، ومنهم من جعل ذلك خصوصا للنبي سنة لمن شاء من أمته، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح. ولما وقف إلى بعض حصونهم امتنع عليه فتحه ولقوا فيه شدة، فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه"، فلما أصبح دعا عليا وهو رمد فتفل في عينيه، ثم قال: "خذ الراية وامض بها حتى يفتح الله على يديك» فلما دنا من الحصن خرج أهله إليه فقاتلهم فضربه رجل من اليهود، فألقى ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه، فلم يزل في يديه وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده، قال ابن رافع مولى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - راوي

الحديث: فلقد رأيتني في نفر معي سبعة وأنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه. وآخر ما افتتح من حصونهم الوطيح والسلالم، حاصرهم بضع عشرة ليلة، فسألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يسيرهم ويحقن دماءهم ففعل، فقيل في هذين الحصنين: إنهما افتتحا بصلح فلم يكن فيهما خمس، ولا كان لأحد فيها مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيء، فقطع منها لأزواجه، وكذلك الكتيبة، قيل فيها: إنها كانت صلحا صافية لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبني النضير وفدك، وقيل: إنها كانت عنوة كلها، وإلى هذا ذهب ابن عبد البر، فقال: الصحيح أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمس أرض خيبر كلها، وقسمها بين من شهد الغزاة، وهم أهل الحديبية؛ لأن أرض ذينك الحصنين مما غلب عليهم المسلمون كسائر أرض خيبر، وإنما كان الصلح في الرجال والذرية والعيال، وقد مضى القول في قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرض خيبر، وفي حكم الأرض المفتتحة عنوة عند العلماء، واختلافهم في ذلك مستوفى في سماع أشهب من كتاب الجهاد. ولما افتتحت خيبر ولم يقدر أهلها على عمارتها وعملها أقر اليهود فيها على العمل في النخل والأرض، وقال لهم: «أقركم ما أقركم الله» ، ثم أذن الله له في مرضه الذي توفي فيه بإخراجهم، فقال: «لا يبقين دينان بأرض العرب» ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أخرجوا اليهود والنصارى من أرض الحجاز» ، ولم يكن

بقي بها يومئذ مشرك وثني ولا بأرض اليمن أيضا إلا أسلم في سنة تسع وسنة عشر، فلما بلغ عمر بن الخطاب في خلافته قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أخرجوا اليهود والنصارى من أرض العرب» أجلاهم منها، وأخذ المسلمون سهامهم من خيبر فتصرفوا فيها تصرف المالكين. وفي غزاة خيبر هذه حرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحمر الأهلية. وفيها أهدت اليهودية زينب بنت سالم بن مشكم لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشاة المصلية وسمت له منها الذراع، وكان أحب اللحم إليه، فلما تناول الذراع لفظها ورمى بها وقال: هذا العظم يخبرني أنه مسموم ودعا باليهودية، فقال: ما حملك على هذا؟ فقالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا وعلمت أن الله إن أراد بقاءك أعلمك، فلم يقتلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأكل معه من الشاة بشر بن البراء بن مغرور فمات من أكلته تلك. وكان المسلمون يوم خيبر ألفا وأربعمائة رجل ومائتي فارس. وفي هذه السنة كان فتح فدك، وذلك أنه لما اتصل بأهلها ما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأهل خيبر بعثوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ذلك، فكانت فدك مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب مما أفاء الله عليه بما نصره من الرعب به فلم يقسمها

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووضعها حيث أمره الله عز وجل. قال ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب: كان لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صفايا بني النضير وخيبر وفدك. وفي هذه السنة أيضا كان فتح وادي القرى، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انصرف من خيبر إليها فافتتحها عنوة وقسمها وأصيب بها غلام له أسود يسمى مرغم أصابه سهم غرب فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كلا إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا» . وفي هذه السنة أيضا كانت عمرة القضاء، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجع من خيبر إلى المدينة، فأقام بها شهر ربيع وشهر جمادى ورجب وشعبان ورمضان وشوال. وبعث في خلال ذلك السرايا. من ذلك غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من مشارف الشام في بلي وسعد الله ومن يليهم قضاعة فخاف

عمرو بن العاص من ناحية الذي هو به، فبعث إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستمده، فندب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المهاجرين الأولين، فانتدب فيهم أبو بكر وعمر في سراة من المهاجرين وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجرح، فأمد بهم عمرو بن العاص، فلما قدموا على عمرو، قال: أنا أميركم، وإنما أرسلت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أستمده فأمدني بكم، قال المهاجرون: بل إنما أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين، فقال عمرو: إنما أنتم مدد أمددت بكم، فلما رأى ذلك أبو عبيدة، وكان رجلا حسن الخلق لين الشكيمة متبعا لأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعهده، قال: تعلم يا عمرو أن آخر ما عهد إِلَيَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا، وإنك والله لئن عصيتني لأطيعنك، فسلم أبو عبيدة الإمارة لعمرو بن العاص. ثم خرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذي القعدة قاصدا إلى مكة للعمرة على ما عاقد عليه قريشا في الحديبية، فلما اتصل ذلك بقريش خرج أكابرهم من مكة عداوة لله ولرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يقدروا على الصبر في رؤيته يطوف بالبيت هو وأصحابه، فدخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة وأتم الله له عمرته، وقعد بعض المشركين بقيقعان ينظرون إلى المسلمين وهم يطوفون بالبيت، فأمرهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرمل ليروا المشركين أن بهم جلدا وقوة، وكان المشركون قالوا في

أحداث السنة الثامنة من الهجرة

المهاجرين قد وهنهم حمى يثرب. وتزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرته تلك ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية، قيل: قبل أن يحرم بعمرته، وقيل: وهو محرم بها، وقيل: بعد أن حل منها، فلما تمت الثلاثة الأيام أوصت إليه قريش أن يخرج عن مكة، ولم يمهلوه أن يبني بها، فخرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبنى بها في سرف. [أحداث السنة الثامنة من الهجرة] في السنة الثامنة كانت غزوة مؤتة، بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جمادى الأولى منها بعث الأمراء إلى الشام وأمر على الجيش زيد بن حارثة مولاه، وقال: إن قتل، أو قال: إن أصيب فعلى الناس جعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، وشيعهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وودعهم، ثم انصرف، ونهضوا، فلما بلغوا مغار من أرض الشام أتاهم الخبر بأن هرقل ملك الروم نزل في ناحية البلقاء من لخم وجذام وقبائل قضاعة، فأقام المسلمون في معان، وقالوا: نكتب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نخبره بعدد عدونا فيأمرنا بأمره أو يمدنا، فقال لهم عبد الله بن رواحة: يا قوم إن التي تطلبون قد أدركتموها، يعني الشهادة، وما يقاتل الناس بعدد ولا قوة، ولا نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله

به، فانطلقوا فهي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة، فوافقه الجيش كله على هذا الرأي، ونهضوا حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقوا الجموع التي ذكرنا كلها مع هرقل، إلى جنب قرية يقال لها مشارف. وصار المسلمون في قرية يقال لها مؤتة، فجعل المسلمون على ميمنتهم قطنة بن قتادة العذري، وعلى الميسرة عباية بن مالك الأنصاري، وقيل: عبادة بن مالك، واقتتلوا، فقتل الأمير الأول زيد بن حارثة ملاقيا بصدره الرماح مقبلا غير مدبر، والراية في يده، فأخذها جعفر بن أبي طالب ونزل عن فرس له شقراء، وقيل: إنه عرقبها وعقرها، فقاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله فقطعت، فاحتضن الراية، فقتل وهو كذلك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وسنه ثلاث وثلاثون أو أربع وثلاثون، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة، وتردد عن النزول بعض التردد ثم صمم فقاتل حتى قتل، فأخذ الراية ثابت بن أقوم أخو بني العجلان، وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت، قال: لا، فدفع الراية إلى خالد بن الوليد، وقال: أنت أعلم بالقتال مني، فأخذها خالد بن الوليد، وانحاز بالمسلمين، وأنذر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه بالمدينة يخبرهم في يوم قتلهم قبل ورود الخبر بيومين. وفي هذه السنة كانت غزوة فتح مكة، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام بالمدينة بعد بعث مؤتة جمادى ورجب،

ثم حدث الأمر الذي أوجب نقض العهد لقريش المعقود يوم الحديبية، وذلك أن خزاعة كانت في عقد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤمنها وكافرها، وكانت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة في عقد قريش، فعدت بنو بكر بن عبد مناة على قوم من خزاعة خرج نوفل بن معاوية فيمن أطاعه من بني بكر بن عبد مناة حتى بيتت خزاعة ونالت منهم، واقتتلوا، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح وقوم منهم بأنفسهم مستخفين بذلك، فانهزمت خزاعة إلى الحرم، فقال قوم نوفل ابن معاوية لنوفل: يا نوفل اتق إلهك ولا تستحل الحرم ودع خزاعة، فقال: لا إله لي اليوم، والله يا بني كنانة إنكم لتسرفون في الحرم، أفلا تدركون فيه ثأركم؟ فقتلوا رجلا من خزاعة يقال له منبه، ودخلت خزاعة دور مكة في دار بديل ابن ورقاء الخزاعي ودار مولى لهم يقال له رافع، فكان ذلك نقضا للصلح، فقدم بديل بن ورقاء وقوم من خزاعة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستغيثين به فيما أصابهم به بنو بكر بن عبد مناة وقريش، فأجابهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى نصرهم، وقال: «لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب» ، ثم نظر إلى سحابة، فقال: «إنها لتستهل بنصر بني كعب» يعني خزاعة، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبديل بن ورقاء ومن معه: «إن أبا سفيان سيأتي ليشد العقد ويزيد في مدة الصلح وينصرف بغير حاجة» ، وقدمت قريش على ما فعلت، فقدم أبو سفيان المدينة ليشد العقد ويزيد في المدة، ثم أتى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في المسجد وكلمه فلم يجبه، فسعى في أن يستشفع إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيما قدم له بابنته أم المؤمنين أو أبى بكر أو بعمر بن الخطاب، فلم يجبه أحد منهم إلى ذلك، وقال له عمر: أنا أفعل ذلك؟

والله لو لم أجد إلا الدرة لجاهدتكم بها، وقال له علي بن أبي طالب هازلا به: أنت سيد بني كنانة، فقم فأجر على الناس والحق بأرضك، فقال له: يا أبا الحسن، أترى ذلك نافعي أو مغنيا عني؟ قال: ما أظن ذلك، ولكن لا أجد لك سواه، فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس، إني قد أجرت على الناس، ثم ركب وانطلق راجعا إلى مكة، فلما قدمها أخبر قريشا بما لقي وبما فعل، فقالوا له: ما جئت بشيء وما زادك علي بن أبي طالب على أن لعب بك، ثم أعلن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسير إلى مكة وخرج في عشرة آلاف، وكان خروجه لعشر خلون من رمضان، وقد أخفى الله خبرهم عن قريش، فخرج أبو سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام يتحسسون الأخبار، وقد كان العباس بن عبد المطلب هاجر مسلما تلك الأيام، فلقي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذي الحليفة، فبعث ثقله إلى المدينة، وانصرف مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غازيا، فهو من المهاجرين قبل الفتح، ولما نزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجيوش مر الظهران رقت نفس العباس لقريش وأسف على ذهابها وخاف أن تغشاهم الجيوش قبل أن يستأمنوا، فركب بغلة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونهض حتى أتى الأراك وهو يطمع أن يلقى حطابا واحدا يأتي مكة، فلينذرهم، فبينما هو يمشي إذ هو سمع صوت أبي سفيان بن حرب وبديل بن ورقاء، وهما يتساءلان، وقد رأيا نيران عسكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلما سمع العباس كلامه ناداه،: أبا حنظلة، فميز أبو سفيان كلامه فناداه: أبا الفضل، فقال: نعم، فقال: فداك أبي وأمي، فقال له العباس: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الناس،

واصباح قريش، فقال أبو سفيان: فما الحيلة؟ قال: والله إن ظهر بك ليقتلنك، فارتدف خلفي وانهض معي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فارتدفه العباس على بغلة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمسك ومر على نار عمر، فميزه، فقال: أبو سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسبقه العباس فدخل ودخل عمر على إثره، فقال: يا رسول الله، هذا عدو الله أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عقد ولا عهد، فأذن لي فيه أضرب عنقه، فقال العباس: يا رسول الله قد أمنته وأجرته فأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يحمله إلى رحله ويأتيه به صباحا، ففعل العباس ذلك، فلما أصبح أتى به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله» ، فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وما أكرمك وما أوصلك، والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني، قال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال: بأبي وأمي أنت، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه ففي النفس منها شيء حتى الآن، فقال له العباس: ويحك أسلم قبل أن تضرب عنقك، فأسلم، فقال العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا يفخر به، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن» ، فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة إلا من استثنى وهم عبد الله العذوي بن خطل، وعبد الله بن

سعد بن أبي سرح وعكرمة بن أبي جهل والحويرث بن نقير بن وهب ومقيس بن صبابة وقينتا ابن خطل فرتنا وصاحبتها كانتا تغنيان ابن خطل بهجو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب والأسباب التي من أجلها استثناها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مذكورة في السير. ولذلك قال جماعة من أهل العلم منهم الشافعي: إن مكة مؤتمنة ليست عنوة، والأمان كالصلح، ورأى أن أهلها مالكون رباعهم يجوز لهم كراؤها وبيعها وشراؤها؛ لأن من أمن قد حرم ماله ودمه، فمكة مؤمنة عند من قال بهذا القول إلا الذين استثناهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأمر بقتلهم، وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة. وأكثر أهل العلم يرون فتح مكة عنوة لأنها أوجف عليها بالخيل والركاب، إلا أنها مخصوصة بأن لم يجر فيها قسم ولا غنيمة ولا سبي من أهلها أحد. وخصت بذلك لما عظم الله من حرمتها. ومنهم من يرى أنها إنما خصت بأن لا يسبى أهلها، وأما دورها فمغنومة لا يجوز بيعها ولا كراؤها. والأصح أنها بلدة مؤمنة أمن أهلها على أنفسهم فكانت

أموالهم تبعا لهم، ألا ترى إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مكة حرام محرم لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار» ، ولا خلاف أنه لم يكن فيها غنيمة، فالإجماع على ذلك يقضي بصحة قول من أجاز بيع دورها وكراءها، إذ لا فرق بين الأموال والرباع. وأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يوقف أبو سفيان بخطم الوادي ليرى جيوش الله تعالى، ففعل العباس ذلك وأراه القبائل قبيلة قبيلة إلى أن جاء مركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المهاجرين والأنصار كلهم في الدروع والبيض، فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المهاجرين والأنصار، فقال: والله ما لأحد بهؤلاء قبل، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما، فقال العباس: يا أبا سفيان، إنها النبوءة، قال: نعم إذا تم، قال له العباس: يا أبا سفيان النجاء إلى قومك، فأسرع أبو سفيان فأتى مكة فعرفهم بما أحاط بهم، وأخبرهم بتأمين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من دخل داره أو المسجد ودار أبي سفيان ... قوم ليقاتلوا، فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرتب الجيوش، وجعل الزبير على الميمنة وخالد بن الوليد على الميسرة، وأمر الزبير بالدخول من كداء في أعلى مكة، والوليد ابن الليط أسفل مكة، وجعل الراية بيد سعد بن عبادة، فكان من قوله: اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة، فقال له العباس: يا رسول الله

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هلكت قريش، لا قريش بعد اليوم، إن سعد بن عبادة قال كذا وكذا، إنه حنق على قريش، ولا بد أن يستأصلهم، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تنزع الراية من يد سعد بن عبادة، وتدفع إلى علي، وقيل: بل إلى الزبير، وقيل: بل إلى ابنه قيس بن سعد لئلا يجد في نفسه سعد شيئا، وأمرهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتال من قاتلهم، وكان عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وقد جمعوا جمعا بالحندمة ليقاتلوا فناوشهم أصحاب خالد، فأصيب من المسلمين رجلان، ومن المشركين ثلاثة عشر رجلا، ثم انهزموا، ولهذا قال من قال من أهل العلم: إن مكة افتتحت عنوة؛ إذ هذا هو حكم العنوة. ولما دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة طاف بالكعبة وأخذ مفتاحها من عثمان بن طلحة، فدخلها وصلى فيها، ثم خرج ورد المفتاح إلى عثمان بن طلحة وأبقى له حجابة البيت، وقال: خذوها تالدة إلى يوم القيامة، وأمر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بكسر الصور التي داخل الكعبة وخارجها وحولها، وكسر الأصنام التي حول الكعبة وبمكة كلها، وكانت الأصنام مشدودة بالرصاص، فكان يشير إليها بقضيب في يده، فكلما أشار إلى واحد منها خر لوجهه، وكان يقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] ، وأذن له بلال على ظهر الكعبة، وخطب ثاني يوم الفتح خطبته المشهورة المعروفة، ثم بعث - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السرايا حول الكعبة يدعو إلى الإسلام، ولم يأمرهم بقتال، وكان أحد أمراء تلك السرايا خالد بن الوليد، خرج إلى بني جذيمة فقتل

منهم وسبى، وقد كانوا أسلموا فلم يقبل خالد قولهم وإقرارهم بالإسلام، فوداهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعث علي بن أبي طالب بمال إليهم فودى لهم جميع قتلاهم، ورد إليهم ما أخذ لهم، وقال لهم علي بن أبي طالب: انظروا إن فقدتم عقالا أديته، بهذا أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكان فتح مكة فيما قاله مالك في هذه الرواية في سبعة عشر يوما من رمضان، وقد قيل: إن فتحها كان لعشر بقين من رمضان، سنة ثمان من الهجرة كما ذكرناه. وفي هذه السنة كانت غزوة حنين، وذلك أن هوازن لما بلغهم فتح مكة جمعهم مالك بن عوف النصري، فاجتمع إليه قومه من بني نصر وبنو جشم وبنو سعد وثقيف وطائفة من بني هلال بن عامر وحملت بنو جشم مع أنفسهم شيخهم وكبيرهم دريد بن الصمة، وهو يومئذ شيخ كبير لا ينتفع به في غير رأيه، فحملوه في هودج لضعف جسمه، وكانت الرياسة في جميع العسكر إلى مالك بن عوف النصري، فحشر الناس وساق مع الكفار أموالهم وماشيتهم ونساءهم وأولادهم، وزعم أن نفوسهم تُحْمَى بذلك وأن شوكتهم تشتد به، فنزلوا بأوطاس، فقال لهم دريد بن الصمة: ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير وثغاء الشاة؟ قالوا: ساق ذلك مالك مع الناس ليقاتلوا عنهم، فقال لهم دريد: راعي ضأن والله، وهل يرد المنهزم شيء يا مالك؟ إنه إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسلاحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. وأخبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما شاهد منهم فعزم

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قصدهم، واستعار من صفوان بن أمية دروعا، قيل: مائة، وقيل: أربعمائة، وخرج في اثني عشر ألفا من المسلمين، منهم عشرة آلاف صحبوه من المدينة، وألفان من مسلمة الفتح، إلى ما انضاف إليه من الأعراب من بني سليم وبني كلاب وغيرهم، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد، ونهض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أتى وادي حنين، وهو من أودية تهامة، وقد كانت هوازن قد كمنت في جنبتي الوادي، وذلك في غبش الصبح فحملت على المسلمين حملة رجل واحد، وثبت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وثبت معه أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأبو سفيان ابن الحارث وابنه جعفر بن أبي سفيان، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بغلته الشهباء، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «يا أيها الناس إلى أين؟ أيها الناس أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله» وأمر العباس وكان جهير الصوت أن ينادي: يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة، يا معشر المهاجرين، يا آل الخزرج، كانت الدعوة أولا يا آل الأنصار، ثم خصصت آخرا بآل الخزرج؛ لأنهم كانوا أصبر عند القتال على ما ذكر، فلما ذهبوا ليرجعوا كان الرجل منهم لا يستطيع أن ينفذ بعيره لكثرة الأعراب المنهزمين فكان يلبس درعه، ويأخذ سيفه ومجنه ويقتحم عن بعيره ويكر راجعا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى إذا اجتمعوا حواليه مائة رجل أو نحوهم استقبلوا هوازن بالضرب، واشتد الحرب وكثر الطعن والجلاد، فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ركائبه، ونظر إلى مجتاد القوم، فقال: الآن قد حمي الوطيس، وضرب علي ابن أبي طالب

عرقوب جمل صاحب الراية أو فرسه فصرعه، ولحق به رجل من الأنصار فاشتركا في قتله، وأخذ الراية علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقذف الله عز وجل في قلوب هوازن الرعب حين وصلوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ واجههم وواجهوه صاح بهم صيحة ورمى في وجوههم بالحصى فلم يملكوا أنفسهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] ، قال بعض من أسلم من المشركين ممن شهد حنينا، وقد سئل عن يوم حنين: لقينا المسلمين فما لبثنا أن هزمناهم واتبعناهم حتى أتينا إلى رجل راكب على بغلة بيضا، فلما رآنا زجرنا زجرة وانتهرنا وأخذ بكفه حصى أو ترابا، فرمى به، وقال: «شاهت الوجوه» ، فلم تبق عين إلا دخلها من ذلك، وما ملكنا أنفسنا أن رجعنا على أعقابنا، وما استوفى رجوع المسلمين إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا وأسرى هوازن بين يديه، واستحر القتل في بني مالك، فقتل منهم خاصة يومئذ سبعون رجلا منهم، ورئيسهم والخمار، وأخوه عثمان ابنا عبد الله بن ربيعة، وأدرك ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة فقتله، وقيل: إنه أسر، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتله لمشاهدته الحرب وموضع رأيه فيها، ولما انقضى القتل نادى منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» ، وكانت وقعة هوازن يوم حنين في أول شوال من السنة، وترك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم الغنائم من الأموال والنساء

والذراري فلم يقسمها حتى أتي الطائف. وفي هذه السنة كانت غزوة الطائف، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انصرف من حنين إلى الطائف ولم ينصرف إلى مكة ولا عرج على شيء إلا على غزو الطائف قبل أن يقسم غنائم حنين وقبل كل شيء، فسلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طريقه إلى الطائف على الجعرانة أخذ على قرن وابتنى في طريقه ذلك مسجدا وصلى فيه، ووجد في طريقه ذلك حصنا لمالك بن عوف النصري فأمر بهدمه، ثم نزل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقرب الطائف بواد يقال له العقيق، فتحصنت ثقيف، وحاربهم المسلمون، وحصن ثقيف لا مثل له في حصون العرب، فأصيب من المسلمين رجال بالنبل، فزال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من ذلك المنزل إلى موضع المسجد المعروف اليوم، فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة، وقيل: بضع عشرة ليلة، وقيل: عشرين يوما، وأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنصب المنجنيق على الطائف ورماهم به، ونزل قوم من تحت الربابات من سور الطائف فرارا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فصب عليهم أهل الطائف سكك الحديد المحماة، ورموهم بالنبل، فأصابوا منهم قوما، ونجى آخرون، منهم أبو بكرة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعبيد بن عبيد. أهل الطائف منهم الأزرق والد نافع بن الأزرق الخارجي المنسوب إليه الأزارقة. وأمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقطع أعناب أهل الطائف إلا

قطعة عنب كانت للأسود بن مسعود ولابنه في ماله، وكانت تبعد عن الطائف، وسأله الكف عنها، فكف عنها. «ولما انصرف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الطائف إلى الجعرانة على مقربة من حنين وقسم الغنائم هناك أتاه وفد هوازن مسلمين راغبين في العطف عليهم والإحسان إليهم، فقال لهم: " قد كنت استأنيت بكم وقد وقعت المقاسم وعندي من ترون، فاختاروا إما ذراريكم ونساؤكم وإما أموالكم، فاختاروا العيال والذرية، قالوا: لا نعدل بالأنساب شيئا، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا صليت الظهر فتكلموا واطلبوا حتى أكلم الناس في أمركم، فلما صلى الظهر تكلموا وقالوا: نستشفع برسول الله على المسلمين وبالمسلمين على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب وبني هاشم فهو لكم، وقال المهاجرون والأنصار: وأما ما كان لنا فهو لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وامتنع الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن في قومهما أن يردوا عليهم مما وقع لهم في سهمانهم، وامتنع العباس ابن مرداس وطمع أن يساعده قومه كما ساعد الأقرع وعيينة قومهما، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من ضن منكم بما في يديه فإنا نعوضه منه» فرد عليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءهم وأبناءهم، وعوض من لم تطب نفسه بترك نصيبه أعواضا رضوا بها، وكان عدد سبي هوازن ستة آلاف إنسان فيهن الشيماء أخت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الرضاعة، وهي بنت الحارث بن عبد العزى من بني سعد بن بكر بنت حليمة السعدية، فأكرمها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأعطاها وأحسن إليها، ورجعت

إلى بلادها مسرورة بدينها وما أفاء الله عليها، وقسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأموال بين المسلمين، وأعطى المؤلفة قلوبهم من قريش وغيرهم، وأعطى عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وأبا سفيان ابن حرب وابنه معاوية وحكيم بن حزام والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى، وصفوان بن أمية، ومالك بن عوف، والعلاء بن حارثة، فهؤلاء أصحاب المئين، وأعطى رجالا من قريش دون المائة، منهم سعيد بن يربوع أعطاه خمسين بعيرا، وأعطى عباس بن مرداس أباعر قليلة فسخطها، وقال في ذلك أبياتا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقطعوا عني لسانه» ، فأعطوه حتى رضي، فكان ذلك قطع لسانه. قال موسى بن عقبة: «ولما قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغنائم أو ما شاء الله منها فأكثر لأهل مكة من قريش القسم، وأجزل لهم العطاء، وقسم لغيرهم ممن خرج إلى حنين استيلافا لهم، حتى إنه ليعطي الرجل الواحد مائة ناقة، والآخر ألف شاة، وزوى كثيرا من القسم عن أصحابه، فوجدت الأنصار في أنفسها من ذلك، وقالوا: نحن أصحاب كل موطن شدة وبلاء ثم آثر علينا قومه وقسم فيها قسما لم يقسمه لنا، وما نراه فعل ذلك إلا وهو يريد الإقامة بين ظهرانيهم، فلما بلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاهم في مجلسهم فجمعهم، وقال: " من كان هنا من غير الأنصار فليرجع إلى رحله "، فتشهد ثم قال: " حدثت أنكم عتبتم في المغانم أن آثرت بها أناسا أستألفهم على الإسلام، ولعلهم يفقهون، وقد جعل الله في قلوبكم الإيمان وخصكم بالكرامة، وسماكم بأحسن الأسماء، أفلا ترضون أن يذهب الناس

بالغنائم وترجعون برسول الله؟ فوالله لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وسلكتم واديا لسلكت واديكم، فارضوا، فأنتم الشعار، والناس دثار "، فلما سمعوا مقالة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكوا، فكثر بكاؤهم، وقالوا: الله ورسوله أمن وأفضل، فقال: " ارجعوا إلي فيما أعلمتكم به "، قالوا: وجدتنا يا رسول الله في ظلمات، فأخرجنا الله بك منها إلى النور، ووجدتنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله بك منها، ووجدتنا ضالين فهدانا الله بك، ووجدتنا أذلة قليلا، فأعزنا الله بك وكثرنا، فرضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، افعل ما شئت يا رسول الله في حل محلل. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أما والله لو جئتموني بغير هذا لقلت صدقتم، لو قلتم ألم تأتنا طريدا فآويناك؟ ومكذبا فصدقناك؟ ومخذولا فنصرناك؟ لقلت: صدقتم "، فقالت الأنصار: بل لله ولرسوله علينا وعلى غيرنا المن والفضل، ثم بكوا الثانية وكثر بكاؤهم، وبكى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معهم ورضي عنهم» وكانوا بالذي سمعوا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من القول أقر عينا وأشد اغتباطا منهم بالمال. وقد اختلف فيما أعطى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك اليوم للمؤلفة قلوبهم وغيرهم، هل كان من الخمس أو من خمس الخمس، أو من رأس الغنيمة، والأظهر أنه كان من رأس الغنيمة، إذ لو كان من الخمس أو من خمس الخمس لما وجدت الأنصار في أنفسها من ذلك ما وجدت، ولما قالت له: افعل ما

شئت يا رسول الله في حل محلل، إذ التحليل إنما يكون فيما أعطى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأربعة الأخماس الواجبة للغانمين، وأما الخمس فلا حق لهم فيه إلا أن ينفلهم شيئا باجتهاده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد اختلف أهل العلم فيما ينفله الإمام، فقالت طائفة من العلماء: لا يكون إلا من خمس الخمس، وقالت طائفة: لا يكون إلا من الخمس، وقالت طائفة منهم: لا ينفل من الغنيمة إلا بعد الخمس، وهذا الاختلاف على اختلافهم في قوله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] الآية، هل هي مخصوصة للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أو عامة محكمة أو هي منسوخة بآية الغنيمة، قوله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الآية، وعلى الاختلاف في الخمس هل يقسم بالاجتهاد فيمن سمى الله في الآية وفي غيرهم أو يقسم بالسوية بين من سمى الله في الآية دون غيرهم. فمن رأى آية الأنفال عامة محكمة غير منسوخة وأن الخمس يقسم على الاجتهاد - قال: إن الإمام ينفل من رأس الغنيمة. ومن رآها عامة محكمة غير منسوخة، وأن الخمس يقسم بالسوية أخماسا بين من سمى الله بالآية دون غيرهم - قال: إن الإمام ينفل من الغنيمة بعد الخمس. ومن رآها منسوخة وأن الخمس بالاجتهاد فيمن سمى الله في

الآية وفي غيرهم، قال: إن الإمام إنما ينفل من الخمس، وهو مذهب مالك. ومن رآها منسوخة وأن الخمس يقسم بالسوية أخماسا بين من سمى الله في آية الخمس، قال: إن النفل إنما يكون من خمس الخمس. وفي هذا العام اعتمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الجعرانة، وذلك أنه لما أتى على قسمة الغنائم خرج منها إلى مكة معتمرا، وأمر ببقايا الفيء فخمس بناحية الظهران، فلما فرغ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عمرته استخلف على مكة عتاب بن أسيد ورجع إلى المدينة فدخلها لست بقين من ذي القعدة، وكان خروجه منها لعشر خلون من رمضان، فكانت مدة مغيبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مذ خرج من المدينة إلى مكة فافتتحها وأوقع بهوازن بحنين وحارب الطائف واعتمر إلى أن رجع إلى المدينة شهرين وأربعة عشر يوما. وانهزم يوم حنين مالك بن عوف رئيس جيش المشركين، فلحق في انهزامه بالطائف كافرا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو أتاني مسلما لرددت إليه أهله وماله» فبلغه ذلك فلحق برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد خرج من الجعرانة فأسلم وأعطاه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل كما أعطى سائر المؤلفة قلوبهم، وهو أحدهم ومعدود فيهم، واستعمله على من أسلم من قومه ومن قبائل قيس، وأمره بمناورة ثقيف، ففعل وضيق عليهم

أحداث السنة التاسعة من الهجرة

وحسن إسلامه وإسلام المؤلفة قلوبهم حاشى عيينة بن حصن فلم يزل مغموزا عليه. وسائر المؤلفة متفاضلون، منهم الخير الفاضل المجتمع على فضله كالحارث بن هشام وحكيم بن حزام وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، ومنهم دون ذلك، وقد فضل الله النبيين وسائر عباده المؤمنين بعضهم على بعض، وهو أعلم بهم. وأقام الحج للناس عتاب بن أسيد في تلك السنة، وهو أول أمير أقام الحج في الإسلام، وكان خيرا فاضلا ورعا. [أحداث السنة التاسعة من الهجرة] وفي السنة التاسعة كانت غزوة تبوك، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما انصرف من عمرته بعد فتح مكة وغزوة حنين وحصار الطائف أقام بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الآخرة، وخرج في رجب من سنة تسع بالمسلمين إلى غزو الروم، وهي آخر غزاة غزاها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنفسه، وكان خروجه إلى تلك الغزوة في حر شديد حين طاب أول التمر في عام جدب، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يكاد يخرج غازيا إلى وجه إلا ورى بغيره، إلا غزوه تبوك فإنه بينها للناس لبعد المسافة ونفقه المال والمشقة وقوة العدو المقصود إليه، فتأخر الجد بن قيس من بني سلمة، وكان متهما بالنفاق، فاستأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البقاء وهو غني قوي فأذن له وأعرض عنه، فنزلت فيه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49] .

وفي هذه الغزاة أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البكاءون، وهم سبعة فاستحملوه فلم يكن عنده ما يحملهم عليه، فـ {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92] فسموا البكائين. وأنفق فيها ناس من المسلمين، فأنفق عثمان - رَحِمَهُ اللَّهُ - نفقة عظيمة جهز بها جماعة من المعسرين. روي أنه حمل في هذه الغزاة على تسعمائة بعير ومائة فرس، وجهزهم حتى لم يفقدوا عقالا ولا شكالا. وروي أنه أنفق فيها ألف دينار، وخرج عبد الله بن أبي ابن سلول بعسكره فضربه على باب المدينة أيضا، فكان عسكره فيما زعموا ليس بأقل العسكرين، وهو يظهر الغزاة مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما نهض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تخلف فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، وكانوا نيفا وثمانين رجلا خلفهم سوء نياتهم ونفاقهم. وتخلف في هذه الغزاة من صالح المسلمين ثلاثة رجال، وهم كعب بن مالك الشاعر من بني سلمة، ومرارة بن الربيع من بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية الواقفي، وتفقدهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد يوم أو يومين، فقيل له: تخلفوا، فعجب

من ذلك للذي يعرف من إيمانهم وفضلهم وعز ذلك عليه، وفيهم نزلت: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة: 118] الآية، وحديثهم مشهور معروف. ونهض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخطر على حجر ثمود، فأمر أصحابه ألا يتوضئوا من بئر ثمود، ولا يعجنوا بمائها خبزا، وأمر بما عجن بمائها أن يطرح للإبل، وأمرهم أن يستعملوا في جميع ما يحتاجون إليه ماء بئر الناقة وأن لا يدخلوا بيوت ثمود المعذبين إلا باكين أن يصيبهم مثل ما أصابهم، وقام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ثمود بضع عشرة ليلة، ولم يتجاوزها ثم انصرف. وكانت في هذه الغزاة آيات بينات وعلامات للنبوءة مشهورات. منها أنه كان في طريقه ماء قليل فنهى أن يسبق إليه أحد فسبق إليه رجلان، فاستنفذا ما فيه، فسبهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم أمرهم فجمعوا من بقية ذلك الماء، غرفوا منه بأيديهم قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء، فغسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه وجهه ويديه، ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير جاشت به، كفى الجيش كله، وأخبر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ذلك الموضع سيملأ جنانا. وبنى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين تبوك والمدينة مساجد نحو

ستة عشر مسجدا أولها مسجد بناه بتبوك وآخرها مسجد بذي خشب [وفي هذه السنة كان إسلام ثقيف] ولما انصرف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تبوك وكان انصرافه في رمضان رأت ثقيف أنهم لا طاقة لهم بما هم فيه من خلاف جميع العرب، فوفدوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسلا منهم بإسلامهم، فخرجوا حتى قدموا المدينة، فكان أول من رآهم بقناة المغيرة بن شعبة، وكان يرعى بها ركاب أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نوبته، فترك الركاب عندهم ونهض مسرعا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليبشره بقدوم ثقيف للإسلام، فلقي أبا بكر الصديق فسأله عن شأنه، فأخبره، فأقسم عليه أن يؤثره بتبشير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، فأجابه المغيرة إلى ذلك، فذهب أبو بكر بالبشارة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، ورجع المغيرة إلى قوم ثقيف، فجاء معهم إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأعلمهم كيف يحيونه إذا قدموا عليه، فلم يفعلوا وحيوه بتحية الجاهلية، فضرب لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبة في ناحية المسجد، وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يختلف بينهم وبين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو الذي كتب لهم الكتاب، فسألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يكتب لهم كتابهم أن يترك لهم الطاغية وهي اللات لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى عليهم من ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسألوه ألا يهدموا أوثانهم بأيديهم فأجابهم إلى ذلك، وأعفاهم من أن يكسروها بأيديهم، وقالوا: إنما أردنا أن نسلم بتركها من سفهائها ونسائنا، وخفنا أن نروع قومنا بهدمها حتى ندخلهم الإسلام، وقد كانوا سألوه

مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة، فقال لهم: لا خير في دين لا صلاة فيه، فكتب لهم كتابهم وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص، وأمره أن يعلمهم القرآن وشرائع الإسلام، وأن يصلي بهم وأن يعذرهم بأضعفهم ولا يطول عليهم، ولا يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا وبعث معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم الأوثان الطاغية وغيرها، فهدمها وأخذ مالها وحليها، وخرج نساء ثقيف حسرى يبكين اللات وينحن عليها. وفي هذه السنة كانت حجة أبي بكر الصديق، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما انصرف من تبوك أراد الحج، ثم قال: إنه يحضر البيت غدا مشركون يطوفون بالبيت عراة، فلا أحب الحج حتى لا يكون ذلك، فأرسل أبا بكر ثم أردفه عليا لينبذ إلى كل ذي عهد عهده ويعهد إليهم ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ... إلى سائر ما أمره أن ينادي به في كل موطن من مواطن الحج، فأقام الحج في ذلك العام سنة تسع أبو بكر، ثم حج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قابل حجته التي لم يحج من المدينة غيرها، فوقعت حجة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العام المقبل في ذي الحجة، فقال: «إن الزمان قد استدار » الحديث، فثبت الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة، فلما كان يوم النحر في حجة أبي بكر قام عَلِيٌّ فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «أيها الناس، إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وأجل الناس أربعة أشهر من يوم

أذن فيهم ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحد كان له عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عهد إلى مدة» ، ثم قدما على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يحج بعد العام مشرك ولا طاف به عريان. وفي هذه السنة وسنة عشر بعده، قدمت وفود العرب على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للدخول في الإسلام، وذلك أنه لما فتح الله على رسوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مكة وأظهره يوم حنين، وانصرف من تبوك، وأسلمت ثقيف أقبلت إليه وفود العرب من كل وجه يدخلون في دين الله أفواجا، وكل من قدم عليه قدم راغبا في الإسلام إلا عامر بن الطفيل وأربد بن قيس في وفد بني عامر وإلا مسيلمة في وفد بني حنيفة. فإن عامر بن الطفيل وأربد بن قيس فإنهما قدما عليه في وفد عامر بن صعصعة، وقد أضمرا الفتك برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والغدر به، فكان عامر بن الطفيل قد قال لأربد: إني سأشغله بالكلام عنك، فإذا فعلت فاعله بالسيف، ثم جعل يسأله سؤال الأحمق ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول له: «لا أجيبك في شيء مما سألت عنه حتى تؤمن بالله ورسوله.» فأنزل الله على أربد البهتة والرعب فلم يرفع يدا، فلما يئس منه عامر، قال: يا محمد والله لأملأنها عليك رجالا، فلما وليا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم اكفني عامر بن الطفيل وأربد بن قيس» ، فلما كان في بعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه

أحداث السنة العاشرة من الهجرة

فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول، فجعل يقول: غدة البكر أو غدة البعير وموتا في بيت سلولية، ووصل أربد إلى بلده، فأنزل الله عليه صاعقة، وكان على جمل قد ركبه في حاجة له فأحرقه الله هو وجمله بالصاعقة. وأما مسيلمة فقدم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وفد بني حنيفة، فروي أنه دخل مع قومه على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم يسترونه بالثياب، فكلمه فأجابه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنك لو سألتني هذا العسيف - لعسيف كان معه من سعف النخل- ما أعطيتكه» ، وأسلم قومه ثم انصرفوا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله مسيلمة وادعى النبوة، وقال: قد أشركني في أمره، واتبعه أكثر قومه، وجعل يسجع لهم أسجاعا يضاهي بها القرآن، وأحل لهم الخمر والزنا، وأسقط عنهم الصلاة، فمن سجعه قوله: لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفا ووحشى، ومثل هذا من سجعه لعنه الله، واتبعه بنو حنيفة إلا ثمامة بن أثال الحنفي، فإنه بقي على الإيمان بالله ورسوله ولم يرتد مع قومه. [أحداث السنة العاشرة من الهجرة] وفي السنة العاشرة كانت حجة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما دخل عليه ذو القعدة منها تجهز للحج، وأمر الناس بالجهاز، وخرج لخمس بقين من ذي القعدة، واستعمل على المدينة أبا دجانة الشاعري، وقيل: سباع بن عرفطة الغفاري، ولم يحج

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا ثلاث حجات، اثنتان بمكة وواحدة بعد فرض الحج عليه من المدينة. ومن أحسن حديث روي في صفة حجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأتمه حديث جابر بن عبد الله، خرجه أصحاب الصحيح، مسلم وغيره، وقطعه مالك في موطئه، فذكر في كل باب منه ما احتاج إليه، وكذا فعل البخاري. وحديث جابر بن عبد الله رواية جعفر بن محمد عن أبيه، قال: «دخلنا على جابر بن عبد الله وهو يومئذ قد ذهب بصره، فسأل عن القوم حتى انتهى إلي، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، وأنا يومئذ غلام شاب، فرحب بي وَسَهَّلَ ودعا لي، فقالوا: جئناك نسألك، فقال لي: سل عما شئت يا ابن أخي، فقلت: أخبرني عن حج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال بيده وعقد تسعا، ثم قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاج فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيف تصنع؟ قال: اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي، فصلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى ما مد بصري بين

أحداث السنة الحادية عشرة من الهجرة

يديه من راكب وماش وعن يمينه وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أظهرنا ينزل عليه القرآن، وهو يعرف تأويله، فما عمل من شيء عملنا مثله، فأهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وَأَهَّلَ الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد عليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئا منه، ولزم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلبيته» الحديث بطوله على ما قد ذكرناه في الحج من المقدمات. [أحداث السنة الحادية عشرة من الهجرة] وفي السنة الحادية عشرة توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى يوم الإثنين من ربيع الأول في الوقت الذي دخل فيه المدينة في هجرته إليها من مكة، فكانت وفاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رأس عشر سنين من الهجرة، ودفن يوم الثلاثاء، وقيل: ليلة الأربعاء، ولم يحضر غسله وتكفينه إلا أهل بيته، غسله علي بن أبي طالب، وكان الفضل بن العباس يصب عليه الماء، والعباس يعينهم، وحضرهم شقران مولاه. ولم يصدق عمر بموته وأنه مات وأنكر على من قال ذلك، وخرج إلى المسجد فخطب الناس، وقال في خطبته: إن المنافقين يقولون إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مات، والله ما مات رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكنه ذهب إلى ربه، كما ذهب موسى، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم، والله ليرجعن كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مات.

وأتى أبو بكر بيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكشف له عن وجهه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقبله وأيقن بموته، ثم خرج فوجد عمر يقول تلك المقالة، فقال له: اجلس، فأبى عمر، ثم قال له: اجلس، فأبى، فتنحى عنه وقام خطيبا، فانصرف الناس إليه وتركوا عمر، قال أبو بكر: أما بعد فمن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] الآية، قال عمر: فلما سمعتها من أبي بكر عرفت ما وقعت فيه، وكأنني لم أسمعها قبل، ثم اجتمع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعدة فبايعوا أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثم بايعوه بيعة أخرى من الغد على ملأ منهم ورضا، فكشف الله به الكربة من أهل الردة، وقام به الدين، والحمد لله رب العالمين. ولما أنزل الله على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] علم أنه قد نعيت إليه نفسه، وسأل عُمَرٌ ابْنَ عباسٍ عن هذه السورة، فقال: يقول له: اعلم أنك ستموت عند ذلك، فقال له عمر: لله درك يا ابن عباس، إعجابا بقوله، وقد كان سأل عنها غيره من كبار الصحابة فلم يقولوا ذلك. ولما دنت وفاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذه وجعه في بيت ميمونة، فخرج إلى أهل أحد، فصلى عليهم صلاته على الميت، وكان أول ما يشكو في علته الصداع، فيقول: وارأساه، ثم لما

اشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة، فأذن له في ذلك، ومرض فيه إلى أن مات فيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يقول لعائشة في مرضه ذلك: «يا عائشة ما زلت أجد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر، وما زالت تلك الأكلة تعادني، فهذا أوان قطعت أبهري» . وأوصاهم في مرضه بثلاث: أن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزهم به، وألا يتركوا في جزيرة العرب دينين، «أخرجوا منها المشركين، والله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم، فأحسنوا إليهم» ، وقال: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ، وقال لهم: «هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده أبدا "، فاختلفوا وتنازعوا واختصموا، فقال: " قوموا عني، فإنه لا ينبغي عندي تنازع» ، وكان عمر القائل حينئذ: قد غلب عليه وجعه، وربما صح، وعندكم القرآن، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين أن يكتب ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم. وكان يقول في صحته: " «ما يموت نبي حتى يخير ويرى مقعده» ، روته عائشة، قالت: «فلما اشتد مرضه جعل يقول: " مع الرفيق الأعلى، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» ، فعرفت أنه ذاهب، ولما عجز عن الخروج إلى المسجد قال: «مروا أبا بكر فليصل للناس» ، وقال في مرضه: «أهريقوا عَلَيَّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، لعلي أعهد إلى الناس» ، فأجلس في مخضب لحفظه، ثم صب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إليهم بيده أن حسبكم، ثم خرج إلى الناس وأبو بكر يصلي للناس، فتأخر أبو بكر وتقدم النبي عليه

تفسير وأصبح فؤاد أم موسى فارغا

السلام فصلى وصلى أبو بكر بصلاة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والناس بصلاة أبي بكر، وقد اختلف من كان الإمام للناس منهما في تلك الصلاة على ما قد مضى بيانه والقول فيه في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، ولما اشتد مرضه به جعل يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إن للموت لسكرات، الرفيق الأعلى» ، فلم يزل يقولها حتى مات - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشرف وكرم. [تفسير وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا] في تفسير {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القصص: 10] وسئل مالك: عن تفسير {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القصص: 10] ، قال: ذهاب العقل في رأيي، يقول الله تبارك وتعالى: {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 10] ، والإنسان إذا أهمه الشيء لم يكد يذكر معه شيئا غيره، حتى إن المريض ليمرض فما يكاد يذكر غير مرضه الذي هو فيه. [قال القاضي] : قوله في تفسير {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القصص: 10] بأنه ذهاب العقل، معناه: أنها أصبحت دالهة على ولدها ذاهلة عن كل شيء سواه، كالمريض إذا اشتد به المرض يذهل عن كل شيء إلا عن مرضه، ومن ذهل عن شيء فلم يفعله، وهذا هو معنى ما روي عن ابن عباس من أنه قال: المعنى في ذلك أصبح فؤاد أم موسى فارغا من كل شيء إلا من ذكر ابنها، وقال ابن

الاستنجاء بالأحجار

زيد: إنما أصبح فؤاد أم موسى فارغا من الوحي الذي أوحى الله إليها أن تلقيه في اليم، وقال لها: {وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7] فنسيت عهد الله إليها بذلك؛ لأن الشيطان أنساها ذلك، فقال لها: يا أم موسى كرهت أن يقتل فرعون موسى فيكون لك أجره وثوابه وتوليت قتله فألقيته في اليم وغرقته، فحزنت لذلك فنسيت عهد الله إليها أنه يرده إليها ويجعله من المرسلين. وقد قيل: معناه: أنه أصبح فؤاد أم موسى فارغا من الحزن لعلمها أنه لم يغرق ابنها بما وعدها الله به. فهي ثلاثة أقوال: أحدها: هذا. والثاني: أنه أصبح فارغا ممن عدى الحزن على ابنها. والثالث: أنه أصبح فارغا من الوحي، وكذلك اختلف في الهاء من قوله: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} [القصص: 10] ، فقيل: إنها عائدة على ابنها، إن كادت لتقول: يا بنياه من شدة الحزن عليه، وقيل: إنها عائدة على الوحي الذي أوحي إليها به في أمره إن كادت لتبديه، وقيل: إنها ضاق صدرها لما نسب إلى فرعون، فقيل: هو ابن فرعون، فكادت تقول: هو ابني، فتبدي به وتخبر بأمره وتظهره، وبالله التوفيق. [الاستنجاء بالأحجار] في مرور العمل بترك الاستنجاء بالأحجار قال مالك: وبلغني أن ابن شهاب قال لابن هرمز، وكان يكلمه، فقال له ابن شهاب: نشدتك الله، أما علمت أن الناس كانوا يتوضئون فيما مضى ولا يكونون يستنجون بالماء؟ فسكت ابن هرمز فلم يجبه بشيء، فقيل لمالك: لم؟ قال: لم يحب أن يقول له نعم، وهو أمر قد ترك فتركه ولم يجبه. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن من اكتفي في استنجائه بالأحجار دون الماء فصلى أن صلاته تامة ولا إعادة عليه في وقت ولا غيره؛

أمر الرجل بإقباله على ما يعنيه

لما جاء من أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سئل عن الاستطابة، فقال: «أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟» ، إلا أن الماء أطهر وأطيب، ومن قدر على الجمع بين الأحجار والماء فهو أولى وأحسن، وقد كان أهل قباء يفعلون ذلك، فنزلت فيهم: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] . قال ابن حبيب: لا نبيح اليوم الاستنجاء إلا لمن عدم الماء، لأنه أمر قد ترك وجرى العمل بخلافه على ما قاله ابن هرمز، وبالله التوفيق. [أمر الرجل بإقباله على ما يعنيه] في أمر الرجل بإقباله على ما يعنيه قال: وسمعت مالكا، يقول: دخل رجل على عبد الله بن عمر وهو يخصف نعله، فقال له: يا أبا عبد الرحمن، لو ألقيت هذا النعل وأخذت أخرى جديدة، فقال له: نعلي جاءت بك هاهنا؟ أقبل على حاجتك. قال محمد بن رشد: إنما قال له ابن عمر ذلك لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ، وهذا ما لا يعنيه، وبالله التوفيق. [تخفيف الله عن عباده فيما افترضه عليهم] في تخفيف الله عن عباده فيما افترضه عليهم قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قال: لو أن الله فرض على خلقه بقدر عظمته ما أطاقها سماء ولا أرض ولا جبال، ولكن الله خفف عنهم.

فضل الله عز وجل على من زهد في الدنيا

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين يشهد به القرآن ويعتقده كل مؤمن بالله تعالى، إذ لا يفي بحق عظمة الله أحد، قال الله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ، وقال عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ، وقال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، وبالله التوفيق. [فضل الله عز وجل على من زهد في الدنيا] في فضل الله عز وجل على من زهد في الدنيا قال: وسمعت مالكا يقول: سمعت أنه يقال: ما زهد عبد واتقى الله إلا أنطقه الله بالحكمة. قال محمد بن رشد: هذا، والله أعلم لأن من اتقى الله وزهد في الدنيا صح نظره في الأمور بتقوى الله تعالى فيها، فوفق للحق وأنطق بالحكمة، فضل من الله تعالى فيها عليه في ذلك، من ذلك ما جاء عن عمر بن الخطاب من أنه كان يرى الرأي بقلبه ويقول الشيء بلسانه فيوافق الحق فيه كموافقته ما نزل في القرآن في الخمر وفي أسرى بدر وفي الحجاب في مقام إبراهيم، على ما جاء في ذلك كله، وبالله التوفيق. [إشفاق عمرو بن العاص مما دخل فيه من حرب معاوية لعلي] في إشفاق عمرو بن العاص مما دخل فيه من حرب معاوية لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: وسمعت مالكا يقول: كان عمرو بن العاص يقاتل علي بن أبي طالب، فإذا انتصف النهار ضرب سرادقا يستريح فيه ويفرق الناس يستريحون، فيحمل الناس قتلاهم في الأكسية فيقول

عمرو: من هذا؟ فيقال له: فلان، ويقول: من هذا؟ فيقال له: فلان، فقال عمرو: كم من أحسن في الله قد قتله فلان وفلان، يريد عليا ومعاوية، وما يريان أنهما يديان من دمه بشيء ثم يبكي. قال محمد بن رشد: قول عمرو بن العاص وما يريان أنهما يديان من دمه بشيء، هو كما حكي عنهما من أن كل واحد منهما اعتقد باجتهاده أنه مصيب عند الله تعالى في فعله، فلا حرج عليه في ذلك إذ كان فرضه هو الذي أداه اجتهاده إليه من ذلك، فللمصيب منهما -وهو عندنا عَلِيٌّ - أجران، وللمخطئ منهما -وهو عندنا معاوية - أجر واحد، وكذلك حكم من اتبع كل واحد منهما وقاتل معه، هذا الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده فيما شجر بينهم؛ لأن الله تعالى قد أثنى عليهم في كتابه، وعلى لسان رسوله، فقال عز من قائل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] ، وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] أي: خيارا عدولا، وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] الآية، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم» .

احتقار شأن المتكبرين من ملوك الدنيا ووعظهم

وبكاء عمرو بن العاص والله أعلم عند المرور بالقتلى عليه إنما هو مخافة أن يكون قد قصر في خاصة نفسه فيما يلزمه من بلوغ غاية الاجتهاد الذي أداه إلى أن معاوية الذي قاتل معه على الحق، وبالله تعالى التوفيق. [احتقار شأن المتكبرين من ملوك الدنيا ووعظهم] في احتقار شأن المتكبرين من ملوك الدنيا ووعظهم وسمعت مالكا يحدث عن عمه أبي سهيل بن مالك، أنه كان يقول: إن ملكا كان في بني إسرائيل، وأنه ركب يوما في مدينته، فركب في زي عظيم، فمر برجل قاعد على عمله لا يلتفت إليه، فلما رأى الملك ذلك قال له: ما لك لا تنظر إلي كما ينظر الناس إلي؟ فقال له الرجل: إني قد رأيت ملكا مثلك، وكان على هذه القرية، فمات هو ومسكين في يوم واحد، فدفنا فكان قبراهما جميعا في موضع واحد، فكنت أتعاهدهما فأعرفهما بقبريهما، ثم نسفت الريح قبريهما وكشفت عنهما فاختلط عظم هذا بعظم هذا، فما أعرف أحدهما من صاحبه، فلذلك لم يعجبني ما أنت فيه فأقبلت على عملي. قال محمد بن رشد: هذا وشبهه مما ينبغي أن يوعظ به من كان فيه زهو بنفسه وإعجاب بحاله، وبالله التوفيق. [تواضع العلماء وجلوسهم في الأسواق] في تواضع العلماء وجلوسهم في الأسواق وعند أصحاب العباء قال: وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: ما أخذت

الجلوس في المساجد والاشتغال فيها بالعمل اليسير

أحاديث كثيرة من أحاديث سعيد بن المسيب إلا عند أصحاب العباء في السوق، وما أخذت من سالم بن عبد الله أحاديث كثيرة إلا في ظل المنارة التي في السوق، كان يقعد في ظلها، وسعيد عند أصحاب العباء، قال مالك: كان ذلك من شأن الناس يخرجون إلى السوق ويقعدون فيه. قال محمد بن رشد: في هذا تواضع العلماء برضاهم بالدون من المجلس ومجالسة المساكين ودخول الأسواق، ومن تواضع لله رفعه الله. ومن الحجة في جواز دخول الأسواق وأنه لا عيب في ذلك - قول الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] الآية [ردا لقول المشركين: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] ، وبالله التوفيق] . [الجلوس في المساجد والاشتغال فيها بالعمل اليسير] في الجلوس في المساجد وجواز الاشتغال فيها بالعمل اليسير قال مالك: كان سعيد بن المسيب يحدث، وربما أخذ ثياب بعض من يقعد إليه فيذرعه وهو في المسجد، فقلت له: ثياب الناس؟ قال: نعم، وهو في المسجد، قال مالك: قال جعفر بن محمد، وكان عمر بن الخطاب يقعد في المسجد ويقعد إليه رجال يحدثهم عن الأجناد ويحدثونه بالأحاديث، والقاسم بن

إشفاق ابن عمر من قتل عثمان

محمد، فما يقولون له كيف تقول؟ ولا كيف يقول؟ كما يصنع أهل هذا الزمان. قال محمد بن رشد: ما كان سعيد بن المسيب ربما فعله من ذرع ثياب بعض من كان يقعد إليه، المعنى في ذلك، والله أعلم: إنما فعله لوجه أراد معرفة مقداره من ثوب الرجل، وذلك جائز لا بأس به، فقد استحب مالك أن يقضي الرجل الذهب في المسجد إذا لم يكن على وجه التجارة والصرف، واستحب كتاب ذكر الحق فيه إلا أن يطول. وقعود عمر بن الخطاب في المسجد مع رجال يحدثهم ويحدثونه كان فيما بين الظهر والعصر، وذلك جائز لا بأس به، إذ ليس ذلك من الأوقات المرغب في الصلاة فيها، فلا وجه لإنكار من أنكر ذلك، وقد مضى هذا قبل هذا في رسم حلف، وبالله تعالى التوفيق. [إشفاق ابن عمر من قتل عثمان] فيما بلغ إليه إشفاق ابن عمر من قتل عثمان قال: وسمعت مالكا يحدث: أن رجلا أهدى إلى عبد الله بن عمر صرة فيها جوارش، فقال له ابن عمر: ما هذه؟ قال: جوارش، إذا أكلت فكظك الطعام أكلته على إثره، فقال له ابن عمر: والله ما شبعت منذ قتل عثمان. قال محمد بن رشد: حق لعبد الله بن عمر في فضله وخيره أن يبلغ الإشفاق منه من قتل عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا المبلغ، فإنه كان حدثا عظيما في الإسلام، لم يكن قبله ولا بعده مثله على ما سبق في أم الكتاب، وأنذر به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وبالله التوفيق.

احتجاب النساء من الرجال

[احتجاب النساء من الرجال] في احتجاب النساء من الرجال قال: وسمعت مالكا يحدث أن عائشة زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دخل عليها رجل أعمى وأنها احتجبت منه، فقيل لها: يا أم المؤمنين إنه أعمى لا ينظر إليك؟ فقالت: ولكني أنظر إليه. قال محمد بن رشد: قد روي «عن أم سلمة أنها كانت عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع ميمونة. قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه، وذلك بعد أن أمر بالحجاب، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "احتجبا منه"، فقلنا: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟» وهذا خاص في أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بخلاف غيرهن من النساء، والله أعلم، بدليل «قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لفاطمة بنت قيس: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك» فيصح للمرأة أن تنظر من الرجل الأجنبي إلى ما يصح للرجل أن ينظر إليه من ذوات محارمه، وقد قيل: إنه لا يصح للمرأة أن تنظر من الرجل إلا إلى ما يصح للرجل أن ينظر منها، على فعل عائشة في احتجابها من الرجل الأعمى، وعلى ظاهر قول الله عز وجل؛ لأنه قال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] كما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] ، وليس ذلك بصحيح إذ قد بينت السنة في حديث فاطمة بنت قيس أن النساء في ذلك بخلاف الرجال، فتنظر المرأة من الرجل الأجنبي إلى ما ينظر إليه الرجل من ذوات محارمه، وتنظر المرأة من الرجل من ذوي محارمها إلى ما ينظر إليه الرجل من الرجل. وكذلك تنظر المرأة من المرأة إلى ما ينظر إليه الرجل من الرجل، وقد

مناغاة من باد من أهل الخربة على سبيل الاعتبار

زدنا هذا المعنى بيانا في الجامع من مختصر الطحاوي، وبالله التوفيق. [مناغاة من باد من أهل الخربة على سبيل الاعتبار] في مناغاة من باد من أهل الخربة على سبيل الاعتبار قال: وسمعت مالك يحدث أن عامر بن عبد القيس كان يمر بالخربة فينادي فيها: يا خربة أين أهلك؟ مرارا، ثم يقول: بادوا وعامر بالإثر. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين ليس فيه ما يشكل، وبالله تعالى التوفيق. [ترك أكل طيب الطعام مخافة العادة] في ترك أكل طيب الطعام مخافة العادة قال مالك: بلغني أن عمر بن العزيز قدم طعاما ورجل قاعد يأكل معه، فأخذ الرجل يبطئ في الأكل وعمر يأكل، فقال له: ألا تأكل؟ فقال: إن ثم طعاما غيره، يريد الطعام الذي يعمل للناس، ويريد أنه أطيب، فأنت لا تأكل؟ فقال عمر: لو أكلت منه ما رأيت علي شيئا، ولكن لا أحب أن أعود نفسي. قال محمد بن رشد: هذا من نحو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "إياكم واللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر "، فإنما نهى عمر ابن الخطاب عن اللحم، وترك عمر بن عبد العزيز أكل الطيب من الطعام مخافة أن يضرى ذلك، فيصير له عادة، لا من أجل أن ذلك يكره إذ

ما جاء في سلمان الخير

لا أجر في مجرد ترك لباس الحسن من اللباس وأكل الطيب من الطعام؛ لقول الله عز وجل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] ، وإنما يؤجر في ترك ذلك إذا تركه ابتغاء معنى من الخير يقصده بذلك وينويه به، وبالله تعالى التوفيق. [ما جاء في سلمان الخير] قال: وسمعت مالكا يحدث: أن سلمان الخير خرج يطلب الدين قبل الإسلام، وأنه سبي بالشام فاستخدم ثم هرب فأخذ بوادي القرى فاشتري واستخدم ثم جلب إلى المدينة فبيع فابتاعه رجل من الأنصار، فكاتبه على مائتي ودية يغرسها ويقوم عليها حتى تبلغ، فقدم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على إثر ذلك المدينة، فأتى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأخبره بذلك، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أردت أن تغرسها فأتني فأعلمني» ، فلما أراد أن يفعل أتاه فأعلمه، فذهب معه فبرك له فيها، فما مات منها ودية واحدة، ثم أتي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بشيء فيه ثمر أو رطب، فقال له النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما هذا؟ " فقال له: صدقة، فقال له النبي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه: "إني لا أقبل الصدقة» ، فرجع به، ثم أقام ما شاء الله ثم أتاه الثانية بمثله، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما هذا؟ قال: هو هدية، فأخذه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - منه» وكان ذلك من سلمان اختبارا للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في صفته، كأنه إنما أراد بذلك الاختبار في صفته.

قال مالك: وكان سلمان بالعراق يعمل بيده الحوص فيعيش منه ولا يقبل من أحد شيئا، وإنه لم يكن له بيت، وإنما كان يستظل بظل الجدار، وإن رجلا قال له: أبني لك بيتا، قال له: ما لي به حاجة، فما زال الرجل يردد ذلك عليه ويأبى ذلك عليه، حتى قال له الرجل: أنا أعرف البيت الذي يوافقك، قال: فصفه لي، قال: أبني لك بيتا إذا قمت فيه أصاب سقفه رأسك، وإذا أنت مددت فيه رجلك أصابت حائطه، قال: نعم، فبناه له. قال محمد بن رشد: سلمان الخير هذا هو سلمان الفارسي، ويعرف بسلمان الخير، يكنى أبا عبد الله، ويقال: إنه مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روي من وجوه أنه اشتراه على العتق، أصله من فارس، وكان إذا قيل له: ابن مَنْ أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام. وروي عنه أنه قال: كنت من أبناء أساورة فارس. وكان يطلب دين الله ويتبع من يرجو ذلك عنده، فدان بالنصرانية وغيرها، وقرأ الكتب وصبر في ذلك على مشقات نالته. وروي: أنه تداوله في ذلك بضعة عشر ربا، من رب إلى رب حتى أفضى إلي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَنَّ الله عليه بالإسلام، وكان خيرا فاضلا عالما زاهدا، دخل عليه قوم وهو أمير على المدائن بالعراق، وهو يعمل الخوص، فقيل له: لم تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق؟ فقال: إني أحب أن آكل من عمل يدي، وكان تعلم عمل الخوص بالمدينة عند بعض موالي الأنصار، وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، وأول مشاهده الخندق، وهو الذي أشار بحفره، فقال أبو سفيان وأصحابه؛ إذ رأوه: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وقد قيل: إنه شهد بدرا وأحدا، والأكثر أن أول مشاهده الخندق،

سكنى المقابر للاعتبار

ولم يفته بعد ذلك مشهد مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقال فيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو كان الدين بالثريا لناله سلمان» ، وفي رواية أخرى: «لنالته رجال من فارس» ، وروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «أمرني ربي بحب أربعة، أخبرني أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان» ، وروي عن علي أنه قال: سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم، وتوفي سلمان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في آخر خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين، وقيل: بل توفي في أول سنة ست وثلاثين، وقيل: بل توفي في خلافة عمر، والأول أكثر، وبالله التوفيق. [سكنى المقابر للاعتبار] في سكنى المقابر للاعتبار قال مالك: بلغني أن رجلا سكن القبور، وأنه كلم في ذلك، فقال: إن لي جيران صدق ولا يؤذونني، وإن لي فيهم عبرة. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [ما كان عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ترك التنعم بالمطاعم الطيبة] في ما كان عليه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من ترك التنعم بالمطاعم الطيبة قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب قال: آكل مما يأكل الناس وأشرب مما يشرب الناس وأستبقي دنياي لآخرتي، وذلك

حين أحدث الناس الخبيص الأحمر والأخضر، قال مالك: وكان عمر لا يأتيه مال إلا أظهره، ولا رسول إلا أنزله. قال محمد بن رشد: المعنى في قول عمر بن الخطاب حين أحدث الناس الخبيص الأحمر والأخضر: آكل مما يأكل الناس وأستبقي دنياي لآخرتي، أي: لا أتنعم في مالي بأكل المطاعم الطيبة، فيكون ذلك سببا إلى أن أشح على فعل الخير منه الذي أجده في آخرتي، يبين ذلك قوله لجابر بن عبد الله، إذ أدركه ومعه حمال لحم، فقال: ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم، فاشتريت لحما بدرهم، أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره وابن عمه، أين تذهب هذه الآية عنكم {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20] ؟ لأن الأجر ليس هو في مجرد شح الرجل على نفسه بما له في ترك أكل المطاعم الطيبة منه؛ لأن الله عز وجل يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] ، وإنما هو في تركه ذلك ليواسي به ويفعل الخير منه، وقد روي عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لو شئت كنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا، ولكني أستبقي طيباتي. ومعناه: أستبقيها لأوثرها غيري فأجد ذلك في آخرتي، فآكل الطيب من الطعام من المباح الذي لا وزر في فعله ولا أجر في مجرد تركه، وإذا لم يصرف الغني شيئا من ماله إلا في استمتاعه به في أكل الطيبات ولباس لين الثياب فالفقر خير له من الغنى إذا شكر الله عليه

الخصام لذي الهيئة وإتيان أبواب الأمراء

كما يشكره على الغنى، وذكر أن عمر بن الخطاب لما قدم الشام صنع له طعام لم ير مثله، فقال: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين باتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال خالد بن الوليد: لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر بن الخطاب، فقال كلاما معناه: لئن كان حظنا من الدنيا الاستمتاع بحطامها، وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا. وسيرته - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في أنه كان لا يأتيه مال إلا أظهره ولا رسول إلا أنزله - هي سيرة أهل العدل، وقد أوصى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال في وصيته: وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وبالله التوفيق. [الخصام لذي الهيئة وإتيان أبواب الأمراء] في كراهية الخصام لذي الهيئة وإتيان أبواب الأمراء قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز عاتب رجلا له قدر في الحال، في خصومة خاصم فيها، فقال: إن لك قدرا وحالا، فلا أحب لك أن تخاصم، فإن ذلك مما يعيبك، قال مالك: يحضر فيحجب ويتنزه وينتهره الحرس ويجبر، وهذه مذلة لذوي الهيئة، وقال مالك: بلغني أن أبا الدرداء قيل له: تأتى باب معاوية فيحبسك ويصفحك؟ قال: اللهم غفرا، من يأت أبواب الأمراء يقول ويقعد. قال محمد بن رشد: معنى يصفحك يمنعك ويحرمك، يقال صفحت الرجل إذا أعطيته، وأصفحته إذا منعته وحرمته، وفي الحديث: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في سائل منعه بعض أهله: «لعلكم أصفحتموه» ، والمعنى فيما قاله عمر بن عبد العزيز وأبو الدرداء بَيِّنٌ لا يفتقر إلى كلام، وبالله التوفيق.

هل الهد في القرآن أو الترتيل أفضل

[هل الهد في القرآن أو الترتيل أفضل] في الأفضل، هل الهد في القرآن أو الترتيل أفضل وسئل مالك: عن الهد في القرآن؟ فقال: من الناس من إذا هد كان أخف عليه، وإن رتل أخطأ، ومن الناس من لا يحسن يهد، والناس في ذلك على حالهم فيما يخف عليهم، وذلك واسع. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أنه من لم يقدر على الهد رتل، ومن لم يقدر على الترتيل هد، وأما من كان يقدر على الوجهين جميعا فالترتيل له أفضل؛ لقول الله عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] ، وفي الموطأ: وقد أتى رجل زيد بن ثابت، فقال له: كيف ترى في قراءة القرآن في سبع، فقال له: حسن، ولأن أقرأه في نصف شهر أو عشرين أحب إلي، وسلني: لم ذلك؟ قال: فإني أسألك، قال: لكي أتدبره عليه. [ما أحله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حرمه] في ما أحله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو حرمه، وفي مناداته لقرابته قال مالك: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في اليوم الذي مات فيه: «لا يمسك الناس علي شيئا، إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه، يا فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويا صفية عمة رسول الله، اعملا لما عند الله، فإني لا أغني لكما من الله شيئا» . قال محمد بن رشد: يشهد بصحة هذا الحديث من قوله: لا

ضنانة عبد الله بن عمر بنافع مولاه

أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه - قول الله عز وجل في كتابه: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وقَوْله تَعَالَى فيه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] ، إلا أن منه نصا جليا ومنه مجملا متشابها خفيا، فبين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما أجمله الله في كتابه من الحلال والحرام وجميع الأحكام. كما أمره الله تعالى في كتابه حيث يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] . وإنما نادى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابنته فاطمة وعمته صفية بما ناداهما به لما أمره العشائر به من قوله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، وقد اختلف في تعيين عشيرته الأقربين الذين أمره الله بمناداتهم في هذه الآية وجعل لهم حقا في الفيء وخمس الغنيمة، وحرم عليهم الصدقة على سبعة أقوال قد ذكرناها محصلة مبينة في مسألة أفردناها لذكر ذلك، وبالله التوفيق. [ضنانة عبد الله بن عمر بنافع مولاه] في ضنانة عبد الله بن عمر بنافع مولاه قال مالك: بلغني أن عبد الله بن عمر أتى عبد الله بن جعفر ومعه نافع مولى عبد الله بن عمر، فقال له: بعني هذا، قال: فكان عبد الله بن عمر بعد ذلك يقول لنافع: لا تأت معي، قال مالك: يخاف أن يفتنه بما يعطيه فيبيعه إياه، فلما خاف أمره ألا يأتي معه. قال محمد بن رشد: قد بين مالك معنى نهيه إياه أن يأتي معه

قول عبد الله بن أبي ابن سلول لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة

إليه، ويحتمل أن يكون خاف أن يعيد سؤاله إياه ذلك فلا يجيبه إليه فيجد في نفسه من ذلك عليه، إذ كان عبد الله بن عمر والله أعلم ممن لا يفتتن فيه بكثرة الثمن، وبالله التوفيق. [قول عبد الله بن أبي ابن سلول لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة] في قول عبد الله بن أبي ابن سلول لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة قال: وسمعت مالكا يقول: قال عبد الله بن أبي ابن سلول لسعد بن معاذ في بني قريظة: إنهم أحد جناحي، وإنهم ثلاثمائة ذارع وستمائة حاسد، فقال له سعد: قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم. قال محمد بن رشد: لما ذهبت الأحزاب في غزاة الخندق ورجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووضع الناس سلاحهم عند صلاة الظهر، أتاه جبريل في صفة دحية الكلبي على بغلة عليها قطيفة، فقال له: إن كنتم وضعتم سلاحكم فإن الملائكة لم تضع سلاحها، والله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة، وإني متقدم إليهم فمزلزل بهم، فنادى منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان سامعا مطيعا فلا يصل العصر إلا في بني قريظة» ، فحاصرهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسا وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم أن يقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى النساء والذراري، فقتل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيي بن أخطب وكعب بن أسد، قيل: في ستمائة أو سبعمائة استنزلهم، ثم قتلهم بالمدينة، واصطفى من نسائهم عمرة بنت قحافة، ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، وهي نباتة امرأه الحكم القرظي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته. روي عن عائشة أنها قالت: إن كانت لعندي تضحك وتحدث، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقتل رجالهم، إذ هتف هاتف:

أعتق أبو بكر الصديق سبعة كلهم يعذب في الله

أين فلانة؟ قالت: أنا والله مقتولة، قلت: ويلك لم؟ قالت: لحدث أحدثته فانطلق بها فضرب عنقها، وبالله التوفيق. [أعتق أبو بكر الصديق سبعة كلهم يعذب في الله] في أن أبا بكر أعتق سبعة كلهم يعذب في الله قال مالك: أعتق أبو بكر الصديق سبعة كلهم يعذب في الله. قال محمد بن رشد: منهم بلال بن رباح المؤذن، كان يعذب على دينه، فروي أن أبا جهل قال له: أنت تقول أيضا فيمن يقول، فأخذه فبطحه على وجهه وسلقه في الشمس، وعمد إلى رحى فوضعها عليه، فجعل يقول: أحد أحد، وكان على ما روي: إذا أراد المشركون أن يقاربهم، قال: الله الله، قال: فلقي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أبا بكر، فقال: «لو كان عندنا اشترينا بلالا» ، فلقي أبو بكر العباس بن عبد المطلب، فقال له: اشتر لي بلالا، فاشتراه العباس من سيده، فبعث به إلى أبي بكر فأعتقه، فكان يؤذن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى مات، فلما مات - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد أن يخرج إلى الشام، فقال له أبو بكر: بل تكون عندي، فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كانت أعتقتني لله عز وجل فذرني أذهب إلى الله عز وجل، فقال: اذهب، فذهب إلى الشام، فكان بها حتى مات، وكان أمية بن خلف ممن يعذبه ويوالي عليه بالعذاب والمكروه، فكان من قدر الله أن قتله بلال يوم بدر، فقال فيه أبو بكر الصديق أبياتا منها قوله: هنيئا زادك الرحمن خيرا ... فقد أدركت ثارك يا بلال ذكر هذا ابن عبد البر في كتاب الصحابة على حسب ما أتى من ذلك في السير.

ومنهم عامر بن فهيرة، كان مولدا مرت مولدي الأزد، أسود اللون مملوكا لطفيل بن عبد الله بن شجرة، فأسلم وهو مملوك، فاشتراه أبو بكر من الطفيل فأعتقه وأسلم قبل أن يدخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها إلى الإسلام، وكان يرعى الغنم في ثور، ثم يروح بها على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر في الغار، وكان رفيقا لهما في هجرتهما إلى المدينة، وشهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة، وهو ابن أربعين سنة، قتله عامر بن الطفيل، ويروى عنه أنه قال: رأيت أول طعنة طعنتها عامر بن فهيرة مورا خرج منها. وروي: أنه طلب يومئذ في القتلى فلم يوجد، فكانوا يرون أن الملائكة رفعته. وبقية السبعة المذكورين: أم عبس، وزبيرة ويروي وزنيرة، فأصيب بصرها حين أعتقها، فقالت قريش: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذبوا وبيت الله، ما تضر اللات والعزى ولا تنفعان، فرد الله إليها بصرها، والنهدية أعتقها وبنتها، وكانت لامرأة من بني عبد الدار، فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها، وهي تقول: والله لا أعتقكما أبدا، فقال أبو بكر: حل يا أم فلان، فقالت: حل؟ أنت أفسدتهما، فأعتقهما، قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا، قال: قد أخذتهما، هما حرتان، أرجعا إليها طحينها، قالتا: أونفرغ منه يا أبا بكر، ثم نرده إليها، قال: وذلك إن شئتما. ومر بجارية بني مؤمل حي من بني عدي بن كعب، وكانت مسلمة وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام وهو يومئذ مشرك وهو يضربها، حتى إذا مل، قال: إني أعتذر إليك أني لم أتركك إلا ملالة، فتقول: كذلك فعل الله بك، فابتاعها أبو بكر فأعتقها، وروي: أن أبا قحافة قال لأبي بكر: يا بني، إنك تعتق رقابا ضعافا، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك

ما جاء في القدر

ويقومون دونك، فقال أبو بكر: يا أبي إني إنما أريد ما أريد، فيتحدث ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه وفيما قال له أبوه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6] إلى قوله: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 19] {إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل: 20] {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 21] ، وبالله التوفيق. [ما جاء في القدر] قال: وسمعت مالكا يقول لرجل: سألتني عن القدر؟ فقال له الرجل: نعم. قال: يقول تبارك وتعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] حقت كلمة ربك ليملأن جهنم منهم، فلا بد أن يكون ما قال. قال محمد بن رشد: هذه آية بينة في الرد على أهل القدر كما قال، وذلك لأنهم يقولون: إن الله تبارك وتعالى أمر عباده بالطاعة وأرادها منهم، ونهاهم عن المعصية ولم يردها منهم، فلم يكن ما أراد من الطاعة وكان ما لم يرد من المعصية؛ لأن العباد عندهم خالقون لأفعالهم بمشيئتهم وإرادتهم دون إرادة ربهم وخالقهم، وذلك ضلال بين وكفر صريح عند أكثر العلماء، لأنهم يلحقون العجز بالله تعالى، بأن يكون ما لا يريد ويريد ما لا يكون، والجهل به أيضا، لأنهم إذا كانوا هم الخالقون لأفعالهم بمشيئتهم فلا يعلم وقوعها منهم على قولهم حتى يفعلوها، وهذا كفر صريح وتكذيب لقوله عز وجل في غير ما آية من كتابه، من ذلك قوله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] ،

وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125] ، وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] ، وقال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] ، وقال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وقال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] ، والآيات في الرد عليهم أكثر من أن تحصى وأبين من أن تخفى، وقد قال عون بن معمر: سمعت سعيد بن أبي عروة وكان يذهب مذهب أهل القدر، يقول: ما في القرآن آية أشد علي من قوله: {إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 155] ، قال: فقلت: القرآن يشق عليك، والله لا أكلمك أبدا، فما كلمه حتى مات، فرحم الله عون ابن معمر، والآثار في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - متواترة لا تحصى، من ذلك قوله: «كل شيء بقدر» ، وقوله: «لا تسأل المرأة طلاق أختها [لتستفرغ صحفتها] ، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها» ، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره واستخرج منه ذرية،

ما جاء في أن لله عبادا أهل عافية في الدنيا والآخرة

فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار» ، وقول آدم لموسى في حديث محاجته له: «أتلومني على أمر قد قدر عَلَيَّ قبل أن أخلق» ، وقد مضى هذا كله في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب المحاربين والمرتدين لتكرار المسألة هناك، وبالله التوفيق. [ما جاء في أن لله عبادا أهل عافية في الدنيا والآخرة] في أن لله عبادا أهل عافية في الدنيا والآخرة قال مالك: إن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن لله عبادا أهل عافية في الدنيا والآخرة» . قال محمد بن رشد: المعنى في هذا الحديث بين، لأنك قد تجد الرجل يكون له المال الحلال من ميراث أو غيره، فيكون مدة حياته معافى في بدنه وماله، ويكون مع هذا من أهل الخير والصلاح، فينقلب من خير إلى خير، وبالله تعالى التوفيق. [مناداة النبي عليه السلام لأهل قليب بدر من المشركين] في مناداة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأهل قليب بدر من المشركين قال مالك: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأهل قليب

ما جاء في أهل بدر

بدر من المشركين: {قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44] قالوا: يا رسول الله، إنهم أموات أفيسمعون، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنهم ليسمعون ما أقول» . قال محمد بن رشد: وقد روي أنه قال: «ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون» ، ومن هذا المعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الميت إذا دفن وانصرف الناس عنه: «إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين» ، وقد قيل: المعنى في ذلك أنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول لهم حقا، لا أنهم يسمعون ما يقال لهم؛ لأن الله عز وجل قال: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] ، وقال: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] ، وهو قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، والأظهر أن يحمل الحديث على ظاهره من أنهم سمعوا ما قاله لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إذ قد علم بتظاهر الآثار أن الميت إذا مات يعاد إليه الروح ويفتن في قبره بمسائلة منكر ونكير، ويعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة، وقد قيل: إن الآيات المذكورات إنما وردت في الكفار على المثل بأنهم لا ينتفعون بما يسمعونه كما لا ينتفع الموتى بما يسمعونه. [ما جاء في أهل بدر] 17 -

صفوان حين أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاه هل كان مسلما أم لا

ما جاء في أهل بدر قال مالك: بلغني أن «جبريل قال للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كيف أهل بدر فيكم؟ قال: إنهم خيارنا. قال: إنهم كذلك فينا» . قال محمد بن رشد: يريد أن من شهد بدرا من الملائكة الذين أمد الله بهم نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والمؤمنين حيث يقول: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ - إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ} [آل عمران: 123 - 124] {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125] هم خيار الملائكة، كما أن من شهدها منكم خياركم، وهذا نهاية في الفضل لأهل بدر، وبالله التوفيق. [صفوان حين أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاه هل كان مسلما أم لا] في صفوان حين أعطاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أعطاه، هل كان مسلما أم لا؟ وسئل مالك: عن صفوان حين أعطاه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما أعطاه، أكان مسلما أو مشركا؟ قال: ما سمعت فيه شيئا ولا أراه إلا مشركا، لقد قال: لرب من قريش خير من رب من هوازن. وما هذا بكلام مسلم، وكان من أشدهم قولا حين قال صفوان: لقد أكرم الله أمية حين لم ير هذا الأسود فوق الكعبة، قال أبو سفيان بن حرب: أما أنا فلا أقول شيئا، إن تكلمت بلغته هذه الحصباء، وقال رجل من آل خالد بن أسيد: ما أحد لهذا الأسود؟ يريد بلالا، قال: وكان سهيل بن عمرو من أشدهم قولا، قال لهم: يا قوم دعوا هذا، فإن كان من الله أمضاه الله.

سن عبد الله بن عمر

قال محمد بن رشد: قوله حين أعطاه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما أعطاه يريد من غنائم حنين، وذلك أنه أعطى منها عطايا وافرة لأشراف قريش وغيرهم من المؤلفة قلوبهم، فأعطى منها لصفوان بن أمية مائة بعير، وكذلك أعطى لعيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة بعير، وكانوا أشرافا فأعطاهم يتألفهم ويتألف قومهم بهم، وكذلك أعطى لجماعة سواهم من المؤلفة قلوبهم مائة بعير، منهم أبو سفيان بن حرب، وابنه معاوية، والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو. وقول صفوان "لرب من قريش خير من رب هوازن " الذي استدل به مالك على أنه لم يكن يومئذ مسلما، قاله يوم حنين، وذلك أنه حمل المشركون على المسلمين حملة رجل واحد، فجال المسلمون جولة ثم ولوا مدبرين، فمر رجل من قريش بصفوان بن أمية، فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه، فوالله لا يجبرونها أبدا، فقال له صفوان: أتبشرني بظهور الأعراب؟ فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب من هوازن، وكان صفوان قد هرب من مكة يوم الفتح ثم رجع إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فشهد معه حنينا والطائف وهو كافر، وامرأته مسلمة، أسلمت يوم الفتح قبل صفوان بشهر، ثم أسلم صفوان، فَقُرَّا على نكاحهما، وكان من أشراف قريش في الجاهلية، وهو أحد المؤلفة قلوبهم وممن حسن إسلامه منهم. والمؤلفة قلوبهم قوم من صناديد مضر كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يعطيهم من الزكاة أيضا يتألفهم على الإسلام ليسلم بإسلامهم من وراءهم؛ لأن الله تعالى جعل لهم فيها سهما، وقد مضى الكلام على هذا في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب زكاة العين، وبالله التوفيق. [سن عبد الله بن عمر] في سن عبد الله بن عمر وحكاية عن سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال مالك: سنو عبد الله بن عمر سبع وثمانون سنة، قال

ما كان عليه عمررضي الله عنه من التفقد لأحوال رعيته

مالك: بلغني أن سعيد بن المسيب لما حبس بعث إليه أهله بخبز ولحم، فقال سعيد: لا أذوقه، أرأيت الأقراص الأربعة التي كنت آكلهن فابعثوا بهن إلي، قال: وكان معهم رجل في الحبس يبعث إليه أهله الألوان من الطعام، فقال له سعيد: أرأيت ما تريد أن تبرح من هذا الموضع. قال محمد بن رشد: المعنى فيما فعله سعيد بن المسيب من تركه لأكل ما أرسل إليه من الخبز واللحم هو أنه أراد ترك التنعم في السجن بشيء من الطعام ليكون أجره في السجن موفورا، وكان سجنه والله أعلم، أما إذ دعاه جابر بن الأسود الزهري عامل المدينة إلى بيعة ابن الزبير فأبى أن يبايع له حتى يجتمع الناس عليه، فضربه ستين سوطا، وإما إذ دعا عبد الملك بن مروان الناس إلى البيعة للوليد بعده ثم سليمان بعد الوليد، فبايعوا وكتب إلى هشام بن إسماعيل المخزومي أن يأخذ لهما بيعة الناس بالمدينة ففعل، وبايع الناس لهما إلا سعيد بن المسبب فإنه أبى، وقال: لا أبايع وعبد الملك حي، فضربه هشام ضربا مبرحا وألبسه ثياب شعر وسرحه إلى ثنية بالمدينة، كانوا يقتلون ويصلبون عندها، فظن سعيد أنهم يريدون قتله، فلما انتهوا به إلى ذلك الموضع ردوه وبلغ عبد الملك خبره، فقال: قبح الله هشاما فيما فعل، لكان أخرج إلى صلة وجهه من أن يضربه، فإنا لنعلم أن ابن المسيب ما عنده شقاق ولا خلاف، وبالله التوفيق. [ما كان عليه عمررضي الله عنه من التفقد لأحوال رعيته] فيما كان عليه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من التفقد لأحوال رعيته قول مالك: إن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مر بحمار

ما عفا الله عنه فلم يذكره بتحليل ولا تحريم

عليه لبن فوضع عنه طوبتين، قال: فأتت سيدته عمر فقالت: يا عمر، ما لك ولحماري إنك عليه سلطان؟ قال: فما يقعدني في هذا الموضع؟ وسئل مالك: عن حديث عمر بن الخطاب حين ذكر رقيق الحوائط إذ كان يخرج إليهم فيخفف عن ثقلهم ويزيد في رزق من أقل له، أكان ذلك في رقيق الناس؟ قال: نعم وغيرهم من الأحرار من عمل ما لا يطيق، فقلت له: فإن الولاة عندنا يوكلون الشرط، فمن مر به بحمل ثقيل من جمل أو بغل أن يخففوا عنه، قال: أرى أن قد أصابوا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته ... » الحديث، وقد قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لهذا الحديث وما كان في معناه: لو مات جمل بشط الفرات ضياعا لخشيت أن يسألني الله عنه. [ما عفا الله عنه فلم يذكره بتحليل ولا تحريم] فيما عفا الله عنه فلم يذكره بتحليل ولا تحريم قال مالك: سمعت من أرضى به يأثره عن غيره: "إن الله تبارك وتعالى أحل حلالا وحرم حراما وأشياء عفا عنها الله فدعوها". قال محمد بن رشد: هذا يدل على أنه لا يستباح إلا ما أباحه الله تعالى، وأن المسكوت عنه محظور، وقد قيل: إن المسكوت عنه مباح، وإلى هذا ذهب أبو الفرج.

تفسير الراسخين في العلم

وجه القول الأول من طريق النظر: أنه قد ثبت أن الأشياء ملك مالك، والأصل أنه لا يستباح ملك أحد إلا بإذنه. ووجه القول الثاني: أن خلق الله له دليل على الإباحة؛ إذ يقول: {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] ، فوجب أن يكون ما عدا هذا مما لم يثبت فيه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهي مباحا، وبالله تعالى التوفيق. [تفسير الراسخين في العلم] في تفسير الراسخين في العلم وسئل مالك: عن تفسير {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] ، قال: العالمون العاملون بما علموا المتبعون له. قال محمد بن رشد: قول مالك في الراسخ في العلم: إنه العالم العامل بما علم المتبع له، معناه: أنه العالم المتحقق بما علم العالم العامل به المتبع له - هو معنى ما روي من «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، سئل: مَنِ الراسخ في العلم؟ فقال: " من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام به قلبه، وعف بطنه، فذلك الراسخ في العلم» ، ويشهد بصحة هذا قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] لأنه كلام يدل على أنه من لم يخش الله فليس بعالم. وقد اختلف في قوله عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] . فقالت طائفة: إن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابهات،

والكلام يتم عند قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] ، أي: والراسخون في العلم يعلمون تأويله، ويقولون مع العلم بتأويله: آمنا به. وقالت طائفة: المتشابهات مما استأثر الله بعلمها، فلا يعلم تأويلها إلا الله، والكلام يتم عند قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] ، ثم يحسن الوقف، ثم يبدأ القارئ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] ، وهذا هو نص قول مالك في رسم البيوع الأول من سماع أشهب بعد هذا. وقد اختلف في المتشابهات التي عناها الله بقوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] ، ما هي؟ فقيل: إن المتشابهات من القرآن منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به. وقيل: إنه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه دون خلقه، وذلك نحو الخبر عن وقت نزول عيسى ابن مريم، وطلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وفناء الدنيا، وما أشبه ذلك مما لا يعلم أحد إلا الله تعالى، وكذلك الحروف المقطعة مثل "الم والمص" وما أشبه ذلك، فعلى هذين القولين لا يعلم تأويل المتشابهات إلا الله. وأما من قال في المتشابهات: إنها المشكلات من الأحكام التي لا نص فيها في الكتاب وإنما جاءت فيه مجملة غير مفسرة ولا مبينة، فالراسخون في العلم يعلمون تأويلها بما نصب الله لهم من الأدلة على معرفتها، وبينه لهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - منها؛ لأن الله عز وجل يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] ، والمعنى في ذلك: أنه

حكم أرض العنوة

عز وجل نص على بعض الأحكام وأحال على الأدلة في سائرها، وأما المحكم فهو البين الذي لم ينسخ وبالله التوفيق. [حكم أرض العنوة] في حكم أرض العنوة قال مالك: وبلغني أن بلالا كلم عمر بن الخطاب في هذا المال في الشام في قسمه، وكان من أشد الناس عليه كلاما فزعم من ذكر أن عمر دعا عليهم، فقال: اللهم اكفنيهم، قال مالك: وبلغني أنه ما حال الحول وواحد منهم حي، قال ابن القاسم: وإنما كان بلال وأصحابه سألوا عمر أن يقسم الأرض التي أخذت عنوة بين الناس فأبى ذلك عليهم عمر، قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: ليس من الشأن قسم الأرض، ولكن تترك لحالها، قال مالك: وكل ما افتتح بعد عمر من العنوة فالشأن فيها أن تترك كما فعل عمر، قال لي سحنون: وحدثنا ابن القاسم عن ابن كنانة أنه كان يقول ذلك، قال سحنون: وأخبرني به ابن نافع عن مالك. قال محمد بن رشد: ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمس أرض خيبر وقسمها بن الموجفين عليها بالسواء، وأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أبقى سواد العراق ومصر وما ظهر عليه من الشام؛ ليكون ذلك في أعطية المقاتلة وأرزاق المسلمين ومنافعهم. فقيل: إنه استطاب أنفس المفتتحين لها، فمن سمح بترك حقه منها أعطاه فيه الثمن، فعلى هذا لا يخرج فعله عما فعله النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في أرض خيبر، وإلى هذا ذهب بعض أهل العراق وقال: إن أقر أهلها فيها لعمارتها كانت ملكا لهم بدليل ما روي أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وضع الخراج على بياضها وسوادها؛ إذ لو كانت للمسلمين لكان وضع الخراج

على سوادها بيعا للثمرة قبل أن تخلق. وقيل: إنه أبقاها بغير شيء أعطا الموجفين عليها، وإنه تأول في ذلك قول الله عز وجل في آية الحشر: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] الآية، وإلى هذا ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه خلافا للشافعي في قوله: إنها تقسم كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أرض خيبر. وقد اختلف على هذا في آية الفيء وآية الغنيمة التي في سورة الأنفال، فقيل: إنهما محكمتان على سبيل التخيير في أرض العنوة بين أن تقسم كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أرض خيبر مبينا لآية الأنفال أنها على عمومها، وبين أن تبقى كما أبقاها عمر بدليل آية الحشر، وإلى هذا ذهب أبو عبيد، وهو قول أكثر الكوفيين: إن الإمام مخير بين أن يقسمها كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أرض خيبر وبين أن يبقيها كما فعل عمر في سواد العراق. وقيل: إن آية الحشر ناسخة لآية الأنفال؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين بفعله في أرض خيبر أنها على عمومها في جميع الغنائم من الأرض وغيرها، وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضي. وقيل: إن آية الحشر مخصصة لآية الأنفال ومفسرة لها، ومبينة أن المراد بها ما عدا الأرض من المغانم، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما قسم أرض خيبر؛ لأن الله وعدها أهل بيعة الرضوان، فقال: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح: 20] فهي مخصوصة بهذا الحكم

ما ذكر في بلال

دون سائر الأرضين المغنومة. وإذا أبقى الإمام أرض العنوة وأقر فيها أهلها لعمارتها ضربت عليهم الجزية على ما فرض عمر وسوقوا في السواد، ووضع عليهم الخراج في البياض بقدر اجتهاد الإمام، وهو وجه قول مالك في المدونة: لا علم لي بجزية الأرض وأرى أن يجتهد الإمام في ذلك ومن حضره إن لم يجد علما يشفيه، أي إن لم يثبت عنده مقدار ما وضع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عليها من الخراج؛ لأنه إنما توقف في مقدار ذلك، [وقيل: إنه إنما توقف هل عليها خراج أم لا خراج عليها وتترك لهم يستطيعون بها على أداء الجزية دون خراج؟] [فيما خراج أم لا معينون بها؟] وقيل: إنه إنما توقف فيما يوضع عليها من الخراج هل يسلك به مسلك الفيء أو مسلك الصدقة، قال ذلك الداودي، وحكى عن ابن القاسم أنه قال: والذي ينحو إليه مالك أن يسلك به مسلك الفيء، وهذا التأويل أبعد التأويلات عندي، وذهب ابن لبابة إلى أن جزية الأرض توضع فيما أوقف الأرض له الإمام، فقال: إنما توقف مالك فيما يصنع فيها، إذا لم يدر لماذا أوقفها الإمام، ولا إن كانت افتتحت عنوة بقتال أو عنوة بغير قتال، واحتار هو إذا جهل ذلك أن تحمل على أنها افتتحت عنوة بقتال أو عنوة بغير قتال، فتكون أربعة أخماس ذلك لورثة من افتتحه إن عرفوا، وإلا كان سبيل ذلك كله سبيل الخمس، وبالله التوفيق. [ما ذكر في بلال] فيما ذكر في بلال قال مالك: بلغني أن بلالا ذكر له أن عمر بن الخطاب غضب غضبا شديدا، فقال: لو كنت عنده لم أزل أقرأ عليه القرآن

متى وقعت غزوة تبوك

حتى يسكن، قال مالك: بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبلال: «إني رأيت أني دخلت الجنة، وأني سمعت خشفا أمامي. فقلت: من هذا؟ فقيل لي: بلال» ، فزعم أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما ذكر له ذلك بكى. قال محمد بن رشد: إنما قال بلال: لو كنت عند عمر حين غضب لقرأت عليه القرآن حتى يسكن؛ لعلمه أنه كان وقافا عند كتاب الله، فأراد والله أعلم أنه كان يقرأ عليه من القرآن ما يعظه في غضبه، مثل قوله عز وجل: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] ، ومثل قوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] ، ومثل قوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] ، وما أشبه ذلك من المواعظ في الغضب، وفي رؤية النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبلال في الجنة شهادة له بها؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، وبكاؤه حين أعلمه بما رآه له كان شوقا إلى الجنة، والله أعلم. [متى وقعت غزوة تبوك] في أن غزوة تبوك كانت بعد الفتح قال مالك: كانت غزوة تبوك بعد الفتح. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما قاله؛ لأن الفتح كان في رمضان سنة ثمان، وكانت غزوة تبوك بعد ذلك في رجب من سنة تسع، وهى آخر غزوة غزاها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد مضى قبل هذا ذكر هذا، وبالله التوفيق.

رغبة عمر في فعل الخير

[رغبة عمر في فعل الخير] في رغبة عمر في فعل الخير قال مالك: قال عمر بن الخطاب: أتراني لو حملت سمراء الشام إلى الجار أيأخذونها مني؟ ثم فقالوا: نعم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أيأخذونها في الجار فأكون قد أحسنت إليهم في ذلك وكفيتهم مؤنة نقلها، فقالوا: نعم، وبالله التوفيق. [قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة] في قدوم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم المدينة قال مالك: لما أن قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة نزل قباء فسمع به غلام من اليهود وهو على نخلة يجني رطبا ومعه قفة له، فتركها، ثم نزل حتى أتاه فرآه ثم رجع، فقالت له أمه: تركت متاعك وخرجت إلى هذا الرجل كأنك خرجت إلى موسى؟ قال: هو أخوه، قالت أمه: أفتتبعه؟ قال: لا والله لا أتبعه أبدا. قال محمد بن رشد: قد ذكره أصحاب السير أن أول من رآه حين قدم المدينة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل من اليهود، وكان قدومه على ما ذكر يوم الإثنين حين استوت الشمس لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، فنزل بقباء، وقد قيل غير ذلك، وكان أكثر أهل المدينة قد خرجوا ينظرون إليه، فلما ارتفع النهار وقلصت الضلال واشتد الحر يئسوا منه فانصرفوا، فكان أول من رآه هذا الرجل من اليهود. وهو في نخل له، فصاح بأعلى صوته يا بني قيلة، هذا جدكم قد جاء يعني حظكم، فخرجوا وتلقوه ودخل معهم المدينة فنزل على سعيد بن خيثمة، وقيل: على كلثوم بن الهرم، ونزل أبو

قتل أمية بن خلف

بكر على حبيب بن إساف، وقيل: على خارجة بن زيد، وكلاهما من بني الحارث ابن الخزرج. وكان من شأن هذا اليهودي الذي رأى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أول من رآه مع أمه ما ذكره في الحكاية من قوله: إنه أخو موسى يريد في النبوة، وقسمه أنه لا يتبعه؛ لأن اليهود قد كانوا عرفوا أنه نبي بنعت الله لهم إياه في التوراة، لكنهم كفروا به لأنهم كانوا يرجون أن يكون منهم، فلما كان من غيرهم حسدوه فكفروا به، قال الله عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] وبالله التوفيق. [قتل أمية بن خلف] في قتل أمية بن خلف قال مالك: أسر عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف وأراد به الفداء، فرآه بلال، فقال: لا نجوت إن نجا، فحرض عليه فقتله ابنا عفراء. قال محمد بن رشد: كان أمية بن خلف ممن تولى كبر بلال بالعذاب بمكة على الإسلام، ولذلك حرض على قتله حتى قتله. وقد حكى ابن عبد البر في كتابه الصحابة أن بلالا قتله حسب ما ذكرناه قبل هذا، فقد يحتمل أن يكون قتله إليه من أجل أنه كان سببه بتحريضه على ذلك، والله أعلم.

تواضع أهل الشرف في الإسلام

[تواضع أهل الشرف في الإسلام] في تواضع أهل الشرف في الإسلام قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب قال لأبي سفيان بن حرب: احمل علي هذا الحجر، فحمله، فحمد الله عز وجل عمر على ذلك، فقال: ما لك؟ كأنه أراد بذلك اختباره لقدر أبي سفيان في الجاهلية. قال مالك: ضرب عمر بن الخطاب ابنه عبيد الله في مشية رآه يمشيها فعاتبته أمه في ذلك فقال: إنه يجد في نفسه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين؛ لأن التواضع محمود والكبرياء مذموم، قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا» وبالله التوفيق. [تمني علي درجة عمر في الخير] في تمني علي درجة عمر في الخير قال مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما سجَّى على عمر بن الخطاب قال علي بن أبي طالب: ما تحت الخضراء ولا فوق الغبراء أحد كنت أحب أن ألقى الله بصحيفته غير هذا المسجى على سريره، وتكلم بذلك علي وعمر مسجى عليه في سريره. قال محمد بن رشد: في هذا تفضيل علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لعمر على عثمان، وهو الذي عليه أهل السنة.

الفتيا لمن لم يطلب

والحق أن أفضل الصحابة: أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وقد روي هذا عن مالك، وروي عنه أيضا الوقوف عن تفضيل بعضهم على بعض، وروي عنه أيضا تفضيل أبي بكر على عمر والوقوف عن المفاضلة بين علي وعثمان، والأول هو الذي يعتمد عليه من مذهبه والله أعلم. [الفتيا لمن لم يطلب] في كراهية الفتيا لمن لم يطلب العلم حق طلبه قال: وسمعت مالكا يقول: قال ابن هرمز ما طلبت هذا الأمر حق طلبه إذ استفتي، قال مالك: وهذا يفتي ولا يعلم ولم يتعلم ولم يطلب هذا الأمر حق طلبه، ولم يطلب هذا الأمر ممن يعرفه، فأنكر على مثل هؤلاء أن يفتوا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين؛ لأن ما يتعين على المعنى من الاجتهاد في الأحكام التي لا نص فيها في الكتاب ولا في السنة ولا فيما اجتمعت عليه الأمة يفتقر إلى القياس برد الفرع إلى الأصل بالمعنى الجامع بينهما، ووضع الأدلة في ذلك مواضعها، وذلك يخشى التقصير فيه ممن طلب الأمر حق طلبه فكيف بمن لم يطلبه حق طلبه وبالله التوفيق. [فضل حكيم بن حزام رضي الله عنه] في فضل حكيم بن حزام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال مالك: بلغني أن حكيم بن حزام أخرج ما كان أعطاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المؤلفة، فتصدق بذلك بعد ذلك. قال محمد بن رشد: قد قيل في حكيم بن حزام: إنه لم يكن من المؤلفة قلوبهم؛ فإن كان منهم على ما في هذه الحكاية فهو من الفضلاء

منهم، وكفى بعنوان فضله تصدقه بما أعطاه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في جملة المؤلفة قلوبهم، والمؤلفة قلوبهم قد حسن بعد ذلك إسلامهم حاشى عيينة بن حصن، فلم يزل مغمورا عليه، وأما سائرهم فيتفاضلون في الخير، منهم الخير الفاضل المجتمع على فضله كحكيم بن حزام، والحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، ومنهم دون ذلك في الفضل، وقد فضل الله النبيين وسائر عباده المؤمنين بعضهم على بعض وبالله تعالى التوفيق. تم الجزء الرابع من الجامع يتلوه إن شاء الله الكتاب الخامس

كتاب الجامع الخامس

[كتاب الجامع الخامس] [زهد طلق بن حبيب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كتاب الجامع الخامس ومن كتاب طلق بن حبيب حكاية عنه قال مالك: بلغني أن طلق بن حبيب، جلس إليه رجل ومعه الناس فدعا فذكر، فلما أراد أن يقوم قال: إنكم لن تستبقوا من أنفسكم باقيا، وإنكم لم تلوذوا من الدنيا بمنيع، وإن مجلسكم هذا آخر مجلس تجلسون من الدنيا، وكذلك الدنيا حتى تنقضي المجالس. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أنه جلس للناس يعظهم ويذكرهم، فكان من آخر قوله لهم حين أراد أن يقوم: إنكم لن تستبقوا من أنفسكم باقيا، وإنكم لم تلوذوا من الدنيا بمنيع يريد أنهم أتعبوا أنفسهم في طلب الدنيا، واستنفذوا جهدهم في ذلك ولم يحصلوا منها على طائل. وأما قوله: وإن مجلسكم هذا آخر مجلس تجلسون من الدنيا، فالمعنى في ذلك عندي والله أعلم أنه كره لنفسه جلوسهم إليه ليعظهم ويذكرهم، وعزم ألا يعود إلى ذلك، فقال لهم: إن هذا المجلس آخر مجلس تجلسون فيه إلي، وكذلك أمور الدنيا كلها إلى انقراض وتمام، وبالله التوفيق.

الشرط يبعثون في الأمر يكون بين الناس بجعل في أموالهم

[الشرط يبعثون في الأمر يكون بين الناس بجعل في أموالهم] في الشرط يبعثون في الأمر يكون بين الناس بجعل في أموالهم قال مالك: كان زياد بن عبيد الله يبعث شرطا في الأمر يكون بين الناس في المناهل ويجعل لهم في أموالهم جعلا فنهيته عن ذلك وقلت: إنما هذا على السلطان يرزقهم، فقيل له: فإن أمير المؤمنين جعل لمن ولي عليهم شركا معهم فيما اشتروا، قال: ما أشرت به ولا أمرته بذلك، ثم قال: إن هناك أمورا يخاف منها ما يخاف، وفسر فيها تفسيرا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الواجب أن يجعل للشرط المتصرفين بين أيدي القضاة في أمور الأحكام رزق من بيت المال؛ لأن ذلك من المنافع التي تعم الناس، فإن لم يفعل كان جعل الغلام المتصرف بين الخصمين على الطالب في إحضار خصمه المطلوب، إلا أن يلد المطلوب ويختفي ويغيب تعنتا بالطالب فيكون الجعل في إحضاره عليه. وأما أن يجعل لمن ولي على أهل السوق شركا معهم فيما اشتروا فالمكروه فيه بين، وذلك أنه إذا كان له معهم شرك فيما اشتروا سامحهم في الفساد لما له فيه من النصيب، وقال هاهنا: فإن أمير المؤمنين، وقال في كتاب السلطان: فإن صاحب السوق وهو الصحيح والله أعلم. [التحدث عن بني إسرائيل] في التحدث عن بني إسرائيل وسئل مالك عما ذكر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» ، قال: لم أسمع به من ثبت، فأما ما كان من كلام حسن فلا بأس. قال محمد بن رشد: ذكر الطحاوي هذا الحديث عن عبد الله بن

ترك قبول العطاء

عمرو بن العاص أنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» ، وقال: إن معنى قوله: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» أي ولا حرج في ترك الحديث عنهم، فأباح أن يتحدث عنهم؛ إرادة أن يعلموا ما كان فيهم من العجائب؛ لأن الأنبياء كانت تسوسهم كلما مات نبي قام نبي ليتعظوا بذلك، ورفع الحرج عنهم في ترك التحدث بخلاف التحدث عنهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه أخذ الميثاق عليهم في التبليغ عنه، فقال: «بلغوا عني ولو آية» ، وتأويله خلاف تأويل مالك له في هذه الرواية؛ لأن الظاهر من قوله أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أباح التحدث عنهم بما يذكر أنه كان فيهم من العجائب وإن لم يأت ذلك بنقل العدل من العدل إذا كان من الكلام الذي لا يدفعه العقل؛ إذ ليس تحته حكم فيلزم التثبت في رواته وبالله التوفيق. [ترك قبول العطاء] في ترك قبول العطاء قال مالك: لما قدم ربيعة بن أبي عبد الرحمن على أبي العباس أمر له بجارية فأبى أن يقبلها، فأعطاه خمسة آلاف درهم يشتري بها جارية حين أبى أن يقبلها، فأبى أن يقبلها ورأيت ابن القاسم يعجبه فعل ربيعة ويستحسنه. قال محمد بن رشد: لما أبى أن يقبل الجارية تأول عليه أنه إنما أبى من قبولها مخافة ألا تكون خلصت لبيت المال بوجه صحيح، فأمر له

ما لا يجب فيه الحد من التعريض

بالدراهم التي لا تتعين، فأبى من قبولها أيضا. واستحب ذلك ابن القاسم. من فعله؛ لأن العباس لم يكن من أئمة العدل الذي مجباه حلال والمجبى إذا كان يشوبه حلال وحرام فأكثر أهل العلم يكرهون الأخذ منه، ومن أهل العلم من يكره الأخذ من المجبى الحلال إذا لم يعدل في قسمه، وأما إذا عدل في قسمه فلا بأس بالأخذ منه وتركه أفضل؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن خيرا لأحدكم أن لا يأخذ من أحد شيئا، قالوا: ولا منك يا رسول الله، قال: ولا مني» ؛ لأن من ترك حقه فيه، ولم يأخذه فقد أثر به غيره ممن يعطاه على نفسه، فله أجر ذلك، وبالله التوفيق. [ما لا يجب فيه الحد من التعريض] في ما لا يجب فيه الحد من التعريض وحدثني أن مروان بن الحكم جلد رجلا الحد قال لرجل: إن أمك لتحب الظلم فجلده الحد، قال ابن القاسم: قال مالك: ليس عليه العمل. قال محمد بن رشد: إنما لم ير مالك عليه العمل؛ إذ ليس عنده بتعريض بين لاحتمال أن يريد أنها تحب الظُّلَم لئلا يبدو قبح صورتها أو سماجة هيئتها وما أشبه ذلك من المعاني التي لا يراد بها الزنى، وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الحدود في القذف وبالله التوفيق. [النبيذ الذي يعمل في السقاية] في النبيذ الذي يعمل في السقاية وقال لمالك رجل من الحجبة: إنه يقال: إن النبيذ الذي

حكاية عن زيد بن أسلم

يعمل في السقاية من السنة، فقال: لا والله، يريد ما هو من السنة، فقيل له: إنه قد كان على عهد أبي بكر وعمر، وقال: ما كان على عهدهما، ولو ذكرت لكلمت أمير المؤمنين حين قدم علينا فيه، يقول: ليقطعه، وكرهه كراهية شديدة. قال محمد بن رشد: قد أنكر مالك أن يكون ذلك من السنة وأقسم على ذلك أن يكون على عهد أبي بكر وعمر، فكفى بقوله في ذلك حجة، واتباع رأيه في ذلك صواب ورشاد؛ لأن الرشد في إتباع السنة والأمر الماضي، وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الحج، ومالك يكره للرجل شرب النبيذ وإن كان حلالا؛ مخافة الذريعة، ولئلا يعرض بنفسه سوء الظن، فكيف بعمله في السقاية، وبالله التوفيق. [حكاية عن زيد بن أسلم] قال مالك: واستعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم، وكان معدنا لا يزال يصاب فيه الناس من قبل الجن، فلما وليهم شكوا ذلك إليه، فأمرهم بالأذان وأن يرفعوا أصواتهم به، ففعلوا وارتفع ذلك عنهم، فهم عليه حتى اليوم، وأعجبني ذلك من مشورة زيد بن أسلم. قال محمد بن رشد: إنما أمرهم زيد بن أسلم بذلك لما جاء في الحديث من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع النداء، فإذا قضى النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر» .. الحديث، فهو منه اهتداء حسن لما يذهب به ضرر

ما يحذر من تغير الزمان

الجن عن أهل ذلك المعدن، ولذلك أعجب مالكا ذلك من مشورته به وبالله التوفيق. [ما يحذر من تغير الزمان] فيما يحذر من تغير الزمان قال مالك: بلغني أنه يأتي على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغرق. قال محمد بن رشد: هذا هو الزمان الذي لا يؤمر فيه بمعروف ولا ينهى فيه عن منكر الذي أنذر به النبي عليه السلام والله أعلم، روي عن أنس بن مالك، قال: «قيل يا رسول الله: متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل، قيل: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهر الادهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الملك في صغاركم، والفقه في أراذلكم» ، وبالله التوفيق. [فتح خيبر] في افتتاح خيبر قال مالك: حدثني ابن شهاب، أن خيبر كان بعضها عنوة وفيها أربعون ألف عذق، وبعضها صلحا، والكتيبة أكثرها عنوة وفيها صلح، وقد كتب أمير المؤمنين أن تقسم مع صدقات النبي عليه السلام، فهم يقسمونها في الأغنياء والفقراء، فقيل له: أفترى ذلك؟ قال: لا، ولكن أرى أن يؤثر بها الفقراء. قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم نذر سنة وفي ذكر غزوة

تخيير عمرأزواج النبي عليه السلام بين الإقطاع أو الإنفاق

خيبر في رسم البز، وفي غيره من المواضع القول في افتتاح خيبر فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [تخيير عمرأزواج النبي عليه السلام بين الإقطاع أو الإنفاق] في تخيير عمر أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين الإقطاع أو الإنفاق قال مالك: خير عمر بن الخطاب نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجري عليهن نفقتهن أو يقطع لكل واحدة منهن قطيعا من الأرض، فكانت عائشة وحفصة قد اختارتا أن يقطع لهما فقطع لهما عمر بن الخطاب بذلك في الغابة. قال محمد بن رشد: إنما خير عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيما خيرهن فيه؛ لأن النفقة كانت لهن واجبة بعد موت النبي عليه السلام فيما أفاء الله عليه من بني النضير، وفدك، وسهمه بخيبر بقوله عز وجل: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [الحشر: 6] . كما كانت تجب لهن في حياته من أجل أنهن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - محبوسات عليه ليكن أزواجه في الجنة، محرمات على غيره، يبين ذلك قوله عليه السلام: «لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عائلي فهو صدقة» ، فكان أبو بكر الصديق بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يلي ما أفاء الله على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك بما كان يليه هو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حياته، فكان ينفق منه على عياله ويجعل ما بقي في الكراع والسلاح، وفي

الاستعاذة من الجار السوء

هذه الولاية تخاصم إليه علي والعباس ليليها كل واحد منهما بما كان يليها به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،، ثم سار عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد أبي بكر في ذلك بسيرة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأبي بكر، غير أنه خير أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيما تخترنه من إقطاع الأرض أو إجراء الإنفاق وقد مضى هذا في رسم جامع البيوع من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق. [الاستعاذة من الجار السوء] في الاستعاذة من الجار السوء قال مالك: وكان يقال اللهم إني أعوذ بك من جار سوء في دار إقامة. قال محمد بن رشد: المحنة بالجار السوء عظيمة، وقد روي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الدار ترد من سوء الجوار فالاستعاذة بالله منه واجبة. [غلظة مروان بن الحكم في الحد] في غلظة مروان بن الحكم في الحد وسئل مالك عن الذي جلده مروان الحد حين قال للرجل: أمك تحب الظلم أترى فيه الحد؟ قال: لا أرى ذلك عليه، ولقد كان مروان ينتزع ثنية الرجل؛ يقبل المرأة فينزع ثنيته لذلك. قال محمد بن رشد: أما حد القذف في التعريض بقول الرجل للرجل: إن أمك لتحب الظلم فله وجه، وإن كان مالك لا يرى ذلك ولا يأخذ به على ما تقدم من قوله قبل هذا في هذا الرسم، وأما نزع ثنية الرجل إذا قبل المرأة فلا وجه له بوجه، وقد أنكره مالك عليه، وبالله التوفيق. [دعاء الرجل بالموت] في دعاء الرجل بالموت قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز دعا رجلا فقال:

ادع لي بالموت، فقال الرجل: وأنت فادع لي به، فقال عمر للرجل: لِم لَم تدع لي بالموت وأنت مخلى؟ فقال: إني أحب ذلك، قال: فدعوا فمات عمر ولم يمت الرجل، وبقي فكان الرجل يقول بعد ذلك: إن عمر بن عبد العزيز كان صادقا يريد الموت، وإني لم أكن صادقا. قال سحنون قال ابن القاسم: قال لي مالك: والرجل رجل من أهل الشام كان له فضل، قال مالك: إني لأقول إن عمر بن الخطاب كان يحب ما يحب الناس من البقاء في الدنيا والمال والنساء، ولكنه خاف العجز فلذلك دعا الله اللهم اقبضني إليك غير مفرط ولا عاجز. قال محمد بن رشد: ما قاله مالك في قول عمر بن الخطاب اللهم اقبضني إليك غير مفرط ولا عاجز من أنه إنما دعا بذلك مخافة الغير في الدين مثلُه يقال في دعاء عمر بن عبد العزيز على نفسه بالموت: إنه إنما دعا بذلك لما كان امتحن به من أمر الخلافة فخشي على نفسه التقصير فيما يتعين عليه في أمرها فيقع في الحرج، فإنما فر من الإثم بطول الحياة، ولا يجوز لأحد أن يدعو لنفسه بالموت من أجل ضر نزل به، فقد جاء النهي في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، روي عنه أنه قال: «لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به، وليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي» وبالله تعالى التوفيق.

الأسير في قول الله عز وجل ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا

[الأسير في قول الله عز وجل وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا] في الأسير في قول الله عز وجل {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] هل هو مسلم أو مشرك؟ وسئل مالك عن قول الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] الأسير هل مسلم أو مشرك؟ قال: بل مشرك، وقد كان ببدر أسارى فأنزلت فيهم هذه الآية: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] وكانوا مشركين وقد افتدوا ورجعوا، ولو كانوا مسلمين قاموا ولم يذهبوا. قال محمد بن رشد: قد اختلف في المراد بالأسير في قوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] فقيل: الأسير هو الحربي من أهل دار الحرب يؤخذ قهرا بالغلبة، والمسلم يحبس في حق، فأثنى الله تبارك وتعالى على الأبرار الذين يطعمون الطعام على حبهم إياه هؤلاء الأصناف، وقيل: المراد الأسير الحربي الكافر يؤسر، وقيل: المراد به المسجون من أهل القبلة، والأظهر أن يحمل على كل أسير كان من أهل الإسلام، أو من أهل الكفر، وبالله التوفيق. [المقصورة في الجامع] في المقصورة في الجامع قال مالك: أول من جعل مقصورة مروان بن الحكم حين طعنه اليماني، قال فجعل مقصورة من طين وجعل فيها تشبيكا. قال محمد بن رشد: وجه قوله الإعلام بأن المقصورة محدثة لم

الطلوع على منبر النبي عليه السلام بخفين

تكن على عهد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولا على عهد الخلفاء بعده، وإنما أحدثها الأمراء للخوف على أنفسهم، وقد قيل: إن معاوية بن أبي سفيان هو أول من اتخذ المقاصير في الجوامع، وأول من أقام على نفسه حرسا، وأول من قيدت بين يديه الجنائب، وأول من اتخذ الخصيان في الإسلام، وأول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة، فاتخاذها في الجوامع مكروه، فإن كانت ممنوعة تفتح أحيانا وتعلق أحيانا فالصف الأول هو الخارج عنها اللاحق بها، وإن كانت مباحة غير ممنوعة فالصف الأول هو اللاحق بجدار القبلة داخلها، روى ذلك عن مالك. وقوله: وجعل فيها تشبيكا يريد تخريما يرى منه ركوع الناس وسجودهم للاقتداء بهم، وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة، وبالله التوفيق. [الطلوع على منبر النبي عليه السلام بخفين] في الطلوع على منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بخفين قال مالك: استشارني بعض ولاة المدينة أن يطلع منبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخفين ونهيته عن ذلك، ولم أر أن يطلعه بخفين، فقيل له: فالكعبة؟ فقال: إن بعض هؤلاء الحجبيين ممن قدم علينا يذكر أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى أن يطلع أحد الكعبة بنعلين، فقيل له: فالرجل يجعلهما في حجرته؟ فقال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من كراهيته أن يطلع أحد منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بخفين أو نعلين للإمام أو غير الإمام، وأن يدخل أحد البيت بنعلين أو خفين؛ إكراما لهما وترفيعا وتعظيما، إذ من الحق أن ينزها عن أن يوطأ بالخفاف والنعال المتخذة لصيانة القدمين عن المشي بهما

عدة من قتل وأسر من المشركين يوم بدر

في الطرق والمحاج وإن كانت طاهرة، ولم ير ابن القاسم بأسا في المدونة أن يدخل بهما في الحجر، وكره ذلك أشهب في المجموعة؛ لأن الحجر من البيت، قال: وكراهيتي لذلك في البيت أشد وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الحج، وبالله التوفيق. [عدة من قتل وأسر من المشركين يوم بدر] في عدة من قتل وأسر من المشركين يوم بدر قال مالك: بلغني أن قتلى بدر كانوا شبيها بمن أسر منهم، كان من قتل منهم بضعة وأربعين، ومن أسر كذلك بضعة وأربعين، وكان فداؤهم مختلفا لم يكن شيئا واحدا كان بعضهم في ذلك أكثر من بعض. قال محمد بن رشد: قد قيل: إن القتلى كانوا سبعين، والأسرى سبعين، وقد قال ابن عبد البر في كتاب الدرر له: لا يختلفون أن القتلى يومئذ سبعون والأسرى سبعون في الجملة، وقد يختلفون في تفضيل ذلك، وقد سمى أهل السير الأسرى منهم والقتلى ومن قتل كل واحد منهم وإن كانوا يختلفون في بعضهم، وبالله التوفيق. [ما روي عن حذيفة في قتل عثمان رضي الله عنه] فيما روي عن حذيفة في قتل عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال وحدثنا مالك: وقال معاوية من يحفظ حديث حذيفة؟ فقال عبد الرحمن بن غنم، فقال: كيف كان يقول؟ قال: اللهم إني لم أشارك غادرا في غدرته، وإني أعوذ بك من صباح السوء، قال مالك: أراه يعني الموت، فقال معاوية: كذب قد أعان على قتل عثمان، فقال ابن الأسود: دعوه فهو أعلم بما يتكلم به، قال له معاوية: وأنت قد أشركت في دمه، قال: أما أنا فنهيته عما قيل

فيه، فأنت أسلمته حين احتاج إليك، قال: فثنى معاوية برجله فدخل. قال محمد بن رشد: حذيفة بن اليمان من فضلاء الصحابة يعرف فيهم بصاحب سر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان عمر ابن الخطاب يسأله عن المنافقين وينظر إليه عند موت من مات منهم فإن لم يشهد جنازته حذيفة لم يشهدها عمر، وخيره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة، فليس ممن يتهم في أنه أعان على قتل عثمان، ولا يتهم في ذلك أحد أيضا من المهاجرين ولا الأنصار، روي عن الحسن أنه قيل له: أكان فيمن قتل عثمان أحد من المهاجرين والأنصار؟ قال: لا كانوا أعلاجا من أهل مصر، ولولا أنه منعهم من الدفاع عنه والقتال دونه لفعلوا، روي عن محمد ابن سيرين أنه قال: انطلق الحسن والحسين، وابن عمر، وابن الزبير، ومروان بن الحكم كلهم شاك في السلاح حتى دخلوا الدار، فقال

شرب الفلونية والترياق للمحرم

عثمان: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فخرج ابن عمر والحسن والحسين، وقاك ابن الزبير ومروان: ونحن نعزم على أنفسنا ألا نبرح ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وروي عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه قال: لو أن أحدا ارفض لما فعل بابن عفان كان محقوقا وهو كما قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإنه كان حدثا عظيما لم يجر في الإسلام مثله. وإنما منع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من الدفاع عنه والقتال دونه لعهد كان عنده في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، روي «عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ادع لي بعض أصحابي، فقلت: أبو بكر؟ فقال: لا، فقلت: عمر؟ قال: لا، فقلت ابن عمك علي؟ قال: لا، فقلت له عثمان بن عفان؟ قال: نعم، فلما جاء قال لي بيده، فتنحيت فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يساره ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر، قيل له: ألا تقاتل؟ قال: لا، إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عهد إلي عهدا وأنا صابر نفسي عليه» وبالله التوفيق. [شرب الفلونية والترياق للمحرم] في شرب الفلونية والترياق للمحرم وسئل مالك عن شرب الفلونية والترياق للمحرم وفيها الزعفران، قال: لا بأس به، والذي فيه من الزعفران ليس له قدر، لا يرى، وما أرى به بأسا، قال مالك حين ذكر شرب

تحديد عمر الحرم وموضع المقام من البيت

الترياق للمحرم: أشد من هذا عندي ما يصيب الناس في إحرامهم من طيب البيت وخلوقه، كأنه يرى أن لهم في ذلك سعة وأنه أمر لا يستطاع، يقول: فكيف يصنعون؟ قال محمد بن رشد: إنما جاز للمحرم شرب الفلونية والترياق؛ لأن الذي فيهما من الزعفران يسير لا قدر له ولا يظهر فيهما فلم ير له حكما لما كان مستهلكا فيهما، كما أن لبن المرأة عنده إذا خلط بالطعام وعصد به حتى صار هو الغالب عليه لم يقع به حرمة، فليس ذلك بخلاف لما في المدونة وغيرها من أن المحرم لا يأكل الطعام الذي فيه الزعفران إلا أن يكون قد مسته النار، قال ابن حبيب فتعلك بالطعام حتى صار لا يصبغ اليد ولا الشفة لهذه العلة ولمعنى آخر أيضا وهو أن الفلولنية والترياق إنما يشربان لضرورة التداوي، فليس بمنزلة الطعام الذي يؤكل من غير ضرورة، يدل على هذا التعليل تقييد مالك ذلك بما يصيب الناس في إحرامهم من طيب الكعبة وخلوقها؛ لأنهم مضطرون إلى ذلك فأشبه ضرورة التداوي، وبالله التوفيق. [تحديد عمر الحرم وموضع المقام من البيت] في تحديد عمر الحرم وموضع المقام من البيت قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب هو الذي حد علم الحرم وأنه حين أراد أن يحده أرسل إلى ناس كانوا يدعون في الجاهلية أهل معرفة بذلك الموضع، فسألهم عن ذلك فحددوها ووضعوا أنصابها. قال مالك: كان المقام ملتصقا بالبيت، وكان الطواف من ورائه، وإنما ألصق لمكان السيل خيف عليه منه فقدم، فلما ولي عمر ابن الخطاب أخرجه إلى هذا الموضع، وهو موضعه الذي كان

ما يختار للراعف من البناء أو القطع

فيه في الجاهلية، وأنه وجد خيوطا كان قد قيس بها موضعه حين هدم فقاسه بها حتى رده إلى موضعه. قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا في رسم اغتسل ومثله في المدونة بمعناه، وفيه الفضيلة لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما تهمم به من ذلك وصنعه، وبالله التوفيق. [ما يختار للراعف من البناء أو القطع] فيما يختار للراعف من البناء أو القطع قال: وقد كان بعض أهل العلم يقول: لأن أتكلم وأبتدِي أحب إلي من ألا أتكلم وأبني، قال: فكيف يعمل؟ لا يتكلم في وضوئه وينصت في ذلك كله!!! ورأيه أن يتكلم ويبتدي. قال محمد بن رشد: ليس البناء في الرعاف بواجب، وإنما هو من قبل الجائز، وقد اختلف في المختار المستحب من ذلك، فاختار ابن القاسم القطع، وهو قول بعض أهل العلم في هذه الرواية: لأن أتكلم وأبتدى أحب إلي من ألا أتكلم وأبني، وهو القياس، فإن ابتدأ ولم يتكلم أعاد الصلاة. واختار مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - البناء على الاتباع للسلف بأن خالف ذلك القياس والنظر، وهذا على أصله في أن العمل أقوى من القياس؛ لأن العمل المتصل لا يكون أصله إلا عن توقيف، وهو قوله في هذه الرواية: إنه لا يتكلم في وضوئه وينصت في ذلك كله. وقوله في آخر الكلام: ورأيه أن يتكلم ويبتدئ هو من قول مالك حكاية عما اختاره بعض أهل العلم على ما حكي عنه، وقد ذكر ابن حبيب ما دل على وجوب البناء، وهو قوله: إن الإمام إذا رعف فاستخلف بالكلام جاهلا أو متعمدا بطلت صلاته وصلاتهم، فجعل قطعه صلاته بالكلام بعد

تفسير قول الله عز وجل وما رميت إذ رميت

الرعاف يبطل صلاتهم كما لو تكلم جاهلا أو متعمدا بغير رعاف، والصواب ما في المدونة أن صلاتهم لا تبطل؛ لأنه إذا رعف فالقطع له جائز في قول، ومستحب في قول، فكيف تبطل صلاة القوم بفعله ما يجوز له أو ما يستحب له؟ وبالله التوفيق. [تفسير قول الله عز وجل وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ] في تفسير قول الله عز وجل {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: 17] وقول أم سليم للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يوم حنين وسئل عن قول الله تعالى وتبارك: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] ، قال في حصب رسول الله المشركين يوم حنين. قال مالك: «وقالت له أم سليم ذلك اليوم من يا رسول الله يضرب رقاب هؤلاء المنهزمين؟ وهي قابضة بعنان بغلته، قال: أويأتي الله عز وجل يا أم سليم بخير من ذلك» قال مالك وكانت عائشة مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الخندق. قال محمد بن رشد: قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول الله عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] إن ذلك في حصب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المشركين يوم حنين صحيح لا اختلاف فيه من أهل العلم بالتفسير، ولم ينف الله عنه عز وجل الرمي جملة وإن كان الله عز وجل هو الفاعل له الخالق لكل شيء، قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] ؛ لأن للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه الكسب الذي يثاب عليه ويسمى

به راميا حقيقة لا مجازا، وإنما الذي نفي عنه جملة الانتفاع الذي كان عن الرمي فانهزم به المشركون، وذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما واجهه العدو يومئذ صاح بهم صيحة وأخذ حصى أو ترابا ورمى بها في وجوههم، وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق منهم أحد إلا دخلت الحصاة والتراب في عينيه، فلم يملكوا أنفسهم ورجعوا على أعقابهم، ونادى مناديه يا آل المهاجرين يا آل الأنصار، فما تكامل المسلمون بالرجوع إليه إلا وأسرى المشركين بين يديه. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأم سليم: «أويأتي الله بخير من ذلك يا أم سليم» إذ قالت له ما قالت يريد ما فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الدعاء إلى الله عز وجل بإنجاز ما وعده به من النصر، وكذلك فعل، رفع يديه إلى الله عز وجل يدعو يقول «اللهم أسألك ما وعدتني» ونادى أصحابه وقبض قبضة من الحصى فحصب بها وجوه المشركين ونواحيهم كلها، وقال: «شاهت الوجوه» وأقبل إليه أصحابه سراعا يبتدرون، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الآن حمي الوطيس» فهزم الله أعداءه من كل ناحية، حصبهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتبعهم المسلمون يقتلونهم، وغنمهم الله نسائهم وذراريهم وشاءهم وإبلهم، وفي ذلك قال الله عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] الآية، وقال عز وجل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25] الآية، إلى قوله: {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة: 26] . وفيما ذكره شهود النساء الغزوات ليخدمن الغزاة ويسقين الماء ويداوين الجرحى، ولا لسهم لهن من الغنيمة ولا للصبيان ولا للعبيد، واختلف أهل العلم هل يرضخ لهم من الغنيمة على غير وجه قسم، فلم ير ذلك

أول من استقضي

مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذهب ابن حبيب إلى أن ذلك مما يستحب للإمام أن يفعله، وهذا على الاختلاف هل للإمام أن ينفل من جملة الغنيمة وقد مضى الكلام على هذا في ذكر غزوة حنين من رسم البز، وبالله تعالى التوفيق. [أول من استقضي] في أول من استقضي قال مالك: ما استقضى أبو بكر ولا عمر ولا عثمان قاضيا وما كان ينظر في أمور المسلمين غيرهم حتى كان بعد. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم من قوله قبل هذا في رسم سئل عن تأخير صلاة العشاء في الحرس، من أن أول من استقضى معاوية يريد والله أعلم أنه أول من استقضى في موضعه الذي كان فيه؛ لاشتغاله بما سوى ذلك من أمور المسلمين كبعث البعوث وسد الثغور وفرض العطاء وقسم الفيء وما أشبه ذلك، فقد ولى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما ذكر قضاء البصرة أبا مريم الحنفي، ثم عزله وولى كعب بن سور اللقطي، فلم يزل قاضيا حتى قتل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وولى شريحا قضاء الكوفة، يدل على صحة تأويلنا هذا في هذه الرواية، قوله فيها: " وما كان ينظر في أمور المسلمين غيرهم، إذ لا يصح أن ينظروا هم بأنفسهم في أمور المسلمين إلا في مواضعهم التي هم فيها إلا فيما بعد من البلاد "، والذي مضى من قوله في رسم تأخير العشاء المذكور، ويأتي في رسم المحرم ما يرد هذا التأويل ويدفعه، وبالله التوفيق. [بركة اسم النبي عليه السلام] في بركة اسم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: سمعت أهل مكة يقولون: ما من أهل بيت فيهم اسم محمد إلا رزقوا، ورزق خيرا.

وصية عمر من كان رزق له في شيء أن يلزمه

قال محمد بن رشد: يحتمل أن يكونوا عرفوا ذلك بكثرة التجربة له، وأن يكون عندهم في ذلك أثر مروي وبالله تعالى التوفيق. [وصية عمر من كان رزق له في شيء أن يلزمه] في وصية عمر من كان رزق له في شيء أن يلزمه قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب قال: من كان له رزق في شيء فليلزمه. قال محمد بن رشد: ما حض عمر على هذا والله أعلم إلا وقد خشي على من هيأ الله تعالى له رزقا في شيء فلم يعرف حق الله تعالى فيما هيأ له منه فتركه إلى غيره ألا يخار له في ذلك، وما خشيه عمر ينبغي لكل مسلم أن يخشاه، فإنه كان ينطق بالحكمة، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله ضرب بالحق على قلب عمر ولسانه» ، فكان يرى الرأي بقلبه ويقول الشيء بلسانه فيوافق الحق فيه، وبالله تعالى التوفيق. [تفسير قول الله تعالى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ] في تفسير قول الله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] قال مالك في قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] قال: هي صلاة المؤمنين إلى بيت المقدس قبل أن تصرف القبلة، فلما أنزل صرف القبلة أنزل الله تعالى في هذا:

وجه الإطعام في الوليمة

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] للصلاة التي كانوا يصلونها تلقاء بيت المقدس. قال محمد بن رشد: إنما سمى الله عز وجل الصلاة إلى بيت المقدس إيمانا على ما قاله مالك في هذه الآية وغيره من أهل العلم وهو قول أكثر أهل التأويل والتفسير وذلك أنه مات على القبلة قبل أن تحول إلى الكعبة رجال وقتل آخرون فقال المسلمون: ليت شعرنا هل يقبل الله منهم ومنا صلاتنا إلى بيت المقدس أم لا؟ فأنزل الله عز وجل فيهم: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] : أي صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانا من أجل أنها كانت مقارنة للإيمان، ولذلك حصل الانتفاع بها والجزاء عليها، فسميت الصلاة باسم الأصل الذي يثبت لها الحكم بأنها طاعة إلا به وهو الإيمان، إذ لو تجردت من الإيمان لم تكن طاعة ولا حصل عليها مثوبة، وقد قيل: إن المعنى في ذلك، وما كان الله ليضيع إيمانكم بفرض الصلاة عليكم إلى بيت المقدس بأنفس الطاعات من الأقوال والأفعال؛ إذ لم يصح أن تسمى طاعات إلا بمقارنة الإيمان لها، فلا يصح على التحقيق أن يقال: إنها غير الإيمان؛ إذ لا تصح مفارقتها له ولا أنها الإيمان إذ الإيمان إنما هو التصديق الحاصل في القلب لا نفس الأقوال والأفعال كالصفة القديمة لا يصح أن يقال فيها: إنها هي الموصوف، ولا أنها غيره، وبالله تعالى التوفيق. [وجه الإطعام في الوليمة] في وجه الإطعام في الوليمة قال مالك كان ربيعة يقول: إنما يستحب الطعام في الوليمة لإثبات النكاح وإظهاره ومعرفته؛ لأن الشهود يهلكون. قال محمد بن رشد: يريد أن هذا هو المعنى الذي من أجله أمر

ما ذكر في الحبشة ومن أول من قدم مكة

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالوليمة وحض عليها بقوله لعبد الرحمن بن عوف: «أولم ولو بشاة» وما أشبه ذلك من الآثار. وقوله صحيح يؤيده ما «روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مر هو وأصحابه ببني زريق فسمعوا غناء ولعبا فقال: ما هذا؟ فقالوا: نكاح فلان يا رسول الله، فقال: "كمل دينه هذا النكاح لا السفاح ولا نكاح السر يسمع دف أو يرى دخان» ، وبالله التوفيق. [ما ذكر في الحبشة ومن أول من قدم مكة] فيما ذكر في الحبشة ومن أول من قدم مكة بالنرد والكتاب بالعربية وسئل مالك هل بلغك أن النبي عليه السلام قال: «ذروا الحبشة ما تركوكم؟» قال: أما عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلا، ولكن قد سمعته يقال، وقال مالك: أول من جاء بالنرد والكتاب بالعربية إلى أهل مكة رجل من أهل الحيرة. قال محمد بن رشد ليس في هذا معنى يشكل فيحتاج إلى التكلم عليه، وبالله التوفيق. [كثرة المنافقين في الناس] في كثرة المنافقين في الناس قال مالك: بلغني أن الحسن البصري كان يقول: لو ذهب المنافقون لاستوحشت الطرق.

قول الله تعالى وجعلني مباركا أين ما كنت

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا والله أعلم أنه أراد لو ذهب المراءون بإظهار الإيمان واعتقاد الكفر؛ لأن الغالب في الناس الرياء، وأما اعتقاد الكفر فليس بغالب في الناس، بل هو الأقل منهم، وإنما أراد الحسن بقوله هذا التحذير من الرياء والله أعلم. [قول الله تعالى وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ] في تفسير قول الله تعالى {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31] وسئل عن تفسير هذه الآية: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31] قال: ما أبينها لأهل القدر، أخبر بما هو كائن من أمره حتى يموت. قال محمد بن رشد: قوله ما أبينها لأهل القدر معناه ما أبينها لهم لو وفقوا في الاهتداء بها. وما أبينها لنا في الرد عليهم؛ لأن من جعله الله مباركا حتى يموت، فقد قدر عليه بأعمال السعادة حتى يموت، ومن جعله شقيا فقد قدر عليه بأعمال أهل الشقاء حتى يموت عليها. فالخير والشر بقضاء الله وإرادته، وقدره على العبد لا خروج له عما قدره الله عليه من ذلك وأراده، وهو مأمور بالخير ومنهي عن الشر، وإن كان الله قد قدره عليه فهو يعاقبه على ما له فيه من الكسب بمخالفة أمر الله فيما اكتسبه من الإثم. فالله عز وجل مريد لكل ما يكون من عبده من طاعة أو معصية تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد؛ فيلحقه العجز والنقص وذلك بين في الحجة من قول عمر بن الخطاب، وبالله التوفيق.

محبة الناس لمن اتقى الله

[محبة الناس لمن اتقى الله] في محبة الناس لمن اتقى الله وحدثني مالك عن زيد بن أسلم أنه كان يقول: اتق الله ابن آدم يحبك الناس وإن كرهوا، ولم يسمعه مالك منه. قال محمد بن رشد: إنما قال هذا زيد بن أسلم والله أعلم لأن من اتقى الله أحبه الله؛ لأن محبة الله لعبده إنما معناه إرادته لإدخاله جنته وتنعيمه منها، قال الله عز وجل: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] ، ومن أحبه الله وضع له القبول في الأرض [على ما جاء في الحديث من «أن الله إذا أحب العبد قال لجبريل: قد أحببت فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يضع له القبول في الأرض» ] ، ومعنى قوله: وإن كرهوا أنهم مغلوبون على محبته بما ألقى الله في نفوسهم منها، وبالله التوفيق. [حشف الثمر لعمر] في حشف الثمر لعمر قال: وحدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يحشف له الصاع من الثمر فيأكله كله، فقيل له: ما يحشف له؟ قال: يأكله بحشفه. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا قبل هذا في أول رسم البز فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [من يختار مجالسته] فيمن يختار مجالسته وقال مالك: قال نافع بن جبير بن مطعم لعلي بن حسين:

ترك التنعم مدة الشدة

إنك تجالس أقواما كأنه يعاقبه فيهم: يقول أهل دناءة، قال: فقال له علي بن حسين: إني أجالس من أنتفع به في ديني، وكان نافع رجلا يجد في نفسه، وكان علي رجلا له فضل في الدين. قال محمد بن رشد: معنى قوله أهل دناءة: أهل دناءة في الحسب، فكان علي بن حسين لتواضعه يجالسهم وإن كانوا أهل دناءة في الحسب لعلو مرتبتهم في الدين، وقد قال عمر بن الخطاب: كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها، فعليك بذات الدين» ، وبالله التوفيق. [ترك التنعم مدة الشدة] في ترك التنعم مدة الشدة وقال مالك: إن عمر بن الخطاب تألى ألا يأكل السمن حتى يحيى الناس من أول ما يحيون، فأكل الزيت فلم يلائمه، فأمر أن يطبخ له الزيت، فلما رأت ذلك امرأته عاتكة اشترت فرق سمن بستين درهما فقربته إليه، فقال: ما هذا؟ قالت: اشتريته بمالي، فقال لا آكله حتى يحيى الناس، قال: فكان عمر يقرقر بطنه وهو على المنبر حتى يسمع، فيقول: ما لك غيره حتى يحيى الناس. قال محمد بن رشد: فعل عمر هذا لشدة إشفاقه على المسلمين وذلك نهاية منه في الخير والدين، وبالله تعالى التوفيق.

محبة الرجل أن يرى في شيء من أعمال البر

[محبة الرجل أن يرى في شيء من أعمال البر] في محبة الرجل أن يرى في شيء من أعمال البر قال مالك: ولقد رأيت رجلا من أهل مصر وهو يسأل ربيعة عن ذلك ويقول: إني لأحب أن أرى رائحا إلى المسجد، فكأنه أنكر ذلك من قوله ولم يعجبه أن يحب أحد أن يرى في شيء من أعمال البر، فقلت له: ما ترى في التهجير إلى المسجد قبل الظهر؟ قال: ما زال الصالحون يهجرون، وإن صلاة الرجل في بيته من النافلة أفضل منها في جماعة الناس وهو أعلم بنيته إن صحت في ذلك نيته لا يبالي فما أحسنه إن أحب، والسر أفضل من ذلك، فإن الله تبارك وتعالى يقول: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] وفي الحديث «أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة» . قال محمد بن رشد: قوله وهو يسأل ربيعة عن ذلك يريد عن المسألة التي سأل عنها، فساق سؤال السائل لربيعة وما أجابه به؛ حجة لقوله فيها من أن السر في الصدقة أفضل حسب ما وقع من ذلك في هذا الرسم من كتاب الصدقات والهبات. وكراهية ربيعة للرجل أن يحب أن يرى في شيء من أعمال البر خلاف قول لمالك في سماع أشهب بعد هذا وفي رسم العقول من سماع أشهب من كتاب الصلاة أنه لا بأس بذلك إذا كان أوله لله، وهو الصحيح إن شاء الله؛ لأنه مما لا يستطاع التخليص منه، والدليل على إجازة ذلك إن شاء الله

اعتماد الرجل في الصلاة على رجليه جميعا

ما «روي عن معاذ بن جبل أنه قال لرسول الله: إنه ليس من بني سلمة إلا مقاتل، فمنهم من القتال طبيعة، ومنهم من يقاتل رياء، ومنهم من يقاتل احتسابا فأي هؤلاء الشهيد؟ من أهل الجنة، فقال: يا معاذ بن جبل، من قاتل على شيء من هذه الخصال أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا فقتل فهو شهيد من أهل الجنة» وهذا نص في موضع الخلاف. وأما قوله في التهجير إلى المسجد قبل الظهر ما زال الصالحون يهجرون وإن صلاة الرجل في بيته النافلة أفضل منها في جماعة الناس، وهو أعلم بنيته إن صحت في ذلك نيته حتى لا يبالي بما أحسبه أن أحب، فالمعنى في ذلك أنه في النهار قد يشتغل باله في صلاته في بيته ببنيه وأهله فيكون باله في المسجد أفرغها، فإذا هجر قبل الظهر إلى المسجد ليصلي فيه متفرغ البال ليرى مكانه فيه فيحمد بذلك، ويثنى عليه من أجله فهو حسن كما قال، ولذلك كان الصالحون يفعلونه، وأما بالليل ففي البيت أفضل؛ لأنه لفعله أستر وباله فيه فارغ لهدوء أهله وبنيه بالنوم، وبالله التوفيق. [اعتماد الرجل في الصلاة على رجليه جميعا] في اعتماد الرجل في الصلاة على رجليه جميعا وسمعت مالكا يقول: أول من أحدث الاعتماد في الصلاة حتى لا يحرك رجليه رجل قد عرف وسمي إلا أني لا أحب أن أذكره قد كان مسمتا، فقيل له: أفعيب ذلك؟ قال: قد عيب ذلك عليه، وهو مكروه من الفعل. قال محمد بن رشد: قال سحنون الرجل المسمت هو عباد بن كثير، ويروى مشيئا أي يشاء الثناء عليه، فجائز عند مالك أن يروح الرجل قدميه في الصلاة، قاله في المدونة، وإنما كره أن يقرنهما ولا يعتمد على إحداهما دون الأخرى؛ لأن ذلك ليس من حدود الصلاة، إذ لم يأت ذلك عن

حكاية عن أبي هريرة في إتيانه الوليمة

النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولا عن أحد من السلف والصحابة المرضيين الكرام، وكان من محدثات الأمور. وأما الاعتماد على اليدين عند القيام من الجلسة الوسطى فمرة استحبه مالك وكره تركه، ومرة استحسنه وخفف تركه، ومرة خير فيه، وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة، وبالله التوفيق. [حكاية عن أبي هريرة في إتيانه الوليمة] حكاية عن أبي هريرة في إتيانه الوليمة قال مالك: بلغني أن أبا هريرة دعي إلى وليمة وعليه ثياب دون فأتى ليدخل فمنع ولم يؤذن له، فذهب فلبس ثيابا جيادا ثم جاء فأدخل، فلما وضع الثريد وضع كميه عليه، فقيل له: ما هذا يا أبا هريرة؟ فقال: إنما هي التي أدخلت، وأما أنا فلم أدخل قد رددت إذ لم تكن علي، ثم بكى وقال: ذهب نبيي ولم ينل من هذا شيئا وبقيتم تهديون بعده. قال محمد بن رشد: هذه الوليمة التي رد فيها أبو هريرة ممن لم يميزه من حجاب باب الوليمة إذ ظنه فقيرا لما كان عليه من الثياب الدون، وأدخله بعد ذلك من رآه من حجابها في صفة الأغنياء بالثياب الحسان، هي التي قال فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شر الطعام الوليمة يُدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله» ،

ما جاء في أن قول عمر بن الخطاب كان سببا لنزول القرآن بالحجاب

ويروى بئس الطعام يريد أنه بئس الطعام لمطعمه؛ إذ رغب عما له فيه الحظ من ألا يحضر لطعامه إلا. الأغنياء دون الفقراء، فالبأس في ذلك عليه لا على من دعاه إليه؛ لقوله في الحديث نفسه: ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله. وبكى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شفقة من تغير الأحوال على قرب العهد بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ورغبة الناس عما ندبوا إليه في ولائمهم من عملها على السنة وترك الرياء فيها والسمعة، وبالله التوفيق. [ما جاء في أن قول عمر بن الخطاب كان سببا لنزول القرآن بالحجاب] في أن قول عمر بن الخطاب كان سببا لنزول القرآن بالحجاب قال مالك: كان النساء يخرجن في زمن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فكلمه عمر بن الخطاب، قال له: يا رسول الله لا ينبغي لنسائك أن يخرجن هكذا، فقالت امرأة منهن: قد تكلف عمر في كل شيء حتى في هذا، قال: فأنزل الله القرآن لقول عمر ابن الخطاب فضرب الحجاب. قال محمد بن رشد: كان عمر بن الخطاب يرى الرأي بقلبه، ويقول الشيء بلسانه فيوافق الحق، فنزل القرآن بموافقته في الحجاب، وفي تحريم الخمر: وفي أسرى بدر، وفي مقام إبراهيم، وبالله التوفيق. [التبرك بأمر النبي عليه السلام] في التبرك بأمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال مالك: بلغني أن عبد الله بن عمر رئي وهو على ناقته

فعل الخير هل يفي بمقارفة الذنوب

وهو في مكان وهو يديرها، فقال رجل: إن هذا ليس بصحيح فسئل عن ذلك، فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان على ناقته دارت هكذا، فأردت أن تطأ ناقتي على الموضع الذي وطئت عليه راحلة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال محمد بن رشد: هذه نهاية من عبد الله بن عمر في التبرك بأمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إذ لم يدر بناقته في ذلك المكان بقصد منه إلى ذلك فيكون امتثال فعله فيه واجبا أو مستحبا، فإنما فعله عبد الله بن عمر متبركا بذلك، فقد كان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يتبع فعل النبي عليه السلام حتى ليخاف على عقله منه، وبالله التوفيق. [فعل الخير هل يفي بمقارفة الذنوب] في فعل الخير هل يفي بمقارفة الذنوب قال مالك: بلغني أن ابن عباس سئل عن رجل كثير الصيام كثير الصلاة وهو يقارف الذنوب، ورجل قليل ذلك منه وهو سالم، فقال ابن عباس: ما أعدل بالسلامة شيئا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه لا يدري هل تفي في الموازنة حسناته بسيئاته؛ لأن ما عصى الله به وإن صغر فهو عظيم، فمن قلت سيئاته وحسناته أقرب إلى السلامة ممن كثرت سيئاته وحسناته؛ إذ لا يدري قدر الثواب في حسناته، ولا هل تقبلت منه أم لا؟ ولا قدر الإثم في سيئاته لا سيما إن تعلق في ذلك حق لمخلوق، وبالله التوفيق. [حكاية عن عمر بن عبد العزيز] قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز خرج مع سليمان بن عبد الملك في حج في حر شديد، فخرج سليمان إلى الطائف

ما رغب فيه زياد مولى ابن عباس لمالك

ومعه عمر فأصابهما في الطريق مطر ورعد وصواعق، قال: فشد سليمان على وسط راحلته، أو القربوس وطأطأ عليه بصدره، فلما تجلى ذلك قال لعمر: هذا الملك لا ما نحن فيه، فقال عمر له: هذا في رحمته فكيف في غضبه. قال محمد بن رشد: إنما قال عمر بن عبد العزيز هذا في رحمته؛ لأن المطر رحمة من الله لعباده، قال الله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [الروم: 48] إلى قوله: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 50] . وقال عز وجل: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22] وقد «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا تحبلت السماء تغير وجهه وأقبل وأدبر ودخل وخرج، فإذا أمطرت سري عنه، قالت عائشة: فسألته فقال: لعله كما قال قوم عاد: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] » الآية، وبالله التوفيق. [ما رغب فيه زياد مولى ابن عباس لمالك] فيما رغب فيه زياد مولى ابن عباس لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال مالك: كان زياد مولى ابن عباس يمر بي وأنا جالس، فربما أفزعني حسه خلفي، فيضع يده بين كتفي فيقول: عليك بالجد، فإن كان ما يقول أصحابك هؤلاء من الرخص حقا لم

يضرك، وإن كان الأمر على غير ذلك كنت قد أخذت بالجد يريد ما يقول ربيعة وزيد بن أسلم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا عندي أنه حضه على أن يأخذ لنفسه في خاصته بأشد ما قيل بالاجتهاد في أحكام الدين التي لا نص فيها وإن كان يرى باجتهاده ما قاله أصحابه في ذلك من التخفيف فيها؛ إذ لو لم ير باجتهاده إلا الأشد لما وسعه مخالفة ما رآه في ذلك باجتهاده إلى اجتهاد غيره، فللمجتهد الذي كملت له آلات الاجتهاد في خاصته أن يترك ما رآه باجتهاده إلى ما رآه غيره باجتهاده مما هو أشد منه، وذلك مما يستحب له على ما حض عليه زياد لمالك في هذه الحكاية. وليس له أن يترك ما رآه باجتهاده إلى ما رآه غيره باجتهاده مما هو أخف منه. وأما فيما يفتى به غيره فليس له أن يتعدى فيه ما رآه باجتهاده إلى اجتهاد غيره، كان أخف مما رآه هو باجتهاده أو أشد منه، وليس له أن يترك النظر والاجتهاد ويقلد من قد نظر واجتهد، وإن خاف فوات الحادثة، وهو قول أكثر البغداديين وجماعة أصحاب الشافعي، والأشبه بمذهب مالك. وذهب بعض أصحاب أبي حنيفة إلى أنه يجوز للعالم تقليد عالم وبه قال أحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه. وذهب ابن نصر من أصحابنا، وابن شريح من أصحاب الشافعي إلى أنه لا يجوز للعالم تقليد عالم إلا إذا خاف فوات الحادثة. وقال محمد بن الحسن: له أن يقلد من هو أعلم منه ولا يجوز له أن يقلد من هو مثله. واختلف في المستفتي من العوام، فقيل له: أن يقلد من شاء من

رد زياد على الناس ما فضل عنده مما أعانوه به في فكاك رقبته

العلماء المجتهدين، فله على هذا القول أن يسألهم ويأخذ بقول أيهم شاء، وإذا ألزم نفسه قول أحدهم فليس له أن ينتقل عنه إلى قول غيره إلا أن يكون أشد من القول الذي التزم، وقيل ليس له: أن يقلد إلا أعلمهم وأفضلهم، فإن استووا في الفضل قلد أعلمهم، فإن استووا في العلم قلد أفضلهم، وإن استووا في الوجهين قلد أيهم شاء، وبالله التوفيق. [رد زياد على الناس ما فضل عنده مما أعانوه به في فكاك رقبته] في رد زياد على الناس ما فضل عنده مما أعانوه به في فكاك رقبته قال مالك: كان زياد قد أعانه الناس في فكاك رقبته وأسرع الناس في ذلك، وفضل مما قوطع عليه مال كثير فرده إلى من أعطاه بالحصص وكتبهم زياد عند نفسه فلم يزل يدعو لهم حتى مات. قال محمد بن رشد: ما فعله زياد من رده على الذين أعانوه في فكاك رقبته ما فضل عنده من ذلك بعد أداء ما قوطع عليه بالحصص صحيح من فعله؛ لأنهم أعانوه بما أعانوه به ليفك رقبته به من الرق، فليس له مما أعانوه به إلا ذلك، ولو لم يكن فيما أعانوه به وفاء بما عليه من الكتابة كان جميع ذلك مردودا على الذين أعانوه إلا أن يجعلوه من ذلك في حل، ولو أعانوه بما أعانوه به ليستعين به في أداء كتابته ليس على وجه أن يفكوه بها من الرق ولكن على وجه الصدقة عليه لكان له من ذلك ما فضل عن أداء كتابته أو قطاعته، ولكان لسيده جميع ذلك إن عجز عن أداء كتابته، قاله في المدونة، وهذا على القول بأن المكاتب يكون بالعجز منتزع المال. وعلى القول بأنه لا يكون بالعجز منتزع المال يكون جميع ما أعين به في كتابته له إن عجز عن الكتابة إلا أن ينتزعه منه السيد، وبالله التوفيق.

سيرة عمر بن عبد العزيز في ركباته ومع قاضيه

[سيرة عمر بن عبد العزيز في ركباته ومع قاضيه] في سيرة عمر بن عبد العزيز في ركباته ومع قاضيه قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز كانت له ركبتان في الجمعة، فكانت إحدى ركبتيه لا يركب معه فيها أحد إلا من بلغ الأربعين سنة، والأخرى يركب معه أخلاط الناس، وكان عمر إذا أراد الحج والعمرة خرج معه قاضيه حتى إذا بلغ الشجرة رده، وأجازه بمائة دينار وحلته التي عليه. قال محمد بن رشد: إنما كان يختص في إحدى ركبتيه بمن بلغ الأربعين سنة؛ لأن الأربعين سنة هي سن الاستواء التي قال الله عز وجل فيها: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ} [القصص: 14] أي تناهى شبابه وتم خلقه واستحكم عقله {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص: 14] بدليل قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: 15] فأراد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يختص في ركبته الواحدة بهم أن يتمكن مما يريده من تفقد أحوالهم؛ وليتمكنوا هم أيضا مما يريدونه من طلب حوائجهم، وكان إذا خرج إلى الحج والعمرة يخرج معه قاضيه إلى الموضع الذي ذكره ليوصيه في مشيه معه إليه بما يصنع بعده، ثم يرده ويجيزه بما كان يجيزه به لتبسط به نفسه، ويقوى بذلك على التفرغ للإمرة، وبالله التوفيق. [تعريف البضع والأشد] في البضع والأشد قال مالك: بلغني أن البضع ما بين ثلاث سنين إلى تسع

سنين، وقد طرح يوسف في الجب وهو غلام، والأشد الحلم. قال محمد بن رشد: ما قاله مالك ما بين ثلاث سنين إلى تسع سنين فيما بلغه، يريد والله أعلم فيما بلغه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في تفسير قوله عز وجل: {الم} [الروم: 1] {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 2] {فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 3] {فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 4] وذلك أن المسلمين كانوا يحبون أن تغلب الروم فارس؛ لأنهم أهل كتاب كلهم، وكان المشركون يحبون أن تغلب فارس الروم؛ لأنهم أهل أوثان كلهم، وكانت فارس قد غلبت الروم، فلما أنزل الله عز وجل: {الم} [الروم: 1] {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 2] قال أبو بكر الصديق للمشركين: إن الروم ستغلب فارس وراهنهم في ذلك على ست سنين، وذلك قبل أن يحرم الخطار، فأخبر أبو بكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما راهن عليه المشركين من أن الروم ستغلب فارس إلى ست سنين، فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ألا احتطت فيه فإن البضع ما بين ثلاث إلى تسع» ، وقد قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: البضع ما بين الواحد إلى الأربعة، وقال الخليل بن أحمد: هو ما بين الثلاث إلى العشرة، والصحيح ما في الحديث من أنه ما بين الثلاث إلى التسع. وأما قوله بأن يوسف طرح في الجب وهو غلام فهو نص ما في القرآن، قال الله عز وجل: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ} [يوسف: 19] . وأما الأشد فمعناه الشدة والقوة في البدن، وقد اختلف في حده، فقيل الحلم وهو الذي ذهب إليه مالك؛ لأنه الحد الذي تكتب له فيه الحسنات وعليه السيئات، وقيل العشرون عاما، وكان ابن عباس يقول الأشد ثلاث

ما روي عن يوسف عليه السلام

وثلاثون، والاستواء الأربعون، والعمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون، وبالله التوفيق. [ما روي عن يوسف عليه السلام] في ما روي عن يوسف - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال مالك: بلغني أن يوسف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: ما انتقمت لنفسي من شيء أتى إليها، فذلك اليوم زادي من الدنيا أي أجر اليوم الذي ألقاه فيه إخوته في الجب هو زاده إلى الآخرة؛ إذ لم ينتقم لنفسه منهم فيما فعلوه به من ذلك. ومعنى قوله: وإن عملي قد لحق بعمل آبائي فألحقوا قبري بقبورهم. قال محمد بن رشد: معنى قوله والله أعلم، فذلك اليوم زادي من الدنيا، أي أجر اليوم الذي ألقاه فيه إخوته في الجب هو زاده إلى الآخرة إذ لم ينتقم لنفسه منهم فيما فعلوه به من ذلك، ومعنى قوله والله أعلم: وإن عملي قد لحق بعمل آبائي يريد النبوءة التي لحق بهم فيها، وبالله التوفيق. [فلي الرجل رأس أمه] في فلي الرجل رأس أمه قال مالك: بلغني أن بعض من مضى كان يفلي رأس أمه فقيل له: ما ترى فيه؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا بأس بذلك؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] ، فإذا جاز للرجل أن يرى شعر أمه جاز له أن يفلي رأسها برا بها، وممن روي ذلك عنه

قتل محمد بن أبي بكر الصديق

محمد بن الحنفية ومحمد بن علي بن حسين ومروان العجلي وطلق بن حبيب، وكان الشعبي والضحاك وطاوس يكرهون أن ينظر الرجل إلى شعر أمه وذات محرمه، والصواب إجازة ذلك على ما قاله مالك وسائر فقهاء الأمصار، وقد أجازوا للرجل أن يغسل ذوات محارمه إذا لم يكن عنده نساء يغسلنها، وفليه رأس أمه وهي حية أخف من غسلها وهي ميتة، وبالله التوفيق. [قتل محمد بن أبي بكر الصديق] في قتل محمد بن أبي بكر الصديق قال مالك: بلغني أن عبد الرحمن بن أبي بكر قدم مصر فكلم عمرو بن العاص في أمر محمد بن أبي بكر أن يدخل في أمره ألا يقتل، فقال عمرو: ما كنت أنهى ولا آمر، وأبى أن يدخل في أمره. قال محمد بن رشد: ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الصحابة له، أن علي بن أبي طالب ولى محمد بن أبي بكر مصر فسار إليه عمرو بن العاص فاقتتلوا فهزم محمد فدخل في خربة فيها حمار ميت، فدخل في جوفه، فأحرق في جوف الحمار بعد، وقيل: أُتي به عمرو بن العاص فقتله صبرا، وروي عن عمرو بن دينار قال: أتي عمرو بن العاص بمحمد بن أبي بكر أسيرا فقال: هل معك عهد؟ هل معك عقد من أحد؟ قال: لا، فأمر به فقتل، وهذا الذي ذكره أبوه عمر هو نص ما ذكره خليفة بن خياط في تاريخه، فإن صح ما ذكره مالك من أن عمرو بن العاص قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: إذ سأله أن يدخل في أمره ألا يقتل: ما كنت أنهى ولا آمر، وإنما أمر به فقتل على ما ذكر عمرو بن دينار فلم يقتله برأيه والله أعلم، وإنما قتله بأمر معاوية له بذلك من أجل أنه حقق عليه والله أعلم ما نسب إليه من المشاركة في دم عثمان من نسبه، فقد قيل: إنه دخل عليه فيمن دخل فأخذ بلحيته وأشار بعينه على من كان معه فقتلوه، وقد نفى ذلك عنه جماعة ممن حضر الدار منهم

غزو النساء

كعب مولى صفية بنت حيي، قال لما دخل على عثمان كلمه بكلام فخرج عنه، ولم يند من دمه بشيء، فقتله رجل من أهل مصر، يقال له جبلة بن الأهيم، وهو الصحيح والله أعلم؛ لأنه كانت له عبادة وفضل واجتهاد في الخير، وكان علي بن أبي طالب يثني عليه ويفضله، وكان في حجره إذ تزوج أمه أسماء، وكان على رجالته يوم الجمل، وشهد معه صفين، وبالله التوفيق. [غزو النساء] في غزو النساء قال مالك: كان النساء يخرجن مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوه يسقين الماء، ويداوين الجرحى. قال محمد بن رشد: لا خلاف في جواز خروج النساء في الغزو مع الجيش المأمون ليخدمن الغزاة، ولا سهم لهن من الغنيمة، واختلف هل يحبين منها دون قسم؟ فلم ير ذلك مالك، واستحبه ابن حبيب، وقد مضى الكلام على هذا قبل هذا في هذا الرسم، وبالله التوفيق. [ما جاء عن ابن عمر من أنه كان يؤثر] فيما جاء عن ابن عمر من أنه كان يؤثر السائل بما حضر ولا يرده خائبا قال مالك: بلغني أن ابن عمر أهدي إليه في بعض المناهل حوت عظيم فوضع بين يديه، فجاءه سائل فقال له: تعالى خذه، فأخذه السائل فجعله في ثوبه، ثم خرج به على ظهره، طفق ولده يتبعونه بأبصارهم، فلما رأى ذلك ابن عمر منهم قال لهم: إنكم ستشبعون من غيره، قال مالك: بلغني أن ابن عمر مرض فاشتهى عنبا، فأتته امرأته بعنقود فجاء سائل فأعطاه إياه، ثم إنهم اتبعوا

ما جاء مما يدل على أن الاسم هو المسمى

السائل فاشتروه منه، ثم أتوا به، فأتاه السائل الثانية فأعطاه إياه أو أكل منه وأعطاه. قال محمد بن رشد: في هذا من الفضل لعبد الله بن عمر ما لا يخفى؛ لأنه آثر السائل على نفسه وبنيه بما كان عنده ولم يشح عليه بذلك، والله عز وجل يقول: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] وقد اتبعه رجل في الطواف حول البيت فرآه يكثر من قوله: اللهم قني شح نفسي، فلما فرغ قال له الرجل: رأيتك تطوف فتقول: اللهم قني شح نفسي، قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] ، ولا شك في أن الله قد أجاب دعاءه في ذلك بدليل ما روي من أنه حج ستين حجة، وأعتق ألف رأس، وحبس ألف فرس واعتمر ألف عمرة، وكان لا ينام من الليل إلا قليلا، وبالله التوفيق. [ما جاء مما يدل على أن الاسم هو المسمى] فيما جاء مما يدل على أن الاسم هو المسمى قال مالك: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «انظروا كيف صرف الله عني أذى قريش وسبها يشتمون مذمما وأنا محمد» قال مالك: ختم الله به الأنبياء وختم به الكتاب وختم بمسجده هذه المساجد ". قال محمد بن رشد: في هذا الحديث دليل واضح على ما ذهب إليه أكثر أهل السنة من أن الاسم هو المسمى حقيقة؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخبر أن الله صرف عنه أذى قريش وسبها، إذ سبوا مذمما الذي هو ليس باسم له، ولم يسبوا محمدا الذي هو اسم له، فلو كان الاسم غير المسمى

لما لحقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسبهم إذا سبوا مذمما أو محمدا؛ إذ لا يلحق أحدا أذى بسب غيره. وفي هذا بين أهل الحق اختلاف. قد ذهب أبو الحسن الأشعري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بعض كتبه إلى أن الاسم ليس هو المسمى. وللقاضي أبي بكر الباقلاني في ذلك تفصيل في أسماء الله عز وجل، قال: ما كان منها يعود إلى نفسه كشيء وموجود وقديم وذات وواحد وغير لما غايره، وخلاف لما خالفه، أو إلى صفة من صفاته: ذاته كعالم، وقادر، ومريد، وسميع، وبصير، فهي هو الله عز وجل وما كان يعود منها إلى صفة فعل: كخالق، ورازق، ويحيي ويميت، وما أشبه ذلك فهو غيره؛ لأنه قد كان تعالى موجودا متقدما عليها ومع عدمها. والصحيح أن الاسم هو المسمى جملة من غير تفصيل، قال الله عز وجل: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف: 40] فأخبر أنهم يعبدون أسماءهم وإنما عبدوا الأشخاص لا الكلام، والقول الذي هو تسميته، فدل ذلك دليلا ظاهرا على أن الأسماء التي ذكرها هي المسميات، وقال عز وجل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى: 2] ، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 78] ومعناه سبح ربك الذي خلق فسوى، وتبارك ربك ذو الجلال والإكرام، فأسماء الأشياء ذواتها، والذوات أيضا أسماء، والأسماء هي المسميات وعين المسميات، فمن لم يلح له الفرق بين الاسم والتسمية وقال: إن الاسم هو التسمية قال: إنه هو

غير المسمى، إذ لا اختلاف في أن التسمية غير المسمى، فهذه هي نكتة الاختلاف في الاسم هل هو المسمى أم لا؟ فعلينا أن نبين الفصل بين الاسم والتسمية؛ ليصح لنا ما صححناه من أن الاسم هو المسمى، فالتسمية هي الكلام والقول الذي به يتحرك اللسان، والاسم هو المفهوم من التسمية، فإذا سألت الرحمن الرحيم، أو دعوت السميع القريب المجيب فقد دعوت وسألت المسمى بما سميته به من الرحمن الرحيم والسميع القريب المجيب وهو الله رب العالمين، وكذلك إذا قلت: لقيت زيدا أو خالدا أو عالما أو كلمتهم أو صحبتهم كنت قد أخبرت حقيقة لا مجازا بلقائك وتكلمك وصحبتك لأعيانهم وأشخاصهم وذواتهم المسمين بأسمائهم التي سميتهم بها لا لغير أشخاصهم وأعيانهم، ومن لم يبن له الفرق بين الاسم والتسمية وقال: إن الاسم هو التسمية، وإنه غير المسمى حمل كل ما جاء من الإفصاح بأن الاسم هو المسمى على المجاز في القول، فقال: معنى قوله: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا} [يوسف: 40] أي ما تعبدون من دونه إلا أشخاص أسماء سميتموها، وكذلك يقولون في قول القائل: سألت الرحمن الرحيم معناه سالت ربي المسمى بالرحمن الرحيم وكذلك يقولون في قول الرجل لقيت زيدا أو كلمته أو صحبته معناه: لقيت المسمى بزيد أو كلمته أو صحبته، ولا يصح أن يعدل بالكلام عن الحقيقة إلى المجاز من غير ضرورة، فلم يأت من قول من قال من أهل السنة: إن الاسم غير المسمى ببدعة إلا أنه أخطأ خطأ ظاهرا وجهل جهلا لائحا؛ إذ لم يفترق عندهم الاسم من التسمية حتى قالوا: لو كان الاسم هو المسمى لكان من قال نار احترق فوه، ومن قال: زيدا وجد زيدا في فيه، وهذا جهل؛ إذ لا يوجد في فم الذي قال نارا إلا التسمية التي هي القول لا الاسم الذي هو المفهوم منه على ما بيناه، ولو وجد اسم النار في فيه لاحترق فوه.

قدر القراءة في الصلوات

وأما أهل الاعتزال فيقولون: إن الاسم غير المسمى على أصولهم في أن أسماء الله عز وجل وصفاته غيره؛ لأنها عندهم محدثة مخلوقة، وأنه تعالى كان بغير اسم ولا صفة حتى خلق خلقه، فخلقوا له أسماء وصفات؛ لأنهم يقولون: إن الاسم هو التسمية، وإن الوصف هو الصفة تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وبه التوفيق لا رب غيره. وقول مالك متصلا بهذا الحديث: ختم الله به الأنبياء، وختم به الكتاب، وختم بمسجده هذه المساجد، ليس له تعلق به، وإنما ورد من حيث نقل على سبب غيره، والمعنى فيه بين؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخر الأنبياء، ختم الله به النبيين، وكتابه الذي أنزل عليه آخر الكتب؛ إذ لا نبي بعده. وقوله: ختم بمسجده هذه المساجد إشارة منه إلى المسجد الحرام ومسجد إيليا، ومسجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان مسجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدث المساجد الثلاثة التي قال فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، ومسجد إيليا، أو بيت المقدس» وآخرها، وبالله التوفيق. [قدر القراءة في الصلوات] في قدر القراءة في الصلوات قال مالك: حدثني سميى مولى أبي بكر أنه قال له يوما، وقد كان كف بصره وأسفر عن الصلاة عن وقتها الذي كان يصليها فيه فقرأ فيها ببراءة، قال مالك: وكان حزم يطيل القراءة في

الظهر، قيل له: قدر كم؟ قال: الكهف وما أشبهها، فقيل له: أفيقرأ المسافر بسبح، وويل للمطففين؛ فإن الأكرياء يسفرون بهم؟ قال: لا بأس بذلك. فقيل له: فإذا زلزلت وما أشبهها؟ قال: هذه قصار جدا، كأنه يقول: لا. قال محمد بن رشد: كذا وقع الأكرياء يسفرون بهم، وهو خطأ وصوابه: فإن الأكرياء يسرعون بهم، وكذا وقع في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة. وقوله: وأسفر عن الصلاة عن وقتها الذي كان يصليها فيه معناه أخرها عن الوقت الذي كان من عادته أن يصليها فيه؛ لأنه أخرها حتى أسفر؛ إذ لو أسفر لما أمكنه أن يقرأ فيها ببراءة. والتطويل في الصبح والظهر مستحب، وهما سيان فيما يستحب فيهما من التطويل، ألا ترى أنه استخف في المدونة للمسافر في الصبح من التخفيف القدر الذي استخفه هاهنا في الظهر، ويستحب أن تكون الركعة الأولى أطول قراءة من الثانية في الصبح والظهر، لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يطيل أول ركعة من الظهر وأول ركعة من الغداة» . وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أن الاختيار في الظهر دون الصبح أن يكون الركعتان الأوليان متساويتين في القراءة [كما أن الركعتين الأخيرتين متساويتان في القراءة] ويستحب أن لا يقرأ في الصبح والظهر في مساجد الجماعات بدون طوال سور المفصل، ويقرأ في المغرب بقصارها وفي العشاء الآخرة بوسطها، واختلف في العصر فقيل: إنها والمغرب سيان في قدر القراءة، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وقيل: إنها والعشاء الآخرة سيان فيما يستحب فيهما من قدر القراءة.

التأني والعجلة

واختلف في حد المفصل، فقيل: إنه من الحجرات، وقيل: إنه من سورة ق، وقيل: إنه من سورة الرحمن، روي ذلك عن ابن مسعود، والصحيح قول من قال: إنه من سورة ق لأن الحجرات مدنية، والمفصل بمكة، روي عن ابن مسعود أنه قال: أنزل الله عز وجل على رسوله المفصل بمكة فكنا حججا نقرأه لا ينزل غيره، ومن الدليل على ذلك ما روي عن أوس بن حذيفة قال: سألت أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: كيف كنتم تحزبون القرآن؟ قال: كنا نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وفي بعض الآثار، كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحزب القرآن؟ فذكر نحوه؛ لأن القرآن يأتي على هذا سبعة أحزاب بعدد الأيام، المفصل منها حزب من أول سورة ق؛ ولأن الستة أحزاب تتم إذا عدت السور بسورة الحجرات، ويحتمل أن تكون سورة الرحمن في مصحف ابن مسعود بعد سورة الحجرات، وبالله التوفيق. [التأني والعجلة] في التأني والعجلة قال مالك: بلغني أنه كان يقال: التأني من الله والعجلة من الشيطان، وما عجل امرؤ فأصاب، وتأيد آخر فأصاب إلا كان الذي تأيد أصوب رأيا، ولا عجل فأخطأ وتأيد آخر فأخطأ إلا كان الذي تأيد أيسر شأنا. قال محمد بن رشد: قوله: بلغني أنه كان يقال التأني من الله والعجلة من الشيطان، معناه بلغني أنه كان يقال في الحديث عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لأن مثله لا يكون رأيا والله أعلم، وما فسره به من قوله: وما عجل امرؤ فأصاب إلى آخر قوله بين صحيح؛ لأن الحظ فيما ينوب من أمور الدنيا ألا يعجل فيها ولا يقدم عليها إلا بعد تقديم استخارة الله عز وجل فيها.

وقد أمر الله عز وجل نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بمشورة أصحابه في الأمور والتثبت فيها، فقال عز وجل: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] ، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] روي عن أم سلمة أنها قالت: نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وذلك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث رجلا في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة، فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فرجع إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم، فغضب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون، فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصفوا له حتى صلى الظهر فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، بعثت إلينا رجلا مصدقا فسررنا بذلك وقرت به أعيننا، ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله ومن رسوله، فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال فأذن بصلاة العصر، قال: فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] » ، ومن هذا المعنى قول ابن عباس: القصد والتؤدة وحسن السمت جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوءة، وقد روي مرفوعا إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لأن التؤدة التأني في الأمور والتثبت فيها، وأما القصد فمعناه الاقتصاد في النفقة، وفي معناه جاء الحديث «ما عال من اقتصد» ، وأما حسن السمت فالوقار والحياء وسلوك طريقة الفضلاء، وبالله التوفيق.

سيرة عمر في الناس في سني الرمادة

[سيرة عمر في الناس في سني الرمادة] في سيرة عمر في الناس في سني الرمادة قال مالك: بلغني أن أول ما أغيث الناس في زمن عمر بن الخطاب في الخريف، فقال له رجل: ما كنت فيها بابن ثأداء فقال عمر: لا حول ولا قوة إلا بالله، وضربه بالدرة وكتب إلى عمرو بن العاص وغيره يا غوثاه، فبعثوا إليه بالإبل عليها الدقيق والأكسية، قال: وإن كان عمر لينفخ تحت قدورهم حتى إن كان الدخان يخرج من خلل لحيته قال: لا تشبعونهم فإنهم كالشن البالي، ولكن قليلا قليلا حتى ينتعشوا ويقووا، قال: وكان يأتي بالبعير عليه الدقيق إلى أهل البيت فيقول: كلوا لحمه، وائتدموا شحمه، والْتَحِفُوا بهذا العباء، وكلوا هذا الدقيق. قال محمد بن رشد: قول الرجل لعمر بن الخطاب: ما كنت فيها بابن ثأداء، معناه ما كنت في هذه السنين بابن امرأة ضعيفة مسكينة، أي لم تضعف عن إغاثة الناس وإحيائهم وإقامة أرماقهم حتى جاء الله بالفتح من عنده، ومنه المثل السائر تجوع الحرة ولا تأكل بثديها، أي لا ترضى أن تكون ضئيرا لقوم إلا المرأة الدنية المسكينة. وإنما ضربه لمدحه إياه في وجهه، فقد جاء النهي عن ذلك، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «احثوا التراب في وجه المداحين» أي وبخوهم وقبحوا إليهم قولهم حتى يذلوا ويكونوا في الذلة كمن لصق بالتراب، ومنه الحديث «تربت يمينك ومن أين يكون الشبه» ، وبالله التوفيق.

إمضاء أقضية الأمراء

[إمضاء أقضية الأمراء] في إمضاء أقضية الأمراء قال مالك: إن أبان بن عثمان أراد أن ينقض قضاء عبد الله بن الزبير فيما قضى به ابن الزبير، فكتب إلى عبد الملك بن مروان، فكتب إليه عبد الملك بن مروان: إنا لم ننقم على ابن الزبير فيما قضى به، وإنما نقمنا عليه لما أراد من الإمارة، فإذا جاءكم كتابي هذا فَأَمْضِه ولا ترده فإن نقض القضاء عناء معني. قال محمد بن رشد: قول عبد الملك إنا لم ننقم على ابن الزبير فيما قضى به إلى آخر قوله، يدل على أن القاضي لا تنقض أحكامه إذا لم يعرف بالجور فيها، وإن كان غير مرضي في أحواله، وهو مذهب أصبغ من أصحابنا خلاف قول ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون، وقد مضى بيان هذا والقول فيه مستوفى في رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب الأقضية، وبالله التوفيق. [مسير المسافر الميلين والثلاثة بعد الزوال قبل أن يصلي الظهر] في مسير المسافر الميلين والثلاثة بعد الزوال قبل أن يصلي الظهر وحدثني عن ابن القاسم عن مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أنه كان يسير الميلين وثلاثة بعد الزوال قبل أن يصلي الظهر. قال محمد بن رشد: إنما كان يفعل ذلك إذا زالت الشمس وبينه وبين المنهل الذي يريد النزول فيه الميلان والثلاثة؛ لمشقة النزول والركوب.

حكاية عن عمرو بن العاص

وأما لو كان في مشي متصل لنزل للصلاة في أول وقتها؛ لأن وقتها المستحب وإن كان متسعا إلى آخر القامة فأوله أفضل، سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أفضل الأعمال فقال: «الصلاة لأول وقتها» ، وبالله التوفيق. [حكاية عن عمرو بن العاص] قال مالك: بلغني أن رجلا قال لعمرو بن العاص وكان عمرو عاملا على البحرين في زمن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأنه قال له: إن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد توفي فالحق ببلدك وإلا فعلنا وفعلنا يتواعده، فقال له عمرو: لو كنت في حفش أمك لدخلنا عليك فيه. قال محمد بن رشد: القائل لعمرو هذا قرة بن هبيرة بن سلمة بن قشير، كان ارتد وأتي به موثقا إلى أبي بكر مع عيينة، وشهد عليه بذلك عمرو بن العاص، فأراد بقوله هذا أنه لا يفلته ولا ينجو منه حتى يقيم عليه حد الله عز وجل، وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب المحاربين والمرتدين، وبالله التوفيق. [خشية عمر بن عبد العزيز] في خشية عمر بن عبد العزيز وقال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز صلى فقرأ بـ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] ، فلما بلغ: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] خنقته العَبْرة فتردد عليها فلم يستطع أن ينفذها فتركها وقرأ والسماء والطارق.

سرور المستفتي إذا أفتاه المفتي بما يحب

قال محمد بن رشد: هذا من فعل عمر بن عبد العزيز نهاية في الخوف لله عز وجل، ومن بلغ هذا الحد فهو من أهل الجنة بفضل الله، قال عز وجل: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] وقد روى الصلت عن ابن القاسم أنه لا يطلق على من حلف بالطلاق أنه من أهل الجنة، وسئل مالك عن ذلك فتوقف وقال عمر بن عبد العزيز إمام هدى أو قال رجل صالح، وفضائله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كثيرة لا تحصى، وقول ابن القاسم بالصواب أولى؛ لأن الأمة قد أجمعت على الثناء عليه والشهادة له بالخير، [وهي معصومة قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لن تجتمع أمتي على ضلالة» ] ، وقال: «أنتم شهداء الله في الأرض، فمن أثنيتم عليه بخير وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه بشر وجبت له النار» وقد مضى هذا في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة، وبالله التوفيق. [سرور المستفتي إذا أفتاه المفتي بما يحب] في سرور المستفتي إذا أفتاه المفتي بما يحب وحدثني عن ابن القاسم عن مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب إذا جاءه الرجل يسأله فأفتاه بما يحب دعا له

أحاديث ابن وهب وأحاديث الإسكندراني في علي بن زياد

فيضحك ابن المسيب ويقول: أفتيته بما يحب. قال محمد بن رشد: ضحك ابن المسيب من دعائه له إذا أفتاه بما يحب بخلاف ما لو أفتاه بما يكره وهو في فتواه إياه لم يقصد وجهه، وإنما فعل في الوجهين جميعا ما يجب عليه أن يفعله، ولا يجوز له أن يتعداه، وهذا أمر قد جبل عليه الناس، حكى ابن حبيب أن أعرابيا سأل مالكا عن ناقة له نفرت فانصرفت فقال لها: تقدمي وإلا فأنت بدنة، فقال له أردت زجرها بذلك لكي تمضي؟ فقال: نعم، فقال: لا شيء عليك، فقال: رشدت يا ابن أنس، وذلك من قول مالك خلاف رواية أبي زيد عن ابن القاسم في سماعه من كتاب النذور، وقول ابن القاسم هذا هو الذي يأتي على أصل مذهب مالك في أن اليمين بكل ما لله فيه طاعة تلزم كالنذور، ووجه قول مالك أنه لم ير ذلك يمينا لأن الرجل إنما يحلف على ما يملك أو على من يعقل فصرف ذلك إلى معنى النذر فلم يوجب عليه إخراجها إذ لم تكن له نية في ذلك، وإنما قصد زجرها لا القربة إلى الله بإخراجها، وهو الأظهر لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما الأعمال بالنيات» ، وبالله التوفيق. [أحاديث ابن وهب وأحاديث الإسكندراني في علي بن زياد] أحاديث ابن وهب وأحاديث الإسكندراني في علي بن زياد [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما] . وحدثني محمد بن أحمد العتبي عن عيسى بن دينار عن عبد الله بن وهب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا

أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: النبييون والصديقون ورجل زار أخاه في الله عز وجل، ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الولود الودود العوود التي إذا أساءت أو أساء إليها زوجها وضعت يدها في يده وقالت اعف أو اصنع ما بدا لك» . وعنه أيضا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يزور الأعلون من أهل الجنة الأسفلين، ولا يزور الأسفلون الأعلين إلا من كان يزور في الله في الدنيا، فذلك يزور في الجنة حيث يشاء» . وحدثني يحيى بن سليم الطائفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأنس: «يا أنس، سلم على أهلك يكثر خير بيتك، وسلم على من لقيت تكثر حسناتك، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين قبلك، وصل بالليل والنهار تحفظك الحفظة، ولا تنم إلا وأنت طاهر فإنك إن مت مت شهيدا ووقر الكبير وارحم الصغير والقني غدا» . قال وحدثني عن علي بن زياد الإسكندراني عن أبى رافع يرفع الحديث، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «خرج عيسى ابن مريم يمشي حتى انتهى إلى مفرق ثلاثة طرق، فركع ركعتين وجلس، فأتاه إبليس فسلم عليه فقال له عيسى: يا إبليس إني سائلك عن خطتين فهل أنت صادقي فيهما؟ قال: يا روح الله سلني عما بدا لك، قال: ما الذي يسل جسمك؟ وما الذي يقطع ظهرك؟

قال: أما الذي يسل جسمي فصهيل فرس في سبيل الله في قرية من القرى أو حصن من الحصون، ولست أدخل دارا فيها فرس في سبيل الله، وأما الذي يقطع ظهري فالرجل يصلي الصبح ثم يذكر الله حتى تطلع الشمس، فقال له عيسى: فإني أسألك بالحي الذي لا يموت ما ثواب ذلك؟ قال سأجيبك يا روح الله، ووالله لا أخبر به آدميا بعدك أبدا، والحي الذي لا يموت لذلك أحب إلى الله من جبلي ذهب وفضة يقسمان في سبيل الله» . وحدث عن علي بن زياد يرفع الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن أصلي الصبح ثم أجلس في المسجد فأذكر الله حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أشد على جياد الخيل في سبيل الله حتى تطلع الشمس» . وحدث علي بن زياد عن سعيد بن عبد الله عن القاسم عن القرظي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لأن أصلي الصبح فأذكر الله حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق الرقاب حتى تطلع الشمس» . قال: وحدثني عن علي بن زياد، عن أشياخ لهم، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزا سرية فغنمت ورجعت، فقال ناس ما أعظم ما غنمت هذه السرية، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا أخبركم ممن هو أعظم غنيمة وأوشك رجعة"؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: رجل توضأ ثم غدا فصلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى إذا طلعت عليه الشمس ركع ما قدر الله له ركعتين أو أربعا ثم انصرف، فذلك أعظم غنيمة وأوشك رجعة، ذلك غنم الجنة» .

من لا غيبة فيه

وحدثني علي بن زياد عن أبي العباس عن أنس بن عياض أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ألا أخبركم بساعات من ساعات الجنة؟ الظل فيها ممدود والعمل فيها مقبول والرحمة فيها مبسوطة، قالوا: بلى يا رسول الله، قال من أذان صلاة الصبح إلى طلوع الشمس» . قال محمد بن رشد: هذه الأحاديث بينة كلها في المعنى ليس فيها ما يخفى، وبالله التوفيق. [من لا غيبة فيه] فيمن لا غيبة فيه قال: قال عيسى لا غيبة في ثلاث: إمام جائر، وفاسق معلن، وصاحب بدعة. قال محمد بن رشد: إنما لم يكن في هؤلاء غيبة لأن الغيبة إنما هي بأن يذكر من الرجل ما يكره أن يذكر عنه لمن لا يعلم ذلك منه، والإمام الجائر والفاسق المعلن قد اشتهر أمرهما عند الناس، فلا غيبة في أن يذكر من جور الجائز وفسق الفاسق ما هو معلوم من كل واحد منهما، وصاحب البدعة يريد ببدعته ويعتقد أنه على الحق فيها وأن غيره على الخطأ في مخالفته في بدعته فلا غيبة فيه لأنه إن كان معلنا بها فهو يحب أن يذكر بها، وإن كان مستترا بها فواجب أن يذكر بها ويحفظ الناس من اتباعه عليها، وبالله التوفيق. [ما يحتج به على القدرية] فيما يحتج به على القدرية قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قال: في كتاب الله تبارك وتعالى لهؤلاء القدرية لعلما بينا علمه من علمه وجهله من جهله، لقول الله تبارك وتعالى: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [الصافات: 161] {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] {إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163]

ثم قال مالك: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] فأخبر نوح بما لم يكن بأنه فاجر كفار لما سبق من الله تبارك وتعالى في ذلك وقدر عليهم، قال مالك: وما رأيت أهله من الناس إلا أهل سخافة عقل وخفة وطيش. قال محمد بن رشد: الآيتان جميعا بينتان في الرد على المكذبين بالقدر لأن الله عز وجل أخبر في الآية الأولى التي نزع بها عمر بن عبد العزيز أنهم لا يفتنون عن دين الله ويردونه إلى ما يعبدونه من دون الله إلا من هو صال الجحيم بما سبق عليه من قدر الله، وسواء كان الخطاب في قوله: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [الصافات: 161] للمشركين الذين يعبدون الأوثان، أو لبني إبليس وهم الجنة الذين تقدم ذكرهم في التلاوة على اختلاف أهل التأويل في ذلك، الحجة في ذلك على أهل القدر قائمة؛ لأن المعنى في ذلك أنهم لا يفتنون ويضلون كانوا المشركين أو الشياطين إلا من قد سبق عليه القدر بأنه يصلى الجحيم. وأخبر نوح بالآية التي نزع بها مالك أن قومه إن تركهم الله ولم يهلكهم بدعائه عليهم إذ دعا عليهم، ولا يكون ذلك إلا وقد أذن الله له في الدعاء عليهم فقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] أي إنهم إن ولدوا وليدا فأدرك كفر وهو شيء علمه من قبل الله عز وجل فقوله له: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36]

لعب الرجل مع امرأته بالأربعة عشر

فالحجة بها بينة واضحة أيضا على أهل القدر المكذبين به، ولا يكونون إلا أهل سخافة عقول كما قاله مالك، إذ لو كانوا ذوي عقول وافرة لما خفيت عليهم هذه الحجج الظاهرة: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125] ، وبالله التوفيق. [لعب الرجل مع امرأته بالأربعة عشر] في لعب الرجل مع امرأته بالأربعة عشر وسئل مالك عن الرجل يلعب مع امرأته في البيت بالأربعة عشر، قال: ما يعجبني ذلك، وليس من شأن المؤمن اللعب، لقول الله تبارك وتعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] . قال محمد بن رشد: الأربعة عشر قطع معروفة كان يلعب بها كالنرد وهو النردشير الذي قال فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله، ومن لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير» ، وكذلك الشطرنج له حكمه، وقد قال فيه الليث بن سعد: إنه شر من النرد فاللعب بشيء من ذلك كله على سبيل القمار والخطر لا يحل ولا يجوز بإجماع من العلماء؛ لأنه من الميسر الذي قال الله فيه: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] . وأما اللعب بشيء من ذلك كله

وجه تفريق الصدقة

على غير وجه القمار فلا يجوز لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله» فعم ولم يخص قمارا من غيره، فمن أدمن اللعب بشيء من ذلك كله كان قدحا في إمامته وشهادته، وقد كان عبد الله بن عمر إذا رأى أحدا من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها، وبلغ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن أهل بيت في دارها كانوا سكانا فيها عندهم النرد فأرسلت إليهم: لئن لم تخرجوه لأخرجنكم من داري وأنكرت ذلك عليهم، ذكر ذلك مالك في موطئه. ولا فرق في ذلك كله بين لعب الرجل به مع أجنبي في بيته أو في غير بيته وبين لعبه به مع أهله في بيته إن كان على الخطار والقمار، فذلك حرام بإجماع، وإن كان على غير القمار فهو من المكروه الذي تسقط شهادة من أدمن باللعب به، وهو الذي قال مالك فيه في هذه الرواية: ما يعجبني ذلك، وليس من شأن المؤمن اللعب لقول الله تبارك وتعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] فهذا من الباطل، وبالله تعالى التوفيق. [وجه تفريق الصدقة] ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا في وجه تفريق الصدقة قال مالك: بلغني أن طاوسا بعث مصدقا، وأنه أعطي نفقة يتجهز بها لخروجه، وكان مما يفعل أن يعطوا ما يتجهزون به، فأخذها فوضعها في كوة، ثم خرج فقسم كل شيء هنالك ولم يأت بشيء، فلما رجع سألوه فقال: إني قد قسمتها فكأنهم كرهوا ذلك فقالوا له: اردد إلينا الدنانير التي أعطيناك، فقال: هي في الكوة لم آخذ منها شيئا، فأخذوها، قال: وقال مالك بلغني «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث معاذ بن جبل إلى اليمن على الصدقات فرجع من اليمن بثيابه كما خرج لم يرجع بشيء من

سهم المؤلفة

الصدقة، قسمها هنالك» قال: وقال مالك: حدثني يحيى بن سعيد أنه كان مع ابن زرارة باليمامة مصدقا وأن عمر بن عبد العزيز كتب إليهما في أول عام أن اقسما نصف الصدقة، ثم كتب إليهما في العام الثاني أن اقسماها كلها، فقلت لمالك أفترى ذلك؟ قال: نعم، هو الشأن أن تقسم في مواضعها التي أخذت فيهم وفي غيرهم، فقيل له: أفرأيت رجلا قدم قرية فأخذ منهم زكاتهم أترى أن يقسمها فيهم؟ قال: نعم وفي غيرهم. قال محمد بن رشد: هذا كله بين لا إشكال فيه؛ لأن الشأن في قسم الصدقات أن تقسم في البلاد التي أخذت فيها، فإن فضل عن مساكنها فضل منها تنقل إلى أقرب البلدان إليهم، فقد تقل الصدقات في البلد ويكثر فيه المساكين، وقد تكثر فيه الصدقات ويقل فيه المساكين فيجتهد الإمام في ذلك كما فعل عمر بن عبد العزيز إذ كتب في العام الأول إلى ابن زرارة وصاحبه أن يقسما نصف الصدقة حيث قبضاها، وفي العام الثاني أن يقسماها كلها. والصدقات كلها من العين والمواشي والحبوب في ذلك سواء، وإذا حمل الطعام من البلد الذي لا مساكين فيه أو ما فضل عن المساكين الذين هم فيه إلى البلد الذي يقسم فيه فيكرى عليه منه أو يبيعه الإمام ويشتري بثمنه طعاما مثله في البلد الذي يقسمه فيه إن رأى ذلك أرشد من الكراء عليه، فينظر في ذلك باجتهاده، وقد قيل: إن الأحسن أن يتكارى عليه من الفيء لا منه، والقولان في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب زكاة الحبوب على ما بيناه هناك، وبالله التوفيق. [سهم المؤلفة] في سهم المؤلفة قال: وسئل مالك عن سهم المؤلفة أترى أن يقسم على

التفكر في أمر الله

سهمان الصدقة؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: يريد بالاجتهاد لا بالسواء، فإن رأى أن يجعله في صنف واحد كان ذلك له إذ الزكاة على مذهبه إنما توضع في الأصناف المذكورين في الآية بالاجتهاد، ويتبع في ذلك الحاجة في كل عام، ولا يقسم بينهم أثمانا على السواء هذا مذهبه الذي لم يختلف فيه قوله ولا خالفه فيه أحد من أصحابه، وقيل يجعل نصف ذلك السهم لعمار المساجد ونصفه على سائر الأصناف السبعة. والمؤلفة قوم من صناديد مضر كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يعطيهم الزكاة يتآلفهم على الإسلام ليسلم بإسلامهم من وراءهم، منهم أبو سفيان بن حرب. واختلف في الوقت الذي بدأ فيه باستيلافهم، فقيل قبل أن يسلموا لكي يسلموا، وقيل بعد ما أسلموا كي يحبب إليهم الإيمان، وكانوا على ذلك إلى صدر من خلافة أبي بكر، وقيل إلى صدر من خلافة عمر، ثم قال لأبي سفيان قد أعز الله الإسلام وأغنى عنك وعن ضربائك إنما أنت رجل من المسلمين وقطع ذلك عنهم. واختلف هل يعود ذلك السهم إن احتيج إليه أم لا يعود؟ فرأى مالك أنه لا يعود وهو مذهب أهل الكوفة، وقد قيل: إنه يعود إن احتيج إليه ورأى ذلك الإمام وهو قول ابن شهاب وعمر بن عبد العزيز وإليه ذهب الشافعي. [التفكر في أمر الله] في التفكر في أمر الله قال: وقال مالك: قيل لأم الدرداء: ما كان أكثر شأن أبي الدرداء؟ قالت: كان أكثر شأنه التفكر، فقيل له: أفترى التفكر من الأعمال؟ قال: نعم هو اليقين، قال الله عز وجل:

{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: 191] . قال محمد بن رشد: أم الدرداء هي زوجة أبي الدرداء، ولذلك سئلت عما كان أكثر شأنه إذ هي بصحبتها له ليلا ونهارا أعلم بحاله، اسمها خيرة، وهي صحابية من خيار النساء وفضلائهن وعقلائهن: وذوات الرأي منهن مع العبادة والنسك، روت عن النبي عليه السلام وعن زوجها أبي الدرداء، وروى عنها جماعة من التابعين. والتفكر من الأعمال كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو من أشرف الأعمال؛ لأنه من أعمال القلوب التي هي أشرف الجوارح، ألا ترى أنه لا يثاب أحد على عمل من أعمال الجوارح من الوضوء والصلاة والصيام والحج وسائر الطاعات إلا مع مشاركة القلوب لها بإخلاص النية لله عز وجل في فعلها، وقد قال سعيد بن المسيب في الصلاة فيما بين الظهر والعصر: ليست هذه عبادة، إنما العبادة الورع عما حرم الله، والتفكر في أمر الله، يريد أنها ليست بأشرف العبادات وإنما أشرفها وأكبرها وأقربها وسيلة إلى الله مع الورع عما حرم الله التفكر في أمر الله، وإنما قال ذلك؛ لأن الله أثنى على المتفكرين في آياته، وأمر بالاعتبار في مخلوقاته في غير ما آية من كتابه على وحدانيته وعظمته وقدرته من ذلك قوله عز وجل: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 185] الآية: و {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17] {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية: 18] الآية وقوله: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا} [ق: 6] الآية وقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]

وقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164] وقوله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58] الآيات إلى آخرها وقوله: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} [الرعد: 4] إلى قوله: {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4] وما أشبه ذلك في القرآن كثير لا يحصى، فالاعتبار في آيات الله التي أمرنا بالاعتبار فيها والتفكر في أمرها والاستدلال بها على وحدانيته وعظمته وقدرته، واستشعار اليقين بما وعد به من أطاعه من الثواب وأوعد به لمن عصاه من أليم العذاب من أكبر العبادات والأعمال وأقربها وسيلة إلى الله عز وجل ذي العظمة والجلال. وحكى يحيى بن يحيى عن البكاء وكان فاضلا، قال: كنت مع ابن شريح بالقيروان، فقلت: لأرمقن الليلة صلاته. فتبعته بعد صلاة العشاء فدخل بيته وتوسدت عتبته فرأيته دخل مسجده واستقبل القبلة وجلس كذلك، فسمعته حينا بعد حين يدعو كالمتفكر فيما جلس، فلم يزل كذلك شأنه حتى طلع الفجر، فقام فركع ركعتين ثم خرج إلى المسجد فرأيت يحيى يعجبه ذلك كثيرا ويقول: بالتفكر يستدل على حسن الأعمال، وبالله التوفيق.

ما جاء فيمن أخاف أهل المدينة

[ما جاء فيمن أخاف أهل المدينة] قال: وسمعت مالكا يذكر أن «جابر بن عبد الله كان قد كف بصره، وأنه خرج متوكئا على يد رجل يريد حاجته حتى كان بالحرة فنكبه حجر، فقال جابر: لعن الله من أخاف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبي» . قال محمد بن رشد: إنما قال جابر بن عبد الله ما قاله مما كان عنده عن النبي عليه السلام فيمن أخاف أهل المدينة إنما تذكر لما صار بالحرة ما جرى على أهل المدينة فيها يوم الحرة من الوقيعة التي دارت عليهم، وما انتهى إليهم في ذلك اليوم مسلم ابن عقبة، وإلى جيش يزيد بن معاوية من تخويف الناس، إذ دخل المدينة ودعا الناس إلى مبايعة يزيد بن معاوية على أنه حول له، وقتل من قتل على ذلك صبرا، وقد مضى ذكر ذلك في آخر رسم نذر سنة، عند قول مالك، عن سعيد بن المسيب: خلا مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أيام لم يجمع فيه من حين كان يوم قتل عثمان ويوم الحرة ويوم آخر نسيته وبالله تعالى التوفيق. [خوف دعاء الرجل الصالح] في خوف دعاء الرجل الصالح قال: وقال مالك: دخل سعيد بن المسيب مع سعد بن أبي وقاص على مروان فكلمه في شيء فأغلظ عليه القول، فقال: قال ابن المسيب: فلقد كرهت دخولي معه لما رأيت من غلظة كلامه. فقال مروان: إن القول ما أقول، فرفع سعد يديه ليدعو على مروان، وعلى سعد رداء قصير، فوثب إليه مروان فأخذ بذراعيه

تأهب سعيد بن المسيب لحديث النبي عليه السلام

فقال: لا أقوله، القول ما قلت يا أبا إسحاق لا أخالفك، فقال سعدا لو أنك ما فعلت ما زلت أدعو عليك حتى يسقط ردائي. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق. [تأهب سعيد بن المسيب لحديث النبي عليه السلام] في تأهب سعيد بن المسيب لحديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وما جرى له مع نافع بن جبير في مرضه قال: وقال مالك: بلغني أن رجلا دخل على سعيد بن المسيب فسأله عن حديث، فجلس يحدثه وكان مضطجعا، فقال له الرجل: وددت أنك لم تتعن، فقال له سعيد: إني كرهت أن أحدثك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأنا مضطجع، قال: وقال مالك: ودخل عليه مالك بن جبير بن مطعم وهو مريض ولم يطعم منذ ثلاثة أيام، فقال له أهله: إنه لم يطعم منذ ثلاثة أيام. قال: فكلمه فقال له سعيد: وكيف يأكل إنسان على هذه الحال؟ فقال له: لا بد لصاحب الدنيا ما كان فيها أن يطعم، قال: فما زال به حتى حسا حسوا ثم قال له: سل الله العافية فإني أرى الشيطان قد كان يغيظه مجلسك من المسجد، فقال لي ابن المسيب: اللهم سلمني وسلم مني. قال محمد بن رشد: هذا مما يستحسن من تعظيم حق النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في التحدث بحديثه، وقد كان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحدث عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلا وهو على وضوء، وروي أن هارون الرشيد قصد مالكا - رَحِمَهُ اللَّهُ - في منزله فأوقفه على بابه ثم أذن له، فعاتبه على ذلك وقال له. لم تأتنا، فإذا جئناك حجبتنا، فقال له: علمت أنك أتيت لحديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

الله يظهر على عبده ما يستخفى به من عبادته إياه

فأردت أن أتأهب له، وما جرى له مع نافع بن جبير بن مطعم دال على ما- كان عليه من الفضل وملازمة الجلوس في المسجد، وبالله التوفيق. [الله يظهر على عبده ما يستخفى به من عبادته إياه] في أن الله يظهر على عبده ما يستخفى به من عبادته إياه قال: وسمعت مالكا يقول: بلغني أن الحسن كان يقول: ابن آدم، اعمل وأغلق عليك سبعة أبواب يخرج الله عملك للناس. قال محمد بن رشد: معنى قول الحسن مروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، روى عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من أسر سريرة ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر» ومن هذا المعنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عن ربه فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء، وبالله التوفيق. [اهتمام عمر بن الخطاب بأمور المسلمين] في اهتمام عمر بن الخطاب بأمور المسلمين قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب كان يقول: إني لأضطجع على فراشي فما يأتني النوم وأقوم إلى الصلاة فما يتوجه لي القرار من اهتمامي بأمر الناس، قال مالك: كان يريد عمر ابن الخطاب أن يطاع الله فلا يعصى.

ما يقول من سمع المؤذن

قال محمد بن رشد: إنما بلغ عمر بن الخطاب إلى هذا الحد من الاهتمام بأمور المسلمين لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته» الحديث، وقد قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو مات جمل بشط الفرات ضياعا لخشيت أن يسألني الله عنه، وبالله التوفيق. [ما يقول من سمع المؤذن] ما جاء فيما يقول من سمع المؤذن قال: وسئل عن الحديث أن يقول كما يقول المؤذن، أيقال فيه حي على الصلاة؟ قال: إن الذي يقع في قلبي من تفسير الحديث إنما يراد به إلى أشهد أن محمدا رسول الله، فقيل له: أفيقال ذلك في المكتوبة؟ قال: لا، ولكن يقوله في النافلة. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة أن معنى الحديث إذا أذن المؤذن فقل مثل ما يقول، إنما ذلك إلى هذا الموضع، أشهد أن محمدا رسول الله فيما يقع بقلبي، زاد فيها، ولو فعل ذلك رجل لم أر به بأسا، فقيل معناه لو اقتصر على هذا لم أر به بأسا، وقيل معناه لو قال مثل ما يقول المؤذن في بقية أذانه الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لم أر به بأسا، والتأويل الأول أحسن؛ لأن قوله: الله أكبر الله أكبر إذا قال ذلك المؤذن لا يقال فيه لا بأس به، وإنما يقال فيه إنه مستحب من الفعل، وإنما الكلام هل هو مستحب أو واجب وجوب السنن بظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن» ، وعلى هذا اختلف فيمن كان جالسا فسمع مؤذنا يؤذن فقال مثل ما قال، ثم أذن غيره هل يجب عليه أيضا أن يقول مثل ما قال أو لا يجب ذلك عليه؟ إذ قال مثل قوله إذ سمع المؤذن الأول.

ما هو قلب الشيخ فيه شاب

وأما قوله حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يقوله، إذ ليس بتكبير ولا تهليل ولا ذكر الله، وإنما هو دعاء إلى الصلاة، وهو ليس بمناد للصلاة ولا داع إليها، وكان ميمون بن مهران يقول: إذا قال المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح: لا حول ولا قوة إلا بالله، وكانت عائشة تقول مثل ما يقول المؤذن فإذا قال حي على الصلاة كفت فلم تقل شيئا مثل ما ذهب إليه مالك، وقال ابن حبيب: قل لا حول ولا قوة إلا بالله عند حي على الصلاة حي على الفلاح ثم الرجوع إلى أن يقول مثل ما يقول المؤذن في بقية أذانه أفضل لمعنى الحديث إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن. وقوله: إنه يقول مثل ما يقول المؤذن في النافلة دون المكتوبة هو مثل ما في المدونة، وقال ابن وهب إنه يقول مثل ما يقول المؤذن في المكتوبة والنافلة، وروى مثله أبو المصعب عن مالك، واختاره ابن حبيب، وقال سحنون لا يقول مثل ما يقول لا في المكتوبة ولا في النافلة، وبالله التوفيق. [ما هو قلب الشيخ فيه شاب] فيما هو قلب الشيخ فيه شاب حدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن شيخ من أهل الطائف أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قلب الشيخ شاب في اثنتين، حب الحياة، وحب المال» . قال محمد بن رشد: ما أخبر به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أن الشيخ لا يشيخ أمله في حب الحياة وحب المال هو موجود معلوم من أحوال الشيوخ، والأمل الذي جبل الله تعالى عليه الخلق هو سبب ما قدره الله عز وجل

حكايات عن سعيد بن أبي هند وعبد الوهاب بن بخت

وأراده من عمارة الدنيا، إذ لو انقطع الأمل في الدنيا بالفكرة في الموت وما بعده لما استقام فيها عيش، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البهائم: «لو علمت من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا» وبالله تعالى التوفيق. [حكايات عن سعيد بن أبي هند وعبد الوهاب بن بخت] حكايات عن سعيد بن أبي هند وعبد الوهاب بن بخت قال: وسمعت مالكا ذكر أن سعيد بن أبي هند كان رجلا قد سرد الصيام، وإنما سحوره إنما كان في سكرجة، فكانت امرأته ربما كلمته في ذلك، فيقول اللهم أرحني منها، فقيل له: ما تفسير ذلك؟ فقال يريد أن يستريح من الدنيا، قال مالك: كان عبد الوهاب ابن بخت إذا مر بالسقيا يرفع يديه ويقول: الحمد لله الذي لم يجعلك لي، ولم يكن هو أحق بشيء من ماله في السفر من رقيقه، قال: ولقد بلغني أنه حين خرج إلى الغزو فانبعثت به راحلته قال: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل، فاستشهد، قال: وقال مالك: كان ابن أبي هند قد سرد الصيام فلما مرض دخل عليه يحيى بن سعيد فقال له: لو أفطرت، فقال: ليس هذا حين الترك. قال محمد بن رشد: قد فسر مالك معنى قول سعيد بن أبي هند اللهم أرحني منها أن معنى ذلك بالموت، فيستريح من الدنيا، ومن أراد

الخصال التي تصلح أن تكون في القاضي

الراحة من الدنيا وأحب لقاء الله عز وجل أحب الله لقاءه على ما جاء في الحديث الصحيح، من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «قال الله عز وجل: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقائه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه» وإن كان قد قيل في هذا الحديث: إن المعنى فيه عند المعاينة، فهو قبلها أبلغ في محبة لقاء الله عز وجل. وإنما حمد الله عبد الوهاب إذ لم يجعل السقيا له، إذ لو كانت له لم يأمن على نفسه الفتنة بها والاشتغال بالنظر فيها على الإقبال على عبادة ربه. وقد كان أبو طلحة الأنصاري يصلي في حائطه فطار دبسي فطفق يتردد يلتمس مخرجا، فأعجبه ذلك، فجعل يتبعه بصره ساعة ثم رجع إلى صلاته، فإذا هو لا يدري كم صلى؟ فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، فجاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الذي أصابه في حائطه من الفتنة، وقال: يا رسول الله هو صدقة لله فضعه حيث شئت. وقوله حين انبعثت به راحلته في خروجه إلى الغزو: عسى أن يهديني ربي سواء السبيل معناه عسى أن يبعثه الله على الطريق المستقيم إلى الجنة، فأجاب الله دعاءه بأن استشهد في غزوته تلك؛ لأن الشهادة هي الطريق القاصدة إلى الجنة، وبالله التوفيق. [الخصال التي تصلح أن تكون في القاضي] في الخصال التي تصلح أن تكون في القاضي قال: وقال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: لا يصلح للقاضي أن يقضي إلا أن يكون عالما بما كان قبله من الأمر مستشيرا لذوي الرأي.

قال محمد بن رشد: هاتان الخصلتان من الخصال التي يستحب أن تكون في القاضي، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز منها خمس خصال بهاتين الخصلتين، وهي أن يكون عالما بالفقه والسنة ذا نزاهة عن الطمع، مستخفا بالأئمة يريد أنه يدير الحق على من دار عليه ولا يبالي بمن لامه على ذلك، وقيل معناه مستخفا بالأئمة أي لا يهابهم في القضاء بالحق وإن كرهوا ذلك منه، حليما على الخصم، مستشيرا لأولي العلم، وهي كثيرة منها أن يكون من أهل البلد ممن يسوغ له الاجتهاد، معروف النسب ليس بابن لعان ولا ولد زنى، غنيا ليس بفقير ولا محتاج، نافذا فطنا غير مخدوع لعقله ولا محدود في قذف ولا زنى ولا سرقة، وروي عن عمر ابن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يصلح أن يلي القضاء إلا من كان حصيف العقل شديدا في غير عنف لينا في غير ضعف، قليل الغرة بعيد الهيبة لا يطلع الناس منه على عورة. فهذه الخصال المستحسنة ينبغي توخيها وبعضها أكثر من بعض، فيقدم الذي يجتمع فيه منها أكثرها، وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أرى خصال القضاء تجتمع اليوم في أحد، فإذا اجتمع فيه منها خصلتان رأيت أن يولى: العلم والورع، قال ابن حبيب: فإن لم يكن علم وورع فعقل وورع، فبالعقل يسأل، وبالورع يقف، وإذا طلب العلم وجده، وإن طلب العقل لم يجده، يريد بالعقل العقل الحصيف، وأما العقل الذي يوجب التكليف فهو مشترط في صحة الولاية كالإسلام والحرية والبلوغ والذكورية والتوحد فإن ولي من عدم خصلة من هذه الخصال الست لم تنعقد له الولاية، ومن الخصال خصال ليست مشترطة في صحة الولاية إلا أنه يجب عزله عنها بعدم شيء منها، وهي أن يكون سميعا بصيرا متكلما. واختلف في العدالة، فقيل: إنها مشترطة في صحة الولاية كالإسلام

حكاية عن عمر بن الخطاب

والحرية وسائر الشروط المشترطة في صحة الولاية، وقيل: إنها ليست مشترطة في صحة الولاية إلا أن عدمها يوجب عزله عن الولاية. واختلف في الأمية، فقيل: إنه لا يجوز أن يولى القضاء وإن كان النبي أميا لأن النبي ليس كغيره، وقيل ذلك جائز إذ لا يلزمه قراءة العقود ولا كتاب المقالات وله أن يستنيب في ذلك غيره، وبالله التوفيق. [حكاية عن عمر بن الخطاب] قال: وقال مالك: بلغني أن رجلا قال لعمر بن الخطاب: أكون في منزلة لا أخاف في الله لومة لائم، قال عمر إن وليت من أمر الناس شيئا، وإلا فأمر بالمعروف وانه عن المنكر وأقبل على نفسك. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين ليس فيه ما يشكل وبالله تعالى التوفيق. [ما جاء في بلال] قال مالك: بلغني أن بلالا قال لأبي بكر لما ولي: ائذن لي نخرج إلى الشام في الجهاد، فقال أبو بكر: لا، فقال له بلال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله فخل سبيلي، فقال له أبو بكر: قد خليتك. وسئل مالك هل أذن بلال لأحد بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: ما أذن لأحد بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولقد سمعت أنه أذن لعمر بن الخطاب حين دخل الشام،

ما يسود الرجل به قومه

سأله ذلك فقام فأذن فبكى الناس وذكروا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبكوا لذلك. قال محمد بن رشد: قد روي أنه أذن لأبي بكر حياته، ذكر ابن عبد البر في كتاب الصحابة أن ابن شيبة ذكر عن حسين بن علي، عن شيخ يقال له الحفصي عن أبيه عن جده قال: أذن بلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أذن لأبي بكر حياته، ولم يؤذن في زمن عمر، فقال له عمر: ما منعك أن تؤذن؟ قال: إني أذنت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى قبض، وأذنت لأبي بكر حتى قبض لأنه كان ولي نعمتي، وقد سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «يا بلال ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله، فخرج فجاهد» ويقال إنه أذن لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذ دخل الشام مرة فبكى عمر وغيره من المسلمين، وبالله التوفيق. [ما يسود الرجل به قومه] فيما يسود الرجل به قومه قال: وقال مالك: بلغني أن معاوية بن أبي سفيان قال للأحنف بن قيس: بم شرفت قومك وأنت لست بأشرفهم ولا بأسنهم ولا بأيسرهم؟ فقال: إني لا أتناول ما كفيت، ولا أضيع ما وليت، فقيل له أو قال: لو وجدت الناس كرهوا شرب الماء ما شربته فقال: قد سمعت وليس هذه تشبه هاتين. قال محمد بن رشد: قوله: لا أتناول ما كفيت هو من معنى قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وقوله ولا أضيع ما وليت هو من معنى قول الله عز وجل: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: 34]

تحري وقت قتال العدو

والخصلة الثالثة هي من معنى قول النبي عليه السلام: «مداراة الناس صدقة» وصدق مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن هذه ليست تلحق بالأولين، فمن ترك ما لا يعنيه ووفى بما يلزمه الوفاء به وسالم الناس فقد حاز محاسن الأخلاق ومكارمها، واستحق بذلك السؤدد والشرف، وبالله التوفيق. [تحري وقت قتال العدو] في تحري وقت قتال العدو قال: وسألته هل بلغك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتحرى قتال العدو بعد زوال الشمس؟ فقال: ما بلغني وما كان قتال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل خيبر إلا في أول النهار حين قالوا وخرجوا بمساحيهم ومكايلهم، فقالوا: محمدا والخميس وما كان قتالهم يوم أحد إلا في أول النهار. قال محمد بن رشد: روي «عن النعمان بن مقرن قال: شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر» وروي عنه أنه «قال غزوت مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قاتل، فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس قاتل إلى العصر ثم أمسك حتى يصلي العصر، ثم يقاتل، قال: وكان يقال عند ذلك تهيج ريح النصر ويدعو المؤمنون في صلاتهم» فهذا هو المروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في هذا خرجه الترمذي لأنه كان يتحرى قتال العدو بعد زوال الشمس فلا يقاتل قبله، هذا الذي قال مالك إنه لم يبلغه والله أعلم. [مخالطة اليتيم في النفقة] 17 -

في مخالطة اليتيم في النفقة قال: وسئل مالك عن اليتيم يكون عند الرجل فيأخذ نفقته فيريد أن يخلطها بنفقته ويكون طعامهم واحدا كيف ترى فيه؟ قال: لما أخبرك بالشأن فيه، إن كان يعلم أنه يفضل عليه وأن الذي ينال اليتيم من طعامه هو أكثر وأفضل من نفقته فلا أرى بذلك بأسا، وإن كان لا ينال من ذلك الذي هو أفضل فلا يعجبني ذلك. قال محمد بن رشد: قول مالك هذا صحيح بين أخذه من قول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] أي يعلم من يخالط اليتيم لينفعه بما يصيب اليتيم من طعامه زائدا على ما يصيب هو من طعام اليتيم، أو لينتفع هو بما يصيب من طعام اليتيم زائدا على ما يصيب اليتيم من طعامه. وقد اختلف في السبب الذي من أجله سألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اليتامى فأنزل الله في ذلك ما أنزل، فروي عن ابن عباس قال: لما نزلت {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] و {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] الآية. انطلق من كان عنده يتيم يعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] فخلطوا طعامهم بطعامهم،

وشرابهم بشرابهم، وقد روى أن اتقاء مال اليتيم واجتنابه كان من أخلاق العرب، كانوا لا يأكلون معهم في قصعة واحدة ولا يركبون لهم بعيرا ولا يستخدمون لهم خادما، فلما جاء النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سألوه عن ذلك فقال الله عز وجل: {قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220] أي إن تفضلكم عليهم بإصلاحكم أموالهم من غير مرزئة منكم لشيء من أموالهم خير لكم عند الله لما لكم في ذلك من الثواب عنده وخير لهم في أموالهم في عاجل دنياهم، ثم قال: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] أي إن تخلطوا أموالكم بأموالهم في المطاعم والمشارب وغير ذلك فينتفعون بمخالطتكم إياهم عوضا من قيامكم على أموالهم فهم إخوانكم، والإخوان يعين بعضهم بعضا. وقد اختلف أهل العلم فيما يحل للولي من مال يتيمه لقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] ، بعد إجماعهم على أن أكل مال اليتيم ظلم من الكبائر لا يحل ولا يجوز، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2] وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] . فأما الفقير المحتاج فلا اختلاف في أنه يسوغ له أن يأكل من مال يتيمه بعد اشتغاله به وخدمته فيه وقيامه عليه، على ما جاء عن ابن عباس من قوله للذي سأله هل له أن يشرب من لبن إبل يتيمه: إن كنت تبغي ضالة إبله وتهنأ جرباها وتلط حوضها وتسقيها يوم ورودها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب.

قول عمرلأسيد بن الحضير في ما كان يكسوه إياه

وأما إن لم يكن له فيه خدمة ولا عمل فلا يسوغ له أن يأكل منه إلا ما لا ثمن ولا قدر ولا قيمة مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه على ما قاله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا، ومثل الفاكهة من حائطه على ما قاله في أول سماع أشهب من هذا الكتاب. ومن أهل العلم من أجاز له أن يأكل منه على سبيل السلف. ومنهم من أجاز له أن يأكل منه ويكتسي بقدر حاجته وما تدعو إليه الضرورة، وليس عليه رد ذلك. وأما الغني فإن لم يكن له في ماله خدمة ولا عمل سوى أنه يتفقده ويشرف عليه فليس له أن يأكل منه إلا ما لا قدر له ولا بال، مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه، والثمر يأكله من حائطه إذا دخله. واختلف إذا كان له فيه خدمة وعمل فقيل: إن له أن يأكل منه بقدر عمله فيه وخدمته له، وقيل ليس ذلك له لقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] . [قول عمرلأسيد بن الحضير في ما كان يكسوه إياه] في قول عمر لأسيد بن الحضير في ما كان يكسوه إياه قال: وحدثني مالك عن أسيد بن الحضير أن عمر بن الخطاب كان يكسوه الحلة فيبيعها ويشتري دونها ويشتري بفضل ذلك رقبة يعتقها، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فاشتد عليه ذلك، وقال: نكسو أحدهم الحلة ليعرف بها منزلته وفضله ثم يبيع ذلك،

لينتهين عن ذلك أو لأتركنه فقال أسيد: يا عمر لأن أحدنا قدم لآخرته منعته حقه؟ قال: فقال عمر: لا والله ليعطين حقه. قال محمد بن رشد: الحلل الثياب المبطنة أكثرها عندهم من البرود اليمانية، وأحب عمر بن الخطاب أو يلبس الحلل من كان يكسوه إياها وكره أن يستبدلها بأدنى منها لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» «وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي رآه قشف الهيئة: هل لك مال؟ قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: من كل المال، قال: " فلير عليك مالك» ، وقال في صاحب جابر بن عبد الله الذي رآه يرعى ظهره وعليه بردان له قد خلقا «فقال لجابر بن عبد الله: أما له غيرهما؟ فقال: بلى، له ثوبان في العيبة كسوته إياهما، فقال: فادعه فمره فليلبسهما، فدعاه فلبسهما ثم ولى يذهب [فقال رسول الله] ، ما له ضرب الله عنقه؟ فسمعه الرجل فقال: في سبيل الله يا رسول الله، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في سبيل الله، فقتل الرجل في سبيل الله» وقال عمر بن الخطاب إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب، وقال: إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم. ومضى قول عمر: لينتهن عن ذلك أو لأتركنه، أي لأتركن أن أكسو الحلل لمن يبيعها ولا يلبسها وأعطيه عوضها منها وأكسوها لمن يلبسها ولا يبيعها، وذلك بين من قوله: لا والله ليعطين حقه. ولبس الثياب الحسان للجمال بها مباح جائز قال الله عز وجل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف: 32] الآية، وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد، إنا قد وسع الله علينا فننال من كسوة وعطر ما لو شئنا اكتفينا بدونه، فما تقول؟ فقال:

السرف في الإنفاق

أيها الرجل إن الله أدب أهل الإيمان فأحسن أدبهم فقال: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] وإن الله ما عذب أقواما أعطاهم الدنيا فشكروه، ولا عذر قوما زوى عنهم الدنيا فعصوه. وقال بعض الحكماء: البسوا ثياب الملوك وأشعروا قلوبكم الخشية، وكان القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يلبس الخز وسالم ابن عبد الله بن عمر يلبس الصوف وكانا يتجالسان في المسجد فلا ينكر واحد منهما على صاحبه لباسه، وقد كره العلماء من اللباس الشهرتين: وذلك الإفراط في البذاذة وفي الإسراف والغلو. وروي عن الحسن البصري أنه قال: إن قوما جعلوا خشوعهم في لباسهم وكبرهم في صدورهم وشهروا أنفسهم بلباس هذا الصوف حتى إن أحدهم لما يلبس من الصوف أشد كبرا من صاحب المطرف بمطرفه، وقال رجل لإبراهيم النخعي: ما ألبس من الثياب؟ فقال: ما لا يشهرك عند العلماء ولا يحقرك عند السفهاء ولهلال ابن العلاء وكان عالما: أجد الثياب إذا اكتسيت فإنها ... زين الرجال بها تهاب وتكرم ودع التواضع في اللباس تحريا ... فالله يعلم ما تكن وتكتم فدني ثوبك لا يزيدك زلفة ... عند الإله وأنت عبد مجرم [السرف في الإنفاق] حكاية عن عمر بن الخطاب قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب قال: لخرق الرجل أشد على من عدمه إنه ليستفيد المال بعد العدم، والخرق لا يقوم له شيء. قال محمد بن رشد: قد بين عمر معنى قوله بما لا مزيد عليه؛ لأن الخرق السرف في الإنفاق الذي قد ذمه الله عز وجل، بدليل قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] .

وقاية العرض بالمال

[وقاية العرض بالمال] في وقاية العرض بالمال قال [مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب هو] سمعت مالكا يقول: إن رجلا من أهل الفقه كانت عنده وديعة ليتيم كان يليها وإنها ضاعت، فباع مالا له ببضعة عشر ألفا ثم أداها، قيل له أفرأى الناس عليه ذلك؟ قال: لا، لم يروا ذلك عليه، ولكنه تطوع بذلك كراهية القالة والتماس تقوى الله وأن لا يجاحد لأحد شيئا، وما كان ذلك عليه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لأنه من فعل أهل النزاهة والفضل، وبالله التوفيق. [التطاول في البنيان من أشراط الساعة] في أن التطاول في البنيان من أشراط الساعة قال: وقال مالك: بلغني أن من أشراط الساعة التطاول في البنيان ولقد أنكر الناس حين بنى عثمان داره هذا البناء ولقد أصاب الناس مطر في ذلك الزمان، فجاءه بعض من يعنيه أمره حين أصبح سأله عن بنيانه، كأنه خاف أن يكون قد انهدم عليه بنيانه. قال محمد بن رشد: التطاول في البنيان مكروه، مذموم، بدليل ما جاء فيه أنه من أشراط الساعة، ولذلك أنكر الناس على عثمان حين بنى داره هذا البناء على ما ذكره مالك في هذه الرواية، وقد روي من رواية أنس بن مالك أن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج فرأى قبة مشرفة، فقال: ما هذه؟ فقال له أصحابه: هذه لرجل من الأنصار، فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في

الناس أعرض عنه، صنع ذلك به مرارا حتى عرف الرجل الغضب والإعراض عنه شكى ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما أدري ما حدث لي وما صنعت، قالوا خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرأى قبتك، فسأل لمن هي، فأخبرناه، فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فلم يرها، فقال: ما فعلت القبة التي كانت هاهنا؟ فقالوا شكى صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما لا إلا ما لا» يريد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا ما إلا ما بني في غير ظلم ولا اعتداء بدليل ما روي من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من بنى بنيانا في غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان أجره له جاريا ما انتفع به أحد من خلق الرحمن» ، فلا يجوز الاعتداء في البناء وهو التطاول فيه والعلو والسرف، وإنما يجوز منه ما كان بوجه السداد على قدر الحاجة. والتطاول في البنيان من أشراط الساعة التي قد أعلم الله أنها قد جاءت بقوله عز وجل: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] معناه فما ينظرون إلا قيام الساعة بالنفخة الأولى التي أخبر الله أنه يطعن بها أي يموت من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله أن تأتيهم فجأة فقد جاء أشراطها. وأشراطها التي قد جاءت كثيرة. فالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أشراطها قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بأصبعيه الوسطى والسبابة، أو جمع بين أصابعه الوسطى والسبابة على ما جاء في ذلك عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وانشقاق القمر في حياته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على ما جاءت به الآثار من أشراطها قال الله عز وجل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] . ورمي الشياطين بالشهب في سماء الدنيا من أشراطها. ومن أشراطها التي قد رأيناها أكبرها أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويخرب العامر ويعمر الخراب وتشرب الخمر، ويظهر الزنا، ويقل الرجال. ويكثر النساء حتى تكون لخمسين امرأة القيم الواحد، وأن يطلب العلم عند الأصاغر، وأن يوسد الأمر إلى غير أهله، فقد جاء أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سئل متى الساعة؟ فقال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» ومن أشراطها: أن يظهر الفحش والتفحش وقطيعة الرحم، ويسوء الجوار ويؤتمن الخائن ويخون الأمين، وأن يرى رعاء الشاء على رؤوس الناس، وأن يرى الحفاة العراة الجوع يتبارون في البنيان، وأن تلد الأمة ربتها وربها، وقد روي أن من أشراط الساعة أن يظهر العلم ويفيض المال، ويكثر التجار، وأن من أشراطها أن تقاتلوا قوما ينتعلون الشعر، وأن تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة فهذه الأشراط، وما روي مما هو في معناها أمارة تدل على قربها. وأما أشراطها التي تكون بين يديها فعشرة، منها خمسة وقع العلم بها لتواتر الآثار بها، وهي يأجوج ومأجوج، والدابة، والدجال، ونزول عيسى ابن مريم، وطلوع الشمس من مغربها. وأما الخمسة الأخرى: فخسفا بالمشرف، وخسفا بالمغرب، وخسفا بجزيرة العرب، والدخان، ونار تخرج من قعر عدن تميل معهم إذا مالوا وتروح معهم إذا راحوا، روي «عن أبي سريحة، قال: أشرف علينا رسول الله

تعريف المدية

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غرفة فقال: ما تذكرون؟ ما تقولون؟ قال: قلنا يا رسول الله الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تروا عشر آيات، فذكر هذه العشرة» والدخان الذي ذكر فيها هو غير الدخان المذكور في سورة الدخان قوله عز وجل: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] لأن ذلك الدخان قد مضى على ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن قريشا استعصت وكفرت فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: ارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا العظام والميتة، وقد كان الرجل يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجهد، فقالوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 12] فكشف عنهم وقال: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] فعادوا في كفرهم فأخذهم الله في يوم بدر، وقال: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] في هذا الحديث بيان واضح أن الدخان المذكور في الآية قد مضى، إذ لو كان في القيامة لم يكشف عنهم، وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: خمس قد مضين، الدخان والقمر والدوم واللزام، وبالله التوفيق. [تعريف المدية] في أن المدية هي السكين قال مالك: وبلغني أن أبا هريرة قال: ما كنا نسمي السكين إلا المدية حتى أنزل الله في كتابه سكينا.

تذكية ما يجعل في الترياق

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لا إشكال فيه وبالله تعالى التوفيق. [تذكية ما يجعل في الترياق] في تذكية ما يجعل في الترياق من الأفاعي قال: وذكر لمالك أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الذين يعملون الترياق ألا يجعلوا فيه إلا ذكيا، فقيل له: أفترى لها ذكاة؟ قال: نعلم لمن ابتغى ذلك منها، فلها ذكاة إذا أصاب الموضع يريد المذبح. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن كل ما له لحم ودم سائل من الخشاش والدواب لا يؤكل إلا بذكاة لقول الله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] الآية وإنما اختلف في الخشاش التي ليس لها لحم ولا دم سائل، فقيل: لها حكم دواب البحر أنها تؤكل بغير ذكاة، وإنها لا تفسد ما مات فيه من طعام أو إدام، وهو قول عبد الوهاب في التلقين، وقيل: إنه لا يؤكل شيء من ذلك إذا احتيج إليه إلا أن يذكي بما يذكى به الجراد من قتلها بقطع رؤوسها أو أرجلها أو طرحها في المرعف أحياء، وفي التذكية للجراد اختلاف، إذ قد قيل: إنها من صيد البحر على ما جاء عن كعب من قوله والذي نفسي بيده إن هي إلا نثرة حوت ينثره كل عام مرتين وقيل: إن أخذها ذكاتها.

ما جاء من الأحاديث بخلاف ما عليه العمل

[ما جاء من الأحاديث بخلاف ما عليه العمل] في ما جاء من الأحاديث بخلاف ما عليه العمل قال: وقال مالك: كان رجال من أهل العلم يتحدثون بأحاديث وتبلغهم عن غيرهم فيقولون: ما نجهل هذا، ولكن مضى العمل على غير هذا، قال مالك: كان القاسم بن محمد لا يكاد يرد على أحد في مجلسه شيئا، قال: فتكلم ربيعة يوما فأكثر فصمت عنه، قال يحيى: فانصرف وانصرفت معه فتوكأ علي ثم قال: [لا أبا لشأنك] أرأيت ما كان يذكر هذا منذ اليوم؟ أين كان الناس عنه أترى الناس كانوا غافلين عما كان؟ يقول، يريد بذلك استنكارا لما كان من القول. قال محمد بن رشد: هذا معلوم من مذهب مالك أن العمل المتصل بالمدينة مقدم على أخبار الآحاد العدول؛ لأن المدينة دار النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبها مات وأصحابه متوافرون، فيبعد أن يخفى الحديث عنهم ولا يمكن أن يتصل العمل به من الصحابة إلى من بعده على خلافه إلا وقد علموا النسخ فيه، وكذلك القياس عنده مقدم على خبر الآحاد إذا لم يمكن الجمع بينهما، والحجة في ذلك أن خبر الواحد يجوز عليه النسخ والغلط والسهو والكذب والتخصيص، ولا يجوز على القياس من الفساد إلا وجه، وهو أن هذا الأصل هل هو معلول بهذه العلة أم لا؟ فصار أقوى من خبر الواحد، فوجب أن يقدم عليه، وبالله التوفيق.

التعوذ بكلمات الله

[التعوذ بكلمات الله] في التعوذ بكلمات الله وذكر حديث النبي عليه السلام في أعوذ بكلمات الله التامات، فقالوا له: ثلاثا؟ فقال: ما سمعت إلا كذا، وثلاث أفضل. قال محمد بن رشد: قوله وذكر حديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يريد ذكر مالك حديثه الذي رواه في موطئه عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن «رجلا من أسلم قال: ما نمت هذه الليلة، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أمن أي شيء؟ قال: لدغتني عقرب، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أما أنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك» فقالوا له: هل في الحديث أما أنك لو قلت ثلاثا حين أمسيت؟ فقال: ما سمعت إلا كذا، أي ما سمعت في الحديث ثلاثا وثلاث أفضل. وليس في قوله أعوذ بكلمات الله التامات دليل على أنه له عز وجل كلمات غير تامات؛ لأن كلماته هي قوله، وكلامه صفة من صفات ذاته، يستحيل عليها النقص. وفي الحديث بيان واضح على أن كلماته عز وجل عند مخلوقاته، إذ لا يستعاذ بمخلوق، وهذا هو قول أهل السنة، والحق أن كلام الله عز وجل صفة من صفات ذاته قديم غير مخلوق لأن الكلام هو المعنى القائم في النفس، والنطق به عبارة عنه، قال الله عز وجل: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} [المجادلة: 8] فأخبر أن القول معنى يقوم في النفس،

بر الرجل بأمه

وتقول: في نفسي كلام أريد أن أعلمك به، فحقيقة كلام الرجل هو المفهوم من كلامه، وأما الذي يسمعه منه فهو عبارة عنه، وكذلك كلام الله عز وجل القديم الذي هو صفة من صفات ذاته هو المفهوم من قراءة القارئ لا نفس قراءته التي تسمعها؛ لأن نفس قراءته التي تسمعها محدثة لم تكن حتى قرأها فكانت، وهذا كله بين إلا لمن أعمى الله بصيرته عن الحق، وبالله التوفيق. [بر الرجل بأمه] في بر الرجل بأمه قال مالك: بلغني أن طلق بن حبيب كان برا بأمه وأنه لم يتقدمها قط في مسير، ولم يكن قط في أعلى منزل وهي أسفل منه، وأنه دخل عليها يوما فإذا هي تبكي من امرأته، فقال لها: فيم أبكتك؟ فقالت له: يا بني أنا أظلم منها، وأنا بدأتها، قال: لقد صدقت ولكن لا تطيب نفسي أن أحبس امرأة بكيت منها، وأنه وسعيد بن جبير ورجالا كانوا معهم طلبهم الحجاج فدخلوا الكعبة فأخذوا منها فقتلهم الحجاج. قال محمد بن رشد: فعل طلق بن حبيب هذا نهاية منه في البر بأمه امتثالا منه لما أمر الله به من ذلك، قال الله عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] أي أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وأمر بالوالدين إحسانا أي برا {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] . قال مجاهد: إن بلغا أن يخريا أو يبولا فلا تقذرهما كما كانا لا يقذرانك وأنت صغير، {وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] وإن وجدت منهما ريحا يؤذيك فلا تقل لهما أف، والأظهر أن معناه ولا تنفخ إن رأيت ما تكره، إظهارا منك لهما أنك تكره ذلك منهما، ومعنى وقل لهما قولا كريما أي لينا سهلا وقال عروة بن الزبير في قوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24]

السلام من الصلاة

معناه لا تمتنع من شيء أحباه، وروى أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصى بعض أهل بيته فكان فيما أوصاه: «أطع والديك وإن أمراك أن تخرج عن كل شيء لك فافعل» . [السلام من الصلاة] في السلام من الصلاة قال مالك: حدثني عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي أنه كان يسلم في الصلاة على يمينه وعلى شماله، لا يدري ابن أبي حازم إماما كان أو غيره. قال محمد بن رشد: السلام الواجب الذي يخرج به المصلي من صلاته ويتحلل به منها تسليمة واحدة قبالة وجهه يتيامن بها قليلا الإمام والمأموم والفذ في ذلك سواء، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم» وعلى المأمون أن يرد على الإمام يشير إلى جهته به وأن يرد أيضا على من على يساره إن كان على يساره أحد فسلم عليه، هذا هو قول مالك في الذي رجع إليه، وقد قيل وهو مذهب سهل بن سعد الساعدي على ما جاء عنه في هذه الرواية، وقد كان مالك يقول به ثم رجع عنه إن الإمام والفذ يسلم كل واحد منهما تسليمتين، الواحدة منهما واجبة عليه ينوي بها الخروج من الصلاة والتحلل منها قبالة وجهه ويتيامن بها قليلا، والثانية عن يساره سنة واجبة. وروى أن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، فسلم يوما من صلاته ثم التفت فرأى الناس مالوا عن يمينه، فقال: ما بال الناس؟ قيل يا رسول الله: مالوا عن يمينك رجاء بركة سلامك، فسكت، فلما صلى الصلاة التي تليها سلم عن يمينه وعن يساره

طلاق المولى

تسليمتين، فاعتدلت الصفوف بعد ذلك» . فإن نسي التسليمة الأولى وسلم الثانية وانصرف لم تجزه صلاته وإن نسي الثانية وسلم الأولى لم يكن عليه شيء. ويسلم المأموم على هذا القول تسليمات ثلاث واحدة قبالة وجهه واجبة عليه يتحلل بها عن الصلاة، وثانية عن يساره سنة وإن لم يكن على يساره أحد ثم يرد على الإمام ثالثة يقول كل واحد منهم في ذلك كله: السلام عليكم، السلام عليكم، السلام عليكم، وبالله التوفيق. [طلاق المولى] في طلاق المولى وحدثني ابن أبي حازم، عن يحيى بن سعيد، عن عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر، وسليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون لا يدخل على مول طلاق حتى يوقف. قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور من قول مالك الذي عليه جميع أصحابه أنه لا يقع عليه طلاق وإن مرت به سنة حتى يوقف، فإما فاء وإما طلق، وهو قول جمهور الصحابة، قال سهيل بن أبي صالح عن أبيه: سألت اثني عشر من أصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الرجل يولي من امرأته فكلهم يقول: ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف، فإما فاء وإما طلق ولم يؤمر بالفيئة بعدها، وهو قول ابن شبرمة، وروي مثله عن سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين. وقال أهل العرف يقع على المولي طلقة بائنة بانقضاء الأربعة الأشهر، وهذا الاختلاف مبني على اختلافهم في تأويل قول الله عز وجل: {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] هل المراد في ذلك بالأربعة الأشهر، أو فيما بعدها، ورواية أشهب عن مالك في كتاب الإيلاء قول رابع في المسألة، واختلف على المشهور في المسألة من أنه لا يقع عليه طلاق حتى يوقف إن وقف فأبى أن

ارتداد العرب بعد موت النبي عليه السلام

يفيء، فقيل تطلق عليه طلقة رجعية، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه، وقيل يحبس حتى يفيء أو يطلق. [ارتداد العرب بعد موت النبي عليه السلام] ومن كتاب باع غلاما بعشرين دينارا قال مالك: بلغني أن أبا هريرة تلا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2] ثم قال والذي نفسي بيده إن الناس اليوم ليخرجون من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا. قال محمد بن رشد: إنما قال ذلك لما رأى من ارتداد العرب بعد موت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ومن خروج الخوارج المارقين عن الدين الذين أعلم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بخروجهم عن المسلمين، وبالله التوفيق. [أعطى في صدقة الماشية أفضل من السن الواجبة عليه] فيمن أعطى في صدقة الماشية أفضل من السن الواجبة عليه قال مالك: وحدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعث رجلا مصدقا فأتى الرجل فإذا عليه بنت مخاض، فقال: والله ما كنت أول من أعطى ما لا يحلب ولا يركب، فأعطاه كبيرة فأبى أن يأخذها وقال: لم أؤمر بذلك، فأقبل الرجل مع الذي بعثه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر للنبي الذي عرضه عليه، فأمره النبي فأخذها منه، قال: ودعا فيها بالبركة في إبله قال فنمت وكثرت، قال: فإنه تعرف فيها دعوة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى اليوم» . قال محمد بن رشد: في هذا الحديث: إن الأسنان المحدودة في الأخذ من الماشية في الزكاة ليست بحد لا يزاد عليه ولا ينقص منه كعدد

تحريض زيد بن ثابت للأنصار على نصر عثمان رضي الله عنه يوم الدار

ركعات الصلاة وإنما هي حد في أن لا يؤخذ من أحد أعلى منها إلا عن طيب نفس، وهذا ما لا اختلاف. فيه، وقد مضى هذا السماع من كتاب زكاة المواشي، وبالله التوفيق. [تحريض زيد بن ثابت للأنصار على نصر عثمان رضي الله عنه يوم الدار] في تحريض زيد بن ثابت للأنصار على نصر عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم الدار قال مالك: بلغني أن زيد بن ثابت قال للأنصار: يا معشر الأنصار، انصروا الله مرتين في فتنة عثمان، أمرهم أن يقاتلوا معه، فقال له رجل من الأنصار من كبرائهم: إنا نخشى أن نقول كما قال من كان قبلنا: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 68] . قال محمد بن رشد: كان الأنصار قد انتدبوا إلى نصر عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، روي أن زيد بن ثابت قال لعثمان: هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله مرتين، فقال: لا حاجة لي في ذلك، كفوا، فكفوا عن القتال دونه لما لزمهم من طاعته وتوقعوا في ذلك الحرج، ولذلك قال قائلهم في هذه الحكاية ما قال والله أعلم، وكذلك سائر الصحابة إنما توقفوا عن نصرته والقتال دونه من أجل عزمه عليهم في ذلك روي عن محمد بن سيرين قال: انطلق الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان كلهم شاك في السلاح، حتى دخلوا الدار فقال عثمان أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فخرج ابن عمر والحسن والحسين، فقال ابن الزبير ومروان: ونحن نعزم على أنفسنا ألا نبرح، وروي عن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان: إنا معك في الدار

ما ترك عثمان عليه من الدين رضي الله عنه

عصابة مستنصرة ينصر الله بأقل منهم، فأذن لنا، فقال: أذكر الله رجلا إهراق في دمه أو قال دما وقال سليط بن أبي سليط: نهانا عثمان عن قتالهم، ولو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم من أقطارنا، وروي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه قال: كنت مع عثمان في الدار، فقال: أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا وطاعة إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم عندي غناء، من كف يده وسلاحه، ثم قال: قم يا ابن عمر فاجر بين الناس، فقام ابن عمر وقام معه رجال من بني عدي ابن سراقة وابن مطيع، ففتحوا الباب وخرج، ودخلوا الدار فقتلوا عثمان رحمة الله عليه ورضوانه. [ما ترك عثمان عليه من الدين رضي الله عنه] في ما ترك عثمان عليه من الدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال ابن القاسم: قال مالك: وبلغني أن عثمان بن عفان قضي عنه ثلاثون ألف درهم. قال محمد بن رشد: ما ترك عثمان على نفسه من الدين معدود من فضائله؛ لأنه إنما احتاج إلى التداين مع سعة ماله لبذله إياه في طاعة ربه من صلة الرحم وفعل المعروف على المعهود منه في حياة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقد جهز جيش العسرة في غزوة تبوك بتسعمائة وخمسين بعيرا وأتم الألف بخمسين فرسا واشترى بئر رومة، وكانت ركية ليهودي يبيع للمسلمين ماءها، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يشتري رومة فيجعلها للمسلمين يضرب بدلوه في دلائهم وله بها مشرب في الجنة، فأتى عثمان اليهودي فساومه بها فأبى أن يبيعه كلها، فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم فجعله للمسلمين فقال له عثمان: إن شئت جعلت على نصيبي قرشيا، وإن شئت فلي يوم ولك يوم، قال: بلى لك يوم ولي يوم، فكان إذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم ليومين، فلما رأى ذلك اليهودي قال: أفسدت علي ركيتي فاشتر النصف الآخر، فاشتراه

ما أوصى به معاوية في ماله

بثمانية آلاف درهم» . وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يزيد في مسجدنا؟ " فاشترى عثمان موضع خمس سوار فزاده في المسجد» وفضائله أكثر من أن تحصى وهو من أصحاب حراء، وبالله التوفيق. [ما أوصى به معاوية في ماله] فيما أوصى به معاوية في ماله قال مالك: بلغني أن معاوية لما حضرته الوفاة أمر بماله أن يقسم بشطرين. قال محمد بن رشد: إنما فعل ذلك تأسيا بعمر بن الخطاب في مشاطرته لعماله فذلك معدود في فضائله. [ما ذكر عن أبي الدرداء] فيما ذكر عن أبي الدرداء قال مالك: وبلغني أن أبا الدرداء قال: وراءنا عقبة كؤود أنجى الناس فيها أخفهم حملا. قال محمد بن رشد: عنى أبو الدرداء بالعقبة الكؤود الصراط الذي على شفير جهنم يجوزه الناس بقدر أعمالهم، فيتفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم على قدر خفة ظهورهم من الذنوب، ومنهم من يوبقه عمله. في الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة «أن الناس قالوا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فهل تمارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها،

فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا، فيدعوهم ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم، قال فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم أحد قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل ثم ينجو، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله عز وجل الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار وكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء» الحديث بطوله. وهذا الحديث من مشكل الحديث، فقوله أولا فيه يأتيهم الله فيقول أنا ربكم معناه فيأتيهم خلق من خلق الله فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، خرج مخرج واسأل القرية أي أهلها، ويحتمل أن يكون معناه فيأتيهم الله بخلق من خلقه فيقول، ومعلوم أيضا أنه جائز في اللسان العربي أن تقول ضرب السلطان وكتب ونادى في الناس وإن لم يفعل هو بنفسه شيئا من ذلك، وقد قال بعض العلماء: إن هذه آخر محنة الله يمتحن بها عباده، فيثبت المؤمنين منهم بالقول الثابت. ومعنى قوله إنهم يقولون إذا جاء ربنا عرفناه، أي إذا تجلى لنا ربنا بإنعامه علينا بخلقه فينا إدراك رؤيته عرفناه، وهذا معنى قوله: فيأتيهم الله

ما كتب به عمر بن الخطاب إلى الأجناد في أمر الأسواق

لأن الإتيان الذي هو الانتقال من موضع إلى موضع مستحيل في صفة الله تعالى، وقد رأيت لبعض من تكلم على معنى هذا الحديث أن قوله فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا عائد على المنافقين دون المؤمنين وأن قوله: فيقولون وأنت ربنا عائد على المؤمنين دون المنافقين وهو تأويل خطأ فاسد بين الفساد، لا يصح بوجه مع بعده على لفظ الحديث. والله أعلم فهذا مثل صحيح ضربه الله عنه، وبالله التوفيق. [ما كتب به عمر بن الخطاب إلى الأجناد في أمر الأسواق] فيما كتب به عمر بن الخطاب إلى الأجناد في أمر الأسواق قال مالك: كتب عمر بن الخطاب إلى الأجناد: إن الله قد أغنى بالمسلمين فلا تجعلوا النصارى في أعمالكم، يريد بذلك ألا يكونوا جزارين ولا صرافين ويبيع المسلمون لأن الله أغنى بالمسلمين وكثروا في أهل الإسلام ما أجزأ من بياعاتهم. قال محمد بن رشد: إنما كتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بما كتب به من هذا لعلمه أنه مسئول عن رعيته، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته» الحديث، وإذا وجب على الإمام النظر لرعيته فيما يدخل عليهم به الضرر [في دنياهم كان النظر فيما به عليهم الضرر] في أديانهم أوجب، فمنع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يكون النصارى في أسواق المسلمين جزارين أو صرافين؛ لأن الجزارين من النصارى وإن كانت تحل ذبائحهم لقول الله عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، فلا ينبغي للمسلم أن يأتمنه على تذكية ما غاب عليه ويتخذه في ذلك إماما، والصرافين يستبيحون الربا ويستحلونه، فإذا

وصية لقمان لابنه

كانوا في أسواق المسلمين وقع الجهال منهم معهم فيه، إذ لا يمكنهم التوقي منهم لجهلهم، وذلك ضرر بعامة الناس، فوجب النظر في ذلك لهم بما يقطعه عنهم من منعهم من الأسواق، فقد قال سحنون لهذه العلة: يمنع من السوق كل من لا يبصر البيع من المسلمين، وبالله تعالى التوفيق. [وصية لقمان لابنه] في وصية لقمان لابنه قال مالك: بلغني أن لقمان قال لابنه: يا بني ليكون أول ما تفيد من الدنيا بعد خليل صالح امرأة صالحة. قال محمد بن رشد: هذه وصية جيدة مفيدة وحكمة حسنة بليغة لأن النساء مما زين للناس من شهوات الدنيا قال الله عز وجل: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} [آل عمران: 14] الآية، فالمرأة الصالحة هي للرجل دنيا وآخرة لأنه يستعف بها ويستمتع منها ويؤجر على القيام عليها، والخليل الصالح يحمل خليله على الخير ويعينه على الطاعة ويريه مراشدة في أموره فمنفعته أعم من منفعة المرأة إذ من الناس من يستغني عن المرأة ولا يحتاج إليها، ولذلك قدمه عليها والله أعلم. [النذر قبل الاحتلام] في أن النذر قبل الاحتلام لا يلزم قال مالك: كان حلف عبد الله بن أبي حبيبة في الجرو القثاء بعد أن احتلم. قال محمد بن رشد: قوله كان حلف عبد الله بن أبي حبيبة تجاوز في اللفظ؛ لأنه لم يكن حلف وإنما كان نذر على ما ذكر عنه في موطئه من أنه قال: قلت لرجل وأنا حديث السن: ما على الرجل أن يقول علي

مشي إلى بيت الله ولم يقل علي نذر مشي، فقال لي رجل: هل لك أن أعطيك هذا الجرو لجرو قثاء في يده، وتقول علي مشي إلى بيت الله، قال: فقلت نعم فقلته وأنا يومئذ حديث السن، ثم مكثت حتى عقلت، فقيل لي: إن عليك مشيا فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك فقال: عليك مشي، فمشيت، فعبر مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الحكاية عن النذر بالحلف لاستوائهما عنده في الوجوب؛ لأنه إنما قصد إلى الإعلام بأن من لم يحتلم فلا يلزمه النذر ولا اليمين، وقوله صحيح لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع القلم عن ثلاث» فذكر فيهم الصبي حتى يحتلم، فلا اختلاف أعلمه في أن الصبي لا يلزمه بعد بلوغه ما نذره على نفسه قبل بلوغه إلا أنه يستحب له الوفاء به. وأما اليمين فقد قال ابن كنانة إنها تلزمه قبل البلوغ إذا حنث فيها بعد البلوغ وهو شذوذ، ومن أهل العلم من ذهب إلى أن المشرك إذا نذر نذرا في حال الكفر يلزمه الوفاء به بعد الإسلام لما روي من أن «عمر بن الخطاب قال للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام، فقال له النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "فِ بنذرك» ، وهو عندنا وعند أكثر أهل العلم على أن ذلك على الندب لا على الوجوب، ومما يدل على ذلك أيضا أن "فِ" لا يستعمل إلا فيما ليس بواجب، يقال وفي بالوعد وأوفى بالحق والنذر، فيلزم من أوجب على الكافر الوفاء بالنذر بعد الإسلام أن يوجب على الصغير الوفاء به بعد البلوغ، بل هو أحق أو يجب عليه على مذهبه؛ لأن الصغير وإن كان لا تكتب عليه السيئات فتكتب له الحسنات على الصحيح من الأقوال، والكافر لا تكتب له الحسنات وتكتب عليه السيئات، وبالله التوفيق.

صاحب المنزل أولى بالإمامة فيه

[صاحب المنزل أولى بالإمامة فيه] في أن صاحب المنزل أولى بالإمامة فيه قال مالك: لم أزل أسمع أن صاحب المنزل أولى بالتقدم في الصلاة في منزله، ولقد بلغني أن رجلا من أهل الفضل والفقه إن كانوا لينزلون بالرجل في منزله فيقدمونه لأنه منزله، ولم أزل أسمع أن صاحب الدابة أولى بصدرها من الذي يردفه، قال: ورأيته يستحسنه. قال محمد بن رشد: المعنى في كون صاحب المنزل أحق بالإمامة فيه من غيره هو أنه ليس لأحد أن يصلي في منزل غيره حتى يأذن له في الموضع الذي يصلي فيه منه، «لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعثمان بن مالك: أين تحب أن أصلي؟ فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه» فإذا لم يكن لأحد أن يتقدم في منزل رجل إلى موضع الإمام منه إلا بإذنه، وكان هو أحق بالصلاة في ذلك الموضع من غيره ثبت أنه أحق بالإمامة فيه. غير أنه يستحب له إذا كان في القوم أحق بالإمامة منه أن يقدمه، وكذلك صاحب الدابة هو أولى بصدر دابته إذا احتاج الرجل أن يركب معه عليها إلا أن يأذن له في ركوب مقدمها؛ لأن الذي يركب مقدمها هو الذي يملكها، وهو الذي يحكم له بها لو تداعى فيها مع الذي يركب مؤخرها، فليس لأحد أن يزيله عن هذه المرتبة إلا باختياره، وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة وبالله تعالى التوفيق. [صفة النحر والذبح] في صفة النحر والذبح قال مالك: تنحر البدن قياما أحب إلي، وكأني رأيته وجه الأمر فيها، قال: والغنم والبقر تضجع وتذبح، قال: ويلي الرجل نحر بدنته وذبح ضحيته أحب لي، ويقول بسم الله والله

أكبر، وإن أحب قال: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وكره أن يقول اللهم منك وإليك وعابه وشدد الكراهية فيه، وقال: إذا أعتق قال اللهم منك وإليك، وإذا تصدق قال اللهم منك وإليك، فكره ذلك ولم يره من العمل ولم يستحسنه. قال محمد بن رشد هذا كله مثل ما في المدونة. وإنما استحب أن ينحر البدن قياما وقال: إنه وجه الأمر فيها كما قال في الحج الثالث من المدونة إنه الشأن اتباعا لظاهر قول الله عز وجل: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] أي سقطت إلى الأرض، ولم ير ابن القاسم في المدونة بأسا أن تنحر معقولة إن امتنعت، ولم يحفظ عن مالك هل تنحر معقولة أو تكون أيديها مصفونة، وقول الله عز وجل: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] أي مصطفة لا يدل على كونها معقولة، فلذلك لم يستحب ابن القاسم أن تعقل إذا لم تمتنع، وقد قرئ فاذكروا اسم الله عليها صوافن أي على ثلاثة قوائم معقولة إحدى يديها، واستحب ذلك بعض العلماء، وقد قرئ صوافي أي صافية خالصة لله. واستحب أن يلي الرجل نحر هديه وذبح ضحيته تواضعا لله وتأسيا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فإن ذبح له غيره بأمره أجزأه عند مالك، قال ابن عبد الحكم في مختصره: وقد قيل لا يجزيه، والأول أحب إلينا، وإن ذبحها له نصراني أو يهودي فلا تجزيه إلا عند أشهب، وقد مضى دليل قوله في سماع أشهب من كتاب الضحايا. واستحب في صفة التسمية على الذبيحة أن يقول باسم الله والله أكبر لأنه الذي مضى عليه عمل الناس، قال ابن حبيب في الواضحة: فإن قال باسم

الله والله أكبر وحده اكتفي بذلك، وكذلك لو قال لا إله إلا الله، أو سبحان الله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله لاكتفي بذلك؛ لأنه إنما أمر أن يسمي الله فكيف ذكر له فقد سماه. وأجاز أن يقول مع التسمية صلى الله على رسول الله وكره أن يقول معهما محمد رسول الله وظاهر المدونة أنه كره الأمرين جميعا وما في الواضحة أبين؛ لأن الصلاة على النبي دعاء له فلا وجه لكراهيته بخلاف إذا ذكر اسمه بغير دعاء ذلك مكروه؛ لأن الذبح إنما هو لله تعالى وحده، فلا يذكر هناك إلا اسم الله وحده كما أمر حيث يقول: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] . وتسمية الله سنة في الذكاة وليس بشرط في صحتها؛ لأن معنى قول الله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] أي لا تأكلوا الميتة التي لم يقصد إلى ذكاتها لأنها فسق. ومعنى قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 118] أي كلوا مما قصد إلى ذكاته، فكنى عز وجل عن التذكية بذكر اسمه كما كنى عن رمي الجمار بذكره حيث يقول: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ومن الدليل على أن مراد الله عز وجل بما لم يذكر اسمه عليه ما لم يقصد إلى ذكاته قوله عز وجل: {وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] يريد ما فصل

وصية لقمان لابنه

وبين بقوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلى قوله: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] فبين بتسميته لهذه الأشياء التي حرمها في هذه الآية جميعا أنها هي التي نهي عن أكلها؛ لأنها فسق بقوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فمن ترك التسمية ناسيا أكلت ذبيحته. وأجاز ابن حبيب أن يقول مع التسمية اللهم منك وبك ولك، أي منك الرزق وبك الهدي ولك النسك، وحكاه عن علي بن أبي طالب، وربيعة ابن أبي عبد الرحمن، وهو قول حسن، وكره ذلك مالك في هذه الرواية وشدد الكراهية في ذلك وقال في المدونة: إن ذلك بدعة، فالمعنى في ذلك والله أعلم أنه إنما كره التزام ذلك على وجه كونه مشروعا في ذبح النسك كالتسمية، فمن قاله على غير هذا الوجه في الفرط لم يكن عليه إثم ولا حرج وأجر في ذلك إن شاء الله. [وصية لقمان لابنه] في وصية لقمان لابنه قال مالك: بلغني أن لقمان الحكيم قال لابنه: اجعل خطيئتك بين عينيك فأما حسناتك فَالْهَ عنها فقد أحصاها من لا ينساها. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه الوصية بين لأن الخطيئة قد استوجب عليها عقاب الله إلا أن يغفرها له، فواجب عليه أن يجعلها نصب عينيه فيستغفر الله منها ولا يلهى عنها.

قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس

[قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس] في قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس قال مالك: بلغني أن القاسم بن محمد قضى ركعتي الفجر بعد أن حلت السبحة. قال محمد بن رشد: هكذا يستحب لمن نسي ركعتي الفجر رجاء أن يدرك بقضائهما ما جاء فيهما من الفضل، فقد جاء فيهما أنهما خير من الدنيا وما فيها. وقد اختلف فيهما، فقيل: إنهما من السنن لمداومة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليهما، وقيل: إنهما من الرغائب، واختلف في ذلك قول مالك، فعلى القول بأنهما سنة لا يجزيان بغير نية، وبالله التوفيق. [الموضع الذي يجوز للرجل فيه قبول الفدية من امرأته] في بيان الموضع الذي يجوز للرجل فيه قبول الفدية من امرأته قال ابن القاسم: قال مالك: حدثني هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة أنه كان يقول: إذا لم تؤت المرأة من قبل زوجها حل له أن يقبل منها الفداء. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على مذهب مالك وجميع أصحابه، لا اختلاف بينهم في أن الزوج لا يجوز له أن يأخذ من زوجته شيئا على طلاقها إلا إذا كان النشوز من قبلها ولم يكن منه في ذلك ضرر إليها، إذ ليس له أن يقارضها على نشوزها عليه بالإضرار لها والتضييق عليها حتى تفتدي منه، لقول الله عز وجل: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19] وإنما له أن يعظها، فإن اتعظت وإلا هجرها في المضجع، فإن

اتعظت وإلا ضربها ضربا غير مبرح، فإن طاعت فلا يبغي عليها سبيلا لقول الله عز وجل: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] الآية فإن هي بذلت له على الفراق شيئا حل له أن يقبله إذا لم يتعد أمر الله تعالى فيها، ومن أهل العلم من أباح للرجل إذا زنت زوجته أو نشزت عليه أن يمسكها ويضيق عليها حتى تفتدي منه بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] وذهب إلى أن الفاحشة المبينة هي الزنا خاصة، فلم يبح له ذلك إلا إذا زنت. ومنهم من ذهب إلى أن الفاحشة المبينة هي النشوز والبذاء باللسان، فلم يبح له ذلك إلا إذا نشزت عنه وبذت عليه بلسانها. ولم يبح ذلك له مالك ولا أحد من أصحابه بحال لأن الاستثناء عندهم في قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] استثناء منفصل غير متصل بمعنى لكن، فتقدير الكلام لكن إن أتين بفاحشة مبينة من نشوز وبذاء أحل لكم ما ذهبتم به من أموالهن إذا كان عن طيب أنفسهن لأن الله تعالى لم يبح للزوج شيئا من مال زوجته إلا عن طيب نفس منها، فقال عز وجل: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21] الآية وقال: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] ولا يكون ذلك عن طيب أنفسهن إلا إذا لم يكن منه إليهن ضرر ولا تضييق، وبالله تعالى التوفيق.

المحرم بالحج يصيب امرأته

[المحرم بالحج يصيب امرأته] في المحرم بالحج يصيب امرأته وحدثني عن ابن شهاب عن عبد الله بن عباس أنه قال في رجل أصاب امرأته وهو محرم بالحج: إنهما ينفدان لوجههما ثم يحجان من قابل وعليهما الهدي. قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن عباس هذا أنه لا يفرق بينهما في بقية حجهما هذا الذي أفسداه ولا في حج قابل، خلاف ما ذهب إليه مالك من أنهما إذا أحرما بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما فلم يجتمعا في منزل ولا مسير على ما روي عن علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب، والوجه في ذلك مخافة أن يكون اجتماعهما ذريعة إلى إفساد حجهما الثاني. ومن أهل العلم من قال إنه يفرق بينهما من حين أفسد حجهما إلى عام قابل، وإنما يفسد حجهما بإجماع إذا وطئ ما بينه وبين أن يقف بعرفة. واختلف إن وطئ بعد أن وقف بعرفة وقبل أن يرمي جمرة العقبة فقيل قد أفسد حجه وهو قول مالك في موطئه، وقيل عليه عمرة وهدي وحج تام، روى أبو المصعب، وابن أبي حازم عن مالك إلى أنه رجع إلى هذا القول، وقال أبو المصعب: إن كان وطؤه بعد طلوع الفجر من ليلة النحر فعليه العمرة والهدي، وإن كان وطؤه قبل طلوع الفجر من ليلة النحر فقد أفسد حجه. وأما إن وطئ بعد رمي جمرة العقبة وقبل أن يطوف طواف الإفاضة فحجه تام، وعليه عمرة وهدي قولا واحدا وبالله تعالى التوفيق.

الأجراس في أعناق الإبل والدواب

[الأجراس في أعناق الإبل والدواب] في كراهية الأجراس في أعناق الإبل والدواب وحدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم بن عبد الله أنه مر على عير لأهل الشام وفيها جرس، فقال لهم سالم: إن هذا ينهى عنه، فقالوا له: نحن أعلم بهذا منك، إنما يكره الجلجل الكبير، فأما مثل هذا صغير فليس به بأس، فسكت سالم. قال: وسألت مالكا عن الأكرياء يجعلون الأجراس في الحمير والإبل التي تحمل القرط وغيره فقال: ما جاء في هذا إلا الحديث الواحد، وتركه أحب إلي من غير تحريم له. قال محمد بن رشد: يريد بالحديث الواحد والله أعلم الحديث الذي ذكره بعد هذا من أن الملائكة لا تصحب عيرا وقد تقدم الكلام على هذا قبل هذا في أول رسم فلا معنى لإعادته وبالله تعالى التوفيق. [الخلاخل للنساء في أرجلهن] في الخلاخل للنساء في أرجلهن وسئل مالك عما يكون في أرجل النساء من الخلاخل، قال: ما هذا الذي جاء فيه الحديث، وتركه أحب إلي من غير تحريم له. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة والله أعلم أن مالكا إنما سئل عما يجعله النساء في أرجلهن من الخلاخل وهن إذا مشين بها سمعت قعقعتها فرأى ترك ذلك أحب إليه من غير تحريم؛ لأن الذي يحرم عليهن إنما هو ما جاء النهي فيه من أن يقصدن إلى إسماع ذلك وإظهاره من زينتهن لمن يخطرن عليه من الرجال: قال الله عز وجل: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]

العير التي فيها الجرس

ومن هذا المعنى ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية» والله الموفق. [العير التي فيها الجرس] ما جاء في العير التي فيها الجرس وحدثني مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن سالم بن عبد الله عن أبي الجراح مولى أم حبيبة أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة» . قال محمد بن رشد: هذا هو الحديث الذي أشار إليه مالك في المسألة التي قبل هذه المسألة والله أعلم، وهو حديث خرج الترمذي من رواية أبي هريرة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس ولا كلب» " أو كما قال، وبالله التوفيق. [الصلاة إلى المصحف] في كراهة الصلاة إلى المصحف وإلى قبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال مالك: أكره أن يوضع المصحف في القبلة ليصلى إليه. قال مالك: وإنما بنى عمر بن عبد العزيز القبر هذا البناء حين كان الناس يصلون إليه وجعلوه مصلى، فأنا أكره أن يجعل المصحف في القبلة ليصلى إليه، ولا أحب ذلك، وأما إن كان موضعه أو ذلك الموضع أحفظ له أو معلق له ليس يجعل لمكان الصلاة إليه فلا أرى بذلك بأسا.

لباس الثوب المعصفر بالزعفران

قال محمد بن رشد: أما الصلاة إلى قبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فهو محظور لا يجوز، لما جاء عن النبي. - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» فبناه عمر بن عبد العزيز محددا على هيئته لا يمكن من صلى إلى القبلة استقباله. وأما المصحف فكره القصد بالصلاة إليه على ما قاله في هذه الرواية، ومثله في المدونة سواء؛ لأن ذلك بدعة وبالله تعالى التوفيق. [لباس الثوب المعصفر بالزعفران] في لباس الثوب المعصفر بالزعفران قال مالك: رأيت ابن هرمز يلبس المعصفر بالزعفران. قال محمد بن رشد: اختلف السلف في لباس الثوب المعصفر والمزعفر للرجال، فأجازه جماعة ولم يروا به بأسا، منهم عبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، وطلحة بن عبيد الله، ومحمد بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن سيرين، وإبراهيم النخعي، وأبو وائل الشقيق بن مسلمة، وزر بن حبيش، وعلي بن حسين، ونافع بن جبير بن مطعم وقال محمد بن سيرين: كان المعصفر لباس العرب ولا أعلم شيئا هدمه في الإسلام، وأجاز ذلك الشافعي وأبو حنيفة، ونحوه لمالك في موطئه، قال في الملاحف المعصفرة في البيوت للرجال وفي الأفنية: لا أعلم من ذلك شيئا حراما، وغير ذلك من اللباس أحب إلي. وكره بعض العراقيين المعصفر والمزعفر للرجل لما روي عن أنس بن مالك من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كره أن يتزعفر الرجل» ولما روي عن عبد الله بن عمرو قال رآني النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وعلي ثوب معصفر فقال: «ألقها فإنها ثياب الكفار» ولما روي «عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أقبلنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داخر فالتفت إلي

ما جاء من أن كل شيء إذا تم نقص

وعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال: ما هذا؟ فعرفت ما كره فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورهم فقذفتها فيه، ثم أتيته من الغد، فقال: " يا عبد الله ما فعلت الريطة؟ فأخبرته، فقال: ألا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس به للنساء» وبالله تعالى التوفيق. [ما جاء من أن كل شيء إذا تم نقص] فيما جاء من أن كل شيء إذا تم نقص قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب نزل بالأبطح فنظر إلى القمر في ليلة البدر، فقال: إن كل شيء إذا تم نقص، وإن هذا القمر قد تم فهو ينقص بعد هذه الليلة، وإني لأرى الإسلام إلا وقد تم وإني لأراه الآن سينقص. قال محمد بن رشد: فكان الأمر في الإسلام على ما قاله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - زال ينقص إلى يومنا، وهو بعد في نقص كما سبق في أم الكتاب أسأل الله العصمة برحمته. [الأمر بإتقان العمل] في الأمر بإتقان العمل وحدثني العتبي عن سحنون عن ابن القاسم عن مالك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن الله يحب إذا عمل العبد عملا أن يحسنه أو أن يتقنه» . قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين والحمد لله وبه التوفيق. [التكبير في أيام منى] في التكبير في أيام منى وقال مالك في حديث عمر في التكبير في أيام منى بعد زوال الشمس، فإذا كبر تلك الساعة خمر الناس الأمتعة لرمي الجمار. قال محمد بن رشد: قوله في حديث عمر يريد حديثه الذي ذكره في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئا فكبر فكبر الناس بتكبيره ثم خرج حين زاغت

منع الرجل جاره أن يغرز خشبه في جداره

الشمس فكبر فكبر الناس بتكبيره حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت فيعرف أن عمر قد خرج يرمي. وقول مالك في تفسير الحديث فإذا كبر تلك الساعة خمر الناس الأمتعة لرمي الجمار، يريد أن أهل منى الحجاج كانوا إذا كبر عمر بعد زوال الشمس علموا أنه قد خرج يرمي فخرجوا هم ليرموا مؤتمين في ذلك به وتركوا أمتعتهم في منازلهم التي كانوا نزلوها، وجمعوها في موضع واحد وخمروها أي غطوها بالأكسية وشبهها حرزا لها في حين مغيبهم عنها. وقوله في الحديث فكبر فكبر الناس بتكبيره حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت ليس معناه أنه كان يكبر تلك الساعة ليتصل التكبير حتى يبلغ البيت، وإنما هو إخبار بأن تكبير الناس بتكبيره كان يتصل حين يبلغ البيت وإن كان لم يكبر هو ذلك، وإنما كثر تلك الساعة ليعلم بوقت الرمي وأنه خرج ليرمي ليخرج من كان حاجا إلى الرمي، وكان يكبر إذا ارتفع النهار شيئا وبعد ذلك إذا ارتفع النهار ويكبر الناس بتكبيره لقول الله عز وجل {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] وقد روي أنه كان يكبر في قبته بمنى فيكبر أهل المسجد ويكبر أهل الأسواق فترتج منى تكبيرا وبالله تعالى التوفيق. [منع الرجل جاره أن يغرز خشبه في جداره] [في الأمر بأن لا يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبه في جداره] وسئل مالك عن الحديث في الخشبة في حائط جاره، فقال مالك: ما أرى محمله إلا على وجه الأمر فيه من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على وجه المعروف، وأما أن يقضى به فلا أرى بذلك بأسا.

قال محمد بن رشد: الحديث الذي سئل عنه مالك هو حديثه في الموطإ، عن ابن شهاب عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره» ، وهذا معلوم من مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ذلك من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على الحض والندب وفعل معروف بجاره، لا على الوجوب والإلزام، وابن كنانة يحمله على الوجوب ويقضي به للجار على جاره، وقول مالك أظهر لأن النهي إنما يحمل على التحريم أو الوجوب إذا لم تقترن به قرينة تدل على أن المراد به الكراهية أو الندب، ومن الدليل على أن المراد به كراهة المنع والندب إلى الإذن هو أنه إذن في حق الإذن لأن الحائط ماله وملكه وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس» ، وهذا عموم فلا يخصص منه غرز الخشب في الجدار إلا بيقين في النهي عن المنع؛ لأن النهي قد يراد به الكراهة، وقد يراد به التحريم، ولو كان من حق الجار أن يغرز خشبة في جدار جاره لقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس للجار أن يمنع جاره خشبة يغرزها في جداره، ولما قال «لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره» إذ ليس من حق الكلام أن يقال للرجل فيما يفعله لغيره لا تفعله إلا فيما له أن يفعله به، ألا ترى أنك تقول للرجل: لا تضرب عبدك، إذ له أن يضربه، ولا تقل له: ولا تضرب أباك إذ ليس له أن يضربه، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ففهم من قوله كراهة المنع لا تحريمه، إذ لو كان المنع حراما لكان من حق الزوجة أن تخرج إلى المسجد دون إذن زوجها شاء أو أبى، وقد كانت زوجة عمر بن الخطاب

ما جاء من أن النية الصحيحة لا تبطل بالخطرة التي لا تملك

تستأذنه في الخروج إلى المسجد فيسكت، فتقول والله لأخرجن إلا أن تمنعني فلا يمنعها، وبالله التوفيق. [ما جاء من أن النية الصحيحة لا تبطل بالخطرة التي لا تملك] في ما جاء من أن النية الصحيحة لا تبطل بالخطرة التي لا تملك وحدثني أبو عبد الله العتبي عن عيسى بن دينار عن ابن وهب عن عطاء الخراساني أن «معاذ بن جبل قال: "يا رسول الله: إنه ليس من بني سلمة إلا مقاتل، فمنهم من القتال طبيعته، ومنهم من يقاتل رياء، ومنهم من يقاتل احتسابا، فأي هؤلاء الشهيد من أهل الجنة؟ فقال: يا معاذ بن جبل، من قاتل على شيء من هذه الخصال أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا فقتل فهو شهيد من أهل الجنة» . قال محمد بن رشد: هذا حديث فيه نص جلي على أن من كان أصل عمله لله وعلى ذلك عقد نيته لم تضره الخطرات التي تقع في القلب ولا تملك، على ما قاله مالك، خلاف ما ذهب إليه ربيعة، وذلك أنهما سئلا عن الرجل يحب أن يلقى في طريق المسجد ويكره أن يلقى في طريق السوق، فأنكر ذلك ربيعة من سؤال السائل ولم يعجبه أن يحب أحد أن يرى في شيء من أعمال الخير. وقال مالك: إذا كان أول ذلك وأصله لله فلا بأس به إن شاء الله قال عز وجل: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: 39] وقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84] وقال عمر بن الخطاب لابنه: لأن تكون قلتها أحب إلي من

كذا وكذا إذ اخبره بما كان وقع في قلبه من أن الشجرة التي مثلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرجل المسلم وسأل أصحابه عنها فوقعوا في شجر البوادي، هي النخلة، قال مالك: فأي شيء هذا إلا هذا وإنما هذا أمر يكون في القلب لا يملك، وذلك من وسوسة الشيطان ليمنعه من العمل، فمن وجد ذلك فلا يشغله عن التمادي عن فعل الخير ولا يؤيسه من فعل الخير، وليدفع الشيطان من نفسه ما استطاع ويجرد النية لله، فإن هذا غير مؤاخذ به إن شاء الله روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «تجاوز الله لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو يعمل به يد» . وهذا الحديث يروى عما حدثت به أنفسها بالنصب وعما حدثت به أنفسها بالرفع، والصحيح في المعنى رواية من روى أنفسها بالنصب، والمعنى في ذلك أن الله تجاوز لأمة نبيه صلى الله عليه وسلم عما حدثت به أنفسها ما يقصد منها إلى ذلك واكتساب له؛ لأن التجاوز إنما يكون فيما لو لم يتجاوز عنه لأخذوا به وأما ما حدثت به أنفسها من الخطرات الغالبة لهم التي لم يكن منهم فيها اكتساب لها ولا قصد إليها فليسوا بمؤاخذين بها، قال عز وجل: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] ، وبالله التوفيق.

كتاب الجامع السادس

[كتاب الجامع السادس] [التأكيد في الخروج إلى الصلاة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. كتاب الجامع السادس ومن كتاب القبلة في التأكيد في الخروج إلى الصلاة وحدثني العتبي عن عيسى بن دينار قال: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب أرسل إلى سليمان بن أبي خيثمة فوجده راقدا فقال: أشهدت الصلاة؟ قال: كنت أشتكي، ولولا رسولك جاءني ما خرجت، فقال عمر: إن كنت خارجا لدعوة أحد فاخرج إلى الصلاة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن إجابة الداعي إلى الصلاة بقوله: حي على الصلاة حي على الصلاة في أذانه للصلاة آكد من إجابة داعي الأمير لشيء من أمور الدنيا. وبالله التوفيق.

النصيحة من الدين

[النصيحة من الدين] ومن كتاب شك في طوافه في أن النصيحة من الدين قال ابن القاسم قال مالك ورفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» . قال محمد بن رشد: قوله الدين النصيحة معناه عماد الدين النصيحة، خرج مخرج واسأل القرية، يريد أهل القرية، لأن حقيقة الدين إنما هو الإسلام والإيمان، قال عز وجل: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] . والنصيحة لله هي القيام بفرائضه، والتزام أوامره واجتناب زواجره؛ والنصيحة لكتابه هو تأويله على ما تأوله عليه أهل الحق من سلف المسلمين، وترك ما صار إليه من التأويل أهل الزيغ من الملحدين؛ والنصيحة لرسوله في حياته بذل الجهد في طاعته ونصرته، وبعد وفاته القيام بإحياء سنته والتزام ما شرعه لأمته، والنصيحة لأئمة المسلمين التزام الطاعة لهم وحضهم على الخير وتحذيرهم مما سواه، والنصيحة لعامة المسلمين هو أن يريهم المراشد في أمور دينهم ودنياهم.

كراهة ترك العمل في يوم الجمعة

[كراهة ترك العمل في يوم الجمعة] في كراهة ترك العمل في يوم الجمعة قال مالك: كان بعض أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكرهون أن يترك يوم الجمعة العمل لئلا يصنعوا فيه كما فعلت اليهود والنصارى في السبت والأحد. قال محمد بن رشد: هذا لما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر بمخالفة أهل الكتاب وينهى عن التشبه بهم. روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» وأنه قال: «ألحدوا ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لأهل الكتاب،» وأنه قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» . ومثل هذا كثير. [ما جاء في أمة النبي عليه السلام] ُ - قال مالك: كان عيسى ابن مريم يقول: أمة محمد حكماء علماء كأنهم من الفقه أنبياء. قال مالك على إثر ذلك: إن كان عيسى ابن مريم قاله ما أراهم إلا صدر هذه الأمة.

صفة مسجد النبي عليه السلام وحنين الجذع إليه

قال محمد بن رشد: إخبار عيسى ابن مريم هذا من زمانه لا يصح أن يكون إلا بوحي من الله عز وجل، وذلك ثناء منه عز وجل عليهم بذلك، وقد أثنى عليهم في غير ما آية من كتابه، فقال عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: 29] . الآية. فقوله عز وجل: {وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ} [الفتح: 29] إلى آخر الآية يشهد بصحة قول عيسى ابن مريم المذكور فيهم. وقال عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110] . [صفة مسجد النبي عليه السلام وحنين الجذع إليه] في صفة مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وحنين الجذع إليه قال مالك: قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مسجدي على عريش كعريش موسى» . «وكان يخطب على جذع حتى عمل له هذا المنبر من طرفاء الغابة، فلما خطب عليه وفقده الجذع حن فنزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوضع يده عليه فسكن» . قال محمد بن رشد: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مسجدي على عريش يريد أن سقفه بالجرائد فوق الجذوع بغير طين أو بقليل من الطين، فكان إذا كان المطر يكف أي يهطل في المسجد على ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «وقد أريت هذه الليلة - يريد ليلة القدر - فأنسيتها ولقد رأيتني أسجد في صبحها في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر. قال أبو سعيد: فأمطرت السماء في تلك الليلة، وكان المسجد على عريش فوكف

كلام الإمام في الخطبة

المسجد. قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انصرف وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبيحة ليلة إحدى وعشرين من رمضان» . وحنين الجذع الذي كان يخطب إليه إذ صنع له المنبر يخطب عليه معلوم، رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبي بن كعب، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وجماعة سواهم من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من طرق كثيرة بمعان متفقة وألفاظ متفارقة، في بعضها «أنه خار كخوار الثور حتى ارتج المسجد منه جزعا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنزل إليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فالتزمه وهو يخور، فلما التزمه سكت، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة» . وفي بعضها «أنه جأر أو خار حتى تصدع وانشق فأمر نبي الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فدفن تحت المنبر» على ما روي. وقد روي أن أبي بن كعب أخذه لما غير المسجد وهدم فكان عنده في بيته حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا. وهذا علم جليل من أعلام النبوة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي أكثر من أن تحصى. [كلام الإمام في الخطبة] في كلام الإمام في الخطبة قال: وقد كان بعض الأمراء يرسل ليلة الجمعة هل أتكلم مع

الخطبة بشيء؟ فقيل له: فماذا قلت؟ قال: قلت نعم إذا كان من الأمر الذي يأمر به وينهى عنه يريد بذلك وجه الحق، وقد بلغني أن عمر بن الخطاب تكلم مع خطبته بكلام. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من أن للإمام أن يتكلم يوم الجمعة وهو على المنبر بغير الخطبة ولا يكون بذلك لاغيا. قال فيها: وكذلك لا يكون لاغيا من رد على الإمام إذا كلمه وهو يخطب، وهو أمر لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب. والحجة في إجازة ذلك ما يروى عن أبي الزاهرية عن عبد الله بن بشير قال: «جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجلس فقد آذيت وآنيت» . قال أبو الزاهرية: وكنا نتحدث حتى يخرج الإمام. وما روي عن جابر بن عبد الله قال: «جاء سليك الغطفاني ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر فقعد قبل أن يصلي فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أركعت ركعتين قال: لا قال: قم فاركعهما» . وهذا نص في جواز تكلم الإمام على المنبر يوم الجمعة بغير الخطبة، وفي جواز الرد عليه لمن كلمه. وتأول أصحابنا أنه إنما أمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالركعتين في ذلك الوقت ليري الناس حاجته فيتصدقون عليه، بدليل ما روي عن أبي سعيد الخدري «أن رجلا دخل المسجد ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر فناداه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما زال يقول: ادن حتى دنا فأمره فركع ركعتين قبل أن يجلس وعليه خرقة خلق ثم صنع مثل ذلك في الثانية فأمره بمثل ذلك، ثم صنع مثل ذلك في الجمعة الثالثة فأمره بمثل ذلك وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للناس تصدقوا، فألقوا الثياب فأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذ

ما جاء في أبي عبيدة بن الجراح

ثوبين الحديث.» وذهب أهل العراق أنه لا يجوز للإمام أن يتكلم في خطبته لغير الخطبة ولا لأحد ممن كلمه أن يرد عليه، وقال يحتمل أن يكون ما جاء في هذه الآثار كان الكلام حينئذ في الخطبة مباحا كما كان في الصلاة، ثم نسخ بنسخه في الصلاة؛ ويحتمل أيضا أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطع خطبته ليعلم الناس كيف يفعلون إذا جاءوا إلى المسجد ثم استأنفها، لا أنه تكلم فيها ثم تمادى عليها، وهو بعيد. والله أعلم وبه التوفيق. وقد مضى هذا في أول سماع أشهب من كتاب الصلاة. [ما جاء في أبي عبيدة بن الجراح] قال وسمعت مالكا يقول: «أتى أهل نجران إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسلموا وقالوا: يا رسول الله لو بعثت معنا من يفقهنا ويعلمنا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنا أبعث معكم القوي الأمين فتطاول أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكل رجل يرجو أن يكون هو وأحبوا ذلك، فبعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا عبيدة بن الجراح معهم» . قال محمد بن رشد: أبو عبيدة بن الجراح من كبار الصحابة وفضلائهم وأهل السابقة منهم، وأحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة. وقال أبو بكر الصديق يوم السقيفة: رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر أو أبا عبيدة. وقال عمر إذ دخل عليه الشام وهو أميرها:

الحكم في البعير الضال

أنت أخي حقا لم تغيرك الدنيا. ويروى أنه قال: كلنا غيرته الدنيا غيرك يا أبا عبيدة. وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح» . والمعنى في هذا أنه في أرفع مراتب الأمانة، ولا أحد أرفع مرتبة منه فيها، ولا يمتنع أن يكون غيره من الصحابة في مرتبته من الأمانة. وهذا مثل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أبي ذر: «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر،» لأن المعنى في ذلك أنه في أعلى مراتب الصدق، فلا ينتفي أن يكون في أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هو في الصدق مثله، وإنما ينتفي أن يكون غيره أعلى مرتبة منه في الصدق. وبالله التوفيق. [الحكم في البعير الضال] في الحكم في البعير الضال قال مالك: أرسل الحسن بن زيد يسألني عن رجل أصاب ثلاثة أبعرة ضالة فقال إنها قد أكلتني، فاستشارني فيها، فأمرته أن يأمره أن يرسلها حيث أصابها. قال محمد بن رشد: ثبت «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال في ضالة الإبل: ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتكل الشجر حتى يلقاها ربها» . والاختيار فيها أن لا تؤخذ، فإن أخذت عرفت، فإن لم تعرف ردت حيث وجدت، جاء ذلك عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأخذ به مالك في أحد قوليه، وهو قوله في هذه الرواية وفي المدونة وفي رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب اللقطة؛ وقيل إنها تؤخذ وتعرف فإن لم تعرف بيعت

الإقبال على الدعاء

ووقف ثمنها لصاحبها، فإن لم يأت وأيس منه تصدق به عنه، جاء ذلك عن عثمان بن عفان، وروي ذلك عن مالك أيضا قال: من وجد بعيرا ضالة فليأت به الإمام يبيعه ويجعل ثمنه في بيت المال، يريد بعد أن يعرفه. قال أشهب في مدونته: وإن كان الإمام غير عدل فليتركه حيث وجده. وإنما اختلف الحكم في ذلك بين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان لاختلاف الأزمان لفساد الناس، فكان الحكم فيها في زمن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وخلافة عمر بن الخطاب أن لا تؤخذ، فإن أخذت عرفت، فإن لم تعرف ردت حيث وجدت؛ ثم كان الحكم فيها في زمن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما ظهر من فساد الناس أن تؤخذ وتعرف فإن لم تعرف بيعت ووقفت أثمانها. وكذلك ينبغي أن يكون الحكم فيه اليوم إن كان الإمام عدلا، وإن كان الإمام غير عدل يخشى عليها إن أخذت لتعرف تركت ولم تؤخذ. وإن كان إنما يخشى على ثمنها إن بيعت أخذت فعرفت فإن لم تعرف ردت حيث وجدت. وقد مضى هذا كله بزيادة عليه في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب الأقضية. وبالله التوفيق. [الإقبال على الدعاء] في الإقبال على الدعاء قال مالك: جاء رجل إلى عامر بن عبد الله بن الزبير وهو يدعو فجلس إليه ومعه دراهم وكتاب فصول عنده، ثم كلمه الرجل فأخذ الدراهم فجعلها تحت رجله ثم أقبل على الدعاء، فلما فرغ كلمه الرجل قال: فما استطعت أن تكلمني ثم تقبل على صلاتك، فقال: هذه أخذة الشيطان، إني قد جربت هذا، يأتي الرجل فأكلمه ثم يأتي آخر حتى يذهب الدعاء. ورأيته يدعو وعليه إزار وقطيفة في الشتاء كلما وقعت جبذها على منكبيه، وكان من دعائه: يا باقي يا دائم يا حي لا يموت لا تبطل دعائي ولا تضيع مسألتي.

الصلاة في البرانس

قال محمد بن رشد: قد بين عامر بن عبد الله بن الزبير الوجه الذي من أجله لم يترك ما كان فيه من الدعاء، وتكلم الرجل بما لا مزيد عليه مما حذره وخافه. وأما قوله في دعائه يا حي لا يموت فصحيح جيد لا اختلاف فيه، لأن الحي اسم من أسماء الله عز وجل. قال الله عز وجل: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 65] وقال: {الم} [آل عمران: 1] {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 2] . وقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 2] . وكذلك قوله: يا باقي، لأن الباقي أيضا اسم من أسماء الله تعالى في سورة البقرة، وفي سورة الرحمن قوله عز وجل: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] . وأما قوله يا دائم ففي الدعاء به اختلاف، إذ قد قيل إنه لا يجوز أن يسمى الله عز وجل إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله وأجمعت الأمة على تسميته به. والصحيح جواز الدعاء بيا دائم، لأن الدائم بمعنى الباقي وبمعنى الأخير في قوله عز وجل: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] وبالله التوفيق. [الصلاة في البرانس] في الصلاة في البرانس وسئل مالك عن الصلاة في البرانس هي من لباس المصلين وكانت من لباس الناس وما أرى بها بأسا، فاستحسن لباسها وقال: هي من لباس المسافر للبرد والمطر. قال ولقد سمعت عبد الله بن

رفع اليدين في الدعاء

أبي بكر وكان من عباد الناس وأهل الفضل وهو يقول: ما أدركت الناس إلا ولهم ثوبان برنس يغدو فيه وخميصة يروح فيها، ولقد رأيت ناسا يلبسون البرانس، فقيل له ما كان ألوانها؟ قال: صفر. قال محمد بن رشد: البرانس ثياب في شكل الغفائر عندنا مفتوحة من أمام تلبس على ثياب في البرد والمطر مكان الرداء، فلا تجوز الصلاة فيها وحدها إلا أن يكون تحتها قميص أو سراويل، لأن العورة تبدو من أمامه وهو في البرانس العربية، وأما الأعجمية فلا خير في لباسها في الصلاة ولا في غير الصلاة لأنها من زي العجم وشكلهم. وأما الخمائص فهي أكسية من صوف رقاق معلمة وغير معلمة يلتحف فيها، كانت من لباس الأشراف في أرض العرب. فقوله برنس يغدو به يريد يلبسه على ما تحته من الثياب، وخميصة يروح بها يعني يلتحفها على ما عليه من الثياب والله أعلم. وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة، وبالله التوفيق. [رفع اليدين في الدعاء] في رفع اليدين في الدعاء قال مالك: وبلغني أن أبا سلمة رأى رجلا قائما عند المنبر وهو يدعو ويرفع يديه فأنكر عليه وقال: لا تقلصوا تقليص اليهود، فقيل له: ما أراد بالتقليص؟ فقال رفع الصوت بالدعاء ورفع اليدين. قال القاضي: إنما كره رفع الصوت بالدعاء لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ارفقوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا» . وقد روي أن قول الله عز وجل: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]

السدل في الصلاة

نزلت في الدعاء. وأما رفع اليدين عند الدعاء فإنما أنكر الكثير منه مع رفع الصوت لأنه من فعل اليهود، وأما رفعهما إلى الله عز وجل عند الرغبة على وجه الاستكانة والطلب فإنه جائز محمود من فاعله، وقد أجازه مالك في المدونة في مواضع الدعاء وفعله فيها، واستحب في صفته أن يكون ظهورهما إلى الوجه وبطونهما إلى الأرض. وقيل في قول الله عز وجل: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] إن الرغب يكون بطون الأكف إلى السماء والرهب بطونها إلى الأرض. وقد وقع لمالك في رسم المحرم من السماع في كتاب الصلاة أنه لا يعجبه رفع اليدين في الدعاء، ومعنى ذلك الإكثار منه في غير مواضع الدعاء حتى لا يختلف قوله، والله أعلم. [السدل في الصلاة] في السدل في الصلاة وسئل مالك عن السدل في الصلاة قال: لا بأس بذلك. فقيل له هل رأيت أحدا يفعل هذا؟ فقال نعم. فقيل له أعبد الله بن حسن؟ قال نعم وغيره، وقد رأيته يفعله، وقد رأيت عبد الله بن حسن يجعل طنفسة في المسجد يصلي عليها، وقد كان كبر، فكان يقوم عليها ويسجد ويضع يديه على الحصباء. وسئل ابن القاسم عن ذلك فقال لا بأس بذلك إذا وضع جبهته ويديه على تراب أو نبات من الأرض، فقيل له مسجد الجماعة؟ فقال نعم قال محمد بن رشد: صفة السدل أن يسدل الرجل طرفي ردائه بين يديه فيكون بطنه وصدره مكشوفا، وقد أجاز ذلك في المدونة وإن لم يكن

عليه إلا إزار أو سراويل تستر عورته. وحكى أنه رأى عبد الله بن الحسن وغيره يفعل ذلك. ومعنى ذلك إذا غلبه الحر، إذ ليس من الاختيار أن يصلي الرجل مكشوف الصدر والبطن، وهو ظاهر هذه الرواية. وفي هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة ما ظاهره أن ذلك لا بأس به إذا كان عليه مع الإزار ثوب غيره يستر به سائر جسده. وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية أبي هريرة وأبي جحيفة «أنه نهى عن السدل في الصلاة» فكره بذلك بعض أهل العلم أن يسدل الرجل في صلاته وإن كان عليه مع الإزار قميص وقال ذلك فعل اليهود، فهي ثلاثة أقوال: الجواز وإن لم يكن عليه إلا إزار، والمنع وإن كان عليه مع الإزار قميص يستر به جميع جسده، والفرق بين أن يكون عليه مع الإزار قميص يستر به سائر جسده وبين ألا يكون عليه مع الإزار قميص يستر به جميع جسده. وأما إن لم يكن عليه قميص ولا إزار فلا يجوز السدل في الصلاة بإجماع، لأن عورته تبدو من أمامه. وإنما كانت الطنفسة تجعل له في المسجد ليصلي عليها رفقا به لكثرة اتقائه من حر الأرض وبردها، فكان يصلي ويسجد على الحصباء ويضع يده عليها، وذلك جائز، فقد كان يطرح لعقيل بن أبي طالب في زمن عمر بن الخطاب طنفسة إلى جدار المسجد الغربي يجلس عليها ويجتمع الناس إليه، وكان نسابا عالما بأيام العرب. والصلاة على الطنافس وبسط الشعر والثياب والأدم جائزة، وإنما يكره السجود عليها، من أجل أن الصلاة شأنها التواضع، فالمستحب فيها أن لا يسجد إلا على الأرض أو ما يشاكل الأرض من الحصر التي تصنع مما تنبته الأرض. ومثل هذا في المدونة وغيرها، وبالله التوفيق.

المحافظة على الصلاة في الجماعة

[المحافظة على الصلاة في الجماعة] في المحافظة على الصلاة في الجماعة وسئل مالك هل بلغك عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا ذكر له الخروج إلى البادية قال: فأين صلاة العشاء؟ قال نعم، قد بلغني أن سعيد بن المسيب كان إذا ذكرت له البادية والخروج إليها قال: فأين صلاة العشاء. قال محمد بن رشد: إنما كان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول ذلك إشفاقا على فوات الصلاة في مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لما جاء من أن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد. وخص صلاة العشاء بالذكر لما جاء من الفضل في شهودها. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بيننا وبين المنافقين شهود العتمة والصبح لا يستطيعونها» أو نحو هذا. وقال عثمان بن عفان: من شهد العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة، ومن شهد الصبح فكأنما قام نصف ليلة، وذلك لا يكون إلا عن توقيف، إذ لا مدخل في ذلك للقياس ولا يقال مثله بالرأي. ولعله أراد أن أهل البادية كانوا لا يصلون العشاء والصبح في جماعة، أولا يرى لنفسه اختيارا أن يأتم بأئمتهم لجهلهم بالسنة. وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة. وبالله التوفيق. [كراهة التروح بالمراوح في المسجد] في كراهة التروح بالمراوح في المسجد وسئل مالك عن المراوح أتكره أن يروح بها في المسجد قال نعم إني لأكره ذلك.

التسع آيات التي أوتيها موسى عليه السلام

قال القاضي: هذا كما قال لأن المراوح إنما يتخذها أهل الطول للترفه والتنعم، وليس ذلك من شأن المساجد، والإتيان إليها بالمراوح من المكروه البين. وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة. وبالله التوفيق. [التسع آيات التي أوتيها موسى عليه السلام] ُ - قال مالك: التسع آيات التي آتاهن الله تبارك وتعالى موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هي الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، ويده، والبحر، والجبل. قال محمد بن رشد: قد روي هذا عن ابن عباس من رواية عكرمة عنه، إلا أنه جعل مكان البحر والجبل السنين والنقص من الثمرات، فقال في تفسير التسع الآيات: اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنين، ونقص من الثمرات، فالتسع الآيات التي أعلم الله عز وجل في كتابه أنه آتاها موسى بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] ، هي معجزات، وتخويفات وإنذارات. قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 130] فقالوا: هذه مما سحرنا به هذا الرجل فقالوا يا موسى {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 132] أي بمصدقين، فأرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقفل والضفادع والدم آيات مفصلات، يعني بائنات بعضها من بعض بين كل عذابين شهر، قاله بعض أهل التفسير.

أما الطوفان فمطروا الليل والنهار ثمانية أيام ولياليهن لا يرون فيها شمسا ولا قمرا، فصرخ الناس إلى فرعون وخافوا الغرق، فأرسل فرعون إلى موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأتاه، فقال: يا موسى اكشف عنا هذا فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا موسى ربه فأقلعت السماء ونشفت الأرض ماءها وأنبتت من الكلأ والزرع ما لم يروا مثله في مصر قط، فقالوا: لا والله لا نؤمن لك ولا نرسل معك بني إسرائيل، ولقد فزعنا من أمر كان خيرا لنا، فنكثوا وعصوا. فأرسل الله عز وجل عليهم الجراد فأكل ما أنبتت الأرض، وبقي الجراد عليهم ثمانية أيام ولياليهن لا يرون الأرض، وركب الجراد بعضه بعضا ذراعا. وفي تفسير مجاهد أن الجراد أكل مسامير أبوابهم وثيابهم، فصرخ أهل مصر إلى فرعون، فأرسل إلى موسى فقال: أيها الساحر {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف: 134] ، فدعا موسى ربه جل وتعالى، فأرسل الله عز وجل ريحا شديدا فاحتملت الجراد فألقته في البحر فلم يبق في الأرض منها جرادة. فنظر أهل مصر فإذا هم قد بقي لهم بقية من زرعهم وكلئهم ما يكفيهم عامهم ذلك، فقالوا: إنه قد بقي لنا ما يكفينا هذه السنة، فلا والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل. فأرسل الله عز وجل عليهم القمل. قال مجاهد: هو الدبا فلم يبق في أرضهم عود أخضر إلا أكلته. فصرخوا إلى فرعون فأرسل إلى موسى فأتاه فقال: يا موسى اكشف عنا هذا الدبا فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل. فدعا موسى ربه فأمات الدبا فلم يبق منه واحدة. فلما نظر القوم أنه لم يبق لهم شيء يعيشون به قالوا: يا موسى هل يستطيع ربك أن يفعل بنا شرا مما فعل، فوالله لا نؤمن لك ولا نرسل معك بني إسرائيل. فأرسل الله عليهم الضفادع فدبت في أرضهم وبيوتهم ومخادعهم وظهور

بيوتهم حتى جعل الرجل يستيقظ وعليه منهن ما لا يحصى، فصرخوا إلى فرعون فأرسل إلى موسى فأتاه فقال: ادع لنا ربك فليهلك هذه الضفادع من أرضنا ونؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل. فدعا موسى ربه فأذهب الضفادع من أرضهم فأماتها، ثم أرسل مطرا فاحتملها فألقاها في البحر. فقالوا: لا والله لا نؤمن لك ولا نرسل معك بني إسرائيل. فأرسل الله عز وجل عليهم الدم فجرت أنهارهم دما وركاياهم فلم يكونوا يقدرون على الماء وأنهار بني إسرائيل تجري ماء عذبا طيبا، فإذا دخل الرجل من آل فرعون في أنهار بني إسرائيل صار ما دخل فيه دما والماء من بين يديه ومن خلفه صاف عذب لا يقدر منه على شيء. فمكثوا ثمانية أيام ولياليهن لا يذوقون الماء حتى بلغهم الجهد. فصرخ أهل مصر إلى فرعون إنا قد هلكنا وهلكت دوابنا وماشيتنا من الظمأ. فأرسل فرعون إلى موسى فدعاه فقال يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الرجز ونعطيك ميثاقا {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف: 134] . فدعا موسى ربه فكشف عنهم فشربوا الماء، ثم عادوا إلى كفرهم فقالوا: والله لا نؤمن لك ولا نرسل معك بني إسرائيل. قال الله عز وجل: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} [الأعراف: 135] {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 136] . وقال عز وجل: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137] ، يعني أرض الأردن وفلسطين، وقيل أرض الشام. وقال عز وجل: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137] قيل معناه ظهور قوم موسى على فرعون وتمكين الله لهم في الأرض وما ورثهم فيها، وقيل وعد الله لهم بالجنة لما صبروا على دين الله. وقد جاء في التسع الآيات التي ذكر الله عز وجل أنه آتاها موسى - عليه

الأقبية للجواري وخروجهن بالأزر في الأسواق

السلام - إنما عنى بها عبادات تعبده بها لا ما آتاه من المعجزات والإنذارات. روي «عن صفوان بن عسال المرادي أنه قال: قال رجل من اليهود لآخر اذهب بنا إلى هذا النبي، فقال له الآخر: لا تقل هذا النبي فإنه إن سمعنا كان له أربعة أعين. فانطلقا إليه وسألاه عن تسع آيات بينات، فقال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تفروا من الزحف، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان، وعليكم يهود أن لا تعدوا في السبت؛ فقالوا: نشهد إنك رسول الله.» وفي بعض الآثار: «فقبلوا يديه ورجليه وقالوا نشهد أنك نبي، قال: فما يمنعكم أن تتبعوني؟ قالوا: إن داوود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دعا ألا يزال من ذريته نبي، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود.» قال الطحاوي: وهذا أولى مما رواه عكرمة عن ابن عباس في أن الآيات التسع إنذارات وعدات، إذ لا حجة لأحد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبالله التوفيق. [الأقبية للجواري وخروجهن بالأزر في الأسواق] في الأقبية للجواري وخروجهن بالأزر في الأسواق وسئل مالك عن الوصائف يلبسن الأقبية، قال ما يعجبني ذلك، فإذا شدته عليها كان أخرج لعجزتها، ولقد نهيت عنه محمد ابن إبراهيم، ورأيت عنده وصائف قد ألبسهن ذلك. وسئل عن خروج الجواري في الأسواق بالأزر، فقال ما يعجبني ذلك وأرى ذلك من الباطل. قال محمد بن رشد: المعنى في كراهة لبس الوصائف القباطي بين على ما ذكره للعلة التي وصفها. وأما خروجهن إلى الأسواق بالأزر فمعناه أن يلتحفن فيها كالتحاف الحرائر، فكره ذلك من أجل تشبههن بالحرائر اللواتي

شرب الماء الذي يسقاه الناس في المساجد والأسواق

أمرهن الله أن يدنين عليهن من جلابيبهن. وقد رأى عمر بن الخطاب أمة لابنه عبيد الله قد تهيأت بهيئة الحرائر، فدخل على حفصة ابنته فقال لها: ألم أر لأخيك جارية تجوس بين الناس وقد تهيأت بهيئة الحرائر وأنكر ذلك. قال عبد الملك في الواضحة: وما رأيت أمة بالمدينة تخرج وان كانت رائعة إلا وهي مكشوفة الرأس في ضفائرها أو في شعر مجسم لا تلقي على رأسها جلبابا لتعرف الأمة من الحرة، إلا أن ذلك لا ينبغي اليوم لعموم الفساد في أكثر الناس، فلو خرجت اليوم جارية رائعة مكشوفة الرأس في الأزقة والأسواق لوجب على الإمام أن يمنع من ذلك، وتلزم الإماء من الهيئة في لباسهن ما يعرفن به من الحرائر، وتضرب إن خرجت مجردة. قاله مالك في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب النكاح، يريد بمجردة مكشوفة الظهر والبطن. وأما خروجها مكشوفة الرأس فهو سنتها على ما تقدم، وبالله التوفيق لا شريك له. [شرب الماء الذي يسقاه الناس في المساجد والأسواق] في شرب الماء الذي يسقاه الناس في المساجد والأسواق وسئل مالك عن الماء الذي يسقي الناس في المساجد والأسواق أترى للأغنياء أن يجتنبوا شربه؟ قال: لا، ولكن يشربون أحب إلي، إنما جعل للعطشان. ولقد كان سعيد بن عبادة اتخذ سقاية يسقي فيها الناس، فقيل له: أفي المسجد؟ فقال: لا ولكن في منزله. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، لأن قصد ساقيه به معلوم، لأنه يوجد في الغني كما يوجد في الفقير لاستوائهما في الحاجة إلى شربه،

زهد عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم

وقد يعدمه الغني في وقت الحاجة إلى شربه ولا يجد من يشتريه منه، أولا يكون بيده حاضرا ما يشتريه به كما يعدمه الفقير سواء، وبالله التوفيق. [زهد عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم] في زهد عيسى ابن مريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مالك: إن مما تحدث به الناس أن عيسى ابن مريم كان يقول: ما للذهب عندي فضل على الحجارة. قال محمد بن رشد: إنما لم يكن للذهب فضل عنده على الحجارة وإن كان الذهب من شهوات الدنيا التي قد زين حبها للناس فقال عز وجل: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} [آل عمران: 14] الآية لأنه اختار عليها ما أنبأ الله عز وجل عباده أنه خير منها بقوله عز وجل: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 15] . [تفسير المزجاة] في تفسير المزجاة قال مالك في تفسير {بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} [يوسف: 88] قال: إني أقول فيها الجائزة تجوز بكل مكان فهي المزجاة. قال محمد بن رشد: أكثر أهل التفسير على خلاف هذا التفسير في مزجاة. منهم من قال يسيرة، ومنهم من قال مقاربة ردية، وكانوا لا يأخذون

ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخوله مكة

في الطعام إلا الجياد. وقيل ببضاعة مزجاة أي خبيثة رديئة لا تجوز إلا بوضيعة. وقيل كان معهم متاع الأعراب من سمن وصوف وما أشبهه. وأصله من التزجية، وهي الدفع والسوق. يقال: فلان يزجي العيش أي يدافع بالقليل ويكتفي به. فالمعنى إنا جئنا ببضاعة إنما ندافع بها ونتقوت ليست يتسع بها. وقيل في قولهم وتصدق علينا معناه بما بين الكيلين، وقيل معناه تصدق علينا بأخينا. وبالله التوفيق. [ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخوله مكة] فيما قاله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند دخوله مكة قال مالك: «لما دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة عام الفتح وسارت الجنود بين يديه، أكب على واسطة الرحل ثم قال: الملك لله الواحد القهار. فقال أبو سفيان للعباس: لقد أصبح ابن أخيك ملكا عظيما، فقال له العباس: إنه ليس بالملك ولكنها النبوءة» . قال محمد بن رشد: إنما أكب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على واسطة الرحل تواضعا لله، وقال ما قال تعظيما لله. والمعنى في ذلك بين، وبالله التوفيق. [قول أسيد بن الحضير لو كنت في دهري] في قول أسيد بن الحضير قال: وسمعت مالكا يذكر أن أسيد بن الحضير قال: لو كنت في دهري كما أنا في ثلاثة مواضع: إذا قرأت سورة البقرة من جوف الليل، وإذا كنت عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

كراهة الحلف بغير الله عز وجل

فسمعته يحدث، وإذا كنت في جنازة، فإني إذا شهدت جنازة لم أحدث نفسي إلا بما يقول الميت وما يقال له. قال محمد بن رشد: هذا مما كان عليه السلف الصالح من تعظيم الموت بالسكينة والكآبة عند حضور الجنازة حتى لقد كان الرجل يلقى الخاص من إخوته في الجنازة له عنده عهد فما يزيده على التسليم ثم يعرض عنه كأن له عليه موجدة اشتغالا بما هو فيه من شأن الميت، فإذا خرج من الجنازة ساءله عن حاله ولاطفه وكان منه أحسن ما كان لعهده. فيكره الضحك في الجنازة والاشتغال فيها بالحديث والخوض في شيء من أمور الدنيا. وقد مضى هذا في كتاب سماع أشهب من كتاب الجنائز، وبالله التوفيق لا شريك له. [كراهة الحلف بغير الله عز وجل] في كراهة الحلف بغير الله عز وجل وسئل عن الذي يحلف بحياتي، فكره ذلك وقال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» . وإنما هذا من حلف النساء والضعفاء من الرجال أن يقول بحياتي وما أشبه ذلك فكرهه. قال محمد بن رشد: يكره الحلف بغير الله عز وجل من جهة النهي الوارد في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومن جهة المعنى أيضا. وذلك أن الحلف بالشيء تعظيم للمحلوف به، ولا ينبغي أن يعظم شيء سوى الله عز وجل وبه التوفيق.

السجود على الثوب من الحر

[السجود على الثوب من الحر] في السجود على الثوب من الحر قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب سجد على ثوبه من شدة الحر، وبلغني أن ابن عمر كان يفعل ذلك. قال محمد بن رشد: الاختيار أن يسجد الرجل على الأرض أو على ما شاكل الأرض من الحصر التي تعمل مما تنبته الأرض بطبعها، لأن الصلاة شأنها التواضع لله عز وجل. فإن سجد الرجل على ثوبه من حر أو برد أجزاه ولم يكن عليه شيء، ولا اختلاف في هذا، وبالله التوفيق. [جود أبي الدرداء] في جود أبي الدرداء وسمعت مالكا يذكر أن أبا الدرداء قال: إني لبخيل إن كان لي ثلاثة أثواب ألا أقرض الله عز وجل أحدها. وسمعت مالكا يذكر أن قوما أضافهم أبو الدرداء فلما أصبحوا قالوا لو ذهبنا إلى أبي الدرداء نثني عليه ونذكره بما أولانا، فجاؤوه فذكروا له وقالوا له لم تلحفنا لحفا فوجدنا البرد، فقال: ليس علينا إلا لحاف واحد. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين. قال الله عز وجل: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ} [التغابن: 17] وقال: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] وبالله التوفيق.

كراهة عمر رضي الله عنه البنيان

[كراهة عمر رضي الله عنه البنيان] في كراهة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - البنيان قال وسمعته يذكر أن أبا الدرداء بنى منزلا له بحمص، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فكتب إليه: أما كان في بناء الروم وفارس ما يكفيك؟ فأخرجه عمر من حمص إلى دمشق. قال محمد بن رشد: التطاول في البنيان مذموم، وقد جاء أنه من أشراط الساعة، فعاتب عمر أبا الدرداء على ما بناه، إذ خفي عليه ما جاء في ذلك مع مكانه من العلم، فإنه كان فقيها عالما حكيما. روي عن مسروق أنه قال: شافهت أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجدت علمهم إلى ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت، وكان قاضيا لمعاوية في خلافة عثمان. وقد روي أن عمر أمر أبا الدرداء على القضاء، وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب. فيحتمل أن يكون أخرجه من حمص إلى دمشق واليا إلى القضاء بها، فكان أميرها إذا غاب وأراد بذلك تأديبه على ما بيناه من قول مالك في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه. وقد مضى في رسم أخذ يشرب خمرا القول في البنيان وما يجوز منه وما لا يجوز، وبالله التوفيق. [إهلال عيسى ابن مريم عليه السلام بالحج] في إهلال عيسى ابن مريم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالحج وقال مالك في تفسير قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في عيسى ابن مريم حاجا أو معتمرا أو ليتنهما قال يقرنهما أو عمرة بعد حجه مرة. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا الحديث في رسم مرض فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

حكم الشعر والشعراء

[حكم الشعر والشعراء] في الشعر والشعراء وسئل مالك عن إنشاد الشعر، قال: يخفف ولا يكثر، ومن عيبه أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] . قال مالك: وقد بلغني أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري أن اجمع الشعراء واسألهم عن الشعر، وهل بقي معهم معرفته، وأحضر لبيدا لذلك. قال فجمعهم فسألهم فقالوا: إنا لنعرفه ونقوله، وسأل لبيدا عنه فقال: ما قلت بيت شعر منذ سمعت الله عز وجل يقول في كتابه العزيز: {الم} [البقرة: 1] {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] . قال محمد بن رشد: الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، والإكثار منه والاشتغال به مذموم. وكفى من ذمه قول الله عز وجل: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] أي الشياطين الذين يغوونهم ويزينون لهم المكروه من القول، {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 225] أي من القول يهيمون، {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 226] يمدحون ويذمون ويصفون ما تميل إليه أهواؤهم فيغلون. وقد «قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الثرثارين إنهم أبغض الخلق إلى الله» لما في البلاغة والتفيهق من تصوير الباطل في صورة الحق. ولهذا المعنى «قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذ مدح عمرو بن الأهتم الزبرقان بن بدر ثم ذمه في مجلس واحد بكلام بليغ استمال به النفوس وقال: أرضاني فقلت: أحسن ما علمت، وأسخطني فقلت: أسوأ ما علمت، ولقد

صدقت في الأولى وما كذبت في الثانية: إن من البيان لسحرا» أي إن من بعض البيان لسحرا، فالحظ لمن كان من أهل الشعر وسهل عليه القول أن يتركه ويشتغل بما سواه من ذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن وما يعنيه من أمر دينه ودنياه. فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وهذا الذي أراده عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من الشعر، ولذلك كتب إلى أبي موسى الأشعري أن يجمعهم ويسألهم عن الشعر ويحضر لبيدا لذلك ليسمعوا قوله له توبيخا لهم. وكان لبيد بن ربيعة العامري الشاعر من فحول الشعراء شريفا في الجاهلية والإسلام، ممن سلم فحسن إسلامه. وقيل إنه لم يقل منذ أسلم شعرا إلا قوله: الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى اكتسيت من الإسلام سربالا وقد قيل إن هذا البيت لغيره، وإن الذي قاله هو في الإسلام هو قوله: ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه القرين الصالح وقد قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل » وهو شعر حسن فيه ما يدل على أنه قاله في الإسلام، والله عز وجل أعلم، وذلك قوله: وكل امرئ يوما سيعلم سعيه ... إذا كشفت عند الإله المجاهل وكان لبيد هذا من المعمرين، مات وهو ابن مائة وأربعين سنة، وقيل

الدراهم لا تغير لما فيها من أسماء الله عز وجل

ابن مائة وسبع وخمسين سنة في أول خلافه معاوية، وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [الدراهم لا تغير لما فيها من أسماء الله عز وجل] في الدراهم لا تغير لما فيها من أسماء الله عز وجل وسئل مالك عن تغيير الدراهم لما فيها من كتاب الله، قال مالك: كان أول ما ضربت الدراهم على عهد عبد الملك بن مروان والناس متوافرون، فما أنكر ذلك أحد، وما علمت أن رجلا من أهل الفقه أنكره ولا أرى به بأسا. قال مالك: ولقد بلغني أن ابن سيرين كان يكره أن يبيع بها أو يشتري بها، وما ذلك من شأن الناس وما أرى به بأسا. قال محمد بن رشد: إنما لم ينكر سلف الإسلام الدنانير والدراهم المضروبة لما فيها من أسماء الله عز وجل. وأجازوا البيع والشراء بها وإن كان ذلك يؤدي إلى أن يمسها الطاهر والنجس واليهودي والنصراني، من أجل ما فيها من المنفعة العامة لجميع المسلمين، لأنهم يميزون بالسكك طيب الذهب والفضة ويعرفون بها مقدار فضل بعضها على بعض في الطيب، فتصح فيها البيوع فيما بينهم، لأن النقر والاتبار من الذهب والفضة لا يميز الخالص منها من غير الخالص إلا الصيارفة والخاص من الناس بعد الاختبار. فلو قطعت السكك وحمل الناس على التبايع بأتبار الذهب والفضة لفسد كثير من بيوعهم ووقع فيها فيما بينهم الغش والخديعة. ويكره للرجل في خاصة نفسه أن يشتري بالدنانير والدراهم المضروبة شيئا من اليهود والنصارى لما فيها من أسماء الله عز وجل، فقد كره ذلك مالك في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة، وأعظم أن يعطاها نجسا. فمن امتنع من ذلك تعظيما لأسماء الله عز وجل أجر، ومن فعله لم يأثم لما في ذلك من الحاجة. وقد

الاستعداد لخروج الدجال

أجيز في موضع الضرورة أن يعطوا الآية والآيتين من القرآن على باب الدعاء، كما كتب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ} [آل عمران: 64] الآية وبالله التوفيق. [الاستعداد لخروج الدجال] في الاستعداد لخروج الدجال قال مالك: بلغني أن الناس كانوا يعدون الإبل والخيل لمكان الدجال يخرجون عليها. قال القاضي: إنما كانوا يتأهبون لذلك لما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مما يؤذن بقرب خروجه. من ذلك حديث أبي عبيدة بن الجراح خرجه الترمذي قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إنه لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر الدجال قومه وإني أنذركموه، ووصفه لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لعله سيدركه بعض من رآني وسمع كلامي. قالوا: يا رسول الله فكيف قلوبنا يومئذ، قال: مثلها، يعني اليوم، أو خير» . ومن ذلك حديث النواس بن سمعان الكلابي خرجه الترمذي أيضا وقال فيه حديث حسن صحيح غريب قال: «ذكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فانصرفنا من عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم رحنا إليه فعرف ذلك فينا فقال: ما شأنكم؟ قال: قلنا يا رسول الله ذكرت الدجال الغداة فخفضت ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، قال غير الدجال أخوف عليكم. إن يخرج عليكم وأنا فيكم فأنا

حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم. إنه شاب قطيط الشعر عينه قائمة شبيه بعبد العزى بن قطن، فمن رآه منكم فليقرأ فواتح سورة الكهف. قال: يخرج ما بين العراق والشام، فقال: قلنا يا رسول الله ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. قلنا: يا رسول الله إن أتى اليوم الذي كالسنة أتكفينا فيه صلاة يوم، قال: لا ولكن قدروا له. قال: قلنا يا رسول الله فما سرعته في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي القوم فيدعوهم فيكذبونه ويردون عليه قوله فينصرف عنهم فتتبعه أموالهم فيصبحون ليس بأيديهم شيء، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيستجيبون له ويصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم كأطول ما كانت ذرى وأمده خواصر وأدره ضروعا. قال ثم يأتي الخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فينصرف منها فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا شابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين ثم يدعوه فيقبل يتهلل وجهه ويضحك، فبينما هو كذلك إذ هبط عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بشرقي دمشق عند المنارة البيضاء بين مهرودتين واضعا يده على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمال كاللؤلؤ. قال: ولا يجد ريح نفسه أحد إلا مات، وريح نفسه منتهى بصره. قال: فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله. قال: فيلبث كذلك ما شاء الله. قال: ثم يوحي الله إليه أن أحرز عبادي إلى الطور فإني قد أنزلت عبادا لا يدان لأحد بقتالهم. قال

ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم كما قال عز وجل: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96] ، قال: فيمر أولهم ببحيرة طبرية فيشرب ما فيها، ثم يمر بها آخرهم فيقول: لقد كان بهذه مرة ماء. [ثم يمرون حتى ينتهوا إلى جبل بيت المقدس فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم محمرا] ، ويحاصر عيسى ابن مريم وأصحابه حتى يكون رأس الثور يومئذ خيرا لأحدهم من مائة دينار لأحدكم اليوم. قال: فيرغب عيسى ابن مريم وأصحابه إلى الله، قال: فيرسل الله إليهم النغف في رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة. قال: ويهبط عيسى ابن مريم وأصحابه فلا يجد موضع شبر إلا وقد ملئت من جيفهم ونتنهم ودمائهم. قال: فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت، قال: فتحملهم فتطرحهم بالنيل، قال: [ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجفانهم سبع سنين] . قال: ويرسل الله عليهم مطرا لا يكن منه بيت وبر ولا مدر، قال فيغسل الأرض قال: فيتركها كالزلفة قال: ثم يقال للأرض أخرجي ثمرتك ودري بركتك، فيومئذ يأكل العصابة الرمانة ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن الفئام من الناس ليكتفون باللقحة من الإبل وإن القبيلة

ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاجتهاد في العبادة

ليكتفون باللقحة من البقر، وإن الفخذ ليكتفون باللقحة من الغنم. فبيناهم كذلك إذ بعث الله ريحا فقبضت روح كل مؤمن ويبقى سائر الناس يتهارجون كما تتهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة.» وبالله التوفيق. [ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاجتهاد في العبادة] فيما كان عليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الاجتهاد في العبادة قال: وسمعت مالكا يقول: لما دخل أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشام نظر إليهم رجل من أهل الكتاب فقال: ما كان أصحاب عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الذين قطعوا بالمناشر وصلبوا على الخشب بأشد اجتهادا من هؤلاء. قال محمد بن رشد: قد وصفهم الله عز وجل في كتابه بما يشهد لهم بصحة قول هذا الرجل فيهم، وذلك قوله عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ} [الفتح: 29] إلى قوله {أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] وكان من شأن أصحاب عيسى ابن مريم الحواريين فيما ذكر أن اليهود لما ظنوا أنهم قد قتلوا عيسى ابن مريم إذ تآمروا على قتله فألقى الله عز وجل شبهه على رجل من أصحابه فقتلوه وصلبوه، ورفع الله عز وجل عيسى إليه، أقبلوا على أصحابه الحواريين يقتلونهم ويعذبونهم بأنواع ليرعوهم عن الإيمان. وبالله التوفيق.

حكم الأجراس في أعناق الإبل والحمير

[حكم الأجراس في أعناق الإبل والحمير] في الأجراس في أعناق الإبل والحمير وسئل مالك عن الأجراس تعلق في أعناق الإبل والحمير فكره ذلك، فقيل له فالقلائد؟ فقال: ما سمعت بكراهيته إلا في الوتر. قال ابن القاسم: لا بأس به في غير الوتر. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في أول رسم حلف فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [الاعتبار بطلوع الشمس وغروبها] في الاعتبار بطلوع الشمس وغروبها وسمعت مالكا يقول: كان بنجران رجل يصيح كل يوم: قطع البقاء مطالع الشمس ... وطلوعها من حيث لم تُمسِ وغروبها حمراء قانية ... وطلوعها صفراء كالورس فاليوم أعلم ما يجيء به غد ... ومضى بفعل قضائه أمس قال محمد بن رشد: قوله، والله أعلم، ما يجيء به غد، معناه الإنكار والتقرير على ذلك، إذ لا يمكن أن يقول ذلك أحد ولا يدعيه، وبالله التوفيق. [نزول عيسى ابن مريم] في نزول عيسى ابن مريم قال: وسمعت مالكا يذكر: بينما الناس ببلد إذ يسمعون الإقامة يريدون الصلاة فتغشاهم غمامة فإذا عيسى ابن مريم قد نزل. قال محمد بن رشد: قد أعلم الله عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن عيسى ابن مريم ما قتل ولا صلب، وأن الله

صفة الأمر بالمعروف

عز وجل رفعه إليه. «وأخبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إخبارا وقع العلم به أنه ينزل في آخر الزمان حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» . وفي بعض الآثار: «فيهلك الله في أيامه الملل كلها فلا يبقى إلا الإسلام وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الأسد مع الإبل والنمور مع البقر والذياب مع الغنم والغلمان مع الحيات فلا يضر بعضهم بعضا» . [صفة الأمر بالمعروف] في صفة الأمر بالمعروف وسمعت مالكا يقول: كان سعيد بن جبير يقول: إن لم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر حتى لا يكون فيه شيء لم يأمر أحد إذا بشيء. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين أنه لا يسلم أحد من مواقعة الذنوب والخطايا، فقد ذكر الخضر لموسى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: واستكثر من الحسنات فإنك مصيب السيئات، واعمل خيرا فإنك لا بد عامل شرا، وهو نبي مرسل، فكيف بمن دونه من الناس، فليس من شرط الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون معصوما. وشرائط الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ثلاثة: أحدها: أن يكون عارفا بالمعروف والمنكر، لأنه إذا لم يكن عارفا لم يأمن أن يأمر بمنكر وينهى عن معروف، الثاني: أن يأمن أن يؤدي إنكاره إلى منكر أعظم منه، مثل أن ينهى عن شرب خمر فيؤدي ذلك إلى قتل نفس؛ والثالث: أن يعلم أو يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له، وأن أمره بالمعروف مؤثر ونافع، فإن لم يعلم ذلك ولا غلب على ظنه لم يلزمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالشرطان الأولان شرطان في الجواز، وهذا الشرط الثالث شرط في الوجوب.

الدعاء بالموت

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الأعيان بالشرائط المذكورة، قال الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] وقال عز وجل: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41] . وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليصرفن الله قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعن بني إسرائيل» . كان إذا عمل العامل منهم بالخطيئة نهاه الناهي تعزيرا فإذا كان من الغد جالسه وواكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس فلما رأى الله عز وجل ذلك منهم صرف قلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لساني نبييهم داوود وعيسى ابن مريم - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78] وبالله التوفيق. [الدعاء بالموت] في الدعاء بالموت وسئل مالك عن الذي يدعو بالموت فقال: ما أحب ذلك. وقال الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة: 8]

قال ولعله يكون على حالة يرجوها أو يكره مصيبة فما أحب ذلك له. قال محمد بن رشد: روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به وليقل اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي» فلا ينبغي لأحد أن يتمنى الموت لضر نزل به. وأما إن كان على حال يرجوها وخاف الفتنة على نفسه في الدين فالدعاء بالموت مخافة الفتنة في الدين جائز، قد قال عمر بن الخطاب بالأبطح حين صدر من منى: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع. ودعا عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على نفسه بالموت مخافة التضييع فيما يلزمه القيام به من أمور المسلمين ورغبة فيما عند الله عز وجل وحبا في لقائه، على ما مضى في رسم البر. ولم يحب مالك في هذه الرواية للرجل أن يفعل ذلك. ووجه قوله ما يرجوه مع طول الحياة من أعمال البر لا سيما الصلاة، فقد «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأخوين اللذين توفي أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة فذكرت فضيلة الأول عنده فقال: ألم يكن الآخر مسلما؟ قالوا: بلى يا رسول الله وكان لا بأس به، فقال: وما يدريكم ما بلغت به صلاته، وإنما مثل الصلاة كمثل نهر عذب غمر يقتحم فيه كل يوم خمس مرات فما ترون يبقي ذلك من درنه فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته» . ومن الحظ للرجل أن يدعو إذا خاف التقصير في العمل أن يجعل مكان دعائه لنفسه بالموت أن يطول الله عز وجل عمره ويحسن عمله، لأن الخير كان للإنسان في أن لا يخلق، فإذا خلق أن

رد حكيم بن حزام العطاء

يتوفى صغيرا، فإذا لم يتوف صغيرا فأن يطول عمره ويحسن عمله. وهذا مذكور في مناجاة موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وبالله التوفيق. [رد حكيم بن حزام العطاء] في رد حكيم بن حزام العطاء قال مالك: «إن حكيم بن حزام سأل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، فقال له النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن خيرا لك ألا تأخذ من أحد شيئا، قال: ولا منك يا رسول الله قال: ولا مني» . قال: فكان عمر بن الخطاب يعطيه عطاء فيأبى أن يقبله، فكان عمر يشهد عليه، فكان حكيم بن حزام يقول: قد رددته على من هو خير منك. قال مالك: إنه إنما كان نهي عمر بن الخطاب حكيم ابن حزام أن لا يبيع حتى يستوفيه إنما هو في الطعام. قال محمد بن رشد: إنما رد حكيم بن حزام عطاءه على عمر لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن خيرا لأحدكم أن لا يأخذ من أحد شيئا قال: ولا منك يا رسول الله قال: ولا مني» . والمعنى في ذلك وإن كان جائزا أخذه لأنه حقه من بيت المال، فإذا تركه ولم يأخذه من الإمام العادل فقد آثر به على نفسه سواه ممن يعطاه. ويكره للرجل أن يأخذ من أحد شيئا وإن كان من غير مسألة، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اليد العليا خير من اليد السفلى» . وقول مالك إن نهي عمر بن الخطاب لحكيم بن حزام أن لا يبيع ما ابتاعه حتى يستوفيه إنما هو في الطعام، هو نص الحديث في الموطأ أن حكيم بن حزام

تفسير قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء

ابتاع طعاما أمر به عمر بن الخطاب للناس فباع حكيم ابن حزام الطعام قبل أن يستوفيه فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فرده عليه وقال: لا تبع طعاما ابتعته حتى تستوفيه. وهو مذهب مالك أن ما عدا الطعام من المكيل والموزون يجوز بيعه قبل استيفائه. وما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من «نهيه عن ربح ما لم يضمن» معناه عنده في الطعام. وقد مضى الوجه في ذلك في غير ما موضع من الديوان، وبالله التوفيق. [تفسير قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء] في تفسير قَوْله تَعَالَى يؤتي الحكمة من يشاء قال مالك في تفسير: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269] قال التفكر في أمر الله والاتباع له. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في أول رسم البر فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [رجوع الرجل على صدور قدميه في الصلاة] في رجوع الرجل على صدور قدميه في الصلاة قال مالك: ما رأيت أحدا ممن كنت أقتدي به يرجع على صدور قدميه في الصلاة. قال محمد بن رشد: معناه فيما بين السجدتين، وهو كما قال لأن سنة الصلاة أن يكون جلوسه بين السجدتين كهيئة جلوسه في

ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه السلام من شظف العيش

التشهد. وقد رأى المغيرة بن حكيم عبد الله بن عمر يرجع في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه، فلما انصرف ذكر ذلك له فقال: إنها ليست سنة الصلاة وإنما أفعل ذلك من أجل أني أشتكي. وقال في حديث آخر إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني رجلك اليسرى والسنة إذا أطلقت فهي سنة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حتى تضاف إلى غيره كما قيل قبل سنة العمرين. والرجوع على العقبين بين السجدتين هو الإقعاء المنهي عنه عند أهل الحديث. وعند أهل اللغة جلوس الرجل على أليته ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع. وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة، وبالله التوفيق. [ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه السلام من شظف العيش] فيما كان عليه أصحاب رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من شظف العيش قال مالك: بلغني أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «إن كنا لنقيم شهرا وما نوقد نارا، فقيل لها فما كنتم تعيشون به قالت: التمر، وكان جيران لنا من الأنصار لهم الغنم فكانوا يبعثون إلينا بالقدح والقدحين» . قال محمد بن رشد: قد مضى هذا المعنى والقول فيما يتعلق بذلك في بيان الأفضل، من الفقر أو الغنى في رسم نذر سنة.

من يعد في جملة الملوك

[من يعد في جملة الملوك] فيمن يعد في جملة الملوك وحدثني مالك عن عبد ربه بن سعيد أنه قال: يقال من كان له بيت يأوي إليه وخادم تخدمه وزوجة فهو من الملوك الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 20] . قال محمد بن رشد: هذا صحيح في المعنى، لأن هذا هو الذي يحتاج إليه في الدنيا، وما زاد عليه فهو في غنى عنه. وذلك مروي عن ابن عباس في تفسير الآية قال: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} [المائدة: 20] الزوجة والخادم والبيت. وقال الحسن: الرجل ملك في بيته لا يدخل عليه إلا بإذن، فمن له مسكن وزوجة وخادم وما يقوم به في الإنفاق على نفسه وزوجه وخادمه فهو من الملوك، إذ لا حد لما زاد على ذلك. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه له قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» . فكيف لمن له مسكن وزوجة وخادم. [التفاضل بين الأنبياء] في أن بعض الأنبياء أفضل من بعض قال مالك: إن موسى قال يا رب ما لإبراهيم وإسحاق ويعقوب لا تذكر إلا ذكروا ولا يذكرون إلا ذكرت ولا أذكر كما يذكرون؟ قال إن إبراهيم ما عدل بي شيئا قط إلا اختارني، وإن

مس المرأة فرجها

إسحاق جاد لي بنفسه فهو بما وراءها أجود، وإن يعقوب لم أبتله ببلاء إلا ازداد حسن ظن بي. قال القاضي: في هذه الحكاية في سماع أشهب بعد هذا: قيل لمالك وما معنى قوله إذا ذكرت ذكروا فإن ذكروا ذكرت، قال: إذا ذكر الصالحون إنما يذكرون بذكر الله عز وجل وبطاعتهم له. ومعنى هذا الذكر الذي أراد في الملأ الأعلى عند الملائكة والله أعلم. وفيه أن بعض الأنبياء أفضل من بعض، قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 55] . وفي قوله إن إسحاق جاد لي بنفسه يدل على أنه هو الذبيح لا إسماعيل. وقد اختلف في ذلك حسبما يأتي القول به بعد هذا في هذا الرسم إن شاء الله، وبه التوفيق. [مس المرأة فرجها] في مس المرأة فرجها وسئل مالك عن مس المرأة فرجها، أترى عليها فيه وضوءا إذا مسته؟ فقال: ما سمعت فيه بوضوء. فقيل له: فالرفغين والشرج والعانة؟ قال ما سمعت فيه بوضوء، وإنما سمعت في الذكر، وإني لأكره لمثل هذا أن يمس على وجه التقذر. وقد كان بعض الملوك وأصاب الناس الطاعون فطعنت امرأة من أهل بيته، فقال: أين طعنت؟ فقال رجل تحت إبطها، فدخل عليه عمر بن عبد العزيز فسأله أين طعنت؟ فقال: تحت يدها كراهة أن يذكر إبطها، وكان يجتنب ما يكره من الكلام ويتبع حسن الكلام كأنه رأى الفرج والعانة والشرج والتنكب عنها من هذه الناحية.

يسمع كلام الإمام في الخطبة وهو في الطريق

قال محمد بن رشد: اختلف قول مالك في مس المرأة فرجها، فروي عنه في ذلك أربع روايات: سقوط الوضوء، واستحبابه، وإيجابه، والرابعة الفرق بين أن تلطف أو لا تلطف، وهي رواية ابن أبي أويس عنه. والاستحباب راجع إلى سقوط الوضوء، فهي ثلاثة أقوال: سقوط الوضوء، ووجوبه، والفرق بين الإلطاف وغيره. وقد تأول أن رواية ابن أبي أويس مفسرة للقولين، وأنه ليس في المسألة إلا قول واحد وهو الفرق بين أن تلطف أو لا تلطف. وكذلك اختلف قول مالك في إيجاب الوضوء من مس الذكر، فروي عنه إيجابه، وسقوطه، واستحبابه، والفرق بين أن يكون ناسيا أو متعمدا. وقد ذكرنا الاختلاف في هذا محصلا مبينا في غير هذا الكتاب. ولا اختلاف في أن الوضوء لا يجب من مس شرج ولا رفغ ولا عانة، وإن كان يكره ذلك للتقذر، والشافعي يوجب الوضوء من مس الدبر تعلقا بظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من مس فرجه فقد وجب عليه الوضوء» ، وبالله التوفيق. [يسمع كلام الإمام في الخطبة وهو في الطريق] في الذي يسمع كلام الإمام في الخطبة وهو في الطريق قال مالك: بلغني «أن عبد الله بن رواحة أقبل إلى المسجد يوم الجمعة، فسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول وهو على المنبر للناس: اجلسوا قال: فسمعه عبد الله بن رواحة وهو في الطريق فجلس مكانه في الطريق لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجلسوا» . قال القاضي: في هذا دليل على أنه يستحب لمن أتى الجمعة أن

وصف بعض شجرة الجنة

يترك الكلام في طريقه إذا علم أن الإمام في الخطبة وكان بموضع يمكن أن يسمع منه كلام الإمام؛ وقد قيل إن الإنصات لا يجب عليه حتى يدخل المسجد، وهو قول ابن الماجشون ومطرف؛ وقد قيل إنه يجب عليه منذ يدخل رحاب المسجد التي تصلى فيها الجمعة من ضيق المسجد، وبالله التوفيق. [وصف بعض شجرة الجنة] في وصف بعض شجرة الجنة قال مالك: بلغني أن في الجنة شجرة يسير الراكب تحتها مائة عام. قال محمد بن رشد: ليس في هذا إلا الإعلام بعظيم قدرة الله تعالى وما أعده لأوليائه في دار كرامته. وقد جاء «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال حاكيا عن ربه: أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» وبالله التوفيق. [فضل صدقة المقل] في فضل صدقة المقل قال: وحدثني مالك أن أبا هريرة كان يقول: سبق صاحب الدرهم صاحب مائة ألف درهم، فقيل لأبي هريرة لم ذلك؟ قال: يكون له مائة ألف درهم لا يتصدق منها ولا يكون لهذا إلا درهم واحد فيتصدق به.

تقديم الخطبة في العيد قبل الصلاة

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، لأن صاحب مائة ألف درهم إذا لم يتصدق منها إلا بما وجب عليه فيه من الزكاة فقد سبقه في الأجر صاحب الدرهم إذا تصدق بدرهمه كله. ولو تصدق صاحب الألف درهم بدرهم سوى الزكاة لكان صاحب الدرهم قد سبقه لتصدقه بدرهمه الذي لا مال له سواه، بدليل ثناء الله عز وجل على من جاد بما عنده من اليسير فقال عز وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] . ولو لم يتصدق صاحب الدرهم بشيء من درهمه لكان صاحب المائة الألف الدرهم قد سبقه في الأجر بتأدية زكاة ماله. وهذا يدل على فضل الغنى على الفقر، وقد مضى القول في هذا في رسم نذر سنة، وبالله التوفيق. [تقديم الخطبة في العيد قبل الصلاة] في تقديم مروان الخطبة في العيد قبل الصلاة قال مالك: خرج مروان يوم العيد إلى المصلى ومعه أبو سعيد الخدري فلما أتيا المصلى مضى مروان ليصعد المنبر، قال: فأمسك أبو سعيد بثوبه وقال الصلاة، فاجتبذ مروان منه جبذة شديدة حتى نزع ثوبه من يده فقال: قد ترك ما هنالك يا أبا سعيد، فقال أبو سعيد: أما ورب المشارق لا تأتون بخير منها. قال القاضي: أول من قدم الخطبة على الصلاة في العيد معاوية، وقيل عثمان أول من فعل ذلك، كان لا يدرك عامتهم الصلاة، فبدأ بالخطبة حتى يجتمع الناس. وروى ابن نافع عن مالك ما يدل على ذلك قال: السنة أن تقدم الصلاة قبل الخطبة، وبذلك عمل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو

الإتمام بمنى

بكر وعمر وعثمان صدرا من ولايته. ومن قال: أول من قدم الخطبة على الصلاة في العيد مروان فإنما أراد بالمدينة لأنه كان أميرا عليها لمعاوية، ويدل على ذلك قوله لأبي سعيد الخدري قد ترك ما هنالك. قال ابن حبيب في الواضحة: وأول من أحدث الأذان والإقامة في العيدين هشام بن عبد الملك، أراد أن يؤذن الناس بالأذان لمجيء الإمام، ثم بدأ بالخطبة قبل الصلاة كما بدأ بها مروان، ثم أمر بالإقامة بعد فراغه من الخطبة ليؤذن الناس بها بفراغه من الخطبة ودخوله في الصلاة، وذلك حين كثر الناس فكان يخفى عليهم مجيء إمامهم وفراغه من الخطبة ودخوله في الصلاة لبعدهم عنه. قال ولم يرد مروان وهشام إلا اجتهادا فيما رأيا، إلا أنه لا يجوز اجتهاد في خلاف سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبالله التوفيق. [الإتمام بمنى] في الإتمام بمنى قال مالك: حج معاوية بن أبي سفيان فصلى بمنى ركعتين فكلمه مروان في ذلك وقال له: أنت القائم بأمر عثمان تصلي ركعتين وقد كان عثمان صلى أربعا، فقال ويلك أنا صليتها مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين، فلم يزل به مروان حتى صلى أربعا. قال القاضي: أما إتمام عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بمنى فقد روي «أن الناس لما أنكروا عليه الإتمام قال لهم: إني تأهلت بمكة وقد سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: من تأهل في بلدة فهو من أهلها» . ولعله تأول أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقصر بمنى إلا من أجل

مسح الوجه باليدين في الدعاء

أن إقامته بمكة لم تكن إقامة تخرجه عن سفره ولذلك قصر بها. وأما معاوية بن أبي سفيان فالوجه فيما ذكر عنه في هذه الرواية، والله أعلم، أنه كان مقيما بمكة فقصر بمنى لأنه تأول أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصر بها وقد كان مقيما بمكة، فلم يزل به مروان حتى صرفه عن تأويله على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان مقيما بمكة إلى أنه إنما قصر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه لم يكن مقيما بمكة إقامة تخرجه عن سفره. فالاختلاف هل كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقيما بمكة قبل خروجه من مكة إلى منى أو غير مقيم هو أصل الاختلاف في هذه المسألة، فذهب مالك إلى أنه قصر بمنى وقد كان مقيما بمكة، وذهب أهل العراق إلى أنه إنما قصر بمنى من أجل أنه لم يكن مقيما بمكة. والصحيح ما ذهب إليه مالك لأنه قدم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صبيحة رابعة من ذي الحجة، فأقام بمكة إلى يوم التروية وذلك أربع ليال، ثم خرج فقصر بها. وقد مضى هذا المعنى في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة، وبالله التوفيق. [مسح الوجه باليدين في الدعاء] في مسح الوجه باليدين في الدعاء وسئل مالك عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء وقد بسطها قبل ذلك، فأنكر ذلك وقال: ما أعلمه. قال محمد بن رشد: إنما أنكر ذلك مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه رآها بدعة، إذ لم يأت بذلك أثر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولا مدخل فيه للرأي، وإنما أخذ ذلك من فعله والله أعلم للحديث الذي جاء «عن عثمان بن أبي العاص أنه قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبي وجع قد كاد يهلكني فقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: امسحه بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد. قال ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل

الانتعال قائما

عني ما كان بي فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم؟» ولحديث عائشة «أن رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث. قالت: فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيمينه رجاء بركتها» . [الانتعال قائما] في الانتعال قائما وسئل مالك عن الانتعال قائما فقال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إذ لا وجه لكراهة ذلك إلا ما يخشى على فاعله من السقوط إذا قام على رجله الواحدة ما دام ينتعل الثانية، فإذا أمن من ذلك وقدر عليه جاز له أن يفعله ولم يكن عليه فيه بأس، وإن خشي أن يضعف عن ذلك كره له أن يفعله، لما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية أبي الزبير عن جابر بن عبد الله «أنه نهى أن ينتعل الرجل قائما» وهو نهي أدب وإرشاد لهذه العلة، والله أعلم وبه التوفيق. [أهل الجيش أحق بغنيمتهم] في أن أهل الجيش أحق بغنيمتهم قال مالك: إن عمر بن الخطاب أتاه سفطا حلي من فارس فأراد أن يقسمه هاهنا في المدينة، فرأى في منامه أن الملائكة تدفع في صدره عنها، فلما استيقظ قال: ما أرى هذا يصلح أن أقسمه هاهنا، فبعث به إلى الجيش الذين افتتحوا ذلك الموضع أن يباع ثم يقسم

تسارع الناس إلى ما نهوا عنه

بينهم، وأمرهم ألا ينقصوا من أعطية أهل الكوفة أعطياتهم وأعطيات عمالهم، فاشتراها ابن حريث بذلك كله، فبلغني أنه باع أحدهما بما اشتراهما به وربح الآخر. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، لأن الله عز وجل لما قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] دل على أن الأربعة الأخماس الباقية للغانمين، فعصم الله عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الخطأ بما أراه الله في منامه مما نبهه على النظر الذي رأى به أن أهل الجيش أحق بأن يقسم بينهم بالسهمان (كذا) يريد بعدما أخرج الخمس منهما ورأى ذلك زيادة لهم على أعطياتهم فأمر أن لا ينقصوا منها شيئا بسببها لأنها غنيمتهم، وبالله التوفيق. [تسارع الناس إلى ما نهوا عنه] في تسارع الناس إلى ما نهوا عنه قال مالك: قالت عائشة لو نهي الناس عن جاحم الجمر لقال قائل: لو ذقته. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن الناس إذا نهوا عن شيء أتاهم الشيطان فوسوس إليهم في ذلك وزين لهم فعل ما نهوا عنه حتى يوقعهم في الإثم والحرج، كما فعل بأبويهم آدم وحواء إذ قال لهما ربهما: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 19] ، أي لا يفتنكما، فوسوس لهما الشيطان وقال لهما:

تبدية الرجل أخاه على نفسه في الكتاب إليه وهو أصغر منه

{مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20] أي إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، فإن أكلتما منها كنتما ملكين من الملائكة وكنتما من الخالدين ولم تموتا أبدا، وحلف لهما أنه ناصح لهما {فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف: 22] {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] . وبالله التوفيق. [تبدية الرجل أخاه على نفسه في الكتاب إليه وهو أصغر منه] في تبدية الرجل أخاه على نفسه في الكتاب إليه وهو أصغر منه وسئل مالك عن الرجل يبدأ باسم أخيه قبل اسمه وهو أصغر منه، قال: نعم إذا كان أهلا لذلك. فقيل له: إن قوما يذكرون أن فيه حديثا أن الرجل يبتدئ باسمه قبل اسم أخيه، قال: لا شك أن هذا من الشيطان، وقال إذا كتب الرجل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فيكتب إلى أبي فلان أو لفلان، وقال ذلك واسع. قال محمد بن رشد: أنكر مالك الحديث الذي ذكره أنه جاء في أن يبدأ الرجل إذا كتب إلى أخيه باسمه قبل اسم أخيه، ورأى أن التزام ذلك على كل حال كان أخوه أصغر منه أو أكبر من الشيطان. والاختيار عنده إذا كتب إلى أخيه وهو أصغر منه أن يبدأ بنفسه فيقول في الكتاب إليه: من فلان إلى فلان، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كبر كبر» فإذا بدأ به بدأه على نفسه لكونه أهلا

اشتراط ما في بطن الفرس العقوق إذا حبس في السبيل

لذلك لدينه وفضله لا لغرض من أغراض الدنيا فلا بأس بذلك، لأن الرجلين إذا كان أحدهما أسن والآخر أفضل فالأفضل أحق بالتقديم من الأسن. وإنما يجب تقديم الأسن إذا استويا في الفضل، لأن زيادة السن زيادة في الفضل. فإن كتب الرجل إلى من هو دونه في السن والفضل فبدأه في الكتاب على نفسه تواضعا لله ومخافة أن يكون عند الله أفضل منه فقد أحسن. وأما إذا كتب إلى رجلين وأحدهما أفضل وأسن فواجب عليه أن يقدم منهما الذي هو أفضل وأسن، فإن استويا في السن قدم الأفضل، فإن استويا في الفضل قدم الأسن، وإن كان أحدهما أفضل والآخر أسن قدم الأفضل، وبالله التوفيق. [اشتراط ما في بطن الفرس العقوق إذا حبس في السبيل] في اشتراط ما في بطن الفرس العقوق إذا حبس في السبيل وقد كره مالك أن يحمل على الفرس العقوق في سبيل الله عز وجل ويشترط ما في بطنها. قال محمد بن رشد: إنما كره ذلك لأنه قد أبقى لنفسه منفعة فيما سبله في السبيل وهو إرضاعها ما في بطنها إذا أنتجته حتى يستغني عنها، فإن وقع ذلك نفذ ومضى وكان له شرطه، ونقص بذلك حظه من الأجر، إلا أن يكون كان حمل عليه في السبيل رجلا بعينه على القول بأن المحمول عليه يستحقه ملكا بالغزو عليه، فيكون الحكم في ذلك حكم مسألة الفرس الواقعة في كتاب الهبة والصدقة من المدونة في باب الرجل يهب النخل للرجل ويشترط تمرها لنفسه سنين على أحد التأويلين فيها، وبالله التوفيق.

إنزاء الحمر على الخيل

[إنزاء الحمر على الخيل] في إنزاء الحمر على الخيل وسئل مالك هل ينزى على الفرس العربية الحمار؟ قال: نعم لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية علي بن أبي طالب أنه قال: «نهى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن تحمل الحمر على البراذين» وهو نهي أدب وإرشاد، بدليل ما روي «عن ابن عباس أنه قال: ما اختصنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشيء دون الناس إلا بثلاث: إسباغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي الحمر على الخيل» . وروي «عن علي بن أبي طالب أنه قال: أهدي إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بغلة فركبها فقلت: لو حملنا الحمر على الخيل كان لنا مثل هذا فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون» ومعناه الذين لا يعلمون قدر الثواب في ارتباط الخيل في سبيل الله فيزهدون في ذلك، فكان فيما اختص به بني هاشم من ذلك زيادة في الترغيب لهم على سائر الناس، لأن الخيل كانت فيهم قليلة على ما روي، فأحب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تكثر عندهم. فقول مالك في هذه الرواية لا بأس بذلك معناه لا إثم فيه ولا حرج، وتركه مرغب مندوب إليه، لما في ارتباط الخيل من الأجر، وبالله التوفيق. [الرهبان في أرض العدو] في الرهبان في أرض العدو وسئل مالك عن الرهبان في أرض العدو، قال: أرى أن لا يهاجوا وأن يتركوا.

الذبيح من هو من ابني إبراهيم عليه السلام

قال محمد بن رشد: لا اختلاف أحفظه في مذهب مالك أن الرهبان لا يقتلون ولا يسبون ولا تضرب عليهم الجزية إذا كانوا معتزلين لأهل دينهم في ديارات أو صوامع، لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن قتل الرهبان وعن قتل أصحاب الصوامع» . وإنما اختلف في النساء الرواهب هل يسبين أم لا، فقيل: إنهن تبع لرجالهن في أنهن لا يسبين، وقيل: إنهن يسبين وهو قول سحنون. وقد مضى القول على هذا في أول سماع أشهب من كتاب الجهاد. واختلف أيضا في أموال الرهبان هل يترك لهم أم لا. وقد مضى القول على هذا في رسم التمرة من هذا السماع من كتاب الجهاد، وبالله التوفيق. [الذبيح من هو من ابني إبراهيم عليه السلام] في الذبيح من هو من ابني إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسئل مالك عن الذي فدي من الذبح، قال إسحاق. قال محمد بن رشد: قد اختلف في الغلام الذي أمر إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بذبحه، فقال قوم: هو إسحاق، وقال آخرون: هو إسماعيل. فأما من قال إنه إسحاق فعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وكعب الأحبار، وجماعة من التابعين. وأما من قال إنه إسماعيل فعبد الله بن عمر، ومحمد بن كعب، وسعيد بن المسيب، وجماعة من التابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. قال الفضل: الصحيح الذي يدل عليه القرآن أنه إسماعيل، وذلك أن الله عز وجل قص قصة الذبيح، فلما قال في آخر القصة {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] ثم قال: {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 109] {كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 110] {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات: 111] قال: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112] {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} [الصافات: 113] ، أي على إسماعيل وعلى إسحاق، كنى عنه لأنه قد تقدم

ذكره، ثم قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا} [الصافات: 113] فدل على أنهما ذرية إسماعيل وإسحاق. وليس يختلف الرواة أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بثلاث عشرة سنة. وأيضا فقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أن أعرابيا قال له: يا ابن الذبيحين» يعني إسماعيل وأباه عبد الله، لأن عبد المطلب كان نذر إن بلغ ولده عشرة أن ينحر منهم واحدا، فلما كملوا عشرة أتى بهم البيت وضرب عليهم بالقداح على أن يذبح من قد خرج قدحه، وكتب اسم كل واحد على قدح، فخرج قدح عبد الله، ففداه بعشرة من الإبل، ثم ضرب عليه وعلى الإبل فخرج قدحه، ففداه بعشرة إلى أن تمت مائة، فخرج القدح على الجزور فنحرها وسن الدية مائة. ومن الحجة لهذا القول أن الله عز وجل قال حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112] ، يقول: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] يقول بابن وابن ابن، فلم يكن ليأمره بذبحه وله من الله عز وجل هذا الوعد. وقال أبو جعفر الطبري: الذي يدل عليه ظاهر التنزيل قول من قال هو إسحاق، لأن الله عز وجل قال: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] فذكر أنه فدى الغلام الحليم الذي بشر به إبراهيم حين سأله أن يهب له ولدا صالحا بقوله: {هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100] ، فإذا كان المفدى بالذبح من ابنيه هو المبشر به وكان الله تعالى قد بين في كتابه أن الذي بشر به هو إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، وكان كل موضع من القرآن يبشره إياه بولد فإنما هو يعني به إسحاق، كان بينا أن يبشر إياه بقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] في هذا الموضع نحو سائر أخباره في غيره من آيات القرآن. قال: وأما الذي اعتل به من اعتل في أنه إسماعيل فإن الله عز وجل قد كان وعد إبراهيم بأن يكون له من إسحاق ابن ابن، فلم يكن جائزا أن يأمره بذبحه مع الوعد الذي تقدم،

الحصا يخرج بها الرجل من المسجد

فإن الله تعالى ذكره إنما أمره بذبحه بعد أن بلغ معه السعي، وتلك حال غير نكير أن يكون قد كان ولد لإسحاق فيها أولاد فكيف الواحد. فمن ذهب إلى أن الذبيح إسحاق قال: كانت فيه أخبار لأن الأول قوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] ، ولما استسلم الذبيح واستسلم إبراهيم لذبحه قال: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112] . قال محمد بن رشد: وقول أبي جعفر الطبري: إن إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يسأل ربه أن يهب له من الصالحين إلا وهو لا ولد له، إذ لم يكن له من الصالحين. فعلى ما ذهب إليه إسحاق أكبر من إسماعيل، خلاف ما قاله الفضل من أن الرواة لم يختلفوا في أن إسماعيل أكبر من إسحاق. والذي ذهب إليه الفضل من أنه إسماعيل هو الأظهر، وقد اختلف في ذلك اختلافا كثيرا. والله أعلم. [الحصا يخرج بها الرجل من المسجد] في الحصا يخرج بها الرجل من المسجد وسئل مالك عن الرجل يخرج من المسجد بحصاة، أترى أن يطرحها؟ قال: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأن الحصاة الواحدة لا يضر المسجد إخراجها منه ولا ينفعه ردها فيه، فلا بأس أن يطرحها ولا يردها، وبالله التوفيق. [البيتوتة في المسجد] في البيتوتة في المسجد وسئل مالك عن البيتوتة في مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قال لا بأس بذلك.

تفسير قوله عز وجل وجعلنا لهم لسان صدق عليا

قال محمد بن رشد: معناه فيمن لم يكن له منزل يبيت فيه، وأما من له منزل فيكره له المبيت فيه. وكذلك قال مالك في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة، وهذا المعنى متكرر في مواضع من كتاب الصلاة، ومضى الكلام عليه في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم منه، وبالله التوفيق. [تفسير قوله عز وجل وجعلنا لهم لسان صدق عليا] في تفسير قوله عز وجل: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم: 50] وسئل مالك عن تفسير قوله عز وجل: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم: 50] ، قال: كقوله للعبد الصالح النبي: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] . قال محمد بن رشد: قوله {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم: 50] يريد إبراهيم وإسحاق ويعقوب. قال الله: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [مريم: 49] ، يقول الله عز وجل فلما اعتزل إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قومه وعبادة ما كانوا يعبدون من دون الله من الأوثان أنسنا وحشته من فراقهم وأبدلناه منهم من هو خير منهم وأكرم علينا منهم، فوهبنا له ابنه إسحاق وابن ابنه يعقوب بن إسحاق - صلى الله عليهم وسلم - {وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم: 49] يقول وجعلنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنبياء، {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا} [مريم: 50] أي ورزقنا إبراهيم وإسحاق

التسمي بجبريل

ويعقوب من رحمتنا. وكان الذي وهب لهم من رحمته ما بسط لهم في عاجل الدنيا من سعة رزقه وأغناهم بفضله. وقوله: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم: 50] يقول: ورزقناهم الثناء الحسن والذكر الجميل من الناس. وإنما وصف جل وعلا اللسان الذي جعل لهم بالعلو لأن جميع أهل الملل يحسن الثناء عليهم، والعرب تقول: جاءني لسان فلان يعنون ثناءه أو ذمه، ومنه قول الشاعر، قيل هو عمرو بن الحارث، وقيل هو أعشى باهلة: إني أتاني لسان لا أسر بها ... من علو لا عجب فيها ولا سخر يروى: لا كذب فيها ولا سخر جاءت مرخمة قد كنت أحذرها ... لو كان ينفعني الإشفاق والحذر فتفسير مالك لذلك بقوله: إنه مثل قول الله للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] تفسير صحيح. ومن ترفيع ذكره في الدنيا الشهادة بالرسالة في الأذان للصلوات إلى يوم القيامة، وبالله التوفيق. [التسمي بجبريل] في التسمي بجبريل وسئل مالك عن الرجل يسمى جبريل، فكره ذلك ولم يعجبه وقال: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} [آل عمران: 68] وهذه الأمة الذين اتبعوه.

دخول آكل الكراث للمسجد

قال محمد بن رشد: إنما كره أن يسمى الرجل جبريل لأن جبريل هو الروح الأمين الرسول من عند الله بالوحي إلى الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فإذا تسمى الرجل بجبريل كان سببا إلى أن يقول الرجل: جاءني جبريل ورأيت جبريل وأشار علي جبريل برأي كذا في كذا، وهذا من الكلام الذي يستشنع سماعه. وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية سمرة بن جندب أنه قال: «لا تسم غلامك رباحا ولا أفلح ولا بشيرا ولا يسارا يقال: ثم فلان فيقال: لا» . فإذا كرهت التسمية بهذه الأسماء ونحوها فأحرى أن تكره التسمية بجبريل لما ذكرناه من نحو هذا، وليس شيء من ذلك كله بحرام، وإنما هو مكروه فتركه أحسن والله أعلم. وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد أن ينهى عن التسمية بنافع ويسار وبركة من أجل أن يقال: هاهنا بركة فيقال: لا، فسكت عن ذلك ولم ينه عنه حتى قبض، فدل ذلك على أن النهي لم يلحق التسمية بهذه الأسماء. وقوله {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [آل عمران: 68] إلى آخر قوله، معناه الحض على الاقتداء بهم في ترك التسمية بذلك، وبالله التوفيق. [دخول آكل الكراث للمسجد] في دخول آكل الكراث للمسجد وسئل مالك عن الكراث يؤكل فيأتي آكله إلى المسجد، فقال إنه ليكره كل ما آذى الناس، وإن الناس في ذلك لمختلفون، منهم من لا يوجد له من ذلك شيء رائحة وإن أكله، ومنهم من يكون له رائحة إذا أكله. قال محمد بن رشد: قوله إنه ليكره كل ما آذى الناس هو مثل ما في

الأفضل من صلاة النافلة أفي البيت أم في المسجد

رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب في هذا: وما أحب له أن يؤذي الناس، وذلك تجوز في الكلام، لأن إذاية الناس لا تجوز، فلا يصح أن يقال فيها إنها مكروهة. وقد نص النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على أن العلة في منع آكل الثوم من دخول المسجد إذاية الناس، فإذا كان الكراث أو البصل تؤذي روائحها الناس فلا يجوز لآكلها دخول المسجد قياسا على الثوم لوجود العلة فيهما، وذلك بين من قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الصلاة، قال: والكراث والبصل إن كان يؤذي ويضير (كذا) فهو مثل الثوم ولا يقرب المسجد أصلا، وبالله التوفيق. [الأفضل من صلاة النافلة أفي البيت أم في المسجد] في الأفضل من صلاة النافلة أفي البيت أم في المسجد وسئل عن الصلاة في النوافل في البيوت أحب إليك أم في المسجد؟ قال: أما في النهار فلم يزل من عمل الناس الصلاة في المسجد يهجرون ويصلون، وأما الليل ففي البيوت. قال وقد كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي الليل في بيته. قال مالك: يستحب للذي يصلي بالليل في بيته أن يرفع صوته بالقرآن. وقد كان الناس إذا أرادوا سفرا تواعدوا لقيام القراء وبيوتهم شتى، فكانت تسمع أصواتهم بالقرآن، فأنا استحب ذلك. قال محمد بن رشد: استحب مالك صلاة النافلة بالنهار في المسجد على صلاتها في البيت، لأن صلاة الرجل في بيته بين أهله وولده وهم يتصرفون ويتحدثون ذريعة إلى اشتغال باله بأمرهم في صلاته. ولهذه العلة كان السلف يهجرون ويصلون في المسجد. فإذا أمن الرجل من هذه العلة فصلاته في بيته أفضل، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

«أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة» لأنه حديث صحيح محمول على عمومه في الليل والنهار مع استواء الصلاة في الإقبال عليها وترك اشتغال البال فيها. وقد سئل مالك في أول رسم حلف من سماع ابن القاسم في كتاب الصلاة عن الصلاة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النوافل، أفيه أحب إليك أم في البيوت؟ فقال: أما الغرباء فإن فيه أحب إلي "، يعني بذلك الذين لا يريدون إقامة، يدل هذا من قوله أن الصلاة بالنهار في البيوت لغير الغرباء أحب إليه من الصلاة في المسجد. ومعنى ذلك إذا أمنوا من اشتغال بالهم في بيوتهم بغير صلاتهم. وأما إذا لم يأمنوا ذلك فالصلاة في المسجد أفضل لهم، فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ركع ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء غفر له ما تقدم من ذنبه» . وإنما كانت صلاة النافلة للغرباء في مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أفضل منها لهم في بيوتهم بخلاف المقيمين، لأن الصلاة إنما كانت أفضل في البيوت منها في مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وفي جميع المساجد من أجل فضل عمل السر على عمل العلانية. قال الله عز وجل: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] . وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سبعة يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فذكر فيهم من ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ومن تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» . والغرباء لا يعرفون في البلد فلا يذكرون بصلاتهم في المسجد. فلما لم يكن لصلاتهم في بيوتهم قربة من

الدعاء في الركوع والسجود

ناحية السر وجب أن تكون صلاتهم في مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أفضل، لما جاء من «أن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» . فعلى هذا تتفق الروايات ولا يكون فيها تعارض ولا اختلاف. ووجه استحباب مالك للذي يصلي الليل في بيته أن يرفع صوته بالقرآن ليشيع الأمر ويعلو ويكثر فيرتفع عنه الرياء، ويحصل بفعله الاقتداء، فيحصل له أجر من اقتدى به، وذلك من الفعل الحسن لمن صحت نيته في ذلك. وقد مضى هذا في هذا الرسم في هذا السماع من كتاب الصلاة. [الدعاء في الركوع والسجود] في الدعاء في الركوع والسجود وسئل مالك عن الدعاء في الركوع، قال: لا أحب ذلك، قيل ففي السجود؟ قال: نعم، قد دعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ساجد. قال محمد بن رشد: كره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدعاء في الركوع، والله أعلم، لوجهين: أحدهما الحديث المأثور عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية ابن عباس أنه قال: «ألا وإني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء، فقمن أن يستجاب لكم» . والثاني: أنه قد يوافق في دعائه ما في القرآن فيكون قد خالف ما نهى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قراءة القرآن في الركوع. ولا اختلاف في أنه لا تجوز قراءة القرآن في الركوع، واختلف في

معنى قول عمر سجدة يحاجني بها عندك

قراءته في السجود، فروي عن مالك إجازة ذلك إذ لم يأت النهي إلا في الركوع، ولم يجز ذلك غيره لحديث ابن عباس المذكور. ولكراهة الدعاء في الركوع وجه بين من جهة المعنى، وهو أنه إذا كان من حسن الأدب فيمن كانت له إلى كبير حاجة ألا يبدأ بطلبها حتى يقدم الثناء عليه قبل ذلك، تعين في حق الله عز وجل أن لا يدعوه في السجود حتى يقدم التعظيم له في الركوع، وبالله التوفيق. [معنى قول عمر سجدة يحاجني بها عندك] في معنى قول عمر: سجدة يحاجني بها عندك وسئل مالك عن قول عمر بن الخطاب: اللهم لا تجعل قتلي عن يدي رجل سجد لك سجدة يحاجني بها عندك، قال يريد بذلك أنه ليس لغير أهل الإسلام حجة عند الله. قال محمد بن رشد: المعنى في تفسير مالك لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أراد ألا يقتله إلا كافر ليكون مخلدا في النار، لأنه إن قتله مؤمن سجد لله سجدة لم يخلد في النار وخرج منها بإيمانه بعد أن يناله ما يستوجبه من العقاب على قتله. وقد قيل إنه إنما أراد ألا يقتله أحد من أهل القبلة بتأويل يستحل به قتله فيكون له بذلك عند الله عذر بسبب أنه لم يقتله إلا وهو يعتقد الطاعة لله عز وجل بقتله فيخف عنه دينه، فهذا أظهر. [شأن عمر بن الخطاب مع الهرمزان وجفينة] في شأن عمر بن الخطاب مع الهرمزان وجفينة قال مالك: قدم بالهرمزان وجفينة على عمر بن الخطاب فأراد ضرب أعناقهما فكلمهما فاستعجما عليه، فقال: لا بأس عليكما. ثم أراد عمر أن يقتلهما فقالا له: ليس ذلك لك قد قلت لا بأس عليكما.

ما كتب به إلى عمر بن عبد العزيز عامله في أمر الزكاة

قال محمد بن رشد: الهرمزان سيد تستر حاصرها أبو موسى الأشعري حتى دخل المدينة فتحصن الهرمزان في قلعة له بها وحصره أبو موسى فيها حتى نزل على حكم عمر. روي عن أنس قال: حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر، فلما انتهى إليه قال له عمر: تكلم، قال: كلام حي أو كلام ميت، قال: تكلم فلا بأس. قال: إنا وإياكم معاشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نقصيكم ونقتلكم، فلما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان. قال عمر: يا أنس ما يقول؟ قلت: يا أمير المؤمنين يقول: تركت بعدي عددا كثيرا وشوكة شديدة فإن تقتله يئس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم. قال عمر أستحيي قاتل البراء بن مالك ومجزأة ابن ثور. فلما خفت أن يقتله قال: قلت: ليس إلى قتله سبيل قد قلت له تكلم فلا بأس، فقال: لتأتيني بمن يشهد به غيرك، فلقيت الزبير فشهد معي، فأمسك عنه عمر وأسلم وفرض له. وروي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: أطافوا بالهرمزان فلم يخلصوا إليه حتى أمنوه ونزل على حكم عمر، فبعث به أبو موسى وأصحابه إلى عمر، وبالله التوفيق. [ما كتب به إلى عمر بن عبد العزيز عامله في أمر الزكاة] فيما كتب به إلى عمر بن عبد العزيز عامله في أمر الزكاة قال: وسمعت مالكا يذكر أن عاملا لعمر بن عبد العزيز كتب إليه: إن الناس قد أسرعوا في أداء الزكاة ورغبوا في ذلك لموضع عدلك، وأنه قد اجتمع عندي زكاة كثيرة، فكأن عمر كره ذلك من كتابه لمدحه، فكتب إليه ما وجدوني وإياك على ما رجوا وظنوا فاقتسمها. قال ابن القاسم: قال عمر: وأي رأي لي فيها حتى كتب إلي. قال محمد بن رشد: في هذا فضل عمر بن عبد العزيز - رضي الله

ابتداء الكاتب باسم المكتوب إليه قبل اسمه

عنه - وقوله: وأي رأي لي فيها يريد أنه لا رأي لأحد في ذلك مع السنة الثابتة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الصدقة أن تؤخذ من الأغنياء فتفرق على الفقراء، وبالله التوفيق. [ابتداء الكاتب باسم المكتوب إليه قبل اسمه] في ابتداء الكاتب باسم المكتوب إليه قبل اسمه قال: وحدثني مالك أن رجلا أتى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فسألها الكتاب إلى زياد، فكتبت إليه وبدأت باسمها، فسألها الرجل أن تبتدئ باسمه فإنه أقضى لحاجته، ففعلت وبدأت باسمه. وبدأ ابن عمر عبد الملك بن مروان باسمه قبل اسمه، فقيل له: إن الناس يذكرون في ذلك أحاديث ويرفعونها، فأنكرها إنكارا شديدا وقال: قد سمعت يقولون: الحسن وغيره، وهذا من الباطل. قال محمد بن رشد: قد مضى قبل هذا في هذا الرسم الكلام على هذا فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [وصف الرجل نفسه بما هو عليه] في وصف الرجل نفسه بما هو عليه قال ابن القاسم: وحدثني مالك عن قول سعيد بن عبد العزيز ما أبقى ذكر جهنم في صدري للدنيا حزنا ولا فرحا. قال مالك: ما يعجبني أحد يقول مثل هذا في نفسه. قال ابن القاسم وكان حدثه به سليمان بن القاسم أنه بلغه أن سعيد بن عبد العزيز التنوخي قال هذا القول. قال محمد بن رشد: هذا مكروه للرجل كما قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن الله عز وجل قد نهى عن ذلك بقوله:

ما جاء في قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان وجفينة

{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] . روي عن أبي بكرة أنة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقولن أحدكم قمت رمضان كله» . وروي عن الحسن أن رجلا قال عند ابن مسعود: لقد قرأت القرآن البارحة فقال: ما يقول؟ فأخْبَروه، فقال: فأخْبِروه أن حظه من ذلك الذي تكلم به. وبالله التوفيق لا شريك له. [ما جاء في قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان وجفينة] فيما جاء في قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان وجفينة قال مالك: قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان وجفينة قبل أن يستقيم الناس على أحد، فكان قد تكلم الناس في ذلك، فكان عثمان يقول: لا يقتل أبوه اليوم ويقتل هذا غدا، فتلكم في أمره فأرسل، فقيل لمالك: فعثمان أرسله؟ فقال: لا، أرسل قبل أن يلي. قال محمد بن رشد: حكى ابن عبد البر في كتاب الصحابة عن الحسن أن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بعد أن أسلم وعفا عنه عثمان، فلما ولي علي خشيه على نفسه فهرب إلى معاوية فقتل بصفين. قال ابن عبد البر: وقصته في قتل الهرمزان وجفينة وبنت أبي لؤلؤة فيها اضطراب. وهذا الذي قاله ابن عبد البر من أن عثمان عفا عنه هو الذي يدل عليه قوله في الرواية: فكان عثمان يقول: لا يقتل أبوه اليوم ويقتل هذا غدا. ومعنى عفوه عنه أنه جعل ذلك دية، كذلك وقع في مصنف عبد الرزاق من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب - أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال حين قتل عمر: انتهيت إلى الهرمزان وجفينة وأبي لؤلؤة وهم بحي فبغتهم فثاروا وسقط من بينهم خنجر له

رأسان نصابه في وسطه، فقال عبد الرحمن: فانظر بما قتل به عمر، فنظروا فوجدوه خنجرا على النعت الذي نعت عبد الرحمن. قال: فخرج عبيد الله بن عمر مشتملا على السيف حتى أتى الهرمزان فقال: اصحبني تنظر إلى فرس، وكان الهرمزان بصيرا بالخيل، فخرج يمشي بين يديه، فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حر السيف قال: لا إله إلا الله فقتله. ثم أتى جفينة، وكان نصرانيا، فدعاه فلما أشرف له علاه بالسيف فصلب بين عينيه، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعي بالإسلام فقتلها، فأظلمت المدينة على أهلها. ثم أقبل بالسيف صلتا في يده وهو يقول: والله لا أترك في المدينة شيئا إلا قتلته وغيرهم، كأنه يعرض بناس من المهاجرين، فجعلوا يقولون له: ألق السيف ويأبى ويهابونه أن يقربوا منه، حتى أتاه عمرو بن العاص فقال: أعطني السيف يا ابن أخي، فأعطاه إياه. ثم ثار إليه عثمان فأخذ برأسه فتناصبا حتى حجز الناس بينهما، ثم ثار إليه سعد بن أبي وقاص فتناصبا حتى حجز الناس بينهما. فلما ولي عثمان قال: أشيروا علي في هذا الرجل الذي فتق في الإسلام ما فتق، يعني عبيد الله بن عمر، فأشار إليه المهاجرون أن يقتله، وقال جماعة من الناس: أقتل عمر أمس، وتريدون تتبعون به ابنه اليوم، أبعد الله الهرمزان وجفينة، قال: فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الأمر لك ولك على الناس من سلطان، إنما كان هذا الأمر ولا سلطان لك، فاصفح عنه يا أمير المؤمنين. قال: فتفرق الناس على خطبة عمرو، وودى عثمان الرجلين والجارية. وقال معمر عن الزهري: لما ولي وبايعه أهل الشورى خرج وهو أشدهم كآبة، فأتى منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فخطب فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ الناس بكلام بليغ ثم قال لهم: قولوا فيما أحدث عبيد الله بن عمر، فقالوا: القود ونادى جمهور الناس من وراء ذلك: لعلكم تريدون أن تتبعوا عمر ابنه، الله الله، أبعد الله الهرمزان وجفينة، فلم يقل عثمان لهؤلاء ولا لهؤلاء شيئا وتمثل ببيتين فهم الناس عنه أنه سيقيد منه، فانصرفوا وهم

موت عمر في يومه الذي طعن فيه

مؤمنون بذلك. وروي أنه لما ولي أدى الهرمزان وجفينة وأبي قد جعلها دية. وقد روي أن عثمان أقاد ابنه منه فعفا عنه، وأنه لما بلغه خوض الناس في هرمزان قال: أيها الناس، القتل على وجهين، فالإمام ولي قتل الباغي والعاري والمفسد دون الآباء والأبناء وسائر الإخوة والأولياء، وولاية ما كان في السائرة فان شاءوا تركوا وإن شاءوا باعوا وإن شاءوا قتلوا، ليس إلا المعونة وحبس الجاني، ثم دفع عبيد الله إلى ابن الهرمزان. وروي أن صهيبا قال له: ما تقول في عبيد الله بن عمر؟ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، كتاب الله بينكم فيه حلاله وحرامه، فمن أتى حدا من حدود الله عز وجل فأراد أحد أن يعلم ما رأينا فيه فلينظر فيه ثم ليعلم منتهى إلى الكتاب ثم نقيمه فيه والله، فتفرق الناس وهم على اليقين من قتله فأقاده. روي عن سيف عن أبي منصور قال: سمعت القناديان يحدث عن قتل أبيه قال: كانت العجم بالمدينة سرح بعضها إلى بعض، فمر فيروز بأبي ومعه خنجر له رأسان، فتناوله منه وقال: ما تصنع بهذا في هذه البلاد؟ فقال: آنس به، فرآه رجل. فلما أصيب عمر قال قد رأيت هذا مع الهرمزان دفعه إلى فيروز، فأقبل عبيد الله فقتله، فلما ولي عثمان دعاني فأمكنني منه ثم قال: يا بني هذا قاتل أبيك فأنت أولى به منا، فاذهب فاقتله. قال: فخرجت به وما في الأرض أحد إلا معي، إلا أنهم يطلبون إلي فيه، فقلت لهم إلى قتله، قالوا: نعم وسوءا لعبيد الله، فقلت لهم: أولكم أن تمنعوه؟ فقالوا: لا وسبوه، فتركته لله ولهم، فاحتملوني فوالله ما بلغت المنزل إلا على رءوس الرجال وأكفهم، وبالله التوفيق. [موت عمر في يومه الذي طعن فيه] في أن عمر مات في يومه الذي طعن فيه قال: وسمعت مالكا يذكر أن عمر مات من يومه الذي طعن فيه

قال محمد بن رشد: روي عن عمر بن ميمون قال: شهدت عمر يوم طعن وما منعني أن أكون في الصف المقدم إلا هيبته، وكان رجلا مهيبا، فكنت في الصف الذي يليه. فأقبل عمر فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فناجى عمر قبل أن تستوي الصفوف ثم طعنه ثلاث طعنات، فسمعت عمر وهو يقول: دونكم الكلب فإنه قد قتلني، وماج الناس وأسرعوا إليه، فخرج عليه ثلاثة عشر رجلا فانكفأ عليه رجل من خلفه فاحتضنه، وحمل عمر، فماج الناس بعضهم في بعض حتى قال قائل: الصلاة عباد الله، طلعت الشمس، فقدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بأقصر سورتين في القرآن {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] ، و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] ، واحتمل عمر ودخل عليه الناس، فقال لعبد الله بن عباس: أخرج فناد في الناس، أعن ملأ منكم هذا؟ فخرج ابن عباس فقال: أيها الناس، إن أمير المؤمنين يقول: أعن ملأ منكم هذا؟ فقالوا: معاذ الله، والله ما علمنا ولا اطلعنا. وقال: ادع لي الطبيب، فدعي الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك؟ فقال: النبيذ، فسقي نبيذا فخرج من بعض طعناته، فقال الناس: هذا دم هذا صديد، فقال: اسقوني لبنا، فسقي لبنا فخرج من الطعنة، فقال له الطبيب: ما أرى أن تمسي، فما كنت فاعلا فافعل، وذكر تمام الخبر في الشورى وتقديمه لصهيب في الصلاة. وقد روي عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: غدوت مع عمر بن الخطاب إلى السوق وهو متكئ على يدي، فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فقال: ألا تكلم مولاي يضع عني من خراجي؟ قال: كم خراجك؟ قال دينار، قال ما أرى أن أفعل، إنك لعامل محسن وما هذا بكثير، ثم قال له عمر: ألا تعمل لي رحا؟ قال: بلى، قال فلما ولى قال أبو لؤلؤة: لأعملن لك رحا يتحدث بها ما بين المشرق والمغرب، قال: فوقع في نفسي قوله. قال: فلما كان في النداء لصلاة الصبح وخرج عمر للناس يؤذنهم الصلاة وقد اضطجع له أبو لؤلؤة عدو الله، فضربه بالسكين، وذكر تمام الخبر. ولما أخبر بمن قتله قال: الحمد لله الذي لم يجعل قتلي على يد رجل

اللعب بالشطرنج

يحاجني بلا إله إلا الله. وبالله التوفيق. [اللعب بالشطرنج] في اللعب بالشطرنج وسئل مالك عن لعب الشطرنج فقال: إن لكل عمل جزاء، فما ترى جزاء هذا؟ ثم قال: فماذا بعد الحق إلا الضلال. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله. وقد مضى الكلام على هذا المعنى في آخر رسم طلق بن حبيب مستوفى ولا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة] في وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة وسئل مالك عن وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة أترفع إلى الصدر أم توضع دون ذلك؟ فقال: ليس فيه حد، وإنما يصنع مثل هذا في الصلاة التي يطول فيها، ولم ير أنه يصنع في الصلاة المكتوبة. قال ابن القاسم: بلغني أنه قال في النافلة ترك ذلك أحب إلي، ولكن الذي جاء إنما هو في النافلة، ولم يعجبه ذلك في المكتوبة. قال أشهب: لا بأس به في المكتوبة والنافلة، وقد جاء عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه رئي واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة» وقد جاء عنه أنه قال: «استراحة الملائكة في الصلاة وضع اليمنى على كوع اليسرى في الصلاة» .

قال محمد بن رشد: إنما سأله عن وضع اليد اليمنى على اليسرى هل ترفع إلى الصدر أو توضع دون ذلك، إذ قد قيل في قول الله عز وجل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] المراد بذلك وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة تحت النحر، وفي ذلك غير قول. قال بعض أهل التأويل: حضه على المواظبة على الصلاة المكتوبة وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} [الكوثر: 2] وبوضع اليمنى على اليسرى عند النحر في الصلاة بقوله {وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أي واضممها إلى صدرك. وقال بعضهم: إنما عنى بذلك فصل لربك المكتوبة، وبقوله وانحر نحر البدن بمنى. وقال أنس بن مالك: إنما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينحر يوم العيد قبل أن يصلي العيد فقال الله له {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] ، فأمره أن يصلي ثم ينحر. وقال محمد بن كعب القرظي: إنما قيل له ذلك لأن قوما كانوا يصلون وينحرون لغير الله، فقيل له: اجعل صلاتك ونحرك لله إذ كان من يكفر بالله يجعله لغيره. وقال الضحاك: بل المعنى في ذلك فادع ربك واسأله. وقال بعضهم: المعنى في ذلك واستقبل القبلة بنحرك. وفي وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة خلاف، والذي يتحصل في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك جائز في المكتوبة والنافلة ولا يكره فعله ولا يستحب تركه، وهو قول أشهب في هذه الرواية وقول مالك في رسم الصلاة الأول من سماع أشهب من كتاب الصلاة؛ والثاني أن ذلك مكروه فيستحب تركه في الفريضة والنافلة إلا إذا طال القيام في النافلة فيكون فعل ذلك فيها جائزا غير مكروه ولا مستحب، وهو قول مالك في هذه الرواية وفي المدونة، والثالث أن ذلك مستحب فعله في الفريضة والنافلة مكروه تركه فيهما، وهو قول مالك في رواية مطرف وابن الماجشون عنه في الواضحة.

قول الحسن في الصراف

[قول الحسن في الصراف] في قول الحسن في الصراف قال مالك كان الحسن يقول: إن استسقيت ماء فسقيت من بيت صراف فلا تشربه. قال محمد بن رشد: إنما قال الحسن ذلك لأن الغالب على الصيارفة العمل بالربا، فيستحب تجنب أكل طعامهم أو شرب شرابهم، وإن لم يعلم حال الذي يطعمه الطعام أو يسقيه الشراب منهم لأنه يحمل على الغالب من أهل صناعته حتى يعلم أنه ممن يتوقى الربا في عمله بالصرف، فقد قيل إن معاملة من خالط الحرام ماله من ربا أو غيره لا تحل ولا تجوز، فكيف بأكل طعامه أو شرب شرابه. والصحيح أن ذلك مكروه وليس ذلك بحرام. ولنا في هذا المعنى مسألة جامعة من أراد الشفاء منها طالعها. وحكى ابن حبيب عن السكن بن أبي كريمة قال: صلينا مع أبي زبير الأيامي الجمعة، فلما خرجنا من المسجد مر بدار فاستسقى، فأتي بقدح، فقال: لمن هذه الدار؟ فقالوا: لفلان الصيرفي، فرده ولم يشرب منه. قال: وسمعت أصبغ يكره أن يستظل بظل الصيرفي قال عبد المالك: لأن الغالب عليهم الربا، وهو نحو ما ذكرناه في معنى قول الحسن، وبالله التوفيق. [ما يحذر من عقوبة الله عند فساد الأعمال] فيما يحذر من عقوبة الله عند فساد الأعمال قال مالك: زلزلت الأرض على عهد عمر بن الخطاب، فصعد المنبر عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لقد أحدثتم ولقد عجلتم ولئن عادت لأخرجن من بين أظهركم. قال محمد بن رشد: إنما قال ذلك عمر لقول الله عز وجل:

كراهة الصيد

{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] وقوله: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] . فلما زلزلت الأرض على عهده وقد تغيرت أحوال الناس عما كانت عليه في حياة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خشي أن يكون ذلك تخويفا من الله عز وجل وإنذارا بهلاكهم إن لم يتوبوا ويرجعوا إلى ما كانوا عليه من الأحوال المستقيمة، وبالله التوفيق. [كراهة الصيد] في كراهة الصيد قال مالك: جاء رجل إلى سعيد بن المسيب فسلم عليه كأنه لم يعرفه، فانتسب وكان له موضع فقال لابن المسيب: إني أخرج إلى الصيد فأكون فيه، فقال له ابن المسيب: الصيد لا خير فيه وهو يلهيك. قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك أن الصيد مكروه لما فيه من الالتهاء به إلا لمن كان عيشه منه أو قرم إلى اللحم. واستخفه لأهل البادية لأنهم من أهله وأن ذلك شأنهم، ورأى خروج أهل الحاضرة إليه من السفه والخفة، ولم يجز قصر الصلاة لمن خرج مسافرا إلى الصيد على وجه التلهي لأنه سفر مكروه، لما في ذلك من اللهو والطرب وإتعاب البهائم في غير وجه منفعة. وأباحه محمد بن عبد الحكم لعموم قول الله عز وجل: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] على الوجه المباح، وبالله التوفيق.

وجوه من الحكمة لبعض الحكماء

[وجوه من الحكمة لبعض الحكماء] في وجوه من الحكمة لبعض الحكماء قال مالك: قال حكيم من الحكماء: إذا صليت فصل صلاة مودع يظن أنه لا يعود، وإياك والطمع وتطلب الحاجات فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس مما في أيدي الناس فإنه الغنى. واعلم أنه لا بد من قول وفعل، فإياك وما يعتذر منه. قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قاله، لأن الرجل إذا صلى الصلاة لا يدري هل يتراخى به الأجل إلى وقت صلاة أخرى، فينبغي أن يستشعر فيها الخوف لله والفكرة في الوقوف بين يدي خالقه، فإنه إذا فعل ذلك خشع في صلاته وكان من المفلحين الذين قال الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] . وإذا كثر طمع الرجل وتطلبه للحاجات فهو بذلك في حكم الفقير وإن كان ذا مال، إذ ليس الغنى من الكثرة، وإنما الغنى غنى النفس، لأن فائدة المال في الدنيا أن يستغني به عن الناس، فإذا لم يستغن به عن الناس فهو في حكم الفقير. وإذا استغنى الفقير عن الناس بغنى نفسه فهو في حكم الغني بالمال. وما يعتذر منه من قول أو فعل من الحظ أن يجتنب، إذ لا يدري المعتذر من الشيء هل يقبل فيه عذره أم لا، وبالله التوفيق. [ما يكره أن تستر به البيوت من الثياب] فيما يكره أن تستر به البيوت من الثياب وقال مالك: دخل أبو أيوب صاحب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بيتا قد ستر بثياب جنادية، فقال: لا أطعم فيه طعاما حتى أخرج منه، فخرج ولم يطعم.

إباحة تعجيل السير في السفر

قال محمد بن رشد: الثياب الجنادية يحتمل أن تكون ثياب حرير قد ستر بها البيت أي فرش بها. والحرير لا يحل للرجال لباسه ولا الجلوس عليه، إذ الجلوس في معنى اللباس عند عامة العلماء، وهو مذهب مالك وجمهور أصحابه. ويحتمل أن تكون الثياب الجنادية ثيابا من غير حرير فيها صور فَكَرِهَ أبو أيوب الدخول في البيت والأكل فيه لما جاء من أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل أو تصاوير، شك إسحاق في قول الراوي للحديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقد اختلف أهل العلم فيما ليس له ظل قائم من الصور على أربعة أقوال: أحدها إباحة ذلك سواء كان التصوير في جدار أو ثوب مبسوط أو منشور، والثاني تحريم ما كان من الصور في الجدار والثوب المنصوب وإباحة ما كان منها في الثوب المبسوط الذي يوطأ ويتوسد، والرابع تحريم ما كان منها في الجدار خاصة وإباحة ما كان منها في الثوب المبسوط أو المنشور، وبالله التوفيق. [إباحة تعجيل السير في السفر] في إباحة تعجيل السير في السفر قال مالك: سار ابن عمر من مكة إلى المدينة في سفر سائره ثلاثة أيام، وأن سعيد بن أبي هند سار في ثلاثة أيام، وكان من خيار المسلمين وعبادهم، ولقد كان يقعد هو وموسى بن هبيرة ونافع مولى بن عمر بعد الصبح حتى يقوموا وما كلم أحد منهم صاحبه، يذكرون الله. ثم قال: لا خير في كثرة الكلام، واعتبروا ذلك بالنساء والصبيان، إنما هم أبدا يتكلمون لا يصمتون.

قال محمد بن رشد: أجاز مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يسرع الرجل في السير في سفره لحاجة تعرض وإن تجاوز في ذلك المراحل المعهودة في المشي، ولم ير عليه حرجا في إتعاب دابته في ذلك، واستدل على جواز ذلك بسير عبد الله بن عمر من مكة إلى المدينة في ثلاثة أيام وهي مسيرة عشر مراحل على السير المعتاد، وأن سعيد بن أبي هند قد فعل ذلك على خيره وعبادته وفضله، وأنه كان من اجتهاده في العبادة يقعد مع أصحابه في المسجد بعد الصبح وما يكلم أحد منهم صاحبه اشتغالا بذكر الله، لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ألا أخبركم بساعة من ساعات الجنة الظل فيها ممدود والعمل فيها مقبول والرحمة فيها مبسوطة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من أذان صلاة الصبح إلى طلوع الشمس.» وإذا جاز للرجل حمل المشقة على نفسه في إسراع السير جاز له أن يحملها على دابته، لما أباح الله عز وجل من تسخيرها وعدد النعمة بذلك على عباده فقال: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 7] . ومما يدل من الحديث على أنه يكره له أن يفعل ذلك من غير حاجة ويجوز له أن يفعله لحاجة قوله في الحديث الصحيح المأثور حديث الموطأ: «إن الله تعالى رفيق يحب الرفق ويرضى به ويعين عليه ما لا يعين على العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها فإذا كانت الأرض جذبة فانجوا عليها بنقيها وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار» الحديث. ولا خير في الكلام كما قال مالك، لأن كلام المرء كله محصى عليه ومسئول عنه. قال الله عز وجل:

التنفل بالصيام في السفر

{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وجاء عن عيسى ابن مريم أنه كان يقول: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإن القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، فان الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية. وكانت عائشة زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ترسل إلى بعض أهلها بعد العتمة فتقول ألا تريحون الكتاب. [التنفل بالصيام في السفر] في التنفل بالصيام في السفر وسئل مالك عن التنفل بالصيام في السفر فقال: حسن. قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قاله، لأن التطوع بالصيام جائز في الحضر والسفر، إذ ليست الإقامة شرطا في صحة الصيام. وإنما أباح الله عز وجل للمسافر الفطر في رمضان تخفيفا ورحمة، والصيام فيه أفضل، وقد قيل إن الفطر به أفضل. وشذت طائفة من أهل الظاهر فقالت: إن الصيام في السفر كالفطر في الحضر، وبالله التوفيق. [قول الحسن في الصراف] في قول الحسن في الصراف فقيل لمالك لما حدث حديث الحسن إذا استسقيت فسقيت من بيت صراف فلا تشرب، قال فقال بكير: رب صراف خير من الحسن. قال مالك: ليس كما قال بكير، إنما ينظر إلى الأمر الذي شمل الشيء كثرته فيجتنب لذلك.

اختلاف الحكم في القضاء

قال محمد بن رشد: قد مضى فوق هذا بيسير القول في قول الحسن فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.. [اختلاف الحكم في القضاء] في اختلاف الحكم في القضاء قال: قال مالك: كتب ابن حريم الجحمي إلى عمر بن الخطاب لا تقضين في أمر واحد بقضائين فيختلف عليك أمرك. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا عندي أنه أمره أن لا يقضي فيما سبيله الاجتهاد إلا بعد بلوغه الغاية في الاجتهاد، لأنه إن قضى في أمر قبل أن يبلغ غاية الاجتهاد فيه سيقضي مرة أخرى فيه بقضاء آخر يؤديه إليه بلوغ الغاية في الاجتهاد، فأمره أن يفعل أولا ما يفعل آخرا حتى لا يختلف عليه أمره، والله أعلم وبه التوفيق. [سيرة معاذ بن جبل وعمله على الصدقة] في سيرة معاذ بن جبل وعمله على الصدقة لعمر بن الخطاب قال مالك: إن عمر بن الخطاب بعث معاذ بن جبل مصدقا وحمله على بعير، فلما رجع رد البعير إلى عمر ورجع إلى أهله بثوبه، فقالت له امرأته: ما جئتنا بشيء، فقال: إنه كان معي حافظان يحفظان علي. فلما قال هذا معاذ خرجت امرأته إلى عمر بن الخطاب فقالت له: يا أمير المؤمنين أما علمت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث معاذا مصدقا؟ قال: بلى، قالت: أفجعل معه حافظا؟ قال: لا، قالت: فإنه قد ذكر لي أنه كان معه حافظان يحفظان عليه، فقال عمر: وأنا معي حافظان يحفظان علي.

ورع عمر بن عبد العزيز

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين من عدل وفضل معاذ، وأنه فعل الواجب من قبض الواجب قبض الصدقات من الأغنياء وتفريقها على الفقراء ورجع دون شيء كما خرج، وبالله التوفيق لا شريك له. [ورع عمر بن عبد العزيز] في ورع عمر بن عبد العزيز قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز يكتب في أمور الناس على الشمع، فإذا كتب لنفسه دعا بمصباحه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين من ورعه وفضله، وبالله التوفيق لا شريك له. [سن معاذ بن جبل] في سن معاذ بن جبل وقال مالك: توفي معاذ بن جبل وهو ابن اثنين وثلاثين سنة. قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه توفي وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، [وقيل توفي وهو ابن ثمان وثلاثين سنة] ، وهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار، وشهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها. وكان سمحا لا يمسك، فلم يزل يدان حتى أغلق ماله كله في الدين، فبعثه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الجند من اليمن، وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد قسم اليمن على خمسة رجال، واليا ومعلما وجعل إليه قبض

الصدقات من العمال الذين باليمن، «وقال له حين وجهه بم تقضي؟ قال: بما في كتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال فبما في سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال فإن لم تجد؟ قال أجتهد رأيي. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضي رسوله.» وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنه أعلمهم بالحلال والحرام، وإنه يأتي يوم القيامة أمام العلماء برتوة» . ولما قدم من اليمن بعد وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال عمر لأبي بكر: أرسل إلى هذا الرجل فدع له ما يعيشه وخذ سائره منه، فقال أبو بكر: إنما بعثه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليجبره، ولست بآخذ منه شيئا إلا أن يعطيني، فانطلق إليه عمر إذ لم يسعده أبو بكر فكلمه في ذلك وأبى قال: وإنما بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليجبرني. ثم لقي معاذ عمر فقال: قد أطعتك وأنا فاعل ما أمرتني به، إني رأيت في المنام أني في حومة ماء قد حسبت الغرق فخلصتني منه يا عمر. فأتى معاذ أبا بكر فذكر ذلك له وحلف أنه لا يكتمه شيئا، فقال أبو بكر: لا نأخذ منك شيئا قد وهبته لك، فقال عمر: هذا حين حل وطاب، واستعمله عمر على الشام حين مات أبو عبيدة فمات من عامه ذلك في طاعون عمواس بدعائه ربه في ذلك. روي عن ابن شهاب قال: أصاب الناس طاعون بالجابية فقام عمرو بن العاص فقال: تفرقوا عنه فإنما هو بمنزلة

الشفعة على قدر الحصص

نار، فقام معاذ بن جبل فقال: لقد كنت نبيا ولأنت أضل من حمار أهلك، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «هو رحمة لهذه الأمة» . اللهم فاذكر معاذ وآل معاذ فيمن تذكر بهذه الرحمة. وروى الشعبي عن فروة بن نوفل الأشجعي ومسروق، ولفظ الحديث لفروة الأشجعي قال: كنت جالسا مع ابن مسعود فقال: إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين، فقلت يا أبا عبد الرحمن: إنما قال الله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120] فأعاد قوله إن معاذا. فلما رأيته أعاد عرفت أنه تعمد الأمر فسكت، فقال: أتدري ما الأمة وما القانت؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: الأمة الذي يعلم الخير ويؤتم به ويقتدى به، والقانت المطيع لله، وكذلك كان معاذ بن جبل معلما للخير مطيعا لله عز وجل ولرسوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ويكنى معاذ أبا عبد الرحمن بابن كان له، وقيل إنه لم يولد له قط، وبالله التوفيق. [الشفعة على قدر الحصص] في أن الشفعة على قدر الحصص قال مالك حدثني ابن الدراوردي عن سفيان الثوري أن علي بن أبي طالب قضى أن الشفعة بين الشركاء على قدر حصصهم. قال محمد بن رشد: هذا هو مذهب مالك وجميع أصحابه وعامة العلماء أن الشفعة على قدر الأنصباء، خلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة أنها على عدد الرءوس. والحجة لمالك ومن قال بقوله أن الشفعة لما كانت تجب بالملك وجب أن يكون على قدر الأملاك كالعلل، ولما كانت لرفع المضرة عن الإشراك وكانت المضرة عليهم على قدر حصصهم وجب أن تكون الشفعة

بيع كتابة المكاتب

التي ترفع الضرر عنهم على قدر حصصهم، وهذا بين والحمد لله وبه التوفيق. [بيع كتابة المكاتب] في بيع كتابة المكاتب قال: حدثني ابن القاسم عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كره أن يباع كتابة المكاتب ويقول وهو خطار إن عجز كان عبدا له، وإن أدى كان له أربعة آلاف درهم. قال محمد بن رشد: الغرر في هذا بين كما قاله، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة، إلا أن مالكا وأصحابه أجازوا ذلك استحسانا واتباعا على غير قياس. وله وجه وهو أن المشتري للكتابة يحل فيها محل سيده الذي كاتبه في الغرر، لأنه إذا كاتبه لا يدري هل يؤدي ما كتبه عليه أو يعجز فيرجع رقيقا له، وذلك جائز، لقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم من كتابته» . [المكاتب بين الشريكين يقاطعه أحدهما] في المكاتب بين الشريكين يقاطعه أحدهما وحدثني عن ابن القاسم ابن الدراوردي عن أنس عن أبي يحيى أن رجلا من قريش أرسل إلى سعيد بن المسيب يسأله عن عبد بين رجلين مكاتب، فقاطع أحدهما على نصيبه ويمسك الآخر، ثم

ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاجتهاد في العبادة

إن المكاتب مات وترك مالا، فقال سعيد: للذي تمسك بالكتابة بقية كتابته ثم يقتسمان ما بقي بعد ذلك بينهما. قال محمد بن رشد: هذا صحيح مثل قول مالك في موطئه إذا كانت مقاطعته له بإذن شريكه. وقد وقع في رواية يحيى فيه أن الذي قاطع بالخيار بين أن يتمسك بقطاعته وبين أن يرد نصف ما أخذ من القطاعة ويكون المال بينهما، وأن الذي تمسك بالكتابة إن كان الذي قبض ما قاطع عليه شريكه أو أفضل فالميراث بينهما، لأنه إنما أخذ حقه، وهو غلط. وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم الكيس من سماع يحيى من كتاب المكاتب فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاجتهاد في العبادة] فيما كان عليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الاجتهاد في العبادة قال: وحدثني ابن القاسم عن مالك قال: لما دخل أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشام نظر إليهم رجل من أهل الكتاب فقال: ما كان أصحاب عيسى ابن مريم الذين قطعوا بالمناشر وصلبوا على الخشب بأشد اجتهادا من هؤلاء. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا فوق هذا في هذا الرسم والكلام عليه، وبالله التوفيق. [القصد والتؤدة والسمت] في القصد والتؤدة والسمت قال ابن القاسم: قال مالك بلغني أن ابن عباس قال: التؤدة والقصد والسمت جزء من كذا وكذا جزءا من النبوءة.

قول القاسم بن محمد لعمر بن عبد العزيز فيما عرض عليه

قال محمد بن رشد: معنى القصد الاقتصاد في الإنفاق، وفي معناه جاء الحديث: «ما عال من اقتصد» . والتؤدة التأني في الأمور والتثبت فيها. وأما السمت فمعناه السمت الحسن، وهو الوقار والحياء وسلوك طريقة الفضلاء، وبالله التوفيق. [قول القاسم بن محمد لعمر بن عبد العزيز فيما عرض عليه] في قول القاسم بن محمد لعمر بن عبد العزيز فيما عرض عليه قال ابن القاسم: قال مالك إن عمر بن عبد العزيز قال للقاسم بن محمد وهو يريد العمرة: إن معنا فضلا من أمتعة وأزواد، فقال القاسم: إني امرء لا آخذ من أحد شيئا. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا فوق هذا في هذا الرسم أنه يكره للرجل أن يصف عن نفسه ما هو عليه من الأحوال المحمودة، فليس في قول القاسم بن محمد إني امرؤ لا آخذ من أحد شيئا ما يدل على جواز ذلك، لأنه إنما قاله معتذرا لعمر بن عبد العزيز مخافة أن يظن به أنه يكره الأخذ منه دون من سواه لشيء يعتقده فيما عرض عليه، وأخبره بعادته لئلا يستوحش من قبله، وبالله التوفيق. [وصية معاذ بن جبل] في وصية معاذ بن جبل وحدثني عن ابن القاسم عن مالك أن معاذ بن جبل قال لرجل إنه لا غنى بك عن نصيبك من دنياك، وأنت إلى حظك من آخرتك أحوج، فإذا عرض لك أمران أحدهما للآخرة والآخر للدنيا فخذ بحظك من آخرتك فإنه ستمر عليك حوائجك من دنياك ثم تنظمها لك انتظام الرمية ثم تزول بها معك حيث زلت.

التحذير من الفتنة

قال محمد بن رشد: المعنى في هذه الوصية بين لأن حظ الدنيا فان وحظ الآخرة باق، فمن الحظ للرجل أن يقدم ما يبقى على ما يفنى. وبالله التوفيق. [التحذير من الفتنة] ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما مال في التحذير من الفتنة قال: وسمعت مالكا يذكر «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذكر فتنة فقالوا: يا رسول الله ما النجاء منهما؟ قال: ترجعون إلى أمركم الأول» . قال محمد بن رشد: الفتن على وجوه: فمنها في أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم كانوا يعذبون ليرتدوا عن دينهم، فذلك قول الله عز وجل: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] أي العذاب؛ ومنها أن يفتن الله قوما أي يبتليهم؛ ومنها ما يقع بين الناس من الحروب وغير ذلك، وهذه الفتنة هي التي أشار إليها في هذا الحديث، والله أعلم، وعنى بها ما جرى بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من الخلاف الذي أدى إلى مقاتلة بعضهم بعضا. قال سفيان: سمعت حذيفة يقول: «بينما نحن جلوس عند عمر بن الخطاب إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الفتنة؟ قال: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس عن هذا أسألك، ولكن عن التي تموج كموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن

ما قاله النبي عليه السلام حين خرج من جوف الليل

بينك وبينها بابا مغلقا. قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: لا بل يكسر. قال عمر: إذا لا يغلق أبدا، قال: أجل. قلنا لحذيفة: أكان عمر بن الخطاب يعلم؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد الليلة، وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط، فهبنا أن نسأله من الباب، فأمرنا مسروقا فسأله فقال من الباب؟ فقال عمر» : ومنها الفتنة بالنساء. يقال قد فتن بالمرأة إذا تعشقها؛ ومنها الإضلال، قال الله عز وجل: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] ، أي بمضلين؛ ومنها الحرق بالنار، تقول فتنته بالنار أي أحرقته فيها، وفي القرآن {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] أي يحرقون. والفتان الشيطان، وفتانا القبر منكر ونكير. قال الأصمعي: يقال فتنه ولا يقال أفتنه. وقال أبو عبيد: أفتنه بالقبر لغة بني تميم. وقوله: ترجعون إلى أمركم الأول معناه إلى ما كنتم عليه في حياة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من التواخي في ذات الله والاعتصام بكتاب الله، وبه التوفيق. [ما قاله النبي عليه السلام حين خرج من جوف الليل] فيما قاله النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين خرج من جوف الليل وحدثني عن يحيى بن سعيد لا أعلمه إلا مسندا عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أنه خرج ذات ليلة من جوف الليل فنظر في أفق السماء فقال: كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة أيقظوا صواحب

الحجر» . قال سحنون: يعني بأيقظوا صواحب الحجر أيقظوا نسائي كي يسمعن. قال محمد بن رشد: قول يحيى بن سعيد في هذا الحديث لا أعلمه إلا مسندا عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - معناه لا أعلمه إلا مسندا إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وذكره مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام من الليل فنظر في أفق السماء فقال: ماذا فتح الله الليلة من الخزائن وما وقع من الفتن، كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة أيقظوا صواحب الحجر.» وأسنده معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استيقظ ليلة فقال: سبحان الله ماذا أنزل الله من الفتنة» فذكره. وفي هذا الحديث علم من أعلام نبوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه أعلم فيه بما كان بعده مما فتحه الله على أمته من بلاد الكفار بالمشرق والمغرب وصار إليهم من أموالهم، فهي الخزائن التي فتحها الله عز وجل على أمته، وبما وقع بعده من الفتن من قتل عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى يومنا هذا الذي لا يحيط به إلا علمه، ولن يزال الهرج إلى يوم القيامة. وأمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإيقاظ أزواجه كيلا يكن من الغافلين عند ذكر الله عز وجل في مثل هذه الليلة التي أنزل الله فيها ما أنزل، ولعلها كانت ليلة القدر الليلة المباركة التي قال الله عز وجل {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] .

الذين أنزل الله عز وجل فيهم لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم

[الذين أنزل الله عز وجل فيهم لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم] في الذين أنزل الله عز وجل فيهم {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66] قال: وسمعت مالكا يذكر «أن رجلا قال على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن قراءنا هؤلاء أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنا وأجبننا عند اللقاء، فأنزل الله عز وجل {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66] » «قال عبد الله بن عمر بصرت عيناي ذلك الرجل وهو يجري تحت ناقة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تنكف رجليه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله عز وجل {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66] » . قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لا إشكال فيه، وبالله التوفيق. [كراهة الفطر فيمن أصبح صائما متطوعا] في كراهة الفطر فيمن أصبح صائما متطوعا قال مالك: بلغني أن رجلا له شرف صنع صنيعا ودعا فيمن دعا حسين بن رستم الأوانة وكان صائما وأنه لما خلا الناس من عنده قال له: ألا ندعو لك بطعام؟ فقال إني صائم، فجعل يردد على حسين ويريده على الفطر ويقول: إنك ستصوم يوما آخر مكانه، فقال له حسين إني بيت الصيام وأنا أكره أن أخلف الله ما وعدته، وقال

يقال: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» فإنك لن تجد فقد شيء تركته لله عز وجل. قال محمد بن رشد: إنما قال ما قال وأبى أن يجيبه إلى ما أراده عليه من الفطر، لأنه رأى ذلك من المشتبهات التي قال فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه وعرضه» لاختلاف أهل العلم في جواز الفطر لمن أصبح صائما متطوعا، ولما جاء في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مما يدل على جوازه والمنع منه، من ذلك أنه قال: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل أو فليدع؛» وروي «وإن كان صائما فلا يأكل» . وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوما من غير شهر رمضان إلا بإذنه» . وهذا يدل على أن الفطر لا يجوز لها ولا يجوز لزوجها أن يفطرها. وروي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان عند أم هانئ وأتي بشراب فشرب منه ثم أعطاه أم هانئ فشربت ثم قالت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني كنت صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك، فقال لها: أكنت تقضين شيئا؟ فقالت: لا، قال: فلا يضرك إن كان تطوعا» . فهذا يدل على جواز الفطر لمن أصبح صائما. وقد جاء «أن حفصة وعائشة أهدي لهما طعام فأفطرتا فدخل عليهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته بذلك حفصة فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقضيا يوما

معاقلة المرأة الرجل إلى ثلث الدية

آخر مكانه» . فاحتمل أن يكون ذلك على الوجوب وأن يكون على الندب. وكان ابن عباس يجيز الفطر لمن أصبح صائما متطوعا؛ وكان عبد الله بن عمر لا يجيزه ويشدد ذلك فيقول ذلك الذي يلعب بصومه، وإلى قوله هذا ذهب مالك فقال: إنه لا يفطر، فإن أفطر من غير عذر فعليه القضاء، «لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة وحفصة: اقضيا يوما مكانه آخر» . وقال مطرف: إن حلف عليه أحد بالعتق أو بالطلاق أن يفطر فليحنثه ولا يفطر إلا أن يرى لذلك وجها، وإن حلف هو فليكفر ولا يفطر، وإن عزم عليه أبواه أو أحدهما في الفطر فليطعهما وإن لم يحلفا عليه إذا كان ذلك رقة منهما لإدامة صومه. وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصيام. [معاقلة المرأة الرجل إلى ثلث الدية] في معاقلة المرأة الرجل إلى ثلث الدية قال: وسمعت ابن هرمز يقول: إنا أخذنا أشياء برأينا وإن معاقلة الرجل المرأة إلى ثلث دية الرجل إنما أخذناه من الفقهاء. قال محمد بن رشد: قوله إنا أخذنا أشياء برأينا معناه أخذناه بالاستنباط والنظر وهو القياس على الأصول. قال الله عز وجل: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] وقوله إن معاقلة المرأة الرجل إلى ثلث ديته إنما أخذناه من الفقهاء، يريد أن الفقهاء سبقونا فيه إلى الاستنباط بالاجتهاد، وأخذناه منهم واتبعناهم عليه. ووجه هذا من طريق الاعتبار والنظر أن الله تبارك وتعالى ساوى بين الرجل والمرأة في الأصل والمبدأ إلى الثلث، ثم فصل بينهما فيما

الدين هو الحسب

بعد الثلث، فقال النبي المعصوم عن ربه عز وجل: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة ثم يأتي الملك فيقول أي رب ذكر أم أنثى شقي أم سعيد فينفخ فيهما الروح» فيقع الفصل من الله بالتذكير إن شاء ذكرا وإن شاء أنثى. بعد هذا الأمر المشترك فيه وهو من العام ثلثه. وقال: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} [الرعد: 8] الآية. وبين الاعتبار من قَوْله تَعَالَى في الآيتين إحداهما {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] ، والثانية قوله عز وجل: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] أن أمد الغيض وهو النقصان من الأمر المعلوم في العادة وهو تسعة أشهر في الأغلب والأكثر، ثلاثة أشهر، وأن الولد يصح نسبه لستة أشهر. فإذا اعتبر الزيادة بالنقصان اعتبارا عدلا حملنا على التسعة الأشهر ثلاثة أشهر كما نقصنا منها ثلاثة أشهر. وفي حملنا ثلاثة أشهر على تسعة أشهر تمام العام. وقد تقدم أن الأربعة الأشهر المشترك فيها ثلث العام. فكما اشتركا من العام وهو منتهى الأمد على الاعتبار الذي ذكرناه في ثلثه في الخلقة، ثم وقع الفصل بعد الثلث وانفرد الذكر بتذكيره والأنثى بتأنيثها، فكذلك يشتركان في المعاقلة في الثلث، ثم يرجع بعد الثلث كل واحد منهما إلى عقل نفسه كما رجع بعد ثلث العام إلى صورة نفسه. وحسبك بهذا بيانا واضحا ودليلا مرشدا، وبالله التوفيق. [الدين هو الحسب] في أن الدين هو الحسب وحدثني أبو عبد الله محمد بن أحمد العتبي عن عيسى أنه قال: بلغني «أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وسلم - فوجد في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلمان الحبر وصهيبا وبلالا وسالما مولى أبي حذيفة فقال لهم: يا معشر العلجة كأنكم من الأوس والخزرج، وسعد بن أبي وقاص يصلي ويسمع كلامه، فعجل [فسلم] ثم قام إلى الأعرابي فلببه بردائه وقال: يا عدو نفسه تقول هكذا لأصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا أفارقك حتى أوقفك على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذهب به سعد إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبر سعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمقالته فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعا، يريد غضبانا، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إن الرب واحد والدين واحد والأب واحد ومن أسرع به عمله لم يبطئ به حسبه ومن أبطأ به عمله لم يسرع به حسبه، ومن دخل هذا الدين فهو من العرب. فقال سعد: ما أصنع بهذا يا رسول الله، فقال: ادخره إلى النار» . فلقد رأيته ارتد مع مسيلمة فقتل معه. قال محمد بن رشد: هذا حديث بين المعنى يشهد بصحته قول الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] . ومن هذا المعنى قول عمر ابن الخطاب كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه. فإنما يكون للحسب مزية مع الاستواء في العلم والفضل. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا.» وبالله التوفيق.

اجتماع العلم والحلم

[اجتماع العلم والحلم] في اجتماع العلم والحلم قال: وسمعت موسى يذكر أن بعض أهل العلم كتب إلى بعض إخوانه: اعلم أن الحلم لباس العلم فلا تعرين منه. قال محمد بن رشد: هذه استعارة حسنة، وحكمة بالغة، فينبغي لمن أوتي حظا من العلم أن لا يعري نفسه من الحلم، وبالله التوفيق. [ما يبدأ به الداخل في مسجد النبي عليه السلام] ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه فيما يبدأ به الداخل في مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسئل مالك عن الرجل يدخل مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالمدينة، بأي شيء يبدأ، بالسلام على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أم بركعتين؟ قال: بل بركعتين، وكل ذلك واسع. قال ابن القاسم: وأحب إلي أن يركع. قال محمد بن رشد: وجه توسعة مالك في البداية بالسلام على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل الركعتين قوله في الحديث قبل أن يجلس، فإذا سلم ثم ركع الركعتين قبل أن يجلس فقد امتثل أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالركوع قبل الجلوس ولم يخالفه. ووجه اختيار ابن القاسم البداية بالركوع قبل السلام على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قوله في الحديث: «إذا دخل فليركع» والفاء في اللسان للتعقيب يدل على الثاني عقيب الأول بلا مهلة، فكان الاختيار إذا دخل أن يصل ركوعه بدخوله وألا يجعل بينهما فاصلة من الاشتغال بشيء من

الأفضل في الحج بين القفل والجوار

الأشياء. وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة، وبالله التوفيق. [الأفضل في الحج بين القفل والجوار] في الأفضل في الحج بين القفل والجوار وسئل مالك عن الحج، القفل أعجب إليك أم الجوار؟ فقال ما كان الناس إلا على الحج والقفل، ورأيته يريد أن ذلك أعجب إليه. فقلت: فالغزو يا أبا عبد الله فإن ناسا يقولون ذلك، فلم يره مثله وقال: قد كانت الشام حين فتحت وكانت مجال حرب فأقام فيها غير واحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، منهم أبو أيوب، ومعاذ، وبلال، وأبو عبيدة. قال محمد بن رشد: استحب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - القفل من الحج على الجوار اتباعا للسلف، وله وجه من جهة المعنى، وهو أن الحج فرض واجب، والجوار مستحب وليس بواجب، فاستحب أن يفرق بين الواجب وغير الواجب بفعل مباح، كما استحب الأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وكما استحب جماعة من العلماء للمعتدة من الوفاة أن تتطيب إذا انقضت عدتها، كما فعلت أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان، وزينب بنت جحش حين توفي أخوها بعد ثلاث، وقالتا: والله ما لنا بالطيب من حاجة غير أنا سمعنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يحق لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» . وليس ذلك في الغزو والرباط لاستوائهما في أنهما غير واجبين، لأن الجهاد يسقط الوجوب فيه عن الناس بقيام من قام به، لأنه فرض على الكفاية، وبالله التوفيق.

طواف المريض بالبيت راكبا

[طواف المريض بالبيت راكبا] في طواف المريض بالبيت راكبا قال مالك: «حدثت أم سلمة أنها اشتكت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تطوف من وراء الناس راكبة» . قال محمد بن رشد: زاد في هذا الحديث في الموطأ قالت: «فطفت ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينئذ يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور» وكانت صلاة الصبح بدليل حديث البخاري «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها ولم تكن طافت بالبيت وأرادت الخروج: إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون» ففعلت ذلك ولم يصل حتى خرجت. ولا اختلاف بين أهل العلم في أن المريض يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة راكبا ومحمولا، إلا أن مالكا استحب له أن يعيده إن صح. وإنما اختلفوا في الصحيح فقال: إنه يعيد إن كان قريبا، وإن رجع إلى بلده كان عليه الدم، وهو مذهب أبي حنيفة؟ وقال الشافعي يجزيه طوافه ولا دم عليه، وحجته حديث أبي الزبير عن جابر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف في حجة الوداع بالبيت بين الصفا والمروة على راحلته» ليراه الناس وليشرف لهم لأن الناس غشوه. وقال أيؤثر إن طاف راكبا أو محمولا من غير علة ولا عذر لم يجزه طوافه وكان عليه أن يعيد، بمنزلة من صلى وهو صحيح قاعدا. وقياسه الطواف على الصلاة بعيد، لما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من حديث جابر وغيره، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف على راحلته» والاستنابة في

الحج بثمن ولد الزنى

ذلك جائزة إلا أن يعلم أن ذلك خصوص له أو يثبت أنه إنما فعله من عذر على ما روى عكرمة عن ابن عباس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته كلما أتى الركن استلم بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى» . [الحج بثمن ولد الزنى] في الحج بثمن ولد الزنى وسئل مالك هل يحج بثمن ولد الزنى؟ قال: أليس من أمته ولدته له من زنى؟ قال: نعم، قال لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز أن يحج بثمن ولد الزنى وأن يعتق في الرقاب الواجبة وإن كان الاستحباب عنده غير ذلك. روى أشهب عنه في سماعه من كتاب العتق أنه استحسن ألا يعتق في الرقاب الواجبة وقال: قال الله عز وجل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] يعمد الرجل إذا أراد أن يعتق أعتق هذا العبد، وإذا أراد أن يتصدق تصدق بهذا الطعام. وإنما منع ذلك من منعه ولم يجزه لما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «ولد الزنى شر الثلاثة» وأنه قال: «لا يدخل الجنة ولد زنية» وأنه «سئل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عتق ولد الزنى فقال: لا خير فيه نعلان يعان بهما أحب إلي من عتق ولد الزنى» . وليست

تغطية الرجل لحيته في الصلاة

الأحاديث المذكورة على ظاهرها. فأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ولد الزنى شر الثلاثة» فالمعنى فيه أنه قصد بذلك لرجل بعينه كان يؤذي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال: أما إنه مع ما به ولد الزنى، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هو شر الثلاثة» . وقد سئل عبد الله بن عمر بن الخطاب عن ذلك قال: بل هو خير الثلاثة، قد أعتق عمر بن الخطاب عبيدا من أولاد الزنى، ولو كان خبيثا ما فعل، وهو كما قال، لقول الله عز وجل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ولقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] . وقد قيل: المعنى في ذلك أنه حدث من شر الثلاثة أبوه وأمه والشيطان الذي أغواهما، لا أنه في نفسه شر، والأول أولى، لأن ذلك مروي عن عائشة. وأما قوله: «لا يدخل الجنة ولد زنية» فالمعنى في ذلك من كثر منه الزنى حتى ينسب إليه كما ينسب إلى الشيء من كثر منه وتحقق به، فيقال لمن كثر منه الحذار ابن حذار، ولمن كثر منه السفر ابن سبيل، وللمتحققين بالدنيا بنو الدنيا، ومثل هذا كثير. وعلى هذا يحمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عتق ولد الزنى لا خير فيه، وبالله التوفيق. [تغطية الرجل لحيته في الصلاة] في تغطية الرجل لحيته في الصلاة وسئل مالك عن الرجل يصلي فيغطي لحيته بثوبه، قال ذلك مكروه وشدده لحديث سالم أنه كان يجبذ الثوب جبذا شديدا. قال محمد بن رشد: حديث سالم بن عبد الله هو الحديث الذي رواه عن عبد الرحمن بن المجبر أنه كان يرى سالم بن عبد الله إذا رأى

رفع اليدين في الدعاء

الإنسان يغطي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه جبذا شديدا حتى ينزعه عن فيه، فتغطية الأنف والفم في الصلاة مكروه. وأصل الكراهية فيه أنهم كانوا يلثمون ويصلون على تلك الحال فنهوا عن ذلك. روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لا يضعن أحدكم ثوبه على أنفه وهو في الصلاة فإن ذلك خطم الشيطان» فرأى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - تغطية اللحية مكروها كتغطية الفم والأنف لقرب ما بينهما. وقال ابن الجهم: إنه كره تغطية الأنف في الصلاة ليباشر الأرض بأنفه عند سجوده كما يباشرها بجبهته، وليس ذلك بتعليل صحيح، لما جاء من النهي عن تغطية الفم في الصلاة وهو مما لا يباشر الأرض، وبالله التوفيق. [رفع اليدين في الدعاء] في رفع اليدين في الدعاء وسئل مالك عن رفع اليدين في الدعاء، فقال: ما يعجبني ذلك. فقيل له: فرفع اليدين في الصلاة عند التكبير؟ فقال: لقد ذكر عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يفعل ذلك إذا كبر وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا ركع، وما هو بالأمر العام، كأنه لم يره من العمل المعمول به، فقيل له: فالإشارة بالأصبع في الصلاة؟ فقال: ذلك حسن. ثم قال على إثر ذلك حجة لتضعيف رفع اليدين في الصلاة أنه قد كان في أول الإسلام أنه من رقد قبل أن يطعم لم يطعم من الليل شيئا، فأنزل لله تبارك وتعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]

فأكلوا بعد ذلك. قال محمد بن رشد: كره مالك رفع اليدين في الدعاء، فظاهره خلاف لما في المدونة، لأنه أجاز فيها رفع اليدين في الدعاء في مواضع الدعاء كالاستسقاء وعرفة والمشعر الحرام والمقامين عند الجمرتين على ما في كتاب الصلاة الأول منها، خلاف لما في الحج الأول من أنه لا يرفع يديه في المقامين وعند الجمرتين. ويحتمل أن تتأول هذه الرواية على أنه أراد الدعاء في غير مواطن الدعاء فلا يكون ذلك خلافا لما في المدونة، وهو الأولى، وقد ذكرنا هذا المعنى في رسم شك في طوافه. وأما رفع اليدين عند الإحرام في الصلاة فالمشهور عن مالك أن اليدين ترفع في ذلك، وقد وقع في الحج الأول من المدونة في بعض الروايات أن رفع اليدين في ذلك عنده ضعيف. ووقع له في سماع أبي زيد من كتاب الصلاة إنكار الرفع في ذلك، وإلى هذا ينحو قوله في هذه الرواية، لأنه احتج فيها بما دل أن الرفع أمر قد ترك ونسخ العمل به كما نسخ تحريم الأكل في رمضان بالليل بعد النوم. والصحيح في المذهب إيجاب الرفع في ذلك بالسنة، فهو الذي تواترت به الآثار، وأخذ به جماعة فقهاء الأمصار. وروى ابن وهب وعلي، واللفظ لعلي، أنه سئل عن المرأة أعليها رفع يديها إذا افتتحت الصلاة مثل الرجل، فقال: ما بلغني أن ذلك عليها وأراه يجزئها أن ترفع أدنى من الرجل. وأما رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه فمرة كرهه مالك، وهو مذهبه في المدونة ودليل هذه الرواية وما وقع في رسم الصلاة الأول من سماع أشهب من كتاب الصلاة وحكاية فعل مالك ذلك؛ ومرة استحسنه ورأى تركه واسعا، وهو قول مالك في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب، وروى مثله عنه محمد بن يحيى السمائي؛ ومرة قال: إنه يرفع ولم يذكر في ترك ذلك سعة، وهو قوله في رواية ابن وهب عنه؛ ومرة

ما ينسب من القول إلى الشيطان

خير بين الأمرين. والأظهر ترك الرفع في ذلك، لأن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر كانا لا يرفعان أيديهما في ذلك وهما رويا الرفع عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك، فلم يكونا ليتركا بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما رويا عنه إلا وقد قامت الحجة عندهما بتركه. وقد روي أيضا عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الرفع عند القيام من الجلسة الوسطى وعند السجود والرفع منه، وذهب إلى ذلك بعض العلماء، ولم يأخذ مالك بذلك ولا اختلف فيه قوله، وبالله التوفيق. [ما ينسب من القول إلى الشيطان] فيما ينسب من القول إلى الشيطان وسمعت يذكر ليس من أحاديث الفقه أنه يقال قال الشيطان لن ينجو مني ابن آدم أن يكسب مالا من غير حقه أو يضعه في غير حقه أو يمنعه من حق. قال محمد بن رشد: لما كان لا يخلص أحد من هذه الثلاثة الأشياء التي يغوي فيها الشيطان ويبوء بما يتم له من أمله بطاعة الناس له فيها، جاز أن يقال على ضرب من المجاز إنه قال ذلك القول وإن لم يصح بأثر ثابت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قاله، لأنه يعلم أنه يقول ذلك في نفسه ويعتقده، فقد يقال فيمن يعلم من أخلاقه الرغبة وقلة الإسعاف وترك المسامحة تألى فلان بأن لا يسامح أحدا في شيء من ماله، أي أنه بمنزلة من حلف على ذلك وإن كان لم يحلف عليه، وبالله التوفيق. [ما بناه أبو الدرداء بحمص] فيما بناه أبو الدرداء بحمص وقال في حديث أبي الدرداء حين بنى بحمص جناحا إنه

سيرة عمر رضي الله عنه في سيره في أسفاره

أخرجه منها، قال: أخرجه عمر إلى دمشق أدبا له. قال مالك: والذي أحدث أبو الدرداء إنما أحدث جناحا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال: أما كان لك فيما بنت الروم وفارس ما يكفيك؟. قال محمد بن رشد: عاتبه عمر لما بنى ما لم تكن له به حاجة إليه. وقد مضى هذا المعنى في رسم شك قبل هذا، وبالله التوفيق. [سيرة عمر رضي الله عنه في سيره في أسفاره] في سيرة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في سيره في أسفاره قال: وسمعت مالكا يذكر أن عمر بن الخطاب كان إذا سافر والأرض مكلية لم يمر بالمناهل كراهية أن يعلف، قال: يرعى في الكل ولا يشتري من المناهل. قال محمد بن رشد: هذا من فعل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نظر صحيح، لأنه يحوط بذلك ماله ويحسن إلى إبله، لأن الرعي في الكل أحب إليها من العلف، وقد «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينزل الدواب في السفر منازلها» لترعى الكلأ وأمر أن ينجى عليها بنقيها إذا كانت الأرض مجدبة، وبالله التوفيق. [الذي يرى الدم في ثوبه في الصلاة] في الذي يرى الدم في ثوبه في الصلاة وسئل مالك عن الرجل يصلي فيرى في ثوبه الدم القليل الذي ليس مثله تفسد الصلاة به أن لو فرغ منها، أترى أن ينزع ثوبه في الصلاة أم يصلي كما هو؟ قال: بل أرى أن يصلي كما هو، وأرجو أن

أرباب العلم هم الذين يعملون بما علموا

يكون خفيفا، وذلك حديث القاسم حين نزع قميصه يوم الجمعة والإمام يخطب لدم رأى فيه، ولم يحد لذلك الدم الذي نزع القاسم بن محمد قميصه منه حدا. قال محمد بن رشد: إنما رأى أن يصلي بالثوب الذي رأى به الدم اليسير وهو في الصلاة ولا ينزعه لما في ذلك من الاشتغال بذلك في صلاته، وإن كان الاختيار أن يغسل اليسير من الدم ولا يصلي به. وإنما يختلف إذا رأى في ثوبه وهو في الصلاة دما كثيرا أو نجاسة فقيل: إنه يقطع وإن كان إماما استخلف، وهو المشهور في المذهب؛ وقيل إنه يختلعه إذا كان عليه ثوب غيره ويتمادى على صلاته كما فعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في النعل التي أعلم في الصلاة أن فيها نجاسة. قال ذلك ابن القصار، وقد قاله ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية من كتاب الصلاة في الذي يقطر عليه نجس وهو في الصلاة، ولا فرق بين المسألتين في القياس، لأنه قد حصل حامل نجاسة في صلاته، وإن فرق بين المسألتين يحصل في المسألة ثلاثة أقوال: القطع، والخلع، والفرق بين أن يعلم في الصلاة أن في ثوبه نجاسة أو تقطر عليه النجاسة وهو فيها. ولا اختلاف فيما أعلم فيمن علم أن في ثوبه نجاسة والإمام يخطب أنه يخلع ثوبه إن كان عليه ثوب غيره كما فعل القاسم بن محمد. وقد اختلف في قدر الدرهم من الدم فروى علي بن زياد عن مالك أنه يسير، وقال ابن حبيب إنه كثير، وبالله التوفيق. [أرباب العلم هم الذين يعملون بما علموا] في أن أرباب العلم هم الذين يعملون بما علموا قال: وسمعته يذكر أن عبد الله بن سلام قال لكعب الأحبار: من أرباب العلم؟ قال الذين يعملون بعلمهم. قال: فما نفاه من قلوبهم؟ قال: الطمع.

كراهة القناع لغير حر أو برد

قال محمد بن رشد: هذا صحيح، لأن من لم يعمل بعلمه لم ينتفع به وكان حجة عليه، فليس من أهله على الحقيقة، إذ هو دون مرتبة الجاهل. وقوله: فما نفاه من قلوبهم، معناه ما نفى انتفاعهم به من قلوبهم بترك استعمالهم، إذ لا ينتفي العلم عن قلوبهم بالطمع، وإنما ينتفي به استعماله، وبالله التوفيق. [كراهة القناع لغير حر أو برد] في كراهة القناع لغير حر أو برد قال مالك: بلغني أن سكينة ابنة حسين أو فاطمة بنت حسين رأت بعض ولدها مقنعا رأسه فقالت له: اكشف عن رأسك، فإن القناع ريبة بالليل مذلة بالنهار. وقال مالك: وأما من تقنع من حر أو برد فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لأنه إذا تقنع بالليل استراب منه من لقيه مخافة أن يكون تقنع لسوء يريد أن يفعله من اغتيال أو شبه ذلك، وإذا تقنع بالنهار لم يكرمه من لقيه ولا وفاه حقه ولا عرف منزلته واضطره إلى أضيق الطرق وذلك إخلال به. [عمرو بن العاص أسن من عمر بن الخطاب] في أن عمرو بن العاص أسن من عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قال: وسمعت مالكا يذكر أن عمرو بن العاص قال: إني لا أعرف الليلة التي ولد فيها عمر بن الخطاب، ولقد جئتهم تلك الليلة بسراج أوقدته لأهله وهو يقول ولد للخطاب غلام. قال محمد بن رشد: ليس في هذا أكثر من المعرفة بأن عمرو بن

صاع النبي ومده عليه السلام

العاص أسن من عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وبالله التوفيق. [صاع النبي ومده عليه السلام] في صاع النبي ومده - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: وسألت مالكا عن صاعه ومده الذي يعطيه الناس أهو صاع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ قال: كذلك يقول. قال محمد بن رشد: في هذه المحافظة على صاع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ومده لما يلزم من معرفة نصاب الزكاة وقدر الكفارات وزكاة الفطر، فالمد زنته رطل وثلث، قيل بالماء وقيل بالوسط من القمح؛ والصاع أربعة أمداد؛ والرطل اثنتا عشرة أوقية، والأوقية بوزن زماننا الذي هو دخل أربعين ومائة في مائة كيلا خمسة عشر درهما وثلاثة أجزاء من أحد عشر جزءا في الدرهم، وذلك أن الأوقية من الوزن القديم الذي هو دخل مائة وعشرة في مائة كيلا اثنا عشر درهما، وبالله التوفيق. [التكبير عند رمي الجمار] في التكبير عند رمي الجمار وسئل مالك عن التكبير عند رمي الجمرتين الأوليين، قال: نعم، فقيل له أيرفع صوته؟ قال: نعم، ويكبر عند الجمار كلها، وعند الصفا والمروة. قال محمد بن رشد: مثل هذا - في المدونة أنه يكبر عند رمي الجمار، قال فيها مع رمي كل حصاة تكبيرة. وكذلك كان يفعل عبد الله بن عمر. ذكر مالك في موطئه عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكبر عند رمي الجمرة كلما رمى بحصاة. وإنما قال إنه يرفع صوته بالتكبير، لأن رفع الصوت بالتكبير والتلبية في الحج من شعار الحج. وقد كان عمر بن الخطاب

ركوب البحر

يكبر في أيام منى إذا ارتفع النهار ستا وبعد ذلك وإذا زاغت الشمس، فكبر الناس بتكبيره حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت، فيعرف أن عمر قد خرج. وقوله: إنه يكبر على الصفا والمروة هو مثل ما قاله في المدونة من أنه استحب للحاج أن يقطع التلبية إذا أخذ الطواف بالبيت حتى يفرغ من السعي بين الصفا والمروة، ثم يعود إلى التلبية حتى يعود من منى إلى عرفة، وبالله التوفيق. [ركوب البحر] في ركوب البحر وقال مالك في حديث عمرو بن العاص حين أشار على عمر بن الخطاب في ركوب البحر قال: دود على عود، إن ضاعوا غرقوا، وإن بقوا فرقوا. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في أول رسم من هذا السماع فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [السجود في المفصل] في السجود في المفصل قال: وحدثني ابن القاسم عن مالك بن أنس أن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن قيس القاضي أن يخرج إلى الناس فيأمرهم أن يسجدوا في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] قال ابن القاسم: سألت مالكا عنه فلم ير العمل به، وهو رأي لا في النافلة ولا غيرها. قال محمد بن رشد: عزائم سجود القرآن عند مالك إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء، فالتي ليست من العزائم عنده آخر الحج، وسجدة والنجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك. وإنما لم يرها من العزائم لما جاء فيها من الاختلاف، فقد روي أنه ليس في الحج إلا

سجدة واحدة، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسجد في المفصل منذ تحول إلى المدينة. وذهب ابن وهب إلى أنها كلها من العزائم، وروي ذلك عن مالك، وهو اختيار ابن حبيب. وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: عزائم السجود أربعة: الم تنزيل، وحم تنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك. وقال بعض العلماء الذي يوجبه النظر أن يسجد من ذلك فيما جاء على سبيل الخبر ولا يسجد من ذلك فيما جاء على سبيل الأمر، لأن ما جاء منها على سبيل الأمر يحمل على السجود الواجب في الصلاة المفروضة. وعلى هذا يأتي مذهب مالك إذا اعتبرته، لأن جميع ما لم ير فيه السجود جاء على سبيل الأمر، وجميع ما رأى فيه السجود جاء على سبيل الخبر. فإن قيل: سجدة إذا السماء انشقت جاءت على سبيل الخبر ولا يسجد فيها عنده. قيل له الوعيد المذكور فيها يقوم مقام الأمر. فإن قيل سجدة حم السجدة على سبيل الأمر ويسجد فيها عنده. قيل له: المعنى فيها الإخبار عن فعل الكفار الذين لا يسجدون لله ويسجدون للشمس والقمر، والنهي عن التشبه بهم في ذلك، لأن الأمر لمجرد السجود لله فيحمل على سجود الصلاة، ويدل على ذلك قوله في آخر الآية: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] لأن المعنى في ذلك فإن استكبر الكفار عن السجود لله، فالذين عنده لا يستكبرون عن ذلك. وقد اختار بعض العلماء السجود عند قوله: وهم لا يسئمون ليكون عند ذكر الإخبار على الأصل الذي ذكرناه.

الصلاة في الثوب الواحد

[الصلاة في الثوب الواحد] في الصلاة في الثوب الواحد قال: وحدثني عن ابن القاسم عن مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر أن في كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر مالك في موطئه عن هشام بن عروة عن أبيه «عن عمر بن أبي سلمة أنه رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في ثوب واحد مشتملا به في بيت أم سلمة واضعا طرفيه على عاتقيه» يريد مخالفا بينهما: طرف ثوبه الأيمن على عاتقه الأيسر، وطرف ثوبه الأيسر على عاتقه الأيمن، فإن كان الثوب قصيرا اتزر به على ما ذكره مالك في موطئه أنه بلغه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من لم يجد ثوبين فليصل في ثوب أحد ملتحفا فإن كان الثوب قصيرا فليتزر به» وبالله التوفيق. [السلام على النبي عليه السلام] في السلام على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسئل مالك عن السلام على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال: إذا دخل وخرج وفيما بين ذلك، يريد في الأيام. قال محمد بن رشد: قوله إذا دخل وخرج معناه إذا دخل في مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وإذا خرج منه، لأن المعنى فيما سئل عنه مالك من كيفية السلام على النبي - عليه السلام إنما هو كيف يسلم عليه من زاره للسلام عليه، وبالله التوفيق.

من قال هلك الناس فهو أهلكهم

[من قال هلك الناس فهو أهلكهم] فيما جاء من أن من قال هلك الناس فهو أهلكهم قال مالك في تفسير حديث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم» قال فهو أقساهم وهو أرداهم. قال محمد بن رشد: تفسير مالك للحديث صحيح، ومعناه عند أهل العلم جميعا إذا قال ذلك احتقارا لمن في زمنه وإزراء عليهم بنفسه. وأما إذا قال ذلك تحزنا على فقد الخيار من الناس وخوفا على من بقي منهم لقلة الخير فيهم فليس ممن عني بالحديث. وروي عن أبي الدرداء أنه قال: لن يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس كلهم في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا. [قسمة قريظة والنضير] في قسمة قريظة والنضير قال مالك: قسمت قريظة بالسهمان، فأما النضير فإنها صافية لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقسمها بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار: سهل بن حنيف، وسماك بن خرشة، والحارث بن الصمة. قال: وسمعت مالكا يقول: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسعد بن معاذ حين حكم على بني قريظة: لقد حكمت فيهم بحكم الله» . قال محمد بن رشد: قد مضى القول في قريظة والنضير في رسم نذر سنة فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

أول من جعل قاضيا بالمدينة

[أول من جعل قاضيا بالمدينة] في أن عمر بن عبد العزيز أول من جعل قاضيا بالمدينة قال: وسمعت مالكا قال: أول قاض كان بالمدينة إنما جعله عمر بن عبد العزيز، ولم يكن بها قبل ذلك قاض. قال محمد بن رشد: يريد أن الخلفاء وأمراءهم فيها كانوا هم الذين يقضون بين الناس، وبالله التوفيق. [الجمع بين الصلاتين في السفر] في الجمع بين الصلاتين في السفر. وسئل مالك عن القوم في السفر يرتحل بهم بعد الزوال، أترى أن يجمعوا الصلاتين الظهر والعصر؟ قال: لا أرى ذلك لهم، وكره أن يجمعوا تلك الساعة. قال ابن القاسم: قد قال قبل ذلك لا بأس به إذا عجل السير به، وهو رأيي، وذكره عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إلي، وذلك الذي سمعت من مالك أن يجمع المسافر في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، وإن جمع بعد الزوال أجزأ ذلك عنه، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد فعله. قال محمد بن رشد: قوله في الذي يرتحل بعد الزوال من المنهل إنه لا يجمع تلك الساعة وكرهه، يريد وإن جد به السير، بدليل قوله: وقد قال قبل لا بأس به إذا عجل به السير. والمشهور المعلوم أن ذلك جائز وإن لم يجد به السير، فهي ثلاثة أقوال. وأما جمع المسافر في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر فذلك جائز إن جد به السير، وقيل: إن ذلك جائز له وإن لم يجد به السير.

تفسير قول الله عز وجل إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس

[تفسير قول الله عز وجل إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس] في تفسير قول الله عز وجل: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} [المجادلة: 11] قال مالك في هذه الآية {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة: 11] قيل له: أهي هذه المجالس؟ قال: نعم، ومجلس النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قال محمد بن رشد: قد قيل في تأويل الآية إنها في القتال، كان الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون مستقبل العدو، فكانوا يرجون الشهادة فكان يجيء الرجل يرجو الشهادة فيقول: افسحوا فلا يوسعون له ويرجون مثل الذي يرجو، فأنزل الله عز وجل الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} [المجادلة: 11] ، يقول: إذا قيل انهضوا لقتال عدوكم فانهضوا، يبين هذا قوله عز وجل: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121] والمقاعد هي المجالس، وهذا تفسير الحسن. وقال غيره المراد بالمجلس في قوله عز وجل: {تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} [المجادلة: 11] مجلس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} [المجادلة: 11] معناه وإذا قيل ارتفعوا إلى الصلاة أو إلى ما سواها من الخير فانشزوا أي فارتفعوا. والذي ذهب إله مالك في هذه الرواية من أن المراد بالمجلس في الآية مجلس النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسائر مجالس الخير والذكر أولى، لأن الألف واللام في قوله في المجلس قد تكون للعهد، وهو أن يكون جرى في مجلس النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من ترك التوسع فيه لمن جاء إليه سببا نزلت الآية من أجله، وقد تكون لاستغراق الجنس فإذا لم يثبت السبب وجب أن يحمل على استغراق الجنس، ولو ثبت السبب لوجب أن

تحدث المشركون في يوم أحد من أن النبي عليه السلام قتل

تحمل الآية على استغراق الجنس لوجود معنى السبب في غير مجالس النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو يقع على من يريد من المجلس مثل ما أراد أهله منه بالتوسيع له فيه. وقد تشرع الشرائع لمعان فتبقى الشرائع مع ارتفاع المعاني، من ذلك زكاة الفطر، وغسل الجمعة، والرمل في الطواف فكيف بما كان المعنى موجودا فيه؛ فلا اختلاف في وجوب التوسع في مجالس الخير والذكر إلى يوم القيامة، وإنما يرجع الاختلاف إلى هل وجب ذلك بتناول لفظ الآية له أو بالقياس على ما يتناول لفظها، وبالله التوفيق. [تحدث المشركون في يوم أحد من أن النبي عليه السلام قتل] فيما تحدث المشركون في يوم أحد من أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قتل وقال في حديث أبي سفيان لعمر بن الخطاب يوم أحد: ناشدتك الله أقتل محمد؟ قال لا، قال: أنت أصدق عندي من ابن قميئة. قال ابن القاسم: فاختلف الناس فيما نال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في كسر رباعيته وما أصيب به في وجهه، فقال بعض الناس: أصابه بذلك عتبة ابن أبي وقاص، وقال بعضهم: أصابه ابن قميئة. قال محمد بن رشد: لما غزا كفار قريش النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالمدينة، وقد استمدوا بحلفائهم والأحابيش من بني كنانة، وخرجوا بنسائهم لئلا يفروا عنهن ونزلوا قرب أحد على شفير الوادي مقابل المدينة، رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في منامه أن في سيفه ثلمة وأن بقرا له تذبح وأنه أدخل يده في درع حصينة فتأولها أن نفرا من أصحابه يقتلون، وأن رجلا من أهل بيته يصاب، وأن الدرع الحصينة المدينة، فأشار على أصحابه ألا

يخرجوا إليهم وأن يتحصنوا بالمدينة، فإن قربوا منها قوتلوا على أفواه الأزقة، ووافق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على هذا الرأي عبد الله بن أبي بن سلول، وأبى أكثر الأنصار إلا الخروج إليهم ليكرم الله من شاء منهم بالشهادة. فلما رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عزيمتهم دخل بيته فلبس لامته وخرج، فندم قوم ممن كان ألح على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخروج وقالوا: يا رسول الله إن شئت فارجع، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما كان لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل» فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى نزل الشعب من أحد، فجعل ظهره إلى أحد ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم، وتهيأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للقتال وهو في سبعمائة والمشركون في ثلاثة آلاف منهم مائتا فارس. فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الرماة عبد الله بن جبير ورتبهم خلف الجيش وأمره أن ينضح المشركين لئلا يأتوا من ورائهم. وظاهر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ بين درعين وقاتل الناس قتالا شديدا ببصائر ثابتة، فانهزم المشركون واستمرت الهزيمة عليهم، فلما رأى ذلك الرماة قالوا: قد هزم أعداء الله فما لقعودنا هاهنا معنى، فذكر أميرهم عبد الله بن جبير أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياهم أن لا يزولوا، فلم يلتفتوا إلى قوله وقاموا ثم كر المشركون فتولى المسلمون وثبت من أكرمه الله بالشهادة، ووصل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقاتل دونه مصعب بن عمير حتى قتل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وجرح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر، وهشمت البيضة رأسه، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجازاه عن أمته أفضل ما جزى به نبيا من

الصلاة في سقائف مكة فرارا من حر الشمس

أنبيائه عن صبره. وكان الذي تولى منه ذلك عمرو بن قميئة، وعتبة بن أبي وقاص. وقد قيل إن عبد الله بن شهاب جد الفقيه محمد بن مسلم ابن شهاب هو الذي شج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جبهته، وأكتب الحجارة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى سقط في حفرة. وكان أبو عامر الراهب قد حفرها مكيدة للمسلمين، فخر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على جنبه، فأخذ علي بيده واحتضنه طلحة حتى قام، فتحدث المشركون أنه قتل، وزعم ذلك عمرو بن قميئة، ولذلك سأل أبو سفيان عمر بن الخطاب عن ذلك على ما جاء في هذه الرواية، وبالله التوفيق. [الصلاة في سقائف مكة فرارا من حر الشمس] في الصلاة في سقائف مكة فرارا من حر الشمس وسئل مالك عن الرجل يصلي في السقائف بمكة من الشمس وبينه وبين الناس فرج، قال: أرجو أن يكون ذلك واسعا، وليس كل الناس سواء، وحر مكة شديد. وقد وضع عمر بن الخطاب ثوبه فسجد عليه من شدة الحر، فقيل له فإن رجلا يطيق أن يصلي في الشمس ويحمل ذلك أترى أن يتقدم؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: خفف مالك للرجل أن يصلي وحده في السقائف ويترك التقدم إلى الفرج التي في صفوف الناس لموضع الضرورة، ولو فعل ذلك من غير ضرورة لكان قد أساء وصلاته تامة على المشهور من قول مالك. وقد روى ابن وهب أن من صلى خلف الصفوف وحده أعاد أبدا، وذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم لما جاء في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مما قد ذكرناه في أول رسم شك في طوافه في هذا السماع من كتاب الصلاة. ولو كان معه في السقائف غيره لم يكن منفردا فيها وحده لكانت صلاته جائزة بإجماع، وكلما كثر عدد القوم الذين يكونون معه في السقائف

يطلق الأمة ثلاثا ثم يشتريها

كانت الكراهية له معهم في الصلاة وترك التقدم إلى الفرج التي في الصفوف أخف. فقد روى أشهب عن مالك في رسم الصلاة الأول من سماع أشهب من كتاب الصلاة أنه سئل عمن دخل من باب المسجد فوجد الناس ركوعا وعند باب المسجد ناس يصلون ركوعا وبين يديه الفرج أيركع مع هؤلاء الذين عند باب المسجد أم يتقدم إلى الفرج؟ قال: أرى أن يركع مع هؤلاء الذين عند باب المسجد فيدرك الركعة، إلا أن يكونوا قليلا فلا أرى أن يركع معهم، ويتقدم إلى الفرج أحب إلي. وأما إذا كانوا كثيرا فأرى أن يركع معهم. ففي هذا دليل على ما قلناه. وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع في كتاب الصلاة. والصلاة في السقائف بصلاة الإمام فرارا من الحر بخلاف الطواف فيها فرارا من الحر. قال ابن القاسم في المدونة يعيد الطواف إن طاف فرارا من الحر، فإن طاف فيها فرارا من زحام الناس فلا بأس بذلك، وبالله التوفيق. [يطلق الأمة ثلاثا ثم يشتريها] في الذي يطلق الأمة ثلاثا ثم يشتريها هل تحل له بملك يمينه؟ قال مالك في حديث زيد بن ثابت في الذي يطلق الأمة البتة واشتراها إنها لا تحل له، قال: فقد سئل عن ذلك غير واحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم، فكلهم يقول: لا تحل له. قال محمد بن رشد: هذا هو مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه أن ما حرم بالنكاح حرم بالملك، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وإسحاق وأحمد. وقال ابن عباس وطاووس والحسن: إذا اشتراها الذي بت طلاقها حلت له بملك اليمين، لقول الله عز وجل: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]

سيرة معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري في قراءة القرآن

وهو بعيد. قوله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ليس على عمومه، فكما تخصص من ذلك. ذوات المحارم من النسب والرضاع فكذلك تخصص من ذلك المحرمات بالطلاق ثلاثا إلا بعد زوج، لقوله عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] . واختلف الصحابة ومن بعدهم هل تحل لزوجها الذي طلقها ثلاثا بوطء سيدها إياها. روي أن عثمان بن عفان سئل عن ذلك وعنده علي وزيد بن ثابت، [فرخص في ذلك عثمان وزيد بن ثابت] قالا هو زوج، فقام علي مغضبا كارها لما قال، وقال: ليس بزوج، وهو قول عبيدة، ومسروق، والشعبي، وإبراهيم، وجابر بن زيد، وسليمان بن يسار، وأبي الزناد؛ وعليه جماعة فقهاء الأمصار. وروي عن الزبير بن العوام مثل قول زيد بن ثابت إن وطء السيد إياها يحلها لزوجها الذي بت طلاقها إذا وطئها وطئا لم يرد به مخادعة ولا إحلالا. وقال عطاء: إن اشتراها الزوج فوطئها ثم أعتقها جاز له نكاحها. وروي مثل هذا عن زيد بن ثابت، وروي عنه من وجوه أنها لا تحل حتى تنكح زوجا غيره، وهو الصحيح عنه. وبالله التوفيق. [سيرة معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري في قراءة القرآن] في سيرة معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري في قراءة القرآن وفضل معاذ بن جبل قال مالك: بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاذ بن جبل وعبد الله بن قيس وهو أبو موسى، فقال معاذ لأبي موسى: ما فعلت بالقرآن؟ قال مالك: أراهم شغلوا بتعليم الناس، فقال أبو

موسى: أما أنا فأتفوق القرآن تفوقا ماشيا وراكبا وقاعدا، فقال معاذ أما أنا فأنام أول الليل وأقوم أخره وأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. قال: وسمعت مالكا يقول: بلغني أن معاذ ابن جبل إمام العلماء بربوه. قال محمد بن رشد: في فعل أبي موسى جواز قراءة القرآن في الأسواق والطرق، وقد اختلف في ذلك قول مالك، فكرهه في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة، وحكى ابن حبيب عنه من رواية مطرف إجازة ذلك واحتج بقول أبي موسى: فأما أنا فأتفوقه تفوقا ماشيا وراكبا وقاعدا وعلى كل حال. ويدل على جواز هذا أيضا ما وقع في الموطأ عن عمر بن الخطاب أنه كان في قوم وهم يقرؤون القرآن فذهب لحاجته ثم رجع وهو يقرأ القرآن الحديث ". والكراهة في ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها تنزيه القرآن وتعظيمه بأن لا يقرأ في الطرق والأسواق لما قد يكون فيها من الأقذار والنجاسات، والثاني أنه إذا قرأه على هذه الحال لم يتدبره حق التدبر، والثالث أن يخشى ما يدخله في ذلك مما يفسد نيته، وهو الذي يدل عليه استدلال مالك لذلك في هذا الرسم من كتاب الصلاة، لقول الله عز وجل: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وبالله التوفيق.

السفر في طلب العلم

[السفر في طلب العلم] في السفر في طلب العلم قال مالك: وقد كان الرجل يقدم من البلد إلى البلد يسأل عن علم القضاء. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، لأن العلم لا يحصل إلا بالعناية والملازمة والبحث والنصب، والصبر على الطلب، كما حكى الله عن موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال للخضر {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 69] وأنه قال لفتاه: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] . وقال سعيد بن المسيب إن كنت لأرحل في طلب العلم والحديث الواحد مسيرة الأيام والليالي، وبذلك ساد أهل عصره، وكان يسمى سيد التابعين. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سلك طريقا يطلب فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة» وبالله التوفيق لا شريك له. [كراهية أن يقال الزيارة في البيت الحرام وفي قبر النبي] في كراهية أن يقال الزيارة في البيت الحرام وفي قبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال مالك: أكره أن يقال: الزيارة لزيارة البيت، وأكره ما يقول الناس زرت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأعظم ذلك أن يكون النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يزار.

وسم الدواب والغنم في وجوهها

قال محمد بن رشد: ما كره مالك هذا، والله أعلم، إلا من وجه أن كلمة أعلى من كلمة. فلما كانت. الزيارة تستعمل في الموتى. وقد وقع فيها من الكراهة ما وقع كره أن يذكر مثل هذه العبارة في النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كما كره أن يقال أيام التشريق واستحب أن يقال الأيام المعدودات كما قال الله عز وجل، وكما يكره أن يقال العتمة ويقال العشاء الآخرة، ونحو هذا؛ وكذلك طواف الزيارة كما استحب أن يسمى بالإفاضة كما قال الله عز وجل في كتابه: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198] فاستحب أن يشتق له الاسم من هذا. وقيل: إنه إنما كره لفظ الزيارة في الطواف في البيت والمضي إلى قبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما للزائر من الفضل على المزور في صلته بزيارته إياه، ولا يمضي أحد إلى قبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليصله بذلك ولا لينفعه، وكذلك الطواف بالبيت، وإنما يفعل ذلك تأدية لما يلزمه من فعله ورغبة في الثواب على ذلك من عند الله عز وجل، وبالله التوفيق. [وسم الدواب والغنم في وجوهها] في كراهة وسم الدواب والغنم في وجوهها قال مالك: لا بأس بالوسم للحمير والبغال إذا لم يكن في الوجه، فإنه يكره أن يوسم في الوجه. قيل له: فالغنم في الأذن؟ قال: إنه يكره أن يوسم في الوجه. قال ابن القاسم: وقد قال مالك قبل ذلك لا بأس به في الأذن. قال محمد بن رشد: كره مالك أن توسم الدواب والإبل والبقر في وجوهها لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن المثلة، ولم ير به بأسا فيما عدا وجوهها من أجسادها. ولما لم يكن إلى وسم الغنم في أجسادها سبيل من،

تفسير الصلاة الوسطى

أجل أن الشعر يغشاها فتغيب السمة أجاز أن توسم في آذانها للحاجة إلى سماتها، والمعنى في هذا بين. [تفسير الصلاة الوسطى] في تفسير الصلاة الوسطى وسئل مالك عن تفسير هذه الآية فيما كانت تكتب عائشة وحفصة: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر، أهي صلاة العصر أو غير صلاة العصر؟ قال: بل هي غير صلاة العصر. قال محمد بن رشد: فيما جاء عن عائشة وحفصة من أن كل واحدة منهما أملت على كاتب مصحفها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر - بالواو على العطف - دليل واضح في أن الصلاة الوسطى ليست صلاة العصر كما قال مالك، والذي ذهب إليه أنها الصبح، ودليله عن ذلك أن قبلها صلاتين من الليل مشتركتي الوقت وبعدها صلاتين من النهار مشتركتي الوقت، وهي واسطة فيما بين ذلك منفردة بوقتها لا يشركها فيه غيرها من الصلوات؛ وأيضا فإنها صلاة يضيعها الناس كثيرا لنومهم عنها وعجزهم عن القيام إليها، فخصت بالتأكيد لهذه العلة. وقد قيل إنها العصر، وهو قول أكثر أهل العلم. والحجة لهم ما روي من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الخندق: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بطونهم وقلوبهم نارا» كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي الصلاة التي فتن عنها نبي الله سليمان بن داوود - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - حتى توارت الشمس

بالحجاب، قال الله عز وجل: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} [ص: 31] {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] إلى قوله {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [ص: 33] وقال من ذهب إلى هذا في قراءة عائشة وحفصة: وصلاة العصر - بالواو - إن معنى ذلك وهي صلاة العصر، كقول الله عز وجل: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] . وقد روي عنها والصلاة الوسطى صلاة العصر - بغير واو - على البدل. وقد قيل إنها الظهر بدليل أنها تصلى في وسط النهار، وليس ذلك بصحيح، لأن لفظ وسطى إنما يحتمل أحد معنيين: إما موسطة بين أخواتها من الصلوات، وإما فاضلة، من قولهم كان فلان وسط القوم أي أفضلهم. قال الله عز وجل: {أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] أي خيارا عدولا. وقال تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] أي أعدلهم وأفضلهم {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم: 28] . وقيل: إنها المغرب بدليل أنها ثلاث ركعات لا نظير لها من الصلوات. وقيل: إنها الجمعة. ورأيت لبعض العلماء أنها العتمة فيما أظن، وهذا كله، والله أعلم، على أن الله خصها بالذكر وأبهمها ليكون ذلك سببا للمحافظة عليها كلها كليلة القدر، وبالله التوفيق.

السلام بين الركعتين والركعة في الوتر

[السلام بين الركعتين والركعة في الوتر] في السلام بين الركعتين والركعة في الوتر قال مالك: بلغني أن معاذا القارئ كان يوتر ويسلم في ركعتين. قال محمد بن رشد: اختلف الناس في الوتر، فقيل إنها ركعة واحدة، وقيل: إنها ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام، وقيل: إنها ثلاث ركعات يسلم في الاثنتين منهن وفي أخراهن على ما جاء عن معاذ في هذه الحكاية. وذهب مالك إلى أنه ركعة واحدة عقب شفع أدناه ركعتان على ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية ابن عمر أنه قال: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى» . وقد جرى به العمل عندنا بقرطبة على قديم الزمان في الجامع وفي سائر المساجد في رمضان على ما جاء عن معاذ، وبالله التوفيق. [ما يستحب من تواضع الخلفاء] فيما يستحب من تواضع الخلفاء قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا إذا قدما من سفر ودنيا من المدينة أردفا خلفهما غلامين. فقيل له فما الذي ترى أنهما أرادا بذلك؟ قال: التواضع في رأيي وأن لا يكونا كغيرهما من الملوك. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين: من تواضع لله رفعه الله وبه التوفيق.

الصلاة في ثوب واحد

[الصلاة في ثوب واحد] قال مالك: ولقد حدثني نافع أن عبد الله بن عمر كساه ثوبين، قال فدخل علي وأنا أصلي في ثوب واحد، فقال له: فأين ثوبك؟ فقال له: تركته، فقال: فخذ ثوبك فإن الله أحق من تجمل له. قال محمد بن رشد: قد تقدم الكلام على هذا مستوفى في صدر رسم من مرض وله أم ولد، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [العمل أثبت من الأحاديث] في أن العمل أثبت من الأحاديث قال مالك: أدركت بعض أهل العلم ممن كنت أقتدي به وهو يقول: إني لأراه ضعيفا لمن يخبر بالشيء ويقول حدثني فلان، فلا يعجبني ما قال، لأن المعنى في ذلك من الأحاديث. قال محمد بن رشد: قوله إني لأراه ضعيفا لمن يخبر بالشيء، أي بالشيء فيما استمر عليه العمل فيعوض ذلك بما عنده من الأحاديث. وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في أول رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [الحض على من يصحب ويستشار] في الحض على من يصحب ويستشار وحدثني عمر بن الخطاب قال: لا تصحب فاجرا لكي لا تتعلم من فجوره، ولا تفش إليه سرك، وشاور في أمرك الذين يخافون الله. قال مالك: وأخبرني رجل عن ابن سيرين أنه نزل به

سن النبي عليه السلام وأبي بكر وعمر

شيء في خاصته وأمر رجلا أن يلقى فلانا وفلانا ويستشيرهم له في ذلك وأمره ألا يستشير غيرهما، فقلت لمالك: رجاء علم ذلك عندهما؟ قال: بل رجاء أن يتوقع في ذلك الأمر لفضلهما فرجاء بركة ذلك. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين أنه لا ينبغي لأحد أن يصحب إلا من يقتدى به في دينه وخيره، لأن قرين السوء يردي ويندم على اتخاذه خليلا. قال الله عز وجل: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} [فصلت: 25] الآية، وقال: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا} [الفرقان: 27] {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا} [الفرقان: 28] الآية. وقيل إن هذه الآية نزلت في أبي بن خلف، كان يأتي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا باتباعه يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، هو عقبة بن أبي معيط، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا. وقد قال الحكيم: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتدي ولا ينبغي لأحد أن يستشير في شيء من أموره إلا من يخاف الله من أهل الثقة والأمانة مخافة أن يغشه ولا ينصحه. وينبغي له أن يتوخى في ذلك أهل الفضل والدين تبركا بهم ورجاء أن يوفقوا فيما يشيرون به عليهم بفضلهم، وبالله التوفيق. [سن النبي عليه السلام وأبي بكر وعمر] في سن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأبي بكر وعمر قال مالك: بلغني أن أبا بكر وعمر بلغا من السن سن النبي

- عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توفى وهو ابن ستين سنة، وأبو بكر وعمر ابني ستين سنة. قال محمد بن رشد: قد ذكر البخاري من رواية الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال: توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ابن ثلاث وستين سنة، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين. وقد روى حميد عن أنس قال: توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ابن خمس وستين سنة. وروى عن ربيعة في الموطأ: أنه توفي وهو ابن ستين سنة كما قال مالك في هذه الرواية. واختلفت الرواية في ذلك أيضا عن ابن عباس فروي عنه أنه توفي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ابن ثلاث وستين، وروي عنه أنه توفي وهو ابن خمس وستين سنة. ولم يختلف أهل العلم بالأثر والسير في أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولد عام الفيل إذ ساقته الحبشة إلى مكة يهدمون البيت. واختلف في سنه يوم نُبِّئَ، فقيل أربعون، وقيل ثلاث وأربعون. واختلف أيضا في مقامه بمكة بعد أن نُبِّئَ إلى أن هاجر منها إلى المدينة، فقيل عشر سنين، وقيل ثلاث عشرة سنة. فمن قال إنه نُبِّئَ وهو ابن أربعين وإنه أقام بمكة عشر سنين قال: إنه توفي وهو ابن ستين؛ ومن قال إنه نُبِّئَ وهو ابن ثلاث وأربعين وأقام بمكة عشر سنين، أو إنه نُبِّئَ وهو ابن أربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة قال: إنه توفي وهو ابن ثلاث وستين. والرواية بأنه توفي وهو ابن خمس وستين سنة تقتضي أنه نُبِّئَ وهو ابن أكثر من أربعين وأنه أقام بمكة أكثر من عشر سنين. وأصح ما في هذا، والله أعلم، أنه توفي وهو ابن ستين سنة على ما روى

ثناء مالك على سليمان بن يسار وعبيد الله بن عتبة بن مسعود

ربيعة عن أنس في الموطأ، بدليل ما روي عن عائشة أنها كانت تقول: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لفاطمة ابنته في مرضه الذي مات فيه مما سارها به وأخبرت به عائشة بعد وفاته، قالت عائشة: أخبرتني أنه أخبرها أنه لم يكن نبي كان بعد نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله وأخبرني أن عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاش عشرين ومائة سنة ولا أراني إلا ذاهبا على ستين» . وعن زيد بن أرقم أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما بعث الله نبيا إلا عاش نصف ما عاش الذي قبله» لأن ما قاله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مبلغ سنه يقضي بصحة قول من قال من أصحابه في ذلك كقوله، وبالله التوفيق. [ثناء مالك على سليمان بن يسار وعبيد الله بن عتبة بن مسعود] في ثناء مالك على سليمان بن يسار وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وفي بر العالم وخدمته قال مالك: كان سليمان بن يسار من علماء أهل هذه البلدة بالسنين، ولقد كان يكون في مجلسه، فإذا كثر الكلام فيه قام منه وإنه لمجلسه، ولقد كان الناس يحبون الخلوة والانفراد من الناس، ولقد كان أبو النضر يفعل ذلك في مجلس ربيعة، كان يأتي ربيعة فإذا كثر الناس وكثر الكلام قام. قال مالك كان عبيد الله بن عتبة بن مسعود من علماء الناس، وكان رجلا إذا دخل في صلاته فقعد إليه أحد لم يقبل عليه حتى يفرغ من صلاته على نحو ما كان يريد من طولها، وأن علي بن أبي حسين كان من أهل الفضل، وكان ربما جاءه فجلس إليه فيطول في

تواضع الأمراء وما يستحب من فعل الخير

صلاته ولم يلتفت إليه، فقال له علي بن حسين وهو من هو منه، فقال لا بد لمن طلب هذا الأمر أن يعنى به. وقد كان ابن شهاب يصحب عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود حتى إن كان لينزع له الماء. قال محمد بن رشد: كان سليمان بن يسار يقوم من مجلسه إذا كثر الكلام فيه، لأن كثرة الكلام إن كان في العلم خفي معه الصواب. والمراء في العلم لا تؤمن فتنته، ولا تفهم حكمته؛ وإن كان في غير العلم فهو اللغط - الذي ينبغي أن يتنزه عنه. وإنما كان عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود لا ينصرف من صلاته لمن يجلس إليه حتى يتمها على ما كان نوى من طولها، لأنه إذا كان نوى قدرا من الطول في الصلاة انبغى له أن لا يرجع عما نواه من ذلك إلا لعذر، لأنه شيء وعد الله عز وجل به من نفسه فلا ينبغي لأحد أن يخلف وعده، فإن فعل فقد بخس نفسه حظها، وإن كان لا إثم عليه في ذلك ولا حرج، لأن الذي يجب عليه إنما هو أن يتمها ولا يقطعها لقول الله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] . وقد قال في هذا المعنى فيمن افتتح صلاة النافلة قائما هل له أن يتمها جالسا، فأجاز ذلك ابن القاسم ولم يجزه له أشهب، وبالله التوفيق. [تواضع الأمراء وما يستحب من فعل الخير] في تواضع الأمراء وما يستحب من فعل الخير قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعثمان بن عفان كانا ينزلان بالمعرس، فإذا دنوا ليدخلا المدينة لم

أول من استقضى

يبق أحد منهم إلا أردف غلاما خلفه، وكان عمر وعثمان يردفان، فقلت له: يا أبا عبد الله إرادة التواضع؟ قال: نعم، والتماس أن يحمل الراجل، وذكر ما أحدث الناس من أن يمشوا غلمانهم وعاب عليهم ذلك. قال محمد بن رشد: في هذا تواضع الأمراء، ومن تواضع لله رفعه الله، وترك احتقار يسير الأجر، لقول الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] . وقد مضى هذا فوق هذا، وبالله التوفيق. [أول من استقضى] في أول من استقضى وسئل مالك من أول من استقضى؟ فقال معاوية بن أبي سفيان، فقيل له: فعمر؟ فقال لا، فقال له رجل من أهل العراق: أفرأيت شريحا؟ قال: كذلك يقولون. ثم قال لهم: كيف يكون هذا أيستقضى بالعراق ولا يستقضى بغيرها؟ قالوا له: أما مكانه فكان يجري، قال فالشام واليمن وغير ذلك من البلدان لم يستقض فيها واستقضى بالعراق، قال: ليس كما تقولون. قال محمد بن رشد: هذا بين من قول من قال إن معاوية لم ينقص قاضيا، وهو نحو ما مضى في رسم تأخير صلاة العشاء في الحرس، وخلاف ما يدل عليه ما تقدم في رسم طلق بن حبيب. وقد مضى الكلام على ذلك في الموضعين.

لم يفرض للمولود حتى يفطم

[لم يفرض للمولود حتى يفطم] في أن عمر كان لا يفرض للمولود حتى يفطم قال مالك: كان عمر لا يفرض للمولود حتى يفطم، فسمع ليلة بكاء صبي فقال: ما له؟ فقالوا: أرادوا فطامه، فقال عمر: كدت والذي نفسي بيده أن أقتله، ففرض للمولود بعد ذلك. قال محمد بن رشد: وقعت هذه الحكاية في المدونة أكمل منها هاهنا: قال كان عمر لا يفرض للمولود حتى يفطم، فمر ليلة فسمع صبيا يبكي فقال: مالكم لا ترضعونه؟ فقالوا: إن عمر لا يفرض للمولود حتى يفطم، وإنا فطمناه، فقال عمر: قد كدت والذي نفسي بيده أن أقتله، ففرض من ذلك اليوم للمولود مائة درهم. والمعنى في هذا بين منه فضل عمر وإشفاقه على رعيته وتوسعته عليهم في العطاء، وبالله التوفيق. [حمل عمر وعثمان الدرة والنهي عن القصص] في حمل عمر وعثمان الدرة، والنهي عن القصص وفي أول من جعل المصحف وجعل القاضي قال مالك: كان عمر وعثمان يحملان الدرة، فقيل له: لم؟ قال: يضربان الناس. قال مالك: ولقد بلغني أن عثمان مر بقاص يقص لا أدري تميم يقص أو غيره، فقال له: غدوة وعشية وعشاء قال: فضربه بالدرة وأنكر القصص [الذين] في المساجد. قال: إن أول من جعل مصحفا الحجاج بن يوسف، وأول من جعل القاضي معاوية.

كراهة التمضمض في المسجد

قال محمد بن رشد: إنما كان عمر وعثمان يحملان الدرة تواضعا منهما ليؤدبا بها بأنفسهما من استحق الأدب، كما فعل عثمان بالقاص الذي أكثر القصص وذلك خلاف السنة، فقد «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يتخول الناس بالموعظة مخافة السآمة عليهم» . وقوله: وأنكر القصص الذين في المساجد إنما هو من قول مالك في الحكاية لا من قول عثمان. وقوله إن أول من جعل مصحفا، يريد أول من رتب القراءة في المصحف إثر صلاة الصبح بالمسجد مثلما يصنع عندنا إلى اليوم. وقد مضى الكلام قبل هذا بيسير فيمن أول من استقضى، وبالله التوفيق. [كراهة التمضمض في المسجد] في كراهة التمضمض في المسجد قال مالك وذكر حديث القاسم بن محمد أن رجلا تمضمض وهو صائم والقاسم ينظر إليه ثم مجه في المسجد، وهو شيء يفعله الناس أن يتمضمضوا قبل أن يفطروا، فعاب ذلك عليه. فقيل له إنه بلغني فيه ما هو شر منه وكأنه يريد أن يحاجه، فقال القاسم: إن ذلك ما لا يجد الناس منه بدا. ثم قال مالك: وليس الشيء الذي لا يجد الناس منه بدا مثل الذي يجدون منه بدا. قال محمد بن رشد: المعنى في كراهة ذلك بين، لأن الله عز وجل قال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] فينبغي أن ترفع وتنزه من أن يلقى فيها شيء مما يستقذر وإن كان طاهرا، فلا يتمضمض ولا يتنخم فيها ولا يبصق فيها. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

الصلاة في المقبرة

«التفل في المسجد خطيئة وكفارته أن تواريه» «ونهى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتل القملة في المسجد وأمر بإخراجها منه» فلا يقتل الرجل القملة في المسجد ولا يطرحها فيه، فإن قتلها أخرجها منه ولم يدفنها فيه لنجاستها، بخلاف التفل. وقتل البرغوث فيه أخف، وبالله التوفيق. [الصلاة في المقبرة] في الصلاة في المقبرة وسئل مالك عن الصلاة في المقبرة التي قد درست، قال: لا بأس بذلك. قيل له: فبين القبور على الأرض؟ قال: لا بأس بذلك، إنما هي مثل غيرها من الأرضين. قال ابن القاسم: ولا أرى بأسا أن تجمع الصلاة في وسط القبور المكتوبة وغيرها. قال ابن القاسم: وقد أخبرني مالك أن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا يصلون في المقبرة. قال محمد بن رشد: لما سئل مالك عن الصلاة في المقبرة التي قد درست فقال: لا بأس بذلك، فقيل له: فبين القبور على الأرض، أي إذا لم تكن دارسة، قال: لا بأس بذلك إنما هي مثل غيرها من الأرضين. فالصلاة في المقابر التي للمسلمين على ظاهر هذه الرواية وما جاء في المدونة جائزة، عامرة كانت أو دارسة، وهو نص قول ابن حبيب في الواضحة. وسواء على ظاهر هذه الرواية كان فيها نبش أو لم يكن فيها نبش. وقال عبد الوهاب: إنما تجوز الصلاة فيها إذا لم يكن [فيها] نبش. والاختلاف في هذا جار على الاختلاف في الميت هل ينجس بالموت أم لا، وقد مضى الكلام على هذا

ما كتب به عمر بن عبد العزيز من كسر معاصر الخمر

مستوفى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز. والنهي الوارد عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الصلاة في المقبرة، من أهل العلم من لا يصححه، ومنهم من يصححه ويحمله على عمومه في جميع المقابر، ذهب إلى هذا بعض أصحاب الحديث، ورأى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - العمل مقدما عليه فقال: قد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلون في المقابر، على أصله في أن العمل مقدم على أخبار الآحاد. وقال ابن حبيب في النهي معناه في مقابر المشركين لأنها من حفر النار، وقوله أولى الأقوال، لأن العموم يحتمل الخصوص، فيخصص من عموم نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في المقابر مقابر المسلمين بعمل الصحابة، ويبقى الحديث محكما في مقابر المشركين. فإن صلى رجل في مقابر المسلمين وفيها نبش أعاد في الوقت على القول بأن الميت ينجس، بالموت، وإن صلى في مقابر المشركين العامرة أعاد في الوقت وبعده، جاهلا كان بأن الصلاة لا تجوز فيها أو عالما بذلك، وإن كان ناسيا أو لم يعلم بأنها مقبرة المشركين أعاد في الوقت على حكم المصلي بثوب نجس أو على موضع نجس، لأنها تنجس بعمارتهم. هذا معنى قول ابن حبيب في الواضحة؛ وإن كانت دارسة فلا إعادة عليه، وبالله التوفيق. [ما كتب به عمر بن عبد العزيز من كسر معاصر الخمر] فيما كتب به عمر بن عبد العزيز من كسر معاصر الخمر قيل لمالك: بلغك أن عمر بن عبد العزيز كتب في كسر معاصر الخمر؟ قال: نعم، قيل: معاصر المسلمين وأهل الذمة؟ قال: لا أرى ذلك إلا في معاصر المسلمين. قال محمد بن رشد: قوله في أن المعاصر التي كتب عمر بن عبد العزيز أن تكسر لا أراها إلا في التي للمسلمين صحيح، لأن معاصر أهل

بعض ما يحكى عن عيسى ابن مريم

الذمة لا يجب كسرها عليهم، لأنهم إنما بذلوا الجزية على أن يقروا في ذمتهم على ما يجوز لهم في دينهم، فلا يمنعون من عصر الخمر إذا لم يظهروها في جماعة المسلمين. وقد مضى هذا في هذا الرسم [من هذا السماع] من كتاب السلطان وفي رسم القبلة منه، وبالله التوفيق. [بعض ما يحكى عن عيسى ابن مريم] فيما يحكى عن عيسى ابن مريم أنه كان يقول وحدثني العتبي عن عيسى بن دينار عمن حدثه أن عيسى ابن مريم كان يقول: إنكم لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون، ولن تبلغوا ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، فطوبى لمن كان نظره تعبدا ونطقه تذكرا وصمته تفكرا. قال محمد بن رشد: هذا كله كلام صحيح قائم من كتاب الله عز وجل. وقوله: لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون قائم في غير ما آية من كتاب الله عز وجل، من ذلك قوله: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] . وقوله ولن تبلغوا ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، قائم من غير ما آية أيضا، من ذلك قوله عز وجل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] ، وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إلى قوله {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب: 35] إلى قوله {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35] . وأمر الله عز وجل بالاعتبار بمخلوقاته في غير ما آية من كتابه فقال: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وقال

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] ومن مثل هذا كثير. وأمر بالتفكر فقال: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] . انتهى السادس والحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.

كتاب الجامع السابع

[كتاب الجامع السابع] [ترك الكلام في المشكلات] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما اللهم عونك. كتاب الجامع السابع ومن كتاب قطع الشجر في أرض العدو، وفي ترك الكلام في المشكلات قال ابن القاسم: قال مالك كان الربيع بن خيثم يقول: ما علمت فقله، وما استؤثر عليك بعلمه فكله إلى عالمه. قال محمد بن رشد: هذا أخذه، والله أعلم، من قوله عز وجل في المتشابهات {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] . وقد اختلف في المتشابهات التي عناها الله عز وجل بقوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] فقيل: هي ما استأثر الله عز وجل بعلمه مما لا سبيل لأحد إلى معرفته، نحو الخبر عن وقت نزول عيسى ابن مريم، وطلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وفناء الدنيا، وما أشبه ذلك مما لا يعلمه أحد إلا الله. وكذلك الحروف المقطعة مثل الم، والمص، وما أشبه ذلك. فعلى هذا القول لا يعلم تأويل المتشابهات إلا الله، ويكون الوقف عند آخر قوله {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] وقيل بل المتشابهات المشكلات من الأحكام

إخبار الرجل عن نفسه بما فعله من طوافه على نسائه

التي لا نص فيها في الكتاب، وإنما جاءت فيه مجملة غير مفسرة ولا مبينة. فعلى هذا يعلم الراسخون في العلم تأويل المتشابهات بما نصب الله عز وجل [لهم] من الأدلة على معرفتها، وبينه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - منها، لأن الله عز وجل يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] والمعنى في ذلك أنه عز وجل نص على بعض الأحكام وأحال على الأدلة في سائرها، فعلى هذا يكون الوقف في الآية عند قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] أي والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون مع العلم بتأويله {آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] . وقد مضى القول في تفسير هذه الآية في رسم البز، وبالله التوفيق. [إخبار الرجل عن نفسه بما فعله من طوافه على نسائه] في جواز إخبار الرجل عن نفسه بما فعله من طوافه على نسائه وقال مالك: قدم ابن عمر من سفر، فلما أصبح أخبرهم أنه طاف من ليلته على إحدى عشرة امرأة. قال محمد بن رشد: هذا جائز أن يذكره الرجل على سبيل الشكر لله بما منحه الله من الصحة وأعطاه من القدرة على الاستمتاع الذي يلذ به ويؤجر عليه، وبالله التوفيق. [حكاية عن عطاء بن يسار في قصصه] قال مالك: كان عطاء بن يسار رجلا كثير الحديث، فجلس

وجوب حمد الله على كل حال

إليه أصحاب له، وكان رجلا قاصا، وربما ترك أصحابه ومجلسه وجلس إلى غيرهم، فإذا قالوا له: لم تركتنا؟ قال: ما تركتكم ملالة لكم ولكن لتستريحوا وتتحدثوا بينكم ولا تملوا. قال محمد بن رشد: هذا كان عطاء يفعله لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يتخول الناس بالموعظة مخافة السآمة عليهم» وبالله التوفيق. [وجوب حمد الله على كل حال] في وجوب حمد الله على كل حال وفي قول أبي الدرداء في شداد بن أوس قال مالك: دخل أبو الدرداء على رجل وهو يموت، فجعل الرجل يحمد الله، فقال له أبو الدرداء قد أصبت، إن الله إذا قضى أمرا أحب أن يرضى به. قال مالك قال أبو الدرداء: إن الله يؤتي الرجل العلم ولا يؤتيه الحلم، ويؤتيه الحلم ولا يؤتيه العلم، وإن أبا يعلى شداد بن أوس ممن آتاه الله العلم والحلم. قال مالك: وكان أبو يعلى ابن عم حسان بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قال محمد بن رشد: قول أبي الدرداء للذي سمعه يحمد الله وهو يموت أصبت إن الله يحب إذا قضى أمرا أن يرضى به من حكمه التي هو موصوف بها. وروي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه: «عويمر

صفة الريح التي أرسل الله على عاد

حكيم أمتي» فهو من الفقهاء العقلاء الحكماء، شهد ما بعد أحد من المشاهد، واختلف في شهوده أحدا. وأمره عمر بن الخطاب على القضاء، وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب. وقيل بل استقضاه عثمان، وتوفي في خلافة معاوية قبل موته بسنتين. ومحبة الله عز وجل للشيء ترجع إلى إرادته مثوبة العبد عليه. وقال ابن عبد البر: لم يكن أبو يعلى شداد بن أوس ابن عم حسان بن ثابت كما قال مالك، وإنما كان ابن أخيه، وبالله التوفيق. [صفة الريح التي أرسل الله على عاد] في صفة الريح التي أرسل الله على عاد قوم هود قال مالك: حدثني زيد بن أسلم قال: فتح على قوم هود من الريح مثل حلقة الخاتم، ولو فتح عليهم مثل منخر الثور لأكفت الأرض أو نحو ذلك. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في أول رسم من السماع، وبالله التوفيق والسداد. [كراهية طول البناء] في كراهية طول البناء قال مالك: مر عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على منزل طويل البناء، فلما رآه طويل البناء جلس في ظله حتى جاء صاحبه فقال له: ما حملك على أن أطلت هذا البناء؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما أطلته أشرا ولا رياء غير أني كنت ببلد يطيلون البناء فاتخذت مثله، قال: أظن الأمر على ما قلت، ولكن أقصره لا يتأسى بك أحد حتى ترده مثل الناس. قال محمد بن رشد: التطاول في البنيان مكروه، وقد جاء أنه من

أول من اضطرب من الأئمة البناء

أشراط الساعة، وقد مضى الكلام على ذلك في رسم أخذ يشرب خمرا، ومضى الكلام في إنكار عمر بن الخطاب على أبي الدرداء ما بناه بحمص في رسم شك في طوافه ورسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه، فلا وجه لإعادة شيء من ذلك،. وبالله التوفيق. [أول من اضطرب من الأئمة البناء] في أن عثمان أول من اضطرب من الأئمة البناء قال مالك: أول من اضطرب من الأئمة البناء عثمان بن عفان، وقال: إني أستحيي من الغسل فأحب أن أتخذ ما يكنني من ذلك. قال محمد بن رشد: معناه أنه أول من اضطرب البناء من الأئمة في سفره إلى الحج وغيره، وبالله التوفيق. [لم يعذب الله قوما إلا نجى منهم من يخبر عنهم] في أن الله لم يعذب قوما إلا نجى منهم من يخبر عنهم قال مالك: لم يعذب الله قوما إلا نجى منهم من يخبر عنهم، قال: فنجت امرأة من قوم عاد يقال لها: هريمة فسئلت: أي عذاب الله أشد؟ فقالت: كل عذاب الله شديد، وسابقة الله ليلة لا ريح فيها، قالت: والله لقد رأيت العير بأحمالها ما بين السماء والأرض. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والتكلم عليه في أول رسم من السماع فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

ما جاء في صفة البعث في القبور

[ما جاء في صفة البعث في القبور] قال مالك: بلغني أنه إذا كان قبل الساعة أمطرت السماء أربعين ليلة حتى تنفلق الأرض عن الهام كما تنفلق عن الكمأة، قال والهام: رؤوس الناس. قال محمد بن رشد: ليس في هذا ما يخفى فيحتاج إلى بيانه، وبالله التوفيق. [ما جاء في كثرة قوم نوح] قال مالك: بلغني أن قوم نوح ملئوا الأرض حتى ملئوا السهل والجبل، فما يستطيع هؤلاء أن ينزلوا إلى هؤلاء ولا هؤلاء أن ينزلوا إلى هؤلاء، فلبث نوح - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ينبت الشجر مائة عام لعمل السفينة ثم جففها مائة عام وقومه يسخرون منه في ذلك إذا رأوه يصنع ذلك حتى كان من قضاء الله عز وجل فيهم ما كان. قال محمد بن رشد: جاء في التفسير أن الله عز وجل لما أوحى إليه: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36] دعا فقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] الآية وقال: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [المؤمنون: 27] أي وبوحينا {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود: 38] وكان يصنع بيده فيقولون له استهزاء به كنت نبيا فصرت

قول عبد الوهاب بن بخت

نجارا، قال: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: 40] ، أي انبعث الماء منه، وفي التنور غير قول: قيل عين ماء كانت بالجزيرة يقال لها التنور، وقيل كان التنور في أقصى داره، وقيل التنور أعلى الأرض وأشرفها. {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [هود: 40] ، منهم، أي الغضب وهو ابنه الذي غرق، {وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ} [هود: 40] ، قيل أربعون رجلا وأربعون امرأة، وقيل: لم ينج معه في السفينة من أهله إلا امرأته وثلاثة بنين له: سام وحام ويافث ونساؤهم، فجميعهم ثمانية، فسام أبو العرب ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش، وبالله التوفيق. [قول عبد الوهاب بن بخت] في قول عبد الوهاب بن بخت قال مالك: كان عبد الوهاب بن بخت له فضل وصلاح يقول: ما أحب أن أسير ليلة في طلب دنيا لا يعنيني غيرها وأن لي الدنيا. قال محمد بن رشد: إنما كان يقول ذلك، والله أعلم، لقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20] ، وبالله التوفيق. [ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدي المرضي وحسن الخلق] فيما كان عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الهدي المرضي وحسن الخلق قال مالك: «ما خير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما» .

قال محمد بن رشد: وقع هذا الحديث في الموطأ بكماله لمالك عن هشام عن عروة عن عائشة قالت: «ما خير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها» . قال محمد بن رشد: «سئلت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: كان خلقه القرآن» فكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يختار إذا خير في أمرين أيسرهما، لقول الله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ودين الله يسر، والحنيفية سمحة. وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى شدائده» وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة» . وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ينتقم لنفسه لقول الله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وقوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] . ومن هذا في القرآن كثير. وقد كان له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينتقم لنفسه لو شاء لكنه تأدب بأدب الله عز وجل في ترك الانتقام لنفسه، وهو في ذلك بخلاف غيره من الأمراء والخلفاء والقضاة والحكام، لا يجوز لأحد منهم أن يحكم لنفسه على أحد بحد ولا

صاحب الشمال يكتب ما لا يكتب صاحب اليمين

أدب ولا مال، بل لا يجوز له أن يحكم بشيء من ذلك على أحد لأحد ممن لا تجوز شهادته له من أب أو ابن أو زوجة، ولا على من بينه وبينه عداوة وعلى أجنبي، وبالله التوفيق. [صاحب الشمال يكتب ما لا يكتب صاحب اليمين] في أن صاحب الشمال يكتب ما لا يكتب صاحب اليمين قال: وحدثني عيسى بن دينار عن ابن وهب أن رجلا كان يسوق حمارا فعثر فقال له: تعست، فقال صاحب اليمين ما هي بالحسنة فأكتبها، وقال صاحب الشمال ما هي بالسيئة فأكتبها، فنودي صاحب الشمال أن اكتب [كل] ما ترك صاحب اليمين. قال محمد بن رشد: في قول صاحب اليمين ما هي بالحسنة فأكتبها وقول صاحب الشمال ما هي بالسيئة فأكتبها دليل على أنه لا يكتب إلا الحسنات والسيئات، وأما المباح الذي ليس بسيئة ولا حسنة فلا يكتبه صاحب اليمين ولا صاحب الشمال. فمعنى ما نودي به صاحب الشمال، والله أعلم، أن يكتب كل ما ترك صاحب اليمين فلم يكتبه من أجل أنه سيئة عنده، فصار صاحب اليمين هو القاضي على صاحب الشمال فيما يقول إنه سيئة. والتعس: السقوط، فالدعاء به على الحمار سيئة لا حسنة كما قال صاحب اليمين، وبالله التوفيق. [ما يصاب به الأنبياء عليهم السلام] فيما يصاب به الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - قال ابن القاسم: حدثني سليمان بن القاسم أنه مات في

ما يجوز للرجل من قسمة ماله بين ورثته في صحته

مسجد الخيف، يريد مسجد منى، أربعة آلاف من الأنبياء ما قتلهم إلا القمل والجوع. قال محمد بن رشد: هذا مما يصاب به الأنبياء ليجازوا بالصبر عليه والتسليم لأمر الله والرضا بقدره، وبالله التوفيق. [ما يجوز للرجل من قسمة ماله بين ورثته في صحته] ومن كتاب الرطب باليابس ما يجوز للرجل من قسمة ماله بين ورثته في صحته قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: بلغني أن سعد بن عبادة قسم ماله بين ورثته ثم غزا فمات وولدت جارية له غلاما لم يعلم به، فلما سمع أبو بكر ذلك انطلق إلى ابنه فقال له: إن سعد بن عبادة قسم ماله ولا علم له بهذا الحمل، وقد ولد له غلام ولا شيء له فقاسموه، فقال قيس بن سعد: هذا أمر شديد لم يكن ليرد أمر سعد، ولكن ما أعطاني فهو له فهذا خير له، فقال أبو بكر قد رضيت وإنما طلب ذلك طلبا وكان سعد صنع ذلك في صحة منه. قال محمد بن رشد: وقول مالك وابن القاسم: وإنما طلب ذلك طلبا صحيح، لأنه إذا كان إنما فعل ذلك في صحته لا يدخل في ذلك الاختلاف فيمن نحل بعض أولاده دون بعض جميع ماله، لأنه فعل ما يجوز له من التسوية بين بنيه ولم يتعد إذ لم يعلم بالحمل. [مرور المجتاز في المسجد] ومن كتاب أوله السلف في الحيوان والطعام المضمون في مرور المجتاز في المسجد قال مالك: بلغني أن سالم بن عبد الله كان يمر بالمسجد ولا

الركوع بعد صلاة الجمعة في المسجد

يركع فيه. قال مالك: ما زال ذلك من شأن الناس يمرون ولا يركعون. قال مالك: وقد بلغني أن زيد بن ثابت مر من المسجد ولم يركع، ثم رجع فكره أن يمر به الثانية، ولم يره يعجبه ذلك من فعل زيد في ترك المرور. فقال ابن القاسم: ولا أعلم إلا أني رأيت مالكا مر فيه ولم يركع. قال محمد بن رشد: قوله عن زيد بن ثابت ثم رجع فكره أن يمر به الثانية، يدل على أنه لم يرجع عن قوله الأول إلا أنه يكره أن يمر به ولا يركع. وإنما كره أن يتكرر ذلك الفعل منه، فأباحه في المرة الأولى وكرهه في الثانية، خلاف قوله في المدونة إنه رجع في ذلك عن الإجازة إلى الكراهة. فيتحصل في المسألة أربعة أقوال: الإجازة، والكراهة جملة من غير تفصيل، والفرق بين الأولى والثانية فيجوز في الأولى ولا يجوز في الثانية، وهو دليل قول زيد بن ثابت في هذه الرواية، وقد روى أشهب عن مالك نحو هذا القول، قال: سئل مالك عن مرور المرء في المسجد حين يخرج منه إلى حاجته ولا يركع فيه، قال: لقد كان يفعل ذلك، وإنه ليكره الإكثار منه. قيل له: فالمرة والمرتين؟ قال: أرجو ألا يكون به بأس، وهو القول الرابع، وبالله التوفيق. [الركوع بعد صلاة الجمعة في المسجد] في الركوع بعد صلاة الجمعة في المسجد قال مالك: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى يوم الجمعة انصرف ولم يركع» وإنه ليستحب للأمراء أن يفعلوا ذلك، أن يصلوا في منازلهم ركعتين إذا انصرفوا. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في صدر رسم حلف أن لا يبيع سلعة سماها، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

الدخول على أهل الحجر

[الدخول على أهل الحجر] في الدخول على أهل الحجر وسئل مالك عن أهل الحجر يأتيهم الرجل هل ترى له بأسا؟ قال: إن كان يأتيهم ليعتبر ويتفكر فما أرى بذلك بأسا، وإن كان يأتيهم للتعجب والنظر فلا أحبه. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [كراهة تعلم كتاب العجم وتعليمهم الخط] في كراهة تعلم كتاب العجم وتعليمهم الخط قال مالك: أكره للرجل المسلم أن يطرح ابنه في كتاب العجم أن يتعلم الوقف كتاب العجمية، وأكره للمسلم أن يعلم أحدا من النصارى الخط وغيره. قال محمد بن رشد: الكراهية في هذا كله بينة. أما تعليم الرجل ابنه كتاب العجم فللاشتغال بما لا منفعة فيه ولا فائدة له عما له فائدة ومنفعة، مع ما فيه من إدخال السرور عليهم بإظهار المنفعة في كتابهم والرغبة في تعلمه، وذلك من توليهم، وقد قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] . وأما تعليم المسلم النصراني فلما فيه من الذريعة إلى قراءتهم القرآن مع ما هم عليه من التكذيب له والكفر به. وقد قال ابن حبيب في الواضحة: إن ذلك ممن فعله مسقط لإمامته وشهادته. وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب السلطان، وفي سماع أشهب من كتاب الجعل والإجارة، وبالله التوفيق.

الذي يذكر وهو في صلاة العصر أنه كان قد صلى

[الذي يذكر وهو في صلاة العصر أنه كان قد صلى] في الذي يذكر وهو في صلاة العصر أنه كان قد صلى وسئل مالك عن الرجل يصلي العصر لنفسه ثم ينسى أنه صلى فيقوم فيصلي الثانية، فيركع ركعة ثم يذكر أنه قد صلى. قال: أرى أن يضم إليها أخرى، فقلت: يا أبا عبد الله أتكون صلاة بعد العصر؟ قال: قد كان المنكدر يصلي وقد كان عمر ينهى عن ذلك. وقد جاء فيها بعض ما جاء في الشيء إذا كان صاحبه لا يريد به خلاف السنة، وإنما كان على غير خلاف رأيت أن يفعل ذلك للذي جاء فيه من الرخصة، وإنما كره من ذلك ما كان صاحبه يتعمد به خلاف الحق. قال محمد بن رشد: النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس نهي ذريعة، وإنما حقيقة الوقت المنهي عن الصلاة فيه عند الطلوع وعند الغروب. ألا ترى أن رجلين لو كان أحدهما قد صلى العصر والثاني لم يصلها لجاز للذي لم يصل العصر أن ينتفل ولم يجز ذلك للذي صلى والوقت لهما جميعا وقت واحد، فإنما نهي الذي صلى العصر عن الصلاة بعد العصر حماية للوقت المنهي عن الصلاة فيه لأن الصلاة فيه حرام. وروي عن المقدام بن شريح قال: «قلت لعائشة: كيف كان يصنع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يعني بعد الظهر والعصر، قالت: كان يصلي الظهر بالهجير ثم يصلي بعدها ركعتين ثم كان يصلي العصر ثم يصلي بعدها ركعتين. قال: فقلت: أنا رأيت عمر يضرب رجلا رآه يصلي بعد العصر، فقالت: لقد صلاهما ولكن قومك أهل اليمن قوم أهل طعام فكانوا إذا صلوا

كتب القرآن أسداسا وأسباعا

الظهر صلوا بعدها إلى العصر، فإذا صلوا العصر صلوا بعدها إلى المغرب فقد أحسن» . فلما كان هذا الرجل الذي صلى ركعة من العصر ثم ذكر أنه قد صلى العصر في وقت ليس بمنهي عن الصلاة فيه لأن الصلاة فيه حرام وجب أن يتم ركعتين ولا يبطل عمله، لقول الله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فهذا وجه قول مالك والله أعلم. ولو ذكر ذلك قبل أن يركع لكان الأظهر أن يقطع على قياس قوله في رسم أوله مرض بعد هذا. ولو ذكر قبل أن يركع من صلاة يصلى بعدها لجرى ذلك على اختلاف قول ابن القاسم وأشهب في كتاب الصيام من المدونة في الذي يظن أن عليه يوما من رمضان فيصبح صائما ثم يعلم أنه لا شيء عليه، وبالله التوفيق. [كتب القرآن أسداسا وأسباعا] في كتب القرآن أسداسا وأسباعا وسئل مالك عن القرآن يكتب أسداسا وأسباعا في المصاحف، فكره ذلك كراهة شديدة وعابه وقال: لا يفرق القرآن وقد جمعه الله، وهؤلاء يفرقونه، لا أرى ذلك. قال محمد بن رشد: أنزل الله تبارك وتعالى القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم أنزل على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شيئا بعد شيء حتى كمل الدين واجتمع القرآن جملة في الأرض كما أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، فوجب أن يحافظ على كونه مجموعا. فهذا وجه كراهية مالك لتفريقه، والله أعلم وبالله التوفيق.

السلام على أهل القدر

[السلام على أهل القدر] في السلام على أهل القدر وسئل مالك عن أهل القدر أيسلم عليهم؟ قال: لا يسلم عليهم. قال ابن القاسم: وكأني رأيته يرى ذلك في أهل الأهواء كلهم ولم يبينه. قال: قال ابن القاسم: وذلك رأيي أن لا يسلم عليهم. قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يسلم على أهل القدر ولا على أهل الأهواء كلهم، يريد الذين يشبهون القدرية من المعتزلة والروافض والخوارج، إذ من الأهواء ما هو كفر صريح لا يختلف في أن معتقده كافر، ومنه ما هو هوى خفيف لا يختلف في أنه ليس بكفر. ويحتمل أن يريد أنه لا يسلم عليهم على وجه التأديب لهم والتبري منهم والبغضة فيهم [لله تعالى] لا أنهم عنده كفار بمآل قولهم، ويحتمل أن يريد أنه لا يسلم عليهم لأنهم عنده كفار بمآل قولهم، فقد اختلف قوله في ذلك: فله في أول سماع ابن القاسم من كتاب المحاربين والمرتدين ما يدل على أنهم كفار عنده بمآل قولهم، وله في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب منه ما يدل على أنهم ليسوا عنده بكفار، وذلك أنه قال فيهم: إنهم قوم سوء، فلا يجالسون ولا يصلى وراءهم. وله مثل ذلك في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب في الواقفية والإباضية، لأنه سئل فيه عن الصلاة خلفهم، فقال: لا أحب، وعن السكنى معهم؟ فقال: ترك ذلك أحب إلي. وقد مضى في المواضع المذكورة الكلام على هذا مستوفى مشروحا مبينا فتركت ذكره هاهنا اكتفاء بذلك، وبالله التوفيق.

خطبة الرجل على خطبة أخيه

[خطبة الرجل على خطبة أخيه] في خطبة الرجل على خطبة أخيه وفي كتاب الطلاق عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يخطب أحد على خطبة أخيه» . وعن أبي الرجال عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مثله. وعن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة مثله. قال محمد بن رشد: ليس هذا الحديث على ظاهره في العموم، ومعناه إذا ركنا وتقاربا وسميا الصداق، وهو قول ابن نافع، وظاهر قول مالك في الموطأ، وظاهر ما في رسم التسمية من سماع عيسى من كتاب النكاح؛ وقيل: إذا ركنا وتقاربا وإن لم يسميا الصداق، وهو قول ابن حبيب، وحكاه عن ابن المطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وابن القاسم وابن وهب. واختلف إن خطب الرجل على أخيه في الموضع الذي لا يجوز له فأفسد عليه وتزوج هو، فقيل: النكاح فاسد لمطابقة النهي له يفسخ قبل الدخول وبعده ويكون فيه الصداق المسمى، وقيل: يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده، وقيل: يمضي النكاح ولا يفسخ وقد حرج وأثم وظلم الذي أفسد عليه، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفره ويتحلل الرجل، فإن حلله وإلا ترك المرأة وطلقها، فإن لم يتزوجها الرجل تزوجها هو بعد إن شاء. وكذلك لا يجوز للرجل أن يسوم على سوم أخيه في البيع، لأجل النهي الوارد في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم القسمة من سماع عيسى من كتاب النكاح، وبالله التوفيق.

عزل الرجل

[عزل الرجل] في العزل وعن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يعزل. قال محمد بن رشد: يحتمل أن يكون ابن عمر كان لا يعزل ولا يكره العزل، ويحتمل أن يكون كان لا يعزل لأنه يكره العزل وهو الأظهر، لأن ذلك معلوم من مذهبه. وقد اختلف الصحابة في ذلك فمن بعدهم، فمنهم من كرهه لما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عنه فقال: «ذلك الوأد الخفي» ولما روي عنه من كراهة نزع الماء عن محله في العشرة الأشياء التي كان يكرهها. والذي عليه جمهور الصحابة إباحة العزل، وقد ذكر ذلك عند عمر بن الخطاب فقال بعض من عنده: إن اليهود تزعم أنها الموءودة الصغرى، فقال علي بن أبي طالب: إنها لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع، وتلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 13] إلى آخر الآية، فقال له عمر بن الخطاب: صدقت أطال الله بقاءك. ويقال: إن أول من قال في الإسلام أطال الله بقاءك عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في هذه الحكاية. والذي عليه جمهور العلماء بالأمصار مالك وأصحابه والشافعي وأبو حنيفة إباحة العزل على «حديث أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا الفداء وأردنا أن نعزل فقلنا: نعزل ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أظهرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة

السفر في طلب العلم

إلا وهي كائنة» . فالرجل يعزل عن أمته بغير إذنها، ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها ولا يعزل عن زوجته الأمة إلا بإذن مواليها، وقد قيل إنه لا يعزل عنها إلا بإذنها. وقال الشافعي: له أن يعزل عن زوجته الأمة بغير إذنها وبغير إذن مواليها. [السفر في طلب العلم] في السفر في طلب العلم قال مالك: بلغني أن رجلا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارتحل من المدينة إلى مصر إلى رجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأله عن حديث واحد عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا المعنى قبل هذا في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [الحض على التفقه في كتاب الله عز وجل] في الحض على التفقه في كتاب الله عز وجل قال مالك: كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق يخبرونه أن رجالا قد جمعوا كتاب الله، فكتب لهم عمر أن افرض لهم في الديوان وأعطهم. قال: فكثر من يطلب القرآن، فكتب إليه من قابل إنه قد جمع القرآن سبعمائة رجل. قال عمر: إني لأخشى أن يسرعوا في القرآن قبل أن يتفقهوا في الدين فكتب أن دعهم لا تعطهم شيئا.

محبة الناس لابن عمر

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لا يحتاج إلى تفسير، وبالله التوفيق. [محبة الناس لابن عمر] في محبة الناس لابن عمر قال: وحدثني عمير الأعرج عن مجاهد قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر، قال فكان الناس يتلقونه ويدعون له ويسلمون عليه ويحبونه. قال: فكان ابن عمر يضحك. قال: فلما انصرفنا قال ابن عمر [إن الناس] ليحبوني حتى لو كنت أعطيهم الذهب ما زادوا على ذلك. قال محمد بن رشد: محبة الناس لعبد الله بن عمر من محبة الله على ما جاء في الحديث عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إن الله عز وجل إذا أحب عبدا قال لجبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض» . وإذا أبغض الله العبد قال مالك: لا أحسب إلا أنه قال في البغض مثل ذلك. [الغسل في الفضاء] في الغسل في الفضاء وسئل مالك عن الغسل في الفضاء فقال: لا بأس بذلك، فقيل له: يا أبا عبد الله إن فيه حديثا، فأنكر ذلك وقال تعجبا ألا يغتسل الرجل في الفضاء؟ ورأيته يتعجب من الحديث إنكارا له.

القصر والفطر في الغزو

قال محمد بن رشد: وجه إجازة مالك الغسل في الفضاء إذا أمن أن يمر به أحد هو أن الشرع إنما قرر وجوب ستر العورة عن المخلوقين من بني آدم دون من سواهم من الملائكة، إذ لا تفارقه الحفظة الموكلون عليه منهم في حال من الأحوال. قال الله عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وقال: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار: 10] {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11] {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 12] لهذا قال مالك تعجبا: ألا يغتسل الرجل في الفضاء؟ إذ لا فرق في حق الملائكة بين الفضاء وغيره، فأنكر الحديث لما كان مخالفا للأصول، لأن الحديث إذا كان مخالفا للأصول فإنكاره واجب إلا أن يرد من وجه صحيح لا مطعن فيه فيرد إليها بالتأويل الصحيح. وقد روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أو لم أقله فإني أقول ما يعرف ولا ينكر وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف» ويكره التجرد لغير ضرورة ولا حاجة في الفضاء وغير الفضاء، ففي رسالة مالك إلى هارون الرشيد: إياك والتجرد خاليا فإنه ينبغي لك أن تستحي من الله إذا خلوت، وذكر في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حديثا، وبالله التوفيق. [القصر والفطر في الغزو] في القصر والفطر في الغزو قال مالك: كان سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن الأسود والمسور بن مخرمة بالشام، فدخل عليهم رمضان، فكان عبد

ولاء السائبة لجميع المسلمين فلا عاقلة له

الرحمن والمسور يصومان ويتمان، وكان سعد يقصر ويفطر، فقيل له تقصر وتفطر ويصومان ويتمان؟ فقال سعد نحن أعلم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أنهم كانوا في الغزو ينوون الإقامة بموضعهم الذي كانوا فيه، فكان عبد الرحمن والمسور يتمان ويصومان لنيتهم الإقامة، وكان سعد يفطر ويقصر وإن نوى الإقامة لكونه في بلد العدو، إذ ليس على يقين من إقامته، إذ قد يأتي من الأمر ما يزعجهم عن موضعهم، وهذا هو مذهب مالك أن نية الإقامة في بلد العدو لا يعتبر بها، وبالله التوفيق. [ولاء السائبة لجميع المسلمين فلا عاقلة له] في أن ولاء السائبة لجميع المسلمين فلا عاقلة له قال مالك: حدثني أبو الزناد عن سليمان بن يسار أن سائبة كان يلعب مع ابن رجل من بني عائذ، فقتل السائبة ابن العايذي، فجاء أبوه إلى عمر بن الخطاب يطلب دية ابنه، فقال له عمر: ليس له موال، فقال له العايذي: أرأيت لو أن ابني قتله، فقال عمر ابن الخطاب إذا تخرجون ديته، فقال: فهو كالأرقم إن يقتل ينقم، وإن يترك يلقم. قال محمد بن رشد: يروى العابذي والعايذي، والصواب والعايذي بالياء المعجمة باثنتين والذال المعجمة بالواحدة. ومعنى سائبة أنه كان أعتق سائبة، وكذلك وقع في الموطأ أن سائبة أعتقه بعض الحجاج. وفي هذا أن من أعتق عبده سائبة بأن يقول له: اذهب فأنت سائبة، أن ولاءه

كراهة الإمساك عن الكلام في الصيام

للمسلمين. وقد اختلف في عتق السائبة، فقيل: إنه جائز وقيل: إنه مكروه، وقيل: إنه غير جائز. فعلى القول بأنه جائز أو مكروه يكون ولاؤه للمسلمين، وعلى القول بأنه غير جائز يكون ولاؤه لمن أعتقه. وقد قيل: إن من قال لعبده أنت سائبة لا يكون بذلك حرا إلا أن يريد الحرية. وقد مضى تحصيل هذا الاختلاف في آخر سماع أشهب من كتاب العتق. ويحتمل أن يكون هذا الرجل الذي قتل ابن العائذي أعتقه رجل من الحاج غير معروف فيكون ولاؤه لجمع المسلمين ولا تكون له عاقلة من أجل أنه لا يعرف معتقه، لا من أجل أنه أعتق سائبة، وهو الأظهر والله أعلم. وقول أبي المقتول هو إذا كالأرقم يريد الحية التي إن تركتها لسعتك فقتلتك، وإن قتلتها قتلتك، يريد كما جرى للفتى الذي كان مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالخندق وهو حديث عهد بعرس، فاستأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يحدث بأهله عهدا، فأتاها فوجدها قائمة بين الناس فأهوى إليها بالرمح ليطعنها وأدركته غيرة، فقالت له: لا تعجل حتى ترى ما في بيتك، فدخل فإذا بحية منطوية على فراشه فركز فيها رمحه ثم خرج بها فنصبه في الدار، فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى ميتا، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الفتى أو الحية، فذكر ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثا فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان» وبالله التوفيق. [كراهة الإمساك عن الكلام في الصيام] في كراهة الإمساك عن الكلام في الصيام قال ابن القاسم: وحدث مالك عن نافع أن مولاة لصفية صمتت يوما لا تتكلم، فقالت لها صفية: تكلمي فإن هذا قد نهي عنه.

قال محمد بن رشد: قول صفية محمول على أنها أخبرت بذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لأن قول "الصاحب نهينا عن كذا وكذا وأمرنا بكذا مما يدخل في المسند، لأن صفية هذه إن لم تكن صفية بنت حيي زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فهي صفية بنت أبي عمير الثقفية زوج عبد الله بن عمر، وهي صحابية روت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وروى عنها نافع هذا مولى عبد الله بن عمر، ولا حجة في جواز ذلك بما في كتاب الله عز وجل من قوله: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] ، أي صمتا، {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] ، لأن ذلك كان من شرع بني إسرائيل، كان الرجل منهم إذا اجتهد صام من الكلام كما يصوم من الطعام إلا من ذكر الله، وذلك منسوخ في شرعنا ممنوع فعله فيه بنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية ابن عباس أنه قال: «لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا من بعد ملك، ولا رضاع بعد الفطام، ولا يتم بعد احتلام، ولا نذر في معصية، ولا صمت إلى الليل، ولا وصال، ولا يمين للمرأة على زوجها ولا للولد على والده ولا للمملوك على سيده» الحديث وقع بكماله في المبسوطة. وروي عن قتادة أنه قال: إنما كانت آية جعلها الله عز وجل لمريم - عَلَيْهَا السَّلَامُ - يومئذ. وإذا شئت رأيت امرأة سفيهة تقول: أصوم صوم مريم ولا نتكلم في صومها. وقد اختلف أهل التأويل في القائل لمريم {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] ، فمنهم من قال قاله لها الملك عن الله عز وجل،

الاحتباء في صلاة النافلة

ومنهم من قال قاله لها ابنها عيسى: صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه - بدليل قوله: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي} [مريم: 24] الكلام إلى آخره، لأن رجوع الفاعل المضمر من فناداها إلى أقرب مذكور في الآية وهو عيسى أظهر من رجوعه إلى الملك الذي هو أبعد مذكور منه فيها. وهذا على قراءة من قرأ فناداها من تحتها بالخفض في الحرفين جميعا، وأما على قراءة من قرأ من تحتها بالفتح في الحرفين جميعا فلا إضمار في الكلام، والمنادي عيسى ابن مريم بلا احتمال، وبالله التوفيق. لا شريك له. [الاحتباء في صلاة النافلة] في الاحتباء في صلاة النافلة قال مالك: بلغني عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب أنهما كانا يصليان محتبئين، يريد في النوافل. قال محمد بن رشد: إلى هذا ذهب مالك فقال: لا بأس أن يصلي الرجل محتبئا في النافلة، وإن كان الاختيار عنده لمن صلى فيها جالسا أن يصلي متربعا كما يصلي في الفريضة إذا لم يقدر على القيام فيها، خلاف ما ذهب إليه زفر من أن جلوسه في موضع القيام كجلوسه في التشهد. والذي ذهب إليه مالك أولى لوجهين: أحدهما: أن يفرق بين جلوسه في موضع الجلوس وبين جلوسه في موضع القيام، كما يفرق بين إيمائه للركوع وإيمائه للسجود بأن يجعل إيماءه للسجود أخفض من إيمائه للركوع؛ والثاني: ما روي «عن عائشة أنها قالت: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى متربعا» وما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أنه قال: «صلاة القاعد على

ما جاء في الذين قتلوا ببئر معونة

النصف من صلاة القائم غير متربع» ليس بحديث صحيح، وما روي عن ابن مسعود من أنه قال: لأن أجلس على رضفتين أحب إلي من أن أتربع في الصلاة، يحتمل أن يكون معناه في التربع في الجلوس للتشهد. وبالله التوفيق. [ما جاء في الذين قتلوا ببئر معونة] ودعاء رسول الله على الذين قتلوهم وحدثني عيسى بن دينار عن مالك قال: «دعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الذين قتلوا أهل بئر معونة ثلاثين غداة يدعو على رعل ولحيان وعصية عصت الله ورسوله. قال أنس: فأنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا ثم نسخ بعد ذلك بلغوا قومنا عنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا.» قال ابن القاسم: وسمعت في تفسير هذه الآية: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] {فَرِحِينَ} [آل عمران: 170] إلى آخر الآية، وفي الحديث أنهم لما دخلوا الجنة قالوا: يا ليت قومنا يعلمون بما أكرمنا الله، فقال الله تبارك وتعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله هذه الآية. قال محمد بن رشد: جميع الأموات يحيون بعد موتهم لمسائلة منكر ونكير، ويعرض على كل واحد منهم مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل النار فمن أهل النار، وإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، يقال له:

نهي السؤال عن السؤال في المسجد

هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة: فالفرق بين الشهداء وبين أهل الجنة من سواهم أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وينعمون على ما جاء في الحديث من أن أرواح الشهداء تسرح في ثمار الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، وسائر أهل الجنة من المؤمنين - أحياء إلى يوم البعث، لا يرزقون ولا يتنعمون، وبالله التوفيق. [نهي السُّؤَّال عن السؤَال في المسجد] في نهي السُّؤَّال عن السؤَال في المسجد وسئل مالك عن السؤال الذين يسألون في المسجد ويلحون في المسألة ويقولون للناس قد وقفنا منذ يومين ويذكرون حاجتهم ويبكون، قال: أرى أن ينهوا عن ذلك. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، لأن المساجد إنما وضعت للصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله والدعاء لله عز وجل فينبغي أن ينهى فيها عما سوى ذلك من اللغط ورفع الصوت وسؤال السؤال الذين يلحون، لأن ذلك مما يشغل المصلين، وبالله التوفيق. [ما جاء عن عمر بن الخطاب في قول الرجل لامرأته حبلك على غاربك] فيما جاء عن عمر بن الخطاب في قول الرجل لامرأته حبلك على غاربك وسئل مالك عن حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حبلك على غاربك، فقال: قد قاله عمر بن الخطاب وأحلفه. قال مالك أما أنا فأرى أن قد بانت منه، ما يريد الذي قال: حبلك على غاربك إلا الطلاق، وما أراه يمسك شيئا. قال ابن القاسم: يريد مالك البتة. قال ابن القاسم وذلك رأيي إذا كان قد دخل بها. قال

مالك: وإن لم يكن دخل بها نوي فإن لم تكن له نية فهي البتة. قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة أنه لا ينوى في هل أراد الطلاق أو لم يرده ولا في عدد الطلاق إلا إن كان لم يدخل بها. وقد وقع في بعض روايات العتبية من رواية أشهب عن مالك مثل هذا، زاد ولو ثبت عندي أن عمر بن الخطاب قال ذلك ما خالفته، ولكنه حديث جاء هكذا. وإنما قال فيه هذا لأنه عنده بلاغ مالك أنه بلغه أنه كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق أن رجلا قال لامرأته حبلك على غاربك فكتب عمر بن الخطاب إلى عامله أن مره يوافني في الموسم فبينا عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال له عمر من أنت؟ فقال الرجل أنا الذي أمرت أن أجلب عليك، فقال له عمر أسألك برب هذه البنية ما أردت بقولك حبلك على غاربك؟ فقال الرجل لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك، أردت بذلك الفراق، فقال عمر بن الخطاب هو ما أردت. والظاهر من حديث عمر أنه نواه في الوجهين جميعا، لأنه لما قال أردت بذلك الفراق، قال له هو ما أردت. وليس بنص في واحد من الوجهين، إذ لا يدرى ما كان يقول له لو قال له لم أرد بذلك الفراق وإنما أردت بذلك وجه كذا وكذا لشيء يذكره مما يحتمله كلامه، وماذا كان يقول له لو قال أردت بذلك واحدة أو اثنتين لاحتمال أن يكون فهم من قوله أردت بذلك الفراق أنه أراد بذلك الفراق بتاتا ولذلك قال له: هو ما أردت. فأما تنويته في هل أراد بذلك الطلاق أم لا فالذي يأتي على مذهب مالك وأصحابه أنه لا ينوى في ذلك لأنه من صريح كنايات الطلاق، كمن قال لامرأته: أنت بائنة مني ثم قال: إنما أردت أن بيني وبينها فرجة في الجلوس في ذلك الوقت، وكمن قال لها: أنت طالق ثم قال: إنما أردت أنها طالق من وثاق

هبة الثواب

ولم تكن قبل ذلك في وثاق. وأما تنويته في عدد ما أراد من الطلاق فيتخرج ذلك على قولين في المذهب، إذ لا فرق في المعنى بين قوله حبلك على غاربك أو قد سرحتك لأنه إذا سرحها فقد ألقى حبلها على غاربها، وإذا ألقى حبلها غاربها فقد سرحها. وقد قالوا في سرحتك إنه ينوى في المدخول بها أو غير المدخول بها، فإن لم تكن له نية فهي ثلاث، وقيل: إنها واحدة في التي لم يدخل بها إذا لم تكن له نية. [هبة الثواب] في هبة الثواب قال مالك عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: من وهب هبة فهو أحق بهبته حتى يثاب بها. قال محمد بن رشد: معناه في هبة الثواب، بدليل قوله في الموطأ: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها.. وقد اختلف في هبة الثواب هل من حق الواهب أن يمسكها حتى يقبض ثوابها كالسلعة المبيعة التي له أن يمسكها حتى يقبض ثمنها، أوليس له ذلك ويلزمه أن يدفعها إليه ثم يطلبه بثوابها؟ فقيل من حقه أن يمسكها حتى يأخذ ثوابها، وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب هذا في هذا الحديث؛ وقيل: ليس له أن يمسكها ويلزمه أن يدفعها ثم يطلبه بثوابها، وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب في حديث الموطأ. وعلى هذا الاختلاف يأتي اختلافهم في هل تدخل الهبة بالعقد في ضمان الموهوب له أم لا، والقول في هذه المسألة مستوفى في كتاب المقدمات، وبالله التوفيق.

المبيت على ظهر المسجد

[المبيت على ظهر المسجد] في المبيت على ظهر المسجد قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز يبيت على ظهر المسجد مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا تبيت معه امرأة كراهية لذلك. قال محمد بن رشد: في هذا بيان أن لظهر المسجد من الحرمة ما لداخل المسجد، وبفعل عمر بن عبد العزيز هذا احتج مالك في المدونة في أنه لا يجوز لأحد أن يبني مسجدا ويبني فوقه بيتا يرتفق به، وقال: إنه يورث البنيان الذي تحت المسجد ولا يورث البنيان الذي فوقه، وبالله التوفيق. [قبلة النبي عليه السلام ومصلاه في مسجده] في قبلة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ومصلاه في مسجده قال مالك: ليس العمود المخلق قبلة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولكنه كان أقرب العمد إلى مصلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقبلة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هي حذو قبلة الإمام، وإنما قدمت القبلة حذو قبلة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سواء كان بين المنبر وبين جدار المسجد ممر الرحل مسجدا فقدمه عمر إلى موضع خشب المقصورة، ثم قدمه عثمان إلى موضعه الذي هو عليه، فلم يقدم بعد. قال محمد بن رشد: لابن القاسم في رسم نذر من هذا السماع من كتاب الصلاة أن مصلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هو العمود المخلق خلاف قول مالك هاهنا، ورأى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - هناك صلاة النافلة في مصلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أفضل من الصلاة في سائر المسجد. قال: وأما الفريضة فيتقدم إلى أول الصف أحب إلي. وقد مضى القول على ذلك هنالك.

الصلاة في سقائف المسجد فرارا من الحر

وأما قوله إن قبلة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هي حذو قبلة الإمام، وإنما قدمت القبلة حذو قبلة النبي " - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سواء، فالمعنى في ذلك أن عمر بن الخطاب إذ زاد في قبلة المسجد جعل المحراب في الزيادة بإزاء المحراب القديم وفي قبلته غير مشرق عنه ولا مغرب، وأن المنبر قبل أن يزاد في قبلة المسجد كان بينه وبين جدار القبلة ما قاله، فلما زيد في قبلة المسجد لم ينقل المنبر عن موضعه فبعد عن جدار المسجد، وكذلك زاد بعده عن جدار القبلة إذ زاد عثمان أيضا في قبلة المسجد، وبالله التوفيق. [الصلاة في سقائف المسجد فرارا من الحر] في الصلاة في سقائف المسجد فرارا من الحر قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز يصلي إذا اشتد الحر في سقائف المسجد، يخرج من المقصورة إلى خارج يصلي فيه لموضع الحر، فقلت لمالك: أفترى بذلك بأسا؟ قال: لا بأس أن يخرجوا إذا كان في المسجد سعة لمن يصلي فيه إذا اشتد الحر. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من التوسعة في الصلاة بسقائف مكة فرارا من الحر، وقد مضى من القول على ذلك ما فيه كفاية، وبالله التوفيق. [من أحرم من التنعيم يسعى الأشواط الثلاثة] في أن من أحرم من التنعيم يسعى الأشواط الثلاثة قال ابن القاسم: قال مالك: حدثني هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير أحرم من التنعيم وسعى الأشواط الثلاثة حين طاف

اليمين مع شهادة المرأتين في الدين

بالبيت، قال مالك: وذلك رأيي. قال محمد بن رشد: هذا معلوم من مذهب مالك أن الرمل في الحج في الطواف الأول الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة وفي العمرة، أحرم بهما من الميقات أو مما دونه سنة، واختلف قوله إن تركه أحد ناسيا أو جاهلا، فقال مرة إنه يعيد إن كان قريبا، فإن طال كان عليه الدم، وقال مرة لا يعيد وإن كان قريبا وعليه دم، ومرة لم ير عليه شيئا، وبالله التوفيق. [اليمين مع شهادة المرأتين في الدين] في اليمين مع شهادة المرأتين في الدين قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: تجوز شهادة المرأتين في الدين مع يمين صاحب الحق. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأن المرأتين عدل الرجل فيما تجوز فيه شهادتهن مع الرجل وهو المال، لقول الله عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] فكما يستحق المال على مذهب مالك ومن تبعه على القضاء باليمين مع الشاهد فكذلك يستحق باليمين مع الشاهدتين، وبالله التوفيق. [دية عين الأعور] في دية عين الأعور قال مالك: كان سليمان بن يسار وربيعة [بن أبي

ترك حلق الشعر وتقليم الأظفار إذا أهل هلال ذي الحجة

عبد الرحمن] يقولان في دية عين الأعور إذا فقئت عينه ألف دينار. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن منفعة الأعور بعينه الواحدة كمنفعة الصحيح بعينيه جميعا، فوجب أن يكون له في عينه الباقية ما للصحيح في عينيه جميعا. وقد اختلف على قياس هذا في الأعور العين اليمنى يفقأ عين الصحيح اليسرى أو الأعور العين اليسرى يفقأ عين الصحيح اليمنى على ثلاثة أقوال: أحدها أنه ليس له إلا القصاص إلا أن يصطلحا على شيء، والثاني أنه يخير بين أن يقتص أو يأخذ دية عينه خمسمائة دينار، والثالث أنه مخير بين أن يقتص أو يأخذ دية عين الأعور التي ترك ألف دينار. وقد مضى في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الجنايات توجيه كل واحد من هذه الأقوال، وبالله التوفيق. [ترك حلق الشعر وتقليم الأظفار إذا أهل هلال ذي الحجة] فيما جاء في ترك حلق الشعر وتقليم الأظفار إذا أهل هلال ذي الحجة قال مالك: بلغني أن أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت تقول: إذا استهل ذو الحجة فلا يأخذ أحد من شعره ولا من أظفاره. قال مالك: لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قول أم سلمة هذا مروي عنها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة فأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي» . وفي بعض الآثار عنها

عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي» . وإنما لم ير بهذا بأسا لأنه عارضه عنده حديث عائشة إذ قالت ردا لقول ابن عباس: «من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي: ليس كما قال ابن عباس: أنا قلدت قلائد هدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي ثم قلدها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده [ثم بعث بها] فلم يحرم عليه شيء مما أحله الله له حتى نحر الهدي» لأنه إذا لم يحرم على الذي بعث بالهدي شيء مما أحله الله له حتى ينحر الهدي، فأحرى ألا يحرم على الذي يريد أن يضحي أو عنده ذبح يريد أن يضحي به شيء مما أحله الله له حتى يضحي. وقد جمع بين الحديثين بعض من ذهب إلى الأخذ بحديث أم سلمة بأن قال: معنى حديث عائشة أنه لم يحرم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيء مما أحل الله له من أهله حتى نحر الهدي على ما جاء في بعض الآثار عنها وحرم عليه ما سوى ذلك من حلق الشعر وقص الأظفار على ما جاء في حديث أم سلمة، وبالله التوفيق.

امتشاط الحاد بالحناء واكتحالها بالصبر

[امتشاط الحاد بالحناء واكتحالها بالصبر] في امتشاط الحاد بالحناء واكتحالها بالصبر قال مالك: بلغني أن أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت تنهى أن تمتشط الحاد بالحناء، وتكتحل بالصبر. قال محمد بن رشد: إنما كانت أم سلمة تنهى الحاد عن الاكتحال بالصبر لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليها وهي حاد على أبي سلمة وقد جعلت على عينها صبرا، فقال ما هذا يا أم سلمة؟ فقالت: إنما هو صبر يا رسول الله، قال: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار، فقالت لامرأة حاد على زوجها اشتكت عينها فبلغ ذلك منها اكتحلي بكحل الجلاء بالليل وامسحيه بالنهار» وقالت: تجمع الحاد رأسها بالسدر والزيت، وهو الذي ذهب إليه مالك أنها لا تمتشط إلا بالسدر وما أشبهه مما لا يختمر في رأسها وبالله التوفيق. [الترغيب في السواك] في الترغيب في السواك قال: وحدثني عن محمد بن يحيى بن حبان قال: أدركت رجالا من أسلم كانت معهم أسوكة يستاكون بها لكل صلاة. قال محمد بن رشد: السواك مرغب فيه ومندوب إلية لقول النبي

البناء في الرعاف

- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عليكم بالسواك» وقوله: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» . وقد قال أبو هريرة: «لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء» . والأصبع يجزئ من السواك إذا لم يجد سواكا، قاله مالك في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة. وقد مضى هناك القول على وجه ذلك وبالله التوفيق. [البناء في الرعاف] في البناء في الرعاف قال مالك وبلغني أن ابن عباس كان يبني في الرعاف على ما صلى. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في بناء الراعف وقطعه في رسم طلق بن حبيب. وظاهر قول ابن عباس هذا أنه كان يبني فذا كان أو في جماعة، وفي ذلك بين من اختار البناء على القطع اختلاف، وبالله التوفيق. [الإبراد في الحر بالصلاة] في الإبراد في الحر بالصلاة قال مالك: قال عمر بن الخطاب لأبي محذورة: إنك بأرض حارة فأبرد فكأني عندك. قال محمد بن رشد: إنما أمره بالإبراد وهو التأخير لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من

فيح جهنم» وذكر أن النار الحديث. وقد اختلف العلماء في هذا المعنى، فقال أبو الفرج: اختار مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لجميع الصلوات أول أوقاتها إلا الظهر في شدة الحر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة» فقال: إن هذا هو مذهب مالك، ولم يفرق بين الجماعة والفذ على ظاهر الحديث، خلاف ما في المدونة من أنه استحسن أن يصلي الناس، يريد [الجماعة] الظهر في الشتاء والصيف إذا فاء الفيء ذراعا، والمعنى في ذلك أنه تأول أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أمر بالإبراد بالصلاة في شدة الحر ليدرك الناس الصلاة، فلما كان المعنى عنده في الأمر بالإبراد الرفق بالناس ليدركوا الصلاة في الجماعة رأى من الرفق بهم أن تؤخر الصلاة في الشتاء أيضا حتى يفيء الفيء ذراعا ليدرك الناس الصلاة على ظاهر ما كتب به عمر ابن الخطاب إلى عماله من أن يصلوا الظهر إذا فاء الفيء ذراعا، فعم ولم يفرق بين الشتاء والصيف، وإن كان الرفق بالناس في ذلك في المصيف أكثر منه في الشتاء. وأما المنفرد على ما في المدونة فأول الوقت أفضل له على ما كتب به عمر إلى أبي موسى الأشعري أن صل الظهر إذا زاغت الشمس، لأن معناه في المنفرد، لئلا يتعارض ما كتب به إلى عماله مع ما كتب به إليه. وقد حمل ابن عبد البر ما في المدونة على أنه استحب للمنفرد والجماعة أن يؤخروا الظهر في الشتاء والصيف إلى أن يفيء

إطالة صلاة الصبح مع الإسفار

الفيء ذراعا، وهو تأويل ليس بصحيح. وقال الليث بن سعد: يصلي الصلوات كلها الظهر وغيره في أول الوقت في الشتاء والصيف، وهو أفضل، وكذلك قال الشافعي إلا أنه استثنى فقال: إلا أن يكون إمام جماعة ينتاب من المواضع البعيدة فإنه يبرد بها يريد في الحر، قال: لأن أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان بالمدينة لشدة حر الحجاز، ولأنه لم يكن بالمدينة مسجد غير مسجده، فكان ينتاب من بعد فيتأذون بشدة الحر فأمرهم بالإبراد لما في الوقت من السعة. وقال العراقيون: يصلي الظهر في الشتاء والصيف في أول الوقت، واستثنى أصحاب أبي حنيفة شدة الحر. فيتحصل في الإبراد بصلاة الظهر في الصيف إلى أن يفيء الفيء ذراعا وهو وسط الوقت، لأن طول المدة من زوال الشمس إلى أن يفيء الفيء ذراعا مثل طولها من حين يفيء الفيء ذراعا إلى آخر القامة لإبطاء الظل بالسير في أول القامة وإسراعه في آخرها، أربعة أقوال: أحدها استعمال الإبراد في الجماعة والانفراد، والثاني ترك الإبراد في الجماعة والانفراد، والثالث ترك الإبراد في الانفراد دون الجماعة، والرابع ترك الإبراد إلا في [الجماعة في] المسجد الذي ينتاب من بعد. وأما الإبراد بالظهر في الشتاء ففي ذلك في الجماعة قولان، وأما المنفرد فلا يبرد قولا واحدا، وبالله التوفيق. [إطالة صلاة الصبح مع الإسفار] في إطالة صلاة الصبح مع الإسفار قال مالك: سافر أبو بكر بن عبد الرحمن، وكان قد كف بصره، فصلى الصبح وقد أسفر يقرأ فيها ببراة. قال محمد بن رشد: معناه أنه أسفر بها عن الوقت الذي جرت عادته أن

الضحية في السفر

يصليها فيها من التبكير، لا أنه أسفر بها إلى قرب طلوع الشمس، إذ لو أسفر بها إلى قرب طلوع الشمس لما جاز له أن يقرأ فيها ببراءة، وبالله التوفيق. [الضحية في السفر] في الضحية في السفر قال مالك: بلغني أن رجلا كان مسافرا وأنه أدركه النحر في السفر فمر براع على رأس جبل فقال له: عندك شاة تبيعها؟ قال له الراعي: نعم، فاشترى منه شاة ثم قال: أضجعها فاذبحها ثم شأنك بها. قال فقال الراعي: اللهم تقبل مني، قال: ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل. قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب عن أصبغ أنه قال: إنما في هذا الحديث أن ابن عمر ضحى في السفر، وأما المبالغة فيما فعل مع الراعي على طريقة الفقه فلا تجزئ عنه وتجزئ عن الراعي ويضمن قيمتها له فيضحي بغيرها، كمن تعدى على ضحية رجل فذبحها عن نفسه. وتابعه الفضل على تأويله فقال: بل لا تجزئ عن واحد منهما على أصله المتقدم، وليس ذلك بصحيح، لأن الراعي لم يتعد على ابن عمر في ذبح ضحيته، وإنما ذبحها بأمره وهو حاضر مستنيب له في ذلك، فوجب أن تكون النية في ذلك نيته لا نية الذابح، كمن أمر رجلا أن يوضئه فوضأه فالنية في ذلك نية الآمر الموضأ لا نية المأمور الموضىء. ألا ترى أنه لو نوى فيها لابن عمر خلاف نيته من ذبحه إياها على أنها شاة لحم لم يؤثر ذلك في نيته، وإنما قوله فيما ذبح لغيره وبأمره اللهم تقبل مني، بمنزلة اللهم تقبل مني صلاة فلان وصيامه، فذلك لغو ودعاء غير مقبول. على أنه يحتمل أن يكون الراعي إنما

توقيت عمر ذات عرق لأهل المشرق

أراد اللهم تقبل مني عملي في ذبحي الذبيحة عنه ومعونتي إياه على نسكه ولا تحرمني الأجر في ذلك [ولعله ظن بجهله أن الأجر في ذلك] له لا لابن عمر إذ تولى هو ذبحها عنه، وفهم ذلك عنه ابن عمر، ولذلك قال: ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل. ولو رأى ابن عمر أنها لا تجزئه لما قال للراعي يضحي بغيرها. وهذا كله بين، وفيه دليل لقول أشهب في النصراني أو اليهودي يذبح ضحية رجل بأمره أنها تجزئه وبئس ما صنع. وقد مضى هذا في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الضحايا، وبالله التوفيق. [توقيت عمر ذات عرق لأهل المشرق] في توقيت عمر ذات عرق لأهل المشرق قال مالك: وقت عمر بن الخطاب ذات عرق لأهل المشرق. قال محمد بن رشد: في هذا جواز الاجتهاد فيما لا نص فيه، وذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما وقت المواقيت لأهل الآفاق وسكت عن العراق، وقت لها عمر باجتهاده ذات عرق، فكان ذلك منه سنة وجب اتباعه فيها، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهتدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ» وبالله التوفيق. [دعاء الملائكة للإنس وعليهم] في دعاء الملائكة للإنس وعليهم قال مالك: بلغني أن في السماء ملكين يقول أحدهما: اللهم

أمر عمر بن الخطاب بكتب الناس للعطاء

أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا، ويقول الآخر: ويل للرجال من النساء وويل للنساء من الرجال. قال عيسى قلت لابن القاسم: يريد وجه الفجور؟ قال: نعم وغير ذلك مما يكون بين الرجال ونسائهم في غير وجه الفجور. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، فينبغي لمن أمسك أن يتوقع ذهاب ماله لإجابة دعوة الملك، ولمن أنفق بغير سرف ولا تعد أن يرجو الخلف من الله بإجابة دعوة الملك. وقد أثنى الله عز وجل على من أنفق على عياله وعلى نفسه بغير إسراف ولا إقتار فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] ووعدهم بما وعدهم به من قوله: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا} [الفرقان: 75] إلى آخر السورة. والويل قيل فيه إنه واد في جهنم يسيل من عصارة أهل النار في النار، فينبغي للنساء والرجال أن يتوقعوا هذا الوعيد حتى لا يتعدى بعضهم على بعض في وجه من الوجوه، وبالله تعالى التوفيق. [أمر عمر بن الخطاب بكتب الناس للعطاء] في أمر عمر بن الخطاب بكتب الناس للعطاء قال مالك: قال عمر بن الخطاب لابن الأرقم: اكتب لي الناس، فكتبهم، ثم جاء بهم فقال أكتبتهم؟ قال: نعم قد كتبت المهاجرين والأنصار والمهاجرين من العرب والمحررين، فقال عمر: لعل ثم رجل ليس هاهنا أحد من قومه لم تكتبه فارجع فاكتبه.

معنى قول الله عز وجل وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا

قال محمد بن رشد: قال في هذه الحكاية من المدونة: ارجع فاكتب فلعلك تركت رجلا لم تعرفه، أراد ألا يترك أحدا. فهذا مما يدل على أن عمر بن الخطاب كان يقسم لجميع المسلمين. وقد قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ما أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه حتى لو كان راعيا وراعية بعدن. قال ابن القاسم: ورأيت مالكا يعجبه هذا الحديث، وبالله التوفيق. [معنى قول الله عز وجل وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا] في قول الله عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] قال مالك عن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عائشة أنها قالت: ما رأيت مثل ما ترك الناس من هذه الآية {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] . قال محمد بن رشد: روي عن عبد الله بن عباس أنه قال في تأويل هذه الآية: إن الله عز وجل أمر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إذا ما اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله وينصف بعضهم من بعض، فإن أجابوا حكم فيهم بكتاب الله عز وجل حتى ينصف المظلوم من الظالم، فمن أبى منهم أن يجيب فهو باغ وحق على الإمام أن يجاهدهم ويقاتلهم حتى يفيئوا إلى أمر الله ويقروا بحكم الله. وروي أن هذه الآية نزلت في طائفتين من الأوس والخزرج اقتتلتا في بعض ما تنازعتا فيه. وروي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقبل على حمار حتى وقف في مجلس من مجالس الأنصار، فكره بعض القوم موقفه، وهو عبد الله بن أبي ابن سلول،

فقال: خل لنا سبيل الريح من نتن هذا الحمار أف وأمسك أنفه، فمضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغضب له بعض القوم وهو عبد الله بن رواحة، فقال: ألرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلت هذا القول؟ فوالله لحماره أطيب ريحا منك فاستبا ثم اقتتلت عشائرهما، فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقبل يصلح بينهم، فكأنهم كرهوا ذلك فنزلت هذه الآية: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] إلى آخر الآية» فأرادت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بقولها والله أعلم: ما رأيت مثل ما ترك الناس في هذه الآية نسبة التقصير إلى من أمسك من الصحابة عن الدخول في الحروب التي وقعت بينهم واعتزلهم وكف عنهم ولم يكن مع بعضهم على بعض، ورأت أن الحظ لهم والواجب عليهم إنما كان في أن يروموا الإصلاح بينهم، فإن لم يقدروا عليه كانوا مع من يقتضيه نظرهم أنه على الحق منهم على ما تقتضيه الآية. وإنما أمسك من أمسك منهم عن نصر بعضهم على بعض طلبا للخلاص والنجاة مما شجر بينهم، إذ لم يبن لهم من كان على الحق منهم والله أعلم، فكان فرضهم ما فعلوه من الإمساك، إذ لا يحل قتال مسلم بشك، كما كان فرض كل من قاتل منهم ما فعله من القتال لاعتقاده أنه مصيب باجتهاده، فكلهم محمود على ما فعله: القاتل منهم والمقتول في الجنة. فهذا الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده فيما شجر بينهم، لأنهم قد أثنى الله عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله، فقال عز من قائل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] ، أي خيارا عدولا. وقال عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] الآية، وقال

معنى قول الله عز وجل نساؤكم حرث لكم

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم» وقال: «عشرة من قريش في الجنة فسمى فيهم عليا وطلحة والزبير» . والذي يقول به أهل السنة والحق أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن اتبعه كان على الصواب والحق، وأن طلحة والزبير كانا على الخطأ إلا أنهما رأيا ذلك باجتهادهما وكان فرضهما ما فعلاه إذ هما من أهل الاجتهاد. ومن الناس من يجعل المسألة من مسائل الاجتهاد ويقول: كل مجتهد فهو مصيب كسائر الأحكام، وليس ذلك بصحيح. ومن أئمة المعتزلة من يقف في علي وطلحة والزبير وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فيقول: لا ندري من المصيب منهم من المخطئ؟ ومن الناس من يقول: إن من خالف عليا كان على الخطأ والعصيان إلا أنهم تابوا ورجعوا إلى موالاة علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قبل أن يموتوا، واستدلوا على ذلك برجوع الزبير، وندم عائشة وبكائها إذ ذكر لها يوم الجمل، وقول طلحة لشاب من عسكر علي وهو يجود بنفسه: امدد يدك أبايعك لأمير المؤمنين. والذي قلناه من أنهم اجتهدوا فأصاب علي وأخطأ طلحة والزبير هو الصحيح الذي يلزم اعتقاده، فلعلي أجران لموافقته الحق باجتهاده، ولطلحة والزبير أجر واحد لاجتهادهما. وقد مضى هذا في أول هذا السماع من كتاب المحاربين والمرتدين، والله الموفق للصواب برحمته. [معنى قول الله عز وجل نساؤكم حرث لكم] في معنى قول الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] قال مالك عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن يهود كانت تقول من وطئ امرأته من ورائها جاء ولده أحول، فأنزل الله تبارك

وتعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] . قال محمد بن رشد: المعنى في قوله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223] أي موضع حرثكم ومزدرع أولادكم. وقد اختلف في معنى قوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] فقيل معناه كيف شئتم مقبلة أو مدبرة أو باركة في موضع الولد، لأن الوطء لا يكون إلا في موضع الولد، كما أن الحرث لا يكون إلا في موضع الزرع، وهو الذي يدل عليه سبب نزول الآية على ما جاء في حديث جابر المذكور. وقيل معناه متى شئتم من ليل أو نهار، روي ذلك عن ابن عباس، وروي عنه أيضا أنه قال: معناه {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] إن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تعزلوا. وقيل معنى أنى شئتم حيث شئتم إن شئتم في القبل وإن شئتم في الدبر. روى نافع عن ابن عمر أنه قرأ يوما {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] فقال أتدري فيما نزلت هذه الآية؟ قال: قلت لا. قال: أنزلت في وطء النساء في أدبارهن. روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك أنه قال له: يا أبا عبد الله إن الناس يروون عن سالم كذب العلج أو العبد على أبي، فقال مالك: أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر مثل ما قال نافع، فقيل له: إن الحارث ابن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عن ذلك فقال: أف أف، أيفعل ذلك مؤمن أو قال مسلم؟ فقال مالك: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع. وسيأتي في أول رسم من سماع عيسى القول فيما روي عن مالك في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

ما للعبد إذا نصح لسيده

[ما للعبد إذا نصح لسيده] فيما للعبد إذا نصح لسيده قال مالك: بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا نصح العبد لسيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين» . قال محمد بن رشد: معناه كان له أجران: أجر في عبادة ربه، وأجر في خدمة سيده. وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل آمن بنبيه ثم أدرك النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فآمن به، وعبد عبد ربه ونصح لسيده، ورجل كانت له جارية فأدبها وأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها» . وبالله التوفيق. [الرضى بقدر الله عز وجل] في الرضى بقدر الله عز وجل وقال مالك: كان عمر بن عبد العزيز يقول ما لي هوى إلا في مواقع حكم الله. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا رضاه بما يقع من أحكام الله تعالى التي حكم بها وقدرها. ويحتمل أن يكون معنى قوله إنه لا رغبة له ولا هوى في الحكم على أحد إلا بما يوجبه الحكم الذي افترضه الله جل وتعالى على عباده، وبالله التوفيق.

حكم الغيبة

[حكم الغيبة] في الغيبة وفي الحديث سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن معنى الغيبة فقال: إذا قلت ما يكره أن يسمع. قال محمد بن رشد: الغيبة محرمة بنص القرآن، قال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] . ومعنى لا يغتب بعضكم بعضا لا يقل بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره القول فيه أن يقال له في وجهه. وروي عن أبي هريرة أنه قال: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الغيبة فقال: هو أن تقول في أخيك ما فيه فإن كنت صادقا فقد أغتبته وإن كنت كاذبا فقد بهته» . وجاء في بعض الآثار «أن امرأة دخلت على عائشة فلما قامت لتخرج أشارت عائشة بيدها إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أي أنها قصيرة، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اغتبتها» . وقال معاوية بن قرة: لو مر عليك رجل أقطع فقلت: إنه أقطع كنت اغتبته. ومعنى قول الله عز وجل: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] يقول: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه بعد مماته، فإن لم تحبوا ذلك وكرهتموه لأن الله حرم ذلك عليكم فكذلك لا تحبوا أن تغتابوه واكرهوا غيبته حيا كما كرهتم لحمه ميتا، فإن الله حرم غيبته حيا كما حرم لحمه ميتا، وبالله التوفيق.

ما جاء من أسماء النبي عليه السلام

[ما جاء من أسماء النبي عليه السلام] فيما جاء من أسماء النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: وقال مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لي خمسة أسماء أنا أحمد، وأنا محمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، يريد يتبعونني، وأنا العاقب» . قال محمد بن رشد: ليس في قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لي خمسة أسماء دليل على أنه لا أسماء له غيرها، إذ لا ينتفي عنه بذكر بعض أسمائه وإن ذكر عددها سائرها، وهذا كما تقول في فلان ثلاث خصال وهي كذا وكذا فلا تنفي بذلك أن لا يكون له خصال سوى الثلاث التي ذكرتها، لأن أسماءه هذه الخمسة مشتقة من صفاته، فلا يمتنع أن يكون له أسماء سواها مشتقة من صفاته، بل قد جاء ذلك فروي هذا الحديث من رواية محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه وزاد فيه: وقد سماه الله عز وجل رؤوفا رحيما. وروي في أسمائه أيضا المقفي، ونبي [التوبة في التوراة] ونبي الملحمة، وسماه الله عز وجل خاتم النبيين. وجائز أن يضاف إلى هذه الأسماء المروية سواها مما هو مشتق من صفاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن هذه أيضا مشتقة من صفاته: محمد وأحمد من الحمد، والماحي من أن الله يمحو به الكفر كما قال في الحديث، ويمحو به ذنوب من اتبعه، والحاشر من أن أمته تنحشر إليه يوم القيامة وتتبعه فتكون قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والعاقب من أنه آخر الأنبياء، والمقفي من أنه قفى من قبله من الأنبياء، وخاتم النبيين مثله في المعنى، وسمي نبي التوبة لأن الله تاب به على من تاب من عباده، وسمي نبي الملحمة لأنه بعث بالقتال على الدين، وبالله التوفيق.

لا زكاة في المال المستفاد حتى يحول عليه الحول

[لا زكاة في المال المستفاد حتى يحول عليه الحول] في أنه لا زكاة في المال المستفاد حتى يحول عليه الحول قال مالك بلغني عن علي بن أبي طالب أنه قال: ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول. قال محمد بن رشد: هذا مروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول» وهذا ليس على عمومه في جميع الأموال المستفادة، لأنه يخصص من ذلك الحبوب والثمار لقول الله عز وجل: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ويخصص من ذلك أيضا على قول مالك ما يخرج من المعدن بالقياس على الحبوب والثمار لأنه يعتمل كما يعتمل الزرع وينبت في الأرض كما ينبت الزرع؛ ويخصص من ذلك أيضا نماء الماشية فتزكى على أصولها ولا يستقبل به الحول، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كل ذات رحم فولدها بمنزلتها» . واختلف قول مالك في أرباح الأموال هل تزكى على أصل المال أم لا اختلافا كثيرا، وقد مضى الكلام على هذا في سماع أشهب من كتاب الزكاة، وبالله التوفيق. [حمل السلاح على المسلمين] ما جاء في من حمل السلاح على المسلمين قال مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله

تقليد المرأة الهدي وإشعارها إياه

عليه وسلم - قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا» . قال محمد بن رشد: قوله ليس منا، معناه ليس على مثل هدينا وطريقتنا، لا أن من حمل السلاح على المسلمين من المسلمين محاربا لهم على أموالهم فإنه يكون بذلك خارجا عن ملة الإسلام، وهذا نحو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من غشنا فليس منا» «ومن لم يرحم صغيرنا ولا وقر كبيرنا فليس منا» وما أشبه هذا كثير، وبالله التوفيق. [تقليد المرأة الهدي وإشعارها إياه] في تقليد المرأة الهدي وإشعارها إياه وسئل مالك عن رأي ابن شهاب في المرأة تقلد وتشعر، قال مالك أراه خطأ لا يقلد ولا يشعر إلا من ينحر وإني لأحب للمرء أن يتواضع لله ويخضع له ويذل نفسه. كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينحر بدنه، وإن ناسا يأمرون من يذبح لهم، يريد بذلك أهل الطول ويعيب ذلك عليهم. فقيل له يا أبا عبد الله فلو أن امرأة اضطرت [إلى أن تأمر جاريتها تقلد وتشعر، قال مالك إن اضطرت] رأيت ذلك مجزئا، ولا أرى للمرأة أن تقلد ولا تشعر وهي تجد رجلا يقلد لها ويشعر. قال محمد بن رشد: لما نحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

النفل من الخمس

بدنه بيده ولم ينحر أزواجه عن أنفسهن بل نحر هو عنهن كان في ذلك ما قد دل على أن المرأة لا تذبح ولا تنحر إلا أن تضطر إلى ذلك. والتقليد والإشعار من ناحية النحر فلا ينبغي للمرأة أن تفعل شيئا من ذلك إلا من ضرورة، فإن فعلته من غير ضرورة كانت قد أساءت وأكلت ذبيحتها، وهذا ما لا اختلاف فيه أحفظه، وبالله التوفيق. [النفل من الخمس] في أن النفل من الخمس قال مالك: بلغني أن الناس كانوا يعطون من الخمس، يعني النفل، قال ابن القاسم قال مالك إنما ينفل من الخمس ولا ينفل أحد من رأس الغنيمة. قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه لا اختلاف بينهم فيه. أن النفل من الخمس، لأن الأربعة الأخماس للغانمين، والخمس مصروف إلى اجتهاد الإمام. وقد اختلف في ذلك اختلافا كثيرا، فقيل إنه لا ينفل إلا من بعد الخمس من الأربعة الأخماس، لأن الخمس عندهم قد صرفه الله إلى المذكورين في الآية فلا يخرج عنهم منه شيء؛ وقيل إن للإمام أن ينفل من جملة الغنيمة قبل أن يخمسها، ولا يرى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - للإمام أن ينفل قبل القتال لئلا يرغب الناس في العطاء فتفسد نياتهم في الجهاد، فإن وقع ذلك مضى للاختلاف الواقع وللآثار المروية فيه. وأما سلب القتيل فقيل إنه لا يكون للقاتل إلا أن ينفله الإمام إياه إما من الخمس وإما من رأس الغنيمة وإما بعد تخميسها على ما ذكرناه من الاختلاف فيما سوى السلب، وقيل إنه للقاتل حكم من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحتاج فيه إلى استئناف أمر من الإمام؛ وقيل: إنه للإمام يخمسه ولا يكون له منه إلا أربعة أخماسه. وقد قيل إن الإمام لا ينفل إلا من خمس الخمس، وهذا يرده «حديث ابن عمر في السرية التي بعثها رسول الله - صلى

تفسير قول الله عز وجل فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا

الله عليه وسلم - قبل نجد، وكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا [أو أحد عشر بعيرا] ونفلوا بعيرا بعيرا» وبالله التوفيق. [تفسير قول الله عز وجل فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا] في تفسير قول الله عز وجل {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قال مالك في قول الله عز وجل: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قال: القوة على الأداء. قال محمد بن رشد: قد اختلف في الخير الذي عناه الله عز وجل بقوله: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] ما هو، فقالت طائفة: المال، وقالت طائفة: القوة على الأداء وهو قول مالك، وقالت طائفة: الأمانة والدين، وقالت طائفة الصدق والوفاء. وهذه الأقاويل كلها متقاربة في المعنى، وذلك على الندب والإرشاد. وكذلك قول الله عز وجل: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] هو على الندب لا على الوجوب، ومعناه عند مالك أن يضع عنه من آخر كتابته شيئا يتعجل به عتقه. والذي يدل عليه أنه غير واجب أن الله لم يحد فيه حدا في كتابه ولا على لسان رسوله، ولو كان فرضا لكان محدودا، لأن الفروض لا تكون غير محدودة بكتاب أو سنة، فلما لم يحد ذلك في الكتاب ولا ثبت فيه خبر مرفوع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دل ذلك على أن الناس يؤمرون بذلك ولا يجبرون عليه بالحكم كالمتعة.. وقد قال بعض الناس: يوضع عنه الربع من كتابته، وقائل هذا القول يرى ذلك واجبا، واختار بعض الناس أن يضع عنه آخر نجم من نجومه. ومنهم من رأى أن يعطيه من سأله من غير الكتابة. وقد قيل إن

بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم بميمونة بسرف

الخطاب في ذلك إنما هو للولاة أن يعطوهم من الزكاة لا للسادة، لقول الله عز وجل: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] . وقد قيل أيضا إن الخطاب لجميع الناس أن يعينوهم من أموالهم، وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أعان مكاتبا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» . وبالله التوفيق. [بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم بميمونة بسرف] في أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما بنى بميمونة بسرف قال مالك: بنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بميمونة في الثلاثة الأيام أيام القضية، فأبت قريش أن يقروه [يبني بها بمكة] فبنى بها بسرف. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه إنما بنى بها بسرف في عمرة القضاء عام سبعة وهو بالمدينة قبل أن يخرج على ظاهر ما في حديث الموطأ من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة [قبل أن يخرج» وقيل] بعد أن خرج قبل أن يحرم. وإن قوله في الحديث ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة قبل أن يخرج إنما يعود على بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياهما لا على التزويج، وقيل: بعد أن أحرم وهو محرم على ما روي عن ابن عباس،

تأويل الرجل ما يخبر به على أحسن وجوهه

وقيل بعد أن حل من إحرامه على ما روي «عن ميمونة أنها قالت: تزوجني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسرف» . وإنما بنى بها بسرف لأنه لما أقام ثلاثا على ما كان قاضى عليه أهل مكة أتاه حويطب ابن عبد العزيز في نفر من قريش في اليوم الثالث فقالوا إنه قد انقضى أجلك فاخرج عنا، فقال: وما عليكم لو تركتموني فعرست بين أظهركم فصنعنا لكم فحضرتموه فقالوا: لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا فخرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبنى بها بسرف. وبالله التوفيق. [تأويل الرجل ما يخبر به على أحسن وجوهه] في تأويل الرجل ما يخبر به على أحسن وجوهه قال مالك: وبلغني عن ابن مسعود أنه قال: إذا حدثتم بحديث فظنوا به أحسنه. قال محمد بن رشد: هذا الذي ينبغي لكل من حدث عن أحد بشيء أن يفعله، فقد قال عمر بن الخطاب: لا يحل لمن يسمع من أخيه كلمة أن يظن فيها سوءا وهو يجد لها مصدرا في وجه من وجوه الخير، لأن تأويلها على ظاهرها من الشر ظن، وقد قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] ، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» وبالله التوفيق.

بركة الغزو

[بركة الغزو] في بركة الغزو قال مالك: إن رجلا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد الغزو فقال له أهله لو أقمت فسقيت وديك وأصلحته فإني أخاف أن يموت، قال: فغزا وترك الودي على حاله، فأتى وقد صلح، قال فذكر له أهله، فقال الرجل الغزو يصلح الودي. قال محمد بن رشد: قوله الغزو يصلح الودي، معناه أن الرجل لا يجد فقد شيء تركه لله، وبالله التوفيق. [الطاعة لا تجب إلا بالمعروف] في أن الطاعة لا تجب إلا بالمعروف قال مالك عن [عبد الله بن أبي بكر] عن ابن شهاب أن شداد ابن أوس غطى رأسه فبكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: إنما أخاف عليكم من قبل رؤسائكم الذين إذا أمروا بطاعة أطيعوا، وإذ أمروا بمعصية أطيعوا. إنما المنافق كحمل اختنق فمات في ربقه لا يعدو شره ربقه. قال الربق: الذي يجعل للخروف يمنع به الرضاع. قال محمد بن رشد: شداد بن أوس هذا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأنصار ابن أخي حسان بن ثابت الأنصاري، قال فيه عبادة بن الصامت: كان شداد بن أوس ممن أوتي العلم والحلم، وقال أبو الدرداء: إن الله يؤتي الرجل العلم ولا يؤتيه الحلم ويؤتيه الحلم ولا يؤتيه العلم، وإن أبا يعلى شداد بن أوس ممن آتاه الله العلم والحلم. وبكاؤه من حذره على الناس طاعتهم لرؤسائهم في الطاعة والمعصية من الحلم الذي آتاه الله إياه، وتمثيله للمنافق بالحمل الذي يختنق في ربقه فيموت، من العلم الذي آتاه الله إياه، لأنه تمثيل صحيح، لأن المنافق يهلك باعتقاده فلا يتأذى به سواه، إذ لا يظهره كالخروف يموت بربقه إذا اختنق به، فلا يتأذى به سواه، وبالله التوفيق.

الشرب قائما

[الشرب قائما] في الشرب قائما قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب كانوا يشربون قياما - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال محمد ابن رشد: روي «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه نهى عن الشرب قائما» من رواية أنس بن مالك. وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: «زجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا شرب قائما» وكره ذلك جماعة من السلف. وقال إبراهيم النخعي: إنما كره الشرب قائما لداء يأخذ في البطن، ولم ير مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بذلك بأسا إذ لم يصح عنده النهي والله أعلم، فبوب في موطئه باب شرب الرجل وهو قائم، وأدخل في الباب عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير أنهم كانوا يشربون قياما، وعن عائشة وسعد بن أبي وقاص أنهما كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأسا. ومن الحجة له على ما ذهب إليه ما روى الشعبي «عن ابن عباس قال: ناولت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إداوة من لبن فشربها وهو قائم» . وروي عن النزال بن سبرة قال: «أتي علي بماء فشرب قائما فقال: إن ناسا يكرهون هذا، وإني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشرب قائما» . وقد روي عن أبي

ما يصاب به الرجل يكفر به عنه

هريرة والحسن الوجهان جميعا: الإباحة والكراهة. «وقال عبد الله بن عمر: كنا نشرب ونحن قيام ونأكل ونحن نمشي على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. وذهب الطحاوي إلى أن المعنى فيما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من شربه قائما ونهيه عن ذلك أنه كان يشرب قائما إلى أن وقف على المعنى الذي من أجله كره الشرب قائما فنهى عنه إشفاقا منه على أمته وطلبا لمصالحهم، وليس قوله ببين، إذ قد يحتمل أن يكون نهى عن ذلك إشفاقا على أمته لما ذكر له أن ذلك يضر بهم، فلما تحقق أن ذلك لا يضر بهم شرب قائما ولم ينه عن ذلك، فقد كان هم أن ينهى عن الغيلة ثم لم ينه عنها لما ذكر من أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم شيئا. وإذا احتمل أن يكون كل واحد من الحديثين ناسخا للآخر وجب أن يسقطا جميعا ولا يمتنع من الشرب قائما إلا بيقين على ما ذهب إليه مالك، وبالله التوفيق. [ما يصاب به الرجل يكفر به عنه] في أن ما يصاب به الرجل يكفر به عنه قال مالك: عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «عن بعض أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لولا [شيء] سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأحببت أن أموت، قيل وما هو؟ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما من شيء يصاب به العبد إلا كفر عنه حتى يلقى الله وليست له خطيئة» .

توقي الرجل من أن يظن به سوء

قال محمد بن رشد: يؤيد هذا حديث أبي هريرة عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «ما يزال المؤمن يصاب في ولده وحامته حتى يلقى الله عز وجل وليست له خطيئة» . ومن هذا المعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يرد الله به خيرا يصب منه» وبالله التوفيق. [توقي الرجل من أن يظن به سوء] في توقي الرجل من أن يظن به سوء قال مالك: بلغني أن ابن عمر بن الخطاب خلا بأمة ليطأها فرآه رجال فأتى بها إليهم فقال إنها جاريتي، فقالوا: يغفر الله لك يا أبا عبد الرحمن ومثلك يتهم؟ فقال: إنه يقع في القلب شيء. قال مالك: وذكر ذلك عمن هو خير، يريد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رآه رجل مع صفية فقال: هي صفية. قال مالك: بلغني أن القاسم بن محمد قال: إني لأريد الحاجة إلى الموضع فما يمنعني منها إلا الموضع الذي أريدها فيه خوفا من أن يظن الناس بي ظنا سيئا. قال مالك: بلغني أن أبا بكر الصديق في الجاهلية صحبه رجل فقام وهو يسير معه حتى انتهى إلى موضع، فقال الرجل الذي استصحبه اعدل بنا إلى هذه الطريق، فقال: وما لهذه؟ قال: فيها مجلس قوم ونحن نستحيي أن نمر عليهم، فقال أبو بكر إن شيئا يستحيى منه لا أحب أن أتبعك فيه. قال محمد بن رشد: في توقي الرجل من أن يظن به سوء وجهان:

توبة القاتل

أحدهما دفع المكروه عن نفسه بدفع الظنة عنه، والثاني دفع الإثم عن الظان به ظن سوء. فينبغي لمن اتهم بشيء وهو منه بريء أن يبين براءته لمن خشي أن يكون قد اتهمه. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما هي صفية على ما حدثت به من أنها جاءت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت ساعة ثم قامت تنقلب، وقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: على رسلكما إنما هي صفية ابنة حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما، فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا» . وبالله التوفيق. [توبة القاتل] في توبة القاتل قال مالك: بلغني أن ابن عمر سأله رجل قتل نفسا يريد بذلك هل ترى لي من توبة؟ فقال له ابن عمر: أكثر من شرب الماء البارد. فقيل لمالك: أي شيء أراد بقوله أكثر من شرب الماء البارد؟. قال: يريد بذلك أنه من أهل النار. قال محمد بن رشد: جميع الذنوب تمحوها التوبة إن تاب قبل المعاينة بإجماع، لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [التحريم: 8] ، وعسى من الله واجبة؟

ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» وإن لم يتب منها كان في المشيئة لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] إلا القاتل عمدا فإنهم اختلفوا في قبول توبته وإنفاذ الوعيد عليه على قولين: فذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى أن القاتل في المشيئة وأن توبته مقبولة، وذهب جماعة منهم إلى أنه لا توبة له والوعيد لاحق به، فممن روي ذلك عنه ابن عمر على ما جاء في هذه الحكاية عنه، وعن ابن عباس وأبي هريرة، وزيد بن ثابت. روي أن سائلا سأل ابن عمر وابن عباس وأبا هريرة عن من قتل رجلا مؤمنا متعمدا هل له من توبة؟ فكلهم قال: هل يستطيع أن يحييه؟ هل يستطيع أن يبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء. وإلى هذا ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه روي عنه أن إمامة القاتل لا تجوز وإن تاب. ويؤيد هذا المذهب ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل ذنب عسى الله أن يعفو عنه إلا من مات كافرا أو قتل مؤمنا متعمدا» . وذلك، والله أعلم، أن القتل يجتمع فيه حق الله تعالى وحق المقتول المظلوم. ومن شرط صحة التوبة من مظالم العباد تحللهم أو رد التباعات إليهم، وهذا ما لا سبيل للقاتل إليه إلا أن يدرك المقتول قبل موته فيعفو عنه ويحلله من قتله طيبة بذلك نفسه. وكذلك اختلف أيضا في القصاص منه هل يكون له كفارة أم لا على قولين: وقد ذكرنا اختلاف أهل العلم في ذلك كله وما نزع به كل فريق منهم من الكتاب والسنة في كتاب الديات من المقدمات، وبالله التوفيق.

المال الحلال يشوبه الحرام

[المال الحلال يشوبه الحرام] في المال الحلال يشوبه الحرام قال ابن القاسم قال مالك قال ابن هرمز: عجبا للمرء يرزقه الله المال الحلال ثم يحرمه من أجل الربح اليسير حتى يكون كله حراما. قال محمد بن رشد: قوله ثم يحرمه من أجل الربح [يريد من أجل الربح] الحرام الذي هو ربا، مثل أن يكون له على رجل مائة فيؤخره بها على أن يأخذ منه مائة وعشرين. وقوله حتى يكون حراما ليس على ظاهره بأنه يحرم عليه جميعه ولا يحل له منه شيء، لأن الواجب عليه فيه بإجماع من العلماء أن يرد الربح الذي أربى فيه إلى من أخذه منه ويطيب له سائره، لقول الله عز وجل: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] . وإنما معنى قوله حتى يكون كله حراما، أي حتى يكون كله بمنزلة الحرام في أنه لا يجوز له أن يأكل منه شيئا حتى يرد ما فيه من الربا، لأنه إن أكل منه قبل أن يرد ما فيه من الربا فقد أكل بعض الربا لاختلاطه بجميع ماله وكونه شائعا فيه. وكذلك على قوله لا يجوز لأحد أن يعامله فيه ولا أن يقبل منه هبة، لأنه إذا عامله فيه فقد عامله في جزء من الحرام لكونه شائعا فيه. وهذا هو مذهب ابن وهب من أصحاب مالك، وهو استحسان على غير قياس، لأن الربا قد ترتب في ذمته وليس متعينا في عين المال على الإشاعة فيه، فعلى ما يوجبه القياس تجوز معاملته فيه وقبول هبته، وهو مذهب ابن القاسم، وحرم أصبغ معاملته فيه وقبول هبته وهديته، وقال: من فعل ذلك

لباس الثوب المعصفر بالزعفران

يجب عليه أن يتصدق بجميع ما أخذ، وهو شذوذ من القول على غير قياس، وبالله التوفيق. [لباس الثوب المعصفر بالزعفران] في لباس الثوب المعصفر بالزعفران قال مالك: رأيت ابن هرمز يلبس الثوب بالزعفران. قال مالك: وبلغني أن عطاء بن يسار كان يلبس الثوبين الرداء والإزار بالزعفران، فإني لألبسه وأستحب ذلك وأراه حسنا، وللأشياء وجوه من ذلك السرف، فلا أحب السرف. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذا قبل هذا في رسم باع غلاما فلا وجه لإعادته هاهنا، وبالله التوفيق. [إمساك المخصرة] في إمساك المخصرة قال مالك: وكان عطاء بن يسار يمسك المخصرة، فقيل له: وما تفسير المخصرة؟ قال: يستعين بها، قال فالرجل إذا كبر لم يكن مثل الشاب يقوى بها عند قيامه. قال مالك: وقد كان بعض الناس إذا كان المطر خرجوا بالعصي يتوكئون عليها حتى إن كان الشباب ليستحبون عصيهم، فلربما أخذ ربيعة من بعض من يجلس إليه العصا فما تزال معه حتى يقوم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لا إشكال فيه، وبالله التوفيق.

فضل إطعام الطعام

[فضل إطعام الطعام] في إطعام الطعام قال مالك: كان ابن عمر لا يكاد يوصل إلى طعامه، فقيل له يا أبا عبد الله لم؟ قال: لتضايق الناس عليه وكثرة من يغشاه، ولقد نزل يوما بالجحفة فأتى صبي أسود أغلف عريان سائل فسأله، فقال اقعد فكل، قال فدار فلم يجد موضعا لتضايق الناس على الطعام، فلما رأى ذلك منه ابن عمر دعاه فألصقه إلى صدره، فقال له كل، قال فزعم الذي حدث قال فلقد رأيته ولقد لصق إلى بطنه. قال محمد بن رشد: إطعام الطعام من أفعال الأبرار، قال الله عز وجل: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الإنسان: 5] {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 6] {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9] إلى قوله: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان: 22] . وإطعام ابن عمر الطعام من بعض فضائله، فلقد كان من فضلاء الأخيار المجتهدين الأبرار، وبلغ من السن سبعا وثمانين سنة، وأفتى الناس ستين سنة، وحج ستين حجة، وأعتق ألف رقبة، وحبس ألف فرس، واعتمر ألف عمرة، وكان لا ينام من الليل إلا قليلا، وبالله التوفيق. [السلام على أهل الذمة والرد عليهم] من سماع أشهب بن عبد العزيز من مالك من كتاب الجامع قال أشهب بن عبد العزيز: سئل مالك بن أنس عن السلام على أهل الذمة والرد عليهم، فقال: لا.

قال محمد بن رشد: منع في هذه الرواية من أن يسلم على أهل الذمة أو يرد السلام عليهم. فأما منعه أن يسلم عليهم فالوجه أن السلام تحية وإكرام، وقد قال الله تعالى فيه: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] ، فيحب ألا يكون الكافر أهلا لها، هذا من طريق المعنى. وقد جاء في ذلك الأثر أيضا، روي عن أبي عبد الرحمن الجهني قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم» . وقد روي أيضا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله بمعناه من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة. وأما منعه في الرواية من الرد عليهم، فالمعنى في ذلك ألا يرد عليهم كما يرد على المسلمين، وأن يقتصر في الرد عليهم بأن يقول وعليكم كما جاء في الحديث، فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول السام عليكم فقل عليك» كذا قال في الموطأ: عليك بغير واو، وفي غير الموطأ: وعليك - بالواو - والذي ينبغي في هذا أن يقول في الرد عليه بغير واو. وإن تحققت أنه قال في سلامه السام عليك وهو الموت، أو السلام عليك - بكسر السين - وهي الحجارة، وإن شئت قلت: وعليك - بالواو - لأنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا على ما جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، روي «عن عائشة أن اليهود دخلوا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالوا السام عليكم فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

الخضاب بالسواد

عليكم، فقالت عائشة: السام عليكم ولعنة الله وغضبه يا إخوة القردة والخنازير، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا عائشة عليك بالحلم وإياك بالجهل، فقالت: يا رسول الله أما سمعت ما قالوا؟ فقال: أما سمعت ما رددت عليهم فاستجيب لنا فيهم ولم يستجب لهم فينا» . وإن لم تتحقق ذلك قلت وعليك - بالواو - لأنك إن قلت عليك بغير واو وكان هو قد قال السلام عليكم كنت قد نفيت السلام عن نفسك ورددته عليه. ومن أخطأ فسلم على اليهودي أو النصراني ابتداء فلا يستقيله، قال ذلك في الموطأ، ومعناه أنه لا يلزمه أن يقول له أخطأت في سلامي عليك فلا تظن أني قصدتك بسلامي وأنا أعلم أنك لست بمسلم، فسمى ذلك استقالة لأنه إذا فعل ذلك فقد رجع في إكرامه له بالسلام وبطلت غبطة الذمي بذلك. وقد قال الداودي إنه لا يستقيله من أجل أنه لا يلحقه بسلامه عليه بركة فيسأله أن يرد ذلك عليه، وليس ذلك بشيء. وقد قيل إنه يقال في الرد على الذمي عليك السلام - بكسر السين - وعلاك السلام أي ارتفع عنك. ومن أهل العلم من أجاز أن يبدأ أهل الذمة بالسلام، وهو خلاف ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبالله التوفيق. [الخضاب بالسواد] في الخضاب بالسواد وسئل مالك عن الخضاب بالسواد، فقال: ما علمت فيه النهي، وغيره أحسن منه. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم حلف ألا يبع سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق لا شريك له

والي اليتيم هل يأكل من مال يتيمه

[والي اليتيم هل يأكل من مال يتيمه] في والي اليتيم هل يأكل من مال يتيمه؟ وسئل مالك عن اليتيم يكون عند الرجل وله مال وكرمات أيأكل من ماله؟ قال: لا يأكل من ماله، فأما الفاكهة فهذا خفيف. قيل له: إبل يقوم عليها أينتفع بظهرها ويشرب من لبنها؟ قال: لا ينتفع بظهرها، فأما أن يشرب من لبنها فلا بأس بذلك، وذكر الحديث الذي جاء عن ابن عباس قال: إن كنت تليط حوضها. قال محمد بن رشد: الحديث الذي جاء عن ابن عباس هو قوله للذي سأله هل يشرب من لبن إبل يتيمه: إن كنت تبغي ضالة إبله وتهنأ جرباها وتليط حوضها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب. واتفق أهل العلم جميعا على تحريم أكل مال اليتيم ظلما وإسرافا وعلى أن ذلك من الكبائر، لقول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] وقوله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6] واختلفوا في القدر الذي يجوز للأوصياء من ذلك ويسوغ لهم لقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] فذهب مالك وأصحابه -

- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلى أنه لا يجوز للوصي أن يأكل من مال يتيمه إلا بقدر اشتغاله به وخدمته فيه وقيامه عليه إن كان محتاجا إلى ذلك. قال محمد بن المواز في كتابه عمن حكاه عنه من أهل العلم على ما جاء عن عبد الله بن عباس في الحديث المذكور فوق هذا. وأما إن كان غنيا عن ذلك فلا يفعل لقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] وقيل إن للغني أن يأكل منه بقدر قيامه عليه وخدمته فيه وانتفاع اليتيم به في حسن نظره له، فإن لم يكن له في ماله خدمة ولا عمل سوى أنه يتفقده ويشرف عليه لم يكن له أن يأكل منه إلا ما لا ثمن له ولا قدر لقيمته، مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه على ما قاله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا، ومثل الفاكهة من ثمر حائطه على ما قاله في هذه الرواية، ولا يركب دوابه ولا ينتفع بظهر إبله ولا يتسلف من ماله. ومن أهل العلم من ذهب إلى أن لوالي اليتيم إذا كان فقيرا أو احتاج أن يأكل من مال يتيمه بغير إسراف ولا قضاء عليه فيما أكل منه، لقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] . واختلف في معنى ذلك فقيل هو أن يأكل من ماله بأطراف أصابعه ولا يكتسي منه؛ وقيل: هو ما سد الجوع ووارى العورة، ليس لبس الكتان ولا الحلل؛ وقيل هو أن يأكل من ثمره، ويشرب من رسل ماشيته لقيامه على ذلك، وأما الذهب والفضة فليس له أخذ شيء منهما إلا على وجه القرض؛ وقيل: إن له أن يأكل من جميع المال وإن أتى على المال ولا قضاء عليه، وقيل: معنى قوله عز وجل: {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] هو أن يأخذ من ماله قدر قوته قرضا، فإن أيسر بعد ذلك قضاه، وروي هذا القول عن سعيد بن المسيب، وروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف فإذا أيسرت قضيته، وبالله التوفيق.

ما وصف به شعيب النبي عليه السلام

[ما وصف به شعيب النبي عليه السلام] فيما وصف به شعيب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال مالك وذكر الأنبياء فقال: شعيب خطيب القوم أو قال خطيب الأنبياء. قال محمد بن رشد: هذا مروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قاله فيه، لحسن مراجعته لقومه وبيانه لهم ووعظه إياهم، وذلك بين مما قصه الله عز وجل علينا من أمره لقوله في سورة الأعراف: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} [الأعراف: 85] الآيات إلى قوله: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [الأعراف: 93] ومما قصه تعالى علينا على أمره بقوله في سورة هود: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هود: 84] الآيات إلى قوله: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} [هود: 93] الآية، وبالله التوفيق. [كراهة القصص] في كراهة القصص قال: وسئل عن الجلوس إلى القصاص فقال: ما أرى أن يجلس إليهم وإن القصص لبدعة. قال محمد بن رشد: كراهة القصص معلومة من مذهب مالك

إطلاء الجنب

- رَحِمَهُ اللَّهُ -، روي عن يحيى بن يحيى أنه قال: خرج معي فتى من طرابلس إلى المدينة فكنا لا ننزل منزلا إلا وعظنا فيه حتى بلغنا المدينة، فكنا نعجب بذلك منه، فلما أتينا المدينة إذا هو قد أراد أن يفعل بهم ما كان يفعل بنا، فرأيته في سماطي أصحاب السفط وهو قائم يحدثهم ولقد لهوا عنه والصبيان يحصبونه ويقولون له أسكت يا جاهل، فوقفت متعجبا لما رأيت، فدخلنا على مالك فكان أول شيء سألناه عنه بعد أن سلمنا عليه ما رأينا من الفتى، فقال مالك: أصاب الرجال إذ لهوا عنه، وأصاب الصبيان إذ أنكروا عليه باطله. قال يحيى: وسمعت مالكا يكره القصص، فقيل له يا أبا محمد فإذ تكره مثل هذا، فعلى ما كان يجتمع من مضى؟ فقال: على الفقه، وكان يأمرهم وينهاهم، وبالله التوفيق. [إطلاء الجنب] في إطلاء الجنب وسئل مالك أيطلي الجنب؟ فقال: نعم وإن وجه النورة لوجه النقاء والطهور. قال محمد بن رشد: المعنى في ذلك بين لا وجه للكراهة فيه، وبالله التوفيق. [قول أهل النار سواء علينا أجزعنا أم صبرنا] في قول أهل النار: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} [إبراهيم: 21] قال: وسمعته يتلو هذه الآية: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21] ثم قال: زعم زيد بن أسلم أنهم صبروا مائة

عام ثم بكوا مائة عام ثم قالوا {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21] قال محمد بن رشد: قول زيد بن أسلم لا يكون إلا عن توقيف من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ لا مدخل في ذلك للرأي، وفي التلاوة بإثر ذلك {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ} [إبراهيم: 22] أي لما حق العذاب على الكافرين، {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22] . جاء في التفسير أن إبليس يقوم بهذا الكلام خطيبا بإذن الله وبئس الخطيب، إذا فصل بالقضاء أهل الجنة من أهل النار توبيخا لأهل النار. وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية عقبة بن عامر الجهني أنه قال: «إذا بعث الله الأولين والآخرين فقضى بينهم وفرغ من القضاء قال المؤمنون قد قضى بيننا ربنا فمن يشفع لنا إلى ربنا؟ قال: انطلقوا بنا إلى آدم فإنه أبونا وخلقه الله بيده وكلمه، فيأتونه أن يشفع لهم فيقول آدم عليكم بنوح فيأتون نوحا فيدلهم على إبراهيم ثم يأتون إبراهيم فيدلهم على موسى ثم يأتون موسى فيدلهم على عيسى، ثم يأتون عيسى فيقول هل أدلكم على النبي الأمي، فيأتون فيأذن الله لي أن أقوم إليه فيفور ريح مجلسي من أطيب ريح شمها أحد حتى أتي ربي فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظهر قدمي، ثم يقول الكافرون: هذا وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ما هو إلا إبليس الذي أضلنا فيأتونه فيقولون: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أتت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا فيقوم فيفور ريح مجلسه أنتن ريح شمها أحد ثم تعظم جهنم، ثم يقول عند ذلك:

حلق القفا ووسط الرأس للمحاجم

{إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22] الآية» وبالله التوفيق. [حلق القفا ووسط الرأس للمحاجم] في حلق القفا ووسط الرأس للمحاجم قال وسألته عن الذين يحتجمون فيحلقون مواضع المحاجم في القفا ووسط الرأس، فقال: لا أحبه، وإني لأكرهه، وما فعلته قط ولا هممت، ولقد سمعت من يقول هذا من فعل النصارى. قلت له: كيف أصنع؟ قال احتجم بالحطمى. قال محمد بن رشد: كره حلق موضع المحاجم من وسط الرأس ومن القفا لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن القزع» وهو حلق بعض الرأس دون بعض، فعم ولم يخص حالا من حال، ولما فيه من التشبه بالنصارى، وبالله التوفيق. [المعتم لا يجعل تحت ذقنه منها شيئا] في المعتم لا يجعل تحت ذقنه منها شيئا وسئل مالك عن المعتم لا يجعل تحت ذقنه منها شيئا فكرهه. قال محمد بن رشد: إنما كره ذلك مالك لمخالفة فعل السلف فيه. قال ابن حبيب في الواضحة: ولا بأس أن يصلي الرجل في داره وبيته بالعمامة

يلفها ولا يلتحي بها، فأما في الجماعات والمساجد فلا ينبغي ترك الالتحاء بها فإنه يقال إنها من بقايا عمل قوم لوط، وبالله التوفيق. في المعانقة والمصافحة وتقبيل الرجل ابنته وأخته عند القدوم من سفر وسئل مالك عن الذي يقدم من سفر فتتلقاه ابنته فتقبله، قال: لا بأس بذلك، وقيل له فأخته وأهل بيته؟ قال: لا بأس به، قلت له: لا بأس بذلك كله يا أبا عبد الله؟ قال لي: نعم، إنما هي على وجه الرحمة ليس قبل لذة. قال: وسئل عن تعانق الرجلين إذا قدم من سفر. قال: ما هذا من عمل الناس. قيل له فالمصافحة؟ فكرهها وقال هي أخف. قال: وسئل عن معانقة الرجل أخته إذا قدم من سفر، قال ما هذا من عمل الناس. قال: وسئل مالك عن معانقة الرجلين أحدهما صاحبه إذا التقيا أترى بها بأسا؟ قال: نعم. قيل له فالمصافحة؟ قال ما كان ذلك من أمر الناس وهو أيسر. قال: وسمعته يقول إنما أفسد على الناس تأويل ما لا يعلمون. قال محمد بن رشد: أجاز للذي يقدم من سفر أن تتلقاه ابنته أو أخته فتقبله ولم ير بذلك بأسا لأن ذلك على سبيل الرحمة لا يراد به لذة ولا ينقض الوضوء على ما قاله في أول سماع أشهب من كتاب الوضوء، وقال في أهل بيته مثل ذلك، ومعناه في ذوي المحارم منهن، لأن أهل بيت الرجل هم المنتسبون إلى من يتنسب إليه ذلك الرجل من رجل أو امرأة، فمنهم بنات الأعمام وهن كالأجنبيات في أنه لا يجوز تقبيلهن على وجه الرحمة. وكره في

كراهة طرح القمل في النار

هذه الرواية المصافحة والمعانقة إلا أنه رأى المصافحة أخف من المعانقة، وهي رواية ابن وهب عنه، والمشهور عن مالك إجازة المصافحة واستحبابها فهو الذي يدل عليه مذهبه في الموطأ بإدخاله فيه عن عطاء بن عبد الله الخراساني قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء» والآثار فيها كثيرة منها حديث البراء قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من مُسْلِمَيْنِ يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا» . وإنما المعلوم من مذهب مالك كراهية المعانقة، ومن أهل العلم من أجازها، منهم ابن عيينة، ووجه كراهيتها أنها لم ترو عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن السلف بعده، ولأنها مما تنفر عنها النفس في كل وقت، إذ لا تكون في الغالب إلا لوداع أو من طول اشتياق لغيبة أو مع الأهل أو ما أشبه ذلك. وتفارق المصافحة لوجود العمل بها. ووجه إجازتها اعتبارها بالمصافحة. وقد روي من حديث أبي ذر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصافحه فجاء مرة فالتزمه، وهذا يمكن أن يكون فعله مرة ولم يداوم عليه، وبالله التوفيق. [كراهة طرح القمل في النار] في كراهة طرح القمل في النار قال: وسئل عن طرح القمل في النار، فقال: إن الرجل في السفر يشتغل حتى يتفلى بالليل على النار لا يجد من ذلك بدا، قال: لا وهذه مثلة وإني أكرهه. وقد نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلسعته نملة فقتل نملا كثيرا فأوحى الله إليه: أفلا نملة واحدة؟ قال مالك: فلله حق في عباده وفي بايت من هذه الدواب.

ما يبقى من الثمر في الثمار بعد الجذاذ

قال محمد بن رشد: إنما لم يجز طرح القمل في النار لأن ذلك تعذيب لها، وقد نهي عن تعذيب الحيوان، هذا معنى قوله وهذه مثلة، لأن المثلة تعذيب للدابة الممثل بها، وقد جاء النهي عنها. روي «عن سمرة بن جندب قال: ما خطبنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطبة إلا أمرنا فيها بالصدقة ونهانا فيها عن المثلة» . وقتل القمل بالنار تعذيب لها يوجب أن يدخل ذلك تحت النهي عن المثلة. وقد روي في بعض الآثار: «لا يعذب بالنار إلا رب النار» فما جاز قتله من الدواب، لإذايتها لم يجز قتله إلا بوجه القتل الذي لا مثلة فيه ولا عذاب. وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة» ووجه استدلال مالك فيما أوحى الله به إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيما قتل من النمل أن العتاب يكون في التعدي في صفة القتل كما يكون في التعدي في القتل، وبالله التوفيق. [ما يبقى من الثمر في الثمار بعد الجذاذ] فيما يبقى من الثمر في الثمار بعد الجذاذ، ومن السنبل في الفدان بعد الحصاد وسئل عن الثمار تجذ ثم يخلى عنها فيكون فيها الشيء

المسافر هل له أن يصيب مما مر به من الثمار

المعلق. فقال: إن كان يعلم أن أنفسهم طيبة له بأخذه إياه فليأخذه. قال: وسئل عن الزرع يحصد فتبقى منه السنبل والشيء الذي يخلى عنه أهله أيأكله؟ فقال: لا يأكل إلا ما يعلم أنه حلال، وقد كان يقال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال. وتحصيل القول في ذلك أنه إن علم أن صاحبه قد تركه لمن أخذه من غني أو فقير جاز له أن يأخذه غنيا كان أو فقيرا، وإن علم أن صاحبه قد تركه للمساكين لم يجز له أن يأخذه إلا أن يكون مسكينا. وإن لم يعلم هل تركه صاحبه على أن يعود إليه أو على إلا يعود إليه لم يحل له أن يقدم على أخذه دون أن يستأذنه، وإن غلب على ظنه أن صاحبه قد تركه لمن أخذه ولم يعلم ذلك يقينا فهذا يكره له أخذه ويقال له: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وبالله تعالى التوفيق. [المسافر هل له أن يصيب مما مر به من الثمار] في المسافر هل له أن يصيب مما مر به من الثمار قال: وسئل الحسن أيجوز للمسافر أن يصيب من الثمار؟ قال: إن كان ضرورة وإلا فلا. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه» ففي هذا بيان، وليس شيء من الأشياء أيسر من اللبن يحلب بكرة ويرجع عشية، والثمر لا يرجع حتى إلى عام قابل. قال محمد بن رشد: وهذا معلوم من مذهب مالك أنه لا يجوز له أن يصيب من الثمار كما لا يجوز له أن يحلب من لبن الشاة إذا لم يضطر إلى

يمر بجنان أبيه أو أمه أو أخيه هل يأكل من ثمره

ذلك، فإن اضطر أكل من الثمار ولم يأكل الميتة، ولا ينبغي أن يختلف في هذا، إذ من أهل العلم من يجيز له أن يأكل من الثمر من غير حاجة، وإنما اختلف إذا اضطر فوجد مالا لرجل غنما أو ضالة إبل ووجد الميتة، هل يأكل منها أو يأكل من الميتة؟ فقيل: إنه يأكل منها ولا يأكل من الميتة، وقيل: إنه يأكل من الميتة ولا يأكل منها. واختلف إن لم يجد الميتة وخشي على نفسه إن لم يأكل منها، فقيل إنه يأكل منها ما يرد به جوعه ولا غرم عليه فيه، وقيل: إنه لا يأكل منها إلا على سبيل السلف؛ فيتحصل في المسألة أربعة أقوال: أحدها المساواة بينهما، والثاني: أن الأولى له إذا وجدهما أن يأكل الميتة، والثالث: أن الأولى إذا وجدهما أن يأكل المال، والرابع أن لا يأكل المال بحال إلا على سبيل السلف. وقد مضى بيان هذا في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، وبالله التوفيق. [يمر بجنان أبيه أو أمه أو أخيه هل يأكل من ثمره] في الذي يمر بجنان أبيه أو أمه أو أخيه هل يأكل من ثمره؟ وكيف إن أطعمه حارسه؟ قال: وسئل عمن مر على جنان أبيه أو أمه أو أخيه أيأخذ منه ما يأكل؟ قال: لا يأكله إلا إن كانوا أذنوا له. قيل له: أرأيت إن أطعمني حارسه أو باعني؟ قال: إن كنت تعلم أنه قد أذن له فنعم، قيل له: فكيف نعلم ذلك؟ قال ذلك يختلف أن يقول له أصحاب الحوائط إلى جنبه حين يسألهم قد رأيناه يبيع ويصنع وتكون هيئة القيم شبه ذلك فذلك لا بأس به أن يشتري منه، وأما العبد الأسود الذي يستخفي فلا خير فيه.

مجالسة القدرية والحجة عليهم

قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [مجالسة القدرية والحجة عليهم] في مجالسة القدرية والحجة عليهم وسألته عن مجالسة القدرية وكلامهم، فقال لي: لا تكلمهم ولا تقعد إليهم إلا أن تجلس إليهم تغلظ عليهم. قلت: إن لنا جيرانا لا أكلمهم ولا أخاصمهم، فقال: لا تجالسهم عادهم في الله، يقول الله عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] فلا توادهم. قال مالك: ما أبين هذا في الرد على أهل القدر، {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 110] وقَوْله تَعَالَى: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36] فهذا لا يكون أبدا ولا يرجع ولا يزال. قال: وسئل عن عيادة أهل القدر، قال: لا تعودوهم ولا تحدث عنهم الأحاديث. قال محمد بن رشد: نَهْيُ مالكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الرواية عن أن يجالس أهل القدر أو يؤاخوا أو تحمل عنهم الأحاديث يدل على أنه لم يرهم كفارا بمآل قولهم الذي يعتقدونه ويدينون به، مثل قوله في هذا السماع من كتاب المحاربين والمرتدين: إنهم قوم سوء فلا يجالسون ولا يصلى وراءهم، خلاف قوله فيهم في أول سماع ابن القاسم منه. وقد مضى هنالك

وصية لقمان لابنه

من القول فيهم ما فيه كفاية، والحجة عليهم فيما يعتقدونه بالآيتين المذكورتين بينة ظاهرة، لأن الله أعلم فيهما بما يكون من عباده وهم يقولون إنهم خالقون لأفعالهم فلا يعلم الله ما يفعلونه مما لا يفعلونه حتى يفعلوه، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. [وصية لقمان لابنه] في وصية لقمان لابنه قال: وقال مالك: كان لقمان الحكيم يقول لابنه: يَا بُنَيَّ لَا تُجَالِسِ الْفُجَّارَ وَلَا تُمَاشِهِمْ اتَّقِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ عَذَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فَيُصِيبَكَ مَعَهُمْ. يَا بُنَيَّ جَالِسِ الْفُقَهَاءَ وَمَاشِهِمْ عَسَى أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِمْ رَحْمَةٌ فَتُصِيبَكَ مَعَهُمْ. قال محمد بن رشد: قد بين لقمان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لابنه في وصيته وجه ما أمره به ونهاه عنه، فمن الحظ لكل مسلم أن يلتزم وصيته ويحافظ عليها، وبالله التوفيق. [مقالة عمر التي خطب بها في آخر العام الذي توفي فيه] في مقالة عمر التي خطب بها في آخر العام الذي توفي فيه قال: وسمعته يحدث عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أقول لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها ولعلها بين يدي أجلي، فمن وعاها وعقلها فليحدث بها حيث انتهت به

راحلته، ومن لم يعقلها ولم يعها فلا أحل له أن يكذب علي، فسألته أنا فرد الحديث علي. قال محمد بن رشد: قوله قد قدر لي أن أقولها، معناه قد قضى الله بذلك في سابق علمه، فهو إيمان منه بالقدر، خلاف ما يذهب إليه القدرية مجوس هذه الأمة. وإنما قال: ولعلها بين يدي أجلي أي قرب أجلي، لأن كعبا قال له: والله لا ينسلخ ذو الحجة حتى يرحل، حكى ذلك الداودي. وقوله فرد الحديث علي، معناه فأعاده علي. والحديث محفوظ عن ابن شهاب من رواية مالك، حدث به عنه عن عبد الله بن عمر، عن ابن عباس أنه كان يقرئ ابن عوف، قال ولم أر أحدا يجد من القشعريرة عند القراءة ما يجد. قال: فجئته فالتمسته يوما فلم أجده، فانتظرته حتى جاء من عند عمر، فقال لي: لو رأيت رجلا قال لعمر كذا وكذا وهو يومئذ بمنى آخر حجة حجها عمر، قال لو قد مات عمر بايعت فلانا، فقال عمر إني لقائم العشية في الناس فأحذرهم هؤلاء الذين يغصبون هؤلاء الأئمة أمرهم، فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل ذلك يومك هذا، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك، فأخشى إن قلت فيهم [اليوم] مقالة أن يطيروا بها ولا يضعوها على مواضعها، أمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم وتقول ما قلت متمكنا فيعُوا مقالتك ولا يضعوها إلا على مواضعها، فقال عمر: والله لئن قدمت المدينة صالحا لأكلمن بها الناس في أول مقام أقومه. قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، وجاء يوم الجمعة فهجرت عمي لما أخبرني ابن عوف، فوجدت سعيد بن زيد قد سبقني بالتهجير فجلس إلى جانب المنبر،

فقلت لسعيد بن زيد وعمر مقبل: أما والله ليقولن أمير المؤمنين على هذا المنبر مقالة لم يقلها أحد قبله، فقال سعيد: وما عسى أن يقول؟ فلما جلس عمر على المنبر أذن المؤذن، فلما سكت قام عمر فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعيها فلا أحل لأحد أن يكذب علي. إن الله عز وجل بعث محمدا وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها وعقلناها، ورجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجمنا بعده، وأخشى إن طال زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله عز وجل، فتترك فريضة أنزلها الله عز وجل، فإن الرجم حق في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف. ثم إنا كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ثم إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تطروني كما أطري ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» ثم إنه بلغني أن منكم من يقول والله لو قد مات عمر لبايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: كانت بيعة أبي بكر فلتة فإنها قد كانت فلتة كذلك، إلا أن الله قد وقى شرها وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه قد كان من خبرنا حين توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا وتخلفت الأنصار عنا بأسرها واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فبينا نحن في منزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا برجل ينادي من وراء الجدار: اخرج إلي يا ابن الخطاب، فقلت إليك عني فأنا عنك متشاغل، فقال: قد حدث أمر لا بد منك فيه، إن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة فأدركوا من قبل أن يحدثوا أمرا يكون بينكم وبينهم فيه

حرب، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء الأنصار، فانطلقنا نؤمهم ولقينا أبا عبيدة بن الجراح فأخذ بيده أبو بكر ومشى بيني وبينه حتى إذا دنونا منهم لَقِيَنَا رجلان صالحان فذكر لهما ما صنع القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: اقضوا أمركم فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم فإذا هم جميعا في سقيفة بني ساعدة، وإذا بين أظهرهم رجل مزمل فقلت: من هذا؟ فقال: سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ فقالوا: هو وجع. فلما جلسنا تكلم خطيب الأنصار فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا. وكنت رويت مقالة أعجبتني أريد أن أقوم بها بين يدي أبي بكر، وكنت أدري من أبي بكر بعض الجد. فلما أردت أن أتكلم تكلم أبو بكر وهو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك كلمة أعجبتني في ترويتي إلا تكلم بمثلها أو أفضل منها في بديهته حتى سكت، فتشهد أبو بكر وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد، أيها الأنصار، فما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش: هم أوسط العرب نسبا ودارا. وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر الصديق إلا أن تتغير نفسي عند الموت، فلما قضى أبو بكر مقاله قال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. قال: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خِفت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا

أبا بكر [أبايعْك] فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون والأنصار، فمررنا على سعد بن عبادة فقال قائل من الأنصار قتلتم سعدا. فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعدا فإنه صاحب فتنة وشر، والله ما رأينا فيما حضرنا من أمرنا أمرا كان أقوم من بيعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم قبل أن تكون بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما أن نتابعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فسادا. فلا يغترن امرؤ أن يقول كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها. ألا وإنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر الحديث. وقوله فيه إن ابن عباس كان يقرئ ابن عوف، معناه أنه كان يقرأ عليه ليتعلم منه. والقشعريرة: رعدة كانت تأخذه من الوجل والخوف. قال الله عز وجل: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] وقال: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23] . وقول عبد الرحمن بن عوف لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا تفعل، بمعنى الرأي يشير به لا بمعنى النهي. وقوله يا أمير المؤمنين توقير له، وكذلك ينبغي أن يفعل بأئمة العدل. وقول القائل لو قد مات عمر بايعت فلانا، يريد رجلا لا يستحق الخلافة، ولذلك أنكر عمر قوله ووعد أن يقول مقالة يحذر الناس فيها من الذين يريدون أن يغتصبوا الأئمة أمرهم.

وقوله: لا يغترن امرؤ أن يقول: كانت بيعة أبي بكر فلتة: يقول لا يحدث نفسه أن يفعل مثل ذلك فيتم له فإن هذا لا يكون، لأن الله تعالى إنما وقى شر ذلك وإن كانت فلتة لما بان به أبو بكر من الفضل الذي لا ينازع فيه. وقوله: تنقطع دونه الأعناق: يقول ليس أحد يرفع رأسه إلى مساواة أبي بكر. وقوله كان من خيرنا معناه كان خيرنا، ومن صلة، مثل قوله عز وجل: {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ} [القصص: 81] ، {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [هود: 20] . وقوله: إن الله بعث محمدا وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، يريد قوله في حديث الموطأ: «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة، فقرأناها ووعيناها وعقلناها، ورجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجمنا بعده، فأخشى إن طال زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله عز وجل فتترك فريضة أنزلها الله عز وجل، فإن الرجم حق في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف» . وقد اختلف في قوله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، وقيل: كان ذلك قرآنا يتلى على ظاهر قول عمر ثم نسخ خطه وبقي حكمه، فقيل: لم يكن قرآنا وإنما كان وحيا أوحي به إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكان يتلى على أنه وحي لا على أنه قرآن، وهذا هو الذي نختاره، إذ لو كان قرآنا لم يخل أن يكون محكما أو منسوخا، ولا يصح أن

يكون محكما إذ لو كان محكما لثبت بين اللوحين ولما صح سقوطه، لأن الله عز وجل قد حفظ القرآن فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ، ولا يصح أن يكون منسوخا لوجهين: أحدهما وجوب العمل به، والثاني إرادة عمر أن يكتبه في المصحف، إذ يبعد أن يريد أن يكتب في القرآن ما ليس من القرآن. فإذا بطل أن يكون محكما وأن يكون منسوخا بطل أن يكون قرآنا، فإنما كان وحيا يتلى أنزله الله تعالى على نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بيانا لمجمل كتابه، فهم عمر بن الخطاب أن يكتبه في عرض المصحف على أنه وحي وبيان لمجمل كتاب الله لا على أنه قرآن، ثم لم يفعل لما خشي أن يظنه الجاهل قرآنا. وإنما قال عمر ابن الخطاب: الرجم في كتاب الله عز وجل حق، من أجل أن الوحي قد بين أن مراد الله عز وجل بقوله: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] هو الرجم، وأن الحكم الذي يتعلق بالمحصنات في قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] هو الرجم، والله أعلم. وقد قيل إنه كان يقرأ وحيا فظنه عمر قرآنا، قاله إسماعيل القاضي، وهو بعيد، لأن عمر لا يصح عليه أن يظن قرآنا ما ليس بقرآن، لأن من علامات القرآن أنه محفوظ معلوم لا يصح الشك فيه ولا الارتياب في شيء منه. وفي هذا الحديث وجوه من الفقه، منها: أن الإمامة تنعقد وتتم برجل واحد من أهل الحل والعقد إذا عقدها الرجل على صفة ما يجب أن يكون عليه الأئمة، ويجب أن يحضر العقد له نفر من المسلمين، وقد قيل إن أقل ما يجب أن يحضره أربعة نفر سوى العاقد والمعقود له قياسا على فعل عمر في الشورى، وهذا لا يلزم، لأن عمر لم يقصد

بجعلها شورى في تحديد عدد الحاضرين للعقد، وإنما جعلها فيهم دون غيرهم لأنهم أفاضل الأمة، وقد أخبر بذلك عمر عن نفسه: أما إنه لو حضرني سالم مولى أبي حذيفة لرأيت أني قد أصبت الرأي وما تداخلني فيه الشكوك، يريد في أخذ رأيه ومشورته. وفيه أن الإمامة فرض، وقد قال بعض الناس إنها سنة، واحتج من ذهب إلى ذلك بأن الأمة بقيت بلا خليفة من وقت وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أن استخلف أبو بكر، ومن وقت موت عثمان إلى أن بويع لعلي. قال: ولم يكن الله سبحانه ليجمع الأمة على تضييع فريضة. واحتج من رآها فريضة بأن الفروض تقام بها وبأنه أمر لا يوجد السبيل إلى تركه، قال: وليس إن بقي الناس وقتا من النهار بلا خليفة تعطلت الفروض، إذ لم يضع فيه فرض ولا حق لم يدرك في غيره. وفيه دليل أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يعهد، ولو عهد لاحتج به أبو بكر. وفيه النصيحة لأهل الإسلام والقيام بالحق في العسر واليسر. وفيه إقرار عمر لأبي بكر الصديق بأنه أفضل منه وأقوى على الأمر منه. وقوله: نزونا على سعد، يعني الوثوب لتبادرهم إلى بيعة أبي بكر. وقوله: قتل الله سعدا فإنه رأس فتنة، يعني أنه لو تم ما

قول العالم لا أدري فيما لا يدري

اجتمعت الأنصار إليه كانت فتنة، لأن العرب لا تقر بذلك لهم. وقوله قتل الله سعدا ليس على معنى الدعاء، وإنما هو بمعنى الذم والإنكار لفعله، وربما قالت العرب ذلك في المدح للرجل عند الإعجاب بفعله، يقولون: أجاد قاتله الله، وكان سعد سيد الخزرج وأحد النقباء، شهد أحدا وما بعدها. وقد روي من الطرق الصحاح أنه لم يقل أحد منهم لأحد إلا خيرا، وإن بويع لخليفة بعد آخر قتل الآخر، فقد ثبت أن عمر بن الخطاب قال: إذا بويع خليفة فإن بويع آخر فليقتل الثاني. وإنما قال ذلك لأن بيعة الثاني تجر إلى فساد. وقد أباح الله القتل بالفساد بقوله: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] ، وقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] الآية. وفي الحديث أيضا غير ما وجه، من ذلك فضل التهجير إلى الجمعة، وأن المؤذن يؤذن الجمعة بعد جلوس الإمام على المنبر، وأن يمين المنبر ما بين المنبر والمحراب وهو أشرف أماكن المسجد، وبالله التوفيق. [قول العالم لا أدري فيما لا يدري] في قول العالم لا أدري فيما لا يدري وقال [في] رجل [قال] لعبد الله بن عمر: كيف تقول في ودية بوديتين، فسكت عنه، ثم أعاد عليه فقال ابن عمر ودية

العزلة عن الناس وكراهة الدخول في الفتن

بودتين وودتين بودية لا علم لي. قال: وسئل ابن عمر عن فريضة فقال لا علم لي، فقال السائل: إذا لم تعلم وأنت صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وابن عمر بن الخطاب، فمن يعلم؟ فقال ابن عمر: من علمه الله عز وجل إياها، ثم دله ابن عمر على رجل فذهب إليه. قال: وقال مالك عن يحيى بن سعيد إن أبا بكر الصديق كان يقول: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت على الله ما لا أعلم. قال محمد بن رشد: كان يلزم العالم أن يقول لا أدري إذا سئل عما لا يدرى، فإن الذي يجهل من العلم أكثر من الذي يدري. قال الله عز وجل: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85] . ولا ينبغي أن يتكلم في شيء من العلم إلا بعد روية وتدبر. وقد قال بعض العلماء: إذا علمت فقل، وما أستؤثر عليك بعلمه فكله إلى عالمه، وبالله التوفيق. [العزلة عن الناس وكراهة الدخول في الفتن] في العزلة عن الناس وكراهة الدخول في الفتن قال: وقال يحيى بن سعد إن رجلا يدعى بأبي الجهيم عمي وترك مجالسة الناس واعتزلهم، فقيل له: ألا تجالس الناس؟ فقال: إني وجدت قرب الناس من الشر. قال: وكان عبد الله بن عمرو بن العاص جليسا - لأبي الجهيم يتحدثان، فكان من عبد الله ما كان، فسأل عنه فأخبر فحلف ألا يكلمه أبدا. فلما قدم عبد الله أتاه

فسلم عليه فكلمه فلم يكلمه، فقال عبد الله: قد علمت لم فعلت. هذا فاعتذر، فقال: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لي: أطع أباك» . قال محمد بن رشد: أبو الجهيم هذا هو، والله أعلم، أبو الجهيم أيضا من الصحابة. روي عنه أنه قال: «أقبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نحو بئر حمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[شيئا] حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد السلام عليه» . ويحتمل أن يكون أبا جهيم عبد الله بن جهيم الذي روى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في «المار بين يدي المصلي أنه لو علم ما عليه في المرور بين يديه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه» . وعبد الله بن عمرو بن العاص مشهور من فضلاء الصحابة وعلمائهم، قرأ الكتب واستأذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أن يكتب حديثه فأذن له، «قال: يا رسول الله، أكتب كما أسمع منك في الرضا والغضب، قال: نعم فإني لا أقول إلا حقا» . وقال أبو هريرة: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب

ولا أكتب. وكان يسرد الصوم ولا ينام [من الليل] فشكاه أبوه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن لعينك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا قم ونم وصم وأفطر صم ثلاثة أيام من كل شهر فإنه صوم الدهر. قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فلم يزل يراجعه في الصيام حتى قال له لا صومَ أفضلُ من صومِ داوودَ كان يصوم يوما ويفطر يوما» . فتمادى على ذلك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ونازل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قراءة القرآن من شهر إلى سبع وراجعه في ذلك بقوله: إني أطيق أكثر من ذلك، حتى قال له: لا تقرأه في أقل من سبع وبعضهم يقول في أقل من خمس. والذي عتب عليه فيه أبو جهيم وحلف من أجله ألا يكلمه شهوده صفين مع معاوية. وقد اعتذر من ذلك وأقسم أنه لم يرم فيها برمح ولا سهم، وأنه إنما شهدها لعزم أبيه عليه في ذلك، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «أطع أباك» . وروي عنه أنه يقول: ما لي ولصفين، ما لي ولقتال المسلمين، والله لوددت أني لم أحضر شيئا منها، وأستغفر الله عز وجل من ذلك وأتوب إليه، إلا أنه ذكر أنه كانت بيده الراية يومئذ فندم ندامة شديدة على قتاله مع معاوية، وجعل يستغفر الله من ذلك ويتوب إليه، ولم يدخل فيما دخل إليه من ذلك إلا وهو يرى باجتهاده أنه سائغ له، ثم رأى البصيرة في خلاف ذلك فندم واستغفر الله مخافة أن يكون قصر في الاجتهاد، فهو محمود في كلتا الحالتين إن شاء

حكاية عن عبد الله بن عمر

الله. وقد مضى هذا بمعناه في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [حكاية عن عبد الله بن عمر] قال: وقدم عبد الله بن عمر الجحفة وبها ابن عامر بن كريز فوضع ابن عمر طعاما فكان يأكل، فقال ابن عمر لطباخه احمل إليه طعاما فوضعه بين يديه، فلما أكل لونا أتاه بلون آخر، فذهب ليأخذ الذي بين يديه ليرفعه، فقال له ابن عامر ما تريد؟ فقال: أرفع هذا وأضع هذا، فقال له ابن عمر: صبه عليه، فصبه، ثم أتاه أيضا بلون آخر فقال أيضا: صبه عليه فصبه، ثم ذهب الطباخ إلى ابن عامر فقال له: هذا الأعرابي فعل كذا وكذا، فقال: انظر ما أمرك به فاصنعه. قال محمد بن رشد: هذا بين من تواضع عبد الله بن عمر وفضله وتركه لسير الملوك المترفين في الدنيا، وبالله التوفيق. [التلطف في سؤال العالم] في التلطف في سؤال العالم ومن المتظاهرتين على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أزواجه قال مالك عن أبي النضر عن علي بن حسين عن ابن عباس أنه أراد أن يسأل عن اللتين تظاهرتا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

من أزواجه، فأخبر أن عمر بن الخطاب يعلم ذلك، فأقام سنة يريد أن يسأله عن ذلك ويهابه إن سأله حتى سافر معه سفرا فرآه ابن عباس جالسا تحت شجرة فأتاه فحادثه ثم قال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أسألك عن شيء منذ سنة، فقال عمر: ما لك لم تسأل؟ فقال: خفت أن تعاتبني، فلما كان الآن قلت: إن عاتبني عاتبتني خاليا، فقال عمر: سل، فقال ابن عباس: من اللتان تظاهرتا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نسائه؟ فقال عمر: عائشة وحفصة. قال محمد بن رشد: كانت حفصة مصافية لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وكانتا متظاهرتين متعاونتين على نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجاء عن ابن عباس أنه قال: «كان لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع نسوة ولكل واحدة منهن بيت وحجرة، ولكل امرأة منهن يوم وليلة من نفسه» . فلما كان يوم عائشة الذي يأتيها فيه زارت حفصة أباها عمر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فاغتنم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلوة بيتها فدعا جاريته مارية القبطية إلى بيت حفصة. فلما جاءت حفصة أبصرت بابها مغلقا فأحست أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه، فجلست حتى فتح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الباب، فقالت: قد عرفت من معك، فقال لها لتكتمن علي، فقالت: نعم، قال: فإنها علي حرام، يعني مارية، وأخبرك أن أبا بكر سيملك أمر أمتي من بعدي، وأن أباك من بعده، فانطلقت إلى عائشة فأخبرتها بما استكتمها، ونزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأخبره بذلك، فغضب - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلما أتته عرفها ما فعلت، فقالت يا رسول الله من أنبأك أني قلت هذا لعائشة؟ قال أنبأني العليم الخبير. فأتته عائشة فقالت: يا رسول الله هذا فعلت في يومي، فأما أيام نسائك فتتمها، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: من أخبرك بهذا؟ قالت: حفصة، فطلق حفصة تطليقة واعتزل نساءه في مشربة مارية، فمكث تسعة

وعشرين يوما ينتظر ما ينزل فيهم، وماج الناس في ذلك، وأتى عبد الله بن عمر أخته فوجدها تلطم وجهها، فقال لها مالك؟ فقالت: طلقني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرجع إلى أبيه فأخبره بذلك. فلما مضت تسع وعشرون ليلة نزلت هذه الآيات: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ، أي من نكاح مارية، {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] الآية. وكذلك روى قتادة أنه قال: حرم جاريته فكانت يمينا. وقال بعضهم: حلف وحرم، وقال إسماعيل فقد يمكن أن يكون حرمها بيمين بالله. وروي أنه حرمها، فقالت: يا رسول الله، كيف تحرم عليك الحلال؟ فحلف بالله ألا يصيبها. وجاء في التفسير عن عبد الله بن عتبة وابن أبي مليكة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شرب عسلا عند زينب بنت جحش، فأجمعت عائشة وحفصة - رحمهما الله - أن تقولا له إنا نشم عليك ريح المغافير. والمغافير: صمغ متغير الرائحة، ويقال إنها بقلة، واحدها مُغْفور - مضموم الميم - فلما صار إلى كل واحدة منهما قالت له: إني أشم منك ريح المغافير، فحرم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شرب العسل، وقيل: إنه حلف على ذلك. ولعل القصتين جميعا قد كانتا، إلا أن أمر الجارية أشبه، لقوله سبحانه {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] ولقوله عز وجل: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم: 3] فكان ذلك في الأمة أشبه، لأن الرجل يغشى أمته في سر ولا يشرب العسل في سر، وفي تحريم الأمة مرضاة لهن. وفي الصحيح من الحديث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يطلق واحدة من نسائه، «وأن عمر بن الخطاب لما قيل له إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلق نساءه دخل على حفصة فإذا هي تبكي، فقال: أطلقكن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالت: لا أدري، وهو ذا معتزل في هذه المشربة، فاستأذن على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

أحكام التناجي

وسلم - في الحجرة، قال فقلت: يا رسول الله أطلقت نساءك؟ قال: لا» وكان أقسم ألا يدخل على نسائه شهرا، فعاتبه الله عز وجل في ذلك وجعل له كفارة في حديث طويل من رواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب، قال الزهري: فأخبرني عروة «عن عائشة قالت: فلما مضت تسع وعشرون دخل علي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا عائشة إني ذاكر لك شيئا فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك، قالت: ثم قرأ هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28] الآية، فقلت: أفي هذا استأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة» . وفي حديث آخر أنها قالت له: «يا رسول الله، لا تخبر أزواجك أني أخبرتك فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنما بعثني الله معلما ولم يبعثني معنتا» وبالله التوفيق. [أحكام التناجي] في التناجي وسئل عن الأربعة يكونون جميعا يتناجى ثلاثة دون واحد فقال: قد نهي أن يترك واحد، لا أرى ذلك ولو كانوا عشرة أن يتركوا واحدا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إنما نهي الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الواحد من أجل أن ذلك يحزنه على ما جاء في حديث ابن مسعود، ويحزنه ويسوؤه على ما جاء في حديث ابن عمر. فإذا تناجى الجماعة دون الواحد كان ذلك على الواحد أشد في الإساءة والحزن وأبين في سوء الأدب معه وقلة المراعاة له. وقد روي أن عبد الله بن عمر حدث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون

وصية لقمان لابنه

الثالث» فقيل له فإن كانوا أربعة قال: لا بأس بذلك، معناه لا بأس أن يتناجى الاثنان منهم دون الاثنين وإن كان الاثنان لا يتناجيان. وأما أن يتناجى منهم الثلاثة دون الواحد فلا يجوز لوجود معنى الكراهية في ذلك التي من أجلها كان النهي. وقد قيل إن ذلك إنما يكره في السفر وحيث لا يعرف المتناجيان ولا يوثق بهما ويخشى الغدرة منهما. ومن حجة من ذهب إلى ذلك ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية عبد الله بن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة أن يتناجى اثنان دون صاحبهما» وهذا لا حجة فيه، إذ ليس في النهي عن ذلك في السفر ما يدل على إباحته في الحضر، فالصواب أن تحمل الأحاديث التي ليس فيها ذكر السفر على عمومها في السفر والحضر. ويحتمل حديث عبد الله بن عمر الذي فيه ذكر السفر على تأكيد النهي عن ذلك في السفر، بدليل قوله فيه: لا يحل. فإذا خشي المتناجيان دون صاحبهما أن يظن بهما أو يخشى منهما أنهما يتناجيان في غدره فلا يحل لهما أن يتناجيا دونه، كان ذلك في السفر أو في الحضر. وإذا أمن ذلك فهو مكروه لهما من أجل أن ذلك يحزنه ويسوؤه، كان ذلك أيضا في السفر أو الحضر، وبالله التوفيق. [وصية لقمان لابنه] في وصية لقمان لابنه قال: وقال لقمان الحكيم لابنه: جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء.

كراهة سفر المرأة مع غير ذي محرم منها

قال محمد بن رشد: قد تقدم قبل هذا من وصيته مثل هذا، فمن الحظ لكل مسلم الأخذ بوصيته والمحافظة عليها. [كراهة سفر المرأة مع غير ذي محرم منها] في كراهة سفر المرأة مع غير ذي محرم منها وسئل عن المرأة تسافر مع غير ذي محرم، قال: إن ذلك ليكره أن تسافر يوما وليلة مع غير ذي محرم. قال محمد بن رشد: قوله: إن ذلك ليكره لفظ وقع منه على سبيل التجاوز، بل لا يحل ذلك [لها] ولا يجوز، لورود النص في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها» . واختلف أهل العلم في المرأة الصرورة إذا لم يكن لها زوج يحج بها ولا ذو محرم تحج معه هل يسقط عنها فرض الحج أم لا؟ فذهب مالك إلى أنه لا يسقط عنها وتخرج في جماعة من النساء وناس من المؤمنين لا تخافهم على نفسها، بدليل إجماعهم على أنها إذا أسلمت في بلد الحرب تجب عليها الهجرة إلى بلد الإسلام وإن لم يكن معها ذو محرم، فهذا مخصوص من عموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالإجماع، وحجها مع غير ذي محرم إذا لم يكن لها ذو محرم تحج معه مخصوص بالقياس على ما أجمعوا عليه، وذلك صحيح. وخالفه في ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد فقالوا: يسقط الفرض عنها بعدم ذي المحرم. وقد اختلف في حد السفر الذي لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، فقيل البريد فما فوقه،

طرح البرغوث والقملة في النار

وقيل اليوم، وقيل يوم وليلة، وقيل ليلتان، وقيل ثلاثة أيام، وأتت بذلك كله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآثار. وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي هريرة أنه قال: «لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم» فتعلق قوم بعموم هذا الحديث فقالوا: لا تسافر المرأة سفرا قريبا ولا بعيدا إلا مع ذي محرم منها، وبالله التوفيق. [طرح البرغوث والقملة في النار] في طرح البرغوث والقملة في النار وسئل عن طرح البرغوث والقملة في النار، فقال: لا، إن ذلك ليكره. قال محمد بن رشد: قد مضى مثل هذا قبل هذا والتكلم عليه فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق. [حكاية عن عيسى ابن مريم] قال مالك: كان عيسى ابن مريم يقول: سيأتي قوم حكماء علماء، كأنهم من الفقه أنبياء. قال مالك: فإن كان قاله فأراهم صدر هذه الأمة. قال محمد بن رشد: هو كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بدليل ما جاء في كتاب الله عز وجل من صفتهم، قال الله عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29] الآية.

صفة أرباب العلم

وقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] ، أي خيارا عدولا، وقال عز وجل لنبيه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] ولا يؤمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يشاور إلا أولي العلم والنهى والديانة والفضل، وبالله التوفيق. [صفة أرباب العلم] في صفة أرباب العلم قال: وقال سأل عبد الله بن سلام كعب الأحبار من أرباب العلم الذين هم أهله؟ قال: هم الذين يعملون بما يعلمون، قال: صدقت، قال: فما نفاه من صدورهم بعد أن علموا؟ قال: الطمع، قال: صدقت. قال محمد بن رشد: قوله: إن أرباب العلم هم الذين يعملون بما يعلمون صحيح بين في المعنى، لأن من لم يعمل بما علم لم ينتفع بعلمه وهو في التمثيل كرجل بيده مال لغيره أذن له في إنفاقه فلا يقال فيه إنه ربه إذ لا ينتفع بشيء منه. وقد جاء في الحديث: «من شر الناس منزلة يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه» لأن علمه يكون عليه حسرة وندامة. وأما قوله: إن الطمع ينفيه من صدورهم، فمعناه أن الحرص على بلوغ شهوات الدنيا يدخلهم في المكروه فيذهلون به عن التوقي [مما يجب عليهم التوقي] منه، فإنه ينفي

التحدث بالأحاديث المختلفة

عن صدورهم بالطمع استعمال العلم لا العلم، فهو مجاز من القول. وقد مضى هذا في رسم المحرم من سماع ابن القاسم. وبالله التوفيق. [التحدث بالأحاديث المختلفة] في كراهة التحدث بالأحاديث المختلفة قال: وقال مالك لم يكن بالمدينة إمام أخبر بحديثين مختلفين. قال محمد بن رشد: يريد بحديثين مختلفين لا يمكن الجمع بينهما ولا ينسخ أحدهما بالآخر، لأن ما هذا سبيله من الأحاديث فالأصح في النقل منهما هو الذي يجب أن يحدث به وبالله التوفيق. [ترك إحفاء الشوارب] في ترك إحفاء الشوارب قال: وسئل مالك عن من أحفى شاربه، قال: يوجع ضربا، وليس حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالإحفاء. قال: وكان يقال ويبدو حرف الشفتين الإطار. وقال لمن يحلق شاربه هي بدع تظهر في الناس. وذكر زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب كان إذا أكربه أمر نفخ، قال فجعل رجل يراده وهو يفتل شاربه بيده، فلو كان محفيا ما وجد ما يفتل، هذه بدع قد ظهرت في الناس. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في رسم سئل عن

السفر في طلب العلم

تأخير صلاة العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [السفر في طلب العلم] في السفر في طلب العلم وقراءة القرآن في الطرق قال: وسمعت أن ابن المسيب قال: إن كنت لأسير في الحديث الواحد مسيرة الأيام والليالي. قال مالك: وكان سعيد بن المسيب يختلف إلى أبي هريرة بأرضه بالجشرة، فقال: جئت أبا هريرة بالجشرة فرأيته جاء من الغائط وإنه ليحدر سورة آل عمران حدرا. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على السفر في طلب العلم في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم، ومضى القول فيه أيضا في قراءة القرآن على كل حال، وبالله التوفيق. [العلم يذهب بذهاب العلماء] ما جاء من أن العلم يذهب بذهاب العلماء قال أشهب: وأخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ينتزع العلم انتزاعا من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء فإذا ذهب العلماء اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» .

يخرج بالشيء إلى المسكين فلا يجد

قال محمد بن رشد: هذا مما أخبر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سيكون فكان على ما أخبر، والله ولي العصمة والتوفيق برحمته. [يخرج بالشيء إلى المسكين فلا يجد] في الذي يخرج بالشيء إلى المسكين فلا يجده وسئل عن الرجل يخرج بشيء إلى المسكين ليعطيه إياه فيجده قد ذهب، قال: يعطيه غيره. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في رسم سأل تأخير صلاة العشاء في الحرس فأغنى ذلك عن إعادته هنا؟ وبالله التوفيق لا شريك له. [التحذير من اتباع الهوى والزيغ البعيد] في التحذير من اتباع الهوى والزيغ البعيد قال: وقال عمر بن عبد العزيز: أحذركم ما مالت إليه الأهواء والزيغ البعيد. قال محمد بن رشد: إنما حذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من اتباع الهوى لقول الله عز وجل: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] الزيغ البعيد هو الإغراق في القياس والغلو في الدين، وكلاهما مذمومان لأنك لا تكاد تجد الإغراق في القياس إلا مخالفا للسنة، والغلو في الدين منهي عنه، قال الله عز وجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة: 77] . وقد مضى هذا في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

حكاية عن عمر بن عبد العزيز

[حكاية عن عمر بن عبد العزيز] قال: وقال عمر بن عبد العزيز: إني لست بمبتدع، ولكني متبع، ولست بقاض ولكني منفذ، ولست بخير من أحدكم إلا أني أثقلكم حملا. قال محمد بن رشد: إنما قال، والله أعلم، لست بمبتدع ولكني متبع جوابا لمن سأله الحكم بخلاف ما مضى عليه العمل. ومعنى قوله لست بقاض ولكني منفذ، أي لست أقضي بحكمي وإنما أنفذ ما أمرني به ربي في كتابه وعلى لسان رسوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقوله: لست بخير من أحدكم إلا أني أثقلكم حملا تواضع منه وفضل - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه التوفيق. [وصية لقمان لابنه] في وصية لقمان لابنه قال: وكان لقمان يقول لابنه: يا بني اتق الله جهدك. قال محمد بن رشد: وصيته هذه لابنه مثل ما أمر الله تعالى بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، وقيل: إن هذه الآية ناسخة لقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] ، وقيل: إنها ليست بناسخة لها وإنما هي مبينة لمعناها، لأن تقوى الله حق تقاته هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وبالله التوفيق.

حكاية عن عمر بن عبد العزيز

[حكاية عن عمر بن عبد العزيز] قال: وقال مالك: دخل زياد مولى ابن عباس، وكان رجلا صالحا غير عالم بحال الولاة والهيبة وعليه جبة صوف، على عمر بن عبد العزيز فقال: السلام عليكم، ثم جلس، ثم استفاق فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: إني لم أنكر الأولى وليس بها بأس، ولقد أصبحت يا ابن زياد خلوا مما أنا فيه وأراك دينا. قال: وكان عمر بن عبد العزيز قد أسكن بعض ولده نواحي أبلة، فكتب إليه يسأل لهم سيجانا وأقداحا وأشياء مما يحتاجون إليها، فكتب إليه عمر أن عليك لهم بطيقان يلبسونها في الشتاء ويفترشونها في الصيف، وعليك بأقداح الفخار فإنها تجزئ من غيرها. قال محمد بن رشد: هذا كله بين في فضل عمر بن عبد العزيز وتواضعه، إذ لم ينكر على زياد ترك تخصيصه بالسلام وتسميته إياه بما خصه الله به من الإمارة على العادة في ذلك، وزهده في الدنيا وتقلله منها، بدليل ما أمر به لبنيه من الطيقان وأقداح الفخار، وبالله التوفيق. [التسمي بياسين] في التسمي بياسين قال: وسألته أينبغي لأحد أن يتسمى بياسين؟ قال: ما أراه ينبغي، لقول الله عز وجل: {يس} [يس: 1] {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 2] {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [يس: 3] يقول هذا أسمى بياسين.

المرأة تموت بجمع

قال محمد بن رشد: قيل في ياسين إنه اسم من أسماء الله عز وجل وإنه أقسم به وبالقرآن الحكيم، وقيل إنه اسم من أسماء القرآن أقسم الله به أيضا. على هذين القولين لا يجوز لأحد أن يتسمى بياسين. وروي عن ابن عباس أنه قال: معنى ياسين يا إنسان بالحبشية، فعلى هذا يجوز أن يتسمى الرجل بياسين. وقال مجاهد هو مفتاح افتتح الله عز وجل به كلامه، فعلى هذا تجوز التسمية به أيضا. ولهذا الاختلاف الحاصل في ياسين كره مالك لأحد أن يتسمى به، وبالله التوفيق. [المرأة تموت بجمع] في المرأة تموت بجمع قال: وقال مالك في المرأة تموت بجمع هي التي ولدها في بطنها. قال محمد بن رشد: المرأة تموت بجمع هي أحد الشهداء السبعة سوى المقتول في سبيل الله، على ما جاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك. واختلف في المرأة تموت بجمع: فقيل هي المرأة تموت وولدها في بطنها على ما قاله مالك وهو المشهور من الأقوال، وقيل هي المرأة البكر التي تموت قبل أن تطمث، وقيل هي المرأة التي تموت بالمزدلفة حاجة، لأن جمعا من أسماء المزدلفة، وبالله التوفيق. [تفسير الأب وإرم ذات العماد] في تفسير الأب وإرم ذات العماد قال: وسئل عمر بن الخطاب عن قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31]

ما الأب؟ فقال هذا لعمر الله التكلف، وقال يقال: إن إرم ذات العماد هي دمشق. قال محمد بن رشد: الذي قيل في الأب أنه ما تأكله البهائم من العشب والنبات، والفاكهة ما يأكله الناس من ثمر الأشجار كلها: النخل والرمان وغيرهما من الأشجار. وذهب أبو حنيفة إلى أن الرطب والرمان ليسا من الفاكهة، واحتج بقول الله عز وجل: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] ، ولا حجة له في ذلك، لأنه إنما أعيد ذكرهما وإن كانا من الفاكهة تأكيدا لهما لشرفهما على سائر الفواكه، مثل قوله عز وجل: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] فأعاد ذكر جبريل وميكائيل وإن كانا من الملائكة تأكيدا لهما. وأما قوله في إرم ذات العماد إنه يقال إنها دمشق، ففي ذلك اختلاف كثير: قيل في إرم إنها اسم بلد، فقال قوم: هي الإسكندرية، وقال قوم: هي دمشق، وقيل بل إرم أمة، وقيل بل هي قبيلة من عاد، وقيل بل إرم اسم رجل هو جد عاد فعاد هو عاد بن عوص ابن إرم؛ وقيل بل هو أبوه فهو عاد بن إرم. وقال الفضل: أكثر الكوفيين لا يجوز أن يكون إرم اسما لأرض ولا لمدينة من جهة إجماعهم على صرف عاد، فلا تكون الأرض ولا المدينة نعتا للإنسان ولا لقبيلة، ولا يجوز أن ينسب إليها وهو منون. قال: وأيضا فإن كانت دمشق فمحال أن لا يكون في البلاد مدن مثلها، وإن كانت أرض فمحال أن تكون أرض ليس مثلها أرض في البلاد. والذي أراه، والله أعلم، أن إرم جد عاد

مخالطة اليتيم في النفقة

كان شديدا فتشبهوا به فصار إرم نعتا لهم كاللقب، كما يقال: زيد أسد وعمرو نعجة. ومعنى ذات العماد أنهم كانوا أهل عمود أي أخبية وماشية، فإذا كان الربيع انتجعوا، وإذا هاجت الأرض وجف العشب رجعوا إلى منازلهم. والعماد جمع عمد، وعمد جمع عمود. وقيل معنى ذات العماد أي ذات العدة وكانوا أعطوا بسطة في الخلق لم يعطها غيرهم: كان الرجل منهم في غاية القوة وكان أطولهم ستين ذراعا وأقصرهم اثني عشر ذراعا. وقال بعض نقلة الأخبار إنه كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستون ذراعا، وجلهم ما بين المائة إلى الثمانين. وقوله: {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} [الفجر: 8] على هذا القول راجع إلى القبيلة لما كان فيهم من الشدة وعظم الخلق. قال أبو جعفر الطبري: ومن ذهب إلى أن إرم اسم لبلدتهم وقال: إن الهاء في مثلها لذات العماد فقد غلط، لأن العماد واحد مذكر، والتي للأنثى، ولا يوصف المذكر بالتي، ولو كان ذلك من صفة العماد لقيل الذي لم يخلق مثلها في البلاد، وبالله التوفيق. [مخالطة اليتيم في النفقة] في مخالطة اليتيم في النفقة قال: وسألته امرأة فقالت: أخذت صبية يتيمة احتسبت فيها الأجر، فيدها مع يدي ويد بناتي لست أضن عنها بشيء، فربما سألني عنها السائل فأعطاها الدراهم فأشتري لها بها الشيء، فربما لم يكن عندي ما أطعم ولدي فأطعمهم من الذي اشتريت لها، وربما أكلت منه إذا لم يكن بيدي ما أشتري به، فقال لها: أنا أخبرك عن ذلك، إن كان ما تنال منك الجارية مثل الذي تصيبين مما أخذت لها أو أكثر فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لقول الله عز وجل في

ما يجازي الله به الصادق في الدنيا

اليتامى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 220] . وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم. [ما يجازي الله به الصادق في الدنيا] فيما يجازي الله به الصادق في الدنيا قال: وسمعت أنه قال ما حرف إنسان قط صدوق وليس من أهل الكذب. قال محمد بن رشد: مثل هذا لا يكون إلا عن توقيف وإن صح بمعناه في الغالب. وقد مضى هذا في رسم الشجرة قبل هذا من سماع ابن القاسم. [حكاية عن عمر بن عبد العزيز] قال: وقال اقتتل غلمان لسليمان بن عبد الملك وغلمان لعمر بن عبد العزيز، فضرب غلمان عمر غلمان سليمان فحمل سليمان وقيل له: هذا ما صنعت، شبرته وفعلت به، فدخل عليه عمر فقال له سليمان: ما هذا؟ ضرب غلمانك غلماني وأهلي، فقال له عمر ما علمت هذا قبل مقالتك الآن، فقال له: كذبت، فقال له عمر: يقال لي كذبت وما كذبت منذ شددت علي إزاري، وإن في الأرض من مجلسنا هذا لسعة، ثم خرج من عنده وتجهز يريد الخروج،

فسأل عنه سليمان حين استبطأه فقالوا: إنه يريد الخروج إلى مصر وقد تجهز، فأرسل إليه أن ارجع وادخل علي، وقال للرسول: قل له إذا جاءني لا يعاتبني فإن في المعاتبة فجاءه عمر فقال له سليمان: ما همني أمر قط إلا خطرت فيه على بالي. وقال عن عمه أبي سهيل قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز فوعظته وقلت له حتى رق وقام من مجلسه فتنحى ناحية ما على أرض فلم يعجل عليه مزاحم ثم أخذ وسادة فأدناها منه فأخذها عمر فرمى بها. قال: وكان عمر بن عبد العزيز يقول: اللهم أرضني بقضائك وأسعدني بقدرك حتى لا أحب تأخير شيء عجلته ولا تعجيل شيء أخرته. قال وقال: قام عمر بن عبد العزيز إلى مصلاه من مجلسه فذكر سهيل بن عبد العزيز وعبد الملك ومزاحما، فقال اللهم إنك قد علمت ما كان من عونهم لي ومعونتهم إياي فأخدتهم فلم يزدني ذلك لك إلا حبا، ولا لي فيما عندك إلا شوقا، ثم رجع إلى مجلسه. قال محمد بن رشد: هذه الحكاية كلها عن عمر بن عبد العزيز شاهدة له بما هو معلوم مشهور من خيره وفضله رحمة الله عليه ورضوانه، والشبر: العطاء، يقال: شبرت الرجل وأشبرته إذا أعطيته، وشبرت المرأة صداقها أعطيتها إياه. فمعنى الكلام هذا ما صنعت أعطيته الجاه والأثرة والمنزلة والمكانة حتى استطال غلمانه على غلمانك. والتشديد في شبرت بمعنى التكثير، كما تقول ضربت وقتلت. ووقع في بعض الكتب: هذا ما فعلت سبرته، وهو غلط لا معنى له والله أعلم، وقد رأيت لبعض أهل اللغة أن التشبير بمعنى التعظيم يقال شبر فلان إذا عظم، وشبرته إذا عظمته. وهذا أشبه بمعنى الحكاية، لأن القائل قال له لما حمل، أي غضب، لإنداره أعوانه

الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى واحد

على أعوانه: هذا ما صنعته بنفسك، لأنك شبرته أي عظمته وفعلت وفعلت حتى استطال أعوانه على أعوانك، وبالله التوفيق. [الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى واحد] في الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى واحد قال: وسألته عن الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى واحد، فقال: أما ما كان منها من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإني أكره ذلك وأكره أن يزاد فيها وينقص، وما كان من غير قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا أرى بذلك بأسا إذا كان المعنى واحدا. قيل له: أرأيت حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد، قال: أرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: التقديم والتأخير في الأحاديث والزيادة في ألفاظها والنقصان منها وتبديلها بما كان في معناها مكروه في حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجائز في حديث غيره للفقيه العالم بمعنى الكلام الذي يؤمن عليه الغلط في ذلك بأن يظن أن المعنى سواء وليس بسواء. والدليل على ذلك أن الله تعالى قد ذكر قصص الأنبياء في القرآن متكررة في مواضع بألفاظ مختلفة وزيادة في بعضها على بعض، فلم يكن ذلك اختلافا من القول ولا تعارضا فيه لاتفاق المعنى في ذلك كله. وقد استدل بعض من ذهب إلى أن ذلك لا يجوز «بحديث البراء بن عازب قال: قال لي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك [اللهم] ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت. فإن مت من ليلتك مت على.

فضل طاووس وما كان عليه

الفطرة. واجعلهن آخر ما تتكلم به. قال: فرددتها على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما بلغت اللهم آمنت. بكتابك الذي أنزلت قلت: ورسولك الذي أرسلت، قال: لا، ونبيك الذي أرسلت.» وليس ذلك باستدلال صحيح، لأن المعنى في ذلك مختلف من أجل أن قوله: ونبيك الذي أرسلت يجمع النبوءة والرسالة، ففيه زيادة بيان على رسولك الذي أرسلت، لأن الرسل من الملائكة وليسوا بأنبياء، ولذلك قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا، ونبيك الذي أرسلت. ولمخافة الغلط في مثل هذا على الفقيه كره له أن يسوق شيئا من حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المعنى. وأما إن كان المحدث ليس بفقيه ممن تخفى المعاني عليه فلا يسوغ له أن يحدث على المعنى، إذ قد يسوق الحديث على المعنى الذي ظهر إليه وهو مخطئ في ذلك، مثل الحديث: «إن الله خلق آدم على صورته» ظن بعض الرواة أن الهاء من قوله على صورته عائدة على الله عز وجل. فساقه على ما ظنه من معناه فقال فيه: إن الله خلق آدم على صورة الرحمن. وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «نهى أن يتزعفر الرجل» فساقه بعض الرواة على المعنى فيه عنده فقال فيه إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن التزعفر، فدخل في عموم قوله الرجال والنساء، ومثل ذلك كثير. وأما زيادة الألف والواو فيما لا يشك فيه أنه يغير المعنى في حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو خفيف كما قاله مالك، وبالله التوفيق. [فضل طاووس وما كان عليه] في فضل طاووس وما كان عليه قال: وكان طاووس يرجع من الحج فيدخل بيته فلا يخرج منه

تعليق الأقناء في المساجد

حتى يخرج للحج من قابل. قال: وكان طاووس يطعم الطعام فيدعو هؤلاء المساكين أصحاب الصفة، فقالوا له: لو صنعت طعاما دون هذا، فيقول إنه لا يكاد يجدونه. قال محمد بن رشد: فيما كان يفعله طاووس من التزامه داره للسلامة من مواقعة الآثام بمخالطة الناس، وإنما كان يطعم المساكين طيب الطعام لأنه هو الذي يحب ويتمنى، ووعد الله تعالى عليه الجزاء الجزيل حيث يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] ، وقال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] إلى قوله: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 12] الآيات إلى آخرها. [تعليق الأقناء في المساجد] في تعليق الأقناء في المساجد وسئل عن الأقناء التي تعلق في المساجد، فقال: بلغني أنها كانت تعلق في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيعطى منها المساكين. قال محمد بن رشد: الأقناء: العراجين، واحدها قنو، ويجمع على أقناء وقنوان. قال الله عز وجل: {قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} [الأنعام: 99] زاد في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة أنه إنما كان يفعل ذلك لمكان من كان يأتي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريد الإسلام، فكان لموضع ضيافتهم فيأكلون منه، وأراه حسنا أن يعلق فيه. فقيل له: أفترى لو

حديث عبد الله بن عمرو في الفتنة

عمل ذلك في مساجد الأمصار؟ فقال: أما كل بلد فيه تمر فلا أرى بذلك بأسا. قال ابن القاسم ولم ير مالك بأسا. بأكل الرطب التي تجعل في المسجد مثل رطب ابن عمير وقد جعل صدقة. وفي هذا دليل على أن الغرباء الذين لا يجدون مأوى يجوز لهم أن يأووا إلى المسجد ويبيتوا فيها ويأكلوا فيها ما أشبه التمر من الطعام الجاف كله. وقد مضى هذا المعنى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة وفي غير ما موضع، وبالله التوفيق. [حديث عبد الله بن عمرو في الفتنة] في حديث عبد الله بن عمرو في الفتنة قال: «وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله بن عمرو بن العاص: كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا فكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه. قال: فكيف بي؟ قال عليك بخاصتك وإياك وعوامهم» . قال محمد بن رشد: وقع هذا الحديث في سماع أشهب من كتاب التجارات إلى أرض الحرب بزيادة فيه: قال لي «فانظر لنفسك وعليك بالبين المحض» . وفي هذا الحديث علم جليل من أعلام النبوءة، لأنه أعلم فيه عبد الله بن عمرو بن العاص بما يكون بعده من الفتن، وحذره ألا يدخل منها في مشكل. وقد دخل فيها بما أداه إليه اجتهاده مع عزم أبيه عليه في ذلك، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أطع أباك» فشهد مع معاوية حرب صفين على ما ذكرناه قبل هذا في هذا الرسم: ثم ندم بعد ذلك لما ظهر إليه من البصيرة في خلاف رأيه الأول، فاستغفر الله عز وجل من ذلك مخافة أن يكون

فضل عبد الله بن الأرقم

قد قصر أولا في اجتهاده مع قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له: فانظر لنفسك وعليك بالمحض البين، وبالله التوفيق. [فضل عبد الله بن الأرقم] في فضل عبد الله بن الأرقم قال: وقال عبد الله بن الأرقم وهو يموت: ألا أخبركم برأي الرجل الصالح في، قال عمر بن الخطاب: لو كان لك [مثل] سابقة القوم ما قدمت عليك أحدا. قال: وكان عمر بن الخطاب يقول: ما رأيت رجلا قط أخشى لله من عبد الله بن الأرقم. قال مالك: ذكر لي زيد بن أسلم قال: «كتب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتاب فقال من يجيب عني؟ فقال عبد الله بن الأرقم: أنا، فأجاب عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرضي ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - فقال عمر: أصاب ما أراد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورضيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يزل ذلك في نفس عمر فلما ولي ولاه بيت المال. قال محمد بن رشد: عبد الله بن الأرقم هذا هو عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف القرشي الزهري، أسلم يوم الفتح، وكتب للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم لأبي بكر بعده، واستكتبه أيضا عمر، فلما ولي ولاه بيت المال، وعثمان بعده وأعطاه ثلاثمائة درهم، فأبى أن يأخذها وقال: إنما عملت لله فأجري على الله. وبلغ

شبه سالم بن عبد الله بأبيه

من أمانته عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب ويأمره أن يطينه ويختمه ولا يقرؤه لأمانته عنده. وبالله التوفيق. [شبه سالم بن عبد الله بأبيه] في شبه سالم بن عبد الله بأبيه، وأبيه بأبيه عمر قال: وقال سعيد بن المسيب، كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به، وكان سالم بن عبد الله أشبه ولد عبد الله به. قال مالك: ولم يكن أحد في زمن سالم أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والقصد والعيش منه، كان يلبس الثوب بالدرهمين، ويشتري الشمال يحملها. وقال مالك قال سليمان بن عبد الملك لسالم بن عبد الله ورآه حسن السحنة: أي شيء تأكل؟ قال: الخبز والزيت، وإذا وجدت اللحم أكلته، فقال له: أوتشتهيه؟ فقال: إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه. قال محمد بن رشد: إنما أراد أن كل واحد منهما كان أشبه بأبيه من سائر إخوته في خيره وفضله ودينه وبالله التوفيق. [ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم] فيما كان يدعو به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مالك: قال يحيى بن سعيد: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك

المنكرات، وحب المساكين وإذا أردت في قوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» . قال محمد بن رشد: يروى: وإذا أدرت، والمعنى في ذلك سواء، لأنه إذا أراد الفتنة فقد أدارها، وإذا أدارها فقد أرادها. والفتنة على وجوه: فمنها ما كان في أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تعذيبهم ليرتدوا عن دينهم، فذلك قول الله عز وجل: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] أي العذاب أشد منه؛ ومنها أن يفتن الله قوما أي يبتليهم، ومنها ما يقع بين الناس من الخلاف والحروب؛ ومنها الفتنة بالنساء، تقول قد فتن بالمرأة إذا تعشقها؛ ومنها الإضلال، قال الله عز وجل: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] أي بمضلين؛ ومنها الفتنة بالنار، تقول: فتنته بالنار أي أحرقته بها، وفي القرآن {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] أي يحرقون. والفتان: الشيطان الذي يصد الناس عن دينهم ويغويهم، وفتانا القبر منكر ونكير، فينبغي أن يستعاذ بالله عز وجل من الفتنة على الوجوه كلها تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودعاؤه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في فعل الخيرات وترك المنكرات بين لا إشكال فيه. وأما دعاؤه في حب المساكين فالمعنى فيه، والله أعلم، حب المسكنة، فقد روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين» . ومعناه الذليل المتواضع لله الذي لا جبروت فيه ولا كبرياء، لا المسكين الفقير من المال، فقد استعاذ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الفقر المنسي

ما روي عن داود النبي عليه السلام في قلة المال وكثرته

والغنى المطغي، فأغناه الله عز وجل الغنى الذي ليس بمطغ وعدد النعمة عليه بذلك فقال: {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] . وقد مضى التكلم على الفقر والغنى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [ما روي عن داود النبي عليه السلام في قلة المال وكثرته] فيما روي عن داود النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في قلة المال وكثرته قال: وقال لي: سمعت أن داود النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. قال مالك: قال ذلك الرجل: إن كان يغنيك ما يكفيك، فأقل عيشها يغنيك. قال محمد بن رشد: في قول هذا الرجل زيادة لم تقع هاهنا وهي: وإن كان لا يغنيك ما يكفيك، فليس في الدنيا شيء يغنيك. والمعنى في هذا كله بين، لأن كثرة المال الذي يلهي مذموم، فقد استعاذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الغنى المطغي فلا إشكال في أن القليل الذي يكفي خير منه، لأن فيه الاستغناء عن الناس، والسلامة من أن يلهيه المال ولا يقوم بحقوق الله عز وجل فيه. ومن كان معه من المال ما يقوم به ويغنيه عن الناس وعن الكدح في معيشته فهو من الأغنياء، وبالله التوفيق. [فضل ابن المنكدر وثنائه بالعلم على سعيد بن المسيب] في فضل ابن المنكدر وثنائه بالعلم على سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار قال مالك: وكان محمد بن المنكدر سيد القراء لا يكاد يسأل عن حديث أبدا إلا يكاد يبكي.

أخذ الأحاديث عن الثقة إذا لم يكن حافظا

قال محمد بن رشد: وكان سعيد بن المسيب عالما بالبيوع، وكان أشبه أهل المشرق به محمد بن سيرين، فقيل له: سليمان ابن يسار؟ قال: لم أسمع عن سليمان بن يسار. قال القاضي: البكاء من خشية الله لا يكون إلا مع حقيقة العلم بالله، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وقال: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: 21] إلى قوله: {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 22] {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23] {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24] . وقال عز وجل: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] . وقد كان سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار فرسي رهان في العلم والفضل، واختلف أيهما أعلم. وقيل: إن العلم كان لسليمان بن يسار، والذكر كان لسعيد بن المسيب، وبالله التوفيق. [أخذ الأحاديث عن الثقة إذا لم يكن حافظا] في أخذ الأحاديث عن الثقة إذا لم يكن حافظا وسئل مالك أيؤخذ ممن لا يحفظ وهو ثقة صحيح أتؤخذ عنه الأحاديث؟ قال: لا، فقيل: يأتي بكتب فيقول قد سمعتها وهو ثقة أتؤخذ منه؟ قال: لا تؤخذ منه، أخاف أن يزاد في كتبه بالليل. قال: وذكرت عنده كثرة الكتب فقال: ما شأن أهل المدينة ليست لهم كتب، مات ابن المسيب، والقاسم بن محمد ولم يتركا كتابا، ومات أبو قلابة فبلغني عنه أنه ترك حمل بغل كتبا.

إعراض العالم عن جفاء السائل

قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، أنه إذا كان لا يحفظ فلا يؤخذ عنه ما جاء به من الأحاديث في الكتب، وقال: إنه سمعها على فلان وإن كان ثقة للعلة التي ذكرها من أنه يخشى أن يكون قد زيد فيها أو غير بعض معانيها إلا أن تكون الكتب بخط يده فترتفع هذه العلة ويؤخذ عنه ما في الكتب إذا كان ثقة مأمونا. وهذا فيما جاء به من الكتب التي لا تعرف وقال إنه سمع ما فيها من فلان. وأما الدواوين المشهورة كالبخاري ومسلم وشبههما، فإذا قال إنه سمعها من فلان جاز أن تحمل عنه عن ذلك الرجل، ولا فائدة في رواية الأحاديث إلا التفقه فيها والعمل بها. وكان العلم في الصدر الأول وفي الثاني في صدور الرجال، ثم انتقل بعد ذلك إلى جلود الضان وصارت مفاتيحه في صدور الرجال، فلا معنى لرواية الأحاديث إلا التفقه فيها، ولا بد لمريد التفقه فيها من مطرق يفتح عليه معانيها، وبالله التوفيق. [إعراض العالم عن جفاء السائل] في إعراض العالم عن جفاء السائل وقال مالك: وقال رجل كالبدوي للقاسم بن محمد: أنت أعلم أم سالم؟ قال هذا سالم، فإن تأته لم يخبرك إلا بما أحاط به علما. قال محمد بن رشد: لما سأل السائل القاسم بن محمد عمالا يعنيه مما لا يتحقق معرفته أعرض عن جوابه على ذلك، وبالله التوفيق. [جواز لباس المظال] في جواز لباس المظال قال: وسئل عن لباس المظال، فقال ما كانت من لباس الناس، وما أرى بلباسها بأسا.

الذي يسمع الخير ويقبله

قال محمد بن رشد: يريد بالمظال القلانس الذي لها ظل تقي من الشمس، فلم ير بلباسها بأسا وإن لم تكن من لباس السلف للمنفعة بها، وبالله التوفيق. [الذي يسمع الخير ويقبله] في الذي يسمع الخير ويقبله قال: وسمعت ربيعة يقول: ليس الذي يقول الخير ويفعله خيرا من الذي يسمعه ويقبله حين يسمعه. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه ليس خيرا منه لأنه لا يكون قابلا له إلا أن يفعله، فإن لم يقدر على فعله لحائل يحول بينه وبين فعله جوزي بنيته، فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة» . وقال عز وجل: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [النساء: 95] فأعلم عز وجل باستواء المجاهدين مع القاعدين من ضرر في الأجر، وبالله التوفيق. [العامي لا يسعه أن يقلد إلا من يفتي بعلم] في أن العامي لا يسعه أن يقلد إلا من يفتي بعلم قال مالك: وسأل رجل عبد الله بن عمر عن شيء فقال لا أدري، فقال له رجل تعال ما سألت عنه؟ فقال: سألت عن كذا

المرأة كالضلع

وكذا، فقال له: وهو كذا وكذا، فقال له [ابن عمر] أخبرت الرجل بعلم علمته؟ قال: لا، قال: فبماذا؟ قال: برأيي. فأرسل ابن عمر خلف الرجل إنه إنما أفتاك بغير علم، فانظر لنفسك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال ابن عمر، لأن فرض العامي هو أن يسأل عالما. وإنما اختلف هل له أن يقلد من شاء من العلماء أو ليس له أن يقلد إلا أعلمهم يجتهد في ذلك، وبالله التوفيق. [المرأة كالضلع] ما جاء في أن المرأة كالضلع قال مالك: وحدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت وفيها عوج» . قال محمد بن رشد: إنما قال فيها إنها كالضلع من أجل أنها خلقت من ضلع من أضلاع آدم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ولم يرد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن النساء كلهن على هذا، وإنما أراد أن هذا هو الغالب من أحوالهن وصفاتهن، فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط» وإنما أراد أن هذا هو الغالب من أحوالهن، إذ قد يوجد من النساء من ترى لزوجها ما يفعل بها من خير وتقر به على كل حال ولا تكفره، وبالله التوفيق.

وصف عبد الله بن عمرو لأهل الأمصار

[وصف عبد الله بن عمرو لأهل الأمصار] في وصف عبد الله بن عمرو لأهل الأمصار قال: وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لأهل العراق إنهم أطلب الناس لعلم وأتركهم له؛ ولأهل المدينة أسرع الناس إلى فتنة وأضعفهم عنها؛ ولأهل الشام أطوع الناس للمخلوق وأعصاهم للخالق؛ ولأهل مصر أكيسهم صغارا وأحمقهم إذا كبروا. قال محمد بن رشد: [هذا] إنما قاله على ما اختبر في الغالب من أحوالهم على مر الأعوام، ولا غيبة بذلك فيهم، إذ لم يعين أحدا منهم بما وصف جملتهم به، وبالله التوفيق. [التوسع في الإنفاق] في التوسع في الإنفاق قال: وأخبرني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «قال يا ابن آدم أنفق أنفق عليك» . قال أشهب قلت: قال الله، قال مالك: ليس هذا هكذا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال الله: يا ابن آدم أنفق أنفق عليك» . قال محمد بن رشد: قد علم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقل ذلك إلا عن الله عز وجل أنه قاله، فليس على الراوي في زيادة مثل هذا في الحديث على ما سمعه شيء، ولكنه استحب أن لا يحدث بالحديث إلا على ما سمعه قطعا للذريعة مخافة أن يتجرأ أحد بذلك أن يزيد في

ما ذكر في موسى عليه السلام

حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يظن أنه معناه. وفي الحديث استحباب التوسع في الإنفاق على العيال من غير إسراف، وأن الله يخلف على فاعل ذلك. وقد أثنى عز وجل على المنفقين من غير إسراف ولا إقتار فقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] ، وبالله التوفيق. [ما ذكر في موسى عليه السلام] فيما ذكر في موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: وكان يحيى بن سعيد يقول: «كأني أنظر إلى موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وعليه ثوبان أخضران منهبطا من ثنية هرشا لما مضى» . قال محمد بن رشد: [سقط] ، قال مالك لما مضى في بعض الكتب، وهو صحيح في المعنى، لأن يحيى بن سعيد إنما قال ذلك تحقيقا لما أخبر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك، وذلك كما يقول الرجل: فلان فعل كذا وكذا أمس كأني أنظر إليه يفعله تصديقا لما أخبر به عنه. وقد عرضت الأمم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرآها على ما كانت عليه. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوما فقال: عرضت علي الأمم ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل هذا موسى في قومه» وبالله التوفيق.

ما يحذر من قرب الساعة والتصديق بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام

[ما يحذر من قرب الساعة والتصديق بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام] فيما يحذر من قرب الساعة والتصديق بنزول عيسى ابن مريم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: وكان أبو هريرة يلقى الفتى الشاب فيقول: يا ابن أخي إنك عسى أن تلقى عيسى ابن مريم فأقرأه مني السلام. قال محمد بن رشد: قد أعلم الله عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن عيسى ابن مريم ما قتل ولا صلب وأن الله رفعه إليه. وأخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إخبارا متواترا وقع العلم به أنه سيهبط في آخر الزمان حكما عدلا مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال، فوجب التصديق على كل مسلم بذلك كما فعل أبو هريرة، وبالله التوفيق. [مناولة الرجل ما سقي من الشراب لجلسائه] في مناولة الرجل ما سقي من الشراب لجلسائه قال مالك: سمعت أن عمر بن الخطاب سقي شرابا فيه عسل فذاقه ثم قال: من يأخذ هذا بشكره فناوله إنسانا. قال محمد بن رشد: السنة أن يناول الرجل الشراب لمن على يمينه على ما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر، فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن» . وأنه «أوتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال: لا والله يا

كراهة الاستدانه بالديون

رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا فتله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يده» . فيحتمل أن يكون عمر بن الخطاب إذ أوتي بالشراب لم يكن أحد ممن معه على يمينه، ولذلك قال ذلك القول. وفي قوله شراب فيه عسل دليل على أن الشراب لم يكن من عسل وإنما كان من غير العسل وفيه عسل. وخلط العسل بشراب غير العسل منهي عنه، والنهي إنما هو في خلطه فإذا خلط لم يلزم هرقه وجاز شربه. وقوله في حديث عمر: وذاقه، يدل على أنه لم يشربه، وذلك، والله أعلم أنه لما وجد فيه طيب العسل ترك شربه لئلا يستجاز [شربه إياه و] خلطه، وبالله التوفيق. [كراهة الاستدانه بالديون] في كراهة الاستدانه بالديون قال مالك وحدثني عمر بن عبد الرحمن بن دلاف عن أبيه أن رجلا من جهينة يقال له: الأسيفع كان يشتري الرواحل بالدين فيغلي بها فيسبق الحاج فأفلس، فقال عمر بن الخطاب إن الأسيفع أسيفع جهينه رضي من دينه وأمانته أن يقال سبق الحاج فادان معرضا فأصبح قدرين به، فمن كان له عليه شيء فليأتني بالغداة نقسم بينهم ماله، وإياكم والدين فإن أوله هم وآخره حرب. قال محمد بن رشد: قوله ادان معرضا معناه ادان مع كل من وجد وأمكنه مداينته. وقوله قدرين به، معناه قد غلب عليه الدين. قال الله عز

وجل: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] ، وذلك أنه كان يشتري الرواحل بالدين ويسرع السير ليبيعها بالموسم بالربح، فأخطأه ذلك وباع بالخسارة فغلبه الدين وقوله إياكم والدين فإن أوله هم وآخره حرب، يروى حرب، وحرب- بإسكان الراء وفتحها- فالحرب القتال، والحرب الهلاك. فيقول إن الدين يكون آخره إلى منازعة وخصام، ومرافعة إلى الحكام، أو إلى هلاك ماله. وقد استعاذ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الدين فقال: «اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم» ولذلك نهى عنه عمر بن الخطاب فقال: وإياكم والدين. وقد جاءت آثار كثيرة في التشديد في الدين وأن صاحبه يوم القيامة محبوس بدينه دون الجنة، فقيل معنى ذلك فيمن تداين في سرف وقمار، وقيل بل كان ذلك في أول الإسلام قبل أن تفتح الفتوحات وتفرض على الناس الزكوات، فلما أنزل الله عز وجل براة ففرض فيها الزكاة وجعل للغارمين فيها حقا، وأنزل آية الفيء والخمس فجعل فيهما حقا للمساكين وابن السبيل قال حينئذ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا فعلي» . فمن تداين فيما يحتاج إليه وهو يرى أن ذمته تفيء بما تداين به فليس بمحبوس دون الجنة بدينه إن مات ولم يترك مالا؛ لأن على الإمام أن يؤديه عنه من بيت المال، ومن سهم الغارمين من الزكوات، أو من جميعها إن رأى ذلك على مذهب من رأى أنه إن جعل الزكاة كلها في صنف واحد أجزأ. وقد قيل إنه لا يجوز أن يؤدى دين الميت من الزكاة، فعلى هذا القول إنما يؤدي الإمام دين من مات وعليه دين من

حفظ ابن شهاب

الفيء الحلال للفقير والغني، وبالله التوفيق. [حفظ ابن شهاب] في حفظ ابن شهاب قال: حدثنا ابن شهاب حديثا فقلت أعد علي، فقال: لا، فقلت أما كان يعاد عليك؟ قال لا، فقلت له: فكنت تكتب؟ فقال لا، فخليت سبيله. قال محمد بن رشد: المعني في هذا بين والحمد لله وبه التوفيق. [القراءة في الحمام] في القراءة في الحمام وسئل مالك عن القراءة في الحمام، [فقال: القراءة بكل مكان حسنة، ليس الحمام بموضع قراءة، فإن قرأ الإنسان الآيات فليس بذلك بأس، وليس الحمامات من بيوت الناس الأول. قال محمد بن رشد: كره القراءة في الحمام] إذ لا ينفك عن النجاسة في أغلب الأحوال، كما كره قراءة القرآن في الأسواق والطرق من أجل ذلك، واستحب أن ينزه القرآن عن أن يقرأ إلا في مواضع القراءة إلا أن يكون الشيء اليسير أو مثل الغلام يتعلم القراءة على ما يأتي له بعد هذا. وقد أجاز ذلك بكل حال في أحد قوليه، واحتج بقول أبي موسى: أما أنا فأتفوقه تفوقا ماشيا وراكبا وقاعدا [وعلى جنب] وعلى كل حال. وقد

ضرب الأجل لأهل الحرب إذا قدموا للتجارة

تقدم ذكر ذلك في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [ضرب الأجل لأهل الحرب إذا قدموا للتجارة] في ضرب الأجل لأهل الحرب إذا قدموا للتجارة وسئل مالك عن اليهود والنصارى والمجوس إذا قدموا المدينة أيضرب لهم أجل؟ فقال نعم يضرب لهم أجل ثلاث ليال يتسوقون وينظرون في حوائجهم، فقد ضرب ذلك لهم عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال رئيس اليهود له حين أجلاهم: أتجلينا وقد أقرنا محمد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فقال عمر: أتراني نسيت قوله لك: كيف بك إذا رقصت بك قلوصك ليلة بعد ليلة. قال إنما كانت هزيلة من أبي القاسم، فقال له عمر كذبت. قال محمد بن رشد: قوله إنه يضرب لهم أجل ثلاث ليال، يريد ثلاث ليال بأيامهن، فلا يحسب عليهم يوم ورودهم. وإنما رأى أن يضرب لهم ثلاث ليال لأن ذلك هو مقدار السفر وما فوق ذلك إقامة، بدليل قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يقيمن مهاجر بمكة بعد قضاء نسكه فوق ثلاث» إلا أن لا تتم حوائجهم وما يحتاجون إليه في بيعهم وشرائهم في ثلاث ليال فيزاد في الأجل قدر ما يحتاجون إليه ولا تتم حوائجهم فيما دونه. وقد مضى حديث إجلاء عمر اليهود وما قاله له رئيسهم في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

ما روي عن كعب

[ما روي عن كعب] فيما روي عن كعب قال مالك: وذكر أن حديث كعب حين جاء إلى عمر بن الخطاب بالمصحف فقال له أهذه التوراة؟ أن زيد بن أسلم الذي حدثه بذلك عرض عليه عرضا. قال محمد بن رشد: كعب هذا، والله أعلم، هو كعب الأحبار، وهو كعب بن ماتع الحميري من آل ذي رعين من حمير، وقيل من ذي الكلاع من حمير، يكنى أبا إسحاق، وأسلم في زمن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتوفي في آخر خلافة عثمان. وكان عالما بالتوراة لأنه كان حبرا من أحبار اليهود وإن كان عربي النسب، فكثير من العرب تهود وكثير منهم تنصر، فكان كثيرا ما يحدث منها. فمعنى قوله في المصحف لعمر بن الخطاب أهذه التوراة؟ والله أعلم، أهذه توراتكم التي هي عندكم بمنزلة التوراة عند اليهود، وبالله التوفيق. [مشي موسى عليه السلام مع المرأتين إلى أبيهما شعيب عليه السلام] في مشي موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مع المرأتين إلى أبيهما شعيب - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال وبلغني أن موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين جاءته إحدى المرأتين فقالت {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25] مشى خلفها ثم قال لها: امشي خلفي فإني عبراني لا أنظر في أدبار النساء، فإن أخطأت فصفي لي فمشى بين يديها وتبعته.

النظر إلى المجذوم

قال محمد بن رشد: مشيه خلفها من أمانته التي وصفه الله عز وجل بها حيث قال في كتابه: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26] . وقوته أنه استوهب الرعاء دلوا فوهبوه إياه فنزعه وحده، وكان لا ينزعه إلا عشرة رجال. وقيل أربعون رجلا، فدعا فيه بالبركة فكفى ماشيتهما، فذلك قَوْله تَعَالَى: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] ، وقيل إنه رفع من على فم البير صخرة كانت عليه وحده، وكان لا يرفعها إلا عشرة رجال، وقيل أربعون رجلا. في نقل لفظ الحديث على المعنى وقال مالك: ما لفظ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فليس كما لفظ غير النبي، فإذا كان المعنى واحدا وما لفظ النبي فينبغي للمرء أن يقوله كما جاء. قال محمد بن رشد: قوله فإذا كان المعنى واحدا، معناه فلا بأس به إذا لم يكن من لفظ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد مضى الكلام على هذا فوق هذا في هذا الرسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [النظر إلى المجذوم] في النظر إلى المجذوم وسئل مالك أتكره إدامة النظر إلى المجذوم؟ قال: أما في

الحجامة يوم السبت والأربعاء

الفقه فلم أسمع بكراهيته، ولا أرى ما جاء من النهي عن ذلك إلا مخافة أن يفزع ويقع في نفسه من ذلك شيء. قال محمد بن رشد: النهي الوارد عن ذلك هو من معنى «قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمرأة التي جاءته فقالت: يا رسول الله: دار سكناها والعدد كثير والمال وافر، فقل العدد وذهب المال، [فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] دعوها ذميمة» فأمر رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتركها لما وقع في نفوسهم من أن ذهاب مالهم وقلة عددهم كان بسبب سكناهم الدار، فخشي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم إن تمادوا في السكنى فيها فذهب من مالهم بعد شيء أو نقص من عددهم أن يقوى في نفوسهم ما كان وقع فيها من ذلك. ومن معنى قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحلل الممرض على المصح وليحلل المصح حيث شاء» بعد أن قال «لا عدوى ولا هام ولا صفر» فنهي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يحل الممرض الذي إبله مرضى على المصح الذي إبله صحاح مخافة أن تمرض إبله بقدر الله عز وجل فيظن أن ذلك بسبب ورود الإبل المراض عليها وأنها هي التي أعدتها، وبالله التوفيق. [الحجامة يوم السبت والأربعاء] في الحجامة يوم السبت والأربعاء وسئل مالك عن الحجامة يوم السبت والأربعاء فقال: لا أرى

بأسا بالحجامة يوم السبت والأربعاء، والأيام كلها سواء، وإني لأكره أن يترك الحجامة على هذا، قالوا لا يحتجم يوم كذا وكذا، ولا يسافر يوم كذا وكذا، والأيام كلها لله عز وجل. قال: وكانت عائشة زوج النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقول: لو نهي الناس عن جاحم الجمر لقال قائل فإني أحب أن أذوقه. قال محمد بن رشد: أما تشاؤم من تشاءم بالسبت، والله أعلم، فلم يحتجم فيه من أجل أن أهل السبت تعدوا فيه فمسخهم الله قردة وخنازير، قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 66] وتشاؤم من تشاءم بالأربعاء ولم يحتجم فيه ولا سافر فيه من أجل ما روي من أن الأيام النحسات المشؤومات التي قال الله عز وجل فيها: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت: 16] كان أولها يوم الأربعاء إلى الأربعاء ثمانية أيام التي قال الله عز وجل فيها: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8] . والأيام كلها لله، فلا ينبغي أن يتشاءم بشيء منها، ولا يمتنع في شيء منها في شيء من الأشياء كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفيما أغري الناس من مثل هذا وشبهه قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لو نهي الناس عن جاحم الجمر لقال قائل لو ذقته، تريد أن الناس إذا نهوا عن شيء فيما يضر بهم في دينهم أو دنياهم زينه لهم إبليس ووسوس إليهم فيه حتى يوقعهم في المكروه، وكذلك لا ينبغي أن يتوخى في الحجامة أياما بأعيانها. وقال سئل مالك فيما يأتي في هذا السماع عن الحجامة لسبع عشرة

حمل الصبيان على الخيل في الرهان

وخمس عشرة وثلاث عشرة، فقال: أنا أكره هذا ولا أحبه، وكأنه يكره أن يكون لذلك وقت، وبالله التوفيق.. [حمل الصبيان على الخيل في الرهان] في حمل الصبيان على الخيل في الرهان وسئل مالك عن حمل الصبيان الصغار على الخيل يجرونها في الرهان، فربما سقط أحدهم فمات، قال: أكره أن يحمل على الخيل الصبيان الصغار. قلت له: أفترى أن يشهد؟ فقال: لا أدري، أما أنا فلا أرى حملهم ولا أراه. قال محمد بن رشد: أما حمل الصبيان على الخيل يجرونها في السباق وقد يموت في ذلك بعضهم، فالمكروه في ذلك بين. ومن حمل صبيا في ذلك على فرسه فهو لما أصابه في ذلك ضامن، ولا بأس بالمسابقة بين الخيل لما جاء من «أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع» . وذلك نحو ستة أميال أو سبعة، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وذلك نحو ميل، روى ذلك عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الله بن عمر، وكان ممن سابق بها. والمسابقة في ذلك جائزة على الرهان وعلى غير الرهان. والرهان فيها على ثلاثة أوجه: وجه جائز باتفاق، ووجه غير جائز باتفاق، ووجه مختلف في جوازه. فأما الجائز باتفاق فهو أن يخرج أحد المتسابقين إن كانا اثنين أو أحد المتسابقين إن كانوا جماعة جُعلا لا يرجع إليه بحال ولا يخرج من سواه شيئا، فإن سبق مخرج الجعل كان الجعل للسابق، وإن سبق هو صاحبه ولم يكن معه غيره كان الجعل طعمة لمن

حضر؛ وإن كانوا جماعة كان الجعل لمن جاء سابقا بعده منهم. وهذا الوجه في الجواز مثل أن يخرج الإمام الجعل فيجعله لمن سبق من المتسابقين، فهو مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم أجمعين. وأما الوجه الذي لا يجوز باتفاق فهو أن يخرج كل واحد من المتسابقين إن كانا اثنين، أو كل واحد من المتسابقين إن كانوا جماعة جعلا على أنه من سبق منهم أحرز جعله وأخذ جعل صاحبه إن لم يكن معه سواه، أو أجعال أصحابه إن كانوا جماعة، فهذا لا يجوز بإجماع؛ لأنه من الغرر والقمار والميسر والخطار المحرم بالقرآن؛ وأما الوجه المختلف فيه فهو أن يخرج أحد المتسابقين إن كانا اثنين، أو أحد المتسابقين إن كانوا جماعة، جعلا ولا يخرج من سواه شيئا على أنه إن سبق أحرز جعله، وإن سبقه غيره كان الجعل للسابق، فهذا الوجه اختلف فيه قول مالك، وهو على مذهب سعيد بن المسيب جائز. ومن هذا الوجه المختلف فيه أن يخرج كل واحد من المتسابقين جعلا على أن من سبق منهما أحرز جعله وأخذ جعل صاحبه على أن يدخلا بينهما محللا لا يأمنا (كذا) أن يسبقهما على أنه إن سبقهما أخذ الجعلين جميعا، فهذا الوجه أجازه سعيد بن المسيب ولم يجزه مالك ولا اختلف فيه قوله كما اختلف في الوجه الأول الذي قبله؛ لأنه أخف في الغرر منه، ويجمع بينهما في المعنى أن حكم مخرج الجعل مع صاحبه في تلك في حكم مخرج الجعل مع المحلل في هذه، وسواء كان مع الجماعة المتسابقين محلل واحد أو مع الاثنين المتسابقين جماعة محللون، الخلاف في ذلك كله، إلا أنه كلما كثر المحللون وقل المتسابقون كان الغرر أخف والأمر أجوز. وقد روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي هريرة أنه قال: «من أدخل فرسا بين فرسين وهو يؤمن أن يسبق فذلكم القمار» وهو حجة لابن المسيب، وبالله التوفيق.

حلاق الصبيان قصة وقفا

[حلاق الصبيان قُصَّة وقَفا] في حلاق الصبيان قُصَّة وقَفا وسئل عن حلاق الصبيان قصة وقفا، قال: ما يعجبني، فقلت له: فمن الجواري [والغلمان] فقال: ما يعجبني من الجواري ولا من الغلمان، إن كانوا يريدون أن يدعوا شعره فليدعوه، وإن كانوا يريدون أن يحلقوه فليحلقوه كلّه. وقد كلمت في ذلك بعض الأمراء [وأمرته] أن ينهى عن ذلك، فسئل عن القصة وحدها بلا قَفَا، فقال: مثل ما قال في القُصّة والقَفَا. قال محمد بن رشد: حلاق الصبي قصة وقفا هو أن يحلق وسط رأسه ويبقى مقدمه مقصوصا على وجهه ومؤخره مسدولا على قفاه. وحلاقه قصة بلا قفا هو أن يحلق وسط رأسه إلى قفاه ويبقى مقدمه مقصوصا على وجهه، وذلك كله مكروه للصبيان كما قال، لما جاء من أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن القزع» وهو حلق بعض الرأس دون بعض، فعم ولم يخص صغيرا من كبير. ولم يكره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - القصة للصغيرة إذا لم يحلق بعض رأسها على ظاهر هذه الرواية كما كره للكبيرة، ففي كتاب جامع المسائل والحديث لأصبغ قال: سمعت ابن القاسم يقول: كره مالك القصة للمرأة كراهية شديدة، قال وكان فرق الرأس أحب إلى مالك فيما أظن. وإنما كره مالك، والله أعلم، لما جاء من أن أهل الكتاب كانوا يسدلون شعورهم، وكان المشركون يفرقون، فكان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، فسدل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناصيته ثم فرق بعد. وروى عيسى عن ابن

البر المحمود

القاسم عن مالك قال: رأيت عامر بن عبد الله بن الزبير، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهشام بن عروة يفرقون رؤوسهم، وكانت لهشام جمة إلى كتفيه. وروي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرسا يجزون كل من لم يفرق شعره. وقد روي أن «شعر رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان دون الجمة وفوق الوفرة» . وروي «أنه كان إلى شحمة أذنه» وروي «أنه كان بين أذنيه وعاتقه» . وهذا يدل على أن اتخاذ الشعر أحسن من جزه وإحفائه. وذهب الطحاوي إلى أن جزه وإحفاءه أحسن من اتخاذه واستعاله، واحتج بما روي من أن «أبا وائل بن حجر أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد جز شعره فقال له: هذا أحسن» قال: إن ما قال فيه رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنه أحسن فلا شيء أحسن منه، ومعقول أنه قد صار إليه وترك ما كان عليه قبل ذلك، إذ هو أولى بالمحاسن كلها من جميع الناس. وهذا في الرجال، وأما المرأة فلا اختلاف في أن جز شعرها مثلة. وفي كتب المدنيين سئل ابن نافع هل كره للمسلمة أن تفرق قصتها كما يصنع نساء أهل الكتاب؟ قال: لا، وبالله التوفيق. [البِرِّ المحمود] في البِرِّ المحمود قال أشهب: أخبرني مالك قال، حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه قال: لم يعرف البر في عمر ابن الخطاب ولا في ابنه حتى يقولا أو يفعلا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أنهما كانا لا يظهران من فعل الخير أكثر مما كانا يقولانه أو يفعلانه، وفي هذا الحضُّ على تجنب الرياء، وبالله التوفيق.

ثناء ابن شهاب على عبد الله بن أبي بكر

[ثناء ابن شهاب على عبد الله بن أبي بكر] في ثناء ابن شهاب على عبد الله بن أبي بكر قال مالك: أخبرني ابن غزية قال، قال ابن شهاب: من بالمدينة يفتي؟ فأجابه فقال ابن شهاب ما ثم مثل عبد الله بن أبي بكر، ولكن إنما يمنعه أن يرفع ذكره مكان أبيه أنه حي. قال محمد بن رشد: عبد الله بن أبي بكر هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أحد شيوخ مالك الذين روى عنهم وعول عليهم، وكفى في الثناء عليه قول ابن شهاب هذا فيه، وبالله التوفيق. [وقت تحويل القبلة] في وقت تحويل القبلة قال مالك: أقام الناس يصلون نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم أمروا بالبيت. قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] في صلاتكم إلى بيت المقدس. قال مالك: فإني لأذكر بقراءة هذه الآية قول المرجئة إن الصلاة ليست من الإيمان وقد سماها الله عز وجل من الإيمان. قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه الرواية: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] في صلاتكم إلى بيت المقدس أي في صلاتكم إلى بيت المقدس، إذ ليس في التلاوة: في صلاتكم إلى بيت المقدس، فإنما ذكره مالك على التفسير لما في التلاوة؛ لأن الصلاة إنما تكون صلاة يثاب المصلي عليها إذا قارنها الإيمان، فلما كانت الصلاة لا تصح إلا بمقارنة الإيمان لها، وكان جل الثواب عليها للإيمان الذي قارنها بدليل قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

حكاية عن أبي بكر الصديق

وسلم-: «نية المؤمن خير من عمله» لزم أن يقال فيها إنها إيمان، إذ لا يصح أن يفارقها الإيمان، فالحجة على المرجئة صحيحة من جهة التلاوة؛ لأن الله عز وجل سمى الصلاة إلى بيت المقدس إيمانا، بدليل أنها نزلت فيها، ومن جهة المعنى الذي ذكرناه أيضا. وعلى طريق التحقيق الصلاة ليست بإيمان منفردة، وإنما هي [إيمان] بالقلب وعمل بالجوارح، فلا يطلق عليها أنها إيمان إلا على ضرب من المجاز، إذ ليست بإيمان منفردة ولا يصح أن يقال فيها إنها غير الإيمان إذ لا يفارقها الإيمان، فهي كالصفة من الموصوف القديم لا يقال فيها إنها هو ولا إنها غيره، فقول المرجئة إن الصلاة ليست من الإيمان باطل بين البطلان، وبالله التوفيق. [حكاية عن أبي بكر الصديق] قال مالك: ولما أنزل الله {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66] قال أبو بكر الصديق والذي بعثك بالحق إن كنت لفاعلا. قال محمد بن رشد: لا شك أن أبا بكر الصديق من القليل الذين استثنى الله عز وجل في الآية، فلا أحد أحق بهذه الصفة منه، ويمينه على ذلك برة، وفي هذا حجة لرواية ابن الماجشون عن مالك فيمن حلف في أمر قد سلف لو كان كذا وكذا لفعلت كذا وكذا مما يمكنه فعله أن لا حنث عليه، خلافا لقول أصبغ إنه حانث إذ لا يدرى هل كان يفعل أو لا يفعل. وقد مضى هذا في رسم مرض من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب ومن كتاب الجهاد، وبالله التوفيق.

التثبت في القول

[التثبت في القول] في التثبت في القول وقال مالك: كان ذلك الرجل يقول: ما علمت فقل، وما استؤثر به عنك فكله إلى عالمه؛ لأنا في العمد أخوف عليكم مني في الخطأ. قال محمد بن رشد: هذا مثل أن يسأل رجل تفسير آية من القرآن لا يعلم لها تأويلا فيقول فيها برأيه، فقد كان أبو بكر الصديق يقول: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت على الله ما لا أعلم، وبالله التوفيق. [إقادة الإمام من نفسه] في إقادة الإمام من نفسه قال مالك: قال رجل لعمر بن الخطاب: هل لك يا أمير المؤمنين في رجل قد رقدت حاجته وطال مقامه، فقال عمر بن الخطاب من زيدها؟ فقال أنت. فغضب عمر فضربه بالدرة، فقال: عجلت يا أمير المؤمنين علي قبل أن تنظر في أمري، فإن كنت ظالما أخذت مني، وإن كنت مظلوما رددت علي، فقال له عمر: صدقت، فقال هاك فاستقد، فقال لا أفعل، فقال لتستقدن أو لتفعلن ما يفعل المنتصف من حقه. قال قد عفوت. قال عمر: أنصفت من نفسي قبل أن ينصف مني، ثم بكى عمر حتى لو كنت بالأراك لسمعت حنين ابن الخطاب. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه الحكاية والقول فيها في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

حكاية لكعب الأحبار مع عمر بن الخطاب

[حكاية لكعب الأحبار مع عمر بن الخطاب] قال وقال كعب الأحبار لعمر بن الخطاب: في التوراة ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء، فقال له عمر، إلا من حاسب نفسه، فقال كعب: ما بينهما حرف إلا من حاسب نفسه. قال محمد بن رشد: مضت هذه الحكاية في أول رسم تأخير صلاة العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم أكمل مما وقعت ها هنا، ومضى الكلام عليها هناك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [إيثار الرجل نفسه في الطعام والكسوة على رقيقه وعياله] في إيثار الرجل نفسه في الطعام والكسوة على رقيقه وعياله قال: وسمعته وسئل أيصلح أن يأكل الرجل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه أو يلبس ثيابا لا يكسوهم مثلها؟ فقال: إني والله لأراه من ذلك في سعة، ولكن يحسن إليهم ويطعمهم. فقيل له: أرأيت ما جاء من حديث أبي الدرداء؟ فقال كان الناس يومئذ ليس لهم ذلك القوت. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي هريرة في موطئه: «للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف» الحديث. ومعنى قوله فيه بالمعروف أي من غير إسراف ولا إقتار، وعلى قدر سعة مال السيد وما أشبه حال العبد أيضا، فليس حال العبد الأسود

موت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا

الوغد الذي هو للخدمة والحرث كالعبد النبيل التاجر الفاره فيما يجب لهما على سيدهما من الكسوة سواء، قلا يلزم الرجل أن يساوي بين نفسه وعبده في المطعم والملبس على ما ذهب إليه بعض أهل العلم لقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون» . وقد روي عن أبي اليسر الأنصاري وأبي ذر من أصحاب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهما كانا يفعلان ذلك، وهو محمول منهما على الرغبة في فعل الخير لا على أن ذلك واجب عليهما، إذ لم يقل- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطعموهم مثل ما تأكلون واكسوهم مثل ما تلبسون، وإنما قال: مما تأكلون ومما تلبسون، فإذا أطعمه وكساه بالمعروف من بعض ما يأكل من الخبز والإدام ويلبس من الصوف والقطن والكتان، فقد شاركه في مطعمه وملبسه، وامتثل بذلك قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وبالله التوفيق. [موت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا] في أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مات شهيدا من الأكلة التي أكل بخيبر قال وقال مالك، قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما زلت ضمنا من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر فهذا أوان [وجدت] انقطاع أبهري» . قال مالك: كانت يهودية سمته فيها.

اكتحال الرجل بالإثمد

قال محمد بن رشد: اليهودية التي سمته بخيبر زينب بنت سلام بن مشكم أهدت له- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شاة مصلية وسمت له منها الذراع، وكان أحب اللحم إليه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما تناول الذراع ولاكها لفظها ورمى بها وقال هذا العظم يخبرني أنه مسموم، ودعا اليهودية فقال: ما حملك على هذا؟ فقالت أردت أن أعلم إن كنت نبيا وعلمت أن الله إن أراد بقاءك أعلمك فلم يقتلها رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأكل من الشاة معه بشر بن البراء بن معرور، فمات من أكلته تلك، وبالله التوفيق. [اكتحال الرجل بالإثمد] في اكتحال الرجل بالإثمد وسئل عن اكتحال الرجل بالإثمد فقال: ما يعجبني وما كان من عمل الناس وما سمعت فيه بنهي. قال محمد بن رشد: إنما كرهه وإن كان لم يسمع فيه بنهي لأن الإثمد مما تكتحل به المرأة للزينة، فيكره للرجل أن يتشبه في ذلك بالمرأة، كما يكره للمرأة أن تتشبه بالرجل، فقد قيل من شر النساء المتشبهة بالرجال، وبالله التوفيق. [السلام على اللعاب بالكعاب والشطرنج] في السلام على اللعاب بالكعاب والشطرنج قال وسئل عن التسليم على اللعاب بالكعاب والشطرنج والنرد، فقال: أما هم من أهل الإسلام؟ إذا بولغ في ذلك ذهب

أكل الرجل مما تصدق به على ابنه

كل مذهب وإني لأكره أن أقول أن لا أسلم على أهل الإسلام، وليأتين عليهم يوم يستخفون به يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65] ويقول الله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] فإنما أمر بشهادة من يرضى، فقيل له أفترى شهادتهم جائزة؟ فقال أما من أدمنها فلا أرى شهادتهم عاملة، لقول الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] فهذا كله من الضلال. قال محمد بن رشد: لم ير مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يترك السلام على اللعاب بالكعاب والنرد والشطرنج وأشباههم من أهل المجون والبطالات والاشتغال بالسخافات، إذ لا يخرجهم ذلك عن الإسلام، وإن كانوا يعودون بذلك غير مرضيي الأحوال، فلا تجوز شهادتهم؛ لأن الله عز وجل يقول: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . ومعنى ذلك في السلام عليهم إذا مر بهم في غير حال لعبهم، وأما إذا مر بهم وهم يلعبون فلا ينبغي أن يسلم عليهم، بل يجب أن يعرض عنهم، فإن في ذلك أدبا لهم، ومتى سلم عليهم وهم يلعبون استخفوا بالمسلم عليهم وارتفعت بذلك الريبة عنهم، وبالله التوفيق. [أكل الرجل مما تصدق به على ابنه] في أكل الرجل مما تصدق به على ابنه قال وسألته عن الرجل يتصدق على ولده بالغنم [وبالضأن، أيلبس من صوفها] ويشرب من لبنها؟ فقال لا، فقلت له: إنه

تحلية المصاحف

يبيع ذلك، أفترى أن أشتري ذلك بما يبيعه له من غيره، فقال: ترك ذلك أحب إلي. قال محمد بن رشد: لم يجز في هذه الرواية أن يكتسي من صوف الغنم التي تصدق بها على ابنه ولا أن يشرب من لبنها، معناه وإن كان كبيرا برضاه. وأجاز ذلك في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، معناه في الكبير إذا رضي بذلك. وأما الصغير فلا. قاله محمد بن المواز، ورواه عن مالك. وأما شراء غلة ما تصدق به على ابنه فهو خفيف على ما قاله في الرواية [من أن ترك] ذلك أحب إليه. وأما شراؤه ما تصدق به عليه فقيل ذلك جائز في العبد وشبهه، قال ذلك في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وقيل إن ذلك لا يجوز لا في مثل الجارية تتبعها نفسه، وهو الذي في المدونة، وقد مضى تحصيل القول فيما يجوز من ذلك للأب وللأجنبي في الأصل والغلة في رسم الشجرة من الكتاب المذكور، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك، وبالله التوفيق. [تحلية المصاحف] في تحلية المصاحف قال وسئل عن الحلية للمصحف، فقال لا بأس به وإنه لحسن، إن عندي مصحفا لجدي كتبه إذ كتب عثمان المصاحف، عليه حلية كبيرة من فضة، كذلك كان ما زدت فيها شيئا. قال محمد بن رشد: ظاهر الرواية إجازة تحلية المصحف بالذهب والفضة؛ لأنه سأله عن تحلية المصحف عموما فقال لا بأس به، وهو دليل ما

قراءة القرآن في الطريق

في الموطأ. وذكر ابن المواز عن مالك مثله، وذكر ابن عبد الحكم في المختصر الكبير من قول مالك أنه قال لا يعجبني، وبالله التوفيق. [قراءة القرآن في الطريق] في قراءة القرآن في الطريق قال وسئل مالك عن قراءة القرآن في الطريق، قال الشيء اليسير، قال فأما الذي يديم ذلك فلا، وإن ذلك ليختلف، يكون الغلام يتعلم القرآن، فأما الرجل يطوف بالكعبة يقرأ القرآن وفي الطريق فليس هذا من الشأن الذي مضى عليه أمر الناس. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في قراءة القرآن في الطريق قبل هذا في هذا الرسم وفي رسم المحرم من سماع ابن القاسم وفي غير ما موضع. وإنما كره قراءة القرآن في حال الطواف بالكعبة إذ لم يكن ذلك من فعل الناس، والرشد في الاقتداء بأفعال السلف، وبالله التوفيق لا شريك له. [البلاء موكل بالقول] في أن البلاء موكل بالقول قال مالك: كان ابن مسعود يقول إن البلاء موكل بالقول. قال محمد بن رشد: يريد أن الرجل إذا قال لا أفعل كذا وكذا معتقدا أنه لا يفعله لقدرته على الامتناع منه قد يعاقبه الله عز وجل بأن يوقعه في فعل ذلك. وبيان هذا التفسير قوله في غير هذا الحديث: «إني لا أقول لا أعبد هذا الحجر، إن البلاء موكل بالقول» وبالله التوفيق.

كشف الفخذ

[كشف الفخذ] في كشف الفخذ وسئل مالك عما جاء من النهي عن كشف الفخذ، أترى بذلك بأسا إذا كان الرجل عند أهله؟ قال لا والله. قال محمد بن رشد: قد روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن الفخذ عورة» من رواية جماعة، منهم علي بن أبي طالب، وابن عباس، ومحمد بن جحش، وابن جوهر، وابنه جرير. وجاء عنه ما دل على أنه ليس بعورة، من ذلك حديث عائشة «أنه كان مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه» ومن رواية أنس بن مالك «أنه كان في حائط بعض الأنصار مدليا رجليه في بئرها وبعض فخذه مكشوف، فدخل عليه أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو على حاله تلك لم ينتقل عنها، حتى دخل عثمان فغطى فخذه وقال: إلا أستحيي ممن استحيت منه ملائكة السماء.» وذكر البخاري في حديث أنس بن مالك «أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما دخل القرية قال الله أكبر» الحديث. ثم قال وحديث [أنس أشد، وحديث] جوهر أحوط حتى يخرج من اختلافهم. والذي أقول به أن ما روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الفخذ هل هو عورة أو ليس بعورة

سبل شيئا في السبيل فأراد أن يخرج قيمته

ليس باختلاف من القول، ومعناه أنه ليس بعورة يجب سترها فرضا كالقبل والدبر، وأنه عورة يجب سترها في مكارم الأخلاق ومحاسنها، فلا ينبغي التهاون بذلك في المحافل والجماعات ولا عند من يستحي منه من ذوي الأقدار والهيئات، فعلى هذا تستعمل الآثار كلها، واستعمالها أولى من اطراح بعضها، وبالله التوفيق لا شريك له. [سبل شيئا في السبيل فأراد أن يخرج قيمته] فيمن سبل شيئا في السبيل فأراد أن يخرج قيمته وسئل مالك عن امرأة خلعت خلخالها في سبيل الله فأرادت أن تخرج قيمته في سبيل الله وتحبسه، فقال: لا، بل تمضي ما جعلت لله عليها وتعمل بقيمته خلخالين جديدين، ثم احتج بحديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في أمر الفرس الذي قال له رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تشتره ولا تعد في صدقتك فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه» . قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وزاد فيه قال سحنون: إنما يكره هذا من أجل الرجوع في الصدقة. ولمالك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب النذور فيمن قال لشيء من ماله دابة أو عبد أهديك إنه مخير في قيمته أو ثمنه، فذهب بعض أهل النظر إلى أن ذلك مخالف لهذه الرواية [في الخلخال] ولما ما في المدونة من أنه من أهدى عبده يخرج بثمنه هدايا؛ لأن الظاهر منه أنه لا يجوز له أن يمسكه ويخرج قيمته من أجل الرجوع

خلق النبي صلى الله عليه وسلم

في الصدقة كما قال في هذه الرواية. والذي أقول به أنه لا اختلاف في شيء من ذلك، وإنما اختلف الجواب في ذلك لافتراق المعاني، فإذا أهدى ما يهدى بعينه أو جعل في سبيل ما ينتفع به فيه بعينه لم يجز أن يمسكه ويخرج قيمته؟ وإذا أهدى ما لا يهدى بعينه وإنما سبيله أن يباع ويشترى بثمنه هدي جاز أن يمسكه ويخرج قيمته؛ وإذا جعل في السبيل ما لا ينتفع به فيه بعينه وهو مما يمكن أن يدفعه كما هو لمن يبيعه وينفقه في السبيل كره له أن يمسكه ويخرج قيمته من ناحية الرجوع في الصدقة، ولم ير ذلك حراما إذ لا ينتفع به الذي أعطيه في السبيل بعينه ولا بد له من بيعه، وبالله التوفيق. [خلق النبي صلى الله عليه وسلم] في خلق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مالك: «وسئلت عائشة عن خلق النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمره، فقالت: كان خلقه وأمره القرآن واتباعه» . قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أنه كان يعفو ويصفح ويحسن ويعرض عن الجاهلين ولا ينتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة لله فينتقم لله بها، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] ولقوله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] ولقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] ولقوله في الزناة: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] الآية، وقوله في المحاربين:

ترك الرجل ما لا يعنيه

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] الآية إلى قوله: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] الآية، وبالله التوفيق. [ترك الرجل ما لا يعنيه] في ترك الرجل ما لا يعنيه قال: دخل رجل على ابن عمر فوجده يخصف نعله، فسأله فأخبره، ثم قال: مالك تخصف نعلك اشتر غيرها، فقال له ابن عمر: ألهذا جئت؟ قال إنما أنا رسول. قال محمد بن رشد: إنما وبخه عبد الله بن عمر على قوله بقوله ألهذا جئت؟ لأن ما قاله له مما لا يعنيه، وقد قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» . وبالله التوفيق. [تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الضيافة] في تفسير حديث النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الضيافة قال وسئل مالك عن تفسير حديث النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في «الضيف جائزته يوم وليلة، قال يكرمه ويتحفه ويخصه يوما وليلة، وثلاثة أيام ضيافة، وما بعد ذلك صدقة» . قال محمد بن رشد: الضيافة مرغب فيها ومندوب إليها وليست بواجبة في قول عامة العلماء، إلا أنها من أخلاق المؤمنين وسجاياهم وسنن

المسلمين. وقد روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا خير فيمن لا يضيف وأول من ضيف الضيف إبراهيم خليل الرحمن- عَلَيْهِ السَّلَامُ -» - قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، جائزته يوم وليلة، وضيافته ثلاثة أيام، وما كان بعد ذلك فهو صدقة.» ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه، معناه أن المؤمن ينبغي له في مكارم الأخلاق ومحاسنها أن يكرم جاره وأن يكرم ضيفه فيتحفه ويخصه يوما وليلة ويطعمه ما يأكل ثلاثة أيام وما زاد على ذلك فهو صدقة، أي غير واجبة عليه في مكارم الأخلاق. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: إكرام الضيف يوم وليلة، وضيافته ثلاثة أيام، فإن أضافه بعد ذلك فرضي فهو دين عليه. وسئل الأوزاعي عمن أكرم ضيفه خبز الشعير وعنده خبز البر أو أطعمه الخبز والزيت وعنده اللحم، فقال هذا ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الأخر. وقد روي عن الليث بن سعد أنه كان يقول: الضيافة حق واجب، فكان يحتمل أنه يكون أراد أنها حق واجب في مكارم الأخلاق ومحاسنها، إلا أنه قد روي عنه إيجابها ليلة واحدة، وأجاز للعبد المأذون له أن يضيف مما بيده، وذهب إلى ذلك قوم واحتجوا بما روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ليلة الضيافة حق على كل مسلم فإن أصبح بفنائه فإنه دين له إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه.» «وروي عن عقبة بن عامر الجهني قال: قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فنمر

بقوم لا يقرون فماذا ترى؟ فقال لنا رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا حق الضيف الذي ينبغي» . وروي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما ضيف نزل بقوم فأصبح محروما فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه.» فقيل معنى هذه الآثار في أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة، ثم أتى الله عز وجل بالخير والسعة فصارت الضيافة جائزة مندوبا إليها محمودا فاعلها عليها. وقيل معناها في المارين بقوم في بادية لا يجدون من ضيافتهم بدلا ولا يجدون ما يبتاعونه مما يغنيهم عن ذلك. ومعنى ما دل من الأحاديث على أنها غير واجبة في الذي يستغني عن الضيافة ويقدر على أن يتعوض منها بابتياع ما يغنيه عنها. فقد قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» وقال: «لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته» الحديث، فلا يكون بين الأحاديث على هذا تعارض. وإلى نحو هذا ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروي عنه أنه قال: ليس على أهل الحضر ضيافة، يريد لأن المسافر يجد في الحضر مندوحة عن الضيافة لوجوده حيث ينزل ما يبتاع، وكذلك قال سحنون إنما الضيافة على أهل القرى، وأما أهل الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر. وقد روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر» إلا أنه حديث غير

إجلاء عمر رضي الله عنه يهود نجران وفدك

صحيح، رواه ابن أخي عبد الرزاق عن عمه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، وهو متروك الحديث فقيل إنه من وضعه والله أعلم. وقيل إن حق الضيف على من منعه قراه عتب ولوم، وقال ذلك مجاهد في معنى قول الله عز وجل: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] . وبالله التوفيق. [إجلاء عمر رضي الله عنه يهود نجران وفدك] في إجلاء عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يهود نجران وفدك قال وقال مالك: وقد أجلى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يهود نجران وفدك. فأما يهود نجران فخرجوا منها ليس لهم من التمر ولا من الأرض شيء، وأما يهود فدك فكان لهم نصف الأرض ونصف النخل؛ لأن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان صالحهم على نصف الأرض ونصف النخل، فأقام لهم عمر بن الخطاب نصف النخل ونصف الأرض قيمة من ذهب وورق وإبل وحبال وأقتاب ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم منها. قال محمد بن رشد: وكذلك أجلى يهود خيبر، ذكر ذلك مالك في موطئه عن ابن شهاب أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يجتمع

سبب تسمية أبي بكر الصديق بالصديق

دينان في جزيرة العرب،» فأجلى يهود خيبر. قال مالك: وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفدك، فذكر نص قوله هنا إلى آخره. وقد مضى في رسم نذر من سماع ابن القاسم بقية القول في ذلك، وبالله التوفيق. [سبب تسمية أبي بكر الصديق بالصديق] في سبب تسمية أبي بكر الصديق بالصديق قال مالك: قال المشركون لأبي بكر: إن صاحبك- يعنون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يزعم أنه أسري به في ليلة من مكة إلى بيت المقدس ورجع من ليلته وأنه رأى عيرا على بعير منها غرارتان إحداهما سوداء والأخرى بيضاء، فقال أبو بكر: إن كان قاله فصدق، فبذلك سمي الصديق. قال محمد بن رشد: الأحاديث التي تخرج على التفسير لقول الله عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1] ، أي إلى بيت المقدس، وإنما سماه الأقصى لأنه الأبعد عن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والأدنى منه مسجد الكعبة، {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1] أي بما أجرينا حوله من الأنهار، وأنبتنا فيه من الثمار، {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1] كثيرة، منها حديث أم هاني بنت أبي طالب «أن رسول الله - صلى- الله عليه وسلم- صلى في بيتها تلك الليلة العشاء الآخرة قالت فصليت معه ثم نمت فتركته في مصلاه فلم أنتبه حتى أنبهني لصلاة الصبح قال قومي يا أم هاني أحدثك العجب فقلت كل حديثك عجب بأبي أنت وأمي فقام فصلى

الغداة وصليت معه فلما انصرف قال أتاني جبريل وأنا في مصلاي هذا فقال اخرج يا محمد فخرجت إلى الباب فإذا ملك واقف على دابة فقال اركب فركبت دابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل خطوها مد البصر ثم سار بي نحو بيت المقدس وهو المسجد الأقصى من مكة فإذا أتيت على واد طالت يداها وقصرت رجلاها وإذا أتيت على عقبة طالت رجلاها وقصرت يداها حتى انتهيت إلى بيت المقدس فبشرني فيه إبراهيم خليل الرحمن وموسى وعيسى ابن مريم - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - في نفر من الأنبياء فأممتهم وصليت بهم في مسجد بيت المقدس العشاء الآخرة. قال ولقد صليت الغداة كما ترين في بيتك وإذا عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رجل ربعة دون الطويل وفوق القصير عريض الصدر ظاهر الدم جعد الشعر تعلوه صهوبة يشبه عروة بن مسعود الثقفي من أمتي. وأما موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فرجل طويل آدم جعد الشعر كأنه من رجال أزد شنوءة، وإذا إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شبه خَلْقه خَلْقي وخُلُقه خُلُقي. قالت: ثم أخذ إزاره فاتزر به فقلت: أين تريد يا رسول الله، فقال: أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم بذلك فقالت: إذا يكذبونك بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال: أمرت بذلك فأخذت بإزاره وإنه لقائم فقال: والله لأحدثنهم إني أمرت بذلك فخرج نحوهم وأمرت جارية لي فقلت: اتبعي ابن عمي فانظري ماذا ترد عليه قريش، فاتبعته ثم رجعت فأخبرتني أنه انطلق حتى وقف على نادي قريش في المسجد وفيهم مطعم بن عدي ونوفل فقال لهم: يا معشر قريش قد صليت العشاء الآخرة بهذا الوادي هذه الليلة ثم صليت ببيت المقدس ولقد رجعت فصليت بالوادي، فقال له مطعم: أتحدثنا أنك ذهبت مسيرة شهر ذاهبا ومسيرة شهر مقبلا مسيرة شهرين في ليلة واحد؟ فقال: أما والله أن لو كنت شابا لأخذتك بيدي ثم قام إلى حوض له على زمزم أعطاه إياه عبد المطلب فهدمه. قالت له قريش: عجلت على ابن أخيك فلعله أن يكون صادقا دعنا حتى نسأله عن آية ما يقول، فإن لنا ركابا بالشام نسأله عنها فإذا أخبرنا بما تعرف ونعرفه كنت لم تعجل عليه وإن لم يفعل عرفنا باطله، ثم

الصبغ بالسواد

قالوا: أخبرنا يا محمد عن عيرنا فهي أهم علينا من قولك هل لقيت منها شيئا؟ قال: نعم مررت على عير بني فلان. وهي بالروحا وقد أضلوا بعيرا لهم وهم في طلبه وفي رحالهم قدح من ماء وقد عطشت فأخذته فشربته ثم وضعته كما كان فسلوهم هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا؟ قالوا له: هذه آية. قال: ومررت بعير بني فلان وفيها فلان وفلان وهما راكبان على قعود لهما فنفر مني القعود فرمى بفلان فانكسرت يده، فسلوهما عن ذلك، قالوا: وهذه آية. قالوا: أخبرنا عن عيرنا نحن، قال: مررت بها بالتنعيم، قالوا: فما عددها وأحمالها وهيئتها؟ فقال: كنت في شغل عن ذلك. قال: ثم مثلت له مكانه فقال: نعم هيئتها كذا وعددها كذا وفيها فلان وفلان ويقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان تطلع عليكم غدا عند طلوع الشمس قالوا: هذه آية. ثم خرجوا نحو وهم يقولون والله لقد فصل بيننا وبين محمد حتى أتوا جبلا بكذا فجلسوا عليه وجعلوا ينظرون متى تطلع الشمس فيكذبوه إذ قال قائل منهم: والله إن الشمس قد طلعت وقال آخر: وهذه الإبل قد طلعت يقدمها جمل أورق فيها فلان وفلان كما قال، فلم يؤمنوا ولم يفلحوا وقالوا: ما سمعنا بهذا قط إن هذا سحر مبين» فرموه بالسحر وصدقه أبو بكر فسمي الصديق من أجل ذلك، وبالله التوفيق. [الصبغ بالسواد] في الصبغ بالسواد وسئل عن الصبغ بالسواد فقال: ما علمت أحدا ممن مضى كان يصبغ به، وما بلغني فيه نهي، وغيره من الصبغ أحب إلي منه. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا متكررا في أول السماع،

تعليم الصبي الصغير

ومضى الكلام عليه مستوفى في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [تعليم الصبي الصغير] في تعليم الصبي الصغير قال: وسمعته وسئل عن صبي ابن سبع سنين جمع القرآن، قال: ما أرى هذا ينبغي. قال محمد بن رشد: إنما قال مالك: إنه لا ينبغي هذا من أجل أن ذلك لا يكون إلا مع الحمل عليه في التأديب والتعليم وهو صغير جدا وترك الرفق به في ذلك، وقد قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» وبالله التوفيق. [هيئة دخول النبي عليه السلام مكة عام الفتح] في هيئة دخول النبي عليه السلام مكة عام الفتح وزعم يحيى بن سعيد «أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دخل مكة عام الفتح دخلها في عشرة آلاف أو اثني عشر ألفا، أكب على واسطة رحله حتى كادت تنكسر ثم قال: الملك لله الواحد القهار» . قال محمد بن رشد: إنما أكب- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على

ما أشير به على عائشة من أن توصي بأن تدفن مع النبي عليه السلام

واسطة رحله تواضعا لله عز وجل وشكرا له على نصره إياه وإظهار دعوة الإسلام. وقد مضى في رسم البز ذكر غزوة فتح مكة والسبب في ذلك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [ما أشير به على عائشة من أن توصي بأن تدفن مع النبي عليه السلام] فيما أشير به على عائشة من أن توصي بأن تدفن مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال مالك: كان في موضع النبي وأبي بكر وعمر فضل من ورائهم، فقيل لعائشة لو أمرت إذا مت أن تدفني فيه، فقالت إني إذا لمبتدية به. قال محمد بن رشد: خشيت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إن أوصت بذلك أن ينفس عليها ذلك فيذهب إلى المنع من ذلك ويأبى من عهدت إليه بذلك إلا إنفاذ عهدها فيقع في ذلك حرب وقتال، ولذلك قالت عائشة إني مبتدية إذا بعمل، والله أعلم. [الدخول في الحروب الواقعة بين الصحابة رضي الله عنهم] في الدخول في الحروب الواقعة بين الصحابة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال مالك: سأل رجل أبا موسى الأشعري: أرأيت إن خرجت بسيفي أضرب به ابتغاء وجه الله حتى ألقاه؟ فقال له ذلك لك، فقال له ابن مسعود: انظر ما تفتي به ليخرجن من هذه الأمة كذا وكذا كلهم يريد وجه الله لا يدرك رضوانه. قال محمد بن رشد: إنما تقاتلت الطائفتان من الصحابة على ما تقاتلت عليه من الخلافة؛ لأن كل واحدة منهما اعتقدت الحق [إنما كان

الحديث هل يؤخذ به دون أن ينظر فيه

معها، وأن الواجب عليها هو الذي فعلت، فلمن كان على الحق منهما] والصواب أجران أجر لاجتهاده وأجر لموافقة الحق، ولمن لم يكن على الحق منهما أجر واحد على اجتهاده، فهذا وجه ما أفتى به أبو موسى الأشعري الرجل الذي سأله عما سأله عنه؛ لأنه لا يخلو في قتاله مع إحدى الطائفتين أن يوافق التي هي على الحق أو الأخرى، فإن وافق التي هي على الحق كان له أجران، وإن وافق الأخرى كان له أجر واحد. ورأى عبد الله بن مسعود وجه الخلاص له التورع عن القتال مع واحدة من الطائفتين مخافة الوقوع في الإثم بالتقصير في الاجتهاد والخطأ من أجل ذلك. والذي عليه أهل السنة والحق أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو كان على الحق لما كان عنده في ذلك عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما لو علمه غيره لسلم له الأمر، والله أعلم وبه التوفيق. [الحديث هل يؤخذ به دون أن ينظر فيه] في الحديث هل يؤخذ به دون أن ينظر فيه قال وسئل مالك عمن أخذ بحديث حدثه به ثقة من أصحاب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتراه من ذلك في سعة؟ فقال لا والله حتى يصيب الحق، وما الحق إلا واحد، قولان مختلفان يكونان صوابين جميعا، ما الحق والصواب إلا واحد. قال محمد بن رشد: قوله إن من حدث بحديث أسنده إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فليس في سعة من الأخذ به حتى يصيب الحق في ذلك، يريد بأن يعلم أن العمل على ظاهر الحديث، إذ قد يكون منسوخا بحديث غيره أو يكون ظاهره مخالفا للأصول فيتأول على ما يوافق الأصول، أو

ما توقعه الأنصار من إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة

يعارضه القياس أو يخالفه العمل المتصل، إذ لا يمكن أن يتصل العمل من السلف بخلاف الحديث المرفوع إلا وقد علموا النسخ فيه وقامت عندهم الحجة بتركه. وأما قوله ما الحق إلا واحد إلى آخر قوله، فيحتمل أن يعاد إلى ما سأله عنه من الأخذ بالحديث المروي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دون أن ينظر فيه إذا كان العلماء قد قالوا بخلافه، فيكون قوله صحيحا لا اختلاف فيه، إذ لا يجوز لأحد أن يقول أنا آخذ بما روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن كان العلماء قد خالفوه ولم يأخذوا به؛ لأنهم لن يتركوه إلا لما هو أولى منه. وأما إن اختلف العلماء في الأخذ به لتقديمه على القياس وعمل أهل المدينة وفي تركه لتقديم القياس وعمل أهل المدينة عليه فاختلافهم فيه كاختلافهم من جهة النظر والاجتهاد فيما لا نص فيه ولا إجماع. وقد اختلف هل كلهم مصيب عند الله؟ أو لا يدرى هل أصاب أحدهم الحق عند الله أو أخطؤوه جميعا. وقد تؤول القولان جميعا على مذهب مالك ورويا أيضا عن أبي حنيفة وعن أبي الحسن الأشعري، والصحيح [عنه] أن كل مجتهد مصيب، وإلى هذا ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني، وعليه أصحاب الشافعي، وهو الحق والصواب؛ لأن المجتهد إذا اجتهد فيما لا نص فيه ولا إجماع فأداه اجتهاده إلى تحليل أو تحريم يعلم قطعا أنه متعبد بما أداه اجتهاده إليه من ذلك مأمور به، ولا يصح أن يأمر الله تعالى بشيء وبتعبده به وهو خطأ عنده، وبالله التوفيق. [ما توقعه الأنصار من إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة] فيما توقعه الأنصار من إقامة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة قال مالك: وزعم يحيى بن سعيد قال: لما فتح الله عز

وجل على رسوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة وقام على الصفا كأنه يدعو، قالت الأنصار وهم قد أحدقوا به أو غيرهم من أصحابه، أنا الشاك، قالوا أتراه إذ فتح الله عليه وأقر عينه مقيما بأرضه. فلما فرغ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ما قلتم؟ قالوا قلنا كذا وكذا، فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم. » قال محمد بن رشد: إنما لم يقم رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة؛ لأنها الأرض التي هاجر منها لله عز وجل، فلم يكن ليرجع فيما قد تركه لله تعالى. وقد قال- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار،» وقال- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع: «لا يقيمن مهاجر بمكة بعد قضاء نسكه فوق ثلاث» وبالله التوفيق. انتهى الجزء السابع والحمد لله.

كتاب الجامع الثامن

[كتاب الجامع الثامن] [ما روي أنه من أشراط الساعة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله كتاب الجامع الثامن فيما روي أنه من أشراط الساعة قال مالك: وحدثني عن شيخ قديم من أهل اليمن قدم من ثم قال: سمعت أن الساعة إذا دنت اشتد البلاء على الناس واشتد حر الشمس. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين والحمد لله. [العبد يسأل الرجل ألا يشتريه] في العبد يسأل الرجل ألا يشتريه قال وسمعته يسأل عن الذي يريد شراء العبد فيسأله بالله ألا يشتريه، قال أحب إلي ألا يشتريه، فأما أن يحكم عليه بذلك، فلا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه يستحب ذلك له ولا يحكم عليه، كما أن العبد إذا سأل سيده أن يبيعه يستحب له أن يجيبه إلى ما سأله من بيعه إياه ولا يحكم عليه بذلك إذا لم يضر به في ملكه إياه، وبالله التوفيق. [وصية عمر من كان له رزق في شيء أن يلزمه] 18 -

لدهن والمشط للعجائز

في وصية عمر من كان له رزق في شيء أن يلزمه قال وقال مالك، قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا كان لرجل في شيء رزق فليلزمه. قال مالك: يريد التجارات. قال محمد بن رشد: ما حض عمر على هذا، والله أعلم، إلا وقد خشي على من هيأ الله له رزقا في شيء فلم يعرف حق الله تعالى فيما هيأ له منه فتركه إلى غيره أن لا يجار له في ذلك. وما خشيه عمر فينبغي لكل مسلم أن يخشاه، فإنه كان ينطق بالحكمة. قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله ضرب بالحق على قلب عمر ولسانه، فكان يرى الرأي بقلبه ويقول الشيء بلسانه فيوافق الحق فيه» . وقد مضى هذا في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [لدهن والمشط للعجائز] في الدهن والمشط للعجائز قال مالك: كان طاوس يجعل للعجائز الدهن ويدعوهن فيأمرهن فيدهن ويمتشطن. قال محمد بن رشد: إنما كان طاوس يفعل ذلك ويأمر العجائز به لئلا يظن أن ذلك لا يجوز لهن إذ قد انقطعت حاجة الرجال منهن، والنظافة من الدين، وإصلاح الشعر ودهنه من السنة. ذكر مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن لي جمة أفأرجلها؟ فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعم وأكرمها» فكان

ما أوصى به عمر بن عبد العزيز

أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين لما قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعم وأكرمها. وعن عطاء بن يسار قال: «كان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده أن اخرج، كأنه يعني إصلاح رأسه ولحيته ففعل الرجل ثم رجع، فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان» . وبالله التوفيق. [ما أوصى به عمر بن عبد العزيز] فيما أوصى به عمر بن عبد العزيز قال مالك: قيل لعمر بن عبد العزيز: أوص يا أمير المؤمنين، قال مالي ما أوصي فيه إلا صغار ولدي إلى كبارهم. قال محمد بن رشد: هذا، والله أعلم؛ لأنه قد كانت تقدمت وصيته [بما كان أوصى به، لقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: - «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته] عنده مكتوبة» إذ لم يكن ممن يفرط فيما حض النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليه. وبالله التوفيق.

عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان قتلا في شهر واحد

[عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان قتلا في شهر واحد] في أن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان قتلا في شهر واحد قال وقال مالك: قتل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في ذي الحجة. قال محمد بن رشد: إعلام مالك بأن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان قتلا في شهر واحد يدل على أن معرفة سير الصحابة ومناقبهم وأسنانهم ووقت وفاتهم مما يستحب معرفته من العلوم. ولما كانا على وتيرة واحدة من الخير والدين والعدل والفضل اتفق قتلهما شهيدين في شهر واحد، فقتل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، وقيل لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر؟ وقتل عثمان بن عفان - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوم الجمعة لثمان ليال خلت من ذي الحجة يوم التروية، وقيل لسبع عشرة ليلة خلت منه أو ثمان عشرة ليلة خلت منه، وقيل لليلتين بقيتا منه، سنة خمس وثلاثين، وبويع يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين بعد دفن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بثلاثة أيام بإجماع الناس عليه، فكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا أياما. واختلف في سنه يوم قتل، فقيل كان ابن تسعين سنة، وقيل ابن ثمان وثمانين سنة، وقيل ابن ست وثمانين سنة، وقيل ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل ابن ثمانين سنة، والله أعلم وبه التوفيق.

أثرة الأنصار بالتولية

[أثرة الأنصار بالتولية] في أثرة الأنصار بالتولية وقال عمر بن الخطاب: لئن بقيت إلى رأس الحول لا يبقى أمير إلا أنصاري. قال محمد بن رشد: إنما قال ذلك لأن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصى بهم أن يعرف لهم حقهم فيحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، وبالله التوفيق. [إتيان الأمراء] في إتيان الأمراء وقال مالك: وقيل لأبي الدرداء أنت صاحب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعاوية يردك، فقال: اللهم عفوا، من يأت أبواب السلاطين يقم ويقعد. قال محمد بن رشد: إنما كان يرده [إذا وافقه في شغل لا يقدر معه على ما يريد من الانفراد به وإكرامه، لا أنه كان يرده] من غير عذر لقلة اهتباله به، بل لا شك في أنه كان عارفا بحقه. وقوله من يأت أبواب السلاطين يقم ويقعد، معناه أن هذا يعتريه لكثرة اشتغال السلاطين بما عصب بهم من أشغال المسلمين، وبالله التوفيق.

كراهية حلية الحديد للصبيان

[كراهية حلية الحديد للصبيان] في كراهية حلية الحديد للصبيان قال مالك: وكانت عائشة تعظم أن يجعل على الصبي حديد. قال محمد بن رشد: هذا منهي عنه؛ لأن الحديد حلية أهل النار في النار، وبالله التوفيق. [جواز تعليق الحرز عليهم] في جواز تعليق الحرز عليهم قال وسئل مالك عن تعليق الحرز على الخيل فتجعل في خيط فتعلق برقبته، فقال ما أرى بذلك بأسا، إذا كان يجعل للزينة. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من إجازة تعليق الحرز وشبهه من الأحراز على أعناق الصبيان للزينة. وإنما اختلف في جواز تعليق الأحراز والتمائم على أعناق الصبيان والمرضى والخيل والبهائم إذا كانت بكتاب الله عز وجل وما هو معروف من ذكره وأسمائه للاستشفاء بها من المرض، أو في حال الصحة لدفع ما يتوقع من المرض والعين. فظاهر قول مالك في رسم الصلاة الأول من سماع أشهب من كتاب الصلاة إجازة ذلك، وروي عنه أنه قال لا بأس بذلك للمرضى، وكرهه مخافة العين وما يتقى من المرض للأصحاء. وأما التمائم بغير أسماء الله عز وجل وبالكتاب العبراني وما لا يعرف ما هو فلا يجوز بحال للمريض ولا للصحيح، لما جاء من أن من تعلق شيئا وكل إليه ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له. ومن أهل العلم من

تفقد عمر بن الخطاب لإبل الصدقة

كره التمائم ولم يجز شيئا منها بحال ولا على حال، لما جاء من هذه الآثار، ومنهم من أجازها في المرض ومنعها في خال الصحة لما يتقى منه أو من العين على ما روي عن عائشة أنها قالت: ما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة، وبالله التوفيق. [تفقد عمر بن الخطاب لإبل الصدقة] في تفقد عمر بن الخطاب لإبل الصدقة قال مالك: وحدثني عن القاسم بن محمد عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه قال: أمرني عمر بن الخطاب أن أعرض عليه إبل الصدقة، قال فمرت عليه كلها حتى مرت عليه ناقة عشراء في أخراهن فأخذ بخطامها ثم قال: من ارتحل هذه؟ فقلت أنا، ولو أعلم أنه يبتغي أن يعطيها غيري لفعلت، فجمع يدي إلى عنقي ثم علاني بالدرة ثم قال: أنت لعمر الله، ثم قال: ألا بكر بوال أو ناقة شصوص، ثم قال: ارتحل ما أمرتك وحط راحلتك عن هذه. قال محمد بن رشد: الناقة العشراء هي الناقة الحامل التي قد أتى على حملها عشرة أشهر، وهي لا تؤخذ في الصدقة، فالمعنى فيها أن أهلها طاعوا بها في الزكاة. ويحتمل أن تكون بقيت في إبل الصدقة حتى حملت، فقد مر على عمر بن الخطاب بغنم من الصدقة فرأى فيها شاة حافلا ذات ضرع عظيم، فقال عمر ما هذه الشاة؟ فقالوا شاة من الصدقة، فقال عمر ما أعطى

الناس يستقيمون باستقامة أئمتهم

هذه أهلها وهم طائعون، لا تفتنوا الناس، لا تأخذوا حزرات المسلمين نكبوا عن الطعام. ولما كان أسلم يقوم على الصدقة ويتفقدها ويسير معها كان له أن يرتحل بعيرا منها، فنهى عمر بن الخطاب أن يرتحل خيارها، وأمره بارتحال الدون منها؛ لأن ذلك يكفيه، فليس له أكثر من ذلك، وبالله التوفيق. [الناس يستقيمون باستقامة أئمتهم] في أن الناس يستقيمون باستقامة أئمتهم قال مالك: وقال عمر بن الخطاب وهو يموت: اعلموا أنه لا يزال الناس مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم. قال محمد بن رشد: هذا بين؛ لأن الأئمة إذا كانت مستقيمة أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، فاستقام الناس باستقامتهم؟ وإذا لم تكن مستقيمة لم تأمر بمعروف ولا نهت عن منكر، فعم الناس الفساد. وقد قال ابن مسعود: ما من عام إلا والذي بعده شر منه ولم تؤتوا إلا من قبل أمرائكم، وليس عبد الله أنا إن كذبت. وقال الله عز وجل: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب: 66] {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] وبالله التوفيق. [ما يلزم الرجل من التثبت في أمره بأن يسأل من تثق به نفسه] فيما يلزم الرجل من التثبت في أمره بأن يسأل من تثق به نفسه قال مالك: وكان عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول: إذا جعل

كراهة الشدة في الأمور والغلظة فيها

الرجل قاضيا أو أميرا أو مفتيا فينبغي له أن يسأل [عن نفسه] من يثق به. فإن رآها لذلك أهلا دخل فيه وإلا لم يدخل فيه. قال محمد بن رشد: في المدونة أنه قال للذي سأله فقال له إن السلطان قد استشارني، أفترى أن أفعل؟: إن رأيت نفسك أهلا لذلك ورآك الناس أهلا لذلك فافعل، وهي زيادة صحيحة بينة؛ لأنه هو أعرف بنفسه، فإذا لم ير نفسه أهلا لذلك فلا ينبغي له أن يفعل وإن رآه الناس أهلا لذلك. وأما إذا لم يره الناس أهلا لذلك فلا ينبغي له أن يفعل وإن رأى هو نفسه أهلا للفتوى؛ لأنه قد يغلط فيما يعتقده في نفسه من أنه أهل لذلك. وقد مضى هذا في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [كراهة الشدة في الأمور والغلظة فيها] في كراهة الشدة في الأمور والغلظة فيها قال مالك: الغلظة مكروهة لقول الله عز وجل: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] . قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين والحمد لله. [ما يلزم الإمام من تفقد من يمر عليه] فيما يلزم الإمام من تفقد من يمر عليه قال وقال مالك: مر على عمر بن الخطاب حمار عليه لبن فطرح عنه منه أكثره ورآه يثقله.

الشيء لا يستقيم على أصل غير مستقيم

قال محمد بن رشد: في بعض الكتب: ورآه يقتله، والمعنى في هذا بين؛ لأنه يكره له أن يثقله لما جاء من أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله رفيق يحب الرفق ويرضى به ويعين عليه ما لا يعين على العنف» . وروي عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» . ولا يجوز له أن يثقل عليه تثقيلا يقتله به، وهو آثم إن فعله، وبالله التوفيق. [الشيء لا يستقيم على أصل غير مستقيم] في أن الشيء لا يستقيم على أصل غير مستقيم قال وقال مالك: قال ربيعة قال لي أبو واثلة يا ربيعة أقول لك شيئا، كل بان على أساس أعوج لم يستقم بنيانه. قال محمد بن رشد: هذا أصل صحيح يصحب في كل شيء: من قاس على أصل فاسد لم يصح قياسه. ومن عمل على غير نية لم ينتفع بعمله، ومن نظر على غير اعتقاد صحيح لم يصح نظره، وبالله التوفيق. [اشتغال الإمام بأمور المسلمين عن التفقه] في اشتغال الإمام بأمور المسلمين عن التفقه وقال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: من كان له شغل عن هذا

كراهة الرفع في الأنساب

الأمر، يريد الفقه، فإنه قد كان من شغلي الذي كتب الله لي أن ألزم عاملا منه بما علمت أو مقصرا عما قصرت، فما كان من خير علمته فبتعليم الله ودلائله وإليه أرغب في بركته، وما كان من سوى ذلك فأستغفر الله لذنبي العظيم. قال محمد بن رشد: معنى قول عمر هذا أنه أشفق من الاشتغال بأمور المسلمين عن التفقه، وخشي التقصير فيما اشتغل به من ذلك، فاستغفر الله تعالى منه، وبالله التوفيق. [كراهة الرفع في الأنساب] في كراهة الرفع في الأنساب قال وسئل عن هذه النسبة التي ينتسب الناس حتى يبلغوا آدم، أتكره ذلك؟ فقال: نعم أكره ذلك. قلت فينتسب حتى يبلغ إسماعيل وإبراهيم؟ فقال ومن أخبره بما بينه وبين إبراهيم؟ فقال لا أحب ذلك، قال وأنا أكره أن يرفع إلى أنساب الأنبياء كلهم، وليس الأنبياء كغيرهم. يقول إبراهيم بن فلان بن فلان، ما قرر له هذا ومن يخبره ذلك. قال محمد بن رشد: المعنى في كراهة ذلك بين، إذ لا يعلم شيء من هذه الأنساب البعيدة من وجه يوقن بصحته، فلا يأمن من حدث بشيء من ذلك من أن يحدث بكذب، وبالله التوفيق.

حكاية عن عمر بن عبد العزيز

[حكاية عن عمر بن عبد العزيز] قال مالك؛ دخل عمر بن عبد العزيز على فاطمة امرأته في كنيسة بالشام، فطرح عليها حلق ساج عليه، ثم ضرب على فخذها فقال: يا فاطمة لنحن في دانق أنعم منا اليوم، فذكرها ما قد نسيت من عيشها، فضربت يده ضربة فيها عنف فنحتها عنه فقالت: لعمري لأنت اليوم أقدر منك يومئذ، فأسكته ذلك فقام يريد أخذ الكنيسة وهو يقول بصوت حزين يا فاطمة إني أخاف النار، إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، بصوت حزين، فبكت فاطمة وقالت: اللهم أعذه من النار. قال محمد بن رشد: في هذا ما هو معلوم من ورع عمر وفضله وخوفه لله عز وجل- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبه التوفيق. [حلف ألا يشارك رجلا] فيمن حلف ألا يشارك رجلا قال وسئل مالك عمن حلف ألا يشارك رجلا سماه في شيء كذا وكذا، فأرسل إليه أن يبعث إليه بأربعة أعبد له يعينونه [على ذلك، حتى إذا كان الغد بعث إليه بأربعة أعبد يعينونه] مكانه، قال إن كان إنما أراد أن لا يعاونه فلا أحب ذلك. قال محمد بن رشد: خشي عليه الحنث إذا كان أراد أن لا يعاونه مخافة أن يكون عمل عبيده له في اليوم الثاني أكثر من عمل عبيده له في اليوم الأول فقال لا أحب ذلك ولم يحققه عليه، إذ لم يعنه إلا بعدد ما أعانه به من

تواضع عمر بن الخطاب وسيرته وورعه

العبيد، ولو أعانه بأكثر من عبيده لحقق عليه الحنث والله أعلم. ولو لم تكن له نية لم يجب عليه حنث، إذ ليس ما فعل بمشاركة، ولو شاركه في غير الشيء الذي حلف ألا يشاركه فيه لم يحنث أيضا إذا لم تكن له نية، وبالله التوفيق. [تواضع عمر بن الخطاب وسيرته وورعه] في تواضع عمر بن الخطاب وسيرته وورعه قال: وقال مالك، كان عمر بن الخطاب ينفخ لهم تحت القدر حتى إن الدخان ليخرج من تحت لحيته. قال مالك: وكان عمر بن الخطاب لا يدخل عليه مال ليلا، لا يدخل عليه إلا نهارا، فقلت له: ولم؟ قال يريد أن تكون سنة لا يدخل ليلا لئلا يسرق منه، الليل أخفى. قال مالك: ورأى عمر بن الخطاب لابنه عبيد الله إبلا فقال: من أين لك هذه؟ قال اشتريتها عجافا فعلفتها حتى سمنت، فقال عمر أفي الحمى؟ قال نعم، فقال انظروا إلى الثمن الذي اشتراها به فبيعوها وأعطوه إياه، فما فضل فاطرحوه في بيت المال. قال محمد بن رشد: لما كان الحمى إنما حماه لجميع المسلمين لم ير أن يسوغ ابنه شيئا منه دون جميع المسلمين امتثالا لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] ، وبالله التوفيق.

للقاضي حقا على الناس كما لهم عليه حق

[للقاضي حقا على الناس كما لهم عليه حق] في أن للقاضي حقا على الناس كما لهم عليه حق قال مالك: وسأل عمر بن عبد العزيز رجلا عن أمر الناس وعن القاضي، فقال: إنه ينبغي أن تؤدي الرعية إلى الراعي حقه، وينبغي للراعي أن يؤدي إلى الرعية حقوقهم عليه غير مسؤول لذلك ولا منزور به. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: فحق الناس على القاضي أن يعدل فيهم ولا يشح بذلك عليهم حتى يسألوه إياه، وحقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوه فيما أمرهم به من الحق ويشكروه على ذلك، وبالله التوفيق. [قلة الإنصاف في الناس] في قلة الإنصاف في الناس قال مالك: ليس في الناس شيء أقل من الإنصاف. قال محمد بن رشد: قال مالك: هذا لما اختبره من أخلاق الناس. وفائدة الإخبار به التنبيه على الذم له لينتهي الناس عنه فيعرف لكل ذي حق حقه، وبالله التوفيق. [التثبت في الاجتهاد] في التثبت في الاجتهاد قال مالك: وكان عمر بن الخطاب يقول: أشيروا علي في كذا وكذا، ثم يقول ارجعوا إلى منازلكم فبيتوا ليلتكم فتمكنوا في

معنى النهي عن إضاعة المال

ذلك عن طمأنينة، فإن ذلك أحرى وأيسر إذا كان المرء على فراشه. قال محمد بن رشد: ما حض عمر عليه من هذا يلزم امتثاله، فلا ينبغي لمن استشير في شيء من أمور الدنيا أو سئل الجواب في نازلة من الفقه تحتاج إلى نظر أن يجيب في ذلك إلا بعد روية وتثبت، وإن أمكنه تبييت ذلك حتى يفكر في ذلك بالليل على فراشه إذا خلا سره فهو أحسن، وبالله التوفيق. [معنى النهي عن إضاعة المال] في معنى النهي عن إضاعة المال وسئل عن معنى ما جاء في الحديث تكره إضاعة المال، قال: ألا ترى قول الله تعالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27] وهو منعه من حقه ووضعه في غير حقه. قال محمد بن رشد: الحديث بكراهة إضاعة المال هو حديث المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول «إن الله يكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال.» ومن إضاعة المال منعه من حقه ووضعه في غير حقه كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -

لأنه إذا حبسه ولم يؤد منه حقا ولا فعل فيه خيرا فقد أضاعه، إذ لا منفعة فيه على هذا الوجه في دنيا ولا أخرى، فكان كالعدم سواء، بل يزيد على العدم بالإثم في منعه من حقه. وكذلك إذا وضعه في غير حقه فقد أضاعه إذ أهلكه فيما لا أجر له فيه إن كان وضعه في سرف أو سفه، أو فيما عليه فيه وزر إن كان وضعه في فساد أو حرام. ونفقة المال على ستة أوجه، الثلاثة منها إضاعة له: أحدها نفقته في السرف، والثاني نفقته في السفه، والثالث نفقته في الحرام؛ والثلاثة منها ليست بإضاعة له، وهي نفقته في الواجب، ونفقته لوجه الله فيما ليس بواجب، ونفقته لوجوه الناس رغبة في اكتساب الثناء والمجد والشرف. فقد قال بعض الحكماء: ما ضاع مال أورث المجد أهله ... ولكن أموال البخيل تضيع وقد قيل في معنى كراهة إضاعته في الحديث أنه إهماله وترك المعاهدة له بالقيام عليه والإصلاح له حتى يضيع، كدار يتركها حتى تنهدم، أو كرم يتركه حتى يبطل أو حق له على رجل [ملي] بينه وبينه فيه حساب فيهمله حتى يضيع وما أشبه ذلك، وهذا أظهر ما قيل في معنى الحديث. ويحتمل أن يحمل على عمومه في هذا وفي إمساكه عن النفقة التي يؤجر في فعلها ولا يأثم في تركها، كصلة الرحم والصدقة المتطوع بها، وفي نفقته في الوجوه المكروهة كالسرف وشبهه. ويحمل قول مالك في تفسير الحديث: وهو منعه من حقه، أي من حقه الواجب عليه في مكارم الأخلاق كصلة الرحم وشبه ذلك؛ لأن منعه من الواجب لا يقال بأنه مكروه كما جاء في الحديث، وإنما هو محظور. وكذلك يحمل قوله: ووضعه في غير حقه [أي في غير حقه] من وجوه السرف والسفه، لا من الفساد والحرام؛ لأن وضع المال

الشرب قائما

في الفساد والحرام لا يقال فيه إنه مكروه كما جاء في الحديث، وإنما هو محظور. وقيل في معنى النهي عن إضاعة المال إنه فيما ملكت يمينه من الرقيق والدواب أن ينفق عليهم ويحسن إليهم ولا يتركهم فيضيعون. والصواب أن ذلك [ليس] مما جاء في الحديث؛ لأن الحديث إنما جاء بلفظ الكراهة، والمكروه ما تركه خير من فعله، فيؤجر في تركه ولا يأثم في فعله. وترك الرجل النفقة على رقيقه ودوابه حتى يهلكوا ويضيعوا محظور وليس بمكروه؛ لأنه مسؤول عنهم، وبالله التوفيق. [الشرب قائما] في الشرب قائما قال وقال مالك: سمعت أن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب كانا يشربان قائمين، قال مالك: وما أرى بذلك بأسا، يشرب المرء كما يحب، وإن المسافر ليشرب وهو يتبع دابته. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والكلام عليه في رسم السلف في المتاع والحيوان المضمون من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق لا شريك له. [الشرب في القدح تكون فيه الحلقة من الفضة] في الشرب في القدح تكون فيه الحلقة من الفضة قال وسألته عن القدح تكون في أذنه الحلقة من الفضة أيشرب فيه؟ قال. ما يعجبني، وإن أحب إلي أن يترك ذلك. فقلت له: فالمرآة تكون فيها الحلقة من الفضة أينظر فيها الوجه؟ فقال ما يعجبني، وترك ذلك أحب إلي.

الخطيئة قد تكون خيرا للإنسان

قال محمد بن رشد: قياس هذا قياس العلم من الحرير في الثوب، كرهه مالك وأجازه جماعة من السلف. وقد روي عن عمر ابن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أجازه على قدر الأصبعين والثلاثة والأربعة، وقع ذلك في مختصر ما ليس في المختصر لابن شعبان. وقد مضى هذا في رسم حلف أن لا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [الخطيئة قد تكون خيرا للإنسان] في أن الخطيئة قد تكون خيرا للإنسان قال مالك: وكان يقال إن الإنسان ليخطئ الخطيئة تكون خيرا فينيب إلى الله. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، قد يكون الخير سببا للشر، والشر سببا للخير. قال الله عز وجل: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] . [النظر إلى شعور نساء أهل الذمة] في النظر إلى شعور نساء أهل الذمة من اليهود والنصارى قال وسألته عن النظر إلى شعور مصر افتتحت عنوة، فقال ما يعجبني ذلك. قال محمد بن رشد: النظر إلى شعور أهل الذمة الأحرار

ما جاء مما هو من أشراط الساعة

المصالحين أو المستأمنين لا يجوز، فقوله لا يعجبني معناه أنه لا يعجبني أن يستخف ذلك للضرورة التي ذكرت من أنة لا يوجد بد من اتخاذهن اضطرارا، فلما قال له ما ذكر من أن مصر فتحت عنوة لم [يعجبه أن] يستخف ذلك أيضا فيهن، إذ قد قيل إنها إنما فتحت صلحا، فهن على هذا أحرار، وإن كانت افتتحت عنوة فقد قيل في نساء أهل العنوة ورجالهم إن لهم حكم الأحرار، فكره أن يستخف ذلك فيهن، لقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه» . وقد مضى في سماع عيسى وسحنون من كتاب التجارات إلى أرض الحرب الاختلاف في أهل العنوة هل يحكم لهم بحكم الأحرار أو بحكم العبيد، وفي رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد ذكر الاختلاف في افتتاح مصر، وبالله التوفيق. [ما جاء مما هو من أشراط الساعة] فيما جاء مما] هو من أشراط الساعة قال وكان يحيى بن سعيد يقول: لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا في الطريق. قال محمد بن رشد: قوله حتى يتسافدوا في الطريق، أي حتى يقرب الأمر من ذلك على عادة العرب في تسميتهم الشيء باسم ما قرب منه. وقد جاء ذلك في القرآن قوله عز وجل: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] ؛ لأن معناه قاربن بلوغ أجلهن؛ لأن

خصاء الغنم والإبل والبقر

العدة إذا انقضت لم يكن للزوج أن يمسك. وقد قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، وكان ابن أم مكتوم لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت، أي قاربت الصباح» . فالمعنى في ذلك أن الساعة لا تقوم حتى يكثر الفجور وترتفع الرقبة عن الفجار فيراودون النساء في الطرق على أعين الناس وهم يشهدون، فسمي المعنى الذي يدعو إلى السفاد سفادا لقربه من ذلك. وقد قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما روي: «أيما امرأة استعطرت ومرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية» فسماها- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زانية لقربها من ذلك في فعلها ذلك. فقول يحيى ابن سعيد هذا نحو ما مضى في رسم حلف أن لا يبيع سلعة سماها من قول ابن محيربز: إن من أشراط الساعة المعلومة المعروفة أن يرى الرجل يدخل البيت فلا يشك من يراه أنه يدخل لسوء إلا أن الجدار تواريه. وقد مضى الكلام على ذلك في موضعه، وبالله التوفيق. [خصاء الغنم والإبل والبقر] في خصاء الغنم والإبل والبقر قال وسئل عن خصاء الغنم والإبل والبقر، قال لا بأس بذلك.

كراهة السفر في طلب شيء في الدنيا

قال محمد بن رشد: إنما جاز ذلك ولم يكن من المثلة المنهي عنها لما في ذلك من إصلاح لحومها، بخلاف المثلة بشيء من الحيوان عبثا لغير وجه صلاح ومنفعة، وبالله التوفيق. [كراهة السفر في طلب شيء في الدنيا] في كراهة السفر في طلب شيء في الدنيا لا يشوبه شيء من أمر الآخرة قال مالك: وسمعت رجلا من أهل الفضل والصلاح يقول: ما أحب أن أسافر ليلة في طلب شيء من الدنيا لا أخلطه بغيره وإن لي مرغوبا فيه. قال محمد بن رشد: مثل أن يسافر في طلب جاه أو حظوة عند السلطان أو ليفيد مالا وهو مستغن عنه لا ينوي أن يفعل خيرا منه. وأما من سافر في تجارة ليستعين بما يفيد فيها على ما يلزمه من النفقة على عياله ويكف بها وجهه عن السؤال، فهو مأجور على نيته في ذلك. يشهد لهذا ما جاء من قول عمر بن الخطاب بعد هذا أنه قال: لأن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحب إلي من أن أموت على فراشي. وسيأتي القول عليه إن شاء الله، وبالله التوفيق. [تأدب الرجل مع من يؤاكله] في تأدب الرجل مع من يؤاكله قال مالك: وزعم لي يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب وغيره أن عمر بن الخطاب قال: كنت بأرض الحبشة في الجاهلية،

تفسير النسيء

فأصابني جوع شديد، فرمي بي إلى إنسان منهم فجاءني بحديد قد عصر وجعل في رأسه ثقب فيه سمن، فجعلوا يأخذون منه مثل النواة ويدخلون طرفها في ذلك السمن ثم يبتلعونه، فخيرت نفسي بين أن آكل وأشبع فأفتضح، أو أصنع كما يصنعون، فاخترت أن أصنع كما يصنعون. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه الحكاية والقول فيها وفي معنى القران المنهي عنه في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [تفسير النسيء] في تفسير النسيء قال وسئل مالك عن النسيء فقال: هو صفر والمحرم، يحلونه عاما ويحرمونه عاما. قال محمد بن رشد: قوله يحلونه عاما ويحرمونه عاما، معناه أنهم كانوا يحلون المحرم عاما ويحرمون مكانه صفرا، ثم يرجعون في العام الثاني إلى تحريم المحرم وتحليل صفر، ثم في العام الذي بعده إلى تحليل المحرم وتحريم صفر. وكانوا يسمون المحرم وصفرا الصفرين، فكانوا يحرمون الصفر الأول في عام والصفر الثاني في عام. فتأخيرهم تحريم المحرم الذي هو من الأشهر الحرم سنة وسنة لا إلى صفر الذي هو من غير المحرم، هو النسيء الذي قال الله عز وجل فيه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ} [التوبة: 37] . يقول الله عز وجل إن تأخيرهم تحريم المحرم الذي هو من

الأشهر الحرم سنة إلى شهر صفر زيادة في كفرهم، وإن كانوا قد واطئوا العدة بتحريمهم أربعة أشهر لم ينقصوا من عددها شيئا؟ هذا قول الكلبي. وقال الحسن: كانوا يجعلون الأشهر الحرم في عام متوالية فيحرمون ذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، وصفرا، ويقولون قد أنسأنا العام رجبا فلا يحرمونه فيه، وفي عام على منزلتها يحرمون ذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، ورجبا. والأربعة الأشهر الحرم من السنة التي قال الله عز وجل فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: 36] منها ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، كذا جاء في الأثر عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد جاء عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان، وذو الحجة، وذو القعدة والمحرم» . فعلى هذا تكون الأشهر الحرم من عامين. وقال الكوفيون: هي من سنة واحدة، وأولها المحرم. والقول بأن أولها رجب وأنها من سنتين أولى الأقوال بالصواب؛ لأن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدم المدينة في ربيع الآخر، فأول شهر كان بعد قدومه المدينة من الأشهر الحرم رجب. وقد كانت العرب في الجاهلية تعظم الأشهر الحرم وتحرمهن وتحرم القتال فيهن، حتى لو لقي الرجل منهم قاتل أبيه لم يهجه، وبقيت حرمتها في الإسلام في تحريم القتال وغير ذلك، بدليل قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217] لأنه عظم القتال في الشهر الحرام في هذه الآية، ثم نسخ ذلك في براءة بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] ، وبقوله تعالى:

قسم الفيء وحمل الطعام من بلد إلى بلد

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 29] الآية، فأباح قتلهم وقتالهم في كل موضع وفي كل وقت من شهر حرام أو غيره، وهو قول ابن عباس وقتادة والضحاك والأوزاعي وابن المسيب، فبقيت حرمة الأشهر الحرم في تعظيم الذنب فيها، بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] . وفي تعظيم الأجر والثواب في العمل الصالح فيها. وذهب عطاء ومجاهد إلى أن الآية محكمة، وإلى أن القتال في الأشهر الحرم لا يجوز، والجماعة على خلاف ذلك. وقد قيل في النسيء إنه ما كان أهل الجاهلية عليه من أنهم كانوا يحجون في كل عامين شهرا، فكانت حجة أبي بكر بعد أن نزل فرض الحج قبل أن ينسخ النسيء فوقعت حجته في ذي القعدة الآخر من العامين، ثم حج رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يسلم- حجة الوداع في العام المقبل في ذي الحجة، وأنزل الله عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] ، يريد لا ينتقل عنها، فنسخ النسيء وقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض» فاستقر الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة. وبالله التوفيق. [قسم الفيء وحمل الطعام من بلد إلى بلد] في قسم الفيء وحمل الطعام من بلد إلى بلد قال مالك: وحدثني زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال عمر بن

الخطاب: أرأيت إن حملت لهم بيضاء مضر حتى أضعها لهم بالجار أتراهم يقبلونها مني أم يكلفوني [أن أحملها لهم] إلى المدينة؟ فقيل له: بل يقبلونها، فقال لئن بقيت إلى رأس الحول لأحملنها لهم، فحملها. قال مالك: فكان عمر بن الخطاب أول من حملها في البحر إليهم، ثم كانت تحمل فتقسم بين الناس، فكان يؤثر بها في زمان بني أمية، فلما كان عمر بن عبد العزيز قسمها بالسواء بين الناس، فيقول القرشي أنا آخذ ومولاي سواء، فيأبى أخذها. قال محمد بن رشد: اختلفت سيرة الخلفاء بعد رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قسم مال الله الذي افترضه لعباده على أيدي خلفائه في الفيء وما ضارعه الذي ساوى فيه بين الأغنياء والفقراء، فساوى أبو بكر بين الناس فيه ولم يفضل أحدا بسابقه ولا قدم، فكلمه عمر بن الخطاب في ذلك فقال له: تلك فضائل عملوها لله، وثوابهم فيها على الله، وهذا المعاش الناس فيه أسوة، وإنما الدنيا بلاغ. وفاضل عمر بعد أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بين الناس، وفرض لهم الديوان على سوابقهم في الإسلام وفضلهم في أنفسهم. ثم ولي عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد عمر، فسار في ذلك بسيرة عمر، ثم ولي علي بالعراق بعد عثمان فأخذ بفعل أبي بكر، فساوى ولم يفضل. ثم ولي عمر بن عبد العزيز فأخذ بالأمرين جميعا: فرض العطاء ففاضل فيه بين الناس على قدر شرفهم ومنازلهم من الإسلام، وقسم على العامة على غير ديوان العطاء فساوى في ذلك بين الناس على ما جاء عنه في هذه الرواية. وهذا الاختلاف في الاجتهاد إنما هو فيما فضل من المال بعد سد الثغور، وأرزاق العمال والقضاة والمؤذنين وعطاء المقاتلة وما ينوب

آخر ما يبقى في الأمة

المسلمين ويحتاج إليه من الزيادة في الكراع والأسلحة. ولا يخرج عن قوم من فيئهم إلا ما فضل عن نوائبهم، وبالله التوفيق. [آخر ما يبقى في الأمة] في آخر ما يبقى في الأمة قال مالك: وزعم يحيى بن سعيد أنه سمع أن آخر ما يبقى في هذه الأمة الصلاة، وأول ما ترتفع منها الأمانة. قال محمد بن رشد: مثل هذا لا يكون إلا عن توقيف. إذ لا مدخل للرأي فيه، وبالله التوفيق. [ما جاء من الكراهة في قيل وقال وكثرة السؤال] فيما جاء من الكراهة في قيل وقال وكثرة السؤال قال وسألته عن قول رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قيل وقال وكثرة السؤال» . قال أما قيل وقال فهذه الأخبار في رأي وهذه الأرجاف- أعطي فلان كذا وكذا ومنع فلان، لقول الله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65] ، فهؤلاء يخوضون. وأما كثرة السؤال فلا أدري أهو ما أنتم فيه مما أنهاكم عنه، قد كره رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسائل وعابها وقال، قال الله عز وجل: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] ، فلا أدري أهو هذا أم هذا السؤال مسألة. قال محمد بن رشد: الذي جاء عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

في قيل وقال قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله يكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال» فقيل وقال مصدران من القول، يقال قلت قولا وقيلا وقالا، ومعناه الخوض فيما لا يعني من القول؛ لأن قول الإنسان محصي عليه. وقد جاء أن ما لا يكتبه صاحب اليمين يكتبه صاحب الشمال على ما مضى القول فيه في رسم قطع الشجرة من سماع ابن القاسم. وقد كانت عائشة ترسل إلى بعض أهلها بعد العتمة فتقول: ألا تريحون الكتاب؟ وقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» . وأما السؤال الذي جاء الحديث في كراهيته فهو محتمل أن يكون المراد بذلك كثرة السؤال للناس لأن ذلك مكروه مذموم، قال الله عز وجل: {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] ، وقال- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه» . وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من سأل الناس عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم. قلت يا رسول الله وما ظهر غنى؟ قال: أن يعلم أن عند أهله ما يغديهم أو ما يعشيهم؟» وأنه قال: «من سأل منكم وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا» وأنه قال: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه إلا جاءت شينا أو كدوحا أو خدوشا في وجهه يوم القيامة قيل يا

ما جاء في تفسير قول الله تعالى إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم

رسول الله: وما غناه؟ قال: خمسون درهما أو حسابها من الذهب؟» وأنه قال: «من سأل وله عدل خمس أواق فقد سأل إلحافا.» وهذا المقدار أولى المقادير بالاستعمال في تحريم الصدقة؛ لأن الآثار لا تحمل على التعارض، وتحمل على أن بعضها ناسخ لبعض. وإذا حملت على ذلك فالأولى أن يجعل الأقل من المقادير الأربعة منسوخا بالذي يليه، والذي يليه منسوخا بالذي يليه، ليكون الأقل من المقادير الذي هو أثقل منسوخا بالأكثر الذي هو أخف تخفيفا من الله ورحمة. ويحتمل أن يكون المراد بذلك السؤال عن المشكلات التي لا يحتاج إليها ولا تعبد أحد بمعرفتها، وعما ينسخ من خفيات المسائل التي يغلب على الظن أن مثلها لا ينزل؛ لأن الاشتغال بذلك مكروه لأنه مما لا يعني. ولما كان هذا من المحتمل قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أدري أهو مسألة الاستعطاء أو ما كنتم فيه مما أنهاكم عنه منذ اليوم، وبالله التوفيق. [ما جاء في تفسير قول الله تعالى إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم] فيما جاء في تفسير قول الله تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ} [الأعراف: 163] الآية قال مالك: زعم ابن رومان في قوله: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ} [الأعراف: 163] قال كانت تأتيهم يوم السبت، فإذا كان المساء ذهبت فلا يرى منها شيء إلى السبت الآخر، فأخذ لذلك رجل منهم خيطا ووترا فربط حوتا منها في الماء

يوم السبت حتى إذا أمسوا ليلة الأحد أخذه فاشتواه، فوجد الناس ريحه فجاءوه فسألوه عن ذلك فجحدهم، فلم يزالوا به حتى قال لهم: فإنه جلد حوت وجدناه. فلما كان يوم السبت الآخر فعل مثل ذلك، ولا أدري لعله قال ربط حوتين، فلما أمسى من ليلة الأحد أخذهما فاشتواهما فوجد الناس ريحيهما، فجاءوه فسألوه فقال لهم لو شئتم صنعتم كما أصنع، فقالوا له وما صنعت؟ فأخبرهم، ففعلوا مثل ما فعل، حتى كثر ذلك. وكانت لهم مدينة لها ربض يغلقونها عليهم، فأصابهم من المسخ ما أصابهم، فعدا إليهم جيرانهم ممن كان حولهم يطلبون منهم ما يطلب الناس، فوجدوا المدينة مغلقة عليهم، فنادوا فلم يجيبوهم، فتسوروا عليهم فإذا هم قردة، فجعل القرد يدنو ممن كان يعرفه قبل ذلك فيتمسح به. قال محمد بن رشد: قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] وقال: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} [الأعراف: 163] ، أي شارعة ظاهرة، {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ} [الأعراف: 163] ، ابتلاء من الله عز وجل ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، أي ليعلم وقوع الطاعة منهم والمعصية، إذ قد علم أنها ستقع منهم. والقرية قيل فيها إنها أيلة [مدينة] بيت المقدس بساحل البحر. وكان الله عز وجل قد حرم على اليهود صيد الحوت في يوم السبت ابتلاء لهم قبل عقوبته لهم بخطيئة كانت منهم. وقيل إنهم قالوا لموسى حين أمرهم بالجمعة وأخبرهم بفضلها،

كيف تأمرنا بالجمعة وتفضلها على سائر الأيام والسبت أفضل الأيام كلها؛ لأن الله تبارك وتعالى خلق السماوات والأرض والأقوات في ستة أيام، وسبت له كل شيء مطيعا يوم السبت، فقال عز وجل لموسى: دعهم وما اختاروه لا يصيدوا فيه سمكا ولا غيره ولا يفعلون فيه شيئا، فكانت الحيتان تأتيهم فيه شارعة ظاهرة كما قال عز وجل وتغيب عنهم في سائر الأيام فلا يصلون إليها إلا بالاصطياد والعناء. وفي تعديهم في السبت غير قول: قيل إنهم كانوا يسدون عليها المسالك يوم السبت ويأخذونها في سائر الأيام ويقولون لا نفعل الاصطياد الذي نهينا عنه يوم السبت، وإنما نفعله في غيره، وقيل إن سفهاءهم عدوا فاصطادوا فيه وملحوا وباعوا ولم تنزل بهم عقوبة، فاستشروا وقالوا إنا نرى السبت قد حل وذهبت حرمته، وإنما كان يعاقب به آباؤنا في زمن موسى، ثم استسن الأبناء بسنة الآباء وكانوا يخافون العقوبة ولو كانوا فعلوا لم يضرهم شيء، فعملوا بذلك سنين حتى أثروا منه وتزوجوا النساء واتخذوا الأموال، فوعظتهم طوائف من صالحيهم وحذروهم عقاب الله عز وجل على ذلك، فقالوا: قد عملنا ذلك سنين فما زاد الله إلا خيرا، ولئن أطعتمونا لتفعلن كما فعلنا، إنما حرم هذا على من قبلنا، فقالوا ويلكم لا تغتروا ولا تأمنوا بأس الله، وهذه معذرة إلى ربكم، إما أن تنتهوا فتكون لنا أجرا، أو تهلكوا فننجوا من معصيتكم. قال الله عز وجل: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام: 44] أي تركوا، {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165] وهو مسخهم قردة. قال الله عز وجل: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 66] .

شرب أبوال الأنعام في الدواء

قال قتادة: وبلغنا أنه دخل على ابن عباس وبين يديه المصحف وهو يبكي وقد أتى على هذه الآية: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165] فقال: قد علمت أن [الله أهلك الذين أخذوا] الحيتان ونجى الذين نهوهم، ولا أدري ما صنع بالذين لم ينهوا ولم يواقعوا المعصية. وقال الحسن: وأي نهي يكون أشد من أنهم أثبتوا لهم الوعيد وخوفوهم العذاب فقالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف: 164] بالله التوفيق. [شرب أبوال الأنعام في الدواء] في شرب أبوال الأنعام في الدواء قال وسئل مالك عن شرب أبوال الأنعام في الدواء، قال: لا بأس بذلك، ولا بأس بشرب أبوال الأنعام البقر والغنم. قيل له فأبوال الأتن؟ قال لا خير فيه. قيل له فأبوال الناس؟ قال لا خير فيه. قيل له: فالشاة تحلب فتبول في اللبن؟ قال أرجو أن لا يكون به بأس. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه لا بأس بشرب أبوال الأنعام في الدواء. والدليل على ذلك ما جاء في «الرهط العرينيين الذين قدموا

على النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستوخموا المدينة فأمرهم النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يخرجوا في لقاحه فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا حتى إذا صحوا وسمنوا قتلوا الراعي واستاقوا الذود» الحديث وقاس مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المشهور عنه أبوال سائر ما يؤكل لحمه في الطهارة على أبوال الأنعام [ويأتي بعد هذا في رسم الأقضية من هذا السماع أنه فرق بين أبوال الأنعام وأبوال سائر ما يؤكل لحمه] من الحيوان. وتأول ابن لبابة أنه إنما فرق بين ذلك في إجازة التداوي بشربها لا في نجاستها للحديث الذي جاء في إجازة النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شرب أبوال الإبل للرهط العرينيين. والقياس إذا قيست عليها في الطهارة أن تقاس عليها في إجازة التداوي بشربها؛ لأن العلة في إجازة التداوي بشرب أبوال الأنعام طهارتها. ووجه التفرقة وقياس مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أبوال ما لا يؤكل لحمه على أبوال بني آدم في النجاسة، فأبوال الأتن نجسة إذ لا تؤكل لحومها، فلا يجوز التداوي بشربها. وما اختلف في جواز أكله اختلف في نجاسة بوله حملا على ذلك. وذهب أبو حنيفة إلى أن الأبوال تابعة للدماء في النجاسة لا للحوم، فرأى أبوال الأنعام وغيرها نجسة فأبعد في القياس وخالف الأثر. وأما الألبان فهي تابعة للحوم في الطهارة، فما كان من الحيوان لا يؤكل لحمه سوى بني آدم المخصوصة لحومهم بالطهارة فألبانها نجسة قياسا على لبن الخنزيرة، فألبان الأتن نجسة. وقد قال يحيى بن يحيى في سماعه من كتاب الوضوء أن من أصاب ثوبه لبن حمارة فصلى به أنه يعيد في الوقت كمن صلى بثوب نجس، إلا أنه قد جوز التداوي بها مراعاة للخلاف في جواز أكل لحومها، حكى ذلك ابن حبيب عن مالك وسعيد بن المسيب والقاسم ابن محمد وعطاء. وروي إباحة التداوي بها عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قراءة القرآن بالألحان

وإلى إجازة ذلك ذهب ابن المواز أيضا. وروى زياد عن مالك في لبن الحمارة أنه لا بأس به، فيحتمل أن يريد أنه لا إعادة على من صلى به في ثوبه أو بدنه، ويحتمل أن يريد أنه لا بأس بالتداوي به لمن احتاج إليه. وقد مضى الكلام على هذه المسألة أيضا في رسم الجنائز والصيد من سماع أشهب من كتاب الصيد والذبائح، وفي رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، وفي سماع يحيى من كتاب الوضوء، وبالله التوفيق. [قراءة القرآن بالألحان] في قراءة القرآن بالألحان وسئل عن القراءة بالألحان، فقال ما يعجبني لأن ذلك يشبه الغناء ويضحك بالقرآن ويسمى ويقال فلان أحسن قراءة من فلان. قال مالك: ولقد بلغني أن الجواري قد علمن ذلك كما يعلمن الغناء، قال ولا أحب ذلك على حال من الأحوال في رمضان ولا في غيره، أين القراءة التي يقرأ هؤلاء من القراءة التي كان يقرؤها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مالك: وإني لأكره التطريب في الأذان، ولقد هممت أن أكلم أمير المؤمنين في ذلك لأني كنت أسمعهم يؤذنون. قال محمد بن رشد: كراهة مالك قراءة القرآن بالألحان بينة؛ لأن ذلك يشبه الغناء على ما قال. وقد سئل في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة عن النفر يكونون في المسجد فيقولون لرجل حسن الصوت اقرأ علينا، يريدون حسن صوته، فكره ذلك وقال هذا يشبه الغناء، فقيل له: أفرأيت الذي قال عمر لأبي موسى: ذكرنا ربنا، فقال: إن من الأحاديث أحاديث قد سمعتها وأنا أتقيها، والله ما سمعت هذا قبل هذا المجلس. وإنما اتقى مالك من حديث عمر بن الخطاب هذا وما أشبهه أن يتحدث به فيكون

ذلك ذريعة إلى استجازة قراءة القرآن بالألحان تلذذا بحسن الصوت. وأما استدعاء رقة القلوب وشدة الخشوع في سماع قراءة القرآن من الحسن القراءة المحسن للتخشع في قراءته فلا مكروه في ذلك. وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي يتغنى بالقرآن» أي ما استمع لشيء ما استمع لنبي يحسن صوته بالقرآن طلبا لرقة قلبه بذلك. وعلى هذا يحمل ما جاء عن عمر بن الخطاب في قوله لأبي موسى الأشعري [ذكرنا ربنا أنه إنما أراد أن يسمع القرآن لحسن صوته ليخشع بذلك قلبه، وقد «قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي موسى الأشعري] تغبيطا بما وهبه الله عز وجل من حسن الصوت: لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» . وقد قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» فقيل معناه ليس منا من لم يحرص على سماع القراءة الحسنة ويتلذذ بها لما يجد من الخشوع عندها كما يلتذ أهل الأغاني بأغانيهم؛ وقيل معناه من لم يستغن به أي من لم ير أنه أفضل حال من الغني بغناه؛ وقيل معناه من لم يحسن صوته بالقرآن استدعاء لرقة قلبه بذلك. وقد قيل لابن أبي مليكة أحد رواة الحديث: فمن لم يكن له حلق حسن؟ قال يحسنه ما استطاع. وقد مضى في رسم حلف من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب ومن كتاب الصلاة زيادات في هذا المعنى، وبالله التوفيق.

التحذير من سماع أقوال أهل البدع

[التحذير من سماع أقوال أهل البدع] في التحذير من سماع أقوال أهل البدع قال مالك: وقال ذلك الرجل لا تمكن زائغ القلب من أذنك. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين أنه يحذر أن يسمع كلامهم فيدخل عليه شك في اعتقاده بشبههم، وكفى من التحذير عن ذلك المثل الصحيح الذي ضربه ابن غائم في ذلك من قوله: أرأيت لو أن أحدكم قعد إلى سارق وفي كمه بضاعة أما كان يحترز بها منه خوفا أن يغتاله فيها، فلا يجد بدا أن يقول نعم، قال فدينكم أولى بأن تحرزوه وتتحفظوا به، وبالله التوفيق. [الحض على اتباع الأمر الأول] في الحض على اتباع الأمر الأول قال مالك: وكان وهب بن كيسان يقعد إلينا ولا يقوم أبدا حتى يقول لنا: اعلموا أنه لا يصلح آخر هذا الأمر إلا ما أصلح أوله. قلت يريد ماذا؟ فقال لي: يريد في رأيي الإسلام. قال محمد بن رشد: المعنى في قوله أنه لا يعز الإسلام في آخر الزمان إلا بما عز في أوله من الجهاد في سبيله وابتغاء مرضاته على السنة والحق، وبالله التوفيق. [توقي الرجل أن يظن به سوء] في توقي الرجل أن يظن به سوء قال وسمعت ربيعة يقول: سأل رجل أبا بكر الصديق أن

كراهة طول الكمين

يصحبه إلى حاجة، فخرج معه في طريق، فقال الرجل لأبي بكر حد بنا عن هذه الطريق لطريق آخر، فإن على طريقنا مجلسا فيه ناس فنستحيي أن نمر بهم، فقال له أبو بكر أتيتني في أمر تستحيي منه، لا أذهب معك أبدا فيه. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه الحكاية والقول فيها في رسم السلف في الحيوان والمتاع المضمون، وبالله التوفيق. [كراهة طول الكمين] في كراهة طول] الكمين قال مالك: رأى عمر بن الخطاب رجلا يصلي وقد أطال كميه، فانتظره حتى قضى صلاته ثم دعاه فقال ما تريد؟ قال: مد يديك، فمد يديه، فقطع فضل كميه [عن يديه] بشفرة معه ثم أعطاه إياه، فقال انتفع بهذا. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه الحكاية والقول فيها في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم قبل هذا، وبالله التوفيق. [كراهة غضارة العيش] في كراهة غضارة العيش قال مالك: وزعموا أن بعض أصحاب النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين زرعت الحنطة بالمدينة كره ذلك، فقلت لمالك ولم؟ قال: كان الناس يأكلون الشعير، فكره ذلك لغضارة العيش.

محبة الرجل أن يرى في شيء من أعمال البر

قال محمد بن رشد: قد مضى هذا المعنى فيما كان عليه أصحاب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من شظف العيش في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [محبة الرجل أن يرى في شيء من أعمال البر] في محبة الرجل أن يرى في شيء من أعمال البر قال مالك: سمعت ربيعة يسأل عن المصلي لله ثم يقع في نفسه أنه يحب أن يعلم ويحب أن يلقى في طريق المسجد ويكره أن يلقى في طريق غيره، فلا أدري ما أجابه ربيعة، غير أني أقول: إذا كان أصل ذلك وأوله لله فلا أرى بذلك بأسا، وإن المرء ليحب أن يكون صالحا وإن هذا ليكون من الشيطان يتصدق فيقول له إنك لتحب أن يعلم ذلك ليمنعه ذلك. قلت له: إذا كان أصل ذلك لله لم تر به بأسا؟ قال: إي والله ما أرى به بأسا، قد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما شجرة لا يسقط ورقها شتاء ولا صيفا، فقال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، فأردت أن أقولها، فقال له عمر: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا.» فأي شيء هذا إلا هذا، وإنما هذا أمر يكون في القلب لا يملك. وقال الله عز وجل: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: 39] ، وقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84] . قال محمد بن رشد: قد مضى هذا في قول مالك مكررا في رسم

صفة الأمر بالمعروف

العقول من هذا السماع وكتاب الصلاة، ومضى من قول ربيعة خلافه في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب ومن كتاب الصدقات والهبات، والتكلم على ذلك كله في المواضع المذكورة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [صفة الأمر بالمعروف] في صفة الأمر بالمعروف قال مالك: قال ربيعة سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا ينهى عن المنكر ولا يأمر بالمعروف حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق، ومن هذا الذي ليس فيه شيء؟ قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إنه ليس من شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون القائم بذلك سالما من مواقعة الذنوب والخطايا إذ لا يسلم أحد من ذلك، وقد قال الله عز وجل لنبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] وفي وصية الخضر لموسى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: واستكثر من الحسنات فإنك لا بد تصيب السيئات، واعمل خيرا فإنك لا بد عامل شرا. هذا في الأنبياء فكيف بمن دونهم من الناس. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فرائض الأعيان، لقول الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] فيجب على كل أحد في خاصة نفسه أن ينكر من المنكر ما اطلع عليه مما مر به واعترضه في طريقه بثلاثة شرائط: أحدها أن يكون عالما بالمنكر؛ لأنه إن لم يكن عالما بذلك لم يأمن أن يأمر

كراهة الإسراع في تعلم القرآن دون التفقه فيه

بمنكر أو ينهى عن معروف؟ والثاني أن يأمن أن يؤدي إنكاره المنكر إلى منكر أكبر منه، مثل أن ينهى عن شرب خمر فيؤدي نهيه عن ذلك إلى قتل نفس وما أشبه ذلك؟ والثالث أن يعلم أو يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له، وأن أمره بالمعروف مؤثر ونافع؛ لأنه إذا لم يعلم ذلك ولا غلب على ظنه لم يجب عليه أمر ولا نهي. فالشرط الأول والثاني مشترطان في الجواز، والشرط الثالث مشترط في الوجوب. وأما الانتداب إلى ذلك والقيام بتفقده وتغييره فلا يجب على أحد في خاصة نفسه سوى الإمام، وإنما يستحب له ذلك إذا قوي عليه. وذلك بين من قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رسم الأقضية الثالث من هذا السماع من كتاب السلطان. وإنما وجب ذلك على الإمام واستحب لمن سواه إذا قوي عليه لقول الله عز وجل: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41] . ومضى قول سعيد بن جبير والقول عليه قبل هذا في رسم القبلة من سماع ابن القاسم، وما زدته هاهنا تتميم له. ومضى أيضا في الرسم المذكور في كتاب السلطان زيادات في هذا المعنى، وبالله التوفيق. [كراهة الإسراع في تعلم القرآن دون التفقه فيه] في كراهة الإسراع في تعلم] القرآن دون التفقه فيه قال مالك: وسمعت أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب أنه قد قرأ القرآن رجال، فكتب إليه عمر أن افرض لهم وأعطهم وزدهم، ثم كتب إليه أبو موسى الأشعري: إنا لما

الذي يقول إنه سيد قومه

فعلنا ذلك أسرع الناس في القراءة حتى قرأ سبعمائة، فكتب إليه عمر أن دع الناس، فإني أخاف أن يقرأ الناس القرآن قبل أن يتفقهوا في الدين. قال مالك: وإنما قال ذلك مخافة أن يتأولوه على غير تأويله. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن التفقه في القرآن بمعرفة أحكامه وحدوده ومفصله ومجمله وخاصه وعامه وناسخه ومنسوخه آكد من حفظ سواده، فيكون من حفظ سواده ولم يتفقه فيه ولا عرف شيئا من معانيه كالحمار يحمل أسفارا. وقد أقام عبد الله بن عمر على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها؛ لأنه كان يتعلمها بفقهها ومعرفة معانيها، وبالله التوفيق. [الذي يقول إنه سيد قومه] في الذي يقول إنه سيد قومه قال مالك: قال يحيى بن سعيد: دخل رجل على عمر بن عبد العزيز فقال له: من سيد قومك؟ قال أنا، فسكت عنه عمر ثم قال له: لو كنت سيدهم ما قلته. قال محمد بن رشد: هذا كما قال- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن الرجل إنما يسود قومه بالتواضع فيهم، والبر بهم، والترفيع لهم، وترك التكبر عليهم، والاعتناء بأمورهم، والتهمم بأحوالهم؛ فإذا اعتقد أن له فضلا عليهم سادهم به فهو أدناهم مرتبة. قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم» . وقد مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم سلمة حين دخل بأم سلمة

سماع ابن القاسم القول في الأحنف بن قيس وقد قال له معاوية بما شرفت قومك ولست بأشرفهم ولا بأسنهم ولا. بأيسرهم؟ قال: إني لا أتناول ما كفيت، ولا أضيع ما وليت، وقال: لو وجدت الناس كرهوا شرب الماء ما شربته. وبالله التوفيق. [أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم سلمة حين دخل بأم سلمة] في أمر رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بابنة أم سلمة حين دخل بأم سلمة قال مالك: لما «دخل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أم سلمة وعمار بن ياسر على الباب، ذهب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[ليدنو منها، فبكت الصبية، فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خذيها فلما أخذتها وهدأتها ذهب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليدنو منها فبكت الصبية فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] خذيها، فسمع عمار بن ياسر فنادى نحن نأخذها، فأمر له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها» . قال محمد بن رشد: إنما أمر له بها رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه من ولاتها؛ لأنها مخزومية بنت أبي سلمة بن عبد الأسد الذي كان زوجا لأم سلمة قبل النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وعمار بن ياسر مولى لبني مخزوم؛ لأن أباه ياسرا تزوج أمة لبعض بني مخزوم فولدت له عمارا. وذلك أنه قدم مكة مع أخوين له يقال

الكاسيات العاريات ولبس الرجال الرقيق من الثياب

لهما الحارث ومالك في طلب أخ لهم رابع، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن، وأقام ياسر بمكة، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو ابن مخزوم، فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لهما سمية، فولدت له عمارا، فأعتقه أبو حذيفة. فمن هاهنا هو عمار مولى بني مخزوم، فهو مولاهم وحليف لهم، وأبوه عربي لا يختلفون في ذلك، وبالله التوفيق. [الكاسيات العاريات ولبس الرجال الرقيق من الثياب] في الكاسيات العاريات، ولبس الرجال الرقيق من الثياب قال: وسألته عن حديث أبي هريرة: «كاسيات عاريات مائلات مميلات» فقال: أما كاسيات عاريات فلبس الرقاق، وأما مائلات مميلات فمائلات عن الحق مميلات من أطاعهن عن الحق من أزواجهن وغيرهم. قال وسألته عن لبس الرجال الرقاق من الثياب، فقال: لباس الرجل كله يصير إلى الإزار، فلو لم يكن على الرجل إلا إزار لم يكن بذلك بأس. فإذا كان الإزار رقيقا والقميص رقيقا فلا خير في ذلك، وإذا كان الإزار ثخينا والقميص رقيقا فلا بأس بذلك إذا كان قصدا ولم يكن على وجه السرف. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم على حديث أبي هريرة المذكور وقوله «كاسيات عاريات مائلات مميلات» الحديث، فأغنى ذلك عن إعادته هنا مرة أخرى. وقول مالك في لبس

السكنى في الأرض التي يعمل فيها بغير الحق ويسب فيها السلف

الرجال الرقيق إن الأمر يرجع في ذلك إلى الإزار صحيح؛ لأن بدن الرجل ليس بعورة. فإذا اتزر بإزار ثخين جاز أن يلبس الثوب الرقيق الذي يصف؛ لأن بدنه ليس بعورة، بخلاف المرأة التي هي كلها عورة فجاء فيها الحديث، وبالله التوفيق لا شريك له. [السكنى في الأرض التي يعمل فيها بغير الحق ويسب فيها السلف] في كراهة السكنى في الأرض التي يعمل فيها بغير الحق ويسب فيها السلف قال وسمعته يقول: ما تنبغي الإقامة بأرض يعمل فيها العمل بغير الحق والسب للسلف. قال أبو الدرداء لمعاوية حين قال سمعت النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن مثل هذا، فقال معاوية ما كنت أرى بمثل هذا بأسا، قال أبو الدرداء: أخبرك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتخبرني عن رأيك، لا أساكنك بأرض أنت فيها، فخرج عنه. قال مالك: فالناس كانوا يخرجون من الكلمة، وهذا يقيم على هذا من العمل بغير الحق به والسب للسلف، وقد قال الله عز وجل: {يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100] . قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم تفسير قوله عز وجل: {يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100] . والمعنى في كراهة السكنى في الأرض التي يعمل فيها بغير الحق ويسب فيها السلف بين؛ لأن العمل بغير الحق وسب السلف من المناكر التي يجب تغييرها والنهي عنها، فإذا لم ينه عنها واشتهر العمل بها لم يأمنوا أن تحل العقوبة بجميعهم. فقد جاء: إن الله لا يعذب العامة بذنوب الخاصة

ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم. وقول معاوية لأبي الدرداء حين باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال له أبو الدرداء سمعت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن مثل هذا: ما كنت أرى بمثل هذا بأسا، لم يقصد بذلك مخالفة ما قاله النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما تأول قوله على أنه إنما نهى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن التفاضل في بيع العين بالعين والتبر بالتبر والمصوغ بالمصوغ، فأجاز التفاضل بين العين والتبر وبين العين والمصوغ وبين التبر والمصوغ، وهو شذوذ وخلاف للجمهور؛ لأنهم حملوا نهيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن التفاضل بين الذهبين وبين الورقين على عمومه. فسأل صائغ عبد الله بن عمر فقال له: إني أصوغ الذهب ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه فأستفضل بذلك قدر عمل يدي، فنهاه عن ذلك وقال: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم. ففهم- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الدينار بالدينار لا فضل بينهما» [أن الدينارين المصوغين من الذهب لا فضل بينهما] وحكم أن ذلك عهد من النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم. وقد جاء بيان ذلك فيما جاء من أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر السعدين أن يبيعا آنية من المغانم من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينا، وكل أربعة بثلاثة عينا، فقال لهما رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربيتما فردا» وبالله التوفيق.

يكتب إلى أصغر منه هل يبدأ به

[يكتب إلى أصغر منه هل يبدأ به] في الذي يكتب إلى أصغر منه هل يبدأ به؟ قال: وسئل عن الذي يبدأ في الكتاب بأصغر منه ولعله ليس بأفضل منه، أترى بذلك بأسا؟ فقال لا والله ما أرى بذلك بأسا، أرأيت إذا وسع له إذا جاء فجلس، أو لو سقي فأعطاه إياه، وقال إن أهل العراق يقولون لا تبدأ بأحد قبلك وإن كان أكبر منك أو أباك فعيب ذلك من قولهم عيبا شديدا. قال مالك: جاء رجلان فأراد أحدهما أن يتكلم عند النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو أصغر، فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كبر كبر للذي هو أكبر منه.» قال وسمعت أن أبا بكر الصديق حين جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأبيه فقال له: «لو تركت الشيخ في منزله لجئناه» . قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والقول فيه في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات، وفي موضعين من رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [الحجامة وتساوي الأيام فيها] في الحجامة وتساوي الأيام فيها قال مالك: وتحدث أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

رفع عمر بن الخطاب صوته في صلاته بسورة النبي عليه السلام

قال: «إن كان دواء يبلغ الداء فالحجامة تبلغه» . قال مالك: وليس من أيام الجمعة يوم إلا وأنا أحتجم فيه، يوم الجمعة ويوم السبت، ويوم الأربعاء، الأيام كلها لله. من أراد أن يحتجم أو يسافر أو يغرس فلا يتق من الأيام شيئا، فإن الأيام كلها لله، إن هذا الشيطان للإنسان عدو مبين. وسئل مالك عن الحجامة لسبع عشرة وخمس عشرة وثلاث عشرة، فقال أنا أكره هذا ولا أحبه، كأنه يكره أن يكون لذلك وقت. قال محمد بن رشد: معنى قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن كان دواء يبلغ الداء فإن الحجامة تبلغه» أي أن الحجامة من الأدوية التي [قد] تبلغ الداء؛ لأنه قد أعلم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، فليس قوله إن كان دواء يبلغ الداء شكا منه في ذلك، وإنما معناه إذا كان الدواء قد يبلغ الداء فإن الحجامة من الدواء الذي قد يبلغ الداء. وقد مضى قبل هذا في هذا السماع القول في التشاؤم بالحجامة في بعض الأيام فلا معنى لإعادته هنا، وبالله التوفيق. [رفع عمر بن الخطاب صوته في صلاته بسورة النبي عليه السلام] في رفع عمر بن الخطاب صوته في صلاته بسورة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فوق ما كان يفعل قال وسمعت رجلا صدقا يحدث أن عمر بن الخطاب قرأ

حكاية عن عمر بن عبد العزيز

سورة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فرفع بها صوته، فقيل له لم رفعت صوتك بهذه السورة؟ فقال: أردت أن أذكرهن العهد. قال مالك: يريد أزواج النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلت له: أي سورة؟ قال لا أدري أهي الصغرى أو الكبرى. قال محمد بن رشد: الصغرى هي التحريم، والكبرى هي الأحزاب. وقد مضى في رسم مرض وله أم ولد فحاضت هذا والكلام عليه، وبالله التوفيق. [حكاية عن عمر بن عبد العزيز] قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز يقول للناس: أيها الناس، من كان هاهنا من أهل البلدان فليلحق ببلده، فإني أنساه هاهنا وأذكره في بلده، ومن كانت له قبل عامله مظلمة فلا إذن له علي. قال محمد بن رشد: معنى أنساه هاهنا أي أتركه في العطاء فلا أعطيه مع من هاهنا من أهل البلد شيئا، وأذكره في بلده فأعطيه معهم، يريد أنه لا مزية لهم عنده في ترك بلادهم إلى هذا البلد. وقوله إن من كانت له قبل عامله مظلمة فلا إذن له علي، معناه لا يحتاج إلى الاستئذان، فليدخل علي متى ما جلست للناس دون إذن، وبالله التوفيق. [الكراهة للمفتي أن يقول فيما يؤديه إليه اجتهاده في تحليل أو تحريم هذا حلال وهذا حرام] في الكراهة للمفتي أن يقول فيما يؤديه إليه اجتهاده في تحليل أو تحريم هذا حلال وهذا حرام قال مالك: لم تكن فتيا الناس أن يقال هذا حلال وهذا

قول الرجل هلك الناس

حرام، ولكن يقال أنا أكره هذا ولم أكن لأصنع هذا، فكان الناس يكتفون بذلك ويرضون به، وكانوا يقولون إنا لنكره هذا وإن هذا ليتقى، لم يكونوا يقولون هذا حلال وهذا حرام. قال: وهذا الذي يعجبني والسنة ببلدنا. قال محمد بن رشد: قوله لم تكن فتيا الناس أن يقال هذا حلال وهذا حرام، معناه فيما يرون باجتهادهم أنه حلال أو حرام، إذ قد يخالفهم غيرهم من العلماء في اجتهادهم. فإذا قال المجتهد فيما يراه باجتهاده حلالا أو حراما إنه حلال أو حرام، أوهم السامع بأنه حلال أو حرام عند الجميع، فيحتاج أن يقيد قوله بأن يقول هو حلال عندي أو حرام عندي. وهذا على القول بأن كل مجتهد مصيب للحق عند الله في حق اجتهاده. وأما على مذهب من يرى أن الحق في واحد وأن المجتهد قد يخطئه وقد يصيبه، فلا يصح له أن يقول فيما يؤديه إليه اجتهاده من تحليل أو تحريم هذا حلال أو حرام بحال، إذ لا يدري على مذهبه لعله عند الله بخلاف ما قاله، فالصواب أن يقول أرى هذا مباحا أو أراه محظورا فيما تعبدني الله به في خاصة نفسي وأن أفتي به. وإن علم أن السائل يكتفي منه بأن يقول له فيما يرى أنه لا يحل له أكره هذا ولم أكن لأصنع هذا، ويكف بذاك عن استباحة ذلك الشيء، ساغ له أن يقتصر على ذلك القول فيه، وبالله التوفيق. [قول الرجل هلك الناس] ما جاء في قول الرجل هلك الناس قال وسألته عن قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قال هلك الناس فهو أهلكهم» قال ذلك فيما يرى [والله

تفسير ما جاء في أن من قال لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما

أعلم] أن يقول ذلك الرجل تفضيلا لنفسه على الناس، يقول هلك الناس فلم يبق غيري. وأما الذي يقول ذلك تحزنا على الناس ويقول هلك أهل هذه القرية وبادوا وذهب خيار الناس، على وجه التحزن، فإن ذلك من كلام الناس وهو حسن. قال محمد بن رشد: تفسير مالك للحديث صحيح بين لا اختلاف فيه. وقد مضى هذا الحديث والقول عليه في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [تفسير ما جاء في أن من قال لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما] في تفسير ما جاء في أن «من قال لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما» وسئل عن قول رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قال لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما» قال: أرى ذلك في الحرورية. فقلت له: أتراهم بذلك كفارا؟ قال لا أدري ما هذا. قال محمد بن رشد: هذا حديث يحتمل وجوها من التأويل: أحدها أن يكون معناه أن من قال لصاحبه يا كافر معتقدا أن الذي هو عليه هو الكفر، فأحدهما على كل حال كافر، إما المقول له إن كان كافرا، وإما القائل إن كان المقول له مؤمنا. لأنه إذا قال للمؤمن يا كافر معتقدا أن الإيمان الذي هو عليه كفر فقد حصل هو كافرا باعتقاده إيمان صاحبه كفرا. والدليل

الثناء لا يكون عاملا إلا بعد المخالطة في السفر والمال

على ذلك قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5] . وأما إن قال للمؤمن يا كافر وهو يظنه كافرا ولا يعلم أنه مؤمن فليس بكافر وإنما هو غلط. والثاني أن يكون معناه النهي عن أن يكفر الرجل صاحبه باعتقاد ما لا يتحقق أنه باعتقاده كافر؛ لأنه إن لم يكن باعتقاده ذلك كافرا كان القائل له ذلك قد باء بإثم ما رماه به من الكفر. والثالث أن يكون معناه النهي عن أن يظن الرجل بأخيه المسلم أنه يعتقد الكفر ويظهر الإسلام فيقول له يا كافر؛ لأنه إن لم يكن كذلك باء بإثم تكفيره. وقول مالك أرى ذلك في الحرورية يحتمل أن يريد بذلك أن الحرورية التي تكفر المسلمين بالذنوب [من القول] تبوء بذلك إما بالكفر على التأويل الأول إن كانت تعتقد أن الإيمان الذي عليه المسلمون كفر؛ وإما بالإثم على التأويل الثاني إن كانت لا تعتقد إيمان المسلمين كفرا، وهذا هو الأظهر؛ ويحتمل أن يريد أن من يكفر الحرورية من المسلمين يبوء بإثم ذلك إن لم يكونوا كفارا بما يعتقدونه. وقد قال مالك في هذه الرواية لما قيل له أتراهم بذلك كفارا؟ قال لا أدري ما هذا. وبالله التوفيق. [الثناء لا يكون عاملا إلا بعد المخالطة في السفر والمال] في أن الثناء لا يكون عاملا إلا بعد المخالطة في السفر والمال قال مالك: كان يقال في الزمان الأول إذا أثنى الرجل على الرجل: أصحبته في سفر؟ أشاركته في مال؟ قال فإن قال لا قيل له فلا تثن عليه.

قول القاسم في ربيعة

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أنه إن قال إذا سئل هل صحبه في سفر أو شاركه في مال نعم فثناؤه عليه تزكية له، وإن قال لا لم يكن عليه في ثنائه عليه بما ظهر إليه من ظاهر حاله إثم ولا حرج، ولم تصح بثنائه عليه شهادته له بالتزكية، وبالله التوفيق. [قول القاسم في ربيعة] في قول القاسم في ربيعة قال مالك: كان القاسم يسأل فيقول: سلوا هذا، يريد ربيعة، فإذا قام قال القاسم: أترون من مضى ضلوا عما يقول هذا، يكره ذلك له. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا، والله أعلم، أنه عاب عليه إجازة بعض ما كرهه من مضى والاحتجاج له، وبالله التوفيق [قول القاسم بن محمد لعمر بن عبد العزيز فيما عرض عليه من المال] في قول القاسم بن محمد لعمر بن عبد العزيز فيما عرض عليه من المال قال مالك: دخل عمر بن عبد العزيز [من] مكة، فلقي القاسم بن محمد خارجا إليها، فقال: إن معنا فضولا، فقال القاسم: إني امرؤ لا آخذ من أحد شيئا. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في وجه قول القاسم بن محمد هذا لعمر في آخر رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [ذنب المشاركة في القتل] 18 -

في الذنوب وذنب المشاركة في القتل قال مالك، وقال القاسم بن محمد: إن الذنوب لاحقة بأهلها [قال مالك] وكان يقال: من لقي الله ولم يشرك في دم مسلم لقي الله خفيف الظهر. قال محمد بن رشد: قول القاسم بن محمد إن الذنوب لاحقة بأهلها صحيح، يشهد لذلك قول الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] ، وقوله عز وجل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] وقوله: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر: 18] ومعنى قول القائل من لقي الله عز وجل ولم يشرك في دم مسلم لقي الله خفيف الظهر، أي أن الذنوب وإن عظمت فهي تخف عند إضافتها إلى المشاركة في الدم؛ لأن الله عز وجل يقول: {كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] . وقال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] . وقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات كافرا أو قتل مؤمنا متعمدا» . وجميع الذنوب

تواصي أزواج النبي عليه السلام في العسل الذي كان يشربه عند إحداهن

تمحوها التوبة بإجماع سوى القتل، فإن أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء المسلمين اختلفوا في قبول توبة القاتل. وقد مضى الكلام على هذا في رسم يسلف في المتاع والحيوان المضمون من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [تواصي أزواج النبي عليه السلام في العسل الذي كان يشربه عند إحداهن] في تواصي أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في العسل الذي كان يشربه عند إحداهن قال مالك: «وكان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينصرف من الصبح فيدخل على حفصة فيسلم عليها وعلى أزواجه كلهن، وكان بيت حفصة أقربها إليه، فكان يجلس عندها ويلعق عسلا كان عندها. فتواصى أزواج النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهن ونفسنها لطول لبثه عندها، فقلن إذا جاء النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نقول إنا نجد منك ريح المغافير، فقالت زينب فلقد أردت أن أقوله قبل أن يدخل علي، فدخل على عائشة فقالت: إني أجد منك ريح المغافير، ثم دخل عليهن واحدة بعد واحدة فقلن له ذلك. وكان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكره أن يوجد منه ريح شيء، فقال والله لا آكله أبدا. فكانت عائشة إذا ذكرت هذا بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبكي ثم تبكي وتقول: منعنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئا كان يشتهيه.» قال مالك: والمغافير شجرة تنبت بالوادي تشبه ريح العسل. قال محمد بن رشد: قد جاء في التفسير عن عبد الله بن عتبة،

بيان المحروم من هو

وابن أبي مليكة، أن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شرب عسلا عند زينب بنت جحش، فاجتمعت عائشة وحفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن تقولا له إنا نشم منك ريح المغافير. والمغافير صمغ- متغير الرائحة، ويقال إنها بقلة واحدها مغفور- بضم الميم - فلما صار إلى كل واحدة منهما قالت له إني أشم منك ريح المغافير، فحرم النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شرب العسل. وقيل إنه حلف على ذلك، وإن قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] نزل في ذلك. وقد ذكرنا هذا قبل هذا في هذا الرسم في هذا السماع، والله أعلم عند من شرب العسل منهما. ويحتمل أن يكون شربه عند كل واحدة منهما من زينب وحفصة، وبالله التوفيق. [بيان المحروم من هو] في بيان المحروم من هو وسئل مالك عن المحروم من هو؟ فقال إنه ليقال، هو الفقير الذي لا يسأل ويحرم الرزق. ثم سئل بعد ذلك أيضا فقال: سمعت أنه الفقير الذي يحرم الرزق. قال محمد بن رشد: تفسير مالك المحروم بأنه الفقير الذي لا يسأل صحيح؛ لأن الله عز وجل قال: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 25] يدل أن السائل غير المحروم، إذ لا يعطف الشيء إلا على غيره لا على نفسه. وكذلك القانع هو غير المعتر في قوله عز وجل:

تفسير قول الله عز وجل ولا تنس نصيبك من الدنيا

{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] فالقانع الفقير المتعفف الذي يقنع ولا يسأل، والمعتر الذي يعتريك يسألك في كفه. والبائس الفقير في قوله: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] هو الضعيف الفقير. وقيل في الفقير إنه الذي به زمانة. وقد اختلف في الفقير والمسكين في قوله عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] فقيل الفقير الذي له البلغة، والمسكين الذي لا شيء له؛ وقيل الفقير الذي لا شيء له، والمسكين الذي له الشيء؟ وقيل الفقير الذي لا مال له وليس به زمانة، والمسكين الذي به زمانة؟ والفقير الذي لا يسأل، والمسكين الذي يسأل؟ وقيل الفقير من المهاجرين، والمساكين من غير المهاجرين، وقيل الفقير المسلم، والمسكين من أهل الذمة، وروي ذلك عن ابن عباس، وبالله التوفيق. [تفسير قول الله عز وجل ولا تنس نصيبك من الدنيا] في تفسير قول الله عز وجل: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77] قال: وسئل مالك عن تفسير قول الله عز وجل: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77] ما هو؟ [قال وسئل] : عن {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] ما هو؟ قال أن يعيش ويأكل ويشرب غير مضيق عليه في شيء.

تفسير الراسخين في العلم

قال محمد بن رشد: رد مالك تأويل هذه الآية إلى معنى قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وقد قيل في معنى قوله: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77] أي اعمل في دنياك لأخراك، ولا تترك حظك من الدنيا الذي هو طاعة ربك وعبادته، وأحسن فيما افترض الله عليك كما أحسن إليك. وقيل معناه وأحسن في الدنيا بإنفاق مالك الذي أتاكه الله في سبيله ووجوهه، وسع به عليك، وبالله التوفيق. [تفسير الراسخين في العلم] في تفسير الراسخين في العلم قال: وسألته عن تفسير قول الله عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] أيعلم تأويله الراسخون في العلم؟ قال لا، إنما تفسير ذلك أن الله عز وجل قال: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] ثم أخبر فقال: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] هو ليس يعلمون تأويله. والآية التي بعدها أشد عندي قوله: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] . قال محمد بن رشد: قد مضى القول على الراسخين في العلم من هم، وهل يعلمون تأويل المشتبهات أم لا، في رسم البز من سماع ابن القاسم، فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق.

الاجتماع في قراءة القرآن

[الاجتماع في قراءة القرآن] في الاجتماع في قراءة القرآن قال وسئل عن القوم يجتمعون فيقرؤون القرآن جميعا السورة الواحدة، فقال إني لأكره ذلك، ولو كان بعضهم يتعلم من بعض لم أر بذلك بأسا. قيل له: أرأيت إن كان واحد منهم يقرأ عليهم؟ قال: لا بأس به. قال وسئل عن القوم يجتمعون فيقرؤون السورة الواحدة، فقال لا يعجبني هذا ولا أحبه، ولكن لو قرؤوا على رجل منهم واحد، أو قرأ عليهم رجل منهم لم أر بذلك بأسا. فقيل له لا، بل يقرؤون جميعا على رجل منهم واحد، قال لا يعجبني ذلك وأنا أكره الذي بلغني عن بعض أهل الشام يجتمع النفر جميعا فيقرؤون السورة الواحدة، فقال لا يعجبني هذا ولا أحبه ولكن يقرأ عليهم رجل منهم ويقرؤون عليه واحدا واحدا، أترى الناس اليوم أرغب في الخير ممن مضى؟ لم يكن يفعله أحد فلا يعجبني ولا أحبه. قيل له فهل يجتمعون فيقرأ هذا من سورة وهذا من سورة ومعهم رجل إذا تعايا أحدهم فتح عليه؟ فقال ما يعجبني هذا ولا أحبه، قال الله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وهؤلاء يقرؤون هذا من ناحية وهذا يقرأ من ناحية، هذا يشبه الاستخفاف بالقرآن، والذي بلغني عن بعض الناس من قراءته إياه منكوسا، والآية من هذه السورة والآية من هذه السورة، فلا يعجبني هذا ولا أحبه، ولكن يقرأ كل واحد منهم على رجل أو يقرأ عليهم رجل منهم.

تفسير الفصيلة

قال محمد بن رشد: أجاز أن يقرأ الواحد على الواحد وعلى الجماعة، وهذا هو المختار المستحسن الذي لا اختلاف فيه. وكره أن تقرأ الجماعة على الجماعة وعلى الواحد، وقد اختلف قوله في ذلك: فخففه في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة في رسم سلعة سماها منه. فوجه الكراهة في ذلك أنه إذا قرأت الجماعة على الواحد لا بد أن يفوته سماع ما يقرأ به بعضهم ما دام يصغي إلى غيرهم ويشتغل بالرد على من يصغي إليه منهم، فقد يخطئ في ذلك الحين ويظن أنه قد سمعه وأجاز قراءته، فيحمل عنه الخطأ ويظنه مذهبا له. وكذلك إذا قرأت الجماعة على الجماعة؛ لأن كل واحد من الجماعة التي تقرأ عليها الجماعة لا بد أن يفوته سماع ما يقرأ به بعضهم ما دام يصغي إلى غيرهم ويشتغل بالرد على من يخطئ منهم. ووجه تخفيف ذلك المشقة الداخلة على المقرئ بإفراد كل واحد من القراءة عليه إذا كثروا، ووجه تحسينه لذلك إنما معناه، والله أعلم، إذا كثر القراء عليه حتى لم يقدر أن يعم جميعهم مع الإفراد، فرأى جمعهم في القراءة أحسن من القطع ببعضهم، فهذا تأويل ما ذهب إليه مالك، والله أعلم. وأما اجتماع الجماعة في القراءة في سورة واحدة أو في سور مختلفة دون أن يقرؤوا على أحدهم فهو من البدع المكروهة لم يختلف قول مالك في ذلك. وقد مضى الكلام على ذلك في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة وفي رسم لم يدرك من سماع عيسى وبالله التوفيق. [تفسير الفصيلة] في تفسير الفصيلة قال [مالك] وسألته عن قول الله عز وجل:

تفسير قوله عز وجل اهبطوا مصرا

{وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} [المعارج: 13] من هي؟ قال هي أمه. قال محمد بن رشد: هذا قول الحسن؟ وقيل في فصيلته التي تؤويه إنها أدنى قبيلة منه، قال ذلك أبو إسحاق؛ وقال الكلبي الفصيلة أصغر من الفخذ سميت بذلك حين انفصلت من الفخذ، ثم العشيرة وهم بنو الأب الأدنى الذي يجمعهم. قال والعشيرة كعبد مناف من قريش، والفضيلة كقصي بن كلاب، والفخذ كلؤي بن غالب. وقال أبو عبيدة: فصيلته فخذه. قال أبو جعفر، وابن الكلبي أعلم بذلك منه، وبالله التوفيق. [تفسير قوله عز وجل اهبطوا مصرا] في تفسير قوله عز وجل {اهْبِطُوا مِصْرًا} [البقرة: 61] وسئل عن قول الله عز وجل: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61] أي مصر هي؟ قال: هي في رأيي بلاد فرعون. قال محمد بن رشد: قرأ بعض من شذ عن السبعة مصر - بغير ألف- فعلى هذا لا يشكل أن المراد بها- مصر نفسها، [أي مصر فرعون] ، كما قال مالك، مثل قوله عز وجل: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] ولم يقرأ أحد من السبعة مصر بغير ألف؛ لأن القراءة بذلك تخالف المصحف. وفي القراءة بالألف وجهان: أحدهما أن يراد بها مصر بعينها، أي مصر فرعون كما قال مالك: بجعل مصر اسما للبلد فصرف لأنه مذكر سمي به مذكر، والثاني أن يراد بها مصر من الأمصار لأنكم في البر البدو، والذي طلبتم لا يكون في البوادي ولا في الفيافي، وقد قيل إن مصرا هذه الأرض المقدسة، وبالله التوفيق.

تفسير قوله عز وجل كانوا قليلا من الليل ما يهجعون

[تفسير قوله عز وجل كانوا قليلا من الليل ما يهجعون] في تفسير قوله عز وجل: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] وسئل مالك، عن قول الله عز وجل: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] أهو النوم؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: الهجوع: النوم، كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فمعنى ما وصفهم الله عز وجل به أنهم كانوا لا ينامون من الليل إلا قليلا لسهرهم فيما يقربهم من ربهم. والتقدير على هذا كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وما صلة لا موضع لها من الإعراب، والقليل منصوب بيهجعون، فالمعنى كانوا يهجعون قليلا من الليل. وقد تكون ما في موضع رفع كأنه قال كانوا قليلا من الليل هجوعهم. وقد روي عن أنس بن مالك أنه قال في معنى الآية: كانوا يستيقظون ويصلون ما بين هاتين الصلاتين المغرب والعشاء، قال أي لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون فيها ولو شيئا. فعلى هذا القول تكون ما جحدا، ويكون المعنى الإخبار عنهم بأنهم يسهرون قليلا من الليل ولا ينامونه. والقول الأول أولى؛ لأن الله وصفهم بكثرة العمل وسهر الليل وقيامه في العبادة، وبالله التوفيق. [تفسير قول الله عز وجل ولذلك خلقهم] في تفسير قول الله عز وجل: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 119] قال وسألته عن قول الله عز وجل: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118] {إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 119] أللاختلاف خلقهم؟ فقال:

أي خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير. قال محمد بن رشد: تفسير مالك صحيح واضح؛ لأن الله تعالى خلق عباده لما يسرهم له مما قدره عليهم من طاعة وإيمان يصيرون به إلى الجنة، أو كفر وعصيان يصيرون به إلى النار، يتبين ذلك من تفسيره قوله إثر ذلك: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [هود: 119] أي سبقت كلمة ربك {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119] أي من كلا الفريقين من الجنة والناس أجمعين، أي من بعضهم لا باستيعاب جميعهم؛ لأن من تدل على التبعيض. وقوله في أول الآية: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود: 118] أي على ملة واحدة وهي الإيمان والإسلام مثل قوله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] . وقوله: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118] معناه ولا يزال من الناس من أهل ملل الكفر يختلفون فيما يدينون به من أنواع الكفر؛ لأنهم في ريب من أمرهم وشك لتكذيبهم الحق. قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5] أي ملتبس، وعامة الناس كفار. فقوله عز وجل: {إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 119] وهم المؤمنون، استثناهم [الله عز وجل] من الناس فعلم بذلك أنهم لم يدخلوا في عموم قوله: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118] إذ لم يختلفوا فيما يختلف فيه الكفار من البعث والتوحيد والإقرار للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرسالة. فقول من قال في تأويل قوله عز وجل: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 119] إنه خلقهم للاختلاف، أو

المصاحف لا تكتب على ما يخالف هجاء المصحف الأول

إنه خلقهم للرحمة لا يصح، إذ لم يخلق جميعهم للاختلاف ولا للرحمة، بل خلق الكفار منهم للاختلاف. والعذاب، والمؤمنين منهم للاتفاق والرحمة، وبالله التوفيق. [المصاحف لا تكتب على ما يخالف هجاء المصحف الأول] في أن المصاحف لا تكتب على ما يخالف هجاء المصحف الأول وسئل مالك: أرأيت من كتب مصحفا اليوم، أترى أن يكتب على ما أحكم الناس من الهجاء اليوم؟ فقال لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى. ومما يبين هذا عندي أنه هكذا أن براءة لما لم يوجد أولها لم يكتب فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لئلا يضع في غير موضعه، والناس كلما كتبوا في الألواح من القرآن من أول السورة أو آخرها كتبوا قبله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولم يحكم ذلك في المصحف حين لم يجدوا أول براءة. قيل له أفرأيت تأليف القرآن كيف جاء هكذا وقد بدأ بالسور الكبار الأول فالأول، وبعضه نزل قبل بعض؟ فقال: أجل، قد نزل بمكة ونزل عليه بالمدينة، ولكن أرى أنهم ألفوه على ما كانوا يتبعون من قراءة رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت له: أرأيت الذين يتعلمون القرآن في الألواح أترى أن يكتبوا فيها بسم الله الرحمن

الرحيم مع أول السورة ثم لا يكتبون بعد ذلك؟ فقال: لا، بل أرى كل ما كتب من القرآن شيئا أن يبدأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ لأنه مما يتعلمه ليس يجعله إماما، وإنما الذي أكره أن يكتب فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول سورة في المصاحف لأنها تتخذ إماما، فلا أرى أن يزاد في المصحف ما ليس فيه. وأما من يكتب في الألواح ما يتعلم فليكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في افتتاح السورة ووسطها وآخرها، كلما افتتح كتاب شيء منها افتتحه بكتاب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ولا يزال إنسان يسألني عن نقط القرآن فأقول له أما الإمام من المصاحف فلا أرى أن ينقط ولا يزاد في المصاحف ما لم يكن فيها، فأما مصاحف صغار يتعلم فيها الصبيان وألواحهم فلا أرى بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا كله بين، رأى أن يتبع في كتاب المصاحف هجاء المصحف القديم وأن لا يخالف ذلك، كما اتبع ما وجد فيه من ترك بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول سورة براءة، وكره النقط في الإمام من المصاحف والشكل على ما قاله في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة؛ لأن النقط والشكل مما اختلف القراء في كثير منه، إذ لم يجئ مجيئا متواترا فلا يحصل العلم بأن ذلك نزل، وقد يختلف المعنى [باختلافه فكره أن يثبت في] أمهات المصاحف ما فيه اختلاف. ورخص في صغار المصاحف التي يتعلم فيها الولدان أن تشكل وتنقط، وأجاز لمن كتب القرآن في اللوح أن يكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في افتتاح السورة، يريد كانت براءة أو غيرها، وفي وسطها وفي آخرها. وقوله وإنما

ما جاء في الحين

الذي أكره أن يكتب فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول سورة في المصاحف لأنه يتخذ إماما فلا أرى أن يزاد في المصحف ما ليس فيه، معناه في سورة براءة؛ لأن سورة براءة هي التي لم يكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أولها، وأما سائر السور فبسم الله الرحمن الرحيم ثابت في أول كل سورة منها. وقد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم الوجه في ترك كتاب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول سورة براءة، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [ما جاء في الحين] فيما جاء في الحين وسئل عن قول الله عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] أهو ما بين أن حمل به إلى أن وضعته أمه؟ فقال: لا، ولكن ما مضى قبل ذلك من الدهر كله، وقبل أن يخلق آدم. وقيل هو حين يعرف وحين لا يعرف. فمن الحين الذي لا يعرف هذا. وقوله عز وجل: {وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [يس: 44] فهذا الحين الذي لا يعرف ولا يدرى متى هو. والحين الذي يعرف: قوله عز وجل: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] فهذا الحين الذي يعرف، وهو سنة. قال محمد بن رشد: إنما سأله عن الحين في قوله عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] هل هو ما بين أن حمل به إلى أن

وضعته أمه من أجل أن الإنسان لم يكن قبل ذلك إنسانا. والتلاوة إنما هي {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] فقول مالك أن الحين ها هنا ما مضى من الدهر كله وقبل أن يخلق آدم، يقتضي أن قول الله عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] [مجاز من القول تقديره: هل أتى على عالم الإنسان حين من الدهر] لم يكن شيئا مذكورا خرج مخرج {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي واسأل أهل القرية. وهل هنا ليست استفهاما، وإنما هي بمعنى التقرير والوجوب، فمعنى الكلام على هذا: ألم يعلم الإنسان بالنظر الصحيح أنه قد مضى دهر طويل قبل أن يخلق ولم يكن شيئا مذكورا عند أحد من الخلق؛ لأنه لم يزل في الأزل مذكورا معلوما عند الله أنه سيخلقه. وقد قيل إن المراد بالإنسان ههنا آدم، وبالحين أربعون سنة [وهي المدة التي] كان فيها آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طينة لم ينفخ فيه الروح، روي ذلك عن ابن عباس. ومعنى الكلام التقرير والتوبيخ وإقامة الحجة على من أنكر البعث، وكأنه معطوف على خاتمة السورة التي قبلها قوله فيها: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] ألم يأت دهر طويل لم يكن الإنسان فيه شيئا مذكورا فقال إن من أحدثه بعد أن لم يكن، وكونه بعد عدمه، قادر على إحيائه وبعثه بعد موته، كما قال: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62] وقوله بعد ذلك: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ} [الإنسان: 2] أي ولد آدم، {مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} [الإنسان: 2] يعني ألوانا

الأشد ما هو

مختلطة، ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، والولد يكون منهما جميعا. وبالله التوفيق. [الأشد ما هو] في الأشد ما هو؟ وسئل عن قول الله عز وجل: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف: 82] ما الأشد؟ قال: الحلم. وقال مالك: قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الإسراء: 34] فالأشد ها هنا الحلم. قيل له: فقوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: 15] قال هذا شيء بعد شيء، فالأشد هو الحلم قال محمد بن رشد: اختلف في الأشد اختلافا كثيرا، فقيل الحلم وهو الذي ذهب إليه مالك وقال به جماعة منهم الشعبي، قال وذلك إذا كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات؛ وقيل إنه عشرون؛ وقيل إنه ما بين ثمانية عشر إلى ثلاثين؛ وقيل أيضا ما بين سبعة عشر إلى أربعين. وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: الأشد ثلاثة وثلاثون، والاستواء أربعون، والعمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة. والأشد جمع، واحده شد في قول الكسائي والفراء، إلا أن الفراء قال: لم أسمعه ولكني قسته على شد النهار وهو ارتفاعه، وبالله التوفيق.

ما جاء عن عمر بن الخطاب في السفر

[ما جاء عن عمر بن الخطاب في السفر] قال مالك، وقال يحيى بن سعيد إن عمر بن الخطاب قال: لأن أموت ما بين شعبتي راحلتي أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحب إلي من أن أموت على فراشي. قال محمد بن رشد: اختار عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - السفر للتجارة على القعود؛ لأن الرجل يؤجر على طلب الربح في ماله ليعود به على عياله، أو ليستغني به عن الناس، أو ليفعل به خيرا. [حكاية عن سليمان بن عبد الملك] قال مالك: لما حضرت سليمان بن عبد الملك الوفاة دعا بنين له صغارا فعقد عليهم السيوف بحمائلها يريد لهم الخلافة، فرآهم يجرونها، فقال: إن بني صيبة صيفيون، أفلح من كان له ربعيون، ثم قال إن بني صيبة صغار، أفلح من كان له بنون كبار، فقال له عمر بن عبد العزيز: ليس كذلك، قال: قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] ، قال صدقت. قال محمد بن رشد: فاستخلف عمر بن عبد العزيز، وكان استخلافه له فيما ذكر [على ما حكي] عن رجاء بن حيوة. قال: لما وعك سليمان بن عبد الملك جعل العهد بعده- لبعض بنيه، وكان الذي عهد إليه غلاما لم يبلغ الحلم. فقلت يا أمير المؤمنين، إنه مما يحفظ الخليفة في

قبره أن يستخلف على المسلمين رجلا صالحا مرضيا، قال صدقت، ومزق الكتاب الذي كان كتب بعهده، ثم قال: فما ترى في داود بن سليمان؟ فقلت يا أمير المؤمنين هو غائب عنك بقسطنطينية، وأنت لا تدري أحي هو أم ميت، فقال لي: فمن ترى؟ قلت: رأيك. فقال: كيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟ فقلت أعلمه والله خيرا فاضلا، فقال هو كذلك، وإن وليته - ولن أولي أحدا غيره- ليكونن فتنة ولا يتركونه أبدا يلي عليهم إلا أن يكون أحدهم بعده، ويزيد بن عبد الملك يومئذ غائب على الموسم، قال فجعل يزيد بن عبد الملك بعده فإن ذلك مما يسكنهم، فقلت: رأيك يا أمير المؤمنين، فكتب: هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز، إني وليتك الخلافة بعدي، ومن بعدك يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم. وختم الكتاب وجمع أهل بيته، فلما دخلوا عليه وسلموا قال لهم: هذا الكتاب عهدي وهو يشير إليه بيد رجاء بن حيوة، فاسمعوا له وأطيعوا وبايعوا لمن سميت فيه، فبايعوا رجلا رجلا ثم خرجوا والكتاب مختوم في يد رجاء بن حيوة. قال رجاء فلما تفرقوا جاءني عمر بن عبد العزيز فقال لي: إني أخشى أن يكون هذا الأمر أسند إلي فأنشدك بالله وبما بيني وبينك إلا ما أعلمتني فنستدرك الأمر في حياته بالاستعفاء، فقلت: والله لا أخبرك بحرف، فذهب علي غضبان. قال رجاء: ولقيني هشام بن عبد الملك فقال: أنشدك بالله وبما بيني وبينك إلا ما أعلمتني بهذا الأمر، فإن كان لي علمت، وإن كان لغيري تكلمت، فليس مثلي ممن يقصر به، فقلت والله لا

أخبرك بشيء مما أسر به إلي، فانصرف وقد يئس وهو يضرب بإحدى يديه على الأخرى. فلما حضرته الوفاة قال: الآن يا رجاء فحولني إلى القبلة، فحولته إلى القبلة وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فلما قضى نحبه غمضته وسجيته بقطيفة خضراء، وأرسلت إلي زوجته كيف أصبح؟ فقلت هو نائم وقد تغطى، فنظر رسولها إليه فرجع وأخبرها، فقبلت ذلك وظنت أنه نائم، فجعلت على الباب من أثق به ووصيته أن لا يبرح حتى آتيه ولا يدخل على الخليفة أحد، وأرسلت إلى أهل بيت أمير المؤمنين، فاجتمعوا في مسجد دابق، فقلت بايعوا، فقالوا قد بايعنا مرة ونبايع أخرى. فقلت هذا عهد أمير المؤمنين أن تبايعوا ثانية لمن سمى في هذا الكتاب، فبايعوا ثانية رجلا رجلا. قال رجاء: فلما بايعوا بعد موت سليمان ورأيت أني قد أحكمت الأمر، قلت: قوموا إلى صاحبكم فقد مات أمير المؤمنين، فقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم قرأت الكتاب عليهم، فلما انتهيت إلى ذكر عمر بن عبد العزيز نادى هشام بن عبد الملك لا نبايعه أبدا، فقلت إذا والله أضرب عنقك قم فبايع، فقام يجر رجليه فبايع. قال رجاء: فأخذت بضبعي عمر بن عبد العزيز فأجلسته على المنبر وهو يسترجع لما وقع فيه، وهشام يسترجع لما أخطأه، فكان يرجى لسليمان بن عبد الملك بتوليته [عمر بن عبد العزيز] وتركه ولده أن يؤجر على ذلك ويجازى به. ولما غسل سليمان وكفن صلى عليه عمر بن عبد العزيز، فلما فرغ من كفنه أتي بمراكب. الخلافة فقال: دابتي أوفق لي، فركب دابته وصرفت تلك الدواب. ثم أقبل سائرا فقيل له: تعدل إلى منزل الخلافة، فقال فيه عيال أبي أيوب، وفي فسطاطي كفاية حتى يتحولوا، فأقام في منزله حتى فرغ له، وبالله التوفيق.

ترك محمد بن مسلمة الدخول في الفتنة

[ترك محمد بن مسلمة الدخول في الفتنة] في ترك محمد بن مسلمة الدخول في الفتنة قال مالك: كان يحيى بن سعيد يحدث أن محمد بن مسلمة صاحب النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيره لما كانت الفتنة اعتزلوا، فنزل محمد الربذة، فجاءه ناس من أهل العراق فجعلوا يحضونه ويقولون: تقوم بالناس وتنظر في أمورهم يحرضونه بذلك، فقال لأحدهم: قم إلى غمد سيفي هذا فسل سيفي منه، فقام فوجده قد كسره قطعة قطعة، فقال: إن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لي: «إذا رأيت من الأمور فاكسر سيفك على حجر من الحرة والزم بيتك وعض على لسانك» . قال محمد بن رشد: محمد بن مسلمة هذا الأنصاري الخزرجي من فضلاء الصحابة، شهد بدرا وسائر المشاهد، وهو أحد الذين قتلوا كعب بن الأشرف، واستخلفه رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض غزواته على المدينة، فاعتزل الفتنة ولم يشهد الجمل ولا صفين. وروي أنه إنما اتخذ سيفا من خشب وجعله في جفن وذكر أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بذلك. والذي فعل من ذلك هو كان الواجب عليه بما كان عنده فيه عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والذين اعتزلوا الفتنة من الصحابة سواه على ما روي ثلاثة: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، لم تبن لهم البصيرة في اتباع إحدى الطائفتين فكفوا؛

حكاية عن عمر بن عبد العزيز

وسائرهم دخلوا فيها بما ظهر لهم من البصيرة باجتهادهم، فكلهم محمود؛ لأنهم فعلوا الواجب عليهم في ذلك باجتهادهم، فلا يتأول على أحد منهم غير هذا، إذ هم خير أمة اختارهم الله لصحبة نبيه ونصرة دينه، وأثنى عليهم في غير ما آية من كتابه فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] الآية وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] إلى قوله {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29] وبالله التوفيق لا شريك له. [حكاية عن عمر بن عبد العزيز] قال: قال مالك: قال عمر بن عبد العزيز لرجل: اشتر لي [ثوب] فرو بدينار، فاشتراه ثم جاءه به فلبسه، ثم قال له: أما زدت شيئا؟ فقال: لا، فقالت امرأته فاطمة بنت عبد الملك: إن عندنا لكذا وكذا فروا يأبى أن يلبس منها شيئا، ومن الأشياء يأبى أن يقرب منها شيئا. قال محمد بن رشد: هذا من تواضعه وورعه وقنوعه بالدون من اللباس في خلافته، معلوم من سيرته. فقد مضى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم أنه أمر رجلا يشتري له ثوبا بستمائة درهم للحاف فسخطه، فلما ولي أمر ذلك الرجل أن يشتري له كساء بسبعة دراهم، فلما جاءه به أخذه فلبسه ثم تعجب لحسنه، فضحك الرجل، فقال له: إني لأظنك أحمق تضحك من غير شيء، قال: إنما ضحكت لمكان اللحاف الذي أمرتني أن

ما يروى من الكرامات

أشتريه بستمائة درهم، قال فمضت ساعة ثم قال: أخشى أن لا يشتري أحد ثوبا بستمائة درهم وهو يخاف الله. وترك أيضا في خلافته أن يخدم على ما مضى في الرسم المذكور، فكان يدخل بعد المغرب فيجد الخوان موضوعا عليه منديل فيتناوله فيقربه إليه ويكشف المنديل فيأكل ويدعو عليه من كان معه، وبالله التوفيق. [ما يروى من الكرامات] فيما يروى من الكرامات قال مالك: سمعت أن قوما أخذوا شاة فذبحوها فنهاهم عن أخذها رجل، فأبوا إلا أن يفعلوا. فلما ذبحوها كسلوا عن إصلاحها فتركوها، فقال: قد نهيتكم عن ذبحها فأبيتم ثم تركتموها تفسد باطلا، ثم قام هو فأصلحها وعملها لهم حتى فرغ منها، ثم قال لهم: هاكم كلوا وأبى أن يأكل معهم شيئا منها. فقالوا له تعال كل معنا، فأبى أن يفعل وانطلق ينام تحت شجرة، فانتبه وعنده رطب من أرض الروم في أرض ليس فيها رطب. قال محمد بن رشد: ما فعل الرجل من إصلاح الشاة كيلا تفسد فلا ينتفع بها إن تركت حسن من الفعل يؤجر عليه فاعله عليه؛ لأنه يصير بإصلاحها لهم قد أطعمهم إياها. وأما انتباهه وعنده الرطب فذلك- إن صح- كرامة له. وكرامات الأولياء يصدق بها أهل السنة لجوازها في العقل، والعلم بوجودها في الجملة من جهة النقل المتواتر وإن لم يثبت شيء منها بعينه تواترا في جهة ولي من الأولياء في غير زمن النبوءة، وبالله التوفيق.

ذكر بعض ما جرى يوم الحرة

[ذكر بعض ما جرى يوم الحرة] في ذكر بعض ما جرى يوم الحرة قال مالك: قال يحيى بن سعيد: سمعت سعيد بن المسيب يقول: دخل علي يوم الحرة فرسان منهم بخيولهم المسجد فجلسوا معي يتحدثون. قال محمد بن رشد: قد مضى ذكر يوم الحرة وما جرى فيه في رسم نذر من سماع ابن القاسم فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق. [استئذان عمر رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها في أن يدفن مع النبي] في استئذان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في أن يدفن مع النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحبه قال مالك: قال عمر بن الخطاب حين حضرته الوفاة: إني كنت استأذنت عائشة إذا مت أن أدفن في بيتها فقالت: نعم، وإني لا أدري لعلها قالت ذلك من أجل سلطاني، فإذا مت فاسألوها ذلك، فإن قبلت فادفنوني فيه، وإن أبت فانصرفوا بي. قال مالك: بلغني أن عائشة كانت تدخل البيت الذي فيه قبر النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر حاسرة، فلما دفن فيه عمر لم تكن تدخله إلا جمعت عليها ثيابها. قال محمد بن رشد: ليس في استئذان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لعائشة في أن يدفن في بيتها معنى يشكل لأنه بيتها، فلو منعت من ذلك لكان حقا من حقها، وإنما لم تكن تدخل البيت منذ دفن فيه حاسرة لما جاء به القرآن وتواترت به الآثار من أن الأرواح لا تموت بموت الأجسام، وأن الأجسام هي التي تموت بقبض الأرواح منها وهي الأنفس والنسم. قال الله

ما ذكر من ترك الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] وقال: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27] {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 28] {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 30] وقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه» . وقال: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة» . وقد جاء في الأرواح أنها باقية في القبور وأنها تطلع رؤوسها، وأن أكثر إطلاعها يوم الخميس وليلة الجمعة وليلة السبت. فلما لم تأمن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن تكون روح عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بفناء قبره في الوقت الذي تدخل البيت، لم تدخله إلا وقد جمعت عليها ثيابها. وهذا منها نهاية في الورع والتوقي، وليس بلازم؛ لأن الستر إنما يلزم من الأحياء في الدنيا حيث أمر الله به، لا من أرواح الموتى، وبالله التوفيق. [ما ذكر من ترك الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم] فيما ذكر من] ترك الصلاة في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مالك: وسمعت يحيى بن سعيد يقول: لم تترك الصلاة في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منذ كان إلا ثلاثة

اغتباط الرجل بما يصيبه مما يؤجر عليه

أيام: يوم قتل عثمان، ويوم الحرة، قال مالك: ونسيت اليوم الثالث. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والقول عليه في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [اغتباط الرجل بما يصيبه مما يؤجر عليه] في اغتباط الرجل بما يصيبه مما يؤجر عليه قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز يقول: ما أغبط رجلا لم يصبه أذى في هذا الأمر. قال محمد بن رشد: يريد بقوله في هذا الأمر بث العلم أن يصدع بالحق فيه وإن كره ذلك المقول له من الأمراء حتى يصيبه من قبله مكروه وأذى؛ لأن الذي يصيبه في ذلك هو خير ساقه الله إليه. قال النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يرد الله به خيرا يصب منه» وبالله التوفيق. [أن النبي صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض] في أن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول من تنشق عنه الأرض قال مالك: سمعت أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قال: «أنا أول من تنشق عنه الأرض فأرفع رأسي فأجد موسى متعلقا بالعرش فلا أدري أكان فيمن صعق أم كفته الصعقة الأولى» . قال محمد بن رشد: كذا وقع هنا هذا الحديث محذوفا، وكماله على ما خرجه البخاري من رواية أبي هريرة قال: «استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم والذي اصطفى محمدا على العالمين، في قسم يقسم به، وقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم عند ذلك يده فلطم وجه اليهودي فذهب اليهودي إلى النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فقال لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون فأكون أول من أفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله.» وفي غير هذا الحديث: «فلا أدري أصعق فيمن صعق أم أخذته الصعقة الأولى» . وفي غيره: «فلا أدري أحوسب بالصعقة التي صعقها أم أفاق قبلي» ويريد بقوله في الحديث فإن الناس يصعقون أي يموتون بالنفخة الثانية، وهي نفخة الصعق؛ لأنها ثلاث نفخات: نفخة

الفزع، قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] ، والنفخة الثانية نفخة الصعق، قال الله عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68] ؛ والنفخة الثالثة نفخة البعث، قال الله عز وجل: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] فيموت بالنفخة الثانية نفخة الصعق كل حي من الإنس والجن وغيرهم وروح كل ميت إلا من شاء الله. وقد اختلف في هذا الاستثناء فقيل المراد به أرواح الشهداء إذ لا يفزعون في النفخة الأولى ولا يموتون في النفخة الثانية، وقيل المراد به جبريل وميكائيل وملك الموت، روي ذلك كله عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يأمر الله عز وجل ملك الموت فيقبض روح ميكائيل، ثم يقول لملك الموت مت فيموت، ثم لجبريل مثل ذلك. وقد قيل إن المستثنى في نفخة الفزع أرواح الشهداء، وفي نفخة الصعق جبريل وميكائيل وملك الموت. وقوله في الحديث: «فلا أدري أكان فيمن صعق وأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله» فمعناه فلا أدري أكان روحه فيمن صعق إذ قد مات قبل النفخ في الصور. وصعقة موسى الأولى التي شك النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكون جوزي بها في صعقة النفخ هي صعقة الطور، إذا سأل ربه أن يريه النظر إليه فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف: 143] الآية إلى قوله: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143] . وقد اختلف في هذه الصعقة فقيل إنه غشي عليه ثم أفاق،

سيرة عمر رضي الله عنه في قسم المال

وقيل بل مات ثم رد الله عز وجل عليه روحه، والله أعلم، وبالله التوفيق. [سيرة عمر رضي الله عنه في قسم المال] في سيرة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قسم المال قال مالك: حدثني زيد بن أسلم أنه قال، قال ابن الأرقم لعمر بن الخطاب إن ها هنا حليا ومناطق وظمان مما كان لفارس أفلا تقسمه؟ قال بلى، إذا رأيتني فارغا فأذني، فأذنته يوما فقال: ائتني به، قال فنقلته إليه في القفاف. فلما رآه رأى شيئا عجيبا فوضعه بين يديه وقال: اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نحب ما حببت إلينا، ثم تلا هذه الآية: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} [آل عمران: 14] الآية، ثم قال: اللهم قني شره، وارزقني أن أنفقه في حله، مرتين، فما برح حتى قسمه كله. قال مالك: وقال ذلك الرجل جمعوا فأوعوا، فلا ذهبوا بما جمعوا ولا أقاموا فيه. قال محمد بن رشد: ابن الأرقم هذا هو عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث القرشي الزهري، كان على بيت المال لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مدة خلافته كلها، وسنين من خلافة عثمان حتى استعفاه فأعفاه. أسلم عام الفتح، وكتب للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبلغ من أمانته عنده أنه كان يكتب عنه إلى بعض الملوك فيأمره أن يطينه ويختمه وما يقرؤه عليه لأمانته عنده. وروي أنه ورد على النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتاب فقال: من يجيب عني فقال عبد الله بن الأرقم أنا، فأجاب عنه وأتى به إليه فأعجبه

القصاص للعبد من سيده

وأنفذه. وكان عمر حاضرا فأعجبه ذلك منه وقال أصاب ما أراد رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يزل ذلك له في نفسه حتى ولي فاستعمله على بيت المال، وكتب أيضا لأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وبالله التوفيق. [القصاص للعبد من سيده] في القصاص للعبد من سيده «سئل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن العبيد فقال: يقتص لهم منكم يوم القيامة توزن ذنوبهم وعقوبتكم إياهم فيقتص لهم منكم. فسئل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الولد فكأنه قال ليس الولد مثل ذلك لا يكسى ويعرى ولا يشبع ويجوع» . قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، والحمد لله وبه التوفيق لا شريك له. [قول القاسم بن محمد في سعيد بن المسيب] قال مالك: وسئل القاسم بن محمد في علمه وفضله عن شيء فقال للسائل: هل سألت أحدا؟ قال نعم، عروة، فقال: هل سألت سعيدا؟ فقال نعم، قال فما قال لك؟ فأخبره، فقال له

الدجالين الذين يبعثون قبل الساعة

القاسم فأطعه فهو سيدنا وخيرتا. قال محمد بن رشد: إقرار القاسم بن محمد لسعيد بن المسيب بالتقدم والخير خير منه وفضل، فلا يعرف الفضل لأولي الفضل إلا أهل الفضل، وبالله التوفيق. [الدجالين الذين يبعثون قبل الساعة] في الدجالين الذين يبعثون قبل الساعة قال مالك: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون أكثر من ثلاثين.» قال وسمعت بعض الناس يقول: كلهم يقول أنا رسول الله. قال محمد بن رشد: قوله حتى يبعث دجالون، معناه حتى يبعث على الناس ابتلاء لهم واختبارا. وفي غير هذا الحديث حتى «يخرج ثلاثون دجالا كذابا كلهم يكذب على الله ورسوله أحدهم الأعور الدجال ممسوح العين كأنها عنبة طافية.» وهذا بين في المعنى، رواه عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمرة بن جندب. وقد روي عن أبي بكرة أنه قال: «أكثر الناس في شأن مسيلمة الكذاب قبل أن يقول رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه شيئا، ثم قام رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الناس فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله ثم قال أما بعد في شأن هذا الرجل الذي قد

مشي عيسى ابن مريم على الماء

أكبرتم في شأنه فإنه كذاب من ثلاثين كذابا يخرجون قبل الدجال، وإنه ليس بلد إلا يدخله رعب الدجال إلا المدينة على كل نقب من أنقابها يومئذ ملكان يذبان عنها رعب المسيح.» ولم يذكر في هذا الحديث أنهم دجالون كما قال في الحديث الذي قبله، فيحتمل أن يكونوا غيرهم، ويحتمل أن يكونوا هم، وصفهم في الحديث الأول بالدجل لأنهم في كذبهم كالدجال في كذبه، ولم يصفهم به في الحديث الثاني، وبالله التوفيق. [مشي عيسى ابن مريم على الماء] في مشي عيسى ابن مريم على الماء قال مالك: بلغني أن عيسى ابن مريم كان يمشي على الماء، فقال له رجل تمشي على الماء؟ فقال له عيسى نعم وأنت تمشي على الماء إن لم تكن لك خطيئة. فأخذ عيسى بيده حتى دخل الماء، فمشى الرجل مع عيسى على الماء ثم غرق، فدعا عيسى الله فأنجاه. ثم قال له عيسى: مشيت على الماء ثم غرقت فقل ما أحدثت؟ قال أجل حدثت نفسي بأنه ليس لك علي فضل. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والكلام عليه في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فغنينا بذلك عن إعادته، وبالله التوفيق.

ما ورد في تقوى الله عز وجل

[ما ورد في تقوى الله عز وجل] في تقوى الله عز وجل قال مالك: قال رجل لابن مسعود: أوصني، فقال له: تتقي الله، فقال له زدني: فقال: تعمل بطاعة الله، فقال له زدني: فقال له: زل مع القرآن حيثما زال، قال زدني قال لا أجد لك ولا لي مثل هذا. قال محمد بن رشد: ما أوصاه به من تقوى الله عز وجل يدخل تحته العمل بطاعة الله، وأن يزول مع القرآن حيثما زال؛ لأن من لم يعمل بطاعة الله ولم يزل مع القرآن حيث زال فلم يتق الله، لكنه لما قال له زدني بين له ما أجمله له من تقوى الله عز وجل الذي هو الأصل في كل شيء، به ينال ما عند الله. قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52] . [الحض على اتباع السنن] في الحض على اتباع السنن قال مالك: وبلغني أن عمر بن عبد العزيز قال: سن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وولاة الأمر من بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله عز وجل واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها مهتد، ومن استنصر بها منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا. قال محمد بن رشد: يريد عمر بقوله وولاة الأمر من بعده الخلفاء

موضع المقام من البيت

الراشدين المهتدين: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ابن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهتدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ» وذلك مثل ما سنه عمر بن الخطاب من أن يكون السدس الذي قضى به أبو بكر الصديق لإحدى الجدتين لما ثبت عنده في ذلك عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[أنه بينهما] إن اجتمعتا فيه، فإن خلت به إحداهما كان لها، ومثل ما قضى به من عتق أمهات الأولاد بعد موت ساداتهن من رؤوس أموالهم، واحتج في ذلك فقال: خالطت دماؤنا دماءهن ولحومنا لحومهن؛ ومثل توفيته في حد الخمر ثمانين بما أشار به علي بن أبي طالب بقوله: ترى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وبالله التوفيق. [موضع المقام من البيت] في موضع المقام من البيت، ورؤية إبراهيم مناسك الحج قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يقولون إن إبراهيم قام هذا المقام الذي ثم الآن، فيزعمون أن ذلك إثر مقامه فيه، وأوحى الله عز وجل إلى الجبال أن يفرج عنه حتى يرى المناسك. قال مالك: كان مقام إبراهيم قد قرب إلى البيت مخافة السيل، فلما كان عمر ابن الخطاب رده إلى الموضع الذي هو فيه الآن بخيوط وأخرج خيوطه وجدها فقاس بها حتى رده. قيل له: كيف رده عمر وبعده من البيت وقد كان ذلك على عهد رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

عزل العامل عن العمل بالشكاية

وسلم-؟ فقال يزعم أن الموضع الذي رده إليه عمر هو موضعه الأول، ولكنه نحي مخافة السيل فقرب إلى البيت. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والقول فيه في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم فأكتفي بذلك عن إعادته مرة أخرى، وبالله التوفيق. [عزل العامل عن العمل بالشكاية] في عزل العامل عن العمل] بالشكاية قال مالك: استعمل عمر بن الخطاب رجلا على بعض الأمصار وأنه شكي فنزعه عمر، فلما لقيه عاتبه في ذلك فقال: أما إني لم أظلم أحدا، قال فما شأنك تشتكى؟ قال: لم أحسن العمل. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن العامل يعزل عن العمل بالتشكي منه إذا كثر ذلك عليه وإن لم يثبت عليه ما يشكى به منه، إذ لا حق له في التمادي على الولاية وإن لم يحدث فيها ما يوجب عزله عنها، وبالله التوفيق. [حكاية عن سعيد بن المسيب في غلامه الآبق] قال: وقال مالك: أبق من ابن المسيب غلام له فحضر بعض مغازي الروم، وكان شجاعا فقاتل قتالا شديدا، ثم نقص وترك

ذلك، فدعاه صاحب الجيش رجل من قريش فقال ما شأنك كنت تقاتل ثم تركت ذلك؟ فقال إني غلام لابن المسيب فخفت أن أقتل، فقال له: قاتل فإن قتلت فقيمتك علي بالغا ما بلغت، فقاتل فقتل، فقدم القرشي المدينة فأرسل إلى ابن المسيب فأبى أن يأتيه، فقال قدمت وكان الحق لي وأنا رجل من قريش ولم تأتني فأرسلت إليك، فقال سعيد: لم تكن لي إليك حاجة فآتيك، فإن كانت لك حاجة فأت، فقال القرشي: فإن لي حاجة غلام كان لك ضمنت له أن أرضيك من ثمنه، فثمن علي ما شئت فإنه قاتل حتى قتل في سبيل الله. قال ابن المسيب: والله لا أجد له ثمنا، أجره لي وهو في النار. قال محمد بن رشد: إباية سعيد بن المسيب أن يأخذ لعبده ثمنا وأن يحلل عبده مما صنع هو على ما يعرف من مذهبه في أنه كان لا يرى أن يحلل أحدا من تباعة له عليه ويرى ذلك أفضل. وقد مضى الكلام على ذلك والاختلاف فيه في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم. وأما قوله وهو في النار فمعناه الذي أراد أنه في النار إذ أبق مني وقاتل بغير إذني ليذكر بالشجاعة، إن لم يغفر الله له. فقد جاء في الحديث: أن «أول [خلق] . تسعر بهم النار يوم القيامة رجل قاتل ليقال فلان جريء؛ حتى قتل، ورجل تصدق ليقال فلان جواد، ورجل قرأ القرآن وقام به ليقال فلان قارئ» في حديث طويل قد ذكرته بطوله في صدر كتاب المقدمات، وبالله التوفيق.

بعض الأنبياء أفضل من بعض

[بعض الأنبياء أفضل من بعض] في أن بعض الأنبياء أفضل من بعض قال مالك: بلغني أن موسى قال: يا رب أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما لم تعط أحدا من العالمين، لم تذكر إلا ذكروا ولا ذكروا إلا ذكرت. فقال أما إبراهيم فإنه لا يخير بيني وبين شيء إلا اختارني، وأما يعقوب فإني لم أبتله ببلاء قط إلا ازداد بي حسن ظن، وأما إسحاق فإنه جاد لي بنفسه وهو بما وراءها أجود. قيل لمالك: وما معنى إذا ذكرت ذكروا وإذا ذكروا ذكرت، قال إذا ذكر الصالحون إنما يذكرون بذكر الله وبطاعتهم له. قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا والقول فيه في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [من يخرج من النار] فيمن يخرج من النار قال مالك: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان كأنهم الحمم قد امتحنوا» . قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فيطرحون في نهر في الجنة يقال له نهر الحيوان أو الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبة بجانب السيل. ألم تروا كيف تنبت صفراء ملتوية» . قال محمد بن رشد: الحديث بهذا صحيح خرجه البخاري وغيره، ومعناه أن العصاة من المؤمنين الذي استوجبوا النار بذنوبهم يخرجون من النار

بشفاعة النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى لا يبقى فيها من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. وتصديق ذلك في كتاب الله قوله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] . فقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وعد من الله عز وجل على عمومه لا بد أن يكون؛ لأن الله لا يخلف الميعاد. وأما قوله عز وجل: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] فهو وعيد ليس على عمومه، ومعناه فيمن لا يغفر له؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] . وقد قيل في وعيد الله عز وجل إنه ليس بحتم قد ينفذه وقد لا ينفذه؛ لأن الخلف في الوعيد من صفات المدح قال الشاعر: وإني وإن أوعدته أو وعدتة ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي والأول هو الصحيح أن الوعيد متوجه إلى من علم الله عز وجل أنه ينفذ عليه الوعيد ولا يغفر له. وفي قوله: مثقال ذرة من إيمان دليل على أن الإيمان يتفاضل. وفي معنى تفاضل الإيمان وزيادته ونقصانه اختلاف قد ذكرناه وحصلنا القول فيه في صدر كتاب المقدمات. فقوله في الحديث «إنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» معناه من كان معه من الإيمان أدنى مراتبه التي إن نقص منه شيء عاد شكا أو كفرا. وتفاضله بقوة اليقين فيه والعلم به والبعد من طروء الشكوك عليه. والإيمان ليس بجسم فيعبر بالوزن. فقوله فيه مثقال حبة من إيمان إنما هو تمثيل، وقد يمثل ما يعقل ولا يوزن بما يعلم مما يوزن ليفهم المعنى فيه، وبالله التوفيق.

فضل هشام بن حكيم

[فضل هشام بن حكيم] في فضل هشام بن حكيم قال مالك: «رأى هشام بن حكيم بن حزام ناسا يعذبون في الخراج، فقال ما شأنهم؟ قالوا يعذبون في الخراج، فقال: أشهد لسمعت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إن الله تبارك وتعالى يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا» . قال مالك: وكان عمر بن الخطاب يقول إذا ذكر له أمر: أما والله ما بقيت أنا وهشام بن حكيم فلا يكون ذلك. قال محمد بن رشد: هشام بن حكيم بن حزام القرشي الأسدي هذا أسلم يوم الفتح، وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. روي عن ابن شهاب أنه قال: كان هشام بن حكيم في نفر من أهل الشام يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ليس لأحد عليهم إمارة، وكان جزلا جلدا قويا في ذات الله لا يخاف في الله لومة لائم. وكفى من صفته بهذا قول عمر بن الخطاب فيه: أما ما بقيت أنا وهشام فلا يكون هذا، وبالله التوفيق. [كراهة السؤال عما لا تلزم معرفته وعن المشكلات] في كراهة السؤال عما لا تلزم معرفته وعن المشكلات قال مالك: حدثني يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه كان يقول: يا أهل العراق، والله ما كل ما تسألوننا عنه نعلمه، ولأن يعيش المرء جاهلا إلا أنه يعلم ما افترض الله عليه خير له من أن يقول على الله ما لا يعلم.

أن الله يظهر على عبده ما يخفيه من عبادة ربه

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، و [من] الحجة فيه قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» . وقد مضى في رسم البز من سماع ابن القاسم في تفسير الراسخين في العلم ما فيه بيان هذا، وبالله التوفيق. [أن الله يظهر على عبده ما يخفيه من عبادة ربه] في أن الله يظهر على عبده ما يخفيه من عبادة ربه قال مالك: قال الحسن البصري: ابن آدم، اعمل وأغلق عليك سبعة أبواب. قال مالك: يقول إن الله يخرج ذلك. قال محمد بن رشد: يشهد بصحة هذا ما جاء «من أن من أسر سريرة ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر» وبالله التوفيق. [الحض على حياطة الدين] في الحض على حياطة الدين قال مالك: وكان عطاء بن يسار يقول: دينكم دينكم، لا أوصيكم بدنياكم أنتم عليها حراص وأنتم بها بصراء. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لا يحتاج إلى تفسير، وبالله التوفيق.

استحباب الدعاء في حوائج الدنيا

[استحباب الدعاء في حوائج الدنيا] في استحباب الدعاء في حوائج الدنيا قال مالك: وقال يحيى بن سعيد: كنت بأرض المغرب فطلبت حاجة من حوائج الدنيا فأهمتني وأكثرت الدعاء فيها حين اشتد إبطاء ذلك علي، فذكرت ذلك لشيخ كنت أجالسه فقال: لا تكره ذلك، فإن الله قد بارك لعبد في حاجة أذن له فيها بالدعاء. قال محمد بن رشد: وقعت هذه الحكاية في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم بزيادة المعنى الذي من أجله قال له الشيخ لا تكره ذلك، وهو أنه قال: فرغبت فيها ونصبت واجتهدت، ثم ندمت بعد ذلك فقلت: لو كان دعائي هذا في حاجة من حوائج آخرتي، فذكرت ذلك لشيخ كنت أجالسه فقال الحديث. وقوله فإن الله قد بارك لعبد في حاجة أذن له فيها بالدعاء، معناه قد بارك له في حاجة وفقه فيها للدعاء، إذ هو مأذون له في الدعاء في جميع حوائجه؛ لأن الدعاء عبادة من العبادة يؤجر فيها الأجر العظيم، أجيبت دعوته فيما دعا فيه أو لم تجب؛ لأنه لا يدعو ويجتهد في الدعاء إلا بإيمان صحيح ونية خالصة، ولن يضيع له ذلك عند الله، فإن الله عز وجل يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] فهذا وجه بركة تلك الحاجة عليه أن كانت سببا لانتفاعه بدعائه في آخرته وإن حرم المنفعة به في دنياه؛ لأن الذي أعطي خير من الذي حرم. وليس فيما جاء في الحديث عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من داع يدعو إلا كان في إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له، وإما أن يدخر له، وإما أن يكفر عنه» ما يدل على أنه لا يدخر له ولا يكفر عنه إذا استجيب له؛ لأن المعنى فيه إلا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له مع أن يدخر له أو يكفر عنه، وإما [أن يدخر له،

لا يعلم ما في غد إلا الله

وإما] أن يكفر عنه مع الاستيجاب له، وبالله التوفيق. [لا يعلم ما في غد إلا الله] في أنه لا يعلم ما في غد إلا الله قال مالك: وزعم يحيى بن سعيد أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع جواري يقلن في نكاح أو ما أشبهه، ولا أعلم إلا نكاحا: وأهدى لها أكبشا ... تبحبح في المربد وزوجها في النادي ... يعلم ما في غد فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يعلم ما في غد إلا الله» . قال محمد بن رشد: قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما يعلم ما في غد إلا الله» يبين أن قول الله عز وجل: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] معناه ولا تدري نفس ما يكون غدا من كسب ولا غيره. وإنما ذكر في الآية الكسب دون ما سواه من الأشياء لأنه جل ما يحرص الناس على معرفته من الأشياء. وقد مضى هذا بزيادة بيان فيه من رسم

حكاية عن أبي هريرة في إتيانه الوليمة

الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [حكاية عن أبي هريرة في إتيانه الوليمة] قال مالك: كان أبو هريرة يدعى إلى وليمة فيزاحم فيذهب فيلبس ثوبا ثم يأتي فيدخل، فإذا أتي بالطعام دلى كميه فيه فيقال له مهلا يا أبا هريرة، فيقول إنما أذن للثوب، قد أتيت فلم يؤذن لي، ثم يقول: ذهب حبي ولم ير من هذا شيئا وبقيتم بعده تهربون الدنيا ثم يبكي. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه الحكاية في رسم طلق بن حبيب بمساق أحسن من هذا. وذلك أنه قال فيه بلغني أن أبا هريرة دعي إلى وليمة فساق الحكاية إلى آخرها بمعناها. وإنما قلنا إنه أحسن من هذا لأن قوله كان أبو هريرة يدعى يدل على أن ذلك كان شأنه أبدا، والأظهر أنه إنما اعتراه هذا مرة واحدة. وهذا وشبهه يعتري من سياقة الحديث على المعنى، ولهذا كرهه من كرهه حسب ما مضى القول فيه قبل هذا في هذا السماع، وبالله التوفيق. [سبب وقوع داود عليه السلام في الخطيئة] في سبب وقوع داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الخطيئة قال مالك: بلغني أن تلك الحمامة أتت فدفعت قريبا من داود النبي وهي من ذهب، فلما رآها أعجبته فقام ليأخذها فكانت قرب يده فصنعت مثل ذلك ثم طارت، فاتبعها ببصره فوقعت عينه على تلك المرأة وهي تغتسل ولها شعر طويل، فبلغني أنه أقام أربعين ليلة ساجدا حتى نبت العشب من دموع عينيه.

قال محمد بن رشد: جاء في هذا التفسير أن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: رب اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمت موسى تكليما، فوددت أنك أعطيتني من ذلك شيئا كمثل ما أعطيتهما، قال الله تعالى: " إني ابتليتهما بما لم أبتلك به، فإن شئت ابتليتك بما ابتليتهما وأعطيتك مثل ما أعطيتهما، قال داود: أي رب نعم. فقال الله عز وجل له: اعمل عملك حتى يتبين بلاؤك، فمكث كذلك ما شاء الله يقوم الليل ويصوم النهار، فكان على ذلك، فبينما هو في المحراب ذات يوم والزبور بين يديه، إذ جاء طائر فوقع قريبا منه فتناوله داود فطار إلى الكوة فقام ليأخذه. وقال بعضهم: وضع مصحفه وقام ليأخذه، فوقع الطائر إلى البستان، فأشرف داود فنظر فإذا هو بامرأة تغتسل في البستان، فعجب من حسنها، ونظرت فأبصرت ظله فنفضت شعرها فغطاها فزاده ذلك عجبا بها، ثم أرسل غلاما له فقال: اتبع هذه المرأة واعلم من هي وبنت من هي وهل لها زوج؟ فاتبعها الغلام حتى عرفها، فرجع فقال هي ابنة فلان زوجها فلان، وزوجها يومئذ مع ابن أخت داود في بعث [فكتب داود إلى ابن أخته أن ابعث فلانا بعزيمة فلا يرجع حتى يفتح المدينة أو يقتل، فبعثه] فقتل، فلما انقضت عدة المرأة أرسل إليها فتزوجها فهي أم سليمان بن داود - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فلما رأى الله عز وجل ما وقع فيه عبده أحب أن يستنقذه فأرسل إليه ملكين في صفة رجلين، فأتياه في المحراب والحرس حول المحراب، وهم ثلاثة وثلاثون ألفا، فرأى داود الرجلين قد تسورا المحراب ففزع منهما وقال: لقد ضعف سلطاني حتى إن الناس يتسورون محرابي، فقال أحدهما: {لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: 22] إلى قوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24]

فنظر أحد الرجلين إلى صاحبه وضحك. فلما رأى داود ضحكه علم أنه مفتون، فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب وبقي ساجدا أربعين يوما حتى نبت العشب من دموعه، لا يقوم من سجوده ذلك إلا إلى صلاة أو لقضاء حاجة لا بد منها، فتاب الله عليه. وهذا مثل ضربه الملكان لداود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بأمر الله إياهما بذلك إجلالا لداود وإكراما له أن يستقبلاه بأنك أخطأت أو جرت، فضربا له مثلا برجلين هذه صفتهما، فلما حكم على أحدهما بأنه ظلم ارتفع الملكان عنه، فحينئذ علم أنهما ملكان بعثهما الله لينبهاه على ما كان منه. ولم يكن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم أن الذي كان منه عليه فيه إثم، وكذلك سائر الأنبياء - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لا يعلمون على تعمد المعصية، إنما هي على تأويل أو غفلة أو نسيان، والله أعلم. وحكى بعض المفسرين أن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جمع عباد بني إسرائيل فقال أيكم كان يمتنع من الشيطان يوما لو وكله الله إلى نفسه؟ فقالوا لا أحد إلا أنبياء الله، فكأنه عرض إليهم، فبينما هو في المحراب في يوم صلاته والحرس حوله والجنود إذا هو بطير حسن قد وقع على شرافة من شرافات المحراب. قال بعضهم من ذهب، وبعضهم جؤجؤه من ذهب وجناحاه ديباج، ورأسه ياقوتة حمراء، فأعجبه وكان له بني يحبه، فلما أعجبه حسنه وقع في نفسه أن يأخذه فيعطيه ابنه. فانصرف إليه، فجعل يطير من شرفة إلى شرفة ولا يؤيسه حتى طار فوق ظهر المحراب، وخلف المحراب حائط يغتسل فيه النساء الحيض إذا طهرن لا يشرف على ذلك

مشي عيسى ابن مريم على الماء وإحيائه الموتى

الحائط أحد إلا من صعد المحراب، والمحراب لا يصعده أحد من الناس. فصعد داود خلف ذلك الطير، ففاجأته امرأة جاره وهي تغتسل، فرآها فجأة ثم غض بصره عنها وأعجبته، الحديث إلى آخره بمعنى الحديث الأول وإن خالفه في بعض ألفاظه. ومعنى قوله عز وجل حكاية عن الملكين: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23] أي غلبني في الحجة، أي كان أقدر على الاحتجاج مني. يقال: عزه يعزه عزا: إذا غلبه. ومن أمثالهم: من عز بز. وهذا مثل ضربه الملكان لداود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في غلبته أوريا زوج المرأة في أمره بالقتال من غير اختياره، وبالله التوفيق. [مشي عيسى ابن مريم على الماء وإحيائه الموتى] في مشي عيسى ابن مريم على الماء وإحيائه الموتى قال مالك: ذكر أن عيسى ابن مريم أتته امرأتان فقالتا: إن أبانا هلك ولم يودع، فادع الله أن يحييه، فقال أتعرفان قبره؟ قالتا نعم. فذهب معهما فأتتا قبرا فقالتا هو هذا، فدعا فأخرج لهما فإذا هو ليس أباهما، فدعا فرد، ثم ذهبتا إلى قبر أبيهما، فدعا الله أن يحييه فأحياه فلصقتا به وسلمتا عليه ثم قالتا له، يا نبي الله يا معلم الخير، ادع الله أن يبعثه بيننا حيا، قال وكيف أدعو الله ولم يبق له رزق في الدنيا يأكله. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه الحكاية والقول فيها من رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فغنينا بذلك عن إعادته، وبالله التوفيق.

فضل سلمان الفارسي

[فضل سلمان الفارسي] في فضل سلمان الفارسي قال مالك: وكان سلمان الفارسي لا يأخذ من أحد شيئا إلا من عمل يده، وكان يستظل الأفياء في ظل الجدر، فجاءه رجل فقال له: ائذن لي أن أبني لك بيتا تسكن فيه، فقال نعم. فلما ولى الرجل قال سلمان الفارسي: أتدري كيف تبني؟ قال نعم: أبني لك بيتا إذا اضطجعت فيه مست رجلاك الجدار، وإذا قمت فيه مس رأسك السقف، فقال نعم. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه الحكاية عن سلمان الخير بزيادة في رسم البز من سماع ابن القاسم، ومضى هناك القول على ذلك فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [كراهة السفر في طلب شيء من الدنيا لا يشوبه شيء من أمر الآخرة] في كراهة السفر في طلب شيء من الدنيا لا يشوبه شيء من أمر الآخرة قال مالك: سمعت رجلا من أهل الصلاح والفضل مرة يقول: ما أحب أن أسافر ليلة في طلب شيء من الدنيا لا أخلطه بغيره وأن لي مرغوبا فيه. قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا قبل هذا في هذا السماع والقول فيه، وبالله التوفيق. [السوائب وحكمها] في السوائب قال مالك قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قد علمت

ما جاء من أن أزواج النبي عليه السلام كن يراجعنه

أن أول الناس نصب النصب وسيب السوائب وغير دين إبراهيم عمرو بن لحي ولقد رأيته في النار يجر قصبه يؤذي أهل النار بريحه» . قال مالك: والسوائب من الغنم. قال محمد بن رشد: قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولقد رأيته في النار إلى آخر قوله، معناه أنه مثلت له النار وكونه فيها في الآخرة حتى رأى حاله في الآخرة ممثلا في الدنيا عيانا. وقد مضى القول في السوائب والبحائر في رسم حلف أن لا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق لا شريك له. [ما جاء من أن أزواج النبي عليه السلام كن يراجعنه] قال مالك: راجعت عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار في شيء، فامتعض من ذلك وقال: ما كان النساء هكذا، فقالت بلى، وأزواج النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يراجعنه، فأخذ ثوبه فخرج إلى حفصة ابنته فقال لها: أتراجعين رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت نعم، ولو أعلم أنه يكرهه ما فعلت. فلما بلغ عمر أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير نساءه قال: رغم أنف حفصة.

تغير الأديان في آخر الزمان

قال محمد بن رشد: الحديث بهذا عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مشهور، والمعنى فيه بين معلوم. [تغير الأديان في آخر الزمان] في تغير الأديان في آخر الزمان قال مالك وقال يحيى بن سعيد، قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يأتي على الناس زمان يمسي المرء مؤمنا ويصبح كافرا ويصبح مؤمنا ويمسي كافرا. فقيل يا رسول الله فأين العقول ذلك الزمان؟ قال تنزع عقول أهل ذلك الزمان» . قال محمد بن رشد: المعنى في ذلك أن البصائر تضعف في ذلك الزمان بكثرة الارتداد عن الإسلام إلى الكفر. وقوله: فأين العقول ذلك الزمان؟ معناه فأين البصائر التي لذوي العقول في ذلك الزمان؟ وقوله تنزع عقولهم، معناه تنزع بصائر عقول أكثرهم، وبالله التوفيق. [إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بخروج الخوارج] في إعلام النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخروج الخوارج قال مالك زعم يحيى بن سعيد قال: «كان في حجر بلال فضة ورسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبض منها فيعطي الناس، فجاءه رجل فقال اعدل، فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويحك من يعدل إذا لم أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أعدل، فقال

عمر بن الخطاب: ائذن لي يا رسول الله في ضرب عنقه، فقال له رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يخرجون فيكم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية» . قال محمد بن رشد: الرجل القائل ذلك للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذو الخويصرة رجل من بني تميم. ووقع الحديث بكماله في آخر كتاب الجهاد من المدونة من رواية يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال: «بينما نحن عند رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال: يا رسول الله اعدل، فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل. قال عمر يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه، فقال دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء، وهو القدح، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس. قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله

سبب إسلام كعب الأحبار

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي نعت» . والنصل: حديدة السهم؟ والرصاف: العقب الذي يشد على الرعظ، وهو مدخل السهم في الزج؟ والقدح: عود السهم، وقال الخليل هو ما جاوز من السهم إلى النصل. وواحد الرصاف رصفه، والقذذ: ريش السهم، واحدتها قذة. النضي القدح قبل أن ينحت. وقال أبو عمرو هو نصل السهم، وبالله التوفيق. [سبب إسلام كعب الأحبار] في سبب إسلام كعب الأحبار قال وسمعت بعض من أرضى يقول قال كعب الأحبار: أول ما دخلني الإسلام أني سمعت قارئا يقرأ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} [النساء: 47] فدخل الإسلام في قلبي. قال مالك: حسبت أنه قال سمعته يقول من جوف الليل. قال محمد بن رشد: إنما أسلم كعب الأحبار ساعة سماعه الآية لأنه داخل تحت الوعيد المذكور فيها، إذ خوطب بها اليهود من أهل الكتاب. قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا} [النساء: 47] ، أي على محمد، مصدقا لما معكم، أي في التوراة {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} [النساء: 47] ، قيل معناه تحول الوجوه إلى الأقفا، فتكون

قول عمر بن الخطاب لأسيد بن الحضير فيما كان يكسوه إياه

وجوههم من ورائهم؟ وقيل معناه نجعل وجوههم منابت الشعر مثل وجه القرد، لأن منبت الشعر من الآدميين في الأقفا؛ وقيل المراد بالوجوه الدين والإسلام، فالمعنى من قبل أن ترد بصائرهم في الهدى والدين إلى الكفر والضلال فنضلهم إضلالا لا يؤمنون بعده أبدا جزاء لهم على عنادهم، {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} [النساء: 47] معناه أو نلعنكم فنخزيكم ونجعلكم قردة كما لعنا أصحاب السبت، أي أخزينا وأبعدنا الذين اعتدوا في السبت من أسلافكم وجعلناهم قردة وخنازير، فرجع إلى الخبر عن الغائب وقد كان الكلام على الخطاب، وذلك كثير، منه قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: 22] ؛ ويحتمل أن يكون المعنى {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} [النساء: 47] ، أي أو نلعن أصحاب الوجوه، فلا يكون في الكلام على هذا رجوع من المخاطب إلى الغائب. فإن قيل إذا كان تأويل الآية على ما ذكرتم من الوعيد، فهل لحقهم الوعيد إذ لم يؤمنوا؟ قيل له: لم يلحقهم الوعيد لأنه آمن منهم جماعة، منهم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن شعبة، وأسيد بن سعيد، وجماعة غيرهم، فرفع ذلك عنهم بإيمان من آمن منهم. وقيل معنى ما ذكر من طمس الوجوه إنما هو في الآخرة فيحشرون مشوهين، وبالله التوفيق. [قول عمر بن الخطاب لأسيد بن الحضير فيما كان يكسوه إياه] في قول عمر بن الخطاب لأسيد بن الحضير فيما كان يكسوه إياه قال مالك: وكان عمر بن الخطاب يلبس الحلل وكان عمر بن

قول ابن مسعود في الربيع بن خثيم

الخطاب يكسوها الناس، فكان يكسو منها أسيد بن الحضير فيبيعها فيشتري بفضل ثمنها عبدا فيعتقه، فكره عمر أن يرى في عطيته خلل واختلاف، فقال وعنده أسيد: يعمد أحدهم أكسوه وأعطيه فيبيع ذلك، يوشك أن يفعل ذلك أحدهم فلا أعطيه. فقال له أسيد: يغفر الله لك إن بعت فقدمت لنفسي تمنعني حقي، فقال عمر: لا والله. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه الحكاية والقول فيها في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [قول ابن مسعود في الربيع بن خثيم] في قول ابن مسعود في الربيع بن خثيم قال مالك: وكان ذلك الرجل إذا رآه ابن مسعود قال: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34] كان تستأذنه ابنته تقول له: دعني أذهب ألعب، فيأبى عليها، فقال له رجل ما يمنعك أن تقول لها نعم؟ قال أكره أن أجده في صحيفتي يوم القيامة. قال محمد بن رشد: قيل إن الرجل الذي قال فيه ابن مسعود هذا الربيع بن خثيم، وامتناعه من أن يأذن لابنته فيما استأذنته فيه من اللعب مخافة أن يجد ذلك في صحيفته يوم القيامة، إذ قد جاء أن كل ما لا يكتبه صاحب اليمين يكتبه صاحب الشمال، نهاية في الورع والزهد والخوف لله عز وجل. ومن خشي مثل هذا وخافه وتحرج منه على خفته، إذ الجواز أظهر فيه بل الاستجاب، فقد كانت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تلعب بالبنات بعلم رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا ينكر ذلك عليها، بل كان سرب الجواري إليها يلعبن معها. ووجه استحبابه من جهة المعنى ما يدخله من السرور عليه بالإذن له في ذلك فيؤجر، وقد قال الله عز وجل:

ما ذكر من أن الأرض على حوت

{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: 12] ، فهو من المخبتين كما قال ابن مسعود، لأن المخبت هو الرجل الخائف الخاشع الخاضع لله بالطاعة، المذعن له بالعبادة، المطمئن إليه قلبه. قال الله عز وجل: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34] {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} [الحج: 35] ، وبالله التوفيق. [ما ذكر من أن الأرض على حوت] فيما ذكر من أن الأرض على حوت قال مالك: وزعم زيد بن أسلم أن نبيا من الأنبياء قال لهم: إن الأرض على حوت، فكذبه رجل فقعدا على شط بحر فمر حوت مثل الطرف، فقال أهذا هو؟ قال لا، ثم مر حوت، فقال مالك لا أدري ما قدره، فقال: أهذا هو؟ فقال لا، ثم مر حوت آخر من حين أضحى النهار إلى الظهر فقال: أهو هذا؟ قال إن ذلك الحوت يأكل كل يوم سبعين ألفا مثل هذا. قال محمد بن رشد: قد جاء في تفسير قوله عز وجل: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1] يعني بنون الحوت الذي عليه الأرض، روي ذلك عن ابن عباس قال: ذلك أن الله عز وجل أول ما خلق القلم فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم رفع بخار الماء فخلقت منه السموات، ثم خلق النون فبسطت الأرض على ظهر النون، فتحركت النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، فإن الجبال لتفخر على الأرض. وقال الكلبي: تحت هذا الحوت ثور، وتحت الثور صخرة خضراء، فخضرة السماء منها، وتحت الصخرة الثرى. وما يعلم ما تحت الثرى إلا الله عز وجل. وجاء عن أبي هريرة أنه

ما جاء في القرآن من أن الجنة عرضها كعرض السماء والأرض

قال: الأرضون على نون، ونون على الماء، والماء على الصخرة، والصخرة لها أربعة أركان، على كل ركن منها ملك قائم في الماء. وهذا كله لا تعرف حقيقته، إذ لا يقطع على صحة شيء منه من جهة الرواية عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العالم بما أعلمه الله عز وجل به من كبير ما غاب عن حواسنا. والذي نعلمه من ذلك علم يقين ما أعلمنا الله عز وجل به في محكم كتابه من قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 41] ، فنحن نعتقد بما أعلمنا الله عز وجل به مع ما دل عليه من دلائل العقول أن الله عز وجل يمسك السماوات والأرض بقدرته لا بشيء تعتمد عليه لولاه لم تستقر، إذ لو احتاجت في استقرارها إلى ما تعتمد عليه من الأجسام لاحتاج ذلك الذي تعتمد عليه إلى ما يعتمد عليه، والآخر إلى آخر إلى ما لا نهاية له، وذلك محال وباطل ظاهر البطلان. وكذلك السماوات يمسكها الله عز وجل عن أن تزول عن مواضعها أو تقع على الأرض بقدرته لا بما سوى ذلك مما يستغنى به في ثبوتها عليه، وبالله التوفيق. [ما جاء في القرآن من أن الجنة عرضها كعرض السماء والأرض] فيما جاء في القرآن من أن الجنة عرضها كعرض السماء والأرض قال مالك قال لعمر بن الخطاب رجل: يقول الله عز وجل: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الحديد: 21] فأين تكون النار؟ فسكت عنه شيئا ثم قال له: أرأيت إذا جاء الليل أين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار أين يكون الليل؟ فقال الله أعلم، فقال عمر هو ذلك.

قال محمد بن رشد: قول الله عز وجل في سورة الحديد: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الحديد: 21] مبين لقوله في سورة آل عمران: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران: 133] ، فليس في قول الله عز وجل إن عرض الجنة كعرض السماء والأرض ما يدل على أن الجنة تستغرق السماء والأرض كما ظن السائل فسأل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أين تكون النار؟ فأجابه بما أجابه به مما دل أنه سلم له سؤاله، فالله أعلم بصحة هذا عن عمر بن الخطاب، لأن الجنة والنار مخلوقتان، قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا» وقال: «اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين في كل عام نفس في الشتاء ونفس في الصيف» . وعند أهل السنة، أن الجنة التي وعد الله بها أولياءه في الآخرة هي الجنة التي أهبط منها آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وهي في السماء على ما دل عليه القرآن وجاءت به الآثار، فليس في قول الله عز وجل إن الجنة التي أعدها الله لأوليائه في السماء عرضها كعرض السماء والأرض معنى يشكل حتى يسأل من أجل ذلك أين تكون النار؟ والذي جاء في تفسير ذلك أن معناه سبع سماوات وسبع أرضين تلفقن كما تلفق الثياب بعضها إلى بعض، فيكون ذلك عرضها، ولا يصف أحد طولها، وبالله التوفيق.

ما أوصى به معاوية في ماله

[ما أوصى به معاوية في ماله] فيما أوصى به معاوية في ماله قال مالك: لما حضرت معاوية بن أبي سفيان الوفاة أمر أن يجعل نصف ماله في مال الله؛ أراد بذلك الذي صنع عمر بن الخطاب في مقاسمته عمالا من عماله قاسمهم أموالهم، وإنما قاسمهم عمر لأنه ظهرت لهم بعد الولاية أموال لم تكن تعرف لهم. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم قبل هذا، وبالله التوفيق. [شدة خشية عمر السؤال] في شدة خشية عمر السؤال قال مالك: وقال عمر بن الخطاب: والذي نفسي بيده لو هلك بشط الفرات جمل ضياعا لظننت أن الله سائلي عنه. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والقول عليه في رسم سئل عن تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [التعوذ من الحور بعد الكور] في التعوذ من الحور بعد الكور وقال مالك كان يقال: اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور، فسألته عن الحور بعد الكور فقال: الحور الحول أن يحول بعدما كان على صلاح.

التلطف والمداراة

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، والتعوذ منه واجب. قال الله عز وجل: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] ، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران: 149] ، وبالله التوفيق. [التلطف والمداراة] في التلطف والمداراة قال مالك: أخبرني [عبد الله] بن أبي بكر أن داود بن علي أعطاه جارية فدسها مدسا حتى ردها إلى أهلها. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا، والله أعلم، أنه كره عطيته ولم يرد أن يوحشه بأن لا يقبضها منه ولا بأن يردها عليه، فقبلها منه ثم تلطف في ردها إليه لئلا يجد في نفسه في ذلك عليه. وهذا جائز للرجل أن يفعله، قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مداراة الناس صدقة» وبالله التوفيق.

خروج الخارجة على علي رضي الله عنه

[خروج الخارجة على علي رضي الله عنه] في خروج الخارجة على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال مالك: لما حكم الحكمان أبو موسى وعمرو بن العاص خرجت الخارجة التي خرجت فقالوا لا حكم إلا لله، فقال علي بن أبي طالب: ما يقولون؟ فأخبر فقال: كلمة حق أريد بها باطل. قال مالك: فهي أول خارجة خرجت. قال مالك أراهم قد تعدوا وكفروا الناس. قال محمد بن رشد: هذه الخارجة هي الحرورية التي فارقت علي بن أبي طالب وشهدت عليه بالشرك لما رضي بالتحكيم في أمر المسلمين وخرجت عليه، فأتى علي بن أبي طالب فأخبر أنهم تجهزوا إلى الكوفة فقال: دعوهم ثم خرجوا فنزلوا بالنهروان فمكثوا فيه شهرا، فقيل له اغزهم الآن، فقال لا حتى يهرقوا الدماء ويقطعوا السبل ويخيفوا الأمن، فلم يهجهم حتى قتلوا، فغزاهم فقتلوا. وروي عن ابن عباس أنه قال: أرسلني علي إلى الحرورية لأكلمهم، فلما كلمتهم قالوا لا حكم إلا لله، قلت: أجل لا حكم إلا لله، وإن الله قد حكم في رجل وامرأة، وحكم في قتل الصيد، فالحكم في رجل وامرأة والصيد أفضل من الحكم في الأمة يرجع فيها ويحقن دماءها ويلم شعثها؟ فقال ابن الكوا: دعوهم فإن الله قد أنبأكم أنهم قوم خصمون، وهم الذين قال فيهم رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنهم يخرجون على حين فرقة من الناس وعلى خير فرقة من الناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» الحديث، وبالله التوفيق.

ما قاله القراظ ليزيد بن معاوية

[ما قاله القراظ ليزيد بن معاوية] في قول القراظ ليزيد بن معاوية قال مالك: وقف القراظ على يزيد بن معاوية فقال له: أنت يزيد؟ فقال نعم، فقال ما أشبهك بأبيك، سمعت أبا هريرة يقول، قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أراد بأهل المدينة أذى أذابه الله كما يذوب الملح في الماء» فقال يزيد: أمجنون؟ فقال: هذا رجل صالح كان جليسا لأبي هريرة. قال محمد بن رشد: القراظ هو بشر بن عبد الله من تابعي أهل المدينة. وكان هذا من قوله ليزيد، والله أعلم، إذ أوقع بأهل المدينة يوم الحرة ما أوقع. وقوله: ما أشبهك بأبيك، أراد به الضد كما يسمى المريض سليما، والأعمى أبا بصير، والمهلكة المفازة، وبالله التوفيق. [رؤية العبد شعر سيدته] في رؤية العبد شعر سيدته وسئل مالك: أيرى العبد شعر سيدته وقدميها وكفيها؟ فقال: أما الغلام الوغد فلا بأس بذلك، وأما الغلام الذي له هيئة فلا أحبه. قيل أفيرى ذلك غلام زوجها منها؟ فكأنه كرهه. قال محمد بن رشد: أجاز للعبد الوغد أن يرى شعر سيدته، وكره

مقالة عمر لعبد الله بن الأرقم

ذلك إذا كان له منظر ولم يحرمه، لقول الله عز وجل: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] . وقوله في غلام زوجها لما سأله عنه فكأنه كرهه، يدل على أنه فرق في ذلك بين عبدها وعبد زوجها، ومعناه في الوغد استحسانا للمشقة الداخلة عليها في الاحتجاب منه مع كثرة تردده وتطوفه؛ والقياس أنه كعبد الأجنبي في ذلك. وأما الذي له منظر من عبيد زوجها فلا يجوز [له] أن يرى شعر زوج سيده، وبالله التوفيق. [مقالة عمر لعبد الله بن الأرقم] في قول عمر لعبد الله بن الأرقم قال مالك قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن الأرقم: لو كان لك مثل سابقة القوم ما قدمت عليك أحدا. قال مالك: وينبغي أن يقدم أهل التقدم والفضل، قال الله عز وجل: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10] فقلت له: وما يعني بقوله: ما قدمت عليك أحدا، فقال: [أن] لا يولي عليه أحدا، وكان ذلك في عقد الولاية.

جزاء المرء على ما يتكلم به من الخير أو الشر

قال محمد بن رشد: تفسير مالك لقول عمر بن الخطاب [بقوله] لا يولي عليه أحدا، يحتاج إلى تفسير، ومعناه لا يؤثر أحدا بالولاية عليه. وقد مضى قبل هذا من هذا السماع قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في عبد الله بن الأرقم هذا والقول فيه، وبالله التوفيق. [جزاء المرء على ما يتكلم به من الخير أو الشر] في جزاء المرء على ما يتكلم به من الخير أو الشر قال مالك: كان بلال بن الحارث [المزني] يحدث أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن المرء ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أنها تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن المرء ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه.. فكان بلال يقول: فلقد منعني هذا الحديث من كلام كثير» . قال مالك: فكان ابن مسعود يقول: تكلموا بالحق [تعرفوا به] واعملوا به تكونوا من أهله. قال محمد بن رشد: هذا الحديث ذكره مالك في جامع موطأه، وذكر عقبه من قول أبي هريرة مثله بمعناه قال: إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها

ما جاء أنه من أشراط الساعة

بالا يرفعه الله بها في الجنة. وقد روي عنه مسندا إلى النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والكلمة من رضوان الله أو من سخطه التي يكتب الله بها رضوانه أو سخطه إلى يوم القيامة هي الكلمة عند السلطان يرده بها عن جور أو إثم أو يعينه بها على ذلك، لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك، لما جاء فيه مما يدل عليه، وبالله التوفيق. [ما جاء أنه من أشراط الساعة] فيما جاء أنه من أشراط الساعة وقال مالك قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل ويتقارب الزمان ويقبض العلم [من الناس» ] . قال محمد بن رشد: تقارب الزمان سرعة ذهابه فيما يخيل إلى الناس، وقبض العلم يكون بقبض العلماء. قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا- ينتزعه من القلوب ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» . [التنزه عن الخصام] في التنزه عن الخصام وكان القاسم بن محمد إذا كان بينه وبين الرجل المداراة في

التحليل من الظلامات

شيء دعاه فقال له: إن كان الشيء لي فهو لك، وإن كان لك فلا تحمدني. قال لي مالك: يكره لنفسه الخصومة وينزهها عنها. قال محمد بن رشد: هذا من الخلق الكريمة العلية، يحمل على نفسه في ماله، ولا يمتهنها في الخصام الذي يولد العداوة والهجران المنهي عنهما، وبالله التوفيق. [التحليل من الظلامات] في التحليل من الظلامات قال مالك: كان ابن المسيب إذا كان بينه وبين أحد شيء لم يخاصمه وقال: موعده يوم القيامة ولا يحلله. وأتاه مكاتب له يستأذنه في الخروج، فقال لا، فذهب المكاتب فأصلح شأنه وأراد الخروج، فقيل له: مكاتبك يخرج، فقال موعده يوم القيامة. قال مالك: يوقن بيوم الحساب ويعلم أن الناس مستوفون حقوقهم، فقيل لمالك: أيهم أحب إليك في نظر المرء لنفسه، أيترك ذلك لطالبه ويحلله أم لا يفعل؟ فقال: ما أدري وما هذا بالبين، ولقد كان من الناس من يرى ذلك وتأول حسنة بعشر أمثالها، وما هذا بالبين عندي ولا هذا، والذي لم يعف لمستوف حقه. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا قبل في هذا السماع من مذهب سعيد بن المسيب مثل هذا في غلامه الذي أبق، ومضى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم تحصيل الاختلاف في التحليل من الظلامات فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

حكاية عن سعيد بن المسيب

[حكاية عن سعيد بن المسيب] قال مالك: لما ضرب سعيد بن المسيب وحبس عمل له لحم فأتى به فقال ما هذا؟ فقيل له: إذا حبس المرء عمل له مثل هذا، فقال: لا والله ما أريد مثل هذا. انظروا الأربعة الأرغفة بالزيت التي كانت تعمل لي فأتوني بها. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه الحكاية عن سعيد بن المسيب والقول فيها في رسم البز من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [سيرة عمر بن الخطاب في سني الرمادة] في سيرة عمر بن الخطاب في سني الرمادة قال مالك: لما كان عام الرمادة في تلك الأزمنة كتب عمر بن الخطاب إلى البلدان أن ياغوثاه للعرب، فكان يبعث إليه من مصر والشام بالعباء فيها الدقيق على الإبل السمان، وأراه أمرهم بذلك فيبعث بها الرجال إليهم فيقول: ينحر كل أهل بيت بعيرا ولا تدعونهم يستحيونه فإن العرب تتنافس في الإبل [ويتخذونها] فليأتدموا بلحمه وشحمه، وليلبسوا تلك العباء، فإن ذلك لن يذهب حتى يأتي الله بخير منه. وأقسم عمر ألا يأكل سمنا حتى يحيى الناس من أول ما يحيون، فأكل الزيت وكان يستنكره، وكان يأكله

توقير الشيخ

نيئا ومطبوخا، فاستنكره حتى أن كان ليخطب [على الناس] على المنبر فيقرقر بطنه منه حتى يستحيي من الناس فيقول: قرقر تقرقرك، فليس لك غيره حتى يحيى الناس. فخرج عمر بن الخطاب بعد ذلك إلى سيل ينظر إليه ببطحان، فبج عليه رجل فقال له: أما والله يا أمير المؤمنين ما كنت فيها بابن ثأداء ضعيفة، فعلاه عمر بالدرة فقال: ويحك، وهل كان لأحد حول أو قوة إلا بالله. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه الحكاية بعينها وإن اختلف بعض ألفاظها في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم والقول فيها. وإنما خرج إلى سيل بطحان، والله أعلم، ليراه فيشكر الله على ما أغاثهم به من المطر الذي أجراه، وبالله التوفيق. [توقير الشيخ] في توقير الشيخ قال مالك سمعت من يقول: من تعظيم الله تعظيم ذي الشيبة المسلم. قال محمد بن رشد: تعظيم الله عز وجل هو الخوف له والعمل بطاعته والبدار إلى ما يقرب منه من الأعمال التي ترضيه. فلما كان توقير الشيخ الكبير وتعظيمه مما يرضي الله عز وجل ويقرب منه بدليل قول النبي

سن فرعون وما أملي له

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولا وقر كبيرنا» اقتضى فعل ذلك لوجه الله العظيم تعظيم الله، وبالله التوفيق. [سن فرعون وما أملي له] في سن فرعون وما أملي له قال مالك: سمعت أن فرعون عاش أربعمائة سنة، [وأنه أقام بعد أن أتاه موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالآيات وقال ما علمت لكم من إله غيري أربعين سنة] . قال مالك قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران: 178] . قال مالك وسمعت بعض أهل العلم يقول ما دخل على أحد في دينه أشد من الإملاء. قال وسألته عن فرعون أمن بني إسرائيل هو؟ فقال: لا، ليس من بني إسرائيل. قال محمد بن رشد: قول فرعون: "يا أيها الملأ، يريد أشراف قومه وساداتهم، ما علمت لكم من إله غيري"، يريد فتعبدوا وتصدقوا موسى فيما جاءكم به من أن له ولكم ربا غيري ومعبودا سواي، كذب منه تعمده، إذ قد علم أن موسى رسول الله لما جاءهم به من الآيات. قال الله عز وجل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] والجحد لا يكون إلا من بعد المعرفة. وقوله: {فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ} [القصص: 38] أي فاعمل لي آجرا، وذكر أنه أول من طبخ الآجر وبنى به. وقوله: فاجعل لي

لا يسلم أحد من أن يكون فيه ما يعاب به

صرحا، أي سطحا، وكل بناء مسطح فهو صرح. وقوله: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} [غافر: 36] {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر: 37] ، كلام قاله، والله أعلم، استهزاء وسخريا، إذ لم يجهل أنه لا يقدر على أن يبلغ أسباب السماء بصرح يبنيه له هامان، إذ لا يجهل ذلك من له عقل يصح به التكليف، فقال ذلك استهزاء بموسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأراد أن يبنى له الصرح مرتفعا مشيدا لا يقدر غيره من أهل زمانه على مثله ليجعله دليلا له عند الملأ من قومه على ما يدعي من الربوبية. وهذا الذي أقول به في معنى قوله {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} [غافر: 36] {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} [غافر: 37] وبالله التوفيق. [لا يسلم أحد من أن يكون فيه ما يعاب به] في أنه لا يسلم أحد من أن يكون فيه ما يعاب به قال مالك وكان القاسم بن محمد يقول: من الرجال رجال لا تذكر عيوبهم. قال مالك وقال طلحة بن عبيد الله: خف الأمر وغلب سفهاء الناس علماءهم. قال محمد بن رشد: قول القاسم إن من الرجال رجالا لا تذكر عيوبهم، صحيح، والمعنى في ذلك ما قاله مالك من أن العيب إذا كان خفيفا والأمر كله جميل حسن لم يذكر اليسير الذي ليس أحد منه بمعصوم مع هذا الصلاح الكثير. وإذا كان طلحة بن عبيد الله يقول في زمنه خف الأمر وغلب سفهاء الناس علماءهم، فناهيك من ذلك في زماننا هذا، أسأل الله العصمة والتوفيق برحمته.

إقرار عمر لأبي بكر باستحقاق الخلافة

[إقرار عمر لأبي بكر باستحقاق الخلافة] في إقرار عمر لأبي بكر باستحقاق الخلافة قال مالك وقال عمر بن الخطاب: والذي نفسي بيده، لأن أقدم فتضرب عنقي إلا أن تتغير نفسي عند الموت أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر. قال محمد بن رشد: قال ذلك عمر بن الخطاب إذ حكي أن أبا بكر الصديق قال إذ خطب في سقيفة بني ساعدة بعد موت النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح. قال فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن - أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، حسبما مضى قبل هذا في هذا السماع. وبالله التوفيق. في أن الناس عرفوا النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أبي بكر بقيامه ليستره من الشمس وقال مالك: رأى الناس رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر، فلم يدر الناس رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما أصابت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشمس قام أبو بكر يستره منها، فعرفوا رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال محمد بن رشد: كان هذا حين قدم النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

حكاية عن أبي هريرة رضي الله عنه

وسلم- المدينة مهاجرا من مكة. وذلك أن المسلمين بالمدينة لما سمعوا بخروج رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة كانوا يغدون كل غداة إلى الحرة ينتظرونه حتى يؤذيهم حر الظهيرة فينقلبون، فانقلبوا يوما، فلما أووا إلى بيوتهم رقي رجل من اليهود على أطم لأمر يريده، فبصر برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه يزول بهم السراب مبيضين، فلم يملك اليهودي أن صاح بأعلى صوته: يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرونه، فثار المسلمون إلى سلاحهم وبلغوا رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الإثنين في شهر ربيع الأول، وطفق من جاء من الأنصار ممن لم يكن رأى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحسبه أبا بكر، حتى إذا أصابت الشمس رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقبل أبو بكر حتى أظل على رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بردائه، فعرف الناس عند ذلك رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالله التوفيق. [حكاية عن أبي هريرة رضي الله عنه] ُ - قال مالك: وحدثني من أصدق عن أبي هريرة أنه كان يقول: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2] ثم يقول: والذي نفسي بيده لقد دخلوا في دين الله أفواجا، وإنه ليخرجون منه أفواجا. قال محمد بن رشد: إنما قال ذلك أبو هريرة حين توفي رسول الله

ما جاء أنه من أشراط الساعة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وارتد من ارتد من العرب فأقسم على ما رأى حقيقته، وبالله التوفيق. [ما جاء أنه من أشراط الساعة] فيما جاء أنه من أشراط الساعة قال مالك: وقد كان يقال من أشراط الساعة تقارب الأسواق، وقال ذلك في قلة الأرباح. قال محمد بن رشد: ما يروى أنه من أشراط الساعة المؤذنة بقربها كثير أكثر من أن يحصى. وقد ظهرت كلها أو أكثرها، والنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أشراط الساعة لأنه آخر الأنبياء. وأما الأشراط الكبار التي بين يدي الساعة فهي خمسة: الدابة، والدجال، ونزول عيسى ابن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، وبالله التوفيق. [كراهة الذم والمدح في البيع والشراء] في كراهة الذم والمدح في البيع والشراء قال مالك وكان ابن مسعود يقول: عجبا لتاجر كيف يسلم، إن باع أطرى وإن اشترى ذم. قال محمد بن رشد: يريد كيف يسلم من مواقعة الإثم بالمدح مخافة أن يكون بذلك غاشا بالمدح أو الذم. وقد قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من غشنا فليس منا» أي ليس على مثل هدينا وطريقتنا، وبالله التوفيق.

الاقتصاد في الملبس

[الاقتصاد في الملبس] في الاقتصاد في الملبس قال مالك: قالت ابنة العوام أخت الزبير لزوجها حكيم بن حزام، وكان كثير المال، ما لك لا تلبس لباس الناس اليوم؟ قال: وما ترين ينقصني، وإزاري قطري، وردائي معافري، وقميصي ملائي، وعمامتي حرمانية. قال محمد بن رشد: الشهرتان في اللباس مذمومتان، والاقتصاد فيها هو المختار. روى شعبة عن أبي إسحاق «عن أبي الأحوص عن أبيه أنه أتى النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قشف الهيئة، فقال له رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل لك مال؟ قال نعم، قال من أي المال؟ قال من كل من الإبل والخيل والرقيق، قال فكل ما آتاك الله من مال فلير عليك» . وقال عمر: إني لا أحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب. والقارئ هو العابد الزاهد، لأن القراء عندهم هم. ومن هذا كان يقال للخوارج قبل خروجهم القراء لما كانوا عليه من العبادة والاجتهاد. ففي قول عمر هذا ما يدل على أن الزهد في الدنيا والعبادة ليس بلباس الخشن الوسخ من الثياب، وقد قال- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: - إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم. «وقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذي نزع البردين

الخلقين ولبس الجديدين: ما له- ضرب الله عنقه- أليس هذا خيرا له» وبالله التوفيق. في إباية حكيم أخذ العطاء من عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال مالك: وكان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يدعو حكيم بن حزام إلى عطائه فيأبى أن يأخذه ويقول: قد تركته على خير منك. قال مالك: وسمعت «أن حكيما سأل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[شيئا] فقال: إن خيرا لك ألا تأخذ من أحد شيئا، قال: ولا منك؟ قال: ولا مني، قال: فلا آخذ من أحد شيئا أبدا» فتركه لذلك. قال محمد بن رشد: لم يكن ترك الأخذ من النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيرا من الأخذ منه من أجل أن في الأخذ منه كراهة، وإنما كان ذلك خيرا له من أجل أنه إذا تركه فقد آثر به غيره ممن يعطاه. وقد مضى الكلام على هذا المعنى في موضعين من رسم تأخير صلاة العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

كراهة المحدثات من الأمور

[كراهة المحدثات من الأمور] في كراهة المحدثات من الأمور قال مالك وكان عبد الله بن مسعود يقول: خير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها. قال محمد بن رشد: هذا بين، لأن المحدثات بدع، والبدع ضلال، وبالله التوفيق. [ترك أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الحديث] في ترك أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الحديث قال مالك: قال لي عبد الله بن أبي بكر: ما مات أبي حتى ترك الحديث. قال محمد بن رشد: [يريد] أنه تركه، والله أعلم، لما أسن فخشي أن يكون حفظه قد ضعف لما يلحق مع الكبر من كثرة النسيان. وقد روي أن ابن هرمز ترك الفتوى فقيل له في ذلك فقال: إني أجد في جسمي ضعفا والقلب بضعة من الجسم، وأنا أخشى أن يكون قد ضعف فهمي كما ضعف جسمي، وبالله التوفيق. [الستة الملعونين من هم] في الستة الملعونين قال أشهب بن عبد العزيز: حدثني ابن أبي الموالي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ستة لعنهم الله وكل نبيء مجاب:

ما جاء من الدنيا خضرة حلوة

الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمحل ما حرم الله والتارك لسنتي، والمتسلط في الأرض بالجبروت يذل بغير الحق من أعز الله ويعز من أذل الله، والمستأثر بالفيء المستحل له» . قال محمد بن رشد: اللعن الخزي والطرد والإبعاد من الرحمة، ومن لعنه الله فقد استوجب النار ببعده من الرحمة، وبالله التوفيق. [ما جاء من الدنيا خضرة حلوة] فيما جاء من الدنيا خضرة حلوة قال مالك: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدنيا خضرة حلوة من أخذها بحقها بورك له فيها. ورب متحول في مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار. ومن أخذها بغير حقها كان كالآكل لا يشبع» . قال محمد بن رشد: قوله الدنيا خضرة حلوة معناه صورة الدنيا وما خلق الله عز وجل فيها من الشهوات التي أعلم أنه زين حبها للناس بقوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران: 14] ، الآية، حسنة موفقة. وقوله من أخذها بحقها معناه من اكتسب المال فيها من وجهه بورك له فيه. وقوله ومن أخذها بغير حقها معناه من خلط في اكتساب المال فيها ولم يتوق في ذلك. وقوله كان كالآكل لا يشبع معناه أن من هذه صفته يرغب ولا يقنع. وجاء في صحيح

ما جاء عن عمر بن الخطاب في التجارة

البخاري «أن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي: يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع» . فنقول بمجموع الحديثين إن من جمع المال من وجهه وأخذه من الإمام بسخاوة نفس بورك له فيه، وإن من خلط في جمع المال ولم يتوق فيه وأخذه من الإمام بطلب له واستشراف إليه ورغبة فيه وحرص عليه لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، أي يرغب ولا يقنع. وفي معناه ضرب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المثل للذي سأله أيأتي الخير بالشر؟ فقال: «إن الخير لا يأتي بالشر» ، وإنه كلما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت. يقول إن جمع المال بالحرص عليه والرغبة فيه قد يهلك صاحبه إن لم يؤد حق الله فيه ويعطي منه المسكين واليتيم وابن السبيل، فشبه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأبوال والأرواث التي تشفي آكلة الخضر من الحبط والسقم بالصدقات التي تكفر عن صاحب المال الإثم وترفع عنه الحرج. وأما المتخوض في مال الله ورسوله الذي له النار فهو الذي يجمع المال من غير حله ولا وجهه ويمسكه ولا يتصدق به ولا يتوخى من شيء منه، وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [ما جاء عن عمر بن الخطاب في التجارة] 4 -

ما هو قلب الشيخ شاب فيه

ما جاء عن عمر بن الخطاب في التجارة قال مالك: قال عمر بن الخطاب: عليكم بالتجارة لا تفتننكم هذه الحمراء على دنياكم. قال أشهب: كانت قريش تتجر، وكانت العرب تحقر التجارة، والحمراء يعني الموالي. قال محمد بن رشد: أباح الله تبارك وتعالى التجارة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، وقال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] يريد التجارة في مواسم الحج. فالتجارة مباحة للرجل إذا استغنى عنها ولم يحتج إليها، ومستحبة كما قال عمر بن الخطاب إذا احتاج إليها للنفقة على نفسه أو على من يجب عليه الإنفاق عليه. أو لخير ينوي أن يفعله مما يعود عليه منها، وبالله التوفيق. [ما هو قلب الشيخ شاب فيه] فيما هو قلب الشيخ شاب فيه قال أشهب: وحدثنا مالك عن ربيعة عن شيخ من أهل الطائف أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «قلب الشيخ شاب في حب اثنين حب الحياة وحب المال» .

تفسير قول الله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم

قال محمد بن رشد: يريد في الغالب، وإن وجد شيخ لا يحب الحياة ولا يرغب في المال فنادر، وبالله التوفيق. [تفسير قول الله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم] في تفسير قول الله تعالى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] قال مالك: وأخبرني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن اليهود قالوا إن الرجل إذا أتى امرأته مدبرة جاء ولده أحول، فأنزل الله تبارك وتعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] . قال محمد بن رشد: قد مضى هذا قبل هذا في رسم التسليف في الحيوان والطعام من سماع ابن القاسم والكلام عليه فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق لا شريك له. فيما ذكر من قراءة ابن مسعود قال مالك: أقرأ عبد الله بن مسعود رجلا {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ} [الدخان: 43] {طَعَامُ الأَثِيمِ} [الدخان: 44] ، فجعل الرجل يقول طعام اليتيم، فقال ابن مسعود: طعام الفاجر. قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن مسعود هذا أنه لما لم يحسن القارئ أن يقول طعام الأثيم قال له طعام الفاجر على جهة التفسير. وهذا يدل

الأعمال لا تصح إلا بالنيات

على ما قيل من أن القراءة التي تنسب إلى ابن مسعود إنها قراءة كان يقرئها على وجه التفسير لأصحابه لا على أنها قرآن. وقد قيل إنها قراءة لم تثبت، إذ إنما نقلت نقل آحاد، ونقل الآحاد غير مقطوع به، والقرآن إنما يؤخذ بالنقل المقطوع به، وهو النقل الذي ينقله الكافة عن الكافة، فما لم يقطع عليه أنه قرآن لمخالفته مصحف عثمان المجتمع عليه لا تباح قراءته على أنه قرآن، إذ حكمه حكم ما يروى عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأحاديث والأخبار، فلا تجوز الصلاة به. وكذلك قال في المدونة: إن من صلى خلف من يقرأ بقراءة ابن مسعود أعاد في الوقت وبعده، وإن علم وهو في الصلاة قطع وخرج. فيجب على الإمام أن يمنع منه ويضرب عليه ولا يبيح قراءة سوى ما ثبت بين اللوحين في مصحف عثمان، على ما وقع في أول سماع عيسى من كتاب السلطان، وبالله التوفيق. [الأعمال لا تصح إلا بالنيات] في أن الأعمال لا تصح إلا بالنيات قال مالك: أخبرني يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن الحارث التيمي، عن علقمة بن وقاص، عن عمر بن الخطاب أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» . قال محمد بن رشد: قد مضى هذا الحديث والكلام عليه في رسم

الهدية للنصراني

سن من سماع ابن القاسم قبل هذا فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [الهدية للنصراني] ومن كتاب القضاء من سماع أشهب وابن نافع عن مالك رواية سحنون بن سعيد في الهدية للنصراني قال أشهب: قيل لمالك: أترى بأسا أن يهدي الرجل لجاره النصراني هدية مكافأة؟ فقال ما يعجبني ذلك، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1] . قال محمد بن رشد: قوله مكافأة له، يريد مكافأة له على ما لا يجب عليه أن يكافئه عليه مما يلزمه أن يعتمده معه في مجاورته إياه، لا مكافأة له على هدية أهداها إليه، إذ لا ينبغي له أن يقبل منه هدية، لأن مقصود الهدايا إنما هو التودد بها، لقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء» فإن أخطأ وقبل منه هديته وفاتت عنده فالأحسن أن يثيبه عليها حتى لا يكون له. عليه فضل في معروف صنعه معه، وبالله التوفيق لا شريك له.

تفسير قوله تعالى وجعلكم ملوكا

[تفسير قوله تعالى وجعلكم ملوكا] ومن كتاب الأقضية في تفسير قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} [المائدة: 20] قال أشهب: وسمعت مالكا يقول: تأويل هذه الآية قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} [المائدة: 20] أي يكون للرجل مسكن يأوي إليه، والمرأة يتزوجها، والخادم تخدمه، فهذا أحد الملوك الذين ذكر الله عز وجل. قال محمد بن رشد: هذا مروي عن ابن عباس وغيره في تفسير {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} [المائدة: 20] أي أحرارا. وقد مضى ذلك بزيادة بيان فيه في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم. وقال الحسن: وجعلكم ملوكا أي أحرارا، لأنهم كانوا في قوم فرعون بمنزلة أهل الجزية فينا، فأخرجهم من ذلك الذل. وقال الكلبي في قوله: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ} [المائدة: 20] ، كان منهم في حياة موسى اثنان وسبعون نبيا. وقوله: {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 20] فيما ظلل عليهم من الغمام وأنزل عليهم من المن والسلوى وأشباه ذلك مما أوتوا، وبالله التوفيق. [القران في التمر] في القران في التمر وسئل عن الذي يقرن التمرتين جميعا في الأكل اثنتين

الحجامة في الأيام كلها

[اثنتين، قال:] إن كان هو أطعمهم فنعم، فقيل له هم شركاء، فقال لا أرى ذلك، هو يستأثر عليهم. قيل أفيجزي عنه أن يعلمهم بذلك فيقول إني آكل تمرتين تمرتين، فقال: من الناس من لا يقدر على هذا، وهذا لا يقدر على ذلك. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [الحجامة في الأيام كلها] في الحجامة في الأيام كلها، وكراهة ترك العمل في يوم الجمعة وسئل مالك هل يكره الاطلاء يوم الأربعاء ويوم السبت؟ فقال: لا، والله ما أرى به بأسا أن يطلي ويحتجم ويسافر وينكح يوم الأربعاء والسبت، والأيام كلها لله. وأرى أمرا عظيما أن يكون من الأيام يوم لا يحتجم فيه ولا ينكح فيه ولا يطلى فيه ولا يسافر فيه، فلا بأس بذلك، فليحتجم ولينكح وليطل وليسافر في أي الأيام شاء، وإني لأحتجم في السبت والأربعاء كثيرا. ولقد بلغني أن أصحاب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا يكرهون ترك العمل يوم الجمعة على نحو تعظيم اليهود السبت والنصارى الأحد، ولقد قال عمر ابن الخطاب لذلك الرجل وكان صالحا: أهذه الساعة؟ قال كنت في السوق. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام في كراهية ترك الحجامة في شيء من الأيام في مواضع من هذا السماع، والقول في كراهية ترك العمل في

النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي

يوم الجمعة في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي] في أن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسأل فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي قال مالك: كان النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأل فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي، وذلك في كتاب الله تبارك وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} [البقرة: 219] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} [طه: 105] هذا في كتاب الله كثير. قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه كثير موجود في القرآن وهو أيضا في السنن الثابتة عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثير أكثر من أن يحصى. من ذلك حديث الموطأ في اللعان إذ «سأل عاصم بن عدي رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[لعويمر عن الرجل يجد مع أمرأته رجلا، فكره رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] ما سأله عنه فلم يجبه على

طلب العلم والحث عليه

سؤاله، فأعلم بذلك عاصم لعويمر، فأتى عويمر فسأل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها. قال سهل بن سعد الساعدي راوي الحديث: فتلا عنا وأنا مع الناس عند رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» وحديث البخاري في «الرجل الذي أتى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بالجعرانة فقال له: كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت عنه رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاءه الوحي، فلما سري عنه قال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي برجل فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك» وبالله التوفيق. [طلب العلم والحث عليه] في طلب العلم وسئل عن طلب العلم أفريضة؟ فقال: لا، والله ما كل الناس كان عالما، وإن من الناس من أمره أن لا يطلبه، ثم قال من الغد: قد سئلت أطلب العلم فريضة؟ فقلت: أما على كل الناس فلا. قال محمد بن رشد: سئل أولا عن طلب العلم أفريضة هو؟ فقال: لا والله، يريد أنه ليس بفريضة على جميع الناس كالصلاة والصيام وما أشبه ذلك من العبادات التي هي من فرائض الأعيان. وقوله إن من الناس من أمره أن لا يطلبه، يريد أن من الناس من هو قليل الفهم لا تتأتى له المعاني

ربط الخيط في الأصبع للتذكرة

على وجوهها، وإذا سمع الشيء حمله على خلاف معناه، ومن كان بهذه الصفة فالحظ له أن يترك الاشتغال بطلب العلم إلى ما سواه من ذكر الله سبحانه وقراءة القرآن والصلاة، فهو أعظم لأجره. وفي قوله من الغد أما على كل الناس فلا، يدل على أنه فريضة على بعضهم، فهو عنده فريضة على من كان فيه موضع للإمامة. فقد روى عنه ابن وهب أنه كان جالسا معه فحضرت الصلاة فقام إليها، فقال له: ما الذي قمت إليه بأوجب عليك من الذي قمت عنه، وهو على سائر الناس فرض على كفاية. قال الله عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] . ومن للتبعيض، فإذا قام به بعض الناس سقط الفرض عن سائرهم إلا ما لا يسع الإنسان جهله من صفة وضوئه وصلاته وصومه وحجه وزكاته إن كان ممن تجب عليه الزكاة، فإن ذلك واجب عليه لا يسقط عنه الفرض فيه بمعرفة غيره به، وبالله التوفيق. [ربط الخيط في الأصبع للتذكرة] في ربط الخيط في الأصبع للتذكرة، وتعليق الحرزة من الحمرة، وتعليق الكتاب للحمى والاسترقاء وسئل عن الذي يربط في أصبعه الخيط يستذكر به فقال: ما أرى به بأسا. وسئل عن الذي يعلق الحرزة من الحمرة فقال: أرجو أن يكون خفيفا. قيل له: فالذي يكتب له القرآن من الحمى؟ فقال لا بأس به وما سمعت فيه شيئا. وسئل أيرقى الرجل ويسترقي؟ فقال لا بأس بذلك بالكلام الطيب. قيل أيغلق شيئا من هذه الكتب أو يعلقها؟ قال كذلك أيضا إن كان ما لا بأس به فلا بأس بذلك.

قال محمد بن رشد: أما ربط الخيط في الأصبع لتذكر الحاجة فقوله فيه إن ذلك لا بأس به بين، إذ ليس فيه أكثر من السماجة عند من يبصره ويراه ولا يعلم وجه مقصده فيه ومغزاه. وخفف تعليق الحرزة من الحمرة لأن ذلك إنما هو من ناحية الطب، وقد قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء» . وأما تعليق التمائم بالقرآن وذكر الله فأجازها مالك مرة في المرض وكرهها في الصحة مخافة العين أو لما يتقى من المرض، وأجازها مرة بكل حال في حال الصحة والمرض. ومن أهل العلم من كره التمائم على كل حال، كان فيها ذكر الله أو لم يكن، في حال الصحة وفي حال المرض، لما جاء في الحديث من أن «من تعلق شيئا وكل إليه ومن علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له» . ومنهم من أجازها على كل حال في حال المرض، ومنع منها في حال الصحة لما روي عن عائشة من أنها قالت: ما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة. وقد مضى هذا المعنى في رسم [كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، ومضى الكلام عليه مستوعبا في رسم] الصلاة الأول من سماع أشهب من كتاب الصلاة. وأما الرقى بكتاب الله عز وجل وذكره فإنه جائز لا كراهة فيه، بل هو مرغب فيه ومندوب إليه ومستحب فعله. ذكر مالك في موطأه عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة «أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث. قالت فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها.» «وعن عثمان بن أبي العاص أنه أتى رسول الله

التداوي بالبول والخمر

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبه وجع قد كاد يهلكه، فقال له رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امسحه بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد. قال فقلت ذلك فأذهب الله عنى ما كان بي، فلم أزل أمر بها أهلي وغيرهم» . وقد أمر- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالاسترقاء من العين «فقال في ابني جعفر بن أبي طالب وقد دخل عليه بهما فرآهما ضارعين، فقالت له حاضنتهما إنه تسرع إليهما العين، فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين» «ودخل- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيت أم سلمة وفي البيت صبي يبكي، فذكروا له أن به العين فقال: ألا تسترقون له من العين» . [التداوي بالبول والخمر] في التداوي بالبول والخمر وسئل عن الذي تكون له القرحة أيغسلها بالبول والخمر؟ فقال: إذا أنقى ذلك بالماء بعد فنعم له ذلك، وإني لأكره الخمر في كل شيء الدواء وغيره، يعمد إلى ما حرم الله في كتابه وذكر نجاسته يتداوى به. ولقد بلغني أن هذه الأشياء أشياء يدخلها من يريد الطعن في الدين والغض عليه. فقيل له: فالبول عندك أخف؟ فقال نعم. فقيل له: أفرأيت الذي يشرب بول الإنسان يتداوى به؟ فقال ما أرى ذلك ولكن لا بأس ببول البقر والغنم والإبل أن يشرب. فقلت له: كل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله؟ فقال لي أنت قلت هذا من عندك ولم أقلها لك، ولكن أبوال الأنعام التي ذكر الله، الثمانية الأزواج

الذي ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه وجعل يتقرب إليه بها. قال محمد بن رشد: إنما رأى غسل الجرح بالبول أخف من غسله بالخمر، لأن الله تبارك وتعالى قال في الخمر إنها رجس وأمر باجتنابها حيث يقول: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] فاقتضى ظاهر الأمر باجتنابها بحمله على مقتضاه من العموم الشرب وغيره؛ والبول لم يأت فيه ذلك إلا أنه نجس بالإجماع، فحرم التداوي بشربه وجاز الانتفاع به في غسل الجرح وشبهه، قياسا على ما أجازته السنة من الانتفاع بجلد الميتة النجس. وفرق في هذه الرواية بين أبوال الأنعام وأبوال ما يؤكل لحمه من سائر الحيوان، فقال ابن لبابة: معنى ذلك في التداوي بشربها لا في طهارتها، وهو تأويل محتمل، والقياس إذا استوت عنده في الطهارة أن تستوي في إجازة التداوي بشربها، وإذا افترقت عنده في إجازة التداوي بشربها أن تفترق عنده في الطهارة، فالتفرقة بين أبوال الأنعام وأبوال ما يؤكل لحمه من غيرها في الطهارة وفي جواز التداوي بشربها مع استوائها في الطهارة استحسان. ووجه التفرقة بينهما في الطهارة هو أن الأصل كان في جميع الأبوال أن تكون نجسة قياسا على أبوال بني آدم، فخصص من ذلك أبوال اللقاح بالسنة، وأبوال سائر الأنعام بالقياس على ما خصصته السنة، وبقي أبوال سائر الحيوان على الأصل في النجاسة. ووجه التفرقة بينهما في التداوي بشربها مع استوائهما في الطهارة مراعاة قول المخالف في أنها كلها نجسة، فلا يشرب منها في الدواء إلا ما أجازته السنة، وهي أبوال الأنعام. وقد مضى في الرسم الأول من سماع أشهب زيادة في معنى هذا فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

السيد ليس من أسماء الله عز وجل

[السيد ليس من أسماء الله عز وجل] في أن السيد ليس من أسماء الله عز وجل وسئل هل كان أحد بالمدينة يكره أن يقول العبد لسيده يا سيدي؟ فقال لا، ولم يكره ذلك، وقال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] وقال تبارك وتعالى: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39] فلم يكره ذلك. قيل يقولون إن السيد هو الله، قال فأين في كتاب الله أن الله هو السيد؟ هو الرب، قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: 28] وقال: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] قيل: أفتكره أن يدعو الرجل فيقول يا سيدي؟ فقال: غير ذلك أحب إلي أن يدعو بما في القرآن وما دعت به الأنبياء. قيل: ذلك أحب إليك من أن يقول يا سيدي؟ فقال نعم، لا أحب أن يقول يا سيدي، وغير ذلك أحب إلي. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا قبل هذا في رسم البز من سماع ابن القاسم وفي كتاب الصلاة من رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب منه فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. [الإخوة اثنان فصاعدا] في أن الإخوة اثنان فصاعدا قال مالك: مضت السنة أن الإخوة اثنان فصاعدا. قال محمد بن رشد: يريد بقوله مضت السنة، أي مضت الطريقة

كراهة الصوف الغليظ

التي درج الناس عليها في قوله عز وجل: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] ، أن الإخوة اثنان فصاعدا، فهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس. وهذا قول جماعة الفقهاء إلا ابن عباس فإنه كان لا يحجب بأخوين، وحجته أن الله تعالى قال: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] . وقول جميع أهل اللغة أن الأخوين جماعة كما أن الإخوة جماعة، لأنك إذا جمعت واحدا إلى واحد فهما جماعة يقال لهما إخوة. وحكى سيبويه أن العرب تقول قد وضعا رحالهما تريد رحلي راحلتهما. وكتاب الله عز وجل أولى ما احتج به في ذلك، قال عز وجل: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ، ولم يقل قلباكما؟ وقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39] {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [يوسف: 40] . ولم يقل ما تعبدان. فإن ترك المتوفى أبوين وأخوين فللأم السدس، وما بقي للأب، إذ لا يرث الإخوة معه شيئا لأنه أحق بالتعصيب منهم. ولا اختلاف في هذا إلا ما يروى عن ابن عباس أنه كان يعطي الإخوة هنا السدس الذي منعوا الأم أن تأخذه، وهو شاذ خلاف ما أجمع عليه الفقهاء من أن الإخوة لا يرثون مع الأب، وبالله التوفيق. [كراهة الصوف الغليظ] في كراهة الصوف الغليظ قال وقال مالك في لباس هذا الصوف الغليظ: لا خير في الشهرة، ولو كان المرء يلبس ذلك مرة ويطرحه أخرى إذا رجوت ألا يكون به بأس، فأما أن يعاهد عليه حتى يعرف ويشهر فإني أكرهه ولا

السفر في طلب العلم

أحبه. ومن ثياب القطن ما هو أخشن في اللباس وأبعد في الشهرة ومن رخص الثمن في مثل نصف ثمن هذا الصوف، فلا أحب ذلك ولا أستحسنه. وقد روي «أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى على رجل أطمارا فقال له: هل لك من مال؟ فقال نعم قد آتاني الله من أنواع المال كله، فقال له رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فلير عليك مالك» . قال مالك: وسمعت «أن رجلا قال لرسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إني أحب أن يحسن ثوبي ويحسن صوتي ونحو ذلك أفذلك من الكبر يا رسول الله؟ فقال لا، ولكن الكبر من سفه الحق وغمط الناس» . قال محمد بن رشد: الشهرة في اللباس مذموم مكروه، والاقتصاد في ذلك هو المختار والمستحب، لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وقد مضى الكلام على هذا المعنى قرب آخر الرسم الأول من هذا السماع، وبالله التوفيق. [السفر في طلب العلم] في السفر في طلب العلم قال مالك حدثني رجل أن سعيد بن المسيب قال: إن كنت لأسير الليالي في طلب الحديث الواحد. قال محمد بن رشد: هذا من اجتهاده في طلب العلم وفضله، وبذلك ساد أهل عصره، وكان يسمى سيد التابعين. وقد مضى هذا والقول

الاطلاء في العشر

فيه في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [الاطلاء في العشر] في الاطلاء في العشر قال مالك عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا بالاطلاء في العشر. قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك وجمهور العلماء، وكرهه جماعة من أهل العلم لما روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنه قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة فأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي» . وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم الرطب باليابس من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [فيما هو من شأن ابن آدم] قال مالك: من شأن ابن آدم ألا يعلم كل شيء، ومن شأنه أن يعلم ثم ينسى، ومن شأنه أن يعلم ثم يزيده الله عز وجل علما. قال محمد بن رشد: هذا كله بين لا يخفى. قال الله عز وجل: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85] وقال: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6] {إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 7]

شكوى الرجل همه إلى الله

وقال: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] . وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إني لأنسى أو أنسى لأسن» وقال- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها الحديث» وقال عز وجل: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] ، وبالله التوفيق لا شريك له. [شكوى الرجل همه إلى الله] في شكوى الرجل همه إلى الله قال مالك قال ذلك الرجل [يدعو] وهو في بيته يصلي: اللهم إني أشكو إليك ما أفقد من عقلي. قال مالك وقد قال الله عز وجل: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] . قال محمد بن رشد: الرجل المشار إليه، والله أعلم، هو الربيع بن خثيم. ومعنى قوله اللهم إني أشكو إليك ما أفقد من عقلي: اللهم إني أشكو إليك ما أغلب عليه من أمري فأقصر فيما يلزمني من طاعة ربي، ومن الفكرة فيما أمر به من الاعتبار بمخلوقاته والاستدلال بها على ما هو عليه من صفات ذاته وأفعاله. من ذلك قَوْله تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الأعراف: 185] وقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]

رواية المغازي

، وقوله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17] الآية وقوله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58] الآيات إلى قوله: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة: 73] وقوله: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] ومثل هذا كثير في القرآن أكثر من أن يحصى. ومعنى الشكوى إلى الله الرغبة إليه في التجاوز والعفو وكشف البلوى والضر. وقول مالك في تفسير قوله وقد قال الله عز وجل: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] يدل على صحة تأويلنا عليه في المعنى الذي يشتكي به إلى الله، لأن المعنى فيه يجعل لكم فصلا بين الحق والباطل حتى تعرفوا ذلك بقلوبكم وتهتدوا إليه، لأن الفرقان في كلام العرب مصدر من قولهم فرقت بين الشيء والشيء أفرق فرقا وفرقانا، وبالله التوفيق. [رواية المغازي] في رواية المغازي وسئل عن من روى مغازي النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأشعارها، هل ترى بذلك بأسا؟ قال لا أرى به بأسا، وأتقي أن يروى باطلا، فإن الناس قد أكثروا. قال محمد بن رشد: قد أنكر في أول رسم من سماع ابن القاسم كتاب المغازي وقال: ما أدركت الناس، يريد أهل الفقه، يكتبونها، قال ولا أرى أن تكتب ولا أحب أن أكتبها ولا أبتدع [في] ذلك. وإنما كره

خصاء البهائم

كتابها مخافة مواقعة الكذب فيها، إذ ليس في سياقها بطولها فائدة فقه من تحليل أو تحريم يعتد الناس بحفظه والتفقه فيه، كالأحاديث المروية عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأحكام، وبالله التوفيق لا شريك له. [خصاء البهائم] في خصاء البهائم وسئل مالك عن خصاء البهائم الغنم والبقر فقال: ليس بحضائها بأس لطيب اللحم. قال ابن القاسم: أجاز ذلك ولم يره من المثلة المنهي عنها، لما في ذلك من صلاح اللحم. وقد تقدم ذلك في هذا السماع، وبالله التوفيق. [اللعب بالشطرنج] في اللعب بالشطرنج وسئل عن اللعب بالشطرنج فقال: لا خير فيه وليس بشيء، وهو من الباطل، واللعب كله من الباطل، لينبغي لذي العقل أن تنهاه اللحية والشيب والسن عن الباطل. وقد قال عمر بن الخطاب لأسلم في شيء: أما آن أن تنهاك لحيتك هذه؟ قال أسلم فمكثت زمانا طويلا وأنا أظن أن ستنهاني؟ فقلت له: لما كان عمر بن الخطاب لا يزال يقول فيكون، فقال لي نعم في رأيي. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

صفة أرباب العلم

[صفة أرباب العلم] ومن كتاب الأقضية في صفة أرباب العلم وسئل عن قول كعب لابن سلام في العلم: ما نفاه من صدرهم بعد أن علموه؟ فقال الطمع، فقال ما ذاك النفي وهو في قلوبهم وهم يعلمونه؟ فقال هم يعلمونه ولكن نفيه من صدوهم بسلوكهم غير سبيله وتركهم العمل به، وهو مما كان يستعاذ منه، - لقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع» . قال محمد بن رشد: قد مضى بيان هذا والقول فيه في الرسم الأول من هذا السماع وفي رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [الانتعال قائما] في الانتعال قائما وسئل مالك هل ترى بأسا أن ينتعل الرجل قياما؟ فقال لا. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا وما جاء فيه في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم. وإنما لم ير مالك به بأسا لأنه إنما يخاف على فاعل ذلك السقوط لقيامه على الرجل الواحدة ما دام ينتعل الثانية، لأن النهي إنما جاء فيه لهذا المعنى، والله أعلم. فإذا أمن الرجل من ذلك جاز له أن يفعله، وبالله التوفيق.

كراهة الكحل للرجل

[كراهة الكحل للرجل] في كراهة الكحل للرجل وسئل عن الكحل للرجل بالنهار فقال: ما يعجبني أن يكتحل الرجل بالليل ولا بالنهار، إلا أن تكون تأخذه علة فيكتحل، وإنما الكحل من أمر النساء، وما أدركت أحدا من الناس يكتحل هكذا إلا من ضرورة، ولربما وجدت الشيء فاكتحلت به فجلست في البيت ولم أخرج منه. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا فيما تقدم، والمعنى فيه بين، لأن في الاكتحال التشبه بالنساء، ويكره للرجال التشبه بالنساء، وللنساء التشبه بالرجال، لما جاء في ذلك، وبالله التوفيق. [مواكلة النصراني ومصادقته وتكنيته] في مواكلة النصراني ومصادقته وتكنيته وسئل مالك عن مواكلة النصراني في إناء واحد، قال تركه أحب إلي وأما حرام فلا أراه، ولا يصادق نصراني. وسئل عن النصراني يكنى بأبي حكيم أيكنى بها؟ قال هم يكتنون ويتسمون، هذا اسم وهذه كنية، ومنهم من يسمى باسم نبي هارون وموسى، فكأنه لم ير بذلك بأسا. قال محمد بن رشد: الوجه في كراهة مصادقة النصراني بين، لأن الله عز وجل يقول: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] ، فواجب على كل مسلم أن يبغض في الله من يكفر به ويجعل معه إلها غيره ويكذب رسوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومواكلته في

الخروج لطلب العلم

إناء واحد تقتضي الألفة بينهما والمودة، فهي تكره من هذا الوجه وإن علمت طهارة يده. وأما تكنيته بأبي حكيم وبغيره من الكنى، فإذا كانت الكنية له كالاسم الذي يعرف به فتكنيته بها مباحة، إذ ليس في ذلك قصد إلى إكرامه وترفيعه، وقد قال الله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] فلم يكن ذلك ثناء من الله عز وجل عليه ولا ترفيعا له، بل مقته بذلك وأوعده بما أوعده به. وأما تكنيته إذا كان له اسم يعرف به فمكروه، لأن تكنيته ترفيع به وإكرام له، وذلك خلاف ما يستحب من إذلالهم وإصغارهم لمحاربتهم الله عز وجل ورسوله. وقد وقع في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان أنه قد كان يرخص في ذلك، والترخيص ليس بإباحة. وإنما يرجع اختلاف قوله في ذلك إلى قوة الكراهة وضعفها، ولا حجة في إباحة ذلك دون كراهة، «لقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصفوان بن أمية: انزل أبا وهب» لأنه إنما قال ذلك له استئلافا له رجاء أن يسلم. وكذلك قوله للذي كان يقبل عليه بحديثه من عظماء المشركين إذ دخل عليه عبد الله ابن أم مكتوم: يا أبا فلان، هل ترى بما أقول بأسا، لأنه إنما أقبل عليه بحديثه وكناه رجاء إسلامه وإسلام من وراءه بإسلامه، وبالله التوفيق. [الخروج لطلب العلم] في الخروج لطلب العلم قال وسئل فقيل له: يا أبا عبد الله، أترجو لمن خرج في طلب هذا الفقه والعلم في ذلك خيرا؟ فقال: نعم، لمن حسنت نيته، وهدي لخيره، وأي شيء أفضل منه، قال الله تبارك

وتعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] ولكن الناس قد خلطوا. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله أنه إنما يرجى الخير لمن خرج طالبا للعلم إذا حسنت في ذلك نيته، قال الله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات» معناه إنما الأعمال التي يثاب عليها فاعلها ما خلصت فيه النية لله عز وجل. فطلب العلم مع خلوص النية في ذلك من أفضل أعمال البر وأجل نوافل الخير، قال الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] وقال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» وقال: «من سلك طريقا يطلب فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة» وروي: «إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع» . والآثار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى، وبالله التوفيق.

قرط الذهب للصبي

[قرط الذهب للصبي] في قرط الذهب للصبي وسئل عن قرط الذهب للصبي [الصغير] ، قال تركه أحب إلي في الغلمان. قال محمد بن رشد: الكراهة في هذا بينة، لأن الصبي وإن لم يكن متعبدا فوالده متعبد فيه، فكما لا يحل له أن يسقيه الخمر، فكذلك لا ينبغي له أن يحليه بالذهب ولا يلبسه الحرير، فإن حلاه بالذهب أو ألبسه الحرير لم يأثم، وإن ترك ذلك ولم يفعله لما جاء من تحريم ذلك على الذكور دون الإناث أجر. وأما إن سقاه خمرا أو أطعمه خنزيرا فهو آثم في ذلك كما لو شرب هو الخمر وأكل الخنزير أو الميتة من غير ضرورة. والفرق بين أن يسقيه الخمر ويكسوه الحرير، أن الخمر لا يحل تملكها ولا شربها لذكر ولا أنثى ولا صغير ولا كبير، بخلاف الحرير والذهب، وبالله التوفيق. [جواز الكي] في جواز الكي وسئل عن الكي في اللقوة؟ فقال ما أرى بذلك بأسا، بلغني أن الناس كانوا يكتوون، واكتوى ابن عمر من اللقوة، وكوي سعد ابن زرارة وكان من أحد النقباء في زمن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال محمد بن رشد: كذا وقع في الموطأ سعد بن زرارة، وإنما هو أسعد بن زرارة، وقال فيه إنه اكتوى في زمن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وسلم- من الذبحة فمات. وقد روي عن أنس بن مالك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كوى أسعد بن زرارة من الشوصة» والمعروف إنما هو من الشوكة الذبحة. وروي أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر به أن يكوى من الشوكة طوق عنقه بالكي، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات. وقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما مات: «بئس الميت ليهود يقولون ألا دفع عنه، ولا أملك له ولا لنفسي شيئا» . وروي «عن أنس بن مالك قال: كواني أبو طلحة ورسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أظهرنا، فما نهانا عنه» . وروي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية ابن عباس أنه قال: «إن كان الشفاء ففي ثلاث، أو قال الشفاء في ثلاث في شربة عسل أو كية نار أو شرطة محجم» . وبعض رواته يزيد فيه: «وما أحب أن أكتوي» . وقد روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه نهى عن الكي» من رواية عمران بن حصين قال: «سمعت النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن الكي» قال فما زال البلاء بنا حتى اكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا. قال عمران وكان يسلم علي، فلما اكتويت فقدت ذلك، ثم راجعه بعد ذلك السلام. فيحتمل أن يكون معنى

ذلك أنه نهى عن الكي في أمر ما أو في علة ما، أو أنه نهى عنه نهي أدب وإرشاد إلى التوكل على الله عز وجل والثقة به، فلا شافي سواه، ولا شيء إلا ما شاءه. ومن الدليل على ذلك ما روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية مغيرة بن شعبة أنه قال: «ما توكل من استرقى أو اكتوى» يريد، والله أعلم، ما توكل حق التوكل، لأن من لم يسترق ولا اكتوى أشد توكلا وإخلاصا للتوكل منه. ويعضد هذا قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم وهم الذين لا يسترقون [ولا يكتوون] ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» . ومن هذا المعنى ما روي أن رجلا من العرب شاور عمر بن الخطاب في أن يكوي ابنه، فقال له لا تقرب ابنك النار، فإن له أجلا لا يعدوه. ومنه ما روي «عن جابر بن عبد الله قال: اشتكى رجل منا شكوى شديدة، فقال الأطباء لا يبرأ إلا بالكي، فأراد أهله أن يكووه، وقال بعضهم لا حتى نستأمر رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستأمره فقال لا يبرأ، فلما رآه رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: هذا صاحب بني فلان؟ قالوا نعم، قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن هذا لو كوي قال الناس إنما أبرأه الكي» . وقد اكتوى جماعة من السلف، منهم خباب. قال قيس بن أبي حازم: دخلنا على خباب نعوده وقد اكتوى سبعا في بطنه، وقال قيس عن جرير أقسم علي عمر لأكتوين. واكتوى ابن عمر وكوى ابنه وهو محرم. وكوى الحسن بن علي نجيبة له قد مال سنامها على جنبها، فأمر أن تقطع وتكوى، وبالله التوفيق.

كراهة رفع البناء على البيت

[كراهة رفع البناء على البيت] في كراهة رفع البناء على البيت قال مالك وكان مكروها ممنوعا أن يشرف أحد ببنائه على بناء الكعبة. قال محمد بن رشد: هذا يكره من ناحية التعظيم للبيت والحرمة له، وبالله التوفيق. في سلام الذي يمر بقبر النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال وسئل مالك عن المار بقبر النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أترى أن يسلم كلما مر به؟ قال نعم، أرى ذلك عليه أن يسلم عليه إذا مر به، وقد أكثر الناس من ذلك. فأما إذا لم يمر به فلا أرى ذلك. قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» فقد أكثر الناس في هذا. فأما إذا مر بقبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرى أن يسلم عليه، فأما إذا لم يمر عليه فهو في سعة من ذلك. قال وسئل عن الغريب يأتي قبر النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كل يوم، فقال: ما هذا من الأمر، ولكن إذا أراد الخروج. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أنه إنما يلزمه أن يسلم عليه كلما مر به وليس عليه أن يمر به ليسلم عليه إلا للوداع عند الخروج، ويكره له أن يكثر المرور به والسلام عليه والإتيان كل يوم إليه، لئلا يجعل القبر بفعله

تقبيل الرجل يد أبيه أو عمه

ذلك كالمسجد الذي يؤتى كل يوم للصلاة فيه. وقد نهى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك بقوله: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد. اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . وبالله التوفيق. [تقبيل الرجل يد أبيه أو عمه] في تقبيل الرجل يد أبيه أو عمه وسئل عن تقبيل الرجل يد أبيه أو عمه فقال: لا أرى أن يفعل، وإن ذلك ليكره، إن الذين مضوا لم يفعلوا ذلك بأحد. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والقول فيه مستوفى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [الوليمة يدعى إليها الرجل وفيها اللعب] في الوليمة يدعى إليها الرجل وفيها اللعب وسألته عمن يدعى إلى وليمة وفيها إنسان يمشي على الحبل وآخر يجعل على جبهته خشبة كبيرة ثم يركبها إنسان وهي على جبهته، فقال أرى أن لا يؤتي، وأرى أن لا يكون معهم. قيل له: أرأيت إن دخل ثم علم بهذا، أترى له أن يخرج؟ قال نعم، يقول الله تبارك وتعالى: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140] . قال محمد بن رشد: اللعب في الوليمة هو من ناحية ما رخص فيه

هيئة العمامة

من اللهو، وقد اختلف فيما رخص فيه من ذلك هل الرخصة فيه للنساء دون الرجال. أو للرجال والنساء؟ [فقال أصبغ في سماعه من كتاب النكاح إن ذلك إنما يجوز للنساء دون الرجال، وإن الرجال لا يجوز لهم عمله ولا حضوره، وهو ظاهر ما في هذه الرواية. والمشهور أن عمله وحضوره جائز للرجال والنساء] ، وهو قول ابن القاسم في رسم سلف دينارا من سماع عيسى من كتاب النكاح. ومذهب مالك خلاف قول أصبغ، إلا أنه كره لذي الهيئة أن يحضر اللعب. وقد اختلف فيما جوز من ذلك في العرس هل هو من قبيل الجائز الذي تركه أحسن من فعله فيكره فعله لما في تركه من الثواب، لا أن في فعله حرجا أو عقابا؟ أو من قبيل الجائز الذي يستوي فعله وتركه في أنه لا حرج في فعله ولا ثواب في تركه، وبالله التوفيق. [هيئة العمامة] في هيئة العمامة وسئل عن العمامة أترخى بين الكتفين شيئا؟ وهل يسدل بين يديه؟ فقال: لم أر أحدا ممن أدركت وهو يرخي بين كتفيه منها شيئا وهو يسدل بين يديه، وقد كنت ألبسها فأسدلها بين يدي وأدخل الذي يكون من طيها خلفي أحشو به العمامة، ولم أتركها إلا منذ قدم علينا ولاة بني هاشم، فتركناها خوفا من خلافهم، لأنهم لا يلبسونها. وقد كان من قبلهم لا يدعونها حتى إن الإمام ليخطب بها في كل جمعة في الشتاء والصيف، وهي لباس العرب ليست

تلبسها الأعاجم. وقد رأيت ربيعة وابن هرمز يعتمان، ولم يكن واحد منهما يرخي بين كتفيه منها شيئا، ورأيتهما يسدلانها بين أيديهما، ولست أكره إرخاءها من خلفه لأنه حرام، ولكن هذا أجمل، ولم أر أحدا ممن أدركت يرخي بين كتفيه منها شيئا إلا عامر بن عبد الله بن الزبير، فإني رأيته يرخي بين كتفيه من عمامته. وقد بلغني أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين انصرف من الخندق وضع عنه السلاح، ولا أدري اغتسل أم لا، فأتاه جبريل فقال: يا محمد، أتضعون اللامة قبل أن تخرجوا إلى قريظة؟ لا تضعوا السلاح حتى تخرجوا إلى قريظة. فصاح رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الناس أن لا يصلي أحد إلا في بني قريظة، وذلك لصلاة العصر، فصلى بعض الناس بعد فوات الوقت، ولم يصل بعضهم حتى لحقوا بني قريظة اتباعا لقول رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرئي يومئذ جبريل في صورة دحية معتما قد سدلها بين كتفيه. قال مالك وقال ربيعة إني لأجد العمة تزيد في العقل. قال مالك: حدثني ابن المطلب أنه رآه أبوه بغير عمة فانتهره وزجره واشتد عليه وقال تدع العمة! قال محمد بن رشد: قد روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا اعتم يسدل عمامته بين كتفيه. قال نافع: وكان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه. قال عبيد الله: ورأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك، فلا وجه لكراهة ذلك إلا ما ذكره مالك من أن ذلك أجمل. وقول ربيعة إني لأجد العمة تزيد في العقل، ليس على ظاهره بأنها تزيد في العقل حقيقة. والمعنى في ذلك أن لابسها سلك من أجل لباسه إياها مسلك العقلاء. وذلك أنها لما كانت من هيئة

سن عيسى ابن مريم عليه السلام

العلماء والخيار، وأهل السمت والوقار، رأى لابسها من العار على نفسه أن يخالف طريقهم في السمت والوقار، فالتزم من ذلك فوق ما كان يلتزمه قبل، وبالله التوفيق. [سن عيسى ابن مريم عليه السلام] في سن عيسى ابن مريم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال مالك: كان عيسى ابن مريم يقول: يا ابن الثلاثين مضت الثلاثون فماذا تنتظر؟ قال: ومات ابن ثلاث وثلاثين سنة. قال محمد بن رشد: قوله ومات ابن ثلاث وثلاثين سنة، معناه خرج من الدنيا ورفع إلى الله عز وجل وهو في هذا السن، قال الله تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ} [النساء: 156] ، يعني اليهود، {عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء: 156] {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] إلى قوله: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 157] أي ما قتلوا العلم بذلك يقينا، {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158] ، معناه حيا على ما قاله جماعة من أهل التفسير، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 158] . وسينزل في آخر الزمان على ما تواترت به الآثار، من ذلك ما روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ليس بيني وبينه نبي وإنه نازل لا محالة فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع الخلق بين ممصرتين إلى الحمرة والبياض، سبط

مرور عبد الله بن عمر على راعي غنم فسأله أن يبيعه شاة

الرأس كأن رأسه يقطر ماء وإن لم يصبه بلل فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقاتل الناس على الإسلام فيهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام حتى تقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الأسد مع الإبل والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الغلمان بالحيات لا يضر بعضهم بعضا» . ويحتمل أن يكون معنى قوله: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158] أي رفع روحه إليه بعد أن مات ويحييه في آخر الزمان فينزله إلى الأرض على ما جاءت به الآثار، فيكون قول مالك على هذا ومات وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة على الحقيقة لا على المجاز، وبالله التوفيق. [مرور عبد الله بن عمر على راعي غنم فسأله أن يبيعه شاة] ومن كتاب البيوع الأول قال: ومر عبد الله بن عمر على راعي غنم فسأله أن يبيعه شاة، فقال لم أؤمر، فقال عبد الله وما علم أربابك، فقال له الراعي: فأين الله؟ فعجب ابن عمر ولم يزل في نفسه يسأل عنه حتى ابتاعه فأعتقه. قال محمد بن رشد: في هذا الرغبة في عتق الفاضل الخير من العبيد، وأن عتقه أفضل من عتق من دونه في الفضل. وهذا إذا استوت أثمانهما، وأما إن كان أحدهما أعلى ثمنا والآخر أحسن دينا فالأعلى ثمنا أفضل. وإنما اختلف في عتق النصراني والمسلم إذا كان النصراني أعلى ثمنا أيهما أفضل؟ وبالله التوفيق.

تفسير قول الله عز وجل وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه

[تفسير قول الله عز وجل وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه] في تفسير قول الله عز وجل: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] قال وسمعته يقول: سمعت أن هذه الآية نزلت في يوم الخندق: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] . قال محمد بن رشد: وقد قيل في تفسير قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} [النور: 62] الجمعة والعيدين والاستسقاء وكل شيء تكون فيه الخطبة، لم يذهبوا حتى يستأذنوا الرسول. وقوله عز وجل: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} [النور: 62] قيل فيه إنه كناية عن الغائط والبول، وإنه إنما قال: {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور: 62] وإن كان قد وجب عليه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى من بعده الإذن في ذلك إكراما منه له وإعظاما لمنزلته. والأظهر أن المراد بقوله: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} [النور: 62] ما يعرض لهم من حوائج دنياهم، فله أن يأذن لمن شاء منهم في ذلك وأن ذلك كان في الغزو، فكان المنافقون يتسللون لواذا بغير إذن، وكان المؤمنون لا ينصرف أحد منهم في حاجة تعرض له إلا بإذن، فأثنى الله عز وجل على المؤمنين بقوله: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور: 62] ، إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5] وتوعد المنافقين بقوله: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] ، وبالله التوفيق.

المراد بالمحروم

[المراد بالمحروم] في المحروم وسئل مالك عن المحروم فقال: إنه ليقال هو الفقير الذي لم يسأل ويحرم الرزق، ثم سئل بعد ذلك أيضا فقال: سمعت أنه الفقير الذي يحرم الرزق. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والقول فيه في أول رسم من هذا السماع. في تفسير قول الله عز وجل: ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك وسئل عن قول الله عز وجل: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] ما هو؟ قال: أن يعيش ويأكل ويشرب غير مضيق عليه في رأي. قال محمد بن رشد: قد مضى القول عليه أيضا في آخر الرسم الأول من هذا السماع، وبالله التوفيق. [تفسير قول الله عز وجل والراسخون في العلم] في تفسير قول الله عز وجل: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] قال وسألته عن قوله عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] أيعلم تأويله الراسخون في العلم؟ فقال لا، إنما تفسير ذلك أن الله قال:

قول الرجل لأخيه في العيد تقبل الله مني ومنك

{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] ثم أخبر فقال: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] وليس يعلم تأويله إلا الله. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم البز من سماع ابن القاسم فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. [قول الرجل لأخيه في العيد تقبل الله مني ومنك] في قول الرجل لأخيه في العيد: تقبل الله مني ومنك وسئل مالك هل يكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد: تقبل الله مني ومنك وغفر الله لنا ولك، ويرد عليه أخوه مثل ذلك، فقال لي: لا نكره مثل ذلك. قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك من رواية مطرف وابن كنانة أنه سئل عن ذلك فقال: لا أعرفه ولا أنكره، يريد أنه لا يعرفه في السنة، ولا ينكره لأنه قول حسن. قال ابن حبيب: وقد رأيت ذلك يقال لمن أدركت من أصحاب مالك فيردون منه ولا يستنكرونه، إلا أني لم أرهم يبدؤون به أحدا. قال ولا بأس أن يبدأ به لإخوانه، لأنه إن كان فطرا فهو على إثر خاتمة الصيام وأداء الفطرة، وإن كان أضحى فهو على إثر صيام العشر وعلى إثر التضحية. وإنما اشتقه من اشتقه أولا من دعاء الناس بعضهم لبعض بذلك في الحج أيام الحج، فاستفاض في غيرهم. ومنه اشتق أيضا القول الذي جرى في كلام الناس في الأضحى: أدركت ما أدرك الصالحون، معناه أدركت الحج كما أدركه الحجيج في هذا اليوم، وذلك أن

الله عز وجل قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9] {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10] قال ابن عباس وغيره: يقول فأصدق فأؤدي الزكاة، وأكن من الصالحين: أحج البيت. وقد روي عن بعض أصحاب مالك أنه كره أن يقول أدركت ما أدرك الصالحون، ولم ير بأسا أن يقول تقبل الله منا ومنك، وليس بين الأمرين فرق بين، لأنه دعاء بخير في الوجهين. وكأن المفرق بين الدعاء رأى أن الرجل أحوج إلى أن يتقبل منه عمله فيما مضى من أن يعيش فيعمل الخير فيما يستقبل، لأنه إن لم يتقبل منه أعماله المفروضات بقيت عليه فيها التباعات، وإن مات لم تكن عليه تباعة فيما لم يدرك وقته من المفروضات. وسئل عن التهادي للقرابة في يوم العيد والتزوار بعضهم بعض، فأجاز ذلك. ومعناه إذا لم يقصد زيارته في يوم العيد من أجل أنه يوم العيد حتى يجعل ذلك من سنة العيد، وإنما زار قريبه أو أخاه في الله عز وجل من أجل تفرغه لزيارته في ذلك اليوم. فما أحدث الناس اليوم من التزام التزوار في ذلك اليوم كالسنة التي تلزم المحافظة عليها وترك تضييعها، هو بدعة من البدع المكروهة، تركها أحسن من فعلها. وليس للرجل أن يستعمل عبده يوم الفطر ولا أيام النحر إلا في الخدمة اليسيرة من استقاء الماء وشبهه، فأما أن يبعثه للحرث والحصاد وشبه ذلك فلا. وأما الرجل في خاصة نفسه فيقال له إنما هي أيام أكل وشرب وذكر لله، فإن أبى إلا أن يعمل لم يكن بذلك بأس، وبالله التوفيق.

كتاب الجامع التاسع

[كتاب الجامع التاسع] [المفتين من التابعين في المدينة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. كتاب الجامع التاسع من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده في المفتين من التابعين في المدينة وسمعته يذكر عن مالك أنه كان بهذا البلد، يعني المدينة، أربعة عشر من تابعي أصحاب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفتون في هذا الشأن. فقيل لابن القاسم: أتسميهم؟ فقال: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وهذان إماما الناس من التابعين، وقد اختلف الناس في أعلمهما: فأما ربيعة، وعبد العزيز بن أبي سلمة، ومن أخذ بناحيتهما وأهل الكوفة فكانوا يقولون سليمان أفقههما، وأما مالك بن أنس ومن أخذ بناحيته فيقولون سعيد. ثم ذكر ابن القاسم سليمان قال كان أعلم بالحلال والحرام، قال ولم يأت أحد من التابعين من الأحاديث والسنن بمثل ما جاء به سعيد وعبيد الله بن عبد الله. ثم عدد القاسم، وسالما، وعروة بن الزبير، وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومحمد بن علي بن حسين، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. قال والصنف الآخر من التابعين في العبادة بشر بن سعيد، وكان يجالس عمر بن

ما يذكر من نجابة عمر بن عبد العزيز

الخطاب، وعطاء بن يسار، وتلك الطبقة. ثم كان من تابعي هؤلاء الأربعة عشر صفوان بن سليم، وأبو حازم بن دينار، وابن المنكدر. قال وكان من تابعي الأولين في العلم ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وابن هرمز، وأبو الزناد، وتلك الطبقة، إلا أن ربيعة كان تابعا [لبعض] أصحاب النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أدرك أنس بن مالك وسمع منه، وأبو حازم قد أدرك بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال محمد بن رشد: كذا وقع عن بشر بن سعيد أنه كان يجالس عمر بن الخطاب، وفي بعض الكتب أنه كان يجالس عبد الله بن عمر، وهو الصواب، لأنه لم يدرك عمر بن الخطاب. وذكر مالك أن المفتين من التابعين، يريد من كبار التابعين، أربعة عشر، سمى منهم ابن القاسم ثلاثة عشر رجلا، اشتهر منهم بالعبادة بشر بن سعيد، وعطاء بن يسار. والرابع عشر أراد، والله أعلم، أنه ربيعة بن أبي عبد الرحمن، لأنه ذكر أنه تابع للأولين في العلم، ومن التابعين لأنه أدرك أنس بن مالك، وبالله التوفيق. [ما يذكر من نجابة عمر بن عبد العزيز] فيما يذكر من نجابة عمر بن عبد العزيز وسمعت ابن القاسم يذكر عن حفص بن عمر أن عمر بن عبد العزيز كان يؤتى به إلى عبد الله بن عمر وهو صغير، قال ابن القاسم: ابن خمس سنين ونحو ذلك بعدما عقل، قال فيدعو له ويمسح على رأسه فيرجع إلى أمه فيقول لها: يا أمه إني أحب أن أشبه خالي، فتقول له يا بني، أنى لك أن تشبه عبد الله بن عمر.

ما يحكى من فضائل عبد الله بن عمر

قال محمد بن رشد: كان عبد الله بن عمر من أخوال عمر بن عبد العزيز، لأن أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب الذي نازعت جدته في حضانته عمر بن الخطاب على ما جاء من أنه وجده يلعب بفناء المسجد فأخذه بعضده فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق، فقال عمر: ابني، وقالت المرأة: ابني، فقال أبو بكرالصديق: خل بينها وبينه. قال: فما راجعه عمر الكلام. وهذا أصل في أن الجدة للأم أحق بالحضانة من الأب، وبالله التوفيق. [ما يحكى من فضائل عبد الله بن عمر] فيما يحكى من فضائل عبد الله بن عمر قال وذكر عن حفص أيضا أن عبد الله بن عمر كان له غلام، قال قد سماه، وبرذون يحتطب عليه ويستقي عليه الماء، ويركبه عبد الله بن عمر في حاجة إن نابته. قال فدخل على الغلام يوما فقال يا فلان كيف أصبحت؟ قال أصبح الناس كلهم بخير إلا أنا وأنت وهذا البرذون، قال فقال: اذهب فأنت حر فأعتقه. قال محمد بن رشد: هذا نحو ما جاء عنه من أنه كاتب غلاما له يقال له يربى بأربعين ألف درهم، فخرج إلى الكوفة، فكان يعمل على حمر له حتى أدى خمسة عشر ألفا، فجاءه إنسان فقال له: أمجنون أنت؟ أنت ها هنا تعذب نفسك وعبد الله بن عمر يشتري الرقيق يمينا وشمالا ويعتقهم. ارجع إليه فقل قد عجزت. فجاء إليه بصحيفته فقال: يا أبا عبد الرحمن قد عجزت، فهذه صحيفتي امحها. فقال لا والله، ولكن امحها أنت إن شئت، فمحاها ففاضت عين عبد الله بن عمر ثم قال: اذهب فأنت حر. فقال:

خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم

أصلحك الله، أحسن إلى ابني، فقال: هما حران، فقال: أصلحك الله، أحسن إلى أمي ولدي، قال هما حرتان، فأعتقهم خمستهم جميعا في مقعده. وقعت هذه الحكاية عنه في المكاتب من المدونة. ويروى أنه انتهى عدد من أعتق من العبيد ألف رأس، وأنه حبس ألف فرس، واعتمر ألف عمرة، وحج ستين حجة، وأفتى الناس ستين سنة. وقد مضى في سماع ابن القاسم أنه عاش سبعا وثمانين سنة، رحمة الله عليه ورضوانه. [خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم] في خير الأمة بعد النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وسألت مالكا عن خير هذه الأمة بعد نبيها، فقال: أبو بكر، أو في ذلك شك؟ قد أمره رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصلاة ومعه غيره، وأمره على الحج ومعه غيره. قال: وسألت مالكا مخليا أنا وابن وهب عن التفضيل بين علي وعثمان، فقال: ما أدركت أحدا ممن أقتدي به إلا يكف عن ذلك، يريد التفضيل بينهما. فقلت لمالك: فأبو بكر وعمر؟ قال ليس في ذينك شك، يريد ليس في تفضيلهما على جميع أصحاب النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس بعد رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شك. قال محمد بن رشد: الذي عليه أهل الخير والدين والفضل أن أفضل الناس بعد النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، بدليل اجتماع أهل الشورى على تقديم عثمان على علي في الخلافة، وهو مذهب مالك على ما روي عنه في ذلك أيضا، خلاف ما تدل عليه هذه الرواية من أن مذهبه التوقيف عن التفضيل بين عثمان وعلي، وليس ذلك بصريح، إذ لم ينص على

أنه يعتقد ما حكاه عمن أدرك ممن يقتدى به من الكف عن التفضيل بينهما. فيحتمل أن يكون حكى ذلك عمن أدرك ممن يقتدي به في الرواية، وهو يعتقد تفضيل عثمان على علي بما بان له بقول من يقتدي به في العلم، أو لما بلغه عمن لم يدرك ممن هو أرفع مرتبة ممن أدرك. وقد وقعت هذه الحكاية في كتاب الديات من المدونة بخلاف هذا اللفظ، ونصه: قال ابن القاسم فقلت لمالك: فعلي وعثمان أيهما أفضل؟ فقال: ما أدركت أحدا ممن أقتدي به يفضل أحدهما على صاحبه، يعني عليا وعثمان، ويرى الكف عنهما، وفي بعض الروايات: ورأيته يرى الكف عنهما. فقوله ويرى الكف عنهما يحتمل أن يكون من قول مالك حكاية عمن أدركه ممن يقتدي به، ويحتمل أن يكون من قول ابن القاسم حكاية عن مالك. فإن كان من قول مالك حكاية عمن أدرك ممن يقتدي به فهو مثل ما في هذه الحكاية من قوله ما أدركت أحدا ممن أقتدي به إلا يكف عن التفضيل بينهما، وقد مضى الكلام على ذلك، [وإن كان] من قول ابن القاسم حكاية عن مالك فهو نص منه في التوقف عن التفضيل بينهما على ما حكاه عمن أدرك ممن يقتدي به، بخلاف المروي عنه من تفضيل عثمان على علي. فإن كان اختلف قوله في ذلك فقد قيل إن القول الذي رجع إليه هو تفضيل عثمان على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وليس في التوقف عن التفضيل بينهما شيء من الطعن على واحد منهما، وإنما هو إقرار لهما بالفضل جميعا. ثم الفضل بعد هؤلاء الأربعة لبقية العشرة: الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وكلهم بدريون. ثم التقدم بعد هؤلاء العشرة لبقية أهل بدر؛ ثم أهل بيعة الرضوان، وهم أصحاب الشجرة الذين قال الله عز وجل فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]

وطء المرأة في غير مخرج الولد

الآية، وكان فيهم أيضا ممن شهد بدرا خلق كثير، ثم جملة المهاجرين الأولين، ثم الأنصار. ومنهم من اتفق له هذه المواطن كلها، ومنهم من نال بعضها، ثم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، لقول الله عز وجل: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10] . ولا اختلاف في أن أمة النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل الأمم، قال الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] أي خيارا عدولا، {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] يريد يوم القيامة. كما أن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل الأنبياء والرسل وخاتم النبيين وسيد المرسلين، ورسول رب العالمين المبعوث إلى الخلق أجمعين. وقد مضى الكلام على هذا في رسم سن من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [وطء المرأة في غير مخرج الولد] في وطء المرأة في غير مخرج الولد قال وسألت مالكا عن وهاطء في وهدبر مخليا، فقوه عهوه هوبوس بل حندل، وعه كن وهكا وهبورد، قال مالك وما أدركت أحدا ممن أقتدي به يشك فيه. قال مالك حدثني ربيعة بن أبي

عبد الرحمن عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه فقال لا بأس به. قال ابن القاسم: والمدنيون يذكرون الرخصة فيه عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال ابن القاسم: فيما أعلم، وتلا هذه الآية: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 165] {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: 166] . قال مالك: أو في ذلك شك؟ أو ما تقرأ قول الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] . قال: أي شيء أبين من هذا؟ وقال ابن القاسم أيضا قال الله عز وجل: {يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} [آل عمران: 37] وقوله: {أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أنى وأين واحد، كأنه تأول ذلك على أنه أين شئتم. ومثل ذلك {أَنَّى لَكِ هَذَا} [آل عمران: 37] من أين لك هذا. قال ابن القاسم: إلا أني لا أحب أن لي ملء هذا، يعني المسجد الأعظم، وأني أفعله، قال: وما آمر به، وقد جاءني غير واحد يستشيرني في ذلك فأمرته ألا يفعل، إلا أن العلماء يتكلمون في ذلك فما أخبرك وأخبرني مطرف عن مالك في الوطء في اهدبر ونل هوغسن حهيل وهوون ينزه، وقال تكلمنا لئلا نحرم ما ليس بحرام. قال: وقال لي مالك: وليس هذا بكلام يتكلم به عند كل من جاء. قال محمد بن رشد: سأل ابن القاسم مالكا في هذه الرواية عن الوطء في الدبر مخليا، فقال: حلال لا بأس به عنده أحل من الماء البارد، ثم مشى في الكلام إلى أن قال: وقَوْله تَعَالَى {أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أنى وأين

واحد. ثم قال في آخر المسألة: وأخبرني مطرف عن مالك في الوطء في الدبر أنه لا غسل عليه إلا أن ينزل، فكتب ذلك كله في الكتاب على ما كتبه مصحفا معمى بقلب الأحرف، جعل الألف مكان الواو، والواو مكان الألف حيث وقع من الكلام، وفعل ذلك في الهاء واللام، وفي العين والحاء، وفي الكاف والميم، وأبقى سائر الحروف على حالها. فإذا تدبرت التعمية التي وقعت في الرواية على هذا الذي ذكرته أتى لك الكلام على ما حكيت، وفعل ذلك لئلا يقرأه كل أحد فيستبيحه الناس وليس بأمر متفق عليه، قد حرمه جماعة من العلماء، منهم الليث بن سعد، فإنه كان يرى إحلال هذه المسألة حراما، ومنهم ابن وهب فإنه قال كل من أتى امرأة في غير مخرج الولد ومن حيث تكون الحيضة فهو ملعون عند الله عز وجل. وإنما قال ذلك، والله أعلم، لما روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في محاشهن، ملعون من أتى النساء في غير مخارج الأولاد» إلا أنه حديث ليس من صحيح الحديث. وقد اختلف في ذلك قول مالك، فروي أنه قيل له حمل عنك أنك تبيح ذلك، فقال كذب علي من قاله، أما تسمع الله تبارك وتعالى يقول: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] هل يكون الحرث إلا في موضع الزرع، لا يكون الوطء إلا في موضع الولد. وهذا القول أصح في النظر، لأنه إذا لم يجز الوطء في الفرج في حال الحيض من أجل الأذى بنص قول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]

شراء الماء وحكمه

وجب أن لا يجوز الوطء في الدبر من أجل ما فيه من الأذى الذي هو بمنزلة دم الحيض أو أشد منه. وعلى قياس هذا القول تأتي رواية مطرف عن مالك أن الغسل لا يجب في ذلك إلا بالإنزال. والذي يأتي على قياس إباحة ذلك أن يجب الغسل فيه وإن لم ينزل إذا جاوز الختان الشرج، وعليه يأتي ما وقع في كتاب الإيلاء من المدونة من أن المولي يكون فايئا بالوطء في الدبر ويسقط عنه به الإيلاء. وللخلاف الحاصل في هذه المسألة قال مالك في هذه الرواية: وليس هذا بكلام يتكلم به عند كل من جاء. والذي خشي مالك من هذا أن يسمع قوله بتحليل ذلك فيشيع في الناس فيستبيحه العوام دون امتثال ما يلزم كل واحد منهم في ذلك من تقليد من يستفتيه. وإذا استفتى فقد يستفتي من يرى خلاف مذهبه في ذلك فيكون أخذه بمذهبه أخلص له، لأن ما اختلف العلماء في تحليله وتحريمه فالأخذ بتحريمه أحوط، لأنه من المتشابه الذي قال النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه: «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات فمن اتقى المشتبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» الحديث. وقد مضى في رسم التسليف في الحيوان والطعام المضمون من سماع ابن القاسم الكلام على معنى قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] وبالله التوفيق. [شراء الماء وحكمه] ومن كتاب أوله إن خرجت قال: ولا بأس باشتراء الماء إذا منعته ولم تقو عليه، فقلت إنهم يبيعونه منا على سقي دواب مسماة بدرهم، ومن الدواب ما يشرب الكثير ومنها ما يشرب القليل ومنها ما لا يشرب شيئا، فقال لا

بأس بذلك على وجه الضرورة. قال محمد بن رشد: قوله لا بأس باشتراء الماء إذا منعته ولم تقو عليه، معناه لا بأس على البائع في بيعه، إذ له أن يمنعه ولا يمكن منه أحدا إلا بثمن، وذلك في مثل [الشراء] من البئر أو العين تكون في داره أو في جنانه الذي قد حظر عليه، لأن من حقه ألا يدخل أحد في داره أو في جنانه لاستقاء الماء منه إلا بإذنه، كان ذلك فيه فضل عن حاجته أو لم يكن. وأما إن كانت البئر والعين في أرضه التي لا ضرر عليه في الدخول فيها لاستقاء الماء منها فاختلف فيما يفضل من ماء ذلك عن حاجته هل له أن يبيعه أم لا على ثلاثة أقوال: أحدها أن له أن يبيعه وأن يمنعه إلا بثمن، وجد له ثمنا عند سواه أو لم يجده، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية والمشهور في المذهب، وقيل ليس له أن يمنعه إلا أن يجد له ثمنا عند سواه، فإن لم يجد له ثمنا عند سواه لم يكن له أن يحبسه عنه وهو لا يحتاج إليه، والثالث أن ليس له أن يبيعه ولا أن يمنعه إذا لم يحتج إليه وإن وجد له ثمنا، وإلى هذا ذهب يحيى بن يحيى على ظاهر قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا يمنع فضل بئر ولا يمنع رهو ماء، فقال: أربع لا أرى أن يمنعن: الماء، والنار، والحطب، والكلأ. وقد مضى هذا والقول فيه في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب السداد والأنهار.

طعام الفجأة

وفي قوله في بيع الماء على سقي دواب مسماة إن ذلك لا بأس به على وجه الضرورة وإن كان منها ما يشرب القليل ومنها ما يشرب الكثير ومنها ما لا يشرب شيئا، يريد بالضرورة المشقة التي تلحق المتبايعين في اشترائه على الكيل، فأجيز ذلك لهذه الضرورة كما أجيز شراء الصبرة من الطعام جزافا لمؤنة الكيل ومشقته، لأن الغرر في ذلك يسير، إذ لا تسلم البيوع من يسير الغرر. ولو اشترى منه سقية دابة واحدة وهما لا يدريان هل تحتاج إلى الشرب أم لا لما جاز لكثرة الغرر في ذلك. ونظير هذا إجازة شراء لبن الشياه العدد الشهر والشهرين جزافا، بخلاف شراء لبن الشاة الواحدة جزافا الشهر والشهرين، وبالله التوفيق، لا شريك له. [طعام الفجأة] ومن كتاب النسمة وسئل ابن القاسم وابن وهب عن طعام الفجأة هل بلغك فيه شيء، يغشى الرجل القوم وهم يأكلون فيدعونه هل يأتيهم؟ فقالا: حسن جميل أن يجيبهم إذا دعوه، وإن غشيهم ولم يدعوه فلا يأكل لهم شيئا. قال محمد بن رشد: هذا مما ينبغي للرجل أن يعمل فيه بما يظهر إليه من حال الذين غشيهم يأكلون فدعوه للأكل معهم، إن ظهر منهم إليه استبشارهم بقدومه عليهم وسرورهم بأكله معهم استحب له أن يجيبهم إذا دعوه، وإن ظهر إليه منهم أنهم كرهوا غشيانه إياهم يأكلون وهم إنما دعوه استحياء منهم كره له أن يجيبهم، وإن لم يتبين له منهم أحد الوجهين كان له جائزا أن يجيبهم من غير استحباب ولا كراهة، وبالله التوفيق.

التاريخ من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة

[التاريخ من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة] ومن كتاب أوله إن أمكنتني من حلق رأسك وقال مالك إنما التاريخ من مقدم رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن التاريخ إنما هو من مقدم النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وهو تاريخ الهجرة. وكان قدومه المدينة ضحى يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وقيل يوم الإثنين الثامن من شهر ربيع الأول. وولد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الفيل يوم الإثنين لثمان خلت من ربيع الأول، وبعث أيضا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الإثنين لثمان أيضا خلت من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، فكان بين مولده إلى أن بعثه الله أربعون سنة [تامة، ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتا عشرة سنة] وتسعة أشهر وعشرون يوما، ذكر ذلك الخوارزمي. وروي عن ابن عباس أنه قال: ولد نبيكم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الإثنين، وخرج من مكة يوم الإثنين، ودخل المدينة يوم الإثنين، وكانت بدر يوم الإثنين، وتوفي يوم الإثنين. وقال ابن عبد البر: الأكثر على أن وقعة بدر كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان، وما رأيت من ذكر أنها كانت يوم الإثنين إلا في هذا الخبر من رواية ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران، عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، وبالله التوفيق. [إيمان الكافر وتوبة المسلم] في إيمان الكافر وتوبة المسلم قال ابن القاسم: تذاكرنا مع عبد الرحمن بن خالد إيمان

الكافر ورجوعه إلى الإسلام، وما ذكر الله عز وجل في كتابه: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] ، وذكرنا ذنوب أهل الإسلام فقال: إني لأرجو أن يكون أهل الإسلام أفضل حالا في هذا من أهل الكفر، ولقد بلغني أنه يقال إن توبة المسلم كالإسلام بعد الإسلام. قال محمد بن رشد: المعنى في قول عبد الرحمن بن خالد إني لأرجو أن يكون أهل الإسلام أفضل حالا في هذا من أهل الكفر بين، لأن الكافر يغفر له بإسلامه ما سلف من آثامه، فيكون كمن ولد حينئذ لا حسنة له ولا سيئة عليه، والمؤمن إذا تاب تغفر له ذنوبه التي سلفت وآثامه، وتبقى له حسناته. وإنما قال أرجو ذلك ولم يطلق القول بأنه أفضل منه دون أن يقيده بالشك والرجاء من أجل أن من الذنوب ما لا تكفرها التوبة، وهي ما كان منها يتعلق به حق بمخلوق، لأن الظلامات لا تصح التوبة منها إلا بردها إلى أربابها أو تحللهم منها، فلا يدري التائب إذا كانت عليه ظلامات هل تفي بها حسناته أم لا، فإن وفت بها دون زيادة ولا نقصان كانت حاله في توبته كحال الكافر في إسلامه، وإن وفت بها وزادت عليها كانت حاله أفضل من حال الكافر في إسلامه، وإن لم تف بها كانت حال الكافر في إسلامه أفضل من حاله، لأن الكافر إذا أسلم يسقط عنه بإسلامه جميع الآثام والتباعات، ويحتمل أن يكون إنما علق ذلك بالرجاء ولم يطلق القول بأن حال المسلم إذا تاب أفضل من حال الكافر إذا أسلم من أجل أنه قيل إن قبول الله عز وجل لتوبة التائب من عباده لا يقطع بها في حق كل تائب، لاحتمال أن لا يكون قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] عاما في كل تائب، ويكون معناه فيمن سبق له من الله أنه يقبل توبته. وعلى هذا ينبغي للعبد إذا تاب أن يرغب

إلى الله عز وجل في قبول توبته. والذي عليه الجمهور أن الآية على عمومها في قبول الله عز وجل توبة كل تائب، وكذا سائر الآيات الواردة في هذا محمولة على عمومها في حق كل تائب، منها قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [التحريم: 8] ، وعسى من الله عز وجل واجبة، قال الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25] . والتوبة النصوح هي أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه، قاله عمر بن الخطاب. وقد روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الندم توبة» وأنه قال: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» . وروي عن الشعبي أنه قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ثم تلا هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] . فإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب، فإذا تاب الرجل من الذنب فإن ندم عليه ونوى ألا يعود إليه بنية صحيحة ثم لم يعد إليه كان قد تاب توبة نصوحا، فاستوجب بذلك ما وعده الله به من الغفران وإدخال الجنة. وإذا تاب من الذنب بأن ندم عليه ونوى بنية صحيحة أن لا يعود إليه غفر له ذنبه الذي تاب منه، فإن عاد إليه لم تكن توبة نصوحا، فحصل له بذلك الوعد بتكفير إثم الذنب الذي تاب منه، ولم يحصل له الوعد منه تعالى بدخول الجنة وكان في المشيئة، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه. وقد روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من استغفر من ذنبه غفر الله له ما لم يعد إليه» ومعنى هذا، والله أعلم، إذا استغفر الله منه ولم يتب منه بالندم عليه والعزم على ألا يعود إليه، وبالله التوفيق.

الاستيناس ما هو

[الاستيناس ما هو] ومن كتاب أوله باع شاة وسألته عن الاستيناس ما هو؟ فقال: التسليم. قلت: فالرجل يؤذن له في مثل دار فيدخل في الدار بإذن، فإذا جاء إلى باب البيت أترى أن يستأذن؟ قال: ليس ذلك عليه إذا أُذن له مرة، وقال الاستيذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع. قلت: ما هذا؟ قال: تسلم ثلاث مرات فإن أذن لك وإلا فانصرف. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية إن الاستيناس هو السلام بعيد، لأن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] فلو كان الاستيناس هو التسليم لكان معنى الكلام حتى تسلموا وتسلموا، وذلك لا يصح. وقد روى ابن وهب عن مالك أن الاستيناس هو الاستئذان، وهو الصحيح الذي ذهب إليه أكثر المفسرين، أن معنى حتى تستأنسوا حتى تستأذنوا، وقالوا إنما تستأنسوا وهم من الكاتب على ما جاء عن ابن عباس من أنه قال: إنما هو حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها، وغلط الكاتب. واستدلوا على ذلك بقراءة أبي بن كعب وابن عباس والأعمش (حتى تستأذنوا) . وقال جماعة منهم أيضا إن المعنى حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح [والتنخم] وما أشبه ذلك حتى يعلموا أنكم تريدون الدخول عليهم. وقال أبو جعفر الطبري: الذي أراه، والله أعلم، أن الاستيناس استفعال من الأنس، وهو أن يستأذن أهل البيت في الدخول عليهم مختبرا بذلك من فيه وهل فيه أحد، وليؤذنهم أنه داخل عليهم فيأنس إلى إذنهم له في ذلك، ويأنسوا إلى استئذانه إياهم. وقد

حكي عن العرب سماعا: اذهب فاستأنس هل ترى أحدا في الدار. وقال الفراء والكسائي: في الكلام تقديم وتأخير، معناه حتى تسلموا وتستأذنوا، وهو أن يقول السلام عليكم أدخل؟ وقال حتى تستأنسوا أي تستأذنوا وتعلموا من في الدار هل هو ممن يجوز أن يدخل عليه أم لا، من قول العرب اذهب فاستأنس هل ترى من أحد. قال محمد بن رشد: وإنما قال الفراء والكسائي إن في الكلام تقديما وتأخيرا لما روي عن ابن عباس من أنه كان يقرؤها كما كان أبي ابن كعب وابن مسعود يقرآنها: حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا، وليس تقديم السلام على الاستئذان على ما جاء في هذه القراءة بالذي توجبه البداية بالتسليم قبل الاستئذان كما قالا من أنه يقول السلام عليكم أدخل؟ لأن الواو لا توجب الرتبة، وإذا لم توجب رتبة فالبداية بما بدأ الله به من السلام أو الاستئذان إنما هو استحسان، لقول رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحج: «نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا» . وقد اختلفت الروايات في صفة استئذان أبي موسى الأشعري على عمر بن الخطاب، فروي أنه قال: السلام عليكم أأدخل، السلام عليكم أأدخل، السلام عليكم أأدخل؟ وروي أنه قال: يستأذن أبو موسى، يستأذن أبو موسى، يستأذن عبد الله بن قيس. وإذا كان قد قرئ حتى تستأذنوا وتسلموا، وحتى تسلموا وتستأذنوا، وكان الثابت بين اللوحين الذي يقطع أنه قرآن {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا} [النور: 27] وكان معنى حتى تستأنسوا حتى تستأذنوا على ما روى ابن وهب عن مالك وقال إنه قول أكثر أهل التفسير، كان الصواب أن يقدم الاستئذان، فإن أذن له في الدخول سلم على من في البيت ودخل، لأنه قبل أن يؤذن له لا يدري على من يسلم، وقد لا يكون في البيت أحد يسلم عليه، لا كما قال في الرواية من أن معنى ما جاء في الحديث من أن الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع، هو أن يسلم

بشر بن سعيد وبعض فضائله

ثلاث مرات فإن أذن لك وإلا انصرفت. وقد روي عن ابن عباس «أن عمر قال: أتيت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في مشربة له فقلت السلام عليك يا رسول الله أيدخل عمر؟» . وروي أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام» . ففي هذا الحديث البداية بالسلام قبل الاستئذان، فيحمل على أن المعنى فيه إذا وقف على باب البيت فعلم من فيه ممن يصلح له الدخول عليه. وأما إذا وقف على الباب فلم يعلم من في البيت ولا هل فيه من يصلح له الدخول عليه أم لا، ولا هل فيه أحد أم لا، فالبداية بالاستيناس، وهو الاستئذان، على ما روى ابن وهب عن مالك أظهر وأولى على ما ذكرناه، وبالله التوفيق. لا شريك له. [بشر بن سعيد وبعض فضائله] من سماع من كتاب أوله نقدها نقدها وسمعته يقول كان بشر بن سعيد رأس العُبَّاد، كما كان سعيد بن المسيب رأس الفقهاء. قال وكذلك كنت أسمع. قال محمد بن رشد: قد مضى ذكر فقهاء المدينة وعبادهم في أول رسم أوصى فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. [تسري عَبِيد عبد الله بن عمر في أموالهم] في تسري عَبِيد عبد الله بن عمر في أموالهم قال ابن القاسم: حدثني عبد الله بن عمر عن نافع قال: كان عَبِيدُ عَبدِ الله بن عمر يتسرون من أموالهم ولا يستأذنونه. قال وسألنا مالكا عن ذلك فقال مثله.

وصية القاسم بن محمد لعمر بن عبد العزيز

قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب النكاح الأول من المدونة. ومعنى ذلك أنه كان قد أذن لهم في التجارة، لأن العبد المحجور عليه لا يجوز له بيع ولا شراء إلا بإذن سيده. وفي هذا دليل على أن العبد يملك، على ما قاله مالك وذهب إليه، خلاف ما ذهب إليه من خالفه في ذلك من فقهاء الأمصار، إذ لو لم يملك وكان ماله لسيده لما حل له أن يتسرى فيه، إذ لم يبح الله الوطء إلا بنكاح أو ملك يمين فقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] وبالله التوفيق. [وصية القاسم بن محمد لعمر بن عبد العزيز] في وصية القاسم بن محمد لعمر بن عبد العزيز وما قاله له فيما عرض عليه وسمعته يذكر عن مالك قال: التقى عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد في حج أو عمرة، فقال له أوصني، فقال له القاسم: عليك بالصبر في مواضع الصبر، فقال له عمر بن عبد العزيز: إن معنا فضلا من أزواد وأمتعة، أفلا نأمر لك بها؟ فقال له القاسم: إني امرؤ لا أرزأ أحدا شيئا. قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والقول عليه في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادة القول فيه، وبالله التوفيق. [كراهة الأخذ بالرخص] في كراهة الأخذ بالرخص وسمعته يحدث عن بعض الحكماء أنه قال: لو كانت لي

الاجتهاد في العبادة

نفسان أخذت بالرخص فقدمت إحداهما، فإن كان الأمر على ذلك وإلا رجعت على نفسي الأخرى فاستعنيت، إنما هي نفس واحدة. قال محمد بن رشد: ليس معنى هذا في الرخص التي رخص الله فيها لعباده في كتابه أو على لسان رسوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من التعجيل في يومين من قوله عز وجل: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] ، أو من الفطر في رمضان في السفر وما أشبه ذلك، إذ لا اختلاف في أن الأخذ بالرخص في مثل هذا جائز، بل قد قيل إن ذلك أفضل لما جاء من أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى شدائده. وإنما معناه فيما اختلف العلماء فيه فأجازته طائفة منهم وحظرته أخرى، فهو إن أخذ بقول المحظرين لذلك الشيء فلم يستبحه سلم، وإن أخذ بقول من أجازه فاستباحه لم يأمن من مواقعة الخطأ والوقوع في المأثم. فلو كان له نفسان كما قال لم يبال من إثم الواحدة إذا سلمت له الثانية من الإثم. وأما وليس له إلا نفس واحدة فمن الحظ له الاحتياط لها، وبالله التوفيق. [الاجتهاد في العبادة] في الاجتهاد في العبادة وسمعته يحدث عن سليمان بن القاسم قال: يقولون لي: لو رفقت بنفسك، والله لأنا بما أنا فيه ألذ من أهل افتضاض العذارى لعذاراهم. وسمعته يحدث عن محمد بن يحيى الإسكندراني عن رجل كان يصلي في البحر ويتعلق بالحبل، وأنه غلبته عيناه فنام، فلما استيقظ قال لرجل: ما منعك أن توقظني؟

ما يروى من فضل عمر بن عبد العزيز وشدة خشيته لله

قال رحمتك، قال لو رحمتني لأيقظتني. قال محمد بن رشد: أما قول سليمان بن القاسم ما قاله مما أخبر به عن نفسه فالمعنى فيه أنه قاله تنشيطا لغيره لا قاصدا إلى الإخبار بذلك عن نفسه، لأن ذلك مما يكره للرجل أن يخبر به عن نفسه. وأما ما كان يفعله الرجل من صلاته في البحر وتعلقه بالحبل فهو مكروه من الفعل لما يخشى على صاحبه من الانقطاع، وقد «قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المرأة التي سمعها تصلي وقيل له: إنها لا تنام الليل، فكره ذلك حتى عرفت الكراهية في وجهه، ثم قال: إن الله لا يمل حتى تملوا اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة» وقال: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» . وكان أحب العمل إليه الذي يدوم عليه صاحبه، وبالله التوفيق. [ما يروى من فضل عمر بن عبد العزيز وشدة خشيته لله] فيما يروى من فضل عمر بن عبد العزيز وشدة خشيته لله عز وجل وسمعته يحدث عن مالك أن عمر بن عبد العزيز كان رجلا عيشه هذه القطاني، وأنه أكل يوما عدسا وشرب عليه ماء ثم استلقى فضرب على بطنه فقال: بطين بطيء عن أمر الله يتمنى على الله منازل الأبرار، شك ابن القاسم في ضرب بطنه عن مالك. قال محمد بن رشد: في هذا بيان ما كان عليه عمر بن عبد العزيز

تحسين بناء المساجد

من الخوف لله عز وجل مخافة التقصير في أمره، مع الرجاء فيما عنده من أن يحله محل الأبرار. وهذا هو الواجب أن يكون الرجاء والخوف في قلب الرجل سيين، فلا يأمن من عذابه ولا يقنط من رحمته، وبالله التوفيق. [تحسين بناء المساجد] في تحسين بناء المساجد وذكر من أقام قبلة مسجد الفسطاط ومسجد الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسمعته يقول: المساجد كلها الوليد بناها، يعني كسرها وبنى هذا البناء. قال: وسمعت أنه أقام قبلة هذا المسجد مسجد الفسطاط الكبير نحو من سبعين رجلا من أصحاب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأتوا عليه بالتحرم والحبال. وسمعته يحدث عن مالك أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هو الذي أقام لرسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبلة مسجده. قال محمد بن رشد: قوله كسرها وبنى هذا البناء، يريد أنه هدمها وبناها فحسن بناءها. وتحسين بناء المساجد وتحصينها مما يستجب، وإنما الذي يكره تزويقها بالذهب وشبهه والكتب في قبلتها، لأن ذلك مما يشغل المصلين ويلهيهم عن الصلاة. وقد مضى ذلك في رسم سلعة سماها، ورسم الشجرة تطعم بطنين في السنة، من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة. ولابن نافع وابن وهب في المبسوطة إجازة تزويق المساجد وتزيينها بالشيء الخفيف ومثل الكتابة في قبلتها، ما لم يكثر ذلك حتى يكون مما نهي عنه من زخرفة المساجد. وقد مضى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب القول في إقامة جبريل للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبلة مسجده فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

تفسير قوله تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا

[تفسير قوله تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا] ومن كتاب العرية قال سفيان في هذه الآية: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] يقول: قولوا أسلمنا مخافة السباء والقتل. قال محمد بن رشد: نفى الله عز وجل الإيمان بهذه الآية وأوجب لهم الإسلام، فدل ذلك دليلا ظاهرا على أن الإيمان غير الإسلام، لأن الإيمان هو التصديق الحاصل في القلب، والإسلام هو إظهار الإيمان بالنطق بالشهادة والأعمال الظاهرة من الصلاة وغيرها. فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، فالإسلام أعم من الإيمان. وهذا في بلاد الإسلام حيث يجب على المؤمن إظهار إيمانه. وأما في بلاد الكفر حيث لا يمكنه إظهاره فهو مؤمن غير مسلم، إذ لا يمكنه إظهار سلامه. قال الله عز وجل: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: 28] وقال: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] . وقد قيل إن الإيمان والإسلام اسمان واقعان على معنى واحد. واحتج من ذهب إلى هذا القول بقول الله عز وجل، وقوله الحق: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 35] {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 36] وهذا لا حجة فيه، لأن المؤمنين مسلمون، فسماهم مرة باسم الإيمان ومرة باسم الإسلام. والكلام في هذا يتسع، وقد أشبعنا القول فيه في صدر كتاب المقدمات، وبالله التوفيق.

رفع الأصبع ورفع اليدين في الدعاء ومدهما

[رفع الأصبع ورفع اليدين في الدعاء ومدهما] في رفع الأصبع، ورفع اليدين في الدعاء ومدهما قال سفيان: الإخلاص رفع الأصبع عند الشهادة، والدعاء رفع بطون الأيدي، والابتهال مد اليدين. قال محمد بن رشد: [يريد] أن رفع الأصبع عند الشهادة لله عز وجل بالوحدانية دليل على الإخلاص له بذلك، ورفع بطون الأيدي إلى الله إنما يكون [في الدعاء والرغبة إليه، وأن مد الأيدي يكون] عند الابتهال في ذلك. وهذا كله بين ليس فيه ما يخفى، وبالله التوفيق. [يحلف على امرأته في ثوب اشتراه ألا تدرعه] في الذي يحلف على امرأته في ثوب اشتراه ألا تدرعه قال ابن القاسم عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عمر بن الخطاب أن رجلا اشترى لامرأته ثوبا فأتى به فسخطته فقال لها: أنت طالق إن تدرعته، فرجع به فرده، فدست المرأة خادمها فاشترته فأخذته فتدرعته. فلما جاء زوجها ليدخل قالت له [إليك] قد حرمت عليك، هذا الثوب قد تدرعته. فأتى عمر بن الخطاب فقال: قد حرمت عليك. وقال مالك بن أنس: إن كان نوى أن لا تدرعه من قبله فلا شيء عليه، وإلا فهو حانث. قال محمد بن رشد: قول عمر بن الخطاب قد حرصت عليك، يريد

رؤية الله عز وجل يوم القيامة

قد حنثت فيما قد حلفت به من الطلاق، لأنها طلقة رجعية فلا تحرم عليه، ومن حقه أن يرتجعها. وقول مالك إن كان نوى أن لا تدرعه من قبله فلا شيء عليه وإلا فهو حانث، ليس بخلاف لقول عمر بن الخطاب، إذ لا اختلاف في أن الحالف إذا نوى أن لا تدرعه من ماله فلا حنث عليه إذا تدرعته من مالها. وإنما يختلف إذا لم تكن له نية. فوافق مالك في هذه الرواية عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أنه حانث ولم ينظر إلى بساط يمينه. ويأتي في هذه المسألة على القول بمراعاة البساط في اليمين إذا لم تكن للحالف نية أن لا حنث عليه. وقد اختلف في هذا قول مالك على ما هو منصوص عنه في غير ما مسألة من كتاب الأيمان بالطلاق من العتبية وغيره، وبالله التوفيق. [رؤية الله عز وجل يوم القيامة] ومن كتاب بع ولا نقصان عليك في رؤية الله عز وجل يوم القيامة قال ابن القاسم قال أبو السمح لمالك: يا أبا عبد الله، أنرى الله يوم القيامة؟ قال نعم. نجد الله تعالى يقول في كتابه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] ويقول لقوم {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] . قال وحدثني ابن أبي حازم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن دون الله يوم القيامة سبعين ألف حجاب، منها حجب من ظلمة ما يفتقها بصر شيء، وحجب من نور ما يستطيع بصرها شيء، وإن منها لحجابا من

ماء لا يسمع صوت ذلك الماء أحد لا يربط الله عز وجل على قلبه إلا خلع. قال محمد بن رشد: الذي عليه أهل السنة والجماعة من الموحدين أن رؤية الله عز وجل جائزة غير مستحيلة، وأن المؤمنين يرونه في الآخرة بأبصار وجوههم على ما جاء به القرآن وتواترت به عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآثار، خلاف ما ذهب إليه أهل الزيغ المعتزلة والقدرية والخوارج والجهمية من أن رؤية الله عز وجل مستحيلة لا تجوز عليه، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. فمن الدليل الواضح على جواز رؤية الله عز وجل أن موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد سأل ذلك ربه فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] على ما أخبر الله عز وجل به عنه في كتابه العزيز الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] ومن المستحيل أن يسأله ما يعلم أنه لا يجوز في صفته أو أن يجهل هل يجوز ذلك في صفته أم لا، فتكون المعتزلة أعلم بصفات الله تعالى وما يجوز عليه مما لا يجوز منه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ودليل ثان هو قوله عز وجل: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] لأنه عز وجل تمدح بأن الأبصار لا تدركه، فلو كان من المستحيل أن تدركه الأبصار لم يكن له في ذلك مدح، وإنما كان المدح له في ذلك لانفراده بخلق الآفة في الأبصار التي تمنع من إدراكه في الدنيا مع جواز ذلك عليه. وكما هو قادر على خلق الآفة في الأبصار المانعة من رؤيته في الدنيا، فكذلك هو قادر على رفع الآفة من أبصار المؤمنين يوم القيامة حتى يروه على ما نطق به القرآن وتواترت به السنن والآثار. وإذا جازت عليه الرؤية بما ذكرناه وجبت له، إذ لا يقول أحد إنها تجوز عليه ولا تجب

له، وإنما يقول أهل الزيغ والتعطيل إنها لا تجوز عليه. ومن الدليل على وجوب رؤية المؤمنين له يوم القيامة قوله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] ، وهو نص في النظر إليه حقيقة لا يحتمل المجاز. وقوله عز وجل في الكفار مهددا لهم: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، فلو كان هذا أمرا عاما للمؤمنين والكافرين لم يكن فيه تهديد للكافرين. وقوله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] ، على ما قاله أهل التفسير: إن الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، لأن الحسنى مستغرق لجميع الإحسان بدخول الألف واللام فيه، فالزيادة على ذلك يجب أن تكون من غير جنس المزيد عليه، ولا شيء يمكن أن يشار إليه في ذلك سوى رؤية الله عز وجل. ومما يدل على ذلك أيضا ما رواه الثبت الثقات عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونقلوه عنه نقلا متواترا من رواية أبي بكر الصديق وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعمران بن حصين، وأبي هريرة، وعبد الله بن عباس، وجرير بن عبد الله البجلي، وغيرهم: أن المؤمنين يرون ربهم كما يرون القمر في ليلة القدر لا تضامون في رؤيته، وفي بعض الآثار: لا تضارون في رؤيته. وفي بعض الآثار ليس دونه حجاب. وأجمعت الأمة على أن الكافرين محجوبون عن الله تعالى يوم القيامة. وإنما اختلفوا في المؤمنين، فقال أهل الزيغ إنهم لا يرونه، وقال أهل السنة والجماعة إنهم يرونه على ما بيناه وصححناه، إلى أن نشأ رجل من أهل البصرة يعرف بأبي الحسن بن سالم، وكان من الوعاظ الذين يظهرون النسك ويظنه العوام من أهل العلم، فسألوه عن هذه المسألة فحملته الأنفة وما يعتقده العوام فيه من أنه من أهل العلم على أن أجاب فيها بغير علم، فأخطأ وقال: إن الكافرين يرون ربهم يوم القيامة، وأبى أن يرجع عن بدعته، وتبعه قوم على ذلك حتى قويت شوكتهم وصار قولهم مذهبا يذكر، والله أسأله العصمة برحمته.

ما رئي لمالك من الرؤيا

وقول عبد الله بن عمرو بن العاص إن دون الله تعالى يوم القيامة سبعين ألف حجاب منها حجب من ظلمة ما يفتقها بصر شيء إلى آخر قوله، المعنى فيه أن الله تعالى يحجب الكفار عن رؤيته بهذه الحجب وبما يخلقه فيهم من المنع من إدراكها، لا أن الله تعالى يحتجب عنهم بهذه، إذ ليس بمحتجب ولا محجوب عن خلقه بشيء، لأن الحجاب إنما يستر الأجسام المخلوقة التي يحتوي عليها وتكون أكثر منها. ويشهد لهذا الذي قلناه ويؤيده قوله عز وجل: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] فجعل الكفار هم المحجوبين عن رؤيته بما خلق فيهم من الحجب والمنع منها، ولم يصف نفسه بالاحتجاب ولا بأنه هو المحجوب. وقد روي أن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مر بقصاب وهو يقول: لا والذي احتجب بسبعة طباق، فقال له علي: ويحك يا قصاب، إن الله لا يحتجب عن خلقه بشيء، ولكن حجب خلقه عنه، فقال له القصاب: أفلا أكفر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ قال لا، لأنك حلفت بغير الله تعالى، وبالله التوفيق. [ما رئي لمالك من الرؤيا] فيما رئي لمالك من الرؤيا قال عيسى وسمعت سليمان بن يزيد يحدث أنه قال، سمعت ابن الدراوردي يحدث قال: رأيت في منامي أن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعطي مالكا خاتمه، قال فأتيت مالكا فأخبرته بذلك وهو في مجلس ربيعة. قال محمد بن رشد: تأويل هذا ما كان عليه- رَحِمَهُ اللَّهُ - من اتباع سنته والتمسك بها، وتركه لمخالفة ما صح عنده منها، وبالله التوفيق.

السنة لا تعارض برأي

[السنة لا تعارض برأي] في أن السنة لا تعارض برأي وحدث عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: دعوا السنة تمضي لا تعارضوا. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن السنة تمضي ولا تعارض برأي، يريد إذا صحبها العمل. وأما ما كان من السنن التي اتصل العمل بخلافها فيقدم ما اتصل به العمل عليها، لأن اتصال العمل بخلافها دليل على نسخها. وإذا عارض القياس ظاهر السنة تؤولت على ما يوجبه القياس. واختلف إن لم يمكن تأويلها على ما يوجبه القياس على الأصول أيهما يقدم؟ فذهب مالك على ما حكاه ابن القصار إلى تقديم القياس عليها إذا كانت من السنن المروية من طريق الآحاد التي لا يقطع على صحتها، وذهب أبو حنيفة إلى تقديم السنة على القياس، وبالله التوفيق. [اشتغال الإمام عن الفقه بأمور المسلمين] في اشتغال الإمام عن الفقه] بأمور المسلمين وحدثني عن الثقة عن المغيرة بن أبي عبد الرحمن المخزومي أنه سمع مالك بن أنس يقول قال عمر بن عبد العزيز: من كان له شغل سوى هذا الشأن فإنه من شغلي الذي كتب الله لي أن ألزم، فعامل منه بما عملت ومقصر عنه عما قصرت، فما كان خيرا أتيته فبعون الله ودلالته، والله أرغب في تزكيته، وما كان سوى ذلك، فإني أستغفر الله لذنبي العظيم.

كراهة كثرة الكلام

قال محمد بن رشد: معنى قول عمر هذا أنه أشقق من الاشتغال بأمور المسلمين عن التفقه، وخشي التقصير فيما اشتغل فيه من ذلك فاستغفر الله عز وجل منه. ومعنى قوله أستغفر الله لذنبي العظيم، أستغفر الله العظيم لذنبي، لأن الكلام فيه تقديم وتأخير. وقد مضت هذه الحكاية في صدر سماع أشهب، وبالله التوفيق. [كراهة كثرة الكلام] في كراهة كثرة الكلام قال وقال مالك: دخل رجل منا، يعني أهل العلم، على رجل من أهل الأدب، يعني الملوك، فلما خرج من عنده قيل له: كيف رأيت فلانا؟ قال: أما لولا أنه يأتي بكلام سنة في ساعة. قال مالك: ليس كثرة الكلام إلا في النساء والخدم. قال ابن القاسم: قعد أعرابي في مجلس ربيعة، فتكلم ربيعة وأكثر، فكأنه وصله بشيء، فقال للأعرابي: ما تعدون البلاغة؟ قال الأعرابي: قلة الكلام. قال: فما تعدون فيه العي؟ قال: ما كنت فيه منذ اليوم. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إن البلاغة والفصاحة إنما هي في قلة الكلام مع إدراك الصواب به واستيفاء المعاني فيه. ومن عي الرجل ألا يقدر على أن يعبر عما في نفسه بكلام وجيز حتى يأتي فيه بكلام طويل يكون فيه ما يستغنى عنه [فقد يخفى الصواب في خلاله على السامع له، فمن العي أن يأتي بكلام كثير فيما يستغنى عنه] باليسير. ومن

تفسير قول الله عز وجل أو يأخذهم على تخوف

التقصير أيضا ألا يأتي إلا بكلام يسير لا يستفاد منه ما قصد إلى بيانه. وقد حكي أن بعض الأمراء كتب إليه ملك الروم كتابا يرهب فيه عليه، فأغاظه ذلك وأمر كتابه بمراجعته، فكتب كل واحد منهم وأطنب وطول، فلم يستحسن شيئا من ذلك، وكتب إليه: الجواب ما ترى لا ما لا تسمع، {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 42] ، والسلام على من اتبع الهدى. ومن معجز كلام الله تعالى في البلاغة قوله: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: 44] وقوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] ، وقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] وكله معجز لا يقدر أحد أن يأتي في معنى منه بكلام يشبهه أو يقرب منه في الفصاحة، وبالله التوفيق. [تفسير قول الله عز وجل أو يأخذهم على تخوف] في تفسير قول الله عز وجل: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] قال ابن القاسم: قرأ عمر هذه الآية {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] فقال: ما التخوف؟ ما التخوف؟ ما التخوف؟ فأقام كذلك زمانا فأتاه أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين إن ابني يتخوفني

كثرة الحسد في الناس

مالي، فقال له عمر: وما يتخوفك؟ قال يتنقصني مالي، فكبر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحمد الله. قال محمد بن رشد: قد روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ما كنت أعرف معنى {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] ، حتى سمعت قول الشاعر يصف ناقة وإن السير ينقض سنامها بعد تمكنه واكتنازه: تخوف السير منها تامكا قردا ... كما تخوف عود النبعة السفن ومعنى التنقص في قوله: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] أن يتنقصهم في أموالهم وثمارهم حتى يهلكهم. وقيل إن المعنى أو يأخذهم [على تخوف أي أو يأخذهم] بعد أن يخيفهم، بأن يهلك قرية فتخاف التي تليها. وأن يكون التخوف بمعنى التنقص على ما جاء في الحكاية عن عمر بن الخطاب أظهر من تفسير الآية، لأن الله عز وجل ذكر فيها أصناف الإهلاك، فمنها أن يهلكهم بانتقاص ثمراتهم وأموالهم، وبالله التوفيق. [كثرة الحسد في الناس] في كثرة الحسد في الناس وحدثني عن ابن القاسم عن الثقة أن عمر بن الخطاب قال: ما من أحد عليه من الله نعمة إلا وله عليها حاسد، ولو كان الرجل أقوم من القدح لقال قائل لولا.

قول القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم اعدل

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، وقد مضى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم القول في الحسد وتبيين الجائز منه من المحظور فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [قول القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم اعدل] في القائل لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اعدل وحدثني ابن القاسم عن مالك «أن رجلا وقف على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له: اعدل يا محمد، فقال له: ومن يعدل ويحك» . قال محمد بن رشد: قد مضى هذا الحديث بأكمل مما وقع ها هنا قرب آخر الرسم الأول من سماع أشهب والقول عليه هناك فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق. [أهل البدع هل يخرجون ببدعهم من الإسلام] في أهل البدع هل يخرجون ببدعهم من الإسلام؟ وقال ابن داود عن ابن كنانة أنه قال: أهل الأهواء أهل بدع وضلالة، وليس ذلك بالذي يخرجهم عندنا من الإسلام. قال محمد بن رشد: قول ابن كنانة هو قول أصحاب مالك: أشهب، والمغيرة، وغيرهم، أن أهل البدع والأهواء لا يكفرون بمآل قولهم، ولا يعيد الصلاة من صلى خلفهم على ما وقع من ذلك في رسم يدبر ماله من سماع عيسى من كتاب المحاربين والمرتدين. ودليل هذا القول قول

رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتتمارى في الفوق، فأخبر- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يشك في خروجهم من الدين، ومن شك في خروجه من الدين فلا يحكم أنه خرج منه إلا بيقين. وقد جاء عن مالك ما يدل على أنه حكم لهم بحكم الكفار بمآل قولهم، وهو تأويله فيهم قول الله عز وجل: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ} [آل عمران: 106] على ما وقع له في أول سماع ابن القاسم من كتاب المحاربين والمرتدين. وهذا ليس على عمومه في جميع أهل البدع والأهواء، إذ من البدع والأهواء ما لا يكفر معتقده بإجماع، وهو ما لا يؤول بمعتقده إلى الكفر إلا بالتركيب، وهو أن يلزم على قوله ما هو أغلظ منه، وعلى ذلك الأغلظ ما هو أغلظ حتى يؤول به ذلك إلى الكفر، فهذا لا يكفر بإجماع. وهذا مثل الذي يعتقد أن علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ومنها ما هو معتقده كافر بإجماع، وهو ما كان كفرا صريحا، كالذي يقول إن جبريل أخطأ بالوحي وإنما كان النبي علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وما أشبه ذلك. ومنها ما يختلف في تكفير معتقده بمآل قولهم، وذلك مثل القدرية الذين يقولون إنهم قادرون خالقون لأفعالهم بمشيئتهم وإرادتهم دون مشيئة الله وإرادته، وإن الله لم يرد الكفر ولا العصيان ولا شاءه ولا قدره عليهم ففعلوه بقدرتهم ومشيئتهم وإرادتهم [دون مشيئة الله عز وجل وإرادته] وفي مثل

أول ما يرفع من أعلام الإسلام

المعتزلة الذين ينكرون صفات ذات الباري جل وتعالى من علمه وحياته وكلامه وإرادته إلى ما سوى ذلك من الأشياء التي تسد عليهم طريق المعرفة بالله جل وتعالى، وأشباههم من الروافض والخوارج والمرجئة، لأن هؤلاء ونحوهم هم الذين يختلف في تكفيرهم بمآل قولهم. فيرى من يكفرهم بمآل قولهم على من صلى خلفهم إعادة الصلاة في الوقت وبعده، ويستتيبهم أسروا بدعتهم أو أعلنوها على ما قاله في رسم يدير ماله من سماع عيسى من الكتاب المذكور، فإن تابوا وإلا قتلوا كما يفعل بالمرتد. ولا يرى من لا يكفرهم بمآل قولهم إعادة الصلاة على من صلى خلفهم ولا استتابتهم، وإنما يفعل بهم كما فعل عمر بن الخطاب من ضربه أبدا حتى يموت. ومنهم من استحب له إعادة الصلاة في الوقت، ومنهم من يفرق بين أن يكون الإمام الذي تؤدى إليه الطاعة أو غيره من الناس حسب ما مضى القول فيه في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة، وبالله التوفيق. [أول ما يرفع من أعلام الإسلام] في أول ما يرفع من أعلام الإسلام وحدثني شيخ من أعلام المدينة أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يرفع الحديث إلى النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أول ما يرفع من أعلام الإسلام كرم الأخلاق والحياء والأمانة» . قال محمد بن رشد: قوله أول ما يرفع معناه أول ما يذهب من الناس فلا يوجد فيهم، وبالله التوفيق.

ما تقع به الحرمة

[ما تقع به الحرمة] فيما تقع به الحرمة وحدثني عن ابن القاسم عن مالك أنه قال: إذا نظر الرجل إلى امرأة مما أحل الله له تلذذا فهي حرام على أبيه وعلى ابنه وعلى كل من تحرم عليه ما مس وإن كان لم يكن نظر إلا إلى وجهها. وقال مالك: ما يحرم بالنكاح فهو محرم بملك اليمين. قال محمد بن رشد: هذا معلوم من مذهب مالك أن نظر الرجل تلذذا إلى شيء من محاسن المرأة التي تحل له بنكاح أو شبهة نكاح أو ملك يمين يحرمها على أبيه وعلى ابنه، وتحرم عليه أمها وابنتها. وقال ابن أبي ليلى والشافعي: لا يحرم شيء منهن بالنظر حتى يلمس، وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي والليث. وقال الثوري: إذا نظر إلى فرجها متعمدا أو لامسها. وقال الحسن لا يحرم إلا بالوطء. واختلف في ذلك عن قتادة، واختلف في ذلك أيضا قول الشافعي: روي عنه أنه لا يحرمها إلا الوطء، وبه قال داود، واختاره المزني من قول الشافعي. ولا اختلاف فيما دون الوطء من الحرام أن الحرمة لا تقع به. وإنما اختلف هل تقع الحرمة بالوطء الحرام من الزنى، اختلف في ذلك قول مالك. قال في الموطأ إنه لا يحرم، وهو قول ابن شهاب وربيعة والليث بن سعد، وإليه ذهب الشافعي، وروي ذلك عن ابن عباس قال في ذلك: لا يحرم الحرام الحلال. وقال في المدونة: إنه يحرم، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي؛ واختلف في ذلك عن سعيد بن المسيب. وكان عطاء يفسر قول ابن عباس: لا يحرم الحرام الحلال، أن معناه أن الرجل إذا زنى بالمرأة لا يحرم عليه نكاحها [وقد أجمع فقهاء الأمصار على أن الرجل إذا زنى بالمرأة لا يحرم عليه نكاحها] بعد الاستبراء، فنكاح أمها وابنتها أحرى أن لا يحرم، وبالله التوفيق.

التوسع في الإنفاق

[التوسع في الإنفاق] في التوسع في الإنفاق وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «قال الله تبارك وتعالى لابن آدم أنفق أنفق عليك» . قال محمد بن رشد: قد مضى هذا الحديث والقول فيه في الرسم الأول من سماع أشهب فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [أتي بخبيض فأدخله في فيه ثم طرحه] ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار قال ابن القاسم: حدثني سليمان بن القاسم أن عمر بن الخطاب أتي بخبيض فأدخله في فيه ثم طرحه فقال: ما تبقى حسنات امرئ أدخل هذا في جوفه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أنه لما لاكه فوجد انصياغه وطيبه لم يرد أن يأكله مخافة أن تدعوه نفسه إليه فيصير له أكله عادة، فيصير بذلك من المسرفين المذمومين بظاهر قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] ، فكره أكله لهذا، لا أن أكله حرام، فمن أكله لم يأثم، ومن تركه على الوجه الذي تركه عليه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجر. وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في رسم البز من سماع ابن القاسم. وقوله ما تبقى حسنات من أدخل هذا في جوفه، معناه إن أكله كان من المسرفين في الإنفاق على نفسه، وكان ذلك سببا إلى أن يشح فلا يجود

الخمر يكون من التمر

بما كان يجود به، فلا تبقى حسناته على المرتبة التي كانت عليه من الكثرة، وبالله التوفيق. [الخمر يكون من التمر] في أن الخمر يكون من التمر وحدثني عن ابن القاسم عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن الله حين أنزل تحريم الخمر لم يكن بالمدينة خمر إلا خمر التمر» . قال محمد بن رشد: في هذا نص على أن الخمر تكون من التمر خلاف ما ذهب إليه بعض أهل العراق من أن الخمر المحرمة لا تكون إلا من عصير العنب، وما سواه من الأنبذة والأشربة النيئة والمطبوخة ليس بخمر، فما دون السكر منها حلال، على ما روي عن ابن عباس أنه قال: حرمت الخمر بعينها والسكر من غيرها. ومنهم من ذهب إلى أن الخمر المحرمة العين إنما هي خمر العنب والتمر خاصة، على ما روي النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الخمر من الكرمة والنخلة» . ومنهم من ذهب إلى أن الخمر المحرمة العين إنما هي الخمر التي من عصير العنب، وأن نقيع التمر والزبيب المخمر من غير طبخ بمنزلة الخمر في تحريم العين بخلاف سائر الأنبذة والأشربة، للحديث المذكور. وقولهم خطأ صراح ترده السنة الثابتة عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قوله: «كل شراب أسكر فهو حرام» وقوله: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» . والقياس الصحيح أنه لا فرق فيه بين

وصف الرجل نفسه بما هو عليه

الأنبذة المسكرة وبين الخمر لوجود علة التحريم فيها، وهو الإسكار الذي دل على أنه هو العلة في التحريم قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] وحديث ابن عباس لا حجة لهم فيه، لأن بعض رواته يقول فيه: والمسكر من غيرها. وعندنا أن كل ما خامر العقل فهو خمر محرم العين، كان من العنب أو من غيره من الأشياء، وبالله التوفيق. [وصف الرجل نفسه بما هو عليه] في وصف الرجل نفسه بما هو عليه وحدثني سليمان بن يسار عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أنه كان يقول: ما أبقى ذكر جهنم للدنيا في قلبي فرحا ولا حزنا. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه الحكاية عنه في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم عن مالك عنه، وزاد فيها قال مالك: ما يعجبني أحد يقول مثل هذا. ومضى الكلام على ذلك هنالك فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [أداء الأمانة] في أداء الأمانة وحدثني [عن] سليمان بن القاسم، عن النبي- صلى

الله عليه وسلم- أكثر ظني وأنا شاك أنه قال: «لا تجحد من جحدك وأد الأمانة إلى من ائتمنك» وبه يفتي مالك ويأخذ. قال محمد بن رشد: قد اختلف في الذي يستودع الرجل الوديعة فيجحده فيها، ثم يستودعه وديعة أو يأتمنه على شيء هل يحل له أن يجحده فيها ويقتطعها لنفسه فيما جحده من وديعته على أربعة أقوال في المذهب؛ أحدها المنع من الأخذ، وهو قول مالك في المدونة اتباعا لظاهر الحديث؟ والثاني الكراهة لذلك، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه، والثالث الإباحة، وهو قول ابن عبد الحكم، ومذهب الشافعي؛ والرابع استحباب الأخذ، وهو مذهب ابن الماجشون، كان عليه دين أو لم يكن، وقيل إنما هذا إذا لم يكن عليه دين، فإن كان عليه دين لم يكن له أن يأخذ إلا قدر ما يجب له في المحاصة، وهو قول خامس في المسألة. وأظهر الأقوال إباحة الأخذ، لأن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أباح ذلك لهند بنت عتبة [بن ربيعة] بن عبد شمس لما شكت لرسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن زوجها أبا سفيان بن حرب لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها، فقال لها: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» لأن معنى قوله بالمعروف أن تأخذ مقدار ما يجب لها ولا تتعدى فتأخذ أكثر مما يجب لها. وكذلك تناول قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تخن من خانك» أي لا تتعد! فتأخذ أكثر من الواجب لك فتكون قد خنته أخرى كما

ما يروى من الكرامات

خانك هو أولا، لأن من أخذ حقه الواجب له فليس بخائن، بل فعل المعروف الذي أباحه رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهند، فعلى هذا يخرج الحديثان جميعا ولا يحملان على التعارض، وبالله التوفيق. [ما يروى من الكرامات] فيما يروى من الكرامات قال وقال مالك: رأى يعقوب بن عبد الله بن الأشج في المنام وهو في لجة البحر غاز أنه أدخل الجنة فشرب فيها لبنا، فلما استيقظ أخبر أصحابه ثم تقيأ فقاء لبنا، فلما نزلوا الساحل لقوا العدو فاستشهد. قال محمد بن رشد: هذا من الكرامات الجليلة، وكرامات الأولياء يصدق بها أهل السنة لجوازها في العقل، والعلم بوجودها في الجملة من جهة النقل المتواتر [وإن لم يثبت منه شيء بعينه بنقل التواتر في جهة ولي من الأولياء في غير زمن النبوة] وقد ذكرنا هذا في الرسم الأول من سماع أشهب، وبالله التوفيق. [ما يزع الله بالإمام] فيما يزع الله بالإمام قال وقال مالك قال العبد الصالح عثمان بن عفان: ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن، يعني ما يكف الناس عنه بالحدود. قال محمد بن رشد: تفسير مالك لقول عثمان صحيح، والمعنى فيه أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الله مخافة السلطان أكثر من الذين

حكاية عن سليمان بن داود عليهما السلام

ينتهون عنها انتهاء لأمر الله عز وجل، ففي الإمام صلاح الدين والدنيا. ولا اختلاف بين أحد من العلماء في وجوب الإمامة ولزوم طاعة الإمام. وقد مضى هذا في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [حكاية عن سليمان بن داود عليهما السلام] ُ - قال وقال مالك: مر سليمان بن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقصر بأرض مصر فوجد فيه مكتوبا: غدونا من فتى الصحر ... إلى القصر فنلناه فمن سال عن القصر ... فمبنيا وجدناه يقاس المرء بالمرء ... إذا مالمرء ما شاه فلا تصحب صديق السو ... ء إياك وإياه فكم من جاهل أردى ... حليما حين واخاه قال ووجد عليه نسرا واقفا فدعاه فقال: من بنى هذا القصر؟ فقال: لا أدري، قال: فكم لك قد وقفت عليه؟ قال لي تسعمائة سنة وخمسون سنة. قال محمد بن رشد: في هذه الحكاية عبرة لمن اعتبر، وعظة [وتذكرة] لمن تذكر وازدجر، وبالله التوفيق.

حكاية عن عمر بن عبد العزيز

[حكاية عن عمر بن عبد العزيز] قال وقال مالك: دخل زياد بن أبي زياد على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ الخليفة، وعمر على سريره، فدخل زياد فقال: السلام عليك، ونسي أن يسلم عليه سلام الأمير. فلما رآه عمر نزل من على مجلس كان عليه، فقيل تنحيت عن مجلسك، فقال عمر: إني أكره أن أشرف في مجلس على رجل له الفضل علي. قال: فلما جلس زياد ذكر أنه نسي أن يسلم عليه سلام الأمير، فقال له بعد أن جلس: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: أما إني لم أنكر الأولى. قال ابن القاسم: وحدثنا غير واحد أنه كان زياد عبدا فطلبه عمر ليشتريه، فأبى سيده وقال: ما أمسكته إلا لدين علي. قال: فقال له ناس: فإن أدينا دينك أتعتقه؟ قال نعم. وكان دينه سبعمائة أو ثمانمائة، فجمع له ألف وخمسمائة، فقضي عن سيده دينه وعتق وهو لا يعلم، فأتي بفضله ذلك المال فقيل له خذ هذا ما فضل، فقال: ما كنت في لآخذ منه شيئا، وما سألتكم من هذا شيئا. قال فأبى أن يأخذها، فردت على الناس على قدر أداء كل إنسان. قال فزعم لي مالك أن زيادا كتب أسماءهم، فكان يدعو لهم بعد ذلك. وهذا كله قول مالك إلا ما ذكرت أن عمر أراد أن يشتريه. قال محمد بن رشد: في هذا ما هو معروف من فضل عمر بن عبد العزيز وتواضعه وإكرامه لأهل الفضل، ولا يعرف حق ذي الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل. وما فعل زياد من ترك قبول فضل ما بقي مما جمع له

كراهة القضاء وولاية بيت المال

في دين سيده ليعتقه صواب، لأن كل من أعطى شيئا منه إنما قصد العون في عتقه، لا الصدقة عليه. وهذا هو مذهب مالك وقوله في المدونة في المكاتب يعان في كتابته فيفضل له من ذلك فضله، وبالله التوفيق. [كراهة القضاء وولاية بيت المال] في كراهة القضاء وولاية بيت المال قال ابن القاسم: حدثني من أثق به عن غير واحد عن مكحول الدمشقي أنه كان يقول: لو خيرت بين القضاء وبين بيت المال لاخترت القضاء، ولو خيرت بين القضاء وضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي. قال محمد بن رشد: إنما اختار القضاء على بيت المال وإن كان ضرب عنقه أخف عليه من القضاء من أجل أن التخلص من القضاء عسير، لأن التخلص من بيت المال وإن كان أيسر من التخلص من القضاء ففي ولاية بيت المال تعريض بنفسه لسوء الظن، لأنه إذا- ولي على بيت المال لم يأمن أن يتهم فيه. ومن الحظ للرجل أن لا يعرض نفسه لسوء الظن، وأن يتوقى من ذلك جهده. وقد رأى رجل النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع صفية فقال: هذه صفية. وقد مضى هذا المعنى في رسم التسليف في الحيوان المضمون من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. [العبادة قد يمنعها الرجل فيكون ذلك خيرا له] في أن العبادة قد يمنعها الرجل فيكون ذلك خيرا له وقال ابن القاسم: سمعت سليمان بن القاسم وغيره ممن أثق به يقول: بلغني أن الرجل ليريد أن يبلغ وجها من العبادة فيمنعه الله إياه نظرا له، ولو بلغها لكان فيها هلاكه.

من لا غيبة فيه

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، يشهد بصحته قول الله عز وجل: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] . وهذا مثل أن يوفق الله الرجل لعمل شيء من الخير فيعرف به فيولى القضاء من أجل ذلك فلا يتخلص فيه ويكون في ذلك هلاكه، وبالله التوفيق. [من لا غيبة فيه] فيمن لا غيبة فيه قال وحدثني عن ابن وهب عن عبد الله بن الشيخ عن رجل عن الحسن أنه قال: لا غيبة في الإسلام إلا في ثلاثة: صاحب بدعة، وإمام جائر، وفاسق معلن. قال محمد بن رشد: معناه لا غيبة مباحة إلا في هؤلاء الثلاثة، فهؤلاء الثلاثة لا غيبة فيهم. وقد مضى هذا من قول عيسى بن دينار في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم والكلام فيه فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [ما جاء في أنه لا وضوء لمن لم يسم الله] فيما جاء في أنه لا وضوء لمن لم يسم الله قال ابن وهب: وقد أخبرني ابن الدراوردي أن ربيعة كان يقول: تفسير حديث النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» قال ذلك أن يتوضأ ولا يذكر به صلاة

قول الحسن ليس العجب ممن عطب كيف عطب

مكتوبة، أي يتطهر ولا يريد به الصلاة. قال محمد بن رشد: قوله إن معناه أن يتوضأ ولا يذكر به صلاة، يريد أو ما كان في معنى الصلاة مما لا يصح فعله إلا بطهارة، كالطواف بالبيت ومس المصحف وشبه ذلك، لأن من توضأ لما لا يصح فعله إلا بطهارة فقد نوى الطهارة، فيكون معنى قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه لا وضوء إلا بنية، لأن النية هي إخلاص العبادة لله عز وجل، ومن شرطها ذكر الله، لأن من المستحيل أن يخلص أحد العبادة لله وهو لا يذكره في نفسه، كما أن معنى قول الله عز وجل: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] . فكلوا ما قصد إلى ذكاته بالنية، فكما تؤكل الذبيحة وإن لم يسم الله على ذبحها إذا نوى تذكيتها، فكذلك يصلى بالوضوء وإن لم يسم الله عليه إذا نوى به الصلاة أو ما لا يصلح فعله إلا بطهارة، فهو بين من التأويل. وقد يحتمل أن يكون معنى قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا وضوء لمن لم يسم الله» : لا وضوء متكامل الأجر لمن لم يسم الله، مثل قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» «ولا إيمان لمن لا أمانة له» وما أشبه ذلك، وبالله التوفيق لا شريك له. [قول الحسن ليس العجب ممن عطب كيف عطب] ومن كتاب أوله حمل صبيا في وسوسة الشيطان قال وقال الحسن: ليس العجب ممن عطب كيف عطب،

ولكن العجب ممن نجا كيف نجا من شياطين حرست منهم السماوات. وقال سفيان بن عيينة: كان رجل سائرا إلى بيت المقدس، فناداه مناد يسمع صوته ولا يراه، فناداه يا فلان أو يا ابن فلان، ألا ترى إلى هذا اللعين أخرج أبوينا من الجنة، ثم ها هو ذا يزهدنا فيما في الدنيا من نعم ربنا ليقل في ذلك شكر ربنا، ويرغبنا فيما في أيدي غيرنا لتطول فيه حسرتنا. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، قال الله عز وجل: حاكيا عن إبليس: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 83] ، وقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» يريد فيما أقدره الله عليه من الوسوسة التي قد أمرنا بالاستعاذة منها بقوله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس: 2] {إِلَهِ النَّاسِ} [الناس: 3] {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس: 4] {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس: 5] {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 6] فالوسواس الخناس هو إبليس- لعنه الله-، والناس في قوله من الجنة والناس معطوف على الوسواس الخناس، فأمر عز وجل بالاستعاذة من شر الناس ومن شر الوسواس الخناس، [والكلام فيه تقديم وتأخير تقديره: قل أعوذ برب الناس من شر الوسواس الخناس] من الجنة الذي يوسوس في صدور الناس، فالناس معطوف، على الوسواس الخناس كما ذكرناه، أمر عز وجل بالاستعاذة من شرهما جميعا. ومناداة الرجل السائر إلى بيت المقدس بما نودي به وهو يسمع الصوت ولا يرى المنادي مما هو معدود في كرامات الصالحين، لأن في ذلك له تنبيها من الله

مما روي عن سعيد بن المسيب

عز وجل بما أسمعه على التوقي من إبليس والتحفظ من وسوسته، وبالله التوفيق لا شريك له. [مما روي عن سعيد بن المسيب] ومن كتاب العشور قال ابن القاسم سمعت عن سعيد بن المسيب أنه كانت له ذهب يتجر فيها، فلما حضرته الوفاة قال: يا بني، هذه نفقتي التي كنت أكف بها وجهي وأتقوى بها على عبادة ربي. قال محمد بن رشد: في هذا دليل على أن المال عون على العبادة، وإذا كان كذلك فهو خير من الفقر. وقد مضى التكلم على الأفضل من الفقر والغنى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [الحض على الرفق في العبادة] في الحض على الرفق في العبادة قال: وذكر ابن القاسم عن الليث وعبد الرحمن بن شريح أنه سمعهما وأحدهما يزيد على صاحبه، أن عمرو بن العاص خطب الناس على المنبر بمصر فقال: يا أيها الناس، إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، خافوا الله خوف من يظن أنه يموت غدا، واعملوا عمل من يظن أنه لا يموت إلا هرما، فإن المنبت لا أبقى ظهرا ولا قطع بعدا. قال وقال لي مالك في تفسير الحديث وشيء من الدلج الغدو إلى صلاة الصبح. قال محمد بن رشد: الحديث المروي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما هو: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أبقى

الفتوى ورواية الأحاديث قلما يجتمعان

ظهرا ولا قطع بعدا» أو كما قال- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأدخل عمرو بن العاص في خطبته في أثناء الحديث ما أدخل فيه من قوله: خافوا الله خوف من يظن أنه يموت غدا واعملوا عمل من يظن أنه لا يموت إلا هرما، يحضهم بذلك على القليل الدائم، وينهاهم عن الكثير الذي يخشى انقطاعه على ما دل عليه الحديث. فقد كان أحب العمل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يدوم عليه صاحبه. وقال- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله لا يمل حتى تملوا أكلفوا من العمل ما لكم به طاقة» . والآثار في هذا المعنى كثيرة، وبالله التوفيق. [الفتوى ورواية الأحاديث قلما يجتمعان] في أن الفتوى ورواية الأحاديث قلما يجتمعان قال ابن القاسم وسمعت مالكا يقول: قلما اجتمع في رجل الفتيا والحفظ، يريد رواية الأحاديث. قال محمد بن رشد: يريد أن الاشتغال برواية الأحاديث والإكثار منها وبحفظها يشغل عن التفقه فيما يحتاج إلى التفقه فيه منها، وهو ما تقتضيه الأحكام والحلال والحرام، فقلما يوجد من يتحقق بالقيام على الوجهين. وقد قال بعض العلماء: ما نظرت قط ذا علم إلا غلبني، ولا ناظرت ذا علمين إلا غلبته. فالتقلل من الروايات مع التفقه فيها أولى من الإكثار منها مع قلة التفقه فيها، فقد قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» . والذي يروى الأحاديث ولا يتفقه فيها كالحمار يحمل أسفارا وبئس مثل السوء، وبالله التوفيق.

لا نقصية على من كان ابن أم ولد

[لا نقصية على من كان ابن أم ولد] في أنه لا نقصية على من كان ابن أم ولد قال ابن القاسم: بلغني أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعلي بن حسين بن علي بن أبي طالب كانوا بني أمهات الأولاد. قال محمد بن رشد: إنما ذكر ابن القاسم هذا ليبين أن هذا مما ليس يعاب به أحد، وهو بين. قال الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، وقال عمر بن الخطاب: كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه الحديث. وروي «أن أبا الدرداء توفي أخ لأبيه وترك أخا لأمه، فنكح امرأته، فغضب أبو الدرداء حين سمع ذلك، فأقبل إليها فوقف عليها فقال: أنكحت ابن الأمة؟ يردد ذلك عليها، فقالت: أصلحك الله، إنه كان أخا زوجي وكان أحق بي فضمني وولده، فسمع بذلك رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقبل إليه حتى وقف ثم ضرب على منكبه فقال يا أبا الدرداء يا ابن ماء السماء، طف الصاع، طف الصاع، طف الصاع» . وتطفيف الصاع هو تقصيره على الامتلاء. ومنه قول الله عز وجل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] وقال أبو عبيد: هو أن يقرب من الامتلاء ولما يمتلئ. فمعنى الحديث أن أبا الدرداء لما انتقص أخا أخيه لأبيه بأنه ابن أمة، كان في

الحديث في أخبار سعد بن معاذ في العرش

ذلك وصفه لنفسه بالكمال من جهة النسب، فرد النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله بأن أعلم بتساويه معه ومع الناس جميعا في النقصان بقوله: طف الصاع طف الصاع طف الصاع، وإن تباينوا في النقصان بقدر أعمالهم المحمودة، إذ لا يدرك أحد بنسبه درجة الكمال. قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا» ففي هذا دليل أنهم إذا لم يفقهوا كان من فقه ممن دونهم أرفع منهم، وفي هذا علو مرتبة أهل الفقه على من سواهم. وقد قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما روي عنه: «ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح» الحديث، وبالله التوفيق لا شريك له. [الحديث في أخبار سعد بن معاذ في العرش] ومن كتاب أوله يدير ماله قال وسألت مالكا عن الحديث في أخبار سعد بن معاذ في العرش، فقال لا تتحدث به، وما يدعو الإنسان أن يتحدث به وهو يرى ما فيه من التعزيز. وعن الحديث إن الله خلق آدم على صورته، وعن الحديث في الساق، وذلك كله قال ابن القاسم: لا ينبغي لمن يتقي الله ويخافه أن يحدث بمثل هذا، فقلت له: إن الله تبارك وتعالى يضحك، فلم يره من هذا وأجازه وقال: قد جاء فيه حديثان وحديث ينزل مثل ذلك، وقال هو على شيء، وهو في كل مكان، وهو ملء كل شيء {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 84] .

قال محمد بن رشد: حديث سعد بن معاذ في العرش الذي أشار إليه هو ما يروى عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنه قال: «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ،» وأنه قال: «اهتز له عرش الرحمن» . وما يروى من أن أمه بكت وصاحت لما أخرجت جنازته، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ألا يرقأ دمعك ويذهب حزنك فإن ولدك أول من ضحك الله له واهتز له العرش» وما يروى من «أن جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاء إلى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات وفتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش، قال فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا سعد بن معاذ قد مات» . والحديث في الساق الذي أشار إليه هو ما روي أنه «يتجلى للخلق [فيلقاهم] فيقول من تعبدون فيقولون ربنا فيقول هل تعرفون ربكم فيقولون سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه» وفي بعض الآثار: «إذا عرفنا بنفسه عرفناه. قال فعند ذلك يكشف عن ساق فلا يبقى مؤمن إلا خر لله جل ذكره ساجدا» . وإنما نهى مالك أن يتحدث بهذين الحديثين وبالحديث الذي

جاء بأن الله خلق آدم على صورته، ونحو ذلك من الأحاديث التي يقتضي ظاهرها التشبيه مخافة أن يتحدث بها فيكثر التحدث بها وتشيع في الناس فيسمعها الجهال الذين لا يعرفون تأويلها فيسبق إلى ظنونهم التشبيه بها. وسبيلها- إذا صحت الروايات بها- أن تتأول على ما يصح مما ينتفي به التشبيه عن الله عز وجل بشيء من خلقه، كما يصنع بما جاء في القرآن مما يقتضي ظاهره التشبيه، وهو كثير، كالإتيان في قوله عز وجل: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة: 210] ، والمجيء في قوله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] والاستواء في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] . وكما يفعل أيضا بما جاء من ذلك في السنن المتواترة، كالضحك، والتنزيل، وشبه ذلك مما لم يكره روايتها لتواتر الآثار بها، لأن سبيلها كلها في اقتضاء ظاهرها التشبيه وإمكان تأويلها على ما ينتفي به تشبيه الله عز وجل بشيء من خلقه سواء. وأبعدها كلها من التشبيه ما جاء من أن عرش الرحمن اهتز لموت سعد بن معاذ، لأن العرش مخلوق خلق من خلق الله عز وجل، فلا يستحيل عليه الحركة والاهتزاز، وإضافته إلى الله تعالى إنما هي بمعنى التشريف له، كما يقال: بيت الله وحرمه، لا بمعنى أنه يحل فيه وموضع لاستقراره، إذ ليس في مكان ولا مستقرا بمكان، فقد كان قبل أن يخلق المكان، فلا يلحقه عز وجل باهتزاز عرشه ما يلحق من اهتز عرشه من المخلوقين وهو جالس عليه من تحركه بحركته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ويحتمل أن يكون الكلام مجازا فيكون المراد بتحرك العرش تحرك حملته استبشارا وفرحا بقدوم روحه، وهذا جائز في كلام العرب أن يقال: اهتز المجلس لقدوم فلان عليه، أي اهتز أهله لقدومه، كقوله عز

وجل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] يريد أهلها، ومثل قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هذا جبل يحبنا ونحبه» أي يحبنا أهله ونحب أهله. وقد قيل: إن المراد باهتزاز العرش سريره الذي حمل عليه؛ وهذا يرده النص الذي في بعض الآثار من إضافة العرش الذي اهتز بموته إلى الرحمن عز وجل. وأما قوله في حديث الساق: فيكشف عن ساق، فلم يضف الساق فيه إلى أحد، ومعناه عن شدة، لأن مثل هذا الكلام يستعمل في اللغة على معنى شدة الأمر كما قال الشاعر: وقامت الحرب بنا على ساق وقال ابن عباس في قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42] أي عن شدة من الأمر. وقال الحسن في قَوْله تَعَالَى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة: 29] أي التفت ساق الدنيا بساق الآخرة؛ وقال الضحاك: معناه أمر الدنيا بأمر الآخرة؛ وقال عمر بن الخطاب: أعمال الدنيا بمحاسبة الآخرة، وذلك أمر عظيم. وأما قوله: إن الله خلق آدم على [صورته] فإنه يروى على وجهين: أحدهما أن الله خلق آدم على صورته، الثاني أن الله خلق آدم على، صورة الرحمن. فأما الرواية: إن الله خلق آدم على صورته، فلا خلاف بين أهل النقل في صحتها لاشتهار نقلها وانتشاره من غير منكر لها ولا طاعن فيها.

وأما الرواية: إن الله خلق آدم على صورة الرحمن، فمن مصحح لها ومن طاعن عليها، وأكثر أهل النقل على إنكار ذلك وعلى أنه غلط وقع من طريق التأويل لبعض النقلة، توهم أن الهاء ترجع إلى الله عز وجل فنقل الحديث على ما توهم من معناه. فأما الرواية المحفوظة وهي: إن الله خلق آدم على صورته فتحتمل وجوها من التأويل: منها أن الهاء من قوله: إن الله خلق آدم على صورته عائدة على رجل مر النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليه وأبوه أو مولاه يضرب وجهه لطما ويقول قبح الله وجهك، فقال: «إذا ضرب أحدكم عبده فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» . وقد روي أنه سمعه يقول: قبح الله وجهك فزجره النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك بقوله ذلك وأعلمه به أنه قد سب آدم لكونه مخلوقا على صفته، ومن دونه من الأنبياء أيضا. ومنها أن الكناية في قوله على صورته ترجع إلى آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولذلك ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون معنى الحديث وفائدته الإعلام بأن الله عز وجل لم يشوه خلقه حين أخرجه من الجنة بعصيانه كما فعل بالحية والطاووس اللذين أخرجهما منها معه، على ما روي من أنه سلب الحية قوائمها وجعل أكلها من التراب، وشوه خلق الطاووس؛ والثاني أن يكون معناه وفائدته إبطال قول الدهرية الذين يقولون إنه لا إنسان إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان، ولا دجاجة إلا من بيضة، ولا بيضة إلا من دجاجة، لا إلى أول؛ والثالث أن يكون معناه وفائدته إبطال قول أهل الطبائع والمنجمين الذين يزعمون أن الأشياء بتأثير العناصر والفلك والليل والنهار، فأعلم النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا الحديث أن الله عز وجل هو المنفرد بخلق آدم على ما كان عليه من الصورة والتركيب والهيئة لم يشاركه في شيء من ذلك فعل طبع ولا تأثير فلك، وخص آدم بالذكر تنبيها على سائر المخلوقات لأنه أشرفها.

فإذا كان الله عز وجل هو المنفرد بخلقه دون مشاركة فعل طبع أو تأثير فلك، فولده ومن سواهم على حكمه كذلك. وقد قيل في ذلك وجه رابع وهو أن فائدة الحديث تكذيب القدرية فيما زعمت من أن صفات آدم منها ما خلقها الله تعالى، ومنها ما خلقها آدم لنفسه، فأخبر النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتكذيبهم وأن الله خلق آدم على جميع صورته وصفاته ومعانيه وأعراضه. وهذا كما تقول: عرفني هذا الأمر على صورته إذا أردت أن تعرفه على الاستيفاء والاستقصاء دون الاستثناء. وقد قيل فيه وجه خامس وهو أن يكون معناه إشارة إلى ما يعتقده أهل السنة من أن الله عز وجل خلق السعيد سعيدا والشقي شقيا، فخلق آدم على ما علمه وأراد أن يكون عليه من أنه يعصي ثم يتوب فيتوب الله عز وجل عليه. ففي الحديث دليل على أن أحوال العبد تتغير على حسب ما يخلق عليه وييسر له من الخير والشر، وأن كل شيء بقضاء وقدر. وقد قيل إن الكناية في قوله على صورته راجعة إلى بعض المشاهدين من الناس، وأن المعنى في ذلك والفائدة فيه هو الإعلام بأن صورة آدم كانت على هذه الصورة إبطالا لقول من زعم أنها كانت مباينة لخلق الناس على الحد الزائد يخرج عن المعهود من متعارف خلق البشر، إذ لا يأتي ذلك من وجه صحيح يوثق به. وأما الرواية الثانية التي جاءت وهي: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» فقد ذكرنا أن بعض أهل النقل لا يصحح الرواية بذلك، وأن الراوي لها ساق الحديث على ما ظنه من معناه. وقد قال بعض الناس إن ذلك لا يصح أيضا من طريق اللسان، لأن الاسم إذا تقدم فأعيد ذكره كني عنه بالهاء من غير أن يعاد الاسم. ألا ترى أنك تقول إذا أخبرت عن ضرب رجل لعبده: ضرب زيد غلامه ولا تقول: ضرب زيد غلام زيد، لأنك لو قلت ضرب زيد غلام زيد لفهم من قولك أنه لم يضرب غلامه وإنما ضرب غلام

رجل آخر اسمه زيد؛ وليس ذلك بصحيح، لأن القرآن قد جاء بذلك، قال الله عز وجل: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85] ولم يقل: إلينا، فإنما يضعف الحديث من جهة النقل، ومع ضعفه فله وجوه كثيرة محتملة ينتفي بها التشبيه عن الله عز وجل: منها أن يكون المراد بالصورة الصفة، لأن آدم موصوف بما يوصف به الله عز وجل من أنه حي عالم قادر سميع بصير متكلم، ولا توجب مشاركته له في التسمية والوصف تشبيهه به، لأن صفة الله عز وجل قديمة غير مخلوقة، وصفات آدم مخلوقة محدثة؛ وتكون فائدة الحديث على هذا الإعلام بتشريف الله إياه بأن أبانه عن الجمادات وعن سائر الحيوانات. ومنها أن تكون إضافة الصورة إليه إضافة تشريف وتخصيص، لأن الإضافة قد تكون بمعنى التشريف والتخصيص على طريق التنويه بذكر المضاف إذا خص بالإضافة إليه، وذلك نحو قوله: {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: 13] فإنها إضافة تخصيص وتشريف تفيد التحذير والردع من التعرض لها. ومن ذلك قوله عز وجل: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29] ، وقوله في المسلمين: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] إلى ما وصفهم به. وقول الناس للكعبة: بيت الله، وللمساجد بيوت الله، فشرفت صورة آدم بإضافتها إلى الله عز وجل من أجل أنه هو اخترعها وخلقها على غير مثال سبق، ثم سائر وجوه الشرف التي خص بها آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من فضائله [المعلومة] المشهورة. فالتشبيه منتف عن الله عز وجل بهذا الحديث على جميع الوجوه، من إعادة الضمير في صورته إلى الله عز وجل، أو إلى

سؤال عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمن

آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أو إلى من خرج عليه الحديث على ما روي من أنه خرج على سبب، أو إلى بعض المشاهدين، والحمد لله رب العالمين. وقد ذهب ابن قتيبة إلى التمسك بظاهر الحديث فقال: إن لله صورة لا كالصور، وكما أنه شيء لا كالأشياء؛ فأثبت لله تعالى صورة قديمة زعم أنها ليست كالصور، ثم قال: إن الله جل ذكره خلق آدم على تلك الصورة، فتناقض في قوله وتوغل في تشبيه الله عز وجل بخلقه، فهو خطأ من القول لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه. وأما قول ابن القاسم في هذه الرواية: وهو كل شيء وهو في كل مكان- وهو ملء كل شيء، فهو كلام غير محصل لا يصح أن يحمل على ظاهره، فيقال إن قوله وهو كل شيء معناه وهو خالق كل شيء، وإن قوله وهو في كل مكان معناه وهو عالم بما في كل مكان، وإن قوله وهو ملء كل شيء معناه وهو قيوم كل شيء، أي لا يستغني شيء من الأشياء في قيامه عنه، وبه التوفيق، لا شريك له. [سؤال عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمن] وفي كتاب القطعان قال ابن القاسم عن العمري «أن عائشة قالت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا رسول الله من المؤمن؟ قال الذي إذا أصبح سأل من أين قرصته، قالت يا رسول الله من المؤمن؟ قال الذي إذا أمسى سأل من أين قرصته، قالت يا رسول الله لو علم الناس أنهم كلفوا علم ذلك لتكلفوه قال قد علموه ولكنهم غشموا بالمعيشة غشما» .

قول ابن مسعود المراء لا تؤمن فتنته

قال محمد بن رشد: سؤال عائشة النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المؤمن؟ معناه من المؤمن الممدوح بالإيمان، إذ لا يقال فلان مؤمن على سبيل المدح له إلا إذا كان حسن الإيمان يتوقى به من الآثام. وقوله: سأل من أين قرصته في الغداء والعشاء، معناه بحث عمن اشتريت له منه حتى يعلم إن كان طيب المكسب أم لا، فلا يأكل إلا ما تيقن أنه لا تباعة لأحد عليه فيه، بتوقيه المتشابه وتركه ما يربيه إلى ما لا يربيه. وإنما ذكر القرصين اللذين لا فضل فيهما عما يحتاج إليه ليبين بذلك أن ما فيه فضل عما لا بد له منه فذلك عليه فيه آكد، فهذا معنى الحديث عندي، والله أعلم، وبه التوفيق، لا شريك له. [قول ابن مسعود المراء لا تؤمن فتنته] في سماع يحيى من كتاب الأقضية قال يحيى وأخبرني ابن أبي كثير عن ابن عيينة أنه قال: كان ابن مسعود يقول: المراء لا تؤمن فتنته، ولا تفهم حكمته. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، لأن المراء هو مخالفة الرجل في القول ومنازعته فيه، والذهاب إلى تصويب قوله بإقامة الحجة على خصمه. وهذا من الفعل المذموم، لأن من قصد إليه لم يأمن أن يفتتن بقوله ولا يفهم وجه قول خصمه بالحرص على الرد عليه. ولا ينبغي لأحد أن يناظر أحدا إلا ليتبين له الحق هل هو فيما يعتقده فيثبت عليه، أو فيما يقوله مناظره فيصير إليه، وبالله التوفيق.

الإسلام يسر كله

[الإسلام يسر كله] في سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب أخبرنا محمد بن أحمد عن عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب عن مالك أنه قال: سمعت رجلا من أهل العلم يذكر أن الإسلام يسر كله، وأن غيره من الأديان عسر كله. قال محمد بن رشد: هذا قول صحيح يشهد بصحته قول الله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وبالله التوفيق. [المراد بالأوابين] في الأوابين قال ابن وهب في الأوابين هو العبد يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب، وقال: الأواب الحفيظ الذي إذا ذكر الله استغفره. قال محمد بن رشد: قال الله عز وجل: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] ، وقال: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق: 32] ، وقال عن سليمان - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] يعني أنه رجاع إلى طاعة الله تواب إليه مما يكرهه منه؛ لأن أوابا فعال من أبنية التكثير، كما تقول: ضراب وصوام وقوام وقوال. والفعل منه آب يؤوب أي رجع. ومعنى قول ابن وهب في الأواب إنه العبد يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب، معناه كلما وقع

معاملة الذي يعمل بالربا ويبيع الخمر

في ذنب تاب منه ولم يعد إليه ورجع إلى طاعة ربه، لا أنه الذي يتوب من الذنب ثم يعود إليه بعينه ثم يتوب منه. وقال مجاهد في الأواب الحفيظ: هو الذي يذكر ذنبه في الخلاء فيستغفر منه. وروي عن ابن عباس أنه الذي حفظ ذنوبه ثم رجع عنها، وبالله التوفيق. [معاملة الذي يعمل بالربا ويبيع الخمر] في معاملة الذي يعمل بالربا ويبيع الخمر قال وسألته عن المسلم إن كان معروفا بأكل الربا والعمل به وببيع الخمر، هل ترى أن يتسلف منه أو يقبض الدين منه؟ فقال: شأن المسلم عندي أعظم من شأن النصراني إذا كان المسلم معروفا بأكل الربا والعمل به وببيع الخمر لم أر لأحد أن يتسلف منه ولا يقتضي دينه منه ولا يخالطه ولا يؤاكله. قال ابن وهب قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تخالطن إلا مؤمنا» . قال محمد بن رشد: قوله في المعروف بأكل الربا والعمل به وببيع الخمر إن شأن المسلم في ذلك أعظم من شأن النصراني، يريد أشد من شأن النصراني في معاملة كل واحد منهما، صحيح. وإنما كانت معاملة المسلم الذي يعمل بالربا ويبيع الخمر أشد من معاملة النصراني وهو يبيع الخمر ويعمل بالربا، من أجل أنه غير مخاطب بالشرائع على الصحيح من الأقوال، بدليل إجماعهم على أنه إذا أسلم يحل له ما أربى فيه في حال كفره، وثمن ما باع فيه من الخمر. وقد أمر الله أن تؤخذ الجزية [منهم] ، وكره مالك في

تفسير آية الصدقة

كتاب الضحايا من المدونة أن يتسلف الرجل من النصراني دينارا باع به خمرا أو يبيع به منه شيئا، مراعاة للقول بأنهم مخاطبون بفروع الشرائع، ولم يحرمه. والقياس جوازه؛ لأنه لو أسلم لحل له ذلك الدينار. ولم ير في هذه الرواية ابن وهب لأحد أن يتسلف من المعروف بأكل الربا أو بيع الخمر شيئا ولا يقبض منه دينا ولا يخالطه ولا يؤاكله، ومعناه إذا كان الغالب على ماله الحلال، وابن القاسم يجيز ذلك، وهو القياس؛ وأصبغ يحرمه، وهو تشديد على غير قياس؛ لأنه جعل ماله كله حراما لأجل ما خالطه من الحرام، فأوجب عليه الصدقة بجميعه وقال: إن من عامله فيه وجب عليه أن يتصدق بجميع ما أخذ منه. وأما إن كان قد غلب على ماله الربا وثمن ما باع من الخمر فلا يعامل ولا تقبل هديته ولا يؤكل طعامه، قيل على وجه الكراهة، وقيل على وجه التحريم. ولو ورث سلعة أو وهبت له لجاز أن تشترى منه وأن تقبل منه هبة باتفاق. واختلف إن كان الربا وثمن الخمر قد أحاط بجميع ما بيده من المال في مبايعته ومعاملته على أربعة أقوال قد ذكرناها ووجه كل قول منها في مسألة قد شخصناها في هذا المعنى حاوية لجميع وجوهها ومعانيها، فتركت ذكرها هنا اختصارا. ومعنى قوله في الحديث الذي احتج به: «لا تخالطن إلا مؤمنا» أي لا تخالطن في الأخذ والإعطاء إلا مؤمنا ممدوح الإيمان لتورعه عن اكتساب الحرام، وبالله التوفيق. [تفسير آية الصدقة] في تفسير آية الصدقة قال وسألته عن تفسير قوله عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] ، فقال: الفقراء المتعففون وهم

أهل فاقة وحاجة؛ والمساكين الذين يسألون الناس على الأبواب والطرق وهم السائلون؛ والعمال الذين يستعملون عليها ويشخصون فيها؛ والمؤلفة قلوبهم قوم كان النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتألفهم إلى الإسلام بالصدقة من الزكاة؛ وفي الرقاب المكاتبون، والغارمين ناس كانت تكون عليهم الديون فلا يجدون ما يقضون به دينهم، [فأمر الله تعالى نبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعطوا من الزكاة ما يقضون به دينهم] ؛ وفي سبيل الله: الغازي في سبيل الله، وابن السبيل: المنقطع به الذي لا يجد دابة لركبها ولا ثمنا يتكارى به. قال محمد بن رشد: قد مضى في آخر أول رسم من سماع أشهب في الفقراء والمساكين ستة أقوال: أحدها قوله في هذه الرواية: إن الفقير المتعفف الذي لا يسأل، والمسكين المحتاج الذي يسأل، وهو أظهرها. ولا اختلاف في أن العاملين عليها هم الذين يستعملون عليها ويشخصون فيها كما قال في الرواية. وأما المؤلفة قلوبهم فقد مضى القول فيهم في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم. وأما قوله وفي الرقاب ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه يجوز أن يعان بها المكاتبون وإن لم تتم بذلك حريتهم، وهو قول المغيرة وظاهر هذه الرواية؛ والثاني أنه لا يجوز أن يعان بها المكاتبون وإن تمت بذلك حريتهم من أجل أن الولاء للذي كاتبهم، وهو قول ابن القاسم في الواضحة وظاهر روايته عن مالك في المدونة؛ والثالث أنه يجوز أن يعان بها المكاتبون إن تمت بذلك حريتهم. فالقول الأولى ضعيف، والقول الثاني هو القياس، والقول الثالث استحسان.

وأما الغارمون فقال في هذه الرواية: إنهم الذين تكون عليهم الديون، يريد من غير فساد، فلا يجدون لها قضاء، يريد أو يجدون لها قضاء فلا يفضل لهم من المال بعد قضائها ما تحرم به عليهم أخذ الصدقة؛ لأنهم إن لم يجدوا لديونهم قضاء فهم فقراء غارمون تكون لهم الصدقة بحق الفقر وحق الدين، وإن وجدوا لها قضاء ولم يفضل لهم بعد قضائها من المال ما تحرم به الصدقة عليهم كانت لهم الصدقة بحق الدين لا بحق الفقر؛ لأنهم أغنياء بما كان عندهم من المال مكافئا لما كان عليهم من الديون، وهم الذين قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهم: «لا تحل الصدقة [لغني] إلا لخمسة» فذكر فيهم الغارم. واختلف إن لم يكن مع الغريم ما يفي بدينه إلا دارا يسكنها أو خادما يخدمه، لا فضل في ذلك عما يحتاج إليه في سكناه واختدامه، هل يحسب الدين في ذلك فيأخذ من الزكاة لحق الفقراء خاصة، أو لا يحسبه في ذلك فيأخذ من الزكاة لحق الفقر والدين جميعا؛ واختلف إن كان له من المال ما يفي بدينه سوى الدار والخادم اللذين لا فضل فيهما، فقيل: إن الدين يحسب فيهما ويبقى له المال فلا تحل له الصدقة، وقيل: إنه يحسب الدين فيما له من المال سوى الدار والخادم اللذين لا فضل فيهما، فيأخذ من الزكاة لحق الفقير. والقولان قائمان من المدونة في المسألتين جميعا. وأما قوله: وفي سبيل الله إنه الغازي في سبيل الله، فهو صحيح لا اختلاف فيه، وإنما يختلف هل يعطى منها الغني في الغزو؟ فقال في المدونة: إنه يعطى منها وإن كان غنيا، وهو قول محمد بن سلمة: إن الغني يأخذ من الصدقة ما يتقوى به للجهاد، وهو مذهب أصبغ. ولعيسى بن دينار في تفسير

تفسير قوله عز وجل كانوا قليلا من الليل ما يهجعون

ابن مزين أنه لا يعطى من الزكاة إلا إذا احتاج في غزوه ولم يحضره وفره ولا شيء من ماله. والأول هو الصحيح، لقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة» فذكر فيهم الغازي في سبيل الله. وابن السبيل هو المنقطع به في السفر لحج كان أو غيره، وإن كان غنيا في بلده، وبالله التوفيق. [تفسير قوله عز وجل كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ] في تفسير قوله عز وجل: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] وسئل عن تفسير قول الله عز وجل: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] ، قال إذا جاء السحر تركوا الصلاة وأقبلوا على الاستغفار. قال محمد بن رشد: قد مضى قرب آخر الرسم الأول من سماع أشهب الكلام على قوله: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] وتفسير قوله: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] فما فسره به في الرواية صحيح بين لا إشكال فيه، وبالله التوفيق. [تفسير قوله وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ] في تفسير قوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وسئل عن تفسير قوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] يقول: أيها الزارع اتق الله، وأد حق ما رفعت. وأنت أيها الوالي لا تأخذ أكثر من حقك فتكون من المسرفين.

قال محمد بن رشد: أما قوله عز وجل: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] فلا اختلاف في أن الخطاب فيه لأصحاب الأموال. واختلف في المراد بذلك الحق ما هو، فذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أنه الزكاة المفروضة في الأموال، وروي ذلك عن ابن عباس وجماعة [من أهل التفسير] ، وقال آخرون: بل ذلك حق أوجبه الله عز وجل في الأموال غير الزكاة المفروضة، فنسخه الله بالزكاة، فلا حق في الأموال سوى الزكاة. وأما قوله عز وجل: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] فقيل: إن الخطاب فيه لآخذي الزكاة فلا يتعدوا من الزكاة أكثر من الواجب فيها فيكونوا من المسرفين، وهو قوله في هذه الرواية. وقيل: الخطاب بذلك للولاة أن لا يأخذوا أكثر من الواجب لهم فيكونوا من المسرفين، ولأصحاب الأموال أن لا ينقصوا من الواجب عليهم فيكونوا من المسرفين؛ لأن الإسراف يكون في الزيادة على الحق وفي النقصان منه. وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال في تأويل الآية: معناها لا تمنعوا الصدقة فتعصوا. وفي قوله عز وجل: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] على القول بأن المراد بالحق الزكاة بعد أن ذكر في الآية الزمان، دليل على إيجاب الزكاة في الفواكه. وإلى هذا ذهب ابن حبيب. وفي قوله عز وجل: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] بعد أن ذكر الثمار والزرع، دليل على أن الزكاة لا تجب في الثمار إلا يوم جذاذها؛ لأن الحصاد في الثمار هو جذاذها، وأنه ليس على الرجل أن يحصي في الزكاة ما أكل من ثمر النخيل والأعناب قبل الجذاذ ولا من الفريك والفول الأخضر وشبهه قبل الحصاد، وهو قول الليث بن سعد ومذهب الشافعي تعلقا بظاهر هذه الآية

تفسير قوله عز وجل يراءون

مع ما جاء عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «إذا خرصتم فخذوا ودعوا، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع» . فعلى هذا يحسن أن يتأول أن قول الله عز وجل: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] إنما يعود على أصحاب المال في الأكل الذي أباحه الله عز وجل لهم ولم يوجب عليهم فيه زكاة، فيكون المعنى في قوله عز وجل {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] كلوا من ثمره إذا أثمر ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، وآتوا حقه يوم حصاده. فإذا أكل الرجل على هذا من ثماره بعد طيبها اليسير بغير إسراف لم يحصه في الزكاة، وإن أسرف في الأكل منها أحصاه وأخرج زكاته. وهذا ظاهر في التأويل، يؤيده الحديث المذكور، وبالله التوفيق. [تفسير قوله عز وجل يُرَاءُونَ] في تفسير قوله عز وجل: {يُرَاءُونَ} [الماعون: 6] وسئل عن تفسير قوله عز وجل: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: 6] {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] قال هم المنافقون يراءون بالإسلام ويمنعون زكاة أموالهم. قال محمد بن رشد: قد قيل في الماعون إنه ما فيه منفعة، كالفأس والقدر والدلو وشبه ذلك مما يعيره الناس بعضهم بعضا بكرم أخلاقهم ولا يشحون به ولا يمنعونه. فالآية نزلت في المنافقين بدليل قوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5] {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: 6] {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] لأنه لا يرائي بأعماله ويريد

تفسير قوله عز وجل وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به

بها غير وجه الله عز وجل إلا منافق، فالوعيد يتعلق بهم على من تأول أن الماعون الزكاة، على النفاق وعلى منع الزكاة، وعلى مذهب من يتأول أن الماعون عارية متاع البيت، على النفاق وعلى منع العارية من المسلمين بغضا لهم، لا على نفس المنع لمجرده، وبالله التوفيق. [تفسير قوله عز وجل وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ] في تفسير قوله عز وجل: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] وسئل عن تفسير قوله عز وجل: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] فقال: إن ذلك أن يطأ الرجل امرأته إذا تبين له أنها حائض، فقال: لا جناح عليك فيما لم تتعمد. قال محمد بن رشد: التلاوة إنما هي: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] والآية نزلت في الأمر بدعاء الرجل إلى أبيه إلا أن لا يعلم أبوه فيدعى إلى مواليه، فإن لم يكن له موال فهو أخ للمسلمين بالإسلام. قال الله عز وجل: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] فرفع عز وجل بهذه الآية الحرج عمن أخطأ بأن نسب الرجل إلى مواليه أو إلى أنه أخ للمسلمين بالإسلام إذا لم يعلم أبوه، وأوجب الحرج في ذلك عليه إذا علم أباه فتعمد بقلبه نسبته إلى غير أبيه. وقيل: إن معنى الآية إنما هو رفع الحرج فيها عمن ينسب الرجل إلى غير أبيه وهو يظنه أباه، وأوجب الحرج عليه إن تعمد بقلبه نسبته إليه وهو يعلم أنه غير أبيه. وقيل: إن معنى الآية إنما هو أن الله رفع الإثم والحرج عمن أخطأ بأن نسب الرجل إلى من تبناه قبل أن يعرف كراهة الله عز وجل لذلك ونهيه عنه، وأوجب الحرج على من تعمد مخالفة أمر الله عز وجل بعد أن أعلمه

ما جاء من أن السلطان ظل الله في الأرض

بالخطأ الذي رفع الله فيه الحرج عن هذه الأمة بهذه الآية، ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وعما استكرهوا عليه» وهو على وجوه: منها أن يفعل المحظور وهو يظنه مباحا؛ ومنها أن يفعل المحظور في وقت يظنه مباحا كالذي يفطر في رمضان وهو يظن أن الشمس قد غابت، وكالذي يطأ الحائض وهو يظن أنها طاهر؛ ومنها أن يفعل الفعل المحظور من غير قصد إليه ولا إرادة، كالذي يرمي الحجر حيث يجوز له فيصيب به حيوانا أو إنسانا فيقتله، وما أشبه ذلك، وبالله التوفيق لا شريك له. [ما جاء من أن السلطان ظل الله في الأرض] فيما جاء من أن السلطان ظل الله في الأرض قال: وأخبرني الليث يرفع الحديث إلى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: إن «السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم، فإذا عدل فيهم كان له الأجر وعلى رعيته الشكر، وإذا جار عليهم كان عليه الوزر وعلى رعيته الصبر» . وقال: «من استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصحة حرم الله عليه ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام» . قال محمد بن رشد: المعنى في هذا كله بين، وفيه: أنه لا يجوز الخروج على الإمام وإن جار، لما يؤدي إليه ذلك مما هو أشد من جوره، وبالله التوفيق.

عيب الإكثار

[عيب الإكثار] في عيب الإكثار قال: وأخبرني عن عبد الرحمن بن القاسم أنه قال: كنا جلوسا عند مالك يوما إذ مر بنا ابن وهب فلحظه مالك ببصره ساعة ثم قال: سبحان الله أيما فتى لولا أنه مكثر، ثم قال: بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إني مما أتخوف على أمتي العصبية والقدرية وكثرة الرواية» . قال محمد بن رشد: المعنى في كراهة ذلك بين؛ لأن من أكثر رواية الأحاديث ولم ينتق من يحملها عنه لم يأمن أن يحدث عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما لم يقله؛ ومن اشتغل برواية الأحاديث عن التفقه فيها ومعرفة ما عليه العمل منها فما وفق لما له الحظ فيه. وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: العلم الذي هو العلم معرفة السنن، والأمر المعروف الماضي المعمول به. وكان ابن سيرين يقول: إنما هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تحملون دينكم. وقال يحيى بن يحيى: سمعت مالكا يقول: لقد أدركت بهذا البلد أكثر من سبعين شيخا كلهم أهل فضل ما حملت عن واحد منهم حرفا. قيل له: ولم ذلك يا أبا عبد الله؟ فقال: إن هذا الأمر ليس يؤخذ إلا من أهله، إنما هي كلمة تغير فيستحل بها حرام أو يحرم بها حلال. ومخافة هذا المعنى -والله أعلم- قال عمر بن الخطاب: أقلوا الحديث عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا شريككم. وقد مضى الكلام على قول عمر هذا في رسم حلف أن لا يبع رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

التوقي في الفتوى

[التوقي في الفتوى] في التوقي في الفتوى قال وحدثني عن بعض أصحاب مالك قال: كنا عنده جلوسا إذ أتاه ابن أبي حازم فأدناه وقربه وأقبل عليه بكلامه وحديثه، ثم قال له: يا ابن أبي حازم، إذا جاءك أحد فإن قدرت أن تنجي نفسك قبل أن تنجيه فافعل. وحدثنا عن ابن وهب أنه قال: لما ودعت مالكا قال لي: لا تجعل ظهرك للناس جسرا يجوزون عليه إلى ما يحبون، فإن أخسر الناس من باع آخرته بدنيا غيره. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، وهو مثل أن يستفتي العالم الرجل من إخوانه في أمر يرجو أن يجد عنده فيه رخصة، وذلك الأمر مما تعارضت عنده فيه الأدلة في الحظر والإباحة، وفي وجوب شيء وسقوطه، فيغلب من الدلائل ما يوجب إباحة المحظور أو سقوط الواجب ويفتيه بذلك، فينقلب عنه مسرورا بما أفتاه به ورخص له فيه، ويبقى هو مشغول البال بذلك. وقد قال عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لرجل أفتى في الرضاعة بشيء كأنه يقول لم يرها إلا من قبل الأم: لا تفت بفتوى لا تتقلب من الليل على فراشك إلا ذكرته. وقعت هذه الحكاية في سماع ابن القاسم من كتاب الرضاع. وسأل ابن وهب مالكا عن الذي يجعل على نفسه صيام الإثنين والخميس فيمرض أو يمر به الإثنين والخميس وهو يوم فطر أو أضحى، فقال: أرى أن يقضي بعد ذلك إلا أن يكون نوى الفطر إذا مرض وإذا مر به الفطر والأضحى، وقال: إنه يقال إن أخسر الناس من باع آخرته بدنياه، وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره، ومعناه في القاضي والمفتي، وبالله التوفيق.

الذي يحلف على أن عمر بن الخطاب من أهل الجنة

[الذي يحلف على أن عمر بن الخطاب من أهل الجنة] في الذي يحلف على أن عمر بن الخطاب من أهل الجنة وأخبرني عبد الملك بن الحسن عن غير واحد من المصريين أن ابن القاسم سئل عن رجل قال: امرأته طالق إن لم يكن عمر بن الخطاب من أهل الجنة، فقال ابن القاسم: لا حنث عليه. وأخبرني من أثق به عن ابن القاسم في أبي بكر وعمر مثل ذلك. قال محمد بن رشد: لا شك ولا ارتياب في أنه لا حنث على من حلف بطلاق امرأته في أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما من أهل الجنة. وكذلك القول في سائر العشرة أصحاب حراء الذين شهد لهم رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، وكذلك من جاء فيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أثر صحيح أنه من أهل الجنة، كعبد الله بن سلام، فيجوز أن يشهد له بالجنة. وإنما توقف مالك فيمن حلف في عمر بن عبد العزيز أنه من أهل الجنة فقال: هو إمام هدى، أو قال هو رجل صالح ولم يزد على ذلك، إذ لم يأت فيه نص يقطع العذر. وقال ابن القاسم: إنه لا حنث عليه. ووجه ما ذهب إليه التعلق بظاهر ما روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «إذا أردتم أن تعلموا ماذا للعبد عند ربه فانظروا ما يتبعه من حسن الثناء» وقوله: «أنتم شهداء الله في الأرض فمن أثنيتم عليه بخير وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه بشر وجبت له النار» . وقد حصل الإجماع من الأمة على حسن الثناء عليه، والإجماع معصوم، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لن تجتمع أمتي على ضلالة» . وقد مضى في رسم

أيمان البيعة لا تلزم من أكره عليها

الرهون من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق القول فيمن حلف أنه من أهل الجنة أو أنه ممن يدخل الجنة، وهو مما يتعلق بهذا المعنى، وبالله التوفيق. [أيمان البيعة لا تلزم من أكره عليها] في أن أيمان البيعة لا تلزم من أكره عليها قال ابن القاسم: ولقد قلت لمالك إنه تأتينا بيعة هؤلاء القوم فتغلق علينا أبواب المسجد فيضهدوننا فنبايع، قال: إذا علمت بذلك فلا تبرح واجلس في بيتك. قلت: أفكان مالك يقول: إذا أكرهوه على البيعة إن ذلك لا يلزمه؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا خاف على نفسه إن لم يبايع على ما يستحلف عليه جاز له أن يبايع ولا تلزمه الأيمان في ذلك ما كانت. قال الله عز وجل: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] ، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» . وإن أمكن من امتحن بذلك أن يداري فيما يستحلف فيه كان حسنا من الفعل. فقد روي أن أبا حنيفة فر من بيعة المنصور، فلما أخذ المنصور جماعة من الفقهاء، قال أبو حنيفة: لي فيهم أسوة، فخرج مع أولئك الفقهاء، فلما دخلوا على المنصور أقبل على أبي حنيفة وجذبه من بينهم وقال له: أنت صاحب حيل، فالله شاهد عليك أنك تبايعني صادقا من قلبك، قال: الله يشهد علي حتى

ولد المسلم الصغير يولد مخبولا أو يصيبه الخبل قبل أن يبلغ العمل

تقوم الساعة، قال حسبك. فلما خرج أبو حنيفة قال له أصحابه: حكمت على نفسك ببيعته حتى تقوم الساعة، فقال: إنما أردت حتى تقوم الساعة من مجلسك إلى ما تحتاج إليه من بول أو غائط أو غير ذلك، أي حتى يقوم من مجلسه ذلك، وبالله التوفيق. [ولد المسلم الصغير يولد مخبولا أو يصيبه الخبل قبل أن يبلغ العمل] من سماع أصبغ بن الفرج من عبد الرحمن بن القاسم من كتاب الزكاة والصيام قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن ولد المسلم الصغير يولد مخبولا أو يصيبه الخبل قبل أن يبلغ العمل، قال: ما سمعت فيه شيئا، إلا أن الله تبارك وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] الآية، وأرجو أن يلحقهم الله بهم. فأما من احتلم وجرى عليه القلم ثم أصيب بعد ذلك فإني سمعت بعض أهل العلم والفضل يقول إنه يطبع على عمله بمنزلة من قد مات. قال محمد بن رشد: الذي يولد مخبولا أو يصيبه الخبل قبل أن يبلغ العمل فهو بمنزلة من قد مات صغيرا من أولاد المسلمين، إذ لم يلحق بالمكلفين، فهو مولود على الفطرة وصائر بفضل الله ورحمته إلى الجنة. وما رجاه ابن القاسم بتأويل الآية من أن يلحقوا بآبائهم مروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وروي عن ابن عباس أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في جنته وإن لم يبلغها بالعمل ليقر بهم عينه ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] .» .

ما حرست السماوات قط منذ خلقهن الله حتى بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم

وأما من أصابه الخبل بعد أن احتلم وجرى عليه القلم فما حكى أنه سمعه من بعض أهل العلم فيه من أنه يطبع على عمله بمنزلة من مات صحيح في المعنى لارتفاع القلم عنه بالخبل، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة» فذكر فيهم المجنون حتى يفيق، وبالله التوفيق. [ما حرست السماوات قط منذ خلقهن الله حتى بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم] ومن كتاب الجامع قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يذكر أنه سمع أنه يقال: ما حرست السماوات قط منذ خلقهن الله ولا رمي عنهن بالشهب والنجوم حتى بعث الله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقرأ قول الله تبارك وتعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: 8] {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: 9] . قال محمد بن رشد: وقد قيل: إنه كان قبل بعث النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رمي الشهب شيء يسير، فلما بعث النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثر ذلك واشتهر وظهر. وقيل إن ذلك لم يكن أصلا قبل بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومن الدليل على ذلك أنه لا يوجد في شيء من أشعار الجاهلية ذكر ذلك والتشبيه به. وقد روي عن أبي رجاء العطاردي أنه قال: كنا قبل أن يبعث النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما نرى نجما يرمى به، فبينما نحن ذات ليلة إذ النجوم قد رمي بها، فقلنا ما هذا؟ إن هذا لأمر حدث، فجاءنا أن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث، وأنزل الله هذه الآية

في سورة الجن: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: 9] {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: 10] . روي عن سعيد ابن جبير «عن ابن عباس أنه قال: كان للجن مقاعد في السماء يستمعون الوحي، فكان إذا نزل سمعت الملائكة كهيئة الحديد يرمى على الصفوان، فإذا سمعت الملائكة ذلك خروا لجباههم فإذا نزل عليهم أصحاب الوحي: {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] فتنادوا بما ينزل، فإذا نزل إلى السماء الدنيا قالوا: يكون في الأرض كذا وكذا من موت عظيم أو من أمر يحدث من جدب أو خصب، فنزلت الجن بذلك فأوحوه إلى أوليائهم من الإنس. فلما بعث الله عز وجل محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منعوا من الاستماع وفزع لذلك إبليس، وقال: لم يكن هذا إلا لظهور نبي، ففرق جنده في البحث عن ذلك، وكان فيمن بعث تسعة من جند نصيبين، فأتوا رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ببطن نخلة قائم يصلي ويتلو القرآن فسمعوه ورقت إليه قلوبهم، فاشتهوه ودنوا منه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبا للقرآن حتى كادوا يركبونه وهو- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يشعر بهم، وذلك قوله عز وجل: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] وكانوا مؤمنين بموسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فآمنوا بالله ورسوله، ثم رجعوا إلى قومهم ولم يذهبوا إلى إبليس، فقالوا ما حكاه الله تعالى عنهم في الأحقاف: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} [الأحقاف: 30] فاستجاب لهم جماعة من قومهم، فأقبلوا بهم إلى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم نحو من سبعين جنيا، وهو - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ببطن نخلة، فلما بلغه أمرهم خرج إليهم ومعه عبد الله بن مسعود» .

روي «أن ابن مسعود قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه وهو بمكة: من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجان فليفعل فلم يحضره منهم أحد غيري. وروي عنه أيضا أنه قال: استتبعني رسول الله- صلي الله عليه وسلم- فخرجنا حتى انتهينا إلى مكان كذا فخط لي خطا وقال: لا تخرج منه فإنك إن خرجت منه هلكت وأقبل يكلمهم ويقرأ عليهم القرآن فآمنوا به وصدقوه. فلفا أراد الرجوع قالوا يا رسول الله إنا خرجنا إليك في سنة جدبة والأرض بيننا محل ودنا قال فأعطاهم روثة وعظما وقال لكم بالروثة من خصب كل أرض تمرون عليها فيها روثة مثل ما كانت عليها قبل ذلك» . ونهى أن يستطيب أحد بعظم أو روث. وروي: «أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينما هو جالس بين أصحابه إذ سمع سلاما ولم ير شخصا فقال من أنت؟ قال همام بن هم بن أفلح بن إبليس، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: على إبليس لعنة الله وعلى أتباعه وما ولد، فقال همام رويدك إني قد أسلمت وقد دعوت نفرا فتابعوني وها هم أولاء معي، منهم سويد بن قارب، وكان عفريتا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كيف كان إسلامك؟ قال: مررت بنوح وقد خنقه قومه فوثبت له وكشفتهم عنه وكنت معه حتى أغرق الله عز وجل قومه، ثم لم أزل مع الأنبياء- عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - إلى هلم جرا، وسمعت بك فأتيت سويدا ومن معه فدعوتهم إليك فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما تقول يا سويد فيما يقول همام؟ فسمع- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوابا ولم ير شخصا أتاني بريدي، يعني هماما، بعد هجعة فقال لي: يا سويد بن قارب أتاك نبي من لؤي بن غالب فارحل إلى مكة تبغي الهدى، ما مؤمنو الجن ككفارها، وليس قداماها كذناباها، فدعا لهم النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: ما حاجتكم؟ فقالوا: أن تخرج فتصلي بنا الليلة لنقتدي بك فأنعم لهم، وسمعها أنس بن مالك وقال لأرتصدن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الليلة فإنه قد أنعم لهم. فلما صلى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشاء الآخرة قال لأصحابه انهضوا إلى رحابكم. قال أنس: فعلمت أنه يريد أن

للجن الثواب والعقاب

ينهض لوعده فترصدته حتى مضى، ثم تبعت أثره- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعمي علي حتى سمعت قراءته، فقصدت نحو القراءة فإذا خيمة عظيمة تخرج قراءة رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها، فوقفت على باب الخيمة فإذا أنا بصفوف ورسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤمهم فشققت صفا وقمت معهم، وإذا إنا بقوم كأمثال الزط، فلما انفتل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم أر أحدا. ورجع همام وسويد إلى قومهما يجاهدانهم حتى يؤمنوا فأنزل الله عز وجل: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1] الآية» وبالله التوفيق. [للجن الثواب والعقاب] في أن للجن الثواب والعقاب قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول: للجن الثواب والعقاب، وتلا قول الله عز وجل: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: 14] {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] . «وذكر ابن مسعود في ليلة الجن حين خط له: [أتاهم] النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: سمعت الجن تقول له: من يشهد أنك رسول الله؟ وكان قريبا من ذلك شجرة، فقال لهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أرأيتم إن شهدت هذه

الشجرة أتؤمنون؟ قالوا: نعم فدعاها النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقبلت. قال ابن مسعود: فلقد رأيتها تجر أغصانها، فقال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تشهدين أني رسول الله؟ قالت: نعم أشهد أنك رسول الله. قال أصبغ: وأنا أشهد أنه رسول الله. قال وأعطاهم النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عظما وروثة، قال حسبته قال زادا. قال وليس عظم يأخذونه إلا كان كهيئته يوم كان ولا روثة إلا كانت ثمرة كهيئتها التي عليها بحالها.» قال أصبغ: نهي عن الاستنجاء بهما [فيما بلغني] من أجل ذلك فيما نرى. قال محمد بن رشد: استدلال ابن القاسم على ما ذكره من أن للجن الثواب والعقاب بما تلاه من قول الله عز وجل: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ} [الجن: 14] إلى قوله {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] استدلال صحيح بين لا إشكال فيه، بل هو نص جلي في ذلك. والقاسطون في هذه الآية هم الجائرون عن الهدى والمشركون، بدليل قوله: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ} [الجن: 14] ، ففي الجن مسلمون، ويهود، ونصارى، ومجوس، وعبدة أوثان، قاله بعض أهل التفسير في تفسير قوله: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ} [الجن: 11] قال يريد المؤمنين، {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11] قال يريد غير المؤمنين. وقَوْله تَعَالَى: {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} [الجن: 11] أي مختلفين في الكفر يهود ونصارى ومجوس وعبدة أوثان. وقول أصبغ: نهي عن الاستنجاء بهما فيما بلغني من أجل ذلك فيما نرى، هو مذكور في بعض الآثار أنهم لما سألوا النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زادا فأعطاهم العظم والروث قالوا له: إن أمتكم تنجسهما علينا بالاستنجاء،

قال سأنهى أمتي عن الاستنجاء بهما، فنهى عن ذلك. وقد روي أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالعظم والجلد والبعرة والروثة والحممة، فكره من ذلك مالك في رسم سن من سماع ابن القاسم في كتاب الوضوء العظم والروث، وخفف العظم في رواية أشهب عنه من الكتاب المذكور، وخفف الروث في المجموعة. قال ابن حبيب: واتباع النهي في تجنب ذلك كله أحب إلي. وقد اختلف فيمن استنجى بشيء مما نهي عن الاستنجاء به، فقيل: إنه لا إعادة عليه، وهو قول ابن حبيب؛ وقيل: إنه يعيد في الوقت، والوقت في ذلك وقت الصلاة المفروضة، وروي ذلك عن أصبغ، وكذلك عنده من استنجى بعود أو خزف أو خرق. وجه القول الأول أن الاستنجاء إنما هو لعلة إزالة الأذى عن المخرجين، فإذا زال الأذى بما عدا الأحجار ارتفع الحكم كما لو زال بالأحجار. ووجه القول الثاني أن إزالة الأذى عن المخرجين مخصوص بالأحجار، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أوَلا يجد أحدكم ثلاثة أحجار» ، فلا يجزئ فيه ما عداها إلا الماء، لقوله: الماء أطيب وأطهر. ومما أجمعوا عليه أنه لا يجوز الاستنجاء بكل ما له حرمة من الأطعمة، وكل ما فيه رطوبة من النجاسة؛ فإن استنجى بشيء مما له حرمة أعاد في الوقت عند أصبغ، وإن استنجى بما فيه رطوبة من النجاسات أعاد في الوقت قولا واحدا، وبالله التوفيق.

مبايعة علي بن أبي طالب لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما

[مبايعة علي بن أبي طالب لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما] في مبايعة علي بن أبي طالب لأبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول: بايع علي بن أبي طالب لأبي بكر وهو كاره على ما أحب أو كره ومن معه من أهل البيت. قال محمد بن رشد: إنما توقف علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في أول وهلة عن مبايعة أبي بكر لما كان يعتقد من أنه أحق بالخلافة منه لمكانه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم بايعه باختياره غير مكره على ذلك لما رأى من أنه هو الواجب عليه، إذ قد انعقدت له الإمامة بمبايعة من [تنعقد بمبايعته، كما أنه لو بويع هو أولا انعقدت له الإمامة بمبايعة من] بايعه ممن تنعقد به الإمامة، كما أنه لو بويع هو أولا وانعقدت له الإمامة لبايعه أبو بكر الصديق وغيره منشرح الصدر بمبايعته إياه؛ لأن كل واحد منهما ومن سائر العشرة أصحاب حراء الذين شهد لهم رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، ممن قد اجتمعت فيه شروط الإمامة، فإذا بويع من اجتمعت فيه شروط الإمامة انعقدت له الإمامة وإن كان غيره أحق بها، وبالله التوفيق. [كثرة عدد أهل الهند] في كثرة عدد أهل الهند قال أصبغ: حدثنا ابن القاسم عن الليث بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: غزاة الهند مثل سائر العالم، قال ابن القاسم غير أنهم قط أو مثل الخلق أو أكثر. قال محمد بن رشد: "هذا مما لا يعرف إلا بالتوقيف من النبي

ما جاء من أن آدم عليه السلام نبيء

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ لا مدخل للرأي فيه، وبالله التوفيق. [ما جاء من أن آدم عليه السلام نبيء] فيما جاء من أن آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نبيء قال أصبغ وسمعت ابن القاسم يقول: «بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنبيء هو؟ فقال نعم نبيء مكلم» . قال ابن القاسم: فذكرت ذلك لأبي شريح المعافري، قال ذلك في كتاب الله. قال أصبغ يعني مكلما حيث يقول الله تبارك وتعالى: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} [الأعراف: 22] ، {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [الأعراف: 19] . قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لأن القرآن يعضد السنة فيه، وبالله التوفيق. [ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على من أثنى عليه بثبوت الإيمان في قلبه] في ثناء النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على من أثنى عليه بثبوت الإيمان في قلبه قال ابن القاسم: سمعت من يذكر أن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن من أصحابي مَنِ الإيمانُ أثبت في قلبه من الجبال الرواسي» .

قال محمد بن رشد: في هذا دليل واضح، بل هو نص جلي في أن الإيمان وإن كان هو التصديق الحاصل في القلب فإنه يتفاضل في الرسوخ والقوة والثبوت والبعد من طروء الشكوك عليه، فليس من آمن بالله ولم يعرفه بالاستدلال عليه كمن عرفه به، ولا من عرفه بوجه واحد من وجوه الأدلة كمن عرفه من وجوه كثيرة، ولا من عرفه بالأدلة دون معاينة الآيات كمن شاهدها وعاينها بحضرة النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوة اليقين في القلب وبعده عن أن يفتن فيه أو يدفعه الشيطان، وقد أعلم الله عز وجل بزيادة الإيمان فقال: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124] وقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124] ومعنى ذلك زيادة اليقين في القلب والبعد من أن تطرأ عليه الشكوك فيه، وهذا أولى ما قيل في معنى زيادة الإيمان الذي نص الله تبارك وتعالى عليه. وقد روي عن مالك أنه كان يطلق القول بزيادة الإيمان ويكف عن إطلاق نقصانه، إذ لم ينص الله تعالى إلا على زيادته، فروي عنه أنه قال عند موته لابن نافع وقد سأله عن ذلك: قد أبرمتموني، إني تدبرت هذا الأمر، فما من شيء يزيد إلا وهو ينقص، الإيمان يزيد وينقص. وهذا بين على القول بأن زيادة الإيمان إنما هو زيادة اليقين، إذ قد يضعف اليقين بالإيمان من غير أن يداخله شك فيه، فيكون ذلك هو نقصانه. وقد قيل إن معنى زيادة الإيمان زيادة العدد بتكرره؛ لأن إيمان شهر أقل عددا من إيمان شهرين، فعلى هذا القول لا يتصور في الإيمان نقصان إلا على تأويل وهو نقصانه على المرتبة التي كان عليها من الكثرة. وقد زدنا هذا المعنى بيانا في كتاب المقدمات، وبالله التوفيق.

تأديب الرجل عبيد امرأته

[تأديب الرجل عبيد امرأته] في تأديب الرجل عبيد امرأته قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن الرجل يضرب عبيد امرأته ويأمرهم وينهاهم على وجه الأدب وهي لذلك كارهة، قال: لا أرى ذلك إلا بإذن امرأته. قال محمد بن رشد: معناه في تأديبه إياهم على التعوق عن الخدمة وترك الاستقامة على الشغل، وما أشبه ذلك مما يأمرهم به فيعصونه فيه. وأما ما كان من حقوق الله تعالى كالوضوء والصلاة فله أن يؤدبهم على تضييع ذلك، ويأمرهم في ذلك وينهاهم فيه دون إذن امرأته، لقول الله عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] وبالله التوفيق. [الركوب على الدابة العري] في الركوب على الدابة العري قال وسألت ابن القاسم عن ركوب الرجل خلف الرجل على الدابة العري، قال سمعت أبا شريح ينكر ذلك، وما يعجبني لأحد أن يفعله إلا من ضرورة. قال محمد بن رشد: هذا على سبيل الاستحباب؛ لأن الدواب محمولة على الطهارة، وقد قال مالك في المدونة: لا بأس بعرق البرذون والبغل والحمار. وقد جاء بأن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركب على فرس عري بوب البخاري على ذلك ركوب الفرس العري، وأدخل الحديث بذلك قال: حدثنا عمرو بن عون، حدثنا حماد عن ثابت عن أنس قال:

الذي ينقطع قبال إحدى نعليه

«استقبلهم النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فرس عري ما عليه سرج في عنقه سيف» وبالله التوفيق. [الذي ينقطع قبال إحدى نعليه] في الذي ينقطع قبال إحدى نعليه وسئل عن الرجل ينقطع قبال نعله فيقف في نعل واحدة ولا ينزعها حتى تصلح الأخرى، قال إنما جاء في الحديث: «لا يمش أحدكم في النعل الواحدة» فإذا كان واقفا فلا بأس بذلك في رأيي إن شاء الله. وقاله أصبغ إذا قرب ولم يطل جدا، فإن طال كان بمنزلة المشي عنده ومثل ما كره له المشي به. قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم إنه لا بأس أن يقف في النعل الواحدة ما دام يصلح الأخرى هو الذي يدل عليه الحديث كما قال، فلا بأس بذلك على مذهبه وإن طال، خلاف قول أصبغ في جعله الوقوف إذا طال بمنزلة المشي، وهو بعيد؛ لأنه إنما يكره المشي. روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية جابر بن عبد الله أنه قال: «إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه» وقد روي «أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسم- ربما انقطع شسع نعله فمشى في نعل واحدة» إلا

الشيء من الفضة يجعل في الآنية ونحوها

أنه حديث ضعيف لا يصححه أهل العلم بالحديث. وروي أيضا عن علي أنه رئي يمشي في نعل واحدة وهو يصلح شسعه. ورواه مسلمة أيضا عن عبد الله بن عمر، والذي أراه في هذا أن تستعمل الآثار كلها ولا يطرح شيء منها فنقول على استعمالها: إنه لا يمشي الرجل في نعل واحدة إذا انقطع شسع إحداهما، وإذا انقطع شسع إحدى نعليه وهو يمشي فلا بأس أن يمشي في النعل الواحدة ما دام يصلح الأخرى؛ لأن ذلك يسير، بخلاف ابتداء المشي في النعل الواحدة. والنهي عن المشي في النعل الواحدة نهي أدب وإرشاد لا نهي تحريم، خلاف ما ذهب إليه أهل الظاهر من أنه من مشى في نعل واحدة فهو آثم عاص. وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تجيز المشي في النعل الواحدة وتنكر حديث أبي هريرة في النهي عن ذلك، روي عنها أنها كانت تمشي في الخف الواحد وتقول: لأحنثن أبا هريرة، وبالله التوفيق. [الشيء من الفضة يجعل في الآنية ونحوها] في الشيء من الفضة يجعل في الآنية ونحوها قال أصبغ سمعت ابن القاسم وسئل عن الرجل يجعل في بعض آنيته الشيء من الفضة أو يجعل في ميزانه الحلقة من الفضة أو يجعل ذلك في لجامه أو ركابه، قال: أما الآنية التي يؤكل فيها ويشرب فإن ذلك مكروه، وقد جاء فيه النهي عمن مضى، وكان مالك يكرهه. وأما الحلية في السيف والمصحف من الفضة فإني أرجو أن يكون ذلك خفيفا لا بأس به، ولا خير في اللجام ولا في الركابين ولا السكين يجعل في نصابه، وأكره ذلك في المرآة والمداهن. قال أصبغ لا للرجال ولا للنساء.

قال محمد بن رشد: معنى هذه الرواية أنه فرق بين أن يجعل الفضة اليسيرة في الآنية التي يؤكل فيها أو يشرب فيها، وبين أن يجعل في الركابين واللجام والسكين؛ لأنه قال في جعلها في الآنية التي يؤكل فيها ويشرب إن ذلك مكروه، وقال في جعلها في اللجام والركابين والسكين إن ذلك لا خير فيه. والمعنى في ذلك سواء؛ لأن المكروه لا خير فيه، بل الخير في تركه، وما لا خير فيه فهو مكروه؛ لأن ترك ما لا خير فيه خير من فعله، والكراهية في ذلك كله سواء؛ لأنه إنما جاء النهي عن الأكل والشرب في آنية الفضة والذهب من جهة التشبه بالأعاجم، وكذلك اللجام والسرج المحليان بالفضة والذهب إنما لم يجز الركوب بهما من أجل ذلك. وكذلك الميزان من الفضة والسكين يكون نصابه كله فضة، فإذا لم يكن في شيء من ذلك كله من الفضة إلا اليسير، كالتضبيب في شفة الإناء أو الحلقة تكون فيه أو في الميزان، أو الشيء اليسير من الفضة في طرف اللجام أو طرف نصاب السكين وما أشبه ذلك، جرى ذلك على الاختلاف في العلم من الحرير يكون في الثوب، كرهه مالك ورأى تركه أحسن، وأجازه غيره من غير كراهة فرآه من حد الجائز. وأما السيف والمصحف فلا اختلاف في جواز تحليتهما بالفضة؛ لأنهما للرجل بمنزله الحلي للنساء، يجوز اتخاذه للقنية والاستعمال ولا تكون فيه زكاة، بخلاف سائر السلاح من الدرق والحراب والقسي لا يستخف في شيء من ذلك من الفضة إلا ما يستخف في الإناء الذي يؤكل ويشرب فيه. وكذلك المرآة والمداهن. وقول أصبغ في ذلك إن الرجال فيه بمنزلة النساء صحيح؛ لأن ذلك ليس من ناحية لباسهن كالذي يتخذنه لشعورهن ولإقفال ثيابهن على ما قاله ابن شعبان، وبالله التوفيق له الحمد.

شراء المغنيات وبيعهن

[شراء المغنيات وبيعهن] في شراء المغنيات وبيعهن قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول في الذي يشتري المغنية ولا يريدها لعملها ذلك إلا للخدمة وما أشبه ذلك، إنه إذا كان لم يزد في ثمنها لموضع غنائها فلا بأس به. قال أصبغ: وكذلك البائع إذا باع كذلك فباع على رأسها بغير غناء ولم يزد في قيمتها لغنائها فالثمن له حلال، وكذلك ينبغي أن يبيع إذا باع، وإلا حرم عليه البيع والثمن كله. وثمن المغنيات حرام محرم، قال أصبغ قد حدثني عبد الله بن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن نصر عن علي بن زيد، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا يحل شراء المغنيات ولا بيعهن ولا تعليمهن ولا التجارة فيهن، وثمنهن حرام، ثم تلا هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6] الآية» . وأخبرني بذلك ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن محمد بن ثواب، عن أبي إسحاق السبيعي، عن علي بن أبي طالب، عن النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فكسبهن حرام. قال محمد بن رشد: الذي عليه معظم أهل التفسير في قول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6] أن المراد به الغناء واستماعه. من ذلك ما روي عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] فقال: الغناء، والذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات. وهو قول مجاهد وعطاء. وقال القاسم بن

محمد: الغناء من الباطل، وهو في النار. وقال مكحول: من كانت له جارية مغنية فمات لم يصل عليه لقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] إلى قوله: {عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6] ، وفي بعض الروايات في حديث أبي أمامة الباهلي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه قال في المغنيات: أكل أثمانهن حرام ولا يحل تعليمهن» . وقد يدل على تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] الآية. وقد اختلف في معنى قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] فقالت طائفة: هو الشراء على الحقيقة بالأثمان، بدليل ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن» والمعنى على هذا في قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] ، أي ومن الناس من يشتري ذات لهو الحديث، فحذف ذات أو ذا وأقام اللهو مقامه، مثل قوله عز وجل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي أهل القرية. وقال قتادة وطائفة من العلماء: معنى الآية ومن الناس من يختار لهو الحديث ويستحبه، ولعله أن لا ينفق فيه مالا ولكن اشتراؤه استحسانه. قال قتادة: وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل عن حديث الحق، وما يضر على ما ينفع. وروي عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث العبدري وكان يشتري من كتب أحاديث العجم فارس والروم وصنيعتهم ويحدث بها قريشا فيستحلونها ويعجبهم ما يسمعون منها فيلهون ويلهيهم بها. وقال جماعة من أهل التفسير، منهم الحسن والضحاك وابن زيد: إن الآية نزلت في أهل الكفر، ألا ترى إلى قوله عز وجل:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} [لقمان: 7] فليس هكذا أهل الإسلام. قالوا: فمعنى لهو الحديث الشرك، كقوله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16] فمن ذهب إلى هذا رأى الغناء مكروها منهيا عنه غير محرم في القرآن. وقال أبو جعفر الطبري: الذي أراه وأقول به في هذا أن الله عز وجل عنى به كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله مما نهى الله عز وجل عن استماعه أو رسوله؛ لأن الله عز وجل عم بقوله لهو الحديث ولم يخصص بعضا دون بعض، فذلك على عمومه في الغناء والشرك حتى يأتي ما يدل على خصوصه. وهذا الذي ذهب إليه أبو جعفر الطبري أولى ما قيل في تأويل الآية؛ لأنها وإن كانت نزلت فيما كان يفعله النضر ابن الحارث، فهي عامة تحمل على عمومها، ولا تقصر على ما كان سبب نزولها مما كان يفعله. وقد دل على حملها على عمومها ما روي من أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال-: «لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن» وقد نزل على تصديق ذلك في كتاب الله، يريد ما فهمه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عموم قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] . وقوله في الحديث: «ولا يحل شراء المغنيات ولا بيعهن» معناه إذا اشتراهن لغنائهن أو باعهن بزيادة في قيمتهن من أجل غنائهن، وأما إذا اشتراها للخدمة وما أشبهها ولم يزد في ثمنها من أجل غنائها فذلك جائز للبائع والمبتاع. وإن اشتراها للخدمة لا لغنائها بأكثر من قيمتها لأجل غنائها] فذلك حرام على البائع ومكروه للمبتاع. وظاهر قوله في الحديث أن الثمن كله محرم على البائع، والذي يحرم عليه منه إنما هو ما ازداد على قيمتها من أجل غنائها، كمن باع خمرا وثوبا صفقة واحدة بدنانير، فلا يحرم عليه من الدنانير التي باعها بها إلا ما ينوب الخمر منها. فالمعنى في

قصة الشعر للمرأة

ذلك أن الحرام من ثمن المغنية لما كان مشاعا في جملة لم يحل له أن يأكل منه قليلا ولا كثيرا حتى يخرج الحرام منه فيخلص له الحلال؛ لأنه إذا أكل شيئا فهو عليه حرام من أجل ما خالطه من الحرام، وإن كان باقي الثمن عنده وفيه وفاء بجميع الحرام، وذلك في التمثيل كرجل سرق دينارا من مال بينه وبين شريكه فأكله فهو عليه حرام من أجل ما خالطه من مال شريكه حتى يتحلله منه أو يرده إليه. وهذا هو معنى قول أصبغ في الرواية: وإلا حرم عليه الثمن كله، وثمن المغنيات حرام محرم، وبالله التوفيق. [قصة الشعر للمرأة] في قصة الشعر للمرأة قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول: أكره قصة الشعر للمرأة كراهية شديدة. قال وكان فرق الرأس أحب إلى مالك فيما أظن. قال محمد بن رشد: قصة الشعر للمرأة هو أن تترك على جبهتها ما أنسدل من الشعر إلى وجهها فتقصه على حاجبيها، وفرق الشعر هو أن لا تقصه فتقسمه بالمشط فتلقي نصفه إلى أحد الجانبين، والنصف الآخر إلى الجانب الآخر فتنكشف الجبهة من الشعر. وإنما كره ذلك للمرأة لما جاء من أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سدل ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد ذلك. وروي عن ابن عباس أنه قال: «كان أهل الكتاب يسدلون شعرهم، وكان المشركون يفرقون، وكان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، فسدل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناصيته ثم فرق بعد» . ففي حديث ابن عباس هذا دليل على أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يترك في آخر أمره ما كان عليه

مخارجة الأمة

من موافقة أهل الكتاب في السدل إلا لشيء أمر به، فهذا وجه ما ذهب إليه مالك في كراهية القصة للمرأة. ويدل على ما ذهب إليه من ذلك حديث «معاوية بن أبي سفيان إذ خطب الناس بالمدينة عام حج، فتناول قصة من شعر كانت بيد حرسي فقال يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن مثل هذه ويقول إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم؛» لأن المعنى فيها، والله أعلم، أنها كانت قصة معمولة من شعر تضعها المرأة التي قد سقط شعرها على رأسها فينسدل على جبهتها مقصوصا ترائي به أنه شعرها، فنهى النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك في حديث معاوية؛ لأنه من ناحية النهي أن تصل المرأة شعرها بشعر غيرها، وقد قال ابن عبد البر: إن معنى النهي في حديث معاوية هو أن تصل المرأة شعرها بشعر غيرها. وقد جاء عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «لعن الواصلة والمستوصلة» . والذي قلته أبين من ظاهر الحديث، وبالله التوفيق. [مخارجة الأمة] في مخارجة الأمة قال ابن القاسم: ولا أرى بأسا أن يأمر الرجل جاريته أن تأتيه بالخراج وإن لم تكن لها صنعة، مثل أن تستقي الماء أو تحتطب وما أشبه ذلك، وقاله أصبغ، هذه صناعات، وإنما المكروه أن يهملها تأتي بالخراج من غير وجه معروف من وجوه الكسب، لا بعمل ولا بصنعة ولا بيع ولا ابتياع تؤديه وتكتسب به، فلعل هذه تكتسب بالزنا أو مهر البغي أو تأتي به، وكذلك قال عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها

دخول الحمام وأحكامه

كسبت بفرجها خوفا من ذلك إذا لم يكن لها عمل تكسب منه. ونهى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مهر البغي فهو يدخل في هذا ولا يحل. فإن كانت ذات صنعة بعينها إذا أهملت، وكيف أن تترك في الكسب بفرجها وفسادها أن تخارج ولا توكل ولا تعان عليه ولا تهمل ولا يدقق في ذلك بتأويل الصنعة، وهو يكون داعية ويكون عونا، مثل الجواري اللاتي تهمل تعمل الحجامة والمشط واللعب المجون ونحو ذلك، والفساد منهن فيه ظاهر ومتوقع، لا يؤمن ولا تخفى تهمته وظنونه، فلا أرى اتخاذهن لمثل هذا يحل، ولا إهمالهن ولا كسبهن فيه لأنه مشترك والله أعلم، وأراه عظيما من الفعل والعمل. قال أصبغ قال ابن القاسم والغلام الصغير عندي ذو الصنعة مثل الجارية، يعني في الاستقاء والاحتطاب وشبههما، فلا بأس به ما لم يكلفهما في ذلك ما لا يقويان عليه. قال وحدثني ابن وهب عن إبراهيم بن نشيط أن حذيفة قام في الناس فقال: يا أيها الناس، انظروا في ضرائب أرقائكم فما طاب منها فكلوه، وإلا فاتركوه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا كله بين لا إشكال فيه ولا موضع للقول وبالله التوفيق لا شريك له. [دخول الحمام وأحكامه] في دخول الحمام قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن دخول الحمام فقال: إن وجدته خاليا أو كنت تدخل مع النفر يستترون ويتحفظون لم أر

بدخوله بأسا، وإن كان يدخله مع من لا يبالي لم أر أن تدخله وإن كنت متحفظا في نفسك. قال أصبغ: أدركت ابن وهب يدخله مع العامة، ثم ترك ذلك، ثم كان يدخله مخليا. قال محمد بن رشد: أما دخول الرجل الحمام إذا كان خاليا فلا كراهة فيه، وأما دخوله مستترا مع مستترين فقال في الرواية لا بأس بذلك أي لا حرج عليه في ذلك، وتركه أحسن. فقد قال مالك في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب وقد سئل عن الغسل من الماء السخن من الحمام فقال: والله ما دخول الحمام بصواب، فكيف يغسل بذلك الماء. ووجه الكراهة في ذلك وإن دخله مستترا مع مستترين مخافة أن يطلع على عورة أحد بغير ظن، إذ لا يكاد يسلم من ذلك من دخله مع عامة الناس. وأما دخوله غير مستتر أو مع من لا يستتر فلا يحل ذلك ولا يجوز؛ لأن ستر العورة فرض، ومن فعل ذلك كان جرحة فيه. والنساء في هذا بمنزلة الرجال، هذا هو الذي يوجبه النظر؛ لأن المرأة يجوز لها أن تنظر من المرأة ما يجوز للرجل أن ينظره من الرجل، بدليل ما روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي سعيد الخدري أنه قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب» . وما روي أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يفضي رجل إلى رجل ولا امرأة إلى امرأة،» خرج الحديثين أبو داود، فجعل- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكم المرأة مع المرأة فيما يجوز لها أن تنظر إليه منها كحكم الرجل مع الرجل فيما يجوز له أن ينظر إليه منه.

وقد أجمع أهل العلم فيما علمت على أن النساء يغسلن المرأة الميتة كما يغسل الرجال الرجل الميت، ولم يختلفوا في ذلك كما اختلفوا في غسل النساء ذوي محارمهن من الرجال، وفى غسل الرجل ذوات محارمه من النساء، حسبما ذكرناه في رسم الجنائز والصيد والذبائح من سماع أشهب من كتاب الجنائز. وقال ابن أبي زيد في الرسالة ولا تدخل المرأة الحمام إلا من علة. وقال عبد الوهاب في شرحها: هذا لما روي أن الحمام محرم على النساء، فلم يجز لهن دخوله إلا من عذر؛ لأن المرأة ليست كالرجل؛ لأن جميع بدنها عورة، ولا يجوز لها أن تظهر لرجل ولا امرأة، والحمام يجتمع فيه النساء ولا يمكن الواحدة أن تخليه لنفسها في العادة، فكره لها ذلك إلا من عذر. هذا نص قول عبد الوهاب، وفيه نظر. أما ما ذكره من أن الحمام محرم على النساء فلا أعلمه نصا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن كان ذلك من قول أحد من العلماء فمعناه في دخولهن إياه على ما جرت به عادتهن من دخولهن إياه غير مستترات. وأما ما قاله من أن بدن المرأة عورة لا يجوز أن يراه رجل ولا امرأة فليس بصحيح، إنما هو عورة على الرجل لا على المرأة، بدليل ما ذكرناه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما روي من أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح: إنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين قبلك يدخلن الحمام مع نساء المشركين، فانه عن ذلك أشد النهي، فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن يرى عورتها غير أهل دينها، وما أجمع عليه العلماء من أن النساء يغسلن النساء كما يغسل الرجال الرجال. وإنما قال ابن أبي زيد إن المرأة لا تدخل الحمام إلا من علة لما جاء عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: «إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا يدخلها الرجال إلا بالأزر وامنعوا منها النساء إلا مريضة أو نفساء» .

وإنما أمر، والله أعلم، أن تمنع النساء من دخوله إلا مريضة أو نفساء لأن إباحة ذلك لهن ذريعة إلى أن يدخلنه غير مؤتزرات [لا من أجل أن عليهن حرجا وإثما في دخولهن إياه مؤتزرات] فدخول النساء الحمامات مكروه لهن غير محرم عليهن. وعلى هذا يتأول ما روي في ذلك عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن عائشة، من ذلك حديث عائشة أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن دخول الحمامات، ثم رخص للرجال أن يدخلوها بميازر» فيتأول أنه إنما لم يرخص في ذلك للنساء بدليل هذا الحديث حماية للذرائع في دخولهن إياه بغير ميازر؟ ومنها ما روي «عن عائشة: أنها أتتها نساء من أهل الشام فقالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات؟ قال: قلن: نعم، قالت: سمعت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيتها فقد هتكت ما بينها وبين الله، أو ستر ما بينها وبين الله؛» لأنها إنما تكون قد هتكت سترها إذا وضعت ثيابها حيث لا تأمن أن يطلع أحد من الرجال عليها مكشوفة الرأس أو الجسم إن تجردت عريانة، وإن أمنت أن يطلع عليها أحد من الرجال أو كان معها النساء في الحمام وشبهه، فقد قال بعض من تكلم على هذا الحديث من العلماء إن هذا النهي إنما كان في الوقت الذي لم يكن للنساء حمام مفرد، فأما اليوم فقد زال ذلك فيجب أن يجوز. وقد روي عن أم كلثوم قالت: أمرتني عائشة فطليتها

عمل الأسكركة وبيعها

بالنورة ثم طليتها بالحناء من رأس قرنها إلى قدميها في الحمام من حضر كان بها. قالت فقلت لها: ألم تكوني تنهين النساء عن الحمامات، قالت إني سقيمة، وأنا أنهى الآن أيضا أن لا تدخل امرأة حماما إلا من سقم، فدل ذلك من قولها وفعلها على أنها كرهت للنساء دخول الحمامات مستترات من غير تحريم، وكانت تنهى عن ذلك ولم ترخص لهن فيه إلا من مرض. ولو كان عليهن حراما لما جاز في المرض، فهو لهن مع المرض جائز ومع الصحة مكروه إذا كن مستترات متزرات؛ لأن بدن المرأة إنما هو عورة على الرجل لا على المرأة. وإنما اختلف في بدن الرجل هل هو عورة على المرأة؟ فقيل إنه لا يجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه [من المرأة، والصحيح أنه يجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه] من ذوات محارمه، بدليل «قول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت قيس: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك» فلولا أنها في النظر إليه بحكم الرجل في النظر إلى ذوات محارمه لما أباح لها النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاعتداد عنده، وهذا بين والله أعلم، وبه التوفيق لا شريك له. [عمل الأسكركة وبيعها] في عمل الأسكركة وبيعها قال أصبغ: حدثنا أشهب بن عبد العزيز، عن الليث عن بكير بن الأشحم أنه كانت له مولاة تعمل الأسكركة وتبيعها، قال

فنهاها ووعظها وقال لها اتقي الله، فقالت سيدي فمن أين أعيش؟ قال لها ويلك، يرزقك الله إذا عصيته ولا يرزقك إذا أطعته. قال محمد بن رشد: الأسكركة هي الغبيراء التي سئل عنها النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما ذكره مالك في موطئه عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، فقال لا خير فيها ونهى عنها. وهو شراب يعمل من الأرز. روي عن صفوان بن محرز قال، سمعت أبا موسى يخطب على هذا المنبر وهو يقول: ألا إن خمر أهل المدينة البسر والتمر، وخمر أهل فارس العنب، وخمر أهل اليمن البتع وهو العسل، وخمر الحبشة الأسكركة وهو الأرز. وقد قيل في الأسكركة: إنه نبيذ الذرة، وقيل: إنها التي تسمى بمصر فقاع الشعير. فالأسكركة وسائر الأنبذة والأشربة التي تسكر بمنزلة الخمر في تحريم القليل والكثير منها. «سئل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البتع قال: كل شراب أسكر فهو حرام» وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» . فلا يحل عمل شيء من الأنبذة المسكرة ولا بيعها؛ لأنها بمنزلة الخمر في تحريم عينها، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها» . وخالف أهل العراق في ذلك فأباحوا من

انتقاص الخير من الناس

الأشربة المسكرة ما دون السكر، وقالوا الخمر المحرمة العين إنما هي خمر العنب. ومنهم من قال خمر العنب والتمر، وتعلقوا فيما ذهبوا إليه من ذلك بما روي عن ابن عباس أنه قال: حرمت الخمر بعينها والسكر من غيرها أو من كل شراب. وهذا لا حجة فيه؛ لأن بعض الرواة يقول فيها: والمسكر من غيرها أو من كل شراب على اختلاف الرواية في ذلك. وقولهم خطأ لا وجه له؛ لأنهم خالفوا الآثار الثابتة عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك التي ذكرناها وتركوا القياس الذي يعتمدون عليه، وهو أن العلة التي من أجلها حرمت الخمر هي الإسكار والشدة المطربة المؤدية إلى العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة موجودة في الأنبذة المسكرة، فوجب أن يكون لها حكمها ووجود العلة فيها. وإذا كان الذي لا يسكر لما دون عشرة أكواس من النبيذ إنما يحرم عليه الكأس العاشر وحده عندهم من أجل أنه سكر به، وجب بالقياس الصحيح أن تحرم عليه جميع العشرة الأكواس، إذ لم يسكر بالعاشر وحده، وإنما سكر بإضافته إلى التسعة المتقدمة. ألا ترى لو اجتمع تسعة رجال على حجر فلم يقدروا على رفعه فجاء رجل عاشر فرفعه معهم لا يصح في عقل عاقل أن يقال إن العاشر هو الذي رفعه، وهذا أبين من أن يحتاج إلى بيانه، وبالله التوفيق. [انتقاص الخير من الناس] في انتقاص الخير من الناس قال أصبغ: وحدثنا أشهب بن عبد العزيز عن ابن لهيعة أن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: لقد كنا وما أحدنا أولى بديره من أخيه المسلم، ثم ذهب ذلك فكانت المواساة، ثم ذهبت المواساة فكانت العينة. قال محمد بن رشد: يشهد بصحة قول ابن عمر هذا قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم

ما يلزم من تحسين الظن

الذين يلونهم» وقول عبد الله بن مسعود: ما من عام إلا والذي بعده شر منه ولن تؤتوا إلا من قبل أمرائكم، وليس عبد الله أنا إن كذبت. وبالله التوفيق. [ما يلزم من تحسين الظن] في ما يلزم من تحسين الظن قال وحدثني أشهب [عن شخص] عن نافع بن عمر الجمحي أنه حدثهم عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب قال: لا يحل لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءا وهو يجد لها شيئا من الخير مصدرا، حدثناه أشهب مرارا. قال محمد بن رشد: هذا كلام صحيح يشهد لصحته قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] وقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» وبالله التوفيق. [كراهة عمر رضي الله عنه أن يستأثر بمنفعة شيء في مال الله عن المسلمين] في كراهة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يستأثر بمنفعة شيء في مال الله عن المسلمين قال أصبغ وحدثنا [أشهب] عن سعيد بن عبد الله عن نافع

البداية بالأيمن فالأيمن

بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب أتي بمسك فجعل يقسمه ويجعل يده على أنفه يغطيه هكذا ووضع أشهب بذارعه وكمه على أنفه، فقيل له: يا أمير المؤمنين، وما عليك من ذلك؟ فقال: وهل ينتفع من المسك إلا برائحته. وقد فعله عمر بن عبد العزيز في خلافته. قال محمد بن رشد: لأن هذا من فعلهما جميعا نهاية في الورع والزهد؛ لأن حرمان أنفسهما من أن يشتما ما يثور من رائحة المسك في قسمته لا يزيد في المسك ولا في رائحته ولا ينقص من ذلك شيئا، وبالله التوفيق. [البداية بالأيمن فالأيمن] في البداية بالأيمن فالأيمن وسئل أشهب: أيستحب أن يبتدئ الرجل بالأيمن فالأيمن في الكتاب والشهادات تكون في المسجد أو الوضوء وما أشبه ذلك؟ فقال: يستحب ذلك على مكارم الأخلاق، وأما الشيء في دين، يعني محض فقه أو علم، فلا. قال محمد بن رشد: استحب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يوجبه في محض الدين والفقه والعلم، إذ قد يكون في غير اليمين من يكون أحق أن يبدأ به لعلمه وخيره وسنه، فإذا استوت أحوال المجتمعين أو تقاربت كانت البداية باليمين مما يستحب في مكارم الأخلاق، لما في ذلك من ترك إظهار ترفيع بعضهم على بعض بالتبدئة به. وأما إذا كان فيهم العالم وذو الفضل

اتباع عمر بن عبد العزيز سنن عمر بن الخطاب

والسن فالسنة في ذلك أن يبدأ به حيثما كان من المجلس، ثم يناول هو من كان على يمينه كما فعل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذ أتي بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر، فشربه ثم أعطاه الأعرابي، وقال الأيمن فالأيمن» ولا يعطي الذي على يساره وإن كان أحق بالتبدئة من الذي على يمينه لعلمه وخيره وسنه إلا بعد أن يستأذنه في ذلك، كما فعل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذ أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا فتله رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يده.» وقوله في الرواية: أو الوضوء، يريد غسل اليد في الاجتماع للطعام، وبالله التوفيق. [اتباع عمر بن عبد العزيز سنن عمر بن الخطاب] في اتباع عمر بن عبد العزيز سنن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال أصبغ: سمعت أشهب يحدث أن عمر بن عبد العزيز كان لا يبلغه شيء عن عمر بن الخطاب إلا أحب أن يعمل به، حتى لقد بلغه أن عمر بن الخطاب دعا على نفسه بالموت، فدعا عمر بن عبد العزيز على نفسه بالموت، فما لبث الجمعة حتى مات. قال محمد بن رشد: كان عمر بن عبد العزيز يتبع عمر بن الخطاب

ما يحكى عن بعض المتقدمين قوله في سجوده

ويقتدي به في أقضيته وأفعاله. وقد سمع عمر بن الخطاب وهو يقول: عمر عمر، من ذا عمر، يسير بسيرة عمر. وذلك نحو ما جاء عنه من قوله وهو يخطب بالمدينة: يا سارية الجبل، حسبما مضى القول فيه في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم. أما دعاء عمر بن عبد العزيز على نفسه بالموت فقد تكرر ذكر ذلك عنه، ومضى القول فيه في رسم البز ورسم طلق ابن حبيب من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [ما يحكى عن بعض المتقدمين قوله في سجوده] فيما يحكى عن بعض المتقدمين أنه كان يقوله في سجوده قال أصبغ: سمعت أشهب يقول إنه سمع سفيان بن عيينة يحدث أن رجلا سمع من جوف الليل وهو ساجد فيما أحسب وهو يقول: يا رب إن كنت ساخطا علي فيا كرباه على سخطك، وإن كنت راضيا عني فيا سروراه وقلة شكراه. قال محمد بن رشد: إنما يبعث على هذا القول شدة الخوف لله، واليقين بما عند الله، مع الاجتهاد في عبادة الله، وبالله التوفيق. [العبد بين الجنة والنار لا بد له من أحدهما] في أن العبد بين الجنة والنار لا بد له من أحدهما قال أصبغ: سمعت أشهب يحدث قال، قال مالك بن دينار: إنما هي النار والجنة. وقال له محمد بن واسع: ليس هذا، إنما هي النار، أو رحمة الجبار. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، قال الله عز وجل:

السوداء السائلة

{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10] طريق الخير والشر، فإن عمل بطاعة الله صار برحمة الله عز وجل إلى رحمة الله، وإن عمل بمعاصيه استوجب العقاب من الله. وقال عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] وقال: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] وبالله التوفيق. [السوداء السائلة] في السوداء السائلة لمالك قال وسمعت أشهب يحدث قال: ما رأيت مالكا قط رافعا بصره إلى امرأة، وما هو إلا ناكس هكذا إذا أتته امرأة تسأله، وما رأيته قط رافعا بصره إلا مرتين في سوداوين: إحداهما امرأة خلف ابن عمر، وكانت سوداء وغدة أرسلتها مولاتها إليه في شيء أو قال تسأله عن شيء، وامرأة أخرى سوداء كبيرة أتته وهي ترعد فقالت: يا أبا عبد الله إن صاحبي، أو قالت ابني استرفعني دراهم فكانت إلى جنبي فنمت ثم قمت أكنس البيت فإذا بها فأخذتها فجعلتها تحت الحصير، فأتاني بعد ذلك فطلبها مني، فقلت ما دفعت إلي شيئا، فقال: بلى والله، فقلت لا والله ما أخذتها منك، فقال بلى، فقلت علي المشي إلى بيت الله، ثم ذكرت ما كان. فقال لها مالك: عليك المشي فامشي، فقالت: يا أبا عبد الله ما أقدر، قال تركبين وتهدين، قالت: يا أبا عبد الله ما أقدر على شيء. قال وهي في ذلك ترعد فزعة، فرأيت مالكا صعد فيها البصر وردده فقال: اذهبي

فليس عليك شيء. فلما أدبرت قال مالك: لئن دخلت هذه الجنة ما ضرها سوادها شيئا، هذه في سوادها وحالها خائفة وجلة مما وقعت فيه، وأخرى أهيأ منها وأقبل وأنطق وأعقل وأعرف منها، لعلها لا تخاف ما خافت هذه، لئن دخلت هذه الجنة ما ضرها سوادها. ثم قال أشهب بأثر ذلك: ما الدين أو ما الأمر إلا الخوف. قال أصبغ: وهو الخشية، قال الله تبارك وتعالى: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: 21] ، قال أصبغ: وبلغني عن ابن مسعود أنه كان يقول: كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار به جهلا. قال محمد بن رشد: إنما لم يوجب عليها في يمينها بالله الكفارة لأنها كانت ناسية، فكانت اليمين لغوا، وأوجب عليها المشي إلى بيت الله لأنه لا يكون اللغو في المشي ولا فيما سوى اليمين بالله. فلما قالت له إنها لا تقدر على [المشي، قال تركبين وتهدين، فلما قالت له إنها لا تقدر على] شيء وهي ترعد فزعة من أن تكون قد وقعت من الإثم فيما لا مخلص لها منه، قال لها لا شيء عليك، أي لا إثم عليك في ركوبك إذا لم تقدري على المشي، ولا في ترك الهدي إذا لم تقدري عليه، يريد حتى تجدي وتقدري، [بين ذلك قوله لها في سماع أشهب من كتاب الحج: وليس عليك عجلة حتى تجدي وتقوي] وأمرها أن تركب وتهدي ولم يقل بعد أن تمشي ما قدرت وهي إرادته، ولم يقل إنها ترجع ثانية، فيحتمل أن يكون إنما لم يأمرها بذلك لأنه رأى من حالها أنها لا تقدر على أن تمشي الطريق

بيع الكتاب فيه التوراة والإنجيل

كله في مرة واحدة ولا تقدر عليه في مرتين، إذ لم يختلف قوله في أن الحالف بالمشي إذا لم يقدر على أن يمشي الطريق كله في مرة واحدة وقدر عليه في مرتين، أن عليه أن يرجع ثانية لإتمام المشي، ويرى عليه مع ذلك الهدي لتفريق المشي. وأهل المدينة سواه يرون عليه الرجوع ثانية دون الهدي، وأهل مكة يرون عليه الهدي دون الرجوع. ومن أهل العلم من لا يوجب الهدي ولا الرجوع، ومنهم من لا يوجب عليه المشي باليمين ويرى فيه كفارة يمين، ومنهم من لا يرى فيه كفارة ولا شيئا. ومذهب مالك أن ما لزم بالنذر يلزم باليمين. وما ذكره عن مالك من أنه كان لا يرفع بصره إلى امرأة هو الواجب، لقول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] وقد صرف رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجه الفضل إلى الشق الآخر لما أتته امرأة من خثعم تسفتيه وهو راكب خلفه فجعل ينظر إليها وتنظر إليه، وبالله التوفيق. [بيع الكتاب فيه التوراة والإنجيل] في بيع الكتاب فيه التوراة والإنجيل وسئل عن الكتاب تكون فيه التوراة أو الإنجيل أترى أن يبيعه من اليهودي أو النصراني؟ قال أصبغ: وكيف يعرف أنه توراة أو إنجيل؟ لا أرى أن يبيعه ولا يأكل ثمنه، ولا يحل لك أن تبيع لهم ذلك. قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يحل له أن يبيع الكتاب الذي فيه التوراة أو الإنجيل من اليهود أو النصارى ولا يأكل ثمنه صحيح بين لا إشكال فيه؛ لأن دين الإسلام ناسخ لجميع الأديان، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] ،

والقرآن ناسخ لجميع الكتب المنزلة على من تقدم من الأنبياء- عليهم الصلاة السلام- فلا يحل أن يباع شيء منها ممن يعتقد العمل بما فيها ويكذب بالقرآن الناسخ لها، هذا ولو صح أنها توراة أو إنجيل، فكيف ولا يصح ذلك، إذ لا طريق إلى معرفة صحته، بل قد علم بما أعلم الله في محكم كتابه أنهم غيروا وبدلوا. قال الله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79] وقد أعلم الله عز وجل اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل بالنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنه مبعوث بنسخ ما تقدم من الشرائع سوى الإيمان والإسلام، قال الله عز وجل: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146] يريد بالنعت الذي نعت لهم في التوراة والأناجيل. وقال عز وجل: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] وقال عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89] عرفوا أنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبي بصفته التي وصفه بها لهم في التوراة فبدلوا وغيروا وكفروا. ويروى أنه كان من صفته في التوراة أنه أسمر ربعة، فكتبوا صفته آدم طويل. وقيل: إنهم محوا اسمه منها. فلو آمنوا بالتوراة والإنجيل على ما أنزلا على موسى وعيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - لكانوا بالنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤمنين، وبالله التوفيق لا شريك له.

الحض على نكاح ذات الدين

[الحض على نكاح ذات الدين] في الحض على نكاح ذات الدين ابن أنعم يرفعه إلى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تنكحوا المرأة لجمالها ولا لمالها فلعل جمالها لا يأتي بخير ولعل مالها لا يأتي بخير وعليكم بذوات الدين فاتبعوهن حيثما كن» . قال محمد بن أحمد العتبي: حدثنا محمد بن خالد بإسناده أن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تنكح المرأة لمالها فلعل مالها أن يطغيها، ولا لجمالها فلعل جمالها أن يرديها، وعليكم بذوات الدين فإنهن في النساء مثل الغراب الأعصم» . قال محمد بن رشد: النهي من النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: لا تنكحوا المرأة لجمالها نهي أدب وإرشاد لا نهي تحريم، إذ لا حرج على أحد من أن يرغب في نكاح ذات المال والجمال. فمعنى الحديث إنما هو الحض على إيثار ذات الدين على ذات المال والجمال. وقد جاء في غير هذا الحديث: تنكح المرأة لمالها ولجمالها فعليك بذات الدين، فقال: تنكح المرأة لمالها وجمالها على سبيل الإخبار لا على سبيل النهي، وحض على إيثار ذات الدين، وهو بين من هذا الحديث، وبالله التوفيق.

المدعو إلى الوليمة يقال له ائت معك بمن تحب

[المدعو إلى الوليمة يقال له ائت معك بمن تحب] في المدعو إلى الوليمة يقال له: ائت معك بمن تحب قال: وإذا دعي الرجل إلى الوليمة وغيرها وقيل له: ائت معك بمن تحب، إنه لا بأس أن يستصحب من إخوانه من شاء. قال محمد بن رشد: هذا بين أنه إذا قال له الداعي: ائت بمن تحب، أن له أن يستصحب من إخوانه من شاء، ولا يجب على المستصحب أن يصحبه إلا أن يشاء، إذ لم يقصد صاحب الوليمة إلى دعائه، فلا يلزمه الإتيان إليها على ما قاله مالك في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب النكاح في الرجل يدعوه صاحب الوليمة يقول له: اذهب فانظر من لقيت فادعه، أن من دعاه الرسول في سعة من إجابته، إذ لم يتعمده صاحب الوليمة ولا عرفه بعينه، وبالله التوفيق. [الذي يبيع زفته ممن يجعلها في أواني الخمر] في الذي يبيع زفته ممن يجعلها في أواني الخمر وما أشبه ذلك قال أصبغ: لا يبيع الرجل زفته لمن يجعله في أواني الخمر، وكذلك عنبه لمن يعصره خمرا ودابته لمن يركبها إلى الكنيسة، وكذلك عصيره لمن يخمره، وكذلك كبشه لمن يذبحه لعيده وكفره، وزيته لمن يجعله في الكنيسة، أو قصيله أو مرعاه لمن يريده للخنازير، أو الطوب لبنيان الكنائس، ولا يحل شيء من ذلك ولا المعاونة عليه. قال محمد بن رشد: ساوى أصبغ بين هذه المس ائل وقال فيها كلها إنها لا يحل شيء منها، فعلى قوله يفسخ البيع فيها كلها ما لم يفت، فإن فات

اكتراء القيساريات المغصوبة أو المبنية بمال حرام والتجارة فيها

حرم الثمن على البائع ووجبت عليه الصدقة به، وهو شذوذ من القول لا يوجبه القياس. وفرق غيره من أصحاب مالك بينهما. فأما بيع العنب ممن يعصره خمرا، وبيع العصير ممن يخمره، وبيع الزفت ممن يجعله في أواني الخمر فلا يجوز لفاعله، وهو آثم في فعله، ويتخرج في الحكم فيها على مذاهبهم إذا وقعت ثلاثة أقوال: أحدها أن البيع لا يفسخ إذا وقع، إذ لا فساد فيه في ثمن ولا مثمون، ويمنع المبتاع من عصر العنب وتخمير العصير إن كان مسلما، ويباع ذلك عليه إن كان نصرانيا؛ والثاني أن البيع يفسخ ما لم يفت، وإن فات مضى [بالثمن] ؛ والثالث أن البيع يفسخ ما لم يفت، وإن فات رد إلى القيمة، إلا أن يفوت عند المبتاع بالعصر على ما باعه عليه البائع فلا يرد إليه ما زاد الثمن على القيمة ويتصدق بذلك، فإذا مضى البيع بالثمن كان على البائع أن يتصدق من الثمن بما ازداد فيه من أجل بيعه على أن يعصر. وأما كراء الدابة ممن يركبها إلى الكنيسة وبيع الكبش ممن يذبحه لعيده وكفره فاختلف في ذلك قول مالك: مرة أجازه، ومرة كرهه. وقع اختلاف قوله في ذلك في سماع سحنون من كتاب السلطان. وقد ذكرنا هناك وجه اختلاف قول مالك في ذلك. فعلى القول بأنه كرهه يدخل في ذلك من الاختلاف ما ذكرناه في الذي يبيع العنب ممن يعصره خمرا. وحكم بيع الطوب لبنيان الكنائس أو الزيت لوقيدها أو المرعاة للخنازير حكم الذي يبيع شاته لتذبح في أعياد النصارى. وقد تقدم ذكر ذلك، وبالله التوفيق. [اكتراء القيساريات المغصوبة أو المبنية بمال حرام والتجارة فيها] في اكتراء القيساريات المغصوبة أو المبنية بمال حرام والتجارة فيها وسئل أصبغ عن اكتراء القيساريات والحوانيت المغصوبة

والمبنية بالمال الحرام، وعن السكنى فيها والتجارات بالبز وغير ذلك، قال: لا أرى ذلك يحل. وهذا مثل ما وصفت لك من كسب الحرام. ومن اكتسب فيه شيئا فهو خبيث قليله وكثيره، وقال لا أرى القعود عندهم في تلك الحوانيت، ولا أرى أن تتخذ طريقا إلا المرة بعد المرة إذا احتاج إلى ذلك ولم يجد منه بدا. وذكر أن ابن القاسم كان في جواره مسجد بني من الأموال الحرام، فكان لا يصلي فيه ويذهب إلى أبعد منه ولا يراه واسعا لمن صلى فيه. والصلاة عظم الدين، وهذا أحق ما احتيط فيه، وأهل الورع يتقون هذا ودونه. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا إن الاكتراء في القيساريات المغتصبة والمبنية بالمال الحرام والتجارة فيها لا يحل، والكسب فيها خبيث قليله وكثيره، هو على أصله في أن المال الذي يشوبه حرام حرام كله، يلزم الصدقة بجميعه، وهو شذوذ من القول وتشديد فيه. وإنما الذي يشبه أن يقال إنه ما لم يتمح منه بإخراج ما فيه من الحرام، ورده إلى أربابه إن عرفهم، أو الصدقة به عنهم إن لم يعرفهم، فلا يجوز له أن يأكل منه شيئا وإن كان فيما بقي منه ما يفي بما فيه من الحرام؛ لأن ما أكل منه فبعضه حرام؛ لأنه كله مشاع، فلا يطيب له منه شيء حتى يخرج منه الحرام فيرده إلى أربابه إن عرفهم، أو يتصدق به عنهم إن لم يعرفهم. فإن كان أصبغ أراد هذا فلقوله وجه، وهو أن الحرام شائع في المال متيقن فيه حتى يخرج منه. وأما إن كان أراد المال كله يصير عينه حراما لما خالطه من الحرام فلا يطيب له منه شيء ويلزمه أن يتصدق بجميعه فهو بعيد خارج عن الأصول. والذي يوجبه النظر بالقياس، على الأصول ألا يحرم عليه شيء مما اكتسب بالتجارة في الحانوت من القيساريات [المغتصبة] ويلزمه كراء الحانوت، لأرباب القيسارية للمدة

الذي يريد الغزو والجهاد وله عيال وولد

التي مضت، ولا يحل له المقام فيه إذا علم أنها مغصوبة، وتكره معاملته وأكل طعامه ما لم يتمخ من الواجب عليه في ذلك لأهل القيسارية من غير تحريم؛ لأن ما عليه من التباعة في ذلك متعين في ذمته لا في المال الذي بيده على الصحيح من الأقوال. وقد ذكرنا ما يجوز من معاملة من خالط الحرام ماله مما لا يجوز في مسألة ملخصة في هذا المعنى كتبتها لمن سألني ذلك من المريدين. وأما إن كان أصل القيسارية حلالا وإنما بنيت بمال حرام فليس اكتراء حانوت منها للتجارة فيه بحرام، وإنما هو مكروه لا إثم في فعله ويستحب تركه؛ لأن البنيان لبانيه والحرام مترتب في ذمته. وكذلك المسجد المبني من المال الحرام يستحب ترك الصلاة فيه كما كان يفعل ابن القاسم من غير تحريم؛ لأن التباعة في ذلك إنما هي على الباني. وقد قيل إن سبيل المال الحرام الذي لا يعلم أصله سبيل الفيء لا سبيل الصدقة على المساكين، فعلى هذا القول تجوز الصلاة دون كراهة في المسجد المبني من المال الحرام المجهول أصله، وبالله التوفيق. [الذي يريد الغزو والجهاد وله عيال وولد] في الذي يريد الغزو والجهاد وله عيال وولد وسئل عن الرجل يريد الغزو والجهاد وله عيال وولد، أترى أن يفعل؟ قال أصبغ: إن كان يخاف عليهم الضيعة وليس عنده من يخلف لهم ولا من يقوم له بأمرهم إذا خرج فلا أرى له أن يخرج ويدعهم هكذا ضائعين بلا شيء، وإن كان عنده من يخلف لهم ويقوم بأمرهم ويكفيهم ذلك ولا عورة فيهم أن يخرج، فأرى أن يخرج ولا يدع ذلك إن شاء الله. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله لمالك في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد؛ لأن قيامه على

الغاصب يغتصب السلعة فيستهلكها وماله حرام

أهله وولده وترك إضاعتهم واجب عليه، بخلاف الغزو والجهاد في الموضع الذي يكون فيه الجهاد فرضا على الكفاية؛ لأن فروض الأعيان لا تترك لفروض الكفاية؛ لأن الفرض على الكفاية إذا قيم به سقط عمن سواه وكان له نافلة، ولا يصح ترك فريضة لنافلة، وبالله التوفيق. [الغاصب يغتصب السلعة فيستهلكها وماله حرام] في الغاصب يغتصب السلعة فيستهلكها وماله حرام وفي رجل غصب رجلا متاعا وليس كسبه إلا الغصب والحرام، ولم يجد الرجل متاعه بعينه، فيحكم على الغاصب بثمنه، كيف يكون أخذه؟ أيتصدق به أم يتركه؟ قال أصبغ: يتبعه به دينا ولا يأخذه، أيأخذ ما في أيدي اللصوص مما اقتطعوا على الناس وهو يعرفهم ليست لهم أموال؟ ولا يحل أخذها. أرأيت لو أن لصا قطع على قوم فأخذ متاعهم فتضرع إليه رجل منهم فرده عليه فلم يجد متاعه بعينه فأعطاه غيره أيأخذه؟ قال لا يحل له ذلك، قال: فإن رؤساء اللصوص ربما فعلوا هذا بالناس في الرد والعوض كما يسمع وفيما يسمع، فلا يحل لأحد أن يأخذ من غير متاعه شيئا. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا فيمن غصبه غاصب ليس كسبه إلا الغصب متاعا فلم يجده عنده بعينه فحكم له عليه بثمنه إنه لا يحل له أن يأخذه، هو على أصل مذهبه في أن من خالط ماله حرام فهو كله حرام، لا يحل أن يعامل فيه ولا أن يؤكل منه شيء. وقد مضى بيان هذا من مذهبه في سماع عبد الملك، فكيف بمن لم يكن كسبه إلا الغصب. وإنما قال إنه يتبعه به دينا رجاء أن يفيد مالا حلالا بميراث أو هبة فيجوز له عنده أن يأخذ من ذلك المال الحلال ثمن سلعته التي غصبه إياها. والذي يوجبه القياس والنظر أنه يجوز له أن يأخذ قيمة متاعه الذي غصبه إياه أو جحده إياه وإن كان مستغرق

خدمة الرجل أصحابه في السفر

الذمة بالحرام. وكذلك لو غصبه دنانير أو دراهم أو طعاما فغاب عليه ولم يعرف بعينه لساغ له أن يضمنه في ذلك كله المثل على ما يوجبه القياس والنظر. لأنه لا يدخل على أهل بياعاته بما أخذ نقصا. وأما لو جنى على دابة رجل فقتلها أو على ثوبه فخرقه أو أفسده لما ساغ له أن يضمنه القيمة في ذلك إلا على مذهب من يرى أن مبايعة من استغرق ذمته الحرام وقبول هبته وأكل طعامه جائز لوارثه سائغ؛ لأن الحرام قد ترتب في ذمته وليس في غير المال الذي بيده، إذ ليس هو المغصوب بعينه. وكذلك لا يسوغ لأحد أن يأخذ منه أجرة في خدمته إياه، ولا لحجام إجارة في حجامته إلا على هذا القول؛ لأنهم يدخلون بذلك على أهل بياعاته نقصا. ولو كان فيما يتعلق بماله لجرى ذلك مجرى مبايعته على الاختلاف الذي ذكرناه في سماع عبد الملك، وبالله التوفيق. [خدمة الرجل أصحابه في السفر] في خدمة الرجل أصحابه في السفر وسمعته يقول: خرج عمر بن الخطاب إلى الحج، فلما كان ببعض المناهل نام أصحابه فقام من الليل فعبأ على إبله وإبل أصحابه وهو يرتجز ويقول: لا يأخذ الليل عليك بالهم ... والبس له القميص فيه واعتم وكن شريك رافع وأسلم ... ولتخدم الأقوام حتى تخدم قال محمد بن رشد: في هذا تواضع عمر بن الخطاب مع أصحابه وخدمته إياهم ومباشرته لهم وحسن جريه معهم، وما كان عليه من حسن الأخلاق وكرم الطباع. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن

السفر في طلب العلم

الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم الليل الظامئ بالهواجر» وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بعثت لأتمم حسن الأخلاق» وقال: «من تواضع لله رفعه الله ومن كان في عون أخيه كان الله في عونه» . وفضائله أكثر من أن تحصى، فهو من خيار الأمة الذين قال الله عز وجل فيهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] الآية، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54] . وبالله التوفيق. [السفر في طلب العلم] في السفر في طلب العلم وسمعته يقول: كان سعيد بن المسيب يخرج في طلب الحديث الواحد يبلغه الليالي والأيام. قال محمد بن رشد: هذا من اجتهاده في طلب العلم وفضله، وبذلك ساد أهل عصره وكان يسمى سيد التابعين. وقد مضى هذا في رسم الأقضية الأول من سماع أشهب، وفي رسم الأقضية الثاني أيضا، ومضى أيضا والقول فيه في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

التحليل من المظالم

[التحليل من المظالم] في التحليل من المظالم قال: وكان سعيد بن المسيب لم يكن يحلل أحدا ركبه بمظلمة ولا جحده مالا ويقول: دعه، ميعاد ما بيني وبينه الآخرة. وكان القاسم ابن محمد بن أبي بكر لا يركب أحد منه شيئا إلا حلله، وربما قام عليه الرجل في شيء يريد مخاصمته فيه فيقول له: خذ، فإن يكن لي فأنت منه في حل، وإن يكن لك فحقك أخذت. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. [ثناء ابن هرمز على مالك] في ثناء ابن هرمز على مالك، وابن أبي سلمة قال: وكان ابن دينار يختلف إلى ابن هرمز، وكان غلاما، فكان مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة يسألانه فيجيبهما، وربما سأله ابن دينار فلا يجيبه. فوجد في نفسه لذلك، فتصدى له يوما في طريقه إلى المسجد، فلما مر به أخذ بلجام حماره وقال: يا أبا بكر: تجوز لنفسك أن تجيب مالكا وابن أبي سلمة فيما يسألانك، فإذا سألتك لم تجبني. فقال له: يا ابن أخي أو قد كان ذلك؟ فقال له: نعم، فقال له ابن هرمز: إني رجل كبير، وأنا أخاف أن يكون نقص من علمي مثل الذي نقص من بدني، وهما عالمان، فإن أنا أخبرتهما بشيء عرفا ما يحملان، وإن يكن حسنا ذكراه. قال محمد بن رشد: في هذا أنه لا يلزم العالم أن يجيب الناس في كل ما يسألونه عنه. وقد كتب إلى بعض الفقهاء يسأل عن كفتي الميزان مم هي؟ فكتب إليه، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حسن إسلام

تفريق المرأة قصتها

المرء تركه ما لا يعنيه» وسترد فتعلم، والسلام؛ وأن له ألا يجيب من أصحابه من سأله عما يخشى إذا أجابه فيه ألا يفهمه فهما صحيحا عنه فيحمله على غير وجهه. وكان ابن هرمز إمام الناس في العلم، وكان قد ترك الفتوى قبل أن يموت، فقيل له: يرحمك الله لم تركت حظك من عظيم هذا الأمر؟ فقال: إني نظرت إلى جسدي فرأيته قد تغير، وقلبي إنما هو عضو من بعض أعضاء جسدي، فخشيت أن يكون قد تداخله من الوهن ما تداخل سائر جسدي، فتركت ذلك، وبالله التوفيق. [تفريق المرأة قصتها] في تفريق المرأة قصتها وسئل مالك هل يكره للمسلمة أن تفرق قصتها كما يصنعن نساء أهل الكتاب؟ فقال: لا. قال محمد بن رشد: قد مضى في هذا السماع عن ابن القاسم أنه كان يقول: أكره القصة للشعر للمرأة كراهية شديدة. قال: وكان فرق الرأس أحب إلى مالك، وهو يبين قوله في هذه الرواية، إذ لم يذكر فيه إلا أنه لم يكره للمرأة تفريق قصتها. فالمعنى فيها أنه لم يكره ذلك لها، وأنه اختاره لها على السدل. وقوله كما يصنعن نساء أهل الكتاب خلاف ظاهر ما روي «عن ابن عباس من أنه قال: كان أهل الكتاب يسدلون شعورهم، وكان المشركون يفرقون وكان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، فسدل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناصيته ثم فرق بعد ذلك» . وقد يحتمل أن يكون حديث ابن عباس هذا في سدل

مراتب الناس في العلم

أهل الكتاب شعورهم في الرجال دون النساء، فلا يكون على هذا التأويل خلاف ما وقع في هذه الرواية من أن نساء أهل الكتاب كن يفرقن قصصهن، أي شعورهن، وبالله التوفيق. [مراتب الناس في العلم] في مراتب الناس في العلم وقال إنما الناس في العلم أربعة: فرجل علم علما فعمل به وعلمه، فمثله في كتاب الله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] ؛ ورجل علم علما فعمل به ولم يعلمه، فمثله من كتاب الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159] ؛ ورجل علم علما فعلمه وأمر به ولم يعمل به، فمثله في كتاب لله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] ؛ ورجل لم يعلم علما ولم يعمل به فمثله في كتاب بالله: {إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان: 44] . قال محمد بن رشد: قوله في العالم الذي علم علما فعمل به ولم يعلمه إن مثله في كتاب الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159] معناه في الذين لم يعلموه فكتموه وجحدوه؛ لأن الآية إنما عني

بها علماء اليهود وأحبارها وعلماء النصارى لكتمانهم الناس أمر محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونبوءته، وتركهم اتباعه وهم يجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل، والبينات التي أنزلها عز وجل هي ما بين من أمر نبوة محمد ومبعثه وصفته في الكتابين اللذين أعلمنا الله أنهم وجدوه فيهما. وكذلك قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} [البقرة: 174] الآية عني بها أحبار اليهود الذين كتموا أمر النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم يجدونه مكتوبا في التوراة بما كانوا أعطوا على ذلك، فقال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} [البقرة: 174] إلى قوله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: 175] فلا يتعلق الوعيد المذكور في الآية بالعالم إلا إذا كتم ما علمه الله تعالى من العلم وجحده. وأما من علم وعمل به ولم يعلمه إلا لمن سأله في خاصته في شيء منه، فهو مثاب على علمه والعمل به، غير مؤاخذ على ترك الجلوس لتعليمه. وهذا هو الذي شبهه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالثمرة طعمها طيب ولا ريح لها. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن ولا يعمل به كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها» وبالله التوفيق.

اللعب المصورة وحكمها

[اللعب المصورة وحكمها] في اللعب المصورة وسئل أصبغ عن اللعب المصورة يلعب بها النساء والجواري، أيحل لهن ذلك؟ قال: ما أرى بأسا ما لم تكن تماثيل مصورة مخروطة فلا يجوز؛ لأن هذا يبقى، ولو كانت فخارا أو عيدانا تنكسر وتبلى رجوت أن تكون خفيفة إن شاء الله، كمثل رقم الثياب بالصور لا بأس بها لأنها تبلى وتمتهن. قلت أليس قد ذكر «عن عائشة أنها كانت تلعب بهن؟ فقال نعم، أخبرني بذلك عبد الله بن وهب يرفعه عن عائشة زوج النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: كان يأتيني جوار يلاعبنني بالبنات، فإذا رأين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استحيين وتقنعن فكان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج ويسيرهن إلي» . فقلت أترى بعملها بأسا وببيعها بأسا؟ قال: أما الذي أجزت لك منها فلا أرى ببيعها بأسا. قال محمد بن رشد: قوله ما أرى بأسا لما لم تكن تماثيل مصورة مخروطة، معناه لا بأس بها إذا لم تكن صورا مخروطة مجسدة على صورة الإنسان، وإنما كانت عظاما أو عيدانا غير مخروطة على صورة الإنسان إلا أنه عمل فيها شبه الوجوه بالتزويق، فجاز ذلك لأنه أشبه الرقم. هذا معنى قول أصبغ بدليل تشبيهه ذلك برقوم الثياب بالصور، إلا أنه علل ذلك بعلة فيها نظر، فقال لأنها تبقى، قال ولو كانت فخارا أو عيدانا تتكسر وتبلى رجوت أن تكون خفيفة إن شاء الله كمثل رقوم الثياب بالصور، لا بأس بها لأنها تبلى

يمر بالحائط أو بالجنان أيأخذ من ثمره

وتمتهن. والصواب أن لا فرق في ذلك بين ما يبقى أو يبلى فلا يبقى مما هو تمثال مجسد له ظل قائم يشبه الحيوان الحي بكونه على هيئته. وإنما استخفت الرقوم في الثياب من أجل أنها ليست بتماثيل مجسدة لها ظل قائم يشبه الحيوان في أنها مجسدة على هيئتها، وإنما هي رسوم لا أجساد لها، ولا يحيى في العادة ما كان على هيئتها. فالمحظور ما كان على هيئة ما يحيى ويكون له روح، بدليل قوله في الحديث: «إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم» . والمستخف ما كان بخلاف ذلك مما لا يحيى في العادة ما كان على هيئته، فالمستخف من هذه اللعب المصورة للعب الجواري بها، لما جاء من أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت تلعب بها بعلم رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا ينكر ذلك عليها، بل كان يسرب الجواري إليها ما كان مشبها بالصورة وليس بكامل التصوير، وكلما قل الشبه قوي الجواز، وكل ما جاز اللعب به جاز عمله وبيعه على ما قاله في الرواية، وبالله التوفيق. [يمر بالحائط أو بالجنان أيأخذ من ثمره] من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد بن أبي الغمر: سئل ابن القاسم عن الرجل يمر بالحائط أو بالجنان أيأخذ من ثمره؟ قال: لا يصلح أن يأخذ من ثمره. قيل له: فإن وجده في أصل الحائط قد سقط؟ قال وإن كان قد سقط. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحلب أحد ماشية أخيه إلا بإذنه» .

سلخ الشاه الميتة

قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم فأغنى ذلك عن إعادته هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق. [سلخ الشاه الميتة] في سلخ الشاه الميتة قال ابن القاسم في الميتة تموت هل يحل للمسلم أن يبطش بها فيسلخها لينتفع بإهابها أم لا ينبغي للمسلم أن يمس الميتة؟ قال لا بأس أن يسلخ المسلم الميتة، ولا يصل إلى الانتفاع بها إلا بسلخها، وليطهر كل ما أصابه منها. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين؛ لأن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الميتة: ألا انتفعتم بجلدها، ولا سبيل إلى الانتفاع بجلدها إلا بسلخه عنها، وبالله التوفيق. [الانتفاع بجلد الميتة] في وجه الانتفاع بجلد الميتة وسئل عن جلد الميتة هل ينتفع به من غير دباغ للجام أو غير ذلك أم لا ينتفع به من غير دباغ كيف ذلك؟ قال قال مالك: ترك ذلك أحب إلي. قال ابن القاسم: لا ينتفع به حتى يدبغ. قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن جلد الميتة قبل الدباغ نجس لا تجوز الصلاة به ولا عليه. واختلف في جواز بيعه والانتفاع به على

ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به، وهو مذهب ابن الماجشون والمعلوم من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك؟ والثاني: أنه يجوز بيعه والانتفاع به، وهو مذهب ابن وهب، ويقوم مثله من رواية ابن القاسم عن مالك في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من كتاب الصلاة في مسألة الصابون؟ والثالث: أنه لا يجوز بيعه ويجوز الانتفاع به، وهو دليل قوله في هذه الرواية: ترك ذلك أحب إلي. ولا اختلاف في جواز الانتفاع به بعد الدباغ. واختلف هل يطهر بالدباغ أم لا على قولين: فذهب مالك في رواية ابن القاسم عنه أنه لا يطهر بالدباغ إلا للانتفاع به خاصة، وقد رويت عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه آثار متعارضة في الظاهر، منها أنه: «أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت؛» ومنها أنه قال: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» ومنها أنه: «أمر ألا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب» . فلم يحملها مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية ابن القاسم عنه على التعارض، وجعل ما روي عنه من أنه أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت مفسرا للحديثين الآخرين فقال: فمعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» أي طهر للانتفاع به، وقوله: إنه أمر ألا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب، معناه قبل الدباغ. هذا تأويل شيخنا الفقيه ابن رزق - رحمه لله- على مالك في هذه الأحاديث. وقال ابن لبابة: بل أخذ مالك بحديث عائشة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمر أن ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت» وأسقط الحديثين الآخرين فلم يأخذ بهما. وقول الفقيه أبي جعفر أولى؛ لأن حمل الأحاديث بالتأويل على أن بعضها مفسر لبعض واستعمالها كلها أولى من حملها على

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس والعجب بالشيء

التعارض وإسقاط بعضها. وأكثر أهل العلم يقولون: إن جلد الميتة يطهر بالدباغ طهارة كاملة، يجوز بها بيعه والصلاة بها عليه، وهو قول ابن وهب من أصحابنا في سماع عبد الملك من كتاب الصلاة. وفي المدونة دليل على هذا القول، وروى مثله أشهب عن مالك في كتاب الضحايا في جلود الأنعام خاصة. وقد اختلف في جلد الخنزير فقيل: إنه لا يطهره الدباغ، وقيل: إنه يطهره لعموم الحديث. وقد قال النضر بن شميل من أهل اللغة: إن الإهاب إنما هو جلد الأنعام خاصة، وما سواه من جلود الحيوان إنما يقال له جلد ولا يقال له إهاب. وقال أحمد بن حنبل: لا أعرف ما قال النضر، وبالله التوفيق. [الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس والعجب بالشيء] في الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند العطاس والعجب بالشيء وسئل عن الذي يرى الشيء يعجبه أو يعطس فيحمد الله عز وجل، أيكره له أن يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: لا، أنا آمره أن لا يصلي على النبي، إذا أقول له لا تذكر الله. قيل له: إنه يذكر في ذلك حديث، قال ما أكثر ما تحدث به، كأنه لا يرى ذلك الحديث بشيء. قال محمد بن رشد: قد أمر الله بالصلاة على النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] ، فالصلاة على النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الوجه الذي أمر الله به من التعظيم لحقه والرغبة في

يرث المال عن أبيه بعضه حلال وبعضه حرام وقد اختلط الحلال بالحرام

الثواب في الصلاة عليه عند ذكره أو ذكر شيء من أمره مرغب فيه ومندوب إليه. وأما الصلاة عليه عند العجب بالشيء للتعجيب به دون القصد إلى اكتساب الثواب في ذلك فهو مكروه، قاله سحنون في رسم يدبر ماله من سماع عيسى من كتاب المحاربين والمرتدين. وأما الصلاة عليه مع حمد الله عند العطاس فيحتمل أن يكون الفاعل بذلك لم يرد به القربة ولا احتسب فيه الثواب ولا قصد به إلى تعظيم حق النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيكون ذلك من فعله مكروها؛ ويحتمل أن يكون لما عطس فحمد الله تذكر سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمر العاطس بحمد الله عند عطاسه وصلى عليه داعيا له على ما سنه من ذلك لأمته، فيكون ذلك من فعله حسنا مستحسنا. ولما احتمل صلاته على النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الحال وجها صحيحا توقف في الرواية أن يقول: إنه يكره ذلك وقال: إن قلت ذلك كنت قد أمرته أن لا يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبالله التوفيق. [يرث المال عن أبيه بعضه حلال وبعضه حرام وقد اختلط الحلال بالحرام] من نوازل سحنون وسئل سحنون عن الذي يرث المال عن أبيه بعضه حلال وبعضه حرام وقد اختلط الحلال بالحرام، أترى له أخذه؟ فقال: أيهما الأكثر والغالب؟ فقيل له الحرام، فقال أحب إلي أن يتنزه عنه. فقيل له: فالرجل يكون له المال قد ورثه عن أبيه من القرى والحوانيت وغير ذلك، وهو ممن يصحب السلطان ويلتبس بأمورهم ويأخذ من الجورة، هل يجوز أن أقبل منه صلة إن وصلني، أو أكل له طعاما؟ قال: إن كان الذي في يده من السلطان هو الأكثر فلا خير فيه، وأحب إلي أن ينزه نفسه عن أخذ صلته وإن كان الذي ورث أكثر إذا كان صاحب سلطان.

قال محمد بن رشد: قال في الذي ورث المال عن أبيه بعضه حلال وبعضه حرام إنه إن كان الغالب عليه الحرام فأحب إليه أن يتنزه عن ذلك يدل ذلك من قوله: على أنه له حلال بالميراث وإن كان الغالب عليه الحرام، إلا أنه استحب له أن يتنزه عنه، وأنه إن كان الغالب عليه الحلال فهو له سائغ حلال ليس عليه أن يتنزه عن شيء منه. وقال في الذي يرث المال عن أبيه إنه إن كان يصحب السلطان ويلتبس بأمورهم ويأخذ من الجورة، فإنه إن كان الذي في يده من السلطان هو الأكثر فلا خير في قبول صلته ولا أكل طعامه، وإن كان الذي ورث هو الأكثر فأحب إليه أن يتنزه عن أخذ صلته وأكل طعامه؟ ففرق بين المال الذي جله حرام أو جله حلال بين الهبة والميراث، فأباحه بالميراث إلا أنه استحب أن يتنزه عنه إن كان جله حراما، ولم يبحه بالهبة والعطية إذا كان جله حراما، وقال لا خير فيه، واستحب أن يتنزه عن قبول الهبة منه إن كان جله حلالا. والقياس أن ينزل الوارث في المال الموروث منزلة الموروث، فإن كان المال كله حراما لم يسغ له بالميراث ولزمه فيه ما كان يلزم موروثه من الصدقة على المساكين بجميعه؛ وإن كان بعضه حراما تصدق منه بمقدار الحرام، كان الأقل أو الأكثر، كما كان يلزم الذي ورثه عنه أن يفعله. وقد قيل إنه يجوز قبول هبة المستغرق الذمة بالحرام وأكل طعامه. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أن المستغرق الذمة بالحرام لا يجوز قبول عطيته ولا أكل طعامه ولا يسوغ لوارثه ميراثه. والثاني: أن المستغرق الذمة بالحرام يجوز قبول هبته وأكل طعامه ويسوغ لوارثه ميراثه. والثالث: أن المستغرق الذمة بالحرام لا يجوز قبول هبته ولا أكل طعامه، ويسوغ لوارثه ميراثه. وجه القول الأول أن ما عليه من الظلامات والتباعات لما كانت مستغرقة لما بيده من المال كان كمن أحاطت الديون بماله، لا تجوز هبته ولا عطيته ولا معروفه، ولا يسوغ لوارثه ميراثه، لكون ما عليه من التباعات أولى بماله،

سبب سكنى اليهود الحجاز

لأنها كالديون عليه، وقال الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] . ووجه القول الثاني: أن ما عليه من الظلامات والتباعات وإن كانت مستغرقة لماله فليست متعينة فيه، إذ قد ترتبت في ذمته، فساغت عطاياه لمن أعطاه إياها وساغ ماله لوارثه، وكان هو المسئول المؤاخذ بما عليه من المظالم والتباعات إذ لم يؤدها أو لم يتمح منها في حياته. ووجه القول الثالث أن ما عليه من المظالم والتباعات [أحق بماله؛ لأنه مأمور بردها منه عاص لله عز وجل في ترك] ذلك وتأخيره، فلا يجوز له فيه عطية ولا معروف، ولا يسوغ ذلك للمعطي. فإذا لم يفعل ذلك حتى مات بقيت عليه التباعات يطلب بها في الآخرة، وساغ ماله لوارثه، إذ ليست التباعات التي عليه ديونا لمعينين يطلبونها فيجب إخراجها من ماله قبل الميراث. وقد أفردنا للتكلم على حكم مال من خالط الحرام ماله في حياته وبعد وفاته مسألة حاوية لجميع وجوهها، فمن أراد الشفاء منها في نفسه طالعها، وبالله التوفيق. [سبب سكنى اليهود الحجاز] في سبب سكنى اليهود الحجاز قال مالك: لم تكن اليهود تسكن الحجاز ولم تكن لهم دار إلا أنهم كانوا يجدون عندهم أن الله عز وجل يبعث نبيا من بين حرتين، فاتخذوا الحجاز دارا رجاء أن يكون منهم، فأخلف الله ظنهم في أنفسهم، وبعثه من غيرهم، صلوات الله وسلامه على محمد. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، وبالله التوفيق.

ما يرتفع به القوم

[ما يرتفع به القوم] فيما يرتفع به القوم قال سحنون: بلغني أن عروة بن الزبير قال لبنيه: يا بني إنه لم يرتفع قوم بمثل تقوى الله العظيم، ويرفع القوم مناكحهم، ولن يتضع قوم بمثل معاصي الله، وتضع القوم مناكحهم. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، قال الله عز وجل: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] ، وقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189] . ومثل هذا في القرآن كثير. وقال عمر بن الخطاب: كرم المرء تقواه، ودينه حسبه. وإذا كان التقى يرفع، فالمعاصي لا شك تضع، والمناكح أيضا ترفع وتضع، قال عروة بن الزبير؛ لأن الرجل إذا نكح إلى من هو أشرف منه تشرف بهم، وإذا نكح إلى أهل الضعة كان ذلك وصمة فيه تضع عند الناس منه، وبالله التوفيق. [النفقة من المال الحرام] في النفقة من المال الحرام قال سحنون: وبلغني عن عبد الله بن عامر بن كريز أنه قال لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن، أما لنا أجر في هذه المياه التي أجرينا والعقاب التي سهلنا؟ فقال له ابن عمر: أما علمت أن خبيثا لن يكفر خبيثا. قال وبلغني أن عائشة أم المؤمنين مرت بموضع بناحية منى يقال له الياقوتة فقالت: ما هذا؟ فقيل لها هذه الياقوتة بناها

عبد الله بن عامر، قالت: [من أين؟] فإني والله لأعرفه صعلوكا، فقيل لها: فإن عثمان بن عفان ولاه اليمن أو بعض النواحي، فقالت؛ لا تسرق ولا تنفق في مثل هذا. قال وبلغني أن عبد الله بن عمر عاد عبد الله بن عامر مع جماعة، فلما خف الناس قال له: يا أبا عبد الرحمن، ما ترى في هذه المياه التي أجريناها، والوعر الذي سهلنا؟ فقال له عبد الله بن عمر: سترد فتعلم، إن طابت المكسبة زكت النفقة. وكان آدم يقول: كنا نسلا من نسل السماء، غير أن الخطيئة سبتنا، فليس لنا الفرح إلا الهم والحزن حتى نرجع إلى الدار التي منها سبينا. قال محمد بن رشد: عبد الله بن عامر بن كريز هذا قرشي من بني عبد شمس بن عبد مناف، وهو ابن خال عثمان بن عفان، فعثمان بن عفان ابن عمته. ولد في حياة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأتي به إليه، فجعل يتفل عليه ويعوذه، فتسوغ ريق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنه لمسقي، فكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء. حدث عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يصح له سماع منه. قال ذلك ابن عبد البر. وكان عبد الله هذا كريما ميمون النقيبة كثير المنافق، فتح خراسان، وقتل كسرى في ولايته، وأحرم من نيسابور شكرا لله. وهو الذي عمل السقايات بعرفة، وشق نهر البصرة، وكان واليا عليها لعثمان إلى

أن قتل عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقول عبد الله بن عمر له فيما سأله عنه: أما علمت أن خبيثا لن يكفر خبيثا، معناه أن المال الخبيث وهو المأخوذ من غير حله إذا فعل الخير من بعضه لا يطيب له ذلك باقيه، وإنما يُطَيِّبُ له المالَ الخبيثَ المالُ الطيبُ، وذلك مثل أن يرث مقدار المال الخبيث أو يوهب له أو يتصدق به عليه فيتصدق به على المساكين تمحيا عن المال الخبيث الذي لا يعلم أهله، فيطيبه ذلك. وكذلك إن لم يتصدق به على المساكين وصرفه في وجه من وجوه البر، كتسهيل العقاب وإجراء المياه على القول بأن حكم المال المأخوذ من غير حله المجهول أهله حكمه حكم الفيء لا حكم الصدقة. وقوله في سؤاله الآخر: إن طابت المكسبة زكت النفقة، أخذه، والله أعلم، من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من «تصدق بصدقة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا طيبا، كان إنما يضع صدقته في كف الرحمن» الحديث. وقد قيل في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] ، إن المراد بطيبات ما كسبتم التجارات والحلال، وإن المراد بالخبيث الحرام، أمروا أن يتصدقوا من الكسب الحلال، ونهوا أن يتصدقوا من الحرام، فإن الله لا يقبله. وقد قيل في تفسير قوله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] وقوله: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] إن معنى ذلك في الزكاة أن تؤدي زكاة العين من جيد العين، وزكاة التمر من طيب التمر لا من رديئه. وقول عائشة لا تسرق ولا تنفق، معناه أنه لا يفي فعل الخير من المال

الحض على تعلم العلم ونشره

المكتسب من غير حله بإثم كسبه من غير حله؛ لأنه إذا فعل ذلك نزل أصحاب التباعات له على الأجر في ذلك وخلص هو من إثم إمساكه فيما بينه قبل، فصحت بذلك توبته فيما بينه وبين خالقه، وبقي مرتهنا بإثم إمساكه عن أربابه وظلمه لهم في ذلك. وأراد عبد الله بن عمر بما ذكره من أن آدم كان يقوله التحريض على التمحي من التباعات والتوبة منها، والله أعلم، وبه التوفيق. [الحض على تعلم العلم ونشره] في الحض على تعلم العلم ونشره قال ابن القاسم: سمعت مالكا إذا ودعناه ربما قال لنا غير مرة: اتقوا الله وانشروا هذا العلم ولا تكتموه وعلموه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، لا اختلاف في أن نشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر، قال الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] [معناه: يرفع الله الذين آمنوا منكم وأوتوا العلم درجات،؛ لأن من آمن ولم يؤتى العلم لا تستوي درجته مع درجة من آمن وأوتي العلم. وإنما رفع الله درجات الذين أوتوا العلم بتعليمهم إياه، وقد قال أبو هريرة: من غدا أو راح إلى المسجد لا يريد غيره ليتعلم خيرا أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله رجع غانما. وروي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ما أعمال البر كلها في الجهاد إلا كبصقة في بحر وما أعمال البر كلها والجهاد في طلب العلم إلا كبصقة في بحر» . ومعناه في الموضع الذي يكون فيه الجهاد فرضا على الكفاية لا

الإيمان قول وعمل

في الموضع الذي يكون متعينا على الأعيان. وروي: أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن «أفضل الأعمال فقال: الصلاة لأول ميقاتها» معناه في الفرائض، وأما النوافل فطلب العلم أفضل منها، بدليل الحديث الأول. وقد روي عن مالك أن الصلاة أفضل من القعود لمذاكرة العلم، وروي عنه أن العناية بالعلم أفضل من الصلاة، وليس ذلك باختلاف من قوله، ومعناه أن طلب العلم أفضل من الصلاة لمن ترجى إمامته، وأن الصلاة أفضل من طلب العلم لمن لا ترجى إمامته إذا كان عنده منه ما يلزمه في خاصة نفسه، من صفة وضوئه وصلاته وصيامه وزكاته إن كان ممن تجب عليه الزكاة. وأما كتم العلم فلا يحل ولا يجوز، قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159] ، وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» أو كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبالله التوفيق. [الإيمان قول وعمل] في أن الإيمان قول وعمل قال فقلنا لمالك: فالإيمان قول وعمل أو قول بلا عمل؟ قال مالك: بل قول وعمل. قال ابن القاسم وحدثني عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم عن ابن ذكوان عن الأوزاعي قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فرقتان من أمتي في النار مكذب بقدر الله

ومفرق بين إيمان وعمل» . قلت فهل كان مالك يقول لا تكفروا أهل التوحيد بذنب، ولا تشركوهم؟ قال: نعم. قال محمد بن رشد: لما سأله عن الإيمان هل هو قول وعمل أو قول بلا عمل فقال بل قول وعمل، أوجب أن الإيمان لا يكون إلا بالقول مع العمل، وأنه لا يكون بالقول وحده إذا تجرد عن العمل، وهو صحيح؛ لأن العمل ينقسم على قسمين: أحدهما عمل القلب، والثاني عمل الجوارح. فأما عمل القلب فإنه شرط في صحة الإيمان؛ لأن الإيمان هو التصديق الحاصل في القلب بأن الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. فمن قال بلسانه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولم يعتقد تصديق ذلك بقلبه فليس بمؤمن. وأما أعمال الأبدان من الوضوء والصلاة وسائر الطاعات، فإنها ليست بشرط في صحة الإيمان، وإنما الإيمان، هو شرط في صحتها إذا وجبت عليه بدخول وقتها؛ لأن الرجل إذا أسلم وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له واعتقد تصديق ذلك بقلبه، فهو مؤمن كامل الإيمان بإجماع من أهل العلم إن مات بفور ذلك قبل أن تجب عليه الصلاة بدخول وقتها كان من أهل الجنة، وإن لم يمت حتى وجبت عليه الصلاة بدخول وقتها لم تصح له الصلاة إلا بمقارنة الإيمان لها الذي هو شرط في صحتها كما ذكرناه. هذا ما لا اختلاف فيه ولا امتراء في صحته. وإن ترك الصلاة فلم يصلها بسهو أو نوم أو غفلة أو نسيان لم يقدح ذلك في صحة إيمانه، وكذلك إن تركها عمدا وهو مقر بفرضها ووجوبها لم يقدح ذلك أيضا في صحة إيمانه إلا أنه آثم عاص لله عز وجل، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد في

اليوم والليلة فمن جاء بهن لم يضيع شيئا منهن استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة» بيانا لما في كتاب الله عز وجل من قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] . فقول مالك إن الإيمان لا يكون إلا بقول مع العمل، معناه مع عمل القلب وهو التصديق، لا مع عمل الأبدان على ما بيناه. فقول من قال من أهل السنة إن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح، معناه أن هذا هو الإيمان الكامل الذي يكون العبد به مؤمنا في الظاهر والباطن؛ لأنه مؤمن عند الله في الباطن بما يعلمه من إخلاص قلبه، وهو مؤمن عندنا في الظاهر بما نسمعه من شهادته ونراه من صلاته؛ لأن ما نسمعه من شهادته ونراه من صلاته ليس بإيمان، وإنما هو دليل على الإيمان، فيحكم له بحكمه بما ظهر إلينا من قوله وفعله. ولو قال أنا مؤمن وأبى أن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وأبى أن يصلي، لم نصدقه في أنه مؤمن واستتبناه، فإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وصلى، وإلا قتلناه. ولما كانت الشهادة والصلاة لا تكون واحدة منهما طاعة وقربة إلا مع مقارنة الإيمان لها الذي هو التصديق الحاصل في القلب، جاز أن يسمى كل واحد منهما إيمانا. قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أي صلاتكم إلى بيت المقدس؛ لأنها كانت بالإيمان الذي هو شرط في صحتها. وقوله في الحديث: «فرقتان من أمتي في النار مكذب بقدر الله ومفرق

بعض ما روي من الرؤيا

بين إيمان وعمل» فالمكذبون بقدر الله هم القدرية الذين يقولون إنهم خالقون لأفعالهم لا قدرة لله على منعهم مما يريدون أن يفعلوه، والمفرقون بين الإيمان والعمل هم المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان هو الواجب دون. ما سواه من الأعمال، وإنه لا يضر مع الإيمان ترك عمل من الأعمال. وظاهر ما في الحديث من قوله في الفرقتين إنهما في النار، أنهما يخلدان فيها كفارا بما يعتقدانه من ذلك. ويحتمل أن يكون معناه أنهما في النار غير مخلدين فيها، إذ ليسوا بكفار لإقرارهما بالتوحيد والشهادة. وقد اختلف في تكفيرهم بمآل قولهم، فقيل: إنهم لا يكفرون بذلك، وهو قول مالك في هذه الرواية، ودليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخوارج وتتمارى في الفوق، وفيما روي في الفرق، وقيل إنهم يكفرون بذلك، وهو قوله في سماع ابن القاسم من كتاب المرتدين والمحاربين، وبالله التوفيق. [بعض ما روي من الرؤيا] فيما روي من الرؤيا قال سحنون سمعت ابن القاسم يقول: أخبرني سليمان بن القاسم قال: سمعت أبا السمحاء يقول: أتاني آت في منامي فقال: نعم عمل الحج لولا المناهل. وبلغني أن عبد الله بن جعفر رأى في منامه أنه أهدي له طبق فيه رأس خنزير عليه منديل لا يلصق به، فلما أصبح أهدي إليه تمر من حلوان عليه منديل لا يلصق به. قال محمد بن رشد: كذا وقع في الكتاب سمعت أبا السمحاء، وصوابه سمعت أبا السمح. وتأويل ما قيل له في منامه، والله أعلم، أنه نبه

على شيء فعله من المكروه في بعض مناهله التي نزل فيها في طريقه إلى الحج على سبيل التحذير له أن لا يعود إلى فعل مثل ذلك. وذلك في المعنى مثل ما رأى عبد الله بن جعفر من أنه أهدي له طبق فيه رأس خنزير عليه منديل لا يلصق به؛ لأن ذلك تنبيه له في منامه على التوقي من قبول شيء يهدى له من غير حله، فكان ذلك التمر الذي أهدي له حين أصبح من تمر حلوان. وحلوان: قرية من قرى مصر، وكان التمر الذي أهدي إليه من مال مغصوب منها والله أعلم. ورأيت في جامع المستخرجة المنسوبة لابن أبي زيد وقد وصل بما قيل لأبي السمح في منامه من قوله نعم عمل الحج لولا المناهل، يريد أنها مغصوبة وذلك لا يستقيم، إذ لا يصح أن يقال فيما قيل للرجل في منامه إن القائل لك في منامك كذا وكذا أراد به كذا وكذا، إذ ليس ما يكلم به في منامه بكلام على الحقيقة ولا ما يراه في منامه بمرئي على الحقيقة، وإنما هي تشبيهات وتمثيلات يراها الرائي في منامه فتعبر على ما يظهر من معانيها. فقد رأى الملك بحضرة يوسف - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} [يوسف: 43] ، فعبرها يوسف - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بما ظهر إليه من معانيها بأنها سنون سبع تأكل ما رفع الناس فيها سنون سبع جدبة. ورأى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة أحد في منامه أن في سيفه ثلمة وأن بقرا له تذبح وأنه أدخل يده في درع حصينة فتأولها أن نفرا من أصحابه يقتلون، وأن رجلا من أهل بيته يصاب، وأن الدرع الحصينة المدينة. وقد يكون من الرؤيا ما يخرج على ما يراه

ما ذكر في فضل ابن القاسم

الرائي دون تأويل ولا تعبير، من ذلك ما أخبر به النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنه رأى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في سرقة من حرير. جاء «عن عائشة أنها قالت، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أريتك في المنام مرتين إذا رجل يحملك في سرقة حرير، ويقول هذه امرأتك فاكشف عنها، فإذا هي أنت فأقول إن يكن هذا من عند الله يمضه» . ومعنى قوله: إن يكن هذا من عند الله يمضه، أي إن تكن هذه الرؤيا من الرؤيا التي هي على وجهها دون تأويل ولا تعبير يمضه. ويحتمل أن يكون المعنى في ذلك أن هذا من عند الله فهو ماض لا شك فيه، وبالله التوفيق لا شريك له. [ما ذكر في فضل ابن القاسم] في ثناء ابن وهب على ابن القاسم قال وسمعت ابن وهب يقول لما مات ابن القاسم قال: أخي وصاحبي في هذا المسجد منذ أربعين سنة، ما رحت رواحا ولا غدوت غدوا قط إلى هذا المسجد مسجد الفسطاط أريد أن أستر به نفسي إلا وجدته قد سبقني إليه. قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، ولا يعرف الفضل لأولي الفضل إلا أولو الفضل، وبالله التوفيق. [ما أوصى به علي بن الحسين] فيما أوصى به علي بن الحسين وسمعت سفيان بن عيينة يقول: هلك علي بن الحسين

بموضع يقال له سكن، فأوصى أن تعتق كل أمة له ذات ولد حي من رأس ماله، وكل أم ولد ليس لها ولد تعتق من ثلثه، وهلك عن اثنين وعشرين فرجا، وكان يقطع كميه عند أطراف أصابعه. قال محمد بن رشد: فيما أوصى به علي بن الحسين من عتق بعض أمهات أولاده من رأس ماله وبعضهن من ثلثه، دليل على أن الحكم كان في وقت وصيته بجواز بيع أمهات الأولاد، وهو مذهب داود القياسي والرافضة وأهل الظاهر. واحتج من نصر قولهم بقول الله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، روي عن جابر بن عبد الله أنه قال: «كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر بن الخطاب، ثم نهانا عمر عن بيعهن» . وهذا كله لا حجة لهم فيه: أما الآية التي احتجوا بظاهرها من القرآن قوله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فإنه يتخصص بما جاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله عند ولادة مارية القبطية لابنه إبراهيم: أعتقها ولدها، يريد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ثبت لها حرمة بسبب ولدها، فلا تعود إلى الرق أبدا أو لا يجوز بيعها ولا هبتها، لا أنها بتلت حريتها؛ لأنه بقي له فيها الاستمتاع طول حياته، بدليل ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حديث ابن عباس أنه قال: «أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعده» . وهذا قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكافة فقهاء الأمصار. وقد كان بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في ذلك اختلاف، فذهب منهم إلى إجازة بيعهن عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري. وقال عبد الله بن

ما يروى من فضل ابن القاسم

مسعود: تعتق من نصيب ولدها، إلى أن فحص عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أمرهن وكشفه، فاجتمع هو ومن بقي من العشرة ومن المهاجرين والأنصار على أنهن متعة لساداتهن ما عاشوا، ثم هن بعد موتهم أحرار من رءوس أموالهم، فانعقد الإجماع على هذا من حينئذ، واستمر الأمر عليه إلى أيام عبد الملك بن مروان، إلا ما يذكر من رجوع علي بن أبي طالب أيام خلافته إلى إجازة بيعهن في الدين، ثم اضطرب في أمرهن، ففحص عبد الملك عن ذلك فأخبره الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب أمضى ما وصفت عنه، فأقر ذلك وكتب به إلى البلدان. وقوله: إنه كان يقطع كميه عند أطراف أصابعه مما يستحب؛ لأنه من التواضع الذي يبعد عن الكبر. وقد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم أن سعد بن معاذ مر بعائشة وهي في أطم من الأطام وعليه درع مفاضة مشمرة الكمين فأعجبها ذلك وقالت: ما أخاف على الرجل إلا من أطرافه. وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، وبالله التوفيق. [ما يروى من فضل ابن القاسم] فيما يروى من فضل ابن القاسم وسمعته يقول: حج ابن القاسم سبع عشرة حجة، ما كانت تبلغ نفقته في حجته إلا عشرة دنانير وما يشبهها. قال وسمعت ابن القاسم يقول: ما خرجت إلى مالك إلا وأنا عالم بقوله. قال سحنون يريد أنه يعلم من عبد الرحمن وطلب وسعد، وكانوا عنده أوثق أصحاب مالك. قال محمد بن رشد: كان ابن القاسم - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أحدث

ما ذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الغيرة من النساء

أصحاب مالك بمصر سنا وأحدثهم طلبا وأعلمهم بعلم مالك وآمنهم عليه، وكان من الخيار الفضلاء. قال يحيى بن يحيى: تذاكرنا يوما مع ابن القاسم هذا الأمر، فكلنا قال الورع أشد ما في هذا الدين، فقال لنا ابن القاسم: ما هو عندي كذا، فقلت له: يا أبا عبد الله، كيف ذلك؟ فقال لي: لأنا أمرنا ونهينا، فمن فعل ما أمر به وترك ما نهي عنه كان أورع الناس. فقلت له: يا أبا عبد الله، لقد خفف الله عليك ما ثقل على غيرك، فأي شيء وجدت من هذا الأمر أثقل؟ فقال: ما وجدت شيئا أثقل علي من مكابدة آخر الليل. قال يحيى بن يحيى: لما قرأنا كتب أسد على ابن القاسم وضع أشهب يده في مثلها فخالفه في جلها أو في أكثرها، فقلت لابن القاسم: يا أبا عبد الله، لو أعدت نظرك في هذا الكتاب، فإن صاحبك قد خالفك، [فما وافقك عليه أقررته، وما خالفك] فيه أجدت النظر فيه وأنعمت، فقال لي: سأفعل إن شاء الله. فلما كان بعد أيام تقاضيته، فقال لي: يا أبا محمد، نظرت في مقالتك فوجدت إجابتي يوم أجبت كانت لله وحده، فرجوت أن أوفق، وإجابتي الساعة إنما تكون نقضا على صاحبي فأخاف أن لا أوفق في الأجوبة والرد فتركت ذلك، وبالله التوفيق. [ما ذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الغيرة من النساء] فيما ذكر عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الغيرة قال سحنون أخبرني سفيان بن عيينة عن أبي طوالة قال: اشتكى رجل إلى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غيرة امرأته، فقال له عمر: إني لأخرج لحاجة فيقال لي إنما خرجت إلى فتاة بني فلان، فقال له ابن مسعود: أوما علمت أن إبراهيم قد

فضل شهود صلاة الجماعة

شكا إلى الله ما كان يجد من غيرة سارة، فأوحى الله عز وجل إليه أن ألبسها على ما كان فيها إلا أن تجد جرحة في دينها. قال محمد بن رشد: في هذا أن النساء يدركهن من الغيرة على الرجال ما يدرك الرجال من الغيرة على النساء. فينبغي أن يعذر النساء فيما يدركهن من ذلك، إذ هو أمر يغلبهن ولا يثرب عليهن فيه، كما كان يفعل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما كان يقال له في ذلك على جزالته ومهابته، وعلى ما أوحى الله عز وجل به إلى إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيما شكا إليه من غيرة سارة، وبالله التوفيق. [فضل شهود صلاة الجماعة] في فضل شهود صلاة الجماعة وحدثني عن الحماني قال، حدثنا إسماعيل بن عباس عن عمارة بن عرية عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى أربعين ليلة في جماعة لا تفوته الركعة الأولى أعتقه الله من النار» . قال محمد بن رشد: فضائل الصلاة أكثر من أن تحصى. قال الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] ، وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] ، وسئل النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أفضل الأعمال فقال: الصلاة لأول ميقاتها،

معاملة من لا يؤتي زكاة ماله

وقال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا» وقال: «إنما مثل الصلاة كمثل نهر عذب غمر بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات فما ترون ذلك يبقي من درنه» يريد أن الصلوات تكفر السيئات. وقال عثمان بن عفان سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ما من امرئ يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها» وبالله التوفيق. [معاملة من لا يؤتي زكاة ماله] في معاملة من لا يؤتي زكاة ماله وسئل أصبغ: هل يجوز الاشتراء من طعام رجل يعلم أنه لا يخرج زكاته؟ وهل يجوز البيع منه بالناض وهو ممن لا يزكي؟ فإن اشترى مشتر أو باع ما الذي يجب عليه حتى يطيب له ما اشترى فيما بينه وبين الله تعالى؟ وهل ترى إن ادعى مشتري هذا الطعام أن تركه إخراج الزكاة عيبا وأراد فسخ البيع هل يكون القول قوله، ويرد إذا كان بمكان لا يجبر السلطان الناس على إخراج الزكاة؟ وكيف إن كان له مال أو لم يكن؟ قال أصبغ: أرى ماله كله فاسدا لا يجوز أن يؤكل منه شيء دون شيء ولا يشرب، ولا يجوز أن يباع ولا

يشترى؟ فلا يبايع فيه ولا يعامل، وإن عامله فيه أحد رأيت أن يخرجه كله ويخرج منه ويتصدق به، كمال عاصر الخمر والمربي والغاصب والظالم، فهذا غاصب ومتعد على أموال المساكين وابن السبيل وسبيل الله وسائر السهمان إذا حبسه كان كمن غصبه وخلطه بماله وكسب به وعليه وفيه ولم يميز شيئا من شيء، فهو فاسد كله. وقد سمعت سفيان بن عيينة وذكره فقال: ليس من ظلم واحدا كمن ظلم الناس أجمعين، فإذا حبس الزكاة فهو كمن ظلم الناس أجمعين؛ لأن فيه حق الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين وفي سبيل الله والرقاب وغير صنف، فهو ظالم لهؤلاء أجمعين. قال وسمعت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يقول في قول الله تعالى وتبارك: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] ، قال هي للناس وللسلطان مقسومة، الذي يحبسه والذي يتعدى فيه فيأخذه بغير حقه أو يضعه في غير حقه. قال وحدثنا ابن القاسم يرفع الحديث وبلغه «أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دفع من عرفة وبلغ الشعب نزل فبال، ثم نادى بوضوء فتوضأ، ثم قال: لا وضوء لمن لا صلاة له ثلاث مرات، ثم قال: لا صلاة لمن لا زكاة له ثلاث مرات. مانع الزكاة في النار» والمتعدي فيها كمانعها. قال المتعدي فيها بأخذها وحبسها عن

حقها فاسد كله. وإن عرف منه منع الزكاة رأيت للمشتري الرد؛ لأني لا أطيب له الحبس، فإذا لم أطيب له الحبس جعلت له الرد. قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا إن مال الذي لا يؤدي زكاة ماله فاسد كله لا يجوز أن يؤكل منه شيء ولا يشرب، وما لا يؤكل ولا يشرب لا يجوز أن يباع ولا يشترى، وإن من عامله فيه يتصدق بجميعه، هو على قياس قوله المعلوم من مذهبه الذي ذكرناه عنه في سماع عبد الملك بن الحسن من أن المال الذي خالطه الحرام حرام كله، تجب الصدقة بجميعه، ويجب على من أخذ منه شيئا بمعاملة أن يتصدق بما أخذ، وهو تشديد على غير قياس. والقياس أنه لا يلزمه أن يتصدق منه إلا بمقدار الحرام، وأن معاملته فيه جائزة، وهو مذهب ابن القاسم. وكذلك قبول هبته يجوز على مذهبه إذا كان الحلال من ماله أكثر من الذي وهب منه. ووجه قول أصبغ أن ماله كله إذا لم يؤد زكاته فاسد لا يجوز أن يؤكل منه شيء ولا يشرب، يريد لا هو ولا غيره، هو أنه لما كانت الزكاة الواجبة للمساكين شائعة فيه قد عزم على اقتطاعها وغصبهم إياها كان إذا أكل منه قليلا أو كثيرا قد أكل حقه وحقهم، فحرم ذلك عليه، بخلاف إذا أكل منه شيئا قبل أن يؤدي زكاته وهو ينوي أداءها مما بقي؛ لأن هذا إنما يكون عليه إثم تأخير الزكاة لا أكثر. وكذلك إذا وهب لأحد منه شيئا قبل أن يؤدي زكاته وهو عازم على اقتطاعها لا يسوغ على مذهبه لمن علم ذلك أن يقبله؛ لأنه يكون قد أخذ فيما وهب له ما فيه حظ للمساكين، بخلاف إذا وهب لأحد منه شيئا قبل أن يؤدي زكاته وهو ينوي أداءها مما بقي؛ لأن هذا يسوغ للموهوب له أن يقبله ويكون على الواهب إثم تأخير الزكاة لا أكثر. وأما قول أصبغ إن من أخذ منه شيئا بمعاملة أو هبة يجب عليه أن يتصدق بجميعه فلا وجه له؛ لأن الواجب عليه في ذلك إنما هو أن يتصدق على المساكين بما وجب لهم منه، وهو ربع عشره. وقد مضى بيان هذا في سماع

أصبغ في تكلمنا على ما جاء عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أن ثمن المغنيات حرام. وقد مضى في سماع عبد الملك بن الحسن القول فيما احتج به من قوله عز وجل: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] فلا وجه لإعادته. وقوله في الحديث الذي احتج به من قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا وضوء لمن لا صلاة له» بين لا إشكال فيه؛ لأن الوضوء إنما يفعل للصلاة أو لما لا يصح فعله إلا بطهارة، فإذا لم يفعل ما يفعل الوضوء من أجله لم ينتفع بالوضوء. وأما قوله: «لا صلاة لمن لا زكاة له» فمعناه أنه لا ينوب فعل الصلاة عن فعل الزكاة، أي لا يكفر فعل الصلاة ترك الزكاة، فتكون الصلاة إذا لم يزك صلاة توجب له الدخول في الجنة، كما توجب لمن صلى وزكى، أو لمن صلى ولم تجب عليه زكاة. ومساواته في الرواية بين المتعدي في أخذها وحبسها بين؛ لأن حابسها آخذ لها ومتعد في ذلك، فهو كالمتعدي في أخذها ممن لا تجب عليه. وقوله في آخر المسألة: وإن عرف منه منع الزكاة رأيت للمشتري الرد؛ لأني لا أطيب له الحبس، فإذا لم أطيب له الحبس رأيت له الرد، صحيح على أصله في أن من لم يؤد زكاة ماله لا تجوز معاملته ويجب على من عامله الصدقة بجميع ما أخذه منه. فسواء على مذهبه ابتاع منه الطعام الذي لم يؤد زكاته أو باع منه شيئا بدنانير لم يؤد زكاتها له الرد في الوجهين جميعا. وقد قيل: ليس له أن يرد في الوجهين جميعا، وهو الذي يأتي على قول غير ابن القاسم في المدونة في الذي يبيع الثمرة بعد أن وجبت فيها الزكاة فيجدها المصدق في يد المشتري، أنه لا سبيل له عليها وإن كان البائع عديما، وقيل: إن ذلك له في الطعام الذي ابتاعه، وليس ذلك له فيما باع منه بدنانير، وهو الذي يأتي على مذهب من لا يجيز بيع الثمرة بعد وجوب الزكاة فيها بالطياب، ولا بيع الزرع بعد وجوب الزكاة فيه بالإفراك لوجوب الزكاة] ، في عين الثمرة

يستعين الرجل من أهل الغنا أهل ناحيته منهم الغني والفقير فيعينونه في الحرب

وعين الزرع. ولا اختلاف بينهم في أن من باع أو اشترى من مستغرق الذمة بالحرام وهو لا يعلم، أن له الرد؛ لأن من حقه أن يقول: لم أرض بمعاملة مستغرق الذمة بالحرام، وبالله التوفيق. [يستعين الرجل من أهل الغنا أهل ناحيته منهم الغني والفقير فيعينونه في الحرب] من سماع عبد الملك بن عمر بن غانم قلت لمالك: القوم يستعينون في الحرب، يستعين الرجل من أهل الغنا أهل ناحيته منهم الغني والفقير فيعينونه، وذلك أمر ذائع عندنا، قال: لا بأس به. قلت: ما يخشى أن تكون استعانته إياهم من المسألة التي تكره؟ قال: لا، لعمري ما بهذا بأس أن يستعين رجل دابة رجل يركبها أو شيئا من متاعه على وجه المعروف، بل أكره ترك هذا يضيق الرجل الإسلام، وهذا من الأخلاق الحسنة. قال قلت: فالرجل يسأل امرأته أن تضع عنه صداقها على غير إكراه لها ولا إضرار منه بها، ولكن على وجه الطلبة فتفعل، هل ترى بهذا بأسا؟ فقال: قد أعطاها منه شيئا؟ فقلت: نعم أعطاها النقد وبقي المهر. قال: ليس بذلك بأس، قال الله عز وجل: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] . قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إذ ليس شيء مما ذكره من معنى المسألة المكروهة وإنما هو من المعروف الذي ينبغي للناس أن

وضع المرأة جمة الشعر على رأسها

يتوامروه فيما بينهم، قال الله عز وجل: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237] ، وبه التوفيق. [وضع المرأة جمة الشعر على رأسها] في وضع المرأة جمة الشعر على رأسها فقال مالك: يا أبا عبد الله، المرأة تضع الجمة من الشعر على رأسها، قال: لا خير في ذلك. قلت: فخرق تجعلها على قفاها وتربط الوقاية عليها؟ قال ليس من عملهن شيء أخف عندي من الخرق. قلت ترجو أن لا يكون بالخرق بأس؟ قال أرجو. قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في سماع أصبغ فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق لا شريك له. [النشرة بالأشجار والأدهان] في النشرة بالأشجار والأدهان قال وسألته عن النشرة بالأشجار والأدهان، قال: لا بأس بذلك قد سحرت عائشة فيما بلغني فأقامت أياما، ثم أتيت في منامها فقيل لها خذي ماء من ثلاث آبار يجري بعضها إلى بعض فاغتسلي به، قال ففعلت فذهب عنها ما كانت تجد. قال محمد بن رشد: المعنى في جواز هذا بين؛ لأن الأدهان والأشجار قد يكون فيها دواء ينفع من ذلك المرض مع ما يذكر عليها من أسماء الله رجاء التبرك بها، وذلك من نحو الرقى بكتاب الله عز وجل وأسمائه الحسنى، فلا وجه لكراهة ذلك، إذ قد جاء جواز ذلك في الآثار الثابتة عن

صفة السلام على القبر

النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، من ذلك ما ذكره مالك في موطئه: أنه «دخل على رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسقم- بابني جعفر بن أبي طالب، فقال لحاضنتهما ما لي أراهما ضارعين، فقالت حاضنتهما: يا رسول الله، إنه تسرع إليهما العين ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين» . وما حدث به نافع بن جبير «عن عثمان بن أبي العاص: أنه أتى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال عثمان: وبي وجع قد كان يهلكني، قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: امسحه بيمينك سبع مرات، وقل أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد، قال ففعلت ذلك فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم» وبالله التوفيق. [صفة السلام على القبر] في صفة السلام على القبر قيل كيف يسلم على القبر؟ قال: تأتيه من قبل القبلة حتى إذا دنوت منه سلمت وصليت عليه، ودعوت لنفسك ثم انصرفت. قيل له: هل أذكر أبا بكر وعمر؟ قال: نعم إن شئت. قال محمد بن رشد: قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] فالصلاة

على النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض في الجملة لا تختص بالصلاة في مذهب مالك وكافة العلماء. وقال الشافعي: إذا لم يصل المصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الآخر بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة. قال وإن صلى عليه قبل ذلك لم يجزه، وتقلد ذلك أصحابه ومالوا إليه وناظروا عليه. ومن حجتهم أن الله عز وجل أمر بالصلاة على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن يسلم عليه تسليما [ثم جاء الأمر منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد فعلمهم فيه كيف يسلمون عليه تسليما، بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله تعالى وبركاته، وكان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، وقد قال لهم: إنه يقال في الصلاة لا في غيرها، وقالوا له: قد علمنا السلام عليك، يعنون في التشهد، فكيف الصلاة عليك؟ فعلمهم الصلاة، وقال لهم السلام كما قد علمتم، فدلهم على أن ذلك قرين التشهد في الصلاة. قالوا: وقد وجدنا الأمة بأجمعها تفعل الأمرين جميعا في صلاتها، فلا يجوز أن يفرق بينهما، ولا تتم صلاة إلا بهما. وروايته عن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه وسائر المسلمين قولا وعملا. وحجة من لم يجعل ذلك من فرائض الصلاة حديث ابن مسعود: أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ بيده فعلمه التشهد إلى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقال له: إذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك، فإن شئت أن تقوم وإن شئت أن تقعد.. وصفة السلام على النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قبره كالسلام عليه في تشهد الصلاة: السلام عليك أيها النبي

ورحمة الله وبركاته؛ والصلاة عليه فيه كالصلاة عليه بعد التشهد في الصلاة قبل التسليم، إلا أنه يقول ذلك بلفظ المخاطب. ومعنى الصلاة عليه الدعاء له، إلا أنه يخص هو وسائر الأنبياء بلفظ الصلاة دون الدعاء، لقول الله عز وجل: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] ، فيقول: اللهم صل على محمد ولا يقل اللهم ارحم محمدا واغفر لمحمد وارض عن محمد، ولا يقل اللهم صل على فلان، ويقول اللهم ارحم فلانا واغفر له وارض عنه. هذا هو الاختيار ألا يُصلّى على غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومن أهل العلم من أجاز الصلاة على غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واستدل بما ذكره مالك في موطئه عن عبد الله بن دينار أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى أبي بكر وعمر، وبما جاء في الحديث من قوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وقوله: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته. ومعلوم أن أزواجه وآله وذريته غيره. وبما جاء عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنه كان إذا أتاه أحد بصدقته صلى عليه، لقول الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللهم صل على آل أبي أوفى إذ أتاه أبو أوفى بصدقته. قال عبد الله بن أبي أوفى: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صل

صيد الحيتان

على آل أبي أوفى» . والأظهر أن يخص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصلاة دون من سواه، إلا أن يضاف إليه في الصلاة عليه، كما جاء في الحديث من قوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وقوله: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته. ولم يتابع جميع الرواة يحيى بن يحيى على روايته: فيصلي على النبي وأبي بكر وعمر. ورواية ابن القاسم: فيصلي على النبي ويدعو لأبي بكر وعمر، وهو دليل قوله في هذه الرواية؛ لأنه قال فيها: قيل له هل أذكر أبا بكر وعمر؟ قال: نعم إن شئت، ولم يقل فيها، قيل: له هل يصلي على أبي بكر وعمر. وأما صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على من كان يصلي عليه ممن كان يأتيه بصدقته فلا دليل فيه للمخالف؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا بخلاف غيره؛ لأن الله عز وجل أمره بذلك، وبالله التوفيق. [صيد الحيتان] في أنه لا كراهة في صيد الحيتان قال حسين بن عاصم: سألت ابن القاسم عن صيد الحيتان لذوي المروءات والحال، هو أخف عندك أم صيد البر؟ قال لا أرى لأحد صيد البر إلا لأهل الحاجة إليه الذين عيشهم ذلك، وصيد البحر والأنهار عندي أخف من ذلك، وكأني رأيته لا يرى بأسا في صيد الحيتان. قال محمد بن رشد: كره مالك الصيد على وجه التلهي به إلا لمن اتخذه مكسبا أو رجل قرم إلى اللحم، غنيا كان أو فقيرا. وكان الليث يكره التلهي به أيضا ويقول: ما رأيت حقا أشبه بباطل منه، يعني أنه حق لحلاله،

قرى طنجة التي غلب عليها البربر

وأنه يشبه الباطل لما فيه من اللهو والطرب. واستخفه في رواية مطرف وابن الماجشون، عنه لمن يسكن البادية؛ لأنه لا غنى لهم عنه، وكرهه لأهل الحواضر ورأى خروجهم إليه من السفه والخفة. وإنما خفف ابن القاسم في هذه الرواية صيد الحيتان ورآه بخلاف صيد البر، إذ ليس فيه من اللهو وإتعاب الجوارح في غير منفعة مقصودة ما في صيد البر، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل لهو يلهو به الإنسان باطل إلا ثلاث، وهي ملاعبة الرجل امرأته، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه» . [قرى طنجة التي غلب عليها البربر] في قرى طنجة التي غلب عليها البربر قال: وسألته عن قرى طنجة التي غلب عليها البربر العرب وأخرجوهم منها بالفتنة والغلبة عليها فيها فتظلهم الشجر، أترى بالأكل منها بأسا؟ قال لا أرى لأحد أكلها؛ لأنها عندي على وجهين: إما أن تكون كانت في أيدي العرب غصبا فلا أحب لأحد أن يأكل منها، أو كانت في أيديهم حلالا وهي اليوم غصب فلا أرى أن يؤكل منها. قال محمد بن رشد: لا تخلو هذه القرى التي قد غصب أهلها إياها وغلبوا عليها من ثلاثة أحوال: أحدها أن يكون أهلها الذين غصبوا إياها معروفين هم أو ورثتهم، والثاني أن لا يكونوا معروفين إلا أنه يمكن أن يعرفوا ويوجدوا إن طلبوا، والثالث أن يكون قد باد أهلها لطول العهد ويئس من أن يعرفوا أو يعرف أحد من تصيرت إليهم بالوراثة.

ما أوى إلى برج الرجل من حمام غيره

فأما الحال الأولى: فحكم الثمرة فيها حكم أعيان المغصوب، لا يحل لأحد أن يأكل منها قليلا ولا كثيرا عند أحد من العلماء، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» . وأما الحال الثانية: فحكم الثمرة فيها حكم اللقطة الواجب فيها أن تباع وتوقف أثمانها وتعرف، فإن لم تعرف جرى الأمر في جواز أكلها على اختلاف أهل العلم في جواز أكل اللقطة للملتقط بعد التعريف، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها» . فمالك يكره له أكلها وإن كان محتاجا إليها، ويرى الصدقة له بها أفضل؟ ومن أهل العلم من يبيح له أكلها وإن كان غنيا؛ ومنهم من لا يبيح له أكلها إلا إذا كان فقيرا؟ ومنهم من لا يبح له أكلها إلا إذا كان غنيا يكون له بها وفاء إن جاء صاحبها. وأما الحال الثالثة: وهي التي تكلم في الرواية عليها فحكمها حكم اللقطة بعد التعريف بها واليأس من وجود صاحبها، الاختيار له ألا يأكلها قولا واحدا، وهو قوله فيها: فلا أحب لأحد أن يأكل منها. وقد قال في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد في نحو هذه المسألة: أرجو ألا يكون بذلك بأس. وقد مضى القول عليها هناك، وبالله التوفيق. [ما أوى إلى برج الرجل من حمام غيره] فيما أوى إلى برج الرجل من حمام غيره قال حسين: سألت ابن القاسم عن البروج تتخذ للحمام فتبنى فيها الكوى خارجا من جداره، فيأوي الحمام إلى البرج في

داخله وخارجه إلى حمام قد وضعها الرجل في برجه، فلا تعرف الحمامات بعينها، ما ترى في أكل فراخ حمام البرج التي أوت إليه؟ قال: إن عرف شيئا منها بعينها وعرف ربها ردها إليه إن استطاع، وإن لم يستطع ردها وعرف موضعها، فإذا فرخت رد فراخها على صاحبها، وإن ازدوجت حمامة له مع حمامة لجاره وهو يعرفها فلم يستطع ردها عليه ولا أخذها وعرف عشها التي تفرخ فيه هي وحمامته، رد على جاره فرخ حمامته. قال قلت له: وإن كانت حمامة جاره ذكرا؟ قال: نعم؛ لأنه إنما يكون ذلك على وجه الحضانة وليس على وجه البيض، كذلك قال من أرضاه من أهل العلم. قال: وكذلك كل حمامة خارج البرج في كواهن لصاحب البرج، وكل عصفور أوى إلى كواه فيه فراخه، وله أن يمنع كواه من غيره. وسئل ابن كنانة عن نحل يجده الرجل في شجرة أو في صخرة هل ينزع عسلها؟ فقال: إذا لم يعلم أنها لأحد فلا بأس بذلك. قال مالك: وأكره أن ينصب الرجل جبحا في مكان قريب من جباح الناس وحيث ترعى نحلهم وتسرح. وقال ابن كنانة لا يحل لك أن تأكل عسل جبح نصبه غيرك لا في عمران ولا قفار، ولا يحل لك أكل حمام غيرك إذا عرفته بعينه. قال محمد بن رشد: ما أوى إلى برج الرجل من حمام برج غيره فلم يعرفه بعينه أو عرفه فلم يقدر على أخذه فلا بأس. عليه فيه وإن عرف صاحبه، هذا ما لا اختلاف فيه أعلمه. واختلف إذا عرفه وقدر على أخذه ولم يعرف صاحبه، فظاهر قوله في هذه الرواية لا شيء عليه فيه، وهو قوله فيها وإن عرف شيئا منها بعينها وعرف ربها ردها إليه، وهو دليل قول ابن كنانة: ولا يحل لك أكل حمام غيرك إذا عرفته بعينه، ونص قول ابن حبيب في

الواضحة أنه إن جهل صاحبه فلا شيء عليه فيه ولا في فراخه. وقد قيل إنه إذا عرفه وقدر على أخذه ولم يعرف صاحبه إنه يعرفه كاللقطة ولا يأكله، وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم، حكى فضل عنه أنه قال: لا ينصب لشيء من حمام الأبراج ولا يرمى، ومن صاد منه شيئا فعليه أن يرده أو يعرفه ولا يأكله. وحكم فراخها إذا عرف عشها حكم ما عرفه وقدر على أخذه، إن عرف صاحبه رده عليه، وإن لم يعرفه فعلى ما تقدم من الاختلاف. وأما إذا ازدوجت حمامة له مع حمامة لجاره، فقال في الرواية: إنه يرد على جاره فرخ حمامته، فيأخذ أحد الفرخين، كانت حمامة جاره ذكرا أو أنثى، يريد ويكون لصاحب الحمامة الأنثى على صاحب الحمامة الذكر مثل بيض حمامته. وهذا على قياس ما روى سحنون في سماعه من كتاب الشركة عن ابن القاسم عن مالك في الرجل يأتي بحمامة أنثى ويأتي الآخر بذكر على أن تكون الفراخ بينهما، أن الفراخ تكون بينهما لأنهما تعاونا جميعا على الحضانة، يريد ويرجع صاحب الحمامة الأنثى على صاحب الحمامة الذكر بمثل بيض حمامته حسبما ذكرناه هناك. وهو على قياس القول بأن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب [العمل ويأتي في هذه المسألة على قياس القول بأن الزرع في المزارعة لصاحب] الزريعة أن تكون الفراخ لصاحب الحمامة الأنثى منهما، ويكون عليه لصاحب الحمامة الذكر قيمة ما أعان به من الحضانة. وقول ابن كنانة إن للرجل أن يأخذ عسل النحل الذي يجده في شجرة أو في صخرة إذا لم يعلم لأحد صحيح؛ لأنه كالصيد يكون لمن وجده. وقول مالك أكره أن ينصب الرجل جبحا في مكان قريب من جباح الناس وحيث ترعى نحلهم وتسرح، معناه إذا خشي أن يدخل فيه نحل جباح الناس ولم يتحقق ذلك، وأما لو تحققه لما جاز ذلك له ولوجب عليه إذا علم ذلك أن يرد

يأخذ غرسا من شجر غيره بغير إذنه

العسل إلى صاحب النحل، ولا يكون له في ذلك إلا قيمة كراء جبحه، وبالله التوفيق. [يأخذ غرسا من شجر غيره بغير إذنه] في الذي يأخذ غرسا من شجر غيره بغير إذنه وقال ابن كنانة: أكره أن يأخذ الرجل من شجر غيره غرسا بغير إذنه. قال محمد بن رشد: أما إذا أخذ من شجر غيره ملوخا يغرسها في أرضه وكان ما امتلخ منها لا قيمة له ولا ضرر فيه على الشجرة التي امتلخت منها، فهذا الذي كرهه ابن كنانة، والله أعلم. وأما إذا كان لما امتلخ منها قيمة أو كان ذلك يضر بالشجرة التي امتلخت منها فلا يجوز لأحد أن يفعله إلا بإذن صاحب الشجر. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» فإن فعل ذلك بغير إذنه دالة عليه بسبب بينه وبينه يقتضي الإدلال عليه، فعليه أن يتحلله من ذلك، فإن حلله وإلا غرم له قيمته عودا مكسورا يوم امتلخه، وليس له أن يقتلعه ويأخذه، وعليه مع ذلك قيمة ما نقص من الشجر التي امتلخ ذلك منها. وإن فعل ذلك غصبا وتعديا بلا إذن من صاحبه ولا دالة عليه ممن يستوجب الدالة، فله أن يقتلعه ويأخذه وإن كان قد علق، إلا أن يكون بعد طول زمان وبعد نماء وزيادة بينة، فلا يكون له أن يأخذه بعينه، وتكون قيمته يوم امتلخه من شجره عودا منها مكسورا. وإن كان أضر بالشجر كان عليه مع ذلك قيمة ما نقص من الشجر. هذا قول أصبغ في الواضحة. وقال سحنون: إنما يكون أولى بغرسه إذا كان إن قلعه وغرسه نبت، وأما إن كان لا ينبت إن قلعه وغرسه فإنما

ما يبقى في الكرم بعد قطافه أو في الفدان من الزرع بعد حصاده

له قيمته، ولا سبيل له إلى قلعه. وكان ربيعة يقول في مثل هذا: إن نبت فإنما له قيمته أو غرس مثله. وأما إن قلع من بستانه غرسا يغرسه في أرضه دالة على صاحب البستان، فله أن يقلعه ويأخذه وإن كان قد نبت وعلق، إلا أن يتطاول وينمى نماء بينا فلا يكون له قلعه، وتكون له قيمته يوم اقتلعه نابتا؛ لأن دالته عليه -إذا كان من أهل الدالة- شبهة تمنع من قلعه. ولو كان اقتلعه غصبا غير مدلي لكان صاحب الغرس أحق بغرسه وإن كان قد نبت في أرضه وطال زمانه وثبتت زيادته؛ لأنه شيؤه بعينه أخذه حيا فنما وزاد ونبت، فهو كالصغير يغتصب أو يسرق ثم يجده صاحبه وقد كبر وشب ونما- وزاد فهو أبدا أحق به وسواء كان مما ينبت إن غرس بعد قلعه من أرض الغاصب أو مما لا ينبت هو أحق به إلا أن يشاء أن يسلمه ويأخذ قيمته نابتا يوم قلعه فيكون ذلك له، حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ، وبالله التوفيق. [ما يبقى في الكرم بعد قطافه أو في الفدان من الزرع بعد حصاده] فيما يبقى في الكرم بعد قطافه، أو في الفدان من الزرع بعد حصاده وسئل ابن كنانة عن الكرم يقطف أو الزيتون يجنى أو الزرع يحصد، هل يجوز لأحد أن يأكل بقيته؟ قال: إن كان أهله تركوه لمن أخذه فلا بأس بأكله، وإن كانوا إنما يريدون الرجعة إليه فلا يجوز لأحد أخذه. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، والمعنى فيه بين إن علم أن صاحبه تركه لمن أخذه من فقير أو غني. وأما إن خشي أنه إنما تركه لمن أخذه من المساكين، فلا ينبغي لغني أن يأكل منه شيئا، وبالله التوفيق.

ابتياع الكلب الضاري

[ابتياع الكلب الضاري] في ابتياع الكلب الضاري وسئل ابن كنانة فقيل له: هل يكره للرجل أن يبتاع الكلب كما يكره للبائع بيعه، فإن الرجل ربما احتاج إلى كلب لغنمه أو لصيد؟ قال: البائع في ذلك أضيق حالا؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن ثمن الكلب» . وأما المشتري فإن احتاج إلى ذلك فيما يجوز له اقتناؤه من الكلاب فلا بأس بابتياعه، وذلك ربما عسرت الهبة والمعروف ووقعت الحاجة إلى ذلك. قال محمد بن رشد: إجازة ابن كنانة لاشتراء الكلب الضاري هو مذهب ابن القاسم، روى أبو زيد عنه في سماعه من كتاب جامع البيوع أنه قال: لا بأس باشتراء الكلاب كلاب الصيد، ولا يعجبني بيعها. وذلك نحو قول أشهب في المدونة في الزبل المشترى يجوز في شرائه من البائع؛ لأن الحاجة قد تدعوه إلا شراء الكلب للصيد وشبهه مما جوز له اتخاذه له، وكذلك الزبل إذا لم يجد من يعطيه ذلك دون ثمن ولا حاجة بأحد إلى بيعه؛ لأنه إذا لم يحتج إليه تركه لمن يحتاج إليه. وسحنون يجيز بيعه، قال ويحج بثمنه. وهو قول ابن نافع، وقد روي ذلك عن ابن كنانة، وهو قول جل أهل العلم والصحيح في النظر؛ لأنه إذا جاز له الانتفاع به وجب أن يجوز بيعه وإن لم يحل أكله كالحمار الأهلي الذي لا يجوز أكله ويجوز بيعه لما جاز الانتفاع به. ومن الدليل على ذلك أيضا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا نقص من أجر عمله كل يوم قيراط» . والاقتناء لا يكون إلا بالشراء. وما روي عن النبي - صلى الله

عليه وسلم من رواية ابن عمر: أنه «نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضاريا» يحتمل أن يكون معناه حين كان الحكم في الكلاب أن تقتل كفها ولا يمسك شيء منها، على ما روي «عن أبي رافع قال: أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الكلاب فخرجت لأقتلها لا أرى كلبا إلا قتلته حتى أتيت موضع كذا وسماه فإذا فيه كلب يدور ويلهث فذهبت أقتله فناداني إنسان من جوف البيت يا عبد الله ما تريد أن تصنع فقلت: إني أريد أن أقتل هذا الكلب، قالت: فإني امرأة بدار مضيعة وإن هذا الكلب يطرد عني السباع ويؤذنني بإلجائي فأت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاذكر ذلك له، فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له فأمرني بقتله» . ثم جاء عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه «أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب ماشية» وأنه قال: «من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان في كل يوم» فنسخ بذلك أمره الأول بقتل

يبيع العنب ممن يعصره خمرا

الكلاب عموما. وأما الكلب الذي لا يجوز اتخاذه فلا اختلاف في أن بيعه لا يجوز، وأن ثمنه لا يحل. روي عن ابن عباس عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ثمن الكلب حرام» وبالله التوفيق. [يبيع العنب ممن يعصره خمرا] في الذي يبيع العنب ممن يعصره خمرا، أو السلاح ممن يقاتل بها المسلمين، وما أشبه ذلك وقال ابن كنانة: لا ينبغي أن يباع العنب أو العصير ممن يتخذه خمرا، لا من نصراني ولا من مسلم، ولا يباع السلاح ممن يقاتل بها المسلمين، ولا تباع الأرض ممن يبني فيها كنيسة، لا تباع الخشبة ممن يتخذ منها صنما. قال: وأكره أن يكون الإنسان عونا على الإثم، قال الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وأما أن يتهمه ببعض ذلك ولا يدري ما يراد به فلا بأس أن يبيعه منه. قال ابن كنانة: أكره أن يبيع الرجل القمح ممن يعمل منه شرابا مسكرا، وقال ابن كنانة: يكره أن يبيع الرجل السلاح من أحد يعلم أنه يقاتل الأنفس بغير حق مشتهرا بذلك معروفا به. قال محمد بن رشد: قال ابن كنانة في هذه الرواية إنه لا ينبغي أن يباع العنب أو العصير ممن يتخذه خمرا لا من مسلم ولا من نصراني؛ لأنه

شرب العصير الذي أريد به الخمر قبل أن يصير خمرا

يكره أن يبيع القمح ممن يعمل منه شرابا مسكرا، ولم يتكلم على حكم البيع إذا وقع، ولا على ما يلزم البائع في التوبة مما صنع. والذي يدل عليه قوله فيه: إنه مكروه ولا ينبغي لأحد أن يفعله أن البيع لا يفسخ إذا وقع، إذ ليس فيه فساد في ثمن ولا مثمون. وقد باء بالإثم في ذلك لأنه عون على الإثم، وقد نهى الله عز وجل عن التعاون على الإثم والعدوان، فيجب عليه أن يتوب إلى الله من ذلك ويستغفره ويتصدق بما ازداد في ثمنه ببيعه ممن يتخذه خمرا. وقد قيل: إن البيع يفسخ، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة. واختلف على القول بأنه يفسخ إن فات بمغيب المبتاع عليه، فقيل: يمضي بالثمن ويتصدق البائع بما ازداد في ثمنه إذا باعه ممن يعصره خمرا، وقيل: تصحح بالقيمة، ويجب إذا صحح بها أن لا يرد على المبتاع ما زاد الثمن على القيمة، ويتصدق بذلك إلا أن يعلم أن المبتاع لم يتخذه خمرا. وبيع العنب ممن يعصره خمرا من المسلمين أشد من بيعه من النصارى، إذ قد قيل في النصراني إنه غير مخاطب بشرائع الإسلام إلا بعد الإسلام، فلا يكون على هذا القول المسلم إذا باع عنبه من نصراني معينا على إثم. وحكم بيع السلاح ممن يقاتل بها المسلمين حكم بيع العنب ممن يعصره خمرا من المسلمين. وحكم بيع الأرض ممن يبني فيها كنيسة، والعود ممن يتخذ منه صنما حكم بيع العنب من النصراني ليتخذ منه خمرا، وبالله التوفيق. [شرب العصير الذي أريد به الخمر قبل أن يصير خمرا] في إجازة شرب العصير الذي أريد به الخمر قبل أن يصير خمرا، وكراهة معالجة العصير لئلا يتخمر وقال ابن كنانة: لا بأس بشرب العصير وإن عصر لخمر، كان

يقول لامرأته إن لم تضعي عني مهرك فأنت طالق إن لم أتزوج عليك

الذي يعصره مسلما أو نصرانيا. قال: وأكره أن يعالج العصير حتى يستبطئ هريره وغليانه يستحله بذلك. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إذ ليس يحرم العصير قبل أن يكون خمرا [فيما نوي فيه من أن يجعل خمرا] ، إذ لا تحرم النية الحلال ولا تحل الحرام. وإنما كره معالجة العصير حتى يبطئ هريره وغليانه فيستحل بذلك مخافة الذريعة إلى استحلال الحرام، وبالله التوفيق. [يقول لامرأته إن لم تضعي عني مهرك فأنت طالق إن لم أتزوج عليك] في الذي يقول لامرأته إن لم تضعي عني مهرك فأنت طالق إن لم أتزوج عليك وسئل ابن كنانة عن الذي يقول لامرأته إن لم تضعي عني مهرك فأنت طالق إن لم أتزوج عليك، فتضع عنه، هل ترى ذلك حلالا؟ قال: لا؛ لأنه خيرها بين أن تضع عنه مهرها وبين أن يضر بها، وإنما قال الله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] . قال محمد بن رشد: قوله إن ذلك لا يحل له بين، إذ لم تضع ذلك عنه عن طيب نفسها، وإنما وضعته عنه مخافة أن يلزمه الطلاق إن لم يضرها بالتزويج عليها، فيلزمها الوضيعة ويقضي عليها بها ولا يكون لها الرجوع فيها إن طلقها، [أو تزوج عليها، بمنزلة أن لو قال لها: أنت طالق إن لم تضعي عني مهرك، فوضعته عنه، فلما وضعته عنه طلقها] ويؤمر أن يستحلها من ذلك أو يرده عليها من غير قضاء يقضى به عليه. ولو سألها أن تضع عنه

شرب المرأة الدواء لتعجيل الطهر من الحيضة

صداقها دون أن يحلف على ذلك بطلاق، فلما وضعته عنه طلقها بحدثان ذلك لكان لها أن ترجع عليه بما وضعت عنه؛ لأنها إنما وضعت ذلك عنه رجاء استدامة العصمة، فلما لم يتم لها المعنى الذي وضعت الصداق عنه بثمنه لسببه وجب لها الرجوع به. والذي قال لزوجته أنت طالق إن لم تضعي عني صداقك، أو أنت طالق إن لم تضعي عني صداقك لأتزوجن عليك فوضعته عنه، ليس لها أن ترجع فيه وإن طلقها بفور ذلك أو تزوج عليها؛ لأن الذي وضعت عنه الصداق بسببه قد حصل لها وهو سقوط اليمين عنه بطلاقها، أو بطلاقها إن لم يتزوج عليها، فلو شاءت نظرت لنفسها فقالت له: لا أضع عنك الصداق إلا على أن لا تطلقني بعد ذلك ولا تتزوج علي. وقد مضى هذا المعنى في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب طلاق السنة، وبالله التوفيق. [شرب المرأة الدواء لتعجيل الطهر من الحيضة] في كراهة شرب المرأة الدواء لتعجيل الطهر من الحيضة قال ابن كنانة؛ يكره ما بلغني أن النساء يصنعنه ليتعجلن به الطهر من الحيض من شرب الشجر والتعالج بها وبغيرها. قال محمد بن رشد: المعنى في كراهية ذلك لها ما يخشى أن تدخل على نفسها في ذلك من الضرر بجسمها بشرب الدواء الذي قد يضر بها، وبالله التوفيق. [ما يجب اجتنابه من الحرير للرجال] فيما يجب اجتنابه من الحرير للرجال قال وسألت عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة عن الرجل

تكون له القطيفة من الحرير أو الشملة من الحرير فيلتحفها بالليل، وتكون له الوسادة من حرير يتكئ عليها ويجلس، فهل الجلوس على الحرير والالتحاف به عند النوم يحرم كتحريم لباسه؟ أم إنما الشدة في لباسه؟ فقال: أما ما يبسط فلا بأس به، وقد فعله الناس. وأما ما يلبس فمنهي عنه، واللحف من اللباس، فاجتنب من ذلك ما أنت تجتنبه من لباس البز. قال محمد بن رشد: أجمع أهل العلم على أن لباس الحرير المصمت الخالص محرم على الرجال، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حلة عطارد: «إنما يلبس هذا من لا خلاق له» وبما جاء عنه من أنه قال: «أحل لإناث أمتي لبس الحرير والذهب وحرم على ذكورها» . واختلفوا في استعمال الرجال له في غير اللباس كالبسط والارتفاق وشبهه، فرخص فيه بعض العلماء، منهم عبد الملك ابن الماجشون في هذه الرواية. والذي عليه الأكثر والجمهور أن ذلك بمنزلة اللباس، بدليل حديث مالك الذي رواه عن إسحاق بن أبي طلحة «عن أنس بن مالك: أن جدته مليكة دعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لطعام [صنعته له] فأكل منه، ثم قال قوموا حتى أصلي بكم قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فصلى عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصلينا وراءه» . فسمى أنس الجلوس عليه لباسا، فوجب أن يكون حكمه حكم

اللباس. ومن جهة المعنى أن الحرير إنما جاء النهي عنه من جهة التشبه بالكفار؛ فوجب أن يجتنب الجلوس عليه من ناحية التشبه بهم، وكذلك الالتحاف به لأنه لباس للملتحف به، بخلاف ستور الحرير المعلقة في البيوت لا بأس بها لأنها إنما هي لباس لما ستر بها من الحيطان. واختلف في العلم من الحرير في الثوب، فمن أهل العلم من أجازه لما جاء من أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن الحرير وقال لا تلبسوا منه إلا هكذا وهكذا، وأشار بالسبابة والوسطى» . وروي إجازة ذلك عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في مثل الأصبع والأصبعين والثلاث والأربع، وكرهه جماعة من السلف. وكذلك اختلف السلف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في لباس الخز وما كان في معناه، فمنهم من أجازه، ومنهم من كرهه. وقد مضى تحصيل القول فيه في أول مسألة من سماع ابن القاسم. واختلف أيضا في إجازة لباس الحرير في الحرب، فأجازه جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك، لما في ذلك من المباهاة بالإسلام والإرهاب على العدو، ولما يقي عند القتال من أدل وغيره من السلاح، وهو قول محمد بن عبد الحكم، وحكاه ابن شعبان عن مالك من رواية عيسى عن ابن القاسم عنه، خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في رسم حلف من سماعه من كتاب الجهاد. فإن استشهد وهو عليه نزع عنه على مذهب من لا يجيز له لباسه في الجهاد وبالله التوفيق لا شريك له.

الخمر تتخلل أو تخلل

[الخمر تَتَخلل أو تُخلل] في الخمر تَتَخلل أو تُخلل قال ابن خالد: قلت لابن القاسم: فالذي يتعمد عصر خمر، ثم يتخلل في يديه، قال: لو تعمد أن يخلل الخمر فتخللت كانت الخمر حلالا. قال محمد بن رشد: لا اختلاف بين أهل العلم في أن الخمر إذا تخللت من ذاتها تحل وتطهر، وإنما اختلفوا إذا خللت هل تؤكل أم لا؟ على اختلافهم في وجه المنع من تخليلها، إذ قد قيل: إن المنع من تخليلها عبادة لا لعفة، أو قيل: بل منع من ذلك لعلة، وهي التعدي والعصيان في اقتنائها، وقيل: بل العلة في ذلك التهمة لمقتنيها في أن لا يخللها إذا غاب عليها، فيحكم عليه بإراقتها لذلك، ولا يمكن من تخليلها. فعلى القول بأن المنع من تخليلها عبادة لا لعلة، لا يجوز تخليلها في مرضع من المراضع، ويخرج جواز أكلها إذا خللت على قولين جاريين على اختلافهم في النهي هل يقتضي فساد المنهي عنه أم لا يقتضيه؟ وعلى القول بأن المنع من تخليلها لعلة، يجوز تخليلها إذا ارتفعت العلة، فمن رأى العلة في ذلك التعدي والعصيان في اقتنائها أجاز لمن تخمر له عصير لم ترد به الخمر أن يخلله، وقال أنه إن خلل ما عصى في اقتنائه لم يأكله عقوبة؟ ومن رأى العلة في ذلك التهمة لمقتنيها في أن لا يخللها إذا غاب عليها، أجاز للرجل في خاصة نفسه أن يخلل ما عنده من الخمر على أي وجه كان ويأكله، وإن كان الاختيار له أن لا يفعل وأن يبادر إلى إراقتها كما فعل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في حديث أنس. فيتحصل في جواز تخليل الخمر ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز

خاتمة

دون تفصيل، والثاني: أن ذلك جائز دون تفضيل على كراهة، والثالث: الفرق بين أن يقتني الخمر أو يتخمر عنده عصير لم يرد به الخمر. وفي جواز أكلها إن خللها على مذهب من يجيز له تخليلها في حلل ثلاثة أقوال أيضا: الجواز، والمنع، والفرق بين أن يخلل ما اقتنى من الخمر، أو ما تخمر عنده مما لم يرد به الخمر؛ وهذا قول سحنون، والقولان الأولان لمالك، وبالله التوفيق [لا شريك له، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا] . [خاتمة] كمل السفر السابع بتمام الجزء التاسع من الجامع من كتاب البيان والتحصيل تأليف الإمام القاضي الأوحد العلم أبي الوليد ابن رشد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ونفعه، وعند ذلك تم جميع الديوان، والحمد لله رب العالمين، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد نبيه المصطفى خاتم المرسلين، والرضى عن أصحابه الخلفاء المهتدين. وكان تمامه عشية يوم الثلاثاء الموفي عشرين من صفر من سنة ثنتي عشرة وسبعمائة انتسخه لنفسه محمد بن محمد بن محمد بن عياش القرطبي وفقه الله وعفا عنه.

§1/1